الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٤
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الرابع
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعيه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تيراژ: 2000 نسخه
نوبت چاپ: سوم
تاريخ انتشار: پائيز 1367
چاپ از: چاپخانه خورشيد
ناشر: دار الكتب الاسلامية - تهران، بإزار سلطاني، تلفن 520410
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(الفصل الخامس في أحكام الأموات)
عدا كيفية الصلاة، وإنما جمعت هنا حفظا عن الانتشار، وإلا فالمقصد بالذات
الغسل لكن لا بأس بذكر ذلك، بل وبذكر جملة مما تتعلق بهم في حال المرض، فينبغي
للمريض أن يحمد الله ويشكره في حال المرض كحال الصحة، إذ مرضه لعله يكون من
أفضل النعم عليه وهو لا يشعر بذلك، وكيف لا وقد ورد في الخبر عن سيد البشر
(صلى الله عليه وآله) (1) " أنه تبسم يوما فقيل له مالك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تبسمت؟ فقال: عجبت من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ماله في السقم من
الثواب لأحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى الله ربه عز وجل " كما أنه ورد عنه (صلى الله
عليه وآله) (2) " أن أنينه تسبيح، وصياحه تهليل، ونومه على الفراش عبادة،
وتقلبه جهاد في سبيل الله " وأنه (3) (تتناثر منه الذنوب كما يتناثر الورق من الشجر "
وأنه (4) " يوحى إلى ملك الشمال أن لا يكتب عليه كما أنه يوحى إلى ملك اليمين أن
يكتب له كل ما كان يعمل من الخير في زمان صحته، إذ هو في حبس الله " وأن " حمى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحتضار - حديث 19 - 11
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحتضار - حديث 19 - 11
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحتضار - حديث 13 - 7 مع الاختلاف فيهما
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحتضار - حديث 13 - 7 مع الاختلاف فيهما
2

ليلة تعدل عبادة سنة، وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين، وحمى ثلاث ليال تعدل
سبعين سنة " (1) وأنه " إذا أحب الله عبدا نظر إليه، فإذا نظر إليه أتحفه بواحده من
ثلاث صداع أوحى أو رمد " (2) إلى غير ذلك من الأمور المسطورة في محلها، فينبغي
له حينئذ الصبر والاحتساب لينال أجرا آخر، فقد قال الصادق (عليه السلام) (3):
" أيما رجل اشتكى فصبر واحتسب كتب الله من الأجر أجر ألف شهيد " وقال " عليه السلام "
أيضا (4): " من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى الله شكرها كانت كعبادة ستين
سنة، قيل له: ما قبولها؟ قال: يصبر عليها ولا يخبر بما كان فيها، فإذا أصبح حمدا لله
على ما كان ".
ومنه يستفاد استحباب الكتمان وترك الشكاية كما هو مفاد غيره من الأخبار،
ففي خبر بشير الدهان عنه (عليه السلام) (5) قال: " قال الله عز وجل: أيما عبد
ابتليته ببلية فكتم ذلك عواده ثلاثا أبدلته لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه،
وبشرا خيرا من بشره، فإن أبقيته أبقيته ولا ذنب له، وإن مات مات إلى رحمتي "
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (6) أن " من مرض يوما وليلة فلم يشك إلى عواده
بعثه الله يوم القيامة مع خليله إبراهيم خليل الرحمان حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع "
ولعل اشتمالها على لفظ العواد يشعر بعدم إرادة الكتمان بمعنى عدم الاخبار بأصل المرض،
بل المراد عدم الشكوى أي بأن يقول: لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد، ويقول: لقد
أصابني ما لم يصب أحدا كما ورد تفسيرها بذلك عن الصادق (عليه السلام) (7) حيث
سئل " عن حد الشكاة للمريض، فقال: إن الرجل يقول حممت اليوم وسهرت البارحة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحتضار حديث 10 - 12 - 23
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحتضار حديث 10 - 12 - 23
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحتضار حديث 10 - 12 - 23
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 1 - 8
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 1 - 8
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 1 - 8
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
3

وقد صدق هذه شكاية، وإنما أن يقول لقد ابتليت بما لم يبتل به أحد،
ولقد أصابني ما لم يصب أحدا، وليس الشكوى أن يقول سهرت البارحة وحممت اليوم
ونحو هذا " ومثله غيره (1) ويؤيد ما قلنا أنه قد ورد استحباب إعلام الاخوان بالمرض،
قال الصادق (عليه السلام) (2) " وينبغي للمريض منكم أن يؤذن إخوانه بمرضه، فيعودونه
فيؤجر فيهم ويؤجرون فيه، قال: فقيل له: نعم فهم يؤجرون فيه بممشاهم إليه،
فكيف يؤجر فيهم؟ قال: فقال: باكتسابه لهم الحسنات، فيؤجر فيهم،
فيكتب له بذلك عشر حسنات، ويرفع له عشر درجات، ويمحى بها عنه عشر
سيئات " كما أنه قد ورد (3) استحباب الإذن بالدخول عليه، فقد قال أبو الحسن
(عليه لسلام): " إذا مرض أحد كم فليأذن للناس يدخلون عليه، فإنه ليس من
أحد إلا وله دعوة مستجابة " أو يراد كتمان الشدة لا أصل المرض، أو ما يمكن كتمانه
كبعض الأمراض الخفية، أو كتمانه ابتداء مقدار ثلاثة أيام ونحو ذلك.
ويستفاد مما قدمنا استحباب عيادة لمرضى كما هو المجمع عليه بيننا، بل لعله من
ضروريات الدين، وقد ورد في ثوابها من الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام)
والنبي المختار (صلى الله عليه وآله) ما يقصر العقل عن إدراكه حتى ورد (4) " أن له
بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله سبعين ألف ألف حسنة، وتمحى عنه سبعون
ألف ألف سيئة، وترفع له سبعون ألف ألف درجة، ووكل به سبعون ألف ألف ملك
يعودونه في قبره، ويستغفرون له إلى يوم القيامة " وفي آخر (5) " إن الله يعير عبدا
من عباده، فيقول له: ما منعك إذا مرضت أن تعودني، فيقول سبحانك

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الاحتضار - حديث 3
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الاحتضار - حديث 9 - 10
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الاحتضار - حديث 9 - 10
4

أنت رب العباد لا تألم ولا تمرض، فيقول: مرض أخوك المؤمن فلم تعده، وعزتي
وجلالي لو عدته لوجدتني عنده، ثم لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك، وذلك من
كرامة عبدي المؤمن، وأنا الرحمان الرحيم " إلى غير ذلك
وقيل: إنه يتأكد ذلك في الصبح والمساء، ولعله لقول الصادق (عليه السلام) (1):
" أيما مؤمن عاد مؤمنا حين يصبح شيعه سبعون ألف ملك، فإذا قعد غمرته الرحمة
واستغفروا له حتى يمسي، وإن عاده مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح " وعن الحسن
ابن علي (عليهما السلام) (2) أنه قال: " ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه
سبعون ألف ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة " الحديث.
والمراد بالخريف كما فسر في غيرها زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما،
ويستحب للعائد التماس الدعاء من المريض لما ورد (3) أنه أحد الثلاثة الذين يستجاب
دعاؤهم وإن دعاءه مثل دعاء الملائكة (4) كما أنه يستحب له أيضا وضع يده على ذراع
المريض، واستصحاب هدية له من فاكهة أو طيب أو بخور أو نحو ذلك، وتخفيف
الجلوس عنده إلا إذا أحب ذلك وأراد وسأل، وقال الصادق (عليه السلام) (5):
" إن عيادة النوكي أشد على المريض من وجعه " إلى غير ذلك من الآداب الكثيرة التي
يستدعي بسط الكلام في حصرها، والتعرض لكثير مما يتعلق بها إلى رسالة مفردة،
نسأل الله التوفيق، ومن أرادها فليطلبها من وسائل الشيعة وغيرها من كتب الأخبار.
(و) كيف كان ف‍ (هي) أي الأحكام المتعلقة بالأموات (خمسة):
(الأول في الاحتضار)
وهو افتعال من الحضور أي السوق، أعاننا الله عليه وثبتنا بالقول الثابت

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب 11 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 12 من أبواب الاحتضار - حديث - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 12 من أبواب الاحتضار - حديث - 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الاحتضار - حديث 3
5

لديه، سمي به لحضور المريض الموت، أو حضور الملائكة عنده، أو الأئمة (عليهم السلام)
خصوصا أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ قد ورد (1) أنه " ما يموت شخص في شرق
الأرض أو غربها إلا ويحضره أمير المؤمنين (عليه السلام) " فالمؤمن يراه حيث يحب،
والكافر حيث يكره، أو لحضور المؤمنين عنده ليشيعوه، أو لاستحضاره عقله، أو
لجميع ذلك.
(ويجب فيه توجيه الميت) أي المشرف على الموت (إلى القبلة) على المشهور كما
في الذكرى والروضة والمدارك، وعلى الأشهر فتوى وخبرا كما في موضع آخر من
الذكرى، وعلى الأشهر وعليه الفتوى كما في جامع المقاصد، وهو خيره المقنعة والنهاية
في موضع منها والمراسم والوسيلة والسرائر والمنتهى والمختلف والإرشاد والبيان والدروس
والذكرى واللمعة وجامع المقاصد وظاهر الروضة والتنقيح، ولعله الظاهر أيضا من
الهداية والفقيه، حيث روي فيهما ما يدل عليه، كما لعله الظاهر أيضا من الشيخ في
التهذيب، وحكاه في كشف اللثام عن المهذب والاصباح، وهو أحوط القولين إن
لم يكن أقواهما لخبر سليمان بن خالد (2) المروي في الكافي والتهذيب في الصحيح على
الصحيح، قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول، إذا مات لأحدكم ميت
فسجوه تجاه القبلة، وكذلك إذا غسل يحفر له فيكون مستقبلا بباطن قدميه ووجهه إلى
القبلة " وفي الوسائل والوافي أنه رواه الصدوق أيضا مرسلا لكن بحذف قوله (عليه السلام)
(وكذلك) وللمرسل في الفقيه (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " دخل رسول
الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجه لغير
القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة، وأقبل الله

(1) البحار - الجزء - 6 - ص 191 من طبعة الطهران المطابق للمجلد الثالث من
طبعة الكمباني الباب - 7 - من أبواب الموت من كتاب العدل والميعاد
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 6
6

عز وجل عليه بوجهة، فلم يزل كذلك حتى يقبض " وفي الوسائل أنه " رواه في العلل
عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبي
الجوزاء المنبه بن عبد الله عن الحسين بن علوان عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه
عن علي (عليهم السلام) وفي ثواب الأعمال عن محمد بن موسى بن المتوكل عن عبد الله بن
جعفر عن أحمد بن أبي عبد الله " انتهى. ولموثق معاوية بن عمار (1) المروي في الكافي والتهذيب
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الميت، فقال: استقبل بباطن قدميه القبلة "
ولعله الذي أرسله الصدوق في الفقيه والهداية (2) أنه " سئل الصادق (عليه السلام) عن
توجيه الميت فقال: استقبل " الحديث. أو أنه أراد خبر إبراهيم الشعري (3) وغير
واحد عن الصادق (عليه السلام) أيضا المروي في التهذيب والكافي أيضا في توجيه الميت
فقال: " يستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلي القبلة " والظاهر الأول لكون المروي
فيه بصيغة الأمر، هذا مع إمكان تأييده باستمرار العمل في الأعصار والأمصار على
ذلك، وليس شئ من المستحب يستمرون عليه كذلك، بل قد يعدون الموت إلى
غيرها من سوء التوفيق ومن الأمور الشنيعة، فتأمل.
وما في المعتبر - من أن الأخبار المنقولة عن أهل البيت (عليهم السلام) ضعيفة
السند لا تبلغ حد الوجوب، بل التعليل في المرسل مشعر بالاستحباب، مع أنه قضية
في واقعة، كالذي في الروض من أن غير خبر سليمان بن خالد لا يخلو من ضعف إما
في السند أو الدلالة، وفي المدارك بل فيه أيضا من حيث السند بإبراهيم بن هاشم،
إذ لم ينص علماؤنا على توثيقه، وبسليمان بن خالد لعدم ثبوت توثيقه، ومن حيث
المتن بأن المتبادر منها أن التسجية تجاه القبلة إنما تكون بعد الموت لا قبلة - مدفوع بما عرفت

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث - 3
7

من دعوى الشهرة الجابرة لذلك كله، مع ما سمعت من رواية المشائخ الثلاثة لبعضها،
وكون المرسل مسندا في العلل وثواب الأعمال، مع ضمان المرسل في أول كتابه أن
لا يورد فيه إلا ما يعتمد عليه ويعمل به، ولا إشعار في التعليل بما قيل، كما أنه لا يقدح
كونه في واقعة خاصة إذ بناء جل الأحكام على مثل ذلك، سيما مع إشعار التعليل بالتعميم.
وبأن إبراهيم بن هاشم مع أنه من مشائخ الإجازة فلا يحتاج إلى توثيقه في وجه
عدم نصهم على توثيقه لعله لجلالة قدره وعظم منزلته، كما لعله الظاهر ويشعر به ما حكاه
النجاشي عن أصحابنا أنهم كانوا يقولون: إن إبراهيم بن هاشم هو أول من نشر
أحاديث الكوفيين بقم بعد انتقاله من الكوفة، فإنه ظاهر إن لم يكن صريحا في كونه
ثقة معتمدا عند أئمة الحديث من أصحابنا، إذ نشر الأحاديث لا يكون إلا مع التلقي
والقبول، وكفى بذلك توثيقا سيما بعد ما علم من طريقة أهل قم من تضييق أمر العدالة،
وتسرعهم في جرح الرواة والطعن عليهم وإخراجهم من بلدة قم بأدنى ريبة وتهمة،
حتى أنهم غمزوا في أحمد بن محمد بن خالد البرقي مع ظهور عدالته وجلالته بروايته عن
الضعفاء، واعتماده المراسيل، وأخرجوه من قم، فلولا أن إبراهيم بن هاشم بمكان
من الوثاقة والاعتماد عندهم لما سلم من طعنهم وغمزهم بمقتضى العادة، ويؤيده زيادة على
ذلك اعتماد أجلاء الأصحاب وثقاتهم وإكثار الكليني من الرواية عنه، وعدم استثناء
محمد بن الحسن بن الوليد إياه من رجال نوادر الحكمة في من استثنى كما قيل، وكونه
كثير الرواية جدا، وقد قال الصادق (عليه السلام) (1): " اعرفوا منازل الرجال
بقدر روايتهم عنا " ومما يزيد ذلك كله تصريح العلامة في الخلاصة بأن الأرجح قبول
روايته، وتصحيحه جملة من طرق الصدوق المشتملة عليه، كطريقه إلى كردويه وإلى

(1) البحار - المجلد - 1 - من طبعة الكمباني باب فضل كتابة الحديث وروايته
حديث - 23 - من كتاب فضل العلم - والجزء - 2 - ص 150 من طبعة طهران
8

ياسر الخادم، وقد عد بعض أصحاب الاصطلاح الجديد أخباره من الصحاح منهم العلامة،
وأما سليمان بن خالد فلا وجه للمناقشة في السند من جهته بعد الاتفاق من أصحابنا
على عد رواياته من الصحاح كما في لمصابيح، بل هذا المعترض قد وافقهم في غير
هذا المقام على ذلك، على أنه هنا مسبوق بعبد الله بن المغيرة، وهو على ما قيل ممن
أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وأيضا فالعلامة في الخلاصة نص على توثيقه،
وعن الكشي أنه روى عن شيخه أبي الحسن حمدويه بن نصير بن شاهر أنه قال: سألت
أبا الحسين أيوب بن نوح بن دراج النخعي عن سليمان بن خالد النخعي ثقة هو؟ فقال:
كما يكون الثقة، وعن الشهيد الثاني في حاشية الخلاصة بعد نقل هذه عن الكشي
فالأصل في توثيقه أيوب بن نوح وناهيك به، قلت: وقد ذكر النجاشي فيه أنه كان
قارئا وفقيها وجيها، وأنه توجع الصادق (عليه السلام) لفقده ودعا لولده وأوصى بهم
أصحابه، إلى غير ذلك مما يشعر بوثاقته، وأنه رجع عما رمي به من الزيدية كما عن
بعض علمائنا التصريح به، ويستفاد من النظر فيما سطر من أحواله، فالمناقشة في السند
من جهته ضعيفة جدا.
وأما ما ذكره في المتن ففيه أن الظاهر أن المراد من الميت إنما هو المشرف على
الموت لا بعد الموت، كما عساه يشعر به قوله (عليه السلام): (وكذلك إذا غسل) لأن المراد توجيهه
عند التغسيل قطعا لا بعده، وأيضا فإن المعهود من المسلمين في جميع الأعصار توجيه الميت
إليها حال الاحتضار لا بعد الموت، وفي المصابيح " أنه قد أطبق العلماء على أن زمان
التوجيه قبل الموت وإن اختلفوا في وجوبه واستحبابه " انتهى. فإذا كان ذلك هو
المعروف وجب صرف اللفظ إليه، بل كان ذلك هو المنساق منه، ويؤيده ما سمعته من
المرسل السابق، فاندفعت المناقشة من هذه الجهة، كما أنه به أيضا تندفع المناقشة فيها
من جهة أخرى، وهي أنها إنما تضمنت الأمر بالتسجية، وهي من الميت بمعنى التغطية
9

كما عن أهل اللغة النص عليه، والأمر بالتغطية تجاه القبلة لا يقتضي وجوب التوجه إليها،
لأن التغطية ليست بواجبة بالاجماع، فلا يجب التوجيه الذي قيدت به، مع أن
تغطية الميت إنما تكون بعد الموت، والمراد توجيهه إلى القبلة قبل ذلك، إذ الظاهر أن
المراد بالتسجية هنا تجاه القبلة كناية عن التوجه إليها لما عرفت، وليست بمعنى التغطية،
لأن استحباب التغطية مطلق وليس مقيدا بالاستقبال إجماعا كما قيل، ولأن قوله (عليه السلام):
(وكذلك إذا غسل) كالصريح في أن الحكم السابق هو التوجيه دون التغطية.
ثم إن أوجبنا دوام الاستقبال بهذا الوجه كما يقتضيه ظاهر الرواية فلا إشكال
في التشبيه، وإلا وجب الحمل على التسوية بينهما في أصل التوجيه وإن اختلف الوجه
فيهما بالوجوب والاستحباب، وبذلك كله ظهر لك ضعف القول بالاستحباب كما عساه
يشعر به ما ستسمعه من قول المصنف: " وقيل هو مستحب " سيما مع موافقته للمنقول عن
عامة العامة أو جمهورهم، وإن ذهب إليه الشيخ في الخلاف والنهاية في موضع منها،
وتبعه في إشارة السبق والجامع والمعتبر والمدارك وكشف اللثام وظاهر مجمع البرهان
والذخيرة أو صريحهما وكذا المبسوط، وحكاه في كشف اللثام عن الاقتصاد والمصباح
ومختصره وعمن حكاه عن السيد، وفي المختلف عن المفيد في الرسالة العزية، إذ لم
نعثر لهم على دليل سوى الأصل وما في الخلاف، فإنه بعد أن ذكر الاستحباب وكيفية
الاستقبال ونقل عن الشافعي خلاف ذلك بالنسبة إلى الكيفية قال: " دليلنا إجماع
الفرقة وعملهم عليه، فإنهم لا يختلفون في ذلك " انتهى. مع ما سمعت من المناقشة في
أدلة الوجوب وعدم نهوضها على أزيد من الاستحباب وما يظهر مما رواه المفيد (1) في
إرشاده في وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) حيث أخر التوجيه عن الموت، قال (صلى
الله عليه وآله) في وصيته لعلي (عليه السلام) عند استحضاره: " فإذا فاضت نفسي

(1) الإرشاد للمفيد عليه الرحمة ص 188 المطبوعة بطهران سنة 1377
10

فتناولها بيدك فامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري - إلى أن قال -:
ثم قبض صلوات الله عليه ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) اليمنى تحت حنكه، ففاضت
نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره " الحديث.
لكنك خبير أن الأول لا يعارض ما تقدم، والاجماع مع ظهور في مقابلة الشافعي
حيث أنكر الكيفية الخاصة، ويؤيد ذلك عدم العثور على من استدل به لهذا القول،
مع نقلهم ما في الخلاف سيما كاشف اللثام، وقوله فيه (وعملهم) الظاهر في إرادة الكيفية
أيضا موهون بمصير من عرفت إلى خلافه، فلا يصلح للمعارضة، كما أنك عرفت
الجواب عن المناقشات السابقة، ولعل الظاهر إرادة الاستمرار في رواية المفيد، وإلا
فمن المعلوم أنه راجح، ويستبعد عدمه في تلك الحال منه (صلى الله عليه وآله) إن لم يمتنع،
ومع ذلك كله فالمسألة غير سليمة الاشكال وإن كان الأقوى ما تقدم، ولذا كان ظاهر
المصنف في النافع والعلامة في القواعد والتحرير التوقف، فتأمل جيدا.
ثم إن الأقوى بناء على الوجوب سقوطه بالموت، فلا يجب استمراره مستقبلا
ولا استقباله ابتداء إن لم يكن، للأصل مع صدق الامتثال، وإشعار التعليل في المرسل
المتقدم به، ونسبه في الذكرى إلى ظاهر الأخبار، ولعله لأنه فهم من الميت فيها
ما قلناه سابقا من المشرف على الموت، نعم لا يبعد القول بالاستحباب كما عساه يشعر
به بعض الأخبار (1) مضافا إلى ما سمعته من رواية المفيد، وإلى الأمر به في حال الغسل
والصلاة والدفن وإن اختلفت الكيفية، ولاحتمال كون المراد من الميت في الأخبار
من مات حقيقة كما لعله تشعر به التسجية، بناء على الاكتفاء بمثل هذا الاحتمال في
ثبوت الاستحباب، لابتناء التسامح فيه على الاحتياط العقلي، فلا ينافيه حينئذ ظهورها
فيما قدمناه.

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار
11

ثم إن قضية ما تقدم من الأدلة على المختار عدم الفرق بين كون الميت صغيرا أو
كبيرا حرا أو عبدا بعد فرض الاسلام أو حكمه، نعم قد يقال: بعدم وجوبه بالنسبة
إلى المخالف وإن قلنا باسلامه، لما ورد من الالزام (1) له بمذهبه، وهو لا يرى ذلك
على إشكال في شمولها لمثل ذلك وإن صرح به بعضهم، ومن المعلوم أن وجوب الاستقبال
بالميت إنما هو مع التمكن من ذلك بتعرف القبلة، أما مع الاشتباه ولو إلى جهتين مع
جهل المغرب والمشرق فلا يجب لعدم التمكن من الامتثال، أما لو علما فيحتمل قويا
وجوب استقبال ما بينهما لما دل (2) على أنه قبلة، وما في الذكرى من احتمال الوجوب بالنسبة
للأربع جهات فضلا عن الجهتين ضعيف جدا إن أمكن تصوره.
وكيف كان فكيفية الاستقبال المذكور بلا خلاف أجده فيه بيننا كما في الذخيرة
بل في المعتبر والتذكرة والخلاف الاجماع عليه (بأن يلقى على ظهره ويجعل باطن قدميه
ووجهه إلى القبلة) بحيث لو جلس لكان مستقبلا، مع ما سمعت من دلالة الأخبار
المتقدمة عليه، مضافا إلى ما في خبر زريح المحاربي (3) عن الصادق (عليه السلام) في
حديث قال: " إذا وجهت الميت إلى القبلة فاستقبل بوجهه القبلة، ولا تجعله معترضا
كما يجعل الناس " الحديث. وغيره من الأخبار الواردة هنا (4) وفي كيفية استقباله
عند الغسل أيضا (5) لما عرفت من التشبيه المتقدم.
ثم إن قضية النص والفتوى والأصل سقوط الاستقبال مع عدم التمكن من الكيفية
الخاصة، ويحتمل القول بوجوب ما تمكن منه من الاستقبال جالسا أو مضطجعا على أحد

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه حديث 10 و 11
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القبلة من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب غسل الميت
12

جنبيه مع عدم التمكن من ذلك جالسا أو مطلقا في وجه، كاحتمال تقديم الأيمن من
الجانبين على الأيسر، ولعل الأقوى سقوط ما عدا الاستقبال جالسا، سيما مع ملاحظة
النهي عن الاعتراض، إذ قد يدخل فيه ذلك.
(و) كيف كان فحيث ظهر لك قوة القول بالوجوب ف‍ (هو فرض) حينئذ على
العالم بالحال المتمكن من الامتثال، لكنه على ال‍ (كفاية) كسائر الفروض المتعلقة به بعد
موته من تغسيله ودفنه والصلاة عليه وغير ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل ستعرف فيما
يأتي دعوى الاجماع من جماعة عليه بالنسبة للغسل ونحوه، وهو الحجة إن قلنا بالحاق
ما نحن فيه به، مضافا إلى الأمر به فيما تقدم من المعتبرة مع القطع بعدم إرادة الفعل
من سائر المكلفين، وعدم إشعارها باختصاص بعضهم به، بل هي ظاهرة في أن
مطلوب الشارع وجوده في الخارج ولو من غير المكلف فضلا عنه، وذلك هو المراد
بالكفائي، وما في الحدائق - من إنكار ذلك بالنسبة إلى سائر أحكام الميت، بل الواجب
أولا على الولي، فإن امتنع أجبر، فإن لم يكن من يجبره أو لم يكن ولي ثمة انتقل الحكم
للمسلمين بالأدلة العامة - ضعيف، إذ لو سلم ذلك بالنسبة إلى غير المقام لمكان إشعار بعض
الأخبار به كما ستعرفه في الأولياء لكن لا ينبغي أن يصغى إليه في خصوص المقام للأصل،
ولعدمه في شئ من أدلة، بل لعل الظاهر منها خلافه ككلمات الأصحاب، إذ
لا تعرض في شئ منها هنا لذكر الولي، نعم قد يظهر من جامع المقاصد وغيره فيما يأتي
تعميم حكم الولاية بالنسبة إلى سائر أحكام الميت، بل استظهر الاجماع في الأول على
ذلك، لكن قد يمنع دخول ما نحن فيه تحت ذلك، لعدم صدق اسم الميت عليه في الحال،
وظهور انصرافه إلى إرادة نحو التغسيل والصلاة لا الاستقبال والتلقين ونحوهما، فدعوى
كون ذلك كباقي أحكامه ممنوعة، فيقوى حينئذ عدم وجوب مراعاة إذن الولي ونحوها
وإن قلنا به بالنسبة للغسل والصلاة، واحتمال النهي عن التصرف فيه المستلزم عدم جواز
13

تحريكه في غاية الضعف بعد الأمر من المالك الأصلي، وبه يظهر أنه لا عبرة برضاه
نفسه بل ولا منعه، نعم ربما يقال بأولوية مباشرة الولي له وعدم مزاحمته في ذلك ندبا
واستحبابا لا وجوبا، اللهم إلا أن يستدل عليه بعموم أدلة الولاية، كقوله
تعالى: (1) (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) وبقوله (عليه السلام (2):
إن " الزوج أولى بزوجته حتى تدفن " ونحو ذلك، لكن قد يمنع شمولها لنحو المقام
سيما بعد ما عرفت، فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر تعلق الوجوب بالمستحضر نفسه أيضا مع التمكن منه، بل قد يدعى
اختصاص الوجوب به حينئذ لانصراف الأمر للغير في الأخبار السابقة إلى الغالب
من العجز عن الاستقبال في تلك الحال هذا، وقد عرفت الوجه في قول المصنف: (وقيل
هو مستحب) فلاحظ وتأمل.
(ويستحب) للولي أو مأذونه أو غيرهما مع فقدهما بل ومع عدمهما على الأقوى
بلا خلاف أجده في أصل الاستحباب بل في كشف اللثام الاتفاق عليه (تلقينه) أي
تفهيمه (الشهادتين والاقرار بالنبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وللمعتبرة
المستفيضة الدالة على جميع ذلك، ففي خبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (3) قال:
" إذا حضرت قبل أن يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن
محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله " وفي خبر أبي خديجة (4) عنه (عليه السلام)
أيضا " ما من أحد يحضره الموت إلا وكل به إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر،
ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه، فإذا حضرتم موتاكم

(1) سورة الأنفال - الآية 76
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدفن - حديث 2 مع اختلاف في اللفظ
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 - 3
14

فلقنوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) رسول الله حتى يموتوا "
وفيه دلالة على استحباب التكرار إلى الموت، وفي الكافي بعد ذكر هذه الرواية قال:
" وفي رواية أخرى (1) تلقنه كلمات الفرج والشهادتين، وتسمي له الاقرار بالأئمة
(عليهم السلام) واحدا بعد واحد حتى ينقطع عنه الكلام " وفي خبر أبي بصير (2) عن
الباقر (عليه السلام) " أما أني لو أدركت عكرمة قبل أن تقع النفس موقعها لعلمته كلمات
ينتفع بها، ولكني أدركته وقد وقعت النفس موقعها، قلت: جعلت فداك وما ذاك
الكلام؟ قال: هو والله ما أنتم عليه، فلقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله والولاية "
وفي خبر الحضرمي عن الصادق (عليه السلام) (3) " والله لو أن عابد وثن وصف ما تصفون
عند خروج نفسه ما طعمت النار من جسده شيئا أبدا ".
قلت: وأما قول الصادق والباقر (عليهما السلام) في خبري ابني مسلم
والبختري (4): " إنكم تلقنون موتاكم عند الموت لا إله إلا الله ونحن نلقن موتانا
محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) " مما عساه ينافي بظاهر بعض ما تقدم فالأولى
حمله على إرادة أنكم أنتم تقتصرون على الأولى ونحن نلقن الشهادتين، وكأنه أشار
بذلك إلى ما يفعله العامة يومئذ كما قيل من الاقتصار على تلك الكلمة، فيراد حينئذ
أن هذا هو المعمول ببلادكم، مع احتمال أن يكون الخطاب لبعض المخالفين لا الراويين
المذكورين وإن نقلا ذلك مجملا، وكان ما ذكرنا أولى مما في الوافي من أن ذلك لأنهم
مستغنون عن تلقين التوحيد لأنهم خمر بطينتهم لا ينفكون عنه، إذ المراد بموتانا إن
كان الأئمة (عليهم السلام) فهم في غنية عن ذكر ذلك، سيما بعد ما ورد (5) أن ذلك
إنما هو لوساوس الشيطان، ومن هنا لم يرو في شئ من الأخبار فعل ذلك مع أحد

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الاحتضار - حديث 3 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الاحتضار - حديث 3 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الاحتضار - حديث 3 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 3
15

منهم (عليهم السلام)، وإن كان غيرهم فهم في حاجة إليهما معا كما ينبئ عنه تلقين كلمات
الفرج لبعض بني هاشم، ففي خبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل على رجل من بني هاشم وهو يقضي، فقال له رسول
الله (صلى الله عليه وآله): قل: لا إلا إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم،
سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين وما فيهن وما بينهن ورب العرش
لعظيم، والحمد لله رب العالمين، فقالها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحمد
لله الذي استنقذه من النار " وفي كشف اللثام " أنه زيد في الفقيه (وما تحتهن) قبل
(ورب العرش العظيم) (وسلام على المرسلين) بعده " انتهى. وفي خبر القداح عن
الصادق (عليه السلام) (2) قال: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا حضر أحدا
من أهل بيته الموت قال له: قل: لا إله إلا الله الحكيم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم،
سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما بينهما ورب العرش العظيم،
والحمد لله رب العالمين " الحديث.
(و) منهما كغيرهما يستفاد أيضا استحباب تلقين (كلمات الفرج) ففي صحيح
زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " إذا أدركت الرجل عند النزع فلقنه كلمات
الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب
السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم، والحمد
لله رب العالمين " وما فيها من الاختلاف زيادة ونقصانا غير قادح إن قلنا بالتخيير في
الدعاء بكل منهما، لكن الأولى ما جمعها جميعا، وفيما سمعته من المحكي عن الفقيه شهادة
على رد ما في المدارك في باب الصلاة، حيث قل: " وذكر المفيد وجمع من الأصحاب

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 3 - 1
16

أنه يقول قبل التحميد: (وسلام على المرسلين) وسئل عنه المصنف الفتاوي فجوزه
لأنه بلفظ القرآن، ولا ريب في الجواز، لكن جعله في أثناء كلمات الفرج مع خروجه
عنها ليس بجيد " انتهى. ومن العجيب أن صاحبي الوافي والوسائل لم يذكرا هذه
الزيادة فيما نقلاه عن الفقيه. ولعله لخلو ما عندهما من النسخ منها. لكن قد عرفت
ما حكاه كشف اللثام كالحدائق والرياض عنه مع زيادة أنه صرح به أيضا في الرضوي (1)
وفيما حضرني من نسخ الفقيه فيه شهادة لكل منهما، لكون الأصل كما في الوافي والوسائل
لكن في الحاشية كتب ذلك نسخة، والأمر سهل.
ويستفاد أيضا من ملاحظة الأخبار استحباب التلقين زيادة على ما سمعت بقوله:
(اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك، واقبل مني اليسير من طاعتك) لخبر سالم ابن
أبي سلمة عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " حضر رجلا الموت، فقيل: يا رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أن فلانا قد حضره الموت، فنهض رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ومعه ناس من أصحابه حتى أتاه وهو مغمى عليه، قال: فقال: يا ملك الموت كف
عن الرجل حتى أسأله، فأفاق الرجل، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): ما رأيت؟
قال رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا، قال: فأيهما كان أقرب إليك؟ فقال:
السواد، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قل اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك
- الدعاء - فقال: ثم أغمي عليه، فقال (صلى الله عليه وآله): يا ملك الموت خفف عنه
حتى أسأله، فأفاق الرجل، فقال: ما رأيت؟ فقال: رأيت بياضا كثيرا وسوادا
كثيرا، فقال: أيهما أقرب إليك؟ فقال: البياض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
غفر الله لصاحبكم، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا حضرتم ميتا فقولوا له هذا
الكلام ليقوله ".

(1) المستدرك - الباب - 28 - من أبواب الاحتضار - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
17

كما أنه يستحب أيضا قول (يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير، اقبل مني
اليسير واعف عني الكثير، إنك أنت العفو الغفور) للمرسل عن الصادق (عليه السلام) (1)
قال: " اعتقل لسان رجل من أهل المدينة، فدخل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال له: قل لا إله إلا الله، فلم يقدر عليه. فعاد عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فلم يقدر عليه، وعند رأس الرجل امرأة، فقال لها: هل لهذا الرجل أم
قالت نعم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا أمه، فقال لها: أفراضية أنت
عنه أم لا؟ فقالت: بل ساخطة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني أحب
أن ترضى عنه، فقالت: قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
فقال له: قل لا إله إلا الله فقالها، فقال: قل يا من يقبل إلى آخره - فقالها،
فقال له: ماذا ترى؟ فقال: أرى أسودين قد دخلا علي، فقال: أعدها فأعادها،
فقال: ما ترى؟ فقال: قد تباعدا عني ودخل أبيضان وخرج أسودان، فما أراهما
ودنى الأبيضان مني الآن يأخذان بنفسي، فمات من ساعته ".
ويستفاد من خبر حريز بن عبد الله (2) عن الباقر (عليه السلام) زيادة على ما تقدم
قال أبو جعفر (عليه السلام): " إذا دخلت على مريض وهو في النزع الشديد فقل له:
أدع بهذا الدعاء يخفف الله عنه: أعوذ بالله العظيم رب العرش الكريم من كل عرق نفار
ومن شر حر النار سبع مرات، ثم لقنه كلمات الفرج، ثم حول وجه إلى مصلاه الذي
كان يصلي فيه، فإنه يخفف عنه ويسهل أمره بإذن الله تعالى ".
(و) كذا يستفاد منه أيضا استحباب (نقله إلى مصلاه) الذي أعده للصلاة فيه أو
كان يكثر فيه ذلك، وفي كشف اللثام وغيره (أو عليه) قلت: ولعله لمضمر زرارة (3)

(1) الوسائل - الباب 39 - من أبواب الاحتضار - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحتضار - حديث 7 - 2
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحتضار - حديث 7 - 2
18

في الحسن كالصحيح " إذا اشتد عليه النزع فضعه في مصلاه الذي كان يصلي فيه أو
عليه " ولم أجد ذلك في غيره، ولا بأس به وإن كان الأولى النقل إلى المكان مع
الامكان، لأنه المتبادر المنساق من الأخبار وكلام الأصحاب، بل كاد يكون صريح
بعضها كالمروي في الوسائل عن طب الأئمة مسندا إلى حريز (1) قال: " كنا عند أبي
عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: إن أخي منذ ثلاثة أيام في النزع وقد اشتد عليه
الأمر فادع له، فقال: اللهم سهل عليه سكرات الموت، ثم أمره وقال: حولوا فراشه
إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه، فإنه يخفف عليه إن كان في أجله تأخير، وإن كانت
منيته قد حضرت فإنه يسهل عليه " ويقرب منه ما في خبر ذريح (2) قال: " سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول: قال علي بن الحسين (عليهما السلام): إن أبا سعيد الخدري
كان من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان مستقيما فنزع ثلاثة أيام، فغسله
أهله ثم حمل إلى مصلاه فمات فيه " وفي الوسيلة ويستحب نقله إلى موضع صلاته، وبسط
ما كان يصلي عليه تحته، ولم أجد له شاهدا غير الاعتبار.
ثم إن ظاهر هذه الأخبار كون النقل إنما هو إذا تعسر خروج الروح كما هو
ظاهر مفهوم خبر عبد الله بن سنان (3) عن الصادق (عليه السلام) قال: " إذا عسر
على الميت موته ونزعه قرب إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه " ونحوه مضمر زرارة
المتقدم، وهو المنقول عن تصريح الشيخ وابني إدريس وحمزة والعلامة والشهيدين
وغيرهم، فاطلاق المصنف هنا وفي النافع كما عن المعتبر والمنتهى استحباب النقل لا يخلو
من نظر، ولعله لما يفهم من التعليل فيما تقدم من الأخبار سيما ما في خبر حريز السابق
المنقول عن طب الأئمة، لكن الاعتماد على مثل ذلك في نحو المقام وإن قلنا بالتسامح

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحتضار - حديث 6
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحتضار - حديث 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحتضار - حديث 3 - 1
19

في أدلة السنن لا يخلو من تأمل، لورود النهي في بعض المعتبرة (1) عن مس المحتضر
معللة ذلك بأنه إنما يزداد ضعفا وأنه أضعف ما يكون في هذا الحال، ومن مسه في هذا
الحال أعان عليه، وللمفهوم المتقدم مع موافقته للمنقول من فتوى الأكثر، ومن العجيب
ما في الحدائق من نسبة الاطلاق إلى الأكثر كالذي في مجمع البرهان من أنه لا يبعد استحباب
المطلق لما في بعض الروايات مع عدم المنافاة، إذ قد عرفت إن قضية المفهوم عدم
الاستحباب مع أنا لم نعثر على ذلك، فتأمل جيدا.
(و) يستحب أن (يكون عنده مصباح إن مات ليلا) على المشهور نقلا وتحصيلا
بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، كما يشهد له
التتبع وإن كان في عباراتهم نوع اختلاف من حيث تقييد ذلك بالموت ليلا وعدمه،
كما أنه في المقنعة ترك لفظ (عند) فقال: " إن مات ليلا في البيت أسرج في البيت
مصباح إلى الصباح " إلا أن الظاهر منه إرادة معناها، كما أنه قد يظهر ممن قيد ذلك
بالموت ليلا إرادة الأعم منه ومن إبقائه إليه، عساه يقتضيه ما في الوسيلة إن كان
بالليل، كالمحكي عن المبسوط والكافي إن كان ليلا، والأوضح ما عن القاضي ويسرج
عنده في الليل مصباح.
وكيف كان فالذي ظفرنا به في المقام خبر سهل عن عثمان بن عيسى (2)
عن عدة من أصحابنا أنه " لما قبض الباقر (عليه السلام) أمر الصادق (عليه السلام)
بالسراج في البيت الذي كان يسكنه، حتى قبض أبو عبد الله (عليه السلام) ثم أمر
أبو الحسن (عليه السلام) بمثل ذلك في بيت أبي عبد الله (عليه السلام) حتى أخرج به
إلى العراق ثم لا أدري " قيل وهو مع الضعف حكاية حال، ولا اختصاص له بالموت

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
20

أو بقاء الميت ليلا ولا بيت الموت بل ولا بالليل، ولعله لنحو ذلك قال في المعتبر فهي
ساقطة لكنه فعل حسن، وقد يدفع الأول بعدم قدح مثله فيما نحن فيه سيما بعد
الانجبار بما عرفت، كما أنه قد يدفع ما بعده بأصالة الاشتراك في الحكم، وبأن ما تضمنه
الحديث يندرج فيه المدعى، أو يقال: إن استحباب ذلك يقتضي استحباب الاسراج
عند الميت بطريق أولى، لكن الثاني مبني على الفتوى بهذا الحكم حتى تكون الأولوية
معتبرة، ولعلنا نقول به وإن لم أجد من صرح به، إلا أنه قد تقبله بعض العبارات
فتأمل، وبأن الاسراج يظهر منه كونه بالليل، كل ذا مع التسامح في أدلة السنن
وفتوى الأصحاب بذلك كما عرفت، وربما يؤيده الاعتبار، ويشعر به ترك إبقاء الميت
وحده خوفا من عبث الشيطان، واستحباب قراءة القرآن عنده المستلزمة غالبا ذلك
فتأمل، ومن المعلوم أن المراد بالاسراج إلى الصباح كما صرح به جماعة وفي المعتبر " وهو
حسن لأن علة السراج غايتها الصباح " انتهى، وهو جيد.
(و) كذا يستحب أن يكون عنده (من يقرأ القرآن) قبل الموت للتبرك واستدفاع
الكرب والعذاب سيما يس والصافات، ففي كشف اللثام أنه (روي (1) " أنه يقرأ عند
النازع آية الكرسي وآيتان بعدها ثم آية السخرة: إن ربكم الله الذي خلق إلى آخرها،
ثم ثلاث آيات من آخر البقرة: لله ما في السماوات وما في الأرض إلى آخرها، ثم
يقرأ سورة الأحزاب " وعنه (2) " من قرأ سورة يس وهو في سكرات الموت أو
قرأت عنده جاء رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة، فسقاها إياه وهو على
فراشه، فيشرب فيموت ريان ويبعث ريان ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء
(عليهم السلام) "
وعنه " (3) أيما مسلم قرأ عنده إذا نزل به ملك الموت

(1) المستدرك - الباب - 39 - من أبواب الاحتضار - حديث 35
(2) المستدرك - الباب - 41 - من أبواب قراءة القرآن - حديث 1 من كتاب الصلاة
(3) المستدرك - الباب - 41 - من أبواب قراءة القرآن - حديث 1 من كتاب الصلاة
21

سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك، يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه،
ويستغفرون له، ويشهدون غسله، يتبعون جنازته، ويصلون عليه، ويشهدون
دفنه ") انتهي. وعن سليمة (1) أنه رأى أبا الحسن (عليه السلام) يقول لابنه:
" قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك والصافات صفا حتى تستتمها، فقرأ، فلما بلغ (أهم
أشد خلقا) قضى الفتى، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر، فقال له: كنا
نعهد الميت إذا نزل به الموت نقرأ عنده يس، فصرت تأمرنا بالصافات، فقال يا بني
لم تقرأ عند مكروب من موت إلا عجل الله راحته " والأمر بالاتمام يتضمن القراءة بعد
الموت، قيل وعن النبي (صلى الله عليه وآله) " من دخل المقابر فقرأ يس خفف
الله عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات " ولم أقف على دليل خاص لما هو
المتعارف في بلادنا الآن وغيرها من القراءة على قبر الميت ثلاثة أيام بلياليها فصاعدا
بغير فتور. فلعل فاعله بقصد الخصوصية مشرع في الدين، بل لم أعرف دليلا على أصل
استحباب قراءة القرآن عدا يس ونحوها عند قبور الموتى، وإن أطلق جماعة استحباب
قراءة مطلق القرآن قبل الموت وبعده، إلا أن ظاهرهم قبل الدفن، لكن لا يبعد
الفتوى به مطلقا، لما عساه يشعر به ما ورد في يس (2) وإنا أنزلناه (3) ونحوهما (4)
مع ما يظهر من غير ذلك أيضا فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 لكن رواه عن
سليمان الجعفري
(2) المستدرك - الباب - 41 - من أبواب قراءة القرآن - حديث 7 من
كتاب الصلاة.
(3) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الدفن.
(4) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن.
22

(وإن مات غمضت عيناه) للأخبار (1) والصون عن قبح المنظر ودخول الهوام
ونفي الخلاف عنه في المنتهى (وأطبق فوه) كما نص عليه جماعة تحفظا من دخول الهوام
وقبح المنظر، وشد لحياه حذرا من الاسترخاء وانفتاح الفم، وللأخبار (2) واقتصر
ابن إدريس كالمصنف هنا والعلامة في التحرير والإرشاد والقواعد على الاطباق، وعن
نهاية الإحكام والتذكرة على الشد، وسلار وابنا حمزة وسعيد والعلامة في المنتهى جمعوا
بينهما مع نفي الخلاف في الأخير فيحتملهما والشد لكونه المتأخر، ولعل مراد الجميع عند
التأمل واحد فتأمل.
(ومدت يداه إلى جنبيه) بلا خلاف أجده في استحبابه، بل نسبه جماعة إلى
الأصحاب مشعرين بدعوى الاجماع عليه، وهو كاف في إثباته، مع أنه أطوع
للغاسل وأسهل للمدرج، فلا يقدح حينئذ في استحبابه بعد ذلك ما في المعتبر من أني لم
أعلم في ذلك نقلا عن أهل البيت (عليهم السلام) لعدم انحصار الدليل في ذلك، وكذا
تمد ساقاه إن كانتا منقبضتين، وفي الروض نسبته إلى الأصحاب كظاهر كشف اللثام
(وغطي بثوب) لأن النبي (صلى الله عليه وآله) سجي بحبرة (3) وتغطية الصادق (عليه
السلام) إسماعيل بملحفة (4) ونفي الخلاف في المنتهى، وفيه ستر عن الأبصار وصون
عن الهوام وغيرها.
(و) كذا يستحب أن (يعجل تجهيزه) إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا كالنصوص (5)
بل هي ظاهرة في الوجوب إلا أنها حملت على الاستحباب لما عرفت من الاجماع

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 و 3
والباب - 29 - من أبواب التكفين - حديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 و 3
والباب - 29 - من أبواب التكفين - حديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 6
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الاحتضار - حديث 3
(5) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الاحتضار
23

مع الطعن في أسانيدها، فلا إشكال حينئذ في الاستحباب
(إلا أن يكون حاله مشتبهة)
في الموت وعدمه، (ف‍) لا يستحب التعجيل قطعا، بل يحرم للأصل المقرر بوجوه،
والاحتياط في أمر النفوس، والاجماع والنصوص (1) حتى (يستبرئ بعلامات الموت)
المفيدة له من الريح، كما في خبر ابن أبي حمزة (2) قال: " أصاب الناس بمكة سنة
من السنين صواعق كثيرة، مات من ذلك خلق كثير، فدخلت على أبي إبراهيم
(عليه السلام)، فقال مبتدءا من غير أن أسأله: ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به
ثلاثا يدفن إلا أن يجئ منه ريح تدل على موته، قلت: جعلت فدك كأنك تخبرني
أنه قد دفن ناس كثير أحياءا، فقال: نعم يا علي قد دفن ناس كثير أحياءا ما ماتوا
إلا في قبورهم " ولعله المراد بالتغير الموجود في غيره، كقول الصادق (عليه السلام) في
الموثق (3): " الغريق يحبس يتغير ويعلم أنه قد مات، ثم يغسل ويكفن،
قال: وسئل عن المصعوق، فقال: إذا صعق حبس يومين، ثم يغسل ويكفن "
وكقول أبي الحسن (عليه السلام) في الحسن (4) كالصحيح في المصعوق والغريق:
" ينتظر به ثلاثة أيام إلا أن يتغير قبل ذلك " وقول الصادق (عليه السلام) (5) في
الصحيح: " خمس ينتظر بهم إلا أن يتغيروا: الغريق والمصعوق والمبطول والمهدوم ولمدخن "
إلى غير ذلك مما علق فيه الدفن على التغير.
ويحتمل شموله لما ذكره بعض الأصحاب من علامات الموت كاسترخاء رجليه
وانفصال كفيه وميل أنفه وامتداد جلدة وجهه وانخساف صدغيه، وزاد آخر وتقلص
أنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة، وعن أبي علي أن علامته زوال النور من بياض العين

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحتضار - حديث. 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحتضار - حديث. 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحتضار - حديث. 5 - 4
(4) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحتضار - حديث 1 - 2
24

وسوادها وذهاب النفس وزوال النبض، وعن جالينوس الاستبراء بنبض عروق بين
الأنثيين، أو عروق يلي الحالب والذكر بعد الغمر الشديد، أو عرق في باطن الألية
أو تحت اللسان أو في بطن المنخر، قلت: ولم نجد شيئا مما ذكره بل وما ذكره البعض
من الأصحاب في شئ من الأخبار واحتمال شمول لفظ التغيير الموجود فيها لجميع
ذلك كما ترى، سيما بعد ظهور إرادة الريح منه، لكن يسهل الخطب أن المدار على
العلم الذي تطمئن النفس به، فلا يتفاوت الحال في سائر ذلك، فاحتمال إناطة الحكم
بهذه العلامات وإن لم تفده في غاية الضعف حتى لو سلم شمول لفظ التغيير فيها لها بقرينة
الشهرة المدعاة، لظهور الأخبار المتقدمة في كون المدار على العلم كما صرح به في الموثق
المتقدم، وأن تعليق الحكم على التغيير إنما هو لإفادته ذلك غالبا، فما في الرياض من
أنه لا يبعد المصير إلى تلك الأمارات مطلقا للشهرة القرينة على الفرد الغير المتبادر لا يخلو
من نظر، إذ هو مع مخالفته للأصل بل الأصول وشدة الاحتياط في أمر النفوس لم
نتحقق ما ادعاه من الشهرة، بل في المعتبر " ويجب التربص مع الاشتباه حتى تظهر
علامات الموت، وحده العلم، وهو إجماع " انتهى. والمحكي عن التذكرة " أنه
لا يجوز التعجيل مع الاشتباه حتى تظهر علامات الموت، ويتحقق العلم به بالاجماع "
انتهى. مع أنه هو الذي ذكر في التذكرة جملة من العلامات المذكورة.
ومن ذلك كله يظهر لك الحال أيضا في الفرد الثاني من فردي التربص المذكور
في المتن بقوله: (أو يصبر عليه ثلاثة أيام) كما هو مفاد الأخبار السابقة وغيرها،
لكن ظاهره كغيره من الأصحاب ممن عبر بنحو ذلك بل كاد يكون صريح بعضهم أن
الثلاثة أقصى مدة التربص، وهو مبني إما على الملازمة بين مضيها والموت، أو أنها
تحديد شرعي، فلا يقدح احتمال الحياة حينئذ، وفي استفادة كل منهما من الأخبار
نظر ظاهر، لمكان انصرافها لما هو الغالب من تحقق الموت بمضيها، فالأولى حملها
25

على حصول العلم بذلك، كما يشعر به اختلافها في تعليق ذلك، إذا منها ما هو على
العلم، وآخر على الثلاثة، وثالث على التغيير، ورابع على اليومين ونحو ذلك،
ويؤيده الاجماعان السابقان، والأصول السالمة، فالأولى جعل المدار على العلم، وبه
يسقط التعرض حينئذ لأحوال الكسور في تلك الأيام وجبرها بالموافق والمخالف،
فتأمل جيدا. وعن العلامة في نهاية الإحكام " أنه شاهد واحدا في لسانه دفعة فسأله
عن سببها فقال: مرضت مرضا شديدا واشتبه الموت، فغسلت ودفنت في ابرخ،
ولنا عادة إذا مات شخص فتح عنه باب الابرخ بعد ثلاثة أيام أو ليلتين، إما زوجته
أو أمه أو أخته أو ابنته فتنوح عنده ساعة، ثم تطبق عليه، هكذا يومين أو ثلاثة،
ففتح علي فعطست فجاءت أمي بأصحابي وأخذوني من الابرخ، وذلك منذ سبعة عشر
سنة " قلت: ومنه يعرف أن الانتظار لا ينبغي أن يختص بالخمسة التي تضمنتها الأخبار،
كما أنا لم نجد قائلا بذلك.
ثم إنه قد يستثنى من استحباب التعجيل تعطيله لبعض المصالح الأخروية الراجعة
إليه، سيما إذا بودر في الشروع بمقدمات ذلك لاحتمال دخوله حينئذ تحت التعجيل،
إذ هو بالنسبة إلى كل شئ بحسبه، فلا ينافيه حينئذ نقل الميت من المكان البعيد إلى
مرقد مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أو غيره من الأئمة المعصومين (عليهم السلام)
أو تعطيله مثلا لأشرف ليلة على إشكال في جميع ذلك سيما في الأخير ونحوه، وسيما
بعد ظهور رائحته ونحوها مما يحصل بها هتك حرمته، لعدم إشارة في شئ من النصوص
الواردة عن العالمين بأحوال ذلك العالم إلى شئ من ذلك، بل أطلقوا الأمر بالتعجيل،
وحثوا عليه حتى ورد (1) أن " كرامة الميت تعجيله " وفي خبر جابر (2) عن أبي جعفر

(1) الفقيه - ج 1 - ص 85 - من طبعة النجف
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
26

(عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر الناس لا ألقين رجلا
مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، ولا رجلا مات له ميت نهارا فانتظر به الليل،
لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس ولا غروبها، عجلوا بهم إلى مضاجعهم رحمكم الله " بل
في خبره الآخر (1) قلت لأبي جعفر (عليه السلام): " إذا حضرت الصلاة على الجنازة
في وقت مكتوبة فبأيهما أبدأ؟ فقال: عجل الميت إلى قبره إلا أن تخاف أن يفوت وقت
الفريضة " وفي خبر السكوني (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: " قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما: الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء،
والذي يقول قفوا، والذي يقول استغفروا له غفر الله لكم " إلى غير ذلك من
الأخبار المفيدة زيادة الحث على التعجيل وكراهة التعطيل ونحو ذلك، ولعله لأن المصلحة
التي في التعجيل لا تقاومها مصلحة أخرى، والأقوى في النظر ملاحظة الميزان للفقيه
بالنسبة إلى ذلك التعارض فيها بعد فرض عدم دخولها تحت مسمى التعجيل تعارض
العموم من وجه، فتأمل جيدا.
(ويكره أن يطرح على بطنه حديد) في المشهور كما في المختلف والروضة، بل
في الخلاف الاجماع على كراهة وضع الحديد على بطن الميت مثل السيف، وكفى بذلك
حجة لمثلها، مضافا إلى ما في التهذيب أنه سمعناه من الشيوخ مذاكرة، وإلى مخالفته
للمنقول في الخلاف عن الشافعي من الاستحباب، بل في المقنعة نسبة طرح الحديد
عليه إلى العامة، فما عساه يشعر به نسبة المصنف له إلى القيل في المعتبر من التوقف فيه،
بل هو صرح بذلك معللا له بعدم ثبوت نقل به عن أهل البيت (عليهم السلام) ليس
في محله بعد ما عرفت من الاجماع المعتضد بالشهرة المحصلة والمنقول، بل لعلها إجماع،
إذ لم يعرف فيه خلاف سوى ما يحكى عن ابن الجنيد من أنه قال: يضع على بطنه شيئا يمنع

(1) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الاحتضار - حديث 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الاحتضار - حديث 4 - 2
27

من ربوها، وهو - مع احتمال خروجه عما نحن فيه ومنافاته لما تقدم، بل في المختلف
لم أقف على موافق له من أصحابنا، وفي جامع المقاصد وإجماع الأصحاب على خلافه،
ونحوه ما في الروض - غير قادح في الاجماع، وكذا ما يحكى عن صاحب الفاخر من أنه
يجعل الحديد على بطنه.
وهل يلحق بالحديد غيره في الكراهة كما صرح به بعض الأصحاب أولا؟
وجهان ينشئان من الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن مع عدم بلوغ التسامح في الكراهة
عندنا إلى الاكتفاء بمثل ذلك من فتوى فقيه ونحوها، ومن ظهور المساواة وإلغاء الخصوصية.
ثم إنه هل تختص الكراهة بما بعد الموت كما هو ظاهر المصنف للأصل واختصاص
معقد إجماع الخلاف والشهرة في المختلف، بل لعله الظاهر من فحاوي كلمات الأصحاب،
ويؤيده مع ذلك أن المتجه قبل الموت الحرمة، لما فيه من الأذية للميت والإعانة على
خروج نفسه، اللهم إلا أن يراد بكراهة وضع الحديد حينئذ عليه إنما هو من حيث
الحديد، وإلا فلا إشكال في الحرمة وفي غيره مع الثقل المؤذي المعين على خروج
نفسه، كما هو واضح، ويشعر به ما دل (1) على النهي عن مسه وهو في هذا الحال
خوفا من زيادة ضعفه والإعانة عليه، فتأمل.
(و) يكره (أن يحضره جنب أو حائض) وإن كان أحدهما للأخبار (2) المعتضدة
بفتوى المشهور معللة ذلك بتأذي الملائكة بحضورهما، وهو - مع قصور الأخبار عن
إفادة الحرمة - مشعر بالكراهة كما هو المشهور بين الأصحاب، بل لعله لا خلاف فيه،
لاحتمال ما في الهداية وعن المقنع (3) من التعبير عن ذلك بعدم الجواز اشتداد الكراهة،
كالمضمر المروي عن الخصال.

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
(2) الوسائل الباب - 43 - من أبواب الاحتضار
(3) المستدرك - الباب - 33 - من أبواب الاحتضار - حديث 4
28

ثم إن ظاهر الأخبار (1) اختصاص الكراهة بوقت الاحتضار، فتزول حينئذ
بالموت، ويومي إليه زيادة على ذلك ما في خبر يونس (2) عن الصادق (عليه السلام)
بعد النهي عن حضورهما عند التلقين " ولا بأس أن يليا غسله " لكن في خبر الجعفي (3)
أنه " لا يجوز إدخالهما الميت قبره " كالمحكي عن الفقه الرضوي (4) أنه " لا بأس أن يليا
غسله، ويصليا عليه، ولا ينزلا قبره " ولم أجد من أفتى بهما في الكراهة فضلا عن
غيرهما، والظاهر عدم الفرق بين الحائض المنقطع دمها وعدمه قبل الطهارة كما في الكثير
من أحكام الحائض، نعم قد يقال: بارتفاع الكراهة فيها في هذا الحال، والجنب
بالتيمم بدل الغسل مع فرض وجود المسوغ له من العجز عن الماء مثلا ونحوه، وربما
احتمل العدم لعدم خروجهما عن وصف اسم الحائض والجنب بذلك، وهو ضعيف،
نعم لا يشرع التيمم لمكان تضيق وقت هذه الغاية بحيث لو اغتسلت مثلا لم تدركه حيا.
وكان على المصنف ذكر كراهة إبقاء الميت وحده لخبر أبي خديجة (5) عن الصادق
(عليه السلام) " لا تدعن ميتك وحده فإن الشيطان يعبث في جوفه "
كما أنه كان عليه
أن يزيد في عدد المستحب إعلام إخوانه المؤمنين ليشيعوه، لقول الصادق (عليه السلام) (6):
" ينبغي لأولياء الميت أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته، و يصلون
عليه. ويستغفرون له، فيكتب لهم الأجر وللميت الاستغفار، ويكتسب هو
الأجر فيهم وفيما كتب له من الاستغفار " وهو يعم النداء، فما عن الخلاف من أني

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحتضار - حديث. - 2
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحتضار - حديث. - 2
(3) الخصال - ج 2 - ص 142 المطبوعة بسنة 1302
(4) المستدرك - الباب - 33 - من أبواب الاحتضار - حديث 3
(5) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 لكن رواه في
الوسائل مرسلا عن الصدوق (رحمه الله)
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 1
29

لا أعرف به نصا ليس في محله إلا إذا أراد الخصوصية، وفي الرياض وكالمنقول عن
الجعفي من كراهة المضي إلا أن يرسل فإنه مع عدم الدليل عليه ينافي ما يترتب على الحضور
من الثواب الجزيل على السنن الموظفة في التشييع والتربيع والصلاة والتعزية وما فيه من الاتعاظ
والتذكر لأمور الآخرة وتنبيه القلب القاسي وانزجار النفس الأمارة، وفي الخبر (1)
" عن رجل يدعى إلى وليمة وإلى جنازة فأيهما أفضل؟ وأيهما يجيب؟ قال: يجيب
الجنازة، فإنها تذكر الآخرة، وليدع الوليمة فإنها تذكر الدنيا " قلت: الموجود فيما
حضرني من نسخة الذكرى من النقل عن الجعفي أنه يكره النعي إلا أن يرسل صاحب
المصيبة إلى من يختص به، وهو غير ما أورد عليه في الرياض من المضي، فتأمل جيدا.
(الثاني في الغسل)
(وهو فرض) عدا ما تسمع مما يستثنى إجماعا وسنة، بل لعله من ضروريات
المذهب بل الدين على كل مكلف عالم بالحال متمكن كسائر التكاليف مماثل عدا ما ستعرف،
وإن كان لا يصح إلا من المؤمن والكتابي، وقد يلحق به غيرهما كما ستسمع تفصيل
ذلك كله، لكنه (على الكفاية) بمعنى سقوطه بقيام البعض، والعقاب للجمع مع
الاخلال بلا خلاف بين أهل العلم كما في المنتهى (وكذا تكفينه ودفنه والصلاة عليه)
باجماع العلماء كما في التذكرة، وهو مذهب أهل العلم كافة كما في المعتبر، وبلا خلاف
كما في الغنية إلى غير ذلك من نفي الخلاف عن ذلك وأمثاله من أحكام الميت، وحكاية
الاجماع في كلمات الأصحاب، بل لعل الثاني متواتر فيها، وهو الحجة، مضافا إلى
الأمر بذلك كله في المستفيض من الأخبار (2) بل المتواتر من غير تعيين للمباشر،

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل الميت والباب - 1 - من أبواب
التكفين والباب - 1 - من أبواب صلاة الجنائز والباب - 1 - من أبواب الدفن
30

فالا صل مع العلم بعدم إرادة تكراره من كل مكلف ولا مشاركة الجميع فيه مما يثبت
ذلك وينقحه، مع أن المستفاد من ملاحظة أخبار الباب بحيث يشرف الفقيه على القطع
واليقين أن المراد إبراز هذه الأمور إلى الوجود الخارجي لا من مباشر بعينه.
(و) لكن قد يتخيل في بادي النظر أن ذلك كله مناف لما في كلام الأصحاب
وأخبار الباب (1) من ذكر الولي، كقول المصنف هنا: إن (أولى الناس به)
أي بالغسل (أولاهم بميراثه) وكذا في الصلاة في الكتاب والنافع وأحق الناس بالصلاة
على الميت أولاهم بميراثه، بل في القواعد واللمعة هنا وعن النهاية والمبسوط والمهذب
والوسيلة والمعتبر أن أولى الناس بالميت في أحكامه كلها أولاهم بميراثه، وفي جامع
المقاصد الظاهر أنه إجماعي، ولعله كذلك وإن تركه بعضهم في بعض المقامات كالجامع
في التلقين الأخير، والسرائر في الغسل، كما أنه لم يذكر في المقنع والمقنعة على
ما قيل إلا أولوية الولي في الصلاة، وعن المراسل وجمل السيد والاصباح فيها وفي نزول
القبر، وجمل الشيخ والنافع والتلخيص والتبصرة فيها وفي التلقين الأخير، والاقتصاد
والمصباح ومختصره ونهاية الإحكام في الثلاثة، والهداية في الغسل ونزول القبر،
والإرشاد في الغسل والصلاة والتلقين الأخير، لعدم ظهور الخلاف في المتروك،
على أنه يكفي في الاشكال المتقدم ثبوت الولاية ولو في الجملة، نعم يرتفع ذلك من
أصله على ما حكاه في كشف اللثام عن ظاهر الكافي من أنه لا أولوية، لكنه لا ريب
في شذوذه سيما بعد ملاحظة كلام الأصحاب في صلاة الميت وأن الأولى بها هو الأولى
بالميراث، بل في الخلاف وعن ظاهر المنتهى الاجماع على أن أولى الناس بالصلاة على
الميت أولاهم به أو من قدمه الولي، كما في المعتبر والتذكرة الاجماع على عدم
جواز تقدم الجامع لشرائط التقدم بغير إذن الولي، وفي كشف اللثام نسبة

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 والباب 26 منها
31

إلى المشهور، إلى غير ذلك من كلماتهم المتفرقة التي يحصل للفقيه القطع من ملاحظتها
بالأولوية المتقدمة.
وأما أخبار الباب زيادة على الكتاب العزيز (فمنها) ما في خبر غياث بن إبراهيم
الزرامي (1) المروي في التهذيب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) أنه قال:
" يغسل الميت أولى الناس به " ورواه في الفقيه مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (2)
أيضا لكن بزيادة (أو من يأمره الولي بذلك) وما عساه يناقش فيه من حيث السند -
إذ كانت مرسلة في الفقيه ومجهولة السند في التهذيب لأنه رواها عن علي بن الحسين عن
محمد بن أحمد بن علي عن عبد الله بن الصلت عن عبد الله بن المغيرة عن غياث بن إبراهيم
الزرامي إلى آخره - قد يدفع بأن المراد بعلي بن الحسين هو ابن بابويه القمي الثقة الجليل
كما عساه يومي إليه ما في الاستبصار في باب الرجل يموت وهو جنب أخبرني الشيخ عن
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن محمد بن أحمد بن علي عن عبد الله بن الصلت
عن عبد الله بن المغيرة، وفي باب أنه يموت في السفر مثله، إلا أنه عوض ابن المغيرة
بابن أبي عمير، وكذا غيرهما كما لا يخفى على المتتبع، وأما محمد بن أحمد بن علي فلعل
الظاهر أن المراد به هو ابن الصلت، فيكون راويا عن عم أبيه عبد الله كما نقل تحقيق
ذلك عن غير واحد من الأعلام، بل قيل أنه وقع التصريح به في غير موضع من
التهذيبين، بل عن الكافي في مولد علي بن الحسين محمد بن أحمد عن عمه عبد الله بن
الصلت، وعن إكمال الصدوق أن والده يروي عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت،
وكان يصف علمه وحلمه وزهده وفضله وعبادته، ومن ثم حكي عن المجلسي في رجاله
أنه هو الواقع في أسانيد الشيخ بعد علي بن الحسين، فما توهمه بعضهم من مجهوليته فهو

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2
32

ناش من قصور الممارسة، فلم يبق في السند من يتوقف فيه سوى غياث راويه، فإنه
بوصف الزرامي غير معلوم الحال، بل غير مذكور في كتب الرجال، لكنه غير ضائر
بعد ما عرفت من الشهرة المتقدمة بل الاجماع ورواية الثقة الجليل ابن المغيرة عنه، ولعل
المراد به غياث بن إبراهيم الموثق، لأنه صاحب الكتاب المتكرر في الأخبار الراوي
عنه ابن المغيرة كما قيل، ووصفه بالزرامي إما سهو من الناسخ أو لاتصافه به وإن لم يذكر
في الرجال.
و (منها) قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر السكوني (1): " إذا حضر
سلطان من سلطان الله جنازة فهو أحق بالصلاة عليها إن قدمه ولي الميت، وإلا فهو
غاصب " وقول الصادق (عليه السلام) في مرسل البزنطي (2) وابن أبي عمير (3):
" " يصلي على الجنازة أولى الناس بها أو يأمر من يحب " وقوله (عليه السلام) أيضا في
خبر إسحاق بن عمار (4): " الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها " وخبر أبي
بصير (5) " سأله عن المرأة تموت من أحق أن يصلي عليها؟ قال: الزوج، قلت:
الزوج أحق من الأب والولد؟ قال: نعم " إلى غير ذلك من الأخبار المتضمنة لذكر
الأولوية والأحقية في التلقين وإدخال القبر ونحوهما المنجبرة بما سمعت من الشهرة
والاجماع المحكي وغيرهما المعتضدة بظاهر قوله تعالى (6): (وأولو الأرحام بعضهم
أولى ببعض).
ووجه التنافي بين ذلك كله وبين ما قلناه من الوجوب الكفائي واضح، إذ
لا معنى لإناطة الواجب برأي بعض المكلفين، والفرض أنه مطلق لا مشروط، وهو

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 4 - 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 4 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 4 - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 3 - 1
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 3 - 1
(6) سورة الأنفال - الآية - 76
33

الذي أشار إليه الشهيد في الروض على ما حكي عنه تبعا للمحقق الثاني في جامع المقاصد،
حيث قال فيه: " واعلم أن ظاهر الأصحاب أن إذن الولي إنما يتوقف عليها الجماعة
لا أصل الصلاة لوجوبها على الكفاية، فلا يناط برأي أحد من المكلفين، فلو صلوا
فرادى بغير أذن أجزأ " انتهى. وهو وإن ذكر ذلك في خصوص الصلاة لكنه
لا يخفى عليك جريانه في غيرها من أحكام الميت التي ادعي فيها الوجوب الكفائي من
التغسيل ونحوه، فقضية ذلك منهما عدم اعتبار الإذن في صحة ما وجب كفاية من أحكام
الميت لما تقدم من التنافي.
ومن العجيب أن الشهيد بعد ما سمعته منه في الروض قال في المسالك في المقام:
" لا منافاة بين الأولوية ووجوبه على الكفاية، وكذا توقف فعل غير الولي على إذنه
لا ينافي أصل الوجوب " انتهى. ولم يذكر وجه عدم المنافاة، ولعله الذي أشار إليه
في المدارك بعد حكاية كلام جده في الروض، قال: " وقد يقال: إنه لا منافاة بين
الوجوب كفائيا وبين إناطته برأي بعض المكلفين على معنى أنه إن قام به سقط الفرض
عن غيره، وكذا إن أذن لغيره وقام به ذلك الغير، وإلا سقط اعتباره، وانعقدت
الصلاة جماعة وفرادى بغير إذنه " انتهى. وربما ظهر من الرياض متابعته في ذلك
أيضا كما عن الذخيرة، وناقش فيه بعضهم بأن البحث ليس في سقوط الفعل عن الغير
إذا قام به الولي أو نصب من قام به الولي، ولا في سقوط اعتباره إذا امتنع عن الإذن
والمباشرة، إنما البحث في أن مقتضى الوجوب الكفائي تعلق خطابه بجملة المكلفين على
حد واحد، وأنه متى قام به بعضهم سقط عن الباقي، ومقتضى إناطة الأمر به
اختصاصه ومن قدمه بذلك، وأنه متى أقيم بدون إذنه لم يكن مجزءا، فالمنافاة بحالها
حينئذ، وكيف يتصور الوجوب المطلق على مكلف مع اشتراط صحة الفعل المكلف
به بما ليس من قبله، كالإذن من شخص آخر ونحو ذلك، نعم هو واجب مشروط فتأمل.
34

ولعله لذا وشبهه بالغ المحدث البحراني في حدائقه وأخوه في إحيائه في إنكار
الوجوب الكفائي على سائر المكلفين، بل هو مختص، بالولي، نعم لو امتنع الولي مع
عدم التمكن من إجباره أو لم يكن ولي انتقل الحكم حينئذ إلى المسلمين بالأدلة العامة زاعما
أن ذلك هو الظاهر من الأخبار المتقدمة التي تعرض فيها لذكر الولي، مضافا إلى ما عساه
يشعر به زيادة على ذلك ما في رواية جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " يا معاشر
الناس لا ألفين رجلا مات له ميت ليلا فانتظر به الصبح، ولا مات له ميت نهارا فانتظر
به الليل " وما في صحيحته عنه (عليه السلام) (2) أيضا " في المرأة تؤم النساء قال:
لا إلا على الميت إذا لم يكن أحد أولى منها " وما في صحيحته الأخرى عن الصادق
(عليه السلام) (3) أنه " سئل عن القبر كم يدخله؟ قال: ذك إلى الولي إن شاء
أدخل وترا وإن شاء أدخل شفعا " إلى غير ذلك مما ظاهره توجيه الخطاب بذلك كله
من الواجب والمستحب إلى الولي. ثم إن الأول منهما بالغ في إنكار ذلك غاية المبالغة،
حتى قال: إنه وإن اشتهر بينهم إلا أنه لا أعرف له دليلا يعتمد عليه ولا حديثا يرجع
إليه، كما أن الثاني تعجب من الأصحاب كيف جمعوا بين القول بذلك وبين القول
بالأولوية المذكورة سيما في الغسل والصلاة مع تدافعهما.
لكنك خبير أن ذلك منهما في محل من الشذوذ بحيث لا يلتفت إليه بعد ما سمعت
من الاجماع محصله ومنقوله على ذلك، مضافا إلى ما يظهر من ملاحظة الأخبار أن مراد
الشارع إبراز ذلك في الوجود الخارجي لا من مباشر بعينه، حتى من أخبار الولاية
أيضا، لتضمنها الاكتفاء بمن أمره الولي بذلك المشعر بعدم إرادة وقوعه من خصوص

(1) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب صلاة جنائز - حديث 1 لكن رواه
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الدفن - حديث 1 لكن رواه عن زرارة
35

الولي، ويزيده وضوحا حيث يفقد الولي شرط جواز المباشرة، كما لو كان الميت
امرأة والولي رجلا لا يباشرها أو بالعكس، فإن ولايته حينئذ ليست إلا إذنا محضة،
على أن المتجه حينئذ بناء على ذلك سقوط جميع تلك الأحكام مع امتناع الولي أو عدم
وجوده، إذ لا دليل على انتقال الحكم حينئذ إلى غيره، فيبقى الأصل سالما.
وكيف كان فلعل مثل هذا التشكيك ملحق بالتشكيك بالضروري أو ما يقرب
منه، فلا يحتاج إلى الإطالة، بل لعل التشكيك في وجوب هذه الأولوية أولى كما
عساه يظهر من الأردبيلي في المقام، حيث أنكر الدليل عليها بمعنى عدم جواز الاشتغال
إلا بالإذن، ومن المحكي عن الغنية في الصلاة على الميت، حيث قال: والمستحب
أن يقوم للصلاة أولى الناس بالميت أو من يقدمه مستدلا عليه بالاجماع، وفي كشف اللثام
" أنه قوي للأصل وضعف الخبر سندا ودلالة. ومنع الاجماع على أزيد من الأولوية "
انتهى. بل يشعر به أيضا ما سمعته من التعليل المتقدم في جامع المقاصد والروض، وفي
المنتهى ويستحب أن يتولى تغسيله أولى الناس به إلى أن قال: ويؤيده ما رواه ابن
بابويه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) قال: (يغسل الميت) إلى آخره. وكأنه
حمل الأمر فيه على الاستحباب، لكن قال بعد ذلك بأوراق: مسألة ويغسل الميت
أولى الناس به روى الشيخ عن غياث بن إبراهيم الزرامي عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليه السلام) قال: يغسل الميت أولى الناس، انتهى. وظاهره هنا الوجوب
إلا أنه يمكن حمله على الاستحباب جمعا بين كلاميه كما أنه قد يحمل كلامه الأول على
إرادة استحباب تولي خصوص الولي للتغسيل، فلا ينافي الوجوب حينئذ، بل
ينبغي القطع بإرادته ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كلامه فيه.
وكيف كان فقد يؤيد القول بالاستحباب - مضافا إلى ما عرفت من الاشكال

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
36

على تقدير الوجوب وإجماع الغنية المتقدم في الصلاة مع أولوية ما نحن فيه منها عند التأمل،
وإلى الأصل والعمومات والاطاقات، بل كاد بعضها يكون كالصريح بعدم اعتبار
الأولوية مع عدم نهوض دليل يعتد به على الوجوب لا من الآية ولا الرواية أن
اعتبار إذن الولي في غاية الصعوبة، سيما مع التعدد وعدم حضور الجميع أو البعض وامكان
الانتظار وعدمه، فلا يعلم حينئذ سقوطها أو انتقالها إلى حاكم الشرع، وإلا فعدول
المسلمين، وسيرة المسلمين على خلاف ذلك كله، إذ لم نسمع يوما من الأيام التعرض
لشئ من ذلك، كما أنا لم نر أحدا توقف في تغسيل ميت لأولي له على استئذان حاكم
الشرع أو عدول المسلمين، ولا أحدا عطل ميتا لانتظار قدوم وليه فيغسله أو يستأذن
منه، ولا أحدا أعاد غسل ميت مثلا لخلل في ذلك، وخلو النصوص عن التعرض
لتفصيل شئ من هذه الأحكام وغيرها مع كثرتها وصعوبة معرفة الحكم فيها أكبر شاهد
على عدم الوجوب، بل قد يشعر لفظ الأولى فيها بالاستحباب ككثير من كلمات
الأصحاب، كاشعار لفظ الأولى والأحق في الصلاة أيضا.
ويزيده إشعارا مشاركته لما ورد (1) في المكتوبة من تقديم الأقرأ والأفقه
والأسن، والعدول إلى لفظ الغاصب هنا فيما تقدم عن لفظ البطلان أو عدم الصحة
أو نحو ذلك، هذا. مع أن القول بالوجوب مستلزم أحكاما كثيرة مخالفة للأصل
ليس في شئ من الأخبار تعرض لشئ منها، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة،
فتأمل جيدا. والمقصود من هذا كله أن ارتكاب التشكيك في وجوب الأولوية أهون
من ارتكابه في الوجوب الكفائي، وإن كان الأقوى خلافهما معا، والمتجه القول
بالوجوب الكفائي مع وجوب مراعاة الأولوية المذكورة، فلا يجوز غسله ولا دفنه ولا تكفينه
ولا غير ذلك من سائر أحكامه الواجبة بدون إذنه، سيما مع نهي الولي وإرادة فعله

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب صلاة الجماعة
37

بنفسه أو من أراده الظاهر النصوص (1) والفتاوى والاجماعات السابقة في بعضها من
غير فرق بين الصلاة وغيرها من الغسل وغيره، وإن كان ربما يشعر ترك بعضهم ذكر
الولي في الأول ومع إطلاقه الوجوبية الكفائية بعدمه.
وكيف كان فقد يشهد للمختار مضافا إلى ما سمعت ما عساه يظهر للفقيه إذا طمع
نظره في الكتاب والسنة وفي أحوال السلف والخلف من سائر المسلمين، بل غيرهم من
المليين في جميع الأعصار والأمصار من القطع واليقين بأن الانسان ليس كغيره من
أفراد الحيوان مما لم يجعل الله لأغلب أنواع الرحم فيه مدخلية، بل جعل له أولياء
من أرحامه هم أولى به من غيره فيما كان من نحو ذلك، بل لعله هو مقتضى نظام النوع
الانساني والمركوز في طبائعهم، حتى لو أراد غير الولي فعل شئ من ذلك قهرا على
الولي توجه إليه اللوم والذم من سائر هذا النوع من غير نكير في ذلك، كما أنه أراد
الولي فعل ذلك قهرا على غيره لم يكن في نفس أحد من هذا النوع عليه شئ من ذلك
الاعتراض والانكار، بل كان فعله هو المتلقى بالقبول عند ذوي البصائر والعقول،
وكأن ما ذكرنا من جميع ذلك مركوز في طبيعة النوع الانساني، والشرع أقره على ما هو
عليه، لموافقته في أغلب الأحوال للحكم والمصالح المترتبة عليه لكون الولي أدعى من
غيره لمصالح المولى عليه في دنياه وآخرته، لما بينهما من المشاركة في الرحم الذي جعله
الله مثارا لذلك، فيطلب له أحسن ما يصلحه من التغسيل والكفن ومكان الدفن والصلاة
ونحو ذلك. كما أنه هو أشد الناس توجعا عليه فيما يصيبه من النوائب في الدنيا والآخرة
ولأن ذلك أقطع للقيل والقال وإثارة النزاع عند تزاحم الإرادة والاختيار في هذه
الأفعال، إما رغبة فيما أعد الله لذلك من الثواب والدرجات أو غيره مما يختلف باختلاف

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب غسل الميت والباب 23 من أبواب صلاة
الجنائز والباب 26 من أبواب الدفن
38

القصد والنيات، وقد يكون المتوفى ممن يكسب المتولي لمثل ذلك من أفعاله شرفا يبقي
في الأعقاب على ما يشعر به طلب الأنصار من أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) دخول
قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما أنه قد يكون ممن له عداوة مع من أراد مباشرة
هذه الأفعال منه بحيث يصل الحرب بين أولياء الميت وبينهم حذرا من التشفي وغيره.
والحاصل لا يخفى ما في القول بعدم وجوب مراعاة هذه الأولوية في جميع ذلك
من المفاسد العظام كما أنه لا يخفى ما في المراعاة لها من المصالح التي يكفي بعضها في
الالزام على ما هو الموافق للكتاب، كقوله تعالى: (2) (وأولو الأرحام بعضهم أولى
ببعض) وقوله تعالى (3): (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون)
والنصوص من أهل البيت (عليهم السلام)، نعم لما كانت هذه الولاية تابعة لما عرفت
من العلقة الرحمية ونحوها وكان ذلك مختلفا باختلافه شدة وضعفا كشف الشارع عن
بعضها وجعله أولى من غيره، كما سيظهر لك إن شاء الله في الصلاة على الميت مفصلا،
وأما ما تقدم سابقا مما عساه ينافي ذلك كالاشكال المتقدم في وجوبه في هذه الأحكام
مع إناطته برأي بعض المكلفين فمدفوع بأنه لا منافاة بين وجوبه على سائر المكلفين بمعنى
حصول العقاب على الجميع مع إذن الولي أو امتناعه أو فقده وبين إناطة اختصاص
خصوص المباشر لذلك برأي الولي، وليس هذا في الحقيقة إناطة للوجوب برأي البعض
عند التأمل حتى تتحقق المنافاة كما يستوضح ذلك في تكليف السيد لجملة عبيده بايجاد شئ
في الخارج، وإناطة خصوص المتولي منهم له في بعض الأحوال برأي واحد منهم كما
يقرب من ذلك التأمير في الغزوات والحروب ونحوهما.
ويرشد إليه هنا ظاهر خبر غياث من الوجوب على من يأمره الولي بالفعل، إذ

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الدفن - حديث 2
(2) سورة الأنفال - الآية - 76
(3) سورة النساء - الآية - 37
39

المراد منه كون الولي أحق بالفعل على وجه لا يزاحمه غيره ولا يقدم عليه إلا مع إذنه
المقتضي سقوط حقه بالنسبة إلى المأذون أو امتناعه أو فقده، وذلك كله غير مناف
للوجوب المشترك بين الولي وغيره وإن قلنا بتوقف صحة الفعل على الإذن مع فرض وجوده
وعدم العلم بامتناعه عن الفعل أو الإذن، ضرورة عدم المنافاة بين الوجوب المطلق وبين
شرط الصحة للفعل المقدور للمكلف الذي هو عدم المزاحمة له وعدم الفعل مع عدم العلم
بحاله مع وجوده، وحينئذ فهو واجب كفائي على الناس كافة وجوبا مطلقا لا مشروطا،
وتتوقف صحته على مراعاة الولي على الوجه المزبور، وحينئذ فلا حاجة للجواب عنه
بما في بعض حواشي الإرشاد من أن الوجوب على غير الوارث إنما هو مع عدم ظن
قيام الوارث وتوجيهه إلى الفعل، ولا إلى القول بأن المراد بكفائيته ولو بالنسبة إلى
الوارث لمكان سقوطه بفعل بعضهم، واتفاق اتحاده في بعض الأوقات فيكون عينيا
لا ينافيه كما في كل واجب كفائي، ولا إلى القول بأن المراد بوجوبه إنما هو وجوب
مشروط لا مطلق بل هي كلها واضحة الفساد.
نعم يحتمل قويا القول بوجوب مراعاة تلك الأولوية تعبدا من غير أن يكون
لها مدخل في صحة الأفعال كما عساه يشعر به لفظ الغاصب وغيره، إلا أني لم أعرف
قائلا به، وإن أمكن حمل بعض كلمات الأصحاب عليه، فتأمل. كما أنه يحتمل أيضا
قصر اعتبار الولي على منعه لا على إذنه، وهو ضعيف، وكالاجماع المدعى في الغنية
بالنسبة للاستحباب في الصلاة، فلا يلتفت إليه بعد معارضته بالاجماعين المتقدمين المؤيدين
بالتتبع لكلمات الأصحاب، وبالأخبار المتقدمة، ودعوى ضعفها سندا غير قادح بعد
تسليمه للانجبار بذلك، وكذا الدلالة، على أنه لا ينبغي الاشكال في ظهورها، وهو
حجة كالصريح، وكدعوى أن لفظ الأولى والأحق مشعر بذلك، إذ هو في
حيز المنع، وكأن ذلك اشتباه بما يأتي نحو ذلك بالنسبة للأفعال، كما إذا قيل مثلا
40

الأولى لك أن تفعل كذا لا في مثل ما نحن فيه إذا أريد به الذوات، وإذا شئت
فاستوضح ذلك في نظائره، وكدعوى إشعار لفظ الغاصب به أيضا.
ومن العجيب تأييد الاستحباب من بعضهم بما هو وارد على القول به أيضا عند
التأمل مما أشرنا إليه سابقا، ومنها ما هو مبني على ما لا نقول به كدعوى وجوب الانتظار
بالميت مع غيبة الولي والرجوع إلى حاكم الشرع، أو عدول المسلمين مع كون الولي طفلا
مثلا أو ممتنعا أو غائبا غيبة لا يمكن انتظاره أو نحو ذلك، إذ قد يقال: بالمنع من وجوب
المراعاة في جميع ذلك، وسقوط الولاية في كل ما كان من هذا القبيل، أو رجوعها
إلى غيره من الأرحام الأقرب فالأقرب كما ستعرف كل ذلك مفصلا إن شاء الله في
الصلاة، كما أنك تعرف كثيرا من مباحث الأولوية هناك.
لكن نقول هنا على حسب الاجمال: إن المراد بولي الميت هو أولى الناس بميراثه
كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل نفى الخلاف عنه بعضهم ناسبا له إلى الأصحاب
مشعرا بدعوى الاجماع على، ولعل ذلك يكون كالقرينة على أن المراد بالأولى فيما
تقدم من النصوص ذلك إن لم نقل أنه المتبادر المنساق منه، ويمكن أن يستأنس له زيادة
عليه بحسنة حفص بن البختري عن الصادق (عليه السلام) (1): " في الرجل يموت وعليه
صلاة أو صيام، قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه، قلت: فإن كان أولى الناس
به امرأة قال: لا إلا الرجال " وموثقة زرارة عنه (عليه السلام) (2) قال: " سمعته
يقول: ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون، قال: إنما عنى بذلك أولى
الأرحام من الوارث، ولم يعن أولياء النعمة، فأولاهم بالميت أقربهم إليه من الرحم
التي تجره إليها " وصحيحة هشام بن سالم عن بريد الكناسي عن الباقر (عليه السلام) (3)

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان - حديث 5 من
كتاب الصوم
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب موجبات الإرث - حديث - 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب موجبات الإرث - حديث - 1
41

قال: " ابنك أولى بك من ابن ابنك، وابن ابنك أولى بك من أخيك، وأخوك
لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك، وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك
لأمك، وابن أخيك من أبيك وأمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك، وابن
أخيك من أبيك أولى بك من عمك، وعمك أخو أبيك لأبيه وأمه أولى بك من عمك
أخي أبيك لأبيه، وعمك أخو أبيك لأبيه أولى بك من عمك أخي أبيك لأمه،
وابن عمك أخي أبيك لأبيه وأمه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأبيه، وابن عمك
أخي أبيك لأبيه أولى بك من ابن عمك أخي أبيك لأمه ".
وهذه الأخبار وإن أمكن المناقشة فيها بعدم صلاحيتها لاثبات ما عليه الأصحاب
من ترتب الولاية هنا على حسب طبقات الإرث عدا ما يستثنى، وذلك لاختصاصها
أولا بالقضاء والإرث، وثانيا لاختصاص الأولى بالذكور دون الإناث، وأجمال
الثانية واقتصار الثالثة على بعض الذكور، بل فيها ما لا ينطبق على ما ذكرناه هنا عن
الأصحاب الظاهر في تشريك الأخوين للأبوين والأخ للأم، لأنهما الوارثان،
وتشريك الأخ للأب مع الأخ للأم لاشتراكهما في الإرث أيضا إلى غير ذلك، لكنه -
مع أنه يمكن دفعها خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب في الصلاة، وخصوصا المناقشة
الأولى لمنع ظهور الصحيح في الإرث بل هو في غيره أو الأعم منه أظهر - لا يخلو التأييد
والاستئناس بها من وجه، على أن العمدة ما ذكرنا أولا ولولاه لأمكن القول بأن
المراد بأولى الناس به إنما هو أقربهم إليه وأشدهم علقة به، إذ الولي القريب كما في
القاموس، ولعله غير خفي على أهل العرف، ودعوى استكشاف ذلك بالإرث فالوارث
فعلا هو الأقرب دون غيره محل منع، إذ لعل حكمة الإرث مبتنية على شئ آخر،
كمنع دعوى أن الأكثر نصيبا أولى من الأقل، لعدم ثبوت ما يقتضيه، بل الثابت
42

خلافه بالنسبة للأب والجد ونحوهما مما ستعرفه فيما يأتي، بل قد يظهر من الأصحاب
الاجماع على عدم اعتبار ذلك كما سيأتي في الصلاة، لكن الانصاف أن الأقربية وأشدية
العلقة لا تخلو من إجمال أيضا في بعض الأحوال عند أهل العرف، كما أنها غالبا توافق
ما عليه الأصحاب من ترتيب ذلك على طبقات الإرث، فالوقوف حينئذ معهم هو المتجه.
نعم يحتمل قويا أن المراد بالولي هنا مطلق الأرحام والقرابة لا خصوص طبقات
الإرث، لكنا لم نجد أحدا صرح به، ولعله لما في أخبار الصلاة (1) والغسل أيضا
من الحكم بأولوية بعض الأرحام على بعض، مع إمكان تنزيله على صورة التشاح خاصة،
فتأمل جيدا هذا. وفي المدارك أنه لا يبعد أن يراد بالأولى بالميت هنا أشد الناس به
علاقة، لأنه المتبادر، وتبعه عليه بعض من تأخر عنه، وهو الذي أشرنا إليه
سابقا وفيه ما لا يخفى بعد ما سمعت، لكنه رده في الحدائق بما لا يكاد يظهر لنا استقامته،
حيث قال: " إن ذلك منه مبني على أن المراد بقولهم (عليهم السلام) في تلك الأخبار:
(أولى الناس به) معنى التفضيل، فتوهم أن المتبادر من الأولوية على هذا التقدير الأولوية
بالقرب وشدة العلاقة، وليس كذلك، بل المراد بهذا اللفظ إنما هو الكناية عن المالك
المتصرف، والتعبير عنه بذلك قد وقع في جملة من أخبار الغدير - إلى أن قال -
وبذلك يظهر أن (الأولى) في أخبار الميت من أخبار الغسل والصلاة وغيرها إنما هو بمعنى
المالك المتصرف، وهو بمعنى الولي كما في ولي الطفل وولي البكر " انتهى. وفيه ما لا
يكاد يخفى على من له أدنى مسكة من أن ما تقدم من الأخبار المتعلقة بالمقام صريحة في إرادة
التفضيل من الأولى، فإن كان ذلك هو مبنى صحة ما في المدارك فلا إشكال حينئذ في
استقامته، مع أن الأصحاب وأن قالوا إن المراد به الأولى بالميراث لم ينكروا إرادة

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 6 و 11 والباب
- 24 - من أبواب صلاة الجنائز
43

التفضيل منه معنى أن الأحق بالإرث مقدم على غيره، نعم إنما يتجه على صاحب
المدارك ما ذكرناه سابقا، فتأمل جيدا.
وقد يظهر من بعض متأخري علماء البحرين هنا أن المراد بالولي المحرم من الوارث
لا مطلقه، ومع تعدده فالترجيح لأشدهم علاقة به حيث يكون هو المرجع له في حياته والمعزي
عليه بعد وفاته، وكأنه لظهور أخبار الباب في كون الولي ممن له مباشرة التغسيل فعلا
ولو عند عدم المماثل، كقوله (عليه السلام) (1): (يغسله أولى الناس به) وفي موثقة
الساباطي (2) " الصبية يغسلها أولى الناس بها من الرجل " وفي الحسن (3) " تغسله
أولاهن به " فلا يتم حينئذ إرادة مطلق الوارث، وقد يستأنس له أيضا باطلاق الولي
على خصوص المحرم في بعض أخبار حج المرأة من دون وليها (4) كما أنه علل ما ذكره
من الترجيح المتقدم مع فرض التعدد بما ورد من أخبار تولي الباقر (عليه السلام) أمر
ابن ابنه (5) والصادق (عليه السلام) أمر إسماعيل (6) دون الصادق (عليه السلام)
في الأول، وأولاد إسماعيل في الثاني، وما ذاك إلا لأنهما المرجع في ذلك، ودخول
الجميع تحت عيلولتهما هنالك.
وأنت خبير بما في جميع ذلك، كما سيتضح لك بعضه عند شرح قوله: (وإذا
كان الأولياء) إلى آخره. سيما ما ذكر أخيرا من فعل الباقر والصادق (عليهما السلام)
مع احتماله وجوها متعددة غير ما ذكره فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 11 - 6
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 11 - 6
(4) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب وجوب الحج وشرائطه - حديث 1
من كتاب الحج
(5) الوسائل - الباب - 85 - من أبواب الدفن - حديث 6
(6) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب التكفين - حديث 1.
44

ثم إنه حيث ظهر أن المتجه هو ما ذكره الأصحاب من ترتب ذلك على طبقات
الإرث عدا ما استثني فهل المدار حينئذ على استئذان جميع أهل الطبقة حتى لو كان المتولي
بعضهم أو يكتفي بإذن أحدهم مطلقا أو أنه ما لم يمنع غيره؟ وجوه، أحوطها الأول إن
لم يكن أقواها، وإن كان يمكن أن يؤيد ما بعده بصدق اسم الولي على كل واحد منهم
فيكتفى بإذنه لاندراجه تحت الأدلة حينئذ، سيما الثالث أي مع عدم منع غيره، فتأمل.
ولو امتنع الولي قال في الذكرى: " إن في إجباره نظرا ينشأ من الشك في أن
الولاية هل هي نظر له أو للميت؟ " قلت: ولا ريب في قوة العدم، للأصل مع ما يستفاد
من فحاوي الأدلة، لكنه هل تنتقل حينئذ الولاية إلى غيره من الأرحام أو إلى حاكم
الشرع ومع عدمه فإلى المسلمين أو أنها تسقط للأصل مع عدم ثبوت المستند؟ وجوه،
ونحوه لو كان غائبا أو طفلا مجنونا حتى في احتمال السقوط، لأن الولاية هنا ليست
من قبيل الحقوق المالية حتى يلاحظ فيه الترتيب المذكور سيما مع عدم إشارة في شئ من
الأخبار، ويؤيده السيرة العظيمة في سائر الأمصار على عدم الالتزام في شئ من
ذلك، ولا سمعنا بإعادة غسل يوما من الأيام، فكيف كان فالظاهر الاكتفاء بالعلم
بالرضا لو علم من غير حاجة إلى الرضا الفعلي، وإن كان ظاهر قوله (عليه السلام):
(يغسله أولى الناس به أو من يأمره الولي) يقضي بخلافه، إلا أن المتجه حمله على صورة
عدم العلم، كما أن المتجه على الظاهر عدم الحاجة إلى الإذن مع فرض انحصار التكليف
بمكلف به بعينه، كما لو كان الميت امرأة وليس إلا امرأة واحدة، وكذا الرجل
حيث يكون وليه امرأة، مع احتمال وجوب مراعاتها تعبدا، فتأمل.
(وإذا كان الأولياء رجالا ونساءا فالرجل أولى) كما صرح به بعض هنا
وآخر في الصلاة، بل عن المنتهى نفي الخلاف عنه فيها. وقضيته عدم الفرق بين كون الميت
رجلا أو امرأة، بل في المدارك أنه جزم بهذا التعميم المتأخرون، وفي الحدائق نسبته إلى
45

الأكثر وقيده المحقق الثاني بما إذا لم يكن امرأة، وإلا انعكس الحكم، ولعله لاقتضاء
ظاهر ما دل (1) على جواز إذن الولي أن له المباشرة، لا أن معنى ولايته الإذن فقط،
مضافا إلى ظهور اقتضاء التوكيل في أمر ذلك أي صحة وقوع الموكل فيه من الموكل، فتأمل.
وربما اعترضه في الحدائق بأن ذلك غير مراد من الأخبار، وإلا لزم سقوط الولاية عند
تعذر المباشرة لمرض ونحوه، وفيه نظر واضح، لأن المراد جواز المباشرة وإن اتفق
امتناعها لعارض، نعم قد يتجه عليه منع كون المستفاد من الأدلة ذلك، بل المستفاد
إما المباشرة أو الإذن، ويشعر به أيضا ما ستعرفه من الاتفاق على الظاهر وبعض
الأخبار (2) (إن الزوج أولى بزوجته) مع أن الأولى اجتناب المباشرة منه على ما يأتي،
فيعلم حينئذ أن المراد بولايته إنما هو إذنه حسب، فتأمل. كما أنه قد يمنع أصل الحكم
أيضا حيث إنا لم نعثر على ما يدل عليه، بل قضية إطلاق الأصحاب إن الأولى به
أولاهم بميراثه، مع أن الأصل عدمه، نعم قد يشهد له الاعتبار لكون الرجال غالبا
أعقل وأقوى على الأمور وأبصر بها، إلا أنه لا يصلح لأن يكون مستندا شرعيا،
ويمكن الاحتجاج له بعد إمكان دعوى السيرة سيما إذا كان الميت رجلا بأصالة عدم ثبوت
ولاية للمرأة مع وجود الرجال، سيما مع كون الخطاب ظاهرا للذكور وفيه منع، مع
أنه لا ظهور له في الخطاب الذي هو بلفظ الأولى فيما ادعاه، لصدقه على المذكور والمؤنث
وإلا لأشكل ثبوت ولاية المرأة حينئذ حتى مع عدم الرجل في طبقتها من نحو هذه
الخطابات، هذا. مع أنه قد يشعر ما حكاه في الذكرى عن المبسوط بما قلنا، حيث
قال: قال في المبسوط: لو تشاح الأولياء في الرجل قدم الأولى بالميراث من الرجل
ولو كان الأولى نساء محارم، قال: وروي جوازه لهن من وراء الثياب، والأول

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب صلاة الجنائز
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 9
46

أحوط، انتهى. وقد يحتمل أن كلام الأصحاب أي تقديم الرجال إنما هو عند
التشاح، فيصلح حينئذ ما ذكر من الوجه الاعتباري مرجحا، فتأمل.
(والزوج أولى من كل أحد بزوجته في أحكامها كلها) بلا خلاف أجده فيه
كما اعترف به في الذكرى، بل قد يشعر ما في التذكرة بالاجماع عليه. حيث قال:
" عندنا أن الزوج أولى من كل أحد في جميع أحكامها من الغسل وغيره، سواء كان
الغير رجلا أو امرأة قريبا أو بعيدا " انتهى. كما هو صريح المعتبر، حيث حكى الاتفاق
على مضمون موثق إسحاق بن عمار المروي في الكافي والتهذيب عن الصادق (عليه
السلام) (1) قال: " الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها " ونحوه عن المنتهى.
كما أن الأردبيلي نسبه إلى عمل الأصحاب، وهو مع أنه حجة بنفسه قد اعتضد بما
عرفت. وبخبر أبي بصير (2) عنه (عليه السلام) أيضا قال: " قلت له: المرأة تموت من أحق
بالصلاة عليها؟ قال: زوجها، قلت،: الزوج أحق من الأب والولد والأخ؟
قال: نعم ويغسلها " فما وقع لصاحب المدارك من إمكان المناقشة في هذا الحكم بضعف
المستند، وبأنه معارض بصحيحة حفص عن الصادق (عليه السلام) (3) " في المرأة
تموت ومعها أخوها وزوجها أيهما يصلي عليها؟ قال: أخوها أحق بالصلاة عليها "
ليس في محله، وإن أمكن تأييده مع ذلك بخبر عبد الرحمان عن الصادق (عليه السلام) (4)
أيضا، سألته " عن المرأة، الزوج أحق بها أو الأخ؟ قال: الأخ " إلا أنه غير
صالح مع ذلك لمقاومة ما ذكرنا سيما بعد موافقته للعامة كما حكاه الشيخ عنهم، فلذلك
حملهما هو على ذلك وهو جيد، ومخالفته أيضا لما تقدم من أن أولى الناس بالميت
أولاهم بميراثه،

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 9
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 2 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 2 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 2 - 4 - 5
47

ولا فرق فيما ذكرنا من الحكم بين الدائم والمنقطع مع تحقق الدخول وعدمه على
إشكال في المنقطع، خصوصا إذا انقضى الأجل بعد موتها لبينونتها حينئذ منه، بل
لا يبعد ذلك بمجرد موتها وإن لم ينقض الأجل، لكونها كالعين المستأجرة إذا فاتت
كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأحكام المتعة في محلها، نعم الظاهر بقاء ولايته على
المطلقة رجعية إذا ماتت في العدة لكونها زوجة فيها.
ثم إن ظاهر عبارة المتن وما شابهها جواز تغسيل الرجل زوجته اختيارا وفاقا
للخلاف والسرائر والمعتبر والمنتهى والقواعد والإرشاد والمختلف والذكرى واللمعة
والبيان وجامع المقاصد والروضة، كالعكس وفاقا لها جميعا أيضا عدا الخلاف، فإنه
قال: " مسألة يجوز عندنا أن يغسل الرجل زوجته والمرأة زوجها أما غسل المرأة زوجها
فيه إجماع إذا لم يكن رجال قرابات ولا نساء قرابات " إلى آخره. ولا صراحة فيه في الثاني
مع الاختيار، مع احتماله بحمل التقيد المذكور على إرادة معقد الاجماع، فتأمل. وهو
المنقول عن المرتضى وابن الجنيد والجعفي وحكي عن الشيخ في سائر كتبه عدا كتابي
الأخبار. ونسبه في المختلف وغيره إلى أكثر علمائنا.
وكيف كان فهو المشهور نقلا وتحصيلا، بل فيما حضرني من نسخة المنتهى
نسبة الثاني إلى العلماء مشعرا بدعوى الاجماع عليه، كما هو صريح الخلاف في الأول
مع ظهوره أو صريحه في الاختيار، وهو الحجة، مضافا إلى إطلاقات الأمر بالتغسيل،
وما يشعر به ما دل على أن الزوج أحق بها، إلى آخره. وإلى استصحاب جواز النظر
واللمس إن كان عدمهما المانع من ذلك، ولي وصية زين العابدين عليه السلام أم
ولده بغسله إن ثبت (1) وإلى تغسيل أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة عليها السلام (2)

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 6.
48

وإن اشتمل على التعليل بأنها صديقه لا يغسلها إلا صديق، لعدم الانكار عليه ممن
لا يعتقد هذا الحكم، فيشعر بمشهورية الحكم في الصدر الأول كما في الذكرى، وإلى
صحيح عبد الله بن سنان (1) المروي على لسان المشائخ الثلاثة قال: " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يصلح له أن ينظر إلى امرأته حين تموت؟ أو يغسلها إن لم
يكن عنده من يغسلها؟ وعن المرأة هل تنظر إلى مثل ذلك من زوجها حين يموت؟
فقال: لا بأس بذلك، إنما يفعل ذلك أهل المرأة كراهية أن ينظر زوجها إلى شئ
يكرهونه " والمناقشة فيه بالتقييد في سؤاله بما ينافي الاختيار مدفوعة بأن الحجة في الجواب
كالمناقشة باحتمال أن الإشارة بذلك في الجواب إلى النظر أو إلى خصوص ما سأل عنه
السائل، وهو في حالة الاضطرار، لظهور التعليل في رفع ذلك جميعه، كما يوضحه
زيادة على ذلك الحسن كالصحيح (2) قال: " سألته عن الرجل يغسل امرأته، قال:
نعم إنما يمنعها أهلها تعصبا " مع وضوح دلالته على المختار، وإلى موثق سماعة (3) قال:
" سألته عن المرأة إذا ماتت، قال: يدخل زوجها يده تحت قميصها إلى المرافق فيغسلها "
ونحوه غيره (4) وإلى صحيح محمد بن مسلم (5) قال: " سألته عن الرجل يغسل امرأته
قال: نعم من وراء الثياب " وصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام (6) قال:
" سئل عن الرجل يغسل امرأته، قال: نعم من وراء الثواب، لا ينظر إلى شعرها
ولا إلى شئ منها، والمرأة تغسل زوجها لأنه إذا مات كانت في عدة منه، وإذا
ماتت هي فقد انقضت عدتها " وإلى التعليل في صحيح زرارة عن الصادق عليه السلام (7)
" في الرجل يموت وليس معه إلا النساء، قال: تغسله امرأته، لأنها منه في عدة،

