الكتاب: حاشية المكاسب
المؤلف: الآخوند الخراساني
الجزء:
الوفاة: ١٣٢٩
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تصحيح وتعليق : السيد مهدي شمس الدين
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الأولى ١٤٠٦
المطبعة:
الناشر: وزارت إرشاد إسلامي
ردمك:
ملاحظات:

حاشية
كتاب المكاسب
لمؤلفه
الأستاذ المحقق الفقيه الأصولي المدقق
المولى محمد كاظم الآخوند الخراساني (قدس سره الشريف)
صححه وعلق عليه
سيد مهدي شمس الدين
تعريف الكتاب 1

وزارت إرشاد إسلامي
اسم الكتاب: حاشية كتاب المكاسب
المؤلف: آية الله محمد كاظم الآخوند الخراساني (قدس سره)
المصحح: السيد مهدي شمس الدين
الطبعة الأولى: جمادي الأولى 1406
تعريف الكتاب 2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة على سيدنا محمد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
في كل أفق من آفاق العالم الإسلامي أسماء رجال معدودين،
امتازوا بمواهب وعبقريات رفعتهم إلى الأوج الأعلى من آفاق العلم والمعرفة.
وثمة رجال ارتسمت أسماؤهم في كل أفق من تلك الآفاق، وهم قليلون
للغاية، شذت بهم طبيعة هذا الكون.
ومن تلك القلة شيخنا وشيخ الكل، علامة الآفاق الآخوند الشيخ
محمد كاظم الخراساني أعلى الله درجاته وأجزل أجره، وقد كرس قدس
الله نفسه - حياته طوال عمره لخدمة الدين والمذهب.
توجد ترجمته في كثير من التراجم المؤلفة في عصره ومن بعد مشفوعة
بالاكبار والتبجيل والاطراء، وقصارى قولهم فيه: إنه جماع الفضائل ومختبؤ
المآثر كلها، وقد سبر ترجمة (قدس سره) حفيده في كتاب مستقل فتصفح عن
ترجمته صفحا.
وأما الكتاب الحاضر وهو (التعليقة على المكاسب) فهو من أمتن
التعاليق على الكتاب مع وجازتها، مشتملة على معظم كتاب البيع
والخيارات.
وحيث كانت النسخة المطبوعة من الكتاب مصحفة محرفة، فبذلت
مقدمة المصحح 3

الوسع في تصحيح الكتاب ومقابلته مع النسخة الأصيلة بقلم مؤلفه
واستخراج مصادر الروايات وكلمات الأصحاب ولم آل جهدا في تنميقه
وتحقيقه حق التحقيق.
ومن الواجب علي أن أقدم ثنائي العاطر إلى حفيد المؤلف الفاضل
البارع الشيخ الكفائي في بذله النسخة الأصلية للتحقيق، فجزاه الله عني خير
جزاء المحسنين ونرجو من العلماء الأفاضل الذين يراجعون الكتاب أن يتفضلوا
علينا بما لديهم من النقد وتصحيح ما لعلنا وقعنا فيه من الأخطاء
والاشتباهات والزلات.
والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله،
ونستغفره مما وقع من خلل وحصل من زلل، ونعوذ من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، وزلات أقدامنا وعثرات أقلامنا، فهو الهادي إلى الرشاد، والموفق
للصواب والسداد، والسلام على من اتبع الهدى.
6 / 6 / 1405 قم المشرفة
السيد مهدي شمس الدين
مقدمة المصحح 4

الصفحة الأولى من النسخة الأصلية
صورة النسخة المخطوطة 5

الصفحة الأخيرة من النسخة الأصلية
صورة النسخة المخطوطة 6

هذه تعليقة شريفة أنيقة، وحاشية رشيقة،
على مكاسب آية الله في الأنام، الشيخ مرتضى الأنصاري طاب ثراه
المتعلقة على مبحث البيع وما بعده.
تعريف الكتاب 7

1 - كتاب البيع
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد سيد النبيين
وآله، سادات الخلائق أجمعين، ولعنة الله على أعدائهم، إلى
يوم الدين.
قوله (ره): (مبادلة مال بمال - الخ -)
التعبير بالمبادلة، لا يخلو عن مسامحة، حقه أن يقال: تبديل مال
بمال، فإنه فعل الواحد، لا اثنين فافهم.
قوله (ره): (وأما عمل الحر، فإن قلنا إنه قبل المعاوضة - الخ -)
لا اشكال أنه من الأموال، بداهة أن حاله حال عمل العبد، في
كونه مما يرغب فيه، ويبدل بإزائه المال، وإن كان قبل المعاوضة، لا يكون
ملك، بخلاف عمل العبد، لأنه ملك السيدة بتبعه، ولا شبهة في عدم اعتبار
الملكية قبلها، لوضوح جعل الكلي، عوضا في البيع، مع عدم كونه ملكا قبله.
وبالجملة، المالية والملكية، من الاعتبارات العقلائية الصحيحة،
ولكل منهما منشأ انتزاع، وبينهما بحسب الموارد، عموم من وجه، يفترقان في
الكلي المتعقد به، والمباحات قبل الحيازة، وفي مثل حبة من الحنطة، والماء
على الشط، والثلج في الشتاء، إلى غير ذلك. فانقدح أنه يجوز جعل عمل الحر
عوضا، وإن قيل باعتبار كون العوضين مالا، قبل المعاوضة. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (وأما الحقوق الأخر - الخ -)
لا يخفى أنه كلام مختل النظام، فإنه في مقام أنها تجعل عوضا، أم لا،
3

فلا يناسبه التعليل بقوله: لأن البيع تمليك الغير، ولا النقض ببيع الدين
أصلا، فإنه إنما يناسب إذا كان بصدد بيان أنها لا يجعل معوضا في البيع.
فالتحقيق أن يقال: إنه لو قيل باعتبار المالية في العوض كالمعوض، كما يظهر
من المصباح، فلا اشكال في عدم صحة جعل الحق عوضا، وإن كان قابلا
للانتقال. فإن الحقية وإن كانت من الاعتباريات، كالمالية والملكية، إلا
أنها غيرهما، ولو قيل بعدم اعتبارها، فلو قيل بعدم اعتبار الانتقال في
العوض، وإن أخذه فيه، إنما هو لمجرد إنه ليس بتمليك مجاني، فلا اشكال في
جعلها، عوضا مطلقا، وإلا في خصوص القابل منها للانتقال.
قوله (ره): (والسر أن الحق فعليه - الخ -)
لا يخفى أن الحق بنفسه ليس سلطنة، وإنما كانت السلطنة من آثاره،
كما أنها من آثار الملك، وإنما هو كما أشرنا إليه، اعتبار خاص، له آثار
مخصوصة، منها السلطنة على الفسخ، كما في حق الخيار، أو التملك بالعوض،
كما في حق الشفعة، أو بلا عوض، كما في حق التحجير، إلى غير ذلك. وهي
لا يقتضي أن يكون هناك من يتسلط عليه، وإلا كانت من آثار الملك أيضا،
وإن لم يكن نفسه، فيلزم في بيع الدين، إما محذور تسلط الشخص على نفسه،
وإما التفكيك بين الملك وأثره، مع أن ذلك إنما يلزم في بيع الحق، ممن
كان عليه، لا من غيره، وقد عرفت أنه أجنبي عما هو بصدده، كما يظهر من
صدر كلامه وذيله.
قوله (ره): (إلا أن الفقهاء، قد اختلفوا في تعريفه - الخ -)
الظاهر أن اختلافهم، ليس لأجل الاختلاف في حقيقته وماهيته،
بل لأجل أن البيع الحقيقي، لما كان له سبب، يتسبب به إليه، ولوازم تترتب
عليه أخذ كل منهم، بطرف من أطرافه، لا بتمام جوانبه وأكنافه، حيث إن
الغرض، ليس إلا الإشارة إليه من نحوه ومعرفته بوجه، لا معرفته بحده أو
برسمه، وبذلك يوفق بين كلمات الأعلام، وينقدح أنه لا وقع، لما وقع من
النقض والابرام في المقام، بل لا اختلاف حقيقة فيه بين العرف والشرع،
وإنما الاختلاف بينهما، فيما يعتبر في تحققه، وإن شئت أن تعرفه بأطرافه،
4

فاستمع لما يتلى عليك، وهو البيع المأخوذ في، بعت، وسائر المشتقات،
من أوضح المفاهيم العرفية، وهو التمليك بالعوض، وإن كان مما لا يكاد
يمكن ضبطه، بحيث لا يبقى اشتباه في بعض المصاديق، كما هو الشأن في جميع
المفاهيم. ولا يخفى أنه شرعا وعرفا، لا يكاد يصدر مباشرة، بل بالتسبيب،
والتوسل إليه بالعقد عليه تارة، وبالمعاطاة أخرى، على القول بها. ولا بد في
سببه عقد كان، أو معاطاة، كسائر المعاملات، من ايجاب، وهو انشائه،
وقصد حصوله، بلفظه، أو بفعل دال عليه من واحد، ومن انشاء قبول ذلك
كذلك من آخر. ومن المعلوم أن لازمه إذا حصل، هو نقل الملك من البايع إلى
المشتري، ولازمه الانتقال إليه، كما أن لازمه، التبديل والتبادل بين
العوضين، وقد يطلق على نفس السبب، أي المعاملة الخاصة، القائمة
بالبيعين، كما ربما يطلق على جزئه، وهو الايجاب القائم بالموجب، كما سيأتي
الإشارة إليه في كلامه (ره) إلا أنه ليس على الحقيقة، ضرورة صحة سلبه
عنه، فليس هو ببيع، ولا موجبه ببايع، وكذا صحة سلبه عن نفس المعاملة،
كما يشهد به جميع مشتقاته، لكن لا يبعد تداوله في السنة الفقهاء، إلا أنه
بالقرينة. وعليك بالتأمل في المقام.
قوله (ره): (لأن المقصود معرفة مادة بعت - الخ -)
وعليه يتوقف معرفة البيع، على معرفة (بعت) بمادته، ومعرفته كذلك
يتوقف على معرفة البيع، وهو دور صريح، كما هو واضح. والظاهر تعين
إرادة الشق الثاني، وعدم الاقتصار على النقل أو التمليك، للإشارة إلى عدم
كفاية مطلق الصيغة، ولو كانت كناية.
قوله (ره): (فالأولى تعريفه بأنه انشاء تمليك عين بمال - الخ -)
كيف هذا، والبيع الذي عرفه بذلك، هو المأخوذ في صيغة
(بعت)، وغيره من المشتقات، كما يصرح به عن قريب، وليس المراد في
الأخبار بوقوعه قبل أو بعد، بمثل: باع، أو بيع، إلا نفس البيع، لا انشائه،
فالصواب تعريفه، بتمليك العين بالعوض، لما عرفت أن انشاء التمليك، ليس
ببيع، كما أنه ليس بتمليك. نعم إنهما هو جزء سببه، فيما إذا قصد التوسل
5

إليه. ويرد عليه أيضا، أن انشاء التمليك، لا يعقل انشائه، وما يقبل لهذا
الطور من الوجود، وسائر أطواره هو التمليك، فيتصور تارة، وينشأ أخرى،
ويوجد في الخارج ثالثة، ويختلف آثار باختلاف أطواره، ويكون لكل طور
منه الأثر لا يكاد يترتب على الآخر. فتدبر.
قوله (ره): (منها أنه موقف على صحة الايجاب - الخ -)
لا يخفى عدم التوقف، فإنه لو قيل بعدم جوازه، لأجل اعتبار الصراحة
في الايجاب، ولزوم كونه بلفظ البيع، وما يرادفه، وعدم كونه مرادفا له، لعدم
صحة ما حكاه عن الفخر (ره) من كون (بعت) في لغة العرب، بمعنى ملكت،
لوضوح أنه أعم، كان التعريف به بضميمة ما دل على خصوصيته جائزا، كما
هو واضح.
قوله (ره): (إذ ليس المقصود الأصلي منه، المعاوضة - الخ -)
بل التمليك لا مجانا، بل بنحو الغرامة، ولذا لا يجب تعيين ما عليه
عينا، من المثل، أو القيمة، ولا كما إذا علم كونه قيميا، بل يتعين عليه
المثل، إن كان مثليا، وقيمته، إن كان قيميا، بمجرد تمليكه بالغرامة.
فافهم.
قوله (ره): (كان بيعا - الخ -)
إذا لم يقصد به الصلح، أو الهبة المعوضة، وإلا يصح صلحا، أو هبة،
لو قلنا بوقوعها بغير الألفاظ الصريحة، وإلا فلا يصح بيعا، وإلا واحدا منهما. أما
البيع، فلعدم كونه بمقصود، والعقود تابعة للقصود. وأما هما، فلعدم الصراحة
في عقدهما.
قوله (ره): (أحد التمليك المذكور، لكن بشرط تعقبه - الخ -)
أي التمليك الانشائي، كما هو الظاهر، ويشهد به سار كلماته،
ولا يخفى أنه لا يلائمه ما استشهد لما ادعاه، من تبادر التمليك المقرون بالقبول
بقوله، ولهذا لا يقال: باع فلان - الخ - بل يلائم ما أشرنا إليه، من أنه
التمليك، ضرورة أنه لا يقال: باع، إذا عقد، وقد أخل ببعض الشرائط، صحة
أن يقال: ما باع فتدبر جيدا.
6

قوله (ره): (ولعله لتبادر التمليك المقرون - الخ -)
بل لتبادر التمليك الحقيقي الذي لا يكاد ينفك عن تملك المشتري،
وتبادر اقترانه بقبوله، إنما هو لكونه مما لا بد منه في حصوله، لا من نفس
اللفظ، بل يتبع معناه، ومنه ظهر حال السلب عن المجرد، وأنه من جهة
عدم التمليك مع المجرد، لا لذلك، ولا لما افاده بقوله (أقول - الخ -).
فافهم.
قوله (ره): (تحقق القبول شرط للانتقال في الخارج - الخ -)
لا يخفى أن الذي لا يكاد يكون القبول شرطا له، هو الانتقال
الإنشائي التابع لانشاء النقل، وأما الانتقال بنظر الناقل، فيختلف بحسب
الأنظار، فربما يكون شرطا له بحسب نظر، ولا يكون كذلك بنظر آخر.
وبالجملة، النقل بحسب كل مرتبة ونظر، لا يكاد يمكن انفكاكه
عن الانتقال، بحسب تلك المرتبة، وذاك النظر، إذا الأثر لا ينفك عن التأثير،
لاتحادهما ذاتا، واختلافهما اعتبارا، فيكون تأثيرا من جهة انتسابه إلى
الفاعل، وأثرا من جهة الانتساب إلى القابل، وإن كان انفكاكه عنه بحسب
مرتبة الأخرى، أو نظر آخر، بمكان من الامكان، وكذلك الحال في الوجوب،
والايجاب، لا يكاد يمكن انفكاكهما في مرتبة واحدة، بحسب نظر واحد، وإنما
ينفك الايجاب في مرتبة، أو بحسب نظر، عن الوجوب في مرتبة أخرى، ونظر
آخر.
ومن هنا ظهر أنه لا فرق بين النقل والانتقال، والوجوب والايجاب
في مرتبة، وبحسب نظر، وبين الكسر والانكسار. نعم هما، لما كان من
الأمور التي تكون موجودة في الخارج، ليست لهما، إلا مرتبة واحدة، بخلاف
مثل الوجوب والايجاب، من الأمور النفس الأمرية الاعتبارية التي لا واقع
لها، إلا بحسب الاعتبار المختلف بحسب الأنظار، وصحة الانتزاع عن منشأ
بنظر، وعدم صحته بآخر. هذا مع ثبوت الانفكاك، بين الذهني من الكسر
والانكسار، والخارجي منهما أيضا، فلا تغفل.
قوله (ره): (وإلى هذا، نظر جميع ما ورد الخ -).
7

لا يخفى امكان إرادة ما ذكره، من معناه في هذه الاطلاقات، لو لم نقل
بظهورها فيه، وجعله بهذا المعنى من العقود، بملاحظة أنه لا بد في تحققه من
العقد، قبالا للمعاني الايقاعية، كالطلاق، والعتاق، ونحوهما.
قوله (ره): (ثم إن الشهيد ره - الخ -).
اعلم أن الصحة والفساد، لما كان من الأمور المتضايفة، لا يكاد
يتصف الشئ بواحد منهما، إلا إذا صح تواردهما عليه، فما لا يتصف بالفساد
أصلا، لا يتصف بالصحة أيضا، كان البيع بمعنى التمليك مطلقا، حقيقيا كان
أو انشائيا، لا يتصف بواحد منهما، بل يكون مع علته، ولا يكون بدونها، وكذا
البيع بمعنى النقل والانتقال، وإنما يتصف بهما البيع، بمعنى الايجاب،
والقبول، فيكون صحيحا لو كان واجدا لما اعتبر في تأثيره، وفاسدا فيما إذا
كان فاقدا، لكله، أو بعضه، فلا ينافي ذلك، تأثيره شيئا آخر، إذا لم يكن
مما يترقب منه، أو لم يكن فعلا مما يتوسل به إليه، وإن كان في نفسه
مرغوبا، لو كان مما يتوسل إليه، لكن لا وحده، بل مع أثر آخر، فإن الصحة
والفساد، من الأمور الإضافية، فيصح أن يتصف بالصحة، بملاحظة أثر،
وبالفساد، باعتبار آخر.
ثم لا يخفى أن ما نقله عن الشهيد الثاني (ره) هيهنا، ينافي ما نقله عنه
سابقا من كون اطلاق البيع على العقد، مجاز، بعلاقة السببية، إلا أن يكون
مراده، كون اطلاقه عليه، مجازا في الأصل، وحقيقة بالنقل، فتأمل.
قوله (ره): (فلأن الخطابات لما وردت على طبق العرف - الخ -).
فينكشف باطلاقها، أن الصحيح عندهم، يكون صحيحا عند
الشارع، ولا يخفى أنه إنما يجدي، فيما شك في اعتباره شرعا، وقد علم عدم
اعتباره عرفا.
قوله (ره): (فيستدل باطلاق الحكم يحله - الخ -).
أي يستدل باطلاقه على كون البيع الإنشائي، بمثل (بعت)، على
اطلاقه من دون اعتبار ما شك في اعتباره، يكون مؤثرا نافذا، غاية الأمر، قد
علم تقييده بالقبول. ومن هنا ظهر أنه على الوجهين، يكون المراد بالبيع، هو
8

السبب القابل للاتصاف بالصحة، والفساد. والفرق بينهما إنما يكون
بالتمامية، والنقصان. فافهم.
قوله (ره): (والمعاطاة 1 على ما فسره جماعة - الخ -).
لا يخفى، أن المعاطاة، ما جعل موضوعا لحكم في آية، أو رواية، ولا
في معقد اجماع، وإنما عبر به، عما يتداول بين الناس، من المعاملة بلا صيغة،
فالمهم تعيين ما هو المتداول بينهم، والظاهر عدم اختصاصه بما إذا كان هناك
تعاطي من الطرفين، كما في السلف، والنسية، ولا بما إذا كان حل واحد من
الايجاب، والقبول به، لو كان بل كما يكون به، ويكون بالاعطاء ايجابا،
وبالأخذ قبولا، ويكون اعطاء الآخر، وفاء بالمعاملة، لا متمما لها، بل
لا يبعد دعوى أن الغالب في المعاملات المتعارفة، بحسب قصد المتعاملين ذلك
كما لا يخفى، فلا يضر بالمعاملة، لو ظهر ما أعطاه الثاني، مستحقا للغير، أو من
غير ما عين من الجنس في المقاولة، بل يضر بالوفاء بها، بل ربما يقال، بحصولها
بالتراضي المنكشف بالقطع، والفصل في المساومة، ويكون التعاطي، أو
الاعطاء، والأخذ، خارجا عنها، ووفاء منهما بها، فيكون كل واحد من الثمن،
والمثمن كليا، كما كان أحدهما على الوجه السابق. فتأمل.
قوله (ره): (وهو يتصور على وجهين - الخ -).
لا يخفى، أن غرضه، إن كان بيان ما يتصور في باب البيع،
فلا يتصور، إلا على ثاني الوجهين، وإن كان بيان ما يمكن أن يتصور فيه، من
دون اختصاص بهذا الباب، فلا وجه للتخصيص بهما، فإنه يمكن أن يقع على
وجوه عديدة، وقصد به كل ما يقصد باللقط، من ايقاع، أو عقد، بيعا كان،
أو غيره، من غير فرق بينهما في ذلك، وإن كان بينهما فرق من حيث إن
دلالته
لا يكون بمثابة دلالة، وذلك مما لا شبهة فيه، ولا ريب يعتريه.
اللهم إلا أن يكون غرضه، ما يتصور فيه في هذا الباب، بحسب
ما يوهم أنه محل الكلام، ومود النقض والابرام بين الأعلام.

1 - وفي المصدر: إن المعاطاة على ما فسره جماعة.
9

قوله (ره): (والانصاف إن ما ارتكبه - الخ -).
فإن مثل هذا التأويل، وإن كان مما يصار إليه في الأخبار، توفيقا
بينها، لاحتمال التعويل فيها، على قرينة لم تصل إلينا، لتقطيع الأخبار، أو
لاخفائها تقية، أو غير ذلك، ولم يأب عنه بعض الكلمات، إلا أنه كيف
يصار إليه في كلمات مشهور الأصحاب، الظاهر في إرادة الإباحة، ونفي
الملك، بل مع صراحة بعضها بلا موجب، ولا داعي، ومجرد عدم مساعدة
القواعد، على ما هو ظاهر هم، بل مساعدتها على خلافه، لا يوجب الحمل على
ما يساعدها، سيما مع احتمال مساعدة السيرة التي هي العمدة في هذا الباب
على ذلك وأما وجه أبعدية جعل محل النزاع، ما إذا قصد الإباحة، فهو إنه
كيف، وقد جعل المعاطاة من فروع اعتبار الصيغة.
لا يقال: على هذا لا يحتمل، فلا وجه لاحتماله. فإنه يقال:
لاحتمال أن يكون ذلك، لدفع توهم انعقاد البيع بالمعاطاة، مع قصد
الإباحة ابتداء، من مشاهدة فائدته، ولو بعد التصرف، وأنه لا يكون ذلك
أولا، بل أولا وما دعاه إلى هذا التحمل، إلا استبعاد تأثير قصد التمليك
للإباحة، لا للتمليك، مع أنه كما ستعرف أنه ليس كذلك، بل يؤثر التمليك
غاية الأمر، بشرط التصرف، كالقبض في الصرف، والسلف، أما الإباحة
قبله، فليست شرعية، بل مالكية ضمنية، ولو سلم أن مرادهم، هي الإباحة
الشرعية، فإنما يستعبد المصير إليه، لو لم يكن هناك ما يمكن أن يتوهم منه
ذلك، والسيرة التي هي العمدة في الباب مورد لذلك، فتدبر جيدا.
قوله (ره): (مع أن الغاء الشارع للأثر المقصود - الخ -).
قد أشرنا إلى أنه، ما ألغاه، بل رتبة عليه بشرط التصرف، كالقبض
في الصرف، وترتب الإباحة عليه شرعا، لو سلم، فهو للاستناد إلى السيرة
ظاهرا، بتوهم أنها تساعد على ذلك.
قوله (ره): (ويدفع الثاني تصريح بعضهم بأن شرط لزوم البيع - الخ -).
يمكن أن يقال: لزوم البيع، بمعنى عدم جواز فسخه، لا يقتضي
لزومه، بمعنى عدم جواز التراد، بهذا المعنى محل الكلام في المقام، وكون
10

الايجاب، والقبول، من شرائط انعقاد البيع بالصيغة، لا يقتضي كونهما من
شرائط البيع مطلقا، ولو بالمعاطاة، وليكن المراد بالايجاب اللفظين منهما،
وإلا لم يكن المعاطاة بخالية عنهما، كما لا يخفى.
قوله (ره): (لكن في عد هذا، من الأقوال تأمل - الخ -).
وجهه، أنه مع شرط اللفظ، يكون البيع بالصيغة، لا بالفعل، لكنه
يمكن أن يقال: أنه يكون كذلك، إذا اعتبره لكي يقع المعاملة به، لا إذا
كان لأجل الدلالة، على أنها بالتعاطي، فتأمل.
قوله (ره): (ويدل عليه أيضا قوله تعالى " وأحل الله البيع " 1 حيث دل على
حلية جميع التصرفات - الخ -).
والظاهر أن سبب التصرف فيها، وصرف الحكم بالحلية إلى
التصرفات، عدم كون البيع بنفسه اختياريا، لكونه مترتبا على سببه بلا
اختيار، وأنت خبير، بأن مجرد ذلك لا يخرجه عن الاختيار المعتبر في متعلق
الأحكام، وعلى ذلك، فلا دلالة لها على المدعى، فإنها مسوقة لبيان تحليل
البيع، بمعنى التمليك قبالا لتحريم الربا. نعم لو كان البيع فيها، بمعنى ما يوجبه،
لدلت على صحة المعاطاة، ولو كان المراد من الحلية، مجرد التكليف، فإن
تحليل الشارع للبيع بما يتوسل به، إلى التمليك، وترخيصه فيه كذلك، كما
هو ظاهرها، ملازم عرفا لامضائه وانفاذه، كما أن تحريم معاملة، والنهي عنها
كذلك، يدل على الردع عنها كما في تحريم الربا، وفيما علقنا على الخيارات،
ما له نفع في المقام.
قوله (ره): (فمرادهم بالبيع، المعاملة اللازمة - الخ -).
بل المعاملة الشرعية، ولذا صرح في الغنية 2، بكون الايجاب
والقبول، من شرايط الصحة، لا اللزوم. فافهم.
قوله (ره): (فهو إنما يجدي، فيما إذا أشك في أن هذا النوع من السلطنة، ثابتة

1 - البقرة: 257.
2 - الغنية - كتاب البيع / 523.
11

للمالك - الخ -).
بل لا يجدي في ذلك، إذا شك في تشريع أصل هذا النوع أيضا،
حيث إنه مسوق لبيان سلطنة المالك، وتسلطه، قبالا لحجره، لا لبيان تشريع
أنحاء السلطنة، كي يجدي فيما إذا شك في تشريع سلطنة، فلا يجوز التمسك به
على صحة معاملة خاصة، وجواز تصرف خاص، مع الشك فيهما شرعا.
فافهم، كي ينفعك في غير المقام.
قوله (ره): (وأما ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث - الخ -).
هذا في سيرة المسلمين، وأما سيرة العقلاء، بما هم عقلاء، فلا شبهة
فيها، ولا ريب يعتريها، حيث استقرت طريقتهم على ذلك، من غير
اختصاص بأهل ملة، ونحلة، ولم يردع عنها، صاحب شريعة، حيث لو ردع،
لشاع نقله، وذاع لتواتر الدواعي، في مثل هذه المسألة إليه، فالأولى التمسك
بها، كما تمسك بها في غير مقام، فإنها اسم مما تمسك به في المقام.
قوله (ره): (إن القول بالإباحة المجردة مع قصد المتعاطيين - الخ -).
لا يخفى، أنه إنما يتوجه ما افاده من الاستبعادات، على القول بها، إذا
لم يقل القائل بها بالأول إلى البيع بعد التصرف، أو التلف، وقال: إن الملك
بعد أحدهما إنما يكون به، لا بالمعاطاة بشرطها، بل يكون بالنسبة إليه لغوا،
وإن كانت مؤثرة للإباحة، وأما على القول بالأول، فلا يلزم انخرام قاعدة
" العقود تابعة للقصود " ولا يكون إرادة التصرف، ولا التصرف من جانب،
ولا التلف السماوي من المملكات، فإن التمليك إنما حصل بنفس التعاطي،
الذي قصد به التمليك، لا بهذه الأمور، بل بشرطها.
وأما حديث تعلق الأخماس، والزكوات، والاستطاعة - الخ - بغير
الأملاك، ففيه أنه لا محذور في ذلك في كثير منها، كالاستطاعة، وأداء
الدين، والنفقة، والغنى، كما سيشير إليها، وكذا الوصايا، لو لم نقل بكفاية
مثل الوصية، من التصرف في حصول الملك بالتعاطي، ولا فلا اشكال، فإن
نفوذها حينئذ يكون في الملك، وكذا المواريث، فإنه لا اشكال بناء على
الأول بموت أحد المتعاطيين، كتلف أحد الملكين، كما ليس ببعيد، وأما بناء
12

على عدمه، فلا بد في القول بالإرث، وصيرورة الوارث كما لمورث فيما له،
وقد تركه ضرورة أنه ليس بلازم أن يكون مما ملكه، وفي الباقي، لم يعلم
التزام القائل بالإباحة في بعضها، فلا يصح الزامه، وافهامه، ولو كان بينا
فساده، فلم يعلم منه القول، بتعلق الخمس، أو الزكاة قبل الأول، ولم يعلم
فساد بعض الآخر، لو لم التزامه به، كما في الشفعة، فلا ضير في القول بها
بمجرد التعاطي، لشمول دليلها لبيع أحد الشريكين عرفا، وإن كان تأثيره
شرعا يتوقف على أمر، لم يحصل بعد، وكذا الربا، إذ لا شبهة على الأول في
تعلقه بالمعاطاة، ولا يكون حاله قبل التصرف ونحوه، إلا كالصرف، قبل
القبض في ذلك، كما لا شبهة في تبعيته النماء المتصل، وأما المنفصل، فلم يعلم
أن القائل بالإباحة، يلتزم بانتقاله إلى الأخذ، كما أشار إليه، مع أنه يمكن أن
يقال: إن قضية قاعدة التبعية، أن يتبعا في الملكية بعد التصرف، كما يتبعها
قبله، وبعبارة أخرى، يكون حالها، حال العين المبيوعة، وليس هذا ببعيد،
كل البعيد وبالجملة، على الأولى تكون هذه الأمور، بين ما لا يلزم،
أو لا يلتزم به القائل بالإباحة، وبين ما لا بعد فيه، لو التزم، أو لا بد من أن
يلتزم به.
قوله (ره): (مدفوعة مضافا إلى امكان دعوى كفاية - الخ -).
لا مجال لدعوى الكفاية على مختاره، من عدم حجية الاستصحاب،
مع الشك في المقتضي، كما لا شبهة في صحتها على ما هو المختار، من حجية،
وملخص ما افاده في دفع الدعوى، بين منع أقسام الملك إلى قسمين، و
تنوعه بنوعين، والاختلاف في الأحكام، ليس لأجل الاختلاف في ناحيته،
بل للاختلاف في ناحية أسبابه، قلت: لو كان الجواز، واللزوم هيهنا، بمعنى
جوازا فسخ المعاملة وعدمه كما في باب الخيار، فلا شبهة في كونهما من أحكام
الأسباب وأما لو كان بمعنى تراد العينين، وتملك ما انتقل عنه، وعدمه، بلا
توسيط فسخ المعاملة، كما في الهبة، على ما صرح به في الملزمات، فهما من
أحكام المسببات لا محالة، واختلافها فيهما، كاشف عن اختلافها في
الخصوصيات المختلفة في اقتضاء الجواز، واللزوم، لئلا يلزم الجزاف في أحكام
13

الحكيم تعالى شأنه، وأنت كان اختلافها فيها، ناشيا عن اختلاف الأسباب
ذاتا، أو عرضا
وبالجملة جواز فسخ المعاملة، بحق خيار، أو بمحض حكم، كما في
الإقالة، وعدم جوازه، لا ريب في كونهما من أحكام السبب المملك، أما جواز
الرد، أو التراد وعدمه، فهما من أحكام الملك، والحكم عليه، تارة بالجواز،
وأخرى بعدمه، كاشف في مورد كل واحد منهما عن خصوصية مقتضية له،
غير خصوصية في الآخر، والاختلاف بحسب الخصوصية كاف في اختلاف
الأحكام، من غير حاجة إلى الاختلاف بالحقيقة، والماهية، وهذا الاختلاف
الناشئ عن اختلاف الأسباب ذاتا، أو عرضا، لا يجب أن يوجب تفاوتا في
المنشأ أصلا، كما لا يخفى، فانقدح بذلك، فساد ما افاده في بيان كون الجواز
، واللزوم، من أحكام السبب المملك، لا المملك، فتدبر جيدا.
قوله (ره): (فإن مقتضى السلطنة، أن لا يخرج - الخ -).
يمكن أن يقال: كما أشرنا إليه أنه ليس إلا لبيان سلطنة المالك
على ماله، وتسلطه عليه، وأنه ليس بمحجور، لا لبيان اثبات أنحاء السلطنة
له، ليصير دليلا على لزوم عقد، بمعنى عدم جواز الرد، لمنافات جوازه لا
طلاقها. فتأمل.
قوله (ره): (فالقول بالملك اللازم، قول ثالث فتأمل).
لكنه لا بأس بالمصير إليه، بعد عدم الاتفاق عليه نفيه، بل كان
عدمه إلى الآن، بمجرد الاتفاق، كما هو الحال، في حدوث القول الثالث في
كل مسألة، ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل.
قوله (ره): (بل يمكن دعوى السيرة - الخ -).
دعواها، على نحو كانت كاشفة عن رضاء المعصوم، كما ترى،
والانكار على المنع عن الرجوع، لم سلم، لم يعلم أنه من جهة بنائهم على
جوازه، ولعله لأجل ما هو المركوز عقلا، ونقلا، من حسن الإقالة، وكون
تركها مع الاستقالة، خلاف المروة، ومناف للفتوة، من غير فرق بين ايقاع
البيع بالصيغة، أو التعاطي.
14

قوله (ره): (أو باعتبار محله وغير محله - الخ -).
أو باعتبار كونه محللا لكل من الثمن، أو الثمن، على من انتقل إليه،
ومحرما على من انتقل عنه، ويكون الغرض، دفع توهم كون مجرد المقاولة،
من بيع ما ليس عنده المركوز حرمته، وعدم نفوذه، ببيان أنها ليست بمحللة،
ومحرمة، والكلام، وهو البيع ما كان كذلك، فليست ببيع، حتى كانت من
بيع ما ليس عنده، وعليه يكون التعبير عنه بالكلام، لا لأنه لفظ بمعناه، بل
بما هو نفس المعنى بوجه، كما لا يخفى، ويكون الحصر ليس بحقيقي، بل
بالإضافة إلى المقاولة، فلا دلالة فيه على انحصار التحليل، والتحريم، بالبيع
بالصيغة، ولا به مطلقا. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (بأن يقال: 1 حصر المحلل والمحرم في الكلام، لا يأتي إلا
- الخ -).
هذا إذا كان المراد بالكلام، هو اللفظ بمعناه، وأما إذا كان المراد به
نفس المعنى، كما أشرنا إليه آنفا، أو كان حصر المحلل في المقاولة، والمواعدة،
وحصر المحرم في ايجاب البيع وايقاعه، بالإضافة إلى الآخر، فلا يكاد يمكن
استظهار اعتبار الكلام في ايجاب البيع أصلا، كما لا يخفى.
قوله (ره): (فالظاهر أنه بيع عرفي لم يؤثر شرعا - الخ -).
لكنه قبل وجود أحد الملزمات، وإلا يصير بيعا شرعيا، يؤثر التمليك،
ونفي البيع عنها في كلام المشهور، القائلين بالإباحة، هو البيع الشرعي
بمجرده، لا بعد وجود أحدها، على ما عرفت من الأول إلى البيع. ومن هنا
ظهر أن قوله (فنفي البيع - الخ -) لا يصح أن يكون تفريعا على القول
بالإباحة، وإنما هو تفريع على القول بالملك، وإن كان خلاف سوق الكلام.
قوله (ره): (وحيث المناسب لهذا القول التمسك - الخ -).
قد عرفت أنه لا دلالة على مشروعية معاملة أصلا، وأنه لا دلالة إلا
على اثبات السلطنة للمالك، قبالا لحجره، كما في بعض أفراده، بأحد

1 - وفي المصدر: بأن يقال إن حصر المحلل.
15

أسبابه، وفي غيره، إلا بسبب ولاية، أو وكالة، لا اثبات أنحاء السلطنة، كي
يجدي فيما إذا شك في شرعية أصل معاملة، وفيما اعتبر في صحتها، ولو علم
شرعيتها وعليه فلو شك في أصل مشروعية الإباحة العوضية، لا وجه للتمسك
به، على مشروعيتها، فضلا عما إذا شك في اعتبار شئ في سببها. نعم يحل
التصرف بما لا يتوقف على الملك، لقوله عليه السلام " لا يحل مال امرء إلا
بطيب نفسه 1 " وقوله " لا يجوز لأحد التصرف في ملك غيره، إلا بإذن مالكه،
إذا كان بطيب من مالكه وبإذنه 2 " ولو لم يكن هناك معاطاة. فلا تغفل.
قوله (ره): (وأما على المختار، من أن الكلام فيما إذا قصد - الخ -).
ونخبة الكلام في المقام، أنه لا شبهة في اعتبار ما اعتبر في البيع،
باطلاق، أو عموم على القول بإفادتها للملك، فإنها بيع بلا اشكال، إلا أن
يقال: إن السيرة في الغت بعض ما يعتبر بالاطلاق أو العموم، وأنى لها
بذلك.
نعم لو كان الاشتراط، بدليل يختص بما إذا كان بالصيغة، لا يعتبر
فيها، إذا كان الدليل على الصحة، عموم، أو اطلاق، لا مثل السيرة، وكذلك
على القول بالإباحة، بناء على الأول إليه، وإفادتها التمليك بعد التصرف، أو
التلف، فإنها بيع أيضا، وتوقف تأثيره على مثله غير ضائر، كما في الصرف،
والسلف، وأما بناء على عدم الأول، وكون التمليك بعد التصرف به، لا بها،
فاطلاق أدلة شروط البيع، وإن كان لا يساعد على اعتبارها فيها، لعدم كونها
بيعا شرعا، ولا يجدي كونها بيعا عرفا، بعد كشف الشارع من حالها، وأنها
ليست ببيع واقعا، إلا أن إفادتها لإباحة جميع التصرفات شرعا قبل
التصرف، وحصول التمليك به بعده، لما كان على خلاف الأصل، وجب
الاقتصار في خلافه، على القدر المتيقن، وهو ما إذا كانت واجدة لجميع
ما يعتبر في صحة البيع. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (وأما حكم جريان الخيار فيها، فيمكن نفيه - الخ -).

1 - وسائل الشيعة: 3 / 424 - ب 3 - ح 1.
2 - وسائل الشيعة: 6 / 377 - ب 3 - ح 6 (بهذا المعنى).
16

إذا لم نقل بالأول إلى البيع بعد التلف، لعدم كونها بيعا، لا لجوازها،
وأما بناء عليه، فحالها حال بيع الصرف والسلم قبل القبض، ومجرد الجواز،
بمعنى التراد، أو الرد قبل التصرف، والتلف، لا يمنع عن تعلق حق الخيار،
مع أن الجواز الفسخ بخيار، لا يمنع عن تعلق خيار آخر.
ومن هنا ظهر أن ثبوت الخيار فيها مطلقا، بناء على إفادتها الملك،
أظهر، لا لصيرورتها بيعا بعد اللزوم، كما علل به، بل لكونها فعلا بيعا عرفا،
وشرعا، والخيار موجود من زمن المعاطاة، وأثره يظهر من حين ثبوته، لصحة
اسقاطه، والمصالحة عليه قبل اللزوم، فلا وجه لما افاده من ظهور أثره بعده،
كما لا وجه، لما ذكره من احتمال التفصيل، إذ دعوى اختصاص أدلة الخيار
في البيع، بما وضع على اللزوم، مجازفة، كما لا يخفى على من لاحظها.
قوله (ره): (الأمر الثاني: إن المتيقن من مورد المعاطاة - الخ -).
قد عرفت في بعض الحواشى السابقة، أن لفظ المعاطاة ليس مما
ورد في آية، والرواية، ولا في معقد الاجماع، بل من المعلوم أنه عبر بها، عن
المعاملة، المتعارفة، المتداولة، فالمدار في ترتيب الأحكام والآثار، على ما هو
المتعارف، وإن لم يصدق عليه معنى المعاطاة، بل معنى الاعطاء، بل ولو لم
يصدق عليه بناء على حصول التمليك، وتحقق المعاملة بالمقاولة، ويكون
الاعطاء من طرف أو طرفين، من باب الوفاء بها، لا احداثا، أو تتميما لها،
على ما احتملناه، فالعمدة تحقيق ذلك، وعليك بالتحقيق.
قوله (ره): (الثالث: تميز البايع من المشتري - الخ -).
لا يخفى، أنه ليس هذا من تنبيهات المعاطاة، لعدم اختصاصه بها،
وأن المنشئ للتمليك بالعوض، بايع، ومنشئ التملك به، مشتري، من غير
فرق فيما قصدا به، بين اللقط، والفعل، فلو لم يقصد كل واحد منهما، إلا
ما قصد الآخر، فهما بايعان، أو مشتريان كذلك، أي من غير فرق بينهما، فلا
فرق فيما هو المميز لكل منهما عن الآخر، مفهوما بينهما.
نعم بينهما فرق في التميز خارجا، وهو أنه غالبا يكون في البيع
بالصيغة، ما يدل بظاهره على أن أيهما بايع، وأيهما مشتري، بخلاف الفعل،
17

لعدم دلالته بنفسه، ويكون الدلالة بالقرينة، وربما لا يكون، أو لا يكون
محفوظة، وربما يعكس الأمر، لو قلنا بكفاية المجاز، والكفاية في الصيغة،
فافهم. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (فيكون الآخر في أخذه، قابلا ومملكا - الخ -).
لا يخفى، أنه لا يتعين هذا، على هذا الوجه، لامكان أن لا يقصد
بأخذه التمليك، بل بدفعه، وإنما أخذ مقدمة لقبوله بدفع العوض، فلو مات
قبل الدفع، مات قبل تمام المعاطاة، فلا تغفل.
قوله (ره): (فيكون تمليك بإزاء تمليك، بالمقابلة - الخ -).
بل يكون المقابلة، بين مال المعطي، وتمليك الآخر، ويكون تمليكه
ثمنا كفعل آخر جعل ثمنا، فإذا قصد بأخذه القبول، فالمعاملة يتم، من
دون توقف على تمليكه، وإن وجب عليه الوفاء، ويستحقه عليه المعطي،
فلو مات، لم يفت منه، إلا الوفاء، بالمعاملة، الحاصلة بالمعاطاة، ولو كان
الغرض من المعاملة، المقابلة بين التمليكين، بأن يكون عمل كل منهما
وتمليكه، جعل بإزاء عمل الآخر، وتمليكه، لم يقع بهذه المعاملة، تمليك من
أحدهما، بل يستحق كل على الآخر، بعد وقوعها تمليك الآخر وفاء بها،
كسائر الأعمال، إذا وقعت المعاوضة بينهما، كما لا يخفى.
وبالجملة، ذا قصد بنفس المعاملة، تمليك مال، بعوض التمليك
الآخر شيئا، كان التمليك عوض المال، كما يظهر من مقايسته على بيع
الأموال بالأعمال، فظهر أنه بيع، لا أنه بعيد عنه، وقريب من الهبة، كما
افاده (ره). فانقدح بذلك مواضع الخلل في كلامه، زيد في علو مقامه، في هذا
الوجه، والوجه الرابع، فلا تغفل.
قوله (ره): (فإذا كان بيع الإنسان مال غيره - الخ -).
تحقيقه أن يقال: لا شبهة ولا اشكال في أنه يعقل تمليك
الإنسان، مال غيره، بعوض يملكه بإذنه، كما يعقل تمليك ماله، بعوض يملكه
غيره، وإن لم يصدق عليه عنوان البيع، لاعتبار خصوصية تملك المالك
للعوض في صدقه، ولم يصح الاستدلال على صحته، بما دل على صحته،
18

وامضائه، مع أن مجال المنع عنه واسع، وتعريفه بمبادلة مال بمال، إنما يكون
في قبال التمليك مجانا، كيف، وفي بيع مال المضاربة بالمرابحة للعامل من الثمن
ما جعل له من المقدار، مع أن مال المضاربة للمالك، ولو سلم، فيمكن أن
يستدل عليه بمثل " أوفوا بالعقود " 1 و " المؤمنون عند شروطهم " 2، لا يقال:
لا يكاد يصح الاستدلال على صحته بأدلة البيع، ولو سلم صدقه عليه، لمكان
ما دل على النهي عن بيع ما ليس عنده، فإنه مع الإذن في بيعه، كذلك يمنع
عن كونه من بيع ما ليس عنده، وأما العتق عن غير المالك، فلا مانع عنه
عقلا، وإنما منع شرعا عن عتق غير المالك، لأن عتقه عن غيره، فإذا
صح عتقه عن غيره، صح له أن يأذنه في ذلك، وأما الوطي، فلا بأس بالقول
بجوازه للمباح له، بدعوى أنه تحليل، وأن اعتبار لفظ خاص فيه، دعوى بلا
دليل.
فتلخص مما ذكرناه، أنه لا بأس بأن يقال بصحة إباحة جميع
التصرفات التي منها البيع، والعتق، والوطي، فتأمل.
قوله (ره): (فيشكل الأمر فيه، من جهة خروجه عن المعاوضات المعهودة - الخ -).
إنما يشكل من هذه الجهة، إذا أريد الاستدلال عليه، بما دل على
صحتها بعناوينها، وإلا فلا اشكال في صحة الاستدلال عليها، بالمؤمنون عند
شروطهم، وبأوفوا بالعقود 3، إلا أن يدعى أن المراد بالعقود، هي المعهودة
المتعارفة مها، لا مطلقا، وهو كما ترى، وقد عرفت الاشكال في الاستدلال
ب‍ " الناس مسلطون " 4 في تشريع المعاملات، وأنحاء التسلطات. فتدبر جيدا.

1 - المائدة: 1.
2 - بحار الأنوار - 2 / 272.
3 - المائدة: 1.
4 - بحار الأنوار - 2 / 272.
19

قوله (ره): (ففي لزومها مطلقا لعموم " المؤمنون عند شروطهم " 1 - الخ -).
قد بينا فيما علقناه على مبحث الخيارات من الكتاب، الاشكال في
الاستدلال بمثل عمومه على اللزوم، فليراجع ثمة، وفي الاستصحاب كفاية،
لكن قد يشكل بأن اللزوم في مثله من العقود الإذنية، لا يكاد يعقل، لتقومه
بالإباحة والإذن، ومع الفسخ أو المنع، لا إباحة ولا إذن، وحله إن جواز
التصرف في العقود الإذنية، إن كان مستندا إلى الإذن الفعلي، فلا اشكال
في زواله بزواله، ولكنه ليس كذلك، بل بالعقد على إباحته له، والإذن في
تصرفه مطلقا، وتعقل لزوم العقد على ذلك، مما لا ريب فيه ولا شبهة يعتريه.
نعم لزومه لا يمنع عن جواز تصرف المالك فيه، بما يذهب موضوعه، لعموم
" الناس مسلطون - الخ -). فافهم وتأمل، كي لا يشتبه عليك الأمر.
قوله (ره): (لكن الأظهر بناء على جريان المعاطاة - الخ -).
بل الظاهر جريانها فيها، لاطلاق أدلتها، والسيرة بالنهج الذي
قررناها في البيع، وعدم القول بالفصل بينه وبينها، ظاهرا، والاشكال في
مثل الرهن لأجل منافاة ما هو قضيته، وما هو لازم المعاطاة من الجواز، لا
يوجب هنا في جريانها في غيره مما لا يكون هناك منافاة، مع أن المنع عن
كون الجواز لازم المعاطاة، بمكان عن الامكان، وقضية الاطباق، على توقف
العقود اللازمة على اللفظ، لو سلم، فهو إنما إذا كان اللزوم من عوارض العقد،
وجاز تبادله مع الجواز، لا ما إذا كان اللزوم، من مقتضيات ذاته، وحقيقته،
كما في الرهن.
ومن هنا ظهر، أنه من كان يبالي بمخالفة المشهور، فضلا عن المتفق
عليه في فسخه عن هذا الاشكال، مع أن ما أطبقوا عليه، ليس إلا بنحو
القاعدة، مخالفته بلا دليل على خلافه، لا يجوز، إلا بالدليل، والسيرة في
خصوص الرهن، دليل، فظهر أن مخالفة ما أطبقوا عليه هيهنا، ليس لأجل

1 - المستدرك - 2 / 473.
2 - بحار الأنوار: 2 / 272.
20

عدم المبادلات بالمخالفة. فافهم واغتنم.
قوله (ره): (اعلم أن الأصل على القول بالملك - الخ -).
قد ظهر مما علقناه على مبحث الخيارات، أن اللزوم المناسب
للمقام، وهو بالمعنى المقابل لجواز التراد، أو لجواز الفسخ، بمجرد الحكم به،
لا بحق الخيار، مما يدل عليه بعض الوجوه المتقدمة، فمن أراد الاطلاع، فعليه
المراجعة ثمة، ثمن أن المهم في المقام، إذا شك في اللزوم والجواز، بعد التلف
مثلا، وقد قطع بالجواز قبله، بيان إنه من موارد الرجوع إلى استصحاب حكم
المخصص عند الشك، أو الرجوع إلى العام، فاعلم أنه، وإن كان مثل
" أوفوا " و " المؤمنون " مما دل على عدم جواز فسخ العقد، إذا خصص من
موارد الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص، لا الرجوع إلى الحكم العام،
فإن حكم وجوب الوفاء، أو لزوم الالتزام بالشرط، إنما لوحظ بنحو استمرار
أمر وحداني في الأزمنة، لا متعددا بحسبها، فإذا قطع فلا يرجع إليه إذا شك،
بل إلى استصحاب حكم الخاص، إلا أنه في المقام حيث ما انقطع حكمه من
البين، بل منع عنه من الأول في الجلمة قبل انقضاء المجلس، وحصول التلف
مثلا، فإذا شك في أنه صار محكوما أولا، فالمرجع هو الحكم العام، لاطلاق
العقود، أو الشروط، لو كان لهما اطلاق، فإن قضيته أن يكون محكوما به
مطلقا، ودليل الخيار، والجواز في المعاطاة، قيده وجعل المحكوم به، هو
العقد به انقضاء المجلس، أو حصول التلف، فإذا شك في زيادة التقييد،
فالمرجع هو الاطلاق، إلا أن يمنع عنه، بتقريب أنه غير مسوق بلحاظ
الطواري بل بلحاظ نفس العقد، والشرط، فليرجع إلى استصحاب حكم
المخصص، هذا بالنسبة إلى جواز الفسخ، وأما بالنسبة إلى جواز التراد،
فكذلك، أي المتبع هو اطلاق مثل " لا يحل ما امرء - الخ - " 1 لو كان،
وإلا فاستصحاب جوازه، ولا يمنع عنه مثل تلف إحدى العينين، لامتناع
التراد، كما أفاد، لأنه ليس متعلقة نفسهما، كي يمتنع ترادهما في الخارج، بل

1 - وسائل الشيعة: 3 / 424 - ب 3 - ح 1.
21

ملكيتهما، والملكية كما صح انتزاعها عن الموجود، صح انتزاعها عن التالف،
فإنها من الاعتبارات، وهي مما لا يتوقف على موضوع موجود، بل إذا كان
هناك منشأ انتزاع، تنتزع عن غيره، وليست هي بالجدة، التي هي إحدى
المقولات، كما توهم، حتى يحتاج إلى موضوع موجود، كيف، وقد وقع التراد
مع التلف، فيما إذا فسخ العقد بخيار، ولا يتفاوت في الامتناع، أن يكون
التراد بلا واسطة، أو بواسطة الفسخ، لا يقال: في الفسخ لا تراد أصلا، بل
يرجع إلى بدل التالف، فإنه لولا التراد، لم يكن وجه للرجوع إلى البدل،
بقاعدة ضمان إليه، أو الاتلاف.
هذا كله على القول بإفادتها الملك الجايز، وأما على القول بالإباحة،
فبناء على الأولى إلى البيع، كما أشرنا إليه، يكون المرجع عند الشك فيها، ما
هو المرجع عند الشك في جواز الفسخ، أو التراد من اطلاق وجوب الوفاء، أو
لزوم الالتزام بالشرط، إلى غير ذلك لو كان، وإلا فاستصحاب الإباحة طابق
النعل بالنعل، وبناء على عدم الأول إليه، فما لم يعلم حصول الملك، فالأصل
بقاؤها، لو كانا باقيين، أو الباقي منهما على الملكية للمالك قبل حدوث
ما يوجب الشك فيجوز تصرفه فيه بما شاء، كما يباح لصاحبه التصرف فيه
بعده، كما كان قبله قطعا، إذا علم بأن المالك لم يحدث فيه شيئا، لا يبقى معه
الإباحة، واستصحابا لو شك فيه، أما إذا أحدث فيه ذلك، فلا مجال
لاستصحاب جواز التصرفات، لحكومة استصحاب نفوذ تصرف المالك، على
استصحاب جوازها، كما لا يخفى. فانقدح بما حققناه مواضع الخلل في
كلامه، زيد في علو مقامه، قد أشرنا إلى بعضها، وربما نشير إلى بعض آخر.
فتدبر جيدا.
قوله (ره): (والمتيقن من مخالفتها، جوار تراد العينين - الخ -).
قد عرفت جواز ترادهما ملكا، لا خارجا، فلا وجه للامتناع بمجرد
التلف، والارتفاع فالوجه في عدم التراد، هو اتباع اطلاق " الناس
مسلطون " 1 و " لا يحل مال امرء " 2 ونحوهما وإلا كان استصحاب جوازه

1 - بحار الأنوار - 2 / 272.
2 - وسائل الشيعة: 3 / 424 - ب 3 - ح 1.
22

مقتضيا لجوازه، مثل استصحاب الجواز في البيع الخياري بلا تفاوت أصلا،
ولو كان التلف مانعا عن التراد ملكا، لكان مانعا عنه في صورة الفسخ، مع أن الظاهر، أن يكون الجواز هيهنا، كالجواز في البيع الخياري، من عوارض
المعاملة، لا العوضين، غاية الأمر هناك بحق الخيار، وهيهنا بمحض الحكم به،
وذلك لأن الدليل عليه، ليس إلا السيرة التي استقرت على أن البيع بها،
ليس بالصيغة في عدم جواز الفسخ، بل يجوز فسخه لعدم استحكام المعاطاة
عندهم، استحكام الصيغة.
وبالجملة، بنائهم في المعاملة المعاطاتية، على نفوذ الفسخ من أحد
المتعاطيين، ولو مع عدم رضاء الآخر.
قيل: استحكامها بالتصرف، أو التلف، ونحوهما، لا على جواز تراد
العينين بلا توسيط الفسخ، كما يظهر ذلك من الاستفسار منهم، كما صرح
بجواز الفسخ في السرائر، وأما التعبير بالتراد، الظاهر فيما ذكره (ره) فهو إنما
يكون من القائلين بالإباحة. فافهم.
وقد انقدح بذلك، فساد العلاوة التي ذكرها بقوله " مع أن الشك
- الخ - " وذلك لما علم من أن الاطلاق لو كان، لكان مانعا من
الاستصحاب مطلقا، ولو علم أن الجواز كان عن عوارض البيع، كما في البيع
الخياري، ولولاه، فلا مانع من استصحابه، ولو علم بكونه عن عوارض البيع،
كما في البيع الخياري، ولولاه، فلا مانع عن استصحابه، ولو علم بكونه من
عوارض العوضين، لامكان تحقه مع تلفهما، وما لا يكاد يتحقق معه ترادهما
خارجا، لا ملكا. ومنه يعلم حكم ما لو تلف أحد العينين، أو بعضها، على
القول بالملك، وأما على القول بالإباحة، فالأصل عدم اللزوم، كما استوجهه
بعض المشايخ على ما حكاه، لأصالة السلطنة، بل لقاعدتها، بناء على شمول
دليلها لمثل هذه الطواري.
23

قوله (ره): (وعلى المال التالف بأخذ بدله الحقيقي، وهو المثل أو القيمة
- الخ -).
قد مر غير مرة، أنه ليس لعمومه هذا الشأن، وإنما شأنه، اثبات
السلطنة للمالك، قبالا لحجره فيما سوغ من التصرفات، فلا دلالة له على
تجويز تصرف، فضلا عن الدلالة على الضمان بالمثل أو القيمة، ولعله أشار
إليه بقوله فتدبر.
قوله (ره): (والظاهر أنه في حكم التلف لأن الساقط لا يعود الخ).
لا يكاد يعود نفس الساقط، حقيقة لامتناع إرادة المعدوم، لكنه
لا يختص بالساقط، بل الملكية الزائلة عن العين، الموجودة كذلك لا تعود
لذلك، وإعادة مثله كما في الملكية بمكان من الامكان، فالعمدة مع الشك،
هو أصالة عدم العود، وعدم زوال ملكه عما انتقل إليه بعوض الدين، ولا
استصحاب للجواز هيهنا، ليحكم عليها كما لا يخفى.
قوله (ره): (والظاهر أن الحكم كذلك على القول بالإباحة، فافهم
- الخ -).
فإن الظاهر أن إباحة الدين على من عليه الدين لا يعقل لها معنى،
إلا سقوطها، فيعود أن الساقط لا يعود مع ما علقناه عليه طابق النعل بالنفل.
فافهم.
قوله (ره): (فهو كالتلف على القول بالملك - الخ -).
قد عرفت أن التلف لا يمتنع معه التراد، خلافا له (ره)، لكن
الظاهر امتناعه مع النقل، ولو كان جائزا أيضا، وذلك لأن المراد به هو رد
العين إلى ملكه عن ملك حدث لصاحبه بنفس المعاملة، لا من ملك غيره،
ولا عن ملكه بسبب غيرها، ولو كان فسخ ما يوجب ارتفاعها، لعدم امكان
التراد بالمعنى المراد قبل فسخه، لكونهن غير ملك المتعاطيين وبعده، لكونه
عن غير ملكه الحاصل بالمعاملة، فإن فسخ المعاملة، كعقدها سبب مستقل،
وإن أبيت فلا أقل من الشك، ومعه فالأصل عدم جوازه لانقطاع الجواز
بتخلل ملك الغير، وبذلك طهر عدم التفاوت بين أن يكون بعقد لازم، أو
24

جائز، فلا تغفل.
قوله (ره): (اتجه الحكم بجواز التراد مع بقاء العين الأخرى - الخ).
لا يخفى أن المتجه، عدم جوازه، فإن تملك المالك للعين الموهوبة،
تملك بوجه آخر، غير التملك بالرد في المعاطاة، ليحجب رد الأخرى إلى
مالكها، كي حصل التراد، ولم يلزم الجمع بين العوضين، فالعينان وإن
اجتمعا عنده، إلا أن إحديهما بالمعاطاة ابتداء، أو بعد التصرف في إحديهما
بالهبة، والأخرى بالرجوع إلى العين في الهبة، لا المعاطاة. نعم لو كان
الرجوع إليها بالفسخ، يمكن أن يقال بعود العلقة السابقة، بحسب الاعتبار،
وإن لم يكن عودها بحسب الحقيقة، لامتناع إعادة المعدوم، فكأنه لم يكن
هناك هبة، فيكون المعاطاة على ما كانت محلا للتراد، لكن الرجوع في
الهبة، ليس فسخا لها، مع أنه لو كان من باب الفسخ، فلا يحكم بجواز التراد
لعدم القطع به، ولا لاستصحابه، لانقطاعه قبل الرجوع قطعا، فافهم.
قوله (ره): (سقط الرجوع على القول بالملك لامتناع التراد - الخ -).
لو قيل بحصول الشركة بمجرد الامتزاج، وإلا لم يمتنع التراد، لبقاء
الأجزاء الممتزجة على ما كانت عليه من الملك، أو الإباحة، لمن صارت إليه
من المتعاطيين، فيصح ردها إلى من انتقل عنه. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (لاطباقهم على أنها ليست بيعا حال وقوعها، فكيف يصير
- الخ -).
قد عرفت بما لا مزيد عليه أنه لا غرابة فيه أصلا، وليس حالها، إلا
حال بيع الصرف والسلف في عدم كونهما بيعا قبل القبض في المجلس
بالاتفاق، وصيرورتهما بيعا بعده كذلك، ومن هنا ظهر أن حالها في ترتيب
أحكام الخيار وغيرها حالها، كما لا يخفى.
قوله (ره): (فإن قلنا بعدم اشتراط اللزوم أي - الخ -).
لا يخفى، أنه خلف إذا افترض فيما إذ حصل بالقول غير الجامع
لشرائط اللزوم فلا يكاد يتأتى فيه، إلا بالخلف، ثم إن الفاقد لشرائط
اللزوم، فإن كان واجدا لجميع ما يعتبر في الصحة عند الجميع، فلا يعقل أن
25

يحتمل أن يكون من باب المعاطاة التي هي محل الخلاف، وإن كان فاقد
البعض ما يعتبر فيها كذلك، فكذلك، وإن كان فاقد البعض ما يعتبر عند
البعض دون الآخر فيكون فاسدا عند من اعتبره، وصحيحا عند غيره،
فكذلك أيضا، وإنما يصح الترديد في تمشية النزاع والخلاف في الانشاء
القولي، فيما إذا المحل الانشاء بصيغة كذا أو بغير صيغة كذا، فيصح
حينئذ أن يردد في أنه كالانشاء بالمعاطاة في كونه معركة للآراء والخلاف
بين العظماء - فافهم.
قوله (ره): (أقول: المفروض أن الصيغة الفاقدة لبعض الشرائط
- الخ -).
يمكن أن يقال إن الصيغة المفروضة، وإن لم تتضمن إلا إنشاء
واحدا، والمفروض فسادها، للاخلال ببعض ما اعتبر فيها، إلا أن الصحة
والفساد، لما كان من الأمور الإضافية، كما أشرنا إليه في بعض الحواشى
السابقة، كان فساد الصيغة المنشأ بها التمليك بما هي عقد البيع، ولا يترتب
عليها شئ مما يكون آثار العقد، من اللزوم وغيره، لا ينافي كونها معاطاة
وداخلة في المسألة التي تكون معركة للآراء، وصحيحة بما هو بيع عند بعض،
وإباحة عند آخر، إلى غير ذلك من الأقوال فيها، والحكم بضمان المقبوض،
بالعقد الفاسد يمكن أن ينزل على أنه حكم اقتضائي لا فعلي، بمعنى أن قضية
فساده بما هو عقد، ذلك لو لم يجئ في البين الحكم بصحته بوجه آخر، أي بما
هو بيع بغير العقد، وهذا أحسن ما يقال، توفيقا بين ما ذكر في المقامين.
فتفطن.
قوله (ره): (ثم الكلام في الخصوصيات المعتبرة في اللقط - الخ -).
والمرجع في عدم اعتبار خصوصية مادة، أو هيئة، هو الاطلاق المنافي
لاعتبارها، لو كان، وإلا فأصالة الصحة، لو كان الشك في اعتبارها فيها،
وأصالة اللزوم لو كان الشك في اعتبارها فيه، كما مرت إليه الإشارة.
قوله (ره): (أما الكلام من حيث المادة فالمشهور عدم الوقوع - الخ -).
لكن مقتضى الاطلاقات في باب البيع، وقوعه بالكنايات، وأنحاء
26

المجازات، بلا فرق أصلي بين أن يكون القرينة على التجوز لفظا أو غيره،
لاستناد انشاء التمليك إلى اللفظ على كل تقدير، كما لا يخفى. نعم ربما يمكن
المناقشة في صدق العقد على ما إذا وقع بالكناية، فإنه عهد مؤكد، ولا يبعد أن
يمنع عن تأكده فيما إذا وقع بها، وذلك لسراية الوهن من اللفظ، إلى المعنى لما
بينهما من شدة الارتباط، بل نحو من الأنحاء.
قوله (ره): (إن القبول الذي هو أحد ركني العقد، فرع الايجاب
- الخ -).
ومحصل ما ذكره وجها للتفصيل على طوله وجواز تقديم مثل
اشتريت، وعدم جواز تقديم مثل قبلت، هو اشتمال هذا على المطاوعة التي
لا بد لها من الفرعية، والتابعية، فكيف يقدم بخلاف ذاك فإنه لا مطاوعة
فيه، فيؤخر ويقدم، قلت: لا يخفى أن العقد وإن كان ينعقد بفعل الاثنين،
ويتقدم بركنين، إلا أنه أمر واحد، لا يكاد تحققه، إلا من تواطئهما على أمر
وحداني يوقعه أحدهما، ويقبله الآخر، ويظهر الرضاء به، ولا يكاد يتحقق
بايقاع كل واحد معنى على حدة، بل يتحقق هناك من كل ايقاع، لا منهما،
عقد، فلا بد في تحققه من ايجاب من أحدهما، وانشاء الرضاء بما أوجبه،
وقبوله بما يدل عليه، مطابقة أو التزاميا من الآخر، فالتبعية التي لا بد منها في
القبول، بأي صيغة كانت، لو اقتضت التأخير، فليكن القبول مطلقا مؤخرا،
وإلا فلا مقتضي لوجوب تأخره إذا كان مثل لفظ، قبلت، والمطاوعة التي
تكون مأخوذة في معناه، ليست إلا تلك التبعية التي لا بد منها في كل قبول،
وهي غير مقتضية لوجوب تأخره، إلا أنها لازمة نفس المعنى في (قبلت)،
ولازم كونه في مقام القبول في مثل (اشتريت)، وهذا لا يوجب التفاوت
بينهما في ذلك، كما لا يخفى.
ودعوى أن المطاوعة بمعنى أخرى، تكون مأخوذة فيه، ممنوعة، مع أن
مطاوعة القبول مطاوعة ايقاعية، انشائية، تحصل بأي شئ كان، بمجرد
قصد حصولها باستعمال اللفظ فيها، كما هو الشأن في جميع المعاني الانشائية،
والتي لا تكاد تكون إلا متأخرة، هي المطاوعة الحقيقية، كالانكسار حيث
27

لا يكاد يتحقق إلا عن كسر، لا المطاوعة الانشائية، بداهة صحة استعمال
اللفظ في المعنى المطاوعي انشاء، كما يصح اخبارا وإن لم يكن هناك مما
يكون هذا مطاوعة عين، ولا أثر واقعا، ولا انشاء، وذلك لكون الانشاء
خفيفة المؤنة، يمكن أن يعبر انشاء من أي معنى، ولو كان محالا، غاية الأمر
يقع لغوا لو لم يكن بداعي عقلائي، فانقدح بما حققناه، أنه لا مانع عقلا عن
تقديم مثل (قبلت). نعم يمكن أن يدعى أن تقديمه غير متعارف، ولا بد في
تحقق العقد، أن يكون صيغته بالنحو المتعارف، فتأمل. ولا اعتناء بما نقل
من الاجماع في مثل المسألة، حيث يطمئن بأنه ما ورد من صاحب الشرع،
ما يدل بالخصوص على عدم جواز تقديم مثل (قبلت)، وإنما ذهب إليه، من
ذهب لمثل ما افاده (ره)، أو أشرنا إليه، لا أقل من احتمال ذلك في من لهم
الدخل في تحصيله، لو لم يكن في الكل، أو الجل، وهو كاف في حصول
الياس عن الكشف بالحدس، وعليك بالتأمل التام فيما أفدناك في المقام.
قوله (ره): (فتلخص مما ذكرنا أن القبول في العقود على ثلاثة أقسام
- الخ -).
قد عرفت بما حققناه، أنه لا بد في القبول الذي يتقوم به العقد،
ويكون أحد ركنية من التبعية مفهوما ركنه الآخر، تقدم في الخارج أو تأخر،
تقدم في الخارج أو تأخر، وأزيد منها لا يكون فيه بمعتبرة، مع أنك قد عرفت،
أنه لا يوجب تأخره، وإن كان معتبرا. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (وما ذكره حسن، لو كان الملك - الخ -).
مع أنه يمكن مع اعتبار الموالاة عرفا من صدق العقد أيضا، ودعوى
صدقه على ما إذا كان تأخير القبول بتواطؤ منهما، بلا اخلال بشئ آخر مما
يعتبر فيه. اللهم إلا أن يدعى انصرافه عنه، فتأمل.
قوله (ره): (وتسلط الناس على أموالهم - الخ -). قد عرفت أنه غير كاف في اثبات أنحاء التسلطات، فضلا عن
أسبابها. فلا تغفل.
28

قوله (ره): (وبالجملة فاثبات هذا الشرط في العقود، مع عموم أدلتها ووقوع
كثير منها في العرف، على وجه التعليق بغير الاجماع - الخ -).
وتحصيل الاجماع في مثل هذه المسألة، من الاتفاق لو كان أشكل،
لاحتمال تشبث البعض، لولا الجل، أو الكل، بما أشار إليه من الوجوه
الاعتبارية بما فيها من الضعف، والمنقول منه في مثلها ليس بحجة، ولو قيل
بحجيته في نفسه، فالعمل باطلاقات أبواب المعاملات، لا يخلو من قوة.
قوله (ره): (ومن جملة شروط العقد التطابق - الخ -).
ضرورة أنه لولا التطابق لما قصدا أمرا واحدا بل فإن لكل هم
وقصد، فلا يكون بينهما عقد، نعم لو كانت الخصوصية التي اختلفا فيها بحسب
القصد، غير مهمة لهما، والمهم كان الجامع المقصود لهما، لا بأس بعدم
التطابق، فلو قصد الموجب البيع من القابل، وقد قصد قبوله لموكله صح
العقد، فإن مهم الموجب ليس إلا تمليك ماله من الأعم، من الشخص
وموكله، وإنما قصد لأجل أنه اعتقد أنه قصد الشراء لنفسه، وهذا بخلاف
عقد المزاوجة، فإنه لا بد فيه من تعيين الزوج، وأنه له أو لموكله، فإنه المهم فيه
كالعوضيين في البيع.
قوله (ره): (لأن المعتبر فيه عرفا رضاء كل منهما - الخ -).
لا يخفى أن الرضا مما يعتبر في صحة العقد، وتأثيره شرعا وعرفا،
لا مما يعتبر في تحققه، وإنما المعتبر فيه القصد، لطيب كان، أو كره منه. نعم في
تحقق الاكراه في مثل العقد مما يتقوم بالقصد، بحث يأتي. وبالجملة لا ينبغي
الاشكال في انعقاده فيما إذا قصد التوسل إلى تحقق مضمونه، ولو كان عن
كره، غاية الأمر، عدم ترتب الأثر عليه ما لم يلحقه الطيب والرضاء، فلا
يكون صحة بيع المكره إذا لحقه الرضاء على خلاف قاعدة، للاجماع.
قوله (ره): (والأولان مبنيان على أن الأحكام الظاهرية - الخ -).
هذا إذا قلنا بأنها، أحكام واقعية مطلقا، ولو في حق من رأى
خلافها، ولو قلنا باختصاص ذلك بمن رأى بواقعيتها، كما هو الأظهر، فلا
يتفاوت كونها أحكاما واقعية، واو عذرية فيما هو المهم في المقام، وإنما التفاوت
29

بينهما في مقام آخر عند كشف الخلاف، فلا تغفل.
قوله (ره): (وكيف كان، فالمهم بيان معنى القاعدة - الخ -).
وحيث إن
هذه القاعدة بألفاظها، ليست مما دلت بها آية، ولا
وردت في رواية، وما وقعت في معقد اجماع، لم يكن بيان معناها من المهم
بشئ، ضرورة أنه لا بد أن يراد منها ما يساعد عليه سائر القواعد، وإنما
المهم، بيان أن قضيتها الضمان في أي الموارد، ساعد عليه ظاهر القاعدة، أو
لم تساعد، وهكذا الحال في عكسها.
قوله (ره): (والمراد بالضمان في الجملتين، هو كون درك المضمون عليه
- الخ -).
لا يخفى، أن الضمان هو اعتبار خاص، يترتب عليه آثار تكليفا،
ووضعا، منها لزوم أداء المضمون إلى المضمون له، لو تمكن منه، وأداء بدله
من قيمته أو مثله، لو لم يتمكن من أدائه، لتلف ونحوه، وهو بهذا المعنى لا يكاد
يكون في مال نفس الضامن، بل في مال غيره، فلا يكون في العقد الصحيح
ضمان بمعناه الحقيقي، فلا بد أن يراد في القضية الأولى بالمعنى المجازي، وأقرب
المجازات إلى المعنى الحقيقي كون تلفه عليه، فإنه من أظهر آثاره. لا يقال إنه
لا يوجب صحة التجوز، وإلا لجاز أن يقال، إن المالك يضمن أمواله، فإنه
لو سلم فصحة التجوز هيهنا، إنما هو لخصوصية المقارنة مع الضمان في القضية
الثانية، كما في قوله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه - الآية - " 1
ولمثلها دخل في صحته، أو حسنه وملاحته، ولا يصح أن يراد بالضمان في
القضية الأولى، ما افاده من درك المضمون، وخسارته في ماله الأصلي،
كيف، ولا يكون ضمان بهذا المعنى في العقد الصحيح بالنسبة إلى الوارث،
مع أنه من موارد القاعدة أصلا، وعكسا، حيث لا ضمان عليه فيما انتقل إليه
من موروثه، من مال ملكه بالعقد الصحيح، إلا بمعنى كون تلفه عليه، وإنما
كان خسارته هكذا على البايع بمجرد العقد، ولو لم يتلف، فافهم.

1 - البقرة: 194
30

قوله (ره): (فالمتعين بمقتضى هذه القاعدة، الضمان في مسألة البيع
- الخ -).
لا يخفى، أن البيع بلا ثمن، ليس من أفراد القاعدة، فإنه ليس ببيع
وإن كان بصيغته، لأنه مبادلة مال بمال، لا أنه ليس بصحيحة، بل هو من
أفراد عكس القاعدة، فهبة صحيحة، إن قلنا بكفاية المجاز والكناية، وفاسدة
إن لم نقلها بالكفاية. وكيف كان المتيقن بمقتضى عكسها، عدم الضمان في
المسألة، هذا لو قصد التمليك بلا عوض، وأما إذا قصد ما هو حقيقية البيع
وبلا ثمن، فكما لا بيع، لا هبة، ولا يكون هناك عقد للمناقصة في القصد.
قوله (ره): (وأما لمطلق السببية - الخ -).
في كلتا القضيتين حقيقة بناء على أن يكون السبب للضمان في
العقد الفاسد، هو الاقدام، ومجازا في الثانية، لأجل المشاكلة، والمقاومة مع
الأولى، بناء على أن يكون اليد سببا فيه، كما لا يخفى.
قوله (ره): (ولأنهما إنما أقدما، وتراضيا، وتواطئا بالعقد الفاسد - الخ -).
يمكن أن يقال، بأنهما أقدما على أصل الضمان، في ضمن الاقدام
على ضمان خاص، والشارع إنما لم يمض الضمان الخاص، لا أصله مع أن
دليل فساد العقد، ليس بدليل على عدم امضائه، فافهم، لكن لا دليل على
كون الاقدام سببا للضمان أصلا.
قوله (ره): (إلا أن مورده، مختص بالأعيان، فلا يشمل المنافع - الخ -).
ومورده وإن كان مختصا بالأعيان، إلا أن قضية كونها مضمونة،
ضمان منافعها، فضمان المنافع في الإجارة الفاسدة، إنما يكون بتبع ضمان
العين المستأجرة. وبالجملة قضية ضمان اليد، ضمان المنافع فيما كانت العين
مضمونة بها، فاختصاص مورده بالأعيان، لا يوجب اختصاص الضمان بها،
نعم الحر، حيث لم يكن نفسه مضمونة باليد، لم يكن أعماله مضمونة في
الإجارة الفاسدة بها، فافهم.
قوله (ره): (إلا أن يستدل على الضمان فيها، بما دل على احترام مال المسلم
- الخ -).
31

لكنه لا يخلو عن الاشكال، لدعوى انصراف مال المسلم عن
أعماله، أولا، وعدم قضية الاحترام إلا حرمة التصرف فيها بدون الإذن لا
الضمان، ثانيا، ولا أقل من عدم قضية الضمان إلا إذا كان الغير سببا
لاتلافها، ثالثا. ضرورة أنه ليس في عدم الضمان شئ من المنافاة،
للاحترام فيما إذا كان المالك باختياره متلفا لها، كما في المقام، حيث إن
العاقد يعلم وفاء بالعقد اختيارا، بل وربما كان على خلاف ميل الآخر و
رضاه، حيث لحقه الندم، وكون فعل الاثنين، لا يقتضي عدم
استقلال كل منهما في وفائه، والعمل على وفقه.
ومن هنا انقدح الاشكال في الاستدلال بقاعدة الضرر أيضا، إذا
كان عمله وفاء باختياره، كما هو محل الكلام.
فتلخص أنه، لا مدرك للقاعدة، للإجازة الفاسدة المتعلقة بعمل
الحر، وفي المسابقة الفاسدة مطلقا، فيمكن أن يكون القاعدة، بعد أنه لا مدرك
لها على حدة، بل مصطادة من الموارد التي حكم فيها بالضمان بأحد أسبابه
غالبية، لا كلية، كما هو الشأن في سائر القواعد التي لها مدرك على حدة،
حيث إنه ما من واحدة منها، إلا وقد خرج منها بعض الموارد.
قوله (ره): (ومورد العقد في الإجارة، المنفعة - الخ -).
كما هو المتوهم من تعريفها بتمليك المنفعة، ولكن التحقيق، أن
مورده فيها، نفس العين، ولذا يقال " آجرت الدار، واستأجرتها " وأن
الإجارة عبارة عن، إضافة خاصة بين العين المؤجرة والمستأجر، من آثارها
تملك منفعتها. والتعريف بالتمليك، تعريف بالرسم، مع أنه لو سلم أنه
بالحد، كان مورد عقدها أيضا، نفس العين، فإنها تمليك المنفعة، ولا يكاد
يكون مورده، ومتعلقة، إلا العين، فافهم.
قوله (ره): (عموم ما دل على أن من استأمنه - الخ -).
فإن بطلان استيمان المالك، بما هو وديعة، أو عارية، أو غيرهما،
وعدم ترتيب الآثار الخاصة لهذه العقود عليها، لا يوجب خروجه عن
الاستيمان المانع من الضمان.
32

قوله (ره): (أما في الهبة 1، فيمكن الاستدلال - الخ -).
قضية الفتوى، ليست إلا عدم الضمان فيما إذا لم يكن هناك افراط
وتفريط، لا ولو كان كما هو المهم في الهبة الفاسدة، كي يكون كصحيحها،
كما لا يخفى، هذا، مع أن منع الفحوى، بمكان من الامكان، إذ لعل ملاك
عدم الضمان مع الاستيمان، ما نجده بالوجدان من الملائمة التامة بينهما في
الجملة، ولا يكاد يدركها بينه وبين الهبة الفاسدة، فضلا عن أن يكون
بالأولى.
قوله (ره): (إلا أن يقيد بغيرها، بأدلة نفي الضرر - الخ -).
إنما يقيد بها، فيما إذا كانت المؤونة الكثيرة، زائدة على ما يتوقف عليه
الرد بحسب المتعارف وإلا كان دليله مقيدا لها، وذلك لما حقق في محله، من
أن أدلة نفي الضرر كما يقيد بها أدلة الأحكام، كذلك يقيد بها لا بد منه،
ويقتضيه طبعها بحسب المتعارف.
قوله (ره): (ولو نوقش في كون الامساك تصرفا، كفى عموم - الخ -).
لا يخفى أن المناقشة في عموم " لا يحل " لغير التصرفات أوضح،
مع أنه لو سلم دلالته على حرمة الامساك، فلا دلالة على وجوب الرد تعينا
أصلا، ولو على القول بمقدمية الضد، فإن الرد، والامساك، وإن كانا
ضدين، إلا أنه لهما ثالث، وهو التخلية بينه وبين مالكه، فلا يجب عليه على
هذا القول، إلا أحدهما، لا خصوص الرد، فافهم.
(قوله): (وأما توهم أن هذا بإذنه - الخ -).
يمكن أن يقال: إنه إذا علم الدافع بالفساد، لا يكون دفعه وقبض
الغير إلا برضاه، وكون الدفع وفاء بالعقد، لا ينافي كونه برضاه في الصورة
المذكورة. نعم لا يكون التصرف فيه، بمجرد العقد أو بعد الدفع، والجهل
بالفساد برضاء المالك. فافهم.

