الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٩
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء التاسع
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
* نام كتاب: جواهر الكلام
* تيراژ: 2000 نسخة
نوبت چاب: سوم
تاريخ انتشار: پائيز 1367
چاب از: چاپخانه خورشيد
ناشر: دار الكتب الاسلامية - تهران بازار سلطاني، تلفن 520410
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(المقدمة السابعة في الأذان والإقامة)
الأذان لغة الاعلام وإن فسر بالنداء المستلزم له في قوله تعالى (1): (وأذن
في الناس) من (أذن يؤذن) وقد يمد للتعدية كقراءة المد في قوله تعالى (2):
(فأذنوا بحرب) أي من ورائكم، أو من (آذن) بالمد فيكون أصله الايذان كالأمان
بمعنى الايمان والعطاء بمعنى الاعطاء، أو من (أذن يؤذن) بالتضعيف بمعنى التأذين
كسلام بمعنى التسليم وكلام بمعنى التكليم، والإقامة مصدر أقام بالمكان، والتاء عوض
من عين الفعل، لأن أصله أقوام مصدر أقام الشئ بمعنى أدامه، ومنه (يقيمون
الصلاة) (3) وشرعا الأقوال المخصوصة التي هي وحي من الله تعالى بالضرورة من
مذهبنا، وقال ابن أبي عقيل: إن الشيعة أجمعت على أن الصادق (ع) لعن
قوما زعموا أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ الأذان من عبد الله بن زيد فقال (4):
" ينزل الوحي على نبيكم فتزعمون أنه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد " معرضا

(1) سورة الحج - الآية 28
(2) سورة البقرة - الآية 279
(3) سورة المائدة - الآية 60
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
2

بذلك لما أطبق عليه العامة العمياء من أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذه من رؤيا
عبد الله بن زيد في منامه
وعلى كل حال فهما من السنن الأكيدة للصلاة حتى ورد في موثق عمار (1)
(لا صلاة إلا بأذان وإقامة) كما أن الأذان منهما يشرع أيضا للاعلام بدخول الوقت
بل عن ظاهر جماعة وصريح آخرين أن أصل شرعيته ذلك، وأن شرعيته في القضاء
للنص (2) وإن كان قد يناقش فيه بأن النصوص (3) مستفيضة أو متواترة في الدلالة
على أن شرعيته للصلاة أيضا مع قطع النظر عن الاعلام، كما أنها ظاهرة في ندبه للاعلام
مع قطع النظر عن الصلاة كما تسمع جملة من النصوص في تضاعيف الباب دالة على
ذلك فالأولى حينئذ جعل الأصل في مشروعيته الصلاة والاعلام كما صرح به العلامة
الطباطبائي بقوله:
وماله الأذان بالأصل رسم * شيئان: اعلام وفرض قد علم
وإن استحب هو أو مع الإقامة في مواضع أخر تعرفها فيما يأتي إن شاء الله،
فما عساه يظهر من حواشي الشهيد من أنه إنما هو مشروع للصلاة خاصة والاعلام
تابع وليس بلازم - لا يخلو من نظر قال هو عند العامة من سنن الصلاة والاعلام
بدخول الوقت وعندنا هو من سنن الصلاة ومقدماتها المستحبة والاعلام تابع وليس
بلازم وتظهر الفائدة في القضاء وفي أذان المرأة فعلى قولهم لا يؤذن القاضي ولا
المرأة لأنه للاعلام وعلى قولنا: يؤذنان وتسر المرأة به وهو كما ترى نعم
لا ارتباط لأحدهما بالآخر فلا تتوقف الفائدة المزبورة على تابعية الاعلام، ولعل

الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب 37 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة
3

مراده الرد على ما حكاه عن العامة بعد أن فهم منهم اعتبار الاجتماع فيهما وإلا فمن
المستبعد إنكاره مشروعية الأذان للاعلام مستقلا عن الصلاة مع جريان السيرة القطعية
به واستفادته من المستفيض من النصوص، كصحيح معاوية بن وهب (1) عن أبي عبد الله (ع) قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله من أذن
في مصر من أمصار المسلمين وجبت له الجنة) وغيره من الأخبار (2) الواردة في مدح
المؤذنين المحرمة لحومهم على النار السابقين إلى الجنة، بل هم فيها على المسك الأذفر،
وإن من أذن منهم سبع سنين احتسابا جاء يوم القيامة ولا ذنب له، وإن للمؤذن فيما
بين الأذان والإقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله، بل المؤذن المحتسب
كالشاهر سيفه في سبيل الله المقاتل بين الصفين، إلى غير ذلك مما جاء في الثواب المعد
لهم مما يبهر العقول، وحمل ذلك كله على مؤذني الصلاة في الجماعات في المساجد ونحوها
لا داعي إليه بل مقطوع بعدمه، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في ذكره أحكام كل
من الاعلامي والصلاتي باستقلاله، فلا يعتبر في الأول الاتصال بالصلاة، بل ولا نية
القربة الصرفة، بل ولا ترك الأجرة على إشكال، ولا اللحن والتغيير في احتمال
وأنه لا يجوز أن يؤخر عن أول الوقت بخلاف الثاني إلى أن قال:
فافترق الأمران في الأحكام * فرقا خلا عن وصمة الابهام
وقد تسمع فيما يأتي مزيد تحقيق لذلك إن شاء الله، والله الموفق.
(و) كيف كان ف‍ (النظر) والبحث في الأذان والإقامة يقع (في أربعة أشياء
الأول فيما يؤذن له ويقام) وهما أي الأذان والإقامة مشروعان للفرائض الخمس باجماع

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 وفي الوسائل
" من أذن في مصر من أمصار المسلمين وجبت له الجنة "
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الأذان والإقامة
4

المسلمين بل لعله من ضروريات الدين والمشهور بين المتأخرين، بل لعل عليه عامتهم أنهما
(مستحبان في الصلاة الخمس المفروضة أداء وقضاء للمنفرد والجامع للرجل والمرأة
لكن يشترط أن تسر المرأة، وقيل) والقائل السيد في الجمل، والمفيد في المقنعة
وكتاب أحكام النساء والشيخ في النهاية والمبسوط، بل في كشف اللثام سائر كتبه
عدا الخلاف، وابن حمزة في الوسيلة، والقاضي في المهذب وشرح الجمل، وابن زهرة
في الغنية، وأبو الصلاح في الكافي، والكيدري في الاصباح: (هما شرطان في الجماعة)
إلا أنه فيما عدا الأخيرين قيدوه بالرجال، بل لعله المراد من اطلاقهما أيضا، بل
وإطلاق المصباح أن بهما تنعقد الجماعة خصوصا مع عدم تعارف انعقاد جماعة خاصة
للنساء، بل ربما قيل بعدم مشروعيتها لهن كما تسمعه مفصلا في بحث الجماعة
فيتفق الجميع حينئذ، ولذا نسبه القاضي إلى أكثر الأصحاب، بل قد يظهر من الغنية
الاجماع عليه
(و) لكن مع ذلك (الأول أظهر) للأصل واستصحاب حال عدم اعتبارهما
الثابت قبل نزول جبرئيل بهما كما تسمعه من بعض النصوص وإطلاق دليلي الجماعة
والصلاة، وقول الصادق (ع) في خبر الحسن بن زياد: (إذا كان
القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة) وصحيح علي بن رئاب المروي
عن قرب الإسناد للحميري أنه سأله فقال: (تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان
واحد تجزينا إقامة بغير أذان قال: نعم) متمما بما عن المختلف من الاجماع المركب
على استحبابهما أو وجوبهما وأن القول بوجوب الإقامة خاصة خرق للاجماع المركب
ومعتضدا بما ستعرفه من إطلاق دليل استحباب الأذان بل والإقامة الظاهر في تناول
الجماعة التي كانت من المتعارف في ذلك الزمان بل لعل الانفراد كان من النادر متمما

(1) الوسائل - الباب 5 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 8 - 10
(2) الوسائل - الباب 5 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 8 - 10
(3) الوسائل - الباب 5 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 8 - 10
5

ما يحتاج منه إلى ذلك بالاجماع المزبور.
بل إن أراد المشترط المذكور الاشتراط حتى مع سماع أذان الجار، وسماع
الإمام أذان غيره، وللمؤتم في فرضين بفرض واحد للإمام، وللجامع بين الفرضين
وفي الظلمة والريح والمطر كانت النصوص الدالة على سقوط الأذان والإقامة في هذه
الأحوال حجة عليه، ففي خبر أبي مريم الأنصاري (1) أن الباقر (ع) أم
قوما بلا أذان ولا إقامة فسئل عن ذلك فقال: (إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم
فلم أتكلم فأجزأني ذلك) وخبر عمر بن خالد عن الباقر (ع) (إنه سمع
إقامة جاره فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة، فقال: يجزيكم
أذان جاركم)
وقد دلت النصوص (3) المقبولة عند الأصحاب على جواز إئتمام المسافر في
ظهره وعصره بظهر الإمام، ومغربه وعشائه بعشاء الإمام، وفي صحيح أبي عبيدة (4)
عن الباقر (ع) (إن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كانت ليلة مظلمة
وريح ومطر صلى المغرب ثم مكث قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء ثم
انصرفوا) وفي صحيح رهط منهم الفضيل وزرارة (5) عن الباقر (ع) أيضا
(إن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع
بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) إلى غير ذلك من النصوص التي إن لم

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3 وروى الثاني في الوسائل عن عمرو بن خالد
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3 وروى الثاني في الوسائل عن عمرو بن خالد
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 و 6 والباب
53 - الحديث 9
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب 32 - من أبواب المواقيت - الحديث 11 من كتاب الصلاة
6

يلتزم تقييد دعواه بها كانت حجة عليه، بل لا يبعد انقداح الاستحباب من هذا
التسامح فيها، بل قد يظهر من خصوص الأولين أن الحاضرين لم يكن معلوما عندهم
الوجوب، ولذا ما بادروا جميعهم إلى السؤال والاستفسار، بل قد يشم أيضا من
نصوص الصف (1) والصفين ندب الأذان أيضا باعتبار ظهورها في أن من صلى بإقامة
بلا أذان صلى معه صف من الملائكة، ولولا أن صلاته قابلة للايتمام لم يؤتم به الملائكة.
بل إن أراد هذا المشترط بطلان صلاة من أراد الائتمام بالمتلبس في صلاته منفردا
حتى يؤذن ويقيم، أو لا يجزيه أيضا ذلك باعتبار عدمهما ممن أراد الائتمام به إذا فرض
أن صلاته كانت بدونهما، أو باعتبار أن ما وقع منه سابقا لا بعنوان الجماعة لا يجتزى
به كانت السيرة القطعية والنصوص حجة عليه أيضا، خصوصا إذا ضم مع ذلك بطلان
صلاة الإمام بمجرد عروض الائتمام به في أثناء صلاته، بل من المستبعد جدا التزام
ذلك حتى قبل التلبس، إذ لا تنقص حينئذ صلاة الإمام عن صلاة المنفرد، ونية
الإمامة غير لازمة، وإن وقعت باطلة غير قادحة في صحة الصلاة، إلى غير ذلك مما لا
يخفى بأدنى تأمل وضوح فساد التزامه أو استبعاده، بل كفى باجمال موضوع هذا
الدعوى في بطلانها، بل لعل فيها إجمالا من جهة أخرى، وهي أنه لم يعلم إرادة
الوجوب التعبدي أو الشرطي.
بل يمكن إرادة المشترط أن ذلك شرط في فضيلة الجماعة لا صحتها المستلزمة
لبطلان الصلاة، قال في الدروس: (من أوجب الأذان في الجماعة لم يرد أنه شرط
في الصحة بل في ثواب الجماعة، وكان مراده ما يشمل الإقامة من الأذان) فيوافق
حينئذ ما عن المهذب البارع وكشف الالتباس وحاشية الميسي من أن من أوجبهما في
الجماعة أراد أنهما شرط في ثوابها لا في صحتها، بل عن المبسوط الذي هو أحد ما نسب

الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة
7

إليه الوجوب، بل لعله العمدة أنه بعد نصه على وجوبهما في الجماعة قال ما نصه:
(ومتى صليت جماعة بغير أذان ولا إقامة لم تحصل فضيلة الجماعة، والصلاة ماضية)
بل لعله المراد أيضا مما عن النهاية من أن من تركهما فلا جماعة له، والمصباح (بهما تنعقد
الجماعة) ومثله نقل عن الكافي.
بل لعل المراد عدم فضيلة الجماعة المشتملة عليهما، وإلا ففيها فضل أيضا، لاطلاق
دليل استحباب الجماعة الذي لم يصلح ما هنا لتقييده، إذ هو ليس إلا خبر أبي بصير (1)
سأل أحدهما (ع) (أيجزي أذان واحد؟ قال: إن صليت جماعة لم يجز إلا أذان وإقامة
وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك تجزيك إقامة إلا الفجر والمغرب،
فإنه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم من أجل أنه لا يقصر فيهما كما يقصر في سائر الصلوات)
المعلوم ضعف سنده ولا جابر يعتد به محقق، خصوصا وقد سمعت غير مرة احتمال
عدم تحكيم المقيد على المطلق في المندوبات، بل يحمل على إرادة المستحب في المستحب.
وأضعف من ذلك الاستدلال به على الوجوب التعبدي أو الشرطي، ضرورة
ظهوره في إرادة الاجزاء في الفضل والندب بقرينة ما ستعرف من ثبوت استحبابهما
للمنفرد، مع أنه عبر فيه بالاجزاء أيضا بل لعل قوله (ع) فيه: (فإنه
ينبغي) إلى آخره. مشعر بإرادة ذلك منه كالتعليل، واحتمال إرادة أقل الواجب
منه بالنسبة إلى الجماعة دون غيرها يدفعه أنه قد وقع منه (ع) جوابا لسؤال
واحد عبر فيه بلفظ الاجزاء، فمن المستبعد بل الممنوع بعد مراعاة مطابقة الجواب
للسؤال إرادة ذلك منه، خصوصا وظهور لفظ الاجزاء في الواجب إنما هو من جهة

ذكر صدره في الوسائل في الباب 7 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
وذيله في الباب 6 منها - الحديث 7
8

غلبة الاستعمال ونحوها، فبأدنى قرينة يرتفع الوثوق بإرادة ذلك فضلا عما سمعته
مما ذكرناه من أدلة الندب التي يمكن دعوى القطع بملاحظتها أن المراد منه ذلك، بل
وعن موثق عمار (1) (سئل عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ رجل آخر
فيقول له: نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ فقال: لا ولكن
يؤذن ويقيم) خصوصا بعد تضمن خبر أبي مريم (2) وعمر بن خالد (3) السابقين
الاجتزاء بسماع الإمام أذان الغير من الجار وغيره، فأذانه أولى، ونية الفرادى
والجماعة لا مدخلية لها ولا استفصال في الخبر أن الإمام هو الذي أذن سابقا أو لا،
مضافا إلى ما سمعته من أدلة الندب السابقة.
فلا ريب حينئذ في إرادة ذلك من نفي الجواز، ومفهوم صحيح الحلبي (4)
عنه (ع) (إن أباه كان إذا صلى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذن)
لا يقتضي سوى فعل الأذان منه الذي هو أعم من الوجوب، فلا يعارض أدلة
الندب حينئذ، كما أنه مما ذكرنا يعلم المراد من مفهوم صحيح ابن سنان (5) (يجزيك
إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان) وأنه نفى الاجزاء في الفضل والندب،
ودعوى أن الجماعة هيئة متلقاة من الشرع فيقتصر فيها على المتيقن يدفعها منع انحصار
المتيقن فيه أولا، ومنع وجوب مراعاته بعد ظهور الأدلة ولو الاطلاق منه في الأعم.
فظهر حينئذ أنه لا مناص عن القول بعدم الوجوب تعبدا أو شرطا في صلاة
الإمام والمأموم أو المأموم خاصة كباقي شرائط الجماعة.
وأولى من ذلك بذلك جماعة النساء بناء على انعقاد جماعة لهن، للشك في جريان

(1) الوسائل - الباب - 27 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 6 - 4
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 6 - 4
9

قاعدة الاشتراك هنا، خصوصا بعد أن سأل عبد الله بن سنان (1) الصادق (ع)
(عن المرأة تؤذن للصلاة فقال (ع) - في جوابه ولم يستفصل -: حسن إن
فعلت، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
رسول الله (ص) وزرارة (2) في الصحيح أيضا الباقر (ع)
(النساء عليهن أذان فقال: إذا شهدت الشهادتين فحسبها) وجميل بن دراج (3)
الصادق (ع) في الصحيح أيضا (عن المرأة عليها أذان وإقامة فقال: لا)
ونحوه في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي (ع) المروي عن العلل (4)
بل قال أبو مريم الأنصاري (5): (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إقامة
المرأة أن تكبر وتشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله) وأرسل في
الفقيه (6) عنه (ع) أيضا (ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا
جماعة) ومن هنا قيد من عرفت بجماعة الرجال، والمتجه على المختار الفرق بينهما بالتأكد
وعدمه في الجماعة وغيرها، كما أن المتجه تفاوت الأذان والإقامة في التأكد وعدمه من
حيث الجماعة، لظاهر النصوص السابقة التي منها ما يظهر منه أن الأذان لأجل اجتماع
المأمومين، وإلا فلو كانوا حاضرين مجتمعين لم يشرع، بل ستعرف تفاوتهما في ذلك
في الفرادى أيضا. ولو كان الإمام رجلا والمأمومون نساء ففي إلحاق ذلك بجماعة
الرجال أو النساء وجهان، أقواهما الثاني على تقدير الوجوب، للأصل مع خروج
الفرض عن مقتضى الدليلين، بل وعلى المختار أيضا بالنسبة إلى تأكد الجماعة وعدمه،
فتأمل هذا.
ومن الغريب اقتصار المصنف هنا على نقل القول بالوجوب للجماعة خاصة من

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2 - 3 - 7 - 4 - 6 - وروى الرابع في الوسائل عن الفقيه
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2 - 3 - 7 - 4 - 6 - وروى الرابع في الوسائل عن الفقيه
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2 - 3 - 7 - 4 - 6 - وروى الرابع في الوسائل عن الفقيه
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2 - 3 - 7 - 4 - 6 - وروى الرابع في الوسائل عن الفقيه
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2 - 3 - 7 - 4 - 6 - وروى الرابع في الوسائل عن الفقيه
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2 - 3 - 7 - 4 - 6 - وروى الرابع في الوسائل عن الفقيه
10

بين الأقوال مع أن القول بوجوب الإقامة في جميع الصلوات أقوى منه قطعا، وقد
ذهب إليه المرتضى والحسن بن عيسى والكاتب كما قيل، بل صرح الحسن منهم ببطلان
صلاة من تركها عمدا، كما عن المرتضى والكاتب على ما قيل صرحا بتقييد ذلك بالرجال
نظرا إلى النصوص المزبورة، ولعله مراد الحسن أيضا استبعادا لارتكابه طرح
النصوص السابقة بقاعدة الاشتراك ونحوها.
وعلى كل حال فقد مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين كالمجلسي والأستاذ
الأكبر والمحدث البحراني، بل جزم به الأخير، بل في منظومة الطباطبائي:
والقول بالوجوب فيهما وفي * جماعة وللرجال ضعف
لا كذا الوجوب في الإقامة * عليهم للنص ذي السلامة
لذاك أفتى بالوجوب السيد * وأنه لولا الشذوذ جيد
كل ذلك لاستفاضة النصوص في الدلالة على وجوبها في الفرائض، بل قد يدعى
تواترها على اختلاف كيفية الدلالة فيها، منها ما تقدم من التعبير باجزاء الإقامة المشعر
بكونه أقل المجزي من الواجب، ومنها ما تسمعه إن شاء الله عن قريب، ومنها ما يأتي
إن شاء الله فيمن دخل (1) في الصلاة مع نسيان الإقامة، ومنها ما دل (2) على أن
الإقامة من الصلاة وأنه يحرم بعدها الكلام.
ولا معارض لذلك فيها سوى صحيح زرارة أو خبره (3) (سألت أبا جعفر
(ع) عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة قال: فليمض في
صلاته، فإنما الأذان سنة) بناء على إرادة الندب من السنة فيه، وما يشمل الإقامة

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
11

من الأذان فيه ليطابق السؤال، ولاطلاق لفظ الأذان عليهما في جملة من النصوص (4)
أو على ما تسمعه من المختلف من الاجماع المركب، إلا أنه قد يمنع الأول ويراد
الواجب بالسنة، فيكون التعليل موافقا لما ورد في غيره من النصوص (5) المتضمنة
لعدم إعادة الصلاة بنسيان القراءة والتشهد وغيرهما معللا ذلك فيها بأنها إنما وجبت في
السنة بخلاف نسيان الركوع والسجود ونحوهما مما دل على وجوبهما الكتاب.
اللهم إلا أن يقال: إنه مسلم فيما دخل في الصلاة من الأجزاء لا ما كان خارجا
عنها مما هو كالشرائط، فإنه لا فرق في إعادة الصلاة بنسيانه بين ما وجب بالسنة
والكتاب، فلا يتم التعليل حينئذ إلا مع إرادة الندب منه، أو يقال: إن إرادة
الوجوب بالسنة إن كان محتملا فهو في الإقامة دون الأذان المجمع على استحبابه في غير
الفجر والمغرب والجماعة، فلا محيص عن إرادة الندب حينئذ، واحتمال كون المراد هنا
من كونه سنة الثبوت بالسنة وجوبا أو ندبا - وكلاهما مشتركان في عدم إعادة الصلاة
بنسيانهما وإن كان لا خصوصية في ذلك للندب السني خلاف المتعارف من إطلاق لفظ
السنة بلا قرينة.
وقد يناقش في الأول بمنع خروجهما أولا خصوصا الإقامة التي ورد فيها أنها
من الصلاة، وثانيا منع حصر الفرق بذلك في الأجزاء، وفيهما معا خصوصا الأولى
ما لا يخفى، نعم قد يقال: إنه يكفي في رفع الدلالة اشتراك هذا اللفظ في المعنيين وتردده
بين الأمرين، وتعيين إرادة الندب منه بالشهرة ليس بأولى من تعيين المعنى الثاني جمعا
بينه وبين باقي النصوص الدالة على الوجوب، وفيه أيضا نظر واضح.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7 - 8 -
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التشهد - من كتاب الصلاة
12

وسوى ما في المدارك من خلو صحيح حماد (1) المتضمن تعليم الصلاة عنهما،
ولو كانت واجبة أو هي مع الأذان لذكر فيه ذلك، وفيه أنه كما لا يخفى على من لاحظه
إنما هو في ذكر المندوبات وتعليمها، وإنها هي المراد من الحدود فيه واشتماله على الركوع
والسجود ونحوهما إنما هو لذكر المندوبات فيهما، فلعل عدم ذكرهما فيه حينئذ مما يشعر
بوجوبهما، وإن كان الانصاف أنه لا إشعار فيه بالوجوب ولا بالندب، لأنه بصدد
بيان المندوبات الخفية في نفس الأمر، وهما على كل حال مع خروجهما عنها معروفان
لا خفاء فيهما على الأقل من حماد فضلا عنه.
وسوى خبر أبي بصير (2) سأل أبا عبد الله (ع) (عن رجل نسي
أن يقيم الصلاة حتى انصرف يعيد صلاته قال: لا يعيدها ولا يعود لمثلها) بتقريب
أن النهي عن العود يقضي بإرادة ما يشمل تعمد الترك من النسيان، وفيه أنه يمكن
إرادة النهي بذلك عن التفريط والتساهل المؤديين للنسيان غالبا.
وسوى تظافر النصوص في الدلالة على استحباب الأذان، قال الصادق (ع)
في صحيح عبد الرحمان (3): (يجزي في السفر إقامة بغير أذان) وسأله
الحلبي (4) في الصحيح (عن الرجل هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟
قال: نعم لا بأس به) إلى غير ذلك مما مر ويمر بك بعضه متمما ذلك بالاجماع المركب
المحكي في المختلف الذي أذعن له جماعة ممن تأخر عنه، بل ربما كان هو العمدة عند بعضهم
في ثبوت المطلوب، قال فيه: (إن علماءنا على قولين: أحدهما أن الأذان والإقامة
سنتان في جميع المواطن، والثاني أنهما واجبان في بعض الصلوات) فالقول باستحباب

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - - 5 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - - 5 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3
13

الأذان مطلقا ووجوب الإقامة في بعضها خرق للاجماع، بل عن المعتبر والمنتهى
والتذكرة (أن الأذان من وكيد السنن إجماعا) ونهاية الإحكام (ليس الأذان من
فروض الأعيان إجماعا ولا من فروض الكفاية عند أكثر علمائنا) والخلاف من
فاتته صلوات يستحب له أن يؤذن ويقيم لكل صلاة إجماعا) متمما بعدم القول بالفصل
بين الفوائت والحواضر، والتذكرة (يستحب الأذان والإقامة للفوائت من الخمس
كما يستحب للحاضرة عند علمائنا).
وفيه أولا منع حصول الظن من مثل هذا الاجماع في مثل هذا المقام كما لا يخفى
على من له أدنى درية، خصوصا على التحقيق في أن طريقة في هذا الزمان ليس إلا
الاتفاق الكاشف عن الرأي، وإلا فلا قطع بدخول شخص إمام الزمان (ع)
أو غيره، بل القطع بعدم دخوله حاصل، وكذا لا ظن بالاجماعات المزبورة المحتملة
لإرادة أصل المشروعية، أو في الجملة أو عند القائلين بالندب أو غير ذلك مما سيقت
لبيانه، لا منا نحن فيه من وجوبه لخصوص الفجر والمغرب المعلوم تحقق الخلاف فيهما
كالجماعة، فلا حظ وتأمل، وثانيا منع ثبوت استحباب الأذان مطلقا كي يلزم منه ذلك،
لوجوب الخروج عن الاطلاقات المزبورة بما دل من النصوص (1) على وجوبه في الفجر
والمغرب الذي حكي عن المرتضى والكاتب والحسن الجزم به مصرحا الأخير منهم
بالبطلان مع الترك، وربما كان مراد الأولين أيضا استبعادا للوجوب التعبدي بعد
ظهور الدليل في الشرطي، قيل وزاد الأول الجمعة، ولعله لازم الأخيرين بعد إيجابهما
له في الجماعة كما عرفت الواجبة فيها، كما حكي عنه التقييد بالرجال، وربما كان مراد
الأخيرين أيضا، لما سمعته من نصوص (2) النساء التي لا ريب في رجحانها على قاعدة

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الأذان والإقامة
14

الاشتراك، فتخص حينئذ بها، بل وعلى نصوص الوجوب فيهما، إن كان التعارض
في بعضها من وجه، بل ربما نقل التصريح بالتقييد عن الكاتب منهما، لكن حكى بعض
الناس عن المرتضى التصريح بالتعميم للرجال والنساء ولم نتحققه، بل المتحقق خلافه.
وعلى كل حال فمما يدل على الوجوب فيهما قول الباقر (ع) في صحيح
زرارة (1): " أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة، وتفتتح النهار
بأذان وإقامة، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان) والصادق (ع)
في صحيح صفوان (2) المروي عن العلل: (الأذان مثنى مثنى، والإقامة مثنى مثنى،
ولا بد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر، لأنه لا يقصر فيهما في
حضر ولا سفر، ويجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، والأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل) وقوله (ع) أيضا للصباح بن سيابة (3):
(لا تدع الأذان في الصلوات كلها، فإن تركته فلا تتركه في الفجر والمغرب، فإنه
فيهما تقصير) وقوله (ع) في موثق سماعة (4): (لا تصل الغداة
والمغرب إلا بأذان وإقامة، ورخص في سائر الصلوات بالإقامة، والأذان أفضل)
وقوله (ع) أيضا في الصحيح عن ابن سنان (5): (يجزيك في الصلاة إقامة
واحدة إلا الغداة والمغرب) إلى غير ذلك، فيقيد بها حينئذ إطلاق تلك الأدلة،
فلا يتم حينئذ استحباب الأذان مطلقا كي يتجه الاجماع المركب.
لكن قد يدفع ذلك بالمنع من صلاحية هذه النصوص لتقييد تلك الأدلة
المعتضدة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا باعتبار ندرة الخلاف وانقراضه،
بل لعلها إجماع بملاحظة السيرة القطعية وكون الحكم مما تعم به البلية، ومن المستبعد

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 4 -
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 4 -
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 4 -
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 4 -
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 4 -
15

بل الممتنع خفاء الحكم فيه، ورفع اليد عن ذلك بما سمعته من النصوص كما ترى،
خصوصا مع ضعف سند بعض نصوص التقييد ولا جابر، والتعبير بلفظ (ينبغي) في
خبر أبي بصير السابق (1) وخبر عمر بن يزيد (2) قال: (سألت أبا عبد الله (ع)
عن الإقامة بغير أذان في المغرب فقال: ليس به بأس، وما أحب أن يعتاد)
وإمكان دعوى ظهور خبر الصباح منها في إرادة الكراهة من النهي الثاني، أو بيان
شدة التأكد بقرينة النهي الأول الذي هو بعض منه، بل لا ينكر ظهور مثل هذا التعبير
في ذلك عرفا، بل لعل قول الباقر (ع): (أدنى ما يجزى) إلى آخره ظاهر
أيضا في إرادة الاجزاء في الفضل والندب، ضرورة تقابله بالأكثر المراد منه ذلك
قطعا، بل هو المراد من اللابدية في صحيح صفوان كما يومى إليه التعليل بعدم التقصير
الذي لا مدخلية له في تقصير الأذان بمعنى الاقتصار منه على الإقامة، كما قال الصادق
(ع) في خبر عبد الرحمان (يقصر الأذان في السفر كما تقصر الصلاة،
يجزي إقامة واحدة) بل يومى إليه أيضا الأفضلية في ذيله المشعرة بأن غيره ذو فضل،
وليس هو حينئذ إلا الندب، ولذا جعله بعضهم من أدلة الندب، ومثله موثق سماعة.
وبالجملة الخروج عن الاطلاقات المزبورة بمثل هذه النصوص كما ترى، فلا ريب
حينئذ في استحبابه فيهما كغيرهما من الفرائض التي لا نجد خلافا في عدم وجوبه فيها،
بل الاجماع بقسميه عليه، كما أن النصوص عموما وخصوصا مستفيضة فيه إلا أنه فيهما
مؤكد للنصوص المذكورة، فحينئذ يتم الاجماع المزبور من هذه الجهة، بل قد عرفت
إمكان دعوى البسيط منه، إذا لمخالف في الإقامة فيهما هو المخالف في الإقامة للجميع،

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7 - 6 -
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7 - 6 -
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 9
16

وهو نادر منقرض أيضا قد استقر المذهب فتوى وعملا على خلافه، وبه حينئذ تقوى
دلالة ما عرفت من النصوص عليه، مضافا إلى الأصل حتى على القول باجمال العبادة
المقتضى لاعتبار المشكوك فيها، ضرورة ظهور النصوص في حدوث الأذان والإقامة،
وأن الصلاة كانت بدونهما، قال الصادق (ع) في صحيح منصور بن حازم (1):
(لما هبط جبرائيل (ع) بالأذان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان
رأسه في حجر علي (ع) فأذن جبرائيل (ع) وأقام، فلما انتبه
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: يا علي، سمعت قال: نعم، قال حفظت قال:
نعم، قال: ادع بلالا فعلمه).
فيتجه حينئذ بناء عليه التمسك باستصحاب عدم اعتبار ذلك في صحتها، على
أنه لا يخفى ظهور هذا الصحيح في الندب أيضا باعتبار الاقتصار فيه على الأمر بتعليم
بلال، وعدم المبادرة منه ومن علي (ع) إلى بيان الوجوب للناس، خصوصا
وقد عرف بينهم خلو الصلاة عن ذلك، كما أنه لا يخفى ظهور النصوص - (2) المستفيضة
أو المتواترة المروية من طرق الخاصة والعامة المتضمنة لبيان أن من صلى بأذان وإقامة
صلى معه صفان من الملائكة، ومن صلى بإقامة صلى معه صف، وفي بعضها (3) (إن
حد الصف ما بين المشرق والمغرب) وفي آخر (4) (إن أقله ما بين المشرق والمغرب،
وأكثره ما بين السماء والأرض) - فيه أيضا، لكن في خبر ابن أبي ليلى (5) عن علي
(ع) المروي عن ثواب الأعمال (إن من صلى بإقامة صلى خلفه ملك) ولعل
المراد منه الجنس، فلا ينافي الصف منهم، كما يشهد له قول الصادق (ع) في

الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 6 - 7 - 5
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 6 - 7 - 5
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 6 - 7 - 5
17

خبر المفضل بن عمر (1) المروي عن ثواب الأعمال أيضا أنه: (من صلى بإقامة صلى
خلفه ملك صفا واحدا) نعم قد ينافيه قول الرضا (ع) في خبر العباس بن
هلال (2): (من أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة، وإن أقام بغير أذان صلى
عن يمينه واحد وعن شماله واحد، ثم قال: اغتنم الصفين) وخبر أبي ذر (3) المروي
عن المجالس مسندا إليه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (يا أبا ذر إذا كان
العبد في أرض قي يعني قفراء فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى أمر الله الملائكة
فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه، يركعون لركوعه، ويسجدون لسجوده، ويؤمنون
على دعائه، يا أبا ذر من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه) والأمر سهل.
وعلى كل حال فلا ريب في ظهورها في المطلوب أولا باعتبار اشتمالها على الترغيب
الذي تعارف استعماله في المندوبات بخلاف الواجبات التي يضم فيها معه الترهيب أيضا،
بل من هذا ينقدح قوة أخرى للقول بالندب، لخلو النصوص كافة عن ذلك. وثانيا
أنها صريحة أو كالصريحة في استحباب الأذان، ضرورة ظهور قوله (ع):
(من صلى بإقامة) بعد قوله (ع): (من صلى بأذان) في الإذن بتركه،
خصوصا مع الأمر باغتنام الصفين، ومنه يظهر إرادة الندب أيضا في الخطاب الثاني،
إذ هما كالعبارة الواحدة، بل من المستبعد أو الممتنع التعبير بنحو ذلك مع الاختلاف
في الوجوب والندب. وثالثا أنه لا ينكر ظهورها في أن عدم الإقامة إنما يؤثر عدم
إئتمام الملائكة، ولا دليل على اشتراط صحة الصلاة بذلك، بل إطلاق الأدلة يقتضي
خلافه، فيكون المراد من مفهوم الشرط حينئذ أن من صلى بدونهما صلى وحده كما رواه

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 وفي النسخة
الأصلية مفضل بن عمرو والصحيح ما أثبتناه
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 9
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 9
18

العامة في نصوصهم، بل قيل: إنهم رووا أيضا نصوصا أخر صريحة في ندبهما،
مضافا إلى ما عن فقه الرضا (ع) (1) أنهما من السنن اللازمة وليستا بفريضة.
كل ذلك مع أن أكثر نصوص (2) وجوب الإقامة إنما هو للتعبير فيها بلفظ
الاجزاء والرخصة ونحوهما مما هو ظاهر في الوجوب، وفيه أولا منع ذلك في زمانهم
(عليه السلام)، بل المراد منه فيه الاكتفاء الشامل للندب والوجوب كما لا يخفى على
المتتبع نصوصهم (عليهم السلام). وثانيا في خصوص المقام المعبر فيه تارة بهما أخرى
بلفظ الاكتفاء، بل لا يخفى على المتأمل في النصوص هنا كثرة التعبير بلفظ الاجزاء في
معلوم الندبية، وما ذاك إلا لشدة تأكد الندب المقتضية لنحو هذا التعبير، وإلا فمقتضاه
أنه هو أقل المجزي وأكثره الفرد الآخر، وليس هنا إلا الأذان معها، والفرض أنه
مندوب، فيتعين إرادة أنه الأكثر إجزاء في الفضل، فيكون الأقل أيضا كذلك،
كما أن لفظ الرخصة يقتضي كون الأصل الأذان معها أيضا، ومن المعلوم أن أصالته
إنما هي في تمام الفضل لا في الوجوب، فتتبعه الرخصة حينئذ، لا أقل من أن يتعين
إرادة ذلك هنا بما سمعته من شواهد الندب من الشهرة العظيمة أو الاجماع وغيرها.
ومنه يظهر ضعف القول بالوجوب جدا، ضرورة كون معظم أدلته ذلك،
وإلا فالأمر بالإقامة على وجه يظهر منه الوجوب قليل في النصوص، ففي خبر علي بن
جعفر (3) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (ع) (عن المؤذن يحدث في أذانه وفي إقامته
فقال: إن كان الحدث في الأذان فلا بأس، وإن كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة)
وهو كما ترى في بيان شرطية الطهارة لا بيان وجوبها، كالأمر بها عند نسيانها في جملة

(1) المستدرك - الباب - 23 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الأذان والإقامة
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7
19

من النصوص (1) المختلفة في تقييد ذلك بما قبل الركوع أو القراءة أو غيرهما، ضرورة
كون المراد منه الرخصة، لأنه في مقام توهم الخطر، ولذا أمر في جملة (2) منها بالأذان
معها عند فرض السؤال عن نسيانهما، فلاحظ وتأمل، بل قيل: إن شدة اختلاف هذه
النصوص في الإعادة وعدمها وفي تقييدها بما قبل الركوع وعدمه وغير ذلك مما يومي
إلى الندب، كايماء ما دل (3) على إجزاء طاق طاق في الإقامة أو مع الأذان في السفر
أو مطلقا، إذ القائل بالوجوب ظاهره الاطلاق.
بل قد يومي إليه أيضا ما سمعته من نصوص (4) نفى كونهما على النساء المشعر
بكونهما على الرجال، ومن المعلوم إرادة تأكد الندب من علاوة الأذان عليهم، فالاقامة
كذلك، لأنهما بلفظ واحد، بل ذكر جملة من المندوبات معهما فيه إيماء آخر، إلى غير
ذلك مما تومي إليه النصوص منجبرا بالشهرة العظيمة، وقول الصادق (ع)
لأبي هارون المكفوف (5): (يا أبا هارون الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلم
ولا تؤم بيدك) - مع أنه معارض بنفي البأس عن الكلام بعدها في غيره من
النصوص (6) - يراد منه شدة التأكيد في عدم فعل شئ من منافيات الصلاة بعدها،
لا أنه بعض منها حقيقة، ضرورة معلومية أن افتتاح الصلاة التكبير واختتامها التسليم،
ولذا كانت النية عنده لا عندها كما هو واضح لا يحتاج إلى مزيد إطناب، على أن بعضية
الصلاة أعم من الوجوب، فإن كثيرا من المندوبات كالقنوت ونحوه بعضها: أي بعض

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 0 - 3
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 0 - 3
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الأذان والإقامة
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3 و 6 و 7
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 9 و 10 و 13
20

الفرد الكامل منها، فقد ظهر بحمد الله أنه لا محيص عن القول بندب الأذان والإقامة
مطلقا، نعم هما مختلفان في التأكد وعدمه، كاختلاف الأذان في ذلك في الفجر والمغرب
والجماعة، ولعل الإقامة فيها مؤكدة زائدا على تأكدها في غيرها.
كما أنه ظهر لك من نصوص النساء السابقة اختلافهن مع الرجال في التأكد
وعدمه الذي هو المشهور بين الأصحاب، بل لا يعرف فيه خلاف بينهم، إذ لا ريب
في مشروعيتهما لهن، بل الاجماع صريحا وظاهرا محكي عليها، بل الظاهر أنه كذلك
كما في كشف اللثام، مضافا إلى بعض النصوص السابقة وغيرها، لكن ليس في شئ
منها الأمر بالاسرار والاخفات، ومقتضاه الاجتزاء به وإن أجهرت بحيث سمعها
الأجانب، بل في المحكي عن المبسوط (وإن أذنت المرأة للرجال جاز لهم أن يعتدوا به
ويقيموا، لأنه لا مانع منه) ولعل ذلك مؤيد لما ذكرناه سابقا من عدم ثبوت جريان
حكم العورة على أصواتهن، بل مقتضى السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار
وما وصل إلينا من النصوص المتضمنة كلامهم (عليهم السلام) معهن زائدا على الواجب
خلاف ذلك، فيتجه حينئذ اجتزائهن به وإن سمعهن الأجانب، نعم قد يشكل ما في
المبسوط بأن ذلك على تقدير تسليمه لا يقتضي اجتزاء الرجال به، اقتصارا على المتيقن
في سقوطه عنهم، ودعوى شمول إطلاق الأدلة أو قاعدة الاشتراك لذلك في غاية الصعوبة.
كما أنه قد يشكل اجتزائهن به سماع الأجانب بالشهرة العظيمة على اشتراط
الاسرار بمعنى عدم سماع الأجانب، بل عن المنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا
بدعوى الاجماع عليه، ولذا ضعفوا ما سمعته عن الشيخ بأنها إن أجهرت عصت، والنهي
يدل على الفساد، وإن أسرت لم يتجزأ به بل عن المختلف زيادة أنه لا يستحب لهن،
فلا يسقط به المستحب، وكأن بناء الجميع على عورية صوتها، ولذا ذكر غير واحد
اعتداد المحارم به كالنساء، لجواز سماعهم أصواتهن، فيتجه حينئذ عدم الاعتداد به
21

لحرمته، وظاهرهم المفروغية من ذلك، نعم في الذكرى (إلا أن يقال ما كان من قبيل
الأذكار وتلاوة القرآن مستثنى كما استثنى الاستفتاء ونحوه - ثم قال -: ولعل الشيخ
يجعل سماع الرجل صوت المرأة في الأذان كسماعها صوته فيه، فإن صوت كل منهما
بالنسبة إلى الآخر عورة) لكن الجميع كما ترى، خصوصا ما سمعته من المختلف الذي
يمكن دعوى الاجماع على خلافه، كما أن الاجماع المزبور الذي مبناه على الظاهر كون
صوت المرأة عورة يمكن منعه أيضا بما عرفت، وإلا فإن تم اتجه عدم الاستثناء لعدم
الدليل، واحتمال الاجتزاء به لرجوع النهي لأمر خارج غلط واضح، إذ اللفظ إنما
هو صوت خاص، فمع فرض حرمته لا يتصور التقرب به، ومثله احتمال الاجتزاء به
مع إسرارهن لعدم توقفه على السماع، وإلا لم يسقط عمن جاء قبل تفرق الجماعة،
ضرورة أن القول بذلك الدليل الخاص لا يقتضي الاعتداد به في نحو الفرض، أقصاه
أنه يمكن دعواه مثلا فيمن جاء قبل تفرق جماعتهن، لعدم المحذور فيه، إلا أنه يشكل
بما عرفت من المناقشة في شمول أدلة الاعتداد بمثله على تقدير عدم كون صوتها عورة.
وعلى كل حال ففي الذكرى (إن الخنثى المشكل في حكم المرأة تؤذن للمحارم
من الرجال والنساء ولأجانب النساء دون أجانب الرجال) وفي جامع المقاصد (الخنثى
كالمرأة في ذلك، وكالرجل في عدم جواز تأذين المرأة لها) وكأنهما بنيا ذلك على
مراعاة الاحتياط فيها الذي قد ادعى وجوبه في مثل العبادة، وإلا فقد يتجه التمسك
بأصالة البراءة عن حرمة سماع صوتها، فتشملها حينئذ إطلاق الاعتداد بأذان الغير الذي
لم يقيد بالرجال، بل أقصاه خروج النساء عنه، فيقتصر على المعلوم منهن، أما عدم
اعتدادها بأذان المرأة فقد يتجه كما ذكره في الجامع، إذ الثابت اعتداد النساء به،
والمفروض عدم ثبوت كون الخنثى منهن، واحتمال كونها منها معارض باحتمال كونها
22

من الرجال، فلا يجدي هذا، وقد عرفت أنه في غير واحد من النصوص (1) السابقة
اجتزاء النساء بالتكبير والشهادتين، وفي بعضها (2) بالشهادتين، كما أنها اختلفت في
كيفية الشهادتين، وظاهر بعضها أن ذلك إقامتها، ولا بأس بالعمل بما فيها على إرادة
الرخصة، وإن كان الأفضل غيره، وفي المحكي من عبارة ابن الجنيد أن على النساء
التكبير والشهادتين، ولا ريب في ضعفه على تقدير إرادة الوجوب، والله أعلم.
(و) كيف كان فقد ذكر المصنف وغيره من الأصحاب بل لم يعرف فيه خلاف
أصلا أن الأذان والإقامة (يتأكدان فيما يجهر فيه) من الفرائض، بل عن الغنية
الاجماع عليه، وهو مع اعتضاده بالفتاوى والتسامح في أدلة السنن الحجة، وإلا فلم
نقف في النصوص على ما يشهد له، بل قد يظهر من عد العشاء فيها مع الظهر والعصر
والاقتصار على استثناء المغرب والغداة خلافه، وتعليله بأن الجهر دليل اعتناء الشارع
بالتنبيه والاعلام وشرعهما لذلك كما ترى، اللهم إلا أن يرجع إلى ما عن علل الفضل (3)
عن الرضا (ع) من أن الأمر بالجهر في فرائضه لوقوعها في أوقات مظلمة ليعلم
المار أن هناك جماعة تصلي، فإن أراد أن يصلي صلى معهم، المشعر بأنها أحوج إلى
التنبيه على جماعتها.
(و) أما أن (أشدها) وغيرها من الصلاة تأكدا استحبابهما (في الغداة
والمغرب) فقد عرفت ما يدل عليه من النصوص (4) حتى قيل بالوجوب كما سمعت،
هذا كله في الصلوات الخمس. (و) أما استحبابه في غيرها فستعرف إن شاء الله المواضع

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 و 4
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - - الباب - 6 - من أبواب الأذان والإقامة
23

التي ندب فيها الأذان خاصة، أو هو والإقامة في آخر المبحث، والله الموفق.
(و) على كل حال ف‍ (لا يؤذن) ولا يقام (لشئ من النوافل) وإن وجبت
بالعارض (ولا لشئ من الفرائض عدا الخمس) إجماعا محصلا ومنقولا عن المعتبر
والمنتهى والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد والغرية، بل عن أولها أنه مذهب علماء الإسلام، ومنه يعلم حينئذ أن المراد باطلاق بعض النصوص (1) أو عمومها خصوص
الفرائض الخمسة، فيبقى غيرها على أصالة عدم المشروعية، مضافا إلى ما تسمعه في خبر
إسماعيل بن جابر الجعفي (2) من نفى الصادق (ع) الأذان والإقامة في العيدين
متمما بعدم القول بالفصل، بل لو كان مشروعا في غير الخمس لكانا أولى من غيرهما
بذلك، كما هو واضح.
(بل يقول المؤذن) للصلاة في العيدين عوض الأذان المعهود (الصلاة ثلاثا)
بلا خلاف أجده فيه لخبر إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله (ع) قال:
(قلت له: أرأيت صلاة العيدين هل فيهما أذان وإقامة؟ قال: ليس فيهما أذان
ولا إقامة، ولكنه ينادى الصلاة ثلاث مرات) بل ألحق الفاضلان وغيرهما بهما سائر
الفرائض غير اليومية، بل ظاهر المتن وغيره إلحاق سائر ما يراد فيه الاجتماع من
الصلوات ولو نافلة، فيدخل صلاة الاستسقاء، كما هو صريح المحكي عن التذكرة ونهاية
الإحكام، نعم فيه الاشكال في صلاة الجنازة، من العموم، ومن الاستغناء بحضور
المشيعين، لكن فيه أنه قد لا يغني الحضور للغفلة ونحوها، ولم تجد غير الخبر المزبور،
ولذا توقف بعض المتأخرين في تعميم الاستحباب لغيرهما، إلا أنه بعد التسامح،

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاة العيد - الحديث 1
24

وفتوى جماعة، واحتمال إلغاء الخصوصية في العيدين، ومعلومية ندب النداء للاجتماع،
وأفضلية المأثور، وإرسال الفاضل العموم المزبور وإن لم نعثر عليه - لا يبعد التعميم لكل
صلاة أريد فيها الاجتماع من فريضة أو نافلة، وإطلاق الأصحاب استحباب اللفظ المزبور
من غير نص على كيفية خاصة من الوقف أو النصب أو الرفع أو التفريق يستفاد منه
عدم تقييد الاستحباب بشئ من ذلك، إما لعدم مدخلية الاعراب أصلا في كل ما أمر
بقوله أو في خصوص المقام، فحينئذ يجوز نصب الصلاة في الثلاث ورفعها كما نص عليه
غير واحد، والتفريق كما نص عليه الشهيد الثاني، هذا. وعن الحسن أنه يقال في العيدين:
(الصلاة جامعة) والخبر المزبور خال عنه، إلا أنه في بالي أن في بعض الأخبار (1)
هذا اللفظ في غير العيدين من بعض الصلوات التي أريد بها الاجتماع كصلاة الغدير
أو نحوها، وربما كان ذلك مؤيدا للتعميم المزبور، فلاحظ. وفي كشف اللثام أن
الصدوق لم يذكر إلا قول أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة (2): (أذانهما
أي العيدين طلوع الشمس) قلت: لعل مراده لفظ الصلاة أو مطلق الاعلام لا الأذان
المعهود، بل ينبغي القطع بذلك، كما أن ما عن الكشي من أنه روي في ترجمة يونس
ابن يعقوب أنه صلى على معاوية بن عمار بأذان وإقامة من الشواذ الغريبة، والله أعلم.
وكيف كان فقد عرفت سابقا أن مقتضى إطلاق - الأدلة بل عموم بعضها خصوصا
قول الصادق (ع) منها في موثق عمار (3): (لا صلاة إلا بأذان وإقامة)
وغيره - عدم الفرق في استحبابهما بين القضاء والأداء، وحينئذ ف‍ (قاضي الصلوات الخمس

(1) صحيح البخاري ج 2 ص 35 وإنما ورد في صلاة الكسوف
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب صلاد العيد - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
25

يؤذن لكل واحدة ويقيم) مضافا إلى عموم قوله (ع) (1): (من فاتته
فريضة فليقضها كما فاتته) بناء على إرادة الجنس من الفريضة فيه، وعلى شموله للكيفية
وإن كانت خارجة عن أجزاء الصلاة كالطهارة والستر والاستقبال والأذان والإقامة،
فتأمل. وخصوص خبر عمار (2) (أن الصادق (ع) سئل عن الرجل إذا
أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟ قال: نعم) والاجماع المحكي عن الخلاف وظاهر
المسالك والروض وحاشية الإرشاد، بل لعله مقتضى ما عن التذكرة من الاجماع على
أفضليته في الأداء من القضاء، نعم روى زرارة (3) في الصحيح أو الحسن عن
أبي جعفر (ع) رخصة في ترك الأذان لما عدا الأولى قال: (إذا نسيت صلاة
أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن وأذن لها وأقم ثم صلها
وصل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة) ومحمد بن مسلم في الصحيح (4) أيضا (في
الرجل يغمى عليه ثم يفيق يقضي ما فاته يؤذن في الأولى ويقيم في البقية) وفي المرسل (5)
(إن النبي (صلى الله عليه وآله) شغل يوم الخندق عن الظهرين والعشاءين حتى ذهب
من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن للأولى وأقام للبواقي من غير أذان).
وإليها أشار المصنف وغيره - بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بينهم بقوله: (ولو
أذن للأولى من ورده ثم أقام للبواقي كان دونه في الفضل) بل قد يظهر من مكاتبة موسى
ابن عيسى (6) الرخصة في ترك الأذان للجميع، قال: (كتبت إليه رجل يجب عليه

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1 ونصه " يقضي
ما فاته كما فاته "
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 2
(3) - الوسائل - الباب - 63 - من أبواب المواقيت الحديث 1
(4) الوسائل - - الباب - 4 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 2
(5) تيسير الوصول ج 2 ص 190
(6) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
26

إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة فكتب يعيدها بإقامة) بناء على إرادة ما يشمل
القضاء من الإعادة فيه، وفي المحكي عن الخلاف الاجماع على ذلك، بل هو ظاهر ما في
المحكي عن النهاية والسرائر ومن فاتته صلاة قضاها بأذان وإقامة أو إقامة، بل عن المعتبر
والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام التصريح بذلك، بل عن البحار نسبته إلى الأصحاب،
وليس في نصوص الرخصتين تقييد بالعجز أو المشقة، فما عن جامع ابن سعيد أنه إن
عجز أذن للأولى وأقام للثانية إقامة إقامة، والنفلية من أن من أحكامه الاجتزاء بالإقامة
عند مشقة التكرار في القضاء لا يخلو من نظر، كما أن ما عن البحار من الميل إلى عدم
ثبوت الرخصة الثانية كذلك أيضا.
والمراد بالرخصة في ترك المستحب المعلوم جواز تركه خصوص ما نص الشارع
على تركه على وجه يظهر منه أن ذلك ليس من حيث كونه مستحبا يجوز تركه، بل
لعدم كون الاستحباب في محلها كما في غير محلها، ومن هنا ينقدح إشكال في الاستدلال
على أفضلية الأذان هنا في الجميع بالاستصحاب أو ببعض العمومات، مثل قول الصادق
(ع) في موثق عمار (1): (لا صلاة إلا بأذان وإقامة) ونحوه من عمومات التأكد،
ضرورة كون هذا الحال غير الحال الأول، فلا يستصحب الحال السابق، كضرورة
أنه مما لا يندرج في عموم التأكد للفرائض بعد فرض أنه قد رخص فيه رخصة تشعر
بعدم ثبوت ذلك التأكد فيه، نعم لا بأس بالاطلاقات أو العمومات الخالية عن ذلك،
بل إنما كانت دالة على ثبوت أفضلية الفعل على الترك التي هي قدر مشترك بين سائر
المراتب، اللهم إلا أن يفرض كون عمومات التأكد كذلك، فتأمل. بل ربما استشكل
بعضهم في الاستدلال بسائر الاطلاقات والعمومات باعتبار ظهور الأمر في الصحيحين
والموثق بأفضلية ذلك من الأذان، إذ أقل مراتبه الندب، بل ربما أيد بفعل النبي

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
27

(صلى الله عليه وآله) المعلوم مواظبته على الراجح، وليس الخبر منافيا للعصمة كي
يطرح، إذ يمكن أن يكون ذلك منه (صلى الله عليه وآله) قبل النسخ، لما روي (أن
الصلاة كانت تسقط مع الخوف ثم تقضى) حتى نسخ ذلك بقوله تعالى (1): (وإذا
كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم) أو يكون لعدم تمكنه من استيفاء الأفعال ولم
يكن قصر الكيفية مشروعا، ولعله إلى ذلك نظر القائل بأفضلية الأذان الأول الورد
خاصة ثم الإقامة على فعل الأذان في الجميع كما حكاه غير واحد عن بعضهم وإن
كنا لم نعرفه بالخصوص.
نعم قد يستظهر من الفاضل في الإرشاد من حيث عطفه سقوط الأذان عن
القاضي على عصر يومي الجمعة وعرفة اللذين ستعرف حرمة الأذان فيهما أو كراهته،
بل ربما ظهر من منظومة العلامة الطباطبائي، واستحسنه في المدارك والمحكي عن البحار،
بل عن الكفاية اختياره، بل في المدارك والمحكي عن البحار لو قيل بعدم شرعية الأذان
لغير الأولى لكان قويا، لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه، بل في المفاتيح حكايته
قولا لبعضهم وإن كنا لم نعرفه، اللهم إلا أن يرجع إليه القول بأفضلية الترك، ضرورة
عدم تناول أدلة الاستحباب حينئذ له، فتحتاج شرعيته حينئذ إلى دليل، بل لا تتصور
إذ الفرض أنه عبادة، وهي لا يرجح تركها على فعلها، وأقلية الثواب على وجه خاص
التي هي معنى الكراهة في العبادات غير متصورة هنا، ضرورة تصورها في الأفراد
المتفاوتة لا في فردي الترك والفعل، وتكلف رجوع ذلك إلى الصلاة ذات الإقامة وحدها
والصلاة ذات الأذان والإقامة لا محصل له، خصوصا والأذان عبادة مستقلة عن الصلاة
إنما يلاحظ فعله وتركه لنفسه، فلا بد حينئذ إما القول بأن الترك رخصة، وإلا فالفضل

(1) سورة النساء - الآية 103
28

في الفعل، وإما القول بأنه عزيمة يحرم معها الفعل ولو لعدم الدليل على الشرعية، لكنك
خبير بضعف الثاني وندرة القائل به، بل قد سمعت دعوى الاجماع صريحا وظاهرا على
خلافه، بل يمكن تحصيله مضافا إلى الأدلة المزبورة التي لا يعارضها ظاهر الأمر الذي
هو شبه الأمر في مقام توهم الحظر المنصرف إلى إرادة الرخصة، ولا المرسل المتضمن
لفعل النبي (صلى الله عليه وآله) الذي لم يثبت، وعدم منافاته العصمة لا يقتضي
ثبوته، على أنه يمكن أن يكون أيضا لبيانها كما يقع منهم فعل المكروه لبيان الجواز
فضلا عن الرخصة.
فظهر حينئذ أن الأقوى ما عليه المشهور، لكن في الدروس (أن استحباب
الأذان للقاضي لكل صلاة ينافي سقوطه عمن جمع في الأداء، إلا أن نقول السقوط فيه
تخفيف، أو أن الساقط أذان الاعلام لحصول العلم بأذان الأولى لا الأذان الذكري،
ويكون الثابت في القضاء الأذان الذكري، وهذا متجه) وفيه أنه يمكن كون الفارق
الدليل، ضرورة ظهوره في بعض أفراد الجمع كما ستعرف في رجحان الترك، إما للمواظبة
منهم (عليهم السلام) على ذلك، أو لدلالة القول عليه بخلافه هنا، فإنه لم تفتهم صلاة
إلا ما سمعته من الخب المزبور الذي استظهر المجلسي على ما قيل عاميته، وليس فيه شئ
من المواظبة كي يصلح لمعارضته ما عرفت، كالقول في الصحيحين المزبورين والموثق
بعد ما سمعت، ومن الغريب احتماله سقوط أذان الاعلام خاصة، بل استوجهه،
والنصوص والفتاوى هنا وفي الجمع في الأداء صريحة أو كالصريحة في خلافه، مضافا
إلى ما رده به في المدارك من أن الأذان عبادة مخصوصة مشتملة على الأذكار وغيرها،
ولا ينحصر مشروعيته في الاعلام بالوقت، إذ قد ورد في كثير من الروايات أن من
فوائده دعاء الملائكة إلى الصلاة، وإن كان قد يناقش فيه بأنه ظاهر في عدم ثبوت
تعدد الأذان عنده للاعلام والصلاة، بل هو أذان واحد له فوائد متعددة قد تجتمع
29

وقد يتخلف بعضها، وفيه أنه خلاف الظاهر من النصوص كما عرفت في أول المبحث
وتعرف إن شاء الله.
(ويصلي يوم الجمعة الظهر بأذان وإقامة، والعصر بإقامة) بلا خلاف معتد به
أجده فيه إذا كانت صلاته الظهر جمعة وجاء بالموظف بأن جمع بينها وبين العصر، وما
عن بعض نسخ المقنعة من التعبير بالأذان مراد منه الإقامة بقرينة ما عن نسخة أخرى،
وعدم إردافه بالإقامة في النسخة المزبورة، كل ذلك للتأسي وإدراكها مع من احتضر
صلاة الجمعة وادراكهم لها جماعة، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب، بل عن الغنية
والسرائر والمنتهى الاجماع عليه، بل قد يقوى في النظر الحرمة وفاقا للبيان والروضة
وكشف اللثام والمحكي عن النهاية وظاهر التلخيص، بل لعله المراد من التعبير عنه بالبدعة
في بعض كتب الفاضل وثاني الشهيدين، إذ دعوى أنها تنقسم إلى الأحكام الخمسة كما
ترى، خصوصا بعد ما ورد (1) في نوافل شهر رمضان (إن كان بدعة ضلالة) وعلى
كل حال فالمتجه التحريم لأصالة عدم المشروعية، فهو كالآذان في غير الفرائض، قيل
ولقول أبي جعفر (ع) في خبر حفص بن غياث (2): (الأذان الثالث يوم
الجمعة بدعة) إذ الثالث في يومها لا يكون إلا للعصر، لأن الأول للصبح والثاني للجمعة،
وإن لم يلاحظ الصبح بل لوحظ الاعلامي لوقت الظهر والأذان لصلاتها فالثالث حينئذ
ليس إلا للعصر، لكن قد يقوى إرادة الثاني للظهر منه باعتبار كونه زيادة ثالثة على
الأذان والإقامة المشروعين للظهر، ويؤيده ما قيل من أن عثمان أحدث للجمعة أذانا
لبعد بيته عن المسجد، فكانوا يؤذنون أولا في بيته وثانيا في المسجد، وقيل: إن
المبتدع معاوية، كما أنه قيل: الأذان الأول كان بدعة، وقيل: الثاني، وقيل: إنه كان

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1 من كتاب الصلاة
30

بعد نزول الإمام من المنبر، وقيل: قبل الوقت، إلى ذلك مما ليس هذا محل ذكره.
والحاصل لا يخفى انصراف الذهن إلى إرادة التعريض بما في يد الناس من
الابتداع كما ورد (1) (الاجتماع في شهر رمضان بدعة) لا أن المراد أنه لو فعل ذلك كان
بدعة: أي تشريعا محرما، فإن هذا لا يخص الأذان، بل لعل لفظ البدعة ظاهر في خلافه
كما هو واضح، خلافا للمحكي عن المبسوط والفاضل في جملة من كتبه والشهيد في الذكرى
والمحقق الثاني في جامعه وتعليقه على النافع والإرشاد فمكروه، وللدروس فمباح لا محرم
ولا مكروه، بل جعل فيها الأول منهما مبالغة، قال: (ويسقط استحباب الأذان في
عصر عرفة وعشاء المزدلفة وعصر الجمعة) وربما قيل بكراهته في الثلاثة وخصوصا
الأخير، وبالغ من قال بتحريم الأخير، وقد عرفت أن المبالغة هي التي يقتضيها النظر،
ضرورة عدم جريان أصالة الجواز في إثبات أصل العبادة، كما أن كونه ذكرا لله وحثا
على عبادته والكل حسن على كل حال لا يشرع الخصوصية، وإلا لاقتضى ذلك
استحبابه لغير اليومية، والاستصحاب بعد القطع بانقطاعه ضرورة كون هذا الحال
غير الأول لا حجة فيه، وإلا رجع إلى استصحاب الجنس، وهو غير حجة عندنا،
وكذا لا جهة للتمسك باطلاق أوامر الأذان أو عموماته، ضرورة الاتفاق على عدم
شمولها للمفروض، وإلا لاقتضيا بقاء ندبه، والتزام الدروس بذلك بناء على إرادته
سقوط تأكد الاستحباب لا أصله الذي لا تتم العبادة بدونه - بل مقتضى ما سمعته منه
في المسألة السابقة من أن الساقط أذان الاعلام دون أذان الذكر البقاء على الندب الأول
بعد الاجماعات السابقة، بل يمكن دعوى المحصل، وبعد مواظبة النبي صلى الله عليه وآله
والتابعين وتابعي التابعين على وجه يقطع بأنه الراجح، لا أن الترك رخصة،
وإلا فالأفضل غيره - غريب.

(1) الوسائل - الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان 4
31

نعم قد يقوى عدم التحريم بل ولا الكراهة، بل الظاهر بقاء الندب الأول
إذا لم يجمع بينهما، إذ مرجوحية التفريق لا تنافي استحباب الأذان الثابت بالاستصحاب
وباطلاق الأدلة وعمومها ولا معارض، إذ خبر حفص قد عرفت المراد منه، فما عن
ظاهر النهاية والبيان - من الحرمة هنا أيضا حيث جوز التنفل بست بين الفرضين وأطلقا
تحريم أذان العصر - فيه ما لا يخفى، وإن قال في كشف اللثام: إنه يقويه النظر إلى أن
الأذان للاعلام والناس مجتمعون مع ضيق الوقت لئلا تنفض الجماعة، ويمكن إرادتهما
الصورة الأولى، كما أنه يمكن بقرينة ملاحظة الكتب الاستدلالية وما ذكروه فيها
دليلا للسقوط إرادة ما لا يشمل المفروض من إطلاق المتن وغيره سقوط أذان العصر
يوم الجمعة، بل قد يدعى أن المنساق إرادة ما لو فعل الجمع الموظف فيها لا التفريق
الذي هو إما محرم أو مكروه أو رخصة كما هو واضح.
وأما إذا صلى الظهر أربعا جامعا بينها وبين العصر فعن صريح التهذيب والكافي
والمنتهى والمختلف وظاهر المبسوط والنهاية السقوط أيضا، بل ربما استظهر أيضا من
عبارة المتن وكتب الفاضل وغيرها مما أطلق فيه سقوطه في يوم الجمعة، ولعله لذا نسب
إلى المشهور، بل ربما استظهر أيضا مما عن المعتبر من أنه يجمع يوم الجمعة بين الظهرين
بأذان وإقامتين، قاله الثلاثة وأتباعهم، لأن الجمعة يجمع فيها بين الصلاتين، بل عن
المنتهى (أنه قاله علماؤنا) بل عن موضع من مجمع البرهان (لا خلاف في سقوط أذان
العصر يوم الجمعة إذا جمع بينها وبين الظهر) بل هو مقتضى تعليل غير واحد من
الأصحاب السقوط في المسألة الأولى بالجمع الذي هو المفروض في المقام.
ومنه ينقدح أن السقوط هناك ليس لخصوصية الجمعة، نعم لما كانت يختص
يومها باستحباب الجمع ذكر فيه ذلك، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من المناقشة
32

في بعض أدلة تلك المسألة بأنه لا يخص الجمعة في غير محله، ضرورة أنه لم يظهر منهم إرادة
اختصاصها من دون ملاحظة الجمع، فحينئذ يتجه السقوط أيضا هنا، لأن الظاهر من
النصوص والفتاوى استحباب الجمع مطلقا صلى الظهر أربعا أو جمعة، على أن الحكم
غير مقيد باستحباب الجمع، بل وقوعه كاف في السقوط وإن لم يكن مستحبا كما يفهم
من تعليل كثير من الأصحاب، ولعله لذا نسبه غير واحد إلى الشهرة كما قيل، بل ربما
نسب إلى الأصحاب، بل عن الخلاف (ينبغي لمن جمع بين الصلاتين أن يؤذن للأولى
ويقيم للثانية) وفي كشف اللثام وكذا يسقط بين كل صلاتين جمع بينهما: أي لم يتنفل
بينهما كما قطع به الشيخ والجماعة، لأنه المأثور (1) عنهم (عليهم السلام) ثم حكى عن
الذكرى أن الساقط فيه أذان الاعلام لا أذان الذكر والاعظام، وقال: ولما لم يعهد
عنهم إلا تركه أشكل الحكم باستحبابه وإن عمت أخباره ولم يكن إلا ذكرا وأمرا بالمعروف.
قلت: وكأن ذلك كله لأنه مع الجمع كالصلاة الواحدة، ولأن المعهود منهم
(عليهم السلام) قولا وفعلا في حال استحباب الجمع وغيره ذلك، ففي صحيح عبد الله
ابن سنان (2) عن الصادق (ع) (أن رسول الله صلى الله عليه وآله)
جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير
علة بأذان وإقامتين) وفي صحيح عمر بن أذينة (3) عن رهط منهم الفضيل وزرارة
عن أبي جعفر (ع) (أن رسول الله صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر
والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين) وفي خبر
صفوان (4) الجمال (صلى بنا أبو عبد الله (ع) الظهر والعصر عندما زالت

الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل الباب 32 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 11 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل الباب 32 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 11 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل الباب - 31 - الباب - 31 - من أبواب المواقيت - الحديث 2
33

الشمس بأذان وإقامتين، وقال: إني على حاجة فتنفلوا) مضافا إلى ما ورد في
المسلوس (1) والمستحاضة من سقوط الأذان للفرض الثاني، وما ذاك إلا للجمع المشروع
له، وما تسمعه في ظهري عرفة وعشائي المزدلفة، وما سمعته في الجمعة والعصر وفي الورد
الواحد من القضاء وغير ذلك، ومن الجميع بمعونة فهم الأصحاب يحصل الظن أن العلة
في السقوط في الجميع الجمع، بل منه حينئذ يظهر أن الأقوى التحريم وفاقا للمحكي عن
صريح بعض وظاهر آخرين لما سمعته مفصلا، لكن قد يناقش في ذلك كله بأنه ليس
في شئ من النصوص إشارة إلى العلة المزبورة كي يصح الاستناد إليها، ولا شهرة محققة
عليها، وإنما وقعت في كلام بعضهم المحتمل للتقريب ونحوه مما يذكر بعد النص على الحكم
كما هي عادتهم، ولم يكن المنقول عنهم (عليهم السلام) استمرار الجمع في غير محل استحبابه
على وجه يعلم منه أفضلية الترك، وأقصى الأخبار المزبورة أنه فعل، ولعل ترك الأذان
فيه كالجمع لبيان الرخصة والتوسعة، كما صرح بهذا التعليل في بعض نصوص الجمع لما سئل
عنه من جهة تعارف التفريق، خصوصا من عادته صلى الله عليه وآله وكذا الترك في نصوص
المسلوس والمستحاضة فلعله كالجمع للمحافظة، والقضاء قد عرفت أن الأفضل فيه الاتيان
بالأذان، وعن مجمع البرهان الاجماع على عدم التحريم في الجمع في غير موضع الندب
، وعن الروض أنه لا قائل به.
ومن ذلك يعلم أن ليس العلة في السقوط الجمع، وإلا ما اختلف معلولها رخصة
وحرمة أو كراهة كما عرفت الحال فيه وفي الجمع بين الجمعة والعصر، فالاطلاقات
والعمومات حينئذ لحالها كافية في شرعية العبادة التوقيفية، وعدم معهودية أذان منهم
(عليهم السلام) فيما جمعوا فيه لا ينافي استفادة الشرعية من الاطلاقات والعمومات بعد
أن لم يعلم استمرارهم على الجمع المتروك فيه الأذان، نعم هو متجه فيما علم ذلك فيه كالجمعة

(1) الوسائل الباب - 19 من أبواب نواقض الوضوء الحديث 1 من كتاب الطهارة
34

والعصر وظهري عرفة وعشائي المزدلفة لا مطلقا خصوصا إذا لم يكن الجمع مستحبا،
فإنه لا لفظ يدل على السقوط بحيث لا يندرج في العمومات السابقة، ولا مداومة بل إن اتفق منهم ذلك أحيانا فلعله لبيان الرخصة كأصل الجمع، واستفادته من السقوط
حال استحباب الجمع بناء عليه من القياس المحرم عندنا، بل يمكن الفرق باحتمال إشعار
استحباب الجمع باتصال الصلاتين وعدم التفريق بينهما ولو بالأذان، ومع هذا الاحتمال
فيه وفي الفعل السابق يبقى العمومات سالمة عن المعارض، وخبر حفص (1) مع أنه في
خصوص الجمعة قد عرفت البحث في دلالته المؤيد زيادة على ما سمعت بعدم استناد أكثر
الأصحاب إليه في الحكم هنا، بل عللوه بالجمع ونحوه، ولعله لهذا حكي عن نص المقنعة
والأركان والكامل والمهذب والسرائر عدم السقوط فيما لو صلى الظهر أربعا في يوم
الجمعة فضلا عن الجمع بين الظهرين في غيرها، بل ربما استظهر أيضا من جامع الشرائع
حيث نسب القول بالسقوط إلى القيل، بل عن ابن إدريس أنه مراد الشيخ أيضا،
وكأنه مال إليه في كشف اللثام، وقد عرفت أنه لا يخلو من قوة، خصوصا مع ملاحظة
قاعدة التسامح التي لا يعارضها احتمال التحريم بعد أن كان منشأه التشريع، وأولى منه
بعدم السقوط الجمع في غير محل الاستحباب، نعم هو رخصة لا تنافي الندب.
وعلى كل حال فقد عرفت أن المتجه التحريم على تقدير السقوط وفاقا للمحكي
عن النهاية وغيرها، بل ربما ظهر من بعضهم أن القائل بها هناك قائل بها هنا لا الكراهة
وإن نص عليها كما قيل في مفروض موضوع أصل المسألة في المنتهى والمختلف وغيرهما،
لكن قد عرفت ما فيها هناك، اللهم إلا أن يكون الأذان عنده ليس عبادة، بل القربة
شرط في ثوابه لا صحته، وهو مقدمة للصلاة، وربما يشعر بذلك تقييد بعض مراتب

الوسائل - الباب - 49 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1 من كتاب الصلاة
35

ثواب التأذين في بعض (1) نصوصه بالاحتساب، بل قد يشعر به ظهور النصوص (1)
في أن الحكمة فيه نداء المكلفين أو الملائكة أو نحو ذلك، لكن لا ريب في أن الأقوى
خلاف ذلك وأن أذان الصلاة من العبادات للأصل في الأوامر، نعم هو متجه في أذان
الاعلام كما تقدمت الإشارة إليه، ويمكن أن تكون الكراهة فيه نحوها في الصلاة في
الأوقات الخمس الوصوم في السفر ونحوهما مما لا بدل له.
وقد قيل: إن الكراهة في ذلك بمعنى أنه أقل ثوابا بالنسبة إلى نفس الطبيعة
لا أنه أقل ثوابا من فرد آخر، وفيه أن ذلك لا يقتضي مرجوحية الفعل بالنسبة إلى
الترك المستفادة من المداومة والمواظبة عليه، اللهم إلا أن يكون منشأ تلك القلة مفسدة
في ذلك الفرد يرجح مراعاتها على مراعاة الثواب الحاصل بسبب الفعل، ولا ينافي ذلك
العبادة عند التأمل لكثير من أوامر السادة والعبيد، ولتمام كشف المسألة محل آخر.
هذا كله لو جمع يوم الجمعة بين أربع الظهر والعصر، أما لو فرق بينهما بنافلة
أو نحو ما فلا سقوط للأذان، للاستصحاب، والاطلاقات والعمومات السالمة عن
المعارض، وخصوص خبر زريق (3) عن الصادق (ع) المروي عن أمالي
الشيخ أنه (ربما كان يصلى يوم الجمعة ركعتين إذا ارتفع النهار، وبعد ذلك ست ركعات
أخر، وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذن وصلى ركعتين، فما يفرغ
إلا مع الزوال، ثم يقيم لصلاة الظهر، ويصلي بعد الظهر أربع ركعات ثم يوذن ويصلي
ركعتين ثم يقيم فيصلي العصر) بناء على حصول التفريق بذلك كما ستسمع تمام الكلام
فيه، وخبر حفص قد عرفت الحال فيه، وإطلاق بعض الأصحاب سقوط أذان العصر

(1) الوسائل الباب 2 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب 19 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 14 و 15
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4 مع الاختلاف
36

يوم الجمعة بقرينة التعليل في الكتب الاستدلالية منهم منزل على غير هذه الصورة.
فصار حاصل البحث أن الصور أربعة بل خمسة: الجمع بين الجمعة والعصر،
والتفريق بينهما، والجمع بين الظهر والعصر في يومها، والتفريق بينهما، والجمع بين
الفرضين في غير محل استحبابه، والظاهر عدم السقوط في صورتي التفريق، بل ولا في
الصورة الأخيرة على إشكال وإن اختصت بالرخصة، وأما صورتا الجمع في يومها فالثانية
منهما فيها البحث المزبور، وأما الأولى فلا إشكال في السقوط فيها، والأقوى كونه عزيمة.
(وكذا في) الظهر و (العصر بعرفة): أي عرفات، فإنه لا خلاف أجده
في سقوطه فيها، بل عن حج التذكرة وصلاة المنتهى نسبته إلى علمائنا، بل عن حج
الخلاف والغنية والمنتهى الاجماع على أنه إذا صلى منفردا يجمع بينهما بأذان وإقامتين،
كما أن في المحكي عنها وعن حج الدروس والتذكرة وغيرها الاجماع أيضا على سقوطه في
عشائي مزدلفة، وقال الصادق (ع) في صحيح عبد الله بن سنان (1):
(السنة في الأذان يوم عرفة أن تؤذن وتقيم الظهر ثم تصلى ثم تقيم للعصر بغير أذان،
وكذلك المغرب والعشاء بمزدلفة) وقال أيضا في صحيح منصور بن حازم (2) (صلاة
المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين) وأرسل في الفقيه (3) (إن رسول الله
صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بعرفة بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب
والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين) إلى غير ذلك من النصوص.
بل الظاهر كون السقوط عزيمة أيضا وفاقا لصريح البعض، وظاهر التعبير بالبدعة
من آخر لعين ما سمعته سابقا في الجمعة، خلافا لأول الشهيدين في بعض كتبه وثاني
المحققين فمكروه، وقد سمعت ما في الدروس، والبحث البحث، فلا نعيده.

(1) الوسائل الباب 36 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 36 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل الباب 34 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
37

بل لعل الأمر كذلك هنا فيما لو فرق بينهما بالنافلة مثلا وخالف المستحب وإن
أطلق النص والمتن وغيره من الفتاوى، إلا أنه يمكن دعوى انسياق حال الجمع من
ذلك، فإنه الموظف، بل علل السقوط غير واحد به، وإن كان المحكي عن السرائر
تعليله بخصوصية المكان، كما أنه يمكن انسياق إرادة المكان المخصوص مما أطلق فيه عرفة
كالمتن والقواعد، وإن كان محتملا لإرادة يوم عرفة مطلقا كما في الصحيح السابق (1)
وغيره من النصوص المحتمل لإرادة يوم المضي إلى عرفة، بل لعله المنساق، اقتصارا
على متيقن من الاطلاقات والعمومات والاستصحاب، والله أعلم بحقيقة الحال، هذا.
وقد عرفت في بحث المواقيت المراد بالتفريق وأنه لا يحصل الموظف منه بمجرد
إيقاع النافلة بين الفرضين، لكن عن السرائر في بحث الجمعة والحج (إن الجمع أن لا
يصلى بينهما نافلة، وأما التسبيح والأدعية فمستحب ذلك، وليس بمانع للجمع) ونحوه
عن الروض هنا، بل قيل: إنه المستفاد من كل من علل السقوط هنا بعدم الاتيان
بالنوافل، وهم جماعة، وقد سمعت جواب المصنف لتلميذه في بحث المواقيت، كما أنك
سمعت تفسيره به في كشف اللثام، لكن قال: نعم الظاهر عدم السقوط بمجرد عدم
التنفل وإن طال ما بينهما من الزمان حتى أوقع الأولى في أول وقتها والثانية في آخر
وقتها مثلا، وكأنه إليه يرجع ما في المحكي عن الكفاية من أنه يعتبر مع عدم التنفل
صدق الجمع عرفا، ولعل ذلك كله لأصالة عدم السقوط مع عدم حذف النافلة، ولقول
أبي الحسن (ع) في موثق محمد بن حكيم المروي (2) في الكافي (إذا جمعت
بين الصلاتين فلا تطوع بينهما) بل في موثقة الآخر (3) عنه (ع) أيضا
(الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن بينهما تطوع، فإذا كان بينهما تطوع فلا جمع) المراد

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 33 - من أبواب المواقيت - الحديث - 2 - 3 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 33 - من أبواب المواقيت - الحديث - 2 - 3 من كتاب الصلاة
38

من التطوع فيهما النافلة، لندرة القائل بحصول التفريق بالتعقيب ونحوه، بل هو غير
معلوم، نعم نقل عن بعض احتماله، وكونه موافقا لحقيقة الجمع لا يعارض المفهوم
من النصوص ولو بواسطة الفتاوى، فحينئذ تتم دلالة الخبرين خصوصا على رواية الأخير
منهما على المطلوب، مضافا إلى خبر زريق السابق (1) بل قد يشعر به في الجملة أيضا
خبر صفوان الجمال (2) السابق آنفا بل وخبر الحسين بن علوان (3) عن جعفر بن
محمد (عليهما السلام) قال: (رأيت أبي وجدي القاسم بن محمد يجمعان مع الأئمة
المغرب والعشاء في الليلة المطيرة. ولا يصليان بينهما شيئا) وإن كان قد يقال: إنه
لا دلالة في اتفاق عدم التنفل حال الجمع على اعتبار ذلك فيه، بل ربما ظهر من خبر
أبان بن تغلب (4) خلاف ذلك، قال (صليت خلف أبي عبد الله (ع)
المغرب بالمزدلفة فلما انصرف أقام الصلاة فصلى العشاء الآخرة لم يركع بينهما، ثم صليت
معه بعد ذلك بسنة فصلى المغرب ثم قام فتنفل بأربع ركعات ثم أقام فصلى العشاء الآخرة)
بل وصحيح أبي عبيدة (5) قال: (سمعت أبا جعفر (ع) يقول: كان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلى المغرب ثم يمكث
قدر ما يتنفل الناس ثم أقام مؤذنه ثم صلى العشاء) وفي خبر ابن سنان (6) (شهدت
صلاة المغرب ليلة مطيرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فحين كان قريبا
من الشفق نادوا (7) وأقاموا الصلاة فصلوا المغرب ثم أمهلوا الناس حتى صلوا ركعتين،
ثم قام المنادي في مكانه في المسجد فأقام الصلاة فصلوا العشاء ثم انصرف الناس إلى

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 1
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 1
(5) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب المواقيت - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 1
(7) وفي النسخة الأصلية " ثاروا " بدل " نادوا " والصحيح ما أثبتناه
39

منازلهم، فسألت أبا عبد الله (ع) عن ذلك فقال: نعم قد كان رسول الله
صلى الله عليه وآله عمل بهذا).
مضافا إلى إمكان تأييده باستبعاد تركه صلى الله عليه وآله النافلة في بعض
أفراد الجمع المروية عنه، وأنه فعل ذلك بغير عذر ولا علة وليس في صحيح الرهط (1)
وغيره من نصوص الجمع ترك النافلة معه، فلعله تنفل مع الجمع، بل المنساق إلى الذهن
من نصوص الجمع إرادة أنه لم يفرق بين الصلوات التفريق المعهود، ولعله لذا كان
الظاهر من تعليل جماعة السقوط بأن الأذان للوقت ولا وقت للعصر حيث تكون
واقعة في فضيلة الظهر أن مدار الجمع فعل الفرضين معا في وقت واحدة منهما، بل ما
عن الفاضلين والشهيدين والعليين وغيرهم - أن الجمع إن كان في وقت الأولى كان الأذان
مختصا بها، لأنها صاحبة الوقت ولا وقت للثانية، وإن كان في وقت الثانية أذن أولا
لصاحبة الوقت وأقام لكل منهما - لا يخلو من إيماء إلى ذلك وإن كان لا شاهد في شئ
من النصوص على هذا التفصيل، بل ظاهرها خلافه، ضرورة عدم مدخلية الوقت في
أذان الصلاة، وإرادة أذان الاعلام بل هو صريح المحكي عن بعضهم واضحة الفساد،
على أن الجمع بينهما قد يكون بايقاع الأولى في آخر وقتها والثانية في أول وقتها كما في
المستحاضة ونحوها، وحينئذ فالمتجه بناء على مراعاة الوقت الأذان لهما وإن جمع بينهما،
كما أن المتجه بناء على ذلك عدم أذان للثانية لو وقعت في آخر وقت الأولى التي يفرض
وقوعها في أول وقتها، بل منه ينقدح أنه لا جهة لتحديد الجمع بذلك، فإن مثل
المفروض لا يعد جمعا لغة ولا عرقا ولا شرعا، والمتجه فيه عدم سقوط الأذان،
خصوصا مع الاشتغال بما لا ربط له في الصلاة في مدة التخلل، ولعل المتجه مع ملاحظة
ما سلف لنا في المواقيت أن المدار في التفريق على الزمان، لكن لا يعتبر فيه في مثل
الظهرين التأخير للمثل، نعم هو فرد منه، بل لعله الكامل كما أوضحنا ذلك في المواقيت

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب المواقيت - الحديث 11
40

وفي جميع أفراده لا يسقط الأذان.
أما مع عدم حصول شئ منها ولكن فصل في النافلة فالجمع بين النصوص
السابقة يقتضي السقوط أيضا لكن ليس كالسقوط حال عدم التنفل، ضرورة كونه
الفرد الكامل من الجمع، بل يمكن بناء على حرمة الأذان حال الجمع اختصاصها بحال
عدم التنفل دون التنفل، وعلى الكراهة فلا ريب في أنها فيه آكد، فاختلفت حينئذ
أفراد الجمع كاختلاف أفراد التفريق، والله أعلم.
(ولو صلى الإمام جماعة وجاء آخرون لم يؤذنوا ولم يقيموا على كراهية ما دامت
الأولى لم تتفرق، فإن تفرقت صفوفهم أذن الآخرون وأقاموا) بلا خلاف أجده في
ذلك في الجملة، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، للنصوص المستفيضة، ففي خبر (1)
زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) (دخل رجلان المسجد وقد صلى علي (ع)
بالناس فقال لهما: إن شئتما فليؤم أحد كما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم) والسكوني (2)
عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (إنه كان يقول: إذا دخل الرجل المسجد
وقد صلى أهله فلا يؤذنن ولا يقيمن ولا يتطوع حتى يبدأ بصلاة الفريضة، ولا يخرج
منه إلى غيره حتى يصلي فيه) وأبي علي (3) قال: (كنا جلوسا عند أبي عبد الله
(ع) فأتاه رجل فقال: جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا
وجلس بعض في التسبيح فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك
فقال أبو عبد الله (ع) أحسنت، ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع، فقلت:
فإن دخلوا فأرادوا أن يصلوا فيه جماعة قال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو بهم

(1) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3 - 2
41

إمام) وأبي بصير (1) (سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلم فقال: ليس
عليه أن يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان)
وخبره الآخر (2) (قلت لأبي عبد الله (ع): الرجل يدخل المسجد وقد
صلى القوم أيؤذن ويقيم؟ قال: إن كان دخل معهم ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم
وإقامتهم، وإن كان تفرق الصف أذن وأقام) وفي المحكي عن كتاب زيد النرسي عن
عبيد بن زرارة (3) عن الصادق (ع) (إذا أدركت الجماعة وقد انصرف
القوم ووجدت الإمام مكانه وأهل المسجد قبل أن يتفرقوا أجزأك أذانهم وإقامتهم
فاستفتح الصلاة لنفسك، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ
إقامة بغير أذان، وإن وجدتهم تفرقوا وخرج بعضهم من المسجد فأذن وأقم لنفسك).
فما في المدارك - من التوقف في هذا الحكم من أصله بعد أن اقتصر على إيراد
أحد خبري أبي بصير وخبر أبي على مستندا له قال: لضعف مستنده باشتراك راوي
الأول وجهالة راوي الثاني - في غير محله قطعا بعد الانجبار بما عرفت والاعتضاد بما
سمعت، على أنه لا اشتراك قادح في أبي بصير كما حقق في محله، وأبو علي الحراني (4)
يحتمل أنه سلام بن عمر الثقة، فيكون الخبر صحيحا في طريقيه إن لم يكتف في صحة
الخبر بصحة سنده إلى من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وإلا فلا تقدح
جهالته، لأن في أحد طريقيه ابن أبي عمير، والآخر الحسين بن سعيد عنه، وهما معا
ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهما.
وأما ما قيل من أنه يلوح من الإرشاد والموجز وموضع من المبسوط قصر الحكم

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2
(3) المستدرك - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(4) وفي النسخة الأصلية " الحرابي " والصحيح ما أثبتناه
42

على الأذان فقد يراد منه ما يشمل الإقامة، وإلا فلا ريب في ضعفه، لتطابق النصوص
والفتاوى على سقوطهما معا، وما في المحكي عن كتاب زيد مع ظهور السقط فيه إنما هو
في خصوص المنصرفين عن الصلاة وهم جلوس لم يخرج بعضهم عن المسجد ولم يتفرقوا،
وهو خارج عن موضوع المسألة كما ستعرف، أو أخص منه، على أنه قاصر عن معارضة
ما عرفت من النصوص المعتضدة بالفتاوى، كقصور موثق عمار - (1) سئل الصادق
(ع) (عن الرجل أدرك الإمام حين سلم قال: عليه أن يؤذن ويقيم ويفتتح
الصلاة) وخبر معاوية بن شريح (2) في حديث قال: (ومن أدركه وقد رفع رأسه
من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة، فليس عليه أذان ولا إقامة،
ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة) - عن معارضة النصوص السابقة، ولذا
حملا على إرادة بيان الجواز في مقابل الرخصة أو الكراهة، أو على إرادة صورة
التفرق وإن كان لا يخفى ما فيهما، وأولى منهما طرحهما أو حملهما خصوصا الثاني منهما
على إرادة بيان انتهاء الدخول في الجماعة بحيث تحصل له فضيلة الجماعة، فكني حينئذ
بالأذان والإقامة عن عدم مشروعية الدخول فيها والاستغناء عن الأذان والإقامة من
حيث إدراك الصلاة جماعة من غير تعرض لباقي الحيثيات التي منها عدم تفرق الجماعة
حتى ينافي ما سمعت، بل يمكن دعوى سياقهما لبيان ذلك خصوصا الثاني منهما.
ومنه يعلم ضعف ما عن الصدوق من الفتوى بمضمون موثق عمار وإن حكي عن
الأستاذ الأكبر تأييده أوفق بالعمومات والتأكيدات الواردة في الأذان والإقامة،
مضافا إلى ما في أخبار السقوط من الاختلاف حتى أن رواية السكوني في غاية التأكيد
في المنع مطلقا من دون قيد التفرق، فهي أوفق بمذاهب العامة وأليق بالحمل على الاتقاء

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 4
43

من حيث ندور وجود الإمام الراتب في مسجد من الشيعة في زمانهم، إذ هو كما ترى
من غرائب الكلام، فإن رفع اليد عن النصوص المعمول بها بين الأصحاب المعتبر سند
بعضها في نفسه التي ليس اختلافها إلا بالاطلاق والتقييد كما ستعرف بموثق عمار الذي
قد عرفت الحال فيه وموافق لمذهب أبي حنيفة مخالف لأصول المذهب، لكنه هو
أدرى بما قال، فتأمل.
وكيف كان فقد يقوى كون هذا السقوط على الحرمة وإن قل القائل به صريحا
إذ لم يحك إلا عن المقنعة والتهذيب في خصوص الصلاة جماعة، بل في كشف اللثام
الاقتصار على نسبته للثاني منهما، وأما ما عن موضع من الفقيه والمبسوط وبعض نسخ
السرائر من المنع عن الصلاة جماعة في المسجد الذي صلي فيه تلك الصلاة جماعة، ومنه
يستفاد تحريم الأذان بالأولى فهو خارج عما نحن فيه، نعم حكى التحريم في المفاتيح عن
بعض الأصحاب، ولعله فهمه من التعبير بالسقوط والنفي ونحوهما في جملة من كتب
الأصحاب، لكن على كل حال لا يخفى قوته، لأصالة عدم المشروعية، والنهي في
خبري زيد والسكوني المراد منه بقرينة خبر أبي علي الحراني الحرمة لا رفع الندب
السابق قياسا على الأمر عند توهم الحظر، والاستصحاب بعد القطع بتغير الحال غير
جار كالعمومات التي لا ريب في تخصيصها، وخبرا عمار ومعاوية بن شريح - مع
ظهورهما في المنفرد وموافقتهما للمحكي عن أبي حنيفة - قد عرفت الحال فيهما، والاجزاء
في المروي عن كتاب زيد غير مراد منه أقل المجزي قطعا، وإلا لكان الفضل في الفعل،
وهو واضح البطلان، ومن ذلك يظهر ما في القول بالكراهة فضلا عن القول بالرخصة
الذي ينافيه خبر أبي على الحراني.
وكيف كان فالظاهر عدم اختصاص الحكم بالمؤذن والمقيم بل هو عام لمن أذن
لهم وأقام ممن كان مريد الاجتماع في الصلاة، كما أن الظاهر من النصوص عدم اختصاصه
44

أيضا بالجماعة بل يعمه والمنفرد، فيسقط عنه الأذان والإقامة لصلاته أيضا وفاقا لجماعة،
لا للأولوية لعدم وضوحها على وجه تكون به حجة، بل لظاهر النصوص السابقة،
بل صريح بعضها، وخبر زيد لا دلالة فيه على نفي ذلك كي يكون معارضا، فما عساه
يظهر من ترتيب الحكم على الجماعة في عبارة جماعة من أصحابنا من نفيه في المنفرد لا ريب
في ضعفه، ولعل عبارة المتن وما ضاهاها غير مراد منها خصوص الجماعة في الصلاة وإن
عبر بمجئ الجماعة، كما أنه يمكن عدم إرادة المقتصر عليها نفيه في المنفرد، فدعوى
الشهرة والمعظم على الاختصاص لا تخلو من نظر، على أن المتبع الدليل، وقد عرفت
مقتضاه، بل ليس فيما سمعته من النصوص تعرض الاعتبار الجماع أصلا سوى ما في
خبر زيد، وظهوره ولو بالمفهوم في اشتراط السقوط بالجماعة على وجه يعارض ظاهر
باقي النصوص محل منع، بل يمكن دعوى كون المراد منه أنكما إن شئتما أن يؤم أحدكما
صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم فافعلا. فإن ذلك لكما في هذا الحال، فتأمل جيدا.
ولا فرق في أذان المنفرد الممنوع منه ولو على جهة الكراهة بين السر والعلانية،
للاطلاق المزبور، فما عن المبسوط من جواز الأذان سرا أو استحبابه لا دليل عليه،
بل ظاهر الأدلة خلافه كما هو واضح.
وكذا ظاهر المتن وغيره مما لم يتعرض فيه لذكر المسجد عدم اعتباره في هذا
الحكم وفاقا لصريح جماعة، لاطلاق أحد خبري أبي بصير، وظهور الجواب في غيره
في أن المدار على تفرق الجماعة وعدمه، ودخوله في الشرط في خبر أبي علي خارج
مخرج الغالب.
نعم يعتبر اتحاد المكان عرفا، كما أنه على تقدير اعتبار المسجد نعتبر ذلك
أيضا، فمتى تعدد لم يسقط، اقتصارا في الخروج من العمومات على المتيقن المنساق إلى
الذهن من النصوص الموافق لمقتضى الحكمة التي هي بحسب الظاهر إجراء حكم الجماعة
45

بالنسبة إلى ذلك على مدركها قبل التفرق، ولذا لم يختص الحكم بالمسجد، خلافا لظاهر
جماعة وصريح آخرين بل قيل المعظم، اقتصارا على المتيقن، وفيه ما عرفت، كما أن
ما في كشف اللثام - من احتمال الاكتفاء في السقوط ببلوغ صوت المؤذن وإن لم يتحد
المكان - فيه ما لا يخفى أيضا، قال: وهل يشترط اتحاد المكان ولو عرفا أو يكفي بلوغ
صوت المؤذن؟ وجهان.
ولا يعتبر اتحاد الصلاة أيضا، لاطلاق الأدلة، خلافا لبعضهم بل ربما قيل
المعظم وإن كنا لم نتحققه، اقتصارا على المتيقن، بل في كشف اللثام أنه المتبادر من
الأخبار والعبارات، وفيه أن ظاهر الدليل حجة كاليقين أيضا، ودعوى التبادر بحيث
لا تصلح لتناول الغير ممنوعة.
نعم يمكن القول بعد سقوط أذان الأداء بادراك جماعة القضاء عن النفس
والغير وبالعكس على إشكال، خصوصا في الأخير الذي قد تردد فيه في الحدائق.
أما جماعة غير اليومية فلا يسقط بها أذان اليومية قطعا، كما أنه لا يسقط أيضا
بجماعة اليومية المعلوم انعقادها بلا أذان ولا إقامة، لظهور النصوص، خصوصا أحد
خبري أبي بصير في دخول الجائي واستغنائه بأذان الأولى، نعم لا يشترط العلم بأذانها
لظهور الحال، وفي استغناء الجائي ثالثا مثلا مع الصلاة جماعة أو فرادى بادراك الجماعة
الثانية المستغنية عن الأذان بادراك الأولى وجهان، من الأصل والعمومات التي
لا تعارضها نصوص المسألة بعد ظهورها في غير ذلك، ومن تنزيل الشارع لها بادراكها
الأولى غير متفرقة منزلتها، بل وكذا الوجهان في الثاني إذا كان الجماعة الأولى غير
مؤذنة ولا مقيمة لاستغنائها عنهما بسماعهما بناء عليه، وإن أمكن إبداء فرق
ما بين الموضوعين.
وكيف كان فقد اعتبر المصنف كجماعة من الأصحاب في السقوط عدم تفرق
46

الأولى للنصوص السابقة المحمول إطلاق ما في خبري زيد (1) والسكوني (2) منها
على المقيد الذي هو خبرا أبي بصير (3) والمحكي في كتاب زيد (4) فاحتمال السقوط
مطلقا عن الجماعة الثانية لتلك الصلاة - بل هو صريح المحكي عن المبسوط أو ظاهره عملا
باطلاق خبر السكوني الظاهر في المنفرد وخبر زيد، وطرحا لخبري أبي بصير وغيرهما -
في غير محله قطعا، كالذي سمعته سابقا عن الصدوق من العمل بموثق عمار مع طرح
باقي الأخبار.
إنما البحث في أن المدار على تفرق الجميع بحيث يبقى السقوط مع بقاء الواحد،
أو على بقاء الجميع بحيث إذا مضى واحد يسقط السقوط، أو على الأكثر تفرقا وبقاء
بمعنى تحقق السقوط مع بقائهم وعدمه مع تفرقهم، أو على العرف في صدق التفرق
وعدمه من غير ملاحظة شئ من ذلك أقوال، صرح جماعة بالأول، بل ربما استظهر
أيضا ممن عبر بلفظ تفرقوا ونحوه لترك الاستفصال في خبر أبي علي، وقول الصادق
(عليه السلام) في خبر أبي بصير: (فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان) إلى آخره.
كقوله (عليه السلام) في خبره الآخر: (وإن كان تفرق الصف أذن وأقام) إذ المراد
بالصف المصطفين (5) كناية عن الجماعة، فاعتبار تفرقهم يقضي بالاستغراق كضمير
الجمع، بمعنى أنه لا بد من افتراق كل واحد عن الآخر، ومع بقاء الواحد مثلا معقبا
لا يتحقق ذلك، لكن فيه أنه خلاف المنساق عرفا من صدق التفرق، ضرورة تحققه

(1) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 و 2
(4) المستدرك - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(5) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " المصطفون " بقرينة ما يأتي من قوله
قدس سره: " إن المراد من الصف المصطف "
47

بانصراف الأكثر مثلا، بل بمجرد سيلان الجماعة في الأزقة من غير ملاحظة الأقل
والأكثر كما يومي إليه المحكي من كتاب زيد، وترك الاستفصال في خبر أبي علي لعله
لحمل الإمام فعله على الصحة، لأن منعه ودفعه للمؤذن عن الأذان يقضي بكون البعض
الخارج لا يتحقق معه صدق التفرق، على أن خبر أبي علي ضعيف لا يصلح لتخصيص
العمومات وتقييد المطلقات من دون جابر، ولا شهرة محققة على الاكتفاء في السقوط
ببقاء الواحد تجبره، مضافا إلى ما في ذيله من النهي عن أن يبدر بهم إمام مما لا عامل
به فيما أجد إلا الصدوق والشيخ في موضع من الفقيه والمبسوط وبعض نسخ السرائر
إن كان المراد منه الكناية عن عقد جماعة ثانية لتلك الصلاة في ذلك المسجد، وحمله
على إرادة عدم ظهور إمام لهم مراعاة لراتب المسجد أولى قطعا، بل ينبغي القطع بفساد
الأول إذا كان المراد ما يشمل حال تفرق الجماعة بحيث لم يبق إمامها ولا مأمومها كما
يقتضيه ظاهر المحكي عنهم، فتأمل.
وتعليق الأذان والإقامة على تفرق الصف المدعى عدم تحققه مع بقاء الواحد
معارض بتعليق السقوط قبل ذلك على عدم تفرق الصف الذي لا يتحقق إلا مع بقاء
جميع المصلين فيه كما اعترف به في المدارك، ولعله مضافا إلى العمومات دليل القول
الثاني، لكنه - مع ندرة القائل به صريحا ومعارضة ذلك بالتعليق الثاني في الخبر المزبور
المعتضد بما في خبر أبي بصير الآخر وخبر أبي علي والمحكي عن كتاب زيد، وما سمعته
من دعوى عدم صدق التفرق عرفا بخروج البعض النادر بالنسبة إلى الباقي في الجماعة
الكثيرة - يشارك السابق في الضعف.
وأما الثالث فكان مرجعه إلى الرابع وإن وقع التحديد فيه بالأكثر، إلا أن
نظره بحسب الظاهر إلى الصدق العرفي المختلف بكثرة الجماعة وقلتها ونحوهما، نعم لا ريب
48

في انسياق الخروج من المسجد من التفرق في النصوص بل هو صريح المحكي عن كتاب
زيد، ولذا عبر به بعضهم، لكن لا يبعد إرادة الاعراض عن الصلاة وتعقيبها من
ذلك، وخص بالذكر جريا علي الغالب كما صرح به الشهيد في المحكي عن النفلية، وربما
كان ظاهر المحكي عن موضع من المهذب حيث عبر بانصرافهم عن الصلاة، بل لعله المراد
من باقي العبارات وإن كان بعيدا، وقد وقع في كشف اللثام هنا ما هو محتاج للنظر
والتأمل، خصوصا ما فيه من الفرق بين التعبير يتفرقوا وتفرق الصف، مع أن مرجع
الثاني إلى الأول كما عرفت، إذ المراد من الصف المصطف، والله أعلم.
(وإذا أذن المنفرد) ليصلي وحده (ثم أراد الجماعة) التي لم يكن قد أذن لها
(أعاد الأذان والإقامة) للأصل وإطلاق ما دل على استحبابهما لها، وخصوص موثق
عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) (في الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ
رجل آخر فيقول له: نصلي جماعة هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال:
لا ولكن يؤذن ويقيم) وهو - مع أنه من الموثق الذي هو حجة عندنا، ومعتضد
بالأصل والعمومات، ومنجبر بفتوى المشهور نقلا وتحصيلا، بل نسبه في الذكرى
إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه.. واضح الدلالة على المطلوب الذي هومن
السنن التي يتسامح فيها.
فمن الغريب ما في المعتبر من أن في هذه الرواية ضعفا، فإن في سندها فطحية،
لكن مضمونها استحباب تكرار الأذان والإقامة، وهو ذكر الله، وذكر الله حسن
على كل حال، والأقرب عندي الاجتزاء بالأذان والإقامة وإن نوى الانفراد، ويؤيد
ذلك ما رواه صالح بن عقبة عن أبي مريم الأنصاري (2) قال: (صلى بنا أبو جعفر

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) التهذيب ج 2 ص 280 - الرقم 1113 من طبعة النجف
49

(عليه السلام) في قميص بغير إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة، فلما انصرف قلت له:
صليت بنا في قميص بغير إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فقال: قميصي كثيف،
فهو يجزى أن لا يكون على إزار ولا رداء، وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم
فأجزأني ذلك) وإذا اجتزى بأذان غيره مع الانفراد فبأذانه أولى.
وأغرب منه اتباع غيره عليه كالفاضل في بعض كتبه وغيره، مع أن خبر
أبي مريم في غاية الضعف، لمعروفية صالح بن عقبة بالكذب، ويمكن منع الأولوية أولا،
واحتمال الفرق بقصده (عليه السلام) الجماعة التي هو إمامها، وعدم معلومية انفراد
جعفر (عليه السلام) ثانيا، وقد يقال في الجمع بين الخبرين باعتبار لفظ الاجزاء في
الثاني منهما بتفاوت مراتب الاستحباب، ولا ينافيه (لا يجوز) في الخبر الأول بعد
إمكان إرادة نفي الكمال منه بحمل ما في كلام السائل من الجواز عليه، وربما كان هو
مراد المصنف ومن تبعه، ولو أذن بقصد الجماعة ثم أريد الانفراد فالظاهر الاجتزاء
بالأذان الأول، والله أعلم.
(الثاني في المؤذن)
(ويعتبر فيه) إذا كان للجماعة والاعلام (العقل والاسلام) بلا خلاف أجده
بل الاجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر، بل يمكن القطع بكونه
المراد من النصوص (1) الواردة في مدح المؤذنين وما أعد لهم من الثواب والدعاء
بالمغفرة لهم وأنهم الأمناء ونحو ذلك ء مضافا إلى موثق عمار (2) سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) (عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟ قال: لا يستقيم
الأذان ولا يجوز أن يؤذن به إلا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان فأذن به ولم

(1) الوسائل - الباب - 2 و 3 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
50

يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به) وإلى ما قيل من أن الأذان عبادة،
ولا تصح من الكافر والمجنون، والمؤذنين أمناء، وهما معا ليسا محلا للأمانة، ومن
أنه لا يتصور وقوعه من الكافر، لأن التلفظ بالشهادتين إسلام، وإن كان في بعض
ذلك نوع تأمل، لما عرفت من أن أذان الاعلام ليس عبادة، وأن المراد مما ورد من
أمانة المؤذنين الحث على مواظبتهم على المواقيت والتحفظ، على أنه يمكن معرفة ذلك
بالاختبار، ولذا أمروا (عليهم السلام) بالصلاة بأذان المخالفين معللا بشدة مواظبتهم على
الوقت، والتلفظ بالشهادتين يمكن أن لا يكون إسلاما إذا كان استهزاء أو حكاية أو
غفلة أو تأولا عدم عموم النبوة، أو مع عدم المعرفة بمعناهما أو نحو ذلك، على أن الفرض
وقوعهما ممن يعلم عدم اعتقاده بهما، ومثله لا يحكم باسلامه بمجرد التلفظ المزبور قطعا،
اللهم إلا أن يراد منع كون ذلك مع أحد الأحوال المزبورة إذانا حينئذ بدعوى أنه قولهما
مع ظهور الاعتقاد بمضمونهما إجمالا أو تفصيلا، لا اللغو والاستهزاء ونحو ذلك، كما
يومي إليه ما ورد في علل الأذان في خبر الفضل بن شاذان (1) وما جاء في مدح
المؤذنين (2) وأن الله قد وكل بأصواتهم ريحا ترفعها إلى السماء، فإذا سمعت الملائكة
الأذان قالوا: هذه أصوات أمة محمد (صلى الله عليه وآله) بتوحيد الله عز وجل
ويستغفرون لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغوا من الصلاة (3) وغير ذلك،
لكن قد يخدش بأن من الكفار من يتلفظ بالشهادتين معتقدا بهما كالخوارج والغلاة
والنواصب ونحوهم ممن انتحل الاسلام.
وكيف كان فالعمدة في الاستدلال ما عرفته أولا، وأما الايمان فقد يظهر من

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 14
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الأذان والإقامة
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7
51

اقتصار المصنف وغيره على اشتراط الاسلام عدمه، ويشهد له أيضا معروفية الاجتزاء
بالأذان في الأزمنة السابقة التي لم يكن للشيعة مؤذن معلوم فيها، وكذا يشهد له العبارة
المنسوبة للشيخ وأكثر من تأخر عنه، وهي (يستحب قول ما يتركه المؤذن) ضرورة
شمولها إن لم تكن ظاهرة فيه للمخالف المنقص نحو (حي على خير العمل) بل عن
الكركي منهم التصريح بإرادة هذه الفقرة منها، وحينئذ فمقتضاه الاجتزاء بالأذان
المزبور مع الاتمام، كما هو ظاهر مستندها الذي هو قول الصادق (عليه السلام) في
خبر ابن سنان (1): (إذا نقص المؤذن الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم
ما نقص هو من أذانه).
لكن قد يناقش في ذلك كله بأنه لا يتم فيما كان عبادة منه كأذان الجماعة،
لعدم صحتها منهم، وبمخالفته الموثق المزبور المشترط فيه المعرفة الظاهرة في إرادة الايمان
كما لا يخفى على العارف بلسان النصوص وكثرة تعبيرها بذلك عن ذلك، إذ الذي لم
يعرف إمام زمانه لم يعرف شيئا وقد مات ميتة جاهلية، ولما وقع للشيخ وأكثر من
تأخر عنه كما قيل أيضا من أن المصلي خلف من لا يقتدى به يؤذن لنفسه ويقيم الظاهر
في إرادة المخالف، ضرورة الاعتداد بأذان الفاسق كما ستعرف، بل أظهر منه في ذلك
مستنده الذي هو خبر معاذ بن كثير (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إذا دخل
الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن
وأقام أن يركع فليقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله) وخبر محمد بن عذافر (3) عنه (عليه السلام) أيضا (أذن خلف من قرأت
خلفه) مضافا إلى موثق عمار المزبور، ولعله لذا صرح الشهيد وغيره باشتراطه، بل

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2
52

عن كشف الالتباس نسبته إلى الأصحاب عدا صاحب الموجز، ولعله أخذه من العبارة
المزبورة لهم التي يمكن عدم منافاتها للأولى المحمولة على إرادة بيان استحباب الاتمام في
نفسه إقامة للشعار الذي يجامع إعادة الأذان، ولا ينافي عدم الاعتداد، وإن كان قد
يناقش فيه بأنه مناف لخبر ابن سنان السابق، أو على إرادة أذان المؤذن الذي نقص
نسيانا أو تقية أو نحو ذلك، بل يمكن إرادة الكركي ذلك أيضا وإن ذكر (حي على
خير العمل) إذ لا يختص تركها بالمخالف، أو على أنه يستحب له الاتمام حيث يتعذر
عليه الإعادة تقية، ولعل هذا وسابقه أولى من الجمع بأن المخالف لا يعتد بأذانه إذا
لم يتمم وأما إذا جئ بما نقصه اعتد به، إذ هو مخالف لما عرفت من أن مقتضى الأدلة
عدم الاعتداد به لنفسه لا لنقيصته بل ولذكرهم استحباب الاتمام، ضرورة كونه على
هذا التقدير شرطا، بل ولاطلاقهم عدم الاعتداد بأذانه، هذا، وقد تسمع إن شاء الله
زيادة تفصيل لذلك عند تعرض المصنف، ويمكن أن يقال بعدم اشتراط الايمان في أذان
الاعلام بخلاف أذان الصلاة، لعدم كون الأول عبادة، وحصول حكمة المشروعية
ومعروفية الاجتزاء به في أزمنة التقية، وبه يجمع بين النصوص والفتاوى، والله أعلم.
(و) كذا يعتبر في المؤذن (الذكورة) لأصالة عدم السقوط بأذانها للاعلام
ولجماعة الرجال، ضرورة كون المنساق إلى الذهن من النصوص التي عبر في كثير منها
بصيغة الذكور الرجال، خصوصا مع تعارف ذلك فيهم، وتعارف الستر والحياء في
النساء، بل علل غير واحد من الأساطين الحكم هنا بأنه إن أسرت المرأة بالأذان
بحيث لم يسمعوا لا اعتداد به، وإن جهرت كان أذانا منهيا عنه، لأن صوتها عورة،
فيفسد للنهي، وإن أمكنت المناقشة فيه أولا بعدم ثبوت عورية صوت المرأة للسيرة
كصوت الرجل بالنسبة إليها، وثانيا بعدم كون أذان الاعلام عبادة، وثالثا بعدم
اشتراط السماع في الاعتداد، وإلا لم يكره للجماعة الثانية ما لم يتفرق الأولى ولا اللاحق
53

للأولى إذا سبقه الأذان، ورابعا بأن النهي عن كيفية الأذان، وهو لا يقتضي
فساده، ولو سلم فلا يتم فيما إذا جهرت وهي لا تعلم سماع الأجانب فاتفق أن سمعوه،
على أنه لا يتم فيما إذا كان الأذان لجماعة المحارم الذي صرح جماعة باعتدادهم به، كجماعة
النساء المجمع على مشروعية أذان المرأة لها، وخامسا باحتمال استثناء ما كان من قبيل
الأذكار وتلاوة القرآن كالاستفتاء ونحوه من الرجال.
وبغير ذلك كالاستدلال في المحكي عن المختلف لأصل الحكم بأنه لا يستحب الأذان
لها، فلا يسقط به المستحب، إذ هو واضح المنع، كاطلاق المصنف اشتراط الذكورة
الذي لا يلائم ما سمعت من الاجماع على مشروعية لهن واعتدادهن به، لكن قد
يعتذر عنه بأنه أطلق ذلك اعتمادا على ما سيصرح به من أنه لو أذنت المرأة للنساء جاز،
أما غيرهن من جماعة المحارم أو الأجانب مطلقا أو على بعض الوجوب فاطلاقه فيه في
محله، فإن الأقوى عدم الاعتداد به إن لم يكن إجماع على خلافه، كما عساه يفهم مما
تسمعه من معقد إجماع الكركي في الصبية بالنسبة للمحارم، لما عرفت من الأصل السالم
عن المعارض المعتد به مؤيدا ببعض ما سمعت، بما (1) ورد من أنه ليس عليهن
أذان ولا إقامة، وبغير ذلك، وإن أمكن المناقشة في جميع ما عداه حتى النصوص التي
قد عرفت في أول الأذان إرادة نفى التأكد منها لا المشروعية، فتأمل جيدا، فالعمدة
حينئذ الأصل المزبور، فما عن الشيخ في المبسوط من أنه إن أذنت المرأة للرجال جاز
لهم أن يعتدوا به ويقيموا، لأنه لا مانع منه - لا يخلو من نظر، كالمحكي عن جماعة من
الاعتداد به للمحارم كما عرفت.
(و) كيف كان ف‍ (لا يشترط البلوغ) في الأذان إجماعا محصلا ومنقولا

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 6 و 7
54

مستفيضا كالنصوص (1) (بل) متواترا ف‍ (يكفي كونه مميزا) حينئذ كما هو معقد
بعض الاجماعات المزبورة، ومندرج قطعا في النصوص (2) إذ احتمال إرادة خصوص
المراهق منها مع ذلك غلط، خصوصا بعد ملاحظة الفتاوى، فما عن بعض عبارات
النهاية - من أنه لا يؤذن ولا يقيم إلا من يوثق بدينه - يريد به إخراج المخالف، خصوصا
مع ملاحظة تصريحه قبل ذلك بالصبي، بل لعل الموثق (3) المزبور كذلك، فلا يقدح
حصر الأذان فيه في الرجل، وإلا وجب تخصيص مفهومه بذلك لما عرفت.
أما غير المميز فلا عبرة بأذانه كما صرح به جماعة، بل عن التذكرة الاجماع عليه
لمسلوبية عبارته، ولذا ساوى المجنون في أكثر الأحكام، وظهور النصوص في غيره،
بل لعله غير مراد من إطلاق الصبي في بعض العبارات، فلا يكون فيه حينئذ خلاف،
والمرجع في التمييز إلى العرف الذي هو أولى مما عن الروض من أنه الذي يعرف الأضر
من الضار والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب الناس،
إذ هو مع أنه رد إلى الجهالة غير واضح المأخذ، كالمحكي عن جماعة من التصريح بعدم
الفرق في الحكم المزبور بين الذكر والأنثى، ضرورة اختصاص النصوص ومعاقد
الاجماعات وأكثر الفتاوى بما لا يشملها من التعبير بالصبي والغلام ونحوهما، لكن
قد يظهر من جامع المقاصد الاجماع على الاجتزاء بأذان الصبية للنساء والمحارم، وللنظر
فيه مجال، والله أعلم.
(و) أما ما (يستحب) فيه لا على جهة الشرطية فهو (أن يكون عدلا)
بلا خلاف كما عن المنتهى، بل ظاهر نسبته إلى علمائنا في المحكي عنه وفي المعتبر أيضا

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأذان والإقامة
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث
55

