الكتاب: كتاب الخمس
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء:
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الأولى ١٤١٥
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الخمس
1

كتاب الخمس
المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية
لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
كتاب الخمس
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍.
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
3

الكتاب: كتاب الخمس
المؤلف: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى - جمادى الأولى 1415
صف الحروف: مؤسسة الكلام - قم
الليتوغراف: مؤسسة الهادي - قم
المطبعة: باقري - قم
الكمية المطبوعة: 2000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

برعاية
قائد الثورة الاسلامية ولي أمر المسلمين سماحة آية الله السيد الخامنئي دام ظله الوارف
تم طبع هذا الكتاب
6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
لم تكن الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه حدثا سياسيا
تتحدد آثاره التغييرية بحدود الأوضاع السياسية إقليمية أو عالمية، بل كانت
وبفعل التغييرات الجذرية التي أعقبتها في القيم والبنى الحضارية التي شيد
عليها صرح الحياة الانسانية في عصرها الجديد حدثا إنسانيا شاملا
حمل إلى الانسان المعاصر رسالة الحياة الحرة الكريمة التي بشر بها الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام على مدى التأريخ وفتح أمام تطلعات الانسان الحاضر أفقا باسما
بالنور والحياة، والخير والعطاء.
وكان من أولى نتائج هذا التحول الحضاري الثورة الثقافية الشاملة
التي شهدها مهد الثورة الاسلامية إيران والتي دفعت بالمسلم الإيراني إلى
اقتحام ميادين الثقافة والعلوم بشتى فروعها، وجعلت من إيران، ومن قم
المقدسة بوجه خاص عاصمة للفكر الاسلامي وقلبا نابضا بثقافة القرآن
وعلوم الاسلام.
7

ولقد كانت تعاليم الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه ووصاياه وكذا
توجيهات قائد الثورة الاسلامية وولي أمر المسلمين آية الله الخامنئي المصدر
الأولى الذي تستلهم الثورة الثقافية منه دستورها ومنهجها، ولقد كانت الثقافة
الاسلامية بالذات على رأس اهتمامات الإمام الراحل رضوان الله عليه وقد أولاها
سماحة آية الله الخامنئي حفظه الله تعالى رعايته الخاصة، فكان من نتائج ذاك
التوجيه وهذه الرعاية ظهور آفاق جديدة من التطور في مناهج الدراسات
الاسلامية بل ومضامينها، وانبثاق مشاريع وطروح تغييرية تتجه إلى تنمية
وتطوير العلوم الاسلامية ومناهجها بما يناسب مرحلة الثورة الاسلامية
وحاجات الانسان الحاضر وتطلعاته.
وبما أن العلوم الاسلامية حصيلة الجهود التي بذلها عباقرة الفكر
الاسلامي في مجال فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة فقد كان من أهم
ما تتطلبه عملية التطوير العلمي في الدراسات الاسلامية تسليط الأضواء
على حصائل آراء العباقرة والنوابغ الأولين الذين تصدروا حركة البناء
العلمي لصرح الثقافة الاسلامية، والقيام بمحاولة جادة وجديدة لعرض
آرائهم وأفكارهم على طاولة البحث العلمي والنقد الموضوعي، ودعوة
أصحاب الرأي والفكر المعاصرين إلى دراسة جديدة وشاملة لتراث السلف
الصالح من بناة الصرح الشامخ للعلوم والدراسات الاسلامية ورواد الفكر
الاسلامي وعباقرته.
وبما أن الإمام المجدد الشيخ الأعظم الأنصاري قدس الله نفسه يعتبر
الرائد الأول للتجديد العلمي في العصر الأخير في مجالي الفقه والأصول
- وهما من أهم فروع الدراسات الاسلامية - فقد اضطلعت الأمانة العامة
لمؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري - بتوجيه من سماحة قائد الثورة الاسلامية
8

آية الله الخامنئي ورعايته - بمشروع إحياء الذكرى المئوية لميلاد
الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره وليتم من خلال هذا المشروع عرض
مدرسة الشيخ الأنصاري الفكرية في شتى أبعادها وعلى الخصوص إبداعات
هذه المدرسة وإنتاجاتها المتميزة التي جعلت المدرسة الأم لما تلتها من
مدارس فكرية كمدرسة الميرزا الشيرازي والآخوند الخراساني والمحقق
النائيني والمحقق العراقي والمحقق الأصبهاني وغيرهم من زعماء المدارس
الفكرية الحديثة على صعيد الفقه الاسلامي وأصوله.
وتمهيدا لهذا المشروع فقد ارتأت الأمانة العامة أن تقوم لجنة مختصة
من فضلاء الحوزة العلمية بقم المقدسة بمهمة إحياء تراث الشيخ الأنصاري
وتحقيق تركته العلمية وإخراجها بالأسلوب العلمي اللائق وعرضها لرواد
الفكر الاسلامي والمكتبة الاسلامية بالطريقة التي تسهل للباحثين الاطلاع
على فكر الشيخ الأنصاري ونتاجه العلمي العظيم.
والأمانة العامة لمؤتمر الشيخ الأنصاري إذ تشكر الله سبحانه وتعالى على هذا
التوفيق تبتهل إليه في أن يديم ظل قائد الثورة الاسلامية ويحفظه للاسلام
ناصرا وللمسلمين رائدا وقائدا وأن يتقبل من العاملين في لجنة التحقيق
جهدهم العظيم في سبيل إحياء تراث الشيخ الأعظم الأنصاري وأن يمن
عليهم بأضعاف من الأجر والثواب.
أمين عام مؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري
محسن العراقي
9

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم أنبيائه وصفوة
رسله محمد وآله ذوي قرباه الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا.
وبعد: يسر لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره أن
تقدم للحوزات العلمية حلقة أخرى من مؤلفاته القيمة التي ضمت بين دفتيها
نفائس الدقائق، وهي كتاب الخمس، ولأجل أن تتضح خصوصيات الكتاب
ومراحل التحقيق نشير فيما يلي إلى النقاط التالية:
أولا - خصوصيات الكتاب
يشتمل الكتاب الحاضر على ثلاثة أقسام:
القسم الأول - شرح إرشاد الأذهان:
وهو شرح مزجي لإرشاد الأذهان للعلامة الحلي من أول قوله: " النظر
الثالث في الخمس " إلى قوله: " وفي الحلال المختلط بالحرام " ويتضمن البحث
عما يجب فيه الخمس.
11

القسم الثاني - مسائل مستقلة:
وهذا هو القسم الأعظم من الكتاب، ويتكون من مسائل مستقلة بلغ
مجموعها 32 مسألة.
القسم الثالث - الأنفال:
وهو يتضمن البحث عن الأنفال في مقدمة ومسائل خمس.
ثانيا - النسخ المعتمد عليها:
كانت النسخ المعتمد عليها في التحقيق كالآتي:
ألف - نسخة خطية من مكتبة " ملك " بقم (6089)، تقدمت بمصورتها
المكتبة الرضوية في مشهد الإمام الرضا عليه السلام، وعدد أوراقها (55 ورقة =
110 صفحة) بمقياس (13 × 12 سم) وفي كل صفحة (26 سطرا) وهي
ضمن مجموعة تحتوي على كتابي الصوم والزكاة.
جاء في آخرها: " إلى هنا جف قلمه الشريف، وقد قابلت هذه
النسخة مع نسخة الأصل التي كانت بخطه قدس سره مع كمال الدقة بقدر الوسع
والطاقة إلا ما زاغ البصر عنه، وما زاغ عن البصر وما طغى القلم إن شاء
الله تعالى. وقد استكتبها الجاني مصطفى بن معصوم الحسيني المازندراني في
مشهد الغري والنجف الأشرف على مشرفه ألف ألف سلام وشرف، في
خامس عش شهر ربيع المولود من شهور سنة 1285 ".
وتمتاز هذه النسخة بالدقة.
ورمزنا لها ب‍ " م ".
ب - نسخة خطية ثانية وقفنا عليها في مكتبة المدرسة الفيضية في قم
المقدسة وتقدمت بمصورتها إدارة المكتبة مشكورة، وهي في (114) صفحة،
12

بمقياس (11 × 15 سم) وفي كل صفحة (18) سطرا، ضمن مجموعة تحتوي
على كتابي الزكاة والصوم.
وجاء في آخرها: " هذا آخر ما وجد بخطه الشريف في الخمس بعد
وفاته قدس الله روحه، وكتبنا بعد ذلك ما وجد من خطه رحمه الله في الصوم،
فنحمد الله على إتمام ذلك وأرجو منه التوفيق لكتابة الباقي، والحمد لله أولا
وآخرا والصلاة والسلام على محمد وآله صلوات الله تعالى وسلامه عليهم
باطنا وظاهرا، قد فرغ من ذلك في الخامس من جمادى الثانية من عام
السادس والثمانين بعد المئتين والألف ".
ورمزنا لهذه النسخة ب‍ " ف ".
ج - نسخة حجرية مطبوعة عام (1298 ه‍) ضمن كتاب الطهارة
للشيخ الأنصاري قدس سره نفسه.
ورمزنا لها ب‍ " ج ".
د - نسخة حجرية أخرى مطبوعة عام (1304 ه‍) ضمن كتاب
الطهارة أيضا، ويبدو أنها أصح النسخ المطبوعة.
ورمزنا لها ب‍ " ع ".
ثالثا - طريقة التحقيق:
كانت الطريقة المتخذة في تحقيق هذا الكتاب - كغيره - غالبا على النحو
التالي.
1 - المقابلة: فقوبلت النسخ المتقدمة (م وف وع و ج) بعضها مع
بعض، وسجلت موارد اختلافها على يد مجموعة من الإخوة.
2 - الاستخراج: وقد تم الاستخراج في مرحلتين:
13

المرحلة الأولى - الاستخراج الابتدائي، حيث استخرجت الأقوال
والمصادر استخراجا ابتدائيا.
المرحلة الثانية - مراجعة تلك الاستخراجات مراجعة دقيقة.
3 - تقويم النص وتقطيعه وتنظيمه.
4 - صياغة الهوامش صياغة فنية.
5 - المراجعة النهائية.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب - كغيره من كتب الشيخ
الأعظم - لم تخل نسخة من تشويش واضطراب، ولقد بذلنا قصارى جهدنا
لرفع ذلك منه بما أمكن، واخراجه بالصورة اللائقة.
وفي الختام: نتقدم بالشكر والتقدير لكل من ساهم في إخراج الكتاب
بالشكل الحاضر، ونخص بالذكر:
حجة الاسلام والمسلمين السيد محمود الإمام وفضيلة حجة الاسلام
والمسلمين الشيخ محمد باقر حسن پور وحجة الاسلام والمسلمين الشيخ
مرتضى الواعظي وحجة الاسلام والمسلمين الشيخ صادق الكاشاني، كما
ونشكر حجة الاسلام والمسلمين الشيخ خالد الغفوري وحجة الاسلام السيد
هادي العظيمي الذين قاما بتنظيم الفهارس.
فلهؤلاء ولغيرهم - جميعا - ممن ساهم في تحقيق الكتاب وإخراجه
بالشكل المناسب واللائق جزيل الشكر والثناء، ونرجو لهم مزيد التوفيق
لخدمة الدين وإعلاء كلمته، إنه ولي التوفيق.
مسؤول لجنة التحقيق
محمد على الأنصاري
14

صورة الصفحة الأولى من نسخة " م "
15

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة " م "
16

صورة الصفحة الأولى من نسخة " ف "
17

صورة الصفحة الأخيرة من نسخة " ف "
18

شرح
إرشاد الأذهان
19

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
20

النظر الثالث
في الخمس
تعريف الخمس
لغة وشرعا
وهو لغة: رابع الكسور، وشرعا: اسم لحق في المال يجب للحجة
عليه السلام وقبيله (1).
وجوب الخمس
في غنائم الحرب
(وهو واجب في غنائم دار الحرب) بالكتاب (2) والسنة (3) والاجماع،
وظاهر الثلاثة (4) عدم الفرق بين أن يكون بعد إخراج المؤونة على التفصيل
المذكور في الجهاد، وقد (حواها العسكر، أو لا) كالأرض ونحوها (ما لم
يكن غصبا (5)) من محترم المال، فإن المغصوب مردود.
وإطلاق العبارة يشمل ما لو كان الغزو بغير إذن الإمام عليه السلام، وإن

(1) في " ج " و " ف " و " م ": قبيلته.
(2) الأنفال: 41.
(3) الوسائل ج 6: 338، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(4) في " ف " الثالثة.
(5) في الإرشاد: إذا لم يكن مغصوبا.
21

كان الكل حينئذ للإمام عليه السلام، إلا أنه لا ينافي وجوب الخمس فيه،
كما صرح به في الروضة (1).
ويظهر من المنتهى، حيث قال في رد الشافعي - القائل بأن حكمها
حكم الغنيمة مع الإذن مستدلا بالآية -: إن الآية غير دالة على مطلوبه،
لأنها إنما تدل على وجوب إخراج الخمس لا على المالك (2).
لكن ظاهر كلام الباقي (3)، بل صريح بعضهم عدم وجوب الخمس.
حكم مال البغاة
ويلحق بغنائم دار الحرب مال البغاة الذي (4) حواه العسكر بناء على
قسمة ذلك - كما عن الأكثر -: لعموم الآية.
نعم في رواية أبي بصير: " كل شئ قوتل عليه على شهادة أن لا إله
إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فإن لنا خمسه " (5) ولا دلالة
فيها ظاهرة.
ما يؤخذ من
الكفار بالغلبة
وأما ما يؤخذ من الكفار غلبة (6)، فالظاهر أنه لا خمس فيه إلا من
حيث الاكتساب، فيراعى فيه مؤونة السنة.
ولو كان القتال لغير الدعاء إلى الاسلام، ففي إلحاق المغنوم بما أخذ
قهرا من غير قتال، أو بما اغتنم بالقتال غير المأذون، أو بالقتال المأذون،
وجوه متدرجة في القوة.

(1) الروضة البهية 2: 65.
(2) انظر المنتهى 1: 554.
(3) في " ف " و " م ": النافي.
(4) في مصححة " م ": وفي النسخ: التي.
(5) الوسائل 6: 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(6) في " م " غيلة.
22

حكم مال
الناصب
وقد ورد في غير واحد من الأخبار (1) إباحة مال الناصب ووجوب
الخمس فيه، ويظهر من الحدائق: اتفاق الطائفة المحقة على الحكم بجواز أخذ
مال الناصب (2)، وهو بعيد. والظاهر من شرحي المفاتيح (3) والارشاد (4)
- للمحققين البهبهاني والأردبيلي -: الاتفاق على الخلاف فيما ادعاه.
وأول الحلي (5) خبر (6) الجواز بالناصب للحرب للمسلمين، لا ناصب
العداوة للشيعة، ولعله لعدم الخروج بها (7) عن الأصول والعمومات. وهو
حسن.
خمس الأرض
المفتوحة عنوة
ثم إن مقتضى إطلاق العبارة وصريح غيرها - كظاهر
الأدلة -: وجوب إخراج الخمس من الأراضي المفتوحة عنوة، وإن
اختلف كلامهم في وجوب الاخراج من ارتفاعها كما عن
التحرير (8) أو من عينها كما هو ظاهر الوسيلة (9) وعبارتي

(1) الوسائل 6: 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديثان 6 و 7،
و 11: 59، الباب 26 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و 12: 222، الباب 95
من أبواب ما يكتسب به.
(2) الحدائق 12: 324.
(3) شرح المفاتح: (مخطوط).
(4) تفحصنا فيه كثيرا فلم نجده في مظانه.
(5) السرائر 3: 607.
(6) في " ع " أخبار.
(7) في " ف ": بهما.
(8) تحرير الأحكام 2: 129.
(9) الوسيلة: 202.
23

المبسوط (1) والسرائر (2)، أو يتخير بينهما كما في القواعد (3) والشرائع (4).
وأنكر ذلك كله في الحدائق (5)، محتجا بعدم الدليل، وبما يظهر من
الأخبار الواردة في حكم أراضي الخراج، المصرح في بعضها بأنه: " ليس
للإمام عليه السلام من ذلك قليل ولا كثير " (6) وكذلك خبر خصوص أرض
خيبر (7).
فإن أراد عدم ثبوت الخمس في تلك الأراضي، بل وفي مطلق غير
المنقول، فالظاهر أنه مخالف لفتوى الأصحاب وظاهر الأدلة، مثل الآية
ورواية أبي بصير المتقدمة (8).
وإن أراد العفو عنه في ضمن عفوهم عليهم السلام عن جميع ما لهم في
الأراضي - كما سيجئ في الأنفال من الروايات العامة (9) في تحليل حقوقهم
مما في أيدي الشيعة من الأراضي - فله وجه، ويؤيده: خلو كلماتهم في باب
إحياء الموات عن وجوب إخراج الخمس من ارتفاع هذه الأراضي، عدا

(1) المبسوط 2: 28.
(2) السرائر 1: 485.
(3) القواعد 1: 492.
(4) الشرائع 1: 322.
(5) الحدائق 12: 325.
(6) الوسائل 11: 84، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2.
(7) الوسائل 11: 119، الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول.
(8) في الصفحة: 22.
(9) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال.
24

ما حكي عن التحرير (1).
لكن الظاهر - كما قيل - إنهم اعتمدوا في ذلك على ما ذكروه في باب
الخمس والجهاد، فليس في ذلك شهادة على السقوط، كما [أنه] ليس في
خلو الأخبار شهادة على العفو والسقوط، فضلا عن عدم الثبوت، لاحتمال
ابتناء ذلك على تعلق الخمس بعينها، فيكون النظر في تلك الأخبار إلى ما
يبقى للمسلمين بعد إخراج الخمس، فتأمل.
وأما أخبار الأراضي، فلا يبعد دعوى اختصاصها بأراضي الأنفال.
ويتفرع على ما ذكر: جواز الحكم بملكية ما في يد المسلم من بعض
تلك الأراضي، وإن علمنا بكونها محياة حال الفتح، لاحتمال انتقالها على
وجه الخمس، أو لاحتمال بيع الإمام لها لمصلحة، كما صرح بذلك بعضهم في
الأرض التي يشتريها الذمي من أراضي الخراج (2).
وجوب الخمس
في المعادن
(و) يجب الخمس أيضا (في المعادن) بالاجماع المحقق،
والمستفيض من محكيه (3) كالأخبار (4) مضافا إلى عموم الكتاب بناء على أن
" ما غنمتم " عام لكل ما استفيد واكتسب ولو قلنا بأن لفظ " الغنيمة " (5)
منصرف إلى غنيمة دار الحرب.
ولعله لهذا اشتهر بين الأصحاب التمسك به لوجوب الخمس في مطلق

(1) تحرير الأحكام 2: 129.
(2) الجواهر 22: 349.
(3) السرائر 1: 488 - 489، والمنتهى 1: 545، والتذكرة 1: 252، والحدائق 12:
328.
(4) الوسائل 6: 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(5) في " ف ": " اللفظ " بدل " لفظ الغنيمة ".
25

المغنوم، بل نسب الاستدلال به (1) إلى الأصحاب كافة عدا شاذ، بل ادعى في
الرياض (2) الاجماع على عموم الآية.
هذا، مضافا إلى الأخبار المستفيضة (3) المفسرة لها بالمعنى العام (4)،
فتأمل بعض متأخري المتأخرين (5) في عمومها من جهة ظهور سياق الآية في
الجهاد، في غير محله.
بيان المراد
من المعدن
وقد أختلف ظاهر عباراتهم في تفسير المعدن، ففي المسالك (6)
والروضة (7): أنه كل ما استخرج من الأرض مما كان أصله منها ثم اشتمل
على خصوصية يعظم الانتفاع بها.
وفي البيان: أنه ألحق به حجارة الرحى وكل أرض فيها خصوصية
يعظم الانتفاع بها، كالنورة والمغرة (8).
ويشكل بمثل النفط وشبهه، وببعض أفراد الطين والحجر الذي يعظم

(1) ليس في " ف ": به.
(2) الرياض 5: 328.
(3) الوسائل 6: 345، الباب 5 ومن أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3، و 349،
الباب 8، الحديث 5، و 380، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 8.
(4) في " ف ": المفسرة بالمعنى الأعم.
(5) المدارك 5: 381 - 382.
(6) المسالك 1: 458.
(7) الروضة البهية 2: 66.
(8) البيان: 342، والمغرة: المدر الأحمر الذي يصبغ به الثياب، راجع النهاية: لابن
الأثير 4: 345، مادة: " مغر ".
26

الانتفاع بهما (1) مع بقاء صدق الأرض عليه، كحجارة النار والرحى وطين
الغسل، فإن في صدق المعدن عليها في العرف خفاء، وإن عدها جماعة منه،
كالشهيدين (2) وظاهر المحقق الثاني (3).
وقد عد البرام (4) في القواعد (5) والروضة (6) من المعادن الظاهرة في باب
إحياء الموات، مع أن المحكي عن (7) المنتهى التصريح بأن المعدن ما كان في
الأرض من غير جنسها (8).
وعرفه في موضع آخر منه - كما عن التذكرة (9) - بأنه ما استخرج من
الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما كان له قيمة (10)، مدعيا - في صريح
محكي الثاني وظاهر الأول - أنه قول علمائنا أجمع.
ومثلهما المحكي عن نهاية ابن الأثير (11) والأزهري (12)، وعن القاموس:

(1) في " ف ": بها.
(2) الدروس 1: 260، الروضة البهية 2: 66، والمسالك 1: 458.
(3) حاشية الشرائع (مخطوط): 51.
(4) البرام: الحجر الذي يصنع منه القدور - انظر لسان العرب 12: 45، مادة:
" برم ".
(5) القواعد (الطبعة الحجرية) 1: 222.
(6) الروضة البهية 7: 187.
(7) في " ج " و " ع ": من.
(8) المنتهى 1: 545.
(9) التذكرة 1: 251.
(10) المنتهى 1: 544.
(11) النهاية: لابن الأثير 3: 192، مادة: " عدن ".
(12) تهذيب اللغة 2: 218.
27

إن المعدن - كمجلس - منبت الجواهر من ذهب ونحوه (1).
وكيف كان، فلا إشكال فيما ذكره المصنف رحمه الله - تمثيلا - بقوله:
(كالذهب والفضة والرصاص والياقوت والزبرجد والكحل والعنبر) على
بعض تفاسيره (والقير والنفط والكبريت).
ووجوب الخمس في الأربعة الأخيرة) منصوص (2) بزيادة الملح، وما
عداها لا إشكال في إطلاق اسم المعدن عليه، فيبقى الاشكال في الأمور
المتقدمة وفي مثل المغرة والنورة والجص.
وعن الشيخ (3): الجزم باندراجها في المعادن، وعن الحلي (4) عد المغرة
والنورة، والاعتراض على الشيخ في الجمل (5) حيث حصر المعدن في خمسة
وعشرين ولم يعدهما.
واعتذر عنه المصنف قدس سره في المختلف (6) بأنه لم يقصد بذلك الحصر،
بل عد أغلب المعادن، وتوقف في جميع هذه جماعة من متأخري
المتأخرين (7).

(1) القاموس المحيط 4: 247.
(2) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4، و 347،
الباب 7، الحديث الأول، لكن لم نعثر على حديث فيه لفظ " القير "، بل الوارد لفظ
" الصفر ".
(3) المبسوط 1: 236.
(4) السرائر 1: 486.
(5) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 207.
(6) المختلف 3: 324.
(7) منهم السيد السند في المدارك 5: 364، والمحدث البحراني في الحدائق 12: 228،
وانظر الرياض 5: 239.
28

ويمكن الاحتجاج للأولين بصحيحة ابن مسلم، قال: " سألت أبا جعفر
عليه السلام عن الملاحة، فقال: وما الملاحة؟ فقلت: أرض سبخة مالحة يجتمع
فيها الماء، فيصير ملحا، فقال: هذا مثل المعدن، فيه الخمس، فقلت:
فالكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس " (1).
بناء على أن مماثلة الأجزاء الملحية من الأرض للمعدن ليس بأوضح
من مماثلة المغرة والنورة وطين الغسل والجص، فتأمل.
وفي رواية الشيخ بدل قوله: " هذا مثل المعدن " قوله: " هذا المعدن فيه
الخمس " (2) ولعل دلالته حينئذ أوضح، فتأمل.
ومورد الاشكال في هذه الأمور: وجوب الخمس من حيث المعدنية
- ليراعى (3) فيه النصاب ولا يراعى فيه مؤونة السنة - أو من حيث
الاكتساب - فيعكس (4) المراعاة -، وإلا فلا إشكال في أصل الوجوب في
الجملة.
ومقتضى عمومات الوجوب في الصنائع والاكتساب بعد مؤونة السنة
السليمة في المقام عن معارضة ما دل على أحكام المعدن، هو الأخير.
نعم، لو صدق الركاز على مطلق ما ركز في الأرض مما امتاز منها في
الجملة، أمكن التمسك له بصحيحة زرارة، قال: " سألته عن المعادن ما فيها؟

(1) الفقيه 2: 41، الحديث 1648، والوسائل 6: 346، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه
الخمس، الحديث 4، مع اختلاف يسير.
(2) التهذيب 4: 122، الحديث 349.
(3) في " ع ": فيراعى.
(4) في " ج " و " ع ": فعكس.
29

قال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس " (1).
وقد يستشكل بأن العبرة في الاشتمال على خصوصية توجب عظم
الانتفاع - بناء على ما تقدم عن البيان والمسالك (2) - إن كان قبل العلاج،
فلا ريب أن الحجارة التي يحصل منها النورة بالاحراق ليس فيها خصوصية
وإن كان بعده، فيدخل ما يصنع من الطين بعد الطبخ، مثل التربة الحسينية
المطبوخة، وظروف الخزف، سيما المعروف منها بالصيني،
فالخصوصية الموجودة في حجارة النورة ليست بأزيد من الموجودة في
الطين القابل لجعله من ظروف الخزف - سيما الصيني وشبهه - والسبخات
الرفيعة.
بل يشكل [الفرق] بين الطين الخاص التي يعمل منها (3) هذه الأمور
وشبهها وبين الجص الغير المطبوخ، ولعله لذا قيل: إن لوجوب الخمس
فيها يحتاج إلى عمل من التراب كالتربة الحسينية والظروف وآلاف البناء
وجها (4).
حكم ما وجد
من جنس
المعدن في
الصحراء
وكيف كان، فظاه الأدلة اختصاص الخمس بالمعدن المستخرج من
مأخذه، فلو وجد شئ منه مطروحا في الصحراء فأخذه فلا خمس فيه، على
ما جزم به بعض (5).

(1) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3،
(2) في الصفحة: 26.
(3) في هامش " م ": الذي يعمل منه (ظ).
(4) كشف الغطاء: 360.
(5) هو العلامة الشيخ جعفر قدس سره في كشف الغطاء: 360.
30

وقد يشكل الفرق بينه وبين (1) ما صرح به المصنف (2) والشهيد (3) من
أن ما يخرجه الانسان من المعدن في ملك غيره، فهو للمالك وعليه الخمس،
وليس للمخرج، وحمله على كون المخرج أجيرا ونحوه، خلاف الظاهر.
وقد صرح غير واحد (4) بوجوب الخمس في العنبر المأخوذ من وجه
الماء أو من الساحل، والظاهر أن وجه الماء ليس معدنا للعنبر. نعم، نازعهم
المحقق الأردبيلي رحمه الله في ذلك تفريعا على ما اعترف به من أن المتبادر من
المعدن ما استخرج من معدنه، قال: إلا أن يكون معدن العنبر وجه الماء (5).
الخمس بعد
إخراج مؤونة
التحصيل
اعتبار النصاب
وتحديده
وكيف كان، فإنما يجب الخمس (بعد) إخراج (المؤونة) لتحصيلها
مصفاة، إجماعا، نصا وفتوى (وبلوغ) الباقي النصاب، وفاقا لجمهور
المتأخرين، للأصل، ولصحيحة البزنطي عن مولانا الرضا عليه السلام قال:
" سألته عما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شئ؟ (6) قال
عليه السلام: ليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة (عشرين دينارا) " (7).
خلافا للمحكي عن كثير من القدماء (8) فلم يعتبروا نصابا، بل عن

(1) في " ف ": الفرق فيه بين.
(2) المنتهى 1: 545.
(3) البيان: 343.
(4) راجع المدارك 5: 377 والحدائق 12: 345 والجواهر 16: 44.
(5) مجمع الفائدة 4: 308.
(6) في " ف ": المعدن قليل أو كثير فيه شئ؟
(7) الوسائل 6: 344، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
(8) حكاه السيد الطباطبائي عن الإسكافي والعماني والمفيد والديلمي وابن زهرة
والمرتضى، انظر الرياض 5: 250.
31

الخلاف (1) والغنية (2) والسرائر (3): دعوى الاجماع عليه، للاطلاقات اللازم
تقييدها بالصحيحة، أو الموهونة بها، كوهن دعوى الاجماع باشتهار الخلاف
بين المتأخرين، فلا محيص عن الرجوع إلى الأصل.
وعن الحلبي والصدوق: اعتبار بلوغ دينار (4)، وهو شاذ، ومستنده
محمول - عند جماعة (5) - على الاستحباب.
وهل يجزي بلوغ قيمته مائتي درهم، أم لا بد من بلوغه عشرين
دينارا؟ قولان، منشؤهما: ظهور قوله عليه السلام: " ما يجب في مثله الزكاة " (6)
في الأول، وظهور الاقتصار - في بيانه - على عشرين دينارا، مع أن الأصل
في نصاب الزكاة الدراهم، واعتبر بالدنانير لأنها عدل الدراهم - كما في غير
واحد من الأخبار - في الثاني.
فيدور الأمر بين حمل الموصول على المقدار من جنس الدينار، وبين
حمل العشرين دينارا على مجرد المثال، فيراد من الموصول: المقدار من مطلق
النقد، ولعل الأول أولى، مع أنه أوفق بالأصل، وإن كان الثاني أوفق

(1) الخلاف 2: 120، كتاب الخمس، في ذيل المسألة: 142.
(2) الغنية (جوامع فقهية): 507، لكن فيه ادعاه الاجماع على أصل وجوب الخمس
في المعدن من غير تعرض للنصاب.
(3) السرائر 1: 488.
(4) الكافي في الفقه: 170، والمقنع (الجوامع الفقهية): 15.
(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 296، والسيد السند في المدارك 5: 366، والسيد
الطباطبائي في الرياض 5: 251.
(6) الوسائل 6: 344، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
32

بالاطلاقات.
وظاهر الصحيحة (1): اعتبار النصاب بعد المؤونة كما صرح به جماعة،
بل نسبه في المسالك إلى ظاهر الأصحاب (2)، وعن الرياض: ظهور الاجماع
عليه (3)، لأنها تدل على ثبوت الخمس في مجموع النصاب، فلو اعتبر قبل
إخراج المؤونة، لم يكن الخمس في مجموعه، بل في الباقي منه بعد المؤونة،
خلافا لصاحب المدارك (4) وبعض مشايخنا المعاصرين (5) فاعتبراه قبله،
اقتصارا على المتيقن في الخروج عن الاطلاقات، وهو ضعيف (6).
وهل تعتبر
وحدة الاخراج؟
وهل يعتبر وحدة الاخراج - ولو عرفا - في بلوغ مخرج النصاب أم
يجب فيما بلغه ولو بإخراجات متعددة مفصولة ولو بتخلل الأعراض في
الأثناء قولان: من إطلاق الصحيحة (7)، ومن دعوى انصرافها إلى
الاخراج الواحد أو الاخراجات المتحدة عرفا.
هل تعتبر
وحدة الاخراج؟
وعليهما يبتنى الخلاف في اعتبار اتحاد النوع في بلوغ النصاب وعدمه،
وظاهر البيان (8) وحاشية الشرائع (9) التوقف هنا.
هل تعتبر
وحدة المخرج؟

(1) أي صحيحة البزنطي المتقدمة آنفا.
(2) المسالك 1: 469، وفيه النسبة إلى صريح الأصحاب.
(3) الرياض 5: 252.
(4) المدارك 5: 392.
(5) المستند 2: 79.
(6) في غير " م ": فهو ضعيف.
(7) الوسائل 6: 344، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
(8) البيان: 343.
(9) حاشية الشرائع (مخطوط): 51.
33

هل تعتبر
وحدة المخرج؟
ولو اشترك جماعة في استخراج المعدن، فصريح جماعة اعتبار بلوغ
نصيب كل واحد النصاب، وظاهر الصحيحة كفاية بلوغ المجموع، كما
اعترف به في البيان (1) إلا أن يقال: إن ما يجب في مثله (2) الزكاة هو عشرون
دينارا لمالك واحد، وفيه نظر.
نعم، ظاهر أدلة وجوب الخمس في المعدن: استقلال الأشخاص في
التكليف، فإذا قيد المعدن بما بلغ النصاب فيرجع إلى أنه يجب على كل أحد
إخراج الخمس مما استخرجه إذا بلغ النصاب.
العبرة بقيمة
يوم الاخراج
ثم إن العبرة في النصاب بقيمة يوم الاخراج، لأنه الظاهر، فما عن
الشهيد (3) من الاجتزاء بالقيمة التي كان النصاب عليها في صدر الاسلام،
ضعيف جدا.
ثم إن المعدن إذا كان في المباح، فالخمس لأهله والباقي لواجده، وإن
وجد في ملك (4) فهو لمالكه (5) وعليه الخمس (6) وليس له حينئذ وضع مؤونة
الاخراج.
حكم المعدن
في أراضي
الأنفال
والظاهر أن الموجود في أراضي (7) الأنفال - مع عدم تملكها بالاحياء -

(1) البيان: 343.
(2) في " ف ": مسألة.
(3) البيان: 342، وفي المسالك (1: 458 - 459): " واكتفى الشهيد وجماعة ببلوغه
مأتي درهم، لأنها كانت قيمة العشرين دينارا في صدر الاسلام ".
(4) في " ف ": مملك.
(5) في " ج ": مالكه.
(6) في " ج " و " ع ": فعليه الخمس.
(7) في " ف ": الوجود في أرض، وفي " م ": الموجود في أرض.
34

يملكه الواجد، مع احتمال عدم تملك المخالف أو الكافر له، لما دل على " أن
أموالنا لشيعتنا، وليس لعدونا منه شئ " (1).
حكم المعدن
في المفتوحة
عنوة
وأما الموجود في الأرض المفتوحة (2) عنوة، فالظاهر أنه للمسلمين.
لا كأصل الأرض، بل كسائر المباحات لهم، ويحتمل الإباحة وكون
الناس شرعا فيها (3) سواء.
تعلق خمس
المعدن بالعين
والظاهر تعلق خمس المعدن بعينه (4) على ما يظهر من كثير من كلماتهم،
بل عن ظاهر المنتهى (5) عدم الخلاف، وتبعه في الغنائم (6)، لظهور الأدلة في
ذلك من الكتاب (7) والسنة (8)، بل هو ظاهر لفظ الخمس، لكن الظاهر
[جواز] (9) دفع القيمة لما سيجئ (10)، ولذا قال في التحرير (11) والمنتهى (12)

(1) الوسائل 6: 384، الباب 4 من أبواب الأنفال، وما يختص بالإمام، ضمن الحديث
17.
(2) في " ج " و " ع ": المفتوح.
(3) في " ف " و " م ": فيها شرعا، وفي هامش " م ": فيه (ظ).
(4) في " ف ": بنفسه.
(5) المنتهى 1: 546.
(6) غنائم الأيام: 362.
(7) الأنفال: 41.
(8) الوسائل 6: 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(9) ما بين المعقوفتين استظهار من ناسخ " م " في الهامش.
(10) في الصحفة 43.
(11) تحرير الأحكام 1: 73.
(12) المنتهى 1: 546.
35

- على ما حكي -: لو باع الواجد جميع المعدن فالخمس عليه وإن قوى (1) في
محكي مجمع الفائدة (2) العدم، لظهور الأدلة في ذلك، وإن قياسه على الزكاة في
جواز الضمان فاسد. ومال إلى ذلك أيضا في المناهل (3) إذا لم يترتب على
الاخراج من العين ضرر (4).
عدم الفرق في
الخمس بين
المسلم والذمي
ولا فرق في ثبوت الخمس بين المسلم والذمي سواء منعناه من العمل
في المعدن - كما عن الشيخ (5) - أم لا، لعدم الدليل عليه، إلا ما يظهر من
الأدلة في أرض المسلمين (6)، ولا بين الحر والعبد، وإن كان ما يخرجه
غير (7) المكاتب لسيده، ولا بين الكبير والصغير، لأنه أهل للاكتساب.
أول وقت
الخمس بعد
التصفية
ولا يعتبر فيه حول، ولا يخرج منه مؤونة غير مؤونة التحصيل.
والظاهر: أن أول وقته بعد التصفية، فيما يحتاج إليها، لظاهر صحيحة
زرارة: " ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه، من حجارته (8)

(1) في " ج " و " ع ": وإن كان قوى.
(2) مجمع الفائدة 4: 297.
(3) المناهل: (مخطوط) في التنبيه الحادي والعشرون من تنبيهات خمس المعدن.
(4) ليس في " ف ": ضرر.
(5) الخلاف 2: 120، كتاب الخمس، المسألة 144.
(6) لم نقف عليه، لكن في الجواهر (16: 23): نعم، اعترف في المدارك بأنه لم يقف
له على دليل يقضي بمنع الذمي من العمل في المعدن، وهو كذلك بالنسبة إلى غير ما
كان في ملك الإمام عليه السلام من الأراضي الميتة ونحوها، أو المسلمين كالأراضي
المفتوحة عنوة، وأما فيها فقد يقال بعدم ملكه أصلا فضلا عن منعه فقط، لعدم العلم
بتحقق الإذن من الإمام عليه السلام لهم في الأول، وعدم كونه من المسلمين في الثاني
(7) في " ف ": عدا.
(8) في " ج ": من حجارة.
36

مصفى الخمس " (1).
وفي فورية الاخراج ما تقدم في الزكاة (2).
بيان حقيقة
العنبر
واعلم أنهم اختلفوا في حقيقة العنبر، فقيل: إنه نبات من البحر.
وقيل: إنه عين ماء البحر. وقيل: شئ يقذفه البحر إلى جزيرة،
فلا يأكله حيوان إلا مات، ولا ينقره طائر إلا نصلت منقاره، ولا وضعت
أظفاره [عليه] إلا نصلت (3)، وقيل: إنه روث دابة بحرية، وأنه شئ في
البحر يأكله بعض دوابه لدسومته، فيقذفه رجيعا، فيطفو على وجه الماء،
فيلقيه الريح إلى الساحل (4).
وجوب الخمس
في العنبر
ولا إشكال ولا خلاف - كما في المدارك (5) وعن الذخيرة (6) - في
وجوب (7) الخمس فيه، لصحيحة الحلبي، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: عليه الخمس " (8).
اعتبار النصاب
في العنبر
وظاهرها عدم الفرق بين ما يؤخذ من الساحل، أو من البحر، أو من
وجه الماء، أو من الجزيرة، إنما الاشكال في أنه يعتبر في نصاب الغوص
أو نصاب المعدن، أو يفرق بين أفراده، أو لا يعتبر فيه نصاب أصلا،

(1) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(2) راجع كتاب الزكاة 445.
(3) الحيوان، للجاحظ 5: 362، مع اختلاف يسير.
(4) حياة الحيوان، للدميري 2: 81، مع اختلاف يسير.
(5) المدارك 5: 377.
(6) الذخيرة: 480.
(7) في " م " و " ف ": ثبوت.
(8) الوسائل 6: 347، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
37

بل يدخل في المكاسب، فيخرج منه مؤونة السنة أو لا يعتبر فيه ذلك أيضا،
لاطلاق الصحيحة.
وربما يستظهر من وحدة السياق فيه وفي غوص البحر: اعتبار نصاب
الغوص فيه، وفيه نظر.
وفي المسالك: أنه إن أخذ من تحت الماء فهو غوص، ولو أخذه من
وجهه [مع بلوغ النصاب] (1) فمعدن (2)، ومع قصوره عنه فمكسب (3)، فيلحقه
حكم ما ألحق به (4).
وهو حسن، مع عموم أدلة المعدن له، ولا يخلو عن نظر، إذ بعد تسليم
صدق المعدن على العنبر قد عرفت التأمل من المحقق الأردبيلي (5) لأن
الظاهر المتبادر: الشئ المأخوذ من معدنه (6)، إلا أن يقال: المتبادر، المأخوذ
من مأخذه المعين الذي لا يسبقه (7) مأخذ آخر، لا المأخوذ من منبته (8).
فالأقوى أن غير المأخوذ من تحت الماء ليس غوصا قطعا، فيتردد بين
عنوان المعدن وعنوان المكسب.
وظاهر الصحيحة وجوب الخمس فيه من حيث الخصوص، مع أن

(1) ما بين المعقوفتين من " ع " والمصدر.
(2) في " ف " و " ج ": من وجهه فمعدن. وفي " م ": من وجهه وبلغ نصاب المعدن فمعدن.
(3) في " ج " و " ع ": فكسب، وفي المسالك: مكسب.
(4) المسالك 1: 464.
(5) مجمع الفائدة 4: 308.
(6) في " م ": المتبادر المأخوذ من معدنها.
(7) في " م ": لا يتعقبه.
(8) في " ع ": من عينه.
38

إطلاقه ينفي إخراج مؤونة السنة، واقترانه مع غوص اللؤلؤ يأبى تقييده
بما بعد الاخراج، فينتفي احتمال دخوله في عنوان المكسب، ويتعين الأول.
وبعد ظهور الاجماع على حصر عنوانات الغنيمة في الأمور المعدودة (1)
يتعين دخوله في المعدن، فيعتبر فيه نصابه وفاقا للمحكي (2) عن الأكثر.
والأحوط إخراج الخمس منها، وإن لم يبلغ نصابا، وأن لا يخرج منه
إلا مؤونة التحصيل التي لا خلاف في اعتبارها.
وجوب الخمس
في الكنز
(و) يجب الخمس (في الكنوز) في الجملة بالأدلة الثلاثة.
وقد عرف جماعة (3) الكنز بأنه: المال المذخور تحت الأرض.
وزاد في المسالك (4) والروضة (5) قيد " القصد إلى الذخر " وأن للمختفي
بنفسه حكم اللقطة.
وزاد بعضهم (6) قيد " كونه للادخار، لا لمجرد الحفظ في زمان قليل "،
لكن في كشف الغطاء: أنه ما كان من النقدين مذخورا بنفسه أو بفعل
فاعل (7).
وفي ما فيه من التخصيص والتعميم نظر، إلا أن يرجعا إلى الحكم دون

(1) في " ج " و " ع ": المتعددة.
(2) حكاه في الحدائق 12: 346.
(3) منهم العلامة في التذكرة 1: 252، والفاضل المقداد في التنقيح 1: 337، والشهيد
في البيان: 343.
(4) المسالك 1: 460.
(5) الروضة البهية 2: 68.
(6) غنائم الأيام: 363.
(7) كشف الغطاء: 360.
39

الموضوع. نعم، ظاهر المحكي (1) عن جماعة (2): موافقته في تخصيص الحكم
بالنقدين، وأختاره بعض مشايخنا في مستنده (3)، وهو خلاف إطلاق الأخبار
ومعاقد الاجماعات [بل استظهر في المناهل عدم الخلاف في عدم الفرق،
واستظهر ذلك من عبارة مجمع الفائدة] (4).
مضافا إلى خصوص صحيحة زرارة المتقدمة في المعادن: " كل ما
كان ركازا ففيه الخمس " (5) [الشاملة] للمذخور بغير قصد وللمذخور في
غير الأرض، كالسقوف والحيطان وبطون الأشجار.
ولعله المستند في حكم غير واحد بالخمس فيما يوجد في جوف الدابة
وبطن السمكة، وإلا فتعريفهم للكنز ينافي ذلك، ولذا عطف في الدروس (6)
الركاز على الكنز.
لكن الانصاف انصراف الركاز والكنز إلى المدفون في الأرض، ولذا
ذكر في كشف الغطاء - مع ما عرفت من تعميمه للمذخور بغير قصد -: أن
ما يوجد في أرض الكفار مدخرا في جدار، أو بطن شجرة أو خباء، في (7)

(1) كذا في النسخ، والمناسب: " المحكي عن ظاهر جماعة ".
(2) ما حكاه الفاضل النراقي في المستند 2: 74 عن ظاهر الشيخ في النهاية: 198،
والمبسوط 1: 236، والجمل: 207، والحلي في السرائر 1: 486، وابن سعيد في
الجامع: 148.
(3) المستند 2: 74.
(4) ما بين المعقوفتين لا يوجد في " ج ".
(5) تقدمت في الصفحة: 29 - 30.
(6) الدروس 1: 260.
(7) في المصدر: من.
40

بيوت، أو خشب، أو تحت حطب، فهو لواجده من غير خمس (1).
اعتبار النصاب
في الكنز
ويعتبر في الكنز النصاب بلا خلاف، وحكاية الاتفاق فيه مستفيضة.
ويدل عليه - مضافا إلى ذلك -: صحيحة البزنطي عن مولانا
الرضا عليه السلام قال: " سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب
في مثله الزكاة ففيه الخمس " (2).
وفي مرسلة المفيد في المقنعة: عن الرضا عليه السلام، قال: " سئل عليه السلام
عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس، فقال: ما يجب (3) فيه الزكاة من
ذلك ففيه الخمس، وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه " (4).
وفي الغنية: إن نصابه دينار، مدعيا عليه الاجماع (5)، وهو شاذ، وإن
جعله الصدوق في أماليه من دين الإمامية (6).
ودعوى: اختصاص الركاز وضعا أو الكنز انصرافا (7) بالنقدين،
ممنوعة.
وأشد منها منعا: ما ذكره شيخنا المعاصر في مستنده (8) من دعوى

(1) كشف الغطاء: 360.
(2) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(3) في " ف " و " م ": ما تجب.
(4) المقنعة: 283، والوسائل 6: 346، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
الحديث 6.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(6) أمالي الصدوق: 516، ضمن المجلس الثالث والتسعون.
(7) في " ف " و " م ": الركاز أو الكنز وضعا أو انصرافا.
(8) المستند 2: 74.
41

تقييد إطلاقهما بالصحيحة الآتية في نصاب الكنز قال: " سألته عما يجب فيه
الخمس من الكنز، فقال: ما يجب في مثله الزكاة فيه الخمس " (1) بناء على أن
حمل المثل فيها على الأعم من العين والقيمة تجوز لا دليل عليه، وفيه نظر
لا يخفى.
وظاهرها كفاية بلوغ أحد نصابي الزكاة ولو كان مسكوكا من أحد
النقدين، فلو كان عشرة دنانير قيمتها في هذا الزمان مائتا درهم وجب فيه
الخمس، بناء على أن ظاهر الرواية المماثلة في مقدار القيمة فقط.
إلا أن يقال: إن الظاهر من المماثلة هو أن يبلغ ما كان من أحد
النقدين نصابه، وإن كان من غيرهما فيكفي قيمة أحدهما، فيصدق على
عشرة دنانير أنه (2) لا يجب فيه مثله (3) الزكاة، بخلاف مقدار من الحديد
يسوي عشرة دنانير ومائتي درهم.
ولذا قال في المنتهى: إن هذا المقدار المعين [وهو العشرون مثقالا] (4)
معتبر في الذهب، والفضة يعتبر فيها (5) مائتا درهم، وما عداهما يعتبر فيه
قيمة أحدهما (6).
نعم، حكي عن جماعة - كالمحقق في الشرائع (7) -: الاقتصار على نصاب

(1) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(2) في " ع ": أنها.
(3) في " ع ": مثلها.
(4) الزيادة من المصدر.
(5) كذا في " م ": وفي غيره: فيهما.
(6) المنتهى 1: 549.
(7) الشرائع 1: 180، وحكاه عنه وعن جملة من الأصحاب في الحدائق 12: 332.
42

الدينار، ولم يعلم له وجه، وفي المسالك: أنه ينبغي القطع بخلافه (1).
ثم ظاهر الصحيحة (2) مساواة الكنز للمال الزكوي في مبدأ تعلق الحق
لا من كل وجه حتى يقال باعتبار النصاب الثاني للنقدين في الخمس أيضا،
فما في المدارك (3) ضعيف جدا، مخالف للاطلاقات مع اعترافه بعدم القائل به.
اعتبار وحدة
الإخراج
وأيضا فالظاهر من الصحيحة بلوغ النصاب مع وحدة الاخراج عرفا
ولو تعدد المدفون، بخلاف ما لو تعدد الاخراج من (4) أمكنة غير متحدة
عرفا.
تعلق خمس الكنز بالعين
والظاهر تعلق الخمس هنا بالعين، بل هو اتفاقي (5) - كما حكاه بعض (6) -
لكن الظاهر جواز إخراجه من قيمته.
يدل عليه: ما رواه في الوسائل عن الكليني بسنده عن أمير المؤمنين
صلوات الله عليه فيمن وجد كنزا فباعه بغنم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: " أد
خمس ما أخذت، فإنك أنت الذي وجدت الركاز، وليس على الآخر شئ،
لأنه إنما أخذ ثمن غنمه " (7).
وحملها على إجازته عليه السلام لبيع الحصة يأباه ظاهر التعليل، لكن سند

(1) المسالك 1: 460.
(2) أي صحيحة البزنطي المتقدمة في الصفحة 41.
(3) المدارك 5: 370.
(4) في " ف ": بين.
(5) في " ج ": اتفاقي.
(6) لم نعثر عليه.
(7) الوسائل 6: 346، الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
43

الرواية ليس بذلك " (1).
ما يملك من الكنز وما لا يملك
ثم إن وظيفة هذا الباب وإن كان هو التوجيه لبيان الخمس في الكنوز
بعد الفراغ عن تملك الواجد لها، إلا أنه جرى ديدنهم بذكر ما يملكه الواجد
منها وما لا يملكه، ثم ذكر ما يوجد في جوف الحيوان استطرادا.
وتفصيل القول في الكنوز: أنها إما (2) أن تكون مأخوذة من أراضي
دار الحرب، أو من أراضي دار الاسلام.
وعلى التقديرين: فإما أن يكون عليها أثر الاسلام - من ذكر اسم
النبي صلى الله عليه وآله على جهة التيمن، أو سكة سلطان من أهل الاسلام،
أو شبه ذلك - وإما أن لا يكون كذلك.
المأخوذ من دار الحرب أو دار الحربي
(أما المأخوذ من (3) دار الحرب) بل من دار حربي في دار الاسلام
- مع فرض عدم الأمان له أو لما يعم كنزه - سواء كان عليها أثر الاسلام
حكم ما ليس عليه أثر الإسلام
أم لا. (أو) في (دار الاسلام وليس عليه أثره) وكانت الأراضي مباحة،
أو مملوكة للإمام عليه السلام أو لقاطبة المسلمين - بناء على بقاء هذه الأمور في
أرض المسلمين على إباحتها الأصلية (4) كما مر في المعدن - فهي في جميع هذه
الأقسام للواجد. يخرج خمسها (والباقي له).
أما المأخوذة من دار الحرب، فقد صرح جماعة (5) بأن الأصحاب

(1) في " ع ": فوق كلمة " بذلك ": " بقوي ظ ".
(2) ليس في " ف " و " ج ": إما.
(3) في الإرشاد: في.
(4) في " ف ": الأصلي.
(5) منهم السيد السند في المدارك 5: 370.
44

قطعوا به، وفي الحدائق (1) - كما عن (2) الخلاف (3) - نفي الخلاف، وعن ظاهر
الغنية: الاجماع (4).
والظاهر عدم الخلاف أيضا في القسم الآخر - كما استظهره في
المناهل (5) والحدائق (6) -، لأصالة الإباحة، السليمة عن مزاحمة أصالة عصمة
المال الثابتة بعموم: " الناس مسلطون على أموالهم " (7) بعد إخراج المالك
المعلوم الكفر، لاندفاعها بأصالة عدم جريان يد محترمة عليها.
فالأصل بقاؤها على ما كان عليه من عدم الاحترام، وجواز تملكها
لكل من يحوزه بحكم قوله صلى الله عليه وآله: " من سبق إلى ما لم يسبقه إليه
أحد من المسلمين فهو أحق به " (8) وغير ذلك من أدلة تملك المباحات
بالاحراز.
حكم ما كان عليه سكة الإسلام
(ولو كان) المأخوذ من دار الاسلام (عليه سكة الاسلام، فلقطة
على رأي) محكي عن المبسوط (9) ومحكي القاضي (10) والمصنف في كثير من

(1) الحدائق 12: 333.
(2) في " ف ": في.
(3) لم نعثر عليه في الخلاف ولا على من حكاه عنه.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(5) المناهل: (مخطوط)، ذيل التنبيه التاسع عشر من تنبيهات خمس الكنز.
(6) الحدائق 12: 334.
(7) عوالي اللآلي 1: 222.
(8) عوالي اللآلي 3: 480.
(9) المبسوط 1: 236.
(10) المهذب: للقاضي ابن البراج 1: 178.
45

كتبه (1) وولده الإيضاح (2) والشهيدين في البيان (3) والمسالك (4) والمقداد في
التنقيح (5) والمحقق الثاني (6) ونسبه في المدارك (7) إلى أكثر المتأخرين، وعن
غيره نسبه إليهم (8)، وفي الروضة (9)، وعن جامع المقاصد (10) أنه الأشهر
لأصالة عدم التملك بمجرد الوجدان، وبقائه على ملك مالكه، ولأن المفروض
مال ضائع في دار الاسلام عليه أثر الاسلام (11) فيكون لقطة كغيره، ولأن
اشتماله على أثر الاسلام - مع كونه في دار الاسلام - أقوى أمارة [على] (12)
كونه ملكا لمسلم، والاعتماد على الظن، لعدم التمكن من العلم، فلا يجوز
التصرف فيه، لعموم: " عدم حل مال المسلم إلا بإذن المالك
أو الشارع " (13).

(1) المنتهى 1: 546، والتذكرة 1: 252، والقواعد 1: 61.
(2) إيضاح الفوائد 1: 215 - 216.
(3) البيان: 343.
(4) المسالك 1: 460.
(5) التنقيح الرائع 1: 337 - 338.
(6) جامع المقاصد 3: 51.
(7) المدارك 5: 371.
(8) راجع الحدائق 12: 334.
(9) الروضة البهية 7: 119 - 120.
(10) جامع المقاصد 6: 175.
(11) ليس في " ف ": " عليه أثر الاسلام ".
(12) الزيادة من هامش " م ".
(13) الوسائل 17: 309، الباب الأول من أبواب الغصب، الحديث 4، مع اختلاف
في التعبير.
46

ولموثقة محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام: " قضى علي عليه السلام في
رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها، فإن وجد من يعرفها، وإلا تمتع
بها " (1).
ويجاب عن الأصول: باندفاعها بأصالة عدم عروض الاحترام
الموجب لجواز التملك (2) بالاحراز، ووجود أثر الاسلام مع كونه في دار
الاسلام، لا يوجبان كونه لمسلم، كما لا يوجبه أحدهما اتفاقا.
إلا أن يدعى تقوي الظن في صورة تأيد الدار بالأثر، ويقال: إن أثر
الاسلام يدل على سبق يد المسلم، لأنه الغالب، واحتمال صدور الأثر من
الحربي لمصلحة رواج (3) المسكوك بين المسلمين نادر، يكاد يعلم بعدم
وقوعه.
وكذلك الدار أمارة لكون الدافن من أهله، فالمدفون في دار الحرب
مع أثر الاسلام يحكم بمقتضى الأمارتين بكونه في يد مسلم، فانتقل إلى
حربي.
وأما إذا كان في دار الاسلام، ولم يكن عليه أثر الاسلام، فالدار
لا يقتضي كون الدافن مسلما إلا (4) إذا ثبت كون الدفن بعد إسلام أهل الدار،
وهذا غير معلوم، فلو كان (5) أثر الاسلام، كان أمارة كونه في يد المسلم
سليمة عن المعارض.

(1) الوسائل 17: 355 من أبواب اللقطة، الحديث 5.
(2) في " ج ": الملك.
(3) في " ف ": أرواج.
(4) ليس في " ف " و " ج " و " م ": إلا.
(5) في " ف " و " م ": فإذا كان.
47

وبالجملة، فالكلام هنا في اعتبار الظاهر في مقابل الأصل، فالايراد
النقض بما إذا وجد في دار الحرب مع أثر الاسلام [أو مع كون أثر
الاسلام] (1) دليلا علميا على كونه في يد المسلم، ليس مما ينبغي، فافهم.
وعن دعوى كونه لقطة: بالمنع من صدقها على المكنوز قصدا، فإنهم
عرفوها بأنها المال الضائع.
وعن الموثقة (2): بحملها تارة على الخربة المعروفة المالك، فالمراد
تعريف الورق مالك الخربة، وأخرى بحملها على الورق الغير المكنوز.
والانصاف: أن كليهما بعيدان، أما الأول: فواضح، وأما الثاني: فلأنه
يوجب حمل ما سيجئ (3) من الصحيحتين - الحاكمتين بالتملك من غير
تعريف - على المكنوز (4)، فيكون ذلك تفصيلا فيما يوجد في الخربات التي باد
أهلها بين المكنوز (5) وغيره، مع أن ظاهرهم في باب اللقطة الاجماع على
عدم الفصل.
إلا أن يقال: إن عدم فصلهم إنما هو فيما يوجد في الخربات على وجه
يعلم عادة كونه من أهلها، وحينئذ لا فرق بين المكنوز (6) وغيره،
وأما ما يعلم أو يظن أنه من المارة، فالظاهر كونه (7) لقطة فتحمل عليها
الرواية.
وقد ترد بكونها قضية في واقعة.

(1) ما بين المعقوفتين من " م ".
(2) التي مر ذكرها في الصفحة السابقة.
(3) في الصفحة الآتية.
(4) في " ف ": الكنوز.
(5) في " ف ": الكنوز.
(6) في " ف ": الكنوز.
(7) في " ع " و " ج ": كونها.
48

وفيه: أن محمد بن قيس - هذا - له كتاب عن الباقر عليه السلام في قضايا
أمير المؤمنين صلوات الله عليه (1)، والظاهر من بيان الإمام عليه السلام لها: بيان
الحكم، لا مجرد الحكاية عن جده صلوات الله عليهم أجمعين.
وكيف كان، فالحملان وإن بعدا إلا أنه يقربهما معارضة الموثقة
لصحيحة (2) محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام، قال: " سألته عن الدار
يوجد فيها الورق، قال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهو (3) لهم، وإن كانت
خربة قد جلا عنها أهلها، فالذي وجد المال أحق به " (4) ونحوها مصححته
الأخرى (5).
وحملهما على التملك بعد التعريف سنة، أو على ما لم يكن عليه أثر
الاسلام بعيد، مع أنه لو سلم فيدور الأمر بين ارتكاب الحمل فيهما وبينه
في الموثقة السابقة (6)، ولا يخفى أولوية الثاني.
مع أنه لو سلم التكافؤ، فيرجع إلى أصالة الإباحة وعدم
عروض الاحترام لهذا المال، الدافعة (7) لأصالة عدم انتقاله عن مالكه،
ولذا اختار جماعة (8) تملك الواجد له وثبوت الخمس عليه، وحكي عن

(1) راجع: رجال النجاشي: 323.
(2) في " ج " و " ع " و " م ": بصحيحة.
(3) في الوسائل: فهي.
(4) الوسائل 17: 354، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
(5) نفس المصدر، الحديث 2.
(6) في الصفحة: 47.
(7) في " ف ": الرافعة.
(8) منهم المحدث البحراني في الحدائق 12: 336 و 340. وصاحب الجواهر في الجواهر
16: 28.
49

الخلاف (1) والغنية (2) والسرائر (3) وغيرهم.
وقد يستدل على ذلك - زيادة على ما تقدم من الأصل والصحيحتين -
بإطلاق ما دل على وجوب الخمس في الكنز.
وفيه نظر، إذ المسوق حكم الكنز بعد الفراغ عن تملكه - كما في
المعدن - ولذا لم يقيد بغير الموجود في ملك مالك (4) خاص معلوم.
ثم إن ظاهر كلمات الطرفين - حيث يستدل الأولون على حكم اللقطة
بأن أثر الاسلام في دار الاسلام يدل على سبق يد المسلم، ويرده الآخرون
بمنع دلالة الأثر على ذلك -: اختصاص الكلام (5) بما إذا لم يعلم من اجتماع
الأمارات كونه لمسلم، وإلا فيكون إما لقطة، أو من مال من لا وارث له
أو مجهول المالك (6).
هذا كله إذا وجد في أرض غير مملوكة لشخص خاص غير الإمام عليه السلام.
الكنز في الأرض المملوكة للغير
(ولو) كانت مملوكة للغير، كما لو (كان في مبيع) ابتاعه منه
(عرفه البائع) أو غيره المالك وجوبا بلا خلاف ظاهر، لما سيجئ (7) من

(1) الخلاف 2: 122، كتاب الخمس، المسألة: 149.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(3) السرائر 1: 487.
(4) ليس في " ف ": مالك.
(5) في " ف " و " م ": الحكم.
(6) ليس في " ج " و " ع ": المالك.
(7) في الصفحة: 57 - 59.
50

وجوب تعريف ما في جوف الدابة، والموجود في بعض بيوت أهل مكة.
واستدل عليه في المنتهى تارة - على ما حكي بأن المالك الأول يده
على الدار، فيده على ما فيها، واليد قاضية بالملك، وأخرى (1) بوجوب
الحكم له لو ادعاه إجماعا، قضاء لظاهر اليد السابقة (2).
وفيه: أنه لو تم ما ذكر لدل - كالصحيحتين السابقتين (3) - على كونه له
من غير تعريف، بل وجب الحكم به له، ولو لم يكن قابلا للادعاء - كالصبي
والمجنون والميت - فيدفع إلى ورثته إن عرفوا، وإلا فإلى الإمام عليه السلام،
مع (4) أنهم لا يقولون بذلك.
فالأولى الاعتماد على دلالة روايتي: الموجود في جوف الدابة (5)، وفي
بعض بيوت مكة (6)، مضافا إلى الصحيحتين، بعد تقييدهما بالاجماع بما بعد
التعريف.
نعم، لو علم عدم جريان يد البائع، لم يجب تعريفه إياه، ولا يبعد أن
يخص كلامهم بغير هذه الصورة، كما استظهره بعض (7).
وربما يحتمل - لأجل الصحيحتين - كون الموجود للمالك، وإن علم
انتفاء سبق تملكه بأن يكون له قهرا، نظير إطلاق كلامهم - كالرواية (8) - بأن

(1) في " ج " و " ع ": والأخرى.
(2) المنتهى 1: 546.
(3) في الصفحة 49. (4) في " ف ": على.
(5) راجع الوسائل 17: 358، الباب 9 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
(6) الوسائل 17: 355، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 3.
(7) ذخيرة المعاد: 479.
(8) الوسائل 17: 353، الباب 3 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
51

الموجود في الصندوق لمالك الصندوق، الشامل لما إذا علم انتفاؤه عنه.
وفيه نظر ظاهر، وإطلاق الصحيحتين - كرواية الصندوق - محمول على
غير صورة العلم قطعا.
وكيف كان، (فإن (1) عرفه) المالك الأول وادعاه (فهو له)
إجماعا، من غير حاجة إلى بينة ولا وصف، لمقتضى اليد، ولا يلتفت إلى
دعوى المالك السابق عليه، إذ لا عبرة باليد القديمة في مقابل الحادثة.
حكم ما لم يعرفه المالك الأول
وإن لم يعترف به المالك الأول، فالمحكي عن المصنف (2) والشهيدين (3)
والمحقق الثاني (4): وجوب تعريف المالك السابق، وتوقف المصنف في لقطة
القواعد (5)، وهو في محله، بل الأولى المنع، إلا أن يكون إجماعا، لعدم جريان
ما تقدم من أدلة ثبوت الحكم للمالك هنا (6)، إلا أن يستنبط ذلك من الحكم
الأول من باب تنقيح المناط واتحاد الطريق.
نعم، لو كان الوجه في تعريف المالك الأول ما ذكره في
المنتهى (7)، كان المالك (8) الثاني، بعد عدم اعتراف (9) الأول بحكمه، إلا أنك

(1) في " ج " و " ع " و " م ": فلو.
(2) المنتهى 1: 546.
(3) الدروس 1: 26، المسالك 1: 461.
(4) جامع المقاصد 6: 176.
(5) القواعد (الطبعة الحجرية) 1: 199.
(6) ليس في " ج ": هنا.
(7) المنتهى 1: 546.
(8) في " ج ": للمالك.
(9) في " ف ": عدم تعريف.
52

قد عرفت (1) ما فيه.
وأما المناقشة فيما ذكروه من الترتيب في التعريف - بمساواة الجميع في
عدم اليد حال التعريف، وتساويهم في ثبوتها قبل ذلك، وأن قرب زمان
يد أحدهم لا يقتضي ترجيحه - ففي غير محلها، لأن مقتضى ما ذكره في
المنتهى (2) من الوجه: تقديم اليد (3) الحادثة على القديمة كما لا يخفى، وكذا
مقتضى دعوى تنقيح المناط.
وبالجملة: كل ما احتجوا به أو يمكن أن يحتج لهم على هذا الحكم يدل
على مراعاة الترتيب، فالمناقشة في أصل الحكم أوقع.
تعدد الملاك في طبقة واحدة
وعلى أي حال، فلو تعدد الأشخاص في طبقة واحدة، وجب تعريف
الجميع فإن ادعاه الكل على وجه التشريك، أو ادعاه بعضهم على وجه
الاختصاص ولم ينكر عليه الباقي، فالحكم واضح.
وإن ادعاه غير واحد منهم على جهة الاختصاص، جاءت مسألة
التداعي.
وإن ادعاه بعضهم على جهة الاشتراك - كدعوى التوارث (4) -
ولم يعترف به الباقي، كان حكم الباقي حكم الكل لو لم يعترف به أحد من
هذه الطبقة، ودفع إلى المدعي نصيبه منه - كما صرح به جماعة (5) -

(1) في الصفحة السابقة.
(2) المنتهى 1: 546.
(3) في " ف ": تقدم يد.
(4) في " ف " و " م ": التوريث، وفي " ج ": التورث.
(5) مثل العلامة في المنتهى 1: 546، والشهيد الثاني في المسالك 1: 461، والمحقق
القمي في الغنائم: 365.
53

ولم يشاركه (1) الباقون فيما أخذ، وإن كان كل جزء [منه] (2) باعترافه
مشاعا بين الكل، لأن ادعاءه سبب لوجوب دفع حقه إليه. فما يدفع (3)
إليه إنما يدفع إليه (4) على وجه كونه حصة له، فيتميز بنفس الدفع، وإن كان
مشاعا قبله، إذ لو بقي على الإشاعة ووجب تقسيمه لم يكن السبب سببا
لوجوب دفع تمام حقه إليه، أو كان دفع الكل إليه واجبا كي يسلم له
حصته، وكلاهما باطلان، نظير ما لو ادعى جماعة مالا لمورثهم
وأقاموا شاهدا، فحلف بعضهم خاصة، فإن الباقي لا يشارك الحالف فيما
يدفع (5) إليه.
لو كانت الدار في يد غير المالك
ثم إن وجوب تعريف المال مع عدم كون الدار في يده واضح، ولو
كانت في يد غيره باستئجار ونحوه، فمقتضى تقديم (6) قول المستأجر عند
التداعي في الكنز الموجود - كما هو أحد القولين في المسألة الآتية -: وجوب
تعريف المستأجر قبل المالك.
فلعل الاقتصار على ذكر المالك مبني على بيان الفرد (7) الغالب - من
كون الدار في يد المالك - أو على تقديم قول المالك، وحينئذ فبعد إنكار

(1) في " ف " و " م ": ولا يشاركه.
(2) الزيادة من " م ".
(3) في " ف " و " م ": فما يرجع.
(4) ليس في " ع ": إنما يدفع إليه.
(5) في " ف ": دفع.
(6) في " ج " و " ع ": تقدم.
(7) في " ج ": على فرد، وفي " ع ": على بيان فرد.
54

المالك ينتقل (1) إلى مالك آخر، ولا يلتفت إلى المستأجر، مع احتمال
الالتفات وتقديمه عليه (2).
والضابط في هذا الباب، بناء على الدليل الذي ذكروه في أصل مسألة
التعريف: وجوب تعريف كل من لو ادعاه أعطيه بمجرد دعواه.
تعريف كل من لو ادعاه أعطيه
لو لم يعرفه أحد الملاك
ويلاحظ في الترتيب: تقديم من يقدم قوله عند التداعي، فإن عرفه
أحد هؤلاء (وإلا فللمشتري (3)، وعليه الخمس) إما مطلقا، كما اختاره
المصنف هنا، والمحققان في الشرائع (4) وحاشيتها (5) والشهيد (6) في اللمعة (7)،
وهو محكي عن النهاية (8) والسرائر (9).
أو مع عدم أثر الاسلام، ومعه فلقطة، كما عن المبسوط (10)
والدروس (11) والمسالك (12) والتنقيح (13)، مدعيا فيه الاجماع على كون ما فيه

(1) في " ف " و " م ": ينقل.
(2) في " ف " و " ج ": إليه.
(3) في الإرشاد: وإلا فللمشتري بعد الخمس.
(4) الشرائع 1: 179 - 180.
(5) حاشية الشرائع (مخطوط): 52.
(6) في " ف ": المصنف والمحققين والمحقق في الشرائع والشهيد في اللمعة.
(7) اللمعة الدمشقية: 240.
(8) النهاية: 321.
(9) السرائر 1: 487.
(10) المبسوط 1: 236.
(11) الدروس 1: 260.
(12) المسالك 1: 460.
(13) التنقيح الرائع 4: 121، وفيه: وعليه الفتوى.
55

الأثر لقطة، ويوهنه إطلاق كلام الأولين.
كما أن ما في الحدائق (1) - من نفي الخلاف عن كون ما يوجد في دار
الاسلام مما ليس (2) فيه أثره لواجده، سواء كان في أرض مباحة، أو في
أرض مملوكة مع عدم اعتراف المالك - يوهنه ما عن التنقيح (3) من
نسبة القول بكون الأخير لقطة إلى الشيخ في أحد قوليه، بل حكي
هذا القول عن النافع (4) والمنتهى (5) والتحرير (6)، لكن الموجود في النافع
والمحكي عن المنتهى صريح في القول الأول، فالظاهر تفرد الشيخ بهذا
القول.
عدم شمول أدلة اللقطة للكنز
ثم إن أدلة اللقطة لا تشمل ما نحن فيه، لما عرفت (7) من عدم صدق
اللقطة على المال المدفون قصدا، أو المذخور لعاقبة ما (8)، وإن قلنا بوجوب
التعريف فيما يوجد في المباحات من أراضي الاسلام، لموثقة محمد بن قيس
المتقدمة (9)، فالقول الأول هنا غير بعيد، حتى مع القول باللقطة في الموجود

(1) الحدائق 12: 333 - 334.
(2) في " ج " و " ع ": بما ليس.
(3) التنقيح الرائع 4: 121.
(4) المختصر النافع 2: 262.
(5) المنتهى 1: 546.
(6) تحرير الأحكام 1: 73.
(7) في الصفحة: 48.
(8) في هامش " م ": لغاية ما.
(9) في الصفحة: 47.
56

في الأراضي المباحة، كما هو ظاهر البيان (1).
فما في المسالك - من أن الموجود في الأراضي المملوكة لا يقصر (2) عن
الموجود في الأراضي المباحة، حيث قلنا بكونها لقطة (3) - محل تأمل، إذ بعد
تسليم اعتبار هذه الاعتبارات في الشرع يمكن أن يكتفي الشارع في الأول
بالتعريف الخاص لملاك الأرض، فأغنى ذلك عن التعريف العام الواجب سنة
في اللقطة، ضرورة أن (4) المناسب للأول هو التعريف الخاص، والمناسب
للثاني هو التعريف (5)، كما لا يخفى على المعتبر المتأمل.
نعم، لو ثبت ما تقدم (6) عن التنقيح من الاجماع، فلا محيص عنه،
ويؤيد عدم وجوب التعريف العام بعد التعريف الخاص: ما سيجئ (7) من
الرواية فيما يوجد في جوف الدابة، لبعد حملها على ما ليس فيه أثر الاسلام.
ما يوجد في ملك الغير مما لم ينتقل إلى الواجد
ثم إن المصنف قدس سره لم يتعرض لحكم ما يوجد في ملك الغير الذي
لم ينتقل إلى الواجد، والظاهر أن حكمه بعد الأخذ كما تقدم فيما وجد فيما
انتقل إليه بالبيع، من وجوب تعريف المالك، فإن لم يعترف به فهو له.
ويدل عليه: موثقة إسحاق بن عمار، قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام

(1) البيان: 343.
(2) في " ف ": لا يقتصر.
(3) المسالك 1: 461.
(4) في " ف " و " م ": لأن.
(5) في " م ": التعريف العام (خ ل).
(6) في الصفحة: 55.
(7) في الصفحة: 59.
57

عن رجل نزل في بعض بيوت مكة، فوجد (1) نحوا من سبعين درهما مدفونة،
فلم تزل معه ولم يزل يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال:
يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها: قلت: فإن لم يعرفونها؟ قال:
يتصدق بها " (2).
والأمر بالتصدق لعله للاستحباب. نعم، يحتمل أن يحمل موردها على
المعلوم كونه من مسلم (3) دفنه قصدا، فإذا لم يعترف به أهل الدار كان مجهول
المالك، فيتصدق به وجوبا.
لكن الكلام في جواز الأخذ، ويظهر من محكي الخلاف عدمه،
قال: إذا وجد ركازا في ملك مسلم، أو ذمي في دار الاسلام، فلا يتعرض له
إجماعا (4)، انتهى.
وحينئذ، فيمكن (5) أن يكون ما ذكروه من الحكم بوجوب التعريف
بعد حصوله بيد الواجد: إما معصية، أو اتفاقا.
ما يوجد في جوف الدابة
(وكذلك (6)) يجب التعريف، ثم تملك الموجود - بعد تخميسه (7) عند
المصنف وجماعة - من غير تعريف عام (لو اشترى دابة، فوجد في جوفها)

(1) في الوسائل: فوجد فيه.
(2) الوسائل 17: 355، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 3.
(3) في " ف " و " م ": كونه مسلما.
(4) الخلاف 2: 123، كتاب الخمس، المسألة: 150.
(5) في " ف " و " م ": يمكن.
(6) في الإرشاد: " وكذا " بدل " وكذلك ".
(7) لم يكن في " ج ": بعد تخميسه.
58

بعد الذبح (1) (شيئا) أو خرج منه قبله.
أما تملكه بعد التعريف، فلصحيحة عبد الله بن جعفر، قال: " كتبت إلى
الرجل أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد
في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر، لمن يكون ذلك؟ فوقع
عليه السلام: عرفها البائع، فإن لم يكن يعرفها، فالشئ لك، رزقك الله إياه " (2).
وظاهر الرواية - من حيث اشتمالها على وجدان صرة الدراهم -: عموم
الحكم لما عليه أثر الاسلام، وفاقا لظاهر جماعة (3)، حتى من جعل
ذا الأثر لقطة فيما إذا وجد في الأرض، خلافا لما يظهر من الشهيد (4)
والمحقق (5) الثانيين في حاشيتهما على الشرائع.
وظاهر الرواية - أيضا -: عدم وجوب تتبع الملاك السابقين، وفاقا
لما سيجئ من عبارة الحلي وما حكاه في السرائر عن سلار (6)، إلا (7) أن
يتمسك بتنقيح المناط إذا علم بوجوده في جوفها في أزمنة تملك الكل.
ولو لم يعلم بوجوده عند ابتياعه من المالك، فيشكل وجوب
تعريفه أيضا، لأن الرواية محمولة على الغالب من صورة العلم بوجوده عند

(1) في " ج ": بعد الذبح بعد تخميسه، وفي " ع ": بعد الذبح بعد تخميسها.
(2) الوسائل 17: 358، الباب 9 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
(3) منهم السيد السند في المدارك 5: 373، والمحقق السبزواري في ذخيرة المعاد:
479، وصاحب الجواهر في الجواهر 16: 36.
(4) حاشية الشرائع (مخطوط): 138 - 139.
(5) حاشية الشرائع (مخطوط): 52.
(6) يأتي في الصفحة: 61.
(7) ليس في " ج ": إلا.
59

تملك البائع.
ولو كان المالك صغيرا أو غائبا، والبائع وليا أو وكيلا، ففي وجوب
تأخير التعريف إلى حين البلوغ والحضور، أو سقوطه وجهان.
وأما وجوب تخميس الموجود، فقد نسب في المدارك (1) والذخيرة (2)
إلى الأصحاب القطع بذلك، وعن ظاهر الحدائق (3) ظهور الاتفاق، وهو
مشكل، خصوصا مع خلو الصحيحة، لعدم دخوله في الكنز، واحتياج
الالحاق في الحكم إلى نص أو تنقيح مناط قطعي، وإطلاق قوله: " كل ما
كان ركازا ففيه الخمس " (4) منصرف (5) إلى المركوز في الأرض.
نعم، لو دخل في أرباح المكاسب، كان فيه الخمس بعد مؤونة السنة
بناء على عد مثل ذلك من الاستفادة والاكتساب، كما يظهر من محكي
السرائر حيث قال: إذا ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة، فذبح شيئا من ذلك
فوجد في جوفه شيئا، قل عن مقدار الدرهم أو كثر، عرفه من ابتاع ذلك
الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه إياه (6) وإن لم يعرفه أخرج (7) منه الخمس بعد

(1) المدارك 5: 373.
(2) ذخيرة المعاد: 479.
(3) الحدائق 12: 339، ونسب في الجواهر 16: 36، أيضا " الاتفاق " إلى ظاهر
الحدائق لكن لم نتحققه.
(4) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(5) في " ف " ينصرف.
(6) كذا في السرائر، لكن في " ف " و " م ": أعطيه، وفي " ج ": يعطيه، وفي " ع ": بعطية،
وأعطاه إياه (خ ل).
(7) في " ف " " م ": خرج.
60

مؤونة (1) طول سنته، لأنه من جملة الغنائم والفوائد، وكان له الباقي.
ما يوجد في جوف السمكة المشتراة
وكذلك حكم من ابتاع سمكة، فوجد في جوفها درة أو سبيكة أو ما
أشبه ذلك، لأن البائع باع هذه الأشياء، ولم يبع ما وجده المشتري، فلذلك
وجب عليه تعريف البائع.
وشيخنا أبو جعفر الطوسي لم يعرف بائع (2) السمكة الدرة، بل ملكها
المشتري من دون تعريف البائع، ولم يرد بهذا خبر عن أصحابنا، ولا رواه
عن الأئمة عليهم السلام أحد منهم.
والفقيه سلار في رسالته (3) يذهب إلى ما اخترناه، وهو
الذي (4) يقتضيه أصول مذهبنا (5)، إنتهى.
وصريحة: كون الخمس في الموجود في جوف الدابة والسمكة [خمس
المكاسب، وعدم الفرق بين الموجود في جوف الدابة والسمكة] (6)
خلافا للمصنف وجماعة، حيث قالوا: (لو (7) اشترى سمكة، فوجد في
جوفها شيئا، فهو للواجد من غير تعريف بعد الخمس) الواجب في الكنز لا
في الاستفادات، ولعله لأن الموجود في جوف السمكة غالبا غير مملوك

(1) في المصدر: مؤونته.
(2) كذا في " ع " بصورة نسخة بدل، وفي النسخ: مالك.
(3) المراسم: 206.
(4) في " ج " و " ع ": وهذا الذي.
(5) السرائر 2: 106.
(6) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ف ".
(7) في الإرشاد: ولو.
61

لمالكه: لأن الحيازة المملكة لها لا توجب تملك ما في جوفها، لعدم العلم به
ولا القصد إليه، بخلاف الدابة، فإن الغالب دخول المال في جوفها مع ما
تعلفه (1)، والظاهر إعلاف (2) المالك لها، والأصل عدم إعلاف (3) غيره، وعدم
كون المال من الغير دخل في علف المالك.
وفيه: أن السمكة قد تكون في ماء محصور مملوك للمالك، بحيث يكون
نشؤها فيه - كما أشار إليه الشهيد (4) والمحقق (5) الثانيان - والدابة ربما تكون
سائمة، بل هو الغالب في الأضاحي التي هي مورد الصحيحة (6)، والأصل
عدم جريان يد المالك على ما في جوفه.
وإن أريد ثبوت يده عليه بمجرد تملك الدابة المشتملة عليه، فهو جار
في السمكة أيضا، ولذا مال في التذكرة (7 9 - على ما حكي - إلى مساواة
السمكة للدابة في وجوب التعريف كما تقدم من الحلي وسلار (8)، لكن من
حيث إن القصد إلى حيازة السمكة، يوجب تملك جميع ما تشتمل عليه.
لكن المتجه على هذا: وجوب دفعه إليه من غير تعريف، بل لا ينفع
إنكاره في زوال تملكه، إلا أن يلحق بالاعراض.
فالأولى: التمسك في وجوب التعريف في الموجود في جوف الدابة

(1) في " ج " و " ع ": يعتلفه.
(2) في " ج " و " ع ": اعتلاف.
(3) في " ج " و " ع ": اعتلاف.
(4) المسالك 1: 462.
(5) جامع المقاصد 6: 179.
(6) المذكورة في الصفحة: 59.
(7) التذكرة 2: 265.
(8) في الصفحة: 61.
62

[بالصحيحة] (1) المذكورة، وفي عدم التعريف في السمكة بأصالة الإباحة،
وعدم ترتب يد عليه بعد خروجه من البحر.
ولا يجدي فرض العلم بجريان اليد (2) عليه من محترم المال قبل وقوعه
في البحر، لخروجه عن ملك مالكه بالاعراض، كما ورد في مسألة السفينة
المنكسرة (3)، مضافا إلى بعض الأخبار التي (4) يستفاد منها ذلك، كخبر
أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام: " إن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان
محارفا (5) - إلى أن قال: - فأخذ غزلا، فاشترى به سمكة، فوجد في بطنها
لؤلؤة، فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء سائل فدق الباب، فقال له الرجل:
أدخل، فقال له: خذ أحد الكيسين، فأخذ أحدهما (6) وانطلق، فلم يكن
أسرع (7) من أن دق السائل الباب، فقال له الرجل: أدخل فدخل فوضع
الكيس مكانه (8)، ثم قال: كل هنيئا مريئا، إنما (9) أنا ملك من ملائكة ربك،

(1) من هامش " ع "، وفيه أيضا: المتقدمة (ظ).
(2) في " ف " و " م ": يد.
(3) الوسائل 17: 362، الباب 11 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(4) في " ف " و " م ": الذي.
(5) المحارف - بفتح الراء -: المحدود الذي إذا طلب لا يرزق، وهو خلاف قولك:
مبارك، أنظر لسان العرب 9: 43، مادة: " حرف ".
(6) في " ف " والكافي: " إحداهما ".
(7) في الوسائل: بأسرع.
(8) في الوسائل: في مكانه.
(9) ليس في الوسائل: " إنما " ولكنه موجود في الكافي.
63

أراد (1) ربك أن يبلوك، فوجدك شاكرا " (2).
وخبر حفص بن غياث، المروي عن الراوندي في قصص الأنبياء:
" كان في بني إسرائيل رجل (3) وكان محتاجا، فألحت عليه امرأته في طلب
الرزق، فابتهل إلى الله في الرزق، فرأى في النوم قيل له (4): أيما أحب
إليك، درهمان من حل أو ألفان من حرام؟ فقال: درهمان من حل، فقال:
تحت رأسك، فانتبه، فرأى الدرهمين تحت رأسه، فأخذهما واشترى بدرهم
سمكة، فأقبل إلى منزله، فلما رأته امرأته أقبلت عليه كاللائمة وأقسمت أن لا
تمسها، فقام الرجل إليها، فلما شق بطنها فإذا بدرتين، فباعهما بأربعين ألف
درهم " (5).
والمروي عن أمالي الصدوق عن سيدنا زين العابدين
صلوات الله عليه ما مضمونه: " إن رجلا شكى إليه الحاجة. فدفع إليه
قرصتين، فقال له: خذهما فليس عندنا غيرهما، فإن الله يكشف
بهما عنك. فأخذ بأحدهما سمكة - إلى أن قال - فلما شق بطنها وجد
فيه لؤلؤتين فاخرتين، فباعهما بمال عظيم " (6). ونحوه المحكي عن تفسير

(1) في الوسائل والكافي: إنما أراد.
(2) الوسائل 17: 359، الباب 10 من أبواب اللقطة، الحديث الأول، والكافي 8:
385 - 386، الحديث 585.
(3) في المصدر: رجل عابد.
(4) ليس في المصدر: قيل له.
(5) قصص الأنبياء: للراوندي: 184، رقم: 224، والوسائل 17: 360، الباب 10
من أبواب اللقطة، الحديث 2، مع اختلاف يسير.
(6) أمالي الصدوق: 367. الحديث 3 من المجلس التاسع والستون.
64

العسكري عليه السلام (1).
ثم إن الحكم بوجوب الخمس فيه - كما هو ظاهر كلمات جمع منهم (2) -
مشكل جدا، لما عرفت في مسألة الدابة (3) من عدم الدليل، وعرفت من
الحلي (4) كونه من أرباح الاستفادات.
ثم إن مقتضى إطلاق (5) كلمات الأكثر هنا - كالموجود في جوف
الدابة -: عدم الفرق بين ما كان فيه أثر الاسلام [وغيره] (6) وخالف هنا
أيضا المحقق (7) والشهيد (8) الثانيان في حاشيتهما على الشرائع، فحكما بكون
الأول لقطة، فهما يعمان حكم اللقطة في كل ما كان عليه أثر الاسلام ووجد
في أرض الاسلام.
نعم، يمكن أن يخرج هذا بالخصوص من جهة ورود الرواية (9) في
السفينة المنكسرة (10)، وكون ما لم يخرجه البحر ملكا للواجد، لكنه مشكل،

(1) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 603، الحديث 357، والوسائل
17: 361، الباب 10 من أبواب اللقطة، الحديث 5.
(2) بل صريح كلماتهم كما في الشرائع 1: 180، والحدائق 12: 339، والجواهر 16:
39.
(3) في الصفحة: 60.
(4) في الصفحة: 60 - 61.
(5) ليس في " ف " و " م ": اطلاق.
(6) الزيادة من " ع ".
(7) حاشية الشرائع (مخطوط): 52.
(8) حاشية الشرائع (مخطوط): 138 - 139.
(9) في " ف " و " م ": الرواية الواردة.
(10) الوسائل 17: 362، الباب 11 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
65

لعدم العلم بكون الموجود من البحر، فلعله ابتلعه من وجه الماء أو من
خارجه، والله العالم.
وجوب الخمس في الغوص
(و) يجب الخمس (في) ما يخرج من البحر على وجه
(الغوص): للآية (1) بالتقريب المتقدم (2) وللاجماع (3) المحكي (4) مستفيضا
كالنصوص (5)، لكنها بين مشتمل على عنوان الغوص - وهو أكثرها - وبين
مشتمل على عنوان ما يخرج من البحر، مثل مصححة (6) عمار بن مروان،
قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: فيما يخرج من البحر والمعادن
والغنيمة والحلال المختلط بالحرام - إذا لم يعرف صاحبه - والكنوز،
الخمس " (7).
ورواية البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام قال: " سألته عما يخرج من
البحر، من اللؤلؤ، والياقوت، والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة (8)،
فقال: إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس " (9).

(1) الأنفال: 41.
(2) في الصفحة: 25.
(3) في " ع ": والاجماع.
(4) حكاه في الجواهر 16: 39.
(5) الوسائل 6: 347، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(6) في " ف ": صحيحة.
(7) الوسائل 6: 344، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6، وفيه: من
المعادن والبحر.
(8) في الوسائل زيادة: هل فيها زكاة؟
(9) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5، وفيه: إذا
بلغ قيمته..
66

والظاهر أن النسبة بين العنوانين عموم من وجه، ويتفارقان فيما يخرج
بالآلة من دون غوص في الماء وفيما يخرج من الشطوط بالخوض.
فإما أن يناط الحكم بكل منهما، وإما أن يقيد إطلاق كل منهما
بالآخر، أو يدعى تقييده به من جهة الانصراف، فيقتصر على مادة
الاجماع.
وإما أن يناط الحكم بالأول، فيكون تقييد الثاني بالبحر وإطلاقه
بالنسبة إلى الاخراج بالآلة محمولين على الغالب، فلا اعتبار بهما.
وإما أن يناط بالثاني، ويكون تقييد الأول (1) بالغوص (2) وإطلاقه
بالنسبة إلى الخوض في الشطوط محمولين (3) على الغالب. وعلى أي تقدير
فينبغي القطع بعدم شمول الموضوع لما يؤخذ من وجه الماء.
وأقوى الوجوه الأربعة: ثانيها، فلا خمس فيما يخرج من الشطوط
بالغوص، وإن كان من المباحات الأصلية، ولا فيما يخرج بالآلة، خلافا
للمسالك (4)، ونفي عنه البعد في الغنائم (5)، مع احتمال الوجوب في الأمرين،
أو في أحدهما، بناء على الوجوه التي عرفت في الجمع بين الروايات، نعم، لو
استصحب الغائص الآلة معه فأخرجه بها، كان غوصا.
هل يعتبر في المخرج الإباحة الأصلية؟
وهل يعتبر في المخرج أن يكون من المباحات الأصلية (كالجواهر

(1) في " ج " و " ع ": تقييدا للأول.
(2) في " ج ": بالخوض.
(3) في " ف ": محمولتين.
(4) المسالك 1: 463.
(5) غنائم الأيام: 366.
67

والدر (1)) الغير المملوكة، أم يشمل ما كان مملوكا غارقا سواء كان عليه
أثر الاسلام أم لا، وجهان: أقواهما الأول، للأصل، وانصراف الأخبار.
فالمملوك الغارق للمخرج، من غير خمس إن شهدت القرائن بإعراض
صاحبه، وإلا فهو لمالكه، فإن جهل وكان عليه أثر الاسلام، فهو
للغائص (2)، أو مجهول المالك. وظاهر المحقق (3) والشهيد (4) الثانيين: أنها
لقطة، وفي رواية السكوني الواردة في سفينة انكسرت في البحر: أن
ما أخرجه البحر فلأهله، وما أخرج بالغوص فللغائص (5)، وفي الخروج بها (6)
عن القواعد إشكال.
نصاب الغوص بلوغ قيمته دينارا
وإنما يجب (7) الخمس في المخرج بالغوص (إذا بلغ قيمته) عند
الخروج (دينارا) بلا خلاف ظاهر، بل عن السرائر (8) والمنتهى (9)
والتنقيح (10) الاجماع على ذلك، ويدل عليه رواية البزنطي المتقدمة (11).

(1) في " ف ": كالجوهر والدر، وفي هامش الإرشاد: الدرر (خ ل)، وهو الأنسب.
(2) في " ف " و " م ": للقابض.
(3) جامع المقاصد 3: 51.
(4) المسالك 1: 462.
(5) الوسائل 17: 362، الباب 11 من أبواب اللقطة، الحديث 2.
(6) في " ج ": وللخروج بهما.
(7) في " ج " و " ع ": وجب.
(8) السرائر 1: 488.
(9) المنتهى 1: 550.
(10) التنقيح الرائع 1: 338.
(11) في الصفحة: 66.
68

خمس الغوص بعد مؤونة التحصيل
وظاهرها - بالتقريب المتقدم في رواية نصاب المعدن (1) -: أنه يعتبر
النصاب (بعد) إخراج (المؤونة) لتحصيله، بل الظاهر عدم الخلاف
فيه، والمراد بالمؤونة ما ينفقه على الاخراج عرفا، حتى لو غاص مرات
ولم يخرج إلا في المرة الأخيرة، أخرج منها مؤونة المرات على وجه قوي.
ولو أخرج بالغوص مالا آخر، ففي توزيع المؤونة عليهما وجه قوي.
إن قصدهما بالغوص، وإلا اختصت بالمقصود.
وفي اعتبار اتحاد الاخراج - ولو عرفا - في بلوغ النصاب وجه قوي (2)،
والأقوى: عدم اعتبار اتحاد نوع المخرج مع اتحاد الغوص.
المأخوذ من البحر بغير غوص
(ولو أخذ من البحر شيئا (3)) ولو كان من الجواهر المباحة (بغير
غوص فلا) يجب فيه (خمس) سواء كان من وجه الماء أو من الساحل
أو كان بالآلة، على الأقوى، كما تقدم (4)، وكذا لو أخذ حيوانا بالغوص.
لانصراف الاطلاق إلى غيره، خلافا للمحكي عن الشيخ (5) وبعض معاصري
الشهيد (6) وقواه في المناهل (7).

(1) تقدم في الصفحة: 32 - 33.
(2) ليس في " ف ": وجه قوي.
(3) في الإرشاد: ولو أخذ من البحر شئ.
(4) في الصفحة: 67.
(5) المبسوط 1: 237 - 238.
(6) حكاه في البيان: 345 - 346، وقال فيه: وكان بعض من عاصرنا يجعله من قبيل
الغوص.
(7) المناهل (مخطوط): التنبيه الثاني عشر من تنبيهات خمس الكنز، وفيه: بل احتمال
وجوب خمس الغوص في غاية القوة.
69

ولو وجد في بطنه جوهرة، ففي لحوقه بالمخرج قصدا
وجهان.
العنبر المأخوذ بالغوص
(و) أما (العنبر) فقد تقدم (1) أنه (إن أخذ بالغوص فله حكمه)
في النصاب، (وإن أخذ من وجه الماء) أو من الساحل (2) (فمعدن) عند
المصنف، بل عن جماعة (3) نسبته إلى الأكثر، ولعله لاطلاق صحيحة الحلبي
السابقة (4) النافي لاعتبار إخراج مؤونة السنة عنه، سيما بقرينة اقترانه في
الصحيحة مع اللؤلؤ.
مضافا إلى أن ظاهر الرواية وجوب الخمس فيه بالخصوص،
لا لكونه (5) مكسبا، فيبقى عدم (6) النصاب فيه أصلا، أو اعتبارا (7)
نصاب الغوص أو المعدن فيه، والأول باطل، لاستلزامه كون العنبر
خارجا عن جميع العنوانات السبع الثابت فيها الخمس، فيتعين
أحد الأخيرين، وليس داخلا في الغوص قطعا، فتعين إلحاقه
بالمعدن.

(1) في الصفحة 37 و 38.
(2) ليس في " ف ": أو من الساحل.
(3) منهم السيد السند في المدارك 5: 377، والمحقق السبزواري في الكفاية: 43،
والمحدث البحراني في الحدائق 12: 346.
(4) في الصفحة: 37.
(5) في " ف ": لا لأنه.
(6) في " ع ": عدم اعتبار.
(7) في " ف " و " م ": واعتبار.
70

وعن شيخنا المفيد في الغرية (1): اعتبار نصاب المعدن فيه مطلقا، وعن
الشيخ (2) وابن حمزة (3) والحلي (4) وعدم اعتبار النصاب أصلا، بل عن
الأخير دعوى الاجماع، فإن لم يخرجوا منه مؤونة السنة، فهو عندهم عنوان
ثامن لما فيه الخمس، ولعل مستندهم إطلاق صحيحة الحلبي (5)
الواردة في مقام بيان أصل الوجوب، ولذا أطلق الحكم في اللؤلؤ
المعطوف عليه.
وجوب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة
(و) يجب الخمس أيضا (فيما يفضل عن مؤونة السنة) على
الاقتصاد (له) فيما يحتاج إليه شرعا أو عرفا، بحسب حاله (ولعياله)
الواجبي النفقة وغيرهم، سواء كان الفاضل (من أرباح التجارات
والصناعات والزراعات) كما هو الغالب - ولذا اقتصر عليها -، أم كان من
عموم الحكم لأنواع الاستفادات
غيرها من أنواع الاكتسابات والاستفادات على المعروف بين الأصحاب، بل
عن صريح الانتصار (6) والخلاف (7) والغنية (8) وظاهر المنتهى (9) والتذكرة (10)

(1) انظر المختلف 3: 320.
(2) النهاية: 197.
(3) الوسيلة: 136.
(4) السرائر 1: 488.
(5) الوسائل 6: 347، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
(6) الإنتصار: 86.
(7) الخلاف 2: 118. كتاب الخمس، المسألة: 139.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(9) المنتهى 1: 548.
(10) التذكرة 1: 253.
71

ظاهر القديمين العفو عما يفضل عن المؤونة
ومجمع البيان (1) وكنز العرفان (2) ومجمع البحرين (3): الاجماع عليه، وعن
ظاهر القديمين (4): العفو عن هذا النوع، وهو نص في الاعتراف بثبوته بأصل
الشرع.
قال الإسكافي - فيما حكي عنه (5) -: " فأما ما استفيد من ميراث، أو كد
يد (6) أو صلة أخ أو ربح تجارة أو نحو ذلك، فالأحوط إخراج الخمس
منه (7)، لاختلاف الرواية في ذلك (8)، ولو لم يخرجه الانسان لم يكن كتارك
الزكاة التي لا خلاف فيها ".
وربما استفيد من هذا الكلام وجود المخالف في المسألة قبله،
ولا يبعد إرادة الخلاف من حيث الرواية لا الفتوى (9).
وقال العماني - على ما في المعتبر -: " إنه قيل: إن الخمس في الأموال
كلها، حتى الخياط، والنجار، وغلة البستان والدار، والصانع في كسب يده،
لأن ذلك إفادة من الله وغنيمة " (10) انتهى.

(1) مجمع البيان 2: 544.
(2) كنز العرفان 1: 249.
(3) مجمع البحرين 6: 129، مادة: " غنم ".
(4) البيان: 348.
(5) حكاه المحقق الأول في المعتبر 2: 623.
(6) في المعتبر: كد بدن.
(7) في المعتبر: فالأحوط إخراجه منه.
(8) في المعتبر زيادة: ولان لفظ فرضه محتمل هذا المعنى.
(9) في " ف ": والفتوى.
(10) المعتبر 2: 623.
72

وهذان الكلامان سيما الثاني لا يستفاد منهما العفو، إلا أن القول بعدم
الثبوت رأسا طرح الأخبار المتواترة، بل للضرورة عند أهل الرواية
والفتوى من الشيعة.
مخالفة القول بالعفو للاجماع وسائر الأدلة على عدم السقوط
بل القول بالعفو أيضا مخالف لما انعقد عليه الاجماع في الأزمان السابقة
على القديمين - كما في البيان (1) والمدارك (2) - والمتأخرة عنها، لما عرفت (3) من
دعوى الأساطين الاجماع على عدم السقوط.
مضافا إلى مخالفة لأصالة عدم صدور العفو والتحليل، وقاعدة
اشتراك الغائبين والحاضرين في عمومات التنزيل، بناء على ما عرفت (4) من
عدم الخلاف من غير شاذ من متأخري المتأخرين (5) في عموم " الغنم " في
الآية لكل ما يستفاد ويكتسب، كما هو معناه في اللغة والعرف، والمفسر به
في الشرع كما ستعرف (6)، وإن سلمنا اختصاص لفظ الغنيمة بما يؤخذ قهرا
من أموال أهل الحرب.
هذا، مضافا إلى الأخبار المستفيضة بل المتواترة، كما عن المنتهى (7)
واعترف به في المدارك (8) وإن تأمل في الحكم من جهة إشعار بعض

(1) البيان: 348.
(2) المدارك 5: 378 - 379.
(3) في الصفحة: 71 - 72.
(4) في الصفحة: 25 - 26.
(5) كما يأتي في الصفحة الآتية.
(6) في الصفحة الآتية.
(7) المنتهى 1: 548.
(8) المدارك 5: 384.
73

الأخبار (1) باختصاص هذا الخمس بالإمام عليه السلام منضما إلى ما يستفاد من
غير واحد من الأخبار (2) من إباحتهم عليهم السلام حقوقهم لشيعتهم، بل جزم
في المنتقى (3) بسقوط خمس المكاسب في زمن الغيبة عجل الله انقضاءه من هذه
الجهة، وحيث (4) إن الكلام هنا في أصل الثبوت في الجملة، ولو في زمن
الحضور.
وسيأتي التعرض لتضعيف ما ذكر في المدارك والمنتقى عند بيان حكم
الخمس في زمان الغيبة عجل الله انقضاءه.
وممن حكي عنه التصريح بعموم الغنيمة لجميع ما يستفاد: المفيد (5)
والشيخ (6) وابن زهرة (7) والطبرسي في مجمع البيان (8) والفاضلان (9)
والشهيدان (10) وجماعة ممن تأخر عنهم (11)، بل عرفت (12) أن في الرياض (13)

(1) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.
(2) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام عليه السلام.
(3) منتقى الجمان 2: 443 - 444.
(4) الظاهر زيادة الواو في " وحيث ".
(5) المقنعة: 276.
(6) النهاية: 196.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(8) مجمع البيان 2: 544.
(9) المعتبر 2: 623، المنتهى 2: 921.
(10) البيان: 341، الروضة 2: 65.
(11) أنظر مجمع البحرين 6: 129، والغنائم: 368، والمستند 2: 72.
(12) في الصفحة: 26.
(13) الرياض 5: 237 - 238.
74

دعوى الاجماع على عموم الآية.
عموم الآية لكل غنيمة
ونسبه في الحدائق (1) إلى أصحابنا عدا شاذ منهم، والظاهر أنه أراد
بالشاذ: المحقق الأردبيلي (2) رحمة الله عليه ومن تبعه، كصاحبي المدارك (3)
والذخيرة (4).
وأما الأخبار التي يستفاد منها عموم الآية، فمستفيضة:
منها: رواية حكيم مؤذن بني عبيس (5)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول) قال: هي
- والله - الإفادة يوما بيوم، إلا أن أبي جعل شيعتنا في حل من ذلك
ليزكوا " (6).
واشتمالها على التحليل لا يقدح فيما هو المقصود من الاستدلال على
عموم الآية، وسيأتي (7) الجواب عن ذيلها عند التعرض لأخبار التحليل.
ومنها: صحيحة علي بن مهزيار، وهي مكاتبة طويلة، وفيها:
".. وأما الغنائم والفوائد، فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى:

(1) الحدائق 12: 347.
(2) مجمع الفائدة 4: 311.
(3) المدارك 5: 381 - 382.
(4) ذخيرة المعاد: 480.
(5) في الوسائل: بني عيس (ابن عيسى).
(6) الوسائل 6: 381. الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 8، والآية من سورة
الأنفال: 41.
(7) في الصفحة: 173 وما بعدها.
75

(واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه.. إلى آخرها) " (1).
ومنها: ما ورد في غير واحد من الروايات: " أن عبد المطلب عليه السلام
سن في الجاهلية سننا، فأجراها الله في الاسلام، منها: أنه وجد كنزا
فتصدق بخمسه، فأنزل الله تعالى: (وأعلموا أنما غنمتم من شئ..
الآية) " (2).
فإن الآية لو اختصت بغنائم دار الحرب ولم تشمل مثل الكنز، لم يكن
ذلك إجراء لسنة عبد المطلب عليه السلام في الاسلام، كما لا يخفى.
ومنها: المحكية عن بصائر الدرجات، عن عمران، عن موسى بن
جعفر عليهما السلام قال: " قرأت عليه آية الخمس، فقال: ما كان لله جل شأنه فهو
لرسوله صلى الله عليه وآله، وما كان لرسوله فهو لنا، ثم قال: والله لقد يسر
الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحدا وأكلوا
أربعة (3)، ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به، ولا يصبر
عليه إلا ممتحن قلبه للايمان " (4).
فإن قوله: " لقد يسر الله " بيان لما شرعه الله من الحكم في الآية
الشريفة، كما لا يخفى.

(1) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5،
(2) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 و 4، مع
اختلاف في التعبير.
(3) في الوسائل: أربعة أحلاء.
(4) بصائر الدرجات: 29، الحديث 5، والوسائل 6: 338، الباب الأول من أبواب ما
يجب فيه الخمس، الحديث 6.
76

ومنها: الرضوي " كل ما أفاد الناس فهو غنيمة " (1).
ومنها: ما ستسمع في تضاعيف هذه المسألة، ومسألة تحليل الخمس (2).
وأما الأخبار التي يستفاد منها عدم العفو عن هذا النوع، فقد عرفت
مما تقدم (3) من كلام الإسكافي القائل (4) بالعفو، الاعتراف بوجود الأخبار
لكن مع وجود الأخبار المخالفة أيضا، كما تقدم (5) وسيأتي في ذكر أخبار
العفو (6) والتعرض لمحامل أخبار العفو، في مسألة حكم الخمس في حال
الغيبة (7) إن شاء الله تعالى.
ظاهر الأخبار عدم اعتبار القصد إلى تحصيل المال
ثم إن المستفاد من (8) كثير من الأخبار وجوب الخمس في جميع
ما يحصل للانسان، سواء كان بالاكتساب - وهو القصد إلى تحصيل المال -
أو بغيره، حتى ما يحصل بغير قصد كالميراث.
مثل: رواية بصائر الدرجات المتقدمة (9) في تفسير الآية.
ومثل: قوله عليه السلام في رواية زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير
المحكية عن تفسير العياشي: " أنهم قالوا له: ما حق الإمام في أموال

(1) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 294.
(2) وهي المسألة: 8 من المسائل المستقلة، انظر الصفحة: 173 وما بعدها.
(3) في الصفحة: 72.
(4) في النسخ: اعتراف القائل.
(5) في الصفحة: 75.
(6) في " ج " و " ع " و " م ": العفو وعدمه.
(7) وهي المسألة: 31 من المسائل المستقلة، انظر الصفحة: 319 وما بعدها.
(8) في " ج " و " ع ": في.
(9) في الصفحة السابقة.
77

الناس؟ قال: الفئ والأنفال والخمس، وكل ما دخل منه فئ [أو] (1) أنفال
أو خمس أو غنيمة فإن لهم خمسه، قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من
شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل) وكل شئ في الدنيا، فإن لهم فيه نصيبا، فمن وصلهم بشئ فمما
يدعون له لا مما يأخذون " (2).
ومثل: المحكي عن (3) كتاب ابن طاووس قدس سره بإسناده عن عيسى
ابن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام: " أن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال لسلمان وأبي ذر ومقداد: أشهدوني (4) على أنفسكم
بشهادة أن لا إله إلا الله - إلى أن قال: - وأن علي بن أبي طالب عليه السلام
وصي محمد صلى الله عليه وآله، وأن طاعته طاعة الله ورسوله، والأئمة من
ولده صلوات الله عليهم، وأن مودة أهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن
ومؤمنة، مع إقام الصلاة لوقتها وإخراج الزكاة من حلها، ووضعها في أهلها
وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى ولي
المؤمنين (5) وأميرهم، ومن بعده من الأئمة من ولده صلوات الله عليهم، فمن عجز ولم
يقدر إلا على اليسير من المال، فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من
ولد الأئمة عليهم السلام، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم

(1) الزيادة من المصدر.
(2) تفسير العياشي: 2: 61 - 62، الحديث 53، والوسائل 6: 373، الباب الأول
من أبواب الأنفال، الحديث 33، والآية من سورة الأنفال: 41.
(3) في " ف " و " م ": من.
(4) في " ج ": اشهدوا.
(5) في " ج ": يرفع إلى ولي أمير المؤمنين، وفي " م ": يدفعه إلى ولي أمر المؤمنين.
78

الناس، ولا يريد بهم إلا الله تعالى - إلى أن قال: - فهذه شروط الاسلام،
وما بقي أكثر " (1).
إلى غير ذلك مما يأتي (2) في مسألة وجوب الخمس في الهبة والميراث
مما يدل على عدم اختصاص الخمس بما يحصل قصدا.
ظاهر أكثر الفتاوى ومعاقد الاجماعات اعتبار القصد
إلا أن ظاهر أكثر الفتاوى ومعاقد الاجماعات بين معبر عن هذا
العنوان بما يكتسب وبين معبر عنه بما يستفاد.
فعن الخلاف: يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات
والغلات والثمار، على اختلاف أجناسها - إلى أن قال: - دليلنا إجماع الفرقة
وأخبارهم (3).
وعن الغنية: يجب الخمس في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد
من كل مستفاد تجارة (4) أو صناعة أو زراعة أو غير ذلك (5)، ثم ادعى
الاجماع.
وقريب منهما: المحكي عن عبارة السرائر، حيث عبر بقوله: وجميع
الاستفادات (6) ونحوه معقد الاجماع الذي ادعاه في مجمع البحرين (7)، وفي

(1) الطرف: 11 - 12، الطرفة السادسة، والوسائل 6: 386، الباب 4 من أبواب
الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 21.
(2) في الصفحة: 191.
(3) الخلاف 2: 118، كتاب الخمس، المسألة: 139.
(4) في الغنية: بتجارة.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(6) السرائر 1: 488.
(7) مجمع البحرين 6: 129.
79

البيان: وسابعها جميع أنواع التكسب، ثم حكى خلاف القديمين [ثم ادعى
الاجماع] (1) على خلافهما (2).
ونحوه عبارة المدارك (3) بزيادة استثناء الميراث والهبة والصدقة،
وعن (4) المنتهى: القسم الخامس في أرباح التجارات والزراعات والصناعات
وجميع الاكتسابات، ثم نسب ذلك إلى علمائنا أجمع (5)، ونحوه عبارة
المعتبر (6).
وعن مجمع البيان: أنه قال أصحابنا: إنه يجب الخمس في كل فائدة
تحصل للانسان من المكاسب وأرباح التجارات وفي الكنز والمعادن
والغوص (7).
والحاصل: أن كلامهم في فتاويهم ومعاقد إجماعهم بين إناطة الحكم
بالاستفادة، وبين إناطته بالاكتساب، والظاهر اعتبار القصد في كليهما، إلا أن
الأول أعم ظاهرا، إذ يصدق على اصطياد السلاطين مثلا، ولا يصدق عليه
الاكتساب عرفا، بل لغة، حيث إن المحكي عن الجوهري (8)

(1) ما بين المعقوفتين ليس في " ج " و " ع ".
(2) البيان: 348.
(3) المدارك 5: 384.
(4) في " ف ": وفي.
(5) المنتهى 1: 548.
(6) المعتبر 2: 623.
(7) مجمع البيان 2: 544.
(8) الصحاح 1: 212 مادة: " كسب ".
80

والفيروز آبادي (1): إن الاكتساب طلب الرزق.
ظهور بعض العبائر في عدم اعتبار القصد
نعم، يظهر من بعض العبائر: شمول الاستفادة والكسب لما يتملك من
غير قصد، مثل عبارة الإسكافي المتقدمة في قوله: وأما ما استفيد من إرث
أو صلة أخ أو كد يد.. إلى آخر كلامه (2).
ومثل (3) عبارتي المدارك (4) والذخيرة (5) حيث استثنيا من أنواع (6)
التكسب: الميراث والهبة والصدقة، والاستثناء علامة الشمول.
ومثل عبارة البيان، حيث عبر عن العنوان بالتكسب كما عرفت (7) النماء قد يحصل من غير
قصد الشخص لابقاء العين للاستنماء (9). ونحوه المصنف في بعض كتبه (10).
بل يمكن أن يستفاد ذلك من تمسك المشهور بالآية، مع أن الغنيمة هي
مطلق الفائدة ولو حصلت من غير تحصيل، كما يشهد به بعض الروايات

(1) القاموس المحيط 1: 124 مادة: " تكسب ".
(2) تقدمت في الصفحة: 72.
(3) في " ج " و " ع ": مثله.
(4) المدارك 5: 384.
(5) ذخيرة المعاد: 483.
(6) في " ف " و " م ": " عبارة " بدل " أنواع ".
(7) في الصفحة المتقدمة.
(8) في " ع " و " ج ": وأن من المعلوم.
(9) البيان: 348، وفيه: نعم، لو نهى ذلك بنفسه أو بالاكتساب الحق بالأرباح.
(10) انظر المنتهى 1: 548.
81

المشتملة على ذكر الميراث في أمثلة (1) الغنيمة، مثل مكاتبة ابن مهزيار
الصحيحة والرضوي الآتيتين (2) في مسألة وجوب الخمس في الميراث والهبة.
لا وجه للتعميم لما يحصل من غير قصد
لكن الانصاف مع ذلك كله: أن تعميم العنوان لما يحصل من غير قصد
مشكل، بل لا وجه له، لضعف ما تقدم (3) من أخبار العموم، واختصاص
كلمات الأصحاب ومعاقد الاجماعات بما يحصل بالقصد، فلا يبقى في تمسكهم
بالآية شهادة على عموم فتواهم لما يحصل من غير قصد.
مع أن صريح جماعة، كالمحقق في الشرائع (4)، والعلامة في محكي
المنتهى (5)، والفقيه المقداد في كنز العرفان (6)، والشهيد في الروضة (7)،
وصاحب مجمع البحرين (8): أن الغنيمة هي الفائدة المكتسبة، ولذا منع في
المختلف من صدق الاكتساب على تملك الإرث في مقام رد الحلبي (9).
الأقوى الاقتصار على ما يصدق عليه الاكتساب
فالاقتصار على ما يصدق عليه الاكتساب والاستفادة أقوى.
ولقد أفرط المدقق (10) الخوانساري في حاشية الروضة، حيث خص

(1) في " ف " مثل.
(2) في الصفحة: 84 و 86.
(3) في الصفحة: 75.
(4) الشرائع 1: 320.
(5) المنتهى 2: 921.
(6) كنز العرفان 1: 248.
(7) انظر الروضة البهية 2: 74 و 400.
(8) مجمع البحرين 6: 129.
(9) المختلف 3: 315.
(10) في " ف ": المحقق.
82

تخصيص الخوانساري الاكتساب بما يتخذ صنعة
في ظاهر كلامه - الاكتساب بما إذا اتخذ صنعة، حيث قال - بعد حكاية
عبارة المختلف في وجوب الخمس في كل ما يجتني، مثل الترنجبين
والشيرخشت والصمغ، معللا ذلك كله بأنها اكتساب - قال: والظاهر أن كل
واحد منها إن أخذ صنعة، فهو من الاكتساب، وأما إذا وقع اتفاقا، ففي
شمول الأدلة له تأمل (1)، انتهى.
وأوضح في الدلالة على ذلك (2) ما ذكره في آخر حاشية استثناء
المؤونة - في آخر إيراده على ما حكاه عن المحقق الأردبيلي رحمه الله في جواز
اجتماع المعدن والكنز مع المكاسب، كأن يعمل في أرض ليجد كنزا أو
معدنا قال: - إن وجوب خمس المكاسب فيه (3) غير ظاهر، لأنهم خصوا
وجوب هذا القسم بالتجارات (4) والزراعات والصناعات، هو إذا لم يفرض
كون ذلك صنعة لم تدخل في شئ، نعم، يدخل في علي مذهب الحلبي (5) من
وجوبه في الفوائد مطلقا (6)، انتهى.
عدم اختصاص الأخبار وكلام الأصحاب بما يتخذ صنعة
وأنت إذا لاحظت كثيرا من الأخبار وكلام الأصحاب في فتاويهم
ومعاقد إجماعهم وجدتها (7) غير مختصة بالاكتسابات المأخوذة صنعة.

(1) حاشية الروضة: 313.
(2) ليس في " ف ": ذلك.
(3) ليس في " ف ": فيه.
(4) في " ف " و " م ": في التجارات.
(5) في " ج ": الحلي.
(6) حاشية الروضة: 315، مع اختلاف في الألفاظ.
(7) في " ف ": وجدتهم.
83

وجوب الخمس في الهبة
ومن هنا يظهر الاشكال في منعهم وجوب (1) الخمس في الهبة في
مقابل الحلبي، مع أنها استفادة، فيدخل في عمومات النصوص وإن
لم يدخل في معاقد الاجماعات، بقرينة تصريح نقلة الاجماع بعدم ثبوت
الخمس، لكن يكفي في المسألة النصوص العامة والخاصة، مضافة (2) إلى عموم
الآية.
الأدلة الدالة على ثبوت الخمس في الهبة
فمن العامة: ما تقدم (3) وما سيجئ في حكم الخمس في زمان الغيبة (4).
ومن الخاصة: مكاتبة ابن مهزيار الصحيحة، وفيها - بعد قوله عليه
السلام: " وأما الغنائم والفوائد، فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى:
(واعلموا أنما غنمتم من شئ.. الآية) -: فالغنائم والفوائد - يرحمك الله -
هي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الانسان للانسان التي
لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو
يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يوجد (5) فلا يعرف له صاحب، وما صار
إلى موالي من أموال الخرمية (6) الفسقة، فقد علمت أن أموالا عظاما صارت

(1) في " ف ": ثبوت.
(2) في " ف " و " ع ": مضافا.
(3) في الصفحة: 75.
(4) في المسألة: 31، الصفحة: 319 وما بعدها.
(5) في الوسائل: يؤخذ.
(6) الخرمية: هم اتباع بابك الخرمي، الذي ظهر في جبال آذربايجان، سنة 201،
وصلب بسامراء سنة 223، وتدعى بالمسلمية، لقولهم بإمامة أبي مسلم، وقد اختلفوا
بعد وفاته، فمنهم من رأى أنه لم يمت ولن يموت، حتى يظهر فيملأ الأرض عدلا،
وفرقة قطعت بموته، وقالت بإمامة ابنته فاطمة، راجع فرق الشيعة: 47،
ومروج الذهب 3: 293.
84

إلى قوم من موالي، فمن كان عنده شئ من ذلك فليوصل (1) إلى وكيلي، ومن
كان نائيا بعيد الشقة، فليعمد (2) لإيصاله ولو بعد حين، فإن نية المؤمن خير
من عمله " (3).
و (4) مثل رواية محمد بن عيسى، عن بريد (5) قال: " كتبت: جعلت لك
الفداء، تعلمني ما الفائدة، وما حدها، وما رأيك؟ أبقاك الله أن تمن علي
بذلك كي لا أكون مقيما على أمر حرام لا صلاة لي ولا صوم. فكتب
عليه السلام: الفائدة ما (6) يفيد إليك في تجارة من ربحها، أو حرث بعد الغرام (7)،
أو جائزة " (8).
وما عن السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن
هلال، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام، قال: " كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه

(1) في الوسائل: فليوصله.
(2) في الوسائل: فليعتمد.
(3) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(4) في " ف " و " م " و " ج " زيادة ما يلي: " وموثقة سماعة، قال: سألت أبا الحسن عليه
السلام ".
(5) في " ج ": ومثل رواية بريد، محمد بن عيسى بن بريد، وفي " ع ": ومثل رواية
عيسى بن زيد، وفي " م ": ومثل رواية محمد بن عيسى عن بريد، والسند في الوسائل
هكذا: وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن (بن) يزيد.
(6) في الوسائل: مما.
(7) في " ف ": الغرم.
(8) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
85

هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب عليه
السلام: الخمس في ذلك.
وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال، إنما يبيع
الشئ منه (1) بمائة درهم أو خمسين درهما، هل عليه فيه (2) الخمس؟ فكتب
عليه السلام: أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم، وهو كسائر الضياع " (3).
واشتمالهما على " ابن هلال " لا يضر بعد إيداع " ابن محبوب " الرواية في
كتابه، وهو أعرف بحاله منا، مع أن رواية (4) ابن أبي عمير ما كان يحتاج إلى
تلك الواسطة الواحدة، فذكرها لاتصال السند.
ورواية [علي] بن حسين بن عبد ربه، قال: " سرح أبو الحسن الرضا
عليه السلام بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي: هل فيما سرحت إلى الخمس؟ فكتب
عليه السلام: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس " (5).
فإن الظاهر منه - ظهورا لا ينكر -: أن وجه (6) عدم وجوب (7)
الخمس في المسرح، هو كون المسرح - بالكسر - صاحب الخمس،
لا لكونه تسريحا.

(1) في السرائر: يأكلها العيال، وإنما يبيع منه الشئ.
(2) في " ف " فيها.
(3) السرائر 3: 606، والوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس،
الحديث 10.
(4) في " ج " و " ع ": روايات.
(5) الوسائل 6: 354، الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(6) ليس في " ف ": وجه.
(7) ليس في " ج " و " ع ": وجوب.
86

ولعله لهذه المستفيضة المعتضدة بالعمومات الآتية والمتقدمة (1)
المنضمة إلى عموم الآية (2) - بناء على ما تقدم غير مرة من عدم
اختصاصها بغنائم دار الحرب - مال غير واحد إلى موافقة
الحلبي (3) في ذلك، كالشهيدين في اللمعة وشرحها (4)، بل يحكي عن
ظاهر المعتبر (5) وصريح الإسكافي في عبارته المتقدمة (6) المحكية:
الاحتياط في الاخراج، بل يظهر من تلك العبارة: عدم الفرق في
الروايات - بل الفتاوى - بين صلة الأخ وبين أرباح المكاسب، وهو ظاهر
عبارة العماني المتقدمة (7).
والتفصي عن (8) كل واحد واحد من الأخبار الخاصة المذكورة، بل
العامة أيضا، وإن كان ممكنا، إلا أن الانصاف (9) أن القول بالوجوب
هل يجب الخمس في الميراث؟
لا يخلو عن قوة، إلا أن يوهم بظهور عدم القول بالفرق بين الهبة والميراث،
مع ضعف القول بثبوته في الثاني، وإن كان ربما ينتصر له بصدق الغنيمة - كما

(1) في الصفحة: 75.
(2) الأنفال: 41.
(3) الكافي في الفقه: 170.
(4) الروضة البهية 2: 74.
(5) المعتبر 2: 623.
(6) في الصفحة: 72.
(7) في الصفحة: 72.
(8) في " ج " و " ع ": من.
(9) ليس في " ج ": أن الانصاف.
87

في الروضة (1) - وببعض الأخبار الخاصة، مثل المكاتبة المتقدمة (2)، ونحوها
الرضوي (3)، معللا فيه (4) الحكم بأن كل ذلك غنيمة وفائدة.
إلا أن الغنيمة في الآية قد عرفت من جماعة (5) تفسيرها بالفائدة
المكتسبة التي لا تصدق على الميراث.
وأما المكاتبة، فتقييد الميراث فيها بكونها من غير أب وابن، مع أن
القائل لا يقول به.
وأما الرضوي، فغير بالغ حد الاستناد، بل التأييد.
نعم، ظاهر بعض الأخبار الآتية الدالة على تحليل الخمس، والعفو عنه،
ما يدل على ثبوت (6) حق للإمام (7) عليه السلام في الميراث الذي يصيبه، لكنها
دالة على سقوط الخمس في الميراث والتجارة وغيرهما، وسيأتي فساد هذا
بما لا مزيد عليه.
فالقول بوجوب الخمس في الميراث ضعيف، بل مضعف للقول بوجوبه
في الهبة لو كان في المسألة إجماع مركب.
ومثله في الضعف ما أطلقه الشهيدان (8) وغيرهما من وجوب الخمس

(1) الروضة البهية 2: 74.
(2) في الصفحة: 84.
(3) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 294.
(4) في " ف " المعلل فيها.
(5) في الصفحة: 25.
(6) في " ف " و " م ": بثبوت.
(7) في " ج " و " ع ": الإمام.
(8) انظر البيان 348، والمسالك 1: 465.
88

الخمس في النماء الحاصل من الإرث
في النماء الحاصل من هذا المال المنتقل بالإرث، بل اللازم تقييده بما إذا بقي
المال للاستنماء، وإلا فمجرد النماء الحاصل من مال الإرث من غير قصد
- متصلا أو منفصلا - لا يصدق عليه الفائدة المكتسبة التي هي المناط في الآية
وما اعتبر من الرواية ومعاقد الاجماع.
الخمس في ما يفضل من الغلات المدخرة
ثم إنه قد يتخيل [عدم] وجود الخلاف، بل دعوى الوفاق في وجوب
الخمس فيما يفضل من الغلات التي اشتراها وادخرها للقوت.
ومنشأ ذلك عبارة المنتهى، حيث قال: يجب الخمس في أرباح
التجارات والزراعات والصناعات وجميع الاكتسابات وفواضل الأقوات من
الغلات والزراعات من مؤونة السنة، عند علمائنا أجمع (1)، انتهى.
وتبعه على هذا التعبير في الرياض (2) ولا يخفى ما في هذا التخيل (3)
ومنشئه.
أما الأول، فلأن ما يفضل فيما (4) اشتري للقوت إن كان أصله من
المؤونة المستثناة من المال الذي يجب فيه الخمس - كما إذا وضع مائة دينار
من ربح تجارته، فاشترى بها (5) الطعام لسنة الاكتساب - فلا تأمل لأحد في
وجوب الخمس في الفاضل، لكونه فاضلا عن مؤونة السنة.
وإن كان أصله من مال غير مخمس (6)، أو استفادة من وجه لا يوجب

(1) المنتهى 1: 548.
(2) الرياض 5: 240.
(3) في " ف ": التخييل.
(4) في " م ": عما.
(5) في " ج " و " ف " و " م ": به.
(6) في هامش " م ": مال مخمس (ظ).
89

الخمس، فلا تأمل أيضا في عدم وجوب الخمس.
وأما عبارة المنتهى، فهي وإن طعن عليها المحقق الأردبيلي (1) في شرح
الإرشاد (2)، والمدقق الخوانساري في حاشية منه على حاشية اللمعتين؟ (3)، إلا
أن الظاهر أنه أراد بما يفضل من الغلات والزراعات ما يفضل من غلة
البساتين والزراعات التي يحدثها لقوت عياله وصرفها فيهم - كالبساتين
الصغار والخضريات - لا المعدة للاسترباح والاكتساب حتى يكون
تكرارا (4) لما قبله، فيكون إشارة إلى نحو ما تضمنه رواية السرائر المتقدمة (5)
من وجوب الخمس فيما يفضل عن أكل العيال من حاصل (6) البستان
الموجود في الدار، فلا دخل له بفاضل ما اشتري وادخر للقوت، فإن حكمه
حكم أصله إجماعا.
استثناء مؤونتي السنة والتحصيل
ثم إن مقتضى ثبوت الخمس في فاضل (7) الربح عن مؤونة السنة:
استثناء مؤونة تحصيل الربح ومؤونة السنة له ولعياله.
أما الأولى، فلأن الربح لا يصدق إلا على ما يبقى بعد وضعها.
وأما الثانية، فيدل عليه - قبل الاجماع المحقق، والمحكي (8) عن جماعة

(1) مجمع الفائدة 4: 310.
(2) ليس في " ف ": شرح الإرشاد.
(3) حاشية الروضة: 291 و 292.
(4) في " ج ": مكررا.
(5) في الصفحة: 85 - 86.
(6) في " ج " و " ع ": أصل.
(7) في " ج ": حاصل.
(8) أنظر السرائر 1: 489، والمنتهى 1: 550، والمدارك 5: 385، والذخيرة: 483،
وغيرهم.
90

مستفيضا -: الأخبار المستفيضة، مثل: رواية النيسابوري " أنه سأل
أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر
ما يزكي، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة
ثلاثون كرا، وبقي في يده ستون كرا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب
لأصحابه من ذلك شئ؟ فوقع: لي منه الخمس مما يفضل عن مؤونته " (1).
ومثل: رواية ابن مهزيار، قال: " قال لي علي (2) بن راشد: قلت له:
أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم:
وأي شئ حقه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: في
أي شئ؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم، قلت: فالتاجر عليه والصانع بيده؟
فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم " (3).
وفي مكاتبة الهمداني - التي قرأها ابن مهزيار - الواردة في حاصل
الضيعة: أن " عليه الخمس بعد مؤونة ومؤونة عياله وخراج السلطان " (4).
وفي صحيحة الأشعري قال: " كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر
الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل
وكثير من جميع الضروب، وعلى الصنائع (5)؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه:

(1) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(2) في الوسائل: أبو علي.
(3) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(4) الوسائل 6: 349، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4، وفيه: بعد
خراج السلطان.
(5) في " ع ": الصانع، وفي الوسائل: الصناع.
91

الخمس بعد المؤونة " (1).
ولا يقدح ضعف بعضها بعد صحة الباقي، وانجبار الكل بما عرفت من
الاجماع، بل في شرح الفريد البهبهاني (2) أنه إجماعي، بل ضروري.
ثم إن المتبادر من المؤونة: مؤونة السنة، مضافا إلى الاجماع عليه
صريحا عن صريح السرائر (3) وظاهر الانتصار (4) والخلاف (5) والتذكرة (6)
والمنتهى (7) ومجمع الفائدة (8) والمدارك (9) والذخيرة (10).
بيان المراد من المؤونة
والظاهر أن المراد بالمؤونة ما يحتاج إليه الشخص في إقامة (11) نظام
معاده، ومعاشه، ولو على وجه التكميل الغير الخارج عن المتعارف بالنسبة
إلى مثله من حيث الغنى والشرف، فمثل الضيافات والهبات مما يتعلق
بالدنيا، ومثل الزيارات والصدقات والاحسانات داخل في المؤونة، بشرط
عدم خروج ذلك عن المتعارف أمثاله.

(1) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
(2) شرح المفاتيح (مخطوط): 95.
(3) السرائر 1: 489.
(4) الإنتصار: 86.
(5) الخلاف 2: 118، كتاب الخمس، المسألة: 139.
(6) التذكرة 1: 253.
(7) المنتهى 1: 548 و 550.
(8) مجمع الفائدة 4: 317 و 318.
(9) المدارك 5: 385.
(10) ذخيرة المعاد: 483.
(11) ليس في " ف ": إقامة.
92

فمثل إهداء التحف للسلاطين من أمور الدنيا، أو بناء (1) المساجد،
وإيقاف الأملاك مما يتعلق بالدين، داخل في المؤونة بالنسبة إلى بعض،
خارج (2) بالنسبة إلى آخر.
ويستفاد من ظاهر سيد مشايخنا في المناهل (3): الاقتصار على
الواجبات الشرعية أو العادية، وهو محتمل، لكن الأقوى خلافه، وإن كان
الأحوط مراعاته.
وأما ما يأخذه الظالم، فإن كان من باب المصانعة، فهو من المؤونة،
وأما ما يأخذه (4) قهرا، ففي كونه من المؤونة تأمل، بل منع.
هل يحتسب الدين من المؤونة؟
وأما الدين، فالمقارن منه لعام الاكتساب إن استدين للصرف فيما
يستثنى، فلا إشكال في استثناء ما يوفي (5) مراعى بالايفاء (6)، حتى لو أبرئ
المدين بعد الاستثناء تعلق الخمس بالمقابل.
وإن استدين للصرف في غير ذلك، فإن بقي عينه أو عوضه، بحيث
يتمكن من إيفائه به، فالظاهر عدم احتسابه من المؤونة، وإن لم يبق، ففي
احتسابه من المؤونة - سيما إذا طالبه المدين (7) في سنة الاكتساب - وجه قوي

(1) في " ف " و " م ": وبناء.
(2) في " ع ": وخارج.
(3) المناهل: (مخطوط)، يظهر من تنبيهات خمس الأرباح عموما ومن التنبيه العشرون
خصوصا، وفيه: يعتبر في المؤونة الاقتصاد.
(4) في " ع " و " ف " و " م ": مطلق ما يأخذه.
(5) في " م ": ما يوفي به.
(6) في " ف " و " م ": بالايفاء به.
(7) في " ف ": الدائن.
93

وإن كان يأباه ظاهر كل من قيد الدين بالحاجة.
وأما الدين المقدم، فهو كالمقارن إن استدين للصرف فيما يتعلق بمؤونة
سنة الاكتساب [أو بما (1) قبلها مع عدم تمكن الوفاء (2) إلا في سنة
الاكتساب] (3) أو تمكنه في غيرها مع عدم بقاء المقابل، وأما مع التمكن وبقاء
المقابل، فالظاهر أنه لا يعد من المؤونة، وإن قلنا في المسألة الآتية بأن
المؤونة مختصة بالربح دون غيره مما لا يخمس، لعدم وضوح كونه من مؤونة
هذه السنة، وإن وجب الوفاء فيها.
هل تحتسب الغرامات؟
وأما ما يتفق له من الغرامات الحاصلة بأسباب الضمان، فإن
لم يحصل ذلك بتعمد منه، فالظاهر دخوله في المؤونة، وإن تعمدها ففي
إلحاقها بغير العمد وعدمه إشكال.
المال الذي يخرج منه المؤونة
ولو كان للمكتسب (4) مال لا يتعلق به خمس، ففي إخراج
المؤونة منه، أو من الربح، أو منهما بالنسبة، أوجه، أقواها:
أوسطها، وفاقا للمحقق (5) والشهيد (6) الثانيين وصاحبي المدارك (7)
والذخيرة (8)، بل هو ظاهر كل من عنون مورد هذا الخمس في فتواه

(1) في " ف " و " م ": لما.
(2) في " ف " و " م ": التمكن من الوفاء.
(3) ما بين المعقوفتين ساقط من " ج ".
(4) في " ف ": للملك.
(5) ذكره في حاشية الشرائع (مخطوط): 52، وجامع المقاصد 3: 53.
(6) الروضة البهية 2: 77.
(7) المدارك 5: 385.
(8) ذخيرة المعاد: 484.
94

أو معقد إجماعه بما يفضل عن مؤونة السنة من الأرباح (1)، لاطلاق
ما تقدم (2) من المستفيضة، ولظاهر قوله عليه السلام في مكاتبة ابن مهزيار
الطويلة: " ومن كانت ضيعته لا تقوم بمؤونته، فليس عليهم (3) نصف
السدس " (4).
والأقوى أن يقال: إن المال المذكور إن كان مما يحتاج إليه لأجل
الاكتساب - كرأس مال التجارة، وما يحتاج إليه للزراعة - فالظاهر عدم
خروج المؤونة منه، وكذا لو كان مما لا يحتاج إليه، ولكن لم تجر العادة
بصرفه في المؤونة، كالزائد عن مقدار الحاجة من رأس مال أو كدار زائدة (5)
أو نحوها، لاطلاق الروايات (6) بإخراج المؤونة عن الربح.
وإن كان مما جرت العادة بصرفه، كمقدار من الحنطة توهب له ونحو
ذلك، فالظاهر عدم استثناء مقابلها من الربح، فإن المتبادر من إخراج
المؤونة: إخراج ما عدا ذلك مما يحتاج إليه، ولذا لو كان له دار موروث
تكفيه لا يستثنى له مقابل الدار.
وإن لم تجر عادة في صرفه وعدم صرفه، ففيه إشكال، من إطلاق
الأخبار ومعاقد الاجماع، ومن قوة ورود الجميع الغالب من الاحتياج

(1) في " ع ": من الأرباح بلا خلاف.
(2) في الصفحة: 91.
(3) في الوسائل: عليه.
(4) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(5) في " ف ": من رأس وكدار زائدة، وفي غيره من النسخ: رأس مال الزائد.
(6) المتقدمة في الصفحة: 90 - 92.
95

إلى أخذ المؤونة من الربح، لانحصار مأخذها فيه (1)، فالخروج بها عن
إطلاقات الخمس مشكل، سيما وأن الظاهر من كثير من الأخبار - المتقدم
بعضها، مثل رواية ابن طاووس المتقدمة (2)، ومثل ما ورد من أن " الخياط
يخيط قميصا (3) بخمسة دوانيق.. " (4)، وغير ذلك -: أن الخمس يتعلق بجميع
الربح، فيكون الإذن في إخراج المؤونة رخصة مشروعية لدفع الضرر ومشقة
التكليف، فالمسألة (5) محل إشكال.
قال المحقق الأردبيلي، فيما حكي من شرحه على الكتاب: الظاهر أن
اعتبار المؤونة من الأرباح إنما هو على تقدير عدم غيرها، فلو عنده
ما يمون به من الأموال التي تصرف في المؤونة عادة، فالظاهر عدم اعتبارها
مما فيه الخمس (6)، انتهى.
وقريب منه ما ذكره المحقق القمي رحمة الله عليه في الغنائم (7)، وفيه تأييد
لما ذكرنا.
وأما الاحتمال الثالث، فلم أعثر على قائل به، ولعل وجهه أن المجموع
من الربح وغيره مال واحد. وصرف بعضه في نظام المعاد والمعاش - الذي
هو المقصود من اقتناء المال واكتسابه - نقص فيه، يدخل على جميع المال

(1) في هامش " م ": منه (ظ).
(2) في الصفحة: 78.
(3) في " ج " و " ع ": ثوبا.
(4) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.
(5) في " ف " و " م ": والمسألة.
(6) مجمع الفائدة 4: 318.
(7) غنائم الأيام: 370.
96

فيقسط عليه. لكنه اجتهاد في مقابل النص (1) المطلق في وجوب الخمس في
الأرباح، أو المقيد له بما بعد إخراج المؤونة منها.
المناط هو المؤونة المتعارفة
ثم إنه لا إشكال في أن المخرج من الربح (2) هو (3) المؤونة المتعارفة، فلو
أسرف حسب عليه، لأنه أتلف حق أرباب الخمس، ولو قتر، فظاهر
المصنف (4) والشهيدين (5) والمحقق الثاني (6) أنه يحسب له، بل عن التذكرة (7)
الاتفاق عليه.
واستظهر في المناهل (8) عدم الخلاف فيه، ولعله لما مر في الاسراف من
أن المستثنى هي المؤونة المتعارفة، فالخمس إنما يتعلق بما عداها، فمن ربح ألفا
ومؤونته خمسمائة، فلم يتعلق الخمس إلا بنصف الألف، سواء صرف النصف
أو أنقص منه أو أزيد منه.
وتأمل في ذلك المحقق الأردبيلي (9) رحمة الله عليه، وبعده جمال الدين

(1) ليس في " ج ": النص.
(2) في " ج ": الزرع.
(3) في " ج " و " ع ": هي.
(4) المنتهى 1: 548.
(5) البيان: 483، الروضة البهية 2: 76.
(6) حاشية الشرائع (مخطوط): 52 وحاشية الإرشاد (مخطوط): 99.
(7) التذكرة 1: 253.
(8) المناهل (مخطوط): التنبيه العشرون من تنبيهات خمس الأرباح، وفيه بعد نقل كلام
الدروس والبيان: وهو جيد لظهور الاتفاق عليه.
(9) مجمع الفائدة 4: 318.
97

الخوانساري (1)، وصرح باختيار خلافه كاشف الغطاء (2) ولعل وجهه أن
الظاهر من المؤونة في الأخبار: ما أنفقها (3) فعلا في حوائجه.
فمعنى قولهم في فتاويهم ومعاقد إجماعهم " (4): " يجب الخمس فيما يفضل
عن مؤونة سنته على الاقتصاد " (5): ما يبقي بعد صرف ما صرف في
حوائجه، لا ما عدا مقدار المؤونة المتعارفة.
ويؤيده: أن المؤونة المتعارفة ليست منضبطة حتى يستثنى مقدارها،
بل تختلف باختلاف الانفاقات، فقد تعرض للشخص ضروريات [وقد
ترتفع عنه مؤونة بعض ضرورياته] (6) وقد يقدم على بعض ما يليق به من
الصدقات والهبات، وقد يعرض عنها.
ولو أراد الشخص إخراج المؤونة في أول السنة، لم يخرج (7) إلا
ما ظن أنه سينفق على ضرورياته، أو بنى عليه مما لا ضرورة في إنفاقه،
لكن إذا اتفق عدم الانفاق يدخل في الفاضل عن المؤونة (8).
المؤونة ما يصرف فعلا
فالمؤونة هنا نظير مؤونة التحصيل في الأرباح وغيرها من الكنز
والمعدن ونحوهما، فكما أن العبرة فيها بما يصرفه فعلا - ولو على وجه الدقة

(1) حاشية الروضة: 314.
(2) كشف الغطاء: 362.
(3) في " ف ": ما أنفقه.
(4) في " م ": إجماعاتهم.
(5) راجع الغنية (الجوامع الفقهية): 507. والمنتهى 1: 548، والجواهر 16: 45.
(6) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(7) ليس في " ف ": لم يخرج.
(8) في " ف ": فاضل المؤونة.
98

والمضايقة الغير واجبتين عليه، ولا يحسب له تفاوت ما بينه وبين المتعارف
الوسط، وكذا (1) لا يحسب له ما يقابل تبرع المتبرع - فكذا هنا، وحينئذ فلو
تبرع متبرع بمؤونته أو بعضها، لم يحسب له ما يقابله وإن قلنا بوجوب
إخراج المؤونة من الربح دون المال الآخر الحاصل.
ويحتمل عدم احتساب ما يقابل المتبرع (2)، ولو على القول باحتساب
التقتير، فإن الشخص إذا أضيف في جميع الليالي، فلا يحتاج إلى العشاء حتى
يعد من المؤونة، بخلاف ما لو ترك التعشي ونام جائعا وتغدى بعشائه.
وجوب الخمس في أرض الذمي المشتراة من مسلم
(و) يجب الخمس أيضا (في أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم)
وفاقا للمحكي (3) عن الشيخين (4) والمتأخرين (5)، وعن المنتهى (6) وكنز
العرفان (7) نسبته إلى أصحابنا، لصحيحة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام: " أيما
ذمي اشترى أرضا من مسلم فإن عليه الخمس " (8) ونحوها مرسلة المفيد

(1) في " ع ": وكما.
(2) في " ف " و " م ": مقابل التبرع.
(3) حكاه في المعتبر 2: 624.
(4) لم نعثر في المقنعة على التصريح به، نعم روى في باب الزيادات المرسلة الآتية.
وانظر النهاية: 197، والمبسوط 1: 237.
(5) حكاه المحقق النراقي في المستند 2: 75، وانظر السرائر 1: 188، والشرائع 1:
180، والجامع للشرائع: 148.
(6) المنتهى 1: 549، وفيه: ذهب إليه علماؤنا.
(7) كنز العرفان 1: 249.
(8) الوسائل 6: 352، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول، وفيه:
فعليه فيها.
99

قدس سره عن الصادق عليه السلام إلا أن فيها: " فإن عليه فيها الخمس " (1).
ولا معارض لها إلا (2) بعض العمومات اللازم تخصيصها بها،
ولا موهن لها عدا إهمال بعض الأصحاب لذكر هذا القسم الموهون، بدعوى
الاتفاق عليه ممن عرفت، أو المنجبر باتفاق المتأخرين عليه.
ومع هذا، فلا وجه لتأمل بعض متأخري المتأخرين (3) في الحكم،
بل إنكارهم له، ولما ذكره (4) بعض هؤلاء (5) - من أن مذهب مالك أن الذمي
إذا اشترى أرضا من الأراضي العشرية (6) ضوعف عليه العشر، فيؤخذ منه
الخمس، فلعل هذه الرواية وردت تقية منه أو من مثله - فإن أراد بهذا إبداء
الوهن في الرواية، فهو من أعجب ما صدر ممن لا ينبغي أن يصدر عنه، لأن
مرجعه إلى تأويل الرواية من غير قرينة ليصير موافقا لمذهب العامة،
فتحمل على التقية من غير معارض، سيما مثل هذا التأويل، بأن يراد
وجوب ضعف العشر في حاصل هذه الأرض إذا زرع فيها إحدى الغلات
الزكوية، فخرج ما يبلغ النصاب بشرائطه، مع أن المرسلة (7) ظاهرة (8) أو نص

(1) المقنعة: 283، وفيه: فعليه فيها الخمس.
(2) في " م " و " ف ": عدا.
(3) انظر الذخيرة: 484.
(4) في " ف ": والا لما ذكره، وفي " م ": ولا لما ذكره، وفي هامش " م " ما يلي " الظاهر
زيادة لفظ " لا ".
(5) ذكره في منتقى الجمان 2: 443.
(6) في " م ": اشترى شيئا من الأراضي العشرية.
(7) أي: مرسلة الشيخ المفيد في المقنعة: 283، المتقدمة أعلاه.
(8) في " ج " و " ع ": ظاهر.
100

في أن الخمس في عين (1) الأرض.
المراد هنا الخمس المصطلح
والظاهر: أن المراد بالخمس هو الخمس المصطلح، لأنه المتبادر، وإن
لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الخمس، لا بطريق النقل ولا بطريق
الاشتراك اللفظي بينه وبين المعنى اللغوي، مضافا إلى إجماع مثبتي هذا القسم
على صرفه مصرف الخمس المصطلح.
هل يختص الحكم بأرض الزراعة؟
وهل " الأرض " مختصة بأرض الزراعة - كما هو ظاهر المحقق (2)
والمصنف (3) والمحقق الثاني (4) - أو يعم المساكن والبساتين؟ ظاهر إطلاق
كلمات الأصحاب الأول، كما اعترف به في المعتبر (5) والمنتهى (6)، واستظهرا (7)
مع ذلك إرادتهم لخصوص أرض الزراعة، لكنه اجتهاد في مرادهم، منشؤه
تبادر الخصوص من الاطلاق.
ويدفعه: أن التبادر المذكور إنما هو في مقابل الأرض المشتملة على
البناء والأشجار المعبر [عنها] بالدار والبستان، وأما أرض (8) البياض المتخذ
للبناء أو الغرس، فلا إشكال في عدم خروجها عن منصرف اللفظ،

(1) في " م ": من عين.
(2) المعتبر 2: 624.
(3) المنتهى 1: 549.
(4) جامع المقاصد 3: 53.
(5) المعتبر 2: 624.
(6) المنتهى 1: 549.
(7) في " م " و " ف ": وإن استظهرا.
(8) في " ف ": الأرض.
101

فتشملها (1) الرواية والفتاوى، ويتم الحكم في الباقي بالاجماع المركب.
اللهم إلا أن يريد الفاضلان (2) بأرض الزراعة (3) ما يعم البياض المتخذ
للبناء أو الغرس لقابليتها للزرع، وفيه تأمل.
أو يمنع الاجماع المركب، فيفصل بين أرض البياض وإن اتخذت للبناء
أو الغرس، وبين الأرض المشتراة في ضمن الدور والخانات والبساتين، لعدم
انصراف اشتراء الأرض إلى اشترائها، بل يصح السلب، فيقال: لم يشتر
أرضا، وإنما اشترى خانا أو دارا.
هل يختص الحكم بالشراء؟
ثم هل يختص (4) الحكم المذكور بالشراء، كما هو ظاهر المشهور، أو يعم
المعاوضة، كما أختاره كاشف الغطاء (5)، أو مطلق الانتقال ولو مجانا، كما هو
ظاهر الشهيدين (6)؟
فيه إشكال، من اختصاص النص (7) والفتوى بالشراء، ومن
عمومه عرفا لسائر المعاوضات، ومن أن المناط هو الانتقال، كما
يستفاد من نقل أقوال العامة والخاصة في المعتبر (8) والمنتهى (9)

(1) في " ف ": فتشمله.
(2) أي المحقق الأول والعلامة.
(3) في " ف ": يريد الفاضلان من الزراعة.
(4) في " ف ": يخص.
(6) كشف الغطاء: 361.
(6) البيان: 346، الروضة البهية 2: 72.
(7) الوسائل 6: 352، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(8) المعتبر 2: 624.
(9) المنتهى 1: 549.
102

[والتذكرة (1)، حيث إن ظاهر الأقوال المذكورة للعامة في مقابل الخاصة هو
مطلق الانتقال، مضافا إلى الاستدلال على مذهب الإمامية في المنتهى] (2)
بقوله: لنا (3) إن في إسقاط العشر إضرارا بالفقراء، فإذا تعرضوا لذلك
ضوعف عليهم العشر، فاخرج الخمس، ويؤيده: ما رواه الشيخ عن
أبي عبيدة الحذاء [فذكر] (4) الصحيحة (5) المتقدمة (6).
وهذا الاستدلال وإن كان في غاية الضعف من وجوه لا تخفى، إلا أنه
لا يخرج عن الدلالة، على أن مذهب المستدل، بل غيره من العلماء الذين (7)
استدل لهم بهذا الدليل، هو مطلق الانتقال، ولأجل ما ذكرنا عبر في
المفاتيح (8) عن عنوان المسألة بالأرض المنتقلة إلى الذمي، ثم نسب الحكم إلى
الأكثر، والمسألة لا تخلو عن إشكال.
تعلق هذا الخمس بالعين
ثم إن ظاهر النص والفتوى تعلق هذا الخمس بالعين، فللحاكم الأخذ
منها ومن ارتفاعها، وله أخذ قيمة العين، بأن يبيع الحصة على الذمي، لكن
عليه خمس هذا الخمس بعد اشترائه.