1 - وفي المصدر: أما في الهبة الفاسدة فيمكن الاستدلال.
33

قوله (ره): (ويدل عليهم عموم قوله: لا يحل 1 - الخ -).
قد تقدم الاشكال في الاستدلال بعمومه على الضمان، وأن الدليل
على ضمان المنافع، هو الدليل على ضمان الأعيان، لكونه ضمانهما من آثار
ضمانها ولوازمه، ولا يتفاوت في ذلك بين كونها مستوفاة أو غير مستوفاة، كما
لا يخفى، والظاهر أن هذا هو الوجه في ضمانها مطلقا في باب الغصب، قولا
واحدا، ولا أظن اختصاص ذلك الباب بوجه غير جار في الباب، أن يكون
هو اجماع الأصحاب، لكنه لا يظن أن يكون مدركهم أيضا، إلا ما ذكرنا.
فافهم.
ثم إن مثله في الاشكال، في الاستدلال به على الضمان، الاستدلال
بما دل على احترام مال المسلم، كما تقدم، وانقدح بما ذكرنا أنه لا موجب
للضمان فالمنافع إلا اليد، بالتقريب الذي ذكرنا، لا ما ذكره، من غير فرق
بين المستوفى منها وغير المستوفى. نعم لو سلم دلالة عدم حل مال الغير،
واحترام مال المسلم، على الضمان، لاختص بالمستوفى، فإن غيره ما تصرف
فيه وما انتفع به، كي لا يحل بلا عوض، أو ينافيه الاحترام.
قوله (ره): (محتجا بأن الخراج بالضمان 2 - الخ -).
لا يخفى ضعف الخبر سندا، ودلالة، بارساله واجماله، لاحتمال أن
يكون المراد به، وهو أن خراج الأرض كما وكيفا على من ضمنها، إنما هو
بحسب ضمانها، أو معنى آخر، حيث لم يعلم أنه في أي مورد ورد. فتدبر.
قوله (ره): (وقد اختلف كلمات أصحابنا في توقف - الخ -).
وحيث إن
هذا اللفظ لم يرد في آية أو رواية، لبيان حكم ضمانه
بالمثل، بل غايته، وقوعه في معقد الاجماع، لا يجدي في الحكم به تعيين واحد
من المعاني التي اختلفوا فيها، بل لا بد فيه مما اتفقوا عليه من المعنى، والرجوع
فيما اختلفوا فيه إلى ما يقتضيه القواعد، والخلاف في معناه، مع وقوعه في معقد

1 - وسائل الشيعة: 3 / 424 - ب 2 - ح 1.
2 - التاج الجامع للأصول - 2 / 204.
34

الاجماع، إنما لا يمنع عن تعيينه بقواعده، إذا كان بماله من المعنى مجمعا عليه،
كي لا ينافي خلافهم في ذاك، اجماعهم عليه بماله من المعنى لا إذا كان
بمعنى مجمعا عليه، فينافي الخلاف، الاجماع، إلا فيما اتفقت عليه المعاني المختلفة
فيها، كما لا يخفى، ولم يعلم بعد انعقاده على النحو الأول، فافهم.
ثم الظاهر، أن الاختلاف في تعريفه، ليس لأجل الخلاف في
حقيقته وماهيته، ضرورة أن مثل هذه التعريفات، ليس بحد، بل ولا رسم،
بل من باب شرح الاسم، كما هو الشأن في التفسيرات اللغوية، ولعله أشار
الكل إلى المعنى الواحد، والمفهوم الفارد من وجه التفت إليه من طرفه، فلا
مجال للنقض والابرام فيها طردا وعكسا، وليس اختلافهم في مثلية بعض
الأشياء وقيمته، كاشفا عن اختلافهم في المعنى، وسعة دائرة وضيقها،
لاحتمال أن يكون الاختلاف، للاختلاف في التضييق وصدق ذاك المعنى
عليه، وعدم صدقه. فافهم.
وكيف كان فتعريف المشهور بأنه مما يتساوى أجزائه بحسب
القيمة، لا يعم كثيرا من المثليات، مثل المسكوكات، وسائر المصنوعات
المشتبهات، كالساعات، والظروف، والآلات الفرنجية، حيث إن
كل واحد
منهما يكون مثليا، وليس مما يتساوى، أجزائه بحسب القمية، فالأولى
تعريفه بما كثر أفراده التي تفاوت فيها بحسب الصفات المختلفة، بحسب
الرغبات.
قوله (ره): (ولا يبعد أن يقال: إن الأصل هو تخيير الضامن - الخ -).
لا يخفى، أنه لو كان الضمان، بالقيمة في القيمات مجرد ارفاق، بحيث
لو تمكن من مثل العين التالفة، وما يشابهها بحسب الصفات فيها، كان له
دفعه، ولا يتعين عليه قيمته، كان الأمر من باب الدوران بين التخيير
والتعيين، والأصل عدم الخروج عن العهدة إلا بالمعين للشك في الخروج
بدونه، فلا وجه للتخيير، ولو كان الضمان بها فيها على نحو التعيين، كان
الأمر من باب الدوران بين المتباينين، ويتعين فيه الاحتياط لا التخيير، إلا
أن الاحتياط حيث يحصل هنا بمجرد تسليمهما، ليختار المضمون له، أي
35

واحد شاء يكفي تسليمهما لذلك، لا دفع كليهما، كما أن الاحتياط له أن
لا يختار واحد منها. إلا برضاء الضامن فالاحتياط لهما أن يختار أحدهما
بتراضيهما.
قوله (ره): (ويمكن أن يقال: إن القاعدة المستفادة - الخ -).
إنما يمكن إذا لم يكن المتعارف في القيمات، ضمانها بالقيمة، ولو مع
التمكن من المثل، بل كان المتعارف، هو الضمان مطلقا، بالأقرب إلى
التالف فالأقرب، ولا اشكال في أن المثل مطلقا أقرب، وإلا فقضية
الاطلاقات، ليس إلا الرجوع فيما علم أنه مثلي إلى المثل، وفيما علم أنه قيمي
إلى القيمة، وأما ما لم يعلم أنه من أيهما، فهي ساكتة عن بيان حكمها، فلا بد
فيه من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل، وقد عرفت. لكن الظاهر أن المرتكز
في الأذهان في باب الضمان، بعد تعذر رد نفس العين، هو دفع المثل مع
الامكان، وهو ظاهر الآية 1، حيث دلت على اعتبار المماثلة في الاعتداء
الملازمة للاحتياط في المتعدي به، هذا، ولو سلم أنه لبيان اعتبارها في
الاعتداء، كما في المناقشة فيها، مع أنه مما يساعده الاعتبار، والتضمين
بالقيمة في بعض الأخبار، كما يأتي، إنما يكون في مورد يتعذر فيه المثل عادة.
قوله (ره): (ولكن الأقوى مع ذلك، وجوب الشراء - الخ -).
وذلك لأن ضرر الضامن في الشراء بأزيد من ثمنه، يزاحم بضرر
المالك في منعه عما يستحقه من المثل، فيبقى ما دل على الضمان بالمثل بلا
مزاحم، وعدم العلم باستحقاقه للمثل شرعا، لا ينافي استحقاقه له عرفا،
واعتبارا، هو كاف في صدق الضرر حقيقة. فافهم.
قوله (ره): (لو تعذر المثل في المثلي، فمقتضى القاعدة - الخ -).
ربما يشكل بأن القاعدة يقتضي الصبر إلى أن يتمكن منه حيث
تعذر، فلا يكون لذلك ظلما، ولا دليل على الانتقال إلى البدل، بمجرد التعذر
في الحال، ولا اعتداء منه ثانيا يوجب جواز الاعتداء عليه بالالزام بالقيمة

1 - البقرة: 194
36

بعد الاعتداء عليه بمثل ما اعتدى بالزامه، والحكم باشتغال ذمته بالمثل أولا،
فالزامه معه بها اعتداء عليه بغير اعتداء منه، فلا دلالة للآية على جواز الزامه
بها. فافهم.
ولا يخفى أن الاشكال، إنما يكون لو قيل باشتغال الذمة بالمثل،
وتبدل عهدة العين المضمونة بالذمة، كما هو ظاهر المشهور. وأما لو قيل ببقاء
العهدة على حالها، كما هو قضية ظاهر الأدلة، فلا اشكال، فإن أثر العهدة
يختلف بحسب الأحوال، ففي صورة بقاء العين، هو وجوب أداء نفس العين
مع التمكن منه ومع عدمه بدل الحيلولة إلى أوان التمكن منه وفي صورة عدم
البقاء، هو وجوب أداء البدل من المثل في المثلي، فيما إذا تمكن منه، والقيمة
فيما إذا تعذر فيه، وفي القيمي. هذا، مع أنه يمكن أن يقال: إن الانتقال إلى
القيمة في صورة تعذر المثل، كالانتقال إلى بدل الحيلولة عند تعذر رد العين في
الحال، وأنه مما هو متعارف في التضمينات العرفية، فيكون متبعا في الشرعية
منها، لعدم ورود نحو خاص من الشارع في باب التضمين، كما لا يخفى.
قوله (ره): (لأن المثلي ثابت في الذمة - الخ -).
هذا على المشهور من اشتغال الذمة بالمثل، وأما على ما هو ظاهر
الأدلة، فلأن العين باقية على العهدة إلى ذاك الزمان، فيكون العبرة بقيمة
يوم الدفع، لأنها قيمة العين لا المثل. فافهم.
قوله (ره): (وعن جامع المقاصد الرجوع فيه إلى العرف - الخ -).
الظاهر أن مراده الرجوع إلى العرف في تعيين ما يتحقق به الاعواز
الموجب للانتقال إلى القيمة، وهو كذلك، لما مرت الإشارة إليه، من أن
المدار في باب كيفية التضمين شرعا، هو العرف، لا الرجوع من تعيين عند
الاعواز، كي يتوقف تعيينه على ما إذا انعقد الاجماع على ثبوت القيمة عند
الاعواز، فافهم. ولعل المحكي عن التذكرة، كان في بيان ما يتحقق به ذلك،
أي ما يوجب الانتقال إلى القيمة عرفا، وإلا كان بلا دليل. فتدبر جيدا.
37

قوله (ره): (ثم إن معرفة قيمة المثل 1 مع فرض عدمه اشكال - الخ -).
لا بد من تعيين ما هو المرجع في صورة الشك في التعيين، وأنه أصالة
البراءة عن الأكثر، أو أصالة الاشتغال، فربما يقال: إن قضية بقاء العين
المضمونة في العهدة مع التلف، وعدم تبدل الذمة بالاشتغال، على ما قويناه،
هو لزوم الخروج عن العهدة بالأكثر، استصحابا لها مع الشك فيه، لو اقتصر
على الأقل، أو قيل ببقاء المثل في الذمة مع التعذر، بناء على التبدل، لكنه
كان دفع المثل أو القيمة، خروجا عن العهدة كأداء نفس العين، وأما
لو كانت عهدتا باقية مع الدفع، وكان لزومه من أحكامها وآثارها،
لا رافعا لها، كما من بدل الحيلولة، أو قيل بعدم البقاء والتبدل بالذمة، وعدم
بقاء المثل فيها عند التعذر، والانتقال إلى القيمة، كان الأصل، البراءة عن
الأكثر، حيث لم يعلم إلا وجوب الأقل.
قوله (ره): (فهل له المطالبة بأعلى القيمتين، أم تعين قيمة بلد المطالبة؟
- الخ -).
لا يبعد تعين قيمة بلد المطالبة، فإنه محل الخروج عما عليه، والوفاء
بما في ذمته، بناء على المشهور، من بقاء اشتغال ذمته بالمثل مع تعذره، وعدم
تبدل الاشتغال به، بالاشتغال بالقيمة، وكذا على ما قربناه من بقاء العين
على العهدة، فإنه محل العموم بما هو قضية كون العين، مضمونة، وفي العهدة
ولو منع عن أنه لم يعلم استقرار سيرة العمل، على ذلك، فلا بد من الرجوع
إلى ما يقتضيه الأصل، وقد مر تحقيقه.
قوله (ره): (بقي الكلام في أنه هل يعد من تعذر المثل، خروجه عن القيمة؟
- الخ -).
ولنقدم الكلام في بيان حكم ماذا خرج نفس العين المضمونة عن
المالية، ثم نتبعه ببيان ماذا خرج المثل.
فاعلم أنه لا ريب في دفع نفس إلى مالكها على الملكية وعدم

1 - وفي المصدر: ثم إن معرفة قيمة المثل..
38

الخروج بذلك عنها مع أنه لو سلم بالخروج، فلا أقل من أن يكون له حق
اختصاص بها كما لا يخفى. وأما دفع القيمة مع ذلك لو أوجب، لو قلنا بكون
وجوب الدفع من آثار العهدة وأحكامها عند العقلاء، حتى يقتضيه اطلاق
دليل ضمان العين، وإلا فلا دليل عليه أصلا، لعدم شمول من أتلف لما إذا
تلف المالية، فضلا عما إذا تلف، والخروج عن عهدة العين وضمانها الناشئ
عن اليد، يكون بدفعها، والمفروض عدم كون دفع القيمة من آثار العهدة.
وضرر صاحب العين، معارض بضرر ذي اليد، فلا وجه لتقديم ضرره على
ضرره على ضرره، مع أن الضرر ابتداء متوجه عليه بلا اقدام من الآخر،
حيث إنه ما أقدم، إلا على أن يكون العين تحت يده، ووجوب دفع المثل، أو
القيمة عند تلف العين أو الاتلاف، إنما هو لأجل قاعدة اليد، أو الاتلاف،
لا اقدام على ضرر دفع البدل. هذا كله في العين.
أما المثل، فبناء على بقاء العين مع التلف على العهدة، كما قويناه،
لا يبعد أن يكون من آثارها حينئذ، دفع القيمة، كما كان في صورة تعذر
المثل، فإنه حينئذ لا يكون قابلا لأن يعوض به عن الماليات، وبناء على تبدل
العهدة بالاشتغال، كما هو ظاهر المشهور في وجوب دفع المثل، فإنه الوفاء بما
في ذمته حقيقة، أو وجوب دفع القيمة، فإن المثل في نظر العقلاء بذلك،
خرج عما يوفى به الدين، وجهان: أظهرهما الأول، ومع الشك، فالمرجع هو
الأصل، وقضيته وجوب دفع القيمة، بناء على بقاء العهدة، استصحابا لها
ما لم يدفعها، وكذلك بناء على اشتغال الذمة بالمثل، لو كان دفع القيمة أيضا
من باب الوفاء بما فيها، لا لأجل انتقال اشتغال الذمة بها لاستصحاب بقائه
فيها ما لم يدفعها للقطع بكون القيمة حينئذ، مما يوفى به، بخلاف المثل، كما
لا يخفى. وعدم وجوب دفعها، بناء على أن منشاء الشك فيه، والشك في
انتقال الاشتغال بالتعذر إلى الاشتغال بالقيمة، استصحابا للاشتغال به
وعدم الاشتغال بها، ثم إن قضية الأصل فيما إذا شك في أن أي قيمة وجب
دفعها مع اختلافها، هو وجوب دفع أعلى القيم، بناء على أنه الوفاء للأصل
وقاعدة الاشتغال، وأقلها بناء على بقاء العهدة وأنه من آثارها، أو الانتقال
39

إلى الاشتغال بها، لأصالة البراءة عن الزائد، واستصحاب عدم الاشتغال به،
وقد مرت الإشارة إليه. فلا تغفل.
قوله (ره): (لو دفع القيمة في المثل المتعذر مثله، ثم تمكن - الخ -).
لا اشكال في عدم عود المثل، فيما إذا كان دفع القيمة بتراضي منهما
عوضا عما هو عليه، وإنما الاشكال فيما إذا كان دفعها استحقاقا لها فعلا،
ومنشأه احتمال كونه وفاء حقيقة في هذه الصورة، أو كونه من قبيل بدل
الحيلولة، ومن هنا انقدح الفساد والخلل فيما علل به (ره) عدم العود، بأن
المثل كان دينا في الذمة، سقط بأداء عوضه مع التراضي، وأنه في غير المحلل،
ثم إنه حيث لم يعلم أن أداء القيمة من باب الوفاء، أو بدل الحيلولة،
واستصحاب بقاء المثل في الذمة يعارض باستصحاب بقاء القيمة المدفوعة
على ملك المدفوع إليه، وعدم عودها إلى ملك الدافع. وكيف كان لم يثبت
للمالك بعد أخذ القيمة حق مطالبة الضامن بالمثل بعد تمكنه منه، والمرجع
أصالة البراءة عن وجوب دفع المثل، لو طولب به. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (احتمل وجوب المثل عنده وجوده، لأن القيمة بدل الحيلولة).
لا يخفى، أن القيمة بناء على انقلاب المثل بالقيمة، وسقوطه عن
الذمة يكون وفاء حقيقة، لا بدل الحيلولة، واحتمال عدم كونها وفاء، إنما هو
على القول بعدم الانقلاب، كما عرفت فلا تغفل.
قوله (ره): (فيكون الفصل بين التيسير وعدمه، قولا ثالثا - الخ -).
لا بأس بالمصير إليه، حيث لم يظهر اتفاق واجماع على عدمه،
لاحتمال كونه من باب الاتفاق.
قوله (ره): (ثم 1 اختلفوا في تعيين القيمة - الخ -).
الظاهر تعين قيمة يوم التلف، لو قيل باشتغال الذمة بالقيمة،
وتبدل العهدة به، كما هو المشهور، ويوم الدفع، لو قيل ببقاء العين على
العهدة، كما قويناه، لأن الاشتغال إنما يكون بما هو قيمته بقول مطلق، وما

1 - وفي المصدر: ثم إنهم اختلفوا في تعيين القيمة.
40

هو القيمة يوم التلف، كما أن قضية العهدة، دفع ما هو قيمته كذلك،
وليست إلا قيمة يوم الدفع، فافهم.
قوله (ره): (أما بإضافة القيمة المضافة إلى البغل ثانيا - الخ -).
فيه اشكال، فإن إضافة المضاف بما هو مضاف ثانيا، يستلزم أن
يكون الإضافة، بما هي إضافة وملحوظة باللحاظ الآلي طرفا لها، وملحوظة
على الاستقلال، فإنها من مقوماته في الإضافة الثانية، ولو كان المراد اضافته
ثانيا، لا بما هو كذلك، أي مضاف يلزم أن يكون حين التلفظ به طرفا لهذا
على حدة، ولذاك كذلك، وهذا يستلزم أن ينظر إليه ذاك الحين بالنظرين
المتباينين، ضرورة تنافي النظر إليه بما هو مضاف لأحدهما، للنظر إليه بما هو
مضاف للآخر، كما لا يخفى على من تدبر، مع أنه غير مفيد، فإنه لا يوجب
اختصاص قيمة البغل بيوم المخالفة. وقد انقدح بذلك حال إضافة مجموع
المضاف المضاف إليه، فإنه لا بد فيها من ملاحظة الإضافة الأولى ثانيا
على حدة، لكونها من مقومات المضاف في الثانية. اللهم إلا أن لا يكون
اللحاظ الثاني الاستقلالي، حين اللحاظ الآلي، وهو حال التلفظ بالمضاف
والمضاف إليه في الإضافة الأولى، بل بعده، بأن يكون إضافة المجموع، أو
إضافة المضاف بحسب المعنى. فافهم فإنه دقيق.
نعم لو كان المراد إضافة القيمة المضافة إلى البغل المضاف إلى اليوم،
فهو وإن كان مما لا اشكال في صحتها، إلا أنه لا يجدي فيما هو المهم، فإن
إضافة البغل إلى يوم المخالفة، لا يقتضي اختصاص القيمة بيومها، كما
لا يخفى. هذا، مع أن الموجود في بعض نسخ الكافي والاستبصار، البغل مع
اللام.
قوله (ره): (بل غير ممكن، لأن السائل إنما سأل - الخ -).
بل إنما سأل عن اللزوم أو الملازمة بينه، وبين العطب، وليس في
كلامه ما يشهد بكون سؤاله عما يلزمه، ضرورة ظهور قوله " أليس له عطب أو
نفق - الخ - " في السؤال عن الملازمة أو اللزوم، لا عما يلزم، كما هو
واضح، وعليه كونه قيد النعم، بمكان من الامكان، فيكون لبيان أن زمان
41

الملازمة التي هي مبنى الضمان، يوم المخالفة، دفعا لتوهم كون زمانه، يوم
الاكتراء، أو لبيان اللزوم، يوم المخالفة، نحو الوجوب المتعلق على المتأخر، دفعا
لتوهم كون زمانه يوم الاكتراء، أو يوم العطب، ووجه السؤال عليهما، ما
اختلج بباله من فتوى أبي حنيفة، من الملازمة بين لزوم أجرة المثل، وعدم
ضمان العين، فافهم.
فظهر أن اليوم كما يمكن أن يكون قيدا للقيمة، يمكن أن يكون قيدا
لنعم، بل هذا أظهر، لأن جعله قيدا للقيمة أما بإضافتها إليه، ولا بد فيه من
التحمل، كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة، وأما بجعله قيدا للاختصاص
الحاصل لها من الإضافة، ولا بد فيه من التقدير، لأن الاختصاص بما هو غير
قابل لأن يكون متعلقا، والتقدير على خلاف الأصل، لكن ربما يستشهد
لكونه قيدا للقيمة، قوله عليه السلام " أو يأتي صاحب البغل بشهود
- الخ -) 1، فإن الظرف في هذه الفقرة، يكون قيدا للقيمة لا محالة، وقد
استظهر اتحاده مع يوم المخالفة، فهي دالة على أن الضمان إنما يكون لقيمة يوم
التلف، وكيف كان، فلو سلم أن الرواية ظاهرة في كون العبرة بقيمة يوم
الضمان، لاختص بالعين المغصوبة، ففي اجزاء هذا الحكم إلى محل البحث،
لا بد من اجماع على عدم الفصل بين المغصوب وغيره من الأعيان المضمونة، أو
استظهار عدم دخل الغصبية في ذلك، بل هو حكم مجرد الضمان. فتأمل.
قوله (ره): (إذ لا عبرة في أرش العيب بيوم الرد - الخ -).
لا يخفى، أن يوم رد البغل وإن كان مما لا عبرة به أصلا، إلا أن يوم
رد الأرش به العبرة، ويكون على وفق القاعدة، ولا بد أن يراد منه هذا اليوم،
وإنما عبر به لاتحادهما غالبا، وكون المتعارف رد الأرش، يوم رد العين، ولا
محيص عن ذلك، ولو قيل بتعلق الظرف بعليك، فإن يوم العين كما ليس به
العبرة في الأرش، لا عبرة به في حدوث الضمان، وهو واضح، ولا في فعليته،
فإن زمانها يوم رد الأرش، لا يوم ردها، مع أن تعلقه بعليك، يستلزم أن

1 - وسائل الشيعة: 13 / 255 - ب 17 - ح 1.
42

لا يكون، عليك، بيانا للحكم الشرعي، وهو بعيد في كلام الإمام (ع)،
خصوصا في المقام، فلا بد من جعل الظرف، قيدا لليوم، وبذاك الاجماع
يستكشف بطريق الآن أن العبرة في قيمة أصل العين بيوم رد القيمة. فافهم.
قوله (ره): (وحمل الحلف هيهنا على الحلف المتعارف - الخ -).
ربما يأتي عنه، أنه الحلف الفاصل للخصومة في مقام الحكومة،
وليس هو إلا الحلف عند الحاكم، ويمكن أن يقال: إن الإمام (ع) إنما يكون
بصدد الإشارة إلى ما لا يقع معه الخصومة، لا في مقام بيان موازين الحكومة
لدى التشاجر والمخاصمة، حيث إن الإنسان يحصل له الاطمينان بحلف
خصمة غالبا، لو لم يكن دائما وكان مراده من الحلف أو الرد، الحلف في
صورة اطمينانه بمقدار القيمة دون صاحبه، والرد في صورة العكس، فيحصل
للجاهل منهما الاطمينان بحلف الآخر. فتدبر. ولا يخفى بعد ما افاده من
التوجيه عن ظاهر الرواية. فتأمل.
قوله (ره): (فإن تسلط الناس على أموالهم الذي فرض كونه في عهدته
- الخ -).
لا يخفى أن السلطنة على المال، لا يقتضي جواز المطالبة بالبدل عند
تعذر رد عينه، نعم لا يبعد أن يكون جوازها، من آثار الضمان والعهدة،
فيكون قضيته وجوب رد العين مع التمكن، وجواز المطالبة ببدل الحيلولة مع
التعذر في زمان، وبالبدل مع التعذر مطلقا، كيف، ولو كان جواز المطالبة
من أحكام السلطنة، لكانت جائزة فيما إذا كان التعذر في زمان يسير جدا.
قوله (ره): (ولولا ظهور الاجماع وأدلة الغرامة في الملكية - الخ -).
لا يخفى، أن الإباحة المطلقة، من أول الأمر، حتى بالنسبة إلى
التصرفات المتوقفة على الملك، لا يكاد يكون إلا إذا كان موردها ملكا
للمباح له، ولا يفيد التمليك آنا ما قبل التصرف، فإنه مستلزم للتقييد، فلا
يكون إباحة جميع التصرفات مطلقة، بل مقيدة بالنسبة إلى الموقوف، منها على
التصرف لتعذر التملك قبله آنا ما فيباح، فافهم. إلا أن يكون الإباحة
بالنسبة إلى الموقوف، بمعنى أن له هذا التصرف لتمكنه من أن ينسب إلى
43

إباحته بايجاده، وإن لم يتصف بالمباحية بدونه.
قوله (ره): (وعلى أي حال لا ينتقل إلى الضامن 1، فهي غرامة - الخ -).
لا عوض كي يلزم الجمع بين العوض والمعوض، وإنما يلزم الضامن
بغرامة العين بلا عوض، لأجل ما فات على المالك من نفس العين المضمونة،
أو سلطنتها، أو قيمتها، أو ماليتها، أو غير ذلك، فالغرامة وإن كانت لنفس
العين في جميع صور لزوم الغرامة، إلا أنه ليس بعوض العين، يلزم الجمع
بينهما، ولا بإزاء ما فات منها، من سلطنة، أو قيمة، أو مالية، كما يظهر منه
(ره)، حيث جعلها بإزاء السلطنة الفاسدة، وبإزاء الأوصاف، أو الأجزاء
التي خرجت العين بفواتها عن التقويم، وإلا لوجب عليه تداركها، لو لم يدفع
الغرامة إلى زمان التمكن من العين، أو رجوعها إلى القيمة أو المالية، نعم إنما
يكون لزوم غرامة نفس العين، بملاحظتها، وهذا غير كونها عوضا لها، كما
لا يخفى.
قوله (ره): (لم يبعد انكشاف ذلك من انتقال العين إلى الغارم - الخ -).
لا وجه لهذا الانكشاف أصلا، لوضوح أن دفع تمام القيمة، إنما
يكون من باب الغرامة، وقد عرفت عدم اقتضائها الانتقال، وخصوصيتها
تعبدا غير موجبة لخروجها عما هو قضية بابها، كما لا يخفى.
قوله (ره): (ومن أن الموضوع في المستصحب ملك المالك - الخ -).
لا يخفى، أن الموضوع بمقتضى اليد، هو نفس العين، لا ببعض
عناوينها، وهي حقيقة باقية، فلا اشكال في صحة استصحاب وجوب أدائها
أصلا، مع أن استصحاب حق الاختصاص الذي حصل للمالك قبل دفع
القيمة وبعد الانقلاب بلا ارتياب، فإن البحث في ارتفاعها يدفعها، لا في
حدوثه سببه. فتأمل.
قوله (ره): (ثم إن مقتضى صدق الغرامة خروج الغارم عن عهدة العين
- الخ -).

1 - وفي المصدر: وعلى أي حال فلا ينتقل العين إلى الضامن.
44

بل خروجه عما هو قضية عهدتها وضمانها، وإن كانت نفس العهدة
باقية، ولا مخرج عنها إلا أداء نفس العين، كما هو قضية على اليد، كما
لا يخفى، فبغرامة العين يخرج عما هو مقتضى الضمان بالنسبة إلى العين،
والنماءات المتجددة بعد الغرامة، وكذا المنافع مطلقا، أو خصوص المستوفاة
منها، على الخلاف فيها، وأما الحادثة قبلها، فلا بد من أن يخرج عن عهدتها
على حدة. هذا في صورة التعذر في الجملة، وأما التعذر المطلق، فلا يبعد أن
لا يكون لما تجدد من النماء والمنفعة بعد التعذر، ضمان على حدة، فإن العين
حينئذ يعامل معها معاملة التالف. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (ثم إنه لا اشكال في أنه إذا ارتفع تعذر رد العين وصار متمكنا،
وجب ردها - الخ -).
فإنه أيضا مما يقتضيه ضمان العين، حيث إنه لا يخرج عن عهدة
نفس العين وضمانها إلا بالرد، كما هو قضية على اليد المغيى بالأداء كما
لا يخفى. ثم الظاهر أن الغرامة المدفوعة، لا يعود إلى ملك الغارم بمجرد حدوث
تمكنه من رد نفس العين ما لم يردها، حيث إن
العرف الحاكم في باب
كيفية الغرامات إنما يكون بنائهم على العود بالرد، لا بالتمكن، وعليه فليس
للغارم مطالبة ما دفعه إلا بعد الرد، كما أنه ليس له حبسها مطلقا، وإن قلنا
بالعود بالتمكن، كما أنه ليس للمالك حبس الغرامة، بل يجب على كل، رد
ما عنده، وليس من باب المعاوضة، حتى جاز لكل منهما الامتناع عن التسليم
قبل تسليم الآخر، اللهم إلا أن يدعى أنه مقتضى باب الغرامة أيضا، لكنه لم
يثبت، فتدبر.
قوله (ره): (المشهور كما عن الدروس 1 والكفاية 2، بطلان عقد الصبي
- الخ -).
ومجمل الكلام في صحة معاملة الغلام قبل البلوغ بالسن، أو

1 - الدروس / 335.
2 - كفاية الأحكام / 89.
45

الاحتلام، وعدم صحتها، أنه لا شبهة في عدم نفوذ المعاملة التي استقل بها، ولو
فيما إذا وكله المالك فيها، أو أوكل الولي إليه أمرها، للاجماع المنقول في لسان
جمع من الأصحاب الأخبار، وغير واحد من الأخبار. وأما إذا وكل في مجرد
اجراء الصيغة، أو أوكل إليه أمره بعد المساومة والمقاطعة، ممن بيده انفاذ
المعاملة، ففيه الاشكال، للعمومات، وعدم نهوض المنقول من اجماع
الأصحاب، وأخبار الباب، لتخصيصها، أما الاجماع فإن المتيقن من معقده،
غير هذه الصورة، واستثناء العلامة عنه، ايصال الهدية، وإذنه في دخول
الدار، لا يكشف عن شموله لجميع أفعال الصبي التي منها محل البحث، فإن
استثنائهما، إنما يكشف عن دخول مثلهما، لا عن دخول عمل لم يستقل به،
بل يكون آلة في مجرد ايقاع الصيغة كاللسان من الإنسان، وأما حديث رفع
القلم 1 ففيه مضافا إلى مكان دعوى ظهورها في رفع خصوص المؤاخذة عنه
كحديث الرفع أن رفع القلم عنه مطلقا، وضعا وتكليفا لا يقتضي رفع القلم
عن غيره بسبب فعله إذا كان بإذنه، ففعله إنما لا يكتب بما هو مضاف إليه،
لا بما هو مضاف إلى الغير وقد صدر بإذنه وأما خبر عمد الصبي - الخ - 2
فلأن ظاهره أن الفعل الذي يقع على نحوين: عن عمد وعن خطأ، ويختلف
بحسبهما حكمه، كما في باب الجنايات إذا صدر عن الصبي عمدا يكون كما
إذا صدر خطأ، فلا يعم ما لا يكون إلا متقوما بالعمد والقصد، كالايقاع
والعقد، ولا يكون له حكم إلا بعنوانه وإن كان لا يكاد يكون بالقصد.
وأما خبر " أن الغلام أو اليتيم لا يجوز أمره " 3، فظهوره فيما إذا استقل في العمل
مما لا يكاد يخفى، كما افاده (ره)، فلا يعم ما إذا كان وكيلا في مجرد ايقاع
الصيغة، وبمنزلة اللسان من الإنسان. فافهم.

1 - وسائل الشيعة: 1 / 32 - ب 4 - ح 10.
2 - وسائل الشيعة: 19 / 307 - ب 11 - ح 2.
3 - وسائل الشيعة: 1 / 30 - ب 4 - ح 2.
46

قوله (ره): (بل بمعنى عدم تعلق إرادته وإن أوجد مدلوله - الخ -).
أي بمعنى عدم التوسل بانشائه إلى حصول البيع والتسبيب إليه،
حيث لا يكاد العقد بدون هذا القصد، ولا يخفى، أن كل واحد من القصد
إلى اللفظ، وإلى المعنى الاستعمالي، وإلى هذا المعنى، من مقومات العقد،
لا يكاد يتحقق بدون واحد منها، ومعه لا وجه لجعله بأحد هذه المعاني من
شروط المتعاقدين.
قوله (ره): (أقول مقتضى قضية المعاوضة والمبادلة، دخول كل من
العوضين في ملك 1 الآخر - الخ -).
فيه إن انتزاع مفهوم المعاوضة والمبادلة عن البيع، لبيس بلازم
لا محالة، إلا إذا قيل بأنه قد أخذ في حقيقته دخول كل من الثمن والمثمن في
ملك مالك الآخر، وهو محال تأمل، وكونه تملكيا بالعوض، لا يكون إلا في
قبال إنه ليس مجانيا، وعلى هذا، فالقصد إلى العوض وتعينه، لا يغني عن
تعين المالك المنتقل إليه الثمن أو المثمن، بل لا بد منه مطلقا، وإن قيل إنه قد
أخذ في حقيقة البيع، دخول كل منهما في ملك الآخر، غاية الأمر عليك،
لا يكاد أن يقصد أصل البيع بدونه، وعلى الأول لم يقصد بشخصه، لعدم قصد
التعيين الذي به تشخصه، ولا بد من قصده نفوذ العقد على المبهم،
ولا يجدي التعيين بعده. فافهم.
قوله (ره): (وأما تعيين الموجب لخصوص 2 المشتري، والقابل لخصوص
البايع - الخ).
لا يخفى، أن العقد لما كان أمرا ربطيا بين الاثنين، لم يكد يتحقق
إلا إذا تواطئا وتوافقا بحسب القصد، فلو قصد أحدهما تمليك الآخر نفسه،
وقصد الآخر تمليك غيره وكالة أو فضولا، لم يتواطئا على واحد، فلا عقد
بينهما، بل من كل واحد منهما ايقاع، نعم ربما يقال بأنه يكفي قصد أحدهما

1 - وفي المصدر: أقول مقتضى قضية... كل من العوضين في ملك مالك الآخر.
2 - وفي المصدر: لخصوص المشتري المخاطب.
47

ما يقصده الآخر اجمالا في البيع، وإن لم يعرفه تفصيلا، إذا لم يقم دليل على
تعيينه، كما في النكاح بالنسبة إلى تعيين الزوج والزوجة، كما أن دليل نفي
الفور، دل على لزوم تعيين العوضين فيه، وعدم كفاية توافقهما على ما عينه
أحدهما بحسب قصده.
وبالجملة اعتبار تعيين ما توافقنا عليه، شئ آخر، والذي لا بد منه
في تحقق العقد، التواطؤ على وأحب بحسب القصد، فيكون وجه صحة البيع،
لأجل قصد البايع غالبا ما قصده القابل، من دون تعلق غرضه أصلا بشخص
خاص وعدم دليل على تعيين من ينتقل إليه العين، بخلاف النكاح، حيث إن الغرض غالبا، متعلق بخصوص شخص، والدليل قد دل على اعتبار
تعيينه، واسناده إلى الوكيل غير صحيح عرفا، بخلاف البيع. فالفرق بين
البيع والنكاح، ليس بعد توافقهما على لزوم التواطؤ على واحد معين واقعا ولو
اجمالا، إلا في لزوم التعيين في النكاح شرعا، بل فضول، أو وكيل، فيكون قصد
الموجب، بعتك لذاك الشخص الذي قصدته من نفسك أو غيرك، وعدم
صحة اسناد النكاح إلا إلى الأصيل. فتأمل في كلامه، زيد في علو مقامه،
لعله يرجع إلى ما ذكرنا، وإن كان ربما يأبى ظاهر بعض فقراته.
قوله (ره): (وغير ذلك مما يوجب القطع بأن المراد المفقود في المكره
هو القصد إلى وقوع أثر العقد - الخ -).
أي القصد إلى وقوعه شرعا، لو كان ملتفتا إلى اعتبار الطيب في
تأثيره، وأما القصد إلى وقوعه عرفا، والتوسل بانشاء مضمونة إلى تحققه كذلك
مما لا بد منه في تحقق العقد، ولا يكاد يكون انشاء مضمون عقد بدون هذا
القصد كما عرفت.
وبالجملة، محل الكلام بين الأعلام في عقد المكره، هو الذي
لا يقصر عن عقد غيره، إلا أنه ليس برضاء وطيب منه، بل بالكره.
قوله (ره): (لكن الانصاف إن وقوع الفعل عن الاكراه - الخ -).
لا يبعد دعوى صدق وقوع الفعل كرها فيما إذا وقع بسبب الاكراه،
48

بحيث لولاه وقع وإن كان التفصي ممكنا، ولكن لا يتفصى لعدم داعي
عقلائي إليه كالتورية، أو لوجود داعي كذلك إلى عدمه، وإن أبيت إلا عن
عدم صدق وقوع الفعل كرها، إلا مع عدم امكان التفصي ولو بالتورية،
أمكن أن يقال عدم الصحة مع امكانه، لمكان عموم " ولا تأكلوا أموالكم
- الخ -) 1 و " لا يحل مال امرء - الخ - " 2 بناء على ثبوت الواسطة بين
الاكراه وطيب النفس. فتدبر.
قوله (ره): (ويظهر الثمرة فيما لو ترتب أثر على خصوصية المعاملة الموجودة
- الخ -).
ظاهره أن ترتب الأثر على أحد الأمرين الذين أكره على أحدهما
دون الآخر، يمنع عن ووقعه مكرها عليه، فلو اختاره لترتب عليه أثره، وأنت
خبير بأن اختلافهما في الترتب وعدمه، لا يوجب تفاوتهما في الوقوع كرها،
ضرورة أن الغرض أنه لولا الاكراه لما اختار واحدا منهما واختار أحدهما، لا
محالة عن داعي آخر مطلقا اختص بالأثر أم لا، كما لا يخفى.
وبالجملة، يكون الاكراه على أحد الأمرين كافيا وقوع ما اختاره
مكرها عليه مطلقا، كان لكل واحد منهما بخصوصه أثر، أو كان لخصوص
أحدهما. نعم يمكن أن يقال، إن دليل ذي الأثر في الفرض أظهر، ففيما أكره
مثلا على مباح أو محرم أو عقد فاسدا وصحيح، يقدم دليله على دليل رفع
الاكراه، كما يقدم لذلك دليل رفعه على دليله في غير مقام.
قوله (ره): (فاحتمل في المالك عدم الصحة نظر إلى أن الاكراه يسقط
حكم اللفظ - الخ -).
لكن الظاهر هو الصحة فإن الاكراه، إنما يوجب رفع الأثر فيما
كان رفعه منه على المكره، ولا يكون في رفع صحة العقد الصادر عن الوكيل
منه عليه. كما لا يخفى.

1 - البقرة: 188.
2 - وسائل الشيعة: 3 / 424 - ب 3 - ح 1.
49

قوله (ره): (والأول أقوى - الخ -).
إنما يكون أقوى إذا كان بيع الجميع بداعي غير الاكراه، وأما إذا لم
يكن إلا بداعي الاكراه، كما إذا كانت هناك ملازمة بحسب غرضه بين بيع
أحدهما وبيع الآخر، حيث إن
الاكراه حينئذ على بيع أحدهما يكون اكراها
على بيع الآخر. ومن هنا ظهر حال ما لو أكره على معين فضم إليه غيره
وباعهما دفعة، بل لا يبعد ذلك فيما باع العبدين تدريجا أيضا. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (بل من جهة دفع الضرر 1 عن المكره بالكسر - الخ -).
لا يخفى، أن التوعيد بالضرر على الغير، إنما يكون اكراها إذا كان
الضرر عليه، يعد ضررا على المكره بالفتح، كما إذا كان الغير مثل من به
(ره)، أو كان دفع الضرر عنه فعلا واجبا عليه، وإلا لا يكون اكراها، كما
لا يخفى.
قوله (ره): (إذ يكفي فيه مجرد قصد الانشاء المدلول عليه - الخ -).
قد عرفت في بعض الحواشى السابقة عدم كفاية ذلك، بل لا بد في
صدق العقد وتحققه من قصد التوسل به إلى تحقق مضمونه.
وبالجملة لا بد فيه من أن يكون قصد الانشاء بداعي التوصل، كما
إذا لم يكن هناك اكراه ولم يكن بينهما تفاوت، إلا أن اختياره هيهنا، لأجل
الفرار عما وعده به، خلاف ساير الموارد.
قوله (ره): (وكذلك على القول بالكشف بعد التأمل - الخ -).
لكن مع القول بدخله بطور الشرط المتأخر في التأثير، وأما على القول
بعدم الدخل فيه أصلا، بل إنما يكون له الكشف عما هو المؤثر فمشكل، فإن
الرضاء حينئذ يكشف عن نفوذ عقده الصادر عنه كرها. فافهم.
قوله (ره): (إلا أن يقال إن أدلة الاكراه كما ترفع السببية المستقلة
- الخ -).
إنما ترفع مطلق الأثر فيما كان ذاك الأثر، بمقتضى الاطلاقات

1 - وفي المصدر: بل من جهة دفع الضرر اللاحق عن المكره بالكسر.
50

نفسها وحدها، لا فيما إذا كان ثبوته بملاحظة أدلة الاكرام، كما هو الفرض.
فافهم.
قوله (ره): (وهذا أمر عقلي قهري، يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر
التام هو المجموع منه ومن الرضاء - الخ -).
فكيف يمكن دفعه بأدلة الاكراه من غير فرق بين أن يكون دخل
الرضاء بنحو الشرط المتقدم أو المتأخر، وأما لو لم نقل بدخله أصلا بل به
الكشف عماله تمام الدخل سابقا، فقد عرفت أنه مشكل، ولعله أشار إليه
بأمره بالتأمل، كما يمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكره من جعل الشرط على
الكشف وصف التعقب بالرضا، خلاف ظاهر القائلين بالكشف، بل
الشرط نفس الرضاء، كما إذا كان متقدما على ما سيجئ تحقيقه منا بما
لا مزيد عليه انشاء الله تعالى، فانتظر.
قوله (ره): (وفيه أن مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس
النقل - الخ -).
وذلك لأن مفاد العقد باطلاقه، ليس إلا ارسال النقل واطلاقه
لا تحديده، وتعيين زمان حدوثه ولازمه حدوثه عند وجود علته، وهذا غير ابهام
النقل كي لا يصح العقد عليه. فافهم
قوله (ره): (قال الله تعالى: ضرب الله عبدا مملوكا الآية 1 -).
الاستدلال بها على عدم استقلال العبد في أموره، يتوقف على كون
لا يقدر صفة موضحة، كما كان قوله تعالى " مملوكا " 2 كذلك، لا مقيدة،
كما أنه الظاهر المؤيد بأن قضية المملوكية، عدم استقلاله في أمره، ويساعد
عليه، استشهاد الإمام (ع) على عدم نفوذ طلاقه 3، لكن لا يبعد أن يكون
الشئ قد كنى به عن خصوص عناوين المسببات، من نكاح، وطلاق،
وبيع، وشراء، ونحو ذلك، ويكون المراد من عدم قدرته عليه، عدم القدرة

1 - النحل: 75.
2 - النحل: 75.
2 - وسائل الشيعة: 15 / 343 - ب 45 - ح 1.
51

على استقلال بايقاعها بنفسه بلا إذن ورضاء من سيده، فلا يعم ايقاعها
بإذنه له، ولا ايقاعهما لغيره بدون إذن السيد وبإذنه، فلا دلالة لهذه الآية
على عدم نفوذ ما أوقعه لغيره بإذنه، من نكاح، أو طلاق، أو غيرهما من
المسببات، فضلا عن الأسباب، كما إذا إذن الغير في مجرد ايقاع الصيغة له،
وإن أبيت، إلا عن عدم ظهور الآية في خصوص ذلك، فلا أقل من كونه
المتيقن من اطلاقها، وإن أبيت عن ذلك أيضا، فلا أقل من كون سائر
العمومات والاطلاقات الدالة على النفوذ أظهر منها في عدم نفوذ ايقاع
المسببات لغيره بإذنه، فضلا عن مجرد ايقاع الصيغة.
قوله (ره): (إلا أن الأقوى، هو لحوق إجازة المولى - الخ -).
بناء على شمول اطلاق الشئ للأسباب، كما هو مفروض كلامه
- ره - يمكن منع لحوق الإجازة، فإنه يستلزم استقلاله في ايجاد السبب
الاستعدادي، إلا أن يمنع عن الشمول لمثل هذا الأمر، ولو قيل بالشمول
للأسباب. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (بل يمكن جعل نفس الايجاب موجبا للإذن - الخ -).
بل كاشفا عن سبق الرضاء فيكون المشتري قابلا في زمان الايجاب
أيضا. فلا تغفل.
قوله (ره): (وفيه ما عرفت من أن وجه المنع، أدلة عدم استقلاله العبد في
شئ - الخ -).
لكنه يوجب المنع والفساد هيهنا، لو لم يكن للوكيل وكالة مطلقة،
بحيث يعم، بيعه منه، وإلا كان صحيحا لما عرفت في بيع المولى، كما لا يخفى.
قوله (ره): (وإن كان الذي يقوى في النفس لولا خروجه - الخ -).
لا يخفى، إن كفاية الرضاء السابق وعدم التوقف على الإجازة، إنما
يكون لو كانت قضية الاطلاقات والعمومات نفوذ العقد على ملك أحد، ولو
لم يكن منه ولم يصر عقده إذا كان برضاه، مع أن الظاهر من الآية، إنما هو
وجوب الوفاء على كل أحد بعقده، لا بعقد غيره، ولو على ملكه ما لم يصر
عقده، ومجرد رضاه بمضمونه، لا يوجب كونه عقده وعهده، ما لم يكن بإذنه، أو
52

تلحقه إجازته، وكذلك المنساق من اطلاق مثل " أحل الله البيع
- الآية - " 1، إنما هو نفوذ بيعه الصادر منه، أو المضاف إليه، ولو بإجازته، مع
ما عرفت سابقا، من منع اطلاقه لوروده في مقام تحريم الربا، كما لا يخفى.
نعم لو كان العقد صادرا عن المالك فيما يتعلق به حق الغير، كالعين
المرهونة، لا يبعد كفاية رضاء الغير وعدم التوقف على إجازته، فإن رعاية
حقه، لا يقتضي إلا مراعاة رضائه في نفوذ عقد المالك على ملكه المرهون.
قوله (ره): (ولكن لا يخفى أن الاستدلال بها، يتوقف على دخول المعاملة
المقرونة برضاء المالك في بيع الفضولي).
قد عرفت دخولها فيه، فيما عقد على ملك الغير، لكنه يتوقف على عدم
كون (عروة) 2 وكيلا في معاملاته (صلى الله عليه وآله)، لا يكون أمره
بالاشتراء ظاهرا في عدم كونه وكيلا، ولا بتركه ظاهرا في الإجازة، كما
لا يخفى.
قوله (ره): (ويمكن أن يكون الوجه في ذلك أن ابطال النكاح - الخ -).
كما يمكن أن يكون الوجه هو أن احتياط الشارع، وحرمة عدم ابطال
النكاح والتوسعة في أمره، لئلا يقع الناس كثيرا في الزنا، وكذلك شرع عقد
التمتع، ولم يقتصر على الدائم، فيكون المراد، هو احتياط الشارع بهذا المعنى، لا
احتياط المكلف، كي يشكل بأن الأمر فيه دائر بين المحذورين بلا احتياط
في البين، كما لا يخفى.
قوله (ره): (وعد هذا خارجا عن الفضولي 3 بالنص - الخ -).
يمكن خروجه عنه موضوعا بدعوى أن المالك، وإن عين ضربا من
المتاع، إلا أنه بنحو العقد في المطلوب، فيكون ما اشتراه العامل في صورة ظهور
الريح على وفق غرضه أيضا، ويقتضه عقد مضاربته، وليس قضية التعيين،

1 - البقرة: 275.
2 - مستدرك الوسائل - 2 / 462 - ب 18.
3 - وفي المصدر: وعد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنص.
53

إلا ضمان العامل فيما إذا تخلف، لا الخروج عما هو مقتضى المضاربة رأسا.
فافهم.
قوله (ره): (مع أن تحريمه لا يدل على الفساد - الخ -).
إنما لا يدل قوله " لا يجوز لأحد التصرف على الفساد - الخ - " إذا
كان الجواز المنفي، هو الجواز التكليفي، وأما إذا كان بمعنى النفوذ، ففي موارد
التكليف، يكون منعا تكليفيا، وفي موارد الوضع منعا وضعيا، فتفطن.
قوله (ره): (خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة - الخ -).
أو كانت كاشفة مع دخلها بنحو الشرط المتأخر، على ما سيأتي
تحقيقه، أما لو قيل بالكشف وعدم الدخل أصلا، فلا ريب في صدق
التصرف على بيع الفضول، كما لا يخفى.
قوله (ره): (وأما ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد ولو آنا ما، فلم يدل
دليل على كونه فسخا - الخ -).
هذا مع أنه لو كان المنع الباقي مؤثرا، كان مجرد عدم الرضاء بالعقد
مانعا من تأثير الإجازة أيضا، وإن لم يسبق منه منع، وكان المنع السابق غير
مؤثر مع ارتفاعه حال العقد، ويمكن الاستدلال على عدم تأثير الإجازة هيهنا،
بما استدل به على عدم تأثيرها مع سبق العقد، من أنه معنى لا يضاف العقد
بها إلى المجيز عرفا كالرد، لكن الظاهر أنه ليس كذلك، فإن المنع والرد
يتفاوتان في ذلك عرفا، فلاحظ.
قوله (ره): (إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه
الآخر - الخ -).
قد مر في باب المعاطاة، ليس إلا التمليك
بالعوض، ولا يعتبر دخول أحد العوضين في ملك من خرج عن ملكه الآخر،
فيكون مع قصده إلى بيع مال الغير لنفسه قاصدا إلى ما هو البيع وما هو
المعاوضة بهذا المعنى، وأما بناء على ما أفاده، من اعتبار ذلك في قوامه،
فالتفصي عن هذا الاشكال بما ذكره، مع أنه غير سديد، إذ لا يكون بيع
المقاصد مترتبا على هذا البناء غير مفيد، إذ الدخول لو كان معتبرا كان هو
54

الدخول حقيقة ولو عرفا، ومجرد البناء على المالكية، لا يوجب ذلك، وإنما
يوجب قصده إلى دخول عوضه في ملكه، ويدعوه إلى قصد تملكه بنفسه
وشخصه، لا بما هو المالك، فلا يكون بذلك قاصدا إلى المعاوضة. نعم لو
كان مجرد ذلك البناء مملكا ولو بنظر العرف، كان موجبا للقصد إلى
المعاوضة، وليس كذلك، كما هو واضح.
وبالجملة، لو كان هناك من الغاصب بناء، لا يكاد يكون ا
داعيا إلى قصد تملك العوض بشخصه وبذاته، لا تملك المالك، مع دعوى
انطباقه عليه، والبناء على أنه المالك، كما هو ظاهر، ثم إنه على ما ذكرنا،
من عدم الاعتبار، ربما يشكل أيضا تحقق العقد منه، حيث لا يتأتى منه
القصد إلى التوسل إلى تحقق ما إنشائه بعد علمه بعدم تأثيره أصلا، لا شرعا،
ولا عرفا، إلا أن يمنع عن ذلك، وقيل: بكفاية قصد التوسل إلى مضمونه،
ولو بحسب نظره قبالا لما إذا كان داعيه على إنشاء غير ذلك هذا.
قوله (ره): (وأما كون الثمن مالا له أو لغيره، فايجاب البيع ساكت عنه
- الخ -).
لا يخفى أن البايع لنفسه لا محالة، يكون قاصدا لتملك الثمن وصيرورته
ملكا له ابتداء بإزاء ما ملكه كذلك، أو بعد البناء منه على ملكيته عدوانا،
أو اعتقادا، على ما عرفت في الحاشية السابقة إذ لا معنى لعدم قصد تملك
الثمن أصلا ولا لقصد تملك المالك بنحو العنوان كما لا يخفى وأن الملكية اعتبار
خاص بين الشئ وأعيان الأشخاص لا عنوان المالك مع أنه قد عرفت في
الحاشية السابقة أن البناء على الملكية لا يكون إلا داعيا له إلى قصد تملكه
بنفسه، بلا قصد تملك المالك أولا، وقصد تملكه ثانيا، للبناء على أنه المالك
عدوانا، أو اعتقادا، ومجرد كون هذا مملكا أيضا، لا يوجب أن يكون بلا
داعي يدعو إليه، ولا يكاد يكون له بحسب المتعارف داعي، ولو اتفق حصوله
أحيانا، لاختص التصحيح بما أفاده به ولا يعم ما هو المتعارف من بيع
الغاصب لنفسه. فتفطن. وقد انقدح بذلك، فساد ما أفاده بقوله " فالمنسوب
إليه التمسك إنما هو المتكلم - إلى آخر كلام - ".
55

قوله (ره): (أما الأول فلأن صحة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه
ممنوعة - الخ).
لا يخفى، أن قضية ما تقدم، لو سلم إنما هو عدم صحة الإذن لو لم
يكن تمليكا ضمنيا، بل الإذن الثمن بإزاء ملكه لما ادعاه من
عدم معقولية التملك بعوض مال الغير، لا فيما لو كان متضمنا للتمليك أيضا
ضرورة عدم تأتي ما أفاده - ره - معه، مع أنك قد عرفت منعه.
قوله (ره): (لأن الإذن في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء
تقدير الملك آنا ما قبل البيع - الخ -).
لا يخفى، أن تقدير الملك من باب الاقتضاء لا يكاد يصار إليه إلا إذا
كان هناك دليل على نفوذ البيع بإذن المالك للبايع، مع أنه لا يكون معقولا
بدون ملكه، فيقدر لعقل، وهذا بعينه جار في الإجارة، ضرورة أنه إذا نهض
الدليل على صحة البيع للفضول مع الإجازة، فلا محيص عن تقدير الملك من
باب الاقتضاء قبله، كي يعقل، فالقياس بلا فارق أصلا، ولو لم يقم دليل
على صحة البيع لما كان وجه للتقدير مع الإذن من هذا الباب، هذا على ما
هو المفروض في كلامه (ره) من الملك التقديري، وهو غير الملك الضمني في
كلام البعض، فإنه ملك الحقيقي حصل ضمنا بسبب الإذن هيهنا، والبيع
والعتق في باب: أعتق عبدك عني، وعليه يمكن أن يكون الإجازة متضمنا
كالإذن، لكنه يصير حينئذ من قبيل: باع ثم ملك، ويأتي تحقيق القول فيه،
مع أنه على تقدير الدليل على صحة البيع بالإجازة للمالك، يمكن أن يكون
وجه المقايسة أنه كما أن صحة البيع في صورة الإذن بالالتزام بالتمليك
الضمني، كان صحة البيع مع الإجازة بالالتزام بالتمليك التقديري. فافهم
وتأمل، فإن المقام لا يخلو عن دقة.
قوله (ره): (وأما الثاني فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع - الخ -).
قد عرفت منع منافاته لحقيقته، فتلخص مما ذكرنا في هذه الحواشى،
أن الإجازة في الصورة، إنما تكون موجبة لوقوعه للبايع لا للمجيز، نعم لو كان
قاصدا لوقوعه له لما كان مجيزا للعقد، فلو قام دليل على نفوذه له، فلا محيص
56

عن القول بنفوذه تعبدا على خلاف القواعد، لكن بقي شئ، وهو أنه يمكن
أن يقال، إن الغاصب في بيعه لنفسه، لا يقصد إلا انشاء التمليك بالعوض،
من دون قصد تملكه للثمن بنفس العقد، بل إنما قصد التصرف فيه بعد
التوسل به إليه، كما كان متصرفا في المثمن عدوا نا على المغصوب عنه، حيث
لا داعي له إلى قصد التملك بالعقد بعد التمكن من مبهمه بدونه، وعدم
مدخليته أصلا في الوصول إلى مقصوده، كما لا يخفى وحينئذ فلو قام دليل على
نفوذه للمالك في الصورة يمكن أن ينزل على ذلك، أي ما إذا قصد كذلك
نعم إنما يشكل فيما إذا كان البايع معتقد الملكية المبيع. فتأمل.
قوله (ره): (ثم إن مما ذكرنا من أن نسبة تلك العوص حقيقة - الخ -).
لا يخفى أن الاشكال الناشئ من قبل عدم جواز الرجوع إلى الغاصب
بحاله ضرورة أن عدم جواز الرجوع لو كان كاشفا عن عدم تحقق المعاوضة
الحقيقية، كما هو مبنى الاشكال، كان كاشفا عنه، ولو مع قصد الغاصب
تملك المالك الحقيقي أولا، ونسبته المالك إليه حقيقة، ونسبته إليه ثانيا، للبناء
على أنه المالك، نعم لو قيل بجواز الرجوع مع هذا القصد، لا يكون هناك
اشكال من رأس، كما لم يكن أصلا، لو قيل به مطلقا، كما لا يخفى.
وبالجملة، لا يكاد ينفع بذلك الاشكال الآتي من قبل القول بعدم
جواز الرجوع، ومع القول بجوازه، لا اشكال قيل بما ذكره أولا، فتفطن.
قوله (ره): (إنما يتوجه على القول بالنقل حيث إن تسليط المشتري للبايع
الخ).
إنما يتوجه على هذا القول، لو قيل بجواز التصرفات المنافية من
الأصيل ونفوذها، وإلا فلا، حيث لم يكن له قبل الرد تسليطه على الثمن،
ويأتي تحقيق القول فيه، انشاء الله تعالى.
قوله (ره): (فكذلك قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلي
بإضافته - الخ -).
إنما يغني عنه، إذا كان قاصدا بذلك للمعين اجمالا، وإلا فمجرد
قصده، لا يوجب تعينه، ومجرد استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير من
57

خرج عنه الآخر لو سلم، لا يوجب ذلك بلا قصد، وإلا يلزم حصول تمليك
شخص خاص، أو تملكه بلا عقد، لوضوح تبعية العقد للقصد، فانقدح بذلك
أنه لا يكاد يتحقق تمليك أحد الشئ أو تملكه بدون قصده تفصيلا أو إجمالا
وإلا كان بلا عقد فانقدح فساد ما أفاده فيما بعد من صرف الكلي إلى ذمة
أحد، أو صرف البيع، أو الشراء إليه، وإن لم يقصده، أو لم يضفه إليه إلا أن
يكون مراده، أن يقصده تفصيلا لا مطلقا. فافهم.
قوله (ره): (بناء على إفادتها للملك - الخ -).
بل مطلقا بناء على ما أسلفناه من أنها يصير بيعا شرعا بالتصرف،
وإن كانت قبله مؤثرة للإباحة المالكية أو الشرعية، وليس حال التصرف
فيه، إلا كحال القبض في الصرف والسلم، لكن هذا، أي عدم التفرقة بين
البيع العقدي والمعاطاة، إنما يتم على تقدير كون صحة المعاطاة على
القاعدة، وأما لو نوقش فيه كما تقدم، وقيل بها لأجل السيرة، فلا بد في
الفضولي من الاقتصار على العقدي، لأن المتيقن من موردها، غير الفضولي من
المعاطاة.
قوله (ره): (مع أن حصول الإباحة قبل الإجارة غير ممكن - الخ -).
لو كانت الإباحة مالكية، وأما إذا كانت شرعية، فيمكن الحكم بها
قبل الإجازة على الكشف فيما إذا علم لحوقها، فإن الإباحة على هذا أثرها
أيضا كالملكية بعد التصرف، فإذا كانت المعاطاة واجدة للشرط واقعا، من
لحوق الإجازة، كانت ثبوتها لها قبل التصرف، كما كانت مؤثرة للملكية
بعده. فافهم.
قوله (ره): (وعن فخر الدين الاحتجاج لهم بأنها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير
المعدوم في الموجود - الخ -).
وليكن مراده بأنها لو لم تكن كاشفة عن سبق الملكية بعلتها التامة،
بلا مدخليتها أصلا، وبلا لزم دخل المعدوم في التأثير، كما لا يخفى.
وبالجملة، الاشكال بتأثير المعدوم في الموجود، يرد على كل واحد،
من القول بالكشف، بناء على دخل الرضاء، والقول بالنقل، فلا وجه للفرار
58

عن أحدهما إلى الآخر لذلك. وأما بناء على عدم دخله، فيلزم كون الفضولي
على خلاف قاعدة اعتبار رضاء المالك في نفوذ تصرف الغير في ملكه، أي على
خلاف قاعدة وجوب الوفاء بالعقود، ضرورة أن المخاطب بوجوب الوفاء، إنما
هو المالك، ولا يكاد يكون العقد الفضولي، عقدا للمالك بلا إجازة لاحقة
منه، فلا بد من الاقتصار في نفوذ الفضولي على مقدار مساعدة خصوص الدليل
عليه، ومن الواضح أنه لا خلاف ما عليه القائلون به، من أن صحته تكون
على القاعدة، ولا يخفى أن الاشكال تأثير ما عدم في اللاحق، أو لم يوجد في
السابق، مما لا اختصاص له بالمقام، بل سار في العبادات المركبة أو المقيدة
بأمر قد انعدم، أو لم يوجد في قاطبة المعاملات، بل الايقاعات، إلى غير ذلك،
ضرورة تأثير الايجاب المعدوم، بل القبول بغير جزئه الأخير، بل مطلقا فيما
يعتبر فيه شرط، من قبض، كما في الهبة، والرهن، ونحوها، أو تصرف كما في
المعاطاة في الموجود من الملكية، والزوجية، ونحوهما، وهكذا حال
الايقاعات، فإن صيغتها متصرمة غير قارة بأجزائها وجودا، فلا يكون تمام
ما هو المؤثر في الانفكاك عن الرقية، أو الزوجية في العتاق، والطلاق عند
التأثير بموجود، ومن هنا انقدح عدم اختصاص الاشكال بالشرط المتأخر، كما
اشتهر، بل يعم المقتضي المتصرم، أو الشرط المتقدم، المتقدمين حال التأثير،
وقد حققنا القول في التفصي عن الاشكال في البحث وفي بعض فوائدنا
بما خلاصته، إن ما يتخيل أنه سبب متصرم، أو شرط غير موجود بعد، أو
متقدم، لا يكون إلا في الاعتبارات التي تكون واقعيتها بمنشأ انتزاعها،
وتحقق ما يصح به اختراعها، ولا يكون لها تحقق في الخارج، إلا بتحققه
ووجوده كالزوجية، والملكية، والحرية، والرقية، والوجوب، والحرمة، إلى
غير ذلك من الاعتبارات التي ليست من المقولات التي تكون محمولة
بالضمية، وموجودة في الخارج، ولو في الموضوع، حيث يتخيل فيها، أن الأمور
المتقدمة عليها، أو المتأخرة عنها، صارت مؤثرة فيها في غير واحد من المقامات،
كما أشرنا إليها اجمالا، وإلا في الأفعال الاختيارية بما هي اختيارية، حيث
يتخيل أن لبعض ما سبقها أو يلحقها، ريما يكون له دخل فيها، بحيث لو
59

لا سبقه أو لحوقه، لما كادت تكون وليس الأمر كما تخيل في واحد من
المقامين:
أما الأول: فلأن العلة حقيقة، والذي يوجب اعتبارا من تلك
الاعتبارات واقعا، ليس إلا لحاظ ما هو منشاء الانتزاع، وتصور ما به يصح
الاختراع، فلا يكون دخل ما يسمى سببا كالعقد، أو شرطا كالقبض في
الصرف، أو غيرهما، مقارنا كان للأثر، أو مقدما، أو مؤخرا، إلا بلحاظه
واعتباره، ووجوده في الذهن، فيقارن المؤثر لأثره، لا بوجوده في الخارج، كي
لا يقارن له، ومن الواضح أنه كما يصح اختراع اعتبار بلحاظ ما يقارنه، يصح
بلحاظ أمر سابق، أو لاحق، بل ربما لا يكاد يصح بلحاظه مع مقارنته،
ضرورة أن حسن فعل، أو قبحه، أو مطابقته لغرضه، إنما يكون بلحاظ لحوق
شئ أو سبقه، بحيث لولاه لما كان يتصف بأحدهما، أو بالمطابقة للغرض،
كما لا يخفى.
وأما الثاني: فلأن العلة في الفعل الاختياري بما هو اختياري، ليس
إلا تصوره بأطرافه وخصوصياته العارضة عليه بلحاظ أكنافه بما سبقه، أو
قارنه، أو لحقه، وتصور ما يترتب عليه، من الأثر، وهيجان الرغبة فيه، والجزم
والعزم المتعقب بتحريك العضلات، وليس واحد من أطرافه، ولا ما هو
فائدته بوجوده في الخارج، مؤثرا في تحريكها بالإرادة، كي يلزم تأخر السبب
أو الشرط عن مسببه أو مشروط أو عدم مقارنته معه، بل بوجودها في الذهن،
مع سائر المبادي الوجدانية، وهي مقارنته لوجوده، كما هو واضح، فأين
انثلام القاعدة وانخرامها.
هذا بعض الكلام بما يناسب المقام، ومن أراد الاطلاع التام فعليه
المراجعة إلى الفوائد 1.
فإذا أظهر لك أنه لا يلزم على واحد من القولين محذور تأثير المعدوم في

1 - أي الرسالة التي سميت بفوائد الأصول وقد طبعت مرتين مع حاشية الفرائد منه - قدس
سره - ومن شاء فلينظر بها.
60

الموجود، علمت أن المتبع في تعيين أحدهما، هو الدليل، ولا يخفى أن قضية
قاعدة وجوب الوفاء بالعقود، بعد التقييد بطيب المالك ورضاء من له
الاختيار، هو تحقق مضمونها، بعد تحقق العقد والرضاء فكما لا يكاد يكون
بحسب القواعد، تحقق مضمون عقد ينعقد فيما بعد من قبل، كذلك هيهنا
لا يكون العقد الفضولي، عقد المالك قبل الإجازة، فكيف يكون مضمونه من
قبل بمجرد وجودها فيما بعد، وكذا الحال في عقد المكره فلا وجه للقول
بالكشف بمعنى تحقق المضمون قبل ذلك، لأجل تحققها فيما بعد، نعم بمعنى
الحكم بعد الإجازة بتحقق مضمونه حقيقة، مما لا محيص بحسب القواعد،
فلو أجاز المالك مثل الإجازة الفضولية بعد انقضاء بعض مدتها، أو الزوج، أو
الزوجة عقد التمتع كذلك، أي بعد انقضاء بعض المدة، فيصح اعتبار
الملكية حقيقة للمستأجر، والزوجية لهما في تمام المدة التي قد انقضى بعضها،
بل ولو انقضى تمامها، لتحقق منشأ انتزاعها.
فإن قلت: كيف يصح هذا، وكان قبل الإجازة ملكا للمؤجر؟ ولم
يكن هناك زوجية إلا أنه يكون مساوقا لكون شئ بتمامه ملكا لاثنين في
زمان واحد، واجتماع الزوجية وعدمها كذلك، أي في زمان واحد. قلت:
لا ضير فيه، إذا كان زمان اعتبار ملكية لأحدهما في زمان، غير زمان اعتبار
الملكية للآخر في ذاك الزمان، لتحقق ما هو منشاء انتزاعها في زمان واحد
لكل منها في زمانين، وكذا الزوجية وعدمها، وحيث لم يكن قبل الإجازة،
ما يصح معه انتزاع الملكية أو الزوجية للمجيز من العقد، لم يصح إلا انتزاع
ما صح انتزاعه قله، ولما وجد معها ما يصح معه ذلك، كان اعتبار الملكية أو
الزوجية له من حينه حينئذ مما لا محيص عنه، ضرورة أن قضية صحة العقد
ونفوذه بالإجازة، صحة اعتبار مضمومه، وصيرورته منشاء لانتزاعه وسيا
لاختراعه، فيترتب على الملكية في ذاك الزمان، أو الزوجية، كلما كان لها
من الآثار التي يمكن ترتبها عليها في الآن. هذا فيما إذا كان العقد من مثل
الإجارة والتمتع، وكذا إذا كان مثل البيع والنكاح الدائم، فإن قضية
اطلاقها، هو القصد إلى مضمونه مطلقا، ومرسلا بلا تحديد في أوله ولا في
61

آخره، ولم يلحظ فيه تقييد وتحديد بزمان، إلا ارسال والاطلاق، ولازمه تحققه
مقارنا لزمان وجود علته، وهذا غير الابهام والاهمال الذي لا يكاد يصح العقد
عليه، كما مر في عقد المكره. وأما كشف الإجازة عن سبق العلة التامة، كما
يظهر من المحقق الثاني، وكذا كشفها عن سبق الأثر مع دخلها في التأثير،
كذا النقل والكشف الحكمي، كما أفاده - ره - فعلى خلاف ما يقتضيه
القواعد، لاقتضائها دخل الرضاء والطيب في التأثير، دخل الشرط المقارن،
كما أن قضية الصحة بعد لحوق الإجازة، هو تحقق مضمون العقد كما قصد
على ما عرفت فلا بد في المصير إلى واحد منها، من دليل خاص، وليس، فإن
ما أفاده لا يوجب ظهور صحيحة أبي عبيدة 1 في الكشف فإن ما في الكشف
من المخالفة للقاعدة، ليس بأهون مما في العزل على تقدير عدم الحمل على
الكشف. فتأمل.
قوله (ره): (كان العزل مخالفا لقاعدة تسلط الناس - الخ -).
وكان تلقي الزوجية لنصيبها من الورثة، لا من الميت، ثم لا يخفى أن
ذلك إنما يكون إذا قيل بدخول المعزول في ملك الورثة، وإلا لم يلزم إلا مخالفة
قاعدة ما تركه الميت فلوارثه.
قوله (ره): (أما الثمرة على الكشف الحقيقي بين كون نفس الإجازة - الخ -).
لا يكاد يظهر بينهما على الكشف ثمرة عملية أصلا كما لا يخفى. نعم
فيما إذا شك في لحوق الإجازة، لا بد من الرجوع إلى أصالة عدم لحوقها، بناء
على كون نفس الإجازة شرطا، ومن الرجوع إلى أصالة عدم تحقق ما هو سبب
النقل من العقد الملحوق بالرضاء، بناء على كونها كاشفة عن السبب التام،
فيتفاوتان في طريق اثبات حكم العمل مع اتفاقهما فيه.
قوله (ره): (فإن الوطي على الكشف الحقيقي حرام ظاهرا، لأصالة عدم
الإجازة - الخ -).
لا يخفى أن أصالة عدم الإجازة إنما يجري إذا كان نفس الإجازة

1 وسائل الشيعة: 15 / 71 - ب 58 - ح 2.
62

شرطا، كما هو مبنى كلامه (ره) " ظاهرا " وأما إذا كانت كاشفة عن
السبب التام فلا مجال لها بلا كلام، فلا بد في الحكم بأنه حرام، من أصالة عدم ذاك العقد الخاص عند الشك، في أن الموجود في أفراده أو من سائر
أفراد العام.
قوله (ره): (وضابط الكشف الحكمي، الحكم بعد الإجازة - الخ -).
ضابطه إنما يكون ذلك، إذا ساعد دليل على ترتيب جمع الآثار، وإلا
فلا بد من الاقتصار على مقدار يساعد عليه، أو متيقن منه، حيث لم يكن قبل
الإجازة ملكية حقيقة على هذا الكشف، بل تنزيله. ومن هنا يظهر
الاشكال في صيرورة الجارية الموطوئة قبل الإجازة، أم ولد. نعم جميع آثار
يترتب، بناء على الكشف بالمعنى الذي ذكرناه، الاعتبار الملكية حقيقة من
حين العقد بالإجازة، ومن جملتها الحكم بصيرورة الجارية أم ولد. فتدبر.
قوله (ره): (فإن العقد تام من طرف الأصيل - الخ -).
لا يخفى، أن العقد لو كان تاما، نافذا من طرفه، كان كذلك على
النقل أيضا، ضرورة أن التفاوت بينهما في دخل الرضاء في التأثير بنحو الشرط
أو المتأخر، لا يوجب تفاوتها في تمامية العقد من طرف الأصيل وعدم
تماميته. نعم العقد على الكشف، بمعنى كون الإجازة كاشفا محضا بلا دخل
في التأثير أصلا، وإن كان تاما من طرفة على تقديرها، إلا أنه كذلك من
طرف الفضولي، ومن هنا ظهر أن ما جعله مبنى لجواز الفسخ من طرف
الأصيل على النقل، لو صح، لكان موجبا لجوازه على الكشف أيضا، لاستواء
نسبته إليهما، كما لا يخفى.
قوله (ره): (بل مقتضى العموم وجوبه حتى مع العلم بعدم إجازة المالك
- الخ -).
لا يخفى، إنه لا وجه لوجوب الوفاء في صورة العلم بعدمها أصلا،
ضرورة التقييد بالإجازة أو بما هي كاشفة عنه، أو محققة له، على
الاحتمالات في الكشف الحقيقي، فكيف يجب الوفاء في هذه الصورة على
الأصيل، بناء على الكشف المشهودي، مع مساواته مع الكشف عند المعاصر
63

له في التقييد بها وهو منتف في الصورة، ولو كان المراد من الكشف
المشهودي، هو كشف الإجازة عما هو السبب التام، بلا دخل لها في التأثير،
كما يدل عليه قوله " فيما بعد "، فالذي يجب الوفاء به، هو نفس العقد، من غير
تقييد، ضرورة أن مراده من نفي التقييد، إنما هو نفي التقييد بالرضاء، وإلا
فالتخصص والتقيد بما يكشف عنه الإجازة، مما لا محيص عنه، كما لا يخفى،
فمع عدم الإجازة، لا يكون العقد الواقع، ذاك المقيد أو الخاص، فلا يجب
الوفاء به على الأصيل أيضا، وقد أشرنا سابقا، وفي بعض الحواشي على
الخيارات، إن الأمر بالوفاء بالعقود في الآية 1، كناية من تحقق مضامينها، وهو
مما لا يكاد يختلف بالنسبة إلى طرفيها، وبينا بما لا مزيد عليه، أنه لا يصح أن
يراد منه وجوب ترتيب الآثار، كي يمكن اختلافه بالنسبة إليهما، وبالنسبة
إلى الآثار، كما أفاده - ره - فراجع.
قوله (ره): (وأما على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الإجازة شرطا
لكون العقد 2 مؤثرا - الخ -).
ربما يقال، إن قضية الشرطية أن يكون العقد المقيد واجب الوفاء،
لا نفس العقد، من غير تقييد، كما هو واضح. اللهم إلا أن يقال، إن الإجازة
إنما تكون شرطا وموجبا لصيرورة العقد سيا، وعلة تامة، لا جزء لها، وبعبارة
أخرى، يكون شرطا لصيرورته مقتضيا، لا لاقتضائه، فتأمل.
قوله (ره): (ومقتضى الوفاء في العقد حرمة رفع اليد - الخ -).
لا يخفى، أن الوفاء بالعقد أو العهد، هو العمل على طبقه، والمشي
على وفقه، إذا كان مضمونه أمرا اختياريا، كما في نذر السبب والفعل
والالتزام به، إذا لم يكن كذلك، كما هو الحال في العقود، وفي نذر النتيجة،
وقد بينا في غير المقام، أن الأمر بالوفاء بالعقود، كناية عن صحتها وتحقق
مضامينها، كما أن النهي عن عقد، كناية عن عدم تحقق مضمونه، وعدم

1 - المائدة: 1.
2 - وفي المصدر:... لكون العقد السابق وبنفسه مؤثرا.
64

نفوذه وصحته، وليس بمعنى وجوب ترتيب الآثار، مع أنه لو كان بمعناه، فمن
الواضح أن وجوب ترتيبها، إنما يكون متفرعا على صحته، وتحقق مضمونه،
ولذا يكون دليله، دليلا عليه، وكيف كان، فلا يكون هناك دليل على نفوذ
العقد في خصوص ما عليه من الآثار دون ماله، كما في دليل نفوذ الاقرار،
بل مع تمامية العقد بشرائطه وخصوصياته المعتبرة فيه، فالدليل قد دل على
نفوذه مطلقا، وبدونها، لا دليل على نفوذه أصلا، كما لا يخفى.
قوله (ره): (الأول إن الخلاف في كون الإجازة كاشفة - الخ -).
بل بعد الفراغ عن أنها امضاء ما وقع من العقد بمضمونه، والاتفاق
على انفاذه والرضاء به، وقع الخلاف في أن قضية الأدلة تأثيره شرعا من
حينه أو من حينها، فلو قصد المجيز امضائه كذا، فلا اشكال في صحتها، ولو
على القول الذي لا يوافقه، ولو قصد لا كذلك، فلا ينبغي الاشكال في
فسادها، ولو على القول الذي يوافقه، فليس المناط في صحتها وفسادها،
مطابقتها لما هو المختار من القول بالكش أو النقل أصلا، فلا وجه لما فرع بقوله
- ره - " فلو قصد المجيز الامضاء من حين العقد - الخ - " كما لا يخفى،
حيث يظهر منه احتمال إناطة الصحة على كل قول بموافقة الإجازة له، بل
الوجه أن يفرع ما فرعناه، فتفطن، وقد تقدمت الإشارة إلى أن تأثيره بنحو
الكشف موافق لمضمون العقود، لا بنحو النقل.
قوله (ره): (ويشترط 1 في الإجازة أن يكون باللفظ الدال عليه - الخ -).
اعلم أن الحاجة إلى الإجازة، أكانت لمجرد حصول الرضاء
والطيب بالعقد، فمن اعتبر في نفوذ العقد رضاه، كما في نكاح العبد بدون إذن
سيده، أو بيع الرهن للعين المرهونة بدون إذن المرتهن ونحوهما، فلحوق الرضاء
بالعقد كاف في تأثيره، كما في عقد المكره، حيث يكفي في تأثيره بمجرد لحوقه
وإن كان لتصحيح استناد العقد إلى المجيز مع ذلك، كما في العقد على ماله
بدون إذنه، فالظاهر أن مجرد لحوق الرضاء به لا يصح الاستناد، بل لا بد في

1 - في المصدر: إنه يشترط..
65

صحته من انشاء امضاء العقد وإجازته. نعم في كفاية انشائه قلبا، أو لزوم
انشائه، ولو بفعل أو بلفظ وإن لم يكن بدال، ولو كناية، أو لزوم انشائه بلفظ
دال، ولو بالكناية، وجوه لا يبعد أن يكون أوجهها كفاية الانشاء القبلي،
وقد انقدح بذلك أن كفاية مجرد الرضا في بعض الموارد، لا شهادة فيها،
لكفايته في جميعها، كما لا يخفى، كما لا شهادة في كفاية السكوت في الباكرة
على كفاية مجرد الرضا فإن السكوت منها في ذاك المقام اظهار الرضاء
وانشائه. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (الثالث من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد - الخ -).
الظاهر أن اعتبار ذلك، إنما هو لأجل أن الإجازة مع سبقه، لا
توجب صحة اسناد العقد عرفا إلى المجيز، فكما أن العقد الفضولي على ماله
يصير عقدا له ومسندا إليه بإجازته، كذلك يسقط عن قابليته لذلك برده، فلا
يضاف إليه بالإجازة مع سبقه عرفا، ولا أقل من الشك فيه، ومعه لا دليل
على نفوذ هذا العقد عليه، فإن التمسك بالعمومات، يكون من باب التمسك
بالعام، فيما اشتبه صدقه عليه، فإن المراد من العقود في الآية 1، عقود من لهم
الولاية على العقد، كما مرت إليه الإشارة، لا لأجل التعبد به على خلاف
القاعدة، فإنه من البعيد جدا، اعتبار أمر زائد في الفضولي، ومع ذلك لا يكاد
يتحقق الاجماع، ولو من اتفاق الكل، لاحتمال أن يكون ذهاب الجل، بل
الكل إلى ذلك، لذلك. فتفطن.
قوله (ره): (وقد تقرر أن من شروط الصيغة - الخ -).
لا دخل لذلك في المقام، ضرورة أن اعتبار ذلك لتحقق العقد
هناك، وقد كان العقد محققا هيهنا، والإجازة إنما تكون لتصحيح اضافته،
لا لأصل تحققه، نعم لو قيل بمنع تحقق العقد من الفضولي بدعوى أنه يعتبر في
قوامه، صدور انشائه، ممن كان له ولاية على مضمونه، وليس من الفضولي إلا
الانشاء، وبالإجازة يصير عقدا، ومضافا إلى المجيز، كان له الدخل، فإن الرد

1 - المائدة: 1.
66

على ذلك، يكون من قبيل رد الايجاب قبل القبول، لكنهم لا يقولون بذلك
ويقولون بتحقق العقد من الفضولي، وإن احتملناه في مجلس البحث. فتدبر
جيدا.
قوله (ره): (مع أن مقتضى سلطنة الناس على أموالهم 1 - الخ -).
لا يخفى أنه ليس من أنحاء السلطنة على المال، السلطنة على اسقاط
العقد الواقع عليه من الفضولي عن قابلية لحوق الإجازة به، فإنه السلطنة على
الحكم، لا على المال، مع أنه لو كان منها، لا دلالة لمثل الناس مسلطون إلا
على أن المالك ليس محجورا عن التصرفات النافذة شرعا، ويكون مسلطا.
وبعبارة أخرى، إنما يكون بصدد بيان أنه السلطان على التصرفات النافذة،
لا لبيان أنه له أنحاء السلطنة، كي يمكن التمسك به على تشريع نحو سلطنة
شك في أنه يكون شرعا أو لا، كما لا يخفى، ألا ترى أنه لا مجال لتوهم دلالة
الناس مسلطون، على مثل جواز وطي السيد عبده، وأنه إنما خصص
بالاجماع، فاحفظ ذلك، ينفعك في غير المقام، ولعله أشار إليه بالأمر بالتأمل
في المقام. قوله (ره): (والإجازة أثر من آثار السلطنة المالك - الخ -).
أي تأثير الإجازة ونفوذها، فكما للمالك بيع ماله ابتداء، له أن يجيز
ما وقع عليه فضولا، فبإجازته يصير بيعه فينفذ.
قوله (ره): (فلو مات المالك لم يورث الإجازة - الخ -).
وذلك لأنها ليست مما تركه الميت حيث إن
ها ليست بمال ولا بحق،
بل من الأحكام، كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة. نعم المال الذي بيع
فضولا يورث، فلكل وارث إجازة البيع في خصوص ما ورثه، لو قيل بجواز
المغايرة بين المجيز والمالك حال البيع، بخلاف ما لو قيل بإرث الإجازة، فإنه
بعينه يكون كارث الخيار، فيشترك جميع الورثة فيها حتى من ليس له من
المبيع نصيب، فقد ظهر بذلك الفرق بين إرث الإجازة وارث المال.