الاجماع عليه، كالمحكي عن صريح التذكرة ونهاية الإحكام، فيجب إرادته حينئذ من
قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (يؤذن لكم خياركم) خصوصا مع قصوره من وجوه
عن إفادة الوجوب الشرطي، فحينئذ يعتد بأذان مستور الحال إجماعا في المحكي عن التذكرة،
بل وبأذان الفاسق وإن لم يكن مستور الحال، خلافا للمحكي عن الكاتب فلم يعتد بغير
أذان العدل، وفي كشف اللثام يحتمل أن يريد عدم الاعتداد به في دخول الوقت،
قلت: وكذا العدل لغير ذوي الأعذار كما مر البحث فيه في المواقيت وإن كان هو
مقتضى ما ورد من ائتمانهم القاضي بتصديقهم، فالأولى حينئذ إرادته عدم حصول
الموظف من نفي الاعتداد، وقد استوجهه الشهيدان في المستأجر أو المرتزق من بيت المال
للإمام أو المجتهد، لما فيه من كمال المصلحة، وفيه أنه لا دليل على وجوب مراعاة الكمال
عليهما، ولو سلم فليس شرطا في وظيفة الأذان بحيث لا يعتد به لو كان من فاسق، بل
هو تكليف آخر يأثم المجتهد بعدم مراعاته كما هو واضح.
والظاهر أن مرجع هذا الندب إلى المكلفين لا المؤذن، أي يستحب لهم في تأدية
هذه الوظيفة الكفائية اختيار الثقة العدل، وربما قيل: إن مرجعه الإمام والحاكم،
ولا بأس به إذا أريد ذلك حيث يكون لهما الاختيار وأنهما أحد المخاطبين بالوظيفة
المزبورة، فتأمل جيدا.
وكذا يستحب أن يكون (صيتا) بلا خلاف نقلا في المحكي عن المنتهى إن
لم يكن تحصيلا: أي شديد الصوت كما في الصحاح والمجمل والمحكي عن المحيط والمقاييس
وتهذيب الأزهري ومفردات الراغب، بل قيل: ونحوه ما ذكر في كتب الفقه من أنه
رفيع الصوت لما فيه من زيادة المبالغة في رفع شأن هذا الشعار، وللنبوي (2) (ألقه

(1) الوسائل - الباب 16 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
(2) تيسير الوصول ج 1 ص 210 وسنن أبي داود ج 1 ص 195 - الرقم 499
56

على بلال فإنه أندى منك صوتا) قال ابن فارس في المجمل: ندي الصوت بعد مذهبه
وهو أندى صوتا: أي أبعد، وزاد بعض استحباب كونه مع ذلك حسن الصوت
معللا له باقبال القلوب على سماعه، ولا بأس به بعد التسامح، وأما احتمال أنه المراد
من الأندى فيدفعه - مع أنه خلاف المصرح به كما سمعت - أنه مناف لجعله دليلا
للارتفاع، والأمر سهل بعد قاعدة التسامح.
وأن يكون (مبصرا) للاجماع المحكي عن التذكرة، وليتمكن من معرفة
الأوقات، وليس ذلك شرطا قطعا، للأصل والاطلاقات، فلو أذن الأعمى جاز بلا
خلاف كما في كشف اللثام، ولقد كان ابن أم مكتوم مؤذنا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
وهو أعمى إلا أنه كان لا ينادي إلا أن يقال له أصبحت أصبحت، ومن هنا حكي عن
المنتهى وغيره أنه يستحب أن يكون معه من يسدده، بل عن الدروس الكراهة بدون
مسدد، قلت: هو لا يتمكن غالبا من معرفة الوقت بدونه، ولعله لذا كان ظاهر المدارك
وكشف اللثام والمحكي عن جامع الشرائع اشتراط الجواز بالمسدد، ولعل مراد الجميع
واحد، والأمر سهل، وفاقد إحدى العينين من المبصر كغير صحيح العينين حتى
الأرمد وإن كان لا يناسبه التعليل المتقدم الذي هو أمر اعتباري يذكر بعد السماع،
وربما يقال بالنقصان فيهم، والله أعلم.
وأن يكون (بصيرا ب‍) معرفة (الأوقات) بلا خلاف في كشف اللثام،
وعليه فتوى العلماء في المعتبر، لأشدية عمى البصيرة من عمى البصر، واحتمال كونه المراد
من العارف المتقدم في أول البحث، ولعل مثل ذلك ونحوه كاف في إثبات الندب
المتسامح فيه، إذ ليس ذلك شرطا قطعا، لجواز الاعتداد بأذان الجاهل بلا خلاف
في كشف اللثام، بل إجماعا في المدارك، لكن في معقد الأول اشتراط المسدد،
والكلام فيه كالأعمى.
57

وكذا يستحب أن يكون (متطهرا) إجماعا في الخلاف والتذكرة والذكرى
والمحكي عن إرشاد الجعفرية، بل في المعتبر والمحكي عن المنتهى وجامع المقاصد من العلماء
إلا من شذ من العامة، بل في المعتبر عمل المسلمين في الآفاق على خلاف ما ذكره إسحاق
ابن راهويه من اشتراط الطهارة، كما أن في جامع المقاصد ليست الطهارة شرطا عند
علمائنا، بل في كشف اللثام الاجماع على عدم اشتراطها، بل هو قضية الاجماعات
السابقة على الاستحباب المزبور، ضرورة انحلال ذلك إلى حكمين: أحدهما رجحان
ذلك فيه، ولعل مستنده - بعد الاجماع وكونه من مقدمات الصلاة - المرسل في كتب
الفروع (لا تؤذن إلا وأنت متطهر) وآخر (1) (حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا
وهو طاهر) بل مقتضى الأول منهما الكراهة مع عدمه، وثانيهما عدم اشتراطه به،
للأصل وإطلاق الأدلة والاجماع المزبور، وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح
زرارة (2): (تؤذن وأنت على غير وضوء - إلى أن قال -: ولكن إذا أقمت فعلى
وضوء متهيأ للصلاة) والصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3) وابن سنان (4)
واللفظ للأول (لا بأس أن يؤذن الرجل من غير وضوء، ولا يقيم إلا وهو على وضوء)
وموثق أبي بصير (5) (لا بأس أن تؤذن على غير وضوء) وخبر إسحاق بن عمار (6)
(إن عليا (ع) كان يقول: لا بأس أن يؤذن المؤذن وهو جنب، ولا يقيم
حتى يغتسل) وسأل علي بن جعفر أخاه (ع) في المروي عن قرب الإسناد (7)
(عن المؤذن يحدث في أذانه وفي إقامته فقال: إن كان الحدث في الأذان فلا بأس،
وإن كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامة) وسأله أيضا في المروي عن كتابه (8)

(1) كنز العمال ج 4 ص 267 الرقم 5496
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 - 8 -
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 - 8 -
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 - 8 -
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 - 8 -
(6) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 - 8 -
(7) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 - 8 -
(8) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 - 8 -
58

(عن الرجل يؤذن أو يقيم وهو على غير وضوء يجزيه ذلك: قال: أما الأذان فلا بأس،
وأما الإقامة فلا يقيم إلا على وضوء، قلت: فإن أقام وهو غير وضوء أيصلى
بإقامته؟ قال: لا) إلى غير ذلك من النصوص.
بل الظاهر إجزاؤه لو أذن جنبا في المسجد كما صرح به الشيخ في الخلاف، بل
ربما استظهر منه الاجماع عليه، لعدم جزئية الكون منه، فلمعصية في اللبث لا تنافيه،
كالآذان في الدار المغصوبة بناء على أن التلفظ ليس تصرفا فيها، خلافا للفاضل وثاني
الشهيدين فلم يعتدا بأذانه في الأول فضلا عن الثاني، للنهي المفسد، ولا ريب
في ضعفه كما عرفت.
وكيف كان فقد بان لك أنه لا ريب في عدم اشتراطه بالطهارة، أما الإقامة
فظاهر النصوص السابقة ذلك، ولا معارض لها إلا الأصل المقطوع بها، والاطلاق
المقيد بها كذلك، ولذا حكي عن صريح الكاتب والمصباح للسيد وجمل العلم والعمل
المنتهى وظاهر المقنعة والنهاية والسرائر والمهذب الاشتراط المزبور، وفي كشف اللثام
وهو الأقرب للأخبار بلا معارض، ومال إليه في المدارك وغيرها، لكن المشهور نقلا
عن البحار ومجمع البرهان إن لم يكن تحصيلا العدم، بل في الروضة ليست شرطا عندنا،
وكأنهم حملوا الأخبار المزبورة على التأكد، كما أنه ينبغي حمل الأمر بالإعادة في خبر
علي بن جعفر (1) على الاستحباب أيضا بناء منهم على أن المطلق لا يحمل على المقيد في
المندوبات، لعدم التعارض عند التأمل، وفيه أنه لو سلم فليس في مثل المقام المشتمل
على النهي ونحوه، فالقول بالاشتراط أولى وأحوط، خصوصا بعد ما تسمعه من النصوص
الدالة على أنها من الصلاة، والله أعلم.
وكذا يستحب أن يكون (قائما) على المشهور، بل في التذكرة والمحكي عن

(1) الوسائل - الباب - 9 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث
59

المنتهى ونهاية الإحكام الاجماع عليه، بل في الأول نسبته إلى أهل العلم كافة، كما في
الثاني الاجماع على جوازه جالسا للأصل والاطلاقات، إلا أنه لا يخلو من كراهة لغير
الراكب والمريض جمعا بين خبر حمران (1) قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن الأذان جالسا فقال: لا يؤذن جالسا إلا راكب أو مريض) وقول أبي جعفر
(عليه السلام) أيضا في صحيح زرارة (2) (تؤذن وأنت على غير وضوء وفي ثوب
واحد قائما أو قاعدا وأينما توجهت، ولكن أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة)
وأبي الحسن (عليه السلام) (3) (يؤذن الرجل وهو جالس، ولا يقيم إلا وهو قائم
- وقال (عليه السلام) أيضا - تؤذن وأنت راكب، ولا تقيم إلا وأنت على الأرض)
والرضا (ع) في خبر ابن أبي نصر (4) المروي عن قرب الإسناد (تؤذن
وأنت جالس، ولا تقيم إلا وأنت على الأرض وأنت قائم).
وكيف كان فلا إشكال في عدم اعتبار القيام في الأذان لما عرفت، مضافا إلى
قول الصادق (ع) في خبر ابن أبي بصير (5): (لا بأس بأن تؤذن راكبا
أو ماشيا أو على غير وضوء، ولا تقيم وأنت راكب أو جالس إلا من علة أو تكون
في أرض ملصقة) وقال له (ع) محمد بن مسلم (6): (يؤذن الرجل وهو قاعد قال: نعم،
ولا يقيم إلا وهو قائم) وقال له (ع) يونس الشيباني أيضا (7): (أؤذن وأنا راكب قال:
نعم، قلت: فأقيم وأنا راكب قال: لا، قلت: فأقيم ورجلي في الركاب قال: لا،
قلت: فأقيم وأنا قاعد قال: لا، قلت: فأقيم وأنا ماش قال: نعم ماش إلى الصلاة، قال:

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 11 - 1 - 6 - 14 - 8 - 5 - وروى الخامس في الوسائل عن أبي بصير
وهو الصحيح
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) - الوسائل البا ب - 13 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 9
60

ثم قال: إذا أقمت الصلاة فأقم مترسلا فإنك في الصلاة، قال: قلت: قد سألتك أقيم
وأنا ماش قلت لي نعم، فيجوز أن أمشى في الصلاة فقال: نعم إذا دخلت من باب
المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك، فإذا الإمام
كبر للركوع كنت معه في الركعة، لأنه إن أدركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن
مع في الركوع) وسأل علي أخاه (ع) (1) (عن المسافر يؤذن على راحلته
وإذا أراد أن يقيم أقام على الأرض قال: نعم لا بأس) وسأله أيضا تارة أخرى (2)
(عن الأذان والإقامة أيصلح على الدابة؟ قال: أما الأذان فلا بأس، وأما الإقامة
فلا حتى ينزل على الأرض) وكأن ما عن المقنعة لم يرد منه الشرطية حقيقة، قال:
(لا بأس أن يؤذن الانسان جالسا إذا كان ضعيفا في جمته وكان طول القيام يتعبه
ويضره، أو كان راكبا جادا في مسيره، ولمثل ذلك من الأسباب، ولا يجوز له
الإقامة إلا وهو قائم متوجه إلى القبلة مع الاختيار) وإلا كان محجوجا بما سمعت،
كالمحكي عن المقنع (إن كنت إما ما فلا تؤذن إلا من قيام) وتبعه في المحكي عن المهذب
فأوجب القيام والاستقبال فيه وفي الإقامة على من صلى جماعة إلا لضرورة، نعم هو
جيد بالنسبة إلى الإقامة، لما سمعت من الأمر بالقيام فيها والنهي عن غيره في النصوص
السابقة التي لا معارض لها إلا الاطلاقات المنزلة على ذلك، اللهم إلا أن يقال إنه
بملاحظة الشهرة بين الأصحاب، وما عن المنتهى من الاجماع على تأكد القيام فيها وغير
ذلك يمكن إرادة شدة التأكد، بل الكراهة في الترك، بل لعل ذلك كذلك بالنسبة
إلى باقي ما يعتبر في الصلاة من الاستقرار والاستقبال وغيرهما، كما أو ماء إليه بعض
النصوص السابقة، خصوصا ما دل (3) منها على أن حال الإقامة من أحوال الصلاة،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 13 - 15
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 13 - 15
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12
61

قال الصادق (ع) في خبر سليمان بن صالح (1): (لا يقيم أحدكم الصلاة وهو
ماش ولا راكب ولا مضطجع إلا أن يكون مريضا، وليتمكن في الإقامة كما يتمكن
في الصلاة، فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة) مضافا إلى بعض النصوص الآتية
في الطهارة وفي كراهة الكلام بعد الإقامة، وبظاهر بعضها عمل المرتضى (رحمه الله)
في المحكي عن جمله، فلم يجوز الإقامة من دون استقبال، لكن في المحكي عن ناصرياته
في بحث النية أن الاستقبال فيها غير واجب بل مسنون جمعا بين الاطلاقات وبينها
بتأكد ذلك فيها، وهو الأقوى في النظر.
وعلى كل حال ينبغي أن يكون قائما (على مرتفع) حال الأذان كما صرح به
غير واحد، بل في التذكرة وعن النهاية الاجماع عليه، ولأمر النبي (صلى الله عليه وآله)
بلالا أن يعلو على الجدار حال الأذان (2) ولأنه أبلغ في الأذان، والمناسب لاعتبار
المنارة في المسجد وكراهة علوها على حائط المسجد مثلا لا ينافي استحباب الأذان فيها،
نعم الظاهر عدم الخصوصية فيها على باقي أفراد المرتفع كما صرح به في المعتبر، وإليه أومأ
أبو الحسن (ع) (3) بقوله حين سئل عن الأذان في المنارة أسنة هو: (إنما
كان يؤذن للنبي (صلى الله عليه وآله) في الأرض ولم يكن يومئذ منارة) وفي المحكي
عن الدروس (يستحب الارتفاع ولو على منارة وإن كره علوها) فما عن المختلف من
أن الوجه استحبابه في المنارة لا يخلو من نظر إن أراد الخصوصية، كما أن ما عن
المبسوط والوسيلة من أنه يكره التأذين في الصومعة كذلك إن أراد بها المنارة كما استظهره
في المحكي عن البيان، وعن القاموس (الصومعة كجوهرة بين للنصارى ينقطع) ويقال:
هي نحو المنارة ينقطع فيها رهبان النصارى وعن الصحاح ومجمع البحرين (صومعة النصارى

(1) الوسائل - الباب - 13 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7 - 6
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7 - 6
62

دقيقة الرأس) لكن عن البحار لعل مراد الشيخ والطوسي السطوح العالية من
الصومعة، قلت: ولا دليل أيضا على كراهة الأذان عليها، مع أن الشيخ في المبسوط
قد حكي عنه أيضا استحباب كون الأذان على مرتفع، وله عبارة أخرى أيضا، وهي
(لا فرق بين أن يكون الأذان على المنارة أو الأرض، ولا يجوز أن تعلى على حائط
المسجد) وظاهر العبارات الثلاثة التنافي، اللهم إلا أن يريد بالمرتفع غير المنارة العالية
على سطح المسجد وغير الصومعة، لكن إقامة دليل الكراهة لا تخلو من صعوبة وإن
كان مما يتسامح فيها، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى أن الظاهر اختصاص هذا المستحب وأكثر ما تقدم في مؤذن الاعلام
أو الجماعة، ضرورة عدم اعتبار شئ من العدالة والبصر والبصيرة والصوت والارتفاع
في المكان في أذان الصلاة، لما عرفت سابقا من استحبابه لكل مصل، نعم الظاهر
ثبوت ندب القيام والطهارة في الجميع، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في تخصيص هذه
المندوبات بالمؤذن المنصوب، قال:
وسن في المنصوب أن يكونا * عدلا بصيرا مبصرا مأمونا
مرتفع الصوت وقائما على * مرتفع يبلغ صوته الملا
وإن كان هو مراد الجميع أيضا كما هو واضح، هذا.
وقد ترك المصنف استحباب وضع المؤذن إصبعيه حال الأذان في أذنيه مع أنه
أولى بالذكر، لأنه من السنة، كما رواه الحسن بن السري (1) عن الصادق (ع)
ومده لصوته، بل في البيان جهده، لكن في خبر زرارة (2) عن الباقر (ع)
(وكلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، وكان أجرك في

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
63

ذلك أعظم) ولعل المصنف اكتفى عن ذلك بذكر كونه صيتا قائما على مرتفع، أو بما
سيذكره بعد فيما يأتي، والأمر في ذلك كله سهل.
(ولو أذنت المرأة للنساء جاز، ولو صلى منفردا ولم يؤذن) ولم يقم (ساهيا)
وكان الوقت واسعا (رجع إلى الأذان) والإقامة (مستقبلا صلاته ما لم يركع) وفاقا
للمشهور شهرة عظيمة نقلا وتحصيلا، بل عن المختلف الاجماع على عدم الرجوع بعد
الركوع، فهو حينئذ - مع اعتضاده بالشهرة، وما دل (1) على حرمة إبطال العمل، مع
أن الأذان والإقامة مستحبان، بل لو قلنا بوجوبهما لهم يجز القطع لو تعمد تركهما فضلا
عن النسيان الذي هو فرض البحث، لعدم مدخليتهما في صحة الصلاة على تقديره -
الحجة على عدم الرجوع بعد الركوع، مضافا إلى قول الصادق (ع) في صحيح
الحلبي (2): (إذا افتتحت الصلاة فنسيت أو تؤذن وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع
فانصرف وأذن وأقم واستفتح الصلاة، وإن كنت قد ركعت فأتم على صلاتك) وسأل
زرارة (3) أبا جعفر (ع) (عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في
الصلاة فقال: فليمض في صلاته فإنما الأذان سنة) والصادق (ع) (4)
(عن رجل ينسى الأذان والإقامة حتى يكبر فقال: يمضي على صلاته ولا يعيد)
وتقييدهما بما في الصحيح الأول من الانصراف قبل الركوع لا ينافي الدلالة على عدمه
بعده، كصحيحي ابن مسلم (5) والشحام (6) عن الصادق (ع) أنه قال:
(في الرجل ينسى الأذان والإقامة حتى يدخل في الصلاة: إن كان ذكر قبل أن يقرأ

(1) سورة " محمد " صلى الله عليه وآله - الآية 35
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 7 - 4 - 9
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 7 - 4 - 9
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 7 - 4 - 9
(5) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 7 - 4 - 9
(6) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 7 - 4 - 9
64

فليصل على النبي (صلى الله عليه وآله) وليقم، وإن كان قد قرأ فليتم صلاته) بناء
على إرادة الأذان والإقامة بقرينة السؤال، إلا أنه خصها بالذكر لزيادة التأكد فيها،
ومنافاته لصحيح الحلبي في شرط الأمر بالاتمام لا تقدح في دلالته على وجوب الاتمام
فيما بعد الركوع، وهو المطلوب.
نعم قد يناقش في دلالة خبري زرارة باحتمال إرادة الإباحة من الأمر بالمضي
فيهما بقرينة التعليل في أولهما، ولأنه في مقام توهم الحظر، لكن في غيرهما مما عرفت
غنى عنهم، فالقول باستحباب الانصراف أو جوازه مطلقا - لصحيح ابن يقطين (1)
سأل أبا الحسن (ع) (عن الرجل ينسى أن يقيم الصلاة وقد افتتح الصلاة
قال: إن كان قد فرغ من صلاته فقد تمت صلاته، وإن لم يكن فرغ من صلاته فليعد)
لأولوية نسيانها مع الأذان من نسيانها وحدها، أو لأنه أعم من نسيان الإقامة ضرورة
عدم تقييده بنسيانها خاصة - في غاية الضعف، بل لم أعرفه لأحد من الأصحاب عدا
الشيخ في كتابي الأخبار الموضوعين لمجرد الجمع بين الآثار ولو بذكر الاحتمالات التي
لا يفتى بها، وعن المعتبر (أن ما ذكره الشيخ محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة
بالخبر النادر) قلت: بل هو لا يقاوم غيره سندا وعددا وعملا، فما عن المفاتيح من
العمل به تبعا للشيخ كما ترى، بل طرحه أو حمله على ما قبل الركوع وإن بعد متجه،
أما الرجوع قبل الركوع فقد عرفت دلالة صحيح الحلبي عليه، ولا يعارضه إطلاق
الصحيحين المزبورين بعد رجحانه عليهما بالشهرة العظيمة، بل قيل: إن المحقق الثاني
في جامعه والشهيد في مسالكه حكيا الوفاق عليه، ذكرا ذلك عند نسيان الإقامة
وحدها أو الأذان وإن كان لا يخلو ذلك من تأمل كما لا يخفى على من لاحظ كلامهما
مع التدبر، لكن على كل حال لا ريب في رجحانه عليهما خصوصا مع مهجورية

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الأذان والأذان والإقامة - الحديث 4
65

الصحيحين، وعدم العمل بهما من أحد من المعتبرين، واحتمال إرادة حال ما بعد القراءة
الذي هو غالبا الركوع، فلا تنافي حينئذ أصلا، كما أنه لو أريد من الركوع في النص
والفتوى زمن الخطاب به حتى أنه لو نسيه فهوى للسجود ثم ذكر لا يرجع أيضا لتداركهما
لم يكن بينهما تناف، وكذا لو لوحظ التعارض بينه وبينهما في شرط المضي في الصلاة
لاعتبارهما القراءة واعتباره الركوع كان صحيح الحلبي حينئذ مقيدا لهما، لمعلومية عدم
التعدد في المقام باعتبار لزوم الثاني للأول إلا في حالة النسيان ونحوه التي هي نادرة
وغير ملاحظة، أما لو لوحظ التعارض بين شرط الانصراف في صحيح الحلبي وشرط
الاتمام فيهما كان التعارض بينهما بالعموم والخصوص، والخصوصية في جانبهما، لكن
قد عرفت أن مثلهما لا يقاوم مثله، خصوصا بعد ما سبق من تقرير وجه المعارضة بما
سمعت، كما أنه لا يعارضه أيضا خبرا زرارة السابقان المقيدان بما بعد الركوع، أو
المحمولان على إرادة بيان الجواز، لعدم وجوب الرجوع المزبور إجماعا في المحكي عن
التذكرة، ولأن ما غايته غيره في غير التبليغ يتبع الغاية في حكمها، وغاية الرجوع الأذان والإقامة، وهما مستحبان، نعم التبليغ واجب وإن كان ما يبلغه مندوبا، على أن الأمر
بالانصراف هنا في مقام توهم الحظر، فلا يفيد إلا الإباحة بالمعنى الأخص، ولولا
الانجبار بفتوى الأصحاب والتسامح في السنن وكونه مقدمة للمندوب أمكن المناقشة
في إفادته الاستحباب فضلا عن الوجوب، هذا.
ولعل المصنف أشار بقوله: (وفيه رواية أخرى) إليهما، أو إلى صحيحي ابن
مسلم والشحام بعد حمل الأمر بالإقامة في الجواب فيهما على التأكد فيها، وإلا فالمراد
الأذان والإقامة بقرينة السؤال، وما في المدارك من احتمال الإشارة بذلك إلى صحيح
ابن أبي العلاء (1) يدفعه أنه متضمن للإقامة سؤالا وجوابا كما ستعرف، وعلى كل

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 5
66

حال فلا ينافي ما ذكرنا خبر نعمان الرازي (1) قال: (سمعت أبا عبد الله (ع)
وسأله أبو عبيدة الحذاء عن حديث رجل نسي أن يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل في
الصلاة قال: إن كان دخل المسجد ومن نيته أن يؤذن ويقيم فليمض في صلاته ولا
ينصرف) إذ هو مع قصوره عن معارضة غيره من وجوه مطلق أيضا يمكن تقييده أيضا
بما إذا ركع، كما أن إطلاق مفهومه مقيد بما إذا لم يركع، فما عن الشيخ في النهاية والحلي
في السرائر بل وابن سعيد في الجامع بناء على إرادته الأذان والإقامة من الأذان من
عدم إعادة الناسي مطلقا بخلاف العامد فيعيد قبل الركوع لا بعده في غاية الضعف.
والخبر المزبور إن كان في إطلاق منطوقه شهادة عليه ففي مفهومه شهادة بخلافه،
وحمل النسيان على العمد في صحيح الحلبي كما ترى، وإطلاق بعض النصوص السابقة
قد عرفت تقييده بغيره، وأضعف من ذلك دعوى الجواز في صورة العمد التي ليس
في شئ من النصوص ما يشهد لها فضلا عن أن يعارض ما دل على حرمة الابطال،
ودعوى اندراجها في مفهوم الخبر المزبور محل منع، ضرورة ظهوره في التفصيل في الناسي
ولعل إطلاق المبسوط الرجوع قبل الركوع لا يريد منه ما يشمل صورة العمد، هذا.
وما في الصحيحين السابقين من الأمر بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
لم أعثر على عامل به على سبيل الوجوب كالسلام عليه الذي تسمعه في صحيح ابن أبي العلاء (2) نعم في الدروس (يرجع ناسيهما ما لم يركع فيسلم على النبي (صلى الله
عليه وآله) ويقطع الصلاة) وفي الذكرى أشار بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)
وبالسلام إلى قطع الصلاة، فيمكن أن يكون السلام على النبي (صلى الله عليه وآله)
قاطعا لها، ويكون المراد بالصلاة هناك السلام، وأن يراد الجمع بين الصلاة والسلام،

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 8 - 5
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 8 - 5
67

فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع، لأنه قد روى (1) أن التسليم على
النبي (صلى الله عليه وآله) ليس بانصراف، ويمكن أن يراد القطع بما ينافي الصلاة
ويكون التسليم على النبي (صلى الله عليه وآله) مبيحا لذلك، قلت: لكن الجميع كما
ترى، وأولى منه إرادة الندب هنا المؤيد بما ورد (2) من الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله)
عند عروض النسيان أو إرادة التذكر، فحينئذ يفعله إما لتذكر حاله أو لاذهاب الشيطان
الذي هو سبب النسيان، فحينئذ ينبغي إرادة الصلاة من السلام لا العكس، أو لا بأس
لأن المراد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله).
وعلى كل حال فالمراد قطع الصلاة بأحد قواطعها واستيناف الأذان والإقامة،
أو العدول عن الفريضة إلى غيرها حيث يكون له ذلك، بل ربما كان متعينا، تجنبا عن
قطع الصلاة وإن كان الأقوى العدم عملا باطلاق النص والفتوى، كما أن الأقوى
عدم مشروعيته للنفل للنسيان، لعدم الدليل الصالح لقطع الأصل، فما عن التذكرة
ونهاية الإحكام والموجز وكشفه وإرشاد الجعفرية من جواز ذلك له لا يخلو من نظر،
ولعل دليلهم عليه الأولوية الممنوعة، فتأمل جيدا، هذا. ومن الغريب ما في الحدائق
بعد أن اعترف بأن ما في الذكرى في غاية البعد قال: (ما حاصله أن من المحتمل قريبا
كون المراد ذكر الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) أو السلام عليه ويقول: (قد
قامت الصلاة) مرتين من الأمر بالإقامة، ويبقى مستمرا على صلاته كما هو ظاهر
خبر زكريا بن آدم (3) وفقه الرضا (ع) (4) - إلى أن قال -: ولا استبعاد

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التسليم - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الذكر - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 6
(4) المستدرك - الباب - 24 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
68

في عدم قطع ذلك الصلاة وإن كان كلاما للدليل) إذ هو كما ترى مخالف للمقطوع به
من النصوص ولو بواسطة الفتاوى، وفقه الرضا (ع) لم تثبت حجيته عندنا،
وستعرف الحال في خبر زكريا بن آدم.
ثم إنه لا يخفى عليك ظهور النصوص في الرجوع إلى الأذان والإقامة، أما الأذان
وحده فعدم جواز القطع له هو الموافق لما دل على حرمة الابطال، ولذا صرح جماعة
بذلك كما هو ظاهر آخرين، بل عن الايضاح وغاية المرام وشرح الشيخ نجيب الدين
الاجماع عليه، فما في المتن من الاقتصار على نسيان الأذان لا يخلو من نظر وإن وافقه
عليه الشهيد في المسالك وشيخه في المحكي عن حاشيته، بل قد يظهر من الأول أنه المشهور
لكنه كما ترى بل يمكن إرادة المصنف الأذان والإقامة من الأذان بقرينة معروفية موضوع
المسألة بين الأصحاب بذلك، فينحصر الخلاف فيهما وفي المحكي عن الحسن وابن سعيد،
قال الأول: (إن من نسي الأذان في الصبح أو المغرب قطع الصلاة وأذن وأقام ما لم
يركع، وكذا إن نسي الإقامة من الصلوات كلها رجع إلى الإقامة ما لم يركع - قال -:
فإن كان قد ركع مضى في صلاته ولا إعادة عليه إلا أن يكون تركه متعمدا استخفافا
فعليه الإعادة) وقال الثاني: (ومن تعمد ترك الأذان وصلى جاز له أن يرجع فيؤذن
ما لم يركع، فإن ركع لم يرجع، فإن نسيه لم يرجع بكل حال) مع احتمل إرادتهما ما يعمهما
منه، والثاني إنما هو في صورة العمد.
وعلى كل حال فلا دليل على ذلك، نعم قد سمعت ما في صحيح ابن يقطين (1)
من الإعادة للإقامة قبل الفراغ، إلا أني لم أجد عاملا به على إطلاقه غير الشيخ في كتابي
الأخبار والكاشاني كما سمعت سابقا، ومثله صحيح ابن أبي العلاء (2) سأل أبا عبد الله

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 5
69

(ع) (عن الرجل يستفتح صلاته المكتوبة ثم يذكر أنه لم يقم فقال: إن ذكر
أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) ثم يقيم ويصلي، وإن ذكر
بعد ما قرأ بعض السورة فليتم على صلاته) والمحكي عن ابن الجنيد أنه يرجع إليها ما لم
يقرأ عامة السورة، فرفع اليد حينئذ عما دل على حرمة الابطال لهذين الخبرين المتروك
ظاهرهما مخالف لأصول المذهب، خصوصا بعد ما في المسالك من أن عدم الرجوع لها
هو المشهور، بل عن الشيخ نجيب الدين الاجماع عليه وإن أمكن المناقشة فيهما بأن
المحكي عن المنتهى والدروس والنفلية والموجز الحاوي وكشفه والروضة وشرح النفلية
الرجوع إليها كما رجع إليهما معا بل قيل قد يظهر من النفلية أنه المشهور بل لعله لا يخلو من قوة
للأمر بها خاصة في جواب السؤال عن نسيانهما في صحيحي ابن مسلم (1) والشحام (2)
ولا ريب في ظهوره بكمال المزية لها، ومتى ثبت جواز الرجوع قبل القراءة ثبت جوازه
إلى ما قبل الركوع، لعدم القول بالفصل بينهما إلا ما عساه يظهر من المحكي عن الفقيه
من العمل بخبر الشحام حيث اقتصر عليه، لكنه كما ترى ليس قولا محققا، كما أن
خبر زكريا بن آدم قال: (قلت لأبي الحسن الرضا (ع): جعلت فداك
كنت في صلاتي فذكرت في الركعة الثانية وأنا في القراءة أني لم أقم فكيف أصنع؟ قال:
اسكت موضع قراءتك وقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، ثم امض في قراءتك
وصلاتك وقد تمت صلاتك) شاذ مجهول الرواة لم يعمل به أحد إلا ما يحكى عن الشيخ
في كتابي الأخبار مخالف لما دل على منافاة الكلام للصلاة، وحمله على إرادة القول في
النفس مناف للفظ القول ولسوق الكلام، كما هو واضح، هذا.
وتخصيص المصنف الحكم بالمنفرد تبعا للمحكي عن المبسوط مخالف لاطلاق النص
والفتوى ومعقد الاجماع ولمقتضى تأكدهما في غيره، ولذا حكي عن الايضاح وحاشية

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان الإقامة - الحديث 4 - 9
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الأذان الإقامة - الحديث 4 - 9
70

الميسي أن المراد بذلك التنبيه بالأدنى على الأعلى، قلت: أو يكون لندرة تحققه في الجماعة.
ثم إن المتيقن من النص والفتوى الرخصة في الرجوع عند الذكر، أما إذا عزم
على تركه وإن لم يقع منه فعل لم يجز له الرجوع، اقتصارا في حرمة الابطال على المتيقن،
بل الأحوط له ذلك إذا مضى له زمان في التردد في الرجوع وعدمه بعد الذكر، كما أن
المتيقن الرجوع للنسيان كملا، بل هو ظاهر الأدلة المزبورة، أما نسيان بعض الفصول
أو الشروط فلا، لحرمة ابطال، اللهم إلا أن يقال مع فرض النسيان بعض الفصول
بسببه الفساد يتجه التدارك، لما علم من الشارع من تنزيل الفاسد منزلة العدم في كل ما
كان من هذا القبيل، وهو لا يخلو من قوة، خلافا للعلامة الطباطبائي في منظومته، قال:
ولا رجوع للفصول منهما * ولا لشرط فيهما قد عدما
والله أعلم.
(ويعطى الأجرة) على الأذان (من بيت المال إذا لم يوجد من يتطوع به)
كما عن المنتهى والمبسوط وإن عبر في الأخير بالشئ، لكن ظاهر تحرير الفاضل إرادة
الأجرة من الشئ وإن أريد من المتن وغيره حصر جواز أخذ الأجرة عليه في بيت
المال كان نفس المحكي عن صريح القاضي من عدم جواز أخذ الأجرة عليه إلا من بيت
المال، إلا أنه لا وجه له ظاهر، فإنه إن جاز أخذ الأجرة عليه منه فأولى أن يجوز
من غيره، وإن لم يجز من غيره فأولى أن لا يجوز منه، ولذا حكي عن جماعة التصريح
بعدم الفرق بين أخذ الأجرة منه ومن غيره، بل ستسمع نفي الخلاف عنه، ومن هنا
احتمل إرادة القاضي الارتزاق منه، قلت: وأولى بذلك المبسوط، لتعبيره (ويعطى
شيئا من بيت المال) ونصه في المحكي عن الخلاف على الاجماع على حرمة أخذ الأجرة،
بل والمتن، لتصريحه في التجارة بتحريم أخذ الأجرة عليه وجواز الارتزاق من بيت
المال، فلا قائل معتد به بالقول المزبور، بل ولا جواز أخذ الأجرة عليه مطلقا عدا
71

المرتضى (رحمه الله) فكرهه وتبعه الكاشاني، وفي الذكرى والمحكي عن البحار وتجارة
مجمع البرهان أنه متجه، وفي المدارك (لا بأس به) وكأنه ظاهر المعتبر، وفي المحكي
عن التحرير والمنتهى أن في الأجرة نظرا، لكن خيرة الأكثر بل المشهور نقلا
وتحصيلا الحرمة، بل عن المختلف (هذا مذهب أصحابنا إلا من شذ) بل في حاشية
الإرشاد للكركي (لا خلاف في تحريم أخذ الأجرة عليه سواء كان من السلطان أو من
طائفة من الناس كأهل محلة أو قرية) بل في جامع المقاصد وعن الخلاف الاجماع عليه،
بل لعله مراد المرتضى من الكراهة لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض عنه، ضرورة
كون المؤذن أحد المخاطبين به، ولقول أمير المؤمنين (ع) (1): (آخر
ما فارقت عليه حبيب قلبي أن قال: يا علي، إن صليت فصل صلاة أضعف من خلفك،
ولا تتخذن مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا) ومرسل الصدوق (2) (أتى رجل أمير المؤمنين
(ع) فقال: يا أمير المؤمنين، والله إني لأحبك، فقال له: ولكني أبغضك
قال: ولم؟ قال: لأنك تبتغي في الأذان كسبا، وتأخذ على تعليم القرآن أجرا)
لكن الانصاف أن لسانهما بعد الاغضاء عن سندهما لسان كراهة، بل في الثاني منهما
إمارة أخرى على الكراهة، ويمكن إرادة الارتزاق منه، بل في الذكرى حمل الأول
عليه أيضا، فإن تم الاجماع المزبور والتعليل المذكور كانا هما الحجة، مؤيدة بالخبرين
السابقين، وبالمروي عن دعائم الاسلام (3) عن أمير المؤمنين (ع) (من
السحت أجر المؤذن يعني إذا استأجره القوم، وقال: لا بأس أن يجري عليه من بيت
المال) وبغير ذلك

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2
(3) المستدرك - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
72

وأما جواز ارتزاقه من بيت المال فلا خلاف أجده فيه، كما عن مجمع البرهان
الاعتراف به، بل عن غير واحد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه،
بل في التذكرة والمحكي عن المختلف والمنتهى دعواه صريحا عليه، نعم قيده جماعة من
الأصحاب بعدم وجود المتطوع، بل لا خلاف أجده في ذلك، بل عن التذكرة الاجماع
عليه، ضرورة عدم المصلحة للمسلمين في ارتزاقه معه، كضرورة عدم جواز صرفه في
غير مصالحهم، فمع وجود المتبرع حينئذ الجامع لشرائط الكمال لا يجوز ارتزاق غيره
قطعا، أما إذا كان المتبرع فاقد بعض صفات الكمال التي في وجودها مصلحة للمسلمين
كالعدالة ونحوها اتجه حينئذ الجواز.
كما أن المتجه أيضا مراعاة التعدد مع فرض الاحتياج إليه، وفي المحكي عن نهاية
الإحكام لو تعددت المساجد ولم يمكن جمع الناس في واحد رزق عدد من المؤذنين يحصل
بهم الكفاية ويتأدى الشعار، ولو أمكن احتمل الاقتصار على رزق واحد نظرا لبيت
المال، ورزق الكل لئلا يتعطل المساجد، قلت: الذي يظهر بعد التأمل أن محل البحث
الأذان الاعلامي لا الصلاتي الذي ظاهر الأدلة كون الخطاب به كخطاب الصلاة وقنوتها
وتعقيبها يراد منه المباشرة من المكلفين، والاجتزاء بأذان الغير لصلاته في بعض
الأحوال بشرط السماع مثلا لا يلزم منه جواز النيابة التي تقتضي على فرض الصحة
الاكتفاء بما يفعله الغير وإن لم يكن لصلاة ولم يسمعه المصلي كما في غيره مما تصح النيابة
فيه، ويكون بها فعل النائب فعل المنوب عنه، وشرع ذلك هنا بعيد عن الأدلة من
غير فرق بين أذان الجماعة والمنفرد، وإن قلنا إن المخاطب بأذان الأولى إمامها، لأن
المأمومين يصلون بصلاته، وفعل الغير حينئذ يسقط عنه إذا كان جامعا للشرائط من
السماع ونحوه، ضرورة عدم التلازم بين جواز ذلك والنيابة كما عرفت، وقاعدة جواز
الإجارة في كل ما جاز التبرع فيه مقطوعة هنا بظهور الأدلة في المباشرة أو السماع على
73

الوجه المخصوص دون النيابة الأجنبية عن ذلك عند التأمل، بل لعل التبرع المستلزم
لجواز الإجارة غير جائز هنا أيضا، إذ الجائز هنا فعل الغير على وجه مخصوص بأن
يكون مسموعا للإمام وأن يكون لصلاة ونحو ذلك، فتأمل.
ومثله البحث في الإقامة، بل أولى منه بعدم الجواز مطلقا لا لأنه لا كلفة فيها
بمراعاة الوقت بخلاف الأذان كما وقع من الفاضل في المحكي عن نهايته كي يرد عليه أنه
لا يعتبر في العمل المستأجر عليه وجود الكلفة فيه، بل لما عرفت من ظهور الأدلة في
إرادة المباشرة وأنها كخطاب الصلاة.
أما أذان الاعلام الذي هو مستحب كفائي فلا ريب في عدم ظهور الأدلة في
اعتبار المباشرة فيه على وجه ينافي الإجارة، بل هي إن لم تكن ظاهرة في عدم ذلك فلا
أقل من أن تكون خالية عن التعرض له، فيبقى عموم الإجارة بحاله، إذ هو من الأفعال
السائغة المترتب عليها نفع وليس بواجب على المكلف فعله، وندب الناس إلى فعله
لا ينافي جواز إعطاء العوض عليه بعد فرض عدم انحصار نفعه في الثواب للفاعل كي
يجمع بين العوض والمعوض عنه.
والحاصل أن المندوب إما أن يشترط في صحته القربة أولا، بل هي شرط في
ثوابه، فإن كان الثاني ولم يلاحظ المكلف فيه القربة وكان فيه نفع تصلح المعاوضة عليه
جازت الإجارة عليه بلا إشكال، بل لا بأس بملاحظة القربة مع ذلك، لعدم منافاة
الإجارة لها، بل هي مؤكدة لها إذا راعى التقرب إلى الله تعالى من حيث الوفاء
بالإجارة مع امتثال أمر الندب، بل وكذا الكلام في الأول، أما إذا كان لا نفع فيه
إلا الثواب فإن ظهر من الأدلة عدم حصوله إلا بالمباشرة لم تجز الإجارة عليه ولا النيابة
فيه تبرعا ومع الإذن، وإلا جاز الجميع عملا بعموم أدلة كل منها، ولا يعارضه ظهور
الأمر في المخاطب بعد أن كان ظهور مورد لا قيد، فهو كخطاب بع وصالح ونحوهما
74

الذي جازت الوكالة فيه والاستئجار عليه، وبه ينقطع أصالة عدم مشروعية الفعل وعدم
ترتب الثواب وانتقاله لغير الفاعل، فأذان الاعلام حينئذ بعد أن عرفت حصول نفع
فيه غير الثواب وعدم اعتبار النية فيه لم يكن إشكال في جواز الإجارة عليه بل والنيابة
فيه مع قصد الثواب فيه، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، لكن خرج عن ذلك كله
بالأدلة السابقة، فتحرم الإجارة عليه، ولا حرمة فيه مع إيقاعه لا بعنوان كونه عوض
الإجارة، بل هو كذلك في العبادة المشترط فيها النية التي لا يصح الاستئجار عليها
فضلا عنه، إذ الحرمة في قبض المال عوضا عنها لا تقتضي فسادا بعد أن كان فعلها
لا بعنوانه ولا بملاحظته.
أما إذا فعله بعنوانه فيمكن الحرمة وفاقا للمحكي عن القاضي باعتبار النهي عن
إجراء المعاملة الفاسدة مجرى الصحيحة المراد منه بحسب الظاهر نفس الصورة، ضرورة
تعذر الحقيقة مع العلم بالفساد، ولا فرق في ذلك بين القول باشتراط النية فيه وعدمه،
نعم يقع فاسدا على التقدير الأول، أما على الثاني فيمكن القول بحرمته مع عدم الفساد
فيه، فتترتب حينئذ أحكامه عليه من الاجتزاء به واستحباب حكايته ونحو ذلك، إذ
دعوى ظهور الأدلة في ترتبها على المحلل دون المحرم يمكن منعها على مدعيها، ومن ذلك
يظهر لك المناقشة في استنباط الجواز ممن ذكر استحباب حكاية الأذان الذي قد أخذ
عليه أجرة حتى نسب إباحة الأذان وحمرة الأجرة خاصة في مقابلة المحكي عن القاضي
إلى من ذكر استحباب حكايته، كما أنه يظهر لك ضعف القول بالإباحة، فتأمل.
ولا يلحق بالأذان في حرمة الأجرة قول: الصلاة ثلاثا في نحو صلاة العيدين،
لعدم ثبوت البدلية المنصرفة لمثل ذلك.
كما أنه لا يلحق بالأجرة الأذان لتناول ما وقف على المؤذنين مثلا.
وكذا لا يدخل أذان صلاة النيابة في الأذان المحرم أخذ الأجرة عليه، ضرورة
75

وقوع الأجرة في الفرع موقعها في الأصل كما صرح به شيخنا في شرح تجارة القواعد،
وإن كان فرضه بحيث يكون مما نحن فيه حتى يحتاج إلى الاستثناء لا يخلو من تأمل ونظر،
كما أن ما فيه أيضا من أنه لا بأس بأخذ الأجرة على ما يستحب فيه كالشهادة لعلي (ع)
بالولاية ونحوها بناء على أنها من مستحباته كذلك، هذا.
وقد عرفت سابقا أنه لا فرق في الأجرة بين كونها من أوقاف المسجد، أو
بيت المال المعد للمصالح، أو من زكاة ونحوها، أو من متبرع للاطلاق، أما لو أخذ
شيئا منها لا بقصد المعاوضة فليس فيه بأس، سواء توقف أذانه عليا الأخذ، لمنافاته
الكسب ولا مدخل له سواه، أو لم يتوقف ولكن أخذه لأنه أحد المصارف، فيدخل
على التقديرين في الارتزاق، ولا بأس به، والفرق بين الإجارة والارتزاق احتياج
الأولى إلى ضبط المقدار والمدة ونحوهما مما يعتبر في الإجارة بخلاف الارتزاق المنوط بنظر
الحاكم، ولا يقدح فيه قصد المؤذن الرجوع بعوض أذانه عليه إلا أن عوضه الارتزاق
المزبور كالقاضي والمترجم وكاتب الديوان ونحوهم القائمين بمصالح المسلمين، ولا
يعتبر فيه الفقر والحاجة، وهل يجوز نحو ذلك في غير بيت المال؟ إشكال ينشأ من عدم
الخصوصية، ومن أنه حينئذ من الإجارة الفاسدة، إذ لا يدخل تحت عقد من عقود
المعاوضة المعروفة، ومشروعية غيرها في غير بيت المال مشكلة، اللهم إلا أن يدخل
نحوه في الإباحات بالعوض، أو في العمل بأجرة المثل، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(الثالث) من محال النظر.
(في كيفية الأذان)
وبعض ما يعتبر فيه وجوبا أو ندبا وإن أمكن إدراج الجميع في الكيفية، ومنه
وجوب النية في العبادي منه كأذان الصلاة وإقامتها، لمعلومية اشتراطها في سائر العبادات
واحتمال أنه مطلقا ليس منها يدفعه أصالة العبادة في كل ما أمر به، مع عدم ظهور
76

الحكمة في غير الاعلامي منه، أما هو فلظهور كون المراد منه الاعلام يقوى عدم اعتبار
النية فيه كما صرح به العلامة الطباطبائي في منظومته، بخلاف ما كان منه للصلاة، ولا بد
مع ذلك من استدامتها إلى تمام العمل كما في كل عبادة مركبة، كما أنه لا بد من نية
التعيين مع فرض الاشتراك بين الصلوات، بل لا بد أيضا من تعيين الفصول للأذان
والإقامة، كل ذلك لأصول المذهب وقواعده، وكان ترك الأكثر للتعرض لذلك
اعتمادا عليها، والله أعلم.
(و) على كل حال ف‍ (لا) يجوز أن (يؤذن) في غير الصبح (إلا بعد دخول
الوقت) إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين، وسنة (1) معلومة من النبي (صلى الله
عليه وآله) وذريته الطاهرين (ع) فهو الموافق حينئذ لدليل التأسي برسول
رب العالمين والأئمة المرضيين فضلا عن الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، ولحكمة
وضعه التي هي الاعلام بوقت الصلاة، ولغير ذلك مما لا يخفى (وقد رخص) في (تقديمه
على) وقت (الصبح) عند المعظم من أصحابنا، بل في المعتبر (عندنا) بل عن المنتهى
(عند علمائنا) كما عن الحسن بن عيسى (أنه تواترت الأخبار به) قلت: لكن لم يصل
إلينا إلا قول الصادق (ع) في صحيح ابن وهب (2) في حديث: (لا تنتظر
بأذانك وإقامتك إلا دخول وقت الصلاة، واحدر إقامتك حدرا) قال (3): (وكان
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مؤذنان، أحدهما بلال والآخر ابن أم مكتوم، وكان
ابن أم مكتوم أعمى، وكان يؤذن قبل الصبح، وكان بلال يؤذن بعد الصبح، فقال
النبي (صلى الله عليه وآله): إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فإذا سمعتم أذانه فكلوا
واشربوا حتى تسمعوا أذان بلال، فغيرت العامة هذا الحديث عن جهته وقالوا: إنه
(صلى الله عليه وآله) قال: إن بلالا يؤذن بليل، فإذا سمعتم أذانه فكلوا واشربوا

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث - 1 - 2
77

حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم) (1) وقوله (ع) أيضا في صحيح الحلبي (2):
(كان بلال يؤذن للنبي (صلى الله عليه وآله)، وابن أم مكتوم وكان أعمى يؤذن
بليل، ويؤذن بلال حين يطلع الفجر) وقوله (ع) أيضا في خبر زرارة (3):
(إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: هذا ابن أم مكتوم وهو يؤذن بليل،
فإذا أذن بلال فعند ذلك فأمسك وقال ابن سنان (4) له (عليه السلام) أيضا:
(إن لنا مؤذنا يؤذن بليل، فقال: أما أن ذلك ينفع الجيران، لقيامهم إلى الصلاة،
وأما السنة فإنه ينادى مع طلوع الفجر، ولا يكون بين الأذان والإقامة إلا الركعتان)
وفي خيرة الآخر (5) (سألته عن الندا قبل طلوع الفجر فقال: لا بأس، وأما السنة
مع الفجر، وأن ذلك لينفع الجيران).
إلا أن هذه النصوص - مع احتمال كون أذان ابن أم مكتوم قبل الفجر لأنه
أعمى يخطئ لا لتوظيف من النبي (صلى الله عليه وآله) كما يومي إليه ما في الصحيح
الأول من تفريع قول النبي (صلى الله عليه وآله) على فعله وتقديمه أولا: (إنك
لا تنتظر إلا الوقت) على وجه لا يظهر منه إرادة التخصيص بما ذكره، بل قوله (ع)
فيه: (فغيرته العامة) إلى آخره كالصريح في ذلك، ضرورة إرادة أن أذانه
قبل الفجر كان لعدم بصره وليس توظيفا، ولما رووه بالعكس فهموا منه ذلك وشرعوه
قبل الفجر لعدم كون بلال مظنة الخطأ، بل ظاهر قوله (ع) في صحيح الحلبي:
(أعمى يؤذن بليل) ذلك أيضا، بل لا يخفى ظهور ذكر العمى مقترنا بما يحكى أن فعله
قبل الفجر في إرادة كون ذلك خطأ منه، ولا ينافي ذلك لفظ (كان) في بعضها، إذ
لعله كان يتكرر منه ذلك، بل قوله (ع) في خبري ابن سنان الأخيرين

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 2 - 3 - 4 - 7 - 8 -
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 2 - 3 - 4 - 7 - 8 -
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 2 - 3 - 4 - 7 - 8 -
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 2 - 3 - 4 - 7 - 8 -
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 2 - 3 - 4 - 7 - 8 -
78

(وأما السنة) إلى آخره كالصريح في عدم سنية الأول، وعدم كونه من توظيف النبي
(صلى الله عليه وآله)، وإلا كان من أعظم السنن.
كل ذلك مع قوة ما دل على اعتبار الوقت من النصوص الكثيرة (1) التي منها
أمانة المؤذنين على الأوقات وصلاة الفجر بأذانهم، وعلى حكمة الأذان (2) ومشروعية
منها وغيرها، والأصل، والمرسل (3) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (إن بلالا
أذن قبل الوقت فأمره صلى الله عليه وآله بالإعادة، وأنه قال له: إذا تبين لك
الفجر فأذن) ومع خصوص بعض النصوص الناهية عن ذلك، كالمروي عن كتاب
زيد النرسي (4) عن أبي الحسن موسى (ع) (أنه سمع الأذان قبل طلوع
الفجر فقال: شيطان، ثم سمعه عند طلوع الفجر فقال: الأذان حقا) وفيه (5) عن
أبي الحسن (ع) أيضا (سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر فقال: لا، إنما
الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع، قلت: فإن كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة
وينبههم قال: فلا يؤذن ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم الصلاة خير من
النوم، يقولها مرارا) ولا يتوهم من ذكر هذه الفقرة أن الخبر موافق للتقية التي ينافيها
ما فيه من النهي عنه قبل طلوع الفجر، لمعلومية مشروعية ذلك عند كثير منهم، لأنها
من فصول الأذان عندهم، لا أنها تذكر مستقلة عنه لإرادة التنبيه بها، ففي المروي (6)
عن الكتاب المزبور عن أبي الحسن (ع) أيضا (الصلاة خير من النوم بدعة
بني أمية. وليس ذلك من أصل الأذان، فلا بأس إذا أراد أن ينبه الناس للصلاة

(1) الوسائل - الباب - 8 و 3 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 14
(3) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 و 5
(4) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3
(5) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3
(6) المستدرك - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
79

أن ينادي بذلك، ولا يجعله من أصل الأذان، فإنا لا نراه أذانا) وربما كان في قوله
(ع) في خبري ابن سنان السابقين: (إن ذلك ينفع الجيران) إلى آخره
جمع بين مراعاة التقية وبين بيان الواقع بذكر الفائدة له قبل طلوع الفجر، وبأنه خلاف
السنة، على أنه لا ظهور في شئ من النصوص المزبورة أنه أذان صلاة أو وقت قدم
كما هو الظاهر من أكثر الأصحاب حيث عبروا بالتقديم مستثنين للصبح مما ذكروه
من وجوب كونه في الوقت، فلعله أذان مشروع في نفسه لتنبيه الناس على التهيؤ للصلاة
والصوم في مثل شهر رمضان، كالآذان في أذن المولود ونحوه، وربما كان ذلك ظاهر
موضع من الذكرى حيث عده في ضمن ما يشرع له الأذان غير الصلاة، بل هو
ظاهر غيره ممن ذكر حجة القائل بالعدم من أمر بلال بالإعادة، وردها بأنا نقول
بموجبها، لأن الوقت سبب للأذان، والأصل عدم السقوط بما قبل الوقت، كالعلامة
في المختلف وغيره.
وربما انقدح من ذلك لفظية النزاع بحمل كلام المانع كالجعفي والكاتب والتقي
والحلي والمرتضى - بل ربما استظهر من الأخير الاجماع عليه - على إرادة أذان الصلاة
وكلام المجوز على إرادة المشروعية في نفسه. لكن قد ينافي ذلك ما ذكره المصنف
وغيره من أنه (يستحب إعادته بعد طلوعه): أي الفجر مستندين فيه إلى أمر بلال
بالإعادة، وإلى أصالة عدم السقوط بما قبل الوقت ونحو ذلك، ضرورة ظهوره في أنه
لو ترك هذا المستحب أجزأه الأول عن أذان الصلاة، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي
بقوله:
ورخص الأذان قبل الفجر * لخبر عارض نص الحضر
فإن يكن غاية الأذن هاهنا * مجرد التنبيه كان حسنا
80

قلت: بل يمكن دعوى ظهور ما ذكرناه من بعض النصوص (1) في أنه ينبغي
التنبيه بغيره مخافة صيرورته سببا لذوي الأعذار أو لسواد الناس في الصلاة قبل الوقت
وربما كان في الصحيح (2) إيماء إليه أيضا، مضافا إلى ما عرفت، قال فيه: (إن
عمران بن علي سأل الصادق (ع) عن الأذان قبل الفجر فقال: إذا كان في
جماعة فلا، وإذا كان وحده فلا بأس).
ثم إن الظاهر عدم تقدير زمان للتقدم بناء عليه بسدس الليل ونحوه، بل ربما
روي (3) (أن الفصل بين أذاني ابن أم مكتوم وبلال نزول هذا وصعود ذلك)
كما أنه لا يعتبر فيه الاتحاد، بل مقتضى التأسي بناء على أنهما منصوبان للنبي صلى الله
عليه وآله التعدد، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (الأذان على الأشهر) عندنا فتوى إن لم يكن رواية شهرة
عظيمة يمكن دعوى الاجماع معها، بل في المدارك (أنه مذهب الأصحاب لا أعلم فيه
مخالفا) وفي التذكرة والمحكي عن نهاية الإحكام نسبته إلى علمائنا، وفي الذكرى نسبته إلى
عمل الأصحاب، وفي المسالك الطائفة والأصحاب لا يختلفون فيه في المحكي عن المهذب
بل ظاهر الغنية أنه من معقد إجماعها (ثمانية عشر فصلا) لا أزيد ولا أنقص:
(التكبير أربعا، والشهادة بالتوحيد، ثم بالرسالة، ثم يقول: حي على الصلاة، ثم حي
على الفلاح، ثم حي على خير العمل، والتكبير بعده، ثم التهليل، كل فصل مرتان)
بل في المعتبر والتذكرة والمحكي عن الناصريات والبحار والمنتهى الاجماع على تثنية التهليل
في آخره، بل عن الأخير الاجماع على التربيع في الأول.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7 و 8
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 6
(3) سنن البيهقي ج 1 ص 382
81

(و) أما (الإقامة) ف‍ (فصولها) على المشهور بين الأصحاب أيضا شهرة عظيمة
بل في التذكرة عندنا، وعن المنتهى والنهاية نسبته إلى علمائنا، ولا يختلف فيه الأصحاب
في المحكي عن المهذب، وعليه عمل الأصحاب في الذكرى، والطائفة في المسالك (مثنى
مثنى، ويزاد فيها) بين حي على خير العمل والتكبير (قد قامت الصلاة مرتين،
ويسقط من التهليل في آخرها مرة واحدة) فتكون سبعة عشر فصلا، إذ لم تنقص
عن الأذان إلا بالتهليل في الآخرة مرة، لقيام قول: (قد قامت) مقام التكبيرتين
في الأول، فيكون مجموع فصول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلا، كما سمعه
الجعفي (1) من الباقر (عليه السلام) قال: (الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا،
فعدد ذلك بيده الأذان ثمانية عشر، والإقامة سبعة عشر حرفا) وهذا لا ينطبق إلا
على ما عرفت ولو بمعونة الاجماع وباقي النصوص، فلا يقدح حينئذ إجماله من هذه
الجهة، ففي خبر الحضرمي والأسدي (2) (إن الصادق (ع) حكى لهما الأذان
فقال: الله أكبر الله أكبر) إلى آخر ما ذكرنا، لكن قال (ع) في آخره:
(والإقامة كذلك) والظاهر إرادته أنه حكى الإقامة مفصلة أيضا لا أن المراد تكرار
ذلك للإقامة فيكون محذوفا قول: (قد قامت الصلاة) فيه، وهو مما لم يقل به أحد
ولا تضمنه خبر، ويكون مجموع الأذان والإقامة حينئذ ستة وثلاثين، وهو غريب،
فلا بد من حمل الخبر المزبور على ما ذكرنا، واحتمال إرادة كون الإقامة كالآذان فصولا
مع زيادة (قد قامت الصلاة) فيكون المجموع ثمانية وثلاثين حرفا ينافيه الاجماع في
المحكي عن الناصرية إن لم يكن تحصيلا على سقوط التهليل مرة من آخر الإقامة، بل
والصحيح (3) عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله (ع) (إذا دخل المسجد

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 9
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 9
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
82

وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع
فليقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وليدخل
في الصلاة) ضرورة ظهوره في الاجتزاء عن الإقامة بالاتيان بآخرها الذي هو ما سمعت
كالمروي عن دعائم الاسلام (1) عن الصادق (ع) (الأذان والإقامة مثنى
مثنى، وتفرد الشهادة في آخر الإقامة بقول: لا إله إلا الله مرة واحدة) بل والمروي
عن المعتبر في الصحيح (2) عن كتاب البزنطي (إن الصادق (ع) قال:
الأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين) وقال في آخره: (لا إله
إلا الله مرة) بناء على إرادة الإقامة من الأذان فيه للاجماع بقسميه كما عرفت على
تثنية التهليل في آخر الأذان.
وعلى كل حال فلا محيص عن حمل الخبر المزبور على ما ذكرناه، وهو واضح
الدلالة على فصول الأذان، كوضوح قول الباقر (ع) في صحيح زرارة (3):
(يا زرارة تفتتح الأذان بأربع تكبيرات وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين) وخبر المعلي بن
خنيس (4) سمعت الصادق (ع) يؤذن فقال: الله أكبر أربعا أشهد أن لا
إله إلا الله مرتين) إلى آخر ما وصفنا، ومنه يعلم أن مراده (ع) لما سأله
ابن سنان (5) عن الأذان فقال: (تقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله
إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله إلى آخر ما قلنا تعليم كيفية التكبير لا الاقتصار فيه
على المرتين المخالف للمعلوم من تربيع التكبير في أول الأذان وإن كان يوافقه على ذلك
صحيح زرارة والفضيل (6) عن أبي جعفر (ع) قال: (لما أسري برسول الله

(1) المستدرك - الباب - 18 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 19 - 2 - 6 - 5 - 8
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 19 - 2 - 6 - 5 - 8
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 19 - 2 - 6 - 5 - 8
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 19 - 2 - 6 - 5 - 8
(6) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 19 - 2 - 6 - 5 - 8
83

(صلى الله عليه وآله) فبلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة فأذن جبرائيل وأقام فتقدم
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصف الملائكة والنبيون خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله)
، قال: فقلنا: كيف أذن؟ فقال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله
إلا الله - إلى آخر ما سمعت ثم قال -: والإقامة مثلها إلا أن فيها قد قامت الصلاة قد
قامت الصلاة بين حي على خير العمل وبين الله أكبر، فأمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بلالا فلم يزل يؤذن بها حتى قبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله) بل
وخبر أبي همام (1) عن أبي الحسن (ع) أنه قال: (الأذان والإقامة مثنى
مثنى) وغيرهما من النصوص الدالة على ذلك، حتى أن جماعة من متأخري المتأخرين
عملوا بها إلا أنها بين مطرح أو مأول بإرادة التثنية في أكثر الفصول أو التشبيه به لذلك
فلا ينافي حينئذ وحدة التهليل في آخر الإقامة، كما أنه لا ينافي نصوص التربيع أول
تكبير الأذان، خصوصا مع احتمال إرادة نفي الوحدة من قوله (ع) (الأذان
والإقامة مثنى مثنى) تعريضا بما ذهب إليه جميع العامة من الوحدة في تهليل الأذان،
وأكثرهم في الدعاء للصلاة والفلاح في الإقامة، بل عن الشافعي منهم في القديم ومالك
وداود الوحدة في جميع فصولها، فيراد من التثنية حينئذ في النصوص نفي الوحدة المزبورة
فلا ينافي التربيع بل ولا وحدة التهليل في آخر الإقامة، وستسمع مرسل الهداية (2)
الذي عبر بالمثنى مع انتهائه إلى اثنين وأربعين.
كل ذلك مضافا إلى احتمال إرادة أن الأصل في الأذان التثنية إلا أنه وضع الأربع
في الأول للاعلام، قال الرضا (ع) في خبر علل الفضل (3): (وجعل

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 18 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 14
84

التكبير في أول الأذان أربعا لأن أول الأذان إنما يبدأ غفلة وليس قبله كلام ينبه
المستمع له فجعل الأوليان تنبيها للمستمعين لما بعده في الأذان) وإلى غير ذلك من
الاحتمالات المذكورة وإن كان بعضها في غاية الضعف بل مقطوعا بفساده، بل الانصاف
أنه لولا تسالم الأصحاب وعمل الشيعة في الأعصار والأمصار في الليل والنهار في
الجامع والجوامع ورؤوس المآذن على العدد المزبور لكان القول بجواز الجميع مع تفاوت
مراتب الفضل متجها للتسامح في أدلة السنن.
بل قد يتجه ارتقاؤهما إلى اثنين وأربعين حرفا لما عن الهداية من قول الصادق
(ع): الأذان والإقامة مثنى مثنى، وهما اثنان وأربعون حرفا، الأذان
عشرون حرفا، والإقامة اثنان وعشرون حرفا) قلت: وكأنه لتربيع التكبير فيهما
في الأول وتربيعه قبل التهليلتين في الآخر مع زيادة (قد قامت الصلاة) مرتين في
الإقامة، ولعله هذا هو الأقصى ودونه ثمانية وثلاثون بأن يقتصر على المرتين في التكبير
أولا وآخرا، ودونه سبعة ثلاثون بحذف التهليلة في آخر الإقامة أيضا، ثم خمسة
وثلاثون كما هو المشهور بحذف التكبيرتين من الأربعة في آخر الأذان والإقامة مع
حذف التهليلة مرة في آخر الإقامة، وإثبات التربيع في أول الأذان، ودونه أربعة
وثلاثون بجعل فصول الأذان ستة عشر مثنى مثنى، وفصول الإقامة ثمانية عشر بزيادة
(قد قامت الصلاة) مرتين.
قال الشيخ في النهاية بعد ذكر المشهور في فصولهما: (هذا هو المختار المعول عليه،
وقد روي سبعة وثلاثون فصلا في بعض الروايات، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا،
فأما من روى سبعة وثلاثين فصلا فإنه يقول في أول الإقامة أربع مرات: (الله أكبر)
ويقول الباقي كما قدمناه: أي المشهور، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا فإنه يضيف
إلى ذلك قول: (لا إله إلا الله) مرة أخرى في آخر الإقامة، ومن روى اثنين
85

وأربعين فصلا فإنه يجعل في آخر الأذان التكبير أربع مرات وفي أول الإقامة أربع مرات
وفي آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرات، ويقول: (لا إله إلا الله) مرتين في آخر
الإقامة، فإن عمل عامل على إحدى هذه لم يكن مأثوما) وهو كما ترى ظاهر فيما ذكرنا
لكن لا ريب في أن الاحتياط الاقتصار على المشهور.
ثم قال: (فأما ما روي من شواذ الأخبار من قول: إن عليا ولي الله
وآل محمد خير البرية فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئا)
وقال في الفقيه بعد ذكر حديث الحضرمي وكليب (1): (هذا هو الأذان الصحيح
لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا زادوا بها في الأذان
(محمد وآل محمد خير البرية) مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله
أشهد أن عليا ولي الله مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أن عليا أمير المؤمنين
حقا مرتين، ولا شك في أن عليا ولي الله وأمير المؤمنين حقا، وأن محمدا وآله
صلى الله عليهم خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان - قال -: وإنما ذكرت
ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض المدلسون أنفسهم في جملتنا) قلت: وتبعهما
غيرهما على ذلك، ويشهد له خلو النصوص عن الإشارة إلى شئ من ذلك، ولعل
المراد بالشواذ في كلام الشيخ وغيره ما رواه المفوضة، لكن ومع ذلك كله فعن المجلسي
أنه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان استنادا إلى هذه المراسيل
التي رميت بالسذوذ، وأنه مما لا يجوز العمل بها، وإلى ما في خبر القاسم بن معاوية
المروي (2) عن احتجاج الطبرسي عن الصادق (ع) (إذا قال أحدكم:
لا إله إلا الله محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فليقل: علي أمير المؤمنين) وهو

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 9
(2) البحار - ج 18 ص 162 من كتاب الصلاة من طبعة الكمباني
86

كما ترى، إلا أنه لا بأس بذكر ذلك لا على سبيل الجزئية عملا بالخبر المزبور، ولا
يقدح مثله في الموالاة والترتيب، بل هي كالصلاة على محمد (صلى الله عليه وآله) عند
سماع اسمه، وإلى ذلك أشار العلامة الطباطبائي في منظومته عند ذكر سنن الأذان
وآدابه، فقال:
صل إذا ما اسم محمد بدا * عليه والآل فصل لتحمدا
وأكمل الشهادتين بالتي * قد أكمل الدين بها في الملة
وأنها مثل الصلاة خارجة * عن الخصوص بالعموم والجة
بل لولا تسالم الأصحاب لأمكن دعوى الجزئية بناء على صلاحية العموم
لمشروعية الخصوصية، والأمر سهل.
ومن ذلك كله ظهر لك الحال في سائر الأقوال في المقام التي أعربها ما يحكى عن
ابن الجنيد من أن التهليل في آخر الإقامة مرة واحدة إذا كان المقيم قد أتى بها بعد
الأذان فإن كان قد أتى بها بغير أذان ثنى (لا إله إلا الله) في آخرها، هذا.
وقد رخص في السفر الاقتصار فيهما معا على كل فصل مرة، قال الصادق (عليه
السلام)
في خبر نعمان الرازي (1): (يجزيك من الإقامة طاق طاق في السفر) وقال
الباقر (عليه السلام) في خبر العجلي (2): (الأذان يقصر في السفر كما تقصر الصلاة،
الأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة) وإطلاقه وحدة الإقامة منزل على حال الرخصة
قطعا، كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن وهب (3): (الأذان مثنى
مثنى، والإقامة واحدة) وفي خبر ابن سنان (4) (الإقامة مرة مرة إلا قول: الله
أكبر فإنه مرتان).

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 5 - 2 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 5 - 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 5 - 2 - 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 5 - 2 - 1 - 3
87

وكذا يقصر الأذان حال الاستعجال، ففي خبر الحذاء (1) (رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يكبر واحدة واحدة في الأذان فقلت له: لم تكبر واحدة واحدة؟
فقال: لا بأس به إذا كنت مستعجلا) لكن قد يظهر من مرسل يزيد مولى الحكم (2)
أفضلية الإقامة مثنى مثنى على الأذان والإقامة واحدا، قال: (سمعت أبا عبد الله
(ع) يقول: لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلي من أن أؤذن وأقيم واحدا
واحدا) أما الأذان تاما وحده فلا يقوم مقامهما مقصرين، لشدة تأكد الإقامة،
ولعله إليه أشار الطباطبائي بقوله:
وجاز تقصيرهما حال السفر * وعند الاستعجال حتى في الحضر
وذاك خير من تمام الأول * دون الأخير فله فضل جلي
والظاهر عدم اشتراط الرخصة في تقصير أحدهما بتقصير الآخر للاطلاق، بل
الظاهر ثبوت الرخصة في الاجتزاء بالإقامة المقصرة عن الأذان كالتامة، وقول
أبي الحسن (ع) في خبر أبي همام (3): (الأذان والإقامة مثنى مثنى، إذا
أقام مثنى مثنى ولم يؤذن أجزأه في الصلاة المكتوبة، ومن أقام الصلاة واحدة واحدة
ولم يؤذن لم يجزه إلا بأذان) محمول على التأكد في الحال المخصوص، وعلى كل حال
فمثل ذلك لا يقدح فيما ذكرنا من عدد فصول الأذان ضرورة كون ذلك رخصا في
أحوال خاصة، كرخصة المرأة في الاجتزاء عن الأذان بالتكبير والشهادتين، بل
بالشهادتين خاصة، سيما إذا سمعت أذان القبيلة، وعن الإقامة بالتكبير وشهادة أن لا
إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، كما يستفاد ذلك من صحيح ابن سنان (3) وصحيحي

الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
88

زرارة (1) المروي أحدهما عن العلل، وخبر أبي مريم الأنصاري (2) المتقدمة سابقا،
وكرخصة المصلي خلف من لا يقتدى به بالاجتزاء بخمسة فصول من آخر الإقامة إن
كان قد خشي فوات الائتمام الذي لا يسعه تركه للتقية إن حافظ على الاتيان بالفصول
تامة كما سمعته سابقا في خبر معاذ (3) وتسمعه لاحقا أيضا عند تعرض المصنف له.
وكذا لا يقدح ما ورد من الأمر بتكرار بعض الفصول زيادة على العدد المزبور
لأجل اجتماع الجماعة، قال الصادق (ع) في خبر أبي بصير (4): (لو أن مؤذنا
أعاد في الشهادة أو في حي على الصلاة أو حي على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من
ذلك إذا كان إنما يريد به جماعة القوم ليجمعهم لم يكن به بأس) فإنه ليس من أصل
الأذان كما هو واضح.
وقد ظهر لك من جميع النصوص والفتاوى أن آخر الأذان التهليل، فما في
المروي (5) عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم (إن آخر الأذان محمد
رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد التهليل إلا أنه ألقاه معاوية، وقال: أما يرضى
محمد (صلى الله عليه وآله) أن يذكر في أول الأذان حتى يذكر في آخره) من الغرائب،
ويبعده زيادة على ما عرفت أنه لو كان الأمر هكذا لكان ذلك محفوظا، كما حفظ
إسقاط عمر (حي على خير العمل) بل هو أولى منه بذلك، خصوصا بعد فرض
استمراره كذلك إلى زمان معاوية الذي كان معروفا في زمانه بالفسق والفجور، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (الترتيب) بين الفصول (شرط في صحة الأذان والإقامة)

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 و 8
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(5) البحار - ج 18 ص 178 من كتاب الصلاة من طبعة الكمباني
89

إجماعا بقسميه، مضافا إلى أصالة عدم مشروعية غيره والنصوص، وفي مرسل الفقيه (1)
عن الباقر (ع) (تابع بين الوضوء - إلى أن قال -: وكذلك في الأذان
والإقامة، فابدأ بالأول، فالأول، فإن قلت: حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم
قلت: حي على الصلاة) وفي صحيح زرارة (2) (من سهى في الأذان فقدم أو أخر
أعاد على الأول الذي أخره حتى يمضي على آخره) وكما أن التقديم والتأخير ينافي
الترتيب كذلك النقصان، ضرورة كونه مع النقصان لم يضع الفصل في محله الذي هو
بعد المنسي، ولذا سأل الساباطي (3) أبا عبد الله (ع) (عن رجل نسي من
الأذان حرفا فذكره حين فرغ من الأذان والإقامة فقال له: يرجع إلى الحرف الذي
نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف إلى آخره، ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة) وبه
- مضافا إلى ما سمعت - يخرج عن ظاهر موثقه الآخر (4) قال: (سألت أبا عبد الله
(ع) أو سمعته يقول: إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى يأخذ في الإقامة
فليمض في الإقامة فليس عليه شئ، فإن نسي حرفا من الإقامة عاد إلى الحرف الذي
نسيه، ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة) ولعله محمول على الاجتزاء بالإقامة
عن الأذان لا أن المراد حصول وظيفتهما معا في الفرض المزبور وإن كان قد يشهد له
خبر علي بن جعفر (5) عن أخيه (ع) المروي عن قرب الإسناد (سألته عن
الرجل يخطئ في أذانه وإقامته فذكر قبل أن يقوم في الصلاة ما حاله؟ قال: إن كان
أخطأ في أذانه مضى على صلاته، وإن كان في إقامته انصرف فأعادها وحدها، وإن
ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته وأجزأ ذلك) لكن يمكن حمله
أيضا على ما عرفت، فظهر من ذلك كله اعتبار الترتيب وأن تداركه يكون بإعادة ما فيه

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 5
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 5
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 5
90

الخلل وما بعده على نحو تدارك ترتيب الوضوء، لكن ينبغي أن يكون الخلل المفروض
قد وقع على وجه لا تشريع فيه بحيث يفسد العمل من أصله، وإلا اتجه الاستيناف
من رأس كما هو واضح.
وكذا يشترط الترتيب بين الأذان والإقامة نفسهما، فمع نسيان حرف من
الأذان يعيد من ذلك الحرف إلى الآخر، للاجماع بقسميه أيضا، والأصل والتأسي،
إذ هو الثابت من الأدلة، بل يمكن دعوى القطع باستفادته من تصفح النصوص، فما
في خبر الساباطي الأول من الاقتصار على إعادة الأذان وحده دون الإقامة لا بد من
طرحه، أو يحمل على إرادة ولا يعيد الأذان كله لو نسي منه حرفا، وكذا لا يعيد
الإقامة كلها لو نسي منها حرفا إلا إذا كان المنسي الحرف الأول فيهما.
وعلى كل حال فالظاهر عدم اعتبار التدارك لو عكس الترتيب بين الأذان
والإقامة عمدا فضلا عن السهو، ضرورة أن له الاقتصار على كل من الأذان والإقامة،
فمع فرض عدم إرادة الاتيان بالوظيفتين لا يلزم بالتدارك ويسلم له أحدهما، نعم
لو أرادهما معا اتجه لزوم التدارك عليه، لكن ينبغي اشتراط العمد في العكس بعدم
وقوعه على وجه التشريع بحيث يقتضي فساده، ومثل العكس في ذلك الترك عمدا أو
سهوا، فمن أقام عازما على الاقتصار عليها ثم بدا له بعد فراغها الاتيان بالأذان وجب عليه
إعادة الإقامة أيضا إن كان قد أراد حوز الفضيلتين، وإلا اقتصر على الأذان وكان
كالمصلي به ابتداء بلا إقامة كما هو واضح.
ثم إن ظاهر النصوص المزبورة عدم مراعاة الموالاة، ضرورة اقتضاء صحته
تدارك الحرف الثاني من الأذان مثلا وإن كان قد ذكره بعد الفراغ منه ومن الإقامة،
ولعله لا بأس به عملا باطلاق النصوص المزبورة، خلافا للعلامة الطباطبائي، فقال:
ومن سهى فخالف الترتيب في * بعض الفصول فليعد حتى يفي
91

إلا إذا فات الولا * إذ طال فصل فليعد مستقبلا
اللهم إلا أن لا يريد ما تشمله النصوص المزبورة كما لو فصل بأمر آخر من صلاة
أو ذكر أو سكوت أو نحوها، أما الخلل عمدا فقد يقوى فيه مراعاة الموالاة العرفية
التي ينافيها الفصل المزبور في صورة السهو قطعا، لسلامة ما دل هنا على اعتبار الموالاة
من الأصل، وأنه الثابت من فعلهم (عليهم السلام) والمستفاد من الأدلة عن المعارض.
ولو فات الترتيب فيهما معا فلم يذكره حتى دخل الفريضة ففيه البحث السابق في
نسيان الأذان والإقامة، وأنه هل يلحق به مثل ذلك كما عرفت الحال فيه سابقا، هذا.
والحكم في الشك كالحكم في النسيان بمعنى أنه لو شك في فصل من فصول الأذان
قبل تجاوز محله تلافاه وما بعده، أما بعده فلا يلتفت كالشك في أصل الأذان، والظاهر
كون الإقامة محلا آخر، فلا يلتفت حينئذ مع الدخول فيها إلى شئ من الشك في الأصل
أو في الفصل، فاحتمال أنهما معا محل واحد كاحتمال كون كل كلمة منهما محلا آخر لا يخلو
من ضعف، وتسمع في أحكام الخلل ما ينفع هنا، إذ الظاهر اتحاد البحث من هذه الجهة
بينهما وبين الصلاة، فلاحظ وتأمل، والله أعلم.
(ويستحب فيهما سبعة أشياء) أولها (أن يكون مستقبل القبلة) حالهما وفاقا
للمشهور نقلا وتحصيلا، بل في الخلاف والتذكرة وعن إرشاد الجعفرية الاجماع عليه
في الأذان، بل في المدارك والذكرى وظاهر الغنية أو صريحها الاجماع عليه فيهما،
لكن لعل مراد الثاني منها الفضل، لنقله القول بوجوبه في الإقامة مع احتمال عدم
الاعتداد به في حصول القطع له، وكيف كان فهو بعد شهادة التتبع له الحجة على الرجحان
ونفي الوجوب الشرطي، بل في الغنية والتذكرة الاجماع عليه في الأذان، مضافا إلى
الأصل، وخصوصا في صفات المستحبات، وإطلاق النصوص، والتأسي بمؤذني
92

رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإطلاق قوله (ع) (1): (خير المجالس
ما استقبل فيه القبلة) وقول الصادق (ع) في خبر سلمان بن صالح (2):
(إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة) وفي خبر هارون المكفوف (3) (الإقامة من
الصلاة) وخبر علي بن جعفر (4) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (ع) (عن رجل يفتح
الأذان والإقامة وهو على غير القبلة ثم استقبل القبلة فقال: لا بأس) وسأل ابن مسلم
أحدهما (ع) في الصحيح (5) (عن الرجل يؤذن وهو يمشي أو على ظهر دابته أو على غير
طهور فقال: نعم إذا كان التشهد مستقبل القبلة فلا بأس) وسأل الحلبي الصادق (ع)
في الحسن (6) (يؤذن الرجل وهو على غير القبلة فقال: إذا كان التشهد
مستقبل القبلة فلا بأس) إذ لا يخفى على من له أدنى درية بصناعة الفقه أن الجمع بين
جميع ما سمعت بعد ملاحظة قصور تحكيم المقيد منها على المطلق هنا إنما يقتضي ما قلنا
من الاستحباب، نعم يمكن دعوى ثبوت الكراهة بترك الاستقبال في الشهادتين، لأنها
أقل المراد من البأس في مفهوم الصحيح والحسن السابقين، فما عن المقنعة وجمل العلم
ومصباح السيد والمراسم والوسيلة وظاهر المحكي عن الكاتب والمقنع والنهاية من الوجوب
في الإقامة لا يخلو من نظر وإن وافقهم عليه في الحدائق، كما أن ظاهر المحكي عن المقنعة

(1) الوسائل - الباب - 76 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12 رواه
في الوسائل عن سليمان بن صالح
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12 لكن رواه
عن أبي هارون المكفوف وهو الصحيح كما تقدم في الصحيفة 20 التعليقة (5) ويأتي آنفا
(4) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7
(6) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 1
93

والنهاية والمصباح - من وجوب الاستقبال في الشهادتين من الأذان، والكاتب مع زيادة
التكبير - كذلك أيضا، وأضعف من الجميع ما عن القاضي من وجوب الاستقبال في
الأذان والإقامة في خصوص الجماعة، إذ لم نعرف له مستندا في ذلك.
(و) ثانيها (أن يقف على أواخر الفصول) بأن يترك الاعراب عليها عند
علمائنا في المعتبر قطعا في الأذان وظاهرا أو محتملا في الإقامة أيضا، والمحكي عن
المنتهى والروض، بل إجماعا في الخلاف في الأذان، بل التذكرة فيهما معا، ولقول
أبي جعفر (ع) في صحيح زرارة (1): (الأذان جزم بافصاح الألف
والهاء، والإقامة حدر) والصادق (ع) في خبر خالد بن نجيح (2) التكبير
جزم في الأذان مع الافصاح بالهاء والألف) وفي الفقيه عن خالد بن نجيح أيضا عنه
(ع) أنه قال: (والأذان والإقامة مجزومان) قال: وفي حديث آخر
موقوفان، لكن قد يظهر من مقابلة الجزم بالحدر الذي هو الاسراع في صحيح زرارة
عدم استحباب الجزم في الإقامة، ضرورة اقتضاء الجزم الذي هو ترك الاعراب
الوقف، وإلا كان لحنا، لوجوب ظهور الاعراب في الدرج كوجوب تركه في الوقف
فيكون الأمر بالحدر حينئذ كناية عن اظهار الاعراب، كما أن الأمر بالجزم الذي
هو السكون كما تسمعه عن النهاية كناية عن الوقف، لما عرفته من التلازم، وعليه حينئذ
يتم الأمر بالحدر في الإقامة في غيره كصحيح ابن وهب (3) وغيره من غير حاجة إلى
تكلف إرادة ما لا ينافي الوقف من الحدر، أو التزام جواز ذلك في خصوص المقام،
أو منع كون مثله لحنا كالوقف على المتحرك، أو أن المراد من الوقف ترك الحركة، أو
نحو ذلك مما يمكن منعه وإن التزم بعضه في المحكي عن الروض، قال: (ولو فرض ترك

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
94

الوقف أصلا سكن أواخر الفصول أيضا وإن كان ذلك في أثناء الكلام، ترجيحا
لفضيلة ترك الاعراب على المشهور من حال الدرج) لكن قد يناقش فيه بأنه لا وجه له
مع فرض كونه لحنا، إذ الظاهر اعتبار العربية فيها، بل والأذان لأنه هو الثابت،
فالاجتزاء بغيره مشكل، بل جزم بعدمه في منظومة الطباطبائي، نعم احتمل عدم قدحه
بل والتغيير في مثل أذان الاعلام، مع أنه لا يخلو من نظر أيضا.
كما أن ما في المحكي عن الروض - من أن في بطلان الأذان والإقامة باللحن
وجهين، وأنه قد اختلف فيه كلام الفاضل، فحرمه في بعض كتبه وأبطلهما به،
والمشهور العدم، نعم لو أخل بالمعنى كما لو نصب لفظ رسول الله صلى الله عليه وآله
ومد لفظ (أكبر) بحيث صار أكبار جمع كبر وهو الطبل له وجه واحد اتجه البطلان
كذلك لا يخلو من نظر بل منع، خصوصا دعوى شهرة العدم وترك التعرض لشرطية
ذلك من المصنف ونحوه اتكالا على ظهور الحال.
فظهر حينئذ أن المتجه - بناء على مراعاة حكم الدرج والوقف وإلا كان لحنا - إرادة الكناية
عن إظهار الاعراب بالأمر بالحدر فيها، وليس في شئ من النصوص ما ينافي ذلك
سوى خبر ابن نجيح على ما أرسله في الفقيه، مع أنك قد عرفت الذي رواه عنه غيره
بل ظاهر المعتبر أن روايته مثل صحيح زرارة، نعم ينافي ما ذكرنا تصريح غير واحد
من الأصحاب باستحباب الجزم فيهما، بل هو معقد إجماع التذكرة كالمحكي عن المنتهى
فلا بد حينئذ من إرادة ما لا ينافي الوقف من الحدر المزبور بناء على مراعاة حكمي
الدرج والوقف المذكورين في علم العربية، أي لا تقطع قطع الأذان، إذ المراد بالجزم
في صحيح زرارة القطع بقرينة مقابلته بالحدر لا السكون وترك المد والاعراب في
الأواخر وإن حكي عن النهاية تفسيره بذلك، إذ الجميع ثابتة في الإقامة أيضا، فلا
95

يقابل بالحدر، بل لا بد من إرادة التأني والترسل من الجزم (1) لا مطلق القطع، لما
عرفت من حصوله في الجملة في الإقامة بناء على مراعاة حكم الوقف والدرج، فيكون
حينئذ مقابلته بالحدر في الإقامة متجهة، خصوصا مع ملاحظة قول (ع)
في خبر الحسن بن السري (2): (الأذان ترسيل، والإقامة حدر) وعن بعض
النسخ (ترتيل) والمراد واحد، وعن أكثر المتأخرين أن المراد بالحدر قصر الوقوف
لا تركها أصلا، وبالتأني إطالتها.
وكيف كان فمن ذلك كله ظهر لك الوجه في المستحب الثالث والرابع (و) هما
أن (يتأنى في الأذان ويحدر في الإقامة) الذي قد اعترف في التذكرة والمحكي عن
المنتهى بعدم معرفة الخلاف فيه، والمراد بالألف والهاء المأمور بالافصاح بهما في الصحيح
المتقدم وغيره ما كانا في آخر بعض الفصول كالواقعين في لفظ الجلالة في آخر التهليل
وفي لفظ الصلاة كما استظهره في الذكرى، بل ظاهر المحكي عن المنتهى الجزم به،
ولعله للمرسل العامي على الظاهر المروي في المنتهى عن النبي صلى الله عليه وآله
(لا يؤذن لكم من يدغم الهاء في لفظي الله والصلاة) لكن عن ابن إدريس أن المراد بها
هاء (إله) لا هاء (أشهد) ولا هاء (الله) لأنهما مبنيتان، والثانية موقوف عليها
يفصح فيها من دون لبس، وفيه أن كونها مبينة لا يستلزم عدم اللحن بها، بل كثير
من المؤذنين لا يظهر الهاءات المزبورة، بل الحاء من الفلاح لا يظهرها بخلاف هاء (إله)
المتحركة، بل قيل: إن كثيرا منهم لا يظهر هاء (أشهد) ويقول: (أشد) وكأنه

(1) في النسخة الأصلية المسودة والمبيضة (في الجزم) ولكن الصحيح ما أثبتناه
لأن (من الجزم) متعلق بلفظة (إرادة) وهي تتعدى ب‍ (من) ولا تتعدى ب‍ (في)
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
الجواهر 12
96

فهم من الخبر المزبور أن المراد الجزم في أواخر الفصول لا بحيث يشمل الهاء من (إله)
بل هي يفصح بها: أي تحرك ولا تجزم، فقوله (ع): (وأفصح) رفع لما عساه
يتوهم من قول: (الأذان جزم) ولعل ما ذكرناه من إرادته الأمر باظهار الهاءات
المزبورة مخافة أن الوقف المأمور به يذهبها، فتأمل جيدا، وكيف كان فقضية ما سمعته
من الأصحاب من التعبير عن الحكمين بالاستحباب جواز غيرهما وعدم البطلان بخلافه،
حملا لهذا الأمر على الاستحباب في الاستحباب، فما عن القاضي - من اشتراط الوقف
في فصولهما، وربما حكي عن بعض أفاضل عصرنا - لا يخلو من نظر خصوصا بعد ما
عرفته من إجماع الأصحاب، والله أعلم.
(و) الخامس (أن لا يتكلم في خلالهما) بمعنى كراهته فيه وفاقا للمشهور بين
الأصحاب شهرة عظيمة، بل في المحكي عن المنتهى ((نفي الخلاف عنه بين أهل العلم في
الإقامة) كما أن في الغنية (الاجماع على جواز التكلم في الأذان وأن تركه أفضل)
وفيها أيضا (السنة في الإقامة حدر كلمها، وفعلها على طهارة واستقبال القبلة، ولا يتكلم
فيها بما لا يجوز فعله في الصلاة بالاجماع) وعلى كل حال فقد استدل عليه في الأذان
بأن فيه فوات الاقبال المطلوب في العبادة وفوات الموالاة، وهو كما ترى، والأولى.
الاستدلال عليه بما يفهم من موثق سماعة (1) ولو بمعونة فهم الأصحاب والتسامح،
قال: (سألته عن المؤذن أيتكلم وهو يؤذن؟ فقال: لا بأس حين يفرغ من أذانه)
من ثبوت البأس الذي أقله الكراهة قبل الفراغ، ولعلها المراد من أفضلية الترك
معقد إجماع الغنية السابق، لكن لا دلالة في شئ من ذلك التعدية لغير المؤذن، بل ليس في نصوص الإقامة
التي تسمعها ما يدل على الكراهة لغير المقيم قبل قول:
(قد قامت الصلاة).

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 6
97

وكيف كان فما عن القاضي - من عدم الكراهة حيث حصرها في الإقامة
للأصل وظهور خبر عمرو بن أبي نصر (1) فيه، قال لأبي عبد الله (ع):
(أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال: لا بأس، قلت: في الإقامة قال: لا) لإرادة
الكراهة من النهي في الإقامة كما ستعرف، فتكون هي المنفية في الأذان بقرينة المقابلة -
ففيه (2) إن الأصل مقطوع بما عرفت، والمنفي كراهة الإقامة لا مطلق الكراهة
وإن ضعفت عنها، فتأمل.
وأما الكراهة في خلل الإقامة وبعدها فلأنها مقتضى الجمع بين ما دل على
الجواز - كخبر الحلبي (3) سأل أبا عبد الله (ع) (عن الرجل يتكلم في أذانه
أو في إقامته فقال: لا بأس) وخبر الحسن بن شهاب (4) سمع أبا عبد الله (ع)
يقول: (لا بأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة، وبعد ما يقيم إن شاء) وصحيح
عبيد بن زرارة (5) المروي عن المستطرفات (سألت أبا عبد الله (ع) أيتكلم
الرجل بعد ما يقام الصلاة؟ قال: لا بأس) وصحيح حماد بن عثمان (6) قال: (سألت
أبا عبد الله (ع) عن الرجل يتكلم بعد ما يقيم الصلاة قال: نعم) - وبين ما
دل على النهي كخبر ابن أبي نصر المتقدم (7) وخبر أبي هارون (8) وغيره، إذ هو
أولى من الجمع بحمل ما دل على الجواز على ما قبل قول: (قد قامت) وعدمه
على ما بعده بشهادة قول الباقر (ع) في صحيح زرارة (9): (إذا أقيمت
الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلا في تقديم إمام) والصادق (ع)
في موثق سماعة (10) (إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام إلا أن يكون القوم

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 4 - 8 - 10 - 13 - 9 - 4 - 12 - 1 - 5
(2) في النسخة الأصلية (وفيه) والصحيح ما أثبتناه
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(10) تقدم آنفا تحت رقم 1.
98

ليس يعرف لهم إمام)) وسأله (ع) أيضا ابن أبي عمير (1) (عن الرجل يتكلم
في الإقامة قال: نعم، فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل
المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم
لبعض: تقدم يا فلان)) لصراحة بعض نصوص الجواز كما عرفت فيما بعد قيام الصلاة،
اللهم إلا أن يحمل الكلام فيها على الكلام المزبور في هذه النصوص، أو غيره مما يتعدى
منه إليه بدعوى أنه مثال لمطلق المتعلق بالصلاة كتسوية الصفوف ونحوها، قال في المحكي
عن المنتهى: (لا خلاف في تسويغ الكلام بعد (قد قامت) إذا كان مما يتعلق بالصلاة
كتقديم إمام وتسوية صف).
وكيف كان فيكون المراد من سؤال نصوص الجواز إباحة طبيعة الكلام في الجملة
لكنه كما ترى، خصوصا والمقنعة وجمل السيد والنهاية والتهذيب التي هي الأصل في
الخلاف قد أطلقوا عدم جواز الكلام في خلال الإقامة، فلم يعملوا بالنصوص المزبورة
على الوجه المذكور، نعم عن المبسوط والنهاية والوسيلة التنصيص على تحريمه بعد قوله:
قد قامت الصلاة بغير ما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية الصف، مع أنا لم نتحققه
عن غير الأخير، فيضعف حينئذ من هذه الجهة احتمال تحكيمها على غيرها المعتضد بالشهرة
وبالأصل وغيره، خصوصا مع عطف المعلوم كراهته في خبر أبي هارون عليه، وأنه إذا
أعطيت حكم الصلاة كما هو مضمون خبر أبي هارون وغيره ينبغي عدم الكلام فيها
مطلقا، بل لا يخفى على من له أدنى معرفة بلسان النصوص إرادة الكراهة من ذلك
وشدتها بعد قيام الصلاة لا الحرمة حقيقة التي هي وظيفة تكبيرة الاحرام، وإلا فمن
المعلوم أن له الاعراض عن الصلاة بعد الإقامة، وحينئذ لا يحرم الكلام عليه قطعا،
فلا بد من حمله على ما إذا بقي عازما على الصلاة متهيئا لها بالإقامة المذكورة، فلو فرض

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7
99

أنه فصل بينها وبين الصلاة بما لا يخل في الاتصال المعتبر يجب عليه السكوت، أو
الاشتغال بغير الكلام من ذكر ونحوه، وهو أمر غريب يمكن دعوى معلومية خلافه
من الشريعة، كمعلومية أن له رفع اليد عن الإقامة والصلاة بدونها، فأقصى ما في الكلام
حينئذ ذلك لا الحرمة التعبدية، ومن ذلك ظهر لك أنه لا ريب في قوة ما ذكرناه من
الجمع - خصوصا مع ملاحظة ما سمعته والشهرة والأصل والاطلاقات وغيرها وضعف
الجمع المزبور.
وأضعف منه احتمال حمل نصوص الجواز على إرادة ذلك لكن مع بطلان
الإقامة بشهادة قول الصادق (ع) في صحيح محمد بن مسلم (1): (لا تتكلم
إذا أقمت الصلاة فإنك إذا تكلمت أعدت الإقامة) ضرورة قصوره عن صرف ظاهر
النصوص المزبورة من جواز الكلام وعدم بطلان الإقامة به، إذ هو المسؤول عنه،
فالأولى حينئذ حمل الخبر المزبور على استحباب الإعادة الذي صرح به غير واحد من
الأصحاب، بل أضعف منهما معا الجمع بحمل نصوص التحريم على ما بعد قول: (قد
قامت) في الجماعة بغير ما يتعلق بالصلاة، والجواز على الانفراد بدعوى ظهور كل منهما
في ذلك، فلا جهة للجمع بينها بالكراهة، إذ هو يمكن كونه خرقا للاجماع المركب،
اللهم إلا أن يدعى تنزيل كلام المحرمين على ذلك، وعلى كل حال فقد عرفت أن ما
ذكرناه أولى منه من وجوه.
وأضعف من ذلك احتمال الجمع أيضا بحمل نصوص الجواز على الاضطرار والعدم
على الاختيار، مع أن في بعض النصوص المزبورة ما هو كالصريح في الاختيار، نحو
قوله (ع): (إن شاء) وما شابهه.
ثم إن الظاهر كراهة الكلام أيضا فيما بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة كما

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
100

عن جامع الشرائع والنفلية للمروي (1) عن المجالس والخصال (أن رسول الله صلى الله
عليه وآله كره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة حتى تقضى) بل قيل:
إنه رواه في الفقيه في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي أمير المؤمنين (ع) (2)
والله أعلم.
(و) السادس مما يستحب فيهما (أن يفصل بينهما بركعتين أو سجدة إلا في
المغرب، فإن الأولى أن يفصل بينهما بخطوة أو سكتة) إذ هو ليس بواجب قطعا
للأصل والاطلاقات وظهور نصوص المقام التي ستسمعها إن شاء الله فيه، وخبر ابن
مسكان (3) (رأيت أبا عبد الله (ع) أذن وأقام من غير أن يفصل بينهما
بجلوس) وإن كان يحتمل الفصل بغيره، فما في موثق عمار (4) (سألت أبا عبد الله
(ع) عن الرجل ينسى أن يفصل بين الأذان والإقامة بشئ حتى أخذ في
الصلاة أو أقام للصلاة فقال: ليس عليه شئ، وليس له أن يدع ذلك عمدا) محمول
على التأكد أو كراهة الترك وإن لم يكن ذكرها الأكثر، كل ذلك مع ظهور اتفاق
الأصحاب على ذلك بحيث يمكن تحصيل الاجماع عليه، قال في المعتبر: (ويستحب
الفصل بينهما بركعتين أو جلسة أو سجدة أو خطوة خلا المغرب، فإنه لا يفصل بين
أذانيها إلا بخطوة أو سكتة أو تسبيحة، وعليه علماؤنا) ومثله عن المنتهى، وقال في
التذكرة: (يستحب الفصل بين الأذان والإقامة بجلسة أو سجدة أو سكتة أو خطوة
أو صلاة ركعتين في الظهرين إلا المغرب، فإنه لا يفصل بينهما إلا بخطوة أو سكتة
أو تسبيحة عند علمائنا) وعلى كل حال فاستحباب الفصل بركعتين في غير المغرب - مع

(1) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 9 - 5
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 9 - 5
101

أنه معقد ما سمعته من المعتبر بل والتذكرة في خصوص الظهرين - قد يدل عليه مضمر
ابن أبي نصر (1): (القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم يكن قبل
الإقامة صلاة تصليها) وفي خبره (2) (سألت الرضا (ع) عن القعدة بين
الأذان والإقامة فقال: القعدة بينهما إذا لم يكن بينهما نافلة) وفي صحيح ابن سنان
المتقدم (3) في الأذان قبل الفجر (وأما السنة فإنه ينادى به مع طلوع الفجر، ولا يكون
بين الأذان والإقامة إلا الركعتان)) وفي خبر أبي علي صاحب الأنماط (4) عن
أبي عبد الله أو أبي الحسن (عليهما السلام) قال: (يؤذن للظهر على ست ركعات،
ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر) وفي المروي عن دعائم الاسلام (5) عن
جعفر بن محمد (ع) (ولا بد من فصله بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير
ذلك، وأقل ما يجزي في صلاة المغرب التي لا صلاة قبلها أن يجلس بعد الأذان جلسة
يمس فيها الأرض بيده) وفي صحيح سليمان بن جعفر الجعفري (6) (سمعته يقول:
أفرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين) والمراد الركعتان من نافلة الفريضة
كما يومي إليه خبر الدعائم، والتعريف في صحيح ابن سنان وخبر البزنطي كالصريحين
في ذلك، ولما لم يكن نافلة قبل المغرب اختص الحكم بغيرها، بل في خبر زريق (7)
المروي عن المجالس عن الصادق (ع) التصريح بنفيهما فيها، قال: (من السنة
الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة والمغرب وصلاة العشاء، ليس بين الأذان والإقامة سبحة، ومن السنة أن يتنفل بركعتين بين الأذان والإقامة في صلاة الظهر

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3 - 12 - 2 - 13
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3 - 12 - 2 - 13
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7
(4) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 5
(5) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3 - 12 - 2 - 13
(7) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3 - 12 - 2 - 13
102

والعصر) واشتماله على نفيهما أيضا في صلاة الغداة والعشاء الذي يمكن حمله على نفي
التأكد غير قادح، بل لعل طرحه في مقابلة ما سمعته من النصوص الدالة على رجحانهما
على الجلوس متجه، كخبر عمران الحلبي (1) المفصل بين الإمام والمنفرد، قال: (سألت
أبا عبد الله (ع) عن الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما فقال: إذا
كنت إماما تنتظر جماعة فالأذان قبلهما، وإن كنت وحدك فلا يضرك أقبلهما أذنت
أو بعدهما؟) مع أنه يمكن حمله على إرادة شدة التأكد حينئذ.
فظهر لك أن ما يظهر مما سمعته من التذكرة - من اختصاص الركعتين بالظهرين
خاصة، ولعله لخبر زريق السابق - لا يخلو من نظر وإن حكي عن المفيد والشهيد موافقته
على ذلك، قال الأول في المقنعة: (إن الفصل بالركعتين في الظهرين خاصة، وأما العشاء
والغداة فلا، وإنما يجلس فيهما إلا أن يكون عليه قضاء نافلة فليجعل ركعتين منها بين
الأذان والإقامة، فإنه أفضل من الجلوس بغير صلاة) وقال الثاني في الذكرى: (يستحب
الفصل بينهما بركعتين في الظهرين محسوبتين من نافلتهما) مع أنه يمكن إرادتهما أن
الفصل بنافلة الفريضة مختص بهما لا مطلق الركعتين كما يومي إليه ما في بيان الثاني منهما،
قال: (والفصل بينهما بركعتين، فإن كان في الظهرين جعلهما من نوافلهما) وكأنه
لضعف دلالة نصوص غير الظهرين على الفصل بخصوص النافلة، بل في كشف اللثام
والمحكي عن الروض أن الركعتين من نوافل الفرض أو غيرها كما في الأخبار، بل لعله
ظاهر إطلاق العلامة الطباطبائي.
لكن على كل حال قد عرفت دلالة تلك النصوص على المشهور، بل منها يعلم
ما في المحكي عن المقنعة والمراسم والسرائر من أن الفصل بالركعتين المؤذن في جماعة
إماما كان أو مأموما، ضرورة اقتضاء إطلاقها أو أكثرها خلاف ذلك كما عرفت،

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
103

بل وما في المحكي عن البحار من أنه ينبغي تقييد الفصل بالركعتين بما إذا لم يدخل وقت
فضيلة الفريضة، ولذا خص الشهيد في الذكرى ذلك بالظهرين، وأما صلاة الغداة
فالغالب إيقاع نافلتها قبل الفجر، ولذا لم يذكر في الأخبار، قلت: بعد تتميم كلامه
بأن نافلة المغرب ضيقة الوقت قد عرفت دلالة الأخبار على صلاة الغداة بالخصوص
وعلى غيرها عدا المغرب بالعموم.
وأما الفصل بالسجدة فقد اعترف غير واحد بعدم الظفر له بمستند حتى عللوه
بأنها جلسة وزيادة راجحة، والأولى الاستدلال عليه بما عن فلاح السائل لرضي الذين
ابن طاووس، فإنه روى عن التلعكبري بإسناده عن الأزدي (1) عن أبي عبد الله
(ع) قال: (كان أمير المؤمنين (ع) يقول لأصحابه من سجد
بين الأذان والإقامة فقال في سجوده: رب لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا يقول
الله تعالى ملائكتي وعزتي وجلالي لأجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين، وهيبته
في قلوب المنافقين) وبإسناده عن ابن أبي عمير عن أبيه (2) عن أبي عبد الله (ع)
قال: (رأيته أذن ثم أهوى ثم سجد سجدتين بين الأذان والإقامة، فلما رفع
رأسه قال، يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه كلها، وقال: من أذن ثم
سجد فقال: لا إله لا أنت سجدت لك خاضعا خاشعا غفر الله له ذنوبه) إلا أنهما
كما ترى يشملان المغرب أيضا، ولذا لم يفرق بينها وبين باقي الصلوات بالفصل بها في
منظومة الطباطبائي خلافا لأكثر الأصحاب، ولعل مستندهم ضيق وقت المغرب حتى
جعل الفصل فيها بالنفس دون الجلوس فضلا عن السجود في خبر ابن فرقد (3) عن

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 14 - 15 - 7 وفي الثاني في الوسائل (ثم سجد سجدة)
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 14 - 15 - 7 وفي الثاني في الوسائل (ثم سجد سجدة)
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 14 - 15 - 7 وفي الثاني في الوسائل (ثم سجد سجدة)
104

أبي عبد الله (ع) قال: (بين كل أذانين قعدة إلا المغرب، فإن بينهما نفسا)
وقد سمعت ما في خبر الدعائم (1) من الجلسة التي تمس الأرض فيها بيده المشعر بكونها
خفيفة جدا تقارب النفس في الزمان، إذ الظاهر إرادة التقدير الزماني من خبر ابن
فرقد السابق الذي هو الحجة لما ذكره المصنف وغيره، بل قد سمعت نسبته إلى علمائنا
من الفصل في أذان المغرب وإقامتها بالسكتة بناء على أن المراد منها النفس كما عن الشهيد
في النفلية تفسيرها به، بل ولما ذكره أيضا هو وغيره، بل سمعت نسبته إلى علمائنا من
الخطوة التي اعترف غير واحد من الأصحاب بعدم الظفر لها بمستند بناء على ما سمعته
من إرادة التقدير الزماني المساوي للخطوة أو قريب منه، مضافا إلى المحكي (2) عن
فقه الرضا (ع) بناء على حجيته أو في خصوص المقام للتسامح، ومعلومية
كون المستند في مثله النص، قال: (وإن أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل
فإن فيه فضلا كثيرا، وإنما ذلك على الإمام، وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة
برجله اليمنى، ثم يقول: بالله أستفتح وبحمده أستنجح وأتوجه، اللهم صل على محمد
وآل محمد، واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، وإن لم تفعل أيضا
أجزأك) لكنه كما ترى خاص بالمنفرد، والمعروف بين الأصحاب عدم الفرق بينه
وبين غيره في ذلك، بل وعدم الفرق بين المغرب وغيره، وقد سمعت ما في المعتبر وغيره
سابقا، واستثناء المصنف له يقضي بعدم الفصل فيه بالركعتين و السجدة لا أنه يختص
بالخطوة والسكتة، نعم يحكى عن المفيد والسيد والديلمي والعجلي تخصيص الخطوة بالمنفرد
وتبعهم العلامة الطباطبائي، ولعله للخبر المزبور الذي يمكن ولو بمعونة فهم الأصحاب
حمله على إرادة عدم تأكد الجلوس فيه للمنفرد كالإمام.