(1) التذكرة 1: 253.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(3) في " ج " و " ع ": بقولنا.
(4) من " م ".
(5) في هامش " م ": في الصحيحة (ظ).
(6) في الصفحة: 99.
(7) في " م ": الذي.
(8) مفاتيح الشرائع 1: 226.
103

والظاهر أن أخذ القيمة مشروط (1) برضى الذمي لعدم الدليل على
سلطنة الحاكم على ذلك، وإن كان ظاهر كلام الشهيدين (2) يعطي ثبوتها.
الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة
ولو كانت الأرض المبتاعة من المفتوحة عنوة، فإن كان نقلها إليه (3)
على وجه ملكية العين أصالة - كما إذا فرض أن الإمام عليه السلام باع منها
قطعة لمصالح المسلمين، أو أخرج خمسها إلى أهله فباعوه من الذمي -
فلا إشكال في وجوب الخمس في عينها.
وإن كان بيعها تبعا للآثار الموجودة فيها، [فإن قلنا بأنها تملك
حقيقة تبعا للآثار، فلا إشكال أيضا في وجوب الخمس فيها] (4) إذا
اشتراها الذمي، ولو لم يخرج خمسها من حيث الغنيمة، فيجتمع عليه
خمسان، وليس هذا من تثنية الصدقة المنفية بالنبوي (5) بناء على صدق
الصدقة على الخمس.
وإن قلنا بأن المملوك نفس الآثار وإنما يصح بيع العين (6) في ضمن
الآثار، فيقع الاشكال في تعلق الخمس من أن الذمي لم يملك (7) أرضا [ومن
صدق أنه اشترى أرضا] (8) ولو تبعا وإن لم يملكها حقيقة، ولذا يقال: إنه

(1) في " ف " مشروطة.
(2) انظر البيان: 346، والروضة البهية 2: 72.
(3) ليس في " ج ": إليه.
(4) ما بين المعقوفتين غير موجود في " ج ".
(5) راجع الصفحة: 226.
(6) في " ف ": العين له.
(7) في " ف ": لا يملك.
(8) ما بين المعقوفتين ليس في " ج ".
104

اشترى الأرض المفتوحة عنوة، فعليه الخمس باعتبار استحقاق الأرض تبعا
للآثار (1)، فيقابل الأرض بمال من حيث إنها (2) مستحقة غير مملوكة، فعليه
خمس ذلك المال.
اشتراط الذمي سقوط الخمس فيما يشتريه
ولو شرط الذمي سقوط الخمس فيما يشتريه فسد الشرط، كما في
البيان (3) وغيره (4)، واستقرب في المناهل (5) الصحة، ولا بد من حمل كلامه
على ما إذا كان للبائع سلطنة على رفع هذا الخمس الخاص، كالإمام، ونائبه
الخاص أو العام، ومع ذلك ففيه نظر.
اشتراط دفع الخمس على الذمي
ولو شرط على الذمي ثبوته، فعلى المشهور يكون مؤكدا للثبوت،
فلو لم يمكن إجباره تسلط البائع أو الحاكم على الفسخ، ومعه لا يسقط عنه (6)
لاستقراره بالعقد.
وعلى القول الآخر، فهل يلزم به بمقتضى الشرط؟ وجهان: من أنه
تشريع لما لم يجعله الشارع، فيخالف السنة، ومن أنه بمنزلة اشتراط هبة
بعضه على أهل الخمس، إذ لا يشترط دفع الذمي له بالنية، كما صرحوا به،
ومن هنا قيل (7): الأحوط اشتراط الخمس على الذمي تفصيا عن الشبهة في

(1) راجع الجواهر 16: 66.
(2) ليس في " ف ": إنها.
(3) البيان: 346.
(4) الحدائق 12: 363.
(5) قال السيد المجاهد - ففي التنبيه الثاني عشر من تنبيهات خمس الأرض المشتراة.
بعد نقل كلام البيان - وهو جيد.
(6) في " ف ": منه.
(7) لم نعثر على القائل.
105

أصل المسألة.
وجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام
(و) يجب الخمس أيضا (1) (في الحلال المختلط بالحرام) إذا كان
بحيث (لا يتميز (2) قدره (ولا يعرف صاحبه) على المشهور بين الشيخ (3)
ومن تأخر عنه (4)، بل عن الغنية (5) الاجماع عليه، للمروي عن الخصال
بسنده الصحيح إلى ابن محبوب، عن عمار بن مروان، قال: " سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال
المختلط بالحرام - إذا لم يعرف صاحبه - والكنوز، الخمس " (6).
ورواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن رجلا أتى
أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أصبت مالا لا أعرف
حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإن الله رضي
من (7) المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعمل " (8).

(1) ليس في " ج " و " ع ": أيضا.
(2) في الإرشاد: ولا يتميز.
(3) المبسوط 1: 236.
(4) مثل ابن حمزة في الوسيلة: 137، والحلي في السرائر 1: 487، والمحقق في
الشرائع 1: 181.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(6) الخصال: 290 باب الخمسة، الحديث 51، والوسائل 6: 344، الباب 3 من
أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(7) في الوسائل: من ذلك المال.
(8) الوسائل 6: 352، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول، وفي
آخره: يعلم.
106

وما رواه المشايخ الثلاثة (1) والمفيد (2) رضوان الله عليهم عن السكوني، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: إني
اكتسب (3) مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما علي، فقال عليه السلام: تصدق
بخمس ذلك (4)، فإن الله رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك
حلال " (5).
وعن المفيد في الزيادات: أنه أرسل عن الصادق عليه السلام، عن رجل
اكتسب مالا من حلال وحرام، ثم أراد التوبة من ذلك، ولم يتميز له الحلال
بعينه من الحرام، فقال عليه السلام: " يخرج منه الخمس وقد طاب، إن الله طهر
الأموال بالخمس " (6).
المراد هنا الخمس المصطلح
وظاهرها - كظاهر الرواية الأولى، بل صريحها -: إرادة الخمس
المصطلح، كما هو المشهور، بل نسبه في البيان (7) إلى ظاهر الأصحاب، بل

(1) التهذيب 6: 368، الحديث 1065، الكافي 5: 125، باب المكاسب الحرام،
الحديث 5، والفقيه 3: 189، الحديث 3713، مع اختلاف يسير.
(2) لم نعثر عليه.
(3) في الوسائل: كسبت.
(4) في الوسائل: مالك.
(5) الوسائل 6: 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(6) المقنعة: 283، والوسائل 6: 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس،
ذيل الحديث 4.
(7) البيان: 348.
107

هو ظاهر الرواية (1) بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية في الخمس، ولا أقل
من ثبوت الحقيقة المتشرعية في زمان الصادق عليه السلام وإن كان كلامه عليه السلام
حكاية لكلام جده أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
نعم، الظاهر من الرواية الثالثة (2): إرادة المعنى اللغوي، سيما بملاحظة
الأمر بالتصدق به، فإن الصدقة وإن أطلقت في كثير من الأخبار (3) على
الخمس - كما قيل (4) - إلا أن ظهورها في غيره أقوى من ظهور لفظ الخمس
في المعنى المعهود، سيما مع أن الإمام عليه السلام لم يطالبه بنصف الخمس، وليس
ذلك من باب الإذن في التصرف (5)، لأن الظاهر من الحكاية كون المحكى في
بيان الفتوى.
إلا أن ذلك كله مندفع بظهور قوله في ذيل الرواية: " فإن الله قد
رضي من الأشياء بالخمس "، ومن المعلوم أن خمسا آخر غير المصطلح لم
يعهد من الشارع في شئ، فضلا عن الأشياء، مع أن رواية ابن مروان (6)
كافية في المسألة، سيما بعد الاعتضاد، بما عرفت من الشهرة والاجماع
المحكي (7).

(1) وهي رواية الحسن بن زياد، المتقدمة في الصفحة 106.
(2) وهي رواية السكوني، المتقدمة في الصفحة السابقة.
(3) منها في الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس،
الحديث 3.
(4) انظر الرياض 5: 248.
(5) في " ج " و " ع " و " م ": في الصرف.
(6) المتقدمة في الصفحة 106.
(7) انظر الصفحة: 106.
108

ما ورد في حلية الحلال المختلط بالحرام
نعم، قد يعارض ذلك بما ورد في غير واحد من الأخبار من حلية
المال المختلط بالحرام من غير تعرض لوجوب إخراج شئ منه.
مثل: ما رواه ثقة الاسلام في الكافي عن ابن محبوب، عن أبي أيوب،
عن سماعة، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب مالا من
عمل بني أمية، وهو يتصدق منه ويصل منه قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب،
وهو يقول: إن الحسنات يذهبن السيئات، فقال (1) أبو عبد الله عليه السلام: إن
الخطيئة لا تكفر الخطيئة، ولكن الحسنة تحط الخطيئة، ثم قال: إن كان خلط
الحرام حلالا، فاختلطا جميعا، فلا يعرف الحلال من الحرام،
فلا بأس " (2).
ومثل: ما ورد (3) في الربا من (4) كثير من الأخبار دالة على حلية
المختلط به، مثل رواية هشام بن سالم وروايتي الحلبي، المرويات في باب
الربا من الكافي (5).
ولكن الظاهر من أخبار الربا بقرينة ذيل بعضها: اختصاصها بما إذا
أكلت مع الجهل بالحرمة، وظاهر كثير من الأخبار (6) كصريح المحكي عن

(1) في " ف ": فقال له.
(2) الكافي 5: 126، باب المكاسب الحرام، الحديث 9، مع اختلاف يسير.
(3) في " ف ": روى.
(4) في " ف ": في.
(5) الكافي 5: 144، باب الربا، الأحاديث 3 و 4 و 5، والوسائل 12: 430، الباب 5
من أبواب الربا، الأحاديث 1 و 3 و 6.
(6) الوسائل 12: 430، الباب 5 من أبواب الربا.
109

جماعة (1): حلية ذلك وعدم وجوب ردها، ولذا قيد في بعض أخبار (2) الكبائر أكل الربا بكونه بعد البينة، أي: الدليل الواضح على التحريم، إشارة
إلى قوله تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف) (3).
وحينئذ فتكون هذه الأخبار أخص مطلقا من أخبار وجوب الخمس،
بل هي رافعة للحرمة حال الجهل، فيخرج الفرض عن عنوان الحلال
المختلط بالحرام، فلا مانع من العمل بها في خصوص الربا، وإن كان
لا يخلو عن (4) إشكال، لمخالفتها للقاعدة من عدم معذورية الجاهل بالحكم
المقصر (5)، سيما في الحكم الوضعي، ولذا حكي خلافه عن الحلي وكثير من
المتأخرين (6)، بل المحكي عن السرائر (7) في هذا المقام: وجوب الخمس في
المال الذي يعلم أن فيه الربا.
وأما موثقة سماعة (8)، فيمكن إرجاع نفي البأس فيها إلى التصرف في
الجملة في المال المختلط في مقابل المحض، الذي ذكر عليه السلام أن

(1) مثل الشيخ في النهاية: 376، والمحقق في المختصر 1: 127، والشهيد في الدروس
3: 299، وغيرهم، انظر الجواهر 23: 398.
(2) الوسائل 12: 62، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، الحديثان 1 و 12.
(3) البقرة: 275.
(4) في " ف " و " م ": من.
(5) في " ف ": معذورية جاهل المقصر.
(6) حكى ذلك عنهم الشهيد في الدروس 3: 299.
(7) السرائر 2: 251.
(8) المتقدمة في الصفحة السابقة.
110

صرفه في وجوه البر خطيئة فوق خطيئة، فكيف تكفر بها؟! (1) ولا يظهر
منها جواز التصرف في الجميع من غير إخراج شئ منه، ومع هذا فلا يقوى
على معارضة أخبار المسألة المعتضدة بقاعدة وجوب الاجتناب عن الشبهة
المحصورة، امتثالا للأدلة العقلية والنقلية الدالة على وجوب الاجتناب، إذا
علم - ولو إجمالا - في أمور محصورة (2).

(1) في " ع " و " ف " و " م ": تكفرها.
(2) في " ع " و " ج ": غير محصورة، وجاء في آخر " م " ما يلي: هذا آخر ما وجد من
خطه قدس سره شرحا على الإرشاد من كتاب الخمس.
111

مسائل مستقلة
113

ما كتب الشيخ الأستاذ مرتضى نور الله مضجعه في الخمس مستقلا (1)
بسم الله الرحمن الرحيم وبه ثقتي

(1) كذا في " ج " و " ع "، وجاءت هذه العبارة في " ف " هكذا: هذا ما وجدت من خطه
الشريف قدس سره في كتاب الخمس مستقلا، بطريق المسألة، لا شرحا.
وفي " م " هكذا: هذا ما وجد لشيخنا المرتضى قدس سره بخطه الشريف في كتاب
الخمس مستقلا.
114

مسألة
[1]
لا خلاف ظاهرا في وجوب الخمس في غنائم دار الحرب، ويدل
عليه الأدلة الثلاثة (1)،
وظاهرها عدم الفرق بين المنقول - الذي
يقسم بين المقاتلين - وغير المنقول الذي هو ملك لجميع المسلمين،
فيثبت في الأراضي المفتوحة عنوة، كما صرح به الشيخ (2) - فيما حكاه
عنه في التذكرة في باب الجهاد (3) - وابن حمزة وابن إدريس في الوسيلة (4).

(1) أما الكتاب، فقوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه.. "
الأنفال: 41، وأما السنة فما ورد في الوسائل 6: 338، الباب 2 من أبواب ما يجب
فيه الخمس، وأما الاجماع فقد ادعاه في الغنية (الجوامع الفقهية): 507، وانظر الجواهر
16: 5، وغيره.
(2) المبسوط 2: 34.
(3) التذكرة 1: 428.
(4) الوسيلة: 202.
115

والسرائر (1) والفاضلان في المعتبر (2) والشرائع (3) والقواعد (4) في باب الخمس
والجهاد، وفي التحرير (5) في باب إحياء الموات، والشهيدان هنا (6) وفي
الجهاد (7).
وكيف كان، فالظاهر عدم الخلاف، كما اعترف به في المناهل (8)، فمخالفة
صاحب الحدائق (9) مدعيا لاختصاص النصوص بالغنائم المقسومة، فلا يشمل
الأرض، في غير محلها، بعد عموم الآية وإطلاق معاقد الاجماعات، بل
تصريح المعظم.
مضافا إلى دلالة بعض الأخبار، كرواية مسمع الآتية (10)، ورواية أبي
بصير: " كل شئ قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله صلى الله عليه وآله ففيه الخمس " (11).
نعم، بعض الأصحاب لم يتعرضوا في مقام البيان مصرف خراج

(1) السرائر 1: 485.
(2) المعتبر 2: 619.
(3) الشرائع 1: 179.
(4) القواعد 1: 360 و 493.
(5) تحرير الأحكام 2: 129.
(6) البيان: 341. والدروس 1: 258، الروضة 2: 65.
(7) اللمعة وشرحها " الروضة البهية " 2: 403.
(8) المناهل: (مخطوط): ذيل التنبيه الرابع من تنبيهات خمس الغنائم.
(9) الحدائق 12: 324.
(10) في الصفحة: 119 - 120.
(11) الوسائل 6: 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5، وفيه:
" فإن لنا خمسه " بدل " وفيه الخمس ".
116

الأراضي (1) المفتوحة عنوة (2) لوجوب إخراج الخمس منها.
اخراج خمس
المفتوحة عنوة
من العين
أو الحاصل
ثم ظاهر التحرير (3) تعيين (4) إخراج الخمس من حاصلها، لكن صريح
الشرائع (5) والقواعد (6) في باب الجهاد: التخيير بين إفراز الخمس من عين
الأرض، أو من حاصلها كل سنة.
نقل كلمات
الفقهاء
وظاهر كلام الشيخ المحكي في جهاد التذكرة هو: تعيين الافراز من
العين، قال: قال الشيخ رحمه الله: الذي يقتضيه المذهب أن الأرض التي فتحت
عنوة يخرج خمسها لأرباب الخمس، والأربعة الأخماس الباقية للمسلمين
قاطبة، الغانمين وغيرهم، ويقبلها الإمام لمن يشاء، يأخذ ارتفاعها [و]
يصرفه في مصالح المسلمين.
ولا يصح بيع شئ من هذه الأرضين (7) ولا هبته ولا معاوضته
ولا تمليكه (8) ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه، ولا يصح أن
يبنى دورا ومساجد وسقايات و [لا] غير ذلك من أنواع التصرف
الذي يتبع الملك، ومتى فعل شيئا [من ذلك] كان التصرف (9) [باطلا وهو]

(1) في " ج " و " ع ": الأرض، وفي " م ": أراضي.
(2) ليس في " ف " و " م ": عنوة.
(3) تحرير الأحكام 2: 129.
(4) في " م ": تعين.
(5) الشرائع 1: 322.
(6) القواعد 1: 492.
(7) في النسخ: " الأرض "، وما أثبتناه من المصدر.
(8) في النسخ: " تملكه "، وما أثبتناه من المصدر.
(9) في النسخ: " المصرف "، وما أثبتناه من المصدر.
117

باق (1) على الأصل.
ثم قال رحمه الله: وعلى الرواية التي رواها أصحابنا: أن كل عسكر
أو فرقة غزت بغير إذن الإمام عليه السلام فغنمت كانت الغنيمة للإمام خاصة،
تكون هذه الأرضون بعد الرسول صلى الله عليه وآله إلا ما فتح في أيام
أمير المؤمنين عليه السلام - إن صح شئ من ذلك - للإمام عليه السلام (2) خاصة
ويكون من جملة الأنفال التي له خاصة لا يشركه فيها غيره (3) إنتهى.
وفي السرائر: إن كل ما يغنمه المسلمون [من دار الحرب] (4) من جميع
الأصناف التي قدمنا ذكرها، فما حواه العسكر يخرج منه الخمس بعد
ما يصطفي الإمام عليه السلام ما يختاره ما لم يجحف بالغانمين، وأربعة أخماس
ما يبقى يقسم بين المقاتلين، وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات
وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي يكون للمسلمين قاطبة،
مقاتليهم وغير مقاتليهم، من حضر منهم ومن لم يحضر، من ولد ومن
لم يولد (5)، انتهى.
وقد صرح الفاضلان في باب الجهاد بأنه يخرج الخمس من الأرضين،

(1) في " م ": باقيا.
(2) في النسخ: يكون للإمام عليه السلام، وفي هامش " م " ما يلي: الظاهر زيادة لفظ
" يكون " الثانية.
(3) التذكرة 1: 428، وقد نقله عن المبسوط 2: 34، مع اختلاف في الألفاظ، وما بين
المعقوفات من المبسوط.
(4) الزيادة من السرائر.
(5) انظر السرائر 1: 491.
118

أو من ارتفاعها والباقي للمسلمين (1)، ويظهر ذلك من منهما (2) ومن الشهيدين (3)
والمحقق الثاني (4) في مسألة اشتراء (5) الذمي من المسلم الأرض المفتوحة
عنوة.
لكن ظاهر كلامه في التهذيب (6) إباحة التصرف في أراضي الخراج (7)
من غير التعرض لاخراج الخمس من العين أو من الارتفاع، وظاهره كونها
كالأنفال لا يجب فيها في زمان قصور يدهم شئ له ولا لقبيله، مستدلا
- مضافا إلى ما ذكره سابقا من روايات إحلال الأئمة صلوات الله عليهم حقوقهم
لشيعتهم - بصحيحة عمرو بن يزيد: " قال: رأيت أبا سيار - مسمع بن
عبد الملك - بالمدينة، وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه السلام مالا في تلك
السنة، فرده عليه، فقلت له: لم رد عليك أبو عبد الله عليه السلام (8)؟ فقال: إني
قلت (9) - حين حملت إليه المال -: إني كنت وليت الغوص، فأصبت أربعمائة
ألف درهم، وقد جئت إليك بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها
عنك، أو أعرض لها وهي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا، فقال

(1) الشرائع 1: 322، قواعد الأحكام 1: 492.
(2) الشرائع 1: 180 - 181، قواعد الأحكام 1: 362.
(3) الدروس 1: 259، المسالك 1: 466.
(4) جامع المقاصد 3: 52.
(5) في " ع " و " ج ": شراء.
(6) التهذيب 4: 144.
(7) في " ج " و " ع ": الخراجية.
(8) في التهذيب زيادة: المال الذي حملته إليه؟
(9) في التهذيب: قلت له.
119

عليه السلام: وما لنا من (1) الأرض وما أخرج الله منها إلا الخمس؟! يا أبا سيار
الأرض كلها لنا، وما (2) أخرج الله منها من شئ فهو لنا، قال: قلت (3): فأنا
أحمل إليك المال كله، فقال (4) عليه السلام: يا أبا سيار قد طيبناه لك وحللناك
منه، فضم إليك مالك، وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض، فهم فيه
محللون، يحل (5) لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا، فيجبيهم طسق (6) ما كان في (7)
أيدي سواهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا، فيأخذ
الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة.. الحديث " (8).
لكنك خبير بأن ظاهرها يدل على جواز التصرف في أرض الخراج
من غير أداء خراجه إلى الجائر، أو إلى نائب الإمام عليه السلام والظاهر أنه

(1) كذا في هامش " ع " والتهذيب، وفي سائر وفي سائر النسخ: وما لنا في الأرض.
(2) في التهذيب: فما.
(3) في التهذيب: قلت له.
(4) في التهذيب: فقال لي.
(5) في التهذيب: ويحل.
(6) الطسق - كفلس -: الوظيفة من خراج الأرض المقررة عليها، فارسي معرب، قاله
الجوهري، مجمع البحرين 5: 206، مادة: " طسق ".
(7) كذا في التهذيب، وفي الحديث سقط - كما أشار إليه في هامش التهذيب، والصحيح
- كما في الكافي 1: 408 -: " فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في
أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن.. الخ ".
(8) التهذيب 4: 144، الحديث 403، وانظر الكافي 1: 408، باب أن الأرض كلها
للإمام عليه السلام، الحديث 5، والوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال،
الحديث 12.
120

خلاف الاتفاق، كما يظهر من المحقق الثاني (1).
ويمكن حمله على أرض الأنفال، أو على حصة الإمام وقبيله من
أرض الخراج أيضا.

(1) رسائل المحقق الكركي 1: 257.
121

مسألة
[2]
وجوب الخمس
في المعادن
لا خلاف ظاهرا ولا إشكال في وجوب الخمس في المعادن،
والأخبار (1) به - كحكاية (2) الاجماع - مستفيضة، إنما الاشكال في تفسير
المعدن.
بيان المراد من
المعدن
فعن التذكرة: المعادن كل ما خرج (3) من الأرض مما يخلق فيها من
غيرها مما له قيمة، ومثل بأمثلة، منها: الملح، والمغرة، والنفط، والقير،
والكبريت، ثم نسب ذلك إلى علمائنا أجمع (4)، ونحو ذلك عن ابن الأثير في

(1) الوسائل 6: 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(2) انظر السرائر 1: 488، والمدارك 5: 362، والمستند 2: 72، والجواهر 16: 13،
وغيرها.
(3) في النسخ: كلها يخرج، وما أثبتناه مطابق للمصدر.
(4) التذكرة 1: 251.
122

النهاية (1).
وفي المسالك والروضة: إنه كل ما استخرج من الأرض مما كان أصله
منها، ثم اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها، وعد منها: الجص،
وطين الغسل، وحجارة الرحى (2)، وزاد في البيان: النورة (3).
والموجود في النصوص: لفظ " المعدن " وقد ذكر في بعضها أشياء
خاصة، كالذهب والفضة والحديد والرصاص والصفر (4).
وفي صحيحة محمد بن مسلم، قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن
الملاحة؟ فقال: وما الملاحة؟ فقلت (5): أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء
فيصير ملحا، فقال: هذا المعدن فيه الخمس - وفي رواية الفقيه: هذا مثل
المعدن فيه الخمس (6) - قلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض؟ قال:
هذا وأشباهه فيه الخمس " (7).
وفي المدارك: والمعدن منبت الجوهر من ذهب ونحوه (8)، وهو المحكي (9)

(1) النهاية لابن الأثير 3: 192، مادة: " عدن ".
(2) المسالك 1: 458، والروضة البهية 2: 66.
(3) البيان: 342.
(4) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(5) في " ج " و " ع " فقال، وفي الوسائل: فقال: فقلت.
(6) الفقيه 2: 41، الحديث 1648، وليس فيه: هذا.
(7) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(8) مدارك الأحكام 5: 363.
(9) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 12: 327.
123

عن القاموس (1) والأزهري (2).
والتحقيق: أن المراد بالجوهر إن كان مطلق ما يقابل وجه الأرض من
غير النباتات، فلا فرق بين ما في المدارك والتذكرة.
وإن كان أخص من ذلك، ففيه إجمال، من جهة إجمال لفظ الجوهر،
فلا ينفع الأخذ به، مع كون تفسير التذكرة (3) المحكي عن ابن الأثير (4) أعم
منه، فهو أولى بالأخذ من الأخص، لأنه يثبت ما لا ينفيه مدعي الأخص.
[مضافا إلى دعوى الاجماع عليه عن التذكرة (5) والمنتهى (6)، بل لا
يبعد موافقته للعرف أيضا] (7).
مضافا إلى عمومات وجوب الخمس في الأرض وما أخرج الله منها.
ويؤيد ذلك: أن اللازم من تحديد صاحب المدارك كون مثل النفط
خارجا عن المعدن ملحقا به من جهة الصحيحة السابقة (8)، مع أنهم يجرون
عليه أحكام المعدن من حيث الشروط والأحكام.
وأما ما في المسالك (9)، فالظاهر أنه أعم من ذلك، لكن مساعدة العرف

(1) القاموس المحيط 4: 247، مادة: " عدن ".
(2) تهذيب اللغة 2: 218.
(3) التذكرة 1: 251.
(4) النهاية، لابن الأثير 3: 192.
(5) التذكرة 1: 251 - 252.
(6) المنتهى 1: 545.
(7) ما بين المعقوفتين ليس في " ج ".
(8) تقدمت في الصفحة السابقة.
(9) المسالك 1: 458.
124

له محل تأمل، فإن مثل حجارة الرحى لا يظهر إطلاق المعدن عليه، فإن
الظاهر من المعدن هو ما خرج عن اسم الأرض وإن كان أصله منها،
كما صرح به في المنتهى (1).
تقوية ما ذكره
العلامة في
التذكرة
وكيف كان، فما ذكره في التذكرة قوي جدا، فمثل حجارة الرحى
وحجارة النار وطين الغسل، يشكل إطلاق اسم المعدن عليها.
وأما الجص فلا يبعد أن يدخل فيه، كما يشير إليه عد المغرة (2)، مع أن
مغايرتها لأصل الطين ليس بأوضح من مغايرة الجص.
وأما النورة، فالظاهر دخولها في المعادن، كما صرح به في محكي
السرائر (3) والمختلف (4)، وحملا إهمال الشيخ لها وللمغرة وغيرهما في طي
المسألة (5) على عدم إرادة الحصر.
ا
عتبار النصاب
في المعدن
ثم الظاهر اعتبار النصاب في المعدن، وفاقا لجمهور المتأخرين،
لصحيحة البزنطي، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عما أخرج من (6) المعدن
من قليل أو كثير هل فيه شئ؟ قال: ليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في
مثله الزكاة عشرين دينارا " (7).

(1) المنتهى 1: 544.
(2) في هامش " م ": المغرة منه (ظ)، والمغرة: المدر الأحمر الذي يصبغ به الثياب، راجع
النهاية: لابن الأثير 4: 345، مادة: " مغر ".
(3) السرائر 1: 486.
(4) المختلف 3: 324.
(5) في " ع ": الأمثلة.
(6) ليس في الوسائل: من.
(7) الوسائل 6: 344، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
125

ولا يبعد أن يكون ذكر العشرين من باب اتحاده مع مئتي درهم في
ذلك الزمان، وإلا فالمعيار بلوغ نصاب الزكاة، كما صرح به أولا.
مع احتمال الاقتصار على خصوص الدينار، فيكون الموصول
في الصحيحة إشارة إلى جنس الدينار، بل إرادة ذلك من الموصول
أقرب من حمل العشرين على المثال، مع أن الأصل في نصاب
النقدين هو المئتان واعتبار العشرين، لأنها عدل المئتين، كما يظهر من
الأخبار (1).
وعن أبي الصلاح: اعتبار بلوغ دينار (2)، وهو ضعيف كمستنده (3) من
حيث الدلالة، وحمله جماعة (4) على الاستحباب.
استثناء مؤونة
التحصيل
ولا إشكال في اعتبار إخراج المؤونة، بل لا خلاف فيه ظاهرا، وفي
المدارك: أنه مقطوع به بين الأصحاب (5)، وعن الخلاف (6) والمنتهى (7):
دعوى الاجماع.

(1) الوسائل 6: 92، الباب الأول من أبواب زكاة الذهب والفضة.
(2) الكافي في الفقه: 170.
(3) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(4) كالسيد السند في المدارك 5: 366، والسيد الطباطبائي في الرياض 5: 251،
وحكاه في الحدائق (12: 331) عن الأكثر.
(5) مدارك الأحكام 5: 392.
(6) الخلاف 2: 119، كتاب الخمس، ذيل المسألة: 140.
(7) المنتهى 1: 549، حيث لم يذكر المخالف إلا أحمد والشافعي، وفهم منه المحقق
القمي: عدم الخلاف، راجع الغنائم: 362.
126

ويدل عليه الأخبار المصرحة بأن الخمس بعد المؤونة (1).
وهل يعتبر النصاب قبل المؤونة أو بعدها؟
اعتبار النصاب
بعد المؤونة
الأقوى: الثاني، وفاقا لصريح جماعة (2)، بل في المسالك: أنه الذي
صرح به الأصحاب (3)، وعن الرياض: نفي وجدان الخلاف وظهور
الاجماع (4) - لأن الظاهر من قوله عليه السلام: " ليس فيه شئ حتى يبلغ
عشرين دينارا " (5) هو وجوب الخمس فيه إذا بلغ عشرين، بأن يكون
الخمس في نفس العشرين، ولا يتأتى ذلك إلا إذا اعتبر العشرون بعد
المؤونة.
فخلاف صاحب المدارك (6) وبعض مشايخنا المعاصرين (7) تمسكا بعموم
وجوب الخمس في المعدن، خرج منه ما لم يبلغ (8) المجموع العشرين، ضعيف
جدا لما عرفت.
هل تعتبر
وحدة الاخراج؟
ثم إن الظاهر من الرواية اعتبار النصاب فيما يخرج من المعدن دفعة
أو دفعات في حكم (9) الواحد بأن لا يتخلل بينها الاعراض، وفاقا للمحكي

(1) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(2) منهم العلامة في التحرير 1: 73، والشهيد في الدروس 1: 260.
(3) المسالك 1: 469.
(4) الرياض 5: 252.
(5) الوسائل 6: 344، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
(6) مدارك الأحكام 5: 392.
(7) المستند 2: 79.
(8) في " ج " و " ع ": ما يبلغ.
(9) في " ف ": الحكم.
127

عن العلامة في المنتهى (1) والتحرير (2) وحاشية الشرائع (3) وشرح المفاتيح (4)
والرياض (5).
خلافا للشهيدين في الدروس (6) والمسالك (7) والأردبيلي (8) وصاحبي
المدارك (9) والذخيرة (10)، تمسكا بالعمومات المتضمنة لوجوب الخمس في هذا
النوع (11).
وفيه: أن العبرة بما يستفاد من دليل اعتبار النصاب، وهي الصحيحة
المتقدمة (12)، والظاهر منها ما ذكرنا، فلا عبرة بالعمومات، إلا أن يقال: بأن
ظهور الخبر في ذلك ليس على وجه يعتد به (13) في رفع اليد عن إطلاقه،
فيصير اللفظ من قبيل المجمل بالنسبة إلى المطلق والمقيد، فيخرج (14) - في غير

(1) المنتهى 1: 549.
(2) تحرير الأحكام 1: 73.
(3) حاشية الشرائع (مخطوط): 51.
(4) شرح المفاتيح (مخطوط): 90.
(5) الرياض 5: 252.
(6) الدروس 1: 260.
(7) المسالك 1: 459.
(8) مجمع الفائدة 4: 296.
(9) مدارك الأحكام 5: 367.
(10) ذخيرة المعاد: 478.
(11) الوسائل 6: 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(12) في الصفحة: 125.
(13) في " م ": يعتمد به.
(14) في " ج " و " ع " و " م ": فيرجع.
128

المتيقن الخروج (1) - بهذه الرواية عن العمومات.
وهل تعتبر
وحدة المخرج؟
وهل يعتبر اتحاد المعدن أم لا؟ قولان، أظهرهما: الأول، وفاقا
للروضة وحكاه فيها عن العلامة (2)، لظهور الصحيحة المتقدمة (3) في المعدن
الواحد.
وظاهر المحكي عن غير واحد (4) التوقف في المسألة. نعم، لو اشتمل
معدن واحد على نوعين، انضما.
اعتبار قيمة
النصاب يوم
الاخراج
والظاهر أن الاعتبار بقيمة النصاب يوم الاخراج، فلا عبرة بغيره من
الأوقات، وعن الشهيد (5)، الاجتزاء بالقيمة التي كانت في صدر الاسلام،
وهو ضعيف.
هل تعبر وحدة
المخرج؟
ولو اشترك جماعة في الاستخراج بحيث صار المخرج مشتركا بينهم،
فصرح بعض (6) باعتبار بلوغ نصيب كل منهم النصاب، وظاهر الصحيحة
عدم اعتبار ذلك.
المعدن الذي
يوجد في
الصحراء
ولو وجد شيئا من المعدن مطروحا في الصحراء، ففي وجوب الخمس
فيه وجه، من حيث عدم اعتبار الاخراج من المكلف بالخمس، ولهذا
صرحوا بأنه لو وجد واحد المعدن في ملك غيره فأخرجه، فهو للمالك

(1) في " ج " و " ع " و " م ": من الخروج.
(2) الروضة البهية 2: 72، وانظر منتهى المطلب 1: 549 - 550.
(3) أي صحيحة البزنطي المتقدمة في الصفحة: 125.
(4) منهم الشهيد في البيان: 343، ولم نعثر على غيره.
(5) حكاه في المسالك 1: 458 و 459، وأنظر البيان: 342، والغنائم: 362.
(6) الروضة البهية 2: 72، المدارك 5: 367، الرياض 5: 252.
129

وعليه الخمس (1).
ويؤيده أيضا ما سيجئ (2) من أن المحكي (3) عن الأكثر أن العنبر
المأخوذ من وجه الماء أو من الساحل معدن، نصابه نصاب المعدن، مع أن
وجه الماء، بل الساحل، ليس معدنا للعنبر (4).
نعم، قد تنظر في حكمهم هذا من هذه الجهة المحقق الأردبيلي قدس سره
حيث قال: إن المتبادر ما استخرج من معدنه، إلا أن يكون معدن العنبر
وجه الماء (5).
المعدن
الموجود في
أراضي الأنفال
ثم المعدن الموجود في أراضي الأنفال، الظاهر صيرورته مملوكا
للمخرج المؤمن، لإذنهم عليهم السلام في التصرف (6).
وقد يقال: ببقاء المعادن على الإباحة الأصلية لسائر بني آدم، كالماء
والكلأ.
ومنه يظهر حكم الموجود في المفتوحة عنوة من الأراضي.
ويمكن أن يقال بكون المعدن بنفسه مواتا، وإن كان في أرض عامرة
وقت الفتح فهو لمن أحياه.

(1) انظر المنتهى 1: 546، ومجمع الفائدة 4: 297، والمدارك 5: 368.
(2) في الصفحة: 169.
(3) حكاه في المدارك 5: 377.
(4) في " ف " و " م ": معدن العنبر.
(5) مجمع الفائدة 4: 308، والعبارة منقولة بالمعنى.
(6) في " ف " و " م ": في التصرف فيها لهم.
130

مسألة
[3]
وجوب الخمس
في الكنز
لا إشكال ولا خلاف في وجوب الخمس في الكنز، والأخبار (1) به
- كحكاية الاتفاق (2) - مستفيضة.
بيان المراد
من " الكنز "
والمراد بالكنز: هو المال المذخور في الأرض، وزاد في الروضة (3)
والمسالك (4) قيد: " القصد "، والظاهر أنه تصريح بما يستفاد من لفظ المذخور
أو المدفون، المأخوذين في التعريف. نعم، عن كاشف الغطاء (5): عدم اعتبار

(1) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(2) لم نعثر على التعبير بعينه، بل عبروا ب‍ " لا خلاف "، كما في المنتهى 1: 546،
والحدائق 12: 332، وفي المدارك (5: 369): وقد أجمع العلماء. نعم، نسبه في
الذخيرة: 478 إلى الفاضلين وغيرهما، وادعاه في الرياض 5: 237.
(3) الروضة البهية 2: 68.
(4) المسالك 1: 460.
(5) كشف الغطاء: 360.
131

القصد ولا الفاعل، بل المذخور مطلقا بنفسه أو بفعل فاعل.
ويمكن أن يدعى إلحاق المذخور (1) بنفسه بالكنز، لصحيحة زرارة:
" كل ما كان ركازا ففيه الخمس " (2).
ومنه يظهر وجه إلحاق المذخور في سقف البيوت والحيطان وأصول
الأشجار (3) ولعله لذا حكم الأصحاب (4) بوجوب الخمس فيما يوجد في جوف
الدابة والسمكة.
ولعله لذا عطف في الدروس (5) الركاز على الكنز، وزاد بعضهم قيد
كونه للادخار، لا لمجرد الحفظ في زمان قليل (6).
عدم الفرق بين
النقدين
وغيرهما
والظاهر عدم الفرق بين أن يكون المذخور من النقدين
أو من غيرهما - واستظهر في المناهل (7) عدم الخلاف فيه، حاكيا هذا
الاستظهار أيضا عن مجمع الفائدة (8) - لعموم النصوص (9)، ومعاقد

(1) في " ف ": خمس المذخور.
(2) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(3) في " ف " و " م ": بطون الأشجار.
(4) مثل الشيخ في النهاية: 321، والمحقق في الشرائع 1: 180، والعلامة في القواعد
1: 361 و 362، وغيرهم.
(5) الدروس 1: 260.
(6) غنائم الأيام: 363.
(7) المناهل: (مخطوط)، التنبيه الحادي عشر من تنبيهات خمس الكنز، فيه: واستظهر
فيه [= مجمع الفائدة] عدم الخلاف فيه، وهو الظاهر.
(8) مجمع الفائدة 4: 299.
(9) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
132

الاجماعات في لفظ الكنز، الذي قد عرفت (1) أنه عندهم: " المال
المذخور "، من غير تقييد بالنقدين، وفي صحيحة زرارة: " كل ما كان
ركازا ففيه الخمس " (2).
نعم ظاهر المحكي عن جماعة (3)، اختصاصه بالنقدين، حيث
لم يذكروا غيرهما، ووافقهم في ذلك كاشف الغطاء (4) فجعل ما
عداهما لقطة، وتبعه بعض المعاصرين (5) متمسكا بظاهر مفهوم
صحيحة البزنطي الآتية، بحملها على المماثلة في النوع (6)، وهو
ضعيف، لظهورها في المقدار، كما أعترف به في الرياض (7)، ناسبا له
إلى الأصحاب، ويؤيد ذلك: ورود مرسلة (8) بمضمونها صريحة في
المقدار.
اعتبار النصاب
في الكنز
ولا إشكال ولا خلاف أيضا في اعتبار النصاب، وعن جماعة (9) دعوى

(1) في الصفحة: 131.
(2) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(3) مثل الشيخ في المبسوط 1: 236، والحلي في السرائر 1: 486، وابن سعيد في
الجامع للشرائع: 148.
(4) كشف الغطاء: 360.
(5) المستند 2: 74.
(6) في " ف ": الفرع.
(7) الرياض 5: 249.
(8) الوسائل 6: 346، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(9) لم نعثر على الاتفاق بعينه. نعم، ادعي الاجماع واللاخلاف، انظر مجمع الفائدة 4:
304، والحدائق 12: 332، والمستند 2: 78، والجواهر 16: 26.
133

الاجماع أو الاتفاق.
والمعروف في نصابه هو نصاب الزكاة، وحكي عن الصدوق في
الأمالي: أنه دينار واحد (1)، وهو وإن حكي عن الغنية (2) مدعيا عليه
الاجماع إلا أنه شاذ، يرده صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السلام، قال:
" سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز، قال: ما يجب في مثله الزكاة ففيه
الخمس " (3).
وظاهرها الاكتفاء بمأتي درهم أيضا، خلافا لظاهر جماعة (4) فخصوها
بالدينار، وحمله غير واحد (5) على إرادة المثال.
والكلام في اعتبار اتحاد الاخراج عرفا كما مر (6) في المعدن (7)، وفاقا

(1) الأمالي: 516، المجلس الثالث والتسعون.
(2) الحاكي هو صاحب الجواهر (16: 26) واستغربه فيه، لكن ما في الغنية يخالفه حيث
قال: ويعتبر في الكنوز بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة وفي المأخوذ بالخوض بلوغ
قيمة دينار فصاعدا بدليل الاجماع المتكرر، انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(3) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2، مع
اختلاف في التعبير.
(4) منهم المحقق في الشرائع 1: 179، والعلامة في التحرير 1: 74، والشهيد في
اللمعة: 54.
(5) مثل المحقق السبزواري في الكفاية: 43، والمحدث البحراني في الحدائق 12:
332، والسيد الطباطبائي في الرياض 5: 249.
(6) في الصفحة: 129.
(7) في هامش " م " هكذا: من قوله: " عرفا " إلى لفظ " المعدن " كان مشطوبا عليه في
نسخة الأصل.
134

للمحكي (1) عن السرائر (2) والمنتهى (3) وغيرهما (4).
ولا فرق بين أن يكون الكنز مشتملا على نوع واحد من المال، وبين
أن يشتمل على نوعين.
ولو كان كنزان، فظاهر الرواية اعتبار النصاب في كل واحد، إلا مع
الاتحاد عرفا.
اعتبار النصاب
بعد المؤونة
ويعتبر النصاب المذكور بعد المؤونة، لظاهر الصحيحة (5) حيث إن قوله:
" فيه " راجع إلى مجموع ما يجب فيه الزكاة، كما لا يخفى.
ما يملك
من الكنز
وما لا يملك
ولما كان وجوب الخمس في الكنز فرع تملكه، جرى ديدنهم
على بيان أقسام الكنز وتمييز ما يملكه الواجد وطردوا الكلام إلى ذكر
غيره، مثل الموجود في جوف الدابة والسمكة، فذكروا أن للكنز
أقساما أربعة:
الكنز الذي
يوجد في دار
الحرب
الأول والثاني: ما يوجد في دار الحرب، سواء كان عليه أثر الاسلام، أم لا.
وقد صرح جماعة (6) بأن الأصحاب قطعوا بكونه لواجده، وأن فيه

(1) حكاه في الجواهر 16: 28.
(2) السرائر 1: 491.
(3) المنتهى 1: 549.
(4) التذكرة 1: 253.
(5) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(6) منهم: السيد السند في المدارك 5: 370، والمحقق السبزواري في ذخيرة المعاد:
479، والمحدث البحراني في الحدائق 12: 333.
135

الخمس، وفي الحدائق (1) كما عن الخلاف (2) نفي الخلاف فيه، وعن ظاهر
الغنية (3) الاجماع عليه.
واستدلوا عليه: بأن الأصل في الأشياء الإباحة. وحرمة التصرف في
مال الغير إنما تثبت إذا كان المال المحترم، أو ورد به نهي خصوصا أو
عموما، والكل منتف هنا.
ويمكن أن يقال (4)، إن الأصل في كل مال العصمة، لعموم: " الناس
مسلطون على أموالهم " (5)، ولقوله عليه السلام في التوقيع المروي في الاحتجاج
" لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بأذنه " (6) خرج من ذلك من
علم عدم عصمة ماله - كالحربي مثلا - وبقي الباقي.
ولو قيل: بأن الخارج هو الحربي الواقعي، فالشبهة في الموضوع
ويجري فيه البراءة.
قلنا: أصالة عدم الانتقال إلى الواجد حاكمة على البراءة، نظير المرأة
المشتبهة بين الزوجة والأجنبية، والمال المشتبه بين مال نفسه أو غيره، حيث
تجري فيهما أصالة عدم الزوجية وعدم الملكية (7).
اللهم، إلا أن يدفع أصالة عدم الانتقال بما هو حاكم عليه، من

(1) الحدائق 12: 333.
(2) الخلاف 2: 121، كتاب الخمس، المسألة: 146، وفيه: يجب الخمس بلا خلاف.
(3) الغنية (الجوامع الفقيهة): 507، وحكاه في الجواهر 16: 28.
(4) في " ف و " م ": يقال عليه.
(5) عوالي اللآلي 1: 222 و 457.
(6) الإحتجاج 2: 299، مع اختلاف في بعض الألفاظ.
(7) في " ج ": عدم الانتقال.
136

أصالة عدم تسلط أحد عليه، فإن الحربي ليس مسلطا على ماله،
بحيث لا يكون للغير انتزاعه منه، وبعبارة أخرى: أصالة عدم احترام
المال.
لكنك خبير بأن ما ذكروه من أصالة الإباحة، لا يدل بنفسها على
الحكم الوضعي - وهو التملك بمجرد الحيازة - بل هذا الأصل يجعلها في حكم
المباحات (1) الأصلية، فيضم إلى ذلك أدلة تملك المباحات بالحيازة.
فاندفع بذلك ما أورده بعض (2) من أن الأصل إنما يفيد إباحة تصرف
كل أحد لا خصوص الواجد.
ويمكن أن يتمسك في المقام ببعض إطلاقات الأخبار الواردة في
تخميس الكنز - لا جميعها، فإن أكثرها مسوقة لبيان وجوب الخمس بعد
الفراغ عن صيرورته ملكا للواجد - وما سيجئ (3) في تملك ما يوجد في الدار
الخربة من دار الاسلام (4).
الكنز الذي
يوجد في دار
الحربي
ولو وجد الكنز في دار حربي معين في دار الاسلام، فالظاهر أن حكمه
واستشكل بعض (6) في التملك مع الأمان له أو شبهة الأمان، حيث إنهم
لا يجوزون أخذ ماله بغير إذنه، بناء على أن المدفون في داره من جملة ماله،

(1) في " ف ": الإباحات.
(2) لم نعثر عليه.
(3) في " ف " و " م ": مضافا إلى فحوى ما سيجئ.
(4) في الصفحة: 140.
(5) في الصفحة السابقة.
(6) لم نعثر عليه.
137

بل يكفي الشك في الأمان بناء على ما تقدم (1) من أصالة عدم التملك، اللهم
إلا أن يندفع بأصالة عدم تقدم (2) تحقق (3) الأمان الحاكمة على ذلك الأصل
الذي عرفت ما فيه.
واستشكل بعض آخر (4) في وجوب الخمس بعدم انصراف أدلة
وجوب الخمس في الكنز إلى ما علم صاحبه، بل حينئذ يكون من قبيل ما
يؤخذ قهرا من حربي أو خفية.
ويمكن دفع الأول، بأن المراد بالحربي: من لا حرمة له، فلا يدخل
المأمون، أو يقال: إن الأمان لا يوجب عصمة مثل هذا المال، إذ الكلام فيما
لا يعلم أنه دفنه (5)، بل لو علم الدافن في الموجود في دار الحرب أشكل
شمول أدلة الكنز له، لانصرافه إلى غير معلوم المالك، فتأمل.
ومما ذكرنا يظهر الجواب عن الاشكال الثاني إن كان مبناه كون الحربي
مالكا أصليا له، وإن كان من حيث إن الكنز تابع لداره في الملكية مطلقا، أو
حيث يدعيه، ففيه منع.
الكنز في دار
الاسلام
القسم الثالث (6): أن يكون في دار الاسلام.

(1) في الصفحة السابقة.
(2) ليس في " م ": تقدم.
(3) ليس في " ف ": تحقق.
(4) لم نقف عليه.
(5) في " ف ": مملوك.
(6) أدرج المؤلف (قده) القسم الرابع في الثالث، لأن الأقسام الأربعة هي: ما كان في دار
الحرب وعليه أثر الاسلام، وما كان في دار الحرب وليس عليه أثر الاسلام، وما كان
في دار الاسلام وعليه أثر الاسلام، وما كان في دار الاسلام وليس عليه أثر الاسلام.
138

فإن علم كونه لأهل الحرب، فحكمه كما تقدم في صورتي تعيين المالك
بالخصوص وعدمه.
وإن علم كونه للمسلمين، فالظاهر أنه مجهول المالك، لعدم صدق
اللقطة عليه، لأنها المال الضائع، فلا يصدق على المكنوز قصدا.
وإن لم يعلم كونه لمسلم أو حربي، فلا يخلو: إما أن يكون في أرض
غير مملوكة لشخص خاص غير الإمام عليه السلام، أو مملوكة للواجد أو
لغيره.
وعلى التقديرين: فإما أن لا يكون عليه أثر الاسلام، أو يكون عليه
أثر الاسلام.
الكنز في
الأرض غير
المملوكة
أما الأول: فالمعروف أنه لواجده، بل استظهر الاتفاق عليه بعض
مشايخنا (1)، وفي الحدائق (2) نفى الخلاف، ويدل عليه ما مر من الأصول
والأخبار، ويستثنى منه ما كان في دار حربي في دار الاسلام كما تقدم (3).
وأما الثاني: ففي جواز تملكه من غير تعريف، أو كونه (4) لقطة يحتاج
إلى التعريف قولان، أقواهما: الأول، لما مر من الأصول في صورة انفراد كل
من الدار والأثر، فإن اجتماعهما لا يوجب العلم، بل (5) ولا الظن بكونه ملكا
لمسلم حتى يقتصر في حله من دون طيب النفس على ما بعد التعريف، مع
عدم الدليل على وجوب التعريف، إذ لا يصدق عليه عنوان اللقطة التي ثبت

(1) لم نعثر عليه، وانظر الجواهر 16: 28.
(2) الحدائق 12: 334.
(3) في الصفحة: 137.
(4) في " م " و " ع ": كونها.
(5) ليس في " ف ": بل.
139

من الأخبار (1) وجوب التعريف فيها عموما، لأنه ليس مالا ضائعا عن
صاحبه.
ويدل عليه أيضا: حسنة ابن مسلم - بابن هاشم - بل صحيحته عن
أبي جعفر عليه السلام، قال: " سألته عن الدار يوجد فيها الورق، قال (2): إن
كانت معمورة فيها أهلها فهو (3) لهم، وإن كانت خربة قد جلى عنها أهلها
فالذي وجد المال أحق به " (4)، ونحوها مصححة أخرى لابن مسلم (5).
نعم، في موثقة محمد بن قيس، عن الباقر عليه السلام: " قال: قضى علي
عليه السلام في رجل وجد ورقا في خربة، أن يعرفها، فإن وجد من يعرفها وإلا
تمتع بها " (6).
والجمع بينهما: إما بحمل الصحيحتين (7) على ما بعد التعريف، أو على
ما ليس فيه أثر الاسلام، وإما بحمل الموثقة على غير المكنوز أو التعريف على
تعريف مالك الخربة.
لكن الحملان في الصحيحتين (8) بعيدان، أما الأول: فلأنه في مقام
البيان، وأما البيان: فلعدم الشاهد، مع أن الورق - على ما عن القاموس (9)

(1) الوسائل 17: 349، الباب 2 من أبواب اللقطة.
(2) في الوسائل: فقال.
(3) في الوسائل: فهي.
(4) الوسائل 17: 354، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
(5) نفس المصدر، الحديث 2.
(6) الوسائل 17: 355 الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 5.
(7) في " م ": الصحيحين.
(8) في " م ": الصحيحين.
(9) القاموس المحيط 3: 288، مادة: " ورق ".
140

والصحاح (1) -: هي الدراهم المضروبة، فلو لم تكن منصرفة إلى ما عليه أثر
الاسلام فلا إشكال في عمومها من حيث ترك الاستفصال.
والانصاف: أن الحملين في الموثقة كذلك بعيدان، أما الثاني: فظاهر.
وأما الأول: فلأن حمل الموثقة على غير المكنوز يوجب تخصيص
الصحيحتين بالمكنوز، مع أن الظاهر الاجماع منهم على عدم الفرق
فيما يوجد (2) في خربة باد أهلها بين المكنوز وغيره في كونه ملكا لواجده.
وربما يجاب عن الموثقة بأنها قضية في واقعة، وهو ضعيف، لأن راوي
الخبر " محمد بن قيس "، له كتاب في قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، يرويها
عن الباقر عليه السلام، والظاهر من ذكر المعصوم لها بيان الحكم لا مجرد
الحكاية، ولذا استدل بهذه (3) القضايا كثيرا، كما لا يخفى على المتتبع.
وأضعف من هذا الوجه حمل الموثقة على ما علم كونه من الكنوز
الاسلامية المعلوم كونها للمسلمين، وذلك لأن الكنوز الاسلامية في زمن
الأمير صلوات الله عليه في غاية القلة، مضافا إلى عدم الشاهد.

(1) الصحاح 4: 1564، مادة: " ورق ".
(2) في " ع ": يوضع.
(3) كذا في هامش " م ": وفي المتن وسائر النسخ: على هذه.
141

فرع (1)
ثم إن الموجود في دار الاسلام في غير الملك - المراد به: الملك المختص
بغير (2) الإمام - فالموجود في الأنفال والمفتوحة عنوة حكمه ما ذكرنا وإن
كانت المفتوحة عنوة للمسلمين والأنفال للإمام عليه السلام.
الكنز
في الأرض
المملوكة
للواجد
وإن كانت الأرض مملوكة للواجد وعلى المال أثر الاسلام (3)، فإن
ملكه الواجد بالاحياء فهو له، لأنه في الحقيقة وجده في المباح، وكذا
لو ملكه بالإرث المختص إذا لم يعلم بانتفاء ملك موروثه عنه.
الكنز
في الأرض
المملوكة
بالابتياع
ونحوه
ولو ملكها بالابتياع ونحوه، فظاهرهم وجوب تعريف المنقول عنه،
فإن عرفه وادعاه فهو له من غير بينة ولا يمين ولا وصف، لأنه ذو اليد
فيصدق في دعواه ويدل على ما سيجئ (4) مما ورد في الموجود في جوف
الدابة، وفي الموجود في بعض بيوت مكة.

(1) العنوان من " ع " و " ج ".
(2) في " م " و " ف ": لغير.
(3) في " ف ": وعليه أثر الاسلام.
(4) في الصفحة: 150 و 158.
142

بل يمكن أن يقال بكونه (1) ملكا (2) له (3) إلا أن ينفيه عن نفسه فلا يعتبر
الادعاء، بل يكفي عدم الانكار، كما يومي إليه بل يدل عليه صحيحتا ابن
مسلم المتقدمتين (4).
وعن الشيخ في الخلاف: أنه إذا وجد ركازا في ملك مسلم أو ذمي في
دار الاسلام لا يتعرض له إجماعا (5).
وناقش في المدارك (6) في وجوب التعريف إذا احتمل عدم جريان يده
عليه، لأصالة البراءة، وأصالة عدم تقدم الكنز.
وفيه نظر، فإن أصالة البراءة لا تعارض مقتضى أدلة اليد، وأصالة (7)
عدم اليد (8) لا تجري إلا مع احتمال تجدده بعد الشراء، وليس كلامهم فيه
ظاهرا، يدل على ذلك استدلالهم عليه بأنه لو ادعاه حكم له به إجماعا.
وربما يعارض أصالة عدم تقدم (9) الكنز، النافية لتسلط (10) البائع
بأصالة عدم تقدم الملك.

(1) في " ف " و " م ": كونه.
(2) وفي " ج ": ملكه.
(3) ليس في " ف ": له.
(4) في الصفحة: 140.
(5) الخلاف 2: 123. كتاب الخمس، المسألة: 150.
(6) مدارك الأحكام 5: 372.
(7) ليس في " ج " و " ع ": أصالة.
(8) في " م " و " ع " و " ج ": التقدم.
(9) في " ف ": تقديم.
(10) في " ف " و " م ": لسلطنة.
143

وفيه نظر، فإن أصالة تقدم الملك لا يثبت كون الكنز في يد
البائع، وفاقا لما استظهره بعض (1) من كلام الفقهاء، ويؤيد هذا الحكم
ما سيجئ (2) من وجوب تعريف ما يوجد في جوف الدابة.
حكم الكنز مع
إنكار المالك
اللاحق
ولو لم يعرفه المالك الأول، فذكر جماعة (3) أنه يعرفه (4) المالك السابق
عليه، لأنه - أيضا - كان ذا اليد، فحكمه حكم من بعده.
وقد يشكل وجه حكمهم بالترتيب بين الملاك مع اشتراكهم في اليد
سابقا، وإن كان على الترتيب.
لكن يمكن دفعه بأن اليد الحادثة واردة على اليد القديمة (5) ومزيلة لها،
فما لم يمنع (6) الحادثة بإنكار ذيها لم ينفع القديمة، ولذا لو تداعيا تقدم الحادثة.
فالأولى: الاشكال في وجوب تعريف المالك السابق بعد عدم (7) معرفة
اللاحق مع أصالة عدم ثبوت يد من عدا اللاحق عليه، بل عرفت أنه لولا
العلم بوجوده قبل الانتقال عن اللاحق، لم يكن دليل على وجوب تعريفه
إياه، ولذا حكي (8) عن ظاهر جماعة عدم وجوب تعريف من عدا المالك

(1) لم نقف عليه.
(2) في الصفحة 158.
(3) مثل: العلامة في المنتهى 1: 546، والفاضل المقداد في التنقيح 4: 121، والشهيد
في المسالك 1: 461، والمحقق الكركي في حاشية الإرشاد (مخطوط): 98
(4) في " ج " و " م ": يعرفها.
(5) في " ف ": يد المتقدمة.
(6) في " ف ": لم يمتنع.
(7) ليس في " ف ": عدم.
(8) حكاه الفاضل النراقي في المستند 2: 73، وفيه: وظاهر الأكثر.
144

اللاحق، كما يظهر من الرواية الآتية (1) فيما يوجد في جوف الدابة،
وما سيجئ (2) من رواية إسحاق بن عمار في الموجود في بعض بيوت مكة.
بل لولا تلك الرواية بضميمة تنقيح المناط المؤيد بعدم ظهور الخلاف أشكل
الحكم بوجوب التعريف، بل كان اللازم:
إما عدم اعتبار اليد، نظرا إلى ما ذكره بعض من منع صدق اليد على
مثل هذا المدفون الذي قد لا يشعر به المالك، فإن المتيقن حيث فرضنا العلم
بوجود الكنز عند تملك ذلك المالك لا تسلطه عليه، ومجرد وجوده عند تملكه
لا يوجب ملكه (3) تبعا للدار، لأنه غير داخل في الدار وتوابعها المنقولة.
وإما وجوب دفعها إلى المالك من غير تعريف ولا توقف على دعواه،
كما يدل عليه صحيحتا ابن مسلم المتقدمتان (4)، بل احتمل بعض استحقاقه له
حتى مع العلم بتملكه له وإنكار كونه منه لأجل الصحيحتين، قال:
ولا استبعاد (5) في حكم الشارع بتمليك (6) المالك، كما قد يحكم بتملك
الواجد (7)، وحينئذ فلو كان صبيا أو مجنونا دفع إلى وليه، ولو كان ميتا دفع
إلى وارثه الخاص أو العام (8).

(1) في الصفحة: 158.
(2) في الصفحة: 150.
(3) في " ف " و " م ": تملكه.
(4) في الصفحة: 140.
(5) في " ف " و " م ": ولا استناد.
(6) في " ف " و " م ": بتملك.
(7) الغنائم: 364، نقلا عن بعض المحققين.
(8) في " ف " و " م ": العام أو تصدق عنه.
145

نعم، لو كان مستند التعريف اعتبار اليد وعلمنا بجريان يد الكل، كان
اللازم تعريف الجميع على الترتيب (1).
تعداد الملاك
وكيف كان، فلو كان من يجب تعريفه من الملاك متعددا وجب
تعريفهم، فإن ادعاه كل واحد جاء التداعي، وإن ادعاه بعضهم وأنكره
الباقون، فإن أطلق أو ذكر سببا مختصا دفع إليه، وإن ذكر سببا مشتركا بينه
وبين الباقي كالإرث دفع إليه حصته قطعا، وحكم الباقي كما لو أنكروه جميعا،
وليس لباقي الورثة مزاحمته في حصته (2)، لانكارهم تملك مورثهم له، ولو
فرض كون باقي الورثة صغارا، فليس عليه إعطاء حصتهم مما في يده بمقتضى
اعترافه بإشاعة العين واشتراك كل جزء منه بين الكل، لأن السبب الموجب
لدفع ذلك الجزء إنما أوجب دفعه من حيث كونه حقا للمدفوع إليه لا من
حيث هو هو، ولازم ذلك: الاختصاص به عند الدفع، وإلا توقف دفع
حصته (3) على دفع الكل إليه، إذ لو دفع بعضه - والمفروض اشتراك ذلك
البعض - لزم (4) تخلف المسبب عن السبب الموجب لدفع جميع حقه إليه.
ولو ادعاه بعض الورثة ولم يستند (5) إلى الإرث، فالظاهر عدم العبرة
بدعواه، إذ المفروض أنه (6) لا يد له من غير (7) جهة الإرث، واليد من هذه

(1) في " ج ": على الترتيب أو التصدق عنه.
(2) في " ف ": حقه.
(3) في " ف " و " م ": حقه.
(4) في " ف ": للزم.
(5) الموجود في النسخ: يستنده.
(6) في " ف " و " م ": أن.
(7) ليس في " ج ": غير.
146

الجهة لا توجب تملك الكل، نعم، لو فرض ثبوت اليد له من جهة أخرى فهو
خارج عن عنوان الوارث.
حكم الكنز لو
لم يعرفه أحد
ممن جرت
يده عليه
ثم (1) إذا لم يعرفه أحد ممن يده عليه، فهل هي لقطة
مطلقا؟ كما عن الفاضلين في النافع والمنتهى (2) والتحرير (3) إلا أن
الموجود في النافع هو القول الثاني (4)، وكذا المحكي عن المنتهى - من
العبارة - صريحة في اختصاص حكم اللقطة بما عليه أثر الاسلام
فراجع، والظاهر أنه لم يقل به إلا الشيخ (5) في أحد قوليه - كما حكي -
في باب اللقطة.
أو لواجده مطلقا، كما عن النهاية (6) والسرائر (7) والشرائع (8)
والارشاد (9) واللمعة (10) وحاشية الشرائع (11).
أو لقطة مع أثر الاسلام، ولواجده بدونه، كما عن المبسوط (12)

(1) في " ف ": نعم.
(2) المنتهى 1: 546.
(3) تحرير الأحكام 1: 73.
(4) المختصر النافع: 264.
(5) لم نعثر عليه في كتب الشيخ، وحكاه عنه الفاضل المقداد في التنقيح 4: 121.
(6) النهاية: 321.
(7) السرائر 1: 487، و 2: 105.
(8) الشرائع 1: 179 - 180.
(9) الإرشاد 1: 292.
(10) اللمعة الدمشقية: 240.
(11) حاشية الشرائع (مخطوط): 52.
(12) المبسوط 1: 236.
147

والدروس (1) والتنقيح (2) والمسالك (3)، لكن المحكي عن التنقيح (4):
الاجماع على كون ما فيه أثر الاسلام لقطة، وهو ينافي القول الثاني.
وفي الحدائق نفي الخلاف عما يوجد في دار الاسلام ولم يكن عليه أثر
الاسلام لواجده، سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة ولم يعترف به
المالك (5). وهو ينافي القول الأول، لكن ذكر في آخر كلامه: أن المتحصل من
كلامهم أن ما وجد في أرض الاسلام مطلقا ولم يعلم له مالك، فإنه مع عدم
أثر الاسلام كنز لواجده وعليه الخمس، ومعه يكون محل الخلاف المتقدم،
سواء كان في أرض مباحة أو مملوكة للواجد أو غيره مع عدم اعتراف أحد
من الملاك به (6).
ولا يخفى منافاته لما ذكرنا من القول بكون الموجود في الأرض
المملوكة مع عدم اعتراف (7) الملاك لقطة، ولو مع عدم أثر الاسلام، مضافا
إلى منافاته لما حكي عن التنقيح من الاجماع.
ثم إن ظاهر الشهيد في البيان (8)، والمحقق الثاني في حاشية الشرائع (9)

(1) الدروس 1: 260.
(2) التنقيح الرائع 1: 337 - 338.
(3) المسالك 1: 461.
(4) التنقيح الرائع 4: 121.
(5) الحدائق 12: 333.
(6) الحدائق 12: 337.
(7) في " ف ": عدم الاعتراف.
(8) البيان: 343 و 344.
(9) حاشية الشرائع (مخطوط): 52.
148

أن الموجود في غير المملوك من أرض الاسلام مع وجود أثره لقطة،
والموجود في المملوك منها مع الأثر وإنكار الملاك لواجده. وهذا (1) خلاف
ما يظهر من المسالك (2) من أن الموجود في الأرض المملوك مع الأثر
لا يقصر عن الموجود في غيره حيث قلنا بكونها (3) لقطة، إلا أن الانصاف أن
وجوب التعريف هنا لا دليل عليه، ولو قلنا بوجوبه في الموجود في الأراضي
المباحة، للموثقة المتقدمة (4)، إذ لم يثبت صدق اللقطة على المفروض حتى
يتمسك (5) في وجوب تعريفه بالعمومات، لما عرفت من أن اللقطة: " المال
الضائع "، فلا يصدق على المدفون قصدا، بل المذخور لعاقبة.
وما ذكره في المسالك، من أنه لا يقصر عن الموجود في الأرض
المباحة، فيه (6): أنه لا مضايقة عن قصوره عنه نظرا إلى أن الموجود في
المملوك بحسب الظاهر محصور بين من جرت أيديهم عليها، فتعريفهم يغني
عن التعريف العام المحكوم به في اللقطة، وهذا وإن لم يصلح وجها للفرق (7)
إلا أنه يصلح لابداء الاحتمال.
نعم، لو تم ما ادعاه في التنقيح (8) من الاجماع فلا محيص عنه،

(1) ليس في " ج ": هذا.
(2) المسالك 1: 461.
(3) في " ف ": بكونه.
(4) في الصفحة: 140.
(5) في " ف " و " م ": نتمسك.
(6) في هامش " م ": ففيه (ظ).
(7) في " ج ": للغرض.
(8) راجع الصفحة: السابقة.
149

لكنه (1) غير ثابت.
ويدل على عدم التعريف العام بعد التعريف الخاص: ما ورد في
الموجود في جوف الدابة (2)، وحملها على ما ليس فيه أثر الاسلام بعيد جدا.
الكنز
في الأرض
المملوكة للغير
ثم الكلام فيما وجده في ملك غيره، كما لو وجده في ملكه المنتقل إليه،
ويدل على وجوب التعريف فيه - مضافا إلى عدم الخلاف ظاهرا -: موثقة
إسحاق بن عمار، قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل نزل في بعض
بيوت مكة، فوجد (3) نحوا من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه ولم يزل
يذكرها (4) حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلهم
يعرفونها، قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها " (5) والأمر بالتصدق لعله
محمول على الاستحباب.
ولا يخفى أن الظاهر منه عدم وجوب تعريف الملاك السابقة (6)، وعدم
وجوب التعريف العام في الموجود في الأراضي المملوكة، وقد قوينا العدم في
المقامين.