1 - وهذا مستفاد من رواية معروفة وردت في البحار - 2 / 272.
67

قوله (ره): (لأن مرجع إجازة القبض إلى اسقاط ضمان الثمن عن عهدة
المشتري - الخ -).
لا يخفى أن ضمان الثمن والمثمن قبل القبض والاقباض، إنما هو
ضمان المعاوضة، وهو من الأحكام لا يرتفع بالاسقاط، فلو أسقطه المشتري أو
البايع بعد البيع، لا يسقط، بل يكون تلف الثمن أو المثمن قبل القبض معه
من مال البايع أو المشتري أيضا، وإنما الساقط به الضمان باليد، فلو تلف
المبيع بعد إجازة العقد لا يفسخ العقد، ولو أجاز المشتري القبض، لعموم
قاعدة كل مبيع تلف قبضه. لا يقال: إن قبض الفضولي بالإجازة، صار
قبض الأصيل، فيكون التلف بذلك تلفا بعد القبض. فإنه يقال: ليس كل
فعل يصح انتسابه إلى غير مباشرة بإجازته، والقبض لم يعلم أنه من قبيل
العقد، والبيع ونحوهما مما يصح انتسابه إلى غير المباشر بالإجازة، أو من قبيل
الأفعال الخارجية التي لا يحدث له بذلك انتساب، كالأكل، والشرب،
وغيرهما كما لا يخفى، بل دعوى أنه مثلها، غير مجازفة، ومجرد الفرق بينه
وبينها، من لزوم المباشرة فيها في صحة انتسابها، وعدم كفاية النيابة،
والوكالة فيها، أصلا، بخلاف القبض، ضرورة كفاية الوكالة في صحة
انتسابه، غير مجد في صحة الانتساب بمجرد الرضا، والإجازة، بعد عدم
صدوره منه تسبيبا ولا مباشرة، ولا يبعد أن يكون مورد الإجازة، هو خصوص
العناوين الاعتبارية المنتزعة من أسباب خاصة يتوسل بها إليها، كالبيع،
والعقد، والمبيعة، ونحوها، مما يتوسل إليها بأسباب خاصة صادرة ممن يقوم بها
حقيقة، أو من غيرها وكالة، أو فضولة مع لحوق الإجازة بها، فالبيع والعقد
حقيقة يقوم بالموكل، والمجيز، وينسب إليهما، حيث ترى صحة اعتبار العقد،
والبيع وانتزاعها بالإجازة للمجيز، مثل اعتبارهما للأصيل، أو لغيره
بالتوكيل، وهذا بخلاف نفس الأفعال الخارجية، كالقبض، والايجاب،
والقبول، فإنها لا يكاد ينسب إلى غير المباشرة إلا تسبيبا، ولا مباشرة ولا
تسبيب هيهنا من المجيز أصلا، كما لا يخفى.
نعم لا يبعد كفاية إجازة قبض الفضولي فيما إذا كان العين فعلا تحت
68

يده، بحيث كان بقائها تحتها بإذنه ورضائه، وهذا في الحقيقة ليس من كفاية
قبض الفضول، بل كفاية القبض بالإذن، فإن القبض وإن كان حدوثا
فضولة، إلا أنه بقاء يكون عن إذن وإجازة، هذا كله بناء على اعتبار قبض
المشتري في رفع ضمان المعاوضة، لكنه من المحتمل كفاية تخلية المالك
وتسليمه وإن لم يقبض المشتري. قال العلامة ره في التذكرة 1: لو أحضر البايع
السلعة، فقال المشتري فضعه، ثم القبض، وتمام الكلام في القبض.
قوله (ره): (واتمام الدليل على ذلك، لا يخلو عن صعوبة - الخ -).
سيما مع ما عرفت، من أن القبض بالإجازة، لا يصير قبضه،
ولا يصح انتسابه إليه، لا مباشرة ولا تسبيبا. نعم لو كان المقبوض باقيا في يده
إلى زمان لحوق الإجازة، لا يبعد كفايته في تشخصه، لكنه ليس من باب تأثير
قبض الفضول بالإجازة، بل من باب تأثير القبض بالرضاء، والإذن، كما
عرفت.
قوله (ره) ر: (كان إجازة العقد، إجازة للقبض - الخ -).
لا يقال: إنه قد سبق الاشكال في تأثير الإجازة في قبض الفضول،
فإنه يقال: نعم، لكنه فيما يحتاج إلى قبض المجيز، وفي الصرف
والسلم، لا يحتاج إليه، بل إلى القبض من المتعاملين، والإجازة فيهما، إنما
يكون متعلقا بنفس البيع والعقد الحاصلين، من الايجاب، والقبول، والقبض
في المجلس، كما في غيرهما، لا بنفس القبض.
وبالجملة، حال القبض فيهما، حال الايجاب والقبول، وقد عرفت
أن الإجازة في الحقيقة، لا تلحقهما، ب‍ ما يتسبب منهما من البيع والعقد.
فافهم. منه وانقدح عدم الحاجة إلى اثبات كون إجازة العقد. فيهما إجازة
للقبض، وإلا فلا شهادة في لزوم لغويته لولاه عليه، ما لم يكن هناك لها دلالة
بحسب متفاهم العرف على كونها إجازة له أيضا، وإلا فليس لزوم اللغوية
بمحذور بالنسبة إلى إجازة المجيز، كما لا يخفى.

1 - التذكرة (كتاب البيع) 1 / 472.
69

قوله (ره): (تداركه بالخيار، أو اجبار المالك - الخ -).
وجه الترديد، أو التخيير، إن المنفي بقاعدة نفي الضرر، وهو الحكم
الضرري عنده. وأما بناء على ما هو المختار، من أن المنفي هو حكم الأمر
الضرري بنفي نفسه، فالمتعين تداركه بالخيار، حيث كان العقد من طرف
الأصيل لازما، فإذا صار ضرريا، انقلب جائزا، فلا مجال لاحتمال الاجبار،
وفيما علقناه على مسألة خيار الغبن، ما يناسب المقام، فراجع.
قوله (ره): (هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها - الخ -).
لا ريب في اعتبار المطابقة في الصحة، وإلا لزم تأثير ما لم يقع أو ما لم
يجز. نعم لو كان العقد ينحل إلى العقود، كما في العقد على صفقة واحدة، فلا
بأس بإجازته بالنسبة إلى بعضها، فإنها وإن لم تطابق العقد على تمامها، إلا
أنها مطابقة لما انحل إليه من العقد على بعضها، وهذا خلاف ما إذا عقد على
الشرط، وأجيز بدونه، فإنه لا تطابقه إلا إذا قيل بالانحلال فيه أيضا،
وسيأتي الكلام فيه في باب الشرط الفاسد، فتأمل.
قوله (ره): (أو بطلانها، لأنه إذا لغى الشرط، لغى المشروط لكونهما التزاما
واحدا - الخ - 1).
هذا كما في الشرط الفاسد في العقود، فإنه توجب فسادها بناء على
وحدة المقصود فيها. وقد يقال: بالفرق بينهما بأن العقد مع الشرط على هذا،
إنما يكون عقدا خاصا، إما أن يمضى، أو يرد، فلا مجال للتفكيك، إلا تعبدا
على خلاف قاعدة " العقود تابعة للقصود "، وهذا بخلاف الإجازة معه، فإن
الشرط إذا كان حاصلا من باب الاتفاق، ولو لم يكن نافذا شرعا، كانت
الإجازة مؤثرة، فإنها بوجودها يؤثر في انتساب العقد إلى المجيز، لا بصحتها، فلا
يلزم من تأثيره وعدم نفوذه وصحته، التفكيك اللازم، من صحة العقد
وفساده.
لا يقال: إن الإجازة كما تحقق الإضافة والانتساب كذلك يحصل

1 - وفي المصدر:... لكون المجموع التزاما
70

بها الرضاء الذي لا بد منه في صحة المعاملة، ومع فساد الشرط الذي هو
قيدها، لا يكون منه رضى بالمعاملة.
فإنه يقال: الإجازة إنما تكون مقيدة بالشرط، وقد حصل على
الفرض، فكما يحصل في الفرض بها الانتساب والإضافة، يحصل بها الرضاء،
كما لا يخفى. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بالكشف والنقل - الخ -).
فإنه على القولين يكون للإجازة دخل في السبب، غايته بنحو الشرط
المتأخر على الكشف، والشرط المتقدم على النقل. نعم على الكشف الحقيقي
الذي لا يكون للإجازة دخل أصلا في السبب، بل كانت كاشفة عن تمام
السبب، لا يكون حينئذ تصرفا ماليا، فينفذ ممن حجر عليه في ماله.
قوله (ره): (وربما لا يجري فيه بعض ما ذكر هناك - الخ -).
أي بعض ما ذكر في مقام التفصي عما أشكل به في نفوذ الإجازة
في بيع الفضول لنفسه، ولا أظن بذلك، بل لا يجري فيه بعض الاشكالات
الجارية هناك، كما أفاده - ره -، لعدم مخالفة الإجازة لما قصد المتعاقدان
هيهنا، فلا يحتاج إلى التكليف بما سلف في التفصي عنه، ولكنه ربما يشكل
هيهنا بمخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان أيضا، فإن المنتقل عنه المبيع،
والمنتقل إليه الثمن، إنما هو المالك الحقيقي حين البيع، غاية الأمر أن البايع إنما
قصده لنفسه بدعوى، أو اعتقاد أنه هو، وهو غير المالك حين الإجازة وهو
البايع، فتكون الإجازة مخالفة لما قصداه، حيث قصد البيع عن المالك حين
البيع بإزاء الثمن له، وقضية الإجازة نفوذه للمالك حين الإجازة، وهو
الفضول، فيكون المنشأ غير المجاز، فتأمل جيدا.
هذا بناء على اعتبار لحاظ طرفي النقل من المنقول عنه، والمنقول إليه
في البيع، كما هو كذلك، لأنه اعتبار خاص، وإضافة خاصة، ولا يكاد
يتحقق القصد إليها بالجد، إلا مع تعيين المضاف، والمضاف إليه، وليس هو
المالك الكلي، كي ينطبق لي الأصيل في زمان، وعلى الفضول في زمان
آخر، بل هو شخص المالك حين العقد، فافهم.
71

قوله (ره): (وفيه أنالثابت هو اعتبار رضاء من هو المالك حال الرضاء
- الخ -).
وفيه أنالإجازة، كما أشرنا إليه سابقا، كما لا بد منها، لأجل
الرضاء والطيب، كذلك لا بد منها لأجل تصحيح انتساب العقد إلى المجيز،
ولا يكاد يصح الانتساب إليه فيما إذا وقع لغيره بإجازته.
قوله (ره): (فيلزم كونه بعد العقد ملك المالك والمشتري - الخ -).
ودفعه بالتزام كونه ملكا للمشتري وحدة في صورة إجازة المالك،
وكفاية ملكه السابق على العقد في نفوذ إجازته اللاحقة، فتأمل.
قوله (ره): (نعم لو فرضنا قصد المالك فسخ العقد 1 - الخ -).
مع أنه يمكن أن يقال: إن فسخ المالك ورده بالقول أو بالفعل،
لا يكون إلا فسخا وابطالا، لأثر العقد بالإضافة إلى المالك حين العقد
لا مطلقا، وذلك لأن وجه مانعية الرد عن لحوق الإجازة، إما الاجماع، أو
حديث سلطنة المالك، على قطع علاقة الغير على ماله، أو كون الرد سببا
لعدم حصول إضافة العقد إلى المجيز بعده، والقدر المتيقن من الاجماع، هو كون
الرد مانعا بالنسبة إلى الراد، لا بالنسبة إلى غيره، والسلطنة غير مقتضية
لقطعها أصلا، كيف وإلا كانت مقتضية لعدم تعلقها به بدون إذنه ورضاه
من رأس، بطريق أولى، كما لا يخفى، والسر أن مجرد العقد عليه، وبقاء أثره
إلى أن تلحقه الإجازة، ليس بتصرف في المال، كي يكون للمالك منعه، أو
رفعه، وقطعه، ولو سلم، فتسلطه على القطع، إنما يكون بالإضافة إليه، لا إلى
غيره ممن حصلت له علقة بملاحظة القواعد، والرد إن منع عن حدوث
الانتساب بعده، إنما يمنع عنه بالنسبة إلى الراد، لا غيره، فتأمل.
قوله (ره): (والجواب عن العمومات - الخ -).
وربما يجاب بأن موجبها، ليس إلا عدم تحقق البيع، والارشاد إلى
عدم تحققه بلا تملك، وهيهنا بموجبها، إذ لا يكون بيع، وتمليك

1 - وفي المصدر: نعم لو فرضنا قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد.
72

حقيقة، قبل الملك، وإنما يكون بعده، وبعد الإجازة، فلا يكون القول
بحصول البيع والتمليك بعدها مخالفا لها، كما لا يخفى. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (فلو باع عن المالك، فاتفق انتقاله إلى البايع فأجازه، فالظاهر
أيضا الصحة - الخ -).
لا يخفى، أن عدم مطابقة المنشأ والمجاز هيهنا، أظهر مما إذا قصد
البيع لنفسه، ثم ملك، والظاهر عدم نفوذ إجازته في الصورتين، لعدم المطابقة
بينهما فيهما، كما عرفت في الصورة الأولى.
قوله (ره): (والمقام، مقام استصحاب حكم الخاص، لا الرجوع إلى حكم
العالم، فتأمل - الخ -).
لا يخفى، أن خطاب " أوفوا " لا يعم من ليس له الولاية على العقد،
وإن كان عاقدا، فليس المقام من ذاك المقام، بل من باب اختصاص العام،
ولو سلم أنه من باب تخصيص العام، فوجوب الوفاء، وإن كان كما أفاده
- ره - لما أشير إليه غير مرة، من كون الوفاء أمرا واحدا مستمرا، لا يرجع إلى
عدم دليل وجوبه بعد انقطاعه، تخصيصه، إلا أنه إذا كان تخصيصه بعد
العمل به أولا، وأما إذا كان تخصيصه ابتداء فالمرجع هو لا حكم العام، لما
نبهنا عليه في غير مقام، ولعله أشار إلى بعض ذلك، بأمره بالتأمل.
قوله (ره): (فلا ينبغي الاشكال في اللزوم حتى على القول ببطلان الفضولي
- الخ -).
فإنه ليس من الفضولي، حيث وقع ممن بيده أمره، نعم يشكل فيما
كان جواز تصرفه من جهة ولايته كالأب والجد مثلا، بأن منصرف أدلة نفوذ
تصرفات الولي، غير ما إذا كان تصرفه كذلك، أي باعتقاد أنه غير ولي،
وغير جائز التصرف. فتأمل.
قوله (ره): (فالظاهر أيضا صحة العقد - الخ -).
بل الظاهر بطلانه ولو أجاز، لمخالفة الإجازة للعقد، واستلزم
صحته، لعدم تبعيته للقصد، حيث قصد لنفسه، وقع بإجازته لغيره. فتأمل.
73

قوله (ره): (لأنه إنما قصد نقل المال عن الأب لا عنه - الخ -).
فلا يجدي إجازته أيضا في صحته لمخالفتها له، واستلزام الصحة لعدم
التبعية كما عرفت. ودعوى كون المقصود، اخراج الملك عن ملك مالكه،
غايته اعتقد أنه غيره، فلا يلزم عدم المخالفة، ولا عدم التبعية، مدفوعة بأن
المقصود في البيع، اخراجه عن شخص غيره، غاية الأمر أن اعتقاد كونه مالكا يدعوه إلى قصد ذلك، كيف يكون قصده الاخراج عن المالك كائنا
من كان، وهو لا يكاد يقصد الاخراج عن نفسه، لو علم كونه مالكا،
والإجازة مع المخالفة، لا تجدي أيضا فيما اعتبر في الصحة من الطيب به بما هو
بيع. ومن ذلك انقدح الاشكال في الصورة الأخيرة، حيث إنه يلزم من صحة
العقد فيها، عدم تبعيته للقصد أيضا، وعدم توقفها على رضى المالك من حيث
إنه مالك لو لم يجز، بل ولو أجاز لمخالفة المجاز للمنشأ، كما عرفت. فتأمل.
جيدا.
قوله (ره): (الأول يشرط كونه 1 جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره
- الخ -).
وذلك ضرورة أن البحث في الفضولي، في أن رضاء اللاحق هل هو
كاف، كالمقارن في العقد الجامع لسائر الشروط أولا، فلا اشكال في
اعتبارها في الحكم بصحته مع الإجازة، إنما الاشكال في أن العبرة
باجتماعها حال العقد، أو الإجازة، أو هما، ولا يخفى أنه لا بد من ملاحظة
أدلتها، فربما يختلف بحسب دلالتها، ولا يهمنا بيان ذلك في المقام، لعدم
اختصاص ذلك به، وجريانه في غير المقام.
قوله (ره): (إلا إذا بلغ حدا لا يجوز معه التوكيل - الخ -).
لا وجه لهذا الاستثناء، لعدم تخديد في الشرع له، بحيث يجوز التوكيل
في غير المعين ما لم يبلغه، ولم إذا بلغه إن كان الجهل في الموكل فيه مانعا
عن صحة التوكيل، ونفوذه كان مطلقا مانعا، وإلا فلا يكون مانعا كذلك،

1 - وفي المصدر: الأول يشترط فيه كونه جامعا..
74

والظاهر نفوذه فيه مع اطلاقه وتعميه، بحيث يعم أي شئ كان الغير المعين.
نعم التوكيل في أحدهما بلا تعيين ولا تعميم فاسد، غير نافذ في واحد منهما،
وذلك لعدم تعينه واقعا، بخلاف غير المعين، لتعينه واقعا، فيشار إليه بنحو
من الإشارة.
قوله (ره): (إلا أنها في معناها، ولذا يخاطب المجيز 1 بالوفاء - الخ -).
يمكن أن يقال: إنها وإن كانت في معناه إلا أن التعليق الممنوع،
ما إذا كان على ما ليس مما لا بد منه، ومن الواضح وقوع العقد مما لا بد منه
عقلا فيها، مع أن المنع عن التعليق، إنما هو بالاجماع، والقدر المتيقن منه
التعليق في نفس العقد، لا فيما هو بمعناه، ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل.
قوله (ره): (إما أن يكون المجاز أول عقد وقع على المال - الخ -).
محل الكلام، ما إذا كانت العقود مترتبة، وأما إذا كانت غير مترتبة
من فصول واحد، أو متعدد، فلا يكون الصحيح منها إلا ما أجازه أولا، ولو
كان هو العقد الأخير، ومعه لا يبقى مجال للإجازة غيره. نعم يكون لمن انتقل
إليه المال، إجازة واحد آخر منها مطلقا على النقل، وخصوص العقد السابق
على الكشف، بناء على كفاية كون المجيز جائز التصرف حال الإجازة،
والعقد اللاحق عليه مطلقا، فإنه جائر التصرف حاله أيضا. فافهم
قوله (ره): (فهي ملزمة للعقود السابق، - الخ -).
لتوقف صحته على صحتها، فإجازته وامضائه، لا يكاد يكون إلا
بإجازتها وامضائها، وإلا لكانت لغوا، فهي موجبة لصحة الأول فالأول، إلى
أن تصل النوبة إلى المجاز، وهذا على الكشف لا اشكال فيه، وأما على
النقل، فيشكل بأن المجيز لم يكن بجائز التصرف أصلا، لا حال العقد، ولا
حال الإجازة فيها، إلا العقد الأول على نفس ماله، فلا بد عليه من إجازة
اللاحق بعد إجازة السابق، فتأمل جيدا.

1 - وفي المصدر:..... يخاطب المجيز بعدها بالوفاء.
75

قوله (ره): (وللعقود اللاحقة إذا وقعت على المعوض - الخ -).
فإنه بالإجازة صار ملكا لبايعه على الكشف، فوقع البيع عنه في
حال ملكه، وعلى النقل تبنى صحته على صحة بيع من باع ثم ملك بالإجازة
أو بدونها، كما تقدم. وبالجملة كلما كانت صحة إجازة عقد متوقفة على
صحة ما يترتب عليه من العقود السابقة، أو منقحة لوقوع ما يترتب عليه من
العقود اللاحقة من الأصيل، فهي موجبة لصحتها أيضا، وما ليس بذا، ولا
بذاك منها، فلا يكون مصححة له، كما لا يخفى. فتأمل، كي لا يختلط عليك
الأمر.
قوله (ره): (كان إجازة وسط فسخا لما قبله، وإجازة لما بعده
- الخ -).
أما كونها فسخ لما قبله، فلتوقف صحته المجاز على بطلانه،
فتصحيحه بالإجازة، يلازم فسخه وإبطاله، وأما كونها إجازة لما بعده، أي
مصححة له فلكونها متضحة، لوقوعه عن الأصيل بناء على الكشف، وأما على
النقل، فمبني على مسألة (من باع ثم ملك). فتأمل جيدا.
قوله (ره): (وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر - الخ -).
أي إن وقعت العقود على مال المجيز ببدله وعوضه، ولا خصوص
شخصه، انعكس الأمر في الجلمة، لا كليا، وذلك لأنها وإن كانت مصححة
لما قبله، إلا أنها لتوقف صحته على صحته، وليست فسخا لما بعده، بل يكون
موقوفا على إجازته، على الكشف، وكذا على النقل، بناء على كفاية جواز
التصرف في مال الإجازة.
قوله (ره): (وإذا تحقق الرد، انكشف كون ذلك تسليطا من المشتري على
ماله - الخ -).
لكنه يشكل بأنه، وإن انكشف كونه تسليطا من المشتري على ماله،
إلا أنه بناء على الكشف غير نافذ، لكون تصرفاته فيه غير جائزة، كما تقدم،
إلا أن يقال: إنها وإن لم تكن جائزة، إلا أنها نافذة مع الرد فتأمل.
76

قوله (ره): (نعم يمكن أن يقال: حكم الأصحاب بعدم استراد الثمن
- الخ -).
حاصله منع كون التسليط علة تامة، بل تأثيره مشروط برد مالك
المبيع، كما يمكن أن يقال: إنه بالعقد الفضولي ملك أن يملك الثمن، فهو مانع
عن تأثيره، ما لم يقع من العين بالرد، فافهم.
قوله (ره): (وجب الاقتصار على المتقين - الخ -).
بل المتيقن من حكمهم أن التسليط مع العلم بالغصب، موجب لعدم
الضمان مطلقا، ولو أتلف، وهو ليس على خلاف القاعدة، فإن دليل
الضمان، مثل (على اليد) 1 و (من أتلف) 2 منصرف عما إذا سلطه المالك
عليه بالتصرف ولو بالاتلاف، ولو كان بعوض مال الغير، وعدم التضمين
أعم من التمليك، فافهم.
قوله (ره): (وشبه ذلك مما هو صريح في الرد - الخ -).
أو ظاهر فيه فإن العبرة، إنما هو بالرد والظهور حجة عليه، ومع
احرازه بالحجة، لا يبقى مجال، لأصالة بقاء القابلية، لأن اجماع، إنما يكون على
ارتفاع القابلية بالرد، وهكذا لو كان وجهه أن العقد بعد الرد، لا يضاف
بالإجازة إلى المالك المجيز، ولا يبعد أن يكون مراده من الصريح ما يعم الظاهر.
فتأمل.
قوله (ره): (وكذا حصل بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو الاتلاف
- الخ -).
لا ريب في ذلك في الجملة على النقل، فإنه خرج قبل الإجازة عن
ملكه وصار لغيره نعم ربما يشكل في مثلا الاتلاف، فإنه لا ينافي الإجازة،
غاية الأمر يتنزل إلى البذل من المثل أو القيمة، كما في الفسخ بالخيار، وفي

1 - وهي قاعدة: على اليد ما أخذت حتى تؤدي، المأخوذة من الروايات (المستدرك 3 / 145).
2 - وهي قاعدة: من أتلف مال الغير فهو له ضامن، المأخوذة من الروايات (في معناها
روايات مختلفة في الديات والشهادات والإجارة وغيرها وهذه العبارة لم توجد بعينها في رواية).
77

صورة تلف العوضين، أو أحدهما، إلا إذا تشبث بذيل الاجماع على اعتبار بقاء
العوضين هيهنا إن تم، لكنه وبعيد، وأما على الكشف فمجرد نقله عن ملكه
لا ينافي صحة المجاز، نعم صحته ينافيها، فلا بد في حصول الرد به من اثبات
صحته، وإلا فمن الممكن، كشف صحة المجاز وفساده، ولا دليل على الصحة
إلا الاجماع إن تم، ومن هنا ظهر حال مثل التلف أو الاتلاف على
الكشف. فتأمل.
قوله (ره): (إلا أنه مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة - الخ -).
هذا على الكشف دون النقل، ضرورة أنه غير مخرج له عن وقوع
الإجازة من حينها، إذ لا منافاة بين صحة عقد الإجازة منه، وصحة المجاز
من حينها، غاية الأمر لزوم كون المبيع مسلوب المنفعة في مدتها، وهو لا يوجب
إلا الخيار في بعض الصور، وهكذا الحال في تزويج الأمة، فافهم.
قوله (ره): (وحيث لا سبيل إلى الأخيرين - الخ -).
يمكن أن يقال: إنه وإن لم يكن سبيل إلى الابطال، لعدم دليل
عليه، إلا أن وقوع المنافي الآخر على غير وجهه، بأن يقع المجاز لا من حينه، بل
من حين انقضاء مدة الإجارة مما إليه سبيل، فإن العقد بالإجازة إنما يؤثر
من زمان لا مانع عن تأثيره، كما أسفله - ره - في مقام التفصي عن
اشكالات تأثير الإجازة في مثله ممن باع ثم ملك مرارا.
قوله (ره): (نعم لو انتفع المالك بها قبل الإجازة - الخ -).
ربما يشكل بأن وجه منافاة مثل البيع قبل الإجازة، يعم مثل
السكنى، وذلك لما عرفت أن صحة البيع، ينافي صحة العقد لا نفسه ولم يكن
وجه لصحته إلا الاجماع على نفوذ تصرفات المالك قبل الإجازة، وأنها
كتصرفات سائر الملاك، ومنها سكناه، فلا أجرة عليه، كما لا يخفى، فلا وجه
لاثبات الأجرة على مثلها، فإذا لم يكن عليه أجرة، فكانت منه كذلك منافية
لصحة المجاز على الكشف، ثم لا يخفى أنه لا يوجب ذلك عدم نفوذ الإجازة على
الكشف رأسا، لأجل تحقق هذا المعنى، أي كون تصرفه، كتصرفه سائر
الملاك، وكتصرفه قبل العقد من الفضول، فإن منافاة التصرفات، لصحته
78

ونفوذه من المجيز لنفوذه الإجارة، لا يستلزم عدم نفوذها بدون التصرف،
فافهم.
قوله (ره): (كتعريض المبيع للبيع إن البيع الفاسدة 1 - الخ -).
لا ريب في أن ليست بحكم الرد إذا لم يكن عن التفات، وكذا معه
إذا كان بقصد الاختيار، وإنه يشتري بأزيد مما بيع فضولا ليبيع، وإلا أجاز،
وأما بقصد الاعراض عنه، فإن كان المنشأ في رفع القابلية بالرد، هو الاجماع
على ذلك، فالقدر المتيقن منه الرد القولي، وإن كان هو ارتفاع قابلية العقد،
لأن يضاف إلى المالك بعده بالإجازة عرفا، فالظاهر عدم التفاوت بينه وبين
الرد الفعلي في ذلك عند أهل العرف قطعا، ولا يبعد أن لا يكون مدرك
للاجماع لو كان إلا هذا، وإلا فمن البعيد جدا في مثل المقام، أن يكون من
مدرك آخر تعبدي على خلاف القاعدة فتأمل جدا.
قوله (ره): (فإن تملكه البايع قبله، يلزم فوات محل الإجازة - الخ -).
قد عرفت أن فوات محل الإجازة بذلك، إنما هو على النقل لا على
الكشف، ولعله المشهور بين الأصحاب، فلا يلزم من القول به على النقل
مخالفة المشهور، ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل.
قوله (ره): (ووجه كما صرح به بعضهم كالحلي، والعلامة، وغيرهما
ويظهر من آخرين 2 أنه سلطة على ماله بلا عوض - الخ -).
ومع التسليط كذلك، لا يعمه دليل الضمان والاتلاف، مثل
(على اليد) 3 و (من أتلف) 4 كما عرفت، وإلا فدعوى تخصيصه بفحوى ما دل
على عدم ضمان من استأمنه المالك، ممنوعة، لعدم تنقيح ما هو المناط في

1 - وفي المصدر: كتعريض المبيع والبيع الفاسد.
2 - وفي المصدر ووجهه. ويظهر من آخر أيضا أنه سلطة على ماله...
3 - وهي قاعدة: على إليه ما أخذت حتى تؤدي، المأخوذة من الروايات (المستدرك - 3 / 145).
4 - وهي قاعدة: من أتلف مال الغير فهو له ضامن، المأخوذة من الروايات (في الديات -
والإجارة والشهادات وغيرها).
79

باب الاستيمان، كي يرى تحققه في هذا الباب بطريق أولى، كما لا يخفى.
لا يقال: هذا إذا سلط البايع، وما سلط إلا على ملكه في الحقيقة،
وقد عرفت أنه إنما مالك المالك، غاية الأمر إنه والبايع وقد بينا على مالكية
البايع.
فإنه يقال، التسليط ليس من الأمور الاعتبارية الانشائية، كالتمليك
يتبع القصد، والبناء، بل من الأمور الخارجية، ولا شبهة أنه قد سلط شخصه
ونفسه، ولو بعنوان أنه المالك، ولم يسلط من هو المالك أصلا، وهذا واضح.
قوله (ره): (نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك - الخ -).
هذا على اطلاقه مشكل، وإنما يتم فيما لا يقبل الملكية عرفا وشرعا،
دون ما يكون ملكا عرفا، فإن التسليط ليس بمجاني حينئذ، كي يمكن الحكم
بعدم الضمان، بتقريب قد مر، وعدم امضاء الشارع لماليته وملكيته،
لا يستلزم كون التسليط من المالك بلا عوض. فتدبر.
قوله (ره): (وبالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور - الخ -).
وقد ذكر لقاعدة الغرور وجوه (أحدها) الخبر المرسل المعروف وهو
" إن الغرور يرجع إلى من غره " 1 (وثانيها) دعوى الاجماع محصلا ومنقولا.
(ثالثها) إن المغرور وإن كان مباشرا للاتلاف، إلا أنه ضعيف، والسبب
وهو الغار أقوى. (رابعها) قاعدة الضرر والضرار 2، لوضوح كون الغار سبب
لضرر المغرور، حيث إن
ظاهر نفي الضرر، إن من أوجب الضرر فهو ضامن له.
قيل كما دل عليه خبر " من أضر بطريق المسلمين فهو ضامن " 3.

1 - الجواهر -. 37 / 145 (كتاب الغصب). صرح بعض الأعاظم في هامش الجواهر بأنا
لم نعثر هذا النص من أحد المعصومين (ع) وإن حكي عن المحقق الثاني (ره) في حاشية -
الارشاد أنه نسب إلى النبي صلى الله عليه وآله، والظاهر أنه قاعدة مستفادة من عدة روايات وردت بعضها
في التدليس.
2 - المستفاد من الروايات المذكورة في وسائل الشيعة: 17 / 340 - ب 12.
3 - وسائل الشيعة: 19 / 181 - ب 9 - ح 2.
80

قلت: لا يخفى أن الخبر لا يصلح للاستناد إليه، لضعفه، والارسال، ودعوى
الانجبار بالاشتهار، وإن لم يوجد في كتب الأخبار، وكون مضمونه متفق عليه
بن أصحابنا الأخيار، قابلة للمنع، لعدم احراز استنادهم إليه، بل إلى قاعدة
كون السبب أقوى، أو الضرر والضرار، كما لا يخفى. ثم لو سلم انجباره به،
فالظاهر اعتبار العلم في الغار عند اطلاق نسبته إليه، كما في الخبر، لو لم نقل
باعتباره في حقيقته، وكان مثل نسبه الغرور إلى مثل الدين بنحو من العناية،
كما لا شبهة في اعتبار جهل الغرور فيها، وعليه يختص بما إذا علم البايع
بالحال، بل مع علمه بجهالة المشتري، أو احتماله لها، إذا بدون ذلك لم يكن
الغرور منه، وهو ظاهر النسبة. ومنه قد انقدح أن الغرور، غير الغرر، بمعنى
الخطر المنهي عنه مطلقا، أو عن بيع الغرر في الخبر، كما يوهمه كلامه رفع مقامه،
فافهم.
وإن دعوى الاجماع في مثل المسألة، ممنوعة لاحتمال أن يكون
الاتفاق لو سلم لأجل قاعدة الضرر، أو كون السبب أقوى، أو اختلاف
المتفقين في الاستناد، وإن المباشر هيهنا يكون أقوى، وإنما يكون السبب
أقوى، فيما كان المباشر كالآلة، لا فيما إذا استقل وعمل بدواعيه، كما في
المقام، وإلا لما حكم بضمانه أصلا، مع أنه لا اشكال فيه، وإنما الكلام في
قراره عليه، وإن قاعدة الضرر والضرار، إنما بمقتضى رفع حكم الضرر، وعدم
ضمان المغرور أصلا، ولا كلام هيهنا في ضمانه، وإنما الكلام كما عرفت، في
قراره عليه، أو على الغار، ولا تقتضي تداركه بعد تخصيصها بورود الضرر على
الآخر، للزومه تخصيص آخر بلا مخصص، فتدبر،
ومن هنا ظهر ما في استدلال، لقرار الضمان هيهنا ابتداء بقاعدة
نفي الضرر، وأما لو كان المراد، الاستدلال بنفي الضرر على القاعدة، بتقريب
أن الضرار، هو الاضرار بالغير، والغار قد أضر المغرور، بايقاعه في ضرر
الضمان، ففيه مضافا إلى منع كون الضرار، هو الاضرار، إنه لو سلم، فإنما
يكون فيما أوقعه في ضرر، لا فيما إذا أوقعه حكم شرعا عليه بالضرر،
كالضمان فيما نحن فيه، وذلك لوضوح أنه ما أضره، غايته أنه لولا فعل الغار،
81

لما اختار المغرور ما حكم عليه الشارع بالضرر، وهذا المقدار، لا يصح اسناد
الاضرار ولو تسبيبا، إلا بالمسامحة. ومن هنا ظهر عدم صحة الاسناد في
الحكم بالضمان بمثل " من أتلف " 1 أو " من أضر " 2، فظهر أنه لا مستند
لقاعدة، الغرور، إلا الخبر إذا انجبر، ولا يبعد جبره بعمل الأصحاب، فافهم
لا يزالون يتمسكون بقاعدة الغرور، على وجه يعلم أنه لا مستند آخر من قاعدة
الضرر لهم، ونحوها غيرها، فيحصل الوثوق بمضمونه، وهو كاف في جبره،
كما ظهر أنه لا وجه للضمان غيرها، فلا بد من الاقتصار في الحكم بالضمان،
على مورد صدق أنه غره، كما عرفت.
قوله (ره): (لو أتلف لغفلة رجع، لكونه سببا لتنجز الضمان على السابق
- الخ -).
أي البايع هينها، والنكتة في العدول، هي الإشارة إلى عدم
اختصاص ذلك بالبايع، بل كل ضامن سابق، ووجه رجوع البايع عليه في
هذه الصورة، أنه صار باتلافه سببا لفعلية خسارته بالمثل أو القيمة، وإلا
كان نفس الضمان والعهدة منجز الحصول، وسببه هو اليد. نعم من آثاره أنه
لو تلف يكون خسارته بيد له عليه، فافهم.
قوله (ره): (قلت لو صح ذلك يحتاج إلى الكشف عن كيفية اشتغال ذمة
كل من اليدين - الخ -).
والتحقيق أن يقال: إن قضية " على اليد " ليس إلا كون المأخوذ في
تعاقب الأيدي العارية، في عهدة كل واحدة منها عينا، كما إذا كانت
وحدها، وهي ليست إلا اعتبار خاص عقلائي له منشاء مخصوص، وله آثار

1 - وهو قوله (ع): " من أتلف مال الغير فهو له ضامن ". ولكن هذه العبارة لم توجد في أي -
رواية مما وردت في كتب الفريقين، كما اعترف به غير واحد. ومن المحتمل قويا أنها قاعدة -
مصطادة من الروايات الكثيرة الواردة خاصة في أبواب الديات والشهادات والإجارة وغيرها،
بحيث يعلم بالغاء الخصوصية عنها.
2 - وسائل الشيعة: 19 / 181 - ب 9 - ح 2.
82

خاصة، من وجوب رد العين عينا لو كانت اليد واحدة، وكفائيا لو كانت
متعددة، ووجوب التدارك بالبدل مع تعذر ردها، أو تلفها من دون اشتغال
الذمة به أصلا، لا حال التمكن من الرد، كما هو واضح، ولا حال التعذر، أو
التلف، وذلك لبقاء ضمان العين وعهدتها، لعدم مجئ الغاية، وهي التأدية، ولذا يجب في صورة التعذر، لو تدارك رد العين نفسها إذا تمكن منه، وكذا
مع التلف، لو اتفق على خلاف العادة، تمكنه من ردها، ومعه لا وجه،
ولا سبب لاشتغال الذمة ببدلها، كما لا يخفى، كي يلزم اشتغال ذمة المتعدد
ببدل واحد المستلزم لكون المتعدد بدلا عن الواحد، ولا يكاد يكون بدل
الواحد، إلا الواحد، وأما كون الواحد في عهدة المتعدد، بحيث يجب على كل
واحد كفائيا، رده إلى مالكه، وتخيير المالك في الرجوع إلى الكل، فهو بمكان
من الامكان، كما هو قضية (على اليد).
وأما حديث جواز رجوع اليد السابقة إلى اللاحقة لو رجع إليها المالك،
المستلزم لكون قرار ضمان التالف على من تلف عنده، مع المساواة
فيها هو سبب الضمان، فهو أيضا من آثار حدوث سبب ضمان ما كان، في
ضمان الآخر، لو أحد آخر، وأحكامه عند العرف، ويؤيد الاعتبار، ولم
يردع عنه في الأخبار، فلا بد من الالتزام به شرعا، كما هو الحال في جل
أحكام الضمان، حيث إنه لا وجه له إلا الثبوت عرفا، وعدم الردع عنه
شرعا، وكشف ذلك عن امضاء الشارع، فيما إذا أطلق دليل الضمان، فتدبر
جيدا، وقد انقدح بذلك ما في كلامه من مواضع النظر، كما يشير إليه.
قوله (ره): (كون عهدتها ودركها بعد التلف عليه الخ -).
قد عرفت أن الضمان والعهدة، واعتبار عقلائي، من آثاره، كون
دركها وخسارتها بعد التلف، على اليد، كما أن خسارتها عليها قبل التلف،
مع تعذر الرد ببدل الحيلولة، ووجوب الرد مع عدم التعذر، من آثاره، فلا
وجه أصلا لتفسير الضمان المستفاد من على اليد بها، كما لا يخفى، ومنه ظهر
حال تفسيره، بثبوت الشئ الواحد في العهدات، مع ما فيه أيضا من أخذ
لزوم الخروج عن العهدة في تفسير ثبوت العهدة. فيقال: ما معنى العهدة
83

الثابتة التي يجب الخروج عنها، والخروج فرع الثبوت، ولا يكاد أن يكون هو
الخروج، فضلا عن لزومه، وتفسير الشئ ببعض خواصه، وأحكامه، وإن
كان مما لا بأس به، إلا أنه إذا لم يكن بهذا التعبير، كما لا يخفى على الخبير.
قوله (ره): (فهو يملك ما في ذمة كل منهم على البدل - الخ -).
قد عرفت أنه لا وجه، ولا سبب لاشتغال ذمة الضامن بالبدل
أصل، بل ضمانه للعين باق ما لم يحصل غايته، ووجوب دفع البدل مع
التلف، ليس إلا كوجوب دفعه، مع عدم تعذر دفع العين، ووجوب دفعها،
مع عدم التعذر من أحكامه.
قوله (ره): (فنقول إن الوجه في رجوعه، هو أن السابق اشتغل ذمته
- الخ -).
فيه ما عرفت أن اشتغال الذمة لو كان، لكان بعد تلف العين،
واللاحق إنما ضمنها قبل تلفها، فلم يحصل له إلا سبب ضمان نفس العين
عينا، ولم يحدث بعد سبب ضمان آخر لها ولبدلها على البدل، وثبوته على
السابق معلقا على تلفها حين ضمان اللاحق لها، لا يوجب ضمانه مطلقا له،
ولمبدله على البدل، لعدم ثبوته على السابق في زمانه، هذا، مع أن اشتغال ذمة
السابق بالبدل فعلا، لا يقتضي أن يكون مجرد حدوث سبب ضمان العين
اللاحق عينا، موجبا لضمان واحد من العين، والبدل على البدل، ولا محذور
أصلا في خروجه، لولاه على البدلية، بحسب حكم ضمان العين على
اللاحق، بل لا محيص عنه، لاختصاص السبب بضمانها، وإنما المحذور،
خروجه عنها مطلقا، ولو بحسب ما على السابق، وهو غير لازم، كما لا يخفى.
نعم لو كان هناك دليل عليها، كذلك الحكم بالضمان على البدل،
إلا أنه لا للزوم الحلف لولاه، كما ذكره بل، للدليل، فافهم. وقد عرفت أن
الوجه في ذلك، ضمانه ما كان في ضمان الآخر وعهدته، وقضيته مثل هذا
الضمان، بحسب الاعتبار، وعند هل العرف، هو رجوع السابق إلى
اللاحق، لو رجع إليه المالك.
84

قوله (ره): (مع أنه لا يكاد يعرف خلاف من أحد كون كل من ذوي
الأيدي مشغول الذمة - الخ -).
بل الذي لا ريب فيه، ولا شبهة تعتريه، كون كل واحد منهم
ضامن، وعليه العهدة في حالتي بقاء العين، وتلفها، والضمان أيضا كما
عرفت، وضع ليستتبع التكليف، وباق إلى أن يؤدي العين، والاجبار على
دفع البدل، أو الدفع عنه، وتقديمه على الوصايا، من الآثار المشترك فيها
الدين والضمان، فلا شهادة لها على الاشتغال. ثم لا يخفى أن تفسير العهدة
بالتكليف فيما تقدم، ينافي تشديده النكير على هذا القائل. فتأمل جيدا.
قوله (ره): (نعم ليس للمالك أخذ مؤنة الاسترداد ليباشر نفسه - الخ -).
فإنه ليس عليه إلا الرد، وله اختيار ما شاء من أفراده، نعم لا يبعد
تعين مباشرة المالك بالمؤنة لو لم يرض بتصرف الغير بالحمل والنقل، لأنه
تصرف فيه بغير رضاه، بلا ألجأ إليه، لكنه إذا لم يجحف في المؤنة، وإلا لم
يتعين عليه الدفع إليه، لقاعدة نفي الضرر، المحكمة على قاعدة عدم جواز
التصرف في مال الغير بدون إذنه، وغيرهما من القواعد.
قوله (ره): (أو ينزل منزلة التعذر، فيغرم بدل الحيلولة - الخ -).
لا وجه للتنزيل ما دام إلى رد العين بحسب المتعارف، أو استردادها،
سبيل فإن دليل بدل الحيلولة، ليس إلا أنه قضية الضمان عرفا، والقدر
المتيقن منه، ليس إلا ما إذا تعذر رد العين، واستردادها، دون ما إذا تمكن
الضامن من الرد، ولو بأجرة، أو المالك من الاسترداد و
قوله (ره): (نعم لولا النص والاجماع، أمكن المناقشة فيه، بما سيجئ في
بيع ما يملك وما لا يملك - الخ -).
بل لولا أن الصحة في المسألتين على طبق القاعدة، لأمكن
المناقشة، في النص، بأنه لا عموم فيه، ولا اطلاق، بل حكم في واقعة، وفي
الاجماع، بأنه يمكن ذهاب جل المحققين، لولا الكل، إلى الصحة بناء منهم
أنها على القاعدة، فلا مجال مع هذا الاحتمال لتحصيله، ولا يبقى وثوق
بنقله، فلا محيص للقابل بالصحة عن دفع ما سيجئ من المناقشة،
85

وحاصلها، إن الصحة في البعض على خلاف ما تراضيا وتعاقدا عليه من
المجموع، كما أن التراضي والتعاقد على المشروط، غير التراضي والتعاقد
عليه، مع فساد الشرط. والتحقيق في دفعها أن يقال: إن العرض والقصد
الذي دعى إلى التعاقد وإن تخلف، حيث إنه بتمليك تمام الجملة، ولم يمض
في غير الملك لهما، إلا أن التعاقد على تمليك الجملة، تعاقد على تمليك كل
بعض من أبعاضها، لأنها ليست إلا نفس الأبعاض بالأسر، فيكون التعاقد
علي تمليكها في الحقيقة تعاقد على تمليك كل من الأبعاض بإزاء ما يحاذيها
من الثمن، وعدم امضاء تمليك بعض منها، ليس بضائر بتبعية العقود
للقصود، لو قيل بالنفوذ في الباقي لما عرفت من كون التمليك بإزاء ما تخصه
من الثمن مقصودا، وإنما يضر لو كان تمليك كل بعض مقيدا بتمليك الباقي،
كما في باب الشروط، ولا يكاد يكون هيهنا تقييد، وإلا لكان مع كل
شئ بيعا شرطا، كما في ذاك الباب، وهو واضح البطلان، كما يشهد به
الوجدان. والتراضي المعتبر في الصحة، ليس إلا أن يكون تعاقدهما بصرافة
طبع المتعاقدين، قبالا لما إذا تعاقدا إجبارا، أو اكراها، وقد تعاقدا هكذا،
وإن لم ينفذ عقدهما في غير مالهما. ومن ذلك ظهر الفرق بين فساد الشرط
وفساد الجزء وليس عسرا، كما حكي عن جامع المقاصد.
إن قلت: هب ذلك، ولكن التبعيض يستلزم الجهالة في الثمن فيما
يسلم، والعلم به معتبر في صحة البيع.
قلت: مع أن التبعيض لا يستلزمه دائما، بل ربما يوجبه أحيانا، أن
المعتبر، هو العلم بما تعاقدا عليه من الثمن والمثمن، لا ما انحل إليه العقد،
لعدم امضاء الشارع فيما لا يملكه البايع، أو المشتري فلا مانع عن عموم أدلة
نفوذ البيع فيما يملكها، كما لا يخفى.
إن قلت: على هذا لا وجه لكون تبعض الصفقة، موجبا للخيار، مع أنه
من أسبابه عند المشهور، حيث إنه ليس فيه إلا تخلف الداعي، تخلفه
لا يوجبه.
قلت: وجهه إنه عقد واحد لم يسلم في تمام مضمونه، فالالتزام به
86

فيما يسلم ضرر، وعلى خلاف الفرض، فقاعدة نفي الضرر، يقتضي جبره برفع
لزومه، وثبوت الخيار فيه، فالسبب عدم سلامة العقد في تمام ما وقع عليه،
لا تخلف ما يدعوا إليه، فتأمل في المقام، فإنه من مزال الأقدام للأعلام.
قوله (ره): (أما تعارض ظاهر النصف، أعني الحصة المشاعة - الخ -).
ظهوره فيه بملاحظة اطلاقه وعدم تخصيصه، بالإضافة إلى نفسه، أو
شريكه، بل يكون حاله، حال لفظ الكل المضاف إلى الدار، فكما أن بلحاظ
حال طرو الشركة، وسائر الحالات، فكذا يكون بلحاظها عند اطلاقه، وإلا
فلا ظهوره له في معنى مبهم، قابل للانحاء من التعينات. فافهم.
قوله (ره): (والكل خلاف المفروض هنا - الخ -).
وعليه فيتعين في إرادة نصفه المختص به بلا مزاحمة، لظهور النصف
في المشترك، لما عرفت، من أن ظهوره فيه، إنما كان بالاطلاق، ومقدمات
الحكمة، ولا يكاد يتم معه، مع أنه - ره - بنى على تقديم ظهور الفعل في
الاختصاص على ظهور متعلقه في العموم في باب الاستصحاب في مقام بيان
معنى " لا تنقض اليقين " في أخبار الباب 1، ومن ذلك ظهر أن قياس ما نحن
فيه على بعت غانما ليس قياسا مع الفارق، لكنه عرفت فيما سلف أنه ليس
نية واحد، مما ذكره - قدس سره - مما لا بد في بيع مال الغير. فافهم.
قوله (ره): (فهل هو كالأجنبي؟ وجهان مبنيان على أن المعارض
- الخ -).
فإن كان المعارض، هو الأول، ففيه الاحتمالان، كالأجنبي، وإن
هو الثاني، فلا يكون إلا احتمال واحد، لعدم صلاحيته للمعارضة، وذلك
لتبعية ظهور الفعل، لظهور ما يتقيد به من متعلقاته، ولكنه على خلاف ما
أفاده، في بيان معنى " لا تنقض " في باب الاستصحاب، كما أشرنا إليه، من
تبعية المتعلق في الظهور، وفي العموم والخصوص، لظهور الفعل المتعلق به،
والصواب اختلافهما في التبعية، بحسب اختلاف المقامات، فلا بد في كل

1 - وسائل الشيعة: 5 / 321 - ب 10 - ح 3.
87

مقام من ملاحظة الخصوصيات، والحكم بها لأحدهما، مع الترجيح، والجزم
بظهور الجملة بحسب متفاهم العرف فيه، والتوقف مع عدمه والبناء على
اجماله.
قوله (ره): (لأنه عقد على ما يملكه - الخ -).
بل عقد على ما يعمه، وما يملكه غيره، فصرفه إليه من دون صارف،
لا وجه له، كصرفه إلى غيره، ولا يمكن أن يجعل الصارف، ظهور انشاء البيع
في البيع لنفسه، إذا المفروض أنه لم يقصد إلا مدلول اللفظ من غير ملاحظة
وقوعه عنه، أو عن غيره، فالحكم بوقوع البيع عنه تحكم، ولا يقاس على
الحكم باستحقاق الزوج بالطلاق، النصف الباقي من الصداق، لكفاية
انطباق نصف ما فرضتم عليه، وعدم كفاية مجرد الانطباق في الحكم بالوقوع
عنه في باب العقود لتبعيتها للقصود، فلا بد في بيع الكلي مطلقا، من التعيين،
بإضافته إلى نفسه أو غيره إلا أن يكون معينا في الكلي الخارجي الذي كان
جزء مما هو بتمامه ملكه، كالصاع من صبرة مملوكة له، فتأمل جيدا.
قوله (ره): (ونظيره في ظهور المنافاة لما هنا - الخ -).
إشارة إلى ما ذكره - ره - من منع ظهور النصف، إلا في الكلي
الصادق على نصفه، الموجب لصرف البيع إلى نفسه، وإن صرفه إلى غيره من
دون صارف، لا وجه له على ما أفاده، حيث إنهم في باب الصلح ما صرفوا
الصلح إلى نفس المصالح، بل صرفوا إليه، وإلى شريكه مع إجازته، وصرفوا
إلى نفسه في خصوص الربع بدونها، ووجه أن الصلح إنما وقع على ما أقر به،
والمقر به هي الحصة الخارجية التي تكون مورد العروض، ملك المصالح
وشريكه، فلا محيص عن الصرف إليها مع الإجازة، وإليه في خصوص الربع
بدونها. نعم لا يبعد صرفه إلى نفسه في تمام نصفه المقربة، لو لم يكن الصلح
على المقربة، بل على النصف الظاهر، بقرينة ظهور انشائه الصلح في الصلح
لنفسه في ماله، فلا وجه لما وجهه - ره - عليهم بقوله: " لأنه إن أوقع الصلح
- إلى آخره - "، مع ما فيه من الخلل بحسب نظم الكلام على ما لا يخفى على
ذوي الأفهام، وقد عرفت أنه لا ضابط في المقام، بل لا بد من رعاية
88

الخصوصيات في كل مقام.
قوله (ره): (دفع المقر له نصف ما في يده - الخ -).
قضيته الإشاعة والشركة حسب اعتراف المقر، أن يكون ما في
تحت يده من النصف بين الثلاثة، كما كان الآخر الذي يكون في يد الأخرى،
فيكون للمقر له بحسب اعترافه، نصف ماله لولا اعترافه مما في يده ويد
الآخر، لا نصف ما في يده، فافهم.
قوله (ره): (ويمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد إلى
نقبه - الخ -).
يمكن أن يقال: إنما يكفي هذا فيما صح عرفا بذل الثمن بإزائه،
كالخمر، والخنزير، حتى كان الثمن والمثمن معينين، بحسب ما هو البيع
العرفي. بخلاف ماذا لم يصح، فإن الثمن بحسبه أيضا مجهول، إلا أن يدعى
كفاية التعين في الصيغة، وقد ينقدح من ذلك اشكال آخر، وهو أنه لا يكاد
يتأتى في هذه الصورة منهما القصد الجدي إلى التمليك والتملك، ولا بد منه
في العقد، وإن لم يكن بمعتبر في انشائه. اللهم إلا أن يقال، إنما يعتبر القصد
فيما يكون الانشاء بالإضافة إليه عقد، أو لا يكون عقدا، إلا فيما يقبل
التمليك، وقد قصده بالجد والتوسل بانشائه إليه. فتدبر.
قوله (ره): (مع أنه لو تم ما ذكر، لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك لا
البطلان - الخ -).
فيه إنه لا وجه لصرف مجموعه إليه، بعد أنه جعل في الانشاء بإزائه
وإزاء غيره، فإن علم المشتري بعدم وقوع شئ منه شرعا، بل ولا عرفا بإزاء
ما لا يقبل الملكية، لا يقتضي جعله بتمامه بإزاء ما يقبل، كيف وقد جعله
حسب الفرض بإزائهما. فتدبر جيدا.
قوله (ره): (والمشهور عدم اعتبار العدالة للأصل - الخ -).
لا يخفى أن قضية الأصل اعتبارها، لأصالة عدم نفوذ تصرفهما في مال
الطفل، كما أن الأصل عدم ثبوت الولاية لهما المستتبعة لنفوذ تصرفهما، فإنهما
من الاعتبارات المصححة العقلائية التي تكون مستتبعة لآثار تكليفية
89

ووضعية، ومنها إباحة التصرف في مال الغير بدون إذنه الذي لولاها، كان
غير جائز، للاطلاق " لا يجوز لأحد التصرف في مال غيره بدون إذنه 1 ". نعم
لو كانا عادلين، وعرض الفسق، فشك في بقاء ولايتهما، ونفوذ تصرفهما،
فاستصحاب الولاية يقتضي نفوذ تصرفهما.
قوله (ره): (ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا الخ -).
لو سلم هذا، وأغمض عما وجهه عليه في محكي جامع المقاصد، إنما
يتم في غير الأب والجد، فإنهما في الحقيقة ما جعلا أمينا على مال الغير، بل
على مال من كان هو وماله، مالا لهما، كما في غير واحد من الأخبار 2،
ويساعده الاعتبار، كما لا يخفى على ذوي الأبصار.
قوله (ره): (ولعله أراد بنص القرآن، آية الركون إلى الظالم 3 - الخ -).
وتقريب دلالتها أنه تبارك وتعالى، إذا لم يرض بركون العباد إلى
الظالم، فهو تعالى أولى بعدم الركون إليه، والظالم يعم من عصى ربه وظلم
نفسه، كما في " لا ينال عهدي الظالمين 4 ". ويمكن تقريب الدلالة بأن قضية
حرمة الركون، عدم جواز تسليم مال اليتيم إلى الأب والجد الفاسقين، مع
القطع بجوازه على تقدير ولايتهما، بل وجوب التسليم مع مطالبتهما، لكنه يمكن
أن يقال: إن ولاية الأب والجد الفاسقين، ليست من باب الركون إلى
الظالم، بل لما عرفت من أنه من قبيل تسليط المالك على ملكه، فإن الطفل
وماله، مالا لأبيه، فافهم.
قوله (ره): (ويشهد للأخير اطلاق ما دل على أن مال الولد للوالد 5
- الخ -).

1 - وسائل الشيعة: 6 / 376 - ب 3 - ح 6.
2 - كالأخبار الواردة في وسائل الشيعة: 12 / 194 - ب 78.
3 - هود: 113.
4 - البقرة: 124.
5 - وسائل الشيعة: 12 / 194 - ب 78 - ح 8.
90

لا يخفى عدم دلالة هذه الأخبار، على ولايتهما أصلا. كيف، وقد
وردت في مورد كبر الولد ورشده، ولا ولاية لهما عليه بلا ريب فيه، فلا بدلها
من معنى لا يستلزم الولاية، ويكون محققا في حال الكبر والرشد، وهو أنه
للوالد مرتبة من الاختصاص، ونحو من الإضافة إلى مال الولد ونفسه،
يقتضي جواز أكله من مال بقدر الحاجة، أو مطلقا، غاية الأمر دعوى دلالة
هذه الأخبار على ملاك، يقتضي ولاية الجد والأب، مع حاجة الولد،
لقصوره بعدم البلوغ، أو العقل والرشد إلى الولي، وكمال الأب والجد
بحسبهما، ولكنه لا اطلاق فيها يقتضي نفوذ تصرفهما مطلقا، بل لا يكاد
يجدي، إلا فيما إذا أحرز وجود الشرائط، وفقد الموانع. اللهم إلا أن يقال: بأن
العرف يفهمون من مثل هذه الأخبار، وأن للأب والجد التصرف في مال
الولد، مثل تصرفه فيه ونفوذه كنفوذه وليس ببعيد، كما يشهد به استشهاد
الإمام (عليه السلام) في معنى نكاح الجد بدون إذن الأب، فإن البنت وأباها
للجد 1. فتأمل.
قوله (ره): ويدل عليه ما دل على أن الشخص وماله الذي منه مال ابنه
لأبيه 2 - الخ -).
فيه الاشكال، حيث لا دلالة في هذه الأخبار، إلا على أن الولد وماله
حقيقة لوالده، لا مطلقا ولو حكما. نعم في بعض الأخبار 3 تعليل نفوذ نكاح
الجد بدون إذن الأب، فإن البنت وأباها للجد، ولكنه لا دلالة له على ولايته
في أموال الطفل، إلا بدعوى الملازمة بين ولايته على النكاح وولايته على
الأموال، بل الأولوية، والانصاف إنه غير بعيد.
قوله (ره): (ومن أن مقتضى قوله تعالى " وأولوا الأرحام 4 " - الخ -).

1 - وسائل الشيعة: 14 / 219 - ب 11 - ح 8 (بهذا المعنى).
2 - وسائل الشيعة: 14 / 217 - ب 11 - ح 5.
3 - وسائل الشيعة: 14 / 219 - ب 11 - ح 8 (بهذا المعنى).
4 - الأنفال: 75.
91

الأولوية في الآية، إنما هو في الإرث، لا فيما يعم الولاية، وإلا لزم
تخصيص كثير، كما لا يخفى على الخبير.
قوله (ره) (الولاية يتصور على وجهين، الأول استقلال الولي بالتصرف
- الخ -).
لا يخفى أن اختلاف متعلق الولاية، لا يوجب اختلافها فيها، ولا ينثلم
به وحدتها، وليس نصب المتولي في الموقوفات، والقيم على القاصرين، والإذن
في الصلاة على الجنازة التي تكون بلا ولي، إلا مثل تصرفه بالمباشرة في البيع
والشراء وغيرهما، في أن كلا منها من متعلقاتها، ونفوذه منه لاستقلاله فيها،
وأما نفوذ استنابته، ليس من شؤون ولايته، دائرا مدار سعتها، بل إنما يكون
دائرا مدار كون الفعل النافذ منه بالمباشرة قابلا للنيابة، ويكون حال الوكالة
من الولي، حالها من المالك، أو المتولي، فافهم.
قوله (ره): قال الله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم 1 " - الخ -).
في دلالة ما دل من الآيات، والروايات الدالة على وجوب الإطاعة،
أو حرمة المخالفة على الولاية، نظر، لعدم الملازمة بينهما، كما لا يخفى، لكن في
هذه الآية، وما يشابهها من الآيات، والروايات الدالة على الولوية كفاية.
قوله (ره): (وأما العقل القطعي، فالمستقل منه حكمه بوجوب شكر المنعم
- الخ -).
لا يخفى أن ما ذكره من حكم العقل بقسميه، ولا يثبت به إلا وجوب
الإطاعة، لا الولاية، فالأولى أن يقال: إن العقل يستقل بنفوذ تصرف أولياء
النعم ومنهم الواسطة بين الله تبارك وتعالى، وكافة الأمم، في الأموال
والأنفس، فإنهم الولي بهما من الأنفس. هذا في العقل المستقل. وأما الغير
المستقل فبأن يقال: إن الأبوة إذا اقتضت الولاية، فالنبوة والإمامة يقتضيان
لها بطريق أولى، لأعظمية حقهما من حقها، لكن لا يخفى أنه لولا القطع بولاية
النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) من الآيات والروايات،

1 - الأحزاب: 6.
92

بل لا يبعد أن يعد من الضروريات، لم يكد يحصل القطع به من قبل العقل،
ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل.
قوله (ره): (أما الولاية على الوجه الأول - الخ -).
لا يخفى، أنه ليس للفقيه في حال الغيبة، ما ليس للإمام
(عليه السلام) وأما ما كان له، فثبوته له، محل الاشكال والكلام في المقام،
فلا بد هيهنا من البحث أولا فيما له (عليه السلام)، وثانيا في النقض والابرام
فيما ذكر دليلا على ثبوته له.
فاعلم، أنه لا ريب في ولايته في مهام الأمور الكلية المتعلقة بالسياسة
التي تكون وظيفة من له الرياسة، وأما في الأمور الجزئية المتعلقة
بالأشخاص، كبيع دار، وغيره من التصرف في أموال الناس، ففيه اشكال،
مما دل على عدم نفوذ تصرف أحد في ملك غيره إلا بإذنه 1، وأنه لا يحل مال
إلا بطيب نفس مالكه 2، ووضوح أن سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) أنه
يعامل مع أموال الناس، معاملة سائر الناس، ومما دل من الآيات
والروايات، على كون النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام، أولى بالمؤمنين
من أنفسهم 3. وأما ما كان من الأحكام المتعلقة بالأشخاص بسبب خاص، من
زواج، وقرابة، ونحوهما، فلا ريب في عدم عموم الولاية له، وأن يكون أولى
بالإرث من القريب، وأولى بالأزواج من أزواجهم، وآية " النبي أولى
بالمؤمنين 3 " إنما يدل على أولويته فيما لهم الاختيار، لا فيما لهم من الأحكام
تعبدا، وبلا اختيار. بقي الكلام في أنه، هل يجب على الناس اتباع أوامر
الإمام (عليه السلام) والانتهاء بنواهيه مطلقا ولو في غير السياسيات، وغير
الأحكام، من الأمور العادية، أو يختص بما كان متعلقا بهما؟! فيه اشكال،
والقدر المتيقن من الآيات والروايات، وجوب الإطاعة في خصوص ما صدر

1 - وسائل الشيعة: 6 / 376 - ب 3 - ح 6.
2 - وسائل الشيعة: 3 / 424 - ب 3 - ح 1 (مع تفاوت يسير).
3 - الأحزاب: 6.
93

منهم، من جهة النبوة والإمامة.
وقد انقدح بذلك، أنه لا يلزم تخصيص كثير، أو أكثر، لو نهض
الدليل بعمومه واطلاقه، على ثبوت ما للإمام (عليه السلام) من الولاية،
ووجوب الإطاعة للفقيه، هذا في تعيين ماله (عليه السلام). وإماما
ذكر دليلا لثبوت الولاية للفقيه، كولايته (عليه السلام)، فأحسنتها دلالة، ما دل
على كون الفقيه بمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل، وما دل على كون مجاري
الأمور بيد العلماء. أما المنزلة، فالمتيقن منها أنها في تبليغ الأحكام بين الأنام،
مع عدم ثبوت الولاية المطلقة لأنبياء بني إسرائيل، فتأمل. وأما كون مجاري
الأمور بيد العلماء، وإن كان عبارة أخرى عن ولايتهم، إلا أن الظاهر من
" العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه 1 " هو خصوص الأئمة، كما يشهد به
سائر فقراته التي سيقت في مقام توبيخ الناس على تفرقهم عنهم
(عليه السلام)، حيث إنه صار سببا لغصب الخلاقة وزوالها عن أيدي من
كانت مجاري الأمور بأيديهم. والخبر طويل رواه مرسلا عن أبي عبد الله
الحسين (عليه السلام) في تحق العقول، فلاحظ تمامه 2، ولا دلالة في كون
أولى الناس بالأنبياء أعلمهم على الولاية، مع أن الظاهر أن المراد، أولى
الناس بالخلافة منهم، ولذا خصصه بأعلم الناس ولا في اطلاق الخلافة
عليهم، ولا في جعلهم حاكما، ولا قاضيا، لعدم اطلاق في الخلافة، ولعلها في
تبليغ الأحكام التي هي من شؤون الرسالة، وظهور كونهم حاكما وقاضيا في
خصوص رفع الخصومة، كما يشهد ملاحظة المقبولة والمشهورة، ولا في ارجاع
الحوادث الواقعة إليهم، في التوقيع الشريف 3، لاحتمال معهودية الحوادث،
وإشارة إلى خصوص ما ذكره في السؤال، وقوة أن يكون المراد، ارجاع حكم

1 - تخف العقول: ص 271 (في كلمات الحسين (ع).
2 - تحف العقول: ص 271 (في كلمات الحسين (ع).
3 - وسائل الشيعة: 18 / 101 - ب 11 - ح 9.
عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصلي لي كتابا وقد سألت
فيه عن مسائل أشكلت على، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أما ما -
سألت عنه أرشدك الله وثبتك - إلى أن قال: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة -
حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله. وأما محمد بن عثمان العمري فرضى الله عنه -
وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي.
94

الحوادث الواقعة والفروع المتجددة التي ليس منها بخصوصها أثر في الأخبار،
ولا لجعلهم حجة من قبله، فإن الحجية من قبله غير مستلزم للولاية المطلقة،
لعدم ملازمة عقلا، ولا عرفا بين الحجية والولاية، وإن علم ولاية حجة الله
عجل الله فرجه، كما عرفت، فتأمل جيدا.
قوله (ره): (وإن لم يعلم ذلك، واحتمل كونه مشروطا في وجوده، أو وجوبه
بنظر الفقيه، وجب الرجوع فيه إليه - الخ -).
لا شبهة في وجوب الرجوع إليه، فيما احتمل كونه مشروطا في وجوده
بحسب أثره الوضعي، لأصالة عدم تأثيره بدونه، لا بحسب أثره التكليفي، لأنه
إن كان الشك في جوازه بدون إذنه، فقضية أصالة الإباحة، جوازه بدونه،
وإن كان الشك في موافقته للواجب بدونه، فأصالة البراءة عقلا عنده (ره)،
ونقلا عندنا، مقتضية للاقتصار عليه، وعدم وجوب الرجوع فيه إلى الفقيه،
فانقدح بذلك أنه لا وجه لوجوب الرجوع إليه، فيما احتمل كونه مشروطا في
وجوبه أيضا. وبالجملة، إنما يجب الرجوع فيما شك في تأثيره بدونه، سواء كان
الأثر مما يجب تحصيله بالتسبيب، أولا، للأصل، وفي غيره لا يجب، لأصالة
البراءة، أو الجواز، فلا تغفل.
قوله (ره): (ومرجع هذا إلى الشك في كون المطلوب 1 وجوده - الخ -).
بل ومرجعه إلى الشك في كون المطلوب وجوده مطلقا، أو في زمان
الحضور، وأما إذا علم بوجوبه فإن شك في اعتبار صدوره من خاص،
فقيها كان أو غيره، فالواجب عليه، اتيانه، لعلمه بوجوبه عليه عينا أو
كفاية، ولا أصل عدم وجوبه على غيره، وإن شك في اعتبار نظر شخص

1 - وفي المصدر: في كون المطلوب مطلق وجوده.
95

خاص، وإذنه في صدوره من أي شخص كان، فأصالة البراءة عقلا أو نقلا،
يقتضي عدم اعتباره، كفاية صدوره من الفقيه غيره.
قوله (ره): (أما وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة فيدل عليه
- الخ -).
قد عرفت الاشكال في دلالتها على الولاية الاستقلالية، والغير
استقلالية، لكنها موجبة لكون الفقيه، هو القدر المتيقن من بين من احتمل
اعتبار مباشرته أو إذنه ونظره، كما أن عدول المؤمنين في صورة فقده، يكون
كذلك.
قوله (ره): (لعموم " وتعاونوا على البر والتقوى 1 " - الخ -).
لا يخفى عدم الحاجة إلى الاستدلال بما ذكره فيما علم بكونه مطلوبا
على كل حال، ومع فقد الفقيه، وعدم صحة الاستدلال به فيما لا يعلم كونه
مطلوبا كذلك، بل احتمل كونه مطلوبا في حال وجوده، وسقوطه حال
فقده، لأنه من التمسك بالعام فيما شك في كونه من مصاديقه في الآية والرواية
الأخيرة، لعدم احراز كونه من البر والتقوى والمعروف في هذا الحال، وعدم
اطلاق أصلا في الرواية الأولى، لوضوح أنه في مقام الترغيب في عون الأخ
بعد الفراغ عن جواز ما أعانه فيه شرعا، كما لا يخفى.
قوله (ره): (والاحتمال الثالث مناف لاطلاق المفهوم الدال على ثبوت
البأس - الخ -).
فلا بد من تقييده على هذا الاحتمال، للقطع بعدم البأس على
العادل، مع تعذر الفقيه، وأنت خبير بمنافاة كل واحد من الاحتمالات،
للاطلاق، للقطع بعدم البأس على الفاسق الأمين، مع تعذر الفقيه، والعدل،
وهكذا الخائن، والمخالف، في صورة تعذر الأمين أيضا، وذلك لفرض الكلام
فيما علم بكونه مطلوبا على كل حال، وإلا فلا يكون هذا الاحتمال مناف
للاطلاق، لاحتمال ثبوت البأس مع تعذر الفقيه، على الاطلاق ولو على

1 - المائدة: 2.
96

العادل. فتأمل جيدا.
قوله (ره): (وإنما حمل على موضوع، هو اصلاح المال ومراعاة الحال
- الخ -).
وهذا الموضوع لا يثبت بأصالة الصحة، وإن كان مما يتوقف عليه
الصحة، لما حقق في محله، أن أصالتها، وإن قلنا بكونها حجة طريقا، ومن
باب الظن، إلا أنها لا يثبت إلا ما يترتب عليها شرعا، لا ما يترتب على ما
كانت موقوفة عليه، أو موقوفا عليها. اللهم إلا أن يمنع ترتب جواز شراء مال
اليتيم على اصلاحه، ورعاية حاله، وإلا لأشكل الأمر في الشراء من العدل،
أو الفقيه، مع عدم احراز الصلاح، بل كان مترتبا على الصحة المحرزة
بالأصل عند الشك فيها، ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل.
قوله (ره): (فمجرد وضع العدل يده على مال اليتيم - الخ -).
لا يخفى أن تصرف العدل، سواء كان من باب النيابة، أو صرف
التكليف، يمكن أن يوجب المنع عن الآخر ومزاحمة، كما يمكن أن لا يوجبه،
والمتبع في ذلك، دليل جواز تصرفه على النيابة، أو التكليف، وأنه دل على
المنع، أو الجواز، فلا وجه لتفريعه عدم المنع على كون تصرف العدل على وجه
التكليف دون النيابة. فتأمل.
قوله (ره): (لأن دخوله فيه كدخول الإمام (عليه السلام)، فدخول الثاني
فيه وبنائه على تصرف آخر مزاحمة، فهو كمزاحمة الإمام (عليه السلام).)
وفيه أنه، وإن كان كمزاحمة الإمام، إلا أنه من الإمام
(عليه السلام).
لا يقال: إن أدلة النيابة لا تشمل ما كان فيه مزاحمة الإمام، فلا
يكون إلا من قبيل المزاحمة من غير الإمام.
فإنه يقال: إن عدم الشمول، إن كان لعدم المقتضي من اطلاق أو
عموم، يعم هذا الحال، فعدم الدليل على الولاية مع المزاحمة، يكفي وجها لعدم
الولاية، ونفوذ التصرف، لأصالة عدمها. وإن كان لأجل المانع عن ثبوتها،
وإن كان المقتضي لاثباتها موجودا، كما هو ظاهر كلامه زيد في علو مقامه،
97

فالمزاحمة وإن كان مانعة عقلا، إلا أنها إذا لم يكن كمزاحمة له، وعموم
أدلة النيابة يقتضي كون كل منهما نائبا عنه (عليه السلام).
قوله (ره): (فلأن وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم الخ -).
جواز الحكم قبل السؤال، يكفي في المنع عن المزاحمة، إلا أن يمنع عن
جوازه قبل السؤال، مع أنه يمكن مع فرض الترافع إلى الغير بعد السؤال وقبل
الحكم، بوجه، إلا أن يمنع عن جواز التصدي حينئذ ولعل القضاوة منصب،
أثبته عموم مثل المقبولة 1، وغيرها في حال الغيبة لكل فقيه، كما أثبته دليل
خاص لخصوص أشخاص في حال الحضور، لا النيابة عنه (عليه السلام).
قوله (ره): (فنقول إن القرب في الآية 2، يحتمل معاني أربعة - الخ -).
القرب إلى الشئ وإن كان حقيقة بالأبدان بحسب المكان، إلا
أنه كثيرا ما يستعمل كناية عن الايجاد إذا نسب إلى الأفعال، كما في قوله
تعالى " ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " 3، وعن أحدها إذا نسب إلى
غيرها، مما عهد وتعارف انتسابه إليه ففي مثل: فلان لا يقرب القرآن، أو
الكتاب، يراد القراءة أو المطالعة، أو لا يقرب المسجد يراد الصلاة فيه، أو
مطلق العبادة، والمعهود مما ينتسب إلى المال عرفا، هو التصرف فيه بالتجارة،
بالبيع والشراء، والإجارة، وغيرها من أنواع المتاجر، لا مطلق الفعل
الاختياري، فضلا عن الأمر الأعم من الفعل والترك، فتأمل جيدا.
قوله (ره): (ومن الاحتمالات الأحسن، هو الاحتمال الثاني - الخ -).
لكنه لا بد أن يراد منه، التصرف الذي لا يكون بأحسن منه، لا ما
كان الأحسن مطلقا، ضرورة جواز اختيار التصرفين المتساويين الذين
كانا أحسن من سائر التصرفات، وعليه لو فرضنا أن كلا من إبقاء الدراهم،
أو تبديلها بالدينار، أحسن من سائر التصرفات فيها، جاز له التبديل، حيث

1 - وسائل الشيعة: 18 / 101 - ب 11 - ح 9.
2 - الأنعام: 152. وهو قوله تعالى " ولا تقربوا مال اليتيم ".
3 - النساء: 43.
98

لا أحسن منه، وإن لم يكن بالأحسن مطلقا، فتأمل.
قوله (ره): (بناء على أن المراد من منفعة الدخول، ما يوازي عوض ما
يتصرفون - الخ -).
أي ما يعمه، وما هو الزايد عليه، لبعد إرادته بخصوصه، وكيف
كان، فلا تنافي بين صدر الرواية وذيلها، لكون الشرطية في كل منهما مسوقة
على ما هو الغالب من حصول الضرر، أو النفع من دخول بيت اليتيم، لندوة
الموازاة بين الضرر والنفع الداخلين عليه من الدخول، فلا تعرض في
إحديهما لهذه أصلا، فلا تعارض، كما لا يخفى.
قوله (ره): (ولو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص، فلا بد من حمله على
معنى - الخ -).
وحمله على ما يعم الملكية، موجب للتخصيص، لتملك الكافر للمسلم
بالإرث، وبقاء ملكيته له فيما كفر المولى، بعد ما كانا مسلمين، أو أسلم
العبد بعد ما كانا كافرين، فلا بد من الحمل على ما يعم الملكية، فلا دلالة
على المنع عن بيع عبد المسلم من الكافر.
قلت: يمكن أن يقال: إن الآية 1، ولو بقرينة سياقها، لا بد من أن
يحمل على ما لا يريد عليه التخصص، إلا أن حملها على ما يعم مثل تملكه له
بالاختيار بشرائه، لا يوجبه، فإن تملكه بالإرث، أو ببقاء ملكيته قبل
الإسلام، إنما هو بالتعبد، لا بالاختيار، وكون التملك بالاختيار، سبيلا، بل
من أوضح السبل، لا يستلزم كون التملك حدوثا أو بقاء تعبدا كذلك أصلا
كما لا يخفى ومن هنا يمكن أن يقال إن المال بالنسبة إلى العلو كذلك. فلا
يكون الملكية القهرية التعبدية، بلا استتباعها السلطنة علوا، وكان سلطنته
على تحصيلها بالشراء علوا، فافهم.
قوله (ره): (وحكومة الآية 2 غير معلومة، وإباء سياق الآية من التخصيص).

1 - النساء: 141. وهو قوله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ".
2 - النساء: 141.
99

لا يخفى أن العرف يساعد على التوفيق بين ما دل على الحكم
للعناوين الثانية الطارية، وما دل على الحكم للعناوين الأولية، بتقديم
الأول على الثاني، وإن كان بينهما عموما من وجه، وحمل الثاني على الحكم
الاقتضائي، ولذا لم يلحظ بين مثليهما تعارض أصلا، وقد عرفت في الحاشية
السابقة عدم لزوم تخصيص فيها من طرف الاستدامة، فتأمل جدا.
قوله (ره): (وهذا وإن اقتضى التقييد في اطلاق ما دل - الخ -).
لا يخفى، أن تقييد اطلاق دليل الاستقلال في مورد ملك الكافر
للمسلم، معلوم على كل حال، لوجوب بيعه عليه، ولو لم يكن بطيبه، فلا
يكون حجره مع صحة بيعه منه، تقييد آخر، يحتاج ترجيحه على تخصيص
الآية 1 إلى دعوى أهونيته.
قوله (ره): (فيثبت في غيره بعدم الفصل - الخ -).
لا يكاد يثبت في غيره، إلا على الأصل المثبت، اللهم إلا أن يدعى
عدم الفصل بين صحته بالاستصحاب في مورده، وصحته في غير مورده.
وبعبارة أخرى يدعى عدم الفصل بين الحكمين الظاهرين، لكنه كما ترى.
قوله (قدس سره): (لأن استصحاب الصحة متقدم علها فتأمل
- الخ -).
لا يكاد يقدم أصل على أصل أخرى، إلا إذا كان سببيا بالنسبة إليه،
ولا سببية بين صحة البيع في مورد استصحابها، وبين صحته في غير هذا
المورد، غاية الأمر، بين صحة أحدهما، وصحة الآخر، ملازمة، كما هو الحال
في الفساد، ولذا أمر بالتأمل.
قوله (قده): (وأما تمليك المنافع ففي الجواز - الخ -).
إنما الاشكال والخلاف في الإجارة، والرهن والإعارة، وغيرهما،
لأجل عدم تنقيح السبيل المنفي، وأنه بمفهومه يعم ميل هذا التسليط الناشئ
من قبل أحدهما أولا، والمتبع في مثله، هو أصالة عموم دليل صحة البيع، أو

1 - النساء: 141.
100

اطلاقه، لو كان، وإلا فأصالة الفساد.
قوله (قده): (ثم الظاهر من لفظ الكافر - الخ -).
بل الظاهر من لم يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وآله، وإن لم يحكم بنجاسته،
وحكم بنجاسة من حكم بكفره ممن انتحل بالإسلام، وكونهم في الخباثة
مثلهم، أو أشد، لا يقتضي الاشتراك في تمام الأحكام، وكذلك اطلاق
الكفر عليهم في بعض الأخبار، لا يقتضي ترتيب جميع الآثار عليه، مع وضوح
أنه بلحاظ ماله من الخباثة الذاتية التي لا يبعد أن يكون مقتضية لاشتراكه مع
الكافر في أحكامه، لولا شرافة إسلامه.
قوله (قده): (إلا أن يمنع اعتبار مثل هذا العلم الاجمالي فتأمل).
لا وجه له، لعدم جواز تخصيص اعتبار العلم ببعض الأفراد والموارد،
نعم يمكن دعوى عدم حصول العلم هيهنا على صحة البيع واقعا على تقدير
الكذب، بسبب نفوذ الاقرار عليه ظاهرا، وعدم كون التملك والمالكية، سبيلا
وسيارة، فتأمل جيدا.
قوله (قده): (لقوله (عليه السلام) في عبد كافر أسلم: اذهبوه فبيعوه 1
- الخ -).
يمكن أن يكون قوله (عليه السلام): اذهبوه، بيان الحكم، وأن بيعه
عليه، تكليف المسلمين، ويمكن أن يكون إذنا لهم في بيعه، لولايته
(عليه السلام)، حيث إن
بيعه عليه، على خلاف القواعد المتيقنة، فلا محيص
إلا عن الاقتصار على المتيقن من رعاية الإذن ممن احتمل ولايته عليه من
الفقيه في حال الغيبة، بل العدول مع تعذره. نعم فيما إذا تعذر، فلا يبعد
دعوى حصول القطع بنفوذ بيع سائر المؤمنين، للقطع بأنه مطلوب على كل
حال.
قوله (قده): (ويمكن أن يبتني على أن الزائل العائد، كالذي لم يزل
- الخ -).