(1) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2
وفي فقه الرضا عليه السلام والمستدرك (وبمحمد صلى عليه وآله أستنجح وأتوجه)
(2) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 2
وفي فقه الرضا عليه السلام والمستدرك (وبمحمد صلى عليه وآله أستنجح وأتوجه)
105

أما السكتة فقد يشكل تعدية الفصل بها لغير المغرب، ضرورة خلو النصوص
عدا خبر ابن فرقد المختص بالمغرب عنها، إلا أنك قد سمعت معقد ظاهر إجماع التذكرة
بناء على رجوعه للجميع، وقد يتكلف له بأن المراد من خبر ابن فرقد ذكر أقل ما
يحصل به الفصل وإن كان يستحب فعله في المغرب لضيق وقتها، لا أنه يختص استحبابه
بالمغرب، مضافا إلى ما في خبر الدعائم من إطلاق الفصل بغير الصلاة، وقول الصادق
(ع) في موثق عمار (1): (إذا قمت إلى صلاة فريضة فأذن وأقم وافصل
بين الأذان والإقامة بقعود أو بكلام أو بتسبيح) ضرورة مساواة أقلها للسكتة، وقد
سأله (ع) هو أيضا في خبره الآخر (2) (كم الذي يجزي بين الأذان
والإقامة من القول؟ قال: الحمد لله) وفي خبره الثالث (3) سأل (ما الذي يجزي
من التسبيح بين الأذان والإقامة؟ قال: يقول: الحمد لله).
ومن ذلك كله يعلم استحباب الفصل بالقعود والذكر والكلام، إلا أنه ينبغي
تقييد الأخير بغير صلاة الفجر، لما سمعته سابقا من كراهة الكلام بين أذانها وإقامتها
كما أن بعض الأصحاب قيد الأول بغير صلاة المغرب، ولعله لخبر ابن فرقد (4) المتقدم
لكن فيه أنه معارض باطلاق نصوص الجلوس (5) التي بعضها كالصريح في المغرب،
وخصوص خبر زريق المتقدم (6) وخبر إسحاق الجريري (7) عن الصادق (ع)
(من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان المتشحط بدمه في سبيل الله) وعن
كتاب فلاح السائل عن التلعكبري عن محمد بن همام عن حميد بن زياد عن ابن سماعة

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 11 - 5 - 7 - 13 - 10
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 11 - 5 - 7 - 13 - 10
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 11 - 5 - 7 - 13 - 10
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 11 - 5 - 7 - 13 - 10
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 و 2 و 3
(6) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 11 - 5 - 7 - 13 - 10
(7) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 11 - 5 - 7 - 13 - 10
106

عن الحسن بن معاوية بن وهب عن أبيه (1) قال: (دخلت على أبي عبد الله (ع)
وقت المغرب فإذا هو قد أذن وجلس فسمعته يدعو بدعاء ما سمعت بمثله،
فسكت حتى فرغ من صلاته، ثم قلت: يا سيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله
قط، قال: هذا دعاء أمير المؤمنين (ع) ليلة بات على فراش رسول الله
صلى الله عليه وآله، وهو يا من ليس معه رب يدعى، يا من ليس فوقه خالق
يخشى، يا من ليس دونه إله يتقى، يا من ليس له وزير يغشى، يا من ليس له بواب
ينادى، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا، يا من لا يزداد على عظم
الجرم إلا رحمة وعفوا صل على محمد وآل محمد، وافعل بي ما أنت أهله، فإنك أهل
التقوى وأهل المغفرة، وأنت أهل الجود والخير والكرم) لكن قال ابن طاووس
بعد أن روى ذلك: وقد رويت روايات أن الأفضل أن لا يجلس بين أذان المغرب
وإقامتها، وهو الظاهر من عمل جماعة من أهل التوفيق، ولعل الجلوس بينهما في وقت
دون وقت، أو لفريق دون فريق، ويقرب منه ما عن الشيخ من الجمع بين خبري
الجريري وابن فرقد بضيق الوقت وعدمه، قلت: وقد يجمع بينهما بإرادة الجلسة الخفيفة
من خبر الجريري كما أومأ إليه خبر الدعائم (2) بل عن المقنعة والنهاية والسرائر تقييدها
بذلك في المغرب.
وبالجملة فالقول باستحباب الفصل فيه أيضا بالجلسة قوي، واختاره العلامة
الطباطبائي، إلا أنه يظهر مما سمعته من المعتبر والتذكرة الاجماع على خلافه، بل استظهره
بعض المعاصرين من مشائخنا أيضا بعد أن رجح خبر ابن فرقد باعتضاده بمراسيل ابن
طاووس، والاعتبار لضيق وقت المغرب، مضافا إلى قطع خبر الدعائم، وضعف خبر

(1) المستدرك - الباب - 11 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث؟
(2) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
107

الفلاح بالحسن بن معاوية، والجريري بسعدان بن مسلم المجهول، والعبيدي الذي فيه
ما فيه، إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذلك كله، خصوصا في نحو المقام المتسامح فيه،
وعلى كل حال فيستحب الدعاء حال الجلوس بما رفعه ابن يقظنان (1) إليهم (ع)
(اللهم اجعل قلبي بارا ورزقي دارا، واجعل لي عند قبر نبيك (صلى الله
عليه وآله) قرارا ومستقرا) وبما سمعته سابقا، والله أعلم.
(و) المستحب (السابع أن يرفع الصوت به إذا كان ذكرا) لا امرأة بلا
خلاف أجده فيه، لما فيه من إبلاغ الغائبين، وإقامة شعار المسلمين، ولأمر رسول الله
صلى الله عليه وآله بلالا به (2) وقول الباقر (ع) في صحيح زرارة (3):
(لا يجزيك من الأذان إلا ما أسمعت نفسك أو فهمته - إلى أن قال: وكلما اشتد
صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من يسمع أكثر، وكان أجرك في ذلك أعظم)
وقال الصادق (ع) في صحيح عبد الرحمان (4): (إذا أذنت فلا تخفين
صوتك، فإن الله يأجرك مد صوتك) وسأله أيضا معاوية بن وهب (5) عن الأذان
فقال: (اجهر به وارفع به صوتك، وإذا أقمت فدون ذلك) إلى غير ذلك، بل
يتأكد لرفع السقم وعدم الولد، فإن هشام بن إبراهيم (6) (شكا إلى الرضا (ع)
سقمه، وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله، قال: ففعلت فأذهب
الله عني سقمي وكثر ولدي) قال محمد بن راشد: (وكنت دائم العلة ما أنفك عنها

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 هكذا في
النسخة الأصلية ولكن في الكافي (يقظان) وفى الوسائل والتهذيب (يقطين)
(2) الوسائل - الباب - 16 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 7 - 2 - 5 - 1
(3) الوسائل - الباب - 16 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 7 - 2 - 5 - 1
(4) الوسائل - الباب - 16 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 7 - 2 - 5 - 1
(5) الوسائل - الباب - 16 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 7 - 2 - 5 - 1
(6) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
108

في نفسي وجماعة خدمي، فلما سمع ذلك من هشام عملت به فأذهب الله عني وعن
عيالي العلل).
(و) كيف كان ف‍ (كل ذلك) مما هو مشترك بين الأذان والإقامة من الأمور
السبعة، أو منها ومما تقدم سابقا (يتأكد في الإقامة) بلا إشكال في مثل الاستقبال
والكلام والقيام والطهارة، بل قد عرفت اشتراطها بالأخير، لظهور ما سمعته من الأدلة
فيه، أما الوقف ورفع الصوت فليس في النصوص ما يدل عليه، وكذا العدالة والبصر
والبصيرة ونحوها، بل في المدارك عدم مسنونية الثاني فيها، نعم في كشف اللثام
(وكذا رفع الصوت فيها آكد كما يعطيه الكتاب والتحرير والشرائع والجامع،
لاتصالها بالصلاة، ولأنها أفضل، فما يستحب فيها أقوى، فكون المقيم صيتا آكد من
كون المؤذن صيتا، ولا ينافيه استحباب كون الأذان أرفع للخبر (1) ولأنه لاعلام
الغائبين) وهو كما ترى، إذ لا تلازم بين الاتصال بالصلاة وأفضليتها وبين التأكد فيها
ولو تم هذا لكان حجة لكثير مما عرفت مما استفيد من النصوص أصل استحبابه لا
تأكده، إلا أنه محل للنظر، ولكن رفع الصوت بها في الجملة مسنون، لما سمعته من
صحيح ابن وهب، وإن كان ينبغي أن يكون دون الأذان ارتفاعا، ولا منافاة كما ذكره
الفاضل المزبور لو كان هناك دليل يقتضي تأكد ذلك فيها والبحث فيه، ومن ذلك
ظهر لك ما في المدارك، ضرورة ظهور الخبر المزبور في استحباب الرفع المذكور فيها إلا
أنه دون الأذان، وكأنه تبع فيما ذكره المحقق الثاني في جامعه، فإنه قال أيضا في شرح
نحو عبارة المتن: ويستثنى من ذلك رفع الصوت، فإن الإقامة أدون كما سبق في رواية
معاوية بن وهب، ولأنها للحاضرين، والأذان للاعلام مطلقا، لكن قد يريد به
رفع الصوت كالرفع في الأذان، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
109

ثم إنه ينبغي كون المؤذن غير المقيم، تأسيا بالمحكي عن علي والصادق (عليهما السلام)
ففي مرسل الفقيه (1) (كان علي (ع) يؤذن ويقيم غيره، وكان يقيم وقد
أذن غيره) وفي خبر إسماعيل بن جابر (2) (إن أبا عبد الله (ع) كان يؤذن
ويقيم غيره، وقال: كان يقيم وقد أذن غيره).
(و) كيف كان ف‍ (يكره الترجيع في الأذان إلا أن يريد الاشعار) كما في
القواعد وغيرها، بل في التذكرة والمحكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، والمراد به تكرير
الشهادتين مرتين أخريين كما عن جماعة، أو مع التكبير كما عن أخرى، أو مطلق الفصل
زيادة عن الموظف كما عن ثالثة، وفي البيان تكرير الشهادتين برفع الصوت بعد فعلهما
مرتين بخفض الصوت، أو برفعين أو بخفضين، وعن جماعة من أهل اللغة أنه تكرير
الشهادتين جهرا بعد إخفائهما، وعن بعض العامة أنه الجهر في كلمات الأذان مرة
والاخفات أخرى من دون زيادة، إلى غير ذلك، لكن يسهل الخطب أنه لا شئ
فيما وصل إلينا من النصوص فيه لفظ الترجيع كي يحتاج إلى البحث عن معناه أو المراد
منه، نعم في المحكي عن فقه الرضا (ع) (3) (ليس في فصول الأذان ترجيع
ولا ترديد) وهو - مع أنه ليس حجة عندنا - محتمل كما عن البحار لإرادة ترجيع
الغناء، ولعل نفيه بالخصوص فيه باعتبار حصول المد في الأذان بسبب مطلوبية الارتفاع
فيه، فناسب حينئذ التعرض لنفيه فيه بالخصوص، حذرا من التغني فيه كما يقع من كثير
من المؤذنين، وتعرض الأصحاب لنفي الترجيع المزبور بالخصوص هنا يمكن أن يكون
تعريضا بالشافعي ومن تابعه ممن جعله مسنونا فيه، تمسكا بما رووه عن أبي محذورة

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3 - 1
(3) المستدرك - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
110

عن النبي (صلى الله عليه وآله) (أنه أمره بالشهادتين سرا ثم بالترجيع جهرا) مع أنه
يمكن أن يكون ذلك منه لخصوص أبي محذورة، لما حكي عنه أنه كان مستهزئا بالنبي
(صلى الله عليه وآله) غير مقر بالشهادتين، لا لمشروعيته في نفسه التي ينفيها خلو ما نزل
بالوحي من الأذان عندنا، وما رؤي في المنام عندهم عنه، ومن ذلك يظهر أن القول
بإرادة ما عند الشافعي من الترجيع في عبارات الأصحاب أولى، إذ النظر إليه على
الظاهر بذلك بعد ما عرفت من خلو النصوص.
وعلى كل حال فلا ريب في حرمته مع قصد المشروعية كغيره مما هو زائد على
ما عرفت من فصوله عندنا، بل الظاهر بطلان الأذان إذا أدخله في النية حيث تكون
معتبرة فيه كما في غير أذان الاعلام، أما مع عدم القصد فيشكل تحريمه فضلا عن
البطلان بالأصل وغيره، اللهم إلا أن يكون مستنده الاجماع المحكي عن السرائر على
حرمة التثويب الذي أحد تفاسيره فيها تكرار الشهادتين، لكنه - مع احتمال إرادته
إذا انضم إليه قصد المشروعية، وعدم اقتضائه الحرمة بالنسبة إلى غير ذلك مما مر في
تفسيره - قاصر عن قطع الأصل المعتضد بغيره، إذ لم نعرف أحدا صرح بها قبله بل
ولا بعده عدا الفاضل في المحكي عن مختلفه، بل ربما ظهر منه أنه المشهور، وتبعه سيد
المدارك والخراساني، مع أن صريح الأول منهما كون الحرمة من حيث التشريع كما
صرح بها ثاني المحققين والشهيدين وغيرهما، بل لا إشكال فيها على الفرض المزبور،
فيمكن حينئذ دعوى عدم الموافق له إن أراد بها التعبدية لا التشريعية.
ومن ذلك يعلم ما في حكاية الشهرة المزبورة، سيما وقد سمعت نسبة الكراهة
في التذكرة والمنتهى إلى علمائنا، وليس في الخلاف سوى (لا يستحب الترجيع إجماعا)
والمحكي عن المبسوط وجامع الشرائع والمهذب سوى (أنه غير مسنون) بل لولا التسامح
في الكراهة، وظهور الاجماعين عليها في الكتابين، وأنه شبه الصورة العامية، والبأس
111

في مفهوم خبر أبي بصير (1) الآتي ونحو ذلك لأشكل القول بها من حيث كونه
ترجيعا فضلا عن الحرمة، وما في كشف اللثام (وإذا لم يسن كان مكروها من وجوه
منها قلة الثواب عليه بالنسبة إلى أجزاء الأذان، ومنها إخلاله بنظامه وفصله بين أجزائه
بأجنبي، ومنها أنه شبه ابتداع) كما ترى، بل الانصاف أنها لا تخلو من الاشكال أيضا
إذا أريد بها الكراهة في الأذان المشتمل على الترجيع، كما هو الظاهر من كل مكروه
في الشئ نحو العبث في الصلاة وغيره لا نفس الفصول المكررة، إذ العمدة في ثبوتها
مفهوم الخبر الآتي، ودلالته على ذلك لا تخلو من اشكال، اللهم إلا أن تجبر بظاهر
الاجماعين ونحوهما، ولكن على كل حال فالأمر سهل فيها، أما إذا أريد الاشعار فلا
إشكال في الجواز وفاقا للشيخ وأكثر من تأخر عنه كما في المدارك، بل في المحكي عن
جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل في المحكي عن المختلف الاجماع عليه، مضافا
إلى قول الصادق (ع) (2): (لو أن مؤذنا أعاد في الشهادة أو في حي على
الصلاة أو حي على الفلاح المرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إنما يريد به جماعة
القوم ليجمعهم لم يكن به بأس) ورواه في المدارك (إذا كان إماما يريد) إلى آخره
لكن ظاهر الأصحاب عدم اختصاص ذلك بالإمام، بل ظاهرهم عدم اعتبار جمع
الجماعة للصلاة جماعة، ولعلهم حملوا ما في الخبر على المثال، والله أعلم.
(وكذا يكره) كما عن المبسوط والنافع والدروس والمفاتيح التثويب الذي هو
عند الأكثر بل المشهور بين أهل اللغة والفقه (قول: الصلاة خير من النوم) وقال
المرتضى كما عن الحلي قول ذلك بعد الدعاء إلى الفلاح، وفي الخلاف عن محمد بن الحسن
صاحب الجامع الصغير من العامة أنه هو التثويب الأول الذي كان عليه الناس، وأنه

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
112

بين الأذان والإقامة، وقيل: هو حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان
والإقامة، وفيه أيضا عن الجامع المزبور أنه هو التثويب الثاني الذي أحدثه الناس
بالكوفة، وقيل هو تكرير الشهادتين، وعن السرائر أنه الأظهر، لأن التثويب مشتق
من ثاب الشئ إذا رجع، ومحله عند العامة العشاء والصبح، بل عن المبسوط نفي الخلاف
عندهم في ذلك، بل عن قديم الشافعي ثبوته في الصبح خاصة، كما أن في الخلاف أن
أحدا من العامة لم يقل باستحباب التثويب في العشاء إلا ابن حي، لكن حكى غيره
عن النجفي استحبابه في جميع الصلوات بعد أن حكى اتفاقهم على استحبابه في الغداة.
وعلى كل حال فأصحابنا مجمعون عدا النادر منهم على عدم مشروعية بالمعنى
الأول في شئ من الأذان والإقامة، بل وبالمعنى الثاني، بل وبالمعنى الثالث إلا للاشعار
أيضا كما عرفته سابقا، بل في المحكي عن السرائر الاجماع على حرمته بالمعنى الأول
والثالث، والناصريات والانتصار عليها بالأول والثاني، والتهذيبين إجماع الطائفة على
ترك العمل بأخبار التثويب، والحبل المتين الاجماع على ترك التثويب، وجامع المقاصد
أعرض الأصحاب عن أخبار التثويب، وفي كشف اللثام عن الخلاف الاجماع عليها
بالمعنى الأول، وعلى الكراهة بالمعنى الثاني، والذي وجدناه فيه الاجماع على الكراهة
بالمعنى الثاني، ونفي الاستحباب أو الكراهة أيضا بالمعنى الأول، نعم قال بعد أن
ذكران ذلك التثويب في أذان العشاء الآخرة بدعة: دليلنا ما قلناه في المسألة الأولى،
وقد ذكر فيها الاجماع وغيره، وعن التذكرة ونهاية الإحكام وإرشاد الجعفرية أنه
بالمعنى الأول بدعة عندنا.
وكيف كان فلا إشكال في الحرمة مع قصد المشروعية في الثلاثة نحو ما سمعته في
الترجيع، لكونه تشريعا محرما، وفي الصحيح عن معاوية (1) أنه سأل الصادق

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
113

(ع) (عن التثويب الذي يكون بين الأذان والإقامة فقال: ما نعرفه) بل
ما سمعته سابقا من النصوص (1) المتضمنة لحكاية فصوله كالصريحة في إرادة نفيه
وأمثاله، وقول الباقر (ع) في خبر محمد بن مسلم (2): (كان أبي ينادي
في بيته بالصلاة خير من النوم) مع احتماله التقية منهما لا دلالة فيه على أنه يفعل ذلك
بأحد المعاني السابقة، وحكايات الأفعال لا عموم فيها، وفي المروي عن كتاب زيد
النرسي (3) عن الكاظم (ع) ((الصلاة خير من النوم بدعة بني أمية، وليس
ذلك من أصل الأذان، ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبه الناس للصلاة أن ينادي بذلك
ولا يجعله من أصل الأذان، فإنا لا نراه أذانا) (4) وفيه (أنه سئل عن الأذان قبل
طلوع الفجر فقال: لا، إنما الأذان عند طلوع الفجر أول ما يطلع، قيل: فإن كان يريد
أن يؤذن الناس بالصلاة وينبههم قال: فلا يؤذن ولكن ليقل ويناد بالصلاة خير من
النوم، يقولها مرارا، وإذا طلع الفجر أذن) وفي المحكي عن فقه الرضا (ع) (5)
(ليس في الأذان الصلاة خير من النوم) وأما قول الصادق (ع) في خبر
أبي بصير (6): (النداء والتثويب في الإقامة من السنة) فمع ما في كشف اللثام من
أنا لا نعلم معنى النداء والتثويب، وحمل الشيخ إياه وصحيح ابن مسلم (7) الآتي على
التقية، للاجماع على ترك العمل بهما محتمل لإرادة سنة أهل البدع، بل ينافيه ما في
المعتبر عن كتاب البزنطي عن عبد الله بن سنان (8) عن الصادق (ع) (إذا
كنت في أذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل، وقل بعد

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 4 - 3 - 4 - 5
(3) المستدرك - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 1
(4) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
(5) المستدرك - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 1
(6) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 4 - 3 - 4 - 5
(7) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 4 - 3 - 4 - 5
(8) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 4 - 3 - 4 - 5
114

الله أكبر الله أكبر: لا إله إلا الله، ولا تقل في الإقامة الصلاة خير من النوم، إنما
هذا في الأذان) فطرحه أو إرادة معنى آخر من التثويب فيه متعين، كما أنه يمكن حمل
خبر المعتبر على التقية بقرينة اقتصاره على وحدة التهليلة وإن استبعده المصنف، قال:
لاشتماله على (حي على خير العمل) وهو انفراد للأصحاب، فالوجه أن يقال: في
التثويب روايتان أشهرهما تركه، لكن فيه أنه لا شهرة عمل في رواية ثبوته ولا رواية
بل هي من الشواذ أو الأخبار التي دسها أهل الباطل، أو من الجاري مجرى التقية،
واشتماله على (حي على خير العمل) لا يبعده، لجواز الاسرار به.
وأما قول الباقر (ع) لزرارة (1) في الصحيح: (إن شئت زدت
على التثويب حي على الفلاح مكان الصلاة خير من النوم) فلعله للمطلوب أقرب من
غيره، إذ الظاهر إرادة أنك إن أردت التثويب فكرر (حي على الفلاح) زائدا على
المرتين، ولا تقل له (الصلاة خير من النوم) وبعبارة أخرى أن لفظ (على) فيه بمعنى
اللام، وعلى كل حال يراد منه ما سمعته سابقا في خبر أبي بصير من مشروعية تكرير
ذلك للاشعار، فظهر لك أن ما عن الجعفي - من أنك تقول في أذان صلاة الصبح بعد
قولك: (حي على خير العمل): (الصلاة خير من النوم) مرتين، وليستا من أصل
الأذان، وأبي علي من أنه لا بأس به في أذان الفجر خاصة - في غاية الضعف.
أما مع عدم قصد المشروعية فيحتمل الحرمة بالمعنى الأول، لاطلاق معاقد
الاجماعات وما يظهر من صحيح ابن وهب وخبر زيد النرسي، ولا استبعاد في حرمة
الصورة العامية، ويحتمل العدم، للأصل الذي لم يعلم وجود المعارض له بعد قيام احتمال
تقييده بقصد المشروعية، خصوصا مع ملاحظة ما يذكر مستندا للحرمة، بل قد يدعى
ظهور خبر زيد النرسي في الجواز، بناء على إرادة عدم قصده من الأذان من قوله

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
115

(ع): (ولا يجعله أذانا) ولا ريب في أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى
خصوصا بعد أن أطلق القول بحرمته في المحكي عن النهاية والوسيلة والسرائر والبيان
والموجز وجامع المقاصد وتعليق النافع وحاشية الميسي والمسالك ومجمع البرهان، بل إليه
يرجع ما عن التذكرة ونهاية الإحكام والتحرير والمنتهى والإرشاد والروض وفوائد
القواعد والذخيرة والوافي من التعبير بأنه بدعة، اللهم إلا أن يريدوا هؤلاء ومن عبر
بالحرمة خصوصا من تعرض للاستدلال منهم مع قصد المشروعية، أو يريدوا هم بالبدعة
غير المشروع وإن لم يكن محرما.
وأما المعنى الثاني فقد سمعت إجماع الشيخ على الكراهة فيه المعارض باجماع غيره
على الحرمة، اللهم إلا أن يجمع بينهما بقصد المشروعية وعدمها، إلا أنه ومع ذلك
فالأحوط تركه لغير الاشعار، كالثالث الذي قد سمعت إجماع السرائر على الحرمة فيه.
ثم إن الظاهر عدم الفرق في كراهة التثويب أو حرمته بالمعنى الأول بين فعله
بعد (حي على الفلاح) كما يصنعه العامة، لعدم حيعلة عندهم بعدها وبين فعله بعد
(حي على خير العمل) إذ فصل مثله لا يقدح عندهم، على أنه قد يحتمل إرادة كونه
بعد الحيعلات، فتأمل. ومن هنا حملت نصوص التثويب على التقية ونحوها، مع كونه
في بعضها بعد (حي على خير العمل) نعم يمكن القول بالجواز فيه إذا كان بين التكبير
في الأذان مثلا مع عدم قصد التشريع، لعدم وجود صورة البدعة التي احتملنا الحرمة
التعبدية فيها، والله أعلم.
116

(الرابع)
من محال البحث
(في أحكام الأذان)
(وفيه مسائل الأولى من نام في خلال الأذان أو الإقامة ثم استيقظ استحب
له الاستيناف) كما في القواعد والتحرير والتذكرة والبيان والمحكي عن المهذب والمبسوط
(و) ظاهرهم أو صريحهم أنه (يجوز له البناء) بل عن المبسوط وجامع الشرائع
التصريح به، ولعله بناء على عدم اشتراط الطهارة فيهما لاطلاق الأدلة والاستصحاب،
وعدم ثبوت الابطال بذلك، لكنه لا يتم مع فوات الموالاة التي لا ريب في اعتبارها فيهما
لما في المرسل في الفقيه (1) عن أبي جعفر (ع) (تابع بين الوضوء - إلى أن
قال -: وكذلك في الأذان والإقامة، فابدأ بالأول فالأول، فإن قلت: حي على الصلاة
قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت: حي على الصلاة) وذكر الترتيب فيه لا يقضي بكونه
المراد من المتابعة فيه خاصة، سيما بعد إفادة الفاء له وللتعقيب أيضا، مضافا إلى مادة
المتابعة، على أنه لو قطع النظر عن الخبر المزبور كان المتجه البطلان في فاقدها، للشك
في تناول الأدلة له إن لم يكن ظاهر بعضها عدمه، فيبقى تحت الأصل، إذ العبادة توقيفية
متلقاة من الشارع، بل غير العبادة منه كأذان الاعلام توقيفي أيضا، فمع فرض الشك
في شمول الأدلة للفاقد لا يحكم باستحبابه ولا يترتب أحكامه عليه، بل ربما قيل لهذا
الأصل المزبور بعدم الاجزاء وإن لم تفت الموالاة، ضرورة اقتضائه مانعية ما شك فيه
اللهم إلا أن يمنع الشك، للقطع باندراج الفرض في عبارة من تعرض للفرع المزبور،
فلا شك حينئذ في شمول الاطلاقات له، على أن التحقيق عندنا صحة التمسك بالاطلاق

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
117

في نفي الشرط والمانع المشكوك فيهما.
نعم لا شك في اقتضاء الأدلة بطلان فاقد الموالاة، ولعله لا يريده من أطلق
منهم كالمصنف وغيره، ضرورة كون البحث من حيث تخلل النوم، بل في التحرير
ونهاية الإحكام والمنتهى والبيان وجامع المقاصد وحاشية الإرشاد والمسالك وغيرها على
ما حكي عن البعض التصريح بتقييد جواز البناء بما إذا لم تفت الموالاة، فيتجه حينئذ
البناء في واجدها والعدم في فاقدها، ولا يشكل الأول بفوات استدامة النية المعتبرة
في أثناء العمل، لعدم كون المراد منها إلا عدم وقوع جزء من أجزاء العمل بدونها،
لا عدم خلو المكلف عنها إلى تمام العمل، اللهم إلا أن يدعى ذلك في خصوص الإقامة
منهما باعتبار ما ورد (1) فيها من أنها من الصلاة، لكن مقتضى ذلك حينئذ البطلان
بالنوم نفسه والاغماء كالصلاة من غير حاجة إلى تكلف البطلان من جهة فوات
الاستدامة، على أن الظاهر من تلك النصوص ولو بمعونة فهم الأصحاب خصوص بعض
ما عرفت لا مطلقا، وقد عرفت أن فرض البحث على تقدير عدم اشتراط الطهارة فيهما
والظاهر أن المدار في الموالاة بناء على التحقيق عندنا على المعلوم قدحه من الفصل في
عرف المتشرعة، ضرورة معلومية إرادة الهيئة من أمثال هذه المركبات، أما المشكوك
فيه فلا مانع من التمسك بالاطلاق في شموله، اللهم إلا أن يفرض الشك في تناوله لأمور
أخر كما أوضحناه في محله.
ومما ذكرنا يظهر لك ما في كشف اللثام من تقديرها بأن لا يطول الفصل بحيث
لا يذكر أن الثاني مبني على الأول، اللهم إلا أن يريد ما ذكرنا كالذي أو كلها على
العادة، وفي جامع المقاصد تعليل عدم إجزاء الفاقد بعدم تسميته أذانا مع فواتها،
وظاهره كون المدار فيها على بقاء الاسم وعدمه، وفيه نوع تأمل، خصوصا إذا قلنا

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12
118

باعتبارها للمرسل المزبور، وعلى كل حال فقد يناقش فيما ذكروه من الاستحباب،
ضرورة عدم صلاحية خروج المكلف بذلك عن التكليف لثبوته، وليس سواه في المقام
نعم قد يقال ذلك في خصوص الإقامة الوارد فيها أنها من الصلاة التي من المعلوم
إعادتها بتخلل النوم.
(و) لا يخفى عليك أنه (كذلك) البحث (إن أغمي عليه) في خلالهما أو جن
أو أسكر أو غير ذلك، وما عن نهاية الإحكام - من احتمال الاستيناف في الاغماء
ونحوه وإن قصر لخروجه عن التكليف به - كما ترى لا يجدي في الفرق، إذ أقصاه
عدم توجه الخطاب إليه بالاتمام في ذلك الحال، إلا أنه لم يثبت اشتراط صحة الأذان
ببقاء الخطاب، بل مقتضى إطلاق صدق الأذان عليه عدمه، فهو كالعبد المأمور بفعل
سرير وقد جن في أثنائه ثم أفاق الذي لا ريب في بقاء التكليف عليه، وصدق الامتثال
بالاتمام، وليس المقام من الأمر بالمشروط مع علم الآمر بانتفاء شرطه كما قد يتوهم،
ضرورة عدم ثبوت الاشتراط، بل مع علم الآمر بافاقته قبل فوات الموالاة هو أمر له
بالمشروط المعلوم تمكنه من شرطه كما هو واضح، على أن مثله يأتي في النوم، فلا جهة
للفرق بذلك إلا بتكلف، هذا.
وفي المدارك (أنه نص الشيخ وأتباعه على أنه يجوز لغير ذلك المؤذن البناء
على ذلك الأذان، لأنه يجوز صلاة واحدة بإمامين ففي الأذان أولى - قال -: وفيه
إشكال منشأه توقف ذلك على النقل، ومنع الأولوية) قلت: لعله صدق الأذان عليه
وظهور الاتحاد في الأوامر ظهور مورد لا شرط، فلا يمنع صدق نحو قولهم (ع): (لا صلاة
إلا بأذان وإقامة) ودعوى صحة السلب معه ممنوعة، وربما كان ما في صحيح ابن
سنان (1) من الأمر باتمام ما نقصه المؤذن من الفصول إذا أراد الصلاة بذلك الأذان

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
119

فيه إيماء إليه في الجملة، نعم ذكر الفاضل في القواعد كراهة التراسل الذي ما نحن فيه
منه أو نحوه على الظاهر، وأقره عليه المحقق الثاني وغيره من شراحه، ولم نعرف له
دليلا سوى احتمال عدم الاندارج في الأدلة مع التسامح، والأمر سهل.
المسألة (الثانية إذا أذن ثم ارتد) عن الاسلام مثلا (جاز أن يعتد به) من
أراد الصلاة (ويقيم غيره) بلا خلاف أجده فيه، للأصل، واندراجه في الاطلاقات
وكونه بالنسبة إلى ذلك كالأسباب التي لا تبطل بالردة من وضوء أو غسل أو غسل
نجاسة ونحوها، لكن قد يشكل ذلك بناء على اشتراط صحة العبادة باستمرار الايمان
فمتى ارتد انكشف بطلان العبادة لعدم حصول الشرط، ودعوى أن الاعتداد به حتى
للمؤذن نفسه من الآثار كالطهارة من الحدث والخبث يمكن منعها بظهور الفرق بينهما
ولو بالأدلة، وتقييد القول المزبور بما إذا مات المرتد على ردته لا يرفع الاشكال المذكور
فيما لو فرض موته بعد ارتداده، ضرورة عدم الفرق فيما ذكروه من الاعتداد بين موته
وحياته، بل صرح بعضهم بعدم الفرق بينه لو عاد إلى الاسلام وبين غيره، وهو
كذلك بناء على الصحة، نعم قد يفرق بين الأذان الاعلامي وغيره على القول المزبور
لعدم كونه عبادة، ومع فرض كونه قصد به التقرب بطلانه من حيث الثواب لا يمنع
الاعتداد به الذي لم يقيد به، وكيف كان فيمكن أن يكون مراعاة للقول المزبور،
ولأن ردته تورث شبهة في حاله للقول بأن المؤمن لا يرتد، وللتسامح، وخصوص
ما سمعته في الإقامة قال الفاضل في المحكي عن نهايته: (إنه يستحب أن لا يعتد بأذانه
وإقامته، بل يعيد غيره الأذان والإقامة) والله أعلم.
(ولو ارتد في أثناء الأذان ثم رجع استأنف على قول) للشيخ وأبي العباس
والقاضي فيما حكي عنهم، وعن التذكرة ونهاية الإحكام أنه قوي، بل عن كشف
120

الالتباس أنه الأشهر وإن كان لا يخلو من نظر، لانحصار القائل بمن عرفت، وإلا
فالفاضل في المنتهى والتحرير والشهيدان في الذكرى والبيان والمسالك والعليان في جامع
المقاصد وحاشيتي الشرائع وغيرهم على ما حكي عن البعض على جواز البناء له على الأول
ما لم تفت الموالاة، بل هو مقتضى اعتراض المصنف في المعتبر على المبسوط بأن دليل
الاعتداد إذا ارتد بعده جار فيه، وهو كذلك، إذ الردة كما أنها لا تبطله بعده كذلك
في الأثناء، ضرورة أن الأذان وإن كان عبادة واحدة مركبة ذات أجزاء لكن ليس
كالصلاة التي ليس فيها زمان فترة، اللهم إلا أن يفرق بأنه بعد التمام من قبيل الأسباب
التي لا تبطلها الردة، بخلاف الأثناء، وهو كما ترى تحكم يبطله صحة الغسل لو ارتد
في أثنائه ثم رجع الذي هو أظهر في السببية، فالمتجه حينئذ جواز البناء له مع عدم فوات
الموالاة، أما بناء غيره فمبني على التراسل الذي قد سمعت الكلام فيه، والله أعلم.
المسألة (الثالثة يستحب لمن سمع الأذان أن يحكيه) إجماعا بقسميه، بل المنقول
منهما متواتر أو مستفيض جدا كالنصوص (1) أما الإقامة ففي النهاية والمبسوط والمهذب
وظاهر النفلية على ما حكي عن بعضها ذلك أيضا، ولعله لظهور بعض نصوص المقام (2) في أن
حكاية الأذان لكونه ذكرا، خصوصا صحيح زرارة (3) منها المروي عن العلل،
قلت لأبي جعفر (ع) (ما أقول إذا سمعت الأذان قال: أذكر الله مع
كل ذاكر) ولخصوص قول الصادق (ع) في المروي عن دعائم الاسلام (4):
(إذا قال المؤذن: الله أكبر فقل: الله أكبر، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله فقل:
أشهد أن لا إله إلا الله - إلى أن قال -: فإذا قال: قد قامت الصلاة فقل: اللهم أقمها
وأدمها واجعلنا من خير صالحي أهلها) بل قد يستفاد من إطلاق المؤذن فيه على المقيم

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث. 2 - 5
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث. 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث. 2 - 5
(4) المستدرك - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 6
121

أن المراد بالأذان فنصوص المقام خصوصا في مثل المرسل (1) (إن من سمع الأذان
فقال: كما يقول المؤذن زيد في رزقه) ما يشمل الإقامة، كل ذلك مع التسامح في السنن.
فما عن جماعة - من الجزم بعدم استحباب حكايتها لعدم الدليل - لا يخلو من
نظر، إذ قد عرفت أن الظاهر استحباب حكايتها، لكن ينبغي إبدال فصلي الإقامة
بالدعاء المزبور في خبر الدعائم، وإليه أومأ العلامة الطباطبائي بقوله:
وأبدل المختص بالإقامة * من الفصول بدعا الإدامة
وكأنه لأنه ليس ذكرا، وظاهر النصوص استحباب الحكاية للذكر كما سمعته
في صحيح زرارة، وقال الباقر (ع) أيضا لمحمد بن مسلم (2): (لا تدعن
عن ذكر الله عز وجل على كل حال، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على
الخلاء فاذكر الله عز وجل، وقل كما يقول المؤذن).
ومن هنا كان المتجه إبدال الحيعلات في الأذان والإقامة بالحولقة، كما عن
الشيخ في المبسوط روايته عن النبي (صلى الله عليه وآله) لكن في الحدائق تبعا
للمحكي عن المجلسي أن الظاهر كون الرواية عامية، لموافقتها للمروي في صحيح مسلم (3)
وغيره من صحاحهم (4) قلت: يكفي مثلها بعد رواية الشيخ لها في إثبات المندوب،
خصوصا بعد اعتضادها بالظهور الذي سمعته من النصوص التي يمكن أن يراد منها حكاية
الذكر من الأذان، وبخبري الآداب والمكارم (5) والدعائم (6) المصرح فيهما

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 2
(3) في النسخة الأصلية (ابن مسلم) والصحيح ما أثبتناه
(4) صحيح مسلم ج 4 ص 85 وسنن النسائي ج 2 ص 25
(5) المستدرك - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 9 - 5
(6) المستدرك - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 9 - 5
122

بابدالها بالحولقة، قال في المحكي عن الثاني منهما: (روينا عن علي بن الحسين (ع)
أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان إذا سمع المؤذن قال: كما يقول، فإذا
قال: حي على الصلاة حي على الفلاح حي على خير العمل قال: لا حول ولا قوة إلا بالله))
وإليهما أومأ العلامة الطباطبائي بقوله:
واحك الأذان الكل إلا الحيعلة * فإنها مبدلة بالحوقلة
في خبر الآداب والمكارم * وفي حديث صاحب الدعائم
ولا يعارض بأن في ذلك خروجا عن ظاهر النصوص المعتبرة القاضي باستحباب
حكاية الأذان كله، بل ظاهرها أن جميع فصوله من الذكر، لما عرفت من ظهور بعض
تلك النصوص في إرادة حكاية الذكر منه، بل حملها على هذا أولى من التزام أنها ذكر
الذي يمكن إنكاره على مدعيه أشد إنكار، وأولى من ترجيح مثل هذا العام على مثل
هذا الخاص بدعوى عاميته أو ضعف سنده، بل يمكن أن يقال: إن الذي يقتضيه
النظر في الأدلة بناء على ظهور دليل الحولقة في البدلية وعلى ظهور غيره في حكاية الحيعلة
أيضا التخيير بينهما، أو مع شدة التأكد في الحولقة، ضرورة عدم ظهور في نصوص
الحوقلة بنفي حكاية الحيعلة فيبقى حينئذ ما دل عليها من قوله (ع): (قل مثل
ما يقول المؤذن) وغيره سالما عن المعارض كما هو واضح، وتمام الاحتياط في
المندوب الجمع بينهما.
كما أن الاحتياط يقضي بتعين الحوقلة لو أراد حكايته وهو في الصلاة، لأن
الظاهر استحباب حكايته في جمع الأحوال التي منها الصلاة وإن نفاه فيها في المبسوط
والخلاف والتذكرة والبيان وجامع المقاصد وغيرها على ما حكي عن بعضها، بل صرح
بعضهم أنه لا فرق في ذلك بين الفريضة والنافلة لعدم العموم، ولأن الاقبال على الصلاة
123

أهم، لكن فيه أن صحيح زرارة (1) ومحمد بن مسلم (2) والمرسل السابق (3) وغيرها
يمكن شمولها لحال الصلاة، وأهمية الاقبال بعد تسليمها على وجه تنافي الحكاية لا تنافي
الاستحباب، فالأقوى حينئذ استحبابها فيها أيضا لكن مع الاتيان بالحولقة دون
الحيعلة، إذ احتمال استحباب حكايتها أخذا بالاطلاق مناف لما دل على حرمة ابطال
الصلاة، وكذا احتمال فعلها مع التزام عدم الابطال، إذ هو مناف أيضا لما دل (4)
على بطلانها بكلام الآدميين، والتعارض بين أدلة الطرفين من وجه، ولا ريب في أن
الترجيح لها على أدلة الحكاية الظاهرة في إرادة بيان الحكاية من حيث أنها حكاية،
وأضعف من ذلك كله احتمال أن هذه الفصول من الأذكار التي لا تبطل الصلاة بها الذي
يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، بل الضرورة إذا أريد من الذكر حقيقة لا حكما،
فلا محيص حينئذ عما ذكرنا من تعين فرد الحولقة الذي لا ينافي الصلاة، نعم بناء على
انحصار الحكاية بالمشتمل على الحيعلة يشكل حينئذ دعوى شمول استحباب الحكاية لحال
الصلاة الذي هو مستلزم لبعض ما عرفت، ومن هنا نفى من عرفت الاستحباب، لعدم
ثبوت ذي الحولقة فردا للحكاية عندهم، ولذا صرح كثير منهم بعد نفي الاستحباب
بجواز الحكاية لكن مع الابدال بالحولقة، والظاهر الجواز من حيث أنه ذكر مع كل
ذاكر لا خصوص استحباب الحكاية.
نعم يمكن القول بناء على عدم اشتراط استحباب الحكاية بحكاية الجميع كما هو
الأقوى بأن له حينئذ حكاية ما عدا الحيعلات من الأذان بنية الاستحباب الخصوصي،
أما إن لم نقل فلا، فإن خالف وحكى حينئذ ففي البطلان وعدمه من جهة التشريع وجهان

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 5 - 2 - 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 5 - 2 - 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 5 - 2 - 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب قواطع الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة الحديث - 5 - 2 - 4 - 2
124

مبنيان على خروج الذكر بالحرمة التشريعية عن كونه ذكرا، أو عن كونه ذكرا سائغا
في الصلاة وعدمه، لا يخلو الثاني منهما من قوة، وتسمع في مباحث القراءة ونحوها زيادة
تحقيق له إن شاء الله.
ثم إن الظاهر أولوية اختيار ذي الحولقة في الحكاية على الخلاء تجنبا من كراهة
الكلام فيها وإن أمكن القول باستثنائه بالخصوص، لظهور الخبر المزبور (1) في حكاية
الجميع على الخلاء، ومن هنا بان لك الفرق بين تعارض دليلي الكراهة والحكاية هنا
وبين دليلي الحكاية والابطال في الصلاة، فتأمل جيدا. كما أنه بان لك أيضا أن
الأهمية في بعض المندوبات لا تخرج الآخر في هذا الحال عن صفة الندب، فحينئذ إن
عارض الحكاية بعض المندوبات وأمكن الجمع جاء بالجميع، ومع التعارض كان الأولى
له الاتيان بالأهم كما هو واضح، فما عن المبسوط وغيره من كتب الأصحاب (إن من
كان خارج الصلاة قطع كلامه وحكى قول المؤذن، وكذا لو كان يقرأ القرآن قطع وقال:
كقوله، لأن الخبر على عمومه) إن أراد ما ذكرنا فمرحبا بالوفاق، وإلا كان للنظر فيه
مجال، ضرورة عدم اقتضاء استحباب الحكاية رفع استحباب غيرها حالها، وكذا
ما عن جماعة من الأصحاب أيضا من أنه إذا دخل المسجد والمؤذن يؤذن ترك صلاة
التحية إلى فراغ المؤذن ليجمع بين المندوبين، لكنه لا يخفى أنه مبني على مشروعية
صلاة التحية مع هذا الفصل، وإلا كان المتجه الترجيح، أو الصلاة مع الحكاية في أثنائها
بناء على ما حررناه سابقا.
والمراد بالحكاية في عبارات الأصحاب قول: مثل ما قاله المؤذن عند السماع،
وهو الموجود في النصوص دون لفظ الحكاية، وكان الأصحاب عبروا بها لما فهموه
منها، بل لا يخفى على من لاحظ النصوص وما في بعضها من الحكاية على الخلاء، وفي
آخر (أذكر مع كل ذاكر) وغيره أنه يمكن القطع بعدم امتثال ذلك مع الفصل المعتد به
125

بين السماع والقول، ولذا حكي عن ظاهر الشهيد وصريح جماعة سقوطها إذا أخرها حتى
فرغ من الصلاة، بل إليه يرجع ما عن المبسوط (لو فرغ من الصلاة ولم يحك الأذان
كان مخيرا بين قوله وعدمه، لا مزية لأحدهما على الآخر إلا من حيث أنه تسبيح
وتكبير لا من حيث أنه أذان) ونحوه ما عن الخلاف أيضا (يؤتى به لا من حيث كونه
أذانا بل من حيث كونه ذكرا) بل وما عن التذكرة من التخيير بين الحكاية وعدمها،
وربما ظن خلافهم في المقام، وأنهم يجوزون الحكاية من الفصل، وهو كما ترى، نعم
ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يكن زمان الفراغ وزمان السماع متقاربا بحيث لا يخل بالحكاية
عرفا، وإلا لم يفت محلها.
ثم إن الظاهر عدم الفرق في استحباب الحكاية بين أذان الاعلام والجماعة
والمنفرد لاطلاق الأدلة، نعم ينبغي اعتبار كونه مشروعا، لأنه المنساق من الأدلة،
فلا يحكى غيره كالآذان لعصري عرفة والجمعة مثلا بناء على حرمته، واحتمال أن
التشريع فيه لا يخرجه عن اسم الذكرية وقد أمرنا أن نذكر مع كل ذاكر في غاية الضعف
أما على تقدير الكراهة فالظاهر استحباب حكايته، لكن ظاهر الذكرى العدم أيضا
بل قال: (الأقرب عدم استحباب حكاية كل أذان مكروه وأذان المرأة) وهو كما
ترى، بل لا بأس بحكاية أذان المرأة للمرأة، ولمن لا يحرم عليه صوتها، فالتحقيق
حينئذ بناء استحباب الحكاية وعدمه على المشروعية وعدمها ولو على جهة الكراهة.
نعم قد سمعت سابقا احتمال استحباب الحكاية وغيرها في خصوص أذان
الاعلام المستأجر عليه وإن قلنا بحرمته وحرمة الأجرة عليه، لا هي خاصة، بناء على
أنه ليس عبادة يفسد بذلك، أما إذا قلنا بحرمة الأجرة خاصة فلا إشكال في تناول
استحباب الحكاية له، كتناولها لأذان الجنب في المسجد وإن قارنه حرمة المكث،
بل قيل: وللأذان المقدم على الفجر بناء على مشروعية، قلت: ينبغي تقييده مع
126

ذلك للصلاة، وإلا أشكل استحباب حكايته بظهور النصوص في استحباب حكاية
أذانها، وإلا جاز حكاية الأذان في أذان المولود مثلا ونحوه، لكن لعل التسامح
في السنن يؤيد ذلك، والأمر سهل، هذا.
وقد ذكر بعض مشائخنا أنه يستحب للحاكي أن يقول عند قول المؤذن: ما في
الصحيح عن الحسن بن المغيرة النضري (1) عن أبي عبد الله (ع) (من سمع
المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله (ص)
فقال محتسبا: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أكتفي بها عمن أبى وجحد، وأعين بها من أقر وشهد، كان له من الأجر عدد من
أنكر وجحد، وعدد أقر وشهد) وفيه أنه لا ظهور في الخبر المزبور في استحباب
خصوص ذلك للحاكي، فلا يبعد كونه مستحبا برأسه، بل ظاهر الخبر المزبور بعد إتمام
الشهادة بالرسالة والحكاية ينبغي أن تكون بعد كل فصل فصل، نعم يمكن أن يقال:
لو قال بعد كل فصل: (وأنا) إلى آخر ما سمعت لم يقدح في صدق الحكاية، إذ ليس
المراد منها المماثلة بترك الزيادة والنقيصة، بل يمكن أن يقال بحصول ثواب القول المزبور
أيضا، إذ الظاهر إرادة استحباب هذا القول عند الفصلين من غير اعتبار التأخر عنهما
جميعا بحيث لو عقب كل فصل بينهما لم يكن مجزيا.
ثم لا يخفى أن الصحيح المزبور شاهد على صحة عطف كلام الانسان نفسه على
كلام الآخر، بل لعل ذلك جائر في المفردات فضلا عن الجمل، كما يشهد له (لعن الله
ناقة حملتني إليك فقال له: إن وصاحبها) والأمر سهل.
وأما ما ذكره المصنف تبعا للمحكي عن المبسوط والوسيلة وغيرهما من استحباب

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3 لكن رواه
عن الحارث بن المغيرة وهو الصحيح كما في الكافي والفقيه وغيرهما
127

كون الحكاية مع نفسه الظاهر في إرادة الاسرار بها فلم أقف على ما يشهد له، ولعله
لذا قال الكركي فيما حكي عن فوائده على الكتاب: (المراد أن لا يرفع صوته كالمؤذن
- قال -: وسمعت من بعض من عاصرناه من الطلبة استحباب الاسرار بالحكاية،
ولا يظهر لي وجهه الآن) قلت: كما أنه لم يظهر لنا ما يدل على استحباب خصوص
ما ذكره أيضا، اللهم إلا أن يكون هو المتعارف في الحكاية، وغيره محل شك، لكن
لو فعل لم يفت استحباب الحكاية، وعن الميسي أن معنى العبارة عدم استحباب الجهر
بالحكاية لكن لو جهر لم يخل بالسنة، وهو حسن، وكذا ما ذكره الفاضل الإصبهاني
في شرح عبارة القواعد - من أنه (يستحب للحاكي قول ما يتركه المؤذن من الفصول
سهوا أو عمدا للتقية إقامة اشعار الايمان) - لم أقف له على ما يشهد له أيضا، إذ ما في
صحيح ابن سنان (1) المتقدم (إذا نقص المؤذن وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم
ما نقص من أذانه) لا مدخلية له في الحكاية، وكأن الذي دعاه إلى ذلك ذكر الفاضل
في القواعد ذلك في سياق الحكاية، كالمحكي عن غيره حتى المصنف فيغير الكتاب،
والأولى ذكرها مسألة مستقلة كما فعله المصنف، وتسمع تمام الكلام فيها.
وكذا لا يختص بالحاكي ما ورد من الأدعية المأثورة عند سماع مطلق الأذان
وخصوص أذان الصبح، وبين الأذان والإقامة بالمأثور وغيره ونحو ذلك من الأذكار
المذكورة في مظانها، بل في منظومة الطباطبائي.
وصدق الداعي إذا تشهدا * والق بر حب من إلى العدل اهتدى
قل مرحبا بالقائلين عدلا * وبالصلاة مرحبا وأهلا

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
128

وكأنه أشار بذلك إلى ما في خبر أبي بصير (1) عن أحدهما (ع)
أنه قال: (كان ابن النباح يقول في أذانه: حي على خير العمل حي على خير العمل،
فإذا رآه علي (ع) قال: مرحبا بالقائلين عدلا وبالصلاة مرحبا وأهلا) والله أعلم.
المسألة (الرابعة إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة كره الكلام كراهة مغلظة)
استأهلت إطلاق اسم الحرمة عليها، بل بها أفتى بعض الأساطين (إلا ما يتعلق بتدبير
المصلين) من تسوية الصفوف أو تقديم إمام أو نحو ذلك كما تقدم الكلام فيه مفصلا.
المسألة (الخامسة يكره للمؤذن أن يلتف يمينا وشمالا) في شئ من فصول
الأذان، خلافا للشافعي فيستحب أن يلتفت يمينا إذا قال: حي على الصلاة، ويسارا
إذا قال: حي على الفلاح، ولأبي حنيفة فيدور بالأذان في المأذنة، ويلوي عنقه إذا
كان في الأرض، وفي الخلاف ليس بمسنون أن يدور في الأذان وفي المأذنة ولا في
موضعه، وفي التذكرة (يكره الالتفات يمينا وشمالا بالأذان في المأذنة وعلى الأرض
في شئ من فصوله عند علمائنا) ولعل ذلك ونحوه كاف في الكراهة، وإلا فليس
في شئ من النصوص ما يستفاد منه ذلك، نعم ذكرنا سابقا أنه قد يستفاد منها كراهة
ترك الاستقبال في خصوص الشهادتين منه، كما أنه تقدم لك سابقا استحباب الاستقبال
فيه، وإليه أشار المصنف بقوله: (ولكن يلزم سمت القبلة في أذانه) وليس ترك
المستحب مكروها عندنا، فما في كشف اللثام من أنه يكره الالتفات في الأذان بالبدن
أو بالوجه خاصة، والأول آكد لاستحباب الاستقبال، وفي الإقامة آكد - لا يخلو
من نظر، والأمر سهل، خصوصا بعد التسامح، ولعل عدم ذكر الأكثر للإقامة لأن
الغرض الرد على أبي حنيفة والشافعي، وقد سمعت كلامهما في الأذان، أو لأن الحكم

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12 ولكن نقله
عن الفقيه مرسلا
129

بالأذان يفهم منه الحكم في الإقامة بالأولوية، أو لأن الأذان هو مظنة الالتفات
لإرادة الاعلام به لسائر الناس بخلاف الإقامة، والله أعلم.
المسألة (السادسة إذا تشاح الناس في الأذان قدم الأعلم، ومع التساوي يقرع
بينهم) كما في القواعد والإرشاد، ومقتضى ذلك عدم اعتبار غير العلم من الصفات
المرجحة في الأذان وغيرها، بل مقتضى ما عن المبسوط وجامع الشرائع عدم اعتبار
العلم أيضا، لاطلاقهما القرعة مع التشاح، وفيه أنه مناف لقاعدة قبح ترجيح المرجوح
على الراجح، وللمروي (1) عن النبي صلى الله عليه وآله من أمره لعبد الله بن
يزيد بالقاء الأذان على بلال لأنه أعلى منك صوتا، ولنحو قوله صلى الله عليه وآله (2)
(يؤذن لكم خياركم) ونحوه، بل ومناف لجميع ما دل من عقل أو نقل على مراعاة
مصلحة المسلمين في التصرف في بيت ما لهم، إذ التشاح كما هو ظاهر الذكرى وكشف
اللثام والمدارك بل هو صريح المسالك إنما يتصور في الارتزاق من بيت المال، لعدم
اعتبار الوحدة فيه إعلاميا كان أو غيره على الأظهر كما ستعرف حتى يتصور في غير
الفرض، ولو سلم تصوره فلا ريب في أن ذلك أحد أفراده، والمتجه فيه حينئذ مراعاة
ما فيه مصلحة المسلمين، بل يمكن القول بلزوم مراعاة كمال المصلحة مع فرض حصولها
من غير تطلب، وهي لا تنضبط بضابط، لاختلافها أشد اختلاف، ضرورة عدم
انحصارها في الصفات المرجحة في الأذان، بل ينبغي مراعاة قلة الارتزاق وكثرته،
بل قد تحصل مصلحة في خصوص إقامة بعض الأفراد لهذا الشعار ترجح على سائر
غيرها من الصفات، ولعله إلى ذلك أو بعضه أو ماء في الدروس بقوله: (ومع التشاح
يقدم من فيه صفة كمال، فالقرعة، إذا احتمال إرادته بصفة الكمال خصوص ما ذكروه

(1) تيسير الوصول ج 1 ص 210 وسنن أبي داود ج 1 ص 195 - الرقم 499
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
130

مما يستحب في المؤذن بعيد، وفي المحكي عن مجمع البرهان (لا فرق في الصفات المرجحة
بين العقلية والنقلية) فتأمل جيدا.
ومع فرض عدم حصول المرجح لتعارض المرجحات أو تساويها يقرع بينهم،
إذ التخيير وإن كان ممكنا لكن لا ريب في أولوية القرعة منه، سيما في الأول باعتبار
كونه من تزاحم الحقوق، ولأنه أطيب لنفوس المتشاحين، وأعذر عندهم، ولما عساه
يومي إليه قوله صلى الله عليه وآله (1): (ثلاثة لو علمت أمتي ما فيها لضربت
عليها بالسهام: الأذان والغدو إلى الجمعة والصف الأول) وقوله صلى الله عليه وآله (2):
(لو يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يسهموا عليه لفعلوا)
من مشروعية القرعة فيه، مضافا إلى ما ورد (3) من كونها لكل أمر مشكل، وقد
أشكل الحال بطلب كل ذلك.
ومما ذكرنا يظهر لك ما في كلام جماعة من أصحابنا حيث اقتصروا على الصفات
المرجحة في الأذان، اللهم إلا أن يكون ذلك لندرة الترجيح بغيرها، أو أن مرادهم
بالمرجحة أعم من العقلية والنقلية أو غير ذلك مما لا ينافي ما ذكرنا، بل من المحتمل
إرادتهم ذكر المرجحات في الجملة، ولذا أناطوا القرعة بالتساوي وإن كان الظاهر
إرادتهم التساوي في المرجحات المزبورة، لكن قد يبعده أنه كما يرجع إليها في ذلك
يرجع إليها عند تعارض المرجحات، وإلا كان محلا للنظر لما عرفت، ففي المحكي عن
المنتهى والتحرير والموجز (قدم من اجتمع فيه الصفات المرجحة، ومع التساوي القرعة)
لكن عن الموجز منها أنه (يقدم جامع الصفات، فالراتب) وفي التذكرة والمحكي عن
نهاية الإحكام وكشف الالتباس (قدم من كان أعلى صوتا، وأبلغ في معرفة الوقت،

(1) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 - 8
(2) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 - 8
(3) الاستبصار ج 3 ص 83 من طبعة النجف
131

وأشد محافظة عليه، ومن يرتضيه الجيران، وأعف عن النظر، فإن تساووا فالقرعة)
وفي الذكرى بل والمسالك (قدم العدل على غيره، ومع التساوي الأعلم لأمن الغلط
معه، ولتقليد أرباب الأعذار له، ثم المبصر، ثم الأشد محافظة على الأذان في الوقت،
ثم الأندى صوتا، ثم من ترتضيه الجماعة والجيران، ومع التساوي فالقرعة) وفي البيان
(قدم الأعلم ومن اجتمعت فيه أكثر الصفات، ومع التساوي فالقرعة) وفي المحكي عن
حاشية الميسي (يقدم الأعلم مع مساواته لغيره عدالة وفسقا، فلو كان غيره هو العدل
قدم مطلقا) وفي جامع المقاصد والمدارك (يقدم من فيه الصفات المرجحة في الأذان
على غيره، فإن اشتركوا قدم جامع الكل على فاقد البعض، وجامع الأكثر على جامع
الأقل) بل في الأول منهما كالمحكي عن الروض (ينبغي تقديم العدل على الفاسق مطلقا
ومع التساوي يقدم الأعلم بأحكام الأذان أو الأوقات) كما في الذكرى (والمبصر على
الأعمى، فإن استووا فالأشد محافظة على الأذان في الوقت على من ليس كذلك،
لحصول غرض الأذان به، ثم الأندى صوتا، ثم الأعف عن النظر، ثم من يرتضيه
الجيران، ثم القرعة) ثم قال: (لم يتعرض الأصحاب لترجيح المعرب على اللاحن،
ولا الراتب في المسجد على غيره، مع أنهم قالوا: لا ينبغي أن يسبق الراتب غيره
بالأذان، وأن ذلك يقتضي الترجيح مع التشاح بطريق أولى) إلى غير ذلك من
عبارات الأصحاب، وقد عرفت التحقيق، بل منه يعرف ما قيل هنا: إن المراد بالأعلم
في المتن وغيره الأعلم بأحكام الأذان لا خصوص الأوقات المندرجة تحت الأول،
وإن كان هو ظاهر الذكرى وكشف اللثام، لعدم مدخلية العلم بغيرها في الترجيح،
ضرورة أنه على ما عرفت يمكن الترجيح بالعلم في غير ذلك من أحكام الفقه فضلا عن
الأذان كما هو واضح، نعم لا ترجيح عندنا بكون المؤذن من نسل مؤذني رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كأبي محذورة وسعد القرظ وغيرهما، لعدم ما يشهد له من عقل
132

أو نقل معتبر، والله أعلم.
المسألة (السابعة إذا كان جماعة جاز أن يؤذنوا جميعا، والأفضل إذا كان
الوقت واسعا أن يؤذن واحد بعد واحد) كما في القواعد وغيرها، لكن عباراتهم في
المقام لا تخلو من إجمال، وتفصيل البحث أنه لا بأس بتعدد المؤذنين للاعلام بالوقت
مجتمعين في محل واحد أو محال متعددة أو مترتبين مع بقاء الوقت الذي هو سبب
لمشروعية الأذان، لاطلاق الأدلة والسيرة المستقيمة، ولما فيه من زيادة إقامة الشعار
وتكرير ذكر الله وتنبيه الغافلين، وإيقاظ النائمين ونحو ذلك من فوائده المذكورة له في
النصوص، واحتمال عدم المشروعية في خصوص المترتب منه إذا فرض عدم فائدة له
زائدة على الأول لحصول الامتثال يدفعه أن ظاهر الأدلة كونه مستحبا عينيا كما هو
الأصل لا كفائيا، نعم قد يشكل تكراره من الشخص الواحد في المكان الواحد.
وأما أذان الصلاة فلا ريب في عدم جواز تكراره للمنفرد إذا لم يحصل مقتض
له من فصل معتد به بينه وبين الصلاة ونحوه، لعدم معقولية الامتثال عقيب الامتثال.
وأما الجماعة فلا يخفى عليك أن مقتضى إطلاق الأدلة خصوصا مثل قوله (ع)
(1): (لا صلاة إلا بأذان وإقامة) ونحوه استحباب الأذان لكل واحد
منهم من غير فرق بين الإمام والمأموم، ولا معارض له مما يقتضي وحدة الأذان للجماعة
من حيث أنها جماعة وإن كان هو ممكنا باعتبار تنزيل الشارع صلاة الجميع بمنزلة صلاة
واحدة لتساوي زمان ركوعهم وسجودهم وباقي أفعالهم، فيجري الجميع حينئذ أذان
واحد، بل ربما كان في بعض النصوص (2) إيماء إليه، خصوصا موثق عمار (3)

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 27 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
133

في المؤذن بنيته الانفراد ثم قيل له في الجماعة، لكنه كما ترى لا يصلح أن يكون مثله
مدركا لمثله، لعدم ثبوت التنزيل المذكور بالنسبة إلى ذلك، فالاطلاق حينئذ بحاله،
وجريان السيرة بأذان واحد للجماعة لا يقضي بمشروعية الأذان لها على الوجه المزبور،
إذ لعله لاجتزاء خصوص المؤذن عن نفسه بأذانه، وغيره بسماعه الذي ستعرف إجزاءه
ومن لم يسمع بدخوله في الجماعة مثلا، لما عرفت سابقا أنه من أدرك جماعة قبل أن
تتفرق دخل بأذانهم من غير فرق بين إدراكها بعد الفراغ وقبله، بل السابق أولى من
اللاحق بذلك قطعا، وحينئذ فلو فرض أذان الجماعة لم يسمعوه لم يكن مجزيا، بل إذا
لم يكن قد سمعه الإمام خاصة لم يجتز هو به، لعدم الدليل الصالح لمعارضة ما عرفت،
بل يجوز لمن لم يسمع من الجماعة المجتمعة للصلاة ولم يكن الإمام حاضرا الأذان لصلاته،
بل ومن سمع منهم قبل مجئ الإمام، لا طلاق الأدلة السالم عن المعارض، فحينئذ لا بأس
بما ذكره المصنف وغيره من جواز تعدد المؤذنين دفعة ومترتبين، ولا داعي إلى حمله
على خصوص الاعلام، وما يحكى عن الشيخ أبي على نجل الشيخ الطوسي في شرح نهاية
والده - من الاجماع على أن الزائد على اثنين بدعة - يقوى في الظن إرادته ما ذكره
والده في الخلاف من إجماع الفرقة على ما رووه (1) من أن الأذان الثالث بدعة، قال:
فدل ذلك على جواز اثنين، والمنع عما زاد، وفيه أن مثل ما نحن فيه لا يعد ثالثا كما
اعترف به في جامع المقاصد، ضرورة كون تكراره باعتبار تعدد المكلفين، فكل منهم
يؤذن لصلاته لا أنه أذان متعدد لصلاة واحدة، فإن الثاني حينئذ بدعة فضلا عن
الثالث، على أن الخبر المزبور مشاربه إلى بدعة مخصوصة من تعدد الأذان لصلاة
الجمعة، وقد تقدم تمام البحث فيه عند الكلام في الجمع بين الفرضين، ويأتي إن شاء الله
زيادة عليه في الجمعة، وعلى كل حال فهو غير ما نحن فيه، ولو سلم أن المراد باجماع أبي على

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 1
134

ما نحن فيه ففيه أن التتبع يشهد بخلافه، إذ لم نجد له موافقا عليه سوى ما سمعته من
الخلاف، مع أنه في المحكي عن المبسوط قال: (إنه لا بأس أن يؤذن جماعة كل واحد
منهم في زاوية المسجد، لأنه لا مانع منه) لكن قال أيضا: (يجوز أن يكون المؤذنون
اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع واحد، فإنه أذان واحد) وربما قيل: إن مجموعهما
يعطي اشتراط تعدد المحل في الزائد على اثنين بخلافهما، إلا أنه على كل حال خلاف
ما سمعته منه في الخلاف ومن المحكي عن ولده الذين لم نعرف مخالفا سواهما، فدعوى
الاجماع حينئذ في غاية الغرابة.
فلا ريب حينئذ في الجواز، لكن في المدارك (إن المعتمد كراهة الاجتماع في
الأذان مطلقا، لعدم الورود من الشرع، وكذا إذا أذان الواحد بعد الواحد في المحل
الواحد، أما مع اختلاف المحل وسعة الوقت بمعنى عدم اجتماع الأمر المطلوب في الجماعة
من الإمام ومن يعتاد حضوره من المأمومين فلا مانع منه، بل الظاهر استحبابه لعموم
الأدلة) ولا يخفى عليك ما فيه، فإن عدم الورود لا يصلح دليلا للكراهة، كما أنه لم
نعثر على ما يدل على ما ذكر المصنف والفاضل وغيرهما من أفضلية الترتيب مع سعة
الوقت، نعم علل بأنه تكرير للاعلام أو إعلام لمن لم يسمع السابق وبنحو ذلك مما هو
كما ترى، بل عن المبسوط (فأما أذان واحد بعد الآخر فليس بمسنون) واحتمال
إرادته من ذلك التراسل فيكون غير ما نحن فيه في غاية البعد، سيما مع قوله في الخلاف:
(إن الاجتماع أفضل) بل قيل: إنه حكى الاجماع عليه فيه وإن كنت لم أتحققه فيما
حضرني من نسخته، وفي كشف اللثام (ولعله لكون الواحدة أظهر، وليجتمع شهادة
عدلين بالوقت، ولأن الترتيب ربما يشوش على السامعين).
وعلى كل حال فالمراد باتساع الوقت كما في جامع المقاصد وغيره عدم اجتماع تمام
المطلوب في الجماعة كانتظار الإمام والمأمومين الذين يعتاد حضورهم لا المعنى المتعارف،
135

فإن تأخير الصلاة عن أول وقتها لأمر غير موظف مستبعد، قيل: ونحو ذلك تحصيل
ساتر أو طهارة حدثية أو خبثية وما أشبهها، قلت: لكن ينبغي تقييد ذلك كله كما في
المسالك بما إذا لم يفت وقت الفضيلة، ضرورة أهمية وقوع الصلاة فيه من غيره، والله أعلم.
المسألة (الثامنة إذا سمع الإمام أذان مؤذن جاز أن يجتزي به في الجماعة وإن
كان ذلك المؤذن منفردا) بصلاته لا أذانه بلا خلاف أجده، بل في المدارك أنه
مقطوع به في كلام الأصحاب، قلت: هو لا إشكال فيه إذا كان المؤذن لجماعة ذلك
الإمام، للسيرة المعلوم كونها يدا عن يد إلى التابعين والصحابة والأئمة والنبي (عليهم
الصلاة والسلام) مضافا إلى صحيح ابن سنان الآتي (1) الدال على الاجتزاء بأذان
من نقص مع الاتمام، وإلى موثق عمار (2) المتقدم سابقا في الذي أذن بنية الانفراد
ثم أراد الجماعة الظاهر في الاجتزاء بإعادة الأذان مرة واحدة، فيكتفي الثاني بسماعة،
وإلى خبر أبي مريم الأنصاري (3) قال: (صلى بنا أبو جعفر (ع) في
قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة، فلما انصرف قلت له: عافاك الله صليت
بنا في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة فقال: إن قميصي كثيف، فهو
يجزي أن لا يكون على رداء. وإني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم
أتكلم فأجز أني ذلك) وإلى خبر عمرو بن خالد (4) عن أبي جعفر (ع)
قال: (كنا معه فسمع إقامة جار له بالصلاة فقال: قوموا فقمنا فصلينا معه بغير أذان
ولا إقامة، وقال: يجزيكم أذان جاركم).

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 27 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(3) التهذيب ج 2 ص 280 الرقم 1113 من طبعة النجف
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3
136

إلا أن الجميع كما ترى لا دلالة فيه على الاجتزاء بسماع أذان الاعلام، مع أن
ظاهرهم بل هو صريح جماعة منهم عدم الفرق بينه وبين غيره، بل لم أعثر على من توقف
فيه، ولعله لاطلاق قوله (ع) (يجزيكم أذان جاركم) إذ كون مورد الإقامة
التي هي مختصة بالصلاة لا يقتضي اختصاص المراد بها، لا أقل من جبر ذلك بما عرفت
من ظهور اتفاقهم عليه، بل يكفي هو مع فرض تمامه في تنقيح المناط بينه وبين غيره،
ومن الغريب عدم توقفهم في ذلك وتوقف جماعة منهم الشهيد في الاجتزاء بسماع أذان
المنفرد، بل جزم ثاني الشهيدين والميسي فيما حكى عنه باختصاص الحكم بمؤذن المسجد
والمصر دون المنفرد بصلاته، بل في المسالك (المراد بالمنفرد في المتن المنفرد بصلاته لا بأذانه
- قال -: بمعنى أنه مؤذن للجماعة أو للبلد. فلو أذن لنفسه لا غير لم يعتد به) مع أن
الخبرين الأخيرين إن لم يكن ظاهرهما المنفرد فلا ريب في شمول الثاني له، بل والأول
على معنى أنه (ع) ما ذكر ذلك إلا لإرادة بيان إجزاء مثله، ولو كان أذان
جعفر (ع) لجماعة لذكره، على أن ظاهر كونه هو المؤذن والمقيم انفراده، لاستحباب
تغايرهما في الجماعة، بل الغالب فيها كون المؤذن والمقيم غير الإمام، خصوصا إذا كان
مثل جعفر (ع) ومعارضة ذلك كله بأنه لو أجزأ سماعه لاجتزى بأذان المنفرد
الذي هو أولى من السماع إذا أراد الجماعة يدفعها ما عرفته سابقا من أنه على تقدير تسليم
الأولوية أو المساواة يمكن الفرق بين سماع الإمام الذي هو قاصد الجماعة وغيره، فإن
الذي يساويه حينئذ أذان الإمام بقصد الجماعة وإن لم يسمعه المأمومون، وليس في الخبر
دلالة على كون ذلك المؤذن إماما، مع أنه لم يكن أذانه بقصد الجماعة.
فالوجه حينئذ الاجتزاء بسماع أذان المنفرد أيضا كما أطلقه الأصحاب، لكن
مع سماع الإمام إياه سواء سمعه المأمومون أولا، ولا يجزي سماعهم دونه في الصلاة،
لعدم الدليل، والتنقيح يمنعه إمكان الفرق بينه وبينهم بأن صلاتهم تابعة لصلاة،
137

فالمعتبرة هي حينئذ، ومنه ينقدح الاجتزاء بأذانه بقصد الجماعة وإن لم يسمعه المأمومون
بخلاف أذانهم الذي لم يسمعه هو، ودعوى أنه لا ظهور في الخبرين المزبورين (1)
باجتزائهم بسماعه خاصة - سيما أولهما (2) و الظاهر في أن الجميع سمعوا إقامة الجار،
وأقصى الثاني إجزاؤه له لا لهم - يدفعها ترتب الاجزاء لهم في الخبر الأول على سماعه
(ع)، وكون المراد من الثاني بيان الاجزاء له المستلزم للاجزاء عنهم باعتبار
تبعية صلاتهم صلاته، فالمدار بالنسبة إلى ذلك ونحوه عليها، ولذا لم يعرف خلاف بين
الأصحاب في الاجتزاء بسماعه خاصة، وبالأولى يستفاد منه حكم أذانه، والمناقشة في
الأولوية المزبورة باعتبار تعدد الحكم السماوية يدفعها عدم اعتبار مثل هذه الاحتمالات
في قطع الفقيه الممارس لأقوالهم (ع)، ومنه القطع هنا بمساواة المنفرد للإمام
في الاجتزاء بالسماع ولو للمنفرد أو أولويته بذلك. وإن كان المفروض في عبارة الأكثر
الإمام، إلا أن الظاهر كون ذلك منهم تبعا للنص لا لإرادة عدم اجتزاء غيره، ولقد
أجاد أول الشهيدين وثاني المحققين بدعوى أن ذلك من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى
على أنه قد يحتج له أيضا باطلاق صحيح ابن سنان (3) وبظهور قوله (ع) (4):
(يجزيكم أذان جاركم) بناء على إرادته ذلك من حيث سماعهم، إد لا فرق حينئذ
بين المأموم والمنفرد، بل يمكن دعوى ظهور خبر أبي مريم فيه أيضا بأن يقال لا خصوصية
للإمامية في اجتزائه بالسماع قطعا، ضرورة أنها إن كان لها خصوصية فهي بالنسبة إلى
الجماعة لا صلاة الإمام نفسه، بل لا ريب في ظهوره باجزاء ذلك السماع وإن عدل عن

(1) المتقدمين في الصحيفة 136 في التعليقة 3 و 4
(2) الصحيح تبديل (أولهما) بلفظ (ثانيهما) وتبديل (الثاني) بلفظ (الأول)
وكذلك الأول والثاني الواقعان في الدفع
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 3
138

الإمامة كما هو واضح بأدنى تأمل.
ولا يشترط في إجزاء السماع حكاية السامع قطعا، لاطلاق النص والفتوى،
فما يحكى عن الشهيد في النفلية من اشتراطه - وكأنه لاستبعاد إجزاء السماع نفسه - في
غير محله، إذ هو شبه الاجتهاد في مقابلة النص، نعم يعتبر فيه إتمام ما ينقصه المؤذن
لصحيح عبد الله بن سنان السابق، فيتلفق حينئذ الأذان من السماع والقول، بل يحتمل
التعدي منه إلى غيره مما أخفت فيه المؤذن، بل وإلى فعل ذلك اختيارا بدعوى كون
ما فيه من النقصان من باب المثال، وإلا فالمراد مشروعية التلفيق، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال ففيه إيماء إلى أن المجزي سماع الأذان كله كما هو ظاهر الأصحاب
ومقتضى أصالة عدم السقوط لا بعض الفصول منه، إذ ليس السماع أعظم من القول
قطعا، فما يحكى عن ظاهر النفلية من إجزاء سماع البعض لا يخلو من نظر وإن كان ربما
يشهد له خبر أبي مريم باعتبار غلبة سماع البعض في حال المرور، ويكون المراد حينئذ
وهو آخذ في الأذان والإقامة، بل يمكن تنزيل عبارات الأصحاب على ذلك بدعوى
صدق سماع الأذان بسماع بعضه، بل قد يدعى أن الغالب في السامعين ذلك حتى أئمة
الجماعة خصوصا المشتغلين منهم في حال الأذان بالنافلة ونحوها، لكن الجميع كما ترى
لا يصلح الخروج به عن أصالة عدم السقوط، وما دل على الأمر به المؤيد ذلك كله
بمعلومية ضعف السماع عن القول في الاجزاء المزبور، وهو لا يجدي فضلا عنه.
ثم إن الظاهر إجزاء سماع الإقامة عنها أيضا وإن اقتصر الأكثر على الأذان،
إلا أنه يمكن إرادتهم منه ما يشملها، وإلا كان محلا للنظر، لظهور الخبرين المزبورين
في ذلك، فالأقوى حينئذ إجزاء سماعها أيضا وفاقا لأول الشهيدين وغيره، لكن
ينبغي أن يعلم أن سماع كل منهما يجزي عنه نفسه لا غيره، فلا يجزي سماع الأذان عن
الإقامة ولا العكس، لما عرفت من ضعف السماع عن القول، وهو لا يجدي فضلا عنه،
139

وخبر عمرو بن خالد لا دلالة فيه على الاجتزاء عن غير الإقامة، إذ تركه الأذان يمكن
أن يكون لأنه جامع بين الفرضين أو في يوم الجمعة أو للاقتصار عليها أو لغير ذلك.
كما أنه ينبغي أن يعلم عدم اشتراط عدم حصول الكلام بعدها في إجزاء السماع
وإن كان قد يظهر من خبر أبي مريم، إلا أن قوله (ع): (قوموا) بعد
السماع في خبر عمرو بن خالد وما سمعته سابقا من عدم بطلان الإقامة القولية بالكلام
بعدها - والظاهر بدلية السماع عنه، فحكمه حكم مبدله، مضافا إلى استصحاب السقوط -
يشهد بخلافه.
نعم يستحب الإعادة حينئذ كما في القولية التي هو أقوى من السماعية وعليه
يحمل حينئذ الظهور المزبور في خبر أبي مريم، بل لا يبعد استحباب إعادتها والأذان
مطلقا، لظهور قوله (ع): (وأنت تريد) في صحيح ابن سنان، ولفظ
الاجزاء في الخبرين المزبورين في مشروعية غيره، بل ظاهر لفظ الاجزاء رجحانه عليه
واحتمال إرادة الاكتفاء منه لا أقل المجزي - فيحرم حينئذ الإعادة - ممكن، بل يؤيده
ما تقدم لنا سابقا في المباحث السابقة، خصوصا فيمن أدرك الجماعة قبل أن تتفرق،
إلا أنه لم أجد أحدا قال به هنا، بل ظاهر تعبير الأصحاب هنا بالجواز والاجتزاء
ونحوهما الأول، نعم عن النفلية خاصة التعبير بالسقوط، وعن شرحها لثاني الشهيدين
المراد سقوط الشرعية رأسا، ولكن لم يرتضه، وفي الذكرى جعل الاستحباب احتمالا
قال: (وهل يستحب تكرار الأذان والإقامة للإمام السامع أو لمؤذنه أو للمنفرد؟
يحتمل ذلك وخصوصا مع اتساع الوقت).
لكن على كل حال ينبغي استثناء سماع الإمام والمأمومين مؤذن جماعتهم من
الاستحباب المزبور، لاطباق السلف على خلافه على وجه يعلم منه عدم الاستحباب كما
قطع به في الذكرى وكشف اللثام وغيرهما، ولا ينافي ذلك ما تقدم في تعدد المؤذنين
140

بناء على عدم اختصاص ذلك في أذان الاعلام، لعدم انحصار فرضها في ذلك قطعا،
إذ من صورها تعددهم ولم يسمع كل منهم الآخر كما لو جاءوا مترتبين، ومن صورها
حال عدم وجود الإمام، فما عن الروض - من الميل إلى استحبابه، والمفاتيح من التأمل
فيه حيث نسبه إلى القيل، بل قيل: إنه يمكن أن يقال: إنه لا يقصر عن تعدد
المؤذنين مجتمعين أو مترتبين وقد أجمعوا على جوازه، واقتصار السلف على الأذان
الواحد لتأدي السنة به، إذ الركن الأعظم فيه الاعلام وقد حصل، فاشتغلوا بما هو أهم
منه وإن بقي الاستحباب - لا يخفى ما فيه.
وكذا ينبغي استثناء الداخل على الجماعة الحاضر إمامها بعد سماع أذانها وإن
لم يرد الصلاة معهم، بناء على عدم استحباب الأذان لمن أدرك الجماعة قبل أن تتفرق،
ضرورة كون الفرض أولى منه بذلك، لزيادته عليه بالسماع كما هو واضح، والله أعلم.
المسألة (التاسعة من أحدث في أثناء الأذان أو الإقامة تطهر) وجوبا أو ندبا
(وبنى) إذا لم تفت الموالاة، لعدم ثبوت الفساد بتخلل الحدث في الأثناء حتى على
القول باشتراط الطهارة فيهما، إذ لا يراد منه إلا إيقاع فصولهما مقارنا للطهارة لا إرادة
اعتبار حصولهما في الفواصل بين الفصول، ودعوى كونها عبادة مركبة ذات أجزاء
لا تقتضي ذلك قطعا كما أوضحناه سابقا (و) أما أن (الأفضل) له أن (يعيد الإقامة)
فقد ذكره المصنف وغيره، وعلل بتأكد استحباب الطهارة فيها، وهو كما ترى، وفي
المدارك (أنه يمكن الاستدلال بخبر هارون المكفوف (1) وغيره مما تضمن كونها من
الصلاة، ومن أحكام الصلاة الإعادة بالحدث فيها، فالاقامة كذلك) قلت: وأولى منه
الاستدلال بقول الكاظم (ع) في خبر قرب الإسناد للحميري (2) لما سأله

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 12
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7
141

أخوه عن المؤذن يحدث في أذانه وفي إقامته: (إن كان الحدث في الأذان فلا بأس،
وإن كان في الإقامة فليتوضأ وليقم إقامته) فإن الظاهر إرادة استيناف الإقامة، وإلا
لأمره بالاتمام لا بالإقامة كما في ما حضرني من نسخة قرب الإسناد وغيره ممن حكاه عنه
والله أعلم.
المسألة (العاشرة من أحدث في) أثناء (الصلاة تطهر وأعادها) كما تسمع
البحث فيه في محله (ولا) يستحب له أن (يعيد الإقامة إلا أن يتكلم) أو يحصل فصل
معتد به أو نحو ذلك فيعيدها حينئذ، بل يعيد الأذان أيضا مع الفصل ونحوه لحصول
المقتضي، ففي صحيح ابن مسلم (1) (لا تتكلم إذا أقمت الصلاة، فإنك إذا تكلمت
أعدت الإقامة) أما بدونه فلا، للأصل وحصول الامتثال، لكن في المدارك (أنه
مناف لما ذكره في المسألة السابقة، إلا أن يفرق بين الحدث في أثناء الإقامة وأثناء
الصلاة، وهو بعيد، بل عن ظاهر ثانيي المحققين والشهيدين الحكم بعدم الفرق) وفيه
ما لا يخفى بعد ما عرفت من الدليل على الحدث في الأثناء الذي يمكن تأييده بالفرق بين
حالي الفراغ من العمل والتشاغل فيه كالصلاة التي قد أعطيت الإقامة حكمها، فهي حينئذ
مركبة مستقلة يراعى فيها الأمران، وإعادتها بالكلام للدليل، ولذا قال في كشف اللثام:
إن الفرق بينهما ظاهر، نعم قد يشكل الحكم المزبور بخبر عمار (2) قال: (سئل
أبو عبد الله (ع) عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟
قال: نعم) والصحيح (3) إلى موسى بن عيسى عم أحمد بن عيسى الذي أشهده
الرضا (ع) على طلاق وأمره أن يحج عنه، قال: (كتبت إليه رجل تجب

(1) الوسائل - الباب - 10 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 37 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
142

عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب يعيدها بإقامة) لكن عدم تعرض
الأصحاب لهما من اشتمال أولهما على إعادة الأذان يهون الاشكال المزبور، بل يوجب
حملهما على صورة القضاء، أو على تبين فساد الصلاة بعد الفراغ منها كما هو ظاهر لفظ
الإعادة، وحينئذ يحصل الفصل المعتد به، إذ احتمال عدم القدح بفصل الصلاة وإن تبين
بعد ذلك بطلانها في غاية الضعف، ضرورة كون ما وقع من الأذان والإقامة مقدمة
للصلاة المستأنفة لا الباطلة كما هو واضح، فتأمل.
المسألة (الحادية عشر من صلى خلف إمام لا يقتدى به) وكان مؤذن جماعته
مخالفا أو مؤمنا ولم يسمع أذانه (أذن لنفسه وأقام) لعدم حصول المسقط لهما بناء على
اشتراط الايمان في الأذان، فاطلاق الأدلة حينئذ بحاله، وسقوطهما بادراك الجماعة إنما
هو في الجماعة الصحيحة، مضافا إلى الأمر في المرسل (1) وخبر محمد بن عذافر (2)
بالأذان خلف من قرأت خلفه، وإلى ما تقدم سابقا مما يدل على اشتراط إيمان المؤذن
وإن كان مما ذكرنا يظهر أن المسألة لا ينحصر فرضها في البناء على اشتراط الايمان في
الأذان، بل وإن لم نقل به فإن عليه الأذان والإقامة إذا جاء إلى الجماعة المزبورة ولم
يكن قد سمع أذانها لعدم تحمل الإمام حينئذ الأذان عنه باعتبار عدم جامعيته لشرائط
الإمامة، فلا يكفي حينئذ سماعه، بل منه ينقدح احتمال عدم الاجتزاء بادراك جماعة لم
يثق بإمامها وإن كان غير مخالف، ولعل عبارة المصنف وغيرها تشمله وإن كان الظاهر
منها بقرينة ما بعده إرادة المخالف.
وعلى كل حال (فإن خشي) بفعل الأذان و الإقامة (فوات الصلاة) التي لو لم
يظهر الائتمام بها خالف التقية (اقتصر على تكبيرتين وعلى قول: قد قامت الصلاة)

(1) الوسائل - الباب - 33 من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2
143

مرتين مقدما لهما على التكبيرتين مضيفا إليهما التهليلة، لقول الصادق (ع) في
خبر معاذ بن كثير (1) الذي هو المستند في المقام على الظاهر (إذا دخل الرجل المسجد
وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع
الإمام فليقل: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله،
وليدخل في الصلاة) بل ظاهره ذلك إذا خاف فوت الركعة فضلا عن الصلاة، ولعله
المراد من خوف فوات الصلاة في المتن وغيره والفوات في الإرشاد، كما أن المراد على
الظاهر من الفوات رفع رأس الإمام من الركوع المفوت لصورة الاقتداء بالركعة، وما
في المدارك - من المناقشة بضعف السند التي يدفعها الانجبار، وبأن مقتضاه تقديم الذكر
المستحب على القراءة الواجبة التي كالاجتهاد في مقابلة النص - في غير محله، على أن
القراءة إنما تجب عليه بعد الدخول لا قبله، فله حينئذ إظهار صورة الائتمام معه في الحال
التي لا يسعه القراءة فيها، فتسقط حينئذ عنه كالائتمام الصحيح الذي نزل هذا الائتمام
للتقية منزلته، وفي خبر أحمد بن عائذ (2) قلت لأبي الحسن (ع): (إني
أدخل مع هؤلاء في صلاة المغرب فيعجلوني إلى ما أن أؤذن وأقيم فلا أقرأ شيئا حتى
إذا ركعوا فأركع معهم أفيجزي مني ذلك؟ فقال: نعم) فلا حاجة حينئذ إلى ما عن
الشهيد الثاني وغيره من أن المراد بفوات الصلاة فوات ما يعتبر في الركعة من
القراءة وغيرها.
نعم قد يشكل ما في المتن وغيره الذي هو عين ما عن المبسوط بأنه غير موافق
للخبر المزبور الذي هو مستند المقام على الظاهر لا في الفصول ولا في الترتيب، ويمكن

(1) الوسائل - الباب - 34 من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) التهذيب ج 3 ص 37 الرقم 131 من طبعة النجف
144

الاعتذار عن الثاني بعدم إرادة الترتيب من الواو في العبارات لا الخبر الذي ظاهره
إرادة الاجتزاء بهذا المقدار من الإقامة المعلوم اعتبار الترتيب فيها من الأدلة السابقة،
وعن الأول بإرادة التهليل أيضا من التكبيرتين تغليبا، أو للتنبيه بذلك على إرادة إلى
آخر الإقامة، لكن الانصاف أن العبارة المزبورة بعيدة عن ذلك، بل مقطوع بعدم
إرادة ذلك منها، ولعل لهم دليلا آخر لم نقف عليه، وربما قيل: إنهم نبهوا بذلك
على أهمية التكبير من غيره، وأنه مع الضيق يقتصر عليه، وفيه أولا منع ثبوت أهميته
هنا، واستنباطها من زيادة تكراره في الأذان والإقامة كما ترى، وثانيا أنها لا تقتضي
تقديمه على (قد قامت الصلاة) مع الجمع بينهما. وثالثا أن ثبوت مثل هذه الأحكام
بمثل هذه التهجسات بل الخرافات لا يجتزي عليه ذو دين، ضرورة كون مقتضى الخبر
المزبور استحباب هذه الصورة من الإقامة والسقوط مع التعذر لا الاقتصار على ما يتمكن
منها، ومن هنا ذكر المصنف والشهيد وغيرهما أنه ينبغي المحافظة على صورة ما في الخبر
المزبور، نعم يمكن القول بإضافة: (حي على خير العمل) إليه مقدما له على (قد قامت)
لمعلومية ترك المؤذن له إذا كان مخالفا، فيشمله حينئذ صحيح ابن سنان الآمر باتمام
ما نقص، ولما عن المبسوط وجامع الشرائع من أنه قد روي (1) أنه يقول: (حي
على خير العمل) دفعتين، لأن المؤذن لم يقل ذلك، والأولى قولها حينئذ كما ذكرنا
مراعيا فيها الترتيب بين الفصول وإن كان مقتضى هذا المرسل الاطلاق.
(و) كيف كان فقد ذكر المصنف وغيره أنه (إن أخل) المؤذن (بشئ من
فصول الأذان استحب المأموم التلفظ به) وظاهر السياق كونه من تتمة المسألة السابقة
وأشكله في المدارك أما أولا فبأنه خلاف مدلول النص، وهو صحيح ابن سنان (2)

(1) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1
145

(إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من
أذانه) وأما ثانيا فلما صرح به الأصحاب ودلت عليه الأخبار (1) من عدم الاعتداد
بأذان المخالف، فلا فائدة في إتيان المأموم بما تركه الإمام من الفصول، اللهم إلا أن
يقال: إن ذلك مستحب برأسه وإن كان الأذان غير معتد به، وهو حسن لو ثبت
دليله، واحتمل الشارح قدس سره جعل هذه المسألة منفصلة عن الكلام السابق، وأنها
محمولة على غير المخالف كناسي بعض فصول الأذان أو تاركه أو تارك الجهر به تقية،
وهو جيد من حيث المعنى، لكنه بعيد من حيث اللفظ، قلت: قد تقدم لنا بعض
الكلام في ذلك عند البحث عن اشتراط الايمان في الأذان، ونقول هنا: إن الاشكال
المتصور في المقام إما في الجمع بين النصوص أو في عبارات الأصحاب، والأول يدفعه
أنه لا منافاة بين صحيح ابن سنان المزبور وبين ما دل على اشتراط الايمان في الأذان
بعد حمله على إرادة بيان اجتزاء السامع للأذان إذا أتم ما نقصه المؤذن كي يتلفق مجموع
الأذان من السماع والقول، فيكون حينئذ مساقة لبيان ذلك، وهذا متصور في المؤذن
المؤمن إذا نقص عمدا لتقية أو سهوا، بل فيه وفي المخالف في خصوص أذان الاعلام
منه بناء على عدم اشتراط الايمان فيه، فلا ينافي تلك الأدلة، وحمله على إرادة ما يشمل
المخالف مطلقا، ويكون عدم الاعتداد بأذانه لأنه ناقص، فإذا تمم ارتفع المانع قد
عرفت ما فيه سابقا، وأنه مخالف لظاهر أدلة الاشتراط، وأما بالنسبة إلى عبارات
الأصحاب فاعلم أنهم في ذكر هذا الحكم على أقسام ثلاثة، فمنهم من ذكره في سياق
استحباب الحكاية، وقد ذكرنا هناك أنه لا دليل على اختصاص استحباب ذلك للحاكي
لكن عليه لا منافاة بينه وبين ما ذكروه من اشتراط الايمان، ومنهم من ذكره في سياق

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأذان والإقامة والباب 33 من أبواب
صلاة الجماعة - الحديث 2 و 8
146

هذه المسألة، ولا بد من حمله على إرادة كونه مستحبا برأسه، لتصريحهم فيها بعدم
الاعتداد بأذان المخالف، ولعل دليل الاستحباب المزبور ما سمعته من مرسل الشيخ،
ومنهم من ذكرها مستقلة لا في سياق إحدى المسألتين، والأولى إرادتهم ذلك أيضا،
وعلى كل حال فالأمر سهل بعد تنقيح الأدلة وعدم الاشكال فيها، هذا.
وقد ترك المصنف التعرض لاستحباب الأذان وحده أو مع الإقامة في غير الصلاة
مع أن الصدوق (رحمه الله) أرسل (1) عن الصادق (ع) أنه قال: (إذا
تولعت بكم الغول فأذنوا) وفي خبر جابر الجعفي المروي (2) عن محاسن البرقي عن
محمد بن علي (ع) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا تغولت
بكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة) وعن دعائم الاسلام روايته عن علي (ع) (3)
ورواه في الذكرى عن الجعفريات عن النبي (صلى الله عليه وآله) (4) قال: ورواه
العامة (5) وفسره الهروي بأن العرب تقول بأن الغيلان في الفلوات تراءى للناس تتغول
تغولا أي تلون تلونا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم، وروي في الحديث (لا غول)
وفيه إبطال لكلام العرب، فيمكن أن يكون الأذان لدفع الخيال الذي يحصل في الفلوات
وإن لم يكن له حقيقة، قلت: لكن في لحدائق عن النهاية الأثيرية أن الغول لا تستطيع
أن تضل أحدا، ويشهد له الحديث (لا غول ولكن السعالى سحرة الجن)
أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، ومنه الحديث (إذا) إلى آخره أي
ادفعوا شرها بذكر الله تعالى، وعلى كل حال فلا إشكال في استحباب الأذان في الحال

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 1 - 4
(3) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 2
(4) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4 - 2
(5) نهاية ابن الأثير مادة (غول)
147

المزبور، وإليه أشار العلامة الطباطبائي بقوله:
وسن في تغول الغيلان * بالموحشات الجهر بالأذان
ويستحب الأذان في أذن المولود اليمنى، والإقامة في اليسرى كما أرسله
الصدوق (1) عن الصادق (ع) قال: (المولود إذا ولد يؤذن في أذنه اليمنى
ويقام في اليسرى) وأشار إليه في المنظومة بقوله:
واستفتح المولود بالأذان * يعصم من طوارق الشيطان
أذن بيمناه وباليسرى أقم * كي يقرع الأذنين طيب الكلم
وكذا يستحب في أذن من ساء خلقه لما أرسله الصدوق أيضا (2) عن الصادق
(ع) (من لم يأكل اللحم أربعين يوما فقد ساء خلقه، ومن ساء خلقه فأذنوا
في أذنه) قيل ومثله رواه في الكافي عن هشام بن سالم (3) في الصحيح أو الحسن،
وينبغي أن يكون اليمنى، لخبر أبان الواسطي (4) عن الصادق (ع) (إن
لكل شئ قوتا وقوت الرجال اللحم، ومن تركه أربعين يوما فقد ساء خلقه، ومن
ساء خلقه فأذنوا في أذنه اليمنى) وظاهر هذه الأخبار أن المدار على سوء الخلق مطلقا
بل في خبر حفص (5) عن الصادق عن آبائه عن علي (ع) قال: (كلوا
اللحم فإن اللحم من اللحم، ومن لم يأكل أربعين يوما ساء خلقه، ومتى ساء

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 12 من أبواب الأطعمة المباحة - الحديث 1 من كتاب
الأطعمة والأشربة
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الأطعمة المباحة - الحديث 7 رواه في
الوسائل عن أبان عن الواسطي وفيه (لكل شئ قرما وإن قرم) الخ
(5) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الأطعمة المباحة - الحديث 8 رواه في
الوسائل عن أبي حفص الأبار
148

خلق أحد من إنسان أو دابة فأذنوا في أذنه الأذان) ولقد أجاد العلامة الطباطبائي
في الإشارة إلى ذلك بقوله:
وقرما لأربعين يوما * أيقظ به فقد أطال نوما
قد ساء خلقا حين خف إربه * ومن يسوء خلقا فهذا أدبه
قيل وكذا يستحب في البيت لخبر سليمان بن جعفر الحميري (1) قال: (سمعته
يقول: أذن في بيتك فإنه يطرد الشيطان، ويستحب من أجل الصبيان) قلت: لكن
قد عرفت سابقا أنه يمكن إرادة الأذان الموظف لا أنه أذان مخصوص لذلك، لأصالة
عدم التعدد، اللهم إلا أن يكون منشأه قاعدة التسامح، وقاعدة عدم حمل المطلق على
المقيد، والأمر سهل، وفي الذكرى أن منها الأذان المقدم على الصبح، قلت: قد
عرفت تحقيق البحث فيه بما لا مزيد عليه، هذا. وقد شاع في زماننا الأذان والإقامة
خلف المسافر حتى استعمله علماء العصر فعلا وتقريرا، إلا أني لم أجد به خبرا، ولا
من ذكره من الأصحاب، والله أعلم.
(الركن الثاني)
(في أفعال) مجموعها يسمى ب‍ (الصلاة، وهي واجبة) لا يجوز تركها
(ومسنونة) يجوز ترك الفرد الذي قد اشتمل عليها إلى الفاقد، بناء على عدم تصور
الندب في أجزاء الواجب كما تسمع تحقيقه في المباحث الآتية إن شاء الله (فالواجبات
ثمانية) أو عشرة بإضافة الترتيب والموالاة إلى الأفعال والأقوال.

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 رواه في
الوسائل عن سليمان الجعفري ولعله الصحيح
149

(الأول النية)
بناء على أنها جزء كما في الذكرى وعن الموجز، بل هو ظاهر المتن، وإن أمكن
إرادته من الركن خصوص المبطل عمدا وسهوا كما وقع ذلك ممن قال بشرطيتها، كما أن
المراد بالفعل الأعم من الجزء، وخصت من بين الشرائط بأمثال هذه التجوزات
لمقارنتها للجزء وشدة اتصالها بالفعل حتى صارت كالجزء منه، إلا أنه لا ريب في كونه
خلاف الظاهر وإن كان هو الموافق لصدق اسم الصلاة بدونها حتى على القول بالحقيقة
الشرعية وإن اسم العبادة لخصوص الصحيح منها، لأن الظاهر جريان الشارع في كيفية
الوضع على حسب باقي الأوضاع، ولم يعهد في شئ منها أخذ القصد في صدق أسماء
الأفعال، ولأن عنوان الحقيقة الشرعية المتشرعية والذي في أيديهم معاملة نية الصلاة
كمعاملة القصد في غيرها، فيقال: نويت الصلاة وما نواها وهي منوية أو غير منوية
ونحو ذلك مما هو كالصريح في خروجها عنها، وأنها نحو نية الضرب والأكل وغيرهما،
بل قيل: إن قولهم (ع) (1): (لا عمل إلا بنية) ظاهر في أن العمل
غير نيته، خصوصا بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ العمل، وبعد تعارف هذا
التركيب في إرادة نفي الصحة مثلا منه لا الحقيقة، وإن كان قد يناقش بأن المغايرة
حاصلة بين الجزء والكل، وبأن صدق اسم العمل على الفاقد لا يقتضي صدق اسم الصلاة
ونحوها، وهو محل البحث، فلا دلالة في صدقه على الفاقد على الخروج عن الصلاة.
كما أنه لا ينبغي الاستدلال عليه بالأصل، لعدم جريانه في أجزاء الموضع أو
المراد، وبقوله (ع): (أولها التكبير) إذ هو بعد تسليم كون الخبر
بلفظ الأول لا التحريم لا ينافي دخولها أيضا باعتبار مقارنتها للتكبير تقارن معية لا سبق

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 1 و 2 و 3
150

ولحوق، على أنه يمكن كون المراد أول الأفعال الظاهرة لا ما يشمل القلبي، وبأنها
لو كانت جزءا لا فتقرب إلى نية أخرى ويتسلسل، ليمنع الملازمة أولا والتسلسل
ثانيا، وبأنها تتعلق بالصلاة، فلو كانت جزءا لتعلق الشئ بنفسه، إذ تعلقها بباقي
أفعال الصلاة لا ينافي كونها جزء منها، إذ لا يقتضي التعلق إلا مغايرة المتعلق بالكسر
للمتعلق بالفتح، وهي حاصلة، ودعوى أن الثاني هو مسمى الصلاة رجوع إلى ما
استدللنا به أولا أو مصادرة، كالاستدلال بأن الشرط ما يقف عليه تأثير المؤثر أو صحة
الفعل، وكلاهما صادق على النية.
ومن الغريب اعتماده في الذكرى في دعوى الجزئية على أنها مقارنة للتكبير الذي
هو جزء وركن، فتكون جزءا خصوصا عند من أوجب بسطها عليه أو خطورها من
أوله إلى آخره، وعلى أن قوله تعالى (1): (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له
الدين) مشعر باعتبار العبادة حال الاخلاص، وهو المراد بالنية، ولا نعني بالجزء إلا
ما كان منتظما مع الشئ بحيث يشمل الكل حقيقة واحدة، وفيه أن اعتبار المقارنة
على سائر التقادير لا يقتضي ذلك قطعا، إذ المراد بالجزء ما توقف صدق اسم الكل
عليه بخلاف الشرط، ونفي الصحيحي اسم الصلاة عن فاقدة الطهارة والستر لفقد الاشتراط
الداخل في الموضوع له وإن خرج فعل الوضوء الذي هو مقدمته وشرطه، بل خرج
الأثر الحاصل منه المقدم على الصلاة والمقارن لها، نعم المقارنة داخلة في ماهيتها لا
المقارن بالفتح الذي هو الطهارة التي هي أثر فعل الوضوء، وبعبارة أخرى الاتصاف
داخل والوصف خارج، وعلى كل حال فالمقارنة المزبورة لا تقتضي الجزئية المذكورة
قطعا، ضرورة أنه لا مانع من كون اسم الصلاة لهذه الأفعال دون ما قارنها.
ودعوى أن الشرط ما تقدم على الماهية كالطهارة والستر، والجزء ما تلتئم منه

(1) سورة البينة - الآية 4
151

كالركوع والسجود أو ما اشتمل عليه الماهية من الأمور الوجودية المتلاحقة، فلا ينتقض
بترك الكلام ونحوه مما هو أمر عدمي لا تلاحق فيه، أو أن الشرط ما يساوق جميع
أفعال الصلاة كالطهارة والاستقبال، بخلاف الجزء كالركوع ونحوه، والنية ليست متقدمة
ولا مساوقة لجميع أفعال الصلاة، بل هي مما تلتئم منه الماهية ومن الأمور الوجودية
المتلاحقة واضحة المصادرة أو المنع أو مما لا يفيد المطلوب، لأنه اصطلاح ولا مشاحة
فيه، كوضوح عدم دلالة إشعار الآية باعتبار العبادة حال الاخلاص على دخول
الاخلاص في العبادة على وجه الجزئية، بل ربما أشعر بخروج الحال عنها.
وقد ظهر لك من ذلك كله أن القول بكونها شرطا أقوى وفاقا للمعتبر والمدارك
والمنظومة والمحكي عن كشف الرموز والمنتهى والروض وغيرها، بل والجعفرية والمقاصد
العلية وإن قال في الأولى: (إن شبهها بالشرط أكثر) والثانية (إنها بالشرط أشبه)
واستشكل فيهما في التذكرة كظاهر المحكي عن جماعة من ذكر القولين بلا ترجيح، وفي
جامع المقاصد (إن الذي يختلج في خاطري أن خاصة الشرط والجزء معاقد اجتمعا في
النية، فإن تقدمها على جميع الأفعال حتى التكبير الذي هو أول الصلاة يلحقها بالشروط
ولا يقدح في ذلك مقارنتها له أو لشئ منه، لأنها تتقدمه وتقارنه، وهكذا يكون
الشرط، واعتبار ما يعتبر في الصلاة فيها بخلاف باقي الشروط إن تحقق ذلك يلحقها
بالأجزاء، وحينئذ فلا تكون على نهج الشروط والأجزاء بل تكون مترددة بين
الأمرين وإن كان شبهها بالشروط أكثر) ويقرب منه ما في المسالك.
وفيه أنه لا يعقل التردد بين الجزء والشرط، نعم قد يكون الشئ جزءا لشئ
وهو شرط كالقيام في الصلاة حال القراءة، لا أن الشئ الواحد متردد بين الجزئية
والشرطية، اللهم إلا أن يكون مراده التردد باعتبار تعارض الأمارات والخواص عليه
152

وفيه حينئذ أنه لا تعارض موجب لذلك كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا،
خصوصا ما ذكره أخيرا مما يقتضي الجزئية من اعتبار ما يعتبر في الصلاة فيها، إذ هو
واضح المنع على تقدير عدم الجزئية، ضرورة ظهور ما دل على اعتبارها في الصلاة،
فمع فرض خروجها عنها تحتاج إلى دليل بالخصوص، وليس قطعا، بل لم أعرف أحدا
اعتبرها فيها وإن كانت شرطا.
نعم في الذكرى - بعد أن ذكر أن هذه المسألة لا جدوى لها إلا فيما ندر، كالنذر
لمن يصلي في وقت كذا أو ابتداء الصلاة في وقت كذا، فإن جعلناها جزءا استحق
وبر، وإلا فلا ثمرة لها في الغالب، للاتفاق على بطلان الصلاة بفواتها ولو نسيانا سواء
جعلناها شرطا أو جزء - قال: (وأما ما يتخيل من أن القول بالشرطية يستلزم جواز
إيقاعها قاعدا وغير مستقبل، بل وغير متطهر ولا مستور العورة فليس بسديد، إذ
المقارنة المعتبرة للجزء تنفي هذه الاحتمالات ولو جعلناها شرطا) وهو كالصريح في أن
اعتبار ذلك على تقدير الشرطية لما يقارنها لا لها وإن كان قد يناقش فيه بأنه مع فرض
سبقها على التكبير وأنها عبارة عن تصور ما ستعرفه مما يحتاج إلى امتداد زمان يتصور
حينئذ الثمرة المزبورة، نعم بناء على كون المعتبر مقارنة المعية يتجه ما ذكره، لكن قد
سمعت التصريح منه ومن غيره بأن مقارنتها على وجهين سبق ومعية، وفي جامع المقاصد
عن بعض المتأخرين أن فائدة القولين تظهر فيمن سها عن فعل النية بعد التكبير ففعلها
ثم تذكر فعلها سابقة بطلت على الثاني خاصة لزيادة الركن، قال: (وظني أن هذا ليس
بشئ، لأن استحضار النية في مجموع الصلاة هو المعتبر لولا المشقة، ولأن الاكتفاء
بالاستدامة ارفاقا بالمكلف، فلا يكون استحضارها في أثناء الصلاة عمدا وسهوا منافيا
بوجه من الوجوه، فإن قيل: إن القصد إلى استينافها يقتضي بطلان الأولى قلنا هذا
لا يختص بكونها ركنا) قلت: قد يفرق بينهما في الفرض، بل قد يفرق بينهما في صورة
153

العمد أيضا لا بقصد الاستيناف، فتأمل جيدا.
(
و) على كل حال ف‍ (هي ركن في الصلاة) إجماعا منا محصلا ومنقولا مستفيضا
أو متواترا، بل من العلماء كافة في المحكي عن المنتهى والتذكرة، بل عن التنقيح (لم
يقل أحد بأنها ليست بركن) ولكن بمعنى أنه (لو أخل بها عامدا أو ناسيا لم تنعقد
صلاته) فلا ينافي الخلاف حينئذ في الجزئية والشرطية، كما أنه لا تعرض فيه لزيادتها
إما لعدم تصورها أو عدم ثبوت قدحها، لأن الثابت من الاجماع ما عرفت، كما أنه
هو مقتضى قولهم (ع): (لا عمل إلا بنية) ونحوه.
(و) أما (حقيقتها) فعند المصنف (استحضار صفة الصلاة في الذهن والقصد
بها إلى أمور أربعة: الوجوب أو الندب والقربة والتعيين وكونها أداءا أو قضاء) وفيه
من القصور والاجمال والفساد ما لا يخفى، إذ قد عرفت في بحث الوضوء من كتاب
الطهارة أنه لا حقيقة شرعية للنية، للأصل، ولأن عنوانها الحقيقة المتشرعية، وهو
مفقود، ضرورة كون المراد بالمتشرعة المتدينين بدين محمد (صلى الله عليه وآله) ومن
المعلوم عدم كون النية عندهم كلفظ الصلاة والزكاة والحج، وشيوع التعبير في لسان
العلماء منهم بأن النية معتبرة في العبادة دون المعاملة لا يقضي بالحقيقة المتشرعية فضلا
عن الشرعية، لأعمية الاستعمال منها، ووضوح القرينة على إرادة نية القربة والاخلاص
فمن الغريب دعوى بعض فحول متأخري المتأخرين ذلك فيها مستشهدا له بما سمعت،
وبما وقع من المصنف وبعض من تأخر عنه في تعريفها وكيفيتها، مع أن القدماء من
الأصحاب تركوا التعرض لها واكتفوا بذكر اعتبار الاخلاص في العبادة عنها،
وكذلك النصوص البيانية للصلاة (1) والوضوء (2) وغيرهما من العبادات، وما هو

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الوضوء من كتاب الطهارة
154

إلا لأن النية فيها كالنية في غيرها من أفعال العقلاء، وقولهم (ع) (1):
(إنما الأعمال بالنيات ولكل أمري ما نوى) إن لم يكن فيه دلالة على ما قلناه من
صدق النية على القصد الخالي عن الاخلاص فلا دلالة فيه على خلافه كما هو واضح.
نعم يعتبر الاخلاص في العبادة الذي هو عبارة عن وقوع الفعل بقصد الامتثال
للسيد المنعم باعتبار ما قام في النفس ودعاها إلى الفعل من الألطاف ورجاء الثواب ودفع
العقاب، وهو أمر آخر خارج عن النية التي هي بمعنى القصد للفعل الذي لو كلف الله
بالفعل بدونه لكان كالتكليف بما لا يطاق، ضرورة خروج صدور الفعل مع الغفلة عن
القدرة، ولذا قبح تكليف الغافل ونحوه، أما هو ففي غاية الصعوبة في بعض العبادات،
لاحتياجه إلى الرياضة التامة القالعة للقوى النفسانية وآثارها من حيث الشهرة والرئاسة
وغيرهما من الآفات المهلكة والأمراض القاتلة، نسأل الله العافية منها، وإلا فوجوب
القصد المزبور الذي يخرج به الفعل عن كونه فعل غافل ضروري في المعاملة، فضلا
عن العبادة التي من مقوماتها تعلق الأمر بها، والاجتزاء ببعض الأفعال من الغافلين
- كحفر القبر ونقل الميت ونحوهما الدليل الخاص الظاهر في أن المراد وجودها في الخارج
كيفما كان وإن لم يعد مثله امتثالا وطاعة - غير قادح في قاعدة اعتبار القصد في كل فعل
تعلق به حكم شرعي بناء على ثبوتها وإن كان إقعادها في سائر الأفعال التي منها حيازة
المباحات وتفرق المجلس في الصرف لا يخلو من نظر، أما العبادات فلا إشكال في اعتبار
القصد فيها، لعدم صدق الامتثال والطاعة بدونه، واعتبارهما في كل أمر صدر من
الشارع معلوم بالعقل والنقل كتابا وسنة بل ضرورة من الدين، بل لا يصدقان إلا
بالاتيان بالفعل بقصد امتثال الأمر فضلا عن مطلق القصد، ضرورة عدم تشخص
الأفعال بالنسبة إلى ذلك عرفا إلا بالنية، فالخالي منها عن قصد الامتثال والطاعة

(1) الوسائل - الباب - 5 من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 10
155

لا ينصرف إلى ما تعلق به الأمر، إذ الأمر والعبثية فضلا عن غيرها على حد سواء
بالنسبة إليه، ومن هنا إذا كان الأمر متعددا توقف صدق الامتثال على قصد التعيين،
لعدم انصراف الفعل بدونه إلى أحدهما، واحتمال الاجتزاء بالاتيان بالفعل بقصد
امتثال كلي الأمر فيكون كالأمر المتحد بمأمور به متعدد يدفعه أن العقل والنقل قد
تطابقا على وجوب امتثال كل أمر أمر للشارع بخصوصه، ولا ريب في عدم صدق
امتثال خصوص كل منهما في الفرض، لما عرفت من عدم انصراف الفعل بدون النية،
ولذا لم يحكم به لأحدهما بالخصوص فيما لو أوقع الفعل مرة واحدة لا ظاهرا ولا واقعا،
نعم لو فهم من الأدلة عدم إرادة الخصوصية من التعدد، وأنه كالأمر المتحد بتكرار
الفعل لم يحتج في الامتثال حينئذ إلى أزيد من قصد الفعل بعنوان الامتثال.
فاتضح من ذلك كله أن المدار على صدق الامتثال من غير فرق بين تعدد الأمر
واتحاده سوى أنه يتوقف في الأول على تعيين الأمر بخلاف الثاني الذي اتحاده مع قصد
امتثاله يكفي في تعيينه، نعم قيل: الظاهر عدم كفاية الاتحاد واقعا فيه مع التعدد بزعم
المكلف جهلا أو نسيانا أو عصيانا، لعدم صدق الامتثال عرفا لو أوقعه مرددا أو
بعنوان ما زعمه من الأمر، وتسمعه تحقيق الحال فيه إن شاء الله عن قريب.
وعلى كل حال فلا إشكال في اعتبار قصد الامتثال والتعيين على الوجه الذي
ذكرناه، والظاهر أن الأول هو مراد الأصحاب بنية القربة التي لا خلاف معتد به في
وجوبها، ولذا حكي الاجماع عليها في صريح المدارك والمحكي عن الايضاح وظاهر التذكرة
والمنتهى، بل اعتمادا على ضروريته ترك ذكرها في الخلاف والمبسوط كما قيل، فما عن
ابن الجنيد من الاستحباب - مع أنه غير ثابت - غير معتد به، لكثرة موافقته للعامة
كما أن ما في انتصار المرتضى - من صحة الصلاة المقصود بها الرياء وإن لم يكن عليها
ثواب - يمكن أن لا يكون خلافا في ذلك، وأن مراده عدم قدح ضم الرياء إليها في
156

الصحة الموجبة للإعادة ضما لا ينافي نية التقرب معه وإن كان ما تسمعه مما ذكر دليلا له
ينافي ذلك، بل مطلق الاخلاص واجب في نفسه شرط لحصول الثواب لا للصحة،
إذ الشرطية حكم آخر محتاج إلى دليل غير اعتبار الاخلاص في نفسه، على أنه إن أراد
غير ما ذكرنا من صحة الصلاة بقصد الرياء مع الخلو عن قصد الامتثال كان خلافه غير
معتد به أيضا، لما عرفت من توقف الصدق عليه، وتوقف الصحة على الصدق المزبور
والمقدمتان معلومتان، فالنتيجة كذلك.
أما القربة بمعنى القرب الروحاني الذي هو شبيه بالقرب المكاني فهو من غايات
قصد الامتثال المزبور ودواعيه، ولا يجب نية ذلك وقصده قطعا، للأصل وإطلاق
الأدلة، ودعوى الاجماع عليه ممنوعة، سيما بعد تفسير جملة منهم القربة بما ذكرنا، فما
يظهر من بعض العبارات من وجوبه بالخصوص كعبارة الغنية وغيرها واضح الفساد،
بل إن نواه مع عدم قصد الامتثال يقوى البطلان كما ذكرنا ذلك مفصلا، ولعل ذلك
هو المراد بالداعي في قولهم: إن النية هو الداعي مقابل القول بالاخطار، لا أن المراد به
ما هو المنساق إلى الذهن من العلة الغائية، وإن كان قد يجزي خطور الداعي بهذا المعنى
عن النية لا لأنه من الأمور المترتبة عليه، فيكون قصده قصده، ضرورة عدم استلزام
نية المترتب على شئ نية ذلك الشئ، وإلا لا كتفي بقصد رفع الحدث في الوضوء مثلا
عن نية قصد الامتثال، بل غير ذلك من الأمور التي رتبها الشارع على صحة عبادة،
بل كان يجتزى في المعاملات بقصد آثارها المترتبة عليها عن قصدها، وهو معلوم البطلان
ولا لأنه من اللوازم، ضرورة لزوم قصد الامتثال حصوله لا قصده لقصد الامتثال،
فإن الجاهل مثلا قد يتخيل ترتب الآثار على الأفعال من دون قصد الامتثال، وأنها
من قبيل الأسباب والمسببات التي ليست بعبادة، بل لأن الغالب ممن كان الداعي في
نفسه الذي هو العلة الغائية وكان عالما عاقلا غير غافل ولا عاص أن يكون قاصدا
157

لذي الغاية، إلا أن ذلك لما كان ليس من الأمور المنضبطة لعامة المكلفين - وقد
عرفت عدم اللزوم العقلي فيه، وشدة الاحتياط في العبادة، مضافا إلى أن الغالب حصول
الداعي في أنفس المكلفين لكلي العبادة، فلا يكفي عن خصوص العبادة - لم يطلق
الأصحاب الاجتزاء به، بل أناطوا الحكم بحصول قصد الامتثال بالعبادة المخصوصة
حال إرادة فعلها، سواء حصل بملاحظته أو بغيره بأن استحضر ذلك حالها.
فمن الغريب تبجح بعض متأخري المتأخرين في المقام بذلك حتى أنه أساء
الأدب، وظن أنه قد جاء بما فيه العجب، وأنه قد تنبه لما قد غفلوا عنه، وكل ذلك
ناش من بعض الملكات الردية المفسدة للعمل بفساد النية، نسأل الله العافية عنها، نعم
ستسمع ما في القول بالاخطار وعدم الاجتزاء بالداعي بالمعنى الذي ذكرناه، وأنهم
مطالبون بدليله.
وأما الثاني أي التعيين فقد عرفت ما يدل عليه، مضافا إلى عدم معروفية الخلاف
فيه، بل نفاه عنه في المحكي عن المنتهى، بل في التذكرة والمدارك الاجماع عليه، لكن
عن الكفاية أنه المشهور وأنه قريب، وفيه إشعار بوجود المخالف بل بالتأمل فيه،
إلا أنه لم نتحققه، كما أنا لم نجد وجها للتأمل فيه بعد ما عرفت، بل لعل لذلك أوجب
الأصحاب من غير خلاف معتد به يعرف بينهم التعرض للأسباب في ذواتها من
النوافل، ضرورة اشتراكها بينها وبين غيرها مما ليست بذات سبب، مضافا إلى
اشتراكها بينها ونحوها الموقتة لا بد من تعيينها بالإضافة إلى الوقت ونحوه، ضرورة
عدم اقتضاء، التوقيت نفي مشروعية غيرها كي يكتفى بقصد وقوع الصلاة فيه عن ذلك،
بل أقصاه عدم صحتها في غيره، وهو لا ينفي الاشتراك المحتاج إلى التعيين، فما عن
التذكرة - من أن غير المقيدة يعني بسبب وإن تقيدت بوقت كصلاة الليل وسائر النوافل
يكفي نية الفعل عن القيد، ونحوه ما تسمعه في كشف اللثام - في غير محله، بل وكذا،
158

استشكاله في المحكي من نهايته إن أراد به ما يشمل ذلك، قال: (أما النوافل فأما
مطلقة يعني من السبب والوقت، ويكفي فيها نية فعل الصلاة لأنها أدنى درجات الصلاة
فإذا قصد الصلاة وجب أن تحصل له، ولا بد من التعرض للنفلية على إشكال ينشأ من
الأصالة والشركة، ولا يشترط التعرض لخاصتها، وهي الاطلاق و الانفكاك عن الأسباب
والأوقات، وإما معلقة بوقت أو سبب، والأقرب اشتراط نية الصلاة والتعيين والنفل
فينوي صلاة الاستسقاء والعيد المندوب وصلاة الليل وراتبة الظهر على إشكال) وقد
يكون إشكاله راجعا إلى نية النفل الذي مرجعه إلى نية الوجه، فيكون في محله، بل
ستعرف أن الأقوى عدم وجوبها، ولعله لذا قد استوجه العدم كاشف اللثام في إشكاله
الأول، ضرورة كون الحال كما استوجهه من حيث نية الوجه لا من حيث نية التعيين
مع فرض الاحتياج إليه له، كما لو كان عليه غير النفل، فإن دعوى الاجتزاء حينئذ بنية
الصلاة أيضا لأصالة النفل كما ترى.
نعم يمكن الاعتماد على نحو هذا الأصل في عدم وجوب التعرض للاطلاق في
المطلقة، إذ الظاهر عدم كون الاطلاق قيدا لها كي يتعرض له كباقي الأسباب، وإلا
فلا تشرع، بل يكفي في مشروعيتها وتحقق كونها مطلقة عدم التعرض للسبب، نعم
قال في كشف اللثام: لكن إذا أراد فعل ماله كيفية مخصوصة كصلاة الحبوة وصلوات
الأئمة (ع) عينها، مع أنه يمكن أن لا يكون ذلك مما نحن فيه من التعيين
لتمييز المشترك، بل هومن تصور العمل في نفسه حتى يكون منويا له مقصودا، وبل لو
قلنا بأن هذه الهيئات المخصوصة من كيفيات النافلة المطلقة أمكن حينئذ عدم وجوب
التعرض لنيتها، وكان يجزي فعلها في أثناء ما قصد به مطلق النافلة، ضرورة كون
الكيفية المخصوصة أحد أفراد المخير، فلا يحتاج إلى نية، بل يجزي عنه نية الكلي،
فتأمل جيدا، فلا يتم حينئذ استثناؤه المزبور، كما أن قوله - بعد ذلك: (الأقرب
159

عندي اشتراط التعيين بالسبب في بعض ذوات الأسباب كصلاة الطواف والزيارة
والشكر، دون بعض كالحاجة والاستخارة، ودون ذوات الأوقات إلا أن يكون لها
هيئات مخصوصة كصلاة العيد والغدير والمبعث، فيضيفها إليها لتتعين، ولا يشترط
التعرض للنفل إلا إذا أضافها إلى الوقت وللوقت فرض ونفل فلا بد إما من التعرض
له أو العدد ليتميز، فينوي الحاضر في الظهر مثلا أصلي ركعتين قربة إلى الله تعالى،
وفي الفجر أصلي نافلة الفجر) - غير تام أيضا، ضرورة عدم الفرق في الأسباب كما
عرفت، ودعوى الاكتفاء في صلاة الحاجة والاستخارة بطلبهما في أثناء النافلة المطلقة
يدفعها أن ذلك إخراج لهما عن السببية في الحقيقة، وهو خلاف ظاهر الأدلة، إذ من
الواضح استفادة التنويع منها، وأن صلاة الحاجة والاستخارة نوع مستقل عن النفل
المطلق كما هو واضح بأدنى تأمل، كوضوح احتياج التعيين لذوات الأوقات من غير
فرق بين أن يكون لها هيئات مخصوصة أولا، وبين إضافتها للوقت وكان له فرض
ونفل أولا، لما عرفته سابقا، وبالجملة لا إشكال في وجوب نية التعيين.
نعم قد يشتبه بعض أفراده كنية الوجه الذي هو الوجوب أو الندب عند كثير
من أساطين الأصحاب على ما حكي عن البعض، كالشيخ وبني زهرة وإدريس وفهد
وسعيد والفاضل والشهيدين والعليين وغيرهم ممن تقدم ذكره في الوضوء، إذ القول به هنا
أولى منه، ولذا قال به من لم يقل به هناك، بل قيل: إنه المشهور، بل قد يظهر من التذكرة
الاجماع عليه، بل عن الكتب الكلامية أن مذهب العدلية اشتراط استحقاق الثواب
على واجب أن يوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه، وظاهرهم الاجماع أو صريحهم، وقد
عرفت في الوضوء المراد بوجه الوجوب، بل ربما استظهر منهم وجوب نية الوجه وصفا
وغاية، كما عن الروض أنه المشهور وإن كنا لم نتحققه، وقد صرح بعضهم باعتبار
160

