الكتاب: بلغة الفقيه
المؤلف: السيد محمد بحر العلوم
الجزء: ٢
الوفاة: ١٣٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: شرح وتعليق : السيد محمد تقي آل بحر العلوم
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٩٨٤ م - ١٣٦٢ ش - ١٤٠٣
المطبعة:
الناشر: منشورات مكتبة الصادق - طهران
ردمك:
ملاحظات: مكتبة العلمين العامة - النجف الأشرف

مكتبة العلمين العامة
النجف الأشرف
(10)
بلغة الفقيه
مجموعة بحوث ورسائل وقواعد فقهية لامعة تسد
ضرورة الفراغ في التشريع الاسلامي والفقه
الاستدلالي لا غنى للفقيه والقانوني عن معرفتها.
تصنيف
الحجة المحقق السيد محمد آل بحر العلوم - قدس سره -
شرح وتعليق
الفقيه الورع السيد محمد تقي آل بحر العلوم - دام ظله -
الجزء الثاني
1

منشورات مكتبة الصادق
طهران ناصر خسرو پاساژ مجيدي
الطبعة الرابعة
1984 ميلادي
1362 شمسي
1403 قمري
2

رسالة
في أخذ الأجرة على الواجبات
3

بسم الله الرحمن الرحيم
(مسألة) المشهور نقلا وتحصيلا عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات
مطلقا تعبديا كان الواجب أم توصليا عينيا كان وجوبه أم كفائيا (1) بل
5

عن بعض دعوى عدم الخلاف فيه وعن غير واحد حكاية الاجماع عليه وإن
كنا لم نتحققه على هذه الكلية.
ولا يخفى عليك عدم اختصاص النزاع بعقد الإجارة كما يتوهم من
أخذهم الأجرة في عنوان المسألة بل يعم سائر عقود المعاوضات مما وقع
بذل المال فيه بدلا وعوضا عن الواجب بعنوان المعاوضة والمعاملة عليه: نعم
6

لا يشمل ما لو كان البذل لأجله بنحو العطية وشبهها، وإن وجب البذل
بسهب، كما لو نذر أن يعطي درهما لمن صلى الفريضة فإنه يجوز أخذ
المنذور حينئذ بلا اشكال فيه ولا خلاف.
هذا وليعلم أولا أنه يعتبر في صحة الإجارة وغيرها من سائر عقود
المعاوضات وتأهلها لترتب الأثر عليها أمور:
7

الأول - أن تكون المنفعة المستأجر عليها مثلا عائدة ولو بنوع من
الملاحظة إلى المستأجر بحيث يتعلق له بها غرض عقلائي، وإن كانت بنفسها
ترجع لغيره، بل ولو لنفس الأجير كما لو استأجره على بناء دار نفسه
لكن حيث يكون له في ذلك غرض عقلائي وإلا كانت المعاملة عليه سفها
8

وأكل المال حينئذ أكل بالباطل بل ربما يلزم حينئذ الجمع بين
العوض والمعوض فلذا لا تصح الأجرة على الأفعال العبثية وابداء الحركات
اللغوية كالذهاب إلى الأماكن الموحشة ورفع الصخرة عن مكانها ونحو ذلك
مما لا يتعلق للعقلاء غرض فيه.
9

ولا يتوهم النقض بجواز أخذ السبق (1) في عقد المسابقة مع أن البذل من
الباذل بإزاء ما لا منفعة له فيه، لأنه من المحتمل قويا أنه من الالتزام بالعطية
والوعد بها على تقدير السبق غير أن الالتزام بما التزم به إنما هو لدليله
الخاص، فهو مستثني من الرهان المنهي عنه في الأخبار شرع لتحصيل
الاستعداد على القتال والجهاد، وليس من المعاملة بشئ حتى يتم النقض به،
وإن وقع التعبير بها في كلام بعض الفقهاء.
الثاني أن لا يكون العمل مما يعتبر في صحته وترتب الأثر عليه ما ينافي
اتيانه للوفاء به، وإلا كان المأتى به غير المعوض عليه والمعوض عليه غير المأتى
به فيكون أكل المال حينئذ أكلا بالباطل:
الثالث أن لا يكون مستحقا عليه بحيث يخرجه عن كونه مملوكا له
سواء كان الحق لله أم لغيره مستأجرا كان أم غيره، ولذا لا يجوز أخذ
العوض على الزكاة ممن دفعها إليه، وإن وجد مستحق سواه، ومثله أخذ
الأجرة على العمل المملوك بخصوصه بإجارة سابقة عليه ضرورة كونه مملوكا
للأول فلا يعقل تملكه لغيره، فاعتبار هذه الشروط في صحة المعاملة وقابليتها
لترتب الأثر عليها مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه.
إذا عرفت ذلك، فنقول: اختلفت كلمات الفقهاء في هذه المسألة على
أقوال: فبين قائل بالمنع عنه مطلقا وهو المشهور، وفي (المسالك): هو المشهور
وعليه الفتوى (2) وبين من منع عنه فيما يجب فيه قصد القربة كما عن فخر
10

المحققين رحمه الله وبعض المتأخرين، وبين من منع فيما كان واجبا
بالذات كما في (الرياض) بل فيه بعد نفي الحلاف: إن عليه الاجماع في
كلام جماعة (1) وبين مانع في كل ما كان الغرض الأهم منه الآخرة والجواز
فيما كان الغرض الأهم منه الدنيا كما عن السيد في (مفتاح الكرامة) (2)
11

ويظهر من جدي العلامة (في المصابيح التفصيل بين التعبدي منه والتوصلي
فمنع في الأول مطلقا وفصل في الثاني بين الكفائي منه والعيني فجوز في
الأول مطلقا وفصل في الثاني بين ما كان وجوبه للضرورة أو حفظ النظام
وغيره، فجوز في الأول ومنع في الثاني مطلقا ذاتيا كان الواجب أم
غيريا (1).
12

والأقوى قصر الجواز فيها على التوصلي من الواجبات الكفائية والمنع
فيما عداه، تعبديا كان الواجب ولو كفائيا عينيا كان ولو غيريا.
واستدل للأول على ما يظهر من احتجاج بعضهم لما أخذوه باطلاقه
عنوانا في المسألة بأمور:
الأول الاجماع
وفيه أنه في الجملة مسلم، والمحصل منه على الكلية ممنوع والمنقول
منه ظاهرا أو صريحا في بعض الموارد الجزئية كالقضاء والشهادة والأذان
وتعليم صيغة النكاح والقائها على المتعاقدين كما عن بعض منهم (المبسوط)
و (الخلاف) و (التحرير) و (جامع المقاصد) غير مجد، والمجدي منه
على الكلية لم نتحققه إلا في ظاهر (مجمع الأردبيلي) قدس سره حيث
قال: " الظاهر أنه لا خلاف في عدم جواز أخذ الأجرة على فعل
واجب على الأجير سواء كان عينيا أم كفائيا فكان الاجماع دليله انتهى
بناء على قراءة (كان) فعلا لا حرفا، ولعل نظر (الرياض) إليه في دعوى
الاجماع عليه وهو مع ذلك موهون بما عرفت من التفصيل في الأقوال المتقدمة.
13

الثاني منافاته للاخلاص المعتبر في العبادة.
وفيه أنه أخص من المدعي لاختصاصه بالتعبدي من الواجبات ومنقوض

* وأما جواز الاستيجار في مقدمات العبادات إذا كانت غير عبادة
كتحصيل الطهور وتحصيل الساتر وتطهير الثوب والبدن، فلكونها من قبيل
القسم الثالث، إذ المطلوب من المصلي تحصيل الطهور مثلا كيف اتفق،
سواء كان بالمباشرة أم بالنيابة، وكذا في غيرها ".
14

بالمستحب منها فلا يتم لا طردا ولا عكسا، مضافا إلى ما قيل من تأكد
الاخلاص به كما في (الجواهر) حيث قال بعد نقل الاجماع عن بعض
ما لفظه: " وهو إن تم الحجة لا لمنافاة ذلك الاخلاص في العمل المعتبر فيه إذ
هو مع أنه غير تام فيما لا يعتبر فيه النية من الواجبات كالدفن ونحوه
ومنقوض بالمستحب، واضح المنع ضرورة كون الإجارة مؤكدة له باعتبار
تسبيبها الوجوب أيضا " (1) وكأنه تبع في ذلك شيخه كاشف الغطاء في
15

شرحه على (القواعد) حيث قال: لا لمنافاة القربة فيما يشترط بها فيقتصر
عليه كما ظن لأن تضاعف الوجوب يؤكدها انتهى.
وإن نوقش بأن الوجوب المسبب عن الإجارة ونحوها توصلي غير
معتبر فيه الاخلاص حتى يكون مؤكدا للاخلاص المعتبر في العبادة.
إلا أنها غير واردة، لعدم دعواه لزوم التأكد، بل مدعاه إمكانه
المتصور ولو في ايجاده بقصد امتثال الأمر الايجابي بالوفاء الحاصل من الإجارة
وامكان التأكد ولو في مورد يلزمه عدم المنافاة بينهما بالذات.
اللهم إلا أن يناقش بوجه آخر، وهو أن المعتبر كون الاخلاص داعيا
محركا على العبادة، وكون الأجرة داعية لها محركة عليها مناف لذلك
بالضرورة من غير فرق بين انضمامه مع داعي الاخلاص أو تركب العلة
الغائية منهما.
وقياسه بالأغراض الدنيوية التي يأتي المكلف بالعبادة لأجلها كسعة
الرزق ونحوها.
(قياس) مع الفارق، لوضوح الفرق بين كونها مطلوبة من الله
كطلب الثواب والنجاة من العقاب ومن غيره كما ستعرف.
(ودعوى) كفاية التقرب بوجه في صحة العبادة، ولو بالنسبة إلى
الأمر الوجوبي بالوفاء إذ المانع خلو العبادة عن القربة لا اشتمالها من جميع
الجهات عليها.
(واضحة) الفساد لأن الأمر بالوفاء إنما هو متعلق بالعبادة المعتبر فيها
الاخلاص، فالقربة المعتبرة فيما هو كالموضوع للأمر بالوفاء كيف يمكن تحققها
16

من امتثال نفس هذا الأمر المتأخر عنه في الرتبة وبمنزلة المحمول في القضية (1)
كدعوى (1) امكان اتيان العبادة بداع الاخلاص ليس إلا ويكون ذلك وفاء
لما وجب عليه بالإجارة وإن تجرد عن قصده إذ لا يعتبر في الوفاء به الاتيان
لأجله بعد إن كان المفروض من الواجبات التوصلية فلا ينافي الاخلاص
المعتبر في العبادة وإن لم يكن مؤكدا له إذ الإجارة وسائر عقود المعاوضة
إنما تتعلق بما أمكن أن يكون الاتيان به لأجل الوفاء، وهو أي الامكان
متعذر في المقام لضرورة المنافاة بين القصدين.
الثالث ما استدل به شيخ مشايخنا (كاشف الغطاء) في شرحه على
(القواعد) بما يرجع محصله بتوضيح منا إلى التنافي بين صفة الوجوب وأخذ
17

العوض على الواجب ذاتا لأنه يعتبر في المعوض أن يكون مملوكا لمن له
العوض بمعنى أن لا يكون مستحقا عليه ليتمكن من تمليكه لباذل العوض
بإزاء ما بذله والواجب لكونه واجبا عليه غير مملوك له بل هو مستحق لله ومملوك له
وتمليك المملوك ثانيا غير معقول ولذا لا يجوز أخذ الأجرة على عمل مخصوص
استؤجر عليه قبله وليس إلا لكونه مملوكا لغيره فلا يملك ثانيا وبعبارة
أخرى العمل الواجب لكونه واجبا لا احترام له حتى يستحق بذل المال
بإزائه، وهو في العيني واضح وفي الكفائي وإن كان المكلف كليا إلا أنه
منطبق على من قام بالفعل فيكون القائم به قائما بما وجب عليه ولو كفاية والفعل فيه
بعد ايجاده هو الواجب المستحق لله تعالى بذلك الوجوب المتعلق بكلي المكلفين.
وفيه أنه إن تم فهو إنما يتم في غير الكفائي من الواجبات، وأما هو
فلا، لأن الفعل إنما يكون مستحقا لله ومملوكا له بعد اتصافه بالوجود، ولذا
لا يجوز الزامه بخصوصه عليه وهو قبله متعلق للإجارة، فالإجارة متعلقة به
قبل صيرورته مستحقا لله، فهو حينئذ من هذه الحيثية عمل محترم
جاز بذل المال بإزائه، وهذا بخلاف الواجب العيني فإن الفعل فيه مستحق
لله عليه بخصوصه قبل ايجاده ولذا جاز الزامه به قبله من باب الأمر بالمعروف
لا يقال: إن الإجارة إنما تتعلق بما كان متمولا وفيه منفعة للمستأجر
ولا يكون الفعل كذلك إلا بعد اتصافه بالوجود وحينئذ فمتعلق الإجارة هو
ما تشخص كونه لله تعالى.
لأنا نقول إن متعلق الإجارة هو الفعل حين عدمه لكن باعتبار قابليته
للوجود القائمة هذه القابلية بذات الماهية قبل طرو عارض الوجود عليها،
فالماهية باعتبار تلك القابلية الذاتية متمولة ذات منفعة يصح بذل المال بأزائها،
وكم من فرق واضح بين الماهية باعتبار وجودها وبين الماهية بعد اتصافها
بالوجود، فمتعلق الإجارة هو الأول وما هو مستحق لله هو الثاني.
18

لا يقال: أن الإجارة وإن تعلقت بها قبل الوجود إلا أنها مسبوقة بتعلق
الوجوب الكفائي بها فيلزم الاشكال من حيث تعلق الإجارة بما هو متعلق
للوجوب.
لأنا نقول: متعلق الوجوب كلي المكلفين ومتعلق الإجارة خصوص
واحد منهم، والخصوصية هي المصححة لتعلق الإجارة بها.
هذا وربما يقال بل قيل بجريان ما ذكره في الواجب المخير بالتخيير
العقلي فضلا عن التخيير الشرعي إذا كان بعض أفراده مشتملا على مزية
لم توجد في غيره أو مشقة مفقودة فيما سواه كالدفن في الأرض الصلبة
المشتملة على زيادة مشقة في حفرها مفقودة في الرخوة فإنه لا مانع من أخذ
العوض على حفرها بخصوصه إذ الواجب مطلق الدفن لا فيها بالخصوص،
وليس كذلك ما لو تساوت أفراده من جميع الجهات في متعلق أغراض العقلاء
بها، فإن بذل المال حينئذ لواحد منها سفه والمعاملة عليها معاملة سفهية.
ولكن فيه إن التخيير العقلي بين أفراد الطبيعة المطلوبة من شخص
معين لا يوجب خروج الفرد المختار عن كونه هو المطلوب منه والمستحق
عليه: لأن تشخص الطبيعة السارية طور من أطوار وجودها وشأن من
شؤوناتها غير مباين لها ولا ممتاز عنها إلا بخصوصية التطور الغير الموجب لخروجه
عن كونه هو المستحق عليه، ولذا كان الموجد له ممتثلا لما أمر به وفي
الدين الكلي الثابت في الذمة وفاء له وليس إلا لكونه عين المطلوب منه
والمشغولة به ذمته، فإذا كان العمل مطلوبا منه كان المأتى به هو المستحق
عليه نعم لو كان للخصوصية عنوان مستقل يتحد مع الطبيعة في الوجود مرة
ويفترق عنها أخرى كالكون في المسجد مثلا من حيث هو كون فيه،
جاز بذل العوض بإزاء ذلك العنوان بخصوصه، وإن اتحد مع الطبيعة المطلوبة
في الوجود والمعوض عنه فيما نحن فيه هو الصلاة في خصوص المسجد لا نفس
19

الكون فيه المتحد معها في الوجود.
ومما ذكرنا يظهر لك عدم الفرق في أفراد الواجب المخير بين ما اشتمل
على مزية زائدة كصلابة الأرض في الدفن وغيره كيف ولو جاز البذل على
الخصوصية مطلقا لم يشذ واجب تعييني عن جواز المعاوضة عليه ولو باعتبار
خصوصية من خصوصيات التشخص واقتصر المنع حينئذ على التعبدي من
الواجبات كما تقدم عن الفخر وغيره ولا كذلك في الكفائي لأن صيرورة العمل
فيه مستحقا لله إنما هو بعد قيام المكلف بالفعل وصدوره منه فتأمل: وفي
لحوق للتخيير الشرعي بالتخيير العقلي والكفائي وجهان ولعل الثاني هو الأقرب.
هذا مع امكان دعوى منع المنافاة بين أخذ الأجرة والوجوب العيني
أيضا بالفرق في الملكية بين الخالق والمخلوق والممتنع فيه طرو الملك ثانيا إنما
هو الثاني دون الأول، فإن الأرض كما ورد في بعض النصوص كلها بل
المملوكات بأسرها مملوكة لله تعالى مع تملك العباد لها.
وفيه أن المراد بالمملوكية لله المانع عن تملك الغير، هو كونه مستحقا
لله تعالى مطلوبا ايجاده منه بطلبه الحتمي فلا يتعلق حق بايجاده وإلا فما
سوى الله مملوك لمالك السماوات والأرض. وبالجملة، فهذه الجهة المانعة
التي مرجعها إلى انتفاء الشرط الثالث من الشروط المتقدمة في الواجب العيني
واضح كما اعترف به المستدل أيضا ووجودها في الكفائي ممنوع كما عرفت مما بيناه.
وهنا وجوه استدلوا بها للقول بالمنع مطلقا " كلها مزيفة تركناها خوفا "
من التطويل:
وأما سند القول بقصر المنع على التعبدي من الواجبات فهو قصر النظر
منه على جهة المنافاة بينه وبين الاخلاص من الجهات المانعة عنه كما أن من
اقتصر في المنع على الواجبات الذاتية كجدنا في (الرياض) لما رأى من جواز
المعاوضة بالضرورة والاجماع في الحرف والصنايع التي هي من الواجبات
20

الغيرية اقتصر في المنع على ما وجب بالذات.
وفيه مضافا " - إلى عدم الفرق في المنع بين ما وجب لذاته وما وجب
لغيره كتحصيل الطهور والساتر للصلاة كما ستعرف - أنه يظهر منه منع الأجرة
على حمل الأموات، بل هو مندرج فيما ادعي هو عليه عدم الخلاف مع أن
حمل الموتى من الواجب الغيري، بل حفر القبر أيضا مقدمة للدفن فيه،
ولا يقول بجواز أخذ الأجرة عليه بل ينقض عليه بانقاذ الغريق والاطفاء
الحريق مع أنه مقدمة للنجاة من الهلكة بل وبكل ما يجب لإقامة الدين وحفظ
شريعة سيد المرسلين مع أنها من الواجبات الغيرية. كما أن القول بالتفصيل
بين المنع فيما كان الغرض الأهم منه الآخرة والجواز فيما كان الغرض الأهم
منه الدنيا كما تقدم من مفتاح الكرامة منقوض أيضا بالانقاذ والاطفاء
المتقدمين إذا كان الغرض دنيويا فتأمل (1).
مع أنه لا يكاد ينضبط بميزان معلوم يرجع إليه عند الشك والاختلاف.
21

فإذا الأقوى هو ما ذكرناه من المنع عن ذلك في غير التوصلي من
الواجبات الكفائية مطلقا - ذاتيا كان الواجب أو غيريا لانتفاء ما هو المعتبر
في صحة المعاوضة وقابليتها لترتب الأثر عليها من الشروط الثلاثة المتقدمة
المفقود جميعها في بعض الواجبات وبعضها في جميعها. وأما الكفائي التوصلي،
فلا مانع من صحة تعلق الإجارة به بعد وجود المنفعة فيه للمستأجر، ولو
بسقوط التكليف عنه بفعله. فيشمله عمومات أدلة العقود.
وكيف كان فالمدار في صحة تعلق الإجارة وغيرها من العقود على
اجتماع تلك الشروط المتقدمة وعدمه وحيث لا مانع من جهتها في التوصلي
من الفروض الكفائية جاز أخذ العوض عليها كما عليه جدنا (في المصابيح (1)
تبعا لغير واحد ممن تقدم عليه غير أن بعض الفروض الكفائية ربما يستفاد
من أدلة وجوبها صيرورة ذلك العمل حقا " للغير يستحقه من المكلف كما يدعى:
أن الظاهر من أدلة وجوب تجهيز الميت أن للميت حقا " على الأحياء في
التجهيز فكل من فعل شيئا منه في الخارج فقد أدى حق الميت، فلا يجوز
أخذ الأجرة عليه وكذا تعليم الجاهل أحكام عباداته الواجبة عليه وما يحتاج
إليه كصيغة النكاح ونحوها لكن تعيين هذا يحتاج إلى لطف قريحة.
وإن أبيت ذلك فنقول: إن مقتضى القاعدة جواز أخذ الأجرة على
الواجب الكفائي إذا كان توصليا " مطلقا " إلا ما قام الدليل من اجماع أو غيره
على المنع عنه كتجهيز الأموات الذي لم ينقل فيه جواز أخذ الأجرة عليه
إلا ما يحكى عن المرتضى رحمه الله ولعل خلافه كما حكى عنه في وجوب
التجهيز على غير الولي بناء منه على الترتيب في الوجوب بين الولي وغيره
لا في حرمة أخذ الأجرة على تقدير الوجوب عليه.
22

ثم إن هاهنا اشكالات نقضية يرد بعضها على القول بمنافاة اعتبار
الاخلاص لأخذ الأجرة عليه ذاتا " وبعضها على القول بمنع الأجرة في الواجبات
مطلقا " بل وعلى القول بقصر المنع على العيني منها.
فمن القسم الأول النقض بالعبادات المأتى بها للأغراض الدنيوية كسعة
الرزق وحصول الولد وغير ذلك سيما بالنسبة إلى العبادات الموظفة لذلك،
وما كان مشروعا لأجلها كصلاة الحاجة وغيرها، فإن العلة الغائية لايجادها
هي تلك الأغراض الدنيوية المترتبة عليها دون محض الاخلاص المعتبر فيها
مع حكمهم بصحتها كذلك.
والجواب بالفرق بين نيل المقصود من الله بواسطة الإطاعة له بفعله
لأنه الموظف له عليه وبين نيله بدون واسطة الإطاعة بالفعل بل لنفس
كونه فاعلا له بحذف الواسطة، فالمصحح هو امتثال الأمر بالموصل دون
الفعل للتوصل به.
وبذلك يجمع بين ما ذهب إليه غير واحد من الأصحاب من بطلان
العبادة المقصود بها نيل الثواب والنجاة من العقاب، بل نسب ذلك العلامة
(في المهناويات) إلى أنفاق العدلية وعن الشهيد في (القواعد) إلى قطع
الأصحاب، وهو المحكى عن السيد رضى الدين ابن طاووس وبين ما هو المشهور
بل المقطوع به من صحتها مع رجاء المثوبة أو النجاة من العقوبة، مع تضافر
النصوص عليه من الكتاب والسنة الواردة في الوعد والوعيد والترغيب
والترهيب والتعزيز والتحذير وليس إلا لما ذكرناه من الفرق وإن الذي يقتضي
فساد العبادة بقصده هو ما إذا كان الداعي للفعل والمحرك له عليه ليس إلا
النتيجة المجعولة للفعل: من الثواب والعقاب على وجه لولاها لما وقعت منه
العبادة، كالأجير الذي يفعل الفعل لمحض الأجرة بحيث لو أريد الفعل منه
مجانا لم يفعله. واتيان العبادة بهذا الوجه لا يستبعد فساده دون ما كان الداعي
23

له عليه هو أمر الله تعالى وإرادته وإن تجرد عن المثوبة والعقوبة غير أنه
لما كان هو الموظف لهذه الوظائف على هذه الأفعال لطفا منه تعالى، قصدها
والتمسها منه معرضا " لنفسه بعمله لله تعالى سبحانه إلى نيل الثواب لأنه
الموظف له بلطفه وكرمه على هذا الفعل، فلا أظن أحدا " ينكر صحة العبادة
على هذا الوجه ولتفصيل الكلام محل آخر.
وهذا هو الذي وعدناك به من بطلان القياس بين الطلب من الخالق
والمخلوق.
ومنها: النقض بأخذ الأجرة على القضاء عن الميت والحج عنه مع أنها عبادات يعتبر فيها الاخلاص (1)
24

ويدفعه أن الأجرة في أمثال ذلك مأخوذة على النيابة التي هي عبارة
25

عن تنزيل الانسان نفسه منزلة غره في الأمر الخاص، عكس الوكالة التي
26

هي عبارة عن تنزيل الغير منزلة نفسه فيه ولذا يتوقف حصولها على التوكيل
27

بخلاف النيابة، فإنها لا تتوقف على الاستتابة وإن توقف ترتب أثرها في
28

بعض الموارد عليها، فالنيابة التي هي من فعل القلب هي المأخوذ عليها
29

الأجرة دون الفعل المنوب فيه المعتبر فيه الاخلاص الذي هو من أفعال
الجوارح. فهنا فعلان: أحدهما فعل قلبي وهو النيابة، والآخر من أفعال
الجوارح وهو من الفعل المنوب فيه، وما يعتبر فيه الاخلاص هو الثاني دون
الأول الذي هو من التوصلي الذي مرة يكون راجحا وأخرى يكون مرجوحا
وثالثة مباحا "، والراجح قد يكون واجبا "، وقد يكون مستحبا "، فيختلف
حكمها بحسب ما يقتضيه موجبه. ومتعلقها أي الفعل المنوب فيه قد يكون
توصليا أيضا وقد يكون تعبديا يعتبر فيه الاخلاص.
33

ثم إن النيابة بعد تحققها وامضاء الشارع لها موجبة لتوجه التكليف
34

المتعلق بالمنوب عنه إلى النائب فيما استنيب فيه بعد تنزيل الذات منزلة الذات الذي من
آثاره الوضعية صيرورة فعله فعله وتقربه تقربه، فالإجارة - وإن تعلقت بايجاد
الفعل عن المنوب عنه ومعناه ايجاده نيابة عنه وتنزيل فعله منزلة فعله - إلا
أن التنزيل المذكور مسبب عن تنزيل ذاته منزلة ذاته، ومن آثاره الوضعية
المترتبة عليه، فهو مقدور له بواسطته، فلا تعدد في الجعل والتنزيل من
النائب، بل الحاصل منه جعل واحد وهو قيام ذاته مقام ذات غيره فيه
وصيرورة فعله فعل غيره من آثار هذا الجعل غير موقوف على جعل آخر
فمرجع الإجارة - في الحقيقة إلى هذا الجعل الذي هو فعل قلبي، وإن
تعلقت بفعل الجوارح من العبادة وغيرها، فافهم فإنه دقيق
ثم إن النيابة المستحبة إن كان إيجادها لامتثال الأمر الاستحبابي أثيب
النائب عليها، وإن كان متعلقها توصليا "، غير أن متعلقها: إن كان عبادة
كان ثواب فعل المنوب فيه للمنوب عنه وثواب النيابة للنائب.
وبالجملة فإن كان الفعل المنوب فيه مما يثاب عليه كما لو كان عبادة
كان ثوابه للمنوب عنه، وإن كان صادرا " من النائب لأنه هو هو بعد
الجعل والتنزيل سواء كانت النيابة مما يثاب عليها النائب أم لا كما أن ثواب
النيابة حيث يثاب عليها للنائب أثيب المنوب عنه بالمنوب فيه أم لا كما لو
كان من التوصليات، فقد يخلوان من الثواب، وقد يترتب عليهما الثواب
ويختص - حينئذ - كل من النائب والمنوب عنه بما يرجع إليه من ثواب النيابة
وثواب متعلقها المنوب فيه، وقد يخلو أحدهما عنه دون الآخر.
وأما صلاة الهدية التي تضافرت النصوص على استحباب التبرع بها
ومنها صلاة ليلة الدفن لرفع الوحشة عن الميت في القبر فلا يجوز
الاستيجار عليها بناء على منافاة الاخلاص لأخذ الأجرة لأن بذل العوض
إن كان بإزاء العمل فالمفروض اعتبار الاخلاص فيه المنافي له، وإن كان
35

بإزاء الثواب المترتب عليه، فمع أنه غير معلوم تحققه لاحتمال وجود ما يمنع
عن قبوله مع جهالة مقداره على فرض تحققه، لا سنخية له مع الأموال
والأعمال الدنيوية التي تصح المعاملة عليها لعدم احتسابه من المتمولات عرفا
ولا شرعا ".
كيف ولو كان ثواباته مما تصح المعاوضة عليها لاستغنى الفقير ببيع
مثوباته، وربما يكون به مستطيعا ".
اللهم إلا أن يكون البذل بإزاء الإهداء الذي هو فعل من أفعال المهدي
كما ذكرنا في الأجرة على النيابة، إلا أن الاهداء بعد فرض انسلاخ المالية
عن متعلقه لا معنى لبذل المال عليه.
فإذا ما هو المتعارف من الاستيجار على صلاة الوحشة، ولو بالإجارة
المعاطاتية لا يخلو من اشكال، بناء على المنافاة المزبورة.
نعم يصح ذلك بناء على تأكد الاخلاص بالإجارة، وحينئذ فالمتخلص
عنه إما بالبذل بنحو العطية وتبرع المصلى بالصلاة، أو باستنابته والاستيجار
على النيابة عن نفسه فيكون المستأجر المستنيب هو المهدي للثواب دون النائب
إلا أن يناقش في مشروعية النيابة هنا، إذ ليس كلما يصح التبرع
به تصح النيابة فيه، نعم كل مورد تصح النيابة متبرعا " فيه يصح الاستيجار
عليه.
ومن القسم الثاني
النقض يالحرف والصنايع المتوقف عليها النظام، فإنها لذلك من
الواجبات الكفائية مع جواز أخذ الأجرة لها والمعاملة عليها، بل حتى مع
تعيينها على واحد مخصوص بسبب الانحصار فيه.
ويدفعه أن وجوب الصنائع إنما هو لحفظ النظام وإنما يستقيم النظام
36

بالتكسب بها وأخذ العوض عليها لأن لزوم التبرع بها يوجب الاخلال به
دون حفظه، فيلزم من وجوب التبرع بها نقض الغرض من وجوبها (1)
37

ومن ذلك أخذ الأجرة على الطبابة التي هي أيضا من الواجبات الكفائية
بل يجوز ذلك حتى مع تعيينها على الطبيب بالانحصار، ضرورة أن الانحصار
يوجب انقلاب ذلك الوجوب الكفائي إلى الوجوب العيني والواجب كفاية
هو التكسب بها، فيتعين عليه مع الانحصار، فمعنى التكسب هو أخذ الأجرة
بإزاء العمل، فيجب على الطبيب مع التعيين عليه - معالجة المريض - ببيان
الدواء بعد تشخيص الداء وأخذ العوض منه مع قصده، وعلى المريض
أو وليه بذل العوض له، ومع الامتناع يجبره الحاكم على البذل إن كان له مال
وإلا فله في ذمته، فإن مات فيستوفيه من بيت المال من الزكاة أو غيرها
ومثله العمل لتحصيل النفقة الواجب عليه لنفسه ولمن يجب عليه نفقته
فإن المتوقف عليه حصول النفقة هو العمل المأخوذ عليه الأجرة وهو الواجب
عليه مقدمة دون العمل المجاني.
وهنا مسلك آخر لجواز أخذ الأجرة على الطبابة وإن تعينت عليه
للانحصار سلكه شيخنا المرتضى في (مكاسبه) حيث قال: " ومن هذا
الباب أخذ الطبيب الأجرة على حضوره عند المريض إذا تعين عليه علاجه
38

فإن العلاج وإن كان معينا " عليه إلا أن الجمع بينه وبين المريض مقدمة للعلاج
واجب كفائي بينه وبين أولياء المريض، فحضوره أداء للواجب الكفائي
كاحضار الأولياء إلا أنه لا بأس بأخذ الأجرة عليه " انتهى، ومقتضاه:
التفصيل وعدم جواز أخذ الأجرة فيما لو تعين الجمع أيضا على الطبيب لعدم
إمكان نقل المريض إليه، وهو خلاف إطلاق كلامهم في جواز ذلك له
وإن تعينت المعالجة عليه ببيان الدواء بعد تشخيص الداء.
وما ذكرناه هو الوجه في جواز أخذ الأجرة على الصنايع مع كونها
من الواجبات الكفائية.
لا ما ذكره شيخ مشايخنا في (شرحه على القواعد) من دعوى كونها
من الواجب المشروط لا المطلق، حيث قال - بعد ذكر ما يدل على المنع
عن أخذ الأجرة على الواجب - ما نصه " أما ما كان واجبا " مشروطا " فليس
بواجب قبل حصول الشرط، فتعلق الإجارة به لا مانع منه، ولو كانت هي
الشرط في وجوبه، فكل ما وجب كفاية من حرف وصناعات لم تجب
إلا بشرط العوض بإجارة أو جعالة أو نحوهما، فلا فرق بين وجوبها العيني
للانحصار ووجوبها الكفائي لتأخير الوجوب عنها وعدمه قبلها " انتهى،
لأن الصناعات إنما تجب مقدمة لحفظ النظام الذي هو من الواجب المطلق
دون المشروط فيتبع وجوبه في الاطلاق والتقييد.
اللهم إلا أن يرجع كلامه - ولو بالتكلف إلى ما ذكرناه.
ولا ما قيل في دفعه بأن المتوقف عليه النظام هو مطلق العمل الأعم
من العمل بالأجرة، لا خصوص المتبرع به حتى لا يجوز أخذ الأجرة عليه
لأنه إذا فرض وجوب العمل من حيث هو ولو للغير امتنع أخذ العوض
عليه بناء على عموم المنع عن أخذ العوض على الواجبات مطلقا ".
ولا ما قيل من الالتزام بجواز أخذ الأجرة على الواجبات الغيرية وقصر
39

المنع على ما كان واجبا بالذات كما تقدم من جدنا في الرياض وقصر
المنع على الواجبات التعبدية كما تقدم عن فخر المحققين أنه لما عرفت من
عموم المنع أولا وعدم التفصي بهما عن الاشكال على القول المشهور بالمنع
مطلقا " ثانيا ".
ولا ما قيل بالالتزام بخروج ذلك بالاجماع والسيرة القطعية لقيامها على
ما اقتضته القاعدة وإلا فالمانع عقلي - كما عرفت - لا يمكن الخروج عنه
بالدليل الشرعي.
ولا ما قيل كما عن جامع المقاصد باختصاص جواز الأخذ بصورة
قيام من به الكفاية، فلا يكون حينئذ واجبا "، لأن الظاهر من فتواهم
جواز الأخذ ولو مع بقاء الوجوب الكفائي، بل ومع وجوبه عينا للانحصار
كما هو صريح بعضهم.
فالوجوه المذكورة كلها عدا الأول منها ما بين مزيف في نفسه أو غير
ناهض لدفع الاشكال، بناء على القول بعموم المنع كما هو المشهور، فالوجه
هو ما ذكرناه في دفع الاشكال فافهم.
وأما النقض بوجوب بذل الطعام للمضطر مع جواز أخذ العوض منه
ففيه إن المأخوذ منه عوض المبذول دون البذل الواجب، مضافا " إلى
أن البذل إنما يجب لدفع الضرر عن المضطر، والبذل مجانا ضرر على الباذل
ولا يدفع الضرر بالضرر، مع أن طريق الجمع بين احترام المال ودفع
الضرر عنه هو البذل بالعوض دون المجاني.
ومنه يظهر الجواب عن النقض برجوع الأم المرضعة بعوض ارضاع
اللبا (1) مع وجوبه عليها، بناء على توقف حياة الولد عليه، فإن المأخوذ
40

عليه العوض شئ والواجب شئ آخر، فلا يحتاج في الاستدلال عليه إلى
التمسك بعموم آية " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " (1)
وأما النقض بجواز أخذ الوصي الأجر على عمل الوصاية مع وجوبه
عليه عينا، فلعله من قبيل الوكالة أو النيابة عن الموصى، ولو بتنزيل الشارع
له منزلته حيث لا يعلم بالوصية، وقلنا بوجوب قبولها عليه أو دخوله فيما
يتوقف عليه النظام أيضا لمسيس حاجة عموم الناس في أمورهم إلى من يقوم
مقامهم بعد موتهم، ولولا استحقاق الأجرة ولزوم العوض لاختل أمر
الناس في وصاياهم.
هذا وأورد بعضهم على المشهور: النقض بالجهاد الواجب كفاية مع
جواز النيابة فيه وأخذ الأجرة عليه، حتى أن شيخنا في (الجواهر) نسبه
إلى ظاهر الفتاوى، حيث قال: " بل ظاهر الفتاوى عدم الفرق في
النائب بين كونه قادرا " بنفسه على الغزو من دون حاجة إلى الجعل وغيره
ممن لم يكن قادرا "، ولا ينافي ذلك كونه واجبا على الأول بعد إن كان
مخيرا " بين فعله لنفسه وبين فعله عن غيره، كما أن الجاعل مخير بين فعله
بنفسه وبين النائب عنه، ومن ذلك يعلم ما في تقييد بعضهم النائب في المسألة
السابقة بكونه غير واجب الجهاد لفقره " انتهى.
وفيه إن المسلم عند الأصحاب - حتى ادعى الاجماع عليه كما في (المنتهى)
وغيره - تخيير من وجب عليه الجهاد بين أن يجاهد بنفسه أو يستنيب غيره
عنه، وأما تخييره بين الجهاد لنفسه أو نيابته عن غيره فممنوع. وبعبارة أخرى
41

من وجب عليه الجهاد له استنابة غيره، وليس له أن يصير نائبا عن غيره
ومبنى الأول على عدم وجوب المباشرة وهو كذلك لكونه كفائيا "، والمقصود
منه دفع العدو، ومبنى الثاني: جواز أخذ العوض على الواجب ولو كفاية
وعدمه، وهو غير جائز بناء على المشهور، ولذا قيد جماعة كما اعترف به
في (الجواهر) في النائب أن لا يكون ممن يجب عليه الجهاد كالمعسر والذمي
ونحوهما، بل صرح بذلك في (التحرير) و (والمنتهى) قال في الأول:
".. ولا يجوز لمن وجب عليه الجهاد أن يجاهد عن غيره بجعل، فإن فعل
وقع عنه ووجب رد الجعل إلى صاحبه " وقال في الثاني: " لا يجوز لمن وجب
عليه الجهاد أن يجاهد عن غيره، فإن فعل وقع عنه ووجب رد الجعل
إلى صاحبه لأنه قد تعين عليه، فلا يجوز أن ينوب عن غيره فيه كالحج "
انتهى،
ومما ذكرنا يظهر لك مواقع النظر في كلام (الجواهر) (1)
42

والعجب من الفاضل الجواد في (شرح اللمعتين) حيث تفصى عن
النقض بالجهاد بوقوع البذل على المقدمات الموصلة إلى الجهاد دون نفس الجهاد
43

الواجب على الأجير، وهو كما ترى.
هذا كله بالنسبة إلى أخذ الأجرة على الواجبات.
وأما المستحبات، فما كان منها عبادة لا يجوز أخذ الأجرة عليها بناء
على المنافاة بينها وبين الاخلاص، وغير العبادة منها، فلا مانع من أخذ
الأجرة عليه حيث يكون مشتملا على منفعة يصح بذل المال بإزائها بحيث
لا تعد المعاملة عليها من المعاملات السفهية وأكل المال معها أكلا بالباطل،
فيجوز أخذ الأجرة على تثليث الغسلات في غسل الميت وتكفينه بالقطع
المستحبة، بل والزيادة على القدر الواجب في حفر القبر، أو يفصل في
الأخير بين حصوله دفعة أو بالتدريج. والله العالم بحقائق الأمور.
44

رسالة
في بيع المعاطاة
45

بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة
(في المعاطاة التي كثر تعاطى عموم الناس في أغلب معاملاتهم بها)
ولنبدء بنبذة من الكلام مما له ربط تام بالمقام، وهي: أنه هل للفظ
في مورد العقود أثر مختص به بحيث لا يترتب إلا عليه، أم لا؟ وعلى الأول
فهل هو حصول الملك، أو لزومه؟ وعلى التقديرين، فهل المتوقف عليه هو
مطلق اللفظ، أو لفظ مخصوص وصيغة خاصة؟
اختلفت كلماتهم في ذلك: فبين من لم يعتبر اللفظ في ترتيب الأثر
المقصود من البيع، وهو لزوم الملك واكتفى في تحققه بالفعل المجرد عن
الصيغة مطلقا، وهو المنسوب إلى المفيد في (المقنعة) واطلاق كلامه المحكي
عنه يوهم ذلك (1) وتبعه على ذلك المقدس الأردبيلي رحمه الله والفاضل
الكاشاني والمحقق السبزواري.
47

وبين قائل باعتباره فيه غير أنه لم يعتبر في اللفظ أن يكون بصيغة
خاصة، بل يكفي عنده مطلق اللفظ الدال على التراضي، وهو المحكي في
المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين وفي الحدائق - مع اختيار له - نسبه
إلى جماعة.
وبين قائل باعتبار الصيغة الخاصة في إفادة الملك أو لزومه وعليه فتعم
المعاطاة كل ما كان بغير الصيغة الخاصة، سواء كان التراضي مدلولا عليه
بالفعل أو بالقول كما أنه يختص على الثاني بما كان مدلولا عليه بالفعل دون
القول، ويدخل المدلول عليه بالقول في العقود القولية. ولعل مبنى الاختلاف
في ذلك، هو أن يقال: إن البيع بعد إن لم يكن له حقيقة شرعية ولم
يرد نص من الشارع في معناه فإن لم يتحقق له - مع ذلك - معنى في العرف
أو في اللغة بحيث يتبادر منه عند الاطلاق، فلا بد حينئذ في ترتب الأحكام
الشرعية من الاقتصار على القدر المتيقن وتحققه بايجاد كل ما هو محتمل اعتباره
شطرا " أو شرطا فيه ولعله الوجه في اعتبار المشهور الصيغة الخاصة في تحققه
واعتبارهم فيه العربية والماضوية، وتقديم الايجاب على القبول والموالاة بينهما
وغير ذلك.
وإن قلنا بوجود معنى له في العرف أو اللغة بحيث يتبادر منه ذلك
عند الاطلاق، غير أن الشارع اعتبر في ترتب الأثر عليه شرطا " اقتصر
على ما علم اعتباره فيه شرعا باجماع ونحوه، وما شك في اعتباره وشرطيته
فالأصل عدمه، والمرجع فيه هو المفهوم العرفي لأنه بحكم المطلقات عند
48

الشك في تقييدها، ولعله محط نظر القائلين باعتبار كون الدال على التراضي
مطلق القول دون لفظ مخصوص بناء على أن القدر الثابت اعتباره شرعا "
هو ذلك.
وإن قلنا بعدم اعتبار شئ فيه زائد على ما هو المتعارف عند العرف
فلا بد من ترتب الأحكام الشرعية على ما يطلق عليه البيع عرفا، إلا ما ثبت
النهي عنه شرع " كبيع الملامسة والمنابذة وبيع الحصاة ولعله الوجه فيما اختاره
المفيد (ره).
إذا عرفت ذلك فنقول: ثبوت معنى للبيع عند العرف العام بحيث يتبادر
منه عند الاطلاق ويتعاطونه في معاملاتهم الجارية بينهم قديما وحديثا " عند
إرادة التمليك والتملك بعضهم مع بعض حتى ممن لم يتطرق سمعهم أغلب
الأحكام الشرعية - مما لا شك فيه وإنكاره مكابرة، فلا بد حينئذ من ملاحظة
ثبوت مقدار ما اعتبره الشارع فيه على تقدير تحققه بالنسبة إلى ترتب الأثر
عليه والقدر الثابت بالاجماع هو اعتبار القول الدال على التراضي صريحا " فيه
لقصور الأفعال عن الدلالة على المقاصد بخلاف الألفاظ، ولأن القول بكفاية
الأفعال في اللزوم لم ينسب إلا إلى المفيد منا وبعض العامة، بل قد يتأمل
في صحة النسبة إليه، وإن أوهمها اطلاق عبارته حيث قال في (المقنعة):
" والبيع ينعقد على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه
جميعا " وتراضيا بالبيع وتقابضا وافترقا بالأبدان " لقوة احتمال إرادته من
ذلك بيان الشرائط لصحة البيع ولزومه، لا أن المراد تحققه بذلك من دون
صيغة وإن تركه لذكر الصيغة اتكال منه على معلومية اعتبارها فيه،
والمفروغية عنه كتركه المنقول عنه في الكتاب المزبور لاعتبار الصيغة في
النكاح والطلاق المعلوم اعتبارها فيهما من غير خلاف ولذا قال في (المختلف):
" وللمفيد قول يوهم الجوار " وساق كلامه المتقدم، ثم قال: " وليس
49

هذا تصريحا بصحته إلا أنه موهم " بل يرشد إلى ذلك ما في (كشف
الرموز) للآبي في باب الفضولي من نسبة اعتبار اللفظ المخصوص في البيع
إليه، وإلى الطوسي، وإن تبعه في هذا القول المقدس الأردبيلي في (مجمعه)
والمحدث الكاشاني في (مفاتيحه) ونفى عنه البعد بعد نقله السبزواري في
(كفايته) والنراقي في (مستنده) وإن كان الأول منهم لم يعض عليه
بضرس قاطع وإن انتصر له واستدل عليه بأدلة كثيرة وبالغ في الانتصار
له وقواه إلا أنه مع ذلك قال بعد ذكره إن إفادة اللزوم هو الظاهر من
المفيد للأدلة التي ذكرها ما نصه: " ويحتمل عدم اللزوم لأن الأصل عدم
اللزوم والملك أعم ولأن الملك واللزوم متغايران وما كان، وقد دلت الأدلة
على حصول الأول وبقي الثاني على نفيه إذ لا دليل وما لزم من الأدلة
المذكورة إلا الأول فتأمل " (1) بل ومال إليه في (المسالك) في موضعين،
وإن استجود في الأول موافقة المشهور، وقال في الموضع الثاني: " وما
أحسنه وأمتن دليله إن لم ينعقد الاجماع على خلافه " (2)
50

قلت والظاهر: تحقق الاجماع - بقسميه - على خلافه إذ لم ينسب
القول بكفاية الفعل في لزوم المعاطاة قبل الجماعة إلا إلى المفيد الذي قد
عرفت ما في النسبة إليه، مع أنه كما قبل مسبوق بالاجماع وملحوق به وإن
كان وقوع التعبير بنحو المشهور والمعروف في كلام بعض بل والأشهر
- والأكثر - في كلام بعض آخر - يعطي وجود قائل به غير المفيد ممن يعتد به
51

إلا أني لم أجده منقولا عن غيره.
هذا مضافا إلى الأصل المقرر بوجوه (1).
نعم لم يثبت عندنا اجماع على اعتبار الصيغة الخاصة، وإن كانت
دعوى الشهرة عليه غير بعيدة.
وبالجملة القدر الثابت بالاجماع اعتباره في لزوم البيع، هو كون الدال
على التراضي لفظا "، وأما اعتبار الصيغة الخاصة فلا دليل عليه، وحينئذ
فيقتضى الاكتفاء في اللزوم بمطلق ما دل على التراضي باللفظ كما عليه جمع
52

من المتأخرين، منهم صاحب (الحدائق) حاكيا " عن جماعة من المحدثين
وقد تقدم حكاية (المسالك) عن بعض مشائخه المعاصرين وهو لا يخلو من
من قوة. ويؤيده بل يدل عليه قوله: صلى الله عليه وآله " إنما يحلل الكلام ويحرم
الكلام " (4) فيرجع فيما دل عليه بغير الصيغة الخاصة من اللفظ إلى عموم
53

" أحل الله البيع " " وأوفوا بالعقود " لكونه حينئذ منها كالعقد بالصيغة
الخاصة، وبه يخرج عن الأصل المتقدم.
اللهم إلا أن يقال إن اعتبار الشرط في الموضوع العرفي شرعا إنما
استفيد من دليل لبى، وهو الاجماع المحصل من فتاوى الأصحاب على عدم
كفاية الفعل في لزوم المعاطاة على اختلاف منهم في اعتبار الصيغة الخاصة
أو كفاية مطلق القول ولكن المعتبر فيه لم يعلم خصوص أحدهما، فيكون
الشرط المعتبر من هذه الحيثية مجملا، فيسرى الاجمال إلى العام المانع من
54

التمسك به في مورد الاجمال وإن كان حجة في غيره، ويساوي وجود
العام المجمل في مورد الاجمال عدمه الذي قد عرفت - فيما تقدم - في مبني
الاختلاف من لزوم الاقتصار فيما خالف الأصل حينئذ على القدر المتيقن
وهو ما اشتمل على الصيغة الخاصة دون مطلق اللفظ. ولعله بل هو الوجه
في اعتبار المشهور لها، مع أن تحقق الموضوع العرفي وعموم " أحل الله البيع "
ونحوه بمرئ منهم ومنظر.
لا يقال: إن مرجع الاجمال حينئذ إلى الشك في تقييد القول بالصيغة
الخاصة بعد معلومية اعتبار أصله وحينئذ فالأصل عدمه، ومقتضاه الاكتفاء
بمطلق القول.
لأن الشك فيما هو المجعول من الشرع لا في نفس الجعل منه وبعبارة
أخرى: مآل الشك إلى الترديد في كيفية الجعل الدائرة بين المتباينين دون
الاطلاق والتقييد، إذ لا معقد للاجماع حتى يؤخذ باطلاقه عند الشك بعد
إن كان الاجماع متصيدا " من فتاويهم المختلفة في التعبير عما هو المعتبر في
الموضوع العرفي فافهم. فإذا ما عليه المشهور من اعتبار الصيغة الخاصة في
اللزوم هو الأقوى، وعليه فالحصر في قوله " إنما يحلل الكلام " إضافي
ثم إن المعاطاة - بعد ما عرفت موضوعها في الجملة: من أنها أما التعاطي
بمجرد الفعل الدال على التراضي وأما التعاطي بمطلق ما دل عليه غير الصيغة
الخاصة، بناء على الاختلاف المتقدم تتصور بحسب قصد المتعاطيين على وجوه
أربعة، ذكرها شيخنا في الجواهر: أحدها - قصد الإباحة بالأفعال ونحوها
مصرحا بذلك ولو بالقرائن الدالة على إرادة الإباحة المطلقة. ثانيها - قصد البيع
بذلك على إرادة النقل البيعي من غير تعرض للزوم وعدمه أو مع قصد
عدمه، ثالثها - إرادة التسليط المطلق المجرد عن قصدي الإباحة والتمليك بل
يعطى للبقال شيئا " ليتناول عوضه فيدفعه إليه. رابعها - قصد الملك المطلق
55

والمعاوضة بالعينين من غير نظر إلى عنوان البيع.
وهناك وجوه أخر يمكن تعقلها إلا أن الأربعة المذكورة أصولها.
وجملة صورها، هي أنه: أما أن تكون المعاطاة يقصد التمليك من الجانبين
أو الإباحة بالتصرف كذلك، وكل منهما يتصور على وجهين: أحدهما تمليك
المعوض بتملك العوض على أن يكون المقابل لتمليك المعرض هو ملكية
العوض كملكية الثمن في البيع من غير توقف على تمليك جديد. الثاني
تمليك المعوض المقابل بتمليك العوض على أن يكون التمليك بإزاء التمليك
كالهبة المعوضة، فيتوقف تملك العوض على تمليك جديد له وفي الإباحة
أيضا كذلك يتصور على وجهين: أحدهما - إباحة التصرف المعوض بالإباحة
بالمعنى المصدري بمعنى كون العوض مباحا له. الثاني - الإباحة المقابلة بالإباحة
بالمعنى الفعلي كالتمليك بإزاء تمليك جديد.
هذا مع تساوى القصد المتعلق بالمالين كالإباحة بالإباحة أو التمليك بالتمليك
ومع فرض اختلافه كالإباحة بالتمليك أو التمليك بالإباحة، فيتصور أيضا على
أربع صور: فالحاصل من المجموع صور ثمان، ويزيد عليها لو ضمت إليها صور
انقسام الإباحة إلى الكلية أو الجزئية لأن متعلقها: إما مطلق التصرف حتى
التصرفات المتوقفة على الملك، أو بعض التصرفات وهو غير المتوقف عليه
كما هو أحد الأقوال في المعاطاة كما ستعرف وتزيد أيضا " بملاحظة القسمين
الأخيرين من التسليط المطلق ومطلق التمليك بناء على إمكان تحقق الأول
وأعمية الثاني من البيع. وعليك بتصويرها، إلا أن أغلبها بل عدا الأربعة
المتقدمة منها محض فرض ومجرد تصوير عقلي:
وأما الصورة الثالثة من الأربعة المتقدمة، وهي قصد التسليط المطلق
فقد ناقش فيه شيخنا المرتضى في (المكاسب) بما يرجع محصله إلى امتناع
خلو الدافع في دفعه عن قصد عنوان من العناوين الخاصة.
56

ووجهه أن التسليط الذي هو القدر المشترك بين الإباحة والتمليك
بمنزلة الجنس فيمتنع عقلا تحققه في الخارج من غير فصل لأن الجنس لا يتقوم
إلا بالفصل.
وقد يجاب عنه بأن التسليط المطلق المجرد عن قيدي الإباحة والتمليك
موضوع عرفي يمكن تحققه في العرف كدفع المغصوب ماله إلى الغاصب من
اللصوص وقطاع الطريق وغيرهما، فإن المالك في دفعه مسلط للغاصب على
ماله من غير قصد منه إلى كون التسليط بنحو الإباحة أو التمليك، بل قد
يقصد عدمهما لحصول الغرض من دفع الضرر عن نفسه بمجرد الدفع المجرد
عن قصد شئ زائد عليه، وهو من الأمور الوجدانية، ولعل انكاره لا يخلو
عن مكابرة.
وإن أبيت ذلك فلا يمكنك التأبي عن امكان وقوعه عند الغفلة عن
العناوين الخاصة من التمليك والإباحة بأقسامهما بحيث لا يكون شئ منها
ملتفتا إليه وحينئذ فإما أن يتحقق التسليط بهذا الدفع أو لا، والثاني باطل
لتحققه بالوجدان المغني عن إقامة البرهان والأول إما أن يتحقق معه الإباحة
والتمليك أولا يتحقق شئ منهما، والأول باطل لعدم قصد شئ منهما،
فتعين الثاني وهو المطلوب فلا يكون محالا كيف وأدل دليل على امكان
الشئ وقوعه، ومتى أمكن فرض وقوعه في صورة الغفلة أمكن ذلك في
غيرها لعدم مانع الاستحالة ولزوم محذور تحقق الجنس بلا فصل، يدفعه
منع تحققه كذلك غير أن فصل التسليط المطلق أمر عدمي وهو عدم فصلى
الإباحة والتمليك، فهو كالمطلق المقيد بالاطلاق، فللتسليط أقسام ثلاثة
اثنان منها فصلهما أمر وجودي وهما الإباحة والتمليك، والثالث فصله أمر
عدمي والقدر المشترك بين الثلاثة وهو مطلق التسليط جنس لها كالمطلق المجرد
عن جميع القيود حتى عن قيد الاطلاق، وهو المعبر عنه بالماهية المرسلة
57

المعراة عن جميع القيود التي ليست هي إلا هي.
هذا ويمكن الخدشة في الجواب المذكور بأن يقال: التسليط المطلق
إن كان اضطراريا كدفع المغصوب ماله إلى الغاصب، فنمنع صدق التسليط
عليه، بل هو من تسلط الغاصب بواسطة المغصوب منه دون تسليطه فإن
التسلط وإن كان لازما " للتسليط إلا أنه لازم أعم يجتمع معه مرة ويفترق
عنه أخرى كما لو كان بدون واسطة المالك، بل ولا بدرايته، فدفع المغصوب
منه واسطة لتسلط الغاصب وطور من أطوار تسلطه وليس هو إلا بمنزلة
الآلة له لحصول غرضه من التسلط كالرشاء والغواص لاخراج المال من
البئر أو البحر، ومثله ما لو كان الدفع منه مع الغفلة عنه كدفع النائم الغافل
عن نفس الدفع، وإن كان اختياريا فلا بد وأن يكون منبعثا " عن إرادة
فعلية مسببة عن تصوره وتصور ما يترتب عليه من المصلحة المحركة للميل
والشوق المحرك لتلك الإرادة المحركة للأعضاء على العمل كما هو الشأن في
صدور جميع الأفعال الاختيارية، فلا ينفك ذلك التصور والملاحظة عن الجهة
الباعثة عن كيفية مخصوصة من العناوين الخاصة، وإن وقعت الغفلة عنها
عند العمل أو في أثنائه لأنها محفوظة في الخزانة تجري الأفعال على منوالها
كما نشاهد من أنفسنا بالنسبة إلى أفعالنا الاختيارية الواقعة في الخارج من
الغفلة في أثنائها أو عند ابتدائها بعد التشاغل بمقدماتها عن وجوه الفعل
ومشخصاته ولذا اكتفينا بالاستدامة الحكمية في نية العبادات.
ومما ذكرنا يظهر الجواب عن النقض بالغفلة، لأنها إن كانت عن
نفس الدفع مع تحققه، فكونه تسليطا ممنوع، بل هو كدفع النائم من
واسطة التسلط، وإن كانت الغفلة عن قصدي الإباحة والتمليك، فهو جار
على منوال ما في الخزانة مما أضمره من المشخصات عند وجود الداعي المحرك
عليه، فالفرق بين التسليط المطلق ومطلق التسليط، هو أن الأول غير متحقق في
58

الخارج لعدم تحقق الجنس بدون الفصل، والثاني موجود بوجود أنواعه
المتمايز بعضها عن بعض بالفصول نحو البيع والهبة والعارية وغير ذلك كالكلي
الموجود في ضمن أفراده أو أنواعه، فافهم هذا والمسألة بعد محتاجة إلى
تأمل.
وأما الرابعة منها، وهي قصد التمليك المطلق دون خصوص البيع،
فقد أورد عليه شيخنا المتقدم أيضا بقوله: " والثاني بما تقدم في تعريف
البيع من أن التمليك بالعوض على وجه المبادلة هو مفهوم البيع لا غير "
ومرجع كلامه إلى منع أعمية التمليك المطلق أي تمليك العين بالعوض من
مفهوم البيع حتى يمكن فيه فرض قصد غير النقل البيعي منه ويكون
قسيما له.
قلت وأقصى ما يمكن أن يوجه به القول بالأعمية هو أحد أمرين.
الأول - دعوى اختصاص البيع بما كان التمليك حاصلا باللفظ، فهو
معاوضة خاصة وبعبارة أخرى: دعوى مدخلية اللفظ مطلقا " أو الألفاظ
الخاصة في تحقق مفهوم البيع، فيكون التمليك بغيره تمليكا " بغير البيع ومعاوضة
مستقلة، ومنه المعاطاة الممكن فيها حينئذ قصد التمليك البيعي منها أو قصد
معاوضة مستقلة.
ويشهد له بل يدل عليه ما في (الغنية) من دعواه الاجماع على أن
المعاطاة ليست ببيع.
وفيه - مع أن منع كون المعاطاة بيعا أول الكلام، كيف والكركي في
(جامعه) نسبه مرة إلى المعروف، وأخرى إلى الاتفاق، وأنه لا يحسن
التقسيم مع كون النزاع صغرويا " أيضا " وإنما يتجه بعد الفراغ عن ثبوت الصغرى
وتحققها من الأعمية أنه لا يتم على التقديرين، لأن المعاطاة إن كانت بيعا "
فلا يكون قصده التمليك بها قسيما للنقل البيعي لتحققه بها قهرا " إذ لا ينفك
59