1 - وسائل الشيعة: 12 / 282 - ب 28 - ح 1.
101

لا وجه لهذا الابتناء أصلا، حيث إن العائد لو سلم أنه كالذي لم يزل،
إلا أنه بحسب النظر المسامحي العرفي، وإلا فلا شبهة أنه غير الأول،
والاجماع إنما كان على الأول، وإلا لم يحتج إلى أنه كالذي لم يزل. نعم ربما
يصح الابتناء فيما كان الدليل على ملكيته بالإرث، على خلاف قاعدة نفي
السبيل، بنص دعوى صدق أنه تلك الملكية على أن العائد كغير الزائل،
فتأمل.
قوله (قدس سره): (يشكل في الخيارات الناشئة عن الضرر من جهة قوة
أدلة نفي الضرر - الخ -).
لا يخفى أن المقام، ليس مقام تعارض الدليلين، بل من قبيل تعارض
المقتضيين، كما في تزاحم الواجبين، وذلك لأن المقتضي لكل من النفي
والاثبات، من الضرر، والسبيل هيهنا، كما في غيره بلا قصور فيه، وليس
عدم تأثيره، إلا لابتلائه بالمزاحم الأقوى، كما لا يخفى. وفي مثله لا بد من
الترجيح بالأهمية، لا بأقوائية الدليل. نعم لو لم يحرز الأهمية، فلا بأس
بالترجيح بها للأول إلى تعارض الدليلين في الحكم الفعلي، واحراز الأهمية
بها بطريق الإن، فافهم. ولا يبعد أهمية نفي السبيل المقتضي لنفي
الخيار، عن نفي الضرر المقتضي لاثباته.
قوله (قدس سره): (فإن هذا الضرر إنما حصل من كفره الموجب لعدم
قابلية تملك المسلم - الخ -).
فيه أنه ليس من الاقدام بالضرر المانع عن شمول قاعدته له،
كما إذا أقدم على البيع بالأقل عن علم، بل من الاقدام على ما كان حكمه
بحسب عموم أدلة الضرر، لولا قاعدته، فلو لم نقل بالخيار، فلا بد من
تخصيصها بقاعدة السبيل والعلو المنفيين بناء على ما عرفت من أن مجرد التملك
بلا اختيار، وإن لم يكن سبيلا وعلوا، إلا أن تحصيله بالاختيار بالبيع، أو
بالفسخ بالخيار، كان سبيلا وعلوا، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (مع أنه على تقدير المقاومة يرجع إلى أصالة الملك وعدم
زواله بالفسخ والرجوع - الخ -).
102

لا بأس باستصحاب الملك، لتحقق ركنية، وأما استصحاب عدم
الزوال بالفسخ، فلا مجال له بلا ارتياب، لعدم التيقن به سابقا، وإنما يجري
فيما إذا قطع به، ثم طرء ما يوجب الشك في بقائه وارتفاعه. نعم لا بأس
باستصحاب عدم ثبوت حق الخيار، وإزالة الملك بالفسخ بالعقد، للشك في
حدوثه به بعد القطع بعدمه، ولو لعدم سببه وموضوعه.
قوله (قدس سره): (يشترط في كل منهما كونه متمولا - الخ -).
لا يخفى أن بين المالية والملكية عموما من وجه، لافتراقهما من حبة
حنطة، والكلي المتعهد به، حيث إن الأول ملك ولا مال، وفي الثاني يعكس
الحال، فإنه يبذل بإزائه المال، مع أنه ليس بملك قبل البيع لأحد، وإن صار
ملكا للمشتري أو البايع بالمال، وقد انقدح به، أن المعتبر في صحة البيع هو
المالية. نعم لو كان بالفعل ملكا، فلا بد أن يكون ملكا للبايع، وإلا لكان
فضوليا يتوقف نفوذه على الإجازة، أو باطلا، على الخلاف، كما تقدم.
قوله (قدس سره): (إذ لا بيع إلا في ملك - الخ -).
قد عرفت أن النسبة بين الملكية والمالية عموم من وجه، فلا وجه
للاستدلال به على اعتبار المالية، مع أنه إنما لا بيع إلا في ملك فيما هو بالفعل
ملك، لما أشرنا إليه من صحة بيع الكلي، بلا خلاف ولا اشكال مع أنه
ليس بملك بالفعل، وإن كان بالمال، فالأولى أن يقال: إن ما ليس ما عرفا
بمال، فلا خلاف ولا اشكال في عدم جواز وقوعه أحد العوضين في البيع،
فإنه مبادلة مال بمال.
قوله (قدس سره): (وإلا فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع
- الخ -).
فيه ما لا يخفى، فإن الرجوع إليها تمسك بالعام فيما اشتبه كونه من
مصاديقه، بناء على اعتبار مالية العوضين في البيع، كما أشرنا إليه. نعم -
يصح الرجوع إلى عموم " أوفوا بالعقود " 1 لو لم نقل باعتبار ذلك في صدق -

1 - المائدة: 1.
103

العقد عرفا أيضا، كما صح الرجوع إلى عمومات البيع أيضا، فيما إذا شك في -
ماليته شرعا، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية 1، من بيع ما يشترك فيه
الناس - الخ -).
أي ما يباع لهم وجاز لهم التملك بالاحتطاب، والاصطياد،
والاتخاذ، وعدم جواز بيعها قبل تملكها ليس لعدم ملكيتها لأحد، وإلا فقد
عرفت عدم اعتبار الملكية قبل البيع، بل لعدم كونها قبل التملك ما لا يبذل
بإزائه المال، ويكون بذله بإزائه سفها، وأكل المال بإزائه باطلا، فافهم.
قوله (قدس سره): (واحترزوا به أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة
- الخ -).
لا يخفى أن مجرد اعتبار الملكية، لا يوجب الاحتراز عنها، لكونها مملوكة
أيضا للمسلمين بنحو من الملك، مع أنه لا وجه للاحتراز عنها، لصحة بيعها
إذا رأى الإمام (عليه السلام) فيه المصلحة، وتوقف صحة بيعها على
المصلحة، غير عدم جواز بيعها.
قوله (قدس سره): (ربما يكون في بعض الأخبار 2، وجوب أداء خراجه إلى
الإمام (عليه السلام) - الخ -).
وهذه الأخبار ظاهرة في بقائها في ملك الإمام (عليه السلام) أيضا،
وهي أظهر مما دل على حصول الملك بالاحياء لمن أحيى، ولو سلم عدم كونها
أظهر، فالتوفيق بحمل ما كان ظاهرا في حصول الملك على حصول
الاختصاص، ما يساعد عليه العرف، فيتعين لولا الاجماع على حصول الملك.
قوله (قدس سره): (فدخل في عموم النبوي: من سبق إلى ما لا يسبقه أحد 3
- الخ -).

1 - وفي المصدر: باعتبار الملكية في العوضين من بيع...
2 - وسائل الشيعة: 17 / 328 - ب 3 - ح 2.
3 - السنن للبيهقي: 6 / 142 (باب من أحيا أرضا ميتة ليست لأحد).
104

إنما سيق الاطلاق مساق أحقية السابق، وعدم جواز مزاحمة
اللاحق، لا في مساق جواز السبقة حتى كان عدم جواز السبق إلى أموال
الناس بدليل خاص، فلا يجوز التمسك باطلاقه فيما إذا أشك في جوازه،
كالأرض العامرة التي هي تكون ملكا للإمام (عليه السلام).
قوله (قدس سره): (فإن كانت العمارة أصلية فهي الإمام (عليه السلام)
- الخ -).
بلا اشكال ولا كلام إذا لم يملكها غيره بالحيازة، بناء على التملك
بها، وإلا فحالها حال الأرض المحياة التي عرضها الموت التي قضية
الاستصحاب، وبعض الأخبار، بقائها على ملك مالكا، وبعض الأخبار دل
على أن الأرض الخربة تركها أهلها وعمرها غيرها فهي لمعمرها 1.
قوله (قدس سره): (ثم ما يملكها الكفار من الأرض 2 - الخ -).
كانت محياة، أو عامرة بالأصل، أو ميتة إذا عرضها الموت، بناء على
بقائها في ملك مالكها، إذا الظاهر من الدليل حكم المفتوحة عنوة، صيرورة
كلما كان مملوكا للكفار، ملكا للمسلمين، فليراجع الأدلة.
قوله (قدس سره): (وظاهره كما ترى عدم جواز بيعها - الخ -).
وعليه يشكل بيع أرض العراق وشرائها، فإنها فتحت عنوة، مع أنه
من المتعارف بلا نكير، ويدفع بأن المحياة منها حال الفتح، كانت ملكا
للمسلمين، وأما الميتة حاله فهي لمحييها، فكل أرض منها لم يعلم كونها محياة
حاله، وكانت تحت يد، يحكم بكونها ملكا لذي اليد، فجاز بيعها وشرائها،
مع أن ما كانت محياة حاله، يمكن أن يكون الإمام (عليه السلام) قد نقلها.
لا يقال: نعم، ولكن لا يكاد ويكون اليد الأمارة الملك في أطراف
العلم الاجمالي.
فإنه يقال: نعم، لكنه لولا الانحلال إلى العلم التفصيلي والشك

1 - وسائل الشيعة: 17 / 328 - ب 3.
2 - وفي المصدر: ثم ما ملكه الكافر من الأرض.
105

البدوي، وذلك لأن ما علم تفصيلا من الأراضي الخراجية، بالمقدار المعلوم
بالاجمال، ولو لم يكن بذلك المقدار، فأطرافه غير محصورة بلا اشكال.
قوله (قدس سره): (ففي عدم جواز التصرف إلا فيما أعطاه السلطان الذي
حل قبول الخراج - الخ -).
الظاهر أنه لا اشكال في جواز التصرف فيما أعطاه السلطان وقبله مما
كان تحت سلطانه، لما دل من الأخبار على جواز التقبيل منه، وأما ما لا
يكون بيده وتحت سلطانه، ففيه اشكال، لاحتمال أن يكون الفقيه مرجعا في
مثله في حال الغيبة أو السلطان، كما كان في غيره مما يكون تحت يده،
فلا بد في التصرف فيه من إذنهما، لدوران الأمر لو أمكن، وإلا فيما أمكن
للعلم بأن الشارع لا يرضى بتعطيله مطلقا، ولا ينافي هذا، توقفه على إذن
الفقيه أو السلطان لو أمكن، كما لا يخفى. نعم لا يبعد دعوى كفاية إذن
الفقيه فيه مطلقا، وعدم الاعتداد بإذن السلطان في غير ما نهض عليه الدليل،
لما دل على عدم جواز الركون إلى الظالم 1. قوله (قدس سره)، (ويؤيد بل
يدل عليه استمرار السيرة خلفا عن سلف، على بيع الأمور المعمول - الخ -).
لا يخفى أنه لا تأييد فيه، فضلا عن الدلالة، لعدم احراز كون
الأراضي التي يؤخذ منها الأمور المعمولة محياة حال الفتح، كي يكشف
السيرة إذا كانت واجدة لشرائط الاعتبار عن كونها كالمباحات، وقد عرفت
أن اطلاق (من سبق) 2 إنما يكون في مساق بيان أحقية السابق من اللاحق.
فتذكر.
قوله (قدس سره): (فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر الحقوق المانعة
- الخ -).
هذا بحسب النظر الجلي العرفي، وأما بحسب النظر الدقيق، فالمانع هو

1 - هود: 113.
2 - ورد بهذا المعنى في السنن لأبي داود - 3 / 178.
106

الجامع بين الحقوق، فإنه على شتاتها، وتفرقها، يكون مجتمعة في المنع عن تأثير
البيع، فلا بد أن يكون هذا بما يجمعها يكون مشتركة فيه، ويكون الشرط هو
فقد ذاك الجامع الذي عبر عنه بكونه طلقا، أي فاقدا لذاك المانع، فليس
الأمر في الأصالة والفرعة في هذا الشرط، وفروعه على العكس، فافهم.
قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا إن ظهر أن المانع من بيع الوقف أمور ثلاثة
- الخ -).
والتحقيق أن واحدا منها لا يصلح للمنع عن البيع، أما الواقف
فلانقطاع العين الموقوفة منه بالوقف، وصيرورته أجنبيا عنها كغيره،
واستحقاقه الأجر والثواب بنفس وقفه كسائر عباداته، وكونها صدقة جارية،
لا يتقضى كونها متعلقة لحق، غاية الأمر انتفاعه بها ما دامت باقية، لأجل
خصوصية عمله، مثل " من سن سنة حسنة 1 " من دون تعلق حق منه بها
أصلا، وأما الله تبارك وتعالى، فالأعيان الموقوفة كسائر الأعيان من
السماوات والأرضين، وإن كانت ملكا له تعالى، إلا أنه ليس بمانع عن
البيع، وكون نفس الوقف لله تعالى، وهذا العمل له، وعليه عوضه، لا يقتضي
كون العين الموقوفة متعلقة بحق له، مانع عن بيعها، كما لا يخفى، وأما البطون
اللاحقة، فلو سلم كون العين فعلا متعلقة لحقها، فإنما يكون مانعا عن بيعها
على أن يكون الثمن ملكا للموجودين من الموقوف عليهم، لا على أن يكون
الثمن كالمثمن متعلقا لحقوقها، إذا كان البيع صلاحا للوقف، فلم يبق
ما يمنع عنه، إلا الاجماع، والأخبار. ودعوى كون جوازه منافيا لمقتضى العقد،
سواء كان عدم البيع ومثله، مأخوذا في قوامه، أو كان من لوازمه وأحكامه،
وهذه الدعوى بينة في الجملة، ضرورة أن حبس الأصل الذي لا معنى له، إلا
الممنوعية عن التصرفات الناقلة أو المتلفة له، داخلة في قوامه، ولا أقل من
كونه من لوازمه وأحكامه.
نعم كونه كذلك مطلقا، ولو طرء عليه من الأداء إلى الخراب،

1 - كنز العمال - ح 43079 و 43077 (وبهذا المعنى ورد في البحار - 71 / 258).
107

والخلف، والفساد بين الأرباب، وغير ذلك، أو ما لم يطرء عليه مثل ذلك،
وإلا فالحسن إنما كان معتبرا في ببدله، بأن يكون حبسه بمالية غايته يكون
حبسه بنفسه طرو أحد الطواري، كما هو المقصود الأولى الأصلي وببدله،
فيما إذا طرء أحدها، وهو المقصود الثانوي، محل اشكال بل وخلاف. وقد
انقدح بذلك، أن جواز البيع، ينافي الحبس الذي يكون به قوامه، أو يكون
من لوازمه وخاصيته على وجه وقول، فلا محيص على هذا عن بطلانه، وعلى
وجه آخر يكون كذلك، بالنسبة إلى مرتبة منه، وهي المترتبة الأولى،
والمقصود الأقصى، لا بحسب حقيقته وماهيته، كي يوجب بطلانه كلا،
واضمحلاله أصلا. وبذلك ظهر أن من يقول ببطلانه بالجواز، كان نظره إلى أن المنع
عنه من لوازمه وأحكامه، لو لم يكن داخلا في قوامه، وأن من يقول بعدم
بطلانه به، بل بالبيع كان نظره إلى أنه من لوازم بعض مراتبه، لا من خواص
حقيقية أو من مقومات ماهيته، لكنه لا يخفى أنه بالبيع على هذا، لا يبطل
الوقف أيضا، إلا بالنسبة إلى العين نفسها، لا ببدلها. وقد عرفت أن حبسها
بنفسها مرتبة من المقصود، لاتمامه، مع أن صريح كلامه - ره - عدم
بطلانه بالجواز، بل بالبيع فيما إذا قبل به، لضرورة البطن الموجود، مع أنه
ينافي الحبس المعتبر فيه رأسا، ولعل نظره (قدس سره) إلى أن الوقف معه
لا يصير كأنه ما كان عن رأس، بحيث لو اتفق عدم بيعه، مع جوازه إلى أن
ارتفع ما كان سوغه كان كما إذا لم يرتفع، بل يصير كما إذا لم يكن هناك ما
سوغه.
ولا يذهب عليك أن عدم البطلان بهذا المعنى، لا يستلزم عدمه
مطلقا، ضرورة بطلانه فعلا بطر وما ينافيه بذاته أو بخاصيته، عرفا وشرعا،
فما دام هذا المنافي، كان الوقف غير نافذ، فباطل، وإذا ارتفع بارتفاع موجب،
كضرورة أربابه، أو خلفهم المؤدي إلى خرابه، عادت صحته، فيصر صحيحا
شرعا، كما كان أولا، ولا غرر فيه أصلا، ويمكن بذلك التصالح بين القولين،
كما لا يخفى. فتدبر جيدا.
108

ثم إنه لا يلزم على هذا مخالفة لقاعدة (العقود تابعة للقصود)، فإنه
أيضا مفصود، غايته أنه ليس بالمقصود الأقصى.
إن قلت: كيف ادراج هذه المرتبة في العقد، مع أنه لا يكاد تدرج
في إرادته من مثل (وقفت كذا) مع وضوح تبعية للقصد.
قلت: لا بد في ادراجه فيه وقصده من دلالة أخرى، وهي كون
الواقف بصدد جعلها صدقة جارية ينتفع بها، والعين غالبا بنفسها لا تصلح
لذلك، لكونها في معرض الخراب، وغيره مما ينسد به باب الانتفاع بها،
فيكون قرينة على حبسها بنفسها، ما لم يطرء مثل ذلك، وببدلها فيما إذا طرء،
فافهم. وبالجملة فالوقف لا ينافي جواز البيع، إلا فيما إذا لم يكن هناك طار
أصلا، وأما مع طروه فلم يظهر أنه ينافيه، ويأتي تفصيل القول فيه، في ذيل
كلامه - ره - والاجماع أيضا لم يقم إلا على عدم الجواز كذلك، والأخبار
الدالة على المنع 1، وإن كانت مطلقة، إلا أن اطلاقها، ليس بلحاظ
الطواري، فلا مجال للتمسك به في الحكم بعدم الجواز مع أحدها عند الشك
فيه بلا اشكال، فلم يبق إلا أصالة عدم الجواز الثابت قبل طروها، فلا بد من
ابتاعها إلى أن يقوم دليل على الجواز.
قوله (قدس سره): (والحاصل إن جواز بيعه تبعا غير مناف لما قصده
الواقف - الخ -).
وذلك أنه وإن أخذ في حقيقة الوقف بقاء العين الموقوفة، إلا أنه فيما
إذا لم يؤد إلى انعدامها أصلا، وأما فيما يؤدي إليه، فإن كان البقاء مما لا بد
منه في الوقف، فلا محيص عن أن يكون بماليتها لا بنفسها، كما لا يخفى، غاية
الأمر لا بد من بقائها بنفسها ما دام يمكن، ولا يؤدي إلى التلف، وبماليتها
وبدلها فيما يؤدي، كيف وليس هذا الحبس، إلا لأجل الانتفاع بها، فكيف
يوجد فيما يوجب ضياع أصل العين. وبالجملة دعوى القطع بأن أخذ حبس
العين بشخصها في الوقف، إنما يكون ما دام لم يؤد إلى الانعدام، وإلا فيبدلها

1 - وسائل الشيعة: 13 / 303 - ب 6.
109

ليست مجازفة.
قوله (قدس سره): (فينتهي ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه - الخ -).
فكان حاله حال ما لا يمكن تبديله، ولا ينافي ذلك، الأبدية المعتبرة
في الوقف، ضرورة أنها إنما يكون في قبال التوقيت، إلا أن يدعى اعتبار
التأييد ولو بالبدل، فافهم.
قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا يظهر أن الثمن لا يختص به البطن الموجود 1
- الخ -).
لا ريب فيه على تقدير كون الوقف مما يتعدد فيه المطلوب، ويكون
بحسب حقيقته ذا مرتبتين: حبس العين بنفسها ما دام ممكنا، وحبسها ببدلها
فيما لم يكن. وأما على تقدير كون الوقف ذا مرتبة واحدة، فإن قلنا إنها تمليك
العين لخصوص من يبقى إلى زمانه من البطون، فالثمن للبطن الموجود، لعدم
دخل للبطون اللاحقة في العين أصلا، كما لا يخفى، وإن قلنا إنها التمليك
لجميع البطون، ففي اختصاص الثمن بالبطن الموجود، أو كالمثمن لجميع
البطون، اشكال من كون العين فعلا مملوكا الموجود ولا ملكية فعلية
للبطون المعدومة، وهو واضح، ولا شأنية، فإن الواقف وإن أنشأ ملكيتهم، إلا
أنه حيث لا يكاد يبقى العين إلى زمانهم، فلا يكاد يصير ملكا لهم، فكيف لهم
ملكية شأنية، ولاحق لهم فيها فعلا إذ مع عدم صحة اعتبارها للمعدوم، فلا
موجب له في العين، ومن أن البطن الموجود وإن كان فعلا مالكا، إلا أن ملكهم
لها ليس بملك طلق لها حيث إنه بمقتضى جعل الواقف ما دام حياته، ولذا لا يكون
مما تركه، وقضية العوضية أن يكون الثمن كذلك، لا طلقا بحيث صار مما تركه
لو مات، وتعمه أدلة الإرث. فافهم.
قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا ظهر عدم وجوب شراء المماثل - الخ -).
وهذا ظاهر إن كان التبديل من أحكام الوقف، لا مرتبة من حقيقته
وبجعل الواقف، وإلا ففي شراء المماثل، أو البيع بالمماثل إن أمكن، وعدمه

1 - وفي المصدر: ومما ذكرنا يظهر أن الثمن على تقدير البيع لا يختص به البطن الموجود.
110

لا بد من ملاحظة غرض الواقف أنه تعلق في هذه المرتبة بما هو الأصل
للموقوف عليهم، أو بما هو المماثل للعين الموقوفة، فيتعين ما عينه، وتعلق به
غرضه. هذا فيما علم غرضه، وفيما لا يعلم فلا بد من ببعد بالمماثل أو شرائه إذا
كان فيه الصلاح، وأما إذا لم يكن في المماثل صلاح، ففيه اشكال. وفي
التعيين بالقرعة وجه. وبذلك قد انقدح اختلافه - قدس الله روحه - مع
العلامة - أعلى الله مقامه - لاختلاف نظرهما في أن التبديل من أحكامه، أو
من مراتبه، كما انقدح مواقع النظر في كلامهما. فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ثم إن المتوالي للبيع، هو البطن الموجود بضميمة الحاكم
- الخ -).
لا اشكال فيه إن كان هذا من أحكامه ولا يختص الثمن بالبطن
الموجود، أما إذا كان من مراتبه فالمتولي له هو المتولي المنصوب من الواقف،
إلا أن لا يكون توليته بحسب جعله بحيث يعم المرتبة الثانية من الوقف.
قوله (قدس سره): (لكن الخروج بذلك من عموم أدلة وجوب العمل
بمقتضى وقف الواقف - الخ -).
ولو نوقش في عموم تلك الأدلة لهذه الصورة كالصورة السابقة، فلا
أقل من استصحاب عدم الجواز قبل عروض الخراب، فلا يجوز الخروج بذلك
عما هو مقتضى الاصلاح، إلا بالقطع بالجواز، كالصورة الأولى، وأنى لنا
دعواه وإن كانت غير بعيدة.
قوله (قدس سره): (وإن أريد بالعنوان شئ آخر فهو خارج - الخ -).
لا يبعد أن يقال، إنه لو أريد به كون القصد الواقف حبس العين في
وقفها ما دامت معنونة بعنوان كذا، وقيل بعدم بطلان مثله لعدم التأييد، لما
عرفت من أنه ما يقابل التوقيت، ولا توقيت هيهنا، لا يبعد أن يقال
بالبطلان بزوال العنوان بمعنى انتهاء الوقف إلى الغاية والنهاية.
قوله (قدس سره): (على جواز البيع بمجرد الأنفعية اشكال - الخ -).
حيث لا دلالة فيها على الجواز، إلا فيما احتاجوا ورضوا، وكان البيع
خيرا لهم.
111

قوله (قدس سره): (لعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف
- الخ -).
ومع عدم ثبوت المنافاة، قد صح التمسك بعموم " المؤمنون عند
شروطهم 1 " بضميمة أصالة عدم كون الشرط مما وقع بينه ومقتضى العقد،
المنافاة، ومثله باق تحت العموم، لكنه لا يصح معه التمسك بأدلة نفوذ
الوقف لاحتمال المنافاة، وكون مقتضى العقد ينافيه، فلا عقد أصلا لأجل
المناقضة لو قصد الواقف ولو اجمالا أولا عند الوقف، أو قصد ثانيا بسبب
الشرط، فلا يترتب عليه ما يختص من الأحكام بالوقف، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (فإن التحقيق كما عرفت سابقا أن جواز البيع لا يبطل
الوقف - الخ -).
قد عرفت ما هو التحقيق في ذلك من التفصيل، وأنه لا يبطله لو
كان عدم جواز البيع من أحكامه لا مما له دخل في قوامه، وأنه إنما لا يوجب
بطلانه أصلا بمعنى انفساخه واضمحلاله، فراجع هناك.
قوله (قدس سره): (وأما حبس شخص الوقف فهو لازم لاطلاقه
- الخ -).
لا يخفى أن الوقف لو كان ذا مرتبة واحدة فحبس الشخص كان
لازم، فإنه لو لم يكن من ذاتياتيه وإن كان ذا مرتبتين، فحبسه وإن كان
ما دام تجرد عن المسوغات، ومعها كان حبس الوقف بماليته لا بشخصه، إلا
أن حبس الشخص في الجملة بدونها مقتضى ذاته، ولذا لا يصح شرط جواز
البيع مطلقا بلا شرط المصلحة أو الحاجة قطعا.
نعم لما لم يعلم أن حبس
الشخص مع الحاجة أو مصلحة في البيع إذا لم يكونا من المسوغات، كان
للاطلاق أو مقتضى الذات في المرتبة الأولى، كان الحكم بصحة شرط جواز
البيع مع أحدهما، ونفوذه مما لا بد فيه من أصالة عدم المنافاة، كما عرفت.

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 473.
112

قوله (قدس سره): (والسند صحيح والتأويل مشكل - الخ -).
لا يخفى على من نظر في الرواية 1 على طولها، من صدرها إلى ذيله،
عدم ابائها عن الحمل على أنه (عليه السلام) أوصى بصدقة ما عينة من أمواله
ببيع وغيره، كما يدل عليه قوله (عليه السلام) في صدرها بعد البسملة، " هذا
ما أوصى به في ماله عبد الله على " وإن كانت في بعض فقراتها، شهادة على أنه
أوقفها مثل قوله: " وإن الذي كتب من أموالي هذه صدقة واجبة تبلة، حيا
أنا أو ميتا ". لكنه لا يأبى عن الحمل على التأكيد في صدقة ما كتبه بعد موته،
وأنه لا يكاد يرجع عن هذه الوصية، لا أنه جعله صدقة في حال حياته،
كيف، وإلا فلا بد من حمل قوله " هذا ما أوصى به في ماله " على مجرد
الاقرار، وهو بعيد جدا، كما يظهر من ملاحظة سائر الفقرات، فراجع فيها.
قوله (قدس سره): (فإذا فرض القطع أو الظن بانقطاع شخصه - الخ -).
الظاهر أن جواز البيع يدور مدار التأدية إلى الخراب، بحيث لو قطع
بالتأدية إليه، ثم ظهر أنه أخطأ ظهر أنه لم يكن هناك جواز أصلا، وعليه لا
دليل على الحاق الظن به هيهنا، إلا أن يقال: إنه لولا اعتباره، لوقع في
المخالفة كثيرا، وهو مما يقطع بأنه خلاف غرض الشارع، بل يمكن بذلك أن
يستكشف أن جواز البيع، بناء على كونه من مراتب الوقف، وتعلق به قصد
الواقف في الجملة، يكون بمجرد الظن بالتأدية، لا مرتبا على نفسها، فتأمل.
قوله (قدس سره): (وفيه أن الغرض من الوقف، استيفاء المنافع 2 - الخ -).
هذا إنما يتم لو كان مبنى كلامهم على أن الوقف، هو حبس خصوص العين،
وأما إذا كان مبناه على أنه حبسها بنفسها ما دام الانتفاع
بها وببدلها، فيما إذا لم يكن لها انتفاع، فلا ضرورة أن الانتفاع بالبدل عليه
يكون من الوجوه المقصود بالوقف، لا الأقرب بمقصود الواقف. نعم يقع
الكلام معهم في الصغرى، وأن الانتفاع بالبدل من مراتبه، أوليس له، إلا

1 - وسائل الشيعة: 13 / 312 - ب 10 - ح 4.
2 - وفي المصدر: وفيه أن الغرض من الوقف، استيفاء منافعه.
113

مرتبة الانتفاع بالشخص، كما مرت الإشارة إليه، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (عدى المكاتبة المشهورة 1).
ولا يخفى أن المكاتبة مع اشتمالها على ما لا يقول به أحد، وهو جواز
البيع بلا طر وعارض أصلا فيما هو سهم الإمام (عليه السلام) من الوقف، غير
دالة إلا على جواز البيع في بعض الصور، ولم يعلم عمل المشهور بما هو
ظاهرها، كي يوجب بذلك انجبارها. إلا أن يقال: إنما يكون الانجبار
بتوافقهم على العمل بها، وإن اختلفوا فيها استفادوا عنها، لكنه إذا علم أن
استنادهم فيما صاروا إليه كان إليها، وهو محل تأمل، بل منع، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (اشكال من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت - الخ -).
يمكن أن يقال: إن الجهالة إنما توجب الغرر المضر فيما إذا كانت في
نفس العوضين، لا في منافعهما، حيث إن المنافع ليست موردا للبيع، ولذا لو
لم يعلم مقدارها، وأن منفعة هذه العين، قليلة أو كثيرة، لم يضر قطعا. نعم
تفاوت المنفعة، توجب تفاوت مالية ذي المنفعة، والجهل بها ربما يوجب
الجهل بمقدار ماليه، لكن الجهل بمقدار المالية مع العلم بالمال، لا يوجب
الغرر، ولو سلم فلا يكون بمضر بلا اشكال.
قوله (قدس سره): (لأن حقيقته وقف مؤيد 2 - الخ -).
هذا إذا كان صرفه في سبيل الله بعد انقطاع الموقوف عليهم بجعل
الواقف، بحيث كان داخلا بنحو في انشائه، وإما إذا كان تعبدا من دون
دخوله في جعله وانشائه، وكان صرفه في سبيل الله لأنه مال الله حيث
خرج عن ملك الواقف ولم يدخل في ملك الموقف عليهم، ملك طلق ليرثه
ورثتهم، فإذا انقطعوا فيبقى بلا ملاك، فيصرف في سبيله تعالى، فافهم.
قوله (قدس سره): (ثم إن المنع عن بيع أم الولد قاعدة كلية - الخ -).
يمكن المناقشة في استفادتها من الأخبار التي ذكرها، وذلك لأن

1 - وسائل الشيعة: 13 / 303 - ب 6 - ح 5.
2 - وفي المصدر: لأنه حقيقة وقف مؤيد.
114

رواية محمد بن مارد 1، ظاهرة في كون الكلام فيها مسوق البيان جواز البيع
قبل حدوث الحمل عنده، وعدم كون الولد بالتزويج، مانعا لا لبيان المنع
عنه بعد حدوثه عنده أيضا، كي يدل بالمفهوم على الكلية، كما يظهر من
التأمل في السؤال عنه (عليه السلام) وجوابه. ورواية السكوني 2 لا دلالة فيها
على المنع أصلا، بل على أن المكاتبة إذا وطئها مولاها وصارت حبلى،
وعجزت عن أداء مال الكتابة، كانت من أمهات الأولاد، ويترتب عليها،
ما يترتب من الأحكام عليها، كما لا يخفى. وصحيحة عمر بن زيد 3، غاية
دلالتها أن المقتضي للمنع في أمهات الأولاد، كان مرتكزا في ذهن السائل
حيث سئل عن الوجه المسوغ للمبيع، والإمام (عليه السلام قد قرره عليه،
وهو غير الدلالة على عموم المنع فعلا، كما هو المدعى.
إن قلت: فيما ذكرت من الدلالة، كفاية في البناء على عدم جواز
البيع على نحو القاعدة في الموارد المشبهة لثبوت المقتضي، وأصالة عدم ثبوت
المزاحم.
قلت: نعم لولا كون هذا الأصل مثبتا، ضرورة أن ترتب المقتضي
بالفتح على عدم المانع عند ثبوت المقتضي، عقلي وإن كان حكما شرعيا.
وأما قول أمير المؤمنين (عليه السلام) 4 في جواب السؤال عن بيع أمة أرضعت
ولده، " خذ بيدها وقل من يشتري أم ولدي " فغايته الدلالة على ما في بيع أم
الولد في نفسه من الاستهجان والاستنكار عرفا، لا المنع عنه شرعا مطلقا، كما
هو المدعى، كيف ولا منع ظاهرا عن بيع أم الولد رضاعا. فافهم. فالمتبع عند الشك في جواز بيعها، هو استصحاب الجواز لو لم يكن اطلاق الأدلة
وافيا، وإلا كان هو المرجع. وأما حديث سلطنة الناس على أموالهم 5، فيمكن

1 - وسائل الشيعة: 14 / 589 - ب 85 - ح 1.
2 - وسائل الشيعة: 16 / 97 - ب 14 - ح 2.
3 - وسائل الشيعة: 13 / 51 - ب 24 - ح 1.
4 - لم أعثر عليه بهذه العبارة نعم هناك روايات تدل على ذلك. راجع وسائل الشيعة 16 / 104.
5 - بحار الأنوار: 2 / 272.
115

منع دلالته فإنه بصدد بيان، أن الملك هو السلطان على ما هو جائز من
التصرفات، كما بينا في غير المقام، في قبال حجره، والشك هيهنا في جواز
البيع لخصوصية في أم الولد، ضرورة أنه لا شك في سلطنته على تقدير جوازه.
فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (واندفاع التوهم بكلا شقيه واضح - الخ -).
أما الأول فلأن السؤال لم يكن من تمام موارد جواز بيع أم الولد،
ليقيد الجواب الحصر بما ذكره من الموارد، بل كان عن وجه بيع الأمير 1
(عليه السلام) لها، فلا ينافي أن يكون هناك وجه آخر لجواز بيعها، كما
لا يخفى. وأما الثاني فلأن الظاهر من السؤال في ذيل الرواية، أنه يكون عن
جواز البيع في الدين بعد الموت، فلا يشمل الجواب صورة بيعها في الدين في
حال الحياة. اللهم إلا أن يدعى الأولوية، فافهم.
قوله (قدس سره): (نعم ربما يمنع عدم القاعدة على هذا الوجه - الخ -).
كما عرفت وجه المنع بما لا مزيد عليه، وإلا فلا يكون الخلاف في
المورد مضرا بالاجماع على القاعدة ولزوم اتباعها فيه ما لم يخرجه دليل عن
تحتها، كما لا يخفى، وقد عرفت أن مجرد ثبوت ما يقتضي المنع عن البيع،
لا يقتضي العموم في مقام الاثبات، وهو المجدي عند الشك بالجواز، لأجل
ثبوت ما يشك مزاحمته له إلا مجرد ثبوت المقتضي، كما مر.
قوله (قدس سره): (كما يظهر بالتأمل - الخ -).
وذلك لقوة احتمال أن يكون المنع في رواية ابن مارد 2، اقتضائيا،
وكان الجواز في الرواية بملاحظة ما عرض من الخصوصية المالية الموجبة لجواز
البيع، مع أنه لو ادعى مساواة ظهورهما في المنع والجواز، لكان التوفيق بينهما
بحمل رواية ابن مارد على كون المنع كذلك، أي اقتضائيا، لكن سند الرواية

1 - وسائل الشيعة: 13 / 15 - ب 24 - ح 1.
2 - وسائل الشيعة: 14 / 589 - ب 85 - ح 1.
116

ضعيف إلا أن يجبر بعمل الأكثر، والصحيحة ظاهرة فيما بعد الموت، ولا أقل
من عدم ظهورها فيما يعم قبله، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأن الحكم بالجواز في هذه الصورة في النص والفتوى
- الخ -).
هذا، مع أن هيهنا حقوقا ثلاثة: حق أم الولدية، وحق الديان،
وحق المالك في المستثنيات عن الدين، فإذا لم يزاحم الأول، الثاني، فكيف
يزاحم الثالث الغير المزاحم بالثاني؟ فافهم.
قوله (قدس سره): (بل ربما تأمل فيما قبله فتأمل - الخ -).
بل ربما يدعى ظهور قوله " أيما رجل اشترى جارية فأولدها ولم يؤد
ثمنها 1 - الخبر - " وكذا قوله (عليه السلام) وفي رواية أخرى 2: نعم في ثمن
رقبتها في الاختصاص بكون ثمنها بنفسه دينا للبايع، ولعله أشار إليه بأمره
بالتأمل.
قوله (قدس سره): (ولو ادعى الولد نصيبه تنعتق عليه 3 - الخ -).
لو قصد بذلك فك نصيبه على اشكال في تأثيره قصده، وأما إذا لم
يقصد به ذلك، بل فك مقدار نصيبه منها، فإنما تنعتق عليه نصيبه من هذا
المقدار، ويكون في الباقي كالمتبوع فينتقل إلى سائر الورثة. فافهم.
قوله (قدس سره): (ولعل وجه تفصيل الشيخ، أن الورثة لا يرثون مع
الاستغراق - الخ -).
ولكنه غير وجيه، فإن الاستغراق إنما يمنع عن الإرث على القول به
فيما كان قابلا لأداء الدين منه، وليست أم الولد كذلك، لاطلاق دليل المنع
عن بيعها، فيرثها ولدها بمقدار حصته، فتنعتق بتمامها بالإرث والسراية، فيما
كان معه غيره من الورثة وبالإرث وحده، فيما لم يكن، ولو عورض الاطلاق

1 - وسائل الشيعة: 16 / 104 - ب 2 - ح 1.
2 - وسائل الشيعة: 13 / 51 - ب 24 - ح 2.
3 - وفي المصدر: ولو أدى الولد ثمن نصيبه انعتق عليه.
117

ما دل على منع الاستغراق، كان قضية الجمع بينهما، الحكم ببقائه على حكم
مال الميت، فتؤجر لوفاء دينه، ثم تورث فتنعتق بالإرث وحده، أو مع
السراية.
وبالجملة، لا وجه لرفع اليد عن اطلاق دليل المنع مع الاستغراق،
ولو قلنا باطلاق منعه عن الإرث، غايته بقائها على حكم مال الميت، ولزوم
أداء الدين بإجارتها ونحوها، والتوارث بعد الأداء، فتنعتق، أو بقائها بلا مالك
أصلا لو منع عن البقاء على حكم ماله، لانقطاع علاقته عن ماله إلا في ثلثه
إذا أوصى به، أو ببعضه، ويكون هذا مساوقا لحريتها، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (هو مفقود مع الحاجة إلى الكفن - الخ -).
هذا أول الكلام، لاطلاق المنع عن بيع أم الولد في غير ثمن رقبتها،
ولو لأجل كفن مولاها، وعليه فلا مانع عن إرثها لأن المنع لغاية الكفن
بثمنها وهو مفقود في هيهنا، كما لا يخفى، فلا بد مع المزاحمة بين الجهة المقتضية
للمنع عن البيع، والجهة المقتضية للمنع عن الإرث المقتضي لجوازه، وعدم
مرجح في البين لإحدى الجهتين، ولا لأحد الاطلاقين، من استصحاب جواز
البيع قبل صيرورتها أم الولد. وأما ما ذكره (قدس سره) من الترجيح بما
حاصله، إن تقدم حق الميت على حق أم الولد فيما إذا كان هناك مقدار تجهز
به، حيث يجهز بذاك المقدار، ولا يؤدى به ثمن رقبتها، بل يباع لذلك،
يقتضي ترجيحه على حق أم الولدية فيما لا يكون هناك ذاك المقدار، ففيه إنه
لا ملازمة، إذ لعل في بيعها في ثمن رقبتها، خصوصية من عدم الحزازة، أو
قلتها، لم يكن فيما إذا بيعت في غيره، ولو لأجل تجهيز سيدها، كما لا يخفى،
والمقام محتاج إلى زيادة تأمل، فتأمل.
قوله (قدس سره): (وكيف كان فاطلاقات حكم جناية مطلق المملوك،
سليمة عن المعارض - الخ -).
هذا، ولو قلنا بظهور الروايتين في كون جناية أم الولد على المولى
بمعنى خسارتها في غيرها من أمواله، وذلك فإن قضية التوفيق بينهما، وبين تلك
الاطلاقات. هو حملها على ما ذكره من المعنى، ولو سلم تساوي الطرفين في
118

الظهور، مع أنه لا أقل من كون الاطلاقات أظهر. فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (لأن ترك فدائها والتخلية بينها وبين المجني عليه، ليس
نقلا لها - الخ -).
بل تملك المجني عليه لها بسبب ناش منها، واستحق به ذلك بلا
توسيط نقل السيد لها، كما لا يخفى. فافهم.
قوله (قدس سره): (فتعين عليه الآخر - الخ -).
إنما يتعين عليه الآخر فيما لو كانت جناية المملوك موحيا على السيد
دفع الجاني أو فدائه إلى المجني عليه وهو أول الدعوى. وما إذا قيل بأنها إنما
يوجب استحقاق المجني عليه لاسترقاقه، غاية الأمر جعل للمولى من جهة
التوسعة عليه، والارفاق به، الفك بالفداء، كما لا يخفى، وبذلك ظهر أن ما
ذكره تأييدا مصادرة. فافهم.
قوله (قدس سره): (فمندفع بما لا يخفى - الخ -).
وهو أن الاستيلاد إذا كان رافعا للاستقلال، كان رافعا له بطريق
أولى، ولم يعلم وجه مقايسة الاسترقاق لترك القصاص على فكاك الرقاب
الذي أنيط به جواز البيع، ومع وضوح الفرق بينهما من كون الاستقلال رعاية
للمولى، بخلاف البيع في فكاك الرقاب، فإنه رعاية لحق الغير، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ومنها ما إذا جنى حر عليها - الخ -).
لا يخفى أنه إنما يكون من المستثنيات، بناء على الاحتمال الآتي في
كلامه، كما أنه عليه إنما يكون منها بناء على كون الاستثناء من مطلق نقلها،
لا خصوص بيعها، كما هو الحال في غير واحد من موارده الآتية والماضية، فلا
تغفل.
قوله (قدس سره): (ومنها ما إذا لحقت بدار الحرب - الخ -).
اللحوق بدار الحرب إن كان موحيا لزوال رقيتها لمولاها واسترقها غير
مولاها، فلا اشكال في جواز بيعها، بل لا يكون من موارد الاستثناء من
القاعدة التي ذكرها، لوضوح عدم شمولها له، وإن استرقها المولى، فيه
اشكال، لاطلاق الأدلة، ومن دعوى انصرافها عن هذه الصورة، أو عدم
119

ظهورها فيما يعمها. فتأمل.
قوله (قدس سره): (كان المرجع عمومات صحة البيع - الخ -).
بل كان المرجع، هو استصحاب عدم جواز البيع، فإن المقام من
موارد استصحاب حكم المخصص، لا الرجوع إلى العام، فتدبر.
قوله (قدس سره): (والظاهر أن الأول أولى للاعتبار - الخ -).
لا يخفى عدم الاعتبار بالاعتبار، وقاعدة نفي السبيل وعلو الإسلام،
غير مقتضية لبيعها عليه، لعدم منافاتهما لإضافة ملكية لها، وإلا كانا مقتضيين
لخروجها عن ملكه، بل تسليطه عليها، فالحكم بعدم جواز بيعها وعدم تسلطه
عليها، هو مقتضى القواعد، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (وبذلك يمكن ترجيح أخبار الإرث - الخ -).
أي أخبار شراء المملوك، لكي يرث، وإلا فأخبار الإرث 1
لا يقتضي ذلك، بل قضيتها التنزل إلى مرتبة أخرى من الورثة، ولو كان
الإمام (عليه السلام) ولا يخفى أن بين دليل المنع عن بيع أم الولد، ودليل
شراء المملوك ليعتق ويرث عن قريبه، عموما من وجه، فلا بد في الحكم
بجواز الشراء من دعوى أظهرية دليله من الدليل المنع، وهو غير بعيد لو قيل
بعموم دليله، وقد عرفت في محل المنع.
قوله (قدس سره): (وهو ما يكون الجواز لحق سابق - الخ -).
لا يخفى أن مجرد سبق الحق، لا يوجب ترجيحه على اللاحق منه، بل
ربما يجب ترجيحه عليه فيما إذا كان أهم. نعم فيما إذا لم يعلم ترجيح بينهما،
فالاستصحاب يقتضي الحكم على طبق السابق.
قوله (قدس سره): (ويدفعه أن القائل يلتزم بكشف الإجازة عن عدم
الرهن - الخ -).
يعني يلتزم بالكشف عن زواله آنا ما، قبل البيع، لا عن عدم حدوثه
من الأول، ضرورة أنه لا وجه له أصلا، كما لا يخفى.

1 - وسائل الشيعة: 17 / كتاب الفرائض والمواريث - أبواب موجباته.
120

قوله (قدس سره): (فكما أن رد المالك في الفضولي مبطل للعقد - الخ -).
لا يخفى أنه لم ينهض دليل دل على رفع أثر العقد أصلا بذلك، غايته
الاجماع على أن رفع الموجب قبل القبول يده عن الايجاب، يوجب بطلانه
رأسا، ولا وجه لقياس غيره عليه ممن كان لرضاه دخل، مع أنه مع الفارق،
وتأثيره الرد في بيع الفضولي من المالك، قد عرفت أنه لأجل عدم حصول
إضافة العقد إليه بعد الرد، ولا بد منها هناك، ولا يكون كذلك هيهنا، كما
لا يخفى، ولو كان هناك اجماع لم يكن بحيث يعم المقام بلا كلام.
قوله (قدس سره): (ثم إن الظاهر أن فك الرهن بعد البيع - الخ -).
وذلك لارتفاع ما هو المانع عن تأثير العقد، ولم يكن لرضاء المرتهن بما
هو مرتهن، إلا لأجل رعاية حقه المانع عن نفوذه. نعم لو كان له دخل في
تأثيره بما هو، فلم يكن الفك كالإجارة، بل يمتنع معه التأثير، لامتناع حصول
الشرط معه، فتأمل.
قوله (قدس سره): (ويرده أن البيع إذا كان متعلقا للحق، فلا يقع لازما
لأدائه إلى سقوطه - الخ -).
ويرده أنه إنما يؤدي إلى السقوط إذا كان متعلقا بالعين بما هي ملك
لشخص خاص، وأما إذا كان متعلقا بها بما هي هي، بحيث ينتقل حيثما
ينتقل، كما أن حق القتل أو الاسترقاق كذلك فلا، كما لا يخفى، مع أنه لو شك
في أنه يسقط بنقلها، أو يبقى، فالاستصحاب يقتضي أنه يبقى، فتأمل.
قوله (قدس سره): (ولو امتنع كان للمجني عليه أولوية انتزاعه فيبطل البيع
وكذا - الخ -).
يعني نفوذه وصحته، كما يشهد به التفريع وهو واضح، وقد عرفت
أن نفوذه لا يوجب بطلان الحق، فلا يصح استدلال الحلي على بطلان البيع
باستلزامه لبطلانه. ثم إن الاسترقاق هل هو موجب لانفساخ العقد كي
يكون الخسارة على البايع برجوع المشتري إلى الثمن أولا، بل كان غاية الأمر
للمشتري الرجوع إليه بقيمة العبد، لو قيل بقرار الخسارة على السيد؟
وجهان، فتأمل.
121

قوله (قدس سره): (وعلى هذا فلا يكون البيع موجبا لضمان البايع
- الخ -).
وذلك لعدم كونه التزاما بالفداء مع أنه لو كان لما كان ملزما،
مسقطا لما تعلق بالعين من الحق، بلا اسقاط من ذي الحق، بل قهرا،
ولا يقتضي اسقاطه بأبعدية جواز الاسقاط بالالتزام بها، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (لتعلق الدين هناك بالذمة وتعلق الحق هنا بالعين،
فتأمل - الخ -).
أمره بالتأمل إشارة إلى أن في كلا المقامين قد تعلق الحق بالعين
هناك حق الرهانة، وهيهنا حق الجناية، فلا يكون هذا أولى بعدم الفك،
كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (الثالث من شروط العوضين القدرة على التسليم
- الخ -).
الظاهر أن المراد به أعم من القدرة على تسليم، بل أعم من حصوله
في يد المشتري، كما إذا علم بأن العبد الآبق سيجئ، أو يرجعه الأجنبي من
دون قدرة لأحد المتبايعين على تسليمه، أو تسليمه لولا ذلك، فتأمل.
وكيف كان فظاهر التعبير عن هذا الشرط بالقدرة، أن الشرط أمر
واقعي من دون دخل العلم أو الجهل، فالشرط حاصل مثلا فيما لم يكن العبد
آبقا، ولو قطع بإباقه وليس بحاصل فيما كان آبقا، ولو قطع بعدم إباقه. ولكن
الاستدلال على اعتباره بنهي النبي (صلى الله عليه وآله) عن الغرر 1 الذي هو
المضطر، كما سيظهر مما ذكره في تفسيره، لا يناسبه، ضرورة أن الخطر لا
يدور مدار القدرة واقعا لتحققه مع الجهل بها، وعدم الثقة بالحصول
للمتبايعين. نعم كان عدم القدرة غالبا ملازما للغرر وعدم الثقة والخطر،
فتدبر.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 330 - ب 40 - ح 3.
122

قوله (قدس سره): (ضروة حصوله في بيع كل غائب - الخ -).
فيه إنه كثيرا ما يحصل الثقة بحصول المال الغايب، بحيث لا يعتني
باحتمال عدمه، ومعه ليس فيه غرر الحصول وخطره، وبيع الثمار والزرع،
وإن كان من أظهر أفراد غرر الحصول، إلا أن جوازه كان الدليل خاص، مع
أنه ليس مطلقا بل مشروطا، فلاحظ.
قوله (قدس سره): (إلا أنه أخص من المدعى - الخ -).
بل يكون مباينا له، أشرنا إليه، وإنما صح الاستدلال به على اعتبار
العلم بالقدرة، وإن كان أخص لا القدرة، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (ويضعف بأنه إن أريد - الخ -).
بل يمكن منع الملازمة مطلقا، فإنه لا دليل عليها سوى ما ربما توهم
من كون الوجوب مقتضى العقد، كما يأتي منه في مسألة القبض، أو كونه
لأجل حرمة الغصب، أو كونه من جهة الوفاء بالعقد، وفيه أنالعقد
لا يقتضي سوى حصول ما هو مضمونه من التمليك والتملك، وحرمة
الغصب لا يقتضي إلا عدم الامتناع عن تسليمه لو كان تحت يده، لا وجوب
تسليمه لو أمكن ولو بتحصيله. والوفاء بالعقد ليس إلا القيام بمضمونه قبالا
لفسخه ونقضه، فيكون " أوفوا بالعقود 1 " ايجابا للوفاء لو كان الوفاء والفسخ
بالاختيار، وارشادا إلى عدم حصول الانفساخ لو لم يكونا كذلك، كما هو
قضية غالب الأوامر والنواهي في المعاملات، ولا وجه هذا الفرض لارجاع
وجوب الوفاء إلى وجوب ترتيب الآثار، مع أنه لو سلم فليس التسليم فيما
أمكن من آثار النقل والانتقال، وقد فصلنا المقال في بيان معنى وجوب الوفاء
فيما علقناه على الخيارات، فراجع ثمة.
قوله (قدس سره): (ويضعفه منع توقف مطلق الانتفاع - الخ -).
مع أنه لو سلم، غير مقتضي للاشتراط، ضرورة أن كون الغرض من
البيع نوعا متوقفا على التسليم، لا يقتضي بطلانه لو حصل أحيانا، لا لهذا
123

الغرض أوله ولكن لم يترتب عليه وتخلف عنه. وتوهم كونه سفهيا لو لم يكن
لهذا الغرض، في غاية السقوط، ضرورة أن صرف المال بإزاء ما تعذر تسلميه
فيما إذا كان هناك غرض آخر عقلائي، كعتق العبد الآبق في الكفارة
وغيرها، ليس بسفهي قطعا، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره)، وفيما لم يعتبر التسليم فيه رأسا، كما إذا اشترى من ينعتق
عليه - الخ -).
ربما يشكل بأن انعتاق المبيع على المشتري الموجب لعدم استحقاقه
التسليم، من أحكام البيع وآثاره، ولا يكاد يترتب عليه آثاره إلا إذا كان
واجدا لشرايط الصحة، ومنها القدرة على التسليم، فكيف يسقط ما يعتبر في
صحته بما يترتب عليها من الآثار؟ اللهم إلا أن يقال بأن دليل الاعتبار ما
دل إلا على اعتباره في غير مثل هذا البيع، فافهم.
قوله (قدس سره): (ثم إن الشرط هي القدرة المعلومة للمتبايعين).
ظاهره كما يشهد به ما فرعه عليه أن الشرط هي القدرة الواقعية
المعلومة، فلا يكفي القدرة الواقعية بدون القطع بها، ولا القطع بها بدونها، مع
أن الدليل عليه لو كانت حديث نفي الغرر 1، كان قضية الاكتفاء بالقطع،
ضرورة عدم الغرر والخطر معه وحصول الثقة بكمالها به، وعليه فلو باع ما لا
يتمكن من تسليمه باعتقاد تمكنه منه صح ولو لم يتجدد، اللهم إلا أن يدعى
اجماع على اعتبار القدرة، وحديث نفي الغرر دل على اعتبار العلم بها أيضا،
لكنه كما ترى لا يلائم الاستدلال به على اعتبارها، فافهم.
قوله (قدس سره): (وهل يكفي قدرة الموكل؟ الظاهر نعم - الخ -).
إذ لا غرر معه أصلا فيما علم به، كما لا يخفى، وهكذا فيما اعتقد بقدرة
الوكيل، فإنه وإن أخطأ في اعتقاده، إلا أن اعتقاده قد صادف الشرط،
وبالجملة لا غرر مع الاعتقاد ولا فقد لشرط القدرة مع القدرة، فافهم.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 330 - ب 40 - ح 3.
124

قوله (قدس سره): (لأنه مع اليأس عن الظفر بمنزلة التالف - الخ -).
لا يخفى، أنه لا دليل على هذه المنزلة شرعا، وثبوتها عرفا ممنوع مع
امكان الانتفاع بالعتق وغيره، فيمكن الحكم بصحة بيعه بلا ضميمة،
لاختصاص دليل اعتبارها بصورة رجاء الظفر ومع اليأس لا غرر، إلا أن
يقال باعتبار القدرة على التسليم أيضا، كما أشرنا إليه، فتدبر.
قوله (قدس سره): (ومن عدم التسليط على مطالبة الثمن فافهم - الخ -).
وليس هذا من باب رفع الغرر بما رتب عليه من الأثر، بل منع
شمول اطلاق نفي الغرر 1 فيما له مثل هذا الأثر، فتأمل
قوله (قدس سره): (وإن اقتضى قاعدة التلف قبل القبض استرداد ما
قابله من الثمن - الخ -).
لا يخفى أن هذه القاعدة لا يقتضي الاسترداد، وكذلك لمنع كون البقاء
على الإباق تلفا مع امكان الانتفاع بالاعتاق وغيره، كيف وإلا فقد ظهر أن
بيعه كان من رأس باطلا، لظهور كونه تالفا، وكيف كان فلا مجال لقاعدة
التلف قبل القبض هيهنا أصلا، فعدم رجوع المشتري إلى البايع بشئ،
ليس على خلاف هذه القاعدة وعلى وفق القاعدة، فافهم.
قوله (قدس سره): (لكن ظاهر النص أنه لا يقابل الآبق بجزء من الثمن
- الخ -).
فيه نظر فإن الظاهر أن قوله (عليه السلام) في موثقة سماعة " فإن لم
يقدر على العبد كان الذي فقده فيما اشترى معه 2 " ليس بصدد بيان أن
المقابلة في هذه الصورة يكون بين المثمن والضميمة، بل بيان الحكمة في
ضم الضميمة في هذه المعاملة وأنه مع عدم القدرة على العبد، ويكون ما فقده
في مقابلة الضميمة خارجا، فافهم.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 330 - ب 40 - ح 3.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 263 - ب 11 - ح 2.
125

قوله (قدس سره): (ثم إن ظاهر اطلاق جميع ما ذكر، أن الحكم ليس منوطا
بالغرر الشخصي - الخ -).
بل ظاهر لفظ الغرر في النبوي، هو الغرر الشخصي. نعم لا يبعد
ذلك في أخبار 2 اعتبار الكيل والوزن في المكيل والموزون، لكنه يمكن أن
لا يكون ذلك لأجل الغرر، بل لرفع الجهالة كما دل بعض الأخبار على
اخلال الجهالة بالصحة، وقد نقله المحدث المعاصر في مستدركات الوسائل 3،
فراجع.
قوله (قدس سره): (فالظاهر أيضا الجواز مع البنا، على ذلك المقدار
- الخ -).
فيه اشكال، فإن البناء على ذلك المقدار لا يخرجه عن الغرر والجهالة
بالمقدار، وإلا لكفى البناء على مقدار ولو لم يقدر بوزن أو كيل أصلا،
ومقايسة على الأخبار بالمقدار مع الفارق، لاعتبار الأخبار مع عدم دليل على
اعتباره، فتأمل.
قوله (قدس سره): (فقد قيل إن الموجود في كلام الأصحاب - الخ -).
لا يخفى أن أخذ المكيل والموزون في حكم هذا الباب، وفي حكم
عدم جواز التفاضل في باب الربا، يمكن أن يكون بنحو السببية والموضوعية،
ويمكن أن يكون بنحو العنوانية والكشف عما يكال أو يوزن من الأجناس
مثل الحنطة، والشعير، والذهب، والفضة، وغيرها، فإن كان بنحو الموضوعية
كما هو الظاهر في هذا الباب، فلا يبعد أن يكون قضية اطلاقات أدلته كون
المناط فيهما تعارف رفع الغرر والجهالة بالكيل أو الوزن، فما تعارف رفعهما عنه
بأحدهما في زمان أو مكان، فهو مكيل أو موزون في ذاك الزمان والمكان،
فلا بد فيه من رفعهما من أحدهما، وإن لم يكن كذلك في زمان أو مكان آخر،

1 - وسائل الشيعة: 12 / 330 - ب 40 - ح 3.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 254 - ب 4 - ح 2.
3 - مستدرك الوسائل: 2 / 460.
126

ضرورة عدم رفع الجهالة والغرر عنه فيهما بغيرهما، ولا بد من اعتباره بغيرهما
في الزمان أو المكان الآخر ما تعارف فيه من العد أو المشاهدة، كما تعارف في بعض الآلات المصوغة، والدراهم، والدنانير، وإن كان بنحو الكشف
والعنوانية لأجناس مخصوصة، كما هو غير بعيد في باب الربا، فقضية
اطلاقات أدلته أن يكون المناط ما كان في زمان الشارع ومكانه، فإن الحكمة
عند عدم نصب دلالة، مع كونه في مقام البيان واختلاف جنس واحد في
كونه مكيلا، أو موزونا، أو معدودا في زمانين أو مكانين، يقتضي إرادة ما
كان بحسب زمانه ومكانه يكون كذلك، لتعينه وعدم تعين غيره مما كان
كذلك في زمان أو مكان آخر، فكلما كان في زمانه ومكانه مكيلا أو موزونا،
فلا يجوز بيعه بجنسه متفاضلين في مكان أو زمان آخر، وإن كان معدودا،
ولا بد فيه من اعتباره بالعد، وعدم كفاية الوزن أو الكيل في رفع الجهالة
والغرر، والمسألة بعد لا تصفو عن الاشكال، فتدبر.
قوله (قدس سره): (فلو لم يفد ظنا فاشكال - الخ -).
بل ولو أفاد ظنا ما لم يفد وثوقا ليرتفع به الغرر، ضرورة أنه لا يكاد
يزول الخطر بمجرد الظن ولا يبعد أن يكون التقييد بذلك هو قضية الجمع بين
الأخبار، ويشهد به قوله (عليه السلام) في بعضها " إذا ائتمنك فلا بأس 1 "،
فراجع.
قوله (قدس سره): (ويندفع الغرر ببناء المتعاملين على ذلك المقدار
- الخ -).
فيه نظر فإن البناء على ذلك المقدار ولو كان رافعا للغرر، لكان البناء
على مقدار في مجهول المقدار مما يندفع ولو لم يكن هناك به أخبار ولا أظن
أحد يلتزم به، مع أن مرجع البناء إما إلى اشتراط المطابقة في المبيع، أو إلى
تقييده بصورتها وشرطها غرري، لعدم العلم بها فكيف يندفع به غرر الآخر
المشروط بها وثبوت الخيار أو جواز الاسترداد للمقدار الزائد من الثمن، أو

1 - وسائل الشيعة: 12 / 257 - ب 5 - ح 6.
127

الرجوع إلى البايع بالمقدار الناقص من ذاك المقدار من أحكام الصحة
المشروطة بأن لا يكون هناك جهالة في العوضين ولا غرر، والتقييد موجب
لظهور بطلان البيع، مع ظهور عدم المطابقة مع أنه تعليق وهو يورث بطلانه
مطلقا، وبيع الغائب بالوصف أما تعبد على خلاف قاعدة نفي الغرر، أو يقيد
بما يوجب الثقة بتحقق ما ذكر له من الأوصاف، كما هو الغالب. فافهم.
قوله (قدس سره): (وليست صفة وجودية متأصلة - الخ -).
بل ولو كانت صفة كذلك، لكنها إذا كانت ذات إضافة،
كالقطع بطهارة أحد الشيئيين أو بنجاسته مع طهارتهما أو نجاستهما، كما
لا يخفى.
قوله (قدس سره): (وفي هذا الوجه أمر كلي غير متشخص ولا متميز بنفسه
- الخ -).
بل صادق على الأشخاص ويتميز بالوجود الخاص العارض عليه في
ضمن أفراده الخارج عنه، ما هو لازم كل واحد من المشخصات بخلاف
الوجه الأول، فإن أحد المشخصات لها من المقومات، وله الدخل التام في
المبيع، فافهم.
قوله (قدس سره): (ويمكن دفع الأول بأن مقتضى الوضع في قوله صاعا من
صبرة - الخ -).
وفيه أنمقتضى الوضع فيه أن يكون كليا كسائر ألفاظ الأجناس
على ما استقر عليه مذهب المحققين فيها وإن كان المنساق عنه في العرف الفرد
المشير، وكون المقدر بالصاع من الصبرة، كما يكون نحو الإشاعة في جملتها
تارة كذلك يكون بنحو الانتشار في صيعانها والانطباق أخرى، فلا دلالة
في اضافته إلى الصبرة إلى إحدى هذه الخصوصيات، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأن الكلي المبيع ثانيا إنما هو سار في مال البايع وهو
ما عدا الصاع من الصبرة - الخ -).
يمكن أن يقال إن المبيع الثاني وإن كان ساريا فيما عدا الصاع إلا
أن المبيع الأول بعد البيع الثاني أيضا يكون ساريا في خصوص ما عدا
128

الصاع، ويكون كل واحد من الصيعان قابلا، لأن يعين كلا منهما فيه، كما
إذا وقع البيعان دفعة فيكون الباقي بعد التلف قابلا لهما، كما كان قبل
التلف فتخصيصه بالأول بلا مخصص حيث لا مخصص إلا تعيينه، ولذا
لو عينه للثاني ثم تلف ساير الصيعان، كان له كما عينه بلا ريب فتأمل
جيدا.
ثم لا يبعد أن يكون الباقي على هذا بينهما، كما إذا كان بيع واحد،
واحتمال تخصيص أحدهما بالقرعة أو تعيين مالك الصبرة، بعيد جدا.
قوله (قدس سره): (إلا دعوى أن المتبادر من الكلي المستثنى، هو الكلي
الشايع - الخ -).
فلا بحسب التالف عليهما، بل يختص بالمشتري، وهذا بخلاف ما
إذا كان المستثنى كليا شايعا في الموجود وقت البيع، فإنه يقتضي حساب
التالف عليهما، لكن دعوى أن المتبادر ذلك، مع كون الاستثناء من الموجود
في وقته لا يخلو عن جزاف. اللهم إلا أن يدعى ذلك بملاحظة قرينة بناء
المتعاملين غالبا، الظاهر من مساواتهما، فتأمل.
قوله (قدس سره): (أمكن أن يكون الوجه في ذلك أن المستثنى كما يكون
ظاهرا في الكلي - الخ -).
لا يخفى أن استثناء الصاع في بيع الصبرة، والأرطال في بيع الثمرة،
ليس إلا لتحديد المبيع وأنه غير الأرطال والصاع منهما لا لاخراج المستثنى عن
ملك المشتري بعد ما دخل في ملكه فيكون الباقي بعد التحديد باق على ملك
البايع كالباقي في بيع الصاع بلا تفاوت أصلا، فحال البايع في بيع الثمرة لم
يقع موضوعا لحكم، كما في بيع الصاع من الصبرة، كي يلحظ بعنوان كلي،
وإنما الموضوع للحكم الملحوظ بهذا العنوان في كلا المبيعين هو المبيع، فلا بد
من اتحاد الحكم في الموضعين. اللهم إلا أن يدعى أن الاختلاف إنما جاء مما
هو المتعارف جعله وشرطه في بيع الثمرة نوعا للمتبانى عليه المتبايعان لولا
تساومهما من كون المشتري مختارا في التصرف وتعيين مال البايع، ولا يخفى أن
التزامه أهون مما تكلف به - ره - في بيان الفرق، مع أنه لا يكاد يجدي
129

بدون ذلك، ضرورة أنه ليس قضية اعتبار مال كل واحد منها بعنوان كلي
استقلال المشتري في التصرف وفي التعين، بل عدم استقلال واحد منهما أو
استقلالهما، كما هو واضح لا يكاد يخفى، ومعه لا يحتاج إلى ما تكلف به أصلا،
فافهم واغتنم.
قوله (قدس سره): (ليكون الباقي بعد تلف البعض صادقا على هذا العنوان - الخ -).
الظاهر أنه غلط من قلمه الشريف وحق العبارة أن يقول: مصداقا
لهذا العنوان ولعنوان الصاع، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (من استصحاب الاشتمال 1 - الخ -).
لا يكاد يجدي الاستصحاب إلا إذا كان يفيد الاطمينان
بالاشتمال، هذا ولو على القول بالأصل المثبت فإن رفع الغرر من آثار الثقة
به، لا من آثارها الواقعية، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأن الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها
- الخ -).
لا يخفى أن الأصل وإن كان مما يعول عليه، إلا أنه في ترتيب الآثار،
لا إثبات ماله الأثر، إلا على القول بالأصل المثبت، فإنه عليه يثبته إذا كان
من لوازم المستصحب لا من لوازم الوثوق به، وعدم الغرر ليس لا جرم عدم
الثقة، بل من لوازم الوثوق به، كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة، وقد
عرفت أن البناء لا يوجب رفع الغرر وإلا لم يحتج معه إلى الأصل وغيره،
فتذكر.
قوله (قدس سره): (لأنه لا ينتقض عن الغائب الموصوف الذي جاز بيعه 2
- الخ -).
قد عرفت الاشكال مما مر في تأثير مجرد الوصف في رفع الغرر، ما لم

1 - وفي المصدر: ولو كان من جهة الاستصحاب الاشتمال.
2 - وفي المصدر: الذي يجوز بيعه.
130

يفد الوثوق بما وصف به، فإن كان اجماع على صحة بيعه بالوصف مطلقا،
فليقتصر على مورده، وإلا فالصحة محل نظر، لأجل الغرر، فتدبر.
قوله (قدس سره): (ويمكن أن يضعف الأول بأن يد المشتري - الخ -).
لا يخفى أن التغيير إنما يوجب الخيار لأجل الضرر، فيدور الخيار
وجودا وعدما مداره كذلك، ولم يكن الضرر أو عدمه بأثر شرعي يترتب على
استصحاب موضوع آخر، فلا أصل يجدي في البين مع دعوى الخيار لأجل
التغيير إلا أصالة عدم ثبوت الخيار، وإلا ساير الأصول غير مجدية فيما هو المهم
هيهنا من اثبات الضرر الموجب للخيار أو نفيه المستتبع لنفيه إلا على القول
بالأصل المثبت في بعضها، فلا بد من التنزل إلى أصالة عدم الخيار، وكيف
كان فالظاهر كون مدعي التغير هو المدعي، فعليه إقامة البينة واليمين على من
أنكر، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (فالمرجع إلى أصالة عدم وصول حق المشتري إليه كما في
المسألة السابقة - الخ -).
قد عرفت أن هذا الأصل غير مجد فيما هو المهم في المسألتين من
اثبات الضرر الموجب لعدم لزوم البيع وثبوت الخيار، إلا على الأصل المثبت،
فإن عدم اللزوم إنما يكون مترتبا على الضرر، لا على عدم وصول الحق وإن
استلزمه، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (فلا تأثير له عقلا في تمليك العين - الخ -).
بل لا عقد فإن مجرد الانشاء ما لم يتعلق بأمر قابل عقلا ليتعلق به ما
أنشأ به وأصالة الصحة إنما يجدي فيما إذا كان الشك في الصحة والفساد
العارضيين، لا فيما إذا كان الشك في أصل وجود المعروض، وأصالة الصحة
في الانشاء غير جارية، أو غير مجدية، فإنه لا يكاد يحرز بها فيما إذا شك إلا
الصحة التأهلية وهي مع القطع بها لا يوجب الحكم بوقوع البيع صحيحا،
فضلا عما إذا شك فيها وقد أحرزت بأصالتها، فتدبر.
قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال بعد منع جريان أصالة السلامة في
الأعيان - الخ -).
131

بل مع جريانها فيها، فإنه لا يقيد إلا في ترتيب الآثار المترتبة على
نفس السلامة، وأما آثار المترتبة بواسطة الثقة بها فلا، ولو قيل بالأصل
المثبت، فإن نفي الغرر يكون ملازما للوثوق بها، وهكذا حال كل أمارة وأصل
محرز لها شرعا، فإن كان مع قطع النظر عن اعتباره واقعا للغرر فهو، وإلا
فلا يجدي اعتباره، كما مرت الإشارة إليه غير مرة.
إن قلت: إذا كان بناء العقلاء على السلامة في الأعيان، والاقتحام
في المهام مع الشك فيها بناء عليها كانت أصالة السلامة واقعا للغرر والخطر،
وإلا فكيف وقع منهم الاقدام في الغرر والخطر؟
قلت: بناء العقلاء على السلامة مع الشك فيها، إنما يجدي في جواز
الاقدام على ما لا يؤمن ضرره، لأجل عدم سلامته وعدم قبح الاقتحام فيه،
لا في حصول الأمن ورفع الغرر المعتبر في الصحة شرعا، فتدبر.
قوله (قدس سره): (ومتى كانت مقصوده لا على هذا الوجه، فلم يجب
احرازها - الخ -).
حيث كانت السلامة حينئذ كسائر الأوصاف المحتملة التي لا يعتنى
بها كانت، أو لم تكن بلا تفاوت أصلا، فلا يكون مع عدم احرازها خطر،
فلا غرر، لكن هذا فيما إذا كانت كذلك نوعا، وأما إذا كانت كذلك شخصا
وعند خصوص المتبايعين، فلا يجدي في رفع الغرر، بل اقتحام منهما فيه، لعدم
المبالاة بغرره، كما هو الحال في جميع الموارد الغررية التي يقتحم فيها، كما
لا يخفى. قوله (قدس سره): (ولكن الانصاف أن مطلق العيب - الخ -).
بل الانصاف، بعد الاعتراف بأن الشك في السلامة عن بعض
العيوب لا يستلزم الغرر كما منه (قدس سره) وقد أوضحناه في الحاشية
السابقة، فلا وجه لوجوب احراز السلامة عنه لعدم الغرر، مع احتماله،
ضرورة أن الغرر والخطر إنما يكون فيما يتفاوت الحال مع هذا العيب والسلامة
عنه، لا فيما لا يتفاوت أصلا، ضرورة أنه مع احتمال عدم نبات الشعر في عانة
الجارية مثلا، لا غرر عرفا، فلا يكون المستفاد من كلماتهم مخالفا لقاعدة نفي
132

الغرر، فتدبر.
قوله (قدس سره): (وكفاية الاعتماد على أصالة السلامة - الخ -).
قد عرفت أن أصالة السلامة غير مجدية في رفع الغرر، ولو قيل
باعتبارها مطلقا أو في الجملة، فإن قام الاجماع على صحة البيع مع عدم
الاختبار، أوامر أخر يرفع به الغرر، فهو، وإلا فلا بد من اعتبار ما يندفع به،
لعموم نفي الغرر بلا مخصص يوجب تخصيصه بغير بيع ما يفسده الاختبار.
قوله (قدس سره): (فينفسخ البيع حينئذ - الخ -).
لا وجه لانفساخه مع وقوعه على المال الواقعي، وسقوطه عن المالية
إنما كان بعده بالكسر، ونحوه كما أنه ليس له الرد بفساد السابق لأجل
التصرف فيه بما يسقطه عن المالية، فليس له إلا الأرش.
قوله (قدس سره): (وحيث إن
خروجه عن المالية لأمر سابق على العقد
كان مضمونا على البايع - الخ -).
وذلك لعله لأجل أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، وكان
هذا وجه لزوم تدارك فوات المالية بتمام الثمن، لكنه خلاف ظاهر ما فرع
عليه بقوله: (فيكون الأرش هيهنا بتمام الثمن) فافهم.
قول (قدس سره): (وأما إذا انكشف الفساد حكم بعدم المالية الواقعة من
أول الأمر - الخ -).
لا وجه لهذا الحكم فإنه خلف حيث إن
الفرض إنما يكون فيما إذا
كان مالا واقعا، وبالكسر ونحوه سقط عن المالية، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (فالعيب حادث في ملك المشتري - الخ -).
نعم لكنه لعيب سابق مجهول، فيكون مضمونا على البايع بناء على أن ثبوته واقعا موجب للخيار، لا ظهوره، وإلا فلا يكون في زمن الخيار، بل
قبله، فتدبر في أطراف كلامه، زيد في علو مقامه، فإنه لا يخلو عن اغتشاش.
قوله (قدس سره): (واعترض عليه بأن الغرور قد لا يختص - الخ -).
فيه إن الغرور وإن لم يكن مختصا بهذه الصورة إلا أن كون البايع
غارا، مختص بها، كما لا يخفى.
133

قوله (قدس سره): (وأما لو لم يكن قابلا للتملك فلا يبعد - الخ -).
بل في غاية العبد، فإنه وإن لم يدخل بالفسخ في ملك البايع إلا أنه
له حق اختصاص به، فكأنه ما باعه، والحاصل أنه بالفسخ يرجع إليه، فإن
كان قابلا للتملك يملكه، وإلا يخصه، كما إذا باعه وصار كذلك بالفسخ،
فافهم.
قوله (قدس سره): (من القطع بأن الحكم بمالية المبيع هنا شرعا وعرفا حكم
ظاهري - الخ -).
هذا فيما، إذا لم يكن قبل الكسر ونحوه، من الأموال الواقعية، وقد
خرج به عن المالية، ولو علم بفساده، وإلا فالحكم بمالية حكم واقعي وقد
حدث ارتفاعها في يد المشتري، ولعل ظاهر المحكي عن الشيخ - ره -
وأتباعه، من أنه لو تبرء البايع عن العيب فيما لا قيمة لمكسوره، صح هو ذا، لا
ما، لا مالية له أصلا، ولا الأعم منهما حيث قال: فيما لا قيمة لمكسوره، وما
قال: فيما لا قيمة له، وبه يوفق بينه وبين ما نقله عن الشيخ في المبسوط،
والحلي، والعلامة فيما لم يشترط البراءة من الحكم ببطلان البيع، والتعليل بأنه
لا يجوز بيع ما لا قيمة له، حيث إن
ظاهره، ما لا قيمة له أصلا لا لخصوص
مكسورة، وعليه فالتوجيه وجيه. نعم يرد على الموجه أن ما استظهره منهم في
هذه المسألة في غير محله مع التصريح بالبطلان والتعليل بما ذكر، فتأمل
جيدا.
قوله (قدس سره): (ثم إن الجمع بين عدم خروجه عن المالية، وبين عدم
القيمة لمكسوره - الخ -).
وجه الجمع أن عدم القيمة لمكسوره لا يوجب خروجه عن المالية
مطلقا، ولو حال البيع وقبل الكسر وإن كان يوجب خروجه عنها في حالة
الكسر، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأن الأرش كما صرحوا به، تفاوت ما بين قيمتي
الصحيح والمعيب - الخ -).
ولعله تفسير ما هو الغالب فيه، وإلا فهو تفاوتهما بحسب القيمة وجودا
134

وعدما، أو قلة وكثرة، كما يشهد كلام العلامة - ره -.
قوله (قدس سره): (ويندفع ما تقدم من بناء العرف على الأصل في نفي
الفساد - الخ -).
وقد تقدم أنه لو سلم فإنه إنما يجدي في ترتيب ما يترتب على الصحة
من الآثار، لا في رفع الغرر المعتبر في صحة البيع شرعا، ولو على القول
بالأصل المثبت، فتذكر، ولا يندفع به الغرر، فإن كان اجماع على صحة بيعه
كذلك، فهو المخصص لعموم نفي الغرر، وإلا فلا يجوز بيعه بدون ما يحصل به
الوثوق من الاختبار أو الأخبار.
قوله (قدس سره): (فالأولى أن يباشر البايع ذلك - الخ -).
أو يباشره المشتري من قبل البايع بإذنه، أو وكالته، لا مجرد إذنه في
مباشرته، فافهم.
قوله (قدس سر): (لو كان الشرط تابعا عرفيا، خرج عن بيع الغرر
- الخ -).
والتحقيق إنه لو كان الاشتراط من قيود البيع، فإنه وإن خرج عن
معقد الاجماع على اشتراط كون المبيع معلوما لكونه كذلك، إلا أن البيع
لا يخرج عن بيع الغرر لما فيه من الخطر من قبل قيده، إلا أن يكون المراد من
الغرر المنهي عنه 1، هو الغرر في البيع من قبل العوضين، لا فيه مطلقا، فتأمل.
ولو كان من قيود العوضين فلا يخرج عن الغرر، ولا عن معقد الاجماع على
الاشتراط، لكون المبيع مجهولا، ضرورة سراية الجهالة إليه من قيده، إلا أن
يدعى أن المتيقن من معقده، ما كان مجهولا بنفسه لا بقيده، ويؤيده
الخلاف هيهنا وهو كما ترى، والخلاف إنما يكون في الصغرى، وتطبيق
القاعدة الكلية عليها، لا في الكبرى، فافهم.
قوله (قدس سره): (بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا
- الخ -).