أحدهما خاصة وآخر باغناء الوصف عن الغائي، وثالث العكس.
وكيف كان فقد استدلوا على اعتبار الوجه بوجوه ذكرناها في الوضوء، وبينا
فسادها، لكن العمدة منها دعوى توقف التعيين على ذلك، قالوا: لأن جنس الفعل
لا يستلزم وجوهه إلا بالنية، فكلما أمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر
اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية، فينوي الظهر مثلا ليتميز عن بقية الصلوات، والفرض
ليتميز عن إيقاعها ندبا، كمن صلى منفردا ثم أدرك الجماعة، وبه فرق بعضهم بينها وبين
الوضوء باعتبار أنه لا يقع إلا على وجه واحد الوجوب مع اشتغال الذمة بواجب،
والندب مع عدمه، بخلافها، وفيه مع ما قد عرفت من أن نية التعيين تجب عند التعدد،
لتوقف صدق الامتثال عليها، وصلاة الظهر مثلا لا يمكن وقوعها من المكلف في وقت
واحد على وجهي الوجوب والندب، ليعتبر تمييز أحدهما عن الآخر، لأن من صلى
الفريضة ابتداء لا تكون صلاته إلا واجبة، ومن أعادها ثانيا لا تقع إلا مندوبة، على
أن مثل ذلك يجري في الوضوء باعتبار ملاحظة التجديدي أيضا، ولا ريب في عدم
توقف صدق الامتثال على شئ من هذه المشخصات، ضرورة الاكتفاء باتحاد الخطاب
مع قصد امتثاله عن ذلك، إذ هو متشخص بالوحدة مستغن بها عنها، وإلا لوجب
التعرض لغيرها من المشخصات الزمانية والمكانية وسائر المقارنات، إذ الكل على حد
سواء بالنسبة إلى ذلك، بل ليست صفة الوجوب إلا كتأكد الندب المندوب المعلوم
عدم وجوب نيته زيادة على أصل الندب.
ودعوى أن الوحدة الواقعية لا تكفي - إذ قد يعدد المكلف الخطاب جهلا منه
أو سهوا أو عمدا، وحينئذ مع عدم التعيين لا يعد أيضا ممتثلا عرفا، فمراد الأصحاب
إيجاب نية ذلك عليه لتحصل له الصلاة الصحيحة - يدفعها - مع أن نحوها تجري في
الوضوء، فلا ينبغي الفرق بينه وبين الصلاة ممن فرق بينهما - أنه لو كان المراد ذلك
161

ما احتاجوا في مثال الخطاب بها ندبا إلى صلاة الصبي كما في التذكرة، والإعادة للجماعة
كما فيها وفي غيرها، على أن صفة الوجوب لا تجدي في التعيين حينئذ في الفرض، إذ
قد يعدد الخطاب بها وجوبا أيضا جهلا أو نسيانا أو عصيانا، فلا ريب في عدم إرادة
وجوب نيتها دفعا لهذا التعدد، ولو سلم فهو خروج عن محل النزاع، إذ هو قول بوجوبها
حال التعدد خاصة وإن كان بزعم المكلف، مع أن ما ذكره من الفرض إنما يتصور في
خصوص الجاهل الذي يرجع إليه الناسي، أما العاصي فيكفي في بطلان صلاته حينئذ
عدم قصده امتثال الأمر المعلوم لديه، والجاهل إن كان إشكال في صلاته ففيما إذا نواها
مرددة، أو بقصد الأمر الثاني الذي زعمه، لعدم قصده امتثال الأمر المكلف به،
لكن قد يقال بالصحة في الصورة الأولى إذا كان قد قصد امتثال الأمر الذي تخيل
تعدده، لمكان قصده الصفة المشخصة له في الواقع، إذ الفرض عدم أمر آخر غيره،
وتخيله أنها غير مشخصة لا يرفع تشخيصها الواقعي، واستوضح ذلك بأمر السيد لعبده
بالاتيان بلحم مع تخيله تعدد الأمر وجاء بلحم بقصد امتثال الأمر، بل قد يتجشم
للصحة في الصورة الثانية أيضا، إذ هو وإن كان قد جاء بالفعل بقصد امتثال الأمر
الذي تخيله إلا أن ما شخصه به من صفة الندبية مثلا وقعت في غير محلها، فلا تفيده
تشخيصا، والفرض تحقق الطلب في الواقع، فينصرف الفعل إليه، وبالجملة هو أشبه شئ
بنية الندب في مقام الوجوب وبالعكس، وقد ذهب جمع من محققي مشائخنا إلى الصحة
معها تبعا للمحكي عن المصنف في بعض تحقيقاته، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في كلام الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك
وإن أطنب وتبعه عليه صهره في الرياض، فلا حظ وتأمل، كما أنه ظهر لك ضعف القول
بوجوب نية الوجه في المتحد خطابا، للتعيين، وأنه ليس من موارده، أما غيره من
الأدلة فقد أوضحنا فسادها في باب الوضوء حتى ما ذكره الأستاذ الأكبر من الاستدلال
162

عليه بقاعدة الشغل، ضرورة حصول الشك من الشهرة أو الاجماع كما عرفت على اعتبار
الوجه في الصحة، إما لدخوله في معنى النية أو المراد منها، وإما لاعتباره شرطا في
الصلاة، وعلى كل حال فهو شك في جزء الشرط أو الجزء على الخلاف في النية، أو شرط
الصلاة، فيجب الاتيان به تحصيلا لليقين بالفراغ، إذ هو - مع أنه غير تام على المختار
عندنا من عدم إجمال المراد بالنية، وعدم شرطية ما شك فيه - يدفعه أنه لا شك في
المقام بعد استنادهم إلى نحو ما عرفته هنا وفي الوضوء مما هو ظاهر في عدم دليل لهم
غير ذلك، وأنه اشتباه في محل وجوب نية التعيين، أو أن نية الوجه من جملة وجه
المأمور به الذي إن لم يأت المكلف به وجهه لم يمتثل، أو نحو ذلك، خصوصا بعد
ملاحظة ما سمعته من أدلة العدم التي ذكرناها في الوضوء.
وما في كتب أهل الكلام يمكن حمله على إرادة نية القربة لا خصوصية الوجوب
أو إرادة نية الخلاف، بل ربما حمل كلام من اعتبرها من الأصحاب على ذلك، وإن
كان الأقوى أيضا عدم الفساد بها إذا كان قد قصد الامتثال بالأمر من حيث كونه
أمرا وإن اعتقد مع ذلك خلاف وصفه من الوجوب والندب، بل لو شخصه بذلك أيضا
لم يبعد الامتثال، لأنه بعد أن كان متشخصا بوحدته لم يقدح فيه الغلط بتخيل مشخص
آخر خارجي له، ضرورة كونه كمن شخصه بزمان أو مكان ونحوهما من الأمور الخارجية
التي لا مدخلية لها في الامتثال، ولقد أجاد المصنف فيما حكي عنه من بعض تحقيقاته في
نية الوضوء، حيث أنه بعد أن استظهر عدم اشتراط نية الوجه في صحته قال في جملة
كلام له: (وما يقوله المتكلمون - من أن الإرادة تؤثر في حسن الفعل وقبحه، فإذا
نوى الوجوب والوضوء مندوب فقد قصد إيقاع الفعل على غير وجهه - كلام شعري،
ولو كان له حقيقة لكان الناوي مخطئا في نيته، ولم يكن النية مخرجة للوضوء عن التقرب)
إلا أنه ينبغي تقييده بما إذا لم يكن قد زعم التعدد وجعل النية مشخصة له بناء على
163

البطلان في مثله، فتأمل، أو على إرادة وجوب ذلك مع التعدد في الذمة.
كما يشهد له أن المنسوب إليهم أو أكثرهم في المقام عدم الفرق بين نية الوجه
والأداء أو القضاء، حتى أن المحررين للمسألة جعلوا ذلك كله مسألة واحدة، وحكوا
الشهرة وظاهر الاجماع عليها، بل في تذكرة الفاضل (وأما الأداء والقضاء فهو شرط
عندنا) بعد قوله: (وأما الندبية والفرضية فلا بد من التعرض لهما عندنا) وفي الخلاف
(يجب أن ينوي كونها ظهرا فريضة مؤداة على طريق الابتداء دون القضاء) بل لم
أجد أحدا صرح بوجوب نية الوجه دونهما، ولعله لاتحاد الدليل، لكن ظاهر الشيخ
والفاضل أو صريحهما أن وجوب نية القضاء، أو الأداء عند اشتغال الذمة بهما معا،
قال الأول: (واعتبرنا كونها حاضرة، لأنه يجوز أن يكون عليه ظهر فائتة فلا تتميز
إلا بالنية) وقال في التذكرة بعد ما سمعت من عبارته: (وهو أحد وجهي الشافعية، لأن
الفعل مشترك فلا يتخصص لأحدهما إلا بالنية، إذ القصد بها تمييز بعض الأفعال عن
بعض، والوجه الآخر أي لهم لا يشترط، لأنه لو صلى في يوم غيم بعد الوقت أجزأه
وإن لم ينو الفائتة، وكذا لو اعتقد فوات الوقت فنوى القضاء ثم بان الخلاف، ثم قال
ردا عليهم: والفرق ظاهر، فإنه ينوي صلاة وقت معينة وهو ظهر هذا اليوم فكيف
وقعت أجزأه سواء وقعت أداء أو قضاء، لأنه عين وقت وجوبها، وجرى مجرى من
نوى صلاة أمس، فإنه يجزيه عن القضاء، وإنما يتصور الخلاف فيمن عليه فائتة الظهر
إذا صلى وقت الظهر ينوي صلاة الظهر الفريضة، فإن هذه الصلاة لا تقع بحكم الوقت
عندنا وتقع عند المجوزين، وإذا كان نسي أنه صلى فصلى ثانيا ينوي صلاة الفريضة
فإنه لا يجزيه عن القضاء عندنا ويجزي عندهم) إلى آخره. وهو كالصريح في وجوب
نية ذلك مع التعدد، فلعلهم يريدون مثله في الوجوب والندب أيضا، وإلا أشكل عليهم
الفرق بين المقامين.
164

كما أنه يشكل عليهم ذلك بالنسبة إلى نية القصر والتمام التي لا أجد خلافا في عدم
اعتبارها مع عدم التعدد في الذمة والتخيير، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب
كما عن شرح النفلية الاتفاق عليه، بل في المحكي عن كشف الالتباس أن المشهور عدم
اعتبار ذلك في مواضع التخيير أيضا، كما أن في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب أيضا
بل في الرياض لا أجد فيه خلافا إلا من المحقق الثاني فأوجبه، واحتمله الشهيد في الذكرى
قلت: قد حكي الجزم به عنه في الدروس وموضع من البيان والموجز وجامع المقاصد
وتعليق النافع والجعفرية وشرحيها، كمن كان عليه قضاء قصرا وتماما.
لكن على كل حال لا ريب في أن الأكثر على عدم الاشتراط، والفرق بينهما
في غاية الاشكال حتى على القول بأن مراعاة التمييز للتعدد بزعم المكلف، إذ مثله جار
في المقام، نعم بناء على المختار عدم اشتراط ذلك حال عدم التخير والتعدد واضح،
إذ الاتحاد كاف، فإذا قصد الامتثال بصلاة الظهر مثلا أجزأه ذلك قطعا، بل قد يقال
به لو نوى الخلاف جهلا مثلا، لأنه قد قصد الامتثال بايقاع صلاة الظهر وهي في الواقع
التمام، فغلطه بوصفها بالقصر غير قادح، وليس هذا خلوا عن نية الركعتين الأخيرتين
مثلا، أو زيادة في المكلف به في العكس بعد أن كان قصده صلاة الظهر التي هي في
الواقع أحدهما، والقصرية والتمامية من الأحكام اللاحقة لها، بل هما عند التأمل الجيد
كالقنوتية مثلا في الصلاة وعدمها، وربما يومي إليه تمثيلهم بهما للتخيير بين الأقل
والأكثر وغير ذلك.
نعم ربما يتخيل هنا بعض الصور التي لا تخلو من إشكال، بل الفرض لا يخلو
عنه أيضا بناء على أن القصر والتمام ماهيتان مختلفتان، ضرورة كون المنوي حينئذ غير
المكلف به، فلا يجزي وإن اشترك الماهيتان بالركعتين مثلا، فتأمل جيدا حتى يظهر
لك الحال في الحكم في مقام التخيير، إذ على الأول يتجه أيضا عدم وجوب التعرض
165

في النية لهما، إذ هما حينئذ كباقي أحكام الفريضة الذي من المعلوم عدم وجوب التعرض
في النية له، بل يجزيه نية فريضة الظهر، وهو بالخيار في الاتيان بأحد فرديها، حتى لو
عزم على أحدهما من أول الأمر لم يلتزم به، وكان له اختيار الفرد الآخر، للأصل
السالم عن معارضة ما يدل على التزامه بما عزم عليه من أحدهما.
ومن هنا صرح غير واحد من الأصحاب ببقاء التخيير له في الأثناء كالابتداء
بل بذلك استدل بعضهم على عدم وجوب التعرض في النية، وإن كان قد يناقش فيه
بأن جواز العدول له عما نواه أعم من عدم وجوب التعرض في النية لذلك، إذ أقصاه أنه
كالعدول من الحاضرة إلى الفائتة، اللهم إلا أن يريد بقاء التخيير الأول، وأن تعيينه
أحدهما كعدمه لا يلتزم به ولا تتشخص الصلاة به لذلك، فليس هو عدولا، بل الحكم
الأول باق، ومن ذلك يعلم قاعدة، هي أن كل ما لا يتعين في العمل لا يتعين في النية،
وعلى كل حال فالمتجه بناء على ذلك عدم وجوب التعرض في النية وعدم الالتزام به
لو تعرض، بل ليس التعرض المزبور سوى أنه عزم منه على اختيار أحد الفردين
لا يلتزم به ولا يشخص ما وقع من أفعاله لما نواه.
أما بناء على أنهما ماهيتان مختلفتان فيمكن القول بوجوب التعيين، وأنه يتعين
عليه ما نواه، بل لا يخلو القول بالعدول لاستصحاب التخيير أو إطلاق دليله من إشكال،
وحينئذ فلو شك في العدد على وجه يمكن علاجه على تقدير اختيار الأربع جاز له حينئذ
البناء على التمام والعمل بما يقتضيه الشك، إذ احتمال البطلان - لأنه الأصل في الشك،
فليس له حينئذ اختيار التمام بعد حصول الشك كما هو الفرض - في غاية الضعف،
للأصل وغيره، نعم يمكن القول بتعين اختيار التمام عليه تجنبا عن إبطال العمل، ولأنه
كتعذر أحد فردي المخير عليه، فيتعين عليه الفرد الآخر، بل قد يقال ذلك فيما لو كان
من نيته القصر وشك، لما عرفت من عدم التعين بنيته عليه بحيث يكون عدولا منه
166

لو اختار التمام بعد ذلك، بل أقصاه أنه عزم منه على فعل أحد الفردين الذي هو القصر،
فمع فرض تعذره عليه بالشك المزبور تعين عليه الفرد الثاني، فتأمل جيدا فإنه دقيق،
ومنه يعلم بطلان الاستدلال على وجوب التعيين باختلاف الأحكام في الشك وغيره،
مضافا إلى أن مثله لا يقضي بالتعيين، إذ أقصاه البطلان في الفرض المزبور.
ومن ذلك كله ظهر لك ما في عبارة المصنف وما ضاهاها، بل قوله فيها: (إن
حقيقة النية استحضار) إلى آخره كما ترى، وكأنه به عرض الشهيد في الذكرى
بقوله: (إن من الأصحاب من جعل إحضار ذات الصلاة وصفاتها هي المقصودة،
والأمور الأربعة مشخصات للمقصود، أي يقصد الذات والصفات مع التعيين والأداء
والوجوب والقربة، وكانت نيته هكذا أصلي فرض الظهر بأن أوجد النية وتكبيرة
الاحرام مقارنة لها ثم أقرأ ويعدد أفعال الصلاة إلى آخرها، ثم يعيد أصلي فرض الظهر
على هذه الصفات أداء لوجوبه أو ندبه قربة إلى الله تعالى) ولقد أجاد في رده بأنه
وإن كان هذا مجزيا إلا أن الاعراض عنه من وجوه ثلاثة: أحدها أنه لم يعهد من
السلف، وثانيها أنه زيادة تكليف، والأصل عدمه، وثالثها أنه عند فراغه من التعداد
وشروعه في النية لا تبقى تلك الأعداد في التخيل مفصلة، فإن كان الغرض التفصيل
فقد فات، وإن اكتفي بالتصور الاجمالي فهو حاصل بصلاة الظهر، إذ مسماها تلك
الأفعال، على أن جميع ما عدده إنما يفيده التصور الاجمالي، إذ واجب كل واحد من
تلك الأفعال لم يتعرض له، مع أنها أجزاء، منها مادية أو صورية، واحتمال إرادة
المصنف من صفة الصلاة كونها ظهرا واجبة مؤداة يدفعه قوله: (والقصد إلى أمور
أربعة)) فتعين حمله على إرادة ما سمعت الذي فيه مضافا إلى ما عرفت أنه ليس هو
حقيقة النية، وإنما هو تشخيص المنوي. إذ النية أمر واحد بسيط، وهو القصد إلى
فعل الصلاة المخصوصة، والأمور المعتبرة فيها التي يجمعها اسم المميز إنما هي مميزات
167

المقصود، وهو المنوي لا أجزاء لنيته، بل القربة المفسرة عندهم بغاية الفعل المتعبد به
خارجة عنها أيضا.
نعم لما كانت النية عزما وإرادة متعلقة بمقصود معين اعتبر في تحققها إحضار
المقصود بالبال أولا بجميع مشخصاته كالصلاة مثلا، وكونها ظهرا واجبة مؤداة مثلا،
ثم يقصد إيقاع هذا المعلوم على وجه التقرب إلى الله تعالى، فلفظة أصلي مثلا هي النية،
إذ هي وإن كانت مقدمة لفظا فهي متأخرة معنى، لأن الاستحضار القلبي الفعلي يصير
المتقدم من اللفظ والمتأخر في مرتبة واحدة، قال في المسالك: (وقد أفصح عن هذا
المعنى أجود إفصاح الشهيد في دروسه وذكراه) قلت: قال في الأول: (لما كان
القصد مشروطا بعلم المقصود وجب إحضار ذات الصلاة وصفاتها الواجبة من التعيين
والأداء والقضاء والوجوب، ثم القصد إلى هذا المعلوم لوجوبه قربة إلى الله تعالى
مقارنا لأول التكبير) إلى آخره، وقال في الثاني: (النية قصد، ومتعلقه المقصود،
فلا بد من كونه معلوما، فيجب إحضار ذات الصلاة وصفاتها الواجبة من التعيين
والأداء والقضاء والوجوب للتقرب إلى الله تعالى، ثم يقصد إلى هذا المعلوم، وتحقيقه
أنه إذا أريد نية الظهر مثلا فالطريق إليها إحضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن،
فإذا حضر قصد المكلف إلى إيقاعه تقربا إلى الله تعالى وليس فيه ترتيب بحسب التصور
وإن وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه بالألفاظ، إذ من ضرورياتها ذلك، فلو
أن مكلفا أحضر في ذهنه الظهر الواجبة المؤداة ثم استحضر قصد فعلها تقربا إلى الله
وكبر كان ناويا، ولو جعل القربة مميزا كأن يستحضر الظهر الواجبة المؤداة المتقرب
بها ويكبر مع إرادة التقرب منه صحت منه النية، ولكنه يكفي إرادة التقرب منه
عن استحضاره أولا وعن جعله مشخصا رابعا، ولا يكفي تشخيصه عن جعله غاية،
168

قلت: فإذن الأولى الاقتصار على ذكره غاية مقترنا بلام التعليل كما سمعته من النظم
أولا لا مشخصا مع ذلك، إذ هو حينئذ كالعبث، ثم قال: (فإن قلت: بين لي
انطباق هذه العبارة على النية المعهودة، وهي أصلي فرض الظهر، إلى آخره، فإن مفهوم
هذه العبارة يقتضي أن قوله: (أصلي) بعد ذلك الاحضار، فيلزم تكرار النية أو نية
النية، وهما محالان، قلت: إذا عبر المكلف بهذه الألفاظ فقوله: (فرض الظهر)
إشارة إلى القرب والتعيين (وأداء) إلى الأداء، و (لوجوبه) إلى ما يقوله المتكلمون
من أنه ينبغي فعل الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه، وقوله: (قربة إلى الله) هي غاية
الفعل المتعبد به، وفي هذا إحضار الذات والصفات كما ذكر، فقوله: (أصلي) هو عبارة
عن القصد المتعلق بها، وهو وإن كان متقدما لفظا فإنه متأخر معنى، وفي قولنا:
(للتقرب إلى الله) إشارة إلى فائدة، هي أن الغاية ليست متعددة بل هي متحدة،
أعني التقرب إلى الله الذي هو غاية كل عبادة، وعلى ترتيب النية المعهودة بتلك الألفاظ
المخصوصة وانتصابها على المفعول له أو الاتيان فيها بلام التعليل يشكل إعرابه من حيث
عدم جواز تعدد المفعول لأجله إذا كان المغيا واحدا إلا بالواو، واعتذر عنه بعض
النحاة من الأصحاب بأن الوجوب مثلا في هذه النية غاية لما قبله، والتقرب غاية،
للوجوب، فيتعدد الغاية بسبب تعدد المغيا، فاستغنى عن الواو، وإذا صورت النية على
الوجه الذي ذكرناه لم يكن إلا غاية واحدة، ويزول ذلك الايراد من أصله، مع أنه
ليس له تعلق بالنية الشرعية، بل متعلق بالألفاظ التي لا مدخل لها في المقصود، فإن
أريد التعيين بنية تطابق ما ذكرناه ملفوظة فليقل: أصلي فرض الظهر الواجب المؤدى
أو المقضي قربة إلى الله، وهذه العبارة كافية في هذا المقام ونحوها من العبارات،
والغرض بها إيصال المعاني إلى فهم المكلفين كما قيل لا التلفظ بها) ونقلناه بطوله لما فيه
من كمال الافصاح بما عند المشهور من النية، وقد أنكر عليهم متأخر والمتأخرين ذلك،
169

بل عدوه من جملة الخرافات قائلين: إن النية هي الداعي لا هذا الاخطار الذي هو
حديث فكري ومثارة للوسواس في قلوب أكثر الناس، خصوصا بعد ما تسمعه من
الأقوال في اعتبار مقارنة النية للتكبير بخلافه على القول بالداعي، ولذا قال راجزهم:
ويلزم اقترانها بالداعي * والخطب سهل فيه ذو اتساع
ولا كذاك الأمر في الاخطار * فهو مع الضيق على أخطار
لكن ربما كان نوع غموض في المراد من الداعي في كلامهم، وربما انساق إلى
الذهن منه العلة الغائية، وكون النية عبارة عنها كما ترى، والظاهر أن مرادهم به الإرادة
المسماة بالباعث في لسان الحكماء المؤثرة في وجود الفعل من الفاعل المختار المنبعثة عن
تصور الغاية والاذعان بها، وكشف الحال أن القلب له معنيان: أحدهما اللحم الصنوبري
الذي في تجويفه دم أسود، والثاني لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بالقلب الجسماني، وهو
المدرك من الانسان والمكلف المخاطب، إذ به يمتاز الانسان عن سائر الحيوانات، بل هو
حقيقة الانسان بخلاف الأول المشترك بينه وبين غيره، ويطلق عليه بهذا المعنى العقل،
بل ربما أطلق عليه اسم الروح والنفس، كما أنه قد يطلقان على غيره، بل العقل أيضا
قد يطلق على غير المعنى المزبور، ثم إن للقلب جنودا، وذلك لأنه لما كان اكتساب
الكمالات الانسانية موقوفا على البدن فلا بد من حفظه بجلب ما يوافقه ودفع ما ينافيه،
فأنعم الله تعالى على القلب بجندين: باطن وهو الشهوة، وظاهر وهو آلتها، ولما توقف
الشهوة للشئ والنفرة عنه على معرفة ذلك أنعم الله عليه في المعرفة بجندين باطنيين أحدهما
الادراكات الخمس، ومنازلها الحواس الخمس الظاهرة، وثانيهما القوى الخمس، ومنازلها
تجويف الدماغ، فإذا علم الموافق اشتهاه وانبعث على جلبه، وإذا علم المنافر نفر عنه
وانبعث على دفعه، والباعث يسمى إرادة، وهي المعبر عنها عند الأصحاب بالداعي،
لأنها هي التي تدعو لوقوع الفعل ووجوده في الخارج، بل ربما كانت العلة التامة فيه باعتبار
170

أنها جزء أخير، والمحرك للأعضاء قدرة، فجميع جنود القلب ثلاثة: الإرادة والقدرة
والقوى الدراكة الظاهرة والباطنة، ولما اصطحبت في الانسان هذه الجنود اجتمعت فيه
أربعة أوصاف: سبعية تحمله على العداوة، وبهيمية تحمله على الشره والحرص، وربانية
تحمله على الاستبداد والانسلال من القيود السفلانية والاطلاق عن ربقة العبودية،
وشيطانية تحمله على المكر والخديعة، فمن تسخرت نفسه للصفة الربانية فحبل الله قصده،
والآخرة مستقره، والدنيا منزله، والبدن مركبه، واللسان ترجمانه، والأعضاء خدمه
والحواس جواسيسه، تؤدي ما تطلع عليه من المحسوسات إلى الخازن، وهو القوة
الخيالية، ثم يعرض الخازن ذلك على الملك أعني حقيقة الانسان، فتقتبس منه ما يحتاج
إليه في تدبير منزله ونيل السعادة في آخرته، ولتمام تحقيق هذه المطالب محل آخر.
إنما المراد بيان أن الداعي عبارة عن تلك الإرادة المؤثرة في وجود الفعل المنبعثة
عن تصور غاية الفعل، وبها يكون الفعل منويا، إلا أنه إذا كان عبادة اعتبر فيها كونها
منبعثة عن إرادة قصد الامتثال وما تصور له من الغايات وأذعن بها، ولا يتوقف ذلك
على خطور الغاية في الذهن عند الفعل، بل يكفي وجودها في الخزانة، بل لا يتوقف
على تصور الفعل حين الفعل، بل تصوره السابق مجز، بل تعيينه السابق حيث يكون
متعددا أيضا كاف نعم قد يحتاج إلى خصوص التعيين إذا فرض عدم انبعاث الإرادة
المؤثرة في وقوعه عن تصور غاية الفعل المعين، ولعل الحكم في النصوص يكون ما في يده
من الأفعال لما قام لها من الفريضة يومي إلى بعض ما ذكرناه على أحد الوجهين، إذ يمكن
أن يكون ذلك لانبعاث تلك الإرادة عن التعيين الذي حصل في الذهن ووقع القيام له
فظهر من ذلك أنه لا يتوقف في كون الفعل منويا مقصودا به الامتثال على أزيد من
مقارنته أول الفعل لتلك الإرادة المنبعثة عن ما عرفت، ولا يحتاج إلى خطور غيرها
فضلا عن الاستحضار الذي هو في الحقيقة علم بالخطور والتفات آخر للقلب إلى ما حصل
171

فيه من تلك الإرادة، كباقي المعاني التي تحصل للانسان من الفرح والهم والغم والجوع
والشبع ونحوها، فإن حصولها، شئ، والعلم بحصولها شئ آخر، ومن الواضح عدم
توقف حصولها على تصوره والالتفات إليه والعلم به، فحينئذ حصول القصد إلى الفعل
غير محتاج إلى الاستحضار المزبور والأخطار، إذ لا يكاد يخفى على ذي مسكة وقوع
الأفعال من الفاعلين على وجه يعدون به من المختارين غير الغافلين والساهين من دون
تصور القصد المتعلق بها وبلا التفات للنفس إلى ذلك، والعلم بوجود المكلف به واقعا
أو شرعا أمر آخر لا مدخلية له فيما نحن فيه، إذ يكفي فيه حصوله ولو بعد الفراغ من
الفعل فضلا عن حال النية، على أن ما ذكروه من الاخطار لو كان منشأه ذلك لوجب
في سائر أفعال الصلاة، ضرورة توقف الجميع على حصول العلم بالمكلف به، على أن
حصول القصد المقارن للفعل ضروري للنفس غير محتاج إلى التفاتها إليه، فهو كالوجع
غير محتاج العلم به إلى الأخطار المزبور.
والذي أظنه أن الأصحاب أجل من أن يخفى عليهم ذلك، وقد صرحوا بأن
النية أمر بسيط هو القصد إلى الفعل المعين، إلا أنهم لما أرادوا تصوير ذلك باللفظ لافهام
المكلفين ولم يكن ثم لفظ موضوع الدلالة مطابقة على نفس القصد المزبور احتاجوا في
بيانه إلى لفظ (أصلي) ونحوه مما معناه (أقصد) الذي هو زائد على نفس حصول
القصد، إذ هو كقولك: (أطلب الضرب) الذي يدل بالالتزام على النسبة الناقصة
التي هي حصول الطلب في النفس، ولعلهم يريدون من لفظ (أقصد) المعنى الانشائي
الذي عين تعلق القصد بالمقصود، فلا يكون زائدا على ما ذكرناه من الداعي، وقولهم:
(إخطار) و (استحضار) ونحوهما يراد به حيث يكون المكلف خاليا من التصور
السابق التي تكون الإرادة منبعثة عنه وكان الخطور موقوفا عليهما، أو نفس خطور
القصد المزبور بحيث لا يكون غافلا ولا ساهيا ولا موجدا للفعل بإرادة أخرى منبعثة
172

عن غرض آخر، لا أن مرادهم تصور خطور القصد الذي لا مدخلية له في وجوده
كما هو واضح.
ومن ذلك ونحوه ظن متأخروا المتأخرين من هذه الألفاظ في كلامهم اعتبارهم
هذا التصور في تحقق النية مع وضوح عدم توقف شئ من الأفعال على ذلك، على أنه
ربما كان الداعي إلى كثرة ما سمعته من الكلام وزيادة الايضاح شدة الاحتياط في العبادة
وشدة اعتبار النية فيها، وأنها في الأعمال بمنزلة الروح في البدن، مضافا إلى ما في بعض
النصوص (1) من بيان حكمة رفع اليدين بالتكبير بأن فيه إحضار النية وإقبال القلب
على ما قصد مما يشعر برجحان الأخطار المزبور، والله أعلم.
(و) كيف كان فمما ذكرنا ظهر لك أنه (لا عبرة باللفظ) في النية عندنا كما في
التذكرة، لما عرفت من أنها أمر قلبي لا مدخلية للألفاظ فيها، بل في المحكي عن
الخلاف وغيره عدم استحبابه أيضا، وفي التذكرة ما يشعر بدعوى الاجماع عليه للأصل
بل في البيان أن الأقرب كراهته، لأنه إحداث شرع وكلام بعد الإقامة، وربما نوقش
فيه بأنه يمكن استثناؤه، لأنه مما له تعلق بالصلاة خصوصا مع الإعانة على خلوص القصد
وإن كان في استفادة ذلك من الأدلة على وجه لا يفرق بين الجماعة والفرادى وبين
نفس الصلاة ومقدماتها كالاتيان بالساتر ونحوه منع ظاهر، نعم قد يستفاد من تعليل
رجحان رفع اليدين بأن فيه إحضار النية والقلب على ما قصد استحباب كل ما له مدخلية
في ذلك من لفظ وغيره، ولعله إليه أومأ بعضهم بقوله: إنه ينبغي الجمع، فإن اللفظ
أعون على خلوص القصد، لكن في الذكرى أن فيه منعا ظاهرا، والانصاف أنه لا
رجحان له بنفسه، ويختلف باختلاف الناوين وأحوالهم، فقد يعين على القصد فيترجح
وقد يخل فالخلاف، وبذلك يمكن ارتفاع الخلاف، وما يقال من أنه تشريع محرم،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 11
173

ومن أن الاتيان به مع الدرج يستلزم إما مخالفة اللغة إن أثبت همزة لفظ الجلالة في تكبيرة
الاحرام، وفي الاجتزاء بها حينئذ منع، لكونها ملحونة، أو الشرع إن حذفها،
لأن الثابت من الاحرام بها مقطوعة الهمزة - يدفعه أنه لا تشريع فيه فيما سمعت،
واختصاص الثاني بحال الدرج، مع أن مثله جار فيما ورد من الأدعية بين التكبيرات
التي منها الدعاء المتصل بتكبيرة الاحرام، أما إذا وقف فلا اشكال، إذ احتمال فوات
المقارنة بذلك كما ترى، ضرورة أن مثل زمان الوقف لا يفوتها، على أن المعتبر المقارنة
القلبية، والوقف على اللفظ لا ينافي حصولها، فظهر لك أن التحقيق ما ذكرنا، وكأن
الذي حمل الأصحاب على التعرض لذلك إرادة الرد على المحكي عن أكثر أصحاب
الشافعي من استحباب اللفظ بالنية بأنه لم يثبت رجحان له بالخصوص عندنا، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (وقتها عند أول جزء من التكبير) لأن به تتحقق المقارنة
التي لا ريب في اعتبارها، بل الاجماع بقسميه عليها، مضافا إلى ظهورها من مثل قوله
(ع) (1): (لا عمل إلا بنية) بل وقوله تعالى (2): (وما أمروا) إلى
آخره، بل صدق الامتثال والمنوي من الأفعال موقوف عليها، فما عن بعض العامة
- من جواز التقدم يسيرا قياسا على الصوم الذي تتعذر أو تتعسر المقارنة فيه بناء على
الاخطار - في غاية الضعف، نعم الظاهر تحقق المقارنة فيما نحن فيه لو اتصلت به بحيث
كان آخر جزء منها عند أول جزء منه، بل في الرياض أنه يظهر من التذكرة دعوى
الاجماع على صحة العبادة بالمقارنة بهذا المعنى، ومنه يعلم ضعف المحكي عن بعض الأصحاب
- وإن كنا لم نتحققه - من أن وقتها بين الألف والراء، مضافا إلى ما فيه من العسر
وخلو أول التكبير من النية، بل لو أريد من قوله: (بين) إلى آخره الاجتزاء بها

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب النية - الحديث 1 و 4
(2) سورة البينة - الآية 4
174

في هذا الوقت وإن كانت بين الباء والراء منه لزم خلو الأكثر من ذلك عن النية، ب‍
إن أريد البسط منه فكذلك أيضا، ضرورة إمكان حصول تصور المنوي منه بمميزاته
ثم يقصده بين الباء والراء، ويحتمل أن يريد حصول تمام النية عند همزة لفظ الجلالة
إلا أنها تبقى مستمرة إلى الراء، فيكون المراد حضورها بين الألف والراء، وهو كما
ترى أيضا، وكفى باجمال المراد منه موهنا له.
ونحوه القول بأنها عند أول جزء من التكبير مستمرة إلى انتهائه كما عن العلامة
في التذكرة والشهيد في الذكرى، لأن الدخول في الصلاة إنما يتحقق بتمام التكبير بدليل
أن المتيمم لو وجد الماء قبل إتمامه وجب عليه استعماله، بخلاف ما لو وجده بعد الاكمال
والمقارنة معتبرة، فلا تتحقق من دونها، وفيه أنه لا يتأتى بناء على أن آخر التكبير
كاشف عن الدخول في الصلاة في أوله، بل لو لم نقل بذلك فلا ريب في تحقق الدخول
بالشروع في التكبير الذي هو جزء من الصلاة باجماعنا، فإذا قارنت النية أوله فقد
قارنت أول الصلاة، لأن جزء الجزء جزء، ولا ينافي ذلك توقف التحريم على انتهائه
ووجوب استعمال الماء قبله، لأن ذلك حكم آخر لا ينافي صدق المقارنة للأول.
وأما القول باعتبار حصولهما مقارنة للأول الذي هو رابع الأقوال بمعنى اتحادهما
في الزمان بحيث لا يجزي الاتصال الذي ذكرناه فهو - مع ما فيه من العسر بناء على
إرادة إخطار القصد والمقصود بمميزاته - لا دليل على تعيينه، هذا كله بناء على أن
النية هي الاخطار، أما على القول بالداعي على التفسير الذي سمعته سابقا فلا يحتاج إلى
شئ من هذه التكلفات، ضرورة حصوله وعدم انفكاك فعل المختار غير الغافل عنه،
كما هو واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه هنا وفي باب الوضوء، بل ذكرنا هناك ما يعلم منه
قول المصنف هنا:
(ويجب استمرار حكمها إلى آخر الصلاة، وهو أن لا ينقص النية الأولى)
175

بما لا مزيد عليه، وقلنا أيضا إن الظاهر اختلاف الاستدامة باختلاف المعتبر في النية
حتى أن من قال باعتبار نية الوجه والأداء والقضاء ينبغي أن يقول بالاستدامة فيه أيضا
اللهم إلا أن يكون المدار عنده على أول الصلاة أخذا بما دلت عليه النصوص (1) من
أن الصلاة على ما افتتحت عليه، فحينئذ لو نوى الندب في الأثناء بعد أن نوى الفريضة
صح فعله إذا كان ذلك خطأ منه بمعنى تخيل كون ما نواه ندبا كما صرح به في الذكرى
قال: (لو نوى الفريضة ثم غربت النية لم يضر، ولو نوى النفل حينئذ ببعض الأفعال
أو بجميع الصلاة خطأ فالأقرب الاجزاء لاستتباع نية الفريضة باقي الأفعال، فلا يضر
خطأه في النية) قلت: وأولى منه بالصحة إذا كان ذلك منه مجرد اعتقاد أن ما نواه
أولا نفل، بل قد يتخيل أن ذلك مورد النصوص لا ما يشمل الصورة الأولى وإن
كان فيه منع واضح، ففي حسن ابن المغيرة أو صحيحة في كتاب حريز (2) أنه قال:
(إني نسيت أني في صلاة فريضة حتى ركعت وأنا أنويها تطوعا قال: فقال: هي التي
قمت فيها، إذا كنت قمت وأنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة، وإن
كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة، وإن كنت دخلت في فريضة ثم
ذكرت نافلة كانت عليك فامض في الفريضة) وفي خبر يونس (3) إن معاوية سأل
أبا عبد الله (ع) (عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فنسيها فظن أنها نافلة
أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة فقال: هي على ما افتتح الصلاة عليه) وفي خبر
عبد الله بن أبي يعفور (4) أنه سأل أبا عبد الله (ع) (عن رجل قام في
صلاة فريضة فصلى ركعة وهو ينوي أنها نافلة فقال: هي التي قمت فيها ولها، وقال:
إذا قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النية - الحديث 0 - 1 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النية - الحديث 0 - 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النية - الحديث 0 - 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النية - الحديث 0 - 1 - 2 - 3
176

وإن كنت دخلت فيها وأنت تنوي نافلة ثم أنك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة،
وإنما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته) وظهور السؤال في بعضها في
ذلك لا يقضي باختصاص إطلاق الجواب به أيضا، بل يمكن دعوى شمول بعض هذه
النصوص لصورة العمد فيما لو نوى ببعض الأجزاء غير ما نوى عليه الجملة من الوجه
أو الأداء والقضاء تخيلا منه صحة ذلك أو عبثا أو جهلا منه بوجوب ذلك الجزء أو
ندبه مثلا، لاطلاق النصوص السابقة المؤيدة بأن الأجزاء ليست لها نية مستقلة، بل
نيتها تتبع نية الجملة الصالحة للتأثير فيها، نعم لو نوى بالجزء أنه قضاء عن فعل آخر مثلا
تخيلا منه صحة ذلك بعد رفع اليد عن كونه جزءا للكل الذي نواه أولا اتجه البطلان،
لأنه في الحقيقة كنية غير الصلاة ببعض الأفعال، أما لو جمع بأن نوى به القضاء مثلا
مع كونه جزءا مما في يده من الصلاة الأدائية تخيلا منه جواز ذلك أو كان لغوا فقد
يقوى الصحة، للأصل، وتبعية نية الجزء لنية الكل، فلا تؤثر فيه مثل هذه النية،
وقول أبي جعفر (ع) في خبر زرارة (1) المروي عن المستطرفات: (لا قران
بين صومين، ولا قران بين صلاتين، ولا قران بين فريضة ونافلة) لو سلم إرادة الجمع
بالنية بين الفرضين من القران فيه محمول على ابتداء الفعل لا ما إذا وقع ذلك في بعض
الأجزاء، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان فلا إشكال في وجوب الاستدامة لكن بمعنى عدم خلو جزء من
الصلاة عنها، ف‍ (لو نوى الخروج) حينئذ (من الصلاة) بعد أن حصلت النية الصحيحة
منه ثم رفض ذلك قبل أن يقع منه شئ من أفعال الصلاة وعاد إلى النية الأولى (لم
تبطل) الصلاة (على الأظهر) وفاقا للمحكي عن الخلاف وغيره، واختاره شيخنا في

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النية - الحديث 2
177

كشفه، للأصل والاطلاقات، خصوصا مثل قوله (ع) (1): (لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة) إلى آخره. ولعدم تصور مانع هنا عدا فقد النية، والفرض
وقوع جميع الصلاة بها، ولظهور قوله (ع) (2): (تحريمها التكبير) إلى آخره.
في حصول الحبس بتكبيرة الاحرام، وأنه لا يفكه منه إلا ما جعله الشارع سببا للفك،
ودعوى كون ذلك من إبطال العمل كالحدث ونحوه فيرتفع الحبس الذي مداره العمل
الصحيح محتاجة إلى الدليل على كون ذلك مبطلا، بل قد يومي حصر التحليل بالتسليم
باعتبار كونه منافيا للصلاة إلى عدم الخروج بنية الخروج به التي قيل بوجوبها
مقارنة له، فتأمل.
وخلافا لجماعة فتبطل، بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، إذ هو خيرة
المبسوط والخلاف في آخر كلامه والتحرير والإرشاد ونهاية الإحكام والمختلف والايضاح
والذكرى والدروس والألفية والموجز وكشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد
الشرائع والجعفرية والغرية وإرشاد الجعفرية والميسية والمسالك والروضة والروض على
ما حكي عن بعضها، بل عن المنتهى قربه، والمقاصد العلية تقويته لقاعدة الشغل الممنوعة
عندنا، ولأن نية الخروج تقتضي وقوع ما بعدها من الأفعال بغير نية، فلا يكون
مجزيا، وهو كما ترى مخالف لمفروض المسألة، بل ينقدح من استدلالهم بذلك لفظية
النزاع، وأن مراد القائل بالبطلان ما لو أوقع باقي أفعال الصلاة في هذا الحال، ومراد
الآخر عدم البطلان من حيث نية الخروج فقط لا مع خلو باقي الأفعال عن النية وحكمها
ودعوى عدم انفكاك نية الخروج عن ذلك، لعدم فترة في الصلاة، فلا بد من وقوع
استمرار القيام مثلا أو غيره بلا نية يدفعها أنه لا دليل على البطلان بخلو مثل هذا

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 10
178

الاستمرار من القيام عن النية، ولا تبطل الصلاة بتخلله، إذ هو - مع أنه ليس من
الأفعال عرفا بل ولا عقلا، بناء على عدم احتياج الباقي في بقائه إلى المؤثر - يمكن
فرض المسألة حينئذ فيما إذا لم يطل بحيث يخرج عن كونه مصليا، وعدم الفترة في الصلاة
بحيث يشمل الفرض ممنوع، كمنع اعتبار الاستدامة في الصلاة على وجه يكون العزم
على الفعل متصلا، بل المسلم منه عدم خلو شئ من أفعال الصلاة عن النية.
فالاستدلال حينئذ على البطلان بأن الاستمرار على حكم النية السابقة واجب
إجماعا كما تقدم، ومع نية الخروج يرتفع الاستمرار غير متجه، بل رده في المدارك بأن
وجوب الاستدامة أمر خارج عن حقيقة الصلاة، فلا يكون فوته مقتضيا لبطلانها،
إذ المعتبر وقوع الصلاة بأسرها مع النية كيف حصلت، وقد اعترف الأصحاب بعدم
بطلان ما مضى من الوضوء بنية القطع إذا جدد النية لما يقع منه من الأفعال قبل فوات
الموالاة، والحكم في المسألتين واحد، والفرق بينهما بأن الصلاة عبادة واحدة، ولا يصح
تفريق النية على أجزائها بخلاف الوضوء ضعيف جدا، فإنه دعوى مجردة عن الدليل،
والمتجه تساويهما في الصحة مع تجديد النية لما بقي من الأفعال، لكن يعتبر في الصلاة
عدم الاتيان بشئ من أفعالها الواجبة قبل تجديد النية، لعدم الاعتداد به، واستلزام
إعادته الزيادة في الصلاة، وإن كان فيه نظر من وجوه: أحدها منع خروج وجوب
الاستدامة عن حقيقة الصلاة، ضرورة كونه عوضا عن النية التي من المعلوم توقف الصحة
عليها، نعم المتجه منع وجوب الاستدامة بمعنى الاتصال، بل المسلم منه عدم خلو شئ
من الأفعال عن النية، وثانيها وضوح الفرق بين الصلاة والوضوء بمراعاة الهيئة فيها
دونه، ولذا لا يجوز ارتفاع شئ من الشرائط كالاستقبال والاستتار والطهارة ونحوها
في شئ منها، بل التعبير عن ذلك فيها بالانقطاع بخلاف غيرها فبالبطلان أوضح شئ
في اعتبار الاتصال فيها، كما أوضحنا ذلك في محله، ثالثها كون المتجه على ما ذكره عدم
179

الفرق بينها وبين الوضوء مطلقا حتى لو فعل بعض أفعالها، إذ دعوى استلزام الزيادة
في الإعادة يدفعها عدم وقوع الأول من الصلاة، إذ الفرض أنه جاء به حال نية الخروج
فلا زيادة بالإعادة، فالمتجه حينئذ تساويهما من هذه الجهة أيضا.
ومنه يعلم فساد ما في كشف اللثام من احتمال البطلان لكونه كتوزيع النية على
لأجزاء، ضرورة جريان مثله في الوضوء المعلوم عدم البطلان فيه بذلك، فينحصر
التوزيع المبطل فيما لا يشمل مثل ذلك، نعم يمكن الفرق بينهما بما أشرنا إليه من اعتبار
الاتصال في الصلاة وعدمه في الوضوء، ولعل هذا هو مدار المسألة في المقام، كما يومي
إليه إطلاق البطلان بنية الخروج ممن قال به وعدمه بها من غير تقييد من كل منهما باتيان
بعض الأفعال وعدمه، وما ذاك إلا لأن القائل بالأول يدعي بطلان الصلاة بمجرد
فوات اتصال العزم الأول الذي هو معنى الاستدامة عنده، فهو كفوات الاستقبال
والطهارة مثلا وغيرهما من الشرائط، فإنه لا يكفي في الصحة تلافيها لما بقي من الأجزاء
فالاستدامة مثلها، والقائل بالثاني لم يثبت شرطية ذلك عنده في خصوص الاستدامة،
والمسلم منه عنده عدم خلو شئ من أجزاء الصلاة من النية الاجمالية أو التفصيلية، كما
أنه لم يثبت عنده البطلان بخلو الاستمرار القيامي مثلا المقارن لنية الخروج عن النية،
ولعله يفرق بين اتصال النية وباقي الشرائط بأنه قد ثبت البطلان بفقدها في أثناء الصلاة
كباقي الموانع وإن لم يقارن جزءا من أجزاء الصلاة، فلو كشف عورته أو استدبر القبلة
مثلا حال تشاغله ببعض الأفعال التي لا تقدح في الصلاة كقتل عقرب أو حية أو تناول
حاجة بطلت صلاته وإن لم يقارن ذلك جزءا من أجزاء الصلاة حتى القيام، لفرض
عدم كونه قائما حاله، لصدق الاستدبار والكشف مثلا وهو في الصلاة، أي لم يتم
الصلاة، بخلاف اتصال النية، فإنه ليس في الأدلة ما يقتضي باعتباره كذلك، إذ ليس
فيها إلا قوله (ع): (لا عمل إلا بنية) وهو صادق مع فرض تجديد النية
180

ورفض النية الأولى، بل قد يقال بصدقه وإن لم يجدد نية، كما هو مقتضى إطلاق
المصنف وغيره الصحة مع نية الخروج، ولعله استلزام نيته الخروج نية غير الصلاة
بباقي الأفعال، خصوصا لو ذهل عنها، فيبقى مقتضى النية الأولى حينئذ بلا معارض،
إذ هو ليس إلا قصد غير الصلاة بباقي الأفعال، ولا تلازم بين نية الخروج وبين ذلك
فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة وإن كان للبحث فيه مجال، بل الأحوط خلافه، كما
أن الأحوط استيناف الصلاة بمجرد نية الخروج لكن بعد إتمامها.
ومن ذلك كله يظهر لك البحث في التردد في القطع وعدمه، إذ هو كنية الخروج
أيضا في جميع ما عرفت، ولذا حكي التصريح بالبطلان به عن الخلاف ونهاية الإحكام
والتحرير والذكرى والدروس والموجز وكشف الالتباس وجامع المقاصد والجعفرية
والغرية وإرشاد الجعفرية، إلا أنك ستعرف أنه أولى بالصحة من نية الخروج، وعلى
كل حال فليس منه التردد في البطلان لعروض شئ في الصلاة وعدمه كما هو واضح.
أما لو نوى في الركعة الأولى مثلا الخروج في الثانية مثلا ففي القواعد أن
الوجه عدم البطلان إن رفض هذا القصد قبل البلوغ إلى الثانية، ولعله لأن قصد نقض
النية غير نقضها، فلا مقتضي للفساد حينئذ، إذ لم يقصد الخروج في الحالة الأولى،
ولامتناع الابطال قبل بلوغها، وانتفاء القصد عنده، لأن الفرض أنه رفضه قبل البلوغ
لكن في كشف اللثام (إن الوجه عندي أنه نقض للنية، فإن أوقع بعض الأفعال مع
هذا القصد كان كايقاعه مع نيته الخروج في الحال، وإن رفضه قبل إيقاع فعل كان
كالتوزيع) وهو عين تفصيله السابق في نية الخروج الذي قد عرفت إمكان المناقشة في
تنزيل الاطلاقات عليه، وربما يؤيده هنا ما في جامع المقاصد حيث قال بعد ما سمعته من
القواعد: إن فيه نظرا، لأن الصلاة عبادة واحدة متصل بعضها ببعض يجب لها نية
واحدة من أولها إلى آخرها، فإذا نوى المنافي في بعضها انقطع تلك الموالاة وانفصلت
181

تلك النية، فيخرج عن الوحدة، فلا يتحقق الاتيان بالمأمور به على وجهه، فلا يكون مجزيا.
ومنه يظهر دليل الوجه الثاني أعني البطلان مطلقا، وهو الأصح، ضرورة
ظهوره في عدم الفرق بين إيقاع بعض الأفعال وعدمه، وأن منشأ البطلان عدم اتصال
النية واتحادها، لكن قد عرفت أنه يمكن منع الدليل على اعتبار ذلك في الصلاة، فتتجه
الصحة حينئذ وإن لم يرفض القصد فضلا عما لو رفضه، إذ أقصاه مع استمرار القصد
الأول وعدم الذهول عنه حصول نية الخروج حينئذ عند بلوغ الغاية، وقد عرفت عدم
اقتضائها البطلان، بل قد عرفت احتمال ذلك وإن أوقع بعض الأفعال حالها إذا لم
تستلزم نية غير الصلاة بباقي الأفعال، هذا. وفي القواعد بعد العبارة السابقة (وكذا
لو علق الخروج بأمر ممكن كدخول شخص، فإن دخل فالأقرب البطلان) والمراد أنه
إن رفض القصد قبل الدخول فالوجه عدم البطلان، وكذا إن لم يقع حتى أتم الصلاة،
وإن دخل ولم يرفض القصد الأول بأن كان متذكرا للتعليق مصرا عليه أو ذاهلا
فالأقرب البطلان أيضا، أما الأول فواضح، وأما الثاني فلأن التعليق المذكور مع وقوع
المعلق عليه ينقض استدامة حكم النية، ويحتمل الصحة احتمالا واضحا لكون الذهول
كرفض القصد، ولعل التعبير بالأقرب لهذه الصورة لا للأولى، إذ الخروج فيها مع
فرض التذكر والاصرار قطعي بناء على الخروج بنية الخروج، اللهم إلا أن يدعى عدم
التلازم بينهما، وهو كما ترى، أو أن الأقربية للشك في الخروج بنية الخروج كما عرفت
وعلى كل حال فالأمر سهل.
ومن ذلك يعلم ما في كشف اللثام من شرح العبارة المزبورة، نعم قد يتجه عليه
كون مجرد التعليق كالتردد في الاتمام، فيتجه البطلان معه مطلقا، أو إذا أتى ببعض
الأفعال معه، وإلى ما ذكرنا أشار في جامع المقاصد حيث قال: إن فقه المسألة إذا علق
المصلي الخروج بأمر ممكن الوقوع أي غير متحقق وقوع بحسب العادة كدخول زيد
182

مثلا إلى موضع الصلاة، بخلاف التعليق على الحالة الثانية بالنسبة إلى الحالة التي هو فيها،
فإنها محققة الوقوع عادة، فإن قلنا في المسألة الأولى لا تبطل الصلاة بذلك التعليق مطلقا
فهنا أولى، لامكان أن لا يوجد المعلق عليه بخلافه في المسألة السابقة، وإن قلنا بالبطلان
ثمة فوجهان: أحدهما العدم، لما قلناه من عدم الجزم بوقوع المعلق عليه، فلا يكون
البطلان محقق الوقوع والأصل عدمه، وإذا لم تبطل حال التعليق لم تبطل بعده وإن
وجد المعلق عليه، إذ لو أثر التعليق المقتضي للتردد لأثر وقت وجوده، فإذا لم يؤثر
كان وجوده بمثابة عدمه، وهذا إذا ذهل عن التعليق الأول عند حصول المعلق عليه،
فإن كان ذاكرا له بطلت الصلاة لتحقق نية الخروج، وقد سبق أنها مبطلة. ثانيهما
البطلان، كما لو قال: إن دخل تركت الاسلام فإنه يكفر في الحال، وكما لو شرع في
الصلاة على هذه النية فإنها لا تنعقد صلاته، فلا تصح أبعاضها معها، ولما سبق من أن
تعليق القطع ينافي الجزم بالنية، فيفوت به الاستدامة، وتخرج النية الواحدة المتصلة عن
كونها كذلك، وهو الأصح وإن قلنا بالتفصيل في المسألة السابقة، فإن رفض القصد
قبل وقوع المعلق عليه لم يبطل بطريق أولى، وإلا فوجهان، أقربهما البطلان عند
المصنف، والتقريب يستفاد مما سبق، هذا. وعن ولد الفاضل أن والده في مباحثته له
قال: يمكن أن يكون وجود المعلق عليه كاشفا عن مخالفة التعليق مقتضى النية المعتبرة
في الصلاة في نفس الأمر، لأن وقوعه كان متحققا في علم الله تعالى، لأن الثابت على
تقدير منتف منتف، قال: وتظهر الفائدة في المأموم وفيما إذا نوى إبطال هذه النية قبل
وجود الصفة، أي فيكون البطلان حينئذ من حين التعليق، كما أنه بعدم وجوده
ينكشف بقاء الحكم بالصحة، فلو رفض القصد قبل وقوع المعلق عليه لم ينفعه ذلك،
وكان وقوعه كاشفا عن البطلان من حين التعليق، كما أنه يكشف عن بطلان صلاة
المأموم إذا علم بالتعليق ولم ينفرد من حينه، إلا أنه يلزمه القول بالبطلان في المسألة
183

السابقة مطلقا، وهو خلاف ما أفتى به فيها.
وكيف كان فلا يخفى عليك وجه الصحة في أصل المسألة بناء على ما ذكرنا سواء
رفض القصد أو لم يرفضه، لأنه لا يزيد مع عدم رفضه على نية الخروج، وقد عرفت
وجه الصحة فيها مع الاتيان بالأفعال فضلا عن عدمه، وكونه بالتعليق كالتردد في الاتمام
وعدمه يدفعه أنه لا دليل على البطلان به بعد النية الصحيحة منه، خصوصا بعد أصالة
عدم الدخول والكفر في الحال في المثال المذكور، لكون الشك في الاسلام كالجزم
بالخروج عنه في تحقق الكفر، بخلاف ما نحن فيه، والفرق بين الابتداء والأثناء واضح
لعدم حصول القصد إلى الفعل في الأول بخلاف الثاني الذي لم يعارض مقتضى النية
الأولى فيه معارض، لعدم صلاحية الشك لمعارضتها، على أن فرض البحث تعليق
الخروج على الدخول، فلا خروج فعلا بل هو عازم على فعل الجميع، وأنه إن دخل
ينشئ حينئذ الخروج، والتردد إنما هو في حصول هذا الانشاء منه وعدمه باعتبار
التردد في حصول المعلق عليه وعدمه، ومثله لا ينافي صدق العزم على فعل الجميع، بل
هو كالتردد في حصول المبطل قهرا الذي من المعلوم عدم منافاته، بل في كشف الأستاذ
عدم منافاة القطع بعروض المبطل، ومن ذلك يظهر حينئذ أنه لا فرق في هذا التردد
بين الابتداء والأثناء، بل قد يقوى أنه لا يقدح نية الخروج في الابتداء بمعنى العزم
على الخروج عن الصلاة من أول الأمر، إذ هو كنية المنافي من أوله التي ستعرف
عدم اقتضائها البطلان، فتأمل. والكشف المنقول عن الفاضل في بحثه مبناه الانشاء
فعلا على تقدير دخول زيد الذي هو معلوم عند الله وجودا أو عدما، وأن التعليق
الصوري باعتبار جهلنا به، لكنه كما ترى، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) قد ظهر لك من جميع ذلك أنه (كذلك) المتجه الصحة فيما (لو نوى
184

أن يفعل ما ينافيها) ولم يفعله، إذ لا يزيد ذلك على نية الخروج التي قد عرفت
عدم البطلان بها، على أنه يمكن منع استلزام ذلك نيته، ولذا كان خيرة الفاضل الذي
اختار البطلان هناك الصحة هنا لكن على إشكال، بل في المدارك أنه مذهب الأكثر
وفي غيرها حكايته عن علم الهدى والشيخ وابني سعيد والفاضل والكاشاني، لكن
المحكي عن فخر المحققين والشهيدين والعليين وابن فهد والصيمري وغيرهم البطلان،
بل في كشف اللثام إذا قصد فعل المنافي للصلاة فإن كان متذكرا للمنافاة لم ينفك عن
قصد الخروج، وإن لم يكن متذكرا لها لم تبطل إلا معه على الأقوى كما في المبسوط
والشرائع والتحرير والمنتهى، وظاهره حمل ما في المتن وغيره مما وافقه على ما إذا لم
يكن متذكرا للمنافاة، وفيه أنه لا إشكال في الصحة حينئذ، لوجود المقتضي بلا معارض
فلا يناسبه التعبير بالأقوى ونحوه، وكأن الذي ألجأه إلى ذلك دعوى وضوح ما ذكره
من أنه إن كان متذكرا لم ينفك عن قصد الخروج الذي قال الفاضل وغيره فيه بالبطلان
وإليه يرجع ما في جامع المقاصد معترضا به على من فرق بين المسألتين من أن الفرق بين
المسألتين غير ظاهر، لأن الخروج من الصلاة من جملة المنافيات، ونيته كنية غيره من
المنافيات، ثم قال: فإن قلت: المنافي سبب في الخروج من الصلاة لا عينه، فافترقا،
قلت: هذا الفرق غير مؤثر، فإن البطلان منوط بوجود المنافي، وعدم بقاء الصلاة مع
واحد منهما قدر مشترك بينهما، فإن كانت نية أحدهما منافية فنية الآخر كذلك، بل
إليه يرجع المعروف في الاستدلال عليه بتنافي إرادتي الضدين، حتى أن بعضهم جعل
منشأ إشكال الفاضل في الصحة الاشكال في تنافي الإرادتين، وعلى كل حال فقد ضعفه
في المدارك بأن تنافي الإرادتين بعد تسليمه إنما يلزم منه بطلان الأولى بعروض الثانية
لا بطلان الصلاة مع تجدد النية الذي هو موضع النزاع، وهو جيد إلا أنه كما ترى قاض
باختصاص محل النزاع في ذلك الذي مقتضى الاطلاق خلافه.
185

نعم في جامع المقاصد (ينبغي أن يكون موضع الاشكال ما إذا اجتمعت هذه
النية مع نية الصلاة، فلو حصلت بعد عزوب نية الصلاة فالمناسب القطع بالبطلان،
لانتفاء نية أخرى لتكون مكافئة، واستدامة النية ضعيفة، لأنها أمر حكمي عدمي،
والأصح البطلان، لعدم بقاء الجزم بالنية مع ذلك التقييد، ومن ثم لو شرع في الصلاة
بهذا القصد لم تصح، والجزم بالنية معتبر إلى آخر الصلاة، وإلحاق الصلاة بالحج في عدم
البطلان بنية المنافي قياس من غير جامع) قلت: التحقيق عدم تنافي إرادتي الضدين،
وامتناع اجتماعهما في الخارج لا يستلزم تنافيهما قطعا، لعدم الاستحالة في إرادة المحال،
على أن تنافيهما إن سلم فليس لذاته بل للصارف، ويمكن أن لا يكون موجودا لكل
منهما، كما أن التحقيق أيضا عدم لزوم ذلك لقصد الخروج الذي هو إنشاء قطع الصلاة
ورفع اليد عنها، فمن الغريب ما سمعته من جامع المقاصد من أن الخروج كباقي المنافيات
فنيته كنيتها، ضرورة وضوح الفرق بين نية الخروج بالمنافي من حيث منافاته وبين
إنشاء الخروج والقطع الذي هو المراد من نية الخروج، لا أنه نوى الخروج كنية فعل
المنافي، كما هو واضح بأدنى تأمل، كل هذا مع التنزل، وإلا فقد عرفت عدم البطلان
بنية الخروج فضلا عما يستلزمها، كما أنك عرفت مما سبق عدم الفرق في نية المنافي بين
ابتداء الصلاة وبين الأثناء في ذلك، ولعله عند التأمل كاحتمال المنافي في الأثناء الذي
لا يمنع النية عند التأمل، وعدم بطلان الحج بنية المنافي ليس لدليل يقضي بصحته بلا نية
بل لأنه غير مناف لها. فلا فرق حينئذ بينه وبين الصلاة، والجزم بالنية شئ، والسلامة
من العوارض شئ آخر، ومن ذلك كله ظهر لك أن ما في جامع المقاصد (ينبغي)
إلى آخره لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا، والله أعلم.
هذا كله إذا نوى المنافي ولم يفعله (فإن فعله بطلت) بلا إشكال ولا خلاف،
وتعرف فيما تأتي إن شاء الله إعداد المنافيات ومنافاتها عمدا وسهوا أو عمدا لا سهوا.
186

(وكذا) تبطل (لو نوى بشئ من أفعال الصلاة الرياء أو غير الصلاة)
بلا خلاف أجده، بل قيل: إنه قطع به المتأخرون في الأول لكنهم أطلقوا، قلت:
ومقتضاه حينئذ عدم الفرق في البعض بين الأقوال والأفعال وبين الواجبة والمندوبة
والقليلة والكثيرة مع نية القربة وعدمها إن قلنا بتصور اجتماعهما، قال في كشف اللثام:
(تبطل لو نوى الرياء مع القربة أو لا معها، للنهي المقتضي للفساد) لكن في المحكي
عن نهاية الإحكام (تبطل بالرياء سواء كان ذلك البعض فعلا واجبا أو ذكرا مندوبا
أو فعلا مندوبا بشرط الكثرة) وعن فوائد الشرائع (تبطل إذا كان ذلك البعض
واجبا أو مندوبا قوليا غير دعاء وذكر، ولو كان مندوبا فعليا لم تبطل إلا مع الكثرة)
إلا أنه لم نتحققه، وعن البيان (لو نوى بالندب الرياء فالابطال قوي مع كونه كلاما
أو فعلا كثيرا) وفي الذكرى (لو نوى ببعضها الرياء ولو كان بالذكر المندوب بطلت
- إلى أن قال -: ولو نوى بالزيادة على الواجب من الأفعال الوجوب أو الرياء أو
غير الصلاة فإنه يلتحق بالفعل الخارج عن الصلاة فيبطل إن كثر، وإلا فلا) ونحوه
في التذكرة، وظاهر هؤلاء جميعا عدم بطلان الصلاة بالرياء في بعض الأحوال إلا إذا
قارنه مبطل آخر من تخلل الفعل الكثير ونحوه.
وقد يقال: إن المتجه مقتضى الاطلاق الذي عرفت، لما فيه من التشريع بقصد
جزئية ما قصد فيه الرياء، بناء على البطلان بمثل ذلك قل أو كثر قولا كان أو فعلا
واجبا كان أو مندوبا، لقوله (ع) (1): (من زاد في صلاته) ونحوه،
ولأن الصلاة عمل واحد قد اعتبر فيه الاخلاص، والرياء ولو ببعضه مناف للاخلاص
به، قال الصادق (ع) في خبر ابن مسكان (2) في قول الله (3): (حنيفا

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبوا ب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 7
(3) سورة آل عمران - الآية 60
187

مسلما): (خالصا مخلصا لا يشوبه شئ) وقال (ع) أيضا في خبر علي بن سالم (1):
(قال الله عز وجل: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما
كان خالصا لي) وقال (ع) أيضا في خبر عمر بن يزيد (2) في حديث: (كل عمل تعمله
لله فليكن نقيا من الدنس) وقال (ع) أيضا في خبر جراح المدائني (3) في قول الله
عز وجل (4): (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك) إلى آخره:
(الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله إنما يطلب تزكية الناس يشتهي
أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربه أحدا) الحديث. وقال الباقر (ع)
في خبر زرارة وحمران (5): (لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله
والدار الآخرة وأدخل فيه رضا أحد من الناس كان مشركا، وقال: من عمل للناس
كان ثوابه على الناس، يا زرارة كل رياء شرك) إلى غير ذلك مما على اعتبار
الاخلاص في العبادة، خصوصا من الرياء الذي هو شرك، ولعل الرياء ببعض العمل
ينافي الاخلاص بالعمل الذي هو عبارة عن مجموع الأفعال، نحو قولك ضربت زيدا
مع وقوع الضرب على بعضه، كما أنه يمكن تحقق الاشراك بذلك، إذ هو أعم من
إيقاع الفعل لله ولغيره ومن إيقاع بعضه الله والآخر لغيره، وإن كان الذي ينساق إلى
الذهن الأول، ولكن مرتبة الربوبية لا تقبل الاشتراكين.
ومن تأمل النصوص الواردة في الرياء والتجنب عنه يمكن أن يقطع بعدم قبول
العبادة التي دخل فيها ولو بأوصافها كالجماعية والمسجدية ونحوهما فضلا عن أجزائها ولو

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 9 - 10
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 9 - 10
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 6
(4) سورة الكهف - الآية 110
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 11
188

كان الدخول على وجه التبعية دون الاستقلال، فالمتجه حينئذ البطلان مطلقا كما أطلقه
المصنف وغيره من غير حاجة إلى التقييد بما سمعت من الكثرة ونحوها المبني على أن
بطلان الصلاة ليس من جهة الرياء بل هو مبطل لخصوص ذلك البعض الذي وقع فيه،
ومنه يسري إلى غيره، فإن كان واجبا ولم يتداركه بطل، كما أنه كذلك إذا كان
فعلا كثيرا، أو صار بذلك ككلام الآدميين حتى في مثل الذكر والقرآن ولو بناء على
أن المستثنى منهما في الصلاة السائغ، وإلا كانا مفسدين، فإن تداركه ولم يكن فعلا كثيرا
ولا كان من كلام الآدميين صحت الصلاة بناء على عدم فسادها بمثل هذا التشريع
بالزيادة، وإلا بطلت مطلقا سواء تدارك أو لم يتدارك، لكن قد عرفت أن مقتضى
النصوص البطلان بدخول الرياء ولو في البعض المندوب، بل الظاهر ذلك حتى لو دخل
فيما زاد على الواجب من القيام والركوع والسجود ونحوها سواء قلنا باستغناء الباقي عن
المؤثر أو عدمه، إذ لا ريب في أن مجموع القيام البارز إلى الخارج مثلا من الصلاة،
فمتى ضم مع ذلك الرياء أشرك في العمل ولم يكن مخلصا نقيا ما شابه شئ كما سمعته في
النصوص السابقة، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فما يظهر من المرتضى (رحمه الله) في انتصاره من عدم بطلان
العبادة بالرياء بل هي مجزية مسقطة للقضاء لكن لا ثواب عليها في غاية الضعف،
خصوصا لو كان يريد ما يشمل استقلال الرياء بلا ضم قربة معه، ضرورة رجوعه حينئذ
إلى عدم اشتراط القربة في العبادة المعلوم فساده عقلا ونقلا، بل لعله ضروري، ومن
هنا يجب تنزيل كلامه على صورة ضم الرياء إلى القربة كما ينبئ عنه الاستدلال له بعدم
شرطية الاخلاص وإن كان واجبا، وإليه يرجع ما قيل: إن المنهي عنه الرياء في العمل
لا العمل بنية الرياء، والكل واضح الفساد كتابا وسنة.
وما أبعد ما بينه وبين القول ببطلان العبادة بالرياء المتأخر عن العمل كالعجب
189

به، ولعله لظهور بعض النصوص (1) في ذلك، خصوصا مرسل ابن أسباط (2)
عن الباقر (ع) (الابقاء على العمل أشد من العمل، قال: وما الابقاء على
العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له فتكتب له سرا،
ثم يذكرها فتمحى وتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى ويكتب له رياء) لكن الاعتماد
على ذلك وأمثاله في إثبات هذا الحكم المخالف لمقتضى الأدلة والاعتبار كما ترى، إذ
احتمال اشتراط عدمه ولو في غابر الأزمنة في غاية البعد، نعم هو ممكن في العجب الذي
محله غالبا بعد تمام العمل.
وكذا لا بطلان بالرياء بترك الأضداد في العبادة، للأصل وإطلاق الأدلة
السالمين عن المعارض، ضرورة عدم منافاة ذلك الاخلاص بالعمل، وعدم صدق
الاشراك بذلك، بل عن الايضاح (أنه لو نوى بترك الضد الرياء أو غيره لم يضر إجماعا).
وأما بطلان الصلاة بالثاني فلا خلاف أجده فيه، بل في القواعد (وإن كان
ذكرا مندوبا) بل في المحكي عن الايضاح (أجمع الكل على أنه إذا قصد ببعض أفعال
الصلاة غير الصلاة بطلت، وتظهر الفائدة في المأموم، وعدم اعتبار الكثرة لأن إجماع
المتكلمين على أن المتعلقين بالكسر إذا اتحد متعلقهما بالفتح وتعلق أحدهما على عكس
الآخر تضادا، فلذلك أجمع الفقهاء على أنه إذا نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها بطلت)
والمراد كما في جامع المقاصد (أن جزئية الصلاة وتعظيم زيد قد تعلقا بصورة الركوع
المأتي به، وهو شئ واحد، أحدهما تعلق من جهة القربة، والآخر من جهة تخالفها،
ومع تحقق التضاد والتنافي لا يبقى ذلك البعض من الصلاة معتبرا) لكن قال فيه:
(إن ذلك غير كاف في استلزام البطلان ما لم يلحظ فيه ما ذكرنا) مشيرا به إلى ما

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب مقدمة العبادات
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 2
190

قدمه سابقا من أنه لو نوى ببعض الصلاة غير الصلاة كما لو نوى بالركوع المقصود به
الصلاة تعظيم زيد أو قتل حية بحيث قصد به الأمرين معا بطلت، لعدم تمحضه للقربة،
فلا يقع مجزيا، وعدم جواز الاتيان بفعل آخر غيره لاستلزام الزيادة في أفعال الصلاة
عمدا، إذ الفرض أن الأول مقصود به الصلاة أيضا، قلت: ومنه يظهر ما في كشف
اللثام من تعليل البطلان في الفرض بأنه نية الخروج حتى أنه مزج عبارة القواعد السابقة
بقوله: ولذا تبطل وإن كان البعض ذكرا مندوبا، ثم قال: (وعليه منع ظاهر، فإنه
إن قصد بنحو (سبحان ربي العظيم وبحمده) في المرة الثانية التعجب لم يكن نوى
الخروج، ولحوقه حينئذ بكلام الآدميين أظهر بطلانا) وكأنه أخذه من تعليل الذكرى
البطلان بعدم الاستمرار الواجب، وعلى كل حال ففيه أنه كذلك أيضا لو نوى بالأولى
مع فرض عدم قصده الصلاة معه، وبطلان الصلاة مع الاقتصار عليها، لترك الجزء أي
الذكر الصلاتي، لا لأنه نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها، على أنه لا يتم في مثل المتن
القائل بعدم البطلان بنية الخروج، كما أن من الواضح عدم تحققها بنية غير الصلاة في
الشئ الذي لو نواه من الصلاة كان جزء، خصوصا مع عزمه على الاتيان به مرة
أخرى للصلاة.
وكذا يظهر لك ما في المدارك حيث أنه - بعد أن ذكر عن المصنف تعليل
البطلان في الفرض بانتفاء التقرب بذلك الجزء، ويلزم من فواته فوات الصلاة لعدم
جواز استدراكه - قال: وهو إنما يتم إذا اقتضى استدراك ذلك الجزء الزيادة المبطلة
لا مطلقا، ومن هنا يظهر أنه لو قصد الافهام خاصة بما يعد قرآنا بنظمه وأسلوبه لم يبطل
صلاته، لأن ذلك لا يخرجه عن كونه قرآنا وإن لم يعتد به في الصلاة لعدم التقرب به،
وكذا الكلام في الذكر، ويدل على جواز الافهام بالذكر - مضافا إلى الأصل وعدم
191

خروجه بذلك عن كونه ذكرا - روايات، منها صحيحة الحلبي (1) أنه سأل أبا عبد الله
(ع) (عن الرجل يريد الحاجة وهو يصلي فقال: يومي برأسه ويشير بيده
ويسبح) إذ قد عرفت أن مبنى المسألة الجمع بين نية الصلاة وغيرها، وحينئذ لا فرق
بين الأجزاء جميعها، نعم هو مبني على البطلان بالزيادة التشريعية لا طلاق قوله (ع)
: ((من زاد) ونحوه وإن كان فيه بحث تسمعه فيما يأتي إن شاء الله من بحث
القراءة وغيره.
بل المتجه عدم الفرق بين المندوب والواجب بناء على البطلان بالزيادة به مطلقا
إذ العمدة صدق الزيادة في الصلاة بما ليس منها ليدخل تحت إطلاق ما دل على استقبال
الصلاة بها من غير فرق بين الواجب وغيره، كما أنه لا فرق بين ما يستلزم استدراكه
بطلان الصلاة كالركوع وغيره، ولا بين كونه كثيرا أولا، كما عن الميسية التصريح به
قال: (لا يشترط في البطلان به بلوغ حد الكثرة مطلقا على الأقوى، بل تبطل
بمسماه للنهي) وقد سمعت معقد إجماع الايضاح، فعدم البطلان حينئذ بالقرآن أو الذكر
المقصود به الافهام خاصة - لعدم خروجه بذلك عن كونه قرآنا وذكرا، إذ الفرض
قصدهما - مسلم، ولكنه خارج عن موضوع المسألة الذي قد عرفته، ومن الغريب أن
المحقق الثاني قد ذكر أن منشأ البطلان في الفرض ما سمعته من الزيادة، ومع ذلك اعترض
على الفاضل - حيث أبطل الصلاة بذلك حتى لو كان ذكرا مندوبا كما عرفت - بأن
من نوى بالذكر المندوب الصلاة وغير الصلاة معا كأن قصد إفهام الغير بتكبير الركوع
أو زجره لا تبطل فيه الصلاة، إذ لا يخرج بذلك عن كونه ذكرا لله ويصير من كلام
الآدميين، وعدم الاعتبار به في الصلاة حينئذ إن تحقق لم يقدح في الصحة، لعدم

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبوا ب قواطع الصلاة - الحديث 2
192

توقف صحة الصلاة عليه، أما لو قصد به الافهام مجردا عن كونه ذكرا لله فإنه يبطل،
إلى أن قال: (وهذا بخلاف ما لو قصد الرياء به، لكونه منهيا عنه بقوله تعالى (1):
(ولا يشرك) إلى آخره، فيخرج عن كونه ذكرا قطعا، فتبطل به الصلاة) وفيه ما
عرفت من أن منشأ البطلان الزيادة لا الخروج عن القرآنية والذكرية، فهو كالقرآن
والذكر الأجنبيين عن الصلاة المنوي بهما أنهما منها، إذ الفرض خروج الفعل الصلاتي
عنها بنية غيرها، فنية الصلاة به حينئذ مع ذلك زيادة فيها، ودعوى أنه بتوارد النيتين
خارج عنهما معا، فهو كالأجنبي المتخلل في أثناء الصلاة يدفعها أولا أن مثله آت في
الواجب الذي سلم صدق الزيادة عليه، وثانيا أن أقصى ذلك خروجه عن الصلاة شرعا
لا الصلاة بجعل المصلي وعزمه الذي هو أمر وجداني ومفروض المسألة.
نعم يتجه الفرق في البطلان هنا بين الواجب والمندوب بمعنى عدم البطلان بالثاني
دون الأول بدعوى أن من زاد يختص بقرينة قوله: (أو نقص في الواجب) فلم يبق
إلا حرمة التشريع التي لا تقتضي بطلانا، لكنه لا يتم على مذاقهم كما لا يخفى، وكيف
كان فقد عرفت التحقيق مضافا إلى الاجماع المحكي وغيره.
كما أنه ينبغي أن تعرف أن هذه المسألة غير مسألة الضميمة، ولذا لم يشر أحد
من معتمدي الأصحاب إلى اتحاد البحث فيهما، بل من حكم هناك بالصحة مع الضم
التبعي أو كان كل منهما علة مستقلة أطلق البطلان في المقام، كما أنهم لم يفرقوا هنا بين
الضميمة الراجحة وغيرها، والظاهر أن وجهه الفرق بين المسألتين بالفرق بين موضوعيهما
فإن موضوع الضميمة الفعل الواحد الذي له غايات متعددة، وأراد المكلف ضمها بنية
واحدة فالتحقيق فيها البطلان مع منافاة الاخلاص، والصحة مع العدم، لتبعية الضم،
أو لرجحان الضميمة، أو غير ذلك، وموضوع ما نحن فيه قصد المكلف كون الفعل

(1) سورة الكهف - الآية 110
193

الواحد المشخص مصداقا لكليين متغايرين لا يمكن اجتماعهما في مصداق واحد عقلا
أو شرعا، فلو نواه حينئذ لكل منهما لم يقع لشئ منهما شرعا، كما في كل فعل كذلك
لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلا وشرعا، فلو نوى بالركعتين الفرض والنفل لم
يقع لأحدهما، ومن ذلك يظهر لك ما في بعض الأمثلة الواقعة في المقام من بعض الاعلام
التي هي بالضمائم أشبه، ولعل منه ما في بعض النصوص من التكبير للصلاة وغيرها،
فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع في المقام وغيره جدا، هذا.
ومما ذكرنا يظهر لك ما في قواعد الفاضل حيث أنه بعد أن حكم بالبطلان ولو
بالذكر المندوب كما سمعت قال: (أما إذا كان زيادة على الواجب من الهيئات كزيادة
الطمأنينة فالوجه البطلان مع الكثرة) وتبعه على ذلك غيره، ومراده على الظاهر عدم
البطلان بنية غير الصلاة بذلك، بل يدور البطلان حينئذ به على المبطل الخارجي كالكثرة
ونحوها، وفي جامع المقاصد (أن قوله: (فالوجه) يفهم منه احتمال عدم البطلان معها
وهو غير مراد قطعا، لما سيأتي من أن الفعل الكثير مبطل مطلقا، وإنما المراد وقوع
التردد في حصول الكثير مثل هذه الزيادة، فعلى تقدير العدم لا إبطال جزما، كما أنه
لا شبهة في الابطال معه) قلت: يمكن أن يكون ذلك لاحتمال البطلان مع القلة، لما
عرفته من صدق الزيادة التشريعية، بل هو الوجه بناء على ذلك، كما يقتضيه إطلاق
المصنف وغيره، ولو قيل بكونه ليس من أفعال الصلاة فهو أولى بالبطلان بنية أنه منها
فلعل قول الفاضل: (الوجه) إشارة إلى ذلك، على أنه في المحكي عن الايضاح يلزم
القول بالصحة لمن ذهب إلى أن الأكوان باقية، وأن الباقي مستغن عن المؤثر وأنه
لا يعدم إلا بطريان الضد، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الإمامية، وحاصله أن المكلف
لما أوجد القيام من الركوع مثلا فالذي صدر من الفاعل حدوث القيام، ثم فيما بعد
194

صار باقيا فاستغنى عن المؤثر، والقدرة تتعلق أيضا بايجاد ضده فإذا لم يوجد لم يكن
الفاعل قد صدر منه حال البقاء شئ أصلا، وإذا نوى بالزائد عن الواجب من ذلك
القيام غير الصلاة فقد نوى بما لم يصدر منه وما لم يفعله، فلا يؤثر في بطلان الصلاة،
وقد عرفت أن نية الرياء فضلا عن غيره بترك الضد لا تضر إجماعا، فحينئذ تتجه الصحة
مع الكثرة جزما، ولعله من هنا حكي عن فخر المحققين أنه قال: إن التحقيق بناء
هذه المسألة على أن الباقي هل يحتاج إلى المؤثر أم لا، فإن قلنا يحتاج بطلت مع الكثرة
لأنه فعل فعلا كثيرا، وإن قلنا: الباقي مستغن عن المؤثر لم يفعل شيئا فلا يبطل،
والأقوى عندي البطلان، لكن قد يخدشه أنه يمكن الصحة على الأول أيضا بدعوى
أن المدار على صدق الفعل الكثير عرفا لا حكمة، كما أنه يمكن البطلان أيضا على الثاني
مع طول البقاء، بل من المحتمل أنه المراد من الكثير هنا لا تكرار ذلك منه بفوات
الموالاة بين أفعال الصلاة التي ستعرف وجوبها في محلها لا بالفعل الكثير.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في كشف اللثام قال: (هذا - مشيرا به
إلى البطلان في عبارة الفاضل - مبني على أمرين: أحدهما بطلان الصلاة بالفعل الكثير
الخارج عن الصلاة المتفرق، والثاني أن الاستمرار على هيئة فعل، لافتقار البقاء إلى
المؤثر كالحدوث، واحتمال الصحة على هذا مبني على أحد أمرين، إما لأنه لا يعد
الاستمرار فعلا عرفا، أو لعدم افتقار البقاء إلى مؤثر وإما لأن الكثير المتفرق
لا يبطل، ويجوز أن يريد بالكثيرة الطول المفضي إلى الخروج عن حد المصلي، ويكون
المراد الوجه عدم البطلان إلا مع الكثرة، ويحتمل البطلان مطلقا، لكونه نوى
الخروج بذلك، وضعفه ظاهر) قلت: قد عرفت كون الوجه الزيادة التشريعية،
فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) لا (يجوز نقل النية) من عمل إلى عمل آخر مشابه له بالصورة إلا (في
195

موارد) مخصوصة (كنقل الظهر يوم الجمعة إلى النافلة لمن نسي قراءة الجمعة وقرأ غيرها)
وفاقا للأكثر كما في جامع المقاصد والمحكي عن المختلف، بل لعله المشهور، بل عن
الصدوق وجوبه، بل لا أجد فيه خلافا سوى إطلاق عدم جواز النقل من الفرض إلى
النفل في المحكي من المبسوط هنا والخلاف الذي يجب تقييده بالمحكي عن الأول منهما في
بحث الجمعة من التصريح بذلك، وسوى ما عن ابن إدريس، مع أن المحكي من عبارته
ظاهر فيه في الجملة، قال: (إن كان ابتداء المنفرد يوم الجمعة بسورة الاخلاص والجحد
اللتين لا يرجع عنهما إذا أخذ فيهما ما لم يبلغ نصف السورة، فإن بلغ النصف تمم السورة
وجعلها ركعتين نافلة وابتداء الصلاة بالسورتين، وذلك على جهة الأفضل في هذه
الفريضة خاصة، لأنه لا يجوز نقل النية من الفرض إلى النفل إلا في هذه المسألة، وفيما
إذا دخل الإمام المسجد وهو يصلي فريضة، فإنه يستحب له أن يجعل ما صلاه نافلة،
فأما نقل النية من النفل إلى الفرض فلا يجوز في موضع من المواضع على وجه من الوجوه
فليلحظ ذلك على ما روي في بعض الأخبار وأورده الشيخ في نهايته، والأولى عندي
ترك العمل بهذه الرواية، وترك النقل إلا في موضع أجمعنا عليه) وهو كما ترى موافق
في الجملة، بل هو مضمون الصحيح (1) الذي هو مستند الحكم هنا عن الصادق (ع)
(في رجل أراد الجمعة فقرأ قل هو الله أحد قال: يتمها ركعتين ثم يستأنف)
ولعل التعدية إلى غير التوحيد للأولوية أو المساواة، لكن على كل حال ينبغي أن
يكون ذلك حيث لا يجوز استيناف الجمعة ببلوغ النصف أو غيره، وربما يأتي لذلك تتمة
في القراءة والجمعة إن شاء الله.
واحتمل في جامع المقاصد أن يكون المراد من عبارة القواعد وما شابهها أن
من نسي صلاة الجمعة يوم الجمعة وصلى الظهر ثم ذكر في الأثناء يعدل إلى النافلة، لأن

(1) الوسائل - الباب - 72 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
196

فرضه الجمعة لا الظهر، ثم قال: (وهذا الحكم ليس ببعيد، لأنه أولى من قطع العبادة
بالكلية، ولا أعرفه مذكورا في كلام الفقهاء) قلت: وليس في شئ من الأدلة تعرض
له، فيبقى على أصل المنع كما ستعرف، على أن المتجه في الفرض بطلان الصلاة لعدم
الخطاب، فلا وجه للعدول منها إلى غيرها كما هو واضح، والأولوية المزبورة ممنوعة،
ولذا قلنا في بحث الأذان أن المتجه لمن نسيه وذكره قبل الركوع القطع لا العدول إلى
النفل وإن أفتى به جماعة هنا وهناك للأولوية المزبورة، لكنه محل منع لما ستعرف من
أصالة المنع إلا في الموارد المخصوصة كالصورة السابقة.
(وكنقل الفريضة الحاضرة إلى) حاضرة (سابقة عليها مع سعة الوقت) أو
فائتة كذلك حتى على القول بالمواسعة، والفائتة اللاحقة إلى الفائتة السابقة كما أشبعنا
الكلام فيه في محله، أما العدول منها إلى الحاضرة فليس في شئ من النصوص إشارة
إليه، فيبقى على أصالة المنع، فما عن بعضهم - من الجواز إذا شرع في فائتة ثم ذكر في
أثنائها ضيق الوقت عن الحاضرة، بل عن الشهيد في البيان القطع به، بل في كشف
اللثام ما يظهر منه أنه مفروغ منه، وأنه مدلول النصوص كالعكس أي النقل من الحاضرة
إلى الفائتة - في غير محله، بل يتعين عليه القطع والاستيناف لها ولو ركعة، ترجيحا
لصاحبة الوقت على حرمة قطع الصلاة، ولتمام البحث فيه محل آخر، وكنقل الفريضة
إلى النافلة لخائف فوت الركعة مع الإمام كما أشبعنا الكلام فيه في محله في الجماعة أيضا.
وأما النقل من النفل إلى الفرض فليس في شئ من الأدلة الإشارة إليه، ولذا
صرح بعدمه بعض الأصحاب معللا له بأن القوي لا يبنى على الضعيف، لكن في
المحكي عن المفاتيح أن الأظهر جوازه لمطلق طلب الفضيلة، لاشتراك العلة الواردة،
وفي الذكرى (وللشيخ قول بجوازه في الصبي يبلغ في أثناء الصلاة) وتبعه في كشف
اللثام، قلت: قد عرفت التحقيق فيه مفصلا، ويمكن أن لا يكون من العدول وإن
197

كان يجب عليه أن يجدد نية الفرض في الباقي على قول، إذ معناه جعل الجميع ما مضى
منه وما بقي على ذلك الوجه.
وأما النقل من النفل ففي المدارك أنه صرح الأصحاب بجوازه إذا شرع
في لاحقه ثم ذكر السابقة، قال: (ويمكن القول بجوازه أيضا في ناسي الموقتة إلى أن
يتضيق وقتها، وللتوقف في غير المنصوص مجال) قلت: وهو كذلك، إذ لا ريب في
مخالفة النقل للأصل، إذ الأفعال إنما تشخص بالنية، والفرض أن ما مضى من الفعل
قد وقع بنية مشخصة للمنوي، فقلبه محتاج إلى دليل، بل دليل عدمه في غاية القوة،
لأن تأثير النية فيما وقع ومضى مخالف لطريقة الأفعال، كما أن تأثيرها فيما بقي منه الذي
هو تابع للسابق كذلك، فمن هنا كان احتمال إطلاق الجواز في سائر الخصوصيات
- بدعوى ظهور أدلة الجواز في الموارد المخصوصة في أن العمدة عدم ابطال نية أصل العمل
لا خصوصياته، فإنها باقية على اختيار المكلف إلى تمام العمل، بل في بعض أخبار
العدول (1) ذلك بعد الفراغ من العصر معللا له بأنها أربع مكان أربع، واستحسنه
في المفاتيح - واضح المنع، بل لعل مثله التعدية إلى مساوي المنصوص نحو النفل اللاحق
إلى النفل السابق كالفرض إلى الفرض، لعدم المنقح من إجماع أو عقل، بل لعل
موثق عمار (2) عن الصادق (ع) (في الرجل يريد أن يصلي ثمان ركعات
فيصلي عشر ركعات أيحتسب بالركعتين من صلاة عليه؟ قال: لا إلا أن يصليها
متعمدا، فإن لم يبق ذلك فلا) دال على عدمه.
فقد بان من ذلك كله الجواز في بعض الموارد المخصوصة للأدلة الخاصة من
الصور الستة عشر المتصورة في بادئ النصر، لأن كلا من الفريضة المنقول منها وإليها

(1) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النية - الحديث 1
198

إما أن تكون واجبة أو مندوبة مؤداة أو مقضية، وإلا فقد تترقى إلى أزيد من ذلك
بمراتب، وعلى كل حال فالكل باق على أصل المنع، نعم قد يقال بجواز ترامي العدول
بل تعينه كما لو عدل إلى فائتة فذكر سابقة عليها وهكذا.
ثم لا يخفى أن الظاهر الاكتفاء بمجرد نية النقل إلى خصوص المنقول إليه من
غير احتياج إلى القيود السابقة في ابتداء النية، ضرورة صيرورتها بالنية المزبورة بدلا
عن الأولى في كل ما تعرض له فيها مما يشتركان فيه، وكيف كان فلو نقل نيته في غير
الموارد المخصوصة كأن نقل نيته بالظهر إلى العصر لم ينتقل، ولا يجزي ذلك عن العصر
لما عرفت، كما عن الخلاف التصريح به، بل عن نهاية الإحكام لو فعل ذلك بطلتا معا
وإن كان قد دخل في الظهر بظن أنه لم يصلها ثم ظهر له في الأثناء أنه فعلها، لكن قال:
على إشكال ينشأ من أنه دخل دخولا مشروعا فجاز العدول به إلى ما هو فرض عليه،
وفيه أنه قد بان له الفساد، والعدول يعتبر فيه أنه لو بقي على غفلته إلى تمام العمل صح،
وليس كذلك في الفرض.
إنما الاشكال فيما لو عدل بزعم تحقق موضوع العدول ثم بان الخلاف بعد الفراغ
أو في الأثناء كما لو عدل بالعصر إلى الظهر ثم بان له أنه صلاها، ولعل القول بالصحة
لا يخلو من قوة، لأن الصلاة على ما افتتحت عليه، وربما كان فيما تقدم سابقا في أول
بحث الاستدامة من نية الساهي في أثناء الفريضة الندب نوع تأييد له، إذ لا يزيد عليه
إلا بنية كون الماضي من الفعل للمنوي جديدا، وهو حيث لم يصادف محله لغو لا يصلح
مبطلا للعمل الواقع صحيحا، كما أن نيته بالباقي له بتخيل تحقق موضوع العدول لا ينافي
الاستدامة التي يمكن أن يقال يكفي فيها ولو بالنظر إلى تلك الأدلة بقاء المكلف عازما
على أصل العمل، ولذا لم يقدح فقدها لو نوى الندب أو الفرض في الأثناء بتخيل
ابتداء العمل على ذلك
199

بل قد ينقدح من ذلك الصحة في النقل عمدا استصحابا لها، ولاطلاق ما دل (1)
على أن الصلاة على ما افتتحت عليه، ولأن النقل المزبور مركب من نية كون الماضي
للمنوي جديدا، وهي لغو غير صالحة للتأثير، وإلا لأثرت لو اقتصر عليها فحسب،
ومن نية كون الباقي له أيضا بعد فرض افتتاح الصلاة بغيره الذي قد حكم الشارع بتبعية
غيره له في غير الموارد المخصوصة، فهي حينئذ أيضا لغو كالأولى لا تؤثر بطلانا، بل
هي أشبه شئ بنية غير الممكن شرعا وما لا يدخل في قدرة المكلف، بل حكمه راجع
إلى الشرع، ولو أن مثل هذه النية صالحة للتأثير لأثرت حتى في صورة الغفلة والنسيان
التي قد عرفت الصحة فيها، خصوصا مع الاقتصار عليها من غير تعرض للماضي، كما
لو نوى الندب أو الفرض في الباقي عمله على ما سمعته سابقا مفصلا.
وأولى بالصحة ما لو نوى النقل ثم رجع عنه قبل أن يفعل فعلا، بل وإن فعل
وأمكن تداركه، ولا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب عدم جواز النقل الذي يمكن أن
يكون المراد منه عدم تأثير النية نقلا في غير المواضع المستثناة التي عرفت تأثير النية فيها
لا أن المراد بطلان العمل بمجرد نية النقل كيفما كان، فيكون كالحدث من المبطلات
القهرية، إذ هو واضح الفساد، ضرورة عدم زيادته على نية الخروج التي قد عرفت
البحث فيها، وأن الأظهر عدم البطلان بها، فما عن نهاية الإحكام وكشف الالتباس
في النقل من النفل إلى الفرض من إطلاق بطلانهما معا بذلك لا يخلو من نظر، كالمحكي
عن البيان من أنه لو فعله فكنية الواجب لا يسلم له الفرض، وفي بقاء النفل وجه ضعيف
فعليك بالتأمل في المقام فإنه غير منقح في كلام الأعلام، والله هو العالم بحقائق الأحكام
في مسائل الحلال والحرام.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النية - الحديث 2
200

(الثاني)
من أفعال الصلاة
(تكبيرة الاحرام)
والافتتاح والدخول في العبادة التي بها يتحقق حرمة ما كان محللا قبلها من
الأكل والشرب والضحك ونحوها من منافيات الصلاة، كالتلبية بالاحرام بالحج،
(وهي) جزء من الصلاة قطعا، ضرورة كون أول الشئ منه، لا أنها لافتتاحها مع
خروجها كالتكبير للركوع والسجود مثلا كما حكي عن شاذ من العامة، بل هي (ركن)
تقدح زيادتها كما ستعرف (ولا تصح الصلاة من دونها ولو) كان قد (أخل بها
نسيانا) إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالنصوص (1) التي لا يصلح لمعارضتها ما
في بعض النصوص الآخر (2) من عدم البطلان بنسيانها من وجوه، خصوصا بعد
موافقتها في الجملة لبعض العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، بل قول الرضا (ع)
: (أجرأه) في صحيح ابن أبي نصر (3) منها في الذي نسي أن يكبر تكبيرة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 9 و 10 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 2 من كتاب الصلاة
201

الافتتاح حتى كبر للركوع صريح في المحكي عن جماعة منهم من اجتزاء الناسي لتكبيرة
الاحرام بتكبير الركوع، كصراحة قوله (ع) أيضا (1): (فليمض في
صلاته) فيمن نسي أن يكبر حتى دخل في الصلاة وكان من نيته أن يكبر، في المحكي
عن أخرى منهم أيضا من الاجتزاء بنية التكبير حال النسيان، على أن الشيخ قد حملهما
على الشك في الترك لا اليقين وإن كان بعيدا في البعض، بل لا يلائمه لفظ الاجزاء
ونحوه فيه، اللهم إلا أن يكون (ع) قد استبعد وقوع النسيان، وأن ذلك
نوع من الوسوسة، كما يومي إليه قوله (ع) أيضا في المرسل (2): (الانسان
لا ينسى تكبيرة الافتتاح) وقول أحدهما (ع) في خبر ابن مسلم (3):
(إذا استيقن أنه لم يكبر فليعد، ولكن كيف يستيقن) بل في خبر النية المزبور (4)
إشعار بذلك أيضا، فلا حظ، أو أنه غالبا يعبر عن الشك بالنسيان في العبارة العامية
المبتذلة، وفي كشف اللثام صحيح ابن أبي نصر يحتمل احتمالا ظاهرا أنه إذا كان
متذكرا لفعل الصلاة عنده أجزأه فليقرأ بعده إن تذكر ولما يركع ولم يكن مأموما ثم
ليكبر مرة أخرى للركوع، إذ ليس عليه أن ينوي بالتكبير أنه تكبير افتتاح كما في
التذكرة والذكرى ونهاية الإحكام للأصل إن لم يكن مأموما، وفيه - بعد الأعضاء
عن جريان الأصل وعن وجه التقييد بغير المأموم - أنه لا تلازم بين عدم وجوب نيته
أنه تكبير افتتاح وبين الاجتزاء بالتكبير المقصود أنه للركوع وإن كان لا خطاب به
حينئذ، لكن التعدد بزعم المكلف كالتعدد واقعا، فمتى شخصه المكلف لخيال تحقق
الخطاب لم يصلح بعد لغيره، كغيره من الأفعال المشتركة التي تقع على وجوه متعددة
وإنما تتشخص بالنية، بل ولا بينه وبين الاجتزاء بتكبير لم يقصد فيه إلا أنه للصلاة في

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 10 - 11 - 2 - 9 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 10 - 11 - 2 - 9 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 10 - 11 - 2 - 9 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 10 - 11 - 2 - 9 من كتاب الصلاة
202

الجملة، ثم اختار جعله بعد ذلك افتتاحيا.
وما يقال - ليس في الأدلة إلا اعتبار افتتاح الصلاة بالتكبير وأنه أول الصلاة
ولا ريب في صدقه على الثاني، بل والأول، إذ قصد أنه للركوع بعد إن لم يكن هناك
خطاب به لم يخرجه عن صدق كونه تكبيرا، فإذا ألحقه بعد ذلك بالقراءة مثلا وغيرها
من أفعال الصلاة صدق عليه أنه افتتح الصلاة بالتكبير، وكان أول صلاته التكبير،
إذ هو حينئذ كجزء قصد به لصورة خارجية تشخصه فعدل عنها وجعل لصورة أخرى
بعد فرض صلاحيته لهما، ضرورة اتحاد الصورة الذهنية والخارجية في ذلك - واضح
البطلان، ضرورة الفرق بين ما نحن فيه وبين الصورة الخارجية، إذ هو من الأفعال
التي من مقومات تشخصها النية بخلاف تلك، على أنه لا ينبغي إنكار ظهور الأدلة في
المقام فيما لا يشمل مثل هذا الفرد، وفي انسياق إلزام المكلف بتكبير في أول الصلاة
بحيث لو تنبه وتفطن لاستحضر أنه أول الصلاة إلى الذهن، بل قد يقال باقتضاء مقارنة
النية له وإن كانت الداعي وجوب استحضار ما يلزم ذلك، ومرادنا بعدم وجوب قصد
الافتتاحية أنه لا يجب عليه استحضار ذلك حال التكبير.
وكذا ما عساه يقال من أن التكبير كباقي أجزاء الصلاة، فكما أن النية الأولى
تؤثر في الأجزاء اللاحقة بحيث لا يقدح عدم نية المكلف لها حالها، بل ولا نية خلافها
كالقصد بالتكبير للسجود مثلا وهو في حال الركوع، وكالتكبير بقصد السجدة الثانية
وكان في الأولى، فكذا تكبيرة الاحرام يكفي في وقوعها له النية للصلاة وإن تخيل أنها
للركوع، إذ نيته أنها للركوع في الحقيقة تفصيل لتلك النية الأولى وتأكيد لها، فإذا
فرض عدم المصادفة بقي تأثير الأصل فيه وذهب التأكيد، وربما يشير إليه في الجملة
النصوص (1) المتضمنة لعدم البأس بالغفلة عن الفريضة في الأثناء حتى أتمها على أنها

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النية من كتاب الصلاة
203

نافلة، فإن فيه أيضا الغفلة عن الفرق بين أول العمل وبين غيره، إذ الثاني ربما يقال
بالاكتفاء فيه بتلك النية المقارنة لأول العمل، لصدق النية لجميع أجزاء العمل بذلك،
وبتلبسه ودخوله فيه لم يحتج بعد إلى نية أجزائه، بل ولا يقدح نية الخلاف فيه أيضا
بخلاف الأول، إذ لم يصدق التلبس بالعمل والدخول فيه عليه حينئذ كي تتبع باقي الأجزاء
إذ التحقيق خروج النية، وأنها شرط، بل لو قلنا بجزئيتها أيضا فكذلك، لأنه إنما
يتحقق بالتكبير الدخول في العمل وانعقاده وصيرورة المكلف في حبس الصلاة بحيث
يحرم عليه الابطال، كما هو واضح، وإلا لو فرض اتحاد تكبيرة الاحرام وباقي الأجزاء
في الحكم المزبور لوجب الحكم باحرامية تكبيرة الركوع مطلقا وإن لم يذكر إلا بعده،
وصحيحة ابن أبي يعفور والبقباق (1) صريحة في خلافه، كما أن غيرها ظاهر فيه فلاحظ.
على أن ذلك كله إن لم يفد الجزم بما قلنا فلا ريب في أنه يفيد الشك في الاجتزاء
بمثل هذا الفرد من الصلاة، للشك في إرادة ما يشمل مثله من الأمر بالصلاة وإن قلنا
بأنها للأعم، إذ هو لا ينافي الشك في إرادته منه كباقي المطلقات التي يتفق وقوع
الشك في إرادة بعض أفرادها، بل قد يقال بالاجمال مع القول بالأعمية، لكنه إجماع
في المراد بدعوى ظهور إرادة فرد خاص من نحو (أقيموا الصلاة) ولم نعلمه، لا أن
المراد المسمى وخرج معلوم الفساد الذي هو أضعاف الداخل وبقي الباقي، وكيف وقد
ادعى بعضهم مثل ذلك في البيع ونحوه حتى أنه نزل قوله تعالى (2): (أحل الله
البيع) على بيع مخصوص معهود، والصلاة أولى منه بذلك قطعا، فتأمل جيدا.
فظهر من ذلك كله أنه لا يتجه حمل الخبر المزبور على ذلك، كما أنه لا يتجه أيضا
حمله على المأموم الذي يكتفي بتكبيرة واحدة للاحرام والركوع عند الضيق،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
(2) سورة البقرة - الآية 276
204

للصحيح (1) (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: إذا جاء الرجل مبادرا والإمام
راكع أجزأه تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع) ونحوه الموثق (2) وهو المحكي
عن الإسكافي والشيخ في خلافه مدعيا عليه إجماع الفرقة، وكأنه مال إليه الشهيد في
الذكرى، كما أنه جزم به في الحدائق، إذ هو كما ترى يأباه ظاهر الخبر المزبور وإن
كان التداخل في حد ذاته هنا قويا للدليل المذكور الحاكم على أصالة عدم تداخل الأسباب
وغيرها مما يقرر هنا، نحو ما سمعته في الأغسال الواجبة والمندوبة، فلا حظ، وأما صحيح
زرارة (3) قال لأبي جعفر (ع): (الرجل ينسى أول تكبيرة من الافتتاح
فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبر ثم قرأ ثم ركع، وإن ذكرها في الصلاة كبرها في
قيامه في موضع التكبير قبل القراءة وبعد القراءة، قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة قال:
فليقضها ولا شئ عليه) فمع قصوره بما سمعت ويجري فيه بعض ما عرفت يحتمل إرادة
نسيان إحدى تكبيرات الافتتاح المندوبة منه، ولا ينافيه تداركها قبل الركوع، إذ
لعلها كالجزء الواجب يتدارك ما لم يدخل في الركن الآخر، فتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (صورتها أن يقول: الله أكبر) عند علمائنا كما عن المعتبر
والمنتهى للأصل في وجه، ولأنه المتعارف من التكبير والمعهود من صاحب الشرع
وأتباعه، ففي المرسل (4) (كان رسول الله صلى الله عليه وآله أتم الناس صلاة
وأوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم) فيجب
التأسي به هنا، لقوله صلى الله عليه وآله: (5) (صلوا كما رأيتموني أصلي) فلا

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 8
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 11
(5) صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125
205

يرد عدم معرفة الوجه بناء على اعتبارها في التأسي، بل ولا أن مثل هذا الفعل لا يصلح
مقيدا للمطلق، مضافا إلى المروي (1) عن المجالس باسناده في حديث (جاء نفر من
اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله - إلى أن قال -: وأما قوله: والله أكبر
لا تفتتح الصلاة إلا بها) لا أقل من أن يكون ذلك كله سببا للشك في الامتثال بغير
هذه الصورة وفي إرادته من المطلقات بناء على عدم الاجمال.
(و) حينئذ (لا تنعقد الصلاة بمعناها) سواء أدي بلغة عربية غيرها وإن
رادفتها أو فارسية أو غيرهما (و) كذا (لو أخل بحرف منها لم تنعقد صلاته) قطعا
إذا كان لحنا، أما نحو همزة الوصل في لفظ الجلالة عند الوصل بلفظ النية مثلا أو بالأدعية
الموظفة أو بالتكبيرات المندوبة أو نحو ذلك فقد صرح جماعة بعدم الحذف فيها وإن
جعلوا المثال الأول، وعللوه بأنه من خواص الدرج ولا كلام قبل تكبيرة الافتتاح،
فلو تكلفه بأن تلفظ بالنية التي هي أمر قلبي فقد تكلف ما لا يحتاج إليه، وما وجوده
كعدمه فلا يخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعا، وهو كما ترى، ومقتضاه القطع حتى
مع الدرج المزبور، لكن في المدارك أنه منه يظهر حرمة التلفظ بالنية مع الوصل،
لاستلزامه مخالفة اللغة أو الشرع، قلت: الشأن في إثبات وجوب القطع في الشرع،
إذ دعوى أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأت بها إلا مقطوعة عن الكلام السابق
لا شاهد لها لو سلمنا دلالة مثله ولم نقل أنه لا ينافي ما دل على عدم اعتبار غير الجريان
على القانون العربي فيها وفي غيرها من الأذكار الصلاتية، اللهم إلا أن يقال: إن المتيقن
من فعل النبي والصحابة والتابعين ذلك، فالاقتصار عليه هو المناسب للاحتياط،
خصوصا مع عدم معروفية المخالف بخصوصه، بل نفاه في المفاتيح، لكن غيره نسبه إلى
البعض، ومع ما في صحيح ابن سنان (2) عن الصادق (ع) (الإمام تجزيه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 12 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 12 3
206

تكبيرة واحدة ويجزيك ثلاث مترسلا إذا كنت وحدك) والترسل كما في بعض كتب
اللغة وصرح به في الوافي التأني والتثبت، وهو إنما يناسب القطع، ولا ينافيه ثبوت الندب
في الاثنتين، ولعله لذا قال في المنظومة:
ونقص جزء مبطل كالكل * ولو كهمز الوصل حال الوصل
ولو عرف (الأكبر) خالف الصورة الثابتة بما سمعت، فتبطل صلاته عند أكثر
أهل العلم كما عن المنتهى لما عرفت، بل حكي الاتفاق عليه إلا من الإسكافي فكرهه
كالمحكي عن الشافعي، ولا ريب في ضعفه، ولو أتمه بما ورد في النصوص (1) من أنه
المقصود منه، كقول من كل شئ أو من أن يوصف بقيام أو قعود أو يلمس بالأخماس
أو يدرك بالحواس أو غير ذلك مما هو داخل في الكبرياء والعظمة فقد صرح في القواعد
وغيرها بالبطلان أيضا، وإن كان إقامة الدليل المعتد به عند القائلين بحجية الظن
المخصوص عليه مع القول بالأعمية في لفظ الصلاة ونحوها، بل والقائلين بالوضع الصحيح
لدخوله تحت إطلاق الأمر بالتكبير لا يخلو من إشكال، وليس إلا الوقوف على المتيقن
من فعله (صلى الله عليه وآله)، أو دعوى تناول قوله صلى الله عليه وآله (2): (ولا تفتتح الصلاة
إلا بها) لذلك بملاحظتها مجردة عن الوصل بشئ من ذلك، وهو الذي قربه العلامة
الطباطبائي في منظومته، فقال:
وإن يزد شيئا عليها بالطرف * فالأقرب البطلان مثل ما سلف
من ذاك أن يضيف تفضيلا ومن * ذلك أن يقرنه بلفظ من

(1) المستدرك - الباب - 36 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 7 والوسائل
الباب 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 10
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 12
207

وأما ترك الاعراب في آخرها ففي المفاتيح أنه يستحب لحديث (1) (التكبير
جزم) ومقتضاه جواز الاعراب وعدم الوقف، وهو كذلك للأصل، وإطلاق
الأدلة مع قصور الخبر المزبور عن إفادة الوجوب، بل لعل الأحوط الاعراب عند
عدم الوقف، وإلا كان غير جار على القانون العربي، والاقدام على جوازه للخبر
السابق المحتمل تخصيصه بالأذان والإقامة لا سائر أفراد التكبير مع ما في الحدائق من
أنه عامي لا يخلو من نظر.
وعلى كل حال (فإن لم يتمكن من التلفظ بها كالأعجم لزمه التعلم) مع رجائه
بلا خلاف للمقدمة كما يجب تعلم الفاتحة، خلافا لأبي حنيفة فلم يوجب العربية مطلقا،
ولا يعتبر إحرازه القدرة على ذلك، بل العجز مسقط، فيجب حينئذ السعي حتى يعلم
العجز، بل هو كذلك وإن استلزم سفرا أو غيره كنظائره من المقدمات، نعم يسقط
في كل مكان تسقط فيه المقدمة كما لو استلزمت ضررا أو قبحا يعلم من الشرع عدم
التكليف معه، وسقوط طلب الماء بالأقل من ذلك الدليل لا يقتضيه هنا، خصوصا
وقد فرق بينهما بالاعتبار، فإن التعلم ينتفع به طول عمره بخلاف الماء، فإن استصحابه
للمستقبل غير ممكن، والعمدة ما قلناه.
(و) حينئذ (لا يتشاغل بالصلاة مع سعة الوقت) ورجاء التعلم لما عرفته،
وليس ذا من ذوي الأعذار الذين احتمل فيهم، بل قيل بعدم وجوب الانتظار وإلا
سقط وجوب التعلم، ضرورة عدمه قبل الوقت وبعد الصلاة في أوله، واحتمال الصحة
وإن أثم بترك التعلم كما في آخر الوقت يدفعه أنه لا جهة للإثم، لأن وجوب التعلم إنما
يتعلق به في وقت الصلاة كتحصيل الماء والساتر، فكما لا تصح الصلاة عاريا في أول

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 3
208

الوقت إذا قدر على تحصيل الساتر، وتصح في آخره وإن كان فرط في التحصيل فكذا
ما نحن فيه، بل قد يحتمل في مثل المقام - الذي لم يرد فيه دليل على البدلية بل جاءت
من حكم العقل - أنه يأثم بترك التعلم، ولا تصح صلاته في آخر الوقت، لأن الامتناع
بالاختيار لا ينافي الاختيار، ولأنه لو قيس حاله بحال السادة والبعيد لجزم أهل العرف
بذلك، فما دل حينئذ (1) على سقوط العربية والاجتزاء ببدلها غير شامل لمثل ذلك،
ولعله لذا نص في المحكي عن نهاية الإحكام وكشف الالتباس على عدم الصحة فيمن
فرط بترك التعلم حتى ضاق الوقت، وأنه تجب عليه الإعادة بعد التعلم، وهو لا يخلو
من وجه، وإن كان ظاهر الأصحاب عدم الفرق بين التقصير وغيره، وستعرف وجهه
في القراءة إن شاء الله، كما أنه يحتمل وجوب التعلم في مثل الفرض في سائر الوقت من
غير فرق بين ما بعد الوقت وقبله لا لوجوب ذي المقدمة، بل لأن أهل العرف يفهمون
الوجوب في مثله، كما يتضح بفرضه في السيد والعبد مع فرض عدم السبيل إلا قبل
الوقت، فتأمل جيدا.
(فإن ضاق) الوقت عن التعلم أو لم يطاوعه لسانه بحيث تحقق العجز عنده،
قيل: أو لم يجد من يعلمه ولا سبيل إلى المهاجرة (أحرم بترجمتها) من باقي اللغات
وجوبا، لأنه هو المستطاع من المأمور به، ولأنه هو الذي ينتقل إليه الذهن من مثل
هذه الأوامر هنا، خصوصا بعد استقراء ما ورد (2) في الأخرس وسائر المضطرين
في الأقوال والأفعال في الصلاة، وفحوى ما ستسمعه في الأخرس، ولعل ذا أو ما
يقرب منه مراد من علله بأنه ركن عجز عنه فلا بد له من بدل، والترجمة أولى ما يجعل
بدلا منها، وبأن المعنى معتبر مع اللفظ، فإذا تعذر اللفظ وجب اعتبار المعنى، يعني أنه

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب القراءة في الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة
209

يجب لفظ العبارة المعهودة في تأدية المعنى وإن كان لا يجب اخطاره بالبال، فإذا لم يتيسر
ذلك اللفظ لم يسقط المعنى، بل يؤدى بعبارة أخرى، مضافا إلى شهرته بين الأصحاب
شهرة كادت تكون إجماعا، بل ظاهر نسبة السقوط إلى بعض العامة أنه كذلك وإن
احتمله بعض أهل الجمود منا، نعم عبر غير واحد بلفظ الجواز، والمراد منه الوجوب
إذ الظاهر كما في كشف اللثام أنه متى جاز هنا وجب، ولعله لكونه ركنا للواجب
الذي لا يتصور فيه ولا في أجزائه الجواز بالمعنى الأخص، ويفسده كلام الآدميين.
ولا يخير بينها وبين سائر الأذكار فضلا عن أن يقدم عليها وإن فرض عربيتها
كما عن نهاية الإحكام التصريح به، لأنها هي البدل عن التكبير لغة وعرفا، ضرورة
مرادفتها للعربية في إفادة المعنى دون غيرها، أما ما أدى معناها من الأذكار العربية
نحو الله أجل وأعظم ففي كشف اللثام يقدم عليها، ولا يخلو من تأمل مع فرض
عدم الترادف.
ثم إن ظاهر المتن عدم تقدم لغة على أخرى في البدلية، وهو كذلك كما عن
نهاية الإحكام التصريح به أيضا وإن احتمل أولوية السريانية والعبرانية، لأنه تعالى
أنزل بهما كتبا، والفارسية على التركية والهندية، لنزول كتاب المجوس بها، وما قيل:
إنها لغة حملة العرش، بل عن جماعة التصريح بالأفضلية، بل ربما حكي عن بعض
الوجوب، وهو كما ترى، كاحتمال وجوب تقديم لغته على غيرها، وإن أشعرت به عبارة
القواعد، والمعروف في الترجمة بالفارسية (خداي بزركتر) بفتح الراء الأخيرة أو
كسرها، وهو لغة بعض الفارسيين، وفي لغة أخرى (بزرك تر است) لا (بزرك)
لعدم التفضيل فيه، لكن في كشف اللثام أن لفظ (خداي) ليس مرادفا لله، وإنما
هو مرادف للمالك، والرب بمعناه، وإنما المرادف له (ايزد) و (يزدان) قلت: وعليه
ينبغي الالتزام به بناء على اعتبار الترادف في الترجمة وإن كان لا يخلو من إشكال،
210

كما أنه لا يخلو منه أيضا التركيب من اللغتين فيما لو استطاع عربية أحد اللفظين، لخروج
الصيغة حينئذ عنهما، والله أعلم.
(والأخرس) الذي لا يستطيع أن (ينطق بها) صحيحة أتى بها (على قدر
الامكان) لأن كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر (1) ولأنه ما من شئ حرم الله
إلا وقد أحله لمن اضطر إليه (2) ولأنه هو المستطاع من المأمور به (3) وفحوى
ما ورد في الألثغ والألتغ والفاء فاء والتمتام، وما ورد في مثل بلال ومن ماثله
وفي الأخرس (4) الذي لا يستطيع الكلام أبدا الذي أشار إليه المصنف بقوله:
(فإن عجز عن النطق أصلا عقد قلبه بمعناها مع الإشارة) وزيد في القواعد وغيرها
تحريك اللسان، بل اقتصر بعضهم عليه والإشارة، كآخر مع التقييد بالأصبع، بل عن
المبسوط والتحرير الاقتصار على الأخير فقط وفي الإرشاد عليه والأول، وأضاف
في كشف اللثام إلى اللسان الشفة واللهوات، وعن نهاية الإحكام اشتراط العجز عن
تحريك اللسان في ذلك، كما هو ظاهر المحكي عن الموجز وشرحه.
وكيف كان فمستند الحكم خبر السكوني (5) عن الصادق (ع) (تلبية
الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه) للقطع
بإرادة بدلية ذلك عن كل ذكر يكلف فيه الأخرس من دون خصوصية للمذكورات،
خصوصا بعد ملاحظة فتوى الأصحاب، لكنه كما ترى خال عن ذكر عقد القلب

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 6
(3) تفسير الصافي سورة المائدة - الآية 101
(4) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث. 1
(5) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث. 1
211

بالمعنى، مضافا إلى عدم وجوب ذلك على الناطق فضلا عن، ومن هنا قال في كشف
اللثام: المراد عقد القلب بإرادته الصيغة وقصدها لا المعنى الذي لها، إذ لا يجب اخطاره
بالبال وفيه مع أنه خلاف الظاهر أنه إنما يتم في الأخرس الذي سمع التكبيرة وأتقن
ألفاظها ولا يقدر على التلفظ بها أصلا، ضرورة عدم إمكان ذلك في الخرس الذي
يكون منشأه الصمم خلقة أو عارضا كالخلقة، كما أنه كذلك بالنسبة إلى عقد القلب
بالمعنى إذا لو حظ إضافته إلى الصيغة، ولعلهم لا يريدونه، بل المراد المعنى الذي يمكن
تفهيمه إياه بالإشارة، وكأن اعتبارهم له بناء على أن الذي هو بدل عن اللفظ في التفهيم
ليس إلا هذه الإشارة المستلزمة لتصور المعنى، بل يمكن دعوى إشعار الإشارة بالأصبع
في الخبر المزبور به، إذ من المستبعد إرادة التعبد منها محضا، كما أنه من الممتنع إرادة
الإشارة بذلك إلى نفس اللفظ الذي هو الدال في بعض أفراد الخرس، وعدم إيجاب
إخطار المعنى على الناطق بل ولا معرفته أصلا، اعتمادا على اللفظ الدال في حد ذاته
عليه، بخلاف الإشارة التي لا تكون كاللفظ في تفهيم المعنى، إلا أن يعرف المشير المعنى
ويذكر ما يدل عليه من الحركات والكيفيات الفعلية، ومن هنا استحسن في كشف
اللثام نفسه ترك التقييد بالأصبع في نحو عبارة الكتاب، قال: لأن التكبير لا يشار إليه
غالبا بها، وإنما يشار بها إلى التوحيد، فحمل ما في الخبر المزبور على التشهد خاصة.
قلت: يحتمل إرادة اليد من الإصبع في الخبر جريا علي غلبة الإشارة من
الأخرس بها، بل قل ما يتفق إشارته بغيرها مستقلا عنها، ولعل معنى التكبيرة يبرزه
بها أيضا، فلا يكون حينئذ ما في الخبر راجعا إلى التوحيد خاصة، كما أنه بذلك يظهر
وجه تقييد الأكثر بها تبعا للنص، وقال في المدارك كغيره: إن الإشارة لما كانت
تقع للتكبير وغيره احتاجت في التشخيص له إلى عقد القلب بالمعنى، وليس المراد المعنى
المطابقي، بل يقصد التكبير والذكر والثناء في الجملة، ولا بأس به، ضرورة العسر
212

والحرج في التكليف بعقد القلب بتمام المعنى، بل لعله بالنسبة إلى بعض أفراد الخرس
تكليف ما لا يطاق، وأما تحريك اللسان فإنه وإن وجد في النص إلا أن المصنف لعله
تركه إدخالا له تحت الإشارة، خصوصا مع عدم تقييدها بالأصبع، وكان ذكر اللسان
في النص والفتوى جريا علي الغالب، فيحرك الشفة واللهات معه، نعم ما سمعته من
الترتيب بينهما لا دليل عليه، كما أنه لا دليل على ترتيب هذا التحريك على حسب
ترتيب الحروف، وستسمع في القراءة إن شاء الله زيادة التحقيق لذلك.
وبذلك كله اتضح لك عدم السقوط عن الأخرس كما عن بعض العامة،
واحتمله بعض أهل الجمود منا، وكأنه في الحقيقة خرق للاجماع، وظني أن الذي
دعاهم إلى ذلك استناد بعض الأصحاب في الحكم هنا إلى قاعدة عدم سقوط الميسور
بالمعسور ونحوها من الأمور التي من الواضح عدم جريانها في مثل هذه المقدمات،
وإنما تذكر اعتمادا على وضوح الحكم، أو في مقابلة العامة الذين يرتكبون غالبا مثل هذه
التجشمات، لا أنها هي المدرك حقيقة للحكم عندهم، كما هو واضح، والله أعلم.
(والترتيب فيها واجب) وكذا الموالاة، ف‍ (لو عكس) بأن قدم (أكبر)
على لفظ الجلالة أو فصل بينهما بلفظ أو زمان يغير الصورة (لم تنعقد الصلاة) بلا خلاف
لما عرفت مما دل على اعتبار الصورة المذكورة.
(و) كيف كان ف‍ (المصلي بالخيار في التكبيرات السبع أيها شاء جعلها تكبيرة
الافتتاح) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل ظاهر نسبته إلى أصحابنا من
بعضهم الاجماع عليه، كنفي الخلاف فيه من آخر صريحا، لاطلاق الأدلة إطلاقا كاد
يكون صريحا فيه، بل هو ظاهر خبر الحلبي (1) وغيره المشتمل على دعاء التوجه المشعر
بكون الأخيرة تكبيرة الاحرام، ومن هنا نص على أن دعاء التوجه بعدها وأنه أبعد

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
213

من عروض المبطل، وأقرب إلى لحوق لاحق بالإمام، وأنه هو الموافق لما ورد (1)
في النصوص عن النبي صلى الله عليه وآله (إنه كان يجهر بواحدة ويسر ستا)
ضرورة أن التي يجهر بها هي تكبيرة الاحرام لاعلام المأمومين الدخول في الصلاة، ولذا
اتفق الأصحاب على اختصاص الجهر بها كما ستسمعه في المسنونات، والظاهر أنها
الأخيرة كما يشهد له ما حكي (2) عنه صلى الله عليه وآله أيضا (إنه كان صلى الله
عليه وآله إذا دخل في صلاته يقول: الله أكبر بسم الله) ولذا ربما ظن أنه صلى الله
عليه وآله لم يكن يكبر إلا تكبيرة واحدة لسره الست، كما أو ماء إليه بعض النصوص (3)
الآتية في المسنونات، مضافا إلى أنه لو كان يقدم تكبيرة الاحرام لم يكن وجه لسره
الباقي، إذ هو مناف لما دل (4) على استحباب إسماع الإمام المأمومين كما يقوله في الصلاة
وتخصيصها بذلك ليس أولى من إبقائها على عمومها مع القول بتقدمها على تكبيرة
الافتتاح، إذ لا يستحب حينئذ إسماعها المأمومين، إما لخروجها عن الصلاة حينئذ،
أو لظهور ما دل على استحباب الاسماع فيما بعد تكبيرة الاحرام، لأنه حينئذ بها تتحقق
الإمامية والمأمومية كما هو واضح.
ومن ذلك يظهر وجه دلالة سائر النصوص المتضمنة لسر الإمام ستة والجهر
بواحدة على الأخيرة، ولعله لذا مع الخروج عن شبهة الخلاف صرح جماعة من
الأساطين باستحباب جعلها الأخيرة وإن أنكر عليهم بعض متأخري المتأخرين - منهم
الإصبهاني في كشفه - وجود الدليل على ذلك، وهو عجيب، إذ هو صريح الفقه
الرضوي (5) الذي هو حجة عنده، قال: (واعلم أن السابعة هي الفريضة، وهي تكبيرة

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 11
(4) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3
(5) فقه الرضا عليه السلام ص 7
214

الافتتاح، وبها تحريم الصلاة) وما أبعد ما بينه وبين القائلين بوجوب جعلها كذلك
كظاهر أبي المكارم أبي الصلاح وسلار فيما حكي عنهم، بل ظاهر الأول الاجماع عليه
وإن كان هو ضعيفا، إذ الاجماع في غاية الوهن، بل غيره أولى بالدعوى منه كما لا
يخفى على الممارس العارف، وغيره قاصر عن إفادة الوجوب، خصوصا بعد معارضته
بظاهر جملة من النصوص الظاهرة في أنها الأولى كخبري صفوان (1) وزرارة (2)
المشتملين على تعليل السبع بأن النبي صلى الله عليه وآله كبر للصلاة والحسين (عليه
السلام) إلى جانبه يعالج التكبير ولا يحيره، فلم يزل يكبر ويعالج الحسين (ع)
حتى أكمل سبعا فأحار الحسين (ع) في السابعة، بل قيل؟ وكصحيح زرارة
أيضا (3) عن أبي جعفر (ع) (الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة
المواقفة - إلى أن قال -: ولا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته، ولكن
يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه) والحلبي (4) عن الصادق (ع) (إذا
افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات) بناء على إرادة
تكبيرة الاحرام من الافتتاح، لأنه بها يحصل حقيقة، وإطلاقه على غيرها مجاز للمجاورة
وصحيح زرارة (5) أيضا المتقدم آنفا عن أبي جعفر (ع) أيضا (في الرجل
ينسى أول تكبيرة الافتتاح) إلى آخره، إذ الظاهر إرادة الاحرامية، واشتماله على
ما لا نقول به لا يخرجه عن الحجية هنا.