قصد التمليك فيها عن قصده، وإن لم تكن بيعا " كانت معاوضة مستقلة
قهرا " من غير مدخلية للقصد فيها، فلا يكون قصد نقل البيع قسما " منها
فتأمل.
مضافا إلى ما يمكن أن يقال: إن الملكية وإن اختلفت بالنوع إما
بحسب اختلاف متعلقها من العين أو المنفعة، وإما بحسب المجانية والعوض
أو غير ذلك إلا أن النوع الخاص منها وهو تمليك العين بالعوض على وجه
المبادلة لا تختلف ذاته وحقيقة معناه، وإن اختلفت أسباب تحققه بالفرض لأنه من
الاختلاف في السبب الموجد والمسبب شئ واحد واختلاف السبب لا يوجب اختلاف
ذات المسبب، نظير الحدث الأصغر الحاصل بأحد أسبابه: من النوم أو الريح
أو الخارج من أحد السبيلين، فإن المسبب في جميع ذلك حقيقة واحد،
والاختلاف إنما هو في السبب الموجد لها وحينئذ فلا تغاير في الملكية بين
القصدين، ولا تخالف بين المقصودين حتى يصلح أن يكون أحدهما قسيما
للآخر، فتأمل وهذا بخلاف قصد الإباحة والتمليك، بل وقصدي الإباحة
المطلقة أو الخاصة لتحقق المغايرة الذاتية في المقصود من ذلك.
الثاني - دعوى اختصاص البيع الذي من الأفعال التوليدية بين الاثنين
بما إذا كان بالنسبة إلى أحدهما بنحو الأصالة، وهو المعبر عنه بالبايع،
وبالنسبة إلى الآخر المعبر عنه بالمشتري بنحو التبعية، لأن المشتري قابل لايجاب
البايع، فكأنه تابع له في قبوله فعله.
توضيح ذلك: إن عقد البيع مركب إضافي من عقد، وهو لغة
الشد الوثيق بين الطرفين حقيقيين أو نسبيين كني به عن الربط بين شيئين
الحاصل بقرار من المتعاقدين، وبيع ومعناه لغة وعرفا تمليك عين بعوض
على وجه المبادلة والمفاعلة في البدلية لاقتضاء المعاوضة بدلية كل من المرتبطين
عن الآخر لأن البدلية مرة تكون من جانب واحد كضمان بدل التالف
60

ويسمى بالتعويض، ومرة تكون من الجانبين وتسمى بالمعاوضة، وعلقة
البدلية الحاصلة بالبيع وإن كانت من حيث هي بسيطة إلا أنها تنحل إلى
بدليين لتحقق بدلية كل منهما عن الآخر بالضرورة، غير أن بدلية أحدهما
- وهو المعوض - مضمحلة بالنسبة إلى بدلية الآخر وهو العوض، فالمعوض
متمحض للتبديل والعوض للبدلية وإن صدق العكس عليهما في الحقيقة وهذه
العلقة من حيث التحقق والتكوين فعل توليدي بين اثنين نسبته من حيث
التكوين والعلية في الايجاد إلى كل من الفاعلين البايع والمشتري بالسوية إلا
أنه من حيث الاستقلال بالانشائية والتبعية فيها ينسب إلى من كان مستقلا
بها لأنه الأصل في النسبة، فيقال له: البايع ويقال للآخر: المشتري لكونه
تابعا " للبايع في قبول انشائه فكأن البايع أصيل فيه والمشتري تابع له ولاختلاف
الحيثيتين المزبورتين اختلفت نسبة البيع مرة إلى الموجب والقابل كليهما، وأخرى
إلى الأول منهما مع صدق المبيع على المبذول من البايع خاصة والعوض على
المبذول من المشتري كذلك وليس إلا لتمحض الأول بالتبديل، والثاني
بالبدل لما عرفت من ملاك ذلك من الاستقلالية والتبعية في الانشاء ولذا
كان تعدى الفعل إليه بالباء المسماة عند النحويين بباء البدلية والباء الداخلة
على الأعواض والأثمان.
ولتنقيح الكلام فيه محل آخر، وعليه فالملكية للعين بالعوض أعم من
البيع لافتراقه فيما لا يوجد فيه الملاك المزبور. وفيه - بعد تسليم عدم صدق البيع
إلا على ما كان كذلك ومع الغض عما تقدم إنما يتم ما ذكر فيما لو وقعت
المعاطاة من المتعاطيين لا بنحو الايجاب والقبول الفعليين بل بنحو الاستقلالية
في الانشاء لكل منهما كالتفاسخ الحاصل من المتعاقدين بقول كل منهما:
تفاسخنا، وهو على تقدير تحققه من الفروض النادرة إن لم نقل بكونه مجرد
فرض امكاني لا يمكن تنزيل كلمات الأصحاب عليه وجعله محط أنظارهم في
61

هذا النزاع العظيم ولبس الاختلاف بينهم إلا فيما يليق بالبحث عنه من حكم
ما هو المتعارف بين الناس من معاملاتهم بالمعاطاة الجارية على منوال عقود
المعاوضات إلا في تحقق العقد اللفظي فإنه الجدير بالبحث عن حكمه لا ما يمكن
فرض وقوعه في الخارج وهذا مما اشكال فيه كما لا اشكال ظاهرا " في أن
قصد المتعاطيين التملك بالمعاطاة غالبا " كالبيع العقدي دون الإباحة المطلقة
مع بقاء العين على ملك مالكها خلافا لشيخنا في (الجواهر) ولعل نظره
مضافا إلى التخلص عن المحاذير الآتية إلى عدم الفرق في نظر العرف العام
ولا سيما عند العوام بين الإباحة المطلقة، وبين ملك الرقبة في النتيجة والغرض
المقصود من صحة جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك سواء كان منبعثا
عن ملكية العين والإباحة المطلقة ويتضح ذلك في المحقرات كدفع الدرهم
من الشارب لحصول الغرض به من شرب الماء من غير تعلق غرض له
بكون التسلط عليه منبعثا عن ملكية الماء دون إباحته ويشهد لذلك معاطاة
من لا يقول بإفادتها الملك، بل مفادها الإباحة اجتهادا " أو تقليدا " في المحقرات
فكيف يقصد التمليك والتملك بمعاملته مع العلم بعدم وقوع المقصود منها
مع وقوع المعاملات المعاطاتية في أغلب معاملاتهم؟ إلا أن الانصاف دعوى
وقوع معاملات الناس غالبا، وما هو المتعارف بينهم بقصد الإباحة دون
الملك مكابرة مما يشهد بخلافه الوجدان، بل الذي عليه الناس عموما " وخصوصا "
وهو قصد الملك في معاملاتهم المعاطاتية.
وكيف كان فالكلام إلى هنا في موضوع المعاطاة.
وأما حكمها فجملة الأقوال فيها عدا ما هو منسوب إلى المفيد (ره)
من اللزوم كما تقدم: أربعة، لأن القول بكفاية مطلق اللفظ في اللزوم
كما تقدم عن بعض متأخري المتأخرين ليس في الحقيقة (قولا) في حكم
المعاطاة، بل هو خلاف في موضوعها. وبالجملة (قول) وقيل: إنه المشهور
62

بإفادتها الإباحة المطلقة لجميع التصرفات حتى المتوقفة منها على الملك مع
بقاء كل من العينين على ملك مالكه، غير أنه يحصل الملك بتلف إحدى
العينين وما بحكمه، بل (عن المسالك): " إن كل من قال بالإباحة يسوغ
جميع التصرفات (وقول) بإفادتها لذلك إلا ما يتوقف على الملك كالوطء
والعتق واخراجه في خمس أو زكاة وغير ذلك، وهو المحكى عن حواشي
الشهيد على القواعد، ويوافقه ما عن (المبسوط) من المنع عن وطئ الجارية
المهداة بالهدية المجردة عن الايجاب والقبول، و (قول) بلحوقها بالبيع
الفاسد من عدم الملك وعدم جواز التصرف فيه، وهو المحكى عن العلامة
في (نهايته) وإن حكى الرجوع عنه في كتبه المتأخرة، بل قيل بعدم موافق
له ومسبوق بالاجماع وملحوق به و (قول) بإفادتها الملك المتزلزل ويستقر
بالتلف وما بحكمه، وهو صريح الكركي في شرحه على القواعد والمحكى
عنه في تعليقه على الارشاد، حتى أنه نزل الإباحة في كلام الأصحاب على
إرادة الملك المتزلزل، مع أن عباراتهم بين ظاهرة وصريحة بخلافه وعدم
تحقق الملك بها وحملها على عدم اللزوم في غاية البعد. وعليك بالرجوع إلى
عباراتهم ليتضح لك حقيقة الحال، وإنما تركناها خوفا " من الإطالة. وتبعه
على هذا القول غير واحد ممن تأخر عنه وهو العمدة من الأقوال في المسألة
بعد الأول منها، بل هما - أي القول بالإباحة المطلقة والقول بالملك المتزلزل
قد يدعي تكافؤهما في الشهرة بين متأخري المتأخرين.
قيل: ويبعد كل من القولين:
أما الأخير فيبعده إن حصول الملك وكون المعاطاة من النواقل له
مما يتوقف على جعل أو امضاء من الشارع، وليس عليه دليل، مع أن
مقتضى الأصل هو العدم إلا دعوى السيرة الممنوع قيامها على أزيد من جواز
التصرف الذي هو قدر مشترك بين الملك والإباحة وفيه ما ستعرف من الدليل
63

على الملك وقيام السيرة على ترتب آثاره على المأخوذ بالمعاطاة.
ويبعد الأول أيضا مخالفته للقواعد المسلمة التي منها قاعدة تبعية العقود
للقصود، لأن الملك المقصود حصوله بالتعاطي غير واقع بالفرض والواقع
وهو الإباحة المجردة غير مقصودة إذ الإباحة إن أريد بها الإباحة المترتبة
على الملك، فمع كونه خلاف الفرض يدفعه أنها معلولة للملك، والمعلول
عدم عند عدم العلة، وإن أريد بها المقابلة للملك وما هو قسيم له فلم تكن
مقصودة بالتعاطي حتى تكون واقعة بناء على ما عرفت من قصد المتعاطيين
التمليك بالمعاطاة، ومنها ما هو مسلم عندهم من عدم جواز التصرف في
المقبوض بالبيع الفاسد الذي هو بمعنى عدم ترتب الأثر عليه شرعا " بل مطلق
المعاملات الفاسدة التي منها المعاطاة لعدم ترتب الأثر المقصود من الملك
عليها، وهو الوجه لما ذهب إليه العلامة في (نهايته) من المنع عن التصرف
في المعاطاة، ومنها ما هو المعلوم من أن العين المضمونة بالمسمى إذا لم يسلم
ضمانها به كانت مضمونة ببدلها الواقعي من المثل أو القيمة، ولذا كان
المقبوض بالعقد الفاسد عندهم مضمونا بذلك دون المسمى، وعليه فكيف
يكون تلف إحدى العينين موجبا " لدخول الأخرى في ملك من هي في يده
بل القاعدة تقتضي حينئذ بناء على الإباحة المجردة جواز الرجوع على العين
الموجودة لمالكها ويغرم لصاحبه بدل التالف من المثل أو القيمة، وهو خلاف
ما هو كالمتفق عليه عندهم من اللزوم وعدم جواز الرجوع بالتلف وما بحكمه
هذا كله مضافا إلى استبعادات أخر ذكر لزومها على أهل هذا القول
شيخ مشايخنا (كاشف الغطاء) في شرحه على القواعد، تركناها جملة اقتصارا "
على ذكر العمدة منها.
هذا ويمكن الجواب عن ذلك:
إما عن الأول فبان مخالفة المقام لقاعدة تبعية العقود للقصود، وإن
64

كانت مخالفة لكلتا الكليتين الايجابية منهما والسلبية، لعدم وقوع
المقصود وهو الملك ووقوع غير المقصود، وهو الإباحة المجردة، لكن
الايجابية الكلية إنما تتم بعد اعتبار العقد وترتب الأثر عليه شرعا "، وإلا فعدم
وقوع المقصود من العقود غير عزيز كالعقود الفاسدة، فالعمدة هي المخالفة
للكلية السلبية، إذا العقد إنما يتقوم بالقصد ووقوع غير المقصود منه غير
معقول، إلا أن من المعلوم أن قاعدة التبعية لا تقتضي وقوع غير
المقصود، بل هو باق على حكم الأصل فيه، لا أنها تقتضي عدمه بحيث لو
فرض ثبوته بدليل كان معارضا " لها ولو بنحو معارضة العموم والخصوص
المطلق، بخلافه على الأول - وحينئذ فنقول: الواقع إما أن يكون
مباينا " للمقصود أو يكون جزء منه والثاني إما: أن يكون جزء خارجيا " بأن
يكون المقصود مركبا " خارجيا " والواقع جزء منه أو يكون جزء ذهنيا من
مركب ذهني - وحينئذ - فإن كان الواقع مباينا " للمقصود، فلا ينافي ثبوته
لو دل الدليل عليه، لما عرفت من عدم المعارضة بينه وبين مفاد القاعدة
ومنه ثبوت ضمان بدل التالف بالمثل أو القيمة لعموم " على اليد " عند
بطلان المسمى، وليس ذلك نقضا " لعموم القاعدة، ولا تخصيصا " له ونسبة
الضمان بذلك إلى العقد عند بطلان المسمى لا يخلو من تسامح، إذ الموجب
له إنما هو القبض عند العقد دون العقد نفسه، وإن كان جزء فإن كان
خارجيا كان مقصودا " - ولو بالتبع لأن قصد الكل متضمن لقصد جميع
أجزائه، ولذا صح بيع ما يملك من الدار وما لا يملك صفقة فيما يملك بالاتفاق
وإن انجبر ضرر التبعض بالخيار، وليس إلا لكونه مقصودا " - ولو ضمنا -
ضرورة أن بيع الدار ينحل إلى بيع كل جزء جزء منها، فلا نقض من
جهته - أيضا " - وإن كان ذهنيا كالمعاملة المشروطة بشرط فاسد وبيع الموصوف
الشخصي مع انتفاء الوصف، أمكن الحكم بالصحة مع انتفاء الشرط أو القيد
65

لو استفيد من الدليل تعدد المطلوب دون الوحدة. ولعل نظر من بنى على
الصحة في نحو ذلك إليه وإن انجبر أيضا " بالخيار، لكن الشأن في ثبوت
الصغرى، وهي كونه من التعدد في المطلوب وعليه، فذات المطلق أو المشروط
مقصودة - أيضا " - ولو في ضمن المقيد ومنه يظهر أيضا عدم نقض القاعدة
بذلك على القول به.
وأما النقض ببيع الغاصب لنفسه بناء على وقوعه للمالك مع إجازته
كما عن كثير، فلعله أجنبي عن المرام، وليس نقضا على القاعدة أصلا لأن
التبعية إنما هي بالنسبة إلى الأمور الداخلة في قوام العقد التي لا يتقوم بدون
قصدها، فقصد كونه لنفسه أو لغيره خارج عن مفاد العقد، وقصد البيع
لنفسه أو للمالك لا يضر في الأول، كما لا ينفع في الثاني، فإذا قاعدة (تبعية
العقود للقصود) قاعدة مستقيمة سليمة عما أورد عليها من النقوض المتقدمة
شيخنا المرتضى في (مكاسبه).
إذا عرفت ذلك، فنقول: فيما نحن فيه أن الإباحة المجردة التي هي
مفاد المعاطاة عند الأكثر يحتمل أن تكون من القسم الأول، وهو كون
الواقع مباينا " للمقصود، غير أنه ثبت بالدليل الخاص من قيام السيرة القطعية
عليه، ولكن يندفع بمنع قيامها على خصوص الإباحة المجردة - كما عرفت -
أولا ولزوم كون الإباحة حينئذ شرعية مع ظهور كلماتهم في كونها مالكية
- ثانيا " - وكون الإباحة حاصلة عند المعاطاة لا بها مع تصريحهم بأن المعاطاة
تفيد الإباحة - ثالثا - ويحتمل أن تكون من ثاني قسمي الثاني من باب تعدد
المطلوب بتقريب: إن المعاطاة تسليط للغير على ماله قاصدا به الملك،
والتسليط المجرد عن الملك مفيد للإباحة بحكم العرف، ولا ينافي قصد التمليك
معه إن لم يكن مؤكدا " له، فهو قاصد للتمليك بما هو تسليط من الفعل
وليست الإباحة المقصودة هي القسيمة للملك بل المجامعة معه التابعة له
66

المقصودة ضمنا وبالتبع إلا أنها باقية مع عدم الملك أيضا بناء على التعدد
في المطلوب ويشهد لذلك ما ذكره في (المسالك) من قوله: " وإنما حصلت
الإباحة باستلزام اعطاء كل منهما الآخر سلعته مسلطا " له عليها الإذن في
التصرف فيها بوجوه التصرفات " انتهى.
ولا كذلك في العقود الفاسدة لعدم التسليط فيها لا بالقول ولا بالفعل
أما القول فلأن الصيغة فيها لا تدل بمدلولها المطابقي إلا على التمليك وإباحة
التصرف قد يدعي أنها من الأحكام الشرعية المترتبة على الملك غير مقصودة للمالك
بل هي مترتبة على الملك وإن قصد عدمها ولو سلم كونها مقصودة فهي مقيدة بالملكية
بنحو الوحدة في المطلوب دون تعدده، فلا تسليط بالقول بوجه أصلا ". وأما
الفعل وهو دفع العين إلى صاحبها، فإنما هو أداء لمالكها بالعقد ولو بزعمه
الفاسد، فلا تسليط فيه على مال الدافع بقصد التمليك للمدفوع له، ضرورة
أن الملكية المقصودة المتخيل وقوعها حاصلة بالعقد سابقة على الدفع المقصود
به دفع ملك الغير إلى مالكه، لا تسليط للغير على ماله بقصد التمليك
له وهذا بخلاف المعاطاة فإن الملكية فيها متأخرة عن التسليط بالدفع طبعا
وإن اقترنت معه في الزمان.
توضيح الفرق بين المعاطاة والعقود الفاسدة مع تساويهما في قصد الملك
وعدم انشاء مستقل للإباحة: هو أن تبعية الإباحة للتمليك في العقد الفاسد
كاد أن ينعكس أمرها في المعاطاة لسبق الملكية المفروضة على الدفع وعدم
التسليط به لكونه من أداء المال إلى مالكه في العقد الفاسد وسبق التسليط
على الملكية المقصودة بالذات في المعاطاة فالملكية فيها يوشك أن تكون تابعة
للتسليط لا متبوعة له كما في العقد الفاسد، وبذلك ينقدح الوجه في تعقل
التعدد في المطلوب في المعاطاة وعدم امكانه في العقد الفاسد:
هذا أقصى ما يمكن أن يجاب به عن مخالفة قول المشهور لقاعدة التبعية
67

ولكن مع ذلك لا يخلو عن تأمل لما عرفت سابقا " من أن التسليط
المقصود به التمليك في المعاطاة لا يبقي مع انتفاء الملك لذهاب الجنس بذهاب
فصله، فالإباحة الضمنية للملك منتفية والقسيمة له غير مقصودة - أصلا -
وليست الإباحة هنا كالمطلق المقيد بقيد أو المشروط بشرط حتى يمكن فيه
فرض تعدد المطلوب، وإن هو إلا كالعقد الفاسد في وحدة المطلوب وإن
فرض الفرق بينهما في سبق الملك على الفعل ولحوقه به.
اللهم إلا أن يتشبث للقول بإباحة التصرف بوجه آخر، وهو إحراز
الرضا من المالك بالتصرف وإن لم يتحقق الملك بشاهد الحال الذي قد يدعي
تحققه في خصوص المعاطاة المبنية على التسامح بخلاف العقود المبنية على المداقة
من ضبط الألفاظ واجتماع الشروط وفقدان الموانع الكاشفة عن المداقة وعدم
التسامح فيها، فاحراز الإذن بالتصرف - حينئذ - مع عدم سلامة المقصود من الملك -
مفقود، ويكفي في صحة التصرف إحراز الرضا القلبي من المالك، وإن
بطل العقد أو المعاطاة في إفادة المقصود من الملك. ويشهد لذلك قول العلامة
في هبة (التحرير) بعد إن اعتبر الايجاب والقبول فيها ما لفظه: " وهل
يستغنى عن الايجاب والقبول في هدية الأطعمة؟ الأقرب عدمه نعم يجوز
التصرف عملا بالإذن المستفاد من العادة ".
وأما الجواب عن الثاني وما فيه، فيظهر مما ذكرنا في الجواب عن
الأول إذ القاعدة الثانية ليست هي بنفسها قاعدة مستقلة بل هي من فروع
قاعدة (تبعية العقود للقصود) ضرورة أن الوجه في عدم إفادة العقود
الفاسدة للإباحة إنما هو عدم كون الإباحة مقصودة إلا في ضمن الملكية
على وجه التبعية والفرعية فمتى لم يقع الملزوم بمقتضى فساد العقد لا يقع ما كان
لازما له متفرعا عليه أيضا، فلا يقتضي العقد جواز التصرف بل يبقي
التصرف في مال الغير على حرمته الأصلية. وأما المخالفة للقاعدة الثالثة فلا
68

يكاد ينطبق معها قول الأكثر بوجه أصلا اللهم إلا بدعوى أن بطلان الضمان بالمسمى
من حيث البدلية بين العينين في الملك لا يستلزم بطلان الضمان به من حيث
بدلية التسليط بالتسليط بمعنى بدلية السلطنة التي له على ماله بالسلطنة على مال صاحبه
وكذا لصاحبه بالعكس، وليست الإباحة المجردة على القول بها إباحة مجانية،
بل هي إباحة بعوض إباحة وسلطنة بإزاء سلطنة مع صحة البدلية المذكورة،
وتماميتها هنا في مقام البدلية، وإن لم تتم البدلية بين العينين، ومن المعلوم
جواز الرجوع بأحد البدلين وانتزاع السلطنة من صاحبه على ماله موقوف على
ارجاع بدله المتعذر عند تلف العين التي هي بمنزلة الموضوع لتلك السلطنة،
والتبديل عنه بالسلطنة على المثل أو القيمة تبديل ببدل آخر غير بدله المسمى
الذي تمت بدليته. ولعله هو مراد من استدل على اللزوم بالتلف من أهل
هذا القول بعدم امكان التراد معه.
هذا ولكن الدعوى المذكورة على عهدة مدعيها والمسألة عندي بعد
لا تخلو عن اشكال.
ومما ذكرنا ظهر مستند قول العلامة في (النهاية) وهو قوي، لولا
قيام الاجماع بقسميه على إباحة التصرف، وعدم جواز الرجوع عند التلف
ونحوه، وكذا مستند القول بالإباحة إلا فيما يتوقف على الملك كما تقدم عن
حواشي الشهيد. ولكن الأقوى من الأقوال المتقدمة، هو القول بإفادتها الملك
المتزلزل، ويستقر بالتلف وما بحكمه - كما عليه الكركي وجماعة ممن تأخر
عنه - بل وهو ظاهر العلامة في (التحرير) حيث قال: " والأقوى عندي
إن المعاطاة غير لازمة بل لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية
لظهور نفي اللزوم في ثبوت الملك مع ظهور التعبير بفسخ المعاوضة فيه
أيضا "، ووجهه يتضح بعد بيان مقدمة متكفلة لبيان معنى الملك ومراتب
الملكية.
69

فنقول: إن من الأعراض ما لا يكون الخارج ظرفا لعروضه بل هو
ظرف للاتصاف به وهذا هو المعبر عنه بالاعتباري ووجوده إنما هو بوجود
منشأ انتزاعه على نحو ينتزع هذا العرض منه فمن ذلك المالية، فإنها قد
تدور مدار ما في الشئ من الجهات الذاتية أو من الجهات الخارجية ولو
بجعل جاعل بحيث يتعلق به ولو من تلك الجهة أغراض عموم الناس،
ويبذلون بإزائه الأموال، ولا يعتبر في المنشأ كونه ذاتيا " للشئ وصفة من
أوصافه الذاتية كالجواهر والمعادن وأمثال ذلك، بل المدار في تحقق المالية
للشئ تعلق أغراض الناس عموما " به والسعي في تحصيله لنيل الأغراض
المقصودة منه، ولو كان المنشأ أمرا " خارجيا "، ولعل من ذلك ما هو المتعارف
في عصرنا من جعل السلاطين الأوراق المطبوعة المعبر عنها بالنوط والاسكناس
المعدودة بحكم الأثمان في إجراء المعاملات بها فيما بينهم كالنقود المسكوكة
فإن لها من حيث هي كذلك مالية متعلقة بها أغراض عموم العقلاء ولو
كان ذلك بجعل السلاطين دون جهة في ذاتها ويحتمل قويا أن يكون حكم
تلك الأوراق حكم (البروات والسجلات) فإنها لا مالية لها بنفسها وإنما
مطلوبيتها ليست إلا لكونها وسيلة إلى تحصيل مال آخر وكم من فرق
واضح بين كونها مالا وبين كونها وسيلة إلى تحصيل مال آخر وثمرات
مرتبة عليه، ومن ذلك الملكية أيضا وهي ربط خاص بين المالك والمملوك
موجب لسلطنته عليه أو نفس السلطنة الحاصلة له عليه، فبين المالية والملكية
بحسب المورد عموم وخصوص من وجه، يفترق الأول عن الثاني في الأموال
المباحة، والثاني عن الأول في مثل الحبة من الحنطة، فإنها لا مالية لها مع
بقائها على الملكية.
ثم إن للملكية بحسب اختلافها قوة وضعفا " مراتب ثلث، أضعفها
ملكية الانتفاع، وأقوى منها ملك المنفعة، وأقوى منهما ملك الرقبة لأن
70

السلطنة إنما تتعلق بالعين غير أنها إن أحاطت بجميع جهاتها عبر عنها
اصطلاحا بملك الرقبة وملك العين، وإن اختصت بجهة من جهاتها مع
الاستقلالية فيها من تلك الجهة عبر عنها كذلك بملك المنفعة لاختصاص
تعلق السلطنة بها من تلك الجهة الخاصة فالعين المستأجرة مملوكة للمستأجر
من حيث تلك المنفعة، وإن كانت مملوكة للمؤجر بالملكية التامة، وإن كانت
لا مع الاستقلالية فيها عبر عنها بملك الانتفاع كحق المارة والصلاة في
الأراضي المتسعة مما كانت الإباحة فيه شرعية، فإن العين فيها مملوكة للمباح
له من جهة الانتفاع الخاص بها، لا أن الانتفاع مملوك في الحقيقة وإن وقع
التعبير بذلك اصطلاحا "، أو كانت مالكية كالعارية فإن العين المستعارة مملوكة
للمستعير من جهة المنفعة المباحة له بالملكية الضعيفة التي لا ينافيها كونها مملوكة
للمعير بالملكية التامة، وللاستقلالية في السلطنة الخاصة وعدمها افترقت في
جواز النقل وعدمه ملكية المنفعة عن ملكية الانتفاع وبذلك دخل وطئ
الأمة المحللة في ملك اليمين إذ ليس من التزويج قطعا " مع الحصر في قوله
تعالى: " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " بل الزوجة أيضا مملوكة
للزوج من جهة الانتفاع ببضعها، وإن وقع التعبير عنه بملك البضع، إلا
أن المقصود ملكيتها من جهة الانتفاع بالبضع، فلا تنافي الحرية، وإلا
فلا معنى لملكية نفس البضع ويحتمل أن تكون ملكية البضع من قبيل ملكية
المنفعة، وإن فارقته في بعض الآثار كعدم جواز النقل فأشبهت ملك الانتفاع
لأن الملكية تدور مدار عنوان الزوجية الحاصلة بالعقد، فالزوجة واسطة
العروض يدور مدارها وجودا " وعدما "، بخلاف المستأجر فإنه محل للملكية
الحاصل بالعقد يمكن فيه النقل والانتقال.
هذا ولا ينافي السلطنة القوية البالغة للمرتبة القصوى من الملكية: عدم
نفوذها لمانع من أسباب التحجير كالصغر والسفه ونحو ذلك، كما لا ينافي
71

تماميتها في مرحلة الملكية القوية نقصانها من جهة أخرى كالشركة التي معناها
ملك كل من الشريكين أو الشركاء كل المال ملكية ناقصة بالنسبة إلى التمام
وانبساطها على الكل بحيث لو تم نقصانها من هذه الجهة بالقسمة عبر عنه
بأحد الكسور التسعة، كالنصف والثلث، وغير ذلك من غير حدوث ملكية
جديدة، وليس النقصان إلا من جهة المتعلق وهو الكل والنسبة إليه، ولذا
كانت قسمة المشاع عندنا إفراز حق وتمييز حصص كما طفحت بذلك عباراتهم
في تعريفها خلافا للعامة حيث ذهبوا إلى أن القسمة معاوضة لانتقال شطر
من حصة كل من الشريكين مثلا إلى الآخر بعوض ما انتقل منه إليه، وهذا
هو الوجه للتخلص عن الاشكال الوارد على تعريف القسمة عندنا، وإنها
ليست بمعاوضة، لا ما ذكروا له من الوجوه المقررة في محله (*).
72

وكيف كان إذا تبين ذلك ظهر لك إن الإباحة المطلقة من جميع
وجوه التصرف التي هي مفاد المعاطاة عند الأكثر ترادف الملكية التي تجامع
عدم اللزوم وجواز الرجوع من آثار بقاء العلقة للمالك الذي قد يقال هو
مقتضى الأصل عند الشك فيه، لا ما قيل: من أن الأصل يقتضي اللزوم
في الملك، فتأمل. غير أن من صرح بعدم الملك مع ذلك فمقصوده الملك
اللزومي الذي لا يجوز فيه الرجوع دون مطلق الملكية ومن ذلك قولهم عليهم
السلام: " ما هو لنا فقد أبحناه لشيعتنا " ولذا صح جميع التصرفات فيه حتى
73

المتوقفة على الملك، بل ملك الشيعة لما أباحوه لهم كالجواري المغنومة بالغزو
بغير إذن الإمام، بناء على الأقوى: من كونها من الأنفال، وخمسهم
في المغنومة بنحو الغيلة والسرقة كاد أن يكون من الضروريات، وليس إلا
لليد على ما أباحه المالك إباحة مطلقة كما ستعرف.
ومنه أيضا الإباحة المستفادة ولو بالقرائن من إعراض المالك عموما "
74

أو خصوصا " كنثار العرس فإنه يملكه الأخذ باليد بعد إعراض المالك عنه.
وحيث انجر الكلام إلى مسألة الاعراض، فلا بأس بالتعرض لها
ببيان حكمه ولو بنحو الاجمال.
فنقول: الاعراض بما هو إعراض حيثما يتحقق ويوجد هل يكون
سببا " لخروج المال عن ملك المعرض، وبعبارة أخرى: هل يخرج المعرض
عنه بمجرد الاعراض عن ملك المعرض أم لا؟ وعلى الثاني: فهل يملك
بالقبض ووضع اليد عليه مع كونه معرضا عنه أم لا؟ وعلى الثاني
فهل يجوز للآخذ التصرف فيه مطلقا " أم لا كذلك، أو يفصل بين
التصرفات المتوقفة على الملك كالبيع ونحوه وغير المتوقفة عليه؟ احتمالات،
بل لعلها أقوال ذهب إلى الأول جماعة منهم الشيخ في محكى المبسوط والقمي
في (أجوبة مسائله) بل في (الكفاية) نسبته إلى الأشهر، حيث قال
" ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه إذا لم ينو قطع ملكه عنه
وإن نوى ذلك، ففي خروجه عن ملكه قولان: أشهرهما الأول ولعله
الأقرب ".. " انتهى كلامه. وذهب غير واحد إلى بقاء الملك وعدم
الخروج عنه بمجرد الاعراض بل في (المسالك) نسبه إلى الأكثر حيث
قال في مسألة ما لو أطلق الصيد ما لفظه " وإن قطع نيته عن ملكه، ففي
خروجه عنه وجهان: أحدهما وهو الذي اختاره المصنف والأكثر
عدمه لأنه ملك. وزواله يتوقف على أسباب شرعية، فلا يحصل بمجرد
الإرادة، والاعراض عن الملك لم يثبت شرعا أنه من الأسباب الناقلة عنه
والقول بخروجه بذلك عن ملكه للشيخ في (المبسوط) " وقال أيضا في مسألة
غرق السفينة " والأصح أن جواز أخذ ما يتخلف مشروط باعراض مالكه
عنه مطلقا "، ومعه يكون إباحة لآخذه ولا يحل أخذه بدون الاعراض مطلقا
عملا بالأصل " انتهى.
75

ووجه القول بجواز التصرف، هو ظهور حال المعرض في الرضا به
وقيام شاهد الحال عليه، ووجه التفصيل هو توقف تلك التصرفات على
الملك المفروض عدمه في المقام، ووجه المنع مطلقا عدم الملك وعدم إحراز
الإباحة المتوقفة على إنشائها منه، مع منع قيام شاهد الحال عليه على
وجه الكلية مع اقتضاء الأصل العدم في الجميع عند الشك فيه.
والأظهر عندي عدم الخروج عن الملك بمجرد الاعراض، ولكن يملك
بالقبض ووضع اليد عليه بقصد التملك: أما الأول، فلعدم الدليل على
خروجه من الملك بمجرد الاعراض إذ الخروج عنه كالدخول فيه متوقف
على سبب شرعي، ولم يقم دليل على سببية الاعراض له، مع أن مقتضى
الأصل هو البقاء على الملكية، وأما الثاني وهو التملك بالقبض فلصيرورة
المعرض عنه بالاعراض ورفع اليد عنه بحكم المباح، فيدخل تحت عموم
" من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد " الحديث (1) وقوله عليه السلام: " لليد
ما أخذت وللعين ما رأت " (2) خرج عنه الملك الغير المعرض عنه والمزاحم فيه
المالك فتأمل، فيبقي الباقي تحت العموم، فاليد سبب للملك ما لم يسبق بيد
وملكية مزاحمة، سواء كان المال الموضوعة عليه اليد من المباحات الأصلية
أو ما هو بحكمها، مضافا " إلى صحيحة عبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه
76

السلام قال: " من أصاب مالا أو بعيرا " في فلاة من الأرض قد كلت
وأقامت وسيبها صاحبها لما لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة
حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشئ
المباح " وليس المماثلة في الخروج عن الملكية، بل مثله في التملك بالقبض
وذكر البعير على جهة المثال سيما مع عطفه على المال. وإلى رواية الشعيري
قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن سفينة انكسرت في البحر وفيها مال فأخرج
بعضه بالغوص، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها؟ فقال: أما ما أخرجه
البحر، فهو لأهله الله أخرجه لهم، وأما ما أخرج بالغوص فهو لهم وهم
أحق به " وقال في (السرائر) بعد ذكر الرواية " قال محمد بن إدريس:
وجه الفقه في هذا الحديث: إن ما أخرجه البحر، فهو لأصحابه، وما تركوه
آيسين منه، فهو لمن وجده وغاص عليه لأنه صار بمنزلة المباح، ومثله
من ترك بعيره من جهد من غير كلأ ولا ماء، فهو لمن أخذه، لأنه
خلاه آيسا " منه ورفع يده عنه فصار مباحا "، وليس هذا قياسا " لأن مذهبنا
ترك القياس، وإنما هذا على جهة المثال والمرجع فيه إلى الاجماع، وتواتر
النصوص، دون القياس والاجتهاد وعلى الخبرين اجماع أصحابنا منعقد.
قلت: تنزيل الرواية على تحقق الاعراض عن البعض باليأس - وهو ما أخرج
بالغوص وعدمه في البعض الآخر وهو ما أخرجه البحر كما يظهر من عبارة السرائر
تفكيك ركبك. وحينئذ تشكل الرواية لأن الاعراض: إن كان متحققا "، فما أخرجه
البحر كما أخرج بالغوص يملكه من سبق إليه، وإلا فما أخرج بالغوص أيضا لمالكه،
وحملها على إرادة المال للمالك في الصورتين، والتفصيل إنما هو في المخرج،
والمقابلة بين ما أخرجه الغواص لهم وما أخرجه الله كما احتمله في (الجواهر)
ضعيف جدا ". فالأولى عندي بل هو المتعين حمل الرواية على الغالب من حصول
الاعراض بالغرق وصيرورة المال بعده بحكم المباح، يملكه من سبق إليه ولذا
77

ما أخرج بالغوص ملكه الغواص، غير أن ما أخرجه البحر لم يحرز بقاء الاعراض
مع كونه ملقى في الساحل، بل الظاهر رجوعه عنه، فلا يملكه من سبق
إليه لخروجه عن حكم المباح عند وضع اليد عليه، وهو شرط في التملك
باليد ويكفي في التوقف الشك فيه بعد منع جريان الاستصحاب في المقام (1)
ويؤيد ما ذكرنا من التملك باليد رواية علي بن ميمون الصايغ، قال
سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يكنس من التراب، فأبيعه، فما أصنع
به؟ قال: " تصدق به، فإما لك أو لأهله " الخبر. ومثله خبره الآخر:
" سألته عن تراب الصواغين وإنا نبيعه؟ قال: أما تستطيع أن تستحله
من صاحبه؟ قال قلت لا إذا أخبرته اتهمني، قال: بعه، قلت: فبأي
شئ نبيعه؟ قال بطعام، قلت فأي شئ نصنع به؟ قال تصدق به: إما لك
أو لأهله " بناء على إرادة (إما) هو لك بالاعراض فالصدقة بملكك أو
لصاحبه، فالصدقة بملكه والأمر بالصدقة أخذ بأطراف الاحتياط، وتضمن
الأخير لما لا يقول به أحد: من تسويغ خوف التهمة للتصدق بمعلوم المالك
لا يضر في الاستدلال بفقرته الأخرى: وأما على إرادة: لك ثواب الصدقة
لو ظهر المالك ولم يرض بها، أو هو له لو رضى بها كما هو أحد الاحتمالين
فيهما بل لعله الظاهر منهما - فهي أجنبية عن مسألة الاعراض، وضعف سند
خبر الشعيري، منجبر بما تقدم من كلام الحلي (في السرائر).
وكيف كان، فالأظهر هو التملك باليد مطلقا " سواء كان الاعراض
اختياريا " أو قهريا. كما في صورة اليأس، وفي المحقرات وغيرها، والقول
به في خصوص الاعراض القهري أو في المحقرات بالخصوص. تفصيل من
78

غير دليل. ولعل نظر من اقتصر في الحكم على الأخير إلى دعوى عدم
الدليل على تملك المعرض عنه إلا السيرة الممنوع قيامها إلا في المحقرات
كجلات الأنعام والسنابل المتخلفة من الزرع وحطب المسافر ونحو ذلك من
المحقرات التي يعاملون مع ملتقطها معاملة المالك من البيع والشراء. وفيه ما عرفت
من قيام الدليل عليه من النصوص المعتضدة بدعوى الاجماع المتقدم من السرائر
عليه نعم، يتحقق الاعراض فيهما - غالبا " - فاليأس أو الحقارة محقق لموضوع
الاعراض غالبا لا شرط في حكمه فافهم.
هذا ولو نوى المعرض الرجوع عن اعراضه فإما أن يكون ذلك قبل
قبض الغير له أو بعده، وعلى التقديرين، فإما أن نقول بخروجه عن ملك
المعرض بالاعراض أو لا، وعليه فإما أن نقول بتملك الغير بالقبض أو لا
وإن جاز التصرف فيه، فإن نواه قبل القبض وقلنا بالخروج لم يرجع إلى
ملكه بالنية، لأن الدخول فيه متوقف على سبب كالقبض مفقود في المقام
بالفرض، فلو تسابق المعرض وغيره على قبضه فهو لمن سبق إليه بالقبض
بلا اشكال، كما لا اشكال في جواز الرجوع عليه مع بقاء العين وإن قبضه
الآخر بناء على بقائه في ملكه وعدم تملك الغير له بالقبض. وأما بناء
على التملك به فإن كان الرجوع قبله، فلا اشكال أيضا في عدم تملك
القابض له لأن المدار في التملك بالقبض على كون المال بحكم المباح عند
القبض ووضع اليد عليه حتى يكون المحل قابلا لتأثير اليد فيه بالملكية،
ولعله تشعر به بل ترشد إليه رواية الشعيري المتقدمة الحاكمة بأن ما أخرجه
البحر فهو لأصحابه، بناء على ما ذكرنا من رجوع المعرض عن الاعراض
حينئذ بحكم العادة.
وأما لو نوى الرجوع بعد قبض الغير له بناء على التملك به، ففي
جواز الرجوع على العين مع بقائها وعدمه وجهان: قد يقال: إنهما مبنيان
79

على أن الأصل في الملك هل هو اللزوم أو الجواز (1)
ذهب إلى الأول جماعة، منهم (شيخنا المرتضى) في مكاسبه ونظره
مضافا إلى كفاية استصحاب الكلي بالنسبة إلى الآثار المترتبة عليه لو سلم
كون الاختلاف باللزوم والجواز من الاختلاف في ماهية الملك، وحقيقته
أن جواز الرجوع وعدمه باعتبار حكم الشارع له بذلك ومنشأ هذا
الاختلاف اختلاف حقيقة السبب المملك لا اختلاف حقيقة الملك.
80

وأنت خبير بأن دعوى أصالة اللزوم في الملك بمعنى استصحابه للشك
في زواله بمجرد رجوع مالكه الأصلي لا تتم بناء على اختلاف حقيقة الملك
81

بحسب اللزوم والجواز، مع منع جريان الاستصحاب في القدر المشترك بينهما
فثبوت الأصل يتوقف على أحد أمرين: إما ثبوت الوحدة في ماهية الملك
أو جريان الاستصحاب في الكلي لو فرض تعددها.
مع أن كلا منهما في حيز المنع:
82

أما الأول فقد يقال: إن أسباب الملك مختلفة بحسب الماهية والحقيقة
واختلاف ماهية السبب موجب لاختلاف ماهية المسبب أما الصغرى فوجدانية
لما نرى من اختلاف سبب الملك اللازم والملك الجائز كالبيع والهبة بحسب
الماهية والحقيقة، وأما الكبرى فلأنه يستحيل أن تكون ماهية واحدة مسببة
عن ماهيتين مختلفتين إلا أن يكون بينهما قدر جامع يكون هو السبب لما
هو المعلوم من اعتبار الارتباط والسنخية بين العلة والمعلول فالملكية اللازمة
83

والجائزة مختلفتان نوعا أو صنفا بسبب اختلاف أسبابهما كذلك، ولا يجدي
التعدد الفردي في رفع الاستحالة المذكورة، لأن الخصوصيات الفردية غير
مأخوذة في حقيقة المسبب بعد إن كان السبب سببا للطبيعة الكلية، فالملكية
الحاصلة من البيع مثلا طبيعة واحدة، وإن تعددت أفرادها بحسب
تعدد أفراد البيع. وكذا الملكية الحاصلة من الهبة طبيعة واحدة، وإن
تعددت أفرادها بحسب تعدد أفراد الهبة، فليس تعددها إلا تعددا بحسب
الأفراد، بخلاف الطبيعتين المزبورتين المختلفتين بحسب النوع أو الصنف دون
الفردية نعم قد يجدي تعدد المسبب فردا في الأحكام التكليفية كما في وجوب
سجدتي السهو للكلام والسلام وغيرهما من أسباب وجوبهما، فإنها تتعدد
بتعدد أسبابها الموجبة لها مع كونها في الجميع ماهية واحدة.
ودعوى وجود القدر الجامع بين الأسباب المختلفة وهو السبب في
تحقق المسبب فمع أنها ممنوعة بل الأصل عدمه، لا بد من احرازه حتى
يحكم باتحاد المسبب ليجري الاستصحاب فيه عند الشك في بقائه نعم إذا
علم اتحاد طبيعة المسبب من الخارج كشف ذلك عن وجود الجامع بين
أسبابه المختلفة كالملك المسبب عن البيع والصلح ونحوهما أو يقال بتقريب
آخر، وهو أن اللزوم والجواز من آثار الملك أو من أحكامه ضرورة انقسام
الملك شرعا إلى الجائز واللازم واختلاف الأثر أو الحكم كاشف عن اختلاف
المؤثر أو الموضوع، والفرق بين التقريبين: إن اللزوم والجواز بأنفسهما
من المشخصات النوعية بمعنى إن اختلاف الملك نوعا أو صنفا بنفس اللزوم
والجواز على الأول، وكاشف عن وجود ما به يختلفان نوعا بحسب الواقع
من غير جهة اللزوم والجواز على الثاني، ضرورة أن أثر الشئ أو حكمه
لا يوجب تمييزه نوعا إلا بحسب الاعتبار والانتزاع اللهم إلا أن يدفع الأخير
بمنع كونهما من أثر الملك أو حكمه وإن اتصف بهما مسامحة، بل هما - أي
84

اللزوم والجواز - أثر العقد الذي هو سبب الملك أو حكمه فيرجع حينئذ
إلى التقريب الأول. هذا مع امكان أن يقال: إن اختلاف الملك باللزوم
والجواز من الاختلاف في مرتبة الملكية شدة وضعفا، فللملكية مرتبتان
أضعفهما الملكية الجائزة وأقواهما الملكية اللازمة.
وأما الثاني أعني استصحاب الكلي، فقد يقال بالمنع منه مطلقا من
غير فرق بين ما كان الشك فيه في المقتضى كالحيوان المردد بين ما كان
يعيش سنة مثلا وما لا يعيش إلا يوما، أو كان الشك في قدح العارض مع
اقتضائه البقاء لولاه كالحدث المردد بين ما لا يزول إلا بالغسل وما يزول
بالوضوء إذا توضأ بعده، والمقام من قبيل الثاني، إذ الملكية مقتضاها البقاء
ووجه المنع عنه مطلقا: أنه لا بد في الاستصحاب من يقين سابق
وشك لاحق موجودين عند جريانه، وليس في المقام، إذ الكلي مردد بين
فردين أحدهما معلوم البقاء على تقدير حدوثه، والآخر مع كونه مشكوك
الحدوث معلوم الزوال على تقديره، والمفروض عدم وجود الكلي في
ضمن فرد ثالث إلا أن الانصاف إن الكلي من حيث هو كلي ومشترك
متيقن الحدوث مشكوك البقاء ولو من جهة الترديد بين الفردين، فلا مانع
من استصحابه وترتب آثاره الشرعية عليه وإن كان لا يثبت به خصوص
أحد الفردين لأنه من الأصل المثبت ففي ما نحن فيه بعد الرجوع يستصحب
كلي الملك الذي أثره جواز تصرف من أنتقل إليه، ضرورة أن جواز
التصرف من آثار مطلق الملك الأعم من الجائز واللازم كما يستصحب كلي
الحدث المردد بين الأصغر والأكبر بعد الوضوء ويترتب عليه المنع عن
الدخول في الصلاة ومس كتابة القرآن ولا يحرم عليه الاجتياز في المسجدين
واللبث في المساجد لأنهما من آثار الحدث الأكبر لا مطلق الحدث.
هذا أقصى ما يمكن أن يقال أو قيل في اقتضاء الأصل في الملك اللزوم
85

ولكن مع ذلك لا يبعد أن يكون الأقوى هو العدم بل الأصل يقتضي بقاء
العلقة للمالك الأصلي وإن انتقل الملك عنه إذ لا ملازمة بين زوال الملك
وزوال علقة المالك بالكلية، بل قد تبقى بعده كما هو في الملك الجائز.
توضيح ذلك: إن من الأسباب المملكة ما يوجب قطع سلطنة المالك
بالكلية بحيث يكون كالأجنبي بعد ايجاده السبب، ومنها ما لا يوجب قطعها
بالكلية بل يكون زمام المال وناصية الملك بيد المالك كالعقود الجائزة، فإذا
شك في تأثير السبب، فالأصل يقتضي بقاء العلقة ولذا كان جواز الرجوع
من الأحكام لا من الحقوق لأنه من أثار السلطنة السابقة لا احداث سلطنة
جديدة للمالك، ولا يعارضه استصحاب الملك لو سلم جريانه في المقام
لأن الشك فيه مسبب عن الشك في بقاء العلقة والأصل في السبب حاكم
على الأصل في المسبب وعليه فالأقوى هو جواز الرجوع بالأصل إلا أنه
مع ذلك ينبغي الخروج عن حكم الأصل في مسألة الاعراض بحكم صحيحة
ابن سنان المتقدمة النافية للسبيل عليها وقد تقدم دعوى الحلي في (السرائر)
الاجماع على مضمونه نعم أصالة عدم اللزوم وبقاء العلقة للمالك الأصلي
يوافقها الدليل في المعاطاة بعد ما عرفت من الاجماع البسيط أو المركب على
عدم اللزوم وخلافا لما هو المنسوب إلى المفيد كما تقدم فالأصل يخرج
عنه بالدليل في مسألة الاعراض ويؤكده الدليل في مسألة المعاطاة.
هذا ولتذيل المسألة بفرع، وهو:
لو نبتت السنابل المعرض عنها في المزرعة حتى صارت زرعا فلا يخلو
إما أن يكون الحب مختصا بغير صاحب الأرض أو مشتركا بينه وبين غيره
وعلى التقديرين: فإما أن يكون بسقي من السماء، أو بسقي من صاحب
الأرض وعلى التقادير فإما أن نقول بخروجه عن الملك بالاعراض أو ببقائه
فيه مع تملكه باليد أو إباحته له.
86

فعلى القول بالخروج عن الملك بمجرد الاعراض بملكه صاحب الأرض
لأنه مباح نما في أرضه فهو نماء ملكه.
وعلى القول بالعدم مع بقائه على الإباحة مطلقا فهو لمالك البذر وعليه
أجرة الأرض لصاحبها كلا إن كان مختصا بغيره وبالنسبة إن كان
مشتركا بينهما.
وعلى القول بالتملك بالاستيلاء فلمالك الأرض، إن كان بسقي منه
مع قصده الملكية، وإن لم يكن بقصده أو كان بسقي من السماء، فالأقوى
العدم والبقاء على ما كان عليه، لعدم وجود سبب الملك من اليد ونية التملك
إذ ليس مجرد الكون - بل النمو في الملك - مملكا، ولذا لا يملك الصيد
المباح بمجرد التوحل في أرضه إلا أن يوحل الأرض للتوحل فيه، فيكون
كشبكة الصياد يملك بالاصطياد.
هذا تمام الكلام في مسألة الاعراض قد تعرضنا لها استطرادا، فلنرجع
إلى أصل المسألة من ترجيح القول بإفادة المعاطاة الملك.
فنقول يدل عليه أمور:
الأول أن المعاطاة بيع لغة وعرفا ولم تثبت له حقيقة شرعية لا بالوضع
التعييني ولا التعيني حتى يحمل عليه في كلام الشارع، وكل بيع محكوم
عليه بالصحة إلا ما خرج بالدليل، لعموم قوله تعالى: " أحل الله البيع
وحرم الربوا " بناء على ظهور تعلق الحل بنفس البيع الذي هو في معنى
الحمل عليه في إرادة الحكم الوضعي لا مجرد الحكم التكليفي، فتكون الصحة
مدلولا عليها بالمطابقة عرفا أو بإرادة حلية التصرف، نحو قوله تعالى:
" حرمت عليكم أمهاتكم " أي وطؤهن. وحلية جميع التصرفات مستلزمة
لصحة البيع، فتكون الصحة مدلولا عليها بالالتزام وعلى التقديرين، فمعنى
صحة البيع هو حصول النقل والملك المترتب عليه جواز التصرف فيه.
87

وبالجملة فالدليل مركب من صغرى وجدانية، وكبرى برهانية وهي
عموم الآية.
هذا وقد يناقش فيه يمنع صغرى الدليل أولا وكبراه ثانيا.
أما الأول، فقد يمنع كون المعاطاة بيعا لأن البيع بحسب ما تقتضيه
تعاريفهم من كونه: هو عقد يدل على الايجاب والقبول أو هو اللفظ الدال
عليه ونحو ذلك أو أنه النقل أو التمليك أو المبادلة وأمثال ذلك يدور أمره
بين كونه إما اسم اللفظ أو اسم المعنى وهو المعنى النفسي القائم بالنفس
المعبر عنه بالكلام النفسي المفسر بمدلول الكلام اللفظي وعلى التقديرين فلا
تكون المعاطاة بيعا: أما على الأول فواضح، وأما على الثاني فلأن الانشاء
النفسي الذي هو المعنى القائم بنفس المنشأ هو مدلول الانشاء اللفظي من
الأمر أو النهي الذي هو عبارة عن الطلب الخاص وهو الطلب بالقول
أو القول الدال على الطلب الكاشف عن الإرادة نعم ربما يلحق بالقول
مطلق ما يكشف عن الإرادة حكما لا موضوعا كالكتابة والإشارة من الأفعال
الدالة عليها في وجوب الامتثال وترتب الثواب والعقاب على الموافقة والمخالفة
إلا أنه ليس بأمر ولا نهي حقيقة وموضوعا بل ملحق بهما حكما في ترتب
الأحكام المذكورة عليه ومثل الانشاء موضوعا وحكما الأخبار أيضا
وبالجملة فالانشاء وقسيمه من الأخبار قسمان من الكلام ولا يتقوم شئ
منهما بدون اللفظ، فإذا جعل معنى البيع هو الانشاء النفسي فلا مناص
عن القول بتوقف صدق عنوانه على وجود اللفظ المفقود في المعاطاة.
والجواب عنه أولا بمنع كون الكلام النفسي والمعنى القلبي لا بد وأن
يكون اللفظ كاشفا عنه ومظهرا له، ولو سلم فهو محض اصطلاح لا مشاحة
فيه، بل يكفي في المظهر له مطلق ما يدل عليه لفظا كان أو فعلا -
كيف وهو في مرتبة التحقق والحصول مقدم على تحقق الكاشف وحصوله
88

فالمتحقق في الانشاء الفعلي فعلان: أحدهما - فعل النفس والآخر - فعل
الجوارح، فالأول هو الانشاء النفسي، والثاني هو الانشاء الفعلي وحصر
الكلام في الخبر والانشاء لا يدل على حصرهما في الكلام وهذا المعنى متحقق
في المعاطاة كما هو متحقق في العقود القولية.
وثانيا بمنع كون البيع اسما لذلك المعنى وإنما هو من العناوين الثانوية المنتزعة
من العناوين الأولية، وليس هو إلا كسائر الأفعال الاختيارية الصادرة
من الفاعل المختار بسبب دواعيها والأغراض الموجبة لها المترتبة عليها، غير
أن بعضها لم يكن المقصود منها إلا ذوات تلك الأفعال من حيث هي
لأغراض خاصة، وبعضها لم يكن المقصود منها إلا عناوينها الثانوية كالقيام
للتعظيم والضرب للتأديب والشتم للايذاء ونحو ذلك من الأفعال التي لم يكن
الغرض منها إلا كونها آلة ومحققة لما يترتب عليها من العناوين الثانوية،
وليس البيع إلا من هذا القبيل، وما ذكرنا من الوجه الأول إنما هو مع
التنزل والمماشاة، وإلا فهو غير مرضي عندنا من أصله خلافا للأشاعرة.
نعم إنما التأمل في كون البيع اسما لنفس السبب الذي هو العنوان الأولى
من حيث ما يترتب عليه من العنوان الثانوي على وجه يكون التقييد داخلا
والقيد خارجا، أو هو اسم لنفس العنوان الثانوي المنتزع دون منشأ
الانتزاع كما يظهر من تعريفه بالنقل، والأظهر هو الأول لظهور كون
النقل أثر البيع دون حقيقته، وعلى تقدير كونه اسما للعنوان الثانوي كما
يظهر من تعريف من عرفه بالنقل أو الانتقال فلا يخلو من تسامح: أما
الثاني فلأن الانتقال من عوارض المبيع لا نفس البيع وأما الأول فقد يمنع
اطراد حصوله في موارد البيع كلها، فإن منها ما لا يتحقق النقل فيه (1)
89

كبيع الدين على من هو عليه بناء على جوازه، بل يستحيل ذلك
فيه وشراء العبد تحت الشدة من الزكاة المفروض كونه مصرفا لها في الآية
كغيره من السهام والشراء بغلة الوقف للعين الموقوفة، فإنه لا ينتقل إلى
المشتري بل يكون وقفا لأن بدل الوقف وقف كما أن بدل الملك ملك، وشراء
90

أحد العمودين بناء على سببيته للانعتاق قهرا من دون تحقق الملك أصلا
كما يدل عليه بعض الأخبار، وإن دل بعضها الآخر عليه كقوله " إذا
ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته عتقوا " وقوله: " إذا ملكهن عتقن "
91

المنزل دلك على الشراء وإن عبر بالملك تسامحا على الأقوى في تلك المسألة
بناء على عدم شمول " لا عتق إلا في ملك " للانعتاق أو إرادة عدم تحققه
إلا في المملوك ويتلوه في القوة ترتب الانعتاق على الملك وتقدمه عليه
طبعا لا بالزمان، بدعوى سببية الشراء للملك والانعتاق معا، غير أن
92

الأول مقدم على الثاني بالذات لا بالزمان، أو ضعف منه القول بدخوله
في الملك آنا ما، ثم ينعتق، جمعا بين ما دل من الأخبار على الملك وقاعدة
" لا عتق إلا في ملك " وبين ما دل على الانعتاق قهرا وترتبه على نفس
الشراء بإرادة المستقر من الثاني وغيره من الأول.
93

وبالجملة فتحقق النقل والدخول في ملك المشتري غير معلوم في جميع
موارد البيع، فالأحسن في التعبير عن العنوان الثانوي في البيع بالمبادلة لو
قلنا بكونه اسما له حتى يكون مطردا في جميع موارده، ولعل التعبير عنه
بالنقل في كلام من عرفه به منزل على الغالب.
94

وأما الثاني وهو المناقشة في الكبرى، فقد يقال بأنا نعلم أن الشارع
اعتبر قطعا في هذا الموضوع العرفي مطلق اللفظ أو الألفاظ الخاصة
غير أنه لم يعلم اعتباره فيه شرطا في الملك أو في اللزوم، ومع ذلك كيف
يستدل بعمومه مع كونه مخصصا بما اعتبره فيه، والخاص المجمل يوجب
سريان اجماله إلى العام.
95

والجواب عنه بأن ذلك: إن كان معتبرا في أصل الملك وجب
تخصيص العام به، ولا كذلك إن كان معتبرا في اللزوم، فالأمر دائر بين
96

التخصيص وعدمه، بل يتعين كونه شرطا في اللزوم بأصالة العموم التي
هي من الأصول اللفظية لأن مرجعها إلى أصالة الحقيقة، فيثبت بها جميع
97

اللوازم الشرعية والعقلية ولو بواسطة بعيدة، بل يجري ذلك في كل خاص
مجمل مصداقي مردد بين فردين: أحدهما داخل في العموم يوجب تخصيص
العام به على تقدير إرادته، والآخر خارج عنه لا يوجب ذلك لو كان مرددا،
فبأصالة العموم يتعين كونه الفرد الخارج مثال ذلك ما لو قال: أكرم العلماء
98

ثم قال: لا تكرم زيدا، وكان زيد مرددا بين فردين أحدهما عالم والآخر
جاهل، فبأصالة العموم يتعين كون المنهى عن إكرامه هو الجاهل، ففي
ما نحن فيه يتعين كون ما اعتبره الشارع شرطا اعتبره في اللزوم بحكم أصالة
العموم عند الشك في تخصيص العام.
99

لا يقال: إن الآية الشريفة من حيث حلية أفراد البيع لا عموم لها،
بل هي مهملة من هذه الحيثية، سبقت لمحض بيان مشروعية البيع وحليته
في الجملة، نحو " أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " والعموم الناشئ من
الحكمة فرع إحراز كونه في مقام البيان، وهو غير معلوم في المقام، ويكفي
في التوقف الشك فيه.
100