1 - وسائل الشيعة: 12 / 330 - ب 40 - ح 3.
135

لأن الاستثناء في الحقيقة تحديد ما هو المبيع وتعبيته، والبيع إنما تعلق
في الواقع بما بقي الاستثناء من المستثنى منه، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (فيجئ مسألة الاندار للحاجة إلى تعيين ما يستحقه
البايع من الدراهم - الخ -).
بل للحاجة إلى تعيين الثمن، فإنه لو لم يكن الاندار لم يعلم أن الثمن
أي مقدار، وأنه مثلا ثمانية دراهم أو عشرة، ولا أظن اكتفائهم فيما يباع على
نحو التسعير بتعين مقدار الثمن بعد البيع فيكون الاندار لتعيين ما يستحقه
البايع، وبالجملة بعد البناء على الاكتفاء في تعيين مقدار المبيع بوزنه مع
ظرفه، لا بد من ايقاع البيع فيما يباع على وجه التسعير بعد ما تعيين مقدار الثمن
بالاندار لئلا يقع بإزاء المجهول بحسب المقدار وعليه فالمدار فيه على ما تراضيا
عليه تعارف به الاندار عند التجار أو لا، علم زيادته أو نقيصته أو احتمل،
كما لا يخفى.
وقد انقدح بذلك عدم توجه الاعتراض على اعتبار التراضي بأنه
لا يدفع غررا، ولا يصح عقدا، حيث ظهر أن اعتبار التراضي ليس لأجل دفع
الغرر، بل لأجل اعتباره العقد، فهو يصحح العقد وإن لم يدفع الغرر. فتدبر.
نعم لو كان الاندار لأجل عدم الاكتفاء في تعيين المظروف بوزنه
مع ظرفه، واعتباره في الجملة في تعيينه بوزنه كذلك لتوجه الاعتراض،
فافهم.
قوله (قدس سره): (وكيف كان فالذي يقوى في النظر - الخ -).
قد عرفت أن الاندار إذا لم يكن له دخل في صحة بيع المظروف،
وكفاية وزنه مع ظرفه في صحته، وكان لتعيين مقدار الثمن، لم يعتبر فيه إلا
التراضي، وإن علم أنه يزيد أو ينقص. نعم لو قيل بصحة البيع على وجه
تعيين الثمن بالتسعير، من دون تعيين مقداره إلا بعد البيع، كان المقدار الثمن
من الدراهم بمقدار ما للمبيع من الأرطال مثلا، كان الاندار لتعيين ذاك
المقدار، فلا بد من أن لا يزيد ولا ينقص علما، أو تعبدا، حيث لم يرضيا إلا بما
هو الثمن، وأصالة عدم زيادة المبيع عليه، لا يثبت أن مقداره ما بقي بعد
136

الاندار على الأصل المثبت، وأصالة عدم استحقاق البايع أزيد مما يعطيه
المشتري، غير مجدية لتعيين ما على المشتري، وأصالة براءة ذمته عن الزائد،
توجب اقتصاره على ما علم باشتغال ذمته به، فيجوز الاندار بما يحتمل زيادته
ولا يحتمل نقيصته، فتأمل.
قوله (قدس سره): (فالقطع بالجواز منضما، إذ لم يحصل من الانضمام مانع
ولا ارتفع شرط - الخ -).
إذا كان المجموع منهما مما يرتفع غرره لوزنهما معا وبيعهما جملة، وإلا
فلا، لحصول الغرر من الانضمام مثلا إذا كان ظرف الزيت ونحوه مما يجوز
أن يباع منفردا مع جهالة وزنه الموزون مع ظرفه صفرا، أو نحاسا، أو غيرهما
مما غلت قيمته، ويختلف حسب اختلاف وزنه، فلا شبهة في أن بيعهما جملة
بوزن واحد غرري، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (وعدم تقبيح عقاب من التفت إلى وجود الحرام في أفراد
البيع التي بزوالها تدريجا - الخ -).
لا يخفى أن صحة العقاب على ارتكاب الحرام من الأفراد، لا يقتضي
وجوب معرفة حلالها وحرامها مقدمة، لعدم توقف ترك الحرام منها عليها،
لامكان التحرز عنه بترك الاقتحام فيما علم وجوده فيها، كما يتفق معه عدم
ارتكابه، غاية الأمر مع الالتفات حينئذ كان متجريا لاقدامه على ما لا يؤمن
حرمته. وقد انقدح بذلك أنه لا وجه لوجوب التفقه عقلا من باب المقدمة،
لعدم توقف ترك الحرام عليه للتمكن منه بدونه وارتكابه معه.
نعم ربما يقع مع عدمه فيما لا يقع فيه من الحرام معه، ولعله أشار إليه قول
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام 1 " من أتجر بغير علم فقد ارتطم في الربا "
وقول الصادق (عليه السلام) 1: " من لم يتفقه في دينه ثم أتجر - الخبر - " ولا
دلالة لهما، بل الارشاد إلى ما لا يقع معه في الربا بلا بصيرة أحيانا، غايته
الدلالة على الاستصحاب. والأخبار الدالة على وجوب طلب العلم، وأنه

1 - وسائل الشيعة: 12 / 283 - ب 1 - ح 2.
137

فريضة 1، لا ظهور لها في إرادة خصوص العلم بالأحكام ومعرفة الحلال
والحرام، أو ما يعمه، لقوة احتمال إرادة خصوص المعارف والاعتقاديات
التي لا بد من معرفتها لكل من قدر عليها، ولا محيص عنها، بخلاف المسائل
الفرعية في باب التجارات فإن المطلوب فيها، ليس إلا الاجتناب عن
المحرمات، وهو كما يكون مع معرفتها، يكون مع التورع وعدم الاقتحام في
الشبهات، بل وكذا الحال في العبادات، فإن المطلوب فيها أيضا، الاتيان
بالواجبات، وهو ممكن عدم المعرفة بها، مراعاة الاحتياط في الشبهات،
وهذا لا ينافي وجوب تحصيل العلم بالأحكام كفاية على الأنام، بلا اشكال
ولا كلام. فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (نعم لا بأس بحملها على الكراهة - الخ -).
لكنه مع ذلك لا يكون دليلا على الكراهة، إلا بناء على المسامحة في
دليلها، كالاستصحاب، وفيه نظر. نعم لا بأس بالالتزام بالكراهة الرجائية
التي يكفي فيها مجرد احتمالها من دون حاجة إلى دلالة خبر أصلا، كما لا يبعد
أن يكون هو المراد مما يوهم دلالته على المسامحة في أدلة المستحبات، فتدبر
جيدا.
قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا ظهر أن النهي في سائر الأخبار أيضا محمول
على الكراهة - الخ -).
قد عرفت النظر في كفاية الخبر القاصر عن إفادة الحرمة سندا ودليلا
على الكراهة، ولا يكفي في اثباتها الأصل، لمخالفتها بمعنى الاستصحاب،
وقاعدة الحلية وإنما الموافق له، هو عدم الحرمة، هو أعم من الكراهة، فافهم.
قوله (قدس سره): (كما أن الظهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن
الخارجية - الخ -).
يعني القرائن الخارجية المكتنفة باللفظ بحيث كان اللفظ بملاحظتها
عرفا، ظاهرا في هذا المعنى وإن كان ظاهرا في غيره عرفا إذا لم يكن

1 - الكافي: 1 / 30.
138

مكتنفا بها، وإلا لم يكن الظن والظهور الغير اللفظي، متبعا، فضلا عن أن
يقدم على الظهور العرفي اللفظي. وبالجملة المتبع هو الظهور اللفظي الفعلي
مطلقا، سواء كان الظهور الوضعي، أو الظهور الناشئ مما يكتنف به من
مقال أو حال، فافهم.
قوله (قدس سره): (فإن الظاهر منه أن علة عدم البأس، وجود الباذل
- الخ -).
لا يخفى أن قضية عليته ليس إلا ثبوت البأس على تقدير عدمه، وهو
أعم من الحرمة. اللهم إلا أن يكون الاحتكار عندهم معروف الحرمة، وهو
غير معلوم، أو كان قوله (صلى الله عليه وآل): " إياك أن تحتكر 1 "، دالا على
الحرمة، وهو محل نظر، بل منع، لكثرة استعمال هذا التركيب في كلامه
(صلى الله عليه وآله) في الكراهة. ومنه ظهر عدم دلالة سائر الأخبار الدالة
على ثبوت البأس بالمفهوم، وأما ما دل منها على ثبوت الكراهة له بالمنطوق،
فلولا ظهور لفظ الكراهة في خصوصها، فلا أقل من عدم ظهور في الحرمة
والقيد بصورة عدم الباذل، مع دلالة ما دل على كراهة الاحتكار مطلقا،
لا يصلح قرينة على إرادة الحرمة، لاحتمال الحمل على شدة الكراهة، كما
ربما يشهد به اطلاق لفظها، وإلا يلزم التقييد بصورة وجود الباذل فيما دل على
كراهة الاحتكار مع اطلاقه، والتأييد بما عن المجالس فيه، أنه لو سلم دلالته
على الحرمة، فهو أعم من مقصوده من الحرمة في صورة عدم الباذل من وجه،
كما هو أخص منه من جهة التقييد بأربعين يوما، فلا محيص عن حمله على
شدة الكراهة التي لا ترتفع حزازتها بتصدق تمام ثمن ما احتكره، فكما
يحصل الشدة بعدم وجود الباذل، ولو لم يحسبه أربعين يوما، كذلك يحصل مع
وجوده إذا حبسه كذا، فافهم.
وأما وجوب البيع على المحتكر، فهو حكم مخالف للقاعدة على كل
حال، إذ مجرد حرمة الاحتكار، لا يقتضي أزيد من إلزامه على تركه من باب

1 - وسائل الشيعة: 12 / 316 - ب 28 - ح 3.
139

النهي عن المنكر بأي نحو يريد، لا خصوص وجوب البيع عليه. وما عن
الشيخ الجليل، إن كان فيه التأييد على الحرمة، إلا أنه لا شهادة فيه على
الفرض، ومحل الحاجة، ولعله أريد قسم خاص آخر ممن احتكر، واطلاقه
غير وارد في مقام البيان، كما هو أوضح من أن يحتاج إلى بيان. فافهم.
ولله الحمد على ما هدنا لهذا، وما كنا لنهتدي به لولا أن
هدانا. وقد فرغ عنه مؤلفة الجاني في العشر الثاني من
شهر ربيع الثاني من شهور سنة ثمانية عشر بعد ثلاثمأة
والألف من الهجرة النبوية، على هاجرها ألف ألف صلاة وتحية.
140

2 - كتاب الخيارات
141

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله
الطاهرين. ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم
الدين.
قوله (قدس سره): (فيدخل ملك فسخ العقد الخ -).
الظاهر أن المراد من الملك هيهنا هو السلطنة لا الاختصاص
الخاص المستتبع لها، ومن فسخ العقد، نقضه وحله، لا مجرد رفع أثره بدونه،
كما في رد العين في الهبة، والتراد في المعاطاة، والسلطنة على الفسخ ليست
بخيار نفسه، بل من آثاره وأحكامه، فإنه من الحقوق تورث وتسقط، وهي
كسائر الأحكام لا تورث ولا تسقط، كيف وقد لا يكون لذي الخيار سلطنة
على الفسخ لحجره، كما قد يكون لغيره، كما في أحد المتعاملين بعد استقالة
الآخر، فإن له الفسخ بناء على أن الإقالة فسخ. وقد انقدح بذلك أن خروج
الجواز في العقود الجائزة عن التفسير، إنما هو لأجل عدم الفسخ، لا لأجل
التعبير بالملك، كيف وقد عرفت أن ملك الفسخ ليس بحق الخيار نفسه ولا
من خواصه. ومما ذكرنا ظهر أن الخيار، حق خاص، وهو اعتبار وإضافة
مخصوصة بين العقد والأشخاص يستتبع آثارا، منها السلطنة على الفسخ.
قوله (قدس سره): (ففيه إن مرجعه إلى اسقاط حق الخيار - الخ -).
يمكن أن يقال: إن اقرار العقد، هو امضائه وإبرامه، وهو ليس
اسقاط حق الخيار، وإن كان سببا لسقوطه، كما أن الفسخ يكون كذلك،
143

حيث إنه يضمحل به بتبع انحلال موضوعه. وبالجملة فرق واضح بين
إسقاطه وإعماله، وإبراما وإنفاذا، أو فسخا وحلا، وإن كان كل من الابرام
والفسخ سببا لسقوطه وارتفاعه أولا، أو بتبع موضوعه. ولا يبعد أن الاعتبار
يساعد على أن يكون الشيئان اللذان لا بد منهما في متعلق الخيار، وحق
يقتضي اختيار صاحبه أي واحد منهما شاء ابرام العقد بالتزامه به وفسخه، لا
الفسخ وتركه، وربما يشهد به ما في بعض الأخبار، مثل ذلك رضى منه، كما
لا يخفى، فافهم.
قوله (قدس سره): (وهذا حسن).
لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في توحيه الأصل أيضا، مع عدم
اختصاصه كسابقه بالبيع، بل يجريان في كل عقد شك في جوازه ولزومه، كما
يأتي الإشارة في كلامه، زيد في علو مقامه.
قوله (قدس سره): (إنما ينفع مع الشك في ثبوت الخيار خصوص البيع
- الخ -).
بل ينفع مع الشك في ثبوت الخيار فيه وفي غيره، كما هو واضح،
وإنما لا ينفع إذا كان الشك في اللزوم والجواز من حيث الحكم الشرعي، ولو
كان في البيع، كما في المعاطاتي منه إذا شك في جواز التراد فيه، كجواز الرد
في الهبة عدم جوازه، كما في البيع بالصيغة، فإنه من حيث الشك في الحكم
الشرعي بالجواز بلا خيار أو اللزوم، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ومنها قوله تعالى " أوفوا بالعقود 1 " - الخ -).
قبل بيان دلالتها على أصالة اللزوم لا بد من تمهيد مقدمة ينفع في
النقض والابرام فيما هو المهم في المقام، وهي: أن لزوم العقد (تارة) بمعنى
وجوب الوفاء به تكليفا مع نفوذ فسخه ونقضه وضعا، كما في تدر الفعل
وعهده قبالا لجوازه كذلك. (وأخرى) بمعنى وجوب العقد وثبوته وضعا وعدم
نفوذ فسخه ونقضه قبالا للجواز، بمعنى نفوذ بسبب حق الخيار أو بمجرد الحكم

1 - المائدة: 1.
144

كما في الإقالة، بناء على أنها فسخ. (وثالثة) بمعنى الحكم بثبوته بأثره بحيث
لا يرتفع أصلا قبالا للجواز، بمعنى الحكم بنفوذ رفعه حقا، كما في الأخذ
بالشفعة، أو حكما، كما في الرد، والهبة، والتراد في المعاطاة. فالعقد اللازم
من جميع الجهات كالنكاح، فيما إذا لم يكن في البين عيب يوجب الخيار،
وكما أن الجائز من جميعها بيع أحد الشريكين بالمعاطاة، ومن بعضها غيره
من أفراد البيع، وسائر أنواع التجارات، وبعض الهبات.
ولا يخفى أن اللزوم في محل الكلام، ومورد النقض والابرام في المقام،
إنما هو بالمعنى المقابل لجواز الفسخ بالخيار، بخلاف ما هو البحث في مسألة
المعاطاة، فإنه بالمعنى المقابل لجواز رفع الأثر بالتراد، أو بالمعنى المقابل لجواز
الفسخ بمجرد الحكم على احتمال غير بعيد.
وإذا عرفت هذا، فمجمل الكلام في الآية، أن الوفاء يكون عبارة عن
القيام بمضمون ما يتعلق به من عقد، أو عهد، أو وعد، والالتزام به وما يتحقق
به، هذا يختلف باختلاف مضمونها، فإن كان فعلا اختياريا، كما في الوعد،
ونذر الفعل كالتصدق بماله، فهو العمل على وفقه، والحركة على طبقه. وإن لم
يكن كذلك، كما في نذر النتيجة، ككون ماله صدقة، في العقود، فإن
مضمامينها وإن كانت أفعالا اختيارية، كالتمليك، والتزويج، وغيرهما، إلا
أنها تسببية يتحقق قهرا بمجرد انعقادها، فالوفاء بها يكون عبارة عن إقرارها
والبناء عليها، قبالا لنقضها وحلها شرعا فيما ينقض، أو تشريعا فيما لا ينقض،
وليس مجرد عدم ترتيب البايع أو المشتري، آثار ملكية المشتري أو البايع
للمثمن أو الثمن، بأن تصرف كل فيما صار إلى الآخر بدون إذنه بعنوان
التعدي عليه، مضرا بالوفاء إن لم يكن مؤكدا له، كما لا يخفى. ولا يذهب
عليك أن الآية على هذا، لا دلالة لها على ما هو المهم في الباب من اللزوم،
قبالا لجواز نفوذ الفسخ بالخيار، ولا على ما هو المهم في مثل باب المعاطاة،
وبعض الهبات من جواز الرد، والتراد، ونفوذهما. وإنما تدل على وجوب اقرار
العقود، والبناء عليها، وعدم نقضها وحلها تكليفا لا وضعا. وكذا يمكن منع
دلالتها على ما أفاده - ره - لها من المعنى، لامكان منع الاطلاق أولا، وعدم
145

جواز التمسك به لو كان، ثانيا، إذ مع الشك في تأثير الفسخ يكون من باب
التمسك بالعموم أو اطلاق، فيما لا يعلم عليه انطباق المطلق أو العام،
ضرورة أنه مع تأثيره، ليس عدم ترتيب الأثر، من النقض وعدم الوفاء، حتى
يقال بعدم جوازه باطلاقها.
ومن هنا ظهر أنه لا وجه لتخصيص هذا الاشكال بالآيتين
الأخيرتين 1، كما يأتي في كلامه زيد في علو مقامه. وهذا كله لو كان المراد
من العقد، كما أفاده مطلق العهد أو ما يسمى عقدا لغة وعرفا. وأما إذا
كان المراد خصوص عهود الله تعالى، أو عهودهم في الجاهلية، كما نقل
التفسير بهما عن ابن عباس 2 وغيره، فالآية أجنبية عما نحن بصدده.
ثم لا يخفى ما في عبارته - ره - " والمراد من وجوب الوفاء العمل
- الخ - " من الخلل، وحقها أن يقال: والمراد من الوفاء. أو يقال: لزوم
العمل. وقد عرفت أن الوفاء وإن كان بحسب المفهوم واحدا، إلا أنه يختلف
بحسب ما يتحقق به عملا والتزاما، حسب اختلاف العقود، والنذور،
والعهود.
قوله (قدس سره): (بل قد حقق في الأصول، أن لا معنى للحكم الوضعي
- الخ -).
قد حققنا فيما علقناه على الاستصحاب من الرسائل، أن الوضع
يختلف، فمنه ما لا معنى له إلا ذلك، كالشرطية، والجزئية، والمانعية،
ونحوها. ومنه ما هو إضافة خاصة، واعتبار خاص، يترتب عليه عرفا وشرعا،
آثار ينتزع عن منشأ انتزاع عن عقد أو ايقاع، ونحوهما كالملكية، والولاية،
والوكالة، ونحوها، لا يكاد أن ينتزع بدون منشأ انتزاعها من الآثار
التكليفية. نعم ربما يكشف عنها بترتب ما يخصها منها، ومن جملة ما يصح
انتزاعها عنها، جعل من له السلطنة إياها، فبمجرد جعل الشارع الولاية له

1 - " أحل الله البيع " (البقرة: 275) و " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " (البقرة: 188).
2 - تفسير مجمع البيان - 2 / 8 (في تفسير قوله تعالى: أوفوا بالعقود - سورة المائدة - الآية 1).
146

على أحدا وملكيته لشئ، يصير وليا ومالكا، وفي العرف بمجرد جعل
السلطان له واليا أو حاكما، أو غيرهما، يصير كذلك، ويصح اتصافه بذاك
المنصب. ومنه ما ليس بذا ولا بذاك فلا يكون مجعولا بنفسه، ولا بمنشأ
انتزاعه كالعلية، والسببية، ونحوهما مما لا يكاد يكون حقيقة لشئ ما لم يكن
بينه وبين غيره ربط خاص لا يكاد يكون بمجرد الجعل الشرعي. ومن أراد
الاطلاع على حقيقة الحال، فليراجع ما علقناه على الاستصحاب.
قوله (قدس سره): فإن حلية البيع التي لا يراد منها إلا حلية جميع
التصرفات - الخ -).
فيه منع لقوة احتمال احلال البيع وضعا بمعنى انفاذه وامضائه
المستتبع لاحلال التصرفات تكليفا مع امكان إرادة احلاله تكليفا من حيث
التسبب به إلى ترتيب الآثار، كما هو الظاهر من التحليل والتحريم المتعلقين
بالمعاملات، فيدل بالملازمة العرفية على الصحة والفساد. فلا وجه لأن يراد
من الآية 1 حلية التصرفات، لاحتياج ذلك إلى التصرف، وهو بلا موجب
تعسف، مع أنه لو سلم، فلا إطلاق فيها، حيث إن
ها في مقام بيان امضاء المنع
والردع عن الربا.
ومنه ظهر الاشكال في الاستدلال على اللزوم باطلاق حلية أكل
المال بالباطل، فإن الاطلاق مسوق لبيان التصرف عن الأكل بالباطل إلى
الأكل بالتجارة، لا لبيان أنها سبب لها على كل حال وعلى كل كيفية، كما
لا يخفى.
قوله (قدس سره): (وتملكه من دون إذن صاحبها باطل عرفا - الخ -).
أو احتمال عدم كونه باطلا شرعا، غير ضائر بعد الاستطهار من
إطلاق الباطل، أن المدار فيه ما يعد عند العرف باطلا، وأن نظرهم هو المتبع
في تعينه شرعا، وحينئذ لا بد من الاقتصار في ترخيص الأكل بالباطل العرفي
على موضوع الدليل الدال على جواز الأكل به. ولا يخفى أنه من باب التخطئة،

1 - البقرة: 275.
147

لا التخصيص، فافهم.
وقد انقدح بذلك أنه لا يكاد يتم تقريب الاستدلال على المهم، إلا
فيما إذا أحرز أن استحقاقه الفسخ في هذا العقد، وفي هذا الحال باطل عرفا،
وهو غير مجد في تمام المطلوب.
قوله (قدس سره): (كشف ذلك عن حق للفاسق متعلق بالعين - الخ -).
لا يخفى أن جواز تملك العين كما أنه يكون عن حق متعلق بها،
موجبة لصحته، كما في حق الشفعة، كذلك يكون عن محض حكم بجوازه
كما في الهبة والمعاطاة، أو يكون عن حق متعلق بالعقد، مورث لانفساخه
وحله بالفسخ، فكيف يكون كاشفا عما ذكره، إلا أن يكون مراده ذلك كله، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (ومما ذكرنا ظهر وجه الاستدلال بقوله: لا يحل 1
- الخ -).
لا يخفى أنه دلالة على اللزوم إلا بالمعنى الذي في قبال جواز الرد أو
التراد، لا بمعناه المهم المقابل لنفوذ الفسخ بسبب حق الخيار، وليس التمسك
به مع الشك فيه إلا من باب التمسك بالعام فيما لا يعلم أنه من مصاديقه. منه
يظهر الاشكال في الاستدلال بقوله " الناس مسلطون - الخ - 2 "، بداهة أنه
لا دلالة على عدم ثبوت الخيار في العقد وعدم انفساخه وانحلاله بالفسخ، فإنه
إنما دل على السلطنة على الأموال، لا على الأحكام، ومع الشك في نفوذ
فسخه لم يعلم أن تصرفه فيما انتقل عنه بالعقد تصرف في مال، أو مال غيره،
فيكون التمسك بالناس، على عدم جوازه من ذاك الباب، أي التمسك
بالعام فيما لم يعلم أنه من مصاديقه.
قوله (قدس سره): (لكن لا يبعد منع صدق الشرط - الخ -).
سيأتي منه (قدس سره) في باب الشرط، صحة استماله في الالزام

1 - وسائل الشيعة: 3 / 424 - ب 3 - ح 1.
2 - بحار الأنوار - 2 / 272.
148

الابتدائي، لوقوعه في الأخبار كثيرا، وعدم حجية ما في القاموس مع تفرده،
فراجع. ولا يبعد أن يكون من ذلك. استعماله في الزمانين، إذ ليس مجرد
ربطه بغيره، كافيا في اخراجه عن الابتدائي، بل لا بد في ذلك من كون
الالزام والالتزام في البيع ونحوه، لكن لا يخفى أنه دلالة له أيضا على اللزوم
وبالمعنى المهم، بل على اللزوم التكليفي، وأنه لا يجوز إلا عن أن يرفع إليه عن
شرطه، ويحرم عليه التخلف عن موجبه، كما عرفت في الآية الأولى، ولو سلم
دلالته على التقريب المتقدم فيها، فلا دلالة له أيضا، لما عرفت فيها وفي
غيرها، من منع الاطلاق أولا، وعدم جواز التمسك به مع الشك في تأثير
الفسخ ثانيا، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ومنها الأخبار المستفيضة 1 - الخ -).
يمكن المناقشة فيها بأن دلالتها على وجوب البيع، وأنه لا خيار لهما بعد
الرضاء إنما هو بلحاظ ما هو بمقتضى بنفس البيع لا للأمور العارضة أحيانا،
من غبن، وعيب، ونحوهما. ولأجل هذا لا يكون أدلة ساير الخيارات مخصصة
لها، كما لا يخفى، فتأمل.
قوله (قدس سره): (وهذا الاستصحاب حاكم على الاستصحاب المتقدم
- ا لخ -).
لا يخفى أنه لو سلم الشك في بقاء العلاقة، وعدم دعوى القطع
بانقطاعها، فلا يكون استصحابها حاكما على ذاك الاستصحاب، فإن
مستصحبه ليس من آثار مستصحبه شرعا قد رتب عليه في الخطاب، ليحكم
على استصحابه، استصحابه.
قوله (قدس سره): (بناء على أن الواجب هنا - الخ -).
هذا، وإن كان الواجب الرجوع إلى استصحاب حكم المخصص في
مثل خيار الغبن إذا شك في فوريته، لا الرجوع إلى عموم الوفاء، فإنه بمثل
دليل خيار المجلس لا ينقطع عمومه، بل يمنع عن مجيئه وتعلقه مع ثبوت

1 - وسائل الشيعة: 12 / 345.
149

المقتضي له، من اطلاق متعلقه، فنقتصر في تقييده على المتيقن، لكنه كذلك
لو كان اطلاق العقود مسوقا لبيان الحكم فيها بلحاظ حالاتها وطواريها، ولم
يكن مسوقا لبيانه، لا بلحاظهما، كما هو ليس ببعيد، وعليه يكون الواجب،
الرجوع إلى الاستصحاب في زمان الشك، لا عموم الآية 1.
قوله (قدس سره): (فيبقى ذلك الاستصحاب سليما عن الحاكم فتأمل
- الخ -).
لا يخفى أنه مع تواتر الأخبار بانقطاع الخيار، فلا يبقى مجال لذلك
الاستصحاب أيضا، ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل.
قوله (قدس سره): (نعم هو حسن في خصوص المسابقة وشبهه - الخ -).
لا حسن له في مثلها أيضا أصلا، فإن لها أثرا لا محالة لم يكن قبل
انعقادها، ويرتفع بعده بفسخها، إذا أثر، ومع الشك فيه، فالأصل بقائه
وعدم زواله، ولعله أظهر من أن يخفى.
قوله (قدس سره): (بناء على أن المرجع - الخ -).
لكن بناء على ذلك أيضا يشكل الرجوع إلى العمومات السابقة مع
الشك في تأثير الفسخ بما عرفت في الشك في الحكم باللزوم، من أنه من باب
التمسك بالعام فيما لا يعلم انطباقه عنوانه عليه، فإنه مع الشك في تأثير الفسخ
في الفرد المردد يكون التمسك به من هذا القبيل أيضا، فلا تغفل
قوله (قدس سره): (فإن الأصل عدم قصد القربة - الخ -).
قد يعارض بأن الأصل عدم قصد غيرها، اللهم إلا أن يقال اللزوم
إنما رتب شرعا على قصدها، وما رتب الجواز على قصد غيرها، كي يعارض
أصالة عدم قصدها بأصالة عدم قصده، والجواز إنما رتب على الهبة وإن قيدت
بدليل الصدقة، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (والأولى أن يقال، إن الوكيل - الخ -).
والتحقيق أن يقال: إن الظاهر من البيع، إنما هو المتصدي لأصل

1 - المائدة: 1.
150

البيع أو الشراء، مالكا كان، أو وليا، أو وكيلا، ضرورة صدقه عرفا على
الولي، أو الوكيل المباشرين له، وعدم صحة صلبه عنه، ومجازفة دعوى
الانصراف مع كثرة صدوره من الأولياء، والوكلاء، بل كثرة استعمال
البايع والمشتري فيهما، كما لا يخفى، لا الوكيل في خصوص الصيغة، لصحة
سلبه عنه عرفا، وتبادر غيره منه قطعا، كما أن الظاهر من الأخبار أن جعل
مثل هذا الخيار، إنما هو لأجل الارفاق بالبيعين لترويا في بيعهما فيفسخاه، أو
يمضياه بالرضا، ولا يخفى أنه إنما يتأتى في خصوص ما إذا كان لكل منهما
اختيار في فسخ البيع برضى الآخر وحله، كما كان لهما اختيار عقد كذلك
وشده، دون من لم يكن له إلا اختيار العقد دون امضائه وفسخه بعد ايقاعه،
كالوكيل في خصوص بيع شئ أو ابتياعه، بحيث يكون بعد صدوره منه
أجنبيا عنه، إذ معه بعيد جدا أن يجعل له الخيار ارفاقا به ليتروى فيختار،
وإن أبيت إلا عن عدم انصراف الاطلاق المسوق مساق الارفاق إلى ذلك،
فلا أقل من أنه المتيقن منه في مقام التخاطب به، ومعه لا يكون دليلا على
غيره.
ومن هنا ظهر عدم دلالة الأخبار على ثبوت الخيار للوكيل في بيع
شئ إذا لم يكن مستقلا في عقده بالحل كشده، وإن كان مستقلا في
التصرف في مال الموكل قبل العقد وبعده بانحائه، كما أنه لا مانع عن دلالتها
على ثبوت الخيار للوكيل المفوض إليه حله كعقده، وإن كان ممنوعا عن
التصرف في ماله أصلا، وذلك لما عرفت من أن الخيار يكون حقا متعلقا
بالعقد مستتبعا للسلطنة على فسخه وامضائه، لا بالمال.
وبذلك قد انقدح الخلل فيما علل به عدم ثبوت الخيار للوكيل في مثل
شراء العبد، أو في مجرى صيغة العقد. ثم إن الظاهر من الأخبار 1 بقرينة
الغاية، أن الخيار إنما يكون للبيعين، فيما إذا كان لهما اجتماع للبيع، لا فيما إذا
لم يكن هناك اجتماع، أو كان ولم يكن للبيع، فلا دلالة لتلك الأخبار على

1 - وسائل الشيعة: 12 / 345.
151

ثبوت الخيار للموكلين وإن صدق أنهما بيعان ما لم يجتمعا على البيع، كما إذا
اجتمعا للمعاملة بنفسهما ولم يكن توكيلهما إلا في اجراء الصيغة. إما إذا لم
يجتمعا، أو اجتمعا لا في مجلس عقد الوكيلين، بل ولو اجتمعا في مجلسهما،
حيث إنه ليس لأجل المعاملة، لاستقلال الوكيلين بها، كما هو الفرض على
اشكال، من اطلاق الغاية، ومن أن المنساق منه بقرينة السياق الافتراق عن
الاجتماع البيعي، ولا أقل من أنه المتيقن منه، وكون المستفاد من سائر أدلة
الخيارات كونها للمالك، لا يقتضي كون هذا الخيار له مطلقا، وكذا اقترانه
في بعض النصوص بخيار الحيوان الثابت فيه لصاحب الحيوان، كما لا يخفى،
فإن صاحب الحيوان هو المشتري وإن كان وكيلا، كما عبر به في غير واحد
من نصوص خيار الحيوان لا خصوص المالك، مع أنه لو سلم ظهوره فيه، فهو
لا يقتضي بوجه كون البيعين ظاهرا في المالكين، مع أنه لو سلم فيختص
حينئذ بالموكلين، وهو خلف، ضرورة أن الغرض شموله للوكيلين، وثبوت
حق أو حكم للوكيل بما هو نائب ووكيل لا يستلزم ثبوته لموكله إذا لم يكن
بالتوكيل، بل بما يخصه من موجب أو دليل، مع أنه لو سلم فإنما هو فيما إذا
ثبت له بما هو وكيل، لا بعنوان آخر، وإن توقف بتحققه له على وكالته، كما
في المقام، وكيف ولا خيار للموكلين إذا لم يحضرا بلا اشكال، ومجرد كون،
الخيار ارفاقا بالمالك فيما ثبت له الخيار بدليل، لا يستدعي ثبوته له كذلك
بلا دليل.
نعم ربما يقال بوجوب مراعاة المصلحة على الولي، والوكيل، أو
عدم المفسدة في الفسخ، أو الامضاء، إلا برضاء الموكل، فكما ليس لهما
التصرف في مال المولى عليه، والموكل، والقرب منه بالعقد، إلا عن المصلحة،
أو مع عدم المفسدة كذلك، لا يجوز لهما القرب منه والتصرف فيه بفسخه،
لعدم اختصاص الآيات والروايات الدالة على اعتبار ذلك بالتصرف فيه
بالعقد، ومجرد كون التصرف بالعقد عن حكم، وبالفسخ عن حق، لا يوجب
تفاوتا بينهما في شمول تلك الآيات والروايات لأحدهما دون الآخر، كما
لا يخفى، فلا يجوز منهما الفسخ، أو الامضاء مع المفسدة، أو بدون المصلحة على
152

اختلاف الأولياء، أو الخلاف فيها إلا عن الوكيل برضاء الموكل، فعلى هذه
لا خيار للموكلين إلا فيما إذا لم يستقل الوكيلان بالتصرف، وانقدح الخلاف
فيما ذكره من الوجوه على ثبوته لهما أيضا، فيما إذا استقلا، إذا كان لهما ذلك،
ثم هذا عزل الوكيل المستقل بعد البيع وقبل الافتراق، أو انعزال الوالي
كذلك، يوجب سقوط خيارهما وجهان: من أن ثبوته لهما بما هو وكيل
أو ولي. ومن الاستصحاب والاطلاق المقتضي لامتداده إلى الافتراق إن لم
يمنع عنه بأنه مسوق للبيان من غير هذه الجهة، ولكنه في الاستصحاب كفاية،
ما لم يقم دليل على أن الخيار يدور مدار ولايتهما، أو وكالتهما، وصيرورتهما بذلك
بيعين، فيعمهما الأخبار، ويثبت لهما الخيار، لا يستلزم أن يدور بقائه مدار
ذلك، نعم لو كان ثبوته في الدليل معلقا على أحد العنوانين، لا يبعد الاستظهار
ذلك، وأين هذا مما إذا كان الحكم معلقا على عنوان باق، ولو كان تحققه
موقوفا على آخر زائل، فتدبر جدا.
وأما لو مات الولي أو الوكيل في المجلس، ففي انتقال الخيار إلى
الوارث، أو إلى المالك، أو سقوطه، وجوه: من أنه حق تركه الميت، فلو إرثه.
ومن أن ملك المالك أقوى من ملك الوارث، كما علل العلامة في التذكرة على
ما حكاه. ومن كونه مبنى بالافتراق عن اجتماع على البيع، كما عرفت
استظهاره من رواياته ومثله، مما لا يتركه، بل مما يزول بموته.
لا يقال: إن الغاية هيهنا أيضا لا محالة تكون، فإن الاجتماع
والافتراق، وإن كان بالأبدان، إلا أن التصرف منهما عند الاطلاق حال
الحياة، فمع موت أحد البيعين في مجلس العقد، لم يبق من طرفيهما إلا
أحدهما، فلا اجتماع، فلا افتراق. نعم لو كان المراد ثبوته ما لم يتحقق هناك
افتراق، ولو لأجل انتفاء موضوعه وطرفه، كان هذا الخيار مما يترك لكنه
كما ترى، خلاف ما هو ظاهر الأخبار من ثبوته للبيعين الذين من شأنهما،
الاجتماع، والافتراق، وامتداده إلى زمان الافتراق، ولا تفاوت فيها في ذلك
بين ما يكون فيه حتى يفترقا، وما يكون فيه ما لم يفترقا، كما لا يخفى.
وبالجملة عموم أدلة الإرث له، مشكل، وأشكل منه ما ذكره
153

العلامة - أعلى الله مقامه - في التذكرة في وجه انتقال الخيار إلى الموكل دون
الوارث، فإن كان مراده منه، أن ملك الموكل للخيار واستحقاقه له، أقوى
من ملك الوارث، من باب " أولوا الأرحام بعضهم أولى 1 " فهو عين الدعوى،
كما ترى. وإن كان مراده غير ذلك، فهو غير بين ولا مبين. وكيف كان،
فالأصل عدم الانتقال، لا إلى الوارث، ولا إلى المالك، ولم ينهض دليل على
خلافه. ولا يخفى أنه يلزم من ذلك عدم انتقاله إلى الوارث مطلقا، ولو كان
الميت مالكا ولا ضير في الالتزام به. ولا ينافيه اتفاقهم ظاهرا، على أن الخيار
مما يورث، فإنه فيما إذا لم يكن هناك خصوصية له، لا يكاد يترك لأجلها،
فتدبر.
قوله (قدس سره): (مضافا إلى أن أدلة الخيارات اثبات حق وسلطنة
- الخ -).
لا يخفى أن حق الخيار لا تعلق له بما انتقل عنه بالعقد، حتى يصح
دعوى أن مفاد أدلته ما أفاده - ره - بل بالعقد كما مرت إليه الإشارة غير
مرة. والصحيح ما أشرنا إليه من دعوى انصرافها إلى اتيانه المتعاقدين بعد
الفراغ عن نفوذ فسخهما للعقد بالتراضي، كما مر.
وقد انقدح بذلك، أن وجه عدم رجوع المشتري الشاك في
الانعتاق، أو وجوب الانفاق، والاعتاق، إلى أدلة الخيار، أن هذه الأدلة
لا تعلق لها بما انتقل إليه، بل بالعقد، فلا دلالة لها في اثبات الخيار على جواز
رده على البايع، فلا ينعتق، ولا يجب أن ينفق أو يعتق، وجواز فسخ العقد
لا ينافي حصول الانعتاق، أو وجوب الانفاق أو الاعتاق، غاية الأمر أنه إذا
فسخ العقد، وقد أنفق أو أعتق، فعليه البدل، كما إذا انعتق، لا ما زعمه
- ره - من أن الوجه هو عدم المفروغية من السلطنة على ما انتقل إليه، للشك
في السلطنة عليه حسب الفرض.

1 - الأنفال: 75.
154

قوله (قدس سره): (فكل من سبق من أهل الطرف الواحد - الخ -).
هذا إذا تحقق لهم، الخيار، لا بما هم أشخاص، بل بما هم بيع، وإلا
كان المقام أيضا من تقديم الفاسخ على المجيز مثل تلك المسألة، فليس
التفاوت بينهما في ذلك، لأجل أن الغرض هيهنا في طرف واحد وهناك في
طرفين، كما يظهر مما ذكره في بيان الفرق بين المقامين، بل لأجل أن الخيار
هيهنا للجنس، وقضيته نفوذ أعمال السابق من أفراده، وفي تلك المسألة
كان الخيار لكل واحد من الطرفين بشخصه، ولو فرض العكس بأن يكون
الخيار للجنس الشامل للبيعين، كان أعمال من سبق من الطرفين إجازة أو
فسخا نافذا، كما أنه إذا كان الخيار في مسئلتنا لكل واحد من أفرادهما كان
من مسألة تقديم الفاسخ، فافهم.
قوله (قدس سره): (أقواها الأخير - الخ -).
وذلك لأن الغاية افتراق الجنسين والبايع والمشتري، وما دام كان
واحد من الأصيل أو الوكيل من كل واحد مع أحدهما من الآخر في المجلس
لم يفترق الجنسان، بل بعض مصاديقهما، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (لأن المتيقن من الدليل ثبوت الخيار - الخ -).
لا يخفى أنه من الواضح عدم دلالته، إلا على ذلك، لا أنه المتيقن من
دلالته، ولو قيل بثبوته له، فإنما هو لأجل دعوى أنه قضية تفويض الموكل
بسبب كالصلح فالوجه في عدم ثبوته له بذلك، هو الأصل، مع ما أشرنا إليه
من أنه لا يقبل لأن ينتقل.
قوله (قدس سره): (فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين - الخ -).
بل الوجه ما ذكرنا في الوكيل في البيع، ومجرد العقد عليه، لا فسخه
وحله، فإن الفضول لا يكون له بعد العقد فسخه، ولو برضاء الآخر، كما في
الإقالة. وهذا بخلاف المالك العاقد في الصرف، والسلف قبل القبض، فله
الفسخ بعده، بل قبله، فلا يجدي معه القبض.
قوله (قدس سره): (مندفع باستقراء سائر أحكام المتبايعين - الخ -).
بل مندفع بعدم دليل على الاشتراط، مع اطلاق دليل الخيار لو كان،
155

وإلا لا يفيد استقراء الأحكام، فإنه ليس بتام، مع أنه ما لم يقد القطع لا يجدي
مطلقا، لكنه لا اطلاق مع جعل الغاية، الافتراق، وكونه مبنيا على الغالب،
يمنع أيضا عن شمول اطلاق المغيى لغير الغالب، ولا يكاد يتم الاطلاق
بالنسبة إلى الغالب وغيره، مع اختصاص الغاية به، كما لا يخفى. نعم لو كان
الغاية، هو الافتراق المقابل لعدمه بتقابل السلب والايجاب، لا العدم والملكة،
كان الخيار ثابتا للواحد الواجد للعنوانين، كما هو ثابت للاثنين، إلا أن
الظاهر أنه بتقابل العدم والملكة، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (إلا أن يدعى أن التفرق غاية مختصة - الخ -).
قد عرفت أن اختصاص الغاية بصورة يمنع عن شمول اطلاق المغيى
لغيرها، وإنما لا يمنع عن شمول الحكم لها واقعا الحكم واقعا لغيرها.
وبالجملة لا يمنع عن الشمول ثبوتا لا اثباتا فافهم.
قوله (قدس سره): (لكن الاشكال فيه - الخ -).
احتمال اختصاص لمناط بما إذا كان هناك افتراق، كما هو
قضية ظاهر الدليل.
قوله (قدس سره): (فالظاهر بقائه إلى أن يسقط - الخ -).
ولا دليل على افتراقه عن المجلس، كما قيل، فإن الغاية هو افتراق
البيعين، لا الافتراق عن المجلس.
قوله (قدس سره): (والمشهور، كما قيل، عدم الخيار - الخ -).
تحقيق المقام أن متعلق الخيار لما كان هو العقد لا العوضين، وإن
كان يسري إليهما أثره إذا فسخه، كان تلفهما بنفسهما أو بماليتهما، غير مناف
لثبوته، فإذا عمل بدليل الخيار، واختار الفسخ، يرجع الباقي منهما بنفسه
والتالف ببدله، إلى المالك الأول. وإنما المنافاة بين جواز التراد، أو الرد، كما
في المعاطاة على وجه، وفي الهبة، وبين تلف العين بنفسها أو بماليتها، كما
لا يخفى. وما أفاده (قدس سره) بناء على القول باعتبار خروج الملك عن ملك
من انتقل إليه، إلى ملك من أن تقل عنه في الفسخ ولو تقديرا، من أنه لا وجه
للخيار فيما نحن فيه، فإنه يمتنع خروج المعتق عن ملك المشتري إلى ملك البايع
156

ولو تقديرا، فإنه لا يترتب على ملكه له، لو قدر سوى الانعتاق. فلا يبقى مجال
للانتقال منه إلى البايع، فيمتنع الخيار بامتناع شرطه فيه أنه إنما يترتب
الانعتاق على ملكيته له حقيقة، وأما الملكية التقديرية، فلا يترتب عليها، إلا
ما لأجله تقديرها، وفيما نحن فيه يكون تقديرها لأجل انتقال.
لا يقال: ملكية المشتري للمنعتق عليه، المعقبة بالانعتاق، ليست
بحقيقية، بل تقديرية، فإنه لو سلم هذا فإنما يكون تقديرها هيهنا لأجل ذا
توفيقا بين ما هو قضية البيع من التمليك وما دل على الانعتاق به، لا أن
تقديرها مطلقا مستلزم للانعتاق.
وبالجملة لا بد في الانعتاق في البيع، من التقدير، لا أنه يترتب عليه
لا محالة في أي مقام، بل لا يكاد يترتب عليه، إلا ما تدعوا الضرورة وضيق
الخناق إلى التقدير لأجله، وفي المقام ليس إلا تلقي الفاسخ عن المفسوخ عليه،
لا الانعتاق. هذا، مع أن تلقي الفاسخ عنه لا يتوقف على صحة تقدير الملك
واعتباره، فيما إذا تعذر تلقيه العين بنفسه، فإنه وإن كان التلقي كذلك
متعذرا، إلا أنه لا يتعذر تلقي ملك العين ببدلها، فكأن العين محفوظة ببدلها
وبماليتها، فتنقلب بالبيع بنفسها، ورجعت بالفسخ ببدلها. وتصحيح التلقي
عن المفسوخ عليه بذلك، ليس بأقل من تصحيحه بالتقدير، فإن فيه اعتبار
الملكية، ولا ملكية حقيقة، وفي ذلك اعتبار بقاء العين المملوكة، ولا بقاء لها
كذلك. ولا يخفى أنه لا بد في أصل العقد بالفسخ من أحد الاعتبارين، وإلا لم
يكن فسخا وحلا، بل كان عقدا على حده.
فانقدح بذلك أنه بناء على القول بأن الفسخ لا يقتضي أزيد من رد
العين لو كانت موجودة، وبدلها إن كانت تالفة، لا محيص عن أن الفاسخ
يتلقى الملك عن المفسوخ عليه. غايته التلقي عليه بالبدل، وعلى القول الأول
تقدير تلقي العين بنفسها.
فتلخص إن شرط صحة الفسخ، وهو تلقي الفاسخ عن المفسوخ عليه
تقديرا بأحد الاعتبارين، حاصل على كل حال، فلا يكون هناك مانع عن
إعمال دليل الخيار.
157

وأما ما أفاده - ره - من أن اقدام المتبايعين مع علمهما بالانعتاق
على المشتري، اقدام على اتلاف ماليته، والاقدام عليه كأنه شرط سقوط
الخيار في العقد، إنه حق في العين، ففيه إنهما ما أقدما إلا على نفس
المعاملة الموجبة للانعتاق المحكومة بالخيار إلى الافتراق والحاصل إن الخيار
ليس من أحكام المعاملة المستتبعة للانعتاق، بل هما معا من آثار نفس ما
أقدما عليه من العقد على العبد، كما هو قضية دليلهما، فلا بد من ترتيب كل
منهما عليه إذا لم يكن بينهما تناف، وترتيب خصوص ما كان العقد علة تامة
له، أو لعلته التامة دون الآخر، لو كان بينهما الشافي، وعدم ترتيب واحد منهما
لو لم يكن بينهما تفاوت في السنبة إلى العقد مع التنافي، لاستحالة الترجيح بلا
مرجح، ولا يتفاوت فيما ذكرنا بين كون تأثير العقد في الخيار أو الانعتاق بلا
واسطة أو معها، بل التفاوت إنما يكون بما أشرنا إليه، كما لا يخفى. وقد انقدح
بما حققناه موارد النظر فيما أفاده (قدس سره) أو نقله في المقام. وعليك بالتأمل
التام في أطراف الكلام.
قوله (قدس سره): (فدفع الخيار به أولى وأهون من رفعه - الخ -).
لا يخفى أن رفع الخيار بالاتلاف أو النقل، إنما هو لأجل أنه الرضاء
بالعقد وكاشف عن امضائه، وأين هذا من الاقدام على عقد يترتب شرعا
عليه الخيار، والانعتاق معا بمقتضى دليلهما، كما أشرنا إليه، فيكون كل منهما
أثرا شرعا لما أقدما عليه، لا ما أقدما عليه خارجا، كي يكون أولى بالدفع،
مع أنه مجرد اعتبار في قبال دلالة غير واحد من الأخبار 1 على ثبوت الخيار،
ولعله أشار إلى بعض ذلك بأمره بالتأمل، فتأمل
قوله (قدس سره): (وإن تردد في القواعد بين استرداد العين - الخ -).
وجه تردده، التردد في كون الملك مطلقا سبيلا منفيا، أو كون
المنفي، هو خصوص الابتدائي، والملك الحاصل بالفسخ، وإن كان بحسب
الحقيقة ابتدائيا يتلقاه الفاسخ من المفسوخ عليه من الحين، إلا أنه عادة الملك

1 - وسائل الشيعة: 12 / 345.
158

الأول بحسب اللحاظ، واعتبار أن الفسخ هو انحلال السبب الأول
وارتفاعه، ورجوع العوضين إلى ما كانا عليه، كأنه لم يكن من الأول شئ في
البين. ويمكن أن يكون وجه التردد، هو ما في الفسخ من اللحاظين، فافهم.
قوله (قدس سره): (ومنها شراء العبد نفسه - الخ -).
عدم ثبوت الخيار فيه بناء على أن البيع هو التمليك مما لا ينبغي أن
يرتاب فيه، ولا شبهة تعتريه، حيث إنه على هذا ليس ببيع حقيقة لعدم فتأمل
تملك الإنسان نفسه وإن كان بلفظ البيع، وأما بناء على أنه تبديل مال بمال
فلا وجه لعدم ثبوته. ودعوى انصراف أدلة الخيار عنه بلا وجه بعد كونه من
أفراد البيع حقيقة وترتيب سائر أحكامه عليه بادلتها شرعا، ولو صح دعوى
الانصراف فيها، لكانت أدلتها منصرفة عنها، فلم يكن دليل عليها، إلا ما قام
في خصوصه عليه دليل، فافهم. ومع الشك في صدق البيع، فالمرجع هو أصالة
اللزوم، لا اطلاق أدلة الخيار، فإن التمسك به كان من باب التمسك
بالاطلاق فيما اشتبه من المصداق.
قوله (قدس سره): (ولعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد
العقد - الخ -).
لا وجه لاعتباره بعد ما عرفت من كون الخيار متعلقا بالعقد
لا بالعين، فاندفع، الاشكال بما في جامع المقاصد، من أن الخيار لا يسقط
بالتلف، فإن غرضه بيان أن متعلق الخيار ليس العين، كي يكون تلفها مانعا
عن ثبوت الخيار، أو دافعا له، فلا يتوجه عليه ما علل به - ره - عدم اندفاع
الاشكال به، ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل.
قوله (قدس سره): (إلا أن ملاحظة كلام الشيخ في المقام بقرينة - الخ -).
وإن كان يبعده نفيه الخيار عن غير واحد مما يدخله الخيار، فيما إذا
وقع في ضمن البيع، وكلام المبسوط لا يخلو عن تهافت، فراجع.
قوله (قدس سره): (وموافقة عمل الأصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم
- الخ -).
فإن علمهم بعد العلم بذلك، لا يكشف عما لو ظفرنا به كما ظفروا،
159

لرجحناها به على أدلة الخيارات، فتفطن.
قوله (قدس سره): (لأنها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل الشرع - الخ -).
لا يخفى أنه بمجرد كونها مسوقة لذلك لا يرتفع المعارضة من البين،
بداهة تحققها لو دلت على ثبوته فعلا مطلقا ولو بملاحظة الطواري، وإنما يرتفع
المعارضة لو كانت مسوقة لبيان ثبوته اقتضاء، من غير نظر إلى الطواري أصلا،
كما هو مقتضى التوفيق بينها وبين ما دل على الأحكام للعناوين الطارية
عليها، بحيث لا يرتاب فيه ولا شبهة تعتريه، لو كانت ظاهرة في ثبوتها فعلا
مطلق ولو مع طروها، وإلا بأن لم يكن دالا إلا على ثبوتها اقتضاء، كما هو
ليس ببعيد، فلا يكون أدلتها معارضة بادلتها أصلا، كي يوفق بينهما، كما
لا يخفى.
وكيف كان هو أدلة أحكام الطواري، وأدلة الشروط
بالإضافة إلى أدلة الخيار من هذا القبيل، فلا اشكال في لزوم اتباعها، إما
لعدم معارضتها بها، أو توفيقا بينهما. وأما دعوى تبادر صورة الخلو عن
الاشتراط في دليل الخيار، كما سيأتي التصريح منه (قدس سره): (فمجازفة،
ضرورة أنه لو لم يكن دليل المشروط، لم يظن بأحد أن يدعي تبادر صورة الخلو
عن دليله، ولذا لو أخل بواحد من شروط نفوذها في شرط عدم الخيار يحكم
بثبوته لا محالة، مع أنه لو كان الدعوى صادقة، فلا دليل على ثبوته مع شرط
عدمه، وإن أخل بشرطه، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأن الشرط في ضمن العقد الجايز لا يريد حكمه
- الخ -).
لا محيص عن تبعية مثل هذا الشرط للعقد وإن قلنا بلزوم الشرط في
ضمن العقد الجايز نفوذه، وأن المتيقن من تخصيص أدلة الشروط، هي
الشروط الابتدائية، وذلك لعدم امكان بقاء هذا الشرط مع انحلال العقد،
كما هو واضح، وكذا الحال في كل شرط وعقد جايز كان موضوعا له، ومما
يتقوم به، فتفطن.
160

قوله (قدس سره): (قد يستشكل التمسك بدليل المشروط - الخ -).
كما يشكل من وجه آخر وهو أن عدم الخيار كثبوته، من الأحكام،
لا من الأفعال التي تحت الاختيار، كي يصح شرطه، ويجب الوفاء به.
وبالجملة " المؤمنون عند شروطهم 1 " لا يوجب أن يكون الشارط مشرعا، وإنما
يوجب الوفاء فيما صح له التسبب إليه لولا الشرط شرعا حتى يجب بشرطه
الالتزام به، وليس له جعل حكم أو نفيه لولاه بنحو، فيلزمه بشرطه، كما هو
واضح.
والجواب إن الحقية كالملكية من الاعتبارات العقلائية التي يتوسل
إليها بما جعل سببا لها ابتداء أو امضاء ومنشأ لانتزاعها، والشرط جعل
شرعا من أسبابها، لعموم وجوب الوفاء بالشروط 1.
لا يقال: إنما الخيار من الحقوق لا عدمه.
لأنا نقول: إذا كان ثبوته مما صح له التوسل إليه، وكان مما يقدر
عليه، كان عدمه كذلك، إذ لا يعقل أن يكون أحد الطرفين تحت الاختيار،
دون الآخر. فتفطن.
قوله (قدس سره): (فلزومه الثابت بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط 1،
عين لزوم العقد - الخ -).
فلا يتوقف على لزومه، فيدور. وبالجملة مجرد دليل نفوذ الشرط،
كاف في الحكم بلزوم الشرط، والعقد من غير توقف في البين بين اللزومين.
فافهم.
قوله (قدس سره): (وبعبارة أخرى، المقتضي للخيار، العقد بشرط لا
- الخ -).
وقد عرفت عدم صحته وأن المنساق من اطلاق مثل (البيعان) هو
ثبوت الخيار اقتضاء، لا بنحو العلية والفعلية، ولو سلم الانسباق، فلا بد من
الحمل عليه، لا العقد بشرط لا توفيقا، إذا ظهور هذه القضية في الطبيعة

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 473.
161

لا بشرط، أقوى من ظهورها في كونها فعلية وبنحو العلية، كما لا يخفى، فتدبر
جيدا.
قوله (قدس سره): (إلا أن مجمل القول في دفع ذلك فيما نحن فيه، إنا حيث
علمنا - الخ -).
بل القول الفصل في دفعه، إنه إذا لم علم أن الحكم ثبت على نحو
الفعلية والعلية التامة بنص دليله أو بالقرائن المقالية، أو الحالية، أو الأمور
الخارجية، يكون شرط خلافه، مخالفا للكتاب والسنة، هو ليس مما لا يوجد
وإن قل، من دون حاجة في الحكم بصحة الشرط إلى اثبات أن خلاف
الشرط مما يكون شرعا، فلو لم يعلم أن الخيار، كما أفاد، لقلنا بصحة الشرط
جمعا، وتمام الكلام في مبحث الشرط فانتظر.
إن قلت، إذا كان لدليل الخيار، دلالة على ثبوته بنحو الفعلية
والعلية مطلقا، أو لو بملاحظة الطواري، فلا بد من العمل به لعدم معارضته
بدليل الشرط، لكان استثناء الشرط المخالف للكتاب أو السنة فيه، لوضوح
أنه لا يعارضه معه، ضرورة أنه ما دل لأجله، إلا على وجوب الوفاء بالشرط
الغير المخالف، ودليل الخيار دل على كون شرط عدمه، شرط مخالف، فلا
معارضة بينهما أصلا، كي يوفق بالحمل على ثبوته بنحو الاقتضاء، فافهم.
قلت: نعم لا معارضة بينهما لمكان الاستثناء، لكن لا يبعد أن يكون
مثل دليل الشرط المتعرض لحكم العناوين الطواري بمجرده قرينة على
الحمل، وأن مثل دليل الخيار اقتضائي.
وبالجملة دعوى أن العرف بعد ملاحظة اثبات الحكم للعناوين
الثواني بادلتها، يحكم بأن أدلتها متبعه في الحكم الفعلي، لا أدلة العنوان
الأولية، وإن كانت دالة على ثبوت الأحكام لها بنحو الفعلية غير بعيدة. هذا
لو قيل بأن الاستثناء من المخصص المتصل. وأما لو قيل بأنه من المنفصل فلا
اشكال في معارضة مثل دليل الخيار بدليل الشرط، هذا، مع أن العمدة كون
أدلة الخيار مهملة بملاحظة الطواري، كما هو الشأن في جميع أدلة الأحكام،
كما عرفت.
162

قوله (قدس سره): (وأما عن الثالث، فبما عرفت من أن
المتبادر من النص - الخ -).
قد عرفت أن دعوى تبادره، مجازفة، وأن المتبادر هو اقتضاء البيع
مطلقا للخيار، فالصواب في الجواب إن الشرط مانع عن ثبوته، مع وجود
مقتضيه، لا إبطالا له، ولا اسقاطا لما لا يجب، بل معه لا يكاد يتم علته،
فعدمه بعدم العلة، إلا باسقاطه. فافهم.
قوله (قدس سره): (والاحتمال الأول أوفق بعموم (وجوب الوفاء،
بالشرط 1) الدال على وجوب ترتيب آثار الشرط، وهو عدم الفسخ
- الخ -).
لا يخفى أن استدلال بعموم وجوب الوفاء، لعدم نفوذ الفسخ،
لا يكاد يتم إلا بوجه دائر، أو التمسك بالعام فيما اشتبه كون من مصاديقه،
ضرورة أنه لا معنى لوجوب الوفاء بالشرط، مع انحلال البيع، وانفساخه
بالفسخ، فيكون التمسك بالعام بلا احراز عدم تأثيره الفسخ به، يكون تمسكا
به في المصداق المشتبه، ومعه يلزم الدور، لتوقف عدم تأثيره على شموله، وهو
يتوقف على عدم تأثيره، وهو واضح. وأما منذور التصدق ففيما إذا تمكن من
استرداد العين بوجه، بخيار، أو استيهاب، أو غيرهما، فلا مجال لتوهم عدم
نفوذه بيعه، غايته إنه يجب عليه استرداده والتصدق به. وفيما إذا لم يتمكن من
الاسترداد، فالاستدلال بعموم وجوب الوفاء لعدم صحة بيعه، يستلزم أحد
المحذورين، بداهة عدم تعقل الوفاء مع صحته، فالاستدلال بعموم وجوب
الوفاء على عدم صحته، مع احراز عدم الصحة به، يستلزم الدور، وبدونه
تمسك بالعام في المصداق المشتبه. فظهر أن الظاهر هو صحة الفسخ في
المقام، والبيع في منذور التصدق.
نعم لو نذر صدقته بنحو نذر النتيجة، فيكون بيعه فضوليا، لا ينفذ
منه بلا إجازة، ولا يبعد أن يكون منذور بنذر النتيجة، هو مراد من منع عن

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 473
163

نفوذ بيعه. ومن هنا ظهر الحال في شرط الاسقاط. فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (بقي الكلام في أن المشهور، إن تأثير الشرط - الخ -).
ربما يشكل صحة شرط عدم الخيار في السابق، ولو قيل بصحة
الشروط الابتدائية، أو كان في ضمن عقد آخر بأن شرط عدمه يرجع إلى
شرط عدم تأثير العلة التامة لأثرها، فإن البيع مطلقا، وإن لم يكن بعلة تامة
كما عرفت، إلا أن البيع المطلق يكون علة تامة، والبيع حسب الفرض وقع
مطلقا لا مقيدا.
وبالجملة البيع مع هذا الشرط السابق، وقع كما إذا لم يكن شرط
أصلا، كما لا يخفى. وهذا بخلاف ما إذا وقع شروطا بعدم الخيار، فشرط
عدمه في خارجه، لا يوجب تفاوتا في ناحيته.
فإن قلت: نعم، لكنه يستكشف بدليل الشرط أيضا أن البيع
المطلق مقتضي، وليس بعلة تامة.
قلت: أنى لدليل هذا الشرط، هذا الشأن حيث لا يحدث بنفسه
خصوصية موجبة لطرو عنوان آخر عليه، فيحكم بحكم آخر لا يقتضيه بنفسه،
بل يقتضي نقضه أو ضده. ومجرد عنوان كونه مما شرط خارجا عدم الخيار
فيه، ليس مما يلتفت إليه في عناوين الأفعال، وإلا كان باب احتمال منع
ما يطرء عليه من قبيل هذا العنوان، مفتوحا من وجوه لا تعد ولا تحصى،
ولا يجوز سده بالرجوع إلى دليل ثبوت الخيار، إلا إذا قيل بكون مقتضاه فعليا
بملاحظة مثل الوجود المنتزعة من الأمور الخارجية، وحينئذ يقع التعارض بينه
وبين دليل الشرط، ولا شبهة في كونه أظهر. هذا مع قطع النظر عن استثناء
الشرط المخالف للكتاب أو السنة، ومعه فالأمر أوضح، فتدبر. هذا كله
بملاحظة نفس دليل الخيار والشرط، لكن صحيحة مالك بن عطية 1، لا يخلو
من الاشعار، بل الدلالة على نفوذ شرط عدم الخيار في الخارج، والفرق بين
موردها، وما نحن فيه، بكون الشرط في المورد ليس سابقا على ما يوجب الخيار

1 - وسائل الشيعة: 16 / 95 - ب 11 - ح 1.
164

لولاه، بخلاف ما نحن فيه، غير فارق، بعد اشتراكهما في كون الشرط في
خارج السبب، فتأمل.
قوله (قدس سره): (لم يصح لصحة النذر - الخ -).
عدم صحة البيع والشرط بناء على أن النذر المتعلق بالعين، يوجب
عدم تسلط الناذر على التصرفات المنافية له، إنما يكون فيما إذا لم يتمكن من
استرجاع العين باستيهاب، أو شراء، أو نحوهما وإلا فليس شرط سقوط الخيار
بمناف له، كما لا يخفى. لكن قد عرفت أن الأقوى أن النذر لا يوجب ذلك،
وكذلك الشرط.
قوله (قدس سره): (فحوى ما سيجئ من النص الدال - الخ -).
لا يخفى امكان منع الفحوى، فإن السلطنة على أعمال الخيار بايجاب
كفسخه، لا يستلزم السلطنة على أصل الخيار باسقاطه وابقائه بوجه، فضلا
عن الفحوى، كما أن تسلط المالك عن الملك، غير مستلزم لتسلطه على
الملكية بحيث يتمكن من رفع اليد عنها والاعراض عن الملك على القول
بتأثيره، إنما هو من أن حاء السلطنة على نفس الملك لا الملكية، ويكون حاله
حال الأسباب الناقلة، ولو سلم أنه من باب السلطنة على الملكية، فإنما هو
بدليل علي حده، لا بفحوى دليل السلطنة على المال 1، ولذا كان محل الخلاف
والاشكال.
لا يقال: دلالة الاسقاط على الرضاء بالبيع، أقوى من دلالة
التصرف عليه، وقد علل الإمام (عليه السلام) سقوط الخيار بأنه الرضاء 2.
فإنه يقال: إنما الكلام في سقوط الخيار بالاسقاط بنفسه، لا بما هو
كاشف عن أعمال الخيار بالرضا بالبيع، واقراره وإلا لم يكن بمسقط
على حدة، فضلا عن كونه هو المسقط الحقيقي، كما أفاده قدس سره.
وبالجملة، الكلام إنما يكون في أن حق الخيار، أو غيره من الحقوق هل

1 - بحار الأنوار: 2 / 272.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 351 - ب 4 - ح 1.
165

يسقط بالاسقاط أو لا، كما هو الحال في الأحكام، فتفطن.
قوله (قدس سره): (ولعله لفحوى تسلط الناس على أموالهم 1 - الخ -).
لا يخفى أن تسلط الناس على أعيان الأموال ليس إلا لأجل علاقة
الملكية واختصاصها الخاص بهم، وليس بين الأشخاص وحقوقهم اختصاص
أصلا، فضلا عن أن يكون أقوى من ذاك الاختصاص، كي دل دليل
التسلط على الأموال، على التسلط على الحقوق بالفحوى، وإنما يكون الحق
نفسه، هو اعتبار خاص بين ذي الحق ومتعلقة، ويكون بإزاء الملكية لا
الملك، بل لو كان دليل على حدة على تسلط الناس على حقوقهم، لم يكن
بدال على تسلطهم على اسقاطها لما مر منا أن مثل دليل السلطنة، ليس في
مقام تشريع السبب ولا المسبب من التصرفات، بل إنما يكون في مقام اثبات
السلطنة للمالك على ما ثبت جوازه ونفوذه من التصرفات وأسبابها، قبالا
لحجره ولعل وجه القاعدة كون الحق عند العقلاء، اعتبارا خاصا يسقط
باسقاط صاحبه، ولذا صارت مسلمة، ضرورة أنه لو كان الوجه ما ذكره من
الفحوى، لما كانت بهذا التسالم، كما لا يخفى.
وقد انقدح بذلك ما في استدلاله (قدس سره): (بالفحوى المتقدمة على
سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه بإحدى الدلالات العرفية، ولا يخفى ما في
استدلاله عليه بفحوى ما دل على كفاية بعض الأفعال في إجازة عقد
الفضولي من منع الملازمة أصلا، فضلا عن الفحوى، لوضوح تحقق ما هو
الصغرى لما هو الكبرى في الفضولي من صيرورة العقد للمالك وبطيبه
بذلك، وعدم لزومه تحقق السقوط بكل لفظ، كما لا يخفى، وكذا ما في
استدلاله عليه بصدق الاسقاط النافذ، يقتضي ما تقدم من التسلط على
اسقاط الحقوق، من أنه عرفت أن نفوذ الاسقاط بمقتضى تسلط الناس على
الأموال، لو سلم لا يقتضي تحققه بأي لفظ كان، وليس هناك لفظ اسقاط،
كي يدعى صدقه على الاسقاط بكل ما يدل عليه من الألفاظ. نعم لا يبعد

1 - بحار الأنوار: 2 / 272.
166

دعوى القطع بتحققه كذلك بعد الفراغ عن نفوذه، فافهم.
قوله (قدس سره): (وإن اختار الامضاء ففي سقوط خيار الأمر خياره
- الخ -).
لا يخفى أن النزاع على بعض الأقوال يكون صغرويا، وعلى بعضها
يكون كبرويا، فلو كان النزاع في أن هذا الأمر يكون غاية تعبدا لهذا الخيار،
كما في بعض الأخبار من غير نظر إلى دلالته، فالمختار أنه لا يكون غاية بنفسه،
لعدم دليل عليه إلا ذاك البعض من الأخبار، وهو ليس من طرقنا، ولو كان
النزاع في أنه يكون دالا على امضائه وايجابه البيع، فالظاهر أنه يختلف حسب
اختلاف الحالات والمقالات، ضرورة أنه لا دلالة له بنفسه على ذلك،
والمرجع مع الشك، هو أصالة بقاء الخيار.
قوله (قدس سره): (ومنه أنه لو أجاز أحدهما وفسخ الآخر - الخ -).
هذا لو كان الخيار بمعنى ملك فسخ العقد وعدمه، أو كان بمعنى ملك
فسخه وإجازته، لكن من خصوص ذي الخيار بأن يكون إجازته، موجبة للزوم
العقد من طرفه، كما إذا لم يكن له خيار، لا من الطرفين، كما إذا لم يكن
خيار في البين، وإلا كان بين إجازة أحدهما، وفسخ الآخر تعارض، لو كانا
في زمان واحد، وينفذ المقدم منهما لو كانا في زمانين. ومجمل الكلام إنه لو لم
يكن اجماع في المقام، لا يبعد دعوى أن قضية اطلاق دليل الخيار للبيعين، هو
ثبوته لكل منهما، كثبوته للأجنبي في كون ولاية امضاء العقد مطلقا وفسخه
لكل منهما، كما كان له كذلك، كما لا يخفى. اللهم إلا أن يقال: وضوح
كون جعل الخيار لهما للارفاق، يأبى إلا عن كونه بمعنى نفوذ إجازته من طرفه
وفسخه. فافهم.
قوله (قدس سره): (ولا اشكال في سقوط الخيار به ولا في عدم اعتبار
ظهوره في رضاهما بالبيع - الخ -).
هذا ينافي ما يأتي من اعتبار الرضاء بالبيع ودعوته أن المتبادر من
الافتراق ما كان عن رضى بالعقد، كما لا يخفى.
167

قوله (قدس سره): (فإذا حصل الافتراق الإضافي ولو بمساه ارتفع الخيار،
فلا يعتبر الخطوة - الخ -).
قضية اطلاق الافتراق عدم ارتفاع الخيار ما لم يحصل الافتراق المطلق
وبقائه ما دام صدق الاجتماع، بالجملة، فمقتضى الاطلاق كون الغاية
للخيار هو الافتراق المطلق، لا مطلق الافتراق، كي يرتفع بالاضافي، ولو
بمسماه، فلا تكفي الخطوة والخطوتان، بل لا بد مما يصدق معه، أنهما افترقا
بقول مطلق. ولعله وجه أنه مشى (عليه السلام) خطا ولم يقتصر على خطوة
ولا خطوتين 1 فافهم. اللهم إلا أن يدعى قيام الاجماع هي كفاية الخطوة،
وهو كما قوى.
قوله (قدس سره): (فذات الافتراق من المتحرك واتصافها بكونها افتراقا
من الساكن - الخ -).
لا يتصف الحركة بالافتراق، كالسكون أصلا، وإنما هما معا
سبب واحد بحصوله لكل من الساكن والمتحرك بنحو حصوله للآخر، بلا
تفاوت، كما لا يخفى. وبالجملة الافتراق القائم بالاثنين كما يحصل بحركة
كل إلى جانب آخر يحصل بحركة أحدهما، وسكون الآخر من غير فرق بين
الصورتين في عدم اتصاف الحركة به، بل إنما كان حصوله لهما بدخلهما،
فتفطن.
قوله (قدس سره): (ومنه يظهر أنه لا وجه للاستدلال بحديث رفع الحكم عن
المكره 2 للاعتراف بدخول المكره - الخ -).
يمكن أن يقال، إن الاعتراف بذلك لا يمنع عن استدلال بحديث
الرفع في غير هذه الصورة، إذ لعل وجه الاعتراف حسبان أظهرية أدلة قابلية
الاقتران في شمول هذه الصورة من دليل الرفع، وإلا فلا وجه للذهاب إلى
عدم سقوط الخيار في غير الصورة، مع اطلاق ما دل على سقوطه بالافتراق من

1 - وسائل الشيعة: 12 / 347 - ب 2.
2 - وسائل الشيعة: 11 / 295 - ح 1.
168

أخبار الباب. أما صحيحة فضيل 1، فلا وجه للاستدلال بها، لاجمالها لو لم
نقل بظهورها في كون الافتراق بالرضا، كما هو قضية دليل الرفع، مع
احتمال أن يكون المراد بعد الرضا بالعقد بذاك الرضاء المعتبر في صحته،
فيكون على وفق سائر أخبار الباب، بلا دلالة على التقييد، مع أنه بنحو
التفريع على الغاية مع اطلاقها بعيد بلا نهاية.
ودعوى تبادر كون التفرق عن الرضاء بالعقد، مجازفة بعد القطع
بشمول الاطلاق للافتراق إذا كان بالاختيار بلا كره ولا إجبار، ولو كان
مع الغفلة عن البيع أو عن الخيار.
ودعوى خروجه عن الاطلاق والحاقه بالاجماع، كما ترى. وما ادعاه
من تحقق الشهرة، غير محقق لنا، بل يظهر من الجواهر، إن القول بسقط
الافتراق عن الاعتبار بالاكراه بعد كره، حيث نسب اعتبار عدم التمكن
من التخاير إلى جماعة، فراجع. فالأولى الاستدلال بحديث الرفع، فإن تم ما
أشرنا إليه، من أظهرية الأخبار منه في شمولها، لصورة التمكن من التخاير،
وإلا فقضيته عدم الاعتبار بالافتراق عن اكراه مطلقا ولو في هذه الصورة
فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (ومبنى الأقوال على أن افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل
يتوقف - الخ -).
لا يخفى أن مبنى الخلاف، هو الاختلاف في الأنظار فيما يستظهر من
الأخبار، والظاهر منها أن افتراق البيعين جعل غاية لخيار كل منهما، وحيث
إنه قائم بالاثنين، فلا بد من كونه برضا منهما، لما عرفت من تقييده بدليل
الإكراه، فلا يكفي رضاء أحدهما مع اكراه الآخر في سقوط خياره، فضلا عن
سقوط خيارهما، لافتراق كل منهما غاية لخياره، كي يكفي رضاه به في سقوطه،
ولا ينافي ذلك اطلاق ما يستفاد من الرواية الحاكية لفعل الإمام 2 (عليه السلام)

1 - وسائل الشيعة: 12 / 346 - ح 3.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 347 - ب 2.
169

فإن قضيته ليست إلا سقوط الخيار في صورة حصول الافتراق بحركة أحدهما
برضاه، عدم مصاحبته الآخر بلا اكراه ولا اضطرار، حيث لا يكون الافتراق
القائم بها بإكراه منه.
إن قلت: نعم، لكنه كان على حين غفلة منه.
قلت: نعم، لكنه غير مرفوع بحديث الرفع، فإنه ليس أحد التسعة
المرفوعة، ومنه قد انقدح وجه سقوط الخيار فيما فارق أحدهما في حال نوم
الآخر، أو غفلته.
وبالجملة قضية اطلاق الأخبار، وحديث الرفع، هو سقوط خيارهما
فيما إذا حصل الافتراق بينهما، لا بكره واضطرار من أحدهما إليه، ولو كان
على حين غفلتهما، أو غفلة أحدهما، ولو كان المراد من بعد الرضاء في صحيح
الفضيل 1، بعد الرضاء بالافتراق، كان بالمعنى المقابل للاكراه والاضطرار،
وإن أبيت إلا عن كونه بمعنى الطيب، فيكفي منه ما هو ولازم عدم المواظبة
وعدم المبالاة بالمفارقة قبل التخاير، ولا دليل على اعتبار أزيد منه، مع
ما عرفت من منع الظهور الصحيح في التقييد، فتأمل جيدا. ثم إنه وإن كان
لا يبعد مساعدة الاعتبار على بقاء خيار المكره منهما، دون المختار، حيث كان
الخيار لكل منهما على حدة فينبغي أن يكون الغاية لخياره، افتراقه باختياره،
إلا أن ظاهر الأخبار، كما أشرنا إليه، كون افتراقهما غاية لمالهما من الخيار.
فافهم.
قوله (قدس سره): (فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار - الخ -).
ربما يقال بأن الغاية تحصل بزوال الاكراه، حيث يلحق بالافتراق،
الرضاء، حيث إنها ليست إلا الافتراق المقيد بالرضاء، لكنه ليس كذلك،
فإن الظاهر الأخبار، كون الغاية لهذا الخيار، وهو حدوث الافتراق، وبعد
ضم ما دل على اعتبار الرضاء والاختيار، يصير الغاية، هو حدوثه كذلك،
لا مجرد حصوله، ولو ببقائه وعليه يمتنع تحقق ما هو الغاية بعد حدوثه بالكره.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 346 - ب 1 - ح 3.
170

فافهم.
قوله (قدس سره): (ولعله لأنه المقدار الثابت يقينا - الخ -).
لا يخفى كون هذا المقدار متيقنا لا يمنع عن القول بالتراخي،
لاستصحاب الخيار، وإنما المانع عنه كون المتيقن عدم بقائه، فلا وجه لجعله
وجها للقول بالفور، وإنما يكون وجها له فيما صح فيه الرجوع إلى مثل " أوفوا
بالعقود " 1 مع الشك، ومعه لا يبقى مجال للاستصحاب. وبالجملة ما كان
من الخيارات متصلا بالعقد وشك في غايته، فلا بد من الاقتصار على المتيقن
والرجوع إلى مثل " أوفوا بالعقود "، وما لم يكن متصلا بها، فلا بد من
استصحاب الخيار، لا الرجوع إليه، كما نشير إلى وجهه فيما يأتي، فانتظر.
قوله (قدس سره): (وفي منتهى خياره مع عدم بقائه إلى الثلاثة وجوه
- الخ -).
(أحدهما) إلى الثلاثة. (ثانيها) إلى زمان بقائها. (ثالثها) الوجهان
في كل خير لم يظهر حاله من الأول. ولا يخفى أن الأقوى هو الأول، ولا
منافاة بين عدم البقاء لها إلى الثلاثة، وبقاء خيارها إليها والرجوع إلى
" أوفوا " إنما يكون مع الشك وعدم دليل على بقائه، واطلاق ما دل على
الامتداد إلى الثلاثة، دليل عليه. فتفطن.
قوله (قدس سره): (ولعله الأقوى - الخ -).
كيف ذا، مع الاعتراف بأن المترآى من النص والفتوى، هو
الثاني، والحكمة في الخيار لا يضر عدم جريانها فيه، مع أنها ليست إلا
الارفاق بصاحب الحيوان، وهو جار في الكلي. غاية الأمر أنها في المعين
يكون أقوى. فافهم.
قوله (قدس سره): (ويثبت الباقي بعدم القول بالفصل - الخ -).
بل بنفس مثل " أوفوا بالعقود " 1 من دون حاجة إلى عدم القول
بالفصل بناء على ما حققناه وأشرنا إليه عن قريب، من أنه المرجع فيما إذا

1 - المائدة: 1.
171

كان الشك في مقدار استمرار الخيار المتصل بالعقد، لا استصحاب حكم
المخصص، وإنما يكون هو المرجع فيما إذا كان الشك في مقدار الخيار المنفصل
عنه، كما ربما يأتي الإشارة إلى وجهه.
قوله (قدس سره): (وهي أرجح بحسب السند من صحيحة ابن رئاب 1
- الخ -).
لا يخفى أن هذه الصحيحة 2 وإن كانت أرجح لأرجحية راويها،
وكونها في الكتب الأربعة، إلا أن صحيحة ابن رئاب أرجح منها من جهة
موافقتها لغير واحد من الصحاح وغيرها، وليس بينها فرق إلا في الدلالة على
الاختصاص بالظهور والنصوصية، وهو غير فارق في حصول الوثوق بصدور
مضمونه، ومن جهة موافقتها للمشهور بحسب الفتوى. وبالجملة لو لم تكن هذه
الصحيحة أرجح لذلك، فلا أقل من التساوي. ومعه لا بد من التوفيق بينهما.
ولا يأبى صحيحة ابن مسلم 2 عن الحمل على ما إذا كان العوضان حيوانين،
ولعل النكتة لتعرضه (عليه السلام) بخصوص هذه الصورة، هي بيان أن كلا
المتبايعين يمكن أن يكونا بالخيارين. فافهم.
قوله (قدس سره): (مع أن المرجع بعد التكافؤ، عموم أدلة لزوم العقد
بالافتراق - الخ -).
وكذا ما دل على لزومه مطلقا بناء على ما أشرنا إليه، من أنه
المرجع، لا استصحاب حكم المخصص، ولكن لا يخفى أن ذلك فيما إذا لم نقل
بالتخيير مع التكافؤ، بل بالتساقط، وإلا فلا بد من اختيار أحد الخبرين
والعمل على طبقه، كما هو المختار فيما إذا تكافئا، حسبما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (لأن الغلبة قد يكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها
- الخ -).
وذلك لأن بعض مراتب الغلبة، ربما يصير داعيا إلى التعبير على

1 - وسائل الشيعة: 12 / 350 - ب 4 - ح 1.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 349 - ب 3 - ح 3.
172

وفقه، كما في " ربائبكم اللاتي في حجوركم " 1 ولا يكاد يكون موجبا لكون
الأفراد الغالبة، قدرا متيقنا في مقام التخاطب بالمطلق المسوق في مقام
البيان، وبدون ذلك لا يوجب تنزيله عليها، كما هو واضح.
قوله (قدس سره): (من جهة قوة انصرافه إلى المشتري - الخ -).
لا قوة فيه أصلا بعد تعارف ما إذا كان كل من العوضين حيوانا،
كما لا يخفى، مع ما عرفت من أنه قضية التوفيق بين صحيحة محمد بن مسلم،
وبين الصحاح، فلا يبعد المصير إليه، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (والعقد لم يثبت قبل التفرق - الخ -).
لا يخفى أنه لا مجال لأن يقال بالعكس، وأن العقد لم يثبت قبل
الثلاثة، فإنه عليه يلزم أن يكون خيار المجلس كاللغو، واختصاصه بالنادر،
وهو ما إذا لم يفترقا إلى انقضاء الثلاثة، أو سقوط خيار الحيوان بالشرط، أو
بالاسقاط قبل الافتراق. ثم إن المراد الشيخ (قدس سره) من ثبوت العقد،
ثبوته من قبل، غير هذا الخيار، فلا ينافيه عدم الثبوت الناشئ من قبله.
قوله (قدس سره): (وإن اتحدا فكذلك - الخ -).
أي لا بأس بالتعدد بحسب السبب لا المسبب أما لأن الأسباب
معرفات، وإما لأنها مؤثرات غير مستقلة بالتأثير في صورة التوارد، لاستحالة
تأثير كل على استقلال، وكذا أحدها، لبطلان الترجيح بلا مرجح، فلا
محيص عن كونها بجملتها مؤثرة، وعلة تامة واحدة لواحد، وذلك لامتناع
اجتماع فردين من حق لأحد، فإنه وإن كان من الاعتبارات والإضافات،
إلا أنه من الاعتبارات الصحيحة، والإضافات النفس الأمرية، وتشخصها
كسائر المقولات، إنما يكون بالموضوع، فلا يعقل تعددها مع وحدته، لكنه
ربما يشكل هذا، بأن قضية أنه لو أسقط خياره من جهة سقوط خياره رأسا،
فإنه لم يكن له الأخيار واحد وإن تعدد سببه.
اللهم إلا أن يدعى أن له اسقاط ما لأحد الأسباب من الدخل،

1 - النساء: 23.
173

فيستقل الباقي في التأثير في البقاء، فكما كان له ذلك من الأول باشتراط
سقوط أحد الخيارين، فيكون السبب الآخر علة تامة لحدوثه، كان له ذلك
الثابت هو أن الذي الخيار اسقاطه بنفسه، لا إسقاطه سببه وجهته مع بقائه،
والاتفاق عليه لو كان، لا يكاد يكشف في مثله، لاحتمال تخيل بعضهم تعدد
الخيارات بحسب الحقيقة، أو امكان اجتماع الفردين، وعدم الالتفات إلى
استحالته، وامتناع اجتماع فردين من مقولة من المقولات في واحد، ولو
كانت من الإضافات، والاعتبارات، كما عرفت.
قوله (قدس سره): (ولو شرط سقوط بعضه، فقد صرح بعض بالصحة
- الخ -).
لا بأس به إذا شرط سقوط شئ من أوله أو آخره، وأما سقوط
شئ من وسطه بحيث يبقى طرفاه فلا يكاد يكون إلا إذا كان الخيار بحسب
امتداده حقوقا متعددة، لاحقا واحدا، وإضافة خاصة مستمرة، كالملكية،
والزوجية، وإلا فلا بد من سقوطه بتمامه، وبسقوط وسطه، ضرورة أنه إذا
تخلل العدم مثلا باسقاطه في اليوم الثاني، لا موجب له في اليوم الثالث، فإن
ما أوجبه العقد من شخص الخيار، قد انعدم، والخيار في الثالث لو وجد
لكان شخصا آخر، لا ما كان بالعقد، وانعدم بالاسقاط، لاستحالة إعادة
المعدوم، مع أنه على تقدر امكانه محتاج إلى المعيد، ولا دليل على كون العقد
بمعيد، كما لا دليل على كونه موجبا لخيار، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (هو في غاية الاشكال، لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ
الحدث وعدم دلالة ذلك على الرضاء - الخ -).
مع أن ظاهر الأخبار، أنها ليست بصدد جعل الحديث، رضا بالبيع
تعبدا، كما أن الظاهر أن الرضاء المستكشف بالحدث الذي أحدثه، ليس
إلا ما هو أحد طرفي التخاير، لا أمر آخر، جعل تعبدا مسقطا للخيار، وذلك
لأنه ليس إلا الرضاء بالعمل على طبق العقد، وترتيب الأثر على وفقه، ومن
الواضح أن مثل التقبيل واللمس، إذا لم يكن عن غفلة واختيار، كما هو كذلك
174