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1 لكن رواه
عن حفص
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب صلاة الخوف والمطاردة - الحديث 8
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 8
215

ولعله لذلك كله أو بعضه جزم جماعة من متأخري المتأخرين بتعيين الأولى
وإن كان هو أيضا ضعيفا، ضرورة قصورها عن معارضة غيرها، خصوصا إجماعات
التخيير الذي هو مقتضى إطلاق الأدلة، ومقتضى الجمع بين إمارتي الأخيرة والأولى
على أن العمدة في هذه النصوص أخبار إحارة الحسين (ع)، وهي - مع عدم
صراحتها، وتضمنها الفعل الذي لا يصلح لتقييد المطلق، واضطرابها في الجملة في حكاية
القصة عن الحسن والحسين (ع)، ومعارضتها بالنصوص (1) المعللة للسبع
باختراق الحجب وغيره لا تقتضي إلا وقوع ذلك منه صلى الله عليه وآله في أول المشروعية
لا أنه كان كذلك دائما، ودعوى ظهور قوله (ع): (وجرت السنة بذلك)
في السبع وأن الأولى الاحرامية ممنوعة، بل المراد الأول خاصة، وأما صحيح زرارة
الوارد في المواقفة فلا تعرض فيه للسبع، بل المراد منه الاستقبال بأول الصلاة، وهو
التكبير دون غيره من أجزاء الصلاة كالقراءة والركوع ونحوهما، وصحيح الحلبي ظاهر
بل صريح عند التأمل فيه وفي غيره من النصوص في إرادة بيان الافتتاح بما بعد (ثم)
فيه، وصحيح زرارة الآخر قد عرفت البحث فيه سابقا، مع أنه لا دلالة فيه على
وجوب تعيين الأولى، بل ولا في صحيح الحلبي، ولقد أجاد في الرياض في نفيه الدلالة
في جميعها على ما عدا الجواز من الرجحان وجوبا أو استحبابا قال: وإن توهم حتى
لأجله قيل بعكس ما في الرضوي مع أنه لا قائل به من معتبري الطائفة.
وكيف كان فالظاهر بطلان الصلاة بناء على تعيين الأخيرة لو عكس فجعلها أولى
مثلا، لثبوت التشريع حينئذ بالست في أثناء العمل، مع احتمال العدم، أما على تقدير

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 5 و 7 والباب 1
من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 10
216

تعيين الأولى فالظاهر الصحة وإن جعلها أخيرة، للبطلان فيما تقدمها حينئذ لا فيها،
ضرورة صلاحيتها بعد لأن تكون أولى بتعقيبها بالست الباقية، واحتمال البطلان لثبوت
التشريع في وصف الأخيرية اللاحق لها في فعل المكلف ضعيف جدا.
هذا كله بناء على اتحاد تكبيرة الاحرام كما هو المجمع عليه نقلا إن لم يكن
تحصيلا وإن تخير المكلف في وضعها أو تعين عليه، ويشهد له أمر الإمام بالجهر بواحدة
وإسرار الباقي لأعلام المأمومين، والتعبير بتكبيرة الافتتاح في جملة من النصوص وما
سمعته من أخبار إحارة الحسين (ع) المقتضية بظاهرها أن ذلك هو الذي
مضى عليه الناس في صدر الاسلام، وإنما زيد بعد ذلك للعلل المزبورة، إلى غير ذلك.
أما إذا قلنا بتخيير المصلي بين الافتتاح بواحدة وثلاث وخمس وسبع، ومع
اختيار كل منها يكون فردا للواجب المخير نحو ما يقال في تسبيحات الركوع والسجود
- كما حكاه المجلسي - عن والده مؤيدا له بأنه الأظهر من أكثر الأخبار، بل بعضها
كالصريح في ذلك، وهو كذلك، ومن الغريب إنكار ظهور النصوص في ذلك في
الحدائق، وكيف وفي خبر أبي بصير (1) منها عن الصادق (ع) (إذا افتتحت
الصلاة فكبر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا، وكل
ذلك مجز عنك) ونحوه غيره، وشبهة التخيير بين الأقل والأكثر يدفعها جعل المدار
في الامتثال النية، لخروجه عن الأقل والأكثر لتغايرهما حينئذ، وعدم اندراج الأقل
حينئذ في الأكثر، بل يكون مقابلا له، أو يقال: إن الواحد المقتصر عليه غير الداخل
في جملة غيره، والمراد التخيير بين الواحد وغيره مع ملاحظة قيد الوحدة التي ينافيها
إضافة غيرها معها مثلا، أو يقال: إن الأكثر فرد للامتثال بالأمر بالطبيعة كالأقل
وأنه بالتكرير للفعل لا تتعدد الطبيعة المأمور باتيانها، فحينئذ إن اقتصر على الفرد الواحد

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 3
217

امتثل به، وإن جاء بغيره معه امتثل به أيضا - فلا إشكال حينئذ في عدم وجوب
التعيين بالمعنى المتقدم، إلا أن ذلك كله يجب الخروج عنه بعد أن عرفت إجماع
الأصحاب هنا على اتحاد التكبيرة.
نعم قد يتأمل في وجوب تعيينها من بين السبع لاطلاق الأدلة، بل لعل المزج
الموجود فيها من غير أمر بالتعيين كالصريح في ذلك، وإلا كان إغراء بالجهل، اللهم
إلا أن يقال: إنهم (ع) اتكلوا في تعيينها على الأمر بمقارنة النية للعمل،
فأي تكبيرة حينئذ قارنتها النية كانت هي تكبيرة الاحرام، وفيه - مع احتمال جواز
تقديم النية هنا كتقديمها عند غسل اليدين للوضوء - أنه لا يتم بناء على أنها الداعي،
لغلبة حضوره مع السبعة، قال المجلسي فيما حكي من بحاره: (وما ذكروه من أن كلا
منها قارنتها النية فهي تكبيرة الاحرام إن أرادوا نية الصلاة فهي مستمرة من أول
التكبيرات إلى آخرها، مع أنهم جوزوا تقديم النية في الوضوء عند غسل اليدين لكونه
من مستحبات الوضوء، فأي مانع من تقديم نية الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة
فيها، وإن أرادوا نية تكبيرة الاحرام فلم يرد ذلك في خبر، وعمدة الفائدة التي تتخيل
في ذلك جواز إيقاع منافيات الصلاة في أثناء التكبيرات، وهذه أيضا غير معلومة،
إذ يمكن أن يقال بجواز ايقاع المنافيات قبل السابعة وإن قارنت نية الصلاة الأولى،
لأن الست من الأجزاء المستحبة، أو لأنه لم يتم الافتتاح بناء على ما اختاره الوالد
(رحمه الله)) والظاهر أن مراده جواز إيقاع المنافيات لعدم العلم حينئذ بحصول الاحرام
إذ هو مع عدم تعيينه يحصل في ضمن السبعة مثلا وإن كان بواحدة منها، فقبل حصول
تمامها يجوز له فعل المنافيات، وبعده يحرم بالأخيرة أي عندها، وإن كانت الأخيرة
في فعل المكلف غير متعينة، فتارة تكون السابعة وتارة تكون غيرها، لا أنه له ذلك
وإن قصد الاحرام بالأولى لأن ما عداها أجزاء مستحبة كما فهمه منه في الحدائق،
218

ضرورة عدم الجواز بعد تحقق الاحرام وإن كان المصلي متشاغلا بالمستحب، وإلا لجاز
فعل المنافي في حال القنوت، فانكار المحدث المزبور عليه حتى أنه ربما أساء الأدب مبني
على إرادته ذلك، ومرتبته أجل من أن ينسب إليه ما لا يخفى على أصاغر الطلبة.
هذا كله إن لم نقل بتعيين الأولى أو الأخيرة للاحرام، وإلا كان القول بعدم
تعيين المكلف لها بالنية متجها لتعينها في نفسها حينئذ، فإذا نوى الصلاة فكبر سبع
تكبيرات مثلا مستصحبا للداعي أجزأه ذلك، لأنه إنما نوى الصلاة على ما هي عليه في
الواقع، والفرض أن احرامها الأولى أو الأخيرة، كما أنه قد يتجه ذلك أيضا لو لم
نقل به بل قلنا: إن المكلف به طبيعة التكبير الذي يتحقق بالواحدة، وهي التي يتحقق
بها الاحرام، فهو إذا نوى الصلاة وكبر حصلت الطبيعة الواجبة، والمستحبة حينئذ
إضافة ست إليها كي تكون سبعة على حسب الأمر بطبيعة التسبيح في الركوع والسجود
الذي لا ريب في وقوع الامتثال فيه بأول تسبيحة وإن لم يكن قد عينها بنيته له،
لا يقال: إن ذلك ينافي التخيير في وضعها أولا وأخيرا المفتى به بين الأصحاب، بل
كاد يكون إجماعا، لأنا نقول: ليس المراد أن المستحب مأخوذ فيه وقوعه بعد الواجب
فلا بد أن يكون الواجب أولا، بل المراد أنه لما كلف واجبا بطبيعة التكبير وفرض
ثبوت الندب في عدد مخصوص لم يعتبر فيه تقدم ولا تأخر استفيد منه وإن كان هو
بأمر واحد أن له تعيين المندوب أولا أو آخرا، وأنه إن لم يعين كان ما يقع منه أولا
للواجب، وبالجملة هذا الأمر المزبور له جهتا اتحاد وتعدد، فعند عدم التعيين ينصرف
الواقع إلى مقتضى اتحاد الأمر من وقوع الواجب بأول ما يقع منه، لصدق حصول
الطبيعة منه، والمستحب بعده، وعند التعيين يتعين الثاني، لأنه حينئذ كالأوامر المتعددة
التي شخص الامتثال لكل واحد منها، واستفادة هذا التعدد من مثل قوله: (كبر
ثلاث تكبيرات) أو (سبح ثلاث تسبيحات) ليس بعجيب، فحينئذ التخيير الذي في
219

كلام الأصحاب لا ينافي الحكم بالصحة مع تعين الأولى للاحرام لو فرض عدم تعيين
المكلف لها بل اقتصر على نية الصلاة خاصة، وبه يتم المزج الموجود في النصوص وعدم
الأمر بالتعيين، وهو مع التأمل في غاية الجودة إن لم يحصل إجماع على خلافه، وعلى
أن تكبيرة الاحرام باعتبار ما يلحقها من الأحكام صارت نوعا آخر مغايرا لباقي
التكبيرات، فوجب حينئذ تعيينها ولو بما يقتضي تعينها من اللوازم كغيرها من الأفعال.
المشتركة التي لا تتشخص إلا بالنية، وأنه لا امتثال عقلا ولا عرفا في مثل العبادات
إلا بتعيينها، فتأمل جيدا، والله أعلم بحقيقة الحال.
(ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ونوى الافتتاح بطلت صلاته) بلا خلاف
أجده فيه بين القدماء والمتأخرين كما اعترف به بعضهم صريحا وآخر ظاهرا، للأصل
والأمر باستقبال الصلاة لمن زاد في صلاته (1) ولعله إليه أشار بعضهم بتعليله البطلان
بأن الثانية غير مطابقة للصلاة، ضرورة إرادته أنه زاد فيها جزء على ما شرع، فلا تكون
مشروعة، كالتعليل في التذكرة بأنه فعل منهي عنه فيكون باطلا ومبطلا، ونحو ذلك
مما هو راجع إليه، أو مبني على قاعدة الشغل وإجمال العبادة، إلا أن الجميع كما ترى
لا خصوصية فيه للتكبير كي يستفاد منه الركنية بالخصوص كغيره من الأركان، ولعله
لذا مع الاعراض عن مثل هذه التعليلات تأمل بعض متأخري المتأخرين في ركنيته
بالمعنى المصطلح، واقتصر في البطلان على خصوص الترك ولو نسيانا للأدلة التي عرفتها
دون الزيادة، وهو لا يخلو من وجه تعرفه في أول بحث القيام بناء على الأعمية لولا
اتفاق الأصحاب هنا ظاهرا على البطلان.
نعم قد يتأمل في البطلان به حال السهو كما في كشف اللثام لقصور تلك
النصوص (2) عن إفادته، فليس إلا قاعدة الركنية المبنية على إجمال العبادة، وأنها

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
220

اسم للصحيح، وقد حققنا في الأصول خلافها، اللهم إلا أن يدعى تناول النص
المزبور (1) له، وأنه لا ينافيه خروج ما خرج وإن كان أضعاف الداخل، لأنه ليس
من العموم اللغوي الذي يقبح فيه ذلك، وفيه بحث، أو يدعى عدم تناول المراد من
إطلاق الأدلة لمثله بمعونة اتفاق الأصحاب ظاهرا عليه، أو يدعى إرادة الفعل والترك
من نحو قوله صلى الله عليه وآله (2). (صلوا كما رأيتموني أصلي) خصوصا مع
إمكان إشعار تشبيه التكبير في الصلاة بالأنف في الوجه في بعض النصوص (3) باعتبار
اتحاده فيها كالأنف في الوجه، فتأمل، ولا ريب أنه الأحوط.
وكيف كان فظاهر المتن كصريح غيره أنه لا يعتبر في البطلان نية الصلاة معه،
لأنه بقصده الافتتاح يصير ركنا، ولا يقدح فيه عدم مقارنة النية التي هي شرط في
صحة الصلاة لا لكونه للافتتاح، فإن المتصور في زيادة أي ركن كان هو الاتيان
بصورته قاصدا بها الركن كما لو أتى بركوع ثان لامتناع ركوعين صحيحين في ركعة
واحدة، بل قد يقال بعدم اعتبار نية الافتتاح في الابطال به بناء على أن منشأها
ما عرفته من الزيادة للأصل أو للنص أو لغيرهما، وكان اعتبارهم لذلك بناء منهم على
ركنيته، وأن البطلان من حيث زيادة الركن لا من مطلق الزيادة وإن كان فيه ما فيه.
ثم لا يخفى أن بطلان التكبيرتين في الفرض مبني على عدم الخروج عن الصلاة
بنيته، أو على عدم لزوم نية الافتتاح لذلك مع فرض الاقتصار عليها، أو على أنه إنما
نوى الصلاة ثانيا بناء على جواز تجديد النية في الأثناء أي وقت أراد، لا على الخروج
منها وقرن النية بالتكبير سهوا، أو لزعم لزوم التكبير أو جوازه كلما جدد النية جاعلا له

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
(2) صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 6 و 12
221

جزء من الصلاة، وإلا فبناء على أنه نوى الخروج مع ذلك أو اقتصر على نية الافتتاح
وقلنا بلزومه لنية الخروج كما هو الظاهر وببطلان الصلاة بذلك صحت الصلاة بالتكبير
الثاني (و) لا حاجة حينئذ إلى قوله: ف‍ (إن كبر ثالثة ونوى الافتتاح انعقدت
الصلاة أخيرا)، لكن الظاهر أنه بناه على ما ذهب هو إليه من عدم الخروج عن الصلاة
بنية الخروج، فحينئذ ينحصر الابطال في التكبير الثاني، ويحتاج في الصحة إلى الثالث،
إذ الثاني مع إبطاله الأول ليس بقابل للعقد والاحرام والافتتاح، وكأنه مفروغ منه
عندهم حيث لم يتوقف فيه أحد منهم، بل ربما كان صريح الفاضل والمحقق الثاني، وهو
كذلك حيث يكون منهيا عنه، أما مع عدم النهي كما في حال السهو أو النافلة بناء على
عدم حرمة إبطالها وأنه لا تشريع فقد يشكل بأنه لا مانع من حصول الأمرين به
الابطال والصحة، ويدفع بأن بطلان التكبير الثاني لوقوعه في حال غير قابل للتأثير
والعقد، ضرورة عدم إمكان التأثير في حال صحة الصلاة، وهي إنما تنتفي بآخر جزء منه
أي الثاني، فكيف يتصور حينئذ صلاحيته للعقد والاحرام كما هو واضح.
ومنه يعلم حينئذ أنه لا وجه للقول بصحة صلاة من زعم تمام صلاته التي كان
متلبسا بها فأحرم لصلاة جديدة نافلة مثلا أو غيرها، نعم يمكن القول بعدم إبطال
هذا التكبير للمتلبس بها باعتبار أنه لم يأت به لها كي يحصل زيادة ركن فيها، مع أن فيه
أيضا بحثا واضحا.
وعلى كل حال فلا فرق في الصحة بالثالث بين أن يكون قد نوى الخروج أولا
بأن جدد النية ثالثا وقرنها بالتكبير، بل قيل: ولا بين أن يكون علم البطلان بالثاني
أولا، لأنه لم يزد شيئا في الصلاة وإن زعم أنه زاد، وهو كذلك إلا إذا فرض بحيث
تذهب النية معه، ولعل ذلك هو المدار، والله أعلم بحقيقة الحال.
(ويجب أن يكبر) للاحرام (قائما، فلو كبر قاعدا مع القدرة أو) و (هو
222

آخذ في القيام لم تنعقد صلاته) للأصل في وجه والصلوات البيانية (1) وإطلاق ما دل
على اعتبار القيام في الصلاة التي لا إشكال في جزئية تكبيرة الاحرام لها كقوله (ع)
في الصحيحين (2): (من لم يقم صلبه فلا صلاة له) وقوله (ع) (3):
(الصحيح يصلي قائما) ونحو ذلك، ضرورة عدم صدق قيام الصلب في جميع الصلاة
على من تركه حال التكبيرة، اللهم إلا أن يدعى إرادة اعتبار قيام الصلب في الجملة من
مثل هذه العبارة لاخراج صلاة القاعد مثلا، وهو لا يخلو من نظر، على أنه لو سلم ذلك
في مثل هذا التركيب فلا يسلم في مثل التركيب الثاني ونحوه، وخصوص الصحيح (4)
(إذا أدرك الإمام وهو راكع وكبر الرجل وهو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام
رأسه فقد أدرك الركعة) والموثق (5) عن الصادق (ع) قال: (سألت
أبا عبد الله (ع) عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة قال: يعيد
الصلاة، ولا صلاة بغير افتتاح، وعن رجل آخر عليه صلاة من قعود فنسي حتى قام
وافتتح الصلاة وهو قائم ثم ذكر قال: يقعد ويفتتح الصلاة وهو قاعد، وكذلك إن
وجب عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة وهو قاعد فعليه أن يقطع صلاته
ويقوم فيفتتح الصلاة وهو قائم، ولا يعتد بافتتاحه وهو قاعد) بل قد يظهر منه كغيره
أيضا اعتبار سبق القيام على التكبير كما هو مقتضى المقدمة أيضا، فلا يكفي مقارنة
التكبير لأول مصداق القيام حينئذ.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القيام - الحديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1
(5) التهذيب ج 2 - ص 353 - الرقم 1466 من طبعة النجف
223

كما أنه منه ومن الموثق الآخر (1) يستفاد أن القعود كالقيام مع فرض وجوبه
وهو كذلك، بل قد يلحق بذلك باقي الأحوال، ضرورة اشتراك الجميع في كون
كل منها بدلا واقعيا كالتيمم بدل الوضوء، فلا يجزي ولو مع النسيان لعدم الخطاب به
بل لعل التأمل الجيد في هذه النصوص يقتضي اعتبار ما يعتبر في القيام من الاقلال
ونحوه في التكبيرة كما أو ماء إليه الطباطبائي فيما تسمعه، فيكون ذلك كالشرط في التكبير
ولا مانع من كون الشئ جزءا من جهة وشرطا من جهة أخرى، ولا ينافي ذلك
عدم بطلان القراءة بنحو ذلك نسيانا، لأن أقصاه فوات القراءة نسيانا بفواته،
وفواتها غير قادح لعدم كونها ركنا، بخلاف التكبيرة والقيام المتصل بالركوع مثلا،
على أن يمكن أن يقال: إن القيام والطمأنينة فيه مثلا واجبان حال القراءة مثلا لا شرطان
لها، ويتفرع على ذلك حينئذ عدم وجوب إعادة القراءة لو تركهما فيها ناسيا لفوات المحل
باعتبار أن إعادتهما يقتضي إعادة القراءة جديدا، وقد امتثل الأمر بها، ولا أمر جديد
بها، نعم لو قلنا بشرطية ذلك فيها على وجه ينعدم المشروط بانعدامهما ولو نسيانا اتجه
حينئذ التدارك، لعدم إجزاء ما وقع منه أولا، وذلك محتاج إلى التأمل التام في الأدلة
لاستنباط الأمر المزبور الذي مقتضى الأصل عدمه بناء على الأعمية، فتأمل جيدا.
وكيف كان فمن إطلاق النصوص السابقة وأكثر الفتاوى وصريح البعض
يستفاد أنه لا فرق في ذلك بين العمد والنسيان، ولا بين المنفرد والمأموم، بل لا خلاف
أجده فيه كأصل الحكم الذي نقل الاجماع عليه في المحكي من إرشاد الجعفرية وغيره
إلا ما يحكى عن الشيخ في المبسوط والخلاف من أنه إن كبر المأموم تكبيرة واحدة
للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنيا صحت صلاته، ولا ريب في ضعفه،

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 1
224

وأضعف منه استدلاله عليه بأن الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير وانعقاد الصلاة به،
ولم يفصلوا بين أن يكبر قائما أو يأتي به منحنيا، فمن ادعى البطلان احتاج إلى الدليل،
إذ هو مع أنه لا يتم على القول بالاجمال مدفوع بأنك قد عرفت الدليل، بل مقتضى
المقدمة التربص للمأموم في الجملة حتى يعلم وقوع التكبير تاما معه، ولو أنه تمسك بما
ورد (1) في خصوص المأموم والرخصة في المشي له لادراك الإمام ونحوه مما جاز لتحصيل
فضيلة الجماعة لكان له وجه في الجملة وإن كان ضعيفا أيضا، لعدم ظهور شئ من الأدلة
في سقوط خصوص القيام لذلك، بل أقصاه عدم الاستقرار، والفرض انتفاء مسمى
القيام، اللهم إلا أن يراد بالقيام الوقوف السكوني الذي ينافيه المشي والاضطراب
والقعود وغيرها كما تسمعه إن شاء الله في مبحثه، ولعله عليه بنى العلامة الطباطبائي في
منظومته البطلان فيما لو سها وكبر غير مستقر أو ركع عن قيام لا استقرار فيه، بناء
على دوران ركنية القيام على ما يقارنه أو يتصل به من الأركان فقال:
وتارك القرار سهوا لم يعد * إلا إذا بتركه ركن فقد
كالمشي في تكبيرة الاحرام * وفي محل الركن من قيام
وفيه أنه بعد التسليم لا يتم بناء على حرمة القياس، ضرورة كون مورد الدليل
المأموم مع عدم ظهوره في جواز التكبير غير مستقر أو غير مطمئن، بل ربما كان فيه إيماء
إلى خلافه، ومرسل الجر (2) لا دلالة فيه على فعل ذلك حال التكبير ونحوه مما يعتبر
فيه الطمأنينة، ومن هنا قال في الذكرى: لم نعرف مأخذه، نعم قال في الفرض: هل
ينعقد نافلة؟ الأقرب المنع، لعدم نيتها، ووجه الصحة حصول التقرب والقصد إلى
الصلاة والتحريم بتكبيرة لا قيام فيها، وهي من خصائص النافلة، ولا يخفى عليك ما في
الوجه الثاني، كما لا يخفى عليك أنه لا حاجة إلى البحث في اعتبار القيام حال النية وعدمه

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 0 - 4
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 0 - 4
225

بعد أن اعتبرنا مقارنة النية للتكبير الذي أثبتنا اعتبار القيام فيه، فكل مقام يتصور
البطلان فيه لفقد القيام في النية يحصل فيه فقده حال التكبير، اللهم إلا أن يقال: إنه
بناء على أنها عبارة عن الحديث الذكري قد يتصور انفكاكها عنه بحصولها حال عدم
الاعتدال مثلا إلى آخر جزء من التصور فاعتدل وكبر، نعم لو قيل ببساطتها بناء على
ذلك أيضا لم يتصور ثمرة للبحث حينئذ، وهو لا يخلو من وجه، لكن لما كانت عندنا
عبارة عن الداعي الذي لا يتصور فيه ذلك سهل الخطب، مع أنه لا ينبغي التأمل في
اعتبار القيام فيها بناء على أنها جزء من الصلاة، لبعض ما سمعته في التكبير، والله أعلم.
هذا كله في الواجب في التكبيرة، (و) أما (المسنون فيها) فأمور وإن اقتصر
المصنف منها على (أربع):
أحدها (أن يأتي بلفظ الجلالة من غير مد بين حروفها) جمعا بين الرجحان المستفاد من
تعارف التلفظ بهذه الصورة المأخوذة يدا عن يد وبين جواز الجريان على القانون العربي
لجواز الاشباع في الهمزة ونحوها من الحروف المتحركة في لغة العرب بحيث ينتهي إلى
الحروف كما اعترف به في المنتهى، وإن كان هو غالبا في الضرورات ونحوها من
المسجعات وما يراعى فيه المناسبات، إلا أنه ظاهر في أنه لا يكون لحنا وإن كان في
السعة، بل في الحدائق أنه شائع في كلام العرب، فتدبر، ولجواز المد في الألف كما
عن جامع المقاصد التصريح به، بل عن المقاصد العلية وإن طال، ولعله هو المراد في
استحباب تركه كما عن جماعة التصريح به، لا المد الطبيعي الذي لا بد منه في التلفظ بالألف،
بل عن الفوائد الملية أنه لا يجوز تركه، كما عن بعض القراء استحسانه بقدر ألفين، هذا.
ولكن قد يناقش بأن الموافق لما ذكروه سابقا - مما يقتضي المحافظة على الصورة
المتلقاة، وأنه لا يجوز تغييرها بوجه من الوجوه وإن وافق القانون العربي حتى
لم يجوزوا الفصل بلفظ (تعالى) ولا إضافة من كل شئ ونحو ذلك - الوجوب لا الندب
226

بناء على أن المستند فيه ما عرفت، على أن دعوى جريان الاشباع في الحركات بحيث
ينتهي إلى الحروف في السعة محل منع، ولذا صرح الفاضل في بعض كتبه والشهيدان
والعليان وغيرهم بالبطلان مع مد الهمزة في لفظ الجلالة بحيث ينتهي إلى ألف وتشتبه
بالاستفهام وإن لم يكن مقصودا، كما صرح به بعض هؤلاء حتى الفاضل منهم، خلافا
للمنتهى والتحرير فقصراه في المحكي عنهما على ما إذا قصد الاستفهام، ضرورة بنائهم
ذلك على عدم جريانه على القانون العربي كما لا يخفى على من لاحظ وتدبر، وربما يؤيده
كيفية الكلام الآن في العرف وإنكاره نحو تلك الكيفية، والظاهر اتحاده مع اللغة في
ذلك وأنه ما تغير، على أنه إن كان مبناه المحافظة على الصورة يتم المطلوب الذي هو
المناقشة في جواز المد، وكأنه لذلك نزل الشراح نحو العبارة على المد بالنسبة للألف
أو على ما يشمل الهمزة، لكن لا بحيث يبلغ الحرف، ولا ريب أن الأحوط بل الأولى
عدم ذلك كله، بل وعدم المد أيضا في ألف لفظ الجلالة، خروجا عن خلاف صريح
الرياض وظاهر المحكي عن المبسوط، وجمودا على المتيقن من الصورة في الفراغ من
الشغل، وإن كان الذي يقوى في النظر جواز المد هنا، وفاقا للمشهور نقلا إن لم يكن
تحصيلا، إلا أن يخرق المعتاد في مثل هذه التكبيرة، ولعل وجه الاستحباب حينئذ
حسن الاحتياط، لاحتمال اعتبار الشارع هذه الصورة التي ترك فيها المد وإن كان هو
جاريا علي القانون العربي، ومثل هذا الاحتمال - بعد أن لم يعلم من الشارع ملازمته لترك
المد، وفرض موافقته للقانون الذي يجري في باقي أذكار الصلاة - يصلح وجها للاستحباب
لا الحتم، والالزام، ومنه بعد التأمل يعلم حينئذ اندفاع ما ذكر في أول المناقشة وإن
كانت هي في خصوص الهمزة متجهة باعتبار إمكان منع جريانها على القانون مع المد
فيها، فتأمل جيدا.
كما أن من ذلك كله يعلم الوجه في الثاني من الأربع (و) هو الاتيان (بلفظ
227

أكبر على وزن أفعل) من غير إشباع مد لهمزتها وبائها إما بحيث لا يصل إلى حد
الحرف أو مع وصوله على الوجهين أو القولين، والتحقيق ما ذكرناه من عدم جواز
ذلك بحيث يؤدي إلى الحرف، وفاقا للمشهور إما للمنع من موافقة القانون كما يشهد له
العرف، وكيف و (أكبار) جمع كبر بالفتح، وهو الطبل، أو للمحافظة على الصورة
المعهودة المتعارفة المتلقاة يدا عن يد، ومقتضاهما معا أنه لا فرق بين قصد الجمع في
(أكبار) وعدمه كما هو ظاهر جماعة وصريح آخرين، فما عن المعتبر والمنتهى والتحرير
من الفرق في (أكبار) بين قاصد الجمع وعدمه نحو ما سمعته في همزة لفظ الجلالة فيه ما لا
يخفى، نعم لا يبعد الجواز إذا لم يصل إلى حد الحرف، ولعله هو المراد لمن عبر
بالاستحباب، ووجهه حينئذ ما عرفت، والله أعلم.
(و) الثالث (أن يسمع الإمام من خلفه تلفظه بها) على المشهور بين الأصحاب
بل لم يعرف في المنتهى خلافا فيه، لما ورد مما هو مذكور في باب الجماعة من أنه ينبغي
للإمام أن يسمع من خلفه كل شئ يقوله، والمناقشة بأنه لا يتصف بالإمامة حالها يدفعها
ظهور العبارة فيما تتناول مثله ممن هو مشرف عليها، كما يومي إليه إطلاق ذلك عليه في
كثير من النصوص، منها قول الصادق (ع) في صحيح الحلبي (1) الذي
استدل به على خصوص المقام (وإن كنت إماما فإنه يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها
وتسر ستا) وإن كان قد يناقش فيه بأن ظاهر لفظ (يجزيك) فيه أنه أقل المجزي
مع أنه لا فرد أكمل من ذلك للإمام، اللهم إلا أن يقال: إن المراد منه هنا بقرينة
غيره أن هذا هو المجزي لا غيره، ومقتضاه الوجوب لولا الاجماع ظاهرا، ولفظ
(ينبغي) فيما سمعته، وقد يناقش أيضا بأن الجهر أعم من إسماع المأمومين، ويدفعه
أنه هو المراد منه على الظاهر خصوصا مع تأيده بالاعتبار، ضرورة أن الغرض من جهره

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
228

بالواحدة وإسرار الباقي الاقتداء به، لعدم الاعتداد باحرامهم قبل إحرامه.
ومنه يعلم حينئذ استحباب الاخفات في غيرها، كما يشهد له أيضا خبر الحسن
ابن راشد (1) سأل الرضا (ع) (عن تكبيرة الافتتاح فقال: سبع، قلت:
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كان يكبر واحدة يجهر فيها فقال: إن النبي
(صلى الله عليه وآله) كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا) بل قد يستفاد كراهة
الجهر بغيرها من خبر أبي بصير (2) عن الصادق (ع) أيضا (إذا كنت إماما
لم تجهر إلا بتكبيرة) بناء على إرادة النهي من النفي فيه، ومفهومه يقتضي الرخصة في
الجهر بأزيد من التكبيرة لغير الإمام، إلا أنه خرج عنه بالنسبة للمأموم للأدلة الدالة على
النهي عن إسماعه الإمام شيئا مما يقوله، فيبقى المنفرد حينئذ، ويثبت جواز الجهر له
بالجميع والاسرار به والتلفيق، وهو الذي صرح به غير واحد لاطلاق الأدلة، فما يحكى
عن الجعفي من استحباب رفع الصوت بها مطلقا مستنده غير واضح عدا ما سمعته من
المحكي عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو بيان للفعل الذي لا عموم فيه فيحتمل
وقوعه كما هو الغالب جماعة، ولا دلالة في شئ من المفهوم المزبور، كمفهوم صحيح
الحلبي، فتأمل جيدا.
(و) المستحب الرابع (أن يرفع المصلي) بها (يديه) على المشهور بين
الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل نفي الخلاف فيه بين العلماء عن المعتبر، وبين أهل العلم
عن المنتهى، وبين علماء أهل الاسلام عن جامع المقاصد، بل عن الأمالي أن من دين الإمامية الاقرار به، خلافا للمرتضى فأوجبه فيما حكي عن انتصاره فيها وفي كل تكبيرات
الصلاة مدعيا عليه إجماع الطائفة، ولعله أراد به شدة الاستحباب بقرينة نقله الاجماع
عليه، وهذا مظنته لا الوجوب بالمعنى المصطلح، إذ لم نعرف أحدا وافقه من قدماء

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 2 - 4
229

الأصحاب ومتأخريهم سوى ما يحكى عن الكاتب في خصوص تكبيرة الاحرام، نعم
ربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين كالأصبهاني في كشفه، والكاشاني في مفاتيحه،
والبحراني في حدائقه، لظاهر الأوامر كتابا (1) وسنة (2) التي لا معارض لها إلا
الأصل الذي يجب الخروج بها عنه.
وفيه أنه لا يخفى على الخبير الممارس لأخبارهم (ع) المتنبه لكيفية
محاوراتهم ولما يومون إليه في تعبيراتهم ظهور هذه الأوامر في الندب، خصوصا مع
ملاحظة فهم الأصحاب وشيوع الأمر في الاستحباب، مضافا إلى إشعار جملة من
نصوص المقام به، كالخبر (3) المروي عن مجمع البيان الوارد في تفسير قوله تعالى (4):
(وانحر) (لما قال النبي (صلى الله عليه وآله) لجبريل: ما هذه النحيرة التي أمرني
بها ربي فإنه قال له: ليس نحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت الصلاة أن ترفع يديك
إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت، فإنه صلاتنا
وصلاة الملائكة في السماوات السبع، وإن لكل شئ زينة وإن زينة الصلاة رفع الأيدي
عند كل تكبيرة) وكقول الصادق (ع) لزرارة (5): (رفع يديك في الصلاة
زينتها) وكقوله (ع) (6) أيضا وعلي (ع) (7): (إن رفع
اليدين هو العبودية) وكقول الرضا (ع) للفضل (8): (إنما رفع اليدان
بالتكبير لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع، فأحب الله عز وجل
أن يكون العبد في وقت ذكره له متبتلا متضرعا مبتهلا، ولأن في رفع اليدين إحضار
النية وإقبال القلب على ما قصد) وزاد في المحكي عن العلل (ولأن الغرض من الذكر

(1) سورة الكوثر - الآية 2
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 0 - 14 - 11
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 0 - 14 - 11
(4) سورة الكوثر - الآية 2
(5) الوسائل - البا ب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 4 - 3 - 8
(6) الوسائل - البا ب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 4 - 3 - 8
(7) الوسائل - البا ب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 4 - 3 - 8
(8) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 0 - 14 - 11
230

إنما هو الاستفتاح، وكل سنة فإنما تؤدى على جهة الفرض، فلما أن كان في الاستفتاح
الذي هو الفرض رفع اليدين أحب أن يؤدي السنة على جهة ما يؤدى الفرض)
وكصحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه (ع) (على الإمام أن يرفع يده في
الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة) ضرورة وجوب حمله على تأكد
الاستحباب وإلا كان مطرحا، وكخبر معاوية بن عمار (2) عن الصادق (ع)
أيضا في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (ع) (وعليك برفع يديك
في صلاتك وتقلبهما) بناء على إرادة الرفع للتكبير منه لا القنوت، لغلبة وصيته
صلى الله عليه وآله له (ع) بالمندوبات، بل من المستبعد وصيته بالواجبات
لعلو مرتبته عن تركها، كما يومي إليه زيادة على ذلك استقراء وصاياه له بها، ومضافا
إلى إشعار سلكه في غيره مما علم ندبيته، على أن إرادة الندب من هذه الأوامر أولى
من التجوز فيها بإرادة الواجب الشرعي منها بالنسبة إلى تكبيرة الاحرام والشرطي في
غيرها، لشيوع المجاز الأول شيوعا لا يعارضه غيره، حتى قيل: إنه مساو للحقيقة،
واحتمال إرادة وجوب الرفع في نفسه أو وجوب جميع تكبير الصلاة في غاية الضعف،
وبالجملة لا يكاد يخفى على السارد للأخبار هنا - بعد فرض كونه من أهل اللسان والمعرفة
بأخبارهم (ع) والمهتدين في ظلمة الضلال بأنوارهم - أن المراد من هذه الأوامر
الاستحباب، والله أعلم.
(و) كيف كان فليكن الرفع ليديه (إلى) حذاء (أذنيه) أي شحمتيهما،
لأنهما أول الغاية كما هو معقد المحكي من اجماع الخلاف وعبارة كثير من الأصحاب،
بل هو نص المحكي من عبارة فقه الرضا (ع) (3) والمنسوب إلى رواية في

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 7 - 8
(3) فقه الرضا عليه السلام ص 7
231

المحكي عن المعتبر وغيره، بل لعله المستفاد من النهي في النصوص (1) المعتبرة عن
مجاوزة الأذنين المحمول عند بعض الأصحاب على الكراهة، مع أن مقتضى أصالة
الحقيقة واعتبار الرواية الحرمة، لعدم المعارض إلا الأصل الذي لا يعارض الدليل،
ولعله هو ظاهر المحكي عن المقنعة وجمل السيد والمراسم، وهل المكروه أو المحرم حينئذ
المجاوزة، لتحقق المأمور به وصدق الامتثال قبلها، أو مجموع الرفع، لاختلاف الهيئة
وكونه رفعا واحدا عرفا؟ وجهان، أقواهما الأول، ولعل بناء الكراهة على الثاني كي
يكون حينئذ من مكروه العبادة، وهو كما ترى، فتأمل.
أو يكون الرفع أسفل من الوجه قليلا كما فعله الصادق (ع) على ما رواه
معاوية بن عمار (2) وروى صفوان بن مهران (3) أنه رآه يرفعهما حتى يكاد يبلغ
أذنيه، ولعله إليه يرجع ما في كثير من الروايات من الرفع حذاء الوجه (4) أو
حياله (5) أو قباله (6) أو حيال الخدين (7) وإلا كان فردا آخرا، كما أن الأمر به
إلى النحر المروي في المرسل (8) عن علي (ع) في تفسير قوله تعالى: (وانحر)
كذلك إن لم يكن الأسفل من الوجه راجعا إليه، وإلا اتحد معه، لكن في أكثر
النصوص بل لم يعثر في الحدائق على خبر فيه الرفع إلى النحر تفسيره بحذاء الوجه، ولعله
لأنهما حالة رفعهما إلى حذاء الوجه يحيطان بالنحر الذي هو موضع القلادة وأعلى الصدر.
وبالجملة إن لم يرجع جميع ما في هذه إلى شئ واحد كان المتجه التخيير
مع تفاوت مراتب الاستحباب أو بدونه، عملا بالجميع لعدم المنافاة، وعدم ثبوت

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تكبيرة الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 2 - 1 - 4 - 3 - 15
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 2 - 1 - 4 - 3 - 15
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 2 - 1 - 4 - 3 - 15
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 2 - 1 - 4 - 3 - 15
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1 - 2
(7) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1 - 2
(8) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 2 - 1 - 4 - 3 - 15
232

التكليف بكيفية واحدة للرفع، فأعلاها الرفع إلى الأذنين، وأسفلها النحر، وظاهر
الأستاذ في كشف الغطاء التخيير من دون تفاوت في الفضيلة، قال: (ويستحب فيها
كغيرها من التكبيرات رفع اليدين إلى شحمتي الأذنين أو المنكبين أو الخدين أو
الأذنين أو الوجه أو النحر) لكن لا يخفى عليك دخول البعض في البعض، وأنه
لا دليل على المنكبين وإن حكي عن الحسن بن عيسى أنه جعله أحد الفردين والثاني
الخدين، اللهم إلا أن يكون الدليل ما يحكى عن الشيخ من نسبته إلى رواية عن أهل
البيت بعد أن حكاه عن الشافعي، للتسامح في المستحب، والأمر سهل بناء على أن
ذلك كله مستحب في مستحب عملا باطلاق الأمر بالرفع الذي لا ينبغي حمله على المقيد
فيها، لعدم التعارض والتنافي المقتضي لذلك، بخلافه في الواجبات، اللهم إلا أن يدعى
أنه - بناء على التحقيق من عدم التجوز في حمل المطلق على المقيد، وأن المراد من المطلق
مطلق الطبيعة التي لا تنافي المقيد لا الطبيعة المطلقة - يفهم أهل العرف اتحاد الطلب
المتعلق بهما، وأن التقييد إعادة ذلك الطلب الذي تعلق في الطبيعة مع ذكر القيد لا أنه
مرتبة أخرى من الطلب حتى يكون ذلك أمرين لا تعارض بينهما بسبب تفاوت مراتب
الطلب، بخلاف الوجوب، ولعل هذا هو الأقوى في أصل القاعدة التي لا ينبغي
الخروج عنها إلا بظاهر الأدلة، وربما كان المقام منها بدعوى ظهورها في عدم اعتبار
ذلك في أصل استحباب الرفع كما يومي إليه في الجملة أيضا الأمر به (1) من دون تكبير
لرفع الرأس من الركوع، بل لعل ظاهر الأدلة أيضا عدم اعتبار أصل الرفع في
استحباب التكبير.
بل قد يقال بعدم اعتبار معية اليدين فيه أيضا، إما لأن المثنى بالنسبة إلى
فرديه كالعام، أو لاطلاق بعض الأدلة أو غير ذلك وإن كان لا يخلو من إشكال

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الركوع - الحديث 2 و 3
233

لاحتمال اعتبار الهيئة، فتأمل، بل قد يدعى استفادة رجحان الرفع أيضا في نفسه في
حال الخطاب بالتكبيرة من غير اعتباره أي التكبير فيه شرطا خصوصا من نحو التعليل
الوارد عن الرضا (ع) المتقدم سابقا، فلاحظ وتأمل، ولعله على ذلك بنى
بعض الأصحاب كراهة مجاوزة الأذنين والرأس في الرفع، لكونه فردا من المستحب
الذي يجب حمل النهي فيه على الكراهية بمعنى أقلية الثواب لا غيره وإن كان فيه نظر
كالنظر فيما دل على النهي عن تجاوز الرأس بالخصوص، إذ ليس هو إلا المرسل (1)
المروي في بعض كتب الفروع لأصحابنا (أنه مر علي (ع) برجل يصلي
وقد رفع يديه فوق رأسه فقال: مالي أرى قوما يرفعون أيديهم فوق رؤوسهم كأنها
آذان خيل شمس) والظاهر أنه عامي، وعن بعضهم إبدال (آذان) بأذناب، وإرادة
القنوت منه الذي ورد النهي عنه في خبر أبي بصير (2) عن الصادق (ع)
أظهر، قال: (إذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك، ولا ترفع يديك بالدعاء
في المكتوبة تجاوز بهما رأسك) لكن العامة لما لم يشرع القنوت عندهم في الصلاة لم
يكن لهم بد من حمل المرسل المزبور عندهم على الرفع في التكبير مثلا، لكن ومع ذلك
كله فينبغي تركه في التكبير وفي القنوت في الفريضة، بل وفي مطلق الدعاء فيها.
ثم إنه قد يدعى ظهور المتن وغيره ممن عبر كعبارته فيما هو المشهور بين الأصحاب
بل عن المعتبر والمنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الاجماع عليه من أنه يبتدئ
في التكبير بابتداء رفع يديه وينتهي بانتهائه ويرسلهما بعد ذلك، لأنه هو معنى الرفع
بالتكبير كما اعترف به في الحدائق إلا أنه أنكر وجود نص بهذه العبارة، وفيه أن

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 4 وفيه (عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله مر برجل
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 5
234

النص موجود، ولكن دعوى أن هذا هو المعنى لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يراد
تمام الرفع المطلوب ملاصقا للتكبير أو مصاحبا له فيكون نحو قولك: (سر يزيد إلى
البصرة) فتأمل. نعم لا ريب في أنه قد يستفاد منه المقارنة العرفية في الابتداء، بل
لعله يستفاد من لفظ حين وإذا وعند ونحوها في غيره من النصوص (1) كما أنه ينبغي
القطع بعدم اعتبار المطابقة ابتداء ووسطا وانتهاء، لاطلاق الأدلة والسيرة القطعية
وعدم تيسرها في غالب الأوقات، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:
والاقتران فيه يكفي مطلقا * فالانطباق قل أن يتفقا
وإن كان الظاهر إرادة الابتداء والانتهاء من الاقتران فيه بدليل قوله قبل
ذلك بلا فصل:
يبدأ بالتكبير حين ما رفع * وينتهي بالانتهاء ثم يضع
وكيف كان فالأمر سهل بناء على أن ذلك مستحب في مستحب، ضرورة
ظهور الأدلة في أن الأمر أوسع من ذلك كما لا يخفى على من لاحظ مضامينها على
حسب نظائرها من مضامين خطابات أهل العرف التي لا تبتنى على نحو هذه
التدقيقات، فتأمل جيدا.
وأما ما قيل من أن الوظيفة فيه أن يبتدى بالتكبير حال إرسال اليدين فلم
أعرف له نصا صريحا أو ظاهرا ظهورا معتبرا فيه، اللهم إلا أن يدعى ظهوره من
صحيح الحلبي أو حسنته (2) المتقدمة (إذا افتتحت الصلاة فارفع يديك ثم ابسطهما
بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات) بناء على أن المراد إذا أردت أن تفتتح الصلاة، وأن
المراد بالبسط الارسال، وأن الافتتاح بهذه التكبيرات الثلاثة لا بتكبيرة سابقة عليها،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1 و 2 و 14
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
235

وإلا كانت التكبيرات ثمانية، لذكره أربعة أخر في الخبر المزبور بعد ذلك، فلاحظ،
لكنه كما ترى.
ومن هنا جعله في الحدائق ظاهرا في القول الثالث، وهو أن يكبر بعد تمام
الرفع، ثم يرسل يديه مدعيا أن المعنى إذا أردت أن تفتتح الصلاة فارفع يديك وكبر
ثم ابسطهما بسطا أي أرسلهما ثم كبر ثلاث تكبيرات، نحو قوله تعالى (1): (إذا قمتم
إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) أي وصلوا، وإن أريد من البسط فتح باطن الكف
مقابل ضمه قدر الأمر بالافتتاح حينئذ بعده، لأنه هو حينئذ مع رفع اليدين جواب
الشرط، وكأنه بناه على ما فهم من خصوص هذا الصحيح في المسألة السابقة من أن
تكبيرة الافتتاح فيه سابقة على هذه الثلاثة، وفيه ما عرفت من صيرورة التكبيرات حينئذ
ثمانية، والأولى حمل الخبر المزبور على عدم إرادة الترتيب من (ثم) فيه، وأن المراد
من البسط فتح الكف فيه، وأن التكبيرات الثلاثة هي الافتتاح المذكور أولا، فيكون
كغيره حينئذ من النصوص إذا افتتحت الصلاة بأن كبرت فارفع يديك، ويكون
الشرط حينئذ ظرفا للجواب من غير حاجة إلى تقدير الإرادة، لعدم المقتضي،
بخلافه في الآية الشريفة، ومن ذلك يظهر لك ما في كلامه أيضا من أنه كالصحيح
المزبور في هذا الظهور صحيح صفوان (2) (إذا كبر في الصلاة رفع يديه حتى يكاد
يبلغ أذنيه) ضرورة ظهور هذا الصحيح في إرادة الرفع وقت التكبير لا إرادته كي
يكون سابقا عليه في الزمان، فتأمل. ولو سلم دلالته أو سابقه على ذلك كان المتجه
التخيير بين الكيفيتين جمعا بين النصوص.
ثم إن الظاهر استحباب ضم ما عدا الابهام من الأصابع، بل قيل: إن ظاهرهم

(1) سورة المائدة - الآية 8
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 1
236

الاتفاق عليه، والخلاف في الابهام ضما وتفريقا، ولعله لظاهر خبر حماد (1) المشتمل
على تعليم الصلاة، فإنه وإن لم يذكر الرفع فيه إلا أنه قد اشتمل على أنه (ع)
قام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه، والظاهر بقرينة
أنه (ع) أراد وصف الصلاة التامة الحدود أن ذلك مقدمة للرفع، إذ من
المستبعد عدمه فيها، وليس هو مستحبا قبله وقبل الدخول في الصلاة، مضافا إلى ما عساه
يفهم من المحكي عن الذكرى من أنه منصوص، إذ ليس ما يحكيه إلا كما يرويه، قال:
ولتكن الأصابع مضمومة، وفي الابهام قولان، وفرقه أولى، واختاره ابن إدريس
تبعا للمفيد وابن البراج، وكل ذلك منصوص، وإلى المروي أن أصل زيد النرسي (2)
(أنه رأى أبا الحسن الأول (ع) إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه
الابهام والسبابة والوسطى والتي تليها، وفرج بينها وبين الخنصر) وإن كان ذيله شاذا
كما اعترف به العلامة الطباطبائي في منظومته، إذ هو لا ينافي العمل بغيره حتى في ضم
الابهام، لعدم المعارض المقاوم له بالنسبة إليه وإن كان لا يخلو من إشكال أيضا، ولذا
قال العلامة الطباطبائي:
وليس يخلو الحكم في الابهام * في الضم والقبلة من إبهام
ومراده من القبلة الاستقبال، لأنه ورد في النص (3) الأمر باستقبال القبلة
بباطن الكف حال الرفع، وفي شموله للابهام حينئذ تأمل.
ثم لا يخفى عليك جريان هذه الأحكام بل وغيرها من قيام الترجمة ونحوها في
الواجب والمندوب من التكبير، كما لا يخفى عليك جريان الأحكام السابقة لتكبيرة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 6
237

الاحرام على إبدالها من الترجمة وإشارة الأخرس وغيرها وإن لم يرد في النصوص
التصريح بلفظ البدلية، لكنه متفق عليه بحسب الظاهر، والله أعلم.
الواجب (الثالث)
من أفعال الصلاة كتابا (1) وسنة متواترة وإجماعا بقسميه.
(القيام)
واحتمال شرطية القيام لسائر أجزاء الصلاة كالاستقبال والطهارة فلا وجوب له
إلا غيري مخالف لظاهر بعض النصوص (2) وسائر الفتاوى والاجماعات المحكية وإن
كان ربما يشهد له بعض الشواهد (و) كيف كان ف‍ (هو ركن) في كل ركعة من
ركعات الصلاة (مع القدرة، فمن أخل به) فيها فجاء بها بدونه (عمدا أو سهوا
بطلت صلاته) إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا أو متواترا، وهو الحجة في الخروج
عن إطلاق ما دل على اغتفار السهو في الصلاة من قوله (صلى الله عليه وآله) (3):
(رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) المحمول على أقرب المجازات لحقيقة الرفع، وهو الإثم
والفساد، وقاعدة أولوية الله بالعذر في كلما يغلب عليه التي ورد (4) فيها أنه ينفتح منها
ألف باب، وقوله (ع) (5): (تسجد سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة)
الظاهر في الصحة مع كل منهما، وقوله (ع) (6): (لا تعاد الصلاة إلا من

(1) سورة آل عمران - الآية 188
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القيام
(3) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 9
(5) الوسائل - البا ب - 32 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
238

خمسة) إن لم نقل باعتبار الانحناء من القيام في مسمى الركوع مطلقا أو في الفريضة،
وإلا فلا حاجة حينئذ إلى تقييدها بما عرفت، بل لعله كذلك على كل حال، ضرورة ندرة
نسيان القيام دون الركوع ندرة لا يحمل عليها النص المزبور، فعله ترك ذكر القيام فيه
لذلك، كالمحكي عن الحسن بن عيسى ونهاية الشيخ وابن زهرة وسلار، على أن
التعارض بين ما دل على اعتبار القيام في الصلاة مثل قوله (ع) (1): (من لم يقم صلبه
في الصلاة فلا صلاة له) وغيره وبين الاطلاقات السابقة تعارض العموم من وجه، إذ
دعوى ظهور هذه الأدلة في العمد محل منع، ولا ريب في ترجيح المقام، لأقلية أفراده
والاجماعات وقاعدة انتفاء المركب بانتفاء بعض أجزائه وغير ذلك.
والمعروف في الركن هو ما يبطل زيادته ونقصه الصلاة عمدا وسهوا، بل عن
المهذب البارع نسبته إلى الفقهاء، لكن ظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته في المقام
وغيره الاكتفاء في إطلاق الركن بالثاني، بل عن جامع المقاصد والروض نسبته إلى
أصحابنا، بل لعل ذلك خاصة هو مقتضى القاعدة السابقة دون الزيادة التي جاء بها
المكلف في أثناء العمل لا أول النية، إذ دعوى كون الأصل فيها البطلان، لأن العبادة
من المركبات كمعاجين الأطباء التي يقدح كل منهما فيها مبنية على أنها اسم للصحيح الذي
هو مجمل، ولم تف الأدلة في بيانه، وأنه يجب على المكلف الاتيان بما يعلم وجود
الصحيح فيه، وهو كما ترى فساد في فساد.
نعم قد يستند في بطلان الزيادة إلى إطلاق الصحيح (2) (من زاد في صلاته
فعليه الإعادة) ونحوه، وهو مع ظهوره في العمد يحتمل إرادة الركوع أو الركعة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القيام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
239

بقرينة غيره من النصوص (1) الواردة بهذا اللفظ مع التقييد بالركعة، بل قد يظهر من
مفهوم بعضها (2) عدم البطلان بغيرها من السجدة ونحوها، وكونه تشريعا في أثناء
العمل - مع أنه أيضا إنما يتم في العمد خاصة - لا يقتضي إلا الإثم دون الفساد،
خصوصا في التشريع بالخصوصية بعد فرض مشروعية الكلي كالذكر والدعاء ونحوهما،
فدعوى أن الأصل في الزيادة مطلق الابطال عمدا أو سهوا محل منع بناء على المختار
من أن الصلاة اسم للأعم، كدعوى ظهور الأدلة الواردة في بيان الصلاة في أنها عبارة
عن هذه الأجزاء التي لا تزيد ولا تنقص، ضرورة عدم دلالتها على أزيد من أن
الصلاة عبارة عن الأجزاء المعلومة التي يصدق الاتيان بها مع الزيادة عليها أيضا،
وتشبيهها بالمعجون الذي هو من المركبات الحسية وهم في وهم، وإلا لاقتضى بطلانها
بمطلق ما يصدر في أثنائها من غيرها، وهو معلوم البطلان، هذا.
ولكن قد يشهد للبطلان بذلك ما اشتهر في جملة من النصوص (3) (أنه لا عمل
في الصلاة) بناء على إرادة التشريع منه، كما يشهد له موارد العبارات المزبورة،
ويأتي في التكفير إن شاء الله بعضها، لكن الجزم بذلك موقوف على ملاحظة تلك
النصوص واعتبارها سندا ودلالة، فيتجه البطلان في مطلق التشريع لا الزيادة مطلقا،
كما أنه يتجه البطلان لو زاد فيها ما يخرجها عن هيئة الصلاة ويمحو صورتها، والبطلان
حقيقة فيه لذلك لا للزيادة من حيث أنها زيادة، بل لو حصل المحو المزبور بما ثبت
جواز فعله في أثناء الصلاة اتجه البطلان أيضا، فلعل من اقتصر في إطلاق الركن على
الاخلال بالنقيصة خاصة عمدا وسهوا كالمصنف وغيره لحظ ذلك، مضافا إلى أن علاقة

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الركوع
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الركوع
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
240

المجاز فيه أو مناسبة النقل أوضح من الزيادة، ضرورة حصول الفساد في ذي الأركان
الحسية بالنقيصة دون الزيادة، فلا جهة حينئذ لما يورد هنا على إطلاق الركنية في القيام
بأن زيادته ونقيصته غير قادحة، إذ لا تبطل صلاة من قام في محل القعود سهوا مثلا،
ولا من نسي القراءة فركع، أو قرأ وهو جالس، لما عرفت من أن الزيادة غير معتبرة
في مفهوم الركن في كلام كثير منهم وإن اشتهر على لسان جماعة من المتأخرين، قال في
المعتبر في بحث التسليم: (إنما نعني بالركن ما يبطل الصلاة بالاخلال به عمدا وسهوا)
وقال في الروضة: (ولم يذكر المصنف حكم زيادة الركن مع كون المشهور أن زيادته
على حد نقيصته تنبيها على فساد الكلية في طرف الزيادة، لتخلفه في مواضع كثيرة
لا تبطل بزيادته سهوا) إلى آخره. وهو مما يشهد لما ذكرنا في الجملة، لا يقال: إن
التخلف للدليل غير قادح، لأنا نقول: إنك قد عرفت عدم وجود لفظ الركن في
النصوص، وإنما هو اصطلاح صدر منهم بعد مراعاة الأدلة، فأطلقوه على ما ثبت فيها
أن له تلك الخاصة، ويجب في مثل هذه القواعد المستنبطة العموم، وليس هو إلا في
طرف النقيصة، فتأمل جيدا، هذا.
ويمكن أن يقال هنا: إن المراد بزيادة الركن المبطلة أن يزاد تمام الركن كالركوع
والسجدتين بناء على أن المراد مجموع القيام ركن، إذ لا يحصل حينئذ إلا بزيادة تمام
القيام حتى المتصل منه بالركوع وحده أو مع التكبير المستلزم لزيادتهما، وإلا ففي الفرض
زيادة قيام لا القيام المحكوم بركنيته، وأما النقيصة فقد سمعت أن المراد بقولنا: القيام
ركن نحو قولهم: السجود ركن والركوع ركن أي إذا فقدت الركعة القيام أصلا أو
الركوع أصلا أو السجود أصلا بطلت الصلاة، وهو كذلك هنا إجماعا محصلا ومنقولا
إذ من سها وركع من جلوس بلا قيام أصلا بطلت صلاته عمدا أو سهوا وإن كان في
حال الركوع قام منحنيا، والمناقشة بأن ذلك ليس بركوع - لاعتبار الانحناء من
241

قيام فيه مطلقا، أو في المعتبر منه في الصلاة المحكوم بركنيته، وبأن زيادته مبطلة كما
لا يخفى على من لاحظ ما دل على ذلك من النصوص، لا أقل من أن يكون المجرد عن
قيام أصلا فرد نادر لا تشمله الاطلاقات، فيتدارك حينئذ القيام والركوع وصحت
صلاته ما لم يكن قد دخل في السجود، فيبطل حينئذ لفقد الركوع والقيام في الفرض
لا القيام خاصة - يدفعها أن حاصلها عدم تصور نقصان القيام أصلا من دون الركوع
وأنهما متلازمان كالزيادة كما صرح به بعضهم، وحكاه في الرياض مناقشا فيه تبعا
للأردبيلي بالفرض المزبور المبني على عدم اعتبار القيام في الركوع ولا في ركنيته، وأنه
يسمى ركوعا حقيقة كما في الحدائق مستظهرا له من صاحب القاموس، ولئن سلم له ذلك
لغة فلا نسلم له أنه هو الذي جعله الشارع ركنا، وأبطل الصلاة بزيادته ونقصه كما لا
يخفى على من لاحظ النصوص، وعلى كل حال فحاصل المناقشة المزبورة غير قادح في
المطلوب الذي هو إثبات ركنية القيام بمعنى أنه متى نقص القيام كنقيصة غيره من
الأركان أي لم يأت به أصلا في الركعة بطلت الصلاة، ولو فرض استلزامه لترك
الركوع كما هو مقتضى المناقشة لم يقدح استناد البطلان إليهما، إذ علل الشرع معرفات.
ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا وجه للاعتراض على المتن ونحوه مما أطلق ركنيته
فيه بأن عدم قدح زيادته ونقيصته ينافي الركنية، ولا حاجة إلى الجواب عنه بأن
الخروج الدليل لا ينافي ذلك، بل ولا إلى المحكي عن بعض فوائد الشهيد من أن القيام
يتبع ما وقع فيه في الركنية والوجوب خاصة والندبية، وأنه لا واجب أصلي منه إلا
المتصل بالركوع خاصة منه، وذلك هو الركن وإن كان لا يتصور زيادته إلا بزيادة
الركوع، بل ولا النقيصة بناء على ما عرفت، إلا أن علل الشرع معرفات، وإن
كان هو عند التأمل والتفكيك بعينه مراد الفقهاء كما اعترف به الأستاذ الأكبر في
حاشيته على المدارك.
242

بل لعل ذلك الاطلاق الذي قد عرفت أن المراد منه البطلان مع الترك أصلا
على حسب قولهم: السجود ركن أولى من ذلك، لسلامته عن المناقشة بأن القيام وإن
طال فرد واحد للطبيعة، والآتي بأعلى الأفراد منه ليس ممتثلا إلا امتثالا واحدا،
فكيف يجوز اختلافه في الوجوبية والندبية، والوجوبية والركنية من دون مقتض،
نعم ليس هو واحدا بسيطا لا يجوز للشارع إيجابه وندبه، بل هو مركب ذو أجزاء يجوز
للشارع أن يفرق بين أجزائه في ذلك، لكن ليس في القيام إلا أمر بطبيعة وأمر
بالقراءة مثلا حاله وندب للقنوت، وهذا لا يقتضي ندبية القيام، ضرورة أنه لا منافاة
بين وجوب القيام وندب نفس الفعل كما في الدعاء حال الوقوف بعرفة مثلا، وجواز
ترك القيام المقارن للقنوت بترك القنوت معه لا يقتضي الندب أيضا بعد أن كان الترك
إلى بدل، وهو الفرد الآخر من القيام الذي هو أقصر من هذا الفرد مثلا، كما هو
شأن سائر الواجبات التخييرية، بل يمكن أن يقال: إنه لا جزء مندوب في الصلاة
أصلا، ومرجع الجميع إلى أفضل أفراد الواجب التخييري، وإلا فلا يتصور انتزاع
كليات هذه الأجزاء وتسميتها باسم الصلاة وجعلها متعلقة الأمر الوجوبي مع ندبية
بعض الأجزاء، مع أن الأمر إذا تعلق بكل جرى إلى أجزائه قطعا، ولذا لا يجوز
مخالفة حكم الأجزاء للجملة كما هو واضح، فمعنى ندبية القنوت حينئذ أن له تركه
والعدول إلى فرد آخر من أفراد الصلاة، إذ الصلاة اسم جنس تحته أنواع مختلفة،
وكلها مورد للامتثال، إلا أن الأفضل اختيار النوع المشتمل على القنوت ونحوه
ودعوى أن القنوت ونحوه من الأجزاء المندوبة أجزاء للفرد لا أجزاء لمسمى الاسم،
وإن أطلق فهو من التسامحات يدفعها فرض البحث في كون ذلك وأمثاله من أجزاء
مسمى الاسم حقيقة، لا الفرد الذي لا يطلق عليه الاسم إلا باعتبار حلول الطبيعة
فيه، فتأمل جيدا.
243

ولسلامته أيضا من ظهور لفظ الاتصال في انحصار المبطل زيادة ونقصا في
خصوص ذلك الجزء المقارن دون غيره، ولم نعرف له دليلا، ومقتضاه بطلان صلاة
من سها وجلس بعد إكمال القراءة أو في أثنائها أو قبلها، وبالجملة أحرز طبيعة القيام
في الركعة وقبل أن يدخل في السجود ذكر أنه لم يركع وقام منحنيا إلى حد الركوع
ناسيا ثم سجد، بناء على أن مثله يعد ركوعا، ضرورة أنه لم يأت بالمقارن للركوع
من القيام الذي ظاهر العبارة ركنيته، وفيه أن أقصى ما يستفاد من الأدلة بطلان الصلاة
بفقد أصل القيام في الركعة لا جزء منه، وأنه يكفي حال السهو تعقب الركوع للقيام،
فكان الشارع يلغي هذه الواسطة المتخللة، ويوصل هذا الركوع بذلك القيام، وإيجاب
الانتصاب حال التذكر لخصوص النص (1) عليه، أو للمحافظة على الهوي للركوع
والسجود كما عللوه به في أحكام الخلل لا لتحصيل القيام المتصل بالركوع، ويومي إلى
ذلك في الجملة تصريح البعض فيما لو كان نسيانه بعد الهوي قبل الوصول إلى حد الركوع
بأنه يجب عليه أن يقول منحنيا إلى ذلك الحد الذي نسي عنده، مع أن مقتضى ركنية
ذلك الجزء المقارن أن يقوم منتصبا ثم يركع، ضرورة عدم قابلية ما لحق التلفيق بما
سبق بحيث يحصل القيام المتصل بالركوع، فتأمل.
بل قد يدعى ظهور العبارة في بطلان صلاة من نسي القراءة أو بعضها وركع،
لعدم حصول القيام المتصل بالركوع، ضرورة وقوعه في حال قيام القراءة، اللهم إلا
أن يدعى أنه مع نسيان القراءة ذهب القيام الذي كان لها، فكأن المكلف وصل إلى
القيام المتصل بالركوع ونسي القراءة ومقدماتها، والأمر في ذلك سهل، بل في الرياض
أنه لم يظهر لي ثمرة لهذا البحث من أصله بعد الاتفاق على عدم ضرر في نقصانه بنسيان
القراءة وأبعاضها، وبزيادته في غير المحل سهوا، وبطلان الصلاة بالاخلال بما كان منه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القيام - الحديث 1
244

في تكبيرة الاحرام وقبل الركوع مطلقا، نعم اتفاقهم على البطلان في المقامين كاشف
عن ركنيته فيهما، وثمرتها فساد الصلاة لو أتي بهما من غير قيام، قال: (ومن ذلك
ينقدح وجه النظر فيما قيل من أنه لولا الاجماع على الركنية لأمكن القدح فيها، لأن
زيادته ونقصه لا يبطلان إلا مع اقترانه بالركوع، ومعه يستغنى عن القيام، لأن الركوع
كاف في البطلان، لمنع الحصر في قوله: (إلا مع اقترانه بالركوع) أولا، لما عرفت
من البطلان بالاخلال به في التكبير أيضا وتوجه النظر إلى قوله: (والركوع كاف في
البطلان) ثانيا، لمنع التلازم بين ترك القيام قبل الركوع وبين تركه، لتخلف ترك القيام
عن تركه فيما لو أتى به عن جلوس، لأنه ركوع حقيقة عرفا، ولا وجه لفساد الصلاة
حينئذ إلا ترك القيام جدا) انتهى مشتملا على الجيد وغيره كما يعرف مما مر، مع
زيادة إمكان أن يقال: إن مطلوب المعترض أصل القيام المعتبر في سائر الصلاة لنفسه
لا التبعي للتكبير أو غيره، مع احتمال أن الفساد هناك من جهة ظهور الأدلة في اشتراط
صحة التكبير بالقيام لا أنه جزء من الصلاة حاله، فالبطلان حينئذ لاختلال الشرط
كالطهارة والاستقبال لا لفقد جزء من حيث أنه جزء كما هو المتعارف في الركن، ولعله
عليه بنى البطلان العلامة الطباطبائي في صورة نسيان الاستقرار حال التكبير أو حال
الركوع بناء على ركنية المتصل منه، فضلا عن نسيان القيام نفسه كما سمعته سابقا في
بحث التكبير وإن كان هو لا يخلو من نظر في نحو الواقف المضطرب سهوا مما لا يخرج
عن هيئة الصلاة عرفا، فإن شمول ما دل على الشرطية لصورة السهو فيه منع، خصوصا
مع عدم ركنية الطمأنينة عندنا في شئ من الركوع والسجود ونحوهما كما ستعرف
إن شاء الله.
والمرجع في القيام إلى العرف كما في سائر الألفاظ التي لم يعلم فيها للشرع إرادة
خاصة، ضرورة أن ليس في النصوص هنا إلا الأمر بالقيام، وأن من لم يقم صلبه
245

فلا صلاة له، نعم في مرسل حريز (1) عن أبي جعفر (ع) قلت له: (فصل
لربك وانحر) قال: (النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره) الحديث.
والصلب كما في المجمل ومختصر النهاية الظهر، وعظم من الكاهل إلى أصل الذنب كما في
الحدائق، وعلى كل حال فما حده به غير واحد من الأصحاب من نصب فقرات الظهر
أي خرزه لا يراد منه أمر زائد على العرف، ولذا تسامحوا في ذلك، إذ ليس هو تمام
معنى القيام، فإن الجالس فضلا عن غيره فقرات ظهره منصوبة، وكأنهم قصدوا بذلك
إخراج بعض الاستعمالات الواقعة من سواد أهل العرف الذين غالبا يخفى عليهم العرف
الصحيح، كاطلاق القائم هنا على بعض أفراد المنحني، ولا ريب في خطأه، إذ ليس
القيام إلا الاعتدال، ولعل منه الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج، والمرسل السابق
يراد من الاعتدال فيه إقامة النحر التي هي ليست مأخوذة في مفهوم القيام قطعا كما
ستعرف، لا غيره كي يقال: إنه ظاهر في تحقق مصداق القيام من دون اعتدال،
وأنه أمر زائد معتبر فيه.
نعم لا ريب في عدم اعتبار الاقلال في مفهومه وإن حكي عن ظاهر المحقق
الثاني وفخر المحققين، وأوهمته عبارة والده في القواعد، ضرورة صدق القيام حقيقة
على الحاصل باستناد من خشبة وغيرها بحيث لولاها لسقط، ودعوى أنه في صورة
للقيام لا قائم حقيقة كبعض الراكبين بل هو اشتباه في العرف أو مجاز ممنوعة أشد المنع
وإن كان ربما تسلم في بعض أفراد السناد، كما إذا صار هو مستقلا في ذلك وليس
للقائم مشاركة فيه أبدا وأصلا نحو المشدود بحبل ونحوه، فتأمل. وعدم جوازه في
الصلاة اختيارا عند المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، إذ لا نعرف
فيه خلافا إلا من المحكي عن أبي الصلاح لا لاعتباره في مفهوم، بل لدعوى

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القيام الحديث 3
246

انسياقه إلى الذهن من إطلاق لفظ القائم ونحوه من المشتمل على النسبة وإن كان فيها
ما فيها، ولأنه المعهود الواقع من النبي والأئمة (ص) الذين قد أمرنا
بالتأسي بهم، خصوصا في الصلاة الوارد (1) فيها (صلوا كما رأيتموني أصلي) ولقول
الصادق (ع) في صحيح ابن سنان (2) (لا تستند بخمرك وأنت تصلي،
ولا تستند إلى جدار إلا أن تكون مريضا) والخبر المروي (3) عن قرب الإسناد
(عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط فقال: لا) وللاجماع المحكي عن
مختلف الفاضل المؤيد بما عرفت، وبما قيل من إشعار عبارة الصيمري به أيضا حيث
نسب رواية المخالف إلى الشذوذ، لكن سأل ابن بكير الصادق (ع) في
الموثق (4) (عن الرجل يصلي يتوكأ على عصا أو على حائط فقال: لا بأس بالتوكأ
على عصا والاتكاء على حائط) وعلي بن جعفر أخاه موسى (ع) في الصحيح (5)
(عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على
الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة فقال: لا بأس، وعن الرجل يكون في صلاة
فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض
ليستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ قال: لا بأس) وسعيد بن يسار (6)
الصادق (ع) أيضا (عن الاتكاء في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا فقال:
لا بأس) خصوصا وقد حكي عن بعض أهل اللغة اعتبار الاعتماد في مفهوم الاتكاء،
بل لعله في العرف كذلك، فلا جهة للجمع حينئذ بحمل هذه النصوص على فاقد الاعتماد

(1) صحيح البخاري - ج 1 ص 124 و 125
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القيام - الحديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 20
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القيام - الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القيام - الحديث 2 - 1 - 3
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القيام - الحديث 2 - 1 - 3
247

والأول على المصاحب له، سيما ولفظ الاستناد والاتكاء موجود فيهما معا، وسيما بعد
قوله في الصحيح: (من غير مرض ولا علة) فالتفريق من غير فارق لا يصغى إليه.
ولذلك كله جوزه بعض متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن أبي الصلاح
اختيارا على كراهية، وفيه أن هذه النصوص - المعرض عنها بين الأصحاب القاصر
سند أكثرها التي نسبت إلى الشذوذ تارة، وإلى مخالفة الاجماع أخرى وربما كانت
محتملة لإرادة الاستناد والاتكاء الذي فيه اعتماد في الجملة إلا أنه ليس بحيث لولاه لسقط
بناء على ظهور كلمات الأصحاب في جوازه، لاعتبارهم في السناد القيد المزبور، إذ هو
حينئذ إما علة تامة في الوقوف أو جزء العلة، والمناقشة كما يومي إليه في الجملة ذيل
الصحيح الأول، ولغير ذلك من الاحتمالات، وللتقية كما يومي إليه ما حكي عن فخر
المحققين من حملها عليها مؤذنا بأنه مذهب العامة - قاصرة عن معارضة ما سمعت من
وجوه لا تخفى، فلا إشكال حينئذ بحمد الله في المسألة خصوصا لو قلنا بقاعدة الشغل.
هذا كله في السناد حال القيام، أما عند النهوض فعن ظاهر الذكرى وصريح
جامع المقاصد إلحاقه بالقيام، ولعله لقوله (ع) في الصحيح السابق (1):
(وأنت تصلي) وللأصل في وجه وبعض ما مر، لكنه لا يخلو من نظر، لما سمعته
في صحيح علي بن جعفر، ولأنه من المقدمات، وكذا النظر فيما يحكى عن صريح جماعة
من تخصيص البطلان بالاستناد في حال العمد وإن كنا قد فتحنا قاعدة اغتفار السهو
فيما سبق، لكن في الأجزاء كما هو مقتضى قوله (ع) (2): (تسجد
سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة) ونحوه، دون الشرائط وإن كانت لها والموانع،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القيام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 3
248

وما نحن فيه منها، ضرورة كون عدمه شرطا في القيام المطلوب لا جزء من الصلاة،
وما اجتمع فيه الجهتان كالقيام المتصل بالركوع فالبطلان بالسهو عنه حينئذ من جهة
الشرطية لا الجزئية، ولعله من ذلك ينقدح التأمل في عده ركنا أيضا زيادة على ما سبق.
وبالجملة فعدم البطلان بالسهو هنا مع أنه من شرائط الأجزاء التي من المعلوم
انتفاء المشروط بانتفائها لا يخلو من تأمل، اللهم إلا أن يقال بعموم تلك القاعدة للجميع
كما هو مقتضى بعض ما ذكرناه دليلا لها من نحو قوله (ع) (1): (لا تعاد
الصلاة) وقوله صلى الله عليه وآله (2): (رفع) وقوله (ع) (3): (كلما
غلب الله عليه) وغيره، بل لعل شمولها لها أولى، لضعف مدخليتها بالنسبة إلى الأجزاء
بل شرائط الأجزاء منها من التوابع لها، وثبوت الحكم في المتبوع يقتضي ثبوته في
التابع بطريق أولى، إذ هو فرعه، وذلك أصله، فثبوت العفو في الأصل يقتضي أولويته
في الفرع، على أنه يمكن دعوى اختصاص الشرطية في العمد، وخصوصا في مثل المقام
الذي استفيد فيه المانعية من النهي الذي مورده العمد دون النسيان بعد منع استفادة
حكم وضعي من أمثاله غير مقيد بالعمد، ولعل عدم البطلان هنا لذلك لا لعموم القاعدة
المزبورة، وفيه بعد الاغضاء عما في المنع المزبور عدم اختصاص الدليل بذلك النهي،
بل قد سمعت أدلة أخر له أيضا، فتأمل جيدا فإن المسألة من المهمات التي تنفع في كثير
من المقامات، وربما كان بناؤها على الترجيح بينها وبين قاعدة انتفاء المركب بانتفاء
أحد أجزائه، وانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، وإن كان تقديمها عليهما متجها،
لورودها عليهما، وأخصيتها منهما، نعم قد يتوقف في ترجيحها على خصوص ما يظهر

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الركوع - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 3
249

من بعض أدلة بعضهما من البطلان مطلقا، بل لعل الأقوى تقديم مثل ذلك عليها إذا
كان الظهور معتدا به ناشئا من ذلك الدليل الخاص لا من قاعدة الشرط والجزء،
لخصوصيته حينئذ بالنسبة إليها.
وبذلك كله ظهر لك وجه البحث في إطلاق الصحة مع السهو وإن كانت هي
الأقوى، خصوصا إذا كان الاعتماد في البعض، إذ ليس هو أعظم من القعود
المغتفر سهوا.
نعم لا تأمل لأحد من الأصحاب في اعتبار الاختيار في شرطية الاقلال، أما
لو اضطر إليه جاز بل وجب، وقدم على القعود بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن
ظاهر المنتهى الاجماع عليه من غير فرق بين الآدمي وغيره، ولا بين خشبة الأعرج
وغيرها، لصدق القيام والصلاة، وعدم سقوط الميسور بالمعسور (1) وما لا يدرك كله
لا يترك كله (2) ولأنه المستطاع من المأمور به (3) ولأن الله قد أحل كل شئ قد
اضطر إليه مما قد حرمه عليه (4) وهو أولى بالعذر في كلما غلب عليه (5) ولظهور
الصحيح (6) السابق فيه كايماء الآخر، وللمقدمة التي لا ينافيها عدم جوازه مع الاختيار
ولأولويته من التفحج الفاحش ونحوه مما يخرج عن حقيقة القيام الذي لا أعرف أيضا
خلافا بين الأصحاب في وجوبه وتقديمه على القعود لكثير من الأدلة السابقة، ولقول
أبي الحسن (ع) في صحيح ابن يقطين (7): (يقوم وإن حنى ظهره) في

(1) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
(2) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
(3) تفسير الصافي سورة المائدة - الآية 101
(4) الوسائل - البا ب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 6 و 7
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القيام - الحديث 2
(7) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القيام - الحديث 5
250

صاحب السفينة الذي لم يقدر أن يقوم فيها أيصلي وهو جالس يومي أو يسجد.
ومنه يظهر حينئذ أن المراد بالقيام الذي علق القعود على عدم استطاعته في
نصوص المقام ما يشمل ذلك كله لا الانتصاب خاصة، بل مقتضى الصحيح المزبور أنه
لو لم يتمكن من القيام إلا كهيئة الراكع وجب أيضا كما صرح به غير واحد، بل ظاهر
نسبته الخلاف في ذلك إلى الشافعي كالمسألة السابقة أنه لا خلاف فيه بيننا كما هو كذلك
وستسمعه في باب الركوع.
وإلى كثير مما ذكرنا أشار المصنف بقوله: (وإن أمكنه القيام مستقلا وجب
وإلا وجب أن يعتمد على ما يتمكن معه من القيام، وروي جواز الاعتماد على الحائط
مع القدرة).
وفي اعتبار الاعتماد على الرجلين معا في القيام قولان، أشهرهما الأول للأصل
والتأسي، ولأنه المتبادر المعهود، ولعدم الاستقرار، وأقواهما الثاني إلا أن يريدوا
بالاعتماد عليهما الوقوف عليهما أي لا على واحدة، فإن الظاهر وجوبه لما عرفت، أما
وجوب مساواتهما في طرح الثقل عليهما فلا، والأصل ممنوع كالتأسي في نحو المقام الذي
هو من الأفعال العادية غالبا، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وآله أنه لم يفعل إلا ذلك،
بل وكذا المنع في دعوى أنه المتبادر المعهود تبادرا وعهدا يفيد الوجوب، وأوضح من
ذلك منعا دعوى عدم الاستقرار مع عدم الاعتماد، بل قد يشهد للصحة بعد الاطلاقات
ما في الصحيح (1) عن محمد بن أبي حمزة عن أبيه (رأيت علي بن الحسين (ع)
في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي فأطال القيام حتى جعل مرة يتوكأ على رجله اليمنى
ومرة على رجله اليسرى) وإن كان من المحتمل أو الظاهر أنه في النافلة، لكن قد
يقال بأصالة الاشتراك في الأحكام، مع أن الظاهر بعد اختيار ذات القيام من النافلة أنه

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القيام - الحديث 1
251

يعتبر في قيامها ما يعتبر في قيام الفريضة، خصوصا إذا أريد الفرد الأكمل، فتأمل جيدا.
وأما ما في خبر عبد الله بن بكير (1) عن الصادق (ع) المروي عن
قرب الإسناد (إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما عظم أو ثقل كان يصلي
وهو قائم ويرفع إحدى رجليه حتى أنزل الله سبحانه (2) (طه ما أنزلنا عليك
القرآن لتشقى) فوضعها) فيمكن القول به، بل في الحدائق نفي الخلاف فيه تارة،
ودعوى الاتفاق عليه أخرى لكثير من الأدلة السابقة، مضافا إلى الخبر المزبور،
ودعوى ظهوره في نفي الالزام به لا أصل الجواز ممنوعة على مدعيها، بل هو ظاهر في
نسخ الكيفية المذكورة، ضرورة أنه صلى الله عليه وآله لم يكن يرى وجوبه بل كان
يختاره من بين الأفراد لأنه أحمز وأشق، ولعل مراد الأصحاب بالاعتماد على الرجلين
معا عدم رفع إحدى الرجلين لا ما يشمل الاتكاء على واحدة، كما يومي إليه ما عن
بعض من صرح هنا بالوجوب أنه ذكر بعد ذلك كراهة الاتكاء على إحدى الرجلين،
وهو إن لم يرد ما ذكرنا مناف لذلك، كمنافاة القول بالوجوب أيضا جواز الاستناد
اختيارا إلى الحائط ونحوه كما يحكى عن بعضهم أيضا، بخلاف ما لو حمل على ما ذكرنا،
فإنه لا منافاة بين الجمع حينئذ.
نعم قد يلحق بالرفع الاعتماد على إحداهما خاصة بحيث تكون الأخرى موضوعة
مجرد وضع بلا مشاركة أصلا في حمل الثقل، فيكون المراد حينئذ بالاعتماد الذي نفينا
وجوبه عدم الاتكاء على واحدة بحيث تكون أكثر الثقل عليها، لا التي لم تشاركها
الأخرى أصلا بل كانت مماسة للأرض خاصة، فتأمل جيدا، هذا.
وفي كشف الأستاذ (أصل الوقوف على القدمين معا واجب غير ركن، وترك

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القيام - الحديث 4
(2) سورة طه - الآية 1
252

الجميع مخل كالسجدتين، والاعتماد على القدمين سنة، وعلى الواحدة مكروه، والمحافظة
عليه فيهما من كمال الاحتياط) وكأنه أراد ما ذكرنا، ووجه الفساد بترك الجميع عدم
صدق القيام حينئذ، فالظاهر حينئذ إرادة ركن في القيام لا في الصلاة، ضرورة عدم
البطلان بالسهو مع التذكر والعود، إذ ليس هو أعظم من القعود سهوا، وأما احتمال
أنه يريد بالوقوف على القدمين عدم الوقوف على أصابعهما مثل أو على العقبين فإنه وإن
كان واجبا أيضا، بل خبر أبي بصير (1) عن أبي جعفر (ع) المروي في
الوسائل عن الكافي وتفسير علي بن إبراهيم (كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يقوم على أصابع رجليه حتى نزل طه) دال عليه أيضا بالتقريب المتقدم، لكن
دعوى أنه ركن بحيث يبطل الصلاة الوقوف كذلك في تمام الركعة سهوا محل نظر،
لصدق القيام حقيقة، وعموم قاعدة السهو السابقة.
وأما إطراق الرأس وانحراف العنق يمينا أو شمالا كما يفعله بعض الأتقياء فلا
أرى فيه إبطالا للصلاة، لصدق القيام، خلافا للمحكي عن ظاهر الصدوق فأبطلها
بالاطراق، وهو ضعيف، وما أبعد ما بينه وبين المحكي عن التقي من استحباب إرسال
الذقن على الصدر الذي لا يتم إلا بالاطراق وإن كان هو ضعيفا أيضا، لظهور الأمر
في مرسل حريز (2) السابق بنصب النحر، ولولا إرساله والاعراض عن ظاهر الأمر
به لاتجه وجوبه، أما الاستحباب فلا محيص عنه، والله أعلم بحقيقة الحال.
(ولو قدر على القيام في بعض الصلاة وجب أو يقوم بقدر مكنته) بلا خلاف
أجده فيه كما اعترف به غير واحد، لعدم سقوط الميسور بالمعسور، وما لا يدرك كله
لا يترك كله، وإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم، ولأن طبيعة القيام من

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القيام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القيام - الحديث 3
253

الواجبات الأصلية في الصلاة أيضا لا أنه تابع محض للأجزاء كي يقال إن مقتضى
اعتباره في المجموع المسمى بالصلاة سقوطه بتعذر البعض، لصيرورته حينئذ كالأمر
بالكل الذي يستفاد منه الأمر بالجزء تبعا للكل، ويتعذر بتعذره، على أنه قد يمنع ذلك
في مثل المقام، لظهور الفرق بينه وبين الأمر بالكل، بل كان لحوقه لكل جزء جزء
من غير اشتراط اجتماعه مع آخر، خصوصا والمراد هنا من الصلاة الأجزاء الخاصة منها
لا مسماها، مضافا إلى ظهور قوله (ع) (1): (إن لم يستطع القيام فليقعد) في إرادة
اعتبار عدم استطاعة طبيعة القيام في الانتقال إلى القعود، وقوله (ع) في صحيح
جميل (2): (إذا قوي فليقم) في وجوب القيام عليه وقت قوته عليه، وهو عين
ما في المتن.
ومنه يظهر حينئذ أنه لو قدر على زمانا لا يسع القراءة والركوع قدم
القراءة وجلس للركوع، لأنها هي وقت قوته، فليس بعاجز عما يجب عليه حالها،
فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا كما صرح به بعضهم وحكي عن آخرين، خلافا
للمحكي عن المبسوط والنهاية والسرائر والمهذب والوسيلة والجامع فقدموا الركوع على
القراءة في ذلك، بل نسبه في الأول إلى رواية أصحابنا، وفيه أنه مخالف لمقتضى الترتيب
والرواية لم تصل إلينا، والتعليل بأنه أهم لأنه ركن - مع أنه اعتباري - لا يصلح لأن
يكون مدركا لحكم شرعي، كالاستدلال عليه أيضا بما ورد (3) في النصوص من أن
الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحسب له صلاة القائم، ضرورة ظهورها
في الجالس اختيارا في النوافل، ولعل ما في المهذب وما بعده منزل على تجدد القدرة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 18 مع اختلاف في اللفظ
(2) الوسائل - الباب - 6 من أبواب القيام - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القيام
254

عند الركوع، بل ما حكي لنا من بعضها كالصريح في ذلك، فلا حظ، هذا.
وفي كشف اللثام بعد الاستدلال على أصل المسألة بعدم سقوط الميسور بالمعسور
قال: (فيقوم عند النية والتكبيرة ويستمر قائما إلى أن يعجز فيجلس، وأما خبرا
عمار (1) وأحمد بن الحسن (2) عن الصادق (ع) (فيمن وجب عليه صلاة
من قعود فنسي حتى قام وافتتح الصلاة قائما ثم فكر فقال: يقعد ويفتتح الصلاة وهو
قاعد، ولا يعتد بافتتاحه الصلاة وهو قائم) فهما فيمن يجب عليه القعود لا للعجز بل
للعدو وافتتحها قائما عمدا، والنسيان إما بمعنى الترك أو نسيان القعود حتى قام ثم
تعمد الافتتاح قائما، أو للعري وافتتحها قائما عمدا أو نسيانا) وفيه أنه لا داعي إلى
هذه التكلفات التي من الواضح فساد بعضها، إذ لا مانع من حمله على القعود من العجز
أو خوف طول المرض، أو غير ذلك، ضرورة أن القيام حينئذ له كالقعود للصحيح،
لانقلاب تكليفه، وليس هو من الرخص بل العزائم، فتأمل جيدا.
ولو عجز عن الركوع والسجود ولو جالسا دون القيام قام وأو ماء إليهما بلا خلاف
أجده، بل قد يظهر من المنتهى الاجماع عليه، بل يمكن دعواه عليه، كما أنه يمكن
استفادته على وجه القطع من قواعد المذهب، خصوصا بعد التأمل في الثابت من
الأحوال في الصلاة، وأنه لا يسقط جزء منها بتعذر آخر، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة
فأسقط القيام هنا بتعذر الركوع والسجود، وهو كما ترى، نعم قد يظهر من معقد
إجماع المنتهى وجوب الجلوس لايماء السجود، وفيه بحث، لابتنائه على أصالة وجوبه
وأنه ليس مقدمة تسقط بسقوط ذيها، وبدلية الايماء عنه لا تقتضي وجوبها بعد أن لم
يكن متوقفا عليها، وكذا البحث في وجوب الانحناء له وللركوع إذا لم يتحقق به
مسماهما، ضرورة عدم جريان قاعدة الميسور فيه، بل هو فيهما ليس إلا مقدمة محضة
لتحقيق مسماهما.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القيام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب القيام - الحديث 1
255

ولو دار أمره بين الركوع والسجود جالسا وبين القيام خاصة لتعذر الجلوس
عليه بعده للسجود أو للركوع والانحناء قائما قام وأو ماء بهما كما صرح به بعضهم، بل
يظهر من آخر أنه المشهور بل المتفق عليه، بل في الرياض عن جماعة دعوى الاتفاق
عليه، لاشتراط الجلوس بتعذر القيام في النصوص (1) ولأن الخطاب بأجزاء الصلاة
مرتب، فيراعى كل جزء حال الخطاب به بالنسبة إليه وبدله، ثم الجزء الثاني وهكذا
إلى تمام الصلاة، ولما كان القيام أول أفعالها وجب الاتيان به مع القدرة عليه، فإذا
جاء وقت الركوع والسجود خوطب بهما، فإن استطاع وإلا فبدلهما، ويحتمل كما مال
إليه في كشف اللثام تقديم الجلوس والاتيان بالركوع والسجود، بل قال: وكذا إذا
تعارض القيام والسجود وحده، ولعله لأنهما أهم من القيام، خصوصا بعد أن ورد
أن الصلاة ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود (2) وأن أول الصلاة الركوع (3)
ونحو ذلك، ولأن أجزاء الصلاة وإن كانت مرتبة في الوقوع إلا أن الخطاب بالجميع
واحد حاصل من الأمر بالصلاة، فمع فرض تعذر الاتيان بها كما هي اختيارا وجب
الانتقال إلى بدلها الاضطراري، ولما كان متعددا ضرورة كونه إما القيام وحده أو
الجلوس مع استيفاء باقي الأفعال وجب الترجيح بمرجح شرعي، ولعل الأهمية ونحوها
منه، وأنها أولى بالمراعاة من السبق لما عرفت، ومع فرض عدم المرجح أو عدم ظهور
ما يدل على الاعتداد به يتجه التخيير كما احتمله في كشف اللثام هنا تبعا للمحكي عن
المحقق الثاني، قال في جامعه: (ولو كان بحيث لو قام لم يقدر على الركوع والسجود
وإن صلى قاعدا أمكنه ذلك ففي تقديم أيهما تردد، من فوات بعض الأفعال على كل

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع - الحديث 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع - الحديث 1 - 6
256

تقدير فيمكن تخييره، ويمكن ترجيح الجلو س باستيفاء معظم الأركان معه) وظاهره
عدم الترجيح، والمسألة لا تخلو من إشكال وإن كان احتمال تقديم الجلوس قويا، ومن
العجيب دعوى الاجماعات في المقام مع قلة المعترض وخفاء المدرك، وأعجب من ذلك
دعوى اتفاق الأصحاب على تقديم القيام والايماء وإن تمكن من الركوع جالسا، وأن
ذلك هو ظاهر معقد اجماع المنتهى، وظني أنه لم يقل به أحد من الأصحاب، وأن
عبارة المنتهى بعد التأمل في الفرض الأول الذي ذكرنا لا المتمكن من الركوع جالسا،
ضرورة وجوبه عليه مع فرض تمكنه، لتواتر النصوص (1) في بدلية الركوع من
جلوس عنه قائما وفي تقديمه على الايماء، مضافا إلى ظهور ما في مجمل ابن فارس والمحكي
عن القاموس في أنه ركوع لغة، ثم لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا الوجه في باقي صور
الدوران على كثرتها، لابتنائها جميعها على ما عرفت، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (أن لا) يتمكن من القيام في الصلاة أصلا مستقلا أو معتمدا
منتصبا أو منحنيا مضطربا أو مستقرا في أحد القولين (صلى قاعدا) إجماعا بقسميه
ونصوصا (2) كادت تكون متواترة، والمشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون
إجماعا، بل لعلها كذلك، في بعض المعاقد أن المدار في معرفة التمكن وعدمه نفسه،
لأنه عليها بصيرة كما في غير المقام من التكاليف كالغسل والوضوء والصوم ونحوها،
وقد صرح هنا في جملة من النصوص (3) المعتبرة بأن الانسان على نفسه بصيرة، وأنه
هو أعلم بنفسه وبما يطيقه، فإذا قوي فليقم، نعم لا يعتبر التعذر، بل يجزي المشقة
الشديدة التي لا تتحمل عادة، كما أنه يجزي الخوف من زيادة المرض أو طول البرء

(1) الوسائل - الباب - 1 و 14 من أبواب القيام
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القيام
257

بالقيام أو الركوع أو السجود ولو من إخبار الطبيب، بل يجزي رجاء البرء ولو باخباره
أيضا، ففي صحيح ابن مسلم (1) (سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل
والمرأة يذهب بصره فتأتيه الأطباء فيقولون: نداويك شهرا أو أربعين ليلة مستلقيا
كذلك يصلي فرخص في ذلك، وقال: فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه (2)
وموثق سماعة (3) (عن الرجل يكون في عينه الماء فينزع الماء منها فيستلقي على ظهره
الأيام الكثيرة أربعين يوما أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام وهو على حاله فقال:
لا بأس بذلك، وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه) وخبر بزيع
المؤذن (4) المروي عن طب الأئمة قلت لأبي عبد الله (ع): (إني أريد
أن أقدح عيني فقال: استخر الله وافعل، قلت: هم يزعمون أنه ينبغي للرجل أن
ينام على ظهره كذا وكذا لا يصلي قاعدا قال: افعل).
ولا فرق في ذلك بين الرمد وغيره من أمراض العين، ولا بينها وبين غيرها
من الأمراض، ولا بين الاستلقاء والاضطجاع وغيرهما من أنواع الضرورة، ولا بين
تعذر القيام والركوع والسجود، ضرورة ظهور النصوص المزبورة خصوصا ما اشتمل
منها على الاستدلال بالآية (5) في الأعم من ذلك، فما عساه يتوهم من بعض العبارات
من اختصاص الحكم ببعض ما ذكرنا في غير محله، بل لعله غير مراد لهم أيضا.
(وقيل) كما عن المفيد ومحتمل النهاية (حد ذلك) العجز المسوغ للقعود،
وعلامته (أن لا يتمكن من الشئ بقدر زمان صلاته) قائما، فحينئذ يسوغ له القعود
وإن كان متمكنا من الوقوف في جميع الصلاة أو بعضها، لخبر سليمان بن حفص

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القيام - الحديث 1 - 3
(2) سورة البقرة - الآية 168
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القيام - الحديث 1 - 3
(5) سورة البقرة - الآية 168
258

المروزي (1) قال: (قال الفقيه (ع): المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال
التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما) ولا ريب أن الأول
أظهر لوجوه، منها قصور الخبر المزبور سندا ودلالة عن معارضة ما عرفت، ضرورة
احتمال إرادة بيان أنه بدون هذه القدرة تحصل له مشقة في القيام لا تتحمل، فيكون
الحاصل حينئذ أنه إذا عجز عن المشي مقدار صلاته قائما فله أن يقعد فيها وإن كان
متمكنا من الصلاة قائما بمشقة، فلم يتلازم العجزان ولا القدرتان، لا أن المراد منه
الرخصة في القعود بسبب العجز عن المشي وإن كان متمكنا من الوقوف بسهولة كي
ينافي النصوص المتقدمة، ويحتاج في رفعه إلى دعوى غلبة تلازم القدرتين، أو إلى
أنه كناية عن العجز عن القيام بقرينة أن المصلي قد يمكن أن يقوم مقدار الصلاة ولا
يتمكن من المشي كذلك وبالعكس، وإن كان بعد التأمل ربما يرجع إلى ما ذكرنا.
وربما قيل: إن المراد منه بيان ترجيح صلاة الماشي على القاعد لا تحديد العجز
كما حكي عن جماعة اختياره، منهم المفيد والفاضل والشهيد الثاني مؤيدين له بأنه إنما فقد
الاستقرار، وهو كفقد الاستقلال المقدم على القعود الرافع لأصل القيام، وفيه مع
أن المشي إن كان فيه - انتصاب ليس في القعود ففي القعود استقرار ليس في المشي -
إن مجرد هذا الاحتمال في الخبر المزبور لا يجسر به على إثبات هذه الكيفية من العبادة
المسلوب عنها اسم الصلاة في عرف المتشرعة، إذ لم يرد بها غيره قول ولا فعل كما اعترف
به في كشف اللثام، ودعوى اندراجها فيما دل على اشتراط الانتقال إلى القعود بعدم
استطاعة القيام، لأنه في الفرض مستطيع للقيام مقطوع بعدمها، ضرورة انسياق ما لا
يشمل المشي من القيام فيها، إما لعهدية اللام، أو لأن المراد من القيام هنا في النصوص
والفتاوى الوقوف، ولذا لم يذكر الأكثر اشتراط الاستقرار في القيام، ولا عقدوا له

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القيام - الحديث 4
259

فصلا وإن كان الاجماع متحققا على اعتباره فيه كغيره من أفعال الصلاة ولو الحال
المندوب منها، قال العلامة الطباطبائي:
لا تصلح الصلاة في اختيار * إلا من الثابت ذي القرار
وذاك في القيام والقعود * فرض وفي الركوع والسجود
يعم حال فرض فرض تلك الأربعة * والندب بالاجماع في فرض السعة
وهي بمعنى الشرط في المندوب * فلا ينافي عدم الوجوب
لكن عدم ذكره هنا بالخصوص مع ذكره في الركوع والسجود وغيرهما ليس
إلا لإرادتهم منه الوقوف الذي ينافيه الحركة فضلا عن المشي، ضرورة كونه بمعنى
السكون يقال واقف: أي غير متحرك، وربما كان وصف القيام بالطول وتقدير
مسافة ما بين القدمين بالشبر مثلا في بعض النصوص (1) وما يحكى من حال سيد
الساجدين (ع) من أنه لا يتحرك منه إلا ما حركته الريح (2) ونحوها مشعرا
به، فيدل على المطلوب في جميع النصوص (3) الدالة على الانتقال إلى الجلوس بتعذر
القيام كما تنبه له العلامة الطباطبائي، فإنه بعد ما حكى عن المفيد ترجيح المشي قال:
ورجح القول به في التذكرة * وهو خلاف ظاهر المعتبرة
بل لعله إلى هذا أو ماء الشهيد في دعوى ركنية القرار في القيام، ضرورة عدم
مدخليته في أصل القيام، لصدقه على المضطرب، بل على الماشي قطعا، وإنما هو معتبر
في الوقوف، فلا ريب حينئذ في رجحان القعود عليه، بل وكذا غير القعود من
الأبدال كما نص عليه العلامة الطباطبائي، فقال:

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القيام - الحديث 1 والباب 17 منها الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث
(3) الوسائل - الباب - 1 - وغيره من أبواب القيام
260

وهكذا غير الجلوس بدل * مشيا علي أصل القرار في العمل
لكن ومع هذا قد يتوقف في رجحانه على الواقف المضطرب وإن حكي عن
الشهيد أيضا ترجيح القعود عليه، ووافقه عليه في المنظومة حيث أطلق تقديم الجلوس
وغيره من الأبدال على ما يفوت به القرار من القيام، فقال:
ومن قرارا في القيام عدما * فللجلوس بالقرار قدما
ولعله لما عرفت، إلا أنه للنظر فيه مجال كما اعترف به في كشف اللثام أيضا،
لامكان منع إرادة السكون من القيام المعلق عليه الحكم في النصوص، أقصى ما يمكن
تسليمه إرادة ما لا يشمل المشي منه، والاستقرار والطمأنينة واجب آخر غير مراد
من لفظ القيام هنا، فالتوقف حينئذ في محله، بل المتجه تقديمه على القعود، خصوصا
بعد ما ورد في بعض النصوص (1) في السفينة من تقديم القيام فيها مع انحناء الظهر
ولو بما يخرجه عن صدق القيام على القعود، بل لم يعرف خلاف بين الأصحاب في تقديم
كل ما يقرب إلى القيام من التفحج الفاحش ونحوه على القعود كما سمعته فيما تقدم،
فلقد بالغ (رحمه الله) في الجزم بترجيح القعود على مثل ذلك، كما أنه بالغ الفاضل فيما
حكي عنه من تقديم المشي على الوقوف مستندا الذي قد عرفت وجود القائل بجوازه
مع الاختيار، ولا ريب في ضعفهما.
ولو لم يكن له استقرار أصلا فلا ينبغي التأمل في سقوطه، وأن تكليفه حينئذ
كل ما يقرب إلى المأمور به، فالوقوف مضطربا مقدم على المشي قطعا، ثم المشي ثم
الركوب، وربما احتمل التساوي بين الأخيرين والعكس إن كان الركوب أقر، ولعل
الأول أولى، وإلى ذلك كله أشار في المنظومة فقال:
وفي اضطرار يسقط القرار * والقرب إذ ذاك هو المدار

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القيام - الحديث 5
261

فإن تأتى أن يقوم قائما * مضطربا فذاك كان لازما
ثم ليصل بعد ذاك ماشيا * فراكبا واحتمل التساويا
والعكس إن كان ركوبه أقر * والأول الأولى والأقوى في النظر
ولعله للخبر السابق ونحوه، وعلى كل حال فقد ظهر لك أن القول بتحديد
العجز بما عرفت في غاية الضعف، وأضعف منه ما في المروي (1) في دعائم الاسلام عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي (ع) (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
سئل عن صلاة العليل فقال: يصلي قائما، فإن لم يستطع صلى جالسا، قيل
يا رسول الله فمتى يصلي جالسا قال: إذا لم يستطع أن يقرأ بفاتحة الكتاب وثلاث آيات
قائما، فإن لم يستطع أن يسجد يومي إيماء برأسه، يجعل سجوده أخفض من ركوعه،
وإن لم يستطع أن يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة، فإن لم
يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة ويومي وإيماء) إذ
لم نجد من أفتى به بل ولا من ذكره، وقد يرجع إلى المشهور بنوع من التأويل.
(و) من هذا كله بان لك أن القول (الأول أظهر، والقاعد) الذي فرضه
القعود (إذا) تجددت له القدرة و (تمكن من القيام للركوع وجب) قطعا لما ستعرفه
عند قول المصنف: (ومن عجز) إلى آخره، ضرورة كونه من جزئيات تلك المسألة
حتى لو أراد من القيام للركوع القيام إلى حد الراكع لا الانتصاب (وإلا) يتمكن
من القيام ولا ما يقرب منه (ركع جالسا) بلا إشكال ولا خلاف، ولكيفيته كما
ذكره غير واحد من الأصحاب تبعا لبعض العامة وجهان: أحدهما أن ينحني بحيث
يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع قائما بالنسبة إلى الانتصاب، فيتعرف تلك

(1) ذكر صدره في المستدرك في الباب 4 من أبواب القيام - الحديث 1 وذيله في
الباب 1 منها الحديث 5
262

النسبة ويراعيها هنا، ثانيهما أن ينحني بحيث يكون نسبة ركوعه إلى سجوده كنسبة
ركوع القائم إلى سجوده باعتبار أكمل الركوع وأدناه، فإن أكمل ركوع القائم
انحناؤه إلى أن يستوي ظهره مع مد عنقه، فتحاذي جبهته موضع سجوده، وأدناه
انحناؤه إلى أن تصل كفاه إلى ركبتيه، فيحاذي وجهه أو بعضه ما قدام ركبتيه من
الأرض، ولا يبلغ محاذاة موضع السجود، فإذا روعيت هذه النسبة في حال السجود
كان أكمل ركوع القاعد أن ينحني بحيث يحاذي جبهته مسجده وأدناه محاذاة وجهه ما قدام
ركبتيه، والوجهان متقاربان، والأصل في ذلك أن الانحناء في الركوع لا بد منه، ولما
لم يمكن تقديره ببلوغ الكفين الركبتين لبلوغهما من دون الانحناء تعين الرجوع إلى أمر
آخر به تتحقق المشابهة للركوع من قيام، وفيه أنه متجه لو لم يمكن له هيئة عرفية
ينصرف إليها الذهن عند إطلاق الأمر به من جلوس، فالأولى حينئذ إناطته بذلك
كما عن الأردبيلي، اللهم إلا أن يراد تحديد العرف بذلك، والأمر حينئذ سهل.
نعم ما في جامع المقاصد وعن غيره - من وجوب رفع الفخذين فيه لتتحقق المشابهة
المزبورة ولأن ذلك كان واجبا في حال القيام والأصل بقاؤه إذ لا دليل على اختصاص وجوبه
به - لا يخلو من نظر وتأمل، ضرورة تحقق صدق الركوع عرفا بدونه، ولأن ذلك في
حال القيام غير مقصود، وإنما حصل تبعا للهيئة الواجبة في تلك الحالة، وهي منتفية هنا،
ولانتقاضه بإلصاق بطنه بفخذيه حال الركوع جالسا زيادة على ما يحصل منه في حالته
قائما، ولم يقل بوجوب مراعاة ذلك هنا بحيث يجافي بطنه على تلك النسبة، نعم لو قدر
على الارتفاع زيادة عن حالة الجلوس ودون الحالة التي يحصل بها مسمى الركوع وأوجبناه
تحصيلا للواجب بحسب الامكان اتجه وجوب رفع الفخذين في صورة النزاع، إلا أنه
لا ينحصر الوجوب فيما يحصل به مجافاتهما عن الساقين والأرض، بل بحسب ما أمكن
من الرفع، لكن في وجوب ذلك أيضا نظر كما اعترف به في المحكي عن الروض،
263