لأنا نقول: نمنع أولا كون العموم فيها عموم الحكمة حتى يتوقف على
احراز ذلك، بل هو عموم سرياني بالوضع، بناء على الأقوى من تعلق
الأحكام بنفس الطبايع السارية في جميع مصاديقها وأفرادها لا بها من حيث
وجودها ولا بالطبايع الموجودة، وثانيا نمنع الاهمال، كيف والأصل في
كلامه هو البيان، بل هو الظاهر هنا بقرينة المقابلة للربا سيما مع تمسك
العلماء بعمومها في موارد عديدة، فظهر لك تمامية صغرى الدليل وكبراه
وصح الاستدلال بالآية الشريفة على المدعى من إفادة المعاطاة الملك.
الثاني من الأدلة قوله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " بتقريب أن المعاطاة تجارة لغة وعرفا
فتدخل في حكم المستثنى، وهو الجواز. والإباحة وقرأ عاصم وحمزة والكسائي
- على ما حكى عنهم - بالنصب على أن (كان) ناقصة، والتقدير: إلا أن تكون
التجارة تجارة عن تراض، وأموالكم أموال تجارة حذف المضاف وأقيم
101

المضاف إليه مقامه، والباقون بالرفع على أن (كان) تامة بمعنى أن تقع
تجارة، وعلى التقديرين فالظاهر كون الاستثناء منقطعا، لأن المستثنى وهو
التجارة عن تراض ليس من جنس الباطل الذي هو المستثنى منه المشعر
بعليته للحكم وهو الإباحة، والنهي عن الأكل كناية التصرف عبر به لكونه
من أعظم التصرفات، والحكم التكليفي مستلزم للحكم الوضعي، فالصحة
مدلول عليها بالالتزام وجواز مطلق التصرف مدلول عليه بالعموم المستفاد
102

من حذف المتعلق، والحكم بالإباحة المطلقة يعم جميع أقسام التجارة عن
تراض التي منها المعاطاة وإلا لكان بعضها باطلا داخلا في المستثنى منه
وكان من جنسه والمفروض كونه خارجا عنه، فالتجارة عن تراض بجميع
أقسامها التي منها المعاطاة صحيحة وكان أكل المال بها أكلا بالحق لا بالباطل
إلا ما خرج بالدليل.
لا يقال: إن هذا النحو من الاستثناء مسوق لإفادة شرطية المستثنى
نحو: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ولا صلاة إلا بطهور، المستفاد منه
عموم حكم المستثنى منه دون حكم المستثنى، ضرورة عدم صحة الصلاة بمجرد
الطهور أو الفاتحة بل مسوق لبيان بطلان كل صلاة فاقدة لهما لا صحة كل صلاة
مشتملة عليهما وبالجملة لا عموم في المستثنى حتى يتمسك به في المقام بل هو
مهمل لا إطلاق فيه وإنما ذكر لإفادة محض الشرطية وعموم حكم المستثنى منه.
لأنا نقول: لا يتم ذلك بناء على ما هو الظاهر من كون الاستثناء منقطعا
- كما قيل - لأن مغايرة المستثنى للمستثني منه بالجنسية في المنقطع لا يستلزم
كون ما عدا المستثنى من جنس المستثنى منه كلية حتى يؤخذ بعموم الحكم
فيه، بل غايته ثبوت نقيض حكم المستثنى منه للمستثنى ولو لمغايرته له في
الموضوع والجنسية، فيكون الكلام حينئذ مسوقا لبيان حكم المستثنى فقط
وإنما ذكر المستثنى منه توطئة لذلك، فهو نظير قولك: لا تأكل الحرام إلا
ما كان كدا باليمين، المسوق لبيان حلية ما حصل بالكد لا حصر الحلال
فيه وحرمة ما عداه. نعم لو كان التعبير لا أكل بالحق إلا ما كان تجارة
عن تراض، لكان قياسه بنحو لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، في إفادة
الشرطية وعموم المستثنى منه وإهمال المستثنى حسنا.
هذا ويمكن تمامية ذلك على القول بكون الاستثناء متصلا كما عن
بعض باضمار شئ، والتقدير: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وإن تراضيتم
103

فالمستثنى منه حينئذ يعم التجارة وغيرها مع التراضي وغيره، وكان كل
ذلك أكلا بالباطل إلا ما كان تجارة عن تراض.
إلا أنه يضعفه مضافا إلى لزوم الحذف والاضمار حينئذ الالتزام
بالنسخ أو كثرة التخصيص المستهجن لعدم حصر أسباب حل الأكل والجواز
بالمستثنى وهو التجارة عن تراض، ضرورة أنه كما يحل بذلك يحل
بالهبات والوقوف والصدقات والوصايا وأروش الجنايات وسائر النواقل
الشرعية والإباحات بقسميها الشرعية والمالكية، فكيف يكون مطلق غير
التجارة عن تراض أكلا بالباطل، ولا كذلك على المنقطع لرجوعه إلى
ذكر السبب الخاص لا حصر الأسباب به، فتبين بذلك ظهور الاستثناء في
المنقطع وعليه يتم الاستدلال بالآية على المدعى، نعم ربما يخدش الدليل
بوجه آخر وهو أن الإباحة المستفادة من الحل في المستثنى مرددة بين معنيين
الإباحة المسببة عن الملك التي هي من آثاره والإباحة المجردة عنه المقابلة له
وإن عمت سائر التصرفات حتى المتوقفة على الملك، والاستدلال إنما يتم
على إرادة المعنى الأول وهو موقوف على قرينة معينة مفقودة في المقام،
فيكون مجملا لا يصلح الاستدلال به على المدعى.
ودعوى أن حلية ما يتوقف على الملك كالبيع والعتق ونحوهما كما هو
المفروض من كون الإباحة مطلقة تصلح أن تكون قرينة لإرادة الإباحة
المسببة عن الملك.
يدفعها لزوم الملك عند التصرف الخاص لا تحققه من الأول.
والجواب عنه - مضافا إلى ما عرفت من أن الإباحة المطلقة المحيطة بجميع
جهات التصرف في العين ترادف ملكية الرقبة - لزوم التخصيص وعدم جواز
التصرف المتوقف على الملك لو أريد بالإباحة المجردة، لأن عمومها المستفاد
من حذف المتعلق يعارضه ما دل على توقف هذه التصرفات الخاصة كالبيع
104

والعتق والوقف والوطئ على الملك تعارض العام والخاص المطلق فيجب
تخصيص العام به، ولا يلزم ذلك لو أريد بها الإباحة الناشئة عن الملك
وحيثما دار الأمر بين ما يلزم تخصيصه لو أريد وما لا يلزم تخصيصه، تعين
الثاني بحكم أصالة العموم الكاشفة عن المراد والرافعة للاجمال نظير ما تقدم
في الخاص المجمل المصداقي حيث يرتفع الاجمال عنه بأصالة العموم.
ودعوى الفرق بينهما بأن المقام من الدوران بين العامين أحدهما مخصص
والآخر غير مخصص وهذا بخلاف الخاص المردد بين ما يوجب تخصيص
العام به وما لا يوجب ذلك، وبعبارة أخرى مرجع الشك في المقام إلى
نفس العموم لا إلى تخصيص العام.
يدفعها إن ذلك، وإن كان مسلما وليس في كونه من الشك في
التخصيص بدرجة الوضوح مثل الخاص المجمل المصداقي، إلا أنه يرجع
إليه بعد التأمل فتأمل، فيصلح حينئذ أن تكون أصالة العموم قرينة معينة
للمعنى المراد من الإباحة المستفادة من حكم المستثنى في الآية الشريفة.
إن قلت: إن المشهور من أهل القول بالإباحة المجردة بل جلهم عدا
من شذ منهم كالمحكي عن الشهيد في تعليقه على القواعد يقولون بجواز
جميع التصرفات حتى المتوقفة على الملك، ولا يقولون بتخصيص عموم
الإباحة بتلك التصرفات حتى يدور الأمر بين التخصيص وعدمه، ويقولون
بدخوله آنا ما قبل ذلك التصرف في الملك للجمع بين ما دل على جواز تلك
التصرفات من الاجماع والعموم المستفاد من حذف المتعلق وما دل على
توقفها على الملك وأصالة عدم الملك بالقبض والتعاطي حينئذ فلا قرينة على
إرادة أحد المعنيين من الإباحة إن لم نقل بظهورها في المجردة عن الملك.
قلت: ضرورة الجمع والالتجاء إلى الدخول في الملك آنا ما قبل التصرف
متوقف على ثبوت مقدمات لا دليل لهم على بعضها، لأن التزامهم بجواز
105

تلك التصرفات: إن كان من جهة عموم حذف المتعلق فيلزمهم تخصيصه
بما دل على توقفه على الملك لأخصيته منه مطلقا وإن كان من جهة الاجماع
على جوازها فلا يعلم تحققه ممن يقول بالإباحة المجردة بل لعله من جهة
الإباحة المسببة عن الملك، نعم لو كان عدم الملك عند القبض والتعاطي
مدلولا عليه بدليل اجتهادي معتبر لكان الالتجاء إلى الملك آنا ما قبل التصرف
حسنا ولكن ليس عليه دليل إلا الأصل المأخوذ في مجراه الشك ويرتفع
الشك بظهور العموم المستفاد من حذف المتعلق المعتضد بالاجماع والشهرة
المحققة على جواز التصرفات المتوقفة على الملك في إرادة الإباحة المسببة عنه
من حكم المستثنى فتكون الآية الشريفة بمعونة ما ذكرنا وإرادة على استصحاب
عدم الملك بالقبض مؤيدا بلزوم ما يستبشع منه العقل من الدخول في الملك
بمجرد الإرادة للتصرف وإن الإرادة من المملكات والنواقل فافهم.
الثالث - قوله تعالى " أوفوا بالعقود " والاستدلال به على المدعى مبنى
أولا - على شمول العقد للمعاطاة أما بناء على تفسيره بمطلق العهد - كما وقع
في صحيحة ابن سنان وتفسير بعض أهل اللغة به الشامل حينئذ للمعاطاة
قطعا أو بناء على كفاية مطلق التوثيق الشامل للتوثيق القولي والفعلي بناء
على تفسيره كما عن أكثر أهل اللغة بالعهد الوثيق أو المشدد احترازا عما لا وثوق
فيه أصلا كالعهود القلبية التي من المعلوم عدم وجوب الوفاء بها، بل لا بد
من كون العهد القلبي منكشفا بما يوجب الوثوق به من الكواشف مطلقا
ولو كان الكاشف فعلا ومنه المعاطاة، وحمل ما ورد في تفسيره بمطلق العهد على بيانه
في الجملة، وثانيا - على إرادة وجوب العمل على طبق ما يقتضيه العقد، إن
لازما فلازما وإن جائزا فجائزا - كما عن بعض - فجواز الرجوع في العقود الجائزة
وحرمة التصرف في العين بعده هو مقتضى العقد الجائز فيجب الوفاء به بناء على ذلك
والحكم التكليفي المستفاد من الأمر بالوفاء مستلزم للصحة، إذ الفاسد لا يجب الوفاء
106

به. وأما بناء على اختصاصها بالعقود القولية، أما بدعوى انصراف العقد
إليه، أو بدعوى ظهور الوثوق والتشديد المقيد بهما العقد في اللغة والوثوق
التام لا في الجملة الغير الحاصلة إلا بالقول لعدم المجال معه إلى الانكار ولا
مسرح لا بداء عذر معه ربما يكون مسموعا عند العقلاء لو كان الكاشف
عما في القلب هو الفعل فالعهد الفعلي أي الكاشف عما في الضمير بالفعل
ربما لا يحصل منه الوثوق التام بامكان ابداء عذر مخالف له مقبول عند
العقلاء، لعدم صراحة الأفعال في الكشف عن الباطن بخلاف الأقوال التي
هي صريحة في ذلك مع بناء العقود على المداقة حسما للعناد وقطعا لمثار الفساد
فلا يشمل المعاطاة قطعا، كما لا يشملها أيضا لو قلنا باختصاصها بالعقود
اللازمة كما عن الأكثر بدعوى ظهورها في لزوم الوفاء بما جرى عليه العقد
وعدم جواز نقضه بفسخ ونحوه لأن المدعى جواز الملك دون لزومه،
فالاستدلال به موقوف على احراز مقدمتين كل منهما في حيز المنع: شمول
العقد للمعاطاة، وتعميمه للعقود اللازمة والجائزة، كيف وظاهر الأكثر
استفادة اللزوم منها ولذا يستدلون بها على أصالة اللزوم في العقود كما يظهر
ذلك لمن راجع كلماتهم في موارد عديدة.
لا يقال: إنا نمنع ابتناء الدليل وتوقفه على المقدمة الثانية لأن التفكيك
بين اللزوم المستفاد من الآية وبين الصحة المدلول عليها بالملازمة ممكن
في الحجة إن لم ينفكا في الوجود، وبعبارة أخرى: إنا نلتزم بتخصيص
اللزوم المستفاد منها بغير المعاطاة لما دل على عدمه فيها ونقول بالصحة
فيها أيضا، وما الآية إلا كالرواية المشتملة على ما لا يقول به أحد فإنها
لا تسقط عن الحجية في غيره من مداليلها، وبالجملة ليست آية " أوفوا
بالعقود " إلا كآية " أحل الله البيع " و " تجارة عن تراض " في إفادتها
اللزوم والصحة بالملازمة معا وانتفاء اللزوم لدليل لا يوجب انتفاء الصحة
107

اللازمة - كما في الآيتين - حيث استدللنا بهما على الصحة في المعاطاة ولم
نقل باللزوم فيهما مع كون اللزوم مستفادا منهما أيضا ولذا استدل بهما أيضا
على أصالة اللزوم في البيع.
لأنا نقول: جهة مفاد الصحة في الآيتين غير جهة مفاد اللزوم فيهما
لأن الصحة مستفادة فيهما من الحكم بالحل والأمر بالأكل الدال هنا على
الإباحة واللزوم ولو بعد الرجوع بفسخ ونحوه مستفاد من العموم في الأحوال
أو الأزمان، فجهة مفاد الصحة غير جهة مفاد اللزوم يمكن التفكيك بينهما
في الحجة، ولا كذلك آية " أوفوا بالعقود " فإن الصحة فيها مستفادة
من نفس الأمر بالوفاء الدال على اللزوم ولا يمكن التفكيك بينهما في الحجة
أيضا لوحدة جهة الإفادة فانتفاء اللزوم المستفاد من الأمر بالوفاء ابتداء
لدليل مستلزم لانتفاء الصحة المستفاد منه بالتبع والملازمة فافهم فإنه دقيق
الرابع - قوله عليه السلام: الناس مسلطون على أموالهم " والتقريب
فيه: إن المراد بتسلط الانسان على ماله هو القدرة عليه بمعنى نفوذ تصرفاته
فيه، ومقتضى عموم السلطنة نفوذ جميع التصرفات التي منها المعاطاة إذ المنع
عنه سلب للقدرة عليه من هذه الجهة وهو ينافي العموم المستفاد من الحكمة
أو حذف المتعلق.
وناقش في ذلك شيخنا المرتضى (في مكاسبه) بما يرجع ملخصه
إلى أن غاية ما يستفاد من الرواية هو عموم السلطنة بالنسبة إلى أنواع
التصرفات بحيث لو شك في قدرته على نوع خاص منها حكم بالعموم،
وأما بالنسبة إلى كيفية حصوله وسبب تحققه، فلا عموم فيها لأنها لم تكن
مسوقة لبيان الأسباب الموجبة لها، فهي مهملة من هذه الحيثية وإن كانت
مطلقة من حيثية أنواع التصرف، وبالجملة، فالقدر المسلم من العموم هو
العموم بحسب الكم لا بحسب الكيف.
108

وهو كلام حسن متين لولا ظهورها بحكم التبادر في امضاء ما هو
المتعارف عند الناس في أنحاء تصرفاتهم في أموالهم كما وكيفا، فهي ناظرة
إلى ما هو المتعارف عندهم الذي منه المعاطاة كيف ولو كان المقصود منها
خصوص الأنواع الثابتة شرعا لكان ذلك تأكيدا لأدلة تلك الأسباب
للاكتفاء بها حينئذ عنه ولذا لو لم تكن أدلة تلك الأسباب لوجب
حمل الرواية على الامضاء لما هو المتعارف بينهم وهو واضح بحكم الوجدان
والتبادر، فالرواية وافية في اثبات المدعى.
الخامس - السيرة القطعية الجارية بين الناس من العوام والخواص خلفا
عن سلف في معاملاتهم بالمعاطاة بقصد التمليك والتملك عند التعاطي وترتب
جميع التصرفات عليه حتى المتوقفة على الملك، مع بنائهم على حلية ذلك
وجوازه، لا أنها منبعثة عن عدم المبالاة منهم.
فلا وجه للمناقشة فيها أولا بمنع قيامها على الموضوع من قصد
التمليك بالمعاطاة كما ذهب إليه شيخنا في (الجواهر) حيث جعل محل النزاع
في المعاطاة هو ما كان منها بقصد الإباحة لا بقصد التمليك، وثانيا بمنع ترتب
التصرفات المتوقفة على الملك عليه - كما تقدم عن الشهيد في تعليقه على
القواعد - وثالثا بمنع كونها الكاشفة بل هي كبعض سيرهم الناشئة عن قلة
المبالاة في الدين والتسامح في أحكام سيد المرسلين كما احتمله شيخنا
المرتضى في (مكاسبه).
إذ السيرة في المقام تنحل بالتحليل إلى الأمور الثلاثة قائمة على كل
واحد منها بحكم الوجدان، ومن نظر إلى ذلك بعين الانصاف وجانب
طريق الاعتساف وجدها أوضح من الشمس وأبين من الأمس غنية عن
البيان غير محتاجة إلى البرهان.
نعم قد يناقش في السيرة بوجه آخر وهو أن اعتبارها إنما هو من
109

حيث كشفها عن تقرير الإمام وامضائه، وإلا فعمل الناس من حيث هو
عملهم ليس بحجة، واحرازه يتوقف على شروط: منها عدم الردع لهم مع
تمكنه منه وهو غير معلوم في المقام إما بناء على الاكتفاء بما دل على توقف
تلك التصرفات على الملك عن الردع، فتكون تلك الأدلة كافية في الردع
أو لاحتمال وجود مانع عنه يكون بسببه غير متمكن من الردع، واحراز
عدم المانع بالأصل لا يجدي فيما كان اعتباره من حيث القطع بالكشف وليس
هو من الدليل الظني حتى يكون الأصل فيه معتبرا.
لا يقال: على الأول لا تعارض بين أدلة تلك التصرفات نحو " لا عتق
إلا في ملك " " ولا وطء إلا في ملك " وبين السيرة المفيدة للملك حتى
تصلح تلك الأدلة للردع بل هي محققة لشرط صحة التصرف وهو الملك.
لأنا نقول: الحكم بصحة التصرف موقوف على احراز الملكية قبله
والمفروض كونها مستفادة من السيرة على التصرفات فاستفادة الملكية من
السيرة متأخرة في المرتبة عن التصرف، فكيف يكون شرطا لصحته نعم
المتيقن تحققه منهم قبل التصرفات هو اعتقاد الملكية والمتوقف عليه التصرفات
نفس الملكية لا اعتقادها، وبعبارة أخرى: الحكم بصحة التصرف موقوف
على ثبوت الملك فلو توقف ثبوت الملك على صحة التصرف لزم الدور المحال
إن قلت: إن الردع المعتبر عدمه في كشف العمل عن الامضاء إنما
هو الردع عن خصوص ما عليه العمل والسيرة ولذا لا يكتفي في ردع من
شرب الخمر - مثلا - بعمومات الكتاب والسنة الدالة على حرمته بل يجب
ردعه وزجره عنه بالخصوص إن جوز عليه الارتداع مع أن العمومات
أظهر دلالة في المنع عن العمل الشخصي من تلك الأدلة في مورد المعاطاة
فكيف تصلح أن تكون رادعة عنه.
قلت ما ذكرته حسن، إن كان وجوب الردع من باب الأمر بالمعروف
110

والنهي عن المنكر وأما إن كان من باب الارشاد الواجب بيانه على سفراء
الله سبحانه وتعالى لما دل على أن التكاليف ألطاف واجبة كما فيما نحن
فيه فتكفي العمومات ونحوها في الإرشاد وبيان الأحكام الإلهية، وإن
استدل على اعتبار السيرة بوجوب الأمر بالمعروف وجوب الإرشاد أيضا
إلا أن بين مورديهما عموما من وجه وما نحن فيه من مورد الإرشاد الذي
تكفي في بيانه العمومات ونحوها حينئذ فتكفي تلك الأدلة نحو " لا عتق
إلا في ملك ولا وطء إلا في ملك " إرشادا للمنع عن نحو هذه التصرفات
في المأخوذ بالمعاطاة.
والجواب عنه: أما عن الأول فقد يقال أولا: إن تلك الأدلة غير
ناظرة إلى ما عليه السيرة من المعاطاة لتصلح أن تكون ردعا لهم بل ليست
مسوقة إلا لإفادة مجرد الشرطية وبيان الحكم الكبروي وأين ذلك من مفاد
السيرة الذي هو من الحكم الصغروي وبمنزلة الموضوع من الكبرى وثانيا
مع التنزل لنا إن نمنع كفاية ذلك للارشاد بعد قيام احتمال تحقق الملك
بالمعاطاة على حسب معتقدهم لكونه بيعا عرفا فيكون السكوت عن ردعهم
حينئذ لتحقق الشرط وبعبارة أخرى السكوت عن ردع من أعتق المأخوذ
بالمعاطاة كما يحتمل أن يكون للاكتفاء عنه بقوله (لا عتق إلا في ملك) يحتمل
أيضا أن يكون لتحقق شرط العتق وهو الملك، ومع قيام الاحتمالين يكون مجملا
لا يصلح للارشاد والبيانية.
وأما عن الثاني وهو الشك في التمكن منه الذي مرجعه إلى الشك في
وجود المانع دون أصل المقتضى فاجراء الأصل فيه وفي أمثاله مما لا شك
فيه، وهو من الأصول العقلائية لا ينافي قطعية الكشف عن الامضاء بالعمل
وإلا لم يبق محل للسيرة ومورد للتمسك بها أصلا، كما لا ينبغي الاعتناء
باحتمال كون السكوت عن الردع لمصلحة اقتضت إخفاء الحكم الإلهي
111

وتأخير بيانه - كما توهم - فإن ذلك ونحوه من الاحتمالات الوهمية والخيالات
السوداوية لا ينبغي الاعتناء بها ولا الاصغاء إليها.
وبما ذكرنا ظهر لك تحقق السيرة وحجيتها للكشف عن إمضاء
المعصوم وتقريره.
فإذا القول بإفادة المعاطاة الملك المتزلزل دون الإباحة المجردة هو
الأقوى، للأدلة المذكورة التي مقتضاها - وإن كان لزوم الملك كما نسب
إلى المفيد - إلا أنه يخرج عنه بالخصوص بالاجماع الظاهر المصرح به في
جملة من العبائر، بل عن بعض دعوى الاتفاق على عدم اللزوم: إما
لعدم الملكية فيكون من السالبة بانتفاء الموضوع على القول بالإباحة أو لتزلزلها
بناء على الملكية، فالقول بإفادتها الملك اللازم احداث قول ثالث.
هذا وتظهر الثمرة بين القول بالملك المتزلزل والقول بالإباحة المجردة
في أمور:
وليعلم أن ما نذكره من الثمرات إنما هو بحسب اقتضاء القاعدة، وإلا فقد
يخرج عنها لدليل يكون منها بمنزلة التخصيص لها، إذ القاعدة بمنزلة الدليل
العام فتكون الثمرة في مورد التخصيص خارجة عنه حكما لا موضوعا:
الأول نماء العين المأخوذة بالمعاطاة (1) وبيان حكمه على كل من
112

القولين في موضوعها من قصد المتعاطيين التمليك أو الإباحة وعلى كل من
القولين في الأول أيضا من إفادتها الملك أو الإباحة، المجردة.
وجملة صورها: هو أن النماء: أما أن يكون منفصلا عن العين،
أو متصلا بها، وعلى الأول فأما أن يكون تالفا حقيقة أو حكما أو موجودا
وعلى التقادير، فالكلام فيه مرة مع عدم رجوع المالك بالعين وأخرى
مع الرجوع بها.
113

فنقول: لا اشكال في أنه يترتب على ملكية العين ملكية النماء لأنه نماء ملكه فيكون
مملوكا له كنماء المبيع في زمن الخيار، بل لعله أولى منه لوجود القول فيه
بتوقف الانتقال على مضي زمن الخيار وفي رجوع المالك به لو رجع بالعين
وجهان، والأقوى: العدم، لأن التزلزل في الأصل: أما للاجماع على
عدم اللزوم فيه، أو لأصالة عدم اللزوم في الملك، وكل منهما منتف في
النماء. أما الاجماع فإنا لم نحققه على جواز الرجوع بالنماء لو رجع بالعين
114

لا محصلا ولا منقولا، وأما الأصل فإن قلنا باقتضائه اللزوم في الملك وإن
خرجنا عنه في الأصل بالاجماع فواضح، وإن قلنا باقتضائه الجواز فإنما
نقول به في الأصل لاستصحاب بقاء العلقة للمالك الأول الحاكم على
استصحاب الملك للثاني لكونه مسببا عنه كما عرفت سابقا والنماء لم يكن
مملوكا للأول وانتقل عنه حتى يستصحب بقاء العلقة فيه، فيبقى استصحاب
الملك فيه سليما عن المعارض ومقتضاه اللزوم.
115

نعم ربما يتوهم المناقشة فيه بدعوى أن، ملكية النماء متفرعة عن ملكية
الأصل ومنبعثة عنه فيكون النماء تابعا له في كيفية الملك من التزلزل.
وليس بشئ بعد اقتضاء الدليل للاختلاف بينهما في الكيفية من التزلزل
في الأصل واللزوم في النماء، ومحض التبعية والتسبيب في الملك لا يصلح
دليلا للاتحاد في الكيفية.
نعم ربما يمكن صحة دعوى التبعية بناء على تعدد ماهية الملك اللازم والمتزلزل
لاستحالة تولد ماهية من ماهية أخرى تخالفها، ضرورة اعتبار السنخية بين
العلة والمعلول، وأما بناء على وحدتها وإنما الاختلاف في المرتبة شدة وضعفا
116

- كما قويناه - فلا، لانتفاء ما يوجب ضعفه في النماء من استصحاب العلقة
للمالك الأول.
هذا ولا ينقض بنماء المبيع الخياري مع كونه في الأصل متزلزلا بالخيار
وفي النماء لازما، لأن التزلزل فيه إنما هو من جهة الشرط، لقوله صلى
الله عليه وآله " المؤمنون عند شروطهم " أو من دليل خارج كخيار العيب
ونحوه، لا من سببية البيع التي مقتضاها اللزوم لولا الشرط ونحوه، بخلاف
سببية المعاطاة للملك المتزلزل فإن السبب بنفسه سبب له، وأما على القول
بكون مفادها الإباحة فالنماء مملوك لمالك العين مباح التصرف للأخذ، إن
117

قلنا بكون الإباحة مالكية للأذن الضمني، أو بشاهد الحال كما تقدم
وإن قلنا بكونها شرعية وقلنا بها لخصوص الدليل، فيشكل لتعلق الإباحة
بالعين وقصور دليلها بالنسبة إلى إباحة النماء وعليه فلا يجوز التصرف وإن
جاز التصرف في الأصل اللهم إلا أن يقوم عليه اجماع أو سيرة قطعية
فتأمل.
118

هذا مع وجود النماء، وأما مع التصرف فيه بتلف ونحوه فلا رجوع
عليه ببدله وكذلك لا رجوع له ببدل المنافع المستوفاة أيضا. ويجري الكلام
مثله فيه على القول بكون المعاطاة ما كان بقصد الإباحة كما تقدم من شيخنا
في (الجواهر) في موضوع المعاطاة.
هذا كله واضح بالنسبة إلى النماءات المنفصلة عن العين، وأما المتصلة
بها، فقد قوى التبعية فيها للعين في جواز الرجوع شيخنا (في الجواهر)
حيث قال: " وأما المتصلة كالسمن والصوف والشعر الباقين على الظهر
واللبن الباقي في الضرع فتتبع العين على الأقوى ".
قلت: ويحتمل قويا لولا السيرة الممنوع تحققها الاقتصار في التبعية
على ما يصدق عليه أنه جزء منها كالسمن والشعر والصوف وإن بلغ أوان
119

جزهما دون ما لا يصدق عليه إلا كونه نماء لها كثمار الأشجار، سيما عند
أوان اقتطافها، بل ويقوى عدم التبعية أيضا في التزلزل فيما كانت العين
له كالوعاء نحو الحمل في بطن أمه، ولذا لا يدخل الجنين في بيع الأمهات
إلا بالشرط على الأشهر خلافا للشيخ في (محكى مبسوطه) وأما اللبن فهو
من الأجزاء الداخلة في المبيع حيث إنه ينشخب من عروق في الضرع
الشخاب الدم من العرق، وليس الضرع وعاء له حتى يكون نسبته إليه
نسبة الحمل إلى الحامل.
هذا بناء على ما قويناه في العين من الملك المتزلزل وفي النماء باللزوم
وعدم التبعية لها في التزلزل. وأما بناء على التبعية في الملك المتزلزل أو الإباحة
المجردة فالحكم بها في المتصلة أوضح منها في المنفصلة.
الثاني - في التصرفات المتوقفة على الملك وهي أمور:
منها - البيع، فيصح على القول بالملكية ويقع باطلا أو فضوليا على
القول بالإباحة فإن كان هناك اجماع على الجواز، فلا بد على القول بها
من الالتزام بدخوله آنا ما في ملك البايع، للجمع بين الأدلة وهو التزام
بخلاف القواعد المقررة إلا أنه يمكن تطبيق الصحة على القاعدة، وإن قلنا
بالإباحة غير أنه يقع للمالك دون البايع لتحقق الإذن الضمني أو بشاهد
120

الحال منه، لوقوع التسليط منه عليه، وهو وإن كان بقصد التمليك إلا
أن الملكية منتفية بعدم الامضاء، فيبقى الإذن المطلق، وهو كاف في
الصحة، ويخرج البيع عن كونه فضوليا لسبقه بالإذن.
وبالجملة الحكم بالصحة عن المالك لا مانع عنه إلا ما يتوهم أولا - انتفاء
الإذن المقيد بانتفاء قيده، وهو قصد التمليك، والمفروض عدم الوكالة
منه عليه، وثانيا - إنما يصح وقوعه عن المالك والمفروض وقوعه من البايع
لنفسه، فما وقع لم يصح والصحيح غير واقع لأن العقود تابعة للقصود.
وليس بشئ.
أما الأول - فمع كون الفرض تحقق الإباحة المالكية، إذ الكلام على
تقدير القول بها امكان دعوى الإذن الضمني بناء على تعدد المطلوب أو بشاهد
الحال كما تقدم فيخرج به عن كونه فضوليا (1)
121

وأما الثاني فلعدم اعتبار القصد لمن له البيع في صحته، وهو غير مأخوذ
122

في ماهيته وقوامه (1) ولذا قلنا بصحة بيع الغاصب لنفسه ووقوعه للمالك
مع الإجازة. ولا أرى وجها في المقام بناء على الإباحة المجردة لوقوعه عن
البايع حتى يلتزم بدخوله آنا ما في ملكه.
وكيف كان فلا يبعد أن يقال بناء على الإباحة صحة البيع ووقوعه
123

للمالك غير أن ثمنه المملوك له يقوم مقام المثمن في جواز التصرف فيه
مطلقا ولو ببيعه أيضا، فيقوم ثمنه كذلك مقامه، وهكذا وهلم جرا في
جميع سلسلة التعويضات بقيام البدل مقام المبدل في الحكم وكونه للمالك
مباح التصرف لمن هو في يده بالمعاطاة اللهم إلا أن يكون هناك اجماع
على صحة البيع ووقوعه للبايع دون المالك وحينئذ فلا مناص عن الالتزام
بدخوله آنا ما في ملكه.
124

ومنها - العتق فإنه يصح عتق المأخوذ بالمعاطاة على الملكية، ويقع باطلا
125

بناء على الإباحة المجردة (1) لقوله: " لا عتق إلا في ملك " مع احتمال
أن يقال فيه من الحكم بالصحة ووقوعه عن المالك بناء على الإباحة - كما تقدم
في البيع - وإن قلنا ببطلان العتق الفضولي على الأشهر، لخروجه عنه بسبق
الإذن الضمني أو بشاهد الحال كما تقدم إلا أن ذلك مبنى على عدم اعتبار
القربة في صحة العتق بتنزيل ما دل عليه من قوله: " لا عتق إلا ما أريد به
وجه الله " وغير ذلك على نفي الكمال دون الصحة: وأما بناء على اعتبارها
فيشكل لأن المالك غير متقرب به والمعتق غير مالك فلا وجه حينئذ لصحته
إن قام الدليل عليه إلا دخوله آنا ما في ملك المعتق ويقع حينئذ عنه لا عن
المالك.
ومنها وطئ الأمة المأخوذة بالمعاطاة، فيجوز على الملكية ولا يجوز
130

على الإباحة بناء على اعتبار الصيغة في التحليل كما هو أحد القولين فيه،
فتظهر الثمرة بينهما اللهم إلا أن يكون هناك اجماع على الحل فلا بد حينئذ
من الالتزام بدخوله آنا ما في الملك فتنعدم الثمرة حينئذ حكما لا موضوعا إلا
131

إن المنع عنه محكى عن الشيخ والشهيد في تعليقه على القواعد.
وبالجملة فالجواز على القول بالإباحة مبنى إما على دخوله آنا ما في
الملك أو على كفاية الإباحة المطلقة في التحليل وعلى التقديرين فتنعدم الثمرة
حكما لا موضوعا.
الثالث - في وجوب الخمس والزكاة وتعلقهما بالعين المأخوذة بالمعاطاة
إذا اجتمع فيها شرط الوجوب فيتعلقان بها فيجب على الآخذ بناء على
القول بالملكية وإن كانت متزلزلة بناء على عدم شرطية استقراره في الوجوب
ولا يجب على القول بالإباحة مع احتمال الفرق بين الخمس والزكاة فيجب
الأول مطلقا ولو قلنا بأن مفادها الإباحة المجردة لصدق الغنيمة عليه بالمعنى
الأعم فيدخل في عموم الآية بناء على الاكتفاء فيه بمجرد صدق الفائدة
التي هي أعم من الملكية بعد إن كانت الإباحة فيها مطلقة فتنعدم الثمرة
فيه موضوعا لا حكما بخلاف الزكاة المشروط وجوبها بالملك اللهم إلا أن
يقال: بتعلق الزكاة بها على القولين ووجوبها على التقديرين غير أنه يجب
على الآخذ إذا اجتمعت عنده شرائط الوجوب على القول بالملكية ويجب
على المالك على القول بالإباحة وإن سقط عنه بدفع الأخذ لها زكاة
اللهم إلا أن يقال بعدم تمكن المالك غالبا من التصرف في ملكه المأخوذ
منه بالمعاطاة إما لغيبة الآخذ أو لمجهوليته فلا يجب عليه لذلك ولا على الأخذ
لعدم تملكه بالمعاطاة. وحينئذ فإن قام اجماع على وجوب الزكاة على الآخذ
فلا بد من الالتزام بدخوله آنا ما في ملكه.
هذا وحيثما تعلق الخمس أو الزكاة بالعين المأخوذة بالمعاطاة، فغير
بعيد تحقق اللزوم بذلك على القولين لكونه بحكم تلف بعض العين أو نقله
فلا يجوز الرجوع بالباقي بناء على أن تلف البعض من الملزمات أيضا، مع
احتمال دعوى اللزوم بذلك في الخمس فقط، لكونه بحكم تصرفه وتلفه
132

عنده بخلاف الزكاة حيث قلنا بوجوبها على المالك والدفع اسقاط عنه فإنه
حينئذ بحكم رجوعه بالبعض الذي لا ينافي جواز رجوعه بالباقي.
هذا ما تطرق إليه الخيال على تشتت البال بحسب ما تقتضيه القاعدة
وعليك بالتأمل فيه فإنه لا يخلو من الحاجة إليه وإلى مراجعة كلمات الأصحاب.
الرابع - فيما لو مات المتعاطيان فينتقل كل من العينين إلى وارث من
كانت بيده بالإرث على الملكية وإلى وارث المالك بناء على الإباحة (1) وعليه
133

فلا يجوز التصرف لكل من ورثة الطرفين إلا بإذن جديد من المالك الوارث
أو بتجديد المعاملة بينهما لعدم تأثير إذن المورث في إباحة الوارث إن كانت
الإباحة مالكية، وكذلك أن كانت شرعية لقصور دليلها بالنسبة إلى غير المتعاطيين
134

ولو مات أحدهما، فينتقل إلى وارثه بالإرث على الملكية. وغير بعيد الحاقه
بالنقل الاختياري في ايجابه اللزوم، ويجوز لكل من الحي وورثة الميت
التصرف فيما انتقل إليه لكونه ملكا له. وأما بناء على الإباحة فلا يجوز للحي
التصرف فيما بيده لتوقفه على الإذن من وارث المالك إن كانت الإباحة
مالكية أو شمول دليلها لهذه الصورة إن كانت شرعية كما عرفت وأما
تصرف ورثة الميت فقد يقال بجوازه إن كانت الإباحة مالكية لتحقق
الإذن أو بشاهد الحال من المالك الموجود الظاهر في شموله لجميع طبقات
الطرف الآخر، اللهم إلا أن يمنع ظهور الحال في رضائه بالتصرف في ماله
مع كونه ممنوعا عن التصرف فيما هو بيده.
وبالجملة فالمدار على القول بالإباحة في جواز التصرف على تحقق
135

الإذن من المالك الفعلي أو من المالك الحقيقي وهو غير مندرج تحت قاعدة كلية
هذا بحسب ما تقتضيه القاعدة من الفرق بين القولين فإن قام دليل من
اجماع أو سيرة على جواز التصرف في صورة موتهما أو موت أحدهما من غير
توقف على إذن جديد، فهو خروج عن القاعدة وتخصيص لها بدليل خاص.
الخامس - لا يرجع بالنفقة لو رجع بالعين على الملكية لأنه بذلها في
ملكه فلا يستحق الرجوع بها على غيره ويرجع بها على الإباحة لو رجع
عليه مع عدم التبرع بالانفاق على الأظهر.
ثم إن ههنا أمورا ينبغي التعرض لها والتنبيه عليها.
منها ما ذكروه في ملزمات المعاطاة: من تلف العينين أو إحديهما
- كلا أو بعضا - أو نقلهما أو إحديهما كذلك بنقل لازم أو جائز أو مزج
بغيره بحيث لا يتميز عنه أو تصرف مغير للصورة.
فنقول أما التلف، وهو: إما أن يكون من الجانبين أو من جانب
واحد وعلى التقديرين، فالكلام فيه مرة على القول بالملكية وأخرى على
القول بالإباحة. أما مع تلف العينين، فالتالف من مال من انتقل إليه على
القول بالملك لأنه تلف في ملكه ولا معنى لضمانه ملك نفسه، فلا رجوع
لأحدهما على صاحبه ببدله الواقعي من المثل أو القيمة لو أراد الرجوع
لانقطاع استصحاب علقة المالك في العين بعد تلفها (1) وهو معنى اللزوم
136

فيه. ومنه يظهر الفرق بينه وبين تلف المبيع في زمن الخيار الذي يرجع فيه
ببدل التالف من المثل أو القيمة لكون الرجوع فيه من أحكام العقد الخياري
بخلاف المقام.
وأما على القول بالإباحة، فلا اشكال في اللزوم بذلك، بل ذهب
غير واحد إلى عدم الخلاف فيه، بل عن بعض دعوى الاجماع عليه وإنما
الكلام في أن ذلك هل هو على وفق القاعدة، أو على خلافها، خرج
عنها بالاجماع؟ ذهب بعض إلى الأول، نظرا إلى أصالة البراءة عن بدل
التالف للمالك لو أراد الرجوع بالبدل الواقعي من المثل أو القيمة مع عدم
ما يوجب ضمانه لأن الموجب له: أما الأصل، وهو استصحاب جواز
الرجوع قبل التلف، وقد عرفت انقطاعه بانتفاء متعلق العلقة المستصحبة
من العين، وأما اليد لعموم حديث " على اليد " الممنوع شموله للمقام لأن
اليد لم تكن يد ضمان عند وجود العين ولا بعد تلفها، مع عدم إرادة
الرجوع وجواز الرجوع فرع كون اليد يد ضمان قبله. وذهب جماعة إلى
الثاني نظرا إلى كون العين عند المعاوضة بالتعاطي مضمونة على قابضها
بالبدل الجعلي، فإذا لم يسلم ولم يلزم المسمى المجعول بقرار المتعاطيين رجع
إلى البدل الواقعي من المثل أو للقيمة فاليد يد ضمان من أول الأمر.
137

قلت: المرجع في الضمان للبدل وعدمه إلى كون الإباحة هل هي
مجانية أو بعوض إذ لا معنى لغرامة البدل مع كون الإباحة مجانية التي معناها
لا غرامة عليه أصلا، وحيث كانت المعاطاة معاوضة فلا جرم كانت العين
مضمونه ببدلها على من قبضها، وقياسه بنثار العرس المبذول مجانا كما في
الجواهر قياس مع الفارق نعم يمكن أن يقاس به بناء على مذهبه في موضوع
المعاطاة من قصد الإباحة بالإباحة، فإن العوضية إنما هي بين الإباحتين لا بين العينين
فتكون الإباحة حينئذ بالنسبة إلى متعلقها مجانية من الجانبين وإن وقعت الإباحة
بإزاء الإباحة ولعله مثله أيضا في المجانية لو فرض قصدهما التمليك بالتمليك كما
هو أحد الاحتمالات المتقدمة في تصوير المعاطاة بإرادة التسليط التمليكي بإزاء التسليط
التمليكي فالملكية حينئذ مجانية وإن قوبلت بالملكية الأخرى كذلك نظير الهبة
المشروطة بالهبة على وجه يكون أحدهما كالداعي للآخر نعم بناء على فرض قصد
التمليك بالتمليك أي تمليك العين بتملك الأخرى على نحو التمليك البيعي كما هو
أحد الاحتمالات المتقدمة أيضا بل هو الغالب من قصد المتعاطيين كما نشاهده
بالوجدان فيشكل الحكم باللزوم بناء على القول بالإباحة فيه ضرورة كون
المعاوضة في هذه الصورة إنما هي بين العينين ومقتضاه الضمان، والمسمى
وإن وقع القرار بينهما عليه إلا أن الالتزام به مع كونه غير البدل الواقعي
موقوف على ثبوت ملزم شرعي وهو مع كونه ممنوعا عين الدعوى ومصادرة
وهذا بخلاف البدل الواقعي فإن دفعه يعد عرفا دفعا للتالف ولا حق للمالك
138

أزيد من ذلك وعليه فيكون اللزوم في هذه الصورة على خلاف القاعدة
خرج عنها بالاجماع اللهم إلا أن يوجه تطبيقه عليها بما سيأتي.
هذا مع تلف العينين وأما مع تلف إحديهما وبقاء الأخرى، ففي
صورة ما لو كان من قصد المتعاطيين الإباحة بالإباحة فلمالك العين الموجودة
الرجوع بها لأنها ملكه بالفرض وإن أباح التصرف لغيره ولا رجوع عليه
ببدل التالف لأن المفروض فيها كون الإباحة مجانية ولا يتوهم استلزامه
الجمع بين العوضين إذ لا معاوضة بين العينين بل هي بين الإباحتين وقد
حصل التصرف فيهما من الجانبين. وأما مع قصدهما الملكية على نحو الايجاب
والقبول القولي فعلى القول بالإباحة مقتضى القاعدة جواز الرجوع بالعين
الموجودة لمالكها لكونها باقية على ملكه والغرامة لصاحبه عن التالف عنده
ببدله الواقعي لكون يده يد ضمان لعموم حديث " على اليد " بعد إن
كانت المعاوضة بين العينين، وليس المسمى بدلا عنه وإن وقع القرار عليه
لعدم الدليل على وجوب الالتزام به بعد أن لم تتم البدلية بينهما بالفرض
إلا أن يقوم اجماع عليه، وهو إن ادعى فعلى عهدة مدعية. وأما بناء
139

على الملكية فعلى القول بأصالة اللزوم في الملك لا رجوع لأحدهما على صاحبه
لأنه مقتضى الأصل الذي خرج عنه بالخصوص الرجوع مع بقاء العينين
وأما بناء على المختار من أصالة الجواز في الملك لاستصحاب بقاء العلقة
السابقة، فيشكل تطبيق الحكم فيه باللزوم على القاعدة كما عليه المشهور،
بل ادعى عدم الخلاف فيه وإن احتمله (في المسالك) احتمالا إذ مقتضى
استصحاب بقاء العلقة بالنسبة إلى العين الموجودة لمالكها جواز الرجوع بها
فإن رجع بها رجع صاحبه عليه حينئذ ببدل التالف من المثل أو القيمة
لكون العين التالفة كانت مضمونة عليه قبل التلف.
140

اللهم إلا أن يوجه تطبيق الحكم باللزوم على القاعدة حينئذ بأحد وجهين:
(الأول) أن المعاطاة بناء على إفادتها الملكية تقتضي صحة بدلية كل من
العينين عن الأخرى، ومقتضاها تعيين الغرامة بالبدل الجعلي دون الواقعي
غير أن كلا من المتعاطيين بحكم الاستصحاب له ابطال المبادلة الذي معناه
الرجوع بما كان له وارجاع بدله إلى صاحبه، وهو غير ممكن مع التلف
فيتوقف الرجوع على التراد الغير الممكن إلا مع بقاء العينين (الثاني) أن ملكية
المعاطاة استفيدت من عمومات " أحل الله البيع " " وتجارة عن تراض " ونحو
ذلك التي مقتضى عمومها الازماني اللزوم خرج عنها صورة بقاء العينين بالدليل،
فيبقى غيرها مندرجا تحت العموم المنقطع به الاستصحاب اللهم إلا أن يخدش فيه
بدعوى إن الزمان ليس من المشخصات الفردية بحيث يكون الفعل بحسب
أجزائه المساوية أفرادا متعددة للعام حتى لا ينافي خروج فرد منه جريان
أصالة العموم في غيره لكونه من الشك في التخصيص بل هو ظرف للفعل
141

الملحوظ في مجموع أجزائه بنظر الوحدة ولا يوجب صيرورته به أفرادا
متعددة بل هو فرد واحد فإذا فرض خروجه في جزء من أجزاء الزمان
وثبت الحكم بالجواز فيه انقطع حكم العام واستصحب حكم المخصص إذ لا يلزم
من ذلك زيادة تخصيص حتى تنفي بالأصل فتأمل ويلحق بتلف العين تلف
بعضها في الحكم ودليله.
هذا كله في التلف، وأما النقل الشرعي، ففي لحوق نقل العينين
أو أحديهما كلا أو بعضا منهما أو من أحدهما بالتلف حكما مطلقا سواء
كان بنقل لازم أو جائز أولا كذلك أو التفصيل بالأول في الأول والثاني
في الثاني مطلقا على القول بالملكية أو الإباحة أو يفصل بينهما وجوه
واحتمالات، بل لعل بعضها أقوال.
142

وبالجملة النقل: أما بعقد لازم أو جائز وعلى التقديرين، فالكلام
مرة بناء على الملكية وأخرى على الإباحة.
أما النقل اللازم، فلا إشكال في عدم جواز رجوع كل منهما إلى
صاحبه بناء على الملكية لانقطاع استصحاب جواز الرجوع بعدم امكان
التراد المأخوذ في موضوع الحكم بالجواز أما رجوع الناقل على صاحبه بالعين
الباقية، فلتوقفه على ارجاع بدلها له وهو ممتنع عليه شرعا بنقله اللازم،
والممتنع الشرعي كالممتنع العقلي، وأما عدم رجوع صاحبه بالعين المنتقلة
فلكونها منتقلة بنقل صحيح لازم لا رجوع له فيه، فامتنع التراد المعلق على
امكانه الحكم بالجواز.
هذا مع مضي النقل، ولو فرض عود المنقول بفسخ أو تقايل ففي
جواز الرجوع لامكان التراد حينئذ وعدمه وجهان: أقواهما الثاني:
143

إما بناء على أصالة اللزوم في الملك فظاهر لأن المتيقن من التراد الجائز معه
الرجوع هو ما كان قبل النقل إذ لم يثبت في مقابلة أصالة اللزوم في الملك
امكان التراد بقول مطلقا، فالموضوع غير محرز، بل وكذا بناء على أصالة
الجواز فيه لتحقق اللزوم بالنقل، فيستصحب وينقطع به استصحاب الجواز
وليس إمكان التراد علة للحكم بالجواز حتى يدور الجواز مداره وجودا وعدم
بل هو موضوع للحكم به وقد زال بعروض المنع الشرعي بالنقل، وأما بناء
على الإباحة المطلقة فكذلك بناء على أن صحة ما يتوقف على الملك كالبيع
مثلا يكشف عن سبق الملكية آنا ما، فينقطع الاستصحاب بامتناع التراد
أيضا بل، لعله هنا أولى، لتبدل عنوان الإباحة الذي من المحتمل كونه
مناطا لجواز الرجوع بعنوان الملكية التي لم يعلم تعلق جواز الرجوع به حتى
يستصحب، وأما بناء على عدم الكشف عن سبق الملكية بل يقع البيع
عن المالك المبيح، فإن قلنا بوقوعه فضوليا يتوقف على الإجازة منه فيجوز
الرجوع لامكان التراد مع عدم الإجازة لعدم تحقق النقل المتوقف عليها،
وإن قلنا بخروجه عن الفضولي لسبق الإذن منه ووقوع البيع له ورجوع
العوض إليه غير أنه مباح التصرف للناقل كما تقدم جاز الرجوع للناقل على
العين الباقية، وإلا لزم الجمع بين العوض وبدل المعوض الذي هو بمعنى
الجمع بين العوضين وبعبارة أخرى: يلزم من البناء على كون العوض للمالك
المبيح مباح التصرف للناقل كون العين الموجودة باقية على ملك مالكها
مباحة التصرف لمن هي في يده، وإلا لزم الجمع بين العوضين، ومقتضى
ذلك جواز رجوع كل منهما على الآخر أيضا.
هذا ولو عادت العين بفسخ ونحوه مع كون على الإباحة فلا رجوع مع
سبق الملكية، بل هو أولى منه بناء على الملكية كما عرفت، نعم لو قلنا
144

بأن الكاشف عن الملك هو العقد (1) الناقل، فإذا فرضنا ارتفاعه بالفسخ
عاد الملك إلى المالك الأول وإن كان مباح التصرف لغيره ما لم يسترد عوضه
145

كان مقتضى قاعدة السلطنة جواز التراد لو فرض كون العوض الآخر
باقيا على ملك مالكه الأول أو عائدا إليه بفسخ. وكذا لو قلنا بأن البيع
لا يتوقف على سبق الملك، بل يكفي فيه إباحة التصرف والاتلاف ويملك
الثمن بالبيع كما عن القطب والشهيد في باب بيع الغاصب: إن تسليط
المشتري للبايع الغاصب على الثمن والإذن في إتلافه يوجب جواز شراء
الغاصب به شيئا، وأنه يملك الثمن بدفعه إليه، فليس للمالك إجازة هذا
الشراء ويظهر أيضا من المحكي عن (المختلف) حيث استظهر من كلامه
فيما لو اشترى جارية بعين مغصوبة: أن له وطء الجارية مع علم البايع
بغصبية الثمن، ومقتضى ذلك أن يكون تسليط الشخص لغيره على ماله
وإن لم يكن على وجه الملكية يوجب جواز التصرفات المتوقفة على الملك،
إلا أنه يضعف الأول بأن العقد إن لم يؤثر النقل من حينه فلا معنى لعود
146

العين بفسخ ونحوه كما هو الفرض وإن أثر ذلك فقد أوجب اللزوم المنقطع
به الاستصحاب بل هو المستصحب، والثاني بامتناع كون العوض لغير
من له المعوض (1) (كيف ومقتضى العوضية قيام العوض مقام المعوض،
فلو فرض كون العوض ملكا للبايع كشف ذلك عن سبق ملكيه المعوض
له جزما.
147

هذا كله في النقل اللازم، وأما في النقل الجائز فليس لمن بيده العين
الباقية الرجوع على الناقل بناء على الملكية وإلزامه بالرجوع على ما نقله
- بمعاوضة كان النقل أو مجانا - لعدم حصول إمكان التراد فعلا، وتحصيله
- ولو كان مقدورا بواسطة الرجوع - غير واجب لأن ارجاع ما أخذه
بعد الرجوع عليه لم يعلم كونه من الوجب المطلق حتى يجب تحصيل مقدماته
بل الظاهر أنه من الواجب المشروط للأصل حيث كان الوجوب مستفادا
من دليل لبى لا من اللفظ حتى يتمسك فيه بأصالة الاطلاق ولا له الرجوع
أيضا بنفسه على من انتقلت العين إليه إذ لا خيار له فيه ولا سلطان له عليه.
وأما بناء على الإباحة فقد فصل فيه شيخنا المرتضى في (مكاسبه)
بين ما لو كان النقل بمعاوضة أو مجانا (1) فالحق الأول بالأول في اللزوم، وحكم
148

بالجواز في الثاني للكشف في الأول عن سبق الملك آنا ما حتى لا ينافي كون العوض له إذ
العوض لا يكون إلا لمن له المعوض ولا عوض في النقل المجاني حتى يستلزم الكشف
عن ذلك، بل يقع النقل عن المالك المبيح فيجوز الرجوع بقاعدة بقاء السلطنة
ولكن في النفس من هذا التفصيل شئ لأن النقل الجائز المجاني
149

كالهبة مثلا إن كان بحكم التلف لم يفرق فيه بين البناء على الملكية أو الإباحة
فإن كان اللزوم في الأول لحصول النقل من المالك، فقد حصل النقل عنه
بالفرض بناء على الإباحة أيضا غير أنه في الأول كان بمباشرة المالك وفي
الثاني بمباشرة الناقل عنه، فإن كان نقل المالك قاطعا للاستصحاب لأن
الموضوع معه غير محرز كما تقدم فهو حاصل على التقديرين، وإلا فلا
كذلك وإن لم يكن بحكم التلف فهو كذلك ولو مع البناء على الملكية.
وبعبارة أخرى كما لا يجب على الناقل الرجوع على الثالث بناء على الملكية
لو رجع عليه صاحبه ودفع إليه العين الباقية لما تقدم، فكذا لا يجب على المالك الذي
وقع النقل عنه بناء على الإباحة الرجوع لو رجع الناقل عليه بالعين الباقية
في يده لاتحاد المناط في الصورتين، والتفرقة بينهما بوقوع النقل من المالك
في الأول وعنه بمباشرة الناقل في الثاني لا يجدي في المناط. اللهم إلا أن يفرق
بين النقلين بأن النقل الموجب لقطع الاستصحاب هو ما كان أثره محالفا
للاستصحاب لا ما كان مؤكدا له إذ الحكم فيه بالجواز يكون مسببا عن
سببين فتأمل (*).
هذا ولو نقل ثالث فضولا فإما أن يقع الرد أو الإجازة من أحد
المتعاطيين أو منهما وعلى الثاني فإما أن يتفقا في الإجازة أو يتفقا في الرد
أو يختلفا فيهما وعلى التقادير فإما أن يتحد زمانهما أو يختلف بتقديم زمان
الرد أو زمان الإجازة وعلى التقادير كلها فالكلام مرة بناء على الملكية
وأخرى بناء على الإباحة.
إذا عرفت ذلك فاعلم أولا: إن الإجازة تصح من كل واحد من
150

المتعاطيين على كل من القولين: الملك والإباحة فلو وقعت من الأول فعلى
القول بالإباحة واضح لأنه مالك، وعلى القول بالملك فلتضمنها الرجوع
الموجب للفسخ فتكون مستلزمة للزوم الفضولي ووقوعه عنه ورجوع الثمن
إليه كما لو فسخ أولا ثم أجاز للفضولي. كيف ولولا تضمنها الرجوع للزم
لغوية الإجازة لكونه حينئذ أجنبيا، فالرجوع كما يحصل بالفعل كذلك
يحصل بالقول الدال عليه بالمطابقة أو بالالتزام، ولو وقعت من الثاني - وقلنا
بالملكية - أثر في الفضولي صحة لوقوعها من المالك وفي المعاطاة لزوما لحصول
النقل الموجب له بها، وكذا على القول بالإباحة لكونها كالبيع كاشفة عن
سبق الملك آنا ما لكون الإجازة تصرفا والمفروض له أنحاء التصرفات بناء
على الإباحة، فالإجازة حينئذ واقعة من المالك في الصورتين على كل من
القولين وهو واضح.
هذا ومن كانت له الإجازة كان له الرد أيضا، غير أنه يؤثر في
الفضولي بطلانا مطلقا (1) وفي المعاطاة فسخا لو وقع من الأول وقلنا بالملك
151

لتضمنه الرجوع الموجب له وإلا لزم لغويته لكونه حينئذ أجنبيا كما لو وقعت
الإجازة منه على القول بالملك، ولا تأثير له في المعاطاة لزوما لو وقع من
الثاني لعدم النقل منه الموجب له ولا يتوقف الرد على الملك حتى يكشف
152

عن سبقه آنا ما بل يكفي في صحة ابطاله للفضولي كونه من التصرفات
المباحة له.
هذا لو وقعت الإجازة أو الرد من أحدهما ولو وقع منهما معا وكان
الواقع منهما الإجازة، فإن اتحد زمانهما (ففي) سقوط الإجازتين معا بالكلية
لأنه من تعارض السببين المتضادين في الأثر الموجب للتساقط بعد إن كان
ترجيح أحدهما على الآخر ترجيحا بلا مرجح، أو تأثيرهما في الفضولي
صحة عملا بالقدر المشترك منهما وسقوط أثر كل منهما في المعاطاة من
الفسخ واللزوم للتعارض، أو تقديم إجازة المالك سواء كان الأول بناء
على الإباحة أو الثاني بناء على الملكية، إما لأن مالك العين أقوى من مالك
التصرف بالرد والإجازة، أو تقديم ذلك بناء على الكشف لأن إجازة
المالك حينئذ كاشفة عن صحة الفضولي من حين العقد والإجازة الأخرى كاشفة
من حينها فوقعت حيث لا مورد لها لسبق أثر إجازة المالك فسخا ولزوما
ولا كذلك بناء على كون الإجازة ناقلة، أو تقديم إجازة الأول مطلقا
ولو بناء على الملكية لما ستعرف: (وجوه واحتمالات).
أقواها الأخير لأن الوجوه المتقدمة عليه كلها مزيفة.
أما الأول، فلما يتضح لك من أن تقديم إجازة الأول ليس من الترجيح بلا
مرجح وأما الثاني، فلأن أثر صحة الفضولي المسبب عن إجازة الأول الموجب
لكون البيع له والثمن عائدا إليه أثرها. المسبب عن إجازة الثاني الموجب
لوقوع الفضولي عنه والثمن له وتغاير الأثر يكشف عن مغايرة المؤثر،
فلا جامع بينهما حتى يكون هو المؤثر.
وأما الثالث، فيمنع الاقوائية بهذا المعنى نعم لو سلم بمعنى أن نفوذ
الإجازة من المالك هو المتيقن ومن غيره يمكن المنع عنه، ولكن هذا المقدار
153