يكون مرادا في الأخبار ظاهرا ملازم عادة لهذا الرضاء، فلا محالة يكون
كاشفا عنه، وحمله عليه إنما يكون لأجل ذلك، لما بين الكاشف، وما هو
كاشف عنه نحو من الاتحاد.
وبالجملة، دعوى ظهور الأخبار في كون الرضاء، هو أحد طرفي
التخاير، كدعوى كون مثل التقبيل فيما إذا لم يكن هناك غفلة أو اختيارا،
ملازما عادة للرضاء بالعقد، ليست بمجازفة، ضرورة أن سياقها أب عن
كونها بصدد جعل شئ مسقطا للخيار، على خلاف ما هو قضية التخاير،
لولاه، أو جعل شئ أمارة تعبدية على تحقق ما لا يبقى معه الخيار على وقفه
لو كان، فلا بد فيما لا يلازم الرضاء بهذا المعنى من الحكم ببقاء الخيار.
ومن هنا يظهر أن النظر إلى الجارية إذا كان للاختيار، ولو كان إلى
ما يجوز النظر إليه لغير السيد، ليس بمسقط للخيار، ولا يعمه اطلاق الحدث في
الأخبار، لما عرفت من الانسباق إلى ما إذا كان الاحداث لا للاختبار، ولا
مع الغفلة عن العقد. ثم لا يخفى أنه لا يبعد دعوى انسباق هذا من اطلاق ساير
الأخبار، وأنها إنما تكون بصدد بيان أن التصرف فيما إذا كان من جهة
العمل على وفق العقد يكون مسقطا من جهة أنه التزم بالعقد ورضاء به، كما
صرح به في صحيحة ابن رئاب 1، وحيث قد عرفت أن هذه الصحيحة،
ظاهرة في أن الرضاء بالمعنى المتقدم لما كان أخذا بالخيار، كان مسقطا له،
لا أنه مسقط تعبدا، ظهر أنه لا مجال لتوهم أن مجرد الرضاء بالعقد، والعمل
على طبقه في الجملة، لا يكون أحد طرفي التخاير ما لم يكن رضا والتزاما به
مطلقا، وأنه يكفي فيه، وفي سقوط الخيار به، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (إلا أن المستفاد من تتبع الفتاوى، الاجماع على عدم
إناطة الحكم - الخ -).
لو سلم اتفاق فتاويهم على ذلك لكان تحصيل الاجماع منه ممنوعا،
لوضوح أن منشأه، ليس إلا ما استظهروا من هذه الأخبار.
إن قلت: نعم، ولكن اتفاقهم يكشف عن الظفر باحتفافها بما
يكون معها ظاهرة فيما اتفقوا عليه.
175

قلت: ليس ظهورها في خلاف ما صاروا إليه بمثابة لا يكون
مصيرهم إليه، إلا بذلك، وبدون ذلك لا يكشف عنه، كما لا يخفى. هذا، مع
أن الظاهر من الرضاء في كلمات أصحابنا الأخيار كما في الأخبار، هو
الرضاء الفعلي، لا النوعي، ضرورة أنه ليس بالرضاء، فلا وجه لتعين المعنى
الثالث، بل المتيقن هو المعنى الرابع، وعليه فالمدار على الرضاء الفعلي، وإن لم
يكن تصرفه بكاشف نوعا، فيكون أمرا لجارية بغلق الباب ونحوه، من جهة
الرضاء بالشراء، وأنها ملكه مسقطا، وليس النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه
منها، إلا لمالكها إذا كان للاختيار، والغفلة بمسقط واقعا. وربما يوفق بذلك
بين كلمات الأعلام في المقام، فتأمل.
قوله (قدس سره): (لصيرورة المعاملة غررية - الخ -).
لأنها مقيدة بشرطه، فيوجب جهالته الغرر فيها. نعم لو لم يكن مقيدة
به، بل كان الشرط في ضمنها من دون أن يكون قيدا لها، لا يكون جهالته
موجبة له، ولعل الاستدلال بأن اشتراط المدة المجهولة مخالف الكتاب
والسنة، لأنه غرور ناظر إلى ذلك، فلا يرد عليه ما أورده عليه، وإن كان يرد
عليه أن جهالته حينئذ، لا يوجب الغرر في المعاملة أصلا، كما لا يخفى،
ويكون شرط الخيار فيه في ضمنه، كشرط الخيار فيه في ضمن عقد آخر.
فتدبر.
قوله (قدس سره): (وبين عدم ذكر المدة أصلا كأن يقول بعتك
- الخ -).
هذا، مع إرادة مدة معينة واقعا، أو غير معينه. وأما إذا كان المراد
ثبوت الخيار في العقد بلا غاية ومطلقا، بأن يكون العقد بالشرط عقدا جائزا
مطلقا إلى أن يسقط الخيار بأحد المسقطات، فالمنع عن كون ذلك غرريا،
مجال واسع، ضرورة أنه لا خطر فيما أقدما عليه من العقد الخياري كذلك
أصلا، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (فإن اختلفوا في الفسخ والإجازة قدم الفاسخ
- الخ -).
176

هذا مبني على أن يكون الخيار ملك الفسخ. وأما بناء على أن يكون
ملك الفسخ والامضاء، فلا يقدم إلا ما تقدم، ويكون مرجع الإجازة إلى
انفاذ العقد وامضائه، لا إلى اسقاط خيار المجيز.
لا يقال مرجعه حينئذ ولو كان إلى امضاء العقد وانفاذه، إلا أنه
من طرفه، فيصير لازما من جانبه، كما إذا لم يكن له خيار لا من الآخر، كما
إذا لم يكن خيار أصلا.
لأنا نقول: إجازة العقد، إنما يكون امضاء من طرف المجيز فيها كان
الخيار للمتعاقدين شرعا، أو بجعلها شرطا، فإن الظاهر من اطلاق دليل
الخيار، أو شرطه هو ذلك، بخلاف ما إذا جعل بالشرط للأجنبيين، فإن
الظاهر هو جعل ولاية فسخ العقد، وامضائه مطلقا لكل منهما وبالجملة،
المتبع في امضائه مطلقا، أو الامضاء من خصوص طرفه هو الشرط مطلقا، إلا
أن الظاهر من الاطلاق فيما إذا جعل الخيار للمتعاقدين، هو اختيار كل منهما
للفسخ والامضاء من طرفه، بخلاف ما إذا جعل للأجنبيين، فإن الظاهر منه
اختيار الفسخ والامضاء المطلق فتأمل، ولكن من الممكن جعل خلاف ما
هو قضية الاطلاق والدلالة عليه فافهم.
قوله (قدس سره): (عدا الرابع فإن فيه اشكالا - الخ -).
وعدا الأول فإن فيه أيضا اشكالا من جهة أن تحديد مبدء الخيار
بالرد موجب لجهالة مدة الخيار، كما يأتي في كلامه - ره -، لكن لا وجه
للاشكال من جهة واحد منهما. أما الاشكال في الرابع فلأن نفس الشرط من
الأسباب، كما هو قضية دليله. واحتمال أن يكون الانفساخ مما لا بد فيه،
من سبب خاص كالزوجية، مدفوع بعموم دليله.
(وتوهم) أنه لا مجال للرجوع إليه بعد تخصيصه بما خالف السنة،
مع احتمال كونه على خلافها، وليس إلا من باب الرجوع إلى العموم، في
الشبهات المصداقية. (مندفع) بأن ذلك فيما لو لم يكن في البين استصحاب
عدم كون هذا الشرط مما لم يرد على خلافه السنة، فإن احراز هذا
بالاستصحاب يكفي، فإنه مما بقي تحت العموم، فتأمل جيدا.
177

وأما الاشكال في الأول، فلأن الجهالة في مدة الخيار، لا ضرر فيه،
إلا من جهة الغرر ولا غرر أصلا فيما إذا كان منشاء الخيار في المدة المعينة
بيده، بحيث يكون له في أي جزء منها شاء احداثه وانشائه، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ويحتمل العدم بناء على اشتراط الرد بمنزلة اشتراط
القبض - الخ -).
حيث لا يكاد يكون رد بلا قبض، ففي صورة عدم القبض، لا خيار
حيث لا رد، لكن لا يخفى أن هذا الترديد والاحتمال، إنما هو لأجل عدم
احراز ما هو الشرط، وأنه جعل الخيار بشرط الرد مطلقا، أو بشرط القبض،
ولا اشكال مع احراز ما هو الشرط في الحكم أصلا، ومع عدم الاحراز، فلا بد
من الاقتصار على المتيقن من الخيار بعد الرد، فافهم.
قوله (قدس سره): (على اشكال في الأخير من حيث اقتضاء - الخ -).
إنما الاشكال فيما إذا كان الشرط منحلا إلى شرط الخيار برد ما يعم
البدل، وشرط تملك المبيع بعوض البدل فيما إذا رده التمكن من العين،
وأما إذا لم يكن هناك إلا شرط واحد، وهو الخيار بالرد، ولو في هذه الصورة.
فلا اشكال في تحقق الخيار برد البدل، ولو مع بقاء العين، وإن كان قضية
الفسخ حينئذ ارتجاع العين، بل لا اشكال على تقدير الانحلال إلى شرطين
أيضا إلا أن يكون الاشكال من جهة عدم احراز ذلك الانحلال، فتأمل
جيدا.
قوله (قدس سره): (ولعل منشاء الظهور أن هذا القسم - الخ -).
لا ريب في أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ على الوجهين الأولين،
لتأخر نفوذ فسخه وسلطنته عليه من الرد بمرتبة أو مرتبتين، فكيف يصير
فسخا، ولو علم أنه قصده به، وكذا على الوجه الأخير، لعدم سلطنته على
الفسخ مطلقا، كما لا ريب في حصول الفسخ أو الانفساخ على الوجهين
الأخيرين. ومن هنا ظهر أن عدم كفاية في الفسخ، إنما يكون لأجل عدم
السلطنة على الفسخ ما لم يتحقق، لا لأجل عدم دلالته عليه.
فانقدح بذلك ما في التعليل بعدم الدلالة، وفيما أورده عليه (ره) بعد
178

تحسينه، مع عدم الدلالة بقوله (ره) " وأما لو فرض الدلالة عرفا - إلى قوله -
فلا وجه لعدم الكفاية حينئذ - الخ - "، لما عرفت من أن الوجه فيه، عدم
السلطنة على الفسخ بعد، لا عدم الدلالة، فلا ينافي اعترافهم بتحققه بما هو
أخفى، وذهابهم إلى عدم الكفاية، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (بل وعلى الوجه الأول بناء على أن تحقق السبب، وهو
العقد كاف - الخ -).
في كفايته اشكال، حيث إنه لا دليل على الاسقاط، مع أنه خلاف
الأصل، والثابت إنما هو اسقاط نفس الحق لا سببه. وكون سببه بيده،
لا يقتضي أزيد من أنه يكون مختارا في إيجاده وعدمه، لا مختارا في تأثيره، كي
لا يؤثر إذا أسقطه، فافهم.
قوله (قدس سره): (ولو ظهر معيبا كفى في الرد والاستبدال - الخ -).
لا يكفي إلا إذا كان هناك تصريح أو اطلاق يعمه، ومجرد الاطلاق
غير كاف لانصرافه إلى الصحيح، كما هو واضح.
قوله (قدس سره): (إذا لا منافاة بين فسخ العقد وصحة هذا التصرف
واستمراره - الخ -).
لا يخفى أن قضية الفسخ رجوع ما أعطاه، وفاء بما عليه من الثمن
الكلي، كرجوع الثمن العيني، ولا يصح التصرف فيه بعد الفسخ، إلا بسبب
آخر حادث، فيكون تصرف ذي الخيار فيه منافيا للفسخ. نعم في خصوص
هذا الخيار، غير كاشف عن الرضاء لما أفاده (قدس سره) من تواطئ
المتعاقدين، أو العلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف في الثمن، وقد مر أن
التصرف إنما يكون مسقطا فيما يكون كاشفا وملازما للرضاء لا مطلقا تعبدا،
فتدبر.
قوله (قدس سره): (والظاهر عدم الاشكال في جواز إسقاط الخيار قولا قبل
الرد - الخ -).
قد عرفت الاشكال فيه، فيما إذا توقف حدوث الخيار على الرد، كما
في الوجه الأول، وهو يصرح به.
179

قوله (قدس سره): (ففيه إنها لا يقدح مع تحديد زمان التسلط على الرد
- الخ -).
لما عرفت من أنها منه لا يوجب الغرر، والفرق بين هذا المقام، وما
إذا جعل الخيار من حين التفرق، هو جهالة مبدء الخيار بنفسه وسببه بحسب
جعلهما في الثاني، فيكون فيه الغرر، بخلاف المقام، فإن أمر سببه بيده من
حين العقد، فلا غرر، فافهم.
قوله (قدس سره): (ويحتمل عدم الخيار بناء على أن مورد هذا الخيار
- الخ -).
لا يخفى أنه لا يكاد يكون اختلاف الحكم بثبوت الخيار وبعدمه في
مثله، إلا من جهة الاختلاف فيما شرطاه، فلا اشكال فبقاء الخيار مع
التلف، فيما إذا لم يشترط البقاء، كما لا اشكال في عدمه معه، فيما إذا شرط،
والمرجع في تعيين الاشتراط، هو الظهور لو كان، ومع عدمه فالمتبع هو أصالة
الاطلاق وعدم الاشتراط. ومن هنا ظهر أنه لا وجه لاحتمال الخيار، مع
استظهار الاشتراط، إلا بلحاظ الواقع وعدم إصابة الظهور له. فتفطن.
قوله (قدس سره): (وإنما المخالف لها هي قاعدة - الخ -).
فإن قضيتها كون التلف من البايع الذي يكون مالكا للنماء
بالاجماع، لكنه إذا كان المراد منها، أن الخراج، إنما يكون بإزاء ضمان العين
أو سببه، كما هو مذهب أبي حنيفة، ويحتمل قريبا أن يكون المراد منها، أن
الخراج يكون مضمونا كالعين، أو أنه يكون بمقدار ضمانه، وبحسب تعهده
كما وكيفا. ويؤيد ذلك، أنه لم يكد يوجد مورد حكم بمضمونها بذاك
المعنى، والمنافع في العارية المضمونة، ليست بسبب الضمان أو بإزائه، كما
لا يخفى.
قوله (قدس سره): (لأن الظاهر من الرد إلى المشتري حصوله عنده
- الخ -).
أي الظاهر من إطلاق الرد إلى المشتري، وعدم التصريح بإرادة
خصوصه، هو إرادة الوصول إليه، بنفسه، أو بوليه، أو وكلية، ويكون وضوح
180

الغرض قرينة على الغاء خصوصية المشتريئية وأن المراد من لفظ المشتري،
من يعمه، ومن يقوم مقامه، وإلا فمجرد ظهور أن الغرض ذلك ما لم يصر قرينة
موجبة لظهور اللفظ في العموم، غير مجد، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (وفي جواز اشتراط رد بدله مع التمكن من العين، اشكال
- الخ -).
لا إشكال في جواز هذا الاشتراط وصحته، وكفاية رد البدل في
حدوث الخيار غاية الأمر أن قضية الفسخ، هو رجوع العين بنفسها، فيرد
البدل، ولا منافاة أصلا بين قضيتهما، كما هو أوضح من أن
يخفى.
قوله (قدس سره): (فلا معنى لدخول خيار الشرط فيه - الخ -).
فإنه لغو وبلا طائل، حيث إنه شرط أمر حاصل، لكنه إذا كان
الجواز فيها، بمعنى جواز فسخها، لا جواز رفع الأثر الحاصل بها، وإلا لا يكون
بحاصل، كما لا يبعد أن يكون كذلك الجواز في الهبة، والوكالة، ونحوهما، فإن
غاية ما يكون فيها، عزل الوكيل، واسترجاع العين في الهبة، والوديعة،
والعارية، لا جواز فسخ عقدها الحاصل بالخيار.
لا يقال: إنه بذلك لا يخرج عن اللغوية، فإنه يكفي في الخروج تمكنه
به عن الفسخ، حيث إنه ربما يلجأ إليه، فيما إذا لم يجز له الرجوع لنذر و
شبهه اشكال، ودفع.
ربما يقال، هذا بناء على أن الخيار، هو ملك الفسخ، وأما بناء على أنه
ملك الامضاء والفسخ، فلا معنى لامضائه، مع جوازه ذاتا ولو بذلك
المعنى.
لكنه يقال: إن جوازه كذلك، لا ينافي لزومه، ورفع تزلزله الناشئ
من قبل شرط الخيار، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (فالأولى الاستدلال عليه، مضافا إلى امكان منع صدق
الشرط - الخ -).
يمكن أن يقال، إنه لا يعتبر في نفوذ الشرط وصحته، مشروعية
ما شرط، بل يكفي كون مما صح اعتباره عقلا، ونقد اشتراطه عرفا، ضرورة
181

شمول " المؤمنون عند شروطهم " 1 له، بتخصيص الشروط بما صح
اشتراطه لدى العرف. وبالجملة يكون مثله دليلا على امضاء الشارع، لما
يكون عرفا ماضيا، وإن لم يعهد منه امضائه بالخصوص، فافهم. نعم لا يبعد
أن يقال: إن الايقاعات لم يعهد من العرف انحلالها، ونقض آثارها بعد
وقوعها، حتى يصح اشتراط ذلك فيما.
قوله (قدس سره): (وعدم مشروعية التقابل فيه - الخ -).
لا يخفى أنه يكفي مشروعية الخيار فيه بالعيب في صحة شرطه شرعا،
بل قد عرفت في الحاشية السابقة، كفاية صحة اعتباره عقلا، ونفوذ اشتراطه
عرفا في شمول العموم له، وإن لم يعهد من الشارع امضائه بالخصوص،
فينحصر الوجه في عدم دخول الخيار في النكاح بالاجماع إن تم، وإلا فقضية
العموم دخوله فيه، فافهم.
قوله (قدس سره): (والأظهر بحسب القواعد إناطة دخول خيار الشرط
بصحة التقابل - الخ -).
لا يخفى أن صحة التقابل لا يجدي في دخول الشرط في العقد، إذا
كان اللزوم حكمه ذاتا فإن شرط الخيار معه، يكون منافيا لما هو قضية
العقد، ولا يعتبر فيه إذا كان حكمه اطلاقا، فإنه معه، لا يكون مخالفا لمقتضاه،
ولا يكون داخلا فيما حرم الحلال أو حلل الحرام، فيكون باقيا تحت العام،
فينفذ بلا كلام، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ولو أبدل - قدس سره - هذه الآية 2 بقوله تعالى " ولا
تأكلوا أموالكم بالباطل 3 " كان أولى - الخ -).
لا يخفى أنه لا وجه للأولوية أصلا، ضرورة الآية تدل على بطلان
ما يعد الأكل معه في العرف، أكلا بالباطل، والمهم هو نفوذ فسخ ما يكون

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 473.
2 - النساء: 29.
3 - البقرة: 189.
182

صحيحا، وجواز ابطاله، فكيف يصح الاستدلال بها على المرام في المقام
وحرمة الأكل بعد الفسخ فيما نقد شرعا، ليس من باب الأكل بالباطل عرفاء
بل من جهة نفوذ الفسخ في الصحيح شرعا، فلا يكون الأكل بعد نفوذ الفسخ
داخلا فيما نهي عنه أيضا، وإن كان حراما.
وبالجملة حرمة الأكل بالسبب الباطل، غير الحرمة بعد إبطال
السبب الصحيح وانحلاله. وانقد بذلك ما فيما أفاده (قدس سره) بقوله
" ومقتضى الآية وإن كان حرمة الأكل - الخ - "، كما انقدح أنه
لا معارضة بينها وبين قوله تعالى " إلا أن تجارة " 1 كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ولكن يمكن الخدشة في ذلك، بأن انتفاء اللزوم وثبوت
التزلزل في العقد، لا يستلزم ثبوت الخيار في العقد - الخ -).
هذا إذا كان المرفوع بحديث (لا ضرر) 2 الحكم الناشئ منه الضرر.
وأما إذا كان المرفوع ما كان للضرر من الحكم، مع قطع النظر عن هذا
الحديث، كما استظهرناه في البحث، وفيما علقناه على البراءة، كان المرفوع في
المعاملة الغبنية، وجوب الوفاء بها، وهو يستلزم جوازها، كما لا يخفى. نعم
لا يستلزم ثبوت الخيار، ضرورة أن عدم وجوب الوفاء عليه، لا يقتضي ثبوت
حق له، يسقطه ويصالح عنه، كما هو واضح، مع أنه لو شك في حدوث
الحق، فالمتبع هو أصالة عدم سقوطه بالاسقاط بعد تساقط أصالة عدم حدوثه
بالمعارضة، مع أصالة حدوث الجواز فافهم.
قوله (قدس سره): (ثم إن المعتبر الصحة حال العقد - الخ -).
من غير فرق في ذلك بين اعتبار ظهور الغبن في حصول الخيار شرعا،
وبين اعتبار فيه، وكونه كاشفا عنه عقلا، وهذا واضح.
قوله (قدس سره): (الأمر الثاني، كون التفاوت فاحشا، فالواحد بل
الاثنان - الخ -).

1 - النساء: 29.
2 - وسائل الشيعة: 17 / 340 - ب 12 - ح 3.
183

اعتبار واضح، لو كان الدليل على الخيار بالغبن، هو الاجماع،
اقتصارا على القدر المتيقن من معقده، وأما لو كان الدليل عليه، قاعدة نفي
الضرر والضرار، فلا وجه لاعتباره وإنما المعتبر هو أن لا يكون الضرر بسببه
قليلا جدا، بحيث ينصرف عن مثله لا ضرر، ولا يكون مما يتعارف اقدام
المتعاملين عليه في هذه المعاملة، كي لا يعمه، بقرينة وروده في مقام الامتنان
المنافي لنفي الضرر، مع الاقدام، فالضرر الحادث بالغبن إذا لم يكن قليلا
كذلك، ولا مما يقدم عليه في مثل هذه المعاملة، يوجب الخيار، ولو لم يكن
كذلك، ولا يوجبه إذا كان قليلا، أو مما يقدم عليه وإن كان فاحشا
بالإضافة إلى المعاملة التي وقع فيها الغبن، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه ويحتمل الرجوع
- الخ -).
لكنه ضعيف، فإن المخصص لأصالة، أو الحاكم عليه هو (لا ضرر
ولا ضرار) وهو يعم كلما لم يعلم عليه الاقدام، لا يقال إنه تمسك بالعام في
الشبهة المصداقية لخروج ما عليه الاقدام فإنه لا ضير فيه فيما إذا كان المخصص
لبيا كما في المقام، فإن العقل يخصصه بما إذا لم يكن هناك اقدام بملاحظة أنه
سيق في مقام الامتنان.
فإن قلت: نعم لكنه إذا لم يكن متصلا بالعام، وإلا فلا يجز التمسك
فيه أيضا.
قلت: نعم، إذا كان متصلا به، بحيث لا ينعقد للعام معه ظهور، إلا
في الباقي، وليس كذلك في المقام، فإن حكم العقل بالاختصاص بما لا اقدام
عليه من الضرر، ليس إلا كحكمه بعدم جوازه لعن المؤمن، ولو كان من
بني أمية، بالإضافة إلى ما دل على جواز لعنهم قاطبة. فافهم.
قوله (قدس سره): (بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من الأجر
- الخ -).
لا يخفى أن ملاحظة ما بإزائه في الآخرة، لا يخرجه عن الضرر، بل
يكون من أحل تحمله، إطاعة للآمر به وحديث (لا ضرر) 1 ظاهر في نفي ما

1 - وسائل الشيعة: 17 / 340 - ب 12 - ح 3.
184

للضرر الدنيوي من الحكم باطلاق دليله، از عمومه على ما استظهرناه، أو في
نفي الحكم الناشئ من قبله الضرر، على ما استظهره (قدس سره): (، فراجع
كلامه، وما علقناه عليه.
قوله (قدس سره): (فظاهر عبارة المبسوط والغنية والشرايع - الخ -).
كان من أهل الخبرة لم يكن له رده - الخ - " 1. وقال في الشرايع: " من
اشترى شيئا ولم يكن أهل الخبرة وظهر فيه غبن، لم يجر العادة بالتغابن فيه
- الخ - " 2. وأنت خبير بعدم ظهور العبارتين في اشتراط الظهور شرطا، لو لم
نقل ظهورهما في كون الشرط نفس الغبن، لتعارف التعبير بمثل بان، وظهر،
في مقام تحقق ما هو الموضوع المكشوف بلا دخل للكشف فيه أصلا.
قوله (قدس سره): (فإن ظاهره حدوث الخيار بعد دخول السوق - الخ - 3
يمكن منع دلالته أيضا، بل يكون التعليق بلحاظ أن الدخول سبب
تبين الخيار بعد الفراغ، عن أنه ليس شرط حصوله، ضرورة أن شرطه هو
الغبن أو ظهوره. وبالجملة دخول السوق على كل حال. ليس بنفسه شرط
حصول الخيار، ووقته كما هو ظاهر اللفظ، بل هو سبب تبين الخيار بالغبن،
أو سبب تبينه بظهور الغبن به.
قوله (قدس سره): (فلا يحدث إلا بعد ظهور الغبن - الخ -).
لا يخفى أن فعلية السلطنة غير متوقفة على العلم بالغبن، بناء على عدم
الاشتراط، فلو فسخ قبله اقتراحا نفذ واقعا وليس الجهل هيهنا دافعا
للفعلية، كما في الأحكام التكليفية. نعم معه غالبا لا يتخاير ولا يفسخ، كما
هو الحال في الجاهل بحكمه، وبحكم ساير الخيارات، والسقوط بالتصرف

1 - المبسوط 2 / 87.
2 - شرايع الإسلام - 2 / 22.
3 - وفي المصدر: فإن ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب.
185

الكاشف عن الرضاء والامضاء، لا يختص بما بعد الظهور، بل لو فرض أنه
يكشف عنه قبله، لأسقطه، وما ليس بكاشف عنه، لا يسقطه، ولو كان
بعده، غاية الأمر اختلاف التصرفات في الكشف وعدمه بعد الظهور وقبله،
فافهم.
والظاهر أن حال التلف قبل الظهور بناء على ثبوت الخيار بنفس
الغبن، ليس إلا كما في ساير الخيارات، مع الجهل بها، بناء على عموم قاعدة
التلف في زمان الخيار لمثل هذا الخيار، كما أن الظاهر أن المنع من التصرفات
الناقلة في زمن الخيار واقعا يدور مدار ثبوته كذلك. وحكم بعض من منع
من التصرفات في زمان الخيار يمضي التصرفات من الغابن قبل علم المغبون، لا
دلالة له أصلا على كون المنع، إنما هو لأجل السلطنة الفعلية، لقوة احتمال
أن يكون ممن يقول بالاشتراط حقيقة، أو من لا يرى بحدوث حق الخيار
مطلقا، وإنما كان الغبن عنده موجبا لجواز فسخ العقد، أو جواز الرد، بلا حق
يمنع التصرفات، أو غير ذلك. فالأولى أن يقال في بيان الارجاع: إن ادراج
مثل لفظ الظهور في بعض الكلمات، إنما هو كشفا وحكاية، لا سببا
وموضوعا كما أشرنا إليه في رواية تلقي الركبان، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (وظاهره ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب
- الخ -).
وإلا لم يقيد العيب بقبلية العلم، فإن التقييد بدون ذلك غير مفيد،
فإن العيب الحادث، بناء على ثبوت الخيار مطلقا، غير مضمون على المشتري
أصلا، فلا يمنع عن الرد بالتدليس مطلقا، قبل العلم، أو بعده، لكنه إنما يفيد
ذلك، لو كانت قاعدة التلف في زمن الخيار، شاملة لخيار العيب، إذ لولاه
لكان العيب الحادث مضمونا على المشتري، ولو قيل بثبوت الخيار له من
قبل، ولم يكن وجه للتقييد، كما أفاده - ره - في جامع المقاصد، ولا يقبل
ما ذكره بقوله " إلا أن يقال " فافهم.

1 - كما في وسائل الشيعة: 12 / 326 - ب 36
186

قوله (قدس سره): (اشكال في صحة اسقاطه بلا عوض مع العلم
- الخ -).
هذا، إذا كان الحادث بالغبن حق الخيار، وإنما إذا كان الحكم
بجواز الرد والاسترداد، أو الفسخ، كما هو قضية قاعدة نفي الضرر والضرار،
حسبما تقدمت إليه الإشارة، فلا اشكال في عدم صحته وعدم سقوطه
بالاسقاط فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ففي السقوط وجهان من عدم طيب نفسه - الخ -).
بل كان بطيب نفسه فيما إذا لم يكن خطائه إلا من باب تخلف
الدواعي كما أنه لا اسقاط أصلا إذا لم يكن من هذا الباب، ولا يخفى أن
هذا يختلف باختلاف الأشخاص، والأحوال، والتفاوتات، فلا بد من
الاحراز في الحكم بالسقوط وعدمه، ومع الاختلاف فالمتبع هو ظهور اللفظ بما
حفت به من القرائن الحالية والمقالية لو كان، وإلا فالأصل هو عدم السقوط.
ومن هنا ظهر حال الصلح عن الغبن، فيما إذا هو أزيد مما زعمه،
وإن صحته وبطلانه يدوران مدار أن خطأه من أي باب، فيكون صحيحا
با ارتياب إذا كان من باب تخلف الدواعي، وفاسدا إذا كان من غير هذا
الباب، ضرورة أنه صلحه عما ليس واقع، ولا صلح عما هو الواقع. فانقدح
بذلك ما في كلامه، زيد في علو مقامه.
قوله (قدس سره): (ضرورة أنه كما كان التفاوت المحتمل أزيد ببدل
- الخ -).
لا يخفى أن بدل المال مع الجهل بالحال، إنما يختلف زيادة ونقيصة
بحسب الاحتمال، لا بحسب الواقع، وأن المدار في حصول الغبن في الصلح
عنه، هو ملاحظة أنه مع احتمال هذا المقدار من الغبن أي مقدار من المال
يبذل بإزاء الصلح عنه وأنه وقع بذاك المقدار أو بالأقل، وذلك لضرورة أنه
لا بد أن يلحظ في معرفة الغبن في المعاملة وعدمه، أنها وقعت بمقدار ما يبذل
بإزائه غالب المتعاملين من المال أولا، فلا بد في حصول الغبن وعدمه في
الصلح عنه مع الجهل بمقداره، أن المبذول بقدر ما يبذله الغالب مع الجهل
187

به، واحتمال أنه بمقدار كذا، أو لم يكن بذاك المقدار.
قوله (قدس سره): (إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار
- الخ -).
ربما يشكل بأن اسقاط المسبب بمجرد سببه قبل الشرط مساوق لئلا
يكون السبب بعد الشرط مؤثرا، أوليس هذا مما يرجع إليه، كي يقدر عليه،
وإلا فمجرد في السبب، غير قادح، ولو قيل بقدح التعليق، حيث
لا تعليق في السبب، فإن المفروض أنه ينشأ الاسقاط بداعي احتمال
السبب، كما ينشأه بداعي الجزم به، فيؤثره لو كان، وإلا فكان لغوا، فلا
تعليق أصلا في السبب. فتوهم أنه قادح فيدفع بأنه غير قادح هيهنا، فإن
الممنوع منه هو التعليق على ما لا يتوقف تحقق مفهوم الانشاء عليه، كما أفاده
- قدس سره - ولكن مراده من مفهوم الانشاء هو ما يتسبب به إليه،
لا معناه، فإنه لا يكاد يتوقف على شئ مطلقا أصلا، لامكان انشاء أي معنى
كان، فافهم.
قوله (قدس سره): (فإنه لا بد من وقوع شئ بإزائه وهو غير معلوم
- الخ -).
يمكن أن يقال بأن العوض مثل هذا الصلح إنما يكون بإزاء نفس
الصلح، لا بإزاء المصالح عنه المجهول.
لا يقال: إن نفس الصلح عنه غير قابل لأن يقع بإزاء العوض ما لم
يكن المصالح عنه ثابتا في الواقع، وإلا كان في غير محله ولغوا.
فإنه يقال: إن الصلح مع الجهل بالحال مما يرغب فيه العقلاء
حيث يرتب عليه خروج المعاملة عن المعرضية للجواز بظهور الغبن، فافهم.
قوله (قدس سره): (وهو اطلاق بعض معاقد الاجماع، بأن تصرف ذي
الخيار - الخ -).
إنما دل الاطلاق والعلة على السقوط بالتصرف، إذا كان الثابت
بالغبن، حق الخيار، لا مجرد الحكم بالجواز، كما مرت إليه الإشارة، ومع الشك
يستصحب جواز الرد الثابت سابقا على كل تقدير.
188

لا يقال: هب أن الثابت بقاعدة نفي الضرر ليس إلا الحكم بالجواز،
وهو مما لا يسقط بمسقطات الخيارات، إلا أنه كما لا يجري مع الاقدام عليه،
فكذلك لا يجري مع الرضاء به بعده.
فإنه يقال، لا حاجة إلى جريان نفي الضرر ثانيا، كي يقال بأنه
لا يجري، بل يكفي جريانه أولا في ثبوت الجواز الباقي بعد الرضاء اطلاقا، أو
استصحابا، بناء على ثبوت الخيار بعد ظهور الغبن، وأما بناء على ثبوته من
حين العقد، فالمرجع هو اطلاق " أوفوا بالعقود " 1 لو لم يكن هناك اطلاق
لدليل الخيار، كما أشرنا إليه غير مرة. ومنه انقدح حال الاجماع، ولذا استدرك
(قدس سره) إن الشك في الرفع، لا في الدفع، بعد بيان عدم مساعدة ما هو
دليل الخيار من نفي الضرر، والاجماع عليه بعد الرضاء، أوامره بالتأمل لعله
إشارة إلى ما شرحناه، أو إلى أن الشك فيه، في المقتضي، والاستصحاب فيه
غير حجة على مختاره، وإن كان حجة على المختار، كما بيناه تقريرا وتحريرا.
قوله (قدس سره): (ويمكن أن يوجه بأن حديث نفي الضرر 2 لم يدل على
الخيار، بل المتيقن منه جواز رد العين - الخ -).
حديث نفي الضرر وإن لم يدل على الخيار، لكنه دل على عدم وجوب
الوفاء بالعقد الضرري وعدم لزومه، فإنه دال بلسان نفي الموضوع الضرري
على نفي حكمه الذي دل عليه دليله باطلاقه، أو عمومه. ومن الواضح أن
الموضوع الضرري هيهنا هو العقد الغبني المحكوم بلزوم الوفاء بمثل " أوفوا
بالعقود " 3، فليمكن هو المنفي بحديث نفي الضرر، فيجوز فسخه، ولم يمنع عنه
عدم رد العين ليتنزل إلى بدله، كما في الفسخ بالخيار. وهذا مع، أن بناء
المشهور على ثبوت الخيار للمغبون، ومعه لا مجال للتوجيه أصلا، كما لا يخفى.

1 - المائدة: 1.
2 - وسائل الشيعة: 17 / 340 - ب 12 - ح 3.
3 - المائدة: 1.
189

قوله (قدس سره): (وتضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض بتضرر
الغابن - الخ -).
قبل المثل أو القيمة ليس من الضرر أصلا، كي يعارض به ضرر
المغبون، كما لا يخفى. نعم يكون التنزل إلى البدل على خلاف عموم التسلط
على الأموال 1 فيما كان ابتدائيا بلا توسيط فسخ العقد. وأما معه فإنه إنما
يكون بمقتضى كون تلف ماله على متلفه، وكونه في عهدته وضمانه، وهو
ليس على خلاف عموم التسلط، لو لم يكن على وقفه، فافهم.
قوله (قدس سره): (ففي جواز الرد وجهان: من أنه متمكن حينئذ، ومن
استقرار البيع - - لخ -).
بل يتعين الوجه الأول في أم الولد، لمنع استقرار البيع بمجرد
الاستيلاد، بل مراعى بعدم موت الولد حين الاسترداد. وفي فسخ العقد
اللازم يكون وجهان مبنيان على أن الزائل بالعائد بالفسخ كالذي لم يزل، أو
كالذي لم يعد حيث إن
الملكية العائدة به بحسب الدقة والحقيقة، ملكية
جديدة، وبملاحظة أن اعتبار فسخ العقد وانحلاله، اعتبار إعادة نفس الملكية
السابقة الزائلة. ومنه قد انقدح عدم جريان الوجهين فيما كان العود بناقل
جديد، فإن الثابت إنما هو جواز رد العين عن الملكية التي حدثت للآخر
بالمعاملة الغنية، لا عن ملكية جديدة. نعم لو كان الثابت له، فسخ العقد ولو
حكما، ففسخ، كان له استرداد العين المنتقلة إلى الآخر مطلقا، ولو بسبب
جديد وإن لم ينتقل إليه بنفس الفسخ، حيث لا وجه للتنزل إلى البدل، مع
التمكن من نفس المبدل، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (من امتناع الرد وهو مختار الصيمري - الخ -).
لا امتناع لرد نفس العين المبيعة، وإنما الممتنع رد منافعهما لاستيفائها
المغبون بالإجازة. وفي لزوم الغرامة عليه، وجه، وهو لزوم الضرر
على الغابن لولا لزومها على المغبون من دون ضرر عليه. فتأمل.

1 - بحار الأنوار: 2 / 272.
190

قوله (قدس سره): (وفي لحوق الامتزاج مطلقا، أو في الجملة، وجوه).
أي الامتزاج ولو بغير المثل، أو خصوص الامتزاج بالمثل، ويحتمل أن
يكون المراد الامتزاج ولو بنحو يتمكن من التميز، أو خصوص ما لا يتمكن منه
عادة، فتأمل. ويحتمل قويا أن يكون المراد الامتزاج ولو مع ملك الغابن
أو خصوص ما إذا كان مع الملك المغبون، لتمكن المغبون من الرد، فيما إذا كان
الامتزاج مع ملك الغابن. ومجرد صيرورة المغبون مالكا للجزء المشاع من
الممتزجين، لا بمنع عن رد ما انتقل إليه بالبيع إلى الغابن، فافهم.
قوله (قدس سره): (أما تصرف الغابن فالظاهر أنه لا وجه لسقوط خيار
المغبون به - الخ -).
لا يخفى أن ما ذكر وجها لسقوط خيار المغبون قبل علمه، يكون وجها
لسقوطه بتصرف الغابن بمثل تصرفه، فإنه يمنع عن الاسترداد، كما هو كان
مانعا عن الرد. ودعوى أن العبر بامكان الرد، مجازفة، إن لم نقل بأن
الاعتبار يساعد على أن يكون العبرة بامكان الاسترداد ابتداء، وأن يكون له
ذلك كما لا يخفى. نعم لو كان الحادث بسبب الغبن، هو الخيار، لم يكن وجه
لسقوطه أصلا بتصرف أحدهما، كما أشار إليه (قدس سره) في تصرف
المغبون، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (وجوه، من وقوع العقد في متعلق حق الغير - الخ -).
إنما يكون العقد في متعلق حق الغير، فيكون فضوليا، فيكون له الرد
والابطال، إذا كان الموجب لحق الخيار، موجبا لحق آخر في العين الذي
الخيار، ودون اثباته خرط القتاد. غاية الأمر عدم نفوذ تصرفات غير ذي
الخيار في زمانه وبطلانها، وهو غير التسلط على ابطالها، كما لا يخفى. هذا لو
قلنا بحدوث جواز الفسخ حقا أو حكما، وكذلك لو قلنا بأن الغبن لا يوجب
إلا جواز الاسترداد، فإن غاية ما يحدث بسببه، هو جوازه حكما، لاحقا،
فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ويحتمل هنا تقديم حق الخيار - الخ -).
قد مر غير مرة أن متعلق حق الخيار هو العقد، وقضية الفسخ بسببه،
191

ليست إلا رجوع كل عوض إلى صاحبه الأول بنفسه فيما أمكن عقلا وشرعا،
أو ببدله فيما إذا لم يكن، فلا يقتضي تقدم سبب حق الخيار لتقديمه، إلا أن
يقال: إن الاستيلاد في زمنه وقع في غير محله.
قوله (قدس سره): (ويمكن النظر فيه بأن فسخ المغبون إما بدخول العين في
ملكه الخ -).
يمكن أن يقال: إن فسخه وإن لم يكن في مثل المقام مقتضيا بنفسه
لدخول العين في ملكة، لخروجها عن ملك من انتقل إليه، إلا أن التنزل إلى
البدل إنما يكون فيما إذا لم يتمكن من عين المبدل. والمفروض في المقام
تمكنه منها، لكن لا يخفى أن قضية تحصيلها أيضا في العقد اللازم بالاستقالة
ونحوها إذا أمكن. ولا أظن أن يلتزم به الشهيد - ره - وقد انقدح بما
ذكرناه، أن لزوم الفسخ لأجل أن الخروج عن عهدة تلك العين المنتقلة عن
ملك الغابن، إنما يكون بردها مع الامكان بلا توسيط التنزل إلى البدل
بالفسخ، لأجل الحيلولة.
إن قلت: إذا كان الفسخ غير مقتضي لدخول العين في ملك من
خرج عن ملكه بالعقد في مثل المقام، فلا محيص عن أن يكون مقتضيا
لدخول بدلها، لئلا يلزم الجمع بين العوضين، ومعه لا وجه لوجوب تحصيلها،
كما أفاده - قدس سره -.
قلت: الفسخ وإن كان غير مقتضي لدخول العن في ملكه حقيقة،
إلا أنه لا بد من تقديره ودخوله في ملكه حكما، بعد تقدير ملك من خرج عن
ملكه بالعقد الثاني، ليصح اعتبار انتقاله عنه إلى الفاسخ، فيصح الفسخ،
جمعا بين نفوذ الفسخ الذي ليس إلا حل العقد بين العوضين، المقتضي لرجوع
كل إلى ملك الآخر الذي خرج عن ملكه به، وبين نفوذ العقد الثاني على
أحدهما وصحته. وإنما يكون التنزل إلى البدل لأجل كون المبدل الراجع
بالفسخ على عهدته وضمانه، وعدم تمكنه من رده، لا لأجل اقتضاء الفسخ
إياه في هذه الصورة، ضرورة أن الفسخ ليس بمعاوضة جديدة، بل حل العقد
السابق، ولا يكاد يكون الحل إلا برجوع ما صار إلى كل واحد من المتعاقدين
192

بالعقد إلى الآخر ولو تقديرا، فيما إذا لم يكن الرجوع إذا لم يكن الرجوع حقيقة، وأما مع تمكنه
من رده بنفسه، فلا وجه للتنزل إلى بدله، ضرورة أن قضية الضمان، لزوم رد
العين المضمونة مع الامكان. فتأمل في المقام فإنه لا يخلو عن دقة.
قوله (قدس سره): (لكن ذلك إنما يتم مع كون العين على ملك المغبون
- الخ -).
لا يعتبر في بدل الحيلولة كون العين على ملك المضمون له، بل يكون
ثابتا، ولو خرجت، كما إذا صار الخل في يد الغاصب خمرا، فلا يبعد أن يلزم
بالبذل وبالعلاج، كي صار خلا. والدليل على وجوب تحصيل العين، هو
كون تلك العين المنتقلة عنه بالعقد الراجعة بالفسخ إلى ملك من انتقل عنه
إليه بالعقد الأول تقديرا، كما عرفت في ضمانه، فافهم.
ومما ذكرنا قد انقدح وجوب رد العين، فيما إذا فسخ الغابن بعد فسخ
المغبون، أو ملك بسبب جديد، لا لاقتضاء الفسخ كما أفاده، وقد عرفته، بل
لما مر من أنه قضية الضمان للعين المنتقلة إليه بفسخه العقد الأول ولو تقديرا،
فتأمل.
قوله (قدس سره): (فأما أن يكون نقصا يوجب الأرش - الخ -).
كما إذا كان بتلف جزء من العين، وأما إذا كان بإزاء صفة
الصحة، واحداث عيب فيها، ففي الأرش اشكال من ثبوته فيما ظهر المبيع
مبيعا، ومن أن الثمن بتمامه إنما يكون بإزاء العين، لا أن يكون شيئا منه بإزاء
صحتها، وإن كانت موجبة لزيادة قيمتها، كساير الأوصاف، وإنما كان
ثبوت الأرش عند فواتها في عيب المبيع دونها تعبدا لأجل دليل خاص، فتدبر
جيدا.
قوله (قدس سره): (لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد
والفسخ - الخ -).
وإنما صارت منفصلة بعقد الإجارة فقد استوفاها الغابن به قبل
الفسخ، فيكون حالها حال المنافع التي تكون لها قبل الفسخ في الانفصال
بالاستيفاء. هذا، لكنه يمكن أن يقال: إن ضرر الغبن في هذه الصورة، لا يكاد
193

يتدارك بمجرد فسخ البيع، كي يكتفى في نفيه بجواز الفسخ، حيث إنه كما
كان بقاء هذه المعاملة ضررا، كان فسخها بلا أجرة المثل للمنفعة في هذه
الإجازة ضررا، فكما أن قضية نفي الضرر كان نفي ما للضرر الأول من الحكم
لولاه، كان قضيته أيضا نفي ما للضرر الثاني. فيكون قضيته جواز الفسخ مع
الأجرة.
وقد انقدح مما قررناه، أن الضررين، مما لا مناص له عن أحدهما،
فلا يكون مجال لتوهم أن الضرر الثاني يكون باقدام منه بالفسخ، فتأمل
جيدا.
قوله (قدس سر): (وفيه نظر، لمنع تزلزل ملك المنفعة - الخ -).
وإنما يكون متزلزلا فيما كانت المنفعة باقية على تبعيتها له في الملكية،
وغير خارجة عنها بالإجارة ونحوها، فحينئذ كما لم ينتقل بانتقاله بإرث ونحوه،
كذلك لا ينتقل بفسخ عقده. نعم لما كانت المنفعة في غير مدة الإجارة باقية
على تبعيتها له، كانت متزلزلة مثله ينتقل بالفسخ بتبعه.
قوله (قدس سره): (وسيجئ ما يمكن فارقا بين المقامين - الخ -).
ولعل الفارق هو أن التفاسخ هناك من رأس، والفسخ هيهنا من
حينه.
قوله (قدس سره): (فالظاهر ثبوت الشركة فيه - الخ -).
فيه اشكال لاحتمال أن يكون الزيادة الحكمية، كزيادة القيمة
السوقية غير موجبة لها. نعم لا يبعد القول بوجوب دفع أجرة المثل دفعا
للضرر، فإن دفع العين الزائدة بهذه الزيادة بدون الأجرة، يكون ضررا على
الغابن، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه - الخ -).
ربما يشكل بأن التخليص إنما يكون للكل، إذا لم يستتبع تخليصه
ضررا، وتخليص الأرض بقلع الشجر مستتبع للضرر على الغابن، والأرش إنما
يكون تداركا له، فيكون الحكم بجواز القطع مع الأرش، مساوقا للحكم بجواز
الاضرار وتداركه، والمنفي بقاعدة نفي الضرر والضرار، جواز الاضرار، وليس
194

بقاء الغرس بالآخرة ضررا على صاحب الأرض وتداركه، كي يعارض به
ضرر التخليص، فيصير قاعدة التسلط مرجعا وذلك لأن استيفاء منفعة ملك
الغير، من أنحاء انتفاعه بملكه، بخلاف تنقيص ملكه بقلع، أو كسر مع
الأرش، فإنه اضرار به مع الجبر، فلا يكون الحكم ببقاء الغرس بالأجرة وعدم
جواز قلعه بالأرش، إلا حجر المالك بهذا المقدار، لقاعدة نفي الضرر والضرار،
بخلاف الحكم بالقلع بالأرش، فإنه مخالف لهذه القاعدة، وقاعدة التسلط.
فإن القلع بدون رضاء مالك الغرس، على خلاف تسلطه على ماله، وإن كان
من جهة تخليص أرضه على وفق القاعدة، ومن المعلوم أن قاعدة نفي الضرر،
تقدم على قاعدة التسلط، كسائر القواعد.
لا يقال: ربما يوجب حجر المغبون، وعدم تسلطه على تخليص أرضه،
ضررا عليه، لأجل نقص قيمة الأرض أحيانا بذلك.
فإنه يقال: لا بأس به، فإن الضرر الناشئ من قبل حجر المالك
بقاعدة نفي الضرر، لا ينفى بها، كما يظهر من رواية سمرة بن جندب 1، فتأمل.
وقد انقدح بما ذكرنا، أنه لا فرق بين ما نحن فيه، وبين مسألة
التفليس، حيث ذهب الأكثر فيها إلى أنه ليس للبايع الفاسخ، قلع الغرس،
ولو مع الأرش. وما ذكره من الفرق، يكون حدوث ملك الغرس في ملك
متزلزل فيما نحن فيه، فحق المغبون، إنما تعلق بالأرض قبل الغرس، بخلاف
مسألة التفليس فيه، إنه ليس للمغبون حق في الأرض أصلا، وإنما كان له
الخيار، وحق فسخ العقد، أو مجرد جواز فسخه، أو استرداد العين، بلا تعلق
حق له بالعين، كما مرت إليه الإشارة، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين - الخ -).
قد عرفت أن قضية الفسخ، هو رجوع كل من العوضين إلى ملك
صاحبه الأول حقيقة، أو تقديرا، فالأجزاء الخلية هيهنا بالفسخ يصير ملكا
للآخر، فيحصل الاشتراك قهرا، حيث كان كل من الممتزجين لمالك، كما

1 - وسائل الشيعة: 17 / 340 - ب 12 - ح 3.
195

في صورة الامتزاج بالجنس، حيث لا وجه للاشتراك إلا ذاك، ومجرد
التفاوت بتغير الحقيقة في أحدهما دون الآخر، لا يوجب اختلافهما في الحكم
بعد الاتفاق، مع عدم التمكن من رد نفس العوض، كما لا يخفى. فلا يكون
الامتزاج بغير الجنس، كالتلف الرافع للخيار، مع ما في كون التلف واقعا
من النظر، بل المنع، كما يأتي.
قوله (قدس سره): (فمقتضى ما تقدم من التذكرة في الاخراج عن الملك
- الخ -).
ربما يقال بأن سقوط الخيار بالخروج عن الملك، لا يقتضي سقوطه
بالتلف، إذ مع الخروج لا يمكن الفسخ، لا لامتناع رجوع كل عوض إلى ملك
صاحبه الأول، وهو قضية الفسخ، كما عرفت، وعدم امتناعه مع التلف
لصحة اعتبار رجوع التالف إلى ملك صاحبه الأول بعد الفسخ، كما كان في
ملك الآخر قبله. وكون غرامته عليه لضمانه، لا يمنع عن الرجوع، ولا يكون
من باب الجمع بين العوض والمعوض، كما مرت إليه الإشارة، فيصح اعتبار
الفسخ فيه لذلك.
نعم لو قام دليل على نفوذ الفسخ مع الخروج، فلا مناص عن اعتبار
الرجوع تقديرا، كما مر، أو المنع عن كون قضيته، رجوع كل عوض بنفسه
إلى صاحبه، بل بماليته، ولو ببدله من قيمته أو مثله، فيما إذا لم يتمكن عن
رجوعه بعينه، لكنه عرفت أن الفسخ ليس معاوضة جديدة، بل حل العقد
السابق، ومن الواضح أنه بين العوضين بعينهما، فلا بد من رجوع البدل
بالفسخ من ذاك الاعتبار، وإلا لم يمكن بفسخ أصلا، كما لا يخفى. ولا يكاد
يصار إليه، إلا إذا كان دليل على نفوذ الفسخ، فيما إذا تعذر الرد حقيقة،
فافهم.
قوله (قدس سره): (فإذا فسخ غرم قيمته يوم التلف، أو يوم الفسخ
- الخ -).
أو يوم الدفع، وجوه، أضعفها الأول، حيث لا منشاء له إلا توهم أنه
لا بد في البيع المتزلزل، من اعتبار بقاء العين ولو ببدلها، فيكون إلى البدل يوم
196

التلف، وهو كما ترى. ويتعين الوجه الثاني، بناء على أن يكون التنزل إلى
البدل بعد الفسخ ابتداء في صورة التلف، وأما على ما عرفت من أن قضية
الفسخ، رجوع ملك نفس العين مطلقا، وإنما يكون دفع المثل أو القيمة غرامة
عنها، فالمتيقن هو القيمة يوم الدفع، فإنه يوم لخروج عن عهدتها، ولا يكاد
يكون إلا بدفعها أو بدلها في هذا اليوم، كما لا يخفى. وبذلك قد انقدح الحال
في بعض الفروع الآتية، فتأمل
قوله (قدس سره): (الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية بناء على
الاستناد - الخ -).
وعدم الحاجة في الاستناد إلى نفي الضرر، إلى الجبر بعمل معظم
الأصحاب، وإلا فلا يصح الاستناد إليه في ثبوته في غير البيع، لعدم ظهور
الاستناد من المعظم إليه، إلا في البيع.
قوله (قدس سر): (ولعله للاقدام في هذين على رفع اليد - الخ -).
يمكن منع كون مثل هذا الاقدام على الضرر مانعا عن نفيه، فإنه لا
دليل على استثناء صورة الاقدام مطلقا، بل الوجه في خروج صورة الاقدام،
إنما هو عدم المنة في نفيه معه الاقدام، مع كونه في مقام المنة، ففي كل مقام لم
يكن هناك منة في نفيه، كان الاقدام مانعا عن ففيه، بخلاف ما إذا كان
هناك المنة، كما إذا لم يكن هناك اقدام أصلا كالمقام، حيث إن المصالح لو
فرض أنه أقدم باعتقاد النفع، أو عدم الضرر، أو رجاء ذلك، فلا شبهة في أن
نفيه يكون منة. نعم لو فرض اقدامه عليه بدون ذلك، بل كائنا ما كان،
فلا منة مع اقدامه كذلك في نفيه، ويكون كالاقدام مع العلم، ولا يبعد أن
يكون الاقدام على الصلح في مقام رفع الخصومة كذلك، بل يمكن أن يقال:
إن الصلح في هذا المقام، ولو لم يكن بذاك الاقدام، لا منة في الحكم بجوازه
لنفي الضرر، بل الحكمة تقتضي لزومه دفعا للتشاجر والخصومة، وفيه كمال
المنة، فتدبر.
قوله (قدس سره): (فلا يخفى أن هذا العموم في كل فرد من موضوع الحكم،
تابع لدخوله تحت العموم - الخ -).
197

حيث إن
عمومه الأزماني المستفاد من الاطلاق، لم يلحظ بحيث
يوجب كون كل فرد من أفراد الموضوع أفرادا كثيرة، بحسب كثرة الساعات
أو الأيام، فيكون كل عقد في كل ساعة أو يوم فردا من العام، كيلا يكون
مناص عن الرجوع إليه فيما شك في تخصيصه من الأفراد، لا كلام، بل غاية
ما يستفاد من الاطلاق، هو استمرار الحكم لكل فرد لم يخرج عن العام. وأما
الخارج في الجملة، فالمتبع فيه إذا شك في زمان في كونه محكوما بحكمه، أو
بحكم الخاص، هو استصحاب حكمه، لا أصالة العموم، لعدم كونه في هذا
الزمان فردا شك في تخصيص العام به، كتخصيصه به في الزمان الأول، بل
هو فرد واحد خصص به العام هذا.
قلت: نعم، لو كان خروجه عن تحت حكمه في الزمان الثاني، لا
من الأول. وأما إذا كان خروجه من الأول، وشك في مقدار خروجه، فلا بد
من الاقتصار على المقدار المتيقن من الخروج، والرجوع إلى حكم العام في
القدر الزايد، مثلا لو شك في طول الخيار المجلس وقصره، وكذا فيما هو المعتبر في
الصرف والسلف من القبض في المجلس، كان المرجع في المقدار الزائد على
المتيقن، هو " أوفوا بالعقود " 1 اقتصار على المقدار المتيقن من التقييد، وذلك
لأن الحكم الواحداني المستمر المتعلق بكل عقد في " أوفوا بالعقود " قد انقطع
فيما إذا دل دليل على حدوث الخيار في عقد بعد لزومه، فلا وجه للرجوع إلى
اطلاقه، حيث لم يكن العقد في غير ما علم فيه الخيار من الزمان، مشمولا له
على حدة، كي يرجع إليه ما لم ينهض دليل على تقييده بخلاف ما إذا كان
تقييده من الأول، فإن اطلاقه يقتضي وجوب الوفاء به، بعد تقييده بما علم
التقييد به، فذاك الحكم الواحداني المستر، إنما يكون متعلقا ببعد مضي
الزمان المعلوم خروجه فيه، فلا انقطاع له أصلا، بل غايته عدم تعلقه به، إلا
بعد زمان وكان مقتضي الاطلاق تعلقه بمجرد انعقاده.
ومما ذكرنا قد انقدح أن حال انقطاع الحكم عن الآخر حال عدم

1 - المائدة: 1.
198

تعلقه من الأول، وأنه لا بد من الاقتصار في انقطاعه بالمقدار المعلوم، والنباء
على حكم العام إلى زمان علم التقييد، وانقطاعه فيه، فتأمل جيدا.
كما انقدح أن خيار الغبن إن كان من الأول، فالمرجع هو " أوفوا
بالعقود " 1 فيما لم يعلم ثبوته، وإن كان بعد ظهور الغبن، فالمرجع هو
استصحاب الخيار، بناء على المسامحة في موضوع الاستصحاب، وأصالة عدم
تأثير الفسخ، بناء على المداقة فيه.
قوله (قدس سره): (لما عرفت سابقا من أن مرجع العموم الزماني
- الخ -).
قد عرفت أن ذلك إنما يمنع عن الرجوع إليه بعد عروض الانقطاع
عليه، لا عن الرجوع إليه بعد مضي الزمان الذي علم تقييده، وعدم ترتب ذاك
الحكم الاستمراري عليه فيه من الأول، فيكون اطلاق " أوفوا بالعقود "
دليلا على كون الخيار على الفور، بناء على ثبوته من الأول، لا بعد ظهور
الغبن، كما أن قضية الاستصحاب، أنه على التراخي، بناء على أنه بعده،
حيث إنه شك في بقاء الخيار للمغبون بعد القطع بثبوته له، ولا يعتنى باحتمال
أن يكون الموضوع له، هو الذي لا يتمكن من تدارك ضرره أصلا، وإلا
لا نسد باب الاستصحاب في الأحكام بالمرة، كما لا يخفى.
ولا وجه لاستظهار ذلك من حديث " لا ضرر ولا ضرار " 2، إذ غاية
دلالته، ثبوت الخيار للمتضرر، ولا إشارة فيه إلى أن المدار على عدم التمكن
من التدارك، كما هو واضح.
قوله (قدس سره): (وليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي منافيا
لمعذوريته - الخ -).
لاطلاق حديث نفي الضرر 2، وكمال المنة في نفيه عن تارك
الفحص، وإن كان متمكنا من الفسخ معه، وهذا هو الوجه في معذورية

1 - المائدة: 1
2 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 12 - ح 3.
199

الجاهل بالفورية، وأن تمكنه من الفسخ ليس بضائر، وإلا كان التمكن منه
في الصورة الأولى ضائرا.
وبالجملة، وجه المعذورية وهو الاطلاق والمنة في النفي مع الجهل،
مشترك بينهما، كما لا يخفى. وبذلك قد انقدح وجه معذورية الشاك في ثبوت
الخيار، فتدبر جيدا
قوله (قدس سره): (من أن الصبر أبدا مظنة الضرر - الخ -).
لا يخفى ما في الاستدلال بقاعدة نفي الضرر والضرار في ثبوت الخيار
من النظر، حيث إن الضرر هيهنا إنما هو ناش من تأخير القبض، لا في
نفس المبيع، كي يوجب نفي ما لولاه، كان له من لزوم الوفاء به، ولا وجه
لأن يتدارك ضرر ناش من قبل شئ ينفي حكم شئ آخر أصلا، كما
لا يخفى. وكيف يصح الاستدلال به على ثبوت الخيار، مع اعتبار أمور في
ثبوته، مع اختلال الجل، لولا الكل، إلا أن يدعى نهوض الاجماع أو غيره
على التخصيص، وهو بعيد فتأمل.
قوله (قدس سره): (إلا أن فهم العلماء وحملهم على نفي اللزوم 1 - الخ -).
لا يخفى أنه لا يكاد يقربه فهمهم، بحيث صح لنا الاستناد إلى
الأخبار، في ثبوت الخيار، إلا إذا كان هناك اطمينان بظفرهم بما لو ظفرنا
به لكنا نفهمه منها، كما فهموا، ولا اطمينان. نعم يمكن أن يقال: إن مثل
هذا التركيب، وإن كان بحسب أصل الوضع لنفي الماهية، إلا أنه حيث قد
غلب استعماله في نفي صفة الصحة، أو الكمال، أو غيرهما من الأحكام، كما
في " لا صلاة بفاتحة الكتاب " 2 بناء على وضع أسامي العبادات للأعم،
و " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " 3 و " لا ضرر ولا ضرار " 4 ونحوهما

1 - وفي المصدر: وحملهم الأخبار على نفس اللزوم.
2 - وسائل الشيعة: 4 / 732 - ب 1 ح 1.
3 - وسائل الشيعة: 4 / 478 - ب 1 - ح 1.
3 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 2 - ح 1.
200

فيراد منه نفي إحدى هذه الصفات، حسب اختلاف المقامات، وملاحظة
مناسبة الموضوعات، لا يبعد دعوى ظهور الأخبار في إرادة نفي اللزوم، لبعد
بطلان البيع، وارتفاعه بنفسه بمجرد التأخير، يؤيده فهم الأصحاب، فتأمل.
قوله (قدس سره): (ثم إنه يشترط في هذا الخيار أمور، أحدها عدم قبض
المبيع - الخ -).
لو كان الاجماع مدركا لهذا الخيار، فلا محيص عن اعتبار هذه
الأمور، للاقتصار على المقدار المعلوم. ولو كان المدرك هي قاعدة نفي الضرر
والضرار، فلا وجه لاعتبار الجل، لولا الكل، ضرورة أن المدار في ثبوت
الخيار حينئذ، ثبوت الضرر، أو الضرار، ولا شبهة في ثبوت الضرر مع فقدان
بعضها، كما لا يخفى. وأما لو كان المدرك هو الأخبار، فظاهر بعضها وإن
كان عدم الاعتبار إلا بعدم قبض المثمن، كما هو ظاهر رواية علي بن
يقطين 1. وظاهر بعض الآخر اعتبار عدم قبض الثمن 2. والتوفيق بينهما كما
يكون بتقييد اطلاق كل بالآخر، كي يعتبر عدم قبض الثمن والمثمن معا،
كذلك يكون بالحمل على كفاية عدم قبض أحدهما، إلا أن التوفيق الأول
لو لم يكن بأظهر، فليس الثاني كذلك، أي بأظهر، والأصل يقتضي اعتبار
عدمها، فتدبر.
قوله (قدس سره): (مع امكان اجراء أصالة عدم التشديد - الخ -).
لا اعتبار بمثلها، إلا من باب الأصل المثبت، مع أن التشديد
كالتخفيف، من الكيفيات التي تكون الكلمة توجد إما مكيفة به، أو بعهده،
فلا حالة سابقة لها يستصحب، وليست من الأصول العقلائية، حيث لم يحرز
بناء العقلاء على العدم عند الشك، هذا، مع معارضتها بأصالة عدم التشديد
في قبض، فلا تغفل.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 357 - ب 9 - ح 3.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 356 - ب 9 - ح 2.
201

قوله (قدس سره): (وكلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة - الخ -).
يمكن أن يقال إن خيار التأخير، إنما كان ارفافا بالبايع من جهة
الضرر الناشئ من قبل تأخير الثمن، لا من جهة كون المبيع في ضمانه،
وتلفه منه قبل قبضه. المقاصة ربما لا يكون جائزة بحدود هذه الخيار، مع أنه
ربما لا يندفع الضرر فيما كانت قيمة العين أقل من الثمن، بل ولو كانت أزيد
إذ حينئذ لا يمكن أخذ تمامها مقاصة، وأخذ بعضها المساوي للثمن مساوق
للتملك المشترى لبعضها، بلا عوض، مع أنه ربما لا يكون قابلا للتبعيض، أو
يكون تبعيضه موجبا للتنقيص، ومعه لا يبعد أن لا يكون مجالا للمقاصة فتأمل
جيدا.
قوله (قدس سره): (وأما حديث نفي الضرر 1، فهو مختص بالشخصي
- الخ -).
قد عرفت في بعض الحواشي، أن ضرر تأخير الثمن مع استحقاقه له
معجلا، ولو كان مشروطا بتمكينه من الاقباض مع تمكينه، كاف في ثبوته
الخيار، ارفاقا به، فلا اختصاص له بالشخصي.
قوله (قدس سره): (ولا مناسبة في اطلاقه على الكلي - الخ -).
المناسبة في الكلي للبيع التعهد به في الذمة، هي المناسبة في
العين، كما لا يخفى، فنفي المناسبة فيه، واثباتها فيها، تحكم، ولفظ الشئ يعم
المعين والكلي، كما أفاده. ودعوى ظهوره في الموجود الخارجي، لا بينة
ولا مبينة، فلا يبعد دعوى دلالة بعض الأخبار، على ثبوت الخيار في الكلي
أيضا، ويؤيد حديث نفي الضرر الضرار 1، ويساعد لاعتبار، فتدبر.
قوله (قدس سره): (ومن أن العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في اسقاطه
- الخ -).
لا يخفى أن العقد ليس سببا له، بل السبب إنما هو التأخير، فلا يكفي
وجوده في اسقاطه، ولو قيل بكفاية وجود السبب في اسقاط السبب والتهيؤ

1 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 12 - ح 3.
202

الحاصل بالعقد للخيار، غير الخيار، مع أنه لم ينهض دليل على سقوطه
بالاسقاط. اللهم إلا أن يقال: بأنه اسقاط لما يثبت بعد الثلاثة فيثبت
بعدها بالتأخير، فيسقط به، وليس هذا من إسقاطه ما لم يثبت، كي لا يعقل،
فافهم. وما ادعاه من فحوى الاشتراط، ففيه إنه لا يرى أولوية فيه من
الاشتراط، ضرورة أنه يكون بالشرط ما لم يكون بدونه، فتأمل.
قوله (قدس سره): (فإن الشرط أنه يسقط به ما يقبل الاسقاط بدون الشرط
- الخ -).
وقد عرفت أن الاسقاط هيهنا لا يعقل، فإنه اسقاط لما لم يثبت،
وعليه فلا يكاد يمكن تحقق اجماع على السقوط بالشرط، كما لا يخفى. نعم
يمكن تصحيحه بأن يقال، إنه شرط سقوطه بعد ثبوته، فيثبت بعد الثلاثة
آنا ما، فيسقط، كما أشرنا إليه في تصحيح الاسقاط، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (ودعوى أن حدوث الضرر قبل البدل، يكفي في بقاء
الخيار، مدفوع - الخ -).
فيه إن حدوث الضرر وإن كان لا يكفي بمجرده في بقاء الخيار، لعدم
دلالة حديث نفي الضرر 1، إلا على ثبوته وعدم لزوم البيع في الجملة في الحالة
الأولى، من غير تعرض للحالة الأخرى، كما لا يخفى، إلا أنه بضميمة
استصحاب الخيار، كاف في بقاء الخيار، وإنما يكون الأحكام المترتبة على
نفي الضرر، تابعا للضرر الفعلي، لو كان حديث النفي دالا على كون الضرر،
علة تامة منحصرة، ودون اثبات ذلك خرط القتاد، وإلا فمن المحتمل أن يكون حدوثها بسبب الضرر، وبقاؤها بسبب آخر، فتدبر.
قوله (قدس سره): (الرابع أخذ الثمن - الخ -).
فيه إشكال، فإن أخذ الثمن هيهنا، ليس إلا كأخذه في خياري
المجلس والحيوان، فكما لا يكون هناك مسقطا، لعدم كونه بمجردة تصرفا
كاشفا عن الرضاء بالمعاملة، وامضائها، بل يحسب تتمة لها، كذلك هيهنا،

1 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 12 - ح 3.
203

كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (وقد عرفت أن الأقوى الفور - الخ -).
قد عرفت بما حققناه في بعض الحواشي السابقة، أن الأقوى في مثل
المقام، مما لم يكن الخيار من الأول التراخي، للاستصحاب، كما قواه أخيرا،
والفور فيما كان من الأول، فتذكر.
قوله (قدس سره): (وقد يعارض النبوي 1 بقاعدة الملازمة بين النماء والدرك
- الخ -).
إنما يعارض بها إذا كان التالف ملكا للمشتري، وقد كان تلفه على
البايع، حتى كان ضمانه على البايع، مع كون منافعه ونمائه للمشتري، كي
ينافي قاعدة الملازمة. وأما إذا صار ملكا للبايع آنا ما، قبل التلف ولو تقديرا،
كما هو المراد بالنبوي على ما يأتي، فلا يعارض بها، حيث إن التلف حينئذ
ليس إلا كالفسخ الموجب لانفساخ البيع وانحلاله، وليس ضمان البايع
للمبيع في صورة التلف قبل القبض، إلا تلفه في ملكه، كما في التلف بعد
فسخ البيع، وهو لا ينافي قاعدة الملازمة، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (لكن المراد من اليوم، اليوم وليله - الخ -).
لكن الظاهر من اليوم في الرواية 2، ما قابل الليل لوضعه له وقرينة
المقابلة، كما لا يخفى. ومجرد كون الخيار حينئذ، لا يجدي للبايع شيئا لو سلم،
لا يصلح قرينة لإرادة اليوم بليله، مع أنه يجدي، فإن الغالب فيما يفسد ليومه،
عدم الوصول إلى التلف، وعدم الانتفاع به أصلا، فيتدارك بالخيار، ضرر
عدم الوصول إليه، إلا بالاختيار. اللهم إلا أن يكون مدرك هذا الخيار
عندهم، حديث نفي الضرر والضرار 3، وعليه فلا وجه للتحديد بهذا المقدار،
بل يختلف زيادة ونقيصة، كما هو واضح.

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 437.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 358 - ب 11 - ح 1.
3 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 12 - ح 3.
204

قوله (قدس سره): (منها صحيحة جميل بن دراج 1 - الخ -).
وتقريب الاستدلال بها، يتوقف على أن يكون الحكم بثبوت خيار
الرؤية، لأجل كون البيع بتوصيف القطعة بما لا يكون فيها، لا لمجرد عدم
رؤيتها، كما هو ظاهرها. إلا أن لا تكون الروية، إلا بصدد بيان أن بيع
الصيغة، مع عدم رؤية قطعة منها، يكون معرضا لخيار الروية المعهود، من
دون أن يكون بصدد بيان ما يعتبر فيه، فتأمل.
قوله (قدس سر): (والمسألة محل اشكال 2، وأشكل من ذلك - الخ -).
والتحقيق في جسم مادة الاشكال، إذ أن الذي يرتفع به الغرر
حقيقة وهو نحو اطلاع وإحاطة بالمبيع، يختلف ما يحقه في العين الحاضرة
والغائبة، فربما في العين الحاضرة ذاك الاطلاع، وإن لم يطلع على بعض ما
لا يرتفع الغرر في الغائبة، إلا بالاطلاع عليه بالتوصيف، ضرورة أنه لا غرر
حقيقة في الأمة الحاضرة التي يراها المشتري، وإن لم يطلع على أنه حبشية، أو
غيرها مثلا ولا يكاد يرتفع الغرر في الغائبة، إلا بالاطلاع على ذلك، وسر
ذلك أن الاطلاع الحاصل بالرؤية، لا يكاد يحصل بالوصف، وإن اطلع به
على بعض ما يخفى معها من الأوصاف، ومن هنا ظهر أن المراد في صحة بيع
العين الغائبة على ذكر ما يرتفع به الغرر، من دون خصوصية في ذكر
الأوصاف التي يختلف بها القيمة أو الرغبات، ولكن لا يخفى أن المدار في
خيار الرؤية على التخلف عما ذكر له من الأوصاف، وإن لم يكن مما له
دخل في رفع الغرر أصلا.
قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال: إن أخذ الأوصاف في معنى الاشتراط
- الخ).
كيف وفي الأوصاف ربما يكون ما له دخل في حقيقة المبيع،
ويكون تخلفه موجبا لبطلان البيع بلا اشكال ولا خلاف، كما يأتي منه

1 - وسائل الشيعة 12 / 361 - ب 15 - ح 1.
2 - وفي المصدر: والمسألة لا يخلو عن اشكال...
205

(قدس سره)، فيكون أخذه موجبا للغرر، هذا، مضافا إلى أن الغرر حينئذ في
نفس الشرط، والغرر في الشرط كما يوجب بطلانه، يوجب بطلان البيع، ولو
نقل بفساده، بفساد الشرط، لاستلزام الغرر فيه، الغرر في البيع، فغائلة الغرر
لا تكاد تندفع إلا بأنه لا غرر مع ذكر الأوصاف والأخبار بالاتصاف، كما
لا يكون غرر في المقدار، مع الأخبار بوزنه أو كيله.
قوله (قدس سره): (لعدم الدليل على البطلان بعد انعقاده صحيحا
- الخ -).
هذا لو كان مراد القائلين بالبطلان، بطلان البيع من حين ظهور
الخلاف. وأما لو كان مرادهم بطلانه من رأس، كما هو ظاهرهم، فلا مساس
له بمرامهم، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ويضعف بأن محل الكلام في تخلف الأوصاف التي
لا توجب مغايرة الموصف للموجود عرفا - الخ -).
ولا يوجب تقييد البيع ولا المبيع أصلا، وإن كانت داعية إلى البيع،
أو مؤكدة لداعيه، لأن ظهور الخلاف فيها، كما لا يوجب البطلان، وهو
واضح، لا يوجب تخلفها الخيار، إذ ليس حالها، إلى كما إذا تخيل الاتصاف
به، مما لا اتصاف به من الأوصاف في العين المرئية، فكما لا يوجب الخيار
هناك، لا يوجبه هيهنا، فيشترى لذلك، بل خصوص الأوصاف التي يوجب
ذكرها نوعا، ما لم تقم هناك قرينة على الخلاف، تقييد البيع، أو المبيع
ببعض مراتبهما، لا مطلقا، وإلا لأوجب تخلفها البطلان، لانتفاء المقيد
بانتفاء قيده.
وبالجملة محل الكلام فيما كان التقييد بالأوصاف بنحو التعدد
المطلوبي. وعليه فلو تردد الأمرين كون الوصف مما يوجب التقييد هكذا، أو
لا يوجبه، فأصالة الاطلاق محكمة، فلا خيار مع التخلف. ولو تردد بين كونه
مما يوجبه هكذا، أو يوجبه مطلقا، فيتردد ما وقع بين أن يكون عقدا مع
التخلف، وأن لا يكون ضرورة أنه لا يكون عقدا معه، لو كان التقييد به
مطلقا، حيث إنه يظهر بالتخلف أنه لم يمكن ما قصد بيعه، وما يكون لا يقصد
206

بيعه، فلم يتحقق بعد، بيع ولا عقد، كي يصح التمسك بإطلاق مثل " أحل
الله البيع " 1 أو عموم " أوفوا بالعقود " 2 فيكون أصالة عدم البيع العين
الموصوفة مع التخلف، محكمة، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ولم أجد لهم دليلا صالحا على ذلك - الخ -).
وإنما يتم ذلك لو كان الخيار ثابتا من الأول، وأما لو كان الخيار من
حين ظهور الخلاف، فاستصحابه كان محكما، كما عرفته في خيار الغبن،
فراجع.
قوله (قدس سره): (وجهان مبنيان على أن الرؤية سبب أو كاشف
- الخ -).
يمكن أن يقال بجواز الاسقاط، ولو بناء على كون الرؤية سببا، بأن
يكون اسقاطا لما ثبت بعد الرؤية ليثبت، فيسقط، لا أن يكون اسقاطا
فعلا، كي يكون إسقاطا لما لم يثبت، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (لو جعلت الرؤية شرطا لا سببا، أمكن جواز الاسقاط
- الخ -).
لا يكاد يمكن إلا بما نبهنا عليه في الحاشية السابقة، ضرورة أنه
لا يتفاوت فعدم معقولية اسقاط ما لم يثبت بين أن يكون عدم الثبوت، لعدم
السبب، أو لعدم الشرط. نعم لو جعل الاسقاط، اسقاطا لما ثبت فعلا
بالسبب من التهيؤ، فهو وإن كان يعقل، إلى أنه يحتاج إلى دليل، فلعله لم يكن
من قبيل الحقوق قابلة للاسقاط، بل كان من قبيل الأحكام.
قوله (قدس سره): (فإن الخيار الحكم الشرعي لو أثر في دفع الغرر، جاز بيع
كل مجهول متزلزلا - الخ -).
هذا، مضاضا إلى أنه لا يكاد أن يكون دفع الغرر بالخيار، إلا على
وجه دائر، ضرورة توقف صحة البيع حينئذ على ثبوت الخيار، وهو يتوقف

1 - البقرة: 275.
2 - المائدة: 1.
207

على صحته، فإنه لا يكاد يكون خيار بدونها، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (إلا أنه لأجل سبب الخيار، وهو اشتراط تلك الأوصاف
- الخ -).
لا يخفى أن دفع الغرر، لا يتوقف على اشتراط تلك الأوصاف،
ضرورة اندفاعه بالعلم بالصفات، أو الاطمينان الحاصل بإخبار البايع، أو
غيره، كما تقدم منه - قدس سره - أيضا، وكان الخيار لأجل دفع الضرر،
ولو كان نقض الغرض، لا النقص لا لأجل تخلف الشرط، كما كان في
الخيار العيب، ولو سلم أنه هيهنا بالاشتراط، فشرط سقوط الخيار، إنما
ينافيه، إذا كان الاشتراط علة تامة، دون ما إذا كان مقتضيا له، فإن الشرط
حينئذ وإن كان يمنعه عن التأثير فيما يقتضيه، إلا أنه لا ينافيه، بل ربما يؤيده
حيث التزم باقتضائه، وصار بصدد ابداء المانع عن التأثير فعلا فيه، فتأمل
جيدا.
قوله (قدس سره): (ومن المعلوم عدم نهوض الشرط لاثبات ذلك
- الخ -).
إنما لا ينهض فيما علم أنه لا بد في كل واحد من انفساخ العقد
والتمليك من سبب خاص، كما علم في الزواج، والطلاق، وفي غيره،
فالشرط ناهض به، لعموم دليله، كما سيأتي توضيحه.
قوله (قدس سره): (وفيه إنه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف
- الخ -).
فيه إن الشرط وإن كان معلقا على ظهور الخلاف، إلا أنه شرط
البيع مطلقا، وفساده يوجب فساده مطلقا، لا أن الشرط إنما يكون في صورة
ظهور الخلاف، كي يختص فساده بهذه الصورة، فافهم.
قوله (قدس سره): (وكيف كان فيمكن أن يخدش بأن المشتري - الخ -).
والأولى أن يخدش بأن الاختلاف إن كان من جهة الاختلاف في
ذكر بعض الأوصاف، وعدم ذكره، فالأصل عدم ذكره والتقييد به، وإن
كان من جهة الاختلاف في ظهور الخلاف وعدمه، فالأصل عدم ظهور
208

الخلاف. وما أفاده - قدس سره - بقوله " ويمكن دفع ذلك - الخ - " فيه
إنه وإن كان الاشتراط بنحو التقييد، إلا أنه بنحو التعدد المطلوبي، وإلا لزم
البطلان، مع ظهور الخلاف لا الخيار، ومعه يكون البيع متعلقا بالعين
الملحوظة فيها صفات موجودة، أو ما يعمها لا محالة، وإنما الشك في تقييد ها في
المرتبة الأقصى من المطلوب بالصفات المفقودة، فأصالة عدم التقييد بها
محكمة، واللزوم من أحكام العقد على شئ بلا تقييده بما هو فاقده فموضوع
اللزوم محرز هيهنا بالأصل والوجدان. وقد انقدح بذلك أنه هنا ليس مجالا،
لأصالة البراءة أصلا بعد ما كان الأصل فيها هو سبب الشك فيها جاريا،
كما لا يخفى. فتدبر جيد.
قوله (قدس سره): (وإنما ترك اشتراطه صريحا، اعتماد على أصالة السلامة
- الخ -).
لا يخفى أن اطلاق العقد لو كان مقتضيا للاشتراط، كما أفاده
قدس سره، كان هو المعتمد في ترك الاشتراك صريحا، لا أصالة السلامة،
مع أن الاعتماد عليها لا يكاد يجدي في الاشتراط شيئا، غايته يجدي في احراز
السلامة ورفع الغرر كالقطع، مع أن رفع الغرر هيهنا إنما يكون بالاشتراط
الدال عليه بالاطلاق، على ما تقدم منه قدس سره، من رفع الغرر في
الأوصاف باشتراطها.
وبالجملة، أصالة السلامة إنما تكون مجدية في رفع الغرر، فيما إذا لم
يكن قضية الاطلاق، أو ظهور الاقدام اشتراطها، وعليه لا يكون قضية
الاعتماد عليها في احرازها، إلا رفع الغرر كالقطع بها، لا اشتراطها كما
لا يخفى. ففيما لا يجري فيه أصالة السلامة مما غلب فيه عدمها، كان الاطلاق
أو غيره لو كان، مقتضيا لاشتراطها، فلا غرر، وفيما يجري لم يكن هناك دليل
على الاشتراط، لو لم يكن غيرها دليلا عليه، ولم يكن معه وجه للخيار مع
ظهور العيب، لو كان منشأه اشتراط السلامة.
ودعوى أن قضية الاطلاق أو ظهور الاقدام، إنما يكون الاشتراط في
خصوص مجرى أصالة السلامة، مجازفة، كما لا يخفى، ضرورة عدم الارتباط
209

بين اعتبارها، وقضية الاطلاق، أو ظهور الاقدام، مع أنه لو سلم ذلك، لما
كان مجديا فيما أفاده من الاعتماد على أصالتها في الاشتراط، بل على الاطلاق
في مواردها جريانها، وأين هذا من الاعتماد عليها.
فانقدح بذلك أن الاستثناء عن ذكر وصف الصحة، إنما هو
بالاطلاق المقتضي لاشتراكها، أو ظهور الاقدام المقتضي لذلك، فتأمل
جيدا.
قوله (قدس سره): (ثم إن المصرح به في كلام جماعة أن اشتراط الصحة في
متن العقد يفيد التأكيد - الخ -).
يعني إنه تصريح بما ينزل عليه الاطلاق بقرينة الحكمة لولا التصريح
به، أو بخلافه لا بمعنى إفادة الاشتراط لظهور الاطلاق مرة، وبالتصريح به
أخرى لعدم دلالة الاطلاق، ومع التصريح أصلا، فإن دلالته إنما يكون
بقرينة الحكمة، ومن مقدماته عدم البيان كما لا يخفى.
ثم إن ذلك لو قيل بأن مبنى خيار العيب على تخلف الشرط، فلو لم
يكن هناك شرط الصحة، كما إذا قطع بها فبيع واشترى، لم يكن هناك
خيار، ولا أظن أحدا يلتزم به. وأما لو قيل بأن مبناه الأخبار الدالة على ثبوته
مع العيب، كان اشتراط الصحة موجبا لخيار آخر عند ظهور العيب، غير
خيار العيب الثابت العقد على المعيب، ويشهد بأنه غيره اختصاصه
بأحكام، وآثار، وثبوته، ولو لم يكن هناك اشتراط أصلا، كما هو قضية
الأخبار.
قوله (قدس سره): (ويؤيد ما ورد من رواية يونس 1 - الخ -).
فيه إنه إنما يؤيد لو كان خيار التخلف غير ساقط بمثل الوطي
الكاشف عن الالتزام بالبيع والرضاء به، كما أفاده (قدس سره)، وهو ممنوع
لما أسلفناه، من أن سقوط خيار الحيوان بمثله، إنما هو على القاعدة، ولذا
يتعدى منه إلى ساير الخيارات، ولا خصوصية لخيار التخلف من بينها.