بل عن مجمع البرهان الجزم هنا باستحباب رفع الفخذين، فتأمل جيدا.
(وإذا عجز عن القعود) مستقلا ومعتمدا مستقرا ومضطربا منحنيا ومنتصبا
إذ الظاهر جريان جميع ما سمعته في القيام فيه كما يومي إليه في الجملة المرسل الآتي (1)
ولأنه بدله وبعض قيام وإن كان لا يخلو من بحث، لاختصاصه بالدليل دونه (صلى
مضطجعا) بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به بعضهم، بل الاجماع عليه إن لم
يكن محصلا فهو محكي في كشف اللثام وغيره، كما أن الآية والنصوص بعد حمل مطلقها
على مقيدها واضحة الدلالة عليه أيضا، فإن ظاهر بعض النصوص (2) من الانتقال
من القعود إلى الاستلقاء محمول على التقية، أو يطرح إن لم يمكن تنزيله على ما ذكرنا
على الأيمن، وفاقا للمعظم، بل قد يظهر من الغنية والمنتهى كما عن المعتبر بل عن
صريح الخلاف الاجماع عليه، للاحتياط، ولمرسل الفقيه (3) وخبر الدعائم (4) وموثق
عمار (5) المعبر عنه في الذكرى وعن غيرها بحماد سهوا من القلم على الظاهر وإن حكى
متنه فيها مجردا عما يشوش الدلالة من الألفاظ التي لم يسلم منها جملة من أخبار عمار
حتى ظن منه تعددهما (فيوجه حينئذ كما يوجه الرجل في لحده) كما نطق به موثق عمار
وصرح بمعناه في القواعد، خلافا لظاهر المبسوط في المقام والمتن والنافع والإرشاد
واللمعة والمحكي عن المقنعة وجمل السيد والوسيلة والألفية وصريح التذكرة ونهاية
الإحكام فالتخيير بينه وبين الأيسر كما استظهره في المدارك ترجيحا للمطلق من
الكتاب والنصوص على المقيد، فيطرح حينئذ أو يحمل على الأفضلية كما صرح به

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15 - 15 - 10
(2) الوسائل - الباب - 1 من أبواب القيام - الحديث 13 و 18
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15 - 15 - 10
(4) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15 - 15 - 10
264

الأخير، وهو مخالف القواعد المذهب.
نعم إن تعذر الأيمن اضطجع على الأيسر كما هو المشهور أيضا على ما عن البحار، للقرب
من الأيمن في الصورة ومرسل الفقيه، قيل وإشعار الأمر باستقبال القبلة بالوجه في موثق
عمار به، وفيه تأمل، كالاستدلال عليه أيضا بظهور بعض النصوص في جواز الاضطجاع
على الأيسر (1) متمما بعدم القول بالتخيير بينه وبين الاستلقاء، فمتى جاز بعد تعذر
الأيمن وجب ضرورة إمكان قلبه عليه، والمطلقات التي خرج عنها لمكان المعارض في
الأيمن كما في الرياض لا أقل من أن ترجح حينئذ بذلك على إطلاق ما دل على الاستلقاء
أو التخيير له كيف شاء مع تعذر الأيمن، فما يظهر حينئذ - من الانتقال إلى الاستلقاء
بعد تعذر الأيمن من الغنية والمنتهى والقواعد والمبسوط في مبحث الركوع وصلاة
المضطر، وعن المعتبر والتحرير والخلاف، بل قيل: قد يظهر منه والأولين والخامس
الاجماع عليه وإن كان لا يخلو من نظر، خصوصا بالنسبة إلى الأولين، لأنهما إنما نسبا
الأيمن إلى علمائنا، بل علقا الاستلقاء على عدم التمكن من الاضطجاع، ولعلهما يريدان
مطلقه وإن نصا سابقا على الأيمن فلا حظ وتأمل، ولم يحضرني الخلاف، وإجماع الغنية
ليس بذلك الظهور من التناول لما نحن فيه - محل للتأمل والنظر.
(فإن عجز) عن الاضطجاع مطلقا أو عن الأيمن خاصة على القولين نحو العجز
عن القعود (صلى مستلقيا) بلا خلاف أجده فيه، بل عليه الاجماع محكيا في كشف
اللثام إن لم يكن محصلا، كما أن النصوص (2) واضحة الدلالة عليه، بل قد عرفت
تقديمه على الاضطجاع في بعضها وإن كان هو مقيدا بغيره أو محمولا على التقية كما عرفت

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15 والمستدرك - الباب - 1 -
منها الحديث 3 و 5 و 6
265

وليس بعد الاستلقاء مرتبة موظفة، بل كيف ما قدر صلى، وليتحر أقرب الأحوال
إلى كيفية المختار وإلا فالمضطر، لكن في منظومة العلامة الطباطبائي بعد ذكر الاستلقاء.
وما لها من بعد حد يضبط * لكنها ثابتة لا تسقط
فليتحر أقرب الأطوار * من اختيار لا من اضطرار
ولعله يريد مع التمكن.
(و) على كل حال ف‍ (الأخيران أي) المضطجع والمستلقي (يوميان لركوعهما
وسجودهما) كما هو فرض كل من تعذرا عليه، إلا أنه خصهما لأنهما مظنته وذكر
النصوص (نصوص خ ل) ذلك فيهما، ففي موثق عمار (1) منها عن الصادق (ع)
(المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى، إما أن يوجه فيومي
إيماء، وقال: يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جانبه الأيمن ثم يومي بالصلاة
إيماء، فإن لم يقدر أن ينام على جانبه الأيمن فكيف ما قدر، فإنه له جائز، ويستقبل
بوجهه القبلة ثم يومي بالصلاة إيماء) وفي خبر إبراهيم بن زياد الكرخي (2) قلت
لأبي عبد الله (ع): (رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه
الركوع والسجود فقال: يومي برأسه إيماء، وإن كان له من يرفع الخمرة فليسجد،
فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماء) الحديث. وفي خبر عبد السلام بن
صالح الهروي (3) المروي عن العيون عن الرضا عن آبائه (ع) قال: (قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائما فليصل جالسا،
فإن لم يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة يومي إيماء) وفي مرسل

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 10 - 18
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 11 وهو عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 10 - 18
266

الفقيه (1) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (المريض يصلي قائما، فإن لم يستطع
صلى جالسا، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر،
فإن لم يستطع استلقى وأو ماء إيماء، وجعل وجهه نحو القبلة، وجعل سجوده أخفض من
ركوعه) وقال أمير المؤمنين (ع) (2): (دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله)
على رجل من الأنصار وقد شبكته الريح فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كيف أصلي؟ فقال: إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه، وإلا فوجهوه إلى القبلة ومروه
فليؤم برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع) الحديث. وفي خبر بزيع المؤذن (3)
عن الصادق (ع) إلى أن قال: (صلى مستلقيا يكبر ثم يقرأ، فإذا أراد
الركوع غمض عينيه ثم سبح، فإذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من
الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح، فإذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح
عينيه رفع رأسه من السجود، ثم يتشهد وينصرف) إلى غير ذلك من النصوص التي
أطلق فيها لفظ الايماء أو قيد بالرأس كما هو الظاهر منه عند الاطلاق، وهو مراد الماتن.
نعم لا يدخل في ظاهر إطلاقه ما في الخبر الأخير من التغميض والفتح وإن
كانا هما من الرأس، بل لقوة ظهور المطلق في غير ذلك - بل كاد يكون نصا فيه بقرينة
الأمر بأخفضيته للسجود منه للركوع المنتفي في التغميض قطعا - لم يقيد ذلك الاطلاق به
ولم يجعل أحد الايماء بالرأس المأمور به عند العجز عبارة عن التغميض والفتح، بل
الذي صرح به الفاضلان والشهيدان والكركي وسائر من تأخر عنهم إلا النادر الترتيب
بينهما، فيومي بالرأس مع الامكان، وإن تعذر غمض عينيه من غير فرق في ذلك بين

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15 - 16
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15 - 16
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 13 وهو مرسل الصدوق
(قدس سره) ولم يسنده إلى بزيع
267

الاضطجاع والاستلقاء، لكن في الحدائق أن الموجود في النصوص الايماء بالرأس في
المضطجع، والتغميض المستلقي، فالأولى اتباع الأخبار، وربما يوافقه في الثاني ظاهر
المبسوط والغنية والقواعد والمحكي عن النهاية والسرائر وجامع الشرائع والموجز الحاوي
حيث اقتصروا فيه على التغميض، بل ربما كان معقد إجماع الثاني منها، كما أنه ربما كان
ظاهر الأول أن المراد بالايماء حيث يطلق ذلك، وعن الكفاية أن الترتيب المزبور
بين الايماء بالرأس والتغميض خال عنه كلام القدماء، وفيه أن النصوص كما اشتملت
على الايماء بالرأس في المضطجع كذلك أمرت به في المستلقي، نعم هو قد اختص موردا
بالتغميض دونه، وحمل الايماء بالرأس فيه عليه خاصة قد عرفت ضعفه، خصوصا وقد
اكتفي به في المرتبة العليا كالقيام والجلوس والاضطجاع ونحوها مما هو أولى من هذه
المرتبة قطعا، كاحتمال التخيير بينهما فيه، ضرورة قصوره عن ذلك، مع أقربية الايماء
بالرأس إلى السجود، بل لعله بعض منه، ولذا وجب في الجالس والقائم وغيرهما من
أفراد المضطر، كما عرفت، فلم يبق حينئذ إلا الترتيب بينهما فيه، ومقتضاه أنه كذلك
أيضا في المضطجع، ضرورة القطع بالمساواة في جميع الأحوال، إذ احتمال اختصاصه في
البدلية عنهما في حال الاستلقاء دون غيره مناف لطعم الفقاهة، خصوصا مع موافقته
للاحتياط المطلوب في العبادة، ولعل ذكره خاصة في خصوص المستلقي نصا وفتوى لغلبة
عدم التمكن من غيره حاله، لا لتقييده به، بخلاف المضطجع وغيره مما ذكر فيه الايماء
بالرأس خاصة، لندرة تعذر الايماء به عليه، فبان لك أن ما في الحدائق - من اختصاص
الايماء بالرأس في غير المستلقي، وأنه إن تعذر عليه لم ينتقل إلى بدل حينئذ، كما أن
المستلقي يختص بالتغميض، وأنه لا يجتزي بالايماء بالرأس مع القدرة عليه، فإذا تعذر
عليه التغميض لم ينتقل إلى بدل - في غاية الضعف ومخالف لمقتضى ذوق الفقاهة كما
يعرف ذلك بأدنى تأمل.
268

وكيف كان فليجعل سجوده أخفض من ركوعه حيث يكون تكليفه الايماء
لهما، ومحلهما متحد إلا إذا اختلف بالقيام والجلوس مثلا، للنصوص السابقة المعتضدة
بفتوى بعض الأصحاب وبالاعتبار كإرادة الشارع الفرق بينهما ونحوه، والمناقشة بأن
إيجاب الايماء لهما إنما هو لعدم سقوط الميسور بالمعسور، فيجب عليه فعل تمام ما يتمكن
منه من الايماء لكل منهما، ويجتزي في الفرق بينهما بالنية يدفعها - مضافا إلى وضوح
عدم جريان القاعدة المزبورة فيه - أنه اجتهاد في مقابلة النص، نعم لم يفرق في القواعد
كما عن غيرها بينهما في التغميض، لا طلاق النص، وعدم صدق الخفض على زيادة
الغمض، خلافا للكركي والشهيد الثاني والمحكي عن ابن حمزة وسلار ويحيى بن سعيد
وغيرهم، فجعلوه للسجود أكثر منه للركوع، ولعله للفرق بينهما، وإيماء الأمر به في
الايماء إليه، واحتمال إرادة التغميض من المرتضوي السابق (1) الآمر فيه بالأخفضية
ولا ريب في أنه أحوط وإن كان في تعيينه نظر، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:
واختلف صورة الايماء البدل * في كل ما لم يختلف فيه المحل
فكان إيماء السجود أخفضا * مما مضى عن الركوع عوضا
ما كان في الرأس وفي العين نظر * إذ صح سلب الخفض عن غمض البصر
ولا يجب استحضار معنى البدلية، للاطلاق والاكتفاء بالنية الاجمالية كالمبدل
منه، خلافا لما عساه يظهر من القواعد حيث اعتبر فيهما مع ذلك جريان الأفعال على
القلب، وفيه منع إن أراد به ذلك، بل الظاهر عدم وجوبها أيضا لو فرض انتقال
تكليفه في الأثناء، اكتفاء بنية الصلاة الأولى وإن كان قد قارنه سابقا اعتقاد فعل
المبدل منه باعتبار ظن بقاء التمكن، بل لو لحظه بالخصوص ثم بان العدم لم يقدح في
صحة الصلاة ولا يجب تجديد النية، نعم قد يقال باعتبار النية بالنسبة إلى البطلان بزيادته

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 16
269

ولو سهوا، ضرورة مساواته للمبدل منه في البطلان به بالزيادة والنقيصة عمدا وسهوا،
لكن لا يصدق زيادته إلا مع نية بدليته عن الركوع وإن لم نعتبرها في زيادة الركوع
كما جزم به في الروضة مع احتمال الاكتفاء في الفساد بمجرد فعله بعنوان أنه من الصلاة
وإن لم يستحضر الركوع، لصيرورة الركن بالنسبة إليه هذا الايماء والتغميض، وعلى
كل حال لا يعتبر فيه زيادته في محل الركوع والسجود وإن أو همه المحكي عن الروض،
بل الظاهر حصول البطلان بزيادته مع النية أو بدونها على الاحتمال الأخير وإن لم يكن
في المحل كالمبدل منه، اكتفاء بالصورة كما هو واضح.
ولو تعذرا معا عليه فلا بدل غيرهما ينتقل إليه إلا على احتمال تعرفه فيما يأتي،
لكن في كشف الأستاذ إيجاب الايماء بباقي الأعضاء، وهو لا يخلو من وجه وإن كان
ظاهر الأصحاب خلافه، وأنه يكتفي بجريان الأفعال على قلبه والأذكار على لسانه إن
تمكن، وإلا أخطر هما جميعا بالبال واكتفى به كما صرح به بعضهم وتقتضيه أصول المذهب.
نعم ربما ظهر من بعضهم أن منه الأعمى حملا للتغميض والفتح على العين
الصحيحة، وفيه منع، هذا.
وقد يحتمل في أصل البحث التخيير بين الايماء والتغميض في الصورتين
المزبورتين للسجود وبين وضع شئ على الجبهة، جمعا بين الأمر بهما في النصوص السابقة
وبين ما في المرسل (1) عن الصادق (ع) أنه (سئل عن المريض لا يستطيع
الجلوس يصلي وهو مضطجع ويضع على جبهته شيئا قال: نعم) وفي موثق سماعة (2)
(سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس قال: فليصل وهو مضطجع، وليضع على جبهته
شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه، ولن يكلف الله ما لا طاقة له به) وخبر أبي بصير (3)
(سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه قال: لا إلا أن يكون مضطرا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 14 - 5 - 7
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 14 - 5 - 7
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 14 - 5 - 7
270

ليس عنده غيرها، وليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه) بشهادة
الصحيح أو الحسن (1) عن الصادق (ع) ((سألته عن المريض إذا لم يستطع
القيام ولا السجود قال: يومي برأسه إيماء، وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلي)
وصحيح زرارة (2) سأل الباقر (ع) (عن المريض قال: يسجد على الأرض
أو على مروحة أو على سواك يرفعه، وهو أفضل من الايماء) بل ظاهر خبر إبراهيم
ابن زياد الكرخي (3) المتقدم سابقا في صدر المسألة وجوب تقديم ذلك على الايماء،
اللهم إلا أن يحمل على الأفضلية، فيتحد حينئذ مع الخبرين الأخيرين، ومن هنا
قال في المنظومة في نحو ما نحن فيه:
والقول بالتخيير والترجيح * للرفع فيه ظاهر الصحيح
مشيرا بذلك إلى صحيح زرارة المرجح لرفع ما يسجد عليه على الايماء، لكن
قد يقال: إن ما عدا الخبر الأول والمرسل لا ظهور فيه فيما نحن فيه من المصلي مضطجعا
أو مستلقيا، بل لعل ظاهرها لقوله فيها: (يسجد) و (يضع جبهته) ونحو ذلك
غيرهما من المتمكن من صورة السجود بانحناء في الجملة أو باعتماد ونحوهما، فإنه حينئذ
يرفع ما يسجد عليه، ويسجد لهذه النصوص وغيرها خصوصا الأخير، ولأنه هو
الذي تمكن منه من السجود، فالله أولى بالعذر، وما من شئ حرمه الله إلا وقد أحله
لمن اضطر إليه، وعدم سقوط الميسور بالمعسور، ولغير ذلك، والأفضلية والأحبية
في الصحيحين يراد بهما ما في الحدائق من أن الواجب أفضل من غيره، نحو قولهم:

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 مع اختلاف يسير
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 11 وهو عن إبراهيم
ابن أبي زياد الكرخي
271

السيف أمضى من العصا وشبهه مما لا يراد منه معنى التفضيلية، ولعله هو الذي سيشير
إليه المصنف هنا وفي باب السجود، بناء على إرادة نوع من الاعتماد من قوله:
ما يسجد عليه فيهما، بل لا أجد فيه خلافا بين الأصحاب في صورة الانحناء، بل
مطلق في ظاهر الحدائق، بل في المنتهى في باب السجود لو تعذر الانحناء لعارض رفع
ما يسجد عليه، ذهب إليه علماؤنا أجمع، بخلاف ما إذا لم يتمكن من الاعتماد ونحوه كما
هو الغالب في المضطجع والمستلقي بل من المماسة خاصة، فلا يجتزى بها عن الايماء،
والموثق الأول كالمرسل وإن كانا في المضطجع إلا أنه لا ريب في قصورهما عن أخبار
الايماء من وجوه، فيمكن حملهما على الاستحباب، أو على ما إذا لم يتمكن من الايماء
بشهادة خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه المروي عن قرب الإسناد (سألته عن المريض
الذي لا يستطيع القعود ولا الايماء كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال: يرفع مروحة إلى
وجهه ويضع على جبينه ويكبر هو) بناء على إرادة الاجتزاء بذلك عن السجود، أو
على إرادة وجوب ذلك مع التمكن من الاعتماد عليه ويكون بصورة الساجد، إذ الظاهر
وجوبه حينئذ عليه كما صرح به في الذكرى وغيرها، بل ظاهر الحدائق نفي الخلاف فيه
ضرورة كونه حينئذ كالصورة السابقة، قال في الأول بعد الحكم بالايماء للمضطجع:
(ولو أمكن تقريب مسجد إليه ليضع عليه جبهته ويكون بصورة الساجد وجب) ثم
ذكر الموثق وقال: (يمكن أن يراد به مع اعتماده على ذلك الشئ، وهذا لا ريب في
وجوبه) لكن قال فيها أيضا بعد ذلك: (ويمكن أن يراد به على الاطلاق، أما مع
الاعتماد فظاهر، وأما مع عدمه فلأن السجود عبارة من الانحناء وملاقاة الجبهة
ما يصح السجود عليه باعتماد، فإذا تعذر ذلك وملاقاة الجبهة ممكنة وجب تحصيله، لأن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 21
272

الميسور لا يسقط بالمعسور، فإن قلنا به أمكن انسحابه في المستلقي، أما المومي قائما
فيجب اعتماد جبهته على ما يصح السجود عليه مع إمكانه قطعا) وقال في الروضة بعد
ذكر الايماء بالرأس للمستلقي المضطجع: (ويجب تقريب الجبهة إلى ما يصح السجود
عليه أو تقريبه إليها والاعتماد بها عليه، ووضع باقي المساجد معتمدا، وبدونه لو تعذر
الاعتماد) وظاهرهما وجوب المماسة المزبورة إلا أنه ليس على جهة التخيير بينها وبين
الايماء، بل الظاهر إرادة وجوب ذلك معه كما صرح به بعضهم، وحكاه في كشف
اللثام عن نهاية الإحكام، وهو ممكن جمعا بين الدليلين كما أشار إليه العلامة الطباطبائي
بقوله قبل البيت السابق:
فلو تأتى الرفع دون الانحناء * فالجزم للايماء مع الرفع هنا
من غير فرق في ذلك بين الاضطجاع والاستلقاء وبين القيام والجلوس مع اتحاد
الجميع في مفروض المسألة وفي كشف اللثام عن المقنع إذا لم يستطع السجود فليومي برأسه
إيماء، وإن رفع إليه شئ يسجد عليه خمرة أو مروحة أو عود فلا بأس، وذلك أفضل
من الايماء، قال: وهو إفتاء بصحيح زرارة، ويحتملان أن من تعذر عليه الانحناء
للسجود رأسا يتخير بين الايماء ورفع ما يسجد عليه، وهو أفضل، وأنه يتخير بين
الاقتصار على الايماء والجمع بينهما، وهو أفضل، ويحتملان عموم الايماء للانحناء لا بحد
السجود، وتحتم الرفع حينئذ، وفي الاحتمالين الأولين ما لا يخفى مع فرض التمكن من
الاعتماد ونحوه، لما عرفت من وجوبه بل ومع عدمه، لكن الانصاف أنه مع ذلك
لا يخلو القول بالوجوب مع عدم الانحناء أصلا من إشكال وإن تمكن من الاعتماد فضلا،
عن غيره إن لم ينعقد إجماع عليه كما سمعته من المنتهى، للأصل وإطلاق أدلة الاجتزاء
بالايماء، والتصريح بالأفضلية في الصحيحين المزبورين (1) بل جزم به في المدارك في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 2 والبا ب 15 من أبواب
ما يسجد عليه - الحديث 1
273

الصورة الثانية مستدلا بصحيح زرارة عليها، لكنك خبير أن فيه السجود على الأرض
مما هو ظاهر في الصورة الأولى، ولعله لا يقول به، ضرورة ظهوره في التمكن في
الاعتماد في الجملة، اللهم إلا أن يلتزمه مع فرض عدم الانحناء، فالمسألة لا تخلو من نظر
ولا ينبغي ترك الاحتياط فيها، كما أنه لا ينبغي ترك وضع باقي المساجد في محالها مع
إمكانها بسبب تعذر الانحناء التام، لعدم سقوط الميسور بالمعسور، فيضعها حينئذ
معتمدا عليها وإن رفع ما يسجد عليه وانحنى في الجملة كما صرح به بعضهم، نعم يمكن
عدم اعتبار ذلك في بعض صور الايماء للمضطجع والمستلقي ونحوهما لاطلاق الأدلة،
فتأمل جيدا، وربما يأتي للمسألة تتمة إن شاء الله في باب السجود، والله أعلم.
(ومن عجز في أثناء الصلاة عن حالة انتقل إلى ما دونها مستمرا) على ما كان
متلبسا فيه من القراءة ونحوها، أو يراد بالاستمرار الكناية عن الاجتزاء بذلك وعدم
استئناف الصلاة (كالقائم يعجز فيقعد، أو القاعد يعجز فيضطجع، أو المضطجع يعجز
فيستلقي، وكذا بالعكس) فينتقل من وجد خفة في الأثناء إلى الحالة العليا المستطاعة
كما أو ماء إليه قوله (ع) (1) فيما مضى: (إذا قوي فليقم) مضافا إلى القطع
بعدم الفرق في الأحوال المزبورة بين مجموع الصلاة وبعضها وإن كان أول ما يتبادر إلى
الذهن منها الأول، لكن تبادره لأنه أظهر الأفراد، فاحتمال عدم الاجتزاء بالملفقة
من الأحوال كما عن بعض العامة - بل يستأنف إذا اتفق عروض ذلك ويأتي بالصلاة
على حالة واحدة إلا إذا فرض التعذر أو التعسر فحينئذ يجوز لهما التلفيق، وإلا
فينكشف فعدم استمرار العجز مثلا أن المراد الفرد الآخر، فلا يجزي حينئذ الفرد
الذي تلبس به بظن استمرار سببه - ضعيف جدا، بل لم أعثر على من ذكره احتمالا
فضلا عمن مال إليه أو جزم به منا إلا ما ستسمعه عن نهاية الإحكام، ولعله لما عرفت،

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القيام - الحديث 3
274

ولا مكان دعوى اندراجه في أدلة كل من الأحوال أو بعضها المؤيد بالنهي عن إبطال
العمل، وباستصحاب صحة الصلاة القاضي بعد إحراز الصحة بتعين الأحوال المزبورة
بعد فرض انتفاء احتمال غيرها بالاجماع ونحوه، فيتحقق حينئذ من مجموع ذلك الامتثال
المقتضي للأجزاء، نعم عن نهاية الإحكام لو انتفت المشقة فالأولى عندي استحباب
الاستئناف، يعني لو كان القعود مثلا للمشقة في القيام لا للعجز عنه فانتفت في الأثناء
استحب له الاستئناف، ولا بأس به إن أراد بعد الاكمال للتسامح، وإلا كان محل نظر
ومنع، لحرمة إبطال العمل التي لا يجوز الخروج عنها إلا بالدليل المعتبر، هذا. وقد
مر سابقا عند قول المصنف: (وإذا تمكن من القيام للركوع وجب) ما ينفعك في
المقام، ضرورة كونه بعضه في وجه، فلا حظ وتأمل.
وقد بان لك من ذلك كله الوجه في الثاني من المراد بالاستمرار في المتن، أما
الأول أي يبقى مستمرا على القراءة في أثناء الهوي إلى القعود مثلا فلأنه أقرب إلى
الحالة العليا التي هي محل القراءة اختيارا، فيجب المحافظة عليه حينئذ وفاقا للمحكي عن
الأكثر بل المشهور كما قيل، بل في الذكرى كما عن الروض نسبته إلى الأصحاب
وإن كان الظاهر عدم إرادة الأول الاجماع من النسبة المزبورة، لاشكاله إياه بعد
النسبة، بل ربما نوقش في أصلها كما يومي إليه نسبته إلى القيل في المحكي عن دروسه بخلو
كتب القدماء كالمقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف والجمل والوسيلة والسرائر وغيرها
عن ذلك في مباحث القيام والركوع والقراءة، بل قد يظهر من المبسوط خلافه، اللهم
إلا أن يكون ذكروا ذلك في غير مظانه أو فيها وقد زاغ عنه البصر، أو يكون أراد
مشائخه كالفخر والعميد والفاضل وابني سعيد والآبي وغيرهم ممن شاهدهم، أو نقل له
ذلك عنهم، فيتجه حينئذ بعد فقد الاجماع إشكاله بأن الاستقرار شرط في القراءة،
275

لخبر السكوني (1) عن الصادق (ع) في المصلي يريد التقدم قال: (يكف
عن القراءة في مشيه حتى يتقدم ثم يقرأ) وغيره، بل لعله إجماع كما سمعته سابقا،
ويشعر به ما في الذكرى، فيجب مراعاته فيها، واحتمال تسليم اشتراطه في غير محل
البحث لعدم الدليل عليه فيه من إجماع أو نص كما ترى، كدعوى اشتراطه فيها في
حال الاختيار المفقودة في المقام، ضرورة اضطراره إلى القعود، إذ يدفعها أن الاضطرار
إنما هو في نفس الانتقال لا في القراءة غير مستقر.
فلعل الأولى حينئذ تأخير القراءة إلى حال الجلوس تحصيلا لشرطها وفاقا
للمحقق الثاني وغيره، خصوصا بعد ظهور اعتبار القراءة في القيام أو بدله، وليس
هو إلا القعود في الفرض، إذ الهوي من مقدماته لا من أبدال القيام حتى ينتهي إلى
القعود، وإلا لزم كثرة المراتب، وهو كما ترى، والاحتياط هنا إنما هو بتكرير الصلاة
أو بإعادة ما قرأ في الهوي بنية القربة المطلقة، بناء على الاجتزاء بمثلها لو فرض كونه
جزء في الصلاة لا بالقراءة في حال الجلوس بعد ظهور بعض العبارات في وجوب
القراءة في حال الهوي لقربه من حال الاختيار، فليس له السكوت حينئذ وإن جاز له
في أثناء الحالة الواحدة كما هو واضح، اللهم إلا أن يقال: إن صلاته صحيحة وإن
عصى بترك القراءة في حال الهوي حتى انتقل تكليفه، فهو كمن سكت في حال القيام
حتى عرض له ما نقل تكليفه، لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد فرض علم المكلف
بالانتقال، فتأمل جيدا، هذا.
وقد يشكل جريان أصل البحث في مثل الانتقال من الاضطجاع على الجانب
الأيمن إلى الأيسر ونحوه بأن حالة الانتقال فيه ربما اقتضت قلبه على ظهره، وهي أدون
من الجانب الأيسر، أو على وجهه فهو مرجوح في جميع المراتب، فينبغي تقييد الحكم

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3
276

بما لو كان من حالات هي أعلى من المنتقل إليه، كما يدل عليه التعليل، اللهم إلا أن
يقال بأن الانقلاب على الظهر مثلا أقرب من الأيسر إلى الأيمن في مثل الفرض،
وعدم الاستمرار عليه الدليل أو لملاحظة الاشتراك في الاضطجاعية ونحوها.
ثم إنه قد يتوهم من قول المصنف وكذا العكس اتحادهما فيما ذكره من الانتقال
والقراءة في أثنائه ونحوهما، وليس كذلك قطعا، ضرورة وجوب الانتقال عليه من
أقصى الدنيا إلى العليا من أول مرة مع الاستطاعة، لا أنه ينتقل مترتبا إلا إذا كانت
الاستطاعة كذلك، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:
فإن بدا العجز عن الأعلى أنتقل * لأوسط ثم إلى ما قد سفل
ولا كذا إذا استبان القدرة * فلينتقل إلى العلو مرة
وأما القراءة فلا ينبغي التأمل في وجوب تركها حتى ينتقل إلى العليا مطمئنا،
لعدم الاستقرار، وعدم بدلية غيرها عنها مع التمكن منها، فما توهمه عبارة النافع كالمتن
من القراءة في الأثناء في الفرض ليس في محله قطعا، وكيف وقد استحب له في الذكرى
كما عن نهاية الإحكام استئناف ما قرأه سابقا لتقع جميع القراءة مستأنفة، وعن المبسوط
يجوز له وإن كان قد يشكل باستلزامه زيادة الواجب مع حصول الامتثال وسقوط
الفرض، إلا أن يتخلص عنه بما سمعته سابقا من القراءة بغير نية الجزئية.
ولو خف بعد القراءة وجب القيام للركوع قطعا، لوجوبه فيه وقد تمكن منه
وفي وجوب الطمأنينة فيه للركوع وعدمه قولان، أشهرهما الثاني وأحوطهما الأول،
واستدل عليه في الذكرى بأن الحركتين المتضادتين في الصعود والهبوط لا بد أن يكون
بينهما سكون، فينبغي مراعاته ليتحقق الفصل بينهما، وبأن ركوع القائم يجب أن
يكون عن طمأنينة، وهذا منه، وبأن معه يتيقن الخروج عن العهدة، وفيه أن الكلام
في الطمأنينة عرفا، وهي أمر زائد على ذلك، ضرورة كون ذلك السكون من اللوازم
277

التي لم تدخل في قسم الممكن حتى يصح التكليف بها، فحينئذ لا عبرة بالسكون المزبور
كما لا عبرة به في حال الرفع من الركوع وإرادة الهوي إلى السجود بالاجماع المحكي عن
الروض، وأما الثاني فهو عين المتنازع فيه، فإن موضع الوفاق في اشتراط الركوع عن
طمأنينة هي ما يحصل في قيامها قراءة ونحوها، فتكون الطمأنينة واجبة لذلك لا لذاتها،
وهي قد حصلت حال القعود الذي هو بدل القيام، وأما الثالث فليس إلا الاحتياط
الذي ذكرناه، والبحث في وجوبه معروف، خصوصا في المقام الذي يدعى اندراجه
في إطلاق الأدلة. وكيف كان فلا تستحب إعادة القراءة هنا كما عن التذكرة والذكرى
وجامع المقاصد وغيرها للأصل.
ولو خف في الركوع جالسا قبل الطمأنينة كفاه أن يرتفع منحنيا إلى حد الراكع
ولم يجز له الانتصاب، لاستلزامه الزيادة المفسدة، ولو كان الخفة بعدها قبل الذكر فحكمه
كسابقه على ما صرح به بعضهم، خلافا لما عساه يوهمه ظاهر المحكي عن التذكرة والذكرى
من أنه كما لو كان بعد الذكر الذي لا يجب عليه فيه إلا القيام للاعتدال بلا خلاف
أجده، وفيه أن الذكر يجب إيقاعه في تلك الحالة من الركوع، وهي ممكنة له من غير
استلزام زيادة، بخلاف ما لو كان خفة بعد تمام الذكر، لحصول الامتثال المقتضي للاجزاء
فليس عليه حينئذ إلا القيام للاعتدال، ولو كانت خفته في أثناء الذكر فبناء على
الاجتزاء بالتسبيحة الواحدة في الذكرى لا يجوز البناء على بعضها، لعدم سبق كلام تام
ولزوم اعتبار الموالاة، ويحتمل البناء بناء على عدم قدح مثل هذا الفصل اليسير فيها،
ولعل الأولى جعل المدار على الاخلال بها وعدمه، ولو فرض إتمامها ثم خف كان له
الارتفاع للاتيان بالمستحب على الظاهر ولا زيادة ركن فيه، ولو أوجبنا تعدد التسبيح
وكان قد شرع فيه فإن كان في أثناء تسبيحة فالبحث فيها كالسابق وارتفع الاتمام الباقي
قطعا، كما أنه كذلك لو فرض بعد إتمام التسبيحة الواحدة، فإنه يرتفع حينئذ أيضا
278

لاتمام الباقي، لكن في كشف اللثام (لو كان قد شرع فيه ولم يكمل كلمة ((سبحان)
أو (ربي) أو (العظيم) أو ما بعده فالأولى إتمام الكلمة وعدم قطعها، بل عدم
الوقف على (سبحان) ثم استئناف عند تمام الارتفاع) وهو جيد لولا استلزامه
الزيادة، اللهم إلا أن يكون إتمامه بعنوان الذكر المطلق، والأمر سهل.
ولو خف بعد الاعتدال والطمأنينة قام ليسجد عن قيام كما صرح به في الذكرى
وغيرها، بل لا أجد فيه خلافا، إلا أنه لا يخلو من إشكال كما في التذكرة، ولعله لعدم
اعتبار القيام في السجود، وإنما كان الهدم عنه له لأنه من ضروريات الامتثال به
ولوازمه، على أنه قد قام عنه الاعتدال والطمأنينة الجلوسيان، وأيضا لو كان هذا القيام
واجبا لوجب حتى لو حصل الخف بعد الهوي إلى السجود قبل الوصول إلى حده،
مع أنه لا يجب معه قولا واحدا كما قيل، نعم قد يحتمل القيام للقنوت الثاني بعد
الركوع في الجمعة على إشكال أيضا كما في المحكي عن نهاية الإحكام من مخالفة الهيئة
المطلوبة للشرع مع القدرة عليها، ومن استحباب القنوت فجاز فعله جالسا للعذر، ولعل
الأولى ترك قوله للعذر، كما أن الأول أولى، وكيف كان فعلى القول به أي القيام
للسجود فالظاهر عدم اعتبار الطمأنينة فيه للأصل وفاقا للمحكي عمن تعرض له من
الأصحاب، نعم في الذكرى احتماله على بعد، قال: إلا إذا عللنا بتحصيل الفصل
الظاهر بين الحركتين فيجب الطمأنينة، كما أنه يتجه اعتبارها ووجوب القيام لها لو
فرض حصول الخف بعد الاعتدال قبل الطمأنينة.
ولو قدر على القيام للاعتدال من الركوع دون الطمأنينة فيه قام، والأولى
الجلوس لها كما في كشف اللثام، بل عن بعضهم القطع به، ويحتمل تقديم الجلوس لهما
كما في الذكرى، والأقوى سقوطها والاجتزاء بالقيام كما قلناه في أصل قيام الركعة،
ومثله لو ركع القائم فعجز عن الطمأنينة فالأقرب كما في الذكرى الاجتزاء به ويأتي
279

بالذكر فيه وبعده، وليس له الجلوس ليركع ركوع الجالس مطمئنا.
ولو ثقل في أثناء الركوع فإن كان بعد الذكر جلس للاعتدال مستقرا، ولو كان قبله
قيل ففي الركوع أو الاجتزاء بما حصل من الركوع وجهان مبنيان على أن الركوع هل
يتحقق بمجرد الانحناء المذكور أم لا بد في تحققه من الذكر والطمأنينة والرفع، والأولى
أنه إن أمكن هويه متقوسا بحيث لا يلزم زيادة ركوع هوى وذكر، وإلا سقط واكتفى
بالجلوس للاعتدال من غير ركوع، والله أعلم.
(ومن لا يقدر على السجود يرفع ما يسجد عليه، فإن لم يقدر أو ماء) إليه كما
تقدم البحث فيه سابقا، وربما يأتي له تتمة لاحقا إن شاء الله، وهل يجب عليه الجلوس
للايماء لو فرض قيامه مع تعذر السجود عليه بغير فقد الساتر؟ كما أنه هل يجب عليه
القيام للايماء للركوع لو فرض تعذر الركوع عليه وكان جالسا؟ وجهان، العدم لاطلاق
الأدلة، ولأنهما من المقدمات التي تسقط بسقوط ذيها، والوجوب لعدم سقوط
الميسور بالمعسور، ولظهور النصوص والفتاوى في المقام بوجوب كل ما يقرب إلى
المأمور به، ولأن الايماء هو البدل، فيعتبر فيه حينئذ ما يعتبر في المبدل منه، فيقوم
ثم يومي للركوع، كما أنه يجلس فيومي للسجود، ولعله هو الذي أشار إليه العلامة
الطباطبائي مستثنيا فاقد الساتر الذي يومي قائما إذا صلى كذلك لأمن المطلع، كما أنه
يومي للركوع جالسا مع الصلاة كذلك عند خوف المطلع، فقال:
وكل إيماء عن السجود من * غير قيام ما خلا العاري الأمن
فقائما يومي كما قد ركعا * بالعكس مما لزم المروعا
لا يجلس القائم كالجالس لا * يقوم للايماء في قول جلا
وقد يفرق بين الركوع والسجود باعتبار القيام في الأول فكذا بدله، بخلاف
280

السجود فإن الجلوس فيه من مقدماته لا لأن السجود يعتبر فيه أن يكون عن جلوس.
(والمسنون في هذا الفصل) للقائم عدة أمور مستفادة من صحيح حماد (1)
وزرارة (2) والمحكي عن فقه الرضا (ع) (3) قال في الأول: (قال لي
أبو عبد الله (ع) يوما: أتحسن أن تصلي يا حماد؟ قال: قلت: يا سيدي
أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة، قال: فقال (ع): لا عليك قم صل،
قال: فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة، فاستفتحت الصلاة وركعت وسجدت،
فقال: يا حماد، لا تحسن أن تصلي، ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي عليه ستون سنة أو
سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة، قال حماد: فأصابني في نفسي الذل،
فقلت: جعلت فداك فعلمني الصلاة، فقال أبو عبد الله (ع) مستقبل القبلة
منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه حتى كان بينهما
ثلاث أصابع مفرجات، واستقبل بأصابع رجليه جميعا القبلة لم يحرفهما عن القبلة بخشوع
واستكانة، فقال: الله أكبر، ثم قرأ الحمد بترتيل وقل هو الله أحد، ثم صبر هنيئة
بقدر ما تنفس وهو قائم، ثم قال: الله أكبر وهو قائم، ثم ركع وملأ كفيه) الحديث.
وقال أبو جعفر (ع) في الثاني: (إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك
بالأخرى دع بينهما فصلا، إصبعا أقل ذلك، إلى شبر أكثره، وأسدل منكبيك
وأرسل يديك ولا تشبك أصابعك، وليكونا على فخذيك قبالة ركبتيك، وليكن نظرك
إلى موضع سجودك)) وفي المحكي عن فقه الرضا (ع) (إذا أردت أن تقوم
إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلا - إلى أن قال -: فقف بين يديه كالعبد الآبق
المذنب بين يدي مولاه، فصف قدميك وانصف نفسك ولا تلتفت يمينا ولا شمالا،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1 - 3
(3) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الصلاة - الحديث 7
281

وتحسب كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ولا تعبث بلحيتك - إلى أن قال
أيضا -: ويكون بصرك في موضع سجودك ما دمت قائما - ثم قال -: ولا تتك مرة
على رجلك ومرة على الأخرى) إلى آخره وإنما لم نذكر تمام الأخبار الثلاثة لاشتمالها
على ذكر المستحبات في الصلاة لا خصوص القيام الذي هو المطلوب في المقام.
والمستفاد من هذه وغيرها إسدال المنكبين وإرسال اليدين ووضعهما على الفخذين
اليمنى على الأيمن واليسرى على الأيسر مضمومتي الأصابع حتى الابهام محاذي الركبتين
والنظر إلى موضع السجود واستواء النحر وفقار الظهر، كما يدل عليه أيضا المرسل (1)
الوارد في تفسير قوله تعالى (2): (فصل لربك وانحر) الذي قد تقدم سابقا،
واستواء الرجلين في الاستقرار، بل يظهر من الأخير كراهة الاتكاء على واحدة،
وصف القدمين بحيث لا ينحرف أحدهما عن الآخر ولا يزيد، وأن يوجه الجميع القبلة
وأن يفرق بينهما ولو بإصبع، والشبر أقصى الفصل، إلى غير ذلك مما لا يخفى على
من لاحظ النصوص.
وربما يظهر من صحيح زرارة الآخر (3) عدم استحباب بالنسبة بعضها إلى
المرأة، قال فيه: (إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرج بينهما، وتضم
يديها إلى صدرها لمكان ثدييها) الحديث. ولم أعرف خلافا بين الأصحاب في عدم
وجوب شئ من جميع ما ذكرنا عدا ما سمعته سابقا من المحكي عن ظاهر الصدوق من
وجوب نصب النحر، وعدا ما يظهر من بعض العبارات المحكية في تحديد ما بين القدمين
بالشبر أو الأقل، ولا ريب في ضعفهما، وأن المدار في الثاني على عدم حصول التباعد

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القيام - الحديث 3
(2) سورة الكوثر - الآية 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 4
282

المخل بهيئة القيام، والله أعلم.
وأما المستحب للقاعد ف‍ (شيئان): أحدهما (أن يتربع المصلي قاعدا في حال
قراءته) بلا خلاف أجده، بل عن صريح الخلاف وظاهر غيره الاجماع عليه،
للحسن (1) (كان أبي (ع) إذا صلى جالسا تربع، فإذا ركع ثنى رجليه)
كما أني لا أعرف خلافا في عدم وجوبه، بل عن المنتهى أنه إجماعي لا طلاق النصوص (2)
والتصريح والتعميم في بعضها (3) بل لا أعرف خلافا أيضا في أن ذلك كيفية لمطلق
الصلاة جالسا سواء كان فريضة أو نافلة، وكذا لا أعرف خلافا أيضا في أن المراد
بالتربع هنا نصب الفخذين والساقين وإن كان لم يساعده شئ مما وقفنا عليه من كلام
أهل اللغة بالخصوص، بل الموجود فيه خلاف ذلك، وأنه عبارة عن الكيفية المتعارفة
الآن، إلا أن الأصحاب لعلهم أخذوه من أنه هو جلوس القرفصاء المنقول (4) عن
النبي (صلى الله عليه وآله) أنه أحد جلساته الثلاثة، وأنه هو الأقرب للقيام، بل ربما
احتمل وجوبه، واحتمال أنه هو جلوس العبد المتهيئ للامتثال الذي قد أمر به في بعض
الأخبار، وربما كان في الحسن السابق أيضا إشارة إليه، لأن ثنى الرجلين في حال
الركوع يدل على عدمه قبله، والتربيع المتعارف فيه ثنى الرجلين، فتأمل، والمراد بثنى
الرجلين فرشهما واضعا للفخذ على الساق.
(و) لا خلاف في أنه يستحب له أيضا أن (يثني رجليه في حال ركوعه)
للحسن السابق المحكي عن ظاهره الاجماع عن بعضهم، وأما بين السجدتين فالظاهر
استحباب التورك لا التربع لما ستسمع، وإن كان يمكن دعوى دلالة الحسن على الثاني،
وكذا التشهد، لكن المصنف نسبه إلى القيل مشعرا بتمريضه، فقال: (وقيل)

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القيام - الحديث 4 - 0 - 5
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القيام - الحديث 4 - 0 - 5
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القيام - الحديث 4 - 0 - 5
(4) الوسائل - الباب - 74 من أبواب أحكام العشرة - الحديث 1 من كتاب الحج
283

و (يتورك في حال تشهده) بل عن جامع ابن عمه التصريح باستحباب التربع فيه،
ولم أعرف لهما موافقا ولا شاهدا عدا دعوى إطلاق الحسن السابق الذي لا يقاوم
ما سيأتي مما دل (1) على استحباب التورك فيه الذي حكي التصريح به هنا عن جماعة
من الأصحاب، والأمر سهل، ولقد ذكرنا جملة نافعة عند ذكر المصنف الجلوس في
النافلة، من أرادها فليلاحظها، لكن ذكر الأستاذ في كشفه هنا (أن الأفضل
للجالس العاجز جلوس القرفصاء إن لم نوجبه، لأنه أقرب إلى هيئة القيام، وبعدها
التربع، وهو جمع القدمين ووضع إحداهما على الأخرى، وقد يقال بأفضلية الحال
الأولى في مقام القراءة ومقام الركوع، والثانية في مقام الجلوس، ويستحب توركه
حال التشهد) وهو كما ترى فيه ما هو خال عنه كلام الأصحاب، بل لعله يخالفه وإن
كان يمكن ذكر ما يصلح مستندا لبعض ما ذكره، والله أعلم.
الفعل (الرابع)
من أفعال الصلاة
(القراءة)
(وهي واجبة) في الجملة في الصلاة إجماعا بل وضرورة من المذهب كما في كشف
الأستاذ، لعدم العبرة في ذلك بمن لم يسمع الآن بجملة من الضروريات من بهائم الخلق
ونصوصا مستفيضة (2) بل متواترة، بل قيل وكتابا كقوله تعالى (3): (فاقرأوا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القراءة - في الصلاة
(2) سورة المزمل الآية - 20
284

ما تيسر من القرآن) بعد العلم بأن لا وجوب في غير الصلاة، وفيه أن النصوص (1)
ظاهرة أو صريحة في أن وجوبها من السنة لا من الكتاب كالركوع والسجود، وذلك
أقوى قرينة على عدم إرادة الصلاة من الآية المستلزمة لتكلف إخراج ما عدا الصلاة
وما عدا الفاتحة خاصة، أو هي والسورة مما تيسر، وإرادة الوجوب الشرطي والشرعي
من الأمر على فرض العموم للفرض والنفل، وغير ذلك، بل لا ظن بإرادة قراءة
الصلاة، وفرق واضح بين قابلية الإرادة وبين الظن بالإرادة الفعلية كما هو الديدن
في قرائن المجاز، ويؤيد ذلك كله أنها ليست ركنا تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا
فضلا عن زيادتها قطعا، بل عن الخلاف الاجماع عليه، بل يمكن دعوى تحصيله،
لعدم معلومية المخالف وإن نسب إلى ابن حمزة، لكن قيل: إنه لم يكن له في الوسيلة
ذكر، نعم عن المبسوط حكايته عن بعض أصحابنا، ومثله لا يقدح في تحصيل القطع
الناشئ من اتفاق من وصل إلينا فتاويهم من الأصحاب والنصوص (2) الكثيرة
الظاهرة والصريحة في نفي البطلان مع النسيان الذي هو لازم الركنية، فأصالتها حينئذ
على تقدير التسليم وإطلاق نفي الصلاة من دون الفاتحة مثلا يجب الخروج عنهما ببعض
ذلك فضلا عن جميعه، ولو كانت واجبة بالكتاب لكانت ركنا كما أومأت إليه
النصوص (3).
(وتتعين بالحمد في كل ثنائية وفي الأولتين من كل رباعية وثلاثية) بلا خلاف
أجده فيه، بل يمكن دعوى تواتر الاجماع عليه للنصوص البيانية (4) وغيرها مما يمر

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
والباب 29 منها - الحديث 5 والمستدرك - الباب - 22 و 24 منها - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 27 و 28 و 29 - من أبواب القراءة في الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
والباب 29 منها - الحديث 5 والمستدرك - الباب - 22 و 24 منها - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة
285

عليك في تضاعيف المباحث، بل قد يشعر المشتمل منها (1) على ذكر السبب في اختصاص
الأولتين بالقراءة دون الأخيرتين بكونه مفروغا منه، بل يمكن دعوى استفادته أيضا
من نفي الصلاة بدون فاتحة الكتاب، بناء على إرادة كل ركعة من الصلاة وإن خرج
ما خرج بالدليل، أو على الاتمام بالاجماع، ومنه يعلم حينئذ وجوبها شرطا أو وشرعا
في النافلة، بل هي مدلول له قطعا إذا كانت ركعة واحدة، على أنك قد سمعت أصالة
اشتراك النافلة والفريضة في كل هيئة كان موضوعها لفظ الصلاة التي هي اسم للطبيعة
المشتركة بينهما، فما عن تذكرة الفاضل وتحريره وابن أبي عقيل من عدم اشتراطها بذلك
للأصل ضعيف كأصله لما عرفت، مضافا إلى توقيفية العبادة، وإلى ما ورد في بيان
كثير من النوافل الخاصة من الأمر بقراءتها فيها مما هو ظاهر ولو بمعونة فتاوى
الأصحاب في عدم إرادة اختصاص تلك النوافل بالفاتحة وإن اختصت بأمور أخر
من سور خاصة ونحوها، بل عدم العثور على نافلة مخصوصة ذكر فيها الاكتفاء بغير
الحمد أو ببعضه أقوى شاهد على اعتباره فيها جميعها، وإلى فعل السلف والخلف، نعم
قد يشهد للفاضل توسعة الأمر في النوافل، وخصوص خبر علي بن أبي حمزة (2)
(سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل المستعجل ما الذي يجزيه في النافلة؟
قال: ثلاث تسبيحات في القراءة وتسبيحة في الركوع والسجود) بناء على عدم
التخصيص بالمستعجل لعدم القائل بالفصل، أو لصدق الاستعجال على ما لا ينافي
الاختيار، لكنه مع ضعفه قاصر عن معارضة ما عرفت، فتأمل جيدا.
(و) على كل حال ف‍ (تجب قراءتها) أجمع، وحينئذ (لا تصح الصلاة مع
الاخلال ولو بحرف واحد منها عمدا) إجماعا في كشف اللثام وعن المعتبر والمنتهى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
286

نقيصة أو إبدالا ممنوعا أو غيرهما، لعدم الامتثال، ضرورة كونها اسما للمجموع الذي
ينتفي بانتفاء بعضه، والتسامحات العرفية كالاشتباهات لا تبنى عليها الأحكام الشرعية
والظاهر ذلك حتى لو تدارك بناء على تحقق البطلان بمطلق الزيادة في الصلاة، إذ من
الواضح حينئذ تحققها فيما لو تدارك بسبب ما وقع قبله منه، بل لو أخل بحرف من كلمة
فقد نقص وزاد معا وإن لم يتدارك إن نوى بما أتى به من الكلمة الجزئية، وإلا نقص
وتكلم في البين بأجنبي.
فظهر حينئذ عدم جواز الاخلال بشئ منها (حتى التشديد) كما عن الأكثر
التصريح به، بل في فوائد الشرائع لا نعرف فيه خلافا، قال فيه: (لا ريب أن رعاية
المنقول في صفات القراءة والتسبيح والتشهد من حركات وسكنات للأعراب والبناء
وغير ذلك مما يقتضيه النهج العربي كالادغام الصغير على ما صرح به شيخنا الشهيد في
البيان والمد المتصل واجبة، ومع الاخلال بشئ من ذلك تبطل الصلاة، ولا نعرف في
ذلك كله خلافا، ويحصل ترك التشديد إما بحذف الحرف المدغم مثلا، أو بتحريكه،
أو بفك الادغام) لكن الأول مندرج في الاخلال بحرف، ولعله خصه بالذكر حينئذ
لخفائه، والثاني إخلال بكيفية الحرف، لأنه حركه بعد أن كان ساكنا، والثالث بطلانه
لفوات الموالاة، قال في كشف اللثام: (وفك الادغام من ترك الموالاة إن تشابه
الحرفان، وإلا فهو إبدال حرف بغيره، وعلى التقديرين من ترك التشديد، نعم
لا بأس به بين كلمتين إذا وقف على الأولى نحو (لم يكن له) لما ستعرفه من جواز
الوقف على كل كلمة) وظاهره عدم جواز فكه في نحو الكلمتين المزبورتين إذا لم يقف
وستعرف التفصيل، وعلى كل حال فالظاهر إرادة التشديد من الادغام الصغير في معقد
نفي الخلاف في كلام الكركي، إذا هو إدراج الساكن الأصلي في المتحرك في كلمة واحدة
287

أو كلمتين متماثلين (كهل لك) أو متقاربين (1) (كمن ربك) خلاف الادغام الكبير
الذي هو إدراج المتحرك بعد الاسكان في المتحرك متماثلين في كلمة (كمناسككم)
و (ما سلككم) أو في كلمتين (كيعلم ما بين أيديهم) (فيه هدى) (وطبع على
قلوبهم) أو متقاربين في كلمة كالقاف في الكاف بشرط تحرك ما قبلها (كيرزقكم)
و (خلقكم) لا (كميثاقكم) وأن يكون بعده ميم الجماعة في قول، وفي كلمتين (كمن
زحزح عن النار) قيل: وقد حصروه في ستة عشر حرفا: الحاء والقاف والكاف والجيم
والشين والضاد والسين والدال والذال والتاء والثاء والراء واللام والنون والميم والباء،
والتفصيل يطلب من مظانه، لأن لا غرض لنا يتعلق به ولا بغيره من أقسام الادغام
الكبير، إذ لم أعرف أحدا قال بوجوب شئ منه من الأصحاب كما اعترف به بعض
مشائخنا، بل لولا الاجماع المدعى على القراءة بالسبع أو العشر لأمكن التوقف في القراءة
ببعض أفراده، خصوصا مع استلزامه تغيير كيفية الحرف بالاسكان أو الابدال،
إذ لذلك سمي كبيرا.
بل يمكن المناقشة في إطلاق الوجوب في الادغام الصغير وإن نسب إلى الفقهاء
ولم يعرف الكركي فيه خلافا، ضرورة عدم الدليل على وجوبه في مطلق المتقاربين في
النحو ولا في الصرف، بل ولا في علم القراءة، إذ حروف الحلق وهي (اهع حغخ)
متقاربة المخرج، وكذا حروف أصل اللسان كالقاف والكاف، وحروف وسطه كالياء
المثناة التحتانية والشين والجيم، وحروف طرفه كالصاد والسين والراء، وحروف الشفة

(1) الصحيح ما أثبتناه وإن كانت النسخة الأصلية مع تاء التأنيث الموهمة أن
قوله: (متماثلتين) و (متقاربتين) صفتان لكلمتين وذلك لأنها حالان لقوله:
(الساكن الأصلي و (المتحرك) كما هو واضح
288

العليا كاللام والنون والثاء والذال والظاء، وحروف الشفة السفلى وهي التاء والدال
والطاء، وحروف الشفتين كالفاء والباء والواو والميم وإن تفاوتت بالجهر والهمس
والشدة والرخاوة وغيرها من الأوصاف، وقد اختلفوا في إدغام كثير منها مع تقارب
المخرج كالذال في الجيم والزاء والسين والصاد والتاء والدال، نحو إذ جعلنا، وإذ زين،
وإذ سمعتموه، وإذ صرفنا، وإذ تبرء، وإذ دخلوا، فعن أبي عمر وهشام الادغام،
وعن عاصم والحرميين الأظهار، والدال في الجيم والسين والشين والصاد والذال والراء
والضاد والظاء، نحو لقد جائكم، لقد سمع، لقد شغفها، لقد صرفنا، لقد ذرأنا،
لقد رأينا، فقد ضل، فقد ظلم، فعن الأكثر الادغام، وعن عاصم وابن كثير وقالون
الاظهار، وتاء التأنيث في ستة: الجيم والسين والصاد والزاء والثاء والظاء، نحو نضجت
جلودهم، وكذبت ثمود، وأنزلت سورة، وحصرت صدورهم، وخبت زدناهم،
وكانت ظالمة، فعن الأكثر الاظهار، وعن بعض الادغام، ولأم هل وبل في التاء
والثاء والسين والزاء والطاء والضاد والنون، نحو هل تعلم، هو ثوب، بل سولت،
بل زين، بل طبع، بل ضلوا، بل ظلموا، بل ظننتم، بل نظنكم، هل ندلكم، فعن
الكسائي الادغام، وعن الأكثر الاظهار، إلى غير ذلك مما اختلفوا فيه كالباء في الفاء
وبالعكس، نحو أو يغلب فسوف، ومن لم يتب فأولئك، ونخسف بهم، والراء في
اللام، نحو واصبر لحكم ربك.
نعم لا خلاف بينهم كما عن الشاطبية وسراج القاري في إدغام الذال في الظاء
نحو إذ ظلموا، والدال في التاء نحو قد تبين، قد تعلم، وعدتني، وفي إدغام تاء التأنيث
في الدال والطاء أجيبت دعوتكما، وآمنت طائفة، واللام في الراء قل ربي، بل ربكم،
بل ران، بل قيل الظاهر أيضا أنهم يوجبون إدغام الطاء في التاء أحطت، بسطت،
والقاف في الكاف مع سكونها واتصال ميم الجمع، بل قيل وبدونه، لم يخلقكم،
289

لم يرزقكم، يخلقك.
ووجوب ذلك كله مبني على وجوب ما عند القراء، إذ ليس في النحو والصرف
ما يقتضيه، ضرورة عدم معروفية الادغام عندهم إلا في المتماثلين في كلمة واحدة، أو
كلمتين الساكن أولهما أصالة، وكأن الادغام حينئذ من ضروريات النطق بالكلمة أو
الكلمتين معا، ولعل مراد الأصحاب بالادغام الصغير الذي نقلوا الاجماع على وجوبه
هذا لا مطلق ما عرفت، مع أنه قد يستثنى منه أيضا حرف المد نحو آمنوا، وعملوا،
والذي يوسوس، فإنه واجب الاظهار، بل يمكن دعوى منافاة المد للادغام، أما
لو أريد بالادغام الصغير ما يشمل جميع ما سمعت مما ادعي وجوبه عند سائر القراء
ففيه بحث أو منع.
كالبحث أو المنع في وجوب إدغام التنوين والنون الساكنة إذا كانت طرفا في
اللام والراء بغنة الذي نقل إجماع القراء السبعة عليه عن التيسير وسراج القاري
والشاطبية نحو هدى للمتقين، من ربك، ولكن لا يعلمون، بل نقلوه أيضا على
إدغامهما في حروف (ينمو) الأربعة مصاحبا للغنة إلا من خلف فلا غنة في الياء والواو
نحو من يقو، وبرق يجعلون، من نور، يومئذ ناعمة، ممن منع، مثلا ما بعوضة
، من وال، غشاوة ولهم.
أما إذا كانت النون وسطا فعن الشاطبي وجماعة الاجماع على وجوب إظهارها
نحو الدنيا وبنيان وقنوان وصنوان لئلا تشتبه بالمضاعف نحو حيان وبوان، بل قيل
أيضا إنه حكي الاجماع مستفيضا على إظهارهما معا قبل حروف الحلق، وأنهم أجمعوا
على قلبهما ميما عند الباء نحو من بعد، صم بكم، بل عن ابن مالك التصريح به أيضا.
وأما حالهما عند غير الذي عرفت من باقي الحروف فعن الشاطبية وسراج القاري
الاجماع أيضا على إخفائهما مع بقاء غنتهما، والاخفاء حال بين الادغام والاظهار عار
290

من التشديد، وأما الميم فإن لاقت الباء غنت، وإن لاقت غيرها من سائر الحروف
ظهرت، ووجه الاشكال في الجميع ما عرفت، خصوصا إذا قلنا: إن المراد بالوجوب
في لسان القراء تأكد الفعل كما عن الشهيد الثاني احتماله، أو أنه معتبر في التجويد لا
كالنحويين والصرفيين الذي يراد به فيهما خروج اللفظ عن قانون اللغة، ولذا كان
الأقوى وجوب كل ما هو واجب عندهم دون القراء.
لا يقال: إنه بعد أن كلف بقراءة القرآن مثلا في الصلاة فلا يجزيه إلا قراءة
ما هو معلوم أنه قرآن أو كالمعلوم، وهو لا يحصل إلا بالقراءات السبع، للاجماع في
جامع المقاصد وعن الغرية والروض على تواترها، كما عن مجمع البرهان نفي الخلاف فيه
المؤيد بالتتبع، ضرورة مشهورية وصفها به في الكتب الأصولية والفقهية، بل في المدارك
عن جده أنه أفرد بعض محققي القراء كتابا في أسماء الرجال الذين نقلوا هذه القراءات
في كل طبقة، وهم يزيدون عما يعتبر في التواتر، مضافا إلى قضاء العادة بالتواتر في
مثله لجميع كيفياته، لتوفر الدواعي على نقله من المقر والمنكر، وإلى معروفية تشاغلهم به
في السلف الأول حتى أنهم كما قيل ضبطوه حرفا حرفا، بل لعل هذه السبعة هي المرادة
من قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (نزل القرآن على سبعة أحرف) كما يومي إليه
المروي (2) عن خصال الصدوق، ولأن الهيئة جزء اللفظ المركب منها ومن المادة،
فعدم تواترها يقضي بعدم تواتر بعض القرآن، أو العشر (3) لدعوى الشهيد في
الذكرى تواترها أيضا؟ وهو لا يقصر عن نقل الاجماع بخبر الواحد كما اعترف به

(1) الخصال 2 ص 10 الطبع القديم
(2) الوسائل - الباب - 74 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6
(3) قوله: (أو العشر) معطوف على كلمة (السبع) في قوله: (وهو لا يحصل إلا
بالقراءات السبع)
291

في جامع المقاصد وإن ناقشه بعضهم بأن شهادته غير كافية، لاشتراط التواتر في القرآن
الذي يجب ثبوته بالعلم، ولا يكفي الظن، فلا يقاس على الاجماع، نعم يجوز ذلك له،
لأن كان التواتر ثابتا عنده، ولو سلم عدم تواتر الجميع فقد أجمع قدماء العامة ومن
تكلم في المقام من الشيعة كما عن الفاضل التوني في وافية الأصول على عدم جواز القراءة
بغيرها وإن لم يخرج عن قانون اللغة والعربية، وفي مفتاح الكرامة أن أصحابنا
متفقون على عدم جواز العمل بغير السبع أو العشر إلا شاذ منهم، والأكثر على عدم
العمل بغير السبع، ولعل ذلك للمرسل (1) عن أبي الحسن (ع) (جعلت
فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها،
كما بلغنا عنكم، فهل نأثم؟ فقال: لا، فاقرأوا كما علمتم فسيجئ من يعلمكم) وخبر
سالم بن سلمة (2) قال: (قرأ رجل على أبي عبد الله (ع) حروفا ليس على
ما تقرأها الناس فقال أبو عبد الله (ع): كف عن هذه القراءة، اقرأوا
كما يقرأ الناس حتى يقوم العلم) والمرسل المشهور نقلا في كتب الفروع لأصحابنا
وعملا (القراءة سنة متبعة) بل في حاشية المدارك أن المراد بالتواتر هذا المعنى، قال
فيها: (المراد بالمتواتر ما تواتر صحة قراءته في زمان الأئمة (ع) بحيث
يظهر أنهم كانوا يرضون به ويصححون ويجوزون ارتكابه في الصلاة، لأنهم صلوات الله
عليهم كانوا راضين بقراءة القرآن على ما هو عند الناس، وربما كانوا يمنعون من قراءة
الحق، ويقولون: هي مخصوصة بزمان ظهور القائم (ع)) انتهى. فالمعتبر
حينئذ القراءات السبع أو العشر، وظاهر الأصحاب بل هو صريح البعض التخيير بين

(1) الوسائل - الباب - 74 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 74 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 رواه في
الوسائل عن سالم بن أبي سلمة مع تفاوت في اللفظ
292

جميع القراءات، نعم يظهر من بعض الأخبار (1) ترجيح قراءة أبي
لأنا نقول أولا: يمكن منع دعوى وجوب قراءة المعلوم أنه قرآن، بل يكفي
خبر الواحد ونحوه مما هو حجة شرعية.
وثانيا أن الأوامر تنصرف إلى المعهود المتعارف، وهو الموجود في أيدي
الناس، ولا يجب تطلب أزيد من ذلك كما أوضحه الخصم في الوجه الثاني من اعتراضه.
وثالثا نمنع اعتبار الهيئة الخاصة من أفراد الهيئة الصحيحة في القرآنية، فلا
يتوقف العلم بكونه قرآنا عليها، إذ هي من صفات الألفاظ الخارجة عنها، كما يستأنس
له بصدق قراءة قصيدة امرئ القيس مثلا، ودعاء الصحيفة على المقر وصحيحا وإن
لم يعلم الهيئة الخاصة الواقعة من قائلهما، بل يصدق في العرف قراءة القرآن على الموافق
للعربية واللغة وإن لم يعلم خصوصية الهيئة الواقع عليها، بل قد ادعى المرتضى فيما حكي
عن بعض رسائله كبعض العامة صدق القرآن على الملحون لحنا لا يغير المعنى، ولذا
جوزه عمدا وإن كان هو ضعيفا.
وإلى بطلانه أشار المصنف بقوله: (وكذا إعرابها) أي وكذا تبطل الصلاة
مع الاخلال عمدا بشئ من إعرابها كما هو المعروف، بل في فوائد الشرائع لا نعرف فيه
خلافا، بل عن المنتهى لا خلاف فيه، بل عن المعتبر الاجماع عليه، إما لدخول الهيئة
الصحيحة إعرابا وبنية وبناء لغة في مسمى القرآن كما صرح به في جامع المقاصد لأنه
عربي، أو لأنه المنساق من إطلاق الأوامر، أو للاجماع، أو لغير ذلك، وأولى منه
الاخلال بحركات البنية بل والبناء، ولعله كغيره أراد بالاعراب ما يشمل ذلك كله
توسعا، كما أنه أراد منه قطعا الحركات والسكون وغيرهما من علامات الاعراب،
ودعوى أن القرآن اسم لتلك الألفاظ الخاصة وغيرها مما يقع في ألسنة الناس حكاية

(1) الوسائل - الباب - 74 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
293

صورة القرآن بل حتى ما يقع من لسان النبي (صلى الله عليه وآله) بناء على أن
طريق وحيه إليه بواسطة حلوله في شجرة أو غيرها من الأجسام التي يمكن إخراج
الصوت منه مقطعا بالقدرة الربانية - يدفعها أن المدار أيضا حينئذ في صدق حكاية
القرآن ما ذكرنا.
ورابعا منع التواتر أو فائدته، إذ لو أريد به إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
كان فيه أن ثبوت ذلك بالنسبة إلينا على طريق العلم مفقود قطعا، بل لعل المعلوم عندنا
خلافه، ضرورة معروفية مذهبنا بأن القرآن نزل بحرف واحد على نبي واحد،
والاختلاف فيه من الرواة كما اعترف به غير واحد من الأساطين، قال الشيخ فيما حكي
من تبيانه: (إن المعروف من مذهب الإمامية والتطلع في أخبارهم ورواياتهم أن القرآن
نزل بحرف واحد على نبي واحد غير أنهم أجمعوا على جواز القراءة فإن الانسان مخير
بأي قراءة شاء، وكرهوا تجريد قراءة بعينها) وقال الطبرسي فيما حكي عن مجمعه:
(الظاهر من مذهب الإمامية أنهم أجمعوا على القراءة المتداولة، وكرهوا تجريد قراءة
مفردة، والشائع في أخبارهم أن القرآن نزل بحرف واحد) وقال الأستاذ الأكبر في
حاشية المدارك: (لا يخفى أن القراءة عندنا نزلت بحرف واحد، والاختلاف جاء من
قبل الرواية، فالمتواتر) إلى آخر ما نقلناه عنه سابقا، وقال الباقر (ع) في
خبر زرارة (1): (إن القرآن واحد نزل من عند الواحد، ولكن الاختلاف يجئ
من قبل الرواة، وقال الصادق (ع) في صحيح الفضيل (2) لما قال له: إن
الناس يقولون: إن القرآن على سبعة أحرف: (كذب أعداء الله، ولكنه نزل على
حرف واحد من عند الواحد) ومثله خبر زرارة وقال أيضا في صحيح المعلي بن

(1) أصول الكافي - ج 2 ص 630 (باب النوادر) من كتاب فضل القرآن الحديث 12 - 13
(2) أصول الكافي - ج 2 ص 630 (باب النوادر) من كتاب فضل القرآن الحديث 12 - 13
294

خنيس (1) لربيعة الرأي: (إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال،
فقال ربيعة الرأي: ضال فقال نعم، ثم قال أبو عبد الله (ع): أما نحن
فنقرأ على قراءة أبي) وإن كان الظاهر أن ذلك منه (ع) إصلاح لما عساه
مناف للتقية من الكلام الأول، خصوصا وابن مسعود عندهم بمرتبة عظيمة، وإلا فهم
المتبعون لا التابعون، كما أنهم ربما صدر منهم (ع) (2) ما يوافق خبر
السبعة الأحرف المشهور عندهم تقية، أو يحمل على إرادة البطون كما يومي إليه قوله
(ع) (3) بعده بلا فاصل: (فأولى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه)
ولا ينافي ذلك ما ورد من السبعين بطنا ونحوه، لأن البطون لها بطون، كما ورد
في الخبر أيضا (إن لكل بطن بطنا حتى عد إلى سبعين) وعن السيد نعمة الله
أن ابن طاووس أنكر التواتر في مواضع من كتابه المسمى بسعد السعود واختاره، قال:
(والزمخشري والرضي وافقانا في ذلك) قلت: بل الزمخشري صرح بما في أخبارنا من
أن قراءة النبي صلى الله عليه وآله واحدة، وأن الاختلاف إنما جاء من الرواية،
ولذلك أوجب على المصلي كل ما جاء من الاختلاف للمقدمة، واستحسنه بعض من
تأخر من أصحابنا لولا مجئ الدليل بالاجتزاء بأي قراءة.
وبالجملة من أنكر التواتر منا ومن القوم خلق كثير، بل ربما نسب إلى أكثر
قدمائهم تجويز العمل بها وبغيرها، لعدم تواترها، ويؤيده أن من لاحظ ما في كتب
القراءة المشتملة على ذكر القراء السبعة ومن تلمذ عليهم ومن تلمذوا عليه يعلم أنه عن
التواتر بمعزل، إذ أقصى ما يذكر لكل واحد منهما واحد أو اثنان، على أن تواتر
الجميع يمنع من استقلال كل من هؤلاء بقراءة بحيث يمنع الناس عن القراءة بغيرها،

(1) أصول الكافي - ج 2 ص 634 (باب النوادر) من كتاب فضل القرآن - الحديث 27
(2) الخصال - ج 2 ص 10 الطبع القديم
(3) الخصال - ج 2 ص 10 الطبع القديم
295

ويمنع من أن يغلط بعضهم بعضا في قراءته، بل ربما يؤدي ذلك إلى الكفر كما اعترف
به الرازي في المحكي من تفسيره الكبير، ودعوى أن كل واحد من هؤلاء ألف قراءته
من متواترات رجحها على غيرها، لخلوها عن الروم والاشمام ونحوهما، وبه اختصت
نسبتها إليه كما ترى تهجس بلا درية، فإن من مارس كلماتهم علم أن ليس قراءتهم إلا
باجتهادهم وما يستحسنوه بأنظارهم كما يومي إليه ما في كتب القراءة من عدهم قراءة النبي
(صلى الله عليه وآله) وعلي وأهل البيت (ع) في مقابلة قراءاتهم، ومن
هنا سموهم المتبحرين، وما ذاك إلا لأن أحدهم كان إذا برع وتمهر شرع للناس طريقا
في القراءة لا يعرف إلا من قبله، ولم يرد على طريقة مسلوكة ومذهب متواتر محدود،
وإلا لم يختص به، بل كان من الواجب بمقتضى العادة أن يعلم المعاصر له بما تواتر
إليه، لاتحاد الفن وعدم البعد عن المأخذ، ومن المستبعد جدا أنا نطلع على التواتر
وبعضهم لا يطلع على ما تواتر إلى الآخر.
كما أنه من المستبعد أيضا تواتر الحركات والسكنات مثلا في الفاتحة وغيرها
من سور القرآن (و) لم يتواتر إليهم أن (البسملة آية منها) ومن كل سورة عدا
براءة، وأنه (تجب قراءتها معها) سيما والفاتحة باعتبار وجوب قرائتها في الصلاة تتوفر
الدواعي إلى معرفة ذلك فيها، فقول القراء حينئذ بخروج البسامل من القرآن كقولهم
بخروج المعوذتين منه أقوى شاهد على أن قرائتهم مذاهب لهم، لا أنه قد تواتر إليهم
ذلك، وكيف والمشهور بين أصحابنا بل لا خلاف فيه بينهم كما عن المعتبر كونها آية
من الفاتحة، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل البيت، بل النصوص (1) مستفيضة فيه
إن لم تكن متواترة كالاجماعات على ذلك، بل وعلى جزئيتها من كل سورة،

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القراءة في الصلاة -
296

والنصوص (1) دالة عليه أيضا وإن لم يكن بتلك الكثرة والدلالة في الفاتحة، نعم شذ
ابن الجنيد فذهب إلى أنها افتتاح في غير الفاتحة لبعض النصوص المحمول على التقية،
أو على إرادة عدم قراءة السورة مع الفاتحة، أو غير ذلك.
ومن الغريب دعوى جريان العادة بتواتر هذه الهيئات وعدم جريانها في تواتر
كثير من الأمور المهمة من أصول الذين وفروعها، فدعوى جريانها بعدم مثل ذلك
أولى بالقبول وأحق، وأغرب منها القول بأن عدم تواترها يقضي بعدم تواتر بعض
القرآن، إذ هو مع أنه مبني على كونها من القرآن ليس شيئا واضح البطلان، ضرورة
كون الثابت عندنا تواتره من القرآن مواد الكلمات وجواهرها التي تختلف الخطوط
ومعاني المفردات بها لا غيرها من حركات (حيث) مثلا ونحوها مما هو جائز بحسب
اللغة وجرت العادة بايكال الأمر فيه إلى القياسات اللغوية من غير ضبط لخصوص
ما يقع من اتفاق التلفظ به من الحركات الخاصة، وكيف وأصل الرسوم للحركات
والسكنات في الكتابات حادث، ومن المستبعد حفظهم لجميع ذلك على ظهر القلب.
ومن ذلك كله وغيره مما يفهم مما ذكر بأن لك ما في دعوى الاجماع على التواتر
على أنه لو أغضي عن جميع ذلك فلا يفيد نحو هذه الاجماعات بالنسبة إلينا إلا الظن
بالتواتر، وهو غير مجد، إذ دعوى حصول القطع به من أمثال ذلك مكابرة واضحة
كدعوى كفاية الظن في حرمة التعدي عنه إلى غيره مما هو جائز وموافق للنهج العربي
. وأنه متى خالف بطلت صلاته، إذ لا دليل على ذلك، بل لعل إطلاق الأدلة يشهد بخلافه
واحتمال الاستدلال عليه بالتأسي أو بقاعدة الشغل كما ترى، وأما الاجماع المدعى على
وجوب العمل بالقراءات السبع أو العشر كقراءة ابن عامر (قتل أولادهم شركاؤهم)
وقراءة حمزة (تساءلون به والأرحام) بالجر، وأنه لا يجوز التعدي منها إلى غيرها

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القراءة في الصلاة
297

وإن وافق النهج العربي ففيه أن أقصى ما يمكن تسليمه منه جواز العمل بها، وربما
يقال: وإن خالفت الأفشى والأقيس في العربية، أما تعيين ذلك وحرمة التعدي عنه
فمحل منع، بل ربما كان إطلاق الفتاوى وخلو كلام الأساطين منهم عن إيجاب مثل
ذلك في القراءة أقوى شاهد على عدمه، خصوصا مع نصهم على بعض ما يعتبر في القراءة
من التشديد ونحوه، ودعوى إرادة القراءات السبعة في حركات المباني من الاعراب
في عبارات الأصحاب لا دليل عليها، نعم وقع ذلك التعيين في كلام بعض متأخري
المتأخرين من أصحابنا، وظني أنه وهم محض كالمحكي عن الكفاية عن بعضهم من القول
بوجوب مراعاة جميع الصفات المعتبرة عند القراء، ولعله لذلك اقتصر العلامة الطباطبائي
في منظومته على غيره، فقال:
وراع في تأدية الحروف ما * يخصها من مخرج لها انتمى
واجتنب اللحن وأعرب الكلم * والقطع والوصل لهمز التزم
والدرج في الساكن كالوقف على * خلافه على خلاف حظلا
وكلما في الصرف والنحو وجب * فواجب ويستحب المستحب
فحينئذ لو أجمع لقراء مثل على كسر (حيث) مثلا لم يمتنع على المصلي أن
يقرأها بالضم أو الفتح، وهكذا في سائر حركات البناء والبنية والاعراب والادغام
والمد وغيرها، ومن العجيب دعوى بعض الناس لزوم ذلك حتى لو كان وقوع ذلك
من مثل القراء لمجرد اتفاق لا لأنهم يرون وجوبه، فإن العبرة بما يسمع منهم لا بمذاهبهم
إذ هي دعوى لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، بل وخلاف ما صرحوا بوجوبه
مما لم يكن في العربية أو الصرف واجبا، بل لو أن مثل تلك الأمور مع عدم اقتضاء
اللسان لها من اللوازم لنادي بها الخطباء، وكرر ذكرها العلماء، وتكرر في الصلاة الأمر
بالقضاء، ولأكثروا السؤال في ذلك للأئمة الأمناء، ولتواتر النقل لتوفر دواعيه،
298

والاستدلال على الدعوى المزبورة بتلك الأخبار يدفعه ظهور تلك النصوص في إرادة
عدم قراءة القرآن بخلاف ما هم عليها من الأشياء التي ورد في النصوص حذفهم لها أو
تحريفها، لا مثل الهيئات الموافقة للنهج العربي.
ولقد تجاوز أستاذنا الأكبر في كشفه، فقال: (ولو وقف على المتحرك، أو
وصل الساكن، أو فك المدغم من كلمتين، أو قصر المد قبل الهمزة أو المدغم، أو ترك
الإمالة والترقيق والاشباع والتفخيم والتسهيل ونحوها من المحسنات فلا بأس) وإن كان
هو جيدا في البعض، بل لعله عين المختار وإن كان قد ظن أن الوقف على الساكن
والوصل في المتحرك والقصر في المد غير واجب بمقتضى اللغة وعند الصرفيين، والتحقيق
خلافه، فهو في الحقيقة نزاع في موضوع، لكن قال بعد ذلك: (ثم لا يجب العمل
على قراءة السبعة أو العشرة إلا فيما يتعلق بالمباني من حروف وحركات وسكنات بنية
أو بناء، والتوقيف على العشرة إنما هو فيها، ومقتضاه وجوب اتباع السبعة في مثل
ذلك، وعدم التعدي وإن وافق النهج العربي، وفيه ما عرفت، ويلزمه حينئذ وجوب
اتباعهم في كل ما فعلوه، وأجمعوا عليه من إدغام أو مد أو وقف أو إشباع أو صفات
حروف حتى لو كان ذلك عندهم من المحسنات، إلا أنه ما اتفق وقوع غيره منهم،
لأن العبرة بما يقرأونه لا بما يذهبون إليه، وإلا لجاز مخالفتهم في الحركات والسكنات
ضرورة عدم لزوم قراءتهم بالحركة الخاصة منه غيرها وإن وافق النهج العربي، ولو منعوا
لكانوا غالطين في ذلك كما هو المفروض، على أن كثيرا من هذه المحسنات صرحوا
بوجوبه كما عرفت جملة من الادغام، اللهم إلا أن يحمل ذلك على شدة الاستحباب
والتأكيد لا اللزوم، فيجري فيه حينئذ البحث السابق، وربما تسمع لهذا مزيد تحقيق
إن شاء الله فيما يأتي والله الموفق والمسدد.
(ولا يجزي للمصلي) عن الفاتحة مثلا (ترجمتها) بالفارسية ونحوها اختيارا
299

قطعا، وإجماعا لعدم الامتثال (ويجب) عليه (ترتيب كلماتها وآيها على الوجه المنقول)
إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا، لتوقف صدق السورة أو القرآنية عليه، أو لأنه المنساق
إلى الذهن من إطلاق الأدلة، والمتعارف المعهود في الوقوع (فلو خالف عمدا أعاد)
الصلاة إذا فرض خروجه بذلك عن القرآنية ودخوله في كلام الآدميين، أو قلنا بأن
زيادة الجزء في الصلاة مبطلة بناء على أنه فعل ذلك بقصد الجزئية (وإن كان) قد
خالف ذلك (ناسيا استأنف القراءة ما لم يركع، فإن ركع مضى في صلاته ولو ذكر)
إجماعا ونصوصا (1) إذ ليس هو أعظم من نسيان القراءة أو الكلام سهوا، نعم
يتجه هنا وجوب السجدتين إذا أخل به بحيث دخل في كلام الآدميين، ويظهر من
المحقق الثاني أن مطلق مخالفة الترتيب توجب ذلك، وقد يتأمل فيه بالنسبة إلى بعض
الأفراد، وعلى كل حال فالمراد باستئناف القراءة تمامها إذا فرض فوات الموالاة، وإلا
تلافى ما أخل به مما قدمه فقط، فلو قدم مثلا (مالك يوم الدين) على قوله: (الرحمن
الرحيم) أجزأه حينئذ إعادة ((مالك يوم الدين) دون (الرحمن الرحيم) كما هو واضح.
(ومن لا يحسنها) أي الفاتحة أصلا (يجب عليه التعلم) بعد دخول الوقت
قطعا، وقبله في وجه لا يخلو من قوة إذا علم عدم سعة الوقت له، وكذا السورة بناء
على وجوبها وسائر الأذكار الواجبة، وظاهر المتن وغيره إيجابه عليه عينا لا تخييرا بينه
وبين الائتمام، وبه صرح الأستاذ في كشفه، فلو تركه في السعة وائتم أثم وصحت
صلاته، ولعله لأن الائتمام ليس من أفعاله كي يخير بينه وبين التعلم، ضرورة توقفه
على ما لا يدخل تحت قدرته، مع عدم اطمئنانه باتمام صلاته جماعة بحيث لا يحتاج فيها
إلى القراءة، فتركه للتعلم في مثل الزمان المزبور ترك للواجب من غير علم بما يسقطه عنه
ولعله لذا أطلق الأصحاب هنا وجوب التعلم إطلاقا ظاهرا في التعيين، بل لعله مقتضى

(1) الوسائل - الباب - 28 و 29 - من أبواب القراءة في الصلاة
300

إطلاق ما حكي من إجماعي المعتبر والذكرى، ويؤيده خلو النصوص، عن الأمر به في
سائر المراتب، ودعوى أن إهمال الأصحاب ذلك لمعلوميته، وإلا فهو مخير من أول
الأمر بين الائتمام والتعلم كما في كل واجب مخير، خصوصا والجماعة أفضل الفردين
يمكن منعها على مدعيها، وإن أمكن دعوى شهادة كلامهم في الجملة لها في باب الجماعة، إلا
أن الأقوى الأول، والتخيير إنما هو بين الصلاة فرادى وجماعة لا بين التعلم والجماعة،
وفرق واضح بينهما.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في مصابيح الطباطبائي، قال: وظاهر الأصحاب
وجوب التعلم وإن أمكنه الاقتداء والقراءة في المكتوب، بل صرح بعضهم بترتبها
على العجز عنه، قال: وفيه أن وجب التعلم ليس إلا لتوقف العبادة عليه، ومتى
أمكن الاتيان بها بدونه لم يجب، فإن ثبت الاجماع كما في المعتبر والذكرى، وإلا اتجه
القول بنفي الوجوب لانتفاء ما يدل عليه، وإن كان فيه اعتراف وشهادة على بعض
ما ذكرنا، والله أعلم.
وكيف كان (فإن ضاق الوقت) عن التعليم مع التقصير فيه وعدمه (قرأ
ما تيسر منها) على إشكال في صورة التقصير، لاحتمال عدم قبول ذلك منه، لأن
الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار وإن لم نقل إن أوامر الشرع إرشادية بحيث يصح
توجهها إليه حال الامتناع، لكن يعامل معاملة المختار في العقاب وعدم الانتقال إلى
البدل وغيرهما خصوصا إذا كان منشأ الانتقال إلى البدل قبح التكليف بما لا يطاق منضما
إلى عدم سقوط الصلاة بحال ونحوه مما يمكن دعوى عدم تحققه في المقام، نعم لو أن
الشارع رتب البدل على موضوع يصدق وإن كان باختيار المكلف اتجه حينئذ الانتقال
كقوله: فاقد الماء مثلا يتيمم، إذ لا ريب في صدقه على من أراق الماء، ولعل مدار
المسألة فيما نحن فيه على ذلك، فإن ثبت موضوع يندرج فيه، وإلا كان الحكم بالانتقال
301

مشكلا، خصوصا إذ قلنا بتحقق الطلب المستلزم للتكليف في حال الامتناع، إذ أقصى
ما يقبحه العقل توجه الخطاب اللفظي إليه لا أصل طلب الشئ ومحبوبية فعله ومبغوضية
تركه، فإنه حينئذ لا ينافيه عدم سقوط الصلاة بحال ونحوه مما دل على ذلك، إذ لم نقل
بسقوط الصلاة عنه في هذا الحال، وإلا لم يتجه عقابه إذا فرض تصيير الفعل ممتنعا
عليه من أول الوقت، ولعله إلى ذلك أو ماء في المحكي عن الموجز وشرحه بايجاب القضاء
عليه خارج الوقت كما سمعته في التكبير أيضا، اللهم إلا أن يقال: إن المراد بعدم سقوط
الصلاة بحال إرادة وقوع فعلها في جميع الأحوال، وأنها لا تترك بحال من أحوال
المكلف أصلا سواء كان باختياره أو بآفة سماوية، فحينئذ لا ينافي ذلك بقاء التكليف
الأول بناء على الإرشاد أو غيره، فتأمل فإنه قد يدق، ولتحقيق المسألة مقام آخر.
أما مع عدم التقصير فلا ريب في عدم سقوط الصلاة عنه، بل هو من ضروريات
المذهب إن لم يكن الدين، إلا أنه هل يجب عليه الائتمام حينئذ مع تيسره له؟ قيل:
نعم، ولعله لأنه أحد الفردين الذي لا يسقط بتعذر الآخر، ولأنه بسبب تمكنه من
التعلم فيما يأتي من الزمان لم يستقر له بدلية ما جعله الشارع بدلا، ضرورة ظهورها في
العاجز أصلا، ولا ينافيه الانتقال إليها مع تعذر الائتمام، لقبح التكليف بما لا يطلق،
وعدم سقوط الصلاة بحال، ولو سلم ثبوت بدليتها للعاجز غير المقيد باستمرار العجز
فقد يمنع صدقه في المقام باعتبار التمكن من الائتمام كما أشار إليه الأستاذ في كشفه أيضا،
ويحتمل عدم الوجوب، لاطلاق النص والفتاوى ومعاقد الاجماعات، والبدلية معلقة
على من لا يحسن القراءة الصادق في المقام، ضرورة عدم إرادة تمام العمر منه، وإلا
لم تتحقق البدلية أصلا، لعدم علمه بمستقل الأزمنة، بل المراد من لم يحسنها عند الحاجة
إليها الصادق على المقام، ولعله الأقوى في النظر إن لم ينعقد إجماع على خلافه، وهو
على الظاهر كذلك ولو بملاحظة كلامهم في باب الجماعة، إذ هو مع أنه لا يبلغ حد
302

الاجماع معارض بظاهر كلامهم في المقام، اللهم إلا أن يقال بأنه غير مساق لبيانه،
بل هو لإرادة ما يبدل عن القراءة ولو عند تعذر الجماعة، فتأمل جيدا.
ثم إن ظاهر المتن عدم الفرق فيما تيسر بين كونه آية أو بعضها وإن لم يدخل في
القرآنية إلا بالقصد كالبسملة والحمد لله ونحوهما، ولعله لاطلاق ما دل على عدم سقوط
الميسور بالمعسور ونحوه، بل ربما كان مقتضاه الكلمة الواحدة وبعضها، لكن في جامع
المقاصد وعن الفاضل والشهيد اعتبار كونه قرآنا في وجوب قراءة البعض، بل ظاهر
الأول اعتبار ذلك فيه بنفسه بحيث لا يحتاج إلى قصد، وربما يومي إليه الخبر العامي
الذي استدل به في المقام بعض الأصحاب وهو خبر عبد الله بن أبي أوفى (1) قال:
(إن رجلا سأل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إني لا أستطيع أن أحفظ شيئا من
القرآن فماذا أصنع؟ فقال له: قل: سبحان الله والحمد لله) ضرورة أنه لو وجب البعض
المستطاع وإن كانت قرآنيته محتاجة إلى النية لأمره بقراءة (الحمد لله) التي هي إحدى
الكلمتين اللتين علمهما النبي (صلى الله عليه وآله) إياه، بل يومي إليه أيضا عدم الأمر
بقراءة البسملة المستبعد عادة عدم معرفتها أيضا، وكذا يومي إليه ظاهر ما يأتي من
فرض الأصحاب من أنه لو لم يعلم شيئا من الفاتحة وعلم سورة أخرى وجب تعويضها
عن الحمد أو لا يجب على بحث تسمعه إن شاء الله، إذ لو كان يجب البعض المستطاع وإن
كانت قرآنيته محتاجة إلى النية لوجب أمرهم بقراءة البسملة من الحمد، بل تكرارها بناء
على تعويض التكرير عن الفائت، واحتمال إرادة المجردة عن البسملة كبراءة من السورة
في كلامهم يأباه ملاحظة كلامهم في الفرض المزبور.
وعلى كل حال فظاهر المتن وغيره بل حكي عن صريح بعضهم الاكتفاء بقراءة

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 305 - الرقم 832 الطبعة الثانية عام 1369
مع اختلاف يسير
303

هذا المتيسر، ولعله للأصل، وظهور بعض ما دل على وجوب هذا الميسور في الأجزاء
كقوله (صلى الله عليه وآله) (1): (إذا أمرتكم بشئ فأتوا به ما استطعتم) لكن
فيه أن ما دل على البدلية عند تعذر الجميع مشعر باعتبارها عن كل جزء من الفائت،
فالتمكن حينئذ من البعض لا يسقطها بالنسبة إلى البعض الآخر، خصوصا إذا قلنا
باستفادة بدلية غير الفاتحة مثلا عنها من نحو قوله (ع) أيضا (2): (لا يسقط
الميسور بالمعسور) ونحوه وإن كان بعيدا كما ستعرف، ومن هنا حكم المحقق الثاني
وغيره بضعف القول بالاجتزاء بالقدر المزبور، وأنه لا بد من التعويض عن القدر
الفائت، ويؤيده في الجملة عموم ما في الآية (3) وإطلاق بعض النصوص التي ستسمعها
والاحتياط والاقتصار فيما دل على اعتبار الفاتحة في الصلاة على المتيقن، وهو ما إذا
جاء بالبدل، وغير ذلك.
إنما البحث في تعيين عوضه، فهل هو تكرير الميسور حتى يبلغ مقدار الفائت منها
آيات أو حروفا لأقربيته إلى الفائت من غيره، وهو الذي اختاره العلامة الطباطبائي
في منظومته، أو قراءة من غيرها بالقدر المزبور لو فرض معرفته بذلك كما هو المشهور
بل لم أجد من جزم بالأول وإن حكي عن التذكرة لكنه لم يثبت، نعم حكي عن
إرشاد الجعفرية الميل إليه، وعن نهاية الإحكام احتماله، لسقوط فرض ما علمه بقراءته
ولأن الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا، وتيسر المغايرة المطلوبة في الأصل فلا
تسقط، ولعموم ما تيسر، وإطلاق قوله (صلى الله عليه وآله) (4): (إن كان

(1) تفسير الصافي سورة المائدة - الآية 101
(2) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
(3) سورة المزمل - الآية 20
(4) سنن البيهقي ج 2 ص 380
304

معك قرآن فاقرأ به) في بعض الأخبار العامية التي استدل بها هنا بعض الأصحاب،
وإشعار اعتبار عدم إحسان القرآن في الانتقال إلى الذكر بقراءة ما يحسنه، ولغير ذلك
من الاعتبارات التي هي جميعا كما ترى، خصوصا البعض.
فإن لم يعلم غير ذلك البعض من القرآن ففي إبدال التكرار أو الذكر قولان،
حكي عن جماعة الأول، لأنه أقرب من الذكر، ومال المحقق الثاني إلى الثاني لأنه
الصالح (1) للبدلية عن الجميع فللبعض أولى، وعدم الدليل على بدلية التكرير، ولأن
الفاتحة سبع آيات مختلفة فالتكرير لا يفيد المماثلة بين البدل والمبدل عنه، وعليه لا يكون
التكرير حينئذ عوضا أصلا، اللهم إلا أن يفرض عدم معرفة الذكر فالتكرير حينئذ
أولى من السكوت أو الترجمة، فتأمل.
ثم لا يخفى أن مقتضى البدلية ثبوت أحكام المبدل عنه للبدل، فيجب حينئذ في
الأخير إن كان المتيسر الأول وبالعكس وكذا الوسط، وفي وجوب مراعاة عدد
الآيات في الابدال أو الكلمات أو الحروف احتمالات، بل ما عدا الوسط قولان تسمعهما
فيما يأتي إن شاء الله.
(و) أما (إن تعذر) فلم يتيسر له تعلم شئ من الفاتحة أصلا (قرأ ما تيسر
من غيرها أو سبح الله وهلله وكبره بقدر القراءة، ثم يجب عليه التعلم) كما عن الظاهر
المبسوط جمعا بين ما دل على القراءة من قوله تعالى (2): (فاقرأوا ما تيسر) والنبوي
(صلى الله عليه وآله) (3) (فإن كان معك قرآن فاقرأ به) وقربه للفاتحة، بل يمكن
تجشم دعوى دلالة (لا يسقط الميسور بالمعسور) ونحوه عليه، بأن يقدر أن الواجب

(1) وفي النسخة الأصلية (لأن الصالح للبدلية)
(2) سورة المزمل - الآية 20
(3) سنن البيهقي ج 2 ص 380
305

عليه قراءة وأن تكون الفاتحة، وبين ما دل على الذكر من صحيح ابن سنان (1) (إن
الله فرض من الصلاة الركوع والسجود، ألا ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام
لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي) وخبر ابن أبي أوفى المتقدم
إلا أنهما معا خاليان عن التهليل المذكور في المتن والمحكي عن جملة من كتب الأصحاب
منها المبسوط بل في الحدائق أنه المشهور، ولعله جعل مجموعهما إشارة إلى ذكر الأخيرتين
الذي هو قائم عن الفاتحة فيهما، ولذا قال في الذكرى: إنه لو قيل بتعين ما يجزي في
الأخيرتين من التسبيح على ما يأتي إن شاء الله كان وجها، لأنه قد ثبت بدليته عن
الحمد في الأخيرتين فلا يقصر عن بدلية الحمد في الأولتين، بل هو خيرة الدروس
وفوائد الشرائع والمسالك وعن البيان والموجز وكشف الالتباس والجعفرية والغرية
وإرشاد الجعفرية والميسية، وقواه في جامع المقاصد، وفي الروضة أنه أولى، ويؤيده
مع أنه أحوط ما روته العامة (2) (أنه (صلى الله عليه وآله) قال لرجل: قل:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
وعليه فالمتجه حينئذ عدم اعتبار مساواة الذكر للقراءة في الحروف، بل المعتبر
مقدار ذكر الأخيرتين، وستعرف البحث فيه، نعم قد يتوقف في التخيير المزبور من
جهة قلة القائل، بل لم يحك عن غير المصنف إلا عن موضع من المبسوط، إنما المشهور
تعين الأول، بل في كشف اللثام لعله لا خلاف فيه، وكأنه للاحتياط، وظهور أدلة
الذكر فيمن لم يحسن شيئا من القرآن، وأولوية بدلية القرآن بعضه عن بعض من غيره
خلافا لما عساه يظهر من المنظومة من الانتقال إلى الذكر، وحينئذ ففي اعتبار الآيات

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) سنن أبي داود ج 1 ص 305 - الرقم 832 الطبعة الثانية عام 1369
306

في البدلية لظهور قوله تعالى (1): (آتيناك سبعا من المثاني) في الاعتناء بالعدد
المزبور، ولأنه ميسور فلا يسقط، وعدمه للأصل، والاكتفاء بعدد الحروف وحصول
امتثال الآية والخبر بدونها قولان، أشهرهما الأول، كما أن المشهور بل لا أجد فيه خلافا
اعتبار مساواة الحروف الحروف أو الزيادة، بل ظاهر العلامة الطباطبائي وغيره الاقتصار
على اعتبار مساواتها، لأنه مقتضى البدلية، ولعدم سقوط الميسور ونحوه، نعم عن
نهاية الإحكام احتمال العدم تشبيها له بمن فاته يوم طويل فقضاه في يوم قصير من غير
اعتبار الساعات، فالآيات حينئذ كافية، وفيه أنه يجوز الفرق بالاجماع، واختلاف
المعوض عنه بالصوم، فتأمل جيدا، وأما تجويز الزيادة فلعدم المانع، ولأن المنع منها
قد يؤدي إلى النقص المفسد للكلام، والمراد حينئذ باعتبار الحروف مع الآيات مراعاة
أكثر الأمرين، فإن تمت الآيات قبل الحروف قرأ حتى تتم وبالعكس، ويحتمل إرادة
اعتبار كون المقرو سبع آيات لا غير بعدد حروف الفاتحة أو أزيد، وإن فرض العذر
أو العسر اكتفي بمراعاة الحروف، بل هذا هو الظاهر من جامع المقاصد أو صريحه
وإن كان الأول لا يخلو من وجه أيضا، ومثله يأتي على تقدير اعتبار الكلمات، فتأمل.
لكن على كل حال لا يجب أن يعدل حروف كل آية بآية من الفاتحة، بل
يجوز أن يجعل آيتين مكان آية، خلافا للمحكي عن أحد وجهي الشافعي من وجوب
التعادل، ولا يخلو من وجه إذا أمكن من غير عسر، والمدار في اعتبار مساواة الحروف
على الملفوظ منها دون المرسوم بلا لفظ كألف الجماعة ونحوه، وبه صرح العلامة الطباطبائي
في منظومته، ووجهه واضح، وفيما يلفظ تارة ويحذف أخرى كهمزة الوصل وجهان،
أقواهما الاعتبار، وأما اعتبار التوالي في الآيات فلا خلاف أجده فيه، بل عن إرشاد
الجعفرية الاجماع عليه، لاعتباره في الأصل، وما في التفريق من عدم الارتباط الذي

(1) سورة الحجر - الآية 87
307

قد يتخيل منافاته لوضع الصلاة أو كمالها، بل في جامع المقاصد وعن غيره أنه لو كان
التفريق مخلا بتسمية المأتي به قرآنا فكما لو لم يعلم شيئا، لكن المحكي عن غيره كالفاضل
والشهيدين إطلاق الأمر بقراءة المفرق مع تعذر التوالي، بل عن الأول أن الأقرب قراءة
ما تفرق وإن كانت الآيات لا تفيد معنى منظوما إذا قرأت وحدها كقوله تعالى (1):
(ثم نظر) لأنه يحسن الآيات.
ولو أحسن ما دون السبع ففي التعويض عن الباقي بالتكرير أو بالذكر وجهان،
خيرة المحكي عن التذكرة الثاني ومال إليه في كشف اللثام، لأن الفاتحة سبع مختلفة
فالتكرير لا يفيد المماثلة، ومن ذلك كله ظهر لك ما في المحكي عن المبسوط (من لا يحسن
الحمد وأحسن غيرها قرأ ما يحسنه إذا خاف خروج الوقت، سواء كان بعدد آياتها
أو دونها أو أكثر) إلا أن يحمل قوله: (أو ما دون) على من لا يحسن غيره، أو
خاف خروج الوقت أو نحو ذلك، فتأمل هذا.
وظاهر المتن وغيره عدم الفرق في هذه الأحكام بين كون ما يعرف قراءته من
غير الفاتحة سورة كاملة أو غيرها، بل حكي التصريح به عن غير واحد، فعليه حينئذ
بناء على وجوب السورة قراءتها وتعويض سورة أخرى أو بعضها عن الفاتحة، لاتحاد
الدليل في الحالين، لكن عن المنتهى الاجتزاء بقراءة السورة للأصل، وامتثال
(فاقرأوا ما تيسر) والنهي عن القران، وهو كما ترى، ولوجوب الخروج عن الأصل
بما خرج عنه في حال عدم السورة الكاملة، وعدم صدق الامتثال إلا إذا أريد الطبيعة
وهو مناف لكثير مما تقدم، والنهي عن القران لا يشمل مثل ما نحن فيه الذي قصد
من السورة الثانية أو بعضها فيه عوض الحمد، مضافا إلى أنه لم يكن يجوز له الاقتصار
على السورة لو كان علم الحمد فيستصحب، كما يستصحب أنه كان عليه التعويض عن الحمد

سورة المدثر الآية 21
308

لو لم يعلم السورة، على أنه مما يبعد سقوط وجوب التعويض عن الفاتحة التي هي الأصل
في القراءة ولا صلاة بدونها بامتثال الأمر بقراءة السورة، كما هو واضح.
أما إذا لم يعلم شيئا من القرآن عوض بالذكر للأدلة السابقة، بل لا أجد فيه
خلافا إلا من بعض الناس، فاحتمل تقديم الترجمة عليه، وهو اجتهاد في مقابلة النص،
بل كأنه خرق للاجماع، قال في موضع من المحكي عن الخلاف: (إن لم يحسن شيئا من
القرآن أصلا وجب أن يحمد الله مكان القراءة إجماعا) على أنك ستعرف قوة عدم
إجزاء الترجمة مطلقا هذا.
وظاهر المتن أيضا عدم الفرق في اعتبار قدر القراءة بين بدليها من الذكر أو
القراءة، وهو الأشهر كما في الرياض، وعن نهاية الإحكام أن المراد الذكر قدر
زمان القراءة، قال: لوجوب الوقوف ذلك الحد والقراءة، فإذا لم يتمكن من القراءة
عدل إلى بدلها في مدتها، ولعله عند التأمل يرجع إلى اعتبار مساواة الحروف المصرح
بها في الرياض على هذا التقدير، ضرورة عدم الفرق بين الذكر والقراءة في ذلك، نعم
يمكن الفرق بينهما بامكان دعوى عدم اعتبار القدر المزبور في الذكر، للأصل وإطلاق
الدليل، ولأنه بدل من غير الجنس فيجوز أن يكون دون أصله كالتيمم، ولأن النبي
(صلى الله عليه وآله) اقتصر في التعليم على ما ذكر، ولعله لذا استشكل في المحكي عن
التذكرة في الاعتبار المزبور، بل حكي عن المعتبر الجزم بالعدم، لكن قال: (إني لا
أمنع الاستحباب لتحصل المشابهة) ونحوه عن المنتهى إلا أنه قال: (لو قيل بالاستحباب
كان وجها) وقد عرفت أن المتجه عدم اعتبار ذلك أيضا بناء على إرادة ذكر الأخيرتين
الذي يقوم مقام الفاتحة، فتأمل جيدا، ولا ريب أن الأول أحوط وإن كان الثاني
لا يخلو من قوة.
هذا كله بالنسبة إلى الفاتحة كما هو الظاهر المتن، أما السورة بناء على وجوبها
309

فقد يظهر من بعض العبارات مشاركتها للفاتحة في جميع الأحكام المزبورة، بل عن
بعض متأخري المتأخرين التصريح به، ولا بأس به فيما كان مدركه عدم سقوط الميسور
بالمعسور ونحوه مما لا يتفاوت فيه بين السورة والفاتحة، فيجب حينئذ قراءة المتيسر منها
كما صرح به في القواعد، أما تعويض الذكر ونحوه فقد يتوقف فيه للأصل واعتبار
قراءتها بالتمكن، بل صرح بعدمه في جملة من كتب الأساطين، بل عن المنتهى والبحار
أنه لا خلاف في جواز الاقتصار على الحمد حينئذ، كما أنه يشعر به ما في الحدائق،
وما سيأتي من المصنف أيضا من اختصاص الخلاف في وجوب السورة وعدمه بصورة
التمكن من التعلم، بل في الرياض أن في صريح المدارك والذخيرة وظاهر التنقيح نفي
الخلاف أيضا، قالوا: اقتصارا في التعويض المخالف للأصل على موضع الوفاق، بل
لعله هو من الضرورة التي ادعى غير واحد الاجماع على سقوطها حالها، بل هو مقتضى
فحوى سقوطها للذي أعجلته حاجة (1) ونحوها، فلا تعويض حينئذ عنها، فما عن
حاشية الأستاذ الأكبر تبعا للمحكي عن صريح التذكرة من جريان الأحكام المزبورة
في الفاتحة من التعويض بالذكر مثلا لا يخلو من تأمل، وإن كان ربما يوهمه أيضا إطلاق
القراءة في بعض النصوص والفتاوى، بل وإطلاق بعض معاقد الاجماع وغيرها،
وعلى كل حال فلا يجب الائتمام، عليه إذا ضاق الوقت وإن كان مرجو التعلم فيما يأتي
من الأوقات على إشكال يعرف مما مر، وربما تسمع له تتمة إن شاء الله.
والمراد بمن لا يحسنها في المتن وغيره من عبارات الأصحاب من لا يستطيع أصل
القراءة، لا ما يشمل من يأتي بها ملحونة أو مبدلا فيها بعض الحروف ونحو ذلك مما
لا يخرجه عن أصل القراءة عرفا، ضرورة عدم جريان الأحكام المزبورة في ذلك،
بل يقرأ بحسب ما تمكن كما صرح به في جامع المقاصد وكشف الأستاذ، لاتفاقهم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
310

ظاهرا في باب الجماعة على صحة الصلاة الفافاء والتمتام والألثغ والأليغ لأنه هو
المستطاع (1) والميسور (2) وما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر (3) وكل شئ قد
اضطر إليه مما حرم عليه فهو حلال (4) ولخبر مسعدة بن صدقة (5) المروي عن قرب
الإسناد، قال: (سمعت جعفر بن محمد (ع) يقول: إنك قد ترى من المحرم من
العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة
والتشهد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم
الفصيح) إذ المراد بالمحرم فيه من لا يستطيع القراءة على وجهها ولا يفصح بها لعدم تعود
لسانه، وللنبوي (6) المشهور (إن سين بلال عند الله شين) والآخر (7) (إن الرجل
الأعجمي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته) إلى غير ذلك.
وكان الظاهر من المصنف وغيره ممن عبر بعبارته عدم اشتراط الحفظ عن ظهر
القلب في القراءة، بل يجزي اتباع القاري والقراءة بالمصحف ونحوهما، ضرورة إرادة
من لا يعرف أصل القراءة ممن لا يحسنها لا ما يشمل ذلك وإن تجشم المحقق الثاني في
حاشية الكتاب، إلا أن الأحكام المذكورة فيه تنافيه إلا على تكلف، والتحقيق فيه
الجواز وفاقا لصريح المحكي عن التذكرة ونهاية الإحكام وغيرهما من متأخري المتأخرين

(1) تفسير الصافي سورة المائدة - الآية 101
(2) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 13
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 6
(5) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(6) المستدرك - الباب - 23 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 3
(7) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث من كتاب الصلاة
311

وظاهر غيرهما ممن لم يذكره شرطا، للأصل وإطلاق الأدلة، والصحيح عن الصيقل (1)
سأل الصادق (ع) (ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ
فيه يضع السراج قريبا منه قال: لا بأس بذلك) وخلافا لصريح المحقق الثاني والعلامة
الطباطبائي والمحكي عن الشهيدين وفخر المحققين وظاهر الشيخ، لأنه المتبادر والمعهود
في الصلاة، ولم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله) الأعرابي (2) الذي سأله عن عدم
حفظ القرآن بالقراءة من المصحف، ولأن القراءة من المصحف مكروهة إجماعا كما عن
الايضاح، ولا شئ من المكروه بواجب إجماعا، ولأن القراءة به أو الائتمام أو
اتباع القاري معرضة للبطلان بذهاب المصحف، أو عروض ما لا يعلمه، أو يشك في
صحته، أو ما يبطل الائتمام، أو ما يمنع من الاقتداء به، أو اتباعه في القراءة، فيفتقر
المأموم حينئذ إلى إبطال الصلاة، ولخبر علي بن جعفر (3) المروي عن قرب الإسناد
سأل أخاه موسى (ع) (عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه
ويقرأ ويصلي قال: لا يعتد بتلك الصلاة) وللاحتياط الذي ينبغي مراعاته في الصلاة
أو يجب، إذ الجميع كما ترى بين ممنوع وما هو على العكس أدل، وقاصر عن المقاومة
ومشترك الالزام، فلا جهة للتفصيل حينئذ بين الفريضة والنافلة جمعا بين الخبرين،
لعدم الشاهد والمقاومة.
وعلى الوجوب فلا ريب في وجوب بذل الجهد في التعلم ولو بأجرة، وفي جواز
الائتمام وعدمه حينئذ مع سعة الوقت وإمكان التعلم ما عرفت سابقا وإن صحت صلاته
قطعا لو ائتم، أما مع الضيق أو التعذر فلا يجب عليه الائتمام، لجواز القراءة له بالمصحف

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2
(2) سنن أبي داود ج 1 ص 305 - الرقم 832 الطبعة الثانية عام 1369
(3) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2
312

حينئذ عند أكثر أهل العلم كما عن المنتهى، وإجماعا كما عن الخلاف، وجواز اتباع
القاري أيضا كما صرح به بعضهم، بل عن البيان والمسالك أن المصحف مقدم على
الائتمام وإن قال في كشف اللثام: إني لا أعرف وجها لهذا التقديم، قلت: لعله أقرب
إلى الاستظهار من الائتمام، نعم في المحكي من الذكرى احتمال ترجيح اتباع القاري عليه
لاستظهاره في الحال، قال: (ولو كان يستظهر في المصحف استويا، وفي وجوبه عند
إمكانه احتمال، لأنه أقرب إلى الاستظهار الدائم) ومنه يعلم الوجه لما في البيان، فتأمل.
كما أنه يعلم حينئذ إمكان المناقشة في التخيير بين الأمور الثلاثة في كشف اللثام
وجامع المقاصد وعدم الترتيب بينها، وفي وجوب الائتمام عليه إذا تعذر الأمران وآيس
من الحفظ إشكال يعرف مما مر، والأقوى العدم، لاطلاق ما دل على الانتقال إلى
البدل، نعم يمكن احتمال الوجوب إذا أمكن التعلم إلا أنه ضاق الوقت كما عرفته في
التعلم، ضرورة اتحاد المدرك فيهما بناء على الوجوب، بل قد عرفت أنه يظهر من بعضهم
أن المراد ممن لا يحسنها ما يشمل الأمرين، فأكثر الأحكام حينئذ فيهما سواء، فتأمل جيدا.
وكيف كان فلو ارتفع العذر فإن كان قبل الشروع في البدل فلا بحث في وجوب
الأصل، كما أنه لا بحث في سقوطه لو كان ارتفاعه بعد فوات المحل، أما لو ارتفع في
الأثناء أو بعد الفراغ من البدل قبل الانتقال إلى الركوع مثلا فقاعدة الاجزاء تقتضي
السقوط في الثاني، والاقتصار على النسبة في الأول، لكن في جامع المقاصد وجوب
الأصل فيهما معا ناقلا له عن الفاضل والشهيد، ولعله لظهور أدلة البدلية في الاستمرار،
فيقتصر حينئذ عليه في الخروج عن الأصل، إذ لا أمر حينئذ حتى يقتضي الاجزاء،
بل هو تخيل الأمر لتخيل الاستمرار، إلا أنه مع ذلك للنظر فيه مجال، وإن كان هو
الأحوط إذا لم يقصد الجزئية بالأصل، فتأمل.
ثم إن ظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته عدم إجزاء الترجمة أصلا هنا كما
313

صرح به بعضهم، بل حكي عن صريح جماعة وظاهر آخرين، فلعله حينئذ مذهب
الأكثر، بل لعله ظاهر المحكي من إجماع الخلاف وغيره، بل لم يحك الخلاف إلا عن
نهاية الإحكام والتذكرة والروض مع العجز عن القرآن وبدله، ولا ريب في ضعفه،
للأصل وإطلاق الأدلة، وخلوها عن الأمر بالانتقال إليها في مرتبة من المراتب،
واندراجها في كلام الآدميين كما في جامع المقاصد وغيره مع حرمة القياس على التكبير،
خصوصا مع إمكان الفرق بأن المقصود من القراءة النظم المعجز، وفي مرسل الحجال (1)
سأل أحدهما (ع) (عن قوله تعالى (2): (بلسان عربي مبين) فقال:
يبين الألسن ولا تبينه الألسن) فما في الرياض حينئذ من القول بالاجزاء لما دل عليه
في التكبير في غير محله، وعليه فهل تقدم ترجمة القراءة بالعربي أو غيره من اللغات على
الذكر لقربها إلى القرآن احتمال كما عن الذكرى، والأقوى خلافه وفاقا لجامع المقاصد
والمحكي عن غيره، لاطلاق الأمر به، بل قيل: لو عجز عنه قدم ترجمته على ترجمتها،
لأن الذكر لا يخرج عن كونه ذكرا بالترجمة بخلاف القرآن، ولعموم خبر ابن سنان (3)
المتقدم كما في كشف اللثام، وإن كان قد يناقش بأن ترجمة الفاتحة لا تخرج عن الذكر
أيضا، لأنها تحميد ودعاء كما في الخبر (4).
بل قد يستدل بذلك على أصل الجواز، وبفحوى حكم الأخرس، وخبر مسعدة
ابن صدقة (5) المتقدم سابقا، خصوصا مع ملاحظة تتمته التي لم نذكرها، والنبوي (6)

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) سورة الشعراء - الآية 195
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب القراء في الصلاة - الحديث 2
(6) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 4
314

المتقدم سابقا أيضا، ولأنه هو الميسور له، والمستطاع له وأولويته من السكوت،
إذ بناء على عدم إجزاء ترجمة القراءة والذكر وفرض العجز لا يجب عليه إلا القيام
قد القراءة كما عن نهاية الإحكام التصريح به، قال: (ولو لم يعلم شيئا من القرآن
ولا من الأذكار وضاق الوقت عن التعلم وجب أن يقوم بقدر الفاتحة ثم يركع) لكن
قد يناقش فيه بأنه لا يوافق ما سمعته عنه من الاجتزاء بالترجمة، فينبغي عدم اعتبار
القدرة عليها أيضا، أو يريد بعدم العلم الذي ذكره عدم معرفة وجوب ذلك عند الشرع
وقد ضاق الوقت، ولذا اعترض عليه في جامع المقاصد بأن في وجود هذا الفرض ونحوه
في كلام الفقهاء بعدا، إذ لا بد من العلم بباقي الأفعال التي تعد أركانها على وجهها،
وجميع الشروط من أصول الدين وفروعه وأخذ الأحكام على وجه يجزي الأخذ به
كما سبق التنبيه عليه، والعلم بأن من لا يحسن القراءة مطلقا أو على الوجه المعتبر ما الذي
يجب عليه، وإلا لم يعتد بصلاته أصلا، ومع العلم بهذه الأمور كلها لا يكاد يتحقق
فرض عدم علمه بالقراءة، أو بها وبالذكر معا، وهو جيد، بل الأول بعيد أيضا إلا
إذا فرض عدم استطاعته النطق أصلا.
(و) حينئذ فيندرج (في الأخرس) الذي حكمه أن (يحرك لسانه بالقراءة
ويعقد بها قلبه) بلا خلاف أجده في الأول لخبر السكوني (1) عن الصادق (ع)
(تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته
بإصبعه) ولعدم سقوط الميسور بالمعسور ونحوه الذي يمكن رفع المناقشة فيه هنا بأن
الحركة إنما وجبت تبعا للقراءة المعلوم سقوطها في المقام بأن يدعى جزئية الحركة من
القراءة أو كالجزء الذي هو مدلول الخبر المزبور، لا أنه مقدمة خارجية لا مدخلية لها
في مسمى القراءة، وظني أن المراد من الخبر المزبور ما هو المتعارف في حاله من إبراز

(1) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
315

مقاصده بتحريك لسانه وإشارته بإصبعه، فلا بد حينئذ له من معرفة المعنى هنا ولو في
الجملة حتى يتحقق منه الإشارة، ويكون بها مع التحريك كاللفظ من الصحيح الذي
لا يحتاج معه إلى معرفة المعنى، لأنه قد جاء بما يفيده في نفس الأمر، ولعله إلى هذا
أومأ الشهيد في المحكي عن بيانه ودروسه وذكراه، فاعتبر عقد القلب بمعنى القراءة،
بل قال في الأخير: ولو تعذر إفهامه جميع معانيها أفهم البعض وحرك لسانه به وأمر
بتحريك اللسان بقدر الباقي وإن لم يفهم معناه مفصلا، وهذه لم أر فيها نصا، بل لعل
ذلك هو مراد غيره من المتن ونحوه ممن اعتبر عقد القلب بالقراءة، لكن استشكله
في جامع المقاصد بأنه لا دليل على وجوب ذلك على الأخرس ولا غيره، ولو وجب
ذلك لعمت البلوى أكثر الخلائق، والذي يظهر لي أن مراد القائلين بوجوب عقد قلب
الأخرس بمعنى القراءة وجوب القصد بحركة اللسان إلى كونها حركة للقراءة إذ الحركة
صالحة لحركة القراءة وغيرها، فلا يتخصص إلا بالنية كما نبهنا عليه في جميع الأبدال
السابقة، وقد صرح المصنف بذلك في المنتهى، فقال: (ويعقد قلبه لأن القراءة
معتبرة، وقد تعذرت فيأتي ببدلها، وهو حركة اللسان).
وفيه أنه لا تلازم بين وجوبه على الأخرس وبين الوجوب على غيره حتى تعم
البلوى أكثر الخلائق، على أن الفرق بينهما بصدور اللفظ المستقل في إفادة المعنى وإن
لم يعرفه المتلفظ به من الثاني دون الأول في غاية الوضوح، كما أن الدليل عليه بعد أن
عرفت المراد من خبر السكوني وأنه جار على ما هو المشاهد من إبراز مقاصده كذلك،
بل قد يدعى أن الأصل هو المعنى، وإنما سقط اعتباره عن الناطق بلفظه رخصة، فإذا
فقد اللفظ وجب العقد بالمعنى، على أن المعروف من الأخرس الأبكم الأصم الذي لم
يعقل الألفاظ ولا سمعها، ولا يعرف تلفظ الناس بل يظن أن الخلق جميعا مثله في إبراز
المقاصد، وهذا لا يتصور فيه عقد القلب بالقراءة وألفاظها، ولذا قال في كشف اللثام:
316

إن عليه ما يراه من المصلين من تحريك الشفة واللسان، ولم يعتبر فيه عقد القلب
بالقراءة لعدم إمكانه كما صرح به أيضا، وعليه يكون حينئذ مثله خارجا عن عبارات
الأصحاب، وأنها إنما تتم في الأخرس الذي يسمع ويعقل ويعرف القرآن والذكر،
أو يعرف أشكال معاني الحروف إذا نظر إليها، إلا أنه لا يستطيع التلفظ بها لعارض
عرض له في لسانه مثلا، وهو مع اقتضائه التخصيص من غير مخصص، بل يقتضي
اخراج المعروف من أفراد الخرس - يمكن دعوى عدم وجوب حركة اللسان في مثله
ولا إشارة بالأصبع، بل يكتفى توهم القراءة حينئذ توهما، ضرورة كونه كمن منعه
من القراءة خوف ونحوه الذي وردت النصوص فيه بما ذكرنا، كخبر علي بن جعفر (1)
المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه موسى (ع) (عن الرجل يصلح له أن
يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه قال: لا بأس
أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما) وخبره الآخر (2) المروي في قرب الإسناد سأله أيضا
(عن الرجل يقرأ في صلاته هل يجزيه أن لا يحرك لسانه وأن يتوهم توهما؟ قال:
لا بأس) ومرسل محمد بن أبي حمزة (3) عن الصادق (ع) (يجزيك من
القراءة معهم مثل حديث النفس) وغيرها مما ورد به الأمر من القراءة في النفس
ونحوها، فما في كشف اللثام من إيجاب حركة اللسان على الأخرس المزبور، بل ظاهره
أنه هو المراد من عبارات الأصحاب المحكوم فيها بالأحكام السابقة لا يخلو من نظر،
كما أنه لا يخلو ما فيه من أن ما في كتب الشهيد من عقد القلب بالمعنى مسامحة يراد به
العقد بالألفاظ، على أنه إنما ذكر معنى القراءة، وقد يقال: معناها الألفاظ وإن أراد
معانيها فقد يكون اعتبارها لأنها لا تنفك عن ذهن من يعقد قلبه بالألفاظ إذا عرف
معانيها من النظر المزبور، وكأن الذي أوقعه في ذلك تفسير الأخرس بما عرفت.