لا يجدي في المقام بعد فرض نفوذها مطلقا ولو من غير المالك ممن له
التصرف.
وأما الرابع - وهو دعوى سبق الأثر ولحوقه بناء على الكشف، ففيه
أنه يشترط في كشف الإجازة عن ترتب الأثر من حين العقد عدم وجود
مانع عنه إلى حين وقوعها، والمفروض هنا وجود ما يمنع عنه، فلا فرق
هنا بين القول بالكشف والقول بالنقل في ذلك.
وأما ما يدل على تقوية الأخير: من تقديم إجازة الأول مطلقا فوجوه:
الأول - إن مرتبة اللزوم المسبب عن النقل الحاصل بإجازة الثاني للفضولي
متأخرة طبعا عن مرتبة الرجوع بإجازة الأول وإن اقترنت معه في الزمان
ضرورة أن الإجازة من الثاني تؤثر في صحة الفضولي أولا، وبصحته يتحقق النقل
وبتحققه يتحقق اللزوم، وهذا بخلاف الإجازة من الأول فإنها متضمنة للرجوع
أولا، وتؤثر في صحة الفضولي ثانيا، فالرجوع الموجب للانفساخ مقدم على
النقل الموجب للزوم في المرتبة طبعا وبالذات.
الثاني - إن الشك عند تقارن الإجازتين بالنسبة إلى لزوم إجازة الثاني
شك في وجود سبب اللزوم وهو النقل والأصل عدمه، وبالنسبة إلى إجازة
الأول شك في قدح العارض عن تأثير ما يقتضي الفسخ وهو الرجوع فالمقتضى
محرز والشك إنما هو في قدح العارض والأصل عدمه بناء على جريان
الأصل فيما كان من قبيل المقتضى والمانع مطلقا من غير فرق بين ما لو كان
الشك في وجود المانع أو مانعية الموجود لأنه من الأصول العقلائية.
الثالث - إن نفوذ الإجازة من الثاني وتحقق النقل بها مشروط بكون
العين مباحة التصرف حين الإجازة ولا إباحة مع رجوع الأول ومنعه عن
تصرف الثاني وإن كان مقارنا له، إذ المدار على المنع حين التصرف سواء
كان حدوثه قبله أو مقارنا له، وكما لا ينبغي التأمل في بطلان الإجازة لو صرح
154

الأول بالفسخ عند إجازة الثاني فكذلك فيما كان متضمنا للفسخ بعد فرض
كون الإجازة متضمنة له لعدم الفرق بين الدلالة عليه بالمطابقة أو بالالتزام
فافهم وتأمل، ويتلوه من الاحتمالات في القوة الأول.
هذا ولو اختلف زمان الإجازتين فالتأثير للسابق منهما في الفضولي
صحة مطلقا سواء كان من الأول أم الثاني على القول بالملك أو القول بالإباحة
في المعاطاة، فسخا إن كان من الأول مطلقا على القولين لتضمنها الرجوع
الموجب لذلك، وفيها لزوما إن كان من الثاني كذلك على القولين لحصول
النقل به الموجب له.
ولو وقع الرد منهما واتحد زمان الردين، بطل الفضولي قطعا، وفي
فسخ المعاطاة برد الأول وجه مبنى على القول بالملك وكون الرد كالإجازة
متضمنا للرجوع وعدم تحقق النقل برد الثاني حتى يتوهم المعارضة لرجوع
الأول كالإجازة منه. نعم في تضمن رد الأول الرجوع على الإباحة
نوع خفاء.
ومع اختلاف زمانهما فالتأثير للسابق منهما في بطلان الفضولي وفي فسخ
المعاطاة به إن كان من الأول وجه مبني على ما عرفت، ولا موجب للزوم
المعاطاة إن كان السابق من الثاني لما عرفت أيضا من عدم تحقق النقل
منه برده حتى يوجب ذلك.
هذا ولو وقع من أحدهما الرد ومن الآخر الإجازة في زمان واحد
فإن كانت الإجازة من الأول صح الفضولي وانفسخت المعاطاة بها قطعا
لعدم توهم معارضة رد الثاني لها كما عرفت، وإن كان الرد منه والإجازة
من الثاني فحكمه على الملكية حكم تزاحم الإجازتين في ورود الاحتمالات
المتقدمة، وإن اختلفا مع ذلك في الزمان أثر السابق منهما في صحة الفضولي مطلقا
إن كان هو الإجازة غير أنه تنفسخ المعاطاة بها إن كانت من الأول وتلزم
155

إن كانت من الثاني لحصول النقل الموجب له وإن كان السابق هو الرد
بطل الفضولي مطلقا غير أنه إن سبق الرد من الأول أثر في المعاطاة فسخا
بناء على الملك أو مطلقا على تأمل فيه، ولا تأثير له في لزوم المعاطاة إن
سبق الرد من الثاني، فلا تأثير في الإجازة اللاحقة من الأول حينئذ في
المعاطاة فسخا إلا إذا أمكن فيها تصور إرادة الرجوع بها كما لو فرض
جهله بالرد السابق من الثاني حكما أو موضوعا، بل ومثله في تضمن رد
الأول الرجوع لو سبق رد الثاني عليه مع جهل الأول به، فهذا حكم
جميع الصور المتصورة في المقام.
هذا ولو وقع التصرف في العين منهما أو من أحدهما بما يوجب تغيير
الصورة كطحن الحنطة وقطع الخشبة وتفصيل الثوب، ففي لزوم المعاطاة
به مطلقا أولا كذلك أو التفصيل وجوه، بل أقوال. ولعل الأول منها لا يخلو
من قوة، لامتناع التراد المقصود منه رد كل من البدلين إلى صاحبه،
ضرورة أن نقض المبادلة موقوف على ارجاع البدل والبدل بما هو بدل
مركب من جزء مادي وجزء صوري، وكما ينتفي المركب بانتفاء جزئه
المادي كذلك ينتفي بانتفاء جزئه الصوري بعد إن كان ملحوظا في عنوان
البدلية. نعم إن لم يكن ملحوظا فيه بل كان المجعول بدلا هو ذات الشئ
بأجزائه المادية فقط، كان ارجاعه ارجاعا لعين البدل وإن تغيرت الصورة
لعدم كونها ملحوظة في عنوان البدلية، مضافا إلى لزوم الضرر - غالبا -
سيما مع عدم كونه مضمونا على الضار بل لم ينفك ذلك عنه لاختلاف
الأغراض وتفاوت الرغبات والالزام بقبول ذلك حكم ضرري منفى في
الشرع بالآية والرواية الحاكمة على استصحاب الملك بناء على الإباحة وعلى
استصحاب بقاء العلقة بناء على الملك لو سلم جريان الاستصحاب في المقام
مع امكان منع جريانه فيه لانتفاء الموضوع ولا أقل من الشك في بقائه
للشك في كون الموضوع عرفيا أو حقيقيا.
156

وفصل شيخنا المرتضى في (مكاسبه) في اللزوم وعدمه بين القول
بالملكية والإباحة حيث قال: " ولو تصرف في العين تصرفا مغيرا للصورة
كطحن الحنطة وفصل الثوب فلا لزوم على القول بالإباحة،
وعلى القول بالملك، ففي اللزوم وجهان مبنيان على جريان استصحاب
جواز التراد، ومنشأ الاشكال أن الموضوع في الاستصحاب عرفي أو حقيقي "
انتهى.
قلت: ولعل نظره في عدم اللزوم بناء على الإباحة إلى أنه لا دليل على
خروج العين عن ملك المالك بهذا التصرف المأذون فيه (1) وقياسه بالنقل
157

والتلف قياس مع الفارق. أما الأول فلكشفه عن سبق الملك ولو آنا ما، والثاني
لكون التالف وإن كان مباحا إلا أنه مضمون بالبدل الجعلي بعد فرض صحة
المعاوضة ولا كذلك بناء على الملكية بل هو مبنى على ما ذكره من مبنى
الوجهين من الفرق بين الموضوعين الذي يحتمل أن يريد به، كما لعله الظاهر
أن الموضوع إن كان حقيقيا فلا يجري الاستصحاب مع التصرف المغير
للصورة مطلقا لتبدل الموضوع معه حقيقة وتلزم به المعاطاة مطلقا وإن كان
158

عرفيا فيدور استصحاب الجواز وعدمه مدار الصدق العرفي، وقد يصدق على المتغير
أنه هو عرفا وإن كان غيره حقيقة ويحتمل أن يريد بالفرق إن الموضوع
إن كان حقيقة الشئ فيجري استصحاب الجواز ما دامت ذات العين باقية
لعدم تبدل الذات بتغير الصفات كالملكية المتعلقة بالعين التي لا تزول بزوال
أوصافها، فلا تلزم المعاطاة بتغيير الصفات مطلقا بخلاف ما لو كان الموضوع
عرفيا فإنه قد يصدق على المتغير أنه غير الأول فلا يجري الاستصحاب
فيه لتبدل الموضوع حينئذ ومقتضاه اللزوم لعدم التراد عرفا وإن تحقق الرد
حقيقة.
وكيف كان ففيه: إن ما ذكره من التفصيل إنما يتوجه على مبناه
من أصالة اللزوم في الملك وكون جواز الرجوع من الأحكام التعبدية الثابتة
بالاجماع ونحوه. وأما على ما قويناه: من أصالة الجواز فيه، فلا يتم ما ذكره
من التفصيل لأن متعلق العلقة على القول بالملك هو عين متعلق الملك على
القول بالإباحة، فإن كان هذا النحو من التصرف مخرجا للعين عن تعلق
العلقة بها كان مخرجا عن تعلق الملكية بها، أيضا، وإلا فلا فيهما كذلك
لأن العلقة للمالك الأول على الملكية ليست إلا أثرا من آثار الملكية السابقة ومرتبة
من مراتب السلطنة الأولية ليست سلطنة جديدة حدثت للأول، فالأقرب
هو الأول، ويتلوه في القرب الوجه الثاني، لما عرفت من الأصل وعدم
ثبوت الخروج عنه بهذا النحو من التصرف مطلقا من غير فرق بين القول
بالملك والقول بالإباحة. وعليه فيصح دعوى امكان التراد حينئذ إلا إذا
استلزم التراد ضررا حيث لا نقول بتعميم الضرر واطراده في أنواع التصرف
لحكومة قاعدة الضرر على الأحكام التكليفية والوضعية. وعليه فيتجه التفصيل
بين ما يوجب الضرر وما لا يوجبه فيحكم باللزوم في الأول لقاعدة الضرر
الحاكمة على الأصول، وبالجواز في الثاني للاستصحاب، وتكون المسألة
159

حينئذ رباعية الأقوال.
(وتوهم) عدم تأثير الضرر بسبب الاقدام عليه (يدفعه) مع أن
الاقدام من مسقطات الضمان لا من المسوغات للأحكام منع جريانه في المقام
لأن مجرى قاعدة الاقدام هو الاقدام على موضوع يكون حكمه الشرعي
جواز الرجوع، فلا بد أولا من إحراز كون الجواز حكما شرعيا في المقام
حتى يكون الاقدام عليه اقداما على موضوع الضرر وهو أول الكلام، فأشبه
ذلك بالدور لأن ثبوت جريان الاقدام يتوقف على ثبوت كون الحكم، الشرعي
هو جواز الرجوع، والمفروض إن ثبوت الحكم بالجواز لعدم تأثير الضرر
إنما هو بقاعدة الاقدام، فظهر بذلك ضعف ما قيل: من أن الضرر مستند
إلى تقصيره في التحفظ بايجاب البيع وإما لو امتزج العينان أو إحديهما بالغير
بحيث لا يتميز، فالأقوى فيه اللزوم مطلقا بناء على الملك أو الإباحة
امتزجت بالأجود أو بغيره من المساوي أو الأردى، لامتناع التراد حينئذ
مطلقا، ضرورة أن رد العين على الوجه الأول متعذر بالفرض ورد الجميع
مقدمة مع كونه ضررا فيه المنة التي لا يجب تحملها، وبعد القسمة ففرد
المقسوم مشتمل على بعض منه وبعض من غيره وهو غير الأول فرده ممتنع
وقد عرفت إن نقض المبادلة موقوف على رد البدل بعينه.
لا يقال: إن استنادهم في اللزوم هنا إلى امتناع التراد ينافي كلامهم
في القسمة أنها إفراز حق وتمييز حصص، فإذا كان المقسوم هو عين المملوك
من دون اشتمال على المعاوضة أمكن الرد بعد القسمة.
لأنا نقول: إن المقسوم عين المملوك بالاشتراك والإشاعة لا عين المأخوذ
بالمعاطاة، ومناط الرجوع رد الثاني دون الأول فافهم.
وفصل شيخنا المرتضى في (مكاسبه) بين القول بالملك والإباحة بما
لفظه: " ولو امتزجت العينان أو إحداهما سقط الرجوع على القول بالملك
160

لامتناع التراد، ويحتمل الشركة وهو ضعيف: أما على القول بالإباحة
فالأصل بقاء السلطنة على ماله الممتزج بمال الغير فيصير المالك شريكا مع
مالك الممتزج به نعم لو كان المزج ملحقا له بالاتلاف جرى عليه حكم
التلف.. " انتهى.
وهو لا يخلو من تأمل لأن التراد حينئذ إن كان ممتنعا كما اعترف به
على الملكية - سقط الرجوع به على الإباحة أيضا لتوقف الرجوع مطلقا
على رد البدل الممتنع بالفرض، وإن فرض امكان التراد فلا يسقط الرجوع
ولو قلنا بالملك، مضافا إلى لزوم الضرر بالشركة الموجبة لعدم استقلالية
المالك.
ونسب إلى (المسالك) احتمال التفصيل بين المزج بالأجود وغيره وهذه عبارته:
" لو اشتبهت بغيرها أو امتزجت بحيث لا يتميز فإن كان بالأجود فكالتلف
وإن كان بالمساوي أو الأردى احتمل كونه كذلك، لامتناع التراد على
الوجه الأول، واختاره جماعة ويحتمل العدم في الجميع لأصالة البقاء.. "
انتهى مستشعرا ذلك من اختصاص الأجود بالذكر في الاحتمال الأول.
وفي (شرح القواعد) لكاشف الغطاء: " وألحق به أي بالتلف طحن الحنطة
ومزجها مطلقا أو بالأجود دون الأدنى والمساوي إلى أن قال وأما المزج
على وجه لا يتميز، فلا يمكن رده بعينه وقبول الجميع فيه منة، ودخول
مال الغير في ماله من غير فرق بين الأجود ومقابلاته.. " انتهى
وعبارة (المسالك) غير صريحة في ذلك.
وكيف كان فلا أرى وجها للتفصيل بين المزج بالأجود وما يقابله من
الأردى أو المساوي إلا ما عسى أن يوجه بلزوم الضرر في الأول بناء على
الشركة بحسب الكم وبنسبة القيمة للزوم نقصان المال عما أخذه أولا في
الكم، وهو ضرر، ولا كذلك لو امتزج بالمساوي للمساواة فضلا عن
161

الأردى لما فيه من الزيادة الكمية، وهو فاسد، لأن ضرر الأول في الأول
بالكم مع كونه مجبورا بالكيف وهو الجودة معارض بضرر الثاني كما في
المزج بالأردى، فالقول باللزوم مطلقا هو الأقوى. ويلحق بما لا يتميز في
الحكم ما لا يمكن الافراز وإن تميز لوحدة المناط من امتناع التراد.
هذا ولو اختلفا في حصول سبب اللزوم، ففي تقدم قول مدعى
اللزوم أو الجواز نظر: ينشأ من أن مدعي اللزوم يدعي أمرا حادثا يقتضي
الأصل عدمه، ومن أنه ملك التصرف فيملك الاقرار به، لأن من
ملك شيئا ملك الاقرار به، وهو الأقرب لحكومة قاعدة (من ملك)
على استصحاب جواز الرجوع، ولا كذلك لو ادعى بعد الفسخ حصوله
قبله لأنه حينئذ لم يملك التصرف حتى يملك الاقرار به، ولعله الوجه فيما
ذكره شيخ مشايخنا في (شرحه على القواعد) في هذه المسألة حيث قال:
" ففي تقديم قول مدعي اللزوم أو الجواز إشكال ".
ولو ادعى تصرفا أو اتلافا بعد الفسخ فالقول قول منكره مع يمينه
ولكن العجب من شيخنا في (الجواهر) حيث استند في مسألة
نفوذ دعوى الوكيل على الموكل فيما وكل عليه إلى القاعدة المزبورة أيضا
بل جعلها من أصول المذهب وقواعده ولم يستند إليها هنا، وبنى على تقديم
قول مدعي الجواز للاستصحاب، ولعل ذلك منه غفلة عن مجراها هنا
وأعجب من ذلك قوله بعد ذكر مختاره: " وكون بعض أفراده لا يعلم
إلا من قبله لا يسقط حق الغير، لكن في شرح الأستاذ: إن في تقديم قول
أحدهما اشكالا " انتهى، ضرورة أن بعض الأسباب لو سلم كونه مما لا يعلم
إلا من قبله، فلا إشكال في قبول قول مدعيه، وإن استلزم سقوط حق
الغير لتخصيص عمومات " البينة على المدعي " بما دل على قبول قوله فيما
لا يعلم إلا من قبله ولا مجرى لموازين القضاء فيه لتعذر إقامة البينة عليه وعدم
162

امكان توجه اليمين على المنكر لكونه لا يعلم إلا من قبله فلا بد من قبول
قوله،
ولو تداعيا فادعى كل واحد منهما وقوع ما هو له من الفسخ، وسبب
اللزوم، فلا يخلو: إما أن يعلم بوقوعهما أو بوقوع واحد منهما أولا يعلم
بوقوع شئ منهما، فإن لم يعلم شئ من ذلك فكل منهما وإن ملك ما يدعيه
إلا أن جريان قاعدة (من ملك) في حقه معارض بالمثل في حق الآخر مع
أن بعض صورها مما يشك في كونه من موضوع القاعدة وهو الملك لاحتمال
وقوعه منه حيث لا محل له لسبق الآخر إذ التأثير للسابق منهما واستصحاب
جواز الرجوع مثلا إلى وقوع الفسخ منه مع أنه لا يثبت وقوع
الفسخ في وقت الملك معارض باستصحاب جواز التصرف الملزم إلى وقت
وقوعه منه أيضا وحينئذ فمقتضى القاعدة في المقام التحالف لأن كلا منهما
منكر لما يدعيه الآخر، وبعد التحالف يبنى على ما كان عليه أولا قبل
التداعي ولو علم وقوع أحدهما الغير المعين فالحكم كذلك وإن استلزم مخالفة
العلم الاجمالي لأن مخالفته في مورد التداعي غير عزيزة، وكذلك لو أقاما
بينة لتساقط البينتين بالتعارض ولو أقام أحدهما حكم له بها فسخا كان
أو لزوما لثبوت المقتضى وعدم تحقق المانع إذ المانع سبق فعل الآخر عليه
ويحتمل في غير الصورة الأولى الابتناء على القول بالإباحة أو الملك، إذ مرجع الشك
على الأول إلى خروج العين عن ملك المالك المبيح والأصل بقاؤه، وعلى
الثاني فالأصل بقاء الملك للثاني أما بناء على أصالة اللزوم في الملك فواضح
لخروج المورد عن المتيقن الخارج عن حكم الأصل المزبور وأما على أصالة
الجواز فلاستصحاب الملك للثاني: بعد سقوط استصحاب الجواز وبقاء
العلقة الذي هو الأصل السببي بسبب الابتلاء بالمعارض فيبقى الأصل في
المسبب سليما.
163

ومنها - أي ومن الأمور التي ينبغي التنبيه عليها - إنه هل تجرى المعاطاة
في غير البيع مطلقا " عقدا " كان أو ايقاعا "، والعقد بأقسامه مجانيا " كان أو معاوضيا "
فيعم العقود التمليكية بقسميها والعقود الإذنية، وبعبارة أخرى: هل تجري
المعاطاة في العقود بأنواعها وفي الايقاعات بأقسامها أو تختص بصنف خاص
من نوع المعاوضات وهو البيع أو تجري في بعض منها دون بعض؟
فنقول ولنبدأ أولا " بذكر جملة من كلمات الأصحاب في هذا الباب
توطئة لبيان ما هو الحق والصواب.
قال في (جامع المقاصد): " إن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار
المعاطاة في الإجارة والهبة وذلك أنه إذا أمره بعمل على عوض معين عمله
واستحق الأجرة ولو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل ولم يستحق
أجرة مع علمه بالفساد، وظاهرهم الجواز بذلك، وكذا لو وهب بغير
عقد فإن ظاهرهم جواز الاتلاف، ولو كانت هبة فاسدة لم يجز بل منع من
مطلق التصرف وهو ملحظ وجيه " انتهى.
قلت: عدم جواز العمل حينئذ إنما هو فيما يستلزم التصرف في مال الغير
وإلا فلا دليل على منعه مطلقا، وإن لم يستلزم ذلك. ثم الاستشهاد به على
جريان المعاطاة فيه مبنى على إرادة لزوم المسمى دون أجرة المثل.
وقال في (كتاب الرهن) " قال: في (التذكرة) الخلاف في الاكتفاء
فيه بالمعاطاة والاستيجاب والايجاب عليه المذكور بالبيع بجملته آت هنا،
ويشكل بأن باب البيع ثبت فيه المعاطاة بالاجماع بخلاف ما هنا أما الاستيجاب
والايجاب فنعم " انتهى.
وقال في (كتاب الهبة): " ولا يكفي المعاطاة والأفعال الدالة على
الايجاب، نعم يباح التصرف، أي لا يكفي في حصول الملك المعاطاة أعني
إعطاء الواهب وأخذ المتهب أو إعطاء أحدهما الهبة والآخر الثواب، وكذا
164

الأفعال الدالة على الايجاب اقتصارا " على الأسباب الشرعية التي يثبت نقلها
للملك وهي العقود دون الأفعال، نعم يباح التصرف بذلك كما يباح أكل
الضيف الطعام بوضعه بين يديه وأخذ نثار العرس " انتهى.
وقال في (كتاب القرض) " ظاهر عباراتهم: أنه لا بد من الايجاب
القولي، وعبارة التذكرة أدل على ذلك، ويرد عليه أنه قد سبق في البيع
الاكتفاء بالمعاطاة التي هي عبارة عن الأخذ والاعطاء، فإذا اكتفى في العقد
اللازم بالايجاب والقبول الفعليين فحقه أن يكتفي بهما هنا بطريق أولى،
وليس ببعيد أن يقال: انتقال الملك إلى المقترض بمجرد القبض موقوف
على هذا لا إباحة التصرف إذا دلت القرائن على إرادتها " انتهى.
وفي (المسالك): " العاشر، ذكر بعض الأصحاب ورود المعاطاة في
الإجارة والهبة بأن يأمره بعمل معين ويعين له عوضا "، فيستحق الأجرة
بالعمل، ولو كان إجارة فاسدة لم يستحق شيئا مع علمه بالفساد بل لم
يجز له العمل والتصرف في ملك المستأجر مع إطباقهم على جواز ذلك
واستحقاق الأجرة، إنما الكلام في تسميته معاطاة في الإجارة وذكر في
مثال الهبة ما لو وهبه بغير عقد فيجوز للقابض اتلافه وتملكه به ولو كانت
هبة فاسدة لم يجز، ولا بأس به إلا أن في مثال الهبة نظرا " من حيث إن
الهبة لا تختص بلفظ بل كل لفظ يدل على التمليك بغير عوض كاف فيها
كما ذكروه في بابه وجواز التصرف في المثال المذكور موقوف على وجود
لفظ يدل عليها فيكون كافيا " في الايجاب، اللهم إلا أن يعتبر القبول القولي
مع ذلك ولا يحصل في المثال فيتجه ما قاله " انتهى.
وفي (التحرير في كتاب الهبة): ".. وهل يستغنى عن الايجاب
والقبول في هدية الأطعمة؟ الأقرب عدمه، نعم يجوز التصرف عملا بالإذن
المستفاد من العادة " انتهى.
165

وقال في (كتاب الوقف) منه: " لا يحصل الوقف بالفعل المقترن
بما يدل عليه مثل أن يبنى مسجدا " ويأذن للناس للصلاة فيه أو مقبرة ويأذن
بالدفن فيها أو سقاية ويأذن في دخولها وإنما يصير وقفا بالقول الدال عليه "
انتهى.
وفي (كتاب العتق منه) قال: ".. يشترط في العتق الاتيان
باللفظ الصريح مع النية فلا يقع بمجرد النية منفكة عن اللفظ ولا باللفظ
الذي ليس بصريح وإن نوى العتق، ولا باللفظ الصريح مجردا " عن النية "
انتهى.
وقال في (الدروس): " فرع لو قال: جعلت هذا للمسجد، قال
الفاضل: هذا تمليك لا وقف، فيشترط فيه قبول القيم، ويصح وكأنه
أجراه مجرئي الوصية للمسجد إلا أنه لا يشترط في الوصية هنا القبول "
انتهى.
وقال في (المبسوط في أحكام المساجد): " وإذا بنى مسجدا " خارج
داره في ملكه، فإن نوى به أن يكون مسجدا " يصلي فيه كلما أراده زال
ملكه عنه فإن لم ينو ذلك فملكه باق عليه سواء صلى فيه أو لم يصل " انتهى.
وقال في وقفه -: " إذا بنى مسجدا " وأذن لقوم فصلوا فيه أو بنى
مقبرة فأذن لقوم فدفنوا فيها لم يزل ملكه حتى يقفه لفظا على ما بيناه فيما
مضى. وقال قوم: يزول ملكه إذا أذن وصلوا فيه ودفنوا في المقبرة
والأول أصح " انتهى وإلى غير ذلك من كلماتهم المحررة في الأبواب المتفرقة
وبالجملة فالمسألة غير منقحة في كلماتهم، وتنقيحها يتوقف على توزيع
الكلام في الايقاعات مرة وفي العقود بأقسامها أخرى، وبيان ما هو الضابط
لجريان المعاطاة وعدمه حتى يكون ميزانا يتميز مجراه عن غيره.
فنقول: اعلم إن مقتضى الأصل الأولى في الجميع هو الفساد بمعنى
166

عدم ترتب الأثر المقصود من المعاطاة عليها، غير أن بعض الموارد مما
يصدق على المعاطاة فيه أسماء المعاملات المعلق عليها الأحكام مع قيام السيرة
على المعاطاة فيه التي هي عمدة الأدلة الدالة على صحتها فيحكم بالخروج عن
الأصل المزبور بالسيرة والأخبار الخاصة بتلك المعاملة الشاملة باطلاقها للمعاطاة
أيضا " بعد صدق الاسم عليها وما شك في ذلك فضلا عما لو علم عدمه
بقي تحت حكم الأصل من الفساد.
إذا عرفت ذلك فنقول: أما الايقاعات، فمنها ما لا يصدق الاسم
على المعاطاة منه كالطلاق والظهار واللعان والايلاء والعتق ونحو ذلك مما
يختص الاسم بما وقع منه بالصيغة الخاصة ضرورة أن اخراج الزوجة من
الدار مثلا بقصد البينونة واطلاق العبد عن الخدمة بقصد العتق لا يسمى
طلاقا ولا عتقا، وهذا النحو منها مما لا شك في اعتبار الصيغة في صحته
وعدم ترتب الأثر على المعاطاة منه.
ومنها ما يشبه العقود كالأوقاف العامة والوصية للجهة العامة كبناء المساجد
وتعمير المشاهد والقناطر والمدارس والخانات والرباطات وما يعين لها ويوضع
فيها كالحصر والبواري للمساجد وفرش المشاهد وما يعلق فيها من المعلقات
للزينة أو التعظيم بل وما يدخر لها من الجواهر الثمينة والأموال النفيسة مما
يصنع لحفظها خزانة خاصة فقد يقال: يصدق الوقف على ما كان منها بالأفعال
وإن تجردت عن الصيغة، بل ادعى قيام السيرة عليه بل تحققها مما يشهد
به الوجدان وانكاره مكابرة ومقتضاه تأثير المعاطاة فيه صحة وخروجه عن
حكم الأصل المزبور بالسيرة القطعية التي قد عرفت أنها العمدة في أدلة
صحة المعاطاة، مضافا إلى اطلاقات أدلة الوقف بعد صدق الاسم عليه،
ولكن قد يشكل مع ذلك بمعارضة السيرة لظهور الاجماعات المحكية المعتضدة
بدعوى غير واحد الوفاق والاطباق على اعتبار الصيغة في الوقف، وأنه
167

لا يصح بالفعل فالسيرة موهونة بذلك منبعثة عن عدم المبالاة والاطلاقات
مقيدة به.
ودعوى وهن الاجماع بالسيرة موهولة باشتراط حجيتها بعدم الردع
ومن المحتمل الاكتفاء بذلك ردعا في المقام، ولكن حمل عمل الناس من
العوام والخواص من التصرفات المترتبة على الوقف على التسامح مما يقطع
بعدمه.
والسيرة الكاشفة محققة، إلا أن المنكشف بها يدور بين أحد وجوه
ثلاثة: البقاء على الملك للأصل مع الإباحة المالكية للجهة الخاصة - كما
عليه جماعة - أو التمليك - لها كما تقدم في عبارة الدروس أو الوقف
كما هو المحكي عن المبسوط، والمحتمل من الذكرى واختاره الأردبيلي وبعض
المعاصرين في (عناوينه) فالمنكشف بها أعم من الوقف والعام لا يدل على
الخاص بخصوصه.
إلا أن الوجوه المذكورة كلها مخدوشة:
أما الأول فلاستلزامه التوقف عن التصرف مع الشك في الإذن من
المالك سيما مع انتقال العين إلى الوارث المحتمل فيه مع ذلك الصغر والجنون
وغير ذلك من الأسباب المانعة عن التصرف مع عدم الالتزام به قطعا،
اللهم إلا أن يلتزم بلزوم الإباحة مطلقا لعموم ما دل على عدم جواز الرجوع
فيما أريد به وجه الله.
وأما الثاني، فبعد تصحيح الملك للجهة بإرادة الملك للمسلمين أو طائفة
منهم وإن تعين صرفه في الجهة الخاصة موقوف على السبب المملك المفقود
في المقام اللهم إلا أن يكون من الهبة لهم بالمعاطاة إن قلنا بجريانها فيها.
هذا ويمكن أن يوجه الحكم بالوقفية عند صدور الفعل في أمثال المقام
بدعوى ثبوت الوقف بالفعل الظاهر فيه تقديما للظاهر بل الأصل بالسيرة.
168

وبناء العقلاء فيكون ظهور الأفعال في أمثال ذلك معتبرا " في مفادها كظهور
الألفاظ في مداليلها فيخرج عن الأصل بظهور الفعل كما يخرج عنه بظهور
اللفظ في مدلوله.
وبالجملة هذه الأفعال وإن لم نعتبرها سببا " للوقف كالعقد ولكن نعتبرها
كاشفة عن ثبوته وتحققه كالبينة والاقرار والسيرة دليل على حجية الفعل
من باب الكاشفية دون السببية، وحينئذ فلم يبق تحت حكم الأصل إلا ما علم
علما " قطعيا " بعدم اجراء الصيغة فيه وهو فرض نادر نمنع قيام السيرة عليه
وهذا الوجه لم نجد من تنبه له وهو حسن متين.
وأما الشفعة، فالظاهر جريان المعاطاة فيها ويملك الشفيع بمجرد دفع
الثمن إلى المشتري وأخذ المبيع منه فبيع الشريك للأجنبي سبب شرعي لتحقق
حق الشفعة للشفيع، وبالدفع والأخذ يملكه لأنه يصدق عليه بذلك أنه شفع
فيما هو حقه فتشمله اطلاقات أدلة الشفعة مع قيام السيرة عليه أيضا ولزومها
بالمعاطاة مع كون حكمها الجواز مستفاد من كون الحق ثابتا " له بالقهر على
المشتري المناسب معه اللزوم لا التوقف على رضاه، ولعل مثلها أيضا في
جريان المعاطاة الإقالة والفسخ بدفع العوض وأخذ المعوض مع قصد أحدهما
للصدق العرفي مع دعوى السيرة عليه أيضا، ويؤيده ما قيل من أن تعريض
المبيع للبيع مسقط للخيار.
وأما القسمة المشتملة على الرد فلكونها متضمنة للمعاوضة تجري
المعاطاة فيها على الظاهر كما في (المسالك).
ومثلها بل أقوى منها في جريان المعاطاة تحققها في الإجازة التي مرجعها
إلى الإذن في البيع وإن جرى الاصطلاح على تسمية الإذن اللاحق بالإجازة،
وكذا البذل الموجب لتحقق الاستطاعة يصدق بمجرد دفع المال إلى المبذول
له ووضعه بين يديه إذا قبله منه بالأخذ والتناول من دون توقف على اللفظ
169

في ايجابه وقبوله.
وأما جريانها في الاسقاط والابراء ففيه تأمل بل منع للشك في السقوط
والبراءة بمجرد الفعل الكاشف عن المقصود للشك في صدق الاسم عليه مع
الشك في تحقق السيرة عليه أيضا فيبقى تحت حكم الأصل من الفساد مع
استصحاب شغل الذمة.
وأما الكلام في العقود: فمنها ما لا يتحقق موضوع المعاطاة فيه لعدم
القبض والاقباض والفعل المقصود به انشاء التمليك فيه كالضمان والكفالة
والحوالة بل لا تصرف فيها حتى يقال بنحو الإباحة أو التمليك، ومثل ذلك
لا اشكال في خروجه عن محل الكلام، وأما غيره: فإما أن يكون من
العقود المجانية أو المعاوضة، والأول: إما أن يكون من العقود التمليكية
أو الإذنية أما الإذنية منها كالعارية والوديعة والوكالة بغير جعل، فلا ينبغي
التأمل في صحتها بالمعاطاة وترتب الأثر المقصود منه عليها لتحقق ما هو ملاك
الصحة فيه من الإذن فيجوز التصرف فيه، بل ويترتب الأثر المعلق على
عناوينها الخاصة كنفوذ تصرف الوكيل قبل العلم بالعزل على الموكل لتحقق
المسمى المتعلق عليه الحكم بالأفعال كما يتحقق بالألفاظ، فتشمله اطلاقات
أخبارها الخاصة، مضافا إلى قيام السيرة القطعية على معاطاتها نعم لو لم
نقل بتحقق المسمى بالعناوين الخاصة بالأفعال في ذلك، اقتصر في ترتب الآثار
على ما يتوقف على مجرد الإذن المستفاد بشاهد الحال دون ما يتوقف على
تحقق العنوان الخاص.
وأما العقود التمليكية، فمنها ما تجري المعاطاة فيه بل الغالب وقوعه
بها كالصدقة والهدية والهبة الغير المعوضة، ضرورة أن المتعارف بين الناس
قديما " وحديثا خلفا " عن سلف التصدق بالأفعال والتهادي بينهم بالارسال
إلى البلدان ومن مكان إلى مكان على أيدي المماليك والصبيان وترتب آثار
170

الملكية على تلك الأعيان، والاقتصار على الصحة في بعض التصرفات دون
بعض يكذبه الوجدان، (فما) عن بعض: من إفادة الهدية المجردة عن الصيغة
الإباحة دون التمليك فلا يجوز وطئ الأمة المهداة كذلك، ومثلها الهبة
في ذلك (ضعيف) جدا " محجوج بالسيرة القطعية الكاشفة عن تقرير الحجة،
وإن قلنا باللزوم فيما كان منها معوضا بالقربة كالصدقة مع وقوعها بالمعاطاة
لعموم ما دل على عدم الرجوع فيما أريد به وجه الله ومنها ما يشك في جريان
المعاطاة فيه كالوقف الخاص والتحبيس والسكنى والعمرى والرقبى، للشك
في صدق الاسم عليه بمجرد الفعل مع عدم معلومية السيرة عليه بل يمكن
دعوى السيرة على عدمه فيبقى تحت حكم أصالة الفساد.
وأما عقود المعاوضات وما يشبهها كالنكاح، فنقول: أما النكاح،
فلا شك في عدم جريان المعاطاة فيه. ويدل عليه بعد - أصالة الفساد في
المعاملات وأصالة الحرمة في الفروج والاجماع بقسميه على اعتبار الصيغة
فيه ومنافاة حكم المعاطاة من الجواز للزوم علقة النكاح التي لا تنقطع
إلا بسبب مخصوص كالطلاق ولزوم عدم تحقق الزنا إلا في مورد الاكراه
مع كون الغالب أو الأغلب وقوعه مع التراضي من الطرفين - عدم تعقل
سببية المعاطاة للحل في النكاح لأن المعاطاة إنما تكون سببا " لصحة ما يترتب
عليها من الملك أو التصرفات وجواز التصرف أو الملك متأخر في التحقق
عن مرتبة السبب، وحينئذ فالفعل وهو الوطي المقصود به الحلية هو أيضا
محتاج إلى سبب محلل له، فإن كان هو بنفسه سببا " لحلية نفسه لزم اتحاد
السبب والمسبب في مرتبة واحدة، مع امتناع كون الشئ مؤثرا في نفسه
وإن كان هو التمكين فلا يصدق عليه اسم النكاح حتى يكون مشمولا
لاطلاقات أخباره وبذلك ظهر لك خروج معاطاة النكاح عما ذكرنا ميزانا "
لصحة المعاطاة من صدق اسم المعاملة المقصودة على معاطاتها لأن المشهور
171

على ما قيل: إن النكاح حقيقة في العقد فلا تدخل المعاطاة في مسماه بل
ولو قلنا بالاشتراك بينه وبين الوطء كان مجملا لم يصح معه التمسك بالاطلاقات
على معاطاته أيضا بل لا يصح التمسك بها وإن قلنا بكونه حقيقة في الوطء
لما عرفت من أن الوطء الأول متوقف على سبب محلل له والتمكين وسائر
المقدمات الفعلية لا يصدق عليه النكاح على جميع الأقوال حتى يكون مشمولا
لاطلاقات أخباره.
وأما الإجارة فالأقوى صحة المعاطاة فيها (1) لدخولها في مسماها عرفا
فتشملها اطلاقات أخبارها مع قيام السيرة القطعية عليها، وبذلك يخرج عن
172

حكم الأصل في المعاملات من الفساد - كما عرفت من الميزان المتقدم على
على صحتها وحينئذ يملك الأجرة بتسليم العين للمستأجر لأن قبضها قبض
لمنفعتها عرفا ملكا " متزلزلا أن تعلقت الإجارة بالأعيان لتمليك منافعها.
173

وإن تعلقت بالأعمال فإنما يملك الأجرة بعد تمام العمل إذ لا قبض قبله
ولا تسليم إلا في عمل المملوك بعد قبضه بخلاف الإجارة العقدية المتعلقة
بالأعمال فإنها تملك بالعقد وإن كان لا يستحق المطالبة إلا بعد العمل. ويحتمل
أن يملك المستأجر العمل على المؤجر بالمعاطاة لو دفع الأجرة قبل العمل
بناء على تحقق المعاطاة بالدفع من جانب واحد لحصول المعاطاة بينهما بالقبض
والاقباض له.
174

وبالجملة فالمعاطاة جارية في الإجارة. ويؤيده ما تقدم من عبارتي
(المسالك) (والمحقق الكركي) من ظهور الاتفاق على استحقاق الأجرة
لو أمره بعمل على عوض معين عمله واستحق الأجرة بناء على إرادة
المسمى من الأجرة بجعل الألف واللام للعهد دون الجنس نعم قد تكرر
في كلام بعض دعوى الاجماع على اعتبار الصيغة في العقود اللازمة، وهو
مع كونه - ممنوعا " من أصله وموهونا " بذهاب جم غفير على صحة المعاطاة في
أغلبها محمل على إرادة اعتبارها في اللزوم دون الصحة.
هذا ويحتمل عندي قريبا أن السبب في استحقاق العامل العوض على
من أمره بعمل على عوض معين بناء على عدم كونها من الإجارة هو أمره
بالعمل مع قصد العامل بعمله كونه له مضمونا " عليه، فيكون أخذ العوض
175

من قبيل الجعالة لا من باب الإجارة.
176

توضيح ذلك: إن العمل كما يمكن وقوعه للعامل يمكن وقوعه لغيره
177

ما لم يمنع عنه دليل خاص، غير أن وقوعه له مشروط بقصده واستدعاء
178

من الغير لنفسه فلا يتحقق العمل له إلا بتحقق الأمرين، وهو محترم غير
مبذول بنحو المجانية، ولذا التزم بالأجر من لم يقل بجريان المعاطاة في
الإجارة، وهو من الأسباب الموجبة للضمان شبه الجعالة، بل هو منها. ومن
ذلك رجوع الضامن على المضمون عنه بما دفع إلى المضمون له إذا لم يكن
متبرعا " وكان الضمان بأمره. بل ولعل منه أيضا " غرامة ثمن العبد في نحو أعتق
عبدك عني، لأن العتق من المالك بقصد وقوعه للأمر باستدعائه لنفسه عمل
متمول باعتبار متعلقه محترم مبذول لا بنحو المحالية فغرامة مالية عمل العتق
179

له بقدر مالية المعتق، فلا يحتاج في صحته عنه إلى تكلف دعوى تضمن
ذلك الرخصة في ادخاله في ملكه والوكالة عنه في عتقه لعدم
القصد إلى شئ من ذلك بالوجدان. نعم ربما يشكل ذلك من جهة القربة
المعتبرة فيه إذ المتقرب هو المعتق دون من كان العتق له فكيف يقع منه
180

مع فرض عدم النيابة عنه؟ اللهم إلا أن يرجع إليها ولو بنوع من التكلف
بل يمكن أن يقال من هذا الباب أيضا غرامة المتاع فيما لو قال:
الق متاعك في البحر وعلي ضمانه، فإن عمل الالقاء المتمول باعتبار الملقي محترم
مبذول للأمر باستدعائه لنفسه مضمون عليه بأجرته المساوية لقيمة المتاع
ويشهد لذلك ما في (الجواهر) عن محكي (التذكرة) في هذا الفرع،
حيث قال: " ولو قلنا إنه جعالة خلصنا من الالزام " انتهى، وعليه فالضمان
بالقيمة وإن كان المتاع مثليا ولولا تضمنه التعليق على الشرط، وهو الالقاء
181

المنافي للتنجز المعتبر في صحة الضمان، لقلنا به من باب الضمان لا من باب الجعالة
وليس المانع عنه إلا ذلك، لا ما قيل: إنه من ضمان ما لم يجب نظرا إلى أن
ضمان الأعيان معناه ضمان ما تشتغل به ذمته بعد التلف وهو غير متحقق حين
الضمان ومقتضاه البطلان إلا أن صحته في المقام بالاجماع المستفيض بل في
(الخلاف) دعوى اجماع الأمة عليه عدل الثوري الواجب فيه الاقتصار
على القدر الثابت منه وهو في صورة الخوف لا مطلقا، لأن ضمان الأعيان
من ضمان ما وجب لا من ضمان ما لم يجب، إذ الضمان معناه التعهد ودخول
الشئ في عهدة الضمان، غير أن التعهد إن تعلق بمال في الذمة كان معناه
التحويل من ذمة إلى أخرى وإن تعلق بالعين كان معناه كونها متداركة
مرجوعة ودفع المثل أو القيمة مرتبة من مراتب رد العين وتداركها وشأن
من شؤونه مندرج في التدارك الذي هو معنى كون العين في العهدة، فالمضمون
182

هو العين وهو متحقق عند الضمان. نعم لو ضمن العين حين عدمها كان
من ضمان ما لم يجب، ومقتضى الوجه المذكور هو الضمان مطلقا مع الخوف
وعدمه دون التفصيل بينهما كما تقدم فتأمل (*) إلى غير ذلك من الموارد
التي يستحق بالعمل له العوض المعين عليه إن كان من الجعالة، وإلا فأجرة
المثل.
وجه التأمل أن ما ذكر إن تم فإنما يتم حيث ما يتحقق القبض
ليدخل به المقبوض في العهدة وأما مع عدمه فلا ضمان إلا في خصوص المورد
لدليله المخرج له عن القاعدة الموجب لقصر الحكم فيه على صورة الخوف
اللهم إلا أن ينزل عبارة الأمر على القبض عنه ثم الالقاء بعده فيكون الالقاء
عنه بعد القبض كذلك إلا أنه احتمال بعيد جدا " كاحتمال كونه من المعاوضة
ببدله فيكون من قسم المعاوضات وإن خرج عن القواعد لدليله الخاص. (*)
183

وأما ما ذكره (في جامع المقاصد) و (المسالك) في الفرع المتقدم
من أنه لو كانت هذه إجارة فاسدة لم يستحق أجرة كما في الأول أو شيئا
كما في الثاني، ففيه أن الإجارة الفاسدة مضمونة أيضا، لأن صحيحها مضمون
وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.
وأما الجعالة فجريان المعاطاة فيها أولى من جريانها في الإجارة لتوسعها
وعدم اندراجها في العقود اللازمة التي ادعى الاجماع على اعتبار الصيغة
الخاصة فيها مع قيام السيرة عليها.
وأما الرهن فلا مانع من جريان المعاطاة فيه بعد الصدق العرفي وقيام
السيرة عليه (1) إلا ما قيل من منافاة حكم المعاطاة: من جواز الفسخ
للتوثيق المأخوذ في قوام الرهن ولزومه النقض للغرض. ويدفعه عدم انحصار
فائدته بالوثوق: من خوف الرجوع حتى يكون الرهن بالمعاطاة لغوا، بل
184

جل فائدته اختصاص المرتهن باستيفاء حقه منه مع قصوره عن ديون الراهن
وعدم الضرب فيه مع الغرماء مع وثوقه من الراهن بعدم رجوعه عنه ويؤيد
ذلك - بل يدل عليه -: إن اعتبار القبض فيه إنما هو للوثوق مع عدم
اعتبار استدامته بالاجماع مع أنا نمنع كون اللزوم من قوام الرهن، بل هو
من فوائده وقد تقدم من العلامة في (التذكرة) مساواة الرهن للبيع في
جريان الخلاف في معاطاته.
وأما القرض فالمتداول بين الناس إنما هو بالمعاطاة دون الصيغة، فالسيرة
فيه أتم منها في غيره.
والعجب من الكركي في المكي عنه في صيغ العقود حيث فرق بين
المعاطاة في القرض وبينها في البيع بإفادتها الإباحة في الأول والملك في الثاني
حيث قال في القرض: ".. لا يكفي الدفع على جهة القرض من غير
لفظ في حصول الملك نعم يكون ذلك في القرض كالمعاطاة في البيع فيثمر
185

إباحة التصرف، فإذا تلفت العين وجب العوض، والذي ينساق إليه النظر
أن المعاطاة في البيع تثمر ملكا " متزلزلا، ويستقر بذهاب أحد العينين أو بعضها
ومقتضى هذا أن النماء الحاصل في المبيع قبل تلف شئ من العينين يجب
أن يكون للمشتري بخلاف الدفع للقرض، فإنه لا يثمر إلا محض الإذن في
التصرف وإباحته، فيجب أن يكون نماء العين للمقرض لبقاءها على الملك "
انتهى. ولذا قال شيخنا في (الجواهر) بعد ذكر كلامه وهو صريح في
الفرق بين المعاطاة - فيهما " ولا يخفى عليك صعوبة إثبات ذلك عليه ضرورة
اشتراك الجميع في الأدلة كما عرفته. انتهى.
اللهم إلا أن يوجه الفرق بقيام الاجماع عنده على اعتبار الصيغة في
العقود اللازمة التي منها القرض الظاهر في كونها معتبرة في الصحة دون
اللزوم الموجب لجريان حكم العقد الفاسد على المجرد عنها وإن كان بالمعاطاة
غير أنه في البيع يصرف الظهور في شرط الصحة إلى كونه شرطا " في اللزوم
بالاجماع على صحة المعاطاة في البيع وإفادتها الإباحة الشرعية المقصود بها
عنده الملك المتزلزل ولا اجماع كذلك في غيره من العقود اللازمة حتى يصرف
ظهور اعتبار الصيغة في صحتها إلى اعتبارها في اللزوم، غير أن الإباحة المالكية في
القرض مستفادة من شاهد الحال
وفيه: إن الاجماع ليس منعقدا " في كل عقد مستقل حتى يمكن صرف
ظاهر بعض وابقاء غيره على ظاهره، بل هو معقد واحد لاعتبار الصيغة
في الجميع وإرادة شرطيتها للصحة في بعض واللزوم في بعض آخر أشبه
باستعمال اللفظ الواحد في المعنيين.
لا يقال: إن ما ذكرته من الوجه للفرق مع قطع النظر عما أوردته عليه مبني
على كون القرض من العقود اللازمة حتى يكون مندرجا تحت معقد الاجماع
على اعتبار الصيغة فيها مع أن غير واحد من الأصحاب ذهب إلى كونه من
186

العقود الجائزة، بل ادعي الاجماع على كونه منها.
لأنا نقول: المراد بكونه من العقود الجائزة جواز المطالبة بالوفاء
متى شاء ولو في المجلس وإن كان مؤجلا، وشرط التأجيل فيه غير ملزم
إلا إذا كان في ضمن عقد لازم غيره.
ويدل على إرادة ذلك من الجواز: ذهاب الأشهر - بل المشهور -
إلى عدم التزام المقترض له بالزام المقرض له برجوع العين المقبوضة منه لو كانت باقية،
وليس ذلك التمليك العين ملكا " لازما " بالقرض الذي مفاده تمليك العين
مضمونة عليه، فوجوب البدل فيه من باب الغرامة والتعويض لا من باب
المعاوضة، ولو كان من العقود الجائزة كان له استرداد العين مع بقائها
نعم للمقترض ردها بنفسها لكونها أحد مصاديق الكلي الواجب عليه مخيرا "
بين أفراده التي هي منها، بل لعله أولى من غيره. (وتوهم) جواز
امتناع المقرض عن قبولها بالخصوص لأنه بالقرض يستحق عليه المثل وليس
العين منه لأن الشئ لا يكون مماثلا لنفسه بل هو هو لا مثله وإن كان مثليا
(توهم) فاسد لأن الثابت في الذمة هو الكلي المسمى باسمه كالدرهم
والدينار والحنطة والشعير لا خصوص عنوان المثل بما هو مثل وإن وقع التعبير
به، فلانطباق الكلي عليه. نعم لو قلنا بالقرض في القيميات كما هو الأقوى
وقلنا بثبوت القيمة في الذمة من أول الأمر، كان للمقرض الامتناع عن
قبول العين لو ردها المقترض لأنه غير حقه المستحق عليه ولا كذلك لو قلنا
بالانتقال إلى القيمة عند الوفاء لا قبله لصدق الوفاء برد العين حقيقة بل هو
أحق بالصدق من رد القيمة.
وأما المزارعة والمساقاة فتجري فيهما المعاطاة أيضا لتحقق الصدق
العرفي مع قيام السيرة عليها فيهما.
هذا تمام الكلام في جريان المعاطاة في غير البيع من العقود والايقاعات
187

وقد عرفت أن المناط فيه دخوله في اسم المعاملة واندراجه تحت اطلاق
أخبارها مع قيام السيرة عليها (ودعوى) كون المطلقات من حيث شمولها
للمعاطاة مهملة أو منصرفة إلى غيرها من العقود القولية (ممنوعة) مردودة
على مدعيها.
ومنها: أنه هل يعتبر في المعاطاة الواردة مورد العقد ما يعتبر فيه وبعبارة
أخرى: هل يشترط في المعاطاة كونها جامعة لشرائط العقد إلا الصيغة، فيعتبر
في معاطاة البيع ما يعتبر في عقده وفي معاطاة الإجارة ما يعتبر في عقدها،
وهكذا في كل معاملة تقع المعاطاة فيها أم لا؟ اختلفت كلماتهم في ذلك
ولنقدم ذكر جملة منها.
قال في (المسالك): " فلو وقع الاتفاق بينهما على البيع وعرف
كل منهما رضاء الآخر بما يصير إليه من العوض المعين الجامع لشرائط البيع
غير اللفظ المخصوص لم يفد اللزوم انتهى ".
وقال في (الحدائق): " المشهور بين القائلين بعدم لزوم بيع المعاطاة
هو صحة المعاطاة المذكورة إذا استكملت شروط البيع غير الصيغة المخصوصة
وأنها تفيد إباحة تصرف كل منهما في ما صار إليه من العوض المعين من
حيث أذن كل منهما للآخر في التصرف بتسليطه على ما دفعه إليه إلا أنه
لا يفيد اللزوم ما دامت العين باقية بل لكل منهما الرجوع في ما دفعه للآخر
ونقل عن العلامة في (النهاية) القول بفساد بيع المعاطاة وأنه لا يجوز لكل
منهما التصرف فيما صار إليه " انتهى.
ومقابل المشهور في كلامه ما نقله عن العلامة.
وفي (شرح القواعد) لشيخنا كاشف الغطاء ما لفظه: " ومنها أنها
هل هي داخلة في اسم المعاملة التي جاءت في مقامها فتجري فيها شرائطها
وأحكامها؟ الظاهر من جماعة من الأصحاب اختيار ذلك، فتجري فيها قائمة
188

مقام البيع أحكام الشفعة والخيار والسلم وبيع الحيوان والثمار وجميع شرائطه
سوى الصيغة ولم يقم على ذلك شاهد معتبر من كتاب أو سنة أو اجماع
والأقوى أنها قسم آخر بمنزلة الصلح والعقود الجائزة يلزم فيها ما يلزم فيها
فتصح المعاطاة على المشاهد من مكيل أو موزون من غير اعتبار مكيال
أو ميزان وبنحو ذلك جرت عادة المسلمين " انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن تنقيح المسألة لا بد فيه من الكلام على كل
من القولين في موضوع المعاطاة من قصدهما الإباحة المعوضة بالإباحة،
أو كان من قصدهما التمليك. وعلى الثاني، فالكلام مرة بناء على إفادتها
الإباحة، وأخرى بناء على الملك المتزلزل، وعلى الثاني، فتارة بناء على كونها
بيعا " في مورد البيع وإجارة في مورد الإجارة وهكذا، وأخرى بناء على أنها
سبب مستقل يفيد مفاد العقد الواردة مورده.
فنقول: أما على القول بأن موضوعها الإباحة العوضية - كما ذهب إليه
شيخنا في (الجواهر) - فالمرجع فيه هو ما دل على صحة هذه المعاوضة: فإن
استدل عليها بعموم " الناس مسلطون على أموالهم " فمقتضاه عد اعتبار
ما شك في اعتباره فيه، وإن استدل عليها بالسيرة أو الاجماع، فينعكس
الأمر لأن المتيقن منهما هو ما كان جامعا للشرائط.
وكذا على القول بكون موضوعها ما إذا كان بقصد الملكية، ولو
قلنا بإفادتها الإباحة الشرعية - كما نسب إلى المشهور - فإنه القدر المتيقن
من الاجماع المنقول على سببيتها للإباحة الشرعية.
وأما على القول به مع القول بإفادتها الملك، فمبني على كون اعتبارها
من جهة دخولها في اسم المعاملة الخاصة أو كونها معاوضة مستقلة أو سببا "
خاصا ".
أما على الأول فيعتبر فيها ما يعتبر في تلك المعاملة الواردة في موردها
189

من الإحكام والشرائط مطلقا ". ويحتمل - غير بعيد - التفصيل بين ما ثبت
اعتباره بدليل لفظي أو بدليل لبى فيختص اعتباره في الثاني بالعقد اللفظي
بناء على أن المتبادر عند الفقهاء والمنصرف إليه في لسانهم هو العقد اللفظي
دون الفعلي والاجماع متصيد من فتاويهم، فتأمل.
وأما على الثاني وهو كونه سببا " خاصا "، فلا يعتبر فيه إلا ما قام الدليل
عليه من سيرة أو اجماع ولا يقاس بالعقد الواردة مورده فيما اعتبر فيه
لعدم اندراجه بالفرض في اسم المعاملة الخاصة وإن وقع في موردها حتى
يعتبر فيه ما يعتبر فيها والأصل يقتضي العدم في كل ما شك في اعتباره وهو
مما لا ريب فيه، وإنما الاشكال فيما يصلح أن يكون وجها " للحكم بكونها
سببا " مستقلا يفيد الملك وليس إلا سببية اليد له بعد تسليط المالك عليه
كتملك المتناول لنثار العرس باليد لتسليط المالك مطلقا كالنثار في الطرق
والشوارع العامة أو لجماعة مدعوين للتفرج والاستيناس يملكه من سبق
منهم بالأخذ دون غيرهم، فيكون التسليط عاما " فيهم وخاصا " بالنسبة إلى
غيرهم، ويعبر عن الأول بالإعراض وعن الثاني بالتسليط، وإن تضمن
الاعراض بالنسبة إليهم أيضا، وليس منه تقديم الطعام للضيف - كما توهمه
بعض الفحول - إذ لا تسليط فيه على الغير إلا بأكله، فهو من إباحة الاتلاف
بالأكل لا من التسليط على التملك باليد.
وبالجملة كما أن اليد سبب لحدوث الملك في المباحات الأصلية وما
بحكمها من الاعراض العام بل ولو الخاص بعد صيرورة المحل به قابلا
للتملك باليد، فكذا تسليط المالك شخصا خاصا على ماله يصيره قابلا
لتملكه له باليد فالملك في المعاطاة للبدلين معلول لليد المنبعثة عن تسليط
كل من المالكين لصاحبه على ماله بقصد التبديل بين المالين، والسيرة حجة
عليه كاشفة عن امضاء الشارع له، والتعبير بالبيع فيما وقع التمليك والتبديل
190

بين العينين، وبالإجارة فيما وقع بين العين والمنفعة وغير ذلك من التسامح
في التعبير عرفا للمشابهة التامة بينهما، وهو وجه حسن إلا أن ثبوته على
عهدة مدعيه.
ومنها أيضا: أنه يعتبر التقابض في ماهية المعاطاة فلا تتحقق المعاطاة
مع كون كل من المالين بيد صاحبه. وهذا مما لا كلام فيه، وإنما الكلام
في أنه هل يعتبر فيها حدوث القبض وإن اكتفينا باستدامته فيما يعتبر فيه
القبض كالرهن وغيره، أو يكفي فيها استدامته؟ الظاهر هو الأول، وإن
قلنا بعدم بقاء الأكوان واحتياج الباقي إلى المؤثر فلو كان مال كل منهما
بيد صاحبه أمانة ووقعت المعاملة بينهما بالمعاطاة عليهما، توقف تحقق موضوع
المعاطاة على الرد وحدوث الاعطاء من الجانبين أو من أحدهما على رأي.
ومنها: أن القدر المتيقن من المعاطاة في إفادتها الملك أو الإباحة هو
حصول الاعطاء من الجانبين، فلو حصل من جانب واحد ففي لحوقه بها
حكما وعدمه وجهان: مبنيان على القول بالملك أو الإباحة ودليلهما، فعلى
الثاني يشكل الحكم به لخروجه عما ثبت بالاجماع إفادته الإباحة بخلافه على
الأول لوجود ما دل على الملك فيه أيضا: من السيرة القطعية وصدق اسم
المعاملة الخاصة عليه، فيدخل في بيع النسية ما لو كان المعطى هو المبيع وفي
بيع السلم ما لو كان المعطى هو الثمن، ولم يقع لفظ المعاطاة في متن رواية
أو معقد اجماع حتى يجب الجمود عليه، بل في (مكاسب) شيخنا المرتضى
قدس سره بعد ذكر نسبة القول باللحوق إلى ظاهر جماعة من متأخري
المتأخرين تبعا للدروس قال ما لفظه: " ولا ريب أنه لا يصدق معنى المعاطاة
لكن هذا لا يقدح في جريان حكمها عليه بناء على عموم الحكم لكل بيع
فعلي فيكون اقباض أحد العوضين من ماله تمليكا له بعوض أو مبيحا له
به وأخذ الآخر له تملكا له بالعوض أو إباحة له بإزائه، فلو كان المعطى
191