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - 8 - 2
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - 8 - 2
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - 8 - 2
(6) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث - 11 - 13
(7) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث - 11 - 13
49

وإذا ماتت لم يغسلها، لأنه ليس منها في عدة " إلى آخره. ولا ينافيه خصوص
الفرض، وستستمع الكلام في ذيله، وإلى صحيح منصور (1) قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته يغسلها، قال: نعم وأمه وأخته،
ونحو هذا يلقي على عورتها خرقة " إلى غير ذلك مما دل على الحكمين معا.
خلافا للشيخ في التهذيبين وابن زهرة في الغنية والحلبي في إشارة السبق،
وربما كان هو الظاهر من الوسيلة وغيرها، بل في الذكرى أن الذي يظهر من كلام
كثير من الأصحاب أنهما كالمحارم، وهم الذين يحرم التناكح بينهم نسبا أو رضاعا أو
مصاهرة، قلت: مع أنه قد حكى في كشف اللثام أن ظاهر الأكثر في المحارم الاختصاص
بحال الضرورة، فمنهما معا يحصل شهرة هذا القول، وقد يحتج له بقول أبي جعفر
(عليه السلام) في خبر أبي حمزة (2): " لا يغسل الرجل امرأة إلا أن لا توجد امرأة "
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (3): " يغسل الزوج امرأته في السفر
والمرأة زوجها في السفر إذا لم يكن معهم رجل " وتعليل تغسيل فاطمة (عليها السلام)
بكونها صديقة لا يغسلها إلا صديق، بل قد يشعر خبر المفضل بن عمر (4) بمعروفية
الحكم في الزمن لسابق حيث أنه ضاقت نفسخ لما أخبره الإمام (عليه السلام) بذلك،
فعلم به، فرفع ما في نفسه بالتعليل السابق، وبأن عيسى (عليه السلام) غسل مريم
لذلك، وبما سمعته سابقا في ذيل خبر زرارة في خصوص تغسيل الزوج زوجته.
ولا يخفى ضعف الجميع عن مقاومة ما ذكرنا سيما بعد الطعن في سند الأولين بل
ودلالتهما، وصراحة بعض ما قدمنا في الاختيار، نعم لا يبعد القول بالكراهة مع
الاختيار لذلك، ومنه يعرف وجه تعليل تغسيل فاطمة (عليها السلام) بكونها صديقة

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 10
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 10
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 14 - 6
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 14 - 6
50

لإرادة دفعها، وأما ما في ذيل خبر زرارة فهو مع منافاته لمذهب الخصم أيضا ينبغي
القطع بحملة إما على التقية، لأنه موافق لأشهر مذاهب العامة كما قيل، أو على شدة
الكراهة بالنسبة للمرأة، أو على إرادة أنه لم يغسلها مجردة، ولعله أولى من سابقيه
لشهادة صحيح الحلبي المتقدم له، وربما يشعر به أيضا التعليل في غيره أنها ليست مثل
الرجل لكونه أسوء منظرا منه، كقول الصادق (عليه السلام) في داود بن بن سرحان (1)
" في رجل يموت في السفر أو في الأرض وليس معه فيها إلا النساء قال: يدفن ولا يغسل،
وقال في المرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة إلا أن يكون معها زوجها، فإن كان معها
زوجها فليغسلها من فوق الدرع، ويسكب عليها الماء سكبا، ولتغسله امرأته إذا مات،
والمرأة ليست مثل الرجل، المرأة أسوأ منظرا حين تموت " وقوله (عليه السلام) في
خبر أبي الصباح الكناني (2) " في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء،
قال: يدفن ولا يغسل، والمرأة تكون مع الرجال بتلك المنزلة تدفن ولا تغسل إلا أن
يكون زوجها معها، فإن كان زوجها معها غسلها من فوق الدرع، ويسكب الماء عليها
سكبا، ولا ينظر إلى عورتها، وتغسله امرأته إذا مات، والمرأة إذا ماتت ليست
بمنزلة الرجل، المرأة أسوأ منظرا إذا ماتت ".
ولعله لهذه الأخبار وما تقدم سابقا من الأمر بالتغسيل من وراء الثياب أوجب
الشيخ في الاستبصار ذلك في المرأة دون الرجل فجعله مستحبا، وهو لا يخلو من قوة،
وإن كان الأقوى عدم الوجوب فيهما معا وفاقا للتهذيب والمعتبر والمحكي عن صريح النهاية
والتذكرة وظاهر الغنية وعلم الهدى وغيره، واختاره في مجمع البرهان والمدارك والحدائق
والرياض، ولعله الظاهر ممن أطلق جواز تغسيلهما من غير تقييد، خلافا للمنتهى

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 7
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 12
51

والمختلف والبيان وجامع المقاصد والمسالك والروض والروضة فمن وراء الثوب، بل
في الأخير كما عن المسالك أنه المشهور، وفي ظاهر المختلف نسبته إلى أكثر علمائنا.
ومن العجيب أنه في الذكرى نسبته إلى الشهرة رواية وفي الروض إليها فتوى
ورواية مع إنكار بعضهم وجود دليل عليه من الأخبار بالنسبة لتغسيل الزوجة الزوج،
بل عن بعضهم أنه احتمل أنهم أخذوه من صورة العكس، قلت: قد يشعر به حسن
الحلبي عن (الصادق عليه السلام) (1) " حيث سئل عن الرجل يموت وليس عنده من
يغسله إلا النساء، فقال: تغسله امرأته أو ذو قرابة إن كان له، وتصب النساء الماء
عليه صبا " مع إمكان منعه، وخبر سماعة (2) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) " عن
رجل مات وليس عنده إلا نساء فقال: تغسله ذات محرم منه، وتصب النساء عليه
الماء صبا، ولا تخلع ثوبه " وخبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يموت وليس عنده من يغسله إلا النساء،
قال: تغسله امرأته أو ذات محرمه، وتصب النساء الماء صبا من فوق الثياب " لكنهما مع
الاغماض عن سندهما وكون الأول في غير الزوجة لعله لمكان كون التي تصب الماء من
النساء الأجنبيات وإن كان المتولية للتغسيل المحرم، كما عساه يشعر به وكذا الخبر
السابق، مع احتمال الثاني كون الحكم في غير الزوجة.
نعم قد يستدل له بمضمر الشحام في الصحيح (4) " عن رجل مات في السفر
مع نساء ليس معهن رجل، فقال: إن لم يكن له فيهن امرأته فليدفن بثيابه ولا يغسل
وإن كان له فيهن امرأته فليغسل في قميص من غير أن تنظر إلى عورته " وهو محتمل

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 9 - 4
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 9 - 4
(4) الوسائل الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 7
52

قريبا لما ذكرناه سابقا، ولئن سلم فليحمل على الاستحباب جمعا بينه وبين الأخبار
المتقدمة التي هي كالصريحة في جواز تغسيلها له مجردا المؤيدة بالأصل، إطلاق الأمر
بالغسل، واستصحاب حكم الزوجة، وفحوى صورة العكس، ومن العجيب تعليه
في المنتهى الحكم بعدم نظرها إلى شئ من عوراته وقد انقطعت العصمة بينهما، مع
أن محمد بن مسلم (1) سأل الباقر (عليه السلام) في الصحيح " عن امرأة توفيت أيصلح
لزوجها أن ينظر إلى وجهها ورأسها؟ قال: نعم " وكذا غيره مما تقدم مما يدل على
عدم انقطاع العصمة بينهما، بل لعله كالضروري من مذهبنا، نعم قد يقال بكراهة
نظر الزوج للزوجة بعد موتها لما عساه يشعر به التعليل السابق بالعدة منه دونه، وللنهي
في خبر الحلبي عن النظر إلى شعرها أو شئ منها، كما أنه يحتمل الحرمة في خصوص
العورة للنهي عنه.
فظهر لك من ذلك كله ضعف القول بوجوب كونه وراء الثياب في تغسيل
الزوجة للزوج، وأما العكس فهو وإن كان مشهورا في الأخبار كما عرفت، بل ربما
تخيل أنها لا تعارض بينها وبين غيرها إلا بالاطلاق والتقيد فيحمل حينئذ مطلقها على
مقيدها، إلا أن الأصل واستصحاب أحكام الزوجة وإطلاق الأمر بالغسل مع صراحة
بعضها في جواز التجريد أو كالصريح، كقوله (عليه السلام): (يلقي على عورتها خرقة)
وقول (عليه السلام): (إنما يمنعها أهلها تعصبا) وما دل على جواز النظر إلى ما عدا عورتها،
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان (2): " إذا مات الرجل مع
النساء غسلته امرأته، وإن لم تكن امرأته معه غسلته أولاهن به، وتلف على يدها خرقة "
مع اختلاف تلك الأخبار بالنسبة إلى كيفية التغسيل في إدخال اليد تحت القميص أو

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 6
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت - حديث 10
53

سكب الماء من فوق الدرع ووراء الثياب، وإشعار التعليل بكونها أسوأ منظرا إذا ماتت
بأن المانع النظر لا التجريد نفسه، واحتمال بعضها كونه لمانع خارجي ككون متولي الصب
أجنبيا تؤيد القول بالاستحباب، ولعله الأقوى.
وكيف كان فحيث يغسل الرجل أو المرأة من فوق القميص بأن يسكب الماء عليه
فلا إشكال في عدم سراية النجاسة من الثوب الحاصلة من مباشرته للميت إلى الميت
، لظهور الأخبار قي حصول الصهارة للميت باتمام الغسل وإدراجه في كفنه من غير حاجة
إلى شئ آخر، لكن هل ذلك لطهارة الثوب بمجرد الصب من غير حاجة إلى العصر كما
في الذكرى والروضة وجامع المقاصد وغيرها لاطلاق الأخبار فجائز أن يجري مجرى
ما لا يمكن عصره ومجرى الخرقة الساترة للعورة، فإنها لا تحتاج إلى عصر قطعا على ما تشعر
به عبارة الروضة، أو أن ذلك حكم شرعي فلا ينافي احتياج طهارة الثوب حينئذ إلى
عصر عدم تعدي نجاسته للميت، أو أن ذلك لعدم نجاسة الثوب أصلا ورأسا وإن قلنا
بتعدي نجاسة الميت في غير ذلك؟ وجوه قد عرفت أن أولها ما في الكتب السالفة،
ولعل ثانيها يرجع إليه ما في الروض، حيث قال: " وهل يطهر الثوب بصب الماء عليه
من غير عصر؟ مقتضى المذهب عدمه، وبه صرح المحقق في المعتبر في تغسيل الميت في
قميصه من مماثله " انتهى. قلت: ولعله أشار بذلك إلى ما في المعتبر، حيث قال في
المقام الذي ذكره: " وإن تجرد كان أفضل، لأنه أمكن للتطهير، ولأن الثوب قد نجس
بما يخرج من الميت، ولا يطهر بصب الماء فينجس الميت والغاسل " وكأنه فهم منه
أن مراده بما يخرج من الميت هو الذي يباشر به الميت لا البول والغائط ونحوهما، وإلا
لخرج عما نحن فيه.
ولعل الأقوى في النظر الأول، لكن الاحتياط بالثاني كاللازم في المقام،
لامكان المناقشة بعدم تشخيص الروايات شيئا من ذلك، والقياس على خرقة الستر
54

لا نقول به لو سلم الحكم في المقيس عليه، وأحوط منه التغسيل من تحت الثياب من دون
نظر من الغاسل بأن يغطي الميت بالثوب مرتفعا عنه، كأن يقبض عليه من جانبيه أو
نحو ذلك، ولو أني عثرت على أحد يحمل أخبار التغسيل من وراء الثياب على ذلك
كما عساه يومي إليه بعضها ما كنت عدلت عنه إلى غيره، وإن كان حمل بعض الأخبار
عليه لا يخلو من سماجة، كقوله (عليه السلام): (فيصب الماء من فوق الدرع) مع أنه
قد يراد به أنه يوضع الماء على نفس الدرع ثم منه إلى الميت من غير مباشرة الميت لنفس
الدرع، فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر من كثير من أخبار المقام إرادة الثياب المعهودة، لاشتمال جملة منها
على القميص، وأخرى على الدرع، وثالثة على الثياب، وحينئذ فلا يجب تغطية
الوجه والكفين والقدمين، فما في جامع المقاصد من أن الظاهر إرادة ما يشمل جميع
البدن من الثياب لا يخلو من تأمل، نعم قد يقال: إن خلو الأخبار عن التعرض للرأس
مع حمل الأخبار على ما تقدم يقضي بجواز كونه مكشوفا، لكن الظاهر عدمه إما بحمل
الثياب على ما يشمله، أو أن المراد بقاؤها في ثيابها التي كانت في حياتها، والغالب
منها مستورية الرأس، وقد يؤيد ذلك بالنهي عن النظر إلى شعرها في صحيح الحلبي فتأمل.
ولا فرق في الزوجة بين الحرة والأمة ولا بين الدائم والمنقطع ولا بين المدخول بها
وغيرها، نعم قد يشكل ذلك في المنقطع خصوصا إذا كان قد انقضى الأجل بعد الموت كما
لا يخفى على من أحاط خبرا بأحكام المنقطع المذكورة في محلها، وكذا الزوج لاطلاق
النصوص والفتاوى، ولا يقدح فيه سبق بعضها إلى الذهن، لعدم تحقق الندرة المانعة
بمجرد ذلك، والمطلقة الرجعية زوجة كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل لا أجد
فيه خلافا من أحد سوى ما في المنتهى من أنه لو طلق امرأته فإن كان رجعيا ففي جواز
تغسيل الآخر له نظر، ولعله لاحتمال المناقشة فيه بانصراف ما دل على كونها زوجة إلى
55

غير ذلك، وهو ضعيف، فلها أن تغسله حينئذ إن مات قبل خروج العدة، أما إذا
مات بعدها فهي أجنبية كالمطلقة بائنا، وهو واضح، وقال في الذكرى: " ولا عبرة
بانقضاء عدة المرأة عندنا، بل لو نكحت جاز لها تغسيله. وإن كان الفرض عندنا بعيدا "
انتهى. ونحوه في الروض والروضة وكذا جامع المقاصد، بل يشعر قول (عندنا) في
الكتب الثلاثة بكونه مجمعا عليه، والظاهر أن مرادهم بالعدة عدة الوفاة، وبعد الفرض
حينئذ لاستبعاد بقاء الميت بغير غسل حتى تنقضي وتتزوج، كما يشعر بذلك المنقول
عن حاشية الروضة لصاحبها، حيث قال: " أنه يتحقق هذا الفرض بدفن الميت بغير
غسل، ثم تزوجت زوجته بعد مضي عدتها، ثم أخرج الميت من قبره لغرض كالشهادة
على حقه أو أخرجه السيل ولم يتغير، فيجوز لها أو يجب حينئذ تغسيله " انتهى. قلت:
ولعله لا يحتاج إلى هذا التكلف في نحو عصرنا، وذلك لأنه قد تعارف فيه بقاء الميت
مدة طويلة جدا بسبب إرادة دفنه في أحد المشاهد المشرفة.
وربما استشكل في الحكم بعض متأخري المتأخرين معللا ذلك بصيرورتها أجنبية
والحال هذه، وقد يؤيده - مع احتمال الشك في شمول الاطلاقات لمثل ذلك من جهة
ندرته - أنه قد يشعر التعليل المتقدمة في صحيحة الحلبي وغيره بكونها في عدة منه أنه
لا يجوز لها التغسيل بعد انقضائها سيما إذا تزوجت. وفيه منع صيرورتها أجنبية بذلك،
بل صدق اسم الزوجة عليها محقق، ودعوى الندرة إن أريد بها ندرة الوقوع فهي
مسلمة. لكنها لا تجدي. وإن أريد غيرها فممنوعة. ولا إشعار في التعليل بذلك، كما
يشير إليه تعليله في هذا الخبر تغسيل الزوج لها بأنه قد انقضت عدته منها، والظاهر أن
مراده من حيث التجريد للثياب وعدمه، ففي تغسيل المرأة له لا يتأكد كونه من وراء
الثياب، لأنها في عدة منه بخلاف العكس كما أشرنا إليه سابقا، هذا.
56

ربما فرضت المسألة في صورة أقرب مما ذكرنا، وهي فيما إذا كانت حاملا ثم
وضعت بعد موته، فإن عدتها تنقضي بالوضع فقط، كما هو مذهب ابن أبي عقيل، فإذا
نكحت غيره قبل تغسيله لمن يمنع ذلك من تغسيلها. إلا أن ذلك لا يتم بناء على ما هو
المعروف من مذهب أصحابنا من العدة بأبعد الأجلين، لكن قد يظهر من المصنف في
المعتبر مشهورية القول بجواز التزويج لها بمجرد الوضع بين أصحابنا، لأنه قال في الرد
على أبي حنيفة حيث منع من تغسل الزوج زوجته معللا ذلك بانقطاع عصمة النكاح
بينهما، فيحرم عليه النظر واللمس بدليل أنه يجوز له نكاح أختها والأربع وغير ذلك:
" واستدلال أبي حنيفة ضعيف، لأنا لا نسلم أن جواز نكاح الأربع والأخت يستلزم
تحريم النظر واللمس، فإن المرأة الحامل يموت زوجها فتضع، ومع الوضع يجوز أن تنكح
غيره ولا يمنعها ذلك من نظر الزوج ولا غسله، ولا حجة في العدة، لأنه لو طلقها بائنا
ثم مات فهي عدة، ولا يجوز لها تغسيله " انتهى. اللهم إلا أن يريد به الالزام على
ما عندهم، لكنه لا يتجه إلزامه بذلك لأبي حنيفة عند التأمل، هذا كله مع فرض كون
العدة وفاة، أما لو فرض أنها عدة طلاق رجعي فيشكل تصور الحكم المذكور فيه،
اللهم إلا أن يفرض أنه مات في آخر العدة ثم خرجت عن العدة قبل أن تغسله، فإن
لها أن تتزوج حينئذ وتغسله، أما الأول فلخروجها عن العدة. وأما الثاني فلأنه مات
وهي زوجة له، ويكون بعد الفرض حينئذ لندرة اتفاقه، وفيه أن الحكم في مثل الفرض
اعتدادها بعدة الوفاة حينئذ، فليس لها التزويج كما سيأتي إن شاء الله في محله. فتأمل.
ثم إن الأقوى إلحاق الأمة مطلقا أم ولد كانت أو لا بالزوجة في جواز التغسيل
من كل منهما إذا لم تكن مزوجة أو معتدة أو مبعضة أو مكاتبة، فلها تغسيله وله تغسيلها
كما في القواعد والبيان ومجمع البرهان، بل لعله لا خلاف فيه بالنسبة للثاني، كما
استظهر نفيه في مجمع البرهان، وفي جامع المقاصد أن تغسيله لها جائز قطعا إذا كان وطؤها
57

جائزا، ونحوه في المدارك وقد عرفت غير مرة أن ذلك ممن يعمل بالظنيات يجري
مجرى الاجماع.
وكيف كان فيرشد إلى ما قلنا مضافا إلى أصالة جواز النظر واللمس
واستصحابهما كان ذلك هو المانع من جواز التغسيل على ما عساه يظهر من مستند الخصم،
وإلى بقاء علقه الملك من الكفن والمؤنة والاعتداد منه مع ما كان بينهما من الاستمتاع
ما بين المتزاوجين، وإلى إيصاء علي بن الحسين (عليهما السلام) أن تغسله أم ولد له إذا
مات على ما في خبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (1) " إن علي بن
الحسين (عليهما السلام) أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته " ولعله لا ينافي ما دل
على أن الصديق لا يغسله إلا صديق، لاحتمال إرادته إعانة الباقر (عليه السلام) في بعض
الغسل وإن بعد، كما يشعر به مع تأييد للحكم ما عن الفقه الرضوي (2) " ونروي أن
علي بن الحسين (عليهما السلام) لما مات قال الباقر (عليه السلام): لقد كنت أكره أن أنظر
إلى عورتك في حياتك فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك، فأدخل يده وغسل جسده
ثم دعى أم ولد له فأدخلت يدها فغسلته، وكذلك فعلت أنا بأبي " انتهى -
إطلاق أو عموم ما دل (3) على وجوب التغسيل ولو بأمر الولي مع عدم المخرج، على أن
المختار عدم شرطية ما شك في شرطيته ومانعيته ما شك في مانعيته، فيصدق حينئذ على
غسلها أنه غسل، فما في المعتبر من أن الأقرب أنه لا تغسل المملوكة غير أم الولد سيدها
معللا ذلك بأن ملكها انتقل عنه إلى غيره، فمحرم عليها النظر، ومنه توقف في المنتهى
كما عن التحرير والنهاية والتذكرة ضعيف كضعف ما في المدارك من تعميمه ذلك حتى في

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(2) المستدرك - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب غسل الميت
58

أم الولد، قال: " وربما فرق بين أم الولد وغيرها لرواية إيصاء زين العابدين (عليه السلام)
وفي الطريق ضعف " انتهى. لما عرفت من أن انتقالها للغير لا يمنع بقاء الحكم السابق
لها من النظر واللمس وغيرهما، كما لا يمنعه انعتاق أم الولد أو حرية المدبرة، نعم أقصاه
توقف مباشرتها للتغسيل على إذن من انتقلت إليه، كما أنك عرفت أنا في غنية عن
النص بما سمعت، لكون المنع محتاجا للدليل لا العكس.
(ويجوز) على المشهور كما حكاه جماعة منهم الشهيدان بل في الذكرى لا أعلم لهذا
الحكم مخالفا من الأصحاب سوى المحقق في المعتبر، وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا (أن
يغسل الكافر المسلم إذا لم يحضره مسلم ولا مسلمة ذات رحم، وكذا تغسل الكافرة
المسلمة إذا لم تكن مسلمة ولا ذو رحم) إلا أنه في التذكرة جعل ما نسبه إلى علمائنا ذلك
مع زيادة حضور الأجانب من المسلمين أو المسلمات، فيأمرون الكافر بالاغتسال أولا
ثم يعلموه كيفية غسل المسلمين فيغسل، كما أن معقد بعض حكاية الشهرة كذلك بخلاف
آخر، والحاصل أنه لا إشكال في تحقق الشهرة هنا في الجملة وإن اختلفت بعض عباراتهم
بالنسبة إلى ذكر ذلك وعدمه، وبالحكم صرح في المقنعة والتهذيب والوسيلة والمنتهى
والقواعد والإرشاد واللمعة والبيان والروض الجنان والروضة والذخيرة والحدائق وعن
المبسوط والنهاية والمراسم والصدوقين وابن الجنيد والصهرشتي وابن سعيد، وهو الأقوى
لموثقة عمار (1) المروية في الكافي والتهذيب عن الصادق (عليه السلام) قلت: " فإن مات
رجل مسلم وليس معه رجل مسلم ولا امرأة مسلمة من ذوي قرابته ومعه رجال نصارى
ونساء مسلمات ليس بينهن وبنيه قرابة، قال: يغتسل النصراني ثم يغسله فقد اضطر،
وعن المرأة المسلمة تموت وليس معها امرأة مسلمة ولا رجل مسلم من ذوي قرابتها ومعها
امرأة نصرانية ورجال مسلمون قال: تغتسل النصرانية ثم تغسلها " وخبر عمرو بن خالد

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
59

عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (1) قال: " أتى رسول الله (صلى الله
عليه وآله) نفر فقالوا: إن امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم، قال: كيف صنعتم؟
فقالوا: صببنا عليها الماء صبا، فقال: أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ فقالوا:
لا قال: أفلا يمموها " مع التأييد بما عن فقه مولانا الرضا (عليه السلام) (2) " فإن
مات ميت بين رجال نصارى ونسوة مسلمات غسله الرجال النصارى بعد ما يغتسلون،
وإن كان الميت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين ونسوة نصرانية اغتسلت النصرانية
وغسلتها ".
وما عساه يناقش في ذلك - بضعف السند، وباستلزامه تنجس الميت بمباشرة
الكافر عند التغسيل بالماء القليل وبعده بالماء الكثير، مع أن الغسل عبادة فلا تصح
من الكافر، فوجب طرح هذه الأخبار أو حملها على التقية من حيث دلالتها على طهارة
أهل الذمة - في غاية السقوط، إذ هي مع أن الموثق حجة عندنا مجبورة بما عرفت
من الشهرة بل ظاهر الاجماع، واحتمال المناقشة فيها باختلاف عبارات الأصحاب من
حيث التقييد المذكور سابقا في بعضها وعدمه في أخرى فلا شهرة محققة سيما بعد ما قيل إنه
لم يذكره ابن أبي عقيل ولا الجعفي ولا ابن البراج في كتابيه ولا ابنا زهرة وإدريس ولا
الشيخ في الخلاف مدفوع بعد فرض التسليم بتحققها قطعا في صورة التقييد، وهو كاف،
ولا دلالة في عدم الذكر من أولئك على المخالفة، بل لعل الشهرة محققة على تقدير
خلافهم أيضا، واستلزامه تنجس الميت بالنجاسة العرضية - مع احتمال عدم تعدي
النجاسة منه إليه هنا، وإمكان منع استلزامه المباشرة المورثة لذلك أو صب الماء بعدها
للتطهير منه ثم التغسيل - لا يصلح للاعراض عن الدليل المعمول به بين الأصحاب،

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
(2) المستدرك - الباب - 18 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
60

كما أن دعوى أنه عبادة فلا تصح من الكافر كذلك أيضا، إذ ذلك - بعد تسليم
أن غسل الميت من العبادات وأنه لا تجزى فيه نية الكافر كما أجزأت في العتق ونحوه -
اجتهاد في مقابلة النص، مع أنه قال في كشف اللثام: " يمكن أن يكون ما ذكروه من
أمر المسلم أو المسلمة إشارة إلى المتولي للنية أو هي والصب المسلم " كما احتمل مثله
الشهيد، فقال: " الظاهر أن الأمر إنما هو لتحصيل هذا الفعل، لا أنه شرط،
لخلو الرواية منه وللأصل، إلا أن يقال ذلك الأمر يجعل فعل الكافر صادر عن المسلم،
لأنه آلة له، ويكون المسلم بمثابة الفاعل، فتجب النية منه " انتهى.
وأولى من ذلك القول بأن ذلك ليس من باب التغسيل المعهود المشروط فيه النية،
بل شئ، أوجبه الشارع في هذا الحال وإن وافقه في الصورة، كما قد يرشد إلى ذلك
تصريح بعضهم بأنه صوري وأنه يجب الغسل مع وجود المسلم على ما ستعرف، فلا يكون
حينئذ مخالفا إلا لأصالة البراءة ونحوها من الأصول التي تنقطع بأدنى دليل، فظهر لك
أنه لا وجه للاعراض عن تلك الأخبار كما وقع للمعتبر، وربما تبعه بعض من تأخر عنه،
ومن الغريب حملها على التقية من بعضهم من حيث دلالتها على طهارة أهل الكتاب،
مع أن المنقول هنا عن جميع العامة عدا سفيان الثوري عدم جواز التغسيل، لعدم صحة
العبادة من الكافر، وهو شاهد آخر على قبولها، لأن الرشد في خلافهم، فالأقوى
حينئذ ما قلنا إلا أنه ينبغي الاقتصار على مضمون الأخبار، فلا يتعدى إلى غير أهل
الكتاب وإن أطلق كثير من الأصحاب الكافر، اللهم إلا أن يدعى عدم القول بالفصل،
وعدم تعقل الفرق عند من يقول بنجاسة الكل، أو يقال: بابتناء الحكم في صورة
لا يباشر الكافر الماء، وأما النية فالحال في الكل واحد إما بارتكاب عدم الاشتراط
هنا أو بأن الكافر من قبيل الآلة، ولا ريب في ضعف ذلك كله، إذ عدم الوصول
إلى الفارق ليس وصولا للعدم، فالمتجه حينئذ التقييد بالذمي، بل لا يبعد عدم إلحاق
61

المخالف بهم فضلا عن غيره، فتأمل. كما أنه ينبغي التقييد بالاغتسال قبل التغسيل
وإن أطلق المصنف وغيره.
وهل يتقيد الحكم المذكور بوجود المسلم أو المسلمة معهم؟ احتمالان، لا يبعد العدم
خلافا لصريح الوسيلة، فلو فرض أن الكتابي علم ذلك من المسلمين سابقا ففعله اجترئ
به، نعم بناء على ما تقدم من احتمال أن النية من المسلم اتجه مراعاته حينئذ حتى يأمر
الكافر بذلك، فتأمل.
وفي إعادة الغسل لو وجد المماثل مثلا قبل الدفن؟ وجهان ينشئان من حصول
المأمور به مع أصالة براءة ذمة المماثل هنا، للشك في شمول ما دل على الأمر بتغسيل
الأموات لمثل ذلك، ومن عدم حصول المأمور به الحقيقي، فيبقى في العهدة، مع
الشك في شمول ما دل على الاجتزاء بغسل الكافر لمثل المقام، على أنه من المعلوم أن
الاكتفاء بغسل الكافر إنما هو للضرورة كما صرح به في الموثق (1) ولا ريب في ارتفاعها
بوجود المسلم، بل ينكشف بوجود المماثل عدم الضرورة واقعا وأن الواقع إنما كان
لتخيل الضرورة، ودعوى صدق اسم الاضطرار بمجرد مثل ذلك وإن تعقبه ما يرفعه
فيتجه السقوط حينئذ لتحقق موضوع الأمر الثاني محل منع، ولعل الأقوى الثاني وفاقا
للتذكرة والذكرى وجامع المقاصد والروض والذخيرة وعن الايضاح والبيان وغيرهما،
بل لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له، نعم استشكل فيه في القواعد كما في التحرير،
وكأنه لتعارض مدركهما عنده، والشك في شمول أدلة وجوب الغسل لما نحن فيه مع
الشك في شمول ما دل على الاجتزاء بغسل الكافر لمثل المقام، لكن قد يقال: إنه
لا إشكال عندنا في تكليف الكافر بالفروع، ومقتضاه وجوب الغسل الصحيح عليه
بأن يسلم ويفعل إلا أن الشارع كلفه بتكليف آخر على تقدير عصيانه بالأول، ولا

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
62

ظهور في الأدلة ببدلية هذا عنه بحيث يسقط عنه التكليف بالأول ولم يعاقب عليه،
ولا تنافي بين وجوب هذا الفعل عليه مع عصيانه بترك الأول وبين بقاء وجوبه عليه
وإن فعل الثاني.
ومنه يعلم حينئذ عدم سقوط الغسل الحقيقي عن سائر المكلفين مع التمكن، لأن
فعله إن لم يسقط التكليف به عن نفسه فلا يسقطه عن غيره بالأولى، فإذا وجد المماثل
وجب عليه. لا يقال: إن المسلم غير المماثل قبل وجود المماثل كان مأمورا بذلك،
والأمر يقتضي الاجزاء، لأنا نقول: الاجزاء عن تكليف غير المماثل لا يقضي
بالاجزاء عن تكليف غيره مع اختلافهما، وإلا لوجب القول بالاجتزاء بمجرد صدور
الأمر من المسلم للكافر وإن لم يمتثله الكافر، لعدم تكليفه بغير ذلك، وهو باطل
قطعا، نعم يتجه القول بعدم الإعادة لو فرض موضوع ما نحن فيه غير خارج عن القواعد
ببعض ما أشرنا إليه سابقا من عدم احتياج هذا الغسل للنية مع عدم مباشرة الكافر للميت
ونحو ذلك، لكنه بعيد، ظهور أخبار الباب وكلمات الأصحاب في أن ذلك من
الأغسال الاضطرارية الصورية، وحيث ظهر لك مما قلناه وجه وجوب الإعادة اتجه
ما ذكره بعضهم من أنه لو مسه أحد وجب عليه الغسل ولو مع عدم مجئ المماثل، لما
عرفت من عدم حصول الطهارة بهذا الغسل وعدم بدليته عنها، بل هو أشبه شئ بالتكليف
الجديد عند العصيان بالأول، ولعله مما ذكرنا يظهر لك الفرق بين خصوص هذا
الاضطرار من الغسل وبين غيره، فتجب الإعادة مع ارتفاعه قبل الدفن في الأول
دون غيره كما في الذكرى، ولعله الأقوى، لاقتضاء الأمر الاجزاء، فتأمل جيدا.
(و) يجب أن (يغسل الرجل محارمه) أي من حرم عليه نكاحها مؤبدا بنسب
أو رضاع أو مصاهرة بلا خلاف أجده في الجملة، بل هو إجماعي، والأخبار به
مستفيضة إن لم تكن متواترة، لكن هل يشترط فيه أن يكون ذلك (من وراء الثياب)
63

كما هو ظاهر المشهور أو صريحه، بل في الذخيرة نسبته إلى الأصحاب مشعرا
بدعوى الاجماع عليه كما عساه يشعر به عبارة التذكرة أيضا والحبل المتين، أولا يشترط
كما هو صريح بعض متأخري المتأخرين وظاهر الغنية وعن الكافي والاصباح، ولعله
الظاهر من الذكرى أيضا، حيث قال: " وثالثها المحرمية، لتسويغه النظر واللمس،
ولما مر ولكن من وراء الثياب محافظة على العورة " انتهى.
قلت وكأن الأول للأمر به في الأخبار (1) الكثيرة التي تقدم بعضها في الزوجة،
ولا ينافيها إطلاق غيرها (2) بل يحمل عليها كما هو قاعدة الاطلاق والتقيد، وعلله في
المعتبر زيادة على ذلك بأن المرأة عورة فيحرم النظر إليها، وإنما جاز مع الضرورة من
وراء الثياب جمعا بين التطهير والستر، وهو مبني على حرمة نظر المحرم إلى الجسد عاريا
كما عن العلامة التصريح به في حد المحارب، ولا ريب في ضعفه كما يظهر لك في محله
إن شاء الله، فالعمدة في الاستدلال حينئذ الأول، لكن قد يقال: إن الأصل
وإن كان يقتضي حمل المطلق على المقيد إلا أنه يقوى هنا حمله على الاستحباب، إذ
هو - مع اعتضاد المطلقات هنا باطلاقات الأمر بالتغسيل وبالأصل وباستصحاب حلية
التكشف حال الحياة والنظر واللمس، مع احتمال كون الأمر بذلك لعارض خارجي
كوجود أجنبي أو أجنبيات كما يشعر به ما تقدم من الروايات، مضافا إلى ظهور سياق
كثير منها باتحاد حكم الزوجة والمحارم في ذلك، وقد عرفت أن الحكم فيها بالاستحباب،
فيكون حينئذ قرينة على حمل الأمر به عليه لتضمن الخبر للمرأة والمحارم، وإلا لزم
استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه - يؤيده أنه لا يتجه ما ذكر من الحمل أي حمل المطلق على
المقيد، لظهور قول الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (3) المروي

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 9 والباب 24 - حديث 2 و 11
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 1
64

في الكتب الثلاثة في جواز التجريد بحيث لا يصلح حمله على التقييد، قال: " سألت
عن الرجل يخرج في السفر ومعه امرأته أيغسلها؟ قال: نعم وأمه وأخته ونحو هذا
يلقي على عورتها خرقة ويغسلها " وقوله (عليه السلام) أيضا في خبر زيد الشحام (1) حيث
سأله عن امرأة ماتت وهي في موضع ليس معهم امرأة غيرها: " إن لم يكن فيهم لها
زوج ولا ذو رحم دفنوها بثيابها ولا يغسلونها، وإن كان معهم زوجها أو ذو رحم لها
فليغسلها من غير أن ينظر إلى عورتها " الحديث. وقول أمير المؤمنين (عليه السلام)
في خبر عمرو بن خالد عن (2) زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) في حديث قال:
" إذا مات الرجل - إلى أن قال -: وإذا كان معه نساء ذوات محرم يوزرنه ويصبن
عليه الماء ويمسسن جسده ولا يمسسن فرجه " إذ لا قائل بالفصل بين الرجال والنساء من
المحارم، ومن ذلك كله ظهر لك وجه القول بالاستحباب، لكن الوقوف مع المشهور
أحوط إن يكن أقوى، سيما مع إمكان المناقشة في المعتمد مما تقدم، وهو الصحيح
بإرادة خصوص المرأة من ذيله، ولا جابر لغيره من الأخبار كما أن الأمور الأخر
لا تصلح للمعارضة عند التأمل، وأيضا فالتجريد مظنة الوقوع في المحرم، كإثارة الشهوة
سيما في المحارم التي هي كالا جانب كأم الزوجة ونحوها.
وكيف كان فهل يتقيد تغسيل الرجل محارمه بما (إذا لم تكن مسلمة) أو زوج
بناء على جواز تغسيله اختيارا أو لا؟ ظاهر المصنف أو صريحه كظاهر المشهور أو صريحة
الأول، بل قد يظهر من التذكرة والحبل المتين الاجماع عليه، ولعله الأقوى لقول
الباقر (عليه السلام) في خبر أبي حمزة (3): " لا يغسل الرجل المرأة إلا أن لا توجد
امرأة " وما في سنده من الطعن منجبر بما عرفت، ولما يشعر به قول الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 - 8
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 10
65

في الصحيح (1): " إذا مات الرجل مع النساء غسلته امرأته، وإن لم تكن امرأته معه
غسلته أولاهن به، وتلف على يدها خرقة " ولاختصاص الأخبار المجوزة بفقد المماثل،
بل قد ينساق إلى الذهن أن الحكم معروف في الزمن السابق من حيث أن السائل إذا
سأل يفرض عدم النساء إن كان الميت امرأة، وعدم الرجال إن كان رجلا، ومع ظهور
سؤاله فيما قلنا لم يبرز من الإمام (عليه السلام) من الجواب ما يرفع ذلك، فكأنه كالتقرير له على
معتقده، خلافا للسرائر والمنتهى وكشف اللثام والمدارك والذخيرة وعن التلخيص،
ولعله الظاهر من النافع كغيره ممن أطلق ذلك، فجوزوه مع الاختيار للأصل وإطلاقات
الأمر بالتغسيل للأموات، وإطلاق صحيح منصور المتقدم، وإشعار الاقتران بالزوجة
في كثير من الأخبار به، بل في جملة منها (2) (تغسله امرأته أو ذات قرابته) كما
في أخرى (3) (يغسلها زوجها أو ذو رحم لها) وقد عرفت عدم الاشتراط بالنسبة إليهما
لا أقل من الشك في شرطيته، وما شك في شرطيته ليس شرطا على المختار سيما في المقام،
لعدم إجمال الغسل هنا، فتأمل، وهو حسن إلا أن الأول أولى، لامكان المناقشة
في جميع ذلك كما لا يخفى، سيما في صحيح منصور الذي هو العمدة في المقام من حيث
إشعار قوله (في السفر) بعدم وجود المماثل، فلا شاهد فيه على ذلك. (وك‍) الرجل
في جميع (ذلك المرأة) بالنسبة إلى محارمها، فلا حاجة إلى الإعادة لعدم القول بالفصل
بينهما من أحد من الأصحاب.
ثم إن الظاهر كما أشرنا إليه سابقا عدم وجوب الإعادة لو وجد المماثل قبل الدفن
وإن قلنا باختصاص الجواز في حال الضرورة، لأصالة البراءة، واقتضاء الأمر
الأجزاء، والفرق بينه وبين ما تقدم في الكافر واضح، كما أن الظاهر تحقق الاضطرار

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 6
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 7
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 7
66

بامتناع المماثل من المباشرة وعدم التمكن من اجباره، أو قلنا بعدم صحة الفعل مع
الجبر لاشتراط القربة، ويحتمل قويا هنا القول بسقوط الغسل عن غير المماثل، لانحصار
التكليف في المماثل، مع عدم الدليل على انتقاله إلى غيره بمجرد عصيانه، فالأصل البراءة.
(ولا يغسل الرجل من ليست له بمجرم) أي من لم يحرم عليه نكاحها مؤبدا
بنسب أو رضاع أو مصاهرة على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا،
بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، وفي الخلاف إلى الأخبار (1) المروية عنهم (عليهم السلام)
والاجماع مع نسبة ما دل على خلاف ذلك من الأخبار (2) إلى الشذوذ، وفي المعتبر
" ولا يغسل الرجل أجنبية ولا المرأة أجنبيا، وهو إجماع أهل العلم " انتهى. وكيف
كان فقد اختاره هنا ابنا حمزة وسعيد والفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم، وهو
المحكي عن المقنع والنهاية والمبسوط والمهذب والاصباح، لقول الصادق (عليه السلام)
في صحيح الحلبي (3) بعد أن سأل " عن المرأة تموت في السفر وليس معها ذو محرم
ولا نساء قال: تدفن كما هي بثيابها " وقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح عبد الرحمان
ابن أبي عبد الله (4) بعد أن سأله " عن امرأة ماتت قال: تلف وتدفن ولا تغسل "
وقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الكناني (5) " في المرأة تموت في أرض ليس
فيها إلا الرجال قال: تدفن ولا تغسل لا أن يكون زوجها معها " الحديث. ونحوها
غيرها (6) من الأخبار المعتبرة، وكفى بها حجة على المطلوب سيما بعد اعتضادها بما سمعت
من دعوى الاجماع صريحا وظاهرا، بل لعله محصل لعدم صراحة عبارة المخالف في
الخلاف، وبما سمعته أيضا من الأخبار (7) في صورة العكس، وبأصالة حرمة اللمس

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب غسل الميت
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب فغسل الميت - حديث 1 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب فغسل الميت - حديث 1 - 3 - 4
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب فغسل الميت - حديث 1 - 3 - 4
(6) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - 9
(7) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 والباب 21 - حديث 1 و 2
67

والنظر حيث يتوقف التغسيل عليهما، وهي كما أنها صريحة في نفي الغسل مجردة ظاهرة
أو صريحة أيضا في نفيه من وراء الثياب ولو مع عدم مماسة شئ من البدن أو تغميض
العين عن النظر، مع عدم ثبوت العفو عن نجاستها هنا لو غسلت من ورائها.
فما عساه يظهر من المقنعة والتهذيب كما عن أبي الصلاح في الكافي من إيجاب
تغسيلها من وراء الثياب مع اشتراطه في التهذيب عدم المماسة ضعيف، كمستنده من خبر
أبي سعيد أو أبي بصير (1) سمعت الصادق (عليه السلام) " يقول: إذا ماتت المرأة
مع قوم ليس فيهم محرم يصبون الماء عليها صبا " وابن سنان أيضا (2) قال: " سمعت أبا
عبد الله (عليه السلام) يقول: المرأة إذا ماتت مع الرجال فلم يجدوا امرأة تغسلها غسلها
بعض الرجال من وراء الثوب، ويستحب أن يلف على يديه خرقة " وخبر جابر عن الباقر
(عليه السلام) (3) " في المرأة تموت مع الرجال ليس معهم امرأة، قال: يصبون الماء
من خلف الثوب، ويلفونها في أكفانها، ويصلون ويدفنون " إذ هي - مع احتمال
الأخيرين المحارم وعدم الجابر لها بل إعراض الأصحاب عنها بل نسبها بعضهم إلى الشذوذ -
غير مقاومة لما ذكرنا من وجوه عديدة، فما يقال من أنه لا منافاة بينهما لاطلاق الأولى
وتقييد الثانية لا يلتفت إليه، سيما مع صراحة بعض أخبار الباب (4) في نفيه، نعم
قد يقال إن ذلك أحوط بشرط تغميض العينين أيضا كما في الغنية على إشكال فيه سيما إذا
استلزم تنجيس الكفن، كالاشكال في دعوى استحبابه جمعا بين الأخبار كما في
أحد احتمالي الاستبصار، وذلك للنهي صريحا في بعضها، والأمر بالدفن كما هي في

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 10 عن أبي سعيد
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 9 - 5
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 9 - 5
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب غسل الميت
68

ثيابها في آخر، مضافا إلى ظهور كثير من كلمات الأصحاب في الحرمة أيضا، فلعل
الأحوط الترك حينئذ.
كما أن الأحوط أيضا ترك التيمم وإن دل عليه خبر عمرو بن خالد (1) عن
زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: " أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
نفر فقالوا: إن امرأة توفيت معنا وليس معها ذو محرم، فقال: كيف صنعتم؟ فقالوا:
صببنا عليها الماء صبا، فقال: أما وجدتم امرأة من أهل الكتاب تغسلها؟ قالوا:
لا، قال: أفلا يمموها " إلا أنه - مع ضعفه وعدم العثور على الفتوى به من أحد
من أصحابنا بل في التذكرة نسبة نفيه إلى علمائنا كظاهر الخلاف وغيره أيضا، نعم
نسبه الشهيد إلى العلامة ولم نجده، وموافقته للمنقول عن أبي حنيفة، وخلو المعتمد
من الأخبار عن ذكره في مقام البيان - مستلزم للمس الحرم أيضا، فطرحه حينئذ أولى.
نعم قد يقال باستحباب غسل مواضع التيمم منها مع عدم اللمس، لما رواه
المفضل بن عمر (2) قال: " قلت للصادق (عليه السلام): جعلت فداك ما تقول في
المرأة تكون في السفر مع رجال ليس فيهم لها ذو محرم ولا معهم امرأة فتموت المرأة
ما يصنع بها؟ قال: يغسل منها ما أوجب الله عليه التيمم، ولا تمس ولا يكشف شئ
من محاسنها التي أمر الله تعالى بسترها، فقلت: كيف يصنع بها؟ قال: يغسل بطن
كفيها ثم يغسل وجهها ثم يغسل ظهر كفيها " وعن المبسوط والنهاية والتهذيب جواز العمل
به، ولعله لا ينافيه ما في خبر داود بن فرقد (3) قال: " مضى صاحب لنا يسأل أبا
عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تموت مع الرجال ليس فيهم ذو محرم هل يغسلونها وعليها
ثيابها؟ فقال: إذا يدخل ذلك عليهم ولكن يغسلون كفيها " نعم قد ينافيه ما في خبر

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 4 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 4 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 4 - 1 - 2
69

أبي بصير (1) من الأمر فيه بغسل موضع الوضوء منها، لكن يمكن حمله على ما عدا الذراعين
والقدمين، وقال الشيخ في الاستبصار بعد ذكر هذه الأخبار: " إن الوجه فيها أن
تحمل على ضرب من الاستحباب " انتهى. قلت: ولعل الأحوط دفنها مع عدم فعل
شئ من ذلك بها، للأمر بالدفن كما هي في الأخبار السابقة لظهور التشبيه فيه بذلك.
ثم الظاهر من أخبار الباب وجملة من كلمات الأصحاب بل ادعي الاجماع على
اشتراط المماثلة في غير ما استثنى أن ما ذكرناه من عدم تغسيل الرجل الأجنبية ليس لكونه
منهيا عن النظر واللمس فيفسد بذلك وإن ذكره بعضهم مؤيدا للحكم، بل الظاهر أن
المراد شرطية المماثلة أو المحرمية أو الزوج تعبدا، فلا يصح حينئذ وإن اتفق وقوعه على
وجه غير محرم، حتى لو قلنا بعدم اشتراط النية في التغسيل، إذ أقصى ما يخرجه ذلك
عن حكم العبادات لا غير، فتأمل.
فظهر لك من جميع ما ذكرنا أنه لا يغسل الرجل الأجنبية، نعم استثنى المصنف
من ذلك تبعا لغيره بنت الأقل من ثلاث سنين، فقال: (إلا ولها دون ثلاث سنين)
كما عن المبسوط والاصباح، ولعل المراد بنت ثلاث سنين فما دون، فيرجع إليه
حينئذ ما في الوسيلة والسرائر والجامع النافع والقواعد والإرشاد والمنتهى والذكرى
والبيان والدروس وغيرها من جواز تغسيل الرجل الأجنبي بنت الثلاث فما دون، بل
في التذكرة ونهاية الإحكام والروض الاجماع عليه، ويشهد له التتبع لكلمات الأصحاب
إذ لم أجد فيه خلافا بين أصحابنا المتقدمين والمتأخرين سوى ما يظهر من المصنف في المعتبر،
حيث قال بعد مناقشة فيما ذكر من المستند لذلك: " فالأولى المنع والفرق بين الصبي
والصبية، لأن الشرع أذن في الاطلاع للنساء على الصبي لافتقاره إليهن في التربية وليس
كذلك الصبية، والأصل حرمة النظر " انتهى. وظاهره عدم الفرق في ذلك بين

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 6
70

حالتي الاختيار والاضطرار، بل ولا بين كونه من وراء الثياب وعدمه، وإن كان
ربما يشعر تعليله بالثاني من الثاني، إلا أنه حيث كان لا دليل عنده على جوازه من
وراء الثياب أشكل الحكم به من حيث حصول النجاسة.
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في ضعفه بعد ما عرفت من الاجماع المنقول المعتضد
بالتتبع لكلمات الأصحاب، وبالأصل والاطلاقات، وبما في الفقيه (1) قال: " ذكر
شيخنا محمد بن الحسن في جامعه في الجارية تموت مع رجال في السفر، قال: إذا
كانت ابنة أكثر من خمس سنين أو ست دفنت ولم تغسل، وإن كانت بنت أقل من
خمس غسلت قال: وذكر عن الحلبي (2) حديثا في معناه " وفي الذكرى " أنه أسند
الصدوق في كتاب مدينة العلم ما في الجامع إلى الحلبي عن الصادق (عليه السلام) " انتهى.
ولا ينافي الاستدلال بالشرط الأخير الترديد بالخمس أو الست في الأول، كما لا ينافيه
شموله أيضا للزائدة على الثلاث إن لم نقل به، ولا ما في التهذيب أيضا قال: (وروى
محمد بن أحمد بن يحيى (3) مرسلا، قال: " روي في الجارية تموت مع الرجل،
فقال: إذا كانت بنت أقل من خمس سنين أو ست دفنت ولا تغسل " - ثم قال بعدها -:
يعني ولا تغسل مجردة عن ثيابها) انتهى.
قلت: وأولى منه ما حكاه في الذكرى عن ابن طاووس من أن ما في التهذيب
من لفظ (أقل) وهم، ومن العجيب أنه ظن في المعتبر أن الشيخ استدل بها على المطلوب
وقد عرفت أنها ظاهرة أو صريحة في منافاته، كما أنه ظن انحصار دليل الحكم فيها،
ولذا قال بعد ذكرها: " والرواية مرسلة ومتنها مضطرب، فلا عبرة بها، ثم لا نعلم
القائل " انتهى. وأعجب من ذلك كله استناده في المنع إلى أصالة حرمة النظر، مع

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب غسل الميت - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب غسل الميت - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب غسل الميت - حديث 5
71

أن الأصل يقتضي العكس كما هو واضح، وكيف مع أن المعلوم من بديهة الدين جواز
النظر واللمس للصبية في الجملة، بل في الرياض " أنه يستفاد من النص الصحيح (1) جواز
النظر إلى حد البلوغ، وحكى عليه عدم الخلاف، وفي المعتبرة جواز تقبيلها إلى الست
كما في كثير منها (2)، أو إلى الخمس كما في بعضها (3) " انتهى. نعم قد يستدل
له بقول الصادق (عليه السلام) في الموثق (4) بعد أن سئل " عن الصبي تغسله امرأة
قال: إنما تغسل الصبيان النساء، وعن الصبية لا تصاب امرأة تغسلها، قال: يغسلها رجل
أولى الناس بها " وفيه - مع عدم صلاحيته لمعارضة ما تقدم، واحتمال زيادة الصبية على
الحد المذكور، واحتمال دلالته أيضا على المطلوب بوجه، إذ قد يكون الأولى بها ليس
من المحارم فهو كالأجنبي - أن المراد الأولى أو من يأذن له الولي، فتأمل جيدا، هذا.
وفي المقنع تحديد جواز تغسيل الرجل للصبية بما إذا كانت أقل من خمس، وفي
المقنع أنها إن كانت أكثر من ثلاث غسلوها بثيابها، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين
وهو لا يخلو من قوة بناء على جواز النظر واللمس لبنت الأكثر من ثلاث، فتشمله
الاطلاقات، وما وقع من بعض متأخري المتأخرين من المناقشة في عموم أو إطلاق يشمل
ذلك في غير محله كما لا يخفى على من لاحظ أخبار الباب، سيما ما دل على وجوب غسل
الميت من غير تقييد للواجب عليه بشخص خاص، وما دل على الترغيب في غسل الميت
كقول الصادق (عليه السلام) (5) (من غسل ميتا) و (أيما مؤمن غسل مؤمنا فله كذا) (6)

(1) الوسائل - الباب - 126 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ولعل نظره إلى
الملازمة بين جواز لنظر وعدم وجوب الستر
(2) الوسائل - الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه - حديث. - 3
(3) الوسائل - الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه - حديث. - 3
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
72

مضافا إلى صدق اسم التغسيل على ما وقع من مثله، ودعوى أنه اسم للصحيح واحتمال
اشتراط المماثلة يمنع من تحقق الصحة فيها ما لا يخفى بناء على المختار من عدم شرطية ما شك
في شرطيته، مع ظهور كون الغسل من المبينات لا من المجملات.
وإذ عرفت ذلك ظهر أنه لا مانع من التمسك بالعمومات أو الاطلاقات في نحو
ذلك، ولا ينافيه ما دل على عدم جواز تغسيل الرجل امرأة أجنبية، لعدم تناول اللفظ
لها، نعم ينبغي دوران الحكم على مدة جواز النظر واللمس، فحيث امتنعا امتنع ولو
من وراء الثياب أيضا، لعدم ثبوت العفو عن النجاسة الحاصلة من ملاصقة الثياب،
وإطلاق ما سمعته عن الصدوق، مضافا إلى ظاهر أكثر كلمات الأصحاب، بل هي
ظاهرة في منع تغسيل الزائدة على الثلاث وإن جاز النظر واللمس، فتأمل جيدا.
ويؤيده ما ستسمعه في صورة العكس من حيث ظهور خبر ابن النمير الآتي في عدم جواز
تغسيل النساء لابن الزائد على الثلاث، مع انجباره بالشهرة بين الأصحاب، ولا ريب
أن ما نحن فيه أولى من ذلك، فلعله من هنا كان الأقوى الاقتصار عليها حينئذ.
وكيف كان فظاهر المصنف أو صريحه كظاهر غيره من الأصحاب أو صريحهم
بل صرح به بعضهم عدم اشتراط ذلك بالاضطرار، خلافا للمبسوط والنهاية وكذا
السرائر والمقنعة، بل لعله الظاهر من الوسيلة أيضا من اشتراط ذلك بفقد المماثل،
وهو ضعيف، لعدم الدليل عليه، واحتمال شمول قوله (عليه السلام): (لا يغسل الرجل
امرأة إلا أن لا توجد امرأة) لمثل ذلك فيه ما لا يخفى مع الطعن في سنده، فالأقوى
حينئذ جوازه اختيارا.
(وك‍) الرجل في جميع (ذلك) من الأحكام المتقدمة (المرأة) فلا تغسل الأجنبي
مطلقا على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا بل في التذكرة نسبته إلى العلماء
مشعرا بدعواه، بل صرح به في المعتبر، فقال: " ولا تغسل المرأة أجنبيا، وهو
73

إجماع أهل العلم " انتهى. ويشهد له التتبع لكمات الأصحاب، فلم نجد مخالفا سوى
ما ستعرف، ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى أصالة حرمة النظر واللمس مع التوقف
عليهما - قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1) بعد أن سئل عن الرجل يموت
وليس معه إلا النساء: " يدفن كما هو بثيابه " وفي صحيح أبي الصباح الكناني
(2) " في الرجل يموت في السفر في أرض ليس معه إلا النساء قال: يدفن ولا يغسل "
ونحوهما غيرهما (3) من المعتبرة، وفيها الصحيح وغيره، وترك التعرض فيها لذكر
التيمم مع كونه في مقام البيان كالصريح في نفيه، مضافا إلى الأصل واستلزامه اللمس
المحرم، مع ما عن التذكرة من نسبة النفي إلى علمائنا، فلا إشكال في نفيه، كما أنه
لا إشكال في نفي التغسيل من وراء الثياب، لظاهر الأخبار إن لم يكن صريحها.
خلافا للمنقول عن ظاهر المقنعة وموضع من التهذيب والكافي والغنية، فأوجبوه
من وراء الثياب، ولعله لقول الباقر (عليه السلام) في خبر جابر (4) " في رجل مات
ومعه نسوة وليس معهن رجل قال: يصبن الماء من خلف الثوب، ويلففنه في أكفانه
من تحت الستر " الخبر. وهو - مع عدم الجابر له بل تطرق الوهن إليه بمصير أكثر
الأصحاب إن لم يكن كلهم إلى خلافه، واحتماله المحارم - غير صالح لمعارضة ما تقدم،
فلا وجه لدعوى الجمع بينهما بحمل الأولى على التغسيل مجردا، والثاني عليه من وراء
الثياب، وكيف مع أنها كالصريحة في نفيه حتى من وراء الثياب كما لا يخفى على من
لاحظها، مع أن بعض من نسب إليهم الفتوى بمضمونه لم نتحققه فيما حضرنا من
كتبهم كالمقنعة والغنية، أما الأولى فليس فيها سوى أن النساء يغسلن الصبي لأكثر

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 و 3
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 5.
74

من خمس من فوق الثياب إذا لم يكن رجل ولا ذات محرم، وأما الثانية فقال فيها:
" إن لم يوجد من هذه صفته غسلته الأجانب في قميصه وهن مغمضات، وكذلك الحكم
في المرأة، ومن أصحابنا من قال: إذا لم يوجد للرجل إلا الأجانب من النساء،
وللمرأة إلا الأجانب من الرجال دفن كل واحد منهما بثيابه من غير غسل، والأول
أحوط " انتهى. قيل: وقريب منه ما في الكافي، وهي كما ترى لا ظهور فيها في
الخلاف فضلا عن الصراحة، فانحصر في المحكي عن موضع من التهذيب، وظني أنه
كالمقنعة، مع أنه في موضع آخر منه والاستبصار حكم بالاستحباب، بل عنه في النهاية
والمبسوط والخلاف الاعراض عن ذلك.
فظهر لك أنه لا وجه للركون إلى ظاهر الخبر المتقدم، بل لعل المتجه عدم
الحكم بالاستحباب من جهته، وذلك للنهي صريحا والأمر بالدفن في الأخبار المتقدمة
ككلام الأصحاب، وأن أمكن صرفهما إلى نفي الوجوب والرخصة في الدفن من غير
غسل، لكنه بعيد سيما في عبارات الأصحاب، مع استلزامه التنجيس الذي لم يثبت
العفو عنه هنا، فالمتجه حينئذ عدمه، ومنه يظهر لك ما في الحكم بالاحتياط في عبارة
الغنية، وطرح الخبر حينئذ أولى من ذلك، كطرح خبر عمرو بن خالد (1) عن زيد
ابن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: " إذا مات الرجل في السفر مع النساء ليس
فيهن امرأة ولا ذو محرم من نسائه يوزرنه إلى الركبتين، ويصببن عليه الماء، ولا ينظرن
إلى عورته، ولا يلمسنه بأيديهن ويطهرنه " وخبر أبي بصير (2) " في رجل مات مع
نسوة ليس فيهن محرم، فقال أبو حنيفة: يصببن عليه الماء صبا، وقال أبو عبد الله
(عليه السلام): بل يحل لهن أن يمسسن منه ما كان يحل أن ينظرن منه إليه وهو حي،

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل الميت - حديث 10 لكن رواه عن أبي سعيد
75

فإذا بلغن الموضع الذي لا يحل لهن النظر إليه ولا مسه وهو حي صببن عليه الماء صبا " إذ
لم أعرف أحدا من الطائفة أفتى بمضمونهما، اللهم إلا أن يرجعا إلى القول بالتغسيل
من وراء الثياب، وهو كما ترى، فتأمل جيدا.
وكما استثنى في الرجل تغسيل الصبية على حسب ما تقدم كذلك يستثنى من حكم
المرأة تغسيل الصبي ولو أجنبيا بلا خلاف نجده فيه هنا في الجملة، بل الاجماع عليه
محصل فضلا عن المنقول في التذكرة والمنتهى ونهاية الإحكام وغيرها، نعم اختلفوا في
تحديد الجواز، فظاهر المصنف كما في المبسوط والاصباح القصور عن ثلاث، والمشهور
الثلاث فما دون، وفي المقنعة كما عن المراسم جواز تغسيل النساء الصبي مجردا إن كان
ابن خمس سنين، وإن كان ابن أكثر غسلته من فوق الثياب، وقسم ابن حمزة الصبي
ثلاثة أقسام: ابن ثلاث وابن أكثر ومراهق، فالأول تغسله النساء مجردا من ثيابه،
والثاني تغسله من فوق ثيابه، والثالث يدفن من غير غسل، ونحوه ابن سعيد في الجامع
إلا أنه لم يذكر المراهق، وكان منشأ القولين الأولين خبر ابن النمير مولى الحارث بن
المغيرة (1) سأل الصادق (عليه السلام) " عن الصبي إلى كم تغسله النساء؟ فقال: إلى
ثلاث سين " من حيث دخول الغاية وخروجها، وظني أن القول الأول راجع إلى
الثاني بإرادة الثلاث فما دون، كما يرشد إليه ما في النهاية من الاتفاق على تغسيل ابن ثلاث
سنين، وكذا المنتهى والتذكرة، فلا إشكال حينئذ في ذلك من هذه الجهة.
نعم قد يشكل قصر الحكم عليها وعدم جواز تغسيل من زاد عليها سيما مع إطلاق
قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار (2) بعد أن سئل " عن الصبي تغسله امرأة قال:
إنما تغسل الصبيان النساء " وجواز لمسهن والنظر لمن زاد عليها، فيشمله حينئذ إطلاق الأمر

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب غسل الميت حديث 1 هكذا في النسخة الأصلية
ولكن الصحيح أبو النمير مولى الحرث
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
76

بالتغسيل، مضافا إلى عدم شمول ما دل على عدم تغسيل الرجل إلا الرجل والمرأة إلا المرأة
لما نحن فيه، لخروج الطفل عن مفهوم الاسمين، اللهم إلا أن يقال إن خبر ابن النمير
بعد انجباره بالشهرة بين الأصحاب يرفع ذلك كله، ولا ينافيه جواز اللمس والنظر،
إذ لعل ذلك من الشرائط التعبدية، فلعل الأقوى حينئذ الاقتصار عليها وإن كان
القول بدوران الحكم مدار جواز النظر واللمس كما مال إليه بعض متأخري المتأخرين
لا يخلو من قوة.
ثم إن ظاهر المشهور أو صريحه جواز ذلك اختيارا، بل في التذكرة والنهاية
الاجماع عليه نصا، كما هو قضية إطلاق معقد إجماع المنتهى والخبرين السالفين، فما
عن صريح النافع وظاهر السرائر والوسيلة وغيرها من القصر على الضرورة ضعيف جدا،
مع أنه في المعتبر قال: " قولنا في الأصل مع التعذر نريد به الأولى لا التحريم " ولعل
ذلك مراد غيره أيضا، والأمر سهل.
ثم اعلم أنه حيث ظهر لك جواز تغسيل كل من المرأة والرجل الصبي والصبية
(و) لو كان أجنبيين فالمراد أن الرجل (يغسلها مجردة) من ثيابها، كما أن المرأة تغسل
الصبي مجردا من ثيابه بلا خلاف أجده في الثاني، بل عليه الاجماع في التذكرة والنهاية
وهو الحجة، مع أنه قضية ما ذكرنا من الأدلة سابقا. ولعل ما سمعته سابقا من
المقنعة وعن المراسم من تغسيل ابن الزائد على الخمس بثيابه ليس خلافا فيما نحن فيه بعد
ما عرفت من المناقشة في أصل الجواز، وإلا فالمتجه بناء عليه جواز مجردا، إذ لا دليل
على اشتراط ذلك، كما أنه لا دليل عليها بالنسبة للأول أي تغسيل الرجل الصبية،
فما في الوسيلة والجامع وعن المراسم من التغسيل من وراء الثياب ضعيف، بل في ظاهر
التذكرة وصريح النهاية والروضة الاجماع عليه، فالأقوى حينئذ الجواز مع التجريد كما
صرح به جماعة، ويقتضيه إطلاق آخرين، بل لعل قضية إطلاق ما ذكرنا عدم وجوب
77

ستر العورة فضلا عن غيرها كما صرح به في جامع المقاصد والروض، بل نسبته في
الأول إلى إطلاق النص والأصحاب
ثم لا يخفى أن المراد بما تقدم سابقا من التحديد بثلاث سنين إنما هو لنهاية الجواز
إذا وقع الموت عندها فما دون، فلا يقدح تأخر التغسيل بعد فرض حصول الموت لذلك،
فما في جامع المقاصد من أن الثلاث سنين هي نهاية الجواز، فلا بد من كون الغسل واقعا
قبل تمامها لا يخلو من نظر وتأمل.
ولا فرق في جميع ما ذكرنا في الصبي والصبية بين معلوم الذكورية والأنوثية
ومجهولهما، فالخنثى المشكل الذي لا يمكن رفع إشكاله بناء على عدم اعتبار القرعة وعد
الأضلاع ونحوهما واضح إذا كان لثلاث فما دون بناء على أنها نهاية الجواز، وكذا إذا
كان لأكثر مع وجود أمة له بناء على ما تقدم سابقا، ومع عدمها ففي التذكرة والمنتهى
والقواعد والإرشاد والذكرى وجامع المقاصد والروض أنه يغسله محارمه من الرجل
النساء، معللين ذلك بالضرورة لتعذر المماثل، وعن أبي علي أنه تغسله أمته، وعن
ابن البراج أنه ييمم ولا يغسل.
وللنظر في الجميع مجال، أما (الأول) فلعدم تناول ما دل على الضرورة المسوغة
لغير. المماثل لمثل ذلك، لظهورها أو صريحها في معلوم الرجولية والأنوثية، ودعوى
أن المخالفة مانع لا أن المماثلة شرط في غاية الوهن مخالفة لصريح كلام الخصم، ومنه يظهر
فساد التمسك بالعمومات، لكونها مخصصة عند الخصم بما دل على اشتراط المماثلة إلا مع
التعذر في خصوص المحارم، ولذلك احتاج هنا إلى التعليل بالضرورة، مع أن قضيتها
عدم الاقتصار على المحارم، كالتمسك باستصحاب جواز النظر واللمس، إذ هما غير
صالحين لاثبات العبادة التوقيفية. وأما (الثاني) فمع ابتنائه على ما تقدم سابقا غير مطرد
إذ قد لا تكون عنده أمة، واحتمال التكليف بشراء أمة له من تركته، فإن لم يكن
78

عنده تركة فمن بيت المال كما عن أحد وجوه الشافعية مما لا ينبغي أن يصغى إليه بعد فرض
عدم الدليل عليه. وأما (الثالث) فلا دليل على وجوب التيمم مع لزوم المحذور أيضا،
فلعل الأحوط تكرير الغسل مرتين من كل الرجال والنساء وإن كان لا يلزمون
بذلك، لأصالة براءة ذمة كل منهما، والمقدمة بالنسبة إليهما غير معقولة، فهما كواجدي
المني في الثوب المشترك. لا يقال: إنه كيف يتصور نية التقرب من كل منهما، لأنا
نقول: إنه كسائر أنواع الاحتياط يكفي فيه احتمال التكليف.
هذا كله مع وجود المحارم، أما مع العدم ففي التذكرة أن الوجه دفنه من غير
غسل، وفي المنتهى " أن الأقرب جواز صب الماء عليه للرجل والمرأة من فوق الثياب،
وليس لأحدهما أن يغسله مجردا، لجواز أن يكون رجلا إن كان الغاسل امرأة،
وامرأة إن كان الغاسل رجلا " انتهى. قلت: وأنت لا يخفى عليك أنه
بناء على جواز تغسيل الأجانب عند التعذر فلا إشكال في الجواز هنا إن قلنا
بشموله لمثل ما نحن فيه من التعذر، وإما بناء على العدم فلعل ما ذكرناه من الاحتياط
السابق جار هنا، وإلا فدعوى الوجوب على أحدهما كما هو ظاهر المنتهى قد يناقش
فيه بعدم دليل عليه، اللهم إلا أن يستند في ذلك إلى عموم ما دل على وجوب غسل
كل ميت مع تنزيل اشتراط المماثلة على معلومية حال الميت، لكن قضية ذلك عدم
الالتزام بتغسيله من وراء الثياب، للأصل المسوغ للنظر واللمس من كل من الرجال
والنساء، كما أن قضية ذلك عدم الالتزام بتقديم المحارم مع وجودهم، نعم لعل ذلك
أولى وأقرب للاحتياط، وربما يحمل عليه كلام من سمعت من الأصحاب وإن بعد ذلك
جدا في كلام بعضهم، وهو الذي يقوى في نفسي، والمحكي عن أحد وجوه الشافعية
إلا أنهم استندوا له باستصحاب حاله في الصغر، ولا ريب في ضعف ذلك لاختلاف
الموضوع، والأولى الاستناد إلى ما ذكرنا من العمومات، ومنه يظهر الكلام فيما لو وجد
ميت أو بعضه مما يجب تغسيله واشتبه ذكوريته وأنوثيته لظهور كونهما من واد واحد، فتأمل.
79

(وكل مظهر للشهادتين) ولم يعلم منه عدم الاذعان بهما أو بإحداهما (وإن لم يكن
معتقدا للحق) الذي لا يخرجه عن حكم الاسلام في الدنيا كالإمامة ونحوها (يجوز
تغسيله) أي يجب (عدا الخرج) والمعروف منهم من خرج على علي أمير المؤمنين
(عليه السلام) لتحكيم الحكمين (والغلاة) جمع غال، وهو من اعتقد إلهية أحد من الناس
كما في الروض، والمعروف من ذلك من اعتقد إلهية علي (عليه السلام)، وكذا كل من
ارتكب ما يحكم بسببه بالكفر من قول أو فعل أو غيرهما، فالنواصب والمجسمة ومنكرو
شئ من ضروريات الدين ونحوهم لا يجوز تغسيلهم، للحكم بكفرهم.
ولا يغسل الكافر إجماعا محصلا منقولا على لسان مثل الشيخ والعلامة والشهيد
وغيرهم، وللأصل مع ظهور الأدلة في غيرهم ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر
عمار (1) " النصراني يموت مع المسلمين لا تغسله ولا كرامة، ولا تدفنه، ولا تقم على
قبره وإن كان أبا " فلا إشكال حينئذ في ذلك، كما أنه لا إشكال في وجوب غسل
المؤمن أي الإمامي المعتقد لإمامة الأئمة الاثني عشر (عليه السلام) ما لم يحصل منه سبب الكفر، بل
هو إجماعي إن لم يكن ضروريا، وأما من لم يكن كذلك كالعامة وقد يلحق بهم فرق
الإمامية المبطلة كالواقفية والفطحية والناووسية فالمشهور تحصيلا ونقلا في الذكرى
والروض والحدائق والرياض التغسيل، بل عن التذكرة ونهاية الإحكام الاجماع على
وجوب تغسيل الميت المسلم، قيل: وهو الظاهر من المنتهى، حيث حمل قول المفيد
(رحمة الله) بعدم الجواز على من علم نصبه، وفي مجمع البرهان " وأما وجوب غسل كل مسلم
فلعل دليله الاجماع - إلى أن قال -: والظاهر أنه لا نزاع فيه لأحد من المسلمين كما في
المنتهى - وقال أيضا -:
ولعل عبارات بعض الأصحاب مثل الشيخ المفيد في عدم غسل
المخالف مبني على أنه ليس بمسلم عنده، كما يدل عليه دليله في التهذيب ولكنه بعيد " انتهى.

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
80

قلت: وقد يستدل عليه - مضافا إلى ما ذكرنا، وإلى استصحاب جريان أحكام
المسلم عليه، وإلى ما يظهر من المشهور في باب الصلاة على الميت من الصلاة عليه وإن دعي
عليه فيها، حتى قال في المنتهى: " وتجب الصلاة على الميت البالغ من المسلمين بلا خلاف "
إلى أن استدل عليه أيضا بما رواه الشيخ عن طلحة بن زيد (1) عن أبي عبد الله عن أبيه
(عليهما السلام) قال: " صل على من مات من أهل القبلة، وحسابه على الله تعالى "
ثم قال: " المسلم ها هنا كل مظهر للشهادتين ما لم يعتقد خلاف ما علم بالضرورة من
الدين " انتهى. إذ لا قائل بالفرق سيما مع اشتراط الصلاة بالغسل، بل لعل الصلاة
أولى بالمنع، فحينئذ يصح الاستدلال بكل ما يصلح لذلك من العمومات وغيرها. وإلى
ما عساه يشعر به فحوى أخبار الباب وكلام الأصحاب من إيجاب تغسيل الميت في بلاد
الاسلام بل أبعاضه وإن لم يعرف مذهبه ولا أصل يلحقه بالإمامي - باطلاق الأدلة أو
عمومها كقوله (عليه السلام) (2): " غسل الميت واجب " وفي مضمر أبي خالد (3)
" أغسل كل الموتى الغريق وأكيل السبع وكل شئ إلا ما قتل بين الصفين " ونحو ذلك (4)
من الاطلاقات في الزوج والزوجة والمحارم، ونحو قوله (عليه السلام) (5): " بغسله
الولي أو من يأمره بذلك " وغيرها مع انجبار ما في بعضها من الضعف في السند أو الدلالة
بما تقدم، كما أنه لا ينافيها نحو قوله (عليه السلام) (6): " أيما مؤمن غسل مؤمنا "

(1) الاستبصار - الباب - 1 - من أبواب الصلاة على الأموات - حديث 2 من
كتاب الصلاة.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب غسل الميت
(5) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب غسل الميت
81

إذ أقصاه بعد اعتبار المفهوم وكون لفظ للمؤمن لا يشمل المخالف عدم حصول ذلك الموظف
من الثواب على تغسيل غير المؤمن، وهو مسلم لك، بل ستعرف أنه مكروه على ما ذكر
جماعة من الأصحاب.
والأصل في الخلاف في المقام المفيد في المقنعة، حيث قال: " ولا يجوز لأحد
من أهل الايمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية، ولا يصلي عليه إلا تدعوه ضرورة
إلى ذلك من جهة التقية " انتهى وربما ظهر من الشيخ في التهذيب موافقته عليه، حيث
استدل عليه بأنه كافر، ولا يجوز تغسيل الكافر باجماع الأمة كالمحكي عن المراسم
والمهذب من أن الخالف لا يغسل، ولعله الظاهر من السرائر أيضا، واختاره جماعة
من متأخري المتأخرين، وجعل في الحدائق منشأ القولين هو الحكم باسلامه وكفره،
فلا إشكال في وجوب الغسل بناء على الأول وإن لم يدل عليه دليل بالخصوص تمسكا
بالعمومات، كما أنه لا إشكال في عدمه بناء على الثاني، ومن هنا أنكر على الذخيرة
والمدارك حيث ظهر منهما التوقف في الوجوب، بل حكما بعدمه مع البناء على الأول،
حتى قال: إنه إحداث قول ثالث ولا وجه له.
قلت: لعل وجهه هو إلحاق أحكامه بعد الموت بأحكامه في الآخرة، إذ
لا إشكال في كونه كالكافر بالنسبة إليها وإن حكم باسلامه وأجري عليه جميع أحكام
الاسلام من الطهارة واحترام ماله ونفسه وغير ذلك في الدنيا، ولا تلازم بينهما، أو
أن وجهه الشك في عمومات تشمل كل مسلم، فالأصل البراءة، بل قد يظهر من
ملاحظة جملة منها إرادة المؤمن لا أقل من عدم انصراف الاطلاق إليه، سيما بعد ما ظهر
من بعض الأخبار (1) أن التغسيل احترام للميت وتكرمة له، ولا يصلح له إلا المؤمن.
ومن ذلك كله ظهر لك ما يمكن الاستدلال به للثاني، ولا ريب في ضعفه

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
82

في جنب ما تقدم، إذ هو إما النباء على كفر المخالف، وهو معلوم الفساد، للأخبار (1)
المعتبرة المنجبرة بعمل الأصحاب وبالسيرة القاطعة الدالة على تحقق الاسلام بالشهادتين،
وأنه الذي عليه جماعة الناس، وبه تحقن الدماء وتنكح النساء وتحل المواريث وغير
ذلك، وإما دعوى إلحاقه بالكافر في هذا الحال وإن كان مسلما قبله، وهو أضعف
من سابقه لخلوه عن الدليل، بل قد عرفت قيامه على خلافه، وإما إنكار دليل يدل
على وجوب تغسيل كل مسلم وقد عرفت وجوده من العمومات وغيرها، وإما ما عساه
يظهر من بعض الأخبار (2) أن ذلك كرامة له واحترام، ولا احترام للمخالف،
وفيه - مع أن الموجود في كثير من الأخبار (3) المعتبرة تعليله بخروج النطفة التي خلق
منها منه عند الموت، ولأجله كان كغسل الجنابة، وفي آخر (4) تعليله بلقياه لأهل
الآخرة من الملائكة وغيرها، فينبغي أن يكون طاهرا - أنه لا مانع من جريانه أيضا
بالنسبة للمخالف باعتبار إظهاره الشهادتين، فالاكرام في الحقيقة لهما، كما أنهما من
أجلهما روعيت أمور كثيرة، هذا.
وقد وقع في كشف اللثام تفصيل لا نعرف له موافقا عليه، بل ولا وجها معتبرا
يركن إليه، فحكم بحرمة التغسيل للمخالف مع قصد الاكرام له لنحلته أو لاسلامه، وحمل
كلام من صرح بالحرمة من الأصحاب على ذلك، قال: " حينئذ لا استثناء للتقية
أو غيرها، ومن التقية هنا حضور أحد من أهل نحلته لئلا يشيع عندهم أنا لا نغسل
موتاهم، فيدعوا ذلك إلى تعسر تغسيل موتانا أو تعذره، ويمكن تنزيل الوجوب الذي

(1) أصول الكافي باب (أن الايمان يشرك الاسلام والإسلام لا يشرك الايمان)
من كتاب الايمان والكفر.
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
83

قال به المصنف على ذلك، وحكم بالجواز مع إرادة تغسيله كتغسيل الجمادات لا بقصد
الكرام والاحترام - قال -: وعسى أن يكون ذلك مكروها لتشبيهه بالمؤمن، وكذا
إن أريد إكرامه لرحم أو صداقة أو محبة، وإن أريد إكرامه لإقراره بالشهادتين احتمل
الجواز، أما إذا أريد إكرامه لكونه أهلا لخصوص نحلته أو لأنها لا تخرجها عن الاسلام
والناجين حقيقة فهو حرام - وقال بعد أن حكى عن الشرائع الجواز، وعن المبسوط
والنهاية والجامع الكراهة -: لا خلاف بين القول بالجواز والحرمة إذا نزلت الحرمة على
ما ذكرناه، ولا ينافيه استثناء التقية، لجواز أن يكون للدلالة على المراد " انتهى.
وفي كلامه مواضع للنظر لا تخفى، وكأن الذي دعاه إلى ذلك تعبير بعض
الأصحاب كالمصنف (رحمة الله) بالجواز وآخر بالكراهة، وثالث بالحرمة، ورابع
بالوجوب، فأراد الجمع بين الجميع بعد أن ثبت عنده أن سبب منع التغسيل للمخالف إنما
هو من جهة عدم استحقاقه للاكرام والاحترام، والفرض أن وجوب غسل الميت لذلك،
ولعله يرتكب مثل هذا التفصيل في الكافر أيضا، ويحتمل أنه يفرق بينهما، ومن
المعلوم أن من عبر بالجواز كالمصنف لم يرد ذلك، بل الظاهر إرادة إثبات أصل الجواز
في مقابلة القول بالمنع، وإلا فمتى جاز وجب لعدم معقولية غيره، ويشعر بذلك تعبيره
به عن المؤمن والمسلم، حيث قال: كل مظهر للشهادتين يجوز تغسيله، ومن المعلوم
وجوبه بالنسبة للأول، فلا ينبغي الاشكال في ذلك من هذه الجهة على ما وقع من بعض
متأخري المتأخرين حتى بالغ في الانكار، كما أنه لا ينبغي الاشكال فيه من جهة
التعبير بالكراهة أيضا على ما ستعرف، ثم لم نعلم أنه ما يريد بالجواز في الصورة التي
جوزها فيه هل هو بمعنى الإباحة الخاصة أو المندوب في مقابلة الحرمة؟ كالكراهة التي
ذكرها بمعنى أقلية الثواب أو المصطلحة، وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في خروج
ما ذكره عن أخبار الباب وكلام الأصحاب، ولعله عند التأمل يرجع إلى إنكار التغسيل
84

وأن الذي ذكر جوازه ليس من التغسيل المعروف الذي هو عبادة.
نعم بقي شئ وهو أنه قد صرح جماعة من الأصحاب منهم المصنف فيما يأتي
بعد بالوجوب بأن ذلك مكروه، فإن اضطر غسله غسل أهل الخلاف،
وصرح بعضهم بأنه إن لم يعرفه غسله كتغسيل أهل الحق، وقد يشكل ذلك بالتنافي
بين الكراهة والوجوب أولا، وبعدم الاجتزاء بغسل أهل الخلاف بعد أن قام الدليل
على وجوب التغسيل المنصرف إلى التغسيل الحقيقي ثانيا، وبعدم الدليل على الانتقال
إلى غسل أهل الحق بعد فرض وجوب الأول عند تعذره، بل قضيته السقوط حينئذ ثالثا.
وقد يدفع الأول بما تكرر غير مرة من بيان المكروه في العبادة، وخصوصا في
المقام، ولظهور كون المراد كراهة تولي مباشرة المخالف مع وجود غيره نظير ما قلناه في
استحباب مباشرة الولي بخصوصه للميت، إذ لا فرق بين الكراهة وبين المستحب في
منافاة الواجب، والثاني بما دل (1) من الأمر بالزامهم بما ألزموا به أنفسهم، والثالث
بوجوب أصل التغسيل، لكن قد يناقش في الثاني بعدم شمول ما دل على ذلك لمثل
المقام، لكون التغسيل خطابا للمغسل لا الميت، فلا يبعد القول بوجوب تغسيل أهل
الحق مع عدم التقية، وإلا فمعها يغسل أهل الحق كتغسيلهم فضلا عنهم للأمر بالتقية
لا لدليل الالزام، ويؤيد ذلك أنه لا يعقل الأمر بالعبادة الفاسدة لغير التقية، مضافا
إلى أن قضية ما ذكرناه من الأدلة مساواتهم لأهل الحق في ذلك، وقد يحمل قولهم:
فإن اضطر غسله كغسل أهل الخلاف على إرادة التقية، إذ هي أغلب أفراد الاضطرار.
ثم إنه لا إشكال في تبعية ولد المسلم للمسلم، كما أنه لا إشكال فيه بالنسبة
للكافر، نعم قد يشكل في ولد الزنا من كل منهما، ولا يبعد عدم جريان حكم الاسلام
عليهما وإن قلنا بطهارتهما، لكن قد يقال بوجوب تغسيلهما لا للحكم باسلامهما بل لعدم

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه - حديث 5 و 6
85

الحكم بكفرهما، فتشملهما حينئذ العمومات الدالة على تغسيل كل ميت، سيما مع
ما دل (2) على أن كل مولود يولد على الفطرة، وفي الخلاف الاجماع على أن ولد الزنا
يغسل ويصلى عليه، واحتمال التفصيل بين ولد الزنا من المسلم وبينه من الكافر فيلحق
الأول بأبيه لغة دون الثاني ضعيف، بل العكس أولى منه، لنفي ولد الزنا من
المسلم شرعا. وعدم ثبوت ذلك في حق الكفار، والمجنون البالغ من الكفار والمسلمين بعد وصف
الاسلام والكفر ملحق بهما على الظاهر، وكذا لم بلغا مجنونين على إشكال لثبوت
التبعية في حق الطفل دون غيره، فقد يقال حينئذ بعدم الحكم عليهما بشئ منهما،
فيجري عليهما ما تقدم من وجوب التغسيل، إلا أنه كما ترى بالنسبة إلى ولد الكافر،
والمسبي بتبع السابي، فيحكم باسلامه حينئذ، لكن قد استشكل فيه بعضهم من عدم
قيام دليل التبعية في غير الطهارة، ويأتي تحقيق القول فيه إن شاء الله كما أنه يأتي تحقيق
القول في لقيط دار الاسلام بل ودار الكفر مع إمكان التولد من مسلم، وإن حكم فيه
بعضهم هنا يجريان حكم الاسلام عليهما، لكنه لا يخلو من نظر بالنسبة للأخير، والذي
ينبغي تحقيقه في المقام هو ما أشرنا إليه سابقا من أن المدار في وجوب التغسيل على الاسلام
وما في حكمه أو على عدم ثبوت الكفر، ولعل الأقوى الثاني قضاء للعمومات وإن ظهر
من كلام الأصحاب الأول، فتأمل حيدا.
(والشهيد) والمراد به هنا هو (الذي قتل بين يدي الإمام (عليه السلام))
كما في المقنعة والقواعد والتحرير وعن المراسم أو نائبه كما في الوسيلة والسرائر والجامع
والمنتهى وعن المبسوط والنهاية، ولعل الثاني مراد الأولين، ولذا قال في مجمع البرهان:
المشهور أن المراد بالشهيد هنا من قتل في المعركة بين يدي (النبي صلى الله عليه وآله)

(1) أصول الكافي - باب فطرة الخلق على التوحيد - حديث 4 من كتاب
الايمان والكفر.
86

أو الإمام (عليه السلام) أو النائب الخاص وغيره، وأنه مذهب الأكثر،
بل في الذخيرة أن الأصحاب اشترطوا النبي (صلى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام)
وألحق به النائب الخاص، كما أن الظاهر إرادة الجميع بالإمام (عليه السلام) ما يعم
النبي (صلى الله عليه وآله) أو في جهاد بحق ولو بدونهما، كما لو دهم المسلمين عدو
يخاف منه على بيضة الاسلام كما في ظاهر الغنية أو صريحها وكذا إشارة السبق وصريح
المعتبر والذكرى والدروس والمدارك والذخيرة والحدائق وظاهر الروضة والروض وعن
ظاهر الخلاف ومحتمل التذكرة ونهاية الإحكام، بل في ظاهر الأول أو صريحه الاجماع
عليه، ولعلة الأقوى للحسن كالصحيح (1) عن أبان بن تغلب قال: " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الذي يقتل في سبيل الله يدفن في ثيابه ولا يغسل
إلا أن يدركه المسلمون وبه رمق ثم يموت بعد، فإنه يغسل ويكفن ويحنط، أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كفن حمزة في ثيابه ولم يغسله ولكنه صلى عليه " ونحوه في ذلك
خبره الآخر (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يقتل في سبيل الله
أيغسل ويكفن ويحنط؟ قال: يدفن كما هو في ثيابه إلا أن يكون به رمق " إلى آخره
ومضمر أبي خالد (3) قال: " إغسل الموتى الغريق وأكيل السبع وكل شئ إلا ما قتل
بين الصفين، وإن كان به رمق غسل وإلا فلا ".
ولا ينافي ذلك تعليق الحكم على الشهيد في غيرها من الأخبار (4) بدعوى
اعتبار الإمام (عليه السلام) أو نائبه في مسماه، لا أقل من الشك سيما بعد الاعتضاد
بفتوى من عرفت من الأصحاب، فيبقى حينئذ عموم ما دل على تغسيل كل ميت محكما
مع إمكان دعوى انصراف تلك الأخبار إلى المقتول بين يدي الإمام (عليه السلام) أو نائبه، لمنع

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 9 - 7 - 3
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 9 - 7 - 3
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 9 - 7 - 3
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 5
87

اعتبار ذلك فيه شرعا وغيره، ولعل الخصم إنما ينازع في الحكم مع تسليم دخوله في
الشهيد حقيقة، كما هو ظاهر عبارة المصنف (رحمه الله) من كون الوصف مخصصا،
فحينئذ يكون ما علق فيه الحكم على الشهيد شاهدا للمختار لا عليه، ومن هنا قد استدل
في الذكرى بعموم لفظ الشهيد، وما في كشف اللثام من أنه قد يمنع ممنوع، قال في
القاموس: " الشهيد القتيل في سبيل الله تعالى لأن ملائكة الرحمان تشهده، أو لأن
الله تعالى وملائكته شهود له بالجنة، أو لأنه ممن يستشهد به يوم القيامة على الأمم
الخالية، أو لسقوطه على الشهادة أي الأرض، أو لأنه حي عند ربه حاضر، أو
لأنه يشهد ملكوت الله وملكه " انتهى. وفي المغرب " قال النضر: الشهيد الحي،
كأنه تأول قوله تعالى (1): " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء "
كأن أرواحهم احتضرت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها إلى يوم القيمة،
وقال أبو بكر: سموا شهداء لأن الله تعالى وملائكته شهود له بالجنة، وقال غيره سموا
شهداء لأنهم ممن يستشهد به يوم القيامة مع النبي (صلى الله عليه وآله) على الأمم
الخالية " انتهى، هذا.
مع أنه لا ريب في ثبوت الاستعمال للفظ الشهيد فيما نحن فيه، والأصل فيه هنا
الحقيقة بدعوى الوضع للكلي الشامل له وللمقتول بين يدي الإمام (عليه السلام) إذ هو
خير من المجاز، ويؤيد ذلك أيضا الصدق العرفي حقيقة، وهو كاشف عن غيره حتى
لو كان المعنى شرعيا من غير فرق بين القول بوضعه له شرعا أو لا، إذ العرف المتشرعي
ضابط للمراد الشرعي مجازا كان أو حقيقة، فتأمل جيدا. نعم قد يشعر قوله
(عليه السلام) في مضمر أبي خالد: " إلا ما قتل بين الصفين " باعتبار تقابل العسكرين
في جريان خصوص هذا الحكم على الشهيد، فلا يشمل من قتل من المسلمين بدون ذلك

(1) سورة آل عمران - الآية 163
88

كالمقتول اتفاقا (1) أو كان عينا من عيونهم أو نحو ذلك، إلا أن غيره من الأخبار
مما اشتملت على التعبير بالقتل في سبيل الله شاملة له، ولعله الأقوى، لاطلاق جميع
الأصحاب بالنسبة إلى ذلك، فيمكن حينئذ تنزيل قوله: " ما بين الصفين " على ما لا ينافيه
وإن كان هو أخص منه، فتأمل.
(و) يشترط مضافا إلى ما ذكرنا من معنى الشهيد أن يكون قد (مات في المعركة)
كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل نسبه غير واحد إليهم مشعرا بدعوى الاجماع
عليه، بل في مجمع البرهان كان دليله الاجماع، وفي التذكرة " الشهيد إذا مات في المعركة
لا يغسل ولا يكفن، ذهب إليه علماؤنا أجمع " ونحوه في ذلك المعتبر والغنية والخلاف
بل صرح في الأخير بأنه إذا خرج من المعركة ثم مات بعد ساعة أو ساعتين قبل تقضي
الحرب حكمه حكم الشهيد، واستحسنه في المنتهى، وقضية هذا الاطلاق عدم الفرق
في ذلك بين أن يدركه المسلمون وبه رمق الحياة أو لا.
ويؤيده - بعد ما عرفت من إطلاق معقد الاجماع وإطلاق الشهيد والقتيل في سبيل
الله وما قتل بين الصفين وإصالة البراءة ونحوها، مضافا إلى غلبة عدم الموت بأول الجراحة
بل غالبا يبقى آنا ما معها، على أنه لو اعتبر ذلك لوجب تغسيل جميع القتلى من باب
المقدمة، إذ لا ظهور يستند إليه في ذلك، مع ما في ذلك من العسر والحرج سيما إذا
أدرك وحياته غير مستقرة مع عدم انقضاء الحرب - الخبر المروي عن النبي (صلى الله
عليه وآله) (2) أنه قال يوم أحد: " من ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع؟ فقال رجل:
أنا أنظر لك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فنظر فوجده جريحا وبه رمق، فقال له:
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرني أن أنظر في الأحياء أنت أم في الأموات،

(1) أي مع عدم عسكر للمسلمين (منه رحمه الله)
(2) سيرة ابن هشام على هامش الروض الأنف ج - 2 - ص 141
89

فقال: أنا في الأموات فأبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عني السلام، قال:
ثم لم أبرح إلى أن مات " ولم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بتغسيل أحد منهم، وكذا
خبر عمرو بن خالد (1) عن زيد عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا مات الشهيد من يومه أو من الغد فواروه في ثيابه،
وإن بقي أياما حتى تتغير جراحته غسل " بعد تنزيله على إرادة البقاء في المعركة. لكنه
بعيد بل غير متجه، فلعل الأولى حمله على التقية كما عن الشيخ وغيره، سيما بعد
ضعف سنده.
وخالف، في ذلك بعضهم كالمفيد في ظاهر المقنعة والشهيدين في ظاهر الذكرى
والروض، وحكي عن مهذب ابن البراج، وتبعهم جماعة من متأخري المتأخرين،
فاكتفوا في وجوب التغسيل بمجرد ادراكه حيا، لما تقدم من خبري أبان بن تغلب
ومضمر أبي خالد، وخبر أبي مريم عن الصادق (عليه السلام) (2) " الشهيد إذا كان
به رمق غسل وكفن وحنط وصلي عليه، وإن لم يكن به رمق كفن في أثوابه " ولعل
الأقوى في النظر الأول لما عرفت، مع تنزيل ما في هذه الأخبار على إرادة الادراك
بعد انقضاء الحرب، إذ هو المتعارف في تفقد القتلى، لا يقال: إن ذلك أيضا مشمول
للاطلاق الأول، إذ يصدق عليه أنه مات في المعركة، لأنا نقول: قد صرح
جماعة أنه يخرج بتقييد الأصحاب الموت فيها ما إذا نقل عنها وبه رمق أو انقضى الحرب
وبه رمق، وإلا فمتى كان كذلك وجب تغسيله، ويشهد له عدم صدق القتل بين
الصفين مع الأول، وللثاني ما في الخلاف من إجماع الفرقة، على أنه إذا مات بعد
تقضي الحرب يجب غسله حتى لو كان غير مستقل الحياة، كما يشعر به أيضا ما في الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 5
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
90

السابقة من الاكتفاء برمق الحياة، لكنه لا يخلو من تأمل.
وكيف كان فالشهيد بعد وجود ما عرفت فيه (لا يغسل ولا يكفن ويصلى عليه)
إجماعا في الجميع محصلا ومنقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا كالأخبار (1) نعم يعتبر
في الثاني عدم تجريده من الثياب، أما لو جرد فالظاهر وجب تكفينه كما صرح به
جماعة من الأصحاب، ويدل عليه ما في خبر أبان بن تغلب (2) " أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كفن حمزة وحنطه لأنه كان قد جرد " كما يشعر به أيضا ما في غيره
من الأمر (3) بدفن الشهيد بثيابه.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من حكم الشهيد بين الحر والعبد، ولا بين المقتول بحديد
أو غيره، ولا بين المقتول بسلاحه أو غيره، ولا بين المقتول خطأ أو عمدا بلا خلاف
يعرف، لا طلاق الأدلة أو عمومها، بل وكذا لو داسته خيول المسلمين أو رمته فرسه
في نهر أو بئر بسبب جهاد الكفار، لصدق كونه قتيلا في سبيل الله وغيره، بل صرح
جماعة من الأصحاب بعدم الفرق بين البالغ وغيره، وبين الرجل والمرأة، بل قد يظهر
من كشف اللثام في آخر الباب دعوى الاجماع على ذلك بالنسبة إلى الصبي والمجنون
للاطلاق والصدق، ولما روي (4) أنه " قد كان في شهداء بدر وأحد حارثة بن

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 7
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 8 و 9 و 12
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 و 7 و 9
(4) في الاستيعاب على الإصابة ج 1 ص 283 حارثة بن النعمان بن نقع شهد البدر
والأحد والخندق والمشاهد كلها وفي الإصابة ج - 1 ص 298 أدرك حارثة خلافة معاوية
ومات بعد أن ذهب بصره.
وأما عمير بن أبي وقاص ففي الإصابة ج - 3 - ص 36 ترجمة عمير بن أبي وقاص قسم
الأول " عرض جيش بدر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاستغفر عمير فرده فبكى فأجازه وقال
أخوه أسعد: كنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ست عشرة سنة قتله عمر و
ابن عبد ود العامري الذي قتله علي (عليه اسلام) يوم الخندق "
91

النعمان وعمرو بن أبي وقاص أخو سعد، وهما صغيران ولم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله)
بتغسيل أحد منهم " وما روي أيضا (1) من استشهاد الرضيع ولد الحسين (عليه السلام)
في وقعة كربلاء ولم ينقل عن أحد تغسيلهم.
ومع ذلك كله فللنظر في كل من لم يكن مخاطبا بالجهاد مجال للشك في تناول
الأدلة، اللهم إلا أن يكون المسلمون مخاطبين بمحاربة العدو بأطفالهم ونسائهم ومجانينهم
كما إذا عظم أمر الكافرين، فيصدق حينئذ القتل في سبيل الله ونحوه، ولا دلالة في
خبر طلحة بن زيد عن جعفر (عليه السلام) (2) عن أبيه عن علي بن الحسين (عليهم السلام)
قال: " سئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن امرأة أسرها العدو فأصابوها حتى ماتت
أهي بمنزلة الشهداء؟ قال: نعم إلا أن تكون أعانت على نفسها " لظهور أن المراد بمنزلتهم
في الثواب ونحوه لا في هذا الحكم، ونحوها غيرها من المقتولين ظالما والمدافعين عن
أنفسهم أو مالهم أو عرضهم أو الميتين بالبطن أو الطاعون أو النفاس ممن أطلق عليهم
الشهداء، فإنه يجب تغسيلهم إجماعا على ما نقله غير واحد من الأصحاب، ولعموم ما دل
على وجوب تغسيل الميت مع ظهور أدلة الشهيد في غير هؤلاء.
ولا فرق أيضا على المشهور فيما ذكرنا من الشهيد بين كونه جنبا وغيره للاطلاق
المتقدم، خلافا للمنقول عن ابن الجنيد والمرتضى فأوجبا غسله، وهو ضعيف كمستندهما
مما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) أنه قال لما قتل حنظلة ابن الراهب:
" ما شأن حنظلة فإني رأيت ملائكة تغسله، فقالوا له: إنه جامع فسمع الصيحة فخرج إلى
القتال " ومن أنه غسل واجب لغير الموت فلا يسقط بالموت، إذ في الأول أنه لا دلالة

(1) الإرشاد للمفيد عليه الرحمة ص 224 المطبوعة بطهران سنة 1377
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 6
(3) المستدرك - الباب - 30 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
92

فيه إن لم يكن دالا على العكس، لأنه لو وجب لم يسقط عنا بفعل الملائكة، مع عدم
الدلالة في فعلهم على الوجوب علينا، وفي الثاني بعد تسليم أن غسل الجناية مما يجب
لنفسه أنه كسائر التكاليف التي تسقط بالموت عمن كلف بها، ولا تنتقل إلى غيره،
على أن الكلام في غسل الميت، وأيضا فهو اجتهاد في مقابلة النص.
كما أنه لا فرق أيضا في الشهيد بين قتيل المشركين وقتيل أهل البغي، ونسبه
في المنتهى والتذكرة إلى فتوى علمائنا، ويدل عليه مضافا إلى ذلك وإلى تناول أخبار
الشهيد له خصوص خبر عمار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (1) " إن عليا (عليه السلام)
لم يغسل عمار بن ياسر ولا هاشم بن عتبة، وهو المرقال، ودفنهما في ثيابهما " ولا ينافي
ذلك ما في ذيله من عدم الصلاة عليهما لوجوب حمله بالنسبة إليه خاصة على التقية كما عن
الشيخ، أنه وهم من الراوي.
ثم إنه لا إشكال عند الأصحاب على الظاهر في إجراء أحكام الشهيد على كل من
وجد فيه أثر القتل من المسلمين، أما من لم يوجد فيه ذلك فعن الشيخ وتبعه الفاضلان
أنه كذلك عملا بالظاهر لعدم انحصار القتل بما ظهر أثره، وعن ابن الجنيد عدمه،
ولعله لأصالة وجوب تغسيل الأموات مع الشك في تحقق الشرط هنا، وهو لا يخلو
من قوة، فتأمل.
(وكذلك) يسقط وجوب تغسيل (من وجب عليه القتل) قودا أو حدا بعد
موته كما في القواعد والجامع والإرشاد من غير فرق بين كون الحد رجما أو غيره كما صرح
به في الذكرى وجامع المقاصد والروض وغيرها، بل في الروض نسبة إلى الأصحاب
كالحدائق إلى ظاهرهم، وكالمحكي من عبارة مجمع البرهان، قال بعد ذكره عبارة
الإرشاد: وكان دليله الاجماع، وقد عرفت أنها مطلقة، لكن مع ذلك كله لا يخلو

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 4
93

من تأمل بل منع وفاقا لصريح المنتهى وكشف اللثام والحدائق وعن نهاية الإحكام
وظاهر غيرهم فاقتصروا على المقتول قودا وخصوص المرجوم من أنواع الحد وقوفا
فيما خالف الأصل على محل النص الذي هو مستند الحكم، وتعليل الأول في الذكرى
بالمشاركة بالسبب مما لا محصل له بحيث ينطبق على مذهبنا من حرمة القياس، وعلى كل حال
ف‍ (يؤمر) من وجب عليه ذلك (بالاغتسال قبل قتله ثم لا يغسل بعد ذلك) والأصل في
هذا الحكم ما رواه الكليني بسند ضعيف جدا عن مسمع كردين (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: " المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان قبل ذلك ثم يرجمان
ويصلى عليهما، والمقتص منه بمنزلة ذلك يغسل ويحنط ويلبس الكفن ثم يقاد ويصلى عليه "
ورواه الصدوق مرسلا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب
وباسناد ثان فيه إرسال وغيره، لكن في التهذيب يغتسلان من الافتعال بخلاف ما في
الكافي، فإنه فيه يغسل بالتشديد مع البناء للمجهول.
وكيف كان فلا إشكال فيما تضمنه من الحكم بالغسل قبل الموت وإن ضعف السند
لانجباره بفتوى الأصحاب به من غير خلاف يعرف كما اعترف به في المعتبر، حيث
قال: إن الخمسة وأتباعهم أفتوا بذلك، ولم أعرف لأصحابنا فيه خلافا ولا طعنا بالارسال
مع العمل، ونحوه ما في الذكرى والحدائق، وفي مجمع البرهان كان دليله الاجماع،
وقال في الخلاف: " المرجوم والمرجومة يؤمران بالاغتسال ثم يقام عليهما الحد،
ولا يغسلان بعد ذلك، ويصلي عليهما الإمام (عليه السلام) وغيره وكذلك حكم المقتول
قودا " ثم نقل مذهب الشافعي من تغسيلهما بعد الموت، والزهري من عدم الصلاة
على المرجوم، ومالك لا يصلي عليهما الإمام (عليه السلام) ويصلي غيره، وقال:
" دليلنا إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه " انتهى. ولا إشعار في اقتصار المفيد كما

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
94

عن سلار على المقتول قودا بالخلاف في المرجوم، ولئن سلم فهو محجوج بما تقدم.
ثم إن ظاهر النص أو صريحه كالفتوى بل صرح به جماعة أن هذا الغسل إنما هو
غسل ميت قدم، فيعتبر فيه حينئذ ما يعتبر فيه من الأغسال الثلاثة مع مزج الخليطين
في الاثنين منها ونحو ذلك من غير خلاف أجده فيه سوى العلامة في القواعد، وتبعه
بعض من تأخر عنه حيث استشكل في وجوب الثلاثة، وعلله بعضهم بأصالة البراءة،
وبأن المعهود الوحدة في غسل الأحياء، وباطلاق الأمر بالاغتسال في النص والفتوى
فيتحقق مع الوحدة، وضعف الجميع واضح، وكذا لا اشكال في الاجتزاء به عن الغسل
بعد الموت، وأنه به ترتفع النجاسة الحاصلة بسبب الموت في غيره، وكذا سائر ما يترتب
على غسل الميت من عدم وجوب الاغتسال بالمس ونحوه، ولا وجه لاستبعاد ذلك من
حيث تقديم الغسل على سبب النجاسة بعد فرض ثبوت ذلك من النص والفتوى، إذ
الأحكام الشرعية موكولة إلى صاحبها، وربما أيده بعضهم بما نحن في غنية عنه من خبر
محمد بن قيس الثقة عن أبي جعفر (عليه السلام) (1) " أن رجلا أتى أمير المؤمنين
(عليه السلام) فقال أني زنيت فطهرني إلى أن ذكر أنه (عليه السلام) رجمه -
فلما مات أخرجه فصلى عليه ودفنه، فقالوا: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لم لا تغسله؟
قال: قد اغتسل بما هو منه طاهر إلى يوم القيامة " فلا حاجة للمناقشة فيه بعدم ظهوره؟
فيما نحن فيه من تقدم التغسيل، مع إمكان تكلف إمكان تكلف دفعها، فتأمل.
والظاهر أنه لا يقدح الحدث الأصغر بعده للامتثال، بل ولا في أثنائه كما صرح
به بعضهم، وإن احتمل في الذكرى مساواته حينئذ لغسل الجناية، لما دل (2) على تشبيهه

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب حد الزنا - حديث 4 من كتاب
الحدود والتعزيرات وهو مرفوعة أحمد بن محمد بن خالد
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت
95

به وأنه بمنزلته، بل في بعضها (1) تعليل أصل غسل الميت بخروج النطفة منه، لكنه
ضعيف لعدم تناول ذلك كله لمثله، بل ولا للاجتزاء به عن الوضوء مع تقدم الحدث
الأصغر عليه على إشكال فيه، وكذا لا يقدح الحدث الأكبر بعده وفي أثنائه ولو كان
جناية، وإن أوجبنا الاغتسال له إذا تحقق وجوب غايته أو مطلقا بناء على النفسية أو
الغيرية، ولا يدخل فيه شئ من الأغسال مع تقدم أسبابها على ما في جامع المقاصد
والروض، لكن في الذكرى (فيه نظر من نظر من فحوى الأخبار السابقة، كما في خبر زرارة
عن الباقر (عليه السلام) (2) " في الميت جنبا يغسل غسلا واحدا يجزئ للجنابة ولغسل
الميت، لأنهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة ") انتهى. وربما يؤيده غيره من
الأخبار الدالة على الاجتزاء (3) بغسل واحد للحائض والنفساء إذا ماتت، فكذا
ما كان بمنزلته.
وما يقال -: إن الجنابة والحيض والنفاس ونحوها لا توجب غسلا بعد الموت
حتى تدخل في غسل الميت حتى لو قلنا بوجوبها لنفسها، لسقوط سائر التكاليف بالموت
فلا بد من صرف ما ينافي ذلك من الأخبار السابقة عن ظاهره، فلا يصح الاستبدال
بها على المطلوب - قد يدفع بأن سقوط التكليف بالغسل لمكان الموت لا ينافي بقاء أثر
حدث الجنابة مثلا ووصفه بحيث لا يرتفع إلا بالغسل كما هو ظاهر الصحيح المتقدم المشتمل
على التعليل بأنهما حرمتان قد اجتمعتا في حرمة واحدة، ومثله في ذلك الحسن كالصحيح
عن الباقر (عليه السلام) (4) أيضا، وربما يشعر به خبر تغسيل الملائكة عمر بن حنظلة
لمكان جنابته، كما أنه يقتضيه جميع ما دل على تحقق وصف الجنابة والحيض ونحوهما بمجرد

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
(2) الوسائل - الباب 31 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب 31 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب 31 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 - 1
96

حصول أسبابها، نعم لا دليل على وجوب الغسل على الغير لرفعها إن لم تدخل تحت
غسل الميت، مع إمكان التأمل فيه أيضا من حيث ما ورد من تعليل غسل الميت بأنه
لأجل أن يلقى الله تعالى وملائكته طاهرا، فإذا كان الأمر كما ذكرنا من أن غسل
الميت يرفع آثار تلك الأحداث صح أن يقال ذلك أيضا في المقام حينئذ لأنه بمنزلته
بل هو أولى، هذا. مع إمكان تأييده في خصوص ما نحن فيه من المرجوم والمرجومة
بشمول ما دل على التداخل هناك من قوله (عليه السلام) (1): " إذا كان عليك لله
حقوق أجزأك عنها غسل واحد " لمثله.
وما يقال: من أن التداخل لا يتصور في المقام من حيث اختلاف كيفية غسل
الميت مع غسل الجنابة قد يدفع بأنه لا مانع من أن يدخل تمام رافع الجنابة مثلا في بعض
غسل الميت لو سلمنا أن غسل الميت مركب من الأغسال الثلاثة بحيث يكون كل واحد
جزءا. وكذا ما يقال: إن غسل الميت ليس من الأغسال الرافعة لحدث أو مبيحة لصلاة
فلا يتصور دخول ما كان كذلك فيه، لأنا نقول: لا دليل على اشتراط التداخل
بذلك، بل قد يظهر منه خلافه، نعم قد يستشكل في شمول خبر الحقوق لمثل هذا
الفرد سيما مع عدم العموم اللغوي فيها، كما أنه قد يستشكل في صحته لو قدم على غسل
الميت من حيث نجاسة بدن الميت، ويستشكل أيضا في كون هذا التداخل بالنسبة إلى
غسل الميت قهريا أو لا، بل يتبع نية المكلف كما هو المختار فيما تقدم من تداخل الأغسال
من ظاهر الأخبار (2) ومن أصالة عدم التداخل فيقتصر على المتيقن، وقد يؤيد الثاني
أنه وجه الجمع بين ما دل (3) من الأخبار على الاجتزاء بغسل واحد للجنب والحائض
ونحوهما وبين ما دل على التعدد، كخبر العيص (4) قال: " قلت لأبي (عبد الله عليه السلام):

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - حديث 1 -.
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - حديث 1 -.
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - حديث 1 -.
(4) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب غسل الميت - حديث 7
97

الرجل يموت وهو جنب، قال: يغسل من الجنابة ثم يغسل بعد غسل الميت "
ونحوه في الدلالة على ذلك خبراه الآخران (1) وقال الشيخ بعد ذكر هذه الأخبار:
هذه الروايات الثلاثة لا تنافي ما قدمنا من الأخبار، لأن أول ما فيها أن الأصل فيها
واحد، وهو عيص بن القاسم، ولا يجوز أن يعارض بواحد جماعة كثيرة، ولو صح
لاحتمل أن تكون محمولة على ضرب من الاستحباب دون الفرض والايجاب، ثم ذكر
غير ذلك، فتأمل. لكن مع ذلك كله فالأحوط في خصوص المقام تعدد الأغسال للجنابة
أو للحيض أو نحوهما قبل أن يقتل وإن كان في ثبوت مثل ذلك بالنسبة إلى الميت نظر
بل منع، حتى أن المصنف في المعتبر نفى التعدد وجوبا واستحبابا في الجنب والحائض
إذا ماتا مدعيا أنه مذهب أهل العلم، وتحرير المسألة محتاج إلى إطناب تام لا يسعه المقام.
لكن بقي شئ وهو أنه بناء على المختار من عدم وجوب رفع الأحداث لنفسها
ولما تكن غاية تجب لها فهل يجب على المكلف رفع الجنابة بناء على عدم التداخل أولا؟
لعل الثاني أقوى للأصل مع عدم وضوح معتبر على وجوب الطهارة من ذلك بالنسبة
للموت، فتأمل جيدا.
ثم إنه ظاهر النص والفتوى الاجتزاء بهذا الغسل عنه بعد الموت إذا قتل بذلك،
أما إذا مات حتف أنفه وجب تغسيله قطعا اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن،
وكذا إذا قتل بغير السبب الذي اغتسل لأن يقتل به، نعم قد يستشكل في وجوب
التجديد لو عدل عن قتله بذلك السبب إلى آخر سيما فيما لو كان موافقا للأول، كما لو
كان القصاص مثلا عليه بسبب قتل شخصين فأراد ولي أحدهما القصاص منه فاغتسل
لذلك، ثم إنه عفى عنه مثلا فأراده الآخر، وإن استظهره جماعة منهم الشهيدان والمحقق
الثاني، بل لعل الأقوى عدمه وإن كان الأحوط الأول سيما مع اختلاف السبب كالقود

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 و 6
98

والرجم، فتأمل. وكذا يظهر من فتاوى أكثر الأصحاب بل عن سلار وابن إدريس
التصريح به وجوب الأمر بالغسل قبل القتل، وربما ظهر من بعض المتأخرين خلافه
فخير بينه وبين الغسل بعده، لكونه قائما مقامه فهو أولى بالاجتزاء به، وفيه أن ظاهر
النص والفتوى بل معقد الاجماع السابق أن تقدم هذا الغسل عزيمة لا رحضة، نعم
قد يستشكل في أصل وجوب الأمر للأصل مع عدم انتهاض الدليل، وهو غير وجوب
الغسل، لكن قد يدفع ذلك - بعد ظهور اتفاق عبارات الأصحاب عليه بل هو معقد
إجماع الخلاف - بأنه هو الذي يتصور بدليته عن غسل الميت المخاطب به غير الميت،
فيكون الأمر حينئذ من المكلف قائما مقام تغسيله له بعد موته، وربما يؤيده أيضا
ما سمعته من رواية الكافي يغسل بالبناء للمجهول بعد القطع بعدم إرادة مباشرة الغير تغسيله،
فيحمل على أقرب المجازات إليه حينئذ، ولا ينافيها قوله يغتسل في غيرها، بل قد
يدعى بناء على ما ذكرنا اشتراط صحة هذا الغسل بتحقق الأمر، فلو اغتسل من دون
أمر به لم يكن مجزءا، فليس الأمر حينئذ هنا للتعليم حتى يختص بصورة الجاهل كما
ظن، لكن هل يعتبر في الآمر أن يكون الإمام (عليه السلام) أو نائبه كما عساه يظهر من المحقق
الثاني وتبعه في الروض أولا يعتبر؟ كما لعله الأقوى للأصل من غير معارض.
نعم قد يقال باعتبار الأمر ممن يجوز له التغسيل بعد الموت، فلا يأمر الامرأة
أجنبي كالعكس، لما عرفت من بدليته عن الغسل، فيعتبر فيه ذلك ممن هو مخاطب
به، لكن الأقوى عدمه تبعا لاطلاق الأصحاب، فتأمل.
ولو ترك الأمر لغفلة أو غيرها احتمل وجوب التغسيل بعد ذلك للعمومات،
وعدمه لظهور الأدلة في انحصار مشروعية غسل مثل ذلك قبل القتل كما عساه صريح
السرائر، ولعل الأقوى الأول سيما إذا ترك الغسل مع الأمر، ونحوه في ذلك ما لو
أمر فلم يمتثل لنسيان أو غيره، لظهور أن القائم مقام الغسل إنما هو الأمر مع وقوع
99

الغسل لا أحدهما، وليعلم أن المصنف وإن اقتصر على ذكر الغسل كالشيخ في الخلاف
وكما عن المبسوط في ترك التكفين وعن الجامع ترك التحنيط لكن الظاهر منهم إرادة
الاختصار، لما عرفت من اشتمال الرواية (1) التي هي مستند المقام على الثلاثة، وكذا
كثير من عبارات الأصحاب. نعم لا إشكال عند الأصحاب على الظاهر في تأخر الصلاة
عليه بعد الموت كما هو نص الخبر السابق (2) بالنسبة للمرجوم والمرجومة، لكنه
لا صراحة فيه في المقتص منه، بل قد يشعر بخلافه، إلا أنه يجب تنزيله على الأول
بقرينة قوله (عليه السلام) فيه: " والمقتص منه بمنزلة ذلك " أي المرجوم والمرجومة، ولم
أجد أحدا من الأصحاب تعرض لغسل ما يخرج منه من الدم على الكفن، ولا لكيفية
تكفينه إذا أريد القصاص منه، ولعله يترك موضع القصاص ظاهرا، والأمر في ذا سهل.
(وإذا وجد بعض الميت فإن كان فيه الصدر أو الصدر وحده غسل وكفن وصلي
عليه ودفن) بلا خلاف محقق أجده في شئ من ذلك بين المتقدمين والمتأخرين، وإن
ترك ذكر الدفن في المبسوط والنهاية والمراسم على ما حكي، إذ لعله لوضوحه كما هو الظاهر
وكذا ترك ما عدا الصلاة في جملة من الكتب لظهور أولوية وجوب ما عداها، وكذا
ما في السرائر والنافع من الاقتصار على ما فيه الصدر، والوسيلة والغنية وعن المبسوط
والنهاية من التعبير بموضع الصدر، وعن الخلاف إذا وجد قطعة من ميت فيه عظم
وجب غسله، وإن كان صدره وما فيه القلب وجب الصلاة عليه، وفي الجامع إن قطع
نصفين فعل بما فيه القلب كذلك يعني الغسل والكفن والصلاة، ولم يذكر غير ذلك،
لامكان اتحاد الجميع عند التأمل كما هو واضح، نعم قد يظهر من المعتر حيث اقتصر
في الصلاة على ما فيه القلب أو الصدر واليدان والعظام الميت جميعها الخلاف في ذلك بالنسبة
للصلاة على الصدر وحده، لكنه ضعيف.