(1) في " ف ": إلا أنه.
(2) راجع الصفحة: 158.
(3) في الوسائل: فوجد فيه.
(4) في الوسائل: ولم يذكرها.
(5) الوسائل 17: 355، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 3.
(6) كذا في النسخ.
150

مسألة
[4]
تنازع المالك
والمستأجر
في الكنز
لو تنازع مالك الدار ومستأجرها في الكنز الموجود فيها، ففي تقديم
قول المالك أو المستأجر، قولان.
من فعلية يد المستأجر، وظهور أن المالك لا يؤجر دارا فيها كنز،
كما في الخلاف (1)، مع أصالة عدم ثبوت يد المالك على الكنز، لأصالة عدم
تقدم وضعه.
ومن أن يد المستأجر إنما هي على المنافع لا الأعيان، فلا تنفع فعلية
يدها (2)، والظهور المدعى لا يخفى ما فيه، ولأن يد المالك أصلية ويد المستأجر

(1) الخلاف 2: 123، كتاب الخمس، المسألة: 151.
(2) كذا في النسخ، والمناسب: يده.
151

فرعية، كما في حاشية الإرشاد (1).
وأما أصالة عدم ثبوت يد المالك - فمع أنها لا تثبت يد المستأجر -
يدفعها: أن اشتمال ملكه عليه كاف في ثبوت يده، وإلا لم يكن لمالك
الصندوق يد على ما في صندوقه. وقد تقدم (2) تضعيف الخدشة في استلزام
اليد على الدار، اليد على مثل الكنز المختفي فيها، والكلام هنا بعد الفراغ عن
ذلك، وكون الكنز في يد المالك لولا معارضة المستأجر.
أما أصالة عدم قدم الكنز على الإجارة - كما في المدارك (3)
والذخيرة (4) - فمما لا دخل له في المقام، لأنها لا تنفي يد المالك ولا تثبت
يد المستأجر، كما لا يخفى.
نعم، يمكن أن يستدل على تقديم قول المستأجر بالموثقة المتقدمة (5)
الدالة على وجوب تعريف الموجود في بعض بيوت مكة لأهل المنزل، الظاهر
في سكنته ولو استئجارا، بل هو ظاهر في خصوص المستأجر، لأن ظاهر
الرواية وجوب السؤال عن أهل ذلك المنزل بعد الوصول إلى الكوفة،
فالظاهر أن المراد به (6) رفقته الذين حجوا معه من الكوفة الذين نزلوا معه
الدار استئجارا.

(1) حاشية الإرشاد للمحقق الكركي (مخطوط): 100.
(2) في الصفحة: 145.
(3) مدارك الأحكام 5: 392.
(4) ذخيرة المعاد: 485.
(5) في الصفحة: 150.
(6) ليس في " ف ": به.
152

ويؤيدها (1): صحيحتا ابن مسلم المتقدمتان (2) الظاهرتان في كون
الموجود في الدار المعمورة لأهلها، الظاهر في سكنتها دون ملاكها.
بل التحقيق: منع كون المالك ذا يد بمجرد الملك، فإن اليد معنى عرفي
يتحقق في المستأجر دون المالك، ولا نسلم وجوب تعريف المالك إذا كان
الساكن غيره.
وما (3) ذكرنا سابقا من أن يد المستأجر إنما هي على المنافع (4) وإن ذكره
غير واحد، إلا أنه يدفع (5) بأن يده على العين لأجل استحقاق المنفعة كيف،
ولولا يده على العين لما قبلت (6) دعواه ملكيتها، مع أنها مقبولة منه إجماعا
إلا إذا ثبت أنه مستأجر، فتقديم قول المستأجر غير بعيد، وفاقا للخلاف (7)
والمختلف (8) والبيان (9) والمسالك (10) وغيرهم، خلافا لجماعة (11)، ونسبه المحقق

(1) في " ج " و " ع ": ويؤيده.
(2) في الصفحة: 140.
(3) في " ف ": مما.
(4) في الصفحة: 151.
(5) في " ف " و " م ": مدفوع.
(6) في " ف ": قبل.
(7) الخلاف 2: 123، كتاب الخمس، المسألة: 151.
(8) المختلف 3: 323.
(9) البيان: 344.
(10) المسالك 1: 468.
(11) منهم: الشيخ في المبسوط 1: 237، والمحقق في المعتبر 2: 621، والعلامة في
التحرير 1: 73.
153

الثاني (1) إلى المشهور، ولعله لأن ثبوت اليد يحصل للمالك بمجرد اشتمال ملكه
على ذلك الشئ وإن لم يكن الملك في يده حسا (2)، بل لم يقبضه مذ يوم
ملكه، كعبد (3) له في البلاد النائية ومات في يده مال، أو كدار لم يسكنه مذ
يوم ملكه.
وكيف كان، فملك الشخص بمنزلة يده، وأما المستأجر، فحيث لم يملك
[إلا] (4) المنفعة فلم يشتمل (5) ملكه على الكنز، ولم يثبت له يد حسية (6) بحيث
يصدق عليه عرفا أنه في يده، وقياسه على الأموال الظاهرة الموضوعة في
البيت الصحيح، مع فرض كونها أيضا في مكان لم يعلم بتردده إليه وتصرفه
فيه، بحيث يصدق بواسطة هذا أن تلك (7) الأشياء في يده.
التنازع في
الكنز موضوع
تحت اللقيط
ويشبه ما نحن فيه: الكنز الموضوع تحت اللقيط، فإنه لا يخفى الفرق
بينه وبين الموضوع في جوانبه، فإطلاق كلام الأصحاب في وجوب تعريف
المالك محمول على ما هو الغالب من تصرفهم بأنفسهم، أو العلم بعدم كون
الكنز للمستأجر غالبا.
التنازع
في عين آخر
وكذا الكلام لو تداعيا في عين آخر مما يكون في الدار منقولا كان (8)

(1) جامع المقاصد 3: 51.
(2) في " ف ": حينا.
(3) في النسخ: وكعبد.
(4) أثبتناه من هوامش " ف " و " م " و " ع "، وفي " ج " ومتون النسخ: لم يملك المنفعة.
(5) في " ف " و " ج " و " ع ": يشمل.
(6) في " ف ": حقيقة.
(7) في " ف ": ملك.
(8) ليس في " ف ": كان.
154

أو غيره، إلا أن يكون من أجزاء الدار عرفا، ومثله الكلام في المعير
والمستعير.
155

مسألة
[5]
الموجود في
جوف الدابة
المصيدة
لو وجد في جوف الدابة المصيدة شيئا، فلا إشكال في صحة تملكه إن
كان من المباحات الأصلية، بل قد يقال بتملكه له قهرا من غير قصد، وهو
ضعيف.
وإن كان من المملوكات، فمقتضى الأصل المتقدم - أعني أصالة بقائه
على عدم الاحترام الأصلي - هو جواز تملكه أيضا من غير تعريف سواء كان
عليه أثر الاسلام أم لا، وسواء علم أنه أكله من العمران أو من المفاوز
والخربة، أو لم يعلم شيئا من ذلك.
ويؤيد ما ذكرنا: ما سيجئ (1) من الرواية (2) الآتية (3) في الدابة المملوكة

(1) ليس في " ج ": كما سيجئ.
(2) في " ف ": الأدلة.
(3) في الصفحة: 158.
156

حيث لم يحكم عليه السلام بوجوب التعريف العام بعد إنكار المالك السابق، مع
ظهورها - كما سيجيء - فيما فيه الأثر.
ويحتمل أن يكون ما عليه أثر الاسلام لقطة بناء على ما تقدم من
جماعة من أن الأثر علامة سبق يد المسلم، فيكون مالا ضائعا لمسلم يجب
تعريفه، للعمومات، كما يظهر من المسالك (1) وحاشية الشرائع (2) فيما (3) يوجد
في جوف السمكة، فإن الدابة فيما نحن فيه بمنزلة السمكة.
ويحتمل أن يكون مطلقا لقطة، لصدق المال الضائع عن صاحبه عليه.
ولا يعتبر في اللقطة أن يعلم (4) أو يظن كونه ملكا (5) لمسلم لاطلاق
أدلته، ولذا تقدم (6) عن بعض - منهم الشيخ في أحد قوليه - الحكم بكون
الموجود في الأرض المملوكة بعد عدم معرفة (7) الملاك لقطة، وإن لم يكن عليه
أثر الاسلام.
ويحتمل الفرق مطلقا، أو مع أثر الاسلام، بين ما لو علم أكله من
العمران، فاللقطة، وبين ما لم يعلم ذلك فهو للواجد.
ويحتمل أن يكون مطلقا، أو مع الأثر من قبيل مجهول المالك.

(1) انظر المسالك 1: 461 و 462.
(2) حاشية الشرائع (مخطوط): 139.
(3) في " ع " و " ف ": مما.
(4) في " ف " و " م ": يعتبر.
(5) ليس في " ف ": ملكا.
(6) في الصفحة: 147.
(7) ليس في " ج ": معرفة.
157

ويحتمل الحكم بكونه مع أثر الاسلام بمنزلة اللقطة في وجوب تعريف (1)
سنة، لما ورد في المال الذي أودعه بعض اللصوص عند رجل (2).
الموجود في
جواف الدابة
المنتقلة
بالشراء
وغيره
ولو كانت الدابة منتقلة إليه من مالك محترم، وجب تعريفه إياه:
لمصححة عبد الله بن جعفر، قال: " كتبت إلى الرجل عليه السلام، أسأله عن
رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة
فيها دراهم أو دنانير أو جواهر (3)، لمن يكون ذلك؟ قال: فوقع عليه السلام:
عرفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشئ لك، رزقك الله إياه " (4).
وظاهر إطلاقها - بل خصوص اشتمالها على صرة الدراهم، الظاهرة
فيما عليه أثر الاسلام -: عدم اختصاص الحكم بالخالي عن الأثر، وفاقا
لظاهر جماعة حتى من جعل ذا الأثر لقطة فيما إذا وجد في الأرض.
خلافا لما يظهر من المحقق (5) والشهيد (6) الثانيين في حاشيتهما على
الشرائع.
وظاهر الرواية أيضا: عدم وجوب تتبع الملاك السابقين، إلا أن
يتمسك (7) بتنقيح المناط، ولعله الأقرب إذا علم وجوده في أزمنة تملك
الكل، كما أنه لو لم يعلم بوجوده في زمان تملك البائع الأخير لم يجب تعريفه

(1) في " ف ": تعريفه.
(2) الوسائل 17: 368، الباب 18 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
(3) في الوسائل: جوهرة.
(4) الوسائل 17: 358 - 359، الباب 9 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
(5) حاشية الشرائع (مخطوط): 52.
(6) حاشية الشرائع (مخطوط): 138 - 139، وانظر المسالك 1: 461 - 462.
(7) في " ف " و " م ": نتمسك.
158

أيضا، فإن الرواية محمولة على الغالب، مع (1) أن الموجود في الأضاحي
ثابت حين تملك البائع لها.
وأما وجوب الخمس في الموجود المذكور، فقد نسب (2) في
المدارك (3) والذخيرة (4) إلى الأصحاب: القطع بوجوب الخمس، وهو مشكل،
لعدم الدليل، لعدم صدق الكنز، مع خلو الرواية (5) بل ظهورها في اختصاصه
به كله (6).
وكونه داخلا في الغنيمة لا يجدي بعد إجماعهم ظاهرا على عدم الخمس
في غير السبعة المعدودة، أو ما وقع الخلاف فيه مما سيجئ.
واندراجه في عموم: " كل ما كان ركازا ففيه الخمس " (7) مشكل.

(1) في " ف ": بل، وفي " م ": من.
(2) في " ج ": نسبه.
(3) المدارك 5: 373.
(4) ذخيرة المعاد: 479.
(5) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(6) في " ف " و " ج ": بكله.
(7) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
159

مسألة (1)
[6]
الموجود في
جوف السمكة
المصيدة
ولو وجد شيئا في جوف سمكة، فقد ذكروا أنه للواجد وإن اصطاده
غير الواجد، لأن حيازة الصائد إنما وقعت على السمكة دون ما في بطنها،
وإن قلنا بعدم اعتبار نية التملك فيها، لأن الالتفات إليه والعلم به ولو إجمالا
- كالعلم بالبعض في ضمن الكل - معتبر في مفهوم الحيازة، فتأمل.
ويدل (2) على ذلك - مضافا إلى ظهور عدم الخلاف والأصل المتقدم -:
أخبار وردت في شراء بعض الفقراء من بني إسرائيل السمكة (3) فوجد في
جوفها لؤلؤتين (4)، والفقير الذي أعطاه سيد الساجدين صلوات الله عليه قرصتي

(1) ليس في " ف " و " م ": مسألة.
(2) في " ج " و " ع ": ويستدل.
(3) في " ف " و " م ": بسمكة وفي " ج ": لسمكة.
(4) الوسائل 17: 359 و 360، الباب 10 من أبواب اللقطة، الأحاديث 1 و 2 و 3.
160

خبز فاشترى بأحدهما سمكة وبالأخرى ملحا، فوجد في جوف السمكة درة
أو درتين (1).
وإطلاق ما ذكر من الأصل يقتضي عدم الفرق بين اشتمال الموجود على
أثر الاسلام وعدمه.
وفي المسالك وحاشية الشرائع (2): كونه مع الأثر لقطة، ولعله لوجود
المتقضي للتعريف فيما وجد في دار الاسلام مع وجود أثره، وهو حسن لو قلنا
به هناك (3) من جهة عمومات اللقطة، ودلالة الأثر على سبق يد المسلم، وإن
لم نقل به رأسا، أو (4) قلنا من جهة مراعاة موثقة محمد بن قيس (5)، فلا دليل
هنا يرد على الأصل المتقدم والأخبار المذكورة في محلها.
وربما يذب عن ذلك - على القول بكون الأثر موجبا للحكم باللقطة -:
أن ما يخرج من البحر ملك للمخرج، وإن كان عليه أثر الاسلام.
وفيه نظر مع عدم الاعراض، مع أنه لا أمارة على ابتلاع السمكة لما
في جوفه من البحر.
الموجود في
جوف السمكة
المشتراة
ثم إن السمكة المملوكة في موضع خاص لمالك إذا باعها،
فوجد المشتري شيئا في جوفها، الظاهر أن حكمها حكم الدابة
بتنقيح المناط، إلا عند من جمد من بعض سادة مشايخنا (6) على ظاهر

(1) الوسائل 17: 360 - 361، الباب 10 من أبواب اللقطة، الحديث 4.
(2) المسالك 1: 462، وحاشية الشرائع (مخطوط): 139.
(3) في غير " ف ": هنالك.
(4) في " ف ": وقلنا.
(5) الوسائل 17: 355، الباب 5 من أبواب اللقطة، الحديث 5.
(6) لم نقف عليه.
161

النص (1) حتى أنه استشكل في التعدي إلى غير البيع من النوافل، وقوى
عدم الالحاق.
نعم، مجرد مملوكية السمكة لا يوجب ظهور كون ما في جوفها من مال
المالك، فإلحاقها بالدابة التي يظن دخول ما ابتلعها (2) في جملة ما أعلفها
المالك، كما صرح به بعض (3) في تقريب الحكم المطابق للنص لا يوجب
الالحاق، بل لا يتحقق ذلك في السمكة.
وأما وجوب (4) الخمس في الموجود فهو أيضا مشكل، لعدم صدق أحد
العناوين المعدودة في كلام الأصحاب.

(1) في " ف ": النصوص.
(2) كذا في النسخ، والصحيح: ابتلعته.
(3) انظر المسالك 1: 462، والجواهر 16: 37.
(4) في " ف ": وجود.
162

مسألة
[7]
وجوب الخمس
فيما يخرج
بالغوص
لا إشكال ولا خلاف - ظاهرا - في وجوب الخمس فيما أخرج بالغوص
من المباحات الأصلية، والأخبار به (1) - كدعوى الاتفاق (2) - مستفيضة، لكن
الأخبار به (3) بين مشتمل على لفظ الغوص - وهي أكثرها - وبين مشتمل على
عنوان ما يخرج من البحر، مثل مصححة عمار (4) بن مروان، قال: " سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال
المختلط بالحرام - إذا لم يعرف صاحبه - والكنوز، الخمس " (5).

(1) الوسائل 6: 347، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، وغيره من الأبواب.
(2) لم نعثر عليه بعينه إلا في الذخيرة: 479. نعم، ادعي الاجماع أو اللاخلاف، وأنظر
الحدائق 12: 343، والمستند 2: 74، والجواهر 16: 39.
(3) ليس في " ف " و " م ": به.
(4) في " ف " و " م ": عمران.
(5) الوسائل 6: 344، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
163

ونحوها رواية البزنطي، عن محمد بن علي، عن أبي الحسن
عليه السلام قال: " سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت
والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة (1)، فقال: إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه
الخمس " (2).
النسبة بين
حقيقتي
" الغوص " و
" ما يخرج
من البحر "
والظاهر أن النسبة بين الغوص وحقيقة ما يخرج من البحر
عموم من وجه، من جهة شمول الثاني لما يخرج بالآلة - من دون خوض (3)
في الماء - ولو من وجه الماء، وعدم شمول الغوص لذلك، وشمول الغوص
للخوض (4) في الشطوط بخلاف الثاني.
فحينئذ: إما أن يجعلا (5) عنوانين لما يجب فيه الخمس، فكلما يتحقق
أحدهما وجب (6) الخمس.
وإما أن يقيد اطلاق كل منهما بالآخر أو يتقيد به (7) من جهة
الانصراف، فيخص ما أخرج بما كان بالغوص والغوص بما كان في البحر.
وإما أن يرجع أحدهما إلى الآخر، بأن يدعى: أن ذكر خصوص
البحر من باب الفرد الغالب، والاخراج منصرف إلى الاخراج من غير وجه
الماء لا بالآلة.
أو يدعى: أن ذكر خصوص الغوص من باب أن الغالب إخراج ما في

(1) في الوسائل: هل فيها زكاة؟
(2) الوسائل 6: 343، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(3) في " ف ": غوص.
(4) في " ف ": وشموله للخوض.
(5) في غير " ف ": يجعل.
(6) كذا في النسخ.
(7) في " ف ": بتقييده.
164

قعر البحر مما عدا الحيوان بالغوص لا بالآلة.
والتحقيق أن يقال: إن ما يخرج من البحر لا يشمل ما يوجد في وجه
الماء، فإن الظاهر الاخراج من داخله، لكنه على إطلاقه من حيث الاخراج
بالغوص أو بالآلة، وأخبار الغوص محمولة على ما عرفت من الغالب،
وأما الغوص فالظاهر انصرافه إلى الغوص في البحر، فلا يشمل الغوص في
الشطوط.
وحاصل ذلك يرجع إلى اختيار الوجه الرابع من الوجوه الأربعة في
الجمع بين الأدلة، وهو إرجاع أخبار (1) الغوص إلى ما يخرج من البحر، لكن
بعد تخصيص الاخراج بكونه من داخل الماء.
فظهر بذلك ضعف ما يقال: من تقييد أدلة ما يخرج من الماء بما كان
بالغوص، أما أولا: فلعدم التعارض بينهما. وأما ثانيا: فلأن الظاهر - كما
عرفت - ورود التخصيص بالغوص مورد الغالب.
اللهم إلا أن يقال: اختصاص (2) ما يخرج من البحر بما يخرج بالغوص
فيه (3)، من أجل الانصراف بحكم الغلبة لا من جهة تقييده بأدلة الغوص،
فيتعين (4) الوجه الثاني من الوجوه الأربعة التي ذكرناها.
ويتفرع على ما ذكرنا أمور:
ما يخرج من
البحر بغير
الغوص
الأول: وجوب الخمس إذا أخرج (5) مثل اللؤلؤ ونحوه من قعر البحر

(1) ليس في " ج ": أخبار.
(2) في " ف " و " م ": باختصاص.
(3) في غير " ف ": بالخوض فيه.
(4) في " ف " و " م ": فتعين.
(5) في " م ": خرج.
165

بغير الغوص، بناء على الوجه الرابع من الوجوه، كما صرح به في المسالك (1)،
ونفى عنه البعد في الغنائم (2).
ما يخرج من
الأنهار والآبار
بالغوص
الثاني: عدم الوجوب إذا أخرج ما في الشطوط والآبار بالغوص،
كما استقربه سيد مشايخنا في المناهل (3).
المأخوذ من
وجه الماء
أو الساحل
الثالث: عدم الوجوب فيما يؤخذ من وجه الماء، وفاقا لجماعة (4)،
وأولى منه بالعدم ما أخذ من الساحل.
الحيوان
المخرج من
البحر بالخوض
الرابع: لو أخرج حيوانا بحريا من البحر بطريق الخوض (5) في الماء،
فإن جعلنا العبرة بأدلة الغوص فالظاهر انصراف الغوص إلى ما لا يشمله
وإن شمله لغة، إلا أنك قد عرفت أن العبرة بالاخراج من البحر بطريق
الغوص (6)، وليس لفظ الغوص مأخوذا في منصرف إطلاق ما يخرج حتى
يدعى انصرافه إلى غير محل البحث، كما لا يخفى. فوجوب الخمس فيه
لا يخلو عن قوة، وفاقا للمحكي (7) عن الشيخ (8) وبعض معاصري الشهيد (9)،
وقواه في المناهل (10).

(1) المسالك 1: 463.
(2) الغنائم: 366.
(3) المناهل: (مخطوط).
(4) منهم: المحقق في الشرائع 1: 180.
، والشهيد الثاني في الروضة البهية 2: 66،
والمحقق القمي في الغنائم: 366.
(5) في " ف ": الغوص.
(6) في " ج " و " م ": الخوض.
(7) حكاه في التذكرة 1: 253، والمنتهى 1: 547.
(8) المبسوط 1: 237 - 238.
(9) حكاه في البيان: 345 و 346.
(10) المناهل: (مخطوط)، ذيل التنبيه الثاني عشر من تنبيهات خمس الغوص.
166

لكن الانصاف: أن الحكم لا يخلو عن إشكال، فإدخاله في الأرباح
أوفق بالأصل، كما لو أخرجه لا بطريق الغوص.
ثم إنه لا إشكال في تملك ما يخرج إذا لم يكن عليه أثر الاسلام،
ولو كان من النقدين.
ملكية ما يخرج
بالغوص
ولو كان عليه الأثر، فظاهر المحقق (1) والشهيد (2) الثانيين كونه في
حكم مال المسلم، فهي لقطة إلا أن يقال بمقتضى رواية السكوني في سفينة
انكسرت في البحر (3)، حيث حكم بأن ما أخرجه الماء فلأهله، وما أخرج
بالغوص فللغائص.
وظاهر الشهيد في البيان (4): التردد في المسألة، والأقوى ما عرفت في
المسألة المتقدمة من التملك، لانصراف اللقطة إلى غير مثل ذلك، إلا أن
المسألة لا تخلو عن إشكال.
اعتبار النصاب
والمؤونة
ثم إنه لا خلاف ظاهرا في اعتبار المؤونة، لما تقدم في المعدن (5)، ولا في
اعتبار النصاب، والمشهور فيه ما في الرواية المتقدمة (6)، وعن التنقيح (7)
والمنتهى (8) والسرائر (9) والغنية (10) الاتفاق على ذلك، لكن عن

(1) جامع المقاصد 3: 51.
(2) المسالك 1: 462.
(3) الوسائل 17: 361. الباب 11 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
(4) البيان: 345.
(5) في الصفحة: 127.
(6) في الصفحة: 164.
(7) التنقيح الرائع 1: 338.
(8) المنتهى 1: 550.
(9) السرائر 1: 488.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
167

المفيد (1) أنه نصاب المعدن، وهو ضعيف.
وظاهر تلك الرواية كون النصاب بعد المؤونة، وفي اعتبار كون
الغوص متحدا، أو في حكم المتحد عرفا، واتحاد نوع المخرج وتعدده: ما
تقدم في المعدن (2).
وجوب
الخمس في
العنبر
ثم إنه لا خلاف ظاهرا - كما في المدارك (3) وعن الذخيرة (4) - في
وجوب الخمس في العنبر، ويدل عليه صحيحة (5) الحلبي، قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن العنبر وغوص اللؤلؤ، قال: عليه الخمس " (6) وظاهر
إطلاقه عدم الفرق بين أخذه بالغوص أو غيره.
هل أن حكم
العنبر حكم
الغوص؟
وظاهره سياقه اتحاد حكمه مع غوص اللؤلؤ، فتخميسه من حيث
الغوص لا من حيث أرباح المكاسب، إلا أن سياقه لا يوجب انصرافه إلى
المخرج بالغوص، ولذا لم يقل غوص العنبر واللؤلؤ، فالمأخوذ من وجه الماء
أو من الساحل لا بد أن يكون في حكم الغوص، من حيث النصاب واستثناء
مؤونة الغوص دون السنة وإن لم يكن منه.
اللهم إلا أن يمنع ظهور السياق في ذلك، فالرواية ساكتة عن أحكامه،
لكن لا ريب في استثناء مؤونة الاخراج للعمومات.
وأما النصاب فيتردد بين نصاب المعدن ونصاب الغوص، وأن لا يعتبر

(1) حكاه العلامة في المختلف 3: 320.
(2) في الصفحة: 129.
(3) مدارك الأحكام 5: 377.
(4) ذخيرة المعاد: 480.
(5) في " م ": مصححة.
(6) الوسائل 6: 347، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
168

نصاب مع استثناء مؤونة السنة كالمكاسب أو لا معها، الأول: محكي عن
الأكثر (1)، والرابع: ظاهر (2) جماعة (3).

(1) حكاه في الحدائق 12: 346.
(2) في " م ": عن ظاهر.
(3) حكاه في الجواهر 16: 44، وانظر النهاية: 197، والوسيلة: 138، والسرائر 1:
488.
169

مسألة
[8]
وجوب الخمس
في فاضل
المؤونة من
أرباح المكاسب
يجب الخمس فيما يفضل عن مؤونة السنة من أرباح المكاسب على
المعروف بين الأصحاب، بل [عن] صريح الانتصار (1) والخلاف (2) والغنية (3)
وظاهر المنتهى (4) والتذكرة (5) ومجمع البيان (6) وكنز العرفان (7) ومجمع

(1) الإنتصار: 86.
(2) الخلاف 2: 118، كتاب الخمس، المسألة: 139.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(4) المنتهى 1: 548.
(5) التذكرة 1: 253.
(6) مجمع البيان 2: 544 في تفسير قوله تعالى (واعلموا أنما غنمتم..) الأنفال:
41).
(7) كنز العرفان 1: 249.
170

البحرين (1): الاجماع عليه.
وعن ظاهر القديمين (2) العفو عن هذا النوع، وظاهر (3) كلام الإسكافي
وجود المخالف في المسألة قبله، حيث قال: لو لم يخرجه الانسان لم يكن
كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها (4).
الاتفاق على
ثبوت الخمس
بأصل الشرع
وكيف كان، فالظاهر أن ثبوته في هذا القسم بحسب أصل الشرع متفق
عليه، إلا أن خلافهما في العفو عنه، وهو شاذ في الغاية حتى ادعى في
البيان (5) والمدارك (6) انعقاد الاجماع في الأزمان السابقة عليهما على وجوبه.
أقول: وكذا في الأزمنة المتأخرة عنهما، لما عرفت من دعوى الاجماع
من أساطين الدين على الوجوب. ويرده (7) - مضافا إلى أصالة عدم العفو
والتحليل، وظاهر عموم التنزيل -: الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، كما عن
المنتهى (8)، واعترف به في المدارك (9) وإن تأمل في الحكم من جهة إشعار
بعض الأخبار باختصاص (10) مصرف هذا القسم بالإمام عليه السلام مع (11)

(1) مجمع البحرين 6: 129، مادة: " غنم ".
(2) حكاه الشهيد في البيان: 348.
(3) في " ف ": فظاهر.
(4) انظر كلامه في المعتبر 2: 623.
(5) البيان: 348، وفيه: والاجماع عليه في الأزمنة التابعة لزمانها.
(6) المدارك 5: 378 - 379.
(7) في " م " و " ج ": يرده - بدون واو -.
(8) المنتهى 1: 548.
(9) المدارك 5: 384.
(10) في " ف ": اختصاص.
(11) في " ف ": إلا مع.
171

اعترافه بدلالة بعض آخر على أن مصرفه مصرف خمس الغنيمة (1)، ومن
جهة دلالة بعض آخر إباحتهم حقوقهم لشيعتهم.
أقول: ليت شعري بعد الاعتراف بتواتر الأخبار في ثبوت (2) هذا
القسم، وبدلالة بعضها على أن مصرفه مصرف خمس الغنيمة، كيف يجوز
التأمل من حيث إشعار بعض الأخبار باختصاص هذا القسم بالإمام
عليه السلام، مع احتمال أو (3) ظهور كون الاختصاص من باب ولاية الإمام
عليه السلام على قبيله، بل على مستحقي (4) الزكاة، وبيت المال الذي له عليه السلام
أن يعطيه رجلا واحدا، كما في رواية الكابلي (5)، بل على جميع المؤمنين،
حيث إنه أولى بهم من أنفسهم فضلا عن أموالهم.
ونظير هذا ما ورد في خمس غير الأرباح المتفق على عدم اختصاصها
بالإمام عليه السلام، كما في مرسلة العباس: " إذا غزا قوم بغير إذن الإمام عليه
السلام فغنموا كانت الغنيمة للإمام عليه السلام، وإذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان
للإمام عليه السلام الخمس " (6) وغير ذلك (7) مما ورد من أن الخمس لهم،
وسيجئ بعضها (8).

(1) مدارك الأحكام 5: 384.
(2) في " ف " و " م ": بثبوت.
(3) ليس في " ج ": أو.
(4) في " ف ": مستحق.
(5) في " م " زيادة: في بعض الأخبار، وانظر رواية الكابلي في الوسائل 6: 363، الباب
2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.
(6) الوسائل 6: 369، الباب الأول من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث
16.
(7) في " م ": ونحو ذلك.
(8) في الصفحة: 175 و 179.
172

وكيف يجوز العمل بذلك الاشعار الذي قد عرفت حاله في مقابل
ما اعترف به من ظهور الأخبار الأخر في اشتراك هذا القسم بين جميع
الأصناف؟! مضافا إلى التصريح به في آية الخمس المفسرة في الأخبار
المستفيضة بمطلق الإفادة يوما فيوما.
أخبار التحليل
وأما ما زعم دلالته على العفو عن هذا القسم وتحليله، فهي على
ما ذكره: مصححة الحارث بن المغيرة النصري، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " قلت له: إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أن
لك فيها حقا، قال: فلم أحللنا ذلك (1) لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، وكل من
والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم (2)، فليبلغ الشاهد الغائب " (3).
ونحوها رواية أخرى (4) للحارث أطلق فيها تحليل الخمس.
وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام، " قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا،
ألا [و] إن شيعتنا من ذلك وأبناءهم (5) في حل " (6).
وصحيحة زرارة المروية عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام قال:
" إن أمير المؤمنين عليه السلام حللهم من الخمس - يعني الشيعة - ليطيب
مولدهم " (7).

(1) في الوسائل: إذا.
(2) في الوسائل: في أيديهم من حقنا.
(3) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 9.
(4) الوسائل 6: 383، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 14.
(5) في " ف " أتباعهم، وفي الوسائل: آباءهم.
(6) الوسائل 6: 379، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث الأول.
(7) علل الشرائع: 377، الحديث الأول، وعنه في الوسائل 6: 383، الباب 4 من
أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 15.
173

ورواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام: " حلل (1) لي الفروج،
ففزع أبو عبد الله عليه السلام، فقال له الرجل (2): ليس يسألك أن يعترض
الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها، أو امرأة يتزوجها، أو ميراثا يصيبه،
أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال.. الخبر " (3).
ورواية محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام، " قال: إن أشد ما فيه
الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس، فيقول: يا رب خمسي، وقد
طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم " (4).
ورواية حكيم مؤذن بني عبيس (5)، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
" قلت (6): (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول)، قال:
هي والله الإفادة يوما بيوم، إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل
ليزكوا " (7).
وفي رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام: " نحن أصحاب الخمس
والفئ، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا " (8).

(1) في الوسائل: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رجل - وأنا حاضر -: حلل
لي.. الخ.
(2) في الوسائل: رجل.
(3) الوسائل 6: 379، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 4.
(4) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 5.
(5) كذا في " م "، وفي غيره: بني عيس، وفي الوسائل: بني عبيس (ابن عيسى).
(6) في الوسائل: قلت له.
(7) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 8.
(8) الوسائل 6: 385، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 19،
والرواية غير موجودة في " ف ".
174

وفي المحكي عن كمال الدين فيما ورد من التوقيع على إسحاق بن
يعقوب بخط مولانا صاحب الزمان روحي فداه، وفيه: " وأما الخمس فقد
أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا، لتطيب ولادتهم
ولا تخبث " (1).
ورواية عبد الله بن سنان، عن الصادق عليه السلام " قال: على كل
امرئ غنم أو كسب الخمس (2) لفاطمة عليها السلام، ولمن يلي أمرها من بعدها
من ذريتها الحجج على الناس، وذلك (3) لهم خاصة، يضعونه حيث شاؤوا،
وحرم عليهم الصدقة حتى الخياط يخيط (4) قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه
دانق، إلا من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم (5) الولادة، إنه ليس شئ عند
الله يوم القيامة أعظم من الزنا، إنه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب
سل هؤلاء بما أبيحوا " (6).
ولا يبعد أن يراد ب‍ " هؤلاء " أمهات الأولاد، وقيل: في توجيه
" أبيحوا " أمور أخر.
ثم إن الاستثناء راجع إلى أصل مسألة الخمس، إذ لا دخل له بمسألة
الخياط، كما لا يخفى.
إلى غير ذلك مما دل على تحليل ما في يد الشيعة، المحتمل لمحامل

(1) كمال الدين 2: 485، وعنه في الوسائل 6: 383، الباب 4 من أبواب الأنفال
وما يختص بالإمام، الحديث 16.
(2) في الوسائل: الخمس مما أصاب.
(3) في الوسائل: فذلك.
(4) في " ف " والوسائل: ليخيط.
(5) في الوسائل: لهم به.
(6) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.
175

توجيه أخبار
التحليل
كثيرة، مثل أن يراد من بعضها: ما يقع بأيدي الشيعة من جهة (1) المعاملة مع
من لا يخمس (2).
ومن بعضها: ما يقع من الأنفال المختصة بالإمام عليه السلام.
ومن بعضها: خصوص التحليل (3) للشيعة في زمان خاص، إما للتقية
وعدم التمكن من إقامة الوكلاء بجباية الأخماس (4) لهم من المناكح ونحوها،
كما يومئ إليه التعليل بطيب الولادة في أكثرها، وصرح به في رواية ابن
محبوب عن ضريس الكناسي، قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري من
أين دخل [على] (5) الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسنا
أهل البيت، إلا شيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم ولميلادهم " (6).
ورواية (7) الفضيل قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا أحللنا أمهات
شيعتنا لآبائهم ليطيبوا " (8).
إلى غير ذلك مما سيجئ في حل المناكح والمتاجر والمساكن.
وإما لضيق الأمر على الشيعة من جهة نصب المخالفين لهم العداوة
والظلم بأخذ الخمس منهم مما كان مذهبهم وجوب الخمس فيه، كما يظهر

(1) في " ف " و " م ": وجه.
(2) في " ج ": مع من يخمس.
(3) في " ف ": القليل.
(4) في " م ": الخمس.
(5) الزيادة من الوسائل.
(6) الوسائل 6: 379، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 3.
(7) في " ف " و " م ": وفي رواية.
(8) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 10.
176

مما يأتي من الأخبار (1)، كما يومئ إليه إطلاق بعض الأخبار، القول بسقوط
الخمس من غير تفصيل بين أقسامه.
ويؤيده: ما ورد من كراهة الإمام عليه السلام انتشار إيصال زكوات
الفطر إليه، مع أنه لمساكين (2) غير السادة، فكيف الخمس المختص به
وبقبيله.
وبالجملة، فإن الناظر فيها (3) بعين التأمل - بعد ملاحظة ما دل على
تشديدهم عليهم السلام في أمر الخمس وعدم التجاوز عنه - يفهم ورودها على
أحد المحامل المذكورة.
الروايات الدالة
على عدم العفو
الرواية الأولى
فمن تلك الأخبار - مضافا إلى عمومات ثبوتها، الظاهرة (4) في عدم
سقوطها بالتحليل إلا لعذر من الأعذار، المذكور بعضها -: رواية يزيد قال:
" كتبت - جعلت لك الفداء -: تعلمني ما الفائدة؟ وما حدها؟ وما رأيك
أبقاك الله أن تمن علي بذلك لكيلا (5) أكون مقيما على أمر حرام لا صلاة لي
ولا صوم؟ فكتب: الفائدة ما يفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد
الغرام أو جائزة " (6).
وظهور الرواية في عدم العفو لا ينكر.
الرواية الثانية
ومنها: مصححة ريان بن الصلت قال: " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام:

(1) يأتي في الصفحة: 180.
(2) في " ف ": مع المساكين.
(3) في " ف ": فيهما، ولم ترد في " م ".
(4) في " ف ": الظاهر.
(5) في " ف ": كيلا.
(6) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
177

ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي، ومن ثمن (1)
سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب: يجب عليك فيه
الخمس إن شاء الله تعالى " (2).
وحمل الخمس في الرواية على الخمس الثابت في القطيعة المفسرة
بما أقطعه السلطان من قطع أراضي الخراج التي يجب فيها الخمس من حيث
كونها من الغنائم لا الخمس المتعلق بأرباح المكاسب، كما ذكره جمال الدين
في حاشية الروضة (3).
رد احتمال
إرادة " خمس
القطيعة "
يدفعه - مضافا إلى عدم وجوب إخراج خمس أراضي الخراج وكونها
ملحقة بالأنفال من جهة الخمس، كما يستفاد من بعض النصوص، بل أكثر
الفتاوى الخالية عن ذكر إخراج الخمس من ارتفاع أراضي الخراج -: أن هذا
الحمل مناف (4) للحكم بإخراج (5) خمس غلة الرحى المبنية على تلك (6)
الأرض، فإن أرض الخراج لا يجب تخميس الغلة الحاصلة من الأبنية
الموجودة فيها، غاية الأمر وجوب تخميس طسق الأرض.
الرواية الثالثة
وما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يزيد (7) الطبري قال: " كتب
رجل من تجار فارس إلى بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام: يسأله

(1) في الوسائل: في ثمن.
(2) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
(3) حاشية الروضة: 295.
(4) في " ف ": لوجوب الخمس، وفي " م ": مناف للحكم بوجوب الخمس الحكم
بإخراج.
(5) ليس في " ف ": للحكم بإخراج.
(6) في " ف " و " م ": في تلك.
(7) في " ج " والوسائل: زيد.
178

الإذن في الخمس فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الله واسع كريم،
ضمن على العمل الثواب، وعلى الخلاف العذاب، لا يحل مال إلا من وجه
أحله الله، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا،
ونشتري به أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا، ولا تحرموا أنفسكم
دعاءنا ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم،
وما تمهدون لأنفسكم في يوم فاقتكم، والمسلم من يفي لله بما عاهد الله
عليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام " (1).
الرواية الرابعة
وبهذا الاسناد قال: " قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا
عليه السلام، فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس، فقال: ما أمحل هذا تمحضونا
المودة بألسنتكم، وتزرون حقا جعله الله لنا وجعلنا له (2)! لا نجعل (3)
أحدكم (4) في حل " (5) وفي نسخة: " لا جعل الله أحدكم ".
وهاتان الروايتان في الدلالة على المطلوب كما ترى.
الرواية الخامسة
ورواية يونس بن يعقوب قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ
دخل (6) عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال
والأرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت، وإنا عن ذلك مقصرون، فقال

(1) التهذيب 4: 139 - 140، الحديث 395، والوسائل 6: 375، الباب 3 من أبواب
الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 2، مع اختلاف في التعبير.
(2) في التهذيب والوسائل: وجعلنا له وهو الخمس.
(3) في الوسائل: لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحد منكم.
(4) في التهذيب: أحدا منكم.
(5) نفس المصدر، الحديث 396 من التهذيب، و 3 من الوسائل.
(6) في الوسائل: فدخل.
179

أبو عبد الله عليه السلام: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم " (1).
الرواية السادسة
وفي مكاتبة قرأها علي بن مهزيار بخط أبي جعفر عليه السلام: " من
أعوزه شئ من حقي فهو في حل " (2).
دلت الروايتان على أن تجاوزهم عن حقوقهم من جهة الضيق: إما
لخوف الانتشار. وإما لكثرة الظلم (3) على الشيعة في أموالهم، وإما لاعتبار
بعضهم بعد اشتغال ذمته، كما تدل عليه الرواية الثانية.
الرواية السابعة
وما (4) حكي عن ابن طاووس قدس الله روحه بسنده عن أبي إبراهيم، عن
أبيه عليهما السلام: " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأبي ذر وسلمان
والمقداد: أشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلا الله - إلى أن قال: -
وأن علي بن أبي طالب عليه السلام وصي محمد صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (5)
وأن طاعته طاعة الله ورسوله والأئمة من ولده، وأن مودتهم (6) مفروضة
واجبة على كل مؤمن ومؤمنة مع إقامة (7) الصلاة لوقتها، وإخراج الزكاة من
حلها ووضعها في أهلها، وإخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس،
حتى يرفعه (8) إلي وإلى خير المؤمنين (9) وأميرهم ومن بعده من الأئمة من

(1) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 6.
(2) الوسائل 6: 379، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 2.
(3) ليس في " ف ": الظلم.
(4) في " ف ": وأما ما.
(5) في الطرف زيادة: ولي المؤمنين ومولاهم وأن حقه من الله مفروض واجب.
(6) في " ف ": أئمتهم، وفي الوسائل: مودة أهل بيته.
(7) في " ف ": و " م " والوسائل: أقام.
(8) في الطرف: يدفعه.
(9) في " ف ": يرفعه إلى ولي أمير المؤمنين، وفي الوسائل: يرفعه إلى ولي المؤمنين، وفي
" م ": يرفعه (يدفعه خ ل) إلى ولي أمر المؤمنين.
180

ولده صلوات الله عليهم أجمعين، فمن عجز فلم يقدر إلا على اليسير من المال، فليدفع
ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة عليهم السلام، فمن لم يقدر على
ذلك، فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس ولا يريد بهم إلا الله تعالى - إلى أن
قال: - فهذه شروط الاسلام وما بقي أكثر " (1).
الرواية الثامنة
وما عن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إني لآخذ من
أحدكم الدرهم وأنا (2) أكثر أهل المدينة مالا، ما أريد بذلك إلا أن
تطهروا " (3).
الرواية التاسعة
وما ورد مستفيضا من أنه " لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس
شيئا حتى يصل إلينا حقنا " (4).
الرواية العاشرة
وما روي (5) عن بصائر الدرجات، عن عمران، عن موسى بن
جعفر (6)، قال: " قرأت عليه آية الخمس، فقال: ما كان لله فهو
لرسوله صلى الله عليه وآله، وما ما كان لرسوله صلى الله عليه وآله فهو لنا، ثم قال:
والله لقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحدا
وأكلوا أربعة (7)، ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به

(1) الطرف: 11، والوسائل 6: 386، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 21.
(2) في الوسائل: وإني لمن.
(3) الوسائل 6: 337، الباب الأول من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(4) الوسائل 6: 337، الباب الأول من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديثان 4 و 5،
و 378، الباب 3 من أبواب الأنفال، الحديث 9، وغيرهما من الأبواب.
(5) في " ف ": وما ورد (6) في المصدر والوسائل: عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عليه السلام، وفي
بصائر الدرجات: عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عن علي بن أسباط عن
محمد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام.. إلى آخره.
(7) في الوسائل: أربعة أحلاء. وفي المصدر: أربعة حلالا.
181

ولا يصبر عليه إلا ممتحن بالايمان " (1).
الرواية
الحادية عشرة
ورواية محمد بن الحسن الأشعري قال: " كتب بعض أصحابنا إلى أبي
جعفر الثاني عليه السلام: أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من
قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنائع (2)؟ فكتب عليه السلام بخطه:
الخمس بعد المؤونة " (3).
فإن السؤال والجواب المذكورين فيها مع تحليله للشيعة كاللغو.
الرواية
الثانية عشرة
ورواية علي بن راشد " قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك،
فأعلمت مواليك بذلك، فقال [لي] (4) بعضهم: وأي شئ حقه؟ فلم أدر
ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: في - (5) أي شئ؟ قال: في
أمتعتهم وصنائعهم، قلت: والتاجر عليه والصنائع بيده؟ قال: إذا أمكنهم بعد
مؤونتهم " (6).
الرواية
الثالثة عشرة
ورواية علي بن شجاع النيسابوري: " أنه سأل أبا الحسن الثالث
عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكي، فأخذ منه
العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا، وبقي في
يده ستون كرا. ما الذي يجب لك من ذلك؟ فهل يجب لأصحابك (7) من ذلك

(1) بصائر الدرجات: 29، الحديث 5، والوسائل 6: 338، الباب الأول من أبواب ما
يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(2) في " ج " والوسائل: الصناع وكيف ذلك.
(3) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث الأول.
(4) الزيادة من الوسائل.
(5) في " ج " والوسائل: ففي.
(6) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(7) في الوسائل: وهل يجب لأصحابه.
182

شئ؟ فوقع عليه السلام: لي منه الخمس مما يفضل من (1) مؤونته " (2).
إلى غير ذلك مما سيمر بك في فروع المسألة وغيرها.
استبعاد القول
بالعفو
والعجب ممن يلاحظ هذه الأخبار منضمة إلى تلك الفتاوى ودعاوى
الاجماع المعتضدة بظاهر الكتاب وبالأصل (3) كيف يجترئ بالحكم بالعفو عن
خمس هذا القسم، سيما مع ما ورد من أن الخمس لبني هاشم عوض
الصدقات المحرمة عليهم، فإن تحليل هذا القسم من الخمس مع كثرة موارده
في جنب باقي أقسام الخمس يقرب من تحريم الصدقة عليهم بغير عوض.
ومنه يظهر أيضا ضعف اختصاص هذا القسم بالإمام، فإنه عليه السلام
وإن كان يعولهم من ماله إلا أن ظاهر التعويض (4) كون الحق لجميع بني
هاشم أعزهم الله تعالى.
قال في التهذيب - بعد إيراد جملة من الأخبار الدالة على التحليل،
وإيراد بعض ما ذكرنا مما يدل على خلافه بعد تلك الأخبار المحللة -: قال
الشيخ رحمه الله: واعلم أرشدك الله تعالى أن ما قدمته في هذا الباب من
الرخصة في تناول الخمس والتصرف (5) فيه إنما ورد في المناكح خاصة، للعلة
التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة عليهم السلام لتطيب ولادة شيعتهم ولم ترد
في الأموال، وما أخرته عن المتقدم مما جاء في التشديد في الخمس

(1) في " م " و " ج ": عن.
(2) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(3) في " ف " و " م ": والأصل.
(4) في " ف ": النصوص.
(5) في " ج ": والمصدر: بالتصرف.
183

والاستبداد (1)، فهو مختص بالأموال (2).
ثم استشهد بمكاتبة أبي جعفر عليه السلام إلى علي بن مهزيار، المشتملة
على قوله عليه السلام - بعد إسقاط خمس بعض الأشياء عن شيعته في سنة
المكاتبة -: " وأما الغنائم والفوائد، فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله
تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه.. الآية) - إلى أن
قال -: فمن كان عنده شئ من ذلك، فليوصل إلى وكيلي، ومن كان نائبا
بعيد الشقة، فليعتمد لإيصاله ولو بعد حين، فإن نية المؤمن خير من
عمله.. الرواية " (3).
وجوب الخمس
في كل ما يستفاد
ويكتسب
ثم إن المستفاد من كثير من الأخبار السابقة، سيما بملاحظة ما ورد من
أن " كل شئ في الدنيا، فإن لهم فيه نصيبا " (4): وجوب الخمس في كل مال
يحصل للانسان بالاكتساب - وهو القصد إلى تحصيل المال من حيث هو
مال - أو بغيره بالاختيار أو بدونه.
ما يستفاد من
كلمات الفقهاء
إلا أنه يشكل التمسك بها مع ضعف أكثرها وإعراض المشهور عن
عمومها [فإن ظاهر أكثر الفتاوى] (5) ومحل دعاوى الاجماع والشهرة
اختصاص ذلك بما يستفاد ويكتسب.
فعن الخلاف: يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات،

(1) في المصدر: والاستبداد به.
(2) التهذيب 4: 140، ذيل الحديث 397.
(3) التهذيب 4: 141 - 142، الحديث 398، والوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب
ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(4) الوسائل 6: 373، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 33.
(5) ما بين المعقوفتين لا يوجد في " ف ".
184

والغلات، والثمار على اختلاف أجناسها - إلى أن قال -: دليلنا إجماع الفرقة
وأخبارهم (1).
وعن الغنية: يجب الخمس في الفاضل عن مؤونة الحول على الاقتصاد
من كل مستفاد تجارة، أو صناعة، أو زراعة، أو غير ذلك (2).
وقريب منهما عبارة السرائر، حيث عبر فيها بقوله: وجميع
الاستفادات (3).
ونحوه معقد الاجماع الذي ادعاه في مجمع البحرين (4).
وفي البيان: وسابعها جميع أنواع التكسب من تجارة، أو زراعة،
أو صناعة، أو غير ذلك، ثم حكى خلاف القديميين، ثم ادعى الاجماع على
خلافهما (5).
ونحوه عبارة المدارك (6)، إلا أنه استثنى الميراث والهبة والصدقة،
ولا يخفى ما في الاستثناء.
وعن المنتهى: القسم الخامس في أرباح التجارات والزراعات
والصناعات (7) وجميع الاكتسابات وفواضل الأقوات - من الغلات
والزراعات - عن مؤونة السنة على الاقتصاد (8)، وهو قول علمائنا

(1) الخلاف 2: 118، كتاب الخمس، المسألة: 139.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(3) السرائر 1: 488.
(4) مجمع البحرين 6: 129.
(5) البيان: 348.
(6) مدارك الأحكام 5: 384.
(7) في المنتهى: والصنائع.
(8) في المنتهى: ويجب فيها الخمس.
185

أجمع (1).
ونحوه عبارة المعتبر (2).
وعن مجمع البيان: أنه قال أصحابنا: يجب الخمس في كل فائدة
تحصل للانسان من المكاسب وأرباح التجارات، وفي الكنز والمعادن
والغوص ونحو ذلك (3).
دوران عبارات
الفقهاء بين
إناطة الحكم
بالاستفادة
وبين إناطته
بالاكتساب
والحاصل: أن عباراتهم في الفتوى ودعوى الاجماع بين إناطة الحكم
بالاستفادة، وبين إناطته بالاكتساب والتكسب، والأول أعم ظاهرا، لأنه
طلب الفائدة من حيث كونها فائدة، والاكتساب طلبها من حيث المالية.
وفي الغنائم (4) عن الجوهري (5) والفيروز آبادي (6) التصريح بأن الاكتساب
طلب الرزق، فالاصطياد - مثلا - لشهوة النفس استفادة لا اكتساب.
الأوفق
بالعمومات
هو الأخذ
بالأعم وهو
الاستفادة
والأوفق بالعمومات هو الأخذ بالأعم المدلول عليه بتلك العمومات
المنجبرة مع كثرتها بما عرفت من التعبير بالاستفادة في معقد الاجماع المدعى
في كلام جماعة، مع سلامتها عما (7) يدل على اختصاصه بالأخص، بل الظاهر
أن مراد المعبرين بالأخص هو الأعم أيضا، بل لا يبعد أن مراد المعبرين
بهما هو الأعم منهما، فيشمل ما حصل (8) مع القصد والاختيار وبدونهما،

(1) المنتهى 1: 548.
(2) المعتبر 2: 623.
(3) مجمع البيان 2: 544.
(4) الغنائم: 368.
(5) الصحاح 1: 212، مادة: " كسب ".
(6) القاموس المحيط 1: 124، مادة: " كسب ".
(7) في " ج ": ما.
(8) ليس في " ج ": ما حصل.
186

ليتحد مضمون الأخبار وكلام الأخيار (1)، كما يشعر به، بل يدل عليه كلام (2)
جماعة:
منهم: الإسكافي، حيث قال: فأما ما استفيد من ميراث، أو كد يد،
أو صلة أخ، أو ربح تجارة، أو نحو ذلك، فالأحوط إخراجه، لاختلاف
الرواية في ذلك (3). فقد أطلق الاستفادة بالنسبة إلى الميراث والصلة.
وقد استدل في الحدائق (4) للحلبي بعموم رواية الأشعري المتقدمة (5) في
ثبوت الخمس على جميع ما يستفيده الرجل، وبما دل على أنه في كل
ما أفاد. وظاهره عموم الأخبار ليشمل الميراث والصلة، وسيجئ (6) كلام
العماني في مسألة الميراث.
ومثل الشهيدين في اللمعتين (7) حيث أدخلا الميراث والهبة في
المكاسب، بل صرح ثانيهما: بأنه لا يشترط فيها - أي: في المكاسب -
حصوله أي الكسب اختيارا.
ومثل ظاهر عبارة المعتبر (8)، حيث صدر المسألة بالاكتسابات مع أنه
مال في أثناء كلامه إلى قول الحلبي بوجوب الخمس في الميراث والهبة (9).

(1) ليس في " ف ": وكلام الأخيار.
(2) في " ج ": كلمات.
(3) انظر كلامه في المعتبر 2: 623، وفيه: أو " كد بدن " بدل " أو كد يد ".
(4) الحدائق 12: 352.
(5) في الصفحة: 182.
(6) في الصفحة: 192.
(7) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 2: 74.
(8) المعتبر 2: 623.
(9) الكافي في الفقه: 170.
187

وقد مر (1) أيضا استثناؤهما في كلام صاحب المدارك من عموم أنواع
التكسب.
ومن ذلك أن الشهيد في البيان (2) مع أنه ذكر عنوان التكسب، حكم
بوجوب الخمس في نماء مثل الميراث وغيره مما لا خمس فيه، مع أنه
لا يصدق عليه أن النماء مستفاد ومكتسب (3) إلا إذا قصد إبقاؤه لذلك.
ويؤيده أيضا: تمسك المشهور بعموم الآية، فعلم (4) أن عمومها مسلم
عندهم، ومن المعلوم أن الغنيمة مطلق الفائدة، ولو لم تحصل بالاستفادة،
ولذا عد في أفرادها الميراث والجائزة في بعض الروايات (5).
وعن الرضوي تفسير الغنيمة بربح التجارة وغلة الضيعة، وسائر
الفوائد من المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، قال: لأن الجميع
غنيمة وفائدة (6).
نعم، حكى الفاضل القمي رحمه الله في غنائمه (7) عن جماعة - كالعلامة في
المنتهى (8) والمقداد (9) -: إنها هي الفائدة المكتسبة، وحينئذ فلا يشمل مثل
الإرث، بل الصدقة والهبة أيضا. وقد صرح بما ذكره صاحب مجمع

(1) في الصفحة: 185.
(2) البيان: 348.
(3) في " م ": مستفاد مكتسب.
(4) في " ج ": يعلم.
(5) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 294.
(7) الغنائم: 368.
(8) المنتهى 2: 921.
(9) كنز العرفان 1: 248.
188

البحرين (1)، والشهيد في الروضة (2).
والغرض من ذلك ليس دعوى ظهور لفظ (3) الاكتساب والاستفادة فيما
يشمل الإرث والهبة، بل المقصود تصحيح إطلاق الاستفادة والإفادة على
مثل ما حصل من الإرث، فلا يبعد حينئذ أن يكون مرادهم من عنوانات
فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم هو الأعم، وإن كان خلاف الظاهر، ولذا منع في
المختلف (4) من صدق الاكتساب ردا على الحلبي.
هذا، ويمكن أن يقال: إن صرف الاطلاقات أو دعوى انصرافها إلى
ما هو ظاهر كلام الأصحاب، أولى من العكس، والاعتماد على ما ذكرنا من
القرائن في كلماتهم على إرادة ما يحصل بغير قصد (5) واستفادة، يشبه
الاجتهاد في مقابل النص، لتصريحهم بعدم ثبوت الخمس في مثل الميراث
والهبة.
وفيه تأمل، بل لا يبعد قوة ما قدمناه، من أن المستفاد ما يعم
الحاصل بغير قصد إليه، فالمراد بالاستفادة: أخذ الفائدة وإحرازها، فالفائدة
ليست أعم (6) مما حصل بالاستفادة وبغيرها، بل الفائدة - كما في مجمع
البحرين -: ما استفدته من علم أو مال (7). والمسألة محل توقف.
وما أبعد ما بين ما قويناه، وما يظهر من جمال الدين الخوانساري

(1) مجمع البحرين 6: 129.
(2) الروضة البهية 2: 74.
(3) ليس في " ف ": لفظ.
(4) المختلف 3: 179.
(5) في " ج ": قصده.
(6) في " ف ": بأعم.
(7) مجمع البحرين 3: 123، مادة: " فيد ".
189

تعليق المحقق
الخوانساري
الحكم على
الاكتساب
المأخوذ صنعة
رحمه الله في حاشية اللمعتين، من اعتبار كون الاكتساب صنعة للمكسب
لا مجرد استفادة شئ اتفاقا، حيث إنه بعد حكاية عبارة المختلف في وجوب
الخمس فيما يجتني، مثل الترنجبين والشيرخشت والصمغ، معللا ذلك بأن كله
اكتساب، قال: والظاهر أن (1) أخذ كل واحد منها وأمثالها إن اتخذه صنعة،
فهو من الاكتسابات. وأما إذا وقع اتفاقا، ففي شمول الأدلة له تأمل (2)
إنتهى.
بل قال في آخر حاشية مسألة استثناء المؤونة - بعد ما حكي عن
المحقق الأردبيلي رحمه الله جواز اجتماع المعدن أو الكنز مع المكاسب، كأن
يعمل في أرض فيجد (3) كنزا أو معدنا -، قال: إن وجوب خمس المكاسب
فيه غير ظاهر، لأنهم خصوا وجوب هذا القسم بالتجارات والزراعات
والصناعات، وهو إذا لم يفرض كون ذلك صنعة (4) لم تدخل في شئ. نعم،
تدخل (5) على مذهب الحلبي من وجوبه في الفوائد مطلقا (6).

(1) في حاشية " ج ": أنه، وفي هامش " م ": أنه إن.
(2) حاشية الروضة: 313.
(3) في " ف " و " م ": فوجد.
(4) في حاشية الروضة: صفة.
(5) في " ف ": لم تدخل.
(6) حاشية الروضة: 315، وراجع لمذهب الحلبي، الكافي في الفقه: 170.
190

مسألة
[9]
الخمس في
الميراث والهبة
المشهور - كما قيل (1) -: عدم وجوب الخمس في الميراث الهبة، بل عن
ظاهر كلام الحلي (2) الاتفاق، حيث ذكر أنه لم يذكر وجوب الخمس غير
الحلبي.
واستدل لهم بالأصل (3)، وصحيحة ابن سنان: " ليس الخمس إلا في
الغنائم " (4) وأمثالها، مما دل على حصر الخمس في خمسة أو أربعة، والكل
كما ترى.
لا يخلو القول
بالوجوب
عن قوة
فالوجوب لا يخلو عن قوة، وفاقا للمحكي عن الحلبي (5) وعن

(1) قاله النراقي في المستند 2: 78.
(2) حكاه النراقي في المستند 2: 78، وانظر السرائر 1: 490.
(3) أشار إليه في السرائر 1: 490.
(4) الوسائل 6: 338، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث الأول.
(5) الكافي في الفقه: 170، وحكاه الحلي في السرائر 1: 490.
191

المعتبر (1)، واختاره في اللمعة، ومال إليه في شرحها (2)، وهو ظاهر
الإسكافي (3)، لكن من حيث الاحتياط، بل يظهر من عبارته المتقدمة (4) عدم
الفرق بين المستفاد بالإرث والصلة وغيرهما من حيث دلالة الأخبار على
وجوب الخمس فيها.
ويظهر من كلام العماني عدم الفرق بينه وبين أرباح المكاسب على
القول بثبوت الخمس، حيث قال فيما حكي عنه: وقيل إن الخمس في
الأموال كلها حتى الخياط والنجار وغلة البستان والدار والصانع في كسب
يده، لأن ذلك إفادة من الله وغنيمة (5) إنتهى.
أدلة القول
بالوجوب
لعموم الآية بناء على ما مر (6) من عموم الغنيمة لكل فائدة، كما حكي
التصريح به عن جماعة (7).
ولعموم ما دل من النصوص (8) على وجوب الخمس فيما يملك ويرزق.
وما دل من النصوص المتقدم (9) بعضها، ومعاقد الاجماع المتقدم (10) على
وجوب الخمس في كل ما يستفاد، بناء على أن الحاصل من الإرث والهبة

(1) لم نعثر على الحاكي ولا التصريح به في المعتبر، انظر المعتبر 2: 623.
(2) اللمعة وشرحها " الروضة البهية " 2: 74.
(3) راجع المعتبر 2: 623.
(4) في الصفحة: 187.
(5) راجع المعتبر 2: 623.
(6) في الصفحة: 25.
(7) راجع الصفحة: 74.
(8) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
(9) في الصفحة: 182.
(10) راجع الصفحة: 186.
192

مستفاد، كما صرح به في (1) عبارة الإسكافي المتقدمة (2).
ولخصوص المستفيضة في الهبة، المتمم في الميراث بعدم القول بالفرق،
منها: رواية يزيد المتقدمة (3) في تفسير الفائدة بقوله عليه السلام: " الفائدة
ما (4) يفيد إليك في تجارة من ربحها، وحرث بعد الغرام، أو جائزة " (5).
والمحكي عن السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد
بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " كتبت إليه عن الرجل يهدي إلى مولاه (6) والمنقطع
إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب
عليه السلام: الخمس في ذلك.
وعن الرجل يكون في داره البستان، فيه الفاكهة يأكله (7) العيال، إنما
يبيع الشئ منه (8) بمائة درهم أو خمسين درهما، هل عليه فيه (9) الخمس؟
فكتب: أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم، وهو كسائر الضياع " (10).
واشتمالها على أحمد بن هلال لا يقدح بعد إيراد ابن محبوب إياه في

(1) ليس في " ج ": في.
(2) في الصفحة: 187.
(3) في الصفحة: 177.
(4) في " ف " والوسائل: مما.
(5) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
(6) في السرائر: في الرجل يهدي له مولاه.
(7) في " ج " والسرائر: يأكلها.
(8) في السرائر: منه الشئ.
(9) ليس في السرائر: فيه.
(10) السرائر 3: 606، والوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس
الحديث 10.
193

كتابه، وهو أعلم منا (1) بحال ابن هلال، مع أن روايات ابن أبي عمير في
ذلك الزمان ما كان يحتاج إلى تلك الواسطة الواحدة، لاشتمال الكتب عليها،
فذكر " أحمد " من جهة اتصال السند.
وفي مكاتبة ابن مهزيار الطويلة عد من الفوائد: " الجائزة من الانسان
للانسان التي لها خطر " (2)، والتقييد بالخطر لعله لصرف غيرها في المؤن
غالبا.
ورواية الحسين بن عبد ربه (3)، قال: " سرح الرضا عليه السلام بصلة إلى
أبي، فكتب إليه أبي هل (4) فيما سرحت إلي الخمس؟ فكتب عليه السلام:
لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس " (5) فإن الظاهر منه ظهورا
لا ينكر أن وجه عدم الخمس في المسرح هو (6) كون المسرح به صاحب
الخمس، لا كونه تسريحا.
ثم إن المحكي عن الحلبي (7) في المختلف (8) والدروس (9) واللمعة (10) كما
عن التنقيح (11)، هو ذكر الصدقة، ولم يذكر عنه ذلك غيرهم.

(1) كذا في " ف " و " م "، وليس في سائر النسخ: منا.
(2) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(3) في الوسائل: علي بن الحسين بن عبد ربه.
(4) في الوسائل: هل علي فيما سرحت إلي خمس؟
(5) الوسائل 6: 354، الباب 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(6) ليس في " ف " و " م ": هو.
(7) الكافي في الفقه: 170.
(8) المختلف 3: 315.
(9) الدروس 1: 258.
(10) اللمعة الدمشقية: 55.
(11) التنقيح الرائع 1: 337.
194

هل يجب
الخمس
في المأخوذ
زكاة وخمسا؟
وكيف كان، ففي وجوبه (1) في مثل الزكاة والخمس إذا فضل شئ منهما
عن مؤونة السنة، إشكال، نظرا إلى أنه ملك للسادة والفقراء، فكأنه يدفع
إليهم ما يطلبونه، فيشكل صدق الفائدة.
مع أن هذا الفرض إنما يصح في الخمس بناء على عدم وجوب
الاقتصار في الدفع على مؤونة السنة.
الزيادة المتصلة
والمنفصلة
ثم إن مما ذكرنا يظهر أنه لا يبعد وجوب الخمس فيما يحصل للانسان
بسبب زيادة متصلة أو منفصلة في أمواله، وإن لم يقصد بها الاكتساب
أصلا (2).
زيادة القيمة
وأما زيادة القيمة، فإن باعها (3)، فالظاهر تعلق الخمس بالزائد على
إشكال، حيث إنه في مقابل ماله، فلا يحسب فائدة، وإن لم يبعه، فالظاهر
عدم ثبوت الخمس فيه، لأن رغبة الناس أمر اعتباري لا يؤثر في العين،
ولا يوجب صدق الفائدة والغنيمة.
فاضل الأقوات
وقد يتخيل وجود الخلاف فيما يفضل من الغلات التي اشتراها
وادخرها للقوت، لعبارة وقعت للعلامة في المنتهى، حيث قال فيما حكي
عنه: يجب الخمس في أرباح التجارات والزراعات والصنائع وجميع
الاكتسابات وفواضل الأقوات من الغلات والزراعات عن مؤونة السنة على
الاقتصاد عند علمائنا أجمع (4) انتهى.

(1) في النسخ: وجوبها.
(2) ليس في " ج " و " ع ": أصلا.
(3) في " ف " و " م ": باعه.
(4) المنتهى 1: 548.
195

وتبعه في هذا التعبير في الرياض (1).
ولا يخفى ما في هذا التخيل، ومنشئه.
أما فساد تخيل وجود الخلاف، فلأن ما يفضل عن مؤونة السنة السابقة
من الأقوات إن كان قد وضعها عن (2) مؤونة السنة السابقة المستثناة من المال
المخمس، فلا تأمل لأحد في وجوب خمسها، بل لا ينبغي الخلاف فيه، وإن
كانت من غير المؤونة المستثناة من المال المخمس، بل كان أصلها من مال
غير مخمس، أو استفادها من وجه لا يوجب الخمس فيه، كمال الهبة
والميراث، فلا ينبغي التأمل ممن (3) لا يوجب الخمس في أصلها، في عدم
وجوب الخمس فيها. ولا ممن يوجبه في الأصل، في وجوبه فيها.
والحاصل: أن الفاضل عما أعده للمؤونة لا خلاف لأحد في أن حكمه
حكم أصل المال، فإن كان مخمسا، فلا خلاف في وجوب تخميس الفاضل،
وإلا فلا خلاف في عدم وجوب تخميسه.
وأما عبارة المنتهى، فالظاهر أن المراد منها ما يفضل من غلة البستان
والزرع اللذين لم يقصد بهما إلا صرف نفس الحاصل في عياله، كالبساتين
الصغار والخضريات ونحو ذلك، لا المعدة للاسترباح والاكتساب، فيكون
هذا إشارة إلى الرواية المتقدمة (4) عن السرائر في البستان الموجود في الدار
الذي يأكل العيال فاكهته، ثم يفضل منه الشئ ويباع.
وبهذا يندفع ما توهمه المتوهم من ظاهر هذه العبارة، من

(1) في الرياض 5: 240.
(2) في " م " و " ف ": من.
(3) في " ج ": من.
(4) في الصفحة: 193.
196

وجوب الخمس فيما (1) ادخر للقوت مما اشتري لأجله إذا فضل.
وما قيل (2): إن الظاهر أن في العبارة غلطا، وأن الصواب: الاكتسابات
الفاضلة عن مؤونة السنة.
والظاهر أن لفظ " الزراعات " أولا في عبارة المنتهى تكرار، وإن وقع
التعبير بمثله في التحرير (3)، لكن الظاهر أنه مأخوذ من المنتهى.
وقد أشار إلى المناقشة في عبارة المنتهى والتكرار فيها، الأردبيلي
رحمه الله في شرح الإرشاد (4).
نعم، قال في السرائر: ويجب في أرباح التجارات، والمكاسب،
وفيما يفضل من الغلات والزراعات على اختلاف أجناسها، عن مؤونة السنة
له ولعياله على الاقتصاد (5).