هو الثمن كان دفعه على القول بالملك والبيع اشتراء وأخذه بيعا للمثمن به
فيحصل الايجاب والقبول الفعليان بفعل واحد في زمان واحد " انتهى.
وفي قصد انشاء تمليك المثمن بقبض الثمن تأمل. ولعل الوجدان يشهد
بخلافه. بل قد يدعى انعقاد المعاطاة بمجرد ايصال العوض وأخذ المعوض
من غير توقف على اعطاء أصلا، فضلا عن التعاطي ومثل لذلك شيخنا
المتقدم في (المكاسب) بما تعارف من أخذ الماء مع غيبة السقاء ووضع
الفلس في المكان المعد له إذا علم من حال السقاء الرضا بذلك، وكذا غير
الماء من المحقرات كالخضروات ونحوها. ثم قال: " ومن هذا القبيل دخول
الحمام ووضع الأجرة في كوز صاحب الحمام مع غيبته " انتهى.
وظاهره كون ذلك في الحمام من الإجارة المعاطاتية، ولازمه - كما يظهر
من غيره كون ما هو المتعارف بين الناس من وضع الحمام والدخول فيه
داخلا في قسم الإجارة من عقود المعاوضات. وحينئذ ففي المقام وأمثاله مما
استلزم من تعلق الإجارة به تلف العين كاستيجار المرضعة وفحل الضراب
والصباغ والكاتب والمنحة والبئر وحدها ونحو ذلك بالنسبة إلى اللبن والنطفة
والصبغ والمداد والماء اشكال، حيث يعتبر في صحة الإجارة تعلقها بالمنفعة مع
بقاء العين، بل ادعى الاجماع عليه كما في محكى (التذكرة) وغيره، ومقتضاه
بطلان الإجارة في هذه الموارد مع أن صحتها في البعض مورد اتفاق النص
والفتوى بل السيرة قائمة في الجميع وإن منع بعض عن صحتها في البئر
المستقلة كالعلامة وغيره. ولذا اعترف غير واحد بجريان الإجارة في أمثال
ذلك على خلاف الأصل، وقد تعرضوا لها في إجارة المرضعة المدلول عليها
بنص الكتاب لقوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " بناء على
ظهور الأجر في الإجارة كالثمن في البيع والجعل في الجعالة.
192

وحيث انجر الكلام إلى هذا المقام، فلا بأس بالإشارة إلى ما يرفع
به الاشكال.
قال العلامة في (القواعد): " وهل يتناول العقد اللبن أو الحمل
ووضع الثدي في فيه ويتبعه اللبن كالصبغ في الصباغة وماء البئر في الدار؟
الأقرب الأول لاستحقاق الأجر به بانفراده دون الباقي بانفرادها والرخصة
سوغت تناول الأعيان " انتهى.
وقال في (المسالك): " واعلم أن حكم الاستيجار للارضاع ثابت على
خلاف الأصل لأن متعلق الإجارة الأعيان ليستوفي منها المنافع والركن
الأعظم في الرضاع اللبن، وهو عين تالفة بالارضاع فتكون المعاوضة عليه
بالإجارة خارجة عن موضوعها، ومثلها الاستيجار للصبغ والبئر للاستقاء
ومن ثم ذهب بعضهم إلى أن المنفعة المستحقة هنا التي هي متعلق الإجارة
المرضعة من حيث حملها للولد ووضعه في حجرها ووضع الثدي في فيه
ونحو ذلك من الأعمال الصادرة عنها لا نفس اللبن. ويضعف بأن المقصود
بالذات هو اللبن وهذه الأمور تابعة أو مقدمة والأجود أن المقصود مجموع
ما ذكر من المنافع مع عين اللبن وجوازه حينئذ مع أن بعض متعلقها
عين ذاهبة للنص وهو قوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن "
وفعل النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة (ع): ويمكن أن يقال: على
تقدير كون المراد المجموع أن اللبن يكون تابعا لكثرة قيمة غيره من المنافع
وقلة قيمته وإن كان اللبن مقصودا من وجه آخر، ويثبت للتابع من الحكم
المخالف مالا يثبت للمتبوع ومثله القول في الصبغ " انتهى.
قلت: كون اللبن هو الركن الأعظم لا ينافي جعل الأجرة بإزاء نفس
العمل المقصود به التوصل إلى غيره فإن العمل المستأجر عليه مرة يكون
بنفسه مقصودا، وأخرى من جهة ما يترتب عليه من الثمرات والفوائد
193

بحيث يكون العمل مقدمة لحصولها ووسيلة إلى تحققها، والأجرة على التقديرين
مجعولة بإزاء نفس العمل غير أن تسليم العمل الواجب بالإجارة إن استلزم
عقلا تلف عين للأجير كان ذلك عليه وفائتا منه وإلا فعلى المستأجر بذل
ما يتوقف عليه حصول المقصود إن كان خارجا عن العمل دون المؤجر إلا
بالشرط عليه أو بقضاء العادة، فمن استأجر كاتبا للكتابة كان عليه المداد
لقضاء العادة به وإن لم يشترط ذلك عليه، ولا كذلك القرطاس فإنه على
المستأجر إلا إذا اشترطه على الأجير.
إذا عرفت ذلك فنقول: الأجرة للمرضعة مبذولة بإزاء الارضاع
الذي هو عبارة عن ايصال لبنها من باطن الثدي إلى معدة الصبي وهو
عمل منها يصح لها أخذ الأجرة عليه وإن لم تقع منها حضانة إلا أن ايجاد
هذا العمل في الخارج الذي هو بمنزلة التسليم للوفاء مستلزم عقلا لتلف لبنها
وأين ذلك من كون اللبن بإزاء الأجرة مستقلا أو بضميمة ومثل ذلك الأجرة
لنزو الفحل الذي هو لايصال مائه إلى رحم الأنثى وكذا الأجرة لسقي
الزرع من بئر الأجير وأمثال ذلك مما استلزم الايفاء بالعمل اتلاف العين
عليه.
وأما الكاتب، فقد عرفت: أن عمله المستأجر عليه وهو الكتابة
لا يستلزم عليه تلف المداد منه إلا أن العادة جرت بكونه عليه، فأغنت
عن اشتراطه ودخل بالشرط على المستأجر، وحيث لم تجر العادة في القرطاس
كان ذلك على المستأجر إلا إذا اشترط هو على المؤجر، وفي كون الخيوط
على الخياط تردد ينشأ من التردد في قضاء العادة وعدمه. ولو اختلفت العادة
باختلاف البلدان جرى في كل بلد حكمه.
وأما الحمام فالأجرة مبذولة بإزاء الدخول والاستحمام والانتفاع به
- غسلا أو غسلا - وما يتوقفان عليه من الماء قد جرت العادة بكونه على
194

صاحب الحمام مبذولا منه مجانا لكونه مستحقا عليه بالعادة كالمستحق بالشرط
في عقد الإجارة، وهذا هو الوجه في صحة إجارته لا ما قيل كما عن (التذكرة)
وغيره: من أن بعض الأعيان قد يتناولها عقد الإجارة لمسيس الحاجة والضرورة
أو يكون مشمولا بالتبع، أو عسى أن يقال - ولو بتكلف - كون الجميع
منافع حتى استعمال الماء وإن استلزم ذلك اتلاف بعض أجزاء الماء ضرورة
كونه كاتلاف بعض أجزاء الثوب مثلا بالاستعمال ومرجعه إلى ملحوظية ماء
الحمام جملة بلحاظ وحداني، وما يستعمل ويتخلف في البدن ونحوه من
أجزائه كأجزاء الثوب التالفة باندراسه للاستعمال. وفيه: أنه لو سلم ذلك
فإنما يتم بالانغماس فيه لا بالاستعمال صبا في الغسل أو الغسل. هذا وتعيين
مدة اللبث ومقدار الماء موكول إلى ما جرت به العادة وما زاد عليه مشروط
بالرضاء المحرز غالبا بشاهد الحال.
وأما البئر فلا أرى وجها لصحة إجارتها منفردة للاستقاء، وإن صحت
إجارتها تبعا للدار، ولذا حكى عن موضع من (التذكرة) و (القواعد)
و (جامع المقاصد) بعد الاشكال أن الأولى والأقوى المنع. نعم حكى
عن (الإيضاح) وموضع آخر من (التذكرة) الجواز. ولا وجه له يستند
إليه إلا ما عسى أن يتوهم أن الأجرة في مقابل منفعة البئر من تصرف
الاستقاء وغيره وبذل الماء لاقتضاء العادة كالحمام وفيه أن منفعتها المبذول في
في مقابلها الأجرة إنما هي استعمال مائها، فهي كإجارة الشجرة لا كل
ثمرها المعلوم بطلانها، أو عسى أن يقال: كما في (أجوبة مسائل القمي)
مستشعرا ذلك من الحلي في (السرائر) أنه بإجارتها امتنع المالك عن التصرف
في مائها باختياره، فأشبه بالاعراض الموجب للخروج عن ملكه، فيدخل
في ملك المستأجر بالحيازة، فهو من التسليط الخاص المملوك باليد والحيازة
وفيه مع أن الامتناع الاختياري شرعا موقوف على صحة الإجارة ومتأخر
195

عنها في المرتبة فكيف يكون وجها لها إنا نمنع أن يكون الممنوع عن التصرف
ولو بالاختيار معرضا عنه وأن مجرد الامتناع عنه بحكم الاعراض، مضافا
إلى أنه على القول بصحة الإجارة فالماء مملوك للمستأجر بعقدها لا باليد
ومثل إجارة البئر في الاشكال إجارة المنحة وهي الشاة لشرب لبنها، وإن
قلنا بصحة عاريتها، للاجماع المنقول في كلام بعض، وهو الدليل إن تم
لا بعض النصوص الضعيفة سندا ودلالة فالعمدة هو الاجماع وهو المخرج لها
إن تم عن الأصل في العارية لأنها كالإجارة في اعتبار الانتفاع بها مع عدم
تلف العين ولذا وجب الاقتصار عليها دون غيرها من الأنعام ذوات الألبان
ولبنها دون غيره من أعيان منافعها كالصوف ونحوه ولا يتوهم صحة إجارتها
لشرب لبنها بعد صحة إعارتها لذلك بقاعدة: كلما صح عاريته صح إجارته
لأن القاعدة الكبروية - لو سلم كليتها بحيث تشمل الصحة المستفادة من دليل
خاص على خلاف الأصل في العارية - معارضة بما دل على اعتبار عدم استلزام
تلف العين في صحة الإجارة بنحو العموم من وجه وتخصيص الثانية بالأولى
ليس بأولى من العكس، بل العكس أولى لقوة ظهورها في إرادة التساوي
بينهما من حيث المنفعة والتسليط عليها مع بقاء العين غير أنه في الإجارة تمليك
لها وفي العارية إباحة: ومثلهما في الاشكال أيضا إجارة آجام السمك لاصطياد
ما فيه منه إذ لا منفعة فيه تتعلق الإجارة بها إلا صيد السمك المملوك لصاحبه
نعم لو كان مباحا وإن كان في المحل المملوك لعدم قصد الحيازة به صح
إجارته للدخول فيه للاصياد.
هذا والقول بكون ما هو المتعارف بين الناس في البئر وأمثالها من
المنحة وغيرها مما دلت السيرة على صحتها من الإباحة العوضية دون الإجارة
المعاطاتية لا يخلو من قوة إن تم قيام السيرة عليه.
هذا ومن جملة الأجوبة عن الاشكال في هذه الموارد: ما أجاب به
196

المحقق القمي في (أجوبة مسائله) بما يرجع محصله إلى أن الشرط المذكور
غير مأخوذ في مفهوم الإجارة بل إنما هو ثابت بالاجماع فليقتصر على
مورد ثبت به اعتباره فيه ويبقى كل مورد اختلف في اعتباره فيه تحت
اطلاقات أدلة الإجارة القاضية بالصحة.
وفيه: أن لاجماع المحكى على اعتباره في صحة الإجارة إنما هو منعقد
على نحو الكلية الشاملة لجميع الموارد الموجب لتقييد المطلقات بها فلا يخرج
عنها إلا بالدليل لا أنه منعقد على اعتباره في كل مورد مورد بخصوصه
حتى يكون المختلف فيه خارجا عنه فافهم واغتنم ما ذكرناه في حل الاشكال
ومنها أنه بناء على اندراج المعاطاة في أسماء المعاملات، فإن صرح
فيها بواحدة منها بالخصوص بنى عليه وإلا كان البيع أصلا في نقل الأعيان
مقدما على الصلح والهبة المعوضة والإجارة أصلا في نقل المنافع مقدمة على
الصلح والجعالة.
ومنها أنه بناء على اعتبار الألفاظ المخصوصة في صحة العقد لو أوقع
العقد بغيرها، فالأقوى حرمة التصرف لبطلان المعاملة عقدا أو معاطاة لفساد
الأول بانتفاء ما اعتبر في صحته، وفساد الثاني لانتفاء الفعل المقصود به
الانشاء والواقع من التقابض مقصود به الوفاء دون التمليك فما قصد به
التمليك غير مجد والمجدي غير مقصود به التمليك. نعم لو حصل الانشاء
الفعلي بعد العقد الفاسد بالتقابض وما بحكمه بقصد التمليك والتملك كان
ذلك من المعاطاة والعقد السابق وجوده كعدمه.
هذا تمام الكلام فيما أردنا بيانه في مسألة المعاطاة والله العالم بحقائق أحكامه
197

رسالة
في عقد الفضولي
وفيها مسألة الضمان
199

بسم الله الرحمن الرحيم
200

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين
محمد صلى الله عليه وآله خاتم النبيين وعترته الأطهار المنتجبين وخلفائه الراشدين المعصومين
صلوات الله عليهم أجمعين.
(مسألة)
لو عقد الفضولي على ما لا يملك التصرف فيه، ففي صحته وتوقف
نفوذه على الإجازة مطلقا أو بطلانه كذلك أو التفصيل بين سبق المنع من
المالك فالثاني، وعدمه فالأول، أو بين ما لو قصد وقوعه للمالك فالأول
أو لنفسه فالثاني: وجوه، بل أقوال.
ولنبدأ أولا بذكر معنى الفضولي. وهو لغة كما في المصباح والقاموس:
المشتغل بما لا يعني، قال في الأول: " وفضل من باب قتل زاد، وخذ
الفضل أي الزيادة والجمع فضول مثل فلس وفلوس وقد استعمل الجمع
استعمال المفرد فيما لا خير فيه. ولهذا نسب إليه على لفظه فقيل: فضولي
لمن يشتغل بما لا يعنيه لأنه جعل علما على نوع من الكلام فنزل منزلة المفرد
وسمى بالواحد " انتهى. ولولا تنزيل الجمع منزلة المفرد لكان القياس أن يقال
فضلي لا فضولي، واصطلاحا كما عن الشهيد هو الكامل غير المالك للتصرف
وعن بعض العامة العاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه. ومقتضى التطابق بين العرفين
كونه صفة للعاقد دون العقد، فالعقد فضول والعاقد فضولي، فتوصيف العقد به
لا يخلو من المسامحة. وبين التعريفين ظاهرا عموم مطلق لأن الثاني يعم الصغير
والمجنون دون الأول لخروجهما عنه بقيد الكمال اللهم إلا أن يرجع إليه بإرادة
المنع من جهة عدم الإذن ممن له الإذن، فيكون قيد الكمال مطويا فيتساويان
في النسبة.
201

وكيف كان فيدخل في الفضولي العقد الصادر من الباكرة الرشيدة
بدون إذن الولي ومن المالك إذا لم يملك التصرف لتعلق حق الغير بالمال
كبيع الراهن العين المرهونة والمحجور عليه لفلس ونحوه، ويخرج عنه عقد
الصغير والمجنون ونحوهما ممن لا أهلية له لذلك.
وبالجملة فالمنع عن تأثير العقد تارة - من جهة عدم أهلية العاقد لنقصان
فيه الراجع إلى عدم المقتضى له، وأخرى - إلى وجود مانع عن تأثيره ولو
من جهة ثبوت ولاية أو حق الغير عليه أو في ماله، فيكون لذلك ممنوعا عن
التصرف، فالأول خارج عن الفضولي والثاني مشمول له، والأقوى في السفيه
كونه من القسم الثاني - كما عليه المشهور - وإن احتمل كونه من الأول
لرجوع المنع فيه إلى نقصانه.
وكيف كان استدل للأول بوجوه:
منها: عمومات " أوفوا بالعقود " " وأحل الله البيع " و " تجارة
عن تراض " بناء على شمولها للفضولي بعد لحوق الإجازة، لأن مرجع
الشك فيه إلى الشك في اعتبار مباشرة المالك شرعا أو اقتران رضائه بالعقد
وكل منهما تقييد للمطلقات أو تخصيص للعمومات من غير دليل منفي بالأصل
فبحكم أصالة الاطلاق أو العموم يخرج عن حكم الأصل في المعاملات وهو
الفساد. ولعل إلى ذلك يرجع استدلال من استدل على الصحة كما في
المختلف وغيره بأنه عقد صدر من أهله في محله، ضروة أن تحقق الأهلية
بمعنى البالغ العاقل الرشيد بمجرده لا يثبت الصحة إلا بضميمة مقدمة كبروية
ثابتة بالعمومات، فيكون الدليل مركبا من صغرى وجدانية مذكورة،
وكبرى برهانية مطوية، وهي: إن كل عقد صدر من أهله في محله صحيح
شرعا بحكم العمومات المتقدمة كيف ولولاها لاتجه الرد عليه بأنه مصادرة
- كما عن الشهيد في غاية المراد - لأن تحقق الأهلية التامة بمعنى الجامعة لما
202

يعتبر شرعا هو عين الدعوى، وجعلها دليلا أو جزء دليل مصادرة محضة
ولا يخرج عنها إلا بالرجوع إلى ما ذكرنا، ومقتضاه - وإن كان إفادة اللزوم
وإن لم تلحقه الإجازة - إلا أن ذلك خارج عن العمومات بالاجماع، فيبقى
الملحوق بها مندرجا فيها، ويلزم من لزومه بالإجازة صحته قبلها بالصحة
التأهلية.
اللهم إلا أن يدعى عدم شمول العمومات للفضولي لأن المخاطب بها
إما العاقد الفضولي أو المالك لا غيرهما، ولا سبيل إلى كل منهما. أما العاقد
الفضولي فلعدم وجوب الوفاء عليه بعقده قطعا، وأما المالك فقبل إجازته
كذلك وإلا لوجبت عليه الإجازة. وأما بعدها فهو مجيز لا عاقد، مضافا
إلى امكان دعوى انصرافها إلى غير الفضولي. وعليه فيتجه الاشكال بالمصادرة
لأن المقدمة الكبروية لا دليل عليها بالفرض، والصغرى بنفسها لا تثبت المطلوب
إلا بإرادة الأهلية التامة، وهي عين المصادرة. ويمكن الجواب عنها بكون
المخاطب بها هو المالك المجيز وهو بها بحكم العاقد عرفا فيشمله الخطاب،
أو يقال بشمول الخطاب له بعد الإجازة وإن لم يتلبس بالمبدء لعدم الدليل
على اعتبار التلبس به في توجه الخطاب عليه.
وأما دعوى الانصراف فلو سلمت فهو من الانصرافات البدوية منبعث
عن ندرة الوقوع التي لا عبرة بها مع امكان منع ندرة وقوعه من الفضولي كيف
وقد قيل بشيوعه وغلبة وقوعه بل وقيام السيرة عليه كما ستعرف.
ومنها: خبر عروة البارقي الذي أغنت شهرته عن النظر في سنده،
وقد تضمن: أن النبي (ص) دفع إليه دينارا ليشتري به شاة للأضحية،
فاشترى به شاتين وباع أحديهما في الطريق بدينار ورجع إلى النبي صلى الله عليه وآله
بشاة ودينار، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: بارك الله لك في صفقة يمينك:
وتقريب الاستدلال به على صحة الفضولي بكل من فعلي عروة اشترائه
203

لشاتين بدينار الخارج عما وكل عليه: من اشتراء الواحدة به. واحتمال
توقف اشتراء الواحدة المأمور بها على ضميمة الثانية لعدم رضائه بالتبعيض
بعيد جدا وبيعه لواحدة منهما بدينار مع أنه لم يوكله على البيع أصلا، وقد
أقره النبي صلى الله عليه وآله على ذلك ودعا له بالبركة.
(ودعوى) خروج الأول عن الفضولي: إما بدعوى دخوله في الوكالة
بالفحوى أو باحتمال اشترائه لنفسه ودفع الدينار وفاء عما في الذمة كما هو
الغالب في المعاملات حتى النقدية منها.
(يدفعها) أما الأولوية فهي لو سلمت فبالنسبة إلى شراء الواحدة
بدينار لا شرائها بنصفه، والدخول في الوكالة عرفا - لو سلم - فهو في جانب
نقيصة الثمن دون الزيادة في المثمن إلا مع فرض تعذر حصول الواحدة
بالأقل وهو غير معلوم، بل ومع التعذر فغايته إحراز الرضا بشراء الشاتين
به، ولا يدخل بمجرد ذلك في عنوان الوكالة. وأما احتمال كون الشراء
لنفسه، فمع أن ظهور غلبة كون الثمن كليا في الذمة بمجرده لا يتعين كونه
في ذمته حتى يكون الشراء لنفسه بل يتبع قصده في ذلك أنه لا يحتاج
وقوعه للنبي صلى الله عليه وآله إلى قصد كونه له، لكفاية أمره به الداعي له عليه،
وإن غفل عن القصد حين الشراء مطلقا. وكونه أحدث القصد لنفسه منفي
بالأصل، ومع التنزل وفرض كون الاشتراء للنبي صلى الله عليه وآله لا على جهة الفضولي
فيكفي بيعه للشاة مع تقرير النبي دليلا على صحة الفضولي.
هذا وقد نوقش في الخبر بأنه قد تضمن وقوع التصرف قبضا
وإقباضا من الفضولي، وهو محرم لعدم جواز تصرفه قبل لحوق الإجازة،
وهو ينافي تقرير النبي صلى الله عليه وآله والدعاء له بالخير، فلا بد في دفع المناقشة من
تنزيله على علم (عروة) برضاء النبي صلى الله عليه وآله بذلك. وحينئذ فيدور الأمر بين
أمور ثلاثة: أما استثناء صورة العلم بالرضا ولحوق الإجازة عما دل على
204

عدم جواز التصرف في الفضولي قبل الإجازة، أو خروج الفرض عن
الفضولي بناء على كفاية الرضا المقارن من المالك في انعقاد المعاملة وترتب
الأثر عليها: أو صحة اقباضه المبيع لعلمه برضاء النبي صلى الله عليه وآله له وتنزيل قبضه
الثمن على كونه أمانة في يده من المشتري بعد تنزيله على علم المشتري
بالفضولي ليمكن تصحيح القبض بالأمانة وإلا فلا يجوز قبضه للثمن مع
جهل المشتري بالفضولي، وإن صح إقباضه للعلم بالرضا.
هذا ولكن قد يخدش في الوجوه المذكورة: أما خروج المعاملة المقرونة
برضاء المالك عن الفضولي فهو خلاف ظاهر اتفاقهم على كونها منه، وأما
الوجهان الآخران، فمبنيان على خروج الشراء عن الفضولي ودخول الشاتين
في ملك النبي صلى الله عليه وآله من غير توقف على إجازته حتى يصح تصرفه في اقباض
المبيع لعلمه برضاء النبي صلى الله عليه وآله وإلا فلا يجدي رضاءه قبل التملك في جواز
التصرف في المبيع باقباضه.
وبعبارة أخرى: إن قلنا بكفاية العلم بالرضاء ولحوق الإجازة في
جواز التصرف فلا ريب في اعتبار كونه مالكا حين التصرف حتى يكتفى
برضائه، وبناء على ما قويناه من وقوع الشراء فضوليا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله
قبل الإجازة مالكا للشاة المبيعة، وإن قلنا بكونها كاشفة حكما فلا محيص
عن ورود الاشكال على الخبر بناء على فضولية الشراء، اللهم إلا أن يصحح
تصرفه في اقباض المبيع بعلمه برضاء من يعتبر رضاه فيه وهو من كان
مالكا في الواقع الدائر بين كونه النبي صلى الله عليه وآله إن لم يكن الشراء فضوليا
أو البايع الأصلي إن كان فضوليا لأنه بعدم الإجازة ترجع إليه الشاة مجانا
ولو قلنا بالمنع من تصرف الفضولي قبل الإجازة مطلقا ولو مع العلم بلحوقها
تعين الحمل على الوجه الأخير من تنزيل قبض الثمن على الأمانة واقباض
المبيع على العلم برضاء من يعتبر رضاه في التصرف.
205

وكيف كان، فالرواية كافية في اثبات المطلوب، بل هي أحسن
من غيرها في الدلالة عليه لولا أنها حكاية فعل وقضية في واقعة.
ومنها: مصححة محمد بن قيس عن أبي جعفر محمد الباقر (ع) قال:
" قضى أمير المؤمنين (ع) في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب فاستولدها
الذي اشتراها فولدت منه، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر وليدتي باعها
ابني بغير إذني، فقال (ع): الحكم أن يأخذ وليدته وابنها، فناشده
الذي اشتراها، فقال له: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع
لك، فلما رآه أبوه قال أرسل ابني قال: لا والله لا أرسل ابنك حتى
ترسل ابني فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه.. ". الحديث
وتقريب الاستدلال به من وجهين قوله (ع) في معالجة فك
الولد بعد المناشدة خذ ابنه حتى ينفذ البيع لك، وقول الباقر (ع) في مقام
الحكاية ولما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه. وهي وإن اشتملت على
ما لا يمكن الالتزام به: من تأثير الإجازة المسبوقة بالرد لظهور المخاصمة فيه
في نفوذ البيع للاجماع المنعقد على بطلان الإجازة الواقعة كذلك إلا أنه يجب صرف
ما هو ظاهر في الرد عن ظاهره بالحمل على التردد دون الرد بقرينة ظهور تنفيذ البيع
وإجازته في كلاميهما عليهما السلام في الامضاء لما سبق من البيع وحملهما على
تجديد المعاملة بعيد جدا. وحيث كان التعارض بين الظاهرين لعدم امكان
العمل بهما بالاجماع من تعارض الظاهر. والأظهر تعين صرف الأول بقرينة
الثاني دون العكس، كما يتعين صرف الظاهر بقرينة النص عند التعارض
بينهما.
هذا وما يقال من وجوه استظهار الرد من الرواية زيادة على جهة
ظهور المخاصمة فيه من اطلاق حكم الإمام (ع) بأخذ الوليدة وابنها مع
وجوب تقييده باختيار الرد لو لم يكن رادا إذ لا معنى لأخذها مع الإجازة
206

ومناشدة المشتري للإمام (ع) والحاجة عليه في فك ولده وقوله (حتى
ترسل ابني) الظاهر في أنه حبسه لما يغرمه من قيمة الولد ولو يوم الولادة
فإنه مغرور به، والمغرور يرجع على من غره، وارجاع الوليدة وإمساك
ولدها لقيمته يوم الولادة وحمل امساكه الوليدة لقبض ثمنها (ينافيه) قوله (ع)
فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه، إذ المناسب لذلك إسقاط القيمة
لا إجازة البيع فيكون الظهور في الرد ولو بمعونة مجموع ما ذكر من الوجوه
أقوى من ظهور تنفيذ البيع وإجازته في الامضاء فينعكس الأمر في صرف
الظاهر، وتسقط الرواية حينئذ عن الحجية على المطلوب.
يدفعه امكان المناقشة في الجميع: أما إطلاق الحكم بأخذ الجارية
فلأنه يجتمع مع الرد والتردد لبقاء الملك ما لم تتحقق الإجازة وأما ابنها
فلاستحقاق القيمة على أبيه إلا إذا أجاز، وقلنا بأن الإجازة كاشفة فيكون
القبض في حال التردد للقيمة على تقدير اختيار الرد، وأما مناشدة المشتري
له فلتعجيل الفك حبا لولده وإلا فولده مردود عليه على كل حال وإن
رد البيع غير أنه مع الرد له القيمة على أبيه، وأما أخذ الجارية فقد عرفت
أنه له ذلك رد أو تردد بل ومع الإجازة لأجل ثمنها لأن إجازة البيع غير
إجازة قبض الثمن والفرض وقوع كل من البيع وقبض الثمن فضولا.
هذا ومع التنزل وفرض التساوي في الظهور بحيث يكون صرف أحدهما
بالخصوص عن ظاهره ترجيحا بلا مرجح، فغاية سقوطها عن الحجية -
لو استدل بها من جهة الإجازة الشخصية الواقعة في مورد الرواية بناء على
قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا في الحكم الشرعي حيث لا يمكن
التعدي إلى غير موردها للاجماع المتقدم المانع عن الاستدلال بها الموجب
للاقتصار على موردها ولو بحمل المورد على علم الإمام (ع) بكون مالك
الوليدة كاذبا في دعواه عدم الإذن للولد فاستعمل ما به يصل الحق إلى
207

صاحبه مع مراعاة ميزان الدعوى والقضاء في مرحلة الظاهر، وهو لا ينافي
الاستدلال بظهور قوله حتى ينفذ لك البيع وقوله: فلما رأى ذلك سيد
الوليدة أجاز بيع ابنه، في أن للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه.
وبالجملة فالرواية وإن كانت في قضية شخصية لا يمكن التعدي منها
إلى مثلها بالاجماع إلا أنها يستنبط منها تأثير إجازة المالك في العقد الواقع
على ملكه فضولا ولو في الجملة في غير مورد الاجماع على البطلان، وهو
الإجازة المسبوقة بالرد، فالرواية تنهض لاثبات المطلوب من صحة الفضولي
بالصحة التأهلية، وما أورد عليها من الموهنات غير ما ذكرنا من أمره (ع)
بأخذ ابن الوليدة ولو على قيمته يوم الولادة مع انعقاده حرا على الأقوى
بل ولو انعقد مملوكا يجب فكه بقيمته لوجوب الأمر بدفع القيمة أو فكه
بها أولا مع خلو الرواية عنه، وكذا أمره بحبس ابن السيد المعلوم حريته
إما لما يغرمه من قيمة ولده، أو لثمن الوليدة الذي أخذه منه أولهما معا
فإنما يجوز الرجوع عليه بعد التغريم والأخذ منه لا قبله وبعد المطالبة والامتناع
عن الغرامة مع كونه مليا يجوز حبسه لا أمره بالحبس ابتداء كلها موهونة
لا توجب السقوط عن الاستدلال بها حسب ما ذكرنا مع كونها قضية شخصية
لعلها كانت محفوفة بقرائن حالية أو مقالية سقطت من الرواية.
ثم ليعلم أولا أنه يفرق في إجازة السيد بعد تحققها بين كونها كاشفة
وبين كونها ناقلة في استحقاقه قيمة الولد على أبيه وعدمه فلا يستحق على
الكشف مطلقا ولو حكميا لكشفه عن كون الوطئ في ملكه ويستحق على
النقل وإن أجاز لخروجها عن ملكه من حين الإجازة لا قبلها، وثانيا أنه له
الرجوع في ثمن الوليدة لو أجاز بيع ابنه على كل واحد من المشتري وابنه
البايع لو كان البيع بثمن شخصي، ويتعين الرجوع على المشتري خاصة لو
كان الثمن كليا في الذمة مع إجازته البيع فقط، لعدم تعيين المقبوض ثمنا
208

إلا بعد إجازة القبض المفروض عدمه في الرواية كما يتعين الرجوع به على
ابنه مع إجازة القبض أيضا، وهو اشكال آخر في الرواية لأن ظاهرها
الاكتفاء في السقوط عن المشتري بمجرد إجازته البيع، وقد عرفت أنه
لا يستلزم إجازة القبض مع خلو الرواية عنها.
ومنها: فحوى النصوص المعتبرة والاجماعات المحكية على صحة الفضولي
في النكاح مع ما دل على تأكد الاحتياط في الفروج وأنه يكون منه الولد
المناسب لشدة الاهتمام في الاحتياط فيه، فإذا جاز ذلك فيما كان الاحتياط
فيه أشد جاز فيما كان الاحتياط فيه أضعف بطريق أولى، وقد تمسك بها
جماعة منهم الشهيد في (غاية المراد) والسيد جدنا في (الرياض) بل فيه بعد
ذكر الأولوية: " ولعمري إنها من أقوى الأدلة ولولاها لأشكل المصير إلى
هذا القول لحكاية الاجماعين الآتيين " انتهى.
ورد بكون الأولوية موهونة بما روي عن الصادق عليه السلام في
تزويج الوكيل المعزول قبل بلوغ خبر عزله إليه، ردا على العامة المفرقين
بين بيعه وتزويجه بالصحة في الأول والبطلان في الثاني، قائلا: سبحان
الله ما أجور هذا الحكم وأفسده فإن النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه
لأنه الفرج ومنه يكون الولد " الخبر، الظاهر في كون الصحة والنفوذ هو
الموافق للاحتياط دون البطلان فإذا حكموا بما يوافق الاحتياط في مورد
الأضعف، وهو البيع " يلزمهم الحكم به فيما كان الاحتياط فيه أشد وهو
النكاح بطريق أولى.
وبالجملة إذا ثبت الحكم بما يوافق الاحتياط في مورد الأضعف ثبت
ذلك في مورد الأقوى بالأولوية، كما أن رفع اليد عن الاحتياط في مورد
يكون فيه الاحتياط أقوى يستلزم رفع اليد عنه في مورد الأضعف
بالأولوية، ولا يلزم من العمل بالاحتياط فيما كان الاحتياط فيه أقوى العمل به فيما
209

كان الاحتياط فيه أضعف، فالحكم منهم بالصحة الموافقة للاحتياط في البيع
يلزمهم الحكم بها في النكاح بطريق أولى ولا يلزم من الصحة في النكاح الصحة في البيع.
نعم يبقى السؤال عن وجه الحكم بكون الصحة أوفق بالاحتياط من
البطلان. ولعل الوجه أنه لو بني على البطلان وتزوجت بغيره وفرضت
الصحة في الواقع كان نكاح الثاني لها زنا بذات البعل ولو بنى على الصحة
وفرض البطلان في الواقع كان من الزنا بالخالية عن المانع، ومتى دار
الأمر بين المحذورين كان الاحتياط في التجنب عن الأشد منهما وهو الحكم
بالصحة.
ويجري مثل ذلك في نكاح الفضولي حرفا بحرف، لوحدة المناط،
وإن كان مورد النص هو تزويج الوكيل المعزول دون الفضولي فظهر أن
الصحة في النكاح ولو كان فضوليا لا تستلزم الصحة في البيع لأن الاحتياط
في البيع أضعف منه في النكاح.
وفيه - مع أن أولوية الصحة من البطلان في تزويج الوكيل المعزول
موهونة بمثلها عكسا في طلاقه حرفا بحرف - أنه ليس الاحتياط في ذلك بل
الاحتياط في الفروج حينئذ: إما بالطلاق أو بتجديد العقد أو الإجازة، لأنه
يكون فضوليا على تقدير العزل في الواقع وصحته ثابتة في النكاح بالنص
والاجماع ويمكن أن يكون ذلك من الإمام عليه السلام في مقام الرد عليهم جريا
على مذاقهم.
نعم يمكن المناقشة في الأولوية التي استدلوا بها بوجه آخر، وهو أن
تأثير الأسباب في ايجاد مسبباتها دائر مدار تحققها في الواقع بحسب ما تقتضيه
ذواتها في السببية من غير مدخلية ما وراء ذاته فيه، فلا اعتبار في سببية
السبب بكثرة الأجزاء أو الشرائط وقلتها وكون النكاح مبنيا على الاحتياط
في معرفة سببه وما به يتحقق السبب لا اعتبار الكثرة في أجزائه وشرائطه.
210

وبعبارة أخرى: معنى الاحتياط المؤكد فيه أن لا يعتمد في الطرق
الموصولة إلى معرفة السبب أو تحققه على ما يعتمد عليه في غيره من الظنون
أو الأصول، فمورد الاحتياط إنما هو في الشبهات الحكمية أو الموضوعية كما
لو شك في شرطية شئ أو جزئيته في عقده أو شك في كونها المعقودة
أو غيرها، لا في كثرة الأجزاء وشرائط السبب وقلتها، فالضيق والتوسعة
في الأسباب لا مدخلية لهما في الاحتياط وعدمه فالتوسعة والتخفيف في سبب
النكاح لا ينافي الاحتياط المؤكد فيه، بل لعل المناسب لحفظ الفروج من
الزنا التوسعة في أسباب حليتها حذرا من الوقوع فيه ولعله الحكمة في تحليل
المتعة وملك اليمين وتحليل الأمة وحكمة حياء المرأة المسوغ لتقديم القبول
على الايجاب في عقده، فليس التخفيف الثابت في النكاح من حيث صحة
الفضولي فيه بالنص والاجماع رفعا لليد عن الاحتياط فيه حتى يستلزم
رفع اليد عنه في غيره بالأولوية ولذا لم يتمسك بها جل الفقهاء مع وضوحها
لو كانت متحققة فافهم.
ومنها: ما ورد بطرق معتبرة في تزويج العبد نفسه بغير إذن سيده من
ارجاع الأمر إلى مشيئة السيد بين التفريق والإجازة، معللا فيه بأنه لم يعص
الله وإنما عصى سيده فإن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز. وهو صريح في الصحة
على تقدير الإجازة، ولا يقدح في الاستدلال به مطلقا اختصاص مورده بالنكاح
المعلوم صحة الفضولي فيه بالاجماع والنصوص المستفيضة والتمسك في التعدي منه
إلى غيره بالأولوية - مع كونها ممنوعة كما عرفت - قد تقدم الاستدلال بها أيضا
لأن الاستدلال به من جهة عموم العلة المنصوصة فيه المستفادة من مقابلة عصيان الله
بعصيان سيده بتقريب: أنه لم يعص الله حتى لا يرجى زوال المعصية بلحوق
رضاه لأن حرام الله حرام إلى آخره، بل عصى سيده المحتمل في حقه
تعقب الرضا له، فيكون حاصل الفرق: إمكان لحوق الرضا وعدمه،
211

فيصح في الأول بشرط اللحوق لزوال المانع حينئذ ويبطل في الثاني لدوامه
وامتناع رفعه، ومقتضاه الصحة حيث ما كان المانع مرجو الزوال - نكاحا
كان أو غيره عبدا كان العاقد أو غيره لنفسه كان عقد العبد أو لغيره -
غير أنه في الأخير يحتمل التوقف على إجازة مولاه أيضا لأن العبد بجميع
جوارحه مملوك لمولاه يتوقف التصرف فيه ولو من نفسه على إذنه
أو إجازته بعد حمل ما ورد من سلب قدرته على شئ وأنه كل على مولاه
في قوله تعالى: " ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ وهو كل
على مولاه " على إرادة سلب الاستقلالية عنه وأنه بنفسه لا يقدر على شئ
حقيقة وإن كان مقدورا له بواسطة إذن مولاه على سلب القدرة عنه
بالكلية بمعنى عدم القابلية له على شئ كالصغير والمجنون لأن عدم القدرة
أعم من عدم القابلية، كيف وهذه الروايات مع ما دل على صحة تجارة
العبد المأذون دليل على ثبوت القابلية له وأنه ليس مسلوب العبارة، فتكون
قرينة على إرادة ما ذكرناه من الآية، ويحتمل قويا عدم توقف نفوذه على
إجازة مولاه بل يتوقف على إجازة من وقع الفضولي عنه فقط مطلقا وإن
منع عنه المولى لعدم معلومية مملوكية العبد لمولاه بهذا القدر الذي يتوقف
انشاؤه وتكلماته حتى في المباحات التي لا تزاحم حقوق مولاه على إذنه واحرازه
ولو بشاهد الحال، ولو سلم فغايته الإثم بمعصيته وهو لا يدل على الفساد
في المعاملة وبطلانه في الرواية برد السيد بسبب معصيته إنما هو من جهة
مزاحمته فيما يترتب على نفوذ عقده من الآثار المترتبة عليه، والتعبير بالمعصية
ربما يكون لذلك ولو مسامحة، وإلا فكون العقد بنفسه معصية أول الكلام
والمناقشة بالتفكيك بين المعصيتين فيه مع أنه يلزم من معصية السيد
معصية الله أيضا فهو عاص لله بمعصية السيد.
مدفوعة باختلاف الحيثية من جهة الأولية والثانوية، فإنه لم يعص
212

الله أولا وبالذات وإن عصاه بمعصية السيد ثانيا وبالعرض، ضرورة أن
النكاح من حيث هو ولو للعبد مأمور به شرعا وإن كان فيه مشروطا
بإذن السيد.
ومنها: ما ورد في عامل مال المضاربة لو خالف ما شرط عليه من تعيين
سلعة مخصوصة فاشترى غيرها: أنه يضمن المال والربح بينهما على الشرط
وهو لا يتم إلا على صحة الفضولي وإن الإجازة كالإذن السابق لتصح المضاربة
ويكون الربح على الشرط وإلا فالربح كله للمالك، وإن قلنا بكونه فضوليا
يصح بلحوق الإجازة، لكن غير بعيد بل يحتمل قويا دعوى إن ذلك ليس
من الفضولي حتى يصلح أن يكون دليلا على صحته، لأن الغرض الأصلي
من المضاربة إنما هو الاسترباح بتقلب المال ولم يتعلق غرض بخصوص الأعيان
إلا من جهة التحفظ عن الخسران وسلامة رأس المال عن النقصان، ولعل
الشرط لذلك لأنه بمخالفته يدخل المال في عهدة العامل وضمانه فيحصل
المقصود وهو السلامة عن الخسران، وإلا فاطلاقات النصوص الواردة في
المقام تقضي بصحة المضاربة والربح على الشرط من غير توقف على الإجازة
وليس إلا لتحقق الإذن الكلي بما يوجب الربح فهي موافقة للقواعد جارية
على مجراها، وعليه فلا أثم على العامل بالتصرف فيه كما يشعر به خلو
النصوص عن التعرض له مع كونه مقام بيانه أيضا وهو مؤيد لما ذكرناه.
نعم لو قلنا بمخالفة النصوص القواعد وجب الاقتصار على موردها
والتعدي منه إلى غيره، وإن أمكن بالحمل على الفضولي، إلا أنه يجب تقييدها
بالإجازة والرضاء بها مضاربة أو تنزيلها على الغالب من تحقق الإجازة بظهور
الربح، وبالجملة فالنصوص إما محمولة على ما ذكرناه أو على الفضولي مع
التقييد بالإجازة - كما عن بعض - أو على التعبد بظاهرها المخالف للقواعد
مع الاقتصار على مورها، وتفصيل الكلام فيه موكول إلى محله. فهي لا تصلح
213

لأن تكون دليلا في المقام إلا على الاحتمال الثاني.
ومنها: ما ورد في استرباح الودعي الجاحد للوديعة من ردها بربحها
للمالك المودع، فعن مسمع ابن أبي سيار قال: " قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: إني كنت استودعت رجلا مالا فجحد فيه وحلف لي عليه ثم
جاء بعد ذلك بسنين بالمال الذي كنت استودعته إياه، فقال: هذا مالك
فخذه وهو أربعة آلاف درهم ربحتها في مالك، فهي لك مع مالك واجعلني
في حل، وأخذت المال منه وأبيت أن آخذ الربح، وأوقفت المال الذي
كنت استودعته وأتيت حتى أستطلع رأيك فما ترى؟ قال فقال عليه السلام
خذ الربح واعطه النصف وأحله، إن هذا الرجل تائب، والله يحب التوابين. " الخبر
وأخذ الربح الظاهر في الاستحقاق مبنى على صحة الفضولي وإلا فلا
شئ له من الربح، وهو منزل على الغالب من لحوق الإجازة ليستحق
الربح، ومن وقوع المعاملة بالمعاطاة لا بالعقود حتى يقال بغلبة الأثمان فيها
كليا في الذمة فغلبة العقود في كون الثمن كليا في الذمة لا شخصيا معينا
لا تنافي غلبة وقوع المعاملات بالمعاطاة التي يكون الثمن فيها مشخصا خارجا
وإعطاء النصف له للنصف لا بالاستحقاق رعاية لاحترام عمله بعد التوبة
وإن كان مهدورا من أصله لأن الله يحب التوابين.
ومنها: ما ورد مستفيضا - وفيه الصحيح والمعتبر - فيمن اتجر بمال
الطفل لنفسه بغير إذن وليه: أنه يضمن المال والربح للطفل أو اليتيم.
والتقريب فيه: ما تقدم حرفا بحرف وكون الربح له مطلقا وإن لم
تلحقه الإجازة نظرا إلى اطلاقها، يدفعه ورود الاطلاق مورد الغالب
- كما عرفت من لحوق الإجازة من الولي - أو منه بعد البلوغ بظهور الربح
فلا يفيد تخصيصا لما دل على اعتبار الإجازة في صحة الفضولي وكذا لا حاجة
إلى ما قيل من تحقق الإجازة الإلهية في أمثال المقام.
214

ومنها: مصححة الحلبي عن الرجل يشتري ثوبا ولم يشترط على صاحبه
شيئا فكرهه ثم رد على صاحبه فأبى أن يقبله إلا بوضيعة؟ قال: لا يصلح له أن يأخذ
بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يرد على صاحبه الأول ما زاد:
والتقريب فيه ما تقدم من التنزيل على الغالب بإجازة البيع الواقع بالزيادة
على الثمن المطلوب له برده بل هو مطلوب له بالأولوية.
ومنها: ما روي من بيع عقيل دور النبي صلى الله عليه وآله بمكة ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وآله
فأجازه.
ومنها: رواية ابن أشيم عن أبي جعفر عليه السلام " عن عبد لقوم
مأذون له في التجارة: دفع إليه رجل ألف درهم، فقال: اشتر بها
نسمة وأعتقها وحج عني بالباقي، ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى
أباه فأعتقه عن الميت ودفع إليه الباقي للحج عن الميت، فحج عنه وبلغ
ذلك موالي أبيه ومواليه وورثة الميت جميعا، فاختصموا جميعا في الألف،
فقال موالي العبد المعتق: إنما اشتريت أباك بمالنا، وقال الورثة: إنما اشتريت
أباك بمالنا وقال موالي العبد: أنما اشتريت أباك بمالنا فقال: أبو جعفر عليه
السلام: أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد، وأما المعتق فهو رد في الرق لموالي أبيه
وأي الفريقين بعد أقاموا البينة على أنه اشترى أباه من أموالهم كان له رقا ". الحديث
وتقريب الفضولية فيه وتصويرها بالنسبة إلى ورثة الدافع مبنى على
كون الدفع منه بعنوان الوكالة ووقوع الاشتراء بعد موته الموجب لبطلانها
وانتقال المال إلى الوارث، فيكون التصرف فيه على تقديره فضوليا وبالنسبة
إلى مولى المأذون باختصاص الإذن منه بالتجارة التي ليس الواقع منها بناء
على ظهور الإذن في التجارة بما فيها الاسترباح فيكون الشراء بماله على
تقديره تصرفا فيه بغير إذنه وإلا بأن كان الإذن بمطلق التكسب
الشامل للاسترباح وغيره، كان الفضولي مختصا بورثة الدافع وعلى كل حال
215

فهو ظاهر في الصحة بناء على أنه لولا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك
المبيع بعد المطالبة المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرد دعوى الشراء بالمال
ولا إقامة البينة عليها كافية في تملك المبيع (وحمل) الدفع على الوصية - كما
احتمله في الجواهر - مع أنه يأباه صريح ذيل الخبر من قوله: وأي الفريقين
إلى قوله: كان له رقا، لأن دعوى الورثة على تقديره دعوى للحرية دون
الرقية (يدفعه) أنه لا تتوجه الدعوى حينئذ منهم بذلك لعدم المدخلية لهم فيه
حينئذ وكيف كان فإن أقام واحد منهما بينة حكم له بها وإن أقامها كل
واحد منهما بنى على تقديم بينة الداخل أو الخارج بناء على أن يد العبد وإن
كان مأذونا يد مولاه.
وبالجملة فالرواية - وإن أمكن الاستدلال بها على صحة الفضولي بناء
على ما قررناه فضلا عن التأييد بها إلا أنها لضعف سندها بجهالة الراوي
أو غلوه وإن سبق عليه بعض أصحاب الاجماع - كما قيل - ومخالفتها
للقواعد من جهة اشتمالها على صحة تصرف المأذون بالتجارة في غير ما أذن
له أولا، وصحة استيجار أبيه للحج مع ظهور الأمر في أن يحج عنه بنفسه
ثانيا، وصحة الحج مع كونه رقا بغير إذن سيده ثالثا، وتقديم قول مولى
الأب المدعى لفساد البيع على المدعيين للصحة من مولى المأذون وورثة الدافع
رابعا، وإن تخلص عنه في القواعد بحمل كلام موالي الأب على انكار البيع
من أصله وأنه المعني بقولهم إنما اشتريت أباك بمالنا، وهو كما ترى من
التكلف المخالف لصريح الخبر، وعدم تقديم قول ذي اليد وهو مولى المأذون
وتقديم قول مولى الأب على قوله مع كونه خارجا خامسا، وعود العبد
رقا إلى مولاه مع اعترافه بالبيع وإن ادعى فساده. سادسا
يجب طرحها وإن كانت مشهورة، رواية لا فتوى، وإن حكى
العمل بها عن الشيخ في (النهاية) والقاضي وحينئذ فالذي تقتضيه أصول
216

المذهب وقواعده - بعد طرح الخبر -: هو أن يقال إن المأذون: إن كان
مأذونا بالتجارة وغيرها لمولاه ولغيره نفذ إقراره في عمله فيصح عتقه وحجه
عن الدافع إن وقع ذلك منه في حياته، وإن وقع بعد موته كان المعتق
رقا لورثة الدافع لثبوت كون الاشتراء بمالهم باقراره بعد بطلان الوكالة
بموت الدافع وانتقال المال إلى ورثته لكون يد المأذون حينئذ مشتركة بين
مولاه وغيره ممن له مال عنده أو عمل كلفه به وأنه كالحر في الأمانة. وما
قيل من عدم قبول قول المأذون لغير مولاه، إنما هو فيما كان الإذن مختصا
بالتجارة لنفسه، وإن كان الإذن له مقصورا على التجارة لنفسه أو مشكوكا
تعميمه قدم قول مولى المأذون لكونه ذا يد على عبده وما في يده حتى يعلم
انتفاؤه عنه ويرد المعتق رقا لمولاه المأذون حتى تقوم بينة على خلافه، فإن
أقامها كل من ورثة الدافع ومن موالي الأب قدمت بينة الورثة لترجيحها
بدعوى الصحة ويحتمل تقديم بينة مولى الأب لكونها كالخارجة بالنسبة إلى
بينة الورثة لأنها بينة أقيمت على خلاف الأصل والظاهر وهو الفساد، ومع انضمام بينة مولى المأذون إلى البينتين بنى تقديمها على تقديم بينة الداخل على
الخارج وعدمه، وعلى الثاني، ففي تقديم إحدى البينتين الخارجتين على الأخرى
ما تقدم من الاحتمالين.
ومما ذكرناه ظهر ضعف ما قواه في (الدروس) حيث قال: " وقد يقال
بأن المأذون بيده مال المولى الأب وغيره وبتصادم الدعاوى المتكافئة يرجع
إلى أصالة بقاء الملك على مالكه ولا يعارضه فتواهم بتقديم دعوى الصحة
على الفساد لأن دعوى الصحة مشتركة بين متقابلين متكافئين تساقطا، وهذا
واضح لا غبار عليه.. " انتهى.
لما عرفت من الترجيح ومنع التكافؤ على كل من تقديري عموم الإذن
وخصوصه: ومع فرض تسليم التكافؤ فقد يمنع التساقط بالكلية لتوافقهما على
217

الصحة ونفى الثالث. هذا وتمام الكلام فيه موكول إلى محله.
ومنها: ما ربما أيد به القول بالصحة موثقة عبد الله عن أبي عبد الله
عليه السلام: " عن السمسار يشتري بالأجر فيدفع إليه الورق فيشترط عليه
أنك تأتي بما تشتري فما شئت أخذته وما شئت تركته، فذهب ليشتري
المتاع فيقول: خذ ما رضيت ودع ما كرهت؟ قال لا بأس.. " الخبر بناء
على قيام احتمالات متكافئة في اشتراء السمسار يكون على أحدها فضوليا
عن صاحب الورق مع نفي البأس عنه في الجواب القاضي بحكم ترك الاستفصال
مع اجمال السؤال بعموم الحكم بالصحة بجميع محتملاته لأن اشتراء السمسار
يحتمل أن يكون لنفسه بماله أو في ذمته ويكون المدفوع له قرضا عليه
يستوفي منه صاحب الورق بما يشتري من المتاع. ولا ينافي هذا الاحتمال
فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالأجر، لأن توصيفه به بملاحظة
صناعته وحرفته لا بملاحظته هذه القضية الشخصية. ويحتمل أن يكون
وقوعه منه بنحو الوكالة عن صاحب الورق على أن يكون الاشتراء له مشروطا
له الخيار على بايع المتاع بتوسط السمسار ما شاء أخذه وما كرهه رده وعليه
وإن كان الأنسب بل المناسب التعبير عن الرد بالفسخ إلا أنه يعبر به كناية
عنه أيضا.
ويحتمل أن يكون الاشتراء من السمسار وقع بعين الورق لا بإذن
صاحبه حتى يخرج به عن الفضولي ويكون دفع المال منه إليه بنحو الأمانة
وحصول الاطمينان له بوصول ثمن ما يشتريه منه ويكون فائدة الشرط عليه
من أخذ ما يريده ورد ما يكرهه عدم مطالبة الأجر منه على عمله أو حذرا
من إبائه وامتناعه عن ذلك، فترك الاستفصال مع الاجمال بقيام الاحتمال
في السؤال يقضي بعموم الحكم في جميع المحتملات التي منها احتمال
الفضولي عنه.
218

وفيه: أن احتمال الفضولي - مع كونه بعيدا في نفسه موهون بغلبة تسليم
الثمن الشخصي الواقع عليه العقد فضلا عن غلبة وقوع المعاملة بالمعاطاة
المستلزمة لذلك. وتسليم الورق قبل إجازة صاحبه محرم - ينافيه وجوب حمل
فعل المسلم على الصحيح واحتمال الإذن يدفعه ثمنا ودعوى عدم منافاته
للفضولي من الأغلاط الفاحشة.
نعم هنا احتمال رابع يكافأ الاحتمالين الأولين، وهو وقوع الاشتراء
بالمساومة واطلاقه عليه اطلاق شايع أو مجاز بالمشارفة ويكون دفع الورق
لطمأنينة السمسار وهو كثير الوقوع سيما مع الدلال والسمسار، وهو عندي
أظهر الاحتمالات، ويتلوه في الظهور الاحتمال الأول، وأضعفها بل لا يلتفت
إليه الاحتمال الثالث، فلا تصلح الموثقة للاستيناس بها على الصحة فضلا
عن التأييد بها.
ومنها: ما ورد من صحة الاشتراء مما فيه الخمس ممن لا يخمس من غيرنا
مع كونه من المعاملة على مال الإمام (ع) من غيره وهو فضولي صح بإجازة
الإمام (ع) بحكم أخبار الإباحة والتحليل:
ومنها: ما ورد من الأمر بالتصدق بالمظالم ومجهول المالك مع تخيير
المالك بين الرد فيأخذ العين أو بدلها مع التلف ويكون الأجر للمتصدق وبين
الإجازة فيكون له الثواب.
والجواب عنه وعما قبله بخروجهما عن الفضولي للإذن منهم بذلك
لشيعتهم المستفاد من أخبار الإباحة والتحليل في الأول، وللأمر بالتصدق
شرعا عن المالك لأنه من أقرب طرق الايصال إليه عند تعذر الحقيقة في
الثاني، وإن قلنا بتخيير المالك بعد ظهوره بين الرد، فيرجع ببدل التالف
من المثل أو القيمة وبين الامضاء فله الفوز بالثواب.
وهذه الأدلة المذكورة للقول بالصحة، وإن أمكن المناقشة في أغلبها
219

إلا أنه لتراكم بعضها مع بعض ربما يشرف الفقيه على القطع بإفادتها الصحة
فضلا عن الظن الاطميناني بها.
واحتج للقول بالبطلان بعد الأصل بالأدلة الأربعة.
أما الكتاب فقوله تعالى: " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن
تكون تجارة عن تراض منكم " بناء على استفادة حصر الحل في المستثنى
من الاستثناء أو من مفهوم القيد، والفضولي خارج عنه داخل في المستثنى
منه لأنه عقد على مال الغير بغير رضاه، فيكون من التجارة لا عن تراض
أو من غير التجارة عن تراض.
وفيه منع إفادة الحصر في المستثنى مع ظهور كون الاستثناء منقطعا
لأن التجارة عن تراض ليس من أفراد الأكل بالباطل حتى يكون داخلا
فيه موضوعا خارجا عنه حكما وحينئذ فيكون ذكر المستثنى منه توطئة لبيان
سببية المستثنى للحل لا حصر سببية الحل في المستثنى، فهو من قبيل اثبات
حكم لموضوع ونقيضة لموضوع آخر، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا في
المعاطاة فراجع.
وأما استفادته من مفهوم القيد، فقد أجيب عنه مرة بانكار كونه
قيدا بل هو خبر بعد خبر على قراءة النصب، وأخرى بمنع تحقق المفهوم
له لوروده مورد الغالب كما في قوله تعالى: " وربائبكم اللاتي في حجوركم "
وفيه: أما الأول فيدفعه ما هو مسلم عندهم: من أن الجمل والظروف بعد
النكرات أوصاف وبعد المعارف أحوال. وأما الثاني - فيدفعه - مضافا إلى
كون الأصل في القيد أن يكون احترازيا أن القيد إنما ينزل على الغالب
حيث يكون حكم المقيد به والمجرد عنه واحدا، ومن المعلوم أن التجارة
المجردة عن التراضي بالمرة الذي هو من أفراد الموضوع المفهوم غير صحيح
وهو من الأكل بالباطل، فيكون خروج الفرد من المفهوم المعلوم خروجه
220

عن حكم المقيد قرينة مؤكدة لأصالة الاحتراز في القيد.
فالأحسن في الجواب أن يقال (1) إن التجارة التي هي بمعنى التكسب
هنا كناية عن السبب الناقل، وهو في الفضولي مركب من العقد والإجازة،
بناء على النقل أو منه معقبا بلحوقها أو مراعى به بناء على الكشف كما
سيأتي وبلحوق الإجازة يصدق عليه أنه تجارة عن تراض، وقبلها لا تجارة،
221

لا أله تجارة لا عن تراض.
وأما السنة، فاخبار: منها - النبوي المروي مستفيضا " لا تبع ما ليس
عندك " بناء على إرادة السلطنة من الظرف المضاف، فيكون النهي عن
بيع ما هو خارج عنها الذي منه الفضولي ولا ينقض ببيع الولي والمأذون
لتحقق السلطنة لهما عليه.
وفيه - مع كونه مرميا بضعف السند لكونه عاميا ومعارضا بما هو
أقوى منه سندا ودلالة من النصوص المعتبرة المستفيضة المجوزة لبيع ما ليس
عنده المعربة عن كون المنع عنه مذهب العامة، ففي الصحيح: عمن باع
ما ليس عنده؟ قال: لا بأس، قلت: إن من عندنا يفسده قال ولم قلت:
باع ما ليس عنده، قال ما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده (*) الخبر
(محمول) على بيع ما يتعذر عليه تسليمه أو يتعسر ارشادا إلى دفع
كلفة التسليم، وليس منه الفضولي مع إجازة المالك أو ينزل على البيع عن
نفسه قبل أن يملك، ثم يمضي ليشتريه من مالكه كما عن (التذكرة) مستدلا
عليه بقوله، لأنه صلى الله عليه وآله ذكره جوابا لحكيم بن حزام حيث سأله عن أن
يبيع الشئ فيمضي ويشتريه ويسلمه فإن هذا البيع غير جائز ولا نعلم فيه
وبه يظهر ما في كلام شيخنا المرتضى في (مكاسبه) في الجواب عن النبوي
قائلا: إن الظاهر من الموصول هي العين الشخصية للاجماع والنص على جواز
بيع الكلي لأنه منه كالاجتهاد في مقابل النص.
(منه دام ظله) (*)
222