1 - ح وسائل الشيعة: 12 / 418 - ب 6 - ح 1.
210

لا يقال: قضية اشتراط البكارة لا يعلم تحققه أو تخلفه إلا بالوطي.
فإنه يعلم بغيره أيضا، كما هو واضح مع كون الثيبوبة عيبا في الإماء، محل
اشكال، بل منع، كما يشهد به ما عن سماعة عن رجل باع جارية على أنها
بكر فلم تجدها كذلك، قال: " لا ترد عليه، ولا يجب عليه شئ أنه قد
يكون يذهب في حال مرض أو أمر يصيبها " 1.
قوله (قدس سره): (ولذا لم يبطل البيع فيما قابلة من الثمن - الخ -).
كيف ولم يكن البيع إلا التمليك بالعوض، وما يكون قابلا للتمليك
والتملك، ليس إلا نفس العين، فيكون الثمن بتمامه بإزائها، غاية الأمر
وصف الصحة كسائر الأوصاف في الجملة، يوجب ازدياد الرغبة الموجبة
لبذل زيادة على ما يبذل بإزاء فاقدها.
قوله (قدس سره): (ثم منع كون الجزء الفائت - الخ -).
لا يخفى أنه إذا كان المبيع شخصيا على أن يكون له مقدار كذا، لم
يكن فيما إذا ظهر ناقصا إلا فاقدا للوصف والكمية المأخوذة فيه، لا للجزء،
ضرورة أن الكمية كالكيفية من الأوصاف، كيف واعتبار الشئ جزءا
وداخلا، يباين أخذه شرطا وخارجا كما لا يخفى. فافهم.
قوله (قدس سره): (بل الاجماع، على التخيير بين الرد - الخ -).
ودعوى الاجماع، مع مخالفة الشيخ، واحتمال أن يكون بعض
القائلين به إنما قال به بتوهم أنه مقتضى القاعدة، لا يخلو عن اشكال، وإن
كان مخالفة المشهور فيما صار وإليه أشكل، وذاك يمنع عن حصول الوثوق
بظفرهم بقرينة في الأخبار، لكنا نصار إلى ما صاروا إليه، لو كنا ظفرنا.
قوله (قدس سره): (وإن كان ظاهر كثير من كلماتهم توهم حدوثه بظهور
العيب - الخ -).
لكنه قد عرفت أنه منزل على المتعارف من التعبير عما هو موضوع
للأحكام بمثل إذا ظهر لك كذا أو عملت كذا مع أن الموضوع لها نفس

1 - وسائل الشيعة: 12 / 418 - ب 6 - ح 2.
211

الواقعيات وذلك لأجل دخل مثل العلم في ترتيب الاطعام عليها والعلم على
وفقها كما لا يخفى فتدبر.
قوله (قدس سره): (ويؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب، أن استحقاق
المطالبة بالأرش - الخ -).
وجه التأييد وضوح أن الأرش يكون بإزاء وصف الصحة، وتداركا
لفقدها، لا بظهور العيب والفقد، فليكن العيب سببا للتخيير بينه وبين الرد،
لا ظهوره. وفيه إنه لا ضير في أن يكون ظهوره سببا، لا أقل شرطا، لاستحقاقه
الأرش بإزاء العيب، فلا يكون التأييد بذلك خاليا عن شائبة المصادرة.
قوله (قدس سره): (ويدل عليه مرسلة جميل 1 - الخ -).
لا يخفى أن المرسلة إنما تدل على أن تعيين المبيع، وعدم قيامه بعينه بما
هو تغيير، مانع عن التخاير واختيار الرد، وأين هذه من الدلالة، على أن
تصرف المشتري فيه بما هو تصرف منه، موجب لمضي البيع عليه، لرضائه به،
والتزامه، على ما أسلفناه في خيار الحيوان، من أن تصرف المشتري فيه بما
لا يكون إلا من المالك تخاير واختيار، لمضيه، أو تعبدا، كما احتمله
- قدس سره - هيهنا.
وقد انقدح بذلك أنه لا معارضة بينها، وبين الصحة 2 أصلا، وذلك ل
أنها يكون في مقام بيان ما يمنع عن التخاير، والصحيحة صدد بيان أن
تصرف المشتري رضا منه، والتزام بالبيع، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (فلا يدل على أزيد مما دل عليه ذيل المرسلة 1، من أن
العبرة - الخ -).
قد عرفت أن كلا من الخبرين بصدد بيان أمر غير ما كان الآخر
بصدده، فلا وجه لمنع دلالة الصحيحة 2 على أزيد مما دل عليه ذيل المرسلة،
مع أن وطي الجارية وتقبيلها، من أوضح مصاديق احداث شئ فيها، مع

1 - وسائل الشيعة: 12 / 363 - ب 16 - ح 3.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 362 - ب 16 - ح 2.
212

أنهما لا يوجبان تغييرا فيها أصلا، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (فإذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا، دل على
سقوط الخيار 1 لكل تصرف - الخ -).
أي لكل تصرف كان من قبيل التصرف الذي دل عليه النص في
خيار الحيوان، ولا يبعد مساعدة العرف عليه، وإنما لا يساعد على شموله، لمثل
الأمر بغلق الباب، وعليه فالبينة على اتحاد معنى الحدث في المقامين قائمة،
فافهم.
ثم إنه ظهر بذلك أن الظاهر أن سقوط الخيار باحداث شئ في
المبيع، إنما هو لأجل الرضا، والالتزام، كما أشرنا إليه هيهنا، وبيناه في
خيار الحيوان، لا تعبدا، فلا بد من الاقتصار على التصرف الملازم للرضا بمثل
ما مثل به في النص في خيار الحيوان، فتأمل جيدا في المقام.
قوله (قدس سره): (ومقتضى ذلك أنه لو وقع التصرف قبل العلم بالعيب لم
يسقط - الخ -).
يمكن أن يقال: إن مقتضى ذلك أن يكون التصرف الكاشف عن
الرضاء بالبيع مسقطا، ولو كان قبل العلم، ولا يلزم أن يكون الرضاء به
بعنوان أنه بيع المعيب، كما لا يلزم في الفسخ الذي هو طرفه وعدله، فلو فسخ
قبل العلم بالعيب، لا ينفسخ إلا إذا قيل باشتراط الخيار بظهور العيب.
وبالجملة طرفا الخيار، الرضا بالبيع الواقع على المعيب، وفسخه، فلو كان له
الخيار واقعا لأثر التخاير واختيار الرضاء، أو الفسخ، وإن لم يعلم بثبوته له،
ولا يعتبر في سقوطه بالتخاير، العلم بثبوته، فإنه وضع لا تكليف، فافهم.
قوله (قدس سره): (خصوصا ما إذا كان هذا التقييد فيه في غاية البعد
كالنص برد الجارية - الخ -).
وهو ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنه بعد ما سئل عن رجل
اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر وليس لها

1 - وفي المصدر: دل على سقوط الخيار هنا بكل تصرف.
213

حمل. قال: " إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر، فهذا عيب ترد منه
- الحديث - " 1. لكن يمكن أن يقال: إن الاطلاق في الرواية مسوق لبيان
أنه عيب يرد به، لا لبيان الرد به، كي دل بإطلاقه على الرد به، ولو أحدث
فيها في هذه المدة، ما أحدث، كما لا يخفى، وعليه فلا يكون هناك اطلاق حتى
يكون تقييده تعبدا. ومن هنا ظهر حال سائر اطلاقات الرد، فافهم.
قوله (قدس سره): (ويرده مع أمن مثلهما تصرف يوذن بالرضاء ومثله 2 الحبل
- الخ -).
يشكل بأنه لولا كون مثلهما تصرفا كاشفا عن الرضاء، بأن المبيع
معهما يكون قائما بعينه، ضرورة أن المتصرف فيه بمثلها، لا يوجب تغيرا فيه
لا يصدق معه أنه ليس قائما بعينه، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (فإن الظاهر منه، اعتبار بقائها في ملكه، فلو تلف
- الخ -).
قد عرفت في الحاشية السابقة الاشكال فيه، وأن الظاهر هو بقاء
العين على حالها بلا تغير، بمثل قطع، أو خياطة، أو صبغ، فلو لم يكن
التصرف بالنقل، أو الرهن، أو الإجارة، بما هو كاشف عن الرضاء مسقطا،
لم يكن بمسقط أصلا، لصدق أن المبيع يكون قائما بعينه مع التصرف بأحدها،
كما لا يخفى
قوله (قدس سره): (وهذا قد 3 وقع عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مبنيا على
تقرير رعيته على ما فعله الثاني - الخ -).
أوردا من أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) وغيره من الأئمة
(عليهم السلام) عليه، على من ما حكي عنه أبي ليلى، من أنها ترد ويرد
معها مهر مثلها، كما هو في محكي التذكرة 4، أو لأجل أنه معنى يعقل

1 - وسائل الشيعة: 12 / 413 - ب 3 - ح 1.
2 - وفي المصدر: يؤذن بالرضا ومرسلة جميل.
3 - تذكرة الفقهاء - 1 / 526.
4 - وفي المصدر: وهذا إنما وقع عن مير المؤمنين..
214

للأجرة على وطي المالك، فإنه منه ليس إلا كاستيفائه ساير المنافع من
ملكه، وهذا واضح.
قوله (قدس سره): (أحدهما من حيث مخالفة ظهورها في وجوب رد الجارية،
أو تقييد الحمل - الخ -).
لا يخفى أنه إنما كأن يكون ذلك من وجوه مخالفة الظاهر التي يستلزمها
العمل بظاهر الأخبار، إذا كان بكلا شقه مما يستلزمه العمل، وليس كذلك،
كما هو واضح، بل أحد الشقين لازم على كل حال، عمل أو لم يعمل. اللهم
إلا أن يكون غرضه. إنه لا بد من التقييد على تقدير الحمل، ومخالفة الظاهر،
بناء على العمل، وأمر التقييد أهون، فافهم.
قوله (قدس سره): (مخالفة لزوم العقر على المشتري - الخ -).
مع الاستفادة منه غير واحد من الأخبار، وعلى الحمل يكون الحمل
من المولى، لا يلزم المخالفة أصلا، حيث ظهر بطلان البيع، وكون الوطي في
غير المالك بشبهة، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (وإلا لم يكن لذكر جهل البايع في السؤال فائدة
- الخ -).
لعل الفائدة تخيل أنه ربما يكون له دخل في صحة البيع أو لزومه.
هذا، مع أنه لم يظهر أن بطلان بيع أم الولد، كان في المصدر الأول من
الواضحات، فتأمل.
قوله (قدس سره): (وتقييدها بصورة عدم هذه التصرفات - الخ -).
لا يخفى أن العمل بظاهر الأخبار لا يستلزم هذا التقييد، لعدم دليل
على سقوط الخيار بمثلها تعبدا، وعدم دلالتها على الرضاء، والالتزام بالبيع،
كما مرت الإشارة إليه مرارا، فلا دوران في الأخبار بين التقييدين. ثم لا يخفى
أنه يتوجه على هذا الوجه، ما وجهنا على الوجه الأول، فلا تغفل.
215

قوله (قدس سره): (ويمكن أن الرجوع إلى ما دل على جواز الرد مع القيام العين
- الخ -).
قد عرفت في بعض الحواشي السابقة أنه لا وجه للرجوع إليه مع
التصرف الكاشف عن الالتزام بالبيع، حيث لا يبقى معه مجال للطرف الآخر
للخيار، فافهم.
قوله (قدس سره): (لكن يبقى لزوم العقر مما دليل عليه إلا الاجماع المركب - الخ -).
وهذا الاجماع وعدم الفصل إنما يجدي لو قيل بعدم جواز الفصل بين
ما يقضيه الأصل. وما يلازمه واقعه، بخلاف ما إذا قيل بجوازه، وعدم
ملازمة بين عدم الفصل في الواقع، وعدم الفصل في الظاهر، كما لا يخفى،
ولعله أشار إليه بقوله فافهم.
قوله (قدس سره): (ولا بأس به في مقام الجمع -).
إنما لا بأس به إذا كان الجمع تبرعيا، لا الجمع المتبع المرتفع به
التعارض بين الأخبار، كما إذا كان أحد الخبرين المتنافيين حجة
لترجيحه، أو لاخلال شرايط الحجية في الآخر، فيؤول تبرعا بما يلائم الحجة،
فافهم.
قوله (قدس سره): (وفي لحوق التقبيل أو 1 اللمس بالوطي وجهان: من
الخروج عن مورد النص - الخ -).
لا يخفى عدم الاعتبار بالأولوية، إذا لم يكن بقطعية، الأولى
الاستدلال على اللحوق بالملازمة بينهما، وبين الوطي عادة، حيث لا يكاد
ينفك عنهما غالبا، ومعه كيف يكون الحكم بعدم السقوط به، مع الحكم
بالسقوط بهما، والتفصيل بين ما كان منهما معه، وبين ما لا يكون كما ترى،
فتأمل.

1 - وفي المصدر: وفي لحوق التقبيل واللمس بالوطي...
216

قوله (قدس سره): (وأما الحادث في زمن الخيار، فكذلك لا خلاف في أنه
غير مانع عن الرد - الخ -).
كيف، وهو يقتضي الرد مثل العيب السابق، ولا يكاد يكون
الشئ مانعا عما يقتضيه، ضرورة أنه لا بد أن يكون المانع علة لعدم الشئ،
كي يمنع المقتضي له عن اقتضائه وتأثيره، لا مقتضيا لثبوته، وإلا يؤيده لا
أنه يزاحمه ويعانده.
لا يقال: مقتضى إطلاق مرسلة جميل 1، سقوط الرد به، حيث إن
المبيع بسبب حدوث العيب، لا يكون قائما بعينه. لأنه لو لم يكن منصرفا عن
التغيير المضمون على البايع المقتضي للأخبار، مثل ما كان به من العيب
السابق. فلا بد من تقييده عقلا بعد فرض كونه مقتضيا شرعا، لما عرفت،
إلا أن يمنع عن ذلك وهو خلف.
لا يقال: كونه مقتضيا شرعا، إنما يمنع عن كونه مانعا عقلا، لو كان
الخيار العيب، لا خيار آخر، فإنه مضافا إلى أنه موجب له، إذ لا معنى له إلا
ما كان ناشئا من قبل العيب، يكفي في ذلك اقتضائه لخيار آخر، لاشتراك
الخيارات، في التخاير بين الرد والامساك، وهو يقتضي أن يكون بين
مقتضياتها جهة مشتركة، لما قرر في محله، في باب العلة والمعلول. واختلاف
الخيارات في الأحكام والآثار، إنما هو لاختلاف مقتضياتها في
الخصوصيات. فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (لكنه يندفع بأن الظاهر من قيام العين بقائه بمعنى أن
لا ينقص ماليته - الخ -).
وذلك لوضوح أن هذا الشرط، إنما هو لرعاية بايع المعيب، وأن لا يرد
إليه ما باعه ناقصا، ولا رعاية مع الزيادة أصلا، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (والوجه المذكور في التذكرة 2 قاصرا - الخ -).

1 - وسائل الشيعة: 12 / 363 - ب 16 - ح 3.
2 - تذكرة الفقهاء: 1 / 525.
217

إنما كان قاصرا، إذا كان غرض العلامة - قدس سره - إبداء الشك
بذلك، وأما إذا كان غرضه إبداء المانع عما يقتضيه العيب السابق، فلا،
وعليه فلا يتوجه على ما ذكره إلا منع كونه مانعا لعدم نهوض برهان به،
فافهم.
قوله (قدس سره): (فإن النقص الحاصل بالصبغ 1، إنما هو لتعلق حق
المشتري - الخ -).
بل إنما هو لأجل التغيير الحاصل به حسا، كالتغير الحاصل بالقطع،
من دون ملاحظة ما حدث به بذلك، عن تعلق حق المشتري أصلا، كما
لا يخفى على من تأمل.
قوله (قدس سره): (أما الفرق بين أفراد النقص الغير الموجب للأرش بين
مغير العين حسا - الخ -).
بل لا محيص عنه، لدخول المبيع من النقص الغير المغير في الشرطية
الأولى، حيث يصدق أنه قائم بعينه، ومع النقص المغير في الشرطية الثانية،
يصدق أنه ليس كذلك، بل تغير كما في التغير بالقطع، كما أشرنا إليه في
الحاشية السابقة.
قوله (قدس سره): (ثم مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين
بقاء العيب الحادث - الخ -).
يمكن أن يقال هذا كذلك لو كان الشك في الثبوت بعد السقوط،
وأما إذا كان الشك في أصل السقوط، بمثله لعدم نهوض ما في التذكرة
به، كما هو واضح. وكذلك المرسلة 2 بدعوى الاختصاص بالتغير الباقي إلى
حين الرد، لما أشرنا إليه من استظهار أن اعتبار عدم التغير في الرد، إنما كان
بمراعاة البايع، ولا تفاوت أصلا بين أن لا يحدث فيه تغير، وما إذا حدث
وقد زال قبل الرد، كما لا يخفى، فتأمل.

1 - وفي المصدر: فإن النقص الحاصل والخياطة إنما هو لتعلق حق المشتري.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 362 - ب 16 - ح 1.
218

فأصالة الثبوت متبعة، لو كان خيار العيب بعد ظهوره، وإلا فأصالة
اللزوم، لما مرت إليه الإشارة، من أن المرجع هو مثل " أوفوا بالعقود " 1 لو كان
الشك في أصل ثبوت الخيار: أو في بقائه، يعد ثبوته من الابتداء. وأما إذا
كان حدوثه في الأثناء، فالمرجع هو استصحاب الخيار، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (لأن عدم الجواز لحق البايع - الخ -).
وبمراعاته كما أشرنا إليه، فإذا رضى بارد مجبورا، أو غير مجبور،
فللمشتري التخاير، واختيار كل واحد من الرد، والامساك بالأرش، بما له
الخيار، كما إذا لم يكن حدوث عيب أصلا، فلا يتوهم أن الرد مع الرضاء
به، إقالة، كما لا يخفى. فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (والحادث مضمون بضمان إليه - الخ -).
بأن يكون العيب الحادث على المشتري المالك، وخسرانه عليه،
بسبب كونه مالكا للمبيع، وحدوثه وزوال وصف الصحة كان تحت يده
واستيلائه، لا بمعنى ما هو مضمون " على اليد ما أخذت - الحديث - 2 " حتى
لا يكاد يكون إلا في غير المالك، فافهم.
قوله (قدس سره): (بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الاجماع عليه،
لأن المردود وإن كان جزءا مشاعا - الخ -).
والاجماع إن تم، وإلا فيما أفاده اشكال، وذلك لأن المستند في المنع
بذلك عن الرد بالعين إن كان هو دخول المعيب بالتبعيض فيما لا يكون قائما
بعينه، فلا يجوز رده، للمرسلة. ففيه منع دخوله فيه، ولو قلنا بعدم الاختصاص
بالتغير الحسى والشمول لمثل نسيان العبد للكتابة، والدابة للطحن، لوضوح
أنه على ما كان بلا تغيير. وتفريقه عما ضم إليه، وقد بيعا صفقة لا يوجب
كونه غير قائم بعينه، ولو سلم، فإنما هو يكون بالرد، والمرسلة ظاهرة في كون
المانع، ما كان قبله، كما لا يخفى. وإن كان هو كون التبعيض ضررا، ففيه.

1 - المائدة: 1. 2 - مستدرك الوسائل: 3 / 145.
219

منع كون مجرد التبعيض ضررا، ينفيه حديث نفي الضرر 1، ولو سلم فأخبار 2
جواز الرد بالعيب ما دام قائما بعينه ولم يحدث فيه شيئا في شموله له، أظهر،
فتدبر.
هذا، مع أن الصبر على المعيب ضرر، ولا يعارض بضرر التبعض
على البايع، فإنه يجئ من قبل نفيه، ولا يعارض بما يجئ من قبل
حكمه ونفيه، ضرورة أنه لا يعمه دليل النفي، فافهم.
وقد انقدح بذلك ما في كلامه (قده) " وهذا الضرر، وإن أمكن
جبره بالخيار - الخ - " من الخلل، فإنه ناش من قبل نفي الضرر، فلا
يعارض به ضرر صبر المشتري على المعيب، وإلا فلا يعارض بما ربما يستتبعه
من الخيار، من ضرر نقض غرض المشتري بإمساك الجزء الصحيح. ثم إنه لا
دلالة على المنع بالتبعيض للنص المانع عن الرد بالخياطة، والصبغ أصلا،
فإنه ظاهر في تغير الحسى، خصوصا بقرينة القطع.
وقد ظهر وجه أنه لا يمنع الرد مع ذلك، إذا كان بالزيادة من بعض
الحواشي السابقة، مع أنه لو سلم شموله لمثل الشركة، فإنما هو إذا كان قبل
الرد، ليمنع عنه، لا بسببه، كما أشرنا إليه هيهنا، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (وأما لصدق المعيوب على المجموع كما تقدم - الخ -).
لا يخفى أن هذا لا يصلح وجها، إلا لكون محل الخيار، هو مجموع ما
وقع عليه العقد، لا خصوص ما فيه العيب، بلا شبهة، ولا ريب.
قوله (قدس سره): (ومنع سلطنة أولا أولى 3 الخ -).
قد انقدح بما ذكرنا في الحاشية التي قبل الحاشية السابقة، أنه لا وجه
لمنع سلطنة على الرد، فضلا عن كونه أولى، وحدوث الخيار للبايع بذلك.
وسلطنته على الفسخ المستتبع لرفع سلطنته على امساك الصحيح، لا يوجب

1 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 12 - ح 3.
2 - وسائل الشيعة: 12 / أبواب أحكام العيوب.
3 - وفي المصدر: ومنع سلطنته على الرد أولا أولى.
220

كون منع السلطنة على الرد التي تقتضيها القاعدة أولى، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (وكيف كان فمبني المسألة على ما يظهر من كلام الشيخ
(قدس سره) - الخ -).
ولا ينبغي لأحد أن يرتاب في تعدده بتعدده، وإن كان كل واحد
من الايجاب والقبول بلفظ واحد وذلك لوضوح أن العقد عبارة عن اعتبار
عقلائي يكون بين الاثنين، ناش منهما فيما قصد بهما التوسل والتسبب إلى
حصول مضمونها، وأن تشخص الاعتبارات، والإضافات، إنما يكون بما هي
قائمة، بما لها من الأطراف، فكيف يكون العقد الواقع بين البايع، واحد
المشتريين، عين العقد الواقع، بينه وبين الآخر، بمجرد وحدة الايجاب
والقبول، مع كون الايجاب لاثنين، والقبول من قبلهما. وهل يكون إلا كما
إذا جمع في الايجاب والقبول، بين البيع والتزويج لواحد، أو لاثنين، فكما
لا يوجب هذا الجمع ووحدة القبول، كون عقد البيع والتزويج واحد، كذلك
هيهنا. وتجرد وحدة المنشأ 1، لا توجب وحدة المنشأ مع تعدد أطرافه.
وكيف كان فالأقوى في المسألة، جواز الافتراق في التخاير،
لاطلاق الأخبار وعمومها في ثبوت الخيار لكل من اشترى معيبا. ودعوى
انصراف الاطلاق إلى غير المقام مجازفة، كيف ومعه يلزم أن يبقى المقام بلا
دليل أصلا، مع أنه لو سلم ذاك الانصراف، لا يضر بعموم بعض الأخبار،
كما لا يخفى. وكون الرد منفردا، نقصا، لو سلم، لا يمنع عن الرد، وإنما يمنع عنه
ما كان قبله، ما كان بسببه، كما عرفت. ومثل هذا النقص، لا يوجب
صدق أنه ليس قائما بعينه مع أنه لو سلم، لا يوجب شمول إطلاق الخبر له،
لظهوره فيما ليس كذلك قبل الرد. ومن ذلك علم قوة جواز الافتراق، وإن قيل
بوحدة العقد، إذا المدار على تعدد المشتري، لا العقد.
قوله (قدس سره): (فيه إنه أخرجه غير مبعض، وإنما يبعض بالاخراج،
والمقصود حصوله - الخ -).

1 - المنشئ (خ. ل).
221

لا يخفى أنه شبه مصادرة، مع أنه لو كان كذلك، لأوجب عدم جواز
الافتراق فيما إذا باع الجزء المشاع بعقد، والجزء الآخر بعقد مستقل آخر، لأنه
أخرجه غير مبعض، وإنما تبعض - الخ - وهذا كما ترى. ومن هنا ظهر أنه
لا وجه لمقايسة هذه المسألة مع المسألة الأولى، وإن كان الافتراق فيها، لا يخلو
من بعد، كما عرفت.
قوله (قدس سره): (لكن يمكن أن يدعى أن المستفاد - الخ -).
أو يدعى أن المستفاد من أدلة تحريم الرباء أنه كما لا يجوز الزيادة في
الربويين من ابتداء البيع، كذلك لا يجوز في حال استقراره، ولزومه، ضرورة
أن الأرش يكون موجبا لأن يكون قراره على الزيادة في طرف المعيب، حيث
كانت في طرفه زيادة الأرش، جزاء كانت، أو غرامة، ويكون حال
زيادته، كحال زيادة الشرط في طرف أحد الربويين، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأن الخيار إنما يثبت مع الجهل - الخ -).
فيه من المصادرة ما لا يخفى، ولعل وجه النظر في الاستدلال بمفهوم
الصحيحة 1، هو أن عدم تبيين البايع العيب للمشتري، لا يستلزم جهله به،
فافهم.
قوله (قدس سره): (فسد الشرط وأفسد لكونه مخالفا للشرع - الخ -).
يمكن أن يقال، إنه إنما يكون مخالفا للشرع، إذا كان عمله بالعيب
علة تامة لعدم الخيار، وأما إذا لم يكن إلا مقتضيا له، فلا، ويكون شرط
الخيار به حينئذ، كشرط عدم الخيار به، مع الجهل، أو كشرط عدم خيار
المجلس، أو الحيوان، أو غيرهما، وكما لا يكون شرط عدم الخيار فيها شرطا
مخالفا للشرع، كان شرطه ثبوته هيهنا غير مخالف له، وفيما لم يحرز أن
ما يقتضي عدمه علة تامة، أو مقتضى نعامل معه معاملة المقتضي، على ما
سيأتي إن شاء الله تعالى هذا، وأما إذا شرط نفس الفسخ، أو الامساك
بالأرش، فيما إذا علم مقداره، فلا اشكال في نفوذه، فلا تغفل.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 362 - ب 16 - ح 2.
222

قوله (قدس سره): (أقول: المفروض أن الخيار لا يحدث إلا بسبب حدوث
العيب - الخ -).
فيكون التبري أيضا مما لم يوجد في نفسه ولا سببه.
قلت: يمكن أن يقال، إن الخيار حيث كان من أحكام العقد
وآثاره، كان العقد مقتضيا له، غاية الأمر، بشرط حدوث العيب، أو قدمه،
ضرورة أن حكم الشئ من آثاره، ومقتضياته، فيدخل بذلك فيما وقع محل
الاشكال والخلاف وأنه هل يكفي في صحة الاسقاط ثبوت المقتضي، أو لا
يكفي، كما مرت الإشارة إليه، وقد تقدم منه تقوية أنه يكفي، فراجع.
قوله (قدس سره): (وبالجملة فلا فرق بين البراءة من خيار العيب
- الخ -).
لا يخفى أنه كلام مستأنف، لا دخل له بسابقة، وقد عرفت في بعض
الحواشي السابقة، أن البراءة لا توجب الغرر، لو كان مرتفعا لولاها، بسبب
أصالة السلامة هيهنا، والوصف هناك، أو بغيرهما، فتذكر.
قوله (قدس سره): (الأول عهدة العيوب - الخ -).
يمكن أن يقال إن البراءة، مضافة إلى نفس العيوب، لا إلى عهدتها،
ويكون البراءة ضدا لعهدتها، غاية الأمر يكون قضية التضاد بينهما انتفاء
الالتزام بالسلامة، وتهدها مع البراءة، لا رجوعها إليه، فمعها كأنه باعه مع
علم المشتري بعيبه، لا كأنه باعه إلى كل تقدير، فإن البيع كذلك مطلقا،
ولو مع عدم البراءة، وإلا يلزم بطلانه فيما ظهر فيه العيب، بل مطلقا، فإنه بيع
على تقدير غير معلوم الوقوع، فافهم.
قوله (قدس سره): (وأما ساير الأحكام 1، فلا، فلو تلف بهذا العيب في أيام
خيار المشتري - الخ -).
والظاهر أنه مراده من عموم النص، عموم قاعدة التلف في زمن
الخيار، ممن لا خيار له، وذلك، أي سقوط ساير الأحكام، لأن دليل

1 - وفي المصدر: وأما ساير أحكامه..
223

التبري، لم يدل إلا على سقوط الخيار. وعموم أدلتها، أو اطلاقها يبقى سالما
عن المخصص أو المقيد. نعم لم يكن لها عموم أو إطلاق يشمل صورة التبري،
فالمرجع هو أصالة عدم ثبوتها معه، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (لأن الظاهر الدلالة الرد، خصوصا بملاحظة أن الصبر
على العيب ضرر، هو رد العيوب - الخ -).
بل ظاهرها رد ما كان به العيب، بل لو فرض كون الرد في الدليل
متعلقا بالمعيوب، لم يكن ظاهرا في خصوص ما هو المعيوب حال الرد، لقوة
احتمال أنه بلحاظ حال تلفه بالعيب، أخذ هذا عنوانا له، ولا يلزم مجاز، بناء
على كون المشتق حقيقة في خصوص من تلبس، وإن زال عنه العيب حين
الرد، كما لا يلزم في مثل " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " 1 و " لا ينال
عهدي الظالمين " 2 وإن لم يكن متلبسا بالمبدء حال القطع والنيل، وذلك لأن
الاطلاق يعم حال الزوال، فاستصحاب الخيار بلا اشكال، ضرورة أن
العيب يعد عرفا من العوارض والأحوال، لا من المقومات، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (وأما الأرش، فلما ثبت استحقاق المطالبة به، لفوات
وصف الصحة حال 3 العقد، فقد استقر بالعقد - الخ -).
لا يخفى اتحاد الرد الامساك مع الأرش سببا وموضوعا، فلو كان
العقد على المعيب موجبا لاستقرار المطالبة بالأرش، لكان موجبا لاستحقاق
الرد، وذلك لبداهة أن العقد لم يوجب خصوص الأرش، بل إنما أوجبه لأجل
أنه ضميمة أحد طرفي الخيار، فكيف يكون العقد على المعيب موجبا لاستقرار
المطالبة، دون استقرار الاستحقاق. وما ذكره من ظهور أدلة الرد، خصوصا
بملاحظة أن الصبر على المعيب ضرر، لو سلم، فهو بعينه جار في الأرش،
فالقول بالتفصيل بين الأرش والرد، لا وجه له أصلا، كما أن القول بثبوتهما،

1 - المائدة: 38.
2 - البقرة: 124.
3 - وفي المصدر:.... لفوات وصف الصحة عند العقد...
224

كما كان في غاية الوجاهة للاطلاق، والاستصحاب، لو قيل باشتراط ظهور
العيب، على ما مرت الإشارة إليه غير مرة.
قوله (قدس سره): (وحيث لم يدل التصرف عليه - الخ -).
حيث إن
غايته الدلالة على الرضا بالبيع، وامساك المبيع، وهو أعلم
من إمساكه بالأرش، أو مع إسقاطه. نعم لو جعل التصرف كاشفا عن
اسقاط الخيار، لا التخاير واختيار أحد طرفيه، كما هو لازم ما بني عليه في
بيان حقيقة الخيار، من أنه ملك فسخ العقد، وعدمه لكان التصرف موجبا
لسقوط الأرش أيضا. فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (والنص الدال على اشتراط الرد بقيام العين - الخ -).
فيه، مع منع الاختصاص، أنه لو سلم، فلا يكون دليل على ثبوت
الخيار فيه بالخصوص، إلا أصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب،
فلا بد منها في اثبات جواز الرد، فلا يكون هذه إضافة كما جعلها، كما لا يخفى،
مع أنها لا يجري إلا بناء على اشتراط ظهور العيب. ودليل نفي الضرر، لا يعمه،
لأجل معارضة ضرره بضرر البايع بالفسخ، فافهم.
قوله (قدس سره): (والأول أولى - الخ -).
بل الثاني، وذلك لأن الأول يستلزم إما الالتزام باختلاف البيوع
بحسب قصد المتبايعين، وكون صحة البيع مما يجعل مقابلا بالمال في غير
الربويين، ولا يجعل مقابلا به فيهما، أو الالتزام بلزوم الربا في بيع أحد
الربويين بالآخر مع عيب أحدهما، فيما إذا لم يكن المعيب زائدا على
الصحيح، ليقع الزيادة بإزاء الصحة في الآخر، ولا يكاد يلتزم بأحدهما أحد،
ضرورة عدم اختلاف البيوع، وبطلان بيع الربويين، مع زيادة أحدهما ولو
في طرف المعيب.
وهذا بخلاف الثاني، فإنه لا بد في الالتزام تمشى الربا في الفسخ
مع الأرش، فإنه وإن كان ليس ببيع ولا عقد، بل حل البيع والعقد واعتبارا،
إلا أنه في الحقيقة تمليك بالعوض. هذا، مع أنه ظاهر كلام العلامة، بل
صريحة في مسألة ما إذا كان المبيع آنية من ذهب أو فضة، حيث قال
225

(قدس سره): (فإن حدث عند المشتري عيب آخر، لم يكن له الأرش، لما
تقدم، ولا الرد مجانا، إذا لا يبجر البايع على الضرر، ولا الرد مع الأرش،
لاشتماله على الربا، لأن المردود حينئذ يزيد على وزن الآنية.
قوله (قدس سره): (فإذا فرض أن صفة الصحة لا يقابل بجزء من المال في
عقد المعاوضة الربوية، فيكون تلفها في يد المشتري - الخ -).
لا يخفى أن صفة الصحة، وإن كانت كسائر الأوصاف، لا يقابل
بالمال في عقد المعاوضة مطلقا، لما تقدم منه الاعتراف، وإن كانت موجبة
لبذل الزيادة بإزاء المتصف بها، إلا أنها من بين الأوصاف يضمن ويغرم،
فكما أن المشتري إنما يكون ضامنا للمبيع لو تلف، لأجل تقدير رجوعه إلى ملك
البايع، وإن كان تلفه في ملك المشتري، فكذلك وصف صحته.
وبالجملة إنما كان ضمانها، ولزومه الغرامة، لها، لأجل كونها شرعا
وعرفا يقوم بالمال، كالموصوف بها، لا لكونها يقابل بإزاء شئ من الثمن في
البيع، فيكون تلفها هيهنا بعد تقدير الرجوع وتنزيله منزلته، كتلفها في
المقبوض بالسوم، في أنها تالفة في ملك مالكها، فيضمنها المشتري القابض،
غاية الأمر تقديرا، وتنزيلا هيهنا، وحقيقة هناك. ولا محيص عن هذا
التقدير، وإلا لا يعقل ضمان الإنسان، والغرامة لماله، وقد بينا مفصلا في
بعض الحواشي المتقدمة، أنه لا يصح الانتقال إلى البدل بعد الفسخ، إلا
بالتقدير، فراجع.
قوله (قدس سره): (ولا يقدر ملك البايع، إلا بعد رجوع مقابله من الثمن
إلى المشتري والمفروض - الخ -).
يكفي في تقدير كون تلفها في ملك البايع، رجوع ما يقابل الصحيح
من الثمن إلى المشتري، كما في غير الربويين، حيث إن
ها فيه أيضا لا يقابل
بإزاء شئ من الثمن، كما عرفت، واعترف به (قدس سره)، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ولعله لأن التأخير دليل الرضاء ويرده - الخ -).
بل لأن خيار العيب عنده على الفور، فإذا تراخى في التخاير، واختار
الرد، أو الامساك بالأرش، سقط الخيار بكلا طرفيه، بانتهاء أمده
226

واستعداده. اللهم إلا أن يجعل الأرش ضميمة أحد طرفيه، بل أمر ثبت مع
عدم الرد، ولو بدون اختياره، لكنه لم ينهض عليه دليل، فافهم.
قوله (قدس سره): (والتحقيق رجوع المسألة إلى اعتبار الاستصحاب
- الخ -).
وقد عرفت غير مرة، اعتباره بناء على كون ظهور العيب شرطا
وعدم اعتباره بناء على كونه كشفا عن ثبوته من الأول.
قوله (قدس سره): (إن كتمان العيب الخفي، وهو الذي لا يظهر بمجرد
الاختبار المتعارف قبل البيع، غش - الخ -).
كون كتمانه بمجرد عدم اظهاره، مع كون اعتماد المشتري إنما كان
بأصالة الصحة والسلامة في اشترائه غشا، ممنوع، غايته ما نصحه، لا أنه
غشه. نعم لو سأله عن حال ولم يبين له ما فيه، أو أخفى ما فيه مما يظهر بمجرد
الاختبار المتعارف من العيب، لولا إخفائه، كان غشا.
وبالجملة، الغش وإن كان خلاف النصح، إلا أنهما مما لهما الثالث،
فليس في كل ما لا يكون هناك أحدهما، أن يكون الآخر، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (ولعله لأصالة عدم تسليم البايع العين إلى المشتري
- الخ -).
لا يخفى أن هذه الأصول، من عدم ترتب الخيار شرعا على عدم
التسليم، واستحقاق تمام الثمن بمجرد العقد، ولو في العقد على المعيب، إلا
إذا قيل بمقابلة وصف الصحة بجزء من الثمن، وحدوث العقد من رأس لازما
أو غير لازم، فلا حالة سابقة له يستصحب، بل قضية استصحاب بقاء ملك
البايع للثمن بعد الفسخ، لزومه فلعله لأصالة عدم العقد إلى حين حدوث
العيب، وأنه يثبت وقوع العقد على المعيب، بناء على اعتبار الأصل المثبت
لدى ابن الجنيد، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (كما يحلف على طهارة المبيع - الخ -).
في جواز حلفه على الطهارة، استنادا إلى الأصل، والاكتفاء به في
رفع الخصومة أيضا، تأمل، فيما إذا ادعى النجاسة واقعا، خصوصا مع
227

الاعتراف بعدم علم البايع به، بل منع. نعم لو صح منه دعوى فعلية نجاسته
عليه، جاز حلفه على الطهارة، استنادا إليه، فتأمل.
قوله (قدس سره): (نعم لو أريد سقوط الدعوى إلى أن يقوم البنية، فله وجه
- الخ -).
لا وجه لسقوط الدعوى به إلى قيام البنية أصلا، حيث لم يدل على
تشرعه لذلك، كما لا يخف، وإنما شرع فيما يذهب به حق الدعوى، ويسقط
به الدعوى رأسا، وإن كان المدعى ثابتا واقعا، ويقدر على إثباته بإقامة البنية
فيما بعد، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (فهل للوكيل ردها إلى الموكل أم لا، وجهان
- الخ -).
أوجههما عدم جواز الرد، إلا فيما علم بصدق المشتري، وذلك لعدم
نهوض دليل على كون اليمين المردودة، كالبينة في اثبات الواقع، بترتيب جميع
آثاره عليه، وإن لم ينهض دليل أيضا على قيامها مقام الاقرار، بحيث رتب
عليها ما له من الآثار، بل لم ينهض إلا على ثبوت المدعى به على المنكر.
هذا، مضافا إلى ما أفاده في جامع المقاصد، فافهم.
قوله (قدس سره): (وأصالة عدم كونها سلعته - الخ -).
لا يخفى أنه ليس لها حالة سابقة أصلا، بداهة أنها إما سلعته من
رأس، أوليس بتلك كذلك. نعم هناك أصالة عدم رد سلعته بردها، وعدم
وقوع العقد عليها، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (وأما هنا فلا يرجع إلى ثوبت المسقط بل المسقط
- الخ -).
هذا إذا كان مصب الدعوى، سقوط الخيار وعدمه. وأما إذا كان
مصبها مقدار الأرش، وأنه ما به التفاوت بين الصحيح والمعيب، لعيب
واحد، أو لعيبين، فأصالة عدم التقدم راجع إلى عدم سبب زيادة الأرش، عما
هو معلوم، فيحلف البايع، كالعيب المنفرد، فافهم.
228

قوله (قدس سره): (وفي كل منهما نظر - الخ -).
أما وجه النظر فيما عن المحقق، فلعدم قدح الضعف، والكتابة في
الحجية، مع الوثوق بها، ولا مخالفة لها للقاعدة لما نشير إليه من كون دعوى
المشتري، مخالفة للظاهر فيكون مدعيا وأما فيما عن الكفاية، فلعدم الإشارة في
المكاتبة إلى القاعدة أصلا. ومجرد الحكم بكون الثمن على المشتري فيها، وأنه
مدعي، كما أشير إليه، لا يقتضي ثبوت القاعدة بوجه كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (إما بالتزام كفاية تقدم الشرط على العقد - الخ -).
وإما لكون البراءة قبل العقد، قرينة على عدم تعهد الصحة
والسلامة في العقد، وبدونه لا وجه لضمانه لها، وهذا أحسن مما تفصى به
عن الاشكال، فتفطن.
قوله (قدس سره): (لأنه الموجب لسقوط الخيار - الخ -).
فيكون الحلف على نفي العلم هيهنا في الحقيقة على البت، فإنه
الموضوع الواقعي لا البراءة، وعدمها واقعا، كي يكون الحلف على عدم العلم
بها على نفي العلم بما هو الموضوع، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (ولعله لما اشتهر من أن ملك - الخ -).
بل لأن الأخبار بفسخه يلزم التزامه به عرفا. فيكون كتصرفه
الكاشف من عدم التزام بالبيع وفسخه، هذا ولو لم نقل بهذه القاعدة.
وبالجملة يكون حال هذا الاقرار في كونه فسخا حال كون إنكار الزوج في
العدة للطلاق رجوعا، فكما لا يكون هذا لأجل القاعدة، لا يكون ذاك
لأجلها، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ويبقى قدر الأرش مستحقا على التقديرين - الخ -).
هذا فيما دار الأمر بين فسخ العقد، والامساك بالأرش، ولم يكن
هناك احتمال اسقاط الخيار، وإلا فلا يعلم استحقاق الأرش، ولم يكن
انكار البايع، فسخ المشتري اعترافا باستحقاقه الأرش، كما هو واضح.
قوله (قدس سره): (أو مدعي عدمه لأصالة صحة الفسخ - الخ -).
لا يقال: لا مجال لأصالة الصحة في احراز تأثير الفسخ، فإن صحته
229

التأهلية، لا يقتضي ذلك، وصحته الفعلية، وإن كانت مقتضية، إلا أنها
لا تثبت بأصالتها، كما أن أصالة صحة العقد في الصرف، لا يقتضي حصول
القبض المعتبر في صحته وتأثيره.
لأنا نقول، هذا فيما إذا كان وقوعه في أو الزمان شرطا في حصول
الأثر، وقد اعتبر في حصوله، كما اعتبر أصل الفسخ، كالعقد والقبض في
الصرف، لا فيما إذا انتزع من الخصوصيات المأخوذة في نفس الفسخ،
كالقرينة المعتبرة مثلا في العقد، فإنه لا شبهة في أن أصالة الصحة مجدية عند
الشك فيها، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (يسمع 1 قوله إن احتمل في حقه الجهل، للأصل
- الخ -).
إنما يسمع قوله مع احتمال الجهل في حقه، لو قيل بسماعه مع العلم
بجهله، وهذا لو قيل مع الجهل بالخيار، بدعوى اختصاص دليل الفورية،
بصورة العلم بالخيار، لا وجه للقول به مع الجهل بالفورية لعدم امكان
اختصاص الفورية بصورة العلم بها، بداهة استحالة تقييد الحكم بالعلم، أو
الجهل به، كما لا يخفى على من له أدنى تأمل، فتأمل.
قوله (قدس سره): (أما العيب فالظاهر من اللغة والعرف - الخ -).
لا يخفى أن العيب يكون من المفاهيم الواضحة عرفا ولغة التشكيك
في بعض مصاديقه، غير ضائر، فإنه لا يكاد يخلو عنه ما هو أوضح المفاهيم.
واختلاف العبادات في تعريفها، إنما يكون لأجل أنهم في مقام شرح الاسم،
لا في بيان الحد أو الرسم، فلا وجه للنقض عليها طردا، أو عكسا، ومع ذلك
فالأولى أن يقال: إنه النقض عما يقتضيه أصل الماهية بما يرغب في وجوده
نوعا، أو الزيادة بما ترغب عنه كذلك، وإن كان، مما يرغب فيه أحيانا، أو
يرغب فيه خصوص طائفة، لتعلق غرضهم به، كالخصا في العبيد، فلا يكون
عدم نبات الشعر على ظهار الإماء، ولا الثيبوبية فيها عيبا، ويكون خصا

1 - وفي المصدر: سمع قوله...
230

عيبا، وإن كان يوجب زيادة بذل المال، فإنه مما يرغب عند الغالب. وإنما
الراغب فيه القليل، كالسلاطين، وبعض الأمراء، والخوانين، لبعض
أغراض صحيحة، كالاطمينان من الخيالة بالأعراض، وأغراض فاسدة،
كما تقدم من بعض.
وقد ظهر بذلك أن الحمل في الإماء يكون عيبا، دون سائر
الحيوانات، فإنه مما يرغب عنه في الإماء ويرغب فيه نوعا فيها، كما لا يخفى.
وقد ظهر أيضا حال سائر ما ذكر في المقام من العيوب، وما وقع من النقض
والابرام، فلا ينبغي التعرض للكلام في كل واحد على حدة، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (إلا أن التأمل فيها قاض بخلافه - الخ -).
فإن قوله (عليه الصلاة والسلام) في الصحيح 1 " ويرد عليه بقدر ما
ينقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك " لو لم يكن به ظاهر في أن
المردود بعض الثمن، وكذلك ظاهر التشقيق في مرسلة جميل 2. والمقابلة إن
الرجوع في الشق الثاني، ليس بتمام الثمن الذي يرجع إليه في الشق الأول،
بل ببعضه، فافهم.
قوله (قدس سره): (لكن له دخل 3 في وجود مقدار من الثمن - الخ -).
لا يخفى أن غير واحد من الأوصاف كذلك، أي له مدخل في وجود
مقدار من الثمن، مع أن تعهده لا يوجب شيئا غير الخيار، فلا أوثق من أن
يقال: إن الأرش غرامة تعبدية، ليس من باب ضمان المعاوضة، ولا من
قبيل ضمان اليد، فالمتبع في تعيينه ما هو قضية دليل ثبوته من النص
والاجماع، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأصالة عدم تسلط المشتري على شئ من الثمن
- الخ -).

1 - وسائل الشيعة: 12 / 362 - ب 16 - ح 2.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 363 - ب 16 - ح 3.
3 - وفي المصدر: لكن له مدخل في وجود..
231

لا يخفى أنه لا مجال لهذا الأصل، إلا إذا لم يكن هناك إلا التكليف،
وقد شك فيه، ولم يحدث بسبب العيب حق للمشتري على البايع، يجب
الخروج عن عهدته، وإلا فقضية أصالة عدم الخروج من العهدة، وجوب دفع
ما يخرج بدفعه عنها يقينا، كما لا يخفى. ولا شبهة الحادث بسببه حق،
يسقط الاسقاط، لا مجرد تكليف، وإلا لم يكد يسقط به، فتأمل.
قوله (قدس سره): (لأنهما الأصل في ضمان المضمونات - الخ -).
وذلك حيث كان النقدان مما يقدر ويعين به مالية الأموال، وكان
غيرهما يحدد مقدار ماليته بالمقايسة معهما، كانا في نفسهما قيمة المضمونات
القيمية، فلا بد أن يكون الضمان بهما، عند اطلاق الضمان بالقيمة في
القيميات، وهكذا الغرامة، عند اطلاق دليلها بتفاوت القيمة، كما في هذا
الباب، وباب ديات الجنايات، وكونهما كذلك أصلا في باب الضمانات،
وغرامة النقصانات، ودية الجنايات، بمعنى أنه لا بد منهما عند المخاصمة
واللجاج لا ينافي كون الأرش في هذا الباب، والتدارك في غير هذا الباب
من غير النقدين مع التراضي به ابتداء نفس الأرش والتدارك، لا عوضا
عنه. وإنما يصح أن يكون عوضا عما هو عليه فيما إذا استقر أحدهما في الذمة،
كما يكون وفاء، لا فيما يستقر فيها، كما في المقام، على ما اعترف به
- قدس سره - من أنه حق لو أعمله جاز له المطالبة بالمال، فإنه لا يكون إلا وفاء.
نعم له الصلح عن حقه بمال، فيسقط.
قوله (قدس سره): (فاستشكل ذلك بأن الحقوق المالية، إنما يرجع فيها إلى
النقدين - الخ -).
لا يخفى أن العلامة أعلى الله مقامه، لا يكون بصدد بيان تعين
النقدين، للأرش وعدم تعينها، بل إنما هو بصدد بيان مطلب آخر، وهو أن
الأرش في معاملة النقدين بعد التفرق، لا يجوز أن يكون منهما، وإلا لزم بطلان
معاملة الصرف بالإضافة إليه، لأجل التفرق قبل قبضه، فإنه من تتمة الثمن،
أو المثمن، بخلاف ما إذا كان من غيرهما، فإن البيع بالنسبة إليه، ليس
بصرف، فلا يكون التصرف قبل قبضه، بضائر، فلا مجال لما وجه عليه المحقق
232

من الاشكال، ولا حاجة في دفعه إلى ما أفاده - قدس سره - وإن كان مما
يحتاج إليه تتميما لما أفاده العلامة - قدس سره - حيث لا يكاد يتم، إلا إذا
كان ما تراضيا عليه من غير النقدين أرشا، لا عوضا عنه، فافهم.
وأما لو كان العلامة أعلى الله مقامه، بصدد بيان عدم تعين الأرش
منهما، فما وجهه عليه المحقق في محله، ولا يندفع بما أفاده - قدس سره - فتأمل
جيدا.
قوله (قدس سره): (لأن المعيب إن لم يكن مما يتمول ويبذل في مقابله شئ
من المال، بطل بيعه، وإلا فلا بد من أن يبقى له من الثمن قسط - الخ -).
لا يخفى أنه إنما يتم، فيما إذا كان العيب نقصا في نفس المعيب يوجب
تارة خروجه عن المالية، وأن يبذل بإزائه المال، وأخرى نقصانه بحسبها، مع
بقائه عليها، لا فيما لم يكن كذلك، بل كان حقا تعلق به للغبن، كحق
الجناية، ضرورة أن الجناية، ولو استوعب القيمة، لا يوجب سقوط الجاني عن
المالية، فإنه مما يبذل بإزائه المال على كل حال فكه المولى بالفداء أو لا، بل
استرقه المجني عليه، كما لا يخفى، فلا وجه لبطلان بيعه فيما إذا استوعب ما
رجع به المشتري إلى البايع من الأرش ثمنه، بعد رجوع المجني عليه إليه، كما
يأتي فيما حكاه عن العلامة - قدس سره - في القواعد والتذكرة.
وبالجملة لا وجه لبطلان البيع مع استيعاب الأرش للقيمة، إلا
السقوط عن المالية بذلك، وهو غير لازم، إلى في بعض الأموال، ليكون
استغراق الأرش للثمن معقولا في بعض الأحوال، كما عرفت، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (وكيف كان فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه
يستوعب قيمته، إما يكون له قيمة - الخ -).
قد عرفت أن عيب تعلق حق الجناية برقبته، لا يوجب خروجه عن
المالية، ولو كان مستوعبا للقيمة، فلا مجال لتشقيقه بما ذكره (قدس سره) مع
ما في الشق الأول من عدم بقاء شئ له فيما إذا استوعب حق الجناية
للثمن، فيرجع إلى البايع حينئذ بتمامه.
233

قوله (قدس سره): (ويلزم من طرح القول العادل الواحد، والأخذ بالأقل،
لأصالة براءة ذمة البايع تضييع حق المشتري - الخ -).
لو سلم تضييعه من ذلك كثيرا لما كان موجبا لحجية خبر الواحد،
إلا إذا علم أنه مخالف لغرض الشارع، بحيث لو لم يجعل خبر الواحد حجة لئلا
يبقى مجال لأصالة براءة ذمة البايع عقلا ونقلا لأخل بغرضه، ومن أين تعلم مخالفته لغرضه.
قوله (قدس سره): (ففي كفاية الظن أو الأخذ بالأقل، وجهان - الخ -).
والوجيه هو الأخذ بالأقل، للأصل. وأما وجه ضعف احتمال
الأخذ بالأكثر، فهو أن ضمان العيب لا معنى له، إلا وجوب الأرش على
البايع تعبدا، من دون أن يكون هناك ضمان حقيقة.
قوله (قدس سره): (لأن كلا منهما حجة شرعية، فإذا تعذر العمل بهما 1 في
تمام مضمونه، وجب العمل به - الخ -).
وجوب العمل بكل منهما كذلك، لا دليل عليه بعد عدم مساعدة
دليل الاعتبار، على اعتبارهما، مع تعارضهما، وتكافؤهما، إلا على اعتبار
أحدهما بلا عنوان، بناء على حجية البينة على الطريقية، وتخييرا، بناء على
اعتبارها من باب السببية على ما حققناه في محله. اللهم إلا أن يدعى قيام
الاجماع على الجمع كذلك، وإلا فلا اعتبار فيما ذكره، فإنه مجرد اعتبار، لو لم
نقل بمساعدته على اعتبار أحدهما في تمام مضمونه، لا بكل منهما في بعضه، وأن
الموافقة الاحتمالية في الحقوق أيضا، يكون أولى من المخالفة القطعية. وإنما
يكون الجمع أولى فيما إذا تزاحم الحقوق الثابتة، لا فيما تعارض طرق اثباتها
فتأمل. نعم يكون الاحتمال الثالث المخالف لكل من البينتين، منفيا
بأحدهما، بلا عنوان، أو بأحدهما تخييرا. فتأمل.

1 - وفي المصدر: لأن كلا منهما حجة شرعية يلزم العمل به فإذا تعذر العمل بهما...
234

قوله (قدس سره): (لأن المأمور به، هو العمل بكل من الدليلين، لا بالواقع
المردد بينهما - الخ -).
كي يعين بالقرعة. نعم لا بد من القرعة بناء على حجية إحدى
البينتين بلا عنوان، لو قيل بها في تعيين المردد، وعدم اختصاصها بتعيين
المجهول، كما لو قيل بصحة طلاق إحدى الزوجتين، وعتق أحد العبدين،
وتعيين المطلقة، والمعتق بها.
قوله (قدس سره): (لأنه إذا فرض لكل نصف من البيع، قيمة، تغاير قيمة
النصف الآخر، وجب ملاحظة - الخ -).
بيانه إنه لما كان اللازم أخذ الأرش بحسب التفاوت بين قيمتي
الصحيح والمعيب، وكان قضية قاعدة الجمع، تصديق كل مقوم في نصف
التفاوت بحسب تقويمه بين القيميتين، إذا كان التعارض بين الطرفين،
وثلاثة، إذا كان بين الأطراف الثلاثة، وهكذا كان اللازم أخذ بمقدار
التفاوت بين كل قيمتين، من الطرفين المتعارضين، أو الأطراف، والجمع
بالتصديق في النصف أو الثلث، حسب اختلاف الأطراف.
قوله (قدس سره): (وظاهره كون استعماله في الالتزام الابتدائي، مجازا
- الخ -).
هذا لو لم يكن تفاسير أهل اللغة من قبيل شرح الاسم الذي صح
بالأعم والأخص، ولا يبعد أن يكون التقييد لأجل كون أغلب أفراد الشرط
ضمنية، مع قوة احتمال كونه في حكاية بيع بريرة 1، وفي قول أمير المؤمنين
(عليه الصلاة والسلام) مجازا، للمشاكلة من قبيل " فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه - الآية - " 2 وفي مثل ما الشرط في الحيوان، يمكن دعوى عدم
استعماله، إلا في الضمني، فافهم.
واطلاق الشرط بمعنى الالتزام، لا يكاد يصح على البيع الذي هو تمليك

1 - التاج الجامع للأصول: 2 / 202.
2 - البقرة: 114
235

العين بالعوض، فإنه بهذا المعنى لا بد من التعلق بأمر، بخلاف البيع، كما
يظهر لمن تدبر، فلو أطلق عليه، فهو لا محالة يكون بمعنى آخر، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (وأما بمعنى جعل الشئ شرطا بالمعنى الثاني - الخ -).
هذا لو قيل ببطلان البيع عند تخلف الشرط وعدم تحقق ما شرط.
وأما لو لم نقل به، فلا مجال لهذا المعنى، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (لأن تحقق هذا الشرط بضرب من الاتفاق، ولا يناط
بإرادة المشروط عليه، فيلزم الغرر - الخ -).
لا يخفى ارتفاع الغرر فيما إذا علما أو اطمئنا بتحققه، فلا وجه لأن يكون
لزومه وجها لاعتبار هذا الشرط. هذا، مع صحة النقض بما إذا اشترط
وصفا حاليا لا يعلم تحققه في المبيع، وعدم صحة ذكره - قدس سره - من
الفرق، لعدم الوثوق بتحقق الاجماع، ولو مع فرض الاتفاق، كيف، ومع
الخلاف لاحتمال أن يكون اتفاقه من جهة توهم الفرق بينهما بما ذكره من أن
التزام، وجود الصفة في الحال، بناء على وجود الوصف الحال (إلى آخر ما
ذكره قدس سره)، مع عدم صحته، فإن الالتزام بوجودها في الحال، كما كان
بناء على وجود الوصف الحالي، كان الالتزام به في الاستقبال، بناء على
وجود الوصف الاستقبالي أيضا، ضرورة أن البناء قضية الالتزام، وهو فيما
سواء.
اللهم إلا أن يقال: إن الأمر الاستقبالي، لما كان متوغلا في
الامكان وخارجا عن تحت الاختيار، لم يصح التزامه عند العقلاء، بل
كان لغوا غير مؤثر أصلا، بخلاف الحالي، فإنه وإن كان خارجا عن تحت
الاختيار، إلا أنه لما قد خرج عن حدود الامكان إلى الايجاب أو الامتناع،
صح الالتزام بوجوده، أو عدمه عندهم، فافهم.
قوله (قدس سره): (ويمكن توجيه كلام الشيخ - الخ -).
قد عرفت بما ذكرنا في الحاشية السابقة، أنه لا داعي إلى توجيه
كلامه بذلك، مع أنه غير مجد في رفع الخلاف بمجرد احتماله لذلك، مع
ظهوره في خلافه، فتدبر جيدا.
236

قوله (قدس سره): (إلا أن يحمل على صورة الوثوق بالاشتراء - الخ -).
لا يخفى أنه لا يخرج بالوثوق به عن الاستقبالي، ولا يدخل تحت
القدرة والاختيار، وكون الايجاب اختياريا، إنما يجدي إذا كان جزئه الآخر
للسبب، والعلة التامة محققا سابقا وإلا لاخراج عن الاستقبالي الخارج عن
تحت الاختيار، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (الثالث أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء
- الخ -).
لا يبعد أن يكون هذا مما لا بد في تحقق الاشتراط عقلا، لا من
شروط نفوذه شرعا، كيف وإلا فلا دليل على اعتباره بل عموم " المؤمنون
- الحديث - " 1 دليل على عدم اعتباره.
قوله (قدس سره): (ومن أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه 2 - الخ -).
فيه مضافا إلى منع كون اشتراط موجبا لأن يعلى على الإسلام، أنه
لو سلم وقدم على العموم، كان عدم نفوذه تعبدا لأجل هذه القاعدة، لا لأجل
كون الشرط مما لا يتعلق به غرض العقلاء نوعا وشخصا، فافهم.
قوله (قدس سره): (مما لا يرتاب في ضعفه - الخ -).
لإباء مثل هذا العموم عن التخصيص، وبعد نفوذ الشرط المخالف
للكتاب شرعا إلى الغاية.
قوله (قدس سره): (ثم الظاهر أن المراد بكتاب الله هو ما كتب الله على
عباده - الخ -).
ولا يخفى أن الظاهر من لفظ كتاب الله، هو القرآن، واشتراط الولاء
للبايع في النبوي 3، إنما جعل مما ليس في كتاب الله، وهو كذلك، لا مخالفا
له، حتى صار قرينة على إرادة هذا المعنى منه، مع أنه لو جعل مخالفا، لأمكن

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 473.
2 - وسائل الشيعة: 17 / 376 - ب 1 - ح 11.
3 - سنن ابن ماجة - ج 2 / 842 - الرقم 2521
237

أن يقال: إنه لا محالة يكون حكم الولاء في الكتاب، حيث " لا رطب ولا
يابس إلا في كتاب مبين " 1 وإن كنا لا نفهمه منه، وهو (صلى الله عليه وآله
وسلم) يفهم. فافهم.
قوله (قدس سره): (ولا يبعد أن يراد بالموافقة، عدم المخالفة، نظر إلى موافقة
- الخ -).
وعليه لا حاجة إلى ارجاع الموافقة إلى عدم المخالفة، كما لا يخفى. وإنما
الحاجة إليه، فيما إذا كان مدار المخالفة والموافقة، غير مثل هذه العمومات،
وعليه لا يبعد الارجاع نظرا إلى ما يظهر من مجموع أخبار الباب، من أن المانع
عن نفوذ الشرط، مع عموم المقتضي له ثبوتا واثباتا، ليس إلا مخالفته لحكم
الله المبين في السنة أو الكتاب، فقد عبر عنه، بمخالفة الكتاب والسنة تارة،
وتحليل الحرام، وتحريم الحلال أخرى.
إن قلت: هذا وإن كان لا يأبى عنه غير واحد من الأخبار،
ويساعده الاعتبار، إلا أن مثل النبوي 2 يأبى عنه، ضرورة ظهوره في اعتبار
كونه في كتاب الله.
قلت: نعم، لولا قوله (صلى الله عليه وآله) في ذيله (قضاء الله
- إلى آخره -) الظاهر في كون الولاء لمن أعتق، يكون في كتاب الله، أو
بنحو يفهمه صلى الله عليه وآله. أو المراد من كونه في كتابه، كونه فيما كتبه الله على
عباده، وإن بينه بلسان نبيه (صلى الله عليه وآله)، كما أشير إليه. كيف، وقد
حكم على نفوذه غير واحد من الشروط التي ليس في الكتاب، ظاهرا في غير
واحد من الأخبار، بقولهم " المؤمنون عند شروطهم " 3، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (فاشتراط ترك التزويج والتسري، لا ينافي الكتاب،
فينحصر المراد - الخ -).

1 - الأنعام: 59.
2 - سنن ابن ماجة - ج 2 / 842 - الرقم 2521
3 - مستدرك الوسائل: 2 / 473.
238

لا يخفى أنه لا وجه لهذا التفريع، فإنه كما ينافي اشتراطهما الكتاب،
لا ينافيه نفسهما، وأنه يكفي في اتصاف الالتزام بالمخالفة للكتاب عرفا، تعلقه
بفعل، أو ترك ما دل الكتاب على إباحة فعله وتركه، كما يوجبه تعلقه بفعل
الحرام، أو ترك الواجب، مع أن دليل الحرمة، أو الوجوب أيضا لا دلالة له،
إلا على نفس حرمة الفعل، أو وجوبه، فلو التزم بفعل الحرام، وتخلف وترك
ما أتى بحرام، نعم كان متجريا، لو كان عازما على فعله حين التزامه
وبالجملة، فكما يصح عرفا اتصاف الالتزام بترك الواجب، أو فعل الحرام،
بالمخالفة للكتاب، مع عدم دلالته على منعه كذلك يصح اتصاف الالتزام
بذاك المباح، أو فعله بها. ويدل عليه الرواية 1 الدالة على مخالفة اشتراط ترك
التزويج، أو التسري للكتاب، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ومجردا عن ملاحظة عنوان آخر طار عليه - الخ -).
بل مع ملاحظة كونه مجردا عن طرو عنوان آخر عليه، يتغير بطروه
حكمه واقعا. هذا هو المناسب لما هو بصدده، من مقام الثبوت، وكيفية
ثبوت الحكم في الواقع، وما ذكره إنما يناسب مقام الاثبات، وقد صار
بصدده بقوله " إذا عرفت - إلى آخره - " كما لا يخفى على المتأمل في أطراف
كلامه، زيد في علو مقامه.
قوله (قدس سره): (فيمكن حمل رواية محمد بن قيس 2 - الخ -).
الظاهر أنه سهو عن قلمه الشريف، والصحيح رواية ابن مسلم 3.
فلا تغفل. قوله (قدس سره): فإن لم يحصل له، بنى على عدم أصالة عدم المخالفة
- الخ -).
فإن المخالفة مسبوقة بالعدم المحمولي، الذي هو مفاد ليس التامة،

1 - وسائل الشيعة: 15 / 46 - ب 38 - ح 2.
2 - وسائل الشيعة: 15 / 40 - ب 29 - ح 1.
3 - وسائل الشيعة: 15 / 31 - ب 20 - ح 6.
239

حين عدم ثبوت طرفها، وإن لم يكن مسبوقة بالعدم الربطي، الذي هو مفاد
ليس الناقصة، حيث إن
الشرط وجد إما مخالفا، أو غير مخالف.
فإن قلت: أصالة عدم المخالفة بهذا المعنى، لا يثبت كون الشرط غير
مخالف، إلا على الأصل المثبت، كما لا يخفى.
قلت: نعم، ولكنه لا حاجة إيل إثباته، ويكفي ما يثبت به، وهو
عدم ثبوت وصف المخالفة له، وبه ينقح ما هو موضوع " المؤمنون عند
شروطهم " 1 فإن الخارج عنه بالاستثناء، ليس إلا عنوان خاص، والباقي
تحته كل شرط كان غيره، بلا اعتبار خصوص عنوان، بل بأي عنوان لم يكن
بذاك العنوان، ومن الواضح أن الشرط الذي لم يثبت له المخالفة من ذلك،
فتأمل، فإنه لا يخلو من دقة.
قوله (قدس سره): (ومرجع هذا الأصل إلى أصالة عدم هذا الحكم
- الخ -).
لا يخفى أن أصالة هذا الحكم على هذا الوجه لا يثبت عدم تحقق
المخالفة، إلا على الأصل المثبت، فلا وجه لارجاع أصالة عدم المخالفة إليها،
مع أنها وافية بإثبات ما هو المهم، ولو لم نقل بالأصل المثبت، ولعل وجهه
بنظره - قده - كون الشك في المخالفة مسببا عن الشك في كيفية جعل
الحكم، وهو وإن كان كذلك، إلا أن عدم مخالفة الشرط ليس من الآثار
الشرعية المترتبة عليه، كي يكون المرجع، هو الأصل فيها، فتأمل جيدا، في
المقام، فإنه ينفعك في غير مقام.
قوله (قدس سره): (وفيه من الضعف ما لا يخفى - الخ -).
حيث إن
تخصيصه الشرط المخالف بذلك، ينافيه ما دل من الأخبار
على عدم نفوذ الشرط، لكونه مخالفا، مع كون المشروط نفس الفعل
كالتسري، والهجر، والطلاق، على أن ذلك يستلزم كون الاستثناء منقطعا،
ضرورة الشرط، وأن الالتزام الجدي، لا يكاد يتعلق بما هو فعل الغير،

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 473.
240

وباختياره، فكيف يتعلق بالأحكام الشرعية الخارجة عن تحت قدرة المشترط
واختياره بالمرة. هذا، مع أن الأمر لو كان كما ذكره، من خروج التزام فعل
المباح، أو الحرام عن مدلول الأخبار، لزم تقديم دليل نفوذ الشرط حكومة، أو
توفيقا، كما تقدم أدلة ساير العناوين الطارية من العسر والضرر، فلا وجه
لملاحظة التعارض والترجيح بأمر خارج. فافهم.
قوله (قدس سره): (وربما يتخيل أن هذا الاشكال مختص - الخ -).
لعل وجه تخيل الفرق. إن الإباحة إذا كانت تكليفية، فهي تكون
غالبا لأجل عدم المقتضي للايجاب أو التحريم، بخلاف الإباحة المترتبة على
الوضع، فإنها باقتضائه، لكنه لا يجدي ما لم يكن فعلية، واقتضائه لها بالعلية،
فتختلف ولا تنضبط. نعم عليه يكون الشرط المحرم للحلال، عزيزا جدا، بل
غير محقق، حيث لم يعلم بعد إباحة تكليفية، كانت لاقتضاء مقتضي، فضلا
عن أن يكون بنحو العلية، فافهم.
قوله (قدس سره): (وللنظر في مواضع من كلامه مجال - الخ -).
منها تخصيصه الشرط المحلل للحرام، أو المحرم للحلال، بما إذا كان
على نحو القاعدة والعموم، من دون نظر إلى فرد خاص، مع وضوح كون شرط
شرب خمر خاص، وترك فريضة خاصة، شرطا محللا للحرام، وكون شرط
شرب التتن، أو تركه مدة، ليس كذلك.
ومنها أنه - قده - قد استشكل فيما اشترطت عليه، أن لا يتزوج، أو
لا يتسرى بفلانة خاصة، مع أنه لا وجه على ما بناه، ضرورة أنه لا يوجب
احداث قاعدة كلية، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (أن لا يكون منافيا لمقتضي العقد - الخ -).
اشتراط المنافي، تارة على نحو لا يتأتى منه القصد إلى تحقق مضمون
العقد أصلا، لأجل المناقضة، وأن يأتي منه انشائه، فإنه خفيفة المؤنة، كما إذا
أريد من لفظ (بعت) حقيقة البيع الذي هو التمليك بالعوض، مع اشتراط
عدم الثمن،
وأخرى على نحو يتأتى منه القصد إلى مضمونه حقيقة، غايته
241

بالاشتراط، لقصد عدم ترتب بعض لوازمه وأحكامه، مما له شرعا أو عرفا،
وثالثة على نحو قصد إلى ما لا ينافيه الاشتراط، وإن كان ينافيه
بظاهره، كما إذا أريد مع اشتراط عدم الثمن في الصيغة بلفظ (بعت) التمليك
بلا عوض. ومن الواضح أنه يكون قصده بمكان من الامكان وإن كان
خلاف ظاهر (بعت). فإن كان اشتراط المنافي على النحو الأول، فلا عقد
ولا شرط، سواء لم يقصد إلى مضمون العقد حقيقة من رأس، أو بدأ له بعد
انشائه، فأتى بما يناقضه وينافيه، وإن كان على النحو الثاني، فالشرط غير
نافذ، لمخالفة للكتاب أو السنة، وكذا العقد، لو قيل بكون الشرط الفاسد
مفسدا، وإن كان على النحو الثالث، كان عقد لما قصده فيقع. إلا أن
يقال، باعتبار لفظ خاص في عقده فتأمل فيما ذكرناه، لكي تعرف أن
اشتراط ما ينافيه طاهر العقد، يختلف صحة وفسادا ووجها فيما يفسد. فلا
تغفل.
قوله (قدس سره): (ولو شك في مؤدى الدليل، وجب الرجوع إلى أصالة
ثبوت ذلك الأثر - الخ -).
إنما وجب الرجوع إليها، فيما إذا الشك فيه إلى الشك في مخالفة
الشرط للكتاب أو السنة. وأما إذا رجع الشك فيه، إلى الشك في أن
الاشتراك مع القصد إلى ما هو حقيقة العقد، موجب للمناقصة في القصد، فلا
يجدي الرجوع إليها، كما لا يخفى. بل يكون في الحقيقة شكا في أصل تحقق
العقد والشرط. وكذا لو رجع الشك فيه إلى الشك في أن الشرط ينافي
حقيقته هذا العقد، وأنه مع الشرط يصير حقيقة أخرى، كما عرفت في النحو
الثالث، فحينئذ شك في تحقق تلك الحقيقة، ولا يشك في تحقق ما قصده، ولا
أصل يرجع إليه في اثبات تلك الحقيقة، وترتيب آثارها الخاصة، ولا حاجة
أصل أصلا في ترتب آثار ما قصد، كما لا يخفى. فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (لكن الانصاف إن جهالة الشرط يستلزم - الخ -).
وذلك لأنه قيد للبيع، أو أحد العوضين، وليس بأمر مستقل في
ضمن عقده، قصارى ما يمكن أن يقال، إن اطلاق النهي عن بيع الغرر
242

ينصرف إلى ما كان الجهالة في نفس العوضين بأنفسهما، لا يقيدهما. ولو سلم
فلا أقل من كون جهالتهما كذلك قدرا متيقنا في مقام التخاطب، فلا يشمل
ما إذا كانت الجهالة بالسراية من القيد. لكنه كما ترى.
إن قلت: لو سلم سراية الجهل، فإنما يوجب بطلان العقد ببعض
مراتبه، لا بتمامها، بناء على كون العقد المشروط بتعدد المطلوب.
قلت: لو سلم كونه كذلك، فإنما يبخل، ويبقى ببعض مراتبه،
لو كان العقد جامعا لتمام الشرايط المعتبرة فيه، ومنها أن لا يكون غرريا فافهم.
نعم للخصم أن يقال: إن المتيقن، هو ما إذا كانت الجهالة في
العوضين ولو بالسراية، ولم يحرز كون الشرط قيدا لأحدهما، بل لعله كان قيدا
لنفس البيع، ولعله يرجع إلى ما أفاده العلامة أعلى الله مقامه، من تعليل عدم
ضرر جهالة الشرط بأنه تابع، أي تابع البيع لا تابع المبيع - إلى آخر
كلامه -. يتوجه عليه أن جهالة التابع، إنما يسري إذا كان مما لا يقصد في
البيع، كأساس الجدران ونحوها، لا مثل الشرط المقصود بالخصوص في
البيع. فافهم.
قوله (قدس سره): (لأن بيعه له يتوقف على ملكية المتوقفة على بيعه - الخ -).
لا يخفى عدم توقف ملكيته على بيعه، ولعل توهم التوقف عليه، إنما
كان لأجل أنه شرط، ولا يكاد يؤثر المقتضي بدونه، لكنه فاسد، فإن بيعه
وإن كان شرطا، إلا أنه لا بمعنى كونه جزء العلة وما يلزم من عدمه العدم، بل
بمعنى آخر كما مر، وإلا لزم الملكية في البيع قبل حصول الشرط مطلقا، أي
شئ كان شرطا.
لا يقال: لا يعقل بيع الشئ من مالكه البايع، فشرط بيعه منه في
نفسه غير معقول.
فإنه يقال: إنما لا يعقل إذا كان الشرط بيع ملكه الفعلي، لا بيعه منه
بعد خروجه عن ملكه، وصيرورته ملكا للمشتري. وبالجملة، يكون الشرط،
بيع المشتري للمبيع منه، بعد ما ملكه وصار له، فلا تغفل.
243

قوله (قدس سره): (ولو تواطئا عليه قبله، لم يكف ذلك - الخ -).
والتحقيق أن يقال: إن التواطؤ عليه إن كان بمجرد المقاولة على
الاشتراط في ضمن العقد مع ايقاعه مطلقا، كما إذا يكن هناك مقاولة عليه
أصلا، فلا ينبغي الاشكال في عدم كفاية المقاولة في الاشتراط، ووقوع العقد
مطلقا، كما لا يخفى. وإن كان مع انشاء الاشتراط قبله مع وقوعه كذلك، أي
مطلقا، فيبتني على نفوذ الشرط الابتدائي وعدم نفوذ. وإن كان مع إنشائه في
ضمن العقد، بأن وقع العقد مقيدا ومشروطا، وإن لم يذكر اعتمادا على تلك
المقاولة، فيبتني على أنه لا بد في نفوذ الشرط من ذكره، أو يكفي انشائه بدونه،
مع القرينة عليه. وإن كان بمجرد المقاولة من دون اشتراطه، مع وقوع صيغة
العقد مبهما ومهملا، أي قابلا لأن يقيد ويشترط، لا مطلقا، ولا مشروطا
ومقيدا، فلا شرط، وهو واضح، ولا عقد، فإن المبهم وإن كان ينشأ، إلا أنه
لا يتسبب بإنشائه إلى تحققه، حيث لا يكاد يوجد في الخارج، ما لم يتشخص
بالاطلاق، أو الاشتراط، وما لم يكن قابلا لذلك، لكي يقصد بانشائه
التسبب إليه، لم يكن انشائه عقده. فافهم.
قوله (قدس سره): (وعموم " المؤمنون عند شروطهم " 1 مختص بغير هذا
القسم - الخ -).
اختصاصه بغيره مبني على أن لا يكون الوفاء يتم ترتيب الآثار، ولم
يكن بمعنى الالتزام بالشرط، وعدم فسخه، ورفع اليد عنه، أو بمعنى الارشاد
إلى نفوذه وتحقق مضمونه، وإلا يعمه ولم يختص بغيره. والظاهر أن مثل
" المؤمنون عند شرطهم " يدل على نفوذ الشرط ولزومه، بلسان كون الشارط
عند شرطه، وملازما إياه لا ينفك عنه، من غير دلالة على وجوب الوفاء، كي
يلزم اختصاصه ببعض أقسام الشرط، أو تنزيله على شموله، لترتب الآثار،
مع أن ترتب الآثار على ما حصل بسبب العقد أو الشرط، إنما هو بما دل على
ترتبها عليه، لا بدليل وجوب الوفاء بهما، كما لا يخفى.

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 473.
244

ومن هنا ظهر أنه لا بد أن ينزل مثل " أوفوا بالعقود 1 " على وجوب
الالتزام بها، وعدم فسخها، والمعاملة معها، كما إذا لم تكن، أو على الارشاد
إلى تحقق مضامينها، كما ينزل النهي في باب المعاملات على الإرشاد إلى عدم
تحقق ما هو قضية المعاملة المنهي عنها. فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (وإن أريد حصول الغاية بنفس الاشتراط، فإن دل
دليل - الخ -).
لا يخفى أنه لا مجال لهذا الكلام، مع عنوان المسألة في بيان ما للشرط
الصحيح من الأحكام، فإنه كلام في أنه فاسد أو صحيح، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (ومن أن الوفاء لا يختص بفعل ما شرط - الخ -).
بل قضية نفوذ الشرط فيما إذا تعلق بالفعل أيضا، هو صيرورته ملكا
للمشروط له، ومستحقا له، نظر ما إذا صار أجيرا في عمل، فوجوب الفعل
المشروط على المشروط عليه مع المطالبة، كوجوب العمل على الأجير عندها،
إنما هو لوجوب أداء كل حق إلى صاحبه، كما مرت الإشارة إليه عن قريب،
فتذكر.
لا يقال: إن التمسك بالعموم، مع تخصيصه بغير الشرط المخالف
للكتاب والسنة، مع احتمال اعتبار سبب خاص في تحقق ما شرط، يكون
من باب التمسك به في الشبهات المصداقية.
فإنه يقال: هذا لو لم يكن هناك ما ينقح به عدم المخالفة، وقد مر أن
قدم المخالفة هو قضية الأصل، فراجع.
قوله (قدس سره): (المشهور، هو الوجوب، لظاهر النبوي 2 - الخ -).
فإنه وإن لم يكن دالا، إلا على نفوذ الشرط وصحته، إلا أن صحته
توجب استحقاق المشروط له لما شرط، فيجب على المشترط عليه مع المطالبة
الأداء، لئلا يمنع الحق عن صاحبه، كما مر فتأمل.

1 - المائدة: 1.
2 - مستدرك الوسائل: 2 / 473
245

قوله (قدس سره): (من أن اشتراط ما سيوجد 1 أمر منفصل، وقد علق عليه
- الخ -).
بل متصل وقد حصل أثره، وهو استحقاق المشروط له لما شرط من
الفعل، وقد قيد به العقد، ولا تعليق له على ذاك الفعل المنفصل عنه أصلا.
ولعل منشأ التوهم، كون الفصل شرطا، وإطلاق الشرط عليه، وتعليق
المشروط عقلا على الشرط، مما هو واضح. لكنه قد عرفت سابقا أن الشرط
هيهنا بمعنى آخر، وليس بذاك الشرط الذي يكون من أجزاء العلة التامة.
كيف، ولو كان ذاك، لتوجه عليه أن قضية ارتفاع العقد من رأس، لا
انقلابه، وجائزا، كما وجه عليه المصنف - قده - فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (فإن الخيار إنما شرع بعد تعذر الاجبار، دفعا لضرر
- الخ -).
حيث لا ضرر مع امكان الاجبار، مع أن الضرر الناشئ من قبل
المخالفة، وعدم العمل بالعقد والشرط، مع تأثيرهما لتمام مراتب المقصود، وهو
ملك المثمن أو الثمن، وملك الشرط على المشروط عليه، لا يوجب تزلزلا وخيارا
في العقد، وإنما يؤثر لو كان نفس العقد والشرط ضرريا، كما في الغبن، وكما
إذا تخلف الشرط، ولم يكن المبيع بتلك الصفة التي شرط أن يكون متصفا
بها، فإن العقد مع الشرط حينئذ، حيث لا يكاد يؤثر تمام المقصود، بل إنما
يؤثر استحقاق هذا الشخص الفاقد لها، كما لا يخفى، كان نفس هذه المعاملة
ضررية، فيكون اللزوم الذي كان حكم المعاملة، لو لم يكن كذلك. منفيا
بقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " 2، فلو قيل بالخيار، لم يكن إلا للاجماع. من
الواضح أنه لا اجماع، من امكان الاجبار، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (بخلاف الشرط، فإن المشروط حيث فرض فعلا
كالاعتاق، فلا معنى لتملكه - الخ -).