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2 - 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2 - 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2 - 4 - 3
317

والحاصل أن المتصور من الخرس ثلاثة: أحدها الأبكم الأصم خلقة الذي
لا يعرف أن في الوجود لفظا أو صوتا. ثانيها الأبكم الذي يعرف أن في الوجود ألفاظا
وأن المصلي يصلي بألفاظ أو قرآن. ثالثها الأخرس الذي يعرف القرآن أو الذكر
ويسمع إذا أسمع ويعرف معاني أشكال الحروف إذا نظر إليها، وقد جعل موضوع
حكم الأصحاب بالتحريك وعقد القلب الثالث، أو هو والثاني بالنسبة إلى عقد القلب
دون التحريك، لأنه هو الذي يتصور فيه ذلك بعد إرادة الألفاظ من عقد القلب،
وفيه أن ظهور الخرس في غيرهما وفيما هو أعم منهما مما يعين إرادة المعنى من عقد القلب
كما سمعته من الشهيد، وأن المراد إبراز الأخرس هذه المعاني كما يبرز سائر مقاصده
بتحريك لسانه والإشارة بيده، ولعل في لفظ الإشارة في خبر السكوني وعبارات أكثر
الأصحاب إن لم يكن جميعهم إشارة إلى ذلك، إذ من المستبعد إرادة مجرد التعبد منها
أو خصوص ما يفيد التوحيد من القرآن والذكر، لأنها إنما تفعل لافهامه، بل قد
يتوقف في وجوب التحريك على الثالث لما عرفت، فيكون موضوع كلام الأصحاب
الخرس بالمعنيين الأوليين، إذ دعوى عدم وجوب التحريك على الثاني كما في كشف
اللثام للأصل وخبر قرب الإسناد السابق غير مسموعة بعد إطلاق خبر السكوني المعتضد
بامكان جريان قاعدة اليسر فيه أيضا، فيجب حينئذ كما عن الذكرى، واكتفاء الفاضل
في المحكي عن تذكرته ونهايته لجاهل القرآن والذكر إذا ضاق الوقت أو فقد المرشد
بالقيام قدر الفاتحة لا يستلزم الحكم فيما نحن فيه، لعدم صدق الخرس، ولا أن المعروف
في إبراز مقاصده التحريك والإشارة، فيكون حينئذ هذا التحريك والإشارة فيه من
المهملات والأفعال العبثية بخلاف محل الفرض.
وما في كشف اللثام أيضا من أن الواجب إنما هو التلفظ بالحروف، والتحريك
تابع له في الوجوب لما لم يمكن التلفظ بها بدونه يدفعه أنه اجتهاد في مقابلة النص أولا،
318

وأن الممكن منه من القراءة هذا المقدار ثانيا، وقد عرفت إمكان الفرق بين التحريك
بالنسبة إلى الألفاظ وبين المقدمات الخارجية، على أن مثله يرد عليه فيما أوجب
فيه التحريك من القسم الثاني من الخرس، ودعوى أن الشارع قد اعتبر القراءة
كحديث النفس بتحريك اللسان في اللهوات من غير صوت في خصوصه وفيمن يصلي
خلف إمام يتقيه ولا يأتم به خالية عن الشاهد، بل لعل الشاهد بخلافها كما عرفت،
كدعوى دفع إطلاق خبر السكوني بأنه لا قراءة لهذا الأخرس، بل هي أو ضح من
الأولى بطلانا عند التأمل، ومن ذلك كله يعرف ما في كلام جملة من الأصحاب في المقام
خصوصا كشف اللثام، فلاحظ وتأمل.
ثم لا يخفى أن المراد باللسان في المتن وغيره ما يشمل الشفة مثلا مما يبرز بها
الألفاظ، أو أنه اقتصر عليه لأن غالب الابراز به، كما أن التقييد بالأصبع في خبر
السكوني يراد منه مطلق الإشارة به أو باليد، ولعل عدم ذكر عقد القلب فيه كعبارة
المبسوط فيما قيل لأن إبراز المقصد بالتحريك والإشارة لا ينفك عن عقد القلب بالمعنى،
كما أن ترك الإشارة في مثل المتن لنحو ذلك، بل وكذا ما يحكى عن النهاية والمهذب من
ترك التحريك بل اقتصرا على الايماء مع اعتقاد القلب، وكل ذلك شاهد على إرادة
الأصحاب إبراز الأخرس كباقي إبراز مقاصده، وأنهم اتكلوا على التعارف والمشاهدة
من أحواله فلم يذكروا تمام المشخصات، فتأمل جيدا.
نعم لو فرض تعسر تعليمه وإفهامه أصلا سقط عنه قطعا، وهل عليه تحريك
اللسان؟ وجهان، ظاهر ما سمعته من الشهيد الأول، وقد تقدم في التكبير ما له نفع في
المقام في الجملة، والله أعلم بحقيقة الحال.
(والمصلي في كل ثالثة ورابعة بالخيار) بين القراءة والتسبيح ف‍ (إن شاء قرأ
الحمد، وإن شاء سبح) إجماعا محصلا ومنقولا صريحا وظاهرا مستفيضا بل متواترا
319

ونصوصا كذلك صريحة وظاهرة ولو للجمع بين الأمر بكل منهما بالتخيير، كما أنه
يجب حمل الأمر بالثاني (1) منهما من غير تعرض للقراءة في المحكي عن الصدوقين في
الرسالة والمقنع والهداية عليه، أو على أفضل فرديه كما حكي عنهما ذلك في المسألة الآتية
بل لعل المحكي عن الحسن بن أبي عقيل كذلك أيضا وإن كان في عبارته ما يوهم التعيين
حتى أنه ربما نسب إليه بل وإلى الصدوقين أيضا ذلك، لكنه في غير محله فما عن
كشف الأسرار - من حكاية القول به عن بعض معاصريه حملا لأخبار القراءة (2)
على بعض ما تعرفه، وأخذا بما تضمن الأمر به (3) والنهي (4) عنها من النصوص
التي سيمر عليك بعضها إن شاء الله - مصادمة للاجماع والقطعي من النصوص (5) كما
أن ما عن بعض معاصريه أيضا من تعين القراءة للتوقيع (6) الآتي الذي يجب طرحه
أو تأويله كذلك أيضا، وإن قيل: إنه ربما ظهر من عبارة الوسيلة، مع أن المحكي منها
ليس بذلك المكان من الظهور، بل لا يخلو من إجمال، نعم حكي عن جملة من الأصحاب
تخصيص مورد الاجماع هنا بغير المأموم الذي فيه أقوال شتى، وفيه أنها ليست في
التخيير والتعيين، بل هي بالنسبة إلى الرجحان وعدمه، وإلى وجوب شئ عليه وعدمه
لا أنه بالنسبة إلى تعيين أحد الفردين، وإن كان قد وقع من بعض من لا يعتد بخلافهم
من متأخري المتأخرين، فمنهم من أوجب القراءة عليه، ومنهم من أوجب التسبيح،

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 0 - 14
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4 والباب 51
منها - 11 و 12 و 14
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 0 - 14
(4) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 والباب 51
الحديث 6 و 7
(5) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 0 - 14
320

وهم محجوجون بهذه الاجماعات والنصوص، كالقائل بعدم وجوب شئ عليه منهما
أو حرمته، كما أفرغنا البحث في جميع ذلك في باب الجماعة، بل وكذا القائل بتعين
القراءة في الأخيرتين على الناسي لها في الأولتين، مع أنا لم نتحققه، لأنه إنما حكي
عن خلاف الشيخ، والمنقول عنه التعبير بلفظ الاحتياط المشعر بالاستحباب الذي حكي
التصريح به عنه في المبسوط، على أن التحقيق خلافهما معا، أما الثاني فلما ستعرف من
أفضلية التسبيح مطلقا، وأما الأول فهو - مع مخالفته لما عرفت من إطلاق المتواتر
من الاجماع والنصوص - لا دليل عليه سوى إطلاق (1) (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)
الذي لا ينطبق على تمام الدعوى، ومختص بحكم التبادر في الأولتين، وبملاحظة المستفيض
من النصوص في صورة العمد، وسوى الصحيح (2) قلت له: (رجل نسي القراءة
في الأولتين وذكرها في الأخيرتين فقال: يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته
في الأوليين في الأخيرتين، ولا شئ عليه) وهو - مع موافقته للمحكي عن أبي حنيفة
وظهوره في قضاء الفاتحة والسورة وغيرهما المخالف للاجماع كما في الرياض، وفي فعل
ذلك مستقلا عن قراءة الأخيرتين وهو غير المدعى، ومعارضته لذلك الاطلاق الدال
على التخيير الذي هو أرجح منه بوجوه، منها الشهرة العظيمة، بل لعلها إجماع،
ولخصوص صحيح معاوية بن عمار (3) الآتي في المسألة الثانية الصريح في الرد على
أبي حنيفة، ولخصوص المعتبرة المستفيضة (4) الدالة على الاجتزاء بالركوع وتكبيرة
عن القراءة المنسية - لا يليق بالفقيه الركون إليه، وسوى الخبر (5) قلت له: (أسهو

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 3
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 3
321

عن القراءة في الركعة الأولى قال: إقرأ في الثانية، قلت له: أسهو عن الثانية قال:
إقرأ في الثالثة، قلت: أسهو في صلاتي كلها قال: إذا حفظت الركوع والسجود فقد
تمت صلاتك) وهو - مع جريان بعض ما سمعته فيه أيضا أو جميعه - ضعيف سندا
لا يعول عليه في نفسه فضلا عن مقاومة غيره، والله أعلم.
(والأفضل للإمام) اختيار (القراءة) كما في القواعد وجامع المقاصد والمحكي
عن الاستبصار والتحرير والنفلية والبيان وتعليق النافع ومجمع البرهان وغيرها، بل عن
الفوائد الملية أنه المشهور، لأن معاوية بن عمار (1) سأل الصادق (ع) (عن
القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين فقال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب، ومن
خلفه يسبح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما، وإن شئت فسبح) وصحيح ابن دراج (2)
(عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر الصلاة فقال: بفاتحة الكتاب، ولا يقرأ الذين
خلفه، ويقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب) وقال الصادق (ع)
أيضا في صحيح منصور (3): (إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين فاتحة
الكتاب، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل) ولا طلاق خبر الحميري (4)
المروي عن الاحتجاج، بل عن البحار أن سنده قوي، ويظهر من الشيخ أنه منقول
بأسانيد معتبرة (إنه كتب إلى القائم (ع) يسأله عن الركعتين الأخيرتين
قد كثرت فيهما الروايات، فبعض يروي أن قراءة الحمد وحدها أفضل، وبعض
يروي أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما نستعمله، فأجاب (ع) قد
نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول
العالم (ع): كل صلاة لا يقرأ فيها فهي خداج إلا العليل، ومن يكثر عليه

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 11 - 14
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 11 - 14
322

السهو، فيتخوف بطلان الصلاة) الحديث. ومحمد بن حكيم (1) سأل أبا الحسن (ع)
(أيما أفضل: القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: القراءة
أفضل) ويؤيده مع ذلك الآية، وما ورد في فضل قراءة القرآن (2) وخصوص
الفاتحة (3) وعدم الخلاف في كيفيتها وعددها، والخروج عن شبهة وجوبها، وما دل (4)
على ضمان الإمام القراءة عن المأمومين في الصلاة الذي لا يتم إلا مع قراءته في سائر
صلاته، وغير ذلك.
وظاهر المتن ومن عبر كعبارته اختصاص ذلك بالإمام، وأن غيره يبقى على
الخيار من غير ترجيح، خلافا للمحكي عن التقي، واختاره في اللمعة من أفضلية القراءة
مطلقا، وإليه مال في المدارك، كما أنه يلوح عن المحكي عن شيخه، ولعله لما تقدم من
النصوص ولو في بعض الدعوى، إلا أنه ظاهر في استحباب التسبيح لغيره خاصة
منفردا ومأموما، بل لم نجد به قائلا، بل في جامع المقاصد لم نجد قائلا باستحباب
القراءة للإمام والتسبيح للمنفرد، وتبعه عليه غيره، مع أن المحكي عن الدروس التصريح
بذلك، كما أن المحكي عن موضع من المنتهى ذلك أيضا، مع أنه أبدل المنفرد بالمأموم،
واستحسنه فيما نقل عنه في التذكرة، وعن البحار أنه لا يخلو من قوة.
أما القول باستحباب التسبيح مطلقا فقد قيل: إنه ظاهر الصدوقين والحسن
وابن إدريس، واختاره في الوسائل والمنظومة والحدائق حاكيا له عن بعض علماء
البحرين، بل عن البحار أنه ذهب إليه جماعة من محققي المتأخرين، كما أن التخيير

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبوا ب القراءة في الصلاة - الحديث 10
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قراءة القرآن
(3) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب قراءة القرآن
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 2 والباب 31
من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 8
323

مطلقا ظاهر جملة من كتب أصحابنا المتقدمين منهم والمتأخرين، بل هو كصريح المحكي
عن موضع آخر من المنتهى، لاطلاق ما دل (1) على التخيير، وخصوص خبر علي بن
حنظلة (2) عن الصادق (ع) (سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع
فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن شئت فاذكر الله فهو سواء، قال:
قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: هما والله سواء، إن شئت سبحت وإن شئت قرأت)
وعن أبي علي أن الإمام إن أمن من لحوق مسبوق بركعة استحب له التسبيح، وإلا
القراءة، والمنفرد على تخييره، والمأموم يقرأ فيهما، واستحسنه في كشف اللثام بالنسبة
إلى الإمام، بل عن المنتهى والحبل المتين اختياره أيضا، وفي جامع المقاصد (ولو كان
المصلي يتخير القراءة لعدم سكون نفسه إلى التسبيح فالتسبيح أفضل) ولعله إليه أشار
في المحكي عن الروض، وربما قيل: إن من لم تسكن نفسه إلى التسبيح فالتسبيح أفضل
مطلقا، فتحمل عليه رواية أفضلية التسبيح (3) وقد تقدم ما عن الشيخ من التفصيل
بين ناسي القراءة وغيره، بناء على إرادته الفضل.
فتحصل من مجموع ما ذكرنا أقوال متعددة تنتهي إلى سبعة أو أزيد، وقد
يقوى في النظر منها استحباب التسبيح مطلقا للنصوص الكثيرة (4) بل في مصابيح
الطباطبائي دعوى تواترها بأفضلية التسبيح، قال: (بل تضمن كثير منها الأمر به
والنهي عن القراءة أو النفي لها) إلى آخره. منها قول أبي جعفر (ع) في
صحيح زرارة (5): (لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات
المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قال: قلت: فما أقول فيهما؟ قال: إذا
كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث مرات، ثم

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
(5) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
324

تكمله تسع تسبيحات، ثم تكبر وتركع) وعن الحلي أنه رواه في المستطرفات نقلا من
كتاب حريز بن عبد الله عن زرارة، إلا أنه أسقط (تكمله) إلى آخره، وفي أول
السرائر نقلا من كتاب حريز أيضا إلا أنه أضاف التكبير إليها، ثم قال: ثلاث مرات
ثم تكبر وتركع، ومنه ينشأ احتمال أن زرارة سمعه مرتين، وأن حريزا أثبته في كتابه
كذلك، فيكونان حينئذ خبرين، واحتمال السهو في زيادة التكبير من القلم أو النساخ
لا ينبغي فتحه في النصوص، ولا داعي له بعد ظهور النقل في التعدد، فتأمل جيدا.
ومنها قوله (ع) أيضا في صحيحه (1) أو حسنه: (عشر ركعات - إلى أن
قال -: فزاد في الصلاة سبع ركعات، هي سنة ليس فيهن قراءة، إنما هو تسبيح وتهليل
وتكبير ودعاء، فالوهم إنما هو فيهن) وبمعناه صحيح (2) آخر له أيضا في أعداد
الصلوات، كما عن ابن إدريس أنه رواه نقلا من كتاب حريز عن زرارة، وزاد
(وإنما فرض الله كل صلاة ركعتين، وزاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) سبعا،
وفيهن الوهم، وليس فيهن قراءة) ومنها قوله (ع) أيضا في صحيحة (3) أيضا
المروي عن كتابي الشيخ فيمن أدرك الإمام في الأخيرتين قال: (فإذا سلم الإمام قام
فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأولين بأم الكتاب وسورة
وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة)
ومنه يمكن الاستدلال أيضا بصحيح الحلبي (4) (إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ
فيهما فقل: الحمد لله وسبحان الله) على إرادة الجملة الخبرية، وأنها واقعة صفة للمعرف

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القيام - الحديث 7 وفي الوسائل والتهذيب
والاستبصار (الحمد لله وسبحان الله والله أكبر)
325

بلام الجنس القريب من النكرة، كقوله: ولقد أمر على اللئيم يسبني، أو الطلبية على
تصحيف الواو بالفاء كما عن المنتهى لكن كان عليه ذكر حذف الفاء عن لفظ (لا) مع
التصحيف المزبور.
ومنها ما رواه الصدوق (1) عن محمد بن عمران، وفي المصابيح أو محمد بن
حمران، وفي العلل محمد بن حمزة أو محمد بن أبي حمزة على اختلاف النسخ عن أبي عبد الله
(ع) (في حديث سألته لأي علة صار التسبيح في الركعتين الأخيرتين أفضل
من القراءة؟ قال: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى
من عظمة الله عز وجل فدهش، فقال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر
فلذلك صار التسبيح أفضل من القراءة) بل في تتمة الخبر المزبور إشعار بأنه صلى الله
عليه وآله كان إماما للملائكة، ولا يخفى عليك بعد ما سمعته عن العلل أنهما خبران
يمكن تصحيح السند بناء على بعض النسخ فيهما.
ومنها المرسل (2) عن الفقيه والعلل عن الرضا (ع) (إنما جعل
القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيح في الأخيرتين للفرق بين ما فرضه الله من عنده
وبين ما فرضه الله من عند رسوله (صلى الله عليه وآله) ومنها خبر موثق محمد بن
قيس (3) عن أبي جعفر (ع) (كان أمير المؤمنين (ع) إذا صلى
يقرأ في الأولتين من صلاته الظهر سرا، ويسبح في الأخيرتين من صلاته الظهر على
نحو من صلاته العشاء، وكان يقرأ في الأولتين من صلاته العصر سرا، ويسبح في
الأخيرتين على نحو من صلاته العشاء) قيل: وفي الصحيح (4) عن الباقر (ع)
(كان أمير المؤمنين (ع) - إلى أن قال -: يسبح في الأخيرتين) ومنهما

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث - 3 - 4 - 9 - 9
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث - 3 - 4 - 9 - 9
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث - 3 - 4 - 9 - 9
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث - 3 - 4 - 9 - 9
326

يستفاد المراد من المرسل (1) المروي عن المعتبر عن علي (ع) إنه قال:
((إقرأ في الأولتين وسبح في الأخيرتين).
ومنها خبر رجاء بن الضحاك (أنه صحب الرضا (ع) من المدينة
إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين) الحديث. ومنها خبر عبيد بن زرارة (3)
(سألت أبا عبد الله (ع) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر قال: تسبح
وتحمد الله وتستغفر لذنبك، وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء) ومنها صحيح
أبي خديجة (4) عن الصادق (ع) (إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في
الركعتين الأولتين، وعلى الذين من خلفك أن يقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر وهو قيام، فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن
يقرأوا فاتحة الكتاب، وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين)
بل قد يستفاد من لفظ (مثل) في ذيله استحباب التسبيح مطلقا، كما أنه يستفاد منه
أن قراءة المأمومين لأنهم مسبوقون، بل لعله الظاهر من لفظ (كان) فتأمل جيدا.
ومنها صحيح زرارة (5) عن الصادق (ع) (إذا كنت خلف إمام
- إلى أن قال - لا تقر أن شيئا في الأخيرتين - ثم قال -: والأخيرتان تبع للأولتين)
ومنها صحيح معاوية بن عمار (6) وخبر جميل بن دراج (7) في الجملة المتقدمان سابقا

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 42 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8 - 1 لكن نقل الأولى في الوسائل عن رجاء بن أبي الضحاك وهو الصحيح
(3) الوسائل - الباب - 42 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8 - 1 لكن نقل الأولى في الوسائل عن رجاء بن أبي الضحاك وهو الصحيح
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 13
(5) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4
(7) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4
327

في دليل المفصل، قيل ومنها صحيح معاوية بن عمار (1) أيضا عن الصادق (ع)
قلت: (الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين ويذكر في الركعتين الأخيرتين
أنه لم يقرأ قال: أتم الركوع والسجود؟ قلت: نعم، قال: إني أكره أن أجعل آخر
صلاتي أولها) ونحوه ما في صحيح ابن الحجاج (2) (سألت أبا عبد الله (ع)
عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال:
إقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان، ولا تجعل أول صلاتك آخرها) لكن قد يناقش فيهما
بأن المراد منهما الرد على أبي حنيفة القائل بأن المأموم في الفرض يجعل ما أدركه آخر
صلاته كالإمام ثم يستقبل بعد ذلك الأول فيجزيه حينئذ ذلك في رفع قراءة الفاتحة في
الجميع، كما أو ماء إليه مرسل النضر (3) عن أبي جعفر (ع) قال: (قال لي:
أي شئ يقول هؤلاء في الرجل إذا فاته مع الإمام ركعتان؟ قال: يقولون: يقرأ في
الركعتين بالحمد وسورة، فقال: هذا يقلب صلاته يجعل أولها آخرها، فقلت: كيف
يصنع؟ فقال: يقرأ بفاتحة الكتاب بكل ركعتين) فتأمل جيدا.
إلا أنك خبير بأنا في غنية بتلك النصوص المتعددة التي فيها المشتمل على ضروب
الدلالة وتأكيدها، والذي شهد القرائن بصحته، كوجوده في الأصول المعتبرة من
كتاب حريز المشهورة في زمن الصادق (ع) وغيره، والذي هو في أعلى
درجات الصحة، بل لو قلنا باستفادة مذاهب الرواة من رواياتهم لعلم أنه مذهب
الأساطين من المعاصرين للأئمة (ع) وغيرهم، إلى غير ذلك من الأمور

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2 - 7
لكن روى الثاني في الوسائل عن أحمد بن النضر مرسلا
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 2 - 7
لكن روى الثاني في الوسائل عن أحمد بن النضر مرسلا
328

التي لا تخفى على الخبير الممارس، كمخالفتها للعامة العمياء الذين جعل الله الرشد في خلافهم
ونحوها مما يعلم به قصور غيرها سندا وعددا ودلالة وقرائن عن تقييد المطلق منها فضلا
عن المعارضة، مع أن صحيح معاوية بن عمار منها في سنده محمد بن أبي حمزة، وهو
مشترك بين الثمالي والثميلي (1) والثاني منهما لم ينص على توثيقه في كتب الرجال على
ما قيل إلا رجال ابن داود، فقال: إنه ثقة فاضل، مع أنه نقله عن رجال الشيخ الخالي
عن ذلك، وكأنه اشتبه بالثمالي الذي حكي عن حمدويه، أنه قال: فيه ذلك، فلعله اشتبه
فيه، وربما احتمل اتحادهما وتصحيف الثمالي بالثميلي، ولم يبين فيه المراد من السؤال عن
القراءة، ولم يعمل أحد بمجموع ما فيه سوى ما سمعته من موضع من المنتهى، بل هو
غير موافق له أيضا بناء على ظهوره في أفضلية القراءة للمنفرد، وصدر الجواب فيه غير
مطابق للسؤال، بل قد يستشعر من هذه المخالفة فيه أن المراد بيان أمر آخر، وهو
استحباب المخالفة بين الإمام والمأموم كما لعله يستفاد من خبر أبي خديجة وغيره، بل
ومن خصوص الصحيح المزبور بناء على إرادة الاجتماع من الأمرين بالقراءة والتسبيح
فيكون قراءة الإمام فيه تحصيلا لفضيلة المخالفة لا الأفضلية من حيث الصلاة، ولا ينافيه
الأمر بالقراءة مع أن المخالفة تحصل بكل منهما، لاحتمال أن الأمر بها من جهة نهي
المأموم عن القراءة خلف الإمام كما في صحيح جميل وغيره من النصوص المذكورة في باب
الجماعة، وتوظيف التسبيح له، فأمر الإمام بها بناء على محافظة المأموم على وظيفته،
ولذا لو اتفق احتياج المأموم للقراءة أمر الإمام بالتسبيح كما يومي إليه خبر أبي خديجة
الآتي فتأمل جيدا.

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الموجود في كتب التراجم التيملي
329

بل قد يقال: بأن مقتضى الجمع بينه وبين الصحيح المزبور التخيير للإمام،
فيكون حينئذ من قبيل النصوص الآمرة بالقراءة منفردا أو بالتسبيح منفردا التي لا دلالة
في كل منهما على أفضلية أحدهما، ضرورة إلغاء ما يشعر به كل منهما من التعيين بالآخر
وهذا بخلاف النصوص التي يستفاد منها التعيين من غير جهة ظاهر الأمر، بل إما
بالتصريح أو غيره، فإنه بعد قيام الاجماع مثلا على التخيير لا بد من تنزيل التعيين
المزبور على الأفضلية، فتأمل جيدا فإنه ربما دق، وعليه بنينا الاستدلال على أفضلية
التسبيح مطلقا بجملة من النصوص المزبورة.
هذا كله مع احتمال الصحيح التقية، إما لعدم اعتبار وجود قائل بالخصوص فيها
بل يكفي مجرد إيقاع الخلاف بين الشيعة كي لا يعرفوا فيؤخذوا، وإما لأن المراد بها
تعليم التقية في العمل، بمعنى أنكم إذا كنتم أئمة فاقرأوا، لأنه غالبا يحصل في الجماعة
منهم، ولأن الإمام منكم مما يتجسس عن أحواله وأفعاله، ولعل ما في صحيح جميل (1)
من قوله (ع): (فيسعك) إيماء إليه، على أن المنقول عن أبي حنيفة منهم
التخيير بين القراءة والتسبيح والسكوت، وأن القراءة أفضل، خلافا للمحكي عن
الشافعي فالقراءة، فأوجبها في الأخيرتين، ولمالك في ثلاث ركعات من الرباعية،
فلعل الأمر بالقراءة لايهام الوجوب.
وبذلك كله بان لك ما في النصوص الباقية خصوصا خبر محمد بن حكيم الذي
هو مع ذلك ضعيف السند، وقل من أفتى بمضمونه من إطلاق الفضل المستلزم لطرح
تلك النصوص رأسا، ومثله التوقيع (2) الذي ظاهره وقوع النسخ بعد النبي (صلى الله

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 11 وهو
صحيح منصور لأن لفظ (فيسعك) مذكور فيه ولم يذكر في صحيح جميل
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 14
330

عليه وآله)، ووجوب القراءة أو أفضليتها مطلقا بقرينة السؤال، ولفظ الخداج الذي
هو بمعنى النقصان كما قيل، وقد عرفت قلة المفتي بهما، وظاهره أيضا أن المراد من قول
العالم كل ركعة من كل صلاة، وهو كما ترى، وأما التأييد بما سمعت فمنه ما هو غير
مجد، ومنه ما هو غير مسلم، كدعوى أنه الأوفق بالاحتياط، إذ فيه أن شبهة القول
بوجوب التسبيح أقوى نصا وفتوى مع الاشكال في الجهر بالبسملة من الفاتحة وعدمه،
فلا محيص حينئذ بعد ذلك كله عن القول بأفضلية التسبيح مطلقا من حيث الصلاة،
إذ لم يبق معارض لتلك النصوص إلا خبر علي بن حنظلة (1) الذي مع ضعف سنده
يجب طرحه في مقابلتها، أو تأويله بإرادة التسوية في الأجزاء ردا على من عين القراءة
منهم، أو غير ذلك، والله أعلم بحقيقة الحال.
(وقراءة سورة كاملة بعد الحمد في) الثنائية (والأولتين) من غيرها (واجب
في الفرائض مع سعة الوقت وإمكان التعليم للمختار) وفاقا للمشهور بين الأصحاب
شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل بما ظهر من بعضهم كالمحكي من عبارة التهذيب في
قراءة (والضحى) وغيره أنها كذلك، بل في صريح الغنية وعن الانتصار والوسيلة
وشرح القاضي لجمل العلم والعمل الاجماع عليه، كما عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية
وفي ظاهر مصابيح الطباطبائي أو صريحه الاجماع عليه أيضا.
(وقيل) والقائل كما قيل: الكتاب والحسن والشيخ في النهاية والديلمي في
المراسم والمصنف في المعتبر والفاضل في المنتهى: (لا يجب) ومال إليه جماعة من متأخري
المتأخرين (و) لا ريب أن (الأول) مع كونه أحوط أقوى، لما سمعته من
الاجماعات المعتضدة بعمل الفرقة في سائر الأعصار والأمصار، وبتلك الشهرة العظيمة
بل لعل المخالف في غاية الندرة، إذ المحكي عن الكاتب ظاهر في وجوب البعض، وهو

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
331

غير ما نحن فيه، كما أن المحكي عن الحسن أنه قال في المتمسك: (أقل ما يجزي في
الصلاة عند آل الرسول (صلوات الله عليه وعليهم) من القراءة فاتحة الكتاب) وربما
يريد بيان المجزي ولو في بعض الأحوال كالضيق ونحوه، وأما النهاية فمع أنها ليست
معدة للفتوى، وفي الرياض قد رجع عنها في جملة من كتبه المتأخرة كالخلاف والمبسوط
مدعيا فيها أن الوجوب هو الظاهر من روايات الأصحاب ومذاهبهم قد حكي عنها أيضا
ما هو ظاهر أو صريح في الوجوب، كقوله: ومن ترك بسم الله الرحمن الرحيم متعمدا
قبل الحمد أو بعدها قبل السورة فلا صلاة له، ووجب عليه إعادتها، فهي مشوشة
لا ينبغي التعويل عليها، بل يقطع من نظر فيها أن المراد التعبير عن مضمون كل خبر
بصورة الفتوى وإن كانت متعارضة، فانحصر الخلاف في الديلمي قبل المصنف، مع أن
المحكي عن الآبي أن المذهب المشهور يلوح من كلام المفيد وسلار، وأما المصنف فقد
صرح في النافع باختيار المشهور، بل لعله ظاهره هنا أيضا، والمحكي عن المنتهى صريح
في الوجوب وعدم جواز التبعيض، نعم قال بعد ذلك: (لو قيل فيه: أي التبعيض
روايتان: إحداهما جواز الاقتصار على البعض، والأخرى المنع كان وجها، ويحمل
المنع على كمال الفضيلة) وهو كما ترى قد ذكره وجها لا ينافي الفتوى الأولى، بل في
الرياض (أن وجوب السورة وإجزاء البعض مسألتان مختلفتان، لا ينافي القول بالاجزاء
في الثانية منهما الوجوب في الأولى، كما يظهر من المحكي عن المبسوط، حيث قال
(قراءة سورة بعد الحمد واجب غير أن من قرأ بعض السورة لا يحكم ببطلان صلاته)
- قال -: وقريب منه الفاضل في المنتهى حيث أنه بعد حكمه بوجوب السورة بكمالها
وفاقا لأكثر علمائنا حكى المخالفة فيه عن النهاية خاصة)) ثم نقل عن الإسكافي والمبسوط
عبارتيهما المتقدمتين، ومال إلى قولهما بعده معربا عن تغاير المسألتين: أي مسألة وجوب
السورة بكمالها وعدم بطلان الصلاة بتبعيضها، وحينئذ فلم يظهر من الإسكافي المخالفة في
332

المسألة الأولى، وفيه أن المعروف بين القائلين بالوجوب عدم الفرق في البطلان بين
الكل والبعض، بل ربما ادعي إجماعهم عليه حتى تمموا به دلالة النصوص المتضمنة
لوجوب البعض على المطلوب، بل هو مقتضى أدلة الوجوب أيضا، إذ احتمال إرادة
التعبدي من وجوب كمال السورة والشرطي من البعض سمج لا يرتكبه فقيه.
فلا بد حينئذ من حمل تلك العبارات الموهمة لذلك على إرادة وجوب البعض كما
هو ظاهر المحكي عن الإسكافي، أو على إرادة الاستحباب المؤكد من لفظ الوجوب
في نحو عبارة المبسوط كما وقع له في التهذيب وغيره في بحث المواقيت، لكن ينافي ذلك
كله ما يحكى عن المبسوط من التصريح بحرمة التبعيض كالقرآن مع قوله بعدم البطلان،
فلا بد حينئذ من إرادة الوجوب التعبدي خلاف ظاهر المنتهى من التخيير بين البعض
والكل وإن كانا هما معا كما ترى، بل لم أجد هذا الذي حكي أخيرا عن المبسوط فيما
حضرني من نسخته، فيقوى حينئذ إرادة ما سمعته منه، فلا حظ.
وكيف كان فقد ظهر لك ندرة المخالف فيما نحن فيه أو عدمه، فالاجماعات المحكية
حينئذ بعد اعتضادها بالتتبع لا ينبغي التأمل في حجيتها في المقام، مضافا إلى تأييده مع
ذلك بأنه المتعارف المعهود من صلاتهم (ع) التي أمرنا بالتأسي بها كما دلت
عليه جملة من النصوص (1) المتضمنة لفعل أمير المؤمنين (ع) وفعل الرضا
(ع) وغيرهما، بل في المنتهى أنه قد تواتر النقل (2) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
أنه صلى بالسورة بعد الحمد وداوم عليها، وهو بنفسه مشعر بالوجوب فضلا

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4 والباب 10
منها الحديث 10 والباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 24
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 والباب 24
منها الحديث 3 و 6
333

عن قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (صلوا كما رأيتموني أصلي) وبقول الصادق (ع)
في صحيح منصور بن حازم (2): (لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر)
وأحدهما (ع) في صحيح العلاء (3) (في الرجل يقرأ السورتين في الركعة
فقال: لا، لكل ركعة سورة) ومكاتبة يحيى بن عمران (4) لأبي جعفر (ع)
(جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم
الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها؟ فقال العياشي (العباسي خ ل): ليس
بذلك بأس، فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العياشي (العباسي خ ل)
وخبر معاوية بن عمار (5) قلت لأبي عبد الله (ع): (إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم في فاتحة القرآن قال: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن
الرحيم مع السورة قال: نعم) ومفهوم صحيح الحلبي (6) عن الصادق (ع)
قال: (لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا
ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا) إذ البأس إما بمعنى العقاب كما عن القاموس، أو
المراد منه هنا ذلك للشهرة، أو لعدم ظهور القول بالكراهة من القائل بعدم الوجوب،
والتقرير على الاشتراط في خبر الصيقل (7) (أيجزي عني أن أقرأ في الفريضة بفاتحة
الكتاب وحدها إذا كنت مستعجلا أو أعجلني شئ فقال: لا بأس) والمفهوم من
وجهين في خبر ابن سنان (8) (يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب
وحدها، ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار) وما عساه يظهر من سؤال

(1) صحيح البخاري - ج 1 ص 124 و 125
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 5
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 5
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4 - 5
(7) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4 - 5
(8) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 4 - 5
334

علي بن جعفر (1) أخاه (ع) كبعض الأخبار السابقة وغيرها من معلومية
عدم الاجزاء بالاختيار، وأنه مفروغ منه عند الرواة، قال: (سألته عن الرجل يكون
مستعجلا يجزيه أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها فقال: لا بأس) وإشعار
لفظ البدأة في الموثق (2) (سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب
إلى أن قال: فليقرأها ما دام لم يركع، فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو
إخفات) ونحوه في التعبير بالبدأة المروي عن العلل (3) إلى غير ذلك من الرضوي (4)
والنصوص الصريحة أو الظاهرة أو المشعرة المذكورة في تضاعيف ما تسمعه من المسائل
كعدم القراءة بالسور الطوال وبالعزائم والكف عن القراءة في حال المشي كما نص على
ذلك في المصابيح، وفي باب الجماعة والأذان وفي قراءة الجمعة والمنافقين والتوحيد في
صورة الغلط بغيرها وعدمه، ونحوها من سور القرآن، خصوصا الدالة على الجمع بين
الضحى وألم نشرح (5) والفيل ولايلاف (6) ولو مع الاتمام بعدم القول المعتد به
بالفصل ونحوه، بل قيل والنصوص (7) والاجماعات الدالة على وجوبها في صلاة العيد
بناء على ظهور تلك الأدلة في مساواتها للفريضة في الكيفية عدا زيادة التكبير، أو على
عدم القول بالفصل، فتأمل، بل قيل وأخبار القرآن (8) وما دل على تقديم مراعاة السورة
على الصلاة، وغير ذلك مما هو محل للنظر أو معلوم البطلان.
فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين من الميل إلى الاستحباب خصوصا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 2 - 3
(4) المستدرك - الباب - 23 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة العيد
(8) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب قراءة القرآن
335

بالنسبة إلى البعض لصحة النصوص وكثرتها وصراحتها بذلك لا ينبغي الالتفات إليه
بعد ما عرفت، على أنها جميعها لا تأبى الحمل على النافلة أو الضرورة أو التقية أو نحو
ذلك، بل ربما كان صراحتها خصوصا نصوص البعض أكبر شاهد على بعض ما ذكرنا
ضرورة معروفية كونه شعار العامة، كما أن الاكمال من شعار الخاصة، وربما كان في
خبر إسماعيل بن الفضل (1) إشارة إليه، قال: (صلى بنا أبو عبد الله (ع)
أو أبو جعفر (ع) فقرأ بفاتحة الكتاب وآخر سورة المائدة، فما سلم التفت
إلينا فقال: أما أني إنما أردت أن أعلمكم) وكذا خبر سليمان بن أبي عبد الله (2) قال:
(صليت خلف أبي جعفر (ع) فقرأ بفاتحة الكتاب وآي من البقرة فجاء أبي
فسئل فقال: يا بني إنما صنع ذا ليفقهكم وليعلمكم) بل اعتذاره (ع) مع سؤاله
في الخبر الثاني كالصريح في ذلك.
إنما الكلام فيما عساه يظهر من القيود في المتن من عدم وجوبها في النوافل وضيق
الوقت وحال عدم إمكان التعلم وعدم الاختيار، أما الأول فلا أجد فيه خلافا نصا (3)
وفتوى، نعم قد يقال باشتراطها في خصوص بعض النوافل التي ورد الأمر بها فيها
بالخصوص، كصلاة جعفر (ع) (4) ونحوها على إشكال فيه أيضا ينشأ من
وجوب حمل المطلق على المقيد وعدمه في المستحبات، ولو عرض وصف الفرض للنافلة
وبالعكس ففي سقوط السورة ووجوبها وعدمهما بحث أشبعنا الكلام فيه في أحكام الخلل.
وأما الضيق فقد يدل عليه الاجماع المحكي على سقوط حال الضرورة في الرياض

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب القراءة في الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة جعفر عليه السلام
336

وعن المعتبر والتذكرة مع زيادة الاستعجال، والمفاتيح معتضدا بنفي الخلاف فيه في
التنقيح، وبين أهل العلم في المنتهى، بل في المحكي عن البحار من الاجماع على الضرورة
التمثيل به وبالخوف والمرض لها كالمدارك في معقد نفي خلافه، وفي التنقيح لا كلام مع
الضيق، ويدل عليه أيضا فحوى ما سمعته وتسمعه من عدم وجوبها على المستعجل ونحوه
ضرورة أولوية مراعاة الوقت من ذلك ونحوه، بل قد يستدل له أيضا باطلاق ما دل
على إجزاء الفاتحة وحدها في بعض الصحاح (1) وإن قيد في بعض آخر (2)
بالاستعجال ونحوه، كما أنه قد يومي إليه ما ورد (3) في باب الجماعة من أمر المسبوق
بقراءة الفاتحة دون السورة إذا خاف عدم اللحوق، ولا أقل من أن يكون ذلك كله
سببا للشك في شمول ما دل على وجوبها لمثل الحال، لكن مع هذا كله جزم الكركي
بعدم سقوطها لذلك، قال: (لأنه لا يعد ضيق الوقت ضرورة، خصوصا بالنسبة إلى
الحائض إذا طهرت وقد بقي من الوقت ركعة بدون السورة) وفيه منع انحصار المسقط
في الضرورة أولا لما سمعته من نصوص المستعجل ونحوه، ومنع كون الضيق ليس
بضرورة ثانيا، وقد تقدم سابقا منا كلام في ذلك عند البحث عن وجوب الصلاة على
الحائض ونحوها بادراك الركعة، نعم قد يتأمل في سقوطها للضيق لغير إدراك الركعة
بل لباقي أجزاء الصلاة، خصوصا التسليم ونحوه بمعنى أن قراءتها مفوت لوقوع مثل هذه
الأبعاض في الوقت، فإن في عدم وجوبها لذلك نظرا بل منعا.
وأما السقوط لعدم إمكان التعلم فقد أشبعنا الكلام فيه آنفا.
وأما الاختيار فقد عرفت دعوى الاجماع من غير واحد على عدم وجوبها حال
الضرورة، كما أنك قد سمعت النصوص التي تشهد لذلك في الجملة كالمرض والاستعجال

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 4
337

ونحوهما، بل في كشف اللثام الاجماع على عدم وجوبها في خصوص هذين الحالين، بل
قد يقال بكفاية مطلق الحاجة التي تعجله، أضر به فوتها دنيا أو آخرة أولا، بل وبكفاية
مطلق المرض، شق عليه قراءتها أولا، اللهم إلا أن يدعى أن المنساق إلى الذهن من
المرض أو الاستعجال ما شق عليه القراءة معهما، ولعله لذا قيد الكركي المرض
المسقط لها بذلك.
ثم لا يخفى أن السقوط في أكثر هذه المقامات رخصة لا عزيمة حتى يقال لو جاء
بها بنية الجزئية تفسد الصلاة بناء على فسادها بنحو ذلك، ضرورة أنه يتم في موضع
كان سقوطها فيه عزيمة كما في الضيق والخوف مثلا ونحوهما، كما أنه يتم البطلان أيضا
في محل الفرض لو نوى بها الوجوب إن قلنا: إن فعل الأجزاء المندوبة بعنوان الوجوب
مبطل، إذ المقام منه بعد الرخصة في الترك قطعا، فتأمل جيدا.
وكيف كان فهي إنما تجب بعد الحمد بلا خلاف أجده، بل لعله هو في معقد
بعض ما حكي من الاجماع على وجوبها، بل هو صريح المحكي عن فقه الرضا (ع)
(1) كما هو ظاهر أخبار البدأة (2) بل لعله المنساق إلى الذهن من سائر
النصوص خصوصا البعض، والمعهود في الوقوع منهم ومن أتباعهم، بل يمكن دعوى
تحصيل الاجماع عليه.
(
و) حينئذ ف‍ (لو قدمها) أي السورة (على الحمد) عمدا (أعادها أو غيرها
بعد الحمد) إن لم نقل ببطلان صلاته الذي صرح به الفاضل والشهيدان والمحقق الثاني
وغيرهم، بل لم أعرف أحدا صرح بالصحة قبل الأردبيلي فيما حكي من مجمعه وبعض

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 و 3
والمستدرك - الباب - 24 - منها الحديث 2
338

أتباعه، نعم ربما استظهر من إطلاق عبارة المتن والمبسوط الذي يمكن تنزيله على غير
صورة العمد بنية الجزئية، أما فيها فالمتجه البطلان للزيادة، وللقران، وللنهي المستفاد
من الأمر (1) بالترتيب والبدأة ونحوهما مما دل على الترتيب، ضرورة اقتضائه الفساد
إذا تعلق بجزء العبادة، لرجوعه إلى النهي عن الصلاة المقدم فيها السورة مثلا، لكن
قد يناقش بدعوى رجوعه إلى خصوص الجزء، واقتضائه فساده خاصة لا الصلاة،
فإن اقتصر عليه بطلت، لاستلزام بطلان الجزء بطلان الكل لا ما إذا تداركه، إذ ليس
فيه إلا الزيادة والتشريع، ونمنع إبطالهما للصلاة مطلقا بناء على الأعمية كما سمعته سابقا،
تنزيلا لما دل على الأمر باستقبال الصلاة بالزيادة من النصوص (2) على الركعات أو
الركوعات ونحوها، أو على غير القران، لاطلاق ما دل (3) على نفي البأس عنه في
الصلاة، ولذا كان الأقوى مكروهية القران عند المصنف، مع أن أظهر أفراده الاتيان
بالسورتين مثلا للصلاة، والتشريع محرم خارجي عن الصلاة، بل النهي فيه حقيقة عن
الاعتقاد، ودعوى كونه حينئذ من كلام الآدميين لأن الفرض حرمة القراءة يدفعها
منع حرمة القراءة أولا، بل الاعتقاد خاصة، ومع التسليم نمنع كونه من كلام الآدميين
بل هو قران قطعا، نعم يمكن منع شمول ما دل على نفي البأس عن القران في أثناء الصلاة
له، لظهوره في غيره، هو مع التسليم ينحصر وجه البطلان فيه بالزيادة التي عرفت
الكلام فيها، وأن مقتضى القول بالأعمية عدم أصالة إبطالها، وفرض المقام في السورة
الطويلة كي تكون حينئذ من الفعل الكثير خروج عن محل البحث، ضرورة كونه من
حيث تقديم السورة، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 11
(2) الوسائل - الباب 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 9
339

ومن ذلك كله يظهر لك ما في تعليل البطلان بالزيادة أو القران أو نحوهما، بل
قد يمنع حصول الثاني للفصل المنافي لحقيقة القران، اللهم إلا أن يراد به قراءة الأكثر
من سورة وإن فصل بينهما، لكنه قد يتخلص منه بإعادتها نفسها، إذ دعوى صدق
القراءة بالأكثر من سورة حينئذ ممنوعة، ضرورة ظهوره في التغاير بين السورتين،
كما أنه ظهر لك أيضا أولوية عدم البطلان إذا لم يقصد الجزئية، إذ ليس فيه حينئذ إلا
احتمال القران الذي عرفت الحال فيه، هذا. وفي الذكرى بعد أن حكم بالبطلان في
صورة العمد قال: (لو لم تجب السورة لم يضر التقديم على الأقرب، لأنه أتى بالواجب
وما سبق قرآن لا يبطل الصلاة، نعم لا يحصل له ثواب قراءة السورة بعد الحمد، ولا
يكون مؤديا للمستحب) وفيه أنه بناء على البطلان للزيادة بنية الجزئية لا فرق بين
القول باستحبابها ووجوبها، كما أن الظاهر تحققه بمجرد الشروع في السورة المقدمة لتحقق
المقتضي للبطلان حينئذ به، بل الظاهر أنه كذلك حتى لو كان مستلزم له ولو فيما يأتي
كما لو قلنا: إن المانع القران مثلا الذي لا يتحقق إلا بعد أن يقرأ السورة في محلها
مثلا، لأنه بعد أن جاء بما هو مستلزم للمبطل لم يتصور أمره بعد ذلك بباقي أجزاء
الصلاة، واحتمال السهو لا يجدي بعد عدم معقولية التكليف حال التذكر الذي هو الأصل
وحكم السهو فرعه كما هو واضح.
ولو كان التقديم للسورة سهوا فلا بطلان قطعا مطلقا، لاطلاق ما دل (1) على
اغتفاره وعدم بطلان الصلاة به، بل في كشف اللثام وإن كانت المقدمة طويلة بحيث
اندرجت في الفعل الكثير، ولعله للأصل من غير معارض مع تجويز العدول من
سورة إلى أخرى، وصحيح علي بن يقطين (2) النافي للبأس عن القران بين السورتين

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9
340

ونطق الأخبار (1) بأنها لا تعاد إلا من الوقت والطهور والقبلة والركوع والسجود،
وخبر الحميري (2) المروي عن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن
جعفر أنه سأل أخاه (ع) (عن الرجل يصلي له أن يقرأ في الفريضة فيمر
بالآية فيها التخويف فيبكي ويردد الآية قال: يردد القرآن ما شاء) وفي مسائل علي
ابن جعفر (3) أنه سأل أخاه (ع) (عن الرجل يفتح سورة فيقرأ بعضها ثم
يخطئ فيأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم أنه قد أخطأ هل له أن يرجع في الذي افتتح
وإن كان قد ركع وسجد فقال (ع): إن كان لم يركع فليرجع إن أحب،
وإن ركع فليمض) وخبر أبي بصير (4) (عن رجل نسي أم القرآن قال: إن كان
لم يركع فليعد أم القرآن) ومضمر سماعة (5) (سألته عن الرجل يقوم في الصلاة
فينسى فاتحة الكتاب قال: فليقل: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع
العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز قراءة
القرآن في أثناء الصلاة المتناولة بحسب ظاهرها أو صريحها للسورة الطويلة والقصيرة،
ولعله لأن الكثير منها غير مناف للصلاة ولا ماح لصورتها.
فما عساه يقال من بطلان الصلاة بمطلق الكثير سواء كان قرانا أو غير،
لاطلاق ما دل (6) عليه الذي لا ينافيه ما دل (7) على نفي البأس في القران بعد
اعتبار الحيثيتين في كل منهما كما هو المنساق من دليلهما، خصوصا والتعارض بينهما
بالعموم من وجه فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه،

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 28 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 28 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 28 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 4
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9
341

خصوصا فيما لو فرض محو صورة الصلاة به، بل لعله متعين بناء على تحقق الفرض
المزبور، فتأمل جيدا.
وكيف كان فإن ذكر بعد أن أتم قراءة الحمد أعاد تلك السورة أو غيرها،
لأصالة بقاء التخيير، وإطلاق أدلته السالمة عن المعارض في مثل الفرض، ولا يعيد
الحمد لوقوعها في محلها، وحصول الترتيب بإعادة السورة خاصة كما في كل ما اعتبر فيه
الترتيب من الوضوء وغيره، اللهم إلا أن يقال باعتبار الهيئة في مجموع قراءة الصلاة،
وإن تقديم السورة كما قدح في عدم الاجتزاء بها كذلك يقدح في الفاتحة، لعدم تحقق
البدأة بها عرفا، فلا امتثال حينئذ إلا أن يأتي بمجموع القراءة مبتدئا بالفاتحة، وفيه
من الضعف ما لا يخفى وإن نسب إلى جماعة كما عن المسالك، وربما كان ظاهر القواعد
وغيرها مما عبر كعبارته باستئناف القراءة كما حكي عن المنتهى والتذكرة والتحرير ونهاية
الإحكام والألفية، بل ينبغي القطع ببطلانه بعد التأمل، ضرورة كونه كما لو ذكر بعد
الفراغ من قراءة السورة، لأن نية الابتداء وعدمها لا تأثير لها، ولا يزيد الترتيب
بين الفاتحة والسورة على الترتيب في آيات الفاتحة مثلا التي يكتفى بإعادة المقدم منها مع
فرض عدم فوات الموالاة، اللهم إلا أن يلتزموا عدم الاكتفاء بذلك فيه أيضا،
لكنه على كل حال ضعيف.
كضعف احتمال عدم وجوب إعادة السورة أصلا، لأن الفرض كون الفائت
سهوا صفة الترتيب، وتلافيها مستلزم للزيادة الممنوع منها في الصلاة، فهي كالجهر
والاخفات المنسيين، ضرورة الفرق بين الصفتين باطلاق ما دل (1) على اغتفار النسيان
في الثانية من غير أمر بالإعادة وعدمه هنا، على أن وجوب قراءة السورة في الفرض
ليس لتدارك المنسي كي يلزم ما عرفت، بل هو لأصل الأمر بها الذي لم يصلح الفعل

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب القراءة في الصلاة
342

الأول امتثالا له، فليس هو إلا زيادة وقعت لا تصلح لاسقاط ذلك الأمر حتى لو كان
قد نوى المكلف سهوا بما قدمه امتثال الأمر بالسورة، إذ نيته لا تصير ما ليس فردا
للمأمور به فردا له، ودعوى تحليل التكليف إلى أمرين لا شاهد لها، بل الشاهد على
خلافها، وأما خبر علي بن جعفر (1) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (عن رجل
افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال: يمضي
في صلاته، ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل) فظاهره قراءة الفاتحة فيما يستقبل من
الركعات، وهو مخالف للاجماع على الظاهر، فلا بد من طرحه أو حمله على ما إذا ذكر
بعد الركوع أو غير ذلك، واحتمال حمله على إرادة قراءة الفاتحة خاصة إذا ذكر مجتزيا
بما قدمه من السورة لا شاهد له كي يكون من المؤل الذي هو حجة كما هو واضح، والله أعلم.
(ولا يجوز أن يقرأ في الفرائض شيئا من سور لعزائم) كما هو المشهور بين
الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا، بل هو كذلك في الغنية والتذكرة وعن الانتصار
والخلاف ونهاية الإحكام وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية، بل لا أجد فيه خلافا
إلا من المحكي عن الإسكافي الذي لا يعتد بخلافه بين الأصحاب كبعض متأخري
المتأخرين، مع أن المحكي من عبارته لا صراحة فيه، فلا يقدح في المحصل من الاجماع
فضلا عن منقوله الذي هو الحجة في المقام، مضافا إلى حسن زرارة (2) عن أحدهما
(ع) (لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم، فإن السجود زيادة في
المكتوبة) وموثق سماعة (3) (من قرأ إقرأ باسم ربك فإذا ختمها فليسجد،

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 37 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
وذيله في الباب 40 - منها الحديث 2
343

فإذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب ويركع قال: فإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد
فيجزيك الايماء والركوع إلى أن قال: ولا تقرأ في الفريضة، إقرأ في التطوع)
وخبر علي بن جعفر (1) عن أخيه (ع) المروي عن قرب الإسناد والتهذيب
بل وكتاب علي بن جعفر نفسه (سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة والنجم
أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب
ويركع، وذلك زيادة في الفريضة ولا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة) ضرورة كون
المراد من النهي هنا التحريم قطعا، سيما مع عدم المعارض له في خصوص المكتوبة.
إنما البحث في البطلان الذي قد اعترف في كشف اللثام بعدم المصرح به قبل
الفاضل غير ابن إدريس، وأقصى ما يحتج له بظاهر النهي المقتضي للفساد إما في الصلاة
وإما في الجزء، فلا يكتفى به في سقوط وجوب السورة، ضرورة كونه مقيدا بغير
هذه السورة، فتبطل الصلاة حينئذ بترك الجزء أو بالزيادة التي دلت النصوص على
استقبال الصلاة معها، خصوصا إذا كانت محرمة، وبتحقيق القران حينئذ مع الفرض
المزبور، وبأن قراء العزيمة توجب السجود حتى في أثناء الصلاة كما يومي إليه مضافا إلى
إطلاق أدلة الفورية في نفسها جميع أخبار المسألة خصوصا الخبر الأول المشتمل على التعليل.
ومنه يعلم ترجيحه حينئذ على ما دل على حرمة الابطال ووجوب الاتمام،
وضعف ما احتمله في الذكري من سقوط الفورية هنا للتلبس في الصلاة، ومتى وجب
السجود بطلت الصلاة بعد أن دلت هذه النصوص وغيرها على أنه زيادة مبطلة للصلاة
إذا وقعت فيها عمدا، بل في التنقيح الاجماع على بطلان الصلاة بالسجود عمدا،
فالبطلان حينئذ لازم للخطاب به لا لفعله، ضرورة عدم تصور أمر الشارع بالاتمام مع

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 4
344

خطابه بالمبطل، إذ هو حينئذ كأمر من وجبت عليه الجنابة للأربعة أشهر أو القي لأكل
المغصوب بالصوم، وليس من مسألة الضد، ولعله هو المراد بترتيب التعليل في الخبر
المزبور على قراءة العزيمة على معنى لا تقرأ فتخاطب بالسجود الذي هو زيادة في
المكتوبة، ولا يجامعه الأمر بالاتمام الذي تتوقف عليه الصحة، بل لعله هو الذي أراده
في المحكي عن السرائر من تعليل البطلان بأنه مع فعل السجود تبطل الصلاة به، ومع
عدمه تبطل بالنهي عن الضد وإن كان لا يتم بناء على عدم اقتضاء الأمر بالشئ النهي
عن الضد، وليس من مسألة الضد المعروفة التي يكون فيها أحد الواجبين مضيقا والآخر
موسعا، إلا أنه أولى من التعليل في الذكرى، بل نسبه في الرياض إلى الأصحاب بأنه
إن ترك السجود أخل بالواجب، وإن فعل بطلت الصلاة، ضرورة عدم اقتضائه
البطلان على كل حال، وأولى منهما ما ذكرنا الذي يتم وإن لم نقل باقتضاء النهي عن
الضد، خصوصا بملاحظة ما ذكرناه في التعليل بالخبر الأول.
ومن ذلك يظهر أنه لا فرق في الحكم بين قراءة جميع السورة وبين قراءة نفس
آية السجدة منها، بل ولا بين القراءة وبين الاستماع كما صرح به بعضهم، إذ احتمال
قصر ترجيح فورية السجود على حرمة الابطال على خصوص القراءة دون الاستماع
مثلا بل هو يبقى على مقتضى قاعدة تعارض المضيقين وترجيح الصلاة حينئذ كما ترى،
إذ لا أقل من إخراج الصورة الأولى مرجحة لمراعاة فورية السجود على وجوب الاتمام
بل يمكن بذلك ترجيحه في صورة السماع أيضا بناء على الوجوب معه، بل يمكن دعوى
عدم المعارضة له أصلا، بناء على ما قررنا من تحقق البطلان بنفس الخطاب بالسجود
لا بالفعل، ضرورة عدم اقتضاء النهي عن الابطال عدم اتفاق صدور المبطل كي يعارض
ما دل على وجوب السجود وفوريته، لكن في التذكرة (لو سمع في الفريضة فإن
أوجبناه بالسماع أو استمع أو ماء وقضى) وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت.
345

نعم قد يناقش في الدليل الأول بما سمعته سابقا في الزيادة، وأن إبطالها على
كل حال محل نظر، اللهم إلا أن تخرج السجدة من بينها بالدليل من الاجماع المحكي
وغيره، وفي الثاني بأنه لا يتم على المختار من كراهة القران، وبأنه لا ينطبق على تمام
الدعوى بناء على أنه في السورتين الكاملتين خاصة، وأن الدعوى حرمة قراءة العزيمة
كلا أو بعضا، وفي الثالث بأنه لا دلالة في الخبر المعلل على أزيد من النهي عن القراءة
الموجبة للسجود الذي هو زيادة في الصلاة من غير تعرض للابطال وعدمه، بل مقتضى
التدبر في النصوص خصوصا خبر علي بن جعفر وقوله (ع) فيه: (وذلك
زيادة في الفريضة) كما رواه في الوسائل والحدائق من نفس كتاب علي بن جعفر حرمتها
لا إبطالها، وبه تجتمع جميع النصوص من غير تجشم، لحمل بعضها على النافلة، وآخر على
السهو، خصوصا خبر علي بن جعفر، إذ هو مع أنه خلاف ظاهر قوله (ع):
(يقرأ) بل وخلاف قوله (ع): (ولا يعود) إذ لا معنى للنهي عن الإعادة
مع فرض وقوع ذلك سهوا منه لا يوافق ما تسمعه من الأصحاب من عدم جواز
السجود في الأثناء إن كانت القراءة منه سهوا، ودعوى طرح الخبر المزبور بالنسبة
إلى ذلك مع أنه معتبر قد رواه الحميري والشيخ، بل رواه في الوسائل والحدائق عن
كتاب علي بن جعفر نفسه لا مقتضي لها ولا شاهد.
فالمتجه حينئذ في جميع النصوص الحرمة لا الابطال إن لم يحصل إجماع على خلافه
كما سمعته من التنقيح بناء على إرادة ما يشمل المقام منه وإن كان هو محلا للنظر، لعدم
المصرح به قبل الحلي الذي بناه على مسألة الضد الممنوعة عندنا كما عرفته سابقا، فاحتمال
الحرمة حينئذ خاصة قوي، بل كأنه يلوح من كشف اللثام، ويؤيده خلو سائر النصوص
عن التصريح به، بل اتفق جميعها على فعله في الأثناء وصحة الصلاة، وفيها ما هو صريح
346

أو كالصريح في الفريضة، كالصحيح (1) بناء على بعض الوجوه في متنه (عن إمام
قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدم غيره فيتشهد ويسجد
وينصرف هو وقد تمت صلاتهم) إلى آخره، وغيره، وكذا يؤيده أنه ليس السجدة
للعزيمة من الزيادة بعنوان الجزء من الصلاة.
ودعوى إطلاق نصوص الزيادة (2) بحيث يشمل ذلك يدفعها مضافا إلى
ما سمعته سابقا من دعوى ظهور تلك النصوص في إرادة زيادة الركعات أو الركوعات
لا مطلقا، خصوصا بعد أن دلت نصوص أخر (3) على أن الصلاة لا تعاد من سجدة
وإنما تعاد من ركعة، وخصوصا بعد أن كان ظاهرها عدم الفرق بين العمد والنسيان،
بل كاد يكون ذلك صريح قوله (ع) (4): (إذا استيقن) في بعضها وهو
لا يتم إلا في الركعات أو الركوعات أن المراد منها بعد التسليم الزيادة عمدا على أنها
من الصلاة لا مطلق وقوع فعل في أثناء الصلاة وإن لم يكن بعنوان أنه منها، وإلا لزم
خروج أكثر الافراد، بل قد يدعى أن ما ذكرنا هو الظاهر من لفظ الزيادة، ضرورة
انسياق الاتيان بالصلاة زائدة على أجزائها الشرعية إلى الذهن من ذلك، والتزام
خروج ذلك كله بالدليل وإلا كان مقتضى هذه النصوص مطلق الزيادة وإن لم يكن
بعنوان الصلاة كلام قشري، بل ظاهر في أن متكلمه لا درية له في الفقه.
نعم لا يجتزى بهذه السورة للنهي بل لا بد له من سورة أخرى، ولا بأس به
بعد البناء على كراهة القران، وأما احتمال الاجتزاء بهذه السورة بجعل النهي عنها لأمر
خارج عنها هو السجود لا لنفسها ففيه ما لا يخفى، وأوضح من ذلك مناقشة ما ذكره

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5 مع الاختلاف
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الركوع
(2) الوسائل - الباب - 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث. 1
(4) الوسائل - الباب - 19 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة - الحديث. 1
347

ثاني الشهيدين من أنه على تقدير التحريم تبطل بمجرد الشروع في السورة، إذ قد عرفت
ظهور الخبر المعلل (1) ودليلهم السابق في تمام السورة أو خصوص آية السجدة منها،
نعم هو لازم لمن أوجب تمام السورة وحرم القران حتى بين السورة وبعض سورة
أخرى، اللهم إلا أن يدعى ظهور النهي عن قراءة العزيمة في غير الخبر المعلل في تحريم
الأبعاض كما في كثير من الأحكام المعلقة على أسماء الجمل، نحو الكلب نجس أو حرام،
ولا ينافيه التعليل في غيره من الأخبار، وفيه ما لا يخفى، أو يقال: إن الفرض قراءة
البعض على نية الجزئية، وهو محرم للتشريع، وفيه ما سمعته سابقا في نظائره.
وكيف كان فالبطلان في المسألة بعد القول بكراهة القران مبني على وجوب
السجود في الأثناء، وأنه مبطل للصلاة، والأولى وإن أمكن إثباتها عندنا بالأدلة
السابقة المعتضدة بعدم الخلاف إلا من الإسكافي فنقله إلى الايماء ثم السجود بعد الصلاة
وكأنه يفوح من الذكرى لكن الثانية محل للنظر إن لم يثبت الاجماع الذي قد سمعت
دعواه من التنقيح، خصوصا على ما نذهب إليه من الأعمية، فتأمل جيدا.
هذا كله إذا قرأ أو استمع عمدا، أما إذا كان سهوا فلم أجد خلافا في صحة
صلاته وعدم بطلانها، وأنه يسجد بعد الفراغ من الصلاة، وكأنه لرجحان ما دل على
إتمام الصلاة وحرمة إبطالها على ما دل على فورية السجود، وفيه أن العكس أولى
بقرينة تقديم الشارع له في صورة العمد، ضرورة إشعاره بأهميته، بل قد سمعت عدم
صلاحية النهي عن الابطال لمعارضة دليل الفورية، إذ هو بطلان لا إبطال، لما عرفت
من أن البطلان يحصل بمجرد الخطاب بناء على أن السجود في الأثناء مبطل، على أن
الوجوب عليه بعد الصلاة مبني على أحد الوجوه في الواجبات الفورية، وفيه بحث،
ولم لا يكون المتجه في الفرض الانتقال إلى الايماء لتعذر السجود عليه بعد ترجيح إتمام

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
348

الصلاة، لأنه هو البدل عنه في كل مقام يتعذر، وربما يستأنس له بما في مضمر سماعة (1)
(وإن ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك الايماء والركوع) ويقول الصادق (ع)
في خبر أبي بصير (2): (إن صليت مع قوم فقرأ الإمام إقرأ باسم ربك
الذي خلق أو شيئا من العزائم وفرغ من قراءته ولم يسجد فأوم إيماء) والمروي عن
كتاب المسائل لعلي بن جعفر (3) عن أخيه موسى (ع) قال: (سألته عن
الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال: يومي برأسه
قال: وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخر السجدة قال: يسجد إذا سمع شيئا
من العزائم إلا أن يكون في فريضة فيومي برأسه إيماء).
ولعله لذلك ولما دل على وجوب السجود جمع بعضهم بينهما، فأمر بالايماء ثم
السجود بعد الفراغ، لكنه لا يخلو من نظر، كالقول بأن الانتقال إلى الايماء يوجب
أيضا زيادة في الصلاة، ضرورة عدم الفرق بين البدل والمبدل منه كما صرح به العلامة
الطباطبائي، قال:
ويسجد الداخل في نفل وفي * فريضة يومي له ويكتفي
للنص والقول به قد يشكل * إذ كان في حكم السجود البدل
حتى من جهته اختار التأخر، فقال:
والأصل بالتأخير فيه يقضي * إذ منع البدار حق الفرض
لكن قد يجاب عنه بعد إمكان كونه اجتهادا في مقابلة النص بالفرق بين ما يكون
فرضه الايماء سابقا لمرض ونحوه وبين ما كان سببه الفرار عن السجود في الصلاة الذي

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 3 و 4
349

قد سمعت الدليل على أنه زيادة في المكتوبة، أو يكون المتجه فعلها في أثناء الصلاة،
ولا بطلان ولا حرمة كما هو ظاهر نصوص المقام، واختاره الأستاذ في كشفه، ولا يخفى
عليك قوته بعد الإحاطة بما ذكرنا سابقا، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان في ذكر قبل أن يتجاوز النصف ومحل السجود عدل إلى سورة
أخرى قطعا حتى لو قلنا بحرمة القران بين السورة والبعض، ضرورة كون المقام من
السهو وإن كان حال السورة الثانية عامدا، فاحتمال البطلان حينئذ لأنه لا يخلو من
أحد المحذورين إما ترك السورة أو القران ضعيف أو باطل، فما في التذكرة من
الاشكال في العدول في الفرض المزبور في غير محله، كما أن ما في الذكرى أيضا من
الوجهين فيه الناشئين من أن الدوام كالابتداء أولا كذلك أيضا وإن استقرب هو
ما ذكرنا، ولقد أجاد المحقق في قوله: (ينبغي الجزم بالعدول وجوبا، لثبوت النهي
وانتفاء المقتضي للاستمرار) إلى آخره.
ولو تجاوز النصف ولم يتجاوز محل السجود عدل أيضا على الأقوى، لوجوب
السورة عليه والنهي عن العزيمة، فهو في عهدة التكليف، والمنع عن العدول مع تجاوز
النصف إنما هو حيث يكون المعدول عنه مجزيا كما هو الظاهر من تلك الأدلة، لكن في
التذكرة إشكال، قال: فإن منعناه قرأها كملا ثم أومأ أو يقضيها بعد الفراغ، لقول
الصادق (ع) (1) وقد سأله عمار (عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها
سجدة من العزائم فقال: إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها، وإن أحب أن يرجع
فيقرأ سورة غيرها ويدع التي فيها السجدة رجع إلى غيرها) وفيه أنه لا يوافق القول
بوجوب السورة، ولا يقوى على تخصيصها، فلا بد حينئذ من طرحه أو تأويله، أو
الالتزام بما في ذيله مع رفع اليد عن ظهور قوله (ع): (وإن أحب) فما في

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
350

الذكرى - من أن في الرجوع في الفرض وجهين من تعارض عمومين: أحدهما المنع
من الرجوع هنا مطلقا، والثاني المنع من زيادة سجدة - في غير محله وإن قال فيها:
إن الثاني أقرب.
أما لو قرأ السجدة وقد تجاوز النصف فيحتمل تعين الاتمام عليه، لأنه قد وقع
فيما يخشى منه، والأقوى العدول أيضا، لظهور النهي عن العزيمة في عدم كونها مما
يتحقق به الخطاب بالسورة، ضرورة كونه من المطلق والمقيد.
ومن هنا يقوى العدول حينئذ مع التذكر قبل الركوع وإن كان قد أتمها كما
اعترف به أول الشهيدين وثاني المحققين، بل عن البيان الجزم به، اللهم إلا أن يخص
عدم إجزائها عن كلي السورة في صورة العمد التي هي محل النهي، وفيه بحث أو منع،
ومثله بحثا ومنعا جعل المدار في العدول وعدمه على تجاوز السجدة وعدمه، لما عرفت،
هذا. وفي الروضة (ولو صلى مع مخالف تقية قرأ آيها تابعه في السجود ولم يعتد بها
على الأقوى) وفيه أن الأمر في التقية أوسع من ذلك، ثم قال: (والقائل بجوازها
منا لا يقول بالسجود لها في الصلاة، فلا منع من الاقتداء به من هذه الجهة بل من
حيث فعله ما يعتقد المأموم الابطال به) وهو لا يخلو من بحث أيضا وإن كان الوجه
فيه ظاهرا بسبب عدم تحمل الإمام القراءة عنه وغيره، فتأمل جيدا.
وأما لو سمعها اتفاقا ففي البطلان أو الانتقال إلى الايماء أو القضاء بعد الصلاة
أو السجود فيها وجوه تعرف مما تقدم.
(و) كذا (لا) يجوز أن يقرأ (ما يفوت الوقت بقراءته) بلا خلاف معتد
به أجده فيه وإن اختلف التعبير عنه بما في المتن أو بالنهي أو بالحرمة، لقول الصادق
(ع) في خبر أبي بكر الحضرمي (1): (لا تقرأ في الفجر شيئا من الحم)

(1) الوسائل - الباب 44 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
351

منضما إلى خبر عامر (1) عنه (ع) أيضا (من قرأ شيئا من الحم في صلاة
الفجر فاته الوقت) وفي الرياض من (ألم) قال: (ولاستلزام ذلك تعمد الاخلال
بفعل الصلاة في وقتها المأمور به إجماعا فتوى ونصا وكتابا (2) وسنة (3) فيكون منهيا
عنه ولو ضمنا) وفيه أنه مبني على أن مستلزم المحرم محرم وإن لم يكن علة، وفيه بحث
بل منع، خصوصا بناء على ما ذكره تبعا للمحكي عن الروض من عدم الفرق في التعليل
المزبور بين ما اقتضى قراءته فوات الفريضة الثانية كالظهرين وبعض الفريضة، كما لو قرأ
سورة طويلة يقصر الوقت عنها وعن باقي الصلاة مع علمه بذلك، إذ ليس هو بالنسبة
إلى الفريضة الثانية بل والأولى إلا من مسألة الضد التي يقوى فيها عدم النهي عن
الأضداد، نعم يقوى البطلان في المقام لو فرض تشاغله بسورة طويلة في الفريضة حتى
خرج الوقت ولم يحصل له ركعة، لأنها افتتحها أداء ولم تحصل وانقلابها قضاء في
الأثناء لا تساعد عليه أدلة القضاء، ضرورة ظهورها في المفتتحة عليه، أو التي كانت
في الواقع كذلك وإن لم يعلم المكلف، كما لو صلى بزعم سعة الوقت ركعة مثلا ثم بأن
فصوره قبل إحرازها، فإن الصحة حينئذ بناء على عدم وجوب التعرض للأداء والقضاء
في النية متجهة، بخلاف المقام الذي فرض فيه سعة الوقت في نفس الأمر لكنه فات
بعد تلبس المصلي بتقصير من المكلف، أما لو كان قد أدرك ركعة وكان تشاغله
بالسورة مفوتا لما عداها فقد يقوى الصحة وإن فعل محرما بتفويت الوقت الاختياري.
كما أنه يمكن الصحة لو فرض تشاغله بها حتى ضاق الوقت عن قراءة سورة فركع

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) سورة الإسراء الآية - 80
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
352

بدونها، لما سمعته من سقوطها في الضيق الذي لا يتفاوت فيه بين ما يكون بسوء اختيار
المكلف وغيره، لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يقصد الجزئية بما قرأه من تلك السورة،
وإلا بطلت بناء على ما عندهم من البطلان بمثل هذا التشريع، ضرورة خطابه بسورة
غير السورة الطويلة لمكان ضيق الوقت الذي لا مانع من أن يرفع بعض أفراد التخيير،
فيكون مأمورا بصلاة يقرأ فيها سورة قصيرة دون الصلاة ذات السورة الطويلة، إذ
الشارع لا يأمر بفعل في وقت يقصر عنه، بل في كشف اللثام احتمال الصحة إذا لم يقصد
الجزئية وإن لم يدرك ركعة، قال في تعليل الحكم: (للنهي المبطل، إلا أن لا يجب
إتمام السورة فيقطعها متى شاء، فإن لم يقطعها حتى فات الوقت وقصد الجزئية أو ضاق
الوقت عن أزيد من الحمد فقرأ معها سورة قاصدا بها الجزئية بطلت الصلاة، لأنه زاد
فيها ما لم يأذن به الله، نعم إن أدرك ركعة في الوقت احتملت الصحة، وإن لم يقصد
الجزئية احتملت الصحة) وفيه نظر بعد ما عرفت، كما أن بناء بعضهم البطلان في أصل
المسألة على القول بوجوب السورة وعدم جواز البعض لا يخلو أيضا من نظر، قال:
(أما على الاستحباب فلأنه يجوز له قطعها، وأما مع تجويز الزيادة فلأنه يعدل إلى
سورة قصيرة، وما أتى به من القراءة غير مضر) وفيه أن البحث هنا من حيث قراءة
ما يفوت الوقت من غير فرق بين الوجوب والاستحباب، ولا بين جواز الزيادة وعدمها
إذ الفرض أنه اشتغل به حتى فات الوقت عن الكل أو البعض، وليس الفرض الشروع
فيما يفوت الوقت على تقدير تمامه حتى يقال: إنه قبل بلوغ المفوت يقطع ويركع بناء
على الاستحباب، أو قبل ما يضيق الوقت عن سورة قصيرة يعدل إليها بناء على عدم
حرمة الزيادة، ضرورة ظهور كلام الأصحاب في هذه المسألة وغيرها من المسائل السابقة
في أن المانع حيثيتها لا الحيثية الأخرى كالقران ونحوه.
ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا وجه للحكم بالبطلان بمجرد الشروع في السورة
353

الطويلة المفوتة، اللهم إلا أن يجعل دليل المسألة النهي المستفاد من الخبرين السابقين (1)
لا قاعدة الضد ونحوها، فتأمل جيدا.
ولو ظن السعة فشرع في سورة طويلة ثم تبين الضيق ففي جامع المقاصد (وجب
العدول إلى غيرها وإن تجاوز النصف محافظة على فعل الصلاة في وقتها، كما أن فيه أيضا
العدول إذا ذكر لو قرأها ناسيا) ولا أظن بعد الإحاطة بما ذكرناه في هذه المسألة
والمسألة السابقة يخفى عليك الوجه في ذلك ولا غيره فيه وفي باقي الفروع المتصورة في
المقام، بل ولا يخفى عليك التشقيق أيضا في هذين الفرعين فضلا عن غيرهما،
فتأمل، والله العالم.
(و) كذا (لا) يجوز (أن يقرن بين سورتين) في قراءة ركعة واحدة عند
كثير من القدماء، بل مشهورهم وبعض المتأخرين ومتأخريهم، بل عن الصدوق أنه
من دين الإمامية، كما عن المرتضى في انتصاره أنه مما انفردت به عن مخالفيهم، بل
عن بعضهم التصريح بالبطلان معه (وقيل) والقائل أكثر المتأخرين يجوز للأصل أو
الأصول، وعموم قراءة القرآن، وإطلاق أوامر الصلاة، وأنها لا تعاد إلا من أمور
مخصوصة، وصحيح علي بن يقطين (2) (سألت أبا عبد الله (ع) عن القران
بين السورتين في المكتوبة والنافلة قال: لا بأس).
نعم (يكره) للموثق (3) الذي رواه في الوسائل عن الكليني والشيخ
ومستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أبي جعفر (ع)
(إنما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، فأما النافلة فلا بأس) وخبر علي بن
جعفر (4) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (عن رجل قرأ سورتين في ركعة

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9 - 6 - 13
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9 - 6 - 13
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9 - 6 - 13
354

قال: إن كانت نافلة فلا بأس، وأما الفريضة فلا يصلح) وخبر زرارة (1) المروي
عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز، بل هو صحيح بناء على وصول الكتاب
المزبور إليه بالتواتر مثلا، أو بطريق كذلك، بل ظاهر نسبته إليه الأول عن أبي جعفر
(ع) (لا تقرنن بين السورتين في الفريضة فإنه أفضل) ومنه يعلم أن المراد
بالكراهة المزبورة أقلية الثواب، بل منه يعلم أن المراد بالنواهي في غيره المجردة عن
التعليل المزبور ذلك أيضا، لتعبيره بالنهي مؤكدا مع التصريح بالأفضلية.
فالاستدلال على الحرمة حينئذ بالنهي - عنه في صحيح محمد بن مسلم (2) عن
أحدهما (ع) قال: (سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة فقال: لا،
لكل سورة ركعة) وخبر المفضل بن صالح (3) عن أبي عبد الله (ع) المروي
عن تفسير العياشي (لا تجمع بين سورتين في ركعة إلا الضحى وألم نشرح والفيل
ولايلاف) كالخبر المروي (4) في المعتبر ومجمع البرهان نقلا من جامع البزنطي على
ما قيل فيه - منع واضح، بل قد يشعر قوله (ع) في الخبر الأول: (لكل
سورة ركعة) بذلك، ضرورة إرادة الوظيفة وشبه الاستحقاق، كالخبر (5) المروي
عن الخصال بسنده عن علي (ع) (أعطوا كل سورة حقها من الركوع
والسجود إذا كنتم في الصلاة)) وخبر عمر بن يزيد (6) قلت لأبي عبد الله (ع):
(أقرأ سورتين في ركعة قال: نعم، قلت: أليس يقال: أعط كل سورة حقها من
الركوع والسجود؟ فقال: ذلك في الفريضة، فأما النافلة فليس به بأس) بل خبر زرارة
كالظاهر في ذلك، خصوصا مع روايته (7) نفسه الكراهة، قال: (سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 11 - 1 - 10 - 5 - 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 11 - 1 - 10 - 5 - 3
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 11 - 1 - 10 - 5 - 3
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 11 - 1 - 10 - 5 - 3
(7) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث - 11 - 1 - 10 - 5 - 3
355

(ع) عن الرجل يقرن بالسورتين في الركعة فقال: إن لكل سورة حقا
فأعطها حقها من الركوع والسجود، قلت: فيقطع السورة فقال: لا بأس) إذ الظاهر
إرادة الرخصة في قطع السورة التي حصل بها القران، ونفي البأس عن ذلك كالصريح
في عدم وجوبه، وخبر المفضل - مع ابتنائه على اتحاد السورتين كما هو أحد القولين،
وإلا كان دالا على المطلوب في الجملة، لأصالة الاتصال في الاستثناء، ولأنها كذلك
في المصاحف التي قد سمعت دعوى التواتر فيها بحيث لا يعارضها أخبار الآحاد - هو
ضعيف السند، وليس فيه إلا النهي الذي لا يمتنع حمله على الكراهة بالقرينة.
وأضعف من ذلك كله الاستدلال ببعض الاشعارات من مفهوم الوصف ونحوه
في مثل قول الصادق (ع) في خبر ابن أبي يعفور (1): (لا بأس بأن تجمع
في النافلة من السور ما شئت) وفي خبر عبيد بن زرارة (2) (عن ذكر السورة من
الكتاب يدعو بها في الصلاة مثل قل هو الله أحد فقال: إذا كنت تدعو بها فلا بأس)
مع أن ثبوت البأس فيهما يمكن منع ظهوره في المطلوب، واحتمال إرادة اعتبار الدعاء فيها
لتحصيل وظيفة القنوت الموضوع لذلك لا لقراءة القرآن دون مخافة القران، والمراد
من الدعاء إما الدعاء المعروف الذي دعا به إبراهيم (ع) يوم ألقي في النار،
وهو على ما في بالي (يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له
كفوا أحد) إلى آخره. بل كان في بالي إطلاق الدعاء بقل هو الله عليه في بعض
النصوص أو يراد به جعل السورة مقسوما بها، وعلى كل حال لا يدل على المطلوب،
بل الخبر الثاني منهما إنما هو في القنوت، والقران بناء على حرمته أو كراهته إنما هو
في محل القراءة دون باقي أفعال الصلاة كما نص عليه شيخنا في كشفه، إذ هو المنساق

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
356

من النصوص خصوصا المفصلة بين الفريضة والنافلة، ضرورة إرادة قراءة السورتين
للركعة مقابلا للسورة الواحدة، اللهم إلا أن يدعى بقاء محل قراءة الركعة إلى أن
يركع، وفيه ما لا يخفى.
كما أن المراد منه بحسب ظاهر النصوص الجمع بين سورتين لا الأكثر من سورة
مطلقا حتى تكرير السورة أو بعض الكلمات منها أو الفاتحة وإن اختاره المحقق الثاني
وبعض من تأخر عنه، بل ربما حكي عن الخلاف والاقتصار والكافي ورسالة عمل يوم
وليلة والإرشاد إدراج تبعيض السورة في القران، ولعله لاحتمال تعميم القران بين
السورتين لما يشمل ذلك كما في كشف اللثام، خصوصا مع وصل الآخر بالأول، وفيه
بحث أو منع إذا أريد صدق القران بين السورتين لا أصل القران، ولخبر منصور بن
حازم (1) (لا تقرأ بأقل من سورة ولا بأكثر) وهو - مع إمكان منع دلالته على
التكرير الذي هو بعض الدعوى، ومعارضته بأخبار الرجوع (2) عن السورة إلى غيرها
ما لم يتجاوز النصف وأخبار (3) جواز ما يشاء من قراءة القرآن وترديده كذلك
التي قد تقدم بعضها سابقا - يمكن إرادة السورة من الأكثر فيه، والمناقشة في أخبار
العدول بأن المراد بالقران الجمع بنية واحدة، ومنه قرن الحج بالعمرة فلا تدخل فيه
يدفعها أن الظاهر من الفتاوى بل وبعض النصوص السابقة الأعم من ذلك ومن تجدد
النية ولو بعد تمام السورة، وإلا فمن البعيد أو الممتنع عند من منع القران تخصيصه بما
إذا لاحظهما من أول الأمر بالنية.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 وفي الوسائل
(لا تقرأ في المكتوبة) الخ
(2) الوسائل - الباب - 36 - من الباب القراءة في الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب قراءة القرآن
357

نعم الظاهر كما اعترف به في المدارك والحدائق وكشف الأستاذ وعن البحار
وغيرها أن محل البحث في القران ما إذا جئ بالسورة الثانية على حسب السورة الأولى
من كونها قراءة للركعة كما يومي إليه التأمل في النصوص، بل قوله (ع) (1):
(لكل سورة ركعة) فيها، والتفصيل بين الفريضة والنافلة وغيرهما كالصريح في ذلك
فمن جاء بالثانية حينئذ بعنوان قراءة قرآن ونحوه لم يكن إشكال في جوازه له، لاطلاق
ما دل (2) عليه في الصلاة، خلافا لما يظهر من المحقق وبعض من تأخر عنه فجعلوا
النزاع في الأخير خاصة دون الأول، بل ادعي القطع بالبطلان معه، وأنه لا يدخل
في كلامهم، وكأن الذي أوهمهم تحقق الزيادة بنية الجزئية التي قد نقل الاتفاق على
البطلان معها، ودلت النصوص (3) عليه كما سمعته سابقا، ضرورة حصول الامتثال
بالسورة الأولى، فالثانية مثلا مع فرض نية الجزئية زيادة محضة، وفيه أن القائل بجواز
القران لا زيادة عنده لتخييره المصلي في الاجتزاء بقراءة سورة واحدة أو أزيد، فالزائد
حينئذ عنده من الصلاة، وليس هو من التخيير بين الأقل والأكثر، إما لأن الأمر
بالطبيعة يوجب امتثال المكلف عرفا بالواحد فما زاد وإن كانت تدريجا مع فرض قصد
المكلف الامتثال، أو لأن أدلة الجواز السابقة ظاهرة في جزئية السورة والزيادة عليها،
فالسورة حينئذ التي يعلم الله أن المكلف لا يقتصر عليها ليست هي تمام الجزء، بخلاف
التي يعلم الله الاقتصار عليها، والتخيير بين الأقل والأكثر إنما يمنع إذا فرض الاجتزاء
بالأقل حال كونه في ضمن الأكثر، فلا يكون حينئذ عند التحقيق من التخيير بين
الأقل والأكثر مع فرض اعتبار صفة الوحدة مقابلا لها مع الزيادة، ضرورة عدم
حصولها في الزائد حينئذ كما هو واضح، وليس هذا من التفريق بين الفردين بالنية كي

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب قراءة القرآن
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1.
358

يخرج عن الأقل والأكثر وإن التزمه بعضهم في كل خطاب ظاهره التخيير بين الأقل
والأكثر، إلا أنه قد بينا ضعفه في محله، وأنه مجرد دعوى بلا شاهد، مع أن التزامه
في المقام يقضي بخروج ما إذا استقلت السورة الثانية بالنية عن القران، نعم هو متجه
بناء على اعتبار النية في القران كما ذكرناه سابقا ويوهمه مختصر نهاية ابن الأثير،
والأقوى خلافه، وأنه لا فرق بين أن يجمعهما بنية واحدة أولا، وأنه متى جاء بهما
على نية الجزئية احتسبت كذلك، وربما يومي إليه في الجملة أخبار العدول عن السورة
ما لم يتجاوز النصف، ضرورة حصول معنى الجزئية بأول شروعه، لأن جزء الجزء
جزء، وعدوله لا يبطل وصف ما وقع من الجزئية، بل الشارع سوغ له مع ذلك الاتيان
بسورة أخرى، فيكون الجزء حينئذ سورة ونصفا، ودعوى إبطال الشارع جزئية
ما وقع من السورة الأولى بسبب عدم حصول مسمى السورة يمكن البحث فيها، كدعوى
اعتبار قصد المكلف بطلان ما وقع منه من بعض السورة في جواز العدول إلى سورة
أخرى، ضرورة إطلاق النصوص، وأنه إنما يرفع يده عن باقي السورة لا ما وقع منه،
على أنه يمكن منع حصول البطلان لما وقع منه صحيحا بمجرد قصده وإرادته بطلانه،
إذ هو من الأحكام الشرعية التوقيفية، هذا.
مع إمكان التخلص بما ذكره غير واحد من الأصحاب في بعض الخطابات
الظاهرة في التخيير بين الأقل والأكثر من جعل الواجب الأقل، والزائد مستحب
صرف، ولا ينافي جزئيته حينئذ من الصلاة، لصيرورته كالقنوت، بل يمكن جعله جزء
من القراءة أيضا بنوع من التأمل، نعم قد ينافيه ما سمعته سابقا من أن المراد بالأجزاء
المندوبة في نحو الصلاة الواجبة أكملية الفرد المشتمل عليها، وإلا فهو من أفراد الصلاة
أيضا، فيرجع حينئذ إلى أفضل أفراد الواجب التخييري، والمفروض في المقام الكراهة
وإن قلنا: إنه بمعنى أقلية الثواب، فلا يتصور فرض استحبابه كالقنوت، مع أن
359

المجرد منه أفضل منه وأكثر ثوابا، اللهم إلا أن يقال: إنه لا مانع منه هنا بعد فرض
ملاحظته الفرد المشتمل عليه دونه نفسه، ولا يتوهم ورود نحو ذلك على التقرير الذي
ذكرناه أولا في المقام، ضرورة انحلاله إلى أن الشارع أمر في الركعة بقراءة سورة
معتبر فيها الاتحاد، أو السورتين مثلا المعتبر فيهما المقابلة للأولى لا الداخلة فيهما،
وجعل الفرد الأول أفضل كما هو نص خبر زرارة المتقدم (1) مع أنه يمكن دعوى
إرادة المعنى المصطلح من الكراهة في المقام، كما هو صريح المحكي عن مجمع البرهان بأن
يقال بكراهة إتيان المكلف للسورة الثانية بعنوان أنها للركعة وإن كان لا يأثم ولا تبطل
صلاته، ولا تكون هي بهذه النية جزء من الصلاة، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان فقد ظهر لك من التأمل فيما ذكرناه أولا أن القول بالكراهة
الذي قال المصنف: إنه (هو الأشبه) أقوى، إذ أقوى معارض له فيما تقدم لفظ
النهي في بعض النصوص التي لم يصح بعض أسانيدها، وهو - مع شيوعه في الكراهة
حتى قيل بمساواته للحقيقة - يجب حمله عليها في المقام بقرينة تلك الأخبار التي لا ينبغي
إنكار صراحة بعضها أو مجموعها، إذ هو الموافق لما دل على العمل بأخبارهم الجامعة
للشرائط، ولما دل على أن كلامهم (عليهم السلام) بمنزلة كلام متكلم واحد يشهد
بعضه لبعض، وأن الكلمة منهم (عليهم السلام) لتقع على سبعين وجها (2) وأنكم
أفقه الناس إن عرفتم معاني كلماتنا (3) التي فيها العام والخاص والمطلق والمقيد وغيرهما
فما وقع من بعض الأعلام في المقام - من المبالغة في إنكار الحمل المزبور، وأنه لا دليل

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 11
(2) البحار ج 2 ص 184 و 198 و 199 المطبوعة بطهران عام 1376
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 30 من كتاب القضاء
360

عليه، بل مخالف للأدلة الآمرة (1) بأخذ ما خالف العامة ونحوه في غير محله،
ضرورة الاكتفاء في الاستدلال عليه بوجوب العمل بأخبارهم (عليهم السلام)، وأن
كلامهم بمنزلة كلام متكلم واحد، إذ لا ريب في استلزام هاتين المقدمتين الحمل المزبور
ونحوه مما ينتقل إليه من نفس اللفظ بعد تأليفه وجعله كالكلام الواحد مثلا.
ونحوه مما ينتقل إليه من نفس اللفظ بعد تأليفه وجعله كالكلام الواحد مثلا.
ونحوه ما وقع من بعض آخر أيضا (من أن الجمع المزبور شرطه المكافاة المفقودة
في المقام باعتبار موافقة أخبار الجواز للعامة التي جعل الله الرشد في خلافها، خصوصا
وعمدتها صحيح علي بن يقطين (2) عن أبي الحسن (ع) الذي يظن به التقية
باعتبار شدتها في زمانه، وكون (على) وزير الخليفة، مع أن ظاهره نفي الكراهة،
وهو مما أجمع العلماء على خلافه، فمثله يجب طرحه، وحمله على إرادة نفي الحرمة خاصة
خلاف ظاهر النكرة في سياق النفي، فيكون مؤلا، وهو أيضا ليس بحجة، ودعوى
الاجماعين على القول الأول، وكثرة النصوص المشتملة على النهي وغيره مما يدل على
المطلوب، والاعتضاد بعمل النبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) والتابعين وتابعي
التابعين وجميع العلماء في الأعصار والأمصار، والاحتياط في العبادة التوقيفية بل منه
ومن النهي المزبور ونحوهما يتوجه الحكم بابطاله الذي صرح به بعض القائلين بالحرمة
كالشيخ وابن البراج فيما حكي عنهما، والعلامة في قواعده، والطباطبائي في منظومته
وغيرهم، لأصالة عدم الاتيان بالمأمور به، ولظهور النواهي في الفساد، وأن المعتبر في
السورة المجزية الاتحاد، ومن هنا علل بعضهم البطلان بأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه
لأنه قد اعتبر فيه عدم القران، فما في المدارك حينئذ - من أنه على تقدير الحرمة لا وجه

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 1 و 21 و 23
و 33 و 34 وغيرها
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9
361

للبطلان لكون النهي عن أمر خارج - في غير محله قطعا كما لا يخفى على من لاحظ ما استفاده الأصحاب من الشرائط والأجزاء والموانع من أمثال هذه الأوامر والنواهي
في سائر المقامات).
وفيه أولا أنه لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا وجود المقاومة وزيادة،
وثانيا منع اعتبارها بمعنى ملاحظة المرجحات الموجودة في النصوص (1) في مثل هذا
الجمع الذي ينتقل إليه من مجرد تأليف الكلامين كالعام والخاص والمطلق والمقيد ونحوهما
بل يكفي فيه جمع شرائط الحجية، وإلا لزم طرح الدليل المعتبر من غير مقتض، بل
هو في الحقيقة مناف لكل ما دل على الحجية، ومن هنا حكمنا الخاص ولو بالآحاد على
عام الكتاب ونحوه من المتواتر سندا، وأن التحقيق أنه ليس من المخالفة للكتاب التي
أمرنا (2) بطرح الخبر معها كما هو واضح من طريقة الأصحاب في سائر الأبواب،
ومن العجيب قوله في المقام بطرح نصوص الجواز مع عمل مشهور المتأخرين بها بمجرد
احتمال أنها للتقية التي لم تكن لتخفى على خواص الأصحاب والبطانة، بل كانوا يعرفون
ذلك بمجرد سماعهم من بعض الرواة، ويقولون قد أعطاه من جراب النورة، كما أن
الظاهر تصفية هذه الأصول من مثل هذه الأخبار وغيرها، وأنهم بذلوا الجهد مع قرب
عهدهم وشدة معرفتهم في تعرف ذلك وطرح ما كان من هذا القبيل، نعم ربما أبقوا
فيها ما هو واضح أنه إنما ورد مورد التقية، وأن فيها نفسها ما يدل على ذلك، ولذا كان
الحمل على التقية في مثل هذه النصوص المجردة عما يشعر بورودها موردها لا يرتكب
إلا عند الضرورة، ويذكر احتمالا بعد أن يرجح الخبر المقابل له بالتباين بحيث يدور
الأمر بين طرحة أصلا وبين ذكر وجه له كالتقية ونحوها، على أن احتمال مراعاة التقية

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صفات القاضي - من كتاب القضاء
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 1 و 11 و 15 و 16
362

في المقام في غاية الضعف، لأنه إنما نقل عن الشافعي منهم محتجا بفعل ابن عمر، والذي
يتقى منه غالبا في مثل تلك الأزمنة أبو حنيفة باعتبار كون مذهبه مذهب السلطان
والأتباع، على أن بعض النصوص السابقة من الباقر (ع) الذي كانت التقية
في زمانه في غاية الضعف باعتبار كثرة مراجعة جابر الأنصاري حتى قال قائل منهم
حسدا أنه هو كان يعلمه مع أن جابرا وغيره لا يستطيع الكلام بحضرته، وإنما كانت
مراجعته له لأمر النبي (ص) له بذلك، وإبلاغ السلام إليه وأنه يبقر
العلم بقرا، وكان العامة يعرفون ذلك من جابر، ولذا ضعفت التقية في زمانه، مع أن
بني أمية وبني العباس كان بعضهم مشغولا ببعض، ويومي إلى ذلك كله قول الصادق
(ع) (1) (كان أصحاب أبي يأتونه ويفتيهم بمر الحق، ويأتوني شكاكا
فأفتيهم بالتقية) على أن نصوص المقام قد تضمنت الكراهة والتفصيل بين النافلة
والفريضة ونحو ذلك مما لا ينقل عن الشافعي، بل كان يمكن الإمام (ع) ذكر
الحق والتخلص عن فتوى الشافعي بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) والخلفاء والتابعين
وتابعي التابعين.
وبالجملة من نظر بعين الانصاف إلى تلك النصوص المعمول بها بين كثير من
المتأخرين، وأنه لا معارض لها إلا مجرد نهي فيها يستعمل غالبا في الكراهة، وبعض
الاشعارات التي لا ينبغي الالتفات إليها يجزم بعدم صدورها مصدر التقية، وكيف يحل
لامرئ مسلم رفع اليد عنها وطرحها مع اعتبار أسانيدها ولو بالعمل بها بين المتأخرين
بمجرد موافقتها للمحكي عن الشافعي، وليس في الحقيقة إلا ردا للخبر بلا معارض
لأنه موافق للعامة، والتسري في ذلك يؤدي إلى هدم قواعد المذهب، نسأل الله
تشييدها وتسديدها، وإنما ذكرنا هنا بعض الكلام وإلا فتمام البحث فيه وفي أمثاله

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب المواقيت الحديث 2 من كتاب الصلاة
363

محتاج إلى رسالة نسأل الله توفيقنا لها.
وأما ترجيح تلك النواهي على النصوص المزبورة بشهرة القدماء وإجماعي
الصدوق والمرتضى ففيه أولا أن المحكي عن ابن إدريس أنه قال: لم يتعرض أصحابنا
لذكره، ولم يعدوه من المبطلات للصلاة، فإن كان الأمر كما ذكر دل على المختار، وثانيا
أن الموجود في عبارات القدماء لفظ النهي كالنصوص، وعدم الجواز ونحوه مما لا صراحة
فيه بل ولا ظهور في البطلان، خصوصا وقد صرح الشيخ في المبسوط بعدم البطلان معه
بل يمكن إرادة الكراهة منه كالنصوص لغلبة تعبيرهم بنفس متن الخبر، على أن القدماء
وقع ما وقع منهم في كثير من المقامات من المذاهب الفاسدة لعدم اجتماع تمام الأصول
عند كل واحد منهم، وعدم تأليف ما يتعلق بكل باب منها على حده، فربما خفي على
كل واحد منهم كثير من النصوص، فيفتي بما عنده من غير علم بالباقي كما لا يخفى على
الخبير الممارس المتصفح لما تضمن تلك الآثار، على أنه يمكن إرادة الصدوق والمرتضى
من النسبة إلى دين الإمامية ومنفرداتهم أن في الإمامية من صرح بالمنع بخلاف العامة،
فإن الشافعي الذي قد تعرض له ذكر الجواز، وليس المراد إجماع الإمامية عليه، وربما
يشهد لذلك خصوصا بالنسبة إلى الأول منهم وقوع هذه اللفظة المزبورة فيما لا يقول به
من الإمامية إلا قليل، ولقد طال بنا الكلام حتى خرجنا عما يقتضيه المقام وإن كنا
لم نستوف أيضا تمام النقض والابرام، إلا أنه قصدنا بذلك تهييج الذهن إلى بعض
هذه الأمور لينتقل منها إلى غيرها، فإن الأشياء تحضر بنظائرها، ولو أنصف
المتأمل فيما ذكرنا لأهتدي به إلى أمور كثيرة وقواعد خطيرة لا تخص المقام، والله
أعلم بحقائق الأحكام.
(ويجب الجهر بالحمد والسورة في الصبح وفي أولتي المغرب والعشاء والاخفات)
بهما (في الظهرين) من غير يوم الجمعة (و) بالحمد خاصة في (ثالثة المغرب والأخيرتين
364

من العشاء) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك
في صريح الغنية وعن الخلاف وعن ظاهر غيرهما، بل يمكن تحصيل الاجماع، إذ لم نجد
فيه خلافا ولا حكي إلا من الإسكافي والمرتضى (رحمه الله) في المصباح، وهما - مع
معلومية نسبهما، بل لم يعتد بخلاف الأول منهما في كثير من المقامات، كما أن الأستاذ
الأكبر أنكر ظهور المحكي عن الثاني فيما نسب إليه، كما يومي إليه نقل الشيخ وأبي المكارم
الاجماع مع عظمة السيد عندهما، واعتناؤهما خصوصا الثاني منهما بأقواله، ويؤيد ذلك
أيضا ما عن السرائر من نفي الخلاف بيننا في عدم جواز الجهر بالقراءة والاخفات وغير
ذلك، لكن الانصاف أن إنكار ظهور كلامه في ذلك تعسف، قال: (إنه من وكيد
السنن حتى روي أن من تركه عامدا أعاد) - لا يقدحان في تحصيل الاجماع بناء على
كثير من طرقه، على أنه قد تحقق انعقاده في كثير من الأزمنة المتأخرة عن زمنهما حتى
استقر المذهب واتفقت الكلمة إلى هذه الأزمنة المتأخرة، فصدر من بعض أصحابنا
ما يقتضي الميل إليه أو التعويل عليه، لكنه قد سمعت غير مرة أن خلاف أمثالهم
غير قادح بعد معلومية أن صدور ذلك لخلل في الطريقة.
وكيف كان فالحجة عليه مضافا إلى ما سمعت صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر
(ع) (في رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر فيه أو أخفى فيما لا ينبغي
الاخفاء فيه فقال: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض صلاته وعليه الإعادة، فإن فعل
ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه وقد تمت صلاته) ضرورة ظهور النقض
بالضاد المعجمة كما هو الموجود في كتب الأصول والفروع في البطلان الذي هو لازم
الوجوب كالأمر بالإعادة، بل هو كذلك وإن قرئ بالصاد أيضا كما احتمله بعض
متأخري المتأخرين، لأنه هو مقتضى النقصان حقيقة، خصوصا بعد تعقيبه بما عرفت،

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
365

ولا ينافيه لفظ (ينبغي) في السؤال بعد ظهوره هنا في إرادة القدر المشترك بين الوجوب
والاستحباب، وإلا لم يحسن من مثل زرارة السؤال، فلا ينبغي التأمل حينئذ في دلالة
الصحيح المزبور، على أن الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك قال: (لا ينحصر وجه
الدلالة فيه بذلك، لأن الموجود في الخبر المزبور بعد قوله: (الخفاء فيه) (أو ترك
القراءة فيما ينبغي القراءة فيه، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه) وقد أجاب (ع)
عن الجميع بما سمعت، ومن ضروريات المذهب بل الدين أن ترك القراءة عمدا مبطل
للصلاة، وأما فعلها في موضع لا ينبغي فمثل قراءة السورة في الركعة الثالثة والرابعة أو
خلف الإمام أو نحو ذلك، أو المراد بقصد أنه وظيفة شرعية في أي موضع كان،
فيكون حينئذ دلالة الصحيح المزبور على المطلوب منطوقا ومفهوما من خمسة وجوه)
وهو جيد جدا إلا أن الذي عثرنا عليه من صحيح زرارة مجرد عن تلك الزيادة، نعم
له صحيح آخر (1) عن أبي جعفر (ع) أيضا في المتن المزبور لكن الجواب
فيه (أي ذلك فعل ناسيا أو ساهيا فلا شئ عليه) ولعله (رحمه الله) من جهة اتحاد
الراوي والمروي عنه وكثير من المروي ركب الجميع وجعله جزءا واحدا، والأمر
سهل، إذ هو إما كذلك أو الصحيحة الثانية دليل آخر على المطلوب، مضافا إلى ما
ورد (2) من الاخفات في صلاة النهار وأنها عجماء، والجهر في صلاة الليل حتى شاع
ذلك وذاع في ذلك الزمان، ولأجله سأل يحيى بن أكثم القاضي (3) أبا الحسن (ع)
(عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلوات النهار وإنما يجهر في صلاة

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 22 و 25 من أبواب القراءة في الصلاة والمستدرك - الباب 18
من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب القراء في الصلاة - الحديث 3
366

الليل فقال: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يغلس بها فقربها من الليل) وفي خبر
رجاء بن الضحاك (1) عن الرضا (ع) المروي عن العيون مسندا (أنه كان
(ع) يجهر بالقراءة في المغرب والعشاء الآخرة - إلى أن قال -: ويخفي القراءة
في الظهر والعصر) وهو ظاهر في استمرار فعله (ع) ذلك في الصلاة التي
أمرنا بالتأسي بما يفعلونه فيها، بل في التذكرة في أول كلامه أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يفعل ذلك مشيرا إلى نحو ما في المتن، وقد قال (صلى الله عليه وآله) (2): (صلوا
كما رأيتموني أصلي) بل قال في آخره فيما حضرني من نسخة التذكرة: (وقال المرتضى
وباقي الجمهور كافة بالاستحباب عملا بالأصل، وهو غلط للاجماع ومداومة النبي (صلى
الله عليه وآله) وجميع الصحابة والأئمة (عليهم السلام) عليه، فلو كان مسنونا لأخلوا
به في بعض الأحيان) وهي صريحة في نقل الاجماع والعمل الذي يجب اتباعه، لكن
المحكي عنها الاجماع على مداومة (النبي صلى الله عليه وآله) إلى آخره، فيكون نقلا
للعمل خاصة، وعلى كل حال فهو شاهد تام على ما قلنا، بل يصلح أن يكون دليلا مستقلا.
وفي خبر الفضل بن شاذان (3) عن الرضا (ع) الذي رواه الصدوق
في الفقيه والعيون والعلل كما في الوسائل في حديث وأنه ذكر العلة التي من أجلها جعل
الجهر في بعض الصلوات دون بعض (إن الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات
مظلمة، فوجب أن يجهر فيها ليعلم المار أن هناك جماعة، فإن أراد أن يصلي صلى، لأنه
إن لم ير جماعة علم ذلك من جهة السماع، والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنما هما بالنهار
في أوقات مضيئة، فهي من جهة الرؤية لا تحتاج إلى السماع) وفي خبر محمد بن حمران (4)

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5 - 1 - 2
روى الأول عن رجاء بن أبي الضحاك
(2) صحيح البخاري - ج 1 ص 124 و 125
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5 - 1 - 2
روى الأول عن رجاء بن أبي الضحاك
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5 - 1 - 2
روى الأول عن رجاء بن أبي الضحاك
367

الذي رواه هو (سأل أبو عبد الله (ع) لأي علة يجهر في صلاة الجمعة وصلاة
المغرب وصلاة العشاء الآخرة وصلاة الغداة، وسائر الصلوات مثل الظهر والعصر
لا يجهر فيهما - إلى أن قال -: فقال: لأن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أسري به
إلى السماء كان أول صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة، فأضاف الله عز وجل إليه
الملائكة تصلي خلف، فأمر نبيه (صلى الله عليه وآله) أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله،
ثم فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا من الملائكة، وأمره أن يخفي القراءة، لأنه
لم يكن وراءه أحد، ثم فرض عليه المغرب وأضاف إليه الملائكة، فأمره بالاجهار،
وكذلك العشاء الآخرة، فلما كان قرب الفجر نزل ففرض الله عليه الفجر فأمره
بالاجهار ليبين للناس فضله كما بينه للملائكة، فلهذه العلة يجهر فيها (صلى الله عليه وآله)))
والمراد بالظهر فيه يوم الجمعة صلاة الجمعة بقرينة السؤال، وفي الوسائل أنه رواه في العلل
عن حمزة بن محمد بن العلوي عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معيد عن الحسن
ابن خالد عن محمد بن حمزة عن أبي عبد الله (ع) مثله، إلا أنه ذكر صلاة
الفجر موضع صلاة الجمعة وترك ذكر صلاة الغداة، وكيف كان فلا يخفى وجه دلالته على
المطلوب، إلى غير ذلك من النصوص المشعرة أو الظاهرة المذكورة في باب الجماعة
وغيرها، بل المستفاد من مجموعها معروفية الجهرية والاخفاتية في ذلك الوقت كما لا يخفى
على من لاحظها مجموعها متأملا في وصفها بالجهرية والاخفاتية في بعضها ومما (1) يجهر
أو يخفت فيها في آخر.
فمن العجيب بعد ذلك كله وسوسة بعض متأخري المتأخرين في هذا الحكم

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح (وبما) باعتبار العطف المستلزم
لتعلقه بوصفها
368

للأصل الذي يكفي في قطعه بعد القول بجريانه في مثل هذه العبادة بعض ما ذكرنا، ولصحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى (ع) سألته عن الرجل يصلي
من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر،
وإن شاء لم يفعل) الذي لا يصلح لمعارضة ما ذكرنا من وجوه، خصوصا مع
شذوذه وموافقته للتقية، وعدم وضوح المراد منه إلا بأن يجعل (عليه) فيه بمعنى (له)
كما روي كذلك أيضا في بعض كتب الفروع، أو يقرأ (أن) بالكسر أو نحو ذلك
بل قد يحتمل إرادة الجهر والاخفات في غير القراءة كما في خبره الآخر (2) المروي
عن قرب الإسناد عن أخيه أيضا، سأله (عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد
والقول في الركوع والسجود والقنوت؟ قال: إن شاء جهر، وإن شاء لم يجهر) أو الفرد
العالي من الجهر أو صلاة الجمعة بناء على استحباب الجهر فيها لا وجوبه، كما استدل به
هناك في المدارك عليه أو غير ذلك، والمناقشة في حمله على التقية بأنه قد عمل به السيد
والإسكافي كما وقع من المصنف فيما حكي من معتبره حتى نسب الشيخ إلى التحكم في الحمل
المزبور لذلك يدفعها أن مثل عملهما خاصة لا يمنع من الحمل على التقية، بل لا يخرجه عن
الشذوذ أيضا، وأظرف شئ ترجيح الصحيح المزبور على ما ذكرنا بموافقته للكتاب
العزيز، وفيه - بعد الاغضاء عن مقاومة المرجح المذكور لبعض ما ذكرنا فضلا عن
جميعه - أن المراد من الآية (3) بعد ملاحظة بعض النصوص (4) الواردة في تفسيرها
الوسط في الجهر فيما يجهر به والاخفات فيما يخفت به، بل يقوى في نفسي أن المراد من

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الركوع الحديث 1
(3) سورة الإسراء - الآية 110
(4) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 4
369

الآية بقرينة بعض ما ورد (1) في تفسيرها أيضا عدم التجاهر بالصلاة مخافة أذية
المشركين، وعدم التخفي فيها مخافة التساهل فيها أو ظن نسخها أو غير ذلك، وله شواهد
كثيرة ومؤيدات عديدة ليس المقام مقام ذكرها، كما أنه ليس المقام مقام ذكر جميع
ما قيل في الآية مما يخرج به عما نحن فيه، ومن أرادها فليلاحظ مجمع البيان وكنز
العرفان وغيرهما، ضرورة كون ما نحن فيه من الواضحات التي لا يعتبر بها شئ من
هذه التشكيكات.
وأما يوم الجمعة فقد يتوهم أنه لا فرق بين الظهر فيه وغيره من مقتضى إطلاق
الفتاوى هنا ومعاقد الاجماعات وسائر الأدلة المزبورة، لكنه ليس كذلك، للأصل،
وللبدلية، وللنصوص الدالة على الجهر بالقراءة فيها، كصحيح الحلبي (2) سئل أبو عبد الله
(ع) (عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات أيجهر فيها بالقراءة؟ قال: نعم
والقنوت في الثانية) وصحيحه الآخر أو حسنه (3) (سألت أبا عبد الله (ع)
عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة فقال: نعم) الحديث.
وخبر محمد بن مسلم (4) عن أبي عبد الله (ع) قال لنا: (صلوا في السفر صلاة
الجمعة جماعة بغير خطبة، واجهروا بالقراءة، فقلت: إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر
فقال: اجهروا) بناء على إرادة الظهر قصرا من الجمعة فيه، كخبر محمد بن مروان (5)
(سألت أبا عبد الله (ع) عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟
فقال: تصليها في السفر ركعتين، والقراءة فيها جهر).
نعم لمعارضتها بما سمعت، وبخبر جميل (6) (سألت أبا عبد الله (ع)

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث - 1 - 3 - 6 - 7 - 8
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 2.
370

عن الجماعة يوم الجمعة في السفر فقال: يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر،
ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة إنما يجهر إذا كانت خطبة) وخبر محمد بن مسلم (1) (سألته
عن صلاة الجمعة في السفر فقال: يصنعون كما يصنعون في الظهر، ولا يجهر الإمام بالقراءة
وإنما يجهر إذا كانت خطبة) حملت على الندب، لكن في الوسائل أن الشيخ حمل هذين
الخبرين على التقية والخوف، وفيه أن المتجه حينئذ الوجوب، ثم قال هو: ويحتمل نفي
تأكد الاستحباب في الظهر وإثباته في الجمعة، وهو جيد.
وعلى كل حال فالقول بالمنع مطلقا كما حكاه في المنتهى عن ابن إدريس في غاية
الضعف حتى على أصله، ضرورة تعدد النصوص في المقام وصحتها والعمل بها من
الطائفة، كما يومي إليه ما في الرياض عن الخلاف من الاجماع على الحكم المزبور، مع أن
المحكي عن الحلي في الرياض ما حكاه في المنتهى عن المرتضى من التفصيل بين الإمام
وغيره، فيجهر الأول دون الثاني، للصحيح المروي (2) عن قرب الإسناد (عمن صلى
العيدين وحده والجمعة هل يجهر فيهما؟ قال: لا يجهر إلا الإمام) ومن هنا قال فيه: إن القائل بالمنع مطلقا بعد لم يظهر، نعم حكاه في المعتبر قائلا إنه الأشبه بالمذهب،
واستقر به بعض من تأخر، وكيف كان فقد عرفت ما فيه، كما أنه لا يخفى عليك ما في
التفصيل المزبور، لما سمعته من التصريح بالمنفرد في بعض تلك الصحاح التي يقصر هذا
الصحيح عن معارضتها، بل يجب الجمع بينهما بنفي التأكد أو عدم الوجوب أو نحوهما،
خصوصا وقد عرفت عدم وجوب شئ من الجهر والاخفات عند المرتضى في غير محل
البحث فضلا عنه، فمراده من التفصيل المزبور بالنسبة إلى الاستحباب وعدمه لا أصل
الجواز، بل لم يحك عنه في المنتهى إلا نسبة الجهر مطلقا والتفصيل إلى الرواية، لكن
الاحتياط لا ينبغي تركه وإن كان الأقوى الاستحباب مطلقا، وفاقا للشيخ والفاضلين

(1) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9 - 10
(2) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9 - 10
371

وغيرهما، ويأتي تمام البحث فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له في باب الجمعة.
وهل المراد بالقراءة فيها جميع ركعاتها أو يختص الحكم بالركعتين الأخيرتين (1)
لم يحضرني للأصحاب نص عليه بالخصوص، ولكل منهما وجه.
وأما التسبيح في أخيرتيها فالظاهر أنها كغيرها من الفرائض لا تختص عنها بالحكم
وتمام القول فيه أن الأصحاب قد اختلفوا في وجوب إخفاته وعدمه، ففي الذكرى
وجامع المقاصد وحاشية الأستاذ الأكبر والمنظومة والرياض وظاهر التنقيح وعن
الدروس والألفية والجعفرية والتكليفية والطالبية وعيون المسائل والاثني عشرية والمقاصد
العلية والتعليقات الكركية على الألفية والروض الوجوب، بل حكي عن غير واحد
دعوى الشهرة عليه، بل في الحدائق ادعى بعضهم الاجماع عليه، بل قد يظهر من الرياض
اتحاد حكمه مع القراءة، بل فيه الظاهر الاتفاق عليه كما عساه يظهر من الأستاذ الأكبر
أيضا، بل عن الشيخ نجيب الدين الاستدلال عليه أيضا بالاجماع على الاخفات فيما عدا
الصبح وأولتي العشاءين، كما عن الأنوار العمرية (ما وجدت لوجوب الاخفات في
التسبيح دليلا إلا ما دل على الاخفات في مواضعه من الاجماع) ولعلهما أرادا إجماعي
الخلاف والغنية، لكن المحكي عن أولهما دعواه على خصوص القراءة، كما أن الموجود
في الثانية ظاهر فيها، قال فيها: (ويجب الجهر بجميع القرآن في أولتي المغرب والعشاء
الآخرة وصلاة الغداة بدليل الاجماع المشار إليه، وببسم الله الرحمن الرحيم فقط في أولتي
الظهرين من الحمد والسورة التي تليها عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم هو مسنون،
والأول أحوط، ويجب الاخفات فيما عدا ما ذكرنا بدليل الاجماع المشار إليه) إذ الظاهر
حذف متعلق الاخفات اعتمادا على الأول، والمراد الركعات من قوله فيما عدا
ما ذكرنا لا المخفت به.