خلافا للنهي المذكور وللغرر لأن صاحبها قد لا يبيعها " انتهى. ولعله يأتي منا
مزيد بيان للمنع عن مثل هذا البيع.
ومنها: النبوي الآخر: " لا بيع إلا فيما يملك " بعد قوله صلى الله عليه وآله " لاطلاق
إلا فيما يملك ولا عتق إلا فيما يملك " الظاهر بقرينة السياق في إرادة الأعم
من ملك العين وملك التصرف والعاقد الفضولي ليس بمالك لا للعين ولا
للتصرف.
وفيه - مع قوة احتمال (1) إرادة نفي البيع عما لا يملك بالبناء للمجهول
أو للمعلوم بإرادة نفي المملوكية دون الملك كالحر ونحوه، أو احتمال نفي
البيع قبل أن يملك ثم ملك كالخبر السابق، أو منزل على إرادة البيع الموجب
لترتب الآثار عليه - لا تكافئ ما تقدم: من أدلة الصحة من وجوه عديدة.
ومع الغض عما ذكرنا في الخبرين، إن هما إلا كالعام المخصص بما
تقدم من أدلة الصحة لأنها بالنسبة إليها كالخاص بالنسبة إلى العام.
ومنها: صحيحة محمد بن الحسن الصفار: " إنه كتب إلى أبي محمد
العسكري (ع) في رجل باع له قطاع أرضين وعرف حدود القرية الأربعة،
وإنما له في هذه القرية قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك وإنما له
بعض هذه القرية وقد أقر له بكلها؟ فوقع (ع) لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب
الشراء من البايع على ما يملك " الخبر بناء على إرادة الفساد من عدم الجواز
223

الظاهر في التحريم وإرادة الوجوب الشرطي بمعنى الصحة من قوله: وجب
الشراء من المالك على ما يملك.
وفيه - مع أنها مكاتبة ويحتمل قريبا إرادة النفوذ من الجواز المنفى كما
فهمه الأصحاب وبنوا عليه فيمن باع ما يملك وما لا يملك صفقة بالنفوذ في
الأول وتوقفه في الثاني على إجازة المالك، واطلاقه عليه شائع في كلامهم
ومنه قولهم: اقرار العقلاء على أنفسهم جائز أي نافذ - أنها محمولة على
إرادة الصلاحية التي توجب النقل والانتقال وترتب الآثار على ذلك.
ومنها: صحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل قال: " سألت أبا الحسن الأول
عليه السلام عن رجل اشترى من امرأته من آل فلان بعض قطائعهم،
وكتب عليها كتابا بأنها قد قبضت المال ولم تقبضه، فيعطيها المال أم
يمنعها؟ قال: قل له ليمنعها أشد المنع، فإنها باعت ما لا تملكه " الخبر
ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) في حديث قال
فيه: " سأله رجل من أهل النيل عن أرض شراها بفم النيل، وهل
الأرض يقولون: هي أرضهم وأهل الأسنان يقولون: هي أرضنا؟ قال
لا نشترها إلا برضاء أهلها " الخبر.
ومنها: موثقة سماعة قال: " سألته عن شراء الخيانة والسرقة؟ قال
إذا عرفت أنه كذلك فلا " الخبر.
ومنها: ما رواه في الاحتجاج مما خرج من الناحية المقدسة في توقيعات
محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري في السؤال عن ضيعة السلطان فيها
حصة مغصوبة، فهل يجوز شراؤها من السلطان أم لا؟ فأجاب (ع):
" الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو برضا منه " الخبر
ومنها: ما عن (الفقيه) باسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن
زيد عن الصادق (ع) عن آبائه (ع) عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث
224

المناهي قال: " ومن اشترى خيانة فهو كالذي خانها " الخبر.
ومنها ما رواه الشيخ عن أبي بصير قال: " سألت أحدهما (ع) عن
شراء الخيانة والسرقة؟ قال لا " الخبر
ومنها - ما رواه عن جراح عن أبي عبد الله (ع) قال: " لا يصلح
شراء الخيانة والسرقة إذا عرفت " الخبر
ومنها - ما عن قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر (ع) عن أخيه
موسى (ع) قال: " سألته عن رجل سرق جارية ثم باعها يحل فرجها
لمن اشتراها؟ قال: إذا أنبأهم أنها سرقة فلا تحل وإن لم يعلم فلا بأس ".
والجواب عن هذه الطائفة من الأخبار التي أوردها في (الحدائق)
مستدلا بها على مختاره من بطلان الفضولي حتى كأنه عثر على ما لم يعثر عليه من
قبله متبجحا بها عليهم: أنها ظاهرة بقرينة السياق في إرادة التملك من
الابتياع المذكور ولزومه وترتب الآثار عليه على حد الابتياع من المالك
لمن نظر إليها بعين الانصاف وجانب طريق الاعتساف، مضافا إلى أن
صحيحة ابن فضيل إنما تضمنت السؤال والجواب عن اعطاء المال للفضولي
وهو ممنوع عنه حتى على القول بالصحة أيضا: وإلى أن صحيحة محمد بن
مسلم مفروض فيها التنازع بين أهلها الظاهر في الرد وعدم الإجازة ممن لم
يقع الاشتراء منه (ودعوى) ظهور حصر الجواز في المستثنى في الجواب
على سبق الإذن دون لحوقه (مردودة) على مدعيها، وأين ذلك من
من محل النزاع في قابلية عقد الفضولي وتأثيره بلحوق الإجازة وعدمها.
وأما الاجماع فهو محكى عن الشيخ في (الخلاف) وابن زهرة في
(الغنية) مؤيدا بدعوى الحلي في مضاربة (السرائر) عدم الخلاف في
بطلان شراء الغاصب بعين المغصوب
وفيه - مع أنه موهون بمصير المعظم، بل المشهور على الخلاف، بل
225

الشيخ هو أفتى بالصحة في (نهايته) الذي قيل: إنها آخر كتبه ولعل
فتواه بها فيها تعطى كون الاجماع منه منقولا لا محصلا له، بل لم تنسب الفتوى
بالبطلان إلى غير مدعيه، والحلي من القدماء، بل المحكي عنهم القول بالصحة
بل عن ظاهر (التذكرة) دعوى الاجماع عليه - أنه لا يكافئ ما تقدم من
أدلة الصحة، وإن ذهب إليه بعض متأخري المتأخرين على ما حكى عنهم
كالفخر والسيد الداماد والمقدس الأردبيلي والحر في (وسائله) والبحراني
في (حدائقه) وقواه جدنا في (مصابيحه).
وأما العقل فتقريره على ما قيل بتوضيح منا - هو: إن الفضولي متصرف
في مال الغير بالعقد عليه بغير إذنه، والتصرف في مال الغير كذلك قبيح
عقلا ونقلا، ففي التوقيع المروي عن الاحتجاج " لا يجوز لأحد أن يتصرف
في مال غيره إلا بإذنه ".
بيان ذلك: إن العقد حسب ما عرفت معناه الربط بين العوضين بالتبديل
بينهما غير أنه إن كان من غير المالك ومن بحكمه كان ذلك الربط ناقصا "
وضعيفا " يتم ويقوى بإجازة المالك وإن كان منه كان قويا " تاما " بحيث يترتب
عليه أثره من النقل والانتقال، وهذا الأمر الحادث في مال الغير تصرف
فيه في الواقع لا بالتسامح العرفي وهو محرم منهي عنه، والنهي يقتضي
الفساد فالقول بالصحة الموجبة لما يقتضي الفساد يستلزم القول بعدمها، فهو
من قبيل ما يلزم من وجوده عدمه وما كان كذلك كان باطلا بالضرورة.
وبهذا التقرير يتضح لك بطلان قياسه بالاستضائة والاصطلاء بنور الغير وناره
لأن المقيس عليه من الانتفاع بمال الغير المجرد عن التصرف فيه بخلاف
المقيس الذي هو من التصرف فيه حقيقة - كما عرفت - ولا ملازمة بينهما
وأن إحراز الإذن بهذا النحو من التصرف من الحال أو المقال لا يخرجه
عن الفضولي بالاتفاق وأنه محرم وإن لم يقصد ترتب الأثر عليه لكونه بنفسه
226

تصرفا " ولا يعترف به القائل بالصحة.
ومنه يظهر لك مواقع التأمل - بل النظر - في كلام شيخنا في (المكاسب)
حيث قال - في الجواب عنه ما لفظه - " والجواب إن العقد على مال الغير
متوقعا " لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليه ليس تصرفا فيه - إلى أن
قال ثم لو فرض كونه تصرفا فمما استقل العقل بجوازه مثل الاستضائة
والاصطلاء بنور الغير وناره مع أنه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في
هذا من المقال أو الحال بناء على أن ذلك لا يخرجه عن الفضولي، مع أن
تحريمه لا يدل على الفساد، مع أنه لو دل لدل على بطلان البيع بمعنى عدم
ترتب الأثر عليه وعدم استقلاله في ذلك ولا ينكره القائل بالصحة " انتهى
فالأحسن أن يجاب عنه - كما ذكروه في طي أجوبتهم - أولا - بعدم
الدليل على حرمة هذا النحو من التصرف، لا عقلا لعدم حكمه بحرمته،
ولا نقلا لعدم انصراف التصرف فيه إلى مثل ذلك، وثانيا " بعدم
دلالة النهي التحريمي على الفساد وإن تعلق بذات المعاملة مطلقا " سواء
كان لمبغوضية ذاته بذاته، ومن حيث كونه فعلا من الأفعال كعقد
المحرم أو المعتكف على الأجنبية أو لاستلزامه العنوان المحرم كالبيع وقت النداء
المستلزم لتفويت الجمعة أو لمبغوضية أثره المترتب عليه كبيع المصحف أو المسلم
من الكافر بناء على تملكه وجبره بالخروج عن ملكه بخلاف ما كان منه
ارشادا " إلى عدم ترتب الأثر عليه، فإن النواهي الارشادية تقتضي الفساد
قطعا " بعد أن كان معنى الفساد في المعاملة عدم ترتب الأثر عليها، وأكثر
ما ورد من النواهي في المعاملات من القسم الأخير، ولذا قيل بالحمل
عليه عند الشك فيه، لأن الظن بالشئ يلحق بالأعم الأغلب وإن كان
حقيقة في التحريم، وتفصيل الكلام فيه موكول إلى محله وكيف كان فلو
سلم التحريم فلا نسلم اقتضاءه الفساد هذا.
227

وقد استدل بعض (1) للقول بالبطلان بوجهين آخرين:
الأول - إن القدرة على التسليم شرط في صحة البيع بالاجماع المستفيض
وهي مفقودة في الفضولي، لأنه فعل المالك دون العاقد الفضولي.
وفيه - أولا أنه مبني على شرطية القدرة لا مانعية العجز، وهو غير
معلوم، وإن طفحت بالأول عباراتهم واشتملت عليه معاقد إجماعاتهم إلا
أنه من المحتمل قويا " - كما في الجواهر - إرادة مانعية العجز منه ولو بقرينة
تمثيلهم لما لا يكون مقدورا " ببيع السمك في الماء، والطير في الهواء ونحوهما
مما يوجب اليأس من حصوله، واختلافهم في صحة بيع الضال والضالة
ونحوهما مما يرجى حصوله مع عدمها حال البيع وتظهر الثمرة في المشكوك
فيه، فيبطل على الأول، ويصح على الثاني ومنه الفضولي المتوقع للإجازة
والمقصود من مانعية العجز مانعية أثره الحاصل من العلم به وهو اليأس الذي
هو أمر وجودي لكونه من الصفات النفسانية تحدث بحدوث سببه وبذلك
يظهر ضعف ما قيل في الرد عليه: من أن العجز الذي معناه عدم القدرة
أمر عدمي لا يصلح لصدق المانعية عليه بعد إن كان المانع ما يلزم من وجوده
العدم.
وثانيا " - لو سلمنا شرطية القدرة فلا نسلم اعتبارها في مطلق العاقد،
وإلا لبطل أغلب الوكالات وهي الواقعة على مجرد العقد وإجزائه دون
لوازمه، وإنما المعتبر فيها قدرة الموكل دون العاقد الوكيل، وليس إلا
من جهة عدم مدخلية الوكيل في لوازم العقد من التسليم ونحوه، فعدم
اعتبار القدرة في الوكيل المزبور لعدم مدخليته في التسليم لا لوكالته على العقد
وهذه الجهة السلبية مشتركة الورود بين الوكيل والفضولي (ودعوى)
228

اختصاص تأثير قدرة الموكل بما لو بنى عليها عقد الوكيل (ضعيفة) بل
ممنوعة بل هي المعتبرة في الصحة مطلقا، لأنه المأمور بالوفاء به إلا إذا
بنى العقد على قدرة الوكيل على التسليم، كضعف دعوى الفرق بينهما:
بأن عقد الوكيل عقد الموكل بعد تنزيل ذاته منزلة ذاته بالوكالة أو فعله منزلة
فعله ولا كذلك الفضولي، كيف ولو كان الوجه ذلك لكان الأحسن أن يستدلوا
على الاكتفاء بقدرة الموكل في نحو ذلك بأنه العاقد، لا بأنه المأمور بالوفاء
هذا مع أن الظاهر من عباراتهم كون المعتبر في الصحة وجود القدرة
في الواقع دون القدرة المعلومة، خلافا لجدنا في (المصابيح) فاعتبر القدرة
المعلومة في الصحة والظاهر أن العلم بها شرط للحكم بالصحة دون نفس الصحة
وحينئذ فإما أن يعلم بها أو يعلم عدمها أو لا يعلم. وعلى التقادير الثلاث، فإما أن
يصادف وجودها في الواقع أو يصادف عدمها.
فإن علم بها وكانت موجودة في الواقع صح على التقديرين كما أنه
يبطل كذلك لو كانت مفقودة لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.
وإن علم عدمها وكانت مفقودة في الواقع بطل أيضا لانتفاء الشرط
على القولين وإن صادف وجود المانع أيضا وهو اليأس الحاصل من العلم
به على ما قويناه من احتمال مانعية العجز غير أن الحكم بالبطلان حينئذ مسبب
عن عدم الشرط دون وجود المانع.
وإن كانت موجودة في الواقع مع العلم بعدمها بطل عندنا لوجود
المانع وهو اليأس، لا لانتفاء الشرط وهو القدرة لانكشاف وجوده، وعند
جدنا، لانتفاء الشرط ولو بانتفاء جزئه وهو وصف العلم.
وإن كان لا يعلم وصادف عدمها في الواقع بطل على القولين لانتفاء
الشرط ولو بانتفاء جزئه على التقديرين، وإن صادف وجودها بطل لانتفاء
الشرط بناء على أنه القدرة المعلومة. وصح عندنا لوجود الشرط وهو
القدرة في الواقع وعدم المانع وهو اليأس.
229

ثم إن المدار في وجود الشرط على وجوده عند استحقاق التسليم
لكونه مقدمة له لتوقفه عليه لا حال العقد، فلو تجددت القدرة بعد العقد
قبل زمان التسليم صح العقد ما لم يعلم عدمه حال العقد، وإلا بطل لوجود
اليأس المانع عن الصحة حين الاقدام على العقد لدخوله معه في السفه الموجب
لبطلانه وبل هو المتيقن إرادته من الغرر المنهى عنه في النبوي المشهور بين
الفريقين، لا مطلق ما كان فيه خطر كما يظهر من تفسير بعض له بالخطر
لانتقاضه بصحة جملة من الموارد الخطرية على ما صرح بها غير واحد من
الأصحاب فالظاهر كون المراد من الغرر المنهى عنه الخطر المفضي إلى السفه
أو التخاصم.
هذا وبعد الإحاطة بما ذكرنا في الجواب عن الدليل المذكور يتضح
لك مواقع التأمل في كلام جدنا - قدس سره - (في المصابيح) عند ترجيحه
لبطلان الفضولي ما لفظه: " تكميل القدرة على التسليم التي هي شرط في البيع
هي القدرة المعلومة للمتبايعين حال العقد دون القدرة الواقعية لأن الغرر
لا يندفع بمصادفة الواقع وإنما يرتفع بالعلم، فلو باع مالا يعلم حصولها فيه
بطل البيع وإن قدر عليه بعده ولو باع ما يعتقد تمكنه منه صح وإن تجدد
العجز والمعتبر في العلم الوثوق بالتمكن فلا يشترط اليقين ولا يكفي فيه مطلق
الظن، ثم القدرة المعتبرة هي قدرة العاقد إذا كان مالكا " ووليا " أو وكيلا
في البيع ولوازمه، أما إذا كان وكيلا على خصوص العقد واجراء الصيغة
فالشرط قدرة الموكل لأنه المطالب بالتسليم دون الوكيل. وتظهر الفائدة
فيما إذا قدر أحدهما على التسليم دون الآخر، فإنه إن كان الموكل صح
البيع، وإلا بطل، ولو كان أحد المتعاقدين وكيلا على البيع وما يتبعه من
اللوازم وعلم الآخر بذلك ورضى بتسليم الموكل كفى في صحة البيع قدرة
أحدهما إذا رضى الموكل برجوعه عليه فلو عجزا معا " بطل البيع. وأما الفضولي
230

فهذا الشرط غير متحقق فيه. ومن ثم ترجح بطلانه، وذلك لأن إجازة
المالك غير معلومة الحصول إذ قد لا تحصل القدرة على التسليم مطلقا " وقد
تحصل لكن بالقياس إلى نفس العقد دون لوازمه، فلا تحصل من العاقد،
وقدرة المالك إنما تؤثر لو بنى عليها العقد وحصل التراضي بها حال البيع
لما عرفت أن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الآذن مطلقا "، بل مع الشرط
المذكور وهو غير متحقق في الفضولي، والبناء على القدرة الواقعية باطل
إذ القدرة المشروطة هي القدرة المعلومة دون الواقعية كما سبق بيانه
والقدرة الواقعية إنما تتحقق حال الإجازة لا قبلها، ضرورة أن الإجازة
اللاحقة لا تؤثر القدرة السابقة، والمعتبر من القدرة - على ما ستعرفه -
ما كان حال البيع أو قريبا منه في البيع الحال وعند حلول الأجل وما يقرب
منه في المؤجل، ولا ريب أن ذلك غير حاصل في بيع الفضولي، والتأجيل
بالإجازة غير مأخوذة في العقد ولو اشترط لم يصح لجهالة الأجل والحاصل
أن القدرة قبل الإجازة لم توجد وبعدها إن وجدت فلا تنفع " انتهى.
الثاني من الوجهين -: أن الفضولي غير قاصد حقيقة إلى مدلول اللفظ
كالمكره كما صرح به في (المسالك).
وفيه إنه قاصد للانشاء وإن علم بعدم ترتب الأثر على انشائه ما لم
تلحقه الإجازة، وهذا القدر من القصد كاف في الصحة التي هي بمعنى
القابلية، فهو كبيع المكره الذي لا اشكال في كونه قاصدا " لمعنى الانشاء
حقيقة من الكلام الانشائي، غير أنه لم يكن مريدا " لوقوع أثره في الخارج
فإذا تعقبه الرضا الذي هو شرط الصحة بحكم قوله " تجارة عن تراض "
وغيره، صح على المشهور، وليس إلا لتحقق الانشاء المقصود أولا وتحقق
الرضا المعتبر في الصحة بعده، واعتبار المقارنة بينهما منفى بالأصل حسبما
تكرر بيانه.
231

وبذلك يظهر ضعف ما ذكره الشهيدان وغيرهما: من أن المكره قاصد
للفظ دون مدلوله.
اللهم إلا أن يؤول كلامهم - ولو بالتكلف - إلى ما ذكرناه، كيف
والهازل الذي هو دونه قاصد إلى اللفظ ومدلوله لكن بإرادة صورية، وبذلك
امتاز الهازل عن الملقن كالصبي ونحوه القاصد إلى اللفظ دون المعنى وامتاز
الملقن عن الغالط الذي لا قصد له إلى اللفظ أيضا، فمراتب الكلام مع القصد
وعدمه متعددة، وهي مرتبة الغالط وهو الذي لا قصد له للفظ ولا للمعنى
ومرتبة الملقن ونحوه وهو القاصد للفظ دون المعنى، ومرتبة الهازل وهو
القاصد للفظ والمعنى قصدا " صوريا " ولذا لو تعقب الرضا بعد الهزل لا يجدي
في الصحة لعدم الانشاء حين الهزل حقيقة، والرضا ليس بانشاء، والأثر
مترتب على الانشاء، ومرتبة المكره وهو القاصد إلى اللفظ والمعنى الانشائي
قصدا " حقيقيا " إلا أنه لم يكن ذلك منه عن طيب ورضاء، فإذا رضى
بالانشاء المتقدم اجتمعت فيه شرائط الصحة، ويشهد لما ذكرنا إخراجهم
بيع المكره بقيد الاختيار في شرائط المتعاقدين دون القصد، وبه أخرجوا
الملقن والهازل والفضولي كالمكره في تحقق قصد الانشاء منه حقيقة، بل
مع الرضا أيضا إلا أن المعتبر رضا المالك دون رضاه ولذا أخرجوه بقيد
الملك في شرائط المتعاقدين، فإذا أجاز المالك الانشاء المقصود من الفضولي
اجتمعت في عقده شرائط الصحة الفعلية.
فقد ظهر مما ذكرنا فساد ما استدلوا به على البطلان مطلقا " ولم يبق
إلا الأصل المخرج عنه بما ذكرنا من أدلة الصحة.
احتج من فصل بين سبق المنع وعدمه، فحكم بالبطلان في الأول
وبالصحة في الثاني بما يرجع محصله في الأول مرة - إلى عدم الدليل على
الصحة بعد أن كان مقتضى الأصل هو الفساد بناء على عدم الدليل المخرج
232

عنه إلا حديث عروة البارقي المختص بغير المقام، وأخرى إلى وجود الدليل
على البطلان، وهو بقاء المنع إلى ما بعد العقد ولو بآن ما، فيكون ردا "
بعد العقد الموجب لسقوط الإجازة عن التأثير في نفوذه بالاتفاق.
والجواب: أما عن الأول، فبقيام تلك الأدلة المتقدمة من العمومات
والاطلاقات الشاملة له باطلاقها بل بعموم ترك الاستفصال في بعضها، مع
أن جملة منها كالصريحة بعدم الرضا بذلك كرواية جحود الودعي وما تضمن
صورة تعدى عامل مال المضاربة عما عينه وأمر به رب المال فتأمل، الكافي
بعضها للخروج به عن الأصل فضلا عن مجموعها.
وأما عن الثاني فبمنع كون الباقي بعد العقد هو المنع وإنما هو مجرد
عدم الرضا بعد إن كان الرد معناه حل العقد وابطال ما حصل به من الربط
فهو بمعنى الفسخ وهو ليس برد غير أنه جرى الاصطلاح في تسمية ما كان
منه بعد العقد المؤثر للربط التام فسخا "، وتسمية ما كان منه بعد العقد
المؤثر للربط في الجملة ردا " فالرد كالفسخ محتاج في تحققه إلى إنشاء مفقود
بالفرض بعد العقد، فالباقي وهو الكراهة غير الرد، والرد غير موجود
بعد العقد حتى لا تؤثر الإجازة فيه لزوما ".
واحتج المفصل بين ما لو قصد البيع لنفسه أو للمالك بوجود ما يمنع
من الصحة في الأول من عدم القصد إلى المعاوضة حقيقة لأن المعاوضة
التي هي بمعنى المبادلة بين المالين المستلزمة لدخول أحدهما في ملك مالك
الآخر غير مقصودة للعاقد، والمقصود له من وقوع البيع لنفسه غير معاوضة
بين المالين بل هو من التسليط بإزاء التسليط وليس مطلق التسليط المقابل
بمثله من المعاوضة حقيقة.
وفيه - إن قصد البيع متضمن لقصد نقل المال عن مالكه (1) وهذا
233

القدر كاف في تحقق ماهيته وتعيين المالك غير معتبر في تحقق حقيقة البيع كما نص
عليه غير واحد من الأصحاب، فكما لا يجب تعيينه لا يضر الخطأ فيه.
وبالجملة لما كان قصد البيع مستلزما لقصد نقل المبيع عن مالكه
تحققت المعاوضة حقيقة وإن انضم إليه قصد وقوعه عن نفسه أو لنفسه -
بعد ما عرفت من خروج قصد المنتقل عنه بل المنتقل إليه أيضا عن حقيقة
البيع وماهيته.
234

هذا وما ذكرناه أولى مما أجاب عنه شيخنا المرتضى في (مكاسبه)
بما لفظه: " إن قصد المعاوضة الحقيقية مبني على جعل الغاصب نفسه مالكا "
حقيقيا " وإن كان هذا الجعل لا حقيقة له، لكن المعاوضة المبنية على هذا
235

الأمر غير الحقيقي حقيقة، نظير المجاز الادعائي في الأصول، نعم لو باع
لنفسه من دون بناء على ملكية المثمن ولا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة
236

غير واقعة له ولا للمالك لعدم تحقق معنى المعاوضة، ولذا ذكروا: أنه
لو اشترى بماله لغيره شيئا بطل ولم يقع له ولا لغيره " انتهى (1)
ومنشأ الأولوية غلبة وقوع البيع من الغاصبين مجردا عن سبق التنزيل
المذكور بالوجدان، اللهم إلا أن يرجع كلامه - ولو بالتكلف - إلى ما ذكرناه
237

ولذا صح - على الأقوى - فيما لو اشترى بماله لغيره شيئا وقوعه لنفسه
وإن قصده للغير كما اختاره هو - رحمه الله - في مسألة تعاقب العقود.
والعجب منه مع ذلك نسبة البطلان رأسا " إلى فتوى الأصحاب هنا، مع أنه
238

لم نعثر على ذلك في كلامهم، بل الذي وجدناه حكمهم بالبطلان فيما لو دفع
مالا للغير ليشتري به لنفسه. ولعل المراد بالبطلان عدم وقوعه للمشتري
المأمور بالاشتراء. وأما وقوعه للأمر فهو محل الكلام، بل الأقوى فيه
239

ذلك بل لا حاجة إلى الإجازة بعده لوقوع الإذن منه بل الأمر وإن قصد
به للغير بعد ما عرفت من خروج قصد المنتقل عنه والمنتقل إليه عن حقيقة
البيع.
240

وبالجملة لا فرق بين ما لو اشترى بماله لغيره أو اشترى لنفسه بمال
غيره في دخول المثمن في ملك مالك الثمن، غير أنه في الثاني يتوقف على
الإجازة لكونه من الفضولي بخلاف الأول لوقوعه من المالك وإن قصد به
للغير للغوية القصد المزبور (1)
وبما ذكرنا ظهر الجواب عما لو قرر المنع بوجه آخر وهو أن الإجازة
إنما هي إمضاء لمضمون العقد ومضمونه غير متحقق بل غير مقصود، فالمجاز
غير واقع والواقع غير مجاز، وذلك لأن الإجازة وإن تعلقت بما اشتمل
245

عليه العقد غير أنها تؤثر فيما يمكن تأثيرها فيه من وقوع نقل الملك عن
مالكه، ولا تؤثر فيما لا يمكن ذلك فيه من وقوعه لنفسه لقاعدة دخول
أحد العوضين في ملك مالك الآخر قهرا "، فالإجازة تؤثر في بعض مضمون
متعلقها لا أنها لا تتعلق إلا بذلك البعض كما توهم.
هذا ولو أجاز المالك بيع الفضولي لنفسه حسبما قصده، ففي وقوعه
له وجه احتمله شيخ مشايخنا في شرحه على (القواعد) ووجهه كما عن
بعض تلامذته - مبنى إما على دخوله آنا ما " في ملك الفضولي لاستلزام وقوعه
له مع استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير مالك الآخر لذلك نظير
قوله: أعتق عبدك عني، أو على تنزيل الإجازة اللاحقة منزلة الإذن السابق
مع انكار لزوم دخول أحد العوضين في ملك مالك الآخر - كما عن بعض -
وفي كلا الوجهين نظر لثبوت الملازمة عقلا بعد فرض المعاوضة بين
المالين وعدم الدليل على وقوعه له حتى يلتزم بمحذور دخوله آنا " ما في
الملك كيف، والدخول في الملك بدلالة الاقتضاء فرع ثبوت المقدمتين
الممنوعة إحديهما في المقام، ضرورة أن وقوع المقصود بالإجازة حسبما قصد
أول الكلام بل محل منع.
ثم إن هيهنا اشكالا على القول بصحة الفضولي (1) وهو أن بيع
246

الغاصب مطلقا " ولو لنفسه يعد من الفضولي عند الأكثر، ومقتضاه على القول
بالصحة وقوعه للمالك بالإجازة ومع الرد للمشتري استرداد ما دفعه ثمنا "
للبايع الغاصب لو رجع المالك عليه بسلعته مطلقا " حتى مع علمه بالغصب
وبقاء العين بيد الغاصب، مع أن المنسوب إلى ظاهر الأصحاب - بل إلى
نصهم كما في الإيضاح عدم جواز الاسترداد في الصورة المزبورة.
لا يقال: إن الاشكال إنما يرد على القول بأن الإجازة ناقلة، وأما على الكشف فلا
247

لأن الإجازة على تقديره تكشف عن تقدم سبب تملك المجيز وهو العقد
على التسليط الموجب لتملك البايع فيكون التسليط منه للبايع من التسليط
على مال الغير ولا كذلك على القول بالنقل لسبق التسليط حينئذ على الإجازة
التي هي سبب النقل أو جزء السبب فهو حينئذ من التسليط على مال نفسه
لأنا نقول: إن المعاوضة إن لم تكن مقصودة فلا صحة حتى تؤثر الإجازة
في عقدها لزوما فلا يجدي حينئذ في تملك المجيز سبق العقد على التسليط،
وإن كانت مقصودة لم يكن التسليط للبايع مجانا "، بل تسليط بعوض،
ومقتضاه جواز الاسترداد على تقدير الرد حتى على القول بالنقل. ولعله
248

يأتي تمام الكلام فيه - انشاء الله تعالى - في مسألة تعاقب الأيدي.
ثم ليعلم أنه لا فرق في صدق الفضولي وصحته - على القول بها - بين
كون المعقود عليه عينا خارجية للغير أو كليا " في ذمة الغير - ثمنا " كان أو
مثمنا " غير أن تعيين الذمة وتشخيصها كما يكون بالإضافة كقوله: بعتك
قفيزا " من الحنطة في ذمة زيد بكذا أو بعتك كذا بدرهم في ذمة زيد كذلك
يتعين مع عدمها لمن قصد العقد له لتوقف ذلك على كون الثمن أو المثمن
في ذمته حتى يتحقق المعاوضة له، ومع اختلاف القصد والإضافة كما لو
قصد البيع لنفسه بمال في ذمة الغير أو للغير بمال في ذمة نفسه وقع لمن
أضيفت الذمة إليه دون من قصد البيع له تقديما " للتعيين بالإضافة على التعيين
بالقصد لكون المعارضة بينهما من تعارض النص والظاهر لصراحة النسبة
بالإضافة وظهورها بقصد الوقوع له الناشئ من استحالة دخول أحد العوضين
في ملك غير مالك الآخر فيلغو هنا قصد المنتقل عنه والمنتقل إليه، كما
عرفت لغويته لو كان شخصيا " مع قصد المعاوضة لغير مالكه، حينئذ فإن
أجاز صاحب الذمة وقع العقد له وإن رد بطل رأسا " مطلاقا " سواء كان تعيين
الذمة بالإضافة أو بالقصد خلافا " لبعض في الأخير (1) وهو مشكل إن
249

أريد وقوعه له في الواقع. وإن أريد به الحكم الظاهري لاطلاق الذمة مع
عدم إضافتها للغير كان له وجه، وإن أمكن الخدشة فيه لأنه مما لا يعلم
إلا من قبله فالقول قوله بيمينه ومقتضاه البطلان رأسا " برد من قصد له
لا وقوعه للعاقد ولا ظهور اللفظي فيه حتى يكون متبعا " في إفادة مدلوله:
بل هو من ظهور حال المعاملة ولا دليل على اعتباره والتعبد به فتأمل.
250

هذا وقد يختلج بالبال في المقام اشكال، وهو أن تعيين الذمة في الثمن الكلي من
مشخصات الثمن يختلف باختلافها ولذا يبطل لو باع بدرهم في
ذمة ما أو في ذمة من يجيز وحينئذ فإن قصد البايع ذمة المشتري وقصد
المشتري ذمة غيره اختلف الثمن باختلاف الذمة وهو يقتضي البطلان مطلقا
وإن أجاز من قصده المشتري، وإنه كما لو قصد البايع البيع بالثمن الشخصي وقصد
المشتري وقوع غيره ثمنا مع أنهم بنوا - هنا وفي فروع المضاربة - على وقوعه
للغير أن أجاز وإلا فللمشتري مع أن القاعدة تقتضي في ذلك بطلان العقد.
251

ولكن يدفعه: إن تعيين الذمة إنما يعتبر لتحقق معنى الملك لا لتشخيص
الثمن الذي هو الدرهم الكلي، وليس معرفة من عليه الثمن إلا كمعرفة من
له الثمن الذي قد عرفت خروجه عن حقيقة البيع لأن صاحب الذمة هو
252

المالك للثمن في الحقيقة نعم لو كان الثمن الكلي دينا " لم يلزم البايع القبول
على من قصده المشتري لتفاوت الرغبات بين الذمم في الدين، وهل يجبر
البايع بالخيار دفعا للضرر، أو يبطل العقد رأسا ": وجهان. ولعل الأخير
هو الأقوى لرجوعه إلى اختلاف الثمن حينئذ ولو باختلاف وصفه فكما
إن وصف النقد والنسية موجب لاختلاف الثمن وإن كان كليا " فكذا يختلف
باختلاف من عليه الدين فافهم.
تذنيبان (1) الأول أنه هل يجري الفضولي في المعاطاة، كما يجري
253

في المعاطاة، كما يجري في العقود القولية أم لا؟
وتنقيح المسألة موقوف على بسط الكلام فيها على جميع الأقوال في
254

المعاطاة وحينئذ، فنقول: أما على القول بإفادتها الملك المتزلزل فالظاهر
جريان الفضولي فيها بناء على عدم كونها معاملة مستقلة بل هي مندرجة
في المعاملات الخاصة لشمول ما يقتضي صحته في العقد القولي من عمومات:
" أحل الله البيع " و " تجارة عن تراض " و " وأوفوا بالعقود " بناء
على أعمية العقود للعقد الفعلي، بل وجملة الأخبار الخاصة المحمولة على ما هو
الغالب من وقوع المعاملات بنحو المعاطاة ولا مانع منه إلا ما يتوهم من
حرمة السبب، وهو الاقباض لكونه تصرفا " في مال الغير فلا يترتب عليه الأثر
مع أنه أخص من المدعى لامكان فرض تحققها بدون التصرف كما لو
كان دينا في الذمة وفرض تحقق الرضا من المالك بناء على أن مجرد الرضا
المقارن لا يخرجه عن كونه فضوليا " - كما هو مذهب غير واحد من الأصحاب
لا ملازمة بين الحرمة والفساد كما تقدم وحينئذ فالمقتضى للصحة موجود والمانع
مفقود وأما على القول بإفادتها الإباحة فالظاهر عدم جريانه فيها لقصور
ما دل على صحتها المخالفة للقواعد من اجماع أو سيرة عن شمول الفضولي منها
إذ القدر الثابت منهما إفادة المعاطاة الواقعة بقصد التمليك للإباحة المجردة
إذا كان من غير الفضولي ومثله الكلام على القول بكونها معاملة مستقلة
اللهم إلا أن يستدل عليه هنا بما استدل به على صحة أصل الفضولي من
السيرة مع غلبة المعاطاة في معاملاتهم.
الثاني في جريان الفضولي في غير المعاوضات من العقود كالوقوف
255

والصدقات وغيرها والعبادات المالية كالأخماس والزكوات والكفارات،
ففي (شرح القواعد لكاشف الغطاء قدس سره) ما لفظه: " وفي جرى
الفضولي فيما جرت فيه الوكالة من العبادات كالأخماس والزكوات وأداء
النذر والصدقات. ونحوها من مال من وجب عليه أو من ماله وفيما قام من
الأفعال مقام العقود ونحوه، وكذا الايقاعات مما لم يقم الاجماع على المنع
فيها وجهان: أقويهما الجواز ويقوى جريانه في الإجازة وإجازة الإجازة "
انتهى.
قلت: وقد يشكل القول بصحة الفضولي فيما يعتبر في صحته القربة
كالصدقات والوقوف بناء على اعتبارها فيها لأن المتقرب: إن كان هو
العاقد فكيف يتقرب بالتصدق بمال الغير، وإن قصد بها تقرب المالك
بجعل نفسه نائبا " عنه في قصد القربة، فهو مبنى على قبول قصد القربة للنيابة وهو
غير معلوم بل معلوم العدم وإن قصد النيابة في الانشاء المتقرب به لقبوله
الوكالة بناء على أن ما يصح فيه الوكالة تصح فيه النيابة ففيه منع ثبوت
الملازمة، فإن النيابة منها ما تتوقف صحتها على ومنها ما لا يتوقف على سبق الاستنابة
نحن فيه من القسم الأول، فلا تصح فيه النيابة إلا بعد سبق الاستنابة المفقود في المقام
256

وإلا لخرج عن كونه فضوليا وإن كان هو المالك عند الإجازة، فمع أن
إجازة الوقف غير الوقف المعتبر فيه القربة لا يجدي قصدها مع تجرد السبب
أو شطر منه عنها لأن معنى اعتبارها في صحة الوقف اعتبار كونها الداعي
له، فلا بد من اقترانه بأول العمل حتى يكون ايجاده منبعثا عنها فلا يجدي
تحققها في أثناء العمل أو بعده بخلاف شرط الرضا فإن الشرط تحققه ويكفي
في الصحة تحققه متى وجد اللهم إلا أن يدعى أنه بالإجازة يصير كالوقف
المستأنف كما استحسنه في الشرايع ضرورة إن معنى الوقف وحقيقته إنما
يتحقق بالإجازة فيكفي اقترانها بالقربة.
هذا وربما يتوهم إن اللازم حينئذ الاكتفاء بنية القربة عند القبض
بناء على اعتباره في صحة الوقف لتحقق معناه حينئذ عنده مع معلومية عدم
الاكتفاء بها حين القبض إذا تجردت الإجازة عنها. إلا أنه يدفعه إن القبض
ليس مأخوذا " في ماهية الوقف وحقيقة معناه وإن اعتبر شرطا في صحته بمعنى
ترتب الأثر عليه ضرورة أن معنى الوقف هو التمليك بنحو تحبيس العين
وتسبيل المنفعة والقبض خارج عنه بالبداهة وإن قلنا بتوقف تحقق أثره في
الخارج على القبض.
توضيح ذلك: إن معنى الوقف له مراتب في الوجود لأنه: مرة
يوجد بالوجود الذهني، وأخرى بالوجود الانشائي الذي هو أخص من مجرد
الوجود اللفظي، وثالثة أو رابعة بالوجود الخارجي الذي به يتحقق مصداقه
ونعني بالوجود الخارجي الوجود الاستقراري المتحقق به أثره، وإلا فما
عدا الذهني منه خارجي أيضا بالمعنى الأعم والموجود الانشائي هو السبب
للموجود الخارجي إذا وجد من مالك الانشاء بمباشرته أو إذنه أو إجازته
وهو الذي يعتبر وقوعه بقصد القربة لا الموجود بالمعنى الأخير والقبض
معتبر فيه بالمعنى الأخير.
257

وبالجملة فما يوجب منع جرى الفضولي في ذلك أو التوقف فيه هو
اعتبار القربة في صحة الوقف لا ما قيل: من أن الفضولي على خلاف الضوابط
فيقتصر فيه على خصوص ما ورد فيه دليله المفقود في الوقف لشمول عموم
" أوفوا بالعقود " له، وهو العمدة في ثبوت المقتضى للصحة فيه، لا
ما قيل: إنه قسم من الصدقة التي ثبت بالنص جوازها من الفضولي في
مثل مجهول المالك ونحوه لمنع كون التصدق بمجهول المالك من الفضولي
بعد أمر الشارع وإعطائه له ولاية التصدق وإنه في الحقيقة نوع إيصال
للمال إلى مالكه بعد تعذر ايصال العين إليه وإن قلنا بالخيار للمالك لو ظهر
بين القبول والرجوع على المتصدق ببدله دون المتصدق عليه مطلقا ولو مع
بقاء العين عنده. ثم لا فرق بين الوقف بناء على اعتبار القربة فيه وغيره من
الصدقات منعا " وجوازا " للفضولي فيه.
نعم يفرق بين الوقف بعد الإجازة والصدقة بعدها على القول بالبطلان
أنه يبطل في الوقف رأسا " ولا ينتقل المال عن ملك مالكه بخلاف الصدقة
فإنها تبطل صدقة وتصح هبة لاشتراكهما في التمليك المجاني وتمتاز الصدقة
بكون التمليك فيها بداعي القربة كما هو الشأن في كل مشترك بين أمرين
يكون فصل أحدهما التجرد عن فصل الآخر.
ثم الظاهر أن الإجازة على القول بصحة الفضولي في المقام ناقلة وإن
قلنا بها كاشفة في البيع ونحوه.
وأما جرى الفضولي في الخمس فتصويره فيه: مرة ممن وجب في ماله
الخمس، وأخرى من الأجنبي، وعلى الثاني، فمرة يدفعه من مال المالك
وأخرى من مال نفسه عنه، وعلى الأول فمرة يدفعه فضولا قبل العزل
وأخرى بعده.
وحينئذ فنقول إما الأول فتصويره فيما دفع المالك سهم الإمام إلى مستحقه
258

فضولا عن الإمام أو نائبه في زمن الغيبة، وحكمه حكم الفضولي في الصدقات
بناء على أن الدفع إليهم من الصدقة عن الإمام (ع) فيجري الخلاف المتقدم
هنا صحة وفسادا " لأنه فرد منها، وأما بناء على أنهم المصرف لهذا المال
فلا مانع عن صحة الفضولي هنا وإن قلنا ببطلانه في الصدقات لخروجه عنها
بالفرض. وحينئذ فإن أجاز الإمام عليه السلام أو نائبه صح وإلا رجع به
الإمام عليه لكونه مضمونا " عليه بالاتلاف.
وأما الثاني وهو ما لو كان الفضولي أجنبيا: فإن كان المدفوع إلى
مستحقه من مال المالك وكان ذلك قبل العزل، فيكون فضولا عن المالك
من حيث دفعه عنه من ماله وعن الإمام من حيث صرف نصيبه من غير
إذنه، وإن كان في مصرفه. وحينئذ فإن أجازا معا " صح المدفوع خمسا " وبرئ
المالك منه، وإن رد المالك فقط لم يتحقق موضوع لإجازة الإمام عليه
السلام لعدم تعيين المدفوع خمسا "، وإن انعكس الأمر بأن أجاز المالك ورد
الإمام (ع) ففي تعيين المدفوع خمسا بالإجازة، فيرجع الإمام على الدافع
أو المدفوع له دون المدفوع عنه وعدمه الموجب لبقاء المالك تحت العهدة
وجهان مبنيان على شمول دليل التعيين للمالك إلى هذا النحو من التعيين
الحاصل بالإجازة بعد الدفع الموجب لعرضة المال للتلف بل هو في بعض
الصور من تعيين التالف وعدمه، وعليه فعلى المالك دفع سهم الإمام له
لبقائه في عهدته ويتخير المالك، وإن أجاز في الرجوع على الفضولي أو
المدفوع له لكون الخمس عنوانا " للمدفوع لا داعيا " للدفع فالحيثية تقييدية
لا تعليلية كما لو دفع مالا للغير بعنوان الوفاء له عن دينه فانكشف عدم
الدين فلا يتوهم في المقام أنه يبطل خمسا ويصح هبة كما في الصدقة، مع
احتمال عدم رجوعه على الدافع بناء على سقوط الضمان عنه بالإجازة، كما
لا يدخل بالإذن في ضمانه، وإن كان بعد العزل فلا رجوع للإمام على
259

المالك لتعيين المعزول خمسا ويده عليه أمانة، بل يتخير الإمام بين الرجوع
على الدافع الفضولي أو المدفوع له، فإن رجع عليه رجع هو على الدافع
للغرر، على الأقوى، كما أنه لو رجع على الدافع لم يرجع الدافع على المدفوع
له مع تلف العين لكونه غارا " على القواعد في مسألة تعاقب الأيدي، وإن
كان الفضولي أجنبيا " ودفع من مال نفسه خمسا " عن المالك لم تبرء ذمة المالك
وإن دفعه إلى الحاكم لأن ذلك من العبادات المالية التي لا يتحقق امتثالها
بدفع المتبرع إلا أن يكون بالوكالة عنه، وقياسه بالدين الذي وفاؤه من
التوصليات قياس مع الفارق.
نعم ربما يظهر (من المسالك) في زكاة الفطرة في تبرع الموسر
عن الضيف الصحة مع توقفه على إذنه الظاهر في إرادة الإجازة منه حيث
قال: " ولو تبرع الموسر باخراجها عنه، ففي الاجزاء قولان وجزم الشهيد
بعدمه، وهو حسن مع عدم إذن الضيف، وإلا فالاجزاء أحسن " انتهى، مع
قوة احتمال إرادة الإذن السابق على الدفع بحمل الإذن عند إرادة التبرع
كقوله تعالى: " إذا قرأت القرآن فاستعذ بالله " من (إذا قرأت القرآن)
مؤيدا " بظهور لفظ الإذن فيه، وإلا فالأذن اللاحق يعبر عنه في كلامهم
بالإجازة.
هذا كله في الخمس ويجري مثله الكلام في الزكاة والكفارات.
وأما جريانه في الوصية ففي (الدروس) ما لفظه: " ولا تصح
الوصية بملك الغير ولو أجاز الغير احتمل النفوذ ". انتهى
وفي (جامع المقاصد) في شرح قول مصنفة: ولو أوصى
بالمشترك صح في نصيبه لاختصاصه به قال: " لا فرق في ذلك بين أن
يوصي بجميع المشترك أو بقدر نصيبه في أنه إنما يصح في نصيبه لاختصاصه
به بخلاف البيع، فإنه لو باع الجميع وقف في ملك الغير على الإجازة،
260

ولو باع قدر نصيبه ففي انصرافه إلى ما يملكه وجهان: أصحهما انصرافه
إليه، وقد سبق، والفرق تأثير الإجازة في بيع الفضولي دون الوصية إلا
على احتمال الدروس " انتهى. وعن (التذكرة) احتمال صحة الوصية بملك الغير
إذا قيده بتملكه.
قلت: الوصية عقد جائز، والأقوى جريان، الفضولي في العقود
الجائزة التمليكية التي منها الوصية، فضلا عن العقود الإذنية التي يكفي
إباحتها متى تحقق الإذن لعموم " أوفوا بالعقود " بناء على إرادة الوفاء
بمقتضى العقد، إن لازما " فلازما " وإن جائزا " فجائزا "، مضافا إلى اقتضاء
الصحة بلحوق الإجازة في كل ما تصح فيه الوكالة لعدم اعتبار المباشرة
للعقد بالفرض مع أصالة عدم وجوب اقترانه برضاء المالك فتأمل (*) فما
احتمله في (الدروس) من صحة الفضولي في الوصية هو الأظهر لما ذكرنا
لا لما قبل من قيام الدليل على صحته في الوصية بما زاد على الثلث موقوفا
على إجازة الوارث، لأن ذلك في الحقيقة ليس من الفضولي إلا على تقدير
انتقال الموصى به إلى الوارث والنقل منه بالإجازة إلى الموصى له وليس كذلك
بل يتلقى الموصى له المال من الموصي دون الوارث، بل هي منه إنشاء تمليك لملكه
وإن توقف التملك على الموت فلا تعليق في الانشاء بل هو منجز والتعليق
في الأثر وإن الإجازة من الوارث تنفيذ للتمليك بالوصية لا تمليك منه بالإجازة
ولذا نفذت الوصية بإجازته في حياة الموصى على الأشهر الأظهر وليس كما
توهم من اسقاط ما لم يجب حتى يشكل لزومه، بل مرجعه في الحقيقة إلى
رضاء الوارث بعدم الإرث من المال المخصوص الموصى به، وتأثير ذلك
بالرضا المذكور ثابت بدليله المخصص لعموم الإرث في التركة، وتنقيح
261

ذلك موكول إلى محله وليس ذلك من الفضولي بشئ وإن وقع التعبير في
كلامهم بالتوقف على الإجازة.
وبما ذكرنا من صحة الفضولي حيث ما تصح الوكالة مع الأصل المتقدم
يتضح وجه جرى الفضولي في الايقاعات إلا ما قام الدليل على عدمه فيه
إن لم يقم اجماع على المنع عنه مطلقا " اللهم إلا أن تمنع الكلية المتقدمة
وهي صحة الفضولي حيث ما تصح الوكالة، فلا يستكشف بصحة الوكالة
صحة الفضولي، بل غايته بثبوت الوكالة يثبت الاكتفاء بالمباشرة الحكمية عن
المباشرة الحقيقية بعد تنزيل الوكيل منزلة الموكل، فلا يقاس عليه مالا مباشرة
فيه أصلا لا حقيقة ولا حكما " كالفضولي.
وأما إجازة الإجازة فالظاهر الاكتفاء بها في الصحة لشمول ما دل
على اللزوم بالإجازة لها لأنها إجازة في الحقيقة ولو بالواسطة، وعلى الكشف
يترتب الأثر من حين العقد لا من حين الإجازة الأولى، كما أنه على النقل
يترتب من حين الثانية.
وأما الفسخ والاسقاط والابراء فقد يقال بنفوذ الإجازة فيها مع
كونها من الايقاعات وإن قلنا ببطلان الفضولي فيها مطلقا بناء على أن
إجازة الفسخ فسخ وإجازة الاسقاط أو الابراء اسقاط وابراء لعدم اعتبار
ألفاظ مخصوصة فيها. وتظهر الثمرة بين كونها فسخا أو إجازة للفسخ في
النماء الحاصل بينهما على القول بكاشفية الإجازة، فإنها من حين الفسخ على
الإجازة ومن حين الإجازة على الفسخ فافهم.
بقي الكلام في مسألة الإجازة والرد. والأول منهما يقع تارة في موضوع
الإجازة، وأخرى في حكمها وما يشترط في تأثيرها، فنقول:
أما موضوعها فالظاهر أن الإجازة هي القول الدال على الرضا بالعقد
أو ما بحكمه من الأفعال الدالة عليه بحيث يصح بذلك استناد العقد إليه،
262

فيدخل في عمومات الأمر بالوفاء، والتجارة عن تراض، وأحل الله البيع
وتشمله الاطلاقات الواردة في المعاملات الخاصة، فلا يكفي مجرد الرضا
غير المنكشف بقول أو فعل في تحققها بعد أن كان اعتبارهما من باب السببية
لا من باب الكشف عن السبب - كما ذهب إليه بعض مستدلا عليه - أولا بما
يظهر من تعليلهم لعدم تحقق إجازة المالك بسكوته مع علمه بوقوع العقد
بأن السكوت لا يدل على الرضا لأنه أعم منه الظاهر في أنه لو كان دالا
عليه لكان كافيا " في تحقق الإجازة، ولولا كفاية الرضا في تحققها لكان
التعليل بعدم الكاشف الوجودي أولى من التعليل بعدم دلالة السكوت على
الرضا ضرورة أنه حينئذ لو كان دالا عليه لم يكن مجديا " أيضا ".
وثانيا " بما هو العمدة عندهم: من أدلة الفضولي، وحديث (عروة)
المتقدم المتضمن لتصرفه في تسليم المبيع فضولا مع تقرير النبي صلى الله عليه وآله له عليه
مع اتفاقهم على عدم جواز التصرف في الفضولي، ولا يتم ذلك إلا بالإجازة
المتحققة برضاء النبي المحرز بشاهد الحال وثالثا بما دل على كفاية سكوت
البكر في تزويجها وأنه اقرارها، وليس إلا للاكتفاء به كشفا " عن رضائها
توسعة للحياء.
ورابعا " بما ورد من المعتبرة المستفيضة المتضمنة لصحة نكاح العبد
المتزوج بغير إذن سيده إن سكت مع العلم به، وكذا لو قال لعبده: طلق
فإنه إجازة منه لنكاحه.
وخامسا بما حكى عن جماعة من أنه إذا أنكر الموكل الإذن فيما أوقعه
الوكيل من المعاملة فحلف انفسخت لأن الحلف يدل على كراهتها.
وسادسا " بما عن صريح غير واحد: من أنه لو رضي المكره بما
فعله صح.
وسابعا " بما يظهر من استدلالهم على كون الإجازة كاشفة بأن العقد
263

مستجمع للشرائط عدا رضى المالك فإذا حصل عمل السبب التام عمله.
هذا هو عمدة ما استدلوا به على تحقق الإجازة بمجرد الرضا.
وفي الكل نظر: أما التعليل بعدم دلالة السكوت على الرضا فلعله من
التعليل بالقدر المتيقن على عدم تحقق الإجازة لأنها إما مجرد الرضا أو الرضا
المنكشف بكاشف وجودي فعدم الرضا مستلزم لعدم الإجازة على كل من القولين
وليس كذلك أو علل بعدم الكاشف الوجودي لامكان المناقشة فيه بعدم
اعتباره في تحققها.
وأما تصرف عروة بتسليم الشاة فيكفي في جوازه احراز الطيب من
النبي ولو بشاهد الحال كسائر التصرفات في أموال الغير ولا يكفي ذلك
في تحقق ماهية الإجازة.
وبعبارة أخرى: الرضا بالتصرف يستلزم الحلية لا تنفيذ المعاملة وامضائها
الذي هو معنى الإجازة وكلامهم بعدم جواز التصرف قبل الإجازة مسوق
لبيان التوقف على الرضا المحرز بالإجازة لا التوقف على الإجازة حتى لو
أحرز الرضا بدونها.
وأما سكوت البكر فالذي يكشف منه عن الرضا إنما هو السكوت
عن الرد والنهر للخاطب لا السكوت عن النطق بالقبول أو إجازة العقد
أو التوكيل عليه فإنه أعم من الرضا كغيره من عقود المعاملات. نعم الحياء
يمنع عن النطق بذلك لا أن السكوت عنه دال على الرضا به.
وبالجملة: السكوت عن الرد الذي هو مقتضى الحياء الموجب له لولا
مانع الرضا هو الكاشف عن الرضا دون السكوت عن اظهار القبول، نعم
الرضا مقتض لاظهار القبول لولا مانع الحياء فالسكوت الكاشف عن الرضا
بالكف عن الرد أمر وجودي منزل منزلة القول في الكشف عنه.
وإن أبيت عن ذلك، فنقول: السكوت عن اظهار القبول في مورد
264

يقتضي الرد عنه متضمن لفعل وجودي يكشف عن الرضا فهو نظير قولهم:
السكوت في مورد البيان وعدم الردع في مورد يقتضيه لو كان محله تقرير.
لا يقال: إنه يلزم ذلك الاكتفاء بسكوت غير البكر أيضا إذا أحرز
الحياء منها كالبكر وهو ينافي الاقتصار منهم على البكر في كفاية السكوت
لأنا نقول: كشف المورد عن الكف إنما هو ظني اكتفى به دليله
الخاص في البكر وإن كان لحكمة الحياء فيها نوعا " فلا يقاس غيرها بها
وإن ساواها في الحكمة فالكف وإن كان كافيا " في الكشف عن الرضا مطلقا
لكونه فعلا وجوديا " إلا أن ثبوته بالكاشف الظني وهو المورد مخصوص
بالبكر لدليله الخاص بها.
وأما سكوت المولى مع العلم بتزويج عبده فمع امكان أن يقال فيه
ما قلنا في سكوت البكر، يمكن أن يقال أيضا إن المستفاد من الرواية هو
مانعية معصية السيد المنبعثة عن مزاحمة حقوقه لنفوذ العقد وهي ترتفع بمجرد
الرضا لانتفاء المعصية بانتفاء المزاحمة معه، كيف والعبد يملك انشاءه وينفذ
لو عقد للغير على الأظهر من غير توقف على إجازة سيده وإن استحق
الإجازة على من عقد له على رأي ضعيف لعدم معلومية مملوكية العبد بهذا
القدر مما لا يزاحم حقوق مولاه كما تقدم.
وبعبارة أخرى: يكفي في رفع معصية السيد طيب نفسه المحرز بسكوته
وليس ذلك من الإجازة بشئ وإن عبر بها.
وأما قول السيد لعبده: طلق، فمع كونه يأتي فيه ما تقدم من سكوته
يمكن دعوى دلالة الأمر به على الرضا بعقده بدلالة الاقتضاء لتوقف الطلاق
على سبق النكاح فيكون الرضا حينئذ مدلولا عليه بالقول، إذ لا يعتبر في
الكشف به لفظ خاص ولا دلالة مخصوصة، بل لعل الكتابة كافية في ذلك
265

أيضا كما يشعر به قوله صلى الله عليه وآله في حديث عروة: " بارك الله في صفقة
يمينك ".
وأما ايجاب الكراهة المدلول عليها بظهور الحلف فيها للرد الموجب
للفسخ، فمع أنه ممنوع في نفسه ولعله ذهب إليه من يرى كفاية مجرد
الرضا في تحقق الإجازة، يمكن أن يجري فيه ما تقدم في أمر السيد لعبده
بالطلاق فتأمل (*)
وأما قولهم بصحة بيع المكره بلحوق الرضا، فلو سلم، يدفعه أن
الطيب والرضا شرط مستقل معتبر في نفوذ العقد ولو مع وقوعه من
المالك وهو منتف في بيع المكره فإذا حصل تم السبب وأثر أثره، وأين
ذلك من الإجازة المصححة لعقد غير المالك المنتفى فيه شرط الملك حتى
يستدل به عليه ولذا عدوا من الشرائط الاختيار والملك، فاحترزوا بالأول
عن بيع المكره وبالثاني عن بيع الفضولي. وبالجملة، لا مانع من نفوذ بيع
المكره إلا عدم الرضا المرتفع بحصوله والمانع في الفضولي غير ما هو مانع
في المكره.
وأما استدلالهم بما تقدم في كون الإجازة كاشفة، ففيه أن كلامهم
مسؤق لبيان شرطية حصول الرضا وتمامية العقد به، وأما كيفية الحصول
فهي قضية مهملة غير سوق لبيانها وهو واضح.
وأما شروط تأثير الإجازة فهي (1) أمور:
266

الأول: أن لا يسبقها رد، فلو تخلل الرد بينها وبين العقد بطل
تأثيرها لأن الرد ابطال لما أحدثه الفضولي من ربط البدلية بين العينين ولو
ناقصا "، فهو بمعنى الفسخ الذي لا شك في عدم تأثير العقد بعده غير أن
الربط الحاصل في المردود ضعيف وفي المنفسخ شديد فليكن تأثير الرد في
الابطال أولى من الفسخ فيه. مضافا " إلى دعوى الاجماع الصريح. والظاهر
267

من بعض معتضدا " بدعوى الاتفاق من جماعة وإن كان ظاهر خبر الوليدة
المتقدم يعطي عدم اعتبار هذا الشرط وتأثير الإجازة المسبوقة بالرد بناء على
ظهور المخاصمة فيه واطلاق حكم علي (ع) بأخذ الوليدة مع لزوم تقييده
باختيار الرد لولا ظهوره فيه واسترداد الجارية ومناشدة المشتري للإمام (ع)
برد ولده - حسبما تقدم ذلك كله - إلا أنه يجب بمعونة ما تقدم من الاجماع
والقاعدة صرفه إلى ما لا ينافي اعتبار هذا الشرط بالحمل على التردد دون
268