(1) الوسائل - الباب - 17 من أبواب غسل الميت - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 17 من أبواب غسل الميت - حديث 1
100

وكيف كان فيدل على تلك الأحكام - بعد الاستصحاب في وجه لعدم العلم
باشتراط اجتماع الجملة في شئ من ذلك، وقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور، وما لا
يدرك كله لا يترك كله، وفحوى ما ستعرفه من الأدلة على وجوب الغسل للقطعة ذات
العظم من الاجماع وغيره، والاجماع على الحكم الأول هنا في الغنية كنفي الخلاف المستفاد
من ظاهر المنتهى هنا بالنسبة إليه، وفي مجمع البرهان " لعلهم أخذوا الحكم بمساواة صدر
الميت للميت من النصف الذي فيه القلب كما وقع في الأخبار أو من الاجماع أو خبر لم
نعرفه " انتهى. وإجماعي التذكرة ونهاية الإحكام على الثالث المستلزم غيره أو يتمم بعدم
القول بالفصل، حيث قال في الأول: " ويصلى على البعض الذي فيه الصدر والقلب
أو الصدر نفسه عند علمائنا، وفي الثاني يصلى على الصدر والقلب أو الصدر وحده عند
جميع علمائنا " انتهى. وما في الخلاف " إذا وجد قطعة من ميت فيه عظم وجب غسله،
وإن كان صدره وما فيه قلبه وجب الصلاة عليه - إلى أن قال -: دليلنا إجماع الفرقة
وأخبارهم " انتهى. وإمكان تعليله مع ذلك باشتماله على القلب الذي هو رئيس الأعضاء
ومحل الاعتقادات التي بها تمتاز الدرجات، فكأنه الانسان حقيقة، إلى غير ذلك
مما دل (1) مفرقا على دفن أجزاء الميت ولو يسيرة ونحوه - خبر الفضل بن عثمان الأعور
المروي في الفقيه (2) والتهذيب عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) " في الرجل يقتل
فيوجد رأسه في قبيلة، وصدره ويداه في قبيلة، فقال: ديته على من وجد في قبيلته
صدره ويداه، والصلاة عليه ".
والمناقشة في سنده كالمناقشة في متنه بعدم استلزام الصلاة غيرها من الأحكام
وانضمام اليدين إلى الصدر مدفوعة بالانجبار بما عرفت، مع أن طريق الصدوق (رحمه الله)
إلى الفضيل بن عثمان صحيح في قول على ما في بعض كتب الرجال المعتمدة، وثبوت

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث. - 4
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث. - 4
101

التلازم المذكور سيما في المقام، وذلك لما ستعرفه من الاجماع على وجوب الغسل في
القطعة ذات العظم، وربما يشعر بها ظهور اتفاقهم فيما يأتي من اشتراط تقدم الغسل على
الصلاة في غير الشهيد، كما أنه يومي إليها استقراء حكم الميت، فلم نجد من وجب
الصلاة عليه ولم يجب تغسيله، مع توقف طهارته عليه والتمكن منه، كل ذا مع إمكان
التتميم بعدم القول بالفصل، كما أنه يمكن دفع الثانية بالاجماع منقولا ومحصلا على الظاهر
على عدم اشتراط شئ من هذه الأحكام بوجود اليدين مع الصدر، وكأنه ذكره في
الجواب للتطابق مع السؤال، فما عساه يظهر من المعتبر من اشتراط الصلاة على الصدر
بوجود اليدين في غير محله.
ومرفوعة البزنطي المروية (1) في المعتبر قال: " المقتول إذا قطع بعض أعضائه
يصلى على العضو الذي فيه القلب " ونحوه المرسل الآخر عن الصادق (عليه السلام) (2)
ويقرب منهما غيرهما مما دل (3) على الأمر بالصلاة على النصف الذي فيه القلب، وفيها
الصحيح وغيره بتقريب أن الصدر هو المشتمل على القلب سيما بعد الانجبار بما عرفت،
وبه يندفع ما عساه يلوح منها من اشتراط ذلك باشتماله عليه فعلا، حتى لو لم يكن فيه لم
يصل عليه، مع إمكان إنكار الاشعار بإرادة محل القلب وإن لم يكن معه، لكن
الانصاف أن الاستدلال بها على ذلك بحيث يفيد تمام المطلوب لا يخلو من اعتساف، نعم
يمكن القول بمضمونها، فيصلى على ما فيه القلب مطلقا صدرا كان أو غيره أو بعض الصدر،
بل قد تشعر بأن القلب منفردا يصلى عليه كما عساه يظهر من بعض العبارات، لكنه
مناف لما تسمعه منهم من عدم الصلاة على نحو اللحم مجردا، وكذا العظم غير الصدر، فتأمل.
وخبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (4) قال: " لا يصلى على

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 11
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 3 - 6
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 3 - 6
(4) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 5 و 10
102

عضو رجل من رجل أو يد أو رأس، فإذا كان البدن فصل عليه وإن كان ناقص من
الرأس واليد والرجل " بتقريب صدقه على تمام الصدر، لكنه كما ترى.
وصحيح محمد بن خالد (1) عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" إذا وجد الرجل قتيلا فإن وجد له عضو من أعضائه تام صلي على ذلك العضو ودفن،
وإن لم يوجد له عضو لم يصل عليه ودفن " بدعوى صدق العضو التام على الصدر،
واشتماله على ما لا نقول به لا يخرجه عن الاستدلال به للمطلوب، كالذي في صحيح علي
ابن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليهما السلام) (2) قال: " سألته عن الرجل يأكله
السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم كيف يصنع به؟ قال: يغسل ويكفن ويصلى عليه
ويدفن " ودعوى ظهوره في إرادة مجموع العظام فلا يصدق على الصدر وحده من حيث
إفادة إضافة الجمع العموم قد تدفع بعدم صراحته في ذلك، سيما بعد غلبة عدم بقاء تمام
العظام من أكيل السبع والطير، فيصدق على عظام الصدر، والعمدة في الاستدلال على
المطلوب ما عرفته أولا.
ثم إنه قد يظهر من جماعة من الأصحاب ممن أطلق مساواة الصدر أو ما فيه الصدر
للميت وجوب الحنوط كما عن صريح الشيخ وسلار، وفي القواعد فيه إشكال كما عن
النهاية والتذكرة، وفي الأخير " ينشأ من اختصاصه بالمساجد ومن الحكم بالمساواة "
انتهى. قلت قد يناقش فيه بعدم ثبوت هذه المساواة في شئ من النصوص حتى يتمسك
باطلاقها، وكيف مع اختصاص التحنيط بالمسجد، بل قد يشعر الاقتصار على التغسيل
والتكفين والدفن والصلاة فيما سمعت من النصوص بعدم وجوب التحنيط، فمن هنا
اتجه ما عن الشهيد وتبعه جماعة ممن تأخر عنه من أنه لا إشكال في الوجوب مع وجود
المحل، كما لا إشكال في عدمه مع عدمه، ولعله على الأول ينزل ما عن الشيخ وسلار

(1) الوسائل الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 8 - 1
(2) الوسائل الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 8 - 1
103

كما استظهره بعضهم منهما، نعم لا يشترط اجتماع جميعها فيوضع الحنوط على الموجود منها،
بل في جامع المقاصد أنه لو وجد عضو من المساجد كاليد حنطت.
وهل يعتبر التكفين بالقطع الثلاثة كما هو المنساق من إطلاق التكفين في النص
والفتوى، أو ما عدا المئزر باعتبار عدم مدخلية الصدر فيه لعدم وصوله إليه؟ ظاهر
الأصحاب الأول، وهو لا يخلو من تأمل بالنسبة إلى المئزر إن لم يثبت إجماع عليه،
وذلك لعدم وضوح دليل على تشبيهه بالميت بحيث يشمل ذلك، سيما إن أريد وضع
مئزر له على هيئة الميت، بل لعله مقطوع بعدمه عند التأمل والانتقال إلى إرادة القطع
الثلاثة وإن لم يكن بتلك الكيفية لا دليل عليه، والاستصحاب وقاعدة الميسور لا يصلحان
لاثبات ذلك عند التأمل التام، ومن هنا استشكل في الروض في وجوب المئزر لعدم
وصوله إلى الصدر في السابق، فتأمل.
وهل يلحق بالصدر بعضه كما هو قضية بعض الأدلة السابق من الاستصحاب،
وعدم سقوط الميسور بالمعسور، وكونه من جملة كذلك وبه صرح بعضهم، أولا؟
كما يشعر به تعليق الحكم في العبارة وغيرها من عبارات الأصحاب على الصدر الذي
لا يصدق على البعض، ولعله الأقوى إذا لم يكن البعض المشتمل على القلب، وإلا كان
الأقوى الأول للاطلاق المتقدم، فتأمل.
هذا كله إذا كان بعض الميت صدرا أو فيه الصدر، (و) أما (إن لم يكن)
كذلك (وكان فيه عظم غسل) بغير خلاف بين علمائنا كما في المنتهى، وإجماعا كما
في الخلاف والغنية، وذكره الأصحاب كما في جامع المقاصد، قلت: ولم أعثر فيه
على مخالف من الأصحاب، فما عساه يشعر بوجوده من نسبته إلى الشهرة في كلام جماعة
في غير محله، نعم ربما وقع فيه تردد من بعض متأخري المتأخرين من حيث انحصار
104

المدرك في الاجماع المنقول مع المناقشة فيه، ولا ريب في ضعفه عندنا. مع إمكان تأييده
أيضا - بعد قاعدة الميسور والاستصحاب في وجه، إذ هو كما يجب تغسيله متصلا فكذا
منفصلا - بما في الخلاف والمنتهى وغيرهما من أنه روي (1) " أن طائرا ألقى بمكة في وقعة
الجمل يدا فعرفت بالخاتم، وكانت يد عبد الرحمان بن عتاب بن أسيد، فغسلها أهل
مكة " وبما في الذكرى من أنه يلوح مما ذكره الشيخان من صحيح علي بن جعفر المتقدم
في المسألة السابقة، لصدق العظام على التامة والناقصة سيما بعد غلبة التفريق والنقصان
فيها في مثل أكيل السبع ونحوه.
لكن الانصاف أن العمدة في الاستدلال الأول، لامكان المناقشة في ذلك بعدم
ثبوت الرواية الأولى من طرقنا مع عدم الحجة في فعل أهل مكة، وبظهور الصحيح
في وجود تمام العظام أو أكثر، فتأمل. نعم قد يرشد إليه فحوى ما قد ورد في
القطعة المبانة من الرجل، كصحيح أيوب بن نوح (2) عن بعض أصحابنا عن الصادق
(عليه السلام قال): " إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فكلما كان فيه عظم فقد
وجب على من يمسه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه " بتقريب اقتضاء الحكم
بالميتة جريان أحكامها عليها، ولا ينافيه ذكر وجوب الغسل بالمس إن لم يؤكده، فتأمل.
ومنه حينئذ يستفاد إلحاق القطعة المبانة من حي بالمبانة من ميت، كالاجماع في الخلاف
على وجوب الغسل بمس قطعة فيها عظم سواء كانت من حي أو ميت، لظهور التلازم
بين الحكمين كما اعترف به في الذكرى، بل نسبه في الحدائق إلى ظاهر الأخبار وكلام
الأصحاب وفاقا لصريح السرائر والمنتهى والتذكرة والذكرى والدروس وغيرها، بل
في الحدائق أنه ظاهر الأكثر، وفي المسالك أنه أشهر القولين، بل قد يقضي التدبر

(1) الإصابة - ج 2 ص 72
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل المس - حديث 1
105

في عبارة المنتهى أنه لا خلاف بين علمائنا، فلاحظ وتأمل، كما أنه قد يقضي ظاهر
ما حضرني من نسخة الغينة بالاجماع عليه، حيث أطلق فيه حكم الأبعاض، وخلافا
لصريح المعتبر والروض ومجمع البرهان والمدارك والرياض وظاهر المصنف هنا، فلم
يوجبوا تغسيلها للأصل وكونها من جملة لا تغسل، وقد يمنع التعليل بأن الجملة لم يحصل
فيها الموت بخلاف القطعة، كما أنه يمكن تأييد الأول بأنه لو لم يجب تغسيلها لم يجب
تغسيل من قطع حيا إذا وجدت قطعة متفرقة، لأن كل قطعة لا يتعلق بها الوجوب،
وبإمكان استفادته من فحوى أخبار المقام أيضا حيث لم يراع فيها احتمال اقتطاع الأعضاء
منه وهو حي في أكيل السبع والطير وغيره، ولا ريب أنه أحوط إن لم يكن أظهر.
(و) حيث ظهر لك وجوب تغسيل البعض ذي العظم من الميت فكذا يجب أن
(يلف في خرقة ويدفن) بلا خلاف أجده في الثاني بل والأول وإن اختلفت عبارات
الأصحاب في التعبير عنه باللف في خرقة كما هنا وفي التحرير وعن التذكرة ونهاية الإحكام،
وبالتكفين كما في المقنعة والسرائر والجامع والنافع والإرشاد وعن المبسوط والمنتهى والنهاية
والتبصرة والتخليص، وكما يحتمل إرجاع الأول إلى الثاني بإرادة اللف من التكفين
يحتمل إرجاع الثاني إلى الأول، بل لعله أظهر، وإن قيل الأظهر التفصيل بأنه إن
كان مما يتناوله القطع الثلاث حال الاتصال وجب وإن لم يكن بتلك الخصوصيات، وإلا
فاثنتان، وإلا فواحدة، وربما ينزل عليه إطلاق الجماعة التكفين لقاعدة الميسور والاستصحاب
وفيه أنهما لا يقضيان بوجوب القطع الثلاث بعد القطع بانتفاء الخصوصية السابقة، إذ
الانتقال من المئزر والقميص إلى قطعتين وأن بالقطعة يكونان كذلك محتاج إلى دليل
غيرهما، لعدم دخول ذلك تحت الميسور من المكلف به، وتغير الموضوع، فتأمل
جيدا. ويظهر مما سبق البحث في التحنيط أيضا، فيجب حينئذ مع وجود شئ من
محاله وإلا فلا، ولعله على هذا ينزل ما عن الشيخين وسلار من إطلاق التحنيط كما يومي
106

إليه ما عن التذكرة، حيث قال بعد نقله ذلك: " وهو حسن إن كان أحد المساجد
وجوبا وإلا فلا ".
ثم إن الظاهر إلحاق العظم المجرد بذات العظم في جميع ما تقدم كما هو ظاهر بعض
عبارات الأصحاب وعن صريح ابن الجنيد وغيره، وقد يحمل عليه عبارات الأصحاب
بالقطعة ذات العظم، كما عساه يشعر به المقابلة بذكر اللحم بلا عظم، بل قد يقال بشمول
ما ذكر من القطعة ذات العظم لما إذا كانت مستصحبة للعظم ولو كان مجردا، ومن هنا لم
نجد أحدا ممن أوجب تغسيل القطعة ذات العظم صرح بعدم الوجوب فيه، وكأن ما نقله
بعض المتأخرين من القول به أراد به من أنكر وجوب التغسيل للقطعة ذات العظم.
نعم قال في كشف اللثام: " إن فيه وجهين ينشئان من الدوران، وقول الكاظم
(عليه السلام) لأخيه في الصحيح (1) " في الرجل يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه
بغير لحم، قال: يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن " وقول الباقر (عليه السلام)
في خبر القلانسي (2) " في من يأكله السبع أو الطير فتبقى عظامه بغير لحم، قال: يغسل
ويكفن ويصلى عليه ويدفن " وإن لم يتضمنا إلا جميع العظام فإن كل عظم منها بعض
من جملة تغسل، ولا فرق بين الاتصال والانفصال للاستصحاب، مع أن الظاهر تفرقها
وهو خيرة الشهيد، ومن ضعف الدوران وعدم تنجس العظم بالموت إلا نجاسة عرضية
بمجاورة اللحم ونحوه، واحتمال " يغسل " في الخبرين التخفيف من الغسل للنجاسة
العرضية " انتهى. ولا يخفى عليك ضعف منشأ الوجه الثاني سيما ما في آخره من احتمال
التخفيف في " يغسل "، كما أنه قد يدعى الاجماع على وجوب تغسيل الميت مع بقائه تماما
عظاما من غير لحم، فما عساه يشعر به ما ذكره في ذلك من أن التغسيل للميت إنما هو
إذا كان مع اللحم في غير محله، بل قضيته أنه لا يجب التغسيل للعظم المكشوف من الميت،

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث - 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث - 1 - 5
107

فيختص حينئذ بغيره من المستور باللحم أو اللحم، وهو كما ترى.
وربما يرشد إلى ما قلناه زيادة على ما سمعت الحسن كالصحيح (1) قال: " إذا
قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه، فإن وجد عظم بلا لحم فصلي عليه "
بعد حمله كما هو الظاهر منه على إرادة وجدانه تاما أو يقرب منه عظما بلا لحم، لاستلزام
الصلاة الغسل كما ذكرنا سابقا، وإذ قد ظهر لك من ذلك كله وجوب التغسيل مع بقائه
عظاما تاما اتجه حينئذ الاستدلال على وجوب ذلك في بعض العظام بالاستصحاب،
وقاعدة الميسور، ونحو ذلك، فتأمل جيدا. لكن ينبغي أن يستثنى من ذلك السن
والظفر ونحوهما للسيرة القاطعة على عدم وجوب شئ من ذلك فيهما، بل ولو قطع معهما
شئ مت اللحم اليسير، لظهور قولهم: " قطعة ذات عظم " في غير ذلك، فتأمل.
بقي شئ وهو أن الظاهر من الأصحاب هنا عدم اعتبار تحقق كون القطع
من رجل لو أراد التغسيل الرجل، ولا من امرأة لو أرادت ذلك الأنثى، وهو
مناف لما تقدم من ظاهر بعضهم وصريح آخر من اشتراط التماثل، وإصالة البراءة من
حرمة اللمس والنظر لا تحقق ذلك، نعم يتجه ذلك بناء على ما أشرنا إليه سابقا من أن
اعتبار المماثلة إنما هو بعد تحقق حال الميت، فتأمل جيدا. كما أن الظاهر عدم وجوب
مراعاة الترتيب بالنسبة إلى الجانبين مع تفرق الأعضاء، فيجوز تغسيل اليد اليسرى
مثلا قبل اليمنى مع احتماله، نعم يسقط وجوب مراعاة ذلك مع الاشتباه، فلا يجب
تكرير غسل اليدين تحصيلا لذلك مع احتماله أيضا، والظاهر وجوب مراعاة الترتيب
إذا أمكن جمع أعضائه المتفرقة كما يشير إليه قول الصادق (عليه السلام) في خبر العلاء
ابن سيابة (2) بعد أن سأل عن القتيل في معصية الله إلى أن قال: " قلت: فإن كان

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 7
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
108

الرأس قد بان من الجسد وهو معه كيف يغسل؟ فقال: يغسل الرأس إذا غسل اليدين
والسفلة بدئ بالرأس ثم بالجسد ثم يوضع القطن فوق الرقبة ويضم إليه الرأس ويجعل
في الكفن، وكذلك إذا صرت إلى القبر تناولته مع الجسد وأدخلته اللحد ووجهته للقبلة "
ثم إن ظاهر المصنف بل صريحة كما هو صريح جماعة عدم وجوب الصلاة على القطعة
ذات العظم وإن كان عضوا تاما كالرجل والرأس ونحوهما، بل قد يظهر من الخلاف
إن لم يكن صريحه الاجماع عليه كجامع المقاصد والروض وغيرهما، بل لعله محصل
لتعليق وجوب الصلاة في كلامهم على الصدر أو ما فيه القلب، خلافا للمنقول عن ابن
الجنيد، حيث قال: ولا يصلى على عضو الميت والقتيل إلا يكون عضوا تاما بعظامه
أو يكون عظما مفردا ولم يفصل في ذلك بين الصدر وغيره، كالمنقول عن علي بن بابويه
حيث قال: " فإن كان الميت أكيل السبع فاغسل ما بقي منه، وإن لم يبق منه إلا عظام
جمعتها وغسلتها وصليت عليها ودفنتها " إلا أنه يحتمل أن يكون مراده تمام عظامه أو
أكثرها، فيخرج عن محل البحث.
وكيف كان فيؤيد ما ذهب إليه الإسكافي - بعد الاستصحاب وقاعدة الميسور
وكونه من جملة كذلك بالمرسل عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " إذا وجد
الرجل قتيلا فإنه وجد له عضو تام صلي عليه ودفن، وإن لم يوجد له عضو تام لم يصل
عليه ودفن " وبما عن الكليني (2) أنه قال: " روي أنه يصلى على الرأس إذا أفرد
من الجسد " وبما عن ابن المغيرة (3) أنه قال: " بلغني عن أبي جعفر (عليه السلام)
أنه يصلي على كل عضو رجلا كان أو يدا والرأس جزء فما زاد، فإذا نقص عن
رأس أو يد أو رجل لم يصل عليه " كما أنه قد يؤيد ما ذهب إليه ابن بابويه بعد الاستصحاب

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 8 - 9 - 12
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 8 - 9 - 12
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 8 - 9 - 12
109

والقاعدة أيضا بصحيح إسحاق بن عمار عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) (1) " إن
عليا (عليه السلام) وجد قطعا من ميت فجمعت ثم صلى عليها فدفنت "،
لكن لا يخفى عليك ضعف جميع ذلك في مقابلة ما تقدم، إذ هي - مع معارضتها
لما هو مجمع عليه بين الأصحاب أو كالمجمع عليه من اختصاص الصلاة بالصدر أو ما فيه
القلب وللأخبار الظاهرة في اختصاصها أيضا بالذي فيه القلب، ولخصوص خبر طلحة
ابن زيد عن الصادق (عليه السلام) (2) " لا يصلى على عضو رجل من رجل أو يد أو رأس
منفردا، فإذا كان البدن فصلي عليه وإن كان ناقصا من الرأس واليد والرجل " وللمرسل
أنه (3) (إن لم يوجد من الميت إلا الرأس لم يصل عليه " - غير جامعة لشرائط الحجية،
لأنها بين ما هو محتاج إلى الجابر وهو مفقود، بل الموهن من إعراض الأصحاب
موجود، وبين ما هو صحيح لكنه قاصر الدلالة كالصحيح الأخير، إذ هو حكاية
حال لا عموم فيه ولا إطلاق، ونحوه الحسن كالصحيح المتقدم عن الباقر (عليه السلام) (4)
" إذا قتل قتيل فلم يوجد إلا لحم بلا عظم لم يصل عليه، فإن وجد عظم بلا لحم فصلي
عليه " لظهور إرادة وجدان القتيل كذلك، وهو إما تمامه أو أكثره، وبذلك كله
تعرف انقطاع الاستصحاب والقاعدة المتقدمة، لكن الاحتياط لا يترك، بل عن بعض
الأصحاب حمل أخبار ابن الجنيد على الاستحباب، ولعل الأولى حملها على التقية كما
قيل، فتأمل جيدا.
(وكذا السقط إذا كان له أربعة أشهر فصاعدا) يغسل ويلف في خرقة ويدفن
ولا يصلى عليه، أما (الأول) فلم أجد فيه خلافا بين الأصحاب، بل في الخلاف
الاجماع عليه، وفي المعتبر نسبة إلى علمائنا، وفي المنتهى إلى أكثر أهل العلم، وفي

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 2 - 6
(3) الوسائل الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 8 - 7
(4) الوسائل الباب - 38 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 8 - 7
110

الذكرى وجامع المقاصد والروض إلى الأصحاب، وفي كشف اللثام لا نعرف فيه خلافا
إلا من العامة، يدل عليه مضافا إلى ذلك خبر زرارة (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " السقط إذا تم له أربعة أشهر غسل " ونحوه مرفوعة أحمد بن محمد (2) ولا يقدح
في ذلك ما في سندهما من الطعن بعد الانجبار بما عرفت، واستدل عليه في المعتبر وغيره
بموثقة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) (3) قال: " سألته عن السقط إذا استوت
خلقته يجب عليه الغسل واللحد والكفن، قال: نعم كل ذلك يجب عليه إذا استوى ".
وأشكل ذلك في المدارك بأن الحكم فيها قد علق على الاستواء لا الأربعة،
اللهم إلا أن يدعى التلازم، وهو مشكل وتبعه في الذخيرة، وقد يدفع ذلك - مع
خلو رواية الكليني عن هذا القيد واحتمال عدم إرادة التقييد في الرواية التي قيدت به،
بل هو إعادة لما في السؤال، وتصريح الفقه الرضوي (4) على ما نقل عنه كالفقيه بأن
حد تمام الولد أربعة أشهر - بما في الحدائق من دلالة الأخبار على ذلك، (منها)
الموثق عن الحسن بن الجهم (5) قال: " سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول:
قال أبو جعفر (عليه السلام): إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما، ثم تصير علقة
أربعين يوما، ثم تصير مضغة أربعين يوما، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين
خلاقين فيقولان يا رب ما نخلق ذكرا أو أنثى فيؤمران " الحديث و (منها) خبر محمد بن
إسماعيل أو غيره (6) قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك ندعو
للحبلى أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا، قال: تدعو ما بينه وبين أربعة أشهر، فإنه
أربعين ليلة نطفة، وأربعين ليلة علقة، وأربعين مضغة، فذلك تمام أربعة أشهر، ثم

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب غسل الميت - حديث 4 - 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب غسل الميت - حديث 4 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب غسل الميت - حديث 4 - 2 - 1
(4) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(5) الكافي - الباب - 6 - من كتاب العقيقة - حديث 3 - 6
(6) الكافي - الباب - 6 - من كتاب العقيقة - حديث 3 - 6
111

يبعث الله ملكين خلاقين " الحديث. ونحو ذلك صحيحة زرارة (1) ثم قال: وهذه الأخبار كما ترى صريحة في أنه بتمام الأربعة تتم خلقته، انتهى وتبعه على ذلك في الرياض.
قلت: وقد يناقش فيه بأنه لا دلالة في استئذان الملكين على التمامية، سيما بعد
ما عساه يظهر من خبر زرارة عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " إذا سقط لستة
أشهر فهو تام، وذلك أن الحسين بن علي (عليهما السلام) ولد وهو ابن ستة أشهر " وذيل
مرفوعة أحمد بن محمد المتقدمة، فإنه قال بعد أن ذكر أن السقط إذا تم له أربعة أشهر
غسل: وقال إذا تم له ستة أشهر فهو تام، فهي كالصريحة في عدم دوران وجوب الغسل
على التمام، فلعل الأقوى حينئذ القول بوجوب التغسيل إذا بلغ الأربعة سواء قلنا
بلزومها للتمامية أولا تمسكا بما عرفت من الاجماع والأخبار، بل يظهر من المنتهى عدم
التلازم بينهما، كما أن الأقوى ذلك أيضا وإن لم نقل بحلول الحياة فيه إذا بلغ هذه
المدة، وإن أشعر بذلك تعليل كشف اللثام وجوب التغسيل لذي الأربعة بحلول الحياة
كالذكرى، بل فيها " أن في الخلاف اعتبر الحياة في وجوب الغسل، والظاهر أن
الأربعة مظنتها، ويلوح ذلك من خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) (3)
- إلى أن قال -: وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) " إذا بقي أربعة أشهر ينفخ
فيه الروح " وفي خبر الديلمي عن الصادق (عليه السلام) (4) إشارة إليه " انتهى.
قلت: قد ينافي ذلك كله ما في خبر يونس الشيباني (5) عن الصادق (عليه السلام)

(1) الكافي - الباب - 6 - من كتاب العقيقة - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء - حديث 4 من كتاب الديات
(4) الكافي باب العلة في غسل الجنابة - حديث 1 من كتاب الجنائز
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب ديات الأعضاء - حديث 6 من كتاب الديات
112

" إذا مضت الخمسة أشهر فقد صارت فيه الحياة " فالمتجه حينئذ ما ذكرنا استنادا إلى الاطلاق
السابق، مع أن عبارة ما عندنا من الخلاف ليست بصريحة فيما نقله عنه، بل ولا ظاهرة
عند التأمل والتدبر فيها وفيما ذكره بعدها، لظهور إرادة ذلك في مقابلة العامة من حيث
وجوب الصلاة، فلاحظ وتأمل.
وأما (الثاني) فظاهر المصنف كالتحرير عدم وجوب التكفين للتعبير باللف بناء
على إرادة التشبيه بما في العبارة السابقة لا بالصدر، وإن نقل عن المسالك ذلك، لكنه
بعيد جدا سيما مع ملاحظة ما بعده وعدم استثناء الصلاة، وكيف كان فالأقوى وجوب
التكفين المعهود كما هو المنساق من التعبير به في الموثق السابق وفي المقنعة والجامع والمنتهى
والإرشاد وعن المبسوط والنهاية والمراسم والتلخيص ومقتضى التذكرة ونهاية الإحكام،
بل يمكن إرجاع ما في العبارة والتحرير إليه، ويؤيده مضافا إلى ذلك ما عن الفقه الرضوي
أيضا (1) وإمكان اندراجه تحت ما دل على الكفن سيما بعد القول بحلول الحياة فيه،
ولعله لذلك وللرضوي صرح بعضهم بوجوب التحنيط كما هو ظاهر آخر، وهو أحوط
إن لم يكن أقوى. وأما (الثالث) فلا خلاف ولا إشكال فيه كالرابع أي عدم الصلاة،
بل حكى عليه الاجماع في الخلاف والمعتبر ولعله كذلك. وقد يرشد إليه أيضا ترك
التعرض لها في الموثقة السابقة.
(فإن لم يكن له) أي للبعض الذي وجد من الميت (عظم) بل كان لحما مجردا
فلا يجب تغسيله إجماعا كما في الغينة والحدائق وكذا الخلاف، بل في الثاني عليه وعلى
نفي التكفين المعهود والصلاة، وهو الحجة، مضافا إلى ما دل من المعتبر على عدم الصلاة
عليه، وإلى ما تقدم من فحوى عدم وجوبها على ذي العظم، وبه ينقطع ما عساه يقرر
هنا من اقتضاء قاعدة الميسور والاستصحاب وكونه من جملة كذلك وجوب التغسيل

(1) المستدرك - الباب - 12 من أبواب غسل الميت - حديث 1
113

والتكفين، بل والصلاة لو سلم صحتها، نعم ربما قيل بوجوب اللف في خرقة كما في
النافع والقواعد، وهو خيرة المصنف في الكتاب، حيث قال: (اقتصر على لفه في
خرقة ودفنه) وحكاه في المعتبر عن المراسم ولم يثبت، وقد يؤيده ما سمعت من القاعدة
السابقة لعدم معارضة الاجماع لها هنا، إذ أقصاه عدم وجوب التكفين بالقطع الثلاثة،
ولا يستلزم ذلك الاجماع على عدم القطعة الواحدة، فيقتصر في تخصيصها به حينئذ على
غير ذلك، ولا ريب في كونه أحوط وإن كان في تعينه نظر كما لا يخفى، ولذا اختار في
المعتبر عدم الوجوب، وتبعه جماعة ممن تأخر عنه للأصل.
(وكذا السقط إذا لم تلجه الروح) بأن يكون لدون أربعة أشهر فلا يغسل ولا يكفن
ولا يصلى عليه بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل في المعتبر " ولو كان السقط
أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه بل يلف في خرقة ويدفن، ذكر ذلك
في النهاية والمبسوط والمقنعة وهو مذهب العلماء إلا ابن سيرين، لا عبرة بخلافه،
ولأن المعنى الموجب للغسل وهو الموت مفقود " انتهى. ونحوه المحكي من عبارة التذكرة
" لو كان للسقط أقل من أربعة أشهر لم يغسل ولم يكفن ولم يصل عليه ولف في خرقة
ودفن، وهو مذهب العلماء كافة " انتهى. ويؤيده - مضافا إلى ذلك وإلى الأصل
وإلى إجماعي الخلاف والغنية على عدم وجوب الغسل أيضا وإلى مفهوم الأخبار السابقة -
مكاتبة محمد بن فضيل (1) سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن السقط كيف يصنع به؟ فكتب
إليه " السقط يدفن بدمه في موضعه " ولا خفاء في دلالته بعد تقييده بما دون الأربعة
أشهر للأخبار السابقة، نعم لا تعرض فيه للف في خرقة، بل هو مشعر بعدمه،
ومن هنا قال في الرياض تبعا للمدارك والذخيرة: " إن مستند اللف غير واضح،
بل في الرضوي المتقدم وغيره الاقتصار على الدفن بدمه، لذا خلا عنه كلام الشيخ

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب غسل الميت - حديث 5
114

وغيره، ولكنه منقول عن المفيد وسلار والقاضي والكيدري، وهو أحوط " انتهى.
قلت: لعله لم يلتفت إلى معقد الاجماعين السابقين، وفي المحكي عن مجمع البرهان نفي
الخلاف عنه على الظاهر، وفي الروض بعد نسبة إلى المتأخرين أنه يظهر من العلامة
الاجماع عليه، فالقول به حينئذ لا يخلو من قوة كوجوب الدفن فيه وفي سابقه وإن لم
يتضح لنا دليل عليه بالنسبة إلى الأول، لكنه قد يشعر به ما في بعض المعتبرة (1) من
الأمر بوضع شعر الميت وما سقط منه في كفنه مع عدم ظهور الاشكال فيه من أحد من
الأصحاب، وإذا قد ظهر لك حكم السقط بأن حكم أبعاضه أيضا بأدنى تأمل.
(وإذا لم يحضر الميت مسلم ولا كافر) يؤمر بتغسيله (ولا محرم من النساء دفن
بغير غسل) ولا تيمم (ولا تقربه الكافرة) ولا المسلمة الأجنبية (وكذا المرأة، وروي
أنهم يغسلون وجهها ويديها (2)) كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا، والحمد لله كما
هو أهله.
(ويجب إزالة النجاسة) العارضية (عن بدنه أولا) قبل الشروع في الغسل كما في
القواعد والمعتبر والمنتهى، بل في الأخير نفي الخلاف فيه كما أن في التذكرة ونهاية الإحكام
الاجماع على وجوب البدأة بإزالة النجاسة عن بدنه، وفي المدارك أن هذا الحكم
مقطوع به بين الأصحاب كما أن في مجمع البرهان والذخيرة أن الظاهر أنه لا خلاف فيه،
وعن المفاتيح الاجماع عليه أيضا، ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى ما تقدم منا سابقا
في غسل الجنابة بضميمة ما دل (3) على المساواة بينهما وإلى توقف البراءة اليقينية عليه بناء
على اعتبار مثل ذلك في مثله - ما في خبر الفضل بن عبد الملك عن الصادق (عليه السلام) (4)

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب غسل ميت - حديث 1
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب غسل الميت
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 9
115

قال: " سألته عن الميت، فقال: أقعه واغمز بطنه غمزا رفيقا، ثم طهره من غمز البطن،
ثم تضجعه ثم تغسله " الحديث. ومعاوية بن عمار (1) قال. " أمرني أبو عبد الله
(عليه السلام) أن أعصر بطنه، ثم أوضأه بالأشنان، ثم أغسل رأسه " الحديث.
وما في خبر يونس (2) من الأمر بغسل الفرج وتنقيته مقدما على التغسيل، وما في خبر
الكاهلي (3) أيضا من الأمر بذلك لكن بماء السدر، وما في المستفيضة (4) في باب
الجنابة من الأمر بغسل الفرج مقدما في غسلها بضميمة ما دل على المساواة، بل في بعضها
أنه عينه (5)، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر العلاء بن سيابة (6) بعد أن سئل
عن رجل قتل فقطع رأسه في معصية الله: " إذا قتل في معصية يغسل أولا منه الدم،
ثم يصب عليه الماء صبا " إلى آخره. ومع ذلك كله فقد علله بعضهم أيضا بأنه لما وجب
إزالة الحكمية عن الميت فالعينية أولى، وبصون ماء الغسل عن النجاسة.
لكن قد يناقش في الأول بعد تسليمه أنه لا يقضي بالمدعى من وجوب التقديم
على الغسل، وفي الثاني بذلك أيضا، وبأن النجاسة لازمة للماء لا تنفك عنه بسبب
المباشرة لبدن الميت، نعم لو لم نقل بنجاسة بدن الميت كما عن بعضهم اتجه ذلك، إذ
يكون حينئذ كالجنب، لكن يبقى فيه إشكال ذكرناه في باب الجنابة، فلاحظ وتأمل.
وربما يدفع ما أورد على الثاني بأنه قد يقال: لا تلازم بين العفو عن خصوص نجاسة
الميت وبين النجاسة العارضية، بل عدمه ثابت لمكان الضرورة في الأولى دون الثانية،
نعم قد يتوجه النظر في أصل اعتبار عدم نجاسة الماء بعد وضعه على بدن الميت ولو بالنجاسة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 8
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
116

العارضية، إذا الثابت من الاجماع هو اعتبار طهارة الماء قبل الشروع لا بعده، كما
أنه قد يتوجه أنه لا يتصور تطهير بدن الميت عن النجاسة قبل الغسل لمكان نجاسته، ولا
وجه لرفع نجاسة حال ثبوت أخرى.
ومن هنا استظهر في كشف اللثام أن مراد الفاضلين وكل من ذكر تقديم الإزالة
أو التنجية مجرد إزالة العين لئلا يمتزج بماء الغسل وإن لم يحصل التطهير، وقد يدفع
ذلك كله بثبوت الاجماع على اعتبار طهارة الماء من النجاسة العارضية ولو بعد الشروع،
بل لا يكتفى بالغسلة الواحدة عنهما لأصالة عدم التداخل، وبأنه لا مانع من ثبوت الطهارة
من نجاسة خاصة مع ثبوت نجاسة الأخرى، إذ هما من الأحكام الشرعية التعبدية التي
ليس للعقل فيها مدخلية، نعم هي تدور مدار التوقيف من الشارع، فلا ينبغي الاشكال
فيه بعد ثبوته من الشارع، ولا إشكال في الثبوت في الجملة أي عند إرادة غسل كل
جزء، أما وجوب التقديم على أصل الغسل فلا يخلو من نظر وتأمل وإن كان لا يخلو
من قوة تمسكا بما سمعت من الاجماع المعتضد بنفي الخلاف وغيره، وبما عساه تشعر به
الأخبار السابقة وإن كان في استفادته من بعضها نظر سيما ما اشتمل منها على غسل الفرج،
لظهور كون المراد منه استحباب ذلك في التغسيل لا للنجاسة كما يومي إليه الأمر بفعل
ذلك أيضا عند الغسل بماء الكافور وماء القراح أيضا، فالعمدة حينئذ الاجماعات السابقة
مع إمكان المناقشة فيها أيضا بخلو كثير من عبارات الأصحاب عن التعرض لذلك، بل
قضية تشبيهه بغسل الجنابة عدمه إلا أن يشترط به فيه أيضا أو أنه يراد من التشبيه الكيفية
فعن المهذب ليس إلا تقديم إزالة النجاسة من غير نص على الوجوب، ولا في الوسيلة إلا
وجوب التنجية من غير نص على القبلية، كما عن الكافي ليس إلا تقديمها من غير نص
على الوجوب، ولا في النافع إلا وجوب الإزالة من غير نص على التقديم، ولا في
المقنعة والسرائر والإشارة وعن النهاية والمبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم
117

إلا تقديم تنجيته أو غسل فرجه بالسدر والأشنان أو أحدهما مع ظهور عدم إرادتهم ما نحن
فيه، بل هو مستحب من المستحبات كما نص عليه بعضهم، ولا في الغنية إلا وجوب
غسل فرجه ويديه مع النجاسة والاجماع عليه، ولكن الاحتياط لا يترك سيما في المقام،
بل جعله بعضهم مدرك الحكم فيه لوجوب مراعاته في كل ما اشتغلت به الذمة يقينا مع عدم
ثبوت خصوص المبرئ شرعا، وفيه أنه مبني على أصل لا نقول به سيما فيما شك في
شرطيته وفيما نحن فيه من غسل الأموات التي كثرت الأخبار ببيانه، وقد تقدم في
غسل الجنابة ما له نفع تام في المقام، فلاحظ وتأمل.
(
ثم يغسل بماء السدر) على كيفية غسل الجنابة ف‍ (يبدأ برأسه ثم جانبه الأيمن ثم
الأيسر)
مع نية التقرب لاشتراطها في غسل الميت على الأقوى وفاقا للمشهور نقلا
وتحصيلا، بل نسبه في جامع المقاصد تارة إلى ظاهر المذهب وأخرى إلى المتأخرين
عدا المصنف في المعتبر بل فيه أيضا، والمعتبر والذكرى عن الشيخ في الخلاف الاجماع
عليه لكن لم نتحققه، إذ الموجود فيما حضرني من نسخته " مسألة، غسل الميت يحتاج إلى
نية - ثم نقل عن الشافعي وأصحابه قولين ثانيهما عدم الاحتياج إلى أن قال -: دليلنا
طريقة الإمامية، لأنه لا خلاف في أنه إذا نوى الغسل يجزئ دون ما إذا لم ينو "
انتهى. وهو كما ترى، وكيف كان فنحن في غنية عنه لأصالة العبادة في كل ما أمر به
لقوله تعالى (1): " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " مع توقف صدق
الأمثال عليها، ولعموم ما دل (2) على اعتبارها في كل عمل، وأنه لا عمل بدونها (3)
بدعوى إرادة التقرب من النية فيها، مع أنه لم يقل أحد هنا باشتراط القصد فقط بحيث
لا يحكم بصحة فعل الساهي مثلا دون التقرب، إذ الناس بين قائل بأنه عبادة فيجري

(1) سورة البينة - الآية 4
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات - حديث. - 1
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات - حديث. - 1
118

عليه حكمها، وبين قائل بكونه كإزالة النجاسة فيجري عليه حكمها أيضا، هذا كله
مضافا إلى الاحتياط في وجه وإلى ما ورد في المستفيضة من تشبيه غسل الميت بغسل
الجنابة، بل في بعضها التعليل بخروج النطفة منه عند الموت، إذ لا يحسن تشبيه إزالة
النجاسة به، بل مراعاة الترتيب فيه يومي إلى كون هذا الغسل عبادة، وأنه ليس
كإزالة النجاسة، فتأمل.
خلافا للمنقول عن المرتضى في المصريات، واختاره في موضع من المنتهى،
وربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين للأصل، ومنع كونه عبادة لا تصح إلا مع النية،
لاحتمال كونه إزالة نجاسة، وإطلاق الأدلة من دون ذكر النية في شئ منها، وإصالة
عدم التخصيص والتقييد، ولا يخفى عليك ضعف الجميع بعد ما عرفت سيما الأخير، وذلك
لما عرفت من أن أكثر العبادات قد خلت خصوص أخبارها عن التعرض للنية، وما ذاك
إلا للاعتماد على تلك الأخبار وعلى ظهور الأمر في ذلك، ومنه يظهر لك أنه لا وجه
للتردد في ذلك كما وقع في المعتبر وعن التذكرة ونهاية الإحكام.
والكلام في وجوب التعرض للوجه كالكلام في غيره من الواجبات، وقد
عرفت في باب الوضوء أن الأقوى عدمه، نعم لعل الأمر هنا اتفاقي بالنسبة إلى عدم
وجوب نية الرفع أو الاستباحة، لعدم المقتضي وإن أمكن المناقشة في ذلك بالتعليل
في غسل الميت بخروج النطفة، فينبغي أن ينوي الرفع، كاحتمال القول أيضا باشتراط
التكفين والصلاة به، فينبغي أن تنوي الاستباحة، لاندفاع الأولى بظهور إرادة
الحكمة في ذلك، والثانية بأنها أمور واجبة مترتبة، وليست من ذلك في شئ،
فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر الاجتزاء بنية واحدة للأغسال الثلاثة وفاقا لصريح جماعة وظاهر
آخرين، وخلافا لصريح الروض والروضة والرياض فأوجبوا تعددها للأغسال الثلاثة،
119

وكأنه لعموم ما دل (1) على أنه " لا عمل إلا بنية " ونحوه، فالأصل حينئذ يقتضي إيجابها
لكل عمل، بل ما شك في كونه عملا واحدا أو أعمالا متعددة، بل لولا الاجماع على
عدم وجوب تجديدها في أجزاء العمل الواحد لكان المتجه ذلك فيه أيضا، فكيف
مع ظهور الأعمال المتعددة المستقلة في المقام كما يومي إليه تشبيه كل واحد منها بغسل
الجنابة في النص والفتوى، وما سيأتي من عدم سقوط بعضها عند تعذر الآخر، ومع
ذلك فهو الموافق للاحتياط.
لكن قد يدفع ذلك كله بظهور الأدلة في كونه عملا واحدا من حيث إطلاق
اسم غسل الميت عليه، وإشعار كثير من الأخبار به (2) كالمشتملة على بيان كيفيته
بعد السؤال عن غسل الميت ونحوها المشتملة على تعدد الأغسال وعدم ترتب الآثار
إلا عليه جميعه، ولقوله (عليه السلام) في المستفيض (3) بعد أن سئل عن الجنب إذا
مات: " اغسله غسلا واحدا يجزئ عن الجنابة والموت " إذ من المعلوم إرادة غسل
الميت، وعبر عنه بالوحدة، ومن هنا قال في المختلف فيما يأتي: " عندنا أن غسل
الميت غسل واحد وإن اشتمل على ثلاثة أغسال " انتهى. فلعل الأقوى حينئذ
ما ذكرناه، ومن العجيب ما في جامع المقاصد من التخيير بين النية الواحدة والتثليث
عملا بالأمارتين الموجبتين للتعدد والاتحاد، وفيه منع واضح، بل هو كالمتدافع عند
التأمل سيما مع تصريحه هنا بعدم جواز تجديد النية في أجزاء العمل الواحد، كما هو
الأقوى أيضا إن أريد بتجديدها إرادة التقرب بالجزء لنفسه لا من حيث الجزئية،
نعم لا يضر نية التقرب بالأجزاء من حيث الجزئية أو مع عدم قصد شئ من ذلك،

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب غسل الميت
120

ومن ذلك تعرف إمكان الاحتياط هنا بتجديد النية من دون تعرض للجزئية وعدمها،
فتأمل جيدا. كما أنك تعرف أيضا عدم منافاة ما اخترناه لتوزيع العمل على المكلفين،
بل إجزاء الغسلة الواحدة وإن أوجبنا تجديد النية على كل واحد منهم، لكنها من حيث
الجزئية أو من دون تعرض.
ثم من المعلوم أن النية إنما تعتبر من الغاسل حقيقة سواء كان متحدا أو متعددا
لكونه الفاعل للتغسيل المأمور به، فلا عبرة بنية غيره، فما في الذكرى من الاجتزاء
بنية المقلب لكون الصاب كالآلة حينئذ ضعيف إن أراد صحة النية منه وإن لم يصدق
عليه اسم الغاسل، وكذا إن ادعى أنه الغاسل حقيقة، لظهور أن الغسل إنما هو إجزاء
الماء، ولا مدخلية للمقلب فيه، نعم لو فرض إمكان تعدد الغاسل بحيث يصدق على
كل واحد منهم أنه غاسل حقيقة لم يبعد الاجتزاء بنية أحدهم، ولا يقدح حينئذ كون
أحدهم ليس من ذوي النيات المعتبرة كالمجنون، وإن قدح ذلك فيما لو اشترك الغسل
بحيث يسند إلى المجموع لا إلى كل واحد، فتأمل.
ولو ترتب الغاسلون في فعل غسلة واحدة كما لو غسل كل واحد جزءا أو في
الغسلات المتعددة كما لو غسله شخص بالسدر وآخر بالكافور اعتبرت النية من كل منهما
لكن من حيث الجزئية أو مع عدم التعرض على حسب ما تقدم، ولا يجوز الاكتفاء بنية
الأول لامتناع ابتناء فعل كل مكلف على نية مكلف آخر، واحتمال الاشكال في أصل
هذا الحكم سيما إجزاء الغسل الواحد من حيث ظهور الأدلة في اتحاد المباشر وأنه لا وجه
للاشتراك في العمل الواحد سيما مع القصد إلى ذلك من أول الأمر ضعيف، لا طلاق
الأدلة وظهورها في إرادة بروز غسل بدن الميت من سائر المكلفين من غير اشتراط بشئ
آخر، وما عساه يترائى من الاتحاد المفهوم من الأخبار لا ظهور فيه بكونه شرطا، بل
هو من قبيل مورد الخطابات كما هو واضح، ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي أن يترك،
121

فتأمل. وتقدم لنا سابقا في الأبواب المتقدمة ما له نفع تام في المقام.
ثم إن ما ذكره المصنف هنا مع ما بعده من وجوب ثلاثة أغسال مما لم أجد فيه
خلافا بين الأصحاب عدا سلار كما اعترف به جماعة منهم المصنف في المعتبر، بل في
الخلاف والغنية الاجماع على خلافه، حيث قال في الأول: " يغسل الميت ثلاث غسلات:
الأولى بماء السدر، والثانية بماء جلال الكافور، والثالثة بماء القراح، وبه قال الشافعي،
وقال أبو إسحاق: الأولى يعتد بها، والأخيرتان سنة، وقال باقي أصحابه: الأخيرة
هي المعتد بها لأنها بالماء القراح، والأولى والثانية بالماء المضاف فلا يعتد بهما، وقال
أبو حنيفة، ماء الكافور لا أعرفه، دليلنا إجماع الفرقة " انتهى. وهو صريح أو
كالصريح فيما نحن فيه، فما في كشف اللثام من أنه ليس فيه إلا التثليث من غير
تصريح بالوجوب كما ترى، وقال في الثاني: " ووجب بعد ذلك أن يغسل على هيئة
غسل الجنابة ثلاث غسلات: الأولى بماء السدر، والثانية بماء جلال الكافور،
والثالثة بماء القراح، ولا يجوز أن يقعد بل يستحب أن يمسح بطنه مسحا رفيقا في الغسلتين
الأوليين بدليل الاجماع المشار إليه " انتهى. واحتمال رجوعه إلى الأخير خاصة
بعيد، ومع ذلك فنحن في غنية عنهما بالمعتبرة المستفيضة (1) المشتملة على الأمر بذلك
المؤيدة بالتأسي لما في الوسائل أنه روى العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه قال: تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام) (2) " إن عليا (عليه السلام) غسل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ثلاث غسلات في قميصه " وباستمرار العمل عليه، ولا شئ من
المستحب كذلك، وبالاحتياط الواجب المراعاة هنا في وجه مع ضعف دليل الخصم،
إذ ليس هو إلا الأصل، وهو مع تسليم جريانه هنا مقطوع بما عرفت، والتشبيه
بغسل الجنابة حتى أن في بعضها التعليل بخروج النطفة، وهو منصرف إلى إرادة الكيفية،

(1) الوسائل - الباب 2 - من أبواب غسل الميت - حديث. - 14
(2) الوسائل - الباب 2 - من أبواب غسل الميت - حديث. - 14
122

على أنه لا يصلح لمعارضة ما ذكرنا، وما في جملة من الأخبار من الأمر بغسل واحد لمن مات
جنبا فهو محمول كما هو الظاهر منه على إرادة عدم تعدد الغسل للجنابة والموت، بل
يغسل غسل الميت فقط، وهو غسل واحد وإن كان مشتملا على أغسال متعددة،
إذ كل واحد منها كغسل عضو من البدن بناء على ما اخترناه سابقا، ولذا قال في المختلف
بعد ذكره ذلك مستندا لسلار: " وليس بدال على صورة النزاع، لأن غسل الميت
عندنا واحد إلا أنه يشتمل على ثلاثة أغسال " انتهى.
فلا ينبغي الاشكال حينئذ في ضعف ما ذهب إليه سلار كضعف ما ذهب إليه ابنا
حمزة وسعيد على ما يظهر لي من عبارتهما من استحباب الخليطين، حيث قال الأول:
" وما يتعلق به الغسل فأربعة أضرب: واجب ومندوب ومحظور ومكروه، فالواجب
ستة أشياء - إلى أن قال -: وتغسيله ثلاث مرات على ترتيب غسل الجنابة وهيئته
- ثم قال -: والمندوب سبعة وعشرون شيئا - إلى أن قال -: وغسله أولا بماء
السدر، وثانيا بماء جلال الكافور، وثالثا بالماء القراح " انتهى. وأصرح منه عبارة
الثاني حيث قال بعد ذكره ما ذكره الأول من الأمور الأربعة الواجب والمندوب والمكروه
والمحظور: " وإن من الواجب غسله ثلاثة أغسال على صفة غسل الجنابة - إلى أن قال -:
ويستحب إضافة قليل سدر إلى الماء الأول ونصف مثقال من كافور إلى الثاني " انتهى.
ومن هنا حكى عنهما كاشف اللثام ما ذكرناه، لكن في المختلف والذكرى أنه يلوح من
ابن حمزة الخلاف في الترتيب، وهو وإن كان ما نقلاه لازما لما ذكرنا إلا أنه ظاهر في
كونهما موجبين للخليطين، لكنهما لم يوجبا الترتيب، وهو عين ما سمعته من عبارتهما،
وكيف كان فلا ريب أن الأقوى وجوب الخليطين والترتيب، بل لم نجد
خلافا في الثاني عدا ما سمعته من المحكي عن ابن حمزة، وقد عرفت ما فيه، ويدل
عليهما مضافا إلى الاجماعين السابقين المعتضدين بالتتبع لكلمات الأصحاب، وبالاحتياط
123

في وجه، والتأسي - الأخبار المعتبرة المستفيضة الصريحة فيهما معا، (منها)
صحيح ابن مسكان عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " سألته عن غسل الميت
فقال: اغسله بماء وسدر، ثم اغسله على أثر ذلك غسلة أخرى بماء وكافور وذريرة
إن كانت، واغسله الثالثة بماء قراح " الحديث. و (منها) الحسن كالصحيح عنه
(عليه السلام) (2) أيضا قال: " إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر
عنك عورته إما قميص أو غيره، ثم تبدأ بكفيه ورأسه ثلاث مرات بالسدر ثم سائر
جسده، وابدأ بشقه الأيمن - إلى أن قال -: فإذا فرغت من غسله بالسدر فاغسله
مرة أخرى بماء وكافور وشئ من حنوط، ثم اغسله بماء بحت مرة أخرى " ونحوهما
غيرهما (3).
فما عساه يستند للخصم - من خبر معاوية بن عمار (4) قال: " أمرني أبو
عبد الله (عليه السلام) أن أعصر بطنه ثم أوضأه بالأشنان، ثم أغسل رأسه بالسدر
ولحيته، ثم أفيض على جسده منه، ثم أدلك به جسده، ثم أفيض عليه ثلاثا، ثم
أغسله بالماء القراح، ثم أفيض عليه الماء بالكافور وبالماء القراح، وأطرح فيه سبع
ورقات سدر " وصحيح يعقوب بن يقطين (5) عن العبد الصالح (عليه السلام) أنه قال:
" يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه ورأسه بالسدر، ثم يفاض عليه الماء ثلاث
مرات، ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده، ويصب عليه من فوقه، ويجعل
في الماء شئ من سدر وشئ من كافور " وخبر الفضل بن عبد الملك عن الصادق
(عليه السلام) (6) قال: " سألته عن الميت، فقال: أقعده واغمز بطنه غمزا رفيقا،
ثم طهره من غمز البطن، ثم تضجعه، ثم تغسله تبدأ بميامنه وتغسله بالماء والحرض،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 -.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 -.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 -.
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 8 - 7 - 9
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 8 - 7 - 9
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 8 - 7 - 9
124

ثم بماء وكافور، ثم تغسله بماء القراح، واجعله في أكفانه " - في غير محله، إذ لا بد
من طرحها أو حملها على ما لا ينافي ما ذكرنا بعدم إرادة الغسل بماء القراح في الأول الغسل
المطلوب، بل المراد غسله عن رغوة السدر ونحوها، وإمكان تنزيل الثاني على المختار،
إذ هو مجمل لا ينافي الحمل عليه كالثالث، إذ هو مع اشتماله على غرائب كما اعترف به
بعضهم محتمل لإرادة السدر مع الحرض، لمكان غيره من الأخبار، أو غير ذلك،
لقصورها عن مقاومة ما ذكرنا من وجوه غير خفية، كالاستدلال أيضا بالا صل والتشبيه
بغسل الجنابة، فلا إشكال حينئذ في ضعف القول بعدم الترتيب أو عدم وجوب الخليط أصلا.
وكذا ما عساه يظهر من المنقول عن الشيخ في المبسوط والنهاية من عدم إيجاب
السدر لما عدا الرأس من البدن، حيث لم يصرح بالغسل بالسدر في الغسل الأول إلا
في غسل الرأس لظهور الأدلة بل صريحها في خلافه كما عرفت، ومن العجيب ما عن
التذكرة ونهاية الإحكام من أنه لو أخل بالترتيب فقدم الكافور أو القراح ففي الاجزاء
وعدمه وجهان، من حصول الانقاء، ومن مخالفة الأمر، إذ ذلك لا يجامع شرطية
الترتيب، واحتمال القول بوجوبه تعبدا لا شرطا ضعيف جدا مخالف لظاهر الأدلة أو
صريحها، فالمتعين حينئذ الوجه الثاني من غير فرق بين العمد وعدمه، فتأمل.
(وأقل ما يلقى في الماء من السدر ما يقع عليه الاسم) أي اسم السدر كما هو ظاهر
العبارة، وأظهر منها بل كادت تكون صريحة عبارة القواعد، حيث قال: ويطرح
فيه من السدر ما يقع عليه اسمه، كالمحكي عن المبسوط والنهاية والاقتصاد والمنتهى ونهاية
الأحكام من التعبير بشئ من السدر، وكذا السرائر، وفي الجامع قليل سدر،
بل في المدارك أنه المشهور، قلت: ولعله لتحقق اسم السدر المأمور بالغسل به في الأخبار
إذ لا مقدر له، ولما في صحيح ابن يقطين (1) " ويجعل في الماء شئ من سدر وشئ
من كافور ".

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7
125

(وقيل مقدار سبع ورقات) ولم نعرف قائله ولا من نسب إليه ذلك، نعم قد
صرح به في خبر معاوية بن عمار المتقدم سابقا، مع أن ظاهره طرح ذلك في الماء القراح،
كخبر عبد الله بن عبيد (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن غسل الميت،
قال: يطرح عليه خرقة، ثم يغسل فرجه ويتوضأ وضوء الصلاة، ثم يغسل رأسه
بالسدر والأشنان، ثم بماء الكافور، ثم بماء القراح يطرح فيه سبع ورقات صحاح "
وهما - بعد الغض عن السند، وخروج ظاهرهما عما نحن فيه، مع اشتمال الأولى على
غرائب، ومعارضتهما باطلاق غيرهما من الروايات ومعقد الاجماعات - لا بد من
تنزيلهما على عدم إرادة الخصوصية، لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عدم الالتزام بمقدار
خاص لذلك، نعم وضع في المقنعة الأمر بأخذ رطل من السدر المسحوق، وفي المهذب
رطل ونصف، ولا ريب في ضعفهما إن أرادا الوجوب، مع أنه لا ظهور في عبارتيهما
به. وكيف ولم نعثر على ما يقضي باستحبابه فضلا عن وجوبه، بل ظاهر الأدلة خلافا
كما أنها ظاهرة أيضا في خلاف ما تقدم من ظاهر العبارة وصريح غيرها من الاجتزاء
بمسمى السدر وإن قل جدا، وذلك لاشتمالها على الغسل بماء السدر وبالسدر وبماء وسدر،
ولا ريب في عدم صدق الأول بذلك كالثاني، بل هو أولى لوجوب الحمل على أقرب
المجازات بعد تعذر الحقيقة، واحتمال كون الباء فيه للاستعانة مع أنه خلاف المنساق
لا يقتضي أيضا الاجتزاء بمسمى السدر، لعدم تحقق الاستعانة بمثله، وكذا الثالث
لعدم صدق الغسل به بطرح مسماه.
فمن هنا كان الأولى إناطة الحكم بصدق ماء السدر ونحوه كما عبر بذلك في
الخلاف والغنية، بل قد عرفت فيما تقدم من عبارتيهما أنه معقد الاجماع، والجمل والعقود
والمعتبر والنافع والإرشاد وعن المصباح ومختصره والفقيه والهداية والمقنع والوسيلة

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
126

والاصباح والكافي والتبصرة، ولعله الظاهر من التحرير، حيث قال: " وأقل ما يلقى
في الماء من السدر ما يحصل به الاسم " ويحتمل تنزيل عبارة المصنف عليه، وهو الذي
صرح به جماعة من متأخري المتأخرين، وهو الأقوى لما عرفت، مع تأييده بالأصل
في وجه وعدم معارض سوى الصحيح المتقدم، وهو مع أنه في غاية الاجمال كما لا يخفى
على من لاحظه لا يأبى التنزيل على المختار، فتأمل. إذ هو من باب المطلق الواجب
حمله على المقيد، هذا.
لكن صرح جماعة منهم الحلبي في الإشارة والعلامة في القواعد والشهيد الثاني في
روضته وغيرهم بل قيل الظاهر أنه المشهور بأنه متى خرج عن الاطلاق بسبب المزاج
والخلط لم يجز، للشك في الامتثال معه، وعدم صلاحية المضاف للطهورية، ولقوله
(عليه السلام) (1): " يغسل الميت بماء وسدر " ومع الخروج لم يصدق ذلك، وللتشبيه
بغسل الجنابة. قلت: ومع ذلك كله فللنظر فيه مجال، ومنه كان الظاهر من الشهيد
في الذكرى التوقف كما عن البهائي، لعدم الدليل على هذا الاشتراط، بل لعل ظاهر
الأدلة خلافه، كالأمر بالغسل بماء السدر، إذ هو إن لم يرد منه خصوصية المضاف
فلا إشكال في شموله له، ودعوى إرادة خصوص ما لم يخرج عن الاطلاق منه لا شاهد
لها لو سلم تناول ماء السدر حقيقة لمثله، وكذا الكلام فيما اشتمل منها على الغسل بالسدر،
إذ بعد عدم إرادة الحقيقة فأقرب المجازات إليه ماؤه، ولا ينافي ذلك ما اشتمل منها
على الأمر بغسله بماء وسدر، إذ لا إشعار فيه باشتراط بقاء المائية على الاطلاق فضلا
عن الظهور، لوضوح صدق ذلك على الخارج عن الاطلاق وإن كان في صدقه على
وجه الحقيقة منع، لعدم تحقق المائية حينئذ، لكن لا بأس بإرادته منه بقرينة الأخبار السابقة، وجعله قرينة على إرجاعها إليه ليس بأولى من العكس، بل لعله أولى لكثرتها

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 6
127

واعتضادها بظاهر عبارات من عرفت من الأصحاب، واحتمال إرادتهم غير الخارج
عن الاطلاق خاصة لا شاهد له، ولذا لم نعثر على من صرح بإرادة ذلك ممن عبر بما
تقدم في الكتب السالفة، نعم قد وقع ذلك ممن اجتزأ بالمسمى، لكن لما كان من
المقطوع به عدم إرادة الالتزام بخصوص الخارج عن الاطلاق في النص والفتوى وجب
حمل ماء السدر فيهما على ما يشملهما، بل قد يقال ببقائه على حقيقته وثبوت غيره
باجماع ونحوه، فلا تجوز حينئذ، هذا إن لم نقل بصدق ماء السدر على الخارج
وغيره حقيقة.
ومنه ينقدح جواب آخر عما دل على الأمر بغسله بماء وسدر، بأن يقال: إن
المتجه حينئذ التخيير بين ذلك وبين ماء السدر، إذ هو من قبيل الأمر بمقيدين مع
اتحاد المكلف به، ويمكن أن يجاب عنه أيضا بأن المراد تناول ماء وسدر وإن لم يشترط
ذلك حين التغسيل، ومما يرشد إلى ما ذكرنا أيضا ما في الذكرى بعد أن حكى عن العلامة
اشتراط عدم اخراج السدر والكافور الماء عن الاطلاق قال: " والمفيد قدر السدر
برطل، وابن البراج برطل ونصف، واتفق الأصحاب على ترغيته، وهما يوهمان الإضافة
ويكون المطهر هو القراح، والغرض بالا ولين التنظيف وحفظ البدن من الهوام بالكافور
لأن رائحته تطردها " انتهى.
قلت ومنه ينقدح الاستدلال بالمرسل (1) الدال على غسل رأسه بالرغوة، حيث قال
فيه: " واعمد إلى السدر فصيره في طشت، وصب عليه الماء واضربه بيدك حتى ترتفع
رغوته، واعزل الرغوة في شئ، وصب الآخر في الإجانة التي فيه الماء، ثم اغسل
يديه ثلاث مرات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع، ثم اغسل فرجه ونقه،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
128

ثم اغسل رأسه بالرغوة، وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه ومسامعه،
ثم أضجعه على جانبه الأيسر وصب الماء من نصف رأسه إلى قدميه ثلاث مرات،
وادلك بدنه دلكا رفيقا وكذلك ظهره " الحديث لظهوره بالغسل الواجب للرأس في
الرغوة كما يشعر به الاقتصار على غسل الجانبين خاصة بعد ذلك وإن قال: من نصف
رأسه، ولا ريب في خروجها عن الاطلاق، وظن في الرياض أن الاستدلال به إنما
هو بالتغسيل بما يبقى من الماء بعد الارغاء، فأجاب عنه بعدم استلزام الارغاء إضافة
الماء الذي تحت الرغوة، وخصوصا مع صبه في الماء المطلق الذي في الإجانة الأخرى
كما في الخبر، وليس فيه مع ذلك إيماء إلى غسله بالرغوة، بل مصرح بغسله بما تحتها
مع الماء المطلق الذي في الإجانة الأخرى، وأن الرغوة إنما يغسل بها الرأس خاصة،
وفي الخبر حينئذ إشعار بذلك، بل دلالة لما ذكرناه لا لما ذكره، انتهى.
قلت: ولا يخفى عليك ما فيه بعد تسليم غسل الرأس بالرغوة التي هي خارجة عن
الاطلاق، إذ بضميمة عدم القول بالفصل يتم المطلوب، نعم لو أنكر إرادة الغسل
الواجب للرأس بذلك لاتجه حينئذ ما ذكره، لكنه مع أن ظاهر كلامه تسليمه قد صرح
عند ذكر المصنف استحباب غسل الرأس بالرغوة مقدما على الغسل بأنه لا دلالة في المرسل
كغيره من الأخبار عليه، بل هو ظاهر في أنه أول الغسل، ومع ذلك كله فقد يناقش
فيما ذكره أيضا بغلبة خروج ما تحت الرغوة عن الاطلاق، وعدم استلزام رده إلى الإجانة
التي فيها صيرورته مطلقا لاحتمال قلة الماء.
وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله قوة القول بالاجتزاء به وإن خرج عن
الاطلاق كما اختاره بعض متأخري المتأخرين، كما أنه ظهر لك الجواب عما ذكر مستندا
للأول من الشك في الامتثال، إذ على تقدير اعتبار مثل ذلك في المقام قد يمنع الشك
بعد ملاحظة ما ذكرنا، وكذا الثاني بما سمعته من الذكرى من الطهارة بماء القراح خاصة،
129

وبمنع توقف الطهورية في المقام على الاطلاق بعد ظهور الأدلة فيه، وكذا الثالث لما
عرفته مفصلا، ومثله الرابع لانصراف التشبيه إلى إرادة الكيفية كما هو الظاهر منه،
إلا أنه مع ذلك كله فالأحوط الأول إن لم يكن أولى وأقوى، بناء على تنزيل كلمات
الأصحاب وأخبار الباب على عدم وجوب الخارج عن الاطلاق، وإن كان لا بد من
صدق ماء السدر عليه، ولعله لا تنافي عند التأمل فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر اعتبار كون السدر مما يصح مزجه مع الماء ولذا قال في جامع
المقاصد: " ويعتبر كونه مطحونا، لأن المراد به التنظيف، ولا يتحقق بدون طحنه،
نعم لو مرس الورق الأخضر بالماء حتى استهلك أجزاؤه كفى ذلك " انتهى وهو جيد.
(و) إذا فرغ من ماء السدر غسله (بعده بماء الكافور على الصفة السابقة) وفيه
جميع ما مر في ماء السدر من اعتبار اسم الكافور أو اسم مائه والبقاء على الاطلاق والترتيب
وغير ذلك، لكن قدر المفيد وابن سعيد كما عن سلار الكافور بنصف مثقال، إلا
أنه لم يعلم منهم إرادة الوجوب، كيف وابن سعيد لا يوجب الخليط على ما عرفت كما
عن سلار من أنه لا يجب إلا غسل واحد بالقراح، وفي خبر عمار عن الصادق
(عليه السلام) (1) " نصف حبة " وفي خبر مغيرة مؤذن بني عدي (2) عنه (عليه السلام)
" إن أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالسدر، ثم
بثلاثة مثاقيل من الكافور " وفي خبر يونس عنهم (عليهم السلام) (3) " وألق فيه
حبات كافور " إلا أنها لا تصريح في شئ منها بالوجوب.
فالأقوى اعتبار الصدق المتقدم في السدر، وقضية إطلاق الأخبار وكثير من
الأصحاب سيما المتأخرين بل معقد الاجماعات السابقة الاكتفاء بمصداق الكافور من غير

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 10
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 11 - 3
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 11 - 3
130

فرق بين جلاله وغيره، لكنه يظهر من بعض قدماء الأصحاب وجوب كونه من الأول،
بل ربما حكي عن أكثر القدماء، والمراد به كما قيل الخام الذي يطبخ، وأرسل عن
أبي علي ولد الشيخ " أن الكافور صمغ يقع من شجر، وكلما كان جلالا وهو الكبار
من قطعه لا حاجة له إلى النار، ويقال له الخام، وما يقع من صغاره في التراب فيؤخذ
فيطرح في قدر ويغلى فذلك لا يجزى عن الحنوط " انتهى. قيل: ولعل منشأ ذلك
ما يقال: إن مطبوخه يطبخ بلبن الخنزير ليشتد بياضه به أو بالطبخ، وربما يحصل العلم
العادي بالنجاسة من حيث أن الطابخ من الكفار، قلت: لكن ظاهر الأخبار إجزاء
المطبوخ، ووجهه عدم حصول اليقين بالنجاسة، والأصل الطهارة، ولذا ما فصل
المتأخرون، نعم قد يقال باستحباب الخام للخروج عن شبهة الخلاف وعن شبهة النجاسة.
(و) إذا فرغ من تغسيله بماء الكافور فليغسله (بماء القراح خيرا) إجماعا محصلا
ومنقولا وسنة مستفيضة (1) أو متواترة، والمراد بالقراح الماء الذي لا يخالطه ثفل من
سويق وغيره، والخالص كالقريح على ما في القاموس، وعن الصحاح أنه الذي لا يشوبه
شئ، وربما ظن من ذلك أنه لا يجزئ التغسيل بماء السيل ونحوه مما مازجه شئ من
الطين ونحوه وإن كان بحيث لا ينافي إطلاقية الماء، ولعله الظاهر من السرائر، حيث
قال: " القراح الخالص من إضافة شئ إليه " كالذكرى " القراح الخالص البحت " اللهم
إلا أن يريدا مجرد تفسير اللفظ لا اعتبار ذلك فيه.
وكيف كان فلا ريب في ضعفه، إذ - مع منافاته لتعليق الحكم على الماء في بعض
الأخبار، وغلبة عدم خلو الماء من ذلك سيما الفرات في بعض الأحيان، ومعلومية
بقاء مطهرية مثل هذا الماء من الأحداث والنجاسات مع بعد احتمال الشرطية في خصوص
المقام تعبدا وإن اختص بجملة من الأحكام كذلك - لا دليل عليه سوى وقوع هذا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت
131

القيد في المعتبر من الأخبار (1) ومعقد الاجماع، وفيه أن مقابلته بماء السدر والكافور
تشعر بإرادة كونه ليس بماء سدر وكافور، بل هو المنساق للفهم منها، فمن هنا لم يصح
تحكيمها على ما دل على الاجتزاء بمطلق الماء، نعم لا إشكال في ظهورها بما ذكرنا، فلا
يجتزئ بالغسل به في الثانية مع صدق ماء السدر عليه وإن لم يخرج عن الاطلاقية، فما
في الروضة من إن المراد بالماء القراح المطلق الخالص من الخليط بمعنى كونه غير
معتبر فيه لا أن سلبه عنه معتبر، وإنما المعتبر كونه ماء مطلقا ليس في محله، بل هو
عجيب مخالف لظاهر الأدلة أ وصريحها.
نعم قد يقع الاشكال في اعتبار خلوه من الخليط رأسا وإن لم يصدق معه ماء السدر
أو الكافور كما عساه يشعر به العدول عن الاطلاق والماء المطلق إلى قيد البحث أو القراح
في الفتاوى وأكثر الأخبار (2) والأمر في خبر يونس (3) بغسل الآنية قبل صب القراح
فيها، مضافا إلى وجوب الاحتياط في وجه أو أن المعتبر عدم صدق ماء السدر،
فلا يقدح الخليط حينئذ مع عدم تحقق صدق ذلك كما هو قضية الأصل بناء على الأقوى
من جريانه في مثله، وإطلاق الماء في خبر سليمان بن خالد (4) والأمر بطرح سبع ورقات
سدر في الخبرين المتقدمين (5) وتطهير المطلق للأحداث والأخباث، ولعل الأول
هو الأقوى في غير ما لا ينافي الخلوص عرفا كما لو كان قليلا جدا، ولعله منه ما طرح
فيه بعض الورقات الصحاح من غير مزج، فيحمل عليه حينئذ الخبران المتقدمان مع
ما عرفته سابقا فيهما، ويسقط الاستدلال بهما للثاني كالأصل والاطلاق، لوجوب
الخروج عنهما بالمقيد، ودعوى انصرافه إلى إرادة عدم صدق اسمي ماء السدر والكافور

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 0 - 3 - 6
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 0 - 3 - 6
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 0 - 3 - 6
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 8 والباب 6 - حديث 2
132

تقييد وتجوز لا شاهد عليه، كحمل الأمر في مرسل يونس بغسل الآنية على الاستحباب
بمجرد اشتماله على ذكر كثير من المستحبات، ولا استبعاد في اشتراط ذلك بالنسبة إلى
غسل الأموات كما اعتبر فيه غيره من ماء السدر ونحوه، ومنه يظهر الجواب عن الأخير،
ثم إنه ينبغي القطع بما ذكرناه بناء على الاجتزاء بالغسلتين الأولتين بمسمى السدر
والكافور، لظهور الأدلة في تضاد ما يجتزئ به في الغسلة الثالثة وسابقتيها بحيث لا يجتمعان
في فرد، فلو لم يقدح مطلق الخليط في ذلك لجاز اجتماعهما في مثل الماء المزوج معه مسمى
السدر والكافور، فتأمل جيدا.
ثم إنه يجب أن تكون كيفية الغسل به (كما يغسل من الجناية)، فيبدأ بالرأس ثم
الجانب الأيمن ثم الأيسر كالغسل بالماءين السابقين من غير خلاف أجده في شئ من
ذلك، بل عليه الاجماع في الانتصار والخلاف والمعتبر والذكرى وغيرها، وفي التذكرة
نسبة إلى علمائنا، كما أنه في الأولين والثالث أن كل موجب للترتيب في غسل الجناية
موجب له في غسل الأموات، ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى الأمر به في النصوص
المستفيضة (1) وبها يحكم على غيرها من المطلقات، ولا ينافيه اشتمالها على كثير من
المستحبات سيما بعد اعتضادها بما عرفت، كما أنه لا ينافيه الأمر في مرسل يونس
وغيره بإفاضة الماء على الجانب الأيمن من القرن إلى القدم، وكذا الأيسر بعد غسل
الرأس وإن نقل عن الصدوق والشيخ في الفقيه والمبسوط وجوب ذلك، إلا أنه مع
عدم منافاته للترتيب إذ هو أمر زائد ضعيف جدا، لمعارضته بما هو أقوى منه، نعم
قد يحكم بالاستحباب من جهة ذلك، فتأمل - الأخبار المستفيضة (2) المشبهة له بغسل
الجناية، بل في بعضها (3) التعليل بأنه جنب بخروج النطفة منه عند الموت.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت - حديث 0 - 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت - حديث 0 - 2
133

ومنه انقدح لجماعة من المتأخرين منهم العلامة في القواعد والشهيد في الذكرى
والمحقق الثاني في ظاهر جامع المقاصد والفاضل المعاصر في الرياض سقوط الترتيب عند
تغسيله ارتماسا كالجنب، وهو لا يخلو من نظر، للأصل والتأسي والاحتياط وظاهر
الفتاوى ومعقد الاجماعات والأخبار المفصلة (1) لكيفياتها، واحتمال التشبيه بغسل
الجنابة في الترتيب بل ظهوره، سيما بعد معروفية الترتيب في غسل الجنابة في تلك
الأزمان، ولعله لذا استشكل فيه في التذكرة، بل في كشف اللثام الأقوى العدم،
وهو الأظهر، لكن ينبغي أن يعلم أنه بناء على الاجتزاء به فالمراد الاجتزاء عن الترتيب
في كل غسلة لا في نفس الأغسال، فيجب حينئذ الارتماس بماء السدر ثم بماء الكافور
ثم بالقراح، ويعتبر حينئذ كثرة الماء المرتمس فيه لتنجس القليل بالملاقاة، وخروج
الوارد منه لا يستلزم العكس، نعم قد يقال: بعدم اشتراط ذلك في الأولين بناء على
عدم اشتراط الاطلاق فيهما، كما أنه ينبغي أن يعلم أيضا إنا وإن قلنا: إن الأظهر عدم
الاجتزاء بالارتماس، لكن المراد عدم الاجتزاء به عن الترتيب لا عدم جواز الترتيب
ارتماسا، فيجوز حينئذ غسل الرأس ارتماسا، وكذا الجانب الأيمن وكذا الأيسر فتأمل.
(و) في وجوب (وضوء الميت تردد) من قول الصادق (عليه السلام) في خبر
عبد الله بن عبيد (2) بعد أن سأله عن غسل الميت: " تطرح خرقة، ثم يغسل فرجه
ويوضأ وضوء الصلاة " الحديث. وقوله (عليه السلام) أيضا في خبر حريز (3) " الميت
يبدأ بفرجه، ثم يوضأ وضوء الصلاة " الحديث. وقوله (عليه السلام) أيضا في المرسل
عن أبي خثيمة (4) " إن أبي أمرني أن أغسله إذا توفي، وقال لي اكتب يا بني، ثم قال:

(1) الوسائل - الباب - 2 من أبواب غسل الميت.
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب غسل الميت - حديث 4
134

إنهم يأمرونك بخلاف ما تصنع، فقل لهم: هذا كتاب أبي، ولست أعدو قوله،
ثم قال: تبدأ فتغسل يديه، ثم توضأه وضوء الصلاة، ثم تأخذ ماءا وسدرا " الحديث.
وعموم قوله (عليه السلام) (1): " في كل غسل وضوء إلا غسل الجنابة ".
ومن الأصل السالم عن معارضة الاحتياط هنا، لظهور إرادة القائل الوجوب
الشرعي لا الشرطي، وعلى تقديره فقد عرفت أن الأقوى التمسك به سيما فيما شك في
شرطيته، وخلو أكثر الأخبار المعتبرة عنه مع أنها في مقام البيان، ولم تخل عن جملة
من المستحبات فضلا عن الواجبات، والتشبيه بغسل الجنابة في المستفيضة، وترك
الرضا (عليه السلام) جواب ابن يقطين في الصحيح (2) حيث سأله " عن غسل الميت
أفيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال: يبدأ بمرافقه، فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه
ورأسه بالسدر " الحديث. ووجوب الوضوء لغيره، وغير ذلك، كل ذا مضافا
إلى قصور تلك الأدلة عن إفادة الوجوب سندا ودلالة مع إعراض المشهور نقلا وتحصيلا
عنها، بل عن بعض الفضلاء إنكار قائل صريح بالوجوب، وكأنه لعدم صراحة عبارة
من نسبت إليه ذلك فيه، كالمقنعة والمهذب كما اعترف به في المختلف وكشف اللثام،
نعم حكاه في الأخير عن صريح النزهة وظاهر الاستبصار والكافي، وأرسله عن
المحقق الطوسي، وكيف كان فلا ريب في ضعفه بعد ما عرفت من مستنده وما فيه،
بل في السرائر نسبة الرواية الدالة عليه إلى الشذوذ، وفي المبسوط أن عمل الطائفة
على ترك ذلك كالخلاف أيضا، بل قد يظهر من الأخير عدم المشروعية فضلا عن
الوجوب، هذا مع موافقة تلك الأخبار إلى عامة العامة، وعمومية البلوى بالحكم مع

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب غسل الميت - حديث 5
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 وهو خبر ابن
يقطين عن العبد الصالح (عليه السلام)
135

كثرة وقوع الموت، فمن المستبعد بل من المقطوع بعدمه خفاؤه على عامة الشيعة
خصوصا الخواص.
(و) من هنا كان (الأشبه أنه لا يجب) بل قد يتردد في أصل مشروعيته كما
عن ظاهر التذكرة ونهاية الإحكام، بل ظاهر الخلاف أو صريحه عدمها كظاهر
السرائر، ويحتمله المحكي عن سلار، ولعله لبعض ما قدمناه من التشبيه بغسل الجنابة،
واستمرار الترك من سائر الطائفة مع ملازمتهم لغيره من المستحبات، وقصور تلك
الأخبار عن إفادته بعد موافقتها للعامة، لكن قد يدفع ذلك بانجبارها بالشهرة المحكية
بين المتأخرين على الاستحباب، وربما كان أحوط أيضا لما عرفته من شبهة الوجوب وإن
ضعفت التي لا يعارضها احتمال الحرمة التي منشأها التشريع، وإلا فلا نهي صريح في
الأخبار عنه، فتأمل.
(ولا يجوز الاقتصار على أقل من الغسلات المذكورة) خلافا للمحكي عن سلار
كما مر الكلام عليه مفصلا (إلا عند الضرورة) كما لو لم يجد إلا ماء غسلة واحدة أو
غسلتين، فيقصر حينئذ ولا يسقط الغسل بفوات ذلك حتى على القول بأنه عمل واحد،
وكأنه لقاعدة الميسور والاستصحاب على بعض الوجوه المعتضدين بفتوى من تعرض
لهذا الفرع من الأصحاب كالشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، ولمشابهته الأعمال المتعددة
من جهات متعددة، وإطلاق ما دل على وجوب كل غسلة من دون ظهور باشتراط الاجتماع،
ومع ذلك كله فقد يستأنس بما بعده من المسألة الآتية حيث اتفقوا ظاهرا على وجوب
الغسل بماء القراح وإن انعدم السدر والكافور.
ثم إنه هل يجب اختيار ماء القراح كما في الذكرى لظهور الأدلة في أهميته
بالنسبة إلى أخويه وأنه الذي به يحصل رفع الحدث بل قد يظهر منها أن غيره إنما هو لتنظيف
136

البدن أو حفظه من الهوام، فهو أقوى من غيره في التطهير، ولعدم احتياجه إلى جزء
آخر، نعم لو وجد ماء لغسلتين فالسدر حينئذ مقدم على الكافور، لوجوب البدأة به،
ويمكن الكافور لكثرة نفعه، أو السابق فالسابق كما في جامع المقاصد والروض وعن
غير هما، لوجوب البدأة به المستفاد من الأدلة مع ظهور عدم تقييد ذلك بالتمكن مما بعده،
كظهورها في اشتراط الترتيب القاضي بعدم صحة القراح حتى يسبق بالغسلين، فالأصل
يقضي بسقوطه عند تعذر شرطه من غير فرق بين الاختيار والاضطرار، وللاستصحاب
في بغض الوجوه، بل قاعدة الميسور عند التأمل، لأنه هو الميسور من المكلف به،
كل ذا مع ضعف ما سمعته في الوجه الأول، إذ هي بين دعوى فاقدة للدليل وبين اعتبار
لا يصلح مدركا لحكم شرعي، ومن هنا عدل الشهيد عما ذكره في الذكرى والبيان،
وهو الأقوى.
ويجب التيمم بدل الفائت على ما في البيان وجامع المقاصد والروض وعن
المسالك، لعموم بدلية التراب، ولاستقلاله بالاسم والحكم، ولأن وجوب التعدد
في المبدل منه، وعدم إجزاء أحد أقسامه أو القسمين عنه يوجب عدم اجزائها أو أحدها
عن بدله.
قلت: وقد يشكل ذلك بناء على المختار من أن غسل الميت عمل واحد، لعدم
ظهور أدلة التيمم في بدليته عن الجزء، ولعله لذا حكم في الذكرى بعدم التيمم معللا له
بحصول مسمى الغسل، إذ مآله عند التأمل إلى عدم ثبوت تلفيق من التراب والماء،
كما أنه قد يشكل بدليته أيضا عن الكافور بناء على الاكتفاء بالمضاف منه، لظهورها
أيضا في بدلية ما كان الماء شرطا فيه، لكن قد يدفع الأول بعموم البدلية، وبأن وإن
كان عملا واحدا إلا أن له شبها بالا عمال المتعددة، كما أنه قد يدفع الثاني بالعموم أيضا
لما صح رفعه بالماء وإن لم يكن شرطا فيه، ومع ذلك كله فالمسألة لا تخلو من إشكال
137

وإن كان الذي يقوى الآن في النظر سقوط التيمم، إلا أن الاحتياط هنا كاللازم،
خصوصا والمفقود في المقام ماء القراح بناء على ما سمعته من المختار، وينبغي الاجتزاء
بتيمم واحد وإن كان الفائت غسلين بناء على الاجتزاء به عند فوات الثلاث على
ما ستعرف ففيه أولى، نعم قد يتجه التعدد بناء على تعدده عند فوات الثلاث، يأتي
الكلام فيه.
(ولو عدم الكافور والسدر غسل بالماء القراح) بلا إشكال ولا خلاف أجده
بين كل من تعرض لذلك من الأصحاب كالشيخ والحلي والفاضلين والشهيدين والمحقق
الثاني وغيرهم من متأخري المتأخرين، فاحتمال القول حينئذ بالانتقال إلى التيمم بناء
على أن غسل الميت عمل واحد وقد تعذر بتعذر جزئيه لا التفات إليه، سيما بعد ما سمعته
في المسألة السابقة من القاعدة وغيرها، مع اعتضادها بما سمعته هنا أيضا، ولا إشعار
فيما في المبسوط والسرائر بعدم وجوب ذلك وإن قالا لا بأس بالغسل بماء القراح، إذ
الظاهر إرادة الوجوب، لأنه متى جاز هنا وجب، فتأمل. نعم صريح المعتبر والنافع
ومجمع البرهان والمدارك وظاهر الذكرى ومحتمل المبسوط كما عن النهاية سقوط ما عدا المرة
الواحدة وكأنه لجزئية الخليطين، فيفوت بفواتهما، ولأن المراد بالسدر الاستعانة على
إزالة الدرن، وبالكافور تطييب الميت وحفظه بخاصية الكافور من إسراع التغيير
وحفظ الهوام، ومع عدمهما فلا فائدة في تكرار الماء.
خلافا للعلامة والمحقق الثاني والشهيد الثاني، فأوجبوا ثلاث غسلات، ولعله الظاهر من
السرائر كما عرفت، وإليه أشار المصنف بقوله: (وقيل لا تسقط الغسلة بفوات ما يطرح فيها)
وكأنه لظهور كثير من الأخبار بكونه واجبا مستقلا لا جزءا، كقوله (عليه السلام):
" غسله بماء وسدر " فالمأمور به شيئان متمايزان وإن امتزجتا في الخارج، وليس الاعتماد
في إيجاب الخليط على ما دل على الأمر بتغسيله بماء السدر خاصة حتى يرتفع الأمر بالمضاف
138

بارتفاع المضاف إليه، وبعد تسليمه لا نسلم فوات الكل بفوات الجزء بعد قيام المعتبرة
المنجبرة بعمل الأصحاب في الجملة، وبعدم سقوط الميسور بالمعسور، بل قد يظهر
من المختلف في المقام الحكم بوجوب الجزء وإن انتفى الكل مع قطع النظر عن هذه القاعدة،
ولعله لثبوت وجوبه بوجوب الكل، ضرورة استلزام وجوب المركب وجوب أجزائه،
ولو لم يعلم سقوط ذلك بعد انتفائه، فيستصحب وجوبه حينئذ.
(و) مما سمعته في بيان الوجهين قال المصنف: (فيه تردد) وإن كان قد يناقش
فيما ذكر من مدرك الثاني، إذ هو إما مبني على إنكار جزئية السدر من المكلف به،
ولا ريب في فساده، لظهور قوله ماء السدر والسدر فيه، ولا ينافيه ماء وسدر، إذ
هو مع إمكان تنزيله على الأول مراد منه الاجتماع قطعا، وليس هو من قبيل اضرب
زيدا وعمروا كما هو واضح، وإما مبني على المناقشة في قاعدة انتفاء الكل بانتفاء الجزء،
لقاعدة الميسور أو لما سمعته من المختلف، وهما معا محل للنظر، أما الأولى فقد يمنع
شمولها لمثل المقام الذي هو من قبيل الأجزاء المتصلة التي يحللها العقل، إذ من الظاهر
عدم تناولها لما لو كان المكلف به شخصا خاصا فينتقل منه مثلا إلى نوعه، ولا ريب أن
المكلف به هنا ماء السدر، وبعد انتفاء السدر لا ينتقل منه إلى مطلق الماء، مع أنه
يمكن أن نخص هذه القاعدة بالمركبات الشرعية دون غيرها، لكن قد يقال: إن
المكلف به هنا ماء وسدر كما هو مضمون بعض الأخبار (1) فيتمشى فيه القاعدة، وفيه
أنه بعد التسليم فقد يمنع حينئذ التمسك بها من دون جابر يجبرها في خصوص المقام،
ووجوده في غيره غير مجد، إذ لعل العمل بما يوافق بعض مضمونها فيه لغيرها من الأخبار
المنطبقة على ذلك المقام وإن لم نعثر عليها، ولا يلزم من ذلك عدم جواز العمل بها عند
وجدان الشهرة مع عدم دليل غير هذه الأخبار مثلا، للاكتفاء بوجود الشاهد من

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 و 6
139

أخبار أهل البيت (عليهم السلام) في العمل وإن لم نعلم أن منشأ حكم المشهور تلك الأخبار
نفسها، نعم قد يقال بالاكتفاء في الجبر بمقام عن سائر المقامات إذا علم أن منشأ علمهم
بالحكم إنما هو خصوص هذه الأخبار، ولم يثبت، ولتحرير المسألة مقام آخر، وأما
الثانية فأوضح فسادا، ضرورة أنه لا وجه لاستصحاب وجوب الجزء الثابت وجوبه
من تلك الحيثية بعد انتفاء الكل، فمن ذلك كان الأول لا يخلو من قوة وإن كان الثاني
أحوط إن لم يكن أولى، لا لما ذكر بل لما سيأتي مما دل (1) على كون المحرم كالمحل غسلا
وغيره إلا أنه لا يقربه كافور، إذ المتعذر عقلا كالمعتذر شرعا.
ثم إنه ذكر في جامع المقاصد أنه بناء عليه يجب التمييز بين الغسلات بالنية محافظة
على الترتيب، وفيه تأمل بل منع، كما أنه كذلك أيضا بالنسبة إلى وجوب التيمم
بناء على المختار، لعدم ظهور تناول أدلة مشروعيته لمثل المقام كما هو واضح.
ثم إن الظاهر وجوب إعادة الغسل لو وجد الخليطان قبل الدفن على كل من
القولين وفاقا للذكرى وجامع المقاصد والروض، وخلافا لصريح المدارك وظاهر مجمع
البرهان، لعدم ظهور الأخبار في بدلية الممكن عن المتعذر حتى يقتضي الاجزاء فهو من
قبيل الأعذار، بخلافه بعده قطعا مع استلزامه النبش، وعلى احتمال في غيره كما لو
اتفق خروجه لأمر ما لانصراف إطلاقات الأخبار (2) إلى غيره، فالأصل البراءة،
ولاطلاق ما حكاه في الرياض من الاجماع، وهو لا يخلو من نظر بناء على وجوب إعادته
قبل الدفن، لابتنائه على ما عرفت من عذرية الغسل الأول، لا إجزائه، فهو كمن
دفن بغير غسل ثم اتفق خروجه، اللهم إلا أن يفرق بين الأجزاء قبل الدفن وبعده
تنزيلا لما بعد الدفن منزلة انتهاء زمان التكليف بخلافه قبل الدفن، وهو لا يخلو من وجه.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت
140

كما أن المتجه بناء على المختار وجوب الغسل بمسه على ما صرح به في الكتب
السابقة، بل صرح في بعضها بذلك أيضا في كل غسل شرع للضرورة، قال: وبالأولى
التيمم، وكأنه للاستصحاب وعدم إفادة مثل ذلك طهارة للميت، لكن قد يناقش
فيه بظهور الأدلة في قيام الاضطراري من الطهارات مقام الاختياري، كما في وضوء
الجبائر والأقطع وغسلهما ونحو ذلك، وخصوصا في التيمم، لما دل على أنه بمنزلة
الماء (1) وأنه أحد الطهورين (2) ونحوهما، لكن قد يدفع الأخير بأن وجوب الغسل
بالمس إنما هو للنجاسة التي لا ترتفع بالتيمم، على أن مبدل التيمم هنا ليس ماءا فقط،
بل هو مع ماء السدر والكافور، ولا دليل على حصول حكمهما بعد تعذرهما بالتيمم،
وهو قوي، ومنه ينقدح الفرق بين التيمم وغيره، فيجب الغسل بمس الأول دون
الثاني بشرط عدم حصول التمكن قبل الدفن، وإلا فيجب أيضا، لانكشاف عدم الاجتزاء
به حينئذ، إلا أنا لم نقف على هذا التفصيل لأحد من الأصحاب، ولعله لعموم أو
إطلاق ما دل (3) على وجوب الغسل بمس الميت حتى يغسل، وهو منصرف إلى المتعارف
المعهود، وهو الغسل الاختياري دون غيره مما لم يظهر من الأدلة قيامه مقامه في جميع
ثمراته وأحكامه، ومجرد الالزام بوجوبه وعدم السقوط بتعذر البعض لا يقضي بذلك،
فمن هنا كان الأولى ما عليه من عرفت من الأصحاب وإن كان ما سبق منا لا يخلو من
قوة، فتأمل جيدا.
ثم إن ظاهر الأصحاب والأخبار (4) أنه لا يقوم شئ مقام السدر في الاختيار
والاضطرار، لكن حكي عن العلامة في التذكرة والنهاية أنه قال: " إذا تعذر السدر

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - حديث - 5
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت
141

ففي تغسيله بما يقوم مقامه من الخطمي إشكال، من عدم النص، وحصول الغرض "
انتهى. وعندي لا إشكال في الجواز وعدم الوجوب، ولا ينافيه ما في الوسائل عن
الصدوق باسناده إلى عمار الساباطي (1) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: " إذا غسلت
رأس الميت ولحيته بالخطمي فلا بأس " قال: " وذكر هذا في حديث طويل يصف
فيه غسل الميت " انتهى.
(ولو خيف من تغسيله) أي الميت ولو صبا (تناثر جلده كالمحترق والمجدور يتيمم
بالتراب) بلا خلاف أجده بين رؤساء الأصحاب، بل عليه إجماع العلماء كما في التذكرة،
بل في الخلاف " إذا مات انسان ولم يمكن غسله يمم بالتراب مثل الحي، قاله جميع الفقهاء
إلا ما حكاه الساباطي عن الأوزاعي أنه قال: يدفن من غير غسل ولم يذكر التيمم،
دليلنا إجماع الفرقة " ونحوه حكاه في المدارك عن التهذيب، كما أن فيها وعن الذخيرة
نسبة الحكم أيضا إلى الأصحاب، يدل عليه مضافا إلى ذلك الخبر المجبور سنده بما
سمعت عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (2) قال: " إن قوما أتوا
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا: يا رسول الله مات صاحب لنا وهو مجدور،
فإن غسلناه انسلخ، فقال: يمموه " فلا وجه للمناقشة في الحكم بعد ذلك كما في المدارك
بالأصل، وبصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام) (3) " عن
ثلاثة نفز كانوا في سفر أحدهم جنب، والثاني ميت، والثالث على غير وضوء وحضرت
الصلاة ومعهم ما يكفي أحدهم من يأخذ الماء ويغتسل به؟ وكيف يصنعون؟ قال: يغتسل
الجنب ويدفن الميت ويتيمم الذي عليه وضوء، لأن الغسل من الجنابة فريضة، وغسل
الميت سنة، والتيمم للآخر جائز " لوجوب الخروج عنهما بما عرفت لو سلم ظهور الثانية

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 12
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التيمم - حديث 1
142

فيما نحن فيه، مع أنا لم نقف على هذه الرواية بهذا المتن والسند في شئ من الأصول
المشهورة، نعم هي في التهذيب بهذا المتن، لكن عن عبد الرحمان بن أبي نجران عن رجل
حدثه قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) فهي مرسلة، وفي الفقيه بالسند المذكور من
غير إرسال، لكن فيها بعد قوله: " ويدفن الميت بتيمم ويتيمم الذي عليه وضوء " فهي
لنا لا علينا، إذ لعله سقط ذلك من قلم الشيخ أو النساخ لتوهم التكرار، فتأمل جيدا.
كما أنه لا حاجة بعد ما عرفت إلى التمسك على الحكم بعموم بدلية التراب عن الماء
لامكان توجه المناقشة فيه بما سمعته سابقا من ظهورها في غير المقام من حيث شركة غير
الماء مع الماء في المقام، ومن ظهورها أيضا في رفع الأحداث خاصة، لا في مثل ما نحن
فيه من الغسل الذي يحصل به رفع الخبث وغيره، إلى غير ذلك.
وكيف كان فقضية ما عرفته من أدلة الحكم عدم وجوب أزيد من تيمم واحد،
بل قد يشعر نسبته إلى الأصحاب في الذكرى وكشف اللثام بالاجماع، قلت: وينبغي
القطع به إذا جعلنا التطهير بماء القراح، مثله أيضا على المختار من أن غسل الميت عمل واحد،
نعم قد يشكل ذلك بناء على أنها أغسال متعددة، ومن هنا اختار في التذكرة وجوب
الثلاث وتبعه في جامع المقاصد معللا له في الأخير بأنه بدل عن ثلاثة أغسال، وكونها
في قوة واحد لا يخرجها عن التعدد، وإذا وجب التعدد في المبدل منه مع قوته ففي البدل
الضعيف بطريق أولى انتهى. وهو كما ترى مع مخالفته لاطلاق النص والفتوى لا محصل
له بحيث يصلح مدركا شرعيا، بل ظاهره وجوب ذلك حتى على البناء على كونه عملا
واحدا، وهو عجيب، إذ كيفية المبدل منه لا تنسحب إلى البدل كما هو واضح.
وكيف كان فكيفية تيممه (كما يتيمم الحي العاجز) رأسا الذي لا قابلية له بأن
يتولى شيئا من الفعل ولو بمعين، فإنه حينئذ يتولاه بتمامه الأجنبي عدا النية، وبها
يفترق عن الميت، لوجوبها على المباشر، إذ هو المكلف بالتيمم بخلاف الحي، وإنما
143

قيدنا الحي بما سمعت حذرا من احتمال اقتضاء التشبيه الضرب بيدي الميت الأرض
والمسح بهما جبهته ويديه كما يصنع بالحي المتمكن من ذلك، وهو مناف لما صرح به
بعض الأصحاب من كيفية تيمم الميت، ويؤيده الاعتبار، لكون التيمم بدل الغسل
المكلف به الحي، فلا مدخلية لضرب الأرض بيد الميت، لكن قد يوهم ذلك عبارة
المقنعة فلاحظها، ويحتمل أن يراد بالعبارة وغيرها كمعقد إجماع الخلاف إرادة بيان
أصل كيفية التيمم، وأنه لا خصوصية لتيمم الميت وإن كان لا يخلو ذلك من بعد في
نحو عبارة المصنف، للوصف فيها بالعاجز، والأمر سهل.
(وسنن الغسل)
(أن يوضع) الميت (على ساجة) أو سرير بلا خلاف كما في المنتهى، أو مطلق
ما يرفعه الأرض كما في الغنية مدعيا الاجماع عليه، ويرشد إليه - مضافا إلى ذلك
وإلى ما عساه يشعر به ما في بعض الأخبار (1) من الأمر بوضعه على المغتسل - أنه
أحفظ لبدن الميت من التلطخ إلا أن ذلك لا يخص الساج بل ولا الخشب، لكن الأولى
تقديمه على الخشب، ثم الخشب على غيره، وكيف كان فينبغي حينئذ أن يكون
مكان الرجلين منحدرا عن موضع الرأس كما نص عليه بعضهم، وفي كشف اللثام
" والساج خشب والساج خشب أسود يجلب من الهند، والساجة الخشبة المربعة منها " انتهى.
ويستحب وضعه (مستقبل القبلة) على هيئة المستحضر، فيستقبل بباطن قدميه
ووجهه القبلة بلا خلاف أجده بين أصحابنا في الكيفية، نعم هو واقع بالنسبة للاستحباب
والوجوب، فالأول خيرة المصنف في كتبه، والعلامة في القواعد والإرشاد والمختلف،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
144

والشهيدين في البيان والروض، والشيخ في الخلاف والجمل والعقود، وابن زهرة
في الغنية، وابن سعيد في الجامع، وهو المحكي عن مصريات السيد والوسيلة والاصباح،
وفي المدارك نسبته إلى الأكثر، والثاني ظاهر المبسوط أو صريحه كظاهر المنتهى وصريح
المحقق الثاني، واختاره بعض متأخري المتأخرين، والأقوى الأول، للأصل
وإطلاق أكثر الأدلة، وصحيح ابن يقطين (1) سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)
" عن الميت كيف يوضع على المغتسل موجها وجهه نحو القبلة أو يوضع على يمينه ووجهه
إلى القبلة؟ قال: يوضع كيف تيسر، فإذا طهر وضع كما يوضع في قبرة " المعتضدين
بالشهرة بين الأصحاب، واستبعاد خفاء مثله، بل في الغنية بعد نصه على استحباب
ذلك وغيره كل ذلك بدليل الاجماع، وربما يظهر ذلك من الخلاف أيضا في وجه،
بل في المدارك بعد نسبة ذلك إلى الشيخ وأكثر الأصحاب حكى عن المعتبر دعوى اتفاق
أهل العلم عليه، قلت: لكن الموجود فيه " وسنن الغسل يشتمل على مسائل: الأولى
أن يوضع الميت على مرتفع موجها إلى القبلة - إلى أن قال -: أما الاستقبال في
التغسيل فهو اتفاق أهل العلم، لكن عندنا يستقبل بباطن قدميه ليكون وجهه إلى القبلة،
ويدل عليه من طريق أهل البيت (عليهم اسلام) روايات " انتهى. وهو محتمل لإرادة
الاتفاق على الاستقبال من دون تعرض للاستحباب، ولعل رجوعه إلى ما قدمه سابقا
من استحباب الاستقبال فتكون الأم للعهد أولى، فتأمل
وكيف كان فلا وجه للمناقشة في الصحيح بعد ذلك بخروجه عما نحن فيه، لعدم
وجوب ما لا يتسير قطعا، مع إمكان اندفاعها أولا بظهور المراد منه عرفا، وبدلالتها
على التخيير أيضا مع تيسر الحالتين كدلالتها على عدم وجوب نقله عن ذلك المكان إذا
تعسر توجيه وجهه إلى القبلة، كل ذا مع عدم قوة ما يصلح لإفادة الوجوب حتى

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
145

يرتكب له مثل ذلك، إذ ليس هو إلا الأمر بوضعه مستقبل القبلة عند إرادة تغسيله
في مرسل يونس (1) وخبر الكاهلي (2) وهما - مع القصور في السند واشتهار " افعل "
في الندب - قد يظن أو يقطع بإرادته منه هنا بعد ما سمعت، وخصوصا مع اشتمالهما
على كثير من المستحبات، فكأنها مساقة لبيان مطلق الرجحان، والحسن بإبراهيم (3)
قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا مات لأحدكم ميت فسجوه
تجاه القبلة، وكذلك إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة " وهو مع تسليم ظهوره
لا يقاوم ما عرفت، فتأمل جيدا.
(و) كذا يستحب (أن يغسل تحت الظلال) قاله الأصحاب كما في جامع
المقاصد سقفا كان أو غيره للصحيح (4) عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: " سألته
عن الميت هل يغسل في الفضاء؟ قال: لا بأس، وإن ستر فهو أحب إلي " وخبر
طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام) (5) " إن أباه كان يستحب أن يجعل بين الميت
وبين السماء الستر يعني إذا غسل " وهما يفيدان استحباب مطلق الستر، لكن قال في
المعتبر: " ويستحب أن يغسل تحت سقف - إلى أن قال بعد ذكره الرواية الثانية -:
إن طلحة بن زيد تبري، لكنها منجبرة برواية علي بن جعفر " (عليه السلام) (6) واتفاق
الأصحاب " انتهى. وفي التذكرة " ويستحب أن يكون تحت سقف، ولا يكون تحت
السماء، قاله علماؤنا " انتهى. ولعلهما يريدان ما ذكرنا خصوصا الثاني بقرينة ما سمعته
من جامع المقاصد وظهور قوله في التذكرة " ولا يكون " في تفسير المراد بالأول، وإلا لأفاد
كراهية ذلك، مع ظهور الصحيح في عدمه كما عرفت، والأمر سهل.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 - 1
(6) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 2 - 1
146

(و) كذا يستحب (أن يجعل لماء الغسل حفيرة) تختص به إجماعا كما في الغنية،
وللحسن السابق " وكذا إذا غسل يحفر له موضع الغسل ".
(ويكره إرساله في الكنيف) المعد لقضاء الحاجة، لما في الذكرى " أجمعنا على
كراهية إرسال الماء في الكنيف دون البالوعة " انتهى. ولمكاتبة الصفار (1) في الصحيح
أبا محمد (عليه السلام) (هل يجوز أن يغسل الميت وماؤه الذي يصب عليه يدخل إلى
بئر كنيف؟ فوقع (عليه السلام) يكون ذلك في بلاليع " وهو مع اعتضاده بالاجماع
السابق كاف في إثبات ذلك، ومع الأصل كاف في نفي الحرمة، فما عن الفقيه كالرضوي (2)
" لا يجوز ذلك " مراد به ما ذكرنا، وإلا كان كما ترى. (ولا بأس بالبالوعة) وإن اشتملت
على نجاسة، لاطلاق الصحيح المتقدم، وما سمعته من الذكرى، بل وإن تمكن
من الحفيرة لاطلاقهما أيضا، فما عن جماعة من اشتراط ذلك بتعذرها لا يخلو من نظر.
(و) يستحب (أن يفتق قميصه) إن افتقر إليه النزع من تحته بإذن الوارث
البالغ الرشيد، فلو تعذر لصغر أو غيبة لم يجز كما نص عليه في جامع المقاصد والمدارك،
ولعله لضعف ما دل (3) عليه عن مقاومة ما دل (4) على النهي عن التصرف في مال الغير
بغير إذنه وإن كان لحكم مستحب، ولكن قد يتأمل فيه لاطلاق خبر عبد الله بن
سنان (5) " ثم يخرق القميص إذا فرغ من غسله وينزع من رجليه " مع انجباره باطلاق
عبارات الأصحاب وملاحظة غالب أحوال الناس في ذلك من استنكار طلب الإذن
وعدم تيسره غالبا، فلعل الأقوى حينئذ القول به مطلقا سيما مع عدم تحقق النهي عنه.