(1) في " ف ": مما.
(2) لم نعثر عليه.
(3) تحرير الأحكام 1: 74.
(4) مجمع الفائدة 4: 310.
(5) السرائر 1: 486، وليس فيها على الاقتصاد.
197

مسألة
[10]
استثناء المؤونة
لا إشكال ولا خلاف في أن الخمس إنما يجب في الأرباح المذكورة بعد
وضع المؤونة منها، ولذا عبر كثير منهم بما يفضل عن المؤونة من الأرباح (1).
والمراد من المؤونة غير مؤونة التحصيل التي قد مر استثناؤها في
الغنيمة والغوص والمعدن والكنز، فإن استثناءها هنا أوضح مما تقدم، إذ
الربح والفائدة الواردين في النص والفتوى لا يصدقان إلا على ما يبقى بعد
مؤونة التحصيل، فالمراد هنا مؤونة الشخص.
وقد (2) حكي الاجماع على استثنائها عن الخلاف (3) والسرائر (4)

(1) منهم المفيد في المقنعة: 276، والمحقق في الشرائع 1: 180، وابن سعيد الحلي في
الجامع للشرائع: 148، وغيرهم.
(2) ليس في " ج ": وقد.
(3) الخلاف 2: 118، كتاب الخمس، المسألة: 139.
(4) السرائر 1: 489.
198

وظاهر الانتصار (1) ومجمع الفائدة (2) وغيرهما، وفي المعتبر (3) والمدارك (4)، كما
عن المنتهى (5) والذخيرة (6) دعوى الاتفاق، وفي شرح المفاتيح أنه إجماعي،
بل ضروري المذهب (7).
الكلام
في الأدلة على
استثناء المؤونة
ويدل عليه قبل (8) ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في ذلك، إلا أن
التمسك بما ورد منها بقوله عليه السلام: " الخمس بعد المؤونة " كمكاتبتي البزنطي
والهمداني (9)، مشكل بعد الاستدلال به على اعتبار إخراج مؤونة التحصيل
في المعادن والكنز والغوص. وإرادة مطلق المؤونة ليكون دالا على
استثناء كل مؤونة خرج ما عدا مؤونة التحصيل في الكنز وإخوته،
تكلف جدا.
فالأولى الاستدلال له (10) بغير ذلك من المستفيضة مما (11)
تقدم أكثرها، مثل قوله في رواية النيسابوري المتقدمة (12) الواردة في
الحنطة الباقية بعد مؤونة الضياع: " لي منه الخمس مما يفضل عن

(1) الإنتصار: 86.
(2) مجمع الفائدة 4: 317.
(3) المعتبر 2: 627.
(4) المدارك 5: 385، وفيه: مذهب الأصحاب.
(5) المنتهى 1: 550، وفيه: ذهب إليه علماؤنا.
(6) ذخيرة المعاد: 483، وفيه: مذهب الأصحاب.
(7) شرح المفاتيح (مخطوط): 95.
(8) في هامش " م ": بعد (ظ).
(9) الوسائل 6: 354، الباب 12 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1 و 2.
(10) ليس في " ج ": له.
(11) في " ف " و " م ": ما.
(12) في الصفحة: 182.
199

مؤونته " فإنها صريحة في مؤونة الشخص لا في مؤونة تحصيل
الحنطة.
ومثل قوله في رواية الأشعري المتقدمة (1): " الخمس بعد
المؤونة " فإن ملاحظة السؤال تدل على إرادة مؤونة الشخص، لأن
كثيرا من الاستفادات والصنائع لا يحتاج تحصيلها إلى أزيد من
مؤونة الشخص.
ومثل قوله في رواية علي بن راشد: " إذا أمكنهم بعد مؤونتهم " (2).
ومثل قوله عليه السلام في مكاتبة الهمداني التي قرأها ابن مهزيار
الواردة في خمس الضيعة: " عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله
وبعد خراج السلطان " (3)، وقريب منها مكاتبة ابن مهزيار
الطويلة (4).
المتبادر: مؤونة
السنة
ثم إن المتبادر من مؤونة الشخص عند الاطلاق مؤونة السنة له،
كما يقال: فلأن كسبه لا يفي بمؤونته، مع أن الاجماع على استثناء (5) مؤونة
السنة محكي (6) عن صريح السرائر (7)، وظاهر الانتصار (8) والخلاف (9)

(1) في الصفحة: 182.
(2) الوسائل 6: 349، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(3) نفس المصدر، الحديث 4.
(4) نفس المصدر، الحديث 5.
(5) ليس في " ج ": استثناء.
(6) في " ف ": يحكى.
(7) السرائر 1: 489.
(8) الإنتصار: 86.
(9) الخلاف 2: 118، كتاب الخمس، المسألة: 139.
200

والتذكرة (1) والمنتهى (2) ومجمع الفائدة (3) والمدارك (4) والذخيرة (5).
مبدأ السنة
ومبدأ السنة من حين ظهور الربح - كما صرح به - أو التكسب.
المراد بالمؤونة
والمراد بالمؤونة: كل ما ينفقه على نفسه وعلى عياله وعلى غيرهم،
للأكل والشرب واللباس والمسكن والتزويج والخادم وأثاث البيت والكتب،
وغير ذلك مما يعد مؤونة عرفا.
وفي الغنائم (6): إن الظاهر أن تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في
المعاش من المؤونة كاشتراء الضيعة لأجل المستغل.
عدم اشتراط
التمكن من
تحصيل الربح
فعلا
والظاهر أنه لا يشترط التمكن من تحصيل الربح منه بالفعل، فيجوز
صرف شئ من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرها ولو بعد سنين،
وكذلك اقتناء إناث أولاد الأنعام لذلك. وقد قيد ذلك (7) في بعض الفتاوى
ومعاقد الاجماع بالاقتصاد، فإن أريد به (8) ما يقابل الاسراف فلا مضايقة،
وإن أريد به التوسط ففي اعتباره نظر، بل يمكن التأمل في بعض أفراد
الاسراف إذا لم يصدق معه عرفا إضاعة المال، وإن كان شرعا كذلك،
لدخوله عرفا في المؤونة، لكن الأقوى خلافه.
ثم إنه قد عد جماعة من المؤونة: الهبة والصلة والضيافة اللائقة

(1) التذكرة 1: 253.
(2) المنتهى 1: 550.
(3) مجمع الفائدة 4: 317.
(4) المدارك 5: 385.
(5) الذخيرة: 483.
(6) الغنائم: 371.
(7) في " ف ": بذلك.
(8) ليس في " ف ": به.
201

بحاله (1). واستقرب سيد مشايخنا في المناهل (2) التفصيل بين ما إذا كان
لازما عليه شرعا أو عادة، وبين ما يكون مخيرا فيه، فلا يكون واجبا
شرعا (3) ولا عادة، فاستقرب عدم وضع ما كان (4) من قبيل الثاني.
وفيه نظر، بل لا يبعد الوضع إذا كان لغرض صحيح في نظر
العقلاء يوجب استحسان وقوعه منه، وإن لم يبلغ حد اللزوم عادة،
والأصل في ذلك أن إطلاق المؤونة منصرف إلى المتعارف، فيختص
بما يحتاج إليه الشخص في إقامة نظام معاشه ومعاده على وجه التكميل
الغير الخارج عن المتعارف بالنسبة إليه، فيستثنى لأداني (5) الأغنياء من
حيث الغنى والشرف، الصدقات المندوبة المتعارفة، لا مثل (6) بناء
المساجد فضلا عن الهدايا والتحف للسلاطين لغير غرض ملزم، وإن كان
حسنا.
حكم ما يستدان
عام الاكتساب
ثم إنه لا إشكال ولا خلاف ظاهرا في أن مقابل الدين الذي يستدينه
عام الاكتساب تابع لما يصرف فيه. فإن صرف في مؤونة أصل الاكتساب
أو لمؤونة نفسه بالمعنى المتقدم (7) فهو مستثنى من الربح، ووجهه واضح، وإن

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 464، والسيد السند في المدارك 5: 385،
والمحقق السبزواري في الذخيرة: 483، وصاحب الجواهر في الجواهر 16: 59،
وغيرهم.
(2) المناهل: (مخطوط) لم نعثر على التفصيل بعينه ولعله يستفاد من كلامه.
(3) ليس في " ف ": شرعا.
(4) في " ف " و " م ": ما يكون.
(5) في " ف ": الأواني.
(6) الموجود في " ع ": والتصدقات المندوبة المتعارف لا مثال بناء..
(7) في الصفحة السابقة.
202

كان لغير ذلك مما لو (1) أخرجه من الربح لم يحسب من المؤونة، كاشتراء
ضيعة، فظاهر جماعة استثنائه (2) حيث قيدوا الدين المقارن بالحاجة
إليه، وهو مشكل، لأن إبراء الذمة من الدين محسوب من المؤونة عرفا، وإن
كانت الاستدانة لا للحاجة، بل ولو كان لمحرم (3)، ولذا يجب أداء الدين
السابق من مؤونة هذه السنة، وإن لم يكن لمؤونة هذه السنة.
الدين السابق
على عام
الاكتساب
وأما الدين السابق على عام الاكتساب، فإن كان لمؤونة عام
الاكتساب فهو للمقارن، وإلا (4) فإن لم يتمكن من وفائه إلا في هذا العام (5)،
أو تمكن ولم يؤد مع عدم بقاء مقابله إلى هذا العام، أو مع بقائه واحتياجه
إلى ذلك المقابل، بحيث لو أداه سابقا احتاج إلى تحصيله في هذا العام،
فالظاهر أنه كذلك، لأنه من المؤونة، وإن تمكن من وفائه قبل هذا، وكان
الوفاء باقيا إلى هذا العام، مع عدم الاحتياج إليه في نظام أمره، ففي
احتسابه من المؤونة وإن قلنا بورود المؤونة على الربح دون غيره مما
لا يتعلق به الخمس إشكال، لعدم وضوح كونه من مؤونة هذه السنة وإن
وجب إخراجه فيها.
ما يخرج منه
المؤونة
ولو كان للشخص مال لا يتعلق به الخمس، ففي وجوب إخراج
المؤونة منه، أو من الربح، أو منهما، أوجه، بل قيل: أقوال، خيرها أوسطها

(1) ليس في " ج ": لو.
(2) لم نقف عليه.
(3) في " ج ": لا للحاجة وإن كان لمحرم.
(4) في " ف ": كالمقارن وإلا، وفي " ج ": سواء كالمقارن أو لا.
(5) في " ف ": المقام.
203

- وفاقا للشهيد (1) والمحقق (2) الثانيين، وصاحبي المدارك (3) والذخيرة (4)
وشارح المفاتيح (5)، بل هو مقتضى ظاهر كل من عبر عن (6) عنوان هذا القسم
في فتواه أو معقد إجماعه بما يفضل من الأرباح عن مؤونة السنة - لأصالة
البراءة، ولأنه الظاهر من قوله: " الخمس بعد المؤونة " (7) بل هو مقتضى
إطلاق المؤونة الشامل لمؤونة التحصيل، إذ لا خلاف ظاهرا في أن مؤونة
التحصيل مستثنى من الربح لا غير، ولقوله عليه السلام في رواية النيسابوري
المتقدمة (8) الواردة فيما بقي من أكرار الحنطة بعد إخراج العشر ومؤونة
الضيعة، حيث قال: " لي منه الخمس، مما يفضل عن مؤونته " (9) فإن الظاهر
أن قوله: " مما " بيان لقوله: " منه " مضافا إلى ترك الاستفصال في الجواب،
ولظاهر قوله في مكاتبة ابن مهزيار الطويلة: " ومن كانت ضيعته لا تقوم
بمؤونته، فليس عليهم نصف السدس.. الخ " (10).
التحقيق
في المسألة
والتحقيق: أنه إن كان المال الآخر مما يحتاج إليه في الاكتساب،
كرأس المال في التجارة، وما يحتاج إليه في الزراعة، فلا ينبغي الاشكال في
عدم كون المؤونة منه، وكذا لو كان مما لا يحتاج ولكن لم تجر العادة بالانفاق

(1) الروضة البهية 2: 77.
(2) جامع المقاصد 3: 53، وحاشية الإرشاد (مخطوط): 99.
(3) مدارك الأحكام 5: 385.
(4) ذخيرة المعاد: 484.
(5) شرح المفاتيح: (مخطوط): 95.
(6) ليس في " ف ": عن.
(7) الوسائل 6: 354، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(8) في الصفحة: 182.
(9) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
(10) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ذيل الحديث 5.
204

منه (1)، كدار لا يحتاج إليها، وكزائد (2) عن مقدار الحاجة من رأس المال،
فالظاهر إنه كذلك أيضا.
وإن كان مما جرت العادة بصرفه في المؤونة، كمقدار من الحنطة،
أو الإدام، أو نحو ذلك فالظاهر عدم وضع ما قابله من الربح، بل المؤونة (3)
عرفا ما يحتاج إليه مما عدا ذلك، ولذا يكتفى بالدار الموروثة ونحوها.
وإن لم تجر عادة في صرفها، ففيه (4) إشكال، نظرا إلى أن جميع ما ذكر
للقول الأول لا يخلو عن مناقشة، لقوة احتمال ورود الجميع مورد الغالب من
الاحتياج إلى أخذ المؤونة من الربح، لانحصار المأخذ فيه.
فالتمسك بمثل هذه الاطلاقات في الخروج عن إطلاقات الخمس
مشكل، بل الظاهر من كثير من الأخبار وجوب تخميس أصل ما يستفاد،
كما هو مقتضى أمثال قوله في الرواية المتقدمة: أن " الخياط ليخيط الثوب
بخمسة دوانيق فلنا منه دانق " (5) وقوله في رواية ابن طاووس (6) المتقدمة:
" ولقد يسر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحدا
وأكلوا أربعة " (7) إلى غير ذلك، فيكون وضع المؤونة رخصة مشروعة لدفع

(1) ليس في " ف ": منه.
(2) في " م ": وكالزائد.
(3) في " ج ": من المؤونة.
(4) في " ف ": فيه.
(5) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8، وفيه:
" قميصا " بدل " الثوب "، وقد تقدمت في الصفحة: 175.
(6) كذا في جميع النسخ، والصحيح: في رواية بصائر الدرجات.
(7) الوسائل 6: 338، الباب الأول من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6، وقد
تقدمت في الصفحة: 181.
205

الضرر ومشقة التكليف.
والمسألة محل إشكال، إلا أن الأصل والظاهر - يعني ظاهر النصوص
والفتاوى - يقتضي القول الأوسط (1)، خلافا للمحقق الأردبيلي والفاضل
القمي في الغنائم (2) فختارا الأول.
[لكن عبارة الأردبيلي غير مطلقة، حيث قال فيما حكي عنه:
الظاهر أن اعتبار المؤونة من الأرباح إنما هو على تقدير عدم غيرها،
فلو كان عنده ما يمون به من الأموال التي تصرف في المؤونة عادة، فالظاهر
عدم اعتبارها مما فيه الخمس (3).
والظاهر أنه احترز عن الأموال (4) التي لا تصرف عادة في المؤونة،
كأصل المال في التجارة وإن كان كثيرا يكفيه التجارة ببعضه، ونحو ذلك،
وقد صرح الثاني باختصاص الاشكال بالمال (5) المستعد للصرف، دون
مثل رأس المال] (6). ولم (7) أقف على قائل بالثالث، ولعل وجهه: أن تخصيص
المؤونة بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح، فيؤخذ منهما (8) بالنسبة.
عدم وضع
المؤونة لو
تبرع بها متبرع
ولو تبرع بمؤونته فالظاهر عدم وضع مقدار المؤونة،

(1) كذا في مصححة " ع "، وفي سائر النسخ: الأول.
(2) الغنائم: 370.
(3) مجمع الفائدة 4: 318.
(4) في " ف ": به من الأموال.
(5) في " ف " و " م ": في المال.
(6) ورد ما بين المعقوفتين في نسخة " م " قبل قوله في الصفحة السابقة: فالتمسك بمثل
هذه الاطلاقات.. الخ.
(7) شطب ناسخ " م " على هذه العبارة إلى قوله: فيؤخذ منهما بالنسبة.
(8) في " ف ": منها.
206

لما سيجئ (1) من أن العبرة بما ينفقه فعلا، بل كذلك لو اختار المؤونة كلا
أو بعضا من المال الآخر الغير المخمس، فليس له الاندار (2) من الربح.
وما تقدم (3) من اختيار إخراج المؤونة من الربح فمعناه جواز الاخراج من
الربح، لا استثناء مقابل المؤونة من الربح وإن أخرجها من غيره، أو أسقطها
مسقط تبرعا. أو تركها الشخص تقتيرا. وقولهم: إن الخمس فيما يفضل،
معناه: ما يفضل عما ينفقه فعلا لا ما عدا مقابل المؤونة.
ثم إنك قد عرفت أنه لو أسرف في المؤونة احتسب (4) عليه، لأن
المستثنى هي المؤونة المتعارفة، فما أتلفه أو أضاعه، فعليه ما فيه من
حق السادة.
وقد صرح العلامة (5) والشهيدان (6) والمحقق الثاني (7) بأنه لو قتر
حسب له، بل استظهر في المناهل (8) عدم الخلاف فيه، ولعله لما مر في
الاسراف من أن المستثنى هي المؤونة المتعارفة، فالخمس إنما يتعلق بما عداها،
فمن كانت (9) مؤونته المتعارفة مائة فالمستثنى من الربح هي المائة، سواء أنفقها
أم زاد عليها، أم نقص منها.

(1) في الصفحة: الآتية.
(2) أندره: أي أسقطه من الحساب، انظر الصحاح 2: 825، مادة: " ندر ".
(3) في الصفحة: 203.
(4) في " ف ": حسب.
(5) التذكرة 1: 253.
(6) الدروس 1: 285، الروضة البهية 2: 76.
(7) حاشية الشرائع (مخطوط): 52، وحاشية الإرشاد (مخطوط): 99.
(8) المناهل: (مخطوط) ذيل " التنبيه العشرون " من تنبيهات خمس الأرباح، وفيه:
لظهور الاتفاق عليه.
(9) في " م ": كان.
207

العبرة بما
يصرف فعلا
وفيه إشكال، لأن الظاهر من المؤونة في الأخبار ما أنفق بالفعل على
غير وجه الاسراف، وليس المراد منه مقدار المؤونة المتعارفة حتى لا يتعلق
بها (1) الخمس، سواء صرفت أم لم تصرف، فقولهم في فتاويهم ومعاقد
إجماعهم: " ما يفضل عن مؤونة السنة " ما يبقى بعد صرف ما صرف في
المؤونة المتعارفة، لا ما عدا مقدار المؤونة المتعارفة، لأن المؤونة المتعارفة
تختلف باختلاف الانفاقات، وليس أمرا منضبطا حتى يلاحظ استثناؤه، فكل
ما وقع منها في الخارج فهو منها.
نعم، لو أراد وضع المؤونة قبل صرفها (2)، فله وضع ما يعلم أو يظن
أنه سينفق بالمتعارف هذا المقدار، فإن اتفق أنه لم ينفق الجميع - ولو تبرع
متبرع كما سبق - فنقول بوجوب الخمس في الباقي، فالمؤونة هنا نظير مؤونة
التحصيل في الأرباح وغيرها، فكما أن العبرة بما يصرفه فعلا ولو على وجه
الدقة والمضايقة، ولا يحسب له التفاوت الحاصل بينه وبين المتعارف الوسط،
ولا يوضع له ما يقابل تبرع المتبرع، فكذا هنا، ولذا تأمل في ذلك المقدس
الأردبيلي (3)، وبعده جمال الدين الخوانساري (4)، بل صرح في كشف الغطاء (5)
باختيار العدم، وهو الأقوى، مضافا إلى عموم أدلة الخمس فيما يستفاد،
والمتيقن (6) خروج ما بذل فعلا، وحينئذ فالتقييد بالاقتصاد للاحتراز عن

(1) في " ف ": به.
(2) ليس في " ف " عبارة: قبل صرفها.
(3) مجمع الفائدة 4: 318.
(4) حاشية الروضة: 314.
(5) كشف الغطاء: 362.
(6) في " ف ": والمنفي.
208

الاسراف في الانفاق.
عدم اعتبار
الحول في
فاضل المؤونة
ثم إن الحول غير معتبر هنا على المشهور، فيجب الخمس فيما يفضل
عن المؤونة من الربح عند حصوله.
عن الحلي
" قده " انتظار
الحول
وعن الحلي وجوب انتظار الحول متمسكا بما دل من النص والاجماع
على أن الخمس بعد مؤونة الرجل طول سنته، فإذا فضل بعد ذلك شئ
أخرج منه الخمس من قليله وكثيره، قال: وأيضا فالمؤونة لا يعلمها
ولا يعلم كميتها إلا بعد مضي (1) سنته. لأنه ربما ولدت له الأولاد وتزوج
الأزواج (2)، أو انهدمت داره ومسكنه، أو ماتت دابته التي يحتاج إليها،
أو اشترى خادما يحتاج إليه، أو دابة يحتاج إليها، إلى غير ذلك مما يطول
تعداده (3)، والقديم تعالى ما كلف إلا بعد هذا جميعه، ولا أوجب عليه شيئا
إلا فيما يفضل عن هذا جميعه طول السنة (4) إنتهى.
مناقشة
الحلي " قده "
وفيه: أن المراد بالبعدية في النصوص والفتاوى ليس التأخر من
حيث الزمان، حتى يكون معناه توقيت وجوب إخراج الخمس بما
بعد زمان صرف المؤونة، كيف! ولو كان كذلك لوجب بعد السنة
صرف خمس تمام الربح، فتعين أن يكون المراد تأخر تعلق الخمس
بالمال من حيث إضافته إليه وثبوته فيه عن تعلق المؤونة بهذا
الاعتبار، بمعنى أنه لا يتعلق في مال، إخراج الخمس والمؤونة منه (5)

(1) في " م ": مضي سنة.
(2) في السرائر: أو تزوج الزوجات.
(3) في السرائر: تعداده وذكره.
(4) السرائر 1: 489، وفيه: طول سنته.
(5) في " ف ": فيه.
209

كليهما، فلا يكون في الربح الذي يكون ألفا، الخمس أعني مائتين.
والمؤونة أعني خمسمائة مثلا، بل يلاحظ تعلق الخمس بالمال بعد تعلق
إخراج المؤونة (1) به.
ولازم ذلك إضافة الخمس إلى ما يبقى بعد المؤونة، فلا يجوز أن
يضاف الخمس إلى أصل الربح، لأن المؤونة مضافة إليه، والمفروض عدم
اجتماعهما في الإضافة والتعلق، وهذا لا دخل له بزمان إخراج الخمس
بالإضافة إلى زمان إخراج المؤونة.
ولما كان هذا المعنى مرادا من هذه العبارة الواردة في الفتاوى
والنصوص ومعاقد الاجماع اتفاقا حتى من الحلي (2)، لم يمكن إرادة المعنى
الأول وهو التأخر (3) من حيث زمان، وإلا لزم استعمال اللفظ في المعنيين،
فافهم.
وأما ما ذكره من عدم العلم بكمية المؤونة، ففيه: مع أنه لا استحالة
في حصول العلم بكمية المؤونة، أو الظن المعتبر ولو بضميمة أصالة عدم
حدوث (4) مؤونة أخرى، أن عدم العلم بها لا يوجب عدم تنجز الوجوب في
الواقع، غاية الأمر تزلزله في الظاهر، وكونه مراعى بعدم حدوث مؤونة
أخرى، وهذا غير اعتبار الحول فيه.
نعم، قد يشكل الأمر من جهة عدم العلم بكون ما يدفعه خمسا، إذ
لعله لا يبقى فاضل عن المؤونة إلا أن يدفع ذلك بالتمسك بأصالة عدم

(1) في " ف ": مؤونته.
(2) تقدم في الصفحة السابقة.
(3) في " ف ": المتأخر.
(4) في " ف ": حصول.
210

حدوث سبب آخر.
تبين زيادة
المؤونة بعد دفع
الخمس
ثم لو دفع الخمس وتبين زيادة المؤونة، ففي ظاهر المسالك (1) وحاشية
الإرشاد (2): أنه يذهب على المالك، ولعله (3) إنما دفعه خمسا بناء على أصالة
عدم حدوث مؤونة أخرى، فيملكه الآخذ، فلا وجه لاسترداد الزائد وإن
بقي عينه.
بل يمكن أن يقال: إن مقتضى قولهم: يجوز تأخير الخمس احتياطا
للمكلف، هو تعلقه واقعا بالمستفاد في أول استفادته بعد إخراج مؤونته منه (4)
بحسب ملاحظة حاله في ذلك الوقت، وإنما صار (5) موسعا إلى آخر الحول
غبطة للمكلف، فكل جزء من الوقت يريد إخراجه (6) يلاحظ المؤونة بحسب
ذلك الجزء من الوقت، وليس معنى ذلك أن تجدد المؤونة يكشف عن عدم
تعلق الخمس به في أول الوقت، إذ الاحتياط للمالك حينئذ في مقابلة تعسر
استرداده من المستحق، وهو مما لا ينبغي ملاحظته وجعله (7) احتياطا، بل
الظاهر من الاحتياط للمالك عدم خسارته بأن يذهب عليه الخمس، مع أن
اللازم على هذا عدم جواز التأخير إذا لم يتحقق الاحتياط، بأن يعلم بعدم
تجدد المؤونة والخسارة.

(1) المسالك 1: 468.
(2) حاشية الإرشاد (مخطوط): 100.
(3) في " ف " و " م ": ولعله لأنه.
(4) في " ف " و " م ": عنه.
(5) في " ف ": جاز.
(6) في هامش " م ": اخراجه فيه (ظ).
(7) ليس في " ف ": جعله.
211

وبما ذكرنا يندفع ما يورد على ما ذكره الشهيد والمحقق الثانيان (1).
أولا: بالنقض بما لو دفع الزكاة على تقدير سلامته فبان تالفا، وقد مر
الحكم بالاسترداد مع بقاء العين أو احتسابه من زكاة مال آخر مع البقاء
والتلف إذا تلف ولم يكن القابض عالما بالحال.
وثانيا: بأن زيادة المؤونة تكشف عن نقص الخمس، لأنه إنما يجب
بعد المؤونة، فالواجب في هذه السنة - واقعا - خمس الفاضل عن المؤونة
الواقعية، لا ما أعتقده مؤونة.
ويمكن دفعه: بأن وضع المؤونة من باب الرخصة للمالك، كما يستفاد
من الأخبار، فإذا أقدم المالك على الدفع من الابتداء تعويلا على أصالة عدم
مؤونة أخرى فلا يجوز له الاسترداد، ومنه يظهر الفرق بينه وبين مسألة
الزكاة، فإن المدفوع على تقدير تلف المال ليس زكاة له.
لكن الانصاف: أن ما ذكراه لا يخلو عن نظر ومنع، وسيأتي بيان في
آخر مسألة المكاسب.
تعلق الوجوب
بظهور الربح
ثم إن الظاهر تعلق الوجوب بمجرد ظهور الربح من غير حاجة إلى
الانضاض، لصدق الاستفادة بمجرد ذلك.
هل تجبر
الخسارة
بالربح؟
ولو خسر وربح، فالظاهر جبران الخسارة بالربح إذا اتفقا في تجارة
واحدة، بأن أخذ شيئين صفقة، فربح في أحدهما وخسر في الآخر.
ولو كانا في مال واحد في تجارتين، فإن كان كلاهما متعاقبين في مال
واحد، فالظاهر أيضا الجبران، وذهب بعض مشايخنا (2) إلى عدم جبر (3)

(1) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(2) الجواهر 16: 61.
(3) في " ف ": جبران.
212

الربح المتأخر للخسارة المتقدمة، وله وجه على مذهبه: من (1) أن مبدأ الحول
ظهور الربح (2) إن أراد الخسارة المتقدمة على الربح الأول، كما هو ظاهر، إذ
المتعقب للربح منجبر بالربح المتقدم، ولا يحتاج إلى الانجبار بالمتأخر.
ولو كانا في مالين ففي الجبران إشكال، أقربه ذلك (3)، كما قطع بالجبران
في الدروس (4)، وعلله بعض (5): بأن المناط الأرباح الحاصلة في تجارة كل
عام لا في خصوص كل مال.
وأما التالف من المال فلا يجبر بالربح قطعا، لأن التلف لا يمنع صدق
الاستفادة على الربح، وجبر التالف ليس من المؤونة.

(1) في " ج ": مع.
(2) انظر الجواهر 16: 80.
(3) ليس في " ف ": أقربه ذلك.
(4) الدروس 1: 259.
(5) لم نقف عليه.
213

مسألة
[11]
استثناء مؤونة
الحج
لا إشكال في أن مؤونة الحج من المستثنى إذا وجب عام الاكتساب
ولو حصلت الاستطاعة من فضلات سنين متعددة وجب في كل سنة
إخراج خمس ما فضل، لسبق تعلق الخمس على وجوب الحج، وهذا بخلاف
غير الحج من الواجبات الشرعية والعرفية التي يجب تحصيل الاستطاعة لها
كالكفارات والغرامات وشراء الدار ونحوها مما يلزم عرفا، فإن ما يفضل
عن مؤونة سنته وإن لم يف بتحصيل ذلك الأمر اللازم إلا أن حفظه ليضم
إليه ما يفضل عنه في سنة أخرى فيحصل (1) ذلك الأمر اللازم، معدود عرفا
من المؤونة.
والأقوى إخراج مؤونة الحج من ربح عام الاكتساب، وإن حصل
معظم الاستطاعة من الفواضل السابقة، بناء على ما اخترناه من إخراج

(1) كذا في " ف " وفي سائر النسخ: فمحصل.
214

المؤونة من الربح وإن كان له مال آخر.
من فاته الحج
عام الاستطاعة
ولو فاته الحج في عام الاستطاعة، فإن كان لعذر فلا يستثنى مؤونته،
وإن كان عمدا عصيانا فهل هو بمنزلة التقتير، يحسب له أم لا؟
الأقوى: العدم لما مر من اعتبار الفعلية في الانفاق دون الشأنية.
المراد من العام
ومبدئه
ثم إن الأظهر في الروايات والفتاوى أن المراد بالعام هو العام الذي
يضاف إليه الربح عرفا ويلاحظ المؤونة بالنسبة إليه [وأما مبدأ حول المؤونة
فيما يحصل بالاكتساب: هو زمان الشروع في التكسب، وفيما لا يحصل بقصد
واختيار - لو قلنا به - زمان حصوله، خلافا (1) في الأول فجعلوه زمان ظهور
الربح، بل جعله بعضهم زمان حصوله.
أما الأول: فلأن المتعارف وضع مؤونة زمان الشروع في الاكتساب
من الربح المكتسب] (2) فالزارع عام زراعته الشتوية من أول الشتاء، وهو
زمان الشروع في الزرع، ويلاحظ المؤونة ويأخذ من فائدة الزرع مؤونة
أول أزمنة الاشتغال به إلى آخر الحول.
وأما الثاني: فلأن نسبة الأزمنة السابقة إليه على السواء، فلا وجه لعد
بعضها من سنته، بل السنة من حين ظهوره.
مبدأ الحول
تابع للعرف
والحاصل: أن مبدأ الحول تابع لما تعارف بين الناس في إضافة الربح
إليه وإخراج مؤونته من ذلك الربح، فمثل الزارع والتاجر والصانع إنما
يأخذون من مستفادهم مؤونة حول الاشتغال، فتراهم ينفقون على الربح
المرجو ويستدينون عليه، بل قد يكون ظهور الربح في آخر السنة

(1) كذا في النسختين، ولعل الأصح: وفي الأول خلاف فجعلوه.
(2) ما بين المعقوفتين من " ع " و " ج ".
215

كما سيجئ، فإن أداء ثمن الطعام ونحوه من الضروريات من الربح الحاصل
بعد إخراج المؤونة منه. فاندفع ما توهمه بعضهم من أن الأمر بوضع مؤونة
العام من الربح لا يتحقق إلا بأن يتأخر العام عن الربح، فلا بد أن يكون
مبدؤه حين ظهوره، وفساده يعرف مما عرفت، بل من ملاحظة العرف في
صناعاتهم.
ولو فرضنا أنه تعارف في شئ أخذ مؤونة حول ما بعد حصوله،
كان هو المتبع، مثل من يؤجر ضيعته بمقدار من حاصلها، فإن الظاهر أن
المتعارف في مثله أن يؤخذ من الحاصل مؤونة سنته المستقبلة.
مبدأ الحول
حين الفائدة
لو لم يكن عرف
وبالجملة: فالمراد بالحول الربح وهو يختلف، فقد يكون زمان
ظهور الربح أول الحول، وقد يكون وسطه، وقد يكون آخره. نعم، لو
لم يكن تعارف، فمدة الحول من حين وجود الفائدة، لأن نسبة الأزمنة
السابقة إليه على السواء، فلا وجه لعد بعضها من حوله كما لا يخفى، فإطلاق
عبارة الدروس: أن مبدأ الحول الشروع في التكسب (1) مختص بالمكاسب
المتعارفة، مثل الأمثلة المتقدمة.
الثمرة بين
القولين
ثم إن الثمرة بين القولين المذكورين مما لا يخفى، فإن حول الزراعة من
أول الشتاء - الذي هو أول زمان الاشتغال به - إلى أول شتاء آخر على
المختار، ومن أول الصيف - وهو زمان حصول الربح - إلى أول الصيف، فقد
تتفاوت المؤونة فيهما. نعم، لو استدان في أول الشتاء دينا كان أداؤه من
المؤونة على القولين، أما على المختار فلأنه بعض الحول، وأما على غيره
فلأن الدين السابق من المؤونة.

(1) الدروس 1: 259.
216

الربح
التدريجي مع
اتحاد زمان
التكسب
واختلافه
ثم إنه إذا حصل ربح بعد ربح، فإن اتحد زمان التكسب لهما
فلا إشكال على المختار من اتحاد أولهما في اتحاد آخرهما، حتى أنه لو اتفق
حصول أرباح متعاقبة مترتبة على التكسب الذي شرع فيه أول رمضان،
واتفق حصول الأخير منها في رمضان المقبل، كانت آخر السنة آخر حولها،
ولا يجوز أن يوضع منه مؤونة العام المستقبل، كما لو زرع من الخضروات
ما له لقطات متعددة، أو زرع منها أو من الحبوب أجناسا متعددة تحصل في
أزمنة متعاقبة.
فإن اختلف زمان التكسب، فمبدأ حول كل ربح زمان الشروع في
تكسبه، والمؤونة في الزمان المشترك بينهما موزع عليهما، ويختص كل بمؤونة
زمانه المختص به، فإذا شرع في أول الشتاء بزراعة الحنطة والشعير، وفي
أول الصيف بزراعة الزرع الصيفي كان مؤونته من أول الشتاء إلى أول
الصيف، مخرجه من فائدة زرعه الشتوي، ومن أول الصيف إلى أول الشتاء
الآخر موزعة على كلا الزرعين، ويخرج حينئذ خمس الشتوي لتمام سنته منه
إلى أول الصيف الآخر مخرجة من الصيفي ويخرج حينئذ خمس الصيفي
لانقضاء حوله.
هذا هو الذي يقتضيه النظر الجليل في الأخبار، حيث إن المستفاد منها
وجوب الخمس في كل مستفاد، وبعد تقييد ذلك بما بعد المؤونة يصير
الحاصل إن كل مستفاد فيه الخمس بعد إخراج مؤونة السنة منه.
لكن لا ريب أن مراعاة هذا قد يؤدي إلى الحرج الشديد كما
لو أكتسب كل يوم شيئا، بل كل ساعة شيئا، فإن مراعاة حول مستقل لكل
ربح جديد متعذر أو قريب منه، وهو منفي بالعقل والنقل، مضافا إلى السيرة
القطعية، ومع ذلك كله فهو موقوف على كون كل ربح ربح موضوعا وموردا
217

للخمس في أخبار المكاسب، حتى يقال: إن كل ربح، وكل فائدة فيها
الخمس بعد وضع المؤونة منها، وهو ممنوع، بل ظاهر قوله عليه السلام: " الخمس
بعد المؤونة " (1) - بعد سؤال السائل بقوله: هل الخمس على جميع ما يستفيد
الرجل من جميع الضروب وعلى الصانع؟ (2) - أن المراد بالمؤونة مؤونة سنة
التحصيل والصناعة، فيكون جميع ما يستفاد من أول التكسب إلى تمام
السنة، كمستفاد واحد يخرج الخمس مما فضل منه عن المؤونة (3).
وأظهر من ذلك رواية علي بن راشد المتقدمة (4) الدالة على وجوب
الخمس في المتاجر والصنائع بعد وضع المؤونة، فإن وحدة المؤونة الموضوعة
من التجارة والصناعة مع حصول الأرباح المتدرجة تدل على أن المستثنى
من الجميع مؤونة واحدة، ولا يكون إلا بأن يكون لها (5) سنة واحدة.
وكذلك الرواية المتقدمة (6) في استثناء مؤونة الضيعة، فإن الأرباح
الحاصلة من الضيعة قد تكون تدريجية فاستثناء مؤونة واحدة تدل على أن
للمجموع سنة واحدة، أولها أول الشروع في الاسترباح، أو ظهور الربح على
الخلاف المتقدم، مع أن المتعارف بين الناس في الأرباح التدريجية عدم
تقسيط المؤونة عليها، بل يصرف الربح الحاصل، الأول فالأول في المؤونة،
فما بقي بأيديهم في آخر السنة من الربح الحاصل أخيرا يعدونه مستفاد سنتهم

(1) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
(2) في " ف ": الصنائع، وفي المصدر: الصناع.
(3) في " ف ": عنه من المؤونة.
(4) في الصفحة 200.
(5) في " ع " و " ج ": لهما.
(6) في الصفحة 204.
218

الماضية، فلا وجه لاستثناء المؤونة المستقبلة منه، لما عرفت من أن العبرة
بحول الربح، فهذا في الحقيقة يرجع إلى القسم الأول، فيكون زمان الشروع
في التكسب في جميع الأرباح المتعددة (1) متحدا، فالأرباح المتعاقبة بمنزلة
الأرباح المتعددة الحاصلة في زمان واحد، ولهذا (2) لا يفرق العرف بين صرف
مجموع أحدهما في المؤونة، وبين توزيع المؤونة على الكل في إطلاق ربح العام
على الباقي.
الأرباح التي لها
جامع عرفا
ثم إن ما ذكرنا واضح فيما لو كانت الاستفادات المتعددة عرفا (3) بمنزلة
استفادة واحدة، كالمستفاد للتجار (4) والصناع المستمرين على شغلهم طول
الحول، فإن متعلق الخمس فيها شئ واحد عرفا، وهو الحاصل من مجموع
الاستفادات، وهذا هو المقيد بما بعد المؤونة، فالمراد سنة هذا الأمر الواحد.
الأرباح التي لا
جامع لها عرفا
وأما (5) الاستفادات المتعددة التي ليس لها (6) جامع واحد، فتقرير
المطلب فيها يحتاج إلى التفطن فيما نحن فيه لأمر آخر وهو: أن مثل الآية
الشريفة: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) (7) وقوله عليه السلام - في
موثقة سماعة -: " الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل وكثير " (8) لا ريب في
إفادته للعموم بالنسبة إلى أفراد المستفاد والمغنوم، وهل هو بالنسبة إلى أفراد

(1) في " ف ": المتجددة.
(2) في " ف ": ولذا.
(3) ليس في " ع " و " ج ": عرفا.
(4) في " ع " و " ج ": للتجارة.
(5) في " ف ": وأما في.
(6) في " ف ": بينها.
(7) الأنفال: 41.
(8) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
219

قولان في
المسألة
الاستفادة أيضا عام؟ بمعنى أن كل مستفاد باستفادة مستقلة يتعلق به
الخمس، فإذا استفاد عشرة دراهم فيتعلق بها الخمس، وإذا استفاد عشرة
أخر ففيه أيضا الخمس، فيكون هذان المستفادان فردين من العام تعلق بكل
منهما حكم مستقل بلحاظ مستقل (1)، أو أنه ليس كذلك، بل بعد استفادة
العشرة الثانية يصير المستفاد عشرين ويتعلق به الخمس بهذا الاعتبار، فهو
فرد واحد للموصول (2) في الآية والرواية.
فإن قلنا بالأول، فتقييد الحكم بما بعد مؤونة سنة الربح لا بد أن
يلاحظ بالنسبة إلى كل منهما، فيحصل لكل منهما عام مستقل باعتبار ما
استثنى منه من المؤونة، فإذا اتفق اشتراكهما في تمام السنة، أو في بعضها
فلا بد أن يوزع مؤونة الزمان المشترك بينهما.
وإن قلنا بالثاني، فالمقيد هو المجموع المستفاد بالاستفادتين، فلا يعتبر
فيه إلا سنة هذا المجموع، فيستثنى مؤونتها (3) من هذا المستفاد الواحد
باستفادتين، ويخمس الباقي، وحيث إن الظاهر للمتأمل في الأخبار هو الوجه
الثاني كان حكمه ما ذكرنا.
وجه الظهور
القول الثاني
من الأخبار
وجه الظهور: أن جملة الموصول في الآية والرواية للجنس، فالوحدة
والتعدد غير ملحوظ فيه، فالمراد بالموصول مجموع الحاصل بالاستفادات
المتعددة، ولذا (4) لو استفاد عشرين درهما بأربعين، استفاد كل مرة نصف
درهم، يصدق عليه أنه استفاد عشرين.

(1) ليس في " ج " و " ع ": مستقل.
(2) في " ف ": للموجود.
(3) في " ج ": ما مؤونتها.
(4) في " ف ": وكذا.
220

الايراد على
القول الثاني و
جوابه
فإن قلت: الحكم بوجوب الخمس يتعلق بالمستفاد الأولى
لا محالة، لتحقق الجنس، وتقييد هذا الحكم بما بعد وضع مؤونة سنة،
فالاستفادة الثانية أيضا سبب مستقل، لثبوت الحكم أيضا فيما أستفيد بتلك
الاستفادة، فيتعدد (1) الحكم ويقيد كل منهما بما بعد وضع مؤونة سنته.
قلت: تعلق الخمس (2) بالمستفاد أولا مسلم، لكن من حيث انحصار
جنس المستفاد فيه، فلما استفاد العشرة الثانية يصير العشرون مستفادا
واحدا بجنس الاستفادة، فيتعلق وجوب الخمس به، ولا يصح حينئذ أن
يلاحظ العشرة الثانية فردا آخر للعام غير الفرد (3) الأول، إذ بعد ملاحظة
الجنس في الاستفادة ليس العشرة مجموع ما استفيد بجنس الاستفادة، بل
بعضه، والمفروض أن للموصول عموما بالنسبة إلى أجزاء كل مستفاد، كما أن
له عموما بالنسبة إلى أفراده. نعم، هذه العشرة الثانية مجموع المستفاد
بخصوص هذا الاستفادة الثانية، وليس هو المراد من الاستفادة.
نعم، لو قلنا بأن المراد بالموصول كل فرد مستفاد باستفادة مستقلة
كان العشرون فردين من الموصول، ولا يرتاب في أنه خلاف الظاهر.
وينبه على القول
الثاني
وينبه على ما ذكرنا: أن في صورة وحدة زمان الاستفادات المتعددة
لا يتعلق بالمكلف أحكام (4) مستقلة - قيد كل منها (5) بما بعد وضع المؤونة -
حتى يكون توزيع مؤونة تلك السنة على الكل من باب الترجيح بلا مرجح،

(1) في " ف ": ويقيد.
(2) في " ف ": الحكم.
(3) في " ج ": المفرد.
(4) في " ف ": التكليف بأحكام.
(5) في " ع " و " ج ": منهما.
221

فإن ذلك (1) تكلف لا يخفى مخالفته لظاهر المتفاهم، بل يحكمون بأن الخمس
متعلق بالمجموع من حيث إنه مستفاد واحد بجنس الاستفادة فيخرجون
المؤونة عنه من أي جزء كان، وقد يصرفون مستفادا واحدا بأجمعه في
المؤونة، ولا يخطر ببالهم توزيع ولا ضمان بمقدار الخمس من المستفاد
المصروف بتمامه (2)، ولا يفهمون من الآية (3) ثبوت أحكام متعددة.
منافاة القول
الثاني للمختار
في الغوص و
الكنز
لكن لا يخفى أن هذا كله مناف لما اخترناه في مسألة إخراج الغوص
واستخراج الكنز دفعات متعددة، [من] (4) أن الظاهر من قوله: " ما يخرج
من المعدن " (5) أو " ما يخرج من البحر " (6) هو الدفعة أو الدفعات التي لها جهة
اتحاد عرفا، وما نحن فيه من هذا (7) القبيل.
مختار
المصنف
فالانصاف: أن الحكم بكون ما يتجدد بالاكتساب الجديد في آخر
السنة بعد حصول الربح من كسب آخر في أولها معدودا من ربح تلك
السنة، في غاية الاشكال. وقد عرفت أن موارد السؤال في أخبار المؤونة
لا تشمل مثل هذا، فالرجوع فيه إلى مقتضى وجوب الخمس فيه (8) بعد
إخراج مؤونة مستأنفة لا يخلو عن قوة.

(1) في " ف ": هذه.
(2) ليس في " ف ": بتمامه.
(3) في " ع " و " ج ": الأحكام.
(4) لم ترد في " ع " و " ج ".
(5) الوسائل 6: 344، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6،
وفيه: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة
والحلال المختلط بالحرام - إذا لم يعرف صاحبه - والكنوز، الخمس ".
(6) تقدم آنفا تحت رقم 5.
(7) في " ف " و " م ": ذلك.
(8) ليس في " ع ": فيه.
222

أخبار المؤونة
دالة على القول
الثاني
مع أن هنا كلاما آخر على (1) فرض عدم ظهور الأدلة إلا (2) في
الاستفادات المستقلة، وهو: أن الثابت من أخبار المؤونة تقييد وجوب
الخمس في المستفادات المتعددة بإخراج مؤونة واحدة لسنة المجموع،
فإخراج مؤونة سنة مستقلة لكل واحد ولو بتوزيع الزمان المشترك بينها
عليها (3) مما لا دليل عليه، فيرجع إلى إطلاقات الخمس، مثلا (4) إذا استفاد
الانسان في أول رجب عشرين، واستفاد بعد عشرة أشهر أيضا مائة،
فالمتيقن من قوله: " الخمس بعد المؤونة " (5) مؤونة سنة جنس ما استفاد،
لا سنة خصوص هذا المستفاد، إذ ليس في الأخبار ولا في الفتاوى تخصيص
السنة بمخصوص المستفاد، والمتيقن سنة جنس المستفاد.
والحاصل: أنه لم يعلم من أدلة المؤونة لا (6) من الأخبار ولا من
معاقد الاجماع: أنه إذا استفاد في آخر السنة شيئا آخر لا بد أن يفرز (7) من
هذا بالخصوص مؤونة سنة مستقلة يتداخل بعضها في بقية السنة السابقة،
فيجب الرجوع فيه إلى عمومات الخمس. نعم، لو حصل المستفاد بعد تمام
سنة الأولى فلا مناص عن استئناف سنة له.

(1) في " ف ": مع.
(2) في " ع " و " ج ": إلا أن.
(3) في " ع " و " ج ": بينهما عليهما.
(4) ليس في " ف ": مثلا.
(5) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
(6) في " ف ": ولا.
(7) في " ف ": تفرد.
223

فرع (1)
وقت إخراج
الخمس
ثم إن الكلام في فورية وجوب إخراج الخمس بعد الحول، بل بعد
التمكن من تعيين المؤونة، والعلم ببقاء ما يصرف فيها إلى آخر الحول وإن
لم يتم الحول، كما تقدم في وجوب الزكاة.
وكيف كان ففي إطلاق المشهور الحكم بجواز التأخير إلى الحول إن
أرادوا ما يعم صورة العلم بالمؤونة الراجع إلى العلم بوجوب هذا المقدار من
الخمس عليه في هذا الآن نظر، إلا أن يحمل كلامهم على الغالب من عدم
العلم، أو يقال [أن يحكم الشارع بجواز] (2) التأخير وإن علم المكلف
بالمؤونة وبمقدار ما يجب عليه، نظرا منه إلى كثرة تخلف علوم الناس
وانكشاف كونها جهولا (3)، وهذا لا ينافي حجية العلم ووجوب العمل

(1) ليس في " ف ": فرع.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ج " و " ع ".
(3) كذا في النسخ.
224

بمقتضاه، إذ المقصود أنه يجوز للشارع (1) - بملاحظة ما ذكرنا - عدم إناطة
الحكم بالأمر الواقعي حتى يلزمه قهرا (2) حجية العلم، وعدم جواز التصريح
بعدم جواز العمل به، فيحكم بجواز تأخير أداء الخمس عن وقت تنجز
التكليف به، ويجعله واجبا موسعا إلى الحول (3)، فتأمل.

(1) في " ع " و " ج ": الشارع.
(2) في " ف " بدل " حتى يلزمه قهرا ": حين يلزمه قهرا، وفي " ع ": حتى ينافي، وفي
" ج ": حتى قهرا.
(3) في " ف ": الحلول، وفي " ع " و " ج ": حول.
225

مسألة (1)
[12]
هل يتكرر
الخمس إذا
تعدد العنوان
لو جعل الغوص، أو استخراج الكنوز، أو المعادن (2) مكسبا (3) فهل
يتعلق خمس آخر بها بعد إخراج مؤونة الحول أم لا؟ وجهان:
من قاعدة الجمع بين مقتضى (4) الأدلة الدالة على تعدد الأسباب.
ومن قوله عليه السلام: " لا ثنيا (5) في صدقة " بناء على إطلاق (6) الصدقة

(1) في " ف ": فرع.
(2) في " ف ": والمعادن.
(3) في " ف ": تكسبا.
(4) في " ع " و " ج ": تخصيص بدل مقتضى.
(5) كذا في النسخ والظاهر أنه تصحيف ل‍ " ثني "، ففي كنز العمال 6: 332، الحديث
15902، و 6: 466، الحديث 16575: " لا ثني في الصدقة ". قال ابن الأثير: " الثني
- بالكسر والقصر -: أن يفعل الشئ مرتين " راجع النهاية 1: 224، مادة: " ثنا ".
(6) في " ج ": اطلاقه.
226

على الخمس، كما ادعى في الرياض (1) شيوعه.
مضافا إلى ظهور أخبار ثبوت الخمس في الغوص وإخوته في عدم
وجوب أزيد من ذلك فيها، مع كونها في مقام البيان سيما بعض الأخبار
الواردة في الغنيمة، مثل رواية الحلبي: " عن الرجل من أصحابنا يكون معهم
في لوائهم فيصيب غنيمة، قال: يؤدي خمسنا ويطيب له " (2) وما ورد من
قوله عليه السلام: " خذ مال الناصب (3) وابعث إلينا الخمس (4) " ونحوه غير واحد
مما (5) ورد في الكنز والمعدن والغوص مما ظاهره مقام البيان. ولا تجدي هنا
دعوى كون الاطلاق في مقام بيان حكم العنوانات الخاصة، لأن المقام في
كثير منها مقام بيان جميع ما يجب في ذلك العنوان من كل (6) حيثية، كما
لا يخفى على الناظر فيها بأدنى تأمل.
على أن المستفاد من آية الغنيمة (7) سيما بضميمة الأخبار المفسرة، أن
لكل موارد الخمس - غير أرض الذمي المشترى، والحرام المختلط بالحلال -
عنوانا واحدا وهو الغنيمة، بل يظهر من بعض دخولهما فيها أيضا، فليس
هنا (8) عنوانان متغايران تعلق الخمس بكل منهما حتى يكون في مادة

(1) الرياض 5: 248.
(2) الوسائل 6: 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8، مع
اختلاف يسير.
(3) في الوسائل: حيثما وجدته وادفع.
(4) الوسائل 6: 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(5) في " ع " و " ج ": ما.
(6) في " ف ": في كل.
(7) الأنفال: 41.
(8) في " ع " و " ج ": هما.
227

اجتماعهما خمسان، أو أكثر، بل الكل غنيمة إلا أن لبعضها شروطا أخر
مغايرة (1) لشروط غيره، فتدبر.
وفي المحكي عن تحف العقول عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام فيما
كتب عليه السلام إلى المأمون: " أن الخمس في جميع المال مرة واحدة " (2).

(1) في " ف ": شروط مغايرة.
(2) تحف العقول: 418.
228

مسألة
[13]
خمس الأرض
التي اشتراها
ذمي من مسلم
المحكي (1) عن الشيخين (2) والمتأخرين: وجوب الخمس في كل أرض
اشتراها ذمي من مسلم، وعن الغنيمة (3): دعوى الاجماع عليه، وعن العلامة
في المنتهى (4): نسبته إلى علمائنا، وعن كنز العرفان (5) ومجمع البحرين (6):
نسبته إلى أصحابنا: لصحيحة أبي عبيدة (7) الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام:

(1) حكاه المحقق في المعتبر 2: 624.
(2) النهاية: 197، والمقنعة: 283، لم يصرح المفيد به، لكن أرسل رواية عليه في باب
الزيادات كما يأتي.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(4) المنتهى 1: 549.
(5) كنز العرفان 1: 249.
(6) مجمع البحرين 6: 128، مادة: " غنم "، وفيه نسب التعميم إلى فقهاء الإمامية.
(7) في " ع ": للصحيحة إلى أبي عبيدة.. وفي " ج ": الصحيحة إلى أبي عبيدة.
229

" أيما ذمي اشترى أرضا من مسلم فإن عليه الخمس " (1).
ونحوها مرسلة المقنعة عن الصادق عليه السلام (2).
المناقشة في
الوجوب
وتأمل في الحكم، بل أنكره بعض متأخري المتأخرين (3)، وعلله
بعضهم (4)، بأن مذهب المالكية (5) من العامة: أن الذمي (6) إذا اشترى شيئا من
الأراضي العشرية ضوعف عليه العشر فيؤخذ منه الخمس، فلعل الرواية
واردة تقية عن (7) مذهبه، وهذا عجيب (8)، لعدم دلالة الرواية على
رد هذه
المناقشة
خصوص الأرض العشرية، مع أن أخذ العشر فيما إذا زرعها (9) فخرج
ما يبلغ النصاب بشرائطه من الغلات الأربع، وتقييد مورد الرواية بذلك
كما ترى.
مع أن احتمال ورود الخبر تقية لا يقدح مع سلامة الخبر الصحيح عن
المعارض، عدا بعض العمومات اللازمة التخصيص به، بعد صراحة دلالته
وصحة سنده واعتضاده بعمل المشهور، بل بعدم المخالف عدا (10) ما ربما

(1) الوسائل 6: 352، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول، مع
اختلاف يسير.
(2) المقنعة: 283، والوسائل 6: 352، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس،
الحديث 2.
(3) الذخيرة: 484.
(4) منتقى الجمان 2: 443.
(5) ليس في " ف ": المالكية.
(6) في " ج ": الذي.
(7) في " ف ": من.
(8) في " ع " و " ج ": وهذا عجب.
(9) في " ع " و " ج ": أزرعها.
(10) في " ف ": ما عدا.
230

يستظهر من بعض (1)، لأجل إهمال ذكر هذا القسم في موارد الخمس.
مع أن ظهور مذهب مالك في زمن الباقر عليه السلام غير معلوم، لأنه
لم يكن كأبي حنيفة في الاشتهار (2).
مع أن الموجود في مرسلة المفيد، قول الصادق عليه السلام: " فإن عليه
فيها الخمس " (3) وهو (4) كالصريح في تعلق الخمس بالأرض لا بالزرع
المزروع فيها.
المراد هنا:
الخمس
المصطلح
وكيف كان، فلا إشكال في الحكم، ولا في أن المراد بالخمس هو (5)
الخمس المصطلح [فمصرفه مصرفه] (6)، لأنه المتبادر من النص وإن لم نقل
بثبوت الحقيقة الشرعية في لفظة الخمس، لا بطريق النقل، ولا بطريق
الاشتراك اللفظي بينه وبين المعنى اللغوي. مضافا إلى عدم القول بصرف
الخمس فيها بغير مصرف سائر الأخماس.
الاختصاص
بأرض الزراعة
وعدمه
وهل الأرض مختصة بأرض الزراعة [كما يظهر من الفاضلين (7)
والمحقق الثاني (8)] (9) أو يعم المساكن والبساتين؟

(1) الحدائق 12: 361.
(2) لا يخفى أن مالكا ولد سنة (93 ه‍) بينما استشهد الإمام الباقر عليه السلام سنة (114 ه‍)
ومن البعيد أن يكون قد اشتهر مذهبه وهو في مثل هذا السن.
(3) تقدمت في الصفحة السابقة.
(4) في " ع " و " ج ": وهي.
(5) ليس في " ف ": هو.
(6) غير موجود في " ف ".
(7) المعتبر 2: 624، المنتهى 1: 549.
(8) جامع المقاصد 3: 52.
(9) غير موجود في " ف ".
231

ظاهر إطلاق كلام (1) الأصحاب هو العموم وإن صرح في المعتبر (2)
والمنتهى (3) - بعد الاعتراف بإطلاقها - بأن الظاهر إن مرادهم خصوص أرض
الزراعة، لكنه اجتهاد في فهم مرادهم، منشؤه تبادر الخصوص من إطلاق
النص والفتوى. ويدفعه: أن التبادر المذكور إنما هو في مقابل صدقه (4) على
ما يشمل (5) على البناء والأشجار، فإن الظاهر أنه يعبر عن ذلك بالدار
والبستان لا الأرض.
وأما الأرض الخالية عن بناء وشجر - المقصود منها البناء والغرس -
فلا إشكال في عدم خروجها عن منصرف اللفظ فتشملها الرواية والفتوى،
ويتم الحكم في المبنية والمغروسة (6) بعدم القائل بالفرق (7)، اللهم إلا أن يريد
الفاضلان بأرض الزراعة: القابلة لها وإن اشتريت للبناء والغرس، فيكونان
هما القائلين بالفرق.
لكن الظاهر أن مرادهما ما يعم البياض المشترى للغرس، لصدق
أرض الزراعة عليه، لا المشترى للبناء من ما بين العمران والدور وإن (8)
كان بياضا قابلا للزرع.

(1) في " ف ": كلمات.
(2) المعتبر 2: 624.
(3) المنتهى 1: 549.
(4) في " ع " و " ج ": خلافه.
(5) في " ف " و " ع " و " ج ": يشمل.
(6) في " ف ": والمغروس.
(7) في " ف ": بالتصرف.
(8) في " ع " و " ج ": إن بدل وإن.
232

هل يعم الحكم
لشمول شراء
الأرض ضمن
الدور ونحوها؟
وكيف كان، فالظاهر من الرواية (1) استقلال الأرض بالشراء (2). لأنها
قضية إطلاق إضافة الاشتراء إلى الأرض، فلا يعم ما في ضمن الدور
والخانات إذا بيعت معها، بل البساتين.
فإن ثبت عدم التفرقة بين البياض المستقل بالشراء، وبين غيره فهو (3)
وإلا فلا بد في الأرض المشتراة في ضمن الدور ونحوها من الرجوع إلى
الأصل، لعدم (4) انصراف النصوص والفتاوى إليها (5)، وما ذكرنا من
الانصراف إنما هو من جهة ظهور اشتراء الأرض في غير ما كان في ضمن
الدار والبستان، لا لأجل ظهور الاشتراء في الاستقلال وإلا لم يدخل في
منصرفه ما (6) إذا اشترى أرض زراعة مع غرس، إذ لا ريب في دخول مثل
ذلك في منصرف اللفظ، بل لا يبعد دخول ما لو اشترى الأرض والبناء
والغرس الموجود فيها، لكن لا بعنوان أن المجموع دار أو بستان، بل بعنوان
الأرض والشجر والأرض والبنيان (7)، بل لأن الأرض في خبر (8) الاشتراء
ظاهر في البياض، فالمراد الاستقلال (9) في العنوانية لا في تعلق الشراء.
وليس دعوى الانصراف من جهة إطلاق نفس لفظ الأرض، فإن الظاهر

(1) المتقدمة في الصفحة: 229 - 230.
(2) ليس في " ف ": بالشراء.
(3) ليس في " ف ": فهو.
(4) في " ج ": بعدم.
(5) ليس في " ف ": إليها.
(6) في " ف ": مما.
(7) في " ع " و " ج ": البستان.
(8) في " م ": حين.
(9) في " ع ": المراد بالاستقلال.
233

أنه لا شاهد لهذه الدعوى من العرف، ولهذا يقال لمن اشترى أرض بستان
لا نفس (1) البستان: أنه اشترى أرضا.
هذا، ولكن الانصاف أن الانصراف المذكور لم يبلغ حدا يخرج معه
عن أصالة الاطلاق، ولذا تراهم يعممون الأحكام المنوطة بعنوان الأرض
لمثل (2) الدور والبساتين كما في الأرض المفتوحة عنوة، ولذا (3) فرعوا على
ذلك بيع بيوت مكة زادها الله شرفا، وكذا في مسألة حرمان الزوجة من (4)
الأراضي.
اختصاص
الحكم بالشراء
وعدمه
وهل الحكم المذكور يختص بالشراء - كما هو ظاهر المشهور - أو يعم
مطلق المعاوضة - كما اختاره كاشف الغطاء (5) - أو مطلق الانتقال ولو مجانا؟
- كما هو ظاهر الشهيدين (6) - فيه إشكال:
من اختصاص النص والفتوى بالشراء.
ومن عمومه عرفا لسائر المعاوضات، ومن أن المناط هو الانتقال
كما يستفاد من نقل أقوال العامة والخاصة في المعتبر (7) والمنتهى (8)
والتذكرة (9)، حيث إن ظاهر الأقوال المذكورة عن العامة في مقابل الإمامية

(1) في " ف ": دون نفس.
(2) في " ع " و " ج ": مثل.
(3) في " ف ": ولذلك.
(4) في " ف ": عن.
(5) كشف الغطاء: 361.
(6) البيان: 346. الروضة البهية 2: 72.
(7) المعتبر 2: 624.
(8) المنتهى 1: 549.
(9) التذكرة 1: 253.
234

هو مطلق الانتقال، مضافا إلى الاستدلال على (1) مذهب الإمامية في المنتهى
بقوله: " لنا إن في إسقاط العشر إضرارا بالفقراء، فإذا تعرضوا لذلك ضوعف
عليهم فأخرج الخمس، ويؤيده ما رواه الشيخ عن أبي عبيدة الحذاء " (2)
فذكر الرواية المتقدمة (3).
وهذا الاستدلال وإن كان في غاية الضعف من وجوه لا تخفى، إلا أنه
لا يخرج بذلك عن الدلالة، على أن مراد المستدل، بل غيره من القائلين
الذين استدل لهم بذلك، هو مطلق الانتقال، ولأجل ما ذكرنا عنون المسألة
في المفاتيح (4) بالأرض المنتقلة إلى الذمي ونسب الحكم فيها إلى الأكثر.
والمسألة لا تخلو من إشكال.
عدم ارتفاع
الحق بالبيع أو
الفسخ
ثم (5) لا إشكال في أنه لا يرتفع هذا الحق ببيع (6) الذمي لها من
المشتري (7) أو من آخر، ولا بفسخه بإقالة، لأنها الفسخ (8) من حينها، لا من
أصل العقد. نعم لو فرض القول به بأن تكون كاشفة عن عدم تحققها - كما في
التلف قبل القبض - توجه عدم الخمس.
تعلق هذا
الخمس بالعين
وظاهر الرواية كالفتاوى (9)، تعلق الخمس بالعين، وللحاكم الأخذ من

(1) في " ف ": من.
(2) المنتهى 1: 549.
(3) في الصفحة: 229 - 230.
(4) مفاتيح الشرائع 1: 226.
(5) في " ف ": نعم.
(6) في " ف ": من الذمي.
(7) كذا في النسخ، ولعل الصحيح: البائع.
(8) في " ف ": إلا أنها فسخ.
(9) ليس في " ف ": كالفتاوى.
235

الارتفاع، وله أخذ قيمة العين أيضا بأن يبيع الخمس على الذمي، لكن عليه
خمس هذا الخمس أيضا وهكذا.
وكيف كان، لو كانت الأرض مشغولة ببناء أو غرس على القول بعموم
الأرض، فيقوم (1) الأرض مشغولة بالشاغل المذكور بأجرة للمالك، ويأخذ
خمس تلك القيمة. ولو أردا إبقاءها وأخذ ارتفاعها من الذمي، فلا بد من أن
يلاحظ أجرة بقاء ذلك (2) الشاغل فيه دائما، ولا حاجة إلى تقويم العين إلا
للتوصل إلى معرفة أجرة المثل، لأن الأجرة غالبا تعرف بمقدار ملكية (3)
الملك.
ولو ترك الذمي الشاغل بأجرة على صاحب الخمس، جاز أيضا.

(1) في " ف ": فقوم.
(2) في " ف " و " ع ": مثل ذلك.
(3) في " ع ": تعرف بملكية الملك وفي " ج ": تعرف ملكية الملك.
236

مسألة
[14]
لو كانت الأرض
المبتاعة
مفتوحة عنوة
لو كانت الأرض المبتاعة من المفتوحة عنوة، فإن كان نقلها إليه على
وجه ملكية العين بالأصالة، كما إذا فرض أن الإمام عليه السلام باع شيئا منها
لمصالح المسلمين، أو أخرج خمسها وأعطى لأهله فباعوه، فلا إشكال في
وجوب الخمس في عينها (1) إذا اشتراها الذمي.
وأما إن كان بيعها تبعا للآثار الموجودة فيها [فإن قلنا: بأنها تملك
حقيقة تبعا للآثار] (2) فلا إشكال أيضا في وجوب الخمس فيها بعد شراء
الذمي. ولو لم يخرج خمسها من حيث الغنيمة، فحينئذ يخمس الكل أولا،
عينا وارتفاعا (3)، لأجل خمس الغنيمة، ثم يخمس الباقي كذلك، لأجل

(1) في " ف ": في ثمنها.
(2) ما في المعقوفتين غير موجود في " ج " و " ع ".
(3) في " ف ": أو ارتفاعا.
237

الانتقال إلى الذمي، ولا بعد في ذلك، لكون الاشتراء واقعا على ما فيه (1)
الخمس، فليس هذا من تثنية الصدقة المنفية بالنبوي (2).
وإن قلنا بأن المملوك نفس الآثار، وإنما يصح بيع العين في ضمن
الآثار فيقع الاشكال في تعلق الخمس، من أن الذمي لا (3) يملك أرضا حتى
يخرج خمسها.
ومن صدق أنه اشترى أرضا ولو تبعا وإن لم يملكها حقيقة، ولذا
يقال: إنه اشترى الأرض المفتوحة عنوة فعليه الخمس باعتبار استحقاق
الأرض تبعا للآثار، فيقابل الأرض من حيث إنها مستحقة غير مملوكة بمال،
فعليه خمس ذلك المال.
أخذ الإمام
من العين
أو الانتفاع
ثم إنه ذكر الشهيدان (4): إن الإمام يتخير بين أخذ الخمس من العين،
وأخذه من الانتفاع.
وفيه: أنه لا دليل على هذا التخيير للحاكم، بل مقتضى قاعدة
الشركة التراضي، ولهذا قيل (5): إنه لعل مرادهما أنه ليس (6) للذمي أن يمتنع
من العين ويقبل الانتفاع، وللإمام أن يلزمه باعطاء العين وأن يقبل الانتفاع
لو رضى به الذمي، لا أن له أن يلزمه (7) بالانتفاع مطلقا، إذ لم يدل الحديث

(1) كذا في " ف " وفي غيره: لما فيه.
(2) المتقدم في الصفحة: 226.
(3) في " ف ": لم.
(4) البيان: 346، المسالك 1: 466.
(5) القائل هو المحقق القمي قدس سره، راجع الغنائم: 372.
(6) لا توجد كلمة " ليس " في " ع " و " ج ".
(7) في " ع " و " ج ": لا أن له إلزامه.
238

إلا على تعلق الخمس بالعين (1).
وهذا الوجه - على بعده - حسن.

(1) ليس في " ع " و " ج ": بالعين.
239

فرع (1)
اشتراط عدم
الخمس على
الإمام أو نائبه
قال في الكشف: لو شراها من الإمام أو نائبه، وشرط عدم الخمس أو
تحمله عنه، بطل الشرط، ويقوى بطلان العقد أيضا (2)، ولعل وجهه أن
الخمس يتعلق (3) بالعين، فاشتراط عدم تعلقه مناف للمشروع، وليس من
قبيل مجرد الحق حتى يسقط بالاسقاط.
وفي البيان: إنه لو شرط سقوط الخمس فسد (4)، ولكن استقرب في
المناهل (5) السقوط، عملا بالشرط.

(1) ليس في " ف " و " م ": فرع.
(2) كشف الغطاء: 361، مع اختلاف يسير.
(3) في " ع " و " ج ": متعلق.
(4) البيان: 346.
(5) لم نعثر عليه في المناهل: (مخطوط)، بل في التنبيه الثاني عشر من تنبيهات خمس
الأرض المشتراة بعد نقل كلام الشهيد في البيان هكذا: وهو جيد.
240

مسألة (1)
[15]
إسلام الناقل
قبل الاقباض
لو ملك (2) ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض، فأسلم الناقل قبل
الاقباض، أخذ من الذمي الخمس. نعم، لو أسلم المنتقل إليه قبل القبض
سقط عنه.
اشتراط البائع
إخراج الخمس
على الذمي
ولو شرط البائع على الذمي إخراج الخمس - بناء على قول بعض
المتأخرين (3) بعدم وجوبه بأصل الشرع - فلا يبعد وجوبه عليه، لأنه ليس
إيجابا في الشريعة لما لم يجب فيها، بل إلزاما للمشتري بهبة بعض ماله إلى
أهل الخمس، إذ لا يعتبر النية من الذمي.

(1) لا توجد في " م "، وفي " ف ": " فرع ".
(2) في " ع " و " ج ": تملك.
(3) هو الشهيد الثاني رحمه الله - على ما في المدارك 5: 386 -.
241

وعلى هذا (1) فيصح ما عن بعض من أن الأحوط الاشتراط، خروجا
عن خلاف من لم يوجبه في هذه الأرض (2). ولكن الوجوب أوضح من
صحة اشتراط هذا الشرط على تقدير عدم الوجوب وإن كان هو أيضا
واضحا. مع أن غاية الشرط تسلط المشروط له على الفسخ، والفرض أن
الفسخ لا يرفع (3) وجوب الخمس، اللهم إلا أن يكون الفائدة إلزام الذمي
بالوفاء بالشرط.

(1) في " ع ": هذا الشرط.
(2) نقله في الغنائم: 372.
(3) في " ف ": لا يدفع.
242

مسألة
[16]
أقسام الحلال
المختلط
بالحرام
إذا اختلط الحلال بالحرام فلا يخلو الحرام عن أقسام أربعة:
القسم الأول:
أن يعرف قدره
وصاحبه
الأول: أن يعرف قدره وصاحبه، وحكمه: الشركة في العين بنسبة
المالين، إلا أن يكون الخليط مما يستهلك بالاختلاط بحيث لا يعد في حال
الاختلاط مالا، فيجب القيمة على من أخلط (1) سواء كانا متجانسين،
أو متغايرين، وسواء كان الاختلاط بالامتزاج أو بالاشتباه، وسواء كان
الامتزاج بالاختيار أو بدونه.
القسم الثاني:
كون القدر
مجهولا
والمالك معلوما
الثاني: أن يكون القدر مجهولا والمالك معلوما، فإن تراضيا على شئ
بالمصالحة أو غيرها فلا إشكال.
وإن أبى المالك فيحتمل وجوب دفع خمسه إليه كما أختاره في

(1) كذا في " ع "، وفي " ج ": اختلط، وفي " ف " و " م ": اختلطه.
243

التذكرة (1)، لما سيجئ من الأخبار من التعليل ب‍ " أن الله رضي من الأشياء
بالخمس " (2). وفيه نظر.
الاحتمالات
فيما لو أبى
المالك
المصالحة
ويحتمل وجوب دفع ما يتيقن (3) الاشتغال به، لأصالة براءة ذمته عن
الزائد، مع أن مقتضى يده، أو يد مورثه على الكل وصحة تصرفهما، يقتضي
ملكية الكل إلا المقدار المعلوم حرمته، مضافا إلى استصحاب الملكية في بعض
الصور، مثل ما لو علم أن مورثه باع مالا ولم يقبضه عدوانا وتردد بين
الأقل والأكثر.
ويحتمل وجوب دفع ما يتيقن (4) معه البراءة، لأصالة عدم تملك
المشكوك، وأصالة عدم وجوب دفع الزائد عن المتيقن، وعدم تملك الغير له،
لا يثبتان جواز تصرفه فيما يشك في تملكه، مضافا إلى ما يشعر به تعليل
الخمس في القسم الآتي بقولهم عليهم السلام: " إن الله قد رضي من الأموال (5)
بالخمس " (6)، فإن فيه إشعارا باعتبار المقدار الواقعي من الحرام إلا إن الله
رضي عنه في هذا المورد بالخمس، ولولاه لوجب إخراج الواقع. ولو كان
الحكم مع قطع النظر عن تشريع الخمس هو عدم الاعتبار بالشك، لم يحسن
هذا التعليل، حيث إنه ظاهر في بيان التخفيف والترخيص، بل كان تشريعه
زيادة تكليف.