1 - وفي المصدر: واشتراط ما سيوجد أمره.
2 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 12 - ح 3.
246

قد مر الارشاد غير مرة، أن قضية الشرط، هو أيضا استحقاق
المشروط له لما شرط، وتملكه له، فمجرد امتناع المشروط عليه عنه، لا يكون
نقضا له، ولا يكون إلا كالامتناع عن تسليم أحد العوضين، ولعله أشار إليه
بأمره بالتأمل، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (ففي استحقاق المشروط له لأجرته، أو مجرد ثبوت لخيار
له، وجهان - الخ -).
أوجههما الأول، لأن العقد والشرط قد أثرا أثرهما، من استحقاق
العوضين للمتبايعين، والشرط للمشروط له، فنفوذهما ليس بضرري، ليتدارك
بالخيار، كما في تعذر الشرط، إذا كان وصفا، والغبن، والعيب، وتعذره أمر
طاري يوجب التنزل إلى البدل، كما إذا تعذر تسليم أحد العوضين الكليين.
فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (فالظاهر عدم منع ذلك عن الفسخ - الخ -).
فإن مورد الفسخ هو العقد، والعقد يصح فسخه ولو مع امتناع تراد
العوضين، إذ الظاهر أن التعذر، إنما يوجب الخيار لأجل الضرر والضرار 1،
فكما أنه يوجبه مع امكانه، يوجبه مع امتناعه. نعم لو كان الخيار تعبدا
للاجماع، فيمكن أن يقال: إن القدر المتيقن من معقده، هو صورة امكانه،
فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (وأما لو كان منافيا كبيع ما اشترط وقفه على البايع، ففي
صحته مطلقا - الخ -).
وهذا الوجه هو المتجه، فإن وجوب أحد المتنافين لا يؤثر حكما أصلا
في الآخر، لا تكليفا ولا وضعا، فلو باع بدون إذن المشروط له، جاز ونفذ، ولو
أثم بتركه الواجب عليه، وحينئذ لو فسخ المشروط له، فالأقوى الرجوع إلى
البدل جمعا بين الأدلة، كما تقدم في كلامه، زيد في علو مقامه، وإنما يوجب
شرط الضد، توقف النفوذ على إذن المشروط له، أو إجازته لو أحدث في العين

1 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 12 - ح 3.
247

حقا له، ولم يثبت، والأصل عدمه. وإنما الثابت هو استحقاقه عليه الضد، فلو
تعذر عليه، ولو بسوء اختياره لضده، فعليه بدله، ولا موجب لتسلط المشروط له
على فسخ العقد أصلا، كما لا يخفى. فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (فإرجاع قوله: بعتك هذه الصبرة على أنها عشرة أصواع 1
- الخ -).
بأن يكون المبيع في الحقيقة كليا خارجيا، وهو عشرة أصواع موجودة
في هذا المكان، كي يكون الثمن بإزاء العشرة، فيسقط عليها، وإن كان المبيع
بحسب الصورة، شخص الوجود الخارجي، وعليه فيكون النزاع صغرويا، وفي
أن المبيع هل هو الكلي أو الجزئي. وإن شرط مقدار خاص في جزئي، يرجع
في الحقيقة إلى بيع ذاك المقدار كليا، أو كان باقيا على بيع الجزئي، والشرط
كشرط أمر آخر فيه، ولا يخفى اختلاف ما شرط، لا يوجب اختلافا في
حكم الشرط، فكما لا يكون شرط الكيفية موجبا لرجوع بيع الجزئي إلى بيع
كلي خارجي موصوف بصفة كذا، فكذلك شرط الكمية، فلا وجه لارجاعه،
ولذا جعل المصنف العلامة أعلى الله مقامه، النزاع كبرويا وفي أن الثمن
يسقط على مثل هذا الشرط، كالجزء، أو لا يسقط عليه، كساير الشرايط.
وعليه فلا بد في دعوى التقسيط من دعوى أنه بحسب الحكم العرفي، لا أنه
بحسب جعل المتعاقدين، ضرورة أن حال هذا الشرط بحسب ذلك، حال
سائر الشرائط. وأنت خبير بأن دون إثبات حكم العرف بالتقسيط على هذا
الشرط من بين الشروط، خرط القتاد. بل لا يبعد دعوى أنه ليس في صورة
تخلف هذا الشرط، إلا الخيار.
قوله (قدس سره): (ولعل هذا أظهر - الخ -).
وذلك لما مر، من أن الاختلاف فيما شرط، لا يوجب اختلافا في
حكم الشرط، فتذكر.

1 - وفي المصدر: على أنها عشرة أصوع.
248

قوله (قدس سره): (لأن البايع لم يقصد بيع الزائد، والمشتري لم يقصد شراء
البعض، وفيه تأمل - الخ -).
وجه التأمل أن هذا الوجه، إن صح لعم جميع صور تخلف الشرط.
لكنه إنما يصح لو قيل بعد تعدد المقصود في العقود، وعدم تحليلها بحسب
القصد، فيما إذا وقع الشرط في ضمنها، وهو محل كلام بين الأعلام، ويأتي
عن قريب تحقيقه.
قوله (قدس سره): (ولا تأمل أيضا في أن الشرط الفاسد لأجل الجهالة،
يفسد العقد - الخ -).
بل لا يخلو عن التأمل، فإن رجوع جهالة الشرط إلى جهالة أحد
العوضين، إنما يسلم لو كان الشرط من قيود أحدهما. وأما إذا كان من قيود
نفس البيع، فلا وجه له أصلا، كما لا يخفى، ولم يعلم كونه من قيود أيهما، أو
أنه يختلف بحسب الشروط، أو القصود، لو لم يدعى ظهور أنه من قيوده. نعم
جهالته توجب الغرر في البيع، لو لم نقل بأن الغرر المنفي، إنما هو بملاحظة
الخطر في أحد العوضين، لا ما يعم في البيع لأجل قيده، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (لأنه موجب للدور، أو لعدم القصد إلى البيع الأول
- الخ -).
قد عرفت فيما مر، أنه لا يوجب الدور، ولا عدم القصد بل لا يكاد
يتأتى منه القصد إلى هذا الشرط، بدون قصد البيع الأول، فتأمل.
قوله (قدس سره): (قولان، حكي أولهما عن الشيخ والإسكافي - الخ).
والظاهر أن القول الأول للعلامة ومن بعده، والثاني للشيخ ومن
بعده، ويكون العكس سهوا من قلمه الشريف، فراجع.
قوله (قدس سره): (والحق أن الشرط الغير المقدور من حيث هو غير مقدور،
لا يوجب تعذر التسليم - الخ -).
فإنه يتمكن من تسليمه إذا حصل اتفاقا. نعم ما لا يكون حاصلا في
الحال. ولا مقدورا عليه في الاستقبال، لا يكاد يتعلق تعلق الاشتراط به. نعم
لا يبعد أن يكون حال ما يعلم حصوله في الاستقبال، حال الحاصل في
249

الحال، في اشتراطه، والالتزام به، فتدبر.
قوله (قدس سره): (لعموم الأدلة السالم عن معارضة ما يخصص 1 عدا وجوه
- الخ -).
لا يخفى أنه مع فساد الشرط، وعدم امضائه العقد الخاص المشروط،
إنما يكون شك في خياره رأسا، من جهة الشك في أن هذا العقد الخاص كان
في الحقيقة عقدا على اثنين، كأنه كان عقدين، أو لم يكن عقدا، إلا على
واحد، كما إذا لم يكن شرط في البين. فيكون الشك في المقام في تحقق فرد
العام، فلا يجدي فيه العموم في دليل حكم العام، ضرورة أنه يجدي فيما إذا
كان الشك في ثبوت حكمه لفرد من أفراده ويأتي إن شاء الله تعالى تحقيق
حاله، وما يمكن أن يقال في وجه انحلاله، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (ولذا اعترف في جامع المقاصد بأن في الفرق
- الخ -).
لا يخفى وضوح الفرق بينهما، فإن تحليل العقد، وإن مضمونه بحسب
القصد، هو تمليك كل جزء من المثمن بإزاء ما يخصه من جزء الثمن، كما هو
قضية المقابلة بينهما، واضح فيؤثر العقد فيما قابل للتمليك والتملك بينهما،
ويبطل فيما لا يقبل لهما. وهذا بخلاف الشرط، فإن العقد قد تعلق بالخاص
وهو المشتري، ومع عدم فساد الشرط فلا يكون العقد ابتداء متعلقا بالفاقد.
ولا بد في دعوى تعلقه به، من دعوى تعلق القصد به ثانيا، وهو وإن كان
ممكنا، إلا أن ثبوت بحسب القصد، واثباته بحسب دلالة لفظ العقد في هذا
الباب، ليس بينا كذاك الباب، كما لا يخفى على ذوي البصائر والألباب.
وبذلك انقدح أنه لا يكفي للمستدل بالعمومات، مجرد المنع، لوضوح
أن قضية الاشتراط هو الارتباط بين التراضي بالتجارة والشرط، وأنه لا يكون
بدون تراضي، بل لا بد له من اثبات تعدد القصد في العقد، وأن التقييد
بالشرط إنما يكون في المرتبة العليا منه، لا أنه مرتبة واحدة وهي مقيدة، كي

1 - في المصدر:... عن معارضة ما يخصصه عدا وجوه.
250

ينتفي رأسا بانتفاء قيده، فافهم.
قوله (قدس سره): (وحل ذلك أن القيود المأخوذة في المطلوبات العرفية 1
ما هو ركن المطلوب - الخ -).
فإذا صار شئ متعلقا للطلب أو للعقد بتلك القيود، فالفاقد لو أحد
منها لا يكون متعلقا لها أصلا، ولو فرض أنه أحيانا مما تطلق به القصد، وإن لم
يكن بتمام المقصود، لما كانت صيغتهما وافية باثباته، بل لا بد من نصب
دلالة عليه متصلة بصيغتهما لو أريد انشاء طلبه، أو عقده بصيغة واحدة، وإلا
فلا بد من طلب أو عقد آخر، بصيغة أخرى، كما لا يخفى.
وهذا بخلاف ما إذا لم يكن القيد ركنا له، فإن كونه كذلك نوعا،
قرينة عرفا على أن المنشأ بصيغة كل منهما شيئان، طلب الواجد إن كان،
وإلا فطلب الفاقد وهكذا العقد مع صورتي الوجدان والفقدان، بحيث لو
فرض أن أحد ما أراد إلا الواجد، وأن الفاقد ليس متعلقا لقصده، أصلا، فلا
محيص له عن نصب دلالة على ذلك، وإلا كانت صيغة كل منهما لأجل
الاحتفاف بتلك القرينة النوعية، ظاهرة في تعدد المطلوب، والعرف يحكم
فيه بكون الفاقد أيضا بالصيغة مطلوب. فافهم.
قوله (قدس سره): (فإن العرف يحكم في هذه الموارد بكون الفاقد نفس
المطلوب - الخ -).
حق العبارة أن يقال: يكون الفاقد أيضا مطلوب، لما عرفت،
وتعبيره يوهم أن صحة العقد في صورة الفقد لحكم العرف، باتحاد الفاقد، مع
ما هو متعلق العقد من الواجد، مع عدم حكم العرف به، وعدم جدوية في
الحكم بالصحة بعد عدم تعلقه إلا بالواجد، ومسامحة العرف في حكمه، فلا
محيص في الحكم بالصحة عن دعوى تعلقه بالاثنين، وأن للمقصود منه
مرتبتين، فتأمل جيدا.

1 - وفي المصدر: في المطلوبات العرفية والشرعية منها ما هو ركن المطلوب.
251

قوله (قدس سره): (والظاهر أن الشرط من هذا القبيل - الخ -).
كون الشرط مطلقا من هذا القبيل مشكل، فإنه ربما كان ركنا
لمشروطه، بحيث لولاة لما تعلق به القصد والعقد أصلا، فلا بد في تعيين أنه من
أحد القبيلين، من التماس قرينة من حال أو مقال دلت على أن المتعاقدين
قصدا بعقدهما واحدا أو اثنين، وبدونهما يعامل معه كما إذا علم أنهما لم
يقصدا إلا واحدا، لعدم احرازه انعقاده، مع فساده للشك في القصد والدلالة
عليه، بحسب متفاهم العرف التي لا بد منها في تحقق العقد، بداهة عدم تحققه
بدونها بمجرد القصد، فافهم.
قوله (قدس سره): (وأدلة نفي الضرر، قد تقدم غير مرة أنه لا تصلح
- الخ -).
مع أنه يمكن أن يقال، لا يكون مجال لتوهم الخيار، إلا فيما إذا قصد
المتعاقدان العقد على العوضين مع فساد الشرط أيضا، ومعه كان منهما الاقدام
على الضرر، ومعه لا يكون محل القاعدة نفي الضرر والضرار، ليوجب ثبوت
الخيار، فتأمل.
قوله (قدس سره): (لأن المعلوم اجمالا، أنه لو عمل بعمومها - الخ -).
فيكشف هذا عن كثرة ورود التخصيص عليها، فلا يجوز العلم بها.
إن قلت: على هذا يلزم عدم جواز العمل بها، ولو اعتضدت بعمل
جماعة من الأعلام، لطرو الاجمال عليها، لأجل العلم الاجمالي بتخصيصها
كثيرا.
قلت: إنما علم اجمالا بذلك في غير موارد العمل، فلا يكون مورده من
أطرافه، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (فإن اعتبارهما معا في الصحة، يقتضي كون تخلف
أحدهما كافيا في البطلان الخ -).
فإن البطلان عدم الصحة، ولعل توهم عدم الكفاية، لأجل توهم
كونهما ضدين وأمرين وجوديين. فتأمل.
252

قوله (قدس سره): (إذا أوقعا العقد المجرد على النحو الذي يوقعانه مقترنا
بالشرط - الخ -).
بأن يريدا من اللفظ الدال على المشروط، المعنى المبهم القابل
للاطلاق والتقييد، وأرادا تقييده بما اشترطاه خارج العقد.
قوله (قدس سره): (لعدم الاقدام على العقد مقيدا - الخ -).
والاقدام وعليه مطلقا، ويمكن أن يكون مثله، صورة طرو النسيان في
محل ذكر الشرط، مع كونه مطلقا، لعدم ذكر شرط، كما إذا له في هذا
المحل وأطلق، لعدم ذكر شرط، كما إذا كان من الأول، بصدد الاطلاق، إن لم
نقل باعتبار قصد الاطلاق أو التقييد من الأول.
وقد انقدح بذلك أن هذه الصورة إنما لحق بتارك ذكر الشرط
عمدا، تعويلا على التواطؤ السابق، فيما إذا لم يصير بصدد الاطلاق، بعدم
ذكر الشرط، كما إذا بدا له ذلك البناء على التقييد قبل هذا المحل، بل
كان باقيا على الاشتراط، فتأمل.
قوله (قدس سره): (ليصدق أنه مما ترك الميت - الخ -).
ربما يشكل بعدم صدق أنه مما تركه الميت في الحق فإن الحق عبارة
عن اعتبار خاص منتزع عن منشاء انتزاع مخصوص، كالملكية، فوزانه ليس
وزان الملك، بل الملكية، فكما لا يصدق ما تركه على الملكية، بل على الملك
بانقطاع ما كان للميت من العلاقة وتركه بلا إضافة الملكية له، كذلك لا
يصدق على الحق بانقطاعه بنفسه كالملكية، وانتفائه بارتفاع طرفه وموضوعه
لتقوم الأعراض، والاعتبارات، والإضافات بالأطراف والموضوعات، فافهم
فإنه لا يخلو عن دقة.
قوله (قدس ره): (ويضعفه أن حق الخيار علقة في الملك المنتقل إلى الغير
- الخ -).
ويضعفه أن الخيار علقة في العقد من حيث التسلط على فسخه
وامضائه، غاية الأمر أثر الفسخ رجوع كل من العوضين إلى ما انتقل عند أو
وارثه، كما في الأجنبي، فإنه أيضا مسلط على فسخ العقد وامضائه، وأثر
253

فسخه، رجوع العوضين إلى ما انتقلا عنه، من دون تعلق حق بنفس الملك
المنتقل إلى الغير أصلا، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ويمكن دفعه بأن ملك بايع الأرض للثمن - الخ -).
فيه أن يكون ملك بايع الأرض للثمن متزلزلا، وفي معرض الانتقال
إلى جميع الورثة، بفسخ المورث ذي الخيار، لا يقتضي ثبوت حق للزوجة، لو
قيل بأن الخيار فيما انتقل عنه، من حيث تسلطه على رد ما في يده، ليملك ما
انتقل عنه بإزائه، فلا يمكن الدفع إلا بما عرفت، من منع كون الخيار حقا في
الملك المنتقل عنه، بل في العقد، فقد تركه ذو الخيار، فلو إرثه ومنه الزوجة.
قوله (قدس سره): (الثالث: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار
- الخ -).
لا يخفى أن إضافة لفظ المجموع إلى الخيار وهو واحد، لا يخلو عن
استهجان، لو لم يكن لأجل المشاكلة مع مجموع الورثة. فافهم.
قوله (قدس سره): (فالمتيقن من مفادها، هو ثبوت الخيار الواحد الشخصي
للمجموع - الخ -).
بل الظاهر منها، وذلك لأن حق الخيار الشخصي الذي كان
للميت، وإن كان بحسب الدقة يستحيل إن يبقى، لما أشرنا إليه. وما للورثة
من الخيار، كان في الحقيقة خيار آخر، إلا أنه ثبت لهم بعنوان أنه ذاك
الخيار الذي كان ثابتا لذي الخيار، وقد تركه بموته، فالورثة بأجمعهم يقوم مقام
ذاك الواحد، في صيرورتهم طرفا لذاك الحق الواحد، وقضية عدم التخاير
من اختيار الفسخ أو الامضاء إلا باجتماعهم عليه.
وبالجملة يكون ظاهر دليل الإرث، صيرورة ما كان للميت من
الخيار الواحد، لمجموع الورثة، كما إذا جعل خيار واحد للأجنبيين، أو
المتبايعين على التوافق، لا الاستقلال بالتخاير.
قوله (قدس سره): (فإن النص قد دل على أنه لا يسقط بعفو أحد الشريكين
- الخ -).
لا يخفى أن قضية كون حق واحد للاثنين على التوافق، ولو كان
254

لكل واحد اسقاطه، لم يكن على نحو التوافق، بل بالاستقلال. نعم كان
لكل منهما إسقاطه ماله، فيختص بالآخر، فإن الاشتراك إنما يمنعه عما ينافي
مع حق شريكه، ما كان لذي الحق لولاه، واسقاطه ماله منه أصلا، كما
لا يخفى. فيكون الخاص النص الدال على عدم سقوط حق القذف 1، وحق القصاص 2
بعفو بعض الشركاء، وكذا حكم المشهود بعدم سقوط حق الشفعة بعفو بعض
الورثة على القاعدة، وقضية كون حق واحد لاثنين، فكل واحد من الورثة،
وإن كان ليس له التخاير، لا الفسخ، ولا الامضاء، ولا إسقاط أصل
الخيار، إلا أن له إسقاط ماله منه فيصير كأنه لم يرث الخيار، فيختص به
الباقي، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ويمكن أن يفرق بالضرر - الخ -).
قد عرفت أنه لا فرق بينهما، وأن الحكم بذلك على القاعدة، مع أن
الضرر لو كان، لكان هو السبب للحكم في باب الشفعة والقصاص، فليكن
سببا في هذا الباب، ولعله أشار إليه بأمره بالتأمل، فتأمل.
قوله (قدس سره): (وحاصله إنه متى فسخ أحدهم وأجاز الآخر لغى الفسخ
- الخ -).
وكذا لغى الإجازة، ويبقى الخيار، كما إذا لم يكن هناك فسخ ولا
إجازة. وذلك لما عرفت في أول الخيارات، من أن الإجازة يكون أحد طرفي
التخاير الذي هو قضية الخيار، نعم على ما اختاره - قده - كانت الإجازة
من أحدهم اسقاطا لحقه، فيختص الخيار الباقي، كما عرفت، من تأثير
اسقاطه، سقوط ماله منه. فتدبر.
قوله (قدس سره): (ومن أنهم قائمون مقام الميت في الفسخ برد الثمن أو بدله
- الخ -).
لا يخفى أن الورثة بعد الفسخ يتلقون من الميت بالفسخ، ما انتقل عنه

1 - وسائل الشيعة: 18 / 456 - ب 22 - ح 2.
2 - وسائل الشيعة: 19 / 85 - ب 54 - ح 1 و 2.
255

بالبيع، لا عن المفسوخ عليه، فلا بد من اعتبار انتقال بدله منه إليه، لا منهم.
وبالجملة كما يكون الانتقال إلى الميت بالفسخ من المفسوخ عليه،
فلا بد من أن يكون بعوض ما انتقل إليه بالبيع، لا بعوض آخر، وإلا لم
يكن فسخا، بل معاوضة جديدة، كما لا يخفى. وقياس إرث الخيار، على إرث
حق الشفعة، قياس مع الفارق، ضرورة أنه لا مقتضي في الأخذ بها، كون
المال من المورث أصلا، فإن المأخوذ بالشفعة إنما يتلقاه الوارث من المشتري،
لا من الميت، وإن كان تلقى منه حقها، كما لا يخفى، بخلاف الخيار، فإن
قضية الفسخ، وتلقي الورثة للمال من الميت، كما عرفت هو ذلك.
وقد انقدح بذلك، ما هو أوجه الوجهين اللذين ذكرهما فيما فرعه على
هذا، وإن الأظهر في الفرعين هو كون ولاية الوارث، كولاية الولي، من جهة
أنه ليس لواحد من طرفي النقل والانتقال الحاصلين بالفسخ ابتداء، وإن
كان ينتقل إليه ما انتقل إلى الميت ثانيا بالإرث. والسيرة لو سلم أنها جرت
بما ذكره، لا شهادة فيها أصلا، لعدم لزوم أداء ديون الميت من مال مخصوص،
إلا أن يريد عدم إلتزامهم بالأداء لا منه، ولا من غيره، وهو كما ترى، مع
عدم شرايط الاعتباري فيها، كما لا يخفى. والمسألة واضحة إن شاء الله لمن تأمل
فيما أشرنا إليه، فتأمل تعرف.
قوله (قدس سره): (ومن أن الظاهر الجعل أو محتمله، مدخلية نفس الأصيل 1
- الخ -).
لا يخفى أنه على هذا يكون النزاع صغرويا، وعلى الوجهين الأولين
يكون كبرويا، فلا بد من جعل محل النزاع في المسألة، أعم منهما، وإلا فلا
تأتي لهذا الوجه، أو الأولين منها. فافهم.
قوله (قدس سره): (لكن الأمر هيهنا أسهل، بناء على أن ذي الخيار إذا
تصرف - الخ -).
لا يخفى أن البحث هيهنا في مقامين: (أحدهما): إن الفسخ لما كان

1 - وفي المصدر:... مدخلية نفس الأجنبي.
256

أمر تسبيبا، هل يكفي في حصوله الفعل، أو لا بد فيه من القول، وهذا
بخلاف الإجازة، فإنها ليست إلا نفس الرضاء والامضاء، فيمكن القول
بحصولها بالفعل الكاشف عن الرضاء دونه، وإن كان الأقوى كفاية الفعل
فيه أيضا.
(ثانيها): دلالة تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه أو إليه، بما لا يجوز
إلا للمالك على الفسخ، أو الرضاء. أما دلالة التصرف فيما انتقل إليه على
الرضاء، فعله لعدم الانفكاك مثله عادة عن قصد ترتيب الأثر على البيع أو
الشراء، وقصد أنه تصرف في ملكه الحاصل ببيعه أو شرائه، وهذا عين الرضاء
به. وهذا بخلاف التصرف فيما انتقل عنه، فإنه كما يمكن وقوعه بعنوان
الفسخ، يمكن وقوعه عدوانا، أو فضولا، أو بشاهد الحال، أو غفلة عن انتقاله
عنه. وحمل فعل المسلم على الصحيح، لا يقتضي إلا ترتيب أثر الصحيح شرعا
عليه، لا أثر ما يتوقف عليه صحته، كما حقق في محله. وظهور الأفعال في
عدم الفضولية، أو كونها مع عدم الغفلة، لو سلم، فلا دليل على اعتباره.
وأصالة عدم الخطأ في الأقوال والأفعال، لا يقتضي إلا عدم صدورها خطأ
بحيث لولا الخطأ لما صدرت، لا عدم صدورها عن قصد مع الغفلة عما
لولاها، لربما صدرت أيضا، وكذا الحال في أصالة عدم شاهد الحال، فإنها
لا تثبت أن التصرف بقصد الفسخ، ولو على القول بالأصل المثبت.
فانقدح بذلك أن الأمر هيهنا، أشكل من حيث الصغرى
والكبرى، فلا بد في الحكم الفسخ من كون الفعل مكتفا بقراين مفيدة
لوقوعه فسخا، وبدونها لا يحكم به، لعدم احراز قصده، بل يمكن دعوى عدم
حصوله في هذه الصورة، ولو مع قصده لاعتبار الدلالة في حصوله، وعدم
كفاية قصده، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (ومن المعلوم أنه لا يصان عنه إلا إذا وقع - الخ -).
يمكن أن يقال: إنه على السببية لما كان الفسخ مؤخرا عن الفعل
ذاتا ومقارنا له زمانا، كانت هذه المقارنة الزمانية كافية في صيانة فعل
المسلم، إذا لا يعتبر في صحته إلا وقوعه في حال الملك، وعدم وقوعه قبله زمانا،
257

لا ذاتا، كيف، وإلا يلزم على الكشف حصول الفسخ بمجرد قصده السابق،
وهو لا يكاد يحصل، وإن حصله به الامضاء، لما عرفت أنه نفس الرضاء
بالبيع أو الشراء، وأنه مما يحصل بالمعاشرة، بخلاف الفسخ، فإنه لا يكاد
يحصل، إلا بالتسبيب. فانقدح أنه لا ملازمة بين حصول الامضاء بمجرد
قصده والرضاء، وبين حصول الفسخ بمجرد القصد والرضاء. فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (والبناء على كونه منفسخا من دون أن يدل عليها بفعل
مقارن له - الخ -).
لا يخفى أن اعتبار دلالة الفعل على الفسخ في حصوله، لا يكاد يصح،
إلا على السببية، غاية الأمر حصوله بالتصرف بنحو الشرط المتأخر من قبل
وقوعه، فمع الالتزام بما اتفقوا عليه، لا محيص عن الالتزام بها، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (لأن الفعل لا إنشاء فيه - الخ -).
لا يحتاج الانشاء إلى زيادة مؤونة، فإذا اختار الفسخ، وأراده بتصرفه
الدال عليه، حصل كما يحصل بإرادته بلفظ يدل عليه، كما لا شبهة في حصوله
بالإشارة والكتابة، وهما أيضا من الأفعال.
وما حكاه من العلامة في بعض مواضع التذكرة، لا دلالة على
الكشف بوجه، لملائمته بكلا وجهيه من السببية، لما عرفت من أن عود الملك
بالتصرف على السببية بنحو الشرط المتأخر بكون قبيل التصرفات. فافهم.
قوله (قدس سره): (ولو قلنا بحصوله بنفس الأفعال، فينبغي عدم صحة
التصرفات المذكورة - الخ).
قد عرفت مصادفتها لملك العاقد زمانا بكلا الوجهين في اعتبارها
ودخلها، من كونه بنحو الشرط المتقدم، أو الشرط المتأخر.
قوله (قدس سره): (لأن صحة العقد حينئذ يتوقف على تقدم ملك العاقد 1
- الخ -).
بل يكفي مقارنته زمانا، وقد عرفت أن التقدم يكون على نحو السببية

1 - وفي المصدر:.. يتوقف على تقدم تملك العاقد.
258

بنحو الشرط المتأخر، كما هو لازم ما اعترف به - قدس سره - مما اتفقوا
عليه من عدم حصول الفسخ بمجرد القصد، من إرادة دلالة الفعل عليه، كما
أشرنا إليه، تأمل تعرف.
قوله (قدس سره): (وإلا لزم تقدم وجود المسبب على السبب - الخ -).
لا بأس بتقدمه عليه، ولا ينخرم به القاعدة العقلية، لما حققناه في
الفضولي، من أن السببية، والمسببية، حقيقة في الملك، ونحوها من الأحكام،
وساير الاعتبارات، بين الاعتبارات الطارية، واعتبار ما يكون اعتباره
مصححا لها، ويصح بلحاظ انتزاعها، أو موجبا لحسن موضوع، أو قبحه
المتتبعين للحكم عليه، بإباحة، أو تحريم، أو ايجاب، أو استحباب، فراجع
هناك، وإن أردت زيادة بيان فعليك بالفوائد فراجع.
قوله (قدس سره): (فالوطي المحصل للفسخ، لا يكون بتمامه حلالا
- الخ -).
قد عرفت امكان أن يقال: إنه يكون بتمامه حلالا، لاقترانه مع
الملكية في الزمان، وإن تقدم عليها ذاتا. فقد انقدح بذلك التوفيق بين حلية
الوطي بتمامه، وحصول الفسخ به، لا حصوله بالقصد قبله، لوقوعه مع ذلك
بتمامه في الحال الملك، فافهم.
قوله (قدس سره): (وفيه انعتق العبد موقوف على عدم عتق الجارية
- الخ -).
يمكن أن يقال: إن امضاء العقد، لما كان بمجرد الرضاء السابق
المنكشف بصيغة عتق العبد، بخلاف الفسخ، فإنه يكون بنفس الفعل، كما
عرفت مفصلا، كان الامضاء سابقا على الفسخ، فلا يبقى مجال لنفوذ عتق
الجارية، فلا يزاحم به عتق العبد الواقع في الحقيقة بعد الامضاء، ولا مزاحم
آخر. فتدبر.
قوله (قدس سره): (فإن الثابت من الخيار 1، الفسخ بعد ملاحظة جواز

1 - وفي المصدر: فإن الثابت من خيار الفسخ.
259

التفاسخ - الخ -).
يمكن أن يقال: إن الخيار وإن كان متعلقا بالعقد، لا بالعين إلا أن
قضية الفسخ كما عرفت، لما كان هو رجوع كل من العوضين إلى من انتقل
عنه، كان جواز الفسخ بحسب الخيار، مانعا عن جواز كل تصرف يمنع معه
الرجوع. نعم لو دل دليل خاص على هذا التصرف، لدل على أن أحد طرفي
الخيار، وهو الفسخ، يكون بالمعنى الأعم من الفسخ الحقيقي، وحينئذ لا بد من
اعتبار رجوع العين وتقدير ملكه لمن انتقل عنه، ليصح الانتقال إلى البدل،
وإلا لم يكن الفسخ فسخا أصلا، بل معاوضة جديدة كما لا يخفى. وعليه
لا يجوز التصرفات الناقلة.
وأما التصرف المتلف، فيمكن أن يقال: إنه لا ينافي الفسخ، فإن
التالف يرجع إلى من انتقل عنه، ويصير حاله معه، حاله مع المنتقل إليه قبل
الفسخ، بحيث لو وجد على خلاف العادة، كان ملكا له، وقد علم منه حال
التصرف المخرج له عن المالية كما إذا تصرف في الخل بما ينقلب معه حمزا
لغرض صحيح، حيث يرجع إليه بالفسخ، كما إذا لم ينقلب، غاية الأمر،
لا يكون قابلا لإضافة الملكية، فيصير له حق الاختصاص. فافهم.
وقد ظهر بذلك حال الوطي في زمان الخيار، وأنه لا يجوز بناء على أن
الاستيلاد يمنع من رد العين، وكذا حال الإجارة، وأنها يجوز لعدم منعها
عن الفسخ، تأمل في المقام.
قوله (قدس سره): (لأن أخذ البدل بالفسخ، فرع تلف العين في حال
حلول الحق فيه، لا مع سقوطه عنه - الخ -).
لا يخفى أنه لا يخلو عن مصادرة، فإنه لا وجه لسقوط الحق عن العين،
بناء على أن الفسخ حقيقة يكون مع انتقال العين إلى الغير، كما يظهر منه
- قده -، وأثره الانتقال إلى البدل، فإن التصرف حينئذ لا يكون منافيا له،
كيلا يبقى مجال له، مع وقوعه عن إذن ذي الخيار. نعم بناء على أن الفسخ
الحقيقي لا يكون معه، كما عرفت فيما مر غير مرة، لا يبقى مجال له معه.
ومن هنا انقدح أنه لا وجه لسقوط الخيار بمجرد الإذن فيه قبل
260

صدوره أصلا، إلا على الوجه الأول. فتأمل.
قوله (قدس سره): (لعموم أحل الله البيع 1، وأكل المال 2 - الخ -).
قد مر غير مرة بأن مثل " أحل الله البيع " في بيان تحليل حقيقة البيع
في قبال حقيقة الربا، لا بصدد بيان إنفاذ السبب، مع أنه لو كان بهذا
الصدد، لا إطلاق فيه. بل إنما كان بصدد بيان اعتبار عدم التفاضل في
الأجناس الربوية، ردعا لقولهم " إنما البيع مثل الربا 3 " كما لا يخفى.
ومن هنا انقدح حال " إلا أن تكون تجارة عن تراض " 4 حيث إنه
إنما بصدد صرف الناس عن الأكل بالباطل إلا الأكل بالحق، وهذا الأكل
بالتجارة عن تراض. من دون أن يكون في بيان السبب، من أنه لو كان المراد
بالتجارة سببها، لا إطلاق فيها، لما عرفت من أنه بصدد الصرف إلى هذا
السبب، لا بصدد بيانه فافهم.
قوله (قدس سره): (ويدل عليه لفظ الخيار في قولهم (ع) " البيعان
بالخيار 5 " - الخ -).
بناء على ظهوره في ملك الفسخ، بمعنى حل العقد المنعقد المؤثر في
مضمونه، لكنه يمكن منع ظهوره، بل بمعنى ما كان للموجب قبل القبول من
إبطال الايجاب. سلمنا أنه بمعنى ملك فسخ العقد، لكنه ليس إلا حله
ورجوع الأمر، كما كان قبله، كأنه لم يكن عقد في البين أصلا، فتأمل.
قوله (قدس سره): (فحينئذ فيمكن أن يكون سؤال السائل 6 من جهة 7
ركوز مذهب الشيخ - الخ -).
والظاهر أن سؤاله من جهة تخيل أنه كيف يكون اشتراء ما كان له

1 - البقرة: 275.
2 - النساء: 29.
3 - البقرة: 275.
4 - النساء: 29.
5 - وسائل الشيعة: 12 / 345 - ب 1 - ح 1.
6 - وسائل الشيعة: 12 / 351 - ب 5 - ح 1.
7 - وفي المصدر: فحينئذ فيمكن أن يكون سؤال السائل بقوله اشترى متاعي من جهة ركوز
مذهب الشيخ.
261

وقد باعه. فتدبر.
قوله (قدس سره): (توضيح الضعف أن مدلول العقد ليس هو الانتقال من
حين العقد الخ -).
وإلا لزم أن يكون الانتقال من حين الايجاب، فإن القبول، هو
قبول الايجاب ومطاوعته، لكنه ليس بمبهم، ومهمل، بل مطلق، ومرسل، قد
لوحظ فيه الاطلاق والارسال، وإن لم يعين لأوله ولا لآخره حد وزمان، كما
مر في الفضولي، وفي عقد المكره. فراجع.
قوله (قدس سره): (وفيه إنه لم يعلم من القائلين بتوقف الملك على انقضاء
الخيار القول - الخ -).
مع أنه لو علم، فالظاهر من النبوي 1، كون مضمونه قاعدة جديدة
على خلاف القواعد العامة، ولذا استدل به على عدم ضمان الغاصب للعين
بمطلق منافعها، استوفاها، أولا. وقد مر للنبوي معنى آخر، فتذكر.
قوله (قدس سره): (فيدل بضميمة قاعدة كون التلف عن المالك
- الخ -).
مضافا إلى قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان 2 " ويصير
المبيع للمشتري " الظاهر في أنه ليس له قبل الانقضاء، إن لم نقل بأنه من
المتعارف، سلب كون الشئ لأحد، إذا كان ملكه له في معرض الزوال،
كما ربما يؤيده أنه لا يبعد دعوى ظهور هذه الأخبار في مضمون جديد، على
خلاف القواعد، لا بيان مجرد خسارة المال على ملكه، فتأمل جيدا.

1 - التاج الجامع للأصول: 2 / 204 (كتاب البيوع).
2 - وسائل الشيعة 12 / 352 - ب 5 - ح 2.
262

قوله (قدس سره): (فإن ظاهر قولهم: التلف في زمان الخيار - الخ -).
لا دلالة لإضافة الضمان إلى الخيار، إلى كون الزمان، الزمان الذي
هو حد الخيار وأمده، كي يكون الخيار زمانيا، بل الزمان الذي يكون فيه
الخيار، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (مضافا إلى استصحاب ضمان المشتري له الثابت قبل
القبض - الخ -).
هذا بناء على ضمان المشتري قبل قبض الثمن، كالبايع للمثمن قبل
قبضه، كما سيجئ. وكون الزمان في زمن الخيار، بمعنى الضمان قبل
التلف، وفيه بحث، كما يأتي وإلا فلا مجال للاستصحاب، لعدم الحالة
السابقة، أو لارتفاعها جزما، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (مدفوع بما أشرنا سابقا من منع ذلك - الخ -).
وإن شرط رد الثمن، أو مثله، إنما هو شرط التخاير، لا الخيار، لكنه
لا يخفى أنه يختلف بحسب ما تقاولا عليه وتراضيا من الشرط، وإلا فالشرط
صالح لأن يكون لنفس الخيار أيضا، فافهم.
قوله (قدس سره): (ودخول الفرد في ملك المشتري، لا يستلزم انفساخ العقد
- الخ -).
فيما إذا تلف في زمن خياره غايته أنه يستلزم أن يكون حاله كما إذا
لم يدخل في ملك المشتري، فيبقى الكلي الذي هو محط العقد على حاله، هذا،
لكنه يمكن أن يقال: إن الكلي بعد انطباقه على الفرد، وتعينه في الخارج في
ضمنه، صار المبيع بذلك شخصا خارجيا، كان العقد وقع عليه، فإذا كانت
قضية قاعدة التلف في زمن الخيار، انفساخ العقد في بيع الشخصي كانت
قضيتها ذلك في بيع الكلي، حيث كان تلفه على من انتقل عنه، كما إذا لم
يكن هناك بيع، لا كما إذا لم يكن قبض، ضرورة أن الكلي بعد ما عين في
الخارج، وفرغت الذمة عنه، وتلف الفرد المنطبق عليه المبيع الكلي من مال
من انتقل عنه، كما هو قضية القاعدة، حسب الفرض، لا يكاد يوجد هناك
موجب لاشتغال الذمة به ثانيا، كي يكون العقد باقيا على حاله، ولعله أشار
263

إليه بأمره بالتأمل، فتأمل.
قوله (قدس سره): (إن هذا ظاهر الأخبار المتقدمة الدالة على ضمان
البايع 1 - الخ -).
لا يخفى أن ظاهر لفظ الضمان في بعض تلك الأخبار، ظاهر في كون
المبيع على عهدة البايع في مدة خيار المشتري، كما هو المتعارف منه في غير
مورد من موارد قواعده من اليد، والاتلاف والتغرير، وقاعدة عدم ضمان
الشخص لما يتلف في ملك مالكه، ليس قضيتها إلا أن الأصل عدم ضمانه له
بلا موجب، وتلك الأخبار دلت على أن الشراء بالخيار، يكون موجبا له،
كدليل اليد، والاتلاف والتغرير، فلا يكون الضمان بسببه مخالفا لهذه
القاعدة أصلا مثل دليلها، فافهم.
وقاعدة التلازم بين الضمان والخراج أيضا، لو سلمت بمعنى ينفع
الخصم، كانت مثل القاعدة السابقة، في أن خسارة المال على مالكه، كما
أن منافعه له في نفسه، لو لم يكن هناك ما يوجب أن يكون خسارته على غيره،
أو منافعه له، وذلك لا ينافي التفكيك بينهما، بموجب دل دليله، إما على أنه
يوجب كون خسارته على الغير، أو منافعه له، كأدلة موجبات الضمان، أو
دليل نفوذ مثل عقد الإجارة، وقد عرفت أن تلك الأخبار 1 تدل على ضمان
البايع، لمال المشتري في زمان الخيار، وكون التلف في زمانه، موجب
لضمانه، مع أنه مخالفة هذه القاعدة لازمة لا محالة. وتقدير كون المبيع في ملك
البايع آنا ما، مع أنه مخالف للأصل، لا يكاد يصار إليه إلا بالحجة، ولو كان
هو الجمع بين القاعدتين اللتين لا يكاد يوفق بينهما، إلا بذلك، وليس هيهنا
مثل ذلك، لما عرفت من أن النسبة بين تلك الأخبار والقاعدتين، هو النسبة
بين الدليل والأصل، لا يجدي في رفع المخالفة لقاعدة التلازم، ضرورة أن
الضمان الذي هو عبارة عن مفاد قضية شرطية، لو تلف كانت عليه خسارته
في تمام الزمان، وتقدير الملك إنما هو في الآن، فالتفكيك كان بين الضمان

1 - وسائل الشيعة: 12 / 355 - ب 8.
264

والمنافع في غير الآن من زمان الخيار.
نعم لو فرض له منافع في ذاك الآن، وقيل بأنه للبايع، حينئذ، لم
يكن تفكيك بينهما فيه هذا المقدار، فلا يكاد يجدي القول بانفساخ المعاملة،
مع أنه على خلاف القاعدة في عدم انخرام القاعدة. نعم إنما يجدي في عدم
انخرام قاعدة عدم ضمان الشخص لما يتلف في ملك غيره، وقد عرفت أنه
ليس إلا من قبيل الأصل المخرج عنه بتلك الأخبار، فكيف صح الالتزام
بالانفساخ على خلاف القاعدة، لمراعات مثله.
ومما يؤيد أن الضمان في الأخبار، يكون بمعنى العهدة لمال الغير،
كما في غير مورد من الموارد، لا بمعنى انفساخ العقد، وتلفه من مالكه، شمول
هذا الأخبار بالعموم، كما هو صريح بعضها لتلف بعض الصفات، كالصحة
في زمن الخيار، مع أنه لا معنى لانفساخ العقد فيها، لما عرفت من عدم كون
شئ من الثمن بإزائها، وإن كان بملاحظتها يزداد فيه، كما لا يخفى، فتأمل.
جيدا.
قوله (قدس سره): (وعلى التقديرين في ضمان 1 المتلف - الخ -).
إلا أنه على التقدير الثاني، لا يكون ضامنا للفاسخ، لعدم كونه ملكا
له في ذاك الحال، بل ملكا لغير ذي الخيار، فيكون ضامنا له، فلا وجه
لرجوع الفاسخ إليه إلا بضميمة ما ذكره أولا، كما لا يخفى. وعلى التقدير
الأول، وإن كان ضمان المتلف بالفسخ يصير له بعد ما كان لغيره، إلا أنه
لا وجه لهذا التقدير أصلا، فإن الفسخ من حينه، وقضيته إنما هو رجوع ما
انتقل عنه إلى الآخر بعينه أو ببدله منه إليه، وبالعكس، بأن يكون كل
واحد متلقيا عن الآخر، لا عن الغير، وبذلك ظهر فساد ما ذكره أولا، كما
يشير إليه، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأن الخيار كما عرفت، عبارة عن ملك فسخ العقد
- الخ -).

1 - وفي المصدر: وعلى التقديرين فهو في ضمان المتلف.
265

الخيار فإن كان في لسان الأصحاب، هو ذلك. إلا أنه المراد من
لفظ الخيار في الأخبار، غير معلوم لاحتمال أن يراد به فيها، جواز استرداد
العين بالفسخ فيشكل التمسك بمثل " البيعان بالخيار " 1 ولا مجال
للاستصحاب بعد التلف أصلا، لعدم ثبوت الفرد والكلي، وإن ثبت، إلا
أن استصحابه لا يجدي إلا على القول بالأصل المثبت، حيث إن
جواز الفسخ بعد التلف ليس من آثاره، بل من آثار فرده.
قوله (قدس سره): (لأنها كانت مضمونة قبل الفسخ - الخ -).
ظاهر العبارة، كما هو صريح ساير العبارات، أنه - قده - أراد من
الضمان قبل الفسخ، ضمان اليد، وأنت خبير بأنه ليس ضمان ما صار إلى
كل من المتبايعين من العوضين، ضمان يد، بل هو ضمان معاوضة بمعنى
خسارته عليه، وتلفه من ماله بعوض ما انتقل عنه بالعقد إلى الآخر، وصار
خسارته عليه كذلك، وبالفسخ قد ارتفع ذاك الضمان قطعا، فلا مجال
لاستصحابه، فلو كان للفاسخ يد عليه حين الفسخ، فعموم " على اليد " 2
مقتضي لضمانه فيما إذا لم يكن التخلية بينه وبين المفسوخ عليه، وإلا كان
أمانة شرعية، حيث كان حفظه حينئذ، مجرد إحسان إليه، فتأمل.
قوله (قدس سره): (وقوى الشهيد الثاني ثبوت الخيار مع الاطلاق أيضا
- الخ -).
وجهه أن الاطلاق أيضا يقتضي التعجيل مثل اشتراطه، وفيه إن
وجوب الخروج عن العهدة مع المطالبة في صورة الاطلاق إنما هو آثار الملكية
المطلقة الحاصلة بالعقد وأحكامه فالتأخير مع المطالبة، إنما هو مجرد مخالفة
تكليف، كما إذا غصب ما باعه، لا التخلف عن حق ثابت للغير، في عوض
الملكية الثابتة له بنفس العقد، كما في صورة الاشتراط، فلا يكون تخلف
الشرط، إلا في هذه الصورة.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 345 - ب 1 - ح 1.
2 - مستدرك الوسائل: 3 / 145.
266

ومن هنا ظهر أن شرط التعجيل لا يخلو عن تأسيس، وإنما يكون
مؤكدا بملاحظة وجوب الخروج عن العهدة معجلا مع المطالبة، فافهم.
قوله (قدس سره): (ومن الأجل المضبوط وحلوله بموت المشتري، وهو أقرب
- الخ -).
لا يخفى أن حلول الأجل بالموت من أحكام صحة البيع وآثارها، فلا
يكاد يمكن أن يكون صحته بملاحظته أصلا.
وبالجملة لا بد أن يكون البيع في نفسه، غير سفهي، وجامعا
للشرائط، وفاقدا للموانع، ليقع صحيحا، فترتب عليه أحكامه وآثاره،
فلا يجدي في ذلك حلول الدين بالموت، فما قربه بعيد جدا، وما ذكره
- قده - في وجه أقر بيته إنما يصح، لو كان البيع في نفسه غير سفهي،
لا بملاحظة الحكم بالحلول، فتدبر جيدا.
قوله (قدس سره): (حيث إن الشارع أسقط الأجل بالموت، والاشتراط
المذكور، تصريح ببقائه بعده - الخ -).
لا يخفى أن حكم الشارع بحلول الأجل، لا يكاد يكون إلا فيما كان
هناك بحسب الاشتراط أجل، فالاشتراط المذكور محقق لموضوع الحكم
بالحلول، لا أنه ينافيه ويكون على خلافه. نعم لو كان الشرط بقاء الأجل
وعدم حلوله بالموت، كما جعله الشارع، كان على خلاف جعله، فكان
فاسدا، بل مفسدا، كيف وإلا لزم ذلك، ولو فيما إذا اشتراط ما يحتمل بقاء
المشتري عادة، فيما إذا لم يبق ومات، بل مطلقا، كما لا يخفى على من تأمل.
قوله (قدس سره): (ولو باع بثمن حالا، وبأزيد منه مؤجلا - الخ -).
يحتمل أن يقع ذلك على وجوه:
أحدها: الترديد بين إيجابين، إيجاب البيع نقدا بثمن، وإيجابه نسية
بأزيد منه، ليقبل المشتري أحدهما. ولا يبعد دعوى الاجماع على بطلانه،
مضافا إلى أن الترديد بين الايجابين، مستلزم للترديد بين العوضين، والجهالة
في أنه بأيهما يقع التمليك، ويكون بمنزلة أنه بعته بما اخترت من أحد
هذين الشيئين، والغرر والجهالة في مثله، مما لا يخفى.
267

ثانيها: إيقاعه نسية، مع اشتراط التنزيل، واسقاط شئ من الثمن
على تقدير أدائه حالا، ولا ينبغي الاشكال في صحته لأن الشرط أمر سائغ،
ولا يبعد تنزيل بعض الأخبار عليه.
ثالثها: ايقاعه نقدا بثمن، مع اشتراط زيادة عليه، على تقدير عدم
وفائه به إلى أجل كذا، ولا شبهة في بطلان الشرط، لأنه من الربا، كما
يأتي. وأما البيع ففساده مبني على كون فساد الشرط يفسد، وقد تقدم الكلام
فيه، ولا يبعد أن يكون بعض الأخبار 1 الدالة على الأخذ بأقل الثمنين وأبعد
الأجلين منزلا على ذلك، بأن يكون المراد أنه لا يلزم إلا بالأقل، ولو لم يؤده
إلا في أبعد الأجلين.
قوله (قدس سره): (بل هي في مقابل إسقاط البايع حقه من التعجيل
- الخ -).
قد عرفت أن التعجيل ليس بحق، بل وجوبه مع المطالبة من آثار
الملكية الحاصلة بالعقد، فلا يسقط بالاسقاط مطلقا، بالعوض أو بدونه.
وعليه وإن لم يستحق البايع، الزيادة، إلا أنه له المطالبة. نعم يمكن توجيه
كلام الشهيد - ره - بأن يكون البيع بالأقل، وقد شرط في ضمنه الزيادة
على المشتري، والتأخير له مع المطالبة، كل على حدة، فإذا فسد الشرط الأول
لكونه الربا، بقي الشرط الآخر على حاله، لعدم الملازمة بينهما، كما لا يخفى،
إلا على القول بفساد العقد، لفساد شرطه، ولا يذهب عليك أنه لا يرجع هذا
إلى إسقاط حق المطالبة، بل هذا يكون قضية اشتراط التأخير له، فافهم.
قوله (قدس سره): (ويمكن تعليل بأن التأجيل كما هو حق للمشتري
- الخ -).
لا يخفى أنه لا يساعد الشرع ولا العرف، على كون التأجيل منشاء
لانتزاع اعتبار آخر غير الملكية، لما في ذمة المشتري مؤجلا، على ما هو ظاهر
المشهور، أو الملكية بعد الأجل، كما هو المتحمل، غاية الأمر حكم مثل هذا

1 - وسائل الشيعة: 12 / 368 - ب 2 - ح 2.
268

المال، عدم وجوب قبوله على مالكه، كما لا يجوز له مطالبته، وهو غير ثبوت حق له قابل للاسقاط والصلح، بل لا يساعدان على انتزاعه للمشتري أيضا،
بل جواز تأخيره مع المطالبة إلى الأجل، حكم تعهده مؤجلا، ولذا يسقط
باسقاطه.
وبالجملة ثبوت حق في بين يحتاج إلى ثبوت موجب له، ولا دليل
عليه، ومع الشك فالأصل عدمه، وجواز تأخيره معه المطالبة، كجواز عدم
القبول مع التبرع بالدفع، لا دلالة على ثبوت الحق، لأنهما أعم، وأما الدليل
على جواز عدم القبول مع ثبوت حق له في التأخير، فهو عدم دليل على لزومه.
ومن هنا ظهر ما تعليلاتهم، لعدم السقوط بالاسقاط، بل وجهه
أن جواز التأخير مع التأجيل، صرف الحكم لا يسقط باسقاط من له الحكم.
إن قلت، كيف ذا، والتأجيل بجعله وشرطه، والشرط قابل لذلك،
إلى السقوط بالاسقاط، وإلا لما سقط الخيار الحاصل بالشرط.
قلت: نفس الاشتراط لا يكاد يسقط إلا باسقاط المشترك لخروجه
عن تحت قدرته، لمكان " المؤمنون عند شروطهم " 1، ولا بإسقاط المشترط له،
لعدم سلطنته لأحد على حد التزام غيره بعقد أو شرط. نعم إن كان المشروط
حق، كان له إسقاط ذاك الحق، كما أنه كان بالشرط له، ملك عين، أو
عمل، أو دين، كان له ذاك، ويترتب ماله من أحكامه وآثاره. وهيهنا
بالشرط صار له نفس التأخير، فجاز له تركه، والتبرع بالتعجيل، لاحقة،
كي جاز له إسقاط، مع امكانه منع كون التأجيل بشرط في ضمن البيع، بل
البيع نسية نحو من البيع، خصوصا لو قيل بما أشرنا إليه من الاحتمال.
ثم لا يخفى أنه لا ينافي ذلك اشتراط شئ في ضمن عقد آخر، كان
أثر، وجوب التعجيل مع المطالبة. فتدبر.
قوله (قدس سره): (أما لو تقابلا في الأجل، فإنه يصح - الخ -).
بل لا يصح، فإنه راجع إلى أن يكون ما أوقعاه من نحو البيع نحو آخر،

1 - مستدرك الوسائل: 2 / 473.
269

لما عرفت من منع كون الأجل شرطا في البيع، بل يكون حدا له، ومن
مخصصاته نوعا أو صنفا، مع منع جريان التقايل في الشرط، وكون التقايل
بمعنى اسقاطهما مالهما من الحق، كما يأتي منه - قده -، فيه ما ذكرنا أنه
ليس هناك حق قابل للاسقاط أصلا.
قوله (قدس سره): (فلا يقود الحق باسقاط التأجيل - الخ -).
فيه إنه يمكن أن يقال، لو سلم فقضيته ليس إلا عدم إعادة حق
المطالبة الساقط بإسقاطه، لا جوازها الذي هو صرف حكم، فإنه غير
ساقط، وإنما لم يكن لانتفاء موضوعه، وبإسقاط حق التأجيل قد وجد أيضا
له موضوع، فإنه أعم، فافهم.
قوله (قدس سره): (لأنه حق واحد يتعلق بهما، فلا يسقط إلا بإسقاطهما
- الخ -).
لا يقال: إن وحدة الحق وكونه لاثنين لا يمنع عن إسقاط أحدهما
فيصير عما إذا لم يكن إلا للآخر، كما في الحق الذي ورثه جماعة.
فإنه يقال: وحدته إنما لا تكون بمانعة فيما إذا كان المتعدد في طرف
واحد، لا فيما إذا كان كل واحد من المتعدد مما له وعليه. لكنه لو لم نقل بأنه
موجب لتعدده أيضا، فتدبر.
قوله (قدس سره): (وتوهم عدم الاضرار والظلم، لارتفاعه بقبض الحاكم
- الخ -).
لكنه يمكن أن يقال: إنه لا إضرار ولا ظلم إذا كان المعتبر في وفاء
الدين، قبول الداين ما عينه المديون، وعدم كفاية مجرد التعيين والتخلية بينه
وبينه، لعدم مزاحمته له في حق، ولا عين، ولا نفس، وهو أيضا مسلط على
نفسه، غاية الأمر أن يكون بقاء الدين في ذمته ضررا عليه، لكنه قد أقدم
عليه، حيث كان مما يدوم بنفسه إذا حدث بسببه الذي أتى به، ولو سلم
عدم اقدامه إلا على حدوثه إلى الأجل، فقاعدة نفي الضرر مقتضية لنفي ما هو
حكمه لولاه، من اشتراط تحقق الوفاء الواقع له بقبول الداين، فيستقل بالوفاء
بالتعيين والتخلية، مع امكان أن يقال: بكفاية ذلك مع الاغماض عن هذه
270

القاعدة، فلا تصل النوبة إلى إجبار الحاكم أو قبوله، من جهة كونه ولي
الممتنع، من أنه لو سلم أنه امتنع عما يجب عليه فتصدى الفقيه له، مبني على
عموم الولاية في زمن الغيبة، وإلا فلا بد في تصدي الفقيه وغيره، من إثبات
أن هذا الأمر مما لا يجوز إهماله على كل حال، كما هو الحال في حفظ أموال
القاصر الذي يكون بلا ولي، والأوقاف التي تكون بلا متولي، وإلا فغاية
الأمر يجب من باب الأمر بالمعروف في الجملة، حمله على القبول.
ومن هنا انقدح ما هو طريق تفريغ ذمة المديون من الاستقلال
بالتعيين والتخلية فيما جاز له، ولو بملاحظة قاعدة نفي الضرر، لا ما أفاده
- قده - فإنه يستلزم للقول بخلاف غير واحد من القواعد، ضرورة عن
التفريغ بدون الوفاء والابراء، وتلف ما عينه على الدائن مع بقائه على
ملكه، وصيرورته متعلقا لحق له كحق الجناية، أو تقدير ملكه له آنا ما قبل
التلف، إلى غير ذلك، كلها على خلاف القاعدة، لا يصار إلى واحد منها إلا
بدليل. ولا يمكن أن يقال بدونه شرعا، وإن أمكن ثبوته واقعا، فافهم. وتأمل
في أطراف ما ذكرناه.
قوله (قدس سره): (لكن فيه إن تضرره إنما يوجب ولايته على القسمة
- الخ -).
يمكن أن يقال: تضرر الشريك بالقسمة، إنما يمنع عنها لو لم يكن
الضرر متوجها ابتداء إليه، وأما معه فلا وجه لأن يزاحم به ضرر شريكه.
ومن الواضح أن الضرر هيهنا متوجه إليه، وبتبعه يرد الضرر على شريكه
لولا القسمة، تضرره أولى بالمراعاة من ضرر، كما قرر في محله. فتأمل.
قوله (قدس سره): (وفي دلالتها نظر - الخ -).
لعل وجهه عدم ظهور الرواية في الشراء، فضلا عن شراء ما باع. بل
ظاهر في جواز أخذ غير ما عليه من الدراهم وفاء عنها، والكلام إنما كان في
المنع عن شراء ما باع في الجملة إلا عن أخذه أو مثله وفاء، فافهم.
قوله (قدس سره): (وفيما تقدم عنه في النهاية - الخ -).
لكنه عليه لا وجه لغير واحد من القيود التي أخذها في موضوع ما
271

ذكره فيها من المسألة، كما لا يخفى. فتأمل.
قوله (قدس سره): (إلا أن يقال: أخذ الرهن على الثمن والتضمين عليه
- الخ -).
لا يخفى أن كون شئ من توابع البيع ومصالحه، لا يندفع به محذور
الدور، حتى يجوز اشتراطه لأن المنع عنه على تقدير لزوم الدور عن اشتراطه
عقلي، أو التبعية لا ترفع التوقف عن واحد من الطرفين، ضرورة توقف الرهن
على البيع المتوقف عليه مع اشتراطه، فالنقض به على حاله، والحل وهو عدم
توقف ملكية البايع على بيعه، مشترك. ولعل توهم التوقف إنما نشاء من
جهة إطلاق الشرط على ما شرط، وتوقف المشروط على الشرط واضح،
والغفلة عن أن ذاك التوقف إنما هو على الشرط الذي هو من أجزاء العلة،
وما هو من أجزائها إنما هو نفس الاشتراط بالبيع، بناء على كونه قيدا
للمطلوب الواحد، وأن فساد الشرط يوجب فساد العقد، وهو حاصل وقد أثر،
لا ما اشترط به، كما لا يخفى.
وأما بناء على تعدد المطلوب، فهو أيضا ليس من أجزائها. نعم هو
من أجزاء علة مرتبة من المطلوب، فافهم.
قوله (قدس سره): (بل لأجل الالتزام به سابقا في متن العقد أو قبله
- الخ -).
بل لأجل الالتزام لاحقا، وإلا فلو كان لأجل الالتزام به سابقا
من دون إلزامه به من أحد، لم يكن بيعه أو شرائه بغير طيبه ورضاه، وإن كان
لولا التزامه به، لما كاد يبيع أو يشتري بطيبه.
وبالجملة الطيب المعتبر في صحة المعاملة ما حصل له من الداعي،
لأجل الوفاء بوعد، أو التزام، أو رفع ضرورة، إلى غير ذلك مما كان في مقابلة
الاكراه عليها، كما لا يخفى. ومنه قد انقدح ما ينبغي أن يحمل عليه خبر
علي بن
جعفر 1، فتدبر.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 371 - ب 5 - ح 6.
272

قوله (قدس سره): (وعدم طيب النفس لا يقدح، إلا مع عدم لزوم الوفاء
شرعا - الخ -).
بل يقدح، ولو مع لزوم الوفاء شرعا، كما إذا كان بيعه بيع مع بإلزام، أو
إكراه من أحد، بتوعيد ووعيد على عدم اقدامه، فباع لذلك، غاية الأمر مع
لزوم الوفاء، ربما يجوز للحاكم إجباره أشرنا إليه فيما إذا امتنع عنه، أو توليه عنه،
لو قيل بعموم ولاية الحاكم، كما أشرنا إليه سابقا، وهو غير أنه لا يقدح عدم
طيبه مع لزوم الوفاء عليه، كما لا يخفى على المتأمل، فتأمل.
قوله (قدس سره): (اختلفوا في ماهية القبض في المنقول الخ -).
الظاهر أن لا يكون اختلافهم في ماهية القبض شرعا، بل كان فيما
يتحقق به خارجا، بعد الاتفاق على أنه أمر واحد، ومفهوم فارد،
كالاستيلاء، والتمكن من التصرف فهي بما شاء لغة وشرعا. وأنه كما يتحقق
في غير المنقول بالتخلية بلا خلاف، يتحقق بها في المنقول، أو لا بد معه من
النقل والتحويل، أو الوضع في اليد، أو غير ذلك مما ذكروه. وذلك لبعد
يراد منه شرعا، غير ما هو معناه لغة وعرفا، وأن يكون في المنقول غير ما هو في
غيره، مع اختلافهم في تعيينه. وهذا بخلاف أن يكون الخلاف في محققات
غيره، فإنه لا بعد أصلا في اختلاف المحققات بحسب الأنظار، كما أن
اختلاف المنقول وغيره كذلك، أو واقعا، كما لا يخفى.
مع أنه لا يبعد أن لا يكون اختلافهم فيها أيضا، بل في العبارة لأجل
المسامحة، كما هو المحتمل في اختلاف عبارات أهل اللغة، أو أيكون لأجل
اختلاف الموارد فيما يعتبر فيها من فعل القابض، أو المقبض. أو اختلاف حكم
الوضع والتكليف، ولو في مورد واحد. وبأحد هذه الوجه على سبيل منع
الخلو يمكن منع التوفيق بين الكلمات، والجمع بين ما وقع منهم في الموارد من
الشتات.
وبالجملة لا بد في كل باب من ملاحظة الدليل، والاقتصار حينئذ
مع اجماله على اعتبار ما أجمع عليه الأصحاب في ذاك الباب. والرجوع فيما شك
في اعتباره إلى الاطلاق أو العموم، لو كان، وإلا فإلى ما هو الأصل بحسب
273

التكليف والوضع. فتأمل.
قوله (قدس سره): (فقد اعترف غير واحد بأنه تعبد، لأجل النص 1 الذي
ادعى دلالته عليه - الخ -).
مع أن المنع عند بمكان من الامكان، فإن الظاهر أن الأخبار بعد
التوفيق بينها، كما يظهر بالتأمل فيها، بإرجاع المنع عن البيع قبل الكيل أو
الوزن، إلى المنع عن البيع قبل القبض، لأجل الملازمة بحسب الغالب
المتعارف بينهما، وأنه لا يكاد ينفك الكيل أو الوزن عما يتحقق به القبض
عادة، كما لا يخفى، إنما يكون بصدد المنع عن البيع قبل القبض تكليفا،
حرمة، أو كراهة، أو وضعا، كما يأتي تفصيله في بعض مسائل أحكام
القبض، لا في بيان اعتبار الكيل أو الوزن في القبض، أو كفايته في قبض
المكيل أو الموزون، كما يظهر بالتأمل فيها.
قوله (قدس سره): (فالنقل عن زاوية إلى أخرى بغير إذن البايع، لا يكفي
لجواز التصرف).
لا يخفى أنه لا يكاد يتم إلا فيما لا يصح بيعه بدون القبض كالصرف،
وإلا فجواز التصرف في المبيع بالبيع، والشراء وغيرهما، لا يتوقف على
القبض أو الاقباض، لحصول الملك بالعقد، وبناء على القول بعدم حصوله
به، بل بانقضاء زمن الخيار، لا يكون القبض كافيا لجواز التصرف، فتأمل
جيدا.
قوله (قدس سره): (وبالجملة فليس في الصحيحة 2 تعرض لصورة كيل
الشئ أولا قبل القبض - الخ -).
كما لا تعرض لهذه الصورة في ساير الأخبار، لانصرافها عنها. فلا بد
في الصورة مما هو القبض في غير المكيل والموزن. هذا لو قيل بدلالتها على اعتبار
الكيل والوزن فيهما تعبدا، وقد عرفت عدم دلالتها على ذلك.

1 - وسائل الشيعة: 12 / 389 - ب 16 - ح 11 و 12.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 389 - ب 16 - ح 11.
274

قوله (قدس سره): (لاقتضاء العقد ذلك - الخ -).
بل الاقتضاء الملكية مطلقا لذلك مع المطالبة، من دون خصوصية
لحصولها بالعقد، ضرورة عدم كون مضمونه إلا التمليك بالعوض، وعدم
اقتضاء وجوب الوفاء به، إلا تحقق التمليك كذلك، كما عرفت، إلا أن
يدعى أن مبنى عقد البيع على التقابض، والتزام كل منهما على التسليم، وهو
كما ترى، ضرورة أنه لا يكون في ضمن العقد التزام لو لم يكن وجوب التسليم
من الأحكام.
ومنه انقدح أنه لا يكون لكل منهما على صاحبه حق غير ما حصل له
من الملك، كما يظهر من التذكرة، إلا أن يكون مسامحة في العبارة، وقد عبر
بها عما هو قضية الملكية، فافهم.
قوله (قدس سره): (ولعل الوجه فيه أن عقد البيع - الخ -).
بل لعل الوجه كون ذلك من الأحكام عرفا، قد أمضاه الشارع بعدم
الردع، من دون أن يكون في البين اشتراط والتزام، كما عرفت. ومنه قد
انقدح وجه عدم جواز الحبس فيما إذا كان أحدهما مؤجلا.
قوله (قدس سره): (فإن إطلاق العقد كما يقتضي أصل التسليم
- الخ -).
قد عرفت الاشكال في اقتضاء العقد لذلك، بل يكون وجه وجوب
التفريع كأصل التسليم بعد المطالبة، عموم السلطنة على الأموال 1، وعدم
جواز التصرف في ملك الغير بدون إذنه 2، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (كان له الخيار لو تضرر بفوات بعض منافع الدار عليه
- الخ -).
يمكن أن يقال: إنه لا ضرر في نفس البيع، كي يوجب نفي الضرر،
لزومه ووجوب الوفاء به، حيث إنه حصل به ملك العين بمنفعتها. غاية الأمر

1 - بحار الأنوار: 2 / 272.
2 - وسائل الشيعة: 6 / 376 - ب 3 - ح 6.
275

أنه حيث فوت عليه بعضها البايع بوضع متاعه فيه، كان عليه أجرة المثل إلى
زمان الفراغ. وهذا بخلاف ما إذا كانت مسلوبة المنفعة بالإجارة ونحوها،
فإن نفس البيع حينئذ يكون ضرريا، فمع جهل المشتري يكون قضية نفي
الضرر، عدم وجوب الوفاء به، فلا يقاس عليه هيهنا. فتدبر.
قوله (قدس سره): (ولو كان زرع عقدا حصد - الخ -).
لا إشكال في وجوب التفريغ فيما كان الزرع حصيدا، والشجر
مقلوعا، لما عرفت. وأما إذا كان كل واحد منهما قائما على ساقه، فالتحقيق
أنه ليس نفس البيع بضرري، كي يوجب نفي الضرر والضرار 1، ثبوت الخيار
مع الجهل، لا مع العلم، كما هو الحال في البيع الغبني.
نعم يكون القلع ضررا على البايع، والبقاء ضررا على المشتري، فبعد
تعارض الضررين، وعدم ثبوت مرجح في البين، لو كان أحدهما أكثر ضررا،
لما حققناه في محله، من عدم كونه مرجحا فيما إذا كان التعارض بين ضرري
الشخصين، كان المتبع هو عموم السلطنة على الأموال 2، وعد جواز التصرف
في ملك الغير بدون إذنه 3: وقضيتهما كما عرفت، لزوم التفريغ مع المطالبة، أو
البقاء بالأجرة، فتأمل جيدا.
قوله (قدس سره): (إلا أن منافع الأموال الفائتة بحق، لا دليل على ضمانها
- الخ -).
إذا لم يكن فوتها بحيث يصدق أنه كان باتلاف منه لها، استوفاها،
أم لا، دالا، فالدليل على الضمان، هو قاعدة الاتلاف، واحترام مال
المسلم، ولا منافاة أصلا بين حبس العين بحق، وضمان منافعها باتلافها
بالاستيفاء وغيره، كما لا يخفى.

1 - وسائل الشيعة: 17 / 341 - ب 12 - ح 3
2 - بحار الأنوار: 2 / 272.
3 - وسائل الشيعة: 6 / 376 - ب 3 - ح 6.
276

قوله (قدس سره): (ويمكن الفرق في النفقة بين المقامين - الخ -).
لامكان أن يكون تمكين الزوجة شرطا لثبوت النفقة على الزوج،
فلم يثبت نفقة عليه، مع امتناعها ولو كان بالحق. وهذا بخلاف المقام،
ضرورة أن ثبوتها إنما يكون لأجل الملكية، وهي حاصلة بالعقد وحبس
البايع، لا يكاد يكون موجبا لسقوط النفقة عن المشتري، ولا موجبا لثبوتها
عليه، كما في حبس غيره، بحق كان أو بغيره. وبالجملة لا مشابهة أصلا بين
حبس من له النفقة هيهنا، وامتناعه هناك، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (ففي وجوب إجابته وجهان - الخ -).
أوجههما الوجوب، لعموم السلطنة على الأموال 1، ولا ينافي وجوبها ما
هو الفرض، من جواز الحبس من تعجيل المشتري للبذل، ولو سلم فلم يعلم
أنه العلة، بل غايته الحكمة، ولا بأس بمخالفتها مع الأصل، فضلا عن
الدليل.
قوله (قدس سره): (لكن لما لم يتعقل ذلك تعين إرادة وقوع التلف
- الخ -).
وجه عدم المعقولية، عدم قابلية التالف، لأن تعرضه المالية، ضرورة
أن التالف لا يكاد يقابل بالمال، لكنه لا يوجب تعين إرادة ذلك، لاحتمال
إرادة أنه بالتلف يصير كأنه كان مالا للبايع، فتلف، فعبر عن ذاك
الاعتبار، وتلك الإضافة التي تكون بين المال التالف وذوي المال، ولا تكون
بينه وغيره بمالية، وهذا أظهر وأولى، للزوم الالتزام بالملكية على ذاك
الاحتمال آنا ما قبل التلف، تقديرا أو تحقيقا، بلا موجب لها بخلاف هذا
الاحتمال، كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (إلا أن يقال بأن التلف من البايع يدل التزاما على
الفسخ الحقيقي - الخ -).
لا يقال: مع احتمال الفسخ الحكمي لا دلالة له على الحقيقي، فإنه

1 - بحار الأنوار: 2 / 272.
277

ظاهر في انتقال المبيع إلى البايع حقيقة، ومعه لا يكون الاحتمال بضائر
بالدلالة، كما لا يخفى. فافهم.
قوله (قدس سره): (ثم إنه يلحق بالتلف تعذر الوصول - الخ -).
فيه اشكال، لعدم دلالة النبوي 1 المنجبر ضعفه بالاشتهار عليه، لعدم
صدق التلف على تعذر الوصول. نعم لرواية عقبة بن خالد 2، دلالة عليه، لو
كان ضعفها منجبرا أيضا، وإلا فلا بد من الاقتصار على التلف، لكون
الحكم على خلاف الأصل.
قوله (قدس سره): (أما لتحقق سبب الانفساخ وسبب الضمان، فيتخير
المالك في العمل بأحدهما - الخ -).
لا يخفى أنه ليس المقام من موارد توارد السببين، وتزاحم المؤثرين،
للأثرين المتنافيين في عرض واحد، ليتخير المالك، بل يكون سبب
الانفساخ، سببا ورافعا لموضوع سبب الضمان، فإنه معه يكون التالف مال
الغير، كي يكون ضامنا له بإتلافه، بل يكون ماله، فلا مجال له معه أصلا.
وبالجملة لا محيص عن العمل بسبب الانفساخ هيهنا، لو كانت
قاعدة التلف قبل القبض تعمه، ولم تكن منصرفة عما إذا كان بإتلاف
البايع، وإلا لزم تخصيصها بلا مخصص، إلا على وجه دائر، ولا يلزم من عدم
العمل سبب الضمان معه، محذور التخصيص، إذ معه لا يكون إتلاف مال
الغير، فيكون تخصصا بالنسبة إلى قاعدة الاتلاف، فافهم.
قوله (قدس سره): (لجريان الدليل تعذر التسليم هنا - الخ -).
جريان الدليل فيما إذا تجدد تعذر التسليم محل اشكال، بل منع،
ولا يكون الضرر مع التجدد من نفس البيع، بل أمر حادث، كما إذا حدث
بعد التسليم.

1 - المستدرك: 2 / 473.
2 - وسائل الشيعة: 12 / 358 - ب 10 - ح 1.
278

قوله (قدس سره): (بناء على عود ضمير الحق إلى البايع - الخ -).
ويمكن الاستظهار أيضا، بناء على عود الضمير إلى المشتري، فإن
ضمانه لحقه وملكه، وهو المبيع، إنما هو لأجل كون البيع في معرض الانفساخ
ما لم يرد إلى البايع ماله، وهو الثمن، وصيرورة المثمن في عهدته، وخسارته
بثبوت عوضه عليه لو تلف.
وبالجملة فمع تزلزل ملكه يصح أن يقال: إنه ضامن له، وإن لم
يصح أن يقال: بضمان الإنسان، لملكه مع عدم تزلزله، لكنه موجب
لاختلاف المرجع في الضماير، إلا أنه مع القرينة ليس بضائر، فتأمل.
قوله (قدس سره): (وظاهر الكلام 1 كونه مسلما بين الخاصة والعامة
- الخ -).
لكن مجرد ظهور كلام العلامة - أعلى الله مقامه - غير كاف دليلا
في مثل هذا الحكم الذي يكون على خلاف الأصل والقاعدة، إلا أن يدعى
ثبوت المناط في غير البيع من المعاملات، بل بطريق أولى، ودون تنقيحه
خرط القتاد - كما لا يخفى.
قوله (قدس سره): (بخلاف النقصان الصفة، وفيه تأمل - الخ -).
وجه التأمل أن المجموع وإن كان مبيعا وقد نقص جزئه، إلا أن
المجموع ليس بمبيع بما هو جملة أجزاء البدن، بل بما هو انسان، أو حيوان. ومن
الواضح أنه بما هو كذلك، لا يكون نقص أجزائه إلا عيبا، ولذا لا يسقط عليه
الثمن. ومنه ظهر وجه التأمل فيما هو ظاهر الشرايع، فلا تغفل.
قوله (قدس سره): (وإنما ثبت الرد لدفع تضرر المشتري - الخ -).
لا يخفى أنه لو لم يكن اجماع على جواز الرد، لا يكاد يقتضي نفي الضرر
جوازه، فإن حدوث العيب في المبيع بعد البيع، وقبل القبض، ويكون حاله،
حال حدوثه بعد القبض، ولا دخل بالبيع أصلا، كي يقتضي نفي لزومه،
كما هو أوضح من أن يخفى.

1 - وفي المصدر: وظاهر هذا الكلام..
279

قوله (قدس سره): (واستدلوا عليه بأن الكل مضمون قبل القبض، فكذا
أبعاضه وصفاته - الخ -).
ويرد عليه بأنه قياس، لاختصاص الدليل بالكل، وعدم شموله
للصفات والأجزاء التي لا ينقسط عليه الثمن.
قوله (قدس سره): (ويدفع بأن وصف الصحة لا يقابل ابتداء بجزء من عين
الثمن - الخ -).
وفيه أن اتحادهما في أن العقد، كأنه لم يكن، لا يوجب اتحادهما في
معنى الضمان، كيف، ويكون معنى الضمان في أحدهما تلفه عليه، بما هو
ماله، وفي الآخر تداركه عليه بشئ مما له، وإرادة مطلق الخسارة والنقصان
في المال من الضمان، إنما يصح فيما إذا كان لفظه في البين، كما في
الصحيحة 1، لا إذا كان هناك لفظ ظاهر في خصوص أحد المعنيين، مثل
" كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه " 2. فافهم.
قوله (قدس سره): (إلا أنه لما استند في الرد إلى نفي الضرر - الخ -).
إلا أنك قد عرفت ما في هذا الاسناد، وأن قاعدة نفي الضرر، لا
تكاد تكون مقتضية لوجوب تدارك الإنسان، للنقصان الوارد على مال غيره
بلا استناد إليه، لو لم تكن مقتضية لعدم الوجوب، كما هو قضية الامتنان.
ثم إنه يظهر مما مر منا غير مرة من الإشارة إلى أن المنفي بقاعدة نفي
الضرر، إنما هو ما للضرر من الحكم، بمقتضى اطلاق دليله أو عمومه، لا نفي
الحكم الضرري، على ما في كلام العلامة، وكلامه، زيد في علو مقامهما،
فتأمل تعرف.
قوله (قدس سره): (وهو أولى من حمل تلك الأخبار على الكراهة - الخ -).
فيه نظر، بل منع، فإن هذه الاطلاقات في العموم لغير التولية، أظهر
من ظهوره النهي في الحرمة، مضافا إلى ظهور لا يصلح، وفي غير واحد من تلك

1 - وسائل الشيعة: 12 / 352 - ب 5 - ح 2.
2 - المستدرك: 2 / 473.
280

الأخبار في خصوص الكراهة، وكذا مفهوم لا بأس، بل ظهورهما فيها أقوى
من ظهور النهي في الحرمة، كما لا يخفى. فتأمل.
قوله (قدس سره): (إلا أن المحكي عن المختلف، أنه لو قلنا بالتحريم، لم يلزم
بطلان البيع - الخ -).
لعدم الملازمة بين الحرمة التكليفية، والبطلان عقلا. نعم لا يبعد
دعوى الملازمة بينهما عرفا، فيما إذا كانت الحرمة متعلقة بالبيع من حيث
التسبيب به إلى التمليك، والتملك، والتوسل به إليهما، وإلا فلا دلالة النهي
عن المعاملات على الفساد، إلا إذا كانت للارشاد إلى ذلك، كما هو الشايع
في النهي في باب المعاملات.
قوله (قدس سره): (ويؤيده تعليل المنع في طرف المبيع، بقصور ولاية
المشتري - الخ -).
لكن التعليل به عليل، فلا وجه للتعدي إلى الثمن، مع اختصاص
الدليل بالمنع في طرف المثمن، مع مخالفة المنع في هذا الحال، لعموم: تسلط 1
الناس على الأموال في جميع الأحوال.
قوله (قدس سره): (وهذا لا يسوغ إطلاق البيع على الكلي المتشخص به
- الخ -).
لا يخفى أن تشخص الكلي في الفرد، وانطباقه عليه إذا كان
بالاستيفاء مسوغا للاطلاق، كان التشخص والانطباق في الحوالة، إذا
كانت استيفاء لا معاوضة، مسوغا لاطلاق المبيع على الكلي المتشخص به
فيها على هذا، بأزيد من الاستيفاء، وهو مما لا بد منه في التشخص
والانطباق، وإنما لا يسوغ التشخص والانطباق فيها للاطلاق، إذا كانت
معاوضة على حدة، لا استيفاء. فإن استحقاق المحال لما على المحال عليه من
الكلي، يكون بمعاملة أخرى، غير البيع المنصب على ما انطبق عليه بالوفاء.

1 - بحار الأنوار: 2 / 272.
281

قوله (قدس سره): (وفيه إنه لا دلالة لها على محل الكلام - الخ -).
وفيه أن تقريب الاستدلال بها، يتم بضميمة ترك الاستفصال وإذا
صح الاستدلال بها على جواز ابقاء الفرض بمال المسلم، كما حكاه عن
العلامة، أعلى الله مقامه، فتفطن.
قوله (قدس سره): (ويمكن أن يقال: إن ظاهر الحوالة، بناء على كونه
معاوضة - الخ -).
إنما يمكن أن يقال ذلك، لو قيل بكون البيع في الأخبار المانعة،
كناية عن مطلق الاستبدال، وقد عرفت أنه لما ليس له مجال، فلا يكاد يتم
الاستدلال إلا بضميمة ترك الاستفصال، كما عرفت.
فافهم.
قوله (قدس سره): (وكيف كان فالمعاوضة لا يعقل بدون قيام كل عوض
مقام عوضه - الخ -).
قد مر منا الاشكال في ذلك، وأن عدم معقولية المعاوضة بدون
ذلك، لا يقتضي عدم معقولية الاشتراء بمال الغير لنفسه. وكون البيع من
عقود المعاوضة، معناه أنه تمليك بالعوض، لا مجانا كالهبة، لا بذاك المعنى
الذي لا يعقل إلا بدخول كل إلى ملك من خرج عن ملكه الآخر. فتذكر.
وهذا آخر ما أوردنا ايراده، وقد فرغنا عنه في اليوم الثلاث
تاسع عشر محرم الحرام من شهور سنة (1319) تسعة عشر
وثلث مأة بعد الألف. حامدا، شاكرا، مصليا، راجيا، لأن
ينتفع به الأخوان، كما انتفعوا بأصله. وأن يعفوا عما وقع فيه من
الخطأ، والخلل. والذهول، والزلل. والسهو، والنسيان، فإنها
كالطبيعة الثانية للإنسان.
الحمد لله كما هو أهله ومستحقه والصلاة على نبيه محمد وآله
الطاهرين. ولعنة الله على أعدائهم أجمعين، إلى يوم الدين.
آخر الكتاب
282