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(2) المستدرك - الباب - 25 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8.
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب عقد البيع وشرائطه من كتاب التجارة.
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8
147

(و) إذا فتق قميصه (ينزع من تحته) لما سمعته من الخبر المنجبر بفتوى كثير
من الأصحاب به، بل في جامع المقاصد أنه " لا كلام بين الأصحاب في استحباب نزع
القميص من تحت الميت " انتهى. ويؤيده مع ذلك أنه أحرى لسلامة الأعالي من تلطخ
النجاسة التي هي مظنة وقوعها من المريض، إنما البحث في أنه هل المستحب تغسيله عريانا
مستور العورة كما هو صريح المعتبر وغيره، بل في المختلف وعن غيره أنه المشهور،
ولعله لأنه أمكن في التطهير من التغسيل بالقميص، ولأن الحي يتغسل مجردا فالميت
أولى، وفي المعتبر والتذكرة " تعليله بأن الثوب ينجس بذلك ولا يطهر بصب الماء
فينجس الميت والغاسل " انتهى. أو المستحب تغسيله في قميصه كما هو المحكي عن ابن أبي
عقيل والمنسوب إلى ظاهر الصدوق، واختاره بعض متأخري المتأخرين لما في صحيحي
ابن مسكان (1) وابن خالد (2) " إن استطعت أن يكون عليه قميص فتغسله من تحته "
وصحيح ابن يقطين (3) " ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده ويصب عليه من فوقه "
والمروي (4) من تغسيل أمير المؤمنين (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله) في قميصه،
بل عن ابن أبي عقيل دعوى تواتر الأخبار في ذلك، أو أنه مخير بين الأمرين كما هو ظاهر
المحقق الثاني أو صريحه كالخلاف، جمعا بين هذه الأخبار وبين ما دل عليه عريانا مستور
العورة خاصة كمرسل يونس عنهم (عليهم السلام) (5) " فإن كان عليه قميص فأخرج
يده من القميص، واجمع قميصه على عورته، وارفعه من رجليه إلى ركبتيه، وإن
لم يكن عليه قميص فألق على عورته خرقة " والحسن كالصحيح عن الصادق (عليه السلام) (6)
قال: " إذا أردت غسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوبا يستر عنك عورته إما قميص أو

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 - 14.
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 - 14.
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 2
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 2
148

غيره، ثم تبدأ " إلى آخره. وفي الخلاف " يستحب أن يغسل الميت عريانا مستور
العورة، إما بأن يترك قميصه على عورته، أو ينزع قميصه ويترك على عورته خرقة،
وقال الشافعي: يغسل في قميصه، وأبو حنيفة ينزع قميصه ويترك على عورته خرقة،
دليلنا إجماع الفرقة وعملهم أنه مخير بين الأمرين " انتهى. والظاهر أن مراده بالأمرين
التغسيل بالقميص وعريانا مستور العورة، لا ما ذكرهما أولا من الستر بالقميص أو الخرقة،
اللهم إلا أن يراد بالتغسيل في القميص ذلك.
ومنه ينقدح حينئذ إمكان تنزيل الأخبار السابقة الآمرة بالتغسيل في القميص على
إرادة ذلك، فلا ينافي استحباب النزع الذي حكيت عليه الشهرة، لكنه بعيد كاحتمال حملها
على إرادة الجواز، فلا تنافيه أيضا سيما في بعضها نحو قوله (عليه السلام): " ولا يغسل
إلا في قميص وغيره " ولعل الأقوى التخيير، ومن جميع ما ذكرنا يستفاد ضعف ما يظهر
من ابن حمزة من إيجاب تغسيله مجردا عن ثيابه، لما عرفت من الاجماع والأخبار،
وكذا ما عساه يظهر من التعليل السابق في المعتبر والتذكرة من نجاسة الثوب بذلك وعدم
طهارته بالصب فيتنجس الميت والغاسل، لظهور الأخبار في الأمر به، وهو إما
لعدم احتياج طهارته هنا إلى العصر، أو عدم تنجس الميت به وإن أوجبنا عصره بالنسبة
إلى طهارته نفسه بعد ذلك، أو غيرهما، فتأمل جيدا.
(و) كذا يستحب أن (يستر عورته) حيث لا يوجد ما يقتضي الوجوب كما لو
كان المغسل أعمى، أو واثقا من نفسه بعدم النظر، أو كان المغسل بالفتح ممن يجوز
النظر إلى عورته، كما لو كان طفلا أو زوجا، وإلا فلا إشكال في وجوب ستر العورة
عن الناظر المحترم، قلت: قد يناقش حينئذ في ثبوت الاستحباب في بعض ما تقدم إن
لم يكن الجميع، إذ الوجوه الاعتبارية لا تصلح مدركا للأحكام الشرعية، والأمر في
الأخبار بستر العورة ظاهره الوجوب فهو محمول على غيرها، نعم قد يقال: إن
149

وجوب الستر إنما هو على المنظور، وإلا فالناظر إنما يحرم عليه النظر، وبعد فرض
سقوط الأول هنا بالموت فلم يبق إلا الثاني، وهو لا يستلزم وجوب الستر، لعدم
التوقف عليه، فيستحب خصوص الستر حينئذ استظهارا وحذرا من الغفلة ونحوها،
وحينئذ فلا ينبغي أن يخص الحكم بما ذكر، بل هو على إطلاقه، فتأمل جيدا.
(و) كذا يستحب (تلين أصابعه برفق) فإن تعسر تركها، وهو مذهب أهل
البيت (عليهم السلام) كما في المعتبر، وكفى به حجة لمثله، وكيف مع ما في الخلاف
من إجماع الفرقة وعملهم على استحباب تليين أصابع الميت، وفي خبر الكاهلي (1)
" ثم تليين مفاصله، فإن امتنعت عليك فدعها، ثم ابدأ بفرجه " إلى آخره. وعن
الفقه الرضوي (2) " وتلين أصابعه ومفاصله ما قدرت بالرفق، وإن كان يصعب عليك
فدعها " إلى آخره. مع انجبار ذلك كله بالشهرة المحكية في المختلف، ولعلها محصلة،
فما عن ابن أبي عقيل - أنه لا يغمز له مفصلا مدعيا تواتر الأخبار عنهم (عليهم السلام) بذلك، والخبر
طلحة بن زيد عن الصادق (عليه السلام) (3) " كره أن يغمز له مفصل " - واضح الضعف،
وعن الشيخ حمله على ما بعد الغسل، وفيه أنه لا يتجه في مثل حسنة حمران بن أعين
عن الصادق (عليه السلام) (4) " إذا غسلتم الميت منكم فارفقوا به ولا تعصروه ولا تغمزوا
له مفصلا " لظهوره عند التغسيل، فلعل الأولى حملها على إرادة ما ينافي الرفق، فلا
ينافي ما ذكرنا، فتأمل.
(و) كذا يستحب أن (يغسل رأسه برغوة السدر) باتفاق فقهاء أهل البيت
(عليهم السلام) كما في المعتبر مع زيادة الجسد، وهو الحجة، مضافا إلى ما في مرسل

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل الميت - حديث 5
(2) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت - حديث 4 - 6
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت - حديث 4 - 6
150

يونس (1) " ثم اغسل رأسه بالرغوة وبالغ في ذلك واجتهد أن لا يدخل الماء منخريه
ومسامعه، ثم أضجعه على جانبه الأيسر " إلى آخره. لكن لا دلالة فيهما على كون
ذلك (أما الغسل) وإن ذكر ذلك المصنف هنا والعلامة في جملة من كتبه، فمن العجيب
ما في الرياض من جعله مستند الحكم في المقام إجماع المعتبر، بل ظاهر المرسل كونه من
الغسل الواجب كما اعترف به جماعة، وليس في غيره تعرض لذكر الرغوة فضلا عن
الغسل بها مقدما على الغسل، نعم قد يشعر به صحيح ابن يقطين عن العبد الصالح
(عليه السلام) (2) " غسل الميت يبدأ بمرافقه فيغسل بالحرض، ثم يغسل وجهه ورأسه
بالسدر، ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرات، ولا يغسل إلا في قميص يدخل رجل يده
ويصب عليه من فوقه، ويجعل في الماء شئ من سدر وشئ من كافور " إلى آخره.
على أن يراد بالسدر رغوته بقرينة ما بعده، لكنه كما ترى، ولعل القول باستحباب ذلك
وجعله من أجزاء الغسل بناء على ما تقدم سابقا من عدم اشتراط بقاء الاطلاق في غسلة
السدر لا يخلو من قوة، ولا يأبى ذلك كثير من كلامات الأصحاب، قال في كشف
اللثام بعد أن قال العلامة: ويستحب غسل رأسه برغوة السدر أولا، وذكر الاستدلال
عليه بمرسل يونس السابق: " ولا دلالة له على خروجه عن الغسل، بل الظاهر أنه أوله،
وكذا سائر الأخبار وعبارات الأصحاب، وعبارة الكتاب وإن احتملت ذلك
كعبارات أكثر كتبه لكنه لما اشترط في ماء السدر البقاء على الاطلاق دل ذلك على
إرادته ما قدمناه " انتهى. وهو ظاهر فيما ذكرنا، فتأمل جيدا. وإن تعذر السدر
فالخطمي وشبهه في التنظيف كما عن التذكرة والمنتهى والتحرير، ولم نقف له على دليل
صريح فيه، نعم قد يشهد له ما في خبر عمار (3) " وإن غسلت رأسه ولحيته بالخطمي
فلا بأس ".

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 7 - 10
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 7 - 10
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 7 - 10
151

(و) كذا يستحب أن (يغسل فرجه ب‍) ماء (السدر والحرض) أي الأشنان
سابقا على الغسل كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والجامع والقواعد، لخبر
الكاهلي (1) وفيه تثليث غسله، والاكثار من الماء، والأمر بغسله كذلك في ماء
الكافور والقراح، ولذا قال في الذكرى: " ويستحب غسل يديه وفرجيه مع كل
غسلة كما في الخبر وفتوى الأصحاب " انتهى. وعن المقنعة والاقتصاد والمصباح ومختصره
والمراسم والسرائر الاقتصار على الحرض خاصة، ولعله لحبر معاوية بن عمار (2) قال:
" أمرني أبو عبد الله (عليه السلام) أن أعصر بطنه ثم أوضأه بالأشنان ثم أغسل رأسه بالسدر) إلى
آخره. ومن العجيب ما في الرياض حيث قال بعد أن نقل ما ذكرناه عن الكتب السالفة:
" ولم أقف على مستندهما سوى رواية الكاهلي، وليس فيها إلا غسله بالسدر خاصة "
انتهى. إذ صريح خبر الكاهلي السدر والحرض، كما أن في خبر معاوية ما عرفت.
(و) كذا يستحب أن (تغسل يداه) إجماعا كما في الغنية إن خلت من النجاسة
وإلا فيجب، ونسبه في الذكرى إلى الأصحاب، وستستمع ما في المعتبر والتذكرة
في المسألة الآتية، وكيف كان فالحجة فيه مضافا إلى ذلك ما في مرسل يونس (3)
" ثم اغسل يديه ثلاث مرات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع " ومنه يستفاد
استحباب التثليث كما عن الاقتصاد والمصباح ومختصره والسرائر، كما أنه يستفاد من
سياقه كون ذلك بماء السدر كما عن الفقيه النص عليه، ولا بأس به كما لا بأس بما عن
الدروس من التحديد لليدين برؤوس الأصابع إلى نصف الذراع، لما عرفته من المرسل
السابق، لكن قد يناقش فيه بما في الحسن كالصحيح (4) " ثم تبدأ بكفيه " اللهم إلا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - 8 - 3
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - 8 - 3
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - 8 - 3
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 2
152

أن يحمل الكف فيه على ما يعم الذراعين، أو يجمع بينه وبين السابق بالحمل على الاختلاف
في الفضل، كما أنه يحتمل ذلك أيضا في صحيح ابن يقطين (1) " غسل الميت يبدأ
بمرافقه فيغسل بالحرض " فتأمل جيدا.
(و) يستحب أن (يبدأ) بعد ذلك (بشق رأسه الأيمن) لما في خبر الكاهلي (2)
" ثم تحول إلى رأسه وابدأ بشقه الأيمن من لحيته ورأسه " وما في سنده من الطعن لو
سلم لا ينافي إثبات مثله، على أنها مجبورة بما في المعتبر والتذكرة، قال في الأول:
" ويبدأ بغسل يديه قبل رأسه ثم يبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر، ويغسل كل عضو ثلاثا
في كل غسلة، وهو مذهب فقهائنا أجمع - إلى أن ذكر خبر الكاهلي وقال -: عمل
الأصحاب على مضمونه " وقال في الثاني: " يستحب أن يبدأ بغسل يديه قبل
رأسه ثم غسل رأسه يبدأ بشقة الأيمن ثم الأيسر، ويغسل كل عضو منه ثلاث مرات،
قاله علماؤنا " انتهى.
(و) منهما يستفاد استحباب ما ذكره المصنف من أنه (يغسل كل
عضو منه ثلاث مرات في كل غسلة) مع ما في الذكرى من الاجماع أيضا على تثليث غسل
أعضائه كلها من اليدين والفرجين والرأس والجنبين، ومرسل يونس (3).
(و) يستحب أيضا (مسح بطنه) برفق (في الغسلتين الأوليين) أي قبلهما
حذرا من خروج شئ بعد الغسل، ولخبر الكاهلي وغيره كالاجماع في الغنية على استحباب
مسح بطنه في الغسلتين الأولتين، ونحوه المصنف في المعتبر، والظاهر دخوله تحت معقد
إجماع الخلاف أيضا (إلا أن يكون الميت امرأة حاملا) فلا يستحب بل يكره، كما عن
الوسيلة والجامع والمنتهى النص عليه حذرا من الاجهاض، ولخبر أم أنس بن مالك (4)

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 - 5
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 - 5
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
153

عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " إذا توفيت المرأة فإن أرادوا أن يغسلوها فليبدؤوا
ببطنها وتمسح مسحا رفيقا إن لم تكن حبلى، وإن كانت حبلى فلا تحركيها " وظاهره
الحرمة كما عساه الظاهر من المصنف في المعتبر، حيث قال: إنه لا يؤمن معه الاجهاض،
وهو غير جائز كما لا يجوز التعرض له في الحية، ويحتمله ما في الذكرى وجامع المقاصد،
مع ما في الأخير " أنها لو أجهضت فعشر دية أمه، نبه على ذلك في البيان " انتهى.
لكن الذي يقوى في النظر عدم الحرمة في نحو المسح الرفيق، لقصور الخبر عن إفادته
فيبقى الأصل سالما، نعم قد يقال بها مع العنف كما في الحية للاستصحاب، ولحرمة
المؤمن ميتا كحرمته حيا، فتأمل.
ثم إن ظاهر اقتصار المصنف وغيره على استحباب المسح في الغسلتين عدمه في الثالثة
وهو كذلك إجماعا كما في المعتبر والتذكرة والذكرى، ويعضده الأصل وخلو الأخبار،
بل في الخلاف وعن غيره النص على كراهيته، بل ربما يشمله إجماعه فيه، فلا حظ وتأمل.
(وأن يكون الغاسل له عن يمينه) كما عن النهاية والمصباح ومختصره والجمل والعقود
والمهذب والوسيلة والسرائر والجامع، بل في الغنية الاجماع عليه، وهو الحجة فيه
بعد المسامحة مع عموم التيامن المندوب إليه، فما عن المقنعة والمبسوط والمراسم والمنتهى
من عدم التقييد بالأيمن للأصل وخلوا النصوص لا يخلو من نظر لما عرفت، نعم قد
يقال باستحباب مطلق الجانب مع زيادة الفضيلة في الأيمن، فتأمل.
(و) يستحب أن (يغسل الغاسل يديه مع كل غسلة) أي بعدها بلا خلاف
أجده في الجملة، لما في مرسل يونس (1) من الأمر بغسلهما إلى المرفقين بعد كل غسلة
من الغسلتين الأولتين، ولعله لذا حكي عن ابن البراج الاقتصار على ذلك، لكن في
خبر عمار (2) " ثم تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين " إلا أنه ظاهر في

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 10
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 10
154

كون ذلك بعد الفراغ من الغسلات الثلاث، كصحيح يعقوب بن يقطين (1) " ثم يغسل
الذي غسله قبل أن يكفنه يديه إلى المنكبين ثلاث مرات " الحديث. ولعله لذا حكي
عن جماعة عدم ذكر استحباب ذلك إلا بعد الفراغ من الغسلات الثلاثة، ولكن لا بأس
بما ذكره المصنف لعدم المنافاة بين الأخبار، فيثبت حينئذ استحبابه بعد كل غسلة،
نعم كان ينبغي تقييده بالمرفقين، كما هو المحكي عن جماعة لما عرفت، ولعله أراد تمام
اليد، فيكون موافقا لما في صحيح ابن يقطين، إلا أني لم أعثر على من صرح به،
كما أني لم أعثر على ما فيه أيضا من التثليث لأحد من الأصحاب، إلا أنه لا بأس به فتأمل.
(ثم ينشفه بثوب بعد الفراغ) من الأغسال الثلاثة للأخبار (2) وفي المعتبر والتذكرة
وعن نهاية الإحكام الاجماع عليه، كما في المنتهى لا نعلم فيه مخالفا، انتهى. نعم لم
أجد ما يشهد لما عساه يظهر من العبارة من كون استحباب ذلك بعد غسل الغاسل يديه،
بل ظاهر خبر عمار (3) خلافه، لكن قد يؤيده الاعتبار، فتأمل.
(ويكره أن يجعل الميت بين رجليه) وفاقا للمحكي عن الأكثر، بل لم أقف
على من حكي الخلاف فيه فضلا عن الوقوف عليه، واستدل عليه جماعة بخبر عمار (4)
" ولا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من جانبه " وهو حسن لقصوره عن إفادة
الحرمة، سيما بعد معارضته بما في خبر ابن سيابه (5) " لا بأس أن تجعل الميت بين
رجليك وأن تقوم فوقه، فتغسله إذا قلبته يمينا وشمالا، تضبطه برجليك لئلا يسقط
لوجهه " فجمع بينهما بحمل الأول على الكراهة، والثاني على أصل الجواز، وفي الغنية

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 - 10
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 و 3 و 10
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 - 10
(4) المعتبر - ص 74.
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
155

الاجماع على أنه يستحب أن لا يتخطاه، فتأمل.
(و) يكره أيضا (أن يقعده) وفاقا للمحكي عن المعظم، وفي الخلاف إجماع
الفرقة وعملهم عليه، وفي التذكرة نسبته إلى علمائنا، وفي خبر الكاهلي (1) " إياك
أن تقعده " ولأنه ضد الرفق المأمور به عموما وخصوصا في الميت، فما في صحيح
الفضل عن الصادق (عليه السلام) (2) حيث سأله " عن الميت فقال: أقعده واغمز بطنه
غمزا رفيقا " الحديث. محمول على التقية، كما هو المحكي عن عامة العامة، أو على أصل
الجواز، أو لكونه في مقام توهم الحظر للنهي عنه في غيره، أو غير ذلك، ولم نعثر
على غيره فيما وصل إلينا من الأخبار وإن ظهر من صاحب المدارك وغيره العثور على غيره،
وكيف كان فلا إشكال فيما ذكرنا لما عرفت، فما في الغنية أنه لا يجوز وعن ابن سعيد
من النص على حرمته للنهي المتقدم ضعيف، لوجوب الخروج عنه بما سمعت من الأصل
والاجماع المنجبر بالشهرة، وما أبعد ما بينهما وبين المصنف في المعتبر من التأمل في أصل
الكراهة للصحيح المتقدم، وهو ضعيف.
(و) كذا يكره (أن يقص) شئ من (أظفاره وأن يرجل شعره) وفاقا للمحكي
عن الأكثر، بل في المعتبر والتذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة، مضافا إلى قول
الصادق (عليه السلام) في خبر غياث (3) " كره أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يحلق
عانة الميت إذا غسل، أو يقلم له ظفر، أو يجز له شعر " وفي خبر طلحة بن زيد (4)
" كره أن يقص من الميت ظفر، أو يقص له شعر، أو يحلق له عانة، أو يغمز له مفصل "
وعلى ذلك يحمل النهي في مرسل ابن أبي عمير عن الصادق (عليه السلام) (5) أيضا
" لا يمس من الميت شعر ولا ظفر، وإن سقط منه شئ فاجعله في كفنه " وفي خبر

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - 9
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - 9
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 - 4 - 1
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 - 4 - 1
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 - 4 - 1
156

عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) بعد أن سأله عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو
يقلم ظفره " لا يمس منه شئ، اغسله وادفنه " وفي خبر أبي الجارود (2) حيث سأل
أبا جعفر (عليه السلام) " عن الرجل يتوفى أتقلم أظافيره وينتف إبطه وتحلق عانته إن
طال به المرض؟ فقال: لا " لقصورها عن إفادة الحرمة حتى المرسل، وإن أجراه
الأصحاب في القبول مجرى الصحيح في غير المقام، إلا أنك قد عرفت حكاية الاجماع
منهم هنا على الكراهة، فهو بالنسبة للحرمة لا جابر له.
لكن مع ذلك كله فقد يناقش فيه بمعارضة الاجماعين بمثلهما على الحرمة من الشيخ
في الخلاف وابن زهرة في الغنية، قال في الأول: " لا يجوز تقليم أظافير الميت ولا
تنظيفها من الوسخ بالخلال - إلى أن قال بعد أن حكى عن الشافعي قوليه الإباحة والكراهة
مفرعا على الثاني -: أنه إذا قال: مكروه استحب تخليل الأظافير بأخلة تنظف ما تحتها،
دليلنا الاجماع المتردد، ولأن الأصل براءة الذمة، وإثبات ما قالوه مستحبا يحتاج
إلى دليل وليس " إلى آخره. وقال أيضا: " مسألة لا يجوز تسريح لحيته كثيفة كانت أو
خفيفة، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: إن كانت كثيفة يستحب تسريحها، دليلنا
إجماع الفرقة " انتهى. وقال ابن زهرة في الغنية: " لا يجوز قص أظفاره ولا إزالة شئ
من شعره بدليل الاجماع المشار إليه " انتهى. وقال في المنتهى: " قال علماؤنا لا يجوز
قص شئ من شعر الميت ولا من ظفره ولا يسرح رأسه ولا لحيته، ومتى سقط منه
شئ جعل في أكفانه " انتهى. فلا مانع حينئذ من انجبار أخبار النهي بذلك سيما مع
عدم ظهور لفظ الكراهة في الخبرين السابقين في المعنى المصطلح، وعدم اشتمالهما على
ترجيل الشعر أي تسريحه، واحتمال إرادة مطلق المرجوحية من الكراهة في معقد إجماعي
التذكرة والمعتبر كما عساه يلوح ذلك عند التأمل في عبارة الأول، ومن ذلك كله نص

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 5
157

ابنا حمزة وسعيد على حرمة قص الظفر وتسريح الرأس واللحية في الوسيلة والجامع،
ومال إليه بعض متأخري المتأخرين.
لكن الأقوى في النظر الأول، إذ أقصى ذلك تصادم الأدلة من الجانبين،
فيبقى الأصل سالما عن المعارض، وكيف مع إمكان ترجيح أدلة الأول بالشهرة المحكية
وضعف احتمال إرادة الكراهة بالمعنى الأعم في الخبرين السابقين، سيما فيما اشتمل منها
على ذكر الغمز، للقطع بإرادتها فيه بالمعنى الأخص، واحتمال إرادة الخلاف والغنية والمنتهى
من عدم الجواز شدة الكراهة سيما الأول، لأنه قال بعد ذلك فيه أيضا:
" مسألة حلق شعر العانة والإبط وحف الشارب وتقليم الأظفار للميت مكروه - إلى
أن قال بعد أن حكى بعض مذاهب العامة -: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنهم
لا يختلفون في ذلك " انتهى. وقال في المنتهى بعد ما حكيناه عنه: " فروع - إلى
أن قال -: الثاني لا فرق بين أن تكون الأظفار طويلة أو قصيرة، وبين أن يكون
تحتها وسخ أو لا يكون في كراهية القص " انتهى. فهو كالصريح في إرادة ما ذكرنا،
فتأمل جيدا.
(و) كذا يكره (أن يغسل مخالفا فإن اضطر غسله غسل أهل الخلاف) كما تقدم
الكلام في ذلك مفصلا، وقد ترك المصنف هنا التعرض لجملة من المندوبات والمكروهات،
بل من الأصحاب من ذهب إلى حرمة بعضها، ولتفصيل ذلك مقام آخر والله الهادي.
الثالث
من أحكام الأموات
(في تكفينه)
وهو كالتغسيل وغيره من أحكامه لا خلاف فتوى ونصا في وجوبه، وفيه فضل
جزيل وثواب جسيم (ويجب أن يكفن في ثلاثة أقطاع) لا أقل بلا خلاف أجده بين
158

المتقدمين والمتأخرين عدا سلار، فاجتزى بالثوب الواحد، وهو ضعيف، للاجماع
المنقول مستفيضا أو متواترا كالسنة (1) على خلافه، ولا مستند له سوى الأصل إن
قلنا به في نحو المقام، وقول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح (2): " إنما الكفن
المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله، فما زاد فهو
سنة إلى أن يبلغ خمسة، فما زاد مبتدع " والأصل مقطوع بما عرفت، والصحيح -
مع أنه مستلزم للتخيير بين الأقل والأكثر، وفي الكافي بالواو، بل وكذا عن
بعض نسخ التهذيب، كما أنه عن أكثرها حذف الثوب، " إنما الكفن المفروض ثلاثة
أثواب تام " - محتمل للحمل على التقية، أو أن " أو " من الراوي، أو على حالتي
الاختيار والاضطرار، أو أنها بمعنى الواو على أن يكون المراد بقوله " أو ثوب " بمعنى
" وثوب منها " أو من عطف الخاص على العام، أو غير ذلك، فلا يصلح لمقاومة
بعض ما ذكرنا، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة لاطلاق الأدلة، وخصوص
بعضها، بل ادعي الاجماع عليه، فما في بعض الأخبار (3) مما ينافيه مطرح أو مؤل.
كما أنه ينبغي القطع أيضا بعدم اعتبار النية فيه وفي التحنيط ونحوهما من أحكام
الميت كحمله ودفنه، ولعله بعد ظهور الاجماع من الأصحاب على ذلك، لأن المفهوم
من الأدلة بروز هذه الأمور إلى الخارج من غير اعتبار لها، ولظهور وجه الحكمة
فيها، وأنها ليست من الأمور التي يقصد بها تكميل النفس ورياضتها والقرب ونحو
ذلك، نعم تعتبر النية في حصول الثواب كما في غيرها من الأفعال التي هي كذلك،
وليس ذا معنى اعتبار النية في العبادة، مع احتمال أن يقال هنا بحصول الثواب مع
عدم النية، لظواهر الأدلة ما لم ينو العدم، بل ربما ظهر من المحكي عن الأردبيلي

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 7 و 9 و 18
159

حصوله معه أيضا، وهو لا يخلو من وجه.
ومن العجيب ما وقع في الروض حيث قال بعد ذكره أحكام الكفن والحنوط:
" والنية معتبرة فيهما، لأنهما فعلان واجبان، لكن لو أخل لم يبطل الفعل، وهل
يأثم بتركها يحتمله، لوجوب العمل ولا يتم إلا بالنية، لقوله (عليه السلام) (1): " لا عمل
إلا بالنية " وعدمه، وهو أقوى، لأن القصد بروزهما للوجود - إلى أن قال -:
ولكن لا يستتبع الثوب إلا إذا أريد بها التقرب " انتهى. ولا يخفى عليك ما فيه بعد
ما عرفت، فتأمل.
وكيف كان فالواجب في الاقطاع الثلاثة على المشهور نقلا وتحصيلا بل هو معقد
إجماع الخلاف والغنية وغيرهما (مئزر) بكسر الميم، ثم الهمزة الساكنة، ويقال له إزار
في اللغة والأخبار، ويجزئ فيه مسماه عرفا، وحده في جامع المقاصد من السرة
إلى الركبة بحيث يسترهما معللا له بأنه المفهوم منه، وقد يمنع بتحقق الصدق بأقل من
ذلك، وكذا ما في الروضة والروض ما يستر ما بين السرة والركبة، وإن كان أقرب
من الأول، نعم لا يجتزى بما يستر العورة خاصة، وإن احتمله في الأخير، وأبعد منها
ما في المقنعة وعن والمراسم من سرته إلى حيث يبلغ من ساقيه، وكذا ما في المصباح يؤزره
من سرته إلى حيث يبلغ المئزر، وإن كان أقرب من سابقه، لعدم توقف صدق اسم
المئزر على الستر من السرة، نعم قد يقال باستحباب كونه من الصدر إلى الساقين، كما في
الوسيلة والجامع، بل ستره الصدر والرجلين كما عن الذكرى لقول الصادق (عليه السلام)
في خبر عمار (2): " ثم الإزار طولا حتى يغطى الصدر والرجلين " ويحتملهما ما في المبسوط

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4
160

" ويكون عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين، فإن نقص عنه لم يكن به بأس " انتهى.
لكن صرح في جامع المقاصد وتبعه عليه غيره أنه متى زيد على الواجب اعتبر
فيه رضا الورثة أو الوصية به، وقد يناقش فيه بأنه المستحب مما ذكرنا إنما هو أحد أفراد
الواجب المخير لا مستحبا صرفا، فيتخير حينئذ المكلف باخراجه من أصل المال من غير
اعتراض لأحد عليه، كما عساه يظهر من التأمل في نحو وصية الميت لشخص وكان
الوصي غير الوارث مثلا، اللهم إلا أن يكون ذلك المكلف في المقام هو الوارث،
فيعتبر حينئذ رضاه سيما مع ثبوت السلطنة للوارث على سائر تركة الميت، فالواجب
عليه حينئذ أقل ما يصدق عليه، لكن ومع ذلك فللنظر فيه مجال، لعدم انحصار التكليف
في الوارث إما لصغره أو جنونه، بل لعل التكليف إنما هو للولي دون سائر الورثة،
كما أنه قد يقال بالالتزام بالخروج من أصل المال حيث يوصي، إذ الوصية تمنع تخيير
المكلف في أفراد المطلق، كما تمنعه لو أوصى بتكفينه في خام خاص مثلا، كل ذا لما
دل (1) على خروج الواجب من الكفن من أصل المال الشامل للفرد الفضلي وغيره،
فتأمل جيدا عسى يندفع جميع ذلك، وللتفصيل مقام مذكور في مسألة انتقال التركة
للوارث أو تبقى على حكم مال الميت أو غير ذلك، ومنه يعلم بطلان المناقشة المزبورة،
والله العالم.
وكيف كان فيدل على اعتباره في الكفن - مضافا إلى ما عرفت وإلى ما في المنتهى
" المئزر واجب عند علمائنا " وإلى الاحتياط في وجه - قول الصادق (عليه السلام)
في خبر معاوية بن وهب (2): " يكفن الميت في خمسة أثواب قميص لا يزر عليه، وإزار،
وخرقة يعصب بها وسطه، وبرد يلف فيه، وعمامة يعتم بها ويلقى فضلها على صدره "

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب التكفين.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 13.
161

إذ بعد معلومية استحباب الخرقة والعمامة ينحصر الواجب في الثلاثة، والمراد بالإزار
منها المئزر كما عن الصحاح وغيره، ويستفاد أيضا من الغريبين، وعن الكنز أن الإزار
" لنك كوچك " وفي مجمع البحرين " الإزار بالكسر معروف يذكر ويؤنث، ومعقد
الإزار الحقوين " انتهى. ويرشد إليه كثرة إطلاقه مرادا به المئزر على وجه يقطع أو
يظن بكونه حقيقة فيه كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد في ستر العورة عند دخول الحمام
وفي أثواب المحرم وغيرهما، ولا ينافيه مقابلته للمئزر في كتب الفقه، وكذا ما يحكى
من كلام بعض أهل اللغة أنه ثوب شامل لجميع البدن، ويؤيده عرف زماننا هذا،
إذ لعل ما في كتب الفقه مبني على العرف المذكور، كما أنه يمكن منع المحكي من كلام
البعض إن أراد الحقيقة، ولا يجدي المجاز، ومع التسليم فلا أقل من الاشتراك،
فيجعل كلمات الأصحاب ومعقد إجماعاتهم وغير ذلك وما تسمعه فيما يأتي قرينة على التعيين،
بل قد يشعر قوله (عليه السلام): " وبرد يلف فيه " عدم حصول ذلك أي لف تمام
الميت بغير البرد، فيتعين المئزر، فتأمل جيدا.
ومما ذكرنا يظهر لك وجه الاستدلال بالصحيح (1) " كيف أصنع بالكفن؟ قال:
خذ خرقة فشد على مقعدته ورجليه، قلت: فما الإزار؟ قال: إنها لا تعد شيئا،
إنما تصنع لتضم ما هناك وأن لا يخرج منه شئ " الحديث. مع أنه هو اللائق بتوهم
الاستغناء به عن الخرقة بخلاف ما لو أريد به اللفافة، وكذلك يظهر دلالة الموثق (2)
أيضا " ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا، ثم تذر عليها من الذريرة، ثم الإزار طولا حتى
تغطي الصدر والرجلين، ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف، ثم القميص " مضافا إلى
ظهور كون الإزار فيه بمعنى المئزر للتصريح بتغطيته الصدر والرجلين خاصة، واللفافة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8.
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4
162

يعم البدن ونحوه على تأمل تعرفه فيما يأتي، والمرسل (1) " أبسط الحبرة بسطا ثم أبسط عليها
الإزار، ثم أبسط القميص عليه " قيل وأظهر منهما الرضوي (2) " يكفن بثلاثة أثواب
لفافة وقميص وإزار " إذ لو كان المراد بالإزار اللفافة لكان اللازم أن يقال:
قميص ولفافتان.
وقد يستدل أيضا بصحيح ابن مسلم (3) " يكفن المرأة إذا كانت عظيمة في
خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين " للتصريح فيه بالدرع الذي هو قميص، والمنطق الذي
هو الإزار، ولا فرق بينها وبين الرجل في ذلك إجماعا، والزائد لها إنما هو الخمار
واللفافة الثانية، وبالصحيح (4) " كان ثوبا رسول الله (صلى الله عليه وآله) اللذان
أحرم فيهما يمانيين عبري وأظفار، وفيهما كفن " والخبر عن أبي الحسن الأول
(عليه السلام) (5) " أني كفنت أبي (عليه السلام) في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما،
وفي قميص من قمصه " بمعونة ما يأتي في باب الحج إن شاء الله من أن ثوبي الاحرام إزار
يتزر به، ورداء يتردى فيه، كل ذا مع عدم معارض في الأخبار لما ذكرنا سوى
إطلاق ما دل (6) على التكفين بالأثواب الثلاثة، أو الثوبين والقميص، فيجب حمله على ذلك
كما هو الأصل المقرر في المطلق والمقيد، ودعوى عدم تناول اسم الثوب للمئزر واضحة البطلان
كدعوى قصوره عن إفادة وجوب الإزار، وحمل المطلق موقوف عليه، لامكان منعه
في نفسه في بعضها أو لا وبالانجبار بفتوى الأصحاب ومعقد إجماعاتهم في جميعها ثانيا،

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 2
(2) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب التكفين - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من بواب التكفين - حديث 9
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين
163

سيما مع تأيد ذلك بالاحتياط الواجب المراعاة هنا في وجه، وبأن ما ذكرناه أخيرا من
الأخبار مفصحة أن المئزر من جملة الأثواب التي وقعت متعلق الأمر ثالثا، مضافا إلى
ظهور بعض ما قدمناه سابقا منها في معروفية الإزار من قطع الكفن في ذلك الزمان بحيث
ينصرف المطلق إليه.
وكأن الشبهة نشأت لصاحب المدارك ومن تبعه من عدم تنزيله الإزار فيما تقدم
من الأخبار على المئزر، ومن هنا قال: " المئزر قد ذكره الشيخان وأتباعهما، وجعلوه
أحد الأثواب الثلاثة المفروضة، ولم أقف في الروايات على ما يقضي بذلك، بل المستفاد
منها اعتبار القميص والثوبين الشاملين للجسد أو الأثواب الثلاثة، وبمضمونها أفتى ابن
الجنيد في كتابه إلى أن قال: - والمسألة قوية الاشكال، ولا ريب أن الاقتصار
على القميص واللفافتين أو الأثواب الثلاثة الشاملة للجسد مع العمامة والخرقة التي يشد بها
الفخذ أولى " انتهى. وظاهره أو صريحه ما ذكرنا، ومآله حينئذ إلى منع كون المئزر
أحد الثلاثة، فلا يجتزى به فضلا عن أن يلزم به، فاتضح الرد عليه بجميع ما تقدم من
الأخبار، مع أنه عجيب في نفسه، إذ لا شك في صدق اسم الثوب عليه لغة وعرفا،
وليس فيها قيد الشمول ولا ظهور بلفظ الادراج في بعضها فيه، فاطلاقها حينئذ يعمه،
نعم قد يقال: إن قضية الجمع بين أخبار الإزار بمعنى المئزر وبين غيرها - مما عساه يشعر
بالاجتزاء بغيره كالحسن (1) " قلت: فالكفن، قال: يؤخذ خرقة فيشد بها سفله،
ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك، وما يصنع من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص ولفافة
وبرد يجمع به الكفن " من حيث ظهور اللفافة في شمول تمام الميت، سيما مع قصور أدلة
الإزار على الوجوب، وكثرة المطلقات ونحو ذلك، - التخيير بين المئزر وغيره،
ولعله الظاهر من المحكي عن ابن الجنيد، كما أنه عساه يظهر من المصنف في المعتبر،
أو القول باستحباب المئزر.

(1) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التكفين - حديث 5
164

ولا يخفى عليك ضعف ذلك كله بعد ما عرفت، وأما الحسن فهو مع قصوره
عن معارضة ما قدمناه محتمل لا رادة الفرد الأكمل من المئزر، وهو الذي يغطي الصدر
والرجلين، ومثله يصدق عليه اسم اللفافة، ويؤيده أنه لو أراد به الشامل لجميع الجسد
لقال: لفافتان، بل قد يشعر قوله (عليه السلام): " برد يجمع به الكفن " باختصاص
الشمول به، فتأمل.
(وقميص) والواجب منه مسماه عرفا ولم يكن من الأفراد النادرة، وقدره
بعضهم بما يصل إلى نصف الساق، ولا بأس به، وقال: إنه يستحب إلى القدم ولم
يثبت، وربما احتمل الاكتفاء به وإن لم يبلغ نصف الساق، وهو مشكل لندرته في
زمان صدور الأخبار، وتقدم في المئزر ما له نفع في المقام، فلاحظ.
ثم إن وجوب كون أحد القطع الثلاث قميصا هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل هو
معقد إجماع الخلاف والغنية وعن غيرهما، ويدل عليه - مضافا إلى ذلك وإلى الاحتياط
في وجه ما في صحيح ابن سنان (1) " ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف،
وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه " وصحيح ابن مسلم (2) عن الباقر
(عليه السلام) " تكفن المرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار " الخبر.
وخبر الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (3) " كتب أبي (عليه السلام) في وصيته أن أكفنه
في ثلاثة أثواب، أحدها برداء له حبرة كان يصلى فيه الجمعة، ثوب آخر وقميص "
الحديث. ونحوه خبره الآخر (4) ومعاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام) (5)
" يكفن الميت في خمسة أثواب: قميص لا يزر عليه، وإزار " إلى آخره. وخبر
يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) (6) " سمعته يقول: إني كفنت

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 - 9 - 10
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 - 9 - 10
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 - 9 - 10
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 14 - 13 - 15
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 14 - 13 - 15
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 14 - 13 - 15
165

أبي (عليه السلام) في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما، وفي قميص من قمصه " الحديث.
وخبر حمران بن أعين عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " قلت: فالكفن، قال:
يؤخذ خرقة فيشد بها سفله، ويضم بها فخذيه ليضم ما هناك، وما يصنع من القطن أفضل،
ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن " إلى غير ذلك من الأخبار، وقد تقدم
بعض منها في المسألة السابقة، وفيها ما يشعر بمعروفية كون القميص من أجزاء الكفن
بحيث ينصرف الاطلاق إليه.
والمناقشة في جملة مما ذكرنا منها بالنسبة للوجوب سندا ودلالة قد تدفع بالانجبار
بالشهرة المحصلة والمنقولة، بل الاجماع المنقول، فما عن ابن الجنيد من عدم وجوب
القميص فخير بينه وبين إبداله بثوب آخر يدرج فيه الميت، وتبعه عليه المصنف في
المعتبر وبعض من تأخر عنه كالشهيد الثاني في روضته، للأصل الذي يجب الخروج
عنه ببعض ما مر لو سلم جريانه، وكذا إطلاق الأثواب في كثير من الأخبار ضعيف،
نعم قد يستدل لهم بخبر محمد بن سهل عن أبيه (2) قال: " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الثياب التي يصلي فيها الرجل ويصوم أيكفن فيها؟ قال: ذلك الكفن، يعني
قميصا، قلت: يدرج ثلاثة أثواب، قال لا بأس به، والقميص أحب إلي "
ولعل هذه الرواية التي أرسلها في الفقيه حيث قال: " سئل موسى بن جعفر (عليه السلام)
عن الرجل يموت أيكفن في ثلاثة أثواب بغير قميص؟ قال: لا بأس به، والقميص
أحب إلي " لكن - مع قصوره سندا بل قيل ودلالة لاحتمال كون الألف واللام في
القميص للعهد أي القميص الذي يصلى فيه أحب إلي لا مطلق القميص - لا يقاوم بعض
ما ذكرنا، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 5
166

(وإزار) أي ثوب يشمل جميع بدنه طولا وعرضا بلا خلاف أجده، وفي السنة (1)
ما يغني عن الاستدلال بغيرها عليه، وهل يستحب زيادته طولا بحيث يشد كما
صرح به بعضهم أو يجب كما في جامع المقاصد والروض؟ ولعله لعدم تبادر غيره من الأخبار
واختاره في الرياض وهو لا يخلو من وجه وإن كان لا يخلو من نظر مع تحقق الشمول
بدونه، وأما زيادته عرضا بحيث يوضع أحد جانبيه على الآخر فلم أعرف من نص على
وجوبها، بل صرح بعضهم بالاكتفاء بشموله ولو بالخياطة للصدق، لكنه اختاره في
الرياض حاكيا له عن الروض وغيره معللا له بالعلة السابقة، ولعله أراد بغيره جامع
المقاصد، إلا أن ظاهرهما أو صريحهما الاستحباب وإن أوجبا ذلك في الطول، والأحوط
ما ذكره وإن كان في تعينه تأمل.
ثم إن المشهور في كيفية تكفينه على ما حكاه جماعة بل في المحكي من عبارة الذكرى
نسبة إلى الأصحاب، كما أن فيه عن الشيخ حكاية الاجماع عليه أن يبدأ أولا بلفافة
الفخذين، ثم المئزر ثم القميص، ولا بأس به إلا أني لم أقف فيما وصلني من الأخبار على
تمام هذه الكيفية، إذ لم يتعرض في شئ منها لها إلا مرسل يونس عنهم (عليهم السلام) (2)
وموثقة عمار (3) عن الصادق (عليه السلام) وفي الأول " أبسط الحبرة بسطا
ثم أبسط عليها الإزار ثم أبسط القميص عليه، وترد مقدم القميص عليه، ثم اعمد إلى
كافور مسحوق فضعه على جبهته موضع سجوده، وامسح بالكافور على جميع مفاصله
- إلى أن قال بعد أن ذكر التحنيط -: ثم يحمل فيوضع على قميصه، ويرد مقدم القميص
عليه " إلى آخره. ولا ريب في منافاته للمشهور لو أريد بالإزار فيه المئزر على حسب
ما قدمنا، لأنه يكون حينئذ فوق القميص، ومن هنا أمكن أن يراد به هنا اللفافة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين.
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3 - 4
167

الأولى وتكون الحبرة حينئذ اللفافة الثانية المستحبة كما سيأتي، وعلى هذا لم يكن حينئذ
فيه تعرض للخرقة والمئزر، ولعله يشد فخذاه ثم يؤزر، وبعد ذلك ينقل إلى أكفانه
كما عساه يشعر به قوله (عليه السلام): " ثم يحمل فيوضع " فلا ينافي المشهور حينئذ.
وفي الموثق " تبدأ وتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة، وتضم فخذيه
ضما شديدا، وجمر ثيابه بثلاثة أعواد، ثم تبدأ فتبسط اللفافة طولا، ثم الإزار طولا
حتى يغطي الصدر والرجلين، ثم الخرقة عرضها قدر شبر ونصف، ثم القميص تشد الخرقة
على القميص بحيال العورة والفرج حتى لا يظهر منه شئ، واجعل الكافور في مسامعه
إلى أن قال -: والتكفين أن تبدأ بالقميص، ثم بالخرقة فوق القميص على أليتيه وفخذيه
وعورته، ويجعل طول الخرقة ثلاثة أذرع، وعرضها شبر ونصف، ثم تشد الإزار "
إلى آخره. ولا ريب في منافاته للمشهور من جعل الخرقة تحت المئزر والقميص فوقه،
ولما يستفاد من غيره من الأخبار من تقدم الخرقة، كخبر حمران بن أعين عن الصادق
(عليه السلام) (1) قال فيه: " قلت فالكفن، قال: تؤخذ خرقة فيشد بها سفله، ويضم
فخذيه بها، ليضم ما هنا وما يصنع من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد
يجمع فيه الكفن " ولعله الوقوف مع المشهور أولى، لظهور إعراض جميع الأصحاب
عن هذه الموثقة بالنسبة إلى ذلك، بل قد عرفت عن الشيخ حكاية الاجماع على خلافها،
نعم يحكى عن العماني تقدم القميص على المئزر، ولعله لها، وهو ضعيف، فتأمل.
(يجزئ عند الضرورة) عقلا أو شرعا (قطعة) من القطع الثلاثة بلا خلاف
أجده، بل في المحكي عن التذكرة الاجماع عليه، والمراد بالاجزاء في العبارة وغيرها
وجوب التكفين بالمتيسر منها، للأصل وعدم سقوط الميسور بالمعسور لو قلنا بكونه من

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5
168

المركبات، مع أن الظاهر خلافه، نعم قد يشكل وجوب القطعة من كقطعة التي لا تدخل
تحت اسم أحدها في غير ما يستر العورة، وأما فيها فالظاهر وجوبه مع التمكن، كما أنه
يشكل وجوب تقديم الإزار على القميص، ثم القميص على المئزر مع الدوران وإن نص
عليه في جامع المقاصد، ويشهد له الاعتبار بالنسبة إلى الأول خاصة، لكن بحيث يصل
إلى حد الوجوب قد يتأمل فيه، بل قد يمنع بالنسبة إلى تقديم القميص على المئزر، إلا
أن الاحتياط بما ذكر.
(ولا يجوز التكفين) بالمغصوب إجماعا محصلا ومنقولا، وللنهي عن التصرف،
ولا بالنجس ولو عرضية إجماعا كما في الذكرى كالاجماع في المعتبر على اشتراط طهارة
الأكفان والغنية على عدم جوازه فيما لا تجوز فيه الصلاة، وقضية إطلاق الأولين عدمه
حتى فيما عفي عنه بالنسبة إلى الصلاة، ولعله يرشد إليه وجوب إزالتها عن الكفن بعد
التكفين، فقبله بطريق أولى.
ولا (بالحرير) المحض إجماعا سواء كان رجلا أو امرأة كما في المعتبر والتذكرة،
وللرجل والمرأة باتفاقنا كما في الذكرى، وصريح الأخير المساواة في الاجماع كظاهر
الأولين، وربما يشعر به مرسل سهل (1) قال: " سألته كيف تكفن المرأة؟ قال:
كما يكفن الرجل " وكيف كان فالحجة على أصل الحكم ما عرفت، مضافا إلى الاحتياط
في وجه، واستصحاب المنع عنه في الرجل في آخر على إشكال في جريانه في نحو المقام،
لانقطاع التكاليف بالموت، وعدم ثبوت تكليف غيره، فتأمل. وإعراض السلف
عنه مع الأمر بجودة الكفن والمغالات فيه، ومضمر الحسن بن راشد (2) في الكافي،
وعن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) مرسلا في الفقيه " عن ثياب تعمل بالبصرة على

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 16
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب التكفين - حديث 1
169

عمل العصب اليماني من قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى؟ قال: إذا كان القطن
أكثر من القز فلا بأس " والمناقشة في سنده كالمناقشة في متنه بعدم اقتضاء البأس الحرمة
سيما مع القطع بعدمها في بعض أفراد المفهوم، بل لعله الظاهر منه لو سلم العموم فيه مدفوعة
بالانجبار بما عرفت، والنهي عن التكفين بكسوة الكعبة في عدة أخبار (1) مع الإذن ببيع
ما أراد منه، وطلب بركته في بعضها (2) وما ذاك إلا لكونه حريرا كما استظهره بعضهم،
وإلا كان مستحبا طلبا للتبرك به، والمرسل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) عن
بعض الكتب (أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى أن يكفن الرجال في ثياب الحرير "
ولا مفهوم له ينافي ما قدمناه في المرأة مع وجوب إلغائه في جنبه لو كان، فما عن المنتهى
ونهاية الإحكام من احتمال جواز تكفين النساء فيه استصحابا لحال الحياة ضعيف بعد
ما عرفت، كما أنه يجب حمل ما في خبر إسماعيل بن أبي زياد (4) عن جعفر عن أبيه عن
آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعم الكفن الحلة،
ونعم الأضحية الكبش الأقرن " على التقية كما عن الشيخ لو أريد بالحلة الإبريسم وليس
بمتعين، لما عن القاموس " إن الحلة إزار ورداء برد أو غيره، ولا يكون إلا من ثوبين
أو ثوب له بطانة " انتهى.
ثم إنه قد يشعر اقتصار المصنف على المنع من الحرير بالنسبة إلى جنس الكفن
كما عن المبسوط النهاية والاقتصاد والجامع والتحرير والمعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام
بجواز التكفين بغيره مطلقا وإن كان مما يمنع من الصلاة به، ولعله لعدم استفادة اعتبار
أزيد من ذلك من الأخبار، وعدم ثبوت مسمى شرعي للكفن، وعلى تقديره فاطلاق

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب التكفين - حديث. - 1
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب التكفين - حديث. - 1
(3) المستدرك - الباب - 19 - من أبواب الكفن - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب التكفين - حديث 2
170

الأدلة كاف في بيانه، وما ورد (1) من النهي عن الكتان وأنه كان لبني إسرائيل
يكفنون به، والقطن لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) محمول على الكراهة والندب قطعا،
وإن كان ربما يظهر من الخلاف وجوب ذلك، بل دعوى الاجماع عليه.
وقد يناقش في ذلك أولا بعدم انحصار الأدلة في الأخبار، ففي الغنية لا يجوز
أن يكون مما لا تجوز فيه الصلاة من اللباس، وأفضله الثياب البياض من القطن أو الكتان،
كل ذلك بدليل الاجماع، وثانيا بمنع بقاء التكفين على المعنى اللغوي، بل الظاهر ثبوت
المراد الشرعي منه ولو مجازا، ويكفي ذلك في ثبوت إجماله فيستصحب الشغل إلى البراءة
اليقينية، ولا أقل من حصول الشك في الاجتزاء بما منع من الصلاة به للاجماع المتقدم،
أو لاشتراط جماعة في الكفن ذلك، منهم المصنف في النافع والعلامة في القواعد، فاشترطا
كونه مما تجوز فيه الصلاة للرجال اختيارا، ولعله الظاهر أيضا ممن عبر بأن كل ما جازت
الصلاة جاز التكفين فيه كالسرائر وغيرها، وفي جامع المقاصد لا يجوز التكفين بجلد
ووبر ما لا يؤكل لحمه قطعا، وقد عرفت غير مرة أنها ممن لا يعمل بالظنيات تجري
مجرى الاجماع، ولعله يشعر به أيضا عدم نقل خلاف فيه ممن عادته التعرض لمثل ذلك،
وفي المحكي من مجمع البرهان " وأما اشتراطهم كون الكفن من جنس ما يصلى فيه وكونه
غير جلد جلد فكأن دليله الاجماع " انتهى.
وكيف كان فالذي يقوى في النظر عدم جواز التكفين بجنس ما يمنع من الصلاة
فيه كسائر ما لا يؤكل لحمه، نعم قد يناقش في الكلية الثانية، وهو جوازه بكل
ما جازت الصلاة فيه بظهور الأدلة في اشتراط كون الكفن من مصداق الثياب، واحتمال
المناقشة فيها بحمل التقييد فيها بذلك على الغالب ضعيفة، ولا ريب في عدم التلازم بين
ما يصلى فيه وبين الثوبية، إذ لا إشكال في تحقق الأول بما لا يدخل تحت مسمى الثوب

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التكفين
171

من جلد ما يؤكل لحمه ونحوه بخلاف الثاني، ولعله لذا صرح بعدم جواز التكفين
بالجلود وإن كانت مما يؤكل لحمه، يرشد إليه مضافا إلى ذلك نزعه عن الشهيد مع
أنه يجمع ما عليه في الدفن معه، واحتمال المناقشة - بمنع عدم صدق اسم الثياب على الجلود
سيما في مثل الفراء ونحوها أو مما خيط منها على صورة الثياب، وربما يشعر به الاجتزاء
به في الكفارة على ما قيل - مدفوعة بانصراف الثياب في المقام إلى غيرها لو سلم أصل الصدق.
ومما ذكرنا يظهر لك عدم جواز التكفين بنحو ذلك حتى لو قلنا ببقاء التكفين
على المعنى اللغوي من المواراة كما هو التحقيق في النظر، يقال: كفن الخبزة بالملة أي
واراها، وذلك لظهور الأدلة في اشتراط كونه من مسمى الثياب، فلا يتفاوت الحال
حينئذ في ذلك، نعم لا يشترط فيه أزيد مما ذكرنا من الطهارة وعدم الحريرية والغصبية
وكونه ثوبا، فلا إشكال في جواز التكفين بعد إحرازها وإن كان شعر ووبر ما يؤكل
لحمه كما هو المشهور، بل لعله مجمع عليه بين الأصحاب، بل في الرياض أنه أجمع على
جوازه بالصوف مما يؤكل لحمه، وعلى كل حال فلا أعرف فيه خلافا سوى ما يحكى عن
الإسكافي، حيث أطلق المنع من التكفين بالشعر والوبر، وهو ضعيف، مع احتمال تنزيله
على غيره.
نعم هل يعتبر الساترية في كل قطعة من القطع الثلاثة أو يكفي حصول الستر
بالمجموع؟ صرح في جامع المقاصد والروض والروضة بالأول، لأنه المتبادر من
الأثواب، وقد يمنع، ولأنه أحوط، وهو مبني على وجوب مراعاته في المقام،
وقد يمنع أيضا سيما بعد إطلاق الأدلة بالاجتزاء بثلاثة أثواب، ومن هنا مال في
الحدائق إلى الثاني تمسكا بأصالة العدم، لخلو المسألة عن النص، بل قد يشعر قوله
(عليه السلام) في الصحيح (1): " إنما الكفن المفروض ثلاثة أثواب أو ثوب تام لا أقل

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 1
172

منه يواري فيه جسد كله " بالاكتفاء بساترية المجموع بجعل ضمير " فيه " إلى الكفن من غير فرق في ذلك على نسختي الواو وأو، وتبادر إرادة شمول تمام البدن لا أنه لا يحكي
تحته لا ينافي إرادته منه معه كما يشعر به ما عرفته سابقا من بقاء التكفين على المعنى اللغوي
من المواراة، فيراد حينئذ مواراته بثلاثة أثواب، فيجزئ وإن حصل ذلك بمجموعها،
ودعوى صدق المواراة وإن حكى ما تحته ممنوعة، لكن قد يناقش في ذلك بما عرفته من
الاجماع في الغنية على عدم جواز التكفين بما لا تجوز فيها الصلاة، وظاهره اشتراط ذلك
في كل قطعة، فلا يثمر الاجتزاء حينئذ بساترية المجموع في الصلاة، إلا أنه قد
ينزل على إرادة ما يمنع فيه من الصلاة لجنسه لا لوصفه، وإلا فقد يمنع حصول الظن منه
بالنسبة إلى ذلك، لخلو كلام الأصحاب عن النص على شئ من ذلك نفيا وإثباتا كما
اعترف به في جامع المقاصد والروض.
ومن هنا تعرف أن الثاني لا يخلو من قوة وإن كان الأحوط الأول، وأما احتمال
عدم اشتراط مطلق الساترية حتى بالمجموع فمما القطع بعدمه، لمنافاته لحكمة التكفين
بل معناه، نعم ربما يحتمل اشتراط الساترية بالنسبة إلى كل قطعة لما يخصها من البدن
دون غيره، فلا يجب في القميص مثلا ساترية ما تحته مما ستر بالمئزر وهكذا، لكن
لا أعرف أحدا ذكره، فتأمل.
ثم اعلم أن ما ذكرناه سابقا مما منع من التكفين كالحرير والنجس والجلد وغيرها
إنما هو في حال الاختيار أي وجود غيرها، أما مع الاضطرار فمنها ما هو غير جائز
قطعا كالمغصوب، وأما غيره فقد قال في الذكرى: " إن فيه وجوها ثلاثة: المنع
لاطلاقه، والجواز لئلا يدفن عاريا مع وجوب ستره وجوب ستره ولو بالحجر، ووجوب ستره العورة
حالة الصلاة ثم ينزع بعد، وحينئذ فالجلد مقدم لعدم صريح النهي فيه، ثم النجس
لعروض المانع، ثم الحرير لجواز صلاة النساء فيه، ثم وبر غير المأكول، وفي هذا
173

الترتيب للنظر مجال، إذ يمكن أولوية الحرير على النجس لجواز صلاتهن فيه اختيارا "
انتهى. وفرق في البيان بين الجلد الذي تجوز فيه الصلاة وبين غيره من الحرير والجلود
التي لا تصح فيها الصلاة والأشعار والأوبار والنجس، فأجاز الأول مع التعذر،
ونظر في غيره، واستظهر في جامع المقاصد الفرق بين النجس وغيره، فأجاز الأول
لعدم وجوب نزعه عن الميت لو استوعبت النجاسة وتعذر غسلها وقرضه، ولأنه آئل
إلى النجاسة عن قريب، فأمره أخف، ومنع في الثاني تمسكا باطلاق ما دل على المنع
منهما من مفهوم الموافقة الحاصل من الأمر بالنزع عن الشهيد في الجلود، ومما عرفته
سابقا في الحرير قال: " وجواز صلاة النساء فيه لا يقتضي وجواز التكفين به، لعدم
الملازمة، على أنه لو تم لزم اختصاص الحكم بالنساء، ووبر غير المأكول أبعد من الجميع
- إلى أن قال -: ولو اضطر إلى ستر عورته حال الصلاة ولم يوجد غير الممنوع منه أمكن
الستر بأحد الأشياء الممنوعة من غير ترتب، لعدم الدليل عليه، مع احتمال وضعه في
القبر على وجه لا ترى عورته، ثم يصلى عليه " انتهى.
وفرق في الرياض بين ما منع منه للنهي كالحرير وبين غيره مما منع منه لعدم
الدليل، فاستوجه المنع في الأول لاطلاق النهي، وفي الثاني الجواز للأصل، وانتفاء
المانع لاختصاصه بصورة وجود غيره مما يجوز التكفين به، ثم قال: " وأما الوجوب فمشكل،
لعدم الدليل لعدم الاجماع فيه، واختصاص الأمر بالتكفين في الأخبار بحكم التبادر
بغيره " انتهى. قلت: ولعل هذا بناء منه على إجمال التكفين وإن له مسمى شرعيا
ليتوجه جريان أصالة البراءة حينئذ مع الشك في اندراجه تحت الكفن، ولا وجوب
للاحتياط هنا لفرض وقوع الشك في الشغل لا في المشغول به، وإلا فبناء على ما ذكرنا
من التحقيق من بقائه على المعنى اللغوي وأن ما اعتبر فيه من قبيل الشرائط فمع فرض
ظهور ما دل على اشتراطها بصورة الاختيار لا مناص حينئذ عن الوجوب، للأمر به،
174

ودعوى انصرافه إلى غير ذلك فيتمسك بأصالة البراءة حينئذ كالأول ممنوعة.
نعم قد يستشكل في وجوب ذلك الترتيب المتقدم وإن كان ربما يقوى في النفس
التخيير بين المتنجس وبين جلد ما يؤكل لحمه، وتقديمهما معا على الحرير وجلد ما لا يؤكل
لحمه وشعره ووبره، والتخيير بينهما، مع احتمال تقديم الحرير فيهما خاصة، كاحتمال
تقديم المتنجس في الأولين، سيما مع قلة النجاسة وعدم تلويثها. وينبغي القطع بوجوب
ستر العورة في سائر ما ذكر وإن قلنا بالمنع من التكفين بها بناء على وجوب سترها لو تمكن
منه خاصة بالاختياري كما تقدم، إذ ليس ذا من التكفين بشئ حتى يمنع منه، ولا
يدخل تحت النهي عن لبس الحرير، كما أنه ينبغي القطع بجواز تكفينه في تلك الأمور
وإن لم نقل بوجوبه ولا بدخوله تحت الكفن المأمور به، ودعوى أنها إضاعة مال وإتلافه
من غير إذن مدفوعة بالغرض الدنيوي واحتمال إصابة الغرض الأخروي، نعم قد
يستشكل في خصوص ما ورد النهي عنه كالحرير مثلا لو سلم فيه ذلك وقلنا إن المراد بالنهي
عنه الحرمة لا عدم الاجتزاء به عن الكفن المطلوب خاصة. فتأمل.
ويجب الحنوط على المشهور بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن سلار ولم يثبت
بل المحكي من ظاهر أول كلامه الوجوب، بل في الخلاف والمنتهى والتذكرة والروض
والمفاتيح وعن ظاهر الغنية الاجماع عليه، وهو الحجة، مع التأسي والأمر به في عدة
أخبار (1) وإن كان ربما يناقش في إفادتها كلها أو بعضها ذلك، وذلك لاختلافها
واشتمالها على كثير من المندوبات، ووقوع بعضها بعد السؤال عن كيفية التحنيط وغير
ذلك، إلا أنه يندفع بضميمة ما عرفت ما يمكن اندفاعه منها، كما أنه يستغنى به عما لا يمكن.
وهل هو قبل التكفين كما في القواعد وعن غيره لقول الباقر والصادق (عليهما السلام)
في صحيح زرارة (2): " إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود "

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث - 6
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث - 6
175

قيل: ولقولهم (عليهم السلام) في خبر يونس (1): " أبسط الحبرة بسطا، ثم
أبسط عليها الإزار، ثم أبسط القميص عليه، وترد مقدم القميص عليه، ثم اعمد
إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته - إلى قولهم (عليهم السلام) -: ثم يحمل فيوضع
على قميصه " ولا صراحة فيه بل ولا ظهور على تقديمه على المئزر، بناء على ما عرفته
سابقا فيها من عدم التعرض لذكر المئزر بحمل الإزار فيها على غيره، نعم هو صريح في
تقديمه على إلباسه القميص، أو بعد التكفين كما هو ظاهر الفقيه، فإذا فرغ من تكفينه
حنطه بما ذكرته، ولا أعرف له شاهدا إن أراد الالزام أو الاستحباب، بل فيما عرفت
شهادة عليه، كما أني لا أعرفه أيضا، لما في المنتهى وعن صريح المراسم والتحرير ونهاية
الأحكام وظاهر المقنعة والمبسوط والوسيلة من كونه بعد التأزير بالمئزر، بل عن القنعة
والمراسم كما في المنتهى بعد ذلك ما يعطي التأخير عن إلباس القميص، وقد عرفت
أن خبر يونس وغيره يشهد بخلافه بالنسبة إليه، بل في الأخير ما هو كالصريح في
خلاف ما أعطاه سابقا بعد ذلك أيضا، حيث رتب إلباس القميص بعد التأزير والتحنيط،
ولعل الأقوى جواز الكل وفاقا لكاشف اللثام، للأصل وإطلاق كثير من الأدلة،
وإن كان الأولى تقديمه على الكفن، للصحيح المتقدم، خصوصا القميص لما تقدم،
والعمامة له أيضا، ولما في خبر عمار (2) " واجعل الكافور - إلى أن قال -: ثم
عممه " أو عما عدى الخامسة لما تشعر به بعض الأخبار، ولئلا يخرج منه شئ بعده،
ولا طريق للاحتياط بعد ما عرفت من كلام الأصحاب.
(و) كيف كان ف‍ (يجب أن يمسح) أي يحنط (مساجده) السبعة بالحنوط
إجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا (3) ومنها طرف إبهامي الرجلين، ولعله يرجع إليه ما في

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3 - 4
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب التكفين
176

المقنعة والمبسوط، وعن الاصباح ظاهر أصابع قدميه، وكذا ما في السرائر، وعن
المصباح ومختصره وغيرهما طرف أصابع الرجلين، وإلا فلا دليل عليهما، إذ الموجود
في كثير من الأخبار المساجد (1).
ثم إن ظاهر المصنف وغيره بل هو معقد إجماع التذكرة وغيرها إيجاب المسح
في تحنيط المساجد، ولعله للأمر به في بعض الأخبار الآتية مع ما عرفت من كونه معقد
إجماع التذكرة والروض، بل كاد يكون صريح الأول، لكن يظهر من جماعة من
الأصحاب منهم الشيخ في جمله والحلي في سرائره وابن حمزة في وسيلته وابن زهرة في
غنيته والمصنف في نافعه والعلامة في منتهاه أن الواجب الوضع والامساس، بل لعل
صريح الجمل والوسيلة استحباب المسح، ولعله لاطلاق الأمر بالجعل في جملة من الأخبار
الآتية، مع أن معقد إجماع الخلاف الوضع أيضا، لكن قد يقال إنه يجب تنزيل هذا
المطلق على المقيد، وهو المسح للقاعدة المعلومة فيهما، ومنه تعرف قوة الأول، ولم
أعثر على تنقيح لذلك في كلمات الأصحاب، فلاحظ وتأمل. وربما ظهر من بعضهم
كالشيخ في المبسوط الفرق بين الراحة وغيرها من المساجد، فتمسح الأولى دون الثانية.
وعلى كل حال فظاهر المصنف أو صريحه أيضا كغيره من الأصحاب عدم
وجوب الزائد على ذلك، للأصل والاقتصار على الأمر بجعل الحنوط في المساجد من
الصادق (عليه السلام) بعد أن سئل عن الحنوط للميت فقال: " اجعله في مساجده "
والاجماع من الفرقة وعملهم في الخلاف على أن لا يترك على أنفه ولا أذنيه ولا عينيه ولا فيه
شئ من الكافور، مع الاجماع فيه أيضا على ترك ما زاد من الكافور على المساجد على
صدر الميت ردا على الشافعي، حيث استحب مسح جميع بدنه به، والنهي عن مس

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 1 و 5
177

مسامعه بكافور في خبر عثمان النوا (1) وعن جعل الحنوط فيها في خبر عبد الرحمان (2)،
" ولا تقرب أذنيه شيئا من الكافور " في خبر حمران بن أعين (3) والمرسل (4)
" إياك أن تحشو مسامعه شيئا، فإن خفت أن يظهر من المنخرين شئ فلا عليك أن تصير
قطنا، وإن لم تخف فلا تجعل فيه شيئا " وما في مرسل يونس عنهم (عليهم السلام) (5)
" ولا تجعل في منخريه ولا في بصره ولا في مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا ".
هذا مع شدة اختلاف الأدلة الدالة على الزائد بحيث تقصر عن إفادة الوجوب
معه، سيما مع قصور سند بعضها وإعراض الأصحاب عدا النادر عنها، وموافقتها
للعامة، إذ فيها مضافا إلى ما ذكرنا الأمر بالمسح بالكافور آثار السجود منه ومفاصله كلها
ورأسه ولحيته وعلى صدره من الحنوط، كما في حسن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (6)
وقال أيضا في خبر عمار (7): " واجعل في مسامعه وأثر سجوده منه وفيه "
الحديث. ولعبد الله بن سنان (8) بعد أن سأله كيف أصنع بالحنوط؟: " تضع في فمه
ومسامعه وآثار السجود من وجهه ويديه وركبتيه " ولحمران (9) إذ سأله عن الحنوط
أيضا: " يوضع في منخره وموضع سجوده ومفاصله " وفي خبر سماعة (10) " وتجعل
شيئا من الحنوط على مسامعه ومساجده، وشيئا على ظهر الكفين " والحسين بن المختار (11)

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5 - 3
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 7
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5 - 3
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 4
(7) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 4
(8) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 3
(9) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5
(10) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب التكفين - حديث 2
(11) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 5
178

" يوضع الكافور من الميت على موضع المساجد وعلى اللبة وباطن القدمين وموضع الشراك
من القدمين وعلى الركبتين والراحتين والجبهة واللبة " وفي صحيح زرارة (1) عن الباقر
والصادق (عليهما السلام) " إذا جففت الميت عمدت إلى الكافور فمسحت به آثار السجود
ومفاصله كلها، واجعل في فيه ومسامعه ورأسه ولحيته من الحنوط وعلى صدره وفرجه،
وقال: حنوط الرجل والمرأة سواء " وفي مرسل يونس عنهم (عليهم السلام) (2) " ثم
اعمد إلى كافور مسحوق فضعه على جبهته وموضع سجوده، وامسح بالكافور على جميع
مفاصله من قرنه إلى قدمه وفي رأسه وعنقه ومنكبيه ومرافقه وفي كل مفصل من مفاصله
من اليدين والرجلين وفي وسط راحتيه - إلى قولهم (عليهم السلام) -: ولا تجعل في منخريه ولا بصره
ولا مسامعه ولا على وجهه قطنا ولا كافورا " كذا عن الكافي في كشف اللثام، وفيما
حضرني من نسختي الوسائل والوافي بل الثاني رواه عن الشيخ كذلك أيضا، لكن
الأول قال: " وفي التهذيب وامسح بالكافور على جميع مغابنه من اليدين والرجلين ومن
وسط راحتيه " إلى غير ذلك.
وهي مع اختلافها هذا الاختلاف لا تعرض في شئ منها للوضع منه على الأنف،
لكن المفيد والعلامة في المنتهى زادا على المساجد طرف الأنف كما عن الحسن والحلبي
والقاضي، بل قد يظهر من الثاني أنه لا خلاف فيه، حيث قال: " مسألة ثم يعمد
إلى الكافور الذي أعده أولا لحنوطه، فيستحقه بيده ويضع منه على مساجده السبعة
وطرف أنفه، فإن فضل من الكافور شئ كشف قميصه وألقاه على صدره، ولا خلاف
في ذلك " إلى آخره. ولعلهم أخذوه من لفظ المساجد في الأخبار من حيث استحباب
إرغامه في السجود.

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 6
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3
179

ولا ريب في ضعف الوجوب، للأصل وتبادر ا لسبعة من المساجد في النص
والفتوى، بل قد عرفت أنه في الخلاف ادعى الاجماع على ترك ما زاد على السبعة على
الصدر، ومنه مع التتبع لكلمات الأصحاب يعرف ما في نفي الخلاف عنه في المنتهى،
هذا مع خلو الأخبار المتقدمة على كثرة ما اشتملت عليه عنه، وكذا ضعف ما في الفقيه
" ويجعل الكافور على بصره وأنفه وفي مسامعه وفيه ويديه وركبتيه ومفاصله كلها وعلى
أثر السجود منه، فإن بقي منه شئ جعله على صدره " وإن شهد له بأكثر ما ذكر بعض
الأخبار المتقدمة، لكنك قد عرفت قصورها عن إفادة الوجوب، سيما مع معارضتها
بالنهي في بعض ذلك، والاجماع من الخلاف كذلك، وإعراض الأصحاب وغير
ذلك مما مضى مفصلا.
نعم قد يقال قويا باستحباب تطييب هذه المواضع من الميت سيما ما كان منها محلا
للرائحة والعرق المستكرهين، لكن غير ما نهي عنه فيما تقدم كالمسامع ونحوها، أو
حكي الاجماع على عدم وضع شئ فيه، بل قد يقال باستحبابها أيضا بحمل النهي على
إرادة الوضع فيها وحشوها، وإن كان في بعضها (1) بلفظ " على " لكنه يصح كونها
بمعنى " في " كالعكس كقوله تعالى: (2) " لأصلبنكم في جذوع النخل " وحمل الأمر
على إرادة الوضع عليها، ولعل ذلك قضية كلام الشيخ في التهذيب والاستبصار،
ولا يأباه كلام الفقيه المتقدم كالمحكي عن المقنع " يجعل على جبينه وعلى فيه وموضع مسامعه "
وربما احتمل حمل هذه الأحبار على التقية، وقد يؤيده ترك ذكر الاستحباب لذلك
في أكثر كلام الأصحاب، وما عرفته من الاجماع ونفي الخلاف على وضع الفاضل على
الصدر، إلا أن ما ذكرناه أولى، ولا يذهب عليك أن قضية هذا الاجماع من الشيخ

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 5
(2) سورة (طه) - الآية 74.
180

مع نفي الخلاف السابق في المنتهى إيجاب تحنيط الصدر أو إيجاب وضع الزائد عليه،
لكنه لا يخفى عليك ضعفه إن أراداه سيما الأول، بل ينبغي القطع بعدم إرادتهما له
لإناطتهما له بالزيادة الغير اللازمة، فتأمل جيدا.
والمراد بالمسح بالحنوط المسح (بما تيسر من الكافور) مما يصدق معه المسح
به، ولا مقدر للواجب فيه على المشهور بين المتأخرين، للأصل وإطلاق كثير من
الأدلة مع قصور أكثر ما دل (1) على التقدير سندا بل ودلالة في جملة منها على الوجوب
مع التصريح بالفضل في بعضها، واختلاف الجميع في المقادير قلة وكثرة، كاختلاف
الأصحاب، فيتجه حينئذ حملها على الاستحباب، لقصورها عن تقييد تلك المطلقات
المنجبرة بالشهرة بين المتأخرين، بل قد يظهر من جماعة من متأخريهم كما هو صريح
الرياض أنه ليس محل خلاف يعرف، وربما يؤيده دخوله تحت معقد جملة من الاجماعات
خصوصا إجماع التذكرة وإن كانت ليست مساقة لبيانه، إنما هي لوجوب الحنوط،
وكأنهم حملوا خلاف الأصحاب فيما يأتي بالنسبة للأقل درهم أو مثقال أو مثقال وثلث
على إرادة أقل الفضل كما هو ظاهر المتن والقواعد وغيرهما، بل هو ظاهر معقد نفي علم
الخلاف عنه في المعتبر، لكن قد يأبى ذلك بعض عبارات من نسب إليه الخلاف،
لظهورها في عدم الاجتزاء بالأقل من مقدار الأقل سواء كان ذلك منهم تقديرا للمسمى
أو أنه تقدير شرعي وإن تحقق المسمى بأقل منه، منها عبارة الصدوق في الفقيه، قال:
ما حاصله " والكافور السائغ للميت وزن ثلاثة عشر درهما وثلث، فمن لم يقدر فأربعة
مثاقيل، فإن لم يقدر فمثقال لا أقل منه لمن وجده " وأصرح منه ما حكاه في المعتبر عن
المفيد في الأعلام وأقل ما يحنط به الميت درهم، إلى غير ذلك. ويؤيده ما في الذكرى
وجامع المقاصد والروض، حيث فهموا النزاع في ذلك بالنسبة للواجب، قال في الأول:

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين
181

" وأقله مسماه لصدق الامتثال، واختلف الأصحاب في تقديره فالشيخان والصدوق
أقله مثقال، وأوسطه أربعة، والجعفي مثقال وثلث، وابن الجنيد أقله مثقال "
إلى آخره، ونحوه الآخران.
وكيف كان فلا إشكال في ضعف القول بوجوب المقدر للأصل والاطلاقات
وقصور الأدلة عن إفادته كما عرفته سابقا وتعرفه لاحقا إن شاء الله،
كما أنه لا إشكال في عدم الفرق فيما ذكرنا من التحنيط بالنسبة إلى سائر الأموات رجالا ونساءا (إلا
أن يكون الميت محرما فلا يقربه الكافور) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى
بل في الخلاف الاجماع عليه، وأنه يفعل به ما عدا ذلك جميع ما يفعل بالحلال ويغطى
رأسه، وفي الغنية الاجماع أيضا على عدم جواز تطييبه به وبغيره من الطيب، وإطلاق
ذلك كالطلاق ما تسمعه من الأدلة يقتضي عدم الفرق فيه بين الغسل والتحنيط وغيرهما
كما هو نص معقد إجماع جامع المقاصد، حيث حكاه على عبارة القواعد ولا يجوز تقريبهما
أي الكافور والذريرة ولا غيرهما من الطيب في غسل ولا حنوط، كما أنه نسبها في كشف
اللثام إلى المعروف بين الأصحاب، وفي المنتهى الاجماع على أن غسل المحرم كالحلال
إلا أنه لا يقرب طيبا ولا كافورا، ويدل عليه مضافا إلى ذلك قول الصادق (عليه السلام
) في صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) بعد أن سأله عن المحرم يموت كيف يصنع به؟: " إن
عبد الرحمان بن الحسن مات بالأبواء مع الحسين (عليه السلام) وهو محرم، ومع الحسين (عليه السلام)
عبد الله بن العباس وعبد الله بن جعفر، فصنع به كما يصنع بالميت وغطى وجهه ولم يمسه طيبا،
قال: وذلك في كتاب علي (عليه السلام) " ومثله صحيح عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) (2)
أيضا، وفي موثق أبي خديجة (3) " فغسلوه وكفنوه ولم يحنطوه وخمروا وجهه ورأسه ودفنوه "

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 5 - لكن رواه
عن أبي مريم.
182

وزاد في خبره الآخر (1) وقال: " هكذا في كتاب علي (عليه السلام) وفي صحيح
ابن مسلم (2) سألته " عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال: قال يغطى وجهه ويصنع
به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا " كخبره الآخر (3) عن الباقر والصادق
(عليهما السلام) وفي موثق سماعة (4) سألته " عن المحرم يموت، فقال: " يغسل ويكفن
بالثياب كلها، ويغطى وجهه ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يمس الطيب " وقال
أبو الحسن (عليه السلام) في خبر أبي حمزة (5) في المحرم يموت: " يغسل ويكفن
ويغطى وجهه ولا يحنط ولا يمس شيئا من الطيب " والصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق
ابن عمار (6) بعد أن سأله عن المرأة المحرمة تموت وهي طامث: " لا تمس الطيب وإن
كن معها نسوة حلال ".
ومنها مع إجماع الخلاف السابق يستفاد بطلان ما يحكى عن السيد والحسن بن أبي
عقيل والجعفي من عدم تغطية رأس المحرم، مع ضعف مستندهم في ذلك من أن النهي
عن تطبيبه دليل بقاء إحرامه، إذ هو اجتهاد في مقابلة النص، ومن قول الصادق
" (عليه السلام) (7): " من مات محرما بعثه الله ملبيا " إذ لا دلالة فيه على المطلوب، والخبر (8)
" لا تخمروا رأسه " ولم يثبت عندنا، كما أنه يستفاد من إطلاقها عدم الفرق بين إحرام
الحج بأقسامه، والعمرة مفردة أو غيرها، وبين موته قبل الحلق أو التقصير وبعده
قبل طواف الزيارة، لأن تحريم الطيب إنما يزول به، واحتمال دوران الحكم على

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 8 لكن رواه
عن أبي مريم.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 4
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 - 9 - 6
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 وهو خبر ابن أبي حمزة
(6) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 - 9 - 6
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 - 9 - 6
(8) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت - حديث 5
183

الأول لخروجه عن صورة المحرمين بلبسه وأكله ما لا يلبسه ويأكله المحرم،
وللاقتصار على ما خرج عن عموم الغسل بالكافور والتحنيط به على المتقين بعيد، نعم
قد يحتمل ذلك فيما لو مات بعد طواف الزيارة وإن صدق عليه اسم المحرم حينئذ، لحلية
الطيب له حينئذ حيا، فميتا أولى، واختاره العلامة في نهاية الإحكام، وهو لا يخلو
من قرب، فتأمل.
ولا يلحق بالمحرم في هذا الحكم المعتدة للوفاة والمعتكف من حيث تحريم الطيب
عليهما، للأصل والعمومات وبطلان القياس عندنا وبطلان الاعتداد والاعتكاف بالموت
كما هو واضح.
ثم إنك قد عرفت أنه لا أشكال في ظهور الأدلة بل صراحتها في مساواة المحرم
للمحل فيما عدا ما ذكرنا، فيغسل حينئذ ثلاث غسلات وإن كانت الثانية لا كافور فيها،
ومنه يستفاد قوة ما تقدم سابقا من عدم سقوط الغسل بتعذر الخليطين، إذ الممتنع عقلا
كالممتنع شرعا.
(وأقل الفضل في مقداره) أي الحنوط للتحنيط من دون مشاركة الغسل في
جميع هذه التقادير كما هو ظاهر المصنف والأكثر وصريح جماعة، بل هو الظاهر من
معقد إجماع الغنية ونفي علم الخلاف فيه في المعتبر، ولعل الأمر فيه كما ذكرا، إذ
لم يعرف القائل بشركة الغسل معه في ذلك، وإن حكاه في السرائر عن بعض الأصحاب
وعن بعض متأخري المتأخرين الميل إليه، وكأنه لاطلاق ما دل على تقدير ذلك بالنسبة
إلى الميت من غير تعرض للتحنيط، وربما يؤيده استبعاد تغسيل النبي (صلى الله عليه وآله)
بماء فيه كافور (1) غير الذي أنزله له جبرائيل (عليه السلام) من الجنة وكان أربعين

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين - حديث 6
184

درهما، فقسمه (صلى الله عليه وآله) أثلاثا بينه وبين علي وفاطمة (صلوات الله عليهم)
فكان نصيبه ثلاثة عشر درهما وثلث، وهو مقدار الأكثر، فالظاهر أنه غسل
ببعضه أيضا، لكن يدفعه أن الاطلاق لا يعارض المقيد، كقوله (عليه السلام) في
مرفوعة إبراهيم بن هاشم (1): " السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره "
ونحوها مرفوعة ابن سنان (2) سيما بعد ما عرفت من أنه ظاهر الأكثر، واحتمال كون
المراد بالحنوط الكافور فيشمل الممزوج مع الماء أيضا مخالف للمنساق إلى الذهن، وإن
كان ربما يشهد له إطلاق الحنوط في جملة من الأخبار (3) مرادا به الكافور لا ما يحنط
به منه، ولعله لأن المقصد الأهم منه التحنيط، أو لأن أغلبه يحنط به، أو غير
ذلك فتأمل جيدا. ولا استبعاد فيما ذكرناه سابقا سيما مع أن المقصد الأهم بالكافور
إنما هو التحنيط، مع أنه مختص بمقدر الأكثر خاصة، ومعارض باستبعاد المشاركة
بالأقل بناء على ما ذكرنا من عدم الاجتزاء بالمسمى في الغسل، ولعله لما ذكرنا من
الأمرين تردد العلامة في التحرير وظاهر التذكرة ونهاية الإحكام على ما حكي عنه، لكن
الأحوط بل الأقوى القول بالاختصاص سيما بالنسبة إلى مقدر الوسط والأقل، ويؤيده
مضافا إلى ما ذكرنا ما عن الفقه الرضوي (4) " إذا فرغت من غسله فحنطه بثلاثة عشر
درهما " إلى آخره.
مقداره (درهم) كما في الجمل والعقود والسرائر والوسيلة والنافع والمعتبر والقواعد
وعن النهاية والمصباح ومختصره والجامع بل في المعتبر نفي علم الخلاف عنه وعن التقديرين
الآخرين، ولعله الحجة عليه. مع ما عساه يظهر من مقدار الأكثر بثلاثة عشر درهما وثلث أن

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 7
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 7
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 4 و 7 و 8
(4) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب الكفن - حديث 2
185

أقل الفضل في الدرهم للتوزيع، ومتى نقص عنه كان المسمى الذي هو واجب، وإلا
فلم أعرف له شاهدا في الأخبار، بل في المرسل عن الصادق (عليه السلام) (1) " أقل
ما يجزئ من الكافور للميت مثقال " وفي آخر (2) " مثقال ونصف " كما أنه لم أتحقق
ما سمعته من المعتبر، إذ في المقنعة والخلاف والفقيه وكذا الغنية وعن الاقتصاد وجمل
العلم والمراسم والكافي وكتب الصدوق التحديد بالمثقال، بل في الخلاف الاجماع عليه
كظاهر معقده في الغنية، فالأقوى حينئذ ذلك، اللهم إلا أن يثبت ما ادعاه في
المنتهى أن المراد بالمثقال ها هنا الدرهم نحو ما ادعاه في السرائر بالنسبة إلى مقدر
الوسط بأربعة دراهم، حيث قال: وفي بعض الكتب مثاقيل، والمراد بها الدراهم، وعلل
في الذكرى ما في السرائر بالنظر إلى قول الأصحاب، لكن عن ابن طاووس مطالبته
المستند، وهو في محله، لأن المثقال الشرعي على ما قيل درهم وثلاثة أسباع الدرهم،
فالدرهم نصف المثقال وخمسه، ولذا كانت العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، والصيرفي
على ما قيل مثقال وثلث من الشرعي، فالمثقال الشرعي حينئذ ثلاثة أرباع الصيرفي،
فدعوى أن المراد بالمثقال هنا الدرهم لا مأخذ لها، فظهر من ذلك كله أن تحديد الأقل
بالدرهم لا مستند له إلا ما عرفت كالمحكي عن الجعفي أنه مثقال وثلث وإن قرب منه مرسل
المثقال والنصف المتقدم، لكن قد يقال لا بأس بالجميع مع التفاوت في الفضيلة.
وكذا لم نجد شاهدا للمقدر الآخر الذي ذكره المصنف بقوله: (وأفضل منه
أربعة دراهم) سوى ما عرفته من نفي الخلاف في المعتبر والاستظهار من مقدر الأكثر
الذي سمعته سابقا، نعم في المحكي من عبارة الفقه الرضوي (3) أنه " إن لم يقدر على
مقدرا الأكثر فأربعة دراهم " وإلا فالموجود في الحسن عن الصادق (عليه السلام) (4)

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين - حديث 2 - 5
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين - حديث 2 - 5
(3) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين - حديث 4
186

" القصد من الكافور أربعة مثاقيل " وعن نسخة أخرى " الفضل " وحكيت الفتوى
به عن كتب الصدوق وسائر كتب الشيخ والوسيلة والاصباح والجامع، بل هو معقد
إجماع الخلاف، ومن ذلك يظهر ما في نفي الخلاف المتقدم في المعتبر، اللهم إلا أن
يثبت ما سمعته من السرائر، وفيه ما عرفت، لكن قد يقال: إنه لا غبار على نحو عبارة
المصنف، للقطع بأن الأربعة دراهم أفضل من السابق بعد ثبوت الأقل المذكور سواء
قلنا مثقالا أو درهما قضاء للتوزيع، فتأمل.
(وأكمله ثلاثة عشر درهما وثلث) للاجماع المنقول في الخلاف وغيره المؤيدة بنفي
الخلاف في المعتبر، وللأخبار (1) الدالة على أن الحنوط الذي نزل للنبي (صلى الله
عليه وآله) أربعون درهما، وقسمه أثلاثا بينه وبين علي وفاطمة (صلوات الله عليهم)
ولما في مرفوعة إبراهيم بن هاشم (2) " السنة في الحنوط ثلاثة عشر درهما وثلث أكثره "
ومن لفظ الأكثر فيها يستفاد وجود مرتبة أخرى للفضل والاستحباب، بل قد يستفاد
المرتبتان الوسط والأقل، ويرجع في تعيينهما إلى ما عرفت من كلام الأصحاب وغيره
كل على مختاره، فما يقال: إنه لا يستفاد من الأخبار إلا المرتبة العليا لعله لا يخلو من نظر،
ومن العجيب ما يحكى عن ابن البراج من تحديد الأكثر بثلاثة عشر درهما ونصف، إذ
هو مع مخالفته لما سمعته من الأدلة خال عن المستند، كالذي وقع في الحدائق من الاشكال
فيما ذكره الأصحاب من حمل هذه الأخبار بالنسبة إلى هذه التقادير على الفضل
والاستحباب، وأن الواجب الاجتزاء بالمسمى، مع أنها ظاهرة في الوجوب، وأنه
لا يصار إلى المرتبة الوسطى إلا مع تعذر العليا، ولا إلى الدنيا إلا مع تعذر الوسطى،
إذ بعد وضوح منع دلالتها على ما ذكر، وحكاية الاجماع على ذلك من بعضهم، ونفي

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين - حديث 1 و 6 و 8
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التكفين - حديث 1
187