(1) التذكرة 1: 253.
(2) الوسائل 6: 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
(3) كذا في " ف "، وفي غيره: تيقن.
(4) كذا في " ف "، وفي غيره: تيقن.
(5) في الوسائل: ذلك المال.
(6) الوسائل 6: 352، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول، مع
اختلاف في التعبير.
244

نعم، لو ثبت بمقتضى اليد، أو بمقتضى أصالة بقاء الملكية، ملكية
المشكوك ظاهرا فلا يجري فيه هذا الأصل.
ويحتمل القرعة في المقدار المشكوك، بأن يدفع ما تيقن كونه للصاحب،
ويأخذ ما تيقن (1) كونه لنفسه، ويقرع في المشكوك، لعمومات (2) القرعة (3).
ويحتمل إجبار المالك على المصالحة في المقدار المشكوك، بأن يكون
الحكم الشرعي في الواقعة، الصلح، فإن أبى صالح مع وليه وهو الحاكم، إذا
لم يقدر على إجباره بالمصالحة، فيكون مال الصلح في يده أمانة، ولعله لأن
الحكم بكونه لأحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح، فما تقدم من
أصالة عدم تملك ذي اليد للمقدار المشكوك لا يثبت جواز أخذه للغير،
ولا وجوب دفعه إليه، لأن الأصل عدم تملكه أيضا.
قال في كشف الغطاء: ولو عرف المالك دون المقدار وجب صلح
الاجبار (4) إنتهى.
احتمالان في
صلح الاجبار
وعليه فيحتمل أن لا يعين عليهما الحاكم ما يتصالحان به أصلا، لأن
الثابت هو الاكراه على أصل المصالحة.
ويحتمل أن يلزمهما بالمصالحة على النصف، لأن زيادة أحدهما
كتخصيصه بالكل ترجيح من غير مرجح فيتصالحان على النصف، نظير
ما إذا استودع أحدهما دينارا والآخر دينارين فامتزجت الثلاثة، وتلف

(1) في " ف ": ويؤخذ ما يتيقن.
(2) في " ع " و " ج ": بعمومات.
(3) الوسائل 18: 187، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.
(4) كشف الغطاء: 361.
245

أحدها بغير تفريط من المستودع، فإن المشهور كما في رواية السكوني (1)،
اختصاص صاحب الدينارين بواحد من الباقي، وتنصيف الآخر بينهما.
والظاهر أن المناط هو (2) ما ذكرنا من لزوم الترجيح بلا مرجح.
ولا يخفى أن ما نحن فيه نظيره، بل أحد أفراده، لأن المقدار المشكوك
بمنزلة الدينار المردد بين الشخصين.
ومثله ما ورد في صحيحة ابن المغيرة - في رجلين كان معهما درهمان،
فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك - من: أن أحد
الدرهمين للأول، والآخر بينه وبين صاحبه " (3)، من غير تعرض ليمين منهما أو
من أحدهما، فالظاهر أن المناط هو مجرد التسوية بينهما في الدرهم المشكوك،
لعدم المرجح لأحدهما، فالحكم (4) في هذا وسابقه إشارة إلى وجوب المصالحة
عليهما في مثل هذه الموارد.
ويؤيدهما ما ورد فيما إذا اشتري لرجل ثوبا بعشرين ولآخر ثوبا آخر
بثلاثين فاشتبها، فإن المشهور كما في رواية إسحاق بن عمار: " إنه يباع
الثوبان ويعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، وصاحب العشرين (5)
خمسي الثمن " (6) فإن الظاهر منها وجوب المصالحة بينهما قهرا على هذا النحو،
ولعل وجه ترجيح صاحب الثلاثين - مع احتمال كون ما اشتري له مساويا لما

(1) الوسائل 13: 171، الباب 12 من كتاب الصلح، الحديث الأول.
(2) ليس في " ف ": هو.
(3) الوسائل 13: 169، الباب 9 من كتاب الصلح، الحديث الأول، منقولا بالمعنى.
(4) في " ف ": والحكم.
(5) في الوسائل: والآخر.
(6) الوسائل 13: 170، الباب 11 من كتاب الصلح، الحديث الأول.
246

اشتري لصاحب العشرين، بل أدون منه في القيمة - ملاحظة ما هو الظاهر
من كون الثوب المشتري بثلاثين يزيد قيمته عادة على ثوب العشرين بمقدار
خمس القيمتين.
القرعة أقرب
الاحتمالات
ثم الأقرب من هذه الاحتمالات هي القرعة، إلا أنها أنما تجري في
مقدار دار الأمر بين كون مجموعة له أو لصاحبه، لا فيما إذا احتمل الاشتراك
بينهما على وجوه غير محصورة.
والروايات يعمل بها في مواردها، لعدم استنباط مناط منها على وجه
القطع، ولذا صرح الشهيدان (1) في مسألة الدنانير بقوة القرعة، نظرا إلى أن
التنصيف مخالف للمقطوع به، وحملت رواية الدرهمين على ما إذا كانا في
يدهما [وحلف كل منهما] (2) على نفي استحقاق الآخر.
وعن العلامة (3) في مسألة الدنانير: إن الدينار التالف يقسط عليهما
أثلاثا، فيجب على (4) صاحب الدينارين منه ثلثين، وعلى (5) صاحب الواحد
ثلث، كما إذا اتفق ذلك في قفيز اختلط مع قفيزين فتلف قفيز.
ثم إن هذا كله إذا كان المالك معينا أو مشتبها في قوم محصورين.
ويتحقق العسر لو قلنا بوجوب التخلص من كل واحد منهم بما يتيقن معه
البراءة. ويحتمل أن يقال: إنه إلى الحاكم لهم (6) من المال المذكور

(1) الدروس 3: 334 وفيه: ".. ولو قيل بالقرعة أمكن "، الروضة البهية 4: 184.
(2) غير موجود في " ف ".
(3) التذكرة 2: 195.
(4) كذا في النسخ.
(5) كذا في النسخ.
(6) ليس في " ف ": لهم.
247

ما يتيقن (1) معه بخلو ما في يده عن الحرام، ويتولى القسمة بنفسه الحاكم إن
امتنعوا عن الاجتماع على هذه القسمة بالمباشرة أو التوكيل، فيكون المال في
يد الحاكم مترددا بين قوم محصورين، وعليه فيرتفع ما ذكره بعضهم من
حصول الاشكال حينئذ من جهة لزوم أن يدفع إلى كل واحد منهم ما يجب
دفعه إليه مع الاتحاد، وهو خسران عظيم.
وأضعف من ذلك: ما دفع به الاشكال من أنه [لا بعد في لزوم ذلك
عليه] (2) عقوبة لما صنع من الخلط بالحرام.
ولو كانوا غير محصورين فالظاهر أنه يدخل في القسم الرابع.
القسم الثالث:
كون القدر
معلوما دون
الصاحب
القسم الثالث: أن يكون القدر معلوما دون الصاحب. والظاهر أنه
يتصدق به عن المالك مع اليأس عن الوصول إليه، للروايات:
الرواية الدالة
على التصدق
مثل: رواية علي بن أبي حمزة الواردة في حكاية صديقه الذي كان من
كتاب بني أمية لعنهم الله تعالى وأصاب مالا كثيرا وندم على ذلك وسأل الصادق
عليه السلام عن ذلك، فقال: " أخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت
منهم رددت عليه ماله، ومن لم تعرفه تصدقت به " (3).
ورواية فيض بن حبيب صاحب الخان قال: " كتبت إلى عبد
صالح عليه السلام: قد وقعت عندي مائتا درهم وأربعون دراهم (4)،

(1) في " ع " و " ج ": تيقن.
(2) بدل ما بين المعقوفتين في " ف ": لا يعد في ذلك لزوم عليه.
(3) الوسائل 12: 144، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.
(4) في المصدر: وأربعة دراهم.
248

وإنا صحاب فندق (1) ومات صاحبها ولا أعرف له ورثة، فرأيك
في إعلامي حالها وما أصنع بها، فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب:
اعمل بها وأخرجها صدقة قليلا قليلا حتى يخرج " (2). ولعله أمره
بالعمل بها وإخراجها قليلا قليلا لعلمه بحاجته، فأمره بالعمل
لينتفع به.
ومصححة يونس بن عبد الرحمان في الكافي، قال: " سئل
أبو الحسن الرضا عليه السلام وأنا حاضر، فقال له السائل: جعلت
فداك، رفيق كان لنا بمكة فرحل عنها إلى منزله، ورحلنا إلى منزلنا،
فلما صرنا إلى الطريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأي شئ نصنع به؟
قال: تحملوا به حتى تحملوه إلى الكوفة " - وفي نسخة: حتى تلحقوا بهم
بالكوفة - قلنا: لا نعرف بلده ولا نعرفه، فكيف نصنع به؟ قال: فإذا كان
كذلك فبعه وتصدق بثمنه، قال له: على من، جعلت فداك؟ قال: على أهل
الولاية " (3).
التأييد بروايات
اللقطة
ويؤيد هذه، الأخبار الكثيرة الواردة في التصدق باللقطة وما هو
بمنزلتها.
منها: رواية حفص بن غياث، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) الفندق: الخان الذي ينزله الناس مما يكون في الطريق والمدن، انظر: تاج العروس
7: 51.
(2) الوسائل 17: 583، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، الحديث 3.
(3) الكافي 5: 309، الحديث 22 مع اختلاف في التعبير، والوسائل 17: 357، الباب
7 من أبواب اللقطة، الحديث 2، لكن الرواية من التهذيب، وما في الكافي مغاير متنا
وسندا مع ما في الوسائل والتهذيب.
249

رجل من المسلمين أودعه بعض اللصوص دراهم أو متاعا، واللص مسلم،
أيرده عليه؟ قال: لا يرده، فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل، وإلا كان
في يده بمنزلة اللقطة يعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها وإلا تصدق
بها، فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر
فله الأجر، وإن اختار الغرم غرم له، وكان الأجر له " (1) إلى غير
ذلك.
ويستفاد من هذه الرواية وغيرها مما ورد في اللقطة - مضافا إلى
قاعدة اليد -: الضمان لو ظهر المالك ولم يرض التصدق.
وهنا أخبار أخر مخالفة لما ذكر:
توجيه
الروايات
المخالفة
منها: ما دل بظاهره على وجوب إبقاء المال على حاله، ويمكن حمله
على ما قبل اليأس عن صاحبه أو على الجواز.
ومنها ما دل على اختصاصه بالإمام عليه السلام، مثل: رواية محمد بن
القاسم بن الفضيل بن يسار عن أبي الحسن عليه السلام: " عن رجل صار في
يده مال لرجل ميت لا يعرف له وارثا كيف يصنع بالمال؟ قال: ما أعرفك
لمن هو؟ يعني نفسه " (2)، ويمكن اختصاصه بمورده من مال الميت الذي
لا يعرف له وارث ويكون هذا من الأنفال، ولا ينافي الأمر بالتصدق به في
رواية فيض بن حبيب المتقدمة (3) لإذنه عليه السلام في صرف حقه على الفقراء.

(1) الوسائل 17: 368، الباب 18 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 17: 551، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة، الحديث
13، مع اختلاف في الألفاظ.
(3) في الصفحة: 248.
250

نعم، في مكاتبة ابن مهزيار (1) عد من جملة الفوائد والغنائم ما لا يوجد
ولا يعرف له صاحب، فيمكن حمله على المال الملتقط، لأن الالتقاط نوع
اكتساب.
وكيف كان، فينافي روايات التصدق من جهة اشتمال المكاتبة على
وجوب إيصال خمس الفوائد والغنائم ولو بعد حين، لكن العمل بما في
المكاتبة مشكل.
نعم، ينبغي مراعاة الاحتياط بناء على ما حققناه سابقا من عدم حرمة
هذه الصدقة على بني هاشم وإن قلنا بحرمة مطلق الصدقة الواجبة عليهم،
لأن هذه الصدقة مندوبة يجب على الشخص فعلها عن المالك فهو كالصدقة
الموصى بها عن مال الميت، كما صرح بذلك الشهيد (2) والمحقق (3) الثانيان في
مصرف صدقة الدين الذي لم يعرف صاحبه ولا وارثه. نعم، يظهر من
أولهما في مسألة تراب الصياغة (4) أن مصرفه مصرف الصدقات الواجبة، بل
صرح في مسألة اللقطة (5) وفيما نحن فيه (6) بأنها تصرف في مستحق الزكاة
لحاجته.
لا فرق بين كون
الحرام مساويا
للخمس أو لا
ثم إنه بعد ما فرضنا في هذا القسم، العلم بقدر الحرام،
فلا فرق فيما ذكرنا من وجوب التصدق بين العلم بكونه مساويا

(1) الوسائل 6: 349، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(2) المسالك 3: 459.
(3) جامع المقاصد 5: 15 - 16.
(4) المسالك 3: 352.
(5) الروضة البهية 7: 97.
(6) المسالك 1: 467.
251

للخمس أو أزيد أو أنقص، لعدم انصراف الأخبار الآتية في القسم
الرابع الآتي (1) إلى ما يشمل صورة العلم بقدر الحرام كما ستعرف
إن شاء الله تعالى.
وقد صرح باختصاص الخمس بالقسم الرابع في محكي السرائر (2)
والنزهة (3) وكثير من كتب العلامة (4) والدروس (5) والبيان (6) والتنقيح (7) وحاشية
الشرائع (8) والمسالك (9) ومجمع الفائدة (10) والمدارك (11) والذخيرة (12)، بل عن
بعض (13): أنه المشهور.
أقول: ولا يبعد دعوى عدم الخلاف في ذلك وإن نسب إلى ظاهر
الخلاف (14).

(1) في الصفحة: 256.
(2) السرائر 1: 487.
(3) نزهة الناظر: 49.
(4) إرشاد الأذهان 1: 292، والتذكرة 1: 253، والمنتهى 1: 548.
(5) الدروس 1: 259.
(6) البيان: 346.
(7) التنقيح الرائع 1: 337.
(8) حاشية الشرائع (مخطوط): 52.
(9) المسالك 1: 467.
(10) مجمع الفائدة 4: 321.
(11) مدارك الأحكام 5: 387.
(12) ذخيرة المعاد: 484.
(13) هو المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 226.
(14) لم نقف عليه.
252

إطلاق الوجوب
في كلمات
الأصحاب
وظاهر إطلاقات الغنية (1) والنهاية (2) والوسيلة (3) والنافع (4)
والشرائع (5) والتبصرة (6) واللمعة (7) والمحكي في المختلف عن الحلبي (8):
إطلاق الحكم بوجوب الخمس في الحلال المختلط بالحرام. والظاهر أن
مرادهم: صورة عدم تميز قدر الحرام تفصيلا، ولذا خص في المعتبر (9)
والمنتهى (10) وغيرهما عنوان المسألة بصورة عدم تميز المقدار والمستحق، مضافا
إلى أن ظاهرهم حصر مستند الحكم في الروايات الآتية، وستعرف أنها
ظاهرة - سيما بمعونة تعليلها - في صورة جهل المقدار تفصيلا.
نعم، يمكن أن يقال: بأن التعليل وإن اختص بصورة جهل المقدار إلا
أن فيه - بناء على اختصاص الخمس في المسألة الآتية ببني هاشم - إشعارا
بأن مطلق الحرام المخلوط بالحلال الموكول أمره إلى الشارع مصروف فيهم،
إلا أن الله سبحانه رضي - مع الجهل بمقداره - بالخمس.
وحاصل ذلك بأنه لا فرق بين العلم بمقدار الخليط، والجهل به في

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(2) النهاية: 197.
(3) الوسيلة: 137.
(4) المختصر النافع: 63.
(5) الشرائع 1: 181.
(6) تبصرة المتعلمين: 49 - 50.
(7) اللمعة الدمشقية: 55.
(8) الكافي في الفقه: 170، وحكاه في المختلف 3: 317.
(9) المعتبر 2: 624.
(10) المنتهى 1: 548.
253

وجوب صرفه إليهم، أي قدر كان إلا أن الله رضي عند الجهل بصرف
خمسه فيهم فتعين. فمثل هذا الكلام إنما يقال في مال يكون - أمره في نفسه،
ومع قطع النظر عن جهالة مقداره - إليه، فيكون الجهالة سبب الرضى بهذا
المقدار لا سبب كون أمره إليه.
اختصاص
المصرف ببني
هاشم
وحينئذ فيقوى اختصاص المصرف في هذا القسم ببني هاشم، لا بمعنى
وجوب الخمس كما يظهر من بعض، بل بمعنى كون المخرج قليلا كان أم كثيرا
من باب الخمس.
ويؤيد ما ذكرنا أن ما تقدم (1) من أخبار التصدق بمجهول المالك ظاهر
في المال المتميز دون المختلط، ولم يعلم إجماع على الفرق بين المختلط وغيره.
وربما يدعى عموم رواية ابن أبي حمزة (2) للمختلط، وفيه نظر.
ودعوى تنقيح المناط، بأن يدعى عدم مدخلية خصوص التميز
والاختلاط إذا كان قدر المال معلوما، معارضة بمثلها، فإنه إذا وجب صرف
المقدار الواقعي من الحرام في مصرف الخمس، فأي فرق بين كون ذلك
المقدار المخلوط معلوما للمكلف أو مجهولا له. مع أن العلم بالقدر لو أوجب
التصدق به لزم في القسم الرابع التصدق أولا بالقدر المتيقن، فلا يبقى مورد
للخمس.
ودعوى أنه لعل لانضمام الشك إلى القدر المتيقن مدخلا. فيجب
التصدق بالقدر المتيقن إذا علم عدم الزائد عليه، ويصرف في الخمس إذا
احتمل وجود زائد عليه، أولى بأن يدفع بتنقيح المناط.

(1) في الصفحة: 248 - 249.
(2) الوسائل 12: 144، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.
254

هذا مضافا إلى معارضة الروايات المتقدمة الآمرة بالتصدق بما دل
على اختصاصه بالإمام، أما رواية ابن حبيب المتقدمة (1) الواردة في مال
الميت فبما عرفت من رواية ابن فضيل المتقدمة (2) الدالة على اختصاص هذا
المال بالإمام عليه السلام، فيكون (3) الأمر بالتصدق من باب الإذن، بل ظاهر
رواية ابن حبيب (4) يأبى الحمل على الفتوى، لاشتمالها على التكسب بذلك
المال وإخراجه صدقة قليلا قليلا مع احتمال إرادة الاخراج من ربحه.
وأما روايتا يونس (5) وابن أبي حمزة (6) الواردتان في من تعذر الوصول
إلى مالكه، فبرواية داود بن يزيد ": إني قد أصبت مالا قد خفت فيه على
نفسي، فلو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه، فقال له أبو عبد الله
عليه السلام: لو أصبت صاحبه كنت تدفعه إليه؟ فقال: إي والله، فقال: والله
ما له صاحب غيري، قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره فحلف، قال:
فاذهب واقسمه في إخوانك ولك الأمن مما خفت " (7).
فإذا لم تكن تلك الأخبار سليمة في مواردها - وهو المال المتميز -
فكيف يتعدى منها إلى المختلط.

(1) في الصفحة: 248.
(2) في الصفحة: 250.
(3) في " ف ": فيمكن.
(4) المتقدمة في الصفحة: 248.
(5) راجع الصفحة 249.
(6) راجع الصفحة 248.
(7) الوسائل 17: 357، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث الأول.
255

المراد برد
المظالم
واعلم أن المحكي عن الأردبيلي (1) في كتاب اللقطة، وعن
القسم الرابع.
المجلسيين (2): أن هذا القسم الثالث هو المشهور برد المظالم، وزاد الأخيران
أقول: ويدخل فيه - أيضا - ما استقر في الذمة من الأموال، وإن كان
حقيقة الرد لا يصدق إلا على الأولين. ويشكل فيما لو أوصى به ولم يعلم
مراده وجعلنا المصرف مختلفا.
القسم الرابع:
كون القدر
مجهولا تفصيلا
مع الجهل
بالمالك
القسم الرابع: أن يكون مجهول القدر تفصيلا مع الجهل بالمالك، ولو في
قوم محصورين.
والمشهور بين من تأخر عن الشيخ وجوب الخمس فيه وحلية الباقي،
وعن الغنية الاجماع عليه (3)، للمروي عن الخصال بسنده الصحيح إلى ابن
الروايات الدالة
على الخمس
محبوب عن عمار بن مروان، قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: فيما
يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام - إذا لم يعرف
صاحبه - والكنوز، الخمس " (4).
ورواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: إن رجلا أتى
أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله
من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال، فإن الله قد رضي من

(1) مجمع الفائدة 10: 460.
(2) روضة المتقين 3: 123، وحكاه عنهما المحقق القمي رحمه الله في الغنائم: 374.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(4) الخصال 1: 290، الحديث 51، والوسائل 6: 344، الباب 3 من أبواب ما يجب
فيه الخمس، الحديث 6.
256

ذلك المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبه يعمل " (1).
وفيما رواه المشايخ الثلاثة والمفيد رضوان الله عليهم عن السكوني عن أبي
عبد الله عليه السلام: " قال: أتى رجل أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: إني
اكتسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة، ولا أدري
الحلال منه والحرام، وقد اختلط علي؟ فقال علي عليه السلام: تصدق بخمس
مالك، فإن الله رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال " (2).
وعن المفيد رحمه الله في الزيادات: أنه أرسل عن الصادق عليه السلام:
" عن رجل اكتسب مالا من حلال وحرام ثم أراد التوبة عن ذلك، ولم يتميز
له الحلال بعينه من الحرام، قال: يخرج منه الخمس وقد طاب، إن الله طهر
الأموال بالخمس " (3). وظاهرها كظاهر الرواية الأولى، بل صريحها، أن
المراد
بالخمس:
المعنى
المتعارف
المراد بالخمس معناه المتعارف، ومصرفه المصرف المعهود وهو المشهور، بل
نسبه في البيان إلى ظاهر الأصحاب (4)، بل هو ظاهر الرواية الثانية - أيضا -
بعد دعوى ثبوت الحقيقة الشرعية [في لفظ الخمس، ولا أقل من ثبوت

(1) الوسائل 6: 352، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول، وفيه
" يعلم " بدل " يعمل "، وفي التهذيب: بعمل، راجع التهذيب 6: 124.
(2) الكافي 5: 125، الحديث 5 والتهذيب 6: 368، الحديث 1065، والفقيه 3:
189، الحديث 3713، والوسائل 6: 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه
الخمس، الحديث 4، مع اختلاف يسير في جميع هذه المصادر، ولم نعثر عليها في
المقنعة، لكن قال في الوسائل: ورواه المفيد في المقنعة مرسلا نحوه.
(3) المقنعة: 283.
(4) البيان: 348.
257

الحقيقة المتشرعية] (1) في زمان الصادق عليه السلام وإن كان كلامه عليه السلام
حكاية لكلام أمير المؤمنين عليه السلام إلا أن ذكره في مقام بيان الحكم يدل على
إرادة ما هو ظاهر الكلام عند المخاطب حين الخطاب.
عدم دلالة
الرواية الثالثة
على الخمس
المتعارف
وأما الرواية الثالثة، فالانصاف أنها ليست ظاهرة في ذلك لو لم نقل
بكونها ظاهرة في إرادة المعنى اللغوي، أعني الكسر الخاص من المال كما في
آية الغنيمة، بل إنما أطلق لفظ الخمس مضافا إلى المال، سيما بملاحظة الأمر
بالتصدق، فإن التصدق وإن كان قد نسب إلى الخمس في بعض الأخبار إلا
أن إطلاقه منصرف إلى الصدقة المقابلة للخمس، بل انصرافه أقوى من
انصراف لفظ الخمس المذكور بعده إلى الحق الخاص، بل أمره عليه السلام
بالتصدق من دون طلب نصفه المختص [به] (2) قرينة على عدم إرادة الحق
الخاص. واحتمال إذنه عليه السلام في صرف حقه المختص إلى شركائه مدفوع
- مضافا إلى ظهور الكلام في الفتوى دون الإذن - بأن التعليل ظاهر في كون
الحكم من باب الفتوى لا الإذن لخصوص السائل، إلا أن هذا كله مدفوع
بظهور قوله عليه السلام في ذيل الرواية: " فإن الله قد رضي من الأشياء
بالخمس " (3)، ومن المعلوم أن غير الخمس المصطلح غير معهود في الأشياء
وكيف كان، فلا إشكال في المسألة بعد المرسلة المنجبرة برواية ابن
مروان المتقدمة (4)، المعتضدة بظاهر فتوى الأصحاب مع اعتضاده بالاحتياط

(1) غير موجود في " ف ".
(2) من " ف ".
(3) تقدمت الرواية بتمامها في الصفحة السابقة.
(4) في الصفحة: 256.
258

اللازم مراعاته في مثل المقام، لو فرض عدم إطلاق يركن إليه، إلا أنه مبني
على القول بعدم حرمة مثل هذه الصدقة - لو لم يكن خمسا - على بني هاشم.
أما لو قلنا به أو احتملناه احتمالا لا يدفع بظواهر أدلة الحلية من العمومات
والخصوصات، دار الأمر بين محذورين ولم يكن احتياط في البين، لكن
عرفت ما هو المغني عن الاحتياط في المسألتين.
مناقشة ما يدل
على الحلية
بغير تخميس
ثم إن ظاهر بعض الأخبار حلية المال المختلط بالحرام مع عدم
التعرض لوجوب إخراج شئ منه، أكثرها في المال المختلط بالربا، مثل
رواية هشام بن سالم وروايتي الحلبي (1) المرويات في باب الربا من الكافي،
وبعضها في غير الربا، مثل ما رواه في الكافي عن ابن محبوب عن أبي أيوب
عن سماعة، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب مالا من
عمل بني أمية وهو يتصدق منه، ويصل منه قرابته ويحج ليغفر له ما اكتسب،
وهو يقول: إن الحسنات يذهبن السيئات، فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن
الخطيئة لا تكفر الخطيئة ولكن الحسنة تحط الخطيئة، ثم قال: وإن كان خلط
الحرام حلالا فاختلطا جميعا فلا يعرف الحلال من الحرام فلا بأس " (2).
ويمكن التفصي عن أخبار الربا بما ربما يستظهر من ذيلها، من كون
مورث الرجل كان يأكل الربا (3)، وقد دلت هذه الأخبار وغيرها - وذهب
بعض الأصحاب (4) - على حليتها، ولذا قيد في بعض أخبار الكبائر أكل الربا

(1) الكافي 5: 144 الحديث 3 و 4.
(2) الكافي 5: 126 الحديث 9.
(3) الوسائل 12: 431، الباب 5 من أبواب الربا، الحديث 2 و 3.
(4) هو ابن الجنيد، وقد حكاه عنه العلامة في المختلف: 3: 317.
259

بكونه بعد البينة (1) إشارة إلى قوله تعالى: (فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى
فله ما سلف) (2).
وحينئذ فهذه الأخبار أخص من أخبار وجوب الخمس. نعم، يظهر
من محكي السرائر (3) وجوب الخمس في المال الذي يعلم أنه فيه الربا أيضا.
وأما موثقة سماعة (4) فيحتمل أن يكون نفي البأس عن التصدق من
المال المختلط، بل سائر التصرفات في الجملة ولو بعد التخميس، في مقابل
الحرام المحض الذي هو مورد السؤال، حيث لا يجوز منه التصدق في بعض
الصور، فضلا عن تصرف آخر.
وكيف كان، فالرواية ليست نصا في حلية جميع المال المختلط حتى
لا يقبل التقييد بأخبار المسألة التي هي أخص منه، مع مخالفة حلية الجميع
للقاعدة المقررة من وجوب الاجتناب عن المشتبه في المحصورة امتثالا
للأدلة العقلية والنقلية الدالة على حرمة التصرف في مال الغير إذا علم
- ولو إجمالا - في أمور محصورة.
معرفة المالك
بعد الاخراج
ثم لو ظهر المالك بعد إخراج الخمس فهل يضمن الدافع؟
كما صرح به الشهيدان في الروضة (5) والبيان (6)، أم لا؟ كما عن

(1) الوسائل 11: 260 - 261، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 33 و 35.
(2) البقرة: 275.
(3) السرائر 1: 487.
(4) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(5) الروضة البهية 2: 68.
(6) البيان: 347.
260

الرياض (1) والمدارك (2) والذخيرة (3)، قولان:
من قاعدة اليد، وكون الإذن في التخميس في مقام بيان سبب إباحة
التصرف في الباقي، فلا يفيد رفع الضمان. نعم، غايته رفع الإثم، مضافا إلى
النص بالضمان في أمثاله من التصدق بمجهول المالك واللقطة.
ومن أن الظاهر التعليل في قوله عليه السلام: " إن الله رضي من الأموال
بالخمس " (4) أن ولاية الخليط المجهول مالكه انتقل مع جهل المالك إلى الله
سبحانه، وقد رضي عن الخليط بالخمس، فإخراجه مطهر للمال ومبرئ
للذمة بحكم المراضاة الحاصلة بين مالك الحلال وبين الشارع تقدس ذكره، وهذا
بخلاف مسألة التصدق بمجهول المالك واللقطة، فإن الظاهر أن التصدق بهما
إنما هو عن صاحبه بإذن الشارع في إيقاع هذا العمل للمالك شبه الفضولي،
وأين هو من إيصال المالك إلى ولي مالكه - كما يستفاد من تعليل أخبار
الباب -، مع أن التصدق بمجهول المالك جائز لجواز إبقائه أمانة، أو تسليمه
إلى الحاكم، فلا ينافي الضمان، بخلاف دفع هذا الخمس، فإنه واجب ويبعد
معه الضمان.
وبهذا التقرير يظهر أنه لو قلنا بكون هذا الخمس صدقة لا مصروفا
في الخمس، فلا يجوز صرفه في بني هاشم إن قلنا بحرمة ما عدا الزكاة من
الصدقات المفروضة عليهم، وإن قلنا بجواز صرف مجهول المالك واللقطة

(1) الرياض 5: 248.
(2) مدارك الأحكام 5: 389.
(3) ذخيرة المعاد: 484، لكنه نقل القولين من دون اختيار أحدهما.
(4) تقدمت هذه الرواية بتمامها في الصفحة: 257.
261

عليهم على هذا القول، لكونها صدقة مندوبة عن المالك، بخلاف ما نحن فيه،
فإنه مال الله جعله صدقة واجبة، فيدخل في الصدقات الواجبة.
262

مسألة
[17]
لو كان الحلال
مما فيه الخمس
لم يسقط
بإخراج الخمس
من المختلط
لو كان الحلال مما فيه الخمس لم يسقط بإخراج هذا الخمس، لعدم
الدليل على سقوطه، فيجب حينئذ أولا هذا الخمس، فإذا أحل لمالكه وطهر
عن الحرام، أخرج خمسه، ولو عكس صح، لكن تظهر الفائدة فيما لو جعلنا
مصرف هذا الخمس في غير الهاشمي، وحينئذ فليس له العكس.
وكيف كان، فالقول بوحدة الخمس - كما يحكى (1) - ضعيف جدا، ولعله
لاطلاق قوله عليه السلام: " وسائر المال لك حلال " (2) ولا يخفى أنه من حيث
اختلاط الحرام، لا من كل جهة، ولذا لو كان زكويا لم يسقط زكاته.

(1) حكاه في الجواهر (16: 76) عن حواشي البخارية.
(2) الوسائل 6: 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
263

مسألة
[18]
العلم إجمالا
بكون الحرام
أقل من الخمس
لو كان قدر المال مجهولا تفصيلا لكن يعلم أنه أقل من الخمس
فالظاهر عدم وجوب الخمس، لأن ظاهر التعليل، الاختصاص بغير هذه
الصورة، لأنه كما تقدم (1) وارد في مقام بيان التخفيف.
واستقرب في المناهل (2) وجوب الخمس لاطلاق الأخبار والفتاوى،
وهو ضعيف، والاطلاق ممنوع.
وهل يجب صرفه في مصرف هذا الخمس أو يكون صدقه؟ وجهان:
من فرض خروجه عن مورد هذه الأخبار فتدخل في عموم أخبار
التصدق بمجهول المالك مما عرفت في معلوم القدر.
ومن ظهور التعليل في كون حكم الخليط في نفسه أن يصرفه إلى أهل

(1) في الصفحة: 244.
(2) المناهل: (مخطوط)، ذيل التنبيه الثالث عشر من تنبيهات خمس المختلط.
264

الخمس، وإنما وجب الخمس في صورة الجهل بمقداره لرضى الشارع بهذا
القدر.
والأقوى هو الأول.
وعلى كل تقدير، فيجعل الحاكم أو العدول أو المستحقين بمنزلة المالك
ويعامل معه ما مر في القسم الثالث من الوجوه.
العلم بكون
الحرام أزيد من
الخمس
ولو علم كونه أزيد، فهل يقتصر على صرف الخمس لاطلاق الأخبار
أو يدفع الزائد أيضا؟ وجهان: أصحهما: الثاني، لعدم الدليل على سقوط
الزائد، مع أن ظاهر التعليل كفاية الخمس عن الزائد الواقعي لو ثبت في المال
لا المعلوم، فإطلاق الأخبار كإطلاق الفتاوى بالنسبة إلى هذه الصورة
ممنوع. فالقول بالاكتفاء بالخمس - كما استقربه في المناهل (1) - ضعيف جدا.
وعلى المختار، فهل المجموع صدقة أو خمسا، أو يكون مقدار الخمس
خمسا والزائد صدقة؟ وجوه:
أقواها: الأول، لأن فرض خروجه عن أدلة الخمس يوجب دخوله
تحت ما تقدم من وجوب التصدق بكل مال مجهول ولو كان مخلوطا غير
متميز.
قال في كشف الغطاء: ولو جهل المقدار مع العلم بزيادته عن الخمس
فهو بحكم المعلوم حقيقة يرجع فيه إلى الصلح، وكذا ما علم نقصه عن
الخمس على الأقوى (2)، إنتهى.

(1) المناهل: (مخطوط)، ذيل التنبيه الثاني عشر من تنبيهات خمس المختلط، وفيه بعد
نقل أقوال ثلاثة: ولكن الاحتمال الأول في غاية القوة.
(2) كشف الغطاء: 361.
265

تبين زيادة
الحرام على
الخمس
وعلى المختار فلو تبين الزيادة بعد إخراج الخمس، ففي إجزاء ما دفع
والتصدق بالزائد، أو وجوب استدراك الصدقة بالمجموع فيسترجع ما دفع
خمسا مع بقاء العين أو علم القابض، أو الاكتفاء بما دفع وجوه:
أقواها الأول، وسيجئ تقوية الأخير.
ثم العمل في تعيين القدر المعلوم إجمالا على البراءة إن كان هناك يد أو
أصل يعتمد عليه في إثبات ملكية المشكوك - كما ذكرنا في القسم الثاني - وإلا
ففي وجوب العمل على المتيقن من حيث الاشتغال أو على المتيقن من حيث
البراءة أو القرعة وجوه:
أصحها: الأول لأصالة عدم تملك المشكوك، وأصالة عدم حصول
التطهير للمال المختلط.
المراد من
الرابع: ما كان
مجهولا من
أصله
ثم المراد بالقسم الرابع: ما كان الحرام مجهول القدر من أصله، فلو علم
قدر الحرام أولا، ثم تصرف فيه وخلطه مع ماله حتى نسيه، أو علم عين
الحرام وإن جهل قدره فتصرف فيه واشتبه في ماله فجهل قدره بالإضافة إلى
ماله، فالظاهر أن حكمها حكم مجهول المالك، فيجب التصدق لا الخمس،
لسبق الحكم به، فلا يرتفع بعروض الاختلاط، لكن لا يبعد دعوى إطلاق
الأخبار بالنسبة إلى مثل ذلك، ولعله لذا قال في كشف الغطاء: لو خلط
الحرام مع الحلال عمدا خوفا من كثرة الحرام ليجتمع شرائط الخمس
فيجتزئ بإخراجه فأخرجه، عصى بالفعل وأجزأ الاخراج (1)، إنتهى. وتبعه
في ذلك بعض تلامذته في كتابه (2).

(1) كشف الغطاء: 361.
(2) الجواهر 16: 76.
266

وفيه نظر، إذ القدر الخليط إذا حكم سابقا بكونه للفقراء باعتبار تميزه
فيصير كمعلوم المالك، فبعد الاختلاط وإن دخل في موضوع مجهول المقدار
إلا أنه خرج عن موضوع مجهول المالك.
الاختلاط بمال
ليس له مالك
خاص
ولو علم اختلاط ماله بمال ليس له مالك خاص كالزكاة، وحصة
السادة من الخمس، وحاصل الأوقاف العامة، فلا إشكال في أنه كمعلوم
المالك داخل في القسم الثاني الذي تقدم الحكم فيه، والمتولي لذلك هنا هو
الحاكم.
أما لو لم يعلم كون الخليط من الزكاة أو الخمس، فالظاهر أنه
كالمتردد بين مالكين.
وكذا لو تردد بينهما وبين الأوقاف العامة، لجواز صرفها في أهل الزكاة
والخمس.
ولو كان ما فيه الخمس مشتركا فدفع أحد الشريكين خمس حصته
فيجوز له التصرف في باقي حصته. وفي الكشف - بعد ذلك -: أنه لو أمكن
جبره على القسمة جبر (1).

(1) كشف الغطاء: 361، وفيه - قبل هذه العبارة -: ولو كان ما فيه الواجب مشتركا
فامتنع أحد الشركاء عن القسمة أدى غير الممتنع سهمه وحل التصرف بمقدار أربعة
أخماس حصته.
267

مسألة
[19]
التصرف في
المال المختلط
لو تصرف في المال المختلط بالحرام بحيث صار في ذمته، تعلق الخمس
في ذمته، ولو تصرف في الحرام المعلوم فصار في ذمته، وجب دفعه صدقة.
مسألة
[20]
الوصية بمال
في رد المظالم
لو أوصى مبلغا معينا في رد المظالم - بناء على ما عن المجلسيين (1) من
إطلاق هذا العنوان على القسم الثالث والرابع - فإن علمنا بقصده أحد

(1) حكى هذا الاصطلاح عنهما المحقق القمي رحمه الله في الغنائم: 374، وانظر هامش 2
من الصفحة: 256.
268

القسمين أو جوزنا وحدة المصرف فيهما فلا إشكال، وإلا ففي صرفه إلى
القسم الثالث، من جهة أن الأصل عدم الزيادة وعدم احتمال الميت للزيادة،
أو إلى القسم الرابع، لأن الغالب عدم علمهم بالمقدار المخلوط في أموالهم،
ويحتمل كون ذلك المبلغ كالمال المردد بين مالكين، فيحتمل أن يقرع بينهما،
ويحتمل المصالحة معهما، والمتولي للطرفين الحاكم.
لكن التحقيق: أنه لم يعلم كون رد المظالم حقيقة في القسم الثالث
والرابع المتقدمين، بل يطلق - أيضا - لغة وعرفا على رد المظالم المستقرة في
الذمة.
فإن علم أن الموصي أراد فردا معينا، فالحكم كما ذكر من وجوب
القرعة، أو المصالحة على النصف، أو التنصيف من غير مصالحة نظير ما تقدم
في المال المردد بين شخصين.
وإن علم أنه أراد نفس المفهوم من غير التفات إلى أفراده، وعدم
قصد فرد خاص منه كأن سمع أن من جملة الخيرات شيئا يقال له: رد
المظالم، فيوصي به من غير ملاحظة أن في ذمته أو في ماله شيئا للفقراء
أو السادة، فإن علم أن في ذمته حقا لإحدى الطائفتين صرف فيه، وإن
لم يعلم ذلك فالظاهر أن الايصاء بهذا كالإيصاء بمطلق التصدق، إن لم يعتقد
اختصاص هذا القسم بالسادة، كما هو المتعارف بين الناس من جعله في
مقابل الخمس للسادة (1).

(1) كذا في " ف "، وفي سائر النسخ: بالسادة.
269

مسألة
[21]
عدم اختصاص
الحكم
بالمكلفين
الظاهر عدم اختصاص ما ذكر من الخمس بالمكلفين، بل يجب إخراج
الخمس من مال الصبي والمجنون إذا اختلط بالحرام، لعموم رواية ابن مروان
المتقدمة (1)، بل يجب هنا وإن قلنا في غيره من الأخماس، باختصاصه
بالمكلفين، لأن الموجود فيه من الحرام لا بد من التخلص عنه وإيصاله
أو بدله إلى مالكه أو وليه، فهذا الخمس ليس حقا حادثا في أصل المال
كالزكاة ليمكن دعوى أنه فرع التكليف، بل هو حق ثابت في جملة المال
مختلط معه، ولذا لا يسقط بتلف المال من غير تفريط، بل ينتقل إلى الذمة إذا كان
الخلط بسوء صنيعة (2)، كالمكتسب المغمض عن مطالب المال من حيث الحلية
والحرمة، فما استقربه في المناهل (3) - من عدم وجوب الخمس في مالهما - ضعيف

(1) في الصفحة: 244.
(2) في " ج " و " ع ": صنعه.
(3) المناهل: (مخطوط)، التنبيه السادس والثلاثون من تنبيهات خمس الأرباح، وفيه:
المعتمد عدم الوجوب واشتراط الأمرين.
270

مسألة
[22]
تبين نقصان
الحرام
لو دفع الخمس فبان الخليط أقل من الخمس، فالظاهر الاجزاء وعدم
وجوب الصدقة بما تبين من المقدار، وعدم جواز استرجاع ما دفع إلى
السادة، لأن ظاهر التعليل كون المدفوع بدلا وعوضا عما في المال على تقدير
زيادته عنه، أو نقصه، أو مساواته، فيكون شبه المصالحة والمراضاة من
طرف الشارع مع المالك، نظير ما إذا وقع هذا من مالك الحرام - في صورة
معرفته - مع مالك الحلال.
تبين زيادة
الحرام
ومنه يظهر أنه لو تبين أن الحرام كان أزيد من الخمس فلا رجوع
- أيضا - على خلاف ما اخترناه سابقا وفاقا لما قواه (1).

(1) الظاهر أن المراد كاشف الغطاء رحمه الله، راجع الصفحة: 264.
271

ودعوى كون هذه المعاوضة مراعاة باستمرار الاشتباه أو التساوي
الواقعي أو هو مع النقص، خلاف ظاهر قوله عليه السلام: " رضي من الأموال
بالخمس " وقوله: " وسائر المال لك حلال " (1). ومما ذكرنا يظهر فساد ما يقال
في تضعيف هذا الاحتمال: من أنه مستلزم لتحليل ما هو معلوم الحرمة.
لا فرق في
الزيادة بين
المشاعة
والمعينة
ولا فرق فيما ذكرنا بين أن تكون الزيادة المتبينة مشاعا كأن ينكشف
كون الحرام ربعا أو ثلثا للمال، أو يكون شيئا معينا، كهذا الفرس مثلا، لأن
المفروض وصول عوضه إلى الشارع حتى لو تبين كون العوض المدفوع كله
من الحرام، فالظاهر عدم وجوب دفع الزائد أيضا لأنه من باب المصالحة
عن الشئ ببعضه.

(1) الوسائل 6: 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4، وقد
تقدمت بتمامها في الصفحة: 257.
272

مسألة
[23]
عدم اشتراط
البلوغ والعقل
في خمس
المعادن
والكنوز
والغوص
والغنيمة
الظاهر أنه لا خلاف في عدم اشتراط البلوغ والعقل في تعلق الخمس
بالمعادن والكنوز والغوص، وقد ادعى ظهور الاتفاق في الأخيرين في
المناهل (1). وعن ظاهر المنتهى (2) في الأول، وتبعه في الغنائم (3).
ويدل عليه إطلاق الأخبار.
وأما الغنيمة، فالظاهر أنه كذلك، لما ذكروا في الجهاد: من إخراج
الخمس من الغنيمة أولا، ثم تقسيمه بين من حضر القتال حتى الطفل.
ودل على الاطلاق في الأربعة المذكورة وفي الحلال المختلط، إطلاق

(1) المناهل: (مخطوط)، التنبيه العاشر من تنبيهات خمس الكنز، والتنبيه الثالث من
تنبيهات خمس الغوص.
(2) المنتهى 1: 546، ولا يخفى أنه يفهم من عبارته عدم اشتراط البلوغ فقط.
(3) الغنائم: 363.
273

رواية عمار بن مروان المتقدمة: " فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة
والحلال المختلط بالحرام - إذا لم يعرف صاحبه - والكنوز، الخمس " (1).
حكم الأرض
المشتراة من
قبل الذمي
وأما الأرض المشتراة من الذمي ففيه إشكال، من تضمن الرواية لفظة
" على " الظاهرة في التكليف.
ومن إمكان [منع] (2) هذا الظهور، لكثرة استعمال لفظة " على " في مجرد
الاستقرار كما في قوله: " عليه دين " و " على اليد ما أخذت " (3) ونحو ذلك.
حكم أرباح
المكاسب
وأما المكاسب فظاهر إطلاق الفتاوى عدم اشتراط البلوغ فيها، فعن
المنتهى - في فروع مسألة الكنز -: " الثالث: الصبي والمجنون يملكان أربعة
أخماس الركاز، والخمس الباقي لمستحقيه، يخرج الولي عنهما عملا بالعموم.
وكذا المرأة.. لنا ما تقدم من أنه اكتساب وهما من أهله " (4).
فإن هذا الدليل ظاهر في أن عليهما خمس كل ما يحصل باكتسابهما.
والحاصل: أنه يفهم من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز
والمعدن والغوص، بأنها اكتسابات، فتدخل تحت الآية، ثم تعميمهم
الوجوب فيها للصبي والمجنون، ثم دعواهم الاجماع على وجوب الخمس في
مطلق الاكتسابات، عدم الفرق في أرباح المكاسب بين البالغ وغيره، فتفطن.
ويدل عليه إطلاق بعض الأخبار - أيضا - مثل موثقة سماعة - وقبله
ابن أبي عمير - عن أبي عبد الله عليه السلام عن الخمس قال: " في كل ما أفاد

(1) الوسائل 6: 344، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(2) أثبتناها من " ع ".
(3) عوالي اللآلي 1: 224، الحديث 106.
(4) المنتهى 1: 547، مع اختلاف يسير.
274

الناس من قليل أو كثير " (1).
ترجيح صاحب
المناهل اشتراط
الكمال
ومناقشته
وقد ادعى في المناهل (2): ظهور إطلاق النصوص والفتاوى ومعاقد
الاجماع في ذلك. بل قيل: إن تصريحهم باشتراط الكمال في الزكاة، وإهمالهم
هنا، كالصريح في [عدم] (3) اشتراطه هنا، فربما كان إجماعا (4). وهو حسن.
ومن العجب أن هذا القائل رجح أخيرا اشتراط الكمال (5)، لعمومات
ما ورد في الزكاة من أنه " ليس في مال اليتيم والمال الصامت والدين
شئ (6) وقوله عليه السلام: " ليس في مال المملوك شئ " (7) في غير واحد من
الأخبار.
[ولا يخفى على الناظر فيها اختصاصها بالزكاة.
وأعجب من ذلك أنه جعل سقوط الخمس عن غير البالغ في المال
المختلط أظهر، لورود دليله على وجه التكليف (8)، مع أنك قد عرفت أنه
لو قلنا: باختصاص الخمس مطلقا بالبالغ لا بد من استثناء هذا القسم منه،
لأنه في الحقيقة إخراج بدل مال الغير الذي يجب أن يخرج من مال الصغير

(1) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
(2) لم نعثر عليه في المناهل.
(3) الزيادة اقتضاها السياق.
(4) القائل هو العلامة النراقي رحمه الله، في المستند 2: 81.
(5) راجع نفس المصدر.
(6) الوسائل 6: 54، الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2، مع
اختلاف في التعبير.
(7) الوسائل 6: 59، الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول.
(8) المستند 2: 81.
275

والكبير] (1).
عدم دلالة آية
الخمس على
المطلوب
وربما يتوهم دلالة الآية الشريفة على المطلوب بضميمة الأخبار المعممة
للغنيمة لمطلق الفائدة من جهة إطلاق الاغتنام فيها لما قبل البلوغ وما بعده،
وإن كان التكليف بالخمس متعلقا به بعد البلوغ، فإن أسباب التكليف لا
يعتبر وقوعها حال التكليف.
وهو فاسد، لأن الظاهر من الآية إنشاء هذا الحكم - أعني السببية
المستفادة من الموصول المتضمن لمعنى الشرط بقرينة الفاء - للبالغين -، لا إنشاء
حكم الجزاء بالنسبة إلى من يتحقق منه الشرط من البالغين.
نعم، لو استفيد من الآية سببية أصل الغنيمة لتعلق الخمس لا الغنيمة
الحاصلة لخصوص المخاطب البالغ، أمكن الاستدلال بها كما هو ظاهر كل
من يستدل من الفقهاء بهذه الآية على وجوب الخمس في الكنز والمعدن
والغوص، مع اتفاقهم على عدم اختصاص الحكم فيها بالبالغين.
إلا أن يقال: لعل مستندهم في أصل الحكم الآية، وفي عمومه لغير
البالغين الأخبار. وهو مناف لما عرفت من استدلال المنتهى (2).

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في " م ".
(2) في الصفحة: 274.
276

مسألة
[24]
وجوب الخمس
في ما يكتسبه
العبد من الكنز
والمعدن
والغوص
يجب الخمس في ما يكتسبه العبد من الكنز والمعدن والغوص، لأن
كسبه إن كان لمولاه فيجب على المولى، وإن كان لنفسه كما في المكاتب فيجب
عليه.
والظاهر عدم الخلاف في ذلك، وكذا لو قلنا بأنه يملك إذا أذن له
المولى في الاكتساب لنفسه، لعموم أدلة الخمس، وليس للمولى منعه، لثبوته
بحكم الشرع.
ولا دليل على اعتبار التمكن التام في وجوب الخمس على الوجه
المتقدم في الزكاة.
ومنه يعلم أن التمكن من التصرف ليس شرطا في تعلق الخمس، وإنما
هو شرط في وجوب أدائه فعلا، فإذا تمكن أدى.
277

مسألة
[25]
تعلق الخمس
بالعين
الظاهر تعلق الخمس بالعين في الغنيمة والمعدن والكنز والغوص
والأرض المبتاعة من المسلم، والحلال المختلط بالحرام، والمظنون عدم
الخلاف في ذلك.
وأما أرباح المكاسب، فالظاهر أنها كذلك، لأنه الظاهر من أدلتها
سيما الآية (1) التي استدل بها كثير من الأصحاب.
عدم وجوب
الاخراج من كل
عين
لكن الظاهر: عدم وجوب أن يخرج من كل عين خمسه: لصدق
إخراج خمس الفائدة، بل الظاهر أن الحكم كذلك في الكنز والغوص والمعدن
إذا اشتملت على أجناس مختلفة.
وهل يجوز دفع القيمة في هذه الأشياء؟ الظاهر ذلك، كما صرح به

(1) الأنفال: 41.
278

بعض (1)، بل يظهر من حاشية المدقق الخوانساري في مسألة وجوب بسط
نصف الخمس على الأصناف، أن جواز أداء القيمة مذهب الأصحاب (2)
- وسيجئ حكاية كلامه في تلك المسألة -: لقوله عليه السلام لمن وجد كنزا
فباعه: " أد خمس ما أخذت " (3) يعني من الثمن. ورواية ريان بن الصلت
المتقدمة (4) في ثمن السمك والبردي والقصب من القطيعة. ورواية السرائر (5)
المتقدمة فيما يباع من فواكه البستان - والاجتزاء بخمس الثمن في هذه الأخبار
محمول على الغالب، من عدم نقصان الثمن عن القيمة، وإلا فلا اعتبار بالثمن -
وما تقدم في مسألة الغنيمة من رواية أبي سيار (6) حيث جاء بثمانين ألف
درهم إلى الصادق عليه السلام.
جواز التصرف
مع ضمان
الخمس
وكيف كان، فالظاهر من الروايات منضمة إلى ملاحظة سيرة الناس
هو جواز التصرف في الأعيان الخمسية مع ضمان الخمس.
حرمة التصرف
مع نية عدم
الاعطاء
ولو نوى عدم إعطاء الخمس، فالظاهر حرمة التصرف في العين وكونه
غصبا، لأنه مقتضى التعلق بالعين، خرج منه صورة الضمان بالأخبار

(1) لم نقف عليه.
(2) حاشية الروضة: 328.
(3) الوسائل 6: 346، الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث الأول.
(4) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9، وقد
تقدمت في الصفحة: 177.
(5) السرائر 3: 606، من مستطرفات السرائر، وقد تقدمت في الصفحة: 193.
(6) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 12،
وتقدمت في الصفحة: 119.
279

ولما ورد في غير واحد من الأخبار من أنه " لا يحل لأحد أن
يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا " (1).
وما عن تفسير العياشي بسنده عن إسحاق بن عمار، قال: " سمعته
يقول: لا يعذر الله عبدا اشترى من الخمس شيئا أن يقول: يا رب اشتريته
بمالي حتى يأذن له أهل الخمس " (2). وغير واحد مما تقدم في خمس الأرباح.
منها: ما ورد في صحيحة الفضلاء من أنه: " هلك الناس في بطونهم
وفروجهم لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا " (3).
وما عن كمال الدين: إنه مما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان
العمري قدس الله سرهما في جواب مسائله إلى صاحب الدار عليه السلام، " قال: وأما
ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه
تصرفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه، فقد
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المستحل من عترتي ما حرم الله تعالى ملعون
على لساني ولسان كل نبي مجاب " (4).
التصرف مع
عدم الضمان
ولا نية عدم
الاعطاء
ويؤيده - أيضا -: جميع ما ورد في حل المناكح للشيعة ليطيب لهم
الولادة، وإن كان ظاهرها مختصا بخمس الغنائم أو الأنفال.
وأما لو تصرف مع عدم الضمان ولا بنية عدم الاعطاء، فمقتضى

(1) مثل ما ورد في الوسائل 6: 339، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
الحديث 5.
(2) تفسير العياشي 2: 63، الحديث 60.
(3) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث الأول.
(4) كمال الدين: 520، مع اختلاف يسير، والوسائل 6: 376، الباب 3 من أبواب
الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 6.
280

القاعدة وأخبار عدم حل اشتراء الخمس وإن كان هو عدم جواز البيع
وفساده في مقدار الخمس، إلا أن الظاهر مما (1) تقدم من روايات دفع القيمة
الظاهرة في عدم ضمان البائع حين البيع، بل جهله، وكذا بعض ما ورد في
صورة العزم على عدم الاعطاء هو الجواز واشتغال الذمة إن كان التصرف
بالاتلاف، وتعلق الخمس بالغوص إن كان معاوضة مجردة عن المحاباة، وإلا
فكالاتلاف في مقدار المحاباة أو في المجموع.
والمسألة محل إشكال، لعدم دليل يوجب الاطمئنان في مقابل الأصول
العقلية والنقلية المانعة عن التصرف في مال الغير.
المعاملات
الواردة على
العين عام الربح
نعم، المعاملات الواردة على العين التي حصل فيها الربح في عام
التجارة كأنه خارج عن محل الكلام، لاجماعهم ظاهرا على جواز تأخير
إخراج خمس الأرباح إلى السنة وإن علم بعدم تجدد مؤونة أو خسارة على
ما يقتضيه إطلاق كلامهم في التوسعة، وإن كان في تعليل التأخير بالاحتياط
إشارة إلى عدم الجواز مع العلم، إذ لا يبقى معه احتياط، ولا شك أن الربح
يصير متعلقا للخمس بمجرد الظهور دون الانضاض على الأقوى، فيلزم من
ذلك.
إما وجوب عزل مقدار الخمس من الربح إذا أراد المكلف التجارة
بماله، والظاهر أنه لم يلتزم به أحد، لا فتوى ولا عملا.
وإما اشتراك المستحقين مع المالك في الربح الحاصل من المال المشترك
وفي الخسارة التي تتفق فيه، لأن مقتضى عدم وجوب العزل والإذن في
التصرف فيه في جملة المال. والظاهر أنه كسابقه مخالف للفتوى والعمل،

(1) في " ج ": ما.
281

لاستقرارهما ظاهرا على اشتراك المستحقين في الخسارة دون الربح وإن كان
لهم حق متجدد فيه كما في عامل القراض.
نعم، ظاهر بعض مشايخنا (1) بل صريحه، أنه لو ربح خمسين في مائة
ثم اشترى بالمائة والخمسين وخسر في تجارته خمسين، وزع الخسارة على
الربح ورأس المال.
لكنه ضعيف لما سيجئ، فتعين أن يكون الإذن في التجارة فيه على
وجه التجارة في مال القراض بعد ظهور الربح.
المعاوضة
لا للتجارة
نعم، لو عاوضه لا للتجارة والاستفادة استحق من الثمن بنسبته إلى
العين، كما في الكنز المبيع في الرواية المتقدمة (2).
والسر في ذلك: أن الدليل إنما دل على وجوب الخمس في الفائدة
الحاصلة من التجارة مثلا، وقد عرفت سابقا - في مسألة عدم استقلال كل
ربح بحول - أن الصناعة الواحدة في حكم عمل واحد، بل عرفت أن
الاستفادات المتعددة وإن اختلفت ولم تتحد (3) عرفا إلا أن موضوع وجوب
الخمس فيها هو مجموع ما استفاد، لا كل جزء مما استفاد ولو باستفادة
مستقلة، ولذا قوينا وجوب إخراج مؤونة سنة المجموع التي تدخل بظهور
أولها وينتهي بانتهاء آخرها من ذلك المجموع، وحينئذ فالغنيمة هي الحاصلة
من ذلك المجموع، والمخرج منها مؤونة السنة.
ومن البين أن إضافة الفائدة إلى التجارة الواحدة المستمرة المشتملة

(1) هو العلامة النراقي قدس سره، راجع المستند 2: 81.
(2) في الصفحة: 279.
(3) في " ع " و " ج ": لم تتحد.
282

على المعاوضات المترامية، إنما هي ملاحظة رأس المال الموجود في المعاملة
الأولى منها. نعم، إضافة كل فائدة إلى التجارة التي حدثت فيها إنما هي
بملاحظة رأس المال الموجود في تلك المعاملة، ومتعلق الخمس هي الفائدة
بالمعنى الأول دون الثاني، فيجب أن يخمس هذه الفائدة. والفائدة بهذا المعنى
لا تستقر إلا بعد تمام الحول، فصدق الفائدة بهذا المعنى على الحاصل في أول
الحول مراعى بعدم حصول خسران يوجب زوال صدقها بهذا المعنى. نعم،
بالمعنى الثاني - أعني الإضافة إلى التجارة التي حصلت فيه - لا يزول صدقها
ولو تلف جميع المال.
وكذا الكلام في الفائدة الحاصلة من ضم مكاسب مختلفة في الحول، فإن
المتعلق للخمس هو كلي الفائدة التي هي محل إخراج المؤونة. واستقرارها
مشروط بعدم حصول الخسارة في بعضها.
نعم، لو قلنا إن كل فائدة تحصل في تجارة واحدة فيحصل الشركة فيه،
ثم إذا ربح في تجارة يوضع من الربح المتجدد مقدار ما يخص حصة الخمس،
ثم يخمس باقيه المختص بمجموع رأس المال وأربعة أخماس الربح فيحصل
الشركة وهكذا. نعم، هذا لازم من جعل كل فائدة فائدة متعلقا للخمس،
ويحسب مؤونة السنة منه مختصة أو موزعة عليها وعلى غيرها السابق
أو اللاحق.
فعلى هذا، لو ربح ستمائة ووضع لمؤونته منها مائة، ثم اتجر بالخمسمائة
فربح خمسمائة فصارت ألف، وجب عليه المائة من الخمسمائة الأولى وشارك
الخمسمائة الثانية بالنسبة فاستحق مائة منها، ويجب على المالك الخمس من
الأربعمائة الباقية وهو ثمانون، فيستحق أهل الخمس مائتين وثمانين. وعلى
ما ذكرنا فيستحقون مائتين، إلا أن يلتزم على هذا التقدير بما ذكرنا - وأيضا -
283

لاجماع أو سيرة، أو لا يقول بتعلق الخمس في المكاسب بالعين، بل على نحو
تعلق الزكاة - وجوبا أو استحبابا - بمال التجارة.
ثم بما ذكرنا يظهر أن عدم استحقاق أهل الخمس ما يخص بربحهم من
الربح المتجدد [لا يفرق] (1) بين أن يضمن التاجر الخمس بعد ظهور الربح
أو لا يضمنه أو يبني على عدمه.
المعاوضة بانيا
على عدم
الخمس
نعم، لو عاوضه (2) في غير تجارة الحول بانيا على عدم الخمس، جاء
فيه مقتضى القاعدة من رجوع أهل الخمس إلى المشتري مع عدم الإجارة
فيرجع هو إلى البائع بما يخصه من الثمن إن لم يختر الفسخ لتبعض الصفقة.
ومثله ما وقع في الحول فيما إذا علم بزيادة الربح الأول عن المؤونة
وقلنا بفورية الاخراج حينئذ بالمعنى الأعم الشامل للضمان، كما هو المحتمل
قريبا، نظرا إلى تعليلهم جواز التأخير بكونه احتياطا للمكلف الدال على
عدم الجواز إذا لم يتحقق الاحتياط، كما في صورة العلم بعدم تجدد زيادة
المؤونة وعدم حصول الخسارة المؤيد بجريان دليل فورية الزكاة - التي
أجروها في خمس غير المكاسب - في خمسها أيضا.
نعم، ادعى في المناهل (3) ظهور عدم الخلاف في التوسعة حتى في هذه
الصورة، لكن التعويل عليه في مقابل أدلة الفور مشكل.
ثم إنه قد مر في مسألة عدم اشتراط الحول في المؤونة، أنه يحتمل أن
يكون قولهم: " يجوز تأخير الخمس احتياطا " ليس معناه عدم وجوب

(1) الزيادة اقتضتها العبارة.
(2) في " ف " و " ع ": عارضة.
(3) لم نعثر عليه في المناهل.
284

الخمس واقعا إلا في الفاضل عما سيصير (1) مؤونة له في الواقع، فإذا وقع قبل
الحول وتجدد مؤونة فقد يتعسر استرداده عن المستحق، لأن تعسر الاسترداد
المتفق أحيانا ليس أمرا ملحوظا حتى يحتاط للحذر عنه، بل معنى الاحتياط
الحذر عن خسارته (2) بدفع الخمس قبل تجدد تلك المؤونة، والمفروض أنه
خمس واجب واقعا، وحينئذ فظاهر هذا الكلام أن الخمس واقعا من حين (3)
ظهوره إلى تمام حوله، فكل زمان يراد إخراجه فيلاحظ المؤونة بحسب حاله
بالنسبة إلى ذلك الزمان. فلو كان فوريا كسائر ما فيه الخمس كان اللازم
أيضا - ملاحظة المؤونة في زمان وجوب التعجيل.
وربما يؤيد ذلك أن ظاهر معنى التوسعة هو الوجوب الواقعي المنجز
من أول الوقت إلى أخره، لا الوجوب في أوله خاصة مع كونه متزلزلا
ومراعى بعدم تجدد زيادة مؤونة.

(1) في " ف ": يسير.
(2) في " ف ": خسارة.
(3) في " ج ": عن حين.
285

مسألة
[26]
تقسم الخمس
ستة أقسام
المعروف بين الأصحاب أن الخمس يقسم ستة أقسام، بل عن
الانتصار (1) والغنية (2) الاجماع عليه، وعن مجمع البيان (3) وكنز العرفان (4):
أنه مذهب أصحابنا، وعن الأمالي (5): أنه من دين الإمامية، لظاهر قوله
تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول..)
الآية (6).
ويدل عليه الأخبار المستفيضة كموثقة ابن بكير عن بعض أصحابنا

(1) الإنتصار: 86.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(3) مجمع البيان 2: 543.
(4) كنز العرفان 1: 250.
(5) الأمالي للصدوق رحمه الله: 516، المجلس الثالث والتسعون.
(6) الأنفال: 41.
286

عن أحدهما عليهما السلام: " في قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شئ)
قال: خمس الله للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة
الرسول صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام، واليتامى: يتامى آل محمد صلى الله
عليه وآله وسلم، والمساكين: مساكينهم وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم، إلى
غيرهم " (1).
ونحوها: مرفوعة الحسن بن علي عن بعض أصحابنا (2): " قال: الخمس
من خمسة أشياء - إلى أن قال -: وأما الخمس فيقسم ستة أقسام: سهم لله،
وسهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، سهم
لأبناء السبيل، فالذي لله فرسوله صلى الله الله عليه وآله أحق به، والذي للرسول
هو لذي القربى والحجة في زمانه، النصف له عليه السلام والنصف لليتامى
والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله الذين لا تحل لهم
الصدقة " (3).
وخبر يونس: " قال: يقسم الخمس ستة أقسام: سهم لله تعالى،
وسهم لرسوله صلى الله عليه وآله، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم
للمساكين، وسهم لأبناء السبيل " (4).

(1) الوسائل 6: 356، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2، مع اختلاف
يسير.
(2) في الوسائل: أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا.
(3) الوسائل 6: 359، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9، مع اختلاف
يسير.
(4) لم نعثر على هذه الرواية، إلا أن الشيخ رحمه الله قال في التهذيب 4: 128، ذيل
الحديث 2 في ضمن نقله لرواية حماد: " وفي رواية يونس:.. أصبتها في بعض
كتبه.. ".
287

ومرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام:
" قال: يقسم الخمس ستة أقسام: سهم لله، وسهم لرسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء
السبيل، فسهم الله وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله لأولي الأمر من بعد
الرسول صلى الله عليه وآله، فله ثلاثة أسهم: سهمان، وسهم مقسوم له من
الله، فله نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته " (1) [إلى
غير ذلك من الأخبار] (2). التي لا يقدح ضعفها بعد الانجبار بما عرفت،
قول بالتقسيم
خمسة أقسام
خلافا للمحكي عن شاذ من أصحابنا فأسقط منهم رسول الله (3) صلى الله عليه وآله
وسلم، وهذا القائل غير معروف كما في المسالك (4)، وإن حكى بعض (5) استظهار
كونه ابن الجنيد إلا أن المحكي عنه في المختلف (6): موافقة المشايخ الثلاثة
وباقي علمائنا.
وكيف كان، فليس له ما يتوهم إمكان الاستدلال به عدا صحيحة
ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: كان رسول الله صلى الله

(1) الوسائل 6: 358، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8، مع اختلاف
في التعبير.
(2) ما بين المعقوفتين من " ف ".
(3) المنسوب إلى هذا القائل هو حذف سهم الله لا حذف سهم الرسول صلى الله عليه وآله
وسلم راجع الجواهر 16: 89.
(4) المسالك 1: 470.
(5) لم نعثر عليه.
(6) المختلف 3: 325.
288

عليه وآله وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان له ذلك، ثم يقسم ما بقي خمسة
أخماس ويأخذ خمسه، ثم يقسم الأربعة أخماس بين الذين قاتلوا عليه، ثم
يقسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس، يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه،
ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل،
يعطي كل واحد منهم خمسا، وكذلك الإمام عليه السلام يأخذ كما أخذ الرسول
صلى الله على وآله وسلم " (1).
وأجاب عنه في المختلف (2) كما عن جماعة (3) ممن تبعه، أنه حكاية
فعل، فلعله صلى الله عليه وآله أخذ دون حقه توفيرا للباقي على باقي
المستحقين.
واستبعده جماعة (4)، منهم: صاحب المدارك (5): بمنافاة ذلك لقوله
عليه السلام في ذيل الرواية: " والإمام عليه السلام يأخذ كما يأخذ الرسول ".
أقول: هو كذلك إن حملنا الجملة على الوجوب والتعيين، وأما إذا
حملناه على حكاية فعل الإمام عليه السلام أيضا أو على أن المراد التسلط على
أخذ صفو المغنم واستحقاق ذلك، فلا منافاة.

(1) الوسائل 6: 356، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3، مع اختلاف
في التعبير.
(2) المختلف 3: 326.
(3) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 327، وفي الجواهر (16: 89) أيضا
تصريح بهذا المعنى.
(4) منهم ابن فهد الحلي في المهذب البارع 1: 561، والمحدث البحراني في الحدائق
12: 373.
(5) المدارك 5: 397.
289

وحمله على وجوب الأخذ في مقابلة نفي جواز أخذ الزائد لعله بعيد
عن المقام، حيث إن توهم عدم الاستحقاق عليه المركوز في أذهان الناس
وإطباق الجمهور على عدم ثبوته بعد موت النبي صلى الله عليه وآله، أولى
بالدفع من توهم جواز أخذ الزائد. غاية الأمر تساويه لما ذكر من أحد
الاحتمالين، فلا يصلح الاستشهاد به، لمخالفة ظاهر الكتاب والسنة المستفيضة
المعتضدة، بالعمل، مع أن المحكى عن جماعة (1) حملها على التقية لاشتهار
مضمونها بين العامة.

(1) منهم المحدث البحراني في الحدائق 12: 373، والمحقق القمي في الغنائم: 377.
290

مسألة
[27]
المراد بذي
القربى:
الإمام (ع)
المشهور بين أصحابنا هو أن المراد بذي القربى هو الإمام عليه السلام،
وهو المحكي عن المشايخ الثلاثة (1) وابن زهرة (2) وابن حمزة (3) وابن إدريس (4)
وسلار (5) والفاضلين (6) والشهيدين (7) والمحقق الثاني (8) وغيرهم، وعن

(1) النهاية: 198، المقنعة: 278 الإنتصار: 87.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(3) الوسيلة: 137.
(4) السرائر 1: 492.
(5) المراسم: 140.
(6) المعتبر 2: 627، المختلف 3: 327.
(7) البيان: 349، الروضة 2: 79.
(8) لم نعثر على تصريح منه قدس سره غير أنه لم يعلق على عبارة العلامة رحمه الله، حيث
قال: " وذو القربى، وهو الإمام " انظر جامع المقاصد 3: 53.
291

الإنتصار (1): دعوى الاجماع عليه، وعن مجمع البيان (2) وكنز العرفان (3): أنه
قول أصحابنا، وعن مجمع البحرين (4): أنه الظاهر من الفقهاء الإمامية.
ويدل عليه: ما تقدم من موثقة ابن بكير (5)، والمرفوعة (6)، والمرسلة (7)،
ورواية سليم بن قيس الهلالي في تفسير الآية، وفيها: " نحن والله عنى بذي
القربى " (8)، وغير ذلك من الأخبار التي لا يقدح ضعف سندها بعد الانجبار
بما عرفت من الشهرة المتحققة، حيث لم ينسب الخلاف إلا إلى ابن الجنيد (9)،
بل عن الانتصار (10): الاجماع عليه، وعن الشيخ (11): نسبته إلينا، وعن كنز
العرفان (12) ومجمع البحرين (13): نسبته إلى أصحابنا.

(1) الإنتصار: 87.
(2) مجمع البينان 2: 543.
(3) كنز العرفان 1: 250.
(4) مجمع البحرين 4: 66.
(5) تقدمت في الصحفة: 286 - 287.
(6) تقدمت في الصفحة: 287.
(7) تقدمت في الصحفة: 288.
(8) الوسائل 6: 357، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 7، وفيه: " عنى
[الله] بذي القربى ".
(9) المختلف 3: 327.
(10) الإنتصار: 87.
(11) لم نعثر على هذه النسبة إلا أنه رحمه الله قال في النهاية: 198: " وقسم ذي القربى
للإمام خاصة "، وعبارته في المبسوط 1: 262 قريب بهذا المضمون.
(12) كنز العرفان 1: 250.
(13) مجمع البحرين 4: 66.
292

ظاهر الآية
وبعض الأخبار
العموم
نعم، ظاهر الآية العموم كبعض الأخبار، مثل: صحيحة ربعي
المتقدمة (1) ورواية صفوان عن ابن مسكان عن زكريا بن مالك عن أبي
عبد الله عليه السلام: أنه سأله عن قول الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من
شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن
السبيل) فقال: أما خمس الله عز وجل فللرسول يضعه في سبيل الله، وأما
خمس الرسول صلى الله عليه وآله فلأقاربه عليهم السلام، وخمس ذوي القربى [فهم]
أقرباؤه، واليتامى: يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، وأما
المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت إنا لا نأكل الصدقة، ولا تحل لنا، فهي
للمساكين وأبناء السبيل " (2).
ونحوها رواية ابن مسلم عن مولانا الباقر عليه السلام المحكية عن تفسير
العياشي في تفسير ذوي القربى، " قال: هم أهل قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، قلت: منهم اليتامى والمساكين وابن السبيل؟ قال: نعم " (3) ولا ريب أن
ما سبق قرينة على إرادة الإمام عليه السلام من الآية.
والتعبير بالجمع في الأخبار المتقدمة إما باعتبار إرادة جميع الأئمة
صلوات الله عليهم، أو بإرادة أصحاب الكساء، وإما باعتبار ملاحظة كل إمام
وأولاده وعياله تغليبا. مع أن صحيحة ربعي المتقدمة (4) لا تحتاج إلى

(1) تقدمت في الصفحة: 288 - 289.
(2) الوسائل 6: 355، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث الأول، مع
اختلاف يسير، في سورة الأنفال: 41.
(3) تفسير العياشي 2: 61، الحديث 50. وفيه: عن محمد بن مسلم عن أحدهما، وعنه
الوسائل 6: 361، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 13.
(4) تقدمت في الصحفة: 288 - 289.
293

تخصيص ذوي القربى فيها بما ذكرنا، لأن سهم ذي القربى لرسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم في حياته، مضافا إلى سهميه، كما صرح به في المعتبر (1)
وغيره، بل عن مجمع البيان (2)، وكنز العرفان (3) وغيرهما (4): اتفاق أصحابنا
عليه، وحينئذ فله صلى الله عليه وآله أن يصرف سهامه فيمن يشاء من ذوي
قرابته واليتامى والمساكين وغيرهم.
ضعف القول
بعموم
ذي القربى
وكيف كان، فالقول بعموم ذي القربى في الآية كما عن الإسكافي (5)
ضعيف جدا وشاذ، إذ لم يعرف له موافق إلا أن ابن بابويه رواه في المقنع (6)
والفقيه (7).
الأسهم الثلاثة
بعد النبي،
للإمام
ثم إن المشهور المصرح به في كلامهم (8) أن الأسهم الثلاثة بعد رسول
الله صلى الله عليه وآله للإمام عليه السلام (9) ويدل عليه ما تقدم من المراسيل
الثلاث (10)، وصحيحة البزنطي عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام في تفسير

(1) المعتبر 2: 627.
(2) مجمع البيان 2: 543.
(3) كنز العرفان 1: 250.
(4) راجع هوامش الصفحة: 292.
(5) حكاه عنه العلامة في المختلف 3: 327.
(6) المقنع (الجوامع الفقهية): 15.
(7) الفقيه 2: 42، الحديث 1651.
(8) في " ع " إن المصرح به في كلام بعض.
(9) كما في المعتبر 2: 627.
(10) أي: موثقة ابن بكير، ومرفوعة الحسن بن علي المتقدمان في الصفحة: 287،
ومرسلة حماد بن عيسى المتقدمة في الصفحة: 288.
294

الآية، " قال: فما كان لله فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله، وما كان لرسول
الله صلى الله عليه وآله فهو للإمام عليه السلام " (1).
وبمعناها المحكي عن بصائر
الدرجات (2)، وفي مرفوعة أحمد بن محمد " قال: والنصف له يعني نصف
الخمس للإمام عليه السلام خاصة والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من
آل محمد صلى الله عليه وآله الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة، عوضهم الله
مكان ذلك، الخمس " (3).
ونحوها المروي عن تفسير النعماني (4).