الرد مع الجواب عما يستظهر منه الثاني بالوجوه المتقدمة. نعم لو كان الوجه
في اعتباره ليس إلا عدم استناد العقد إلى المالك برده وإن أجاز بعده
أمكن دفعه بمنع ذلك وصحة الاستناد إليه بالإجازة عند تحققها وعدم الاستناد
حين الرد قبل لحوق الإجازة منشأه عدم الإجازة لا وجود الرد. و (دعوى)
إخراج المورد بالرد عن قابلية الاستناد ولو بلحوق الإجازة (عين)
المصادرة، إلا أنك قد عرفت أن الموجب لاعتبار هذا الشرط إبطال العقد
بالرد وزوال الربط به فلا يبقى بعده ما تلحقه الإجازة.
الثاني - يشترط في تأثير الإجازة كون المجيز مالكا حين الإجازة، فلو
عقد فضولا على مال ثم انتقل المال إلى الوارث قبل الإجازة من المورث
ملك الإجازة بناء على جواز مغايرة المجيز والمالك حال العقد كما سيجئ
في مسألة: من باع ثم ملك، لأنها من آثار ملك المال، وليست بنفسها
موروثة لأنها من الأحكام لا من الحقوق، ومع تعدد الوارث لكل واحد
منهم الإجازة في ما يملكه من التركة دون غيره منها ومع التبعض للأصيل
خيار تبعض الصفقة ولا كذلك لو كانت الإجازة بنفسها موروثة بناء على
أنها من الحقوق فإنه حينئذ لكل واحد منهم إجازة ما وقع عليه العقد جملة
ومن كان له الإجازة كان له الرد، وحينئذ، فلو اتفقا على أحدهما أو
اختلفا وكان على التعاقب كان الحكم واضحا "، وإن اختلفا واتحد زمانهما
ففي سقوط كل منهما بتصادم الآخر، فيلغو عن السببية ويرجع إلى ما يلحق
بعدهما من الرد أو الإجازة أو سقوط إجازة الثاني عن التأثير لصدق تخلل
الرد بينها وبين العقد أيضا، فيشمله اطلاق ما دل على بطلان الإجازة المسبوقة
بالرد من معقد الاجماع مع احتمال دعوى عدم اطلاق المعقد له أو انصرافه
لو سلم إلى غير الرد المعارض بالإجازة -: احتمالات، ويحتمل الفرق أيضا " بين
إرث الإجازة وتبعيتها للمال الموروث فيما لو تعلق عقد الفضولي بعين يختص
269

بها وعلى الإرث كان لمن يرثها مطلقا مع احتمال اختصاص إرثها بمن يرث
متعلقها ضرورة أن حقيتها باعتبار حقية متعلقها.
هذا ولكن لا ثمرة في هذه الفائدة بعد معلومية كون الإجازة من
الأحكام لا من الحقوق بالبداهة كما تقرر في محله.
الثالث - هل يعتبر في تأثير الإجازة مطابقتها للعقد مطلقا " كما وكيفا " أولا
يعتبر كذلك أو يفصل فيعتبر في الثاني دون الأول؟ وجوه، بل لعلها
أقوال. وجملة صورها بحسب الاختلاف فيهما أو في أحدهما من حيث النقيصة
أو الزيادة كثيرة، أصولها أربعة بمعرفة أحكامها تعرف أحكام غيرها
ضرورة أن الاختلاف إما بحسب الكم أو بحسب الكيف، وكل منهما: إما
أن تقع الإجازة على بعض ما وقع عليه العقد أو عليه مع الزيادة.
فنقول: إحداها لو أوقع العقد على صفقة فأجاز المالك بيع بعضها، والأقوى
فيها الجواز بناء على جريان الفضولي في مسألة تبعض الصفقة لوجود المقتضى
وعدم المانع من غير فرق بين كون المبيع لمالك أو لمالكين فأجاز أحدهما
دون الآخر غير أن ضرر المشتري بالتبعض مجبور بالخيار، وأما على القول
ببطلان التبعض مطلقا كما عن بعض لأن الواقع غير مقصود والمقصود غير
واقع أو في خصوص الفضولي لكونه مخالفا " للأصل، فيقتصر على موارد
دليله التي ليس المفروض منها فيعتبر المطابقة في تأثير الإجازة إلا أن كلا
من المقدمتين مع كونه خلاف المشهور في حيز المنع جدا ".
ثانيتها عكسها، كما لو عقد على البعض وأجاز بيع الكل فلا اشكال
في عدم نفوذها في الزائد، وإن رضي به المشتري لأن مرجع نقله حينئذ
إلى النقل بمجرد التراضي ومن غير سبب يوجبه وفي نفوذها فيما وقع عليه
العقد وجهان، أقربهما العدم لعدم إحراز الإجازة في البعض بعد قيام احتمال
مدخلية الضميمة في الرضا.
270

ثالثتها لو أوقع العقد على شرط فأجازه المالك مجردا " عن الشرط (1)
والأقوى هنا سقوطها عن التأثير حيث يكون الشرط قيدا " للمبيع ومن
مشخصاته لعدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط إذا كان كذلك وإن
كان قابلا للتبعيض من حيث الجزء.
توضيح الفرق بينهما مع كون الشرط جزء عقليا ": هو أن الكل في
الخارج ليس إلا عبارة عن مجموع الأجزاء الخارجية القابل كل منها لتعلق
البيع به مستقلا فبيع الكل ينحل إلى بيع كل جزء بنحو التعاطف، وأما
271

الجزء العقلي فغير قابل لتعلق البيع به والقابل في الفرض إنما هو المشروط
به من حيث كونه مشروطا به أو المجرد عنه من حيث هو كذلك، والأول
غير مجاز، والثاني لم يكن بعضا " من المشروط وإن كان مجازا "، ضرورة
أن المطلق بشرط الاطلاق مباين للمقيد لا بعض منه والذي هو جزء منه
المطلق المعرى عن قيدي الاطلاق والتقييد المعبر عنه اللابشرط، وأين ذلك
من مسألة التبعض. نعم يقوى صحة المجاز كذلك إذا لم يكن الشرط من
المشخصات بل كان مجرد التزام به في ضمن عقد البيع بناء على عدم فساد
العقد بسقوط الشرط من المالك أو لفساده شرعا ". ومنه يظهر الاشكال في
اطلاق كلام شيخنا في (مكاسبه) حيث قال: " ولو أوقع العقد على
شرط فأجاز المالك مجردا عن الشرط فالأقوى عدم الجواز بناء على عدم
قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط وإن كان قابلا للتبعيض من حيث
الجزء ولذا لا يؤثر بطلان الجزء بخلاف بطلان الشرط " انتهى.
رابعتها عكسها بأن عقد الفضولي وأجاز المالك مشروطا ورضي الأصيل
أقواها الطلان (1) ففيه احتمالات: أقواهما البطلان مطلقا " لعدم الالتزام بالشرط الواقع
273

خارج العقد والمجرد عنه غير مجاز لتعلقها به مشروطا، لا مطلقا ".
الرابع - هل يشترط في تأثير الإجازة علم المجيز تفصيلا بالعقد وحقيقته
وجميع ما يعتبر في صحته أم يكفي العلم الاجمالي بوقوع عقد على ماله قابل
للإجازة؟ وجهان: والأول هو الأقوى لعموم النهي عن الغرر مضافا إلى
لحوق كل إجازة إلى عقدها في الغرر المنهى عنه فيه. وقياسها بالوكالة المغتفرة
فيها الجهالة في الجملة اتفاقا كما (في المسالك) وغيره، قياس مع الفارق
لأن مرجع اطلاق الوكالة إلى تفويض الأمر إلى الوكيل وتعيين الأمر بيده
كعامل القراض وهو الوجه في اغتفار الجهالة فيها لا ما ذكره (في المسالك)
من أن الغرر مندفع بمراعاة الوكيل مصلحة الموكل لأن المصالح بنفسها
274

تتفاوت وإن تساوت في الزيادة والنقيصة فلا يندفع الغرر بمراعاتها أيضا " فيعتبر
في المجيز علمه بكل ما لولاه لكان غررا " تكون المعاملة معه سفها أو منجرا "
معه إلى التخاصم كما تقدم من معنى الغرر، ولا دليل على اعتبار أزيد
من ذلك (1)
275

الخامس - هل يعتبر في تأثير الإجازة بقاء اجتماع الشروط المعتبرة في
صحة العقد إلى زمان الإجازة أولا يعتبر (1) الظاهر أن ما يرجع إلى صفات
المتعاقدين من العقل والرشد ونحوهما لا يعتبر أزيد من تحققه حين الانشاء
وأما ما يرجع إلى العوضين فكذلك بعد العلم به ما لم تدخل الإجازة بسبب
زواله في المعاملات السفهية كما لو فسد أحد العوضين لطول المدة وقبل
الإجازة سيما على القول بكونها ناقلة ولو زال وصف الملك بعد العقد ثم
عاد إليه قبل الإجازة ففي نفوذ الإجازة حينئذ وعدمه وجهان، مبنيان على
276

سقوط العقد عن الصحة التأهلية بزوال الملك فلا تأثير للإجازة بعده أو بقائها
وإن زال التعلق لزوال وصف المتعلق فيتعلق بعد عود الوصف إليه فتنفذ
الإجازة فيه، ولعل الأول هو الأقرب، ومع عدم العود إليه الذي يكون
الشئ معه بحكم التلف تلغو الإجازة قطعا " لخلوها عن الفائدة حينئذ، وهو
على النقل واضح وعلى الكشف كذلك بناء على القاعدة المسلمة: من أن
كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه، ولولاها لأمكن ظهور
الثمرة في كون التالف من المشتري على القول بالكشف دون البايع نعم
لو وقع القبض قبله وتعلقت الإجازة به أيضا أمكن دعوى ظهور الثمرة
المتقدمة فيها على الكشف ولو انعكس الأمر بأن زال الملك قبل العقد ثم
عاد بعده قبل الإجازة فالظاهر بطلان الإجازة لبطلان العقد الواقع على
محل غير قابل للتأثير فيه وإن تجددت القابلية بعد، إذ لا قابلية حين العقد
ولا عقد عند القابلية.
السادس - هل يعتبر في صحة عقد الفضولي لنفوذ الإجازة وجود
مجيز له في الحال أولا يعتبر؟ قولان، استقرب الأول منهما العلامة في
277

(القواعد) وفاقا للمحكي عن الإسكافي منا، وأبي حنيفة من العامة والأقرب
العدم وفاقا لما عن ابن المتوج البحراني والمحقق الثاني وثاني الشهيدين، بل وكل
من تعرض للمسألة من المتأخرين حتى قيل: إن القول بالأول من خصائص العلامة
فلو باع مال الطفل بما لا مصلحة فيه أو بما يكون خلاف المصلحة ثم بلغ
وأجاز صح ونفذت الإجازة لشمول ما دل على صحة الفضولي بالإجازة لذلك
مضافا إلى ما ورد في تزويج الصغار فضولا، الشامل باطلاقه لما لو أهمل
الولي الإجازة إلى بلوغهم ولم يكن لهم ولي اجباري وقلنا بعدم ولاية الحاكم
على الصغير في النكاح وبطلان ما استدل به على البطلان: من أن صحة
278

العقد في زمان عدم المجيز له ممتنعة، وإذا امتنعت في زمان ما امتنعت دائما
لأن بطلان العقد في زمان يقتضي بطلانه مطلقا " ولما فيه من التصرف على
المشتري لامتناع تصرفه في العين لامكان عدم تحقق الإجازة ولعدم تحقق
المقتضى وفي الثمن لامكان تحققها فيكون قد خرج عن ملكه وهو منفي
بقوله صلى الله عليه وآله: " لا ضرر ولا ضرار " لضعف الأول بمنع امتناع الصحة إن
أريد بها الصحة التأهلية، كيف وتوقفها عليه باعتباره فيها عين الدعوى
وإن أريد بها الفعلية فمسلم إلا أنها غير الصحة المبحوث عنها في الفضولي
279

وضعف الثاني مضافا إلى النقض ببيع مال الغائب النائي المتوقف إجازته على
مضى زمان طويل بتدارك الضرر مع الجهل بالخيار ومع العلم فبأنه
أقدم عليه.
هذا والمراد بالمجيز من يملك الإجازة سواء كان مالكا " أو وليه أو الحاكم
أو عدول المسلمين ولذا ينذر فرض عدم المجيز أصلا وفرضنا عدمه للإجازة
الشخصية حيث لا يكون في البيع مصلحة للطفل تسوغ الإجازة أو كان على
خلاف المصلحة.
السابع - لا يشترط في المجيز كونه مالكا للتصرف حين العقد بلا إشكال
كما لو كان محجورا " عليه من غير فرق بين كون الحجر لنقصان فيه لصغر
مثلا أو لتعلق حق الغير به كالرهن غير أنه في الأول يختص الجواز بما
لو كان العاقد غيره لكونه مسلوب العبارة فينفذ لو بلغ وأجاز مطلقا " على
الأقوى أو مع وجود المجيز حين العقد واهماله الإجازة بناء على اعتباره كما
تقدم وفي الثاني مطلقا سواء كان هو المباشر للعقد أو غيره فضولا مع رفع
الحق المتعلق به بفك ونحوه، غير أنه في الثاني يتوقف على إجازة المالك
280

وفي الأول غير محتاجة إلى إجازته بعد رفع المانع لوقوع العقد من أهله
غير أن نفوذه كان متوقفا على رفع الحق المتعلق به المفروض رفعه بفك
أو اسقاط وفي اشتراط كونه أي المالك المجيز مالكا " للعين حين العقد بأن
يكون المالك حين الإجازة هو المالك حين العقد وجهان، بل قولان.
وفي المسألة صور متعددة وجملتها: هو أن البايع لمال الغير فضولا
إما أن يبيع لنفسه أو للمالك وعلى التقديرين فإما أن ينتقل الملك إليه أو إلى
غيره، وعلى التقادير فإما أن ينتقل قهرا " بالإرث أو اختيارا " بأحد النواقل.
ولكن الذي وقع عنوانا للمسألة في كلامهم هو ما لو باع مال الغير
ثم ملكه (1)
281

وقد اختلفوا فيه على قولين: فمنهم من ذهب إلى صحة العقد كما لو
اتحد المالك بل احتمل بعضهم هنا عدم التوقف على إجازته بعد تملكه
ومنهم من ذهب إلى بطلان العقد وخروجه عن حكم الفضولي من الصحة
والتوقف على الإجازة.
282

وليعلم أولا " إن اطلاق عنوان من باع مبني على عدم اعتبار قصد
المنتقل عنه والمنتقل إليه في صحة البيع كما تقدم، وإلا فلا بد في الصحة
من تقييد العنوان بما لو باع للمالك.
283

وثانيا لا بد من فرض كون المبيع عينا " خارجية للغير أو كليا في ذمة
الغير، ضرورة أنه لو باع كليا في ذمة نفسه موصوفا " بما يطابق ما هو عند
284

الغير ثم اشتراه كان خارجا عن المسألة قطعا بل هو خارج عن موضوع
285

الفضولي كذلك لأنه باع ما يملكه مما هو متعلق بذمته والذي اشتراه إنما
286

يدفعه وفاء عما في ذمته وليس هو من بيع ما ليس عنده المنهى عنه كما نبه
287

عليه في الدروس، كيف ومن ذلك بيع السلم والنسية.
إذا عرفت ذلك، فنقول: الأقرب هنا أيضا هو الصحة لعموم ما دل
288

على صحة عقد الفضولي الشامل لصورتي ما إذا اتحد المالك أو تعدد غير أنه
في الثاني يكشف عن النقل بناء على الكشف من حين التملك لا من حين
العقد لأن القدر الثابت من دليل الكشف هو النقل من حين استجماع الشرائط
المعتبرة التي منها الملك إلا رضا من يعتبر رضاه وليس الملك إلا كالقبض
289

في العقد المتوقف صحته عليه (1) فلو أجاز بعد مضي زمان عن القبض المتأخر
كذلك فيه فإنما تكشف الإجازة عن النقل من حين القبض لا من حين العقد
لعدم امكان النقل من حينه بعد إن كان القبض معتبرا في صحته، فمرجع القول
بالكشف إلى الكشف من حين الامكان لا من حين العقد مطلقا حتى فيما لا يمكن.
وبما ذكرنا ظهر الجواب عن المحاذير التي أوردوها على القول بالصحة
فيما لو باع شيئا ثم ملكه: من أنه يلزم كون الملك لشخصين في زمان
واحد لأن الإجازة من المالك الجديد على الكشف تكشف عن ملك المشتري
من حين العقد وهو من حينه للمالك الأول، ولذا صح بيعه للثاني ومن
أنه يلزم من صحة عقد الفضولي بطلانه لأن صحة عقد الأول مستلزمة لبطلان
294

عقد الثاني، لانكشاف وقوعه على مال الغير، وبطلان الثاني مستلزم لبطلان
الأول، لأنه بالإجازة الصحيحة تنكشف صحته من حين العقد، والمفروض
بطلانها لبطلان عقدها ومن لزوم خروج المبيع عن ملك المجيز قبل دخوله
في ملكه لأنه بإجازته ينكشف الخروج عن ملكه من حين العقد الأول
السابق على تملكه بالعقد الثاني ومن لزوم توقف كل من العقدين على إجازة
الآخر ضرورة توقف صحة عقد الأول على إجازة الثاني لانتقال الملك إليه
295

وصحة العقد الثاني على إجازة المشتري الأول لوقوع العقد في ملكه بعد الكشف
بالإجازة عن الصحة من حين العقد لأن ورودها مبني على الكشف الحقيقي
من حين العقد مطلقا ولو مع تغيير المالك، فيلزم: إما تخصيص ما دل
على صحة الفضولي بما إذا اتحد المالك من حين العقد إلى زمان الإجازة،
أو تخصيص ما دل على كون الإجازة كاشفة بذلك، وإنها ناقلة من حينها
فيما لو تعدد المالك.
وأما بناء على الكشف الحكمي كما يأتي أو الكشف من حين ما يمكن
مع تنزيل كلام أهل الكشف من حين العقد عليه في مقابل أهل القول بالنقل
من حين الإجازة، فلا يرد محذور بالمرة.
هذا ويعرف حكم باقي صور المسألة بعد معرفة حكم هذه الصورة منها.
ثم اعلم أن (العلامة في القواعد) ذكر في المقام عبارة ربما توهم
ما لا يمكن الالتزام به من جعل صورة ما لو باع ثم ملك مثالا لعدم وجود
المجيز حين العقد، كما مثل له بما لو باع مال الصبي ثم بلغ وأجاز حيث
قال فيه: " فبيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي وكذا الغاصب
وإن كثرت تصرفاته في الثمن إلى أن قال: والأقرب اشتراط كون العقد
له مجيز في الحال، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ على إشكال،
وكذا لو باع مال غيره ثم ملكه وأجاز " انتهى.
وجعل (في جامع المقاصد) قول مصنفه: " وكذا لو باع.. "
عطفا على حكم مثال بيع مال الطفل، غير أنه تردد في كون الحكم المعطوف
عليه لا ينفذ بنحو الجزم أولا ينفذ على اشكال، وتكلف لكل منهما وجها
فراجع كلامه. وعليه فيرد على مصنفه: إنه كيف جعل ذلك مثلا لعدم المجيز في الحال
مع وجود المجيز حين العقد غير أن المجيز حين العقد غير المجيز حين الإجازة وهو شرط
آخر على تقدير اعتباره، فالظاهر كونه معطوفا على قوله: وكذا الغاصب
296

بتقدير: وكذا يصح لو باع كما في كنز الفوائد وعليه فيكون العلامة
في القواعد ممن يرى صحة بيع من باع مال الغير ثم ملكه وأجاز لا بطلانه
كما توهم هذا وقد بقي في المقام محذور آخر ربما يتوهم من أجله لغوية
الإجازة، وهو أن بيع المالك ولو من الفضولي أما رد لعقده كما أن التصرف
بالنقل ونحوه في زمن الخيار فسخ، وفي الهبة ونحوها من العقود الجائزة
رجوع بتقريب أن مريد الشئ كاره لأضداده التي منها عقد الفضولي،
ولا نعني بالرد إلا الكراهة المنكشفة: إما بالقول أو بالفعل، كما أن الإجازة
هي الرضا المنكشف بأحدهما، وأما بحكم الرد في سقوط العقد عن التأثير
ولو بالإجازة كالعتق والوقف ونحوهما مما يوجب خروج المحل عن قابلية تأثير
الإجازة فيه، وبذلك يظهر وجه التفصيل بين النقل الاختياري والانتقال بالإرث.
وفيه أن الضد لبيع المالك إنما هو صحة عقد الفضولي بالصحة الفعلية دون الصحة
التأهلية لأن الضدية المانعة عن تحقق ضده إنما هي بفعلية تأثيره لا بشأنيته، وأما
القياس بالعتق ونحوه قياس مع الفارق لأن المقيس عليه مما يوجب خروج
المحل عن قابلية تأثير الإجازة فيه وفي المقيس إنما يخرج إجازة المالك عن
التأثير في المحل لا خروج المحل عن تأثير الإجازة فيه.
وبعبارة أخرى ببيع المالك يخرج العقد الأول عن التأثير بالإجازة بالنسبة
إليه لا مطلقا حتى بالنسبة إلى المشتري منه. ودعوى السقوط به عن التأثير
مطلقا مصادرة، لأنه عين الدعوى. وأما كون التصرف الناقل في زمن
الخيار فسخا وفي العقود الجائزة رجوعها، فلظهور الفعل في الصحيح المحمول
عليه بحكم أصالة الصحة في فعل المسلم وهو مستلزم للفسخ أو الرجوع وإلا
لبطل لكونه حينئذ تصرفا في مال الغير، فصحة التصرف موقوفة على
الملك المتوقف حصوله على الفسخ أو الرجوع، وتصرف المالك بالبيع هنا
تصرف في ملكه ولا تتوقف صحته على سبق الرد منه حتى يقال: إن البيع
297

رد منه أو متضمن للرد فينفذ تصرفه فيه ما لم تسبق منه الإجازة، فلا يقاس
ذلك بالتصرفات الناقلة في زمن الخيار أو في العقود الجائزة.
نعم هنا أخبار استدلوا بها على المنع في المقام، بعضها بنحو العموم
كالنبوي المستفيض: " لا تبع ما ليس عندك " والآخر " لا بيع إلا فيما يملك "
لشموله ما لو باع ثم ملك، فإنه حين البيع بيع لما ليس عنده ولما لا يملك.
وفيه ما تقدم فيهما من الجواب عنهما عند الاستدلال بهما على البطلان
رأسا (1) من ضعف سند الأول منهما لكونه عاميا كما يفصح عنه الخبر
المتقدم واحتمال قراءة (لا يملك) بالبناء للمجهول، وأنه محمول على
بيع ما يتعذر عليه تسليمه أو يتعسر إرشادا إلى دفع كلفة التسليم المنزل على
إرادة البيع الموجب لترتب الآثار عليه، وبعضها بنحو الخصوص في المورد
كرواية يحيى بن الحجاج: قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل
يقول لي: اشتر لي هذا الثوب وهذه الدابة وبعنيها أربحك كذا كذا؟
قال: لا بأس بذلك اشترها ولا تواجبها قبل أن تستوجبها أو تشتريها " ورواية
خالد بن الحجاج قال: " قلت لأبي عبد الله (ع): الرجل يجيئني ويقول:
اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا؟ قال: أليس إن شاء أخذ وإن شاء
ترك؟ قلت: بلى، قال: لا بأس إنما يحرم الكلام ويحلل الكلام " بإرادة
عقد البيع من الكلام بتقريب: إن الحل والحرمة يدوران مدار الكلام
298

وجودا وعدما، فالحل يدور مداره نفيا والحرمة اثباتا كما عن الوافي
299

في تفسيره وعليه فيكون المراد من العقد المحرم وجوده والمحلل عدمه هو
عقد الفضولي، أو بإرادة عقد المالك من الفضولي فيكون ثبوته محللا ونفيه
300

محرما فالكلام حينئذ محلل إثباتا ومحرم نفيا كما هو الظاهر في تفسيره. وعلى
التقديرين يستفاد منها المنع عن البيع قبل شرائه من المالك، وصحيحة ابن
301

مسلم قال: " سألته عن رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا " لعلي أشتريه منك
بنقد أو نسية، فابتاعه الرجل من أجله؟ قال: ليس به بأس إنما يشتريه
302

منه بعد ما يملكه " وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع): " في
303

رجل أمر رجلا ليشتري له متاعا " فيشتريه منه؟ قال: لا بأس بذلك
304

إنما البيع بعد ما يشتريه " وصحيحة معاوية بن عمار قال: " سألت
305

أبا عبد الله (ع): يجيئني الرجل فيطلب بيع الحرير وليس عندي شئ
306

فيقاولني عليه وأقاوله في الربح والأجل حتى نجتمع على شئ، ثم أذهب
307

لأشتري الحرير فأدعوه إليه فقال: أرأيت إن وجد هو مبيعا " أحب إليه مما
عندك أتستطيع أن تصرف إليه ويدعك، أو وجدت أنت ذلك: أتستطيع
أن تصرف عنه وتدعه؟ قلت: نعم قال: لا بأس ".
والانصاف أن هذه الأخبار، وإن كانت صريحة في المنع عن البيع
قبل التملك إلا أنها محمولة على البيع الموجب لترتب الآثار عليه من الالزام
والالتزام بمضمونه بحيث للمشتري مطالبة الفضولي بما باعه والتزام الفضولي
للشراء من المالك للدفع إليه وفاء لما التزم به كما لعله العادة الجارية عند
العرف على وقوع هذا النحو من المعاملة ولو بقرينة قوله في رواية خالد:
أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك، وقوله في صحيحة معاوية: أرأيت إن
وجد هو مبيعا ".. الخ، النافيتين للبأس عما لم يكن فيه إلزام والتزام، الدالتين
بالمفهوم على ثبوته فيما كان كذلك وليس إلا البيع الموجب لترتب الآثار
عليه بإرادة الصحة الفعلية منه دون الشأنية المبحوث عنها في المقام، كيف
والصحة التأهلية ثابتة للعقد بالنسبة إلى المالك لأن البحث عنها هنا بعد البناء
308

على صحة الفضولي وعدم العبرة بقصد المنتقل عنه في حقيقة البيع كما عرفت
والتبعيض في الصحة بالنسبة إلى بعض دون بعض لا وجه له.
لكن رواية حسن بن زياد الطائي قال: " قلت لأبي عبد الله (ع)
إني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير إذن مولاي ثم اعتقني بعد، فأجدد
النكاح؟ فقال: علموا أنك تزوجت؟ قلت: نعم، فسكتوا ولم يقولوا
لي شيئا، قال: ذلك إقرار منهم، أنت على نكاحك " ظاهرة بل صريحة
ولو بمعونة السؤال عن علم السيد واستناد صحة النكاح والبقاء عليه إلى سكوته
مع علمه المنزل على إقراره - في بطلان عقده أولا ذلك، وإلا لكان استناد
ذلك إلى إجازته حين أن ملك نفسه بالتحرير أولى لأن النكاح حينئذ صحيح
على كل تقدير عند التحرير مطلقا " أو مع إجازته من غير حاجة إلى السؤال
عن علم السيد وسكوته حتى يكون إقرارا " منه.
إلا أنه يمكن الجواب عنه، بأن سؤال السائل - وإن وقع عن لزوم
تجديد النكاح وعدمه وعدم التجديد وإن كان معلولا لأحد أمرين إما الاقرار
السابق أو التحرير اللاحق الموجب لصحته من حينه لا من حين العقد - إلا
أن فائدة السكوت مع العلم أتم لاستلزامه الصحة من حين العقد فالعدول
عن بيان حكم المسؤول عنه إلى السؤال عما يستلزمه لو تحقق إنما هو رجاء
لتصحيح النكاح والوطء من حين العقد، فإنه أتم فائدة وأعم نفعا ".
هذا وعلى ما نزلنا عليه الأخبار المتقدمة ينزل كلام العلامة في (التذكرة)
حيث أفتى في المسألة بالبطلان، نافيا " للخلاف فيه، مستدلا عليه بنهي
النبي صلى الله عليه وآله عن بيع ما ليس عندك، ولزوم الغرر، حيث قال فيه:
" فروع - إلى أن قال: الثالث، لا يجوز أن يبيع عينا " لا يملكها ويمضي
ليشتريها ويسلمها، وبه قال الشافعي وأحمد، ولا نعلم فيه خلافا "، لنهي
النبي صلى الله عليه وآله عن بيع ما ليس عندك، ولاشتماله على الغرر فإن صاحبها قد
309

لا يبيعها وهو غير مالك لها ولا قادر على تسليمها " انتهى، ضرورة أن كلامه
لا ينطبق إلا على إرادة الصحة الفعلية من البيع وترتب الأثر عليه حتى
يستلزم الغرر باحتمال تعذر التسليم لعدم رضاء صاحبها، سيما وقد سبق منه
في الرد على من استدل على بطلان الفضولي رأسا " بعدم القدرة على التسليم: الجواب
عنه بأن القدرة على التسليم من المالك موجودة إن أجازه فلو أراد بالصحة
هنا الصحة التأهلية كان ما ذكره جوابا " عن دليل خصمه - هنا - جوابا " له
عن دليله في المقام إذ القدرة له على التسليم حاصلة على تقدير تملكه كما أن
القدرة على التسليم هناك حاصلة على تقدير إجازة المالك فالقدرة الفعلية
منتفية في المقامين والتعليقية موجودة فيهما ولا يمكن التفكيك إلا بإرادة
المنع عن الصحة الفعلية هنا والجواز على الصحة التأهلية هناك. ويشهد لذلك
أيضا " ما هو المحكي عنه في (المختلف) فراجع
وكيف كان فالأقوى في المسألة صحة عقد من باع ثم ملك بالصحة
الشأنية التأهلية مطلقا " من غير فرق بين ما لو باع لنفسه أو للمالك وبين من
ملك العين بنقل أو انتقال بالإرث أو ملك التصرف كما لو باع مال الطفل
عاميا " ثم صار فقيها " له الولاية عليه فأجاز لكن في لزوم البيع بمجرد التملك
أو توقفه على الإجازة بعده قولان: اختار أولهما الفخر في (ايضاحه) ولعل
وجهه دعوى اجتماع شروط الصحة من الطيب المنكشف: بالانشاء القولي
بالعقد مستمرا " إلى حصول الملك ولم يكن فاقدا " من شروط التنجز إلا الملك
المفروض حصوله بالتملك.
نعم لو زال الرضا قبله توقف على حدوثه بعده منكشفا: إما بالقول
أو بالفعل، فيكون التسليم على الأول تسليما وفائيا " وعلى الثاني تسليما إجازيا "
ولا دليل على اعتبار مقارنة الرضا المنكشف للتملك بعد صحة استناد العقد
إليه عند التملك بعد انشائه الكاشف عن الطيب المستمر إلى حين التملك
310

خصوصا " فيما لو باع لنفسه فيدخل في عموم: " أوفوا بالعقود " و " تجارة
عن تراض ".
ومنه يعلم الجواب عما قيل في رده: من أن الرضا حين العقد لا يجدي
لكونه من أجنبي غير مالك وعند التملك لا بد من انكشافه على تقدير تحققه
إما بالقول أو بالفعل، وهو وجيه من حيث كبرى القضية، سيما في ما لو
كان البيع لنفسه. وأما الصغرى وهي ثبوت الرضا مستمرا " إلى حين التملك
المتوقف عليه اللزوم لو شك فيه فالأصل بقاؤه.
اللهم إلا أن يقال: أنه من الأصل المثبت، ومع ذلك كله فالأحوط
- بل لعله الأقوى - قصد الإجازة بالدفع والتسليم بعد التملك لأن المقيد
بالانكشاف قولا " أو فعلا " إنما هو الرضاء المعتبر، وحيث كان منكشفا " لم
يكن معتبرا " وحيث صار معتبرا " لم يكن منكشفا " فلا بد من الكشف عنه
حين كونه معتبرا " وهو في زمان التملك فافهم.
ويلحق بالمسألة ما لو باع معتقدا أنه مال غيره ثم بان أنه مال نفسه
لكن يتعين هنا التوقف بعد الكشف على الإجازة لعدم إحراز الرضا أو
فرض العلم بكونه له، بل هو في الحقيقة لليس من الفضولي موضوعا " لأنه
باع ما هو ملكه لكن مثله في الحكم من الصحة والتوقف على الإجازة نعم
لو فرض تحقق الرضا منه حين الانشاء بنقل البيع جزما " غير أنه اقترن بخطاء
معتقده للواقع أمكن جريان الكلام المتقدم في لزومه بمجرد الانكشاف،
بل هنا أولى لأنه باع ما هو ملكه، بل يمكن فيه دعوى اللزوم من حين
العقد وينكشف له عند الانكشاف بل لعله هو الأقوى. وفي الحاق العتق
ونحوه من الايقاعات بالعقود في هذه المسألة في الحكم من الصحة والتوقف
على الإجازة وجهان: مبنيان على جرى الفضولي في الايقاعات وعدمه، وقد
تقدم الكلام فيه مستوفى فلاحظ.
311

فظهر مما ذكرنا سابقا " ولاحقا ": أن قصد ما ليس من مقومات البيع
لا يقدح بصحته مخالفته للواقع غير أنه يتوقف على الرضا بالواقع بعد انكشاف
مخالفة المعتقد له إن كان مما يقبل التوقيف عليه وإلا بطل رأسا " كالايقاعات
بناء على عدم جريان الفضولي فيها أو فيما لا يقبل منها باجماع ونحوه، فلو
باع مال نفسه معتقدا " للغير فضولا عنه أو باع مال غيره معتقدا " لنفسه صح
فيهما وتوقف على إجازته في الأول وإجازة المالك في الثاني بعد الانكشاف
أو أعتق مملوكه بظن أنه مملوك الغير فضولا بل ولو أعتقه عن نفسه كما لو
دفع إليه الغاصب مع جهله، وقال: خذ عبدي وأعتقه عنك، فأعتقه
عن نفسه ثم انكشف أنه مملوكه بطل العتق رأسا " لعدم الطيب في الواقع
أو توقف على إجازته بعد الكشف إن قلنا بالفضولي في الايقاعات. ومنه يعلم
أنه لو إذن المالك بالتصرف في ملكه معقدا أنه لغيره لا يصح للمأذون
العالم بالكيفية التصرف فيه بتلك الإذن لعدم إحرازه على تقدير العلم به بل
لو أذن المالك بالتصرف في ملكه معتقدا " أنه صديقه لم يجز للمأذون التصرف
فيه مع كونه عدوا " لتقييد الإذن له بالعنوان المشتبه في تطبيقه عليه فيدور
مداره واقعا "، فلا إذن مع التخلف. وذلك كله واضح، وإن تأمل بعض
في بعضها (1)
312

هذا تمام الكلام في موضوع الإجازة وشروط تأثيرها وأما حكمها من حيث
كونها ناقلة من حينها أو كاشفة عن النقل من حين العقد، فقد اختلفت كلماتهم في
ذلك على قولين فعن الأشهر - بل المشهور - أنها كاشفة وعن غير واحد ومنهم كاشف
الرموز والفخر في الإيضاح وكاشف اللثام في النكاح وقواه في مجمع الفائدة أنها ناقلة.
وأحسن ما استدل به للأول هو أن الإجازة متعلقة بالعقد فهي رضا
بمضمونه وامضاء له وليس مضمونه إلا نقل العوضين من. حينه ورد بما يرجع
313

ملخصه إلى منع كون زمان العقد قيدا " للنقل ومندرجا " في مضمونه حتى
يكون امضاؤه امضاء للنقل من حينه وإنما الزمان من ضروريات الانشاء
وظرف له بل مضمون العقد ليس إلا مجرد النقل. وترتب الملك عليه
جامعا " للشرائط إنما هو لاقتضاء وجود السبب وجود مسببه وإلا لاقتضى
القبول الملك من حين الايجاب إذ ليس القبول إلا قبول مضمون الايجاب
الذي هو التمليك من حينه وكون العقد مركبا " منهما لا يجدي فارقا " بينهما
بعد جعل ما ذكر ملاكا " لزمان الملك. وفيه أن الزمان وإن لم يكن مأخوذا "
على وجه القيدية في النقل إلا أن الانشاء وإن كان من الفضولي يحدث
ربطا بين العينين ولو في الجملة المنتزعة منه إضافة كل منهما إلى من وقع
314

له العقد عرفا " ولو ضعيفة لم يترتب عليه أثر في الشرع، وهذا القدر من
الربط والإضافة أثر للانشاء ولو كان المنشئ أجنبيا ": وهذا هو المراد من
قولهم بصحة الفضولي بالصحة التأهلية، واستدلال بعضهم على بطلانه رأسا "
بأنه تصرف في مال الغير كما تقدم بتوضيح منا وإلا فمجرد الأهلية ومحض
القابلية لعروض المبادلة بين العينين حاصل قبل الانشاء أيضا "، إذ ليس الكلام
فيه فيما لا قابلية له كبيع ما لا يملك من الخمر والخنزير ونحوهما فإذا حدث
ربط البدلية والإضافة المنتزعة منه بالانشاء وعند وقوعه وحصل الامضاء
من المالك له كان ذلك تصحيحا " منه لذلك الأثر وتتميما " منه للسبب المنتج
للصحة من حينه، فالتصحيح وإن كان حادثا " بالإجازة إلا أن الصحة متعلقة
بالأثر السابق الحادث بالعقد لأنه أمر مجعول شرعي يدور مدار كيفية جعله
واعتباره.
وبالجملة فالإجازة محدثة للتأثير في العقد السابق وجاعلته سببا " تاما "
حتى كأنه وقع مؤثرا، أو للتأثير في أثره الحادث من حينه حتى كأنه وقع
الربط قويا " موجبا " لترتب الأثر عليه وإن لم تكن الإجازة بهذا المعنى شرطا "
اصطلاحيا " ليؤخذ فيه تقدمه على المشروط ولا جزء سبب وحينئذ فالتأثير
وإن كان حادثا " بالإجازة ويحدث بحدوثه الملك إلا أنه ينبسط بحدوثه إلى
حين العقد الذي هو منتهى الانبساط من طرف السابق وحرف الابتداء في
قولهم: من حين العقد لبيان مبدء الطرف لا مبدء الحدوث، فإن زمان الإجازة
مبدؤه وحين العقد منتهاه وبملاحظة الانبساط المذكور عبر عنها بالكاشفة
وامتاز القول: بها عن القول بكونها ناقلة لعدم الانبساط فيه إلا في الطرف
اللاحق. وبذلك يظهر الوجه في عدم جواز التصرف فيه قبل الإجازة لعدم
الملكية قبلها في الواقع وإن علم لحوق الإجازة بأخبار معصوم ونحوه كما
التزم به بعض بناء منه على أن الإجازة بنفسها ليست شرطا بل الشرط
315

هو كون العقد ملحوقا بها وهو شرط مقارن للعقد موصوف به حين وقوعه
وإنما الإجازة محققة لوصف العقد وشرط للعلم باتصافه به كما ستعرف،
هذا ولكن الوجه المذكور إن تم فإنما يتم بالنسبة إلى خصوص كشف الإجازة
عن صحة عقد الفضولي دون كشف سائر الشروط المتأخرة عن صحة
مشروطاتها المتقدمة عليها الواقعة كثيرا " في تضاعيف أبواب الفقه من العبادات
والمعاملات. وبهذا التقرير اتضح لك صحة الاستدلال على كون الإجازة
مؤثرة كذلك بعموم " أوفوا بالعقود وتجارة عن تراض " المتوجه نحو المالك
المجيز بعد استناد العقد إليه بالإجازة وتنزيل انشاء الفضولي منزلة انشائه بل
رضاء العاقد الفضولي المدلول عليه بانشائه منزلة رضاه حتى كأن رضا العاقد
المقارن للانشاء بعد التنزيل رضا المالك الموجب لسببية العقد وتأثيره عنده
مجردا " عن ملاحظة قبلية الزمان حتى عن لحاظ ظرفيته ولا يقدح بذلك تبعية
الملك للتكليف بالوفاء المتوجه نحو المالك حين الإجازة بعد ما عرفت من
الانبساط المذكور.
هذا ولكن مع ذلك كله لو سلم سلامة الوجه بهذا التقرير عن محذور
تقدم المشروط على شرطه أو المسبب على جزء سببه فلا يكاد يسلم كما قيل
عن محذور كون العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل لحوق صفة
التأثير بل لا فرق في الاستحالة بين كونه على صفة عدم التأثير أو عدم
كونه على صفة التأثير لاستحالة خروج الشئ عما وقع عليه اللهم إلا أن
يرجع بعد قيام الدليل عليه إلى الكشف الحكمي من لزوم ترتيب آثار الملك
عليه من حين العقد لا نفس الملك وهو قول آخر في المسألة كما ستعرف.
هذا كله بناء على تصحيح الكشف الحقيقي مع كون الإجازة المتأخرة
بنفسها شرطا " وقيل في تصحيحه لذلك لكن بجعل الشرط كون العقد معقبا
بالإجازة وملحوقا بها وهو شرط مقارن للعقد ولحوق الإجازة إنما هو شرط
316

للعلم بتحقق الشرط المقارن فحال العقد في كونه ملحوقا بها في الواقع أولا
مستور غير معلوم في مرحلة الظاهر تنكشف واقعيته بالإجازة وعدمها.
ويتضح بهذا الوجه حال كل ما ورد في الشرع من الشرط المتأخر
بارجاعه إلى شرطية الوصف المقارن المنتزع من المتأخر بوصف كونه متأخرا "
فيكون وجوده كاشفا عن تحقق الوصف العنواني في الواقع المقارن للمشروط
به في الزمان فالإجازة تكشف عن سبق تحقق العنوان المشروط به العقد ويكفي
في المنع عن التصرف قبلها عدم احراز شرط الصحة فضلا عن كونه مقتضى
الأصل أيضا.
وأما النماء فحيث يدور مدار ملك العين في الواقع كان نماء المبيع
للمشتري ونماء الثمن المعين للبايع تبعا " لملكية العين فيهما من حين العقد.
نعم يلزم على هذا الوجه جواز التصرف قبل الانكشاف مع العلم به بأخبار
معصوم ونحوه كما التزم به بعض مع أن المشهور على المنع عن التصرف،
بل لعل الاجماع محكى عليه إلا أن ينزل اطلاق كلامهم على الغالب من
الجهل بالواقع أو يلتزم به إن تم الاجماع عليه وإن لزم التفكيك بين الملك
وحكمه من جواز التصرف بعد اقتضاء الدليل ذلك كالرهن المملوك للراهن
الممنوع عن التصرف فيه والمحجور عليه الممنوع عن التصرف في ملكه.
اللهم إلا أن يفرق بينهما بوجود المانع عن التصرف في ذلك من تعلق
حق الغير به ونحوه لا لعدم اقتضاء الملك لذلك كما في المقام.
ولكن قد يخدش الوجه المذكور بأن الوصف العنواني أمر منتزع من
المتأخر، والأمور الانتزاعية حيث لا واقعية ولا تحقق لها إلا بواقعية منشأ
انتزاعها وتحققه كانت بنفسها غير قابلة للمداخلة في التأثير، بل لا بد
أن يكون مداخلتها بمنشأ انتزاعها والمفروض عدم مقارنته فالمحذور على حاله.
إلا أنه يمكن الجواب عنه بأن الانتزاعي وهو وصف التعقب إنما
317

هو منتزع عن بعدية الإجازة لا عن الإجازة نفسها والبعدية صادقة بمجرد
عدم اقترانها بالعقد بعد فرض لحوقها به فالمنتزع وعنوان منشأ الانتزاع
معا " مقترنان بالعقد، وهذا القدر كاف في مداخلته في تأثير العقد.
توضيح ذلك: إن الأمر الإضافي: تارة يكون منتزعا " من متضايفين
متحدين في الوجود زمانا "، وأخرى يكون منتزعا " منهما مرتبين فيه بحيث
يكون أحدهما مقدما " والآخر مؤخرا " في الزمان. وبعبارة أخرى منتزع من
وجود فعلي ومعدوم يوجد في زمان متأخر ويصح اتصاف الأول من حين
وجوده بالتقدم ونحوه من الأوصاف المنتزعة كذلك كالسابقية والملحوقية
قبل وجود المتأخر لكونه منتزعا " من كونه سيوجد لا مما هو موجود ووجوده
حينئذ كاشف عن صحة الاتصاف لا شرط لنفسه والحكم مترتب على الأول
من حيث كونه متصفا " بالصفة المذكورة من التعقب والملحوقية المأخوذة
في مفهومهما تأخر المتأخر، فالصفة المذكورة موجودة في الواقع والاتصاف
بها محقق كذلك لكونها منتزعة من أمر سيوجد لا من أمر موجود. وهذا
القدر كاف في امكان مداخلة الأمر الانتزاعي في التأثير من حين انتزاعه
كذلك.
وهذا الوجه للتخلص عن محذور ما ورد في الشرع من الشرط المتأخر
بظاهره عندي أحسن الوجوه المذكورة لذلك بل هو المتعين ولعله إليه يرجع
ما هو المحكي عن تقريرات شيخنا المرتضى - قدس سره - في تصحيح الشرط
المتأخر: من أن الشرط في هذه الموارد ليس بمتأخر، بل المتأخر بوصف
تأخره جعل شرطا " ومعه لا تأخر للشرط فيها. فلا يحتاج في التخلص عنه
إلى ما تكلف له بعض فضلاء المعاصرين: من أن الشرط في هذه الموارد
ليس المتقدم أو المتأخر بوجودهما الكوني الزماني كي يلزم المحذور بل بوجودهما
الدهري المثالي وهما بهذا الوجود لا يكونان إلا مقارنين للمشروط فإن المتفرقات
318

في سلسلة الزمان مجتمعات في وعاء الدهر.
وكيف كان فالكلام إلى هنا في امكان كون الإجازة كاشفة عن
النقل من حين العقد. وأما كونها كاشفة كذلك فيدل عليه مع ذهاب
المعظم إليه بعض الأخبار التي: منها - صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج
الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات
للزوجة الغير المدركة حتى تدرك وتحلف، ضرورة أن العزل لها قبل النقل
إليها مخالف لقاعدة تسلط الناس على أموالهم فاطلاق الحكم بالعزل منضما
إلى عموم: الناس مسلطون على أموالهم يفيدان العزل لاحتمال كون الزوجة
الغير المدركة وارثة في الواقع فكأنه احتياط في الأموال قد غلبه الشارع
على أصالة عدم الإجازة كعزل نصيب الحمل وجعله أكثر ما يحتمل هذا.
وقد بقي الكلام في الثمرات التي ذكروها بين القول بالنقل والقول
بالكشف وعلى الكشف بين جميع محتملاته، وقد سبقت الإشارة إلى بعضها
اجمالا، فنقول: تظهر الثمرة في جواز التصرف وعدمه من الأصيل حيث
يكون أحد الطرفين فضوليا "، والكلام فيه مرة في تصرفه فيما انتقل إليه وأخرى في
تصرفه فيما بينهما.
أما الأول فقد قيل: إنه لا كلام في عدم جواز التصرف فيه على
كل من القولين بالنقل والكشف بجميع احتمالاته إلا على القول بشرطية
التعقب مع العلم به على الأقوى من جوازه ظاهرا " وواقعا ".
وأما الثاني فيجوز التصرف فيه مطلقا " على النقل وعلى الكشف الحقيقي
أيضا، بناء على حدوث الملك من حين الإجازة منبسطا " إلى حين العقد،
لكونه على التقديرين تصرفا في ملكه ظاهرا " وواقعا "، ولا يجوز ظاهرا " وإن
جاز في الواقع على الكشف الحقيقي مع كون الإجازة شرطا " متأخرا " كاشفة
عن حدوث والملك من حين العقد لا من حينها أو كون التعقب شرطا
مقارنا " مع عدم العلم به للأصل فيهما في مرحلة الظاهر ووقوعه في ملكه
319

واقعا " حيث انكشف بلحوق الإجازة ومع العلم بلحوقها جاز التصرف مطلقا "
على التعقب قطعا كما عرفت. وعلى الشرط المتأخر مع الكشف عن حدوث
الملك من حين العقد أمكن دعوى المنع عنه لاحتمال موضوعية الكشف
بالإجازة عن حدوث الملك من حين العقد وهو بعيد جدا " وإن نسب إلى
ظاهر الأكثر. وقد تقدم إمكان حمل إطلاقهم المنع على الغالب من عدم
العلم بلحوق الإجازة والظاهر اتحاد حكم الشرط التعقب أو الإجازة المتأخرة
والكشف عن حدوث الملك من حين العقد منعا " وجوازا " في صورتي العلم
باللحوق وعدمه في مرحلة الظاهر والواقع. ويحتمل التفصيل بينهما. بل يمكن
دعوى جريان ذلك كله فيما انتقل إليه أيضا لوحدة المناط فيه وفي المنتقل
عنه ظاهرا ".
وأما الثمرة بين الكشف الحكمي الذي مرجعه إلى انبساط مجرد الحكم
وترتب آثار الملك من حين العقد وإن حدث الموضوع وهو الملك من حين
الإجازة وبين غيره من الأقوال، فلا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا.
هذا وربما علل منع الأصيل عن التصرف فيما انتقل عنه على القول
بالكشف بجميع معانيه بأمور:
الأول لزوم الضر المنفي آية ورواية على من أنتقل إليه.
الثاني جعل الأصيل ماله عرضة للنقل عنه ولوالى بدل وكل ما كان
كذلك لا يجوز التصرف فيه للقاعدة المستفادة من استقراء الموارد الجزئية
التي روعى فيها احتمال استحقاق الغير له من غير ملاحظة أصل العدم في
ذلك التي منها العزل لأكثر النصيبين في الحمل، ومنها عدم دفع تمام المال
للوراث مع احتمال وجود وارث آخر معه إلا مع الانحصار المحرز بعد
الفحص، ومنها الوقف المردد بين الترتيب والتشريك بين الطبقات مع أن
الأصل عدم استحقاق اللاحقة الزيادة مع الأولى، ومنها عدم جواز التصرف
320

في النذر المعلق على شرط قبل وجوده أو تبين حاله إلى غير ذلك.
الثالث - إن قضية الوفاء المأمور به الالتزام بكل ما هو من لوازمه التي
منها حرمة التصرف فيه كيف والتعاهد بمعاوضة المال ونقله عن ملكه ينافيه
التصرف فيه ولا سيما بما ينافيه، ولا يتوهم استلزام المنع عن التصرف فيما
انتقل عنه للأمر بالوفاء جواز التصرف فيما انتقل إليه لعدم تبعيض العقد
في الأثر، فالمنتقل عنه والمنتقل إليه يتساويان في الحكم منعا " وجوازا " لأن
عدم التصرف منه فيما انتقل إليه لا يعد نقضا " لما أبرم بالعقد بخلاف التصرف
ولا سيما المتلف منه في المنتقل عنه فإنه رجوع منه عما تعاهد عليه والتزم
به بانشائه العقد الذي تم من جانبه وإن توقف شرعا " تأثيره على إجازة الغير
وهو أمر خارج عن التزامه.
وفي الكل نظر: أما الضرر فمع أنه يختص ببعض التصرف ممنوع
تحققه مع عدم نفوذه إلا بالإجازة الراجعة إلى اختياره، وأما القاعدة فغير
مسلمة لأن استفادتها من الموارد الجزئية إنما تكون بعد العلم باتحاد مناط
الحكم في جميعها مع العلم بوجوده في المشكوك فيحكم به عليه لوجود المناط فيه.
وليس ما نحن فيه من هذا القبيل. أما في الإرث فلعدم تحقق الانحصار
فيه ليدفع تمام المال إليه مع أن الأصل عدم استحقاقه للزائد على نصيبه وكون
الشك فيه مسببا عن الشك في وجود وارث غيره والأصل عدمه لا يثبت
الانحصار فيه لكونه من الأصل المثبت، وإن ناقش في كونه منه شيخنا
في (الجواهر) - قدس سره - مع أن دفع الزائد إليه لو فرض كونه لغيره
في الواقع من الاتلاف الموجب لضمان الدافع المستلزم للضرر عليه ولا طريق
إلى ثبوت الانحصار فيه إلا بالفحص، ومع ذلك قيل بجواز تضمينه وأخذ
الكفيل منه بعد الدفع إليه لدفع الضرر عن نفسه.
وأما الوقف المردد بين الترتيب والتشريك مع عدم اطلاق يشك في
321

تقييده فمرجع الشك فيه حينئذ وإن كان هو الشك في كيفية جعل الواقف
وأنه بنحو الترتيب أو التشريك وهو حادث ولا يمكن تعيين الحادث بالأصل
إلا أنه يرجع في الحقيقة إلى الشك في مانعية الموجود من الطبقة الأولى عن
استحقاق الموجود من الثانية مع كونه من الموقوف عليه أيضا بعد فرض
كون الوقف مسلسلا على أولاده ما تعاقبوا وتناسلوا غير أنه شك في كونه
ترتيبا " بينهم بمعنى أن وجود السابق يمنع عن استحقاق اللاحق أو تشريكا "
لا يمنعه عنه، والمانعية حكم وضعي مشكوك جعله، والأصل يقتضي عدمه
إذ الأحكام الوضعية المجعولة مع الشك في جعلها مقتضى الأصل عدمه من
غير فرق بين كون الشرع جاعلا له أو الواقف، ولا يتوقف استحقاق
اللاحق له بعد دخوله في سلسلة الموقوف عليه على ثبوت عنوان الشركة
حتى يكون من الأصل المثبت وإن كان ينتج بذلك نتيجتها وبالجملة الشك
في مانعية الموجود: مرة للشك في كونه مصداقا لما هو معلوم المانعية،
وأخرى للشك في جعل المانعية الذي يكون على تقديره مانعا " والشبهة على
الأول موضوعية وعلى الثاني حكمية وأصل العدم يجري في الثاني مطلقا " وإن
قلنا برجوعه إلى استصحاب العدم ولا يجري في الأول إلا على تقدير القول
بكونه أصلا مستقلا والدليل عليه بناء العقلاء إذ المفروض ليس له حالة
متيقنة حتى تستصحب واستصحاب عدم وجود المانع لا يثبت عدم مانعية
الموجود والشبهة في ترتيب الوقف أو تشريكه من القسم الثاني الذي يجري
فيه الأصل قطعا " فافهم.
وأما النذر فالكلام فيه كالكلام في الفضولي مع الإجازة، والخلاف
فيه معروف، والمسألة ذات قولين معروفين ليس المنع عن التصرف فيه
قبل تحقق الشرط اتفاقيا بل لعل الأقوى فيه الجواز لكون ثبوت حق للمنذور
له متعلق بالمنذور مشروطا " بشرط والمشروط، عدم عند شرطه مع أن الأصل
322

يقتضي عدمه. نعم لو قلنا بثبوت الحق له في الواقع لتحقق الشرط في
علم الله ولذا قيل بالتفصيل فيه بين ما لو علم تحققه كالمشروط بوقت وما لم يعلم
كان كالإجازة المتأخرة على تقدير القول بكونها كاشفة مع امكان الفرق
بينهما كما قيل بناء على المنع في الفضولي قبل الإجازة لعموم الأمر بالوفاء
ولا عموم في النذر المعلق حتى يتمسك به قبل تحقق شرطه مع كون الأصل
فيه يقتضي العدم إلا أن الاستناد فيه إلى عموم " الأمر بالوفاء " عندي محل
نظر - كما ستعرف - وأما عزل نصيب الحمل ونصيب الزوجة الصغيرة إلى
أن تبلغ وتحلف للنص الخاص فلا يتم بهما تأسيس قاعدة كلية يخرج بها
عن حكم الأصل.
وأما الثالث وهو التمسك بالأمر بالوفاء، فمع أنه لو تم لم يفرق بين
الكشف والنقل وإلا فلا على القولين ضرورة أن الشبهة موضوعية على تقدير
توقف الوفاء على تمامية السبب وحكمية على تقدير كفاية جزء السبب في
ذلك. فإن قيل بالأول لزم القول بجواز التصرف على الكشف أيضا عملا
بالأصل، وإن قيل بالثاني لزم القول بحرمته على النقل أيضا، والتفكيك
بينهما على القولين ركيك - نمنع صدق العقد المأمور بالوفاء به قبل الإجازة
ولو قلنا بها كاشفة بعد أن كان مقتضى الأصل العدم سيما على القول بكونها
شرطا " متأخرا ". فظهر مما ذكرنا قوة جواز التصرف فيما انتقل عنه على كل
من القول بالنقل والكشف بمعانيه ما لم يعلم لحقوق الإجازة وضعف القول
بالتفصيل بينهما حتى جعلوه ثمرة بين القولين مطلقا ".
وتظهر الثمرة أيضا " على ما قيل في النماء المنفصل الحادث بين العقد والإجازة
فنماء المبيع للمشتري ونماء الثمن المعين للبايع على الكشف وكل منهما للمالك
الأول على النقل وهو حسن على الكشف مع كون التعقب شرطا " أو كاشفا " عن حدوث
الملك من حين العقد. وأما على الكشف الانبساطي أو الحكمي ففيه تأمل.
323

هذا مع العلم بتجدد النماء بين العقد والإجازة. وأما مع الشك فيه
واحتمال تجدده قبل العقد كالحمل مع كون الحامل مقبوضا " للثاني بقبض
صحيح كما لو وقع بعد الإجازة وشك فيه مع ذلك فهو محكوم به له لليد
القاضية بملكية ما هو تحت سلطنته إلا ما علم خروجه عن ملكه فيكفي في
ملكيته بعد فرض كون اليد عليه احتمال كونه له بحدوثه في ملكه، بل
هو القدر المتيقن من ملكية ما يجده في داره أو صندوقه المختصين به مع
عدم مشارك له في التصرف، فراجع المسألة في محلها، بل قيل بكونه حينئذ
ملكه حتى لو علم أنه لم يكن له لأنه من الرزق الذي ساقه الله إليه فمع
الشك واستقلال اليد عليه لا اشكال في أنه يحكم له في مقام التداعي لكونه
ذا يد عليه، والأول يدعي عليه ما هو خلاف الأصل ولا يحتاج الثاني في
تملكه إلى اثبات حدوثه في ملكه حتى ينفي بالأصل أيضا لكونه ذا يد عليه
بعد إن كان ذا يد على الحامل بل كان ذلك كذلك حتى في تكليف نفسه فيما
بينه وبين ربه.
نعم يشكل الحكم فيما لو ظهر الحمل والحامل المبيع مثلا تحت يد
البايع قبل الإجازة وقبض المشتري، إذ لا يد للمشتري عليه حتى يحكم بكونه
له ويد البايع عليه حينئذ على الكشف غير مالكية. ولذا كان مضمونا " عليه
بالتلف قبل القبض وإصالة عدم حدوثه قبل العقد معارضة بعدم حدوثه
بعده إذا كان الأثر مرتبا " على التأخر والحدوث في ملكه ولا يثبت الحدوث
وعنوان التأخر بأصالة عدم التقدم، فيكون المورد من التداعي الذي لا يد
لأحدهما عليه كالمال المطروح بينهما إلا أن ذلك مبني على عدم اليد للبائع عليه
قبل الاقباض -. وفيه تأمل بل لعله ممنوع، وعليه فينعكس الحكم ويحكم به
للبايع باليد ما لم يعلم حدوثه بعد العقد فتأمل، لكن ذلك مبني على ما هو
المشهور - بل الأقوى - من عدم دخول الحمل تبعا " للحامل في المبيع إلا
324