الخلاف من آخر أن قصور أسانيد أكثرها وضعف دلالة الباقي على الوجوب، مع التصريح
بالفضل في بعضها، واختلاف الجمع في المقادير قلة وكثرة أوضح قرينة على إرداة
الاستحباب، كما هو واضح، فتأمل جيدا.
هذا كله مع الاختيار والتمكن (و) أما (عند الضرورة) عقلا أو شرعا (يدفن
بغير كافور) قطعا كما هو واضح، ولا بد له شرعا، للأصل مع خلو الأدلة عن
ذلك، بل قد يظهر من المحكي عن التذكرة الاجماع عليه، كما أن ظاهر الأدلة حصر
الحنوط بالكافور، كقول الصادق (عليه السلام) (1): " الكافور هو الحنوط " وقوله
(عليه السلام) (2): " إنما الحنوط الكافور " ونحو ذلك، ولا ينافي ذلك جواز تطييبه
بالذريرة أو بالمسك إن قلنا به، لعدم التلازم بين جوازه في نفسه وبدليته عن الكافور
في التحنيط بحيث يجب مع فقده أو يستحب، كما هو واضح.
(ولا يجوز تطييبه) أي الميت (بغير الذريرة والكافور) كما في القواعد والدروس
وعن التحرير ونهاية الإحكام والبيان وظاهر الذكرى وفي المبسوط لا يخلط بالكافور
مسك أصلا ولا شئ من أنواع الطيب، وعن النهاية لا يكون مع الكافور أصلا،
وفي الجامع لا يحنط بالمسك، وفي الغنية الاجماع على أنه لا يجوز أن يطيب بغير الكافور،
وهو الحجة لما في المتن، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (3)
وخبره أيضا مع أبي بصير (4) " لا تجمروا الأكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا الكافور،
فإن الميت بمنزلة المحرم " والصادق عليه السلام في خبر يعقوب بن يزيد (5) عن عدة
من أصحابنا " لا يسخن للميت الماء، لا تعجل له النار، ولا يحنط بمسك " وما دل على

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 5
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 5
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 6
188

أنصار الحنوط بالكافور في جملة من الأخبار، وربما يشعر به بل يدل عليه إن أريد
بما في العبارة ما يشمل الكفن ونحوه النهي عن تجمير الكفن في مرسل ابن أبي عمير (1)
وتقريب النار إلى الميت يعني الدخنة في خبر أبي حمزة (2) واتباع الجنازة بمجمرة في
خبر السكوني (3) وخبر إبراهيم بن محمد الجعفري (4) قال: " رأيت جعفر بن محمد عليهما السلام ينفض بكمه المسك عن الكفن، ويقول: ليس هذا من الحنوط في شئ "
هذا مع ما فيه من تضييع المال وإتلافه من غير غرض يعتد به، وموافقة العامة العمياء التي
جعل الله الرشد في خلافها، إذ يستحب عندهم على ما حكي التطيب بالمسك، وفي
أخبار المقام (5) تصريح بذلك، ولا ينافي جميع ما ذكرنا خروج الذريرة كما استثناها
المصنف وغيره، لما ستعرفه من الأدلة المخرجة لها عن العموم والاطلاق.
نعم قد يناقش في جميع ذلك، أما الاجماع فبموهونيته بفتوى كثير من
الأصحاب بخلافه من الكراهة، بل في المختلف أن المشهور كراهة أن يجعل مع الكافور
مسك، وفي الخلاف وعن الاصباح الاجماع على كراهية جعل المسك والعنبر مع الكافور،
كما أن في الأول الاجماع أيضا على كراهية تجمير الأكفان بالعود، وفيه أيضا الاجماع
على كراهية أن يكون عند غسل الميت مجمرة يبخر فيها، وعن التذكرة كره علماؤنا أجمع
تجمير الأكفان، وهو تجميرها بالبخور، وفي المعتبر إجماع علمائنا على كراهية تجمير أكفان
الميت، وعلى تطييبه بغير الكافور والذريرة، وقضية ذلك كله مع الأصل الجواز
على كراهية، واحتمال تنزيل هذه الاجماعات على إرادة مطلق المرجوحية في مقابلة
القول بالاستحباب من العامة وبعض الخاصة ليس بأولى من أن يراد بعدم الجواز في
معقد اجماع الغنية الكراهة وإن بعد، كاحتمال القول أنه متى كان ذلك مكروها كان

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 2 - 12
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 2 - 12
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 3 - 11
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 3 - 11
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 9 و 10 و 14
189

ممنوعا، لاستلزامه تضييع المال المحترم وإتلافه بدون غرض صحيح، إذ هو - مع
خروجه عن محل البحث من الحرمة من حيث كونه تطييبا للميت ولا يجري حينئذ فيما لو
أريد تكفينه بثياب كانت مطيبة بذلك سابقا - قد يدفع بالاكتفاء بظهور طيب رائحته
لمن يشمه من المشيعين مثلا في كونه غرضا صحيحا ونحو ذلك.
وإما الأخبار فمع وهنها بما عرفت أيضا والطعن في أسانيدها حتى الأخير لما
في سنده من الارسال وإن كان عن عدة من أصحابنا وسهل، والكلام فيه معروف،
مضافا إلى ما في دلالته من حيث إشعار سياقه بالكراهة كسياق غيره بها من خبر أبي حمزة
وغيره، واحتمال إرادة التحنيط فيه عوض الكافور أو على نحوه لا مطلق التطيب ونحو
ذلك يجري في بعضها أيضا، كجريان احتمال إرادة التعريض بذلك بالعامة حيث
يجعلون الحنوط مخلوطا بأنواع الطيب من الكافور وغيره، ومنه يعرف وجه انحصار
الحنوط بالكافور فيما تقدم من أخبار الخصم، مضافا إلى إمكان المناقشة في دلالة مثل
هذا الحصر علي المطلوب من إرادة مطلق التطيب، كالمناقشة في عدم دلالة النهي
عن اتباع الجنازة بالمجمرة عل ذلك أيضا، إذ الاتباع خارج عما نحن فيه، مع ما في
الصحيح أو الحسن (1) وغيره " إني أكره أن يتبع بمجمرة " معارضة بالمرسل (2)
قال: " سئل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) هل يقرب إلى الميت المسك أو البخور؟
قال: نعم " وآخر في الفقيه (3) أنه " روي أن النبي (صلى الله عليه وآله) حنط بمثقال
مسك سوى الكافور " وخبر عبد الله بن سنان (4) عن الصادق (عليه السلام) " لا بأس
بدخنة كفن الميت، وينبغي للمرء المسلم أن يدخن ثيابه إذا كان يقدر " وخبر غياث
ابن إبراهيم عنه عليه السلام (5) أيضا " إنه كان يجمر الميت بالعود فيه المسك، وربما جعل على

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث - 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 9 - 10.
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 9 - 10.
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 13 - 14.
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 13 - 14.
190

النعش الحنوط، وربما لم يجعله، وكان يكره أن يتبع الميت بالمجمرة " وفي خبر عمار (1)
" وجمر ثيابه بثلاثة أعواد " واحتمال حملها جميعها على التقية وخصوص الثاني على كون
ذلك من خواصه ليس بأولى من حملها على بيان الجواز والرخصة، وتلك على الكراهة
جمعا بشهادة ما عرفت، بل لعله أقوى من غير فرق في ذلك بين بدن الميت وثيابه،
ويكفي ذلك في حصول الرشد بالنسبة إلى مخالفة العامة، نعم قد وضح لك من جميع
ذلك ضعف ما يحكى عن الفقيه من الأمر بتجمير الأكفان مرادا به الاستحباب على
الظاهر وإن كان ربما يشهد له بعض هذه الأخبار، سيما مع إمكان الجمع بينها وبين
ما تضمن النهي عن ذلك بما إذا كانت عليه لا فيما إذا جمرت سابقا ثم كفن بها إن كان
مراده ذلك، لكنها لا تقاوم ما عرفت من الاجماعات وغيرها لوجوه عديدة لا تخفى،
فتأمل جيدا.
(و) من (سنن هذا القسم أن يغتسل الغاسل قبل تكفينه) إن أراده (أو يتوضأ
وضوء الصلاة) كما في النافع والمعتبر والقواعد والإرشاد والذكرى والدروس واللمعة
وجامع المقاصد والروضة وعن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع وغيرها، بل في
الحدائق نسبته إلى الأصحاب، ولم أقف له على مستند، نعم علله في المعتبر بأن
الاغتسال والوضوء على من غسل ميتا واجب أو مستحب، وكيف ما كان فإن الأمر
به على الفور، فيكون التعجيل أفضل، وهو كما ترى، على أنه لا ينطبق على التخيير
بين الاغتسال والوضوء، ونحوه ما عن التذكرة بالنسبة للاغتسال خاصة، ولم يعلل
الوضوء بشئ، وفي المنتهى ليكون على أبلغ أحواله من الطهارة المزيلة للنجاسة العينية
والحكمية عند تكفين البالغ في الطهارة، فإن لم يتمكن من الغسل استحب له أن يتوضأ
لأنه إحدى الطهارتين، فكان مستحبا كالآخر، ومرتبا عليه لنقصانه عنه، وهو -

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4
191

مع أنه لا ينطبق على التخيير المذكور، وقضيته في المرتبة الأولى الاغتسال والوضوء كما
هو المحكي عن الصدوق وأنه وجه اعتباري لا يصلح أن يكون بمجرده مدركا لحكم شرعي -
معارض باستحباب التعجيل في تجهيز الميت وبغير ذلك، كل ذا مع ظهور الروايات
المعتبرة في خلاف ذلك، ففي صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (1) قلت:
" فالذي يغسله يغتسل، قال: نعم، قلت: فيغسله ثم يلبسه أكفانه قبل أن يغتسل،
قال: يغسله ثم يغسل يديه من العاتق ثم يلبسه أكفانه ثم يغتسل " و في صحيح يعقوب
ابن يقطين عن الرضا (عليه السلام) (2) " ثم يغسل الذي غسله يده قبل أن يكفنه إلى
المنكبين ثلاث مرات، ثم إذا اغتسل " وفي خبر عمار عن الصادق (عليه السلام) (3)
" تغسل يديك إلى المرافق ورجليك إلى الركبتين ثم تكفنه " وعن الخصال عن أبي بصير
وابن مسلم عن الصادق (عليه السلام) (4) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) " من غسل
منكم ميتا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه ".
وتنزيل هذه الأخبار - على إرادة الترتيب في المستحب بالنسبة إلى قلة الثواب
وعدمه، فما فيها دون الاغتسال أو الوضوء وإن كان مختلفا في نفسه أيضا، إذ غسل
اليد من العاتق أفضل من كونه من المرفق، وهو مع الركبتين أفضل منه مجردا، أو
على عدم التمكن من الاغتسال إما لخوف فساد الميت أو غير ذلك - تصرف لا شاهد
عليه، ولا معارض يلجأ إليه، كدعوى إضافة ما فيها إلى ذلك مخيرا بينها، فيكون
المستحب أحد أمور ثلاثة: الاغتسال أو الوضوء أو غسل اليدين إلى المنكبين، ولعله

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 7 وهو خبر يعقوب
عن العبد الصالح (عليه السلام).
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - حديث 13
192

لما ذكرنا لم يذكر في المقنعة والمقنع والمراسم والكافي على ما حكي إلا غسل اليدين
إلى المرفقين.
لكنك خبير أن ذلك قد تضمنه خبر عمار، فكان عليهم أن يذكروا حينئذ
غسل الرجلين إلى الركبتين، كما أنه كان على العلامة في المنتهى ذلك أيضا، حيث
قال بعد ذكره استحباب الغسل والوضوء إن لم يتمكن منه: " ويكفيه أن يغسل يديه إلى
المرفقين ثم يكفنه " ومن الغريب ما في المعتبر وعن التذكرة ونهاية الإحكام من غسلهما
إلى الذراعين إن لم يتفق الوضوء مستدلين عليه بالاستظهار، وبصحيح ابن يقطين المتقدم،
وقد عرفت أن الموجود فيه إلى المنكبين، واحتمال إرادتهما بالذراع منتهاه مع حمل الصحيح
على القريب من المنكبين كما ترى، مع أنه لا داعي إليه، وعن الصدوق في الفقيه أنه
استحب غسل اليدين من المرفقين قبل تنشيف الميت ثم الوضوء والغسل بعده قبل التكفين،
ومما تقدم يظهر لك ما فيه، فلعل الأقوى الاقتصار على ما عرفته من تلك الأخبار مع
التعدي عن مضمونها باستحباب غسل مظان ما يتنجس من بدن المغسل، لما عساه يشعر به
بعضها عند التأمل، ثم الاغتسال بعد ذلك، نعم قد يقال باستحباب المسارعة للاغتسال
في نفسه لا من حيث السبق على التكفين عند إرادة تأخير التكفين لغرض أو لعدم وجوده
أو نحو ذلك، وهو أمر خارج عما نحن فيه.
ثم ظاهر الأصحاب أن الغسل غسل المس كما يشعر به تعليلاتهم، وبه صرح
بعضهم، لكنه حكى في كشف اللثام عن الذكرى أن من الأغسال المسنونة الغسل
للتكفين، وعن النزهة أن به رواية (1) قلت: وقد يحتمله عبارة المصنف، والظاهر أن ما حكاه عن الذكرى في غير المقام، وإلا فقد صرح فيها هنا بأنه غسل المس، وعلى
كل حال فلعل ذلك منهما نظر إلى قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (2):

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - حديث 11
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - حديث 11
193

" الغسل في سبعة عشر موطنا - إلى قوله (عليه السلام) -: وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو
مسسته بعد ما يبرد " ونحوه في حسنه عن الباقر (عليه السلام) (1) لكن بابدال " أو "
بالواو على ما حضرني من نسخة الوسائل، فيقوى حينئذ جعلها في الصحيح بمعنى الواو
فلا ينافي إرادة غسل المس، مضافا إلى أن ظاهره وقوع الغسل بعد التكفين، فتأمل جيدا.
وكذا الظاهر من فحاوي بعض كلمات الأصحاب أيضا أن هذا الوضوء إنما هو
الوضوء الذي يفعل مع غسل المس لرفع الأصغر بناء على توزيع الفعلين على الحدثين،
فالغسل للأكبر، والوضوء للأصغر، فحينئذ لا ينبغي الاشكال في صحة استباحة
الصلاة به وغيرها مما يشترط بالطهارة إذا تعقبه بعد ذلك ما يرفع الحدث الآخر،
ولا حاجة إلى نية الرفع أو الاستباحة به بناء على ما هو التحقيق من الاكتفاء بنية القربة،
وأما بناء على اعتبارهما فلا يحصل للوضوء حينئذ صحة بحيث يترتب عليه إتيان التكفين
على الوجه الأكمل بدون نيتهما، اللهم إلا أن يقال: إن نية التكفين تقوم مقام نية
رفع الحدث أو الإباحة، لانصرافها إرادة إلى وقوعه على الوجه الأكمل الذي لا يحصل
إلا بذلك، نظير ما قالوه في الوضوء لقراءة القرآن ونحوها مما يستحب لها الطهارة.
لكن قال العلامة في القواعد: والأقرب عدم الاكتفاء بهذا الوضوء في الصلاة
إذا لم ينو به ما يتضمن رفع الحدث، وعلله بعض شارحي كلامه أن التكفين مشروع
بدونه، فلا يستلزم نيته نية رفع الحدث، وفيه نظر من وجهين: الأول أنه لا وجه
حينئذ للحكم بصحة الوضوء حتى بالنسبة للتكفين بناء على القول باشتراط صحته بنية الرفع
أو ما يستلزمها، والثاني أن مشروعيته بدون الوضوء لا ينافي ما ذكرناه من الانصراف الذي
يكتفى بمثله كما في قراءة القرآن، وربما يدفع ذلك بأن المراد بهذا الوضوء وضوء خاص
للتكفين، فيكتفى به حتى لو كان صوريا لا الوضوء الذي يشترط فيه ذلك، إذ هو

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال - المسنونة - حديث - 4
194

موقوف على دليل يدل على اعتبار الطهارة فيه التي هي عبارة رفع الحدث وليس،
إنما المذكور في كلام الجماعة الوضوء، وهو أعم من الطهارة، وبذلك حصل الفرق
بينه وبين قراءة القرآن ونحوها من المستحبات التي يعتبر فيها الطهارة.
ولا ينافي ذلك ما في عبارة المصنف ونحوها من قولهم " وضوء الصلاة "، إذ لا يراد
به مبيح الصلاة، بل المراد صورة وضوء الصلاة، كما أنه لا ينافيه اشتراطهم صحة الوضوء
بنية الرفع أو الاستباحة، لأن المراد بتلك الصحة إنما هي صحة الدخول في الصلاة لا مطلق
الاعتبار في الجملة، فيتجه لك حينئذ ما قر به العلامة من عدم الاكتفاء بهذا الوضوء مع
عدم تلك النية، لعدم استلزام نية التكفين نية الرفع حينئذ، وهو موقوف على نيته أو
ما يستلزمه، نعم يتجه بناء على مختارنا من أن رفع الوضوء للحدث قهري حيث لا مانع
من الاكتفاء به، فتأمل. هذا كله فيما لو أراد من باشر تغسيله تكفينه، أما إذا
كفنه شخص آخر غيره فقد يقال بناء على ما عرفت من كلام الأصحاب باستحباب رفع
حدثه أصغر أو أكبر، لما يستفاد من فحوى استحباب الغسل للمس والوضوء إن قلنا
أن الوضوء لذلك لا على ما ذكرناه آنفا، فتأمل.
(و) يستحب إجماعا في الغنية وظاهر الخلاف أو صريحه، وعند علمائنا في
التذكرة والمعتبر، وعندنا في الذكرى (أن يزاد للرجل) بل والمرأة كما هو معقد ما في
الأخير وقضية إطلاق الأولين، وتركها المصنف لدلالة ما سيأتي عليها، لا صالة الاشتراك،
وقوله في مرسل سهل (1) مضمرا بعد أن سأله " كيف تكفن المرأة؟ فقال: كما
يكفن الرجل غير أنها تشد على ثدييها خرقة تضم الثدي إلى الصدر، وتشد على ظهرها
ويصنع لها القطن. أكثر مما يصنع للرجال " الحديث. فما قد تعطيه عبارة الوسيلة وعن
الاصباح والتلخيص من اختصاص ذلك بالرجل لاختصاص الأخبار به (2) ضعيف،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث - 16
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 3 و 6 و 10
195

إذ هو اختصاص مورد كما في أكثر الأحكام لا اختصاص خصوصية (حبرة) بكسر
الحاء وفتح الباء الموحدة كعنبة ضرب من برود تصنع باليمن من قطن أو كتان من التحبير
وهو التزيين والتحسين، قيل ويقال ثوب حبرة على الوصف والإضافة إلى الوشي لا على
أن حبرة موضع أو شئ معلوم، بل هو شئ أضيف إليه الثوب، كما قيل " ثوب قرمز "
والقرمز صبغه.
وزاد المصنف كونها (عبرية) كما في المبسوط والوسيلة والنافع والقواعد والتحرير
وعن النهاية والاصباح وغيرها، بل هو معقد إجماعي المعتبر والتذكرة بكسر العين أو
فتحها منسوبة إلى العبر جانب الوادي أو موضع، وكونها (غير مطرزة بالذهب) كما في
الكتب السابقة أيضا والجامع، بل هو في معقد إجماعي الكتابين، ولا بالحرير كما نص
عليه جماعة وصريح المصنف كغيره من الأصحاب، بل في الذكرى وجامع المقاصد نسبته
إلى عمل الأصحاب، مضافا إلى ما سمعته من الاجماعات السابقة كون الحبرة زائدة على
الثياب الثلاثة المفروضة، وأنكره جماعة من متأخري المتأخرين، وتبعهم عليه الفاضل
المعاصر في الرياض، لعدم ظهور دليل على ذلك من أخبار الباب، بل في كشف اللثام
ظاهر أكثرها كونها اللفافة المفروضة، كقول الباقر (عليه السلام) في خبر أبي مريم (1):
" كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب: برد أحمر حبرة وثوبين
أبيضين صحاريين " وفي مضمر سماعة (2) بعد أن سأله " عما يكفن به الميت، فقال:
ثلاثة أثواب، وإنما كفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب: ثوبين
صحاريين وثوب حبرة " بل في حسن الحلبي بإبراهيم عن الصادق (عليه السلام) (3)
ما يعطي أن الزائد على الثلاثة موافق للعامة، حيث قال: " كتب أبي (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 6 - 10
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 6 - 10
196

في وصيته أن أكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة،
وثوب آخر وقميص، فقلت لأبي (عليه السلام): لم تكتب هذا؟ فقال أخاف أن
يغلبك الناس، وإن قالوا كفنه في أربعة أثواب أو خمسة فلا تفعل، قال: وعممته
بعد بعمامة، وليس تعد العمامة من الكفن، إنما يعد ما يلف به الجسد ".
وأيده أيضا في الرياض بما في بعض المعتبرة (1) المتضمنة لذكر الثلاثة، وإن
ما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة أثواب، فما زاد فمبتدع، والعمامة سنة، قال:
ولا ريب أن الزائد على الثلاثة الذي هو سنة هو العمامة و الخرقة المعبر عنها بالخامسة،
وبما في الزيادة من إتلاف المال وإضاعته المنهي عنهما في الشريعة.
وأنت خبير بجميع ما في ذلك، إذ الأدلة سيما بالنسبة للمستحبات غير منحصرة
في الأخبار، وكفى بما سمعت من الاجماعات المنقولة التي يشهد لها التتبع لكلمات الأصحاب
إلا من ندر كالمحكي عن الحسن بن أبي عقيل ومن وافقه من متأخري المتأخرين كصاحبي
المدارك والذخيرة دليلا لمثله، على أنه قد تشعر به بعض المعتبرة (2) أيضا كقول أبي
الحسن الأول (عليه السلام): " إني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما،
وفي قميص من قمصه، وعمامة كانت لعلي بن الحسين (عليهما السلام)، وفي برد اشتريته
بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربع مئة دينار " وقول الصادق (عليه السلام)
في خبر حمران بن أعين (3) على أحد الاحتمالين أو أظهرهما بعد أن سأله عن الكفن،
فقال: " يؤخذ خرقة فيشد بها سفله، ويضم فخذيه بها ليضم ما هناك، وما يصنع
من القطن أفضل، ثم يكفن بقميص ولفافة وبرد يجمع فيه الكفن " كخبر يونس عنهم
(عليهم السلام) (4) " أبسط الحبرة بسطا، ثم أبسط عليها الإزار، ثم أبسط القميص
عليه " وقول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (5): " يكفن الرجل في ثلاثة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 15
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 15
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5 - 3
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5 - 3
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث - 9
197

أثواب، والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين " لظهور
اللفافة فيما يشمل الجسد مع عدم القول بالفصل بين المرأة والرجل بالنسبة إلى ذلك،
واحتمال إرادة لفافة الثديين من إحدى اللفافتين بعيد، والأظهر ما قلناه، وعليه حينئذ
تحمل الخمسة في خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
في كم تكفن المرأة؟ قال: تكفن في خمسة أثواب، أحدها الخمار " واحتمال إرادة
الخرقة من إحدى اللفافتين يدفعه مع ما عرفت ما في خبر عبد الله بن سنان عن الصادق
(عليه السلام) (2) " إن العمامة والخرقة لا بد منهما، وليستا من الكفن " فيعلم منه حينئذ
أنه عند الاطلاق في كلامهم ينصرف إلى غيرها.
ويؤيده ما في أكثر الأخبار من تثليث الكفن، ومن المستبعد عدم الخرقة،
ومنه مع ما في حسن الحلبي السابق يعرف ما في التأييد المتقدم بقوله (عليه السلام) (3): " إلى أن
يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع، والعمامة سنة " حيث جعل العمامة والخرقة تتمة الخمسة،
إذ قد عرفت أن العمامة ليست من الكفن، فلا ينصرف إليها الاطلاق، مضافا إلى
ظهور قوله (عليه السلام) فيه: " والعمامة سنة " في إرادة الخمسة ما عداها، ولولا القطع بكون الخرقة من
جملتها في خصوص هذه الرواية لأمكن المناقشة فيها بما عرفت، وبذلك يتضح أن تأييد المطلوب
بقوله (عليه السلام): " إلى أن يبلغ خمسة " أولى من التأييد به لخلاف، كما أنه يتضح أيضا بما عرفت
من هذه الأخبار، مع أن المحكي عن العامة عدم الزيادة على الثلاثة حمل الصحيح المتقدم
المتضمن للوصية على وجه آخر لا ينافي المطلوب، ويتضح أيضا أنه لا وجه للتأييد بما عرفته
آنفا من أنه إضاعة مال، إذ لا وجه لذلك بعد ثبوت الاستحباب.
لكن الانصاف أن العمدة في إثبات الحكم عمل الأصحاب وإجماعاتهم، وإلا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 18
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 12 - 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 12 - 1
198

فليس في الروايات ما يفيد تمام المطلوب من كل وجه، إذ أقصى ما تفيده تلك الأخبار
بعد التسليم عدا خبر يونس أن المستحب زيادة لفافة، وأما أنها حبرة عبرية ونحو ذلك
فلا، اللهم إلا أن يتمم بالاجماع المركب، لكنه محل منع، بل لعل الأقوى في نظري
أن استحباب الحبرة ليس مخصوصا بالثوب الرابع، بل يجزئ لو كان هو الثالث مع
الاقتصار على الثلاثة على ما صرح به كاشف اللثام، ويدل عليه كثير من الأخبار
المتقدمة، بل ومع عدم الاقتصار عليها بأن زيد لفافة غير حبرة، وجعل الحبرة هي
الثالثة، وإن كان الأولى مع وجود الحبرة أن تجعل اللفافة الثانية، كما يشعر به خبر
يونس في أحد الاحتمالين.
ومما ذكرنا يظهر لك أن استحباب اللفافة الثانية ليس مشروطا بالحبرة، بل
هي في نفسها مستحبة، فمع عدم وجود الحبرة يستحب حينئذ لفافة ثانية على ما يشعر
به خبر البرد وغيره، وصرح به بعضهم، وإن كان قضية بعض عبارات الأصحاب
ذلك من حيث تقييد اللفافة الزائدة بالحبرة، لكن التأمل قاض بأن مرادهم المستحب
في المستحب، وكذا التقييد بالعبرية، فلا ينتفي حينئذ الخطاب بالاستحباب عند انتفاء
العبرية، على أنهم لا دليل لهم واضح من الروايات على استحباب العبرية في الزائدة،
إذ ليس إلا نحو قول الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة (1): " كفن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) في ثلاثة أثواب: ثوبين صحاريين، وثوب يمنية عبري أو أظفار "
وهو مع اشتماله على الترديد كما ترى لا دلالة فيه على اعتبار ذلك فيما نحن فيه من
اللفافة الثانية.
لكنك قد عرفت أنه معقد إجماعي المعتبر والتذكرة، وكأن الأصحاب جعلوا
ما يستفاد من الأخبار من استحباب كون الثوب الثالث حبرة عبرية لما ذكروه من اللفافة

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 4
199

الثانية، ولعلهم لأنهم فهموا منها إرادة الرابعة بترك ذكر المئزر في قطع الكفن، كما
وقع نظيرة في الأخبار وكلام بعض قدماء الأصحاب حيث لا يجعلونه من جملة الكفن،
بل يذكرونه ذكرا مستقلا كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم في نحو المقام، ومن ذلك
قوله (عليه السلام): " أبسط الحبرة " إلى آخره في أحد الاحتمالين، لكن كان عليهم
حينئذ أن يذكروا استحباب كون الحبرة حمراء لاستفاضة الأخبار بذلك، فتأمل.
ولولا ظهور اتفاق الأصحاب على أن المستحب حبرة واحدة لأمكن القول
باستحباب حبرتين، أحدهما اللفافة الأولى الواجبة، والثانية الزائدة، أما الأولى
فللأخبار، وأما الثانية فللاجماعات السابقة، كما أنه لولا ظهور عبارات جملة منهم
كبعض الأخبار أن الزائدة لفافة لا مكن القول بأن المستحب زيادة ثوب رابع يطرح
عليه، ولا يلف به الميت، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان (3):
" البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا، فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت
جنبه " ويؤيده - مضافا إلى كثرة ما دل على تثليث الكفن، إذ لا يكون البرد الزائد
حينئذ بناء على ذلك من الكفن - ما قيل: إنه ورد (1) " أن شقران مولى رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فرش تحت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره قطيفة "
ولعله لا يأبى الحمل على ذلك جملة من عبارات الأصحاب، بل عن الفقيه أنه قال:
" وإن شاء لم يجعل الحبرة معه حتى يدخله قبرة فيلقيه عليه " فتأمل جيدا.
وكيف كان فالظاهر أن استحباب الحبرة لا ينحصر في المصنوعة باليمن، وإن
كان ربما يقال: إن ذلك أفضل، بل قد يقال باستحباب مطلق الثوب المزين المحسن
كما يومي إليه بعض الأخبار (2) فتأمل. وأما ما ذكره المصنف وغيره من كونها غير

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الدفن - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التكفين
200

مطرزة بالذهب فيدل عليه - مضافا إلى ما عرفت من أنه معقد إجماعي المعتبر والتذكرة
وإلى أنه إتلاف مال غير مأذون فيه - ما في جامع المقاصد من تعليله بامتناع الصلاة،
نعم قد يناقش فيما ألحقه به بعضهم من المنع أيضا بالمطرز بالحرير، لأنه إتلاف مال غير
مأذون فيه بأنه يكفي في الإذن إطلاق الحبرة، نعم قد يستشكل في خصوص التطريز
بالحرير إذا لم يكن من قبيل مزج السداء واللحمة تبعا للاشكال في الصلاة فيه.
وحاصل الكلام فيه وفي سابقه أن ما منع من الصلاة فيه منع التكفين فيه،
لما عرفت سابقا، وإلا كان كل ما يدخل تحت مسمى الحبرة يستحب التكفين به مزج
بحرير أو غيره أولا، سيما بعد ما ورد من استحباب المغالاة في الكفن، وقد تقدم
خبر البرد وتسمع غيره، نعم لو حسنت الحبرة بأمور خارجة عن مادتها كأن أضيف
إليها شئ من الذهب ونحوه اتجه المنع للاتلاف.
ثم إنه قد ظهر لك أن قضية ما سمعته من تعليل المطرز بالذهب المنع من التكفين به،
فما في الرياض من جعل ذلك مستحبا مع تعليله بما يقضي بمنعه لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا.
(و) كذا يستحب زيادة (خرقة لفخذيه) إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا
كالنصوص (1) وإن اشتملت على الأمر الظاهر في الوجوب، بل في بعضها " أن
الخرقة والعمامة لا بد منهما وليستا من الكفن " لكن صرف ذلك إلى إرادة الاستحباب
لازم في المقام كما لا يخفى، خصوصا بعد قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الله
ابن سنان (2): " إن الخرقة لا تعد شيئا، إنما تصنع لتضم ما هناك، وما يصنع من القطن

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 و 12 و 16
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 ونصه " تؤخذ خرقة
فيشد بها على مقعدته ورجليه، قلت: فالإزار؟ قال: لا، أنها لا تعد شيئا " الخ قال في
الوافي في بيان هذا الحديث: " إذا كانت الخرقة تواري العورة فما تصنع بالإزار؟ فقال
(عليه السلام): أنها لا تعد شيئا، يعني أن الخرقة لا تعد من الكفن، ولا تغنى من الإزار
والأزار لا بد منه "
201

أفضل منها " ونحوه خبر حمران بن أعين (1) وفي هذا الصحيح كخبر عمار (2) تصريح
بكون هذه الخرقة غير المئزر، فما عساه يظهر من الفقيه كما عن المقنع من أنها المئزر
ليس بشئ.
ثم إنه لا فرق في استحباب الخرقة بين الرجل والمرأة للأصل واتحاد المقتضي
والمرسل المرفوع (3) الدال على اتحاد كفنهما غير أنها تزاد لفافة لثدييها، إلى أن قال:
" ثم تشد عليها الخرقة شدا " وتسمى هذه الخرقة عندهم الخامسة، وكأنه لأنها
كذلك من حيث زيادة الحبرة على الثلاثة الواجبة، أو لأنها خامسة الأكفان المشتركة
بين الرجل والمرأة، وقد يناقش في الأول بزيادة العمامة، واحتمال القول إن العمامة
ليست من الكفن يدفعه مع أن الخرقة أيضا كذلك أن ظاهر الصحيح وغيره كونها منه، ومن
هنا قيل كونها من المندوب دون المفروض طريق الجمع. وتظهر الثمرة في الدخول والخروج
بنذر الكفن المندوب، قلت: لكن قد يناقش فيه بأنه يأباه قول الصادق (عليه السلام):
" كتب أبي في وصيته إلى أن قال: وعممني بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن إنما
يعد ما يلف به الجسد " من حيث اشتماله على التعليل المنافي لجعلها من الواجب والمندوب،
لفعل الأولى عدم كونها منه شرعا، وصرف ما دل على ذلك إلى نوع من المجاز، نعم
قد يشعر هذا التعليل كظاهر غيره بكون الخرقة منه، فيتجه حينئذ الجمع المتقدم بالنسبة
إليها، لكن ومع ذلك لا يخلو عدها من جملة أجزاء الكفن من تأمل ونظر.
ثم الخرقة ينبغي أن (يكون طولها ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر) ونصف
كما في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام) (4) وفي عرض شبر في خبر يونس عنهم

(1) والوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5 - 4
(2) والوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 16
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4
202

(عليهم السلام) (1) لكن ليس فيه تقدير الطول، إنما فيه خرقة طويلة، وفي آخره
" وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا " ولعله لذا قال
المصنف: (تقريبا) جمعا بينهما، فيجزئ كل منهما كما أنه يجزئ، الأقل والأزيد ما لم يؤد
إلى الاسراف، بل وكذا الطول، ولعل التقريب في المتن راجع إلى الجميع، فتأمل.
(و) ذكر المصنف في كيفية لف الخرقة المذكورة أن (يشد طرفاها على حقويه،
ويلف بما استرسل منها فخذاه لفا شديدا) وفي المعتبر وخرقة لشد فخذيه لفا شديدا ثم
يخرج طرفها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن، ويغمزه في الموضع الذي شدها فيه،
ولم أعثر على كيفية ذلك في شئ من كلمات قدماء الأصحاب، بل قضيتها سيما معقد إجماع
الغنية وغيرها كالمحكي عن أكثر عبارات الأصحاب تأدي السنة بشدها من الحقوين ولفها
على الفخذين بأي وجه اتفق، ويؤيده ما صرح به في الأخبار (2) من أن الغرض منها
كي لا يبدوا من ما هناك شئ، فجعل المدارك حينئذ على ذلك لا يخلو من قوة، وإن كان
الموجود في مرسل يونس عنهم " عليهم السلام " (3) " فشدها من حقويه، وضم فخذيه
ضما شديدا، ولفها في فخذيه، ثم أخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن،
واغرزها في الموضع الذي لففت فيه الخرقة، وتكون الخرقة طويلة تلف فخذيه من
حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا " والظاهر أن " في " في قوله (عليه السلام): " في فخذيه " بمعنى " على "
كما أن الظاهر إرادة الغمز في الموضع الذي انتهى عنده اللف منه، وقد يحمل ما سمعته
من المعتبر على ذلك، فتأمل. وفي خبر الكاهلي (4) " ثم أزره بالخرقة، ويكون
تحتها القطن، فذفره به إذفارا قطنا كثيرا، ثم تشد فخذيه على القطن بالخرقة شدا شديدا

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 و 12 والباب 14 حديث 5
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 5
203

حتى لا تخاف أن يظهر شئ " كذا فيما حضرني من نسختي الوسائل والوافي، قال في
الثاني: " والذفر بتقديم المعجمة الجمع الشديد والشد، وفي بعض النسخ " أذفره " وكأنه
بمعناه، والأذفار كأنه لغة في الاثفار بالثاء المثلثة، وهو الشد بالثفر أعني
السير " انتهى.
وقد يقال: إن الأوجه من ذلك قراءتها أزره بالخرقة بالزاء المعجمة، والأذفار
إنما هو بالقطن بمعنى الاثفار، ثم يؤزر بالخرقة عليه، قال في كشف اللثام بعد هذه
الرواية: " فيحتمل أن يكون أذفره بالفاء وإعجام الذال، أي طيب الميت بالخرقة
التي تحتها القطن، وتطيب الميت بالقطن بنشر الذريرة عليه، وأن يكون بالقاف وإهمال
الدال، أي املأه أي ما بين أليتيه بالخرقة والقطن أي بالقطن، ولذا أعاد قوله:
" تذفره به " أي القطن، وفي الذكرى هكذا وجد في الرواية، والمعروف يثفر
بها من أثفرت الدابة إثفارا، قلت: فإن أريد به الاثفار فلعل اذفاره برأسها حين
يخرج ويغمز في الموضع الذي لفت به " انتهى ما في كشف اللثام. ولا يخفى عليك بعد
ما ذكره بل عدم استقامته سيما الثاني، قلت: وكأن ما ذكره في المدارك تبعا لجده في
الروض وغيره من الكيفية قد أخذه من هذه الرواية كما صرح به في الروض بناء على أن
الموجود فيها الاذفار، وأنه بمعنى الاثفار، وهي بأن يربط أحد طرفي الخرقة على
وسط الميت إما بأن يشق رأسها أو يجعل فيها خيط ونحوه، ثم يدخل الخرقة بين فخذيه
ويضم بها عورته ضما شديدا، ويخرجها من تحت الشداد الذي على وسطه، ثم يلف
حقويه وفخذيه بما بقي لفا شديدا، فإذا انتهت فأدخل طرفها تحت الجزء الذي انتهت
عنده، انتهى.
وأنت خبير بعدم استفادة تمام ما ذكره من الأخبار، بل خبر يونس ينافي بعض
ذلك، لكن لا بأس بذلك كما لا بأس بغيرها من الكيفيات لما عرفت، ولخلو جملة من
204

الأخبار عن التعرض للكيفية، بل قضية إطلاقها ما سمعته منا سابقا، ففي خبر عمار (1)
" التكفين أن تبدأ بالقميص ثم بالخرقة فوق القميص على ألييه وفخذيه وعورته " ولعل
المراد شدها تحت القميص، ولكن بعد إلباسه إياه استظهارا في التحفظ من انكشاف
عورته، وفي خبر حمران (2) " يؤخذ خرقة فيشد بها سفله، ويضم فخذيه بها ليضم
ما هناك " وفي خبر معاوية بن وهب (3) " وخرقة تعصب بها وسطه " إلى غير ذلك
من الأخبار الظاهر فيما ذكرنا، وإن كان الأولى المحافظة على ما في خبر يونس، وأما
ما ذكره المصنف من شد الطرفين على الحقوين فلم أعثر على ما يشهد له، بل قد يصعب
تصوره إن أريد ظاهره بحيث ينطبق على ما عرفت، فتأمل.
ثم إن المستفاد من النص والفتوى كون وضع الخرقة (بعد أن يجعل بين ألييه
شئ من القطن) مثلا وإن لم يكن شرطا في استحبابها كالعكس على الظاهر لكن الأحوط
في مراعاة المستحب ذلك، لما يظهر من بعض الأخبار (4) والمراد بما بين أليتيه في
العبارة وغيرها الوضع على دبره كما صرح به جماعة، وقضيته إجماع الخلاف، وحكي
عن آخرين، بل لا أجد فيه خلافا في الجملة، إذ لا ينافيه الاقتصار على حشو الدبر
من غير تعرض للوضع عليه كما حكي عن جماعة، وهو الحجة بعد قول الصادق (عليه السلام)
في خبر عمار (5): " تبدأ فتجعل على مقعدته شيئا من القطن وذريرة " ونحوه في إفادة
ذلك غيره، لعله يرجع إليه المحكي عن القاضي " ويسدد دبره بالقطن سدا جيدا "
بل المستفاد من خبر يونس عنهم (عليهم السلام) (6) وغير استحباب وضعه على القبل

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 13
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 و 5 و 10
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 10 - 3
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 10 - 3
205

أيضا، قال فيه: " واعمد إلى قطن تذر عليه شيئا من حنوط وضعه على فرجيه قبل
ودبر " وحكي التصريح به عن جماعة، بل قيل يمكن تعميم ما بين الأليتين لهما خصوصا
في المرأة، وعن التذكرة ونهاية الإحكام وصف القطن بنزع الحب، ولا بأس به كما
لا بأس بالتعدي من القطن إلى غيره بعد حصول الغرض به، فتأمل.
(
وإن خشي خروج شئ فلا بأس أن يحشى في دبره) كما في القواعد والمنتهى،
وتعطيه عبارة الخلاف والجامع وغيرهما، بل الظاهر أنه مراد كل من أطلق حشوه
من دون اشتراط ذلك كما لا يخفى على من لاحظ عباراتهم، إذ فيها شواهد عليه، فما
ظنه بعض متأخري المتأخرين من كون ذلك قولا مقابلا لما في المتن في غير محله، نعم
ظاهر السرائر أو صريحه كالمحكي عن نهاية الإحكام منع ذلك مطلقا مراعاة لحرمته
ميتا كحرمته حيا، وهو ضعيف، بل لعل مراعاة الحرمة تقتضي العكس سيما بعد قيام
الدليل عليه من إجماع الفرقة وعملهم عليه في الخلاف المؤيد بالتتبع لكلمات الأصحاب،
والمرسل المرفوع (1) " ويصنع لها القطن لها القطن أكثر مما يصنع للرجال، ويحشى القبل والدبر
بالقطن الحنوط " وقول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار (2) " وتدخل في مقعدته
من القطن ما دخل " وخبر يونس عنهم (عليهم السلام) (3) " واحشوا القطن في دبره
لئلا يخرج منه شئ " وحملها على إرادة الحشو فيما بين الأليتين ونحو ذلك مجاز بعيد
لا مقتضي له، نعم يتجه الاقتصار على ما ذكره المصنف من الاشتراط كما يشعر به ما في
الأخير، ويؤمره مراعاة حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، كما أنه يستفاد أيضا من خبر
عمار استحباب حشوه وضع القطن عليه أيضا، فالاقتصار على الأول خاصة كما عن
بعضهم لا يخلو من نظر.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 16
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 10 - 3
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 10 - 3
206

ثم الظاهر إرادة المصنف من نفي البأس الاستحباب كما هو ظاهر الأصحاب
والأخبار وصريح معقد إجماع الخلاف، ولا تقدير للقطن المحشو في الفتاوى وأكثر،
النصوص، لكن في خبر عمار (1) " تحتاج المرأة لقبلها من القطن قدر نصف من ".
(و) كذا يتسحب زيادة (عمامة يعمم بها) إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا
كالنصوص (2) وما في بعضها من ظهور الوجوب لا بد من صرفه إليه، ولا مقدر لها
في النصوص والفتاوى، فيكون المدار على ما يحصل به اسمها، لكن صرح جماعة أنه
يعتبر فيها بالنسبة إلى الطول ما يؤدي الهيئة التي ستأتي بأن يلف بها رأسه، ويكون لها
ذؤابتان من الجانبين يلقيان على صدره، وفي العرض ما يطلق معه اسم العمامة، قلت:
قد يناقش فيه بالنسبة إلى الأول بأن ذلك مستحب في مستحب، وإلا فلا يعتبر فيها
ذلك، فالأولى حينئذ جعل المدار فيهما معا على صدق اسمها، نعم ينبغي أن يكون
لها حنك للنهي (3) في بعض أخبار المقام عن عمة الأعرابي، والظاهر أنها التي لم
تشتمل على الحنك كما في الحدائق، مع أن هذا في الحقيقة راجع إلى كيفية التعميم
لا إلى العمامة، فتأمل.
وقد تقدم سابقا أن الأقوى أن العمامة ليست من الكفن واجبه ومندوبه كما
صرح به جماعة، بل حكاه في كشف اللثام عن المعظم، وعن كشف الالتباس نسبته
إلى الأصحاب، ويدل عليه - مضافا إلى ما يشعر به أخبار تكفينه (صلى الله عليه وآله)
بثلاثة أثواب (4) مع ظهور أنه عمم - نفي كونها منه في عدة أخبار (5) بل في بعضها

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 1 و 8 و 10
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 3 و 4 و 6
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 1 و 10 و 12
207

ما هو كالصريح في ذلك، للتعليل فيه بأنه إنما يعد من الكفن ما يلف به الجسد، وفرع
بعضهم على ذلك أنه لا يقطع سارقها من القبر، لكونه حرزا للكفن، وآخر أنها لا تدخل
في الوصية بالكفن المندوب، وكذا النذر، وللنظر فيهما مجال سيما الأول، لكن
الأمر في الثمرة سهل، إذ هي إن لم تظهر في ذلك تظهر في أمور أخر كعدم اشتراط
ما يشترط في الكفن فيها، ونحو ذلك.
وفي الذكرى وجامع المقاصد والروضة في كتاب الحدود أنها ليست من واجبه
لكنها من مندوبه جمعا بين تلك الأخبار وبين ما دل على أنها منه، كقوله (عليه السلام)
في صحيح ابن سنان: (1) " ثم الكفن قميص ص غير مزرور ولا مكفوف، وعمامة
يعصب بها رأسه " وفي خبر معاوية بن وهب " يكفن الميت في خمسة - إلى أن قال -:
وعمامة يعمم بها " وفي خبر يونس بن يعقوب (3) " إن أباه أوصاه فقال: اشتر لي
بردا واحدا وعمامة وأجدهما فإن الموتى يتباهون بأكفانهم " وقد يقال: إن الجمع بحمل
هذه الأخبار على نوع من المجاز أولى لما عرفت، فتأمل.
وهيئة وضع العمامة أن يعمم بها (محنكا) بالاجماع على الظاهر كما في كشف اللثام
وعليه الأصحاب في المعتبر، ذهب إليه علماؤنا في التذكرة، والظاهر أنه لا خلاف
فيه في الذخيرة، ومجمع عليه في الحدائق، ويدل عليه مضافا إلى ذلك قول الصادق
(عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير (4) في العمامة للميت: " حنكه " قيل ويفيده قول
الصادق (عليه السلام) في خبر عثمان النوا (5): " وإذا عمته فلا تعممه عمة الأعرابي

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 - 13
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 - 13
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التكفين - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 2
208

قلت: كيف أصنع؟ قال: خذ العمامة من وسطها وانشرها على رأسه ثم ردها إلى خلفه
واطرح طرفيها على صدره " كذا عن التهذيب وأكثر نسخ الكافي، وعن بعضها
" وأطرح طرفيها على ظهره " والمراد بعمة الأعرابي من غير حنك كما في الحدائق
وظاهر المبسوط.
ومن المعروف في رواية خبر عثمان النوا يستفاد ما ذكره المصنف من أنه (يلف
بها رأسه) لفا (ويخرج طرفاها من تحت الحنك ويلقيان على صدره) وأتم منه في ذلك
خبر يونس عنهم عليهم السلام (1) " ثم يعمم ويؤخذ وسط العمامة فيثنى على رأسه
بالتدوير، ثم يلقى فضل الشق الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن ثم يلقى
على صدره " ونحوه المحكي عن الفقه الرضوي (2) هذا مع أنا لا نعرف في ذلك خلافا،
بل في التذكرة " ويستحب العمامة للرجل تثنى عليه محنكا، ويخرج طرفاها من الحنك،
ويلقيان على صدره، ذهب إليه علماؤنا " انتهى. نعم في خبر عثمان النوا على ما عن
بعض نسخ الكافي ما ينافي ذلك، كخبر حمران بن أعين (3) " ثم خذوا عمامته
فانشروها مثنية على رأسه، وأطرح طرفيها من خلفه، وأبرز جبهته " لكن لم أعثر
على عامل بهما غير أنه قال في كشف اللثام: " يمكن التخيير بينهما " انتهى. ولا يخفى
عليك ما فيه بعد ما عرفت، بل المتجه طرحهما أو تأويلهما بما لا ينافي المطلوب، كخبر
معاوية بن وهب (4) " ويلقى فضلها على وجهه " مع أن المحكي عن الكافي " على صدره "
وهو أضبط من الشيخ. وخبر عمار (5) " وليكن طرفا العمامة متدليا على جانبه الأيسر

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3
(2) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب الكفن - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الكفن - حديث 5 - 4
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث - 13
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الكفن - حديث 5 - 4
209

قدر شبر يرمى بها على وجهه " وصحيح ابن سنان (1) " ويرد فضلها على وجهه " وعن
التهذيب رواية " على رجليه " ويمكن اتحاد الوجه والصدر، وتأويل الرجلين بجهتهما،
لكنه بعيد.
(و) يستحب أن (يزاد للمرأة لفافة لثدييها) كما في المبسوط والوسيلة والسرائر
والجامع والنافع والمعتبر والقواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى وغيرها، بل لا أجد
فيه خلافا، فما عساه يشعر نسبته إلى الشهرة في كلام بعضهم بوجوده في غير محله،
كالتوقف فيه من آخر نظرا إلى ضعف مستنده من مرفوع سهل المضمر (2) " سألته
كيف تكفن المرأة؟ قال: كما يكفن الرجل غير أنه يشد على ثدييها خرقة تضم الثدي
وتشد إلى ظهرها "
الحديث. إذ هو مع عدم قدح ذلك فيه بعد انجباره بما عرفت
حكم مستحب يتسامح في دليله.
وما في الرياض من عدم جواز المسامحة في مثله لاستلزامه تضييع المال المحترم يدفعه
أولا عدم انحصار فوائد المال في الأغراض الأخروية حسب بل يكفي في عدم كونه
تضييعا مثل إرادة عدم بدو حجم الثديين وعدم انتشار الأكفان بهما مثلا. وثانيا أن
بذل المال في احتمال ترتب النفع الأخروي لا يعد تضييعا لا لغة ولا عرفا ولا شرعا إذا كان
الاحتمال معتدا به ناشئا من شهرة بين الأصحاب أو خبر في الباب أو نحو ذلك. وثالثا أن
حرمة التضييع لا تعارض ما دل (3) على التسامح في أدلة السنن، بل هي كحرمة التشريع
يرتفع موضوعهما بثبوت المستحب ولو بخبر ضعيف بعد أن دل الدليل المعتبر على اعتباره
في مثله. ورابعا قد يقال وإن بعد بل منع عند التأمل: إن الخبر الضعيف المثبت لحكم
خاص استحبابي يحكم به على العالم القاضي بحرمته، لشمول ما دل على التسامح لمثله،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 - 16
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 8 - 16
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب مقدمة العبادات
210

فالحاكم حقيقة ما دل على اعتباره في مثل المقام لا هو نفسه، لكن لا يلحظ التعارض ابتداء
بينه وبين ذلك العام كسائر الأدلة، فإنه لا ينظر في حال تعارضها إلى دليل حجيتها،
ومن هنا يحكم بالخاص الاستصحابي على العام وإن كان كتابيا.
لا يقال: إنه يعارضه في المقام حينئذ الأمر بالاحتياط، لأنا نقول حال الخبر
الضعيف مثلا في المقام بعد قيام الأدلة المعتبرة على اعتباره كالخبر الصحيح المعتبر إذا دل
على استحباب فرد من أفراد العام المحرم، فما يقال فيه يقال هنا، نعم قد ينازع في
شمول ما دل على التسامح كقوله (عليه السلام): " من بلغه ثواب على عمل " لما إذا عارض
عموم تحريم، فتأمل جيدا، فإن المسألة كثيرة الفوائد جدا.
(و) كذا يستحب أن تزاد المرأة أيضا (نمطا) كما في النافع والقواعد وعن
الكامل والمهذب، وظاهر المصنف وغيره أن ذلك مستحب مع الحبرة، فيكون لها
حينئذ بناء على كون النمط مما تلف به ثلاث لفائف: أحدها الواجب لظهور إرادة
زيادتها على أكفان الرجل واجبة ومندوبة عدا العمامة، فتعوض عنها قناعا، وإلا لم
تكن الحبرة مستحبة للنساء، ولا لفافة الفخذين عند المصنف ومن ماثله، وقد عرفت
سابقا ظهور الاجماع على استحبابهما معا بالنسبة إليها، وفي الوسيلة أن المسنون ستة أشياء
أن يزاد للرجل ثوبان حبرة وخرقة وعمامة، وللمرأة لفافتان أو لفافة ونمط وخرقة
تشد بها ثدياها، ومن العجيب أن الأستاذ الأعظم في حاشية المدارك أنكر وجود
قائل باستحباب الثلاث.
قلت: بل قد يظهر من المقنعة والخلاف والمبسوط ومحكي المراسم والنهاية استحباب
أربعة، قال في الأول بعد ذكره زيادة الحبرة والخامسة في أكفان الرجل، وأكفانها
مثل أكفانه: " ويستحب أن تزاد ثوبان، وهما لفافتان أو لفافة ونمط " نحوه ما عن
النهاية، اللهم إلا أن يريدا بأحدهما لفافة الثديين، وقال في الثاني: (والمسنون خمسة:
211

إزاران أحدهما حبرة وقميص ومئزر وخرقة، ويضاف إلى ذلك العمامة، وتزاد المرأة
إزارين آخرين - إلى أن قال -: دليلنا إجماع الفرقة " وقال في الثالث بعد ذكره
أكفان الرجل الواجب والمندوب: " ويستحب للمرأة أن تزاد لفافتين على ما قدمناه،
ويستحب أن تزاد خرقة تشد بها ثدياها إلى صدرها " ونحوه المحكي عن المراسم لكنه
لم ينقل عنه ذكر لفافة الثديين، فيحتمل فيه حينئذ ما سمعته في عبارة المقنعة، وقال
في كشف اللثام: " لعلهم أرادوا الزيادة على اللفافة المفروضة أي يستحب أن يزاد للرجل لفافة هي الحبرة إن وجدت، وللمرأة لفافتين " انتهى. قلت: وفيه بعد
أو منع فلاحظ.
وعن الاقتصاد تزاد لفافة أخرى إما حبرة أو ما يقوم مقامها، ثم قال: وإن
كان امرأة زيد لفافة أخرى، وروي أيضا نمط وظاهره التربيع إن كان عاملا برواية
النمط، وإلا فالتثليث، وعلى كل حال فالثلاثة متيقنة الإرادة في كلامهم، بل في
الغنية ما يقضي باستحباب الثلاث حتى للرجال حيث أطلق بعد ذكره الواجب استحباب
زيادة لفافتين أحدهما الحبرة وخرقة للفخذين، إلى أن قال: كل ذلك بدليل الاجماع
كالمحكي عن القاضي من استحباب التثليث كذلك مع كون أحدها حبرة وكون أحدها
نمطا إن كانت امرأة، وإن لم توجد حبرة ولا نمط فإزاران، بل قد يظهر من الفقيه
والهداية كما عن رسالة علي بن بابويه والده والحلبي استحباب النمط للرجال والنساء،
لذكرهم له مطلقا، قال في الأول: " وتبدأ بالنمط وتبسطه وتبسط عليه الحبرة، وتبسط
الإزار على الحبرة، وتبسط القميص على إزار " ونحوه عن رسالة أبيه، وفي الذكرى
أنه " قال في المقنع بقول أبيه بلفظ الخبر " انتهى. وزيد في الهداية بعد ذلك ويعد
مئزرا، وهو دليل على التثليث، لكن قد يقال: إن الظاهر منهما كون النمط شيئا
يفرش تحت كفن الميت لا أنه يلف به الميت، وعن الحلبي أنه قال: ثم تكفنه في درعين
212

ومئزر ولفافة ونمط، وتعممه إلى أن قال: والأفضل أن تكون الملاف ثلاثة إحداهن
حبرة يمنية، وتجزئ واحدة، إلى غير ذلك من عبارات الأصحاب.
وقد نقل في الذكرى جملة وافية منها، ثم قال بعدها: " فظهر أن النمط مغاير
للحبرة في كلام الأكثر وأن بعض الأصحاب على استحباب لفافتين فوق الإزار الواجب
للرجل والمرأة وإن كانت تسمى إحداهما نمطا. وأن الخمسة في كلام الأكثر غير الخرقة
والعمامة، والسبعة للمرأة غير القناع " انتهى. وهو صريح فيما قلنا، وكأن غرضه بما
استظهره من الأكثر من مغايرة الحبرة للنمط الرد على ما في السرائر " وإن كانت امرأة
زيدت على مستحب الرجال لفافة أخرى لشد ثدييها، وروي نمط، والصحيح الأول،
وهو مذهب شيخنا أبي جعفر (رحمه الله) في كتاب الاقتصاد، لأن النمط هو الحبرة،
وقد زيدت على أكفانها، لأن الحبرة مشتقة من التحبير، وهو التزيين والتحسين،
وكذلك النمط هو الطريقة، وحقيقته الأكسية والفرض ذوات الطرائق، ومنه سوق
النماط بالكوفة " انتهى وظاهره عدم استحباب لفافة أخرى شاملة للجسد، ولا يخفى
عليك بعد ما فهمه من الاقتصاد بل امتناعه على ما سمعت من عبارته، فتأمل جيدا.
وكيف كان فقد يستدل على استحباب الثلاث بالنسبة للرجل والمرأة باجماع الغنية
المؤيد بفتوى من عرفت، بل على الأربع بالنسبة للمرأة باجماع الخلاف المؤيد أيضا
بذلك، وبما رواه في البحار (1) عن مصباح الأنوار عن جعفر بن محمد عن أبيه
(عليهما السلام) " أن فاطمة (عليها السلام) كفنت في سبعة أثواب " وعن إبراهيم بن
محمد عن محمد بن المنكدر (2) " أن عليا (عليه السلام) كفن فاطمة (عليها السلام) في
سبعة أثواب " بضميمة ظهور كون السبعة غير الخرقتين أو غير القناع وخرقة الفخذين
وعلى خصوص كون أحدها نمطا بما أرسله من الرواية في السرائر وعن الاقتصاد والمقنع

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الكفن - حديث 9 - 10
(2) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الكفن - حديث 9 - 10
213

مع التأييد بفتوى كثير من الأصحاب، بل في المدارك نسبة استحبابه للمرأة إلى قطع
الأصحاب، وفي حاشية الكتاب للشيخ علي " النمط بالتحريك ثوب فيه خطط معد
للزينة، فإن يوجد جعل بدله لفافة كما يجعل بدل الحبرة لفافة أخرى عند فقدها،
قاله الأصحاب " انتهى.
ويؤيده مع ذلك كله وقوعه في نحو عبارة الصدوقين التي هي متون أخبار، بل
قيل إنهم كانوا إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إلى فتاوى علي بن بابويه، كل ذا مع
التسامح في أدلة السنن، وقد عرفت اندفاع المناقشة في جريان التسامح في نحو المقام،
فيكفي ذلك في ثبوت ما قلناه، وفي تخصيص ما في الصحيح (1) " أن ما زاد سنة إلى أن
يبلغ خمسة، فما زاد فمبتدع " إن نافاه، وإن كنا لم نقف في شئ من أخبارنا الموجودة
في الوسائل والوافي على ذكر النمط، بل ولا على ما يدل على استحباب تثليث اللفائف
في المرأة فضلا عن الرجل، وفضلا عن الأربعة، إذ ليس إلا ما سمعته مما دل على
استحباب الخمس، وما في مرسل يونس (2) " الكفن فريضة للرجال ثلاثة أثواب،
والعمامة والخرقة سنة، وأما النساء ففريضة خمسة أثواب " فإنه مع تسليم كون المراد
بالخمسة ما عدا العمامة وخرقة الفخذين وخمار المرأة ولفافة الثديين لا دلالة فيه إلا على الإزار
الواجب ولفافة فوقه، وقد تكون الحبرة، اللهم إلا أن يقال أن الأصل عدم تداخل
الأمر بالحبرة في الأمر بهذه اللفافة، فيستفاد حينئذ لفائف ثلاث، وبمثله يندفع
احتمال إرادة لفافة الثديين أو الخرقة بإحداهما، وحمل المطلق على المقيد مشروط باتحاد
الكلف به، وتنقيح ذلك بأصالة عدم تعدد التكليف قد يدفعه ظهور الخطاب فيه.
بهذا التقرير يظهر أنه لا ينافي الاستدلال حينئذ به ونظائره قول الصادق

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 7
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 7
214

(عليه السلام) (1) بعد أن سأله عبد الرحمان في كم تكفن المرأة؟: " في خمسة أثواب أحدها
الخمار " والباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (2): " يكفن الرجل في ثلاث أثواب،
والمرأة إذا كانت عظيمة في خمسة: درع ومنطق وخمار ولفافتين " من حيث دخول
الخمار في الخسمة، بل لعل بعضها يكون حينئذ شاهدا للمطلوب فتأمل. نعم قال في المدارك
في خصوص الخبر الأخير بعد أن ذكر الاستدلال به للأصحاب على التثليث: " وأنه نمط
وليس فيه دلالة على المطلوب بوجه، فإن المراد بالدرع القميص، والمنطق بكسر الميم
ما يشد به الوسط، ولعل المراد به هنا ما يشد به الثديان - إلى أن قال -: وليس فيها
ذكر للنمط، بل ولا دلالة على استحباب زيادة المرأة لفافة عن كفن الرجل كما بيناه فيما
سبق من مفاد الأحبار اعتبار الدرع واللفافتين أو الثلاث لفائف في مطلق الكفن " انتهى.
وفيه من البعد في إرادة المنطق بما ذكر ما لا يخفى، لعدم مناسبة المعنى اللغوي، إذ
الناطقة الخاصرة لغة، فالمنطق والمنطقة والنطاق ما يشد عليها، وفي القاموس " المنطق
شقة تلبسها المرأة، وتشد وسطها فيرسل الأعلى على الأسفل إلى الأرض، والأسفل
ينجر على الأرض، ليس لها حجرة ولا ساقان " انتهى. بل لعل إرادة المئزر منه
حينئذ أقرب كما في الذكرى وعن الحبل المتين، فحينئذ لا يتوجه ما ذكر، فتأمل. ومن
جميع ما ذكرنا يظهر لك ما في كلام جماعة من متأخري المتأخرين، تركنا التعرض له خوف
الإطالة، فلاحظ.
وأما النمط فعن الصحاح أنه ضرب من البسط، وعن شمس العلوم فراش منقوش
بالعهن، وعن العين والمحيط طهارة الفراش، وعن النهاية الأثيرية ضرب من البسط
له خمل رقيق، وعن فقه اللغة للثعالبي والسامي أنه الستر، وعن الأساس والمغرب أنه
ثوب من صوف، وعن موضع من المعرب المهمل ثوب من صوف يطرح على الهودج،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 18 - 9
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 18 - 9
215

وعن موضع آخر منه قيل وهو بالفارسية نهالي، وعن المصباح المنير ثوب من صوف
ذو لون من الألوان، ولا يكاد يقال للأبيض نمط، وعن تهذيب الأزهري النمط
عند العرب والزوج ضرب من الثياب المصبوغة، ولا يكادون يقولون النمط والزوج
إلا لما كان ذا لون من حمرة أو خضرة أو صفرة، فأما البياض فلا يقال له نمط،
وفي القاموس النمط طهارة فراش ما، أو ضرب من البسط والطريقة والنوع من الشئ
وثوب صوف يطرح على الهودج.
قلت: لا يخفى بعد بعض ما في هذه الكتب عن كونه لفافة، ولعله يوافق
حينئذ ما عساه يظهر من بعض الأصحاب من عدم كونه لفافة، لعطفه عليها تزاد لفافة
ونمطا، لكن المعروف في تفسيره عند الأصحاب على ما نص عليه في المعتبر وعن
التذكرة والمنتهى والسرائر وغيرها أنه ثوب فيه خطط، بل في جامع المقاصد بعد أن
حكى عن جماعة من الأصحاب ذلك " الظاهر أنه لا خلاف في أن النمط ثوب كبير شامل
للبدن كاللفافة والحبرة " انتهى. وقد سمعت سابقا ما حكيناه عنه في حاشية الكتاب،
فتأمل جيدا. (و) كذا يستحب أن (يوضع لها بدلا عن العمامة قناع) أي خمار بلا خلاف أجده
بين المتأخرين، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه،
ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة محمد بن مسلم (1) وخبر عبد الرحمان (2) المتقدمان،
وعن شرح الإرشاد لفخر الاسلام " إن الخنثى المشكل يكتفى فيها بالقناع، لأن الخنثى
المشكل حكمه في الدنيا الاستتار بالقناع وعدم العمامة، وجسده عورة، وفي الاحرام
حكمه حكم المرأة " انتهى. وللنظر فيه مجال، ولعل الاحتياط في تحصيل المستحب
يقضي بالعمامة والقناع، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 9 - 18
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 9 - 18
216

(و) يستحب (أن يكون الكفن قطنا) أبيضا وهو مذهب العلماء على ما في المعتبر،
وبزيادة " كافة " في التذكرة، كما عن النهاية الاجماع عليه، وفي الخلاف نفي الخلاف
عن استحباب البياض من الألوان، ويدل على المطلوب - مضافا إلى ما سمعت وإلى
التأسي لما نقل في المعتبر والتذكرة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كفن بالقطن الأبيض -
قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة (1): " الكتان كان لبني إسرائيل
يكفنون به، والقطن لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) وقوله (عليه السلام) أيضا
في خبر مثنى الحناط (2) وخبر أبي القداح (3): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
البسو البياض، فإنه أطيب وأطهر، وكفنوا فيه موتاكم " والباقر (عليه السلام)
في خبر جابر (4): " قال النبي (صلى الله عليه وآله): ليس من لباسكم شئ أحسن من
البياض، فالبسوه وكفنوا فيه موتاكم " لقصورها عن إفادة الوجوب في الأمرين معا
لأمور عديدة تعين حملها على الاستحباب، فما عساه يظهر من الخلاف من وجوب كونه
قطنا ضعيف أو محمول على إرادة الاستحباب.
ثم إن قضية ما سمعت من معقد الاجماع تقييد استحباب القطن بالبياض وبالعكس،
وربما يقال بمنافاته لما سمعته من الأدلة من حيث الأمر بالقطن مستقلا كالأمر بالبياض،
وبينهما عموم من وجه، فمن كفن بقطن غير أبيض أو بالعكس جاء بالمستحب من جهة
وتركه من أخرى، فإذا أرادهما معا جاء بهما معا، لكن قد يدفع ذلك بأن المتجه في
مثله بعد حصول شرط حمل المطلق على المقيد تقييد كل منهما بالآخر، فيحصل المطلوب
من أن المستحب القطن الأبيض سيما بعد ما عرفت من معقد الاجماع، وحمله على إرادة

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التكفين - حديث - 1
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التكفين - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التكفين - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التكفين - حديث 2
217

استحباب كل منهما من دون تقييد، كما عساه يظهر من بعضهم خلاف الظاهر، فتأمل
جيدا. كما أن قضية أخبار الباب وكلام الأصحاب عدم استحباب ما خالفهما لا كراهته،
نعم قد يقال ذلك في خصوص الكتان لما تعرفه إن شاء الله عند ذكر المصنف له، وفي
خصوص السواد للاجماع في المعتبر والتذكرة وعن نهاية الإحكام عليه، وفي المنتهى لا نعرف
فيه خلافا، وللنهي عن التكفين به في خبر الحسين بن المختار عن الصادق (عليه السلام) (1)
فما عن المشهور من كراهة غير الأبيض مطلقا مع أنا لم نتحققه لا دليل عليه، كما أنه
لا دليل على ما في الذكرى من كراهة مطلق الصبغ، اللهم إلا أن يراد بالسواد في الخبر
المتقدم المصبوغ أو غير الأبيض، وهو ممنوع، وأضعف من ذلك ما عن البراج من
المنع من التكفين بالمصبوغ، وكأنه حمل الأمر بالبياض على حقيقة من الوجوب،
وفيه ما عرفت، مع أن قضية ذلك إيجابه خصوص الأبيض لا تحريمه المصبوغ فقط.
ثم إنه ينبغي استثناء الحبرة من استحباب البياض كما نص عليه بعضهم، لما قد
عرفت سابقا من دلالة الأخبار (2) المستفيضة على رجحان كونها حمراء، بل ربما يظهر
من قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمار بن يونس (3): " الكفن برد، فإن لم يكن
بردا فاجعله كله قطنا، فإن لم تجد عمامة قطن فاجعل العمامة سابريا " مغايرة البرد للقطن،
وأفضليته. عليه ولعله الممتزج بالإبريسم، وربما يؤيده قول الكاظم (عليه السلام) (4):
" وكفنت أبي في برد اشتريته بأربعين دينارا لو كان اليوم لساوى أربعمائة دينار "
لاستبعاد بلوغ قيمته هذا المبلغ وهو قطن محض، فبناء على كون الحبرة بهذه الصفة ينبغي

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التكفين - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 3 والباب 13 حديث 2 و 3
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4 وهو خبر عمار بن موسى
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التكفين - حديث 5
218

استثناؤها حينئذ من استحباب القطن أيضا، كما أنه ينبغي استثناء النمط منهما أيضا بناء
على بعض ما تقدم في تفسيره، ويستفاد من خبر عمار المتقدم شمول استحباب كون الكفن
قطنا للعمامة، وبالأولى الخرقة، فما عساه يستشكل في ذلك بناء على كونها ليست من
الكفن فلا تشملها الأدلة ضعيف، نعم قد يستشكل في اعتبار البياض فيها لذلك،
مع أن الأقوى خلافه من حيث ظهور أدلته في شمولها، كاللبس في حال الحياة، فتأمل.
(و) يستحب أن (تنثر على الحبرة واللفافة والقميص ذريرة) بل على سائر
الكفن، لما في المعتبر والتذكرة من الاجماع على استحباب تطييبه بها، بل عن الأخير
الاجماع أيضا على استحباب تطييب الميت بها أيضا، وفي خبر عمار (1) " وألق على
وجهه ذريرة " ولقول الصادق (عليه السلام) في الموثق (2): " إذا كفنت الميت فذر
على كل ثوب شيئا من ذريرة وكافور " وفي موثق عمار (3) " ثم تبدأ فتبسط اللفافة
طولا، ثم تذر عليها من الذريرة - إلى أن قال -: ويجعل على كفنه ذريرة " بل الظاهر
استحباب وضعها على القطن الذي يوضع على فرج الميت كما نسبه في كشف اللثام إلى
الأصحاب، بل ظاهر المنتهى نفي الخلاف عنه، لما في خبر عمار (4) " فتجعل على
مقعدته شيئا من القطن وذريرة " وربما يحتمله مرسل يونس عنهم (عليهم السلام) (5)
" واعمد إلى قطن فذر عليه شيئا من حنوط فضعه على فرجه قبل ودبر ".
ومما سمعت يظهر لك ما في المنتهى من عدم استحبابها على اللفافة الظاهرة، وكذا
ما عساه يشعر به الاقتصار على أولي ما في العبارة عن المقنعة والمبسوط والنهاية والوسيلة

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب التكفين - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 4
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
219

والتحرير والبيان من عدم استحباب غيرهما كالذي عساه يشعر به الاقتصار في العبارة
والقواعد على الثلاثة من عدم استحباب ما عداها، فتأمل.
والمراد بالذريرة الطيب المسحوق على ما في المعتبر والتذكرة، بل يظهر من الأول
أنه المعروف بين العماء حيث نسب ما قاله بعض الأصحاب من أنه نبات يعرف بالقمحان
إلى خلاف المعروف بين العلماء، ويرجع إليه ما عن الصنعاني أنها فعيلة بمعنى مفعولة،
وهي ما يذر على الشئ، واختاره من متأخري المتأخرين المحقق الثاني والشهيد الثاني
معللا له في الأول بأن اللفظ إنما يحمل على المتعارف الشائع الكثير، إذ يبعد استحباب
ما لا يعرف أو لا يعرفه إلا أفراد من الناس، وكأنهم لا حظوا فيه المعنى الوضعي من
أنها فعيلة بمعنى مفعولة، أي ما يذر على الشئ، ولا يخفى عليك ما فيه من العبد، وعليه
ينبغي أن يقيد حينئذ ما تقدم من كراهة تطييب الميت به من المسك والعنبر ونحوهما بما إذا
لم يسحقا، وإلا كانا من الذريرة، مع أن ما في بعض الأخبار السابقة (1) من نفض ما على
الكفن من المسك بكمه (عليه السلام) قائلا أنه ليس من الحنوط يشعر بأنه كان ذريرة بالمعنى الوضعي،
والحاصل أنه لا ينبغي الشك في بعد ما ذكر من إرادة المسحوق من كل طيب لمعروفية
العلمية منها، نعم قد يقال: إنها عبارة عما حكاه الصنعاني من أنه باليمن يجعلون أخلاطا
من الطيب، يسمونها الذريرة، وما حكاه في الذكرى من أنها الورد والسنبل والقرنفل
والقسط والأشنة وكلها نبات، ويجعل فيها اللازن، ويدق جميع ذلك لاجتماع الوصفية
والعلمية حينئذ، وربما يرجع إليه سابقه، كما أنه في عرفنا الآن كذلك نوع خاص
من الطيب مسحوق يسمى ذريرة، ولعله هو الذي أراده في المدارك بأنه طيب مخصوص
معروف بهذا الاسم الآن في بغداد وما والاها، لكن نص في المقنعة والمبسوط وعن
النهاية والمصباح ومختصره والاصباح أنها القمحة، وعن التذكرة أنه قال بضم القاف

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التكفين - حديث 11
220

وتشديد الميم المفتوحة والحاء المهملة أو بفتح القاف والتخفيف كواحدة القمح، وسماها به أيضا الجعفي.
قلت: وعن القاضي وكأنها حينئذ ما حكي عن الراوندي أنه قيل إنها حبوب
تشبه حب الحنطة التي تسمى بالقمح تدق تلك الحبوب كالدقيق، لها ريح طيبة، لكن
حكى في الروض أنه " وجد بخط الشهيد (رحمة الله) نقلا عن بعض الفضلاء أن قصب
الذريرة هي القمحة التي يؤتى بها من ناحية " نهاوند " وأصلها قصب نابت في أجمة بعض
الرساتيق، يحيط بها حيات، والطريق إليها على عدة عقبات، فإذا طال ذلك ترك
حتى يجف ثم يقطع عقدا وكعابا، ثم يعبى في الجوالقات، فإذا أخذ على عقبة من تلك
العقبات المعروفة عفن وصار ذريرة، ويسمى قمحة، وإن سلك به علي غير تلك العقبات
بقي قصبا لا يصلح إلا للوقود " انتهى.
قلت: لعل المراد بالقمحة حينئذ في كلام أولئك ذلك، كما أنه ربما يرجع
إليه أيضا ما عن الشيخ في التبيان أن الذريرة فتاة قصب الطيب، وهو قصب يؤتى به
من الهند يشابه قصب النشاب، بل وكذا ما في السرائر " إن الذي أراه أنها نبات
طيب غير الطيب المعهود، يقال لها القمحان، نبات يجعلونه على رأس دن الخمر ليكسبها
الريح الطيبة " انتهى. لكنه بعيد، لأن المحكي عن العين أن القمحان يقال ورس،
ويقال زعفران، وعن تهذيب الأزهري عن أبي عبيد زبد الخمر، ويقال طيب،
وعن المحيط الزعفران والورس، وقيل ذريرة تعلو الخمر، وعن المقائيس الورس أو
الزعفران أو الذريرة كل ذلك يقال، وعن المجمل الورس ويقال للزعفران والذريرة،
اللهم إلا أن يدعى أن ما ذكرناه أقرب، وكيف كان فلعل الاجتزاء بما سمعت من المعروف
عندنا الآن لا يخلو من قوة، كما أن القول بأنها صنف شامل لجميع ذلك من فتاة قصب
الطيب ومن القمحة ومن الأجزاء اليمانية وغير ذلك مما تقدم، فليست هي كل طيب
مسحوق ولا شخص خاص لا يخلو أيضا من قوة، وبه يجمع بين تلك الكلمات المتفرقة
221

لكون المثبت مقدما على النافي: فلا يسمع من أحد منهم الحصر، فتأمل جيدا.
(و) كذا يستحب أن (تكون الحبرة فوق اللفافة) الواجبة بلا خلاف أجده
فيه بين الأصحاب كما ذكروه في كيفية التكفين، ويدل عليه رواية يونس (1) " أبسط
الحبرة بسطا، ثم أبسط الإزار " إلى آخرها. بناء على أحد الاحتمالين أو أظهرهما،
نعم قوله: (والقميص باطنها) أي باطن اللفافة الواجبة ظاهر في استحبابه أيضا كالأول،
وهو محل نظر وتأمل لما عرفت من الوجوب، اللهم إلا أن يريد الهيئة المركبة من الحبرة
واللفافة، كما أنه قد عرفت سابقا ما يشهد للأول من عدم اشتراط استحباب أصل الحبرة
بكونها الرابعة، بل يكفي إذا كانت الثالثة الواجبة للأخبار المتقدمة، نعم يستحب
فيها أن تكون الرابعة كما مضى الكلام فيه مفصلا، فتأمل.
(و) من السنن أيضا أن (يكتب على الحبرة والقميص والأزار والجريدتين)
كما في الهداية والمبسوط والمعتبر والقواعد وكذا الإرشاد وعن الفقيه والمراسم والمفيد مع
ترك الأخير الإزار كابن زهرة فترك الحبرة، وزيد العمامة في المبسوط والدروس وعن
النهاية والوسيلة والاصباح وكذا التحرير مع اسقاط الجريدتين، وفي السرائر كما عن
المهذب والاقتصاد إطلاق الأكفان، وعن المصباح ومختصره الأكفان، ولعله يرجع
إلى ما في الجامع ويكتب على الجريدتين والحبرة والأكفان والعمامة، كالدروس
ويكتب على الجريدتين والقميص والأزار والحبرة واللفافة والعمامة، هذا كله بالنسبة
إلى المكتوب عليه وإن اختلفت في مقدار المكتوب، ولم أقف في شئ من الأدلة على
هذا التعميم سوى ما في الغنية من الاجماع على ما في المتن، لكن قد عرفت أنه ترك الحبرة
وإلا فالموجود في خبر أبي كهمس (2) " أن الصادق (عليه السلام) كتب على حاشية كفن

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب التكفين - حديث 1
222

إسماعيل " بل في الخبر المنقول (1) عن الاحتجاج أنه كتب على إزار ابنه إسماعيل،
ومن هنا قد يتأمل في استحباب غير الثابت من الاجماع والخبر كالعمامة ونحوها، سيما مع
عدم ظهور فائدة في تكرار المكتوب على القطع الزائدة على ما عرفت، للاكتفاء بترتب
ما يتصور من الفوائد كالتبرك ونحوها بها، فلا حاجة إلى الزائد، اللهم إلا أن يقال -
بعد ثبوت الجواز من الأصل السالم عن المعارض، للقطع بعدم الإهانة بمثل ذلك،
بل هو تعظيم عند التأمل، واحتمال ترتب النفع المقصود بالتكرير عليه سيما بعد ذكر
بعض الأصحاب استحبابه وثبوته فيما عرفت من القطع الثابتة -: لا بأس بفعله ولا مانع
منه، وما عساه يقال -: إنه يعلم ترتب النفع على الفعل الذي لم يحرز المكلف النفع عليه
وإن كان في الواقع هو كذلك، لعدم تأثير المصادفة الاتفاقية - مدفوع في أمثال المقام
مما كان ترتب النفع عليه إنما هو من الخواص التي لا مدخلية للقصد والنية فيها، وكذا
ما يقال من احتمال تلوث ما يجب احترامه من المكتوب بالنجاسة ونحوها، إذ هو مع أنه
ينفى بأصالة عدمه يمكن القول به حتى مع العلم بالتلوث، لانتفاء تحقق الإهانة المنافية
للتعظيم التي هي منشأ الحرمة في أمثال ذلك، مع قصد التبرك واستدفاع العذاب وجلب
الرحمة والرضوان.
واحتمال القول - أن المدار في الإهانة وهتك الحرمة ونحوهما على الفعل الظاهر
فيها عرفا في حد ذاته ولا مدخلية لقصد التبرك ونحوه في رفع ذلك، إذ لا ريب في
تحققها بوضع شئ من المحترمات في الدبر ونحوه وإن قصد الاستشفاء والتبرك، أو
القول بأن تجنيب هذه المحترمات النجاسة ونحوها غير منحصر في هتك الحرمة ومنافاة
التعظيم وإن كان ربما كان ذلك حكمة، بل لها أدلة أخر شاملة بظاهر لما قصد به
التبرك وعدمه، فيكون التعارض حينئذ بينها وبين ما دل على التبرك ونحوه بها تعارض

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب التكفين - حديث 3
223

العموم من وجه - ضعيف بل ممنوع، أما أولا فلتبعية الأفعال للمقصود قطعا كما هو
المشاهد في العرف، وأما ثانيا فللحكم بالخصوص فيما نحن فيه من أهل العرف أنه لا شئ
فيه من التحقير والإهانة بل هو تعظيم وزيادة احترام، ولعل ما ذكر من المثال إنما
هو لعدم التبرك بها على النحو المتعارف فيه من الأكل ونحوه، لكون الانتفاع بها إنما
هو بالخاصية، فلا حاجة إلى وضعها حينئذ في هذه الأماكن الردية، أو لأن قبح
هذه الصورة بخصوصها لا يضمحل بقصد التبرك والاستشفاء ونحوهما، وأما ثالثا فقد
تقدم في محله أنه لا دليل يعتمد عليه في وجوب تجنيب هذه الأمور المحترمة النجاسات
ونحوها غير التعظيم والاحترام وحرمة التحقير والإهانة، على أنه بعد التسليم يمكن
القول بترجيح ما نحن فيه بوجوه غير خفية، فتأمل جيدا فإن المسألة غير خاصة بنحو
المقام، بل هي وفيما سيأتي من المكتوب وما يكتب به وغيرهما، فظهر من ذلك
كله أنه لا مانع من فعله حينئذ، بل ربما قيل إنه راجح ومستحب عارضا للقطع العقلي
برجحانية ما يفعله العبد لاحتمال حصول رضا سيده وطلبه لذلك، وعليه بني التسامح في
أدلة السنن، ولنا فيه بحث مذكور في محلة، نعم قد يقال بالاستحباب إن قلنا بأن
فتوى الفقيه نوع من البلوغ حتى يشتمله عموم " من بلغه " أو لعمومات التبرك واستدفاع
البلاء بها إن كانت موجودة وإلا كان للتأمل في استحبابه مجال، بل وفي جواز
ما يقطع بتلوثه مما يجب احترامه منه بما ينافيه، وكذا جواز ما كان فيه إساءة للأدب
مما يقبح العقل كالكتابة على ما يحاذي العورة من المئزر، فتأمل جيدا، هذا كله في
المكتوب عليه وإن كان كثير مما تقدم منا يتأتى فيه وفي غيره مما يأني بعده.
وأما المكتوب ف‍ (اسمه) وزيد في الهداية كما عن سلار اسم أبيه ولم أقف على
ما يدل عليه (وأنه يشهد الشهادتين) أي كتبة فلان يشهد أن لا إله إلا الله، ولا بأس
224

بزيادة وحده لا شريك له كما في المبسوط، وعن النهاية وأن محمد رسول الله (صلى الله
عليه وآله)، واقتصر ابن إدريس كما عن ابن الجنيد عليهما، والصدوق في الهداية كما عن
الفقيه والمراسم والمقنعة والغرية على الأولى، ولعله للاقتصار على ما جاء من الأخبار
بكتابة الصادق (عليه السلام) على حاشية كفن ابنه إسماعيل، وعن كتاب الغيبة للشيخ
والاحتجاج للطبرسي على إزارة إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله، وكان ما عليه الأصحاب
من ذكر الشهادة الثانية أولى، إذ هو - مع كونه مشهورا فيما بينهم بل هو معقد بعض إجماعي
الخلاف والغنية الآتيين وكونها خيرا محضا واشتراكها مع الأولى في كل ما يتصور من
جلب النفع ودفع الضرر وغير ذلك - يؤيده ما رواه المجلسي في البحار نقلا عن مصباح
الأنوار عن عبد الله بن محمد بن عقيل (1) قال: " لما حضرت فاطمة صلوات الله وسلامه
عليها الوفاة دعت بماء فاغتسلت ثم دعت بطيب فتحنطت به - إلى أن قال -: فقلت
هل شهد معك ذلك أحد، قال: نعم شهد كثير بن عباس، وكتب في أطراف
كفنها كثير بن عباس تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (صلى الله عليه وآله) "
سيما مع ضميمة ظهور علم أمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) بذلك.
(و) لعله منه ومن غير مما تقدم يظهر أنه (إن ذكر الأئمة (عليهم السلام))
مع ذلك (وعددهم إلى آخرهم كان حسنا) كما عليه الأصحاب إما بذكر أسمائهم فحسب
تبركا أو بإضافة الاقرار بكونهم أئمة على نحو الشهادتين، بل لعله أولى، وفي الخلاف
والغينة الاجماع عليه، قال في الأول: " الكتابة بالشهادتين والاقرار بالنبي (صلى الله عليه
وآله) والأئمة (عليهم السلام) ووضع التربة في حال الدفن انفراد محض لا يوافقنا أحد
من الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة وعملهم عليه " وقال في الثاني: " ويستحب أن يكتب
على الجريدتين وعلى القميص والأزار ما يستحب أن يلقنه الميت من الاقرار بالشهادتين

(1) ذكر صدرها في المستدرك في الباب - 28 - من أبواب الكفن - حديث 5
وذيلها في الباب - 23 - حديث 1
225

وبالأئمة وبالبعث والعقاب والثواب - إلى أن قال -: كل ذلك بدليل الاجماع " انتهى.
وكفى بذلك دليلا لمثله مضافا إلى ما سمعته سابقا خصوصا ما تقدم منا في المكتوب عليه،
فلا يقدح حينئذ ما ذكره جماعة من متأخري المتأخرين من عدم الوقوف له على نص،
وأنه شئ ذكره الأصحاب.
على أنه قد يستأنس له بما حكاه في البحار نقلا عن فلاح السائل إلى أن قال: " وكان
جدي ورام بن أبي فارس قدس الله جل جلاله روحه وهو ممن يقتدى بفعله قد أوصى
أن يجعل في فمه بعد وفاته فص عقيق عليه أسماء أئمته (ع)، فنقشت أنا فصا عقيقا عليه
الله ربي ومحمد نبيي وعلي وسميت الأئمة (عليهم السلام) أئمتي ووسيلتي، وأوصيت أن
يجعل في فمي بعد الموت ليكون جواب الملكين عند المسائلة في القبر سهلا إن شاء الله "
ورأيت في كتاب ربيع الأنوار للزمخشري في باب اللباس والحلي عن بعض أنه كتب
على فص شهادة أن لا إله إلا الله وأوصى أن يجعل في فمه عند موته إلى آخره. وبما حكاه
الأستاذ الأعظم عن كشف الغمة " أن بعض الأمراء السامانية كتب الحديث الذي
رواه الرضا (عليه السلام) (1) لأهل نيشابور بسنده عن آبائه (عليهم السلام) إلى الرب
تعالى بالذهب، وأمر بأن يدفن معه، فلما مات رئي في المنام فقال غفر الله لي بتلفظي
بلا إله إلا الله، وتصديقي بمحمد (صلى الله عليه وآله) وإني كتبت هذا الحديث تعظيما
واحتراما " انتهى. (2)
وبما نقله غير واحد عن غيبة الشيخ عن أبي الحسن القمي أنه " دخل على أبي جعفر

(1) البحار - ج 12 من طبعة الكمباني باب ورود الرضا عليه السلام نيشابور
(2) قلت: ولعله لذا سمي بسلسلة الذهب، وإني كثيرا ما اكتبه في كأس وأمحوه
بماء وأضع عليه شيئا من تربة الحسين (عليه السلام) فأرى تأثيره سريعا والحمد لله، ولي
فيه رؤيا عن أمير المؤمنين (عليه السلام) تصدق ذلك، لكنها مشروطة بالصدقة بخمسة
قروش، ونسأل الله التوفيق (منه رحمه الله)
226

محمد بن عثمان العمري رحمه الله وهو من النواب الأربعة وسفراء الصاحب (عليه السلام)
فوجده وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها آيات من القرآن وأسماء الأئمة (عليهم السلام)
على حواشيها، فقلت: يا سيدي ما هذه الساجة؟ فقال: لقبري تكون فيه وأوضع
عليها، أو قال: أسند إليها وفرغت منه وأنا كل يوم أنزل إليه وأقرأ فيه أجزاء من
القرآن " قلت: ومنه يستفاد ما هو مشهور في زماننا حتى صار ذلك فيه من الأمور
التي لا يعتريها شوب الاشكال، وعليه أعاظم علماء العصر من استحباب كتابة القرآن
على الكفن.
ويؤيده - مضافا إلى ما سمعته سابقا، وما يظهر من فحاوي الأدلة من مشروعية
الاستعاذة والتبرك وطلب الرحمة والمغفرة بما هو مظنتها، وليس شئ أعظم من القرآن
سيما بعد شهرة ورود الأمر بأخذ ما شئت منه لما شئت - ما رواه في الوسائل عن
عيون الأخبار وكتاب إكمال الدين عن الحسن بن عبد الله الصيرفي (1) عن أبيه في حديث
" أن موسى بن جعفر (عليهما السلام) كفن بكفن فيه حبرة استعملت له تبلغ ألفين
وخمسمائة دينار، كان عليها القرآن كله " انتهى. قلت: وظاهره أن الحبرة استعملت
للكاظم (عليه السلام) لكن الذي رأيته في البحار نقلا عن العيون مسندا إلى الحسن بن عبد الله
عن أبيه (2) قال: " توفي موسى بن جعفر عليهما السلام في يدي سندي بن شاهك،
فحمل على نعش ونودي عليه هذا إمام الرافضة، فسمع سليمان بن أبي جعفر الصياح
ونزل عن قصره وحضر جنازته وغسله وحنطه بحنوط فاخر، وكفنه بكفن فيه حبرة
استعملت له بألفين وخمسمائة دينار عليها القرآن كله " الخبر. وهو ظاهر في كون الحبرة
مستعملة لسليمان، ومن هنا قال في البحار: " الاستدلال بهذا الخبر على استحباب

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب التكفين - حديث 1
(2) البحار - ج 11 من طبعة الكمباني باب أحوال الكاظم علية السلام في الحبس
إلى شهادته
227

كتابة القرآن بعيد، إذ ليس من فعل المعصوم ولا تقرير منه فيه، إلا أن يقال ورد
في حضور الرضا (عليه السلام)، فيتضمن تقريره ولا يخفى ما فيه " انتهى.
قلت: لكنا في غنية عن إقامة الدليل بالخصوص عليه بعد ثبوت الجواز بأصالته
وعدم حصول التحقير والإهانة له بذلك بعد كتابته بقصد التبرك واستدفاع الشر
واستجلاب الخير مع احتمال أو ظن ترتب ذلك جميعه عليه، ولا استبعاد فيه من حيث
عدم ورود نص بالخصوص به مع ما نراه من زيادة اهتمام أئمتنا عليهم السلام بذكر ما له
أدنى نفع في أمثال هذا المقام، وذلك إما لاكتفائهم عليهم السلام بهذه التلويحات
اعتمادا على حسن أنظار علماء شيعتهم، أو لأنه لم يصل إلينا من أخبارهم إلا القليل،
أو لغير ذلك.
فما عساه يظهر من الشهيد في الذكرى من التوقف في نحوه لا يخلو من نظر،
وكذا المحقق الثاني في جامع المقاصد، بل قد يظهر من الثاني الميل إلى منعه، حيث قال
بعد ذكر الشهادتين وأسماء الأئمة (عليهم السلام): " ولم يذكر الأصحاب استحباب
كتبة شئ غير ما ذكروا، ولم ينقل شئ يعتد به يدل على الزيادة، وإعراض الأصحاب
عن التعرض للزيادة يشعر بعدم تجويزه، مع أن هذا الباب لا مجال للرأي فيه، فيمكن
المنع " انتهى. وفيه ما عرفت، بل لعل تعدي الأصحاب من مضمون خبر أبي كهمس
إلى ما ذكروه مع اعترافهم بعدم ورود شئ فيه مشعر بجواز مثل ذلك من أنواع الخير
في دفع مثل هذا الضرر وجلب مثل هذا النفع العظيم، لكن الانصاف يقضي بأنه ينبغي
أن يتجنب في دفع مثل ذلك مظان وصول النجاسة ونحوها إليه، ولعل كتابته في شئ
يستصحب مع الميت بحيث لا يصل شئ من قذاراته إليه أولى، ولعلي أوصي بفعل ذلك
لي في قبر إن شاء الله، ومن الله أسأل التوفيق.
هذا كله مع أنه نقل في البحار وغيره عن جنة الأمان للكفعمي (1) عن السجاد

(1) المستدرك - الباب - 28 - من أبواب الكفن - حديث 1
228

زين العابدين عن أبيه عن جده (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
" نزل جبرئيل على النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل، آلمه
ثقله، فقال: يا محمد (صلى الله عليه وآله) ربك يقرؤك السلام ويقول لك اخلع هذا
الجوشن واقرأ هذا الدعاء، فهو أمان لك ولأمتك - وساق إلى أن قال -: ومن
كتبه على كفنه استحيى الله أن يعذبه بالنار - وساق الحديث إلى أن قال -، قال
الحسين (عليه السلام): أوصاني أبي (عليه السلام) بحفظ هذا الدعاء وتعظيمه، وأن
أكتبه على كفنه، وأن أعلمه أهلي وأحثهم، ثم ذكر الجوشن الكبير ".
قال في البحار: " رواه في البلد الأمين أيضا بهذا السند، وزاد فيه ومن كتبه
في جام بكافور أو مسك ثم غسله ورشه على كفن أنزل الله تعالى في قبره ألف نور،
وآمنه من هول منكر ونكير، ورفع عنه عذاب القبر، ويدخل كل يوم سبعون ألف
ملك إلى قبره يبشرونه بالجنة، ويوسع عليه قبره مد بصره - ثم قال -: ومن الغرائب
أن السيد ابن طاووس قدس الله روحه بعد ما أورد الجوشن الصغير المفتتح بقوله: إلهي
كم من عدو انتضى على سيف عداوته في كتاب مهج الدعوات قال: خير دعاء الجوشن
وفضله وما لقارئه وحامله من الثواب بحذف الاسناد عن مولانا وسيدنا موسى بن جعفر
عن أبيه عن جده عن أبيه الحسين بن علي أمير المؤمنين صلوات الله عليهم
أجمعين وذكر نحوا مما رواه الكفعمي في فضل الجوشن الكبير وساق الحديث إلى أن
قال: قال جبرئيل (عليه السلام): يا نبي الله لو كتب انسان هذا الدعاء في جامع بكافور
ومسك وغسله ورش ذلك على كفن ميت أنزل الله تعالى على قبره مائة ألف نور،
ويدفع الله عنه هول منكر ونكير، ويأمن من عذاب القبر، ويبعث الله إليه في قبره
سبعين ألف ملك مع كل ملك طبق من النور ينثرونه عليه ويحملونه إلى الجنة، ويقولون
له إن الله تبارك وتعالى أمرنا بهذا ونؤنسك إلى يوم القيامة، ويوسع الله عليه في قبره
229

مد بصره، ويفتح له بابا إلى الجنة ويوسدونه مثل العروس في حجلتها من حرمة
هذا الدعاء وعظمته، ويقول الله تعالى إنني أستحيي من عبد يكون هذا الدعاء على
كفنه، وساقه إلى قوله قال الحسين بن علي (عليهما السلام): أوصاني أبي أمير المؤمنين
(عليه السلام) وصية عظيمة بهذا الدعاء، قال يا بني اكتب هذا الدعاء على كفني،
وقال الحسين (عليه السلام). فعلت كما أمرني أبي - ثم قال بعد ذلك -: أقول: ظهر لي
من بعض القرائن أن هذا ليس من السيد قدس روحه، وليس هذا إلا شرح الجوشن
الكبير، وكان كتب الشيخ أبو طالب بن رجب هذا الشرح من كتب جده السعيد
تقي الدين الحسن بن داود لمناسبة لفظه واشتراكهما في هذا اللقب في حاشية، فأدخله
النساخ في المتن " انتهى.
ثم روى في البحار أيضا عن البلد الأمين عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) قال:
" من جعل هذا الدعاء في كفنه شهد له عند الله أنه وفى بعهده، ويكفي منكرا ونكيرا،
وتحفه الملائكة عن يمينه وشماله ويبشرونه بالولدان والحور، ويجعل في أعلى عليين،
ويبنى له بيت في الجنة " إلى آخر ما سيأتي، وهو هذا الدعاء " بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم إنك حميد مجيد ودود شكور كريم وفي ملي " إلى آخر ما سيأتي في كتاب
الدعاء، انتهى.
قلت ومن ذلك كله يظهر لك قوة ما تقدم لنا سابقا من جواز كتابة القرآن ونحوه
من الأدعية والأذكار مما يرجى به دفع الضرر وجلب النفع، وأنه لا وجه لاستبعاد
ذلك من حيث هتك الحرمة ونحوها سيما إذا لم يفعل ذلك ونحوه مما لم يقم عليه دليل
معتبر بعنوان الاستحباب الخصوصي، بل لرجاء ترتب النفع عليه، فلا يتصور فيه
تشريع حينئذ.

(1) المستدرك - الباب - 28 - من أبواب الكفن - حديث 2
230

(و) مما ذكرنا يظهر لك وجه ما ذكره غير واحد من الأصحاب بل نسب
إليهم في جامع المقاصد وكشف اللثام من استحباب أن (يكون ذلك) أي الكتابة (بتربة
الحسين (عليه السلام) جمعا بين الوظيفتين الكتابة والتربة، ورجاء لترتب المقصود،
وفي المحكي عن الاحتجاج وغيبة الشيخ فيما كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (1)
إلى القائم (عليه السلام) " سأل عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك
أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) يوضع مع الميت في قبره، ويخلط بحنوطه إن شاء الله تعالى "
وسأل روي لنا عن الصادق (عليه السلام) (2) " أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه إسماعيل
يشهد أن لا إله إلا الله، وهل يجوز أن يكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره؟ فأجاب
(عليه السلام) يجوز ذلك " ولا صراحة فيه باستحباب طين القبر مقدما على طين غيره،
بل ظاهره موافقة المحكي في الذكرى عن المفيد في الرسالة من التخيير بين التربة وغيرها
من الطين، وما عن ابن الجنيد من إطلاقه الطين والماء، ولعله قضية عدم تعيين ما يكتب
به من ابن بابويه.
بل (و) كذا لا دلالة فيه على ما ذكره المصنف وغيره، بل نسبه في المختلف
وكشف اللثام إلى المشهور من أنه (إن لم توجد) أي التربة (فبالأصبع) ولعله لذا حكي
عن الاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم التخيير بين الكتابة بما سبق وبينه، بل في
المقنعة الأمر بالكتابة بالأصبع، ثم قال: ولو كتب بالتربة الحسينية ففيه فضل كثير،
وفي الذكرى وجامع المقاصد والروض وكشف اللثام حاكيا له في الأخير عن أبي علي وغرية
المفيد الأمر بالتربة الحسينية أولا، فإن لم توجد فبالطين والماء، ومع عدمه فبالأصبع،
بل في الأخير أنه لو قيل بالكتابة المؤثرة قبل ذلك ولو بالماء كان حسنا.

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التكفين - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب التكفين - حديث 3
231

قلت: ولعل الوجه فيما ذكروه أن الظاهر من الكتابة المؤثرة، لأنها حقيقة
في ذلك، ومن هنا حكي عن المفيد في الرسالة، ونص عليه في السرائر والمنتهى
والمختلف وغيرها أنه تبل التربة بالماء ويكتب، ولعله عليه يحمل المحكي من إطلاق
الأكثر الكتابة، بل لولا ما يشعر ما في جامع المقاصد والروض من نسبة الكتابة بالأصبع
إلى الأصحاب بالاجماع عليه لأمكن منعه، فلا ريب حينئذ في تقديم تلك الكتابة به عليه
حينئذ حتى ما سمعته من كشف اللثام من تقديمها ولو بالماء، كما أنه لا ريب في رجحان
التربة الحسينية على غيرها، اللهم إلا أن يقال: إن ما كان غير مؤثر أولى في المقام من
المؤثر جمعا بين التبرك والمحافظة على المكتوب من التلويث سيما المؤثر تأثيرا مميزا كالمكتوب
في القرطاس كما هو المتعارف في زماننا هذا. وهو لا يخلو من قرب عند التأمل في
مثل كتابة القرآن ونحوه سيما الكتابة على مظان التلويث.
ومن ذلك كله ظهر لك أن المراد بالكتابة بالأصبع من غير تأثير كما نص عليه
في كشف اللثام وغيره، ولم أعرف نصا بالخصوص لما هو متعارف الآن في عصرنا
من كتابة الجريدتين بسكين ونحوها، بل ربما يشكل الاجتزاء به من حيث ظهور كلام
الأصحاب في الحصر بتلك المراتب الثلاثة، اللهم إلا أن يقال: الظاهر مردهم بذلك
استحبابا في استحباب، وإلا فالمدار على تحقق الكتابة بأي وجه يكون، نعم يكره
بالسواد أو مطلق الصبغ على ما سيأتي، ومنه يعرف حينئذ القطع بالاجتزاء بكتابة الإصبع
ابتداء أي مع التمكن من غيره.
ثم إنه قد عرفت سابقا استحباب الحبرة. (فإن فقدت الحبرة) استحب أن
(يجعل بدلها لفافة أخرى) كما نص عليه كثير من الأصحاب قدمائهم ومتأخريهم،
بل ربما ظهر من بعضهم دعوى الاجماع عليه، ولعل ذلك كاف فيه، وإلا فلم أعثر
232

على ما يدل عليه في شئ من الأدلة، نعم ربما يستفاد من خبر زرارة (1) " فما زاد
فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة " إلى آخره. وغيره من المطلقات استحباب مطلق اللفافة
من غير اشتراط لذلك بفقد الحبرة كما ذكرناه عند البحث عليها، وهو ظاهر السرائر،
ولعل الأصحاب لم يريدوا التقيد. بل المراد أنه مع وجود الحبرة لا ينبغي أن يعدل
إلى غيرها لما فيه من الجمع بين المندوبين اللفافة وكونها حبرة، وقد تقدم سابقا ما له
نفع تام في المقام، فلاحظ وتأمل.
(و) من السنن أيضا (أن يخاط الكفن بخيوط منه) بلا خلاف أجده بين الأصحاب
بل نسبه في الذكرى وجامع المقاصد إلى الشيخ وإليهم مشعرين بدعوى الاجماع عليه،
ولعله الحجة مع ما فيه من التجنب عما لم يبلغ في حله وطهره، وإلا فلم نقف على
ما يدل عليه في شئ من الأدلة. (و) نحوه قوله بعده: (لا تبل بالريق) وإن كان لا خلاف
في كراهته أيضا عندهم، وحكاه في المعتبر عن الشيخ في المبسوط والنهاية، ثم قال:
" ورأيت الأصحاب يجتنبونه ولا بأس بمتابعتهم، لإزالة الاحتمال ووقوفا على الأولى
وهو موضع الوفاق " انتهى. وهو جيد مع أنه أيضا قد يندرج في فضلات ما لا يؤكل
لحمه، والظاهر أنه لا بأس ببلها بغيره للأصل كما صرح به غير واحد، بل لعله يشعر
به الاقتصار على الريق فيها في كلامهم.
(و) من السنن أن (يجعل معه جريدتان من سعف النخل) إجماعا من الفرقة
المحقة محصلا ومنقولا مستفيضا بل متواترا كالنصوص (2) خلافا لغيرهم من أهل
الباطل، والحمد لله على عدم توفيقهم لذلك سيما بعد ما ورد أنها تنفع المؤمن والكافر
والمحسن والمسئ، وأنها يتجافى عن الميت العذاب والحساب بسببها ما دامت رطبة،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التكفين - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التكفين
233

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1) بعد أن سأله عن علة وضع الجريدة مع
الميت: " يتجافى عنه العذاب والحساب ما دام العود رطبا، إنما العذاب والحساب كله
في يوم واحد في ساعة واحدة قدر ما يدخل القبر ويرجع القوم، وإنما جعلت السعفتان
لذلك فلا يصيبه عذاب ولا حساب بعد جفوفهما إن شاء الله " ومنها يظهر المناقشة فيما ذكره
جماعة من متأخري المتأخرين من استحباب وضع القطن على الجريدتين ناسبين له إلى
الأصحاب، وعللوه بالمحافظة على بقاء الرطوبة، اللهم إلا أن يقال باستحبابه به تعبدا
لا لما ذكروه من العلة، وهو حسن إن ثبتت النسبة إلى الأصحاب، كما أنه يستفاد منه
أيضا كصريح غيره من الأخبار ومعقد إجماعي الإنتصار والخلاف وغيرهما اعتبار كونهما
رطبتين أي خضراوين مضافا إلى قول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في خبر محمد بن
علي بن عيسى (2) بعد أن سأله عن السعفة اليابسة إذا قطعها بيده، هل يجوز للميت أن
توضع معه في حفرته: " لا يجوز اليابس " بل عن العين والمحيط وتهذيب اللغة اعتبار
الرطوبة في مفهوم الجريدة، ولعله لمعلوميته أو لذا تركه المصنف وإن كان الأول بعيدا
منافيا للاطلاق العرفي، نعم قد يقال: إن خرط الخوص معتبر في مفهوم الجريدة وإلا
سميت بالسعفة كما نص عليه في الروض، مع أن الذي سمعته في الصحيح المتقدم ظاهر في
الاجتزاء بالسعفة أيضا، وإن كان الأحوط إن لم يكن أقوى الاقتصار على المخروطة.
ثم إن ظاهر الصحيح المتقدم كغيره من الأخبار (3) عدم مشروعية الجريدة
لمن يؤمن عليه من عذاب القبر، فلا تشرع للصبي والمجنون وغيرهما، لكن نص بعض
المتأخرين على استحباب ذلك لكل ميت صبي وغيره ناسبا له إلى إطلاق الأخبار (4)

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 9 من أبواب التكفين - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين
234

والأصحاب، بل في الذكرى قال الأصحاب: " ويوضع مع جميع أموات المسلمين حتى
الصغار لاطلاق الأمر " انتهى. وربما يؤيده ما رواه (1) في المقنعة وغيرها من أن
الأصل في مشروعية الجريدة وصية آدم (عليه السلام) ولده بفعل ذلك له، ثم فعلته
الأنبياء (عليهم السلام) بعده ثم اندرس في الجاهلية، فأحياه النبي (صلى الله عليه وآله)،
قال في المقنعة: " ووصى (ص) أهل بيته (عليهم السلام) باستعماله وصار سنة إلى إن تقوم
الساعة " انتهى. إذ لا ريب في تنزيه الأنبياء عن عذاب القبر، فربما يحمل حينئذ
ما سمعت على إرادة بيان الحكمة، وهو حسن، فتأمل.
ثم إن الأحوط في تحصيل هذا المستحب وترتب هذه الثمرات العظيمة وضع
جريدتين، ومن العجيب ما يحكى عن العماني من أن المستحب جريدة، فإنه
كاد يكون مخالفا للمتواتر من الأخبار فضلا عن الاجماع بقسميه، بل قد يستشكل في
مشروعية واحدة فقط من حيث ظهور التثنية في كلام الأصحاب وكثير من الأخبار
سيما ما ورد (2) من شق النبي (صلى الله عليه وآله) الجريدة، إذ كأنه محافظة على التعدد
في مدخلية هيئة الاثنينية في ذلك، وما عساه يقال -: إنه لا ظهور في التثنية في ذلك،
بل هي دالة على كل من الفردين على نحو دلالة العام على أفراده لا مدخلية لأحدهما في
ثبوت الحكم للآخر، فيمكن القول حينئذ باستحباب الواحدة حتى لو قلنا إن التعدد
من حيث كونه تعددا له وظيفة خاصة غير ما على الفردين - يدفعه بعد التسليم ظهورها
في خصوص المقام فيما ذكرنا كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه في التأمل في الأخبار.
نعم ربما يظهر من قول الصادق (عليه السلام) في الحسن كالصحيح (3): " أن

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 10
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التكفين - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 5
235

رجلا من الأنصار مات فشهده رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: خضروه ما أقل
المخضرين يوم القيامة، فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام): وأي شئ التخضير؟ قال:
تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع، وأشار بيده إلى عند ترقوته تلف مع ثيابه "
الاجتزاء بالواحدة، ومن هنا قال في الوسائل: " إن هذا محمول على جواز الاقتصار على
الواحدة، ويأتي مثله كثيرا " انتهى. لكنه حكي عن الصدوق أنه قال بعد ذكره
الحديث: " جاء هذا الخبر هكذا، والذي يجب استعماله أن يجعل للميت جريدتان من
النخل خضراوتان " قلت: وهو كالصريح فيما ذكرنا، وظني أن المراد بالخبر
إنما هو أصل بيان التخضير من غير نظر إلى الاتحاد أو التعدد، كما أن الظاهر من كثير
من تلك الأخبار التي أشار إليها في الوسائل منها الحسن كالصحيح (1) " قيل لأبي عبد الله
(عليه السلام): لأي شئ توضع مع الميت الجريدة؟ " والموثق عنه (ع) أيضا (2) " يستحب
أن يدخل معه في قبره جريدة " وغيرها (3) إرادة الجنس لا الوحدة، فلا منافاة، وبه
تشعر بعض الأخبار أيضا (4) حيث نص فيها على الجريدتين، ثم يقول بعد ذلك:
وأما الجريدة إما اعتمادا على ما سبق له أو على معروفية الأمر بين الشيعة حتى امتازوا
به عن مخالفيهم، فتأمل جيدا.
ثم إن ظاهر إطلاق المصنف كاطلاق كثير من الأخبار الاجتزاء بالجريدة سواء
كانت ذراعا أو عظمه أو شبرا أو أربع أصابع، وبه صرح في الذكرى، وتبعه
بعض متأخري المتأخرين معللا له بثبوت أصل المشروعية مع عدم قاطع على قدر معين،
قلت: لكن المشهور كما في الذكرى وجامع المقاصد وغيرهما تقدير كل واحدة منهما
بعظم الذراع، إلا أنه اعترف بعضهم بعدم الوقوف له على مستند، وربما يحتج له بعد

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 7 - 8
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 6
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 6
236

احتمال كفاية الشهرة في مثله سيما مع وجوده في رسالة علي بن بابويه ونهاية الشيخ كما نقل
عنهما بأنه معقد اجماع الانتصار وعن الغنية، وإن كان ما حضرني من نسختها يصعب
اندراجه في معقد إجماعه، وبما في الفقه الرضوي (1) من نسبته إلى الرواية وبقول
الصادق (عليه السلام) في المرسل عن يحيى بن عبادة (2): " تؤخذ جريدة رطبة قدر
ذراع " الحديث. وبخبر إبراهيم عن رجاله عن يوسن عنهم (عليهم السلام) (3)
" وتجعل له يعني الميت قطعتين من جريد النخل رطبا قدر ذراع " الحديث. بناء على
أن المراد بالذراع فيهما عظمه إن قلنا أنه المعنى الحقيقي له كما في كشف اللثام، وإلا كان
ما ذكرناه سابقا قرينة على إرادته ولو مجازا، سيما مع قربه لما في الحسن كالصحيح عن
جميل بن دراج (4) قال: " قال: إن الجريدة قدر شبر توضع " إلى آخره. إذ عظم
الذراع شبر تقريبا كما يعرف بالاختبار.
ويؤيده أيضا عدم التقدير بالذراع من أحد من الأصحاب فيما أعلم، نعم قال
الصدوق: " طول كل واحدة قدر عظم الذراع، وإن كانت قدر ذراع فلا بأس أو شبر
فلا بأس " مع ظهور في استحباب الأول وأن الآخرين رخصة، ولعلنا نوافقه عليه
إذ لا نريد بالتقدير المذكور شرطية مشروعية استحباب الجريدة به بحيث ينتفي الاستحباب
بالزيادة والنقصان، لما فيه من تقييد المطلقات الكثيرة من النصوص ومعقد الاجماعات
بما لا ينهض لذلك، سيما مع عدم صراحة كلمات المشهور بذلك، وما في أصل تحكيم المقيد على
المطلق في المستحبات فضلا عن خصوص المقام، بل ربما ادعي استفادة استحباب المطلق مما
ورد مقيدا وإن لم يرد مطلق، فالأولى إرادة كونه المستحب في المستحب، ولعله على

(1) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب الكفن - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 2
237

ذلك تجتمع كلمات الأصحاب سوى ما ينقل عن العماني من التقدير بأربع أصابع، وهو
مع أنه لا دليل عليه عدا ما يقال من إمكان فهمه من قول الباقر (عليه السلام) في خبر يحيى
ابن عبادة (1): توضع من أصل اليدين إلى الترقوة " محتمل لإرادته كونها مما يجتزى
به من حيث تحقق المطلق فيه، ونص عليه لخفائه وفي الجملة، ولعل ما ذكرناه مما سمعته
أولى من تنزيل ذلك على تفاوت مراتب الاستحباب، فالأول عظم الذراع، ثم الشبر،
ثم الأربع أصابع.
ومن العجيب ما في الروضة من نسبة ذلك إلى الشهرة قال: " والمشهور أن قدر
كل واحدة طول عظم ذراع الميت، ثم قدر شبر، ثم أربع أصابع " انتهى. والتتبع
أعدل شاهد، مع أنا لم نعرف غيره ذكر التقييد بالميت، ثم إنه قد يشعر ترك المصنف
كغيره من الأصحاب استحباب الشق بعدمه كما نص عليه بعض المتأخرين، بل لعله
ينافي ما ذكر من استبقاء الرطوبة، لكن الموجود في الخبر المروي (2) في المقنعة
وغيرها عن آدم (عليه السلام) أنه قال: " فإذا مت فخذوا جريدا وشقوه نصفين
وضعوهما معي " إلى آخره. وفي المرسل (3) " مر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
على قبر يعذب صاحبه فدعى بجريدة فشقها نصفين فجعل واحدة عند رأسه والأخرى
عند رجليه " الحديث.
وكيف كان (فإن لم يوجد) النخل فلا يسقط أصل الاستحباب، بل يعوض
من غيره بلا خلاف أجده في ذلك، بل ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، فما عساه
يظهر من المصنف (رحمه الله) في النافع والمعتبر من التوقف فيه استضعافا لما تسمعه من

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 10
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التكفين - حديث 4
238

الأخبار في غير محله، بل يحتمل كلامه وجها آخر، وهو التخيير بين الأشجار حينئذ
فلاحظ وتأمل، كما أنه لا ينبغي الاشكال في تقديم الجريدة مع وجودها على غيرها
من الأشجار بلا خلاف أجده فيه سوى ما يظهر من الشيخ في الخلاف من التخيير بينه
وبين غيره، حيث قال: " يستحب أن يوضع مع الميت جريدتان خضروان من النخل
أو غيرها من الأشجار، - ثم قال -: دليلنا إجماع الفرقة " قلت: ولعل دعواه الاجماع
يرشد إلى إرادته ثبوت أصل الاستحباب في مقابلة العامة، وإلا كان التتبع لكلمات
الأصحاب يشهد بخلافه، إذ لم أعرف له موافقا بالنسبة إلى ذلك وإن حكاه في المختلف
عن السرائر، لكن الموجود فيما حضرني من نسختها ظاهر في خلاف ذلك، وكيف
كان فلا ريب في ضعفه لمخالفته النصوص والفتاوى من غير دليل.
نعم هل يخير بين سائر الأشجار إذا لم يوجد النخل كما في السرائر وإشارة
السبق وعن ابن البراج، ولعله لمكاتبة علي بن بلال المروية (1) في الفقيه في الحسن
أبا الحسن الثالث (عليه السلام) " الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان
الجريدة شئ من الشجر غير النخل؟ فإنه روي عن آبائك (عليهم السلام) أنه يتجافى
عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وأنها تنفع المؤمن والكافر، فأجاب (عليه السلام)
يجوز من شجر آخر رطب " ورواها الكليني عن علي بن بلال أيضا لكن بجهالة المكتوب
إليه، قال: " كتب إليه يسأله عن الجريدة إذا لم تجد يجعل بدلها غيرها في موضع
لا يمكن النخل، فكتب يجوز إذا أعوزت الجريدة والجريدة أفضل، وبه جاءت الرواية "
أو أنه إن لم يوجد النخل (فمن السدر وإلا فمن الخلاف) كما في المبسوط، والوسيلة والمنتهى
والإرشاد والقواعد وغيرها وعن النهاية والاصباح، بل في المدارك أنه المشهور، بل
ربما يظهر من المحكي من معقد إجماع المفاتيح لما رواه سهل (2) عن غير واحد من أصحابنا

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3
239

قالوا: " قلنا له جعلنا فداك إن لم نقدر على الجريدة فقال: عود السدر. قيل: فإن لم
نقدر على عود السدر فقال عود الخلاف " وفي المقنعة والجامع وعن المراسم عكس ذلك
ولم نعرف له شاهدا، (وإلا فمن شجر رطب) كما في الكتب السابقة وغيرها بل في
جامع المقاصد والروض نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الاجماع، وهو كذلك.
نعم قال الشهيد في الدروس والبيان وتبعه جماعة ممن تأخر عنه بتقديم عود الرمان
عليه مؤخرا عن سابقيه لما في الكافي أنه روى علي بن إبراهيم (1) قال: " يجعل
بدلها - أي الجريدة - عود الرمان " وفيه أن الجمع بينها وبين الرواية السابقة يقتضي
التخيير بين عود السدر وعود الرمان لا تأخيره عنه وعن الخلاف، اللهم إلا أن يكون
قد لاحظ عدم مقاومتها لرواية السدر، فرجحت عليها كما أنها رجحت على مطلق
الشجر فقدمت عليه، وكذا لولا ظهور اتفاق الأصحاب على الانتقال للشجر الرطب
عند تعذر الاثنين أو الثلاثة لأمكن المناقشة بأن قضية الاطلاق والتقييد سقوط المستحب
عند تعذرهما أو تعذرها لا الانتقال إلى مطلق الشجر الرطب، فكأنهم نظروا إلى إطلاق
الترتيب أي ترتيب الانتقال من النخل إلى غيره، فقيدوه بالسدر فالخلاف، واجتزوا
بمطلق الشجر عند تعذرهما دون إطلاق المرتب الذي هو نفس الشجر، والظاهر الثاني
دون الأول، فلاحظ نظائره وتأمل.
ثم إن ظاهر النص والفتوى تقييد مشروعية الخلاف بتعذر السدر، والشجر
الرطب بالخلاف، لكن ظاهر الذكرى وغيرها أو صريحها أن ذلك أفضل، وإلا فيجزئ
كل منهما مع التمكن من الآخر، بل يظهر منه في الدروس والبيان ذلك بالنسبة للسدر
والنخل فضلا عن غيره، وربما يشهد له مع إطلاق التخضير في بعض الأخبار ما في

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التكفين - حديث 4
240

المكاتبة السابقة على ما في الكافي " والجريدة أفضل " وبالأولى يستفاد غيره، وهو لا يخلو
من تأمل بعد بيان التخضير في الأخبار بالجريدة، ومعارضة إشعار الأفضلية بما في هذا
الخبر نفسه من تقييد الجواز بالاعواز فضلا عن ظهور غيره فيه أيضا، فتأمل.
(و) كيفية وضع الجريدتين أن (تجعل إحداهما من جانبه الأيمن مع الترقوة ويلصقها
بجلده) على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في الغنية الاجماع عليه، (و) كذا
وضع (الأخرى) مع الترقوة (من الجانب الأيسر) إلا أنها (بين القميص والأزار)
وإن لم ينص على الترقوة في المتن ككثير من عبارات الأصحاب، لكن ظاهرهم ذلك كما نص
عليه بعضهم ودل عليه الصحيح الآتي، بل هو معقد الشهرة في الذكرى، بل الاجماع
في الغنية، قال فيها: " ويجعل إحداهما مع جانب الميت الأيمن قائمة من ترقوته ملصقة
بجلده، والأخرى من الجانب الأيسر كذلك إلا أنها بين الدرع والأزار، كل ذلك
بدليل الاجماع " انتهى. وهو مع شهادة التتبع له مستند الحكم أيضا، مضافا إلى الصحيح
أو الحسن عن جميل بن دراج (1) قال: " قال: إن الجريدة قدر شبر توضع واحدة
من عند الترقوة إلى ما بلغت مما يلي الجلد الأيمن، والأخرى في الأيسر عند الترقوة
إلى ما بلغت من فوق القميص " وهي مع صحتها واعتضادها بالشهرة بل بالاجماع المحكي
صريحة في المطلوب، ولا يقدح ما فيها من الاضمار كما مر غير مرة، وعليها يحمل إطلاق
خبري الفضيل (2) والحسن بن زياد الصيقل (3).
وربما يشهد للتحديد بالترقوة أيضا قول الصادق (عليه السلام) في المرسل (4) عن
يحيى بن عبادة: " تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع وأشار بيده من عند ترقوته
إلى يده تلف مع ثيابه " ونحوه عن معاني الأخبار (5) بطريق صحيح، قال فيه:

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 2 - 6 - 4
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 2 - 6 - 4
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 6 - 5
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 2 - 6 - 4
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 6 - 5
241

" وأشار بيده إلى عند ترقوته تلف مع ثبابه " وقول أبي جعفر (عليه السلام) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) في خبر يحيى بن عبادة (1) بعد أن سأل عن التخضير: " جريدة
خضراء توضع من أصل اليدين إلى الترقوة " وما عساه يطهر منها كسابقها من الاجتزاء
بالواحدة مع أنه لا ينافي الاستدلال على المطلوب محمول على إرادة الجنس أو مجرد كيفية
الوضع أو الضرورة أو غير ذلك كما تقدم الكلام فيه، كما أنه لا دلالة فيه على عدم
الالصاق بالجلد، نعم قد يقال: إنها عدا رواية معاني الأخبار منافية لما تقدم من معقد
إجماع الغنية من وضع الجريدة قائمة وإن أطلق غيره من الأصحاب، فتأمل.
وكيف كان فهي مع ما تقدم حجة على المحكي عن الاقتصاد والمصباح ومختصره
أن اليمنى على الجلد عند حقوه من الأيمن واليسرى على الأيسر بين القميص والأزار،
مع أنا لم نعرف له شاهدا، اللهم إلا أن يحتج له بمضمر جميل في الصحيح (2) " عن
الجريدة توضع من دون الثياب أو فوقها؟ قال: فوق القميص ودون الخاصرة، فسألته
من أي جانب؟ قال: من الجانب الأيمن " وهو مع ظهوره في الاجتزاء بالجريدة
الواحدة ومخالفته لما ذكر من وضع اليمنى على الجلد وعدم صراحة لفظ الدون فيما أراد
محتمل لقراءة الخاصرة بالحاء المهملة أي اللفافة المحيطة كما في كشف اللثام فلا يكون له
شاهد فيه.
وبالمحكي من عبارة الفقه الرضوي " واجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته
تلصقها بجلده، ثم تمد على قميصه، والأخرى عند وركه " وهو كما ترى غير منطبق
على تمام المدعى، نعم هو موافق لما يحكى عن الصدوقين من جعل اليسرى عند وركه
ما بين القميص والأزار، واليمنى عند ترقوته ملاصقة للجلد " وإن كان فيه قصور أيضا

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التكفين - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 3
242

في الجملة، كما أنه قاصر عن معارضة ما تقدم لو قلنا بحجيته،
ومن العجيب استدلاله في المختلف للصدوقين بخبر يونس (1) عنهم (عليهم السلام)
" ويجعل له قطعتين من جريد النخل تجعل له واحدة بين ركبتيه نصف مما يلي الساق ونصف
مما يلي الفخذ، ويجعل الأخرى تحت إبطه الأيمن " وهو كما ترى بمعزل عن ذلك،
نعم هو منطبق على تمام ما يحكى عن الجعفي كانطباق عجزه على المحكي عن ابن أبي عقيل
من جعل واحدة تحت إبطه الأيمن مقتصرا عليها، لكنه قاصر عن معارضة ما تقدم من
وجوه، ومع الاغضاء عن ذلك فالمتجه حينئذ التخيير بين الكيفيتين، أو الحمل على
تفاوت مراتب الفضيلة، إلا أنا لم نعرف قائلا بشئ من ذلك، نعم قال المصنف
في المعتبر بعد ذكره مستند المشهور خبر جميل المتقدم وخبر يحيى بن عبادة: والروايتان
ضعيفتان، لأن القائل في الأولى مجهول، والثانية مقطوعة السند، ومع اختلاف
الروايات والأقوال يجب الجزم بالقدر المشترك بينها، وهو استحباب وضعها مع الميت
أو قبره بأي هذه الصور شئت، واستحسنه جماعة ممن تأخر عنه، وفيه نظر من وجوه
لا تخفى بعد ملاحظة ما ذكرناه، فلا ريب أن الأقوى ما عليه المشهور لكن مع الاختيار،
أما مع التقية فلتوضع حيث يمكن ولو في القبر، لمرفوعة سهل بن زياد (2) وعليه يحمل
إطلاق نفي البأس عن الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (3)
والمرسل (4) بعد أن سئل فيهما عن الجريدة توضع في القبر؟ قال: " لا بأس " ولو
نسيت أو تركت فالأولى جواز وضعها فوق القبر للنبوي المتقدم (5) وإن كان في تناوله
لما ترك عمدا تأمل، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التكفين - حديث 5
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التكفين - حديث 5 - 4
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التكفين - حديث 5 - 4
243

(و) من جملة السنن (أن يسحق الكافور بيده) كما في المقنعة والقواعد والمنتهى
وعن غيرها، لما في خبر يونس (1) عنهم (عليهم السلام) " ثم اعمد إلى كافور مسحوق "
الحديث. ولا دلالة فيه على استحباب كون السحق باليد، ولذا حكاه المصنف في
المعتبر عن الشيخين، وقال لم أتحقق مستنده، وفي المدارك إليهما وأتباعهما، وعلله
في الذكرى بخوف الضياع، وهو كما ترى غير صالح لاثبات حكم شرعي، فللتوقف
فيه حينئذ مجال، وأولى منه ما في المبسوط من كراهة أن يسحق بحجر أو غير ذلك وإن
كان الاحتياط يقضي بهما، فتأمل.
(و) من جملتها أيضا أن (يجعل ما يفضل) من الكافور (من مساجده على صدره)
على المشهور كما في كشف اللثام، بل في الخلاف الاجماع على وضع الفاضل على صدره،
وفي ظاهر المنتهى نفي الخلاف عنه، لكن زاد على المساجد طرف الأنف كما تقدم سابقا،
ولم أقف على ما يدل عليه من الأخبار وإن استدل عليه بحسنة الحلبي (2) " فاعمد إلى
الكافور فامسح به آثار السجود منه ومفاصله كلها ولحيته وعلى صدره من الحنوط " وخبر
زرارة (3) " واجعل في فمه - إلى أن قال -: وعلى صدره " لكنهما لا دلالة فيهما
على أزيد من استحباب تحنيطه لا وضع الفاضل عليه، نعم ما يحكى عن عبارة الفقه
الرضوي (4) صريح فيه " تبدأ بجبهته وتمسح مفاصله كلها به، وتلقي ما بقي على صدره "
وإن كان فيه مخالفة أيضا من حيث عدم الاقتصار على المساجد، ولعل الاجماع السابق
المؤيد بنفي الخلاف إن لم يريد الوجوب وبالرضوي كاف في استحبابه، لكنك خبير
بأنه ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم نقل باستحباب تحنيط غير المساجد مما تقدم سابقا، وإلا

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين - حديث 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب التكفين - حديث 6
(4) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب الكفين - حديث 1
244

اتجه إرادة الفاضل عنها وعن المساجد حينئذ، أو يقال حينئذ بالتخيير في المستحب بين
وضع تمام الباقي على الصدر وتحنيطها، فتأمل جيدا.
(و) منها (أن يطوى جانب اللفافة الأيسر على) الجانب (الأيمن) من
الميت (والأيمن) منها (على الأيسر) منها أو منه كما في المقنعة والمبسوط والخلاف
والوسيلة وغيرها، بل لا أجد فيه خلافا، بل في الخلاف إجماع الفرقة وعملهم عليه،
كظاهر الذكرى حيث نسبه إلى الأصحاب، وكفى بذلك مستندا لمثله، وعلله بعضهم
بالتيمن بالتيامن، وفيه أنه أوضح في صورة العكس، والظاهر أن خلاف المستحب
العكس، أو هو وجمعهما من غير وضع فقط، وإن كان في شمول نحو العبارة للثاني
تأمل لا ترك اللف أصلا، أو من جانب سيما الأول لعدم صدق اللفافة حينئذ، ولا
الجمع فقط، فيكون المستحب حينئذ السعة، فتأمل.
وفي التعبير باللفافة تعميم للحكم بجميع اللفائف كما عن المهذب، ومنها الحبرة
كما نص عليها بعضهم والنمط إن قلنا أنه لفافة، لكن حيث يجتمع اللفافتان مثلا فهل
يصنع بكل واحدة مستقلة الهيئة المذكورة أو يجمع جانبهما معا فيطويان؟ وجهان،
والظاهر جوازهما معا، لكن قد يظهر من عبارة الذكرى الثاني، قال: قال الأصحاب:
ونقل الشيخ فيه الاجماع يطوى اللفافتان جانبهما الأيسر على جانبه الأيمن، وجانبه
الأيمن على جانبهما الأيسر، مع احتمال إرادته الأول أيضا، والأمر سهل، ولما
فرغ من ذكر مسنون هذا القسم شرع في مكروهه، لكن كان ينبغي ذكر ما ذكره بعض
الأصحاب من استحباب إعداد الانسان كفنه، وإجادة الأكفان والتنوق فيها خصوصا
الثاني، لاستفاضة الأخبار به (1) اللهم إلا أن يدعى خروجهما عما نحن فيه.
(ويكره تكفينه بكتان) عند علمائنا كما في التذكرة وجامع المقاصد وعن نهاية

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التكفين
245

الاحكام، وذلك ظاهر في دعوى الاجماع، ولعله كذلك، إذ لا أعرف فيه خلافا
إلا من الصدوق، فلا يجوز مع احتمال إرادته ذلك أيضا كما وقع منه في غير المقام مما
يبعد إرادة الحرمة فيه، ومن ابن زهرة في الغنية، وأفضل الثياب البيض من القطن
والكتان مدعيا الاجماع عليه، ونحوه عن الكافي من دون دعواه، ولعل ذكره الاجماع
شاهد على إرادة اللون بناء على استحبابه مستقلا عن القطن، وإلا فتتبع كلام الأصحاب
يشهد بخلافه، وفي خبر أبي خديجة عن الصادق (عليه السلام) (1) " الكتان كان لبني
إسرائيل يكفنون به، والقطن لأمة محمد (صلى الله عليه وآله) " وهو لا يخلو من إشعار
بالكراهة بعد القطع باستحباب القطن لما تقدم، وإن قال في كشف اللثام: إنما يدل
على فضل القطن، وفي مرسل يعقوب بن يزيد (2) عن عدة من أصحابنا عن الصادق
(عليه السلام) " لا يكفن الميت في كتان " كالمحكي عن الرضوي (3) " لا تكفنه في كتان
ولا ثوب إبريسم " وهما وإن كانا ظاهرين فيما ذكره الصدوق لكن عدم القول بحجية
الثاني وضعف سند الأول وإن كان الارسال فيه عن عدة مع ما عرفت من إعراض
من عداه عنه يوجب الحمل على الكراهة، سيما بعد ظهور إجماع الغنية كظاهر الاجماعات
السابقة والأصل بناء على جريانه في مثله وإطلاق الأدلة في الجواز.
(و) كذا يكره (أن يعمل للأكفان المبتدأة أكمام) على المشهور بين الأصحاب
بل نسبه جماعة إليهم، وكاشف اللثام إلى قطعهم، للمرسل عن الصادق (عليه السلام) (4)
قال: " قلت له الرجل يكون له القميص أيكفن فيه؟ فقال: اقطع أزراره، قلت:
وكمه، قال: لا، إنما ذاك إذا قطع له وهو جديد لم يجعل له كما، فأما إذا كان ثوبا

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 2
(3) فقه الرضا (عليه السلام) ص 18
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب التكفين - حديث 2
246

لبيسا فلا تقطع منه إلا أزراره " وضعف سنده مع ما عرفت يوجب حمله على الكراهة،
فما عن المهذب لا يجوز ضعيف، ومنه كغيره من الأخبار المشتملة على الصحيح يستفاد
عدم كراهة ذلك في ذي كم كان يلبسه هو أو غيره، مع ما في التذكرة من نسبته إلى
علمائنا، وكشف اللثام إلى قطع الأصحاب، ومن هنا قيد المصنف كغيره من الأصحاب
بالمبتدأة، نعم هو صريح كصحيح ابن بزيع في قطع أزراره، وظاهره الوجوب،
فالمتجه القول به إن لم يكن إجماع على عدمه، وإلا فالأصل والاطلاق لا يعارضان،
وعدم التعرض له فيما ورد من تكفين فاطمة بنت أسد بقميص النبي (صلى الله عليه وآله)
لا دلالة فيه على الجواز بدونه فتأمل.
(و) كذا يكره (أن يكتب عليها) أي الأكفان (بالسواد) كما في الوسيلة
والجامع والمعتبر والنافع وكثير من كتب المتأخرين، وفي المبسوط " لا يكتب " كما
عن النهاية " لا يجوز " ولم نقف على دليل يقتضي الكراهة فضلا عن الحرمة سوى دعوى
تناول النهي عن التكفين بالسواد له، وهو مع تسليم التناول سيما لما كتب عليه القليل
كالشهادتين فقط إنما يفيد الكراهة، لقصوره عن إفادة الحرمة كما تقدم سابقا، وعلل
في المعتبر الكراهة بالاستبشاع، وبأن وظائف الميت متلقاة فتتوقف على الدلالة، والأول
اعتبار محض، والثاني - مع أنه لو تم لاقتضى المنع - يتجه لو كان المدعى التوظيف فيه،
وعدم الكراهة أعم منه ومن الجواز كما هو قضية إطلاق دليل استحباب الكتابة، ومما
ذكرنا يعرف ما في إلحاق مطلق الأصباغ بالسواد كما عن بعضهم، لعدم الدليل عليه إلا
دعوى تناول السواد له، وهو كما ترى، ثم إن الحكم من الأصحاب بالكراهة في
خصوص الأسود في المقام قاض بأن مرادهم في الترتيب السابق بالنسبة للتربة والطين والماء
والإصبع إنما هو في الفضيلة، فتأمل.
(و) كذا يكره (أن يجعل في سمعه أو بصره شيئا من الكافور) كما تقدم الكلام
في ذلك مفصلا.
247

(مسائل ثلاث: (الأولى) إذا خرج من الميت نجاسة) قبل تكفينه تنجس
بها بدنه وجب إزالتها عنه من غير فرق في ذلك بين كونها بعد تمام الغسل أو في أثنائه
بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر الأصحاب الاجماع عليه كما اعترف به في كشف اللثام،
وهو الظاهر من غيره، ويدل عليه في الجملة - مضافا إلى فحوى ما دل (1) على قرض
الكفن عند تنجسه وإلى ما في بعض الأخبار (2) من مطلوبية ملاقاته لربه طاهر الجسد،
وإشعار جملة منها (3) أيضا بالتحفظ عليه من النجاسة - قول الصادق (عليه السلام) في
موثق روح بن عبد الرحمان (4): " إن بدا من الميت شئ بعد غسله فاغسل الذي بدا
منه، ولا تعد الغسل " وقوله (عليه السلام) أيضا في خبر الكاهلي والحسين بن المختار (5)
بعد أن سألاه عن الميت يخرج منه شئ بعد ما يفرغ من غسله: " يغسل ذلك ولا يعاد
عليه الغسل " وخبر سهل (6) عن بعض أصحابه رفعه، قال: " إذا غسل الميت ثم
أحدث بعد الغسل فإنه يغسل الحدث ولا يعاد الغسل ".
نعم قد يستشكل في وجوب إزالتها لو كانت في الأثناء قبل الشروع في الباقي
منه أو عند إرادة غسل محلها على نحو ما تقدم في النجاسة السابقة على أصل الغسل، لكن
ينبغي القطع بعدم وجوب إزالتها عن العضو الذي غسل، فتنجس بعد غسله سابقا

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التكفين
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 و 5 والباب 14 من
أبواب التكفين - حديث 4
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب غسل الميت - حديث 1 لكن رواه عن
روح بن عبد الرحيم
(5) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 - 5
(6) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب غسل الميت - حديث 2 - 5
248

على تمام تلك الغسلة، وإن احتمل وجوبه بالنسبة إلى أصل الشروع في الغسلة التي
بعدها إن كانت، وإلا كان له تأخير الإزالة بعد تمامها للأصل وإطلاق الأدلة
السالمين عن المعارض، وهو واضح، كما أنه ينبغي القطع أيضا بعدم إعادة الغسل لو
كانت النجاسة غير حدثية مطلقا، وكذا الحدثية لو كانت بعد تمام الغسل للأصل وما سمعته
من الأخبار السابقة المؤيدة باطلاق غيرها منها ومن فتاوى أكثر الأصحاب، بل في
الخلاف الاجماع عليه، ولعله كذلك، إذ لا خلاف فيه من أحد حتى ابن أبي عقيل،
لظهور لفظ الاستقبال في المحكي عنه في الأثناء كما تسمعه، وإن حكاه بعضهم عنه أيضا،
وإلا كان محجوجا بما عرفت، مضافا إلى عدم المستند له كالذي حكاه في الذكرى عن
بعض المنتمين إلى الشيعة أنه إن حدث في أثناء الثلاث لم يلتفت إليه، وإن حدث بعد
إكمالها تممت خمسا، وبعد الخمس يكمل سبعا، وبعد السبع لم يلتفت إليه، ولقد أجاد الشهيد
حيث قال بعد نقله ذلك: " وهذا مبني على ما لم يثبت عن أهل البيت (عليهم السلام) "
وكذا لو كانت حدثية في الأثناء على المشهور بين الأصحاب كما في كشف اللثام
وغيره، بل قد يظهر من بعضهم انحصار المخالف في ابن أبي عقيل، حيث قال:
فإن انتقض منه شئ استقبل به الغسل استقبالا، ولعله لكونه كغسل الجنابة أو نفسه،
وهو ينتقض بالحدث، ولإرادة خروجه من الدنيا ظاهرا، ولما يشعر به تقييد عدم
الإعادة في خبر روح وغيره بالخروج بعده، وفيه - مع أن الأول مبني على إعادة غسل
الجنابة بذلك، وهو خلاف التحقيق كما عرفت - قد يدفع بانصراف التشبيه بالأخبار
إلى إرادة الكيفية، كما أن الذي دل منها على كونه غسل جنابة حقيقة ظاهر في إرادة
الحكمة، أو محمول على ما لا يعرفه إلا الإمام (عليه السلام) من الأمور التي لا يناط
التكليف الظاهري بها، مضافا إلى عدم تناول ما دل على انتقاض غسل الجناية من المرسلة
السابقة هناك وغيرها لمثل ذلك، كما هو واضح عند التأمل، والثاني - مع أنه مبني
249

على أن الموت من الأحداث - مصادرة محضة، والثالث - مع أنه معارض بما يشعر
به الأمر بمسح بطنه قبل كل غسلة من الغسلات الثلاثة من غير أمر بإعادة الغسل لو خرج
منه شئ مثلا قبل غسلة الكافور أو بعدها بل ظاهرها عدمه، بل لعله صريح خبر يونس (1)
لقوله (عليه السلام): " فإن خرج منه شئ فأنقه ثم اغسل " إلى آخره - إن أقصاه
بعد تنقيح تقريره فيها مفهوم غير دال على الوجوب لا يصلح لأن يحكم به على الأصل
بمعنييه وإطلاق الأدلة الظاهر في الاجتزاء مطلقا المؤيدين بالشهرة المحكية وإن كان في
تحققها نظر، لقلة من تعرض لخصوص المسألة من الأصحاب، بل قد يشعر اقتصار
جملة منهم على ذكر الخروج بعد الغسلات الثلاثة بالخلاف في المقام، ومن هنا كان
الاحتياط لا ينبغي أن يترك هنا سيما على القول بوجوب مراعاته في مثله، وسيما لو كان
الحدث في أثناء غسل القراح. ومما ذكرنا يظهر لك عدم إعادة الوضوء لو كان قد فعله
سابقا، للأصل واقتضاء الأمر الاجزاء المؤيدين يخلو النصوص وأكثر الفتاوى منه،
بل في الخلاف الاجماع عليه لو كان الحدث بعد الثالثة.
هذا كله قبل التكفين، وأما إذا كان خروج النجاسة (بعد تكفيه ف‍) لا إشكال
في عدم وجوب إعادة الغسل أيضا لما عرفت، و (إن لاقت جسده غسلت بالماء) لما
عرفت من وجوب إزالة النجاسة عنه، لكن ظاهره كغيره بل كاد يكون صريح
الذكرى أنه لا فرق في ذلك بين طرحه في القبر وعدمه بل ولو تقف إزالتها على خروجه
منه، ولعله لاطلاق الأدلة السابقة، إلا أن شمولها لبعض ذلك كما لو كان بعد الوضع
في القبر أو التوقف على الخروج منه نظر وتأمل، لظهور سياقها فيما قبل الوضع في القبر
كما في الحدائق، بل قد يشعر أمرهم بقرض الكفن في مثل هذين الحالين كما ستعرف
من غير تعرض لغسل البدن مع تلازمهما غالبا بالعفو عنها، ومن هنا قال في الحدائق:

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل الميت - حديث 3
250

إن الظاهر من كلامهم اغتفارها في مثل ذلك، اللهم إلا أن يحمل ذلك منهم على غلبة
تعذر غسل البدن المعتبر شرعا حينئذ فيه وإخراجه منه لذلك هتك لحرمته وأذية له
من غير دليل، نعم لو تمكن من الإزالة فيه على الوجه المعتبر شرعا بحيث لا يتنجس الميت
أو كفنه أمكن القول حينئذ بالوجوب، لا طلاق أو عموم ما دل على وجوب إزالتها عنه،
ولقد أجاد المحقق الثاني حيث قال: " تجب إزالة النجاسة على كل حال وإن وضع في
القبر، إلا مع التعذر ولا يجوز اخراجه بحال لما فيه من هتك الميت، مع أن القبر
محل النجاسة " انتهى. وربما يظهر من المحكي عن الأردبيلي الاجماع على وجوب إزالة
النجاسة عن البدن قبل الدفن مطلقا.
(
و) أما (إن لاقت) النجاسة (كفنه ف‍) ظاهر الأصحاب وجوب الإزالة،
ويؤيده أوامر القرض، وما تقدم سابقا من عدم جواز التكفين بالنجس، واحتمال
قصره على النجاسة السابقة على التكفين ممنوع، فما عن ابن حمزة من الاستحباب ضعيف،
نعم خيرة المصنف ككثير من المتأخرين بل في المدارك نسبته إلى الصدوقين وأكثر
الأصحاب، وفي مجمع البرهان إلى الأصحاب إزالتها (كذلك) أي كالبدن تغسل
بالماء (إلا أن يكون بعد طرحه في القبر، فإنها تقرض) بل قيده المحقق الثاني تبعا للشهيد
في البيان بما إذا لم يتمكن من الغسل في القبر، ولعله مراد من أطلق، تنزيلا لاطلاقهم
على غلبة التعذر فيه، خلافا للشيخ وابني حمزة وسعيد وعن ابن البراج من إطلاق
القرض من غير فرق بين الوضع في القبر وعدمه.
وإليه أشار المصنف بقوله: (ومنهم من أوجب قرضها مطلقا) وكأنه لقول الصادق
(عليه السلام) في الصحيح إلى ابن أبي عمير (1) وابن أبي نصر (2) عن غير واحد:
" إذا خرج من الميت شئ بعد ما يكفن فأصاب الكفن قرض من الكفن " وقوله (ع) أيضا

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب غسل الميت - حديث 3 - 4
251

في خبر الكاهلي (1): " إذا خرج من منخر الميت الدم أو الشئ بعد الغسل فأصاب
العمامة أو الكفن قرض بالمقراض " والمناقشة في سند الأولى بالارسال والثانية بعدم توثيق
الكاهلي في غير محلها بعد كون المراسل ابن أبي عمير، سيما بعد ضميمة ابن أبي نصر
معه وإرساله عن غير واحد ومدح الكاهلي، بل لعله ثقة بناء على الظنون الاجتهادية
مضافا إلى عمل الأصحاب بها في الجملة، كما أنه لا وجه لدعوى معارضتها بالأخبار
السابقة الآمرة بالغسل، وبالنهي عن إتلاف المال، مع استلزام القرض انتفاء الساترية
عن الكفن أو أحد أثوابه بناء على اعتبارها في كل واحد منها، فتنزل حينئذ هذه على
الوضع في القبر مطلقا أو مع قيد عدم التمكن من الغسل.
(و) من هنا قال المصنف: إن (الأول أولى) إذ ذلك - بعد تسليم ظهور
تلك فيما يشمل الكفن وعدم ظهور هذه فيما قبل الوضع في القبر - من تعارض الاطلاق
والتقييد، على أنه لا شاهد له سوى ما يحكى عن الفقه الرضوي (2) على نحو عبارة
الصدوق " فإن خرج منه شئ بعد الغسيل فلا تعد غسله لكن اغسل ما أصاب من الكفن
إلى أن تضعه في لحده، فإن خرج منه شئ في لحده لم تغسل كفنه لكن قرضت من
كفنه ما أصاب من الذي خرج منه، ومددت أحد الثوبين على الآخر " وهو مبني على
حجيته في نفسه، ويقوى في النفس أن المراد بأوامر القرض الإرشاد والتعليم والتنبيه
على العلاج الذي لا ينتقل إليه الذهن عند الابتلاء بذلك، وإلا فالمطلوب الإزالة على
أي نحو كان مع المحافظة على ما ثبت اشتراطه في هذا الحال، فالمتبع فيه حينئذ
الترجيح الذي لا ينفك عنه غالب أفعال العقلاء، فربما يكون القرض أرجح من الغسل
قبل الوضع، كما لو كان المتنجس من الكفن مثلا قليلا من أطرافه وكان الغسل محتاجا

(1) الوسائل الباب - 32 - من أبواب غسل الميت - حديث 4
(2) المستدرك - الباب - 28 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
252

إلى تكلف مع خوف عدم الإزالة على الوجه المعتبر ونحو ذلك، وقد ينعكس الحال
على حسب أثواب الحي وإن ورد الأمر بغسلها، نعم قد يقال برجحان القرض على
الغسل في خصوص الميت عند تساوي مصلحتيهما، لأن مآل كفنه إلى التلف، ولأنه
أبلغ في الإزالة من الغسل ونحو ذلك، ولعله لذا عد في الوسيلة من المندوبات قرض
ما أصاب الكفن من النجاسة، وإلا فلا يريد استحباب أصل الإزالة، لمخالفته لظاهر
اتفاق الأصحاب وإن فهمه منه في كشف اللثام كما سمعته سابقا، وما يقال إن
القرض قد يؤدي إلى انتفاء الساترية في الكفن أو أحد أثوابه فيه مع أنه مبني على
اعتبار الاستدامة في ذلك كالابتداء، وأنه لا يكتفى بالمواراة فيه ولو بمخالفة الأثواب
أو نحو ذلك - أنه لا يقتضي بتعين الغسل مطلقا، فلعلنا نلتزمه حينئذ مع التمكن منه،
كما أنه قد يتعين القرض عند تعذر الغسل مثلا، فتأمل جيدا.
ولو تنجس معظم الكفن بحيث يفحش قرضه ومع ذلك تعذر غسله فقد يظهر من
الذكرى حينئذ كجامع المقاصد سقوطهما للحرج، وقد ينظر فيه بعد فرض عدم تناول
أدلة القرض لمثله حتى يجتزى به بأن المتجه وجوب إبداله الولي، اللهم إلا أن يقال:
أن قضية الأصل وجوب مهية التكفين على الولي مثلا وقد حصل، وأن هذه تكاليف
أخر مستقلة، فتسقط بالتعذر، وليست هي من شرائط الكفن المجزئ شرعا، والمقام
يحتاج إلى التأمل، ومنه تحصل للمسألة شعوب كثيرة غير منقحة في كلامهم، فتأمل
جيدا، والله أعلم.
المسألة (الثانية كفن المرأة على زوجها) إجماعا كما في الخلاف والتنقيح وعن نهاية
الأحكام (وإن كانت ذا مال) كما عليه فتوى الأصحاب في المعتبر والذكرى، وعند
علمائنا في المنتهى والتذكرة، وهو الحجة، مضافا إلى خبر السكوني (1) عن جعفر

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب التكفين - حديث 2
253

عن أبيه (عليهما السلام) " أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: على الزوج كفن امرأته
إن ماتت " والصحيح المروي في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " ثمن
الكفن من جميع المال وقال (عليه السلام): كفن المرأة على زوجها إذا ماتت " كما استدل
به جماعة من متأخري المتأخرين، لكن احتمل بعضهم أنه ليس من جملة الصحيح،
بل من مراسيل الصدوق مؤيدا لذلك بالمتعارف من عادة الصدوق، وبخلوها عن ذلك
في رواية الكافي والتهذيب بهذا السند أو قريب منه، وبعدم استدلال أحد به إلى
زمان صاحب المدارك.
قلت: لو سلم ذلك فلا ريب في حجيته بعد الانجبار بما عرفت، ولعل ما ذكرنا
هو الحجة في المقام أو من التعليل بأنه من الانفاق الواجب على الزوج لبقاء الزوجية بعد
الموت، ولذا جاز له تغسيلها والنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه إلا به، ولقوله تعالى (2):
" ولكم نصف ما ترك أزواجكم " فسماهن أزواجا بعد الترك، قال في المعتبر: " وإذا
ثبت تسميتها زوجة لزم كفنها " ولأن سقوط أحكام الزوجية إنما تتحقق متأخرة عن
الوفاة، والكفن يجب عند الوفاة مقارنا لا متأخرا، وفيه بعد تسليم صدق اسم الزوجة
في هذا الحال منع دوران وجوب النفقة عليه، لمكان ظهور أدلتها في غيره، بل لعله
لا يدخل تحت مسمى النفقة التي أمر بها، ومن هنا يسقط وجوب نفقة من وجب
الانفاق عليه من الأقارب بموته وإن بقي الاسم، فما ذكر من بقاء تلك الأمور من
النظر واللمس ونحوهما لا يجدي حينئذ في إثبات المدعى، مع إمكان لقول بأن المقتضي
لها الزوجية السابقة المستمرة إلى الموت، وإمكان معارضتها أيضا بثبوت ما ينافيها من
حلية نكاح الأخت والخامسة ونحو ذلك.

(1) الوسائل - الباب - 31 - و 32 - من أبواب التكفين - حديث 1
(2) سورة النساء - الآية 13
254

فالعمدة ما سمعته من إطلاق النص المنجبر بمعقد الاجماعات المتقدمة، فكل ما اندرج
فيها جرى الحكم عليه، فلا فرق حينئذ بين المدخول بها وغيرها ولا بين الصغيرة والكبيرة
ولا بين الحرة والأمة وإن كان بين ما دل على كون الكفن على السيد والزوجة عموم من
وجه، لظهور حكم ما نحن فيه عليه كالنفقة، ولا بين الناشزة والمطيعة، ولا بين العاقلة
والمجنونة، ولا بين الدائمة والتمتع بها إلا ما شك في اندراجه فيه كما احتمله في المدارك
أو غيرها في الأخيرة معللا له بأن المنصرف إلى الذهن عند الاطلاق الدائمة، وعساه
الظاهر من البيان والدروس أيضا، وفيه منع، سيما في التي استعدها الرجل أهلا،
وجعل مدة عقدها سنينا متعددة، وأولى منه في المنع ما في الرياض من دعوى عدم
انصراف الاطلاق للناشز أيضا، إذ نشوزها لا يقضي بذلك قطعا، نعم ذكر جماعة
من الأصحاب منهم الشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في جامع المقاصد أنه بناء على
الاستدلال للحكم بالتعليل السابق يتجه حينئذ عدم الوجوب فيها وفي سابقتها، بل
قال في الأخير: " إن عدم تعلق النفقة في حال الحياة لعدم صلاحية الزوجية في المتمتع
بها لذلك، ولثبوت المانع في الناشز يقتضي عدم تعلق الكفن بعد الموت بطريق أولى،
لزوال الزوجية حينئذ أو ضعفها، ولذا تحل له أختها والخامسة، فيقيد بذلك إطلاق
الخبر مع ضعفه، ولعل عدم الوجوب أظهر " انتهى.
وأنت خبير بما في ذلك كله بعد ما عرفت أن المستند إطلاق النص المنجبر بما
تقدم على تقدير ضعفه، وإطلاق معقد الاجماعات السابقة، على أنا نقول: إن الاستدلال
بالتعليل السابق لا يمنع من الاستدلال بما قلنا في المقام الذي لا يجري فيه، كما أن وجود
غيره مما ذكرنا لا يمنع من الاستدلال به في المحل الذي يجري فيه، إذ لا مانع من تعدد
الأدلة، فيتجه حينئذ الاستدلال به على ما نص عليه جماعة من الأصحاب، بل لا أجد
فيه خلافا من إيجاب باقي مؤن التجهيز كثمن السدر والكافور ونحوها وإن لم تنهض
255

الاطلاقات عليه، لكنه لا يخلو من نظر، لما عرفته من المناقشة السابقة في التعليل،
فيبقى الأصل حينئذ محكما، ولعله من هنا توقف فيه جماعة من متأخري المتأخرين،
اللهم إلا أن يستفاد ذلك من فحوى وجوب الكفن، فتأمل جيدا.
ثم إنه مما تقدم من الاطلاق في الزوجة تعرف الاطلاق أيضا في الزوجة من عدم
الفرق بين صغيرة وكبيرة ومجنونة وعاقلة ونحو ذلك وإن تعلق الخطاب حينئذ بالولي،
ويلحق بالزوجة المطلقة رجعية بخلاف البائن، وفي المحللة وجهان، أقواهما العدم.
هذا كله إذا كان الزوج مؤسرا، وأما إذا كان معسرا لا يملك بعد المستثنيات
في الدين أزيد من قوت يوم وليلة له ولعياله حتى بملاحظة ما انتقل منها إليه أو كان العقد
متعة لا إرث فيه فقد صرح جماعة بل في الذخيرة نسبته إلى الأصحاب، وفي المدارك
إلى قطعهم بأنها تكون حينئذ من تركتها، وظاهرهم سقوطها عن الزوج حتى لو أيسر
بعد الدفن، وربما علل أصل الحكم بأن الإرث إنما هو بعد الكفن، وهو لا يرجع إلى
محصل عند التأمل إلا أن يراد أن ما دل على كون الكفن من أصل المال ظاهر في تناوله
للرجل والمرأة، والمتيقن من خروجه عنه بالنسبة للزوجة إنما هو مع يسار الزوج،
لكن لولا عدم معروفية الخلاف فيه وانجبار تلك العمومات بذلك مع معلومية زيادة أمر
الكفن على النفقة والدين لأمكن المناقشة فيه باطلاق ما دل على لزوم الزوج القاضي بتحكيمه
على الأول بفرديه، فيجب عليه مع التمكن ولو كان معسرا كما احتمله في المدارك
وغيرها، والقياس على الدين والنفقة لا نقول به بل ومع عدمه ينبغي أن تكون كفاقد
الكفن تدفن عارية أو تكفن من بيت المال أو نحو ذلك، إذ سقوط الخطاب عنه حينئذ
لعدم قدرته لا يقضي بالانتقال إلى تركتها، كما أن عصيانه بعدم أدائه حال يساره وعدم
التمكن من إجباره لا يقضي بذلك أيضا، لكن ذلك كله مدفوع بما عرفت، فتأمل.
256

ولو أعسر عن البعض وجب ما تيسر، لعدم سقوط المعسور، ولأن
إيجاب الكفن يقتضي جميع أجزائه، واحتمال سقوطه بتعذر الكل ضعيف، وهل
يزاحم وجوب الكفن حق الديان أو النفقة الواجبة ونحوهما من الحقوق المالية أو يقدم
عليه؟ احتمالان، أقواهما الأول، ولو كان قد تعلق به حق الديانة بحجر لفلس قبل
موت الزوجة سقط وجوب الكفن على الظاهر، وكذا لو كان مال الزوج مرهونا لم يجب
تكفينها، لامتناع تصرفه به إلا أن يبقى بعد الدين بقية، فيجب التوصل إلى صرفها
بحسب الممكن شرعا كالنفقة، ولو اقترن موت الزوجة والزوج فالظاهر السقوط للأصل،
مع ظهور انصراف الأدلة لغيره نعم لو مات بعدها لم يسقط. لكونها من الواجبات المالية،
ولو لم يكن عنده إلا كفن واحد فالظاهر تقديمه عليه لما دل على تقديم الكفن على سائر
الحقوق، واحتمال تقديمها عليه لسبق التعلق ضعيف حتى لو كان قد وضع عليها، لعدم
زوال ملكه عنه بذلك، ولذا كان له إبداله، نعم لو دفنت فلا إشكال في اختصاصها
به وإن لم نقل بخروجه عن ملكه أيضا بذلك، مع أنه محتمل لثبوت استحقاقها له،
لكنه ضعيف لعدم صلاحية الميت للملك ابتداء، وما يشعر به قول الكاظم (عليه السلام)
في خبر الفضل بن يونس (1) بعد أن سأله " عن الميت الذي لم يخلف شيئا أجهزه من
مال الزكاة؟ - إلى أن قال له أيضا -: فإن أتجر عليه بعض إخوانه بكفن آخر وكان
عليه دين أيجعل للدين؟ قال: لا، ليس هذا ميراثا إنما هذا شئ صار إليه بعد وفاته " الحديث
وتظهر الثمرة فيما لو اتفق وجود الكفن ويئس من الميت بأن أخذه السيل أو السبع
ونحوهما، فعلى الأول يختص الزوج به، كما لو كان الكفن مأخوذا من بيت المال مثلا
أو تبرع به متبرع فإنه يعود إليهما، وعلى الثاني يكون ميراثا، وقد يحتمل أن يكون

(1) الوسائل الباب - 32 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
257

الناس فيه شرعا سواء، لزوال ملك الزوج عنه بالاعراض، وعدم ملك الميت له حتى
يكون إرثا، فتأمل.
ولا يلحق بالزوجة في وجوب الكفن من وجبت نفقته من الأقارب والأباعد
إلا المملوك على ما صرح به الفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني وصاحبوا المدارك والذخيرة
والحدائق والرياض، بل لا أجد خلافا في كل من الحكمين، بل في المعتبر والتذكرة
والذكرى والروض والمدارك الاجماع عليه بالنسبة للمملوك، وقضية الاطلاق أنه لا فرق
بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب مشروطا أو مطلقا لم يتحرر منه شئ، أما لو
تحرر منه شئ فبالنسبة، بل قد يظهر من الذكرى وغيرها اندارج ذلك كله تحت ما ادعاه
من الاجماع، وكفى بذلك حجة عليه، وأما الحكم الأول فلم أجد من توقف فيه ممن
عادته ذلك فضلا عن المخالف، كما هو الظاهر من العلامة حيث لم ينقل فيه خلافا إلا
من الشافعي، حيث أوجبه على من وجبت عليه النفقة، بل قد يظهر من الروض كون
ذلك من المسلمات حيث جعله إلزاما على تعليل وجوب كفن الزوجة بالنفقة.
وكيف كان فمستندهم كما صرح به جماعة الأصل مع فقد المعارض، والقياس
على الزوجة لا نقول به، قلت: وما عساه يتخيل من أن قضية إطلاق الأوامر بالتكفين
يقتضي ايجاب المقدمات التي منها بذل الكفن مدفوع بعد تسليم افتضائها ذلك، وإلا
فقد يقال إنها إنما تقتضي عمل التكفين فقط بالكفن مع وجوده لا بذل الكفن، فتأمل -
بأن الاجماع محصل أو منقول كما ستعرفه على كون الكفن من صلب المال، فمنه يظهر
أن المراد بتلك المطلقات إنما هو ذلك أي عمل التكفين، فيحث لا يكون له مال يتجه حينئذ
سقوطه، للأصل مع عدم الدليل على الانتقال، لمكان تنزيل تلك المطلقات على ما عرفت،
فهي لا دلالة فيها وليس غيرها، فتأمل جيدا فإنه دفيق نافع فيما يأتي، وكذا الكلام
في مؤن التجهيز كقيمة السدر والكافور ونحوهما مما يرجع إلى المال، ولا استبعاد في
258

ذلك كله بعد قيادة الدليل إليه من غير فرق فيه بين القليل والكثير وشدة قرب الميت
وعدمها، وقابليته للملك وعدمه كالسقط.
(ويؤخذ كفن الرجل من أصل تركته) دون ثلثه باجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون
في ذلك كما في الخلاف، ومذهب أهل العلم إلا شذاذ من الجمهور كما في المعتبر، ونحوه
في التذكرة، لكن مع وصف الكفن بالواجب، ويدل عليه مضافا إلى ذلك قول الصادق
(عليه السلام) في الصحيح (1): " الكفن من جميع المال " والمراد بأصل المال وجميعه أنه
يبدأ به (مقدما على الديون) كما يكشف عنه قوله (عليه السلام) أيضا في خبر السكوني (2):
" أول شئ يبدأ به من المال الكفن ثم الدين ثم الميراث " وفي صحيح زرارة المضمر (3)
" سألته عن رجل مات وعليه دين بقدر ثمن الكفن، قال: يجعل ما ترك في ثمن كفنه
إلا أن يتجر عليه بعض الناس، فيكفنوه ويقضي ما عليه مما ترك " هذا كله مع حكاية
الاجماع عليه أيضا من جماعة، (و) بالأولى يستفاد تقديمه أيضا على (الوصايا) والإرث،
بل في كشف اللثام والروض وغيرهما الاجماع عليه أيضا، وإطلاق النص والفتوى
ومعاقد الاجماعات يقتضي تقديمه على حق المرتهن والمجني عليه وغرماء المفلس، بل لم
أعرف فيه خلافا بالنسبة إلى الأخير، بل في الروض أنه يقدم عليه قطعا.
قلت: ولعله كذلك، ودعوى الشك في شمول الأدلة ممنوعة، نعم قد يتردد
فيه بالنسبة إلى الرهن لسبق التعلق بالعين، وتقدمه على النفقة في الحياة، وأولى
منه حق الجناية في العبد الجاني مع سبقها على الموت، بل في الذكرى تقديم حق المرتهن
إلا أنه قد يقوى الفرق بين الرهن والجناية، فيقدم على الأول بدعوى تناول
الأدلة له بخلاف الثاني، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 27 - من كتاب الوصايا - حديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 28 - من كتاب الوصايا - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 27 - من كتاب الوصايا - حديث 1 - 2
259

ثم إن الظاهر من تقييد الكفن بالواجب كما في التذكرة خروج المندوب عنه إلا
برضا الوارث، وبه صرح في المعتبر وجامع المقاصد، بل في أولهما أنه لو كان هناك
دين مستوعب منع من الندب، وإن كنا لا نبيع ثياب التجمل للمفلس لحاجته إلى التجمل
بخلاف الميت فإنه أحوج إلى براءة ذمته، ولو أوصى بالندب فهو من الثلث إلا مع
الإجازة. قلت: والظاهر أن مرادهم بالندب ما يشمل الزيادات المستحبة في القطع
الواجبة، ولكن قد تقدم سابقا لنا بحث في ذلك، ولعله يتأنى في المستحب الصرف
أيضا كالحبرة، بناء على أن ذلك من المستحبات المالية مخاطب به الولي مثلا، فيتبع
اختياره من غير نظر إلى غيره من الوارث صغارا كانوا أم كبارا، فيكنون من قبيل
استحباب خروج الزكاة من مال الطفل، ويؤديه إطلاق ما دل على أن الكفن من صلب
المال من غير تخصيص له بالواجب والمندوب، فالواجب منه واجب، والمندوب منه
مندوب، بل لعل حق الدين أيضا لا يزاحم ذلك، لما دل على تعلق الدين بعده
نعم لو كان المخاطب بالندب نفس الوارث كان اعتبار رضاه متجها، فتأمل جيدا،
ولو أوصى بعدم الندب احتمل إلغاء ذلك ونفوذه، ولعل التفصيل بملاحظة المصلحة
إما رفقا بالورثة أو حصول الغضاضة عليه بتبرع متبرع فتنفذ، وإلا فلا - لا يخلو من قوة،
(فإن لم يكن له كفن دفن) جوازا (عاريا، ولا يجب على) أحد من (المسلمين
بذل كفنه) كما صرح به جماعة من الأصحاب، بل نسبه في جامع المقاصد إلى كثير
منهم، بل في المدارك أنه لا خلاف فيه بين العلماء، كما استظهر نفيه أيضا في الذخيرة
وأرسل بعضهم عن نهاية الإحكام الاجماع عليه، (بل يستحب) اتفاقا كما في كشف
اللثام، ولا خلاف فيه كما في المدارك، واستظهره أيضا في الذخيرة، كما أنه أرسل عن
نهاية الإحكام الاجماع عليه، ويدل عليه أيضا قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح
سعد بن طريف (1) قال: " من كفن مؤمنا كان ضمن كسوته إلى يوم القيامة "

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب التكفين - حديث 1
260

وذلك كله يؤيد الحكم الأول، إذ ثبوت الاستحباب لازم لعدم الوجوب،
كما أنه قد يؤيد أيضا مضافا إلى ذلك وإلى الأصل بخبر الفضل بن يونس الكاتب (1)
" سأل أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به،
أشتري كفنه من الزكاة؟ فقال له: أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه، فيكونون هم
الذين يجهزونه، قال: فإن لم يكن له ولد ولا من يقوم بأمره فأجهزه أنا من الزكاة؟ قال
(عليه السلام): كان أبي يقول إن حرمة بدن المؤمن ميتا كحرمته حيا، فوار بدنه
وعورته وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكاة وشيع جنازته، قلت: فإن أتجر
عليه بعض إخوانه بكفن آخر وكان عليه دين أيكفن بواحد ويقضي دينه بالآخر؟
قال: لا ليس هذا ميراثا. إنما هذا شئ صار إليه بعد وفاته، فليكفنوه بالذي أتجر
عليه، ويكون الآخر لهم يصلحون به شأنهم ".
وفيها مواضع للدلالة على المطلوب، نعم هي دالة على تكفينه من الزكاة كما
صرح به جماعة سواء كان بالاحتساب على أهله أو عليه وإن كان ظاهرها إيجاب الأول
مع التمكن منه، لكن الأولى حملها على الندب بالنسبة إلى ذلك، لعدم القائل به كما
اعترف به في الروض، ولعل من هذا الخبر يستفاد ما ذكره جماعة منهم العلامة والشهيدان
وجوب تكفينه من بيت المال مع وجوده، إذ المراد ببيت المال على ما في جامع المقاصد
الأموال التي تستفاد من خراج الأرضين المفتوحة عنوة، وسهم سبيل الله من الزكاة
على القول بأن المراد به كل قربة لا الجهاد وحده، ثم قال: ولو أمكن الأخذ من سهم
الفقراء والمساكين من الزكاة جاز، لأن الميت أشد فقرا من غيره.
ثم إن الظاهر من النص المتقدم كظاهر من تعرض لذلك من الأصحاب وجوب
ذلك، نعم احتمل الندب في كشف اللثام للأصل، وهو ضعيف كضعف التوقف

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب التكفين - حديث 1
261

من صاحب المدارك في أصل الحكم معللا له بنص الشيخ على واقفية الفضل، إذ ذلك
لا يمنع من العمل به عندنا، مع أنه قد يقال: إن قضاء الدين من الزكاة يقتضي بالأولوية
في الكفن، فتأمل.
(وكذا ما يحتاج إليه الميت من كافور وسدر وغيره) من مؤنه، فإنها تؤخذ من
أصل المال، وإن لم يكن له مال دفن بدونها إلا أن يكون بيت مال، ولا يجب على
أحد من المسلمين بذلها، بل يستحب كما صرح بذلك جماعة من الأصحاب منهم العلامة
والشهيد الأول والمحقق الثاني وغيرهم، بل في الخلاف الاجماع على الكفن ومؤونة الميت
من أصل التركة، وفي المدارك " أما الوجوب من أصل المال فظاهر، لأن الوجوب
متحقق، ولا تحل له سوى التركة إجماعا " انتهى. قلت: ومنهما سيما الأخير ومما
تقدم في الكفن لعدم ظهور قائل بالفرق يستفاد عدم وجوب شئ من ذلك على أحد مع
فقد التركة، كما أنه بالتأمل في جميع ما ذكرنا يظهر لك أنه لا مجال لاحتمال وجوب شئ
من المؤن على أحد تمسكا باطلاق الأوامر، فتجب حينئذ من باب المقدمة، إذ
قد اتضح لك أن المراد بهذه الأوامر كلها إنما هو مجرد العمل من دون بذل شئ من
المال من غير فرق بين القليل كأجرة القدوم ونحوه والكثير والقريب والبعيد، لكن
ليعلم أن المراد بالمؤن التي تؤخذ من أصل المال إنما هي المؤن التي لم تحصل بسبب مخالفة
الشارع كالسدر والكافور ونحوهما، أما ما كان كذلك كما لو منع الظالم من مطلق
دفن الميت أو في أرض مخصوصة مع عدم التمكن من غيرها إلا بدراهم أو امتنع من يجب عليه
تغسيله إلا بأجرة ونحو ذلك فلعل الأقوى عدم أخذها من أصل المال، للأصل مع عدم
الدليل، ويحتمل ذلك تمسكا باطلاق المؤونة في معقد الاجماع، وهو ضعيف لانصرافها
إلى غير ذلك، أما لو كان المنع أو الامتناع السابقان عن خاص وإلا فيمكن غيرهما
فلا يجب من أصل المال قطعا، ولم أجد نصا من الأصحاب في خصوص ما نحن فيه،
262

نعم عد في كشف اللثام من جملة المؤن التي تخرج من أصل المال قيمة الأرض للدفن
وأجرة التغسيل والدفن إن لم يوجد متبرع، ويمكن إرادته غير ذلك خصوصا في الأول
بحمل الأرض فيه على المملوكة مع عدم إمكان غيرها، فتأمل.
المسألة (الثالثة إذا سقط من الميت شئ من شعره أو جسمه وجب أن يطرح
معه في كفنه) كما هو صريح جماعة وظاهر آخرين، بل في الذخيرة لا أعلم فيه خلافا،
وفي التذكرة " وإن سقط من الميت شئ غسل وجعل معه في أكفانه باجماع العلماء
لأن جميع أجزاء الميت في موضع واحد أولى " انتهى. ونحوه عن النهاية، وفهم جماعة
ممن تأخر عنه الوجوب، لكن قد يشعر تعليله بالاستحباب كما عن صريح الجامع،
وكيف كان فيدل على وجوب ذلك مضافا إلى ما عرفت مرسل ابن أبي عمير في الصحيح
عن الصادق (عليه السلام) (1) قال: " لا يمس من الميت شعر ولا ظفر، وإن سقط
منه شئ فاجعله في كفنه " ثم إن عبارة التذكرة السابقة تقتضي التغسيل، ثم الطرح في
الأكفان، وبه صرح بعضهم، وهو كذلك.
الحكم (الرابع) من أحكام الأموات
(موارته) ودفنه (في الأرض وله مقدمات) تقدم عليه وإن كان لا ارتباط
بينها وبينه ولا توقف (مسنونة كلها).
(منها) التشييع للجنازة، فإن استحبابه إجماعي إن لم يكن ضروريا، والأخبار
به (2) مستفيضة إن لم تكن متواترة، والمراد به اتباع الجنازة والخروج معها، قال في
القاموس: " شيع فلان فلانا خرج معه ليودعه ويبلغه منزله " ولا يتوهم منه أنه يعتبر فيه
تبعيته حتى يدفن وإن كان ذلك أفضل ودونه إلى الصلاة عليه، لظهور بعض الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب غسل الميت - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الدفن
263

في تحقق مسماه واستحقاقه الأجر بدون ذلك، كقول أبي جعفر (عليه السلام) (1)
لما قيل له بعد أن صلى على الجنازة: ارجع يا أبا جعفر (عليه السلام) مأجورا ولا تعنى
لأنك تضعف عن المشي: " إنما هو فضل وأجر فبقدر ما يمشي مع الجنازة يؤجر الذي
يتبعها " لكن قال في المنتهى " إن أدنى مراتب التشييع أن يتبعها إلى المصلى فيصلي عليها ثم
ينصرف، وأوسطه إلى القبر ثم يقف حتى يدفن، وأكمله الوقوف بعد الدفن ليستغفر له
ويسأل الله له " وظاهره عدم حصوله إذا لم يتبعها إلى المصلى، وفيه نظر، ومن العجيب
استدلاله على ما ذكر بالرواية السابقة، وهي في خلافه أظهر، فتأمل.
ثم إنه لا يبعد دخول ما هو متعارف في مثل زماننا من تبعية جملة من الناس للجنازة
عند إرادة نقلها من بلد إلى أحد المشاهد المشرفة تحت التشييع، على أن جملة من
الأخبار (2) قد اشتملت على مطلق التبعية، وفي المرسل (3) عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
" ضمنت لستة على الله الجنة، رجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنة " كما
أنه لا يبعد حينئذ عدم اعتبار ما يعتبر في المشيعين غيرهم من المشي، وأن يكون خلف الجنازة
أو أحد جانبيها ونحو ذلك مما تسمعه في مثلهم، لظهور انصراف غيرهم، فتأمل.
والظاهر المنساق إلى الذهن من الأخبار (4) إن استحباب التشييع إنما هو فيما إذا كان
محل الدفن محتاجا إلى النقل، أما إذا لم يكن كذلك كما لو كان مثلا في محل تجهيزة
فلا يستحب اخراجه ونقله للتشييع، ثم إرجاعه إليه كما ينبئ عن ذلك فعل أمير المؤمنين
(عليه السلام) في دفن النبي (صلى الله عليه وآله).

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الدفن - حديث 5
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الدفن - حديث 1 والباب 3 حديث 1 و 6
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 0 -
(5) الإرشاد للمفيد عليه الرحمة ص 89 طبعة طهران سنة 1377
264

و (منها) (أن يمشي المشيع) كما هو صريح بعضهم وظاهر آخرين، بل ربما
يظهر من الغنية الاجماع عليه كالمنتهى على ما تسمعه من عبارته، ويؤيده - مضافا
إلى ذلك وإلى ما عساه يظهر من بعض أخبار المقام (1) حيث اشتملت على الأمر بالمشي
خلف الجنازة ونحو ذلك، وإن لم تكن مساقة لبيان حكمه، وإنما هي لبيان حكم الخلف
والإمام والجانبين، وكذا غيرها، وإلى التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله) وغيره من
الأئمة (عليهم السلام) - إن ذلك عبادة وطاعة والمشي فيها أشق، وقد ورد أن
أفضل الأعمال أحمزها، بل يقوى في النظر كراهة الركوب كما صرح به في المعتبر
والمنتهى وعن غيرهما، قال في الثاني: ويستحب المشي مع الجنائز، ويكره الركوب،
وهو قول العلماء كافة، وهو الحجة فيه، مضافا إلى صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله
عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " مات رجل من الأنصار من أصحاب رسول
الله (صلى الله عليه وآله) فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمشي، فقال له بعض
أصحابه: ألا تركب يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: إني لأكره أن
أركب والملائكة يمشون " وخبر غياث عنه (3) أيضا عن أبيه عن علي أمير المؤمنين
(عليهم السلام) " أنه كره أن يركب الرجل مع الجنازة في بدئه إلا من عذر، وقال:
يركب إذا رجع " ومرسل ابن أبي عمير عنه (عليه السلام) (4) أيضا قال: " رأى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوما خلف جنازة ركبانا، فقال: أما استحى هؤلاء أن
يتبعوا صاحبهم ركبانا وقد أسلموه على هذا الحال " وبذلك كله يقيد إطلاق غيرها

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الدفن
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2 - 3
265

من الأخبار (1) الدالة على استحباب مطلق التبعية والتشييع لا على إرادة خروجه عن
استحباب التشييع مع الركوب، إذ الظاهر أن المشي مستحب في مستحب، ومن خبر
غياث يستفاد زوال الكراهة مع العذر كالحاجة إلى الركوب كما عن بعضهم التصريح به،
بل عن التذكرة ونهاية الإحكام الاجماع عليه، كما أنه يستفاد منه ومن الأصل أيضا
زوالها مع الرجوع، فتأمل جيدا.
و (منها) على ما هو المعروف من مذهب الأصحاب كما في المدارك والبحار وعن
غيرهما أن يكون مشي المشيع (وراء الجنازة أو إلى أحد جانبيها) فإنه أفضل من الإمام،
وفي المعتبر والتذكرة نسبته إلى فقهائنا، بل في جامع المقاصد أنه يستحب أن يكون
مشي المشيع خلف الجنازة أو إلى أحد جانبيها لا أمامها باجماع علمائنا، وظاهره أنه لأفضل
في الإمام ولعله يرجع إليه سابقه وإن جئ فيه بصيغة التفضيل الظاهرة في وجوده فيه
أيضا، لكنه صرح في المعتبر بأنه مباح، فيكون قرينة على صرف ذلك، وكيف كان
فلا إشكال في رجحان المشي خلف الجنازة أو إلى أحد الجانبين على الإمام، ويدل
عليه - مضافا إلى ما سمعت وإلى أنه أنسب بمعنى التشييع والاتباع الواردين في كثير من
الأخبار - قول الصادق (عليه السلام) في موثق إسحاق بن عمار (2): " المشي خلف
الجنازة أفضل من المشي بين يديها " وزاد في التهذيب " ولا بأس أن يمشي بين يديها "
وخبر جابر عن الباقر (عليه السلام) (3) قال: " مشى النبي (صلى الله عليه وآله) خلف جنازة،
فقيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) مالك تمشي خلفها؟ فقال: إن الملائكة رأيتهم
يمشون أمامها، ونحن نتبع لهم " ولا دلالة فيهما على أفضليته على المشي إلى أحد
الجانبين، فلا ينافي حينئذ ما دل عليه مما تقدم، ومن قول الباقر (عليه السلام) في خبر

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الدفن
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
266

سدير (1): " من أحب أن يمشي مشي الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير " وكذا
لا ينافيه أيضا خبر السكوني (2) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: " سمعت
النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب "
وعن المقنع (3) أنه " روي اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، فإنه من عمل المجوس " إذ الأمر
بالاتباع بعد تسليم عدم شموله للمشي إلى أحد الجانبين لا ينافي ثبوته بأمر آخر، سيما
مع ظهور كون المقصود هنا إنما هو النهي عن اتباع الجنازة لهم.
ومن هنا يظهر أنه لا يستفاد من اقتصار الشيخ في الخلاف كما عن الصدوق في
المقنع على ذكر أفضلية المشي خلفها من دون تعرض لغيره مستدلا عليه باجماع الفرقة وأخبارهم
خلاف ما ذكرنا، مع احتمال إرادة ما يعم المشي إلى الجانبين كما عساه تشعر به المقابلة
له بالإمام، فظهر من ذلك كله أنه لا كلام في رجحان المشي خلفها أو إلى أحد الجانبين
على غيرهما، وأنه ربما يستفاد من ملاحظة ما تقدم رجحان الأول على الثاني سيما بعد
فعل النبي (صلى الله عليه وآله) له، لكن قد يستفاد من المحكي عن الفقه الرضوي (4)
العكس، والأمر سهل.
إنما الكلام بعد أن عرفت مرجوحية المشي أمام الجنازة بالنسبة إليهما فهل ذلك
على سبيل الكراهة كما صرح به بعضهم، وحكي عن ظاهر آخرين، بل في الذكرى نسبه
إلى كثير من الأصحاب، بل قد يظهر من الروض دعوى الاجماع عليه، حيث قال:
" ويكره تقدمها عندنا " كالمنتهى حيث قال: " ويكره المشي أمام الجنائز للماشي
والراكب معا، بل المستحب أن يمشي خلفها أو من أحد جانبيها، وهو مذهب
علمائنا أجمع " ثم نقل خلاف العامة في ذلك، قلت: ويشهد له مع ذلك النهي

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الدفن - حديث 6
(4) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب الدفن - حديث 1
267

المتقدم عن التبعية مع التعليل بأنه من عمل المجوس وأهل الكتاب، والضعف منجبر
بما عرفت، على أن أمر الكراهة أسهل من ذلك، وكذا ما عن الفقه الرضوي (1)
" إذا حضرت جنازة فامش خلفها ولا تمش أمامها، وإنما يؤجر من تبعها لا من تبعته "
خلافا لصريح المعتبر والذكرى وعن ظاهر النهاية والمبسوط. فلا كراهة مطلقا وإن
كان الأولان أفضل منه، ولعله لخبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2)
بعد أن سأله " عن المشي مع الجنازة، فقال: بين يديها وعن يمينها وعن شمالها وخلفها "
ويقرب منه خبره الآخر (3) عن الباقر (عليه السلام) ولما يشعر به التفضيل في الموثق
السابق (4) مع نصه بأنه لا بأس في المشي بين يديها، ولما في خبر الحسين بن عثمان (5)
" إن الصادق (عليه السلام) تقدم سرير ابنه إسماعيل بلا حذاء ولا رداء " وللأخبار (6)
الكثيرة المشتملة على الأمر بالمشي أمام جنازة المؤمن، وفي بعضها (7) التعليل بأن الرحمة
تستقبله دون غيره، فإن اللعنة وملائكة العذاب يستقبلونه، ومن هنا استوجه بعضهم
هذا التفصيل، واختاره كاشف اللثام بعدم الكراهة بالنسبة إلى جنازة المؤمن، بخلاف
غيره استنادا لهذه الأخبار الفارقة، بل عن العماني المنع من تقديم جنازة المعادي لذي
القربى لمكان هذه الأخبار المفصلة، كما عن ابن الجنيد التفصيل بين صاحب الجنازة
وغيره، فيقدم الأول دون غيره، ولعله لخبر تقدم الصادق (عليه السلام) سرير
ابنه إسماعيل.

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الدفن - حديث 1
(2) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب الدفن - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الدفن - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الدفن - حديث 1
(5) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحتضار - حديث 7
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الدفن - حديث. - 7
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الدفن - حديث. - 7
268

وفي الكل نظر إذ مع احتمال خبر ابن مسلم التقية - أو إرادة بيان مطلق
الجواز لاحتمال السؤال عنه، كنفي البأس في الموثق، وكذا تقدم الصادق (عليه السلام)
سرير إسماعيل، مع أنه قضية في واقعة، وإلا فلا إشكال في رجحانية الخلف أو أحد
الجانبين عليه حتى كان يعرفه العامة منا، فنسبوه إلى أهل البيت (عليهم السلام) على
ما قيل، وعن بعض شراح مسلم أنه قال: " كون المشي وراء الجنازة أفضل من أمامها
قول علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة، وقال جمهور
الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء: المشي قدامها أفضل، وقال الثوري
وطائفة هما سواء " انتهى - قاصر عن مقاومة ما تقدم سيما بعد مشهورية الحكم بذلك بين
الأصحاب، والاستدلال بأخبار التفصيل بين المؤمن وغيره ليس بأولى من الاستدلال
بها على العكس من حيث صراحتها في النهي عن تقدم جنازة غير المؤمن، إذ لا تفصيل
في كلام الخصم، بل لعل ذلك أولى من حيث معارضتها بالنسبة للمؤمن بما عرفته سابقا
سيما النهي عن التبعية المشتمل على التعليل بمخالفة أهل الكتاب الذي هو كالصريح في
عدم الفرق في ذلك بينهما، فلا بد حينئذ من حملها على شدة الكراهة بالنسبة لغير المؤمن
دونه، للقطع بعدم إرادة ظاهرها من عدم المرجوحية في المشي أمام جنازة المؤمن.
وبذلك كله يظهر لك ما في كلام كشف اللثام كابن الجنيد من الفرق بين صاحب
الجنازة وغيره، محتجا بما سمعته من فعل الصادق (عليه السلام)، ولا ريب في ضعفه
كما عرفت، وكذا ما سمعته من العماني من القول بالمنع فيه لأخبار التفصيل، إذ هي مع
ضعفها وإعراض الأصحاب عنها بالنسبة إلى ذلك معارضة بغيرها مما دل على الجواز كما
سمعت، هذا.
ويمكن القول بأن المراد بالكراهة عند الأصحاب هنا كراهة العبادة بمعنى أقلية
الثواب، وعليه يرتفع الخلاف حينئذ بين القولين الأولين، وهو قريب جدا، فتأمل جيدا.
فتأمل جيدا.
269

ثم إنه يستحب للمشيع التفكر في مآله والاتعاظ بالموت والتخشع،
كما أنه يكره له الضحك واللعب واللهو، لخبر عجلان أبي صالح (1) قال: " قال لي الصادق
(عليه السلام): يا أبا صالح إذا أنت حملت جنازة فاذكر كأنك المحمول، وكأنك
سألت الرجوع إلى الدنيا فافعل، فانظر ماذا تستأنف قال: ثم قال: عجيب لقوم حبس أولهم
عن آخرهم، ثم نودي فيهم بالرحيل وهم يلعبون " وروي (2) " أن عليا (عليه السلام)
شيع جنازة فسمع رجلا يضحك، فقال: كأن الموت فيها على غيرنا كتب " وحكى
المصنف (رحمه الله) في المعتبر عن علي بن بابويه في رسالته أنه قال: " إياك أن تقول:
ارفقوا به أو ترحموا عليه أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك " وبعينه حكاه في
الحدائق عن الفقه الرضوي (3) ولعله هو المستند له، وفي خبر السكوني عن الصادق
عن آبائه (عليهم السلام) (4) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ثلاثة
ما أدري أيهم أعظم جرما: الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء، والذي يقول قفوا،
والذي يقول استغفروا له غفر الله لكم " وعن الخصال بسنده عن عبد الله بن الفضل
الهاشمي عن الصادق (عليه السلام) (5) أيضا " ثلاثة لا أدري أيهم أعظم جرما الذي
يمشي خلف جنازة في مصيبة بغير رداء، والذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة،
والذي يقول ارفقوا به وترحموا عليه يرحمكم الله تعالى " ولعل ما في خبر السكوني من
قوله (عليه السلام): " قفوا " مصحف " ارفقوا " أو لأنه مناف للتعجيل، أو لأن
المراد قفوا به لانشاد المراثي وذكر أحوال الميت كما هو الشائع على ما قيل، فينافي التعزي

(1) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب الدفن - حديث 1
(2) المستدرك - الباب - 53 - من أبواب الدفن - حديث 2
(3) المستدرك - الباب - 69 - من أبواب الدفن - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الاحتضار - حديث 2 - 3
270

والتصبر، وكان الوجه في كراهة قول: " ترحموا " ونحوه ما فيه من الاشعار بذنب الميت
وتحقيره. وكيف كان فلا ريب أن الاحتياط في ترك ذلك كله تفصيا من الوقوع في
المكروه، وإن كان الوجه في بعضها لا يخلو من غموض.
نعم يستثنى من كراهة وضع الرداء صاحب المصيبة، لقول الصادق (عليه السلام)
في مرسل ابن أبي عمير (1): " ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس أنه
صاحب المصيبة " وفي خبر أبي بصير (2): " ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس رداء،
وإن يكون في قميص حتى يعرف " وفي خبر حسين (3) " لما مات إسماعيل بن أبي عبد الله
خرج أبو عبد الله (ع) فتقدم السرير بلا رداء ولا حذاء " والمراد بوضعه عدم نزعه إن
كان ملبوسا، وعدم لبسه إن كان منزوعا، بل يقتضي التعليل المذكور استحباب
تغيير هيئة اللباس سيما في البلاد التي لا يعتاد فيها لبس الرداء.
بل قد يستفاد من مرسل الفقيه (4) وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) رداءه في
جنازة سعد بن معاذ، فسئل عن ذلك، فقال: " إني رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها
فوضعت ردائي " استحباب نزعه لغيره في جنازة الأعاظم من الأولياء والعلماء،
وعن ابن الجنيد التمييز بطرح بعض الزي بارسال طرف العمامة، وأخذ مئزر من فوقها
على الأب والأخ، ولا يجوز على غيرهما، وفيه أنه لا دليل على الخصوصية، ولعله
لذا منعه ابن إدريس، كما أن ما عن ابن حمزة من المنع هنا مع تجويزه الامتياز واضح
الضعف، ضرورة أولويتهما بذلك من غيرهما، وكذا ما عن أبي الصلاح من أنه يتخلى
ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده خاصة، لما سمعته من إطلاق النصوص (5) التي منها
أيضا يستفاد استحباب الحفاء لصاحب المصيبة ولا بأس به والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحتضار - حديث 8 - 1 - 7
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحتضار - حديث 8 - 1 - 7
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحتضار - حديث 8 - 1 - 7
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحتضار - حديث 4 -. -
(5) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحتضار - حديث 4 -. -
271

وكذا يكره للمشيع الجلوس حتى يوضع الميت في لحده كما صرح به بعضهم،
للصحيح عن الصادق (عليه السلام) (1) " ينبغي لمن شيع جنازة أن لا يجلس حتى يوضع
في لحده، فإذا وضع في لحده فلا بأس " خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف، فلا كراهة
للأصل، وهو مقطوع بما عرفت، وخبر عبادة بن الصامت (2) " أن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) إذا كان في جنازة لم يجلس حتى توضع في اللحد، فاعترض
بعض اليهود وقال إنا نفعل ذلك، فجلس وقال: خالفوهم " ودلالته على المطلوب أولى
من العكس، لأن " كان " تدل على الدوام، والجلوس لمجرد إظهار المخالفة، ورده
في الذكرى أيضا بأن الفعل لا عموم له، فجاز وقوع الجلوس تلك المرة، والقول أقوى
من الفعل عند التعارض، فتأمل.
وكذا يكره اتباع النساء الجنائز، لقول النبي (صلى الله عليه وآله) (3): " ارجعن
مأزورات غير مأجورات " ولقول أم عطية نهانا عن اتباع الجنائز، ولأنه تبرج
ومناف للستر والتخدير، لكن قد يستثنى من ذلك العجائز، لخبر أبي بصير عن
الصادق (عليه السلام) (4) أنه قال: " لا ينبغي للمرأة الشابة أن تخرج إلى الجنازة
تصلي عليها إلا أن تكون امرأة دخلت في السن " كما أنه يحتمل تقييد الكراهة بما إذا
لم تكن الميت امرأة، لما روي (5) أن " زينب بنت النبي (صلى الله عليه وآله) لما
توفت خرجت فاطمة (عليها السلام) في نسائها وصلت على أختها " أو يقال: إن أمر
الصلاة غير التشييع، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الدفن - حديث 1
(2) كنز العمال - ج 8 ص - 116 - الرقم 2181
(3) الوسائل - الباب - 69 - من أبواب الدفن - حديث 5
(4) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 3 - 1
(5) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 3 - 1
272

وكذا يكره الاسراع بالجنازة، وعن الشيخ الاجماع عليه. وهو المناسب
لاستحباب الرفق بالميت. وعن الجعفي أن السعي بها أفضل. وعن ابن الجنيد يمشي بها خببا.
قيل والسعي العدو والخبب ضرب منه، وهما موافقان للمحكي عن العامة، وربما يشهد لهما
ما عن الصدوق روايته عن الصادق (عليه السلام) (1) " إن الميت إذا كان من أهل
الجنة نادى عجلوني، وإن كان من أهل النار نادى ردوني ".
(و) من المقدمات المسنونة (أن تربع الجنازة) بكسر الجيم السرير، وبفتحها الميت
على ما حكي، وفي الذكرى " الجنازة بالكسر الميت على السرير، والخالي عن الميت
سرير لا غير " انتهى. ولا خلاف أجده بين أصحابنا في استحباب التربيع بمعنييه،
بل لعله عندنا مجمع عليه كما ادعاه بعضهم، (الأول) حمل السرير بأربعة رجال، لأنه
أدخل في توقير الميت، وأسهل من الحمل بين العمودين، سيما بالنسبة للمؤخر، ويحتمله
قول الباقر (عليه السلام) في خبر جابر (2): " السنة أن يحمل السرير من جوانبه
الأربع، وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع " ووافقنا عليه من العامة النخعي والحسن
البصري والثوري وأبو حنيفة وأحمد على ما حكي عنهم، خلافا للمنقول عن الشافعي، فجعل
حمل الجنازة بين العمودين أولى من حملها من الجوانب الأربع، ولا ريب في ضعفه عندنا
و (الثاني) حمل الواحد كلا من جوانبه الأربع، وكأن استحبابه اتفاقي كما حكاه بعضهم،
والأخبار به (3) متظافرة، وفي بعضها (4) أن " من ربع خرج من الذنوب " وفي آخر (5)
" محيت عنه أربعون كبيرة " إلى غير ذلك.
ولعل الأول يستفاد منه أيضا، والظاهر حصول فضل التربيع بمجرد حصوله

(1) الفقيه ج 1 ص 123 من طبعة النجف
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الدفن - حديث 2 -. -
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الدفن - حديث 2 -. -
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 6
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 6
273

كيف ما اتفق الابتداء كما يقتضيه قول الباقر (عليه السلام) في أحد الاحتمالين: " السنة أن
يحمل السرير من جوانبه الأربع، وما كان من حمل فهو تطوع " وكتابة الحسين
ابن سعيد إلى الرضا (عليه السلام) في الصحيح (1) " يسأله عن سرير الميت أله جانب
يبدأ به في الحمل من الجوانب الأربعة أو ما خف على الرجل يحمل من أي الجوانب شاء؟
فكتب من أيها شاء " ولا منافاة فيه تسعه من استحباب البدأة بما يأتي، وعلى تقديره
فهو معارض بما هو أقوى منه من وجوه، فما عن ابن الجنيد من العمل به في ذلك كما
عساه يلوح من المدارك أيضا ليس في محله.
(و) لكن الأفضل فيه أن (يبدأ بمقدمها الأيمن) أي الجنازة التي هي عبارة عن
الميت، فيضعه على عاتقه الأيمن ويخرج باقي بدنه، (ثم يدور من ورائها إلى الجانب
الأيسر) بعد أن يحمل مؤخرها الأيمن كالمقدم، فيضع مؤخرها الأيسر على عاتقه
الأيسر، ثم ينتقل منه إلى المقدم واضعا له على العاتق الأيسر، أو يراد بالجنازة
السرير على أن يكون الأيمن منه هو الذي يلي يمين الميت، فيوافق الهيئة السابقة،
وهو المشهور بين الأصحاب على ما حكاه في كشف اللثام، قلت: ولعله كذلك وإن
وقع في كثير من عبارات الأصحاب وصف مقدم السرير الذي يبتدأ به بالأيمن،
وهو موهم لما كان يلي يسار الميت، ويساره لما كان يلي يمين الميت، ومن هنا وقع
الاضطراب في كثير من كلماتهم حتى جعلوا المسألة خلافية. فذكروا أن الشيخ في المبسوط
والنهاية وباقي الأصحاب على الابتداء بيمين السرير المقدم، ثم بمؤخره، ثم بمؤخر
الأيسر، ثم بمقدمه كذلك، خلافا له في الخلاف، فجعل البدأة بيسار السرير،
وهو الذي يلي يمين الميت، ثم بمؤخره، وهكذا إلى المقدم، مع نقله الاجماع من الفرقة
وعملهم عليه فيه، واختاره جماعة من متأخري المتأخرين مرجحين له بعد ظهوره من

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الدفن - حديث 1
274

الأخبار بالموافقة فيه بين يمين الميت والحامل، فينطبق حينئذ على ما دل على استحباب
البدأة باليمين،
وظني أن ما نقوله عن الشيخ في المبسوط والنهاية وكذا باقي الأصحاب راجع
إلى ما قاله في الخلاف، على أن يكون المراد بمقدم السرير الأيمن هو الذي يلي يمين
الميت كما فسره به في كشف اللثام، إذ كما يمكن أن يقال: إن يمين السرير هو الذي
يلي يسار الميت بأن يعتبر السرير رجلا ماشيا خلف السرير، أو دابة مقدمها ما يلي
رأس الميت، فيكون الميت حينئذ كالمستلقي على ظهرها، يمكن أن يقال: إن يمين
السرير ويساره بحسب ما جاور من جانبي الميت، سيما فيما كان مستعملا في ذلك الزمان
من العمودين، بل يمكن أن يعتبر شخصا مستلقى على قفاه كالميت، وبذلك تنطبق
عبارات الأصحاب، فقد يطلق يسار الجنازة ويراد به ما يلي يمين الميت كما في عبارة
الخلاف بالاعتبار الأول، وقد يطلق على هذا بخصوصه أنه يمين السرير بالاعتبار الثاني
كما في عبارة المبسوط وغيره من عبارات الأصحاب، بل كاد يكون صريح عبارة المنتهى
وغيره، فلاحظ، وللمتأمل في كلماتهم إمارات على ذلك، (منها) نقله في الخلاف
الاجماع على ذلك، وهو بنفسه قد ذكر في المبسوط وعن النهاية الابتداء بيمنى السرير
كعبارات كثير من الأصحاب، و (منها) أنه لو أريد بيمنى السرير الذي يلي يسار
الميت لم يتيسر وضعه على العاتق الأيمن للحامل إلا والمشي بالقهقري، سيما في
مثل التوابيت المستعملة في زماننا، ولعلها كانت قديمة. و (منها) أن الذي ذكرناه
كاد يكون صريح خبر الفضل بن يونس (1) قال: " سألت أبا إبراهيم (عليه السلام)
عن تربيع الجنازة، قال: إذا كنت في موضع تقية فابدأ باليد اليمنى، ثم بالرجل اليمنى،
ثم ارجع من مكانك إلى ميامن الميت، لا تمر خلف رجليه التبة حتى تستقل الجنازة

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الدفن - حديث 3
275

فتأخذ يده اليسرى، ثم رجله اليسرى، ثم ارجع من مكانك خلف الجنازة التبة حتى
تستقبلها تفعل كما فعلت أولا، فإن لم تكن تتقي فيه فإن تربيع الجنازة التي جرت به السنة
أن تبدأ باليد اليمنى، ثم بالرجل اليمنى، ثم بالرجل اليسرى، ثم باليد اليسرى حتى
تدور حولها ".
إذ لا ريب أن المراد باليد والرجل فيه إنما هو بالنسبة إلى الميت، وهو بعينه
ما ذكرنا، وغيره من الأخبار وإن لم يكن بهذه الصراحة إلا أنه يمكن إرجاعه إليه
بخلاف العكس، كقول الصادق (عليه السلام) في خبر العلاء بن سيابة (1) " تبدأ في
حمل السرير من الجانب الأيمن، ثم تمر عليه من خلفه إلى الجانب آخر، ثم تمر حتى
ترجع إلى المقدم كذلك دوران الرحى عليه " إذ يمكن حمل الأيمن فيه على أيمن الميت أو
السرير بالاعتبار الذي ذكرناه.
وكقول أبي الحسن موسى (عليه السلام) في خبر علي بن يقطين (2): " السنة
في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الأيمن فتلزم الأيسر بكفك الأيمن،
ثم تمر عليه إلى الجانب الآخر، وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير ثم تمر
عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك " وهو كالصريح فيما قلنا، ويراد بالأيسر فيه
من السرير بالاعتبار المعروف، ولا حاجة إلى ما تكلفه في كشف اللثام في رفع المنافاة
بينها وبين كلام المشهور مع ما فيه من النظر، فتأمل جيدا.
وكقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن أبي يعفور المروي في السرائر
نقلا من جامع البزنطي (3): " السنة أن تستقبل الجنازة من جانبها الأيمن، وهو مما
يلي يسارك، ثم تصير إلى مؤخره، وتدور عليه حتى ترجع إلى مقدمه " إذ كما يحتمل
أن يكون مما بلي يسارك لو كنت ماشيا في جانب السرير الذي يليه يحتمل أن يكون المراد

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 4 - 2
276

لو كنت ماشيا خلفه، وإن حمل على حالة الاستقبال فهو وإن كان يمين الميت يحاذي يمينه
حينئذ، لكن إذا جاوزه مائلا إلى يمين الميت ليأخذ السرير يلي يمين الميت حينئذ يساره،
وهذا وإن كان لا يخلو من بعد في الجملة لكن لا بأس به بعد ما عرفت.
وكما في الفقه الرضوي (1) " إذا أردت أن تربعها فابدأ بالشق الأيمن فخذه
بيمينك، ثم تدور إلى المؤخر فتأخذه بيمينك، ثم تدور إلى المؤخر الثاني فتأخذه بيسارك
ثم تدور إلى المقدم الأيسر فتأخذه بيسارك، ثم تدور كدور كفي الرحى " وكأنه يريد
كدور الكفين الآخذتين بخشبة الرحى.
لا يقال: إن ما ذكرته من كيفية التربيع لا ينطبق على المعروف في النص والفتوى
من تشبيهه بدوران الرحى، بخلاف ما لو كانت البدأة بيمين السرير المعروف، لأنا
نقول. أما أولا فالظاهر تحققه بما قلناه، بل لعله أولى من غيره، وإن كانا معا
يستعملان كما هو المشاهد في دور الرحى، وأما ثانيا فالظاهر أن المراد بالتشبيه المذكور
إنما هو الرد على العامة كما كشف ذلك مفصلا خبر الفضل بن يونس المتقدم سابقا،
فتأمل هذا.
وربما يشهد لما ذكرناه مضافا إلى ما سمعت ما حكاه الشهيد في الذكرى عن الراوندي
أنه حكى كلام النهاية والخلاف وقال معناهما لا يتغير، وما في المنتهى حيث لم يتعرض فيه
لخلاف، بل قال: " المستحب عندنا أن يبدأ الحامل بمقدم السرير، ثم يمر معه
ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر فيأخذ رجله اليسرى، ويمر معه إلى أن يرجع
إلى المقدم كذلك دور الرحى، وحاصل ما ذكرناه أن يبدأ فيضع قائمة السرير
التي تلي اليد اليمنى للميت فيضعها على كتفه الأيسر، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي
رجله اليمنى على كتفه الأيسر، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليسرى على كتفه

(1) المستدرك - الباب - 8 - من أبواب الدفن - حديث 1
277

الأيمن، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي يده اليسرى على كتفه الأيمن، وهكذا "
انتهى. ولقد أحسن فيما ذكره لكن كان عليه أن يقول كتفه الأيمن بدل الأيسر
وبالعكس، وإلا فلا يكاد يتم إلا مع جعل الجنازة بين عمودين ودخول الحامل بينهما،
أو يمشي بالميت على رجليه، ونحو ذلك.
وليعلم أنه ليس المقصود مما ذكرناه تنزيل سائر كلمات الأصحاب على ما اخترناه
بل المراد إمكان تنزيل كثير من كلماتهم، وإلا فكلام بعض المتأخرين لا يمكن تنزيله
على ما ذكرنا ككلام الشهيد في روضته، حيث قال: " وأفضله أن يبدأ في الحمل بجانب
السرير الأيمن، وهو الذي يلي يسار الميت فيحمله بكتفه الأيمن، ثم ينتقل إلى
مؤخره الأيمن فيحمله بالأيمن كذلك، ثم ينتقل إلى مؤخره الأيسر فيحمله بالكتف
الأيسر، ثم ينتقل إلى مقدمه الأيسر فيحمله بالكتف الأيسر كذلك " انتهى.
وقد عرفت صعوبة ما ذكره في كثير من الجنائز بل تعذره في بعضها، نعم
يمكن أن يقال بالتخيير بين الابتداء بيمين الميت أو يمين السرير، لكن لا على الحمل
بالكتف الأيمن على الثاني مراعاة لصحيحة ابن أبي يعفور السابقة، سيما مع اعتضادها
بظاهر بعض الأخبار السابقة أن حمل فيها اليمنى من السرير على المعنى المتعارف، وهو
الذي يلي يسار الميت، وكذا ظاهر عبارات كثير من الأصحاب، وبالشهرة المحكية
على ذلك في المدارك، فتقاوم حينئذ الرواية الأخرى المعتضدة بما عرفته، فينبغي التخيير
حينئذ، والاحتياط غير خفي، فتأمل جيدا، والله أعلم بحقائق أحكامه.
(و) (منها) (أن يعلم) بالبناء للمجهول (المؤمنون بموت المؤمن) بلا خلاف
أجده في استحباب ذلك، سوى ما عن الجعفي من أنه يكره النعي إلا أن يرسل صاحب
المصيبة إلى من يختص به، ولعله غير ما نحن فيه، وإلا كان محجوجا بالاجماع عن
الخلاف عليه، مضافا إلى النصوص كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان
278

أو حسنه (1): " ينبغي لأولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت فيشهدون جنازته،
ويصلون عليه، ويستغفرون له، ليكتب لهم الأجر، ويكتب للميت الاستغفار،
ويكتسب هو الأجر فيهم وفيما اكتسب لميتهم من الاستغفار " في خبر ذريح (2) " عن
الجنازة يؤذن بها الناس، قال: نعم " وفي مرسل القاسم بن محمد (3) " إن الجنازة
يؤذن بها الناس " وظاهر الأخيرين استحباب ذلك حتى لغير الولي ولا ينافيه الأول.
ويؤيده ترتب الفوائد العظيمة على هذا الاعلام الحاصلة بسبب التشييع والحمل
والتربيع والصلاة والاستغفار والترحم، وربما يصيبه ألم فيسترجع، فيدخل تحت عموم
الآية (4) والتذكر لأمور الآخرة والاتعاظ وتنبيه القلب القاسي، وكذا ما يحصل
للميت من الفوائد أيضا من كثرة المصلين والمستغفرين، مع ما فيه من إكرام الميت
وإدخال السرور على الحي ونحو ذلك، فلا ريب في رجحان هذا الاعلام لمكان سببيته
لهذه الأمور العظام، والظاهر أنه لا بأس في النداء لذلك، بل يشمله الأمر بالايذان
فيما سمعت من الأخبار، وما في الخلاف أنه لم يعرف فيه نصا إن أراد بالخصوص فمسلم،
لكنه غير قادح، وإن أراد بالعموم فممنوع، على أنه لا يتوقف على شئ من ذلك
بعد ما عرفت، كما ظهر لك استحباب الإجابة والاسراع بعد أن يؤذن، مع استفاضة
الأخبار (5) بذلك، وأنه يقدمه على الوليمة إذا دعي إليهما لما فيه من تذكر الآخرة
بخلافها فتذكر الدنيا.
(و) (منها) (أن يقول المشاهد للجنازة الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد
المخترم) لخبر أبي حمزة قال (6): " كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا رأى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 1 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 1 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب صلاة الجنائز - حديث 1 - 3 - 4
(4) سورة البقرة الآية 151
(5) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحتضار
(6) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الدفن - حديث 1
279

جنازة قد أقبلت قال: الحمد لله " إلى آخره. ونحوه مرفوعة أبي الحسن النهدي (1)
عن لباقر (عليه السلام).
ويستحب أن يقول أيضا ما في خبر عنبسة بن مصعب عن الصادق (عليه السلام) (2)
قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من استقبل جنازة أو رآها فقال:
الله أكبر هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا ايمانا وتسليما،
الحمد لله الذي تعزز بالقدرة، وقهر العباد بالموت لم يبق ملك في السماء إلا بكى رحمة لصوته "
وكذا يستحب أن يقول عند حملها: ما في خبر عمار عن الصادق (عليه السلام) (3)
قال: " سألته عن الجنازة إذا حملت كيف يقول الذي يحملها؟ قال: يقول بسم الله
وبالله، صلى الله على محمد وآل محمد، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات " والمراد بالسواد
الشخص، قيل ويطلق على عامة الناس، وعن بعضهم زيادة القرية أيضا، والمخترم
الهالك، أو المستأصل، والمراد هنا الجنس، أي لم يجعلني من هذا القبيل، ولا
ينافي هذا حب لقاء الله تعالى لأنه غير مقيد بوقت، فيحمل على حال الاحتضار
ومعاينته ما يجب، كما رويناه عن الصادق (عليه السلام) (4)، وعن العامة روايته (5)
عن النبي (صلى الله عليه وآله) " أنه من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره
لقاء الله كره الله لقاءه، فقيل له (صلى الله عليه وآله) إنا لنكره الموت، فقال: ليس
ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شئ أحب
إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الدفن - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الاحتضار - حديث 2
(5) كنز العمال - ج 8 ص 80 الرقم 1495
280

الله فليس شئ أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه " وبقية عمر المؤمن
نفيسته، كما أشار إليه النبي (صلى الله عليه وآله) في الصحاح على ما قيل (1) " لا يتمنى
أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، أنه إذا مات انقطع عمله وأنه لا يزيد المؤمن
عمره إلا خيرا " وعن علي (عليه السلام) " بقية عمر المؤمن لا ثمن لها يدرك بها
ما فات، ويحيى بها ما مات " أو يقال: إن المخترم كناية عن الكافر لأنه الهالك حقيقة
فيكون الحمد حينئذ في محله، ويمكن أن يراد به الهالك قبل الأربعين سنة. والأمر سهل.
(و) (منها) (أن يضع الجنازة على الأرض إذا وصل) إلى (القبر) بلا خلاف
أجده فيه، بل في الغنية الاجماع عليه، مضافا إلى النصوص كقول الصادق (عليه السلام)
في صحيح ابن سنان (2): " ينبغي أن يوضع الميت دون القبر هنيئة، ثم واره "
ونحوه غيره (3) وليكن دون القبر بذراعين أو ثلاثة لخبر محمد بن عجلان عن الصادق
(عليه السلام) (4) أيضا " إذا جئت بالميت إلى قبره فلا تفدحه بقبره، ولكن ضعه
دون قبره بذراعين أو ثلاثة، ودعه حتى يتأهب للقبر، ولا تفدحه به " وفي خبره
الآخر عنه (عليه السلام) (5) أيضا " لا تفدح ميتك بالقبر ولكن ضعه أسفل منه
بذراعين أو ثلاثة، ودعه حتى يأخذ أهبة " ونحو مضمر ابن عطية (6).
و (منها) يستفاد استحباب أن يكون الوضع (مما يلي رجليه) إذ المراد بالأسفل ذلك،
مضافا إلى ما في الغنية من الاجماع عليه أيضا، مع أنه قد يدل عليه أيضا قوله (عليه السلام)
في حسن الحلبي (7): " إذا أتيت بالميت القبر فسله من قبل رجليه " أي في القبر، إذ