(1) الوسائل 6: 357، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 6، مع اختلاف
يسير.
(2) بصائر الدرجات: 29، الحديث 5 وعنه السائل 6: 360، الباب الأول من
أبواب قسمة الخمس، الحديث 11.
(3) الوسائل 6: 359، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.
(4) رسالة المحكم والمتشابه، المعروف ب‍ (تفسير النعماني): 46، وعنه الوسائل 6:
360 الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 12.
295

تنبيه
عموم التقسيم
ستة أقسام لكل
ما فيه الخمس
واعلم أن التقسيم على ستة أقسام لا يختص بخمس الغنائم، بل عام في
كل ما فيه الخمس من المعادن والكنوز والغوص والمكاسب والأرض
المشتراة والحلال المختلط، وهو المشهور، بل عن السيدين (1) دعوى الاجماع
عليه، وعن المنتهى (2) والتذكرة (3): نسبته إلى علمائنا، وهو ظاهر إطلاق
المحكي عن كنز العرفان (4) ومجمع البيان (5) ومجمع البحرين (6) والأمالي (7).

(1) الإنتصار: 86، الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(2) المنتهى 1: 552.
(3) التذكرة 1: 254.
(4) كنز العرفان 1: 250.
(5) مجمع البيان 2: 543.
(6) مجمع البحرين 4: 66.
(7) أمالي الصدوق: 516، المجلس 93.
296

ويدل على الثلاثة الأول: صدر مرسلة حماد بن عيسى، ومرفوعة
أحمد بن محمد المتقدمتين (1)، ففي صدر الأولى: " الخمس من خمسة أشياء:
من الغنائم، ومن الغوص، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الملاحة - إلى أن
قال: - ويقسم الخمس على ستة أسهم " (2).
ونحوها صدر المرفوعة (3).
ويدل على ثبوت هذا الحكم في الأرباح - أيضا -: الآية الشريفة، إما
بنفسها، بناء على أن الغنيمة مطلق الفائدة المكتسبة، كما هو صريح كل من
استدل بالآية الشريفة على وجوب الخمس في غير الغنائم، كالشيخين (4)
والطبرسي (5) وابن زهرة (6) والفاضلين (7) والشهيدين (8) وكثير ممن تأخر
عنهما (9)، ونسب في الحدائق (10) عموم الغنيمة في الآية إلى جميع الأصحاب إلا

(1) تقدمتا في الصفحة: 287 و 288.
(2) الوسائل 6: 358، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.
(3) الوسائل 6: 341، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11.
(4) المقنعة: 276، واستدل الشيخ قدس سره في موارد مختلفة بالآية الشريفة في غير
الغنائم، راجع الخلاف 2: 117، ذيل المسألة 138، و 2: 122، المسألة: 148.
(5) مجمع البيان 2: 544.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(7) المعتبر 2: 619 و 623، المنتهى 1: 548.
(8) لم نعثر عليه في في كتبهما. نعم، في الروضة ما يدل عليه، انظر الروضة 2: 74.
(9) انظر مجمع الفائدة 4: 311، والغنائم: 367.
(10) الحدائق 12: 420.
297

الشاذ، وفي الرياض (1) - في حكم الخمس في زمان الغيبة - دعوى الاجماع
واستفاضة الأخبار على عموم الغنيمة في الآية.
وإما بضميمة الأخبار الواردة مثل رواية مؤذن بني عبيس، ومكاتبة
ابن مهزيار - المتقدمتين في مسألة وجوب الخمس في الأرباح (2) -.
وما ورد (3) من أن عبد المطلب سن في الجاهلية أمورا أجراها الله في
الاسلام منها: أنه وجد كنزا فتصدق بخمسه فأنزل الله تعالى: (واعلموا
أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه.. الآية) (4)، فإن اختصاص الآية
بغنائم دار الحرب لا دخل له باجراء سنة عبد المطلب في الاسلام.
وما عن زرارة وأبي بصير وابن مسلم، " قالوا له: ما حق الإمام
عليه السلام في أموال الناس؟ قال: الفئ والأنفال والخمس وكل ما دخل منه فئ
أو أنفال أو خمس أو غنيمة فإن لهم خمسه فإن الله عز وجل يقول:
(واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه والرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين) وكل شئ في الدنيا فإن لهم فيه نصيبا فمن وصلهم
بشئ فمما يدعون له لا مما يأخذون منه " (5).
وعن الرضوي بعد ذكر الآية: " إن كل ما أفاده الناس فهو غنيمة " (6).

(1) الرياض 5: 278.
(2) تقدمتا في الصفحة: 174 و 180.
(3) الوسائل 6: 345، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(4) الأنفال: 41.
(5) الوسائل 6: 373، الباب الأول من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث
33.
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 294.
298

وما رواه الصفار في بصائر الدرجات، وقد تقدم ذكرها في مسألة
وجوب الخمس في أرباح المكاسب (1).

(1) تقدمت في الصفحة: 181.
299

مسألة
[28]
حرمة الخمس
على المنتسب
بالأم إلى هاشم
المشهور بين الأصحاب أن المنتسب بالأم إلى هاشم يحرم عليه الخمس
ويحل له الزكاة، لعدم دخوله في منصرف عنوان بني هاشم، ولا في حقيقة
عنوان الهاشمي، فتحل له الصدقة بمقتضى ما دل من الأخبار الكثيرة على
إناطة الحلية والحرمة بهذين العنوانين.
أما ما دل على الإناطة بأولهما فكثير جدا (1).
وأما ما دل على إناطة الحكم بالثاني: فقوله عليه السلام في موثقة زرارة
بابن فضال: " لو كان عدل ما احتاج هاشمي، ولا مطلبي، إن الله تعالى
جعل في كتابه لهم ما فيه سعتهم، ثم قال: إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له
الميتة، والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا ويكون ممن تحل له

(1) راجع الوسائل 6: 185، الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 3،
و 189، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة.
300

الميتة.. الخبر " (1).
ولا ينافي ذلك إناطة الحكم في بعض الأخبار بآل محمد صلى الله عليه وآله
وسلم (2) وفي بعضها بأهل بيته (3)، وفي ثالث بقرابته صلى الله عليه وآله، (4) لأن هذه
العناوين - بعد تسليم صدقها على محل النزاع ثم انصرافها إلى ما يعهد - يجب
أن يراد منها خصوص مصاديق العنوانين المتقدمين، مع اشتمال أكثر هذه
الأخبار، على أن المراد بهذه العناوين: من تحرم عليه الصدقة.
عدم ابتناء
المسألة على
كون ولد
البنت ولدا
ثم إن الظاهر عدم ابتناء المسألة على كون ولد البنت ولدا حقيقة كما
زعمه في الحدائق (5) حتى يلزم كل من قال بالحقيقة القول باستحقاقه للخمس
حتى تخيل أن القائلين بالاستحقاق هنا كثير وإن لم ينسب إلا إلى السيد
المرتضى، لما عرفت من أن المستفاد من الأخبار أن المناط الانتساب إلى
هاشم والظاهر منه الوصول إليه بالأب.
انصراف لفظ
بني هاشم إلى
القبيلة
ولفظ بني هاشم منصرف إلى القبيلة المنتسبة إليه بهذا المعنى وإن سلمنا
أنه حقيقة في الأعم، بدليل الاستعمال في قوله تعالى: " يا بني آدم " " يا بني
إسرائيل "، فإن الظاهر أن بني هاشم عرفا مثل بني تميم بتبادر (6) القبيلة
المنتسبة إليه، فالظاهر منه ما يرادف الهاشمي.

(1) الوسائل 6: 191، الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 364، الباب 3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
(3) الوسائل 6: 355، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الأحاديث 1، 8، 10.
(4) الوسائل 6: 356، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الأحاديث 2 و 5 و 8.
وغيرهم.
(5) الحدائق 12: 390.
(6) كذا في " ف "، وفي سائر النسخ: يتبادر.
301

اختيار كثير
ممن قال
بإطلاق الولد
على ولد البنت
حقيقة عدم
الاستحقاق
ولأجل ما ذكرنا - من عدم التلازم - ذهب كثير من القائلين في باب
الوقف: بأن اسم الولد يقع حقيقة على ولد البنت، إلى عدم الاستحقاق،
كالحلي فإنه قد تكرر في محكي عبارته في الميراث دعوى الاجماع وعدم
الخلاف على الحقيقة، وموافقته للسيد في تقسيم أولاد البنت وأولاد الابن
- للذكر مثل حظ الأنثيين (1) - وقد خالف السيد هنا (2) في الاستحقاق كما في
المختلف (3).
نعم، في حاشية الشرائع (4) نسب إليه الموافقة للسيد.
وكذا الشيخ في الخلاف (5) حكي عنه القول بالحقيقة، مع أنه لم يحك
هنا (6) عن خلافه موافقة السيد.
وكذا الشهيد قدس سره في اللمعة قال: " لو وقف على الأولاد اشترك
أولاد البنين والبنات " (7)، وقد وافق المشهور (8).
وكذا ابن زهرة، ذكر - في باب الوقف على أولاد الأولاد - إن الاجماع

(1) السرائر 3: 236 - 240.
(2) السرائر 1: 496.
(3) راجع المختلف 3: 332.
(4) حاشية الشرائع (مخطوط): 53.
(5) الخلاف 3: 546، كتاب الوقف، المسألة: 15.
(6) أي: في مسألة الخمس، والحاكي عنه الحدائق 12: 395 عن باب الوقف في كتاب
الخلاف.
(7) اللمعة الدمشقية: 105.
(8) أي: وافق المشهور في مسألة الخمس، راجع اللمعة الدمشقية: 55.
302

منعقد على أن ولد البنت ولد حقيقة (1)، وذكر هنا: إن مستحق الخمس من
الأصناف الثلاثة من ينسب إلى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وعقيل وجعفر
والعباس (2).
والسر في موافقتهم هنا للمشهور مع القول بالحقيقة ما ذكرنا: من أن
المناط هنا الانتساب، وهو لا يكون بواسطة الأم، ولذا صرح الشهيد في
اللمعة بعد ما تقدم عنه - من دخول أولاد البنات - بأنه لو قال: هذا وقف
على من انتسب إلي، لم يدخل أولاد البنات (3).
وقد حكي عن الشيخ في الخلاف أنه قد أجاب عن احتجاج من
أنكر كون ابن البنت ابنا بقول:
بنونا بنو أبنائنا، وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد (4) -
بأن مراد الشاعر هنا نفي الانتساب بمعنى أن أولاد البنات لا ينتسبون إلى
أمهم وإنما ينسبون إلى أبيهم (5).
ونحوه حكي عن الحلي في رد هذا البيت (6).
وقد عرفت أن ابن زهرة مع دعواه الاجماع على الحقيقة خص
المستحق هنا بمن ينتسب إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وإخوته (7)، فعلم من

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 541.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(3) اللمعة الدمشقية: 105.
(4) خزانة الأدب 1: 444.
(5) الخلاف 3: 548 كتاب الوقف، ذيل المسألة: 15.
(6) السرائر 3: 157 - 158.
(7) المتقدم أعلاه.
303

ذلك أن منعهم عن الاستحقاق هنا من جهة عدم تحقق الانتساب.
مضافا إلى أن ظاهر القائلين بكون ولد الولد ولدا حقيقة أن نظرهم
إلى عنوان ولد الولد حتى لو كان ابن الابن، والمنكرون - أيضا - ينكرون
ذلك مع إجماعهم هنا على استحقاق ولد الابن، فعلم من ذلك أن خلافهم في
تلك المسألة في أنه هل تقدح الواسطة في إضافة الولد إلى الشخص سواء
كما ذكرا أم كان أنثى أم لا؟
والخلاف هنا في أن الانتساب كما أنه يحصل بالاتصال بالأب
ولو بوسائط فهل يحصل بالاتصال بالأم، أم لا؟ فإثبات جواز إضافة الولد
إلى الشخص بالواسطة لا يوجب جواز الانتساب إليه، كما عرفت من
اعتراف الجماعة بالأول، وإنكار الثاني، كما أن نفي جواز الإضافة مع الواسطة
لا يوجب نفي الانتساب كما في ابن الابن ولو بوسائط.
رد اعتراض
المحقق
الخوانساري
فظهر - أيضا - ما في اعتراض جمال الدين الخوانساري رحمه الله في
الحاشية على الشهيد بثبوت التنافي بين حكمه بدخول أولاد الأولاد في الوقف
على الأولاد، وخروج أولاد البنات لو وقف على من انتسب إليه (1)، وكأنه
زعم أن كونه ولد حقيقة يستلزم الانتساب إليه بالطريق الأولى كما ذكره في
المسالك (2) دليلا لدخول أولاد البنات فيمن انتسب إليه الذي هو المناط
المستفاد من الأخبار وضعا في بعضها وانصرافا في آخر وتقييدا في ثالث.
هذا كله، مع أن مرسلة حماد صريحة في مذهب المشهور، فلا منافاة
بكون ولد البنت وابنا حقيقة مع حرمانه عن الخمس بقوله عليه السلام في

(1) حاشية الروضة: 357.
(2) المسالك (الطبعة الحجرية) 1: 284.
304

تلك المرسلة: " فأما من كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن
الصدقة تحل له وليس له من الخمس شئ، إن الله تعالى يقول: (وادعوهم
لآبائهم) (1). ولا يضرها الارسال بعد الانجبار بما عرفت وكون المرسل من
أصحاب الاجماع.
مضافا إلى استمرار سيرة المسلمين على معاملة المنتسب بالأم معاملة
المطلق: إذ لو كان لهذا الانتساب حكم لم يزالوا محافظين على سلسلة أنسابهم
لو كان في بعض طبقات أمهاتهم هاشمية.
إطلاق الولد
حقيقة على ولد
الصلب
هذا هو الكلام في حكم الخمس له، وأما الكلام في إطلاق الولد عليه
حقيقة، فالذي يقتضيه التأمل في اللغة والعرف: أن الولد لا يطلق حقيقة إلا
على ولد الصلب دون ولد الولد وإن كان ذكرا فضلا عن ولد البنت. نعم
يجوز الاطلاق إذا قامت قرينة على وجود الواسطة. وحينئذ فالظاهر جواز
إطلاقه بواسطة الابن، فالمعنى المجازي هو القدر المشترك إلا أن المتبادر منه
هو ما كان بواسطة الابن دون البنت.
ويدل على الطلب الأول: التبادر وصحة سلب الولد والابن عن ولد
الابن فضلا عن ولد البنت، فالولد والابن، والوالد والأب متضايفان، فكما
أن المتبادر من الأخيرين الأب بلا واسطة ويصح سلبهما عن الجد ولو للأب،
فكذا الأولان.
ويدل على المطلب الثاني - أيضا -: التبادر، فإن المجاز مع القرينة
كالحقيقة الثانوية فإذا دلت القرينة على إرادة الولد بالواسطة ولم تدل قرينة

(1) الوسائل 6: 359، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8، والآية من
سورة الأحزاب: 5.
305

على كون الواسطة ذكرا أو أنثى فالمتبادر هو الأول، والظاهر أن هذا التبادر
من باب تبادر الفرد الشائع من الكلي الذي استعمل فيه اللفظ مجازا، لا من
باب تبادر أقرب المجازين بسبب القرينة، ولا من باب سبك المجاز من
المجاز بمعنى أن يكون التجوز في أصل الانتساب المراد مجازا من الإضافة
الموضوعة في الأصل للانتساب على وجه المباشرة في التولد.
وبما ذكرنا يجمع بين الاعتراضات المحكية في الأخبار عن الرشيد
والحجاج وغيرهما على بعض الأئمة وأصحابهم صلوات الله عليهم في نسبتهم
وانتسابهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بعنوان الابن والولد (1) المبنية
- بشهادة سياق السؤال والجواب - على دعوى ظهور الانتساب بهذا العنوان
عرفا فيمن انتسب بواسطة الصلب لا الرحم، لا على مجرد المكابرة واللجاج.
وبين ما أجابوا به من صحة الانتساب على هذا الوجه مستشهدين
بالآيات.
ودعوى ابتناء الأسئلة على جهل السائلين بلغة العرب وحقائقهم، كما
ترى، بل الأولى إرجاع نظر السائلين إلى المتفاهم العرفي، نظرا إلى
الانصراف الذي ذكرنا، ونظر المجيبين إلى عدم كون ذلك منكرا في
الاستعمال على وجه الانتساب الحقيقي.
وأما الاستدلال بهذه الحكايات على كون الولد بالواسطة ابنا حقيقة
فلا وجه له، لعدم كون ذلك ملحوظا في الأسئلة والأجوبة إثباتا ونفيا، بل

(1) راجع: عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 81، الحديث 9، والاختصاص: 55 -
56، ومطالب السؤول، لابن الجوزي: 4، وراجع لتفصيل الأخبار: الحدائق 12:
398 - 410.
306

السؤال والجواب إنما تعلق بأصل الانتساب مع الواسطة مع قطع النظر عن
كون الإضافة على هذا الوجه حقيقة أو مجازا.
فحاصل الاعتراض: أن الأئمة عليهم السلام بنو علي عليه السلام لا بنو رسول
الله صلى الله عليه وآله سواء كان إطلاق هذين العنوانين عليهم حقيقة - من
حيث الواسطة - أو مجازا.
الجواب عن
اعتراضات
الحجاج
والرشيد
وحاصل الجواب: صحة إطلاق العنوان الثاني عليهم على نحو إطلاق
العنوان الأول، إن حقيقة من حيث الواسطة فحقيقة، وإن مجازا فمجاز.
فظهر مما ذكرنا: أن ما أطنب في الحدائق (1) من الطعن على المشهور إنما
يرد على من فرق بين ولد الابن وولد البنت بتحقق الانتساب حقيقة في
الأول دون الثاني، أو أن الأول معنى حقيقي دون الثاني.
رد الاعتراض
على السيد
بلزوم استحقاق
المنتسب بالأم
الخمس والزكاة
ثم إنه ربما يعترض (2) على السيد ومن تبعه بما حاصله على طوله: إنه
لو استحق المنتسب بالأم الخمس من جهة صدق الهاشمي عليه لاستحق
الزكاة أيضا من جهة التميمي مثلا والأموي فيلزمهم التناقض.
وفيه ما لا يخفى، فإن الخمس إنما أنيط في الأخبار بالهاشمي ولم ينط
استحقاق الزكاة بعنوان خاص آخر حتى يجمع الاستحقاقان في من جمع
العنوانين باعتبار الأب والأم، وإنما الزكاة لمن لم يكن هاشميا ولا يتحقق هذا
السلب إلا في من فقد الانتساب من كل من الطرفين، فمن وجده من أحدهما
استحق الخمس دون الزكاة، وهذا واضح جدا.

(1) راجع الحدائق 12: 396 - 416.
(2) لم نقف عليه.
307

مسألة
[29]
عدم وجوب
التقسيم على
الطوائف
الثلاث
المشهور - مطلقا أو بين خصوص المتأخرين - عدم وجوب تقسيم (1)
نصف الخمس على الطوائف الثلاث، بل يجوز أن يخص به صنفا واحدا منهم،
لأنهم بمنزلة صنف واحد بناء على ما سيجئ من اعتبار الفقر في اليتيم
وابن السبيل (2)، فكان مصرف النصف فقراء الهاشميين، كما يظهر من التتبع في
الأخبار، مثل قوله عليه السلام في مرسلة حماد المتقدمة: " أنه تعالى جعل
للفقراء قرابة النبي صلى الله عليه وآله نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات
الناس " (3) ومثل رواية ابن طاووس المتقدمة في مسألة عدم سقوط الخمس

(1) في " ف ": تقسيط.
(2) في المسألة: 30.
(3) الوسائل 6: 359، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8، وتقدمت في
الصفحة: 288.
308

في الأرباح (1) الواردة في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله: " عد من
الفرائض إخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يدفعه (2) إلى
ولي (3) المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وأميرهم، ومن بعده من الأئمة عليهم السلام من
ولده، فمن عجز ولم يقدر إلا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء
من أهل بيتي " (4).
ومثل ذلك ما دل على أن الخمس عوض الزكاة عوضه الله بني
هاشم (5)، ومن المعلوم أن فقراء الناس ومساكينهم وأبناء سبيلهم لا يجب أن
يدفع إلى كل منهم سهما من كل صدقة، فجعل الخمس كجعل الزكاة.
وبالجملة، فلا إشكال في ذلك للمتتبع في الأخبار مع تأمل فيها وأن
المقصود رفع حاجة جميع الطوائف ولو بأن يعطى تمام خمس مال لبعض
وتمام آخر لآخر، على ما هو المعلوم من ملاحظة أصل تشريع الخمس
والزكاة، سيما إذا لاحظ السيرة المستمرة بين الناس.
القول بوجوب
التقسيم على
الطوائف
الثلاث
ومن ذلك كله ظهر ضعف ما عن الشيخ في المبسوط من وجوب
التقسيم (6)، مع أن عبارته المحكية في الحدائق (7) لا صراحة فيها، لأنه في مقام
ذكر وظائف الإمام عليه السلام في تقسيم الخمس - مصدرا لها بلفظ " ينبغي "

(1) في الصفحة: 180، مع اختلاف.
(2) في " ف " والوسائل: يرفعه.
(3) في النسخ زيادة: أمير.
(4) الوسائل 6: 386، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 21.
(5) راجع الوسائل 6: 359، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.
(6) المبسوط 1: 262.
(7) الحدائق 12: 379.
309

ذاكرا فيها ما ليس بواجب - مع أنه ذكر في آخر المبحث أنه: إذا حضر
الثلاثة أصناف لا ينبغي إن يخص بها قوم دون قوم، بل يفرق في جميعهم،
وإن لم يحضر في ذلك البلد إلا فرقة منهم جاز أن يفرق فيهم ولا ينتظر
غيرهم (1) ونحوها المحكية عن السرائر (2).
نعم، المحكي عن أبي الصلاح ما هو أظهر من ذلك حيث قال: ويلزم
من وجب عليه الخمس إخراج شطره للإمام والشطر الآخر لليتامى
والمساكين وأبناء السبيل، لكل صنف ثلث الشطر (3).
وهذا وإن كان صريحا في وجوب التقسيم إلا أنه صريح في وجوب
التثليث، وهو خلاف المعروف بينهم وخلاف صحيحة البزنطي الآتية (4)، بل
هو على إطلاقه خلاف المقطوع به، كما إذا كان اليتامى ألفا والمساكين ألفا
وابن السبيل واحدا.
وكيف كان، فهذا القول على تقدير ثبوته عنهما ضعيف (5)، وإن حكي
عن التنقيح (6) اختياره بعد حكايته عن الحلي والمحقق، مع أن المحكي عن
الحلي (7) الاستحباب، ولم يعلم فتوى المحقق بالوجوب في كتاب من كتبه.

(1) المبسوط 1: 263، وفيه: ينبغي ألا يخص.
(2) السرائر 1: 496 - 497.
(3) الكافي في الفقه: 173.
(4) في الصفحة: 313.
(5) في " ف ": ضعيف جدا.
(6) التنقيح الرائع 1: 341.
(7) حكى صاحب الجواهر عبارة السرائر، ثم قال: " وظاهره الاستحباب "، أنظر
الجواهر 16: 103.
310

نعم، مال إليه في الذخيرة (1)، ولعله لظاهر الآية (2)، بناء على إرادة
الملكية منه، لكون " اللازم " حقيقة فيها، مضافا إلى قيام القرينة على عدم
إرادة مجرد بيان المصرف وإلا لم يجب دفع النصف إلى الإمام عليه السلام،
ولظاهر الأخبار الدالة على وجوب التقسيم ستة أقسام (3).
هل " اللام "
في الآية
للاختصاص
أو الملكية؟
ويرد على الآية: منع كون " اللام " فيها للملكية، لمنع كونها حقيقة فيه،
بل المحكي عن محققي أهل العربية كونها حقيقة في الاختصاص، فالمراد
- هنا - اختصاص أرباب الخمس في مقابل غيرهم بمعنى أنه لا يخرج منهم
إلى غيرهم، كما نص عليه الصادق عليه السلام (4) في تفسير الآية في موثقة ابن
بكير - المتقدمة في أول مسألة تقسيم الخمس ستة أقسام - (5)، وأما وجوب
دفع الأسهم الثلاثة، فلدليل خارج من إجماع وسنة، مع إمكان الفرق بين
نسبة المال إلى الشخص الخاص كما في قولك: المال لزيد، ونسبته إلى طائفة
باعتبار مفهوم عام لجميع ما يفرض له من الأفراد كما في قولك: المال
للفقراء.
لكن يمكن التفصي عن هذا كله بأن الاختصاص المطلق ظاهر في الملك
مع قابلية المختص للملكية والمختص به (6) للمالكية فليس الملكية معنى مجازيا

(1) الذخيرة: 488.
(2) الأنفال: 41.
(3) راجع الوسائل 6: 355، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس.
(4) في الوسائل: عن أحدهما.
(5) في الصفحة: 286 - 287.
(6) في " ف ": وقابلية المختص به.
311

للأم، بل هو (1) مقتضى إطلاق الاختصاص، مع أن المعنى الموجب للتشريك
بين المتعاطفين عند إرادة الملكية موجود بعينه عند إرادة الاختصاص، فإنك
إذا قلت: المال لزيد وعمر، فالاشتراك إنما يفهم من نسبة الملكية إلى
المجموع وصيرورة المجموع مالكا واحدا، وهذا المعنى بعينه موجود عند
إرادة الاختصاص، كما إذا (2) قال الموصي: هذه الضيعة بعد وفاتي لمسجد كذا
ومدرسة كذا.
هذا كله، مع أن اللام في (لذي القربى) للملكية جزما، فعطف
الطوائف عليه من غير تكرار اللام يفيد كونهم ملاكا أيضا، كيف! ولو قلنا:
بأن المراد بيان المصرف لم تفد الآية وجوب إعطاء الإمام عليه السلام سهمه،
وكانت الآية غير منافية لاعطاء سهمه إلى الطوائف مطلقا، أو من بني هاشم
- على الخلاف -، مع أنه يظهر من كثير من الأخبار أن الكتاب ناطق بأن
لهم في الخمس سهما، وأنهم جحدوا كتاب الله الناطق بحقنا - كما في رواية
سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام - (3)، وقول أحدهما عليهما السلام:
" فرض الله نصيبا لآل محمد صلوات الله عليه وعليهم فأبى أبو بكر أن يعطيهم " (4) إلى
غير ذلك.
وأما تأييد حمل الآية على بيان المصرف بأنها لو حملت على الملكية
لزم وجوب قسمة الخمس على أفراد كل صنف وعدم جواز القسمة إلا بإذن

(1) كذا في النسخ.
(2) كذا في مصححة " ع "، وفي النسخ: فإذا.
(3) الوسائل 6: 357، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 7.
(4) الوسائل 6: 361، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 16.
312

الجميع، وعدم جواز تصرف الملاك قبل القسمة إلا بإذنهم، ووجوب أداء
العين وعدم إجزاء القيمة، وكل ذلك خلاف مذهبهم.
ففيه ما لا يخفى، إذ لزوم الأولين مبني على إرادة الاستغراق من
اليتامى والمساكين، والظاهر من الآية سيما بقرينة " ابن السبيل " إرادة الجنس،
كما في: " وقفت على الفقراء " أو " هذا لهم بعد وفاتي ".
وأما اللوازم الباقية فمبنية على عدم جواز ضمان المالك للخمس، وقد
ثبت الجواز بالدليل كما أشرنا سابقا.
تأييد إرادة
بيان المصرف
من الآية
نعم، يمكن الاستشهاد على إرادة بيان المصرف وأن الطوائف الثلاث
في حكم مصرف واحد، بأنه لو حمل على الملكية أو الاختصاص على وجه
الاشتراك واستقلال كل منهما (1) من حيث المصرفية، لزم - بظاهر الآية -:
التسوية بين الأصناف، كما صرح به الحلبي في عبارته المتقدمة (2)، مع أن هذا
على إطلاقه مما يمكن دعوى القطع بفساده، بل يرده مطلقا صحيحة البزنطي
عن الرضا عليه السلام: أرأيت لو كان صنف من الأصناف أقل وصنف أكثر،
ما يصنع به؟ قال: " ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
كيف يصنع؟ أليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الإمام صلوات الله
عليه " (3).
ونحوها مرسلة حماد، الطويلة الدالة على إناطة الاعطاء بمقدار

(1) كذا في النسخ، والصحيح: منها.
(2) في الصفحة: 310، عن الكافي في الفقه: 173.
(3) الوسائل 6: 362، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث الأول.
313

الكفاية (1)، بل قد استدل غير واحد (2) بهذه الصحيحة في أصل المسألة.
وكيف كان، فلا ريب في دلالته على عدم وجوب التقسيم أثلاثا، بل
عدم جوازه أحيانا، مع أنه قد لا يجود ابن السبيل، بل اليتيم في بعض
الأوقات.
والتزام العزل لهما أو خروج هذه الصورة عن إطلاق الآية بعيد جدا،
مع أن اليتيم إذا اعتبرنا فيه الفقر فلا يظهر وجه، لاستقلال كل منهما
بالمصرفية، فالصرف في اليتيم صرف في الفقير، فتثليث القسمة غير واجب
أبدا ولم يقل بوجوب التثنية أحد، مع أن ابن السبيل غير حاضر غالبا
بالنسبة إلى أغلب المكلفين بالخمس.
نعم، يمكن أن تظهر الثمرة في عدم جواز إعطاء كل النصف لغير اليتيم
مع وجوده، أو أن يلتزم بأن المراد بالمساكين خصوص البالغين.
هذا، مع أن الآية مختصة بالمشافهين، ولا ريب في انحصار الخمس في
زمن صدور الآية بما كان يجتمع عند النبي صلى الله عليه وآله، أو يقال: إن
المراد بالموصول هو ما غنمه جميع المخاطبين لا كل مخاطب.
تقسيم النبي
والإمام مجموع
الخمس على
جميع
الأصناف
ولا يبعد التزام وجوب تقسيم مجموع الخمس الحاصل في يد النبي
والإمام صلى الله عليهما وآلهما على جميع الأصناف، بل الأشخاص، بل لا ريب
في وجوبه بناء على إرادة ما غنمه مجموع المخاطبين لا كل واحد
منهم، نظرا إلى أن حكمة الخمس رفع حاجتهم، بل وكذلك الفقيه إذا وصل

(1) راجع الوسائل 6: 358، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.
(2) منهم المحدث البحراني في الحدائق 12: 379، وصاحب الجواهر في الجواهر 16:
101.
314

إليه مجموع خمس الأموال الذي هو نظير خمس الغنيمة الحاصلة يومئذ بيد
النبي صلى الله عليه وآله يجب عليه التقسيم على الأصناف، بل الأشخاص (1)
عند وجودهم، وأين هذا من وجوب تقسيم كل خمس من كل مكلف على
الطوائف؟!
تقسيم الزكاة
أيضا كذلك
والظاهر أن التقسيم في الزكاة أيضا كذلك.
ويدل على ما ذكرنا في المقامين: مرسلة حماد بن عيسى الطويلة (2)،
وبهذا أيضا يجاب عن الأخبار الواردة في تقسيم الخمس ستة أسهم (3)، فإن
أكثرها بين وارد في تفسير الآية (4)، وبين ظاهر في تقسيم النبي صلى الله عليه وآله
وسلم والإمام عليه السلام لأصل الخمس من جميع الاغتنامات إذا حصل بيدهم
عليهم السلام (5).

(1) في " م ": على الأشخاص.
(2) الوسائل 6: 358، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8.
(3) الوسائل 6: 355، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس.
(4) الوسائل 6: 355، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس الأحاديث 1 و 2 و 5 و 6.
(5) الوسائل 6: 356، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديثان 3 و 8.
315

مسألة
[30]
اعتبار الفقر في
اليتيم
الظاهر اعتبار الفقر في اليتيم كما هو المشهور، ويدل عليه ما يستفاد
من النصوص: من أنه (1) شرع الخمس [لسد] (2) الخلة (3)، ويدل (4) خصوص
ما تقدم من بعض فقرات المرسلة الطويلة لحماد: " إن الله جعل لفقراء قرابة
رسول الله صلى الله عليه وآله ما أغناهم به عن صدقات الناس " (5).
ونحوها: ما تقدم من رواية ابن طاووس الآمرة بدفع الخمس إلى
ضعفاء أهل البيت (6)، مضافا إلى ما يستفاد من المرسلة وغيرها من أن

(1) كذا في " ف "، وفي غيره: أن.
(2) من " ف " و " م ".
(3) راجع الوسائل 6: 363، الباب 3 من أبواب قسمة الخمس، وغيره من الأبواب.
(4) كذا في النسخ.
(5) الوسائل 6: 358، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس الحديث 8، وفيه: للفقراء.
(6) الوسائل 6: 386، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 21.
316

الخمس عوض الزكاة، فهو لمستحقي الزكاة لولا الهاشمية، وما يستفاد منها
ومن غيرها أيضا من أن الإمام عليه السلام يعطي أهل الخمس بقدر ما يستغنون
به لسنتهم، والمفروض أن اليتيم الغني عنده ذلك، فدلت على اختصاصه بمن
ليس له ذلك.
ضعف القول
بعدم اعتبار
الفقر
وكيف كان، فلا ريب في ضعف ما عن الشيخ (1) والحلي (2) من عدم
اعتبار الفقر فيه، لأجل مقابلته بالفقير في الآية (3). وفيه ما لا يخفى، سيما
بملاحظة آية الزكاة (4).
ما يعتبر في ابن
السبيل
ومن بعض ما ذكرنا يظهر أن حكم ابن السبيل هنا كما مر في
[الزكاة] (5) لأدلة البدلية المستفادة من النصوص (6) والفتاوى الدالة على
الاتحاد في الحكم والمورد، إلا في هاشمية المستحق هنا وعدمها هناك. نعم،
ينتقض ذلك بالعدالة عند من اعتبرها هناك، وأما عند من لم يعتبرها (7) فهذا
أيضا أحد الأدلة عليه، حيث إن القول باشتراطها هنا غير معروف القائل.
وأما عدم وجوب النفقة على المعطى فلا يخفى اعتباره هنا أيضا، لأجل
ما ذكر، ولأجل إشعار التعليلات الواردة.

(1) المبسوط 1: 262.
(2) السرائر 1: 496.
(3) أي: آية الخمس.
(4) التوبة: 60.
(5) من مصححة " م "، وفي سائر النسخ: الخمس.
(6) أي الروايات التي دلت على أن الله تعالى جعل الخمس عوضا عن الزكاة، مثل
ما مر في الصفحة: 308 - 309.
(7) في " ج " و " ع ": لا يعتبرها.
317

هذا إذا قلنا بأن وجوب الانفاق عليه لا يخرجه عن الفقر، وأما على
ما اخترناه من أن وجوب الانفاق مع قيام المنفق به على الوجه اللائق
يوجب الغنى، فلا إشكال.
وبالجملة، فالمختار ما تقدم من التفصيل في الزكاة (1).

(1) راجع كتاب الزكاة، المسائل المستقلة، المسألة: 40.
318

مسألة
[31]
إذا كان الإمام عليه السلام حاضرا مبسوط اليد فلا إشكال في عدم
سقوط الخمس، بل هو من الضروريات في الجملة.
وجوب الخمس
مع عدم
بسط اليد
وإن كان حاضرا غير مبسوط اليد كأزمنة الأئمة (1) والغيبة الصغرى، أو
غائبا كهذا الزمان - عجل الله انقضاءه -، فالأقوى أيضا عدم سقوطه وهو المعروف
بين الأصحاب رضوان الله عليهم.
ويدل عليه - مضافا إلى أصالة عدم السقوط وعدم حصول المسقط من
الله عز وجل، أو من الأئمة صلوات الله عليهم -: إطلاق أدلة الخمس من الكتاب
والسنة.
عدم
اختصاص
الآية
بالمشافهين
ودعوى: اختصاص خطاب الكتاب بالمشافهين ولا إجماع على

(1) في " ع " و " " ف " و " ج ": حياة الأئمة.
319

الاشتراك مع احتمال (1) الاختلاف في الشرائط - كما عن صاحب الذخيرة (2) -
مدفوعة: بما يدفع به هذه الدعوى بالنسبة إلى كل حكم يستفاد من
خطابات الكتاب والسنة، المختصة وضعا وإرادة بالمشافهين، دون غيرهم
من الحاضرين في ذلك الزمان، بل في ذلك المجلس، فضلا عن الغائبين.
ويكفي في عموم الحكم في هذه الآية للغائبين: استشهاد الأئمة عليهم السلام
بها، كما تقدم من الأخبار المستفيضة (3)، مع أن قضية هذه الدعوى عدم
ثبوت الخمس في زمان الغيبة لا سقوطه بإبراء أهله.
هذا، مع ما عرفت من الأخبار المشددة في أمر الخمس الدالة على
مداقة الأئمة صلوات الله عليهم فيه، مثل قول الصادق عليه السلام: " إني آخذ من
أحدكم الدرهم وأنا أغنى أهل المدينة " (4)، ومثل قول الحجة عجل الله فرجه:
" لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من أكل من مالنا درهما " (5)، ومثل
قول أبي جعفر عليه السلام - في جواب أبي بصير، حيث سأله عن أيسر ما
يدخل به العبد النار - " قال: من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم " (6)

(1) في " ج " و " ع ": واحتمال.
(2) ذخيرة المعاد: 492.
(3) انظر الوسائل 6: 349، الباب 8 من أبواب، يجب فيه الخمس، الحديث 5، و 360،
الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 10، وغيرهما من الأحاديث.
(4) الوسائل 6: 337، الباب الأول من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3، وفيه:
وإني لمن أكثر أهل المدينة مالا.
(5) الوسائل 6: 377، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 7،
وفيه: من استحل من مالنا.
(6) الوسائل 6: 374، الباب 2 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، ذيل الحديث 5.
320

ونحو ذلك.
مضافا إلى ما دل على الأمر بدفع الخمس إليهم، ومطالبته، والانكار
من تحليله، والنكير على من يستحله منهم عليهم السلام، مثل قوله عليه السلام في
رواية الحلبي المتقدمة في مسألة الغنيمة بدون الإمام عليه السلام: " في الرجل من
أصحابنا يكون معهم، في لوائهم، فيصيب غنيمة، قال: يؤدي خمسنا ويطيب
له الباقي " (1).
ومثل: مكاتبة ابن مهزيار الطويلة: " من كان عنده شئ من ذلك
فليتعمد لإيصاله ولو بعد حين، فإن نية المؤمن خير من عمله " (2).
ومثل: قول الرضا صلوات الله عليه - لمن جاء من تجار فارس (3) يستحلونه
من الخمس -: " ما أمحل هذا، تمحضونا المودة بألسنتكم، وتزوون عنا حقنا
جعله الله لنا؟ لا نجعلكم في حل " (4).
ومثل: قول أبي جعفر الثاني عليه السلام لصالح بن محمد بن سهل، حيث
جاء يستحله من عشرة آلاف درهم أنفقها من مال الإمام عليه السلام وقبيله:
" أحدهم يثب على أموال آل محمد ويتاماهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم
فيأخذها ثم يجئ فيقول: اجعلني في حل، أتراه، ظن أني أقول: لا أفعل؟

(1) الوسائل 6: 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8، وليس في
المصدر: الباقي، وقد تقدمت في الصحفة: 227.
(2) الوسائل 6: 350، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
(3) في المصدر: " قدم قوم من خراسان على أبي الحسن.. الخ ".
(4) الوسائل 6: 376، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام الحديث 3،
وفيه: لا نجعل لا نجعل لا نجعل لأحد منكم، وقد تقدمت في الصفحة: 179.
321

والله ليسألنهم الله عن ذلك سؤالا حثيثا " (1).
ومثل أمر علي بن راشد في المكاتبة في أرباح المكاسب بالقيام بأخذ
خصوص الخمس من مواليه عليه السلام (2).
ومثل ما ورد من الأمر بتصدق خمس المال المختلط، ومطالبة أمير
المؤمنين عليه السلام (3)، إلى غير ذلك مما تقدم في تضاعيف المسائل سيما مسألة
أرباح المكاسب (4).
ضعف القول
بسقوط
الخمس مطلقا
ومن جميع ذلك يظهر (5) ضعف ما حكاه شيخنا المفيد قدس سره عن بعض
أصحابنا قدس الله أرواحهم من القول بسقوط الخمس مطلقا في زمان الغيبة (6)
وتبعه على هذا سلار (7) فيما حكي عنه، وهو المحكي عن صاحب الذخيرة (8)
وحكاه في الحدائق عن شيخه عبد الله بن صالح البحراني، وقال: إنه مشهور
الآن بين جملة المعاصرين (9).
ولا يبعد أن يكون مرادهم بالغيبة ما يعم زمان قصور اليد بقرينة

(1) الوسائل 6: 375، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
(3) الوسائل 6: 353، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديثان 3 و 4.
(4) راجع المسألة: 8، في الصفحة: 170.
(5) في " ع " و " ف ": ظهر.
(6) المقنعة: 285.
(7) المراسم: 140.
(8) ذخيرة المعاد: 481.
(9) الحدائق 12: 438 و 452.
322

استدلالهم بأخبار التحليل الدالة على الإباحة في زمانهم، مثل ما تقدم من
تحليل رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما الطاهرين وكذا سائر الأئمة صلوات
الله عليهم (1).
الجواب عن
الأخبار
الموهمة
للتحليل
وقد توهم الأخبار الدالة بظاهرها على التحليل في مسألة أرباح
المكاسب، وتقدم (2) الجواب عنها أيضا، بمنع دلالة أكثرها، وإمكان الحمل في
كلها - أو جلها - على التقية من النهوض بجباية الأخماس بوكلائهم، أو على
صور خاصة مثل عسرة السائل أو كثرة (3) ورود الظلم عليهم من المخالفين،
كما يدل عليه قوله عليه السلام: " ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم " (4).
أو على إرادة خصوص المناكح، أو هي مع المتاجر أعني: موارد
تجاراتهم من أموال المخالفين التي تعلق الخمس بعينها " (5).
أو على أن العفو إنما هو عن حقهم المتعلق بما ينفقون على أنفسهم
وعلى عيالهم، بناء على ما هو ظاهر بعض تلك الأخبار وغيرها من تعلق
الخمس بجميع المستفاد (6) مثل قوله عليه السلام من أن: " الخياط يخيط ثوبا

(1) راجع المسألة: 8.
(2) في الصفحة: 175 وما بعدها.
(3) في " ج " و " ع ": وكثرة.
(4) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 6.
(5) في " ج " و " ع " زيادة ما يلي: الذي انتقل إلى الشيعة من أيدي المخالفين، أو غير
ذلك مما تقدم سابقا ونقول هنا: إن جميع ما دل على تحليل الخمس ظاهر في إرادة
خمس غنائم دار الحرب.
(6) الوسائل 6: 348، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الأحاديث 5 و 6 و 7.
323

بخمسة دوانيق، فلنا منه دانق " (1).
وقوله في رواية ابن طاووس المتقدمة: " ولقد يسر الله على المؤمنين
أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحدا وأكلوا أربعة " (2).
وما ورد من " أن الله جعل خمس الدنيا مهر فاطمة عليها السلام " (3).
وما تقدم من أن " كل شئ في الدنيا فإن لهم نصيبا فيه " (4). [أو غير
ذلك مما تقدم سابقا (5).
ظهور ما دل
على التحليل
في غنائم
دار الحرب
ونقول هنا: إن جميع ما دل على تحليل الخمس (6) ظاهر في خمس غنائم
دار الحرب، الذي انتقل إلى الشيعة من أيدي المخالفين] (7)، لأنه الشائع
وجودا والمغصوب عنهم صلوات الله عليهم كما يظهر ذلك من تظلمهم عليهم السلام (8)،

(1) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8، وفيه:
" قميصا " بدل " ثوبا ".
(2) الوسائل 6: 338، الباب الأول من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6، لكن
هذه الرواية من بصائر الدرجات، ورواية ابن طاووس غير هذه، راجع الصفحة:
181.
(3) البحار 43: 113، وفيه: خمس الأرض.
(4) الوسائل 6: 373، الباب الأول من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث
33.
(5) راجع المسألة: 8.
(6) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، لكن ما في
الباب من الروايات بعضها يدل على تحليل غنائم دار الحرب وبعضها مربوط بسائر ما
فيه الخمس مثل الغوص وأرباح التجارة وغيرها.
(7) ما بين المعقوفتين ليس في " ج " و " ع ".
(8) مثل ما في الوسائل 6: 361، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديثان 15
و 16.
324

ومن تعليلهم التحليل بطيب الميلاد (1) إلى غير ذلك من الأمارات الدالة على
إرادة خصوص هذا القسم من لفظ الخمس.
نعم، ما دل على تحليل الشيعة خمس الإفادات، مثل قوله عليه السلام:
" هي الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا في حل منه ليزكوا " (2) ونحو
ذلك. ولا يخفى أنها مع ما ذكرنا من قابلية الحمل، ومعارضة بأكثر منها،
مما (3) تقدم في التشديد في أمر الخمس والنكير على من يستحله منهم عليهم
السلام (4).
ضعف القول
بسقوط حصة
الإمام (ع)
ويتلو القول المذكور في الضعف: الحكم بسقوط حصة الإمام عليه السلام
في مثل هذا الزمان - كما ذهب إليه صاحب المدارك (5)، وحكي عن المحدث
الكاشاني (6) -، بل هذا القول أضعف من سابقه، نظرا إلى أن ظاهر أخبار
التحليل - سيما المعلل منها بطيب الولادة، الغير الحاصل إلا بحل تمام الخمس،
وسيما المسبوق منها بالاستحلال - هو تحليل مطلق الخمس، فإما أن يعمل
بظاهرها أو يطرح أو يؤول (7) كذلك.

(1) الوسائل 6: 380 - 381، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
الأحاديث 5 و 9 و 10.
(2) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 8.
(3) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: " منها ما " بدل: " مما ".
(4) مثل ما مر في المسألة 8.
(5) المدارك 5: 421 و 424.
(6) مفاتيح الشرائع 1: 229.
(7) في " م " و " ف ": ويؤول.
325

هل ينصرف
تحليل المحلل
إلى حقه (ع)
خاصة؟
ودعوى: انصراف تحليل المحلل إلى حقه خاصة دون حق غيره،
يدفعه: أن ظاهر التحليل إذا كان شاملا لحق غير المحلل فإنما يصرف عن
ظاهره إذا لم يكن للمحلل سلطنة على حق الغير، وليس هنا كذلك، إذ
للإمام الولاية على الزكاة ونحوها من بيت المال على ما ورد من أنه: " لو
رأيت صاحب هذا الأمر يعطي ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخل في
قلبك شئ، فإنه إنما يعمل بأمر الله " (1) فكيف حال الخمس الذي جعله الله
لبني هاشم إكراما لهم (2)، بل تطفلا (3)، على ما يستفاد من الأخبار؟ مثل
ما ورد: " أن خمس الدنيا مهر فاطمة عليها سلام الله " (4) وما ورد: " أن لنا الخمس
ولنا الأنفال " (5) ومثل ما ورد أن: " على كل امرئ غنم أو أكتسب، الخمس
لفاطمة عليها السلام ومن يليها من الحجج من ذريتها، يضعونه حيث شاؤوا " (6)
إلى غير ذلك مما لا يبعد بملاحظتها القول بأن تمام الخمس للإمام عليه السلام وإن
كان عليه - بالتزامه أو بإلزام الله - أن ينفق على قبيله مقدار الكفاف.
لكن الظاهر أن هذا خلاف الاجماع، بل لصريح الآية وبعض الأخبار،
مثل رواية الثمالي المتقدمة في حل المناكح (7)، وقول أبي جعفر عليه السلام: " إن

(1) الوسائل 6: 363، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3.
(2) في " م " و " ف ": له.
(3) كذا، والظاهر: تفضلا.
(4) البحار 43: 113، وفيه خمس الأرض.
(5) الوسائل 6: 383، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 14.
(6) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8، مع
اختلاف في التعبير.
(7) في الصفحة: 174، وقول أبي جعفر الآتية هو مضمون نفس هذه الرواية.
326

الله جعل لنا سهاما ثلاثة في جميع الفئ " (1) وإن قال عليه السلام بعده: " فنحن
أصحاب الخمس والفئ، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا " حيث
إنه ظاهر في تحليل السهام الستة إلا أنه كسائر الأخبار التي يترائى منها
الاختصاص في الكل، أريد بها الولاية عليه في البذل والحرمان والتحليل
والمطالبة، لا الملكية الحقيقية.
وكيف كان، فلا دليل على حل حق الإمام عليه السلام خاصة، بل أخبار
التحليل التي يعمل بها - كالواردة في المناكح والأرضين والمتاجر - يعمل بها
بالنسبة إلى حصة السادة، وما يطرح منها أو يؤول فهو كذلك بالنسبة إلى
حصة الإمام عليه السلام.
رأي المحدث
البحراني في
المسألة
وأضعف من هذين القولين: ما اختاره صاحب الحدائق (2) من
وجوب نقل الخمس كلا حال وجودهم - صلوات الله عليهم - إليهم، أو إلى
وكلائهم، فربما يبيحون للشخص - كما في رواية أبي سيار (3)،
ورواية علباء (4) الأسدي (5) - وربما يأخذون وينفقون منه على قبيلهم
قدر الكفاية.
وأما حال الغيبة عجل الله انقضاءها فيجب صرف حصة الأصناف إليهم،
وأما حصة الإمام عليه السلام فالظاهر تحليله، للتوقيع المتقدم عن صاحب

(1) الوسائل 6: 385، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 19.
(2) الحدائق 12: 447، وفيه: كملا.
(3) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 12.
(4) كذا في " ف "، وفي سائر النسخ: عليا.
(5) الوسائل 6: 368، الباب الأول من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام،
الحديث 13.
327

الزمان روحي له الفداء في قوله عليه السلام: " وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا إلى أن
يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم " (1).
وحاصل هذا القول: إن أمر الخمس راجع في كل زمان إلى الحجة في
ذلك الزمان.
مناقشة المحدث
البحراني
وفيه: أن أكثر أخبار التحليل عام لجميع الشيعة، كما لا يخفى على من
راجعها، فالتحليل المستفاد من تلك الأخبار حكم عام لجميع أزمنة قصور
أيديهم العادلة صلوات الله عليهم، مع أن ظاهر التوقيع عام في حصة الأصناف
أيضا وفي كل الشيعة.
وقد أولها المحدث المذكور بأن المراد: وأما حقنا من الخمس، زاعما
أنها طريق جمع بينه وبين الآية والأخبار الدالة على (2) استحقاق الأصناف
لحصصهم (3).
وفيه: مع أنه لا بد من تخصيص الشيعة بمن في زمان إمامته، كيف
يمكن الحكم بسقوط الفريضة الضرورية بمثل هذا السند؟! مع معارضته
بتوقيع آخر تقدم ذكره (4) وثالث، أمر بدفع الخمس إلى العمري (5)، وإن زعم

(1) الوسائل 6: 383، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 16،
وقد تقدمت في الصفحة: 175.
(2) في " م ": على (ظ).
(3) الحدائق 12: 451.
(4) تقدم في الصفحة: 320، وانظر الوسائل 6: 377، الباب 3 من أبواب الأنفال وما
يختص بالإمام، الحديث 7.
(5) الوسائل 6: 377، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 8.
328

المحدث المذكور عدم دلالتهما على الثبوت (1)، مع أن الجمع لا يحتاج إلى
صرف الخمس الموضوع للمجموع إلى بعضه، بل إما أن يعمل على إطلاقه،
وإما أن يراد به ما ذكرنا من الفرد المعهود المتعارف في الدولة الأموية
والعباسية من الغنائم الواقعة بيد الشيعة من المخالفين المقاتلين لأهل الحرب.
تضعيف ما ذهب
إليه صاحب
المعالم من
سقوط خمس
المكاسب
ويظهر مما ذكر: ضعف ما يحكى عن صاحب المعالم في كتاب منتقى
الجمان (2) من سقوط خمس المكاسب، نظرا إلى أن المستفاد من الأخبار
اختصاصه بالإمام عليه السلام، مثل ما ورد من أن: " على كل امرئ غنم
أو أكتسب الخمس مما أصاب، لفاطمة صلوات الله عليها " (3)، ومثل ما تقدم من
رواية الحارث بن المغيرة النصري (4) من قوله: " أن لنا أموالا وتجارات نعلم
أن حقك فيها ثابت " (5) ونحو ذلك مما تقدم (6) أن المراد تخصيص ألحق به
عليه السلام باعتبار وجوب دفعه إليه وولاية بذله ومنعه وتحليله ومطالبته، ولذا
ورد نظير (7) ذلك فيما (8) لا يقول القائل باختصاصه بالإمام عليه السلام.
القول بعدم
تحليل شئ
بالكلية
وما أبعد ما بين هذه الأقوال والقول بعدم تحليل شئ بالكلية حتى

(1) راجع الحدائق 12: 451.
(2) منتقى الجمان 2: 443.
(3) الوسائل 6: 351، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.
(4) في النسخ: " الحرث بن المغيرة الطبري ".
(5) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 9، مع اختلاف في
العبارات.
(6) في المسألة: 8.
(7) في " م ": شطر.
(8) في " ع ": مما. وفي " ج ": فمما.
329

حمل أخبار
التحليل على
جواز التصرف
في العين
قبل الاخراج
المناكح في زمان الغيبة (1) كما هو محكى عن الإسكافي (2) وظاهر الحلبي (3) بل
تقدم عن الروضة (4) نسبته إلى جماعة، ويرجع إليه ما عن المجلسي قدس سره (5)
من حمل أخبار التحليل على جواز التصرف في المال الذي تعلق بعينه
الخمس قبل إخراجه منه، بأن يضمنه في الذمة ويتصرف في المال. وهذا وإن
كان بعيدا عن ظواهر تلك الأخبار إلا أن غاية ما يمكن الاجتراء (6) عليه
فيما عدا الأنفال وخصوص المناكح والمتاجر هو هذا المقدار من التحليل لا
أزيد، لأن وجوب الخمس من الضروريات، والخمس بنفسه من أهم
الفرائض، لأنه أولى بالانقياد له من الزكاة التي أوقف قبول الصلاة التي هي
عمود الدين بها، مع أنها معونة غير السادات، فكيف بما هو معونة الإمام
عليه السلام وقبيله، والمجعول لهم عوضا عن الصدقات ليستغنوا به عنها!؟ بل
هو من المودة المجعولة أجرا للرسالة.
فالقول بسقوط شئ منه جرأة عظيمة، سيما - مع ملاحظة ما مر - أن
المسألة من الموضوعات، حيث إن الشك في تحقق الابراء من صاحب الحق،
فالتعويل فيها على أخبار الآحاد مشكل، سيما مع المعارضة، واشتباه الدلالة،
وقيام المحامل، وقد صرح في المعتبر (7): بأن الحكم بإباحة حصة الإمام في

(1) في " ف " و " ج " و " ع " زيادة ما يلي: المستحقين نصفه.
(2) حكاه عنه المحدث البحراني في الحدائق 12: 443.
(3) الكافي في الفقه: 174.
(4) الروضة البهية 2: 80.
(5) انظر ملاذ الأخيار 6: 404.
(6) كذا في " ف " و " م "، وفي سائر النسخ: الاجتزاء.
(7) لم نجده في المعتبر، والعبارة موجودة بعينها في المنتهى 1: 555.
330

زمان الغيبة كما ذكره بعض أصحابنا غلط.
مصرف الخمس
في زمان الغيبة
بقي الكلام في مصرفه في زمان الغيبة: فالذي يقتضيه العمومات
وجوب صرف حصة الأصناف إليهم وإن قلنا بوجوب دفعها إلى الإمام
عليه السلام عند الحضور، لأنه شرط اختياري، فمع عدم التمكن من دفعه إليه
تبقى العمومات سليمة.
هل يجب الدفع
إلى الفقيه؟
ومن هنا يظهر أنه لا يجب دفعها إلى الفقيه وإن قلنا بنيابة عنه في
جميع الأمور العامة، إلا أن ذلك من الولايات الخاصة مثل الولاية على
أولاده عليه السلام أو على ما هو وصى فيه، مع عدم بعد الوجوب بناء على
ثبوت النيابة على وجه العموم، كما يظهر من كلامهم في الحصة المختصة به
عليه السلام.
اختيار المفيد
القول بوجوب
الايصاء
بالخمس ورده
وكيف كان، فالقول بوجوب عزله والايصاء به عند ظن الموت - كما
اختاره شيخنا المفيد (1) وجعله أوضح من سائر الأقوال - غير واضح، بناء
على عدم تملك الإمام عليه السلام للكل، غاية الأمر وجوب دفع الكل إليه حال
الحضور ليتولى البسط حسب ما يراه - كما تقدم في مرسلة حماد الطويلة (2) -
فعزل حصة السادات منع الحق من أهله.
ويؤيده ما تقدم من رواية ابن طاووس: في وصية النبي صلى الله عليه وآله
وسلم وقوله: " فمن لم يقدر على ذلك - يعني دفع الخمس إلى الإمام - فليدفع إلى
الضعفاء من أهل بيتي " (3).

(1) المقنعة: 286.
(2) الوسائل 6: 358، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس الحديث 8.
(3) تقدمت في الصفحة: 180.
331

هذا، مضافا إلى ما علم من أن حكمة وضع الخمس استغناء بني هاشم
به عن الصدقات، فلا بد لهذا القائل من القول بجواز أخذ الصدقات
لبني هاشم، وحرمتها عليهم مختص بزمان ظهور الدولة العادلة التي لا يحتاج
الهاشمي فيها غالبا إلى خمس ولا زكاة.
فيكف كان، فمنع حصة الأصناف عنهم في زمان الغيبة مما نقطع بعدم
جوازه، مع أن الايصاء به واحدا بعد واحد في مثل زماننا معرض للتلف بل
موجب قطعي، وكأنهم - كما قيل (1) - بنوا ذلك على أوقاتهم المملوءة بالعلماء
والصلحاء الأتقياء وظنوا قرب خروجه - عليه صلوات الله - أو أن زمان الغيبة كله
على ذلك المنوال، ولم يعلموا بتسافل الحال وتقلب الأحوال بما يضيق عن
نشره المجال.
ضعف القول
بوجوب دفنه
ومما ذكر ظهر أضعفية القول بوجوب دفنه، لأن الأرض تظهر كنوزها
للقائم عجل الله فرجه، مع أن هذا القول مجهول القائل.
ضعف القول
بالتخيير بين
الايصاء والدفن
ويظهر من ضعف القولين: ضعف القول بالتخيير بين الوصاية والدفن.
وكيف كان، فحبس حصة الأصناف عنهم قول مرغوب عنه، ولذا
أعرض عنه المشهور، بل لا يبعد عدم الخلاف فيه، بناء على ما احتمل من
إرادة خصوص حصة الإمام مما (2) حكموا بوجوب حفظه بالايصاء أو الدفن،
وعن السرائر (3) نسبة قول المشهور إلى جميع محققي أصحابنا ومحصليهم.
حاصل الأقوال
في حصة
الأصناف
ثم إن هذا كله في حصة الأصناف، وحاصل الأقوال فيها خمسة:

(1) الحدائق 12: 452.
(2) في " ج " و " ع ": بما.
(3) السرائر 1: 499.
332

السقوط، والثبوت مع وجوب الصرف، والايصاء به، أو دفنه، أو التخيير،
وربما يحكى عن ظاهر بعض الكتب القول بالاستحباب (1).
وأما حصة الإمام عجل الله فرجه، فقد عرفت ضعف القول بسقوطها،
فالكلام فيها على فرض ثبوتها، فنقول:
اقتضاء القاعدة
حفظ حصته (ع)
الذي تقتضيه القاعدة هو وجوب حفظه له عليه السلام، لأنه مال غائب
وأي غائب؟! روحنا له الفداء، ولذا ذهب إليه جمهور أصحابنا على ما في المعتبر (2)
وعن المنتهى (3)، وعن السرائر " أنه الذي يقتضيه أصول الدين، وأصول
المذهب، وأدلة العقول، وأدلة الاحتياط، وإليه يذهب، وعليه يعول جميع
محققي أصحابنا المصنفين المحصلين الباحثين عن مأخذ الشريعة، وجهابذة
الأدلة ونقاد الآثار، فإن جميعهم يذكرون في باب الأنفال هذه المقالة،
ويعتمدون على القول الأخير الذي ارتضيناه بغير خلاف " (4).
رضى الإمام
بصرف حصته
إلى الشيعة
إلا أن الذي يقتضيه التأمل في أحوال الإمام عليه السلام وفي أحوال
ضعفاء شيعته في هذا الزمان، ثم في ملاحظة حاله بالنسبة إليهم، هو القطع
برضائه عليه السلام بصرف حصته فيهم، ورفع اضطرارهم بها، وفيما يحتاجون
إليه من الأمور العامة والخاصة، فالشك في هذا ليس إلا من جهة عدم إعطاء
التأمل حقه في أحوال الطرفين أو في النسبة، مضافا إلى أنه إحسان محض

(1) لم نعثر عليه بعينه. نعم، حكى المحدث البحراني في الحدائق (12: 444) عن
الشهيد في البيان الترديد بين الوجوب والاستحباب، (انظر البيان: 351).
(2) لم نعثر عليه في المعتبر، ولم نجد من نقل عنه ذلك.
(3) المنتهى 1: 555.
(4) السرائر 1: 499.
333

ما على فاعله من سبيل وإن لم نعلم رضاه بالخصوص.
مضافا إلى أن الظاهر أن المناط فيما ورد من الأمر بالتصدق بمجهول
المالك هو تعذر الايصال إلى مالكه، لأجل الجهل، فالجهل لا مدخل له في
أصل الحكم وإنما هو سبب للتعذر، فإذا حصل التعذر من وجه آخر مع العلم
بالشخص وتعينه جاء الحكم أيضا.
مضافا إلى عموم ما دل على أنه " من لم يقدر على أن يصلنا فليصل
فقراء شيعتنا " (1) وخصوص ما مر من (2) رواية ابن طاووس في وصية النبي
صلى الله عليه وآله (3).
مضافا إلى ما يشعر به ما دل على وجوب صرف نذر هدي البيت في
زواره، معللا بأن الكعبة غنية عن ذلك (4) وما جاء في صرف الوصية التي
نسي مصرفها، في وجوه البر (5)، وكذا الوقف الذي جهل أربابه (6).
مضافا إلى ما مر من رواية الطبري (7) عن الرضا عليه السلام من: " أن
الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من

(1) الوسائل 6: 332، الباب 50 من أبواب الصدقة، الحديث الأول.
(2) في " م ": في.
(3) راجع الصفحة: 180.
(4) لم نجدها بعينها. نعم، وردت أحاديث بمضمونها، انظر الوسائل 9: 352، الباب 22
من أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها.
(5) الوسائل 13: 453، الباب 61 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث الأول.
(6) الوسائل 13: 303، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات، الحديث
الأول.
(7) الوسائل 6: 375، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 2.
334

أعراضنا ممن نخاف سطوته "، فصرف حقه عليه السلام في أيام غيبته في حوائج
ذريته وشيعته، لا يخلو عن أحد المصارف المذكورة في الرواية.
مضافا إلى ما يشعر به مرسلة حماد الطويلة المتقدمة (1) ومرفوعة أحمد
ابن محمد: من أن عليه إتمام ما نقص، وله ما زاد من مقدار استغناء سنة (2)
الأصناف بقدر الكفاف (3). فيجوز حينئذ صرف حصته عليه السلام من الخمس
أو مال آخر مما يقع بأيدينا من أمواله عليه السلام في الذرية الطاهرة المحتاجين،
لأن سد خلتهم كان أحد المصارف لأمواله بل كان من أهمها.
دفع حصته (ع)
إلى الأصناف
إتماما للنقص
وقد استدل جماعة (4) بهاتين المرسلتين على وجوب دفع حصته في هذا
الزمان إلى الأصناف من باب التتمة، لأن علية إتمام ما نقص، كما في
المرسلتين، قالوا: وما وجب لحق الله تعالى لا يسقط بغيبة من يلزمه ذلك،
بل عن المنتهى (5): أن الحاكم يباشر، لأنه نوع من الحكم على الغائب.
رد هذا القول
وفيه نظر، أما أولا: فلما عرفت من منع دلالة المرسلتين على وجوب
الاتمام مطلقا، بل إذا وصل بيده جميع الخمس، وإلا فلو فرضنا أنه لم يصل
إليه إلا قليل منه، لم يجب عليه الاتمام، ففي هاتين الروايتين بيان لسيرة

(1) الوسائل 6: 358، الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8، وتقدمت في
الصفحة: 288.
(2) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: ستة.
(3) الوسائل 6: 364، الباب 3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
(4) منهم المحقق في المعتبر 2: 638 حيث استدل بالروايتين، و 641 حيث قال: وما
وجب لحق الله، والشهيد في المسالك 1: 471، وصاحب الجواهر في الجواهر 16:
109 - 110.
(5) المنتهى 1: 555.
335

الإمام عليه السلام في تقسيم الأخماس والزكوات إذا أجبيت إليه، ولذا صرح
بمثل ذلك في الزكاة أيضا، ففي مرسلة حماد أنه " إن نقص عن ذلك شئ ولم
يكتفوا به - يعني الأصناف الثمانية: أهل الزكاة - كان على الوالي أن يمونهم
من عنده " (1)، ولازم ذلك وجوب إعطاء الزكاة من ماله عليه السلام إذا
أعوزهم، مع أن هؤلاء المستدلين يقولون بلزوم الدفع إلى السادة خاصة.
وأما ثانيا: فلأنه لا دلالة في المرسلتين إلا على الوجوب حال
الحضور، ولعل (2) ذلك من أحكام الرئاسة والولاية والسلطنة الظاهرة، لا من
أحكام الإمامة والحجية، أو يكون ذلك من باب مواصلة الأقارب الساقطة
عند المفارقة وبعد الشقة (3) ككثير مما يجب علينا بالنسبة إليه، وعليه بالنسبة
إلينا.
وأما ثالثا: فلعدم دلالة الرواية على وجوب الاتمام من هذا المال
بالخصوص، فلعل للانفاق على أهل الخمس أو على أهل الزكاة عند حاجتهم
مالا خاصا آخر لا نعلمه، وهذا المال له مصرف آخر.
والحاصل: أن إثبات وجوب الصرف في الأصناف من باب التتمة
- كما ذهب إليه جماعة (4)، بل في الروضة (5) أنه المشهور بين المتأخرين، تمسكا
بالروايتين - محل نظر، سميا إذا وجد مصرف آخر أهم من ذلك بمراتب،

(1) الوسائل 6: 185، الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(2) في " م " و " ف ": فلعل.
(3) في " ع " و " ج ": بعد المشقة، وفي " ف ": ولو بعد الشقة.
(4) مثل المحقق في الشرائع 1: 184، والعلامة في التحرير 1: 75، وحكاه السيد
الطباطبائي في الرياض (5: 280) عن كافة المتأخرين.
(5) الروضة البهية 2: 79.
336

وحيث نعلم - مع قطع النظر عن الروايتين - أن الإمام لا يرضى إلا بصرفه
في هذا الأهم، فدفع هذا القطع بالروايتين في غاية الاشكال، فإن المسألة من
الموضوعات، وحل مال المرء المسلم مشروط بطيب نفسه.
جواز الصرف
مع العلم برضى
الإمام
ثم إن مقتضى ما ذكرناه: جواز صرف المالك لها بنفسه بعد علمه
برضى الإمام من الأمارات التي ذكرناها، فإن حصول العلم منها بالرضى
لا يختص بالمجتهد، أو بعد إعلام المجتهد له ذلك، إن جوزنا تقليد الغير في
ما نحن فيه.
نعم، له أن يدفعه من أول الأمر إلى المجتهد، وعلى المجتهد أن يقبله
- كما في مال كل غائب - فيصنع به ما يرى من الدفع أو الضبط، إلا أن يعلم
المقلد بعدم رضى الإمام بالضبط، فليس له الدفع، لعدم حصول البراءة من
الخمس قبل صرفها (1) عن المالك إذا كان الصرف واجبا والعزل غير كاف.
هل يجب الدفع
إلى الفقيه بناء
على القولين؟
وربما أمكن القول بوجوب الدفع إلى المجتهد، نظرا إلى عموم نيابته
وكونه حجة الإمام على الرعية وأمينا عنه وخليفة له، كما استفيد ذلك كله
من الأخبار (2).
لكن الانصاف: أن ظاهر تلك الأدلة ولاية الفقيه عن الإمام عليه السلام
على الأمور العامة، لا مثل خصوص أمواله عليه السلام وأولاده مثلا.
نعم، يمكن الحكم بالوجوب: نظرا إلى احتمال مدخلية خصوص الدافع
في رضى الإمام عليه السلام، حيث إن الفقيه أبصر بمواقعها بالنوع، وإن فرضنا
في شخص الواقعة تساوي بصيرتهما أو أبصرية المقلد.

(1) كذا في النسخ.
(2) الوسائل 18: 98، الباب 11 من أبواب صفات القاضي.
337

هذا كله، على ما اخترناه من جواز الصرف من باب شاهد الحال،
وأما بناء على قول الجماعة: من وجوب الدفع من جهة وجوب إنفاق
المعوزين عليه، فالظاهر أنه يجب أن يتولاه الحاكم، لأنه المتولي لكل
حسبة عامة، سيما مثل الانفاق على عيال الغائب وقضاء ديونه وغير ذلك
من أموره. ويلزم على قولهم: وجوب الاقتصار على الذرية الطاهرة، وأما
على ما ذكرنا فلا يختص بهم، بل يعم غيرهم، بل ليس مصرفه مختصا
بالانفاق، بل يصرف في المصالح كائنة ما كانت، الأهم فالأهم، فيفرض
المالك أو المجتهد نفسه الإمام وينظر إلى المصالح التي أحاط بها علمه بعد
الفحص عن مواردها فأيها كانت أهم في نظره وجب صرفه فيها، لأنه
المتيقن من الرضى.
[نعم، لو قلنا: إن للمالك أو المجتهد ولاية على هذا المال - كما في
مجهول المالك ومال اليتيم والغائب واللقطة - لم تجب ملاحظة الأهم والأصلح،
لعدم الدليل إلا على أهل الاحسان، لكن الظاهر عدم ثبوت الولاء، بل
الحكم تابع للإذن، ولا أقل من الاحتمال] (1).
لا يقال: إن هذا ليس قولا لأحد من أصحابنا، لأنهم بين مخصص له
بالأصناف الثلاثة كأكثر القائلين بالصرف، وبين من شرك بينهم وبين غيرهم
من مواليه العارفين كما صرح به ابن حمزة في الوسيلة (2) واستظهر من كلام

(1) ما بين المعقوفتين في " ع " و " ج " وقعت بعد قوله: " وحل مال المرء المسلم مشروط
بطيب نفسه " المذكور في الصفحة: 337، السطر 3.
(2) الوسيلة: 137.
338

المفيد (1) وارتضاه جملة من المعاصرين (2). فالقول بوجوب صرفه في مطلق
المصالح خلاف للكل.
قلت: قد عرفت اعتراف المفيد ومن تبعه قدس الله أسرارهم بعدم النص في
المسألة، وعرفت أن العبرة عندنا في الصرف برضائه عليه السلام بشاهد الحال
فيجب مراعاته ولا يجوز التخطي عنه، وليس الحكم تعبديا.