بالشرط خلافا " للشيخ - قدس سره - فيدخل بالتبع، وعليه فهو للمشتري
على التقديرين: إما بالتبع أو لكونه نماء ملكه.
وتظهر الثمرة أيضا - على ما قبل فيما لو اشترى عبدا " أو مصحفا "
من الفضولي ثم كفر قبل الإجازة، صح على الكشف لكونه مسلما حين
العقد وإن أجبر على بيعه بالكفر، وبطل على النقل لوجود المانع حين
الانتقال وهو حسن إن لم نعتبر في الصحة بقاء قابلية المتعاقدين للمالكية
من حين العقد إلى حين الإجازة وإلا بطل على التقديرين. وتنتفي الثمرة
حينئذ من البين، لكن القابلية لو فرض عدم اعتبارها لم يطرد ظهور الثمرة
في أنحاء زوالها بين العقد والإجازة الذي منها زوالها بالموت، ضرورة أنه
إن كان من المالك المجيز بأن مات قبل الإجازة وقلنا بكونها موروثة - بناء
على كونها من الحقوق صح على كل من القول بالكشف أو النقل، وإن
لم تكن موروثة - كما هو الحق لكونها من الأحكام - بطل على القولين
أيضا، فتنتفي الثمرة على التقديرين، إلا أنه قد مر نفوذها منه لكونه
مالكا " بناء على عدم اعتبار اتحاد المالك من حين العقد إلى حين الإجازة،
وإن مات الأصيل وقلنا بعدم جواز الإجازة حينئذ لأن المأمور بالوفاء وهو
العاقد المورث لم يكن، والوارث لم يكن عاقدا "، انتفت الثمرة على القولين
أيضا "، وإن قلنا بجوازها لكفاية إنشائه في حياته لنقل ملكه معلقا في نفوذه
على وارثه وتوجه الأمر بالوفاء عليه، صح على القولين وانتفت الثمرة
أيضا على التقديرين غير أنه على الكشف دخل العوض في ملك المورث ثم
منه انتقل إلى الوارث، وعلى النقل انتقل من المجيز إليه بلا واسطة المورث
وإن كان بسبب إنشائه.
وبالجملة ليس مظهر الثمرة بين القولين مطلق زوال القابلية بين العقد
والإجازة بل يختص ذلك بصنف خاص منه نحو الكفر المانع عن تحقق
325

سلطنة للعاقد على ما انتقل إليه، ولذا كانت الثمرة مبنية على القول ببطلان
بيع المسلم أو المصحف من الكافر، وأما على القول بصحته واجباره على
البيع فتصح الإجازة على القول بالنقل أيضا وإن أجبر بعدها على البيع،
وأما لو انعكس الأمر بأن اشترى كافرا " ثم أسلم قبل الإجازة بطل على
الكشف قطعا ". وعلى النقل يحتمل الصحة لأن المانع عنها ليس إلا نفي
السبيل المفروض عدم تحققه إلا عند الإجازة المفروض كونه مسلما " حينها
كل ذلك حيث يصح على الكشف فإنما هو على الكشف التعقبي
أو الحدوثي من حين العقد. وأما الانبساطي أو الحكمي فهما كالنقل على الأظهر
حسبما تقدم.
وتظهر للثمرة أيضا " - على ما قيل - فيما لو زال التمول عن العوضين
أو أحدهما قبل الإجازة، فعلى النقل بطل لعدم التمول حينئذ وعلى الكشف
صح لتموله حين الانتقال.
قلت: هو حسن حيثما لا يدخل بزوال التمول الذي هو بحكم التلف
تحت قاعدة (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البايع) كما لو زال
التمول عن الثمن المعين، بناء على أن الضمان بالمسمى دون المثل أو القيمة
على خلاف القاعدة فليقتصر على ما قام الاجماع عليه من ضمان المبيع دون
الثمن وإلا فتنتفي الثمرة على الكشف أيضا لو زال التمول على المبيع لكونه
حينئذ من التلف قبل القبض الموجب للانفساخ، إلا أن يفرض فيه كونه
مقبوضا من المشتري الفضولي مع تعلق الإجازة به أيضا الكاشف عن صحته
حين وقوعه إن قلنا به، فكما تكشف الإجازة عن صحة العقد تكشف إجازة
القبض عن خروج البايع عن الضمان بالقبض المنكشف صحته.
هذا كله حيث لا تعد الإجازة بعد الخروج عن التمول من السفه كما
لو استتبع نماء عينا " باقيا " أو قيمة كالأجرة، وإلا فيشكل نفوذ الإجازة
326

على الكشف أيضا كالنقل لكونها حينئذ من المعاملات السفهية الخارجة عن
مقاصد العقلاء. وحيث ما تصح الإجازة. فتظهر الثمرة أيضا في جملة من
الإحكام المتعلقة بالأموال كحق الخيار والشفعة والخمس والزكاة، فلو باع
معيبا " حين العقد ثم زال العيب قبل الإجازة فللمشتري الخيار على الكشف
لكونه معيبا " حين العقد وإن زال في ملكه - على أجود الوجهين فيه - ولا
خيار له على النقل لكونه صحيحا " عند الانتقال ولو تبدل الشريك في حال
العقد بغيره في حال الإجازة فالشفعة للأول على الكشف وعلى النقل للثاني
ويحتمل سقوط الشفعة على الكشف مطلقا لأن الأول لم يشفع ما دام كان
شريكا " ولو لجهله، والثاني لم يكن شريكا " حين تملكه بل الشفعة للمشتري
الفضولي حيث انكشف له تملكه قبل تبدل الشريك ولو باع زكويا " قبل
تمام الحول عليه وأجاز بعده فلا زكاة فيه على الكشف لخروجه عن ملك
البايع قبل تمام الحول، وعلى النقل تعلق به الزكاة غير أن للمشتري خيار
التبعض لتبعضه باخراج الزكاة منه نعم مع علم المجيز به سقط الخيار بالإجازة
المتضمنة حينئذ لقبوله البعض بنسبة من الثمن. ولو وهب في أثناء السنة
فضولا وأجاز المالك بعد انقضائها، فعلى الكشف احتسب الموهوب من
المؤنة في الخمس، وعلى النقل تعلق به الخمس فوجب اخراجه منه ودفع
الباقي إلى الموهوب له.
وتظهر الثمرة أيضا فيما لو تواردت عقود متعددة فضولية على العوضين
أو أحدهما مع وحدة المحل أو اختلافه، كما لو باع الدار فضوليا " من زيد
وباعها زيد من عمرو وهو من بكر وبكر من خالد وهكذا، فللمالك إجازة
ما شاء منها، فإن أجاز أحدهما صح فيه وفي ما بعده على الكشف
لوقوع البيع من المجاز له حينئذ في ملكه وبطل فيما قبله لعدم الإجازة من
المالك وعدم امكانها ممن ملك بعد لأنه يلزم من صحتها بطلانها إن لم نقل
327

بأن النقل من المالك رد لما سبق عليه من العقد وإلا فيبطل بسبب ذلك أيضا
وعلى النقل تبنى على ما تقدم في مسألة (من باع ثم ملك) من الأقوال فيها
البطلان مطلقا " والصحة من غير اعتبار للإجازة منه أو بشرط لحقوها كما هو
الأقوى، ومثله ما لو باع الدار بفرس ثم تواردت العقود على الفرس،
فإن الإجازة تصح فيما أجاز وما بعده وفي الأول منها وهو بيع الدار بالفرس
لتوقف صحة ما أجاز على تلك الفرس الموقوف على إجازة بيع الدار بها
دون ما يتخلل بين عقد الأول والمجاز. وينعكس الحكم فيما لو تواردت
العقود على الأثمان فيصح فيما أجاز وما قبله ويبطل فيما بعده كما لو باع
الدار بفرس والفرس بسيف والسيف بقوس والقوس بكتاب وهكذا، فإن
تملك الثمن المجاز من هذه الأثمان مستلزم لتملك ما قبله وهكذا حتى ينتهي
إلى الثمن الأول دون ما بعد المجاز.
هذا فيما لو تواردت على أحد العوضين. ويظهر لك منه حكم ما لو
تواردت عليهما معا.
ولو عقد اثنان أو أكثر على مال دفعة أو بالتعاقب مع اتحاد المتعلق -
كما لو باع الدار زيد من شخص وباعها عمرو من آخر مقارنا " لبيع الأول
أو بعد - ه فللمالك إجازة ما شاء من العقدين، فإن أجاز أحدهما لغي الآخر
وإن أجازهما: فإن كان العقد بنحو التعاقب كان التأثير للسابق منهما، وإن
كان المجاز لاحقا "، وإن اقترنا في الزمان بطلت الإجازتان للتنافي بين مفاديهما
وترجيح إحديهما ترجيح بلا مرجح وهل يبقى العقدان على الصحة التأهلية
بأن يكون وجود الإجازتين كعدمهما أو تكون إجازة كل منهما ردا " للآخر
فلا ينفع لحوق الإجازة بعده؟ وجهان.
ولو اختلف المتعلق بأن عقد أحدهما على العين والآخر على المنفعة
كالبيع والإجارة فإن أجاز البيع خرج عقد الإجارة عن قابلية لحوق إجازته
328

لخروج العين عن ملكه، وإن أجاز الإجارة لم يبطل عقد البيع رأسا " لعدم
التنافي، غير أن المبيع يكون - مسلوب المنفعة مدة الإجارة - موجبا " للخيار
مع جهل المشتري به لو تأخرت إجازته عن إجازة الإجارة، وكذا لو أجازهما
معا " دفعة مع اقتران العقدين أو سبق عقد الإجارة لامكان العمل بهما لعدم
التنافي، فتصح إجازة الإجارة مطلقا إلا إذا كانت مسبوقة بإجازة البيع،
أو كان عقده سابقا "، فتوقف الصحة على القول بالكشف على إجازة المشتري
لانكشاف كونه مالكا " حين عقد الإجارة وهو واضح.
ولو باع اثنان من شخص واحد وأجازهما دفعة كقوله: أجزت
العقدين ونحوه، فإن اتفقا في الثمن جنسا " وكما فواضح، وإن اختلفا في
الجنس بأن باع أحدهما بالدرهم والآخر بالدينار، أو أحدهما بالفرس والآخر
بالسيف بطلا قطعا " لعدم امكان العمل بهما وفقد المرجح في أحدهما، وإن
اختلفا في محض الكم كأن باع أحدهما بعشرة دراهم والآخر بالأقل صح
ولا مانع من استحقاق الزيادة لتداخل السببين في استحقاق القدر المشترك
وانفراد أحدهما باستحقاق الزائد لعدم المنافاة مطلقا " حتى لو كان أحدهما
كليا " في الذمة والآخر عينا شخصيا غير أنه يتعين حينئذ دفع الثمن المعين
فيتعين الكلي في ضمن هذا المصداق كما لو تعين عليه دفع مصداق خاص
بسبب من الأسباب.
ولو اختلفا في الاطلاق والتقييد، ففي صحة كل منهما كالزيادة في
الثمن أو بطلانهما معا " لتضادهما في الخصوصية وهي الاطلاق والتقييد نظير
اختلاف الثمنين جنسا "، أو صحة المطلق دون المشروط لخروج الشرط عن
أركان العقد وسقوطه باعتبار التعارض أو صحة ما فيه أثر زائد سواء كان
مطلقا أو مشروطا دون غيره كما لو كان أحدهما مع الخيار والآخر بدونه
وجوه واحتمالات، أوجهها الأول.
329

ثم أن إجازة العقد لا توجب إجازة للقبض، فلو قبض العوض فضولا
بعد العقد على المعوض كذلك وأجاز العقد فقط، فللمجيز الرجوع بالعوض
على المالك بالإجازة ويرجع هو على من قبض منه العوض فضولا ما لم يكن
القبض شرطا في صحة العقد كالصرف فإن إجازة العقد فيه بعد المجلس
متضمنة لإجازة القبض حملا للإجازة على الصحيح، وإن أجازهما معا صح
كل منهما، لا لأن إجازة القبض كاشفة عن صحته من حين وقوعه لأن ذلك مبني
على القول بصحة الفضولي في القبض، بل لكفاية الرضا به من حينها في
سقوط ضمانه عن البايع، وعليه فيشكل في قبض الصرف بعد تفرق المجلس
لعدم الاعتبار بالقبض من حين الإجازة نعم يصح فيه على القول بصحة
الفضولي في القبض وكون إجازته كاشفة عن صحته من حين وقوعه.
هذا تمام الكلام في الإجازة.
وأما الرد الذي يشترط عدمه في تأثيرها، فالكلام فيه تارة في موضوعه
وأخرى في حكمه وتأثيره.
أما الأول فهو إنشاء لابطال ما أحدثه الفضولي بانشائه من ربط
البدلية وإزالة لقابلية العقد عن التأثير بقول أو فعل صريحين في الدلالة عليه
فالأول نحو: فسخت ورددت وأمثال ذلك، والثاني كما لو تصرف فيه بما
يوجب فوات محل الإجازة مطلقا ": من تلف العين أو زوال الملك كالعتق
ونحوه لانتفاء الموضوع فيهما حينئذ من غير فرق بين علم المالك بعقد الفضولي
وجهله. وأما التصرف الموجب لزوال المالكية كالنقل ببيع ونحوه فإنما
يفوت محل الإجازة بالنسبة إليه لا مطلقا "، وليس هو صريحا " في الرد حتى
يحكم بزوال القابلية عن العقد، فتصح الإجازة من المنتقل إليه بناء على عدم
اعتبار كون المجيز مالكا " حين العقد غير أنه على الكشف ينكشف نقله من
حين التملك بالعقد من المالك لأنه الممكن لا من حين عقد الفضولي لأنه
330

يلزم من صحتها كذلك بطلانها.
وبالجملة لا تلازم بين النقل عن ملكه والرد حتى يكون دالا عليه،
بل هو أعم منه، فيبقى ما كان من قابلية العقد على ما كان إلى أن تلحقه
الإجازة أو الرد المزيل لها ممن له الرد والإجازة. وقياس التصرف الناقل
هنا في الدلالة على الرد بالتصرف الناقل الدال على الرجوع في العقود الجائزة
قياس مع الفارق لأن صحة النقل في تلك العقود موقوفة على الملك المتوقف
تحققه على الرجوع، فيحكم بالرجوع بمعونة أصالة الصحة في فعل المسلم
فالنقل في مثل ذلك رجوع فعلي لا كاشف عن سيق الرجوع كما توهم،
ولا يتوقف صحة النقل هنا على الرد حتى يحكم به عليه، بل يكفي فيها
عدم الإجازة. وبما ذكرنا ظهر لك ما في (مكاسب) شيخنا المرتضى
- قدس سره - من التشويش بل المنافاة بين كلاميه هنا، حيث جعل التصرف
بالنقل كالبيع ونحوه كالتصرف المتلف للعين أو المزيل للملك كالعتق في كونه مفوتا "
للمحل عن قابلية تعلق الإجازة به مطلقا " وبين كلامه في مسألة ما لو باع ثم ملك، حيث
بنى على صحة الفضولي للأصل والعمومات وتأثير الإجازة من المالك الجديد، غير
أنه تكشف إجازته عن النقل من حين تملكه لأنه الممكن لا من حين عقد
الفضولي لاستلزام صحتها كذلك فسادها وأنه لا دليل على أن الإجازة كاشفة
عن الملك من حين عقد الفضولي مطلقا " حتى لو تجدد المالك بل من حين
الامكان، وهو فيه من حين تملكه بالعقد من المالك فراجع.
وبالجملة لو كان بيع المالك مفوتا " للمحل عن قابلية تعلق الإجازة به
كتلف الملك أو زوال الملكية عنه كيف يصح عقد الفضولي بلحوق الإجازة
من المالك الجديد، مع أن الأقوى فيه الصحة كما عرفت، فظهر أن
التصرف بالنقل ليس كالتصرف بالعتق والاتلاف وأنه أعم من الرد، وليس
بصريح فيه حتى يكون دالا عليه بل هو مجمل بالنسبة إليه. وأما لو تصرف
331

فيه بنقل المنفعة كالإجارة فالإجارة على تقدير صحتها وكونها كاشفة عن
الملك من حين العقد مستلزمة لفساد التصرف لانكشاف كونه حينئذ تصرفا
في ملك الغير، كما أن نفوذ التصرف على تقدير صحته الذي هو مقتضى
قاعدة سلطنة المالك مستلزم لفساد الإجازة لعدم امكان كشفها عن النقل
من حين العقد بعد إن كان تأثير الإجازة عن الكشف من حين العقد مع
اتحاد المالك وصحة كل منهما وإن كانت مستلزمة لفساد الآخر لما بينهما من
المنافاة إلا أن المدار في مثل ذلك على السابق منهما، وهو هنا الإجارة،
فلا يبقى محل للإجازة إلا بحملها على إرادة نقل العين مسلوبة المنفعة، فيكون
من مسألة ما لو وقع العقد مطلقا " وأجاز المالك مقيدا " وهو خلاف الظاهر،
فالتصرف المذكور رد من المالك مع علمه بعقد الفضولي وبحكمه في ابطاله
مع جهله به لكون المنافاة بينهما واقعية علم به أو لم يعلم حتى على القول
بالكشف الحقيقي مع كون التعقب شرطا " لأن الشرط تعقب الإجازة الصحيحة
دون الفاسدة المفروض ثبوت فسادها بسبق التصرف المذكور وهو كما لو
تعقبت الإجازة مع تخلل الرد بينها وبين العقد لما عرفت من المدار في
مثل ذلك.
ومنه يظهر ما في كلام شيخنا المرتضى قدس سره من الاستثناء بعد
ذلك بقوله: نعم لو قلنا بأن الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع
إلى كون المؤثر التام هو العقد الملحوق بالإجازة كانت التصرفات مبنية على
الظاهر وبالإجازة ينكشف عدم مصادفتها للملك فتبطل هي وتصح الإجازة
ضرورة كون السبب حينئذ العقد الملحوق بالإجازة الصحيحة.
وأما وطء الجارية واستيلادها فهو رد على الكشف مع العلم بالعقد
عليه لظهوره فيه لا مع الجهل به ولا على القول بالنقل.
والحاصل أن الرد كما يحصل بالقول يحصل بالفعل الدال عليه صريحا "
332

أو ظاهرا لعموم ما دل على ابطال العقد بالرد من اجماع وغيره غير أن الفعل
منه ما هو بحكم الرد كتلف العين أو زوال الملكية، ومنه ما هو رد كالإجارة
حسبما عرفت على الكشف مطلقا " - علم به أم لم يعلم - للمنافاة في الواقع
ومنه ما يفصل فيه بين العلم بعقد الفضولي والجهل به، ومنه ما هو أعم منه
لا يدل عليه فلا يحكم به إلا إذا كان محفوفا بقرينة تدل عليه.
وأما الثاني وهو حكم الرد، فقد عرفت ايجابه لابطال العقد الموجب
لسقوط الإجازة مطلقا عن التأثير اجماعا " بقسميه من غير خلاف نجده فيه
فلا يصغى إلى ما احتمله بعض فضلاء المعاصرين: من أن قابلية العقد من
آثاره الوضعية التي لا تزول بالرد فلا تسقط الإجازة عن التأثير بعده إلا
أن يقوم اجماع عليه.
هذا وحيثما لم تتحقق الإجازة من المالك - سواء تحقق منه الرد أم
لا كالمتردد - جاز له انتزاع عين ماله أو بدله مع التلف ممن هو في يده
باقباض الفضولي، ويتخير مع تعاقب الأيدي عليه في الرجوع على الكل
موزعا " عليهم بالتساوي أو بالتفاوت لاقتضاء الرجوع بالكل عليه الرجوع
بالبعض بالأولوية فإن رجع على واحد سقط عن الباقين، غير أنه إن رجع
به على السابق رجع هو على اللاحق ما لم يكن غارا " له، ولا يرجع اللاحق
لو رجع عليه على من سبقه إلا إذا كان مغرورا " له، ويرجع هو على من
تأخر عنه مخيرا " فيمن شاء منهم، وقرار الضمان على من تلف في يده فيرجع
السابق منهم على اللاحق دون العكس إلا مع الغرور.
وبسط الكلام في هذا المقام يتم في طي مواضع.
الأول - في معنى ضمان العين وكونها مضمونة على من قبضها باقية في
يده أو منتقلة عنه إلى غيره، موجودة كانت أو تالفة.
الثاني - في تصوير تخيير المالك في الرجوع على من شاء منهم في تعاقب
333

الأيدي المتوقف على ثبوت مال له في ذممهم مع كون الثابت - له إنما هو
مال واحد إما العين أو بدلها، وكيف يجتمع اشتغالات متعددة بحسب
تعدد الذمم مع وحدة المال ضرورة أنه لو استوفى من أحدهم لم يكن له
شئ في ذمة الباقين.
الثالث - في رجوع من رجع المالك عليه غير التالف في يده على غيره
فنقول: أما الموضع الأول، فليعلم أولا أن الضمان والذمة والعهد
هو بمعنى كون الشخص على حالة وصفة توجب التكليف بأداء ما هو في
ذمته ومتعهد به وضامن له بسبب من أسبابه، عقدا " كان كعقود المعاملات
أو غيره كاليد والاتلاف والتسبب، فهو نظير الحدث الحاصل للانسان
بأحد أسبابه الموجب للمنع معه عن الدخول في الصلاة والتكليف بالطهارة
عنه للدخول فيها.
وإن أبيت عن ذلك فلنقرره بتقرير آخر، وهو: كونه بحيث يكون
للغير سلطنة عليه في ماله - مثلا - بسبب من الأسباب فالديان له سلطنة
على المديون من حيث ماله، ولذا يطلق عليه الملك فيقال للديان: أنه
يملك على المديون كذا، فإن الملكية التي هي بمعنى السلطنة قد تتعلق بالعين
الخارجية محيطة بجميع جهاتها فتضاف إليها ويعبر عنها بملك العين أو من
حيث جهة خاصة منها فتضاف إلى تلك الجهة لاختصاص التعلق بها كملك
المنفعة التي ليس معناها إلا السلطنة على العين من حيث منفعتها مطلقا أو
منفعة خاصة كسكنى الدار ولبس الثوب مثلا سواء اعتبرت الخصوصية
فالشرط أو بقضاء العادة، وقد تتعلق بالنفس من حيث هي كملك الرقبة
أو بها من حيث ماله، فيكون له سلطنة عليه في ماله ويعبر عنه بأنه يملك في
ذمته لعدم الاختصاص بما له الخاص، وهذه السلطنة تحدث لصاحبها بأحد
الأسباب المتقدمة، ولعله يأتي مزيد توضيح لذلك في الموضع الثاني.
334

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الضمان قد يطلق على ما يفيد تحويل ما هو
ثابت في ذمة أخرى، ويعبر عنه - غالبا " - بضمان المال، وهو لا يتحقق
قبل ثبوت الشئ في الذمة بل هو غير معقول، لأن ثبوت الشئ لشئ
فرع ثبوت المثبت له. ومنه يظهر الوجه في بطلان ضمان ما لم يجب، وأنه
أمر غير معقول وهذا النحو من الضمان من العقود لأن السبب الموجب له
إنما هو عقد الضمان. وقد يطلق ويراد به التعهد وكون المضمون متداركا "
عليه ويعبر عنه بضمان العين كضمان الغاصب للعين المغصوبة بل مطلق الأعيان
المضمونة على من هي في يده، ويسمى هذا النحو من الضمان بضمان العهدة
ولتحققه أسباب خاصة كاليد ونحوها. والفرق بين الضمانين: أن الأول
يتوقف على المضمون عنه ليتحقق نقل المضمون عن ذمته إلى الضامن بالضمان
على ما هو عند الإمامية: من أنه تحويل ما في ذمة إلى أخرى لا ضم ذمة إلى ذمة كما
هو عند الجمهور، ومن لوازمه عندنا براءة المضمون عنه عن المضمون
واشتغال ذمة الضامن به لاقتضاء النقل والتحويل ذلك، ولا يتوقف الضمان
بالمعنى الثاني إلا على ضامن ومضمون له إذ لا نقل فيه ولا تحويل به يحدث
بينه وبين المضمون له بسبب خاص كوضع اليد على ماله أو اتلافه وقد
يتعدد الضامن لتحقق سبب الضمان من كل واحد منهم كالأيدي المتعاقبة
على المال المضمون لأن كل واحد منهم في عرض الآخر بالنسبة إلى المالك
في ايجاد سبب الضمان.
هذا وفي ضمان الأعيان المضمونة على الغير قبل تلفها تلفها بالصيغة خلاف
والأظهر عندي بل الأقوى الصحة (1) وفاقا للمحكي عن (المبسوط)
335

و (التذكرة) و (التحرير) و (الإرشاد). وفي (الشرايع) بعد
التردد قال: " والأشبه الجواز خلافا " لثاني الشهيدين والمحققين وغيرهم،
فقووا البطلان، وتوقف في القواعد حيث قال فيه: والأعيان المضمونة
كالغصب والعارية المضمونة والأمانة مع التعدي على اشكال، وفي (الكنز):
منشأ الاشكال هنا كما قلنا في باب الرهن من صحة الرهن عليه وعدمها وهو
أنها ليست ثابتة في الذمة فلا يصح ضمانها ومن وجود سبب ضمان القيمة
وهو الغصب وأشباهه. انتهى.
336

قلت هذه المسألة، وإن وقع الخلاف فيها ولعل الأكثر فيها على
المنع نظرا " منهم إلى كونه من ضمان ما لم يجب لأن الثابت في الذمة حال
وجود العين إنما هو وجوب ردها والقيمة إنما تثبت بعد التلف وضمانها
قبله ضمان لما لم يجب، إلا أن مصداقا " من مصاديق هذه الكلية وهو ضمان
الثمن للمشتري عن البايع بعد القبض وقبل التلف مما تكرر نقل الاجماع
على صحته ولعله من المسلمات عندهم، ولذا نخلص بعض عن محذور كونه
من ضمان ما لم يجب بالاجماع ومسيس الحاجة إليه. وأنت خبير بأن ضمان
ما لم يجب - كما تقدم - أمر غير معقول، والاجماع لا يصير غير المعقول معقولا
337

فالذي ينبغي أن يقال: إنه لا دليل على اختصاص الضمان عن الغير بكون
الثابت في ذمته مالا " بل اللازم ثبوت مضمون أعم من كونه حقا أو مالا،
والعين المضمونة ثابتة عهدتها في ذمة المضمون عنه، ومعنى ثبوتها في ذمته
كونه بحيث يكون عليه رد العين مع وجودها ودفع بدلها عند التلف، وهذا
المعنى منتقل من ذمته إلى ذمة الضامن المستلزم لبرائة المضمون عنه إلا أن
تجدد الدخول في عهدته إنما هو لتجدد السبب بعد الضمان لفرض بقاء العين
338

في يده بعده، وإلا فلو فرض زوال السبب كاليد مثلا قبل الضمان عنه
بالصيغة كما لو ضمن للمالك برضائه في تعاقب الأيدي ما في ذمة الأول،
التزمنا ببراءة ذمته ولم يتحقق عندنا اجماع على خلافه في هذه الصورة.
فظهر ضعف ما أوردوا على القول بالصحة في كلية المسألة: من
أن من لوازم هذا الضمان وخاصيته عندنا براءة المضمون عنه مع كون الغاصب
- مثلا - باقيا " على الضمان وإن ضمن عنه، فهو إن صح أفاد ضم ذمة إلى
ذمة ولا نقول به بل هو مذهب غيرنا ضرورة إن ما كان ثابتا قبل الضمان
339

للتزم بانتقاله عن المضمون عنه إلى الضامن وإنما تجدد ضمانه بتجدد سببه
لأن اليد المفروض بقاؤها بعد الضمان على مال الغير أيضا " سبب للضمان،
وإن أريد ببقاء ضمان المضمون عنه مع عدم السبب له بعد ضمان الغير عنه
فهو ممنوع أشد المنع ولا اجماع عليه متحقق عندنا، وعليه فيكون الاجماع
المستفيض على الصحة في مورده من ضمان الثمن اجماعا " على القاعدة فيتسرى
منه إلى غيره من مواردها لا على خلاف القاعدة حتى يقتصر على مورده.
وبما ذكرنا اتضح أن ضمان الأعيان المضمونة حال وجودها بالعقد
ضمان لما يجب، لا لما لم يجب، وأنه على القاعدة. ولعله إلى ما ذكرنا
من الوجه يرجع ما استدل به على الصحة من وجود سبب ضمان القيمة
وهو الغصب وأشباهه بإرادة دخول العين بذلك السبب في العهدة وإن كانت
340

العبارة منهم محتملة لإرادة كون القيمة بعد وجود السبب ثابتة في الذمة
بالقوة القريبة وتنزيل المعدوم منزلة الموجود كما صرح به (الكنز) في باب
الرهن، حيث قال: " ومن وجود سبب الضمان ووجود السبب يجري مجرى
وجود المسبب فإن كل واحد من هذه سبب في وجوب قيمتها لو تلفت فلها
تعلق بالذمة " إلا أنك خبير بما فيه ضرورة توقف النقل والتحويل على
الثبوت فعلا ولا تكفي القوة القريبة في دفع محذور المحال، فهو شرط عقلي
فإن أريد من العبارة ما ذكرناه اتجه التفصيل في السبب بين ما يوجب وجوده
دخول العين في العهدة وما لا يوجب ذلك كالعيب الموجب للتسلط على
الرجوع بعد الفسخ بالخيار لأن سببية العيب ولو كانت قبل العقد لا يوجب
دخول الثمن المقبوض للبايع في عهدته قبل الفسخ فلا يصح ضمانه على المختار
لكونه من ضمان ما لم يجب، ويصح بناء على كفاية مطلق السبب لتنزيل
المعدوم معه منزلة الموجود فافهم.
وكيف كان فالأقوى صحة ضمان الأعيان المضمونة وأنه على القاعدة
وموجب لبرائة المضمون عنه مع عدم سبب لضمانه كاليد ونحوه بعد ضمان
341

الغير عنه برضاء المضمون له بعقد الضمان لعموم: الوفاء بالعقود، مؤيدا "
بقوله تعالى: " ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم " حيث أن المورد
من الجعل الذي لا يثبت في الذمة إلا بعد العمل، فالضمان عنه ضمان لما لم
يجب، وليس إلا لثبوت عهدة الجعل في ذمة الملك فيكون الضمان عنه من
ضمان العهدة فافهم واغتنم.
هذا ولا بأس بتذييل المسألة بضمان درك أحد العوضين للبايع أو للمشتري
الواقع كثيرا " فيما بين الناس حتى قبل بمسيس الحاجة إليه.
فنقول: الضمان: مرة يتعلق بالثمن، وأخرى بالمثمن وعلى التقديرين
فتارة يكون متعلقه وهو المضمون عينا " شخصية وأخرى كليا " في الذمة.
وعلى جميع التقادير: فأما أن يكون قبل القبض أو بعده قبل التلف أو بعده
أيضا، وعلى التقادير كلها: فأما أن يكون الضمان للمشتري عن البايع،
342

أو بالعكس للبايع عن المشتري. وحينئذ فإن تعلق الضمان بالثمن وكان شخصيا "
فإن كان الضمان للمشتري عن البايع بأن خرج المبيع مستحقا " للغير - مثلا -
وكان قبل القبض فهو باطل قطعا " لكونه من ضمان ما لم يجب، وإن كان
بعد التلف فصحيح بلا اشكال لكونه من ضمان المال الموجب للانتقال،
ومقتضاه اختصاص الرجوع على الضامن، وإن كان بعد القبض وقبل التلف
فهو المتيقن مما نقل الاجماع على صحته لو انكشف فساد البيع إما لكون
المبيع مستحقا " للغير أو للاخلال بشرط أو غيره، وهو مصداق من مصاديق
مسألة ضمان الأعيان المضمونة، فيتخير المشتري في الرجوع على من شاء
منهما من الضامن لضمانه، والبايع لتجدد ضمانه بسبب اليد المتجددة بعد
عقد الضمان، وهو مظهر الثمرة بين الضمان بعد التلف وقبله بعد القبض
وإن كان الضمان للبايع عن المشتري بأن انكشف فساد البيع: أما لكون
الثمن مستحقا للغير، أو للاخلال بشرط من شروط الصحة، فالثمن في
الأول - وإن كان مضمونا " على المشتري - إلا أنه لمالكه دون البايع، وفي
الثاني غير مضمون عليه لكونه ملكه فضمانه عن المشتري للبايع خروج عما
يقتضي الصحة على التقديرين. وإن كان كليا " وكان الضمان للبايع عن
المشتري صح مطلقا قبل القبض وبعده قبل التلف وبعده لكون الثمن كليا "
مضمونا " على كل حال وهو من ضمان المال على كل تقدير. وإن كان الضمان
343

المتعلق بالثمن الكلي للمشتري عن البايع فباطل قطعا " لعدم وجود المحل له
والمدفوع للبايع مصداقا لو وجب رده ليس متعلقا " للضمان.
هذا كله فيما لو تعلق الضمان بالثمن. ويجري الكلام مثله فيما لو تعلق
بالثمن حرفا بحرف، والله العالم.
ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا أيضا " وجه عدم صحة ضمان الأجنبي عن
البايع أرش ما يحدثه المشتري في المبيع غرسا " أو بناء - مثلا - لو ظهر مستحقا "
للغير واختار المالك قلعه من التفاوت بين القيمتين ثابتا " ومقلوعا " أو بقاءه
بأجرة لعدم ثبوت شئ حتى العهدة حال الضمان في ذمة البايع حتى ينتقل
بالضمان إلى عهدة الضامن وإن استحق عليه الأرش بعد اختيار القلع للتسبيب
والغرور، بل لا يصح الضمان منه أيضا بالعقد وإن كان ضامنا " بالبيع بمعنى
أنه يلتزم بما يغرمه المشتري لو رجع به عليه لا لما قيل من عدم الفائدة
في الضمان بعد إن كان البايع ضامنا بهذا المعنى على كل حال لإمكان تصويرها فيما
لو أسقط أحدهما الحاصل بسببه بقي الآخر بسببه على تقدير الصحة كذا
الخيارين لو أسقط أحدهما وفيما لو شرط على البايع ضمانه بوجه صحيح فإن صح هذا
كفى في الوفاء بالشرط بل لعدم ثبوت شئ حال الضمان حتى يضمنه أولا "
وعدم تعقل ضمان الانسان عن نفسه ثانيا ". ومنه يعلم: أنه لو كان شئ
344

ثابتا " فعلا في ذمة البايع لكان صحة ضمان الأجنبي عنه أولى من صحة ضمانه
عن نفسه فانقدح بذلك ضعف ما في الشرايع وعن (التذكرة) من
التفصيل بين ضمان البايع عن نفسه وضمان الأجنبي عنه بجوازه في الأول
وعدمه في الثاني، اللهم إلا أن تمنع الأولوية لأنها مسلمة إن أريد بضمان
البايع عن نفسه ما يفيد النقل والتحويل فإنه غير معقول لوحدة المحل، وأما
تواريد به على تقدير ثبوت شئ في ذمته ضمان العهدة، فهو من تأكد
الالتزام الذي قد عرفت فائدته، وأنه أمر معقول، وحينئذ فالوجه للبطلان
هو عدم ثبوت شئ حتى يتحقق معنى الضمان بأحد معنييه. ويظهر من
(اللمعة) القول بالصحة مطلقا. ومال إليه - بل قال به - (في الروضة)
بناء على كفاية وجود السبب منه في ثبوته عليه جريا " لوجود السبب مرجى
وجود المسبب فيصح الضمان عنه مطلقا ". وقد عرفت ما فيه.
345

فظهر أن المسألة ثلاثية الأقوال: قول بالبطلان مطلقا " وهو الأقوى
لعدم ثبوت شئ حال الضمان حتى يصح ضمانه فهو من ضمان ما لم يجب،
ويزيد - في صورة ما لو كان الضامن هو البايع - ما تقدم من عدم تعقل
ضمان الانسان عن نفسه فتأمل، وقول بالصحة كذلك سواء ضمن البايع
عن نفسه أو ضمن الغير عنه، وقول بالتفصيل: بين ضمانه عن نفسه
346

فيجوز، وبين ضمان الغير عنه فلا وقد تقدم ما يوجب ضعف القولين بزيادة
ما يضعف الأخير أيضا ".
هذا وقد بقي مورد يظهر منهم الاتفاق على صحة ضمانه وهو ما لو خيف
من الغرق وقال لصاحب المتاع في السفينة: الق متاعك في البحر وعلى ضمانه
وحكاية الاجماع عليها مستفيضة، مع ما قيل: إنه من ضمان ما لم يجب.
ويمكن تصحيحه بأحد وجهين: الأول دعوى كونه من الجعالة
كما احتمله في (التذكرة) و (التحرير) وعليه فيكون المضمون قيمة
المتاع وإن كان هو مثليا " لأنه مبذول بإزاء العمل الذي هو من القيميات
فتأمل الثاني بتقريب أن الممتنع من ضمان ما لم يجب هو ما كان ضمانا " عن
الغير لتوقف نقله على ثبوته، وأما مجرد الضمان للمالك الذي هو بمعنى
الالتزام له بتدارك ماله ببدله، فهو أمر معقول غير أن ثبوت الالزام بهذا
الالتزام الذي هو من قبيل الوعد محتاج إلى دليل سيما مع عدم كون العقد
عليه متعارفا " حتى يدخل في عموم " الأمر بالوفاء " وهو موجود في المقام
لما عرفت من نقل الاجماع عليه مستفيضا المعتضد بدعوى غير واحد اتفاق
الأصحاب عليه إلا أن الواجب فيه حينئذ الاقتصار على مورده من خوف
الغرق فهو في الحقيقة من ضمان عهدة المال للمالك الذي هو من ضمان
ما يجب بعد قيام الدليل عليه. وقد تقدم في المعاطاة ما يزيدك توضيحا للمسألة
فظهر مما ذكرنا: أن ضمان العين حال وجودها ضمان فعلي كما يعطيه ظهور
ظهور كلمة على في حديث " على اليد " لا ضمان تعليقي كما توهم وصرح
به غير واحد من الأصحاب، لا لما قيل من عدم الفرق على التعليق بين
من كانت العين في يده وغيره في صدق كونه ضامنا " على تقدير لوضوح
الفرق بين ثبوت المقتضي للضمان كاليد وإن توقف على شرط التلف، وبين
عدم ثبوته، بل لما عرفت من ظهور الفعلي من حديث " على اليد " سيما
347

مع جعل التأدية غاية لرفعه في حالتي وجود العين وتلفها الموضع الثاني في
تصوير ضمان الأيدي المتعاقبة للمالك واشتغال ذممهم له بحسب تعددها بمال
واحد (1) فنقول: قد عرفت أن اليد ونحوها من أسباب الضمان موجبة
348

لدخول العين في عهدة من هي في يده التي مرجعها إلى وجوب الرد عليه
مطلقا وعلى كل حال، من غير اعتبار له بحال وجودها كالأمانات المقيد
ردها بوجودها، وبالجملة الاستيلاء على مال الغير موجب لرده عليه بقاعدة
الاحترام، غير أن منه ما يكون الالتزام برده مشروطا بوجوده ودائرا مدار
بقائه بمعنى كون وجوده شرطا " في الالتزام برده كيد الأمانات بقسميها:
المالكية والشرعية، ومنه ما لا يكون مشروطا " بذلك بل يكون الالتزام برده
349

ثابتا " في جميع حالاته وأطواره التي منها حالة تلفه غير أن رد بدله عند
التلف رد له عرفا وطور من أطواره فدفع البدل حينئذ من شؤونات دفع
العين وردها ويعبر عن هذا النحو من الالتزام المطلق بالضمان والعهدة،
ويطلق على العين بمجرد الاستيلاء عليها: أنها مضمونة وفي عهدة المستولي
عليها وإن كانت موجودة. ومنه ظهر أن الأصل في اليد بقاعدة الاحترام
هو الضمان إلا ما ثبت تقييد الالتزام برده على وجوده كيد الأمانة، فإذا
ترتبت الأيدي على مال الغير دخل في عهدة الجميع وكانت مضمونة عليهم
بالمعنى المتقدم الذي مرجعه إلى اشتراك الكل في الالتزام برده إلى مالكه
ولو برد بدله عند تلفه لأنه من شؤوناته وليس ثبوت البدل في ذممهم بنحو
استقرار المظروف في الظرف حتى يستحيل اشتغال ذمم متعددة بمال واحد
بل العين متعلقة بالذمة وداخلة في العهدة في كلتا حالتي وجودها وعدمها
الموجب تعلقها كذلك لتعلق بدلها عند التلف بعد تنزيله منزلتها عرفا فالعين
متعلقة بالذمة بجميع شؤوناتها لا مستقرة فيها كي يلزم المحال والتعهدات المتعددة
لشئ واحد أمر معقول وثابت شرعا " بالاجماع عندنا في ضمان كل من
العوضين عن البايع والمشتري، بل قد عرفت أنه على القاعدة، فهو نظير
الواجب الكفائي في العبادات، وفي المعاملات نظير القول بالضمان على مذهب
الجمهور من ضم ذمة إلى ذمة مع عدم إنكار أحد منا عليهم بأنه محال،
بل غاية ما قيل عليهم عدم اقتضاء دليل الضمان ذلك، بل مفاده النقل والتحويل
دون الانضمام فالكل مكلفون بالرد بخطاب الوضع أيضا ".
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن للمالك فيما لو ترتبت الأيدي على ماله
الرجوع على كل منهم أو من شاء منهم بالكل أو بالبعض موزعا " عليهم
363

بالتساوي أو بالتفاوت لأن الرجوع عليه بالكل يقتضي الرجوع عليه بالبعض
بالأولوية ويرجع من رجع المالك عليه بما أدى له على من لحقه دون من
سبقه ويستقر الضمان على من تلف في يده فلا يرجع هو على غيره، وكله
مسلم عندنا من غير خلاف يعرف.
وقد ظهر لك وجه الأول بما لا مزيد عليه.
364

وأما الثاني وهو الموضع الثالث من المواضع الثلاثة وهو رجوع من
رجع المالك عليه على اللاحق دون السابق عليه (1) فقد وجهه شيخنا
- قدس سره - (في مكاسبه) بما لفظه: أن السابق اشتغلت ذمته له
بالبدل قبل اللاحق فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل
فهذا الضمان يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل إذ
لا يعقل ضمان المبدل معينا " من دون البدل وإلا خرج بدله عن كونه بدلا فما يدفعه
365

الثاني فإنما هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول، بخلاف ما يدفعه
الأول، فإنه تدارك نفس العين معينا " إذا لم يحدث له تدارك آخر بعد، فإن
أداه إلى المالك سقط تدارك الأول له " انتهى.
وحاصله: إن اللاحق قد قبض عينا " موصوفة بكونها مضمونة ومتداركة
فيضمن العين وبدلها على البدلية وليس على الأول إلا ضمان نفس العين
وتداركها بالبدل، فما يدفعه بدلا عن العين مضمون على اللاحق أيضا ولو
بنحو البدلية، وليس ما يدفعه اللاحق من البدل مضمونا على الأول لأن
عليه تدارك نفس العين لا العين وبدلها معا " على البدلية.
وفيه أولا منع اشتغال الذمة بالبدل بعد التلف - فضلا عنه قبله - ضرورة
أن قيمة الشئ المفروضة بدلا عنه ليس معناها إلا تعيين مقدار مالية الشئ
المنطبق على أنواع مختلفة الحقيقة من النقود وليس لها حقيقة في الخارج حتى
يصح وقوعها بدلا بل هو مفهوم منطبق على حقايق مختلفة، فليس البدل
إلا ما يدفعه من العين الشخصية المنطبق عليها ذلك المقدار نعم في المثليات
يمكن جعل كلي المثل بدلا وما يدفعه من المثل الشخصي مصداق لذلك
369

الكلي المجعول بدلا ككلي الدرهم والدراهم الشخصية، إلا أن التفكيك بين
المثلي والقيمي في اشتغال الذمة وكيفيته مع كونهما مفاد دليل واحد، غير
متصور. وبذلك ظهر لك عدم اشتغال الذمة بعد التلف إلا بما كانت الذمة
مشغولة به قبله وهو العهدة والضمان ولزوم التدارك إلى دفع البدل الموجب
للخروج به عن العهدة وحصول التدارك به، فليس في ذمة السابق إلا عهدة
العين لا العين وبدلها ولو بنحو البدلية.
وثانيا ": إن تم ما ذكره فإنما يتم في خصوص الأول دون غيره ممن
سبق عليه من ذوي الأيدي المترتبة كما لو رجع المالك على الثالث أو الرابع
- مثلا - فإن غير الأول من السوابق قد قبضها مضمونة وعليه أيضا " تدارك
العين وبدلها على البدلية فالمدفوع بدلا عن العين للمالك مضمون عليه أيضا "
ولو على البدلية مع أن اللاحق يختص رجوعه على من لحقه دون من سبقه
مطلقا " ولو غير الأول منهم فالدليل أخص من المدعى.
ومما ذكرنا ظهر لك أيضا ضعف ما تخلص به شيخنا في (الجواهر)
عن محذور تعدد الشغل مع وحدة المال بأن خطاب من لم يستقر الضمان عليه
370

خطاب شرعي وأنه مجرد حكم تكليفي واختصاص خطاب الوضع بمن كان
قرار الضمان عليه وهو التالف عنده ولذا يرجع غيره عليه لو عزم للمالك
ولا يرجع هو على غيره لو رجع المالك عليه مضافا إلى ما فيه من التفكيك
بين ضمانات الأيدي مع استفادة الكل من دليل واحد وهو حديث " على اليد ".
فالأحسن في توجيه ذلك: هو أن يقال: إن من يدفع البدل إلى
المالك يرجع به على من أنتقل منه إليه لأن العين مقبوضة له منه ولو بواسطة
دون من انتقلت إليه منه لأن العين مقبوضة منه فكيف يمكن منه مطالبة
بدلها مع كون نفس العين مقبوضة منه، وهل هو بالنسبة إليه إلا جمع بين
البدل والمبدل توضيح ذلك: أن يدفع البدل إلى المالك، قام الدافع مقام
المالك قهرا " فيما كان له من الحق قضاء لحق البدلية وإن كانت قهرية ومقتضاه
الرجوع على من أخذ المال منه ولو بواسطة، فنسبة الأخذ من الدافع كنسبة
الأول من المالك فلا يرجع به على من لم يأخذ المال منه كما لا يرجع المالك
كذلك.
ثم إن ما ذكرنا كله لم يفرق فيه بين ما لو كان المدفوع بدلا عن العين
أو عين الحيلولة بعد أن كان بدل العين بدلها ما دامت تالفة، غير أن عودها
بعد التلف لما كان محالا عند العرف بنوا على دوام الحيلولة، وإلا فلو
371

فرض عودها باعجاز - مثلا - رجع البدل أيضا إلى مالكه الأول على حد
بدل الحيلولة، وليس ذلك إلا لدوام الحيلولة عندهم في صورة التلف دون
غيرها بخلاف ما لو صالح المالك على نفس العين فإنها لا ترجع إليه بعد العود
لوقوع البدلية حينئذ بين العينين مطلقا لا ما دامت تالفة.
فالمقصود من دفع البدل في الصورتين تدارك ما فوته على المالك من
سلطنته التي كانت متعلقة بعين ماله على حسب ما كان له فيها من السلطنة
وحيث أنها لا تتحقق إلا بعد تحقق متعلق لها وجب دفعه مقدمة فهو محقق
لموضوع المتعلق ولذا لو عاد المبدل رجع البدل إلى مالكه الأول لانتفاء
موضوع التدارك حينئذ فيملك بدل الحيلولة ملكا تاما في الملكية ما دامت
الحيلولة باقية ولا ينافي ذلك تزلزلها باعتبار التقييد بها. وبما ذكرنا يظهر
لك الجواب عما توهم من لزوم الجمع بين العوض والمعوض فتأمل جيدا ".
372

وأما نماء البدل المنفصل عنه فلا يتبع العين في الرجوع وكذا المتصل
به ما لم يصدق عليه الجزئية وإلا تبع الأصل فيه وقد مر تفصيله في المعاطاة
في نماء العين المأخوذة بها، فراجع هذا ولو توقف رد العين على مؤنة
وجب على الضامن بذلها مقدمة للرد الواجب عليه من غير فرق بين كون
المالك مباشرا " للاسترداد أو غيره وتحسب المؤنة إلى حين الايصال إلى المالك
فصرف الإياب لو توقف على سفر من المؤنة إن كان المباشر غير المالك
وخارج عنها إن كان هو المباشر لوصول حقه إليه قبله. ولو لم يقدر على
استردادها إلا المالك وطلب عوضا " عن الاسترداد غير المؤنة، ففي وجوب
بذله على الضامن مطلقا لوجوب الرد عليه المقدور له بواسطة البذل أولا
كذلك تنزيلا له منزلة المتعذر فيغرم بدل الحيلولة، أو يفصل بين الأجرة
المتعارفة للاسترداد وبين الزائد عليها بما يعد اجحافا "، أو يفصل بين ما يتوقف
الاسترداد على عمل منه فيأخذ الأجرة عليه بإزاء عمله المحترم بالتراضي وإن
زاد على أجرة المثل، وبين ما لا يتوقف عليه.. وجوه أقواها الأول
ويتلوه الأخير في القوة ويضعف الثاني بأن دفع البدل ليس في مرتبة دفع
373

العين بل منوط بعدم التمكن من ردها المفروض تمكنه منه ولو بالعوض.
ومنه يظهر ضعف الثالث سيما إذا كان غاصبا لأنه مأخوذ بأشق الأحوال.
374

هذا وحيثما أخذ المالك العوض عن الاسترداد إما مطلقا، أو على أحد
التفصيلين، فهل له الاكتفاء بالعوض عن استرداد العين لأن المقصود من
دفعه هو التوصل إلى حقه الراجع أمره إليه، أولا لأنه مأخوذ عوضا " عما
لم يفعله فيكون أكله أكلا للمال بالباطل؟ وجهان. ولعل الأخير هو
الأقوى، فيرجع حينئذ بما دفعه للمالك عوضا " عن الاسترداد ويغرم له بدل
الحيلولة إلا أن يقوم بالاسترداد.
هذا ولا يرجع الأول بما دفعه عوضا عن الاسترداد أو مؤنة للرد
على من لحقه من الأيدي المتعاقبة لأنه خارج عن عهدة العين وبدله وإن
وجب عليه من باب المقدمة.
ثم لو رجع المالك على الأول بالقيمة في القيميات بدلا عن العين
أو الحيلولة فدفع نقدا " خاصا "، فهل يتعين في رجوعه على من لحقه دفع
مثل النقد المدفوع بدلا لأنه القابل للبدلية لما عرفت من عدم قابلية وقوع
القيمة من حيث هو بدلا بعد إن كان معناها ليس تعيين مقدار المالية،
أوله دفع نقد آخر مما ينطبق عليه مقدار المالية كالأول بالنسبة إلى المالك
بعد فرض كونه بالدفع قائما مقامه؟ وجهان والله العالم.
تذييل
لو مزج المشتري المبيع فضولا مع رد المالك بماله، ثم أودع المجموع
عند شخص أمانة، ففي وجوب رد الجميع إليه مع المطالبة أو القسمة ودفع
ما يتعين له بها قولان (1) والأول ظاهر الأكثر، لتصريحهم في مسألة ما لو
375

مزج الغاصب المغصوب بماله ثم أودعه بأنه يجب على الودعي رد الجميع
إليه مع المطالبة، بل الفتوى بذلك منسوبة إلى الأكثر، بل المشهور، بل
عليه الاجماع المحكي في (الغنية) و (السرائر) صريحا وفي (الإيضاح)
وغيره ظاهرا ". وفي (مفتاح الكرامة): رد " الجميع على المودع خيرة
المقنعة والنهاية والمراسم والوسيلة والشرايع والنافع والارشاد والتنقيح وإيضاح
النافع والرياض والغنية والسرائر وفي الأخيرين الاجماع عليه. وهو - أي
الاجماع ظاهر الإيضاح وشرح الإرشاد لفخر الاسلام وجامع المقاصد حيث
نسب فيها إلى الأصحاب. وفي إيضاح النافع: إنه المشهور وأنه يشهد له
النظر " انتهى. بل وفيه أيضا ": " إنه أول من تأمل في ذلك المصنف
في (التذكرة) فإنه - بعد أن أفتى برد الجميع - قال: و " يحتمل عندي
رد قدر مال اللص إليه واحتفاظ الباقي لمالكه والقسمة هنا ضرورية المشعر
ذلك باطباق من تقدم عليه على ذلك ".
قلت لم أعثر له على وجه في كلماتهم يصلح لذلك، فالمسألة مشكلة
جدا ". ولذا اضطربت فيها كلمات متأخري المتأخرين. وقوى بعضهم احتمال
القسمة فيه، بل اختاره.
376

والذي يمكن أن يكون وجها " لهم في ذلك: أما دعوى التلف الحكمي
بالمزج أو منع كون المورد من موارد القسمة التي يتولى أمرها غير الشريكين
وتنقيح ذلك موقوف على ذكر مقدمة تتكفل لبيان أمرين: الأول بيان
معنى الشركة المزجية وسببية المزج لها، والثاني في بيان القسمة للشركة
الحاصلة بالمزج.
377

فنقول مزج المالين لا يخلو من صور لأنه: إما أن يكون المزج بحيث
يتولد منه شئ ثالث ينتفي عنه اسم كل منهما ولا يصدق عليه إلا اسم
المركب منهما كالدهن بالدبس واللبن بالعسل - مثلا - مزجا " تاما بحيث
لا يكاد يدرك جزء منه إلا وهو مركب منهما أولا يخرج به عما كان يصدق
عليه قبله وكان مع ذلك لا يتحقق جزء إلا وهو مركب منهما كمزج المتساويين
جنسا " ووصفا " نحو الدهن بالدهن والدبس بالدبس، أو يكون المزج بمثله بما يرتفع
التميز بين أجزائه إلا أنه لا تركيب في الأجزاء منهما بل يكون كل جزء
378

من المال مختصا " بأحدهما في الواقع كمزج الحنطة بمثلها، أو يكون الخلط
بين الأفراد المتشابهة على وجه لا يتمايز بعضها عن بعض كالدراهم بالدراهم
والدنانير بمثلها والثياب بعضها ببعض من المثليات والقيميات المتشابهة.
إذا عرفت ذلك، فاعلم أن الذي يقتضيه تحقيق المسألة هو أن يقال
إن المزج في الصورة الأولى موجب للتلف حكما " وهو واضح بعد أن كان
379

الدفع من الممتزج دفعا " لغير ماله جنسا " ووصفا " والزامه بقبوله حكم ضرري
منفي عقلا ونقلا، فيدفع له المثل دون مقدار ماله من الممزوج، والمدفوع
380

هنا بدل العين لا بدل الحيلولة وإن كان مقيدا " بما دام ممزوجا "، وفي الثانية
يحتمل قويا " تنزيله منزلة التلف أيضا " لتفرق أجزائه المستحيل عادة اجتماعها
الموجب لانتفاء مالية كل من المالين وحدوث مالية أخرى قائمة بالموجود
المركب ضرورة أن المالية إنما تعرض على الأجسام بوصف اجتماعها لا مطلقا "
فلا مالية لكل جزء جزء بالانفراد، ومن حيث هو وحينئذ فعلى المازج
غرامة المثل إلا أنه لما كان المثل من الممزوج المركب مشتملا على أجزاء
هي من عين ماله وجب الدفع منه بالخصوص لكونه أقرب إلى دفع عين
ماله من غيره من الأمثال، بل هو من دفع العين بقدر الامكان، فكما
أن دفع المثل مقدم في المرتبة على دفع القيمة لكونه أقرب إلى دفع العين
منها، ضرورة إن دفع القيمة ليس فيه إلا رعاية مالية المال فقط وفي دفع
المثل رعاية للمالية ولمادة المال في الجملة لقربه منه بالمشابهة، فكان أولى
بالتقدم، فكذا نسبة هذا المثل الشخصي المركب من المالين بالنسبة إلى سائر
الأمثال لكونه مشتملا على جملة من نفس أعيان ماله، فهي مضمونة على
المازج بالمزج وفي عهدته بمثل خاص لا بمطلق المثل، وهو الوجه في الشركة
لكونه مضمونا " بقدره من الممزوج المركب لا بمطلق المثل الذي لا يتعين بدليته
بخصوصه إلا بعد الدفع وغير مضمونة على الودعي ولا داخلة في عهدته
بعد أن كان معناها رد العين مع وجودها ورد مثلها بعد التلف غير الممكن
في المقام لعدم إمكان رد العين لتفرق أجزائها ولا رد مثلها لأنها مضمونة
بالمثل الخاص الذي هو ملك المازج، لا كلي المثل حتى يدفع الودعي له
مصداقا " من ماله. وأما مال الغاصب المأخوذ أمانة فيجب رده ولو برد
الجميع مقدمة بعد أن لم يكن مال المغصوب منه في ضمانه وعهدته.
هذا بناء على تنزيل تفرق الأجزاء منزلة التلف وأما بناء على عدم
صدق التلف عليه لا موضوعا ولا حكما، فإما أن نقول بحصول الشركة
381

الحقيقية بنحو الإشاعة بدعوى ما عرفت من انتفاء المالية من كل المالين
بالمزج وحدوث مالية أخرى قائمة بالموجود المركب مملوكة لكل منهما لأنه
أما أن لا يكون مملوكا " أو يكون مملوكا لأحدهما " دون الآخر والأول باطل
لأنها مسببة عن مواد المالين المملوكين، والثاني ترجيح بلا مرجح، فتعين
الثالث أو نقول بالشركة الحكمية دون الحقيقية لبقاء ذوات أجزاء كل من
المالين على ملك مالكه لعدم الدليل على انتفاء الملكية بانتفاء المالية والأصل
بقاؤها: فعلى الأول يتعين القسمة ولا مناص عنها. وعلى الثاني فقسمتها مشتملة
على المعاوضة جزما " كالقسمة الردية المستلزم تعديلها إلى ضميمة خارجية
ولعلها خارجة عن ظاهر كلامهم في تعريفها بأنها تعيين حق وافراز حصص
واختصاص التعريف بما كانت الشركة بنحو الإشاعة. وعليه فالقسمة موقوفة
على التراضي لاشتمالها على المعاوضة وخارجة عن قسمة الاجبار إلا مع امتناع
أحد الشريكين عنها ومطالبة الآخر لها مع عدم الضرر وإذا لم يكن مورد
القسمة دار الأمر بين التسليم إلى الغاصب أو المغصوب منه ووجوب رد
الملك إلى مالكه في كل منهما معارض بمثله في الآخر فلا بد من ترجيح أحدهما
ولو بأدنى مرجح بعد إن كان الابقاء عنده منعا " للمالكين عن ملكهما ومخالفا
للدليل في كليهما. ولعل الترجيح حينئذ في التسليم إلى الغاصب بما دل على
رد الأمانات بعد تعارض دليل رد الملك من الجانبين وتساقطهما من البين.
هذا أقصى ما يتصور في توجيه قول المشهور
وفيه مضافا " إلى منع شمول ما دل على رد الأمانة لما كان مشتملا على
غيرها، مع كونه لو سلم معارض بمثله في جانب الآخر لكونه أمينا " له
أيضا بالأمانة الشرعية كيف يجب تسليمه لمن لا يجوز له الأخذ والتصرف
فيه بدون إذن شريكه بعد أن كان المال مشتركا بينهما موضوعا " أو حكما "
وما ورد مثله في وجوب دفع الخراج لغير أهله وإن حرم عليه الأخذ
382

فلدليل قوي دل عليه مفقود مثله في المقام. وأما منع كونه مورد القسمة
فمكابرة وإن تضمنت المعاوضة لوجوب حفظ المال على من هو في يده ولو
بتلف بعضه لو توقف عليه، فإذا وجب حفظه ولو بتلف بعضه فبالتعويض
وأخذ بدل التالف يجب بالأولوية، فالقسمة هنا ضرورية فإذا كان من مواردها
تعينت القسمة. وهل له توليتها لأنه أمين وهو المخاطب بالحفظ بحسب
الامكان أو يرجع بها إلى الحاكم؟ ولعل الأخير هو الأقوى والأحوط
والله العالم بحقائق أحكامه
إلى هنا ينتهي الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث. وأوله:
رسالة
في أخذ الأجرة على الواجبات
383