سنن البيهقي - ج 3 ص 377
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 6 - 3
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 6 - 3
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 6 - 3
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 2
(6) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 2
(7) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 1
281

أخذه منه مقتض لوضعه فيه، وبذلك يتضح الاستدلال حينئذ بما في عدة أخبار (1) بأن
لكل شئ بابا وباب القبر مما يلي الرجلين. لكن ليس في شئ من هذه الأخبار التفصيل
بين الرجل والمرأة، فقضيته تساويها مع الرجل في الوضع مما يل الرجلين.
(و) لكن ذكر المصنف وغيره بل في الغنية وظاهر المنتهى وعن ظاهر التذكرة
والنهاية الاجماع عليه أن (المرأة) توضع (مما يلي القبلة) مع زيارة أمام القبر في معقد
إجماع الغنية، ولعل ذلك كاف في إثبات ذلك، مع إمكان الاستدلال عليه بخبر
الأعمش المروي (2) عن الخصال عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: " والميت
يسل من قبل رجليه سلا، والمرأة تؤخذ بالعرض من قبل اللحد " ونحوه ما عن الفقه
الرضوي (3) لظهورهما في وضع المرأة من قبل اللحد، واللحد إنما يكون في القبلة،
على أن قضية الأخذ من ذلك المكان الوضع فيه عند انتهاء الجنازة، كل ذا مع إمكان
تأييده أيضا في الرجل والمرأة بأن هذه الكيفية من الوضع فيهما أيسر في فعل ما هو الأولى
بهما من إرسال الرجل سابقا برأسه والمرأة عرضا، وأما اختيار جهة القبلة فلشرفها.
(و) (منها) (أن ينقله) أي الميت رجلا كان أو امرأة لاطلاق الدليل،
فتخصيص بعضهم هذا الحكم به دونها في غير محله (في ثلاث دفعات) بادخال النقل الأول
السابق على وضعه قريب القبر فيها، أو يدعى فهم ذلك من الخبر المروي (4) عن العلل
الذي هو مستند هذا الحكم " إذا أتيت بالميت القبر فلا تفدح به القبر، فإن للقبر أهوالا
عظيمة، وتعوذ من هول المطلع، ولكن ضعه قرب شفير القبر، واصبر عليه هنيئة،
ثم قدمه قليلا، واصبر عليه ليأخذ أهبته، ثم قدمه إلى شفير القبر " كالمحكي عن الفقه

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 4 و 6 و 7
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 5
(3) المستدرك - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 4
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 6
282

الرضوي (1) ومثله عبر في المبسوط والفقيه على ما حكي عنهما بأن يراد وضعه عند شفير
القبر أيضا، ثم ينزل بعده برفع آخر، فيتكرر النقل حينئذ ثلاثا، وفي الثالثة النزول،
ولا يخفى بعده، إذ الظاهر منه أن التقديم إلى شفير القبر هو نقل النزول، فيكون
الرفع حينئذ دفعتين، نعم يتثلث الوضع بادخال الوضع الذي على شفير القبر المتعقب
له النزول فيها.
وكيف كان فلا ريب في الحكم بمضمون الخبر المتقدم، والظاهر إرادة المصنف
ذلك وإن كانت العبارة لا تخلو من قصور، وبما سمعته من خبر العلل اندفع ما أشكل على
جملة من متأخري المتأخرين من عدم الوقوف لما ذكره المصنف وغيره على دليل، بل
الموجود في صحيح عبد الله بن سنان (2) وروايتي محمد بن عطية (3) ومحمد بن عجلان (4)
وغيرها إنما هو وضعه دون القبر هنيئة ثم دفنه، وعن ابن الجنيد الفتوى بمضمونها كظاهر
المصنف في المعتبر، واعتمده في المدارك، وقد عرفت ما في الجميع، فتأمل.
(و) (منها) (أن يرسله إلى القبر سابقا برأسه) إن كان رجلا كما خرج إلى
الدنيا بلا خلاف أجده، بل في الغنية والخلاف وعن ظاهر التذكرة الاجماع عليه،
كما عن شرح الجمل للقاضي نفي الخلاف عنه، (و) أما (المرأة) فترسل (عرضا) بلا
خلاف أجده فيه أيضا، بل في صريح الغنية والخلاف وعن ظاهر التذكرة الاجماع عليه
أيضا، ويدل عليه مضافا إلى ذلك مرفوع عبد الصمد بن هارون عن الصادق
(عليه السلام) (5) " إذا أدخلت الميت القبر إن كان رجلا فسله سلا. والمرأة تؤخذ عرضا
فإنه أستر " وخبر عمرو بن خالد (6) عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم السلام)

(1) المستدرك - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 5
(5) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
283

قال: " يسل الرجل سلا، وتستقبل المرأة استقبالا، ويكون أولى الناس بالمرأة في
مؤخرها " وخبر الأعمش (1) السابق على نحو المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (2)
وبها مع اعتضادها بما عرفت يقيد إطلاق غيرها من الأخبار الآمرة (3) بسل الميت من
قبل رجليه، أي لو كان في القبر، كصحيح الحلبي (4) وغيره من فرق بين الرجل
والمرأة، فتنزل حينئذ على الأول، فلا وجه للتوقف في ذلك من هذه الجهة كما وقع
لبعض متأخري المتأخرين.
ثم إنه قد استفاض في الأخبار الأمر بالسل من قبل الرجلين، والظاهر منه
إرادة أن لا ينكس برأسه في القبر، وينبغي أن يكون ذلك برفق كما في خبر محمد بن
عجلان وغيره.
(و) (منها) عند الأصحاب كما في المعتبر والمدارك (أن ينزل من يتناوله حافيا
ويكشف رأسه ويحل أزراره) لكونه مقام اتعاظ وخشوع، ولقول الصادق (عليه السلام)
في خبر ابن أبي يعفور (5): " لا ينبغي لأحد أن يدخل القبر في نعلين ولا خفين
ولا عمامة ولا رداء ولا قلنسوة " وظاهره كراهة ذلك لو فعل، كخبر الحضرمي عنه
(عليه السلام) (6) أيضا " لا تنزل في القبر وعليك العمامة ولا القلنسوة ولا رداء ولا حذاء
وحلل أزرارك، قال: قلت: فالخف قال: لا بأس بالخف وقت الضرورة والتقية،
وليجهد في ذلك جهده " ونحوه خبر علي بن يقطين (7) وسيف بن عميرة (8) إلا أنه
لم يتعرض في الأخير لحل الأزرار، وقال فيه: " قلت: فالخف، قال: لا بأس

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 5
(2) المستدرك - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث. - 1
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث. - 1
(5) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 4 - 1
(6) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 4 - 1
(7) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 4 - 1
(8) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الدفن - حديث 5
284

بالخف، فإن خلع الخف شناعة " وفي المروي عن العلل (1) على نحو ما تقدم، لكن
فيه أيضا " قلت: فالخف، قال: لا أرى به بأسا، قلت: لم يكره الحذاء؟ قال:
مخافة أن يعثر برجله فيهدم " وكان الأصحاب حملوا ذلك على السابق، فاعتبروا نزع
الخف إلا مع الضرورة أو التقية، ومن هنا جعلوا المستحب التحفي، خلافا للمحكي عن
ابن الجنيد فأطلق نفي البأس عن الخف، والأولى أولى كما أنهم فهموا من النهي في
تلك الأخبار الأمر بالنزع للقلنسوة والنعل، فلذلك ذكروا أنه مستحب، بل لم
يذكروا الكراهة.
ثم إنه لا ريب في عدم وجوب شئ من ذلك، للاجماع في الذكري، ولخبر
إسماعيل بن بزيع (2) قال: " رأيت أبا الحسن (عليه السلام) دخل القبر ولم يحل أزراره "
المحمول على بيان الجواز.
(ويكره أن يتولى ذلك) أي الانزال في القبر (الأقارب) في الرجل كما في
المبسوط والوسيلة والمعتبر والتذكرة والمنتهى وغيرها، ولعله يرجع إليه من عبر عن ذلك
باستحباب كون النازل أجنبيا كما في القواعد وغيرها، ومن هنا نسب بعضهم الكراهة
إلى الأصحاب، ولولا ذلك لأمكن المناقشة فيه، بعدم الدليل عليه في شئ مما عثرنا
عليه من الأخبار، نعم علله غير واحد منهم بأنه يورث قسوة القلب، كما أنه استند
بعضهم إلى الأخبار المستفيضة (3) جدا عن إدخال الوالد قبر ولده ودفنه، وفي بعضها (4)
أن " رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أيها الناس أنه ليس عليكم بحرام أن

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الدفن - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الدفن - حديث 6 وهو عن محمد بن إسماعيل
ابن بزيع
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدفن - حديث. - 4
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدفن - حديث. - 4
285

تنزلوا في قبور أولادكم، لكن لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده أن يلعب به
الشيطان، فيدخله عند ذلك من الجزع ما يحبط أجره " وهما كما ترى يمكن منع الأول،
إلا أن يدعى استفادته من بعض الأخبار (1) وإمكان معارضته أيضا بأنه أرفق للميت
وأشفق عليه، ولا عموم في الثاني، بل قد يظهر من بعض الأخبار هنا نفي البأس عن
دفن الولد أباه كخبر العنبري (2) " سأله الرجل يدفن ابنه؟ فقال: لا يدفن في التراب،
قال: فالابن يدفن أباه قال: نعم لا بأس " ولذا استثنى ابن سعيد الولد، ويظهر
من المنتهى الميل إليه. لكن حمله غير واحد من الأصحاب على خفة الكراهة بالنسبة إليه،
وهو حسن لو وجد المعارض، ولم نقف عليه فيما وصل إلينا من الأخبار، نعم روى
في الذكرى خبر عبد الله بن محمد بن خالد عن الصادق (عليه السلام) (3) " الوالد لا ينزل
في قبر ولده، والولد لا ينزل في قبر والده " ولم نقف على لفظ " لا " في الأخير في كتب
الأخبار، فيكون حينئذ نصا في الفرق، ومؤبدا للخبر السالف كخبر عبد الله بن راشد
عن الصادق (عليه السلام) (4) لما مات إسماعيل، إلى أن قال: " أن الرجل ينزل
في قبر والده ولا ينزل في قبر ولده ".
وربما يؤيد أيضا بالنسبة إلى دخول بعض الأرحام بما هو المشهور من دفن
أمير المؤمنين (عليه السلام) والعباس النبي (صلى الله عليه وآله)، وفي رواية أخرى (5)
أنه أدخل معه الفضل بن العباس، وبخبر علي بن عبد الله (6) قال: " سمعت أبا الحسن
موسى (عليه السلام) قال - في حديث -: لما قبض إبراهيم بن رسول الله (صلى الله

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدفن
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدفن - حديث 6 - 5 - 7
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدفن - حديث 6 - 5 - 7
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدفن - حديث 6 - 5 - 7
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الدفن - حديث 2
(6) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدفن - حديث 4
286

عليه وآله) قال: يا علي (عليه السلام) انزل فالحد إبراهيم في لحده " الحديث. اللهم
إلا أن يقال: أنه (عليه السلام) مأمون من الجزع، هذا. مع اطلاق بعضهم كالمبسوط
والمنتهى وغيرهما استحباب نزول الولي القبر أو من يأمره، بل نص بعضهم في خصوص
ذلك على الرجل، بل قد يظهر من المنتهى دعوى الاجماع عليه، قال فيه: " ويستحب
أن ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره الولي أن كان رجلا، وإن كان امرأة لا ينزل
إلى قبرها إلا زوجها أو ذو رحم لها، وهو وفاق العلماء " انتهى، هذا. مع نصهم
هنا على الكراهة، وهو كالمتدافع، ونحوه عن التذكرة وفي خبر محمد بن عجلان (1)
" فإذا وضعته في لحده فليكن أولى الناس به مما يلي رأسه " الخبر. ونحو خبر محمد
ابن عطية (2) وفي خبر ابن عجلان الآخر عن الصادق (عليه السلام) (3) أيضا " فإذا
أدخلته إلى قبره فليكن أولى الناس به عند رأسه، وليحسر عن خده وليلصق خده
بالأرض، وليذكر اسم الله " إلى آخره، إلى غير ذلك مما يدل على دخول الأرحام
قبور أرحامهم، ولعله لذا مال إلى القول بعدم الكراهة في البحار، لكن قد يقال:
إن ذلك كله إنما يدل على نزول القبر ودخوله لا إنزال الميت، والكلام فيه، ومن
ثم كان الوقوف مع الأصحاب لعله الأقرب إلى الصواب.
وربما يستأنس له بعد ظهور اتفاقهم عليه هنا كما تظهر دعواه من بعضهم، وبعد
ما سمعته من أخبار الولد مع التعليل في بعضها بما قد يدعى جريانه في غيره بفحوى ما ورد
من النهي (4) عن إهالة التراب على الولد وذي الرحم معللا بأن ذلك يورث القسوة في
القلب، قال فيه: " ومن قسى قلبه بعد عن الله تعالى " ولعله لذا علل الكراهة بذلك
في المبسوط والمعتبر والمنتهى والتذكرة وعن النهايتين.
وكيف كان فلا ريب أنه ينبغي استثناء المرأة من هذا الحكم، ولذا قال المصنف:

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 7 - 8
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 7 - 8
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الدفن - حديث 1
287

(إلا في المرأة) فيتولى ذلك فيها الزوج أو الأرحام، بل فيما سمعته من المنتهى الاجماع
عليه، كالتذكرة على أولوية الأرحام، ويؤيده مع أنها عورة قول علي (عليه السلام)
في خبر السكوني (1): " مضت السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن المرأة لا يدخل
قبرها إلا من كان يراها في حال حياتها " وقول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق
ابن عمار (2): " الزوج أحق بامرأته حتى يضعها في قبرها " وفي خبر زيد بن علي (3)
عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام): " يكون أولى الناس بالمرأة في مؤخرها "
وقد يشعر اختصاص ذلك في خصوص المؤخر كعبارة المفيد المحكية عنه " وينزلها القبر
اثنان يجعل أحدهما يديه تحت كتفيها، والآخر يديه تحت حقويها، وينبغي أن يكون
الذي يتناولها من قبل وركيها زوجها أو بعض ذوي أرحامها كابنها أو أخيها أو أبيها
إن لم يكن لها زوج " انتهى. وربما يحمل الخبر على فرض عدم تعدد الرحم، وعبارة
المفيد على ما يقرب من ذلك أو على إرادة بيان أهمية ذلك، أو تفاوت الأرحام
بالنسبة إليه، فتأمل.
ثم إن الظاهر ترتب الأولياء هنا الأقرب فالأقرب، لأنها ولاية، كما أن
الظاهر تقديم الزوج عليهم، للخبر المتقدم، نعم الجميع أولى من النساء هنا وإن كن
أرحاما، خلافا لأحمد فجعل النساء أولى، وهو ضعيف لاحتياج الدفن إلى مباشرة
ما تضعف النساء عنه غالبا، وإلى ما يمنعن منه من جهة حضور الرجال غالبا ككشف الوجه
والساعد، نعم إن لم يكن زوج ولا رحم من الرجال فالنساء، فإن تعذرن فالأجانب
الصلحاء، وإن كانوا شيوخا فهم أولى، قاله الفاضل في التذكرة وتبعه عليه غيره.
بقي شئ وهو أنه قال في كشف اللثام بعد تمام الكلام: " ثم إنه هل يتعين

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
288

الزوج أو الرحم؟ ظاهر العبارة والتذكرة والنهاية وصريح المعتبر والذكرى الاستحباب،
للأصل وضعف الخبر، وظاهر جمل العلم والعمل والنهاية والمبسوط والمنتهى الوجوب "
انتهى. قلت: لا ينبغي الاشكال في جواز تولي النساء لذلك، ولا ينافيه الخبر،
نعم قد يشكل الحال بالنسبة للأجانب، ولا ريب أن الأحوط تركه وإن كان في
تحريمه نظر وتأمل بل منع، فتأمل جيدا.
(و) (منها) أنه (يستحب أن يدعو) بالمأثور (عند إنزاله القبر) باتفاق العلماء
كما في المعتبر، قال الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (1): " إذا وضعت الميت
على القبر قل اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به، فإن
سللته من قبل الرجلين ودليته قل بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
اللهم إلى رحمتك لا إلى عذابك، اللهم افسح له في قبره، ولقنه في حجته، وثبته بالقول
الثابت، وقنا وإياه عذاب القبر " الخبر وعن النهاية والمقنعة والمبسوط والمصباح ومختصره
والتذكرة والمنتهى ونهاية الإحكام أنه " يقول إذا تناوله: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله
(صلى الله عليه وآله)، اللهم ايمانا بك وتصديقا بكتابك، هذا ما وعدنا الله ورسوله
وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما " وفي حسن الحلبي (2) عن الصادق
(عليه السلام) " كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا أدخل الميت القبر قال: اللهم
جاف الأرض عن جنبيه، وصاعد عمله، ولقه منك رضوانا " والظاهر أنه بناء " أدخل "
للمجهول، ويحتمل خروج هذا الخبر عما نحن فيه بناء على كون هذا الدعاء بعد وضعه
لا حين إنزاله، كظاهر كثير من أخبار المقام، للتعليق فيها على الوضع ونحوه فلاحظ
وتأمل حتى لا يشتبه عليك دلالتها على المطلوب (وفي الدفن فروض وسنن، فالفروض)
أولا الدفن إجماعا منا بل من المسلمين إن لم يكن ضروريا كما حكاه جماعة منهم الفاضلان،

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 1
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 1
289

وتأسيا بالنبي وعترته (صلوات الله عليهم) والمسلمين بعده، وسنة (1) بل وكتابا كقوله
تعالى (2): " ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا " على أظهر الوجهين فيها بأن
يكون " أحياء " منصوبا بسابقة، والكفت الضم، وقوله تعالى أيضا (3): " منها خلقناكم وفيها
نعيدكم " إلى غير ذلك، بل هو غني عن الاستدلال، وهو لغة وعرفا وشرعا (مواراته
في الأرض) بأن يحفر له حفيرة فيدفن فيها، لكن نص جماعة على كون الحفيرة تحرسه
من السباع وتكتم رائحته عن الناس، بل في المدارك أنه " قد قطع الأصحاب وغيرهم
بأن الواجب وضعه في حفيرة تستر عن الإنس ريحه وعن السباع بدنه بحيث يعسر نبشها
غالبا " انتهى. قلت ولعله لتوقف فائدة الدفن على ذلك إن لم يدع توقف مسماه كما
أشار إليه الرضا (عليه السلام) على ما عن علل ابن شاذان (4) " أنه يدفن لئلا يظهر
الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغير ريحه، ولا يتأذى به الأحياء وبريحه وبما
يدخل عليه من الآفة والدنس والفساد، وليكون مستورا عن الأولياء والأعداء، فلا
يشمت عدوه ولا يحزن صديقه ".
وكأنه أشار إلى ذلك في الذكرى وتبعه عليه غيره حيث قال: والوصفان في
الغالب متلازمان، ولو قدر وجود أحدهما وجب مراعاة الآخر للاجماع على وجوب
الدفن، ولا يتم فائدته إلا بهما، هذا كله مع إمكان دعوى توقف اليقين بالبراءة من
التكليف بالدفن شرعا أو لغة وعرفا عليه، سيما مع كون المعهود والمتعارف في القبور ذلك،
لكن مع ذا كله فللنظر والتأمل فيه مجال، كالتأمل في دعوى ثبوت الاجماع عليه،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الدفن
(2) سورة المرسلات - الآية - 25
(3) سورة طه - الآية - 57
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الدفن - حديث 1
290

لخلو كثير من كلمات الأصحاب عن التعرض لذلك، ومن هنا لم أعثر على من ادعاه
قبل سيد المدارك، ومن العجيب ما في الرياض حيث حكى معقد إجماعي الفاضلين على
الوصفين المذكورين، وهما ليسا كذلك كما لا يخفى على من لاحظهما، وكذا التأمل في
دعوى توقف مسمى الدفن عليه شرعا، لعدم ثبوت حقيقة شرعية فيه، بل ولا مجاز
شرعي، وأضعف منه دعوى العرفي، ومنه يظهر لك أنه لا وجه للتمسك بتوقف البراءة
اليقينية عليه، فيبقي أصالة البراءة حينئذ سالما عن المعارض.
وأما دعوى توقف مائدة الدفن عليه فمع أنه غير مطرد فيما لو دفن في مكان يؤمن
عليه من السباع وظهور الرائحة لعدم الناس مثلا أو غير ذلك ولا تنحصر فوائده فيهما
لا محصل لها بحيث ترجع إلى أحد الأدلة المعتبرة، فلذا كان الاجتزاء بمسمى الدفن مع
الأمن من ذينك الأمرين من غير الحفيرة لا يخلو من قوة، إلا أن الأحوط الأول.
نعم لا يجتزى بما لا يصدق معه مسمى الدفن وإن حصل الفرضان السابقان، فلا
يجزئ البناء عليه ولا وضعه في تابوت من صخر أو غيره مغطى أو مكشوف ولا غير ذلك،
لكن (مع القدرة) على المواراة في الأرض كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل
في المدارك أن ظاهرهم تعين الحفيرة مشعرا بدعوى الاجماع عليه، وعلله أيضا بأنه مخالف
لما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) من الحفر، ولأنه (صلى الله عليه وآله) دفن ودفن كذلك،
وهو عمل الصحابة والتابعين، أما لو دفن بالتابوت في الأرض جاز لكنه مكروه إجماعا
كما عن الشيخ، نعم لو تعذر الحفر لصلابة الأرض أو كثرة الثلج ونحو ذلك أجزأ،
بل وجب مواراته بنحو ذلك مراعيا للوصفين بحسب الامكان بناء على اعتبارهما، واحتمال
الاشكال في وجوبه بعد فرض عدم صدق مسمى الدفن عليه لعدم الدليل على الانتقال
منه بعد تعذره إليه مدفوع - بعد إمكان دعوى الاجماع عليه - بما يظهر للمتأمل في
الأدلة وفي حكمة الدفن ومراعاة حرمة المؤمن، وفيما ورد (1) من التغسيل والالقاء

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الدفن - حديث 2
291

في البحر، ونحو ذلك مما يشرف الفقيه على القطع بالوجوب، وهل يعتبر الأقرب فالأقرب إلى مسمى الدفن؟ وجهان.
كل ذا إن لم يمكن نقله إلى ما يمكن حفره، أما إذا أمكن وجب للمقدمة، ولذا
قال في الذكرى وتبعه عليه غيره: " إنه لو أمكن نقله إلى أرض يمكن حفرها وجب "
قلت: ونحوه الانتظار به إلى الامكان، إلا أنه لم أقف على نص هنا من أخبار
الباب وكلام الأصحاب على تحديد عدم الامكان، فهل هو مخافة تغيره وظهور رائحته
أو حصول العسر والمشقة ونحوهما بنقله، أو غير ذلك؟ وكذا الكلام بالنسبة إلى
فقد سائر الواجبات من الكافور والغسل والكفن ونحوها، عدا ما في كشف اللثام حيث
قال: " ولو تعذر الحفر وأمكن النقل إلى ما يمكن حفره قبل أن يحدث بالميت شئ وجب "
انتهى. وربما يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب، بل ربما يظهر منها كون ذلك من
المسلمات، أي تقديم الدفن على سائر الواجبات عند خوف الفساد وهتك الحرمة،
وربما يظهر لك قوة فيما يأتي إن شاء الله عند الكلام في نقل الموتى إلى المشاهد
المشرفة، ولكن مع ذلك قد يقال: إن الذي يقتضيه النظر مراعاة هذه التكاليف
وعدم سقوطها إلا بما يسقط غيرها من الضرر والعسر والحرج ونحوها، فتأمل جيدا،
والظاهر تقديم البناء والتابوت ونحوهما على التثقيل والالقاء في البحر مع إمكانه، ويحتمل
عدمه لما ستعرفه، فتأمل.
(وراكب) سفن (البحر) أو الأنهار العظيمة ونحوها إذا مات يفعل به ما يفعل
بغيره من التغسيل والتكفين والتحنيط والصلاة عليه ونحو ذلك و (يلقي فيه) إجماعا محصلا
ومنقولا وسنة مستفيضة (1) وفيها الصحيح وغيره، لكن يخير بين إلقائه (إما مثقلا)
بحجر أو حديد ونحوهما مما يمنع ظهوره على وجه الماء (أو مستورا في وعاء) ثقيل يرسب

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الدفن
292

في الماء (كالخابية ونحوها) لا صندوقا وشبهه مما يظهر على وجه الماء على المشهور بين
الأصحاب على ما حكاه بعض، بل نسبه آخر إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع
عليه، ولعله كذلك، وإن اقتصر في المقنعة والمبسوط والوسيلة والسرائر كما عن
الفقيه والنهاية على الأول، وفي الخلاف ومال إليه في المدارك وكذا كشف اللثام
والرياض على الثاني، لكن يبعد من الأولين إرادة التخصيص بذلك، مع ما في الثاني
من الرواية الصحيحة (1) بل لا صحيح في المقام سواها، قال: " سئل أبو عبد الله
(عليه السلام) عن رجل مات وهو في السفينة في البحر كيف يصنع به؟ قال: يوضع
في خابية ويوكى رأسها وتطرح في الماء " سيما بعد اعتضادها بما في الخلاف من نسبة ذلك
إلى إجماع الفرقة وأخبارهم، وباحتمال أولويتها من التثقيل، لما فيها من صيانة الميت
عن الحيوانات وهتك حرمته وغير ذلك وبما عرفته من المشهور من جعلها أحد فردي
المخير فيه، كما أنه يبعد على مثل الشيخ في الخلاف عدم الاكتفاء بالتثقيل، مع فتواه
به مقتصرا عليه في غيره كغيره ممن عرفت من الأصحاب منضمين إلى غيرهم أيضا ممن
جعله أحد فردي المخير، بل لا أعرف أحدا ممن تقدمه اقتصر عليه، ولا هو في غير
هذا الكتاب، فلعل نقله الاجماع أقوى إمارة على إرادة أحد الفردين، وكذا نسبته
إلى الأخبار، إذ لم نعثر على غير تلك الرواية مشتملا على الخابية، بل الموجود
فيها التثقيل، كخبر وهب بن وهب عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " قال
أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا مات الميت في البحر غسل وكفن وحنط، ثم يصلى
عليه، ثم يوثق في رجله حجر ويرمى به في الماء "
ويقرب منه مرسل أبان عن الصادق (عليه السلام) (3) إلى أن قال: " ويثقل

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الدفن - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 3
293

ويرمى به في البحر " ونحوهما الرضوي (1) ولا يقدح ما في سندهما بعد الانجبار بما عرفت،
مع إمكان تأييده أيضا بخبر سليمان بن خالد عن الصادق (عليه السلام) (2) قال " ما دعاكم
إلى الموضع الذي وضعتم زيد - إلى أن قال -: كم إلى الفرات من الموضع الذي
وضعتموه فيه، فقلت: قذفة حجر، فقال: سبحان الله أفلا كنتم أوقرتموه حديدا
وقذفتموه في الفرات؟ وكان أفضل " ونحوه خبره الآخر (3) وهما وإن كانا ليسا مما
نحن فيه من الموت في السفينة ونحوها، وإنما هو عند الخوف عليه من النبش لو دفن في
الأرض، لكن لا مدخلية لذلك في نفس كيفية الدفن في البحر، فلا بأس في الاستدلال
بهما على ذلك، كما لا بأس في العمل بمضمونهما كما نص عليه في كشف اللثام حاكيا له
عن المنتهى، لكن ظاهرهما الوجوب كما يقتضيه اللوم في الخبرين وغيره، إلا أن
قوله (عليه السلام) في أولهما: " وكان أفضل " كالصريح في عدمه، والأول أحوط.
وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أن القول بالتخيير بين الأمرين هو
الأقوى إن لم يكن مجمعا عليه جمعا بين الأدلة، واحتمال حمل أخبار التثقيل على صورة
تعذر الخابية أو تعسرها كما هو الأغلب وإن كان لا يخلو من وجه، لكن لا التفات
إليه بعد ما عرفت، كاحتمال حملها على التثقيل بالخابية بدعوى الاطلاق والتقييد لما فيها
من صريح المنافاة لذلك، مضافا إلى ما فيه من الحمل على الأفراد النادرة، إذ قل ما
توجد خابية في السفينة غير مضطر إلى بقائها بحيث تضم بدن الميت من غير هتك لحرمته
بقطع أو كسر بعض أعضائه، فلا ريب حينئذ بما ذكرنا من التخيير، بل قد يقوى
في النظر عدم الانحصار بهما، فيجتزى بكل ما يفيد الميت رسوبا في الماء، حتى لو
فرض عدم احتياجه إلى ذلك لم يجب، نعم ينبغي أن يراعى ما لا هتك فيه لحرمته.

(1) المستدرك - الباب - 37 - من أبواب الدفن - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
294

وهل يجب الاستقبال به حال الرمي لأنه دفن أو كالدفن كما عن ابن الجنيد
واختاره جماعة، أو لا يجب للأصل مع خلو أدلة المقام بل إطلاقها، وعدم تناول
ما دل على وجوبه لمثله، واختاره في الحدائق وغيرها، ولعله الأقوى وإن كان
الأحوط الأول، ولا يخفى أن الكلام في الوعاء وآلة التثقيل بالنسبة إلى خروجهما
من أصل التركة أو الثلث كالكلام في غيرهما من مؤن التجهيز، لظهور كونهما منه.
ثم من المعلوم أن ذلك كله إنما هو (مع تعذر الوصول إلى البر) أو تعسره
بلا خلاف أجده، ولا حكاه أحد عن أحد سوى المدارك من أن ظاهر المفيد
في المقنعة والمصنف في المعتبر جواز ذلك ابتداء وإن لم يتعذر البر، وفيه أنه لا ظهور
فيهما بذلك سيما الأول، فإنه قيد الحكم المذكور بما إذا لم يوجد أرض يدفن فيها،
وكيف يتوهم منهما ذلك مع أن الدفن كاد يكون من ضروريات ديننا، بل دين اليهود
والنصارى وأكثر الكفار، ولعله لذا ترك التقييد فيه في أكثر الأخبار، فلا وجه
للاشكال فيه من جهة ترك الاستفصال فيها، وذلك لأنه من المعلوم من السائل أن
سؤاله إنما هو لمكان تعذر الأرض عليه، أتراه يسأل عن الميت لو مات في سطح أو
غرفة كيف يصنع به، هذا. مع أن الصادق (عليه السلام) قيده في مرفوع سهل بن
زياد (1) حيث قال: " إذا مات الرجل في السفينة ولم يقدر على الشط قال: يكفن
ويحنط في ثوب ويصلى عليه ويلقي في الماء " وبه مع انجباره بفتوى الأصحاب يقيد غيره
فلا ينبغي الاشكال فيه حينئذ.
نعم قد يشكل الحال بالنسبة إلى وجوب الصبر مع رجاء التمكن من الأرض في زمان
قصير أو قبل فساد الميت، من إطلاق الأدلة، وعدم العلم بتعذر الدفن، ولعله من
هنا تردد فيه في جامع المقاصد، لكن ظاهر الذكرى وغيرها عدم التربص به، ولعل

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الدفن - حديث 4
295

الأقوى الوجوب، أما لو علم بالتمكن وجب قطعا.
(و) من الفرض (أن يضجعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة) كما نص عليه
جماعة من الأصحاب، بل لا أعرف فيه خلافا محققا بين المتقدمين والمتأخرين عدا ابن
حمزة في وسيلته، حيث عده من المستحبات، وإن احتمل ذلك بعض عباراتهم أيضا،
كما أنه لعله الظاهر من حصر الشيخ في جمله الواجب في واحد، وهو دفنه، ومال
إليه بعض متأخري المتأخرين، وربما ظهر من ابن سعيد في الجامع الوفاق في الثاني،
والنزاع في الأول حيث قال: الواجب دفنه مستقبل القبلة، والسنة أن تكون
رجلاه شرقيا ورأسه غربيا على جانبه الأيمن " انتهى
وكيف كان فلا ريب أن الأقوى الأول، للاجماع المحكي في ظاهر الغنية بل
صريحها المعتضد بنفي الخلاف فيه عن شرح الجمل للقاضي، بما في المعتبر والذكرى
وجامع المقاصد وغيرها من أن عليه عمل الصحابة والتابعين كالتذكرة، إلا أنه أبدل الصحابة
بالأصحاب وبالتأسي بالنبي المختار صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار (عليهم السلام)
وبالصحيح (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: " كان البراء بن معرور الأنصاري
بالمدينة وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكة وأنه حضره الموت، وكان رسول الله
(صلى الله عليه وآله) والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس، فأوصى البراء إذا دفن أن
يجعل وجهه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى القبلة، فجرت به السنة " الحديث.
وظاهر السنة فيه الطريقة اللازمة لا الاستحباب، والمروي عن دعائم الاسلام عن علي
(عليه السلام) (2) أنه " شهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) جنازة رجل من بني
عبد المطلب، فلما أنزلوه قبره قال: أضجعوه في لحده على جنبه الأيمن مستقبل القبلة،

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب الدفن - حديث 2
(2) المستدرك - الباب - 51 - من أبواب الدفن - حديث 1
296

ولا تكبوه لوجهه، ولا تلقوه لظهره " وما رواه العلاء بن سيابة (1) في حديث القتيل
الذي أتي برأسه " إذا أنت صرت إلى القبر تناولته مع الجسد، وأدخلته اللحد،
ووجهته للقبلة " وبما أرسله الصدوق في هدايته عن الصادق (عليه السلام) (2) أنه قال:
" إذا وضعت الميت في لحده فضعه على يمينه مستقبل القبلة " إلى آخره. وبفحوى ما تسمعه
في كيفية دفن الذمية الحامل من المسلم، وبالرضوي (3) " ضعه في لحده على يمينه مستقبل
القبلة " وبأنه أولى من حال الاحتضار الذي قد مر وجوبه، وباشتداد حاجته في هذا
الحال إلى كل ما يرجى فيه صلاح ونفع له أشد من غيره من الأحوال.
هذا كله والمسألة بعده لا تخلو من شوب الاشكال، خصوصا بالنسبة إلى وجوب
الحكم الأول، كما أنه يشكل بعد القول بالوجوب تعدية ذلك إلى الأجزاء المفرقة غير
الرأس بحيث يراعى فيها حال الاتصال، وإن كان قد يقال: إنه قضية عدم ترك الميسور
بالمعسور، نعم قد يقوى وجوب الاستقبال بالرأس كما عساه يشعر به خبر ابن سيابة،
وأنه الجزء المهم في الاستقبال، وكذا الجسد المبان منه الرأس، بل لو لم يبق إلا الصدر
فإنه يجب الاستقبال بالجميع، كما هو واضح، وكذا يجب جمع الأجزاء مع التمكن بحيث
يلتئم منه شخص مستقبل به، فتأمل جيدا.
وكيف كان فقد استثنى المصنف من الحكم المذكور - فقال: (إلا أن يكون امرأة
غير مسلمة) ذمية كانت أولا (حاملا من مسلم) ولو بزناء ونحوه، سبق إسلامه على الحمل
أو تأخر، كأن أسلم عليها وهي حامل، (فيستدبر بها القبلة) حينئذ - استثناء انقطاع
لعدم دخول المستثنى منه، إذ لا يجب الاستقبال في حال الدفن لغير أهل
القبلة، نعم لا بأس باستثناء ذلك حقيقة من حرمة دفن غير المسلمين في مقابر المسلمين

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب الدفن - حديث 3
(2) المستدرك - الباب - 19 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 1
(3) المستدرك - الباب - 19 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 1
297

المجمع عليها في التذكرة والذكرى وجامع المقاصد والروض وعن نهاية الإحكام لئلا يتأذى
المسلمون بعذابهم، بل قال الشهيد: إنه لو دفن نبش إن كان في الوقف، ولا يبالي
بالمثلة، فإنه لا حرمة له، ولو كان في غيره أمكن صرفا للأذى عن المسلمين، ولأنه
كالمدفون في الأرض المغصوبة بخلاف الذمية الحامل من مسلم، فإنها تدفن في مقابرهم
احتراما لولدها بلا خلاف أجده، بل عن الخلاف الاجماع، وفي التذكرة قاله علماؤنا.
قلت: وهو الحجة، مضافا إلى الحكم باسلام الولد بمعنى جريان أحكام المسلمين
عليه، فلا يجوز حينئذ دفنه في مقابر الكفار، ولا وجه لشق بطن أمه وإخراجه لما
فيه من هتك حرمة الميت وإن كان ذميا لغرض ضعيف، بل لعله هتك لحرمة والولد،
فلم يبق حينئذ إلا دفنها في مقابر المسلمين، هذا.
وربما استدل عليه أيضا بخبر يونس (1) قال: " سألت الرضا (عليه السلام)
عن الرجل تكون له الجارية اليهودية أو النصرانية، وحملت منه ثم ماتت والولد في بطنها
ومات الولد، أيدفن معها على النصرانية أو يخرج منها ويدفن على فطرة الاسلام؟
فكتب يدفن معها " واعترضه في المعتبر بضعف السند والدلالة، إذ لا إشعار فيها بكون
الدفن في مقبرة المسلمين، وقد يدفع بالانجبار بما عرفت، وبما في جامع المقاصد من أن
الأصل في الدفن الحقيقة شرعا، وفيه أنه لو سلم الحقيقة الشرعية لم يكن للمحل مدخلية
في ذلك وإن قلنا بعدم جواز دفن المسلم في مقابر أهل الذمة.
ثم إن ظاهر المصنف والعلامة كما عن المفيد عدم اعتبار موت الولد بعد ولوج
الروح، خلافا للمحكي عن ظاهر الشيخ وابن إدريس، ولعل الأقوى الأول وإن
كان ربما يظهر من مورد الرواية الثاني، إلا أن الاحترام في كل منهما متحقق كما لو
سقط، نعم قد يظهر من فحوى جملة من عبائر الأصحاب عدم الاكتفاء بمطلق الحمل

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الدفن - حديث 2
298

ولو قبل تماميته، وهو كذلك على الظاهر وإن كان إطلاق العبارة وغيرها يتناوله،
ولعله للاحترام كما في أم الولد مع عدم الاجماع على حرمة الدفن في هذا الحال.
وهل الحمل من زناء المسلم كذلك كما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها، وتغليب
جانب الاسلام للولادة على الفطرة، أولا كما يشعر به دليلهم، إذ لا تبعية في مثله
فلا احترام، واختصاص الخبر بجارية المسلم؟ الأقوى الثاني، بل لعله المتبادر من
إطلاق المصنف والعلامة وغيرهما كمعقد اجماع الخلاف والتذكرة، فلا يتحقق حينئذ خلاف،
نعم الأقوى إلحاق وطئ الشبهة بالحلال، وكذا ظاهر المصنف ومعقد إجماع الخلاف
حيث عبر بالمشتركة عدم الفرق بين الذمية وغيرها، وإن كان مورد الخبر الأولى،
كجملة من عبارات الأصحاب، بل المحكي عن ظاهر الأكثر اقتصارا على المتيقن،
ولعل الأول أقوى تمسكا بعموم العلة المومى إليها، وبمعقد إجماع الخلاف، واحتمال
الفرق بين الكتابية وغيرها فيشق بطن الثانية دون الأولى ضعيف جدا.
هذا كله بالنسبة إلى أصل دفنها في مقابر المسلمين، وأما كيفيته فقد ذكر المصنف
وغيره أنه يستدبر بها القبلة ليكون الجنين وجهه إليها بلا خلاف نعرفه فيه، بل هو
بعض معقد إجماع الخلاف، وفي المنتهى قاله علماؤنا، وفي التذكرة " يستدبرها القبلة
على جانبها الأيسر ليكون وجه الجنين إلى القبلة على جانبه الأيمن، وهو وفاق " انتهى.
وظاهرهم الوجوب إلا أنه أطلق كثير منهم الاستدبار من غير تقييد بكونه على الجانب
الأيسر، ولعل التقييد به أولى مراعاة للكيفية السابقة التي مر الاستدلال على وجوبها،
واحتمال سقوطها في خصوص المقام للأصل مع عدم ظهور تناول الأدلة ضعيف، إذ
الأم في الحقيقة كالغلاف والتابوت، بل لولا احترامها به لشققنا بطنها ونزعناه
منها لتغسيله ونحوه فيقتصر حينئذ على سقوط ما ينافي الاحترام دون غيره، فتأمل.
(و) أما (السنن) فمنها (أن يحفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة) عند علمائنا أجمع
299

كما في التذكرة وجامع المقاصد، وقطع به الأصحاب في كشف اللثام، ومذهبهم في
المدارك، ولعله يرجع إليه ما في الخلاف أيضا من الاجماع من الفرقة والعمل منهم على
استحباب حفر القبر قدر قامة، وأقله إلى الترقوة، قلت: ويؤيد دعوى الاجماع
في المقام هو أنا لم نعثر على مخالف محقق من الأعلام، وما في الغنية من الاقتصار على
ذكر استحباب أن يكون عمق القبر قدر قامة إلى أن ادعى الاجماع من دون ذكر للفرد
الآخر ليس خلافا عند التأمل، كما أن الاقتصار فيما ورد (1) من الأخبار على الترقوة
لا ينافي ما سمعت من معاقد الاجماعات على التخيير كخبر ابن أبي عمير (2) عن بعض
أصحابه عن الصادق (عليه السلام قال): " حد القبر إلى الترقوة، وقال بعضهم:
إلى الثدي، وقال بعضهم: قامة الرجل حتى يمد الثوب على رأس من في القبر،
وأما اللحد فبقدر ما يمكن فيه الجلوس، قال: ولما حضر علي بن الحسين (عليهم السلام)
الوفاة قال: احفروا لي حتى تبلغوا الرشيح " قيل والظاهر أن ذلك من محكي ابن أبي عمير
لأن الإمام (عليه السلام) لا يحكي قول أحد، قلت: فيحتمل حينئذ إرادته بالبعض
أحد الأئمة (عليهم السلام) أو بعض أصحابه عنهم (عليهم السلام)، بل لعله الظاهر إذ
احتمال إرادته بعض العامة ضعيف، مع أنه قد يشهد له أيضا ما رواه الكليني عن سهل
ابن زياد (3) قال: " روى أصحابنا أن حد القبر " وذكر نحوه، وهو كالصريح
فيما قلناه، ويحتمل أن يكون ذلك من محكي الصادق (عليه السلام) كما عساه يؤيده
ما عن الصدوق أنه رواه عن الصادق (عليه السلام) مرسلا إلى قوله فيه الجلوس، ولا ضير
في حكاية الإمام (عليه السلام) أقوال بعض العامة. وكيف كان فالعمدة في الاستدلال ما عرفته من الاجماعات السابقة، ولا ينافيها

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الدفن - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الدفن - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الدفن - حديث 2
300

ما سمعت من أمر علي بن الحسين (عليهما السلام) بالحفر إلى الرشيح، إذ لعل بلوغه ذلك
يحصل بالمقدار المزبور، ويؤيده ما قيل إن أرض البقيع كذلك، كما أنه لا ينافيه أيضا
ما في خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) (1) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى
أن يعمق القبر فوق ثلاث أذرع " بل لعله يؤيده لظهور تقارب الثلاث للمقدر المتقدم،
فيستفاد منه حينئذ كراهة التعميق زائدا على ذلك لحمل النهي عليه قطعا، أو يقال
باختصاص ذلك في أرض المدينة لبلوغ الرشيح فيها، أو غير ذلك.
نعم قد ينافيه ما في خبر أبي الصلت عن الرضا (عليه السلام) (2) في حديث أنه
قال: " سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل، وأن
يشق لي ضريحة، فإن أبوا إلا أن يلحدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين وشبرا،
فإن الله ليوسعه إلى ما يشاء " من حيث ظهور زيادة ذلك على القامة، اللهم إلا أن
يحمل على ذلك بتقارب المراقي بعضها من بعض، أو على وجه آخر، فتأمل.
ثم الظاهر أنه لا فرق في ما ذكرنا بين الرجل والمرأة، وفي المنتهى نفي الخلاف
عنه، كما أن الظاهر إرادة مستوى الخلقة من القامة والترقوة، واحتمال الاجتزاء بأقل
ما يصدق عليه أحدهما ضعيف.
(و) منها أن (يجعل له لحد) فإنه أفضل من من الشق مع صلابة الأرض بلا خلاف
معتبر أجده، بل في الخلاف والغنية الاجماع مع زيادة عمل الفرقة عليه في الأول،
وفي التذكرة والمنتهى ذهب إليه علماؤنا، وفي الذكرى وجامع المقاصد والروض عندنا
وفي الحدائق أن عليه اتفاق ظاهر كلام الأصحاب، ويدل عليه مضافا إلى ذلك الصحيح
عن الصادق (عليه السلام) (3) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحد له أبو طلحة

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الدفن - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 1
301

الأنصاري " والمناقشة فيه - بأنه لا يدل على أمره به، فلعل فعله إنما هو لكونه أحد
الفردين - مدفوعة بظهور كونه بإذن أمير المؤمنين عليه السلام، لأنه المتولي، كظهور
العدول عن الشق إليه مع ما فيه من زيادة الكلفة في أفضليته عليه، وخبر علي بن عبد الله عن
أبي الحسن موسى (عليه السلام) (1) قال في حديث: " لما قبض إبراهيم بن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي (عليه السلام) انزل
فالحد إبراهيم في لحده " وفيه إشعار بمعروفيته في ذلك الوقت، كصحيح أبي بصير (2)
" فإذا وضعته في اللحد فضع فمك على أذنه " الخبر. واحتج عليه بعضهم بالنبوي (3)
" اللحد لنا والشق لغيرنا " لكن لم نعثر عليه من طرقنا، بل ظاهر المعتبر وغيره أنه
من طرق العامة، إلا أنه لا بأس بذكره مؤيدا بعد التثبت فيه بموافقة مضمونه لما تقدم
من الاجماعات وغيرها المعتضدة بعدم ظهور خلاف من أحد فيه، ومن هنا وجب
صرف ما عساه يظهر منه أفضلية الشق، كخبر إسماعيل بن همام (4) عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام) حين أحضر: إذا أنا مت
فاحفروا لي وشقوا لي شقا، فإن قيل لكم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحد له
فقد صدقوا " والحلبي (5) في حديث عن الصادق (عليه السلام) " إن أبي كتب في
وصية - إلى أن قال -: وشققنا له الأرض شقا من أجل أنه كان بادنا " وأبي الصلت
المروي عن العلل والأمالي الذي سمعته آنفا إلى غيره، بل لعل ظاهر الخبرين الأولين
بل صريح الثاني أنه إنما لم يلحد للباقر (عليه السلام) لكونه بدينا، وكأنه لعدم إمكان

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الدفن - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن - حديث 3
(3) كنز العمال ج - 8 - ص 88 الرقم - 1681
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 3
302

توسيع اللحد بحيث يسعه لرخاوة أرض المدينة كما قيل، بل هما عند التأمل دالان
على المطلوب.
ومن هنا قيد في معقد إجماع الخلاف استحباب اللحد بالصلبة بل نص جماعة منهم
الفاضل والشهيد على استحباب الشق في الرخوة، ويشهد له حينئذ الخبران بناء على
ما ذكرنا كالاعتبار فإنه يخشى عليه حينئذ من الانهدام، لكن قال المصنف في المعتبر:
" إنه يعمل له في الأرض الرخوة شبه اللحد من بناء تحصيلا للفضيلة " وهو لا يخلو من
تأمل، لعدم صدق اللحد عليه، المراد باللحد أنه إذا انتهى إلى أرض القبر حفر
في جانبه مكانا يوضع فيه الميت، والشق أن يحفر في قعره شبه النهر يوضع فيه الميت
ثم يسقف عليه،
وليكن اللحد (مما يلي القبلة) كما نص عليه جماعة، بل ربما يظهر من بعضهم
خصوصا الفاضل في التذكرة دخوله في مسمى اللحد، كما أنه يظهر منه دخوله في معقد
إجماعه، وفي جامع المقاصد وعن الروض أنه قاله الأصحاب، وكفى بذلك حجة
لمثله، مع إمكان الاستئناس له بغيره أيضا، فتأمل.
وكذا ينبغي أن يكون اللحد واسعا بقدر ما يمكن فيه الجلوس للرجل، لمرسل ابن
أبي عمير المتقدم (1) ومعقد الخلاف، وليسهل عليه الجلوس لمنكر ونكير،
كاستحباب أن يكون ذراعين وشبرا لخبر أبي الصلت.
(و) منها أن (تحل عقد الأكفان) إذا وضع في القبر (من قبل رأسه ورجليه)
وغيرهما إن كانت للأخبار (2) وإجماعي الغنية والمعتبر، وليسهل عليه الجلوس للمسائلة
ولأن شدها كان لخوف الانتشار، وفي خبر حفص (3) ومرسل ابن أبي عمير عن

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الدفن - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الدفن - حديث. - 2
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الدفن - حديث. - 2
303

الصادق (عليه السلام) (1) " يشق الكفن من قبل رأسه " قال في المعتبر: " هذا مخالف
لما عليه الأصحاب، وإفساد للمال على وجه غير مشروع، والصواب الاقتصار على
الحل " قلت: يمكن أن يراد بالشق الفتح ليبدو وجهه.
(
و) منها أن (يجعل معه شئ من تربة الحسين (عليه السلام)) على ما ذكره
الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه، فلعل شهرته بينهم والتبرك بها وكونها أمانا من
كل خوف، وما في الفقه الرضوي (2) " ويجعل في أكفانه شئ من طين القبر وتربة
الحسين (عليه السلام) " كاف في ثبوته، مضافا إلى الصحيح المروي عن محمد بن
عبد الله بن جعفر الحميري (3) قال: " كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع
الميت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) وقرأت التوقيع ومنه نسخت
يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إن شاء الله " وعن الاحتجاج روايته عن محمد
ابن عبد الله عن أبيه عن صاحب الزمان (عليه السلام)، وخبر جعفر بن عيسى (4)
المروي عن مصباح الشيخ أنه سمع أبا الحسن (عليه السلام)، يقول: " ما على أحدكم إذا
دفن الميت ووسده التراب أن يضع مقابل وجهه لبنة من الطين، ولا يضعها تحت خده
ورأسه " بناء على أن المراد بالطين فيه طين قبر الحسين (عليه السلام)، ولذلك لم
يذكر أحد استحباب ذلك بدونه، ولعل إجمال العبارة للتقية أو شيوع هذا الاطلاق
يومئذ فيه.
وربما يستأنس له زيادة على ذلك بما رواه في المنتهى (5) وغيره " أن امرأة

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الدفن - حديث 6
(2) المستدرك - الباب - 10 - من أبواب الكفن - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3 - 2
(5) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التكفين - حديث 1 - 3 - 2
304

كانت تزني فتضع أولادها فتحرقهم بالنار خوفا من أهلها، ولم يعلم بها غير أمها، فلما
ماتت دفنت وانكشفت التراب عنها ولم تقبلها الأرض، فنقلت عن ذلك الموضع إلى
غيره فجرى لها ذلك. فجاء أهلها إلى الصادق (عليه السلام) وحكوا له القصة، فقال
لأمها فما كانت تضع هذه في حياتها من المعاصي؟ فأخبرته بباطن أمرها. فقال الصادق
(عليه السلام): إن الأرض لا تقبل هذه، لأنها كانت تعذب خلق الله بعذاب الله،
اجعلوا في قبرها شيئا من تربة الحسين (عليه السلام) ففعل ذلك. فسترها الله تعالى "
ثم إن ظاهر العبارة كالمبسوط والقواعد والمنتهى بل عن أكثر العبارات كالصحيح
المتقدم والقصة الأخيرة الاكتفاء بمطلق استصحابها، سواء كانت تحت خده أو تلقاء
وجهه في اللحد أو غير ذلك كما عن المختلف التصريح به، وتبعه عليه غيره. وعن
المفيد واختاره جماعة جعلها تحت خده، ولم نقف له على مأخذ كالمحكي في المعتبر من
الوضع في الأكفان، بل في الخبر الثاني النهي عن الوضع تحت الخد على ما عن بعض
النسخ، نعم هو دال على الوضع مقابل الوجه كما عن الشيخ، ولعله يرجع إليه ما عن
الاقتصاد تجعل في وجهه، لكن ظاهر السرائر مغايرته للأول وربما يؤيده الاحتياط
عن وصول النجاسة إليها، ولعله أولى وإن كان الاكتفاء بالجميع لا يخلو من قوة.
(و) منها أن (يلقنه) بعد وضعه في لحده قبل تشريح اللبن بلا خلاف أعرفه فيه،
بل في الغنية الاجماع عليه، والأخبار به كادت تكون متواترة كما في الذكرى، وهو
كذلك، ففي صحيح زرارة عن الباقر (عليه السلام) (1) " إذا وضعت الميت في القبر
فقل بسم الله - إلى أن قال -: واضرب بيدك على منكبه الأيمن، ثم قل يا فلان قل
قد رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله عليه وآله) رسولا، وبعلي
(عليه السلام) إماما، وتسمي إمام زمانه " الحديث. وفي حسنة (2) " وسم حتى

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن - حديث 6 - 2
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن - حديث 6 - 2
305

إمام زمانه " وفي خبر محفوظ الإسكاف عن الصادق (عليه السلام) (1) " ويدني فمه إلى
سمعه ويقول: اسمع افهم ثلاث مرات، الله ربك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) نبيك.
والإسلام دينك، وفلان إمامك، اسمع وافهم، وأعدها عليه ثلاث مرات هذا
التلقين " وفي خبر أبي بصير عنه (عليه السلام) (2) أيضا " فإذا وضعته في اللحد فضع
فمك على أذنه وقل الله ربك، والإسلام دينك، ومحمد (صلى الله عليه وآله) نبيك،
والقرآن كتابك، وعلي (عليه السلام) إمامك " وعن خبر آخر له (3) " فضع يدك
على أذنه وقل الله ربك " إلى آخر ما مر.
وفي خبر إسحاق بن عمار (4) " ثم تضع يدك اليسرى على عضده الأيسر، وتحركه
تحريكا شديدا، ثم تقول يا فلان بن فلان إذا سئلت فقل الله ربي، محمد (صلى الله
عليه وآله) نبيي، والإسلام ديني، والقرآن كتابي، وعلي (عليه السلام) إمامي، حتى
تسوق الأئمة (عليهم السلام) ثم تعيد عليه القول، ثم تقول فهمت يا فلان، وقال
(عليه السلام) فإنه يجيب ويقول: نعم ثم تقول: ثبتك الله بالقول الثابت، هداك
الله إلى صراط مستقيم، عرف الله بينك وبين أوليائك في مستقر من رحمته، ثم تقول
اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وأصعد روحه إليك ولقنه منك برهانا، اللهم عفوك
عفوك، ثم تضع الطين واللبن، فما دمت تضع الطين واللبن تقول: اللهم صل وحدته، وآنس
وحشته، وآمن روعته، وأسكنه من رحمتك رحمة تغنيه بها عن رحمة من سواك،
فإنما رحمتك للظالمين، ثم تخرج من القبر وتقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم
ارفع درجته في أعلى عليين، واخلف على عقبه في الغابرين، وعندك نحتسبه يا رب

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 3
(3) الكافي - باب سل الميت وما يقال عند دخول القبر - حديث 2 من كتاب الجنائز
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 6
306

العالمين " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المشتملة على كثير من استحباب التي لم يذكرها
المصنف كقراءة آية الكرسي والفاتحة والمعوذتين وقل هو الله أحد والتعوذ من الشيطان
وغير ذلك فلاحظ.
وهذه الأخبار وإن اختلفت في الجملة بالنسبة إلى كيفية التلقين، لكن
لا بأس في العمل بالجميع، لظهورها في كون المراد تذكير الميت وتفهيمه في هذه الحال ذلك،
ومنه ما ذكره الشيخان والعلامة في المنتهى " يا فلان بن فلان أذكر العهد الذي خرجت
عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا (ص) عبده ورسوله، وأن عليا
أمير المؤمنين، والحسن والحسين (عليهم السلام) ويذكر الأئمة إلى آخرهم
أئمتك أئمة هدى أبرار " كذا في المقنعة بالتنكير، وغيره ذكر أئمة الهدى بالتعريف،
قال المفيد: فإنه إذا لقنه ذلك كفى المسألة بعد الدفن إن شاء الله، فتأمل.
ثم إن هذا التلقين هو التلقين الثاني، وعن بعضهم جعله ثالثا بدعوى استحباب
التلقين عند التكفين، ولم نقف له على مستند.
(و) مما سمعته من خبر إسحاق بن عمار يستفاد استحباب أن (يدعو له) بعد
التلقين بما عرفت، وفي خبر سماعة (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
ماذا أقول إذا أدخلت الميت منا قبره؟ قال: قل: اللهم هذا عبدك " إلى آخره.
وفي خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) " إذا وضع الميت في لحده فقل:
بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة ورسول الله (صلى الله عليه وآله)، اللهم عبدك وابن عبدك
نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم افسح له في قبره، وألحقه بنبيه، اللهم إنا
لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا " الخبر. إلى غير ذلك من الأخبار التي يشبه
بعضها بعضا، وقد تقدم استحباب الدعاء له عند نزوله، كما أنه في خبر آخر لسماعة

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 2
307

عن الصادق (عليه السلام) (1) " فإذا سويت عليه التراب قل اللهم جاف الأرض عن
جنبيه، وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين، وألحقه بالصالحين ".
وكما أنه يستحب أيضا الدعاء له عند معاينة القبر بقوله: " اللهم اجعله روضة من
رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار " والغرض أنه يستفاد من ملاحظة الأخبار
استحباب الدعاء للميت في أكثر أحواله كانزاله ووضعه في لحده وتشريحه اللبن والخروج
منه وتسوية التراب عليه ونحو ذلك.
(ثم يشرج اللبن) عليه أي ينضد به لحده لئلا يصل إليه التراب، ولا نعلم في
استحبابه خلافا كما اعترف به في المنتهى، وفي الغنية والمدارك والمفاتيح الاجماع عليه،
وفي المعتبر مذهب فقهائنا، وهو الحجة، مضافا إلى إشعار المعتبرة (2) بالمداومة
عليه في الأزمنة السابقة، كالحسن (3) " إذا وضعت عليه اللبن تقول " إلى آخره.
ونحوه غيره (4) وإلى الصحيح (5) قال: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
جعل علي (عليه السلام) على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبنا، فقلت: أرأيت
إن جعل الرجل عليه آجرا هل يضر الميت؟ فقال: لا " وإلى خبر إسحاق بن
عمار (6) المتقدم.
ومنه يستفاد استحباب الترتيب الذي في العبارة وكذا تسويته بالطين ليكون
أبلغ في منع التراب، كخبر عبد الله بن سنان المروي (7) عن العلل عن الصادق

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 2 - 6
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 2 و 6 والباب 28 منها
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الدفن - حديث 1
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 6
(7) المجالس الصدوق - المجلس الحادي والستون - الحديث 2
308

(عليه السلام) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يأخذ يمنة سرير سعد بن معاذ مرة
ويسرته مرة حتى انتهى به إلى القبر، فنزل حتى لحده وسوى عليه اللبن، وجعل
يقول ناولني حجرا ناولني ترابا رطبا نسد به ما بين اللبن، فلما أن فرغ وحثى التراب
عليه وسوى قبره قال النبي (صلى الله عليه وآله): إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلى
ولكن الله عز وجل يحب عبدا إذا عمل عملا أحكمه " إلى غير ذلك من الأخبار الدالة
على استحباب اللحد ومعروفيته في ذلك الزمان، وفي المنتهى وعن غيره " أنه يقوم
مقام اللبن مساوية في المنع من تعدي التراب كالحجر والقصب والخشب " انتهى.
ولا بأس به، بل قد يشعر به الخبر المتقدم، اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالحجر
فيه اللبن، كما أنه لا بأس فيما ذكره فيه أن اللبن أولى من غيره، لأنه المنقول عن
السلف المعروف في الاستعمال، وفيما حكي عن الراوندي عمل العارفين من الطائفة على
ابتداء التشريح من الرأس، ولعله لأنه الأهم من غيره.
(و) منها أن (يخرج من قبل رجل القبر) لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في مرسل الكليني (2) وخبر جبير بن نفير الحضرمي (1) والصادق (عليه السلام) في
موثق عمار (3) مع تفاوت يسير: " لكل بيت باب، وباب القبر من قبل الرجلين "
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (4): " من دخل القبر فلا يخرج منه إلا
من قبل الرجلين " وهو دال على كراهة الخروج من غيره، كمرفوع سهل بن زياد (5)
المضمر " يدخل القبر من حيث يشاء، ولا يخرج إلا من قبل رجليه " وقضية إطلاق
هذه الأخبار كعبارات أكثر الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين الرجل والمرأة كما صرح

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 7 - 6
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 7 - 6
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 7 - 6
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
309

به بعضهم، فما عن ابن الجنيد من الموافقة في الرجل ومن عند الرأس في المرأة ضعيف
جدا، كما أن قضية ما اشتمل منها على أن باب القبر من قبل الرجلين استحباب الدخول
منها أيضا كما عن المنتهى، ورده بعض متأخري المتأخرين لخبر السكوني ومرفوعة
سهل المتقدمين، وفيه - مع أنه لا دلالة في الأول، وإمكان حمل الثانية على إرادة
بيان الجواز - يمكن إرادة الفرق فيها بين الدخول والخروج بالنسبة للكراهة وعدمها
لا الاستحباب وعدمه، فتأمل.
(و) منها أن (يهيل) ويصب (الحاضرون) غير أولى الرحم (التراب بظهور
الأكف) لمرسل محمد بن الأصبغ (1) " رأيت أبا الحسن (عليه السلام) وهو في جنازة
فحثى على القبر بظهر كفيه " وفي المحكي عن الرضا (عليه السلام) (2) " ثم أحث التراب
عليه بظهر كفك ثلاث مرات، وقل اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك هذا ما وعدنا
الله ورسوله وصدق الله ورسوله، فإنه من فعل ذلك وقال هذه الكلمات كتب الله له بكل ذرة حسنة " وبعينه عبر عنه في الهداية، وربما احتملت عبارتها دخول ذلك كله
تحت ما نسبه إلى الصادق (عليه السلام) فيها قبل ذلك كما ستسمعها، وكذا في الفقيه،
فلاحظ وتأمل، هذا مع ما في المعتبر من نسبة المذكور مقيدا بما يأتي من الاسترجاع إلى
الشيخين وابن بابويه، وأن عليه فتوى الأصحاب، فهو مشعر بالاجماع كالمدارك
أيضا، فلعل ذلك كاف في استحبابه، كاستحباب كونهم (قائلين: إنا لله وإنا إليه
راجعون) المنسوب في الذكرى إلى الأصحاب أيضا، وإلا فلم نعثر على خبر مشتمل
على تمام هذه الكيفية.

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب الدفن - حديث 5
(2) المستدرك - الباب - 28 - من أبواب الدفن - حديث 3
310

نعم قد سمعت في خبر إسحاق بن عمار (1) " أنه يخرج من القبر ويقول
أنا لله " إلى آخره وفي الهداية (2) قال الصادق (عليه السلام): " إذا خرجت من القبر
فقل وأنت تنفض يدك من التراب: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أحث التراب " إلى
آخر ما سمعته من الرضوي المتقدم، بل ربما كان ظاهر خبر عمر بن أذينة (3) أو
صريحه خلاف الحكم الأول، قال: " رأيت أبا عبد الله عليه السلام يطرح التراب على
الميت، فيمسكه ساعة في يده ثم يطرحه. ولا يزيد على ثلاثة أكف، قال: فسألته
عن ذلك فقال: يا عمر كنت أقول: إيمانا بك وتصديقا ببعثك، هذا ما وعدنا الله
ورسوله وصدق الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) اللهم زدنا إيمانا وتسليما " اللهم إلا أن
يدعى أن هذه كيفية أخرى غير الإهالة، فيمكن حينئذ دعوى التخيير بين الكيفيتين،
فلا منافاة بينه وبين ما تقدم، وكذا ما في خبر داود بن النعمان (4) عن أبي الحسن
(عليه السلام) " فحثى عليه التراب ثلاث مرات بيده) ومحمد بن مسلم (5) عن الباقر
(عليه السلام) " فحثى عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفيه، ثم بسط كفه على القبر وقال:
اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وأصعد إليك روحه، ولقه منك رضوانا، وأسكن
قبره من رحمتك ما تغنيه به عن رحمة من سواك " لما عرفت مع احتمال ظاهر الكف أيضا
والجواز الخالي عن الاستحباب، مع كونهما فعلا على وفق الأفعال المعتادة، فيبعد
دعوى الرجحان فيها، والأمر سهل.
ومما عرفت ظهر لك أنه يستحب أيضا الدعاء زيادة على الاسترجاع بما تقدم،

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 6
(2) المستدرك - الباب - 28 - من أبواب الدفن - حديث 3
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الدفن - حديث 3
311

ولذا لم يقتصر الشيخان والعلامة وعن غيرهما عليه، بل زادوا قول: " هذا ما وعدنا
الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وصدق الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) اللهم زدنا
إيمانا وتسليما " وفي خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) (1) " إذا حثوت التراب
على الميت فقل: إيمانا بك وتصديقا ببعثك، هذا ما وعدنا الله ورسوله (صلى الله
عليه وآله) قال: وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): سمعت رسول الله (صلى الله
عليه وآله) يقول: من حثى على ميت وقال: هذا القول أعطاه الله بكل ذرة حسنة "
وقد سمعت ما في حسنة ابن أذينة وغيرها، وكذا تثليث الحثيات كما عن الهداية والفقيه
والاقتصاد والسرائر والاصباح، ولا بأس به، فتأمل جيدا.
(و) منها أن (يرفع القبر) عن الأرض ليعرف فيزار ويحترم ويترحم على
صاحبه ولا ينبش، ولقول الباقر (عليه السلام) في خبر قدامة بن زائدة (2): " إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) رفع قبر إبراهيم " ولم أقف على غيرها مما أطلق فيه
الرفع على كثرة أخبار المقام بل أكثرها مقيدة (بمقدار أربع أصابع) كعبارات الأصحاب
ومعاقد الاجماعات، فالقول حينئذ باستحباب مطلق الرفع وجعل المقدار مستحبا في
مستحب لمكان هذه الرواية، مع أنه لا إطلاق فيها كما عساه يظهر من كشف اللثام
لا يخلو من نظر، وأعجب منه نسبته له مع ذلك إلى الاجماع والنصوص، اللهم إلا أن
يكون قد يدعى استفادته من المقيدات أنفسها.
ثم إن قضية إطلاق المتن كغيره من عبارات بعض الأصحاب بل عن أكثرهم
بل هو معقد إجماع المعتبر والمدارك التخيير بين كون الأصابع مضمومة أو مفرجة كما
نص عليه في المنتهى والذكرى، ويؤيده مع ذلك إطلاق كثير من الأخبار، منها

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الدفن - حديث 4
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 2
312

قول الباقر (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (1): " ويرفع القبر فوق الأرض أربع
أصابع " ونحوه غيره (2) وفيها ما اشتمل على وصية النبي (صلى الله عليه وآله) (3) والباقر
(عليه السلام) (4) بذلك، والجمع بين المقيد منها بالمضمومة كما في خبر سماعة (5) بل
قد يدعى انصراف المطلقات إليه لشيوعه في المقدار، والمقيد بالمفرجات كما في خبر
علي بن رئاب عن الصادق (عليه السلام) (6) " إن أبي أمرني أن أرفع القبر من الأرض
أربع أصابع مفرجات " الخبر ونحوه خبر الحلبي وابن مسلم (7) عنه (ع) أيضا، وخبر
محمد بن مسلم (8) عن أحدهما (عليهما السلام)، وعمر بن واقد (9) عن أبي الحسن
موسى (عليه السلام) المروي عن العلل.
ولعله الأقوى في النظر لو كان فيه مخالف، لاحتمال عدمه، وإن
اقتصر المفيد وابنا إدريس وحمزة كما عن سلار والشيخ في الاقتصاد والحلبيين على
المفرجات، كظاهر التذكرة ونهاية الإحكام كما عن ابن أبي عقيل الاقتصار على المضمومة
لكنه محتمل لإرادتهم بيان الأعلى والأقل، ولذا نص الأولان على عدم الزيادة على
ذلك كما عن الاقتصاد والكافي، ولعل المراد الكراهة كما في المنتهى وعن التذكرة والنهاية
ناسبا له في الأول إلى فتوى العلماء، وبه يصرف النهي عن الرفع أزيد من أربع أصابع
مفرجات في خبر عمر بن واقد (10) عن أبي الحسن (عليه السلام) المروي عن العلل، كالأمر بلزق
القبر إلى الأرض إلا عن قدر أربع أصابع مفرجات في خبر محمد بن مسلم (11) عن

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 6 - 4
(4) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 6 - 4
(5) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 6 - 4
(6) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 6 وهو عن الحلبي
(7) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 7
(8) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 2
(9) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 11
(10) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 11
(11) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 2
313

أحدهما (عليهما السلام)، والجميع حجة على ابن زهرة حيث خير في المستحب بين الأربع
مفرجات والشبر كما عن القاضي، بل عن جامع المقاصد التخيير بينه وبينها مضمومة أو
مفرجة، والأحوط ما ذكرنا إن لم يكن أقوى وأولى، وإن كان خبرا إبراهيم بن علي (1)
والحسين بن علي الرافقي (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) " إن
قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رفع شبرا من الأرض " لكنه - مع احتماله التقية
ومعارضته بقول الباقر (عليه السلام) في خبر عقبة بن بشير (3) عن النبي (صلى الله
عليه وآله): " أنه قال لعلي (عليه السلام): يا علي ادفني في هذا المكان، وارفع قبري
من الأرض أربع أصابع " الحديث - قاصر عن مقاومة ما عرفت، مع أنه لا دلالة
فيه على أنفعل من يجب اتباعه، فطرحها حينئذ متجه، أو يراد بالشبر فيها الأربع
أصابع مفرجات تقريبا أو غير ذلك، كخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) (4) " إن قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رفع من الأرض قدر
شبر وأربع أصابع " فتأمل.
(و) منها أن (يربع) للاجماع المحكي في الغنية والمعتبر والمدارك وغيرها، وقول
أحدهما (عليهما السلام) في خبر محمد بن مسلم (5): " ويربع قبره " والصادق (عليه السلام)
في خبر عبد الأعلى مولى آل سام المروي في إرشاد المفيد (6) " إن أبي استودعني ما هناك
فلما حضرته الوفاة قال: ادع لي شهودا، فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى
عبد الله بن عمر، فقال: اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه، يا بني إن الله اصطفى

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 8
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 8
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 10
(4) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 10
(5) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 2
(6) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 9 مع تقطيع في الوسائل
314

لكم الدين حنيفا فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأوصى محمد بن علي ابنه جعفر بن محمد
(عليهم السلام،) وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة، وأن يعممه
بعمامة، وأن يربع قبره ويرفعه من الأرض أربع أصابع " إلى آخره وقوله (عليه السلام)
أيضا في خبر الأعمش المروي عن الخصال (1): " والقبور تربع ولا تسنم) وقوله
(عليه السلام) في مرسل الحسين بن وليد (2) المروي عن العلل جواب سؤال لأي علة
يربع القبر؟: " لعلة البيت، لأنه نزل مربعا " بل في سؤاله إشعار بكونه معروفا
في السابق.
والمراد بالتربيع هنا خلاف التدوير والتسديس ما كانت له أربع زوايا قائمة،
لا المربع المتساوي الأضلاع، قيل لتعليل كثير من الأرض وعدم كونه معهودا في
الزمن السالف كما نرى فيما بقي آثارها من القبور، وعن بعضهم أن المراد بالتربيع خلاف
التسنيم، وربما استظهر ذلك من التذكرة، ولا ريب في بعده، وكذا ما لعله يقال
أو قيل من استحباب التربيع يستفاد استحباب تسطيح القبر، إلا أنا في غنية عن ذلك بما
في صريح الخلاف والتذكرة وجامع المقاصد كظاهر غيرها من الاجماع عليه، مع معروفية
ذلك عند الشيعة، بل عن ابن أبي هريرة أنه قال: " السنة التسطيح، إلا أن الشيعة
استعملته فعدلنا عنه إلى التسنيم " بل الظاهر كراهة التسنيم لما في التذكرة من الاجماع
عليه، كالغنية لا يسنم، والنهي في خبر الأعمش المتقدم، وعن فقه الرضا (عليه السلام) (3)
" ويكون مسطحا لا مسنما " وربما يشهد له أيضا قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر
الأصبغ (4): " من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الاسلام " إن كان بالحاء

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الدفن - حديث 5
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 12
(3) المستدرك - الباب - 38 - من أبواب الدفن - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الدفن - حديث 1
315

المهملة أي سنم، وفي خبر السكوني (1) المروي عن المحاسن مسندا قال: " بعثني
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، فقال: لا تدع صورة إلا محوتها، ولا
قبرا إلا سويته، ولا كلبا إلا قتلته " ولأبي الهياج الأسدي (2) " ألا أبعثك على
ما بعثي عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا
مشرفا إلا سويته؟ " إن كان المراد التسنيم، بل ربما كان التسنيم حراما في بعض الوجوه
لكونه بدعة كما عن جماعة التصريح به، ويقتضيه ما سمعته من ابن أبي هريرة، لكن
قال قي المنتهى: " إن التسطيح أفضل من التسنيم، وعليه علماؤنا " انتهى. وظاهره
المنافاة للكراهة، بل وللإباحة أيضا لمكان أفعل التفضيل، اللهم إلا أن يحمل على غير
ذلك في مقابلة العامة.
(و) منها أن (يصب عليه) أي على القبر (الماء) بلا خلاف أجده فيه، بل
في المنتهى عليه فتوى علماؤنا، ويشهد له مع ذلك الاعتبار من حيث إفادته استمساكا
للتراب، فلا يفرقه الريح ونحوه، وتذهب آثار القبرية عنه، والأخبار المستفيضة (3)
حد الاستفاضة، بل كادت تكون متواترة، وفيه أنه يتجافى عنه العذاب ما دام الندى
في التراب، ثم إن أكثرها أطلقت الرش والنضح، وظاهرها استحباب ذلك
كيف وقع، وهو كذلك كما لا يخفى على من لاحظها.
وما عساه يظهر من المتن - كبعض عبارات الأصحاب بل معقد إجماع الغنية
والمعتبر من تقييد الاستحباب بكون الصب (من قبل رأسه ثم يدور عليه) مع اختلاف
يسير في التعبير عن ذلك - غير مراد قطعا.
نعم لا بأس به مستحبا في مستحب لقول الصادق (عليه السلام) في خبر موسى

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الدفن - حديث 2
(2) صحيح مسلم ج 1 ص 357
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الدفن
316

ابن أكيل النميري (1) " السنة في رش الماء على القبر أن تستقبل القبلة وتبدأ من عند
الرأس إلى عند الرجل، ثم تدور على القبر من الجانب الآخر ثم ترش على وسط القبر
فذلك السنة " ومنه يستفاد استحباب استقبال الصاب القبلة كما في المنتهى.
وخبر سالم بن مكرم (2) المروي في الفقيه عن الصادق (عليه السلام) إلى أن
قال: " فإذا سوي قبره تصب على قبره الماء وتجعل القبر أمامك وأنت مستقبل القبلة،
وتبدأ بصب الماء عند رأسه وتدور به على قبره من أربع جوانبه حتى ترجع إلى الرأس
من غير أن تقطع الماء، فإن فضل من الماء شئ فصب على وسط القبر) إلى آخره
لكن الظاهر أن ذلك من عبارة الصدوق لا من تتمة خبر سالم كما لا يخفى على من لاحظ، سيما
ولم يذكره أحد في المقام مع اشتماله على جملة وافية من الأحكام، نعم قد يظهر من
صاحب الوسائل ذلك، وربما يؤيد ما قلنا أيضا أنه بعينه عبر في المحكي عن الفقه
الرضوي (3) والممارس العالم بغلبة اتحاد تعبيرهما معه يكاد يقطع أن ذلك ليس من تتمة
الرواية، فالعمدة حينئذ الرواية الأولى إلا أن في عبارة المصنف قصورا عن إفادة تمام مضمونها
وكذا ليس فيها ما يدل على قوله: (فإن فضل من الماء شئ ألقاه على وسط القبر) نعم هو
بعينه قد سمعته في محتمل خبر سالم والرضوي وذكره غير واحد من الأصحاب، بل نسبه
في المعتبر إليهم مشعرا بدعوى الاجماع عليه، ولعله لذا كان لا يبعد استحباب رش
الوسط ابتداء كغيره من الجوانب لخبر موسى، واستحباب وضع ما يفضل من الماء
عليه أيضا لما عرفت، وكذا يستفاد من خبر سالم وفقه الرضا (عليه السلام) أن لا يقطع
الماء، وقد يدعي دلالة خبر موسى عليه أيضا.

(1) الوسائل - 32 - من أبواب الدفن - حديث 1
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 5
(3) المستدرك - الباب - 30 - من أبواب الدفن - حديث 2
317

ثم إنه هل استحباب الرش مخصوص بما بعد الدفن خاصة أو فيه وفي كل زمان
وإن تأخر عنه؟ قد ينساق إلى الذهن من فتاوى الأصحاب وكثير من الأخبار الأول،
لكن عن الكشي في رجاله (1) أنه " روي عن علي بن الحسن عن محمد بن الوليد أن
صاحب المقبرة سأله عن قبر يونس بن يعقوب وقال: من صاحب هذا القبر؟ فإن
أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) أوصاني وأمرني أن أرش قبره أربعين
شهرا أو أربعين يوما كل يوم مرة " والشك من علي بن الحسن، وفيه دلالة على خلاف
الأول، فتأمل.
(و) منها أن (يوضع اليد) مفرجة الأصابع غامزا بها (على القبر) عند رأسه
بعد نضحه بالماء تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) حيث وضع يده عند رأس إبراهيم
غامزا بها حتى بلغت الكوع، وقال: " بسم الله ختمتك من الشيطان أن يدخلك "
كما رواه في البحار (2) عن دعائم الاسلام عن أمير المؤمنين (عليه السلام (مرسلا.
ومنه يستفاد حكم تأثير اليد لقول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (3): " إذا
حثي عليه التراب وسوي قبره فضع كفك على قبره عند رأسه وفرج أصابعك واغمز
كفك عليه بعد ما ينضح بالماء " والصادق (عليه السلام) (4) في حسنه " إذا فرغت من القبر
فانضحه، ثم ضع يدك عند رأسه وتغمز كفك عليه بعد النضح " وظاهر الثاني كالأول
إن علق الظرف فيه بجواب الشرط كون الوضع بعد النضح، وكذا الغمز للكف كما
هو صريح الثاني، بل والأول أيضا، كما أن ظاهرهما كون الوضع عند الرأس لكن

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الدفن - حديث 6
(2) المستدرك - الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الدفن - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب الدفن - حديث 4
318

قد يقوى في النظر كونه مستحبا في مستحب، كما عساه يحتمل في الأول أيضا. فيستحب
الوضع حينئذ عند غير الرأس وبدون النضح.
ويتأكد استحباب الوضع لمن لم يحضر الصلاة، لقول أبي الحسن الأول
(عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار (1) بعد أن قال له: " إن أصحابنا يصنعون
شيئا إذا حضروا الجنازة ودفن الميت لم يرجعوا حتى يمسحوا أيديهم على القبر، أفسنة
ذلك أم بدعة؟ فقال: إن ذلك واجب على من لم يحضر الصلاة " وعلى عدم التأكد
يحمل النفي أو النهي في خبر محمد بن إسحاق عن الرضا (عليه السلام) (2) بعد أن
سأل بما يقرب من سؤال الأول فقال: " إنما ذلك لمن لم يدرك الصلاة، فأما من أدرك
الصلاة فلا " وذلك لاطلاق الأصحاب والأخبار الحكم المذكور إطلاقا كاد يكون
كالصريح في خلاف ذلك، بل فيما تسمعه من الصحيح الآتي المشتمل على فعل النبي
(صلى الله عليه وآله) تصريح به، وأيضا فأخبار الراوي عن عمل الأصحاب حجة في
نفسه، سيما مع تقرير الإمام (ع)، بل لم أعثر على من نص على التأكد وعدمه كما قلناه
قبل الشهيد، وتبعه بعض من تأخر عنه، لكن لا بأس به، كما أنه لا بأس بالقول
باستحباب زيادة تأثير اليد بزيادة الغمز إذا كان القبر لهاشمي، وإن لم يذكره أحد
من الأصحاب تأسيا بفعل النبي (صلى الله عليه وآله) في قبر إبراهيم كما سمعت، وقال
أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (3): " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
يصنع بمن مات من بني هاشم خاصة شيئا لا يصنعه بأحد من المسلمين، كان إذا صلى
على الهاشمي ونضح قبره بالماء وضع كفه على القبر حتى يغمز أصابعه في الطين، فكان
القريب يقدم أو المسافر من أهل المدينة ويرى القبر الجديد عليه أثر كيف رسول الله

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 3 - 4
319

(صلى الله عليه وآله) فيقول: من مات من آل محمد (صلوات الله عليهم)؟ ".
ويحتمل أن يكون صنيعة المختص بهم أصل الوضع لمكان كرامة بني هاشم،
لا لعدم مشروعيته لغيره، لكن عن البحار أنه روي عن العلل عن محمد بن علي بن إبراهيم
ابن هاشم (1) قال: " إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا مات رجل من أهل بيته
يرش قبره ويضع يده على قبره ليعرف أنه من العلوية وبني هاشم من آل محمد (صلى الله
عليه وآله) فصارت بدعة في الناس كلهم. ولا يجوز ذلك " ولا بد من طرحه أو تأويله
بما لا ينافي ذلك لقصوره عنها جدا، هذا.
وعن بعضهم أنه يستحب الاستقبال حينئذ، ولعله لأنه خير المجالس، وأقرب
إلى استجابة الدعاء للميت، ولخبر عبد الرحمان (2) سأل الصادق (عليه السلام)
" كيف أضع يدي على قبور المؤمنين؟ فأشار بيده إلى الأرض ووضعها عليه ورفعها
وهو مقابل القبلة " لكن لا صراحة فيه بكون الاستقبال منه كان لذلك، اللهم إلا أن
يستشعر من حكاية السائل أنه فهم منه ذلك، نعم في الفقه الرضوي (3) " ضع يدك
على القبر وأنت مستقبل القبلة، وقل اللهم "
إلى آخره. وربما يشهد له أيضا ما ستعرفه
من خبر ابن بزيع (4).
وهل استحباب الوضع المذكور كل ما يزار القبر أو يختص بحال الدفن؟ ظاهر
الأخبار الأول، لكن قال في الذكرى بعد ذكره الخبر المتقدم: " إنه يشمل حالة الدفن
وغيره " وفيه أنه لا إطلاق مساق لذلك فيه، كما هو واضح، نعم قد يستدل عليه

(1) المستدرك الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الدفن - حديث 5
(3) المستدرك الباب - 31 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الدفن - حديث 3
320

بخبر محمد بن أحمد (1) المروي عن الكافي قال: " كنت بفيد فمشيت مع علي
ابن بلال إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بزيع، فقال لي ابن بلال: قال لي صاحب هذا
القبر عن الرضا (عليه السلام): من أتى قبر أخيه ثم وضع يده على القبر وقرأ أنا أنزلناه
سبع مرات أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم الفزع " فإنه دال على استحباب وضع اليد ولو في غير حال الدفن كما أنه دال على استحباب قراءة إنا أنزلناه، وعلى استحباب زيارة
قبور الاخوان كما استفاضت به الأخبار (2) وتداولته الطائفة الأخيار، وقد حكى
الاجماع عليه العلامة والشهيد بالنسبة للرجال، ويتأكد استحباب ذلك يوم الاثنين وغداة
السبت تأسيا بالمحكي من فعل فاطمة (عليها السلام) في زيارتها قبور الشهداء.
ومنه يعلم استحباب زيارة النساء للقبور كما نص عليه بعضهم خلافا للمصنف في
المعتبر، فكرهه لهن، بل ظاهره أو صريحه نسبته ذلك فيه إلى أهل العلم، ولكن
علله بمنافاته للستر والصيانة، وهو يومي إلى أن كراهته لأمر خارج عنه، وهو حسن
مع استلزامه ذلك، وكذا استلزام الجزع وعدم الصبر لقضاء الله، بل ربما يصل إلى
حد الحرمة، وأما بدون ذلك فالظاهر الاستحباب للعموم وخصوص بعض الأخبار (3)
ومن العجيب دعواه الكراهة حتى بالنسبة إلى زيارة الأئمة (عليهم السلام) مع كثرة
العمومات الدالة على رجحانها المنجبرة بعمل الأصحاب وغير ذلك، فتأمل جيدا.
ويتأكد استحباب الزيارة في الخميس تأسيا بفعل فاطمة (عليها السلام) (4) أيضا،
وفي خصوص العشية منه تأسيا بالنبي (صلى الله عليه وآله) (5) فإنه كان يخرج في ملأ
من أصحابه كل عشية خميس إلى بقيع المؤمنين، فيقول: السلام عليكم يا أهل الديار

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 0
(2) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 0
(3) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب الدفن - حديث 1 و 2
(4) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 3
(5) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 3
321

ثلاثا، وربما يفهم من التأمل في الأخبار الفرق بين زيارة القبر الواحد وشبهه
وبين زيارة المقبرة، فيستحب وضع اليد على القبر وقراءة إنا أنزلناه سبعا في الأول
لما عرفت، وللمرسل عن الرضا (عليه السلام) (1) " ما من عبد زار قبر مؤمن فقرأ
عنده إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات إلا غفر الله له ولصاحب القبر، والسلام "
ونحوه في الثاني.
ويستحب أن يكون مستقبل القبلة عند زيارة القبر أيضا، لأنها خير المجالس
وأقرب إلى استجابة الدعاء، وللمحكي عن الكشي (2) نقلا من كتاب محمد بن الحسين
ابن بندار بخطه إلى أن قال: " أخبرني صاحب هذا القبر يعني محمد بن إسماعيل بن
بزيع أنه سمع أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند
قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر فقرأ إنا أنزلناه سبع مرات أمن من الفزع
الأكبر " ولا منافاة بينه وبين الخبر السابق، فيكون الحاصل حينئذ أنه ينبغي أن يضع يده
على القبر مستقبل القبلة ويقرأ إنا أنزلناه سبعا، ويدعو للميت بدعاء الباقر (عليه السلام)
الآتي.
ومن رجحان الاستقبال هنا يفرق به بين زيارة المعصوم (عليه السلام) وغيره،
فيجعل القبلة بين كتفيه في الأول، وفي وجهه في الثاني، وعن مجمع البرهان أني
رأيت في بعض الروايات (3) أن زيارة غير المعصوم مستقبل القبلة، وزيارته مستقبلها
ومستدبرها، قلت: لكن الذي عليه العمل الآن بالنسبة إلى زيارة العباس وعلي بن
الحسين (عليهم السلام) ونحوهما على نحو زيارة المعصوم ولعله لعدم اندراجهم في الأولين،

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 3
(2) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 3
(3) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب الدفن والباب 6 و 29 و 62 وغيرها من
كتاب المزار
322

ولذا لم نر أحدا عاملهم بالنسبة إلى قراءة الفاتحة وإنا أنزلناه ونحو ذلك معاملتهم، مع
اعتياد مقابلة الزائر للمزور، وهو لا يخلو من قرب، والله أعلم.
(و) منها أنه يستحب أن (يترحم على الميت) كما ذكره الأصحاب على ما في
كشف اللثام، وأفضله بما دعى به الباقر (عليه السلام) على قبر رجل من أصحابنا
كما في خبر محمد بن مسلم (1) بعد أن حثى عليه مما يلي رأسه ثلاثا بكفه ثم بسط كفه على
القبر، ثم قال: " اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وأصعد إليك روحه، ولقه منك
رضوانا، وأسكن قبره من رحمتك ما تغنيه عن رحمة من سواك " ثم مضى. وفي خبر
سماعة عن الصادق (عليه السلام) (2) " إذا سويت عليه التراب فقل: اللهم جاف
الأرض عن جنبيه، وصعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عليين، وألحقه بالصالحين "
وفي خبر سالم بن مكرم السابق (3) مع ما فيه من احتماله أنه من عبارة الصدوق " ثم ضع
يدك على القبر، وادع للميت استغفر له " وفي الفقه الرضوي (4) " ثم ضع يدك على القبر
وأنت مستقبل القبلة، وقل: اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته،
وآمن روعته، وأفض عليه من رحمتك، وأسكن إليه من برد عفوك وسعة غفرانك
ورحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان يتولاه، ومتى
زرت قبره فادع بهذا الدعاء وأنت مستقبل القبلة ".
ومنه يستفاد استحباب القبلة حينئذ في كل وقت تزوره داعيا له بهذا الدعاء.
ومما ذكرنا يظهر لك أن استحباب الترحم لا مدخلية له بوضع اليد بل كل منهما
مستحب برأسه، كما عساه الظاهر من العبارة وغيرها كالأخبار، لكنه قال في المعتبر:

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الدفن - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 5
(4) فقه الرضا (عليه السلام) ص 18
323

" أنه يضع الحاضرون الأيدي عليه مترحمين، وهو مذهب أصحابنا " ولعله يريد ما قلناه
وإن كان في العبارة نوع قصور أو أن ذلك مستحب أيضا كما عساه يظهر من خبر محمد
ابن مسلم المتقدم آنفا.
(و) منها أن (يلقنه الولي) بالمأثور في خبر يحيى بن عبد الله عن الصادق (عليه السلام) (1)
أو جابر بن يزيد عن الباقر (عليه السلام) (2) (بعد انصراف الناس عنه)
إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا بل كاد يكون متواترا، وأخبارا (3) وهو التلقين
الثالث، وبه يندفع سؤال منكر ونكير كما نطقت به الأخبار (4) والظاهر عدم الالتزام
بخصوص الأقوال الواردة وإن كان أولى، بل المراد تلقينه وتفهيمه ما يفيد الاعتراف
بأصول دينه ومذهبه، كما أن الظاهر عدم التزام كونه من الولي، بل الظاهر الاكتفاء
بمن يأمره الولي أيضا كما في معقد إجماع الذكرى، والاجتزاء بالمتبرع من غيرهما لا دليل
عليه، وإن قال في الجامع: يلقنه الولي أو غيره.
وليكن تلقينه (بأرفع صوته) كما في خبر يحيى بن عبد الله، وبه عبر الشيخان
وجماعة على ما حكي ونسبه في جامع المقاصد وعن الروض إلى الأصحاب، ولعله يرجع
إليه ما عن الحلبي برفيع صوته كما في خبر إبراهيم بن هاشم (5) هذا إن لم يمنع منه مانع
من تقية، وإلا أجزأ سرا كما عن المهذب والجامع، بل في ظاهر مجمع البرهان نسبته
إلى الأصحاب، ولعله لأن وصوله إليه وإن كان إنما يحصل عادة برفع الصوت لكنه
في الحقيقة بتوفيق الله، فالسر حينئذ مع المانع كالجهر إن شاء الله.
وفي استقبال القبلة والقبر للملقن أو استدبارها واستقبال الميت قولان ينشئان

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الدفن
(4) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الدفن
(5) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الدفن - حديث 3
324

من أنها خير المجالس، ومن أنه أدخل في مقابلة الميت للخطاب معه، وحيث كان
نحو ذلك منشئا لهما كان المتجه جواز كل منهما، لا طلاق الأدلة، نعم خبر يحيى
ابن عبد الله (1) أنه " يضع الملقن فمه عند رأس الميت ثم ينادي " ولا بأس به كما أنه لا بأس
بما في مرسل علي بن إبراهيم (2) المروي عن العلل أنه " يقبض على التراب بكفيه ويلقنه
برفيع صوته " إلى آخره.
ثم إن المنساق إلى الذهن من الأخبار والتعليل الذي فيها اختصاص هذا الحكم
ونظائره بالكبير دون الصغير، لكنه صرح في جامع المقاصد بعدم الفرق كالجريدتين،
ولا بأس به لو كان هناك عموم واضح يتناوله.
ومنها ما عن مصباح الكفعمي من الصلاة ليلة الدفن (3) قال: " صلاة الهدية
ليلة الدفن ركعتان، في الأولى الحمد وآية الكرسي، وفي الثانية الحمد والقدر عشرا،
فإذا سلم قال: اللهم صل على محمد وآل محمد، وابعث ثوابها إلى قبر فلان " قال:
وفي رواية أخرى (4) " بعد الحمد التوحيد مرتين في الأولى، وفي الثانية ألهاكم التكاثر
عشرا، ثم الدعاء المذكور ".
(والتعزية مستحبة) بلا خلاف بين المسلمين، بل لعله من ضروريات الدين،
وقد فعلها سيد المرسلين (ص)، وكذلك الأئمة الطاهرون (ع)، بل والملائكة المقربون يوم
موت النبي (صلى الله عليه وآله) وفيها أجر عظيم وفضل جسيم حتى ورد أنها تورث الجنة،
كما في خبر السكوني (5) وفي خبر وهب عن الصادق (عليه السلام) (6) " إن من عزى
مصابا كان له مثل أجره " وفي غيره من الأخبار (7) أن " من عزى حزينا كسي يوم

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - حديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - حديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الدفن - حديث 8 - 2
(6) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الدفن - حديث 8 - 2
(7) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الدفن - حديث 1 و 7 و 9
325

الموقف حلة يحبر بها " وربما اختلفت باعتبار العوارض من جهة شدة المصاب وعدمه وغير
ذلك، ومن هنا قد ورد (1) إن " من عزى الثكلى أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل
إلا ظله " والمراد بها على الظاهر المرأة التي فقدت ولدها أو حميمها، وكأنه لعظم
مصابها باعتبار ضعف عقول النساء، واحتمال إرادة الطائفة الثكلى أعم من الرجال والنساء
بعيد، وكيف كان فلا حاجة للتعرض لأصل استحبابها ورجحانها، كما أنه لا حاجة
إلى التعرض لذكر معناها لكفاية العرف فيه، ولا ريب في حصولها بطلب تسلي المصاب
والتصبر عن الحزن والاكتئاب باسناد الأمر إلى الله عز وجل ونسبته إلى عدله وحكمته،
وذكر لقاء الله ووعده على الصبر مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن مصيبة ونحو
ذلك، وهي تتبع المقامات لا تتوقف على كيفية خاصة أو عبارة خاصة، واحتمال الوقوف
عما ما كتبه النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) أو قالوه في هذا المنوال
خاصة لا وجه له، بل دعوى رجحانية خصوصية له لا تخلو من إشكال ظاهر.
(وهي جائزة) مشروعة (قبل الدفن وبعده) إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا
إن لم يكن متواترا منا، بل وعن غيرنا عدى الثوري، فكرهها بعد الدفن، لأنه
خاتمة أمر الميت، وفيه أنه خاتمة أمره لا خاتمة أمر أهله، وما حكاه في الذكرى عن ظاهر
ابن البراج منا مما يقرب من المحكي عن الثوري، ولا ريب في ضعفه، إذ النصوص (2)
وما وقع من النبي (صلى الله عليه وآله) (3) والأئمة (عليهم السلام) (4) من التعزية بعد
الدفن لأصحابهم شاهدة بخلافه، فضلا عن ظاهر الاجماعات المحكية بل صريحه إن لم يدع
تحصيله، بل هي بعد الدفن أفضل منه قبله وفاقا لصريح الشيخ والمصنف والعلامة وغيرهم

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الدفن - حديث 5
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الدفن
(3) المستدرك - الباب - 42 - من أبواب الدفن - حديث 6
(4) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الدفن - حديث 2
326

وظاهر الشهيد والمحقق الثاني، بل في المدارك أنه مذهب الأكثر بشهادة الاعتبار من
حيث غيبوبة شخص المتوفى وانقطاع العلقة في ذلك الوقت مع اشتغالهم قبل الدفن
بتجهيزه، ولقول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير (1): " التعزية لأهل
المصيبة بعد ما يدفن " وفي مرسل خالد الآخر (2) وغيره عنه (عليه السلام) (3) أيضا
" التعزية الواجبة بعد الدفن " وقول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار (4):
" ليس التعزية إلا عند القبر، ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت "
مع أنه لا صراحة فيه بل ولا ظهور بما قبل الدفن، بل لعله فيما بعده أظهر، فيحمل حينئذ
على تفاوت مراتب الفضل فيما بعده، فأفضله عند القبر لاشتداد الحاجة إليها في ذلك
الوقت - محمول على ضرب من التأويل، منه ما ذكره في الذكرى من الحمل على تعزية
خاصة، كأقل التعزية كما قال (عليه السلام) (5): " كفاك من التعزية أن يراك
صاحب المصيبة " فيكون المراد حينئذ أنه لا تحتاج هذه التعزية إلى اجتماع آخر غير
الاجتماع الأول، بل ينبغي حينئذ الانصراف ولا يقيموا بعد الدفن عند القبر لأجل
التعزية خوف أن يحدث حدث بالميت، فيسمعوه ويفزعوا من ذلك ويكرهوه، أو
غير ذلك.
ثم إنه لا حد لها شرعا لاطلاق الأدلة، لكن قد يقال برجوع تحديدها إلى العرف،
كما لو طالت المدة وانقضى المصاب بحيث يستنكر التعزية عليه، وربما اختلف باختلاف
الميت جلالة وضعة ونحوهما، ولعله يومي إلى ذلك ما في الذكرى حيث قال: " ولا حد
لزمانها عملا بالعموم، نعم لو أدت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى " انتهى.

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 4
(5) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 4
327

وليس في مرسل الصدوق (1) والحسن (2) كالصحيح عن أبي جعفر (عليه
السلام) " يصنع للميت مأتم ثلاثة أيام من يوم مات " ولا فيما دل (3) من الأمر بصنع
الطعام ثلاثا لأهل الميت من النبي (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام) يوم قتل
جعفر أن تفعل ذلك لأسماء بنت عميس، وأن تمضي إليها هي ونسائها كذلك، وغيره
من الأخبار (4)، وقول الصادق (عليه السلام) (5) أيضا: " ليس لأحد أن يحد أكثر من
ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها " دلالة على التحديد بالثلاثة، لعدم
التلازم بينها وبين المأتم، ولعل ما عن التقي من السنة تعزية أهله ثلاثة أيام وحمل الطعام
إليهم لا يريد به تحديدها بذلك، بل يريد إما التأكد أو التعزية تمام الثلاثة كما فعلته
فاطمة (عليها السلام)، أو التكرير ولو من الشخص الواحد، أو نحو ذلك.
نعم قد يشعر ذكر المأتم ثلاثة فيها كغيرها من الحسن كالصحيح (6) قال:
" أوصى أبو جعفر (عليه السلام) بثمان مائة درهم لمأتمه، وكان يرى ذلك من السنة،
لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا " بعدم
كراهة الجلوس والاجتماع للتعزية، كما عساه يشعر به أيضا إطعام الطعام عنه، كقول
أبي جعفر (عليه السلام) (7): " ينبغي لجيران صاحب المصيبة أن يطعموا عنه الطعام
ثلاثة أيام " ونحوه (8) من حيث ظهور المأتم والاطعام عنه بحصول الاجتماع مضافا

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 2
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب الدفن - حديث 1 -. -
(4) الوسائل الباب - 67 - من أبواب الدفن - حديث 1 -. -
(5) الوسائل - الباب - 82 - من أبواب الدفن - حديث 1
(6) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب الدفن - حديث 1
(7) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب الدفن - حديث 5 رواه عن الصادق (ع)
(8) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب الدفن
328

إلى إطلاق الأمر بالتعزي والتزاور وغيرهما، فما في المبسوط من أنه يكره الجلوس للتعزية
إجماعا وتبعه ابن حمزة والمصنف في ظاهر المعتبر كما عن العلامة في المتخلف لا يخلو من
ضعف، مع أنا لم نعرف أحدا ممن تقدم نص على الكراهة، ولا أشير إليها في رواية.
وما يقال من أن في ذلك منافاة للرضا بقضاء الله والصبر ونحوهما كما ترى لا وجه
له، ولا اقتضاء فيه، بل ربما كان الأمر بالعكس، وأوامر المأتم تشهد بعدمه أيضا،
وروى الصدوق (1) " أنه أوصى أبو جعفر (عليه السلام) أن يندب في المواسم عشر
سنين " وفي خبر الكاهلي عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) " كان أبي يبعث أمي وأم
فروة تقضيان حقوق أهل المدينة " إلى غير ذلك.
ومن هنا أنكر ابن إدريس على الشيخ إجماعه، وقال: " إنه لم يذهب أحد من
أصحابنا المصنفين إلى ذلك، ولا وضعه في كتاب، وإنما هذا من فروع المخالفين
وتخريجاتهم، وأي كراهة في جلوس الانسان للقاء إخوانه والدعاء والتسليم عليهم،
واستجلاب الثواب لهم في لقائه وعزائه " ومال إليه جماعة ممن تأخر عنه منهم الشهيد
في دروسه وذكراه وبيانه، واعترضه المصنف في المعتبر بأن الاجتماع والتزاور من حيث
هو مستحب، أما إذا جعل لهذا الوجه واعتقد شرعيته فإنه يفتقر إلى الدلالة، واستدل
بالاجماع على كراهيته، إذا لم ينقل عن أحد من الصحابة الجلوس لذلك، فاتخاذه
مخالف لسنة السلف، لكن لا يبلغ أن يكون حراما، وفيه أن عدم فعل السلف له
لا يقتضي الكراهة، فلعله مباح النظر إلى خصوصيته كما لعله الأقوى، إذ لا رجحان
لهذه الهيئة بخصوصها وإن كان ربما ترجح بالعارض، كما أنه قد تكون مرجوحة، بل
قد يصلان إلى حد الوجوب والحرمة كما في مثل زماننا الآن بحسب الجهات والاعتبارات،
وذلك أمر خارج عن محل النزاع، إنما الكلام في الجلوس للتعزية من حيث هو،

(1) الوسائل - الباب - 69 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 69 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 1
329

والظاهر عدم كراهيته، وأما استحبابه ففيه نظر، ولا تلازم بين استحباب التعزية
والجلوس لها كما أنه لا دلالة في أخبار المأتم عليه، لكونه معدا لاجتماع النساء، هذا.
وقد تعارف في بلادنا المشهد الغروي على مشرفه أفضل السلام الجلوس لذلك
وصرف القهوة والتتن وبذل الطعام بالنسبة إلى بعض الناس، وآخر ببذل بعضه كل
على مرتبته، حتى صار تاركه معرضا نفسه للاغتياب، وأشد منه الجالس التارك لبذل
تلك الأمور إذا كان ممن يرجى منه ذلك، وقد يصل إلى هتك الحرمة، وربما انتهى
إلى بذل مال خطير إذا كان الميت والمعزى شريفين عظيمين، ولا بأس به الآن، بل
قد يجب لما عرفته من هتك عرض المعزى والمتوفى بتركه.
نعم ربما كان أصله مرجوحا كما عساه يومي إليه قول الصادق (عليه السلام) (1):
" الأكل عند أهل المصيبة من عمل الجاهلية " وغيره (2) مما يفيد عدم التكلف لأهل
المصيبة لما هم فيه من الشغل، فتأمل جيدا.
ثم إن ظاهر الأدلة عدم الفرق في استحباب التعزية بين سائر أهل المصاب ذكورهم
وإناثهم صغارهم وكبارهم، بل ربما كانت الأنثى أرجح لما هي فيه من شدة الحزن
والاكتئاب، كما يومي إليه خبر الثكلى المتقدم، وتعزية النبي (صلى الله عليه وآله)
عيال جعفر، وإن كان كيفية تعزية كل منهم يختلف بحسب حاله مما يسليه ويناسبه،
فالصغير يمسح رأسه ونحوه، وغيره بغيره، ففي الخبر عن سيد البشر (ص) (3) " إن
من مسح على رأس يتيم ترحما له كتب الله له بعدد كل شعرة مرت عليها يده حسنة "
وعن العالم (عليه السلام) (4) " إذا بكى اليتيم اهتز له العرش، فيقول الله تبارك

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب الدفن - حديث 6 -. -
(2) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب الدفن - حديث 6 -. -
(3) الوسائل - الباب - 91 - من أبواب الدفن - حديث 2
(4) الوسائل - الباب - 91 - من أبواب الدفن - حديث 5
330

وتعالى من هذا الذي أبكى عبدي الذي سلبته أبويه، فوعزتي وجلالي وارتفاع مكاني
لا يسكته عبد إلا وجبت له الجنة " وهما وإن كانا ليسا في خصوص ما نحن فيه من التعزية
لكنهما لا يخلوان من نوع تأييد له إلا أنه نص بعضهم على كراهة تعزية النساء الشابات
معللا له بخوف الفتنة، كما عن آخر أنه لا سنة في تعزية النساء، وفيه مع ما عرفت
مضافا إلى العمومات أن التعزية لا تختص بالمشافهة، بل تكون بالمكاتبة والارسال ونحوهما
مما لا فتنة فيه.
وهل تستحب التعزية حتى لأهل العزاء بعضهم بعضا؟ ربما يصعب انصراف
الأدلة إليه في بادئ النظر، لكن التأمل فيها قاض به سيما من كبير العشيرة وسيدها،
وقد يومي إلى ذلك تعزية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عيال جعفر، مع أنه هو من
أهل العزاء، نعم لا ريب في عدم انصرافها لأعداء الدين من أهل الذمة وغيرهم،
بل وكذا المخالفين مع عدم العوارض الخارجية، وإلا فربما تجب حينئذ، كما أنها قد
تحرم إذا استلزمت مودة ودعاء بما نهي عنه، وأما مع عدم العوارض فالظاهر الإباحة
لعدم دليل على الاستحباب والكراهة، ولعله عليه يحمل ما في التذكرة من أن الأقرب
جواز تعزية أهل الذمة، لأنها كالعيادة، وقد عاد النبي (صلى الله عليه وآله) غلاما
من اليهود، وإلا فلا وجه لحمله على إرادة الاستحباب، والعيادة منه (صلى الله عليه وآله)
مع أنها قد تكون لرجاء الاسلام والدعاء له كما حكي أنه أسلم الولد بتلك العيادة لا تستلزم
استحباب التعزية، كما أنه على منع الاستحباب ينبغي أن يحمل ما في المعتبر من منع التعزية
لهم، أو على ما إذا استلزمت موادة ونحوها كما يشعر به تعليله، وإلا فلا قاطع للأصل.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا حتى لو كان الميت مسلما، نعم لو كان العكس احتمل
الاستحباب والدعاء للمسلم، قيل وينبغي أن يكون دعاؤه حيث يعزي المخالف للحق
بالهام الصبر لا بالأجر، ويجوز لهم الدعاء بالبقاء، لما ثبت من جواز الدعاء لهم،
331

قلت: هو لا يخلو من تأمل، نعم قد يجوز في تعزية الذمي، كما أنه يجوز أخلف الله
عليك، ولا ينقص عددك، قاصدا به كثرة الجزية كما قيل، فتأمل.
(و) إذا قد ظهر لك تمام الكلام في التعزية بقي شئ نبه المصنف عليه كجماعة
من الأصحاب منهم الشيخ وابن إدريس، وهو أنه (يكفي) في حصول ثواب التعزية
(أن يراه صاحبها) لما أرسله الصدوق (1) عن الصادق (عليه السلام) " كفاك من التعزية
أن يراك صاحب المصيبة " ولولا ذلك لأمكن المناقشة فيه لعدم صدق اسم التعزية عليه،
والمراد بكفايته إنما هو حصول ثواب التعزية في الجملة لحضوره وإن لم يتكلم، وإلا فلا
ريب في عدم حصول ثواب الفرد الأفضل منها بذلك، كما هو واضح.
(و) لما فرغ من الكلام على المسنونات شرع في الكلام في المكروهات، (فمنها)
أنه (يكره فرش القبر بالساج إلا لضرورة) بلا خلاف أجده، بل في الذكرى ومجمع
البرهان وعن جامع المقاصد وروض الجنان نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى
الاجماع، ولعل ذلك - مع ما عساه يشعر به إجماع المبسوط على كراهة التابوت أي
دفنه في التابوت، وسؤال مكاتبة علي بن بلال أبا الحسن (عليه السلام) (2) " أنه
ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فيفرش القبر بالساج، أو يطبق عليه،
فهل يجوز ذلك؟ فكتب ذلك جائز " كاشعار التعليل المروي عن دعائم الاسلام (3) عن
علي (عليه السلام) " أنه فرش في لحد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قطيفة لأن الأرض
كان نديا سبخا " واستحباب وضع الخد على الأرض، وما في وضعه على الأرض من
الخشوع والخضوع ما يرجى بسببه الرحمة له، وما عساه يظهر من فحاوي الكتاب والسنة من

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الدفن - حديث 4
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الدفن - حديث 1
(3) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب الدفن - حديث 1
332

وضع الأموات على الأرض، وأنهم خلقوا منها وعادوا إليها، والتسامح فيه - كاف في
ثبوتها والحكم بها، وإلا فلم نقف على ما يقتضيها صريحا في شئ من الأدلة، بل قال
الصدوق: " إنه روي عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) (1) إطلاق في أن يفرش
القبر بالساج، ويطبق على الميت بالساج " نعم عللها بعضهم بأنه إتلاف مال غير مأذون
فيه، وفيه أنه لو تم اقتضى الحرمة، مع أنك قد عرفت فيما مضى أن بذل المال لا يتوقف
على الإذن الشرعية، بل يكفي في جوازه عدم السفه فيه، وذلك يحصل بأدنى غرض.
وكيف كان فقد عرفت مما مضى وجه ما استثناه المصنف من الضرورة كنداوة
الأرض ونحوها، فإنه لا كراهة فيه كما لا كراهة في تطبيق اللحد به كما صرح به بعضهم
لظهور المصلحة فيه مع عدم الدليل على الكراهة، وظاهر العبارة كغيرها أنه لا يكفي
في رفع الكراهة حصول المصلحة، بل لا بد من دفع المفسدة، وفيه نظر يعرف مما مر
الآن، كما مر سابقا خبر أبي جعفر محمد بن عثمان أحد النواب (2) واتخاذه الساجة
ليوضع عليها أو قال أستند إليها، فلاحظه.
ثم إن الظاهر تعدية الحكم من الساج إلى ما شابهه كما صرح به غير واحد منهم،
ويقتضيه الاشتراك في العلة المذكورة، بل وكذا الفرش والمخدة ونحوهما، وفي الذكرى
وجامع المقاصد أنه لا نص فيه عندنا، فتركه أولى لأنه إتلاف مال. وهو مع أن
قضيته الحرمة كما عن الشهيد وغيره قد يخدش بخبر يحيى بن أبي العلاء المروي (3) في
الكافي عن الصادق (عليه السلام) قال: " ألقى شقران مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في قبره القطيفة " موافقا للمروي من غير طريقنا عن ابن عباس (4) أنه

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الدفن - حديث 3
(2) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب الدفن - حديث 4
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الدفن - حديث 2
(4) سنن البيهقي ج - 3 - ص 308
333

قال: " جعل في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) قطيفة حمراء " نعم قد يقال:
إنه مبني على التعليل السابق في رواية دعائم الاسلام، فلا يفيد رخصة مطلقة، لكن
قد يستند فيها إلى ما تقدم من خبر عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) (1)
" البرد لا يلف به ولكن يطرح عليه طرحا، فإذا أدخل القبر وضع تحت خده وتحت
جنبه " إلا أنه لم نعثر على عامل بها بالنسبة إلى ذلك، بل عمل الطائفة على خلافها،
والحاصل أن ثبوت الكراهة بما عرفت كما أن ثبوت الندب بهذه لا يخلو من تأمل لكن
لا يبعد رجحان الوضع على الأرض وإن كان لا كراهة في وضعها حيث يسوغ، كما
عن ابن الجنيد نفي البأس عن الوطأ في القبر وإطباق اللحد بالساج، فتأمل.
(و) (منها) (أن يهيل ذو الرحم على رحمه) التراب، لقول الصادق (عليه
السلام) في موثق عبيد بن زرارة لأبي الميت (2): " لا تطرح عليه التراب، فإن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى أن يطرح الوالد، أو ذو رحم على ميته التراب،
ثم قال: أنهاكم أن تطرحوا التراب على ذوي أرحامكم، فإن ذلك يورث القسوة في
القلب، ومن قسى قلبه بعد عن ربه " ولما في المعتبر والذكرى من نسبته إلى الأصحاب
(و) (منها) (تجصيص القبور) للاجماع المحكي في صريح المبسوط والتذكرة وعن
نهاية الإحكام والمفاتيح وظاهر المنتهى عليه، مضافا إلى قول الكاظم (عليه السلام)
في خبر أخيه (3): " لا يصلح البناء عليه، ولا الجلوس، ولا تطيينه " وخبر الحسين
ابن زيد عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) (4) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في حديث المناهي أنه " نهى أن تجصص المقابر " ونحوه خبر القاسم بن عبيد (5) المروي

(1) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التكفين - حديث 6
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الدفن - حديث 1
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 4
(5) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الدفن - حديث 5
334

عن معاني الأخبار رفعه عن النبي (صلى الله عليه وآله أنه) " نهى عن تقصيص القبور
قال: وهو التجصيص ".
وربما يشعر به أيضا خبر ابن القداح عن الصادق (عليه السلام) (1) قال:
" قال أمير المؤمنين (عليه السلام) بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هدم القبور وكسر الصور " وقد سبق في حديث آخر (2) " لا تدع صورة إلا محوتها، ولا قبرا
إلا سويته " وكذا قول الصادق (عليه السلام) (3): " كل ما جعل على القبر من غير
تراب القبر فهو ثقل على الميت ".
وقضية ما سمعت عدم الفرق بين التجصيص ابتداء أو بعد الاندراس، إلا أنه
حكي عن جماعة منهم المصنف والشهيد والمحقق الثاني عن الشيخ ذلك، فكره الثاني دون
الأول، ومال إليه جمعا بين ما تقدم وبين خبر يونس بن يعقوب (4) قال:
" لما رجع أبو الحسن موسى (عليه السلام) من بغداد ومضى إلى المدينة ماتت له ابنة
بفيد فدفنها، وأمر بعض مواليه أن يجصص قبرها، ويكتب على لوح اسمها، ويجعله
في القبر ".
قلت: الذي رأيته في المبسوط كالمحكي عنه في النهاية والمصباح ومختصره أنه
لا بأس بالتطيين ابتداء بعد إطلاقه كراهة التجصيص، وكأنه لذا لم ينقل ذلك في
المختلف عن الشيخ، لكنهم لعلهم فهموا الاتحاد بين التطيين والتجصيص، كما عن التذكرة
والمنتهى، وقد يؤيد ببعد وجدان الجص بقلعة فيد التي هي في طريق مكة، ولا ريب

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الدفن - حديث 6
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الدفن - حديث 2
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الدفن - حديث 3
(4) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الدفن - حديث 2
335

في بعده بالنسبة إلى عبارات الشيخ من حيث ذكره كلا منهما مستقلا برأسه، على أنه
قد يدعى دخوله حينئذ بالتجديد الذي ذكره مستقلا،
وكيف كان فلا إشكال في كراهة التجصيص بقسميه للاطلاق المتقدم مع قصور
المعارض له من وجوه، وعدم الشاهد على الجمع المذكور، كاحتمال الجمع بينهما بإرادة
تجصيص باطن القبر في الأول وظاهره في الثاني، بل هو أولى بالبطلان من سابقه كما
لا يخفى، فالأولى الحكم بكراهة التجصيص مطلقا، وحمل الخبر على إرادة الجواز أو
على أن المراد به التطيين بطين القبر بناء على عدم كراهته حملا لما دل على النهي (1)
عنه على التطيين بغير طين القبر أو غير ذلك من الأغراض التي لا نعلمها، وربما يقوى
في الظن أنه لمخالفة نبش بعض الحيوانات لقبر كما يتفق وقوعه كثيرا، إذ لا ريب في
ارتفاع الكراهة حينئذ، ولعله لذا كان ذلك في بلادنا وهو النجف متعارفا الآن،
أو يقال: إن هذا من خصائص الأئمة وأولادهم (ع) لئلا تندرس قبورهم، فيحرم الناس
من فضل زيارتهم، ولعله لذا قال في المدارك تبعا لغيره بعد أن ذكر كراهة التجصيص
ينبغي أن يستثنى من ذلك قبور الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وستسمع فيما يأتي
تمام الكلام إن شاء الله تعالى.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من الكراهة بين كون القبور في الأرض المباحة والمملوكة
وإن كان ربما استظهر من معقد إجماع المبسوط تخصيصها بالأول، كما عن المنتهى فيه
أو فيما يشبهه مع زيادة الوصف بالمسبلة، إلا أن الأقوى خلافهما إن كان كذلك
لاطلاق الأدلة من غير معارض.
(و) (منها) (تجديدها) بعد اندراسها كما في المبسوط والوسيلة والسرائر والتحرير

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الدفن
336

والقواعد وغيرها وعن النهاية والمصباح ومختصره وغيرها، قلت: لا أعرف له دليلا
سوى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأصبغ بن نباتة (1) المروي على لسان
الصدوق والشيخ وعن البرقي: " من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج من الاسلام "
وهو موقوف على كون المروي عنه بالجيم والدالين، وأن المراد به حينئذ ذلك، وهما
معا محل للتأمل.
أما الأول فلما في الفقيه عن سعد بن عبد الله أنه كأن يقول: " إنه من حدد قبرا "
بالحاء المهملة غير المعجمة أي من سنم قبرا، ويؤيده أنه ورد نحوه (2) من طريق أبي
الهياج كما نقله الشيخ في الخلاف، وهو من صحاح العامة على ما قيل، قال: " قال لي
علي (عليه السلام): أبعثك على ما بعثني عليه بعثني عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا أرى قبرا
مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا طمسته " وروي ما يقرب منه من طرقنا كخبر السكوني
عن الصادق (عليه السلام) (3)، وهذا يعطي أن الرواية بالحاء المهملة لدلالة الاشراف
والتسوية عليه، ولا ينافيه كما لا ينافيه الخروج عن الاسلام بفعله لما تعارف من الزجر عن
المكروهات كالحث على المندوبات بما يلحقه بالمحرمات والواجبات، أو يراد الاستحلال
ونحوه مما يؤدي إلى الكفر، فتأمل. وما فيه عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي أنه
كأن يقول: " إنما هو من جدث قبرا بالجيم والثاء المثلثة - وقال بعد نقله - والجدث القبر،
وما ندري ما عني به ".
قلت: يمكن أن يكون المراد به حينئذ كما في التهذيب أن يجعل دفعة أخرى
قبرا لإنسان آخر فقد يكون حينئذ محرما مع استلزامه النبش المحرم، وما في التهذيب عن
شيخه محمد بن النعمان أن الخدد بالخاء المعجمة ودالين من الخد وهو الشق، يقال: خددت

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
(2) صحيح مسلم ج - 1 - ص 357
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 2
337

الأرض خدا أي شققتها، فيكون المراد حينئذ النهي عن شق القبر للدفن فيه أو غيره
لحرمة النبش، وفي التنقيح بعد أن نسب الخاء المعجمة للمفيد قال: أي جعل خدا
للميت لا لحدا، والحد لغة الشق.
وأما الثاني فلاحتمال يراد به ما اختاره الصدوق في الفقيه مع كونه بالجيم ودالين
النبش، قال: " لأن من نبش قبرا فقد جدده، وأحوج إلى تجديده، وقد جعله
جدثا محفورا " انتهي. أو قتل المؤمن عدوانا، لأن من قتله فقد جدد قبرا مجددا
بين القبور، وهو مستقل في هذا التجديد، فيجوز إسناده إليه، بخلاف ما لو قتل
بحكم الشرع، وهو المناسب للمبالغة بالخروج عن الاسلام، أو يراد به الإشارة منه (ع)
إلى القبور والصور التي أرسله رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى تخريبها وتسويتها
وإطماسها ومحوها، أي من جدد قبرا من تلك القبور أو مثل مثالا بعد أن أمر رسول
الله (صلى الله عليه وآله) بذلك فقد خرج عن الاسلام وخالف رسول الله (صلى الله
عليه وآله،) ولعله يدخل فيه حينئذ من صنع قبرا مثلها وإن لم يكن منها على عموم
المجاز بإرادة القدر المشترك بينه وبين تجديد ما أذهبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأماته
من هذه الطريقة، أو يراد بتجديد القبور إنما هو البناء الذي يكون عليها من القباب
ونحوها، كما عساه يشعر به استثناء قبور الأئمة (عليهم السلام) منه في جامع المقاصد وغيره،
وكون ذلك مكروها ابتداء مع إمكان فرضه فيما لا يكره ابتداؤه كما في الأرض المملوكة
لو قلنا به لا ينافيه عند التأمل، أو غير ذلك.
كل ذا مع بعد إرادة التجديد المطلوب هنا وإن ذكره الصفار على ما حكي عنه في
الخبر المتقدم، حيث قال: " هو بالجيم لا غير " وعن محمد بن أحمد بن الوليد أنه قال:
لا يجوز تجديد القبر ولا تطيين جميعه بعد مرور الأيام وبعد ما طين في الأول، ولكن
إذا مات ميت وطين قبره فجائز أن يرم سائر القبور من غير أن تجدد إلا أنه لم يكن ذلك
338

مستعملا في ذلك الوقت حتى يبالغ هذه المبالغة في النهي عنه، على أن المراد بتجديدها
بحسب الظاهر إنما هو ظاهرها، وليس لظاهرها حالة سابقة معتد بها حتى ينهى من
تجديدها لكراهة التجصيص والبناء عليها والتظليل ونحو ذلك ابتداء من دون تجديد،
بل وكذا التطيين بغير ترابها، بل وبترابها إلا على قول، فلا كراهة فيها فلم يكن
ثم حالة كان عليها ينهى عن تجديدها، اللهم إلا أن يقال: إنه لا ريب في تفاوت
القبر الجديد لغيره بارتفاعه عن الأرض مثلا، والعلامة والتطيين بطينه ونحو ذلك مما
يفيد الناظر إليه أنه قبر جديد، ومرجعه الحقيقي العرف أيضا، فلا ينبغي إطلاق
الكراهة، إذ التجديد بهذا المعنى قد يكون محرما، وهو ما إذا كان في الأرض المسبلة
وقد اندرس الميت، وكان ذلك المكان محتاجا إليه، لسقوط حقه منه وتعلق حق
غيره به، فاللازم حينئذ تقييد الكراهة بما يحترز عن هذا وشبهه.
وأيضا هذا كله مضافا إلى ما ذكره المصنف في المعتبر من الطعن في سند هذه
الرواية بضعف محمد بن سنان وأبي الجارود، قال: " فالرواية ساقطة، فلا ضرورة إلى
التشاغل بتحقيق نقلها " وتبعه عليه في المدارك، إلا أنه قد يدفع هذا بانجبارها بالشهرة
المحكية إن لم تكن محصلة، وبأن الحكم مكروه، فلا يقدح فيه ذلك، وبأن اشتغال
الأفاضل مثل الصفار وسعد بن عبد الله وأحمد بن أبي عبد الله البرقي والصدوق والشيخين
في تحقيق هذه اللفظة مؤذن بصحة هذا الحديث عندهم وإن كان طريقه ضعيفا كما في
أحاديث كثيرة اشتهرت وعلم موردها وإن ضعف أسنادها، كما أنه قد يدفع ما تقدم
بأنه يكفي في ثبوت الكراهة كون ذلك أحد الأمور المذكورة، سيما مع احتمال صحة
ما ذكره أولئك الأفاضل جميعه، وتعدد الرواية، ولعله لذا قال في الدروس: ويكره
تجديده بالجيم والحاء والخاء لكن ينبغي أن يقيد الأخير بما لا يستلزم النبش المحرم، وإلا
كان حراما لا مكروها، إلا أن لنا في الاكتفاء بمثل هذه الاحتمالات في المندوبات
339

والمكروهات مع عدم القول بالاحتياط العقلي بحثا ليس هذا محل ذكره، فتأمل.
ثم إنه قد استثنى في جامع المقاصد من كراهة التجصيص والتجديد قبور الأنبياء
والأئمة (عليهم السلام) كالمدارك قالا: " لاطباق السلف والخلف على فعل ذلك بها "
بل في المدارك ولاستفاضة الروايات بالترغيب في ذلك، كما أنه فيها أيضا لا يبعد استثناء
قبور العلماء والصلحاء استضعافا لخبر المنع، والتفاتا إلى تعظيم الشعائر، ولكثير من
المصالح الدينية.
قلت: قد يقال: إن قبور الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) لا تندرج في تلك
الاطلاقات حتى تحتاج إلى استثناء، كما هو واضح، وأيضا فاللائق استثناؤها من
كراهة البناء على القبور كما في الذكرى وغيرها والمقام عندها لا التجصيص والتجديد،
اللهم أن يراد منهما ذلك، إذ لا إطباق من الناس عليهما، ولا استفاضة للأخبار
فيهما، ولا مصالح دنيوية ولا أخروية في كل منهما، لحصول الغرض والمراد بمعرفة
مكان القبر ثم اتخاذ قبة ونحوها، فيبقى معروفا لمن أراد الزيارة والتوسل والدعاء وغير
ذلك، وهذا الذي قد أطبقت الناس عليه، وكان معروفا حتى في زمان الأئمة
(عليهم السلام) كما في قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وغيره، وهو المراد بعمارة القبر
في خبر عمار البناني (1) عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " يا أبا الحسن إن الله تعالى جعل قبرك وقبر ولدك بقاعا من بقاع
الجنة وعرصة من عرصاتها، وإن الله تعالى جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوة من عباده
تحن إليكم، ويحمل المذلة والأذى فيكم، ويعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقربا
منهم إلى الله تعالى ومودة منهم لرسوله، يا علي أولئك المخصوصون بشفاعتي الواردون

(1) الوسائل - الباب - 26 - من كتاب المزار - حديث 1 لكن رواه عن أبي
عامر الكناني
340

حوضي، وهم زواري غدا في الجنة، يا علي من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان
سليمان علي بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل له ثواب سبعين حجة بعد حجة
الاسلام، وخرج من ذنوبه حتى يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر
أوليائك ومحبيك منا السلام وقرة العين بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على
قلب بشر، ولكن حثالة من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها،
أولئك شرار أمتي، لا ينالهم شفاعتي، ولا يردون حوضي ".
وحاصل الكلام أن استحباب ذلك فيها كاستحباب المقام عندها وزيارتها
وتعاهدها كاد يكون من ضروريات المذهب إن لم يكن الدين، فلا حاجة للاستدلال على
ذلك، نعم قد يلحق بقبور الأئمة (عليهم السلام) قبور العلماء والصلحاء وأولاد الأئمة (ع)
والشهداء ونحوهم فتستثنى أيضا من كراهة البناء ونحوه كما تقضي به السيرة المستمرة مع
ما فيه من كثير من المصالح الأخروية، لكنه لا يخلو من تأمل لاطلاق أجلاء الأصحاب
من دون استثناء.
(و) (منها) (دفن متين) ابتداء (في قبر واحد) بلا خلاف أجده بين من تعرض
له من ابن حمزة والفاضلين والشهيد وغيرهم عدا ابن سعيد في الجامع فنهى، ولعله
يريدها للأصل وضعف المرسل عنهم (عليهم السلام) " لا يدفن في قبر واحد اثنان "
عن إفادة غير الكراهة، فلا وجه للحرمة حينئذ، كما لا وجه للتوقف في الكراهة بعد
ما عرفت، مع إمكان تأيده زيادة على المسامحة فيه بأولويته من كراهة جمعهما في جنازة
واحدة المنصوص عليها في الوسيلة والمعتبر وعن المبسوط والنهاية وغيرهما، المدلول عليها
في الجملة بمكاتبة الصفار (1) لأبي محمد (عليه السلام) وباحتمال تأذي أحدهما بالآخر،
وافتضاحه عنده.

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الدفن - حديث 1
341

هذا إذا كان ابتداء، وأما لو أريد حفر قبر فيه ميت مع العلم ليدفن فيه ميت
آخر ففي المبسوط وعن النهاية كراهيته، كما هو قضية إطلاق العبارة والقواعد، مع
أنه صرح فيه أيضا بما يقتضي حرمة ذلك كما اختاره جماعة، بل في الذكرى أن عليه
إجماع المسلمين.
قلت: ولعله كذلك لحرمة النبش، ولأنه صار حقا للأول خاصة، كما
عساه يومي إليه ما دل على قطع يد السارق منه، لكونه حرزا له، وعدم جواز تحويله
منه إلى غيره، ومن هنا حمل المصنف في المعتبر الكراهة فيه على الحرمة، لكن قد
يناقش بأن النبش أمر خارج عما نحن فيه من كراهة الدفن بعد النبش وعدمها، وبأن
دعوى أحقيته به بحيث يمنع من مثل هذا التصرف حتى لو كان مالكا للأرض ممنوع،
ولا دلالة لأخبار القطع عليه عند التأمل، كما أن عدم جواز تحويله لو سلم لا يقضي بمنع
دفن غيره معه، ولعله لذا كان الأقوى الكراهة مطلقا من غير فرق بين المقامين على
حسب ما عرفت، ولا بين الأزج أي البيت الذي يبنى طولا وغيره، وإن كان الأول
قد لا يسمى نبشا.
هذا كله مع الاختيار، أما مع الضرورة فلا ريب في ارتفاع الكراهة، كما
قد روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) يوم أحد بجعل اثنين وثلاثة في قبر، وتقديم
أكثرهم قرآنا، وفي المعتبر والتذكرة ونهاية الإحكام تقديم الأفضل، وأنه ينبغي جعل
حاجز بين كل اثنين ليشبها المنفردين، وعن المهذب جعل الخنثى خلف الرجل وأمام
المرأة، وجعل تراب حاجزا بينهما.
قلت: لم أعثر على خبر يدل على هذا التفصيل كغيره من التفصيل المذكور
عند الأصحاب، فليس إلا مراعاة الجهات العامة كالأبوة ونحوها، والاستئناس

(1) كنز العمال ج - 8 - ص - 119 - الرقم 2214
342

بالأشباه والنظائر لكون الحكم استحبابيا، فلاحظ وتأمل.
(و) (منها) (أن ينقل من بلد) مات فيه (إلى الآخر) بلا خلاف أجده فيه،
بل في المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وعن نهاية الإحكام وغيرها الاجماع
عليه، وكفى بذلك حجة عليها، وعلى ما تضمنته من الجواز المقابر للحرمة مع الأصل
وإطلاق الأدلة بعد الاجماع السابق على حمل أوامر التعجيل على الاستحباب، فتبقى
حينئذ لا معارض لها، ونقل يوسف يعقوب (على نبينا وآله وعليهما السلام) إلى أرض
الشام، ونوح عظام آدم على (نبينا وآله وعليهما السلام) وموسى عظام يوسف (على نبينا
وآله وعليهما السلام) وخبر اليماني وغيرها مما سنشير إليه في ما يأتي (1) كما قد يشهد أيضا
للكراهة المروي عن دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) (2) أنه رفع إليه " أن رجلا
مات بالرستاق فحملوه إلى الكوفة، فأنهكهم عقوبة، وقال ادفنوا الأجساد في مصارعها،
ولا تفعلوا كفعل اليهود تنقل موتاهم إلى بيت المقدس، وقال: إنه لما كان يوم أحد
أقبلت الأنصار لتحمل قتلاها إلى دورها فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مناديا
ينادي فنادى ادفنوا الأجساد في مصارعها " لوجوب تنزيله على ذلك بعد ما عرفت.
وربما استدل عليها أيضا بمنافاته للتعجيل المدلول عليه بأدلته السابقة، وقد يخدش
بعدم اقتضائه الكراهة أولا، اللهم إلا أن يراد ما دل على النهي (3) عن الانتظار ونحوه
منها، وبعدم اقتضائه لو سلم كراهة النقل من حيث كونه نقلا كما هو ظاهر الفتوى ثانيا
(إلا إلى أحد المشاهد المشرفة) فلا يكره بل يستحب بلا خلاف فيه أيضا، بل في
المعتبر أنه مذهب علمائنا خاصة، وفيه أيضا والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وعن
غيرها أن عليه عمل الإمامية من زمن الأئمة (عليهم السلام) إلى الآن من غير تناكر،

(1) في الصحيفة 344
(2) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب الدفن - حديث 15
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
343

قال في الذكرى: فكان إجماعا.
قلت: بل أقوى منه بمراتب، وهو كاف في ثبوت الحكم المذكور، سيما بعد
اعتضاده بفحوى خبر محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) (1) المروي عن مجمع البيان
وقصص الأنبياء للراوندوي مسندا في الثاني إليه، قال: " لما مات يعقوب حمله يوسف في
تابوت إلى أرض الشام، فدفنه في بيت المقدس ".
والحسن بن علي بن فضال (2) عن أبي الحسن (عليه السلام) المروي في البحار
عن العيون والخصال والعلل، وفي كشف اللثام وعنها وعن الكافي والفقيه أيضا، لكن
قال: عن الصادقين (عليهما السلام) " إن الله أوحى إلى موسى (عليه السلام) أن
أخرج عظام يوسف (عليه السلام) من مصر - إلى أن قال -: فاستخرجه موسى من
شاطئ النيل في صندوق مرمر، وحمله إلى الشام " ولا ريب أن ما نحن فيه من النقل قبل
الدفن أولى منه.
والمفضل عن الصادق (عليه السلام) (3) المروي عن كامل الزيارة " أن نوحا
(عليه السلام) نزل في الماء إلى ركبتيه بعد أن طاف بالبيت، واستخرج تابوتا فيه عظام
آدم (عليه السلام) وحملها حتى دفنها بعد أن بلعت الأرض الماء في أرض الغري "
وخبر اليماني (4) المروي عن إرشاد القلوب وفرحة الغري عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) وهو مشهور، وخبر علي بن سليمان (5) قال: " كتبت إليه أسأله عن
الميت يموت بعرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم، فأيهما أفضل؟ فكتب يحمل إلى
الحرم ويدفن فهو أفضل " ومثله خبر سليمان (6) إلا أنه قال فيه: " كتبت إلى أبي الحسن

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الدفن - حديث 9 - 2
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الدفن - حديث 9 - 2
(3) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 7
(4) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 7
(5) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب مقدمات الطواف - حديث 2 - 3
(6) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب مقدمات الطواف - حديث 2 - 3
344

(عليه السلام) أسأله عن الميت يموت بمنى أو عرفات، الوهم مني " ثم ذكر مثله، وفي
خبر هارون بن خارجة عن الصادق (عليه السلام) (1) " من دفن في الحرم أمن من الفزع
الأكبر، فقلت له: من بر الناس وفاجرهم قال: من بر الناس وفاجرهم " وبها
أفتى في الجامع، فقال: " لو مات في عرفة فالأفضل نقله إلى الحرم " وبما في الذكرى
عن الغرية قد جاء حديث (2) يدل على الرخصة في نقل الميت إلى بعض مشاهد آل الرسول
(صلوات الله عليهم) إن أوصى الميت بذلك، ويقرب منه ما عن المصباح، وبما أرسل
في المبسوط وعن النهاية من الرواية (3) الدالة على الرخصة في نقله بعد دفنه، بناء على
العمل بها، إذ ما نحن فيه أولى.
والاشكال في الاستدلال بهذه الأخبار - بأنه فعل بشريعة سابقة، وليس حجة
علينا، بل لعل خلافها هو المطلوب، كما يرشد إليه قول النبي (صلى الله عليه وآله) (4)
لما قال له اليهودي هكذا نحن نصنع: خالفوهم، وفعل خلافه - مدفوع بعد تسليم
ذلك حتى فيما ينقل عن الأنبياء أنفسهم بأن الاستدلال بها إنما هو بما يظهر من ذكر
أئمتنا (عليهم السلام) لها من إرادة العمل بمضمونها. فتأمل.
ويؤيد أيضا بما فيه من التمسك بمن له أهلية الشفاعة، وهو حسن بين الأحياء
توصلا إلى فوائد الدنيا. فالتوصل إلى فوائد الآخرة أولى، والقول إنه لا دليل يدل
على حصول ذلك بمجرد القرب المكاني من قبره لا يصغى إليه، إذ هو - مع إمكان دعوى
استغنائه عن الدليل، لأن حرمتهم أمواتا كحرمتهم أحياء - في خبر اليماني وغيره إشارة

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب مقدمات الطواف - حديث 1
من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الدفن - حديث 5 - 4
(4) كنز العمال ج - 8 - ص - 116 - الرقم 2181
345

إليه، وقال في البحار: " إنه قد وردت أخبار كثيرة في فضل الدفن في المشاهد
المشرفة لا سيما الغري والحائر ".
قلت: والأمر بالشئ ندبا أمر بمقدمته كذلك، فيستحب النقل حينئذ، وحكى
في كتاب المزار منه (1) عن إرشاد القلوب للديلمي أنه قال: " من خواص تربة الغري
اسقاط عذاب القبر وترك محاسبة منكر ونكير للدفن هناك، كما وردت به الأخبار الصحيحة
عن أهل البيت (عليهم السلام) " ثم نقل رؤيا عن بعض الصلحاء تناسب ذلك، وخبر
اليماني المشهور، قلت: وفي بالي أني سمعت من بعض مشايخي ناقلا له عن المقداد أنه
قال: " قد تواترت الأخبار أن الدفن في سائر مشاهد الأئمة (عليهم السلام) مسقط
لسؤال منكر ونكير " هذا كله مع قطع النظر عما فيه من ملاحظة نفس الأرض وما ورد
فيها من الفضل والبركة (2) فإن لذلك مدخلية أيضا في مسألة الدفن.
كما يشعر بذلك المرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) (إن موسى (عليه
السلام) لما حضرته الوفاة سأل ربه أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رمية حجر، وقال (ص):
لو كنت ثم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر " وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (4)
عند إرادة دفنه للنبي (صلى الله عليه وآله) في بيته بأنه (صلى الله عليه وآله) قبض في
أشرف البقاع، فليدفن فيها، وقوله (عليه السلام) (5) أيضا لما نظر إلى ظهر الكوفة:
" ما أحسن منظرك، وأطيب قعرك، اللهم اجعله قبري " وإصرار أبي الحسن الرضا

(1) البحار ج - 22 - ص 37 - من طبعة الكمباني
(2) الوسائل - الباب - 16 و 68 و 84 من كتاب المزار
(3) صحيح البخاري ج - 2 - ص 98 المطبوعة بمصر سنة 1313
(4) البحار ج - 6 - ص 1044 من طبعة الحروفي
(5) البحار ج - 22 - ص 37 من طبعة الكمباني
346

(عليه السلام) (1) على دفن يونس بن يعقوب بالبقيع، وحكاية دفن الحسن (عليه السلام) مع جده
(صلى الله عليه وآله) (2) إلى غير ذلك، وقد ورد (3) في فضل الغري مع قطع النظر
عن دفن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيه، وشراء إبراهيم له (4) معللا ذلك بأنه
يحشر منه سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع كل واحد منهم لكذا وكذا،
وكذلك اشتراه أمير المؤمنين (عليه السلام) (5) معللا له بمثل ذلك من أنه يحشر منه
سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وغير ذلك مما هو غني عن البيان، كما قد
يشعر ما مر من خبر الزانية (6) التي لم تقبلها الأرض حتى وضع معها شئ من أرض
كربلاء، وغيره بفضل كربلاء كذلك أيضا، فضلا عما ورد فيها من الأخبار (7).
والحاصل أن من أيقظته أخبار الأئمة الهداة (ع) لا يحتاج إلى خصوص أخبار في
التمسك على رجاء النفع للميت ودفع الضرر عنه بالدفن قرب من له أهلية الشفاعة لذلك،
والأرض المباركة المشرفة بدفنهم بها أو بغيره، سيما ما كان لفضلها تعلق بالدفن ونحوه
كمقبرة براثا، لما في خبر أبي الحسن الحذاء عن الصادق (عليه السلام) (8) " إن إلى
جانبكم مقبرة يقال لها براثا يحشر بها عشرون ومائة ألف شهيد كشهداء بدر " قلت:

(1) البحار - الجزء الأول من المجلد - 15 - ص 292 من طبعة الكمباني
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الدفن - حديث 6 و 8 و 10
(3) البحار ج - 22 - ص 35 من طبعة الكمباني
(4) البحار ج - 22 - ص 35 من طبعة الكمباني
(5) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الدفن - حديث 1
(6) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التكفين - حديث 2
(7) الوسائل - الباب - 68 - من كتاب المزار
(8) البحار ج - 22 - ص 36 من طبعة الكمباني
347

لكن كأنه يظهر من المجلسي في البحار أنه فهم منه مقبرة الغري حيث رواه عن سهل
في هذا المضمار.
وكيف كان فمما ذكرنا ينقدح وجه ما ذكره الشهيد، وتبعه عليه بعض من تأخر
عنه من إلحاق نحو المقبرة التي فيها قوم صالحون بمشاهد الأئمة (عليهم السلام) في رجحان
النقل إليها لتناله بركتهم، وكذا الشيخ في المبسوط قال: " ويستحب أن يدفن الميت
في أشرف البقاع، فإن كان بمكة فبمقبرتها، وكذلك المدينة والمسجد الأقصى
ومشاهد الأئمة (عليهم السلام)، وكذا كل مقبرة تذكر بخير من شهداء وصلحاء
وغيرهم " انتهى.
فظهر من ذلك كله أنه لا جهة للاشكال في أصل رجحان ذلك رجاء للنفع ودفعا
للضرر، وخبر دعائم الاسلام مع الطعن في مصنفه قد عرفت حمله على الكراهة، بل
كاد يكون إيصاء الميت بذلك عليه كاللازم، نعم قد يستثنى من الرجحان المذكور
الشهيد لأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بدفنهم في مصارعهم عند إرادة أصحابه نقلهم،
ومن هنا نص عليه في الذكرى بل في الدروس أنه المشهور، إنما الاشكال في بعض
أفراد النقل، منها ما هو مستعمل في مثل زماننا من الأمكنة البعيدة جدا بحيث لا يجئ
الميت إلا متغيرا كمال التغيير حتى يكاد لا يستطيع أن يقرب إليه أحد، وربما تقطعت
أوصاله وجرى قيحه ونحو ذلك، ولم أعثر على من نص على جواز حمله، إلا أنه كان
يفتي به الأستاذ المعتبر الشيخ جعفر تغمده الله برحمته، حتى ترقى إلى أنه قال: " إنه لو
توقف نقله على تقطيعه إربا إربا جاز، ولا هتك فيه للحرمة إذا كان بعنوان النفع له
ودفع الضرر عنه كما يصنع مثله في الحي ".
وقد يستدل له بالأصل أولا وبفحوى خبر اليماني وغيره مما تقدم ثانيا، وبما
أشار إليه من الرجحان القطعي العقلي، وبأولويته من النقل بعد الدفن الآتي، وباطلاق
348

الأصحاب استحباب النقل إلى المشاهد، بل عن الفاضل الميسي صرح بعدم الفرق
بين القرب إليها والبعد مع إطلاق الأدلة في الدفن، لحمل ما دل على التعجيل على الاستحباب.
وفيه أن الأصل مقطوع بما دل على وجوب احترام المسلم وأن حرمته ميتا كحرمته
حيا، وأن الأصل في حكمة الدفن إنما هو ستر مثل هذه الأمور منه مراعاة لحرمته،
ودعوى أن مثل ذلك بهذا العنوان لا يعد هتكا ممنوعة، والحكم فيه العرف، وبه
يفرق بين الحي والميت، سيما مع عدم علمنا بوجود مصلحة في نقله تقابل هذه المفسدة
المحققة وغيرها مما يعلمه الله دوننا حتى يضمحل هذا الهتك في جانبها، إذ لا يوزن ذلك
إلا علام الغيوب ومن أودعهم أسراره وحكمته، ولم نقف على ما يدل على خصوص
ذلك منهم، بل لعل ترك السلف الماضين له من الصحابة والتابعين وغيرهم مع محافظتهم
وشدة اعتناء الأئمة (عليهم السلام) ببيان ما هو أقل من ذلك كاد يشرف الفقيه على
القطع بعدم مشروعيته.
وأما خبر اليماني فهو - مع أنه فعل غير معصوم وعدم ظهور الرضا من أمير المؤمنين
(عليه السلام) به، ولم يعلم كونه في الحال المتنازع فيه - لا يجوز التمسك به في إثبات
مثل هذا الحكم مع عدم الجابر والعاضد له.
وأما دعوى القطع العقلي بالرجحان المذكور فهي في حيز المنع عند تروي العقل
ومعرفته بقصوره عن إدارك أحوال ذلك العالم من مصالحه ومفاسده.
وأما إطلاق الأصحاب ففيه مع انصرافه إلى غير ذلك قطعا لا إطلاق في مثل
قول المصنف ونحوه: " ويكره النقل إلا إلى المشاهد " إذ هو استثناء من النقل الجائز على
كراهة، فلا شمول فيه لما لو كان النقل محرما، إذ لا ريب في حرمته مثل هذا النقل لو
كان لغير المشاهد، فتأمل جيدا.
وتصريح الفاضل الميسي بعدم الفرق المذكور لا يستلزم ما نحن فيه مع أنه صرح
349

الشهيد في الذكرى بتقييد استحباب النقل إلى المشاهد بالقرب وعدم خوف الهتك،
كما أنه صرح بتقييده أيضا بما لم يخش فساده ابن إدريس والمحقق الثاني وعن الشهيد الثاني
واستجوده في الحدائق.
وأما الأولوية المذكورة فبعد تسليمها إنما تثمر لو قلنا بذلك، وستعرف
الكلام فيه إن شاء الله.
وأما إطلاق الأدلة فهو وإن كان كذلك لا يعارضها أوامر التعجيل بعد حملها
على الاستحباب، إلا أنه لا يكاد يخفى على الممارس لكلمات الأصحاب في مقامات
وأخبار الباب ظهور الاتفاق منهم على تقييد تلك المطلقات بما إذا لم يؤد التعطيل فيه إلى
ظهور رائحته وانتهاك حرمته، بل لم يسوغوا على الظاهر الانتظار به بحيث يصل إلى
بعض هذا للكفن والغسل والكافور ونحوها، فأوجبوا دفنه بدونها، بل وكذا
الدفن في الأرض على ما صرح به بعضهم هناك، فيلقى في الماء، إلى غير ذلك، فالمراد
بمقابل التعجيل المحكوم بجوازه وعدم استحبابه إنما هو غير المؤدي إلى ذلك.
واحتمال القول بأن المعلوم من تقييد تلك المطلقات إنما هو إذا فسد بدون النقل
إلى تلك الأراضي المشرفة، وأما فيها فلا تعسف وتهجم - يدفعه التأمل والتتبع لكلمات
الأصحاب وأخبار الباب، بل قد يقال قويا: إن الاطلاقات قد تشهد للمطلوب باعتبار
ظهور كون المراد منها والمطلوب استمرار الدفن ودوامه في سائر الأوقات، إذ ليست
هي كالأمر بالضرب ونحوه مما يحصل الامتثال بايجاد الطبيعة قطعا، ومن هنا يجب دفنه
لو اتفق ظهوره، وهكذا. فحينئذ يكون المأمور به الدفن والتغطية من وقت حصول
الموت إلى حد خروج الميت عن حاله وصيرورته ترابا وشبهه. نعم أقصى ما هناك خروج
أن يقطع بعدم شمول لمثل ما نحن فيه، لا أقل من الشك، فيبقى ما ذكرناه سالما، فتأمل
جيدا فإنه دقيق نافع، ومع ذلك كله فبين إطلاق استحباب النقل وحرمة الهتك والمثلة
350

تعارض العموم من وجه، ولا ريب في رجحانها عليها سيما بعد تقديم شئ
من المندوبات عدا ذلك، كالانتظار به للجرائد ونحوها عليه، فتأمل فظهر لك
حينئذ من ذلك كله وجه الاشكال في هذا النوع من النقل، ولا ريب أن الاحتياط
يقضي بتركه، نسأل الله تعالى أن لا يحوجنا إليه، فإنه المنان العظيم الرحمان الرحيم.
و (منها) النقل بعد الدفن، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله عند تعرض
المصنف له.
(و) (منها) (أن يستند إلى القبر أو يمشي عليه) أو يجلس عند علمائنا أجمع
وأكثر أهل العلم كما في التذكرة، وقول العلماء كما في المعتبر، وفي المدارك نسب ما في
المتن إلى الأصحاب من دون علم خلاف فيه، بل حكى عن الخلاف الاجماع عليه،
قلت: وكفى بذلك حجة لمثله، مضافا إلى ما فيها من الاستهانة بالميت مع اتحاد حرمتيه
كما لعله يومي إليه ما ذكر من استحباب نزع النعال عند زيارة القبور، وإلى ما عساه
يشعر به أو يشمله قول الصادق (عليه السلام) (1) فيما تقدم: " كل ما جعل على القبر من
غير تراب القبر فهو ثقل على الميت " وقول الكاظم (ع) (2): " لا يصلح البناء على القبر
ولا الجلوس عليه " وإلى ما احتج عليه في الخلاف بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3)
أنه قال: " لأن يجلس أحدكم على جمر فتحترق ثيابه وتصل النار إلى بدنه أحب إلي
من أن يجلس على قبر " وفي المنتهى بعد أن نسب إلى الشيخ كراهة الجلوس على القبر
قال: وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (4) أنه قال: " لأن أمشي على
جمرة أو سيف أو خصف ونعلي برجلي أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم " وفي

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب الدفن - حديث 3
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الدفن - حديث 1
(3) كنز العمال ج - 8 - ص 99 الرقم 1871
(4) كنز العمال ج - 8 - ص 98 الرقم 1869
351

كشف اللثام (1) عنه (صلى الله عليه وآله) " لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي
من أن أطأ على قبر مسلم ".
وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في كراهة الأمور الثلاثة المتقدمة بعد ما عرفت،
فما يظهر من بعض متأخري المتأخرين - من الاقتصار على كراهية الجلوس عليه خاصة
عملا بقول الكاظم (عليه السلام) ولا دليل سواه، سيما بعد قول الكاظم (عليه السلام)
أيضا (2): " إذا دخلت المقابر فطأ القبور فمن كان مؤمنا استراح، ومن كان منافقا
وجد ألمه " - ضعيف جدا بعد ما عرفت، ومن هنا حمل هذه الرواية في الذكرى على
القاصد لزيارتهم بحيث لا يتوصل إلى قبر إلا بالمشي على آخر، وهو جيد، ولعله يلحق
به سائر أنواع الضرورة ولو توقف مستحب عليه، كما بلينا به في عصرنا هذا بالنسبة
إلى زيارة قبر سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه لا يتوصل إليه إلا
بوطئ القبور.
و (منها) تزيين النعش بوضع الثوب الأحمر أو الأصفر عليه كما أشار إليه العلامة
الطباطبائي في منظومته، لما في الدعائم عن علي (عليه السلام) (3) " أنه نظر إلى نعش
ربطت عليه حلتان: أحمر أصفر تزين بهما، فأمر بها فنزعت، وقال: سمعت
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول أول عدل الآخرة القبور، لا يعرف فيها غني
من فقير " وحينئذ فما يفعله الناس في هذا الزمان من وضع البرد الفاخرة عليه في غير محلة،
والله العالم.

(1) كنز العمال ج - 8 - ص 98 الرقم 1868
(2) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب الدفن - حديث 1
(3) المستدرك - الباب - 79 - من أبواب الدفن - حديث 6
352

الفصل (الخامس)
من الفصول الخمسة: (في اللواحق)
(وهي مسائل أربع: (الأولى) لا يجوز نبش القبور) من غير خلاف فيه كما اعترف
به بعضهم، بل هو مجمع عليه بيننا كما في التذكرة وموضع من الذكرى وجامع المقاصد ومجمع
البرهان وعن كشف الالتباس، بل وبين المسلمين كما في المعتبر وعن نهاية الإحكام وموضع
آخر من الذكرى إلا في مواضع، ولعله يرجع إليه ما في السرائر في المسألة الآتية، وهي
نقل الميت بعد دفنه أنه بدعة في شريعة الاسلام، وهو الحجة، مضافا إلى ما سمعته سابقا
من الكلام في قوله: " من جدد " بالجيم والخاء المعجمة، وإلى ما عساه يستفاد من التأمل
في الأخبار المستفيضة (1) الدالة على قطع يد النباش المذكورة في الحدود سيما بعد الانجبار بما
عرفت، وإلى ما فيه من المثلة بالميت وهتك الحرمة، واتفاق الاطلاع على بعض ما صنع به
في القبر، وإلى ما عرفته سابقا من شمول أوامر الدفن لسائر الأوقات التي منها آن النبش،
بل الظاهر كون المراد منها بعد تحقق الدفن إنما هو إبقاؤه مدفونا، كما أنه قبله وجوده
وبروزه، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.
نعم قد يستثنى من ذلك مواضع، (منها) ما لو بلي الميت وصار رميما كما نص عليه
جماعة، وإلا لزم تعطيل كثير من الأراضي، بل لعله اتفاقي كما صرح به في جامع
المقاصد، ويقرب منه ما في كشف اللثام من القطع به، قلت: ولعله كذلك لأنه لا
يدخل تحت مسمى نبش القبر، ثم إنه يختلف ذلك باختلاف الأرضي والأهوية،
ومع الشك فالظاهر الرجوع فيه إلى أهل الخبرة وإن كان في الاكتفاء به أيضا إن لم
يحصل العلم القطع به نظر وتأمل، وأولى منه في الاشكال ما لو حصل الظن باندراسه
من دون إخبارهم، وإن صرح بعض الأصحاب أن له النبش حينئذ، فإن وجده فيه

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب حد السرقة من كتاب الحدود
353

شيئا طمه، وذلك لاستصحاب عدم الاندراس وحرمة النبش، فالأقوى العدم، وينبغي استثناء
قبور الأنبياء والأئمة المعصومين (ع) من ذلك، كما أنه ينبغي استثناؤه أيضا من كثير من
الصور التي تسمعها، لمنافاته للتعظيم وما فيه من الهتك بالنسبة إلى أمثالهم مع عدم معلومية
اندراس أجسادهم (عليهم السلام)، بل لا يبعد إلحاق قبور العلماء والصلحاء والشهداء،
وكل ما كان في نبشه ذلك ولو بالآخرة كأولاد الأنبياء ونحوهم، سيما ما اتخذ منها مزارا
وملاذا و حف بأنواع التعظيم والتبجيل.
و (منها) أن يدفن في أرض مغصوبة ولو للاشتراك فيها كما صرح به جماعة
من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيد، بل لا أعرف فيه خلافا، بل قد يظهر من
كشف اللثام وغيره أنه مقطوع به، فللمالك حينئذ نبشه وقلعه إن لم يرض ببقائه،
كما أنه لا يجب عليه قبول القيمة لو بذلت له، نعم قد يقال بالوجوب حينئذ مع تعذر
الدفن في غيرها بناء على وجوب ذلك عليه ابتداء، وإلا لم يجب أيضا كما هو قضية
الأصل، وتوقف التجارة على التراضي، ولعله لا يخلو من قوة، ولا فرق فيما ذكرنا
بين زيادة هتك حرمة الميت من تقطيع ونحوه وعدمه، ولا بين قلة الضرر على المالك
وكثرته، ولا بين الوراث والأرحام وغيرهم، ولولا ظهور اتفاق من تعرض لذلك
عليه إن لم يكن اتفاقا مطلقا لأمكن المناقشة في إطلاق هذا الحكم من حيث عدم ذكر دليل
له سوى أنه مراعاة حرمة الحي، وحقه الذي هو مبني على الضيق. وفيه أنه معارض
بحرمة الميت التي هي كحرمته، وفعل الغاصب إنما يسقط حرمة نفسه لا حرمة غيره التي
يجب مراعاتها عليه وعلى المالك، فالمتجه حينئذ بعد مراعاة الميزان في الحرمتين وفرض
التساوي فيهما الجمع بين الحقين ببذل القيمة ولو من تركة الميت أو من ثلثه أو بيت المال،
ولا تتعين على الغاصب.
وكيف كان فلا ريب أن الأولى بل الأفضل كما صرح به غير واحد قبول
354

القيمة من المالك، سيما إذا كان وارثا أو رحما، وفي إلحاق ملك المنفعة دون العين بمالكها
في الحكم المذكور وجه قوي إن لم يكن متعينا وإن كانت ملكا للغاصب، كما يقوى إلحاق
من كان ابتداء وضعه بحق شرعي دون الاستدامة بالغاصب العادي، كمن استأجر
أرضا مدة يدفن فيها ميتا ثم انقضت المدة وأن كان غير عاد في وضعه، ويحتمل العدم،
فيساوي كل ما ليس بعاد وغاصب كالمشتبه والغافل ونحوهما، فيجمع بين الحقين بالالزام
بالقيمة، فتأمل.
و (منها) لو كفن بثوب مغصوب من غير خلاف أجده فيه، بل قد يظهر من
كشف اللثام كونه مقطوعا به أيضا إلا من العلامة في المنتهى، حيث فرق بينه وبين
السابق بتعذر تقويم الأرض إلى بلى الميت بخلافه هنا، وفيه أنه ممكن بتقويمها مدة
يقطع فيها ببلاء الميت، وكذا الفرق باشراف الثوب على الهلاك بالتكفين بخلاف الأرض
لأن الفرض قيامه، نعم قال في الذكرى وتبعه عليه غيره: " ربما احتمل أنه إن أدى
إلى هتك الميت بظهور ما ينفر منه لم ينبش، وإلا نبش، لما دل (1) على تساوي حرمتيه "
قلت: ومثله يأتي في سابقه أيضا، وهو مما يؤيد ما قدمناه آنفا،
و (منها) لو وقع في القبر ما له قيمة فإنه يجوز نبشه لأخذه بلا خلاف أجده فيه أيضا،
وبه صرح في المعتبر والتذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها من غير فرق فيه بين
القليل والكثير، ولا بين ما إذا بذل قيمة أولا كما نص عليهما بعضهم، وفي الذكرى
أنه روي (2) " أن المغيرة بن شعبة طرح خاتمه في قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ثم طلبه، ففتح موضعا منه فأخذه، وكأن يقول: أنا آخركم عهدا برسول الله (صلى الله
عليه وآله) " قلت: ولا يخفى عليك أولوية جريان ما سبق من الاشكال في المقام سيما

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب التكفين - حديث 1
(2) المهذب ج - 1 - ص 138
355

بعض أفراده، وأما الرواية فلا ريب أنها عامية كما قطع بذلك في الحدائق، مع ما فيها
أولا من ظهور كون الطرح عمدا، وينبغي القطع بعدم جوازه في مثله، لكونه المضيع
لماله، وثانيا أنه لا يجري الحكم المذكور في مثل قبر النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة
(عليهم السلام) وإن أطلق الأصحاب، وأيضا قال في الحدائق: " وقد ورد في بعض
الأخبار (1) التي لا يحضرني الآن موضعها عن علي (عليه السلام) تكذيبه في دعواه
ذلك " قلت: وهو الصواب، فإن المغيرة وأمثاله من المنافقين في السقيفة يومئذ،
وأين هم من حضور دفنه (صلى الله عليه وآله)؟.
و (منها) ما ذكره في الذكرى وتبعه عليه غيره من أنه يجوز النبش عليه أيضا
للشهادة على عينه، ليضمن المال المتلف، أو لقسمة ميراثه واعتداد زوجته، لأنه
موضع ضرورة، وهو - مع أنه إنما يتم لو علم أن النبش محصل لذلك وكان متوقفا
عليه، وإلا فبدونه يحرم قطعا - قد يناقش فيه باطلاق الاجماع المحكي على حرمة النبش
سيما ما في المعتبر، حيث حكاه على ما عدا أربع صور، وليست هذه منها.
و (منها) ما ذكره الشيخ في المبسوط، وهو ما لو دفن في أرض ثم بيعت فإنه
يجوز للمشتري حينئذ قلعه، ولعل وجهه أنه لم تسبق منه إذن، فكانت كالمغصوبة
بالنسبة إليه، وفيه منع واضح، إذ لا ينتقل للمشتري إلا السلطنة التي كانت للبائع
دون غيرها، إذ هو فرعه، ولم يكن ذلك جائزا له وإن كان بعنوان العارية، للزومها
في مثل المقام إلى أن يبلى الميت، لمكان ابتنائها في نحوه عليه، فالمشتري تابع له حينئذ.
نعم إنما يتم ما ذكره لو فرض غصبية الأرض فباعها المالك الأصلي، إذ يكون حينئذ
كالصورة الثانية. وما يقال: إن حرمة النبش منشأها الاجماع المفقود في المقام،
فالأصل الجواز في غاية الضعف، إذ بعد التسليم فخروج الشيخ لا يقدح في المحصل

(1) كنز العمال ج - 4 - ص 56 الرقم 1128 و 1129
356

منه فضلا عن المنقول، ومن هنا أنكره عليه من تأخر عنه كالفاضلين والشهيد والمحقق
الثاني، وهو كذلك.
و (منها) ما لو دفن بغير غسل، فيجوز نبشه حينئذ كما في المنتهى محافظة على الواجب
الذي يمكن تداركه، ولا دليل على سقوطه بذلك، فاستصحابه محكم، أنه لا دليل
على حرمة النبش في مثل المقام، فأصالة البراءة فيه محكمة، على أنه قد يقال: إنه لا احترام
لمثل هذا الدفن، لكونه منهيا عنه من حيث تأخر الأمر به عن الغسل أو ما يقوم مقامه،
فلا اعتبار به، لانصراف حرمة النبش إلى الاقبار الشرعي، والظاهر إرادته ما إذا لم
يخش فساد الميت بقرينة نصه على عدم النبش مع التقطيع في القبر، ونسبته ما اختاره أولا
للشافعي، والمنقول عنه التقييد الذي ذكرناه، ولذا قال في المدارك: " والذي يظهر لي قوة
ما ذهب إليه الشافعي من وجوب النبش لاستدراك الغسل إذا لم يخش فساد الميت، لتوقف
الواجب عليه، والمثلة مع خوف الفساد لم يثبت كونها مسقطة لذلك " انتهى
وخالف في ذلك الشيخ في الخلاف، وتبعه المصنف في المعتبر والعلامة في التذكرة وإن
احتمل الأول فيها أيضا والذكرى وجامع المقاصد وغيرها، لأنه مثلة فيسقط الغسل
معها، ولاطلاق الفتاوى بحرمة النبش من دون استثناء ذلك، بل لعله بعض معاقد
الاجماعات المحكية كذلك، وفي الخلاف أنه يدل عليه عموم كل خبر يتضمن النهي عن
نبش القبور، ولعله وقف على ما لم نقف عليه، كما هو مظنة ذلك.
وقد يقوى في النظر التفصيل بين كون الاخلال بالغسل لعذر شرعي كعدم
الماء مثلا ونحوه وبين عدمه بل كان عصيانا ونحوه، فالأول لا ينبش بخلاف الثاني تحكيما
لما دل على كل منهما فيهما مع عدم انصراف شئ منهما إلى مفروض الآخر، فلا تشمل
أدلة الغسل للمدفون بعد تعذره، ولا أدلة النبش للمدفون مع التمكن منه،
بل لعله ليس
دفنا، كل ذا مع عدم انهتاك الحرمة من جهة أخرى كالفساد الطاري ونحوه، وإلا وجب
357

مراعاتها، فتأمل جيدا. وقد يلحق بالأول مختل الغسل بما يفسده ولم يعلم به حتى دفن
فلا ينبش، كما أنه يلحق بالثاني معلوم الفساد قبله فينبش.
وليس ترك الكفن والصلاة كترك الغسل، ولذا صرح في المنتهى هنا بعدم
النبش لهما، بل لا أجد فيه خلافا إلا من البيان والمدارك في خصوص التكفين، فجعلاه
كالغسل في النبش له، وكأنه لاتحاد طريق المسألتين وعدم الفرق في البين، لكن ذكر
غير واحد من الأصحاب الفرق بامكان تدارك الصلاة من غير نبش، لأن لها وجه
مشروعية من فوق القبر، وباغناء القبر عن ستر الكفن، وهو لا يخلو من قوة بالنسبة
للصلاة، ومن وجه في الكفن، إلا أن الأقوى منه مساواة الكفن للغسل، فيجري فيه
ما تقدم.
وأما الاستقبال في القبر ففي البيان أنه ينبش له، وفيه تأمل، وقد تبنى المسألة
فيما نحن فيه ونظائره على تعارض الواجب والمحرم، فيفزع إلى الترجيح بالمرجحات الخارجية
ومع عدمها فالأحوط ترجيح جانب الحرمة، وإن كان الأقوى التخيير حينئذ،
ومبنى الحكم في كثير من المسائل السابقة أن النبش محرم إلا ما علم خروجه، أو جائز
إلا ما علم حرمته، كما أن مبناه في جملة منها أيضا على تقدم مراعاة حق الحي على حرمة
الميت وعدمه، فتأمل جيدا.
ولو كفن في حرير ودفن فالأقوى أنه كالمدفون عريانا، فقد يتأنى حينئذ بناء
على النبش فيه هناك جوازه أو وجوبه هنا، لكن الذي صرح به الشهيد والمحقق الثاني
وغيرهم حرمة النبش له، وفي كشف اللثام أن فيه وجهين، من كونه كالمغصوب وكذي
القيمة الواقع في القبر فإنه غير مشروع، ومن أن الحق فيه لله، وحقوق الآدميين
أضيق. قلت: قد يفرق بينه وبين المغصوب بكونه هو المتلف له حقيقة هنا بخلافه
هناك، كما أنه قد يقال بالنسبة للوجه الثاني أن معه حق آدمي أيضا لعدم ذهاب ماليته
358

وخروجه عن المملوكية بذلك، وكيف كان فالمتجه ما عرفت، فتأمل.
ولو ابتلع ما له قيمة كجوهرة ونحوها ومات ثم دفن فجواز النبش عليه موقوف
على جواز شق جوفه، والذي صرح به الشيخ في الخلاف العدم، لأن حرمته
ميتا كحرمته حيا، ولا يجوز شقها في الحي لذلك فكذا الميت، ولا فرق فيه بين كون
المال له فانتقل إلى الورثة بموته وبين كونه لغيره، وفي المحكي من عبارة التذكرة الفرق
بينهما، فاستوجه الشق وفاقا للشافعي في الثاني، لما فيه من دفع الضرر عن الملك
برد ماله إليه، وعن الميت بابراء ذمته، وعن الورثة بحفظ التركة لهم، وظاهره
التوقف في الأول من كونه مالا له واستهلكه في حياته فلم يثبت للورثة فيه حق، ومن
أنها صارت ملكهم بموته فهي كالمغصوبة، قلت: ولعل التوقف في السابق أيضا، كما
هو ظاهر المعتبر وغيره، لما سمعت من التذكرة ومما تقدم من الخلاف، واحتمال القول
بأنه أسقط حرمته بابتلاعه كاحتمال تقديم حق الآدمي الحي عليه كما مر نظيره لا يفيد
النفس اطمئنانا تعذر به عند بارئها، سيما بعد المعارضة باحتمال مثلهما، كعدم الضرر
على المالك ببذل القيمة أو المثل، مع ما فيه من الجمع بين الحقين ومراعاة الحرمتين،
بل لعل حفظ حرمة المؤمن أهم في نظر الشارع من حرمة المال، فتأمل.
ثم إنه إذا لم ينبش تؤخذ القيمة من تركته كما صرح به في الذكرى لأنه كما لو
أتلفه في حياته، إلا أن الفرق بينهما أنه لو اتفق خروجه إما بأن يبلى وتنتفي المثلة بنبش
قبره فنبش ووجد أو بغير ذلك يرجع ما أخذه، لرجوع ماله إليه وعدم زوال ملكه
عنه، ويأتي تحقيقه في الغصب إن شاء الله.
ولو وجد بعض أجزاء الميت بعد دفنه لم ينبش، بل دفنت في جانبه كما في
المعتبر والذكرى، أو نبش من القبر ودفن كما في الأول خاصة، لما في النبش من
المثلة التي ليست في تفرق الأجزاء، نعم قال في الذكرى: " إنه لو أمكن إيصاله بفتح
359

موضع من القبر بحيث لا يؤدي إلى ظهور الميت أمكن الجواز، لأن فيه جمعا بين أجزائه
وعدم هتكه " انتهى. قلت: ولعله من ذلك ومما تقدم من المعتبر كفحاوي كلمات
الأصحاب وتعليلاتهم ينقدح أن المراد بالنبش المحرم إنما هو ما يؤدي إلى ظهور الميت
وبروزه لا ما إذا لم يكن كذلك، فعلى هذا لو كان الميت في لحد مطبوق عليه جاز
نبش تمام القبر، وكذا لو كان في أسفل القبر وأردنا دفن ميت آخر دونه وهكذا لم
يكن بذلك بأس، فتأمل جيدا.
(و) كذا (لا) يجوز (نقل الموتى بعد دفنهم) إلى غير المشاهد المشرفة إجماعا
كما في المسالك والرياض، ولعله كذلك من حيث النظر إلى تحريم النبش، وإلى ما هنا
من التتبع، فلم نعثر على مخالف عدا ما عساه يظهر من الوسيلة، حيث قال: " يكره
تحويله من قبر إلى آخر " وهو مع إمكان تنزيله على غير محل البحث لا يقدح في ذلك،
ولا أحد حكي عنه سوى ابن الجنيد، حيث أنه أطلق نفي البأس عن التحويل لصلاح
يراد بالميت، ويجري فيه ما تقدم أيضا وغيره.
بل وإلى المشاهد المشرفة على المشهور كما في الروض والحدائق وعن المسالك والكفاية،
بل لعلها محصلة، إذ هو خيرة السرائر والنافع والتذكرة والقواعد والمنتهى والمختلف
والذكرى والبيان وكشف اللثام وعن الغرية ونهاية الإحكام والاصباح وظاهر المسلك،
بل في السرائر أنه بدعة في شريعة الاسلام.
خلافا لظاهر الروض والمدارك والمحكي عن أبي العباس في الموجز، والمحقق
الثاني في الجعفرية، والشهيد الثاني في الروض، وفي جامع المقاصد أن الجواز لا يخلو
من قوة كما عن فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد وشرح الجعفرية، إلا أنه قيد فيه
كالروض قوة الجواز بأن لا يبلغ الميت حالة يلزم من نقله هتكه ومثلته بأن يصير متقطعا
ونحوه، وفي المبسوط وعن النهاية ومختصر المصباح ورود رخصة بالجواز سمعناها مذاكرة
360

إلا أنه قال في الأول: الأفضل العدم، كما أنه في الثاني والأصل ما قدمناه لثالث
الأحوط العدم، ولعله يستفاد منه في غير النهاية الجواز، وفي الجامع يحرم نبشه بعد
الدفن، ورويت رخصة في جواز نقله إلى بعض المشاهد سمعت مذاكرة، وفي المصباح
وإذا دفن فلا ينبغي نقله، وقد رويت رواية بجواز نقله إلى بعض المشاهد، والأول
أفضل، وقد تقدم ما سمعته من ابني الجنيد وحمزة.
والأقوى الأول لاطلاق أو عموم ما دل على حرمة النبش من الاجماعات السابقة
وغيرها سيما ما في المعتبر من دعوى إجماع المسلمين على حرمته إلا في صور أربع، ولم تكن
هذه منها، ولعل غيره كذلك أيضا، هذا أن لم نقل أنه الموافق لأوامر الدفن المراد
منها بعده استدامته كما تقدم تحقيقه سابقا، فلاحظ.
وقد استدل بذلك أي بحرمة النبش جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد
والمحقق الثاني وغيرهم، بل لا دليل لهم سواء كما اعترف به بعضهم، واعترضه في
المدارك والرياض تبعا لجمع البرهان بخروجه عن محل النزاع، إذ المراد هنا النقل بعد
الدفن من حيث هو كذلك من دون نظر إلى نبش، فربما يقع منه وهو محرم، وقد
لا يكون كذلك كما إذا وقع بفعل غير المكلف أو بفعله خطأ أو نسيانا.
وفيه أنه لا يخفى على الملاحظ لكلمات الأصحاب أن محل النزاع في ذلك إنما هو
من حيث النبش كما يشعر به استدلالهم عليه به، بل جعله بعضهم من الصور المستثناة
منه.
نعم قد يظهر من عبارة المتن كالقواعد كون حرمته لنفسه لا من حيث النبش
لمكان عطفهما له عليه، ولعلهما أرادا التنصيص عليه، لوقوع الجواز في كلام بعض
من تقدمهما، فيكون حينئذ من عطف الخاص على العام، أي لا يجوز مطلق النبش
ولا النبش للنقل، كما أن مراد من أطلق حرمة النقل بعد الدفن إنما هو الغالب من توقفه
361

على النبش غالبا، وأن من جوز أراد جواز النبش لذلك، وإلا فلم نقف على ما يدل
على المنع منه بحيث يختص به على النقل سابقه حتى يحصل الفرق بينهما في الجواز وعدمه،
إذ هو مع قطع النظر عن النبش ميت لم يدفن، فيجري ما يجري فيه من الأحكام
ومجرد وضعه في حفرة آنا ما ثم أخرج منها وبقي مكشوفا لم يقلب حكمه.
اللهم إلا أن يقال: إنه لما دفن لم تبق مصلحة في نقله من حيث وقوع السؤال
له ورؤيته تلك الأحوال ونحو ذلك، وفيه - مع أنه لا يقضي بالحرمة، إذ أقصاه أنه
يكون كالنقل قبل الدفن إلى ما لا صلاح للميت فيه في الكراهة - لا تنحصر المصالح
والمفاسد بذلك، وكيف ومنها الشفاعة في يوم القيامة، أو تخفيف ما هو فيه ونحو ذلك،
أو يقال إن في نقله من نفس القبر هتكا للحرمة ومثلة به بخلافه قبل الدفن، فلذا يحكم
بالحرمة من دون نظر إلى النبش، وفيه - مع أنه ممنوع بل هو مساو له قبله في كل
ما يفرض - أنه ينبغي أن تخص حينئذ الحرمة بما إذا كان النقل من نفس القبر، أما
لو كان من غيره كما لو اتفق أنه نبشه نابش فأخرجه عن قبره فلا، بل اللازم اختصاصها
بذلك الآن الذي أخرج منه، أما بعد خروجه وإرادة نقله فلا.
وكيف كان فالأقوى الجواز مع قطع النظر عن النبش، فيكون كما لو لم يدفن.
فيقيد عندنا حينئذ بما لم يكن فيه هتك لحرمته من خروج رائحة ونحوها، كما أن الأقوى
العدم مع النظر إليه، لما عرفت من الأدلة على حرمته، وما يقال -: إن دليله الاجماع
وهو مفقود في محل النزاع، فالأصل الجواز - ضعيف، لما عرفته من إطلاق الاجماعات
المنقولة، بل إطلاق أوامر الدفن وغير ذلك
ومثله ما يقال من تقييد هذه الأدلة في خصوص ما نحن فيه بالرواية المرسلة على
لسان من عرفت، بالأخبار السابقة المتضمنة لنقل نوح عظام آدم (على نبينا وآله
وعليهما السلام) إلى الغري، وموسى يوسف (على نبينا وآله وعليهما السلام) إلى الشام،
362

وكونه فعل الشرع السابق قد عرفت دفعه، كل ذا مع التأييد بما فيه من صلاح الميت
ودفع الضرر عنه بمجاورته من هو أهل لجلبه ودفعه، بل قد يتمسك باطلاق ما دل على
استحباب الدفن في أراضيهم وجوارهم الشامل لما بعد الدفن أيضا، وهو إما خاص
بالنسبة إلى حرمة النبش أو من وجه، والترجيح له بما عرفت، وبما نقل عن جملة
من علمائنا أنهم دفنوا ثم نقلوا كالمفيد من داره بعد مدة إلى جوار الكاظمين (عليهما السلام)
والمرتضى من داره إلى جوار الحسين (عليه السلام)، والبهائي من إصبهان إلى المشهد
الرضوي على مشرفه السلام، وقد كان في مثل هذه الأوقات من الفضلاء ما لا يحصى
عددهم إلا الله، سيما في زمن المفيد والمرتضى مع شدة قربه أيضا لزمان الأئمة (عليهم السلام)
والمعاصرين للمعاصرين لهم.
وفيه أنه لا ينطبق على أصولنا، إذ تقييد تلك الأدلة مع تعددها وتأيدها بمثل
هذه الرواية المرسلة التي لا جابر لها، بل عرفت عمل المشهور على خلافها، بل ظاهر
من أرسلها عدم الالتفات إليها في النهاية، كما أنه في غيرها جعل العدم أفضل وأحوط،
وكذا الخبران الآخران، مع إمكان اختصاصهما بمضمونهما، وعدم القصد من النقل
التعليم، كما لعله الظاهر في خصوص المقام، واحتمال تنزيل خبر نوح (عليه السلام)
على عدم النبش، بل كان أخرجه الماء أو حذرا من إظهار الماء له فيخرج عن الدفن
حينئذ، وهو مناف لحرمة مثله إلى غير ذلك، والعلم بأن ذلك صلاح للميت أو فساد
مختص بعلام الغيوب، فلعل في النبش مفسدة تقابل المصلحة وتفضل عليها، بل عرفت
أن الشيخ في المصباح صرح بأن الأفضل العدم، فلا طريق لنا إلا التعبد بظاهر الأدلة،
ومن الغريب التمسك بما ذكر على استحباب الدفن في المشاهد ونحوها، إذ هي بعد
تسليم الترجيح لها على فرض العموم من وجه صريحة أو كالصريحة في غير المدفون
لا فيه على أن ينبش فيدفن فيها، كما هو واضح، ونقل أولئك العلماء مع عدم ثبوته
363

لا يقضي بكون ذلك رأي فضلاء الوقت، بل يكفي فيه تقليد الولي لواحد وإن كان
الباقي على خلافه، على أن ذلك ليس من الحجج الشرعية.
فلا ريب أن الأقوى العدم حينئذ، سيما إذا كان مع ذلك متضمنا لهتك
حرمته ومثلته من خروج رائحة وقيح وتغير أحوال بحيث يتجنبه كل من يراه وتقطع
أوصال، بل لعل حرمة ذلك متفق عليه بين الجميع، كما يشير إليه ما عرفته من التقييد
في جامع المقاصد والروض هنا، وكيف وقد عرفت اشتراط النقل قبل الدفن به عند
جماعة، فبعده أولى، بل ربما ظهر من الأردبيلي كون ذلك مجمعا عليه بينهم، ولعل
اشتراط جواز النقل قبل الدفن بما لم يكن فيه هتك للحرمة مناف لجوازه بعد الدفن،
لما في النبش نفسه من هتكها، اللهم إلا أن يقال: إنه لا هتك في نفس النبش وإن ذكر
فيه ذلك، فتأمل جيدا.
ثم إنه لا ريب في جواز البكاء على الميت نصا (1) وفتوى للأصل، والأخبار
التي لا تقصر عن التواتر معنى من بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) على حمزة (2) وإبراهيم
(ع) (3) وغيرهما (4) وفاطمة (عليها السلام) على أبيها (5) وأختها (6) وعلي بن الحسين
(عليهما السلام) على أبيه (7) حتى عد هو وفاطمة (عليهما السلام) من البكائين الأربعة،
إلى غير ذلك مما لا حاجة لنا بذكره، بل ربما يظهر من بعض الأخبار استحبابه عند
اشتداد الوجد، وقول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن وهب (8) المروي عن
أمالي الحسن بن محمد الطوسي: " كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل

(1) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب الدفن
(2) سير الحلبية - ج 2 - ص 323
(3) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 6 - 7
(4) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 6 - 7
(5) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 3 - 6 - 7
(6) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 10 - 9
(7) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 10 - 9
(8) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 1 - 10 - 9
364

الحسين (عليه السلام) " محمول على ضرب من التأويل، وأما ما روي (1) - من أن
الميت يعذب ببكاء أهله فمع الطعن فيها بالعامية كما عن عائشة أولا، وبوهم الراوي
واشتباهه ثانيا، وقصورها عن معارضة غيرها من وجوه عديدة ثالثا، ومنافاتها للعقل
والنقل على أن لا تزر وازرة وزر أخرى رابعا، إلى غير ذلك - فقد أجاد في الذكرى
في الكلام عليها، فلاحظ، وكذا بعض الأخبار الدالة (2) بظاهرها على النهي عن
البكاء فلتحمل على المشتمل على علو الصوت والشق واللطم أو المتضمن للجزع وعدم
الرضا بقضاء الله تعالى أو غير ذلك، كما في الأخبار (3) إشارة إليه حيث اعترض على
النبي (صلى الله عليه وآله) في بكائه على إبراهيم بأنك قد نهيت عن البكاء. فتأمل جيدا.
ولعله من جواز البكاء يستفاد جواز النوح عليه أيضا لملازمته له غالبا، مضافا
إلى الأخبار (4) المستفيضة حد الاستفاضة المعمول بها في المشهور بين أصحابنا، بل في
المنتهى الاجماع على جوازه إذا كان بحق، كالاجماع على حرمته إذا كان بباطل،
وروي (5) " أن فاطمة (عليها السلام) ناحت على أبيها، فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه،
يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه " كما روي عن علي (عليه السلام) (6)
" أنه أخذت قبضة من تراب قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فوضعتها على عينها ثم قالت:
ماذا على المشم تربة أحمد * أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا

(1) كنز العمال ج - 8 - ص 90 الرقم 1725
(2) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 9 - 8
(3) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 9 - 8
(4) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب الدفن
(5) البحار ج - 6 - ص 1042 من طبعة الحروفي
(6) المغني لابن قدامة - ج 2 ص 547
365

وروي (1) " أن أم سلمة ندبت ابن عمها المغيرة بين يدي رسول الله (صلى الله
عليه وآله) بعد أن استأذنت منه للمضي إلى أهله، لأنهم أقاموا مناحة وقالت:
أنعى الوليد بن الوليد * أبا الوليد فتى العشيرة
حامي الحقيقة ماجدا * يسمو إلى طلب الوتيرة
قد كان غيثا في السنين * وجعفرا غدقا وميرة
فلم ينكر عليها " وعن الصادق (عليه السلام) في الصحيح (2) أنه " قال أبي:
يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى " وقد
يستفاد منه استحباب ذلك إذا كان المندوب ذا صفات تستحق النشر ليقتدى بها.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) " لما انصرف من وقعة أحد إلى المدينة سمع
من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا، ولم يسمع من دار عمه حمزة، فقال (صلى الله
عليه وآله): لكن حمزة لا بواكي له فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى
يبدأوا بحمزة وينوحوا عليه ويبكوا، فهم إلى اليوم على ذلك " إلى غير ذلك من
الأخبار الكثيرة الصريحة في المطلوب، وهي وإن كانت هناك أخبار (4) في مقابلها
تدل على خلافها، بل الشيخ وابن حمزة في المحكي عنه عملا بمضمونها من عدم الجواز،
مدعيا الأول منهما الاجماع، لكنها مع ضعفها وعدم صراحتها محتملة للتقية، وللنوح
بالباطل المشتمل على لطم الوجه والضرب وقول الهجر ونحو ذلك، كما يفهم من بعضها،

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب ما يكتسب به - حديث 2 - 1 من كتاب التجارة
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب ما يكتسب به - حديث 2 - 1 من كتاب التجارة
(3) الوسائل - الباب - 88 - من أبواب الدفن - حديث 3
(4) الوسائل - الباب - 83 - من أبواب الدفن
366

ويقتضيه قواعد الاطلاق والتقييد، بل يحتمل تنزيل كلامهما عليه أيضا، ويرشد إليه
دعوى الاجماع منه، لما عرفت من أن ما نحن فيه مظنة الاجماع لا العكس وبذلك
يظهر أنه لا بأس بأجر النائحة نوحا محللا كما دلت عليه بعض الأخبار (1) وتقتضيه
الأصول والقواعد، ويأتي الكلام فيه في المكاسب إن شاء الله، لكن يكره النوح
بالليل لخبر خديجة (2) بنت علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين (عليهم السلام) قالت:
" سمعت محمد بن علي (عليهما السلام) يقول إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل
دمعتها، ولا ينبغي لها أن تقول هجرا، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة " نعم لا يجوز
اللطم والخدش وجز الشعر إجماعا حكاه في المبسوط، ولما فيه من السخط لقضاء الله
تعالى، وخبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) (3) " لا شئ في لطم الخدود
سوى الاستغفار والتوبة " بل في الأخيرين الكفارة كما يأتي في محله إن شاء الله.
(ولا شق الثوب على غير الأب والأخ) كما في الوسيلة والمنتهى والإرشاد، ونسبه
في المبسوط إلى الرواية، وفي ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب، وقضية هذا الاطلاق
عدم الفرق فيه بين الرجل والمرأة، لكنه قد يشعر اقتصار العلامة في القواعد على الأول
كما عن الشيخين بجوازه للمرأة، بل على جميع الأقارب، وعنه في النهاية التصريح
به، ومال إليه في المدارك وكذا الذكرى، كما عن المحقق الثاني في فوائد الكتاب اختياره.
وكيف كان فلا أعرف خلافا معتدا به في حرمته بالنسبة للرجل في غير الأب
والأخ، بل في المحكي عن مجمع البرهان دعوى الاجماع عليه كظاهر غيره، سوى
ما يحكي عن كفارات الجامع " لا بأس بشق الانسان ثوبة لموت أخيه ووالديه وقريبه،

(1) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب الدفن - حديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الكفارات - حديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات
367

والمرأة لموت زوجها " لكنه ضعيف محجوج بما عرفت من الاجماع المحكي صريحا وظاهرا
الذي قد يشهد له التتبع المؤيد بكونه إتلافا للمال وتضييعا له ومنافيا للصبر والرضا بقضاء الله
تعالى، وبالمرسلة المروية في المبسوط المنجبرة به وبغيره مما ستسمعه إن شاء الله في المرأة،
وبالمعلوم من وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) عند الموت
ونهيهم (1) عن الشق عليهم والخمش.
فلا وجه حينئذ للتمسك بالأصل بعد انقطاعه بما عرفت، كخبر خالد بن سدير
عن الصادق (عليه السلام) (2) بعد أن سأله عن رجل شق ثوبة على أبيه أو على أمه أو
على أخيه أو على قريب له " لا بأس بشق الجيوب، قد شق موسى على أخيه هارون،
ولا يشق الوالد على والده، ولا زوج على امرأته، وتشق المرأة على زوجها، وإذا شق
زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين، ولا صلاة لهما حتى يكفر أو يتوبا
من ذلك - إلى أن قال بعد ذكر الكفارة على الجز والخدش -: ولا شئ في اللطم على
الخدود سوى الاستغفار والتوبة، ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على
الحسين بن علي (عليهما السلام)، و على مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب " إذ هو وإن
أطلق فيه نفي البأس أولا لكن المراد منه بقرينة ما بعده - مع الطعن في سنده ولا جابر -
أنه لا بأس به في الجملة، فلذا كان الاستدلال به عليه من حيث تضمنه النهي عن شق
الوالد على الولد متمما بعدم القول بالفصل أولى من العكس.

(1) الوسائل - الباب - 83 - من أبواب الدفن - حديث 5 والمستدرك الباب 72
من أبواب الدفن - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الكفارات - حديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات
368

وكذا ما عساه يستدل له به أيضا من خبر الحسن الصيقل (1) " لا ينبغي الصياح
على الميت، ولا شق الثياب " من حيث ظهور " لا ينبغي " في الكراهة لوجوب إرادة الحرمة
منه هنا بقرينة ما عرفت إن لم نقل بظهورها فيها بنفسها، بل قيل إنها شائعة في الأخبار
بذلك، مضافا إلى ما في الحدائق من أن الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب حرمة
الصراخ، وإنما الجائز النوح بالصوت المعتدل، فيجب حينئذ إرادة الحرمة منها
بالنسبة إليه، فيتبعه الشق، وإلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أو المشترك في
معنييه أو غيرهما، مما هو موقوف على القرينة وليست. قلت: ومع ذلك فالموجود
فيما حضرني من نسخة الوسائل " ولا تشق الثياب " فيكون حينئذ نهيا مستقلا، كما أن
الموجود فيها بالنظر إلى السند عن امرأة الحسن الصيقل، إلا أن المعروف في كتب
الفروع عن الحسن الصيقل، وفي الذكرى الصفار بدل الصيقل، والأمر سهل.
ومن استدلال الصادق (عليه السلام) بشق موسى على أخيه هارون (على نبينا
وآله وعليهما السلام) ومرسلة المبسوط المتقدمة المنجبرة بفتوى الأصحاب عدا النادر،
بل نسبه غير واحد إليهم بدون استثناء يستفاد حكم المستثنى أي جواز الشق على الأب
والأخ، مضافا إلى ما حكى في الفقيه وغيره مرسلا من شق العسكري (ع) (2) قميصه من
خلف وقدام عند موت أبيه (ع) وعن كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن
جعفر الحميري عن أبي هاشم الجعفري قال (3): " خرج أبو محمد (ع) في جنازة أبي الحسن
(عليه السلام) وقميصه مشقوق، فكتب إليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة
(عليهم السلام) شق قميصه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام) يا أحمق وما

(1) الوسائل - الباب - 84 - من أبواب الدفن - حديث 2
(2) الوسائل - الباب - 84 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 84 - من أبواب الدفن - حديث 4 - 5
369

يدريك ما هذا، قد شق موسى على هارون " ونحوه المحكي عن الكشي في كتاب الرجال
مسندا، فما عن ابن إدريس من القول بالحرمة فيهما ضعيف، بل لا يبعد القول
حينئذ بالاستحباب للتأسي.
كما أنه من ذلك وما تقدم بل أولى منه يستفاد جوازه للمرأة أيضا فيهما، مع
أنه لا خلاف فيه إلا منه أيضا، وهو ضعيف كسابقه، لما عرفت مما تقدم، مضافا
إلى ما في خبر خالد بن سدير (1) عن الصادق (عليه السلام) " ولقد شققن الجيوب
ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود
وتشق الجيوب " إذ من المعلوم فيهن بناته وأخواته.
وأما شقها في غيرهما فالا حوط والأولى تركه إن لم يكن أقوى، لأصالة الاشتراك
في الحكم، ولمرسلة المبسوط السابقة المنجبرة باطلاق فتوى كثير من الأصحاب، وبمنافاته
للصبر والرضا بقضاء الله، وبأنه تضييع، وبخبر الصفار بناء على ما وجدناه، وبما
رواه في البحار عن دعائم الاسلام (2) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) " أنه أوصى عندما
احتضر، فقال: لا يلطمن علي خد ولا يشقن علي جيب، فما من امرأة تشق جيبها
إلا صدع لها في جهنم صدع، كل ما زادت زيدت " وبما رواه في البحار أيضا عن مسكن
الفؤاد عن ابن مسعود (3) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس منا
من ضرب الخدود وشق الجيوب " وعن أبي أمامة (4) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور " وبما رواه فيه أيضا
عن مشكاة الأنوار نقلا عن كتاب المحاسن (5) عن الصادق (عليه السلام) في قول

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الكفارات - حديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات
(2) المستدرك - الباب - 72 - من أبواب الدفن - حديث 2
(3) المستدرك - الباب - 71 - من أبواب الدفن - حديث 12 - 13 - 6
(4) المستدرك - الباب - 71 - من أبواب الدفن - حديث 12 - 13 - 6
(5) المستدرك - الباب - 71 - من أبواب الدفن - حديث 12 - 13 - 6
370

الله عز وجل (1) " ولا يعصينك في معروف) المعروف أن لا يشققن جيبا. ولا يلطمن
وجها، ولا يدعون ويلا " الحديث.
كل ذا مع أنه لا دليل على الجواز سوى الأصل الذي لا يصلح للمعارضة، ورواية
الصفار " لا ينبغي " وقد تقدم الكلام فيه، وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر
خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) بل ربما قيل إنه متواتر، وهو موقوف على
فعل ذلك من غير ذات الأب والأخ وعلى علم علي بن الحسين (ع) وتقريره المفيد رضاه
به، دونه خرط القتاد، على أنه قد يستثنى من ذلك الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) أو
خصوص سيدي ومولاي الحسين بن علي (عليهما السلام) كما يشعر به الخبر المتقدم،
وكذا غيره من الأخبار التي منها حسن معاوية السابق (2) عن الصادق (عليه السلام)
" كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام) " المراد به
فعل ما يقع من الجازع من لطم الوجه والصدر والصراخ ونحوها، ولو بقرينة ما رواه
جابر عن الباقر (عليه السلام) (3) " أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه
والصدر وجز العشر " إلى آخره مضافا إلى السيرة في اللطم والعويل ونحوهما مما هو حرام
في غيره قطعا، فتأمل. ما في خبر خالد المتقدم من جواز شق المرأة على زوجها،
ولا قائل بالفصل، وهو - مع ضعفه ولا جابر له واستبعاد تحقق الاجماع المركب في المقام -
قاصر عن معارضة ما سمعت، فتأمل جيدا.
المسألة (الثانية الشهيد) الذي سبق الكلام في بيان موضوعه (يدفن) وجوبا
(بثيابه) عدا ما ستعرف إن قلنا إنها ثياب إجماعا بقسميه ونصوصا (4) أصابها الدم

(1) سورة الممتحنة - الآية 12
(2) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب الدفن - حديث 9
(3) الوسائل - الباب - 83 - من أبواب الدفن - حديث 1
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت
371

أولا، وعن الشافعي وأحمد جواز التكفين بغيرها، لكن المصنف في المعتبر حكى إجماع
المسلمين على أنه يدفن مع الشهيد جميع ثيابه أصابها الدم أولا، وكذا المحقق الثاني،
وفي التذكرة والمدارك إجماع العلماء، فيحتمل عدم ثبوت النقل المذكور عن الشافعي
وأحمد أو يريدوا بمعقد إجماعاتهم الجواز لا الوجوب، ومن الثياب عرفا السراويل،
فيجب حينئذ دفنها معه وإن لم يصبها دم وفاقا للأكثر، وخلافا للمفيد وسلار وابن
زهرة وعن أبي علي، فتنزع إن لم يصبها الدم، بل ظاهر الثالث دخوله تحت ما حكاه
من الاجماع، ولعله الحجة لهم، مضافا إلى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) في
خبر الزيدية: " ينزع عن الشهيد الفرو والخف والقلنسوة والعمامة والمنطقة والسراويل إلا
أن يكون أصابه دم، فإن أصابه دم ترك " ويدفعه مع عدم صراحة عبارة الغنية في
الاجماع أنه معارض باجماع الخلاف على أن لا ينزع منه إلا الجلود وغيره من الاجماعات
على الدفن بالثياب، سيما بعد شهادة فتوى الأكثر لها.
ومنه يقوى في الظن الوهم في دعوى الاجماع إن اندرجت فيه، كما أنه بملاحظة
ذلك والنصوص بدفن الثياب مع ضعف الخبر المتقدم وإعراض المشهور عنه يقوى عدم
الالتفات إليه، إذ لا مقاومة له، فلا يحكم به عليه، وكذا الكلام فيما تضمنه أيضا
من القلنسوة والعمامة والمنطقة إن كانت من الثياب، وإن نص في المقنعة والغنية والمراسم
والسرائر على نزع الأولى إذا لم يصبها الدم كما عن ابن بابويه، بل الظاهر دخوله في معقد
إجماع الثانية، وأما الأخيران فلم أعرف أحدا نص على نزعهما عنه، سوى ما يحكى
عن علي بن بابويه " لا ينزع منه شيئا إلا الخف والمنطقة والقلنسوة والعمامة والسراويل،
فإن أصاب شيئا من ثيابه دم لم ينزع عنه " وهو محتمل لعموم ثيابه في كلامه للستة،
واختصاصه بما عدا الأول أو الأولين أو الثلاثة الأول ولغير ذلك أيضا، وما عن

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 10
372

المفيد من النص على أن العمامة ليست من الثياب، قيل ولم يدخلها الأصحاب في الكسوة
في الكفارة، واختلفوا فيها في الحبوة.
قلت: وكيف كان فالأقوى أن القلنسوة والعمامة من الثياب، فيجري فيهما
حينئذ ما تقدم، وعدم دخول الثانية في الكسوة لو سلم لا ينافيه، إذ لا منافاة بين ذلك
وبين صدق كونها من الثياب بعد وجودها في جملتها، وكذا القلنسوة بل وبعض أفراد
المنطقة، ولذا حكي عن المسالك دعوى الشهرة على أن العمامة والقلنسوة من الثياب،
وتقدم ما في الخلاف من الجماع على أنه لا ينزع منه إلا الجلود، وهو كذلك حينئذ،
على أنه قد يقال إنها وإن لم تدخل تحت اسم الثياب حقيقة لكنها تدخل وتفهم عند
الأمر بالدفن بثيابه تبعا لها، كدخول طريق الدار ورسن الدابة ونحو ذلك عند بيع
كل منهما.
(و) على كل حال فلا ينزع شئ منها، وإجماع الغنية والرواية قد سمعت
الكلام فيهما، نعم (ينزع عنه الخفان والفرو أصابهما لدم أو لم يصبهما على الأظهر) الأشهر،
بل لا خلاف فيه بالنسبة إلى الأولين إذا لم يصبهما الدم، بل الاجماع بقسميه عليه،
وأما إذا أصابهما الدم فالمشهور كذلك، بل في الغنية الاجماع عليه، كما أنه يدخل أيضا
في معقد إجماع الخلاف أنه لا ينزع منه إلا الجلود، كل ذا مع عدم صدق اسم الثياب
عليه قطعا، فيكون دفنه تضييعا للمال، ودعوى فهم ما عليه من الأخبار مع إصابة الدم
وإن لم تسم ثيابا كقوله (عليه السلام) (1): " يدفن بدمائه " وفي آخر (2) " يدفن
كما هو بدمائه " كالاستدلال عليه بقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) المتقدم سابقا
ممنوعة، إذ المفهوم من الأول إرادة نفي وجوب الغسل والتغسيل، وقد عرفت ما في

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 8
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 8
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت - حديث 10
373

الثاني، على أنه محتمل لأن يكون الشرط فيه للأخير، فما في الوسيلة والسرائر والمراسم
كما عن نهاية الإحكام من الدفن معه إذا أصابه الدم ضعيف.
وأما الفرو فالشبهة فيها من حيث صدق اسم الثياب عليها وعدمه، وإلا فلم نقف
على ما يدل عليها بالخصوص، فلا تنزع على الأول، وتنزع على الثاني، لكن بناء على ذلك
ينبغي عدم الفرق بين إصابة الدم وعدمه، لكن قيده به الخصم في المقام كابني زهرة
وإدريس وعن أبي علي، فينزع الفرو وإذا لم يصبها الدم، بل ظاهر الأول الاجماع
عليه، ولعل ذلك منهم ينبئ على أنها ليست بثياب عندهم، وإنما أوجبوا دفنها معه
عند إصابتها الدم، لأنهم فهموا من الأخبار دفن ما أصابه الدم وإن لم يكن ثوبا كما
سمعته في الخف، وإلا لم يتجه التقييد بذلك لدفن الثياب معه مطلقا، فيتحصل حينئذ
من ذلك الاتفاق منهم على أنها ليست من الثياب، وأن النزاع فيها ليس من هذه
الجهة، وقد عرفت في الخف أنه لا دلالة في أخبار الدفن بدمائه على ذلك، فلا إشكال
حينئذ في خروج الفرو بناء على أنها ليست من الثياب، لانصراف الثوب إلى المنسوج
كما قيل، مضافا إلى إجماع الخلاف على نزع الجلود، لكن ومع ذلك كله فالمسألة لا تخلو
من إشكال من حيث احتمال صدق اسم الثياب عليها وعدم اختصاصها بالمنسوج، سيما
بعض الفراء، وسيما إذا كانت بهيئة المنسوج، على أنه قد لا يكون عليه إلا الفراء،
ودخول مثله تحت المجرد فيكفن كما ترى، كدعوى دفنه مجردا، فتأمل جيدا.
وفيما ذكره المصنف هنا من المسألة (الثالثة) وهي أن (حكم الصبي والمجنون إذا قتل شهيدا
حكم البالغ العاقل).
المسألة (الرابعة إذا) علم أنه قد (مات ولد الحامل) في بطنها ولما يخرج صحيحا
أدخل اليد في الفرج و (قطع وأخرج) إجماعا كما في الخلاف، ومذهب الأصحاب كما
374

في المدارك، ويشهد له مع ذلك الاعتبار، وما رواه في الكافي (1) وعن قرب الإسناد
للحميري من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر وهب بن وهب عن الصادق
(عليه السلام) " في المرأة يموت في بطنها الولد فيتخوف عليها، قال: لا بأس أن يدخل
الرجل يده فيقطعه ويخرجه " قلت: ورواه في موضع آخر من الكافي أيضا كذلك إلا
أنه زاد في آخره " إذا لم ترفق به النساء " وما في المحكي من فقه الرضا (عليه السلام) (2)
" وإن مات الولد في جوفها أدخل انسان يده في فرجها وقطع الولد بيده وأخرجه "
وضعف الأولى بوهب بن وهب غير قادح بعد الانجبار بما عرفت من دعوى الاجماع
صريحا وظاهرا الذي يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب، إذ لم يعرف من أحد التوقف
في هذا الحكم، نعم قال المصنف في المعتبر بعد ذكر مستند الحكم من الخبر المتقدم:
" ووهب هذا عامي ضعيف لا يعمل بما ينفرد به، فالوجه أنه إن أمكن التوصل إلى إسقاطه
صحيحا بشئ من العلاجات وإلا توصل إلى اخراجه بالأرفق فالأرفق، ويتولى ذلك
النساء، فإن تعذرن فالرجل المحارم، فإن تعذر فغيرهم دفعا عن نفس الحي " انتهى.
واستوجهه في التنقيح والمدارك وكشف اللثام، وفي الذكرى وغيرها أن الرواية لا تنافي
ذلك، بل في كشف اللثام أنه لعله مراد الأصحاب وإن لم يصرحوا به.
قلت: كأن المصنف ظن أن ذلك مناف لاطلاق الرواية، وفيه أن التقييد
بذلك من المعلوم الواضح الذي تقتضيه أصول المذهب، وفي الزيادة السابقة في الخبر
إشارة إلى بعضه، سيما بناء على ما روي في بعض كتب الفروع إذا لم تتفق له النساء،
وكذا في كلام بعض الأصحاب كمعقد إجماع الشيخ في الخلاف " فإن مات الجنين ولم
يخرج والأم حية جاز للقابلة ومن تقوم مقامها أن تدخل يدها فتقطع الجنين وتخرجه "
انتهى. ونحوه غيره.

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحتضار - حديث 3
(2) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
375

هذا كله إن مات وهي حية،
وأما (إن ماتت هي دونه) أي وقد علم أنه
حي بحركة ونحوها ولم يخرج أيضا (شق جوفها وانتزع) إذا لم يمكن خروجه بدون الشق
بلا خلاف أجده فيه عندنا كما اعترف به في الخلاف، بل ظاهره فيه بين العلماء، وفي
التذكرة نسبته إلى علمائنا، قلت: وهو كذلك، ويشهد له الاعتبار، والأخبار (1)
المستفيضة بل وفوق الاستفاضة المروية في الكافي والتهذيب، بل روى في الوسائل
عن الكشي (2) في كتاب الرجال عن الباقر (عليه السلام) نحوها أيضا، لكنها ليس
في شئ منها تعين موضع الشق كعبارة المصنف ومعقد إجماع الخلاف، ومقتضاه حينئذ
عدم الفرق بين الجانبين، إلا أنه في الفقيه والمقنعة والمبسوط والجامع والتذكرة والتحرير
وجامع المقاصد وغيرها من كتب المتقدمين والمتأخرين التقييد بالأيسر، بل في التذكرة
نسبته إلى علمائنا، ويشهد له مع ذلك في فقه الرضا (عليه السلام) (3) من التقييد به أيضا،
مع أنه لعل له مدخلية في المخرج أو المخرج منه.
كل ذا مع موافقته للاحتياط والاقتصار على المتيقن ووقوعه أي التقييد أيضا في
مثل الفقيه والمقنعة ونحوها، بل نقل عن النهاية التي هي متون أخبار وعن السرائر الذي
لا يعمل إلا بالقطعيات إلى غير ذلك، فالقول به حينئذ لا يخلو من قوة، فما عساه يظهر
من المصنف في المعتبر وتبعه عليه غيره من الميل إلى العدم لعل الأقوى خلافه.
وكذا ما ذكره المصنف بقوله: (وخيط الموضع) كما صرح به كثير من الأصحاب
بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، وفي النافع إلى رواية، قال في المعتبر: وإنما قلنا في
رواية لأنها رواية ابن أبي عمير عن ابن أذينة (4) وهي موقوفة، فلا تكون حجة
ولا ضرورة إليه لأن مصيرها إلى البلاء واستحسنه في المدارك، قلت: كأنه لم يقف

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحتضار - حديث. - 8 - 7
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحتضار - حديث. - 8 - 7
(4) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحتضار - حديث. - 8 - 7
(3) المستدرك - الباب - 35 - من أبواب الاحتضار - حديث 1
376

إلا على ما في التهذيب حيث قال: وفي رواية ابن أبي عمير عن ابن أذينة " يخرج الولد
ويخاط بطنها " وكذا ما في الكافي أيضا بعد أن ذكر خبر ابن أبي حمزة عن الصادق
(عليه السلام) (1) " سأله عن المرأة تموت ويتحرك الولد في بطنها أيشق بطنها ويستخرج
ولدها؟ قال: نعم " قال: وفي رواية ابن أبي عمير زاد فيه " يخرج الولد ويخاط بطنها "
قال في الذكرى بعد ذكره ما في الكافي والتهذيب والمعتبر: " قلنا هذان الراويان من
عظماء الأصحاب وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) وظاهر هما القول عن توقيف، وزيادة
الثقة مقبولة " انتهى.
قلت: كأنه لم يفهم من الكافي كون المراد في رواية ابن أبي عمير عن الصادق
(عليه السلام) كما لعله الظاهر منه، بل ربما يدعى مثله في عبارة التهذيب، ولذا اعتذر بما
سمعت، وهو في محله حيث يحتاج إليه سيما إذا انجبر بفتاوى الأصحاب، إلا أنا في
غنية عنه هنا بما رواه في الكافي في موضع آخر في الصحيح أو الحسن إلى ابن أبي عمير
عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) (2) " في المرأة تموت ويتحرك الولد في
بطنها أيشق بطنها ويخرج الولد؟ قال: فقال: نعم ويخاط بطنها " وروايته هذه قرينة على
ما ذكرناه سابقا في كلامه، بل وعلى كلام الشيخ أيضا، فلا توقيف حينئذ وإرسال ابن أبي
عمير مع أنه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه غير قادح، سيما في مثل المقام
للانجبار بما عرفت، على أنه قد يقوى كون الواسطة هنا ابن أذينة بقرينة ما في التهذيب.
فظهر لك من ذلك كله أن القول بالوجوب كما ذكره الأصحاب هو الأقوى،
مع ما فيه من الاحترام للميتة والتمكن من تغسيلها وتكفينها ونحوهما من غير مثله.
ثم إنه لا فرق عندنا في الشق المذكور بين رجاء بقاء الولد بعد خروجه وعدمه
كما صرح به بعض الأصحاب ويقتضيه إطلاق الباقين كالأدلة، ولا بين وجود القوابل

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحتضار - حديث 4 - 1
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحتضار - حديث 4 - 1
377

وعدمه كما عرفت، خلافا للمحكي عن الشافعي وأحمد من أن القوابل يخرجنه من غير
شق، فإن فقدن ترك حتى يموت، ثم تدفن الأم معه بناء على أن مثل هذا الولد
لا يعيش عادة، فلا يهتك حرمة الأم لأمر موهوم، وهو كما ترى، نعم إنما ذلك
مع القطن بكونه حيا في بطنها بعد موتها، أما مع عدمه فالظاهر الحرمة، محافظة على
حرمة الميت، ولما يفهم من التأمل في أخبار المقام، ولا يثمر استصحابها قبل موتها وإن
قلنا بوجوب الانتظار حتى يقطع بموته لو كان حيا، لعدم التلازم بين الأمرين، وأما
لو كانا معا حيين وخشي على كل منهما فالظاهر الصبر إلى أن يقضي الله، ولا ترجيح
شرعا، والأمور الاعتبارية من غير دليل شرعي لا يلتفت إليها، والله ورسوله أعلم.
إلى هنا تم الجزء الرابع من كتاب جواهر الكلام وقد بذلنا
غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية
المخطوطة المصححة بقلم المصنف قدس روحه
الشريف ويتلوه الجزء الخامس في
الأغسال المسنونة والتيمم إن شاء الله
تعالى
عباس القوچاني
378