(1) لم نعثر على المستظهر، وانظر المقنعة: 286 - 287.
(2) منهم السيد الطباطبائي في الرياض 5: 283، والمحقق النراقي في المستند 2: 91.
339

مسألة
[32]
دفع الخمس
كملا إلى الإمام
حال
حضوره
يجب دفع الخمس كملا (1) إلى الإمام عليه السلام حال حضوره، كما يستفاد
من كثير من النصوص والفتاوى، بل عن المعتبر (2) والمنتهى (3) نسبته إلى
الشيخين وجماعة من علمائنا، ويكفي فيه: أصالة (4) عدم تسلط المالك بنفسه
على إفراز النصف للإمام، إذ لا ولاية له عليه ولا على أحد من قبيله.
كون الفاضل
بعد التقسيم
للإمام، وعليه
الاتمام
ثم ذكروا أن الإمام يقسمه بين الطوائف بقدر الحاجة فما فضل فهو له
وما أعوز فعليه الاتمام، ولم يحك التصريح بالمخالفة إلا عن الحلي (5)، حيث

(1) في " ف " و " ع ": كلا.
(2) المعتبر 2: 638.
(3) المنتهى 1: 554.
(4) ليس " ع " و " ج ": أصالة.
(5) السرائر 1: 492.
340

منع من كون الفاضل له، لعدم الدليل على الحكم بكليته بملكيته - نعم، له أن
يحفظ الفاضل لهم - وكذا من وجوب إتمام ما أعوزوا، لعدم الدليل على
وجوب إنفاقهم عليه، وقد أطال في الاستدلال على ذلك، وزادوا التطويل في
رده مع عدم الفائدة في تحقيق هذه المسألة ونحوها من وظائف الإمام
عليه السلام الذي هو المرجع في بيان وظائف غيره.
هل
يجوز صرف
حصته (ع)
للاتمام؟
نعم، ربما يتفرع عليه جواز صرفه حصته عليه السلام في قبيله للاتمام إذا
لم يكفهم حصتهم، وفيه: أن الجواز غير موقوف على هذا القول كما
سيجئ (1). نعم، لو ثبت فهو أحد طرق الجواز.
اختصاص
الحكم بالاتمام
بقسمة جميع
الخمس
إلا أن الظاهر اختصاص ما ذكره المشهور بقسمة جميع الخمس حيث (2)
يقصر نصيبهم من تمام الخمس عن مقدار كفايتهم، لا ما إذا لم يدفع من
الخمس إلا قليل كما في هذا الزمان، إذ الظاهر أنهم ما قالوا بأنه يجب عليه
عليه السلام
صرف حصته إليهم من باب التتمة، ولو قالوا أيضا لم يكن دليل
على ذلك، لأن مستندهم في ذلك مرسلة حماد الطويلة، حيث قال فيها:
" يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم فإن فضل عنهم
شئ فهو للوالي، وإن عجز ونقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق
من عنده بقدر ما يستغنون به، وإنما صار عليه أن يمونهم، لأن له ما فضل
عنهم " (3).

(1) سيأتي البحث عنه في الصفحة الآتية.
(2) في " ع " و " ج ": حتى.
(3) التهذيب 4: 129، الحديث 366، مع اختلاف يسير، والوسائل 6: 364، الباب
3 من أبواب قسمة الخمس، ذيل الحديث الأول.
341

ونحوها مرسلة أحمد المضمرة، وفيها: أن " النصف له عليه السلام خاصة
والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله
الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة، عوضهم الله تعالى مكان ذلك الخمس،
فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فإن فضل منهم شئ فهو له، وإن نقص عنهم
ولم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل لزمه النقصان " (1).
فإن الظاهر منهما - سيما من سياق المرسلة في فقرات -: أن هذا
الحكم بيان لصورة بسط يد الإمام عليه السلام وجباية جميع الصدقات
والأخماس إليه، وقد اشتملت على مثل ذلك في قسمة الصدقات أيضا بين
فقراء الناس.
نعم، يمكن أن يدعى إن المستنبط منه هو وجوب الاتمام عليه من باب
المواساة عند غنائه عليه السلام واحتياج قبيله، لعدم وفاء الموجود من حصتهم
بمؤونتهم، وإن كان لأجل عدم دفع الناس ما يجب عليهم، وليس ذلك ببعيد
لو كان في المرسلتين دلالة على أن إتمام نقصهم كان من الخمس، والظاهر
عدمها، لجواز أن يكون إتمامه من مال آخر.
اللهم إلا أن يتعدى عنه بتنقيح المناط بأنه عليه السلام ملتزم أو ملزم من
الله بالاتمام من عنده، فإذا لم يوجد له مال آخر غير نصفه من الخمس تم
الناقص منه كما هو مقتضى قوله عليه السلام: " إن الإمام وارث من لا وارث له
ويعول من لا حيلة له " (2).
وكيف كان، فسيأتي أن طريق الجواز غير مبني على هذا الحكم،

(1) الوسائل 6: 364، الباب 3 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 2.
(2) الوسائل 6: 365، الباب الأول من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 4.
342

ولذا توقف فيه جماعة - كما حكي (1) - مع قولهم بجواز الصرف.
هل يعطى
الفقير أكثر من
مؤونة سنته؟
ثم إن ظاهر المرسلتين عدم جواز إعطاء الفقير هنا أزيد من مؤونة
السنة كما عن الشهيدين (2)، بل في كلام بعض مشايخنا المعاصرين (3): أنه
لم أجد فيه خلافا، ولعله ناش مما تقدم (4) عن المشهور من تقسيم النصف
عليهم على الكفاية - على ما في المرسلتين -، وقد عرفت أن الظاهر من فتوى
المشهور والمرسلتين كون ذلك عند تقسيم الإمام لجميع ما يحصل في يده من
الخمس على السادة، فلعل الاقتصار حينئذ على الاعطاء على الكفاية،
لئلا يحصل الاعواز ويدخل النقص على بعض المستحقين، فيكون حيفا عليهم
حيث يبقون محتاجين إلى أخذ الصدقات، ولذا قد صرح في المرسلة بتقسيم
الزكاة كذلك، مع أنه قد مر (5) جواز إعطاء الفقير من الزكاة فوق الكفاية
من غير خلاف فيه يعرف، فلا تدل على أن الحكم كذلك في كل خمس
يقسمه المالك بنفسه.
تسوية الإمام
الاعطاء للفقراء
هذا، مع أن المرسلتين لا تزيدان على حكاية فعل الإمام عليه السلام
أو مداومته، أو التزامه بذاك، ولو سلم كون ذلك بإلزام من الله فلعله
لخصوص الإمام عليه السلام، حيث إن نسبة الفقراء إليه على السواء من حيث
الرحمة والشفقة، فيجب أن يكون تقسيمهم للأخماس والزكوات وبيت المال

(1) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 5: 275.
(2) الدروس 1: 262، المسالك 1: 471.
(3) جواهر الكلام 16: 112.
(4) في الصفحة 340.
(5) انظر كتاب الزكاة: 273.
343

عدم تعدية
الحكم إلى غير
الإمام
على وجه البسط التام، ويكون مؤونة السنة للفقراء عنده كالوظيفة المستمرة
للشخص في كل سنة من عند رئيسه، فلا دليل على تعدي هذا الحكم إلى
غير الإمام من الملاك الذين فوض أمر نصف الخمس كالزكاة إليهم، ليعطون
من يهوون من المستحقين، ويمنعون من يكرهون إعطاءه، فكما أنه لا حجر
عليهم في تخصيص الأشخاص في الاعطاء والمنع فلا حجر عليهم في مقدار
حرمة
الاجحاف
المعطى، وإن لزم منه حرمان جماعة أخرى ما لم يصل إلى حد الاجحاف
بالنسبة إلى البعض، فيمنع حتى في الزكاة، كما لو جمع أهل البلد جميع
زكواتهم وأعطوه رجلا واحدا يكفيه عشر معشارها لمؤونة عمره مع موت
باقي الفقراء من الجوع.
وبالجملة، فإجراء ما في المرسلة - سيما بملاحظة اتحاد حكم الخمس فيها
مع حكم الزكاة - بالنسبة إلى آحاد الملاك المعطين مشكل جدا، ولذا صرح
سيد مشايخنا في المناهل (1) بتقوية جواز الاعطاء فوق الكفاية، إلا أن
الأحوط ما ذكروه.

(1) المناهل: (مخطوط)، التنبيه الثالث من تنبيهات مصرف سهم الإمام عليه السلام
344

الأنفال
345

الأنفال
تعريف الأنفال
لغة واصطلاحا
جمع نفل - بالسكون والتحريك -: الزيادة، ومنه قوله تعالى: (ووهبنا
له إسحاق ويعقوب نافلة) (1) أي زيادة عما سأله.
وتسمى " الغنيمة " لكونها من المزيدات للمسلمين بالنسبة إلى غيرهم
من الأمم، والمراد هنا: ما يختص به النبي صلى الله عليه وآله زيادة على غيره
تفضلا من الله، وهو بعده للإمام عليه السلام وهي أمور:
الأرض المأخوذة
من الكفار بغير
قتال
منها: الأرض التي ملكت من الكفار من غير قتال، سواء انجلوا عنها أو
مكنوا المسلمين منها وهم فيها كالبحرين، والظاهر أنه لا خلاف في كون
ذلك من الأنفال، ويدل عليه الأخبار:
منها: مرسلة حماد الطويلة، وفيها: " والأنفال كل أرض خربة قد باد
أهلها، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولكن صالحوا صلحا

(1) الأنبياء: 72.
347

وأعطوا بأيديهم على غير قتال. وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام
وكل أرض ميتة لا رب لها، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير
وجه الغصب، لأن الغصب كله مردود، وهو وارث من لا وارث له، يعول
من لا حيلة له " (1).
ومثل حسنة ابن أبي عمير عن ابن البختري عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب،
أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة، وبطون
الأودية فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو للإمام بعده يضعه
حيث شاء " (2).
وفي حسنة ابن مسلم - بابن هاشم -: " ما كان من أرض لم يكن فيها
هراقة دم [أو قوم] (3) صولحوا وأعطوا بأيديهم، وما كان من أرض خربة أو
بطون أودية " (4).
وفي رواية سماعة أن " منها: البحرين، لم يوجف عليه بخيل
ولا ركاب " (5). إلا أن المذكور في كتاب الاحياء (6)، أن البحرين أسلم أهلها
طوعا فهي كالمدينة المشرفة أرضها لأهلها. وقد صرح في الروضة بالأول في

(1) الوسائل 6: 365، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 4.
(2) الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث الأول.
(3) من مصححة " ع " والوسائل.
(4) الوسائل 6: 367، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 10.
(5) الوسائل 6: 367، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 8.
(6) كما في التذكرة 2: 402، ومفاتيح الشرائع 3: 22، وغيرهما.
348

الخمس (1) وبالثاني في إحياء الموات (2) فلعله غفلة، إلى غير ذلك من الأخبار.
وظاهر موثقة سماعة وحسنة ابن أبي عمير (3) دخول كل ما لم يوجف عليه
بخيل ولا ركاب في الأنفال وإن لم يكن أرضا، وهو صريح صحيحة ابن
وهب (4) الآتية في الغنيمة [بدون إذن الإمام] (5)، ونسبه بعض
المعاصرين (6) إلى الأصحاب.
الأرض الموات
ومنها: الأرض الموات سواء لم يجر عليها ملك كالمفاوز، أو ملكت
وباد أهلها، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه.
وعن الخلاف (7) والغنية (8): الاجماع على أن الموات للإمام ونحوهما
عن جامع المقاصد (9). وعن التنقيح (10): نسبته إلى أصحابنا، وعن
المسالك (11): أنه موضع وفاق. وفي الرياض (12): أنه لا خلاف فيه بيننا،

(1) الروضة البهية 2: 84.
(2) الروضة البهية 7: 139.
(3) تقدمتا في الصفحة السابقة.
(4) الوسائل 6: 365، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 3.
(5) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ع " و " ج ".
(6) الجواهر 16: 117.
(7) الخلاف 3: 525، كتاب إحياء الموات، المسألة: 3.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 540.
(9) جامع المقاصد 7: 9.
(10) التنقيح الرائع 4: 98.
(11) مسالك الأفهام 2: 231.
(12) الرياض (الطبعة الحجرية) 2: 318.
349

وقريب منه في الكفاية (1)، كما صرح به جمال الملة والدين في حاشية
الروضة (2) مستدلا على ذلك بما سيأتي من الاجماع عن التذكرة (3)، على
أن الملك بغير الاحياء لا يزول بالموت، ويدل عليه الأخبار المتقدمة
وغيرها.
موت المملوكة
بالاحياء
ثم إن التقييد بكون الأرض الميتة المملوكة مما باد أهلها، الظاهر أنه
للاحتراز عما له مالك معروف فإنه له وإن صار مواتا. نعم، لو كان ملكه له
بالاحياء فماتت، ففي زوال ملكه عنه ورجوعه إلى ملك الإمام كما كان قبل
الاحياء، قولان في باب إحياء الموات.
موت عمار
المفتوحة عنوة
ولو ماتت عمار المفتوحة عنوة فالظاهر أنه كالملك الخاص المملوك
بالنواقل في عدم صيرورتها للإمام، كما عن الرياض (4) التصريح به مستفيدا
من السرائر (5) نفي الخلاف فيه، فإطلاق أن الموات له عليه السلام محمول على
الموات بالأصل أو بالعارض مع بواد أهلها أو معروفيتهم إذا كان الملك
بالاحياء على أحد القولين، ولا يزول ملك الإمام عليه السلام عنه بالاحياء
بدون إذنه، مثل ما يحييه الكفار والمخالفون.
الموات التي
أحياها الكفار و
أخذت عنوة
نعم، ما أحياه الكفار من الموات وأخذت منهم عنوة زال ملكه عليه السلام
عنه ظاهرا - لأن احياءهم لها كان قبل تشريع حكم الأنفال، ولو فرض
إحياؤهم لشئ من الموات بعد ذلك - فغنمه المسلمون ففي ملكه لهم إشكال،

(1) كفاية الأحكام: 238.
(2) حاشية الروضة: 340.
(3) التذكرة 2: 401، وانظر الصفحة الآتية.
(4) الرياض (الطبعة الحجرية) 1: 496.
(5) السرائر 1: 481.
350

من عموم أدلة اختصاص الإمام عليه السلام بالموات، ومن عموم أن العامر من
المفتوحة عنوة للمسلمين. نعم، لو قلنا بثبوت الإذن من الإمام لاحياء الكفار
أيضا ملكوها بالاحياء فيملكها المسلمون بالاغتنام، وهو الظاهر من عموم
قوله عليه السلام: " من أحيى أرضا " (1) وإن كان في بعض الأخبار ما يخالفها.
الموات التي باد
أهلها والمحياة
كذلك
ثم إنه قد يشكل الفرق بين الموات التي باد أهلها وبين مال من
لا وارث له، فإن المناط إن كان هو معروفية المالك الميت في الثاني دون
الأول ففيه أنه تقييد ليس في شئ من أدلتهما، وإن كان هو العلم بانقطاع
الوارث في الثاني دون الأول، فهو أيضا كذلك، مع أن العلم مشكل في
الثاني. والفحص لا بد منه في المقامين.
وبالجملة: فالفرق بين الموات التي باد أهلها والمحياة التي باد أهلها،
حيث إن الظاهر كون الثاني مع الاطمئنان بعدم الوارث داخلا في مال من
لا وارث له الذي حكمه الصرف في الفقراء، ومع عدمه داخلا في مجهول
المالك الذي مصرفه الفقراء أيضا.
الموات التي
لا مالك لها
وتفصيل الكلام: أن الموات التي لا مالك لها كالمفاوز، لا إشكال في
كونها من الأنفال، فإنها القدر المتيقن من مورد النصوص ومعاقد
الاجماعات.
الموات التي لها
مالك
وأما التي لها مالك معروف مشخص فإن كان ملكه لها بالاحياء ففي
باب إحياء الموات فيها قولان، وإن ملكه بناقل آخر فالظاهر عدم خروجها
عن ملك مالكها، وعن التذكرة (2): الاجماع عليه. نعم، ظاهر إطلاق الفتاوى

(1) الوسائل 17: 327، الباب الأول من أبواب إحياء الموات، الحديثان 5 و 6.
(2) التذكرة 2: 401، وليس فيه ادعاء الاجماع، وفي الجواهر (38: 20): " الموجود فيما حضرني من نسخة التذكرة... فإن ملكها بالشراء وشبهه لم تملك بالاحياء
بلا خلاف ".
351

ومعاقد الاجماع قد يوهمه، إلا أنه مدفوع بتقييد الموات في بعض الأخبار بكونها باد أهلها (1)، وفي بعضها بكونها لا وارث لها (2) نعم قد أطلقت " الموات "
في كثير من الأخبار.
المقطوع عدم
بقاء الملكية
وبقي هنا ما قطع بعدم بقاء مالكها، والظاهر أنه من الأنفال، لكن
الاشكال في أنه مال من لا وارث له، أو داخلة في الموات، وتظهر الثمرة
عند تخصيص الأول بفقراء بلد الميت، أو مطلق الفقراء، أو خصوص السادة
كما احتمله في الرياض (3) في الميراث المذكور.
العلم ببقاء
المالك
المجهول
وما يعلم بقاؤه ولا يتمكن من معرفة شخصه، ومقتضى إطلاق
الفتاوى ومعاقد الاجماع كونها من الأنفال إلا أن تقييد الموات في أخبار
الأنفال تارة بما باد أهلها، وأخرى بالتي لا رب لها يوجب خروج ذلك، إلا
أن يراد بالرب: المالك المعروف، وحينئذ فيقع التعارض بين أدلة مجهول
المالك وأدلة الموات، إلا أن الانصاف: انصراف أدلة الطرفين إلى غير المقام،
وعلى فرض الانصراف ففي الترجيح تأمل، ولا يترك الاحتياط.
" التي باد أهلها "
لا يشمل
المحياة
ثم إن ظاهر كثير من الأخبار (4) كون مطلق الأرض التي باد أهلها
من الأنفال حتى لو كانت محياة، إلا أنها قيدت في غير واحد من

(1) الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، الأحاديث 11، 26 و 28.
(2) الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، الأحاديث 4 و 20 و 28.
(3) الرياض (الطبعة الحجرية) 2: 370.
(4) الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، الأحاديث 11 و 26 و 28.
352

الأخبار (1) بما باد أهلها وخربت، فالظاهر حمل المطلق على المقيد، لأن
المقام مقام التحديد فلا يتوهم عدم المنافاة، فالأرض المذكورة داخلة في
مال من لا وارث له إن ثبت عدم الوارث لأربابها، وإلا مجهول
المالك.
وأيضا، فقد ورد في غير واحد من الروايات أن " الأرض التي لا رب
لها من الأنفال " (2)، وظاهره يشمل ما لو كانت حية من غير إحياء قابلة
للانتفاع، إما لكثرة ورود الأمطار، وإما لمد الماء من البحر كما في شط
البصرة، ونحوها سواحل بعض البحار، ويؤيده عموم ما دل على أن
" الأرض كلها للإمام " (3).
تقييد إطلاق
أخبار
الأرضين
والحاصل: أن أخبار الأرضين المختصة بالإمام قد أطلق في بعضها:
أن " الموات كلها للإمام " (4) وفي آخر: أن " له أرض لا رب لها " (5)، وفي
ثالث: " كل أرض باد أهلها " (6) وفي رابع: " كل أرض ميتة أو خربة باد
أهلها " (7) وفي خامس: " وكل أرض ميتة لا رب لها " (8) وفي سادس: أن

(1) الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، الأحاديث 4 و 20 و 24 و 29.
(2) الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، الأحاديث 4، و 20 و 28.
(3) الوسائل 17: 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.
(4) الوسائل 6: 369، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 17.
(5) الوسائل 6: 371، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 20.
(6) الوسائل 6: 372، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديثان 26 و 28، وغيرهما.
(7) الوسائل 6: 365، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 4، وفيه كل أرض
خربة باد أهلها.
(8) الوسائل 6: 365، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 4.
353

" الأرض كلها للإمام عليه السلام " (1).
والظاهر أن أصحابنا قيدوا إطلاق السادس بأحد الثلاثة الأول، ثم
إطلاق كل منها بواحد من الرابع والخامس، وسيجئ ذكر جميع الأخبار
تبركا إن شاء الله.
رؤوس الجبال
وبطون الأودية
والآجام
ومنها: رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام، ولا خلاف ظاهرا في
كونها من الأنفال في الجملة، ويدل عليه - مضافا إلى مرسلة حماد
المتقدمة (2) -: ما عن العياشي بسنده إلى داود بن فرقد عن أبي عبد الله
عليه السلام - في حديث - قال: " قلت: وما الأنفال؟ قال: بطون الأودية
ورؤوس الجبال والآجام والمعادن، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل
ولا ركاب، وكل أرض ميتة قد جلا أهلها، وقطائع الملوك " (3).
وبسنده أيضا عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام، " قال: لنا الأنفال،
قلت: وما الأنفال؟ قال: منها المعادن والآجام وكل أرض لا رب لها وكل
أرض باد أهلها فهو لنا " (4). وفي مرفوعة أحمد بن محمد (5) ورواية ابن

(1) الوسائل 17: 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.
(2) تقدمت في الصفحة: 347، وراجع الوسائل 6: 365، الباب الأول من الأنفال
الحديث 4.
(3) تفسير العياشي 2: 49، الحديث 21، والوسائل 6: 372، الباب الأول من أبواب
الأنفال، الحديث 32.
(4) تفسير العياشي 2: 48، الحديث 11، والوسائل 6: 372، الباب الأول من أبواب
الأنفال، الحديث 28.
(5) الوسائل 6: 369، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 17.
354

مسلم (1) الاقتصار على بطون الأودية ورؤوس الجبال، ولا يبعد عدم القول
بالفصل بين الثلاثة.
وهل تختص
بالإمام حتى
المملوكة
لغيره؟
وهل هي مختصة بالإمام عليه السلام ولو كانت من الأرض المملوكة لغير
الإمام من مالك خاص أو عام كالمفتوحة عنوة؟
مقتضى إطلاق النصوص وأكثر الفتاوى ذلك، مضافا إلى أنه مقتضى
جعل هذه الثلاثة أو بعضها في الأخبار قسيما للأرض المختصة به عليه السلام،
إذ لو اختصت بالموجود منها في أرض الإمام عليه السلام لم يكن وجه لعدها
من الأنفال، بل هي حينئذ في كل أرض تابعة لها.
خلافا - في رؤوس الجبال - للمحكي عن المعتبر (2) والسرائر (3)
والمدارك (4). وفي نسبة القول إلى المعتبر نظر، ولعله لعدم نهوض الأخبار
لاثبات حكم مخالف للأصل.
وفيه - بعد الغض عن منع مخالفته للأصل مطلقا -: أن الأخبار ناهضة
ولو بمعونة إطلاق فتوى الأصحاب كما نسبه إليهم في المدارك (5) كما عن
الذخيرة (6)، وحمله على ما في الأرض المختصة به عليه السلام ينافي جعله قسما
مستقلا.

(1) الوسائل 6: 371، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحدث 22.
(2) المعتبر 2: 633.
(3) السرائر 1: 497.
(4) المدارك 5: 416.
(5) المدارك 5: 415.
(6) الذخيرة: 489.
355

وخلافا - في الأخيرين (1) - للمحكي عن الأخيرين (2) لما ذكر وتوقف
في الأخير منهما الفاضلان في المعتبر (3) والمنتهى (4).
ثم إن الثمرة في رؤوس الجبال وبطون الأودية قليلة، لكونهما غالبا
مواتا.
المراد من الآجام
والآجام: جمع " أجمة " بالتحريك - كقصبة يجمع على أجم كقصب،
والآجام جمع أيضا - أو جمع جمع، والأجمة: الأرض المملوءة قصبا أو نحوه،
كما في الروضة (5). وفي حاشيتها للمدقق الخوانساري: أنه المعروف في
معناها (6)، وفي القاموس: أنها الشجر الكثير الملتف، وكأنه سقط منه لفظة
" ذات " (7)، إنتهى.
وكيف كان، فالمراد أن الأرض المستأجمة نفسها بما فيها من الأنفال
نظير رؤوس الجبال وبطون الأودية لا نفس القصب والشجر وإن كان ذلك
مما يدل عليه ظاهر لفظ القاموس كالمحكي عن المصباح المنير (8).
الأرض
المستأجمة
للإمام
وكيف كان، فالأقوى أن الأرض المستأجمة للإمام كالموات، بل هي
منها، فإذا وقعت في ملك مالك لم يملكها، بل يملكها الإمام. نعم، لو استؤجم

(1) أي: بطون الأودية والآجام.
(2) المدارك 5: 416، الذخيرة: 489.
(3) المعتبر 2: 633.
(4) لم نعثر عليه في المنتهى.
(5) الروضة البهية 2: 84.
(6) حاشية الروضة: 341.
(7) القاموس المحيط 4: 73، مادة: " أجم ".
(8) المصباح المنير 1: 6، مادة: " أجم ".
356

المملوكة لغير الإمام
إذا استؤجمت
شئ من الأرض المملوكة لشخص خاص أو مطلق المسلمين، فالأقوى عدم
صيرورته للإمام، بل هو نظير ما لو ماتت بغير الاستئجام، فإنه قد مر أنها
لا تخرج عن ملك مالكها بالموت، إلا إذا كان ملكها بالاحياء على قول.
لكن لا يبعد عدم خروجها عن الملك إذا كان موتها بالاستئجام
ولو على ذلك القول، إذ لا يبعد أن يخص القائل بكون الموت مخرجا
عن ملك المحيي ما كان على وجه لا ينتفع به، لا مثل الاستئجام.
وجه تخصيص
الآجام بالذكر
ومما ذكرنا يظهر وجه تخصيص الآجام بالذكر في النصوص والفتاوى
مع ذكر الموات، فإن المراد بها الموات على غير وجه الاستئجام، فإن
المستأجمة كالأرض الحية من حيث الانتفاع بشجرها، بل الحكم كذلك في
رؤوس الجبال وبطون الأودية إذا فرض طروهما (1) في ملك مالك، وإن كان
الأول منهما كالمحال عادة.
وإلى ما ذكرنا أشار المحقق الأردبيلي (2) بأن (3) هذه الثلاثة - يعني
رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام - داخلة في الموات إلا أن ذكرها
للتوضيح، واحتمال صرف الموات إلى غيرها.
فتحصل مما ذكرنا: أن القائلين بكون الآجام للإمام عليه السلام ولو كانت
في ملك الغير، إن أرادوا أنها له ولو صارت ملك الغير أجمة، فلا دليل لهم
على ذلك إلا على القول بخروج الأرض بمطلق الموت عن الملك، ولو فرض
حدوثه بالبيع والشراء وهو بعيد.

(1) في " ع " و ج " طرؤها.
(2) مجمع الفائدة 4: 334.
(3) في " م ": على أن.
357

وإن أرادوا أن الآجام للإمام وإن وقعت في ملك الغير، بأن كان
استئجامه قبل ملك الغير للأرض المشتملة عليها فهو حسن.
المرجع في
الآجام: العرف
ثم إن المرجع في الآجام إلى العرف، فلا يعد مثل ذراع أو ذراعين
مملوءة قصبا أجمة.
حكم سيف
البحر
ثم إن بعضهم (1) ذكر من الأنفال سيف البحار - بكسر السين - أي
ساحلها، ولم أقف على دليل يدل عليه بالخصوص، فالواجب الرجوع فيه
إلى العمومات، فإن كان الساحل مملوكا لشخص أو أشخاص
- ولو قاطبة المسلمين - فحكمه حكم غيره من المملوكات، وإن كان مواتا
فهو للإمام.
وإن كانت (2) حية، بمعنى قابليتها للانتفاع بها، لقربه من البحر فيسقي
زرعه من جهة قرب عروقه أو بمد البحر، ففي كونه من المباحات يجوز لكل
أحد التصرف فيها، أو من الأنفال، لأنه قد عد منها في غير واحد من
الأخبار " كل أرض لا رب لها " (3)، مضافا إلى عموم ما دل على " أن
الأرض كلها لنا " (4)، وجهان.
صفايا الملوك
وقطائعهم
ومنها: صفايا الملوك وقطائعهم، وضبطها في المعتبر (5) والمنتهى (6)

(1) كالمحقق في الشرائع 1: 183.
(2) كذا في النسخ، والمناسب: تذكير الضمير فيه وفي ما بعده، لرجوعه إلى " الساحل "
لا " الأرض " المقدرة.
(3) الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، الأحاديث 4، و 20 و 28.
(4) الوسائل 17: 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.
(5) المتعبر 2: 633.
(6) المنتهى 1: 553.
358

المراد من
الصفايا
والمدارك (1) وظاهر المسالك (2) ما يختص به ملكهم من الأراضي وغيرها،
وبهذا التعميم وردت الروايات، منها المرسلة المتقدمة وفيها: " وله صوافي
الملوك ما كان في أيديهم على غير وجه الغصب " (3) ففي موثقة سماعة:
" الأنفال كل أرض خربة أو شئ يكون للملوك، فهو خالص للإمام " (4) وفي
حسنة إسحاق بن عمار المروية عن تفسير القمي: أن " ما كان للملوك فهو
للإمام " (5)، ونحوها المروي عن العياشي (6) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام،
وفي الصحيحة عن داود بن فرقد المتقدمة: " أن قطائع الملوك كلها
للإمام " (7).
نعم، صرح في حاشية الشرائع بأن المراد منها: ما يصطفيه الملوك
لنفسهم من الأموال النفيسة (8)، ويومي إليه أيضا المحكي عن مجمع الفائدة
حيث قال: إن أصل الصفايا من الصفو، وهو اختيار ما يريد من الأمور
الحسنة، إلا أن المراد بها غير القرى، لاتصافها بالقطائع وهي القرى

(1) المدارك 5: 416.
(2) المسالك 1: 474.
(3) الوسائل 6: 365، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 4.
(4) الوسائل 6: 367، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 8.
(5) تفسير القمي 1: 254، والوسائل 6: 371، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث
20.
(6) تفسير العياشي 2: 48، الحديث 17، والوسائل 6: 372، الباب الأول من أبواب
الأنفال، الحديث 31.
(7) الوسائل 6: 366، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 6.
(8) حاشية الشرائع (مخطوط): 53، وفيها " من الأشياء النفيسة ".
359

والبساتين والباغات المخصوصة (1)، ولا ثمرة مهمة في تحقيق هذا بعد ما عد
في النصوص (2) والفتاوى (3) من الأنفال كل ما يصطفيه الإمام من الغنائم قبل
القسمة.

(1) مجمع الفائدة 4: 334، مع اختلاف يسير.
(2) راجع الوسائل 6: 364، الباب الأول من أبواب الأنفال، الأحاديث 4 و 15 و 21.
(3) أنظر المبسوط 1: 263، والسرائر 1: 497، والشرائع 1: 183.
360

مسألة
[1]
ما يغنمه
المقاتلون بغير
إذن الإمام
المعروف بين المشايخ الثلاثة (1) وأتباعهم (2) - قدس الله أسرارهم - أن ما يغنمه
المقاتلون بغير إذن الإمام فهو للإمام عليه السلام خاصة، وعن الحلي (3) دعوى
الاجماع عليه، والأصل فيه مرسلة العباس الوراق: " إذا غزا قوم بغير إذن
الإمام عليه السلام فغنموا كانت الغنيمة للإمام عليه السلام وإذا غزوا بإذن الإمام
عليه السلام فغنموا، كان للإمام الخمس " (4) وسندها سند منجبر بعدم معروفية

(1) المبسوط 1: 263، ولم نعثر على قول المفيد والسيد في كتبهما. نعم، نسب إلى الثلاثة
في المعتبر وغيره، انظر المعتبر 2: 635.
(2) انظر المهذب 1: 186، والوسيلة: 202.
(3) السرائر 1: 497، و 2: 4، وليس فيه دعوى الاجماع، وحكاه السبزواري في
الذخيرة: 498.
(4) الوسائل 6: 469، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديث 16.
361

الخلاف، بل عن المنتهى (1) والمسالك (2): أنه مذهب الأصحاب. وربما
يستشهد للمطلب (3) بحسنة معاوية بن وهب (4) بابن هاشم في الكافي - في باب
قسمة الغنيمة - عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن السرية يبعثها الإمام
فيصيبون غنائم، كيف يقسم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام
أخرج منها الخمس لله والرسول، وقسم بينهم ثلاثة أخماس، وإن لم يكونوا
قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للإمام، يجعل حيث أحب " (5).
ولا يخفى عدم دلالتها على المطلوب م إلا إذا اعتبر مفهوم القيد في قوله:
" مع أمير أمره الإمام " مع تأمل فيه أيضا، لأن المفروض أن ضمير " قاتلوا "
راجع إلى السرية التي يبعثها الإمام، فالقيد لا يكون للتخصيص قطعا.
القول بأنها
كالغنيمة
ثم إن صاحب المدارك (6) حكى عن المنتهى (7) تقوية أن هذه الغنيمة
تساوي غيرها في أنه ليس فيها إلا الخمس، واستجوده، لاطلاق الآية
وضعف الرواية، وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل من
أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال: يؤدي خمسنا

(1) المنتهى 1: 554.
(2) المسالك 1: 474.
(3) راجع الجواهر 16: 127.
(4) كذا في المصدر، وفي النسخ: معاوية بن عمار.
(5) الكافي 5: 43، باب قسمة الغنيمة، الحديث الأول، وفيه: للرسول وقسم بينهم
أربعة أخماس.
(6) مدارك الأحكام 5: 418.
(7) المنتهى 1: 554.
362

ويطيب له " (1).
وهذه الحسنة مع عدم مقاومتها للمرسلة من حيث العمل، قابلة للحمل
على تحليل الإمام عليه السلام ما عدا الخمس له، كما أنه حلل الكل في زمان
الغيبة على قول يأتي، مع احتمال حملها على التقية، على ما سيجئ.
مناقشة نسبة
ذلك إلى العلامة
وأما ما نسبه إلى العلامة في المنتهى فهو المحكي منه في كتاب الخمس
حيث إنه - بعد حكاية قول الشافعي بمساواة ما يغنم بغير إذن الإمام عليه السلام
بما يغنم بأذنه مستدلا بالآية الشريفة، والجواب عنها: بأن الآية تدل على
وجوب إخراج الخمس لا على بيان المالك - قال: " وإن كان قول الشافعي
فيه قوة "، إنتهى (2).
لكن المحكي عنه في موضعين من كتاب الجهاد موافقة المشهور، وقال:
" إن كل من غزا بغير إذن الإمام فغنم كانت غنيمته للإمام عندنا " (3).
عدم وجوب
الخمس فيه
ثم إن ظاهر المرسلة وظاهر أكثر الفتاوى، بل صريح بعض: عدم
وجوب الخمس في هذه الغنيمة، وكون الجميع للإمام، وصرح في الروضة (4)
بوجوب الخمس فيه.
توجيه كلام
صاحب الروضة
ولا يبعد أن يكون مراده: وجوب الخمس على المغتنم بدون إذن الإمام إذا حلل الإمام ذلك له، كما نقول به في زمان الغيبة، لا أن (5) الإمام عليه السلام لا يملك إلا أربعة أخماس تلك الغنيمة، والخمس الآخر مشترك بينه

(1) الوسائل 6: 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8.
(2) المنتهى 1: 554.
(3) المنتهى 2: 947 و 954.
(4) الروضة البهية 2: 65.
(5) في غير " م ": لأن.
363

وبين قبيله، وإن كان ظاهر الآية والجواب الذي تقدم عن العلامة في رد
استدلال الشافعي هو ذلك، وقد فهم ذلك من عبارة الروضة جمال الملة
الخوانساري في الحاشية (1)، [وفيه نظر، لعدم الدليل على وجوب الخمس، فإن
ظاهر الآية ما اغتنم] (2) فالمغتنم بدون إذن الإمام نظير من استخرج كنزا في
ملك غيره، فإنه لمالكه وعليه فيه الخمس.
وعلى هذا فلا يبقى لصاحب المدارك حجة على المشهور في الآية
الشريفة، لأن وجوب الخمس حينئذ لا ينافي كون الكل للإمام عليه السلام، كما
ذكر العلامة في جواب الشافعي.
مال من
لا وارث له
ومن الأنفال: مال من لا وارث له - ولو ضامن جريرة - نسبه في
المنتهى (3) إلى علمائنا أجمع، ويدل عليه الأخبار (4) وقد تقدم بعضها.

(1) حاشية الروضة: 288 - 289.
(2) ما بين المعقوفتين من " ف ".
(3) المنتهى 1: 553.
(4) الوسائل 6: 365، الباب الأول من أبواب الأنفال، الحديثان 4، و 6: 369،
الحديث 14.
364

مسألة
[2]
كون المعادن
من الأنفال
المحكي عن الشيخين في المقنعة (1) والنهاية (2) وسلار (3)
والقاضي (4): كون المعادن من الأنفال، ونسب (5) إلى الكليني (6)
وشيخه علي بن إبراهيم القمي (7)، ويدل عليه - مضافا إلى
ما تقدم في رؤوس الجبال من روايتي أبي بصير (8) وداود

(1) المقنعة: 278.
(2) لم نعثر عليه في النهاية. نعم، نسبه في المعتبر إليه، انظر المعتبر 2: 634.
(3) المراسم: 140.
(4) المهذب 1: 186.
(5) نسبه السبزواري في الذخيرة: 490، وغيره.
(6) الكافي 1: 538، كتاب الحجة، باب الفئ والأنفال.
(7) تفسير القمي 1: 254.
(8) تفسير العياشي 2: 48، الحديث 11، والوسائل 6: 372، الباب الأول من أبواب
الأنفال الحديث 27.
365

بن فرقد (1) المرويتين عن تفسير العياشي - موثقة إسحاق بن عمار المروية
عن تفسير علي بن إبراهيم: " قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأنفال؟
قال: هي القرى التي خربت وانجلى أهلها، فهي لله ولرسوله، وما كان من
أرض قد خربت لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكل أرض لا رب
لها، والمعادن منها، ومن مات ولا وارث له وليس له مولى فماله من
الأنفال " (2).
المشهور عدم
كونها من الأنفال
ويؤيدها: ما دل على أن الأرض وما أخرج الله منها لهم (3)، وهذا
القول لا يخلو عن قوة وإن كان المشهور خلافه سيما في المعادن الظاهرة،
استضعافا للروايات السابقة مع القدح في دلالة الموثقة - بعد فرض اعتبارها
سندا - بأن قوله " منها " يحتمل أن يكون قيدا للمعادن، فيرجع الضمير إلى
" أرض لا رب لها " مع أن المحكي عن بعض النسخ " فيها " بدل " منها "،
ولا يخفى ضعف الاحتمالين.
ما يؤيد
المشهور ودفعه
نعم، ربما يؤيد المشهور: خلو الروايات الواردة في ثبوت الخمس في
المعادن (4)، حيث إنها خالية عن التعرض لكونها للإمام، مع أن ثبوت
الخمس فيها ربما يشعر باختصاص الباقي بالمالك بأصل الشرع لا بتحليل
الإمام، وإن أمكن دفع هذا بأن مثل هذا يجري في المعادن المأخوذة من

(1) تفسير العياشي 2: 49، الحديث 21، والوسائل 6: 372، الباب الأول من أبواب
الأنفال، الحديث 32.
(2) تفسير القمي 1: 254.
(3) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12.
(4) انظر الوسائل 6: 342، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
366

أرض الأنفال، فوجوب الخمس لا يدل على كون الباقي للمالك بأصل
الشرع، فتعين حينئذ حملها على أن المأخوذ منها بإذن الإمام فيه الخمس،
كما حكي (1) عن الكليني (2) وسلار (3) التصريح به.

(1) حكاه السبزواري في الذخيرة: 490.
(2) الكافي 1: 538، وفيه: فإن عمل فيها قوم بإذن الإمام فلهم أربعة أخماس وللإمام
خمس.
(3) المراسم: 140، وفيه: فمن تصرف بإذنه فله أربعة أخماس المستفاد منها، وللإمام الخمس.
367

مسألة
[3]
تحليل الأنفال
مطلقا
المشهور كما في الروضة (1) تحليل الأنفال للشيعة في زمان الغيبة، وظاهر
المحكي في المختلف من عبارات الأصحاب عدم تحقق هذه الشهرة، إذ لم
ينقل القول بالتحليل مطلقا إلا عن سلار، وحكى عن الحلبي المبالغة في
إنكار التحليل واستحقاق المتصرف اللعن، وعن الشيخ والحلي عدم جواز
تحليل المناكح
والمساكن
والمتاجر
التصرف في الأخماس والأنفال فميا عدا المناكح والمساكن والمتاجر، وعن
المفيد: الاقتصار على أول الثلاثة (2).
وكيف كان، فمأخذ هذه الشهرة لم أقف عليه، ولذا نسب في الحدائق (3)

(1) الروضة البهية 2: 85.
(2) المختلف 3: 339 - 340، وانظر: المراسم: 140، والكافي في الفقه: 174،
والنهاية: 200، والسرائر 1: 498، والمقنعة: 285.
(3) الحدائق 12: 481.
368

إلى المشهور اختصاص التحليل بالثلاثة. نعم، وهو مذهب الشهيدين (1)
والمحقق الثاني (2) وجملة ممن تأخر عنهم (3)، ولعله لعموم قوله عليه السلام في
أدلة التحليل
مطلقا
رواية يونس بن ظبيان: " ما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه شئ إلا
ما غصب عليه، وإن ولينا لفي وسع (4) فيما بين ذه إلى ذه - يعني بين السماء
والأرض - ثم تلا هذه الآية: (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا)
المغصوبين عليها (خالصة يوم القيامة) (5) بلا غصب " (6).
ورواية الحارث بن المغيرة النصري خطابا لنجية، حيث سأله عن
حال فلان وفلان، قال: " يا نجية إن لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال،
ولنا صفو المال، وهما أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله - إلى أن قال -:
اللهم إنا أحللنا ذلك لشيعتنا، ثم أقبل علينا بوجهه، وقال: يا نجية، ما على
فطرة إبراهيم صلوات الله عليه غيرنا وغير شيعتنا " (7).
والظاهر المتبادر من الخمس - سيما بقرينة قوله: " هما أول من ظلمنا
حقنا " - هو خمس الغنائم، فدلت على إباحة خمس الغنائم والأنفال وصفو
المال.
ورواية أبي سيار - المتقدمة في خمس الغنائم، وفيها: " يا أبا سيار،

(1) الدروس 1: 264، والبيان: 352، الروضة البهية 2: 85، والمسالك 1: 475.
(2) حاشية الإرشاد (مخطوط): 102.
(3) كالمدارك 5: 419، والجواهر 16: 136.
(4) في المصدر: أوسع.
(5) الأعراف: 32.
(6) الوسائل 6: 384، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 17.
(7) الوسائل 6: 383، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 14.
369

الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شئ فهو لنا.. " إلى أن قال: " كل
ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، ومحلل لهم ذلك حتى
يقوم قائمنا.. الخبر " (1)، دلت على إباحته جميع الأرضين للشيعة، ومقتضى
التفريع السابق في قوله عليه السلام: " الأرض كلها لنا، فما أخرج الله.. الخ "
أن ما أخرج الله من الأرض من المعادن والآجام ونحوهما فهو مباح لهم،
لإباحة متبوعه أعني الأرض، ولا يبقى من الأنفال [إلا] (2) الغنيمة بدون إذن الإمام، ومال من لا وارث له، وقد استفاضت الأخبار في الثاني بالتصدق،
وأما الأول فسيأتي كلام فيه وفي أمثاله.
ورواية داود بن كثير الرقي، " قال: الناس كلهم يعيشون في فضل
مظلمتنا، إلا أنا أحللنا ذلك لشيعتنا " (3) ويؤيد ذلك، بل يدل [عليه] (4)
التعليلات الآتية في حل المناكح والمساكن والمتاجر من الخمس والأنفال
بكون ذلك الحل المأكل والمشرب وطيب الميلاد، فإن هذه العلة جارية في
الأنفال. نعم، يشمل سائر الخمس أيضا إلا أنه خرج بما تقدم في خمس
المكاسب من الأخبار، مضافا إلى إطلاقات الخمس في مواردها.
وقد (5) استدل في الدروس (6) على إباحة الأنفال برواية يونس بن
يعقوب قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من

(1) الوسائل 6: 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 12، وتقدمت في
الصحفة: 119. (2) من هامش " ف ".
(3) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 7.
(4) من " ع " و " ج ".
(5) في " م ": مع أنه قد.
(6) الدروس 1: 264.
370

القماطين، فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال والأرباح وتجارات نعلم
أن حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم " (1).
ورواية الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
" قلت له: إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمت أن لك
فيها حقا، قال: فلم أحللنا ذا (2) لشيعتنا؟ لتطيب ولادتهم، وكل من والى
آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب " (3).
مناقشة
هذه الأدلة
ويرد عليها: أنهما (4) بالدلالة على سقوط الخمس أو حق الإمام منه
أولى، فلا بد إما من القول به - ولم يقل المستدل -، وإما من حملهما (5) على
ما تقدم سابقا في مسألة خمس الأرباح (6) وإلا فالأخبار من هذا القبيل كثيرة، إلا
إن ظاهرها الاختصاص بالخمس، ولا أقل من شمولها له، الموهن للتمسك بها.
ومن هنا ينقدح النظر فيما قدمنا من الأخبار، حيث إن ظاهرها سقوط
مطلق حق الإمام، بل مطلق حق بني هاشم مما في أيدي الناس، فلا بد، إما
من القول بالعفو عن مطلق الخمس أو حصة الإمام، وإما من حمل الأخبار
على ما ذكرنا من حملها على صورة عدم التمكن من أخذ حقهم وجباية
حقوقهم، بل عدم التمكن من أخذ الفطرة، لأدائه إلى الشهرة التي لم يزالوا

(1) الوسائل 6: 380، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 6.
(2) في الوسائل وفي هامش " ع ": إذا.
(3) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 9.
(4) في " ع " و " ج " و " ف ": عليها أنها.
(5) في " ع " و " ج " و " ف ": حملها.
(6) وقد تقدمت في المسألة في المسائل المستقلة 8.
371

يكرهونها في أيام الخوف، لأدائها إلى إيذائهم أو إيذاء أصحابهم، أو على
صورة غلبة الظالم (1) على الشيعة بأخذ الأخماس وغيرها منهم، كما يدل عليه
قوله في الرواية الأولى: " ما أنصفناكم إن كلفناكم " (2) وقوله عليه السلام في
الرواية الأخرى: " من أعوزه شئ من حقي فهو في حل " (3).
وإما من حمل مثل الروايتين على كون السؤال عن الأموال التي يقع
بأيديهم ممن لا يخمس.
وإما من حملها على صورة تعذر الايصال في زمان الحضور، وإما غير
ذلك.
والقول بأن العمومات المتقدمة يعمل بها في غير موضع التخصيص،
وإن كان غير مخالف للقاعدة، إلا أن المظنون عدم التخصيص في هذه الأخبار، فلا بد إما من العمل بعمومها في الأنفال والخمس، وإما من حملها
على أحد ما تقدم.
وبالجملة: فتحليل مال الغير الثابت له بالأدلة القطعية بهذه الأخبار
المشتبهة دلالة المعارضة بما تقدم في خمس المكاسب، في غاية الجرأة، بل ربما
يمكن القول بعدم اعتبار مطلق الظن هنا وإن كان قويا، لأن المسألة من
تأييد الحكم
بالتحليل
بشهادة جماعة
الموضوعات دون الأحكام، ولذا أيد الحكم بالحلية بعض مشايخنا
المعاصرين (4) بأنه قد شهد جملة من العلماء، كالديلمي في المراسم (5)

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": الظلم.
(2) تقدمت في الصفحة السابقة.
(3) الوسائل 6: 379، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 2.
(4) لم نقف عليه.
(5) المراسم: 140.
372

والعلامة (1) وابن سعيد في الجامع (2) بحصول التحليل من الإمام عليه السلام فتقبل
شهادتهم، بناء على اعتبار استناد الشاهد في شهادته إلى الحس.
لكن هذا التأييد كما ترى، لأنا نعلم استنادهم على اجتهادهم الظني في
المسألة الخلافية، فلا يصدق عليه الشهادة.
التأييد بالسيرة
ومثله في الضعف: تأييد المطلب أو الاستدلال له باستقرار سيرة
الشيعة على التصرف من غير نكير، ولم يلتزم أحد بالمعاملة فيها معاملة
حق الإمام عليه السلام في زمان الغيبة، وبلزوم الحرج والضيق لو منعوا إلا
بعوض.
جواز التصرف
في الموات
خاصة
فالظاهر: أن ما عدا الموات من الأنفال لم يحصل لنا اطمئنان بجواز
التصرف فيه لأي شخص وعلى أي وجه، وغاية ما وصل إلينا: الأخبار
المتقدمة التي ذكرناها، مؤيدة بأن عموم البلوى في هذه الأمور يقتضي
وجوب رسم التصرف (3) الخاص فيها لو لم يأذن الأئمة لشيعتهم على
الاطلاق، فإنه من أهم ما يجب أن يبين، مع أنه لو لم يتصرف فيها الشيعة
لبقي إما بغير تصرف (4) وإما أن يتصرف فيها غيرهم ولا فائدة للمالك في
ذلك، فالإذن منه عليه السلام تصدق منه على الناس بذلك صدقة عامة كما
سيجئ (5) في صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين
صلوات الله وسلامه عليه على الناس بتحليل المناكح وغيرها من السبي والغنائم.

(1) القواعد 1: 62.
(2) الجامع للشرائع: 151.
(3) في " ع " و " ج ": المصرف.
(4) في " ع " و " ج ": مصرف.
(5) يأتي في الصفحة: 378.
373

واحتمال اختصاص هذه الصدقة بالفقراء مطلقا، أو فقراء بني هاشم،
أو مطلقهم، أو العدول من الناس أو بني هاشم، موهون بأن المعتاد المتعارف
من التصدق بأمثال هذه الأمور العامة: عدم التخصيص بأحد، كما في
الأوقاف المطلقة والقنوات والخانات ونحو ذلك.
مضافا إلى أن المنع عن التصرف مجانا حرج مخالف للطف، لأنه
موجب لوقوع كثير من الناس في المعصية، حيث إن أغلب النفوس يصعب
عليهم دفع العوض في مقابل هذه الأمور، فكأنها عندهم من المباحات
الأصلية، فيقعون في معصية الارتكاب، بل يعرض (1) الفساد لعباداتهم
ومناكحهم، وهذا الوجه مستفاد من تعليل الإمام حلية المناكح فيما يأتي
بطيب الولادة، فإن معنى ذلك: أنه لو لم يحل ذلك لوقع غالب الناس في
الزنا، من جهة عدم المبالاة في إخراج حقنا، وإلا فعدم التحليل بنفسه
لا يستلزم خبث الميلاد.
[ويمكن أن يستدل على حل الأنفال كلية بما ورد من تحليل الخمس
والفئ] (2).
الظن القوي
بالإذن المطلق
وبالجملة، فالظن القوي الحاصل بالإذن المطلق في الأنفال لشيعتهم،
ويمكن العمل بهذا الظن من باب جعله كبعض التصرفات مثل الوضوء
والشرب من مال الغير، بل تصرفنا في أملاك الإمام عليه السلام أدون من
الشرب من قناة الغير، مع أنه يمكن العمل هنا بالظن وإن كان من
الموضوعات، نظرا إلى اشتراك المسألة مع الأحكام في انسداد باب العلم،

(1) في " ع " و " ج ": معرض.
(2) ما بين المعقوفتين من " م ".
374

والحاجة إلى العمل في الواقعة أكثر منها في الأحكام والاحتياط متعسر أو
متعذر فيجب العمل بالظن.
لكن لا يخفى أن الأمارات المذكورة، وما ذكر في حجيتها من كفاية
الظن بشاهد الحال أو كفاية الظن في المقام، لعدم المناص عن العمل وعدم
التمكن إلا عن الظن، لا يجري فيما لا يعم الابتلاء بها كالمغنوم بغير إذن
الإمام أو بدون قتال وصفايا الملوك، بل يختص بما كان الابتلاء به عاما
كالأراضي ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام، وهذه يمكن الاستدلال
لها بعموم مثل رواية أبي سيار المتقدمة (1)، فإن تحليل الأرض ظاهر في
تحليل ما يوجد فيها، ولتحليل ما في رؤوس الجبال وأخويها، فإن الأرض
أيضا تشملها.
أدلة حل ما
لا يعم به البلوى
ويدل على ذلك: كل ما دل على تملك الأرض بالاحياء، فإنها تدل
بالفحوى أو بتنقيح المناط على أن ما فيها تملك بالحيازة، مضافا إلى استقرار
السيرة القطعية على معاملة ما في هذه، معاملة المباحات الأصلية، ولا يقدح
في ذلك اعتقادهم إباحتها، نظرا إلى أن المناط في حجية السيرة، استكشاف
رضى الإمام عليه السلام بالعمل وإن لم يرض بالاعتقاد الذي هو منشأ ذلك
العمل، إذا لم يترتب عليه عمل آخر غير مرضي، وثبت بالأدلة الواضحة
الكافية في الردع فساد ذلك الاعتقاد.
دليل حل غير
الأراضي من
الغنائم الثلاثة
نعم، يمكن أن يستدل لحل ما ذكر من غير الأراضي بما ورد من تحليل
خمس الفئ للشيعة " لتطيب ولادتهم " (2) و " لتحل منافعهم من مأكل

(1) في الصفحة: 369 - 370.
(2) الوسائل 6: 380 و 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديثان 5 و 9.
375

ومشرب " (1)، فإن مقتضى عموم التعليل بالعلة الغائية صدور تحليل هذه
الغنائم الثلاثة المذكورة أعني: غير المأذون وغير المقاتل عليها وقطائع الملوك
أيضا لهم عليهم السلام.
دليل حل
الأنفال مطلقا
ويمكن أن يستدل على حل الأنفال كلية بما ورد من تحليل الخمس
والفئ (2).

(1) الوسائل 6: 385، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 20.
(2) الوسائل 6: 378، الباب 4 من أبواب الأنفال.
376

مسألة
[4]
حلية المناكح
والمراد بها
يحل في حال الغيبة وما يشبهها من قصور يد العدل التصرف في
المناكح، والمراد بها: كل جارية للإمام عليه السلام، كلها إذا كانت من الأنفال
أو بعضها إذا كانت مما يخمس، على المعروف بين أصحابنا رضوان الله عليهم، بل
عن المنتهى (1) نسبة الحل في زمان الحضور والغيبة إلى علمائنا أجمع. نعم،
ظاهر الروضة (2) القول بخلافه لجماعة، ولم نعثر على المخالف غير الحلبي (3)
على ما ذكره في المختلف وغير الإسكافي (4)، لما ذكرنا سابقا في مطلق الأنفال،
من اقتضاء اللطف رفع (5) الحرج، لئلا يقع الغالب في الإثم.

(1) المنتهى 1: 555.
(2) الروضة البهية 2: 80.
(3) انظر الكافي في الفقه: 173 - 174.
(4) انظر المختلف 3: 340.
(5) في " ف " و " ع " و " ج ": دفع.
377

أدلة المسألة
واستدل به الفاضلان (1) من أنها مصلحة عامة يعسر التفصي عنها،
فوجب في نظرهم عليهم السلام الإذن في استباحة ذلك من دون إخراج حقوقهم،
وقد صرح الأئمة صلوات الله عليهم بذلك في أخبار كثيرة:
منها: ما عن عوالي اللآلي مرسلا قال: " سئل الصادق عليه السلام فقيل
له: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا
غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال: ما أنصفناهم إن واخذناهم
ولا أحببناهم إن عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم، ونبيح لهم
المناكح لتطيب ولادتهم، ونبيح لهم المتاجر لتزكوا أموالهم " (2).
ومثل قول أبي عبد الله عليه السلام في رواية الفضيل: " قال: قال أمير
المؤمنين عليه السلام لفاطمة صلوات الله عليها: أحلي نصيبك من الفئ لشيعتنا ليطيبوا،
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا " (3).
والمروي عن تفسير العسكري عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين
صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، " أنه قال: يا رسول الله.. سيكون بعدك ملك
عضوض وجبر فيستولى على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه، فلا يحل
لمشتريه، لأن نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك
من شيعتي، لتحل منافعهم من مأكل ومشرب ولتطيب مواليدهم، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تصدق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعك
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فعلك، أحل الشيعة كل ما كان فيه فيئه، من

(1) انظر المعتبر 2: 636، والمنتهى 1: 555.
(2) عوالي اللآلي 4: 5، الحديث 2.
(3) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 10.
378

غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا أحلها أنا ولا أنت
لغيرهم " (1).
ورواية الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال: " إن الله تعالى
جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفئ، ثم قال تبارك وتعالى:
(واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى
واليتامى والمساكين وابن السبيل) فنحن أصحاب الخمس والفئ وقد
حرمنا، على جميع الناس ما خلا شيعتنا، والله يا أبا حمزة، ما من أرض
تفتح، ولا خمس يخمس فيضرب على شئ منه إلا كان حراما على من
يصيبه، فرجا كان أو مالا " (2).
وقد تقدم رواية نجية الدالة على تحليل الخمس والأنفال للشيعة، وتقدم
أن الظاهر من الخمس: خمس غنيمة الكفار (3).
ورواية ضريس الكناسي قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري
من أين دخل [على] (4) الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسنا
أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم ولميلادهم " (5)، فإن الظاهر
من الخمس هنا - أيضا - خمس الغنيمة من الجواري المسبية، كما لا يخفى على
المتأمل، بل الظاهر من جميع ما كان من هذا القبيل من الأخبار: إرادة

(1) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 86، والوسائل 6: 385، الباب
4 من أبواب الأنفال، الحديث 20، مع اختلاف يسير في كلا المصدرين.
(2) الوسائل 6: 385، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 19.
(3) راجع الصفحة: 369.
(4) من الوسائل.
(5) الوسائل 6: 379، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 3.
379

الخمس بهذا المعنى، لا خمس المكاسب.
كون الجارية
من المتاجر
ومن هنا يظهر أن عنوان المناكح في كلمات الأصحاب لا يشمل
الجارية التي هي من جملة مال التجارة إذا تعلق بها الخمس، فإن الظاهر
حرمة التصرف فيها إذا بنى المتصرف على عدم الضمان وتصرف فيها
كتصرفه في أمواله، كذلك الجارية التي اشتريت بعين المال الذي تعلق بعينه
الجارية
المشتراة بمال
فيه خمس
الخمس كالمعادن والغوص والحلال المختلط، فإن الظاهر حرمة وطئ تلك
الجارية، لعموم ما دل على حرمة شراء الخمس، المكنى به عن مطلق المعاملة
به، المستلزم لحرمة ما يحصل بيد الناقل من عوضه.
دعوى عموم
" كل جارية "
نعم، ربما يظهر من بعض الأخبار عموم كل جارية تعلق بها حق
الإمام عليه السلام، مع أن في التعليل بطيب الولادة دلالة عليه، إلا أن يدعى
انصرافه إلى ما هو الغالب في أمهات الأولاد، من تملك الشيعة لهن إما
بالسبي وإما بالاشتراء من السابي، وهو الأغلب، وأما المنتقلة بإزاء عين مال
تعلق به الخمس، أو ما كان من جملة مال تجارة تعلق بعينه الخمس فهو في
غاية الندرة، والظاهر عدم شمول الأخبار لمثله، حتى مثل قوله عليه السلام: " إنا
أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا " (1) بل ربما يتأمل في شمولها لما إذا كان
السابي شيعيا، فإن الظاهر عدم انصراف الأخبار إليه، لأن الغالب هو انتقال
السبايا إلى الشيعة بالشراء، ولو فرض حضورهم معهم في الاغتنام فالمنتقل
إليه هو الحاصل بعد القسمة، فكأنه أيضا وصل منهم إليه.
استقلال الشيعة
بالاغتنام
إنما الكلام فيما لو استقل الشيعة بالاغتنام، ولا بعد أن لا يملكوا حينئذ
حق الإمام عليه السلام، وإن ملكوا حقه إذا انتقل ما فيه الحق إليهم من غيرهم،

(1) الوسائل 6: 381، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 10.
380

نظير حرمة تصرفهم في مكاسبهم وأموالهم التي تعلق بها الخمس مع حلية
التصرف فيما ينتقل من ذلك من غيرهم إليهم، ولا ينفع التمسك بعموم التعليل
لأنه أيضا وارد مورد الغالب، فكأن المراد رفع المفسدة الحاصلة من انتشار
السبي والغنائم وعموم ابتلاء الشيعة بهما، ووقوعهم من أجل ذلك في الزنا.
إلا أن يقال: أنه لا مانع من أن يكون المراد: رفع خبث الميلاد عن
الشيعة من أي سبب حصل من الأسباب التي كان بيدهم رفعها، فيحل لهم
المناكح التي تتعلق بها حقوقهم من أي جهة كان.
إلا أن ما اخترناه أولا هو مقتضى الجمع بين أخبار التحليل وبين ما
سبق من صحيحة الحلبي: " في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيصيب
غنيمة؟ قال: يؤدي خمسنا ويطيب له الباقي " (1).
إرادة مطلق
الجواري القابلة
للوطئ
ثم الظاهر أن المراد بالمناكح: مطلق الجواري القابلة للوطئ،
لا خصوص المستولدات منهم، وإن كان يتراءى ذلك من بعض الأخبار ومن
التعليل، لكن التحقيق أن المراد: حل ما يتعلق بالمنكح، حتى أنه لو وقع
النكاح وانعقدت النطفة لا يكون ولد حرام.
وحاصله، أن العلة الغائية: إرادة رفع الزنا وتعليل أولاد الحرام وعدم
خبث ميلاد الشيعة، وهذا وإن كان يتحقق عقلا بأن يكون المباح منحصرا
في الموطوءات، بل فيمن صارت منهن أمهات الشيعة، إلا أن ظاهر التعليل
بهذه الغاية: تحليل الكل، لئلا يتفق خلافها، وهذا واضح.
حل التصرف
في العبيد
نعم، حل التصرف في العبيد لا يستفاد من عنوان المناكح، بل هو

(1) السوائل 6: 340، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8، ولم ترد
" الباقي " في المصدر.
381

كغيره من العنوانات.
ثم إنه ربما يفسر المناكح بما يشمل الجارية المشتراة من مال الخمس
ومهور النساء.
وفيه: أنهما إن دخلا في المؤونة المستثناة من أرباح المكاسب فهو
مسلم، لكن الظاهر خروجه عن هذا العنوان، وإلا فلا دليل على إباحته.
382

مسألة
[5]
إباحة المساكن
والمراد بها
المشهور على إباحة المساكن كالمناكح، ويدل عليه مضافا إلى رواية
العوالي المتقدمة (1) أنها من جملة الأرض، وقد عرفت أن ما بأيدي الشيعة
من الأرض فهم فيه محللون، وربما يراد بالمسكن: ثمن السكنى الموضوع من
مال الخمس، وفيه: ما تقدم من أن الوضع إن كان من أرباح المكاسب في
سنة الاستفادة مع الحاجة العرفية فهو محلل بمعنى أن الخمس لا يتعلق إلا
بعده، وإن كان من غير ذلك فلا دليل على الوضع.
المسكن في
عمارات أهل
الحرب
نعم، قد يشكل الأمر فيما إذا اتخذ مسكنا من عمارات أهل الحرب التي
لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، أو غنمت بغير إذن الإمام عليه السلام، فإن في
شمول أدلة تحليل الأرض لتحليل البنيان وسائر الأمور الخارجة عن الأرض
نوع خفاء.

(1) في الصفحة 378.
383

المسكن في
المفتوحة عنوة
ثم إن الظاهر أن المساكن المأخوذة من الأرض المفتوحة عنوة كذلك
من حيث إباحة الخمس منها، إذ قد عرفت وجوب الخمس فيها عينا أو
ارتفاعا، لكن ظاهر الأخبار المحللة للأرض للشيعة: سقوط هذا الحق منها،
ولا ينافيه تعرض العلماء لوجوب الخمس فيها، لأنهم يتعرضون لذلك عند
بيان سيرة الإمام عليه السلام في الأراضي، مع أنه يمكن أن يقال: إن تحليل
الأنفال التي هي للإمام مستلزم لتحليل ما هو عليه السلام مشترك فيه بالطريق
الأولى.
حل المتاجر
والمشهور - أيضا - إباحة المتاجر، والمساعد عليه الأدلة هو ما يقع
التجارة به من الأموال التي ينتقل ممن لا يخمس، فإن عموم ما دل على عدم
حل شراء الخمس حتى يأذن له أهل الخمس وإن أوجب المنع بدون الإذن،
إلا أن ظاهر ما تقدم من أخبار حل الخمس والفئ للشيعة هو ذلك، بل هو
صريح الرواية المتقدمة عن تفسير العسكري (1) المشتملة على تعليل حل ما
ينتقل إليهم من الغنائم بحل منافعهم من مأكل ومشرب، بل تقدم أن الخمس
الذي حللوه للشيعة منصرف إلى ما كان منتقلا إليهم بالمعاملة، لا ما اغتنموه
بأنفسهم. نعم، ظاهر هذه الأخبار: اختصاصها بالمال المنتقل ممن لا يعتقد
المنتقل ممن
لا يخمس مع
اعتقاده
بالخمس
الخمس كالمخالف، وأما من لا يخمس مع اعتقاده، ففي جواز الشراء منه
إشكال، أقربه: عدم الجواز، لعمومات حرمة شراء الخمس قبل وصولهم حقهم
عليهم السلام، وصريح الروضة (2) كظاهر المحكي عن السرائر (3) الجواز.

(1) في الصفحة: 378 - 379.
(2) الروضة البهية 2: 80.
(3) السرائر 1: 498.
384

المنفي هو
الخمس
المتعلق قبل
الانتقال
ثم إن المنفي في المتاجر هو الخمس المتعلق بها قبل الانتقال، وأما ما
يتعلق بربحها الحاصل في هذه التجارة، فالظاهر عدم سقوطه، لعموم أدلة
الثبوت في أرباح المكاسب وعدم الدليل على السقوط، فإن ظاهر أدلة
السقوط سقوط ما فيها قبل الانتقال، فلا ينافي الثبوت إذا اتجر بها،
ولا يقدح السكوت عنه في هذه الأخبار، لأنها واردة فيما ينتقل إلى الشيعة
لأجل القنية (1) لا لأجل (2) التجارة، كما يناسبه التعليل بطهارة الميلاد وحل
المأكل والمشرب، مع أن الكلام مسوق لبيان حكم آخر فلا ينفي الخمس عن
الربح الذي قد يتفق في هذه المعاملة.
التحليل
موجب للتملك
ثم الظاهر أن تحليل الثلاثة موجب لتملك ما يحصل بيد الشيعة منها
بالمباشرة لتحصيله، أو بالانتقال إليه من غيره، لا لمجرد جواز التصرف،
ولذا يجوز وطئ الأمة وعتقها وبيعها وبيع المساكن ووقفها ونحو ذلك،
والظاهر أنه لا يقول أحد بغير ذلك.
تطبيق هذه
الإباحة على
القواعد مشكل
وفي تطبيق هذه الإباحة على القواعد إشكال من وجوه: مثل أن
الإباحة ليست بتمليك يوجب ترتيب آثار الملك، سيما في مثل الجواري وأن
متعلقها لا بد أن يكون موجودا حال الإباحة، مع عدم المباح والمباح له حين
الإباحة غالبا.
ومن أن اللازم من التمليك صيرورته للشيعة كالأرض المفتوحة عنوة
للمسلمين لا يختص بواحد دون آخر، وإن أحيى الأرض أو حاز المال، بل
كان اللازم على المحيي أداء خراج الأرض، فيجعل في بيت المال للشيعة.

(1) في " ع " و " ف ": التقية.
(2) في " ع ": لا جارة.
385

والذي يهون الخطب: الاجماع على أنا نملك بعد التحليل الصادر منهم
صلوات الله عليهم كل ما يحصل بأيدينا تحصيلا أو انتقالا، فهذا حكم شرعي
لا يجب تطبيقه على القواعد.
توجيه الإباحة
بوجهين
نعم، يمكن أن يقال: إن الأصل والمنشأ في ذلك أحد أمرين:
الوجه الأول
أحدهما: أن يقال إن تملكهم الفعلي صلوات الله عليهم لم يتعلق بهذه الأمور
لتلحقه الإباحة والتحليل، فيشكل بما ذكر، وإنما كان ذلك حكما شأنيا من
الله سبحانه، وإذنهم ورفع يدهم رافع لذلك الحكم الشأني بمعنى أن الشارع
بملاحظة رضاهم بتصرف الشيعة لم يجعل هذه الأمور في زمان قصور يدهم
ملكا فعليا لهم، بل أبقاها على الحالة الأصلية، فهي - باقية بواسطة ما علم
الله (1) تعالى منهم من الرضى - على إباحتها الأصلية بالنسبة إلى الشيعة،
وهذا نظير الحرج الرافع (2) للتكليف الشأني كما في نجاسة الحديد، ولا مخالفة
في ذلك لأخبار اختصاص هذه الأمور بالإمام عليه السلام، نظرا إلى أن
صيرورتها من المباحات إنما نشأ (3) من شفقتهم القديمة قبل شرع الأحكام،
فجواز التصرف منوط برضاهم ولا يجوز التصرف بدون رضاهم، ومن
تصرف بدون رضاهم فهو ظالم لهم غاصب لحقهم، ولا معنى للاختصاص
أزيد من ذلك.
الوجه الثاني
الثاني: أن يقال بثبوت ملكهم (4) لها فعلا، إلا أن معنى ملكيتهم الفعلية

(1) في " م ": أحد.
(2) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: الدافع.
(3) كذا في النسخ.
(4) في " ف ": تملكهم.
386

ليس أمرا ينافي ملكية الشيعة لها بالاحياء والحيازة، حتى تكون ملكية
الشيعة لها بالانتقال عن ملك الإمام عليه السلام وإن صرح في بعض الأخبار (1)
بلفظ الهبة الظاهر في الانتقال، بل هو معنى يشبه في الجملة بملكية الله سبحانه
للأشياء، وإن كان ذلك ملكا حقيقيا مساويا لملكية نفس العباد، إلا أن هذا
المعنى كالقريب منه، بمعنى أن الله تعالى سلطهم على هذه الأموال سلطنة
مستمرة، لهم أن يأذنوا لغيرهم في التملك ولهم أن يمنعوا، وليس الإذن علة
محدثة للتملك حتى يحتاجوا في إرجاعه بعد تملك الغير إلى أنفسهم إلى تملك
جديد، نظير المولى المملك لعبده، حيث إنه بعد تملك العبد ليس مالكا، بل هو
مالك لأن يملك، بل ملك المالك دائر مع رضاهم وناش عنه.
عدم انتقال ما
عند المخالف
من يد مؤمن
ثم إنه قد صرح بعض سادة مشايخنا في المناهل: بأنه لو كان في يد
المخالف شئ من هذه الأنفال بحيث نعلم بعدم انتقالها إليه من يد مؤمن،
فيجوز أن يستفيد منه ذلك بأنواع الأخذ مثل الخدعة والسرقة والقهر إذا
أمكنه لأنه غصب في أيديهم (2).
وعن الشهيد في بعض حواشيه على القواعد: حرمة ذلك (3) كما صرح
به في الروضة (4)، بل عن الأول وجوب رده، بل بطلان صلاته قبل الرد،
وظاهر الأخبار وإن كان هو الأول، إلا أن الظاهر من بعض الأخبار،
وجوب المعاملة معهم على نحو ما يعتقدون في مثل الملكية والزوجية من

(1) الوسائل 6: 385، الباب 4 من أبواب الأنفال، الحديث 20.
(2) المناهل: (مخطوط)، التنبيه الرابع من تنبيهات الأنفال نقلا بالمعنى.
(3) حكاه عنه في الجواهر 16: 141.
(4) الروضة البهية 7: 135.
387

الأمور المضافة إلى الأشخاص دون مثل الطهارة والنجاسة في الأعيان (1).

(1) جاء في آخر نسخة " م " ما يلي: إلى هنا جف قلمه الشريف، وقد قابلت هذه
النسخة مع نسخة الأصل التي كانت بخطه قدس سره مع كمال الدقة بقدر الوسع والطاقة
إلا ما زاع البصر عنه، وما زاغ عنه البصر، وما طغى القلم إن شاء الله تعالى، وقد
استكتبها الجاني مصطفى بن معصوم الحسيني المازندراني في مشهد الغري والنجف
الأشرف على مشرفه ألف ألف سلام وشرف، في خامس عشر شهر ربيع المولود من
شهور سنة 1285.
388