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصواب (الأولتين)
372

ومن هنا يظهر أنه لا ظهور في المتن ونحوه كالمبسوط وغيره من عبارات
الأصحاب التي ذكرت القراءة متعلقا للجهر في القول المزبور، بل يمكن دعوى ظهوره
في المقابل بناء على اعتبار مفهوم اللقب في عبارات الأصحاب، نعم قد يقال بظهور
عبارة النافع ونحوها مما ترك فيها ذكر المتعلق فيهما إن لم نقل إن المنساق من لفظ الجهر
والاخفات في عبارات الأصحاب تعلقهما بالقراءة، خصوصا مع ذكرهم ذلك في أحكامها
ولعله لذلك كله لم يذكر الطباطبائي مع سعة باعه وجودة ذهنه نحو هذه العبارات أو معاقد
الاجماعات من أهل هذا القول صريحا أو ظاهرا.
وكيف كان فيشهد له - مضافا إلى احتمال اندراجه فيما سمعته من الاجماع المحكي -
ظهور التسوية بينه وبين القراءة في ذلك من مثل العبارات الواردة فيه في النصوص (1)
كقوله (ع): إن شئت سبحت وإن شئت قرأت، وهما سواء، والقراءة أو التسبيح
أفضل ونحو ذلك، خصوصا مع عدم إشارة في شئ منها على كثرتها إلى المخالفة بينهما فيه
بل قد يؤيد ذلك ما في خصوص صحيحة (2) عبيد بن زرارة منها المعللة للقراءة بأنها
تحميد ودعاء، ضرورة ظهورها في أن جواز القراءة لأنها تحميد ودعاء لا من حيث
أنها قراءة، فهي أوضح شئ حينئذ في اتحادهما، وأنهما معا من جنس واحد، وينتقل
منه حينئذ إلى اتحادهما في ذلك، على أن أخبار التسبيح (3) ليس فيها عموم، بل أقصاه
الاطلاق الذي يرجع إلى العموم إذا لم يسبق إلى الذهن أحد الأفراد، وهو في المقام
ممنوع، مضافا إلى ما ورد (4) في خصوص الاخفاتية مما هو ظاهر في الاخفات فيها
جميعها، ويتم حينئذ بعدم القول بالفصل، ولعله إليه أو ماء في الذكرى رادا على السرائر

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث. 1
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث. 1
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 22 و 25 - من أبواب القراءة في الصلاة
373

حيث أنكر النص على الاخفات بقوله: عموم الاخفات في الفريضة بمنزلة النص،
فتدبر. وإلى ما عساه يشعر به ما في صحيح علي بن يقطين (1) سأل أبا الحسن (ع)
(عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟
فقال: إن قرأ فلا بأس، وإن صمت فلا بأس) بناء على أن المراد الركعتان الأخيرتان
كما اعترف به في الحدائق لا أولتا الظهر مثلا، وحينئذ وصفهما بذلك ظاهر في بنائهما
على الاخفات، فيندرج حينئذ في صحيح زرارة السابق (2) أجهر أو أخفت فيما لا ينبغي
الجهر أو الاخفات فيه.
نعم يحتمل حمله على التقية لموافقته للمحكي عن أبي حنيفة بناء على أن المراد
بالصمت فيه السكوت، وإلى ما سمعته سابقا في القراءة من دعوى معلومية إسرار النبي
والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) والصحابة في غير الصبح وأولتي العشاء، وقد عرفت
فيما تقدم أفضلية التسبيح مطلقا عندنا، وهو (صلى الله عليه وآله) أولى من غيره في
المواظبة على الأفضل، فيعلم حينئذ أن ديدنه (صلى الله عليه وآله) كان الاسرار بالتسبيح
فيجب التأسي به، لقوله (ص) (3): (صلوا كما رأيتموني أصلي)
وغيره، وإلى السيرة المستمرة والطريقة المستقيمة في سائر الأعصار والأمصار، ولعله
إلى ذلك أشار العلامة الطباطبائي بقوله:
ويلزم الاخفات في الذكر البدل * بالأصل والنقل وظاهر العمل
مضافا إلى موافقته للاحتياط أيضا، ضرورة أنه لم يقل أحد من معتبري
الأصحاب بوجوب الجهر وإن ظن عبارة الصدوق، لكنه وهم واضح، نعم أفتى

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 13
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 25
374

به بعض الحشوية المخلطة في عصرنا وما قاربه، كما أن بعضهم أيضا واظب على الجهر
بالقراءة في الأخيرتين للإمام المعلوم عند الإمامية بطلانه كما عرفته سابقا، وكان الذي
أوهمه ما ورد (1) أنه ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل شئ يقوله، ونحوه مما هو
ظاهر عند من له أدنى درية في استماع ما يجوز الجهر فيه، وأنه مساق لبيان خصوص
الاسماع للمأمومين لا لأصل جواز الجهر وعدمه، لكن هذا - مضافا إلى ما في النفس
من السوء الذي يدعو إلى محبة الخلاف، وأنه جاء بما غفل عنه الأصحاب منضمين إلى
الجهل المحض وعدم المعرفة بالفقه دعاه إلى هذه البدعة وغيرها من البدع القبيحة إجار
الله المذهب منها ومن أهلها.
نعم الانصاف أنه لا يخلو جميع ما ذكرناه بالنسبة إلى التسبيح من المناقشة،
خصوصا بناء على المختار من عدم حجية كل ظن حصل للمجتهد، ومن أن اسم العبادة
للأعم القاضي بأن ما شك في اعتباره فيها يحكم بعدمه، ولعله لذا أو لغيره لم يرجح
بين القولين في المحكي عن المهذب وغاية المرام وكشف الالتباس، بل اختار التخيير في
التذكرة والحدائق، بل حكاه في مصابيح العلامة الطباطبائي عن صريح السرائر أيضا
وظاهر نهاية الإحكام والتحرير والمحرر والموجز وغاية الايجاز ومصباح المبتدي وبحار الأنوار والكفاية والذخيرة، بل هو ظاهر المدارك والمحكي عن الحديقة والمسالك
الجامعية وإن قيل فيهما: إن الاخفات أحوط، بل لعله أيضا ظاهر التنقيح وإن قال
فيه: الأولى الاخفات فيه، لأنه أشد يقينا للبراءة، بل لعله ظاهر كل من اقتصر على
ذكر القراءة في الجهر والاخفات كما سمعته سابقا، بل في المحكي عن البحار - بعد الحكم
بأن التخيير أقوى - وتدل بعض الأخبار ظاهرا على رجحان الجهر ولم أر به قائلا،
وفي مفتاح الكرامة وجدت في هامش رسالة تلميذ ابن فهد أن بعض الأصحاب ذهب

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3
375

إلى استحباب الجهر، قلت: لعل المجلسي (رحمه الله) أراد ما في خبر رجاء بن الضحاك (1) من أنه (صحب الرضا (ع) من المدينة إلى مرو فكان يسبح
في الأخراوين يقول: سبحان الله) ضرورة ظهوره في أنه حكاية ما كان يسمعه منه
حال الصلاة، ولا يتم إلا مع الجهر الذي ستعرف أن أدناه عند الأصحاب إسماع الغير
وأن الاخفات ليس إلا إسماع النفس خاصة حتى نقلوا الاجماع على ذلك، وأوضح منه
ما في خبر أحمد بن علي المروي عن العيون من أنه (صحب الرضا (ع) فكان
يسمع ما يقوله في الأواخر من التسبيحات) وهما مع الأصل وإطلاق بعض أخبار
الجهرية وما فيه من التعليل وما عساه يشعر به التقييد فيما روي (2) من أن أمير المؤمنين
(ع) كان يقرأ في أولتي الظهر سرا، وغير ذلك يستفاد منه أصل الجواز
أيضا، بل الأخير مشعر برجحان الجهر المدعى سابقا، فتأمل جيدا، فليس من العدل
حينئذ شدة الانكار على القول بجواز الجهر فيه، بل ولا ما في الرياض هنا من نظمه
التسبيح تارة في البحث عن القراءة مشعرا باتحاد البحث فيهما، وقوله عند البحث على
أقل الجهر الظاهر الاتفاق عليه أخرى، وكأنه لم يظفر بما ذكرناه في المسألة، والله أعلم.
(وأقل الجهر أن يسمع القريب الصحيح إذا استمع) بلا خلاف بين العلماء
كما في المنتهى، بل باجماعهم كما في ظاهر التذكرة أو صريحها وعن المعتبر (و) حد
(الاخفات أن يسمع نفسه إن كان يسمع) إجماعا كما في التذكرة والمنتهى أيضا وعن
المعتبر، وقال الشيخ فيما حكي عن تبيانه حد أصحابنا الجهر فيما يجب الجهر فيه بأن يسمع

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8 لكن رواه
عن رجاء بن أبي الضحاك
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9
376

غيره، والمخافتة بأن يسمع نفسه، وظاهر الجميع حتى المتن وغيره ممن عبر كعبارته إذا
لم يعطف لفظ الاخفات فيه على المضاف إليه كما صرح به في التذكرة حيث قال: وحد
الاخفات إلى آخره أنه لا يدخل إسماع الغير في الاخفات أصلا كما عن ابن إدريس
التصريح به، قال: (وحد الاخفات أعلاه أن تسمع أذناك القراءة، وليس له حد
أدنى بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له، وإن سمع من عن يمينه وشماله صار
جهرا، فإذا فعله عامدا بطلت صلاته) نحو المحكي عن الراوندي في تفسير القرآن (أقل
الجهر أن تسمع من يليك، وأكثر المخافتة أن تسمع نفسك).
نعم لا عبرة بالغير الذي يفرض أقربيته إلى سماع اللفظ من الانسان نفسه،
كما لو وضع أذنه قريبا من فم المتكلم مثلا، بل يمكن دعوى ظهور لفظ القريب المأخوذ
في تعريف الجهر في غير المجتمع معه، بل يكون بينهما مسافة في الجملة وإن قلت تحقيقا
لمعنى القرب المتغاير للمعية، ضرورة إمكان أقربية سماع مثل المفروض من النفس،
إما لأن أذن السامع في جهة هواء الحرف بخلاف أذن الانسان نفسه فإنها منحرفة عنه،
أو لغير ذلك، وربما ينبه عليه في الجملة قول الباقر (ع) في المرسل (1) في
تفسير علي بن إبراهيم في تفسير قوله تعالى (2): (ولا تجهر بصلاتك) الآية:
(الاجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك، والاخفات أن لا تسمع من معك
إلا يسيرا) ضرورة إرادته بيان المنهي عنه من الجهر، فلا بد من حمل (من معك)
فيه على المساوي للنفس أو دونه كي لا ينافي ما دل على أن الاخفات المنهي عنه ما دون
سماع الانسان نفسه كما في موثق سماعة (3) وكذا يجب إرادة البعد المفرط من قوله
(ع) فيه: (من بعد عنك) كي يوافقه أيضا.

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 7 - 2
(2) سورة الإسراء - الآية 110
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 7 - 2
377

والمدار في الظاهر على سماع تمام اللفظ وجواهر الحروف لا خصوص بعض
الحروف لما فيها من الصفير ونحوه، فلا يقدح حينئذ في صدق الاخفات سماع القريب
مثل ذلك، كما أنه لا يكفي في تحقيق معنا الجهر مثله، أما إذا لم يسمع الانسان نفسه
ما يقوله من جوهر الحروف لضعف الصوت لا لعارض الماء أو الهواء فالظاهر عدم
الاجزاء كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل هو ظاهر معقد الاجماعات السابقة
بل صريحها خصوصا بعضها، وهو الحجة، مضافا إلى صحيح زرارة أو حسنه (1)
(لا يكتب من القراءة والدعاء إلا ما أسمع نفسه) وما ورد في موثق سماعة (2) وغيره
من تفسير الاخفات المنهي عنه في الآية بما دون السمع، مضافا إلى ما في التذكرة وغيرها
من عدم صدق القراءة مثلا عليه حينئذ، ولعله لاعتبار هذا المقدار من الصوت في أصل
ماهية اللفظ، وفيه بحث، نعم يمكن أن يجعل ذلك مقدمة لليقين بحصول اللفظ المأمور به
فبدونه لم يحصل اليقين بذلك، وهو لا يخلو من بحث أيضا، وفي الأول غنية، فما في
الرياض - من احتمال الاجتزاء بالهمهمة لصحيح الحلبي (3) (سألت أبا عبد الله (ع)
هل يقرأ في صلاته وثوبه على فيه؟ قال: لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة) -
ضعيف جدا خصوصا بناء على الوجهين الأخيرين، ضرورة قصوره عن إفادة مثل
ذلك حينئذ، على أن الهمهمة الصوت الخفي كما عن القاموس، فلا ينافي فهم جوهر
الحروف قبل، وإن كان كلام ابن الأثير يقتضيه، والموجود فيما حضرني من نسخة
نهايته أنها كلام خفي لا يفهم، ولعله يريد لا يفهمه الغير، فلا يكون منافيا أيضا.
وعلى كل حال فلا ريب في قصوره عن الحكم على غيره من وجوه، خصوصا
مع احتماله إرادة القراءة مع القدوة بمن لا يقتدى به تقية، كما يومي إليه ما فيه من

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2 - 4
378

جعل الثوب على فيه، كصحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه (ع) (سألته
عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع
نفسه؟ قال: لا بأس أن لا يحرك لسانه يتوهم توهما) بشهادة الخبر الآخر (2) (يجزيك
من القراءة معهم مثل حديث النفس) والصحيح (3) أيضا معهم (إقرأ لنفسك، وإن لم تسمع فلا بأس) هذا.
وربما ظن من المتن ونحوه بتخيل عطف الاخفات على المضاف إليه اتحاد الجهر
والاخفات في بعض المصاديق، فيكون بينهما العموم من وجه، بل ما يحكى عن التحرير
وبعض نسخ التلخيص كالصريح في ذلك، حيث عبر فيهما بأقل الاخفات المشعر بأن
له فردا أعلى، وهو ليس إلا إسماع الغير الذي هو أقل الجهر، بل هو صريح المحكي عن
الموجز من أن أعلى الاخفات أدني الجهر، فاعترض بظهور التفصيل والتقسيم إلى الجهرية
والاخفاتية في النصوص والفتاوى في عدم الاشتراك، وأنهما ضدان لا يجتمعان في فرد
وفيه أنك قد عرفت ظهور كثير من عباراتهم في أن ذلك تحديد للاخفات نفسه لا لأقله
كما سمعته من صريح السرائر بل وغيرها، ويومي إليه ذكر الأقل في تعريف الجهر ولفظ
الحد في تعريف الاخفات، والعطف في عبارة المتن ونحوها على الجملة، فانحصر الابهام
المزبور في النزر من العبارات، والضدية حينئذ متحققة لاعتبار إسماع الغير القريب
عرفا في أقل الجهر وعدمه في الاخفات، والمراد بالنفس حينئذ المعتبر في تعريفه نفي ذلك
الغير المعتبر في تحقيق أقل الجهر، فليس مطلق إسماع الغير منافيا خصوصا بعض الحروف
ونحوها، فلا دلالة حينئذ في المحكي عن نهاية الإحكام من أنهما حقيقتان متضادتان على
ما يقوله المتأخرون، إذ قد عرفت حصوله على التقدير المزبور، كما أنه لا دلالة في بعض

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
379

العبارات الظاهرة في أن للاخفات فردا أعلى من إسماع النفس عليه أيضا، إذ هي إما
منافية وابتنائها على أن بينهما العموم من وجه، أو يكون المراد منها ما ذكرناه من
بعض صور إسماع الغير التي لا يتحقق بها الجهر، فأقله حينئذ إسماع النفس، وأعلاه
إسماع الغير الذي يكون أبعد عن النفس في الجملة، على أنه يمكن القول على الايهام
المذكور بعدم إجزاء فرد الاجتماع في شئ منهما، وأن التقابل إنما هو في فردي
الافتراق، ضرورة استلزام اجتماع الأمر والنهي فيه، وظهور اقتضاء التقابل خلافه،
لا أنه يجتزى به في كل منهما كي يتأتى الاعتراض السابق، ولكن الفتوى على الأول.
وظني أنه ينطبق على ما ذكره المحقق الثاني وتبعه عليه من تأخر عنه كما اعترف
به هو، إذ حاصله أن المرجع فيهما إلى العرف كما هو الضابط في كل ما لم يرد به تحديد
شرعي، والجهر يتحقق فيه باسماع القريب عرفا مع فرض عدم المانع من هواء أو ماء
بسبب إظهار جوهر الصوت والجرسي منه الذين بهما يتحقق الجهر عرفا، والاخفات
باسماع النفس أو مع الغير لكن باخفات الصوت وهمسه وعدم ظهور الجرسي منه، فهما
حينئذ ضدان، وأنه لا يعتبر في الجهر إسماع الغير وإن أمكن دعوى لزومه له، كما
أنه لا يعتبر في الاخفات عدم إسماع الغير، ضرورة حصول مسماه عرفا بالتقدير
المزبور وإن أسمع الغير، بل في كشف اللثام عسى أن لا يكون إسماع النفس بحيث
لا يسمع من يليه مما يطاق، وكأنه يريد بيان شدة العسر والحرج لو اعتبر في الاخفات
عدم إسماع الغير، بل في الرياض أنه يعضد العرف ما في الصحاح (جهر بالقول رفع
الصوت به) قيل: ويظهر من القاموس ذلك أيضا، قلت: وفي المجمل (الجهر الاعلان
بالشئ، والخفت إسرار النطق) ويقرب منه ما في مختصر النهاية الأثيرية، ويدل
عليه أيضا مع ذلك ما عن العيون (من أن أحمد بن علي صحب الرضا (ع)
فكان ما يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات) وما تقدم من خبر رجاء بن
380

الضحاك (1) بناء على الاخفات في التسبيح.
ومن ذلك كله استوجه غير واحد جعل المدار على العرف الذي قد سمعته،
ولكن قيل الأحوط مع ذلك ما ذكروه لشبهة الاجماع الذي ادعوه وأن صرحا به
إلا أنه يحتمل احتمالا قريبا يشهد له سياق عبارتهما كون متعلقه خصوص لزوم اعتبار
إسماع النفس في الاخفات، ومن السياق الشاهد على ذلك عطفهما على الاجماع قولهما:
ولأن ما لا يسمع لا يعد كلاما ولا قراءة، ومنه أيضا قولهما في بعض كتبهما في حد
الاخفات: وأقله أن يسمع نفسه، وهو كالصريح في أن للاخفات فردا آخرا أعلى من
إسماع النفس، ولا يكون إلا باسماع الغير من دون صوت، وإلا لتصادق الجهر والاخفات
في بعض الأفراد، وهو معلوم البطلان، لاختصاص الجهر ببعض الصلاة والاخفات
ببعض الصلاة وجوبا أو استحبابا، إلا أنك خبير بأن ذلك احتمال لا ينافي الظهور
الحاصل من متون تلك الاجماعات المحتملة لأن يكون المعتبر شرعا في الجهر والاخفات
ذلك، وأنه ليس المدار على مسماهما عرفا، إذ لا بعد في أن يراد منهما خصوص بعض
الأفراد كما نهي عن الفرد العالي من الجهر وما لا يسمع النفس من الاخفات بناء على
تحقق اللفظ والقراءة به، فصدق الاخفات عرفا حينئذ على بعض ما أسمع الغير لا يستلزم
الاجتزاء به شرعا، ودعوى العسر والحرج بذلك ممنوعة أشد المنع، ولعل منشأ
دعواها جريان العادة في الاخفات باخراج الصوت بقوة وعزم بصورة المبحوح، فصار
يصعب عليه غيره، وإلا فالوجدان شاهد بامكان القراءة من دون إسماع الغير تمام
ما يقوله بحيث يفهم إذا فرض عدم أقربيته له من سمعه إليه من غير عسر كما هو واضح

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8 رواه عن
رجاء بن أبي الضحاك كما ذكرنا سابقا
381

والمروي عن العيون مع ابتنائه على الاخفات في التسبيح الذي قد سمعت البحث فيه
لم يتضح سنده، بل قد ينكر كون اللغة بل والعرف كما ذكروه، ضرورة كون الجهر
فيهما الاظهار الذي يتحقق بمطلق حصول طبيعته، ولا ريب في حصولها بما قاله الأصحاب
من إسماع القريب حتى على ما في كشف اللثام من أن المراد بالقريب الذي لا أقرب
منه، والاخفات الاسرار الذي هو من قبيل الاخفاء، بل هو منه عند التأمل،
ولا ريب في منافاته لاسماع القريب المعتبر في الجهر، إذ لا نريد باعتبار عدم إسماع الغير
فيه ما يتناول الغير الذي هو مساو للنفس أو كالمساوي قطعا، فإن أراد المتأخرون
أمرا زائدا على ذلك للبحث فيه مجال، وإلا فمرحبا بالوفاق.
ومنه حينئذ يعلم أن ما يستعمله كثير من المتفقهة من الاخفات بصورة الصوت
المبحوح ويسمعه منه من كان أبعد من أذنيه بمراتب وربما كان إماما ويسمعه أهل
الصف الثاني لا يخلو من إشكال، بل هو كذلك حتى على كلام المتأخرين، ضرورة
حصول مسمى الرفع به بل والجرسية، إذ لا ينافيها مثل هذا الاخفاء، فإنها مراتب
عديدة، بل لو أعطي التأمل حقه أمكن دعوى تسمية أهل العرف مثله جهرا، كما أنه
يسلبون عنه اسم الاخفات، لا أقل من أن يكون ذلك مشكوكا فيه، أو واسطة
لا يندرج في اسم كل منهما، فلا يجتزى به، ولا ينافيه ضديتهما لعدم المانع من ارتفاعهما
حينئذ، وربما يشهد لثبوتها قوله تعالى (1): (ودون الجهر من القول) بناء على إرادة
ما فوق السر ودون الجهر، فتأمل. فالاحتياط بترك هذا الفرد في امتثال كل من
الاخفات والجهر لازم، كما أنه يجب ترك الفرد المفرط من الجهر الذي صرح به بعض
الأصحاب كالعلامة الطباطبائي وغيره، بل نسبه الفاضل الجواد في آيات أحكامه إلى
الفقهاء مشعرا بدعوى الاجماع عليه، للنهي عنه في الآية المفسرة بذلك في موثق

(1) سورة الأعراف - الآية 204
382

سماعة (1) وغيره، مضافا إلى خروج الصلاة عن الكيفية المتعارفة فيظن عدم إجزائها
أو يعلم مع محوها لصورة الصلاة، لا أقل من الشك في حصول الامتثال بها بسبب الشك
في شمول الاطلاقات لمثلها، أو الظن بخلافه من جهة انصرافها إلى المتعارفة، وعليه
حينئذ يتجه البطلان ولا يجديه التلافي ولو اكتفينا به في غيره من صور المخالفة كما سمعت
البحث فيه سابقا، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (ليس على النساء جهر) للاجماع بقسميه، ولخبر علي بن
جعفر (2) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (ع) (عن النساء هل عليهن
جهر بالقراءة في الفريضة؟ قال: لا، إلا أن تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع
قراءتها) ولفظ الجهر فيه مع الاستثناء دليل أن ما عن التهذيب من خبري علي بن
جعفر (3) وعلي بن يقطين (4) عنه (ع) (في المرأة تؤم النساء ما حد رفع
صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال (ع): بقدر ما تسمع) بضم التاء من الاسماع
ومقتضاه الوجوب حال الإمامة، ولم أظفر بفتوى توافقه كما اعترف به في كشف اللثام
فلا بأس حينئذ في حمله على الندب حيث لا أجنبي لا معه، لأن صوتها عورة يجب
إخفاؤه عنه باتفاق الأصحاب كما في كشف اللثام وعن غيره، ومن هنا استدل به بعضهم
على المطلوب زيادة على ما ذكرنا، وقضيته فساد الصلاة معه حينئذ كما صرح به هو أيضا
وفيه إمكان منع حرمة الاسماع والسماع مع عدم الفتنة والتلذذ، للأصل والسيرة المستمرة
وظاهر الكتاب والسنة، ومعروفية قصة فاطمة (ع) وغيرها ونحو ذلك مما
يطول ذكره، ودعوى أن جميع ذلك للحاجة يدفعها مع معلومية خلافها أيضا،
ووجوب تقييد الحاجة بما يسوغ لها رفع مثل هذه الحرمة أن المقام منها، ضرورة

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 23 - 1
(3) الوسائل الباب - 31 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 23 - 1
(4) الوسائل الباب - 31 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 23 - 1
383

وجوب الجهر في الصلاة مثلا، على أنه أخص من الدعوى، إلا أن يراد كونه عورة
كالبدن يجب ستره في الصلاة وإن لم يكن أجنبي وفيه منع واضح، خصوصا والمستدل
به يذهب إلى تخييرها بينه وبين الاخفات إذا لم يكن أجنبي، مضافا إلى أن معارضته
لما دل على وجوب الجهر من وجه، فيحتاج تحكيمه عليه حينئذ إلى الترجيح، وإلى
إمكان اختصاص الحرمة بالسامع دونها، وإلى ما في الحدائق وحاشية الأستاذ الأكبر
من أنه على تقدير الحرمة لا وجه للفساد، ضرورة كون النهي عن أمر خارج، وفيه
أنه ليس الجهر إلا الحروف المقروة، ضرورة كونها أصواتا مقطعة غالبا كان الصوت
أو خفيا، فليس هو حينئذ أمرا زائدا على ما حصل به طبيعة الحرف مفارقا له كي
يتوجه عدم البطلان كما هو واضح، ونحوه الغناء في القراءة، ولعل ذا هو مراد
الأصوليين بجعل الجهر والاخفات من الصفات اللازمة، لكن على كل حال لا تتم
دلالة الدليل المزبور على تمام المطلوب.
كما أنه لا يتم الاستدلال عليه أيضا بما في الرياض من اختصاص النصوص
الموجبة له وللاخفات بحكم التبادر من سياق أكثرها وفتوى الفقهاء بالرجل دونها،
فتبقى على الأصل حينئذ، قال: ومنه يظهر عدم وجوب الاخفات في مواضعه أيضا كما
صرح به جمع، ولكن ينافيه ظاهر العبارة ككثير حيث خصوا الجهر بالنفي، ووجهه
غير واضح، إذ فيه أولا منع اختصاص النصوص بالرجل، بل فيها الفعل المبني للمجهول
ونحوه مما يشملهما مما، وثانيا بعد التسليم فليس هو إلا موردا لا يعارض قاعدة
الاشتراك الثابتة بالاجماع وغيره، بل الواجب التمسك بها إلا أن يعارضها ما هو أقوى
منها، بل لا يقدح وقوع الخلاف في التمسك بها في محله فضلا عن غيره وإن كان الاجماع
عمدة أدلتها، ضرورة انعقاده على القاعدة التي قامت حجة بنفسها من غير حاجة إليه.
384

ومن هنا بان لك أن المتجه ما حكاه عن ظاهر كثير من الأصحاب، بل لا
أجد فيه خلافا بين من يعتد بخلافه من الأصحاب من وجوب الاخفات عليها في مواضعه
لا التخيير، لعدم المعارض لها فيه بخلاف الجهر الذي قد عرفت الاجماع على عدم
وجوبه عليهن في مواضعه، نعم الظاهر تخييرها بينه وبين الاخفات إذا لم تكن ثم أجنبي
بناء على ما عرفت، كما هو ظاهر تعبير الأصحاب بأن ليس عليهن جهر، فالأصل
حينئذ لا معارض له، بل ظاهر الفتاوى ومعاقد الاجماعات معاضد له، وبه صرح غير
واحد، بل لم أجد فيه خلافا صريحا، كما لم أجد بخلافه دليلا كذلك، والخنثى المشكل
بناء على إلزامها بالاحتياط تخفت في محل الاخفات، ويجهر في محل الجهر إذا لم يكن
أجنبي، وإلا قيل: أخفتت، والمتجه التكرير مع انحصار الطريق فيه، تحصيلا
للاحتياط، والله أعلم.
(والمسنون في هذا القسم الجهر بالبسملة في مواضع الاخفات في أول الحمد وأول
السورة) على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا
بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الاجماع عليه كالمحكي عن المعتبر، بل
في كنز العرفان وعن الخلاف الاجماع عليه صريحا، بل في الذكرى وغيرها أن من
شعائر الشيعة الجهر بالبسملة لكونها بسملة، وزاد في المدارك (حتى قال ابن أبي عقيل
تواترت الأخبار أن لا تقية في الجهر بالبسملة) وذلك كله مع الاعتضاد بالتتبع الشاهد
لصدق هذا الاجماع حجة على ما تفرد به العجلي (الحلي خ ل) كما في الذكرى وغيرها من
تخصيص الاستحباب بالأولتين للاحتياط الذي يمكن منع في المقام، لما ستعرفه من
القول بوجوب الجهر، ولا يجب مراعاته حتى في الصلاة بناء على الأعمية، على أن
الدليل المسوغ متحقق، فلا معنى للوجوب له معه، ولأن القراءة إنما تتعين في الأولتين
وفيه منع دوران الجهر بها على تعيين القراءة، لما سمعته من إطلاق معاقد الاجماعات
385

والفتاوى، ولذا قال في الذكرى بعد نقله القول المزبور: وهو قول مرغوب عنه،
لأنه لم يسبق إليه، وهو بإزاء إطلاق الروايات والأصحاب، قلت؟ وهو كذلك وإن
حكي أنه حمل عليه عبارة الشيخ في الجمل (والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فيما لا يجهر
بالقراءة في الموضعين) لكن لعله يريد بالموضعين أول الحمد حيث كانت، والسورة
كما احتمله الفاضل والشهيد، فصح حينئذ تفرده بذلك وأن الاجماع قد سبقه بل ولحقه
نعم قد يظهر من عبارة الغنية موافقته، بل وأنه إجماع، لكن التتبع يشهد بخلافه،
أو يحمل على أن لا يريد هذا الظاهر كما يومي إليه عدم ذكر أحد من الأصحاب له مخالفا.
وأما النصوص فمنها الأخبار (1) المستفيضة الدالة على أن الجهر بها أحد علامات
المؤمن الخمس، ومنها الظاهرة كمال الظهور كما لا يخفى على من لاحظها في أن المراد الجهر
بها لأنها بسملة كما يومي إليه في الجملة قول الصادق (ع) في خبر هارون (2)
(كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم والله الأسماء كتموها، كان رسول الله صلى الله عليه وآله
إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم
ويرفع بها صوته فتولى قريش فرارا، فأنزل الله عز وجل في ذلك (وإذا ذكرت
ربك في القرآن وحده ولوا على أدبار هم نفورا) (3) بل ملاحظتها أي تلك النصوص
مع التأمل والتدبر تشرف على القطع بفساد المناقشة فيها بأنها لا تعم، فإن من العامة
من يتركها، ومنهم من يخفت بها في الجهرية، فالجهر بها فيها علامة للايمان، ضرورة
ظهورها فيما ذكرناه من أن المراد الجهر بها لأنها بسملة، بل لعل المراد بالمؤمن فيها

(1) الوسائل - الباب - 65 - من كتاب المزار - الحديث 1 والمستدرك - الباب - 17
من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 11 و 13 والباب 30 من أبواب أحكام الملابس
الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(3) سورة الإسراء - الآية 49
386

كما يومي إليه ذكر باقي العلامات كامل الايمان لا المقابل للمخالف، فالمقصود الحث وزيادة
التأكيد على هذا المندوب نحو ما ورد في غيرها من صفات المؤمن وحقوق المؤمن على
المؤمن، ونحو ذلك، ومنها خبر الأعمش (1) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد
(ع) في حديث شرائع الدين قال: (والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم
واجب) ضرورة إرادة الاستحباب المؤكد منه كما ستعرف، ومنها كتابة الرضا (ع)
إلى المأمون في خبر الفضل بن شاذان (2) المروي عن العيون (والاجهار
ببسم الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة) كخبر رجاء بن الضحاك (3) المروي
عنها أيضا (أن الرضا (ع) كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته
في الليل والنهار) إلى غير ذلك من النصوص.
ومن الغريب بعد ذلك كله ميل المحدث البحراني إلى القول المزبور، قال:
(لأن انقسام الصلاة إلى الجهرية والاخفاتية إنما هو باعتبار الأولتين لا الأخيرتين،
لتعارف التسبيح فيهما، فما في النصوص حينئذ من قوله صلاة يجهر فيها ولا يجهر فيها إنما
هو بالنسبة إليهما) وفيه أنه بعد تسليم ذلك له قد عرفت ظهور نصوص المقام في أن
الجهر بها من حيث كونه بسملة كما هو واضح، مضافا إلى أن العمدة في إخفات قراءة
الأخيرتين الاجماع، خصوصا بعد أن نزل النصوص على ما عرفت، وهو هنا غير
معلوم، بل لعل المعلوم خلافه، ودعوى التمسك باطلاق معقد الاجماع يدفعها أنه إن
أريد المنقول منه على الاخفات في المسألة السابقة فالحلي مع أنه لا يقول بحجية أخبار

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5 وفي الوسائل
(والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب)
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 7 روى الثاني عن رجاء بن أبي الضحاك
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6 - 7 روى الثاني عن رجاء بن أبي الضحاك
387

الآحاد فضلا عن الاجماع المنقول قد عرفت أن نافلة هناك نقل الاجماع هنا على المطلوب
فلا أقل من أن يكون من قبيل المطلق والمقيد وإن أراد المحصل منه ففيه أن تحصيل الاجماع
المصطلح على وجه يتمسك باطلاقه حتى يأتي المقيد ممنوع أو في غاية الصعوبة، على أنه
قد عرفت المقيد، واحتمال كون التعارض بالعموم من وجه مع فرض ملاحظة دليل
الاخفات في قراءة الأخيرتين مستقلا عن دليل الاخفات في غيرهما بعد التسليم يدفعه
وجود المرجح من جهات عديدة، فظهر حينئذ ضعف القول المزبور، كضعف المحكي
عن ابن الجنيد من تخصيص الاستحباب ولو في الأخيرتين بالإمام دون غيره من المنفرد
ونحوه، إذ جميع ما سمعت حجة عليه، بل وغيره من ظاهر إجماع الغنية والمحكي عن
السرائر وغيرهما، مع أنه لا شاهد له في النصوص على كثرتها، ضرورة عدم النفي عن
الغير في خبر صفوان (1) (صليت خلف أبي عبد الله (ع) أياما فكان..
فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى ما سوى ذلك)
وعن الكليني زيادة (وكان يجهر بالسورتين جميعا) وخبر أبي حفص الصائغ (2)
المروي عن المجالس (صليت خلف جعفر بن محمد (ع) فجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم) وخبر أبي حمزة (3) قال: (قال لي علي بن الحسين (ع): يا ثمالي
إن الصلاة إذا أقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول: هل ذكر ربه؟ فإن قال:
نعم ذهب، وإن قال: لا ركب على كتفيه، وكان إمام القوم حتى ينصرفوا، قال:
فقلت: جعلت فداك أليس يقرأون القرآن؟ قال: بلى ليس حيث تذهب يا ثمالي إنما
هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم).
بل ربما استدل بالخبرين الأولين على التعميم إما لعدم اعتبار مثل هذه المحتملات

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8 - 4
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8 - 4
388

في أصل دليل التأسي، لصدق دليله عليه بدونه، أو في خصوص التأسي بالصلاة الحاصل
من نحو قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (صلوا كما رأيتموني أصلي) ضرورة صدق
الصلاة كصلاته وإن لم يكن المصلي إماما، فتأمل فإنه دقيق نافع، وعلى كل حال فقد
ظهر ضعفه أيضا كسابقه.
بل ونحوهما ما يحكى عن القاضي من القول بالوجوب وأطلق، كما عن الأمالي
أنه من دين الإمامية الاقرار بأنه يجب الجهر بالبسملة عند افتتاح الفاتحة وعند افتتاح
السورة بعدها، بل قد يستظهر ذلك من الأمر به في المحكي عن الفقيه وبعض عبارات
الشيخ، وما عن المجلسي من القول به في خصوص أولتي الظهرين، وكأنه ظاهر الغنية
وإن قال بعد ذلك: إنه أحوط، إذ لا ريب في ضعفهما، لقضاء الأصل، وخصوص
خبر الحلبيين (2) كما في كشف اللثام سألا الصادق (ع): (عمن يقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم يريد يقرأ فاتحة الكتاب قال: نعم إن شاء سرا وإن شاء جهرا)
وجميع الأدلة السابقة صريحا في البعض وظاهرا ولو من السياق والتعداد في جملة المندوبات
ونحو ذلك في آخر بخلافهما عدا الخبر (3) السابق المشتمل على لفظ الوجوب، وهو
مع ضعف سنده يجب حمله على إرادة غير المعنى المصطلح، أو على الوجوب التخييري،
بل لعل عبارات هؤلاء تحمل على ذلك كما لا يخفى على من مارس عبارات القدماء،
وغلبة تعبيرهم بما في النصوص من بعض الألفاظ الباقية على العرف الأول، ومن هنا
احتمل في الذكرى حمل عبارة الموجب على التخييري كما سمعته في الخبر، بل ينبغي
الجزم به أو بتأكد الاستحباب بالنسبة إلى عبارة الأمالي، لأن الذي حكاه الشهيد

(1) صحيح البخاري ج 1 ص 124 و 125
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 5
389

وغيره عن تصريح الصدوق الاستحباب فهو قرينة أخرى على إرادته به ذلك أيضا،
بل معلومية الاستحباب بين الإمامية قرينة ثالثة، إذ يبعد عدم معرفة مثل الصدوق
بمذهب الإمامية حتى ينسب إليهم الوجوب، ولئن أغضينا عن ذلك كله كان موهونا
بجميع ما عرفت، مع أنه يمكن المناقشة في إفادة العبارة المزبورة الاجماع، لأن الظاهر
إرادة عند الإمامية في الجملة منها في مقابلة إطباق العامة لا إجماع الإمامية، بل لعل
العبارة لا تفيده لغة، لظهور الطبيعة منها، لعدم كونها من الجمع المحلى، بل هي من الملحق
بالمفرد في وجه، فتأمل.
واحتمال ترجيح الوجوب بأن المستفاد من الأدلة إنما هو مطلق رجحان
الجهر بالبسملة فتندرج حينئذ في صحيح زرارة السابق الذي عبر فيه عن الاخفات
بما لا ينبغي الاخفات فيه، ضرورة عدم إرادة الوجوب من لفظ (ينبغي) في سؤال
الصحيح، لعدم حسن السؤال معه يدفعه ما عرفت من أن المستفاد من الأدلة خصوص
الاستحباب لا مطلق الرجحان، بل قد عرفت صراحة جملة منها فيه كما هو واضح.
ثم ليعلم أن المراد بالاستحباب في المقام أفضل الفردين للزوم القراءة لأحد
الوصفين، وقد تقرر في الأصول أن الاستحباب الخصوصي لا ينافي الوجوب التخييري
عقلا ولا عرفا، فلا حاجة حينئذ إلى ما عن قواعد الشهيد من رجوع الاستحباب إلى
اختيار ذلك الفرد بعينه، فيكون فعله واجبا واختياره مستحبا، اللهم إلا أن يريد
ما ذكرنا، على أن استحباب اختياره فرع استحباب المختار وأفضليته عند التأمل،
لكن في الذكرى أن التخيير إنما يتم إن قلنا بتباين الصفتين، وإن قلنا بأن الاخفات
جزء الجهر فلا، وفيه مع ضعف الاحتمال نفسه أنه يمكن القول بتمامه أيضا، ضرورة تعقله
بين الجزء والكل مع فرض عدم حصول أجزاء الكل تدريجا كما في المقام، إذ الصوت
الجهري وإن حصل به إسماع النفس مع الغير لكنه يحصل دفعه، فحينئذ يخير بين
390

إسماع النفس وحدها وبين إسماعها مع الغير، والدقائق الحكمية لا تبنى عليها
الأحكام الشرعية.
وكذا ينبغي أن يعلم أيضا أن الظاهر بقاء حكم التقية في المقام كغيرها من
الأحكام، ودعوى التواتر - بعد عدم ثبوتها عندنا، فهي بالنسبة إلينا آحاد لا تصلح
لمعارضة أدلة التقية المعتضدة بالعقل وغيره، مع أن المجلسي قد اعترف على ما حكي عنه
بعدم وصول خبر يدل على ذلك إلا خبر الدعائم (1) (روينا عن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وعن علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد
(ع) أنهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر فيه بالقراءة من
الصلوات في أول فاتحة الكتاب وأول السورة في كل ركعة، ويخافتون بها فيما يخافت
فيه من السورتين جميعا، قال الحسن بن علي اجتمعنا ولد فاطمة على ذلك، وقال جعفر
ابن محمد (ع) التقية ديني ودين آبائي، ولا تقية في ثلاث: شرب المسكر
والمسح على الخفين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) وأنت خبير بقصوره عن الحكومة
على أدلة التقية من وجوه، فيجب حمله على ما لا ينافيها أو طرحه كما هو واضح، مع
أنه كما ترى مشتمل على ما هو معلوم خلافه عنهم من الاخفات بها في محل الاخفات،
وكفى به مسقطا للخبر المزبور عن الحجية، فتأمل، والله أعلم.
(و) منه (ترتيل القراءة) إجماعا محكيا في المدارك والحدائق إن لم يكن
محصلا، للأمر به في الكتاب (2) المحمول على الندب بقرينة الاجماع المتقدم وغيره
مما ستعرفه، والمرسل (3) كالصحيح عن الصادق (ع) (ينبغي للعبد إذا

(1) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 14
(2) سورة المزمل - الآية 4
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1
391

صلى أن يرتل في قراءته، فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة وذكر النار سأل الله الجنة وتعوذ
من النار، وإذا قرأ يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا يقول: لبيك ربنا) وفيه إيماء
إلى مناسبة الترتيل للخشوع والتفكر في القراءة الذي هو إمارة أخرى على استحبابه،
بل في كشف اللثام ولذا استحب في الأذكار، كما أن فيه أيضا شهادة على إرادة الندب
من غيره من الأخبار، ولذا استدل عليه بها في الكشف أيضا بعد الآية، والمراد
بالترتيل الترسل والتأني بالقراءة بسبب المحافظة على كمال بيان الحروف والحركات،
فيحسن تأليفه حينئذ وتنضيده، ويكون كالثغر المرتل الذي حسن نضده بسبب ما فيه
من الفلج حتى شبه بنور الأقحوان بخلاف غير المرتل من الكلام الذي يشبه في تتابعه
الثغر الألص أو الشعر الذي يهذ ويسرع في تأديته، أو الرمل المنثور الذي بعضه على
بعض، كالدقل من التمر المتراكم قبل سقوطه أو بعده إذا تساقط متتابعا، وإليه أومأ
خبر عبد الله بن سليمان (1) أنه (سأل الصادق (ع) عن قوله عز وجل (2):
(ورتل القرآن ترتيلا)) فقال: قال أمير المؤمنين (ع): بينه تبيانا ولا تهذه
هذا الشعر، ولا تنثره نثر الرمل، ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، ولا يكن هم أحدكم
آخر السورة) وعن دعائم الاسلام (3) عنه (ع) (ولا تنثره نثر الدقل،
ولا تهذه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر
السورة) وعن ابن الأثير (هذا كهذا الشعر ونثرا كنثر الدقل أراد لا تسرع فيه كما
تسرع في قراءة الشعر، والهذ سرعة القطع، والدقل ردي التمر أي كما يتساقط الرطب

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
(2) سورة المزمل الآية 4
(3) المستدرك الباب 14 من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
392

اليابس من العذق إذا هز) وهو ظاهر في أن المراد بالفقرتين معا الاسراع كما ذكرنا،
ويحتمل حمل نثر الدقل في خبر الدعائم على كثرة التأني، والفصل بين الحروف كثيرا،
فيكون كالدقل المنثور واحد هنا، وآخر في موضع آخر، بل ونثر الرمل في خبر (1)
غيره على إرادة مده مسترسلا متفاحشا كالرمل المنثور، فيكون المراد حينئذ من كل
من الفقرتين غير الأخرى، ولعله إليه أومأ العلامة الطباطبائي بقوله:
ورتل القرآن ترتيلا ولا * تهذه تمده مسترسلا
وكأن قراءة الشعر في الزمن السالف كانت بغير الطرق المتعارفة في هذا الزمان
وإلا كان إرادة كثرة التأني والمد في هذه الفقرة أولى من الفقرة الثانية، واحتمال
التزامه مناف لتفسير الهذ بسرعة القطع، اللهم إلا أن يراد منه هنا مطلق التلفظ،
فتأمل. وعلى كل حال فالمراد بالترتيل ما ذكرنا، وظني أنه المراد لأكثر اللغويين
والفقهاء وإن اختلفت عباراتهم كما هو دأبهم في تفسير الألفاظ المحصل معناها من
المحاورات في المقامات، ضرورة كونها ليست تعاريف حقيقة مستفادة من العقل كي
ينضبط حدها بالجنس والفصل، فيما بين من فسره بالترسل والتبين لغير بغي أي زيادة
وطغيان، مع أن التبين لا يتم بالتعجيل كما عن الزجاج، والترسل يتضمن التأني في
الأداء كما عن التبيان وغيره، وآخر بالترسل والتوأدة بتبيين الحروف وإشباع الحركات
وثالث بالتأني والتمهل وتبيين الحروف والحركات، قال: تشبيها بالثغر المرتل، وهو
المشبه بنور الأقحوان، ورابع بأن لا يعجل في إرسال الحروف، بل يتثبت فيها ويبينها
تبيينا ويوفيها حقها من الاشباع من غير إسراع من قولهم: ثغر مرتل، ومرتل مفلج
مستوي النسبة وحسن التنضيد، وخامس بتنسق الشئ، ثغر رتل حسن المنضد،
ومرتل مفلج، ورتلت الكلام ترتيلا إذا تمهلت فيه وأحسنت تأليفه، وهو يترتل

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
393

في كلامه ويترسل إذا فصل بعضه من بعض، وسادس بحسن التأليف، والجميع كما ترى
متقارب جدا، فما عن مجمع البيان - رتله: أي بينه بيانا أو اقرأ على هنيئتك، وقيل
معناه ترسل فيه ترسلا، وقيل: معناه تثبت فيه تثبيتا، وروي عن أمير المؤمنين
(ع) (1) (بينه بيانا) إلى آخر الخبر السابق، وروى أبو بصير (2) عن
أبي عبد الله (ع) (هو أن تتمكث فيه وتحسن به صوتك) فيه ما لا يخفى،
اللهم إلا أن يريد ذكر خصوص الألفاظ التي ذكرت في تفسيره لا أنه مستظهر منها
الخلاف في معناه، ضرورة اتحاد المراد منها جميعها بل وعبارات الفقهاء، وإن فسره
في المنتهى والمحكي عن المعتبر ناقلا له عن الشيخ بتبيين الحروف من غير مبالغة، وفي
المحكي عن نهاية الإحكام والتذكرة ببيان الحروف وإظهارها، وبأن لا يمده بحيث يشبه
الغناء، وكأنهما أرادا بذلك الإشارة إلى البغي في كلام الجوهري، وفي المحكي عن
إرشاد الجعفرية بتبيين الحروف وإظهارها، والجميع كما ترى متحد مع اللغة حتى
في ألفاظ التفسير.
ولقد أجاد في المدارك في تفسيره له بالترسل والتبيين وحسن التأليف مشيرا
بالجمع المزبور إلى اتحاد المراد من هذه الألفاظ، بل الظاهر ذلك حتى مما ذكره في الذكرى
وفوائد الشرائع، وعن تعليق النافع من تفسيره بحفظ الوقوف وأداء الحروف،
ضرورة إرادة البيان من الأداء كما عبر به في المحكي عن المفاتيح تبعا للمروي عن
أمير المؤمنين (ع) أو في إحدى الروايتين عنه، كما أن التعبير بالأداء تبعا
للمروي عن ابن عباس، وفي فوائد الشرائع أي كمال الأداء، وفي جامع المقاصد المراد
بالتبيين المأخوذ في تعريف الترتيل ما زاد على القدر الواجب من التبيين.
فعلم من ذلك كله اتحاد المراد من البيان والأداء، وقد يراد ما يشمل الوقوف

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1 - 4
394

من الترسل والتوأدة والتشبيه بالثغر المفلج، قال في كشف اللثام: (كأنه عنى بحفظ
الوقوف أن لا يهذ هذ الشعر ولا ينثر نثر الرمل) قلت: ويؤيده روايتهما معا في
تفسيره بذلك عن أمير المؤمنين (ع)، فالمناسب للجمع بينهما إرادة معنى كل
منهما من الآخر، فما في الروضة - من أن معناه لغة الترسل والتبيين بغير بغي، وشرعا
ما في الذكرى، بل في المحكي عن الروض أنه اختلفت العبارة عنه شرعا، وذكر ما في
المعتبر والنهاية والذكرى، بل عنه في المسالك التصريح بأن له ثلاثة معاني، وذكر ما في
الكتب الثلاثة فيه ما لا يخفى.
كما أن ما في النفلية - من تفسيره تبعا لعلماء التجويد بتبيين الحروف بصفاتها
المعتبرة من الهمس والجهر والاستعلاء والاطباق والغنة وغيرها والوقف التام والحسن
وعند فراغ النفس مطلقا - لا يخلو من نظر أيضا، ضرورة عدم دليل على استحباب
الوقوف المصطلحة عند القراء فضلا عن أن تكون داخلة في مفهوم الترتيل وإن ذكر
المصنف (و) غيره أنه يستحب (الوقوف على مواضعه) المقروة المعروفة عندهم بالحسن
والتام، وقد قالوا: إن في جميع القرآن خمسة آلاف وثمانية وعشرين وقفا، والظاهر
إرادتهم التام، عشرة منها مخصوصة مضبوطة تسمى وقف غفران، لما روي عنه (صلى الله عليه وآله)
(إن من ضمن لي أن يقف على عشرة مواضع ضمنت له الجنة) والوقوف
الواجبة ثلاثة وثمانين وقفا، منها الوقف على لفظ الجلالة في قوله تعالى (1): (لا يعلم
تأويله إلا الله) مما هو معلوم البطلان، بل رووا عن الإمام أبي منصور أنه جعل الوقف
الحرام ثمانية وخمسين وقفا، وإن من وقف على واحد منها متعمدا كفر، وجعل منها
الوقف على (صراط الذين) وعلى (ملك سليمان) إلى غير ذلك مما زخرفوه واختلقوه
ومنه تقسيمهم الوقف إلى التام والحسن والكافي والقبيح، وأن المراد بالتام ما لا تعلق له

(1) سورة آل عمران - الآية 5
395

بما بعده لا لفظا ولا معنى، وأكثر ما يوجد في الفواصل ورؤوس الآي وربما وجد
قبلها نحو (أذلة) الذي هو آخر آية بلقيس، وبعدها نحو (مصبحين وبالليل) الذي
هو معطوف على المعنى أي بالصبح وبالليل، وبالحسن ما له تعلق من حيث اللفظ فحسب
كالحمد لله، وبالكافي ما له تعلق من حيث المعنى فحسب كقوله تعالى: (لا ريب فيه
(ومما رزقناهم) وربما اشترط فيه أن يكون ما بعد الموقوف عليه متعلقا به تعلقا
إعرابيا، والقبيح الذي لا يفيد معنى مستقلا كالوقف على الشرط والمضاف، فالوقف
التام في الفاتحة حينئذ أربعة، على البسملة والدين ونستعين وآخرها، والحسن عشرة،
بسم الله والرحمن ولله والعالمين والرحمن والرحيم ونعبد والمستقيم، وعلى أنعمت عليهم
وعلى غير المغضوب عليهم، أو أحد عشر بادخال الصراط، وتعليل ذلك بأنهما معا
يفيدان تحسين الكلام فيستحبان كما ترى، كالاستدلال عليه بكراهة قراءة السورة
بنفس واحد، ضرورة أعمية ذلك من هذا الاصطلاح الحادث الناشئ مما تخيلوه في
المراد بالآيات التي لا يعلم تفسيرها إلا الله، فربما وقفوا في مكان لا ينبغي الوقف فيه،
لتخيلهم التمام وكان الواقع خلافه، كوقفهم على لفظ الجلالة في آية الراسخين، ودعوى
أن المراد المحافظة على معنى الوقف التام والحسن فلا يقدح اشتباههم في بعض مواضعه
لتخيلهم وجود المعنى يدفعه أنه لا دليل على ذلك أيضا، ضرورة حدوث هذا الاصطلاح
فلا يتجه إرادتهما من هذا اللفظ الواقع في المروي (1) عن أمير المؤمنين (ع)
في تفسير الترتيل أنه حفظ الوقوف وأداء الحروف بناء على صحة الرواية، وإلا فقد
قال في الحدائق: إني لم أقف عليها في كتب الأخبار، ويحتمل أن تكون من طرق
العامة وإن استسلفها أصحابنا في هذا المقام.
على أن ذكر المصنف وغيره استحباب ذلك بعد الترتيل يومي إلى عدم دخوله فيه

(1) تفسير الصافي - المقدمة الحادية عشر
396

ولقد أجاد والد المجلسي فيما حكي عنه وإن كان لا يخلو من النظر في بعض ما حكي
يعرف مما ذكرناه، قال: لم يثبت عندي استحباب رعاية ما اصطلح عليه أهل التجويد
من الوقف اللازم والتام والحسن والكافي والجائز والمجوز والمرخص والقبيح، لأنها
من مصطلحات المتأخرين ولم يكن في زمان أمير المؤمنين (ع)، فلا يمكن حمل
كلامه عليه إلا أن يقال غرضه (ع) رعاية الوقف على ما يحسن بحسب المعنى
أو على ما يفهمه القاري، ولا ينافي حدوث تلك الاصطلاحات، ثم قال: ويرد عليه
أيضا أن هذه الوقوف إنما وضعوها على حسب ما فهموه من تفاسير الآيات، وقد
وردت الأخبار (1) الكثيرة في أن معاني القرآن لا يفهمها إلا أهل بيت نزل عليهم
القرآن، ويشهد له إنا نرى كثيرا من الآيات كتبوا فيها نوعا من الوقف بناء على
ما فهموه، ووردت الأخبار المستفيضة بخلاف ذلك المعنى، كما أنهم كتبوا الوقف اللازم
في قوله سبحانه: (وما يعلم تأويله إلا الله) على آخر الجلالة، لزعمهم أن الراسخين في
العلم لا يعلمون تأويل المتشابهات، وقد وردت الأخبار (2) المستفيضة في أن الراسخين
في العلم هم الأئمة (ع) وهم يعلمون تأويلها، مع أن المتأخرين من مفسري
العامة والخاصة رجحوا في كثير من الآيات تفاسير لا توافق ما اصطلحوا عليه في الوقوف.
وأنت خبير أن ذلك كله يمكن دفعه بأن المراد لمحافظة على معنى الوقف التام
والحسن لا خصوص ما تخيلوه، وما ورد (3) من اختصاص علم القرآن بهم (ع)
لا ينافي اتباع الظاهر لنا مما لم يرد فيه نص منهم (ع)، ولعل التحقيق
قصر الندب في الوقوف على ما يندرج منه في الترتيل الثابت في القرآن وغيره، بل ربما

(1) أصول الكافي ج 1 - ص 228 (باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كله)
(2) أصول الكافي - ج 1 ص 213
(3) أصول الكافي ج 1 - ص 228 (باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كله)
397

كان ذلك هو المراد بالموضع والمحل ونحوهما المعبر بهما في المتن والقواعد وغيرهما لا وقوف
القراء كما صرح به جماعة، وهو الذي أو ماء إليه في كشف اللثام، حيث فسر المحل بما
يحسن الوقف فيه لتحسينه الكلام ودخوله تحت الترتيل، والأمر سهل بعد اتفاق
الأصحاب ودلالة النصوص كما في مجمع البرهان على عدم وجوب وقف، قيل وما ذكره
القراء واجبا أو قبيحا لا يعنون به معناه الشرعي كما صرح به محققوهم، فمتى شاء حينئذ
وصل، ومتى شاء وقف، لكن في كشف اللثام يجوز الوقف على كل كلمة إذا قصر النفس
وإذا لم يقصر على غير المضاف ما لم يكثر فيخل بالنظر ويلحق بذلك بالأسماء (الأسماء خ ل)
المعدودة، ولا يخلو استثناؤه من تأمل مع فرض عدم المانع المزبور، كالمحكي عن الشهيد
(رحمه الله) من منع السكوت على كلمة، ولعل مراده المخل بالنظم منه والمفوت للموالاة مطلقا.
وأما مراعاة صفات الحروف التي استفادوها من قوله (ع) في تفسير
الترتيل بتبيين الحروف في إحدى الروايتين فما له مدخلية في أصل طبيعة الحرف فلا ريب
في وجوبه، وأما الزائد فقد يشكل استحبابه لولا التسامح فضلا عن وجوبه، وقد
ذكروا أن الصفات الجهر والهمس والشدة والتوسط بين الشدة والرخاوة والاستعلاء
والاستفال والاطباق والانفتاح والانذلاق والاصمات، أما حروف الهمس فعشرة،
يجمعها (فحثه شخص سكت) والجهر فيما عداها، وحروف الشدة ثمانية، يجمعها
(أجدت طبقك) والمتوسطة خمس، يجمعها (أن عمر) والرخاوة ما عداهما، وحروف
الاستعلاء سبعة (قاص خ ض ط ع ظ) سميت بذلك لاستعلاء اللسان عند النطق
بها إلى الحنك، وحروف الاستفال ما عداها، سميت بذلك لانخفاض اللسان عند النطق
بها إلى قاع الفم، والاطباق (ص ض ط ظ) سميت بذلك لانطباق اللسان على ما حاذاه
عند خروجها، والانفتاح ما عداها، لانفتاح ما بين اللسان والحنك وخروج الريح من
بينهما عند النطق بها، والانذلاق (ل ر ن ب م ف) والاصمات ما عداها، فالضاد
398

حينئذ ليست حرفا شديدا، وإنما هو رخو كالظاء، بل عن البهائي أن أبا عمر وابن
العلاء وهو إمام في اللغة ذهبا إلى اتحادهما، وأقاما على ذلك أدلة وشواهد، وهو وإن
كان خلاف التحقيق، ضرورة كونهما متقاربي المخرج لا متحدين، لكنه أوضح شاهد
على بطلان ما يحكى عن عوام الخاصة وعلماء العامة من المصريين والشاميين من النطق
بها ممزوجة بالدال المفخمة والطاء المهملة معرضين عن الضاد الصحيحة الخالصة التي نطق
بها أهل البيت (ع)، وأخذ عنهم العراقيون والحجازيون، وهذا الاختلاف
على قديم الدهر وسالف العصر بين علماء الخاصة والعامة وإن حكي عن جماعة منهم
موافقة الخاصة في ذلك كالشيخ علي المقدسي الذي قد صنف في ذلك رسالة رجح بها
ضاد العراقيين والحجازيين، ورد عليه الشيخ علي المنصوري في رسالة ألفها أيضا، وكان
مما رد فيها عليه أن النطق بالضاد قريبة من الظاء ليس من طريق أهل السنة المتبعة،
وإنما هو من طريق الطائفة المبتدعة، وهي شهادة منه على طريقتنا المأخوذة يدا بيد إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) القائل: إني أفصح من نطق بالضاد، وفيه إشعار أيضا
بالمطلوب، ضرورة تيسر ضادهم لكل أحد حتى النساء والصبيان، فلا يناسب ذكر
اختصاصه (ع) بالأفصحية بخلاف الضاد الذي ذكرناه، فإنه مما يعسر فعله
بحيث يتميز عن الظاء كما اعترف به بعضهم، قال راجزهم:
والضاد والظاء لقرب المخرج * قد يؤذنان بالتباس المنهج
وقال آخر:
ويكثر التباسها بالضاد * إلا على الجهابذ النقاد
ويقرب من ذلك المحكي عن السخاوي والجرزي وابن أم القاسم، بل قال الأخير
منهم: (إن التفرقة بينهما محتاجة إلى الرياضة التامة) إلى غير ذلك مما ليس هذا محل
ذكره، نعم ينبغي أن يعلم أن المدار في صدق امتثال الأمر بالكلمة المشتملة على الضاد
399

صدق ذلك عليه في عرف القارين كغيره من الحروف، فوسوسة كثير من الناس في
الضاد وابتلاؤهم باخراجه ومعرفة مخرجه في غير محلها، وإنما نشأ ذلك من بعض جهال
من يدعي المعرفة بعلم التجويد من بني فارس المعلوم صعوبة اللغة العربية عليهم، وإلا
فمتى كان اللسان عربيا مستقيما خرج الحرف من مخرجه من غير تكلفه ضرورة، وإلا
لم يصدق عليه اسم ذلك الحرف عرفا كما هو واضح، وعلى ذلك بنوا وصف مخارج
الحروف وتقسيمهم لها إلى شفوية مثلا وغيرها لبعض الأغراض المتعلقة لهم بذلك،
وليس المقصود منه تميز النطق بالحروف قطعا، فإن ذلك يكفي فيه صدق الاسم وعدمه
ولا يحتاج إلى هذا التدقيق الذي لا يعلمه إلا الأوحدي من الناس، بل لا يمكن معرفته
على وجه الحقيقة إلا لخالق الخلق الذي أودعهم قوة النطق، والله أعلم.
(و) من المسنون أيضا (قراءة سورة بعد الحمد في النوافل) بل في الذكرى
وعن المعتبر الاجماع عليه، للنصوص (1) المستفيضة حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة
في قراءة السورتين أو ما شاء من السور فضلا عن السورة الواحدة، ولا معارض لها
إلا ما لا يأبى حمله على ما لا ينافي المطلوب من اختلاف مراتب الاستحباب وجهاته
كما لا يخفى على من لاحظ النصوص.
(و) كذا من المسنون (أن يقرأ) في الصلاة بسور المفصل، وهو كما نسبه
إلى أكثر أهل العلم في المحكي عن التبيان من سورة (محمد صلى الله عليه وآله) إلى آخر
القرآن، لكن (في الظهرين والمغرب بسور القصار) منه (كالقدر والجحد) وما
شابههما من الضحى إلى الناس (وفي العشاء) متوسطاته (كالأعلى والطارق وما
شاكلهما) من عم إلى الضحى (وفي الصبح) بمطولاته (كالمدثر والمزمل وما ماثلهما)

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب القراءة في الصلاة
400

من سورة محمد (صلى الله عليه وآله) إلى عم كما هو المشهور بين الأصحاب حكما وتفصيلا لكن أنكر بعض
متأخري المتأخرين عليهم ذلك، وأنه ليس في نصوصنا هذا الاسم فضلا عن التفصيل
المزبور، بل في الحدائق أن الظاهر أنهم تبعوا العامية فيه، مع أن كلامهم أيضا مشوش
فيه، قلت: روى الكليني بسنده إلى سعد الإسكاف (1) أنه قال: (قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): أعطيت السور الطوال مكان التوراة، والمئين مكان الإنجيل،
والمثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل ثمان وستين سورة، وهو مهيمن على سائر
الكتب) ولعله هو الذي أشار إليه في المحكي عن مجمع البحرين أن في الخبر المفصل ثمان
وستون سورة، خصوصا بعد قوله أيضا: وفي الحديث وفضلت بالمفصل، قيل والعدد
المزبور منطبق على ما ذكرناه من البداية والنهاية، ومنه يظهر ضعف القول بأنه من ق
أو من الضحى أو من الحجرات أو من الجاثية أو من الصافات أو من الصف أو من
تبارك أو من الفتح أو من الرحمن أو من الانسان أو من سبح، ولا خلاف أجده في
آخره، وفي المحكي عن دعائم الاسلام (2) (لا بأس أن يقرأ في الفجر بطوال المفصل
وفي الظهر والعشاء الآخرة بأواسطه، وفي العصر والمغرب بقصاره) وهو مخالف للمشهور
في الظهر خاصة، كما أن صحيح ابن مسلم (3) عن الصادق (ع) كذلك أيضا
قال: (أما الظهر والعشاء الآخرة يقرأ فيهما سواء، والعصر والمغرب سواء، وأما
الغداة فأطول، وأما الظهر والعشاء الآخرة فسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها
ونحوها، وأما العصر والمغرب فإذا جاء نصر الله وألهكم التكاثر ونحوها، وأما الغداة
فعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية ولا أقسم بيوم القيامة وهل أتى على الانسان

(1) أصول الكافي - ج 2 ص 1 - 6 - كتاب فضل القرآن - الحديث 10
(2) المستدرك - الباب - 36 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
401

حين من الدهر) فيراد بنحوها حينئذ فيه الإشارة إلى الصنف المزبور كخبر عيسى بن
عبد الله القمي (1) عنه (ع) أيضا (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يصلي الغداة بعم يتساءلون وهل أتاك حديث الغاشية وشبههما، وكان يصلي المغرب
بقل هو الله وإذا جاء، وكان يصلي العشاء بنحو ما يصلي في الظهر، والعصر بنحو من
المغرب) ولترجيح ذلك على المشهور بصحة السند وغيره اختاره العلامة الطباطبائي في
منظومته، فقال:
واختر طوال سور المفصل * للصبح والقصار للعصر اجعل
ونحوها المغرب واختر الوسط * للظهر واسلك للعشاء ذا النمط
هذا، ولكن قد ورد في بعض النصوص أن أفضل ما يقرأ في سائر الفرائض
بالقدر والتوحيد، كخبر أبي علي بن راشد (2) قلت لأبي الحسن (ع):
(جعلت فداك أنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه أن أفضل ما يقرأ في الفرائض إنا
أنزلناه وقل هو الله أحد، وأن صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر، فقال (ع):
لا يضيق صدرك بهما فإن الفضل والله فيهما) بل في المروي (3) عن كتاب الغيبة
للطوسي والاحتجاج من التوقيع (أنه كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى
صاحب الزمان (ع) فيما كتبه وسأله عما روي في ثواب القرآن في الفرائض
وغيرها أن العالم (ع) قال: عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه في ليلة القدر
كيف تقبل صلاته، وروي ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بقل هو الله أحد، وروي من
قرأ في فرائضه الهمزة أعطي من الثواب قدر الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ الهمزة ويدع

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 مع نقصان
في الجواهر
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 6
402

هذه السور التي ذكرناها مع ما قد روي أنه لا تقبل صلاة ولا تزكوا إلا بهما؟ التوقيع
الثواب في السورة على ما قد روي، وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ قل هو الله
وإنا أنزلناه لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك، ويجوز أن يقرأ
غير هاتين السورتين، ويكون صلاته تامة، ولكنه يكون قد ترك الأفضل) إلى غير
ذلك، مضافا إلى ما ورد (1) في وصف الثواب بقراءتهما من غير تعرض للأفضلية،
ولعله لذلك قال الصدوق فيما حكي عنه: أفضل ما يقرأ في الصلوات في اليوم والليلة في
الركعة الأولى الحمد وإنا أنزلناه، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد إلا في صلاة العشاء
الآخرة ليلة الجمعة - إلى أن قال -: وإنما يستحب ذلك لأن القدر سورة النبي (صلى الله
عليه وآله) وأهل بيته (ع) فيجعلهم المصلي وسيلة إلى الله، لأنه بهم وصل
إلى معرفته، وأما التوحيد فالدعاء على أثرها مستجاب، وهو قنوت، وكان الأولى
الاستدلال بما عرفت، لعدم اقتضاء التعليل المزبور الأفضلية، والأمر في ذلك كله
سهل، إذ الظاهر اختلاف ذلك بعض الضمائم التي يضمها المكلف والاعتبارات
التي تعرض له.
لكن ينبغي المحافظة على ما ورد في خصوص الأيام من الجمعة وغيرها مما ذكره
المصنف بقوله: (وفي غداة الخميس والاثنين بهل أتى) وفاقا للشيخ وأتباعه كما في
المدارك، والمشهور كما في الحدائق إلا أنا لم نتحققه، بل ظاهر اقتصار المنتهى على
نسبته إلى الشيخ خلافها، كما أنا لم نتحقق ما يدل على استحباب السورة المزبورة في
الركعتين معا على وجه يكون به أفضل من غيرها، وقول أبي جعفر (ع) في
المروي (2) عن ثواب الأعمال مسندا: (من قرأ هل أتى على الانسان في كل غداة

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب القراءة في الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 وفي الوسائل
(وحورا) بدل (وجواره)
403

خميس زوجه الله من الحور العين ثمانمائة عذراء، وأربعة آلاف ثيب، وجواره من
الحور العين، وكان مع (محمد صلى الله عليه وآله)) لا دلالة فيه على ذلك، ضرورة
أعمية ذلك من الأفضلية، اللهم إلا أن يدعى ظهور تعرضه (ع) لبيان
خصوص ذلك فيها، أو المراد الأفضلية من حيث معرفة مقدار ثوابه دون غيره،
ولا ريب في رجحان اختياره على غير المعلوم، لكن لا دلالة فيه على اعتبار قراءتها
في الركعتين معا في حصول ذلك، بل يكفي قراءتها في الركعة الأولى مع قراءة الغاشية
في الركعة الثانية كما دل عليه غيره (1) وأفتى به في الفقيه والبيان والدروس واللمعة
والنفلية والموجز الحاوي وإرشاد الجعفرية والروضة والفوائد الملية والمنظومة الطباطبائية
وكشف اللثام على ما حكي عن البعض، بل في الأخير تفسير نحو المتن به على إرادة
قراءتها في الركعة الأولى منها، ففي خبر رجاء بن الضحاك (2) (إن الرضا (ع)
كان يقرأ في صلاة الغداة يوم الاثنين والخميس في الأولى الحمد وهل أتى،
وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية) وقال في المحكي عن الفقيه: فإن من قرأهما
فيها كفاه شر اليومين وقد حكى من صحب الرضا (ع) إلى خراسان لما أشخص
إليها أنه كان يقرأ في صلاته بالسور التي ذكرناها مشيرا بذلك إلى الخبر المذكور المتضمن
لقراءة السورتين في الغداتين ولغيرهما من السور في غيرهما، كما أنه لعله أشار بما ذكره
من التعليل أولا إلى المروي عن مجالس أبي علي ولد الشيخ الطوسي مسندا بل قيل
صحيحا إلى علي بن عمر العطار (3) قال: (دخلت على أبي الحسن العسكري (ع)
يوم الثلاثاء فقال: لم أرك أمس قال: كرهت الحركة يوم الاثنين، قال:
يا علي، من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ أول ركعة من صلاة الغداة هل

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) المستدرك - الباب - 38 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
404

أتى، ثم قرأ أبو الحسن (ع) فوقيهم الله شر ذلك اليوم ولقهم نضرة
وسرورا) والله أعلم.
(وفي المغرب والعشاء ليلة الجمعة بالجمعة والأعلى) وفاقا للمرتضى والصدوق
والشيخ وأكثر الأصحاب كما في المدارك، والأشهر الأظهر وعليه الفتوى كما في الذكرى
والمشهور كما في الحدائق، بل عن انتصار الأول أنه مما انفردت به الإمامية، وعليه
إجماعها، وهو الحجة بعد قول الصادق (ع) في خبر أبي بصير (1): (اقرأ
في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى) والرضا (ع) في خبر البزنطي (2)
المروي عن قرب الإسناد (تقرأ في ليلة الجمعة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى) وخبر
منصور بن حازم (3) المروي عن ثواب الأعمال عن الصادق (ع) (الواجب
على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ الليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك الأعلى
- إلى أن قال -: فإذا فعل ذلك فإنما يعمل بعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنة) والمناقشة فيها بعدم تنصيصها على قراءة الأولى في
الأولى والثانية في الثانية، ولا على ذلك بالنسبة إلى كل منهما تندفع بانسياق التشريك
والترتب إلى الذهن منها وإن لم نقل إن الواو له، وخصوصا مع ملاحظة عبارات
الأصحاب المفهوم منها ذلك، ولذا جعله من معقد الشهرة في الحدائق، ومع المحكي من
فعل الرضا (ع) في خصوص العشاء الآخرة، كما أنه لا وجه لعدم الالتفات
إليها، خصوصا بعد اعتضادها بما عرفت، فما عن مصباح المرتضى والشيخ والاقتصاد
وكتاب عمل يوم وليلة من قراءة التوحيد في ثانية المغرب لخبر أبي الصباح الكناني (4)
عن الصادق (ع) (إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقل هو

(1) الوسائل - الباب 49 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 8 - 4
(2) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 11
(3) الوسائل - الباب 49 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 8 - 4
(4) الوسائل - الباب 49 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 8 - 4
405

الله أحد) المعتضد بما دل (1) على زيادة فضل قراءتها في الصلاة، وخصوصا المغرب (2)
لأنها من قصار المفصل، بل قال الكاظم (ع) لعلي بن جعفر (3) فيما رواه
الحميري عن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن (رأيت أبي يصلي ليلة الجمعة بسورة
الجمعة وقل هو الله أحد) وغير ذلك - لا ريب في ضعفه، إلا أن يراد به كخبره أنه
مستحب أيضا، ويرجح على غير الفرد المزبور، وأما بالنسبة إليه فلا ريب في رجحان
اختياره عليه بما سمعته، وكذا ما يحكى عن ابن أبي عقيل من قراءة المنافقين في ثانية
العشاء الآخرة لمرفوع حريز وربعي (4) إلى أبي جعفر (ع) (إن كان ليلة
الجمعة يستحب أن تقرأ في العتمة سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون) المعتضد بغيره
أيضا، خصوصا ظاهر مداومة علي بن جعفر (ع) (5) عليه، قال له أخوه
في المروي عن قرب الإسناد: (يا علي بما تصلي ليلة الجمعة؟ قلت: بسورة الجمعة
والمنافقين، فقال؟ رأيت أبي يصلي) إلى آخر الخبر الذي نقلناه آنفا، ونحو ذلك،
إذ هو أيضا ضعيف إلا أن يحمل على ما عرفت، ضرورة اشتراكهما فيما سمعت، ولعله
لذلك كله قال في المدارك وتبعه عليه غيره: وهذا المقام مقام استحباب، ولا مشاحة
في اختلاف الروايات فيه، كالعلامة الطباطبائي بعد أن ذكر ما نحن فيه وغيره مما
اختلفت فيه الرواية قال: والكل حسن.
(وفي صبيحتها بها وبقل هو الله أحد) وفاقا للشيخين وأتباعهما كما في المدارك
بل الأكثر كما في جامع المقاصد وغيره، بل المشهور كما في الحدائق، وعن الروض بل
عن الخلاف الاجماع عليه، بل لعله محصل في السورة الأولى، أما الثانية فعن الصدوق

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(3) الوسائل الباب - 49 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9 - 3 - 9
(4) الوسائل الباب - 49 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9 - 3 - 9
(5) الوسائل الباب - 49 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 9 - 3 - 9
406

والمرتضى إبدالها بالمنافقين مدعيا ثانيهما الاجماع عليه وأنه مما انفردت به الإمامية،
والتتبع يشهد بخلافه، كخبر أبي الصباح (1) وأبي بصير (2) وابن أبي حمزة (3) وإن كان
مقتضى الجمع بينها وبين مرفوعة ربعي وحريز (4) وصحيح زرارة (5) المروي عن العلل
والرضوي (6) والمحكي من فعل الرضا (ع) في طريقه إلى خراسان (7) التخيير
بينها وبين المنافقين كما عن الحسن، بل والأعلى للمروي عن قرب الإسناد (8) من فعل
الصادق (ع) على التسوية، أو التفاوت إن لم نشترط المقاومة في نحو المقام،
وإن لم أجد من ذكر الأخير فردا للتخيير فضلا عن التعيين، وإلا كان الأول متعينا،
ثم لا يخفى أن المراد قراءة الأولى في الركعة الأولى، والثانية في الثانية كما نص عليه
في بعض نصوص المقام.
(وفي) الجمعة و (الظهرين) منها (بها وبالمنافقين) على المشهور بين الأصحاب
بل عن الانتصار الاجماع عليه، كما عن الغنية على خصوص الجمعة، وبهما - مع اعتضادهما
بالشهرة والأصل والاطلاقات ونفي التوقيت للقراءة في بعض النصوص (9) المحمول
على إرادة نفي التعيين، وخصوص نفي البأس عن قراءة غير الجمعة في صلاة الجمعة متعمدا
في صحيح علي بن يقطين (10) وخبر سهل (11) والحكم باجزاء الأعلى والتوحيد فيها
أيضا في خبر يحيى الأرزق (12) كالأمر بالمضي في الصلاة مع تجاوز النصف من غير
سورة الجمعة في المحكي من فقه الرضا (ع) (13) وإشعار قوله (ع):

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4 - 2 - 10 - 3 - 6 - 5 - 9 - 1
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) المستدرك - الباب - 37 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(10) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 - 4 - 5
(11) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 - 4 - 5
(12) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 - 4 - 5
(13) المستدرك - الباب - 53 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
407

لا ينبغي أن يقرأ بغير الجمعة والمنافقين في صلاة الظهر في يوم الجمعة في صحيح زرارة (1)
المروي عن العلل، والأمر بقراءة التوحيد في الجمعة في السفر في خبر ابن يقطين (2)
وظهور (سنها ولا ينبغي) في صحيح ابن مسلم (3) أو حسنه، وما عساه يفوح من
قول الصادق (ع) (4) في صلاة الجمعة: (لا بأس بأن يقرأ فيها بغير الجمعة
والمنافقين إذا كنت مستعجلا) وغير ذلك - يخرج عما يظهر منه الوجوب، كالأمر
بالإعادة في صحيح عمر بن يزيد (5) أو حسنه لمن صلى الجمعة بغير الجمعة والمنافقين في
سفر أو حضر، والمراد الظهر في السفر، ونفي الصلاة لمن تركهما متعمدا في صحيح
زرارة (6) المروي عن العلل، كنفي الجمعة لمن لم يقرأهما فيها في خبر عبد الملك (7)
والأمر بقراءتهما في يوم الجمعة في صحيح الحلبي (8) أو حسنه بعد أن سأله عن الجهر
بالقراءة في الجمعة مع صلاتها منفردا أربعا، والأمر بالاتمام ركعتين لمن قرأ التوحيد في
صلاة الجمعة ثم الاستئناف في خبر صباح بن صبيح (9) وقول الصادق (ع)
في صحيح منصور بن حازم (10): (لا شئ موقت في القراءة في الصلاة إلا الجمعة
يقرأ بالجمعة والمنافقين) وقوله (ع) أيضا في صحيح سليمان بن خالد (11)
جواب السؤال عن الجمعة: (القراءة في الركعة الأولى بالجمعة، وفي الثانية بالمنافقين)
إلى غير ذلك.

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 3 - 7 - 1 - 6 والثاني خبر محمد بن مسلم
(4) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 72 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2
(6) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(8) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(9) الوسائل - الباب - 72 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2
(10) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(11) تقدم آنفا تحت رقم 3.
408

ويحمل على تأكد الاستحباب كما ورد نظيره في ناسي الأذان والإقامة (1)
وصلاة جار المسجد (2) ونحوهما، خصوصا مع شهادة بعضها على بعض، بل في الخبر
الواحد منها ذلك كما يظهر بأدنى تأمل، فما عن الصدوق والتقي بل عن الفوائد الملية
نسبته إلى جماعة وإن كنا لم نتحققه - من إيجاب السورتين للمختار في ظهر الجمعة جمعا
بين الأخبار، ويلزمهما الجمعة بالأولى كما قيل، أو يريدان به ما يشملها لتضمن كثير
من الأدلة إياها، بل عن المرتضى في مصباحه إيجابهما فيها من غير تعرض للظهر -
ضعيف وإن كان الأحوط عدم تركهما إلا للعذر كالسفر والمرض وخوف فوات الحاجة
بل أحوط منه الاقتصار على الأعذار الصالحة لاسقاط الواجب.
والظاهر أنه إلى هذا القول أشار المصنف بقوله: (ومنهم من يرى وجوب
السورتين في الظهرين وليس بمعتمد) لكن فيه أنا لم نعرف من قال بوجوبهما في العصر
إذا المحكي عن الصدوق الظهر دونه، بل هو صريح في عدم وجوبهما فيه، ولذا أنكر
بعض من تأخر عنه ما يحكى عن معتبره من نسبة ذلك إلى الصدوق، وفيه أن المحكي عن
بعض نسخه المعتبرة عدم هذه النسبة، ولعله أراد بما في المتن غيره، فلا يتم الانكار
حينئذ عليه، أو يريد بالظهرين فيه الجمعة والظهر وإن كان بعيدا، والأمر سهل.
(و) من المسنون أيضا القراءة (في نوافل النهار بالسور القصار) كما في المبسوط
والتحرير والذكرى وعن الدروس وظاهر جامع الشرائع، ومن المفصل كما في القواعد
والنفلية، ولعله لأن القصار فيه لا غير، كما أنه لعل المستند في أصل الحكم - بعد
فتوى من عرفت به وأنه مما يتسامح فيه - مزاحمة وقت نوافل النهار لوقت الفريضة

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الأذان والإقامة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أحكام المساجد - الحديث 1
409

المأمور بالمحافظة عليه، حتى ورد (1) في نافلة الزوال - التي هي أفضل النوافل وصلاة
الأوابين (2) وقد كرر النبي (صلى الله عليه وآله) (3) الوصية لعلي (ع)
بها ثلاثا - (إنك خففها ما استطعت) كما أنه ورد (4) فيها القراءة بالتوحيد، وفي
المبسوط أنه أفضل، وفي مصباح الشيخ (5) (روي أنه يستحب أن يقرأ في كل
ركعة - يعني من نوافل الزوال - الحمد وإنا أنزلناه وقل هو الله أحد وآية الكرسي)
وفي خبر الميثمي (6) الطويل تفصيل ما يقرأ في كل ركعة من نوافل الزوال، وليس
فيه ذكر للسورة الطويلة، بل ليس إلا القصار وبعض الآيات، فلا حظ هذا كله مضافا
إلى العمل في سائر الأعصار والأمصار بالنسبة إلى نوافل الظهرين من نوافل النهار،
ولعل غيرهما أولى بذلك منهما إن كان المراد من نحو المتن مطلق من يصلى في النهار من
النوافل، وقد يستظهر خلافه وأن المنساق من نحو العبارة خصوصهما.
(و) كيف كان فيستحب أن (يسر بها) بلا خلاف أجده فيه، بل في المنتهى
والذكرى وعن جامع المقاصد والمعتبر وغيرها الاجماع عليه، مضافا إلى النصوص (7).
(و) المسنون (في) نوافل (الليل) القراءة (بالطوال) كما في التحرير
وغيره وعن المراسم ونهاية الإحكام والدروس وغيرها، ومن المفصل كما في القواعد
والنفلية، وفي خصوص الست أو الثمان من صلاة الليل صرح غير واحد من الأصحاب
بل في الذكرى ومصابيح الطباطبائي نسبته إليهم مشعرين بالاجماع عليه، بل في الثاني
نسبته مع ذلك إلى فعل السلف، ولعله الحجة مؤيدا بالاستعانة بذلك على حفظ القرآن

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 0 - 2 - 1
(5) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 0 - 2 - 1
(6) الوسائل - الباب 13 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 0 - 2 - 1
(7) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب القراءة في الصلاة
410

والتدبر في معانيه، وقوله تعالى (1): (أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) وقوله
سبحانه (2): (فاقرأوا ما تيسر من القرآن) وقوله عز وجل (3): (يتلون آيات
الله آناء الليل وهم يسجدون) وما ورد (4) في تمثيل القرآن يوم القيامة، وقوله
للقارئ (5): (أنا الذي أسهرت ليلك وأنصبت عينك) وخبر إسحاق بن عمار (6)
عن الصادق (ع) (من قرأ مائة آية يصلي بها في ليلة كتب الله له بها قنوت
ليلة، ومن قرأ مائتي آية في غير صلاة لم يحاجه القرآن يوم القيامة، ومن قرأ خمسمائة
آية في يوم وليلة في صلاة الليل والنهار كتب الله له في اللوح المحفوظ قنطارا من
حسنات، والقنطار ألف ومائتا أوقية، والأوقية أعظم من جبل أحد) وخبر جابر
ابن إسماعيل (7) المروي في الفقيه وغيره المشتمل على جواب السؤال عن قيام الليل
بالقرآن، وتفصيل فضل الصلاة في الليل، وما روي في وصية أمير المؤمنين (ع)
لابنه محمد بن الحنفية (وعليك بتلاوة القرآن والتهجد به) إلى غير ذلك من النصوص
الدالة على فضل الاكثار من قراءة القرآن في الصلاة، وزيادة فضلها على القراءة في غير
الصلاة مما يطول ذكره، وكفى بذلك كله دليلا على مثل المقام الذي يتسامح فيه،
لكن في المدارك وغيرها وأما استحباب قراءة السور القصار في نوافل النهار والطوال
في نوافل الليل فلم أقف على رواية تدل بمنطوقها عليه، وربما أمكن الاستدلال عليه
بفحوى صحيح محمد بن القاسم (8) (سألت عبدا صالحا هل يجوز أن يقرأ في صلاة

(1) سورة المزمل - الآية 4 - 20
(2) سورة المزمل - الآية 4 - 20
(3) سورة آل عمران - الآية 109
(4) الوسائل - الباب - 1 من أبواب قراءة القرآن - الحديث. - 1 وفي الثاني (عيشك) بدل (عينك)
(5) الوسائل - الباب - 1 من أبواب قراءة القرآن - الحديث. - 1 وفي الثاني (عيشك) بدل (عينك)
(6) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2
(7) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2
(8) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4
411

الليل بالسورتين والثلاث فقال: ما كان من صلاة الليل فاقرأ بالسورتين والثلاث،
وما كان من صلاة النهار فلا تقرأ إلا بسورة سورة) وهو كما ترى، ضرورة أولوية
فحوى غيره من كثير من النصوص منه بالنسبة إلى ذلك كما لا يخفى على من لاحظها،
خصوصا بالنسبة إلى بعض السور، كالحواميم (1) ويس (2) والرحمن (3) والواقعة (4)
ونحوها مما ورد الترغيب على قراءتها في الصلاة، بل عن مصباح الشيخ أنه روي
استحباب قراءة مثل الأنعام (5) والكهف (6) والأنبياء (7) في الست من صلاة الليل.
(و) على كل حال فينبغي أن (يجهر بها) عكس صلاة النهار (8) نصا وإجماعا
محكيا سمعته من الكتب السابقة في الاسرار.
(ومع ضيق الوقت) عن التطويل (يخفف) بالتبعيض أو قراءة القصار
للنص عليه أيضا.
(و) من المسنون أيضا (أن يقرأ بقل يا أيها الكافرون) والتوحيد (في
المواضع السبعة) بلا خلاف أجده فيه للحسن كالصحيح عن معاذ بن مسلم (9) عن الصادق
(ع) (لا تدع أن تقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في سبع
مواطن في الركعتين قبل الفجر، وركعتي الزوال، وركعتين بعد المغرب، وركعتين
في أول صلاة الليل، وركعتي الاحرام والفجر إذا أصبحت بها، وركعتي الطواف)
والمراد بالاصباح بالغداة انتشار الصبح وذهاب الغسق. وظاهر قول المصنف: (ولو

(1) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب القراءة في الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب القراءة في الصلاة
(5) مصباح المتهجد للشيخ قده ص 97
(6) مصباح المتهجد للشيخ قده ص 97
(7) مصباح المتهجد للشيخ قده ص 97
(8) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب القراءة في الصلاة
(9) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
412

بدأ فيها بسورة التوحيد جاز) أن المستحب البدأة بالجحد، وهو أحد القولين في
المسألة اختاره الشيخ في موضع من مبسوطه وعن نهايته، والفاضل في ظاهر القواعد
وغيرها، والثاني العكس، وهو المحكي عن الموضع الآخر من الكتابين والصدوقين
وابن سعيد، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي نسبته إلى الأكثر، ولعله الأظهر،
لقول الشيخين، وفي رواية (1) (إنه يبدأ في هذا كله بقل هو الله أحد، وفي الركعة
الثانية بقل يا أيها إلا في ركعتي الفجر، فإنه يبدأ فيهما بالجحد) وهي صريحة في المطلوب
ولا ينافيها الرواية الأولى، بل ربما كان فيها باعتبار الترتيب الذكري إشعار بتقديم
التوحيد، ويشهد لذلك ما عن فقه الرضا (ع) (2) فإنه قال في الركعتين الأوليين
من صلاة الليل: (واقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وفي الثانية
بقل يا أيها الكافرون، وكذلك في ركعتي الزوال) وما عن المصباح (3) عن الصادق
(ع) (إذا أردت صلاة الليل ليلة الجمعة فاقرأ في الركعة الأولى قل هو الله
أحد وفي الثانية قل يا أيها الكافرون) وحسن معاوية بن عمار (4) عن الصادق (ع)
(إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم (ع) فصل ركعتين،
واقرأ في الأولى سورة التوحيد، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون) نعم قد يعارض
ذلك بما في حديث رجاء بن الضحاك (5) المتضمن لما كان يعمله الرضا (ع)
في طريق خراسان أنه كان يقرأ في الأولين من نافلة الزوال والمغرب بالجحد، والتوحيد

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(2) فقه الرضا عليه السلام ص 13
(3) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب الطواف - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 24 عن رجاء
ابن أبي الضحاك
413

في الثانية، ولا ريب أن الأول أرجح لو فرضت المعارضة، فتأمل.
(و) كذا يستحب أن (يقرأ في أولتي صلاة الليل قل هو الله أحد ثلاثين
مرة) وفاقا للمشهور لخبر زيد الشحام (1) المروي عن المجالس عن الصادق (ع)
بل قيل: إنه رواه في الهداية والفقيه والتهذيب لكن مرسلا، قال: (من قرأ في
الركعتين الأوليين من صلاة الليل ستين مرة قل هو الله أحد في كل ركعة ثلاثين مرة
انفتل وليس بينه وبين الله عز وجل ذنب) والمحكي من فعل الرضا (ع) في
طريق خراسان في خبر رجاء بن الضحاك (و) أما القراءة (في البواقي) من الثمان
من صلاة الليل (بسور الطوال) كما صرح به غير واحد فلما عرفته سابقا في سائر
نوافل الليل، إنما الكلام في الجمع بين ما سمعته في الأوليين وما تقدم آنفا من قراءة
الجحد في سبعة مواطن، بل وما تقدم أيضا من استحباب قراءة الطوال في مطلق نوافل
الليل التي هاتان الركعتان منها، لكن قد يدفع الثاني أن الذي يظهر من ملاحظة كلام
الأكثر إرادة استثناء هاتين الركعتين من ذلك العموم، خلافا للذكرى فأسند قراءة
الطوال في الثمان إلى الأصحاب، وإلا فاحتمال العمل بهما جميعا أو التخيير بين الكيفيتين
بعيد، بل لم أجد من احتمله، نعم قد احتملا معا في الأول، بل وإرادة ركعتي الورد
من خبر الثلاثين كما عن الشهيد في النفلية، قيل: وحكاه في بعض فوائده عن شيخه
عميد الدين، ولا ريب في بعده، وأقرب منه إرادتهما حينئذ من خبر الجحد لموافقته
الموظف في تلك الصلاة من أنهما ركعتان خفيفتان تقرأ في الأولى منهما بالتوحيد وفي
الثانية بالجحد، وإن كان هو بعيدا أيضا، وأما احتمال التخيير لتعارض جهات الترجيح
لشهرة الروايتين نقلا وعملا - وإن رجحت رواية الثلاثين بعظم الثواب، وما ورد
في فضل سورة التوحيد، وأنها تعدل ثلث القرآن، وكونها أحمز وأشق، مع سلامتها

(1) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
414

من الاختلاف الواقع في تلك الرواية رجحت رواية الجحد من حيث السند، لتردده
بين أن يكون صحيحا أو حسنا كالصحيح بخلاف الرواية الأخرى، فإنها مترددة بين
الارسال والضعف بالحسن بن أحمد المالكي وهو مجهول، ومنصور بن عباس وهو ضعيف
كما قيل، والعدد فإن الروايات المطابقة لها أكثر من الأولى، والمحل بوجودها في الكافي
والفقيه والتهذيب، والقرائن لثبوت الاستحباب في بقية السبع من غير معارض، وفي
الدلالة فإن النهي عن الترك أدل على التأكيد من الأمر بالفعل - فلا يخلو من وجه.
نعم قد يقال: إن الترجيح إنما هو بعد المعارضة، وليست بعد معلومية عدم
مانعية القران في النافلة، وعدم ظهور شئ من الروايات في أن كلا منهما كيفية
مستقلة، فلعل الأقوى حينئذ وفاقا لكشف اللثام وغيره بل لعله محتمل المتن الجمع
بينهما بتقديم قراءة التوحيد في الأولى إحدى وثلاثين مرة بناء على المختار سابقا من
البدأة بها، وقراءة الجحد وثلاثين مرة قل هو الله أحد في الثانية، وأما ما قيل - من
أنه بناء على ما روي (1) من الجحد في الثانية لا إشكال، فإن قراءة التوحيد في الأولى
ثلاثين مرة محصل لقراءة التوحيد فيها في الجملة - ففيه أن المروي قراءة التوحيد ثلاثين
مرة في كل من الركعتين، فالاشكال بحاله، على أن الظاهر من تعدد الأوامر تعدد
المأمور به، فينبغي قراءة الإحدى وثلاثين لا الاجتزاء بالثلاثين، إذ احتمال جعل الأمر
الأول لمطلق الطبيعة التي تحصل بوظيفة الثلاثين بعيد، لمعلومية أصالة عدم التداخل.
فظهر لك حينئذ من ذلك كله ما في المحكي عن ابن إدريس من وجهين أو وجوه
قال: وقد روي في الثانية من الركعتين الأولتين بدل الثلاثين مرة قل هو الله أحد
قل يا أيها الكافرون، وهو مذهب الشيخ المفيد، والأولى أظهر في الرواية، وهو
مذهب شيخنا أبي جعفر، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القراءة في الصلاة
415

كما أنه قد ظهر لك من مجموع ما ذكرنا إمكان كيفيات ثلاثة لصلاة الليل: الأولى
ما سمعته من قراءة المجموع في الأولتين، والباقي بطوال السور الثانية الاقتصار على
الستين في الأولتين، والباقي بطوال المفصل كما هو ظاهر القواعد، أو مطلقا كالأنعام
والكهف والأنبياء كما عن المبسوط والنهاية في موضع منهما، والوسيلة والسرائر والتذكرة
والتحرير والدروس، ولعله ظاهر المتن أو محتمله، الثالثة قراءة التوحيد والجحد في
الأولين، والسور الطوال في الست بعدها كما عن جماعة من الأصحاب، قيل:
ووافقهم آخرون على السورتين في الأولين، وسكتوا عن الباقية وخيروا فيها بين
التطويل والتقصير، واختلفوا في كيفية قراءة السورتين، فعن المفيد وابن البراج وابن
زهرة قراءة التوحيد في الأولى ثلاثين مرة، والجحد في الثانية كذلك، ولم نقف له
على مستند، وأطلق الباقون، وظاهرهم الاكتفاء بالمرة فيهما، واختلفوا في الترتيب،
فمنهم من قدم التوحيد على الجحد، ومنهم من عكس كما عرفته سابقا مفصلا.
وربما ذكرت كيفيات أخر لها، منها ما عن المصباح من قراءة التوحيد في الأولين
ستين كالسابق، وقراءة المزمل والنبأ في الثالثة والرابعة، وقراءة مثل يس والدخان
والواقعة والمدثر في الخامسة والسادسة، وقراءة تبارك وهل أتى في السابعة والثامنة،
ولم نعثر له في النصوص على ما يشهد له، كالمحكي عن المقنعة من قراءة التوحيد ثلاثين
في كل من الثمانية، فيبلغ المجتمع منها مائتين وأربعين، قال: فإن لم يتمكن قرأها عشرا
عشرا، ويجزيه أن يقرأها مرة واحدة إلا أن تكرارها حسبما ذكرناه أفضل وأعظم
أجرا، بل وكذا ما ذكره الشهيد أيضا من قراءة السور في الجميع، ومن العجيب
نسبته ذلك إلى قول الأصحاب، ولم نعرف أحدا صرح بذلك إلا ما حكي عن سلار
اللهم إلا أن يكون أخذه من قولهم: يقرأ السور الطوال في نوافل الليل مع نصهم على
ذلك في الست، فتأمل جيدا.
416

ومنها قراءة خمس عشرة آية في كل ركعة مع إطالة الركوع والسجود بقدر ذلك
للصحيح عن محمد بن أبي حمزة (1) عن الصادق (ع) (كان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقرأ في كل ركعة خمس عشرة آية، ويكون ركوعه مثل قيامه
وسجوده مثل ركوعه، ورفع رأسه من الركوع والسجود سواء) إذ الظاهر أن ذلك
كان من صلاة الليل، كما يشهد له الصحيح (2) (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
كان يقوم بالليل، فيركع أربع ركعات، على قدر قراءته ركوعه، وسجوده على قدر
ركوعه، يركع حتى يقال متى يرفع رأسه ويسجد حتى يقال متى يرفع رأسه) وأورد
العلامة في المنتهى الحديث هكذا (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويقرأ في كل
ركعة من صلاة الليل خمس عشرة آية) وهو نص من المطلوب، ومقتضى الحديث أن
قراءته في الثمانية مائة وعشرون آية، ومقدار الشبه في القراءة والركوع والسجود نحو
من أربعمائة وثمانين آية، وقد يقال: بأن هذه ليست كيفية مستقلة، بل تضم هذه
الآيات إلى السور بقرينة أن المستحب قراءة سورة كاملة بعد الحمد في النافلة، فلا يحسن
من النبي (صلى الله عليه وآله) استمراره على خلافه، خصوصا وقد روي (3) عنه
(صلى الله عليه وآله) (أنه كان يقرأ في آخر صلاة الليل سورة الدهر) بل وكذا
ما ذكر لها من الكيفية أيضا من قراءة عشر آيات في كل ركعة على ما يقتضيه ظاهر
الموثق (4) (من قرأ خمسمائة آية في يوم وليلة في صلاة النهار والليل كتب الله له في

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الركوع - الحديث 1 لكن رواه عن محمد
ابن أبي حمزة عن أبي حمزة
(2) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
417

اللوح المحفوظ قنطارا من حسنات، والقنطار ألف ومائتا أوقية، والأوقية أعظم من
جبل أحد) بل وكذا الكيفية الأخرى أيضا، وهي قراءة التوحيد والقدر وآية الكرسي
في كل ركعة، للمروي عن ثواب الأعمال بإسناده عن أبي الحسن العبدي (1) عن
الصادق (ع) (من قرأ قل هو الله أحد وإنا أنزلناه وآية الكرسي في كل
ركعة من تطوعه فقد فتح الله بأفضل أعمال الآدميين إلا من أشبه أو زاد عليه)
خصوصا والذي فيه (من قرأ) بل وخصوصا مع قوله (ع): (أو زاد عليه)
ونحوه ما قيل أيضا من قراءة سورة المزمل في الجميع، لخبر منصور بن حازم (2) عن
الصادق (ع) (من قرأ سورة المزمل في العشاء الآخرة أو في آخر الليل كان
الليل والنهار شاهدين له مع سورة المزمل، وأحياه الله حياة طيبة، وأماته ميتة طيبة)
وأما الكيفية الأخرى - وهي قراءة التوحيد في الجميع، لما رواه صفوان الجمال (3)
قال: (سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: صلاة الأوابين الخمسون كلها بقل هو
الله أحد) فقد يحمل دليلها على إرادة الاجزاء، لخبر صفوان (4) أيضا عنه (ع)
(قل هو الله أحد تجزي في خمسين صلاة) كما أن الكيفية الأخرى لها أيضا لم نعرف
لها دليلا بالخصوص، وهي قراءة إحدى السور المنصوص عليها في النوافل كالزلزلة
والرحمن والحواميم، أو في مطلق الصلاة كالدخان والممتحنة والصف ون والحاقة ونوح
والانفطار والانشقاق والأعلى والغاشية والفجر والتين والتكاثر وأرأيت والكوثر
والنصر، ولنوع من الاعتبار جعل العلامة الطباطبائي جميع ما سميت كيفيات متعددة

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3 - 1
418

حتى أنهاها إلى ثلاثة عشر بضميمة ما في خبر رجاء بن الضحاك (1) معها وهو أنه كان
(ع) إذا صار الثلث الأخير من الليل قام من فراشه وعمل بالتسبيح والتحميد
والتكبير والتهليل والاستغفار، فاستاك ثم توضأ ثم قام إلى صلاة الليل، فصلى ثمان
ركعات، يسلم في كل ركعتين، يقرأ في الأولين منها في كل ركعة الحمد مرة وقل
هو الله أحد ثلاثين مرة، ثم يصلي صلاة جعفر بن أبي طالب أربع ركعات - إلى أن
قال -: ثم يقوم فيصلي الركعتين الباقيتين، يقرأ في الأولى الحمد وسورة الملك، وفي
الثانية الحمد وهل أتى) الحديث. والأمر في ذلك سهل حيث كان الأمر مندوبا
يتسامح فيه، والله أعلم.
(و) ينبغي أن (يسمع الإمام من خلفه القراءة) الجهرية كباقي الأذكار (ما لم
يبلغ العلو) المفرط (وكذا الشهادتين استحبابا) إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا
ونصا (2) قد تقدم سابقا ويأتي في الجماعة أيضا، والتقييد بما لم يبلغ العلو أي المفرط
للخروج عن الهيئة، ولخبر عبد الله بن سنان (3) كما سمعته فيما سبق وتسمعه فيما يأتي
إن شاء الله.
(و) من المسنون أيضا إجماعا محكيا عن الخلاف إن لم يكن محصلا ونصا أنه
(إذا مر المصلي بآية رحمة سألها وبآية نقمة تعوذ منها) قال (ع) في موثق سماعة (4): (ينبغي
لمن يقرأ القرآن إذا مر بآية من القرآن فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير
ما يرجو، ويسأله العافية من النار ومن العذاب) وفي مرسل البرقي (5) (فإذا مر بآية

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الفرائض - الحديث 24
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التشهد
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 1
419

فيها ذكر الجنة وذكر النار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار) نعم لا يطيل الدعاء
بحيث يخرج عن هيئة الصلاة أو نظم القراءة المعتادة، وإلا بطلت صلاته كما عن المعتبر
التصريح به، واستحسنه في المدارك، والظاهر جريان الاستحباب المزبور للمأموم أيضا،
لحسن الحلبي (1) سأل الصادق (ع) (عن الرجل يكون مع الإمام فيمر بالمسألة
أو بآية فيها ذكر جنة أو نار قال: لا بأس بأن يسأل عند ذلك، ويتعوذ من النار
ويسأل الله الجنة).
ويستحب أيضا أن يتعوذ أمام القراءة إجماعا في المنتهى والذكرى وكشف اللثام
والمحكي عن الخلاف والفوائد الملية والبحار، بل عن مجمع البيان نفي الخلاف فيه، وهو
مع بعض النصوص (2) الحجة في حمل الأمر في الآية (3) والبعض الآخر من النص (4)
على الاستحباب، فما عن أبي علي ولد الشيخ من القول بالوجوب شاذ وغريب، والأولى
الاقتصار عليه في الركعة الأولى وإن كان تعديته لكل ركعة يقرأ فيها بل وللقراءة
في غير الصلاة لا تخلو من قوة إن لم ينعقد الاجماع على خلافه، كما هو ظاهر بعضهم،
كما أن الأولى الاسرار به في الصلاة للاجماع المحكي عن الخلاف، ولما عن التذكرة
وإرشاد الجعفرية من أنه على ذلك عمل الأئمة (ع)، ولعل الخبر الفعلي (5)
بالاجهار محمول على تعليم التعوذ، فما عن بعض متأخري المتأخرين من التوقف في ذلك
والميل إلى الاجهار لا يخلو من نظر.
وصورته عند المشهور كما قيل: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)) وفي المحكي (6)

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب 57 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث. - 1 - 4
(3) سورة النحل - الآية 100
(4) الوسائل - الباب 57 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث. - 1 - 4
(5) الوسائل - الباب 57 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث. - 1 - 4
(6) المستدرك - الباب - 43 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 1
420

عن فقه الرضا (ع) وبعض كتب الأصحاب (أعوذ بالله السميع العليم من
الشيطان الرجيم) ولا يبعد التخيير بينهما كما عن المبسوط وجامع الشرائع وغيرهما،
وربما رجحت الصورة الأخيرة بما فيها من الوصف، وبقوة دليلها، لأنها رواها
البزنطي (1) والحميري (2) في قرب الإسناد عن صاحب الزمان (ع) وهي
التي قالها الإمام العسكري (ع) (3) في تفسيره، والمروي (4) في دعائم الاسلام
عن الصادق (ع)، بخلاف الصورة الأولى، فليس فيها إلا رواية الخدري (5)
والظاهر أنها عامية وإن رواها الشهيد في الذكرى، والأمر في ذلك كله سهل، كسهولة
الاتيان أيضا بما عن القاضي من زيادة (إن الله هو السمع العليم) في الصورة الثانية،
قيل: ولعل مستنده موثقة سماعة (6) إلا أن فيها (أستعيذ) كما عن بعض خطب
أمير المؤمنين (ع)، وعن نافع وابن عامر والكسائي (أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم إن الله هو السميع العليم) وعن حمزة (نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم).
وكذا يستحب أيضا الفصل بين الحمد والسورة بسكتة خفيفة أطول من الوقف
على الفواصل - وفي رواية حماد (7) الواردة في تعليم الصادق (ع) الصلاة
تقديرها بنفس بين الحمد والسورة - وبين السورة والتكبيرة لخبر إسحاق بن عمار (8)
عن الصادق عن أبيه (ع) (إن رجلين من أصحاب رسول الله (صلى الله
عليه وآله) اختلفا في صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكتب إلى أبي بن كعب

(1) الوسائل - الباب 57 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 7 - 6 - 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب تكبيرة الاحرام - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب قراءة القرآن - الحديث 1
(4) المستدرك - الباب - 43 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب 57 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 7 - 6 - 3
(6) الوسائل - الباب 57 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 7 - 6 - 3
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أفعال الصلاة - الحديث 1
(8) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
421

كم كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من سكتة؟ قال: كانت له سكتتان، إذا
فرغ من قراءة أم القران، وإذا فرغ من السورة) لكن عن ابن الجنيد أنه روى
سمرة وأبي بن كعب (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله) (إن السكتة الأولى بعد
تكبيرة الافتتاح، والثانية بعد الحمد) وفي المروي (2) عن الخصال عن الخليل عن
الحسين بن حمدان عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد بن ذريع عن سعيد بن أبي عروبة
عن قتادة عن الحسن (إن سمرة بن جندب وعمران بن حصين تذاكرا فحدث سمرة أنه
حفظ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سكتتين: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ
من قراءته عند ركوعه، ثم إن قتادة ذكر السكتة الأخيرة إذا فرغ من قراءته غير
المغضوب عليهم ولا الضالين، أي حفظ ذلك سمرة، وأنكر عليه عمران بن حصين،
قالا: فكتبنا في ذلك إلى أبي بن كعب، وكان في كتابه إليهما أو في رده عليهما أن
سمرة قد حفظ) وهو يخالف ما حكاه ابن الجنيد عنهما، وكيف كان فالعمل على ما ذكرناه
أولا، نعم قد يتوقف في استحبابهما إذا عمل المكلف بما ورد (3) من استحباب الحمد
بعد الفراغ من أم الكتاب، واستحباب بعض ما يقال أثر بعض السور، كقول:
(كذلك الله ربي) بعد التوحيد ونحوه، لمكان حصول الفصل بذلك، فلا يحتاج إلى
السكوت، أو لفوات محله حينئذ، وعلى تقدير عدم السقوط فهل محل السكتتين حينئذ
قبل القولين أو بعدهما؟ وجهان، إلى غير ذلك من مسنونات القراءة المذكورة في
الذكرى والنفلية وغيرهما من كتب الأصحاب، والله أعلم بحقيقة الحال.

(1) المستدرك - الباب - 34 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 1
(2) المستدرك - الباب - 34 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 4 و 6
إلى هنا تم الجزء التاسع من كتاب جواهر الكلام وقد بذلنا جهدنا في تصحيحه
ومقابلته للنسخة الأصلية المصححة بقلم المصنف طاب ثراه ويأتي الجزء العاشر إن شاء
الله آنفا.
عباس القوچاني
422