الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٢٩
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمود القوچاني / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٦ ش
المطبعة: آيدا
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
في شرح شرايع الاسلام
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266 من الهجرة
حققه وعلق عليه: محمود القوچاني
عنى بتصحيحه: العالم الفاضل السيد إبراهيم الميانجي
الجزء التاسع والعشرون
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه، وطبع
بنفقة
المكتبة الاسلامية
طهران شارع البوذر جمهرى
تليفون 521966
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المحقق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الغر الميامين، واللعنة
الدائمة على أعدائهم أجمعين.
إن كتاب (جواهر الكلام) في شرح شرائع الاسلام موسوعة سامية غنية عن
البيان والتعريف، لشهرتها وانتشار اسمها، إذ هي من أعظم الكتب الفقهية
الاستدلالية، وفي مقدمة الموسوعات سعة وجمعا وإحاطة بأقوال العلماء وأدلتهم
وأنه الكتاب الكامل في جميع أبواب الفقه كلها الجامع لجميع كتبه، وثمة ميزة
تفرد بها: هي أنه على نسق واحد من أوله إلى آخره، وبنفس السعة التي ابتدأ بها
انتهى إليها.
لذلك وفق الكتاب توفيقا منقطع النظير في إقبال أهل العلم عليه من السلف
إلى الخلف، حتى أن المجتهد ليستطيع أن يطمئن إلى استنباط الحكم الشرعي
بالرجوع إليه، وقد يستغني به عن كثير من الكتب الفقهية الأخرى.
ولما رغب سيادة الناشر الكريم الأستاذ الفاضل السيد إسماعيل الكتابچي
- مدير المكتبة والمطبعة الاسلامية بطهران - وفقه الله وسدده في المبادرة باخراج
بقية أجزاء جواهر الكلام.
حيث سبق لسماحة حجة الاسلام والمسلمين شيخنا الوالد دام ظله أن تصدى
تصحيح وتحقيق النصف الأول من هذه الموسوعة، وطبع في (21) جزءا في النجف
2

الأشرف - ورغب أن يكون تحقيقه على النمط الأول فقد عهد إلي بأن أشارك
معه في اخراج بقية أجزاء الكتاب التي ينوي اخراجها بما يوافق طبيعة العصر الحاضر
وذوق الفقهاء الكرام.
ولما رأيت رغبته الملحة أجبته بالرغم من كثرة أشغالي وشغل بالي مبتغيا
رضا الله سبحانه بتشجيعه ومساندته خدمة للدين وطمعا بثواب رب العالمين.
وبما أن هذا الكتاب مع تعدد طبعاته كان سقيما في نسخة وإخراجه وتشويشه
وتشويه عناوينه وأبوابه مع كثرة الأغلاط الفاحشة المغيرة للمعنى لذلك اقتفيت طريقتنا
التي كنا نستعملها في تصحيح وتحقيق الأجزاء السابقة مع شيخنا الوالد دام ظله،
وهي:
1 - الاعتماد في تصحيح الكتاب على مقابلته بدقة على النسخة الأصلية
المخطوطة المصححة بقلم المصنف (قده) التي تفضل بها علينا الحجة الشيخ محمد تقي
الجواهري، وفي بعض الأحيان لم نكتف بهذه النسخة لعدم سلامة العبارة وسلاستها
لاحتمال الخطأ فيها، فكنت أراجع النسخة الخطية التي كتبها المصنف طاب ثراه
بقلمه الشريف (وهي المحفوظة في المكتبة العامة للسيد الحكيم قدس سره في
النجف الأشرف) وقد استفدت منها في عدة موارد، لوجود بعض الاختلافات مع
هذه النسخة.
2 - مقابلة المتن على كتاب الشرائع وتمييز المتن عن الشرح بأقواس مشجرة
تفصل بينهما وقد عانيت كثيرا في هذه الجهة عند ادماج المؤلف (قده) بعض
حروف المتن في الشرح وبالعكس.
3 - اخراج الأحاديث التي يستدل بها في جميع الأبواب والإشارة إلى
مواضعها في التعليقة بدوا من الوسائل والمستدرك ثم بقية المصادر الخاصة والعامة
ومقابلتها على تلك المصادر، والإشارة إلى الاختلافات المهمة دون اليسيرة منها في
غالب الروايات التي يستدل بها صاحب الجواهر (قده) فلم نتعرض لتلك
الاختلافات الطفيفة.
3

وحيث كان العمل في هذا المضمار يحتاج إلى الاستعانة في المقابلة على
النسخة المخطوطة والروايات على مصادرها كان فضيلة الأخ العلامة الشيخ محمد
القوچاني وفقه الله خير معين لي، فإني أشكر جهوده في المشاركة وسرعة انجاز
هذا المشروع. والحمد لله وله الشكر أولا وآخرا.
النجف الأشرف
صبيحة يوم ولادة سيد الأوصياء
أمير المؤمنين عليه آلاف التحية والثناء
13 / رجب / 1395
محمود القوچاني
4

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب النكاح)
الذي هو في اللغة للوطء عند المشهور بل عن المختلف الاجماع عليه، بمعنى
اتفاق أهل اللغة، قال في محكي الصحاح: " النكاح الوطء وقد يقال للعقد "
وفي محكي المغرب " أصل النكاح الوطء ثم قيل للتزويج نكاح مجازا، لأنه سبب
للوطء " ولا ينافيه ما عن القاموس من " أنه الوطء والعقد " لأنه كثيرا ما يخلط
بين الحقيقة والمجاز واللغة والشرع، بل قيل: إنه في الشرع أيضا كذلك، لأصالة عدم
النقل وقيل: إنه العقد فيهما، لشيوع استعماله كذلك، فاطلاقه حينئذ على الوطء
اطلاق لاسم السبب على المسبب، بل عن الراغب إنه محال أن يكون في الأصل
للجماع ثم استعير للعقد، لأن أسماء الجماع كلها كنايات، لاستقباحهم تعاطيه،
ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفضعونه " لما يستحسنونه " وقيل: إنه
مشترك بينهما فيهما، لاستعماله فيهما كذلك، والأصل في الاستعمال الحقيقة، وقيل:
إن أصله الالتقاء، يقال: تناكح الجبلان إذا التقيا، وعن الفرا " إن نكح المرأة
بالضم بضعها أي فرجها " وقيل: أصله الضم، وعن المصباح المنير يقال: " إنه
مأخوذ من نكحه الدواء إذا خامره وغلبه، أو من تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها
إلى بعض، أو من نكح المطر الأرض إذا اختلط بثراها " وعلى هذا فيكون
5

النكاح مجازا في العقد والوطء جميعا لأنه مأخوذ من غيره، فلا يستقيم القول بأنه
حقيقة لا فيهما ولا في أحدهما.
ويؤيده أنه لا يفهم العقد إلا بقرينة، نحو نكح في بني فلان، ولا يفهم الوطء
إلا بقرينة نحو نكح زوجته، وذلك من علامات المجاز، وإن قيل: إنه غير مأخوذ
من شئ، فيترجح الاشتراك، لأنه لا يفهم واحد من قسميه إلا بقرينة، وفيه
أن من قال بالأخذ فإنما يقول بكونه حقيقة في عرف اللغة فيهما أو في أحدهما،
ولا ينافي التجوز باعتبار أصله، على أن لزوم التجوز إنما يسلم إن لم يكن
إطلاقه على الوطء من جهة كونه ضما واختلاطا ومخامرة وغلبة والتقاء وهو
ممنوع.
وعلى كل حال فقد عرفت أن المشهور كونه للوطء لغة، كما أن المشهور
كونه للعقد شرعا، بل عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه، بل عن ابن فهد والشيخ
والفخر الاجماع عليه، لغلبة استعماله فيه، حتى قيل: إنه لم يرد لفظ النكاح في
الكتاب العزيز بمعنى الوطء إلا في قوله تعالى (1) " حتى تنكح زوجا " بل قيل:
إنه فيها بمعنى العقد أيضا، واشتراط الوطء إنما علم من دليل آخر، نعم، في
المصابيح للعلامة الطباطبائي الظاهر أن النزاع في المسألة مبني على الخلاف المشهور
في الحقيقة الشرعية، فعلى القول بالثبوت يكون النكاح حقيقة في العقد مجازا في
الوطء، وعلى العدم يكون الأمر بالعكس، والقول بثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ
النكاح خاصة دون سائر الألفاظ كالصلاة والصوم والزكاة وغيرها على ما يوهمه
الاجماع المنقول مع بعده في نفسه غير معروف ولا منقول عن أحد، مع أن الظاهر
كون الدعوى هناك نفيا وإثباتا على الوجه الكلي، وأن النافي للحقيقة الشرعية
يدعي السلب الكلي، وثبوتها في لفظ النكاح أعني الايجاب الجزئي يناقضه.
قلت: هذا حاصل كلام الأصحاب في المقام، لكنه إن لم يتحقق الاجماع
لا يخلو من بحث، ضرورة استعمال لفظ النكاح المقابل للسفاح قبل الشرع، نحو

(1) سورة البقرة: 2 الآية 230.
6

استعمال لفظ البيع والصلح والإجارة ونحوها، بل ظاهر عنوان الأصحاب لها وجعل
كل منها في كتاب أنها جميعا من واد واحد، فكتاب عقد البيع وعقد الصلح
وعقد الإجارة وعقد النكاح بمعنى واحد، بل لو ادعى مدع أن الإضافة في خصوص
الأخير بيانية دون غيرها لكان من الغرائب، وقد عرفت في أول كتاب البيع أن
الأصح كونه اسما للنقل لا للانتقال ولا للعقد، كما أوضحناه على وجه لا يكاد
يعتريه شك، وقلنا: إنه المطرد في سائر استعمالات ألفاظه، حتى ألفاظه الواقعة
في إيجاب عقده، ضرورة عدم صحة إرادة العقد منها بعد فرض كونها إيجابا له،
فلا يراد من " بعت " إيجابا " عقدت " ولا الانتقال، بخلاف النقل، وذلك كله جار
في لفظ " أنكحت " إيجابا فإن إرادة العقد منها واضح الفساد، وكذلك الوطء،
فليس حينئذ إلا النقل والتسليط على البضع وإثبات السلطنة عليه، وهذا هو المراد
بالنكاح، نحو البيع والصلح والإجارة وغيرها، والعقود إنما هي سبب في حصولها.
ولئن كان في أذنيك وقر عن سماع هذا فلا ريب في عدم ثبوت حقيقة شرعية له
بل هو لغة وشرعا مستعمل في العقد والوطء خصوصا والضابط في الحقيقة الشرعية
ما كان حقيقة في لسان المتشرعة، بمعنى أنه ما كان كذلك عندهم، فهل هو حقيقة عند
الشارع فيه أو لا؟ ولا ريب في عدم ثبوت الحقيقة المتشرعية في لفظ النكاح عندهم،
وكونه بمعنى العقد على وجه لو استعملوه في الوطء احتاجوا إلى قرينة نحو قرائن
المجازات، بل ستعرف فيما يأتي إنشاء الله تعالى من البحث في العقد عدم معاملة
عقد النكاح معاملة غيره من الحقائق الشرعية المجملة، نحو الصلاة وغيرها، على
وجه يأتي البحث فيما شك في جزئيته وشرطيته ومانعيته، بل عاملوه معاملة غيره
من العقود المستدل باطلاق الآية (1) على نفي جميع ما يدعى شرطيته.
ومن الغريب دعوى عدم شيوع النكاح بمعنى الوطء في لسان الشرع، فإن
ملاحظة الأخبار النبوية (2) فضلا عن غيرها الواردة في النكاح والمرغبة فيه

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح
7

باعتبار النسل ونحوه مما لا يراد منه إلا معنى الوطء أقوى شاهد على بطلانها، كما
لا يخفى على من خلع ربقة التقليد عن عنقه، بل لا يخفى عليه وضوح فساد دعوى الحقيقة
الشرعية في لفظ النكاح من بين أسماء العقود.
(و) كيف كان ف‍ (أقسامه ثلاثة):
(القسم الأول في النكاح الدائم)
(والنظر فيه يستدعي فصولا)
الفصل (الأول)
(في آداب العقد والخلوة ولواحقها)
وفيه حينئذ ثلاثة مباحث
(أما) الأول ففي (آداب العقد)
(النكاح) مشروع، بل (مستحب لمن تاقت) واشتاقت (نفسه) إليه،
(من الرجال والنساء) كتابا (1) وسنة (2) مستفيضة أو متواترة، واجماعا بقسميه
من المسلمين فضلا عن المؤمنين، أو ضرورة من المذهب بل الدين قال الله تعالى (3)
" وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله
من فضله والله واسع عليم " فإن أمر الأولياء شرعا أو عرفا والسادات بانكاح الأيامى أي
العزاب من الأحرار مطلقا وخصوص الصالحين من العبيد والإماء والترغيب فيه
ليس إلا لفضيلة النكاح ورجحانه في نفسه، وكون الانكاح سببا لوجوده ومؤديا
إلى حصوله، فلو لم يكن النكاح مندوبا إليه ولا مرغبا فيه لزم أن يكون مقدمة

(1) سورة النور: 24 - الآية 32.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح.
(3) سورة النور: 24 - الآية 32.
8

المباح مندوبة من حيث إنها مقدمة له، وفساده ظاهر، خصوصا مع ملاحظة قوله
تعالى: " إن يكونوا " إلى آخره. الظاهر في أنه رد لما عسى أن يمنع من النكاح
ويزهد الناس فيه من خوف العيلة بأن الله الواسع العليم يغنيهم من فضله، ولذا
قال رسول الله صلى الله عليه وآله (1): " اطلبوا الغنا في هذه الآية " وقال صلى الله عليه وآله (2) أيضا: " من
ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء ظنه بالله، إن الله عز وجل يقول: إن يكونوا "
إلى آخره.
ولا ينافي ذلك قوله تعالى (3): " وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى
يغنيهم الله من فضله " إذ هو إنما يدل على الاستعفاف لمن لا يجد النكاح ولا يتمكن
منه ولو بحصول من ينكحه، وأن ذلك أولى له من تحمل المنة والذل والسؤال
في تحصيل ما ينكح به، إذا النكاح وإن كان مندوبا إلا أنه إذا توقف على مقدمات
مكروهة مرجوحة سقط الخطاب باستحبابه حينئذ لا أنه ترتفع مرجوحية المرجوح
له، والحاصل أن المراد ترجيح الاستعفاف على النكاح المتوقف على عدمه، وهذا
لا ينافي استحبابه مع التمكن ولو مع الفقر، على أن المروي عن الصادق عليه السلام (4)
في تفسيره " يتزوجوا حتى يغنيهم الله من فضله " ولعل المراد أنهم يطلبون العفة
بالتزويج والاحصان ليصيروا بذلك أغنياء، أو ليحصل لهم به الغنا من الفقر، كما
رواه إسحاق بن عمار (5) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الحديث الذي يرويه
الناس حق إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج، ففعل
ثم أتاه فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج، حتى أمره ثلاث مرات؟ فقال أبو
عبد الله عليه السلام: نعم هو حق، ثم قال: الرزق مع النساء والعيال " وفي النبوي (6)

(1) الدر المنثور ج 5 صفحه 45.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2.
(3) سورة النور: 24 - الآية 33.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2 - 4.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2 - 4.
(6) أشار إليه في الوسائل في الباب - 20 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 3
وذكره في الفقيه - ج 3 ص 245 - الرقم 1161 وفيه " تزوجوا الرزق فإن فيهن
البركة " ولم أعثر على اللفظ الذي ذكره (قده). والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف،
فإن الموجود في الكافي - ج 5 ص 335 على ما رواه في الوسائل في نفس الباب أيضا
والبحار - ج 103 ص 237 بطريق آخر وكنوز الحقائق على هامش الجامع الصغير حرف
التاء كلمة " تزوجوا " وكنز العمال ج 8 ص 344 - الرقم 3909 " تزوجوا الزرق فإن
فيهن يمينا ".
9

" تزوجوا للرزق، فإن لهن البركة ".
ومن ذلك يظهر لك ما قيل في دفع المنافاة بين الآيتين بأن الأولى
وردت لنهي عن رد المؤمن وترك تزويج المؤمنة لأجل الفقر: والثانية
لأمر الفقير بالصبر على ترك النكاح حذرا من تعبه حالة الزواج، أو أن
الأولى للنهي عن تركه مخافة الفقر اللاحق، والثانية للأمر بالاستعفاف للفقر
الحاضر، ضرورة أنه كما لا ينبغي رد المؤمن أو ترك تزويج المؤمنة لأجل الفقر
فكذا لا ينبغي ترك التزويج للفقير باعتبار فقره كما سمعته في الخبر السابق، وكما
أن الفقر اللاحق لا يمنع، بل يستحب معه التزويج، فكذا الحاضر، فإن التزويج معه
مستحب أيضا لأن الظاهر من الآية الأولى ثبوت الفقر حال التزويج، وأن المراد
إن يكونوا فقراء حال التزويج يغنهم الله من فضله بعده، لا أنهم إن صاروا فقراء
بعده أغناهم الله، بل الأمر بالانكاح حال الفقر يدل على أنه حال النكاح غير
مانع، فلا يكون الصبر على تركه مطلوبا، وقد سمعت الخبر المزبور الصريح في
ذلك. وحينئذ فلا إشكال في دلالة الآية على المطلوب.
نعم ما وقع من غير واحد من الاستدلال عليه بقوله تعالى (1) " وإن خفتم ألا
تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع " باعتبار اشتماله
على الأمر الذي أقرب المجازات إلى معناه الحقيقي بعد تعذره الندب لا يخلو من
نظر، ضرورة عدم استفادة أكثر من الإباحة منه، باعتبار تعليقه على خوف ترك

(1) سورة النساء: 4 - الآية 3.
10

القسط والعدل المشعر بكون الأمر لانتفائه في المأمور به وسلامته عنه، وذلك
قرينة واضحة على إرادة الرخصة منه من غير التفات إلى الوجوب والندب،
والمعنى حينئذ إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن فانكحوا
ما طاب لكم من النساء من غيرهن، فإنهم كما قيل كانوا يتزوجون اليتامى اللاتي
في حجورهم، طمعا في المال أو رغبة في الجمال، فيجتمع عند الواحد منهم منهن
ما لا يقدر على القيام بحقه، أو إن خفتم أن تجوروا على من لكم الولاية عليهم من
يتامى النساء بأخذ أموالهن وصرفها في مؤن تزويجكم فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلاث ورباع، ولا تزيدوا حتى لا يحوجكم إلى ذلك، فقد قيل: إن
الرجل من قريش كان يتزوج العشر من النساء وأكثر، فإذا أعدم تناول من أموال
اليتامى المولى عليهم، فنزلت هذه الآية (1) أو غير ذلك مما قيل في الآية مما هو
مشترك فيما ذكرناه من عدم الالتفات فيه إلى الوجوب والندب، وأنه لا يراد منه
سوى الرخصة والإباحة، نحو قول القائل: " إن خفت من ضرر هذا الطعام فكل من
ذلك " فإن المفهوم أن الطعام المأمور به خال عن الضرر مرخص في أكله، وأما أن
أكله مطلوب ومراد فلا يفهم منه، على أن المفهوم من الآية المنع عما زاد على
الأربع، ومن ثم استدلوا بها على حصر الجواز في ذلك، بل أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند
نزولها من كان عنده أزيد من أربع بإمساك الأربع وتسريح البواقي (2) وذلك
إنما يصح لو كان الأمر للإباحة، فإن مفهوم العدد حينئذ يقتضي تحريم الزيادة،
بخلاف ما لو كان الأمر للندب، فإنه يقتضي حينئذ عدم استحبابها، وهو أعم من
تحريمها، والأمر سهل بعد تعدد الأدلة على المطلوب غيرها آية ورواية.

(1) تفسير الطبري ج 4 ص 233.
(2) الموجود في سنن البيهقي ج 7 ص 149 وغيرها في هذا الباب أنه صلى الله عليه
وآله أمر بإمساك أربع ومفارقة سائرهن بالنسبة إلى من أسلم وكان عنده عشرة أو ثمانية
نسوة.
11

ففي النبوي المروي بين الفريقين (1) " النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي
فليس مني " وفي الروضة " من رغب عن سنتي فليس مني " (2) وأن " من سنتي
النكاح " (3) وعن الكافي عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام (4) إنه قال:
" تزوجوا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج "
وعلى كل حال فدلالته على المطلوب ظاهرة، فإن سنة النبي صلى الله عليه وآله وطريقته إما
واجبة أو مندوبة، إذ لا يطلق على المباح والمكروه أنه من سنته صلى الله عليه وآله وإن كان
الحكم بهما منها، على أن قوله صلى الله عليه وآله: " فمن رغب " إلى آخره زجر عن الرغبة عن
النكاح، وحث منه على الرغبة فيه، وليس إلا لرجحانه وفضيلته.
وفي صحيح صفوان بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: تزوجوا وزوجوا " الحديث.
وفي صحيح أبي خديجة عنه عليه السلام أيضا (6) " إن الله يحب البيت الذي فيه
العرس، ويبغض البيت الذي فيه الطلاق، وما من شئ أبغض إلى الله من الطلاق "
بل في النبوي (7) " ما بني بناء أحب إلى الله تعالى من التزويج " وفي آخر (8) " ما
من شئ أحب إلى الله عز وجل من بيت يعمر في الاسلام بالنكاح ".
وموثق عبد الله بن ميمون القداح عنه عليه السلام أيضا (9) " ركعتان يصليهما

(1) البحار ج 103 ص 220 الطبع الحديث. وسنن ابن ماجة ج 1 ص 567 (أبواب
النكاح الباب 2).
(2) الوسائل الباب - 48 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 48 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 1 و 3.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 14 - 10.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 14 - 10.
(6) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق - الحديث 2 - من كتاب الطلاق
عن أبي خديجة عن أبي هاشم، إلا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 54 عن أبي خديجة.
(7) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 4 - 10.
(8) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 4 - 10.
(9) الوسائل الباب - 2 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 1.
12

المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب ".
وخبر كليب الأسدي عنه عليه السلام أيضا (1) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " من تزوج
أحرز نصف دينه ". وفي حديث آخر (2) " فليتق الله في النصف الآخر "
وحسن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (3) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ما أحببت من دنياكم إلا النساء والطيب "
وموثق إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (4) " من أخلاق الأنبياء حب
النساء ". وموثق يحيى بن يزيد عنه عليه السلام أيضا (5) " ما أظن رجلا يزداد في هذا
الأمر خيرا إلا ازداد حبا للنساء ". إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك
بأنواع الدلالة، خصوصا ما ورد منها في مدح الساعي بالتزويج.
كالنبوي المروي عن كتاب عقاب الأعمال (6) " من عمل في تزويج بين
مؤمنين حتى يجمعهما زوجه الله ألف امرأة من الحور العين، كل امرأة في قصر
من در أو ياقوت، وكان له بكل خطوة خطاها أو بكل كلمة تكلم بها في ذلك
عمل سنة، قيام ليلها وصيام نهارها، ومن عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان
عليه غضب الله ولعنته في الدنيا والآخرة، وكان حقا على الله أن يرضخه بألف
صخرة من نار، ومن مشى في فساد ما بينهما ولم يفرق كان في سخط الله ولعنته في الدنيا
والآخرة، وحرم الله عليه النظر إلى وجهه ".
بل عن داود الظاهري وجوب النكاح، وعن غيره وجوبه على خصوص من

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 11 - 12.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 11 - 12.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 4 والباب - 89 - من
أبواب آداب الحمام - الحديث 8 من كتاب الطهارة. وفي الموضعين " ما أصيب " إلا أن في
الكافي - ج 5 ص 321 " ما أحب ".
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2 - 3 والثاني عن عمر بن يزيد.
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2 - 3 والثاني عن عمر بن يزيد.
(6 الوسائل الباب - 12 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 5.
13

تاقت نفسه، وإن كان كل منهما معلوم الفساد، بل يمكن تحصيل الاجماع على
خلافه، بل لعل الضرورة من المذهب والدين على ذلك، نعم في مصابيح العلامة
الطباطبائي " إعلم أن الوجوب المنفي هو الوجوب العيني على كل أحد أو على
من تاقت نفسه إلى النكاح، وأما الوجوب الكفائي أي وجوب ما يقوم به النوع فيجب
القطع بثبوته، حتى لو فرض كف أهل ناحية أو مصر عن النكاح وجب على
الحاكم إجبارهم عليه، لئلا ينقطع النسل ويتفانى النوع، والظاهر أنه لا خلاف
فيه، ولا في الوجوب العيني إذا أفضى تركه إلى الوقوع في المحرم لأن سبب الحرام
حرام وتحريم ترك التزويج يستلزم وجوب التزويج، فالحكم بنفي الوجوب رفع
للإيجاب الكلي، لا سلب كلي، أو المراد نفي الوجوب لمجرد توق النفس، فلا ينافي
ثبوته للافضاء إلى المحرم ".
وفيه إمكان منع وجوبه الكفائي على وجه يشمل أهل مصر ونحوه، للأصل
وإطلاق الأدلة، وأقصى ما يمكن تسليم وجوب ما يحصل الفساد في النوع الانساني
بتركه، كما أنه يمكن منع الوجوب العيني فيما ذكره بمنع إفضاء ترك التزويج
إلى المحرم على وجه العلية، لوجود الاختيار وبقاء القدرة على تركه معه، ولعله
لذا أطلق الأصحاب الحكم بالاستحباب لمن تاقت نفسه، هذا كله فيمن تاقت
نفسه.
(و) أما (من لم تتق) نفسه ف‍ (في) استحبابه ل‍ (ه خلاف) لكن
(المشهور استحبابه ل‍) عموم أكثر الأدلة وإطلاقها، كقوله تعالى (1): " وانكحوا
الأيامى " و (قوله) أي النبي صلى الله عليه وآله فيما رواه عنه الكاشاني في مفاتيحه: (تناكحوا
تناسلوا) - وفي بعض نسخ المتن وتناسلوا بالواو - فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة،
حتى أن السقط ليجئ محبنطئا على باب الجنة، فيقال له: ادخل، فيقول: لا حتى
يدخل أبواي " وإن كنا لم نقف عليه على هذا الوجه فيما وصل إلينا من كتب الخاصة

(1) سورة النور: 24 - الآية 32.
14

والعامة. نعم في محكي الفقيه عن الصادق عليه السلام (1) " إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: تزوجوا،
فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة، حتى أن السقط يظل محبنطئا على باب الجنة "
إلى آخره. والكافي والتهذيب عنه عليه السلام أيضا (2) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " تزوجوا
الأبكار - إلى أن قال - أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، حتى بالسقط
يظل محبنطئا على باب الجنة، فيقول الله عز وجل: ادخل الجنة، فيقول: لا
حتى يدخل أبواي قبلي، فيقول الله تبارك وتعالى لملك من الملائكة: آتني
بأبويه، فيأمر بهما إلى الجنة، فيقول: هذا لفضل رحمتي لك " وعن العامة أنهم
رووا (3) أنه صلى الله عليه وآله قال: " تناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم حتى
بالسقط " لكن الأمر سهل، فإن لفظ هذه الروايات وإن كان مغايرا، إلا أن
المعنى متحد.
(ولقوله صلى الله عليه وآله) فيما روته العامة عنه (4) (شرار موتاكم العزاب) وفي
طرقنا (5) " إن أراذل موتاكم العزاب " أو " رذال موتاكم العزاب (6) " وعلى كل حال
فالعزاب بالضم والتشديد الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، وعن بعضهم أن العزب
من لا أهل له، فيخرج عنه المتسرى، بخلاف الأول، والرذل الدون الخسيس، وبالضم
ما انتفى جيده، والمستفاد من الحكم بالرذالة رجحان التزويج وكراهة العزوبة، فإنها
لا تزيد على الخسة والضعة وهي لا تقتضي التحريم وإن كانت لا تنافيه، نعم قد يقتضي ذلك

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 وفيه " أن السقط
يجئ محبنطئا ".
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2.
(3) الجامع الصغير - ج 1 ص 133.
(4) مسند أحمد - ج 5 ص 163 وفيه " شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم "
ولم أجد نص ما ذكره (قده) في مصادر العامة مع التتبع الكثير في مظانه وإنما رواه بهذا اللفظ
في البحار - ج 103 ص 220 الطبع الحديث وفي فقه الرضا عليه السلام ص 77.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 3.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 3.
15

لفظ الشرار لكنه محمول على المبالغة في أمر التزويج، والتشديد في كراهة العزوبة، أو
على من أفضت به العزوبة إلى الوقوع في المحرم في وجه، أو أن المراد من لا خير فيه من
الأراذل كما قيل في قوله تعالى حكاية عن الكفار (1): " ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم
من الأشرار " يعنون بهم أصحاب الضعة وغيرهم من فقراء المؤمنين الذين كانوا
يسخرون منهم ويستهزؤن بهم، أو أن المراد بالعزاب خصوص من لا يعتني منهم
بالسنة، ولا يبالي بكمالات الشرع الشريف، ولا ريب في أنه من الأشرار.
ثم المراد بالعزب الذي هو من الأشرار والأراذل من ثبت له وصف العزوبة
على الدوام، أو في غالب الأزمنة والأحوال بحيث يضمحل خلافه في جنبه،
ومقتضاه استحباب أن يكون له أهل يتمكن منها غالبا، وليس المراد من ثبت له
الوصف في الجملة ولو نادرا لأن جل الناس أو كلهم عزاب بهذا التفسير، إذ قل
ما يتفق لأحد دوام التأهل من ابتداء البلوغ إلى حين الوفاة لا يتخلله عزوبة أصلا،
وخصوصا إذا فسرنا العزوبة بما يشمل الانقطاع من الأهل أيضا، ولا من كان على
صفة العزوبة حال الموت خاصة، إذ يلزم منه أن يكون المتأهل الذي اتفقت له العزوبة
عند موته من الأشرار، والعزب الذي يتفق له التأهل كذلك من الأخيار، وهو
بعيد جدا، فالاعتبار إذن بالغلبة كما ذكرناه، إما في كلا الأمرين أو في خصوص
العزوبة عملا بمقتضى الأصل.
(ولقوله صلى الله عليه وآله) فيما رواه عنه الصادق عليه السلام في خبر القداح المروي عن
الكافي (2) (ما استفاد امرء) - بفتح الراء وضمها - (فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة
مسلمة تسره) - صفة بعد صفة، أو استيناف بياني، كأنه قيل وأي فضل فيها فأجيب بأنها
تسره - (إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله)
أي ترعى حقه، بأن لا تخونه فيهما، ولا يخفى اقتضاء اشتمال التزويج على هذه
الأمور فضيلته إما لأنها مطلوبة ومرادة في ذاتها، أو لكونها مرافق لحصول الطاعة

(1) سورة ص: 38 - الآية 62.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبوا ب مقدمات النكاح - الحديث 10.
16

وتيسير العبادة المطلوبين، وعلى كل حال فالغرض بيان أفضلية التزويج من غيره
بشهادة المقام ودلالة العرف، فإنه إذا قيل: ليس في البلد أفضل من زيد، فهم منه أنه
أفضل علماء البلد، لا نفي الأفضل منه وإن أمكن المساوي له، كما يقتضيه المعنى
بحسب اللغة.
وهذه العبارة تحتمل معنيين: أحدهما أن التزويج أفضل ما يستفاد بعد حصول
الاسلام، ومقتضاه أن لا فائدة فيه قبل حصوله، لا أن فضيلته متأخرة عنه، وثانيهما
أن الاسلام أفضل ما استفاده المرء، ثم الأفضل من بعده التزويج، والمراد من الفائدة
إما خصوص الفائدة العاجلة، كما يشعر به التعليل المستفاد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " تسره
إذا نظر إليها " إلى آخره، وحينئذ فكون التزويج أفضل الفوائد بعد الاسلام ناظر إلى
ما في الاسلام من الفوائد الدنيوية، كوقاية النفس واحترام المال والعرض، أو مطلق
الفوائد دنيوية كانت أو أخروية، كالعبادات، وعلى هذا فالمراد من أفضلية التزويج
أفضليته من بعض الوجوه، فلا ينافي أفضلية كثير من أفراد المفضل عليه منه من
وجه آخر، وليس المراد أفضلية التزويج من كل وجه، ولا الأفضلية المطلقة الراجعة
إلى تعدد جهات الفضيلة في المفضل، أو تفضيل جهة الفضيلة فيه، نعم يمكن اعتبارها
بالمعنى الثاني على التقدير الأول، إذ لا مانع منه، ولا يبعد اعتبارها على الثاني أيضا،
لما في التزويج من الفوائد العظيمة التي من جملتها حصول النسل وتكثير النوع المعدين
لاضعاف ما يقابل به من العبادات.
وفي الحديث دلالة على الاكتفاء بالاسلام في الزوجة، وعدم اشتراط الايمان
فيها، لأن قوله صلى الله عليه وآله: " زوجة مسلمة " وإن كان نكرة مثبتة، إلا أن وقوعها في كلام
الحكيم يقتضي عمومها.
وفي استفادة اشتراط الاسلام منه نظر من أن التقييد بالمسلمة إنما يقتضي خروج
غير المسلمة عما هو الأفضل، ولا دلالة في ذلك على المنع، ومن أنه لو جاز تزويج الكافرة
لما حسن التقييد فيه بالمسلمة، لتأتي وظيفة النكاح حينئذ بغيرها، وإن كان مكروها
كما في سائر من يكره مناكحته، فإن الكراهة فيها لا تنافي اشتمالها على مصلحة النكاح،
17

ولذا لم يقع الاستثناء عنها في الحديث، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة باطلاقها أو
عمومها باشتمالها على الجمع المحلي والمضاف ومن الموصولة وغير ذلك، بل ما ليس
فيه شئ من أدوات العموم قد يستفاد منه ذلك بتوسط القرائن، كالتعليل بتوقع
النسل وتكثير العدد (1) وتوسيع الرزق (2) والاستعانة بالزوجة على المطالب (3)
فإن هذه الأمور مشتركة بين من تاقت نفسه إلى النكاح ومن لم تتق، بل انتفاء القرينة
على إرادة الخصوص كاف في الحمل على العموم في هذه المقامات، لاستحالة الترجيح مع
فرض عدم التعيين، ومنافاة الابهام لمقام البيان، فيتعين الحمل على العموم، ولعل تقييد
بعضهم بمن تاقت لظهور بعض الروايات فيه، نحو ما تضمن النهي عن العزوبة (4) وأن
المتزوج يحرز نصف دينه (5) لكن فيه أن العموم في تلك الأخبار محقق معلوم،
والعلة غير معلومة وإن كانت مناسبة، فلا يجوز ترك الأمر المحقق لأجلها، مع أنها
قائمة في حق غير التائق، إذ ليس المراد منه من لا شهوة له إلى النكاح أصلا، بل من لم
تبلغ شهوته حد المنازعة، والوقوع في المحرم ممكن في شأنه، على أن التوقان أمر غير
مضبوط الوقوع، ولا المحل، فربما يحصل مع ضيق الوقت عن كسره بالنكاح، فيخشى
منه الوقوع في محرم، فلا ينبغي أن يترك النكاح المحلل ليأمن به عن مواقع
الفتنة.
وأيضا فلا ريب في حسن النكاح ورجحانه لمن لم تتق بعد ثبوت إباحته له من
الشرع وإن لم تتناوله عمومات النكاح لتكثير النسل، إذ الانسان مدني بالطبع يحتاج
في تعيشه إلى الاجتماع، للتعاون والتشارك في تحصيل الغذاء ونحوه، وفي كثرة الخلق

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2 و 3 و 6 والباب
- 16 - منها.
(2) الوسائل - الباب - 10 و 11 - من أبواب مقدمات النكاح.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 1 و 13.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب مقدمات النكاح.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 11.
18

تسهيل لذلك، وما فيه من السببية لنعمة الوجود للأولاد التي هي نحو نعمة الله في
الخلاقية، ومن ثم قرنت طاعة الأبوين بطاعة الله (1) عز وجل والشكر لهما بالشكر
له (2) قال الله تعالى: " أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير " ولأن الأولاد
أعضاد في الدنيا إذا أدركوا، وشفعاء للأبوين ما لم يدركوا ومن هنا قال (3) زكريا
عليه السلام: " رب هب لي من لدنك ذرية " ووصف الله المؤمنين فقال: " والذين يقولون
ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين " (4) مضافا إلى ما فيه من تكثير الأمة
والمسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله (5): " ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلا لعل الله يرزقه
نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله " وإلى ما فيه من إبقاء النوع، ولذا خلق الله الشهوة
في الانسان حسب ما خلق فيه الشهوة إلى الطعام والشراب إبقاء للنفس، ومن المعلوم
أن إبقاء النوع يقتضي إرادة النكاح مطلقا، ولا يختص بمن تاقت، وإلى ما فيه من
الخلاص من الوحدة المنهي عنها، والاستعانة بالزوجة على أمور الدين، وغير ذلك
مما لا يخفى حسنه من الأمور المترتبة عليه، والأغراض والمصالح الحاصلة به، فلا
ريب حينئذ في حسنه باعتبار كونه سببا في حصولها، وعلة لوجودها، فيكون حينئذ
مستحبا شرعا، لكون الأغراض المترتبة عليه من الأغراض الشرعية، على أن حسن
النكاح عقلا يستلزم استحبابه شرعا، ضرورة استلزام حكم العقل بحسن النكاح حكم
الشرع بذلك، للمطابقة، وحكم الشارع يستلزم كونه مرادا ومطلوبا له، لأنه
حكيم.
(* و *) كيف كان (* ربما احتج المانع بأن وصف يحيي عليه السلام بكونه حصورا (6)
يؤذن باختصاص هذا الوصف بالرجحان، فيحمل على ما إذا لم تتق النفس *) وبأن قوله

(1) كنز العمال ج 8 ص 280 - الرقم 4789.
(2) سورة لقمان: 31 - الآية 14.
(3) سورة آل عمران: 3 - الآية - 38.
(4) سورة الفرقان: 25 - الآية 74.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 3.
(6) سورة آل عمران: 3 - الآية - 39.
19

تعالى (1): " زين للناس حب الشهوات " إلى آخره وارد مورد الذم، خرج منه ما أجمع
على رجحانه، فيبقى غيره تحت العموم، وبأن في النكاح تعريضا لتحمل حقوق الزوجة
والاشتغال عن كثير من المقاصد الدينية، فالأولى تركه إلا مع خشية العنت، فيستحب
لمكان الحاجة.
(* ويمكن الجواب *) عن الأول (* بأن المدح بذلك في شرع غيرنا لا يلزم منه
وجوده في شرعنا *) ودعوى أن الأصل بقاء الشرائع السابقة إلا ما دل الدليل على
نسخه - فإن شرعنا ليس ناسخا لجميع ما في الشرائع السابقة بل المجموع من حيث هو
مجموع، للقطع ببقاء كثير منها كأكل الطيبات، ونكاح الحلال، والعبادات الثابتة
في جميع الملل، وأيضا فوروده في كتابنا الذي هو في شرعنا من دون إشارة إلى نسخة
دليل على بقائه فيه، وإلا لم يحسن مدحه عندنا - يدفعها أن الكتاب العزيز والسنة
المتواترة الدالين على استحباب النكاح في شرعنا مطلقا يثبت بهما النسخ، ويخرج
بهما عن مقتضى الأصل، والمدح على ترك الشهوة الغير الراجحة في شرعه، لحصر النفس
ومنعها عن اللذات حسن في شرعنا وإن كانت راجحة فيه، مع أن التوصيف بالحصور
لم يقع خطابا لأهل شرعنا ابتداء حتى يجب حسنه عندهم، وإنما خوطب به زكريا
عليه السلام في مقام البشارة بالولد، وذلك يقتضي حسنه عنده لا عندنا.
وربما أجيب أيضا بأنه كان مكلفا بارشاد أهل زمانه في بلادهم المقتضي
للسياحة ومفارقة الزوجة المنافيتين لرجحان التزويج، فلذلك مدحه على تركه، لا
لأن ترك التزويج من حيث هو كذلك مطلوب ومراد حتى يدل على مرجوحيته،
والحاصل أن النزاع في حكم التزويج بالنظر إلى تركه المطلق، ولا ينافي استحبابه
كذلك رجحان الترك على وجه مخصوص، وما يقال: - إن مثله وارد في شرعنا الذي
يستحب فيه التزويج لا تركه - يدفعه منع ورود مثله في شرعنا، ضرورة وجوب
رجوع الناس إلى من يحتاجون إليه، لا أنه يجب عليه السياحة لتعليمهم، ولو سلم ذلك
لوجب القول بترك التزويج لمن هذا شأنه، فإن ملازمة التغرب والسياحة مما

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية - 14.
20

لا يتأتى معها القيام بحقوق الزوجية، وحصول التمانع بينها وبين الارشاد يقتضي
تقديمه كما في يحيى عليه السلام.
ولعل الأولى في الجواب أن المراد بالحصور ما عن كثير من المفسرين من أنه
المبالغ في حبس النفس عن الشهوات والملاهي، من الحصر بمعنى الحبس، وحينئذ
فمدحه عليه السلام بتنكبه عن الشهوات وإعراضه عن الملاهي واللذات كما هو المعهود من
حاله على ما حكاه عنه العسكري عليه السلام (1) قال: " ما من عبد لله إلا وقد أخطأ أو
هم بخطيئة ما خلا يحيى بن زكريا عليه السلام، فلم يذنب ولم يهم بذنب " عكس المعهود
من حال غيره الذي زين له حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة
وغيرها من الملاذ الشهوات، فلا دلالة في الآية على رجحان ترك التزويج، ضرورة
أن حصوريته بالمعنى المزبور لا تنافي تزويجه للنسل وغيره، لا للشهوة واللذة
ونحوهما.
ولعله إلى هذا وما يقرب منه يرجع ما أجيب عنه أيضا بأن مدحه عليه السلام ليس
على ترك التزويج حتى يدل على مرجوحيته، بل على انكسار الشهوة الطبيعية له بغلبة
الخوف واستيلاء الخشية وقهرها بالعبادات والرياضات، ولا ريب في حسن ذلك
ومدحه وإن أدى إلى ترك التزويج المطلوب، فإن تأدية الشئ إلى ترك أمر مطلوب لا
ينافي حسنه، لتمانع أكثر الطاعات مع اتصاف جميعها بالحسن، وإنما أطلق عليه
الحصور لأن وجود الشهوة فيه بمنزلة العدم، فكأنه حصور لا شهوة له أصلا، وليس
إطلاقه عليه لترك النساء الملزوم لترك التزويج حتى يكون مدحا له على ذلك فيستلزم
مرجوحية التزويج، ولا لسلب الشهوة ونزعها عنه بالكلية حتى ينافي وروده مورد
المدح والثناء، ووقوعه نعتا لمن لا يليق به النقص. وعلى كل حال فلا دلالة في الآية
على رجحان ترك التزويج لمن تتق نفسه إليه.
بل مما ذكرنا يستفاد الجواب عن الثاني، ضرورة كون الذم المستفاد من آية
التزيين لمن لم يبالوا بالدين وحدوده، واتبعوا ما تهواه أنفسهم من حب

(1) البحار - ج 14 - ص 186 - الطبع الحديث.
21

الشهوات من النساء وغيرها; لا أنه شامل من تزوج على الوجه الشرعي لإرادة النسل
والذرية، ورفع الوحشة من الوحدة، والإعانة على كثير من الطاعات والعبادات، وإن
لم تكن نفسه تائقة إلى التزويج، على أن الآية لو كان المراد ظاهرها لنا في رجحان
التزويج لمن تاقت نفسه، ضرورة أولوية اندراجه في آية التزيين من غير التائق.
وربما أجيب عن الثاني بأن الذم المستفاد من الآية مختص بمحبة ذلك للشهوة البهيمية
دون إرادة الطاعة وامتثال الأمر، وفيه أن النكاح ليس من قبيل العبادات الموقوفة على
إرادة الطاعة وقصد الامتثال حتى يلزم أن لا يكون فعله على غير ذلك الوجه مستحبا
ومرادا، بل من المعاملات التي يكفي في رجحانها وفضيلتها ترتب الآثار والأغراض
المطلوبة من الأمر عليها، وإن لم يكن وقوعها على وجه الطاعة وقصد الامتثال،
ومن المعلوم أن ما يقتضي إرادة النكاح والأمر به من المصالح كتكثير النسل والأمة
وإبقاء النوع والخلاص من الوحدة وغيرها مما لا يختلف الحال فيها بين أن يكون وقوع
النكاح بقصد الامتثال وإرادة الطاعة، أو لميل النفس وحب الشهوة، نعم وقوعه على
وجه العبادة يتوقف على أن يكون الفعل لأجل أمر الشارع وإرادته، ولا كلام فيه،
فإن كل أمر مطلوب يصير بالنية وقصد الامتثال عبادة، ويحصل به التقرب، وهذا لا
يقتضي توقف حصول المطلوب مطلقا على ذلك، وما يقال: إن المستحب ما يثاب فاعله
ولا يعاقب تاركه، فإنما أرادوا به إثابة فاعله على بعض الوجوه، لا على كل وجه.
وتحقيق المقام أن ما أمر به الشارع إما أن يكون تعلق الأمر به لمصلحة في
الفعل لا تحصل إلا بقصد الامتثال وإرادة الطاعة، بحيث لا يكون الاتيان به بدون
ذلك مرادا ومطلوبا بذلك الأمر كأوامر العبادات، فإنها وإن كانت بحسب الظاهر
متوجهة إلى نفس الفعل إلا أنها في الحقيقة متعلقة به من حيث إنه مأمور به ومراد
للشارع، لتوقف صحتها على ذلك، وعدم حصول الامتثال بها من دونه، ولا فرق في
ذلك بين أن تكون العبادة من قبيل الأفعال كالصلاة والزكاة، أو التروك كالصيام
والاحرام، إذ كما لا يجزي وقوع الفعل في العبادات الوجودية على أي وجه اتفق فكذا
لا يجزي الترك كذلك في العبادات العدمية، بل لا بد في كل من الفعل والترك من نية
22

القربة وقصد الامتثال إذا كان عبادة، وإما أن يكون تعلق الأمر به لمصلحة
حاصلة بنفس الماهية والطبيعة من غير توقف على قصد الامتثال وإرادة الطاعة،
كالأمر بإزالة الأخباث عن الثوب والبدن، فإن المطلوب منه طهارتهما حال الصلاة
وغيرها مما يشترط فيه الطهارة، ولا ريب في حصول هذا الغرض، لتحقق الإزالة
المعتبرة وإن لم يقصد بها التقرب وإطاعة الأمر، بل لو كان غافلا عن النجاسة غير
شاعر بها واتفق له إزالتها فإنه يمتثل بذلك، ويخرج عن عهدة التكليف، وكالأمر
بانقاذ الغريق، والاطعام في المخمصة وفي عام الجدب، فإن الغرض منه ابقاء النفس
المحترمة، وإنقاذها من الهلكة، ولا فرق في ذلك بين تحققه بقصد القربة والاتيان به
لرجاء النفع، أو لمجرد الرأفة، أو لغير ذلك من الأغراض، فإن الخروج عن العهدة
حاصل على جميع تلك الوجوه، ومن هذا القبيل أكثر التروك المطلوبة، فإن
المقصود منها عدم صدور الأفعال القبيحة من المكلف، وإن لم يكن الترك بقصد
الامتثال والكف عن الفعل القبيح، فإن من ترك الزنا يندفع عنه إثمه وإن كان
امتناعه عنه للعجز أو الخوف أو الحياء أو للمحافظة على الحشمة والخوف من الفضيحة،
فإن ذلك كله من أسباب العصمة ورفع الإثم والعقوبة.
وبالجملة فامتثال الأمر في غير العبادات لا يتوقف على قصد الطاعة وإرادة
الموافقة للأمر، بل إنما يتوقف على موافقة الغرض وترتب المصالح المقضية للأمر
وإن لم يكن شاعرا به، أو كان ولكن فعله لما فيه من الحظوظ النفسانية، نعم
صيرورة تلك الأمور عبادة وترتب الأجر والثواب عليها موقوف على حصول القربة
وقصد الامتثال، وهي من هذا الوجه داخلة في القسم الأول، فإن ترتب الأجر
والثواب عليها ليس لامتثال الأمر الأصلي فيها، لما عرفت من أنه لا يوجب ذلك،
بل لامتثال الأمر الثانوي، أي الأمر بجعلها عبادة وفعلها من حيث إنها مرادة
للشارع.
وقد ظهر مما ذكرناه أن استحباب النكاح على القول به غير مختص بالواقع
على وجه الامتثال وقصد الطاعة، فإن ذلك إنما يتجه لو كان النكاح من العبادات
23

الموقوفة على النية وقصد القربة، وليس كذلك، للاجماع على أنه ليس عبادة بالأصل
وإن أمكن صيرورته كذلك بالنية، وقد عرفت أن الطلب في غير العبادة سواء كان
على وجه الوجوب أو الندب لا يختص بذلك، بل يعم الواقع بالنية وبدونها، ولا
ينافي استحباب النكاح كذلك مرجوحية وقوعه على بعض الوجوه إلا إذا قصد
التعبد به وأريد بفعله الأجر والثواب، فإنه حينئذ يجب وقوعه بقصد الطاعة
والامتثال، وهو من هذا الوجه يندرج في القسم الأول، ويلحقه حكم العبادات،
والنزاع في استحبابه هنا ليس من حيث كونه عبادة، لأن الكلام في أحكام
المعاملات.
وبذلك كله يعلم الجواب عن الاستدلال بالآية من غير حاجة إلى تخصيص
محل النزاع، ولا إلى التزام التخصيص البعيد في ذم حب الشهوات بمن لم يتق إلى
النكاح.
وأما الجواب عن الدليل الثالث فبأن تحمل الحقوق الحاصلة بالتزويج يزيد
في الأجر المترتب عليه أو في مطلق الأجر، وهو أي تحمل الحقوق من الأمور الدينية
ففي الحديث (1) النبوي " الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله " وفيه (2)
" العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال " وعن أبي جعفر (3) عليه السلام " من طلب
الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا علي أهله وتعطفا على جاره لقي الله عزو جل يوم
القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر " وعن أبي عبد الله عليه السلام (4) أنه قال له رجل:
" والله إنا لنطلب الدنيا ونحب أن نؤتى بها، فقال: تحب أن تصنع بها ماذا؟ قال:
أعود على نفسي وعيالي، وأصل منها، وأتصدق، وأحج، وأعتمر، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
ليس هذا من طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة " وحينئذ فلا ينافي التعريض لتحمل

(1) المستدرك الباب - 30 - من أبواب مقدمات التجارة - الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب مقدمات التجارة - الحديث 6 و 15.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب مقدمات التجارة - الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب مقدمات التجارة - الحديث 3.
24

الحقوق رجحان النكاح الذي هو واسطة في حصوله، بل هو مما يؤكد الرجحان
ويحققه، وإن حصل الاشتغال بتلك الحقوق عن بعض المطالب الدينية، لأن تمانع
الطاعات وتضادها لا يخرجها عن كونها طاعات مأمورا بها، وإلا لزم خروج أكثر
العبادات الوجودية بل جميعها عن كونها عبادة، فإن الأفعال لا تجتمع غالبا كالتروك
ولا يقدح في ذلك كون الأمور المشتغل عنها بتحمل الحقوق كثيرة، ولا كونها أفضل
من التحمل المذكور، إذا الكلام هاهنا في رجحان النكاح وفضيلته، لا في كونه أفضل
من غيره، وما ذكر على تقدير تسليمه إنما ينافي الثاني دون الأول هذا إذا كان تحمل
الحقوق والاشتغال عن المطالب الدينية المذكوران في الاستدلال وجها واحدا لاستحباب
ترك النكاح، بأن يكون المنع من تحمل الحقوق لاقتضائه الاشتغال المذكور.
أما إذا اعتبر تحمل الحقوق وجها مستقلا للمنع من النكاح لما فيه من التعريض
للعصيان والمخالفة وجعل الاشتغال عن المطالب الدينية وجها آخر لمرجوحية النكاح
فتقر ير الجواب أن تحمل الحقوق يزيد في الأجر، فلا ضير في اختياره طلبا للثواب،
ورغبة في الطاعة، وتعريضه للمعصية الاختيارية لا يمنع عن اختياره، كما في سائر
التكاليف، وأن النكاح من الطاعات والأمور الدينية عند القائل باستحبابه، فلا يقتضي
الاشتغال به عن بعض المطالب الدينية استحباب تركه وكونه مرجوحا، لما عرفت
من تمانع الطاعات وتضادها غالبا، نعم لو لم يكن النكاح مطلوبا ولا مأمورا به أمكن
القول بمرجوحيته من ذلك الوجه وإن لم يكن في نفسه كذلك لثبوت الحسن والقبح
بالوجوه والاعتبارات الخارجة عن ذات الشئ وصفاته اللازمة كما حقق في محله.
وبذلك كله ظهر لك قوة القول بالاستحباب مطلقا خلافا لمن عرفت، وللمحكي
عن ابن حمزة من أن من تاقت نفسه وكان قادرا عليه يستحب له النكاح، ومن لم
تتق نفسه ولم يكن قادرا عليه يكره له ذلك، ومن كان قادرا ولم يتق أو تائقا ولم يقدر
لم يكره له ولم يستحب، بل كان النكاح له مباحا، وذلك لأن واجد الوصفين أي
الشهوة والقدرة جامع بين أمرين يقتضي كل منهما حسن النكاح، فيكون مستحبا له
25

وفاقدهما جامع فيه أمرين يقتضي كل منهما حسن تركه، لقوله تعالى (1):
" وسيدا وحصورا " في مدح يحيى على نبينا وآله وعليه السلام. وقوله عز وجل (2):
" وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا " إلى آخره. فيكون مكروها، وأما من كان واجدا
لأحد الوصفين دون الآخر فهو جامع بين جهتي حسن النكاح وحسن تركه، فيتعارض
الوجهان فيه ويثبت له حكم الأصل السالم عن المعارض أعني الإباحة، وفيه منع
اقتضاء كل من عدم الشهوة وعدم القدرة حسن ترك النكاح، والاستدلال بالآيتين على
ذلك قد عرفت ضعفه مما تقدم.
وكيف كان فهل هو أفضل أم التخلي للعبادة؟ قولان: أقواهما الأول، لما في
ترك النكاح والاشتغال بالعبادة والرياضة من الرهبانية المنفية في هذه الشريعة، فعن
تفسير علي بن إبراهيم (3) في تفسير قوله (4) تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا
طيبات إلى آخره " إنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وبلال وعثمان بن مظعون،
فأما أمير المؤمنين عليه السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبدا، وأما بلال فإنه حلف أن لا
يفطر بالنهار أبدا، وأما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا، فدخلت امرأة
عثمان على عائشة، وكانت امرأة جميلة، فقالت عائشة: مالي أراك متعطلة؟ فقالت
ولمن أتزين؟ فوالله ما قربني زوجي منذ كذا وكذا، فإنه قد ترهب، ولبس
المسوح، وزهد في الدنيا، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرته عائشة بذلك، فخرج
فنادى الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات إني أنام بالليل، وأنكح وأفطر بالنهار
فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقام هؤلاء، فقالوا: يا رسول الله قد حلفنا على ذلك

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 39.
(2) سورة النور: 24 - الآية 33.
(3) تفسير البرهان - ذيل الآية 87 من سورة المائدة.
(4) سورة المائدة: 5 - الآية 87.
26

فأنزل الله: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم (1) " الآية، وفي خبر عبد الله بن ميمون
القداح عن أبي عبد الله (2) عليه السلام قال: " جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي صلى الله عليه وآله
فقالت: يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله
مغضبا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان، فوجده يصلي، فانصرف عثمان حين رأى
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية، ولكن
بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم وأصلي وأمس أهلي، فمن أحب فطرتي
فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح " وفي الموثق عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن
مسكين النخعي (3) " وكان تعبد وترك النساء والطيب والطعام، فكتب إلى أبي عبد الله
عليه السلام يسأله، فكتب إليه: أما قولك في النساء فقد علمت ما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله
من النساء، وأما في الطعام فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل اللحم والعسل " وعن رجال
الكشي أنه روى في الموثق عن إبراهيم بن عبد الحميد (4) قال " حججت ومسكين النخعي
فتعبد وترك النساء والطيب والثياب والطعام الطيب، وكان لا يرفع رأسه داخل المسجد
إلى السماء، فلما قدم المدينة دنى من أبي إسحاق عليه السلام فصلى إلى جانبه، فقال: جعلت
فداك إني أريد أن أسألك عن مسائل، قال: اذهب فاكتبها وأرسل بها إلى فكتب
جعلت فداك رجل دخله الخوف من الله عز وجل حتى ترك النساء والطعام الطيب ولا
يقدر أن يرفع رأسه إلى السماء، وأما الثياب فنسك فيها، فكتب: أما قولك في ترك
النساء فقد علمت ما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله من النساء، وأما قولك في ترك الطعام الطيب
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأكل اللحم والعسل، وأما قولك: إنه دخله الخوف حتى

(1) سورة المائدة: 3 - الآية 89.
(2) الوسائل الباب - 48 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 8 عن سكين النخعي.
(4) رجال الكشي ص 316 من الطبع النجف وأشار إليه في الوسائل في الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 8 وفيهما: سكين النخعي.
27

لا يستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء فليكثر من تلاوة هذه الآيات (1): الصابرين
والصادقين والقانتين، إلى آخرها " وأيضا فإن المنقول عن النبي صلى الله عليه وآله الأئمة عليهم السلام
بالتواتر ايثار النكاح على التخلي للعبادة، ودليل التأسي يقتضي رجحانه بالنسبة
إلينا.
لا يقال: لعل الوجه في ذلك وجود التوقان إلى النكاح كما هو الغالب، ولا نزاع في
أفضليته حينئذ، إنما النزاع في أفضليته لمن لم تتق نفسه، ولا دلالة للفعل المنقول
عليه إلا مع العلم بانتفاء الوصف، وهو ممنوع، لأنا نقول: ثبوت الفعل عن النبي صلى الله عليه وآله
وصحته عنه يقتضي رجحان التأسي والمتابعة لكل أحد وإن كان مخالفا له في الوصف
إلا إذا كان مغيرا للحكم، لعموم الأدلة وانتفاء ما يصلح للتخصيص فيما عدا الوصف
المغير، كيف ولو كان التأسي مقصورا على صورة العلم بتوافق الأوصاف التي يحتمله
التغيير بها لزم أن لا يسلم في شئ من الموارد، لقيام الاحتمال في جميعها، فرجحان
التأسي في النكاح يقتضي عدم الفرق في ذلك بين وجود التوقان وانتفائه وإن قلنا بثبوته
في المتأسي به إلا أن ثبوت الوصف له لا يقتضي استناد الحكم إليه حتى لا يجوز التأسي
لفاقده.
لا يقال: أن دليل التأسي إنما يقتضي حسن الفعل ورجحانه في نفسه وأما أنه
أفضل من غيره فلا يستفاد منه قطعا حتى يثبت أنه أفضل من التخلي، لأنا نقول: هو
كذلك لو اعتبر التأسي في نفس النكاح، فإنه حينئذ إنما يدل على حسنه لا على
أفضليته، وأما إذا اعتبر بالنسبة إلى اختياره وايثاره على التخلي فلا ريب في دلالته على
الأفضلية، لأن رجحان التأسي في إيثار النكاح على التخلي يستلزم رجحان إيثاره
عليه، ورجحان إيثار النكاح على التخلي يستلزم رجحان النكاح نفسه بالقياس إليه،
وهو المدعى.
وما يقال - من أنه يلزم على ذلك استحالة صدور عبادة من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
مرجوحة بالقياس إلى عبادة أخرى مضادة لها، ضرورة اقتضاء صدورها إيثارها على

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 17.
28

الراجحة، وإيثارها عليها يقتضي رجحانها بالتقرير المتقدم، وذلك ينافي كونها
مرجوحة مفضولة على ما هو المفروض - يدفعه معلومية عدم اقتضاء نفس صدور
العبادة منهم الأفضلية من عبادة أخرى مضادة، نعم لو كانت العبادة المأتي بها طاعة
مستمرة مانعة عن العبادة المضادة لها، فإن صدور مثل هذه الطاعة المطلوب منها
الدوام عن الحكيم العارف بحقيقة الحال لا تكون إلا لرجحانها عنده على غيرها من
الطاعات المضادة، لأن اختيار المفضول والاستمرار عليه مما ينافي الحكمة، والتأسي
في مثل هذا الفعل يقتضي الفضيلة والأفضلية معا، بخلاف ما إذا كانت العبادة المأتي
بها غير مانعة عما يضادها في الجملة، بحيث يمكن الاتيان بهذه تارة وبمضادها
أخرى، كما في أكثر الطاعات والعبادات، فإن صدورها عن الحكيم لا يقتضي إيثارها
ولا كونها أفضل من غيرها، لامكان صدورها وصدور مضادها عنه في زمانين، فلا
يكون صدورها إيثارا، فالتأسي في مثل هذه الأفعال إنما يقتضي الفضيلة دون
الأفضلية، ولما كان النكاح أمرا مستمرا يطلب دوامه، فصدوره عنهم عليهم السلام يدل
على إيثاره على ما يضاده، وهو التخلي، ومقتضى التأسي فيه كونه أفضل منه على
ما قررناه، هذا.
وربما يدل على المطلوب أيضا قوله صلى الله وعليه وآله (1)، " ما بني بناء في الاسلام أحب
إلى الله تعالى من التزويج " وقوله صلى الله عليه وآله (2) " ما من شئ أحب إلى الله عز وجل
من بيت يعمر في الاسلام بالنكاح " فإنه بعمومه يشمل التخلي أيضا، مضافا إلى ما
ورد (3) من الحث البليغ عليه، وعموم قوله (4) عليه السلام أيضا: " ما استفاد امرء
فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها
وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله " وقول الباقر (5) عليه السلام " ما أحب أن الدنيا

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 10.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 10.
(3) الوسائل الباب - 1 و 2 - من أبواب مقدمات النكاح.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 10.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 4.
29

وما فيها لي وأن أبيت ليلة ليست لي زوجة، ثم قال: ركعتان يصليهما رجل متزوج
أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره " وقول الصادق (1) عليه السلام " ركعتان يصليهما
متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها الأعزب " وقوله صلى الله عليه وآله (2): " شرار موتاكم
العزاب ".
والمناقشة - بأن الحث البليغ عليه لا يدل على كونه أفضل من غيره، وبأنه لا
يلزم من أفضلية الزوجة ذات الصفات أفضلية مطلق الزوجة، وبأن المتزوج وقع في الخبر
الآخر نكرة في مقام الاثبات، فلا يفيد العموم، وبأن العزوبة تندفع بالتسري،
لقول الكاظم (3) عليه السلام " لرجل قال له: ليس لي أهل: أليس لك جواري أو قال
أمهات أولاد؟ قال: بلى، فقال إنك لست بأعزب " - يدفعها أن الاستدلال بكثرة
الأوامر والمبالغة في الحث والترغيب على وجه يظهر منه الأفضلية من غيره، لا
بنفس الأمر والترغيب وعدم معلومية كون الأمور المذكورة صفات للزوجة،
لاحتمال الاستئناف وإرادة بيان بعض فوائد الزوجة، والنكرة في الاثبات قد تفيد
العموم، لوقوعها في كلام الحكيم، والاشعار بالعلية، واندفاع العزوبة بالتسري
لا ينافي الأفضلية، لأن العزوبة التي توجب كونه من الأشرار يندفع بأحد الأمرين،
ففي كل منهما خير يندفع به ذلك الشر المتحقق من موته عزبا، سواء كان متعبدا
أم لا.
ومن ذلك كله ظهر لك ضعف القول بأفضلية التخلي منه، لما في التزويج من
القواطع والشواغل وتحمل الحقوق، ضرورة اقتضاء ذلك زيادة الأجر، فلا يقدح في
الأفضلية، بل هو مما يحققها ويؤكدها.
نعم ربما قيل بالتفصيل بين من كانت عبادته من الأعمال، فالتزويج أفضل
منها، لا طلاق ما دل على ذلك، وبين من كانت عبادته تحصيل العلوم الدينية، فهي

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 1 - 6.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 1 - 6.
(3) البحار - ج 103 ص 220 - الطبع الحديث وفقه الرضا عليه السلام ص 77.
30

أفضل منه، لأن كمال الانسان العلم الذي هو الغرض الأصلي من خلقته، قال الله
تعالى (1): " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " والمراد بها كما في
الحديث (2) المعرفة، وقال الله عز وجل (3): " الله الذي خلق سبع سماوات ومن
الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير، وأن الله قد
أحاط بكل شئ علما " مضافا إلى الآيات (4) والمتواتر من الروايات (5) الدالة على
علو مرتبة العلم وارتفاع شأنه بحيث لا تساويه فضيلة، ولا تدانيه مرتبة، حتى قرنت
شهادة أولي العلم بشهادة الله وشهادة الملائكة (6) وحصر الخشية التي هي أصل العبادة
في العلماء (7) وفضل مداد العلماء على دماء الشهداء (8) ونوم العالم ليلة على عبادة
سبعين سنة (9) بل ورد " أن العلماء أحب الناس إلى الله " (10) و " إنهم ورثة الأنبياء
وخلفاؤهم " (11) و " إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به " (12) و " إن العالم

(1) سورة الذاريات: 51 - الآية 56.
(2) البحار - ج 5 ص 312 - الطبع الحديث.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 12.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 162 وسورة الإسراء: 17 - الآية 107 وسورة
سباء: 34 - الآية 6 وسورة المجادلة: 58 - الآية 11 وسورة آل عمران: 3 - الآية 7 و 18.
(5) أصول كافي - ج 1 ص 32 والبحار - ج 2 ص 1 المطبوعين حديثا.
(6) سورة آل عمران: 3 - الآية 18.
(7) سورة فاطر: 35 - الآية 28.
(8) البحار - ج 2 ص 14 و 16 الطبع الحديث.
(9) البحار - ج 2 ص 22 وفيه " يا علي نوم العالم أفضل من ألف ركعة يصليها
العابد " وفي ص 25 " يا علي نوم العالم أفضل من عبادة العابد " وفي ص 23 " ساعة من
عالم يتكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما ".
(10) البحار - ج 2 ص 25 الطبع الحديث وفيه: " عظم العلماء واعرف فضلهم فإني
فضلتهم على جميع خلقي إلا النبيين والمرسلين.... ".
(11) الوسائل الباب - 8 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 2 و 50 من كتاب القضاء.
(12) أصول كافي - ج 1 ص 34.
31

يستغفر له من في السماوات والأرض حتى الطير في الهواء والحيتان في الماء " (1) وأن
عالما ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد " (2) إلى غير ذلك من الفضائل التي
لا تحصى كثرة على وجه يقطع ذو الفطرة السليمة الواقف على تمام ما ورد في فضيلة
العلم والعلماء أنه أفضل السعادات وأشرف الكمالات، وأنه ينبغي تقديمه على كل
فضيلة، وإيثاره على كل طاعة، سواء في ذلك التزويج وغيره، وما ورد في الأخبار من
فضل النكاح ليس مما يداني فضيلة العلم، ولا مما يقاربه، فلا يصلح المعارضة به،
ولا الشك في أفضلية العلم بسببه، وإن لم يذكر ذلك صريحا فيما ورد به، كما
هو واضح بأدنى تأمل، فالواجب حينئذ تقديمه على ما يضاده ويعارضه، والاجتهاد
في قطع ما يقدر عليه من العوائق الشاغلة والعلائق المانعة عن تحصيله، أو عن
الاستكمال فيه، ولا ريب أن التزويج من أكبر الشواغل وأعظم الموانع حتى اشتهر
" أن العلم ذبح في فروج النساء " وقيل: " من تعود أفخاذ النساء لم يفلح ".
لكن قد يناقش بأن النزاع هنا في التفاضل بين طبيعتي النكاح والتخلي
للعبادة من حيث هما نكاح وتخل للعبادة، من غير اعتبار خصوصية في النكاح أو
التخلي، بل بمجرد النظر إلى الجنسين، نحو قولك: " الرجل خير من المرأة "
والتفاضل بينهما على هذا الوجه لا يقتضي أفضلية كل فرد من النكاح على القول
بأفضلية ولا العكس، بل يجوز على الأول أن يكون بعض أفراد التخلي أفضل منه
نظرا إلى خصوصيته وإن كان مفضولا ومرجوحا بالنظر إلى طبيعته، وحينئذ يكون
التفصيل المزبور ضايعا، ضرورة كون النظر فيه إلى خصوصيات الأفراد، والنظر
في المسألة إلى نفس الطبيعتين، فلا ينسلك التفصيل في جملة أقوال المسألة ولا يعد
من احتمالاتها، كما يؤيد ذلك حصر الأصحاب الأقوال في المسألة في القولين، حيث
إنهم بعد أن نقلوا الخلاف عن الشيخ في استحباب النكاح لمن لم تتق نفسه قالوا:
إنه على القول بالاستحباب فهل هو أفضل أم التخلي؟ فيه قولان.

(1) كنز العمال - ج 5 ص 203 - الرقم 4139 ولم يذكر فيه " الطير في الهواء ".
(2) أصول الكافي - ج 1 ص 33.
32

بل من ذلك يظهر الجواب عما قيل على القول بأفضلية النكاح من أنه يقتضي
كونه أفضل من التخلي لتحصيل العلم، مع ما فيه من الفضائل التي لا توجد في آخر
لا في التزويج ولا في غيره، فإن ذلك إنما يتوجه لو كان المراد تفضيل النكاح على جميع
أنواع التخلي للعبادة، وقد عرفت أن المقصود تفضيله على طبيعة التخلي، مع قطع
النظر عن خصوصيات أفراده، على أن المتبادر من العبادة ما تكون من جنس الأعمال
لشيوع استعمالها فيه ووقوعها في مقابلة العلم، فلا يدخل التخلي لتحصيل العلم في
محل النزاع وإن قلنا إن النزاع في تفاضل الأفراد والأنواع دون الطبائع
والله العالم.
وكيف كان فاعلم أن النكاح إنما يوصف بالاستحباب مع قطع النظر عن
العوارض اللاحقة، وإلا فهو بواسطتها تجري عليه الأحكام الأربعة الباقية، فيجب
مع النذر وشبهه، لرجحانه بالأصل، ومع ظن الضرر بالترك، لوجوب دفع الضرر
المظنون، قيل: وعند خوف الوقوع في المحرم بدونه، وفيه أن ذلك لا يقتضي
الوجوب، ضرورة بقاء الاختيار الذي يكفي في عدم الوقوع فيه، فلا يتوقف على
التزويج، اللهم إلا أن يريد أنه أحد الأفراد التي تكون سببا لعدم الوقوع في
المحرم، وهو كما ترى، ويحرم إذا أفضى إلى الاخلال بواجب، كالحج، ومع الزيادة
على الأربع، ويكره مع انتفاء الشهوة بالكلية، كما في العنين والمريض مرضا
ملازما يمنعه عن الوطء، فإن الظاهر رجحان الترك بالنسبة إليه، لانتفاء مصالح
النكاح فيه، ومنعه الزوجة من التحصن بغيره، ولاشتغاله عن العلم والعبادة بما لا
فائدة فيه، كذا قيل، وفيه أن إثبات الكراهة المصطلحة بذلك لا يخلو من نظر،
ويتصف بالإباحة إذا تضمن ترك النكاح مصلحة تساوي مصلحة الفعل، فإن ذلك قد
يتفق، كما إذا خاف من تلف مال معتد به له بواسطة التزويج أو تضييع عيال له في
محل آخر مع وجود الشهوة وكمال الرغبة، قيل: وكذا مع عدم قصد الامتثال
وإرادة الطاعة بالتزويج، فإن النكاح إنما يتصف بالاستحباب مع قصد التقرب به،
فبدونه يكون مباحا، وفيه ما عرفت من عدم اعتبار ذلك في مستحب المعاملات
33

وواجبها.
وقال ثاني الشهيدين: " إن الإباحة لا تتفق على القول المشهور إلا للغافل
عن القصد الراجح، والكلام في الأحكام الخمسة للقاصد، ويمكن فرضه عند الشيخ
لمن لم تتق نفسه، فإنه في المبسوط اقتصر فيه على نفي الاستحباب، وظاهره بقاء
الإباحة، إذ لا قائل بالكراهة " وفيه أنه يمكن فرض الإباحة على القول المشهور
بما عرفت، فلا ينحصر في الغافل عن القصد الراجح، على أن ما ذكره من أن الكلام في
الأحكام الخمسة للقاصد لا يقتضي نفي الإباحة مع الغفلة عن القصد الراجح خاصة
إن أراد بالقصد مطلق القصد، كما هو الظاهر، وإن أراد به خصوص القصد الراجح
فحصر الكلام في الأحكام الخمسة فيه باطل، إذ لا ريب في البحث عنها من دون اعتبار
الرجحان، وأيضا ما حكاه عن الشيخ ليس بجيد، لتصريح الشيخ - كما قيل - في
المبسوط بأن من لا يشتهي النكاح يستحب له أن لا يتزوج، ومقتضاه كراهة التزويج
له، لا إباحته، هذا.
وربما تجري الأحكام الخمسة على النكاح باعتبار المنكوحة، فالواجب التزويج
بمن يترتب عليه ضرر يجب عليه دفعه بترك تزويجها، قيل: وما لو علم وقوع الزنا
من أجنبية، وأنه لو تزوجها منعها منه ولا ضرر، فيجب كفاية، ويتعين عند عدم
قيام غيره به، والمحرم: نكاح المحرمات عينا وجمعا، والمستحب: نكاح المستجمعة
للصفات المحمودة في النساء، والمكروه: نكاح المستجمعة للأوصاف المذمومة في النساء
ونكاح القابلة المربية، والمتولدة من الزنا، والمباح: ما عدا ذلك، كما هو واضح.
ثم إن الظاهر استحباب التزويج للفقير والغني، بل يكره تركه مخافة
العيلة، لقوله تعالى (1): " وانكحوا الأيامى " إلى آخره، ولأن النبي صلى الله عليه وآله (2)
زوج فقيرا لم يقدر على خاتم حديد، ولا وجد له إلا أزار، ولم يكن له رداء " وقال:
" من سره أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة، ومن ترك التزويج مخافة

(1) سورة النور: 24 - الآية 32.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 242.
34

العلية فقد أساء الظن بالله عز وجل " (1) بل في الخصوص (2) أن التزويج يرفع الفقر
ويجلب الرزق، وأما قوله تعالى (3) " وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم
الله من فضله " فقد عرفت عدم منافاتها لذلك، ضرورة كون الفرض الفقير المتمكن من النكاح
بلا صداق من غير حاجة إلى تحمل المنة والذل في طلب المهر ونحو ذلك، فلا إشكال
في رجحان النكاح مطلقا.
بل يستحب الزيادة على الواحدة مع الحاجة قطعا، بل وبدونها على الأقوى،
للتأسي واطلاق بعض النصوص، ولما في الزيادة من تكثير النسل والأمة، ولعروض
الحاجة مع عدم التمكن من قضائها مع اتحاد الزوجة، لحيض أو مرض أو غيرهما،
قيل: ولقوله تعالى (4): " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " فإن أقل مراتب الأمر
الندب، وفيه بحث تعرفه فيما يأتي انشاء الله، فما عن الشيخ من كراهة الزيادة على
الواحدة واضح الضعف، خصوصا بعد ما روى العياشي عن الصادق عليه السلام (5) " في كل
شئ إسراف إلا النساء، قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم " إلى آخره، وأما
قوله عز وجل (6): " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم " فليس المراد
من العدل فيه التسوية في النفقة والعشرة حتى يكون الجمع المفضي إلى تركه مكروها،
لأنه أمر ممكن فلا يصح نفي القدرة عليه، ولأنه لو امتنع لم يجز الجمع، لوجوب
العدل، والتالي باطل بالضرورة، بل المراد به التسوية من جميع الوجوه، أو في المحبة
والمودة خاصة، كما دلت عليه النصوص (7) فإن ذلك هو العدل الذي لا يستطيعونه
ولو حرصوا عليه، وبه يجمع بينها وبين قوله تعالى (8): فإن خفتم ألا تعدلوا

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 10 و 11 - من أبواب مقدمات النكاح.
(3) سورة النور: 24 - الآية 33.
(4) سورة النساء - 4 - الآية 3 - 129.
(5) الوسائل الباب - 140 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 12.
(6) سورة النساء - 4 - الآية 3 - 129.
(7) الوسائل الباب - 7 - من أبواب القسم والنشوز والمستدرك الباب - 5 - منها.
(8) سورة النساء: 4 - الآية 3.
35

فواحدة " بحمل العدل فيه على المقدور، بل الظاهر استحباب ذلك حتى مع الفقر
لاطلاق ما دل (1) على أن التزويج يزيد في الرزق، ولخبر إسحاق بن عمار (2) " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: الحديث الذي يرويه الناس حق أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فشكى
إليه الحاجة فأمره بالتزويج - حتى أمره ثلاث مرات -؟ قال فقال أبو عبد الله عليه السلام: نعم
هو حق، ثم قال: الرزق مع النساء والعيال " هذا.
وقد قيل: إن النكاح المحكوم عليه بالاستحباب هو العقد المحلل للوطء، لأن
لفظ النكاح حقيقة فيه، قلت: قد يحتمل قويا كون المراد منه ما يتناوله والتسري،
لوقوع التعليل في كثير من النصوص بالوجوه المشتركة بينه وبين التزويج، كحصول
النسل وتكثير الأمة وإبقاء النوع والخلاص من الوحدة وطلب الرزق والولد
الصالح (3) فيكون الأمر بالتزويج في الآيات والأخبار لكونه أحد الفردين الذين
يتأتي بهما الاستحباب، لا لأنه مراد ومطلوب بخصوصه، ويؤيده خبر عبد الله بن
المغيرة (4) عن أبي الحسن عليه السلام " إنه جاء رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام، فقال: هل
لك من زوجة؟ فقال: لا فقال: إني ما أحب أن لي الدنيا وما فيها وإني بت ليلة
وليست لي زوجة، ثم قال: الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب
يقوم ليله ويصوم نهاره، فقال محمد بن عبيد: جعلت فداك فأنا ليس لي أهل، فقال:
أليس لك جواري أو قال: أمهات أولاد؟ قال: نعم، قال: فأنت لست بعزب " والله العالم.
(و) على كل حال ف‍ (يستحب لمن أراد العقد) أمور كثيرة ذكر
المصنف منها (سبعة أشياء، ويكره له) أمور أيضا ذكر المصنف منها واحدا، وهو
ال‍ (ثامن، فالمستحبات) السبعة: (أن يتخير من النساء من تجمع صفات أربعا: كرم
.

(1) الوسائل الباب - 10 و 11 - من أبواب مقدمات النكاح.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 و 3 و 6 و 9 والباب
- 11 و 15 و 16 - منها والباب - 1 و 2 و 3 - من أبواب أحكام الأولاد.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6
36

الأصل) بأن لا تكون من زنا أو حيض أو شبهة أو ممن تنال أحدا من آبائها وأمهاتها الألسن
ففي الخبر عن سيد (1) البشر " إياكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله وما
خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء " وقال صلى الله عليه وآله (2) أيضا:
" اختاروا لنطفكم، فإن الخال أحد الضجيعين " وفي آخر (3) " تخيروا لنطفكم، فإن
الأبناء تشبه الأخوال " وقال صلى الله عليه وآله أيضا: (4) " انكحوا الأكفاء، وانكحوا
فيهم، واختاروا لنطفكم " وفي مرسل ابن مسكان (5) عن الصادق عليه السلام " إنما المرأة
قلادة، فانظر ما تقلده ".
وقيل: المراد من كرم الأصل، من لم يكن مس آبائها رق، وقيل: بأن يكون
أبواها صالحين، ويمكن إرادة ما يشمل جميع ذلك منه، على معنى أن ليس في أصلها
ما هو معيب ومذموم.
(وكونها بكرا) لكونها أحرى بالموافقة والائتلاف، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله (6):
" تزوجوا الأبكار، فإنهن أطيب شئ أفواها " وفي حديث آخر (7) " وأنشفه أرحاما
وأدر شئ أخلافا وأفتح شئ أرحاما، أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة
حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة، فيقول الله عز وجل: أدخل الجنة، فيقول:
لا حتى يدخل أبواي قبلي، فيقول الله عز وجل لملك من الملائكة: آتني بأبويه، فيأمر
بهما إلى الجنة، فيقول: هذا بفضل رحمتي لك " وقال لجابر وقد تزوج (8) ثيبا:
" هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك ".
بل من الخبر الأول يستفاد استحباب كونها (ولودا) مضافا إلى الأخبار

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 2.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 2.
(3) كنز العمال ج 8 ص 242 الرقم 3870 والجامع الصغير ج 1 ص 112 وفيهما
" تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن ".
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 1.
(5) الوسائل الباب - 13 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 1.
(6) الوسائل الباب - 17 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(7) الوسائل الباب - 17 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(8) كنز العمال ج 8 ص 242 - الرقم 3866 و 3917.
37

الكثيرة، بل في بعضها (1) " الحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد " قيل:
والجمع بين هذه الصفة والبكارة بأن لا تكون صغيرة ولا يائسة، ولا في مزاجها ما يدل
عادة على عقمها، كانتفاء الحيض، قلت: الأولى في معرفة كون البكر ولودا الرجوع
إلى نسائها من الأمهات والأخوات.
وينبغي أن تكون (عفيفة) قال جابر بن عبد الله (2): " كنا عند النبي صلى الله عليه وآله
فقال: إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرجة
مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله، وتطيع أمره، وإذا خلا بها بذلت له ما
يريد منها، ولم تبذل كتبذل الرجل، ثم قال: ألا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في
أهلها العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تورع من قبيح، المتبرجة إذا غاب
عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله، ولا تطيع أمره، وإذا خلا بها بعلها
تمنعت منه كما تتمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذرا، ولا تغفر له ذنبا "
إلى غير ذلك من النصوص المستفاد منها ذلك وغيره من الصفات التي لم يذكرها المصنف
ككونها سمراء عيناء، عجزاء، مربوعة (3) طيبة اللت، درمة الكعب، عظيمة
الكعثب (4) جميلة، فإن الامرأة الجميلة تقطع البلغم، والمرأة السوداء تهيج المرة (5)
السوداء، ذات شعر، فإن الشعر أحد الجمالين (6) صالحة تعين زوجها على الدنيا
والآخرة (7)، وتحفظه في نفسها وفي ماله إذا غاب عنها (8) ولتكن قرشية فإن

(1) المستدرك الباب - 14 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 6 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2
وذيله في الباب - 7 - منها الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 19 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 21 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 3.
(6) الوسائل الباب - 21 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 3.
(7) الوسائل الباب - 9 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 13 - 10.
(8) الوسائل الباب - 9 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 13 - 10.
38

نساء قريش ألطفهن بأزواجهن وأرحمهن بأولادهن (1) وغير ذلك، وعلى كل حال فلا
تغني البكارة عن العفة حتى إذا فسرت بالعفة في الفرج، فإنه قد يظن خلافها بكون نسائها
زناة ونشأتها بين الزناة ونحو ذلك، بل ربما علمت رغبتها في الزنا وإن لم يتفق لها.
(و) كيف كان (لا يقتصر) في اختيار المرأة (على الجمال ولا على الثروة
فربما حرمهما) قال الصادق عليه السلام (2) " من تزوج امرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك
المال " وقال عليه السلام أيضا (3): " إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها وكل إلى ذلك
فإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال " وعن أبي جعفر عليه السلام (4) عن رسول الله صلى الله عليه وآله
" من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، ومن تزوجها لمالها لا
يتزوجها إلا له وكله الله إليه، فعليكم بذات الدين " وعنه عليه السلام (5) أيضا: " من تزوج
امرأة لمالها وكله الله إليه، ومن تزوجها لجمالها رأى فيها ما يكره، ومن تزوجها
لدينها جمع الله له ذلك ".
(و) يستحب له أيضا عند إرادة التزويج (صلاة ركعتين) وحمد الله بعدهما
(والدعا بعدهما) أيضا (بما صورته اللهم إني أريد أن أتزوج، فقدر لي من النساء
أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي، وأوسعهن رزقا، وأعظمهن بركة، أو غير ذلك
من الدعاء) بهذه المعاني ونحوها وإن لم يكن بهذه الألفاظ، وإن كان الأولى المحافظة
على خصوص ما ورد عنهم عليه السلام قال الصادق عليه السلام (6): " إذا هم أحدكم بالتزويج
فليصل ركعتين، ويحمد الله، ويقول: اللهم إني أريد أن أتزوج، اللهم فاقدر لي
من النساء " إلى آخر ما سمعت، وزاد " واقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا
في حياتي وبعد موتي ".
(و) يستحب أيضا (الاشهاد) في الدائم، بل لعل تركه مكروه، لقول أبي الحسن

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 1 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 1 - 4 - 5.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 1 - 4 - 5.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 1 - 4 - 5.
(6) الوسائل الباب - 53 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 1.
39

عليه السلام في مكاتبة المهلب الدلال (1): " التزويج الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين "
بل عن أبي عقيل منا وجماعة من العامة وجوب ذلك فيه، وإن ضعف ما ذكر دليلا من النصوص
المروية: (2) من طرق العامة والخاصة، ومن هنا كان المعروف بين الأصحاب خلافه،
بل هو من الأقوال الشاذة في هذا الزمان، بل لعله كذلك في السابق أيضا بقرينة ما
حكي من الاجماع في الإنتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة على
عدم الوجوب، وهو الحجة بعد الأصل والأخبار الكثيرة التي يجب حمل الخبر المزبور
في مقابلتها على ما عرفت، بل قول أبي جعفر عليه السلام (3): " إنما جعلت البينة في النكاح
من أجل المواريث " يرشد إلى عدم الشرط وأن الأمر بذلك للارشاد إلى دفع التهمة
وتحقق النسب والميراث (و) القسم والنفقات.
بل الظاهر استحباب (الاعلان) بذلك الذي هو أبلغ من الاشهاد، للأمر به في
النبوي (4) فعنه صلى الله عليه وآله " أعلنوا هذا النكاح " بل في المسالك الاستدلال عليه بالخصوص
بما روي " أن (5) النبي صلى الله عليه وآله كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف ويقال:
أتيناكم أعناكم * فحيونا نحييكم "
(و) يستحب أيضا (الخطبة) بضم الخاء (أمام العقد) وأكملها كما في
المسالك إضافة الشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام بعده، والوصية
بتقوى الله، والدعاء للزوجين، وإنما استحبت كذلك للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة
عليهم السلام، وخطبهم منقولة (6) في ذلك مشهورة، بل الظاهر استحبابها قبل الخطبة

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 11.
(2) الوسائل الباب - 43 - من أبواب مقدمات النكاح وسنن البيهقي ج 7 ص 125.
(3) الوسائل الباب - 43 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 290.
(5) مجمع الزوائد ج 4 ص 288.
(6) المستدرك الباب - 33 - من أبواب مقدمات النكاح.
40

بكسر الخاء للتأسي أيضا، وقوله عليه السلام (1) " كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم "
بل في المسالك أنه يستحب لولي المرأة الخطبة أيضا ثم الجواب، ولا بأس به، نعم
الظاهر الاجتزاء بحمد الله والصلاة على محمد وآله، قال الصادق عليه السلام (2): " إن
علي بن الحسين عليه السلام كان يزوج وهو يتعرق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول:
الحمد لله وصلى الله على محمد وآله، ونستغفر الله، وقد زوجناك على شرط الله " بل عن
علي بن الحسين عليه السلام (3) إنه قال: " إذا حمد الله فقد خطب ".
وكيف كان فلا تجب إجماعا أو ضرورة، خلافا لداود الظاهري، وقال
الصادق (4) عليه السلام وقد سأله عبيد بن زرارة عن التزويج بغير خطبة: " أوليس عامة ما
تزوج فتياتنا ونحن نتعرق الطعام على الخوان؟ نقول: يا فلان زوج فلانا فلانة،
فيقول: نعم قد فعلت ".
(و) يستحب أيضا (ايقاعه) أي العقد (ليلا) للنبوي (5) " أمسوا بالأملاك
فإنه أعظم للبركة " وقول الرضا عليه السلام (6): " من السنة التزويج بالليل، إن الله تعالى
جعل الليل سكنا والنساء إنما هن سكن ".
(ويكره إيقاعه والقمر في العقرب) لقول الصادق عليه السلام (7): " من تزوج والقمر
في العقرب لم ير الحسنى " والظاهر إرادة البرج من العقرب، لا المنازل المنسوبة إليه،
وهي الزبانا والإكليل والقلب والشولة، لأن القمر يحل في البروج الاثني عشر في
كل شهر مرة، وجملة المنازل التي هذه الأربع بعضها ثمانية وعشرون، مقسومة
على البروج الاثني عشر فيخص كل برج منها منزلتان وثلث، فللعقرب من هذه

(1) البحار ج 93 ص 316 وفيه " اقطع " بدل " أجذم ".
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 1.
(5) لم أعثر على هذا الحديث مع التتبع في مظانه.
(6) الوسائل الباب - 37 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(7) الوسائل الباب - 54 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
41

الأربع ما لغيره، قال في المسالك: " والذي بينه أهل هذا الشأن (اللسان خ ل) أن
للعقرب من المنازل القلب وثلثي الإكليل وثلثي الشولة، وذلك منزلتان وثلث، وأما
الزبانا وثلث الإكليل فهو من برج الميزان، كما أن ثلث الشولة الأخير من برج
القوس - إلى أن قال -: فلا كراهة في منزلة الزبانا مطلقا، وأما المنزلتان المنتظرتان
فإن أمكن ضبطهما وإلا فينبغي اجتناب الفعل والقمر فيهما حذرا من الوقوع فيما
كره منهما " وفي كشف اللثام " والظاهر أن لفظ الخبر مقول على عرف أهل النجوم،
ولا يريدون بمثله إلا الكون في البرج بالمعنى المعروف عندهم، مع الأصل فيما زاد "
قلت: بل الظاهر أن الخبر مقول على ما يرى عند عامة الناس من كون القمر في العقرب،
لا على ما يقرره أهل النجوم من الدرجات والدقائق ونحو ذلك مما هو جار على
مصطلحاتهم، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه، والله العالم.
المبحث
(الثاني في آداب الخلوة بالمرأة)
وهي قسمان:
(الأول)
(يستحب لمن أراد الدخول) بها (أن يصلي ركعتين، ويدعو بعدهما)
بالمأثور أو غيره بعد حمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله (و) يستحب له أيضا (إذا أمر
المرأة بالانتقال) إليه (أن تصلي) هي (أيضا ركعتين، وتدعو) قيل: كل ذلك لصحيح
أبي بصير (1) قال: " سمعت رجلا يقول لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إني رجل قد

(1) الوسائل الباب - 55 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
42

أسننت وقد تزوجت امرأة بكرا صغيرة، ولم أدخل بها، وأنا أخاف إذا دخلت على
فراشي أن تكرهني لخضابي وكبرى، قال أبو جعفر عليه السلام: إذا دخلت عليك فمرهم
قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة، ثم لا تصل إليها أنت حتى تتوضأ وتصلي
ركعتين، ثم مرهم يأمروها أن تصلي أيضا ركعتين، ثم تحمد الله تعالى وتصلي على
محمد وآله، ثم ادع الله، ومر من معها أن يؤمنوا على دعائك، ثم ادع الله، وقل:
اللهم ارزقني ألفتها وودها ورضاها بي، وارضني بها، واجمع بيننا بأحسن اجتماع
وآنس ائتلاف، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام " لكنه كما ترى لا دلالة فيه على
الدعاء منها، وإنما فيه أمر من معها بالتأمين، بل ليس فيه أمرها بالصلاة، وإنما
أمرهم بأمرها، اللهم إلا أن يراد بذلك أمرها ولو بالواسطة، كما أنه لا صراحة
فيه بأن صلاتها قبل انتقالها إليه، بل هو محتمل لكون ذلك عنده، بل ومتأخر
عن صلاته خصوصا بناء على ما عن الجعفريات (1) من أنه " إذا زفت إليه ودخلت عليه
فليصل ركعتين ثم يمسح بيده ناصيتها، فيقول: اللهم بارك لي في أهلي، وبارك لهم
في، وما جمعت فاجمع بيننا في خير ويمن وبركة، وإذا جعلتها فرقة فاجعلها فرقة
إلى خير، فإذا جلس إلى جانبها فليمسح بناصيتها، ثم يقول: الحمد لله الذي هدى
ضلالتي، وأغني فقري، وأنعش خمولي، وأعز ذلتي، وآوي عيلتي، وزوج أيمتي،
وحمل رحلي، وأخدم مهنتي، ورفع خسيستي حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على
ما أعطيت، وعلى ما قسمت، وعلى ما وهبت، وعلى ما أكرمت ".
(و) على كل حال فظاهر الصحيح المزبور أن صلاة الركعتين من الزوج من آداب
الدخول، لا الخلوة المجردة عنه لمانع منها أو منه، إلا أن يراد بقيد وصوله إليها
الخلوة بها، نعم ظاهره استحباب (أن يكونا) معا (على طهر) بل ظاهر بعضهم
استحباب طهارتهما في تمام هذه المدة، أي مما قبل الدخول إلى تمام الدعاء، لكن لا
يخفى عليك خلو النص عنه، إلا أنه لا بأس به، فإن الطهارة أمر مرغوب خصوصا

(1) المستدرك الباب - 41 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
43

عند الدعاء.
(و) قد عرفت مما سمعته عن الجعفريات أنه يستحب له أيضا (أن) يمسح
يده على ناصيتها أي مقدم رأسها ما بين النزعتين، قائلا ما عرفت، ولكن في خبر
أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " فل‍ (يضع يده على ناصيتها إذا دخلت عليه
ويقول: اللهم على كتابك تزوجتها، وفي أمانتك أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها،
فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا، ولا تجعله شرك شيطان)، قلت: وكيف
يكون شرك شيطان؟ فقال لي: إن الرجل إذ أدنى من المرأة وجلس مجلسه حضر الشيطان،
فإن هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان، وإن فعل ولم يسم أدخل الشيطان ذكره، فكان
العمل منهما جميعا، والنطفة واحدة " وفي خبر أبي بصير الآخر أيضا (2) " إذا دخلت
بأهلك فخذ بنا صيتها واستقبل القبلة، وقل: اللهم بأمانتك أخذتها، وبكلماتك
استحللتها، فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة آل محمد، ولا
تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا " وفي خبره الثالث (3) ما يستفاد منه استحباب
هذا الدعاء كلما أتى أهله، " قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد إذا أتيت أهلك
فأي شئ تقول؟ قال: جعلت فداك وأطيق أن أقول شيئا، قال: بلى، قل: اللهم بكلماتك
استحللت فرجها، وبأمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله تقيا زكيا،
ولا تجعل فيه شركا للشيطان " الحديث. وعلامة شرك الشيطان وعدمه حب أهل
البيت عليهم السلام وبغضهم كما استفاضت به النصوص (4).
(و) كذا يستحب (أن يكون الدخول ليلا) لما تقدم، ولقوله صلى الله عليه وآله (5)

(1) الوسائل الباب - 53 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 55 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 68 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 53 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - والباب 68
منها الحديث 2 و 5 و 6.
(5) المستدرك الباب - 31 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 3.
44

" زفوا عرائسكم ليلا وأطعموا ضحى " ولأنه أوفق بالستر والحياء، بل قيل: إنه يستحب
أيضا إضافة الستر المكاني والقولي إلى الستر الزماني، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله (1)
" إن شر الناس عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها "
بل في حديث آخر (2) عنه صلى الله عليه وآله أيضا " من يفعل ذلك مثل شيطان وشيطانة لقي أحدهما
بالسكة، فيقضي حاجته منها، والناس ينظرون إليه ".
(و) يستحب له أيضا (أن يسمي عند الجماع) لما سمعته الخبر (3)
السابق، وعن النبي صلى الله عليه وآله (4) " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم
جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان منا مما رزقتنا، فإن قدر بينهما في ذلك ولد لم يضر
ذلك الولد الشيطان " بل عن الصادق عليه السلام (5) " إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله،
فإن لم يفعل وكان منه ولد كان شرك شيطان " وروى البرقي عن علي عن عمه (6)
قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا، فذكر شرك الشيطان، فعظمه حتى
أفزعني، فقلت: جعلت فداك فما المخرج من ذلك؟ فقال: إذا أردت الجماع فقل:
بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السماوات والأرض اللهم إن قضيت
مني في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا ولا حظا، واجعله
مؤمنا مخلصا مصفى من الشيطان، ورجزه جل ثناؤك " وقال الصادق عليه السلام في خبر
الحلبي (7): " إذا أتى أهله فخشي أن يشاركه الشيطان يقول: بسم الله، ويتعوذ
بالله من الشيطان " وقال عليه السلام أيضا في خبر القداح (8) عن أمير المؤمنين عليه السلام: " إذا

(1) الجامع الصغير ج 1 ص 100 عن صحيح المسلم.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 194.
(3) الوسائل الباب - 53 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(4) كنز العمال ج 8 ص 254 - الرقم 4160.
(5) الوسائل الباب - 68 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6 وفيه: " إذا أتى أحدكم أهله فلم يذكر الله عند الجماع وكان منه ولد " إلى آخر.
(6) الوسائل الباب - 68 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1 - 3.
(7) الوسائل الباب - 68 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1 - 3.
(8) الوسائل الباب - 68 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1 - 3.
45

جامع أحدكم فليقل: بسم الله وبالله، اللهم جنبني الشيطان، وجنب الشيطان ما
رزقتني، قال: فإن قضى الله بينهما ولدا لا يضره الشيطان بشئ أبدا ".
ومما سمعت يستفاد استحباب أن يسمي عند الجماع مطلقا ليلة الدخول
وغيرها، (ويسأل الله أن يرزقه ولدا ذكرا سويا) قال الباقر عليه السلام (1): " إذا
أردت الجماع فقل: اللهم ارزقني ولدا، واجعله تقيا زكيا مباركا ليس في خلقه
زيادة ولا نقصان، واجعل عاقبته إلى خير ".
ومن آداب الخلوة بالمرأة أيضا خلع الزوج خفيها، وغسل رجليها، وصب
الماء من باب الدار إلى أقصاها، ففي مرسل الصدوق (2) " أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله علي
ابن طالب عليه السلام، فقال: يا علي إذا دخلت العروس بيتك فاخلع خفيها حتى تجلس
واغسل رجليها، وصب الماء من باب دارك إلى أقصى دارك، فإنك إن فعلت ذلك أخرج
الله من دارك سبعين ألف لون من الفقر، وأدخل فيه سبعين ألف لون من البركة،
وأنزل عليه سبعين ألف لون من الرحمة ترفرف على رأس العروس حتى تناول
بركتها كل زاوية من بيتك، وتأمن العروس من الجنون والجذام والبرص أن
يصيبها ما دامت في تلك الدار " إلى غير ذلك من الآداب المستفادة من نصوصهم عليهم السلام.
(و) منها أنه (يستحب الوليمة عند الزفاف) قال الصادق عليه السلام في خبر هشام (3):
" إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين تزوج ميمونة بنت الحارث أولم عليها وأطعم الناس
الحيس " وفي خبر الوشاء عن الرضا عليه السلام (4) " إن النجاشي لما خطب لرسول الله صلى الله عليه وآله
آمنة بنت أبي سفيان فزوجه دعا بطعام، وقال: إن من سنن المؤمنين الاطعام عند

(1) الوسائل الباب - 55 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 147 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 40 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 40 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث - 1 - وفيه " أن من
سنن المرسلين.. "
46

التزويج " وعن رسول الله صلى الله عليه وآله (1) إنه قال: " لا وليمة إلا في خمس: في عرس أو خرس
أو عذار أو وكار أو ركاز " أي التزويج والنفاس بالولد والختان وشراء الدار والقدوم
من مكة، بل عن الشافعي قول بوجوبها، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال لعبد الرحمان بن
عوف (2): " أولم ولو بشاة " وفيه أنه محمول على الاستحباب بقرينة تركه ذلك في
جملة من أزواجه كما قيل.
والظاهر أن المدار على مسماها في الكم والكيف، فقد سمعت أن رسول الله
صلى الله عليه وآله أولم وأطعم الناس الحيس، وروي عنه صلى الله عليه وآله (3) أيضا أنه " أولم
على صفية بسويق وتمر " وعن (4) أنس " أنه ما أولم رسول الله صلى الله عليه وآله على امرأة من
نسائه ما أولم على زينب، جعل يبعثني فأدعو الناس، فأطمعهم خبزا ولحما حتى
شبعوا " وعنه صلى الله عليه وآله (5) أيضا " أنه أولم على بعض نسائه بمدين من شعير ".
وأما وقتها ففي المسالك عند الزفاف، وفي جامع المقاصد " هل هو بعد الدخول
أو قبله؟ لم أجد به تصريحا " ورواية السكوني (6) " زفوا عرائسكم ليلا وأطعموا
ضحى " ظاهرة في أنها بعد الدخول، كما أن خبر النجاشي (7) ظاهر في أنه بعد
العقد " قلت: قد يقوى جواز كل من الأمرين ولعل التقديم أولى.
وعلى كل حال فيستحب (يوما أو يومين) للنبوي (8) " الوليمة في الأول

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 258.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 260
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 260
(5) سنن البيهقي ج 7 ص 259 مع اختلاف يسير وذكره بعينه في المغني ج 8
ص 105.
(6) الوسائل الباب - 37 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(7) الوسائل الباب - 40 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(8) لم نجد هذا اللفظ في النبويات مع التتبع التام وإنما الموجود في سنن البيهقي
ج 7 ص 260 وغيرها في هذا الباب أنه صلى الله وعليه وآله قال " الوليمة في أول يوم حق
والثاني معروف والثالث رياء وسمعة.
47

حق، ويومان مكرمة، وثلاثة أيام رياء وسمعة " وقال الباقر عليه السلام (1): " الوليمة يوم،
ويومان مكرمة، وثلاثة أيام رياء وسمعة ".
(و) ينبغي (أن يدعي لها المؤمنون) الذين هم أفضل من غيرهم، وأولى بالمودة
وأقرب إلى إجابة الدعاء، نعم لو لم يمكن تخصيصهم فليجمعهم مع غيرهم، ولا يعتبر
فيهم عدد مخصوص، وفي المسالك " ولتكن قلتهم وكثرتهم بحسب حال الطعام وعادة البلد،
ففي بعض البلاد يحضر الطعام القليل للخلق الكثير من غير نكير، وفي بعضه بخلاف ذلك.
(و) كيف كان (فلا تجب الإجابة) عندنا، للأصل وغيره (بل تستحب) خلافا
للمحكي عن بعض العامة فتجب، للنبوي (2) " من دعي إلى وليمة ولم يجب فقد عصى الله
ورسوله " ونحوه آخر (3) وفي ثالث (4) " من دعي إلى وليمة فليأتها " لكن لعدم اجتماع
شرائط حجيتها في مثل الوجوب وجب حملها على الندب، بل تأكده بل كراهة
الترك خصوصا إذا كان الداعي مؤمنا، فإن " من حقه على أخيه إجابة دعوته " (5)
من غير فرق في ذلك بين القريب والبعيد، بل والبلد وغيره مع عدم المشقة التي
لا تتحمل عادة، نعم في المسالك " يشترط في استحباب الإجابة أو وجوبها كون الداعي
مسلما وأن لا يكون في الدعوى مناكير وملاهي، إلا أن يعلم زوالها بحضوره من
غير ضرر عليه، فتجب لذلك، وأن يعم صاحب الدعوة الأغنياء والفقراء، ولو من
بعض الأصناف كعشيرته وجيرانه، وأهل حرفته، فلو خص بها الأغنياء لم يرجح
الإجابة، ولم تجب عند القائل به، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (6): " شر الولائم ما يدعى لها الأغنياء
ويترك الفقراء " وأن يخصه بالدعوة بعينه أو مع جماعة معينين، وأما لو دعى عاما
ونادى ليحضرن من يريد ونحو ذلك لم تجب الإجابة ولم تستحب، لأن الامتناع
والحال هذه لا يورث الوحشة والتأذي، حيث لم يعين، وأن يدعى في اليوم الأول

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب مقدمات النكاح - الحديث 2.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 262.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 261.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 261.
(5) الوسائل الباب - 122 - من أبواب أحكام العشرة الحديث 15 من كتاب الحج.
(6) سنن البيهقي ج 7 ص 262.
48

أو الثاني، ولو في الثالث كره الإجابة ".
وقد يناقش في الأخير بعدم استلزام كراهة الوليمة للمولم في الثالث كراهة الإجابة
المأمور بها، بل قد عرفت أنها من حق المؤمن على المؤمن، كما أنه قد يناقش في سابقه بأنه لا فرق
في استحباب الإجابة بين الدعوة العامة والخاصة، نعم ما ذكره من المثال ليس من الدعوة حتى
لو وجهه إلى خاص لم يبعد عدم الاستحباب أيضا، بخلاف ما لو نادى وقال " إني أدعو
جميع أهل الدار أو أهل المحلة " أو نحو ذلك على وجه أسمعهم نداءه ودعاءه، بل
قد يناقش أيضا في اشتراط التعميم، لا طلاق أدلة الإجابة، وكونها شرا بالنسبة إلى المؤلم
لا يقتضي كونها شرا للمجيب، خصوصا إذا كان هو فقيرا، بل وجود المناكير فيها على
وجه لا يستلزم إثمه لا يقتضي عدم استحباب الإجابة.
وعلى كل حال فلو كان الداعي اثنان فصاعدا، قدم الأسبق، فإن جاءا معا ففي
المسالك أجاب الأقرب رحما ثم الأقرب دارا كما في الصدقة، وقد روى عن النبي
صلى الله عليه وآله (1) أنه قال: " إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما إليك بابا، فإن
أقربهما إليك بابا أقربهما إليك جوارا فإن سبق أحدهما فأجب السابق " قلت:
ومع تعارض المرجحات فالقرعة، بل لعلها متجهة حال عدم المرجح الشرعي مطلقا.
وكما تستحب الإجابة يستحب الأكل الذي هو الغرض من الدعوة، ولما في
تركه من الوحشة وكسر قلب الداعي خصوصا في بعض الأحوال من بعض الأشخاص،
مضافا إلى قول النبي صلى الله عليه وآله (2) " من كان مفطرا فليطعم " بل عن بعض من أوجب الحضور
إيجاب الأكل ولو لقمة، لما عرفت ولأن المقصود من الأمر بالحضور الأكل، فكان واجبا،
وفيه منع انحصار المقصود فيه، بل مجرد الإجابة كاف في جبر القلب، ولهذا كلف
الصائم بالحضور واجبا من غير أكل، ويمنع حصول الوحشة مع إكرامه وإجابة
دعائه واجتماعه مع الجماعة، والتوعد المذكور إنما هو على ترك الإجابة، لا الأكل
كما هو واضح

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 275.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 263.
49

ثم إن الصوم ليس عذرا في ترك إجابة الدعوة، للاطلاق، ولقول النبي صلى الله عليه وآله (1):
" إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل "
أي يحضر ويدعو لأهل الدعوة.
والصوم إن كان مما يحرم إفطاره لكونه شهر رمضان أو نذرا معينا أو قضاء
شهر رمضان بعد الزوال لم يجز له الأكل، وإلا جاز على كراهة كما في المسالك إن
كان موسعا، وإن كان نفلا وشق على صاحب الدعوة صومه استحب له الافطار إجماعا
ولأن النبي صلى الله عليه وآله (2) " حضر دار بعضهم فلما قدم الطعام أمسك بعض القوم، وقال إني
صائم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يتكلف لك أخوك المسلم وتقول: إني صائم، أفطر ثم اقض
يوما مكانه " بل يقوى استحبابه وإن لم يشق على صاحب الدعوة إمساكه، لعموم
الأمر في خبر الرقي عن الصادق عليه السلام (3) " لافطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك
سبعين ضعفا " وصحيح جميل عنه عليه السلام (4) " من دخل على أخيه فأفطر عنده ولم
يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة " ولذلك أطلق المصنف فقال (وإذا
حضر فالأكل مستحب ولو كان صائما ندبا) لكن عن التذكرة إنه قرب استحباب
الاتمام عملا بظاهر التعليل في النبوي (5) فإن التكلف له يوجب المشقة في تركه
غالبا وهو مناط الأمر بالامضاء، وفيه إيماء إلى العلة، فيتعدى إلى ما شاركها في المعنى،
وهو مشقة الامساك على نفسه، وفيه أنه لا تعليل يصلح لتقييد إطلاق غيره، فتعميم
الاستحباب حينئذ أولى، نعم ينبغي أن يكون الباعث على الافطار إجابة الدعوة
وامتثال أمر الله فيها ليكون طاعة يترتب عليه الثواب، وإلا لم يترتب عليه شئ من
الثواب، وإطلاق الأمر بالفطر محمول على تصحيح النية اتكالا على أن الأعمال

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 263.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 264 مع اختلاف يسير.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب آداب الصائم الحديث 6 - 4 من كتاب الصوم.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب آداب الصائم الحديث 6 - 4 من كتاب الصوم.
(5) سنن البيهقي ج 7 ص 264.
50

بالنيات.
ثم لا يخفى عليك عدم اختصاص أكثر هذه الأحكام بوليمة العرس، بل هي
شاملة لغيرها أيضا وإن قلنا باختصاص اسم الوليمة بالطعام المتخذ للعرس على وجه
يحتاج إطلاقها على غيره إلى قيد، كوليمة الختان ونحوه، كسائر المجازات، بخلاف
المطلق الذي هو للأول، وإن كان ذلك لا يخلو من نظر أو منع، بل الظاهر تناول
اسم الوليمة للجميع، فهي للقدر المشترك حينئذ، نعم قد يقال للطعام المتخذ للولادة:
الخرس والخرسة، وعند الختان العذيرة والأعذار وعند إحداث البناء الوكيزة، وعند
قدوم الغائب النقيعة، وللذبح يوم سابع المولود العقيقة، وعند حذاق الصبي الحذاق
وهو بفتح أوله وكسره تعلم الصبي القرآن أو العمل، والمأدبة اسم لما
يتخذ من غير سبب، لكن ذلك لا تقتضي اختصاص اسم الوليمة، في طعام العرس، بل
قوله صلى الله عليه وآله (1): " لا وليمة إلا في خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز ".
أي التزويج والنفاس بالولد والختان وشراء الدار وقدوم الرجل من مكة -
يقتضي عدم اختصاصها بذلك، بل لعل التأمل الصادق في نحو هذا التركيب يقتضي
ظهوره فيما قلناه من كونها للقدر المشترك، والأمر سهل، والله العالم.
وكيف كان فلا خلاف في جواز نثر المال في الأعراس مأكول وغيره، وليس من
السفه والسرف، نعم الظاهر عدم ثبوت الاستحباب فيه بالخصوص، كما عن بعض
العامة، لكونه من متممات أغراض السرور المطلوب في هذه المواضع، ولا الكراهة
لكونه باختلاس وانتهاب ونحو ذلك مما يؤدي إلى الوحشة والعداوة، ولأنه قد
يأخذه غير من يحب صاحبه، لكن إثباتهما بمثل ذلك كما ترى.
(و) على كل حال (أكل ما ينثر في الأعراس جائز) بلا خلاف،
ولا إشكال عملا بشاهد الحال الذي عليه السيرة في سائر الأعصار والأمصار من غير فرق
في النثر بين جعله عاما وخاصا بفريق معين، وإن اختص الجواز حينئذ في الثاني بذلك
الفريق، كما لو وضعه بين يدي القرى (و) نحوهم، فلا يجوز لغيرهم الأكل منه إلا

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
51

بإذن المالك.
كما أنه (لا يجوز أخذه) على وجه النقل (إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد
الحال) الحاصل من نحو رميه على جهة العموم من غير وضعه على خوان ونحوه،
وإلا لم يجز حتى مع اشتباه الحال، لأن الأصل المنع من التصرف في مال الغير إلا
بالإذن، فما عن التذكرة من جواز أخذه ما لم يعلم الكراهة لا يخفى ما فيه، وما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) " أنه حضر في إملاك فأتي بأطباق عليها جوز ولوز فنثرت،
فقبضنا أيدينا، فقال: ملكم لا تأخذون؟ قالوا: لأنك نهيت عن النهب، قال: إنما
نهيتكم عن نهب العساكر، خذوا على اسم الله، فجاذبناه وجاذبنا " غير ثابت، وعلى
تقديره غير دال على ذلك، كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (هل يملك) المباح آخذه (بالأخذ) الذي هو بمنزلة
الحيازة للمباح الأصلي من المالك الحقيقي؟ (الأظهر نعم) كما عن المبسوط
والمهذب والإرشاد والتذكرة، للسيرة القطعية في الأعصار والأمصار على معاملته معاملة
المملوك بالبيع والهبة والإرث وغيرها، بل هي كذلك في كل مال أعرض عنه صاحبه
فضلا عما أباحه مع ذلك، سيما إباحة التملك التي هي متحققة فيما نحن فيه، خلافا
لثاني الشهيدين في المسالك فجعله باقيا علي ملك مالكه، للأصل حتى يحصل سبب
يقتضي النقل، وما وقع إنما يعلم منه إفادة الإباحة، قال: " والفرق بينه وبين مباح
الأصل واضح، لأن ذلك لا ملك لأحد عليه، فاثبات اليد عليه مع نية التملك
كاف في تملكه، بخلاف المملوك إذا أبيح بالإذن، فإن ذلك لا يخرج عن أصل الملك
وإثبات يد المأذون له فيه ليس من الأسباب الناقلة شرعا، فيتمسك بالاستصحاب
إلى أن يعلم المزيل " وفيه أن الأصل مقطوع بما عرفت، ولعل منه الأنفال التي
أباحوها عليهم السلام لشيعتهم، فإنه لا ريب في تملكهم لها بالحيازة بهذه الإباحة،
ومن تسلط المالك على ملكه إباحة تملكه.
ثم إنه بعد أن ذكر التفريع على القولين جوز الرجوع به ما دامت عينه باقية

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 288 مع اختلاف يسير.
52

في يد الأخذ، فلو أتلفه ولو بالأكل زال ملك المالك عنه، قال: " ولو نقله الأخذ عن
ملكه ببيع ونحوه فالأقوى زوال ملك المالك عنه " وفيه أنه مع فرض بقائه على ملك
المالك لا يزيله البيع، بل مقتضاه انتقال الثمن إليه، لأن الفرض عدم حصول سبب
يقتضي ملكه له، والثمن يقوم مقام المبيع للمالك، بل مقتضى ذلك أنه بالموت يرجع
إلى ورثة المالك أيضا، إلى غير ذلك من الأحكام المعلوم خلافها فيما نحن فيه وفي
نظائره، من المال الذي غرق في البحر وغيره.
ثم قال: " والكلام في أكل الحاضر منه الذي حكم بجوازه في أنه هل يباح
الأكل من غير أن يحكم بالملك أم يملك؟ القولان، وعلى المختار لا يزول ملك
المالك إلا بالازدراد، ومثله الطعام المقدم للضيف ويزيد الضيف عن هذا أنه لا يجوز
له التصرف بغير الأكل مطلقا إلا بإذن المالك، نعم يترجح في نحو إطعام السائل
والهرة وإطعام بعضهم بعضا إلى قرائن الأحوال، وهي مما تختلف باختلاف
الأشخاص والأحوال والأوقات، وجنس الطعام " وفيه أن المباح أكله لا يجري فيه
هذا الكلام، ضرورة كون الفرض اختصاص الإباحة بالأكل الذي لا يتوقف على الملك
ولا يزيد هذا عن الضيف، وإطعام السائل والهرة وغيرها مما ذكره مما جرت السيرة
به وقامت القرائن القطعية على تناول الإذن له.
وكيف كان فبناء على عدم الملك فلا ريب في أولويته بما يأخذه، فليس
لغيره أخذه منه قهرا بل لو بسط حجره لذلك فوقع فيه شئ منه لم يبعد أولويته
به أيضا، نعم لو سقط منه قبل أخذه ففي سقوط حقه منه وجهان، كما لو وقع في
شبكته شئ ثم أفلت، ولو لم يبسط حجره لذلك، ففي المسالك لم يملك ما يسقط فيه
قطعا، وهل يصير أولى به؟ وجهان يأتيان فيما يعشش في ملكه بغير إذنه ويقع في
شبكته بغير قصد، وفيه أنه يمكن المناقشة فيما ذكره من القطع بناء على عدم اعتبار
نية التملك في الحيازة، ضرورة إمكان دعوى الملك هنا ولو لم يبسط حجره له، بل هو
غير بعيد إذا نوى به التملك بعد وقوعه فيه بناء على ما سمعته من التملك بالحيازة،
لمثل هذا المباح، كالأصلي والله العالم.
53

(الثاني)
من آداب الخلوة: (يكره الجماع في أوقات ثمانية ليلة خسوف القمر، ويوم
كسوف الشمس)، لكراهة التلذذ عندهما، بل قيل: إنه إن صار فيهما ولد كان في ضر
وبؤس حتى يموت، وفي خبر سالم عن أبي جعفر عليه السلام (1) " قلت هل يكره الجماع في
وقت من الأوقات وإن كان حلالا؟ قال: نعم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،
ومن مغيب الشمس إلى مغيب الشفق، وفي اليوم الذي ينكسف فيه الشمس، وفي الليلة التي
ينكسف فيها القمر، وفي الليلة واليوم الذين يكون فيهما الريح السوداء والريح الحمراء والريح
الصفراء، واليوم والليلة الذين يكون فيهما الزلزلة، وقد بات رسول الله صلى الله عليه وآله عند
بعض أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر فلم يكن منه في تلك الليلة ما كان يكون
منه في غيرها حتى أصبح، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله البغض كان هذا منك في هذه
الليلة؟ قال: لا، ولكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة، فكرهت أن أتلذذ وألهو فيها،
وقد عير الله أقواما، فقال جل وعز في كتابه: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا
سحاب مركوم، فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون (2).
ثم قال أبو جعفر عليه السلام: وأيم الله لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها وقد انتهى إليه الخبر فيرزق ولدا فيرى في ولده ذلك
ما يحب ".
(و) كذا يكره (عند الزوال) بعده حذرا عن الحول، إلا يوم الخميس
فيستحب، لأن الشيطان لا يقرب من يقضى بينهما حتى يشيب، ويكون فهما (قيما خ ل)

(1) الوسائل الباب - 62 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) سورة الطور: 52 - الآية 44 و 45.
54

ويرزق السلامة في الدين والدنيا (1).
(وعند غروب الشمس) أي من مغيبها (حتى يذهب الشفق) لما سمعته من
الخبر (2) المعتضد بما ورد (3) في الجماع في الساعة الأولى من الليل من أن الولد
يكون ساحرا مؤثرا للدنيا علي الآخرة.
(وفي المحاق) مثلثا: وهو ليلتان أو ثلاث آخر الشهر، حذرا من الاسقاط أو
جنون الولد وخبله وجذامه (4) خصوصا آخر ليلة منها التي يجتمع فيها كراهتان
من حيث كونها من المحاق وكونها آخر الشهر، فإنه يكره الجماع في الليلة الأخيرة
منه (5) فتشتد الكراهة لذلك، كما أنها تشتد في خصوص الأخيرتين من شعبان
اللتين إن رزق فيهما ولد يكون كذابا أو عشارا أو عونا للظالمين أو يكون هلاك فئام من
الناس على يديه (6) والمراد كراهة الوطء في هذه الليالي، سواء كان ليلة الدخول أو

(1) الوسائل الباب - 149 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 والباب - 151 - منها الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 62 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 150 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 63 و 64 - من أبواب مقدمات النكاح.
(5) الوسائل الباب - 64 - من أبواب مقدمات النكاح.
(6) الوسائل الباب - 63 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 وفيه هكذا " يا علي لا تجامع أهلك في آخر درجة إذا بقي يومان، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون عشارا
وعونا للظالمين، ويكون هلاك فئام من الناس على يده " إلا أن في البحار - ج 103 ص 282
الطبع الحديث نقلا عن العلل والأمالي للصدوق (قده) هكذا " يا علي لا تجامع أهلك في آخر
درجة منه - يعني إذا بقي يومان (من شعبان) - فإنه إن قضى بينكما ولد كان مفدما، يا علي
لا تجامع أهلك على شهوة أختها فإنه إن قضى بينكما ولد يكون عشارا أو عونا للظالم، ويكون هلاك فئام من الناس على يديه ".
55

غيرها كغيره مما تسمع، نعم عن الكاظم عليه السلام (1) " من تزوج في محاق الشهر فليسلم
لسقط الولد " والتزويج حقيقة في العقد، فيمكن الحكم بكراهتهما معا لذلك أيضا
(وبعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) للخبر السابق (2) ولأنه لا يرى في الولد
ما يحب.
(وفي أول ليلة من كل شهر) حذرا من الاسقاط أو الجنون أو الخبل أو
الجذام (3) خصوصا ليلة الفطر التي يكون الولد فيها كثير الشر، ولا يلد إلا كبير السن (4)
(إلا في) الليلة الأولى من (شهر رمضان) فلا كراهة، بل تستحب إعدادا للصيام
وإجراءا لسنة الإباحة، وفي المرسل قال علي عليه السلام (5): " يستحب للرجل أن
يأتي أهله ليلة من شهر رمضان، لقول الله عز وجل: أحل (6) - إلى آخرها - والرفث
المجامعة.
(وفي ليلة النصف) من كل شهر، للاسقاط أو الجنون أو الخبل أو الجذام (7)
وخصوصا نصف شعبان، فإن الولد فيها يكون مشوما ذا شأمة في (8) وجهه (وفي السفر
إذا لم يكن معه ماء) ل‍ (يغتسل به) إلا أن يخاف على نفسه كما في الخبر (9) وفي آخر (10)
" يا علي لا تجامع أهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليهن، فإنه إن

(1) الوسائل الباب - 54 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 عن علي بن محمد
العسكري عن آبائه عليهم السلام، ورواه عن أبي الحسن عليه السلام في الباب - 63 - منها
الحديث 1 وفيه " من أتى أهله في محاق الشهر " الخ.
(2) الوسائل الباب - 62 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 64 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0 - 4 -.
(4) الوسائل الباب - 149 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 64 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0 - 4 -.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 187.
(7) الوسائل الباب - 64 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0 - 4 -.
(8) الوسائل الباب - 149 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(9) الوسائل الباب - 50 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(10) الوسائل الباب - 150 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
56

قضي بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم ".
(وعند هبوب الريح السوداء والصفراء) والحمراء (والزلزلة) لما عرفت،
بل عن سلار وابن سعيد وكل آية مخوفة، وربما أومأ إليه الخبر السابق (1).
(والجماع وهو عريان) الذي هو من فعل الحمار، وتخرج الملائكة من
بينهما ويكون الولد جلادا (2).
(وعقيب الاحتلام قبل الغسل) خوفا من جنون الولد (3) وفي المتن ومحكي
النهاية والمهذب والوسيلة وغيرها (أو الوضوء) أي وضوء الصلاة.
(و) لم نعرف له سندا كما اعترف به في كشف اللثام نعم (لا بأس أن يجامع
مرات من غير غسل يتخللها، ويكون غسله أخيرا) للأصل، وفعل النبي صلى الله عليه وآله (4)
بل فرق في الخبر بأن الاحتلام من الشيطان بخلافه، لكن يستحب غسل الفرج
ووضوء الصلاة بلا خلاف، كما عن المبسوط وروى الوشا الوضوء عن الرضا عليه السلام (5) وكذا
ابن أبي نجران مرسلا عن الصادق عليه السلام (6) " في الجارية يأتيها ثم يريد إتيان

(1) الوسائل الباب - 62 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 58 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 وليس فيه " أنه
يكون جلادا " وإنما ذكر ذلك للمجامعة تحت الشجرة المثمرة في الوسائل في الباب - 149 -
منها الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 70 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 3.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 191.
(5) الوسائل الباب - 13 - من أبواب الوضوء الحديث 2 من كتاب الطهارة.
(6) ليس في المقام رواية لابن أبي نجران إلا رواية واحدة وهي التي ذكرها بعد
هذه بعنوان مرسلة التميمي.
57

أخرى " وفي مرسل التميمي عن أبي عبد الله عليه السلام (1) " إذا أتى الرجل جاريته ثم
أراد أن يأتي الأخرى توضأ " وعن الرسالة الذهبية المنسوبة إلى الرضا عليه السلام (2)
" الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون " والظاهر
ضم غين الغسل، ويحتمل الفتح.
(و) يكره أيضا (أن يجامع وعنده من ينظر إليه) من ذوي العقول على
وجه يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما كما في النص لايراثه زنا الناظر، ففي خبر زيد
عن الصادق عليه السلام (3) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده لو أن رجلا يغشى
امرأته وفي البيت صبي مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما ما أفلح أبدا، إن
كان غلاما كان زانيا أو جارية كانت زانية، وكان علي بن الحسين عليهما السلام إذا
أراد أن يغشى أهله أغلق الباب وأرخى الستور وأخرج الخدم " وفي خبر راشد (4) " سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي، فإن ذلك
مما يورث الزنا " نعم لا فرق بين المميز وغيره كما هو مقتضى إطلاق المتن وغيره،
لاطلاق النص، وربما خص بالأول، بل في خبر النعمان بن علي بن جابر (5) عن الباقر

(1) الوسائل الباب - 155 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 عن عثمان بن
عيسى عمن ذكره، وهو سهو، فإن الموجود في التهذيب ج 7 ص 459 - الرقم 1837 -
ابن أبي نجران (وهو التميمي) عمن رواه، وأما عثمان بن عيسى فقد روى رواية أخرى مرسلا
ذكرها في التهذيب قبل هذه الرواية، والظاهر أن صاحب الوسائل اشتبه تلك بهذه الرواية،
ولذلك نسبها إلى عثمان بن عيسى.
(2) المستدرك الباب - 117 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 19.
(3) الوسائل الباب - 67 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 عن عبد الله بن الحسين
ابن زيد عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) الوسائل الباب - 67 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 67 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 عن النعمان بن يعلى
عن جابر.
58

عليه السلام " إياك والجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك، قال: قلت: يا ابن
رسول الله كراهة الشنعة؟ قال: لا، فإنك إن رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق
والفجور " لكن لا ينافي الاطلاق السابق، ويمكن أن يراد بالمميز ما في الخبر وعن
بعض الكتب (1) عن الصادق عليه السلام " نهى أن توطأ المرأة والصبي في البيت ينظر إليهما "
وربما احتمل إرادة غير المميز من الصبي والغلام والجارية في أكثر النصوص (2) لكونه
الذي لا يجتنب عنه غالبا، ويعرف منه حكم الكبير بالأولوية.
(و) كذا يكره (النظر إلى فرج الامرأة) خصوصا باطنه (في حال
الجماع)، بل (وغيره) بل عن ابن حمزه حرمته عملا بظاهر النهي المحمول
على الكراهة قطعا، خصوصا بعد موثق سماعة (3) " سألته عن الرجل ينظر فرج
المرأة وهو يجامعها، قال: لا بأس به إلا أنه يورث العمى " وخبر أبي حمزة (4)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام أينظر الرجل إلى فرج امرأته وهو يجامعها؟ فقال: لا بأس "
وفي خبر إسحاق بن عمار عنه عليه السلام (5) أيضا " في الرجل ينظر إلى امرأته وهي
عريانة، قال: لا بأس بذلك، وهل اللذة إلا ذاك؟ " لكن يمكن أن يريد ما عدا الفرج
هذا. وقد يستفاد من خبر (6) الوصايا استحباب غض البصر، والأمر سهل.
(و) يكره (الجماع مستقبل القبلة ومستدبرها) لخبر محمد بن العيص (7)
" سأل أبا عبد الله عليه السلام، فقال: أجامع وأنا عريان؟ فقال: لا، ولا مستقبل القبلة ولا

(1) الوسائل الباب - 67 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9 مع اختلاف في
اللفظ. (2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب مقدمات النكاح - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 59 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 وفيه " ينظر في
فرج المرأة ".
(4) الوسائل الباب - 59 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 1 - 5.
(5) الوسائل الباب - 59 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 1 - 5.
(6) الوسائل الباب - 59 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 1 - 5.
(7) الوسائل الباب - 69 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
59

مستدبرها " والمرسل (1) " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجماع مستقبل القبلة
ومستدبرها وفي خبر غياث بن إبراهيم عنه عليه السلام (2) أيضا " أنه كره أن يجامع
الرجل مقابل القبلة " بل في كشف اللثام عن النبي صلى الله عليه وآله (3) لعن المستقبل، لكن من
الغريب جزمه في أحكام التخلي بحرمة الاستقبال والاستدبار حال الجماع من غير
نقل خلاف مع جزمه هنا بالكراهة كذلك، وهو الصواب، فإنا لم نجده لغيره
هناك ولا هنا، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، والله العالم.
(و) يكره أيضا الجماع (في السفينة) للنهي عن ذلك في المرسل (4) وما قيل
من عدم استقرار النطفة.
(والكلام عند الجماع بغير ذكر الله) خصوصا الكثير منه، وخصوصا إذا
كان من الرجل، للنهي عنه في النصوص (5) وفي بعضها (6) " أنه يورث الخرس في الولد "
إلى غير ذلك مما اشتملت عليه النصوص، كالدخول بالمرأة ليلة الأربعاء (7) والجماع
وهو مختضب بل في خبر سالم (8) عن أبي الحسن عليه السلام " لا يجامع الرجل مختضبا
ولا يجامع مع المرأة مختضبة " والجماع على الامتلاء والعجوز، بل في المرسل (9)

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب القبلة - الحديث 3 من كتاب الصلاة.
(2) الوسائل الباب - 69 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 2.
(3) الوسائل الباب - 69 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 69 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 2.
(5) الوسائل الباب - 60 - من أبواب مقدمات النكاح.
(6) الوسائل الباب - 60 - من أبواب مقدمات النكاح.
(7) الوسائل الباب - 39 - من أبواب مقدمات النكاح.
(8) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الجنابة الحديث 3 عن سلم مولى علي بن يقطين نقلا
عن التهذيب، ورواه في المستدرك عن ثاقب عن علي بن يقطين في الباب - 46 - من
أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - ورواه في البحار ج 103 ص 289 الطبع الحديث عن
سالم مولى علي بن يقطين عن علي بن يقطين.
(9) الوسائل الباب - 152 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
60

عن الصادق عليه السلام " ثلاث يهد من البدن وربما قتلن: دخول الحمام على البطنة،
والغشيان على الامتلاء، ونكاح العجائز ".
وفي خبر الوصايا (1) " يا علي لا تجامع أهلك بعد الظهر، فإنه إن قضي بينكما
ولد في ذلك الوقت يكون أحول، والشيطان يفرح بالحول في الانسان - إلى أن قال -:
يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك، فإني أخشى إن قضي بينكما ولد أن
يكون مخنثا أو مخبلا، يا علي لا تجامع امرأتك إلا ومعك خرقة ولأهلك خرقة
ولا تمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة، فإن ذلك يعقب العداوة بينكما، ثم
يؤديكما إلى الفرقة والطلاق، يا علي لا تجامع امرأتك من قيام، فإن ذلك من فعل
الحمير، فإن قضي بينكما ولد كان بوالا في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان،
يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون له ستة
أصابع أو أربعة أصابع، يا علي لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة، فإنه إن قضي
بينكما ولد يكون جلادا قتالا أو عريفا، يا علي لا تجامع امرأتك في وجه الشمس
وتلألؤها إلا أن ترخي سترا فيستركما، فإنه إن قضي بينكما ولد لا يزال في بؤس
وفقر حتى يموت، يا علي لا تجامع امرأتك بين الأذان والإقامة، فإنه إن قضي
بينكما ولد يكون حريصا على إهراق الدماء، يا علي إذا حملت امرأتك فلا
تجامعها إلا وأنت على وضوء، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل
اليد، يا علي لا تجامع أهلك على سقوف البنيان، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون
منافقا مرائيا مبتدعا، يا علي إذا خرجت فلا تجامع أهلك تلك الليلة، فإنه إن
قضي بينكما ولد ينفق ماله في غير حق، وقرء رسول الله صلى الله عليه وآله: إن المبذرين كانوا
إخوان الشياطين (2) يا علي لا تجامع أهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة
.

(1) ذكر قطعة منها في الوسائل في الباب - 149 - من أبواب مقدمات النكاح
الحديث 1 وبعده في الباب - 150 - منها الحديث 1 وقطعة منها في الباب - 151 - منها الحديث 1
وتمامه في الفقيه ج 3 ص 359 و 360 - الرقم 1712.
(2) سورة الإسراء: 17 - الآية 27.
61

أيام ولياليهن، فإنه إن فضي بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم عليك، يا علي عليك
أن تجامع ليلة الاثنين، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون حافظا لكتاب الله راضيا
بما قسم الله عز وجل له، يا علي إن جامعت أهلك ليلة الثلاثاء فقضي بينكما ولد فإنه
يرزق الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يعذبه الله
مع المشركين، ويكون طيب النكهة والفم، رحيم القلب، سخي اليد، طاهر اللسان من
الغيبة والبهتان، يا علي وإن جامعت أهلك ليلة الخميس فقضي بينكما ولد يكون
حاكما من الحكام، أو عالما من العلماء، وإن جامعتها يوم الخميس عند الزوال عند
كبد السماء فقضى بينكما ولد فإن الشيطان لا يقربه حتى يشيب، ويكون قيما،
ويرزقه الله السلامة في الدين والدنيا، يا علي إن جامعتها ليلة الجمعة وكان بينكما
ولد فإنه يكون خطيبا قوالا مفوها، وإن جامعتها يوم الجمعة بعد العصر فقضي
بينكما ولد فإنه يكون معروفا مشهورا عالما، وإن جامعتها ليلة الجمعة بعد العشاء
الآخرة فإنه يرجى أن يكون الولد من الأبدال إنشاء الله ".
لكن في المسالك من هذه الوصية تفوح رائحة الوضع، وقد صرح به بعض النقاد،
وفي الوافي لا يخفى ما في هذه الوصايا، وبعد مناسبتها لجلالة قدر المخاطب بها،
ولذلك قال بعض فقهائنا: إنها مما يشم منه رائحة الوضع، قلت: لعل سوء التعبير من
الرواة وأما نفس الحكم فإن الله لا يستحيي من الحق هذا.
وفي المسالك ما حاصله: " إن التعليل في هذه النصوص بسقط الولد وخبله وجذامه
ونحو ذلك، يقتضي اختصاص الكراهة في جماع يمكن فيه حصول ذلك، أما إذا
كانت يائسا مثلا فإنه يقوى عدم الكراهة حينئذ، إذا ليس في الباب غير ما ذكر من
النصوص، وليس فيها الحكم بالكراهة مطلقا كما أطلقه الفقهاء ".
وفيه أنه لا يخفى على المتأمل في المقام وغيره أن المراد من نحو هذه التعليلات
ذكر بعض الحكمة في هذا الحكم المبني على العموم، لا أن المراد منها دوران الحكم
مدارها وجودا وعدما وإن لم يفهم أحد من الفقهاء منها ذلك، لعدم كونها مسافة
لمثله، بل المتأمل يقطع بعدم إرادة ذلك، كما أن الخبير الممارس لأقوالهم عليهم السلام
62

يعلم ذلك منها أيضا.
ثم إنه قال بعد ذلك: " وما ذكرناه من تفسير العمى في نظر الفرج ذكره
جماعة من الأصحاب، ويحتمل قويا أن يريد به عمى الناظر، إذ ليس هناك ما يدل
على إرادة الولد، ولا هو مختص بحالته، وهذا هو الذي رواه العامة (1) في كتبهم،
وفهموه، وعليه يحسن عموم الكراهة " وفيه أن حديث الوصايا صريح في التعليل بعمى
الولد، مضافا إلى حصول الظن من التعليل لغير ذلك مما يرجع إلى الولد، خصوصا
الكلام الذي يورث خرسه يكون المراد هنا عمى الولد، وروايات العامة وفهمهم دليل
على خلاف الحق، لا عليه.
ولعل هذا المقدار من الكلام في هذا المقام كاف، لكونه من الكراهة، والأمر
فيها سهل، وإلا فلا يخفى كثرة فروع المقام، وكثرة شعب الكلام فيها.
المبحث
(الثالث في اللواحق)
وهي ثلاثة:
(الأول)
لا خلاف بين المسلمين في أنه (يجوز أن ينطر إلى وجه امرأة يريد نكاحها
وإن لم يستأذنها) وكفيها، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض

(1) كنز العمال - ج 8 ص 254 - الرقم 4152.
63

أو متواتر، كالنصوص من الطرفين، ففي خبر محمد بن مسلم (1) " سألت أبا جعفر عليه السلام
عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أينظر إليها، قال: نعم إنما يشتريها بأغلى الثمن "
وفي المرسل المروي عن المجازات النبوية (2) للسيد الرضي " إنه صلى الله عليه وآله قال للمغيرة
ابن شعبة وقد خطب امرأة: لو نظرت إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " وفي
آخر (3) " أنه قال لرجل من أصحابه وقد خطب امرأة: انظر إلى وجهها
وكفيها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما المودة والألفة " وفي ثالث (4) " من تاقت
نفسه إلى نكاح امرأة فلينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها " وفي خبر الحسن بن
السري (5) عن الصادق عليه السلام " إنه سأله عن الرجل ينظر إلى المرأة قبل أن يتزوجها
قال: نعم فلم يعط ماله؟ " وفي خبره الآخر (6) عنه عليه السلام أيضا " عن الرجل يريد أن
يتزوج المرأة يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها، قال: نعم لا بأس بأن ينظر الرجل
إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها " وفي صحيح يونس المروي
عن العلل (7) عنه عليه السلام أيضا " الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز أن ينظر إليها، قال:
نعم، وترقق له الثياب، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن " وفي خبر غياث بن إبراهيم (8)
عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام " في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها، قال:
لا بأس إنما هو، مستام فإن يقض (يقضي خ ل) أمر يكون " وفي مرسل الفضل (9) عن
أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: أينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر إلى شعرها
ومحاسنها؟ قال: لا بأس بذلك، إذا لم يكن متلذذا " وفي خبر عبد الله بن (10) سنان قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يريد أن يتزوج المرأة فينظر إلى شعرها؟ فقال: نعم

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 13.
(2) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 13.
(3) المستدرك الباب - 30 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 إلا أنه لم يذكر في الأول ذيل الحديث.
(4) المستدرك الباب - 30 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 إلا أنه لم يذكر في الأول ذيل الحديث.
(5) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 - 11.
(6) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 - 11.
(7) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 - 11.
(8) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 - 5 - 7.
(9) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 - 5 - 7.
(10) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 - 5 - 7.
64

إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن " وفي حسن هشام وحماد بن عثمان وحفص بن
البختري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد
أن يتزوجها " إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن استفادة الندب المتسامح به من
الأمر في بعضها، والتعليل بالمودة والألفة الذي منه يرتفع دعوى انسياق إرادة
الإباحة منه، باعتبار كونه في مقام توهم الحظر.
نعم لا ريب في اعتبار كونها ممن يجوز له نكاحها حال النظر، لا نحو ذات البعل
والعدة، وإمكان إجابتها عادة، لا المعلوم عدمها، بل قيل باعتبار احتمال إفادة النظر
ما لا يعرفه قبله، ولا بأس به اقتصارا على المتيقن المشعر به التعليل، ضرورة عدم
الغرر بالنسبة إليه، بل الأولى الاقتصار على من يريد تزويجها خاصة، فلا يكفي
إرادة أصل التزويج في الجواز، كما لا يكفي احتمال العزم على تزويجها بعد النظر.
وأما اعتبار عدم اللذة بذلك فينبغي القطع بعدمه، لاطلاق الأدلة، ولعسر
التكليف به على وجه تنتفي الحكمة في مشروعية الحكم المزبور، ولذا كان المحكي
عن التذكرة التصريح بجواز النظر مع خوف الفتنة، بل ظاهر المقنعة جواز النظر مع
التلذذ، قال بعد الحكم بجواز النظر لمريد التزويج والشراء: " ولا يحل له أن ينظر
إلى وجه امرأة ليست له بمحرم ليتلذذ بذلك دون أن يراها للعقد عليها، ولا يجوز
له أيضا النظر إلى أمة لا يملكها للتلذذ برؤيتها من غير عزم على ذلك لابتياعها " بل
قد يشعر به ما ورد في الأمة عند إرادة الشراء الذي شبه ما نحن فيه بها بقوله عليه السلام " مستام "
ونحوه، ففي خبر حبيب (2) عن الصادق عليه السلام إني أعترض جواري المدينة فأمذى،
فقال: أما لمن يريد الشراء فليس به بأس، وأما من لا يريد أن يشتري فإني أكرهه "
والتلذذ المذكور في الخبر المزبور إنما يراد منه النظر للتلذذ، لا ما يشمل حصول
اللذة به، وإن كان الغرض منه اختيار النكاح لا التلذذ.
وكذا ما في المسالك من أنه " ينبغي أن يكون النظر قبل الخطبة، إذ لو كان

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 من كتاب التجارة.
65

بعدها وتركها لشق ذلك عليها وأوحشها " وكأنه تبع بذلك الكركي حيث قال:
" ووقت النظر اجتماع هذه الشروط، لا عند الإذن في العقد، ولا عند ركون كل منهما
إلى صاحبه، وهو وقت تحريم الخطبة على الخطبة، خلافا لبعض العامة، وينبغي "
إلى آخر ما سمعته من المسالك.
لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله من الاجتهاد في مقابلة النص، كالذي في المتن
(و) غيره من أنه (يختص الجواز بوجهها وكفيها) بل قيل: إنه المشهور وإن
كنا لم نتحققه، خصوصا بعد ما في النهاية " ولا بأس أن ينظر الرجل إلى وجه مرأة
يريد العقد عليها، وينظر إلى محاسنها ووجهها، ويجوز أن ينظر إلى مشيها وجسدها
من فوق ثيابها، ولا يجوز له شئ من ذلك إذا لم يرد العقد عليها " وفي الوسيلة " وإذا
أراد أن يملك امرأة جاز له النظر إلى محاسنها ومشيها وجسدها من فوق الثياب "
بل لعله المراد أيضا مما في المقنعة من النظر إلى وجهها ويديها بارزة من الثوب،
وإليها ماشية في ثيابها، وفي الكفاية: يتجه العمل بما تضمنته النصوص من النظر إلى الشعر
والمحاسن، واختاره أيضا المقدس البغدادي وسيد المدارك والمحدث البحراني، وفي
الرياض العمل بها متجه وفاقا للمشائخ الثلاثة لا سيما القديمين وجمع من
الأصحاب.
مع أنك قد عرفت خلو النصوص عن التخصيص المزبور، وإنما في حسن (1)
حفص نفي البأس عن النظر إلى الوجه والمعاصم، وهو - مع كون المعصم فيه محل
السوار غير الكف المحدود عندهم بمفصل الزند - غير مناف لباقي النصوص المتعاضدة
بعضها مع بعض المشتركة في التعليل الموافق للاعتبار المقتضي جواز النظر إلى جميع
بدنها عدا العورة الذي به يزول الغرر والخطر عنه، لأنه مستأم يأخذ بأغلى الثمن،
ومعط ماله، ومريد للألفة الدائمة، والمودة المستمرة، بل قد يراد بالمحاسن ذلك
لا خصوص مواضع الزينة، ولا ما قابل المساوي، خصوصا بعد ظهور بعض (2) نصوص

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب بيع الحيوان - من كتاب التجارة.
66

شراء الأمة المشبه ما نحن فيه بها في ذلك، بل يمكن إرادة ما يشمل جميع ما
تواجه به من الوجه فيه، كما يشعر به خبر ابن السري (1) المقابل للوجه فيه
بالخلف، مضافا إلى ما في التخصيص المزبور من منافاة الحكمة التي شرع لها
الحكم المزبور، ضرورة عدم تيسر اختصاص النظر إليهما فقط باعتبار عدم انفكاك
ذلك عن النظر إلى الشعر والعنق وغير ذلك مما هو خارج عن حد الوجه، فلا محيص
للفقيه الذي كشف الله عن بصيرته عن القول بجواز النظر إلى جميع جسدها بعد
تعاضد تلك النصوص وكثرتها، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما الدالة بأنواع الدلالة
على ذلك.
(و) أن (له) أن يتأملها و (أن يكرر النظر إليها) إذا لم يكن قد
تعمق في الأول وجواز استفادته منه ما لم يكن قد استفاده من النظر السابق.
(وأن ينظرها قائمة وماشية) بل قوله عليه السلام فيها: " مستأم " (2) ونحوه
صريح في كونه كالمشتري الذي يبالغ في النظر للسلعة التي يريد شراءها ويستقصي بالنظر
إلى كل موضع مطلوب في دفع الثمن له، بل قد يشكل الفرق بين المقام والنظر إلى
الأجنبية بناء على اختصاص الجواز بالوجه والكفين، وأن له التكرار في كل منهما
مقيدا ذلك بعدم التلذذ والريبة، والفرق بينهما بالاتفاق هنا والخلاف هناك لا يصلح
فارقا،
ومن الغريب بعد ذلك قول المصنف: (وروي جواز أن ينظر إلى شعرها
ومحاسنها) بل (و) أن ينظر إلى جميع (جسدها) ولكن ينظره (من فوق الثياب)
مشعرا بتمريض الرواية، وربما علل بعدم صلاحية هذه الرواية للحجة بالارسال
والجهالة وغيرهما، وقد عرفت أن الرواية الدالة على ذلك بأنواع الدلالة بين الموثق
والصحيح والحسن وغيرها، بل هي دالة على جواز النظر إلى الجسد عارية، نعم في الصحيح
المزبور الأمر بترقيق الثياب له، ولا بأس به مع فرض قضاء الغرض به، قال يونس بن
يعقوب (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة وأحب أن

(1) الوسائل الباب 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 - 10.
(3) الوسائل الباب - 36 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 - 10.
67

ينظر إليها قال: تحتجر - بالمهملة أو المعجمة - ثم لتقعد وليدخل فلينظر، قال: قلت:
تقوم حتى ينظر إليها، قال: نعم، قلت: فتمشي بين يديه، قال: ما أحب أن تفعل " بل
لا يبعد رجحان الاقتصار على المتعارف من نظر الخطاب للمخطوبة، هذا.
وربما ألحق بجواز نظره إليها جواز نظرها إليه على حسب نظره إليها،
لاشتراكهما في العلة، بل ربما كانت فيها أتم باعتبار كون الطلاق بيده دونها، لكن
فيه أن العلة كونه مستأما يأخذ بأغلى الثمن، ولا ريب في عدم تحققها بالنسبة إليها
وحينئذ فيشكل الالحاق المزبور بعد حرمة القياس عندنا، اللهم إلا أن يقال باشعار
التعليل بالألفة في بعض النصوص بذلك، لكن في الاكتفاء بمثله عن الخروج عن مقتضى
التحريم نظر أو منع، كمنع جواز ذلك لغير مريد التزويج ولو وليا، لقصور الأدلة عن
اخراجه عن مقتضى الحرمة، بخلافه في شراء الأمة الشامل له ولغيره عدا الفضولي
على الظاهر.
(وكذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها) مثلا (وإلى شعرها ومحاسنها)
على المشهور، بل في المسالك دعوى الوفاق عليه، بل وسائر جسدها عدا العورة، بل
قيل ويمسها كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في كتاب البيع.
(ويجوز) أيضا كما عن الشيخين وجماعة بل في المسالك، نسبته إلى المشهور
(النظر إلى نساء أهل الذمة وشعورهن، لأنهن بمنزلة الإماء) للمسلمين، باعتبار
كونهم كغيرهم فيئا لهم، وإن حرم عليهم بالعارض نكاحهن تبعا لذمة الرجال
كالأمة المزوجة والإماء التي حرمهن ملك المسلمين لهن، أو المراد بمنزلة الإماء للغير
لما في صحيح محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام " إن أهل الكتاب مماليك الإمام "
وخبر زرارة (2) عنه عليه السلام أيضا " إن أهل الكتاب مماليك للإمام، ألا ترى أنهم
يؤدون الجزية كما يؤدون العبيد الضريبة إلى مواليهم " بناء على جواز النظر إلى

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1 وهو صحيح أبي بصير
عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
68

أمة الغير، كما صرح به بعضهم، بل هو مقتضى التعليل المزبور الصادر من جماعة،
بناء على أن المراد به ذلك، بل في المسالك أنه المشهور مقيدا بكون النظر إلى
وجهها وكفيها وشعرها خاصة بالقيدين، بل هو ظاهر بعض النصوص المتقدمة في شراء
الأمة نحو قوله عليه السلام: " لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد
شراءها " (1) وغيره بل ظاهر النصوص الواردة في مملوكة الوالد (2) المفروغية من
كون الإماء يحل منهن لغير المالك في الجملة، بل هو مقتضى السيرة المستمرة في جميع الأعصار والأمصار، بل قد يشعر به في الجملة أيضا عدم وجوب ستر رأسها في الصلاة
، فالأقوى جواز النظر لأمة الغير، وعدم وجوب الستر عما هو متعارف من سيرة المتدينين
حتى مع عدم رضا المالك، إذ هو حكم شرعي لا مالكي، ولا ينافي ذلك تقييدهم
الجواز بمشتري الأمة فيما تقدم سابقا، إذ يمكن كون ذلك منهم لتعرض النصوص
لها، على أنك قد عرفت التوسعة في مشتري الأمة على المختار بخلاف غيرها، نعم
يشكل ذلك على من اقتصر في الجواز فيهما على شئ واحد، هذا.
ولكن قد يشكل أصل الحكم هنا بخبر عباد بن صهيب عن الصادق عليه السلام (3)
لا بأس بالنظر إلى نساء أهل تهامة والأعراب وأهل البوادي من أهل الذمة
والعلوج، لأنهن لا ينتهين إذا نهين " ضرورة ظهوره في كون العلة عدم الانتهاء
بالنهي الذي يمكن كون المراد منه عدم وجوب الغض، وعدم حرمة التردد في الأسواق
والزقاق من هذه الجهة، لما في ذلك من العسر والحرج بعد فرض عدم الانتهاء بالنهي،
فهو حينئذ أمر خارج عما نحن فيه، ولذا جمع غيرهن معهن، وربما يؤيده ترك
أهل الذمة في المروي (4) عن الكافي والفقيه، اللهم إلا أن يكون المراد ذكر التعليل
الجامع للجميع، فلا ينافي حينئذ اختصاص أهل الذمة بعلة أخرى هي ما عرفت

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 3 من كتاب التجارة.
(2) الوسائل الباب - 3 و 5 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(3) الوسائل الباب - 113 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 مع اختلاف في لفظ الأول.
(4) الوسائل الباب - 113 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 مع اختلاف في لفظ الأول.
69

التي قد يومي إليها ما في خبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر إلى شعورهن أيديهن "
ضرورة ظهور نفي الحرمة في معاملتهن معاملة الدواب المملوكة، وفي خبر أبي
البختري المروي (2) عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام
" لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل الذمة " الحديث.
و (لكن) مع ذلك كله قد منع ابن إدريس من النظر إليهن، لاطلاق الأمر
بالغض المقيد بما عرفت، والنهي عن مد العين إلى ما متع أصناف منهم في الكتاب
العزيز (3) المعلوم عدم إرادة ما نحن فيه منه، وتبعه الفاضل في المحكي عن مختلفه،
ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأول أقوى.
نعم (لا يجوز ذلك لتلذذ) بالنظر (ولا لريبة) وهي كما في كشف اللثام
ما يخطر بالبال من النظر دون التلذذ، ثم قال: أو خوف افتتان، والفرق بينه وبين
الريبة ظاهر مما عرفت، ولذا ذكر الثلاثة في التذكرة، ويمكن تعميم الريبة للافتتان،
لأنها من " راب " إذا وقع في الاضطراب، فيمكن أن يكون ترك التعرض له هنا وفي
التحرير وغيرهما لذلك. قلت: الظاهر أن المراد من الريبة خوف الوقوع معها في
محرم، ولعله هو المعبر عنه بخوف الفتنة، فيكون الاقتصار عليهما كما في المتن
أجود، والأمر سهل بعد معلومية الحرمة عند الأصحاب والمفروغية منه، وإشعار
النصوص بل ظهورها بل صريح بعضها فيه، فلا وجه للمناقشة في الثاني منهما بعدم
ثبوت حرمة ذلك بمجرد احتمال الوقوع في المحرم، ضرورة كون المستند ما عرفت،
لا هذا كما هو واضح.
بل لا يبعد حرمته في نفسه بالنسبة إلى الأجنبية لا من حيث النظر خاصة،
ولذا لم يكن إشكال في حرمته بالسمع واللمس ونحوهما، بل الأحوط والأولى
اجتنابه بالتصور، فضلا عن ذكر الأوصاف ونحوه، وفي وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعلي

(1) الوسائل الباب - 112 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 112 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(3) سورة الحجر: 15 - الآية 88 وسورة طه: 20 - الآية 131.
70

عليه السلام (1) " يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك فإني أخشى إن قضي
بينكما ولد أن يكون مخنثا مخبلا " والله العالم.
(و) كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أنه (يجوز أن ينظر الرجل
إلى مثله ما خلا عورته) الواجب عليه سترها في الصلاة (شيخا كان أو شابا حسنا
أو قبيحا ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ، وكذا المرأة) بالنسبة إلى المرأة، بل
في المسالك هو موضع وفاق، بل لعله من ضروريات الدين المعلومة باستمرار
عمل المسلمين عليه في جميع الأعصار والأمصار، وقد روي (2) " أن وفدا قدموا
على رسول الله صلى الله عليه وآله وفيهم غلام حسن الوجه فأجلسه من ورائه، وكان ذلك بمرأى
من الحاضرين " ولم يأمره بالاحتجاب عن الناس، وإجلاسه وراءه تنزها منه صلى الله عليه وآله
وتعففا وتعليما للناس.
بل منه يعلم كالطلاق المصنف وغيره في المقام وغيره عدم الفرق في التلذذ
المحرم للنظر بين كونه لهيجان مادة الجماع وبين غيره ولو من حيث إنه ولد
حسن، فما يستعمله بعض الناس من التلذذ بالنظر إلى حسان الوجوه من الأولاد
معتذرا عن ذلك بأن التلذذ الحاصل منه كالتلذذ بالنظر إلى البناء الحسن ونحوه من
مكائد الشيطان وحبائله ومصائده، أعاذنا الله تعالى من ذلك، مع ظني أن ذلك عذر
يعتذر به عند الناس، وإلا فلا عذر له عند العالم بالبواطن، وعلى فرضه لا يبعد
جوازه على إشكال.
ثم إن ظاهر المصنف وغيره بل هو المشهور عدم الفرق في جواز نظر المرأة إلى
مثلها بين المسلمة والكافرة، بل هو الذي استمرت عليه السيرة والطريقة، خلافا لما عن
الشيخ في أحد قوليه، من أن الذمية لا تنظر إلى المسلمة حتى الوجه والكفين، فيجب
عليها حينئذ الستر منها، لقوله تعالى (3) " ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن -
.

(1) الوسائل الباب - 150 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) رواه ابن قدامة في المغني - ج 7 ص 463 عن أبي حفص.
(3) سورة النور: 24 - الآية 31.
71

إلى قوله تعالى -: أو نسائهن " والذمية ليست منهن، فعلى ذلك ليس للمسلمة أن تدخل
مع الذمية إلى الحمام، بل مقتضى دليله عدم جواز ذلك لغير الذمية من الكفار، كما
هو مقتضى ما حكاه عنه وعن الطبرسي والراوندي في كشف اللثام، مستثنين من ذلك
الأمة، بل فيه " وهو قوي " ثم حكى عن التذكرة قوة الجواز في الذمية، للأصل
وعدم العلم بكون نسائهن بذلك المعنى، ولم يتعرض للكافرة، لكن في المسالك الأشهر
الجواز، وأن المراد بنسائهن من في خدمتهن من الحرائر والإماء، فيشمل الكافرة،
ولا فارق بين من في خدمتها منهن وغيرها. قلت: قد عرفت المحكي عن الشيخ ومن تبعه
من استثناء الأمة، نعم يقوى الجواز للأصل والسيرة المستمرة، واحتمال إرادة مطلق
النساء من نسائهن، على أن يكون بيان جواز إبداء زينتهن لأمثالهن، قال في
الكشاف: الظاهر أنه عني بنسائهن أو ما ملكت أيمانهن من في صحبتهن وخدمتهن
من الحرائر والإماء فكأنه قال سبحانه: النساء سواء في حل نظر بعضهن إلى بعض،
بل ربما كان في خبر حفص بن البختري (1) عن الصادق عليه السلام " لا ينبغي للمرأة أن
تنكشف بين يدي اليهودية والنصرانية، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن " دلالة عليه
من التعبير بلفظ " لا ينبغي " ومن التعليل، مضافا إلى ما فيه من العسر والحرج، خصوصا
في الزمان السابق، لكن لا ينكر ظهوره في كراهة التكشف لهن، والله العالم.
(وللرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطنا وظاهرا) بتلذذ وبدونه حتى
العورة على الأصح وإن كره، للنهي عنه المحمول عليها، وفي كشف اللثام ربما يرشد
إليه قوله تعالى (2): " فوسوس لها الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما "
وقوله تعالى (3): " فبدت لهما سوآتهما " وقوله تعالى (4): " ينزع عنهما لباسهما
ليريهما سوآتهما " وفيه ما لا يخفى.
(و) كذا له أن ينظر (إلى المحارم) التي يحرم عليه نكاحهن نسبا أو

(1) الوسائل الباب - 98 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) سورة الأعراف: 7 - الآية 20 - 27.
(3) سورة طه: 20 - الآية 121.
(4) سورة الأعراف: 7 - الآية 20 - 27.
72

رضاعا أو مصاهرة أو ملكا (ما عدا العورة) مع عدم تلذذ وريبة، (وكذا للمرأة) أن
تنظر إلى جسد زوجها ظاهرا وباطنا حتى العورة بتلذذ وبدونه، وإلى المحارم عدا
العورة مع عدم التلذذ والريبة، بلا خلاف في شئ من ذلك، بل هو من الضروريات،
فما عن الشافعية في وجه والفاضل في آخر حد المحارب، وظاهر التحرير من أنه ليس
للمحرم التطلع في العورة والجسد عاريا واضح الضعف، وإن كان في خبر أبي
الجارود (1) عن أبي جعفر عليه السلام المروي عن تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى (2):
ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها " فهو الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف
والسوار، والزينة ثلاث: زينة للناس وزينة للمحرم وزينة للزوج، فأما زينة الناس فقد
ذكرناه، وأما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها والد ملج وما دونه والخلخال وما سفل
منه، وأما زينة الزوج فالجسد كله " لكنه محمول على خصوص الزينة بعنوان الأولوية
كما هو واضح.
ولو اشتبهت الأجنبية بالمحرمة على وجه الامتزاج وجب الاجتناب مع الحصر،
بناء على المقدمة، ومع عدم الحصر لا يجب، كما صرح به الفاضل، في القواعد
والكركي، بل صرح الأخير منهما بأن له تكرار النكاح بعد الطلاق إلا إذا فحش،
فإن فيه ترددا، ثم قال: ولو بقي بعد تكرار النكاح عدد محصور فالمنع قريب، مع
احتمال الجواز إلى أن تبقى واحدة استصحابا لما كان، ولأن الاشتباه في المجموع.
قلت: تفصيل الحال في صورة الامتزاج أن الصور أربعة كما ذكرناه في غير
المقام.
(الأولى) اشتباه المحصور في المحصور، على معنى محارم محصورة امتزجت
مع أجنبيات كذلك، ولا ريب في وجوب الاجتناب بناء على المقدمة.
(الثانية) محارم غير محصورة في أجنبيات محصورة، والاجتناب فيها أولى
من الأولى.

(1) المستدرك الباب - 84 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(2) سورة النور: 24 - الآية 31.
73

(الثالثة) محارم محصورة في أجنبيات غير محصورة، وحكمها عدم الاجتناب
على ما سمعته من الفاضل والكركي، بل هو مقتضى غيرهما أيضا.
(الرابعة) أن يكون كل منهما غير محصور وامتزج الجميع، فقد يتخيل في
بادئ النظر أن الحكم فيها الحل، تمسكا بأصل البراءة، وقاعدة " كل شئ يكون
فيه حلال وحرام " (1) ولكن فيه أنه متجه إذا لم يكن قد جعل الشارع للحل
عنوانا كما جعله للمحرم، نحو أواني خمر غير محصورة اشتبهت بغيرها من المحلل،
أما إذا جعل له عنوانا كما في النكاح فإنه قد جعل الحلال ما وراء المحرم، فيعتبر
حينئذ في ترتب أثر العقد كون المعقودة ممن هي وراء المحرمات، والشك فيها يقتضي
الشك في ترتب أثر العقد الذي مقتضى الأصل عدمه، فالمتجه المنع، وكذا الحال في
غير المقام مما جعل الشارع فيه العنوان شيئا وجوديا لا يمكن تنقيحه بالأصل
المعارض بمثله، بل قد يتجه نحو ذلك في الصورة الثالثة، خصوصا مع الشك بكون
الفرد من المحرم فضلا عن الظن، اللهم إلا أن يدعى أن الشارع أعطى حكم غير
المحصور للمحصور المشتبه فيه، من غير فرق بين الحل والحرمة وغيرهما على وجه
يحكم على القائدة المزبورة، لكنه لا يخلو من تأمل.
والمتجه الاقتصار فيه على ما جرت السيرة والطريقة بعدم اجتنابه ولو للعسر
والحرج ونحوهما دون غيره، ومن هنا يتوجه المنع فيما لو بقي عدد محصور من
غير المحصور فضلا عما لو بقي فرد واحد منه، هذا كله في الممتزج.
أما الفرد المتحد المشتبه ابتداء بين المحرم والأجنبية فإن كان الاشتباه باحتمال
عروض ما يقتضي تحريمها بالرضاع واحتمال تولد من الأب أو الأم أو نكاح من الأب
أو نحو ذلك مما يمكن نفيه بالأصل فلا ريب في أن المتجه عدم الاجتناب، ولعل منه
قوله عليه السلام (2): " تنكح المرأة ولعلها أختك برضاع أو نسب، وتشتري العبد ولعله
حر خدع " وإن كان الاشتباه لغير ذلك كالأم مثلا فإن رجع إلى الشبهة الغير

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 - 4 والثاني نقل بالمعنى.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 - 4 والثاني نقل بالمعنى.
74

المحصورة، بأن يكون له أم لا يعرفها في الناس فحكمها ما عرفت، وإن رجع إلى
غير ذلك بأن كانت الامرأة دائرة بين الأجنبية ولا أم له غيرها فيحل له نكاحها،
وبين أن تكون هي الأم فالمتجه حينئذ الاجتناب، لكونه بحكم الشبهة المحصورة،
مضافا إلى ما سمعته من القاعدة، ولعل هذا هو المراد من إطلاق بعضهم وجوب
الاجتناب إذا اشتبهت الأجنبية بالمحرم في الفرد المتحد، فتأمل جيدا، والله
العالم.
ثم من المعلوم أن المملوكة في حكم الزوجة مع جواز نكاحها، نعم لو كانت
مزوجة للغير أو مرتدة أو مجوسية في قول أو وثنية أو مكاتبة في وجه أو مشتركة لم
تكن كذلك، أما لو كانت مؤجرة أو مستبرأة أو مرهونة أو معتدة عن وطء شبهة فإنها
كذلك على الأقوى، إذ حرمة وطئها فيما يحرم من ذلك كحرمة وطئها حال الحيض
أو الصوم أو غيرهما، وربما يأتي لذلك تتمة في محله إنشاء الله.
(ولا ينظر إلى) جسد (الأجنبية) ومحاسنها (أصلا إلا لضرورة)
إجماعا، بل ضرورة من المذهب (و) الدين، نعم (يجوز) عند جماعة (أن
ينظر إلى وجهها وكفيها) من دون تلذذ ولا خوف ريبة أو افتتان، لأنهما المراد
مما ظهر منها، كما اعترف به غير واحد، بل عن مسعدة بن زياد في الصحيح
المروي (1) عن قرب الإسناد إنه قال: " سمعت جعفرا عليه السلام وقد سئل عما تظهر
المرأة من زينتها، قال: الوجه والكفين " مؤيدا بما عن علي بن جعفر عليه السلام (2) عن
أخيه عليه السلام باسناد معتبر أيضا علي ما قيل قال: " سألته عن الرجل ما يصلح له أن
ينظر إليه من المرأة التي لا تحل له؟ قال: الوجه والكفين " والمرسل عن الصادق
عليه السلام (3) " قلت له: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟
قال: الوجه والكفان والقدمان " وعن جامع الجوامع عنهم عليهم السلام (4) في تفسير ما

(1) الوسائل الباب - 109 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 2.
(2) البحار ج 104 ص 34 الطبع الحديث.
(3) الوسائل الباب - 109 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 2.
(4) تفسير جوامع الجامع ذيل الآية 31 من سورة النور: 24.
75

ظهر " أنه الكفان والأصابع " وفي خبر أبي الجارود (1) عن أبي جعفر عليه السلام " هو الثياب
والكحل والخاتم وخضاب الكفين والسوار، والزينة ثلاث: زينة للناس، وزينة للمحرم
وزينة للزوج، فأما زينة الناس فقد ذكرناه، وأما زينة المحرم فموضع القلادة
فما فوقها والد ملج فما دونه والخلخال وما أسفل منه، وأما زينة الزوج فالجسد كله "
وعن زرارة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " الزينة الظاهرة الكحل والخاتم " وعن أبي
بصير (3) " سألته عن ذلك، فقال الخاتم والمسكة، وهي القلب " أي السوار، وفي
صحيح المفضل (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الذراعين هما من الزينة التي قال
الله تعالى: ولا يبدين؟ قال: نعم وما دون الخمار من الزينة وما دون السوار " بناء على
أن المراد مما فوقهما، أي الوجه والكف من الزينة الظاهرة المستثناة، بخلاف ما
دونهما كالعنق والذراع، وصحيح ابن سويد (5) " قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إني
مبتلى بالنظر إلى الامرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: يا علي لا بأس إذا
عرف الله من نيتك الصدق، وإياك والزنا ".
ولعله لذلك ذكر من في آية الغض والنصوص المتقدمة في الاحرام التي منها
" أن أبا جعفر عليه السلام مر بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بقضيبه
عن وجهها " (6) وخبر جابر (7) عن أبي جعفر عليه السلام عن جابر الأنصاري قال:
" خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يريد فاطمة وأنا معه، فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه
فدفعه، ثم قال: السلام عليك، فقالت فاطمة: عليك السلام يا رسول الله صلى الله عليه وآله، قال:
أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول الله، قال: أدخل أنا ومن معي؟ فقالت: يا رسول الله ليس علي
قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك وقنعي به رأسك، ففعلت - إلى أن قال - فدخل

(1) المستدرك الباب - 84 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 109 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 4 - 1.
(3) الوسائل الباب - 109 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 4 - 1.
(4) الوسائل الباب - 109 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 4 - 1.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النكاح المحرم الحديث 3.
(6) الوسائل الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 من كتاب الحج.
(7) الوسائل الباب - 120 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
76

رسول الله صلى الله عليه وآله ودخلت أنا وإذا وجه فاطمة أصفر كأنه بطن جرادة فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: مالي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله الجوع، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم مشبع الجوعة ودافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمد، قال جابر:
فوالله لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى وجهها احمر " الحديث.
كل ذلك مضافا إلى ما يشعر به كثرة السؤال عن الشعر والذراع دون الوجه
والكف مع شدة الابتلاء بهما من معلومية الجواز فيهما دون العدم المعلوم أولوية
الشعر والذراع منه، وإلى السيرة في جميع الأعصار والأمصار على عدم معاملة الوجه
والكفين من المرأة معاملة العورة، ولذا لم تسترهما في الصلاة، وإلى العسر والحرج في
اجتناب ذلك، لمزاولتهن البيع والشراء وغيرهما.
وقيل: لا يجوز مطلقا، واختاره الفاضل في التذكرة وغيره، لاطلاق آية الغض
ومعلومية كون المرأة عورة، بل في كنز العرفان تعليل ما اختاره من التحريم
باطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة إلا على الزوج والمحارم، وما تشعر به
آية الحجاب (1) وآية الرخصة للقواعد من النساء (2)، وسيرة المتدينين من الستر،
والمروي عن الكافي بطريقين (3) عن الصادقين عليهما السلام أنهما قالا: " ما من أحد إلا
يصيب حظا من الزنا، فزنا العين النظر، وزنا الفم القبلة، وزنا اليدين اللمس " ولأمرها
بالتنقب عند إرادة الشهادة عليها التي هي من الضرورة في مكاتبة (4) الصفار الآتية
وما دل على النهي عن النظر (5) " وأنه سهم من سهام إبليس " وخبر سعيد
الإسكافي (6) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة
وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة، فلما جازت نظر إليها
ودخل في زقاق، وقد سماه ببني فلان، فجعل ينظر خلفها، واعترض وجهه عظم

(1) سورة النور: 24 - الآية 31 - 60.
(2) سورة النور: 24 - الآية 31 - 60.
(3) الوسائل الباب - 104 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 0 - 4. والثالث عن سعد الإسكاف.
(4) الفقيه ج 3 ص 40 - الرقم 132.
(5) الوسائل الباب - 104 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 0 - 4. والثالث عن سعد الإسكاف.
(6) الوسائل الباب - 104 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 0 - 4. والثالث عن سعد الإسكاف.
77

في الحائط أو زجاجة فشق وجهه، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على
صدره وثوبه، فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وآله ولأخبرنه، قال: فأتاه، فلما رآه
رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل بآية الغض ".
ولمناسبة ذلك البعد عن الوقوع في الزنا والافتتان ونحوهما المعلوم من الشارع
إرادة عدمهما، ولذا حرم ما يحتمل إيصاله إليهما من النظر ونحوه، وكان
أمير المؤمنين عليه السلام يترك السلام على الشابة لئلا يسمع صوتها (1) بل التقييد من
المجوز بعدم خوف الفتنة والريبة قاض بعدم الجواز غالبا، ضرورة حصول الخوف
بالنظر إلى كل امرأة لم يعلم حالها، فيحرم حينئذ، ويختص الجواز بمن يأمن ذلك
بالنظر إليها من الأفراد الغير الغالبة، مع أن دليله قاض بالاطلاق على وجه لو حمل
على خصوص هذه الأفراد لكان من المأول الذي لا حجة فيه، وتفسير ما ظهر منها
بما عرفت كاف في عدم الوثوق، ضرورة اختلافه اختلافا لا يرجى جمعه مع ضعف
السند في جملة منه، فلا يبعد إرادة الثياب الظاهرة منه.
والصحيح الأول (2) إنما يقضى بجواز إظهار المرأة الوجه والكفين، وهو
أعم من النظر، إذ يمكن رفع الشارع وجوب الستر عليها بمجرد احتمال الناظر
ومظنته، للعسر والحرج، بخلاف باقي البدن، وإن وجب على الناظر الغض، كما
عساه يقال في بدن الرجل بالنسبة إلى المرأة، فإنه لا يجب عليه الستر منها وإن حرم
عليها النظر إليه.
والخبر الآخر (3) مع عدم ثبوت اعتبار سنده قاصر عن معارضة أدلة الحرمة
من وجوه، ومحتمل لإرادة النظر الاتفاقي الذي يكون مقدماته اختيارية، على
معنى أنه لا يجب على الرجل الغض باحتمال وقوع نظره على وجه أجنبية
وكفيها، أو مظنته، للعسر والحرج، وإن وجب عليه ذلك بالنسبة إلى باقي بدنها،

(1) الوسائل الباب - 131 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 109 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
(3) البحار ج 104 ص 34 - الطبع الحديث.
78

كما يجب عليه ستر عورته باحتمال وجود الناظر الاتفاقي أو مظنته، ويحتمل
أيضا إرادة بيان حلية ذلك في الجملة ولو للقواعد من النساء أو لغير أولي الإربة من
الرجال، ولغير ذلك.
وصحيح ابن سويد (1) محمول على إرادة إني مبتلى باتفاق وقوع النظر إلى
الامرأة الجميلة، وأنه يحصل له بعد ذلك لذة، فأجابه بنفي البأس إذا عرف الله من
نيتك الصدق، وأنك غير متعمد لذلك، ثم حذره عن الزنا، أي عن النظر الذي يخاف
منه ذلك، أو أن المراد إياك وزنا العين، أي تعمد النظر للتلذذ ونحوه، لا أن
المراد الرخصة له في النظر إلى الامرأة الجميلة التي يعجبه. النظر إليها الذي يمكن
دعوى الضرورة على عدم جوازه، والضرورة على عدم وقوع ذلك من الإمام عليه السلام الذي
من عادته الحث والترغيب في عدم ذلك، قال الصادق عليه السلام (2) " من نظر إلى امرأة
فرفع بصره إلى السماء أو غض بصره لم يرتد إليه طرفه حتى يزوجه الله من
حور العين " وفي خبر آخر (3) " حتى يعقبه الله إيمانا يجد طعمه " والمراد بمن نظر
إلى آخره من وقع نظره اتفاقا، ومنه ينقدح احتمال إرادة ذلك من أدلة الجواز،
ودعوى - عدم صلاحية النظر الاتفاقي لأن يكون موضوعا لحكم شرعي ولو الإباحة -
يدفعها منع ذلك باعتبار مقدماته بالمعنى الذي ذكرناه سابقا.
ونصوص الاحرام (4) إنما هو لحكم الاحرام من حيث إن إحرامها في وجهها،
فلا يجوز وضع شئ عليه وإن وجب عليها الستر بما لا يمسه، كما هو المتعارف
الآن في إحرام النساء المتدينات.
وخبر (5) فاطمة عليها السلام يمكن أن يكون بالنظر الاتفاقي، أو لغير ذلك، وإلا
فمن المستبعد نظره العمدي إليها بمحضر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل يمكن القطع

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النكاح المحرم الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 104 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9 - 10.
(3) الوسائل الباب - 104 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9 - 10.
(4) الوسائل الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام من كتاب الحج.
(5) الوسائل الباب - 120 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
79

بعدمه، ضرورة معلومية كون الأولى خلافه من سائر النساء والرجال، فضلا عن
سيدة النساء وجابر، بل في حديث آخر (1) " أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: خير النساء
أن لا يرين الرجال ولا يراهن الرجال، فقال صلى الله عليه وآله: فاطمة مني ".
وكثرة السؤال عن الشعر والذراع لملازمتهما النظر إلى الوجه والكف غالبا
فاكتفى بالنهي عنهما عن حكمهما، على أنه إشعار لا يعارض ما سمعت من الأدلة،
والسيرة والطريقة معارضة بمثلها من المتدينات والمتدينين في جميع الأعصار
والأمصار، بل لعل التطلع إلى وجوه النساء المستترات من المنكرات في دين الاسلام.
والعسر والحرج في مثل الأعراب الذين لا ينتهون إذا نهوا مرتفع بعدم
وجوب الغض عنهم، وعدم البأس مع اتفاق وقوع النظر عليهم، فلا ريب في أن ترك
النظر أحوط وأقوى.
وأما ما ذكره المصنف من جوازه (على كراهية مرة) واحدة (و) حينئذ
ف‍ (لا يجوز معاودة النظر) في مجلس واحد، بل ولا إطالته فهو أضعف قول في
المسألة، وإن قيل: إنه وجه جمع بين ما دل على الجواز وما دل على عدمه، بشهادة
النبوي (2) " لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك والثانية عليك، والثالثة فيها
الهلاك " وعن العيون روايته (3) بدل " فإن " إلى آخره " فليس لك يا علي إلا أول
نظرة " وخبر الكاهلي (4) عن الصادق عليه السلام " النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة،
وكفى بها لصاحبها فتنة " مؤيدا ذلك بما في تكرار النظر أو إطالته من خوف الفتنة
بخلاف النظرة الأولى الصادرة عن غير شهوة.

(1) الوسائل الباب - 129 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 104 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 والظاهر أنه ليس
بنبوي فإنه عن الفقيه بعد نقل رواية عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " وقال عليه السلام: أول
نظرة لك والثانية عليك ولا لك والثالثة فيها الهلاك "
(3) الوسائل الباب - 104 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11 - 6.
(4) الوسائل الباب - 104 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11 - 6.
80

لكنه كما ترى تأباه أدلة كلا الطرفين، على أن محل البحث في أن الوجه
والكفين عورة بالنسبة إلى النظر أو ليسا بعورة كما في الصلاة وإن يزيد القدمان
فيها معهما، فدعوى كونهما ليسا بعورة في النظر الأولى العمدي دون الثاني واضح
الضعف.
على أن محل البحث مع الأمن من الفتنة، فلا وجه للفرق بينهما بذلك، كما
أنه لا وجه للحكم على إطلاق تلك الأدلة كتابا وسنة بالمراسيل الغير الظاهرة
الدلالة، بل يمكن دعوى ظهورها في إرادة النهي عن اتباع النظر الاتفاقي بالنظر
العمدي، كما هو الواقع غالبا، فيكون حينئذ دليلا للمختار.
وكيف كان ففي المتن وغيره (وكذا الحكم في) نظر (المرأة) إلى الرجل،
وأنه غير جائز إلا إلى وجهه وكفيه مرة عند المصنف ومن وافقه، قيل: لوجود
المقتضى فيهما، ولقوله تعالى (1): " قل للمؤمنات " لكن فيه - بعد الاغضاء عن
اقتضاء ذلك التفصيل الذي ذكره المصنف - أن مقتضى المنع من الآية وغيرها
متحقق إنما الكلام في الاستثناء، وليس إلا دعوى التلازم، وأنه متى جاز له النظر
إلى ذلك منها جاز لها النظر إليهما منه، وفيه منع إن لم يكن اجماعا كما ادعاه
في الرياض، قال: " تتحد المرأة مع الرجل، فتمنع في محل المنع، ولا تمنع في غيره
اجماعا " وفي محكي التذكرة منع أكثر علماؤنا نظر المرأة إلى الرجل كالعكس، فلا
يجوز لها النظر إلا إلى وجهه وكفيه، بل قد يشهد له انسياق اتحاد المراد من لفظ
" من " في الآية، فبناء على إرادة ما عدا الوجه والكفين منها في المؤمن يتجه إرادة ذلك
في المؤمنات، مضافا إلى دعوى العسر والحرج، وإن كان فيهما معا منع. إلا أنه يسهل
الخطب عندنا ما عرفته من أن الأقوى الحرمة، فيحرم حينئذ ذلك منها أيضا كما
يحرم منه.
أما مع التلذذ والفتنة فلا إشكال ولا خلاف في حرمته، ولعل منه المروي

(1) سورة النور: 24 - الآية 31.
81

في عقاب الأعمال (1): قال " اشتد غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من
غير زوجها وغير ذي محرم منها، فإنها إن فعلت ذلك أحبط الله كل عمل عملته. "
نعم في المسالك تبعا لجامع المقاصد لا بد من استثناء الصغيرة التي ليست مظنة
الشهوة من الحكم، وكذا العجوز المسنة البالغة حدا ينتفي الفتنة والتلذذ بنظرها
غالبا على الأقوى، لقوله تعالى (2): " والقواعد من النساء " ومن استثناء غير المميز
بالنسبة إلى المرأة، وهو الذي لم يبلغ مبلغا بحيث يصلح لأن يحكي ما يرى، لقوله
تعالى: " أو الطفل الذين لم يظهروا " إلى آخره، ولأنه حينئذ بمنزلة سائر الحيوانات.
وأما المميز فإن كان فيه ثوران شهوة وتشوق فهو كالبالغ في النظر، فيجب على
الولي منعه منه، وعلى الأجنبية التستر عنه، وإلا ففي جوازه قولان: من إيذان
استئذان من لم يبلغ الحلم في الأوقات الثلاثة التي هي مظنة التكشف والتبذل دون
غيرها بالجواز، ومن عموم قوله تعالى: " أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء "
فيدخل غيره في النهي عن إبداء الزينة له، وهذا أقوى، والأمر بالاستئذان في تلك
الأوقات لا يقتضي جواز النظر، كما لا يخفى. هذا كله مع الاختيار، أما مع الاضطرار
فسيأتي.
قلت: قد يقال: إن حكم العورة في الصبي والصبية محدود بالبلوغ الذي هو
أول تحقق اسم المؤمن والمؤمنة والرجل والامرأة، فقبله ليستا بعورة لكل من الرجل
والمرأة مطلقا، نعم يحرم التلذذ لكل منهما ونحوه، إنما البحث من حيث حكم العورة،
قال البجلي (3): " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي
لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها
للصلاة؟ قال: لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة " يعني حتى تحيض أي تبلغ،

(1) الوسائل الباب - 129 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(2) سورة النور: 24 - الآية 31.
(3) الوسائل الباب - 126 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
82

بناء على أن المراد منه عدم حرمة النظر على من ليس بينه وبينها محرم، وقال
الرضا عليه السلام في صحيح البزنطي (1) الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه
وأقروا له بالفقه المروي في الفقيه: " يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين، ولا
تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم " ونحوه صحيحة الآخر المروي (2) عن قرب الإسناد عن الرضا عليه السلام أيضا " لا تغطي المرأة رأسها عن الغلام حتى يبلغ الحلم " متمما
ذلك بعدم القول بالفصل ومعتضدا بالأصل بمعنى الاستصحاب، بل وغيره بناء على
انسياق غير الصبي والصبية من الأدلة ومؤيدا بما يشعر به آية الاستئذان في الأوقات
الثلاثة دون غيرها المحمول على ضرب من الأدب في الثلاثة، مضافا إلى مفهوم قوله
تعالى (3) فيها: " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا " إلى آخرها. بل
لعل ذلك هو المراد من الظهور على عورات النساء، بمعنى القوة على نكاحهن، فلا
ينافي حينئذ ما يستفاد من الآية الثانية من كون الاعتبار في التستر منه والاستئذان في
غير الأوقات الثلاثة الحلم، بل حمل الآية على ذلك أولى من حمل الصحيحين على
غير المميز الذي لا يحسن أن يصف، لكونهما كالصريحين بخلافه.
نعم ينبغي عدم وضع الصبية في الحجر وتقبيلها إذا كان قد أتى لها ست سنين
بل خمس، فإن ذلك ربما يثير الشهوة، ففي مضمر أبي أحمد الكاهلي (4) " سألته
عن جويرية ليس بيني وبينها محرم تغشاني فأحملها وأقبلها، فقال: إذا أتي عليها ست
سنين فلا تضعها في حجرك " ورواه في الفقيه عنه (5) أنه قال: " سأل أحمد بن النعمان
أبا عبد الله عليه السلام، فقال له: جويرية ليس بيني وبينها رحم ولها ست سنين، قال: لا

(1) الوسائل الباب - 126 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 4 وفي الأخير
" حتى يبلغ الحلم ".
(2) الوسائل الباب - 126 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 4 وفي الأخير
" حتى يبلغ الحلم ".
(3) سورة النور: 24 - الآية 59.
(4) الوسائل الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(5) أشار إليه في الوسائل الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 -
والفقيه ج 3 ص 275 الرقم 1307 ولكن فيه " سأل محمد بن النعمان ".
83

تضعها في حجرك " وفي خبر زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قال: " إذا بلغت الجارية
الحرة ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبلها " وفي خبر هارون بن مسلم عن بعض
رجاله (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " إن بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله،
فأتى بصبية له فأدناها أهل المجلس جميعا إليهم، فلما دنت منه سأل عن سنها فقيل:
خمس فنحاها عنه " وفي مرسل عتبة (3) قال: " كان أبو الحسن الماضي عليه السلام عند محمد بن
إبراهيم والي مكة، وهو زوج فاطمة بنت أبي عبد الله عليه السلام، وكانت لمحمد بن إبراهيم
بنت يلبسها الثياب، وتجئ إلى الرجال فيأخذها الرجل ويضمها إليه، فلما تناهت
إلى أبي الحسن عليه السلام أمسكها بيديه ممدودتين، قال: إذا أنت على الجارية ست سنين
لم يجز أن يقبلها رجل ليس بمحرم، ولا يضمها إليه " وفي مرفوع زكريا
المؤمن (4) قال أبو عبد الله عليه السلام: " إذا بلغت الجارية ست سنين فلا يقبلها الغلام،
والغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين " ولا يخفى عليك ما في تخصيص القبلة
والوضع بالحجر بالنهي، مع التعبير بلفظ " لا ينبغي " من التلويح بجواز النظر الذي يدل
عليه الأصل بمعنى الاستصحاب وغيره، خصوصا مع عدم أمر الرضا عليه السلام بالغض
عن الجارية، بل لا يخفى أن النهي عن ذلك لما فيه من تخوف الفتنة، نحو قول
علي عليه السلام في خبر (5) غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام: " مباشرة
الامرأة بنتها إذا بلغت ست سنين شعبة من الزنا " كل ذلك مضافا إلى ما جاء من
تغسيل الرجل بنت خمس سنين.
وبالجملة يمكن اشتراط حرمة النظر من حيث العورة بالبلوغ إن لم يكن
إجماعا، وربما أيد ذلك السيرة المستمرة، نعم لا يمكن رجحان التجنب عن الصبي
المميز القابل للتلذذ، الظاهر عليه ذلك كما يتفق في بعض الأولاد، بل ظاهر غير
واحد من الأصحاب المفروغية من وجوب التستر عليه (عنه خ ل) ومنع الولي إياه،

(1) الوسائل الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح 6 - 4 - 5 والأول عن علي بن عقبة عن بعض أصحابنا.
(4) الوسائل الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح 6 - 4 - 5 والأول عن علي بن عقبة عن بعض أصحابنا.
(5) الوسائل الباب - 127 - من أبواب مقدمات النكاح 6 - 4 - 5 والأول عن علي بن عقبة عن بعض أصحابنا.
84

بل في جامع المقاصد نفي الخلاف فيه بين أهل الاسلام، كما أن فيه أيضا الاجماع
على عدم جواز نظر البالغ الأجنبية التي بلغت مبلغا صارت به مظنة الشهوة من دون
حاجة إلى نظرها، فإن تم ذلك كان هو الحجة، وإلا كان محل بحث، لكن لا ريب
في أنه أحوط.
ويمكن أن يريد البلوغ في معقد الاجماع بل ينبغي تجنبه إذا كان مما يحسن
أن يصف ما يرى لعدم ائتمانه، وربما كان وسيلة بوصفه إلى حصول الفتنة، بل ربما
يكون من مصائد الشيطان وأحد أبوابه ورسله، قال الصادق عليه السلام (1): " سئل أمير المؤمنين
عليه السلام عن الصبي يحجم المرأة، قال: إن كان يحسن أن يصف فلا. "
وأما القواعد من النساء فالذي يظهر بقاء حكم العورة بالنسبة إلى ما يعتاد
ستره من الأجساد في مثلهن من البطن ونحوها، نعم لا بأس ببروز وجوههن وبعض
شعرهن وأذرعهن ونحو ذلك مما يعتاد في العجائز المسنة. فالمراد من الآية أن
القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا أي يئسن من المحيض والولد والطمع في النكاح
لكبر السن لا جناح عليهن إذا خرجن من بيوتهن أن يضعن ثيابهن التي يسترن
بها، ثياب الزينة وغيرها من الملحفة والجلباب والخمار ونحوها، بشرط أن يكون
ذلك لا على وجه التبرج بزينة، بل يكون للخروج في حوائجهن، ومع ذلك فإن
يستعففن ويسترن خير لهن، لا أن المراد ارتفاع حكم العورة بالنسبة إليهن الذي
يمكن دعوى ضرورة المذهب أو الدين على خلافه، فضلا عن عموم الأدلة وإطلاقها
من قوله صلى الله عليه وآله: " النساء عورة " (2) وغيره، وفي خبر يونس (3) قال: " ذكر الحسين
أنه كتب إليه يسأله عن حد القواعد من النساء التي إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها

(1) الوسائل الباب - 130 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 131 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 110 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 عن علي بن أحمد
ابن يونس إلا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 467 الرقم 1871 عن علي بن أحمد
عن يونس.
85

وذراعها، فكتب: من قعدن عن النكاح " وفي صحيح البزنطي المروي عن قرب
الإسناد (1) عن الرضا عليه السلام " سألته عن الرجل يحل له أن ينظر إلى شعر أخت
امرأته؟ فقال: لا، إلا أن تكون من القواعد، قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟
قال: نعم، قلت: فمالي من النظر إليه منها؟ قال: شعرها وذراعها " والمراد إذا كانت
من القواعد بقرينة أوله، وفي خبر الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " إنه قرأ أن يضعن
ثيابهن، قال: الخمار والجلباب، قلت: بين يدي من كان؟ فقال: بين يدي من كان
غير متبرجة بزينة، فإن لم تفعل فهو خير لها " الحديث.
وفي خبر حريز (3) عنه عليه السلام أيضا " أنه قرأ أن يضعن من ثيابهن، قال:
الجلباب والخمار إذا كانت المرأة مسنة " وفي خبر محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر عليه السلام
قال: " في قوله تعالى: والقواعد من النساء - إلى آخره - ما الذي يصلح أن يضعن
من ثيابهن؟ قال: الجلباب " بل في خبر الكناني (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
القواعد ما الذي يصلح لهن أن يضعن من ثيابهن؟ فقال: الجلباب إلا أن تكون أمة
فليس عليها جناح أن تضع خمارها " وفي خبر محمد بن أبي حمزة (6) عن أبي عبد الله
عليه السلام " قال: القواعد - إلى آخره - قال: تضع الجلباب وحده ".
فما عساه يظهر من عبارة الشهيد وغيرها من ارتفاع حكم العورة عن جميع أجسادهن
في غير محله، بل لا يبعد الاقتصار في الرخصة لهن على المستفاد من النصوص المزبورة
من خصوص الوجه والكفين بناء على ما سمعته منا من الحرمة، وفي الذراع والشعر
وما يخرج بعد وضع الخمار، وفي وضع الملاحف ونحوها مما يستعمله غيرهن مما
يسترن به زينتهن، كما أنه لا يبعد استفادة وجوب ستر الزينة من الحلي والثياب
الجدد من هذه الآية، بل ومن قوله تعالى: " ولا يبدين زينتهن " (7) وقوله تعالى: (8)

(1) الوسائل الباب - 107 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 110 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 6 - 3.
(3) الوسائل الباب - 110 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 6 - 3.
(4) الوسائل الباب - 110 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 6 - 3.
(5) الوسائل الباب - 110 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 6 - 3.
(6) الوسائل الباب - 110 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 6 - 3.
(7) سورة النور: 24 - الآية 31.
(8) سورة النور: 24 - الآية 31.
86

" ولا يضربن بأرجلهن " فيلحق حينئذ بالعورة في وجوب الستر نفس الزينة من
الحلي وغيرها إذا كانت في محالها، وهو غير بعيد، لما فيه من مظنة الفتنة
وغيرها.
وأما استثناء غير أولي الإربة فستعرف بالمراد منه في البحث عن الخصي.
(و) أما ما ذكروه من تقييد ذلك بالاختيار فهو كذلك، إذ لا ريب في أنه
(يجوز عند الضرورة) نظر كل من الرجل والمرأة إلى الآخر ولمسه، بل وغيرهما
مما تقتضي الضرورة به، لقوله عليه السلام (1): " ما حرم الله شيئا إلا وأحله عند
الاضطرار إليه " وقوله عليه السلام (2): " كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر " وخبر
الثمالي (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن الامرأة المسلمة يصيبها البلاء في
جسدها إما كسر أو جراح في مكان لا يصلح النظر إليه ويكون الرجل أرفق بعلاجه
من النساء أيصلح له أن ينظر إليها؟ فقال: إذا اضطرت إليه فليعالجه إن شاءت "
ومكاتبة الصفار إلى أبي محمد عليه السلام (4) " في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها
محرم هل يجوز أن يشهد عليها وهو من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان
عدلان أنها فلانة بنت فلان وهذا كلامها أو لا تجوز له الشهادة حتى تبرز من بيتها
بعينها؟ فوقع عليه السلام: تتنقب وتظهر للشهود ".
ولعله لذا جعل المصنف وغيره ذلك من أفراد الضرورة، فقال في المثال:
(كما إذ أراد الشهادة عليها) بل ظاهره عدم الفرق فيها بين التحمل والأداء،

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب القيام الحديث 6 و 7 من كتاب الصلاة مع اختلاف
في اللفظ.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3 - 13.
(3) الوسائل الباب - 130 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(4) الفقيه ج 3 ص 40 الرقم 132.
87

كما صرح به في المسالك بل زاد فيها أيضا على ذلك المعاملة معها ليعرفها إذا
احتاج إليها، بل قال بعد أن حكى الاجماع على جواز النظر للحاجة: إن من ذلك
النظر إلى من يريد نكاحها أو شراءها.
نعم فيها وفي المتن (و) في غيرهما أنه (يقتصر الناظر منها) أو منه (على
ما يضطر إلى الاطلاع عليه، كالطبيب إذا احتاجت إليه للعلاج ولو إلى العورة دفعا
للضرر) بل الظاهر جواز اللمس كذلك إذا توقف عليه، كما صرح به في المسالك،
لكن قال: " لو أمكن الطبيب استنابة امرأة أو محرم أو الزوج في موضع العورة في
لمس المحل ووضع الدواء وجب تقديمه على مباشرة الطبيب، ثم قال: والأقوى
اشتراط عدم إمكان المماثل المساوي له في المعرفة أو فيما تندفع به الحاجة، ولا
يشترط في جوازه خوف فساد المحل، ولا خوف شدة الضنى، بل المشقة بترك العلاج
أو بطء البرء " قلت: ينبغي أن يعلم أولا أنه لا فرق فيما ذكره أولا بين اللمس
والنظر، وثانيا أن ظاهر كلامه السابق كفاية الحاجة، وهي أوسع دائرة من الضرورة،
بل ربما نافاه اشتراط عدم إمكان المماثل، والذي يقوى في النظر الجواز للضرورة
دون الحاجة، لأنها هي التي دلت عليها النصوص (1) بخلافها، إذ لم نعثر على ما
يدل على جعلها عنوانا في الجواز في شئ مما وصل إلينا من الأخبار، نعم قد سمعت
الاجماع المحكي، فإن تم كان هو الحجة، وإن كان المظنون أن حاكيه قد استنبطه
من استقراء بعض الموارد التي ذكرت في النصوص، مضافا إلى ما يستعمله الناس
في القصد ونحوه، إلا أن ذلك كله لا يقتضي جعل العنوان الحاجة، كما هو
واضح.
فالأولى الاقتصار في الجواز على خصوص ما في النصوص، وعلى ما قضت به
السيرة المعتد بها، وعلى ما يتحقق معه اسم الاضطرار عرفا، سواء كان ذلك بمعارضة
ما هو أهم في نظر الشارع مراعاة من حرمة النظر واللمس من واجب أو محرم أو لا،
فيكون ذلك حينئذ هو المدار في الجواز، وليس من الضرورة النظر إلى من يريد

(1) المتقدمة في ص 87.
88

نكاحها أو شراءها، بل ذلك لدليل خاص، ولذا جاز ولو تمكن من وصف الغير
ونحوه مما يرتفع به الاضطرار، بل جاز في غير محل الاضطرار.
بل من ذلك يعرف ما في القول بجواز النظر إلى فرج الزانيين، لتحمل
الشهادة، وأن الأقوى فيهما حينئذ المنع، كما عن التذكرة، لأنه نظر إلى فرج
محرم، وليست الشهادة على الزنا عذرا، للأمر بالستر، وحينئذ فالشهادة عليه إنما
تكون مع اتفاق الرؤية من دون قصد أو معه بعد التوبة، إن جعلناه كبيرة، خلافا
للفاضل في القواعد، فجوزه لأنه وسيلة إلى إقامة حد من حدود الله، ولما في المنع من
عموم الفساد، واجتراء النفوس على هذا المحرم، وانسداد باب ركن من أركان الشرع،
ولم يسمع الشهادة بالزنا، لتوقف تحملها على الاقدام إلى النظر المحرم وإدامته،
لاستعلام الحال بحيث يشاهد الميل في المكحلة، وايقاف الشهادة على التوبة يحتاج إلى
زمان يعلم منه العزم على عدم المعاودة، فيعود المحذور السابق، وفي المسالك " وهذا
القول ليس بذلك البعيد - ثم قال -: وأما نظر الفرج للشهادة على الولادة، والثدي للشهادة
على الرضاع، فإن أمكن إثباتهما بالنساء لم يجز للرجال، وإلا فوجهان، أجودهما
الجواز، لدعاء الضرورة إليه وكونه من مهام الدين، وأتم الحاجات خصوصا أمر الثدي،
ويكفي في دعاء الضرورة إلى الرجال المشقة في تحصيل أهل العدالة من النساء على وجه
يثبت به الفعل ".
قلت: قد عرفت كون المدار على ثبت في النص وعلى ما جرت به السيرة وعلى صدق
الاضطرار إلى فعل المحرم، وليس المدار على الحاجة ونحوها نعم قد يتوقف في صدقه
مع التمكن من الامرأة أو المحرم، بل وفعل ما يكون به محرما، فالأحوط مراعاة
عدم ذلك كله، بل هو الأقوى في الأولين، والله العالم.
89

(مسألتان):
(الأولى)
(هل يجوز للخصي) البالغ (النظر إلى المرأة المالكة) له (أو الأجنبية)
عنه ولو لكونه حرا وبالعكس؟ (قيل: نعم) يجوز، (وقيل: لا) يجوز، لكن
لم نعرف القائل بالأول سابقا على زمن المصنف من الأصحاب على وجه العموم، نعم
عن الفاضل في المختلف جوازه في المملوك بالنسبة إلى مالكته، وعن ابن الجنيد أنه
قال: روي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام كراهة رؤية الخصيان الحرة
من النساء، حرا كان أو مملوكا، وهو مع احتمال إرادة الحرمة من الكراهة غير
صريح في الفتوى بذلك بعد اقتصاره على نسبته إلى الرواية، بل لعله ظاهر في الخلاف
كظهور المحكي عن ابن إدريس في أن مذهب الإمامية عدم الجواز في الخصي المملوك،
فضلا عن غيره، قال: فأما إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا فهل يكون محرما لها
حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها؟ قيل: فيه وجهان: أحدهما وهو مذهبنا
أنه لا يكون محرما لها، ولا يجوز له النظر إلى ما يجوز لذوي محارمها النظر
إليه، والقول الآخر يكون محرما، ويحل له النظر إليها، وهو مذهب المخالف،
ثم ذكر أنهم تمسكوا بقوله تعالى (2): " أوما ملكت أيمانهن " وبما روي من
حديث (3) فاطمة عليها السلام، وأجاب عن الآية بأن أصحابنا رووا عن الأئمة عليهم السلام في
تفسيرها أن المراد الإماء دون الذكران، وعن الخبر بأنه رواية المخالف، مع أنه

(1) الوسائل الباب - 125 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.
(2) سورة النور: 24 - الآية 31.
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 383 (الطبعة الأولى بمصر) كتاب اللباس الباب - 235.
90

خبر آحاد، بل لعل ذلك أيضا هو مقتضى إجماع الشيخ في الخلاف، قال فيه: " إذا
ملكت المرأة فحلا أو خصيا أو مجبوبا لا يكون محرما لها، فلا يجوز أن يخلو بها
ولا يسافر معها " ثم استدل باجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، قال: وأما الآية فقد
روى أصحابنا أن المراد بها الإماء دون العبيد الذكران، وعن ظاهر فقه القرآن
للراوندي الاجماع أيضا على عدم الجواز في الخصي المملوك للمرأة، فضلا عن غيره
كما أن فيه أيضا تفسير " ما ملكت أيمانهن " بالإماء ناسبا له إلى رواية الأصحاب،
نحو ما سمعته من ابن إدريس، وربما يؤيده إرادة ذلك مما ملك في جميع القرآن
أو أغلبه.
ولا ينافيه ما عن المبسوط " إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا فهل يكون
محرما حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها؟ قيل: فيه وجهان: أحدهما وهو
الظاهر أنه يكون محرما، لقوله تعالى (1): " أوما ملكت أيمانهن " والثاني وهو
الأشبه بالمذهب أنه لا يكون محرما، وهو الذي يقوى في نفسي - إلى أن قال -: وقد
روى أصحابنا في تفسير الآية أن المراد الإماء " إذ هو كما ترى إنما نسب الوجهين
إلى القيل، ويمكن كونه من العامة وإن قال في أولهما: إنه الظاهر مريدا به من الآية
لولا نصوص التفسير، ولكن مع ذلك كله قد اختار في المسالك الجواز مطلقا، بل
ربما مال إلى جواز رؤية الفحل إلى مالكته، وتبعه بعض من تأخر عنه.
(و) على كل حال فلا ريب في أن الثاني (هو الأظهر، لعموم المنع)
المستفاد من السنة (2) والاجماع بقسميه على أن المرأة عورة، بل ذلك من ضروري
المذهب أو الدين (وملك اليمين المستثنى في الآية المراد به الإماء) التي لم تندرج
في نسائهن المنساق منهن الحرائر المسلمات، خلافا لعائشة والشافعي، فالمملوك
مطلقا، وخبر البصري (3) محمول على التقية التي يكفي فيها قطعا قول بعضهم بذلك،

(1) سورة النور: 24 - الآية 31.
(2) الوسائل الباب - 125 - من أبواب مقدمات النكاح.
(3) الوسائل الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
91

خصوصا في مثل المقام المعروف بين السلاطين والحكام، ولا يعتبر فيها اتفاقهم على
ذلك، كما في المسالك قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك يرى شعر مولاته،
قال: لا بأس ".
وخبر ابن (1) عمار قال: " كنا جلوسا عند أبي عبد الله عليه السلام نحوا من
ثلاثين رجلا إذ دخل أبي فرحب به أبو عبد الله عليه السلام وأجلسه إلى جنبه، فأقبل
عليه طويلا، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لأبي معاوية حاجة فلو خففتم، فقمنا
جميعا، فقال لي أبي: ارجع يا معاوية، فرجعت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا
ابنك، قال: نعم وهو يزعم أن أهل المدينة يصنعون شيئا لا يحل لهم، قال: وما
هو؟ قلت: المرأة القرشية والهاشمية تركب وتضع يدها على رأس الأسود وذراعيها
على عنقه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا بني أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قال: اقرأ
هذه الآية لا جناح عليهن في آبائهن - حتى إذا بلغت - ولا ما ملكت أيمانهن، ثم
قال: يا بني لا بأس أن يرى المملوك الشعر والساق ".
وخبره الآخر (2) أيضا قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المملوك يرى شعر
مولاته وساقها، قال: لا بأس " خصوصا مع معلومية كون عمار ثقة في العامة وجها
يكنى أبا معاوية كما عن فهرست الشيخ، ولعله لذا عظمه بما سمعت، على أن
مقتضاها الجواز في الفحل المعلوم عدم جوازه عندنا، بل ربما يشعر إنكار عمار على
أهل المدينة بكون ذلك معلوما في مذهب الشيعة.
وخبر إسحاق بن عمار (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أينظر المملوك إلى شعر
مولاته؟ قال: نعم وإلى ساقها ".
والمرسل المروي في كتب فروع الأصحاب (4) عن النبي صلى الله عليه وآله " إنه أتى

(1) ذكر صدره وذيله في الوسائل في الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح
الحديث 5 وتمامه في الكافي ج 5 ص 531.
(2) الوسائل الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح 3 - 6.
(3) الوسائل الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح 3 - 6.
(4) سنن أبي داود ج 2 ص 383 (الطبعة الأولى بمصر) كتاب اللباس الباب - 235.
92

فاطمة عليها السلام بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت رأسها لم يبلغ رجليها،
وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنه ليس عليك
بأس، إنما هو أبوك وغلامك " المحتمل كونه صغيرا أهدى للحسنين عليهما السلام.
وخبر عبد الرحمان (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك يرى شعر مولاته
قال: لا بأس ".
أو يحمل ذلك على النظر الاتفاقي الذي تكون مقدماته اختيارية منها
ومنه، كما يومي إليه خبر يونس بن عمار ويونس بن يعقوب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
" لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شئ من جسدها إلا إلى شعرها غير متعمد
لذلك " والمرسل (3) في الكافي " لا بأس أن ينظر إلى شعرها إذا كان مأمونا " والمروي
عن قرب الإسناد عن الحسن بن علوان (4) عن جعفر عن أبيه إنه كان يقول: " لا ينظر
العبد إلى شعر مولاته " وإلا كانت هذه الأخبار هي التي استقر عليها عمل الطائفة.
قال القاسم الصيقل: (5) " كتبت إليه أم علي تسأله عن كشف الرأس بين يدي
الخادم، وقالت له: إن شيعتك اختلفوا علي في ذلك، فقال بعضهم: لا بأس. وقال
بعضهم: لا يحل، فكتب عليه السلام: سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم، لا تكشفي
رأسك بين يديه، فإن ذلك مكروه " فإن الظاهر إرادة الحرمة من الكراهة فيه التي
علل بها النهي الذي هو حقيقة في التحريم الذي لا يعارضه لفظ الكراهة في التعليل بعد
كونها للقدر المشترك في العرف السابق، وكان اختلاف الشيعة التي أشارت إليه مما
وقع منه عليه السلام لتقية وغيرها، حتى ظن سامع الأول أن الحكم كذلك، ولذا بعد
أن ظهر الحال استقر مذهب الشيعة على عدم جواز نظر المملوك الفحل إلى سيدته،
وكونه كالأجنبي.

(1) الوسائل الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1 - 2 - 7.
(2) الوسائل الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1 - 2 - 7.
(3) الوسائل الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1 - 2 - 7.
(4) الوسائل الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 عن الحسين بن
علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام وفيه " إلى شعر سيدته ".
(5) الوسائل الباب - 124 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1 - 2 - 7.
93

بل وكذا استقر على عدم الفرق بين الخصي الحر أو المملوك بالنسبة إلى غير
سيدته، أيضا، ففي خبر عبد الملك بن عتبة النخعي (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أم
الولد هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها وهي تغتسل؟ قال: لا يحل ذلك " وفي خبر
محمد بن إسحاق (2) " سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت: يكون للرجل الخصي يدخل
على نسائه فينا ولهن الوضوء فيرى شعورهن، قال: لا " والمرسل (3) عن مكارم الأخلاق " لا تجلس المرأة بين يدي الخصي مكشوفة الرأس " ولا يعارض ذلك خبر
ابن بزيع (4) " سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قناع الحرائر من الخصيان، فقال:
كانوا يدخلون علي بنات أبي الحسن عليه السلام ولا يتقنعن، قلت: فكانوا أحرارا قال:
لا، قلت: فالأحرار يتقنع منهم، قال: لا " بعد قصوره من وجوه: منها الموافقة
للعامة وللمتعارف عند سلاطينهم وحكامهم، بل لعل في قوله عليه السلام في الجواب:
" كانوا " إلى آخره رائحة التقية، كما يؤيد ذلك ما في حديث آخر (5) من أنه لما
سئل عن هذه المسألة " فقال: أمسك عن هذا " ضرورة ظهور ذلك في كونه للتقية،
كتركه الجواب في المروي عن الحميري عن الخثعمي (6) عن أبي الحسن عليه السلام قال:
" كتبت إليه أسأله عن خصي لي في سن رجل مدرك يحل للمرأة أن يراها وتنكشف
بين يديه، فلم يجنبي عليه السلام " فمن الغريب تردد بعض أصحابنا في ذلك.
وأغرب منه دعواه اندراجه في غير أولي الإربة المتفقة أخبارنا على تفسيره
بغير ذلك، قال زرارة (7) في الصحيح: " سألت أبا جعفر عليه السلام عنه، فقال: الأحمق
الذي لا يأتي النساء " وقال أيضا في صحيحه الآخر (8): " سألت أبا عبد الله عليه السلام،
فقال: هو الأحمق الذي لا يأتي النساء " وفي موثق البصري (9) سألته عليه السلام عنه قال:

(1) الوسائل الباب - 125 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 9.
(2) الوسائل الباب - 125 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 9.
(3) الوسائل الباب - 125 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 9.
(4) الوسائل الباب - 125 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 6 - 8.
(5) الوسائل الباب - 125 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 6 - 8.
(6) الوسائل الباب - 125 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 6 - 8.
(7) الوسائل الباب - 111 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(8) التهذيب ج 7 ص 468 الرقم 1873.
(9) الوسائل الباب - 111 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
94

" الأحمق المولى عليه الذي لا يأتي النساء " وفي خبر القداح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
عن آبائه عليهم السلام قال: " كان بالمدينة رجلان يسمى أحدهما هيت والآخر مانع،
فقالا لرجل ورسول الله صلى الله عليه وآله يسمع: إذا افتتحتم الطائف إنشاء الله فعليك بابنة غيلان
الثقفية، فإنها شموع بخلاء مبتلة هيفاء شنباء إذا جلست تثنت، وإذا تكلمت غنت،
تقبل بأربع وتدبر بثمان، بين رجليها مثل القدح، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا أراكما
إلا من أولي الإربة من الرجال، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وآله: فعزب بهما في مكان يقال
له: العرباء، وكانا يتسومان في كل جمعة " قلت: الظاهر، أن هذين الرجلين كانا
مخنثين.
ودعوى كون الخصي مقطوع الشهوة يدفعها منع كونه بأقسامه كذلك وإن
قلنا باختصاص محل البحث في مقطوع الذكر والأنثيين منه، فإن انقطاع الشهوة
منه أيضا مطلقا ممنوع، مع أن الظاهر صدق اسم الخصي على الجميع، وعن المصباح
والقاموس والمجمع وغيرها أنه من سل خصيتاه، فما عن بعضهم من إلحاق من بقي
ذكره بالفحل مجرد تشه، وفي كنز العرفان قيل: المراد بهم الشيوخ الذين سقطت
شهوتهم، وليس لهم حاجة إلى النساء، وهو مروي (2) عن الكاظم عليه السلام، والإربة
الحاجة، وقيل: هم البله الذين لا يعرفون شيئا من أمور النساء، وهو مروي (3) عن
الصادق عليه السلام وابن عباس، وعن الشافعي أنه هو الخصي المجبوب، ولم يسبق إلى هذا
القول، وعن أبي حنيفة هم العبيد الصغار، وهو كما ترى صريح في تفرد الشافعي
بما سمعت.
وقد ظهر من ذلك أن المراد بغير أولي الإربة من لا يشتهي النكاح لكبر سن

(1) الوسائل الباب - 111 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 عن أبي عبد الله عن
أبيه عليهما السلام ولم يذكر اسم الرجلين وذكرهما في الكافي ج 5 ص 523 ورواه هناك
عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم السلام.
(2) كنز العرفان ص 322 الطبعة القديمة.
(3) معاني الأخبار ص 162 وفيه " هو الأبله المولى عليه الذي لا يأتي النساء ".
95

ونحوه، شبه القواعد من النساء التي لا ترجو نكاحا ولا تطمع فيه، على أن الظاهر
جواز إبداء الزينة لمثله، بمعنى عدم وجوب وضع نحو الملحفة والخمار ونحوهما
على ثياب الزينة وحليها، لا أن المراد ارتفاع حكم العورة بالنسبة إليه في جميع
الجسد وصيرورته كالمحرم، كما يدعيه الخصم الذي يمكن دعوى ضرورة المذهب
أو الدين على خلافه، وقد سمعت سابقا إطلاق الفتوى ومعقد الاجماع على عدم
جواز النظر إلى الأجنبية عدا الوجه والكفين، نعم في جامع المقاصد ولو كان شيخا
كبيرا جدا هرما ففي جواز نظره احتمال، ومثله العنين المخنث، وهو المشبه
بالنساء، واختار في التذكرة أنهم كالفحل، لعموم الآية (1) وهو قوي، وربما نزل
على الأبله الذي لا يحتاج إلى النساء ولا يعرف شيئا من أمورهن، وهو كما ترى لم
يحكم بشئ، ولعل ذلك منه ومن غيره مؤيد لما ذكرناه سابقا من حرمة نظر الوجه
والكفين مطلقا إلا غير أولي الإربة، حتى يكون موضوعا للآية التي لم أقف على
من قال إنها منسوخة بآية الغض (2) أما على القول بالجواز لغيرهم فضلا عنهم وعدم
جواز غيرهما لهم أيضا، فلا موضوع لاستثنائهم، اللهم إلا أن يلتزموا بجواز نظر
من لا إربة له زائدا على الوجه واليدين، كما هو مقتضى كلام جماعة، منهم ثاني
الشهيدين وغيره، خصوصا من كتب منهم في آيات الأحكام، فيكون ذلك استثناء
منهم على نحو استثناء القواعد من الأجنبية.
وأغرب من ذلك كله عدم استبعاد إرادة خصوص الخصي من الآية مع اندراجه
في غير أولي الإربة عند هذا القائل، واستبعاد إرادة الإماء مما ملكت أيمانهن بعد
ما سمعت ما عن المبسوط والخلاف وفقه القرآن للراوندي والسرائر من نسبة ذلك إلى
رواية أصحابنا، بل ركن إليه ابن إدريس الذي لا يعمل بأخبار الآحاد، مع أن
ظاهر الآية ذكر الذكور أولا ثم ذكر الإناث بقوله (3) تعالى: " نسائهن أوما
ملكت أيمانهن " لبيان عدم كون محال الزينة مثل العورة المحرم نظرها على الرجال

(1) سورة النور: الآية 31 - 30 - 31.
(2) سورة النور: الآية 31 - 30 - 31.
(3) سورة النور: الآية 31 - 30 - 31.
96

والنساء والواجب سترها منهما، إلا أنه لما كان من المعلوم عدم اندراج الإماء
في النساء ذكرها بالخصوص، فلا تكرار حينئذ، كما توهم، بل الظاهر عدم إرادة
خصوص المملوكة بالنسبة إلى مالكتها، بل المراد المملوكة ولو لغيرها، وكذا
النساء مع احتمال إرادة خصوص ذلك، ويتمم الباقي بعدم القول بالفصل، كل ذلك
بعد الاغضاء عما هو معلوم من دين متديني الإمامية من عدم ذلك، فلا يحل لمؤمن
التردد في ذلك مخافة أن يكون ذلك منه سببا للجرأة من غيره.
ومن ذلك يعلم الحال فيما في الروضة أيضا واتباعها كالكفاية وغيرها، بل
ويعلم ما في الرياض المبني على أن الأصل الإباحة، لعدم عموم يقتضي حرمة النظر
في المقام وفيما سبق من المقامات، مع أنه يمكن دعوى الضرورة فضلا عن الاجماع،
والنصوص على أن المرأة جميعها عورة (1) أي بحكمها في حرمة النظر، ووجوب
الستر على وجه القاعدة، كما سمعته من المقداد في الكنز سابقا في حكم الوجه
والكفين.
المسألة (الثانية)
(الأعمى) فضلا عن المبصر (لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية) مع التلذذ
أو الريبة وخوف الفتنة قطعا، أما مع عدم ذلك فقد يظهر من المتن والقواعد والتحرير
والإرشاد والتلخيص الحرمة أيضا، (لأنه عورة) فيحرم سماعه حينئذ، ويجب
عليها ستره على كل حال، بل قيل: إنه المشهور وإنه مقتضى المستفيض من محكي
الاجماع، ولعل مراده ما تقدم في الصلاة من حرمة الجهر عليها مع سماع الأجانب،
فإن في كشف اللثام وغيره الاتفاق على أن صوتها عورة، ولذا حرم عليها ذلك، بل

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 6 والباب - 131 -
منها الحديث 1.
97

وبطلت صلاتها كما حررناه في محله، قال الصادق عليه السلام في خبر (1): " قال
أمير المؤمنين عليه السلام: ولا تبدؤوا النساء بالسلام ولا تدعوهن إلى الطعام، فإن النبي صلى الله عليه وآله
قال: النساء عي وعورة، فاستروا عيهن بالسكوت واستروا عوراتهن بالبيوت " وقال
عليه السلام، أيضا في خبر غياث بن (2) إبراهيم: " لا تسلم على المرأة " وغير ذلك مما
سمعته وغيره الذي منه النهي عن الجهر بالتلبية (3) بل قد تقدم في كتاب الصلاة ما
يقتضي المفروغية من حرمة الجهر عليها بالقراءة مع سماع الأجانب، وبدونه مخيرة،
وكذا الكلام في الأذان.
لكن ذلك كله مشكل بالسيرة المستمرة في الأعصار والأمصار من العلماء
والمتدينين وغيرهم على خلاف ذلك، وبالمتواتر أو المعلوم مما ورد من كلام الزهراء
وبناتها عليها وعليهن السلام، ومن مخاطبة النساء للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام على
وجه لا يمكن إحصاؤه ولا تنزيله على الاضطرار لدين أو دنيا، بل قوله تعالى (4):
" فلا تخضعن بالقول " دال على خلاف ذلك أيضا، ولعله لذا وغيره صرح جماعة
كالكركي والفاضل في المحكي عن تذكرته وغيرهما ممن تأخر عنه كالمجلسي وغيره
بالجواز، بل بملاحظة ذلك يحصل للفقيه القطع بالجواز فضلا عن ملاحظة أحوالهم
في ذلك الزمان، من كونهم أهل بادية، وتقام المآتم والأعراس وغيرها فيما بينهم،
ولا زالت الرجال منهم مختلطة مع النساء في المعاملات والمخاطبات وغيرها. نعم ينبغي
للمتدينة منهن اجتناب إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع وتحسينه وترقيقه
حسبما أومأ إليه الله تعالى شأنه بقوله (5): " فلا تخضعن بالقول " إلى آخره، كما
أنه ينبغي للمتدينين ترك سماع صوت الشابة الذي هو مثار الفتنة حسبما أومأ إليه
أمير المؤمنين عليه السلام في تعليم الناس فيما رواه عنه الصدوق (6) قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) الوسائل الباب - 131 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 131 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 38 - من أبواب الاحرام الحديث 3 من كتاب الحج.
(4) سورة الأحزاب: 23 - الآية 36.
(5) سورة الأحزاب: 23 - الآية 36.
(6) الوسائل الباب - 131 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
98

يسلم على النساء ويرددن عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسلم على النساء ويكره أن
يسلم على الشابة منهن، ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي من الإثم
أكثر مما أطلب من الأجر " بل ينبغي ترك ما زاد على خمس كلمات لخبر (1)
المناهي قال: " ونهى أن تتكلم الامرأة عند غير زوجها أو غير ذي محرم منها أكثر
من خمس كلمات مما لا بد لها منه " المحمول على الكراهة قطعا، لضعف سنده،
واشتماله على كثير من النواهي المراد منها ذلك، ولاجماع الأمة على جواز الأزيد
مع الضرورة، وفي المروي عن الخصال (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أنه قال: " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة تميت القلب: أحدها كثرة مناقشة النساء، يعني محادثتهن "
إلى غير ذلك مما لا يخفى على من أعطاه الله تعالى معرفة لسانهم ورمزهم ظهور إرادة
الكراهة، وبالجملة سماع أصواتهن كسماعهن أصوات الرجال في القطع بالجواز ما لم
يكن أحد الأمور السابقة، من غير فرق بين الأعمى والمبصر.
كما أنه لا فرق بينهما نصا وفتوى (و) سيرة في أنه (لا يجوز للمرأة النظر
إليه، لأنه يساوي المبصر في تناول النهي) المستفاد من آية الغض وغيره،
وفي المرسل (3) عن أم سلمة قالت " كنت أنا وميمونة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل ابن أم
مكتوم فقال صلى الله عليه وآله: احتجبن عنه، فقلنا: إنه أعمى فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أعمياوان أنتما؟
ألستما تبصرانه ".
نعم لا بأس بمصافحة الامرأة الأجنبية للرجل من وراء الثياب، وبالعكس
فضلا عن مصافحة كل منهما لمماثلة مع عدم التلذذ ونحوه، كما صرح به بعضهم،
قال سماعة (4): " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مصافحة الرجل المرأة قال: لا يحل للرجل
أن يصافح المرأة إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوجها: أخت أو ابنة أو عمة أو خالة أو بنت

(1) الوسائل الباب - 106 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 106 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 129 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 مع اختلاف
في اللفظ.
(4) الوسائل الباب - 115 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
99

أخت أو نحوها، فأما المرأة التي يحل له أن يتزوجها فلا يصافحها إلا من وراء
الثوب، ولا يغمز كفها " وقال أبو بصير (1): " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل يصافح الرجل
المرأة ليست له بذي محرم؟ فقال: لا إلا من وراء الثوب " هذا.
وفي القواعد والعضو المبان كالمتصل على إشكال، قلت: لعل وجهه من ظهور الأدلة
في أنه عورة حال الاتصال لا حال الانفصال الذي يكون فيه كالحجر، واستبعاد حرمة
النظر إلى مثل الأظفار ولمسها والسن والشعر، خصوصا بعد ما ورد (2) من النهي
عن الوصل بشعر الغير مع عدم التعرض فيه، لحرمة لمسه والنظر إليه الذي، هو مظنته،
خصوصا الأخير، ومن ثبوت حرمته قبل الانفصال فيستصحب، وعدم مدخلية
الاتصال وحكم العورة، واستلزام جواز النظر واللمس إلى المجموع المقطع أجزاء،
وصدق اسم الذكر ونحوه على المقطوع، ولعل الأخير أقوى كما صرح به في جامع
المقاصد.
ثم لا يخفى عليك أن كل موضع حكمنا فيه بتحريم النظر فتحريم اللمس
(المس خ ل) فيه أولى، كما صرح به بعضهم، بل لا أجد فيه خلافا، بل كأنه ضروري
على وجه يكون محرما لنفسه، وفي خبر (3) مبايعتهن للنبي صلى الله عليه وآله دلالة عليه،
ولذا " أمر بقدح من الماء فوضع يده، ثم وضعن أيديهن " مضافا إلى ما سمعته
من النهي عن المصافحة إلا من وراء الثياب و غير ذلك، ولو توقف العلاج على مس
الأجنبية دون نظرها فتحريم النظر بحاله، وكذا العكس، فإنه لا تلازم بينهما في
جانب العدم، وحينئذ فجواز النظر إلى وجه الأجنبية وكفيها لو قلنا به لا يبيح
مسها.
نعم لا بأس بلمس المحارم على حسب ما سمعته في النظر من غير خلاف يعتد به،
بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، ولو بملاحظة السيرة القطعية.

(1) الوسائل الباب - 115 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
(3) الوسائل الباب - 117 - من أبواب مقدمات النكاح.
100

وأما الخنثى المشكل ففي جامع المقاصد أنه بالنسبة إلى الرجل والخنثى
كالمرأة، وبالنسبة إلى المرأة كالرجل، لتوقف يقين امتثال الأمر بغض البصر والستر
على ذلك، ثم حكى عن بعض العامة جواز نظر المرأة والرجل إليها وبالعكس،
استصحابا لما كان ثابتا في الصغر من حل النظر حتى يظهر خلافه، وليس بشئ،
لوجود الناقل عن ذلك، والاشتباه غير مخل بتعلق الحكم، لكن لو شكت المرأة في
كون الناظر رجلا أوشك الرجل في كون المنظور إليه امرأة يلزم القول بالتحريم،
وهو محل تأمل.
ويمكن الفرق بامكان استعلام الحال بخلاف الخنثى، ومن ثم وجب الاحتياط
في التكاليف المتعلقة به، قلت: لا يخفى عليك ما في الفرق المزبور، كما أنه لا يخفى
عليك ما في جريان المقدمة في نظر كل من الرجل والمرأة إليه، ضرورة كون ذلك
من محال أصل البراءة، لاشتراط الحرمة بالنسبة إلى كل منهما بالرجولية
والأنوثية، والفرض عدم العلم به، والشك في الشرط شك في المشروط، ولا يجب على
كل منهما ترك النظر مقدمة لحصول تكليفه وتكليف شخص آخر غير، ولعله
لذا حكي عن جماعة من العامة الجواز، معللين له بالاستصحاب في حال الصغر، بل
أيده بعضهم بما ذكره في الجنائز من أنه يغسله الرجال والنساء، بل ربما يتخيل
جريان أصل البراءة في تكليفه نفسه، فيجوز له حينئذ النظر إلى كل من الرجل
والمرأة وإن علم تحقق أحد الخاطبين بالنسبة إليه إلا أن كلا منهما مشروط أيضا
بشرط غير معلوم التحقق، فيكون الشك فيه شكا بالمشروط، وليس هو من الشبهة
المحصورة التي تحقق فيها شرط التكليف ولكن اشتبه عليه خصوص الفرد اشتباها
لا يسقط التكليف، وفي الفرض لم يعلم فيه حصول شرط أحد التكليفين، فيتمسك
حينئذ بأصل البراءة.
على أنه يمكن دعوى كون ذلك من الشبهة الغير المحصورة ولو باعتبار العسر
والحرج عليه في اجتناب كل من الرجل والمرأة، والاحتياط في التكليف إنما توجبه
بعد القطع بالشغل لا مطلقا، ولذا يجب عليه ستر جميع بدنه في الصلاة كالمرأة،
101

مقدمة لحصول يقين الفراغ من يقين الشغل، بخلاف محل الفرض الذي لا يقين فيه
بخصوص الشغل وإن كان هناك يقين بكلي الشغل، إلا أنه قد يمنع وجوب مراعاته،
فلا تجب المقدمة له حينئذ، لكن فيه أنه مخاطب قطعا بحرمة نظر الرجل أو الامرأة،
فيجب الاجتناب مقدمة، كما يجب عليه ستر عورتيه بعد أن كان مكلفا في الواقع
بستر أحدهما، ونحو وجوب كشف وجهه ورأسه في الاحرام، ووجوب ترك زينتي
الرجل والمرأة عليه، وغير ذلك مما يجري فيه المقدمة باعتبار العلم بحصول الخطاب
بأحد الأمرين المعين في الواقع المشتبه في الظاهر.
نعم لا يجب عليه ستر بدنه عدا العورة من الرجل والمرأة، لعدم العلم بالشغل
بناء على عدم وجوب الستر على الرجل من الامرأة وإن حرم عليها النظر، والفرض
عدم العلم بكونه امرأة، فلا يقين بالشغل، بخلاف الأول الذي قد علم فيه تحقق الخطاب
بالغض إلا أنه لم يعلم من يغض عنه، وقد كان دائرا بين الرجل والمرأة، فلا يتم
إلا باجتنابهما، بل والخنثى معهما، لأنها إما رجل أو امرأة، والفرض وجوب
اجتنابهما عليه أصالة ومقدمة.
أما نظر كل من الرجل والامرأة إليه فلا يقين بالشغل بالنسبة إلى كل منهما،
فيجوز لكل منهما النظر إليه بل ولمسه، وهكذا الكلام في حكم الخنثى في جميع
المقامات، فمتى تحقق الشغل فكان المكلف به مشتبها باعتبار اشتباه حالها وجب
ملاحظة المقدمة، وإلا فلا، ومن ذلك عدم نكاحها، وعدم إنكاحها، ومنه وجوب
ستر بدنها في الصلاة نحو الامرأة وإن وجب عليها الجهر بالقراءة فيما يجهر فيه مع
عدم سماع الأجانب، أما معه فإن أمكنها الاحتياط ولو بتكرر الصلاة أو الصلاة في
مكان لا يسمعها الأجانب فيه فالأولى لها مراعاته، وإلا كانت مخيرة، بل قد يقال
بتخييرها بين الجهر والاخفات مطلقا باعتبار جهلها به المقتضي لسقوطه، بناء على
تناول دليله لمثل الفرض الذي هو الجهل بكونها رجلا أو امرأة، ولعله لذلك أطلق
بعضهم تخيرها بينهما، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.
102

(الثاني) من اللواحق
(في مسائل تتعلق بهذا الباب، وهي) مسائل (خمس):
(الأولى)
(الوطء في الدبر) للجائز وطئها قبلا، (فيه روايتان إحداهما الجواز
وهي المشهورة بين الأصحاب) رواية وعملا، بل في الإنتصار والغنية ومحكي الخلاف
والسرائر الاجماع عليه، وهو الحجة بعد الأصل وصحيح صفوان (1) قال للرضا عليه السلام:
" إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة هابك واستحيى منك أن يسألك،
قال: وما هي؟ قال: قلت: الرجل يأتي امرأته في دبرها، قال: ذلك له، قال: قلت له:
فأنت تفعل، قال: إنا لا نفعل ذلك " وخبر ابن أبي يعفور (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يأتي المرأة في دبرها، قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قول الله
عز وجل شأنه (3): فأتوهن من حيث أمركم الله، قال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا
الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول: نساؤكم حرث لكم، فاتوا حرثكم
أنى شئتم " (4) وخبره الآخر (5) " سألته عليه السلام أيضا عن الرجل يأتي المرأة في
دبرها، قال: لا بأس به " ومرفوع البرقي إلى ابن أبي يعفور (6) " سألته عن إتيان
النساء في أعجازهن، فقال: ليس به بأس، وما أحب أن تفعله " والموثق (7) " عن

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 222 - 223.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 222 - 223.
(5) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 6 - 7 والثالث مرسل حفص بن سوقة.
(6) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 6 - 7 والثالث مرسل حفص بن سوقة.
(7) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 6 - 7 والثالث مرسل حفص بن سوقة.
103

رجل أتى أهله من خلفها، قال: هو أحد المأتيين، فيه الغسل " وخبر حماد بن (1)
عثمان " سألت أبا عبد الله عليه السلام أو أخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك
الموضع وفي البيت جماعة، فقال لي ورفع صوته: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من كلف
مملوكه ما لا يطيق فليبعه، (فليعنه خ ل) ثم نظر في وجوه أهل البيت ثم أصغى
إلي فقال: لا بأس به " ومرسل موسى بن عبد الملك (2) قال: " سألت أبا الحسن
الرضا عليه السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها، فقال: أحلتها آية من كتاب الله (3)
قول لوط: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، وقد علم أنهم لا يريدون الفرج " وخبر
عبد الرحمان (4) المروي عن تفسير العياشي قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام وذكر
عنده إتيان النساء في أدبارهن، فقال: ما أعلم آية أحلت ذلك إلا واحدة: إنكم
لتأتون الرجال شهوة " (5) إلى آخرها.
وخبر يونس بن عمار (6) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أو لأبي الحسن عليه السلام: إني
ربما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها، ونذرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى
امرأة هكذا فعلي صدقة درهم، وقد ثقل ذلك علي، قال: ليس عليك شئ، وذلك
لك " إلى غير ذلك.
وأما رواية المنع فهي خبر سدير (7) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: محاش النساء على أمتي حرام " وفي آخر (8) " محاش نساء
أمتي على رجال أمتي حرام " وخبر هاشم وابن بكير (9) عن أبي عبد الله عليه السلام قال
هاشم: " لا يفري ولا يفرث وابن بكير قال: لا يفرث أي لا يأتي من غير هذا الموضع "

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 - 12 - 8.
(2) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 - 12 - 8.
(3) سورة هود: 11 - الآية 78.
(4) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 - 12 - 8.
(5) سورة الأعراف: 7 - الآية 81.
(6) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 3 - 12 - 8.
(7) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 5 -.
(8) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 5 -.
(9) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 وذكر في هامش
النسخة الأصلية نسخا عديدة للرواية: " لا تعرى. لا تقرن. لا تعوب. لا تقرأ. لا تقرأن ".
104

ومرسل أبان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن إتيان النساء في أعجازهن،
فقال: هي لعبتك لا تؤذها " وخبر معمر بن خلاد، (2) قال: " قال أبو الحسن عليه السلام:
أي شئ يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت: إنه بلغني أن أهل المدينة
لا يرون به بأسا، فقال: إن اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج
ولده أحول، فأنزل الله عز وجل: نساؤكم حرث لكم، فاتوا حرثكم أنى شئتم من
خلف أو قدام خلافا لقول اليهود، ولم يعن في أدبارهن " وخبره الآخر (3)
عن الرضا عليه السلام أيضا مثله إلا أنه قال: " أهل الكتاب " بدل " أهل المدينة " و " من قبل
أو دبر " مكان " من خلف أو قدام " وخبر الفتح بن يزيد الجرجاني (4) قال: " كتبت
إلى الرضا عليه السلام في مسألة، فورد الجواب: سألت عمن أتى جارية في دبرها، المرأة
لعبة الرجل، فلا تؤذى، وهي حرث كما قال الله عز وجل " وخبر زيد بن ثابت (5)
قال: " سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام أتؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال: سفلت سفل الله
بك، أما سمعت الله تعالى يقول: أتأتون الفاحشة؟ ما سبقكم بها من أحد
من العالمين (6) " وخبر أبي بصير (7) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل يأتي
أهله في دبرها، فكره ذلك، وقال: إياكم ومحاش النساء، وقال: إنما معنى نساؤكم
حرث لكم فاتوا حرثكم أنى شئتم أي ساعة شئتم " بناء على إرادة الحرمة
من الكراهة ولو بقرينة ما بعده، وقد حكي الفتوى بها عن القميين وابن حمزة والشيخ
أبي المفتوح الرازي والراوندي في اللباب والسيد أبي المكارم صاحب بلابل القلاقل،

(1) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1.
(2) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 - 1.
(3) أشار إليه في الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 وذكره
في التهذيب ج 7 ص 460 الرقم 1840.
(4) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 وفيه " كتب إلى
الرضا عليه السلام في مثله " بعد أن ذكر خبر أبي بصير الوارد في ذلك أيضا.
(5) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11 - 9.
(6) سورة العنكبوت: 29 - الآية 28.
(7) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11 - 9.
105

وفي كشف الرموز وكان فاضل منا شريف يذهب إلى التحريم، ويدعي أنه سمع ذلك
مشافهة ممن قوله حجة، وهو مؤيد للنصوص، مضافا إلى قوله تعالى (1) " من حيث
أمركم الله " وإلى الأمر (2) بالاعتزال في المحيض للأذى، ولا ريب أن النجو أعظم،
بل وإلى آية الحرث (3) فإن موضع الحرث الذي يتوقع منه حصول الولد القبل
لا الدبر.
لكن الجميع كما ترى، فإن الخبر الأول ضعيف، والثاني لا دلالة صريحة فيه
على المنع، مع اختلاف النسخ فيه، وعدم ظهور المراد من بعضها، بل ظهور بعضها،
في الكراهة، والثالث ظاهر في الكراهة.
والرابع إنما هو في تفسير الآية على أن تحصيل المراد منه لا يخلو من خفاء،
إذ هو إن كان لبيان إتيان المرأة من قبلها، لكن من خلفها وحينئذ يكون السؤال
من أبي الحسن عليه السلام عن ذلك خرج عن موضوع ما نحن فيه، وإن كان المراد بيان
جواز الوطء في الدبر لكن لم يكن المراد من الآية خصوص الدبر كان دالا على
المطلوب لا منافيا، مضافا إلى ما في الأول منهما من النقل عن أهل المدينة من التعريض
في المخالفة، مع أن المعروف فيما بينهم المنع لا الجواز، فلا يبعد حينئذ وجود
الخلل من الراوي في الخبر المزبور، اللهم إلا أن يريد بأهل المدينة الكناية عن الإمام عليه السلام وأتباعه، فأقره الإمام عليه السلام على ذلك، ثم ذكر ما يدل على فساد استدلال
المخالف على المنع بالآية وحينئذ يكون دالا على الجواز لا المنع، وكذا قوله " أهل
الكتاب " في الخبر الثاني، أي من عنده علم الكتاب، ويمكن إرادة مالك وأتباعه من
أهل المدينة، والكناية عن العامة بأهل الكتاب تشبيها باليهود، وعلى كل حال فالخبر
غير واضح.
والخامس لم يعلم المراد به، وعلى فرض كونه المعصوم عليه السلام فهو خبر معارض
بما عرفت.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 222.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 222.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 223.
106

والمراد من قوله " من حيث أمركم الله " الجهة التي أباحها الله، وهي القبل
والدبر، فيكون القيد للتعميم، ولو سلم إرادة القبل منه باعتبار المنع حال الحيض فلا
دلالة فيها على عدم الجواز في الدبر، أو بمعنى الجهة التي ندبكم إليها، وهي القبل،
وإنما خص، لاختصاصه بالاعتزال في الحيض، أو ما سمعته في خبر ابن أبي
يعفور (1) الذي يمكن أن يكون معارضا لخبر معمر (2) في تفسير آية الحرث، سيما
بعد المروي عن العياشي (3) عنه قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إتيان النساء في
أعجازهن، فقال: لا بأس، ثم تلا هذه الآية نساؤكم " إلى آخرها، وعن زرارة (4)
عن أبي جعفر عليه السلام " في قول الله نساؤكم حرث، قال: حيث شاء " اللهم إلا أن يراد
منه الاستشهاد بها على أن المراد بالآية الأولى طلب الولد، لمكان الحرث، لا أن
المراد بها الجواز في الدبر، ونصوص اللعبة مع ضعفها ولا جابر لها مشعرة أو ظاهرة
بالكراهة، بل وكذا المروي عن أمير المؤمنين (5) عليه السلام، وخبر أبي بصير (6) أيضا.
ودعوى أعظمية النجو من الحيض أذى ممنوعة، على أن الأذى ربما كان
لغير النجاسة من فساد الولد ونحوه مما ورد (7) في مفاسد الوطء في الحيض، ويؤيده
أن دم الاستحاضة نجس ولا يجب الاعتزال له.
والمراد من آية الحرث تسمية المرأة نفسها حرثا لشبهها بموضعه، ثم أباح
إتيانها أنى شئنا، وهو لا يستدعي الاختصاص بموضع الحرث، ولذا يجوز التفخيذ
ونحوه إجماعا، بل ادعى بعضهم الاجماع على جوازه فيما بين السرة والركبة.
فالمتجه حينئذ حمل نصوص المنع على الكراهة كما أومأ إليه نصوص الجواز
بلفظ " لا أحب " و " إنا لا نفعله " ونحو ذلك أو على التقية من العامة، فإنه مذهب من
عدا مالكا وجماعة من الشافعية، والشافعي في رواية كما قيل، وهذا في الحقيقة مرجح
آخر للمطلوب أيضا، ضرورة أنه على تقدير الجواز علم حمل رواية المنع، (يعلم

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 10 - 11.
(2) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 11 - 9.
(3) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 10 - 11.
(4) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 10 - 11.
(5) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 11 - 9.
(6) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 11 - 9.
(7) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الحيض - من كتاب الطهارة.
107

حمل لرواية المنع خ ل) بخلافه على تقدير الحرمة، فإنه ليس لرواية الجواز حينئذ
وجه صالح.
نعم قد يمكن الجمع بين الأخبار بما في خبر ابن أبي يعفور المتقدم من تقييد
الجواز بالرضا المؤيد بالنهي عن الايذاء، وبإمكان دعوى معلومية تمليك العقد
منفعة البضع الذي هو المحل المقصود المتعارف في الوطء المسبب للخيار عيبه، فحينئذ
تحمل رواية الجواز على ما إذا رضيت، ورواية المنع على ما إذا لم ترض، فإنه
لا سلطنة له على قهرها على ذلك، بخلاف القبل، فإنه ليس لها المنع، إلا أنه لم
أر به قائلا، بل يمكن دعوى تحصيل الاجماع المركب على خلافه.
وكيف كان فلا محيص عن القول بالجواز (لكن على كراهية شديدة)
استأهلت لفظ الحرمة كما عرفت، فمن الغريب ما في المسالك من الاطناب في المسألة
ومناقشة في أدلة الطرفين وخروجه عنها بلا حاصل ولا ترجيح قال: " إن جميع الأخبار
من الجانبين ليس فيها حديث صحيح، فلذا أضربنا عن ذكرها " ثم حكى عن العلامة
وصف خبري ابن أبي يعفور وصفوان بالصحة، وناقش في الأول بأن معاوية بن حكيم
وإن كان ثقة جليلا إلا أن الكشي قال: إنه فطحي، وفي الثاني بأن علي بن الحكم،
وهو مشترك بين الثقة وغيره، ومجرد الظن بأنه الأول من حيث إن أحمد بن محمد
يروي عنه كثيرا غير كاف.
وفيه أولا أن الحجية غير منحصرة في الخبر الصحيح، كما هو مفروغ منه
في الأصول خصوصا في مثل المقام الذي تعاضدت فيه الروايات التي عمل بها الأصحاب،
وحكوا الأجمع على مضامينها، فمثلها لا يقدح الضعف في سندها، فضلا عن أن
تكون من قسم الموثق ونحوه، وثانيا أنه لم يثبت فطحيته لاحتمال التعدد فيه، على
أن كلام الكشي معارض بكلام النجاشي بعد تعارف إرادة الإمامي من إطلاق ثقة في
كتب الرجال كما هو محرر في محله، وأما علي بن الحكم فالظاهر اتحاده، وعلى
تقدير اشتراكه فالظن كاف في تعيينه كما في غيره من الأسماء المشتركة، ودعوى
عدم كفاية الظن واضحة المنع، بل هادمة لكثير من الفقه.
108

ثم أطنب في المناقشة في الآية بدعوى اشتراك لفظ " أنى " بين معنى " أين "
ومعنى " كيف " الذي لا يدل عمومه على تعدد الأمكنة، بل تعدد الهيئة الشاملة
لاتيانهن من قبل أو دبر في القبل، كما ورد (1) في سبب النزول، والمشترك لا يحمل
على أحد معنييه بدون قرينة، والقرينة هنا إما منفية عن هذا المعنى أو موجودة
في الجانب الآخر، وهي الحرث المقتضي للزرع، وقوله تعالى: " وقدموا لأنفسكم " (2)
فإن المراد منه على ما قيل طلب الولد، وقوله تعالى (3): " فأتوهن من حيث
أمركم الله " فإن آية الحرث وقعت بعدها كالمبينة لها، وأما ما ورد في سبب نزولها من
فعل عمر ذلك (4) وأنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: هلكت فنزلت " فمعارض
بما روي (5) من أن سببه الرد على اليهود، وكلاهما مروي من طرق العامة، ويزيد
الثاني أنه مروي من طرق الخاصة كما سمعته في صحيح معمر (6) وحمل المشترك
على معنييه كما وقع للطبرسي فقال: " المعنى أين شئتم وكيف شئتم " ليس مرضيا
عند المحققين.
وفيه أن المصرح به في كلام أئمة اللغة أن " أنى " للمكان، فاستعمالها في غيره
مجاز، لا اشتراك، وعلى تقديره فعموم الاشتراك عملا بالقرينتين غير ممتنع، بل
هو المتجه كما سمعته من الطبرسي، لحصول القرينة، بل تعددها على كل منهما،
هذا إن لم نقل: إن عموم الكيفية يقتضي التعميم في المكان كما مر، على أن المكان هو
مطلق بالنسبة إلى الكيفية، وخبر معمر مع موافقته للعامة معارض بما في خبر ابن
أبي يعفور بناء على إرادة الاستدلال بالآية فيه على ذلك، لا على أن المراد بقوله
تعالى: " من حيث أمركم الله " الولد، والحاصل من تأمل ما في المسالك هنا وجد
فيها مجالا للنظر.
وأغربه أنه مع إطنابه خرج من المسألة بلا حاصل، مع أنه لا محيص للفقيه

(1) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 223 - 222.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 223 - 222.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 198 - 194.
(5) سنن البيهقي ج 7 ص 198 - 194.
(6) الوسائل الباب - 72 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
109

عن القول بالجواز بعد الاجماعات المحكية والروايات المعتبرة والآيات المتعددة،
بل لعل قوله تعالى (1) مضافا إلى ما سمعت: " إلا على أزواجهم أوما ملكت " إلى
آخره دال أيضا، بل وقوله تعالى: (2) " أتأتون الذكران من العالمين؟ وتذرون ما
خلق لكم ربكم من أزواجكم " وإن نوقش فيها والله العالم.
ثم إن الظاهر من قوله عليه السلام في الموثق: (3) " هو أحد المأتيين " وغيره ما صرح
به الفاضل وغيره، بل حكي عن الشيخ وكثير من كونه كالقبل في جميع الأحكام،
حتى ثبوت النسب، فلو وطأها في الدبر وأتت بولد لستة أشهر فصاعدا ألحق به الولد،
مع بعده جدا، وتقرير المسمى، فلو طلقها بعده لزمه تمامه، وحد الزاني إن وطأ
الأجنبية لا لشبهة، ومهر المثل لو وطأها مع فساد العقد أو المهر، والعدة، فلو طلقها
كانت عليها عدة المدخول بها، وتحريم المصاهرة، فيحرم عليه بنتها أبدا، والأخت
المملوكة جمعا إلا في التحليل، فلا تحل للمطلق ثلاثا إلا بالوطء قبلا بلا خلاف كما
عن المبسوط قال: لقوله عليه السلام (4): " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " وهي لا تذوق
العسيلة في دبرها، والاحصان، فلا يثبت له به الاحصان بلا خلاف، كما عن المبسوط
أيضا، فلا يحد من لا يقدر على وطء زوجته إلا في الدبر إذا زنا حد المحصن، واستنطاقها
في النكاح، فلا تزول به بكارتها، فيكفي سكوتها في الرضا بالنكاح، مع احتماله كما
تسمعه فيما يأتي، قيل: وإلا في نقض الصوم ووجوب الكفارة به ووجوب الغسل فقد
اختلف فيها، قلت: لكن قد عرفت مساواته للقبل في ذلك، قيل: وإلا في عدم الغسل
عليها بخروج المني من دبرها، بخلاف ما لو وطئت قبلا فإن فيه وجها بوجوب
الغسل إلا أن تعلم أن ليس في الخارج من منيها شئ، قلت: قد يقال: إن الأوجه

(1) سورة المؤمنون: 23 - الآية 6.
(2) سورة الشعراء: 26 - الآية 165 - 166.
(3) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7 وهو مرسل حفص.
(4) المستدرك الباب - 7 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
110

خلافه، لاستصحاب الطهارة، على أن ذلك في الحقيقة أمر خارج عن أحكام الوطء،
فلا حاجة إلى استثنائه، قيل: وإلا في الخروج عن الايلاء، فإنه لا تحصل الفئة إلا
بالوطء في القبل، قلت: وذلك لأن الايلاء لا يقع إلا به دون الوطء دبرا، فلا حاجة
إلى استثنائه.
المسألة (الثانية)
قصد (العزل عن الحرة) المنكوحة دواما (إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن،
قيل) والقائل الشيخان في ظاهر المقنعة وصريح المحكي عن الخلاف والمبسوط
وجماعة: (هو محرم) بل في الثاني الاجماع عليه، لما روي (1) عن النبي صلى الله عليه وآله
" إنه نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها " بل عنه صلى الله عليه وآله (2) أيضا " أنه الوأد الخفي " أي
قتل الولد، ولأن فيه فواتا للغرض من النكاح، وهو الاستيلاد، وللحق الذي للزوجة
وهو الالتذاذ، بل ربما كان فيه إيذاء لها.
(بل يجب معه دية النطفة) للزوجة (عشرة دنانير) للاجماع عن الشيخ،
ولما روي صحيحا (3) عن علي عليه السلام من وجوبها على من أفزع مجامعا فعزل،
قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل يفزع عن عرسه، فيعزل عنها الماء ولم يرد
ذلك بنصف خمس المئة عشرة دنانير " الظاهر كونه في الدية كائنا ما كان السبب، ولا
ينافي ذلك اختصاصها بالزوجة، لكون الأب هو السبب في الفوات، فكان كالقاتل
الذي أومأ إليه النبوي المزبور، فلا يرث حينئذ، منها بل يخص بالأم على كل
حال، بل لعل ذلك فيه إيماء إلى الحرمة، ولذا رتب بعضهم الدية على الحرمة، بل

(1) المستدرك الباب - 56 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 231.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 من كتاب الديات.
111

في المسالك أنه أنسب بالقياس.
(وقيل) والقائل المشهور نقلا وتحصيلا: (هو مكروه وإن وجبت الدية،
وهو أشبه) بالأصول التي هي الحجة، مضافا إلى عدم وجوب أصل الوطء عليه قبل
الأربعة، وإلى المعتبرة المستفيضة كخبر البصري (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن العزل، فقال: ذلك إلى الرجل " وخبر محمد (2) عن أبي جعفر عليه السلام " لا بأس بالعزل
عن المرأة الحرة، إن أحب صاحبها وإن كرهت، وليس لها من الأمر شئ "
والصحيح (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العزل، فقال: ذلك إلى الرجل يصرفه حيث
يشاء " وخبر الحذاء (4) قال: " كان علي بن الحسين عليه السلام لا يرى بالعزل بأسا، ويقرأ
هذه الآية (5) وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم
ألست بربكم؟ قالوا: بلى، فكل شئ أخذ الله منه الميثاق فهو خارج وإن كان
على صخرة صماء " وخبر محمد بن مسلم (6) قلت لأبي جعفر عليه السلام: " الرجل يكون
تحته الحرة أيعزل عنها؟ قال: ذلك إليه إن شاء عزل، وإن شاء لم يعزل " وصحيحه
الآخر (7) عن أحدهما عليهما السلام " أنه سئل عن العزل، فقال أما الأمة فلا بأس، وأما الحرة
فإني أكره ذلك، إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها " وفي صحيحة الآخر (8) عن أبي جعفر عليه السلام مثل ذلك، وقال فيه: " إلا أن ترضى أو يشترط ذلك عليها حين
يتزوجها " وخبر أبي بصير (9) عن أبي عبد الله عليه السلام المروي عن بصائر الدرجات قلت له:
" ما تقول في العزل؟ فقال: كان علي عليه السلام لا يعزل، وأما أنا فأعزل، فقلت: هذا
خلاف، فقال: ما ضر داود عليه السلام أن خالفه سليمان عليه السلام، والله تعالى يقول: ففهمناها

(1) الوسائل الباب - 75 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 3 - 5.
(2) الوسائل الباب - 75 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 3 - 5.
(3) الوسائل الباب - 75 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 3 - 5.
(4) الوسائل الباب - 75 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 3 - 5.
(5) سورة الأعراف: 7 - الآية 172.
(6) الوسائل الباب - 75 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 4 - 1 - 3 - 5.
(7) الوسائل الباب - 76 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(8) الوسائل الباب - 76 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(9) الوسائل الباب - 75 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.
112

سليمان (1) وخبر الجعفي (2) " سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا بأس بالعزل في ستة
وجوه: في المرأة التي أيقنت أنها لا تلد، والمسنة، والمرأة السليطة، والبذية، والمرأة
التي لا ترضع ولدها، والأمة " الذي منه يستفاد ما عن الفخر من تقييد محل البحث
بما إذا كان الجماع في الفرج دون الدبر الذي قل ما يتولد منه، بل قد يلوح منه
أيضا أن المنع عن العزل لحق الاستيلاد، كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (3): " إنه الوأد الخفي "
لكن مقتضى ما سمعته في خبر ابن مسلم من نفي البأس مع رضا الامرأة أو الشرط أن
ذلك حق الامرأة كما صرح به في جامع المقاصد حاكيا له عن تصريح جمع من
الأصحاب، وعلى ذلك يتفرع ارتفاع الكراهة أو شدتها كما ستعرف.
وعلى كل حال فمن هذه النصوص يعلم إرادة الكراهة من المروي عن النبي صلى الله عليه وآله،
حتى الثاني منهما، وفوات الغرض مع أنه حكمة غير مطردة قد عرفت ما كشف عنه
علي بن الحسين عليهما السلام، ولذة الزوجة لا يجب على الزوج مراعاتها، وربما كانت بإنزالها
لا بالانزال فيها، ووجوب الدية لا يقتضي الحرمة، على أنه قد يناقش فيه بعدم ظهور
الخبر المزبور فيما نحن فيه، وعدم جواز القياس بعد فقد النص، والاعتبار القاطع
ونحوهما مما يجدي في التنقيح خصوصا بعد وضوح الفرق بين جناية الوالد والأجنبي
والمعارضة بظاهر النصوص المجوزة (4) المشتملة على " أنه ماؤه يضعه حيث شاء " ونحو
ذلك مما هو ظاهر أو صريح في عدم استحقاق الزوجة عليه شيئا التي منها يعلم أيضا
عدم مقاومة محكي الاجماع لها، فإن أقصاه كونه خبرا صحيحا لكنه قاصر عن
معارضة ما سمعته من الصحاح وغيرها سيما بعد ما عن الحلي من نسبة القول بالوجوب
إلى الشذوذ الذي هو ندرة القول به، فيضعف الظن بأصل حكايته.
فمن الغريب ما في المتن والقواعد من الحكم بالدية مع القول بالجواز، ومن

(1) سورة الأنبياء: 21 الآية 79.
(2) الوسائل الباب - 76 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 231.
(4) الوسائل الباب - 75 - من أبواب مقدمات النكاح
113

هنا كان المحكي عن المعظم كالحلي والفاضل في المختلف وثاني المحققين والشهيدين
وغيرهم عدم الوجوب، وتسمع تمام الكلام فيه في كتاب الديات إنشاء الله، وكذا الكلام
في الاجماع المحكي عن الشيخ في أصل المسألة الموهون بمصير المعظم إلى خلافه، بل
عن نهايته ذلك أيضا، كل ذلك مع ما قيل من أن ظاهر عبارته المحكية في المختلف
في كتاب الديات أن دعوى الاجماع المزبور إنما هو على استحباب تركه لا تحريمه.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى الجواز حتى في الوطء الواجب، لكن
مع الكراهة إلا مع الشرط أو الإذن، مع احتمالها فيها أيضا وإن خفت عملا باطلاق
النهي المحمول عليها الذي لا يحكم عليه المقيد، مضافا إلى قوله النبي صلى الله عليه وآله (1):
" إنه الوأد الخفي ".
وكذا الكلام في الأمة التي حكى الاجماع على جواز العزل عنها غير واحد، بل
يمكن تحصيله، مضافا إلى ما سمعته من النص (2) وخصوصا إذا كانت مجوسية،
لقول الباقر عليه السلام في خبر (3) ابن مسلم " لا بأس بأن يطأها ويعزل، ولا يطلب
ولدها " بل ظاهر النص والفتوى ومعقد الاجماع جواز العزل عن الأمة وإن كانت
دائمة، والحرة المتمتع بها التي يجوز أيضا العزل عنها وإن لم تأذن، قولا واحدا
كما في جامع المقاصد، وإجماعا كما في غيره، بل والخمسة التي ذكرت في خبر
الجعفي (4) وإن كان الأول وهو رفع الكراهة أصلا فيما نفى عنه البأس المرادة
هي منه ولو بالقرينة لا يخلو من قوة، خصوصا في بعض النساء التي ورد النهي عن
طلب الولد منها الذي هو كناية عن العزل عنها المستلزم لكراهة الانزال فيها، لا العزل
عنها، بل عن بعض القائلين بالتحريم استثناء ما إذا كان في دار الحرب ودعته حاجة
إلى الوطء، هذا.
وقيل: هل يحرم عليها العزل لو قلنا به؟ فيه وجهان، من اقتضاء الحكمة
ذلك، ومن الأصل، وكذا القول في دية النطفة له، قلت: إن أريد بعزلها منعها إياه

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 231.
(2) الوسائل الباب - 76 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 76 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 76 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 3 - 4.
114

من الانزال فيها فلا ينبغي التأمل في الحرمة، بل الظاهر ترتب الدية عليها، ضرورة
كونها حينئذ كالمفزع أو أعظم في التفويت إذا كان قد نحت نفسها عنه عند إنزاله،
وإن أريد به عدم إقرار النطفة في رحمها بعد فراغه فقد يقوى عدم الحرمة عليها في
ذلك، للأصل وغيره، وإن أريد بعزلها إراقة مائها من فرجها قبل إراقة مائه فيها
فعلى فرض تصوره فالأقوى عدم الحرمة أيضا، للأصل، وفحوى ما سمعته في الرجل،
ثم لا خلاف بل ولا إشكال في لحوق الولد به مع العزل، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى قوله صلى الله عليه وآله (1): " الولد للفراش " وغيره، وإلى احتمال سبق المني من
غير شعور، قال في مقطوعة ابن أبي عمير: الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء، إلا أنه إن
جاء بولد لم ينكره، وشدد في إنكار الولد، والله العالم.
المسألة (الثالثة)
صرح غير واحد من الأصحاب أنه (لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته
أكثر من أربعة أشهر)، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، بل عن نهاية المرام
هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في المسالك هذا الحكم موضع وفاق، ولعله
الحجة بعد كونه مدة الايلاء، والصحيح (2) عن الرضا عليه السلام " عن الرجل تكون عنده
المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ليس يريد الاضرار بها،
تكون لهم مصيبة، يكون بذلك آثما، قال: إذا تركها أربعة أشهر يكون بذلك
آثما بعد ذلك، إلا أن يكون بإذنها " مؤيدا بنفي الحرج (3) والاضرار (4)
وبالمروي عن الصادق عليه السلام (5) " من جمع من النساء ما لا ينكح فزنى منهن فالإثم

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 71 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(3) سورة الحج: 22 - الآية 78.
(4) الوسائل الباب - 12 - من كتاب احياء الموات.
(5) الوسائل الباب - 71 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
115

عليه " بل قيل: وبحسن حفص (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا غاضب الرجل امرأته
فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه، فإما أن يفئ وإما أن يطلق،
فإن كان من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل " وإن كان فيه أنه ظاهر في إلحاق
المغاضبة بالايلاء، وهو غير ما نحن فيه، واختصاص السؤال في صحيح بالشابة بعد
نفي الحرج وإطلاق الفتوى ومعقد الاجماع، بل في الرياض لا اختصاص بها إجماعا
لا ينافي التعميم وإن توهمه بعض القاصرين من متأخري المتأخرين على ما حكي عنه،
فجوز ترك الوطء في غير الشابة تمام العمر، لكنه كما ترى لا يستأهل أن يسطر.
نعم في كشف اللثام وغيره تقييد الحكم بالزوج الحاضر المتمكن من الوطء، ولا
بأس به بالنسبة إلى الثاني مع فرض عدم التمكن الذي يسقط به الوجوب، أما الأول
فقد ينافيه الاستدلال من غير واحد على المطلوب بما روته العامة (2) عن عمر " أنه
سأل نساء أهل المدينة لما أخرج أزواجهن إلى الجهاد وسمع امرأة تنشد أبياتا من
جملتها.
فوالله لولا الله لا شئ غيره * لزلزل من هذا السرير جوانبه
عن أكثر ما تصبر المرأة عن الجماع فقيل له: أربعة أشهر، فجعل المدة المضروبة للغيبة
أربعة أشهر " فإن مقتضاه عدم الفرق بين الحاضر والغائب، فيجب على النائي الرجوع
من السفر لأداء ما عليه ما لم يكن سفرا واجبا، بل لعله مقتضى إطلاق المصنف، وغيره،
بل ومعقد إجماع المسالك، بل والصحيح المزبور، لكن السيرة القطعية على خلاف
ذلك، اللهم إلا أن يكون المنشأ في ذلك نشوز أكثرهن، فإن الظاهر سقوط ذلك
كباقي حقوق الزوجية به.
أو أنه إنما يجب بالمطالبة كالدين وإن كان هو منافيا لا طلاق النص والفتوى،
اللهم إلا أن يقال: إن المتيقن منهما ذلك، فيكون حينئذ وجوبه مشروطا

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الايلاء الحديث 2 من كتاب الايلاء والكفارات.
(2) كنز العمال ج 8 ص 308 - الرقم 5234 مع الاختلاف في لفظ الحديث
والشعر.
116

مثل القسم.
كما أن المتيقن منهما النكاح الدائم، فلا يجب ذلك في المنقطع الساقط فيه
الايلاء، وأحكام الزوجية من النفقة وغيرها، لأنهن مستأجرات.
أما الدائمة الأمة فلم أجد فيها تصريحا من الأصحاب، وربما كان ظاهر
إطلاق النص والفتوى دخولها، لكن معلومية نقص مرتبتها عن الحرة في العدة والقسم
وغيرهما يقتضي خلافه، بل ربما كان معروفية كونها على النصف يقتضي حرمة
التأخير عنها ثمانية أشهر، وكذا الكلام في الذمية إلا أن ذلك كله تهجس، خصوصا
بعد تصريحهم في كتاب الايلاء بعدم الفرق بين الحرة وبينها.
كما أنهم ذكروا فيه أيضا اعتبار الدخول بالمرأة، فبناء على اتحاد موضوعه
مع ما هنا وإن اختص الأول بأحكام الايلاء دونه، يتجه اعتباره أيضا في المقام،
فلا يحرم حينئذ ترك وطء المعقودة أربعة وإن كانت ممكنة، لكن قد يمنع اعتبار
ذلك هنا لاطلاق الأدلة، فتفترق في موضوعه عن الايلاء، ويحرم الترك وإن لم
يجز فيه الايلاء، ولعله لا يخلو من قوة، هذا.
وفي المسالك والمعتبر من الوطء الواجب ما أوجب الغسل وإن لم ينزل في المحل
المعهود، فلا يكفي الدبر، وفيه أنه كما ينساق المحل المعهود من الوطء وإلا فهو
صادق في الدبر، فكذلك ينساق الوطء المخصوص المناسب، لكونه إرفاقا بالزوجة،
وأنها لا تصبر على أزيد من ذلك، بل قد عرفت سابقا قاعدة اشتراك الدبر
مع الفرج، وأنه أحد المأتيين، ثم لا يخفى عليك الحكم في كثير من الفروع المتصورة
في المقام بعد الإحاطة بمدرك المسألة بأدنى التفات.
117

المسألة (الرابعة)
(الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعا محرم) إجماعا بقسميه، (ولو دخل
لم تحرم) بذلك عليه أبدا (على الأصح لكن لو أفضاها حرمت) عليه أبدا
(ولم تخرج عن حباله)، كما تسمع تفصيل الكلام في ذلك إنشاء الله بما لا مزيد
عليه عند ذكر المصنف له ثانيا في المحرمات.
المسألة (الخامسة)
(يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا) لقوله عليه السلام (1): " يكره للرجل
إذا قدم من سفره أن يطرفه أهله ليلا حتى يصبح " بل في المسالك لا فرق في الكراهة
بين أن يعلم بذلك قبل الليل وعدمه، للعموم، ولعله للتسامح، وإلا فقد يقال: إن
المنساق من يطرق ولو بواسطة حكمة الحكم، حال عدم الاعلام المستلزم لعدم
الاستعداد، وربما يومي إليه خبر جابر (2) قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة،
فلما قدمنا ذهبنا لندخل، فقال: أمهلوا (إنها خ ل) حتى ندخل ليلا أي عشيا،
لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة " بل قد ينساق إرادة الزوجة من الأهل، كما
هو المناسب لذكره في النكاح، لكن في المسالك أيضا أن المراد به من في داره أعم
من الزوجة، بل فيها أن إطلاق الخبر يشمل جميع الليل، إلا أنه احتمل أيضا
اختصاصه بما بعد المبيت عملا بظاهر قوله عليه السلام: " يطرق " وأيده بخبر جابر السابق،

(1) الوسائل الباب - 65 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(2) صحيح البخاري ج 7 ص 6 (باب - 10 - من كتاب النكاح) وصحيح مسلم
ج 6 ص 55.
118

ولا يخفى عليك قوته.
(الثالث) من اللواحق
(في خصائص النبي صلى الله عليه وآله، وهي) كثيرة مذكورة في كتب العامة والخاصة،
لكن عند المصنف كما ستسمع أن أظهرها (خمس عشرة خصلة: منها ما هو
في النكاح، وهو) الأكثر، ولذا جرت العادة بذكرها فيه واستطراد غيرها
(فمنها) (تجاوز الأربع بالعقد) الدائم، بلا خلاف فيه بين العامة والخاصة، بل هو
من الضروريات، (وربما كان الوجه) فيه على ما قيل: (الوثوق بعدله بينهن دون
غيره) لكن في المسالك هو منتقض بالإمام عند مشترط عصمته، وفيه أن ذلك حكمة
لا يجب إطرادها، كجعل الوجه كون الناس بالنسبة إليه صلوات الله عليه كالمماليك،
أو غير ذلك، وعلى كل حال فلا إشكال في أصل الحكم.
وفي الكافي مسندا عن أبي بصير وغيره (1) " في تسمية نساء النبي صلى الله عليه وآله
ونسبهن وصفتهن: عائشة وحفصة وأم حبيب بنت أبي سفيان بن حرب وزينب بنت
جحش وسودة بنت زمعة وميمونة بنت الحارث وصفية بنت حي بن أخطب وأم سلمة
بنت أبي أمية وجويرية بنت الحارث، وكانت عائشة من تيم، وحفصة من عدي، وأم
سلمة من بني مخزوم، وسودة من بني أسد بن عبد العزى، وزينب بنت جحش من
بني أسد، وعدادها في بني أمية، وأم حبيب بنت أبي سفيان من بني أمية، وميمونة
بنت الحارث من بني هلال، وصفية بنت حي بن أخطب من بني إسرائيل، ومات
صلى الله عليه وآله عن تسع نسوة، وكان له سواهن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله،
وخديجة بنت خويلد أم ولده، وزينب بنت أبي الجون التي خدعت، والكندية ".
وفي المسالك جميع من تزوج صلى الله عليه وآله بهن خمس عشرة: وجمع بين إحدى

(1) الوسائل الباب - 140 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.
119

عشرة ودخل بثلاث عشرة، وفارق امرأتين في حياته إحداهما الكلبية التي رأى
بكشحها بياضا، فقال: الحقي بأهلك، والأخرى التي تعوذت منه بخديعة عائشة
وحفصة حسدا لها.
وقال أبو عبيدة: تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله ثماني عشرة، واتخذ من الإماء ثلاثا،
وعلل تجاوزه الأربعة بامتناع الجور عليه، لعصمته، وهو منتقض بالإمام عند مشترط
عصمته، وبظاهر قوله تعالى (1): " إنا أحللنا لك أزواجك " الآية.
وهل كان له الزيادة على تسع؟ قيل: لا، لأن الأصل استواء النبي والأمة
في الحكم، إلا أنه ثبت جواز الزيادة إلى تسع بفعله، والأولى الجواز مطلقا، لما
ذكر من العلة، وما ثبت أنه جمع بين إحدى عشرة، قلت: روى الحلبي (2)
في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن قول الله عز وجل: يا أيها النبي إنا أحللنا
لك أزواجك، قلت: كم أحل له من النساء؟ قال: ما شاء من شئ، قلت: لا يحل لك
النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج (3) فقال: لرسول الله صلى الله عليه وآله أن ينكح
ما شاء من بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وبنات خالاته وأزواجه التي هاجرن
معه، وأحل له أن ينكح من غيرهن المؤمنة بغير مهر، وهي الهبة، ولا تحل الهبة، إلا
لرسول الله صلى الله عليه وآله، فأما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلا بمهر، وذلك معنى
قوله تعالى: وامرأة مؤمنة (4) - الآية - قلت: أرأيت قوله تعالى: ترجي من تشاء
منهن (5) - الآية - فقال: من آوى فقد نكح، ومن أرجى فلم ينكح، قلت: قوله
تعالى: لا يحل لك النساء من بعد، قال: إنما عني به النساء اللاتي حرم عليه في
هذه الآية حرمت عليكم أمهاتكم إلى آخرها ولو كان الأمر كما يقولون كان قد
أحل لكم ما لم يحل له، إن أحدكم يستبدل كلما أراده، ولكن ليس الأمر

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50 - 52 - 51.
(2) ذكر قطعة منه في الوسائل في الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6
وتمامه في الكافي ج 5 ص 387 و 388.
(3) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50 - 52 - 51.
(4) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50 - 52 - 51.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 23.
120

كما يقولون: إن الله عز وجل أحل لنبيه ما أراد من النساء إلا ما حرم عليه في
هذه الآية التي في سورة النساء.
ومثله خبر الحضرمي (1) عن أبي جعفر عليه السلام بأدنى تفاوت إلا أنه ليس فيه
حديث الارجاء، وكذا خبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا وإن لم يكن
فيه حديث الارجاء ولا الهبة، لكن زاد فيه " أحاديث آل محمد صلى الله عليه وآله خلاف أحاديث
الناس " وكذا خبره الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا من دون الزيادة، ولكن قال فيه:
" أراكم وأنتم تزعمون أنه يحل لكم ما لم يحل لرسول الله صلى الله عليه وآله ".
وفي خبر جميل بن دراج ومحمد بن حمران (4) قالا: " سألنا أبا عبد الله عليه السلام كم
أحل لرسول الله صلى الله عليه وآله من النساء؟ قال: ما شاء، يقول بيده هكذا، وهي له حلال،
يعني يقبض بيده " بل في الاسعاد شرح الإرشاد لبعض العامة " أنه لما خير رسول الله
صلى الله عليه وآله نساءه اخترنه والدار الآخرة، فحرم الله عليه التزويج عليهن
مكافاة لحسن اختيارهن، فقال تعالى: " لا يحل لك النساء من بعد الآية " ثم نسخ
ذلك، لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه وآله في ترك التزويج عليهن بقوله تعالى: إنا أحللنا
لك أزواجك الآية " ولعله الذي أومأ إليه الصادق عليه السلام في أول كلامه جواب سؤال
السائل عن ذلك وإن كان لم يكتف به السائل أو لم يفهم معنى قوله عليه السلام، فأجابه
جوابا اقناعيا، والأمر سهل.
(و) منها (العقد) للنكاح (بلفظ الهبة، ثم لا يلزمه بها مهر ابتداء ولا
انتهاء) كما سمعته في صحيح الحلبي (5) والأصل فيه ما رواه محمد بن قيس (6) عن

(1) الكافي ج 5 ص 389 - 388 - 389.
(2) ذكر قطعة منه في الوسائل في الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6
وتمامه في الكافي ج 5 ص 387 و 388.
(3) الكافي ج 5 ص 389 - 388 - 389.
(4) الكافي ج 5 ص 389 - 388 - 389.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
(6) ذكر ذيله في الوسائل في الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح الحديث 8 وتمامه
في الكافي ج 5 ص 568.
121

أبي جعفر عليه السلام قال: " جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلت عليه وهو
منزل حفصة والمرأة متلبسة ممشطة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: يا
رسول الله صلى الله عليه وآله إن المرأة لا تخطب الزوج، وأنا امرأة أيم لا زوج لي منذ دهر، ولا لي
ولد، فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتني، فقال لها
رسول الله صلى الله عليه وآله: خيرا ودعا لها، ثم قال: يا أخت الأنصار جزاكم الله عن رسول الله
صلى الله عليه وآله خيرا فقد نصرني رجالكم ورغبت في نساؤكم، فقالت لها حفصة:
ما أقل حياءك وأجرأك وأنهمك للرجال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كفي عنها يا
حفصة، فإنها خير منك، رغبت في رسول الله صلى الله عليه وآله فلمتيها وعبتيها، ثم قال للمرأة:
انصرفي رحمك الله، فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في وتعريضك بمحبتي
وسروري، وسيأتيك أمري إن شاء الله، فأنزل الله عز وجل: وامرأة مؤمنة إلى
آخره، فأحل الله عز وجل هبة المرأة نفسها لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يحل ذلك لغيره ".
بل الظاهر أنه كما جاز وقوع الايجاب منها بلفظ الهبة كذلك جاز وقوع
القبول منه لها، لاعتبار التطابق، خلافا لبعض العامة، فاشترط في القبول
لفظ النكاح لظاهر قوله تعالى (1): " أن يستنكحها " ولا دلالة فيه بعد
تحقق نكاحه بلفظ الهبة، فلا ريب في ضعفه، كضعف احتمال كون الذي من
خواصه صلى الله عليه وآله النكاح بلا مهر مسمى ولا مهر المثل لا قبل الدخول ولا بعده،
وذلك بهبة المرأة نفسها بالنسبة إلى ذلك، لا أن عقد النكاح يكون بلفظ الهبة أيضا،
ضرورة مخالفته لما عند العامة والخاصة، بل ولظاهر الكتاب والسنة مع عدم ما ينافي
ذلك.
(و) منها (وجوب التخيير لنسائه بين إرادته ومفارقته) لقوله تعالى (2):
" يا أيها النبي قل لأزواجك: إن كنتن " إلى آخره فإن السبب في نزولها ما حكاه في
كنز العرفان عن تفسير ينسب إلى الصادق (3) عليه السلام " من أن النبي صلى الله عليه وآله لما حصل له

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50 - 28.
(2) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50 - 28.
(3) المستدرك الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
122

الغنائم من خيبر قالت له نساؤه: أعطنا من هذه الغنيمة، قال: قسمتها بين المسلمين
بأمر الله، فغضبن وقلن لعلك تظن إن طلقتنا لم نجد زوجا من قومنا غيرك، فأمر الله
باعتزالهن والجلوس في مشربة أم إبراهيم حتى حضن وطهرن، ثم أنزل الله هذه
الآية " أو ما قيل (1) من أن أزواجه سألنه شيئا من عرض الدنيا وطلبن زيادة
في النفقة وآذينه لغيرة بعضهن من بعض، فآلى رسول الله صلى الله عليه وآله منهن شهرا، فنزلت
آية التخيير، وهي هذه، وكن يومئذ تسعة، فلما نزلت طلبهن وخيرهن في المفارقة
والبقاء، فاخترنه.
نعم في المسالك هذا التخيير عند العامة القائلين بوقوع الطلاق بالكناية كناية
عن الطلاق، وقال بعضهم: إنه صريح فيه، وعندنا ليس له حكم بنفسه، بل ظاهر
الآية أن من اختارت الحياة الدنيا وزينتها يطلقها، لقوله تعالى (2): " وإن كنتن
تردن الحياة الدنيا وزينتها " إلى آخره، قلت: صريح الفاضل في القواعد ومحكي
التحرير والشيخ في محكي المبسوط أن هذا التخيير كناية عن الطلاق، وهو من خواصه
صلى الله عليه وآله، بل ظاهر كنز العرفان المفروغية من ذلك، حيث إنه تارة حكم
به من غير إشارة إلى خلاف، وأخرى قال: اختلف في حكم التخيير على أقوال:
(الأول) إن الله عز وجل إذا خير فاختارت زوجها فلا شئ، وإن اختارت
نفسها فهي تطليقة واحدة، وهو قول ابن مسعود وأبي حنيفة وأصحابه.
(الثاني) أنها إذا اختارت نفسها فهي ثلاث تطليقات، وإن اختارت زوجها
وقعت واحدة، وهو قول زيد ومذهب مالك.
(الثالث) أنه إن نوى بالتخيير الطلاق كان طلاقا وإلا فلا، وهو مذهب
الشافعي.
(الرابع) إنه لا يقع بذلك طلاق وإن كان ذلك من خواصه صلى الله عليه وآله، ولو اخترن

(1) البحار ج 22 ص 173 الطبع الحديث.
(2) سورة الأحزاب: 33 - الآية 28.
123

أنفسهن لما خيرهن لبن منه، فأما غيره فلا يجوز له ذلك، وهو المروي (1) عن
الصادق عليه السلام حيث قال: " وما للناس والخيار، وإن هذا شئ خص الله تعالى به رسوله
صلى الله عليه وآله " وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل منا بوقوعه طلاقا مع نيته
واختيارها نفسها على الفور، فلو تأخر اختيارها لحظة لم يكن شيئا، والأكثر منا
على خلاف قولهما، لقول الصادق عليه السلام (2): " أن تقول لها: أنت طالق ".
قلت: قد وردت عدة أخبار (3) من طرقنا في التخيير، وأنها تبين باختيارها،
من غير فرق في ذلك بين النبي صلى الله عليه وآله وغيره، لكن حملها في محكي التهذيبين على التقية،
لموافقتها مع اختلافها لمذاهب العامة، بل قد يظهر أيضا من عدة أخبار أخر أنه
ليس من خواصه صلى الله عليه وآله البينونة باختيارهن، وإنما كان من خواصه صلى الله عليه وآله وجوب
التخيير لهن، وأنه إن لم يخترنه يطلقهن، ففي خبر عيسى بن القاسم (4) عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها بانت منه، قال:
لا، إنما هذا شئ كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة، أمر بذلك ففعل، ولو اخترن
أنفسهن لطلقهن، وهو قول الله عز وجل: قل لأزواجك " إلى آخره وهو صريح فيما
قلناه، بل في خبر محمد (5) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني سمعت أباك يقول: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله خير نساءه فاخترن الله ورسوله، فلم يمسكهن على طلاق، ولو اخترن
أنفسهن لبن، فقال: إن هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة، وما للناس والخيار،
وإنما هذا شئ خص الله به رسوله " وفيه رد على ما سمعته من مالك، كما أنه قد
علمت المراد من التخصيص فيه، بل منه يعلم الوجه في خبر الكناني (6) قال: " ذكر

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 0 - من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 0 - من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 - 3 - من كتاب الطلاق والأول عن عيص بن قاسم.
(5) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 - 3 - من كتاب الطلاق والأول عن عيص بن قاسم.
(6) الكافي ج 6 ص 138.
124

أبو عبد الله عليه السلام أن زينب قالت لرسول الله صلى الله عليه وآله: لا تعدل وأنت رسول الله صلى الله عليه وآله،
وقالت حفصة: إن طلقنا وجدنا في قومنا أكفاءنا فاحتبس الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله
عشرين يوما، قال: فأنف الله عز وجل لرسوله، فأنزل يا أيها النبي قل لأزواجك -
الآية - قال: فاخترن الله ورسوله، ولو اخترن أنفسهن لبن، وإن اخترن الله ورسوله
فليس بشئ " مع احتمال إرادة لبن باطلاق بينونة لا رجعة فيها، ومن ذلك كله يعلم
قوة ما سمعته من المسالك، وربما يأتي تتمة لذلك إن شاء الله في كتاب الطلاق.
(و) منها (تحريم نكاح الإماء) عليه (بالعقد) قيل: لاشتراطه بخوف
العنت، وهو معصوم، وقد ينقض بالإمام، وبفقدان الطول، ولا مهر عليه ابتداء ولا
انتهاء، وقد يناقش بامكان فقد الطول بالنسبة إلى النفقة، وبأنه قد لا توجد الباذلة نفسها
بلا مهر، وبأن من نكح أمة غيره كان ولده رقيقا ومنصبه منزه عن ذلك، وفيه منع
كونه رقيقا كما ستعرف، وبأن كون الزوجة مملوكة للغير محكوما عليها لغير الزوج
مرذول، فلا يليق بمنصبه، وفيه منع رذالته مطلقا وإلا لحرم على الإمام أيضا،
فالعمدة الاجماع إن تم، ولعله لذا حكي عن بعض العامة جواز نكاحه الأمة المسلمة
بالعقد، لكن المحكي عن الأكثر المنع، نعم لا بأس في وطئه للإماء بالملك،
للآية (1) والفعل، فإنه صلى الله عليه وآله قد ملك مارية القبطية وكانت مسلمة، وملك صفية
وهي مشركة، فكانت عنده إلى أن أسلمت، فأعتقها وتزوجها.
(و) منها حرمة (الاستبدال بنسائه والزيادة عليهن) حين نزول هذه الآية
عليه (حتى نسخ ذلك بقوله تعالى: " إنا أحللنا لك أزواجك " الآية) خلافا لما
عن بعض العامة من عدم نسخ هذا التحريم أصلا، وفيه منع، بل قد سمعت ما تقدم
من النصوص الدالة على عدم وقوع هذا التحريم أصلا، وأنه ليس من خواصه في وقت
من الأوقات كصحيح الحلبي (2) وغيره.
(ومنها ما هو خارج عن النكاح، وهو) كثير لكن ذكر المصنف منه

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50.
(2) المتقدم في ص 120.
125

تسعا (وجوب السواك والوتر والأضحية) للنبوي (1) " ثلاث كتبت علي ولم تكتب
عليكم: السواك والوتر والأضحية " وفي آخر (2) " كتب علي الوتر ولم يكتب
عليكم، وكتب علي السواك ولم يكتب عليكم، وكتب على الأضحية ولم يكتب
عليكم " خلافا لما عن بعض العامة من عدم وجوب الثلاثة عليه مع ورود هذه الروايات
من جانبهم، ولذلك قال في المسالك: نحن أولى بذلك منه.
(و) الرابع (قيام الليل) والتهجد فيه، لقوله تعالى (3): " ومن الليل فتهجد
به نافلة لك " وعن بعض الشافعية أن ذلك قد نسخ عنه، وعن آخرين أن ذلك كان
واجبا عليه وعلى أمته ثم نسخ، ولم يثبت من ذلك شئ عندنا.
نعم ينبغي أن يعلم أن بين قيام الليل والوتر الواجبين عليه مغايرة العموم
والخصوص المطلق، لأن قيام الليل بالتهجد يحصل بالوتر وبغيره، فلا يلزم من وجوبه
وجوبه، وأما الوتر فلما كان من العبادات الواقعة بالليل فهو من جملة التهجد،
بل أفضله، فقد يقال: إن إيجابه يغني عن قيام الليل، لكن فيه أن قيام الليل وإن
تحقق بالوتر لكن مفهومه مغاير لمفهومه، لأن الواجب من القيام لما كان يتأدى
به وبغيره وبالكثير منه والقليل كان كل فرد يأتي به منه موصوفا بالوجوب، لأنه
أحد أفراد الواجب الكلي، وهذا القدر لا يتأتى بايجاب الوتر خاصة ولا يفيد
فائدته، فلا بد من الجمع بينهما.
(و) الخامس (تحريم الصدقة الواجبة) عليه وهي الزكاة المفروضة للنصوص
المتواترة التي منها قوله صلى الله عليه وآله (4): " إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة " مضافا إلى
ما في ذلك من الصيانة لمنصبه الشريف عن أوساخ الناس التي تعطى على سبيل الترحم

(1) لم أجد هذين اللفظين في الروايات مع كثرة التتبع في مظانها، وإنما يستفاد
مضمونها من الروايات التي ذكرها في الخصائص الكبرى ج 3 ص 253 المطبوعة بمطبعة
المدني.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) سورة الإسراء: 17 - الآية 79.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 6 كتاب الزكاة.
126

وتنبئ عن ذل الأخذ، وأبدل بها الفئ الذي يؤخذ على سبيل القهر والغلبة المنبئين
عن ذل المأخوذ منه، وعز الأخذ، ومشاركة أولي القربى له في تحريمها لا يقدح
في الاختصاص به، لأن تحريمها عليهم بسببه، فالخاصة عائدة إليه، مع أنها لا تحرم
عليهم مطلقا، بل من غير الهاشمي مع وفاء نصيبهم من الخمس بكفايتهم، وأما عليه
صلى الله عليه وآله فإنها تحرم مطلقا، وفي المسالك ولعل هذا أولى من الجواب السابق،
لأن ذلك مبني على مساواتهم له في ذلك، كما تراه العامة، فاشتركوا في الجواب،
والجواب الثاني مختص بقاعدتنا، وفي كشف اللثام وتحريم الصدقة الواجبة وإن كانت
من بني هاشم ولم تكن زكاة، والظاهر مشاركة الأئمة عليهم السلام له فيه، فالخاصة
إضافية أو يقال وفاقا للتذكرة: إن التحريم عليهم بسببه، فالخاصة عائدة، إليه
وبأحد الوجهين يكون من خواصه صلى الله عليه وآله وسلم تحريم الصدقة الواجبة من غير بني هاشم،
قلت: قد عرفت في كتاب الزكاة تحقيق الحال في ذلك. بل (وفي) تحريم الصدقة
(المندوبة في حقه صلى الله عليه وآله) وحق الأئمة عليهم السلام وإن كان فيه (خلاف).
(و) السادس تحريم (خائنة الأعين) قيل: (وهو الغمز بها) أي الايماء
بها إلى مباح من ضرب أو قتل على خلاف ما يظهر ويشعر به الحال، والخائنة مصدر
كالعافية، أو نائب منابه، أو اسم فاعل، والإضافة بيانية، والمراد فعلها، وعنه
صلى الله عليه وآله (1) " ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين " وإنما قيل له ذلك
لأنه يشبه الخيانة من حيث إنه يخفى، ولا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور،
وفي المسالك الأشهر أن ذلك مختص بغير حالة الحرب، فقد روي (2) " أن النبي
صلى الله عليه وآله كان إذا أراد سفرا ورى بغيره " وبعضهم طرد الحكم فيه، والتورية
اللفظية غير خائنة الأعين.

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 40 والخصائص الكبرى ج 3 ص 279 مطبعة المدني.
(2) سنن أبي داود ج 2 ص 41 (باب - 92 - من كتاب الجهاد) وفيه " إذا أراد غزوة
ورى بغيرها " وفي الخصائص الكبرى ج 3 ص 280 المطبوعة بمطبعة المدني " اشتهر أنه
صلى الله عليه وآله كان إذا أراد سفرا ورى بغيره ".
127

(و) السابع (أبيح له الوصال في الصوم) المحرم على غيره الذي قد مر
تحقيقه في كتاب الصوم.
(وخص) أيضا وهو الثامن (بأنه تنام عينه ولا ينام قلبه) قال صلى الله عليه وآله (1):
" تنام عيناي ولا ينام قلبي " بمعنى بقاء التحفظ والاحساس قيل: وعلى هذا فلا
ينتقض وضوؤه بالنوم، فيحصل باعتباره خاصة أخرى له صلى الله عليه وآله، وقد عدت أيضا في
خواصه صلى الله عليه وآله.
(و) التاسع أنه كان (يبصر وراءه كما يبصر أمامه) بمعنى التحفظ
والاحساس في الحالتين كما تقدم (وذكر أشياء غير ذلك من خصائصه صلى الله عليه وآله) حتى
أنه أفردها بعضهم بالتصنيف في كتاب ضخم، والعلامة في محكي التذكرة ذكر منها
ما يزيد على سبعين.
(فمنها) أنه صلى الله عليه وآله كان إذا رغب في نكاح امرأة فإن كانت خلية وجب
عليها الإجابة وحرم على غيره خطبتها، وإن كانت ذات زوج وجب عليه طلاقها
لينكحها، لقضية زيد.
(ومنها) وجوب انكار المنكر إذا رآه وإظهاره، ومشاورة أصحابه في الأمر،
وتحريم الخط والشعر عليه وإن اختلف في أنه كان يحسنهما أم لا، وأنه كان إذا لبس
لامة الحرب يحرم عليه نزعها حتى يلقى عدوه ويقاتل، وأن يمد عينيه إلى ما متع الله
به الناس، وأبيح له دخول مكة بغير إحرام خلافا لأمته، وأن يأخذ الطعام والشراب
من المالك وإن اضطر إليهما، وتفضيل زوجاته على غيرهن، بأن جعل ثوابهن
وعقابهن على الضعف، وجعلهن أمهات المؤمنين، وحرم أن يسألهن غيرهن شيئا إلا
من وراء حجاب، وبأنه خاتم النبيين صلى الله عليه وآله، وأمته خير الأمم، ونسخ شريعته جميع
الشرائع، وجعلها مؤبدة، وبعثته إلى الكافة، وجعل كتابه معجزا ومعجزته باقية
محفوظا أبدا، مصونا عن التبديل والتغيير، ونصر بالرعب على مسيرة شهر، وشفعه

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 62.
128

في أهل الكبائر من أمته على العموم، وجعله أول شافع ومشفع، وسيد ولد آدم إلى
يوم القيامة، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يقرع باب الجنة، وأكثر
الأنبياء تبعا، وجعل تطوعه قاعدا كتطوعه قائما من غير عذر، ويحرم على غيره
رفع صوته عليه، ومناداته من وراء الحجرات، ومخاطبة المصلي بقوله السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وغير ذلك مما لا يمكن احصاؤه (و) إن كان (هذه)
أي ما ذكره المصنف (أظهرها) لكن ينبغي أن يعلم أن ما يرجع إلى الأحكام
الشرعية الأصل الاشتراك، لدليل التأسي حتى يثبت الاختصاص بطريق من الطرق
الشرعية، فكلما شك فيه حينئذ من ذلك، يبقى على الأصل كما هو واضح،
والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (يلحق بهذا الباب مسألتان):
(الأولى)
إنه من خواصه عليه السلام أيضا (تحريم زوجاته على غيره) من بعد موته،
(فإذا مات عن مدخول بها لم تحل إجماعا) بل ضرورة من المذهب أو الدين،
لنص الآية (وكذا القول لو لم يدخل بها على الظاهر) لتناول اللفظ، مع أنه
لا خلاف فيه ظاهرا، بل لا موضوع له (أما لو فارقها بفسخ) كالتي وجد بياضا
في كشحها (أو طلاق) كالمستعيذة منه (ففيه خلاف، والوجه أنها لا تحل عملا
بالظاهر) بسبب صدق الزوجية عليها بعد الفراق في الجملة، فتدخل في إطلاق الآية (1)
وقيل: لا تحرم، لصدق سلب الزوجية عنها، ولاعراضه عنها وانقطاع اعتنائه
عنها، وقيل بالحرمة إن كانت مدخولا بها، وإلا فلا، لما روي أن الأشعث بن
قيس (2) " نكح المستعيذة في زمان عمر، فهم برجمها، فأخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 53.
(2) أنوار التنزيل للبيضاوي ج 2 ص 279 (ذيل الآية 53 من سورة النور).
129

فارقها قبل أن يمسها فخلاها، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة " لكن فيهما أن
الكليني قد روى في الحسن عن عمر بن أذينة في حديث طويل (1) " أن النبي صلى الله عليه وآله
فارق المستعيذة وامرأة أخرى من كندة قالت لما مات ولده إبراهيم: لو كان نبيا
ما مات ابنه، فتزوجت بعده صلى الله عليه وآله وسلم بإذن الأولين، وأن أبا جعفر عليه السلام قال: ما
نهى الله عز وجل عن شئ إلا وقد عصي فيه، حتى لقد نكحوا أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله
من بعده، وذكر هاتين العامرية والكندية، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: لو سألتهم عن
رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أتحل لابنه لقالوا: لا، فرسول الله أعظم
حرمة من آبائهم " وفي رواية أخرى عن زرارة (2) عنه عليه السلام نحوه، وقال في
حديثه: " وهم يستحلون أن يتزوجوا أمهاتهم، وأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله في الحرمة
مثل أمهاتهم إن كانوا مؤمنين ".
ومن ذلك يعلم ما في قول المصنف وغيره، (وليس تحريمهن لتسميتهن
أمهات، ولا لتسميته صلى الله عليه وآله والدا) لأن ذلك وقع على وجه المجاز لا الحقيقة، كناية عن
تحريم نكاحهن ووجوب احترامهن، ومن ثم لم يجز النظر إليهن ولا الخلوة بهن،
ولا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين، لأنهن لا يحرمن على المؤمن فقد زوج
رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليا عليه السلام، وأختيها رقية وأم كلثوم عثمان، وكذا لا يقال
لآبائهن وأمهاتهن أجداد المؤمنين وأمهاتهم، ولا لإخوانهن وأخواتهن أخوال
المؤمنين وخالاتهم، وإن كان للشافعية وجه ضعيف في إطلاق ذلك كله، لكنه في
غاية البعد، نعم قد عرفت الإشارة في الخبرين إلى حرمتهن كحرمة الأمهات ونساء
الأب، فلا يبعد كون المراد من الاطلاق المزبور تنزيلهن منزلة ذلك في حرمة
النكاح خاصة، ولو للخبرين، ولا يلزم من ذلك إجراء باقي الأحكام على ذلك
خصوصا بعد معلومية خلافه من الأدلة كما هو واضح، والله العالم.

(1) الكافي ج 5 ص 421 مع اختلاف لفظ الثاني بكثير.
(2) الكافي ج 5 ص 421 مع اختلاف لفظ الثاني بكثير.
130

المسألة (الثانية)
(من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم القسمة بين أزواجه) بل
في كنز العرفان أنه المشهور بين أصحابنا (لقوله تعالى (1) ترجي من تشاء منهن
وتؤوي إليك من تشاء) أي تؤخر من تشاء وتترك إيواءه فلا تقسم له، وتؤوي إليك من
تشاء وتقسم له، ثم لا يتعين عليك ذلك بل تؤوي أيضا من تشاء ممن عزلت، أي
وترجي من تشاء ممن أويت، كل ذلك لا جناح عليك فيه، وهو أدنى أن تقر
أعينهن - الآية - لعدم كونه قسمة، بل الجميع متساويات في ذلك، ولذلك قيل:
إنه لما نزلت أرجى سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم بينهن
ما شاء، وآوى عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، فكان يقسم بينهن، فيكون ذلك
من خواصه صلى الله عليه وآله أيضا، وأن ما كان يفعله من القسمة حتى روي أنه (2) كان يطاف
به وهو مريض عليهن ويقول " هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك يعني
قلبه " تفضل منه، أو أنه كان قبل نزول الآية، وربما يؤيد ذلك بكون نكاحه صلى الله عليه وآله
كالتسري بالنسبة إلى غيره، ولذا جاز له الزيادة على الأربع وبلا مهر، وبلفظ الهبة،
ولكن مع ذلك قال المصنف (وهو ضعيف) لعموم أدلة القسمة، والأصل الاشتراك،
ولأن فعله صلى الله عليه وآله كان كذلك و (لأن في الآية احتمالا يدفع دلالتها، إذ يحتمل
أن تكون المشية في الارجاء متعلقة بالواهبات) وفيه أن الأولين يقطعهما الدليل،
والثالث قد عرفت أنه كان تفضلا أو قبل نزول الآية، والاحتمال لا يرفع الظهور
الذي هو مناط الاستدلال، على أن جمع الضمير هنا وإفراده في الواهبة كالصريح في
نفي ذلك، بل في المسالك أنه لم يتزوج بالهبة إلا مرة واحدة على ما ذكره المفسرون

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 51.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 298.
131

المحدثون، مضافا إلى أنه لا معنى لتخصيص الواهبات بهذا الحكم مع عموم اللفظ،
وإلى أن غاية الهبة الصحة منه صلى الله عليه وآله بلفظها وبلا مهر، وذلك لا يخرجها عن حكم
الزوجة، ولا ريب في ضعف الاحتمال المزبور كضعف احتمال تطلق من تشاء وتترك
طلاق من تشاء، لعدم الدليل عليه، بل ظاهر الآية خصوصا قوله تعالى: " ذلك أدنى "
إلى آخرها خلافه، والله العالم.
(الفصل الثاني)
(في العقد)
(و) يقع (النظر في) مقامين: (الصيغة والحكم، أما الأول ف‍) عقد (النكاح)
كغيره من العقود اللازمة (يفتقر إلى إيجاب وقبول) لفظيين (دالين على القصد
الرافع للاحتمال) أي القصد التفصيلي (و) من (العبارة عن الايجاب لفظان: زوجتك
وأنكحتك) بلا خلاف ولا إشكال لكونهما مشتقين من الألفاظ الصريحة في ذلك
وضعا التي قد ورد القرآن بهما في قوله تعالى (1): " فلما قضى زيد منها وطرا
زوجناكها " وقوله (2): " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء " المراد منه العقد
قطعا للاجماع وغيره على تحريم معقودة الأب على الابن.
(نعم في متعتك) خلاف و (تردد) من كونه من ألفاظ النكاح، ولذا لو
نسي الأجل انقلب دائما، ومن كونه حقيقة في المنقطع مجازا في الدائم، والعقود
اللازمة لا تقع بالمجاز، وإلا لم ينحصر، مضافا إلى ما عن الطبريات من الاجماع عليه

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 37.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 22.
132

هنا، وإلى ما في النكاح من شوب العبادة التي لا تتلقى إلا من الشارع (و) لكن مع
ذلك (جوازه) عند المصنف (أرجح) لمنع المجازية، بل هو للقدر المشترك كلفظ
" زوجتك " بقرينة تتبع موارد استعماله في الكتاب والسنة في مطلق الاستعمال
والانتفاع، أو لمنع اعتبار الحقيقة في العقود اللازمة، بل يكفي فيها المجازات المتعارفة
في مثلها، فيشملها حينئذ آية " أوفوا بالعقود " (1) وغيرها، ضرورة كون العقد حينئذ
من جملة المقاصد التي تعتور الانسان، فكلما يتعارف في التعبير عنه وفي الدلالة عليه
كاف فيه، كغيره من المعاني والمقاصد، وربما كان ذلك هو السر في خلو النصوص
عن التعرض لخصوص الألفاظ، بل التأمل فيما ورد منها في خصوص المقام يشرف
الفقيه على القطع بذلك، كما لا يخفى على من لاحظ عدم اعتبارهم خصوص لفظ ولا
خصوص هيئة، ومن ذلك يعلم قوة ما ذكره المفيد وغيره في باب البيع من عدم اعتبار
لفظ مخصوص، وقد اعترف بذلك في المسالك حيث إنه بعد أن حكى عن الفقهاء أنهم
عينوا للعقود اللازمة ألفاظا صريحة وأنهم بنوا أمرها على المضايقة بخلاف العقود
الجائزة قال: " والذي يظهر من النصوص أن الأمر أوسع من ذلك " إلى آخره.
لكن لا ريب في أن الاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا في النكاح الذي فيه
شوب من العبادات المتلقاة من الشارع، والأصل تحريم الفرج إلى أن يثبت سبب الحل
شرعا، وأن من المحتمل كون الأمر بالوفاء للمتعارف من العقود التي لا طريق إلى
معرفتها إلا بضبط الفقهاء الذين نصوا على اعتبار اللفظ الصريح وضعا في العقد اللازم،
وأنه لا يكفي فيه المجاز، وبذلك ونحوه قد رجحنا ذلك في عقد البيع، وقد أطنبنا
هناك، وحكينا كلمات الأصحاب، ولكن الانصاف عدم خلو القول بالاكتفاء بكل
لفظ لا يستنكر العقد به في ذلك العقد ودال بنفسه أو بالقرينة على القصد الخاص من
دون اعتبار هيئة خاصة فيه من قوة، ولو بملاحظة خلو النصوص عن التعرض للفظ
بالخصوص، بل واشتمالها خصوصا في المقام على المضارع والأمر وغيرهما في العقد
لأنفسهم ولغيرهم، ومن هنا تعرف قوة ما ذكره المصنف وإن كان ينافيه ما

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
133

ستعرفه منه، كما أنه عرفت ما نوقش فيه بأن إطلاق هذا اللفظ على الدائم مجاز،
لأن المتبادر منه المنقطع، كما هو معلوم، ولما ذكروه من افتقاره إلى القرينة،
وهي عدم ذكر الأجل، بل ظاهرهم أن الأجل جزء مفهومه، وحينئذ فاستعماله
بدونه استعمال للفظ في غير ما وضع له، والتجوز في العقود اللازمة توسع لا يرتضونه،
والفرق بينه وبين " زوجتك " واضح، لأن " زوجتك " حقيقة في القدر المشترك بين
الأمرين أو مشترك بينهما اشتراكا لفظيا، وعلى التقديرين فاستعماله في كل منهما
بطريق الحقيقة، بخلاف اللفظ الآخر الذي قد اعترفوا بمجازيته، إذ قد عرفت
دفعها بمنع المجازية أولا، ومنع عدم كفاية مثل هذا التجوز ثانيا، ودعوى الاجماع
على ذلك ممنوعة أيضا، كدعوى الاجماع على عدم العقد به بالخصوص من الطبريات،
والأصل يكفي في قطعه ما سمعته من ظهور النصوص في كون ذلك من جملة المقاصد
التي خلق الله الألفاظ للانسان في بيانها بالطرق التي ألهمها إياه ودله عليها، من غير
فرق بين المجاز والحقيقة، فالأصل حينئذ عدم الاشتراط، لاطلاق الأدلة، وتعارف
العقلاء في بيان المقاصد.
وبذلك تعرف الكلام في كثير مما تسمعه في الايجاب، بل (والقبول) وإن ذكره
المصنف وغيره أنه هو (أن يقول " قبلت التزويج " أو " قبلت النكاح " أوما شابههما)
مثل " رضيت " ونحوه، لكن بملاحظة ما ذكرناه تعرف عدم انحصاره في لفظ
مخصوص ولا هيئة مخصوصة، بل يكفي فيه كل لفظ دال عليه بالطريق المتعارف في
بيان أفعاله من المقاصد، وعلى كل حال فلا خلاف ولا إشكال في حصوله باللفظين
المذكورين وإن تخالف مع الايجاب بأن كان: " زوجتك " فقال: " قبلت النكاح "
أو بالعكس، ضرورة قيام الألفاظ المترادفة بعضها مقام بعض، على أن المراد ذكر
ما يدل على المقصود من غير اعتبار خصوص دال، كما لا خلاف عندنا.
(و) لا إشكال في أنه (يجوز الاقتصار على " قبلت ") كغيره من العقود،
خلافا لما عن بعض الشافعية من المنع، لأنه كناية لا صريح، كما لو قال: " زوجنيها "
فقال: " قبلت " ورد بمنع عدم صراحته، لأن الغرض من الألفاظ الدلالة على الإرادة،
134

ولفظ " قبلت " صريح في الدلالة عليها، والشبهة آتية فيما لو قال " قبلت التزويج -
أو - النكاح " ولم يضفه إليها، لاحتمال إرادة غير التزويج المطلوب، ويندفع بأن
اللام ظاهرة في العهد الخارجي، على أن قرينة الحال كافية في مثل ذلك، كما هو
واضح، والله العالم.
ثم لا يخفى عليك أنه بما ذكرنا يعرف البحث فيما ذكره المصنف (و) غيره،
بل في المسالك أنه المشهور، من أنه (لا بد من وقوعهما) أي الايجاب والقبول (بلفظ
الماضي الدال على صريح الانشاء، اقتصارا على المتيقن) في الخروج عن أصالة عدم
الانتقال، وخصوصا في الفروج المطلوب فيها شدة الاحتياط (وتحفظا من الاشتمار
المشبه للإباحة) التي لا يعتبر فيها لفظ مخصوص، فضلا عن الهيئة المخصوصة، فلو
فرض عدم اعتبار الماضوية هنا والاكتفاء بكل لفظ دال من غير فرق بينه وبين
المضارع والأمر، كان النكاح وغيره من العقود اللازمة كالإباحات، على أن المضارع
محتمل للوعد والأمر للطلب، فلا صراحة فيهما في الانشاء المخصوص، ضرورة
امكان المناقشة في ذلك كله بالاكتفاء في الخروج عن الأصل بالطلاق أدلة العقود،
وما تسمعه من النصوص (1) المؤيدة بأن المقصود من العقد الدلالة على القصد الباطن
بلفظ دال عليه، من غير فرق بين الألفاظ، وبمنع صراحة الماضي في الانشاء لاحتماله
الاخبار وغيره، ومع فرض ملاحظة النقل وقرائن الأحوال يرتفع الاحتمال
عن الجميع، بل الأمر بعض أفراد الانشاء، فهو أولى بالنقل إلى قصد الانشاء،
والاقتصار على المتيقن غير لازم قطعا بعد ظهور الأدلة في التناول، على أنه قد
يعارضه الاحتياط، كما إذا اتفق وقوع العقد بالأمر والمضارع، وأصر الزوج
على البقاء على العقد، فإن الحكم بنفي الزوجة وتزويجها لغيره مناف للاحتياط،
والتحفظ من الاشتمار يمكن بجعل الضابط اللفظ الدال على القصد الباطن بالطريق
المتعارف في إفادته، والتعبير عنه.

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة والمستدرك الباب - 2 - من أبواب
المهور الحديث 2.
135

وقد أجاد في المسالك بقوله: " من اعتبر الألفاظ المنقولة عن النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة عليهم السلام في ذلك يجد الأمر أوسع مما قالوه " فإن منه ما ذكره المصنف
(ولو أتى بلفظ الأمر وقصد به الانشاء) للرضا المستفاد من لفظ القبول (كقوله
" زوجنيها " فقال: " زوجتك " قيل) والقائل الشيخ وابنا زهرة وحمزة فيما
حكى عنهم: (يصح كما في خبر سهل الساعدي) المروي (1) بطرق من الخاصة
والعامة، بل في المسالك رواه كل منهما في الصحيح، وهو " إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله
وقالت: يا رسول الله إني وهبت لك نفسي وقامت قياما طويلا، فقام رجل، وقال:
يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل عندك
من شئ تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال: إن أعطيتها إزارك
جلست بلا إزار، التمس ولو خاتما من حديد، فلم يجد شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
هل معك من القرآن شئ؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا، سور سماها،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: زوجتك بما معك من القرآن " وليس في الخبر في شئ من
طرقه أنه أعاد القبول، فما عن السرائر والجامع و المختلف - من المنع استصحابا لعصمة
الفرج، وعدم العلم بالاجتزاء بما في الخبر، مع احتمال أن يكون ذلك اللفظ منه
صلى الله عليه وآله إيجابا وقبولا لثبوت الولاية له على المؤمن فهو من خواصه
صلى الله عليه وآله - واضح الضعف، لأن الاستصحاب لا يعارض الدليل، وكفاية
الظن بالاجتزاء من الاقتصار على ذلك في جميع طرق الخبر وبعد الاحتمال المزبور،
على أنه لم يذكر ذلك من خواصه صلى الله عليه وآله وسلم، مضافا إلى أن المعروف في ولي الصغيرين إذا
زوج بينهما التلفظ بكل من الايجاب والقبول، بل في المسالك أنه موضع وفاق،
ومن هنا قال المصنف: (وهو) أي القول بالصحة في الفرض (حسن).
لكن الانصاف عدم خلو دلالة الخبر المزبور على ذلك من الاشكال، ضرورة
عدم إنشاء القبول من الأمر فيه وإن كان طلبا لنكاحها، ولذلك طلب منه النبي صلى الله عليه وآله

(1) المستدرك الباب - 2 - من أبواب المهور الحديث 2 وسنن البيهقي ج 7 ص 242 مع تفاوت في لفظ المستدرك.
136

المهر، على أنه لو كان قبولا لزم جواز التخلل بين الايجاب والقبول بالكلام
الكثير الذي ليس من متعلقات الايجاب.
وما في المسالك - من أن المعهود من عقود النبي والأئمة عليهم السلام المنقولة عنهم
خصوصا عقد الجواد عليه السلام على ابنة المأمون مؤذن باعتبار عد مثل ذلك مما يتعلق
بمصلحة العقد، وليس على اعتبار المقارنة المحضة دليل صالح، والقدر المعلوم اعتباره
أن يعد القبول جوابا للإيجاب، ويظهر من التذكرة جواز التراخي بين الايجاب
والقبول بأزيد من ذلك، فإنه اعتبر في الصحة وقوعهما في مجلس واحد وإن تراخى
أحدهما عن الآخر -
واضح الضعف لما عرفت من عدم إرادة القبول من الأمر السابق، فلا إنشائية
عقد، والفصل الذي لا يقدح إنما هو فيما كان من متعلقات الايجاب كالشرائط ونحوها،
لا الفصل بما لا مدخلية له في ذلك، وإن كان هو من مصلحة المتناكحين، لترغيب
أحدهما في الآخر مثلا ونحوه، لكن، يهون الخطب عدم انحصار الدليل على ذلك
بذلك، وأن مبنى الاكتفاء بذلك على استفادة الرضا من الطلب الأول.
وعلى كل حال فما يظهر من المصنف - من الاقتصار في الاجتزاء بالأمر على
هذه الصورة بقرينة ما سمعته منه من اعتبار الماضوية فيهما فحينئذ لو قالت الامرأة:
" تزوجني " منشأة بذلك الايجاب، فقال: " تزوجتك " لم يصح حينئذ - هو
كما ترى، فإن الظاهر عدم الفرق، بل لعل هذه الصورة أولى، لسلامتها مما عرفت،
ومن تقدم ما هو بمعنى القبول على الايجاب.
(و) كذا الكلام فيما ذكره أيضا من أنه (لو أتى بلفظ المستقبل كقوله
" أتزوجك " فتقول " زوجتك " جاز) وفاقا للمحكي عن الحسن (وقيل) والقائل
ابنا حمزة وسعيد والفاضل في المحكي عنهم: (لا بد بعد ذلك من تلفظه بالقبول)
للاستصحاب والاقتصار على المتيقن (و) فيه أنه مناف لما (في رواية أبان بن
137

تغلب) عن الصادق عليه السلام (1) (في المتعة أتزوجك متعة فإذا قالت: نعم فهي امرأتك)
فإنه سأله " كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول أتزوجك متعة على كتاب الله
وسنة نبيه لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما، وإن شئت كذا وكذا سنة بكذا
وكذا درهما، وتسمي من الأجل ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا، فإذا قالت:
نعم فقد رضيت، فهي امرأتك، وأنت أولى الناس بها، قلت: فإني أستحي أن
أذكر شرط الأيام، قال هو أضر عليك، قلت: وكيف؟ قال: إنك إن لم تشترط
كان تزويج مقام، ولزمتك النفقة في العدة، وكانت وارثا، ولم تقدر أن تطلقها
إلا طلاق السنة " وما في رواية ابن أبي نصر عن تغلبه (2) قال: " تقول: أتزوجك
متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم نكاحا غير سفاح على أن لا ترثيني ولا أرثك
كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما، وعلى أن عليك العدة " وما في رواية
هشام بن سالم (3) قال: " قلت: كيف أتزوج المتعة؟ قال: تقول: يا أمة الله
أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما " واحتمال اختصاص خصوص ذلك
بالجواز كما هو ظاهر المصنف واضح الضعف، كاحتمال اختصاص ذلك بالمتعة،
ضرورة أنه متى جاز فيها جاز في الدوام، لعدم الفارق، ولما سمعته في الأول من أنه
إذا ترك الشرط كان تزويج دوام.
كما أن إشكال ما في الخبر بأنه يلزم من صحة العقد بهذا اللفظ صحته بدون
ايجاب، لأن " نعم " في جواب القبول لا يكون إيجابا، وذلك باطل قطعا واضح
الضعف أيضا، لكونه مصادرة واضحة، إذا القائل بذلك يجعل " نعم " إيجابا لتضمنها
مجموع الجملة التي هي " زوجتك " لقيامها مقامها، على أنه يمكن أن يكون
النكاح كالصلح يصح وقوع إيجابه من كل من الطرفين، فتكون " نعم " حينئذ قائمة

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 1 وذيله
في الباب - 20 - منها الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 2 عن ثعلبة وهو الصحيح.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 3.
138

مقام القبول، وربما كان في النصوص سيما الخبر الأول إشارة إلى ذلك، والحاصل
أنه لا ينكر قوة القول بالاكتفاء بكل لفظ دال على قصد العقد به على الوجه المتعارف
في الدلالة على مثله، من غير فرق بين الماضي وغيره، وبين الحقيقة وغيرها.
(و) على كل حال فقد عرفت دلالة الخبر المزبور على أنه (لو قال الولي
أو الزوجة: " متعتك بكذا " ولم يذكر الأجل انعقد دائما، وهو) ظاهر في ال‍ (دلالة
على) ما سمعته منا من (انعقاد الدائم بلفظ التمتع) الذي قد عرفت أنه للقدر
المشترك، وهو تمليك الانتفاع بالبضع، فلا يتشخص للمنقطع إلا بذكر الأجل، كلفظ
" زوجتك " و " أنكحتك " وإن تعارف استعماله في المنقطع عرف حادث، فمع
فرض الاقتصار على إرادة معناه الذي هو التمتع والانتفاع من دون قصد الانقطاع
يكون دائما، بل دعواه لا تسمع مع عدم الدلالة على ذلك من حال أو مقال، ويأتي
إن شاء الله تحقيق المسألة في محلها.
(و) كيف كان فقد عرفت أيضا أنه (لا يشترط في) لفظ (القبول مطابقته
لعبارة الايجاب، بل يصح الايجاب بلفظ والقبول بآخر، فلو قال: " زوجتك "
فقال: " قبلت النكاح " أو) " نكحت " أو قال الولي مثلا: (" أنكحتك " فقال: " قبلت
التزويج ") أو " تزوجت " (صح) بلا خلاف ولا إشكال، لاطلاق الأدلة.
(ولو قال) أجنبي مثلا: (زوجت بنتك من فلان) مستفهما عن انشاء
التزويج (فقال) الأب مثلا: (" نعم ") قاصدا إنشاء التزويج بذلك (فقال
الزوج: " قبلت " صح) في المحكي عن الشيخ وابن حمزة والنافع والإرشاد والقواعد
على أشكال في الأخير (لأن " نعم " يتضمن إعادة السؤال، ولو لم يعد اللفظ)
فكأنه قال: " زوجت بنتي من فلان " منشئا فقال الزوج: " قبلت " فيدخل حينئذ
تحت إطلاق الأدلة، بل ربما أومأ إليه ما سمعته من النصوص.
(و) لكن قال المصنف (فيه تردد) من ذلك، ومن احتمال اعتبار ألفاظ
خاصة على وجه لا يقوم مقامها ما يتضمنها، فلا يخرج عن الأصل إلا بها، وضعف
النصوص المزبورة واختصاصها بالمتعة، مضافا إلى ما في الرياض من أن مقتضى
139

تضمن السؤال الاستخبار عن وقوع المسؤول في الماضي، ومراعاة التطبيق بينه وبين
الجواب يستلزم كونه إخبارا عن الوقوع لا إنشاء للتزويج، فلو صرح به فيه
لارتفع التطابق اللازم المراعاة، ومن هنا يمكن أن يقال بعدم وقوع التزويج لو
أبدل " نعم " بالصريح إلا أنه قد عرفت قوة القول بعدم اعتبار خصوص لفظ، بل
يكفي كل لفظ دال على الانشاء على وجه لا ينكر استعماله في العقد في عرف المتشرعة،
وحينئذ فالقول بالصحة لا يخلو من قوة، نعم لو قصد بذلك الاخبار كذبا أو صدقا لم
ينعقد قطعا وحينئذ فضعف النصوص المزبورة غير قادح، وكذا اختصاصها بالمتعة
مع أنه لا قائل بالفصل، والتطابق لا يجب مراعاته، مع أنه يمكن فرضه
في الاستفهام التقريري الذي يراد منه وقوع العقد، على أن مفروض البحث قصد
الانشاء الذي يحصل به جواب المستفهم، ومن الغريب ما سمعته من الرياض من
احتمال عدم الاكتفاء لو أبدل " نعم " بالتصريح، والله العالم.
(ولا يشترط) هنا (تقديم الايجاب) على القبول، (بل لو قال) المتزوج:
(تزوجت) منشئا (فقال الولي: " زوجتك " صح) وفاقا للأكثر، كما
في المسالك، بل عن المبسوط الاتفاق عليه، لاطلاق الأدلة، وظهور النصوص السابقة
فيه من خبر الساعدي (1) وغيره، مؤيدا ذلك بمراعاة الشارع الحياء في البكر،
ولذا اكتفى عن رضاها بالسكوت (2) ولا ريب في المشقة عليها من جهته بابتدائها
بالايجاب، بخلاف ما لو ابتدأ الزوج وذكر ما أنشأ به إرادة النكاح والشرائط
و المهر ونحو ذلك، فإنه يهون عليها حينئذ قول: " زوجتك " مثلا.
وما يقال من أن حقيقة القبول الرضا بالايجاب فمتى وجد قبله لم يكن
قبولا، لعدم معناه، يدفعه منع كون المراد بالقبول قبول الايجاب، بل قبول النكاح،
وهو متحقق على التقديرين، على أن القبول حقيقة ما وقع بلفظ القبول، ولا إشكال
في عدم جواز وقوعه بهذا اللفظ الذي تمنع مادته عن تحقق معناه من دون تقديم

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 242.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب عقد النكاح.
140

الايجاب، وإنما الكلام فيما وقع بلفظ " تزوجت " ونحوه مما هو بمعنى الايجاب،
وتسميته قبولا مجرد اصطلاح، بل قد عرفت سابقا احتمال كونه إيجابا، وأن النكاح
كالصلح يقع إيجابه من كل من المتعاقدين، كما يومي إليه قوله عليه السلام: " فإذا
قالت نعم فقد رضيت " إلى آخره، الظاهر في كون ذلك قبولا منها، والاجماع على
كون عقد النكاح إيجابا وقبولا لا يقتضي تعيين كل واحد من كل واحد، بل يمكن
إرادة القائل بتقديم القبول، هذا المعنى، لا أن مراده التقديم قبولا، إذ قد يمنع تحقق
معناه متقدما باعتبار كونه حينئذ كالانفعال الذي يحصل تبعا لحصول الفعل، شبه
الانكسار المتعقب للكسر، ولا أن المراد عدم اعتبار معنى القبولية في النكاح المنافي
للاجماع بقسميه، بل وظاهر النصوص، فلا يكفي حينئذ اقتران إنشاء التراضي منهما
بالنكاح، بل لا بد من اتصال أحدهما بالآخر لكن على الوجه المزبور من أيهما كان،
فتأمل جيدا.
(ولا يجوز العدول عن هذين اللفظين) وما شابههما من الألفاظ العربية
(إلى ترجمتهما بغير العربية) من الفارسية والتركية وغيرهما اتفاقا منا كما
عن المبسوط والتذكرة، للأصل السالم عن معارضة الاطلاق المنصرف إلى اللفظ
العربي ولو بقرينة كون المخاطب والمخاطب والقرآن عربيا (إلا مع العجز عن
العربية) على وجه يشق عليه التعلم، لفحوى ما ورد (1) في الأخرس، كما
أوضحنا ذلك كله في كتاب البيع، وذكرنا هناك البحث في اللحن في المادة
والاعراب وأنهما أولى من الترجمة على الظاهر، وأنه لا يجب التوكيل وإن
تمكن منه.
(و) حينئذ ف‍ (لو عجز أحد المتعاقدين تكلم كل منهما بما يحسنه) بعد فرض
علم كل منهما بمقصود الآخر (ولو عجزا عن النطق أصلا أو أحدهما) لخرس أصلي
أو عارضي (اقتصر العاجز على الإشارة إلى العقد والايماء) فإن ذلك منه يقوم مقام اللفظ، وفي

(1) الوسائل الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة من كتاب الصلاة والباب 19
من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
141

كشف اللثام هو مما قطع به الأصحاب كما تقدم ذلك كله في كتاب البيع بما لا مزيد
عليه، فلاحظ ما هناك في ذلك، وفي غيره من المسائل التي ذكرت هناك وإن كان
بينهما نوع مخالفة لما هنا.
وكذا لا ينعقد بالكتابة للقادر على النطق، بل ولا للعاجز عنه إلا أن يضم
إليها قرينة تدل على القصد، فإنها حينئذ من أقوى الإشارات، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لا ينعقد النكاح بلفظ البيع ولا الهبة) وإن جوزناها
للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل تخصيصها بنص الكتاب (1) يرشد إلى عدمها في غيره، بل قد يرشد
إلى العدم في غيرها أيضا (ولا التمليك ولا الإجارة) ولا غيرها
من الألفاظ التي لم يتعارف استعمالها في عقده، بل هي منكرة في عرف
المتشرعة، بل في المسالك أنه موضع وفاق، وإنما نبه بذلك على خلاف بعض العامة
حيث جوزه بكل واحد من هذه الألفاظ (سواء ذكر فيه المهر أو جرده) وآخر
اشترط اقترانه بمهر ليخلص اللفظ للنكاح، لكن الجميع كما ترى، وذلك لا ينافي
ما سمعته منا من عدم اعتبار لفظ مخصوص، لأن المراد الألفاظ التي لم يعلم عدم
العقد بها مما هو مستنكر في عرف المتشرعة، نحو استعمال لفظ النكاح في البيع
وبالعكس وغيره، بل ربما عد بعضه من الأغلاط، باعتبار خروجه عن قانون اللغة
حقيقتها ومجازها، نعم قد يناقش في خصوص " ملكتك " فإنه يمكن القول بجوازه
مع فرض إرادة معنى " أنكحتك " منه من تمليك سلطنة البضع منه، لأنه ليس من
الألفاظ التي يستنكر في عرف المتشرعة عقد النكاح بها ولا هو مما علم عدمه،
بل ورد التعبير بها عن العقد في النص وعبارات الأصحاب، فلا يبعد اندراجه تحت
إطلاق الأدلة والأمر سهل بعد وضوح المراد ومعرفة الضابط، ولكن مع ذلك لا ينبغي
أن يترك الاحتياط، وقد أطنبنا في تحرير ذلك كله في كتاب البيع، فلاحظ وتأمل.
ومن ذلك اعتبار التنجيز اتفاقا، فلو علقه ولو بأمر متحقق لم يصح، بل في
كشف اللثام لم يصح وإن لم يرد التعليق، لأنه غير صريح، فهو بمنزلة الكناية،

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50.
142

وفيه ما لا يخفى من القطع بالصحة لو قال: " إن كان يوم الجمعة فقد زوجتك " على
فرض عدم إرادة التعليق منه، هذا.
وفي القواعد ويعتبر فيه أيضا اتحاد المجلس، فلو قالت: " زوجت نفسي من
فلان " وهو غائب فبلغه فقبل لم ينعقد، وكذا لو أخر القبول مع الحضور بحيث لا يعد
في العرف مطابقا للإيجاب، وفيه أنه لا دليل على اعتبار اتحاد المجلس فيه وفي
غيره من العقود، وفي كشف اللثام لعل السر فيه أنه ما لم يتحقق الطرفان جاز لكل
منهما الاعراض، فإذا تحققا في مجلس واحد لزم العقد لعدم الاعراض ظاهرا،
بخلاف ما لو تفارقا، إذ لا قرينة على عدم إعراض الموجب، فإنه أمر قلبي.
وبالجملة فمع التقارن صريح ومع الافتراق بمنزلة الكناية، فكما لا تعتبر
وإن قصد المراد في العقد فكذا مع الافتراق وإن لم يعرض في البين، وفيه منع عدم
الانعقاد عند ذلك كما عرفته غير مرة، نعم تأخير القبول على وجه ترتفع المطابقة
بتخلل كلام أو سكوت اختيارا أو اضطرارا لا يبعد عدم الانعقاد معه، لذهاب هيئة
التخاطب العقدي، ولا يقدح ابتلاع الريق ونحوه مما لا يرفع تلك الهيئة التي عليها
المدار، والله العالم.
(وأما) النظر في (الثاني) أي الحكم (ففيه مسائل):
(الأولى)
(لا عبرة في النكاح) كغيره من العقود (بعبارة الصبي إيجابا وقبولا) لنفسه
ولغيره (ولا بعبارة المجنون) المطبق ولا الأدواري في دوره بلا خلاف معتد به أجده،
بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، بل ربما كان من الضروريات سلب حكم ألفاظهما
في جميع العقود، فكانت كأصوات البهائم بالنسبة إلى ذلك وربما يومي
143

إليه في الجملة خبر (1) رفع القلم المشهور بناء على إرادة ما يشمل ذلك منه
لا خصوص التكليفي.
(نعم في) عقد (السكران الذي لا يحصل) ولا يميز ما يخاطب ويخاطب
به (تردد) وخلاف من كونه كالمجنون الذي قد عرفت سلب حكم عبارته، فلا
تجديه الإجازة المتأخرة، ومن إطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما يقتضي سلب حكم
عبارته إذ يمكن كونه كالمكره الذي يصحح عقده رضاه المتأخر (أظهره)
عند المصنف وجماعة (أنه لا يصح، ولو أفاق) بعد ذلك (فأجاز) للأصل، ولأن
المعتبر قصد المكلف إلى العقد والفرض عدمه، والإجازة إنما تثمر في الصحيح في نفسه
لا الباطل (و) لكن (في رواية) محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح (2) (إذا زوجت
السكري نفسها ثم أفاقت ورضيت ودخل بها فأفاقت وأقرته كان ماضيا) قال:
" سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة، ابتليت بشرب النبيذ فسكرت، فزوجت نفسها
رجلا في سكرها، ثم أفاقت فأنكرت ذلك، ثم ظنت أنه يلزمها ففزعت منه،
فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، أحلال هو لها؟ أم التزويج فاسد، لمكان
السكر، ولا سبيل للزوج عليها؟ قال: إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها،
قلت: ويجوز ذلك التزويج عليها، قال: نعم " بل عن الشيخ في النهاية ومن تبعه
العمل بها، بل حكي ذلك أيضا عن الصدوق في الفقيه والمقنع، بل مال إليه غير
واحد من متأخري المتأخرين كسيد المدارك وصاحب الكفاية والمحدث
البحراني، بل أيده الأخير بصحيح الحلبي (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الغلام له
عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ قال: فقال:

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب
القصاص.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 من كتاب الإرث.
144

أما التزويج فصحيح، وأما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك،
فيعلم أنه كان قد طلق، فإن أقر بذلك وأمضاه فهي واحدة بائنة، وهو خاطب
من الخطاب، وإن أنكر ذلك وأبى أن يمضيه فهي امرأته " الحديث.
وإن كان هو كما ترى، وفي محكي المختلف تنزيلها على سكر لا يبلغ حد
عدم التحصيل، فإنه إذا كان كذلك صح العقد مع تقريرها، وفي المسالك وفيه نظر بين،
لأنه إذا لم يبلغ ذلك القدر فعقدها صحيح وإن لم تقرره وترضى به بعد ذلك
فالجمع بين اعتبار رضاها مع السكر مطلقا غير مستقيم، بل اللازم إما إطراح الرواية
رأسا أو العمل بمضمونها ولعل الأول أولى.
قلت: لعل الأمر بالعكس، لصحة الخبر وعدم مهجوريته، كعدم ثبوت سلب
حكم عبارة السكران وكونه كالمجنون، ويمكن أن يكون مراد العلامة بالتنزيل
المزبور عدم بلوغ السكر إلى حد يصدر منه الكلام على وجه الهذيان كالنوم
ونحوه، بل هو باق على قابلية قصد العقد كما يومي إليه قوله: " فزوجت نفسها "
إلا أنه لما غطى السكر عقله لم يفرق بين ذي المصلحة والمفسدة، فهو حينئذ قاصد
للعقد، إلا أنه لم يؤثر قصده، لعارض السكر الذي ذهب معه صفة الرشد، فإذا
تعقبته الإجازة صح واندرج في آية " أوفوا بالعقود " (1) وغيرها، بل لعله أولى
من السفيه بل والمكره في ذلك، فإنه أيضا قاصد للعقد، لكنه غير راض به، فإذا
ارتفع الاكراه وحصل الرضا كفى ذلك في الصحة، نعم لو فرض سكره على وجه
يصدر اللفظ كالهذيان، اتجه حينئذ عدم الصحة ولو تعقبت الإجازة، لعدم القصد حال
النطق، وكذا المكره الذي بلغ فيه الاكراه إلى زوال العقل حتى صار يصدر اللفظ
منه على وجه الهذيان، فإن الظاهر عدم الصحة وإن تعقبته الإجازة، ولا يناقش ذلك
بامكان فرضه في المجنون، لامكان دفعها بالاجماع وغيره على سلب عبارة المجنون
بجميع أفراده، ودعواه في جميع أفراد من زال عقله من غير فرق بين المجنون وغيره
يمكن منعها، خصوصا في مثل السكران الذي كان سكره بسوء اختياره، فيعامل

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
145

معاملة المختار، ولذا كان عقابه في المعاصي الصادرة منه عقاب المختار، بل ربما
أوجب عليه الحد، نعم يمكن تنزيل الصحيح المزبور على توكيلها في التزويج، كما
هو الغالب والمتعارف، فهو حينئذ فضولي، بل لعل قوله عليه السلام " فهو رضا " يشعر به،
ولا ينافيه الانكار في السؤال المراد به الوحشة مما فعلته لا عدم الرضا، بل ولا قوله:
فيه " ثم ظنت " الخ، إذ هو مع أنه في السؤال يمكن كونه من الدواعي لحصول الرضا،
ومن ذلك يعرف ما في الرياض، فإنه بعد أن ذكر ضعف الرواية عن مقابلة القواعد
وأنه لا يمكن إلحاقها بالفضولي، لكون المذكور فيها الانكار بعد الإفاقة الملازم
لعدم الرضا، قال: فطرحها رأسا أو حملها على ما في المختلف وغيره وإن بعد متعين،
وفيه ما عرفت مضافا إلى مخالفة ما في المختلف إطلاق الأدلة أيضا المقيد بالصحيح
المزبور، فتأمل جيدا والله العالم.
المسألة (الثانية)
(لا يشترط في نكاح الرشيدة) وإن كانت بكرا حضور (الولي) على
الأصح كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله (و) كذا (لا) يشترط عندنا (في شئ
من الأنكحة) الدائم والمنقطع والتحليل والملك (حضور شاهدين) خلافا لما
عن العامة ولابن أبي عقيل منا، فاشترطه في الدائم، لخبر ضعيف (1) موافق للعامة
محمول على الاستحباب كما تقدم سابقا، لقصوره عن معارضة ما يقتضي الصحة من
إطلاق الأدلة وغيره من المعتبرة المستفيضة، ولذا حكى الاجماع على خلافه في
محكي الإنتصار والناصريات والخلاف والغنية والسرائر والتذكرة (و) حينئذ ف‍ (لو
أوقعه الزوجان أو الأولياء سرا جاز) كغيره من العقود، لما عرفت (ولو تآمرا
بالكتمان لم يبطل) عندنا خلافا لمالك، فإنه وإن وافقنا على عدم اشتراط الاشتهاد

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 11.
146

لكن شرط عدم تواطئهما على الكتمان.
المسألة (الثالثة)
(إذا أوجب) الموجب في النكاح أو غيره (ثم جن أو أغمي عليه بطل حكم
الايجاب) الذي هو قبل التمام بمنزلة العقد الجائز بالنسبة إلى ذلك بلا خلاف أجده
فيه كما اعترف به بعضهم، مضافا إلى ما دل على شرطية العقد والقصد والرضا ونحوها
في العقد الذي هو عبارة عن الايجاب والقبول لا الايجاب وحده، والمراد من اشتراطه
مثلا بالنسبة إلى الموجب بقاؤه عاقلا إلى قبول القابل، لا حال صدور الايجاب منه،
فإنه ليس شرطا في العقد حينئذ، فإذا فرض ارتفاع القابلية بعد الايجاب قبل القبول
لم يحصل الشرط في تمام العقد الذي يراد منه استمراره على الحال الذي حصل له حال
نطقه بالايجاب وحينئذ (فلو قبل) القابل (بعد ذلك كان لغوا) نحو قبوله
إيجاب المجنون (وكذا لو سبق القبول) بناء على جوازه (وزال عقله، فلو أوجب
الولي بعده كان لغوا، وكذا) الكلام (في البيع) وغيره من العقود، بل الظاهر
البطلان حتى لو فرض إفاقته قبل القبول على وجه لا ينافي الاتصال، لبطلان حكم
الايجاب.
بل قد ظهر لك مما قدمنا أنه لو نام بعد الايجاب قبل القبول لم يصح القبول وإن
كان النوم غير قادح في العقد الجائز، ضرورة اقتضاء ما دل على صحته عدم تأثير النوم
في بقائه، لكونه مما يعتاد، بخلاف ما نحن فيه الذي قد عرفت اعتبار عدم استدامة
ما ثبت اشتراطه من نحو ذلك إلى تمام العقد، ولا ريب في انتفائه مع النوم، لكن
في المسالك بعد أن ذكر الايجاب قبل القبول كالعقد الجائز يجوز فسخه، فيبطل
بما يبطل به الجائز قال: " ولا يضر عروض النوم كما لا يقدح ذلك في الوكالة
ونحوها " لكن هل يصح الاتيان بالقبول للآخر حالته قيل: لا، وبه قطع في التذكرة،
147

لأن التخاطب بين المتعاقدين معتبر، وهو منتف مع نوم صاحبه ومن ثم لو خاطب
شخصا بالعقد فقبل الآخر لم يصح، ويحتمل الصحة هنا، لأن الايجاب توجه إلى
هذا القابل قبل النوم، والأصل الصحة مع أنه في التذكرة قال في موضع آخر: " لو قال
المتوسط للولي: " زوج ابنتك من فلان " فقال: " زوجت " ثم أقبل على الزوج
فقال: " قبلت نكاحها " فالأقرب صحة العقد، وهو أصح وجهي الشافعية، لوجود
ركني العقد: الايجاب والقبول، وارتباط أحدهما بالآخر، والثاني لا يصح، لعدم
التخاطب بين المتعاقدين، ويستفاد منه أن تخلل مثل هذا الكلام بين الايجاب والقبول
لا يضر، لأنه ليس أجنبيا صرفا " قلت: أو يفرض على وجه لا يقدح في الفورية
المعتبرة في العقد، فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة، كما أنه لا إشكال في البطلان مع
فرض حصول القبول من القابل بعد نوم الموجب، لما عرفت.
إنما الكلام فيمن نام بعد الايجاب ثم استيقظ فقبل القابل، فإنه يمكن القول
بالبطلان، لفساد حكم الايجاب حينئذ بالنوم بعده بفقد الشرط الذي هو الاستدامة
التي قد عرفتها، ويمكن القول بالصحة باعتبار كونه كالعقد الجائز الذي لا يضر فيه
النوم، ولعل الأول أقوى وإن كان ظاهر ما سمعته من المسالك المفروغية من الصحة
في الفرض، وإنما جعل البحث في القبول حال النوم الذي قد عرفت المفروغية عندنا
من بطلانه، وتشبيه ما نحن فيه بالعقد الجائز لا دليل عليه وإن تشاركا في بعض
الأحكام للدليل المقتضي لذلك فيهما كما هو واضح، والله العالم.
148

المسألة (الرابعة)
(يصح اشتراط الخيار) للزوج والزوجة أو غيرهما على حسب ما سمعته
في البيع إلى مدة مضبوطة أو مطلقا كما احتمله في كشف اللثام، قال: لاطلاق العبارات
وإن فرض في المبسوط والخلاف والمهذب خيار الثالث، وفيه أن الاطلاق مساق لأصل
قبول الخيار في مقابلة عدم قبوله بالنسبة إلى الزوجة، وإلا فالظاهر اعتبار ضبط المدة
فيه في كل مقام شرط كالأجل.
وعلى كل حال فيصح اشتراطه (في الصداق خاصة) لعموم " المؤمنون عند
شروطهم " (1) بعد معلومية عدم شرطية ذكره في صحة العقد، إذ أقصاه حينئذ جواز
فسخه، وبقاء العقد بغير ذكر مهر فتصير كالمفوضة للبضع، وهو جائز.
نعم لا يصح اشتراطه في العقد اتفاقا في كشف اللثام وغيره، وقد أومأ إليه
المصنف بقوله: " خاصة " لأنه ليس معاوضة محضة، ولذا لم يعتبر فيه العلم بالمعقود
عليه برؤية ولا وصف رافع للجهالة، ويصح من غير تسمية العوض ومع العوص الفاسد،
ولأن فيه شائبة العبادة التي لا يدخلها الخيار، ولأن فسخه باشتراط الخيار فيه
يفضي إلى ابتذال المرأة وضررها، ولهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبرا
له، بل في قوله عليه السلام في خبر (2) أبان: " كان تزويج مقام " إشعار به، كقوله عليه السلام
في غيره: " تزويج البتة " (3) ونحو ذلك، بل لعل منافاته لعقد النكاح من ضروريات
الفقه، بل قد يتوهم عدم صحة اشتراطه في المهر فضلا عن العقد، لاطلاق بعض العبارات
عدم الخيار في النكاح، مؤيدا بأن المهر المذكور في العقد جزء مما وقع عليه، فاشتراط
الخيار فيه يقتضي تزلزل الجزء دون الكل، وهو غير معهود، وإلا لاقتضى جواز

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المتعة الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 43 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
149

اشتراطه فيما لا يعتبر فيه العوض من العقود، كالصلح والهبة المعوضة، اللهم إلا أن
يلتزم ذلك أو يفرق بأنها وإن كان العوض غير معتبر فيها ولكن حيث يذكر يكون
حكمه حكم غيره في المعاوضات، ولذا يبطل العقد لو ظهر مستحقا مثلا بخلاف
النكاح، وتزلزل الجزء دون الكل معهود في البيع وغيره، فضلا عن النكاح، كما
لو اشترط الخيار في بعض أفراد المبيع مثلا دون الباقي فيفسخ العقد حينئذ فيه
دون غيره فكذا هنا أيضا يفسخ عقد النكاح بالنسبة إلى المهر دون الزوجة، إذ هو
المراد من الخيار في المهر، ضرورة عدم تصور فسخ المهر نفسه كما هو واضح.
بل يمكن القول بصحة اشتراطه في غير المهر مما يلزمه العقد، غير الزوجة
كالشرط ونحوه، ولا إطلاق يعتد به يقتضي نفي الخيار في المهر، بل ربما يمكن دعوى
نفي الخلاف فيه أو الاجماع عليه، مضافا إلى عدم الاشكال فيه من حيث القواعد.
وعلى كل حال فاشتراطه في العقد يقتضي فساد العقد، بناء على أن كل شرط
فاسد في عقد يقتضي ذلك، لأن الرضا وقع مقرونا به، خلافا لابن إدريس فصحح
العقد وأبطل الشرط، لوجود المقتضي وهو العقد، وإنما فسد الشرط، فيلغو نفسه
دون العقد وقد تقدم تحقيق الحال في كتاب البيع بما لا مزيد عليه فقول المصنف هنا:
(ولا يفسد به العقد) يحتمل عود الضمير فيه إلى اشتراط الخيار في العقد المدلول
عليه بقوله: " خاصة " بمعنى أنه فاسد، ولكن لا يفسد العقد، فيكون موافقا
لما سمعته من ابن إدريس وهو غير معروف بذلك، على أنه لم يشر إلى الخلاف
في المسألة، مع أن القول فيها ببطلان العقد ببطلان الشرط معروف، بل في كشف
اللثام نسبته إلى المشهور هنا، وهو نفسه قد تردد في الصحة وعدمها في باب المهر، اللهم
إلا أن يكون النكاح له خصوصية، فهو وإن خالف ابن إدريس في غير المقام لكنه
في باب النكاح وافقه، ولو لفحوى صحته مع فساد المهر الذي لا ينقص ذكره عن
الاشتراط.
وربما نوقش أولا بأن الظاهر ممن تعرض للمسألة عدم الفرق بين النكاح
وغيره من العقود من اقتضاء فساد الشرط فيها فساد العقد وعدمه إلا ما خرج بالدليل،
150

وثانيا بأن ثبوت ذلك للدليل في المهر لا يقتضي التعدية بعد حرمة القياس ووضوح
وجه البطلان بفوات الرضا المقرون بالشرط بفواته، وذلك وإن أمكن تقريره في المهر
لكن للدليل خرجنا عنه، ومن هنا احتمل عود الضمير فيه إلى اشتراط الخيار في المهر،
ووجهه حينئذ واضح، ضرورة أن الشرط الصحيح لا يقتضي فساد العقد، لكنه
كما ترى خال عن النكتة، بل الحكم بصحة الاشتراط يقتضي عدم فساد العقد،
فلا فائدة في ذكره بخصوصه، كما أن المناقشة المزبورة واضحة الدفع، خصوصا
بملاحظة ما ذكرناه في البيع.
نعم قد يقال: إن الضمير فيه عائد إلى ذلك، والمراد عدم إفساده العقد وإن
قلنا بفساده في المهر، إذ أقصاه حينئذ فساد المهر الذي لا يستلزم فساد العقد، فتكون
النكتة حينئذ أن الشرط الفاسد في المهر لا يقتضي فساد العقد وإن قلنا: إن الشرط
الفاسد في العقد يقتضي فساده، لكن لما ظهر من الدليل عدم فساد العقد بفساد المهر
اقتضى ذلك أيضا عدم فساد العقد بفساد المهر بالشرط الفاسد فيه، أو يراد أنه لا يفسد
العقد إذا اختار الفسخ في المهر، كما في غيره من عقود المعاوضة، لما سمعته من عدم
اعتبار المهر المسمى في النكاح، بخلاف باقي عقود المعاوضة التي متى فسخ العوض
فيها انفسخ أصل العقد، ولعل منها عقد المتعة الذي يعتبر فيه المسمى، فمع فرض
صحة اشتراط الخيار فيه متى فسخ انفسخ عقد المتعة في المتمتع بها، لعدم صحة عقد
المتعة بدون مسمى ابتداء واستدامة، كما أنه متى صح فرض اشتراط الخيار في
مسماها صح اشتراط الخيار، لما عرفت من كونها حينئذ كباقي المعاوضات، اللهم
إلا أن يدعى معلومية عدم قابلية عقد البضع ولو متعة للخيار، فيتجه حينئذ عدم
صحة اشتراطه في مسماها، لاستلزامه الصحة فيها فتخص مسألة المقام في مهر الدائم،
فتأمل جيدا، والله العالم.
151

المسألة (الخامسة)
(إذا اعترف الزوج بزوجية امرأة وصدقته أو اعترفت هي فصدقها قضي
بالزوجية ظاهرا وتوارثا) لأن الحق منحصر فيهما، " وإقرار العقلاء على أنفسهم
جائز " (1) من غير فرق في ذلك بين الغريبين والبلديين، خلافا لما عن بعض العامة،
فخص صحة الاقرار منهما بالغريبين، واعتبر في البلديين إقامة البينة، بناء على
اشتراط الاشهاد فيه، وسهولة إقامته فيهما بخلاف الغريبين، وفيه منع الاشتراط
أولا، ومنع اقتضائه ذلك ثانيا، ضرورة أنه على تقديره يعتبر في صحة أصل وقوعه،
وفعلهما الثابت باقرارهما يحمل على الوجه الصحيح، على أن الشاهدين لا يعتبر
كونهما بلديين، فجاز أن يشهد البلديان غريبين وتتعذر إقامتهما فيؤدي ذلك إلى
تعطيل الحق بغير موجب، كما هو واضح.
(ولو اعترف أحدهما قضي عليه بحكم العقد دون الآخر) المنكر، فإن
القول قوله بيمينه، نعم إن أقام المدعي بينة أو حلف اليمين المردودة ثبت النكاح
ظاهرا ووجب عليها مع ذلك مراعاة الحكم في نفس الأمر، فإن كان المثبت الزوج
فله الطلب ظاهرا وعليها الهرب باطنا، وهكذا، وإن لم يتفق أحد الأمرين
وحلف المنكر انتفى عنه النكاح ظاهرا، ولزم المدعي أحكام الزوجية على ذلك
الوجه لا مطلقا، فإن كان المدعي الرجل فليس له التزويج بخامسة ولا أمها ولا
بنتها مع الدخول بها، ولا بأختها ولا بنت أخيها وأختها بدون رضاها، بل يقدر بالنسبة
إليها كأنها زوجة، ويجب عليه التوصل إلى إيصالها المهر بحسب الامكان، وأما
النفقة فلا تجب عليه، لعدم التمكين الذي هو شرط وجوبها، وإن كانت المدعية
المرأة لم يصح لها التزويج بغيره، ولا فعل ما يتوقف علي إذن الزوج بدونه،

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
152

كالسفر المندوب والعبادات المتوقف عليه، هذا.
وفي المسالك لا فرق في ثبوت هذه الأحكام بين حلف الآخر وعدمه، لأنها
مترتبة على نفس دعوى الزوجية، بل قيل: ولا بين تكذيب المدعي دعواه بعد
ذلك وعدمه، قلت: هو كذلك، لكن قد يقال: إن ذلك كله جائز للمدعي إذا
اعترف بعد ذلك بأنه قد كان مبطلا في الدعوى، لأنه شئ لا يعلم إلا من قبله، مع
احتمال الالزام باقراره، فتأمل جيدا، فإنه قد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الحج
عند تعرض المصنف في الاحرام فيما إذ اختلف الزوجان فادعى أحدهما وقوع النكاح
فيه وأنكره الآخر، والله العالم.
ولو أوقع الرجل المنكر صورة الطلاق ولو بقول: " إن كانت زوجتي فهي
طالق " فالظاهر انتفاء الزوجية عنها، وجاز لها التزويج بغيره لا بأبيه وابنه
مطلقا، لاعترافها بما يوجب حرمة المصاهرة إلا على الوجه الذي ذكرناه.
المسألة (السادسة)
(إذا كان للرجل عدة بنات فزوج واحدة ولم يسمها عند العقد) ولا
فسرها بغير الاسم فإن لم يقصد معينة بطل، لما ستعرفه من اعتبار تشخيص الزوج
والزوجة في النكاح على وجه يحصل به التمييز، وأنه لا يكفي فيه المطلق وإن كفى
في البيع ونحوه، وإن قصد معينة (لكن) كان (قصده لها بالنية) صح وإن
وافقه الزوج عالما بالموافقة، لا اتفاقا من دون قصد للتعاقد والربط، أو وكل
القصد إليه في قول، فقبل نكاح من نواها وإن لم تكن متميزة لديه فعلا، فإن
الأول إلى العلم كاف لاطلاق الأدلة، ولكن لا يخلو من نظر تعرفه إن شاء الله.
(ف‍) إن (اختلفا في المعقود عليها) بعد الاتفاق منهما على صحة العقد
المستلزمة لو رود الطرفين على واحدة معينة بالنية المتفقة منهما كان كل منهما
153

مدعيا منكرا، فيتحالفان حينئذ، وينفسخ العقد إذا لم يكن الزوج مثلا قد أوكل
أمر القصد إلى الآخر وقبل ما نواه، وإلا كان القول قول المفوض إليه بيمينه،
لأنه أعلم بقصده، ولأنه أمينه وبمنزلة وكيله، فالقول قوله بيمينه، حتى لو ادعى
عليه أنه قد صرح بها بعد العقد فأنكر، فإنه ليس عليه إلا اليمين، هذا ما تقتضيه
الضوابط في الدعاوي.
ولكن قد ذكر المصنف وغيره أنهما إن اختلفا في المعقود عليها (فإن كان
الزوج رآهن) كلهن (فالقول قول الأب، لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه،
وعليه أن يسلم إليه التي نواها، وإن لم يكن رآهن كان العقد باطلا) والأصل
فيه صحيح أبي عبيدة (1) عن الباقر عليه السلام " سألت عن رجل كن له ثلاث بنات فزوج
إحداهن رجلا ولم يسم التي زوج للزوج ولا للشهود، وقد كان الزوج فرض لها
صداقا، فلما بلغ أن يدخل بها على الزوج وبلغ الزوج أنها الكبرى فقال الزوج
لأبيها: إنما تزوجت منك الصغيرة من بناتك، فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: إن
كان الزوج رآهن كلهن ولم يسم له واحدة منهن فالقول في ذلك قول الأب.
وعلى الأب فيما بينه وبين الله أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوجها إياه عند
عقدة النكاح، قال: وإن كان لم يرهن كلهن ولم يسم له واحدة منهن عند عقدة النكاح
فالنكاح باطل " وعن الشيخ وأتباعه العمل بهذا الصحيح جامدين عليه من غير
تأويل، وأما المصنف فقد سمعت تنزيله إياه، وتبعه عليه الفاضل، بل يمكن عدم
الاحتياج إلى اليمين في تقديم قول الأب، لاطلاق الصحيح وإن كان الأقوى خلافه،
لمعلومية توقف انقطاع الدعوى عليه أو البينة في سائر المقامات، ولو فرض موت
الأب قبل تعيينه حيث يكون القول قوله بلا يمين أو معه وحلف على قصده معينة
غير التي ادعاها الزوج فالمتجه القرعة، كما في كل زوجة مشتبهة بغيرها، لأنها
لكل أمر مشكل، وباب المقدمة، مع اختلاف الأحكام في الإرث وعدمه، ووجوب
الوطء وحرمته ونحو ذلك لا يجري، والالزام بالطلاق لا دليل عليه، بل ظاهر

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
154

الأدلة خلافه، بل يمكن دعوى الاجماع على اعتبار القرعة في نحو المقام.
وعلى كل حال فوجه الاشكال في الخبر أنه يدل حينئذ على أن الرؤية كافية
في الصحة، والرجوع إلى قول الأب وإن خالف ما نواه الزوج وعدمها كاف في البطلان
وإن توافقا، مع أن الرؤية لا مدخل لها في صحة العقد وعدمها، ولا تفيد التعيين، ولا
عدمها ينافيه، بل ولا تفيد ما نزله المصنف عليه، لأن التفويض إلى الأب إن كفى
مع تولية القبول من غير أن يقصد معينة فلا فرق بين الرؤية وعدمها، فيلزم الصحة
على التقديرين، وإن لم يكف بطل على التقديرين، ولا دلالة في الرؤية ولا عدمها
على شئ من الأمرين وإن كان ظاهر المصنف ذلك، بل وكذا المحكي عن المختلف،
فإنه قال: " والتخريج في هذه الرواية أن الزوج إذا كان قد رآهن كلهن فقد رضي بما يعقد
عليه الأب منهن، ورضي باختياره، ووكل الأمر إليه، فكان في الحقيقة وكيله، وقد
نوى الأب واحدة معينة، فينصرف العقد إليها، وإن لم يكن قد رآهن كان العقد باطلا،
لعدم الرضا بما يسميه الأب ويعينه في ضميره، والأصل في ذلك أن نقول: إن كان الأب
قد نوى واحدة بعينها وكان رؤية الزوج لهن دليلا على الرضا بما يعينه صح العقد،
وكان القول قول الأب فيما عينه، وإلا فلا " فهو كالصريح في أن العمدة هو التفويض،
والرؤية دليل عليه، وإن كان فيه نظر، بل منع، ضرورة أعمية خصوص الرؤية من
ذلك، وإنما هو إن كان فمن قبول الزوج، مع إجمال الأب، فإن ظاهر القبول
الرضا بما أوجبه الأب وأراده وعلى كل حال فظاهره كون الرؤية دليلا كاشفا.
لكن في كشف اللثام جعل جواز التفويض وعدمه دائرا مدار الرؤية وعدمها،
لا أن الرؤية دليل التفويض، وعدمها دليل عدمه إلى أن قال: " إنه لا بعد في أن
يكون التفويض إلى الولي جائزا في النساء التي رآهن، لأنهن تعين عنده، دون من
لم يرهن لكثرة الجهالة، لا أن الرؤية دليل على التفويض، وأن التفويض جائز
مطلقا على أنه إن رأى بعضهن خاصة كان الظاهر تعلق نيته بمن تعلقت بها الرؤية،
وإن تعددت فالتفويض في تعيين واحدة منهن، فإن ادعى الأب غيرهن لم يسمع
منه، لظهور خلافه ".
155

قلت: كأن الذي دعاه إلى ذلك ظهور كون القابل أراد ما قصده الأب في
صورة الرؤية وعدمها، مع أن الإمام عليه السلام فصل بينهما، فعلم منه أن التفويض
مع الرؤية صحيح دون غيره، لكن لا يخفى عليك بعد اختصاص جواز التفويض في
ذلك، ضرورة عدم اعتبار المعلومية في النكاح، فأي مدخلية للرؤية وعدمها.
ومن هنا قال في المسالك بعد أن أشكل التنزيل المزبور بما سمعت: إن اللازم
إما العمل بمدلول الرواية من غير حمل كما فعل الشيخ، أوردها رأسا والحكم
بالبطلان، كما فعله ابن إدريس، ولعله أجود، لأن العقد لم يقع على معينة
مخصوصة منهما، وهو شرط في صحته، وإن كان قد يناقش بناء على تنزيل الخبر
على ما عرفت بأن التمييز حاصل على الوجه المعتبر، فإن الزوج ينوي قبول نكاح من
نواها الأب، وهو وصف مميز لها عما عداها، فأي فرق بين هذا الوصف والوصف
بالكبرى والصغرى ونحوهما، نعم يتجه البطلان مع فرض عدم التفويض
أو عدم التعيين من الأب حين العقد، فالبحث حينئذ في تنزيل الخبر على ذلك، ولا
بأس به جمعا بينه وبين القواعد المعتبرة حتى بالنسبة إلى ظهور الرؤية في التفويض،
بحيث يكون الزوج مدعيا لمخالفة الظاهر.
وبذلك ظهر لك حكم جميع الصور، وهو البطلان فيما إذا لم يقصدا معينة،
أو تخالفا في القصد، أو لم يعرف أحدهما ما قصد الآخر، والصحة لو قصدا معينة عالمين
بالموافقة، وفيما لو قصد الزوج مثلا قبول من قصدها الأب بتفويض وبغيره مع فرض
قصده معينة في قول والتحالف لو اختلفا في المعينة التي أوقعا العقد عليها، نعم قد
يتوقف في الصحة في الصورتين الأخيرتين، لعدم صدق امتياز الزوجة فيهما الذي ستعرف
اعتباره بالاسم أو الصفة أو الإشارة، ضرورة عدم كون المقصود للأب مثلا منها، إذ ليس
هو وصف مميز إلا للأب بخلاف الكبرى مثلا.
فالتحقيق اختصاص جواز ذلك بمضمون الصحيح بناء على العمل به دون غيره،
لا أن المراد من تنزيله أن ذلك جائز في نفسه مع قطع النظر عن الصحيح، لكونه
مقتضى القواعد، فإن ذلك مشكل جدا، بل لو قيل بصحته للخبر على وجه يجري
156

في غير موضوعه كان مشكلا أيضا، لكونه كالمأول بالنسبة إلى ذلك، بل هو شبه
القضية في واقعة لا يجسر بها على الحكم بما ينافي ما عرفت، هذا.
ولو ادعى الزوج عدم التعيين حاله وادعى الأب التعيين بتفويض الزوج
أو باطلاقه كان القول قول الأب لأنه مدع للصحة، بخلاف الزوج المدعي للفساد،
وكذا لو ادعاه باختلاف القصد في التعيين وادعى الأب الصحة باتحاده.
المسألة (السابعة)
(يشترط في النكاح) بأقسامه (امتياز الزوجة عن غيرها) اتفاقا في
كشف اللثام وغيره، كما أنه يشترط امتياز الزوج أيضا كذلك (بالإشارة أو التسمية
أو الصفة) الرافعة للاشتراك أو غير ذلك مما يميزهما ويشخصهما في الواقع وإن لم
يتعينا حال العقد، بل قد يقال بالاخراج بالقرعة مع فرض التمييز في الواقع
والاشتباه في الظاهر، إذ احتمال اعتبار التشخيص المستلزم لمعرفة الشخص في الظاهر
أيضا - ولو بعد العقد وإلا بطل، فلا يجدي في إناطة العقد بمتشخص في الواقع مجمل
في الظاهر - مخالف لا طلاق الأدلة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن، وهو العقد
على غير المتميز في الواقع مع احتماله، لأصالة عدم النقل المقتصر في الخروج عنها
على المتيقن المعهود، وهو المتميز واقعا، وظاهرا، نعم لا يعتبر فيه ذلك حال العقد،
بل يكفي فيه التمييز بعده، بل لو اتفق عروض الاشتباه استخرج بالقرعة،
لا أنه يكفي بناء العقد على المتشخص واقعا المجمل ظاهرا على أن يستخرج
بالقرعة، كالعقد على الكبرى مثلا المعلوم عدم التمكن من معرفتها ظاهرا،
لجهل تاريخ الولادة ونحوه، ولعله لا يخلو عن قوة.
وربما كان هو الظاهر من عبارة المصنف وغيرها وإن كان التفريح خاصا،
بل ومعقد اتفاق كشف اللثام، بل كاد يكون صريح ثاني الشهيدين في المسالك، فإنه
157

قال في شرح العبارة: " لما كانت الزوجة معقودا عليها وعينها مقصودة للاستمتاع
اشترط تعينها في صحة النكاح، كما في كل معقود عليه سواء أريد عينه كالمبيع
أو منفعته كالعين المؤجرة، وكذلك يشترط تعيين الزوج، لأن الاستمتاع يستدعي
فاعلا ومنفعلا معينين لتعينه (فلو زوجه إحدى بنتيه أو هذا الحمل) أو زوج
بنته من أحد ولديه أو من هذا الحمل (لم يصح العقد) بل الثاني أولى، لمشاركته
للأول في عدم التعيين، إذ يحتمل كونه واحدا أو أزيد، مضافا إلى احتمال كونه
غير قابل لنكاح المخاطب، بأن يكون ذكرا أو أنثى أو خنثى مشكلا ".
وإن كان قد يناقش بالفرق بين النكاح وبين البيع والإجازة باعتبار قدح
الجهالة فيهما دونه، فليس اعتبار التشخيص في النكاح لذلك، ولا لكون الزوج والزوجة
معقودا عليهما، فإن العقد عليهما لا يقتضي اعتبار تشخصهما في الصحة، ضرورة صحة العقد
على الكلي في البيع والإجارة، فضلا عن غيرهما، نعم الاجماع المحكي ومعهودية التشخيص
في النكاح على وجه يقطع بعدم صحة غيره أو يشك في تناول الاطلاق له، فتبقى
أصالة عدم النقل بحالها.
وبمنع أولوية عدم الصحة في الحمل، ضرورة عدم بناء العقد فيه على عدم التعيين،
واحتمال حصوله بالتعدد لا يقتضي البطلان حينه، كما أن عدم معلومية كونه صالحا
للنكاح أو نكاح المخاطب لا يقتضي ذلك، ضرورة عدم اعتبار معرفة تأثير العقد حال
وقوعه، بل يكفي فيه مصادفته التأثير كما في سائر العقود، فعدم الصحة في الحمل
حينئذ ليس لذلك، بل إن كان فهو، لعدم قابلية الحمل لايقاع مثل هذا العقد عليه،
وكذا البيع منه والهبة له وغيرهما، ولو بقبول الولي، فهو بالنسبة إلى ذلك معامل
معاملة الجمادات إلا ما خرج بالدليل، كالوصية له ونحوها، والعمدة فيه الاجماع
إن تم وإلا فقد يقال بالصحة المراعاة بقابلية وقوع النكاح، وعدم منافاة التمييز
بالتعدد، لا طلاق الأدلة، اللهم إلا أن يشك في تناولها لمثل ذلك، فيبقى أصل
عدم النقل سالما.
وكيف كان فلا يتوهم من العبارة ونحوها وجوب ذكر ما يقتضي التعيين
158

في العقد على وجه لا يجزي اتفاقهما في النية والقصد المعلوم عند كل واحد منهما،
فإن الظاهر القطع بصحة ذلك كما صرح به في كشف اللثام والمسالك، وتعذر الشهادة
بعد عدم اشتراطها عندنا غير قادح، نعم في المسالك من اشترط الشهادة أبطل هنا،
لأن الشاهد إنما يشهد على اللفظ المسموع دون النية، وفيه أنه يمكن الشهادة عليها
أيضا بالقرائن المفيدة لها أو بالاقرار فيها بعد العقد أو غير ذلك.
وعلى كل حال فليس المراد اعتبار ذكر ما به التعيين في العقد قطعا، بل
المراد منه اعتبار التعيين عندهما، بل قد عرفت أنه يجزي على قول ما سمعته من
تفويض أحدهما إلى الآخر فيه، فينوي ما نواه.
نعم لو سمى الكبرى مثلا باسم الصغرى غلطا وقبل الزوج ناويا نكاح الصغرى
لم يصح، بخلاف ما لو قال: زوجتك بنتي فاطمة أو هذه فاطمة وكانا متطابقين،
فإنه لا إشكال في صحته، وكان الثاني تأكيدا.
أما إذا لم يكونا متطابقين بأن كانت المشار إليها زينب أو كانت بنته ولكن
سماها بغير اسمها ففي صحة العقد ترجيحا للإشارة أو البطلان لعدم بنت له بذلك
الاسم أو ليست الحاضرة المسماة به وجهان، أقواهما الأول، ولو قال: زوجتك
ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو البيضاء أو السمراء وله بنات متعددة متميزة
بذلك فلا إشكال في الصحة، ولو لم يكن له إلا واحدة فالوصف مؤكد، نعم ربما
يشكل الحكم لو كان الوصف بالكبرى وأختيها حيث لا بنت له سواها بما سمعت
من عدم وجود بنت له كبرى، مع أن الأقوى الصحة، ترجيحا للاسم، فيلغو
حينئذ إرادة التشخيص بالوصف.
159

المسألة (الثامنة)
(لو ادعى زوجية امرأة) فأنكرته (وادعت أختها زوجيته) فإن لم
يقم أحد منهما بينة على دعواه حلفت الامرأة على نفي دعواه، وحلف هو للمدعية
على نفي دعواها إن لم يكن قد دخل هو بها، ولو ردت الأولى عليه اليمين مثلا
فحلف هو فهل له رد اليمين على المدعية؟ وجهان، وعلى الأول فإذا حلفت كان الحكم
كما لو أقام كل منهما بينة على إشكال، وإن كان قد دخل بها ففي كون اليمين
عليه، لأنه المنكر بموافقته للأصل أو عليها بموافقتها الظاهر وجهان، أقواهما
الأول، وحينئذ فلو أقام أحدهما خاصة البينة قضي له بها وإن كان الرجل الداخل
بالمدعية، واحتمال عدم سماعها منه لتكذيبه إياها بفعله، يدفعه أعمية الدخول
من النكاح المدعى، مع فرض عدم القرائن وأصالة ض الصحة لا تشخص وجهه، نعم
لا بد له حينئذ من اليمين على نفي ما ادعته الأخت وفاقا للشهيد، ضرورة كونه
منكرا بالنسبة إلى دعواها، والبينة على زوجية أختها لا يقتضي العلم بكذبها،
ضرورة امكان صدق البينة مع تقدم العقد عليها، كما أنها لو أقامت هي البينة حلفت
هي معها أيضا على نفي العلم بسبق عقده على أختها مع فرض دعواه عليها لذلك
أيضا، اللهم إلا أن يستفاد من فحوى الخبر الآتي عدمه هنا، بناء على عدمهما في
مورده، وأنه يكفي ثبوت دعوى كل منهما في فساد الأخرى على وجه لا يحتاج
إلى اليمين، ولا استبعاد في سقوط يمين المنكر مثلا مع فرض إقامته بينة على
دعوى تقتضي فساد دعوى المدعي، وليست هي بينة منكر، فلاحظ وتأمل.
(و) إن (أقام كل منهما بينة، فإن كان قد دخل بالمدعية كان الترجيح
لبينتها، لأنه مصدق لها بظاهر فعله) سيما إذا تكرر (وكذا لو كان تاريخ
بينتها أسبق)، لأنه حينئذ في حكم من لا بينة له، ضرورة بطلان بينته بالبينة
160

السابقة التي لا تعارضها بينته المفروض تأخرها عن الأولى المراد بها أنها زوجته الآن
منذ زمان كذا (ومع عدم الأمرين) بأن انتفى الدخول واتفقت البينتان بالتاريخ أو
أطلقتا أو سبق تاريخ بينته على تاريخ بينتها (بكون الترجيح لبينته) قيل: لرجحان
ما على بينتها بأنها تنكر ما هو فعله الذي هو أعلم به من غيره، إذ لعله عقد على الأولى
قبل العقد عليها وهي لا تعلم، وإن كان هو مع أنه أخص من المدعي لا يخلو من نظر
بل منع، ولخبر الزهري (1) عن علي بن الحسين عليه السلام " في رجل ادعى على امرأة أنه
تزوجها بولي وشهود وأنكرت المرأة ذلك، وأقامت أخت هذه المرأة على
هذا الرجل البينة أنه تزوجها بولي وشهود ولم توقت وقتا، فقال: إن البينة
بينة الزوج، ولا تقبل بينة المرأة، لأن الزوج قد استحق بضع هذه، وتريد أختها
فساد هذا النكاح، فلا تصدق ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها أو دخول بها "
والمناقشة فيه بالضعف يدفعها عمل الأصحاب به من غير خلاف يعرف على ما اعترف
به غير واحد عدا ما عن المصنف في النكت، بل عن بعض دعوى الاجماع عليه.
وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الصور حينئذ في إقامتها البينتين اثنتا عشرة،
لأنهما إما أن تكونا مطلقتين، أو مؤرختين أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة،
وعلى تقدير كونهما مؤرختين إما أن يتفق التاريخان أو يتقدم تاريخ بينته أو تاريخ
بينتها، وعلى التقادير الستة إما أن يكون قد دخل بالمدعية أولا، يقدم قولها في سبعة
منها، وهي الستة المجامعة للدخول مطلقا باعتبار ظهوره في الزوجية وإن كان قد يمنع
ظهوره في ذلك، اللهم إلا أن يفرض اقترانه بما يفيد ذلك، وواحدة من الستة
الخالية عنه وهي ما لو تقدم تاريخها، ويقدم قوله في الخمسة الباقية، كما ظهر لك
أيضا أن الصور في غير الحال المفروض ستة هي عدم إقامة أحد منهما البينة أو إقامة
الرجل دونها أو بالعكس، والثلاثة مع الدخول وعدمه، وقد عرفت الحكم فيها
جميعا، فتكون الصور حينئذ ثمان عشرة.
لكن في المسالك في شرح قول المصنف هذا الحكم مشهور بين الأصحاب لا يظهر

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
161

فيه خلاف بينهم، وهو مخالف للقواعد الشرعية في تقديم بينة الرجل مع إطلاق
البينتين أو تساوي التاريخين، لأنه منكر، ويقدم قوله مع عدم البينة، ومن كان
القول قوله فالبينة بينة صاحبه، وفيه أنه منكر بالنسبة إلى دعوى المدعية،
لا بالنسبة إلى من ادعى عليها الزوجية المفروض إنكارها، فإنه مدع صرف، نعم قيل:
ترجح هذه البينة على بينتها بعد فرض عدم إمكان الجمع بينهما للتنافي بأنها على
فعل لا يعلم إلا من قبله، بل لو فرض تصديق الأولى أمكن ترجيح بينته أيضا بأن
يقال: إن الأختين حينئذ متداعيان، كل منهما يدعي زوجية الرجل، فمع فرض
تصديقه لأحدهما ترجح بينتها على الأخرى باقراره لها بالتزويج، نعم لو لم يكن
إقرار منه أشكل تقديم إحدى البينتين على الأخرى مع فرض التنافي وعدم الترجيح،
وحينئذ يتجه الرجوع إلى القرعة التي هي لكل أمر مشكل، والتحقيق أن الترجيح
لما ستعرفه لا لذلك، نعم قد يشكل ترجيح بينتها بالدخول الذي قد عرفت أعميته
من النكاح خصوصا مع سبق البينة الرجل في التاريخ لبينتها، فليس حينئذ إلا
للتعبد للخبر المزبور، لا للقواعد. اللهم إلا أن يفرض اقتران الدخول بقرائن
تقتضي تكذيب بينته.
وكيف كان ففي القواعد وجامع المقاصد والمسالك وغيرها أن الأقرب الافتقار
في قطع الدعوى إلى اليمين ممن قبلت بينته، أما الرجل فلأن بينته إنما هي لاثبات
ما ادعاه على المرأة الأولى، وبينه وبين أختها دعوى أخرى هو فيها منكر، فلا بد
من اليمين لقطع دعواها، ولا يضر إقامتها البينة، لعدم المنافاة، لامكان سبق العقد،
وأما المرأة فيمينها على نفي العلم، لاحتمال علمها بقدم العقد على الأولى، ولتعارض
البينتين في أنفسهما بالنظر إلى المرأتين.
وإن كانت هي مدعية خاصة والدخول إنما كان مرجحا لا مسقطا للبينة
المقابلة فيبقى التعارض حينئذ إلى أن تحلف، وليس في ذلك خروج عن النص،
إذ غايته ترجيح البينة، وهو لا ينافي إيجاب اليمين، نعم لا يمين مع كون البينة
بالسبق، ضرورة اقتضائها حينئذ بطلان البينة المقابلة، وقد يشكل ذلك في المرأة
162

بأن يمينها مع أنه على نفي العلم الذي لا يفيد رفع الاحتمال إنما يتوجه إذا ادعى
عليها العلم على الأصح، على أنه لا وجه لليمين مع البينة المرجحة شرعا بالدخول،
ضرورة كونه كباقي مرجحات البينات من الأعدلية وغيرها التي لا يحتاج معها إلى
يمين، والنص كالصريح، سيما قوله عليه السلام: " فلا تصدق " في عدم الحاجة إلى اليمين،
وإلا لكان فيه تأخير بيان عن وقت الحاجة، فلعل القول بعدم الاحتياج إليه مع
قبول بينتها لا يخلو من قوة، ودعوى قاعدة وجوب اليمين على كل من قوى جانبه
لا دليل عليها، مع أن مقتضاها اليمين على مضمون البينة كما عساه يوهمه بعض
العبارات، وهو واضح البطلان، ولذا صرح في كشف اللثام بكون اليمين من ذي البينة
على الوجه الذي تقدم، وفيه ما عرفت، واحتمال كون المراد صيرورة قوى الجانب
منكرا فيتوجه عليه اليمين لذلك واضح الفساد، بل وكذا بالنسبة إلى الرجل أيضا
حال قبول بينته لما عرفت، وكونه منكرا بالنسبة إلى دعواها لا يستلزم ثبوت اليمين
بعد أن أقام بينة تشهد على صحة إنكاره وصدقه فيه، خصوصا مع فرض سبق
تاريخها، هذا.
ومن التأمل فيما ذكرنا يعلم أن الوجه انسحاب حكم المسألة إلى مثل الأم
والبنت لو ادعى زوجية إحداهما وادعت الأخرى زوجيته، ضرورة عدم مدخلية
الأخوة فيه، بل إنما هو لتحريمه، وهو مشترك بين الجميع، مضافا إلى ما عرفته
من موافقة الحكم للقواعد الشرعية في الجملة التي لا فرق فيها بين الجميع كما يومي
إليه التعليل في الخبر، ضرورة ظهوره في ذلك لا التعبد، ولعله لأن المراد أن الزوج
باعتبار دعواه استحقاق بضع الأخت كان هو المدعي الذي وظيفته البينة بخلافها، فإن
دعواها الزوجية ليست دعوى عليه من حيث عقد النكاح الذي هو بمعنى مملوكية
بضعها له، وهي ليست دعوى عليه من هذه الجهة، نعم هي مدعية من جهة اللوازم
المشتركة بينها وبينه، ويزيد الرجل بدعوى الملكية للبضع بخلافها، ومن هنا
قال عليه السلام: " البينة بينة الرجل " فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع، بل قد يدعي
ظهور الخبر في التعدية، للتعليل وإن كان مخالفا للقواعد، وحينئذ فما في المسالك -
163

من احتمال عدم الانسحاب بل جزم به في جامع المقاصد وكشف اللثام لكون الحكم
على خلاف الأصل فيقتصر على مورده - لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
المسألة (التاسعة)
(إذا عقد على امرأة فادعى آخر) عليها (زوجيتها لم يلتفت إلى دعواه)
عليها (إلا مع البينة) قال يونس (1) " سألته عن رجل تزوج امرأة في بلد
من البلدان فسألها لك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها، ثم إن رجلا أتاه فقال: هي
امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ قال: هي امرأته إلا أن يقيم البينة "
ونحوه مكاتبة الحسين بن سعيد (2) وفي خبر عبد العزيز بن المهتدي (3) سألت الرضا
عليه السلام قلت له: " إن أخي مات وتزوجت امرأته، فجاء عمي فادعى أنه كان
زوجها، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشد الانكار، وقالت: ما كان بيني وبينه شئ قط،
فقال: يلزمك إقرارها ويلزمه إنكارها " ولا ينافي ذلك مضمر سماعة (4) " سألته عن رجل
تزوج امرأة أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إن هذه امرأتي، وليست
لي بينة، فقال: إن كان ثقة فلا يقربها، وإن كان غير ثقة فلا يقبل " بعد أن كان
محمولا على ضرب من الاستحباب للاحتياط، إذ لم نجد عاملا به.
وعلى كل حال فظاهر المصنف بل قيل والأكثر أنه لو فرض عدمها كانت
دعواه عليها مثلا باطلة، لا يتوجه لها عليها اليمين وإن كانت هي منكرة، إذ اليمين
إنما تتوجه على المنكر الذي لو اعترف لزمه الحق باعترافه، والأمر هنا ليس
كذلك، ضرورة أنها لو صادقت المدعي على دعواه لم تثبت الزوجية، لكونه في
حق الغير، وهو الزوج المالك بضعها بالعقد المفروض، فلا يقبل قول الغير في إسقاطه،

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
(2) أشار إليها في الوسائل الباب - 23 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3 وذكرها
في التهذيب ج 7 ص 477 الرقم 1914.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 23 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1 - 2.
164

ومنه يعلم عدم إمكان ردها اليمين عليه، لأن اليمين المردودة إن كانت كالاقرار
وقد عرفت حكمه، وإن كانت كالبينة فهي بالنسبة إلى المتداعيين دون غيرهما، وهو هنا
الزوج.
لكن قد يناقش بأنه مناف لعموم قوله صلى الله عليه وآله: " البينة على المدعي واليمين
على من أنكر " (1) ونحوه، ودعوى كون المتبادر منه لزوم الحلف لقطع أصل الدعوى
المعلوم عدمه هنا لمكان حق الزوج لا اللوازم ممنوعة على مدعيها، ولذا سمعت على
من باع المال ونحوه، كدعوى أن العمدة في التعدية إلى اللوازم الاجماع، وليس
لظهوره إطلاق عبائر الأكثر في عدم السماع مطلقا، ضرورة كون التعدية
لظاهر النصوص، وستعرف المراد باطلاق الأكثر، وليس في النص إلا قوله عليه السلام:
" هي امرأته حتى يقيم البينة " وهو كذلك، فإن اليمين المردودة لا تخرج به
عن الزوجية التي تعلق بها حق الغير، وحينئذ فيتوجه له اليمين، كما يتوجه لها الرد
عليه وإن لم يسمع ذلك في حق الزوج، لكن فائدته على تقدير الاقرار وما في حكمه
ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي، لحيلولتها بينه وبين البضع بالعقد الثاني، كما
لو باع شيئا على أنه له، ثم أقر به لزيد، فإنه يغرم للمقر له عوضه مثلا أو قيمته،
وعلى تقدير رد اليمين على المدعي أو نكولها عن اليمين والقضاء للمدعي بالنكول أو مع
اليمين فالحكم كذلك، ومن هنا ذهب جماعة كما قيل إلى قبول الدعوى وإن لم
تكن ثم بينة، ومال إليه في المسالك، لكن قال: " مبنى القولين على أن منافع
البضع هل تضمن بالتفويت أم لا؟ وقد اختلف فيه، فحكموا بضمانه تارة، وبعدمه
أخرى، نظرا إلى أن حق البضع متقوم شرعا فمن أتلفه وجب عليه عوضه،
وهو المهر، والتفاتا إلى أنه ليس مالا للزوج، وإنما حقه الانتفاع به، ومنافع الحر
لا تضمن بالفوات، لأنها لا تدخل تحت اليد، وينبه (على الأول) حكمهم بوجوب
مهر المثل لمن انفسخ نكاحها بارضاعها من يفسد النكاح، ووجوب دفع المهاجرة

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء وفيه
" البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ".
165

مسلمة إلى زوجها الكافر المهر، للحيلولة بينه وبينها بالاسلام، وهو قائم هنا،
و (على الثاني) عدم وجوب مهر للزانية ولا لزوجها، وثبوت مهر المثل لها في وطء
الشبهة دونه - ثم قال - والقول بسماع الدعوى وثبوت الغرم متجه عملا بالقاعدة
المستمرة من ثبوت اليمين على من أنكر، وزجرا عن الاقدام على مثل ذلك ".
قلت: ستعرف في الرضاع أن الأقوى عدم مالية البضع، وأن ثبوت المهر في
بعض المواضع للدليل، لعدم عده مالا لغة ولا شرعا ولا عرفا، لكن قد يقال بسماع
الدعوى وإن لم نقل بماليته ولا بثبوت الغرم للحيلولة، بل للعموم السابق، ولأن
إقرارها حقيقة أو حكما يثمر ثبوت الزوجية مع توجيه الدعوى على الزوج، فتثبت
الزوجية حينئذ باقرارهما أو نكولهما أو اليمين المردودة، بل قد تثبت في حقه
أو حقها، ويترتب على ذلك أحكام كثيرة ولو باتفاق فراق الزوج الثاني أو موته عنها
أو غير ذلك، كما أنها لو أقرت هي مثلا لم يكن لها مطالبة العاقد بمهر ولا نفقة
ولا قسم، إلا أن تدعي الشبهة الممكنة في حقها، فليس مبنى القولين حينئذ
ما ذكره.
ومن ذلك يعلم حينئذ أن الدعوى تتوجه على الزوج والمرأة معا، إذ لا يعتر
في المدعى عليه الاتحاد، فإن اتفقا على الحلف أو الرد فلا كلام، وإن اختلفا كان لكل
حكمه، كالاقرار منهما أو من أحدهما، ولا فرق في ذلك بين اتحاد المجلس وعدمه،
كما هو واضح، كما أن منه يعلم ما في المتن إن كان مراده عدم سماع الدعوى أصلا
إلا مع البينة على وجه لم يتوجه له يمين لا على الزوج ولا على المرأة، كما جزم به
في المسالك، حتى قال: " إنما جعل المصنف موضوع المسألة الدعوى على المعقود
عليها، ليرتب الجزم بعدم سماع الدعوى نظرا إلى ما سمعته أولا، فإنها لو كانت
خلية لسمعت قطعا، وترتب عليها اليمين مع الانكار، ولزوم العقد بالاقرار، وثبوت
النكاح لو نكلت، أورد عليه اليمين فحلف " وفيه أنه يمكن إرادة المصنف هنا
والنافع وغيره ما سمعته في النص من عدم ثبوت دعواه مطلقا إلا مع البينة، فإنها
حجة على كل من الزوج والامرأة بخلاف اليمين من كل واحد منهما، فإن النكول
166

عنه إنما يثبت في حقه لا في حق الآخر، ولعله لذا قال في القواعد: ولو ادعى زوجية
امرأة لم يلتفت إليه إلا بالبينة سواء عقد عليها غيره أم لا، ضرورة معلومية توجه
اليمين عليها مع عدم العقد، مع أنه نفى الالتفات إلى الدعوى إلا مع البينة.
وعلى كل حال ففي المسالك أيضا مما يتفرع على الخلاف الأول جواز العقد
على هذه، أي الخلية لغير المدعي قبل انتهاء الدعوى وعدمه، فإن قلنا بسماعها
بعد التزويج وترتب فائدتها السابقة صح العقد الثاني، وتثبت الدعوى بحالها،
لكن العقد الثاني يفيد سقوط تسلط المدعي على البضع، فيحتمل لذلك عدم
جواز العقد حتى ينهي الأول دعواه، لسبق حقه، فلا يسقطه الثاني بعقده، نعم
لو تراخى الأول في الدعوى أو سكت عنها فجواز العقد أجود حذرا من الاضرار
المترتب على المنع، فإن الزوج إذا علم بعدم إقدام أحد عليها أمكن أن يؤخر
دعواه لذلك، ليطول الأمر عليها، ويتوجه عليها الضرر بترك التزويج، فيكون
وسيلة إلى الرجوع إليه، وهو يستلزم الحرج والاضرار المنفيين بالآية (1)
والرواية (2) وإن قلنا بعدم سماع الدعوى على المعقود عليها أصلا كما ذهب
إليه المصنف اتجه عدم جواز تزويجها إلى أن يخرج من حقه بانتهاء الدعوى،
ويشكل الأمر حينئذ لو ما طل بها وقصد ما ذكرناه، ولعل الجواز حينئذ مطلقا
قوي.
قلت: قد عرفت عدم سقوط الدعوى بالتزويج عندنا وإن تعدد المدعى عليه
به، وعدم تسلط المدعي البضع لو فرض نكول المرأة عن اليمين لا يقتضي عدم
جواز التزويج للامرأة الخلية شرعا، بل لو قلنا بسقوط الدعوى منه أصلا أمكن
القول بجواز التزويج لذلك، وأقصاه أنه توصلت الامرأة إلى اسقاط دعواه بطريق
محلل، كما أن الرجل قد تزوج امرأة خلية شرعا وإن ترتب على ذلك سقوط
دعوى المدعي، واحتمال أن مجرد الدعوى يمنعها من التزويج ومن الاقدام عليها

(1) سورة الحج: 22 - الآية 78.
(2) الوسائل الباب - 12 - من كتاب احياء الموات.
167

كما ترى وإن لم يطل السكوت الذي تتضرر به المرأة. المسألة (العاشرة)
(إذا تزوج العبد بمملوكة ثم أذن له المولى في ابتياعها فإن اشتراها
لمولاه فالعقد باق) للأصل (وإن اشتراها لنفسه بإذنه أو ملكه إياها بعد ابتياعها)
له (فإن قلنا العبد يملك) مطلقا أو في نحو الفرض (بطل العقد) كما يبطل
نكاح الحر للأمة إذا اشتراها، لظهور قوله تعالى (1): " إلا على أزواجهم "
وغيره في منع الجمع بين سببي الوطء وانقطاع الشركة بينهما، فيكون كل واحد
منهما مؤثرا تاما في إباحة الوطء، ففي حال الاجتماع إما أن يرتفع تأثيرهما،
وهو معلوم الفساد أو يكون المؤثر واحدا وليس هو إلا الطاري فما في المسالك -
من المناقشة في ذلك بأن علل الشرع معرفات، فلا يضر اجتماعها - يدفعه ما عرفته
من ظهور الأدلة هنا في كونها في الفرض كالعلل العقلية بالنسبة إلى ذلك، نعم
قد يناقش في ترجيح الطارئ بعدم ما يقتضي ترجيحه، بل لعل الأول أرجح باعتبار
سبق تأثيره، فلا يصادف الثاني موضوعا للتأثير، فيتجه بطلان البيع حينئذ
لا النكاح، اللهم إلا أن يقال: الاجماع على صحة البيع يرفع ذلك، أو يقال: إن
السبب نفسه أقوى في التأثير من استدامة الأول، أو غير ذلك مما يتجه معه حينئذ
بطلان النكاح فيما نحن فيه، بناء على ملكية العبد.
لكن هل يستبيحها بغير إذن جديدة من المولى إما بالملك أو بالإذن الضمنية
المستفادة من الإذن في شرائها لنفسه أم لا؟ وجوه، أقواها الأخير، للحجر عليه
في التصرف وإن قلنا بملكيته، والإذن في شرائها له لا يقتضي الإذن في التصرف إلا
مع القرائن التي لا إشكال معها في الجواز، ولا يشكل بأنها وقعت منه في حال
عدم الإذن له باعتبار كونها في ملك غيره نحو ما قيل في الوكالة على ما لا يملكه

(1) سورة المؤمنون 23 - الآية 6.
168

الموكل، ضرورة اندفاعه فيهما بأنه سائغ فيما هو تابع، كالوكالة على شراء دار
وبيعها بعد الشراء ونحو ذلك، لاطلاق أدلة الوكالة كما هو واضح.
هذا كله على القول بملكية العبد (وإلا) نقل بملكيته لمثل ذلك (كان)
العقد (باقيا) لعدم وجود ما ينافيه بلا إشكال إذ الابتياع المزبور إما أن يكون
فاسدا لوقوعه للعبد المفروض عدم قابليته للملك أو للمولى حينئذ كما عن بعضهم،
لأن إذنه فيه للعبد تضمن أمرين: مطلق الشراء وكونه مقيدا بالعبد، فإذا بطل المقيد
بقي المطلق المدلول عليه بالمقيد ضمنا، لكن في المسالك النظر في الثاني بأنه لا يلزم
من الإذن في الشراء للعبد الإذن فيه للمولى، وبقاء المطلق مع انتفاء المقيد في مثل
هذه المواضع ظاهر المنع، ومن الجائز أن يرضى المولى بتملك الأمة المعينة للعبد،
ولا يرضى بتملكها لنفسه، فعدم صحة العقد أصلا قوي، وهو متجه إن لم نقل
بلغو نيته أنه للنفس بعد أن كان الشراء المأمور به لا يقع لها، نحو قول القائل:
" اشتر بعين مالي كذا لنفسك " ونحو الشراء بعين المال المملوك للمشتري مثلا للغير،
كما أوضحناه في دين المملوك عند تعرض المصنف له.
وعلى كل حال فالذي ينبغي أن يكون محلا للنظر والتأمل ما لو أذن المولى
للعبد في ابتياع الأمة له غير ملاحظ الملكية والاختصاص وشراها العبد كذلك، بل
قصد القدر المشترك بينهما دون الإذن صريحا أو ظاهرا في شرائها للمولى والانتفاع
بها للعبد، فإن ذلك لا إشكال في صحته، ودون الإذن في شرائها له على جهة الملكية
له، فإن ذلك لا إشكال في الفساد معه بناء على عدم ملكه إلا على الاحتمال السابق،
والمتجه فيه الصحة، لكون العبد مأذونا في أصل الابتياع المنصرف واقعا وشرعا إلى
من هو أهله دون العبد، من غير حاجة إلى قصد العبد، بل قد يتجه ذلك مع
قصد العبد نفسه، فإنه لا يؤثر في الانصراف المزبور بعد فرض عدم قابليته للتملك.
فضلا عن عدم القصد، والاقتصار على نية الشراء بالإذن الصادرة من المولى، واحتمال
الفساد - بعدم قصد العبد كونه للمولى أوله - يدفعه منع اعتبار ذلك في صحة البيع،
ضرورة كون ذلك في الفرض من الأحكام الشرعية التي لا مدخلية فيها للنية، هذا
169

وقد تقدم البحث في نظير هذه المسألة في باب دين المملوك من هذا الكتاب، فراجعه
ثمة، فإنه تحقيق بما لا مزيد عليه.
(و) كيف كان ف‍ (لو تحرر بعضه واشترى زوجته بطل النكاح بينهما سواء
اشتراها بمال ينفرد به أو مشترك بينهما) لأنه صار مالكا لها أو لبعضها، فيبطل
عقد النكاح فيها أو فيما يخصه، والعقد لا يتبعض، نعم لا يصح له وطؤها في الثاني، لأن
البضع لا يتبعض بخلاف الأول الذي يملكها تماما عليه، كما هو واضح والله العالم.
(الفصل الثالث)
(في أولياء العقد)
(وفيه فصلان:)
(الأول)
(في تعيين الأولياء، لا ولاية) عندنا (في عقد النكاح لغير الأب والجد
للأب وإن علا والمولى والوصي والحاكم) بل الاجماع بقسميه عليه في غير الأم
وآبائها، بل وفيهم، لما تعرفه من ضعف الخلاف في ذلك، وأولوية العم والأخ منهم
مع التصريح في النصوص بنفي ولايتهما، ففي المرسل (1) عن النبي صلى الله عليه وآله " أنه أبطل
تزويج قدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان " وفي صحيح محمد بن الحسن الأشعري (2)
" كتب بعض بني عمي إلى أبي جعفر عليه السلام ما نقول في صبية زوجها عمها، فلما
كبرت أبت التزويج، فكتب عليه السلام بخطه: لا تكره على ذلك، والأمر أمرها " نعم

(1) سنن الدارقطني ج 3 ص 230 (كتاب النكاح الحديث 36 و 37 و 38 و 39).
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
170

في خبر أبي بصير (1) " إن الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والأخ والرجل يوصي
إليه والذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها ويشتري " وفي مرسل الحسن بن (2)
على " الأخ الأكبر بمنزلة الأب " لكنه منزل على ضرب من التقية أو على إرادة
الولاية العرفية، بمعنى هؤلاء وأشباههم الذين ينبغي لها عدم مخالفتهم إذا لم
يضاروها، أو غير ذلك مما لا ينافي الاجماع عندنا على انحصار الولاية بالقرابة
فيهما، وما عن ابن أبي عقيل من أن الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الأب دون
غيره من الأولياء، لحصر بعض النصوص (3) الولاية فيه مع عدم قدح خلافه
في الاجماع، فهو محجوج به، و بالنصوص المشتملة على ثبوت الولاية لهما (4)
وعلى تقديم الجد عند التعارض (5) المعتضدة بالشهرة والاجماع بقسميه عليه المخصصة
بها بعض نصوص الحصر غير صريح في المخالفة، لاحتمال إرادة ما يشمل الجد
من الأب.
(و) لكن (هل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ قيل) والقائل الصدوق
والشيخ وبنوا الجنيد والبراج وزهرة وأبو الصلاح وسلار: (نعم مصيرا إلى رواية
لا تخلو من ضعف) في السند - وإن كانت من الموثق - والدلالة وهي رواية الفضل بن
عبد الملك (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن الجد إذا زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا
وكان الجد مرضيا جاز " فإنها - مع كون الدلالة فيها بمفهوم الحال أو الصفة على ما
قيل وإن كان فيه أنها من مفهوم الشرط - لإرادة بيان الجواز في هذا الحال فضلا
عن حال موت الأب ردا علي من اعتبر موت الأب في ثبوت ولاية الجد من العامة،
ومن هنا كان الوجه أنه لا يشترط للاستصحاب في بعض الأفراد، ولأن الجد له

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4 - 6.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4 - 6.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث.
(6) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
171

ولاية المال إجماعا، فيثبت له ولاية النكاح كالأب، للخبر السابق (1) في تفسير من بيده
عقدة النكاح، ولصحيح ابن سنان (2) عن الصادق عليه السلام فيها أيضا قال: " هو ولي أمرها " ولا
خلاف في أن الجد ولي أمر الصغيرة في الجملة، وموثق عبيد (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل ويريد جدها أن يزوجها من رجل، فقال:
الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج
الأب والجد " الدال على قوة ولاية الجد من ولاية الأب، فلا يؤثر فيها موت
الأضعف كالعكس، بل هو أولى، مضافا إلى إطلاقه جواز تزويج كل منهما عليها.
(و) من هنا كان (الوجه أنه لا يشترط) في ولايته بقاؤه ولا موته، وإن
ذهب إلى الأخير بعض العامة، بل لعله أقرب من الأول الذي مال إليه الإصبهاني
في كشفه محتجا عليه بضعف الأدلة من الطرفين، والأصل عدم الولاية إلا فيما أجمع
عليه، وهو عند حياة الأب، وهو منه غريب بعد ما عرفت، والمراد من الجد للأب
ما هو منساق منه عن أب الأب وهكذا فلا يندرج فيه أب أم الأب للأصل وغيره، لكن
عن التذكرة الوجه أن جد أم الأب لا ولاية له مع جد أب الأب، ومع انفراده
نظر، وفيه ما لا يخفى.
(و) كيف كان فلا إشكال في أنه (تثبت ولاية الأب والجد للأب
على الصغيرة وإن ذهبت بكارتها بوطء أو غيره) ضرورة كون المدار في ولايتهما عليها
صغرها لا بكارتها (و) حينئذ ف‍ (لا خيار لها) لو عقداها أو أحدهما (بعد بلوغها
على أشهر الروايتين) (4) رواية وعملا، بل لم أجد عاملا بالرواية المخالفة، بل
لا بأس بوصفها بالشذوذ الذي أمرنا بالاعراض عن أمثالها معه، قال عبد الله بن
الصلت في الصحيح: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4 - 2.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4 - 2.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 7 - 8.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
172

ألها أمر إذا بلغت؟ قال: لا " ومحمد بن بزيع (1) في الصحيح أيضا " سألت الرضا عليه السلام
يزوجها أبوه ثم يموت وهي صغيرة ثم تكبر قبل أن يدخل بها زوجها أيجوز
عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال: يجوز عليها تزويج أبيها " ومثلها صحيح ابن
يقطين (2) وغيره مضافا إلى الأصل وتطابق الفتاوى على وجه لم يظهر فيه مخالف
كما اعترف به في المسالك، بل في غيرها الاجماع عليه.
(و) كذا (لو زوج الأب أو الجد الصغير لزمه العقد، ولا خيار له مع بلوغه
ورشده على الأشهر) بل المشهور، للأصل وغيره، بل ربما استدل عليه بصحيح
الحلبي (3) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في
صغره، أيجوز طلاقه وهو ابن عشر سنين؟ فقال: أما التزويج فصحيح، وأما طلاقه
فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك " وبصحيح محمد بن مسلم (4) عن أبي جعفر
عليه السلام " في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال: إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما
فنعم، قلت: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: لا " وخبر عبيد بن زرارة (5) عن أبي عبد الله
عليه السلام المروي في محكي البحار عن كتاب الحسين بن سعيد " في الصبي يتزوج
الصبية هل يتوارثان؟ فقال: إن كان أبواهما اللذان زوجاهما حيين فنعم، قلنا
فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: لا " إذ لو كان نكاحهما موقوفا على إجازتهما
بعد البلوغ لم يتوارثا صغيرين، لكن فيه أن مجرد الحكم بالصحة والتوارث لا يدل
على نفي الخيار، لأن ما فيه الخيار نكاح صحيح يترتب عليه الأحكام من توارث
وغيره، بخلاف الفضولي الذي لا يترتب عليه الأحكام حتى يجيز، اللهم إلا أن
يقال: إن إطلاق الصحة وإشعار الاقتصار على الطلاق فيما بعد البلوغ ظاهر في اللزوم

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1 - 7.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1 - 7.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 من كتاب الإرث.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
(5) البحار ج 203 ص 330 الطبع الحديث عن " ين " الذي هو رمز عن
كتاب الحسين بن سعيد إلا أن في التعليقة أخرجه عن نوادر محمد بن عيسى كما رواه
في المستدرك في الباب - 5 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3 والباب - 11 - منها
الحديث 2.
173

الذي يكفي فيه كونه مقتضى الاستصحاب، وآية " أوفوا " (1) وغيرهما.
خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية وبني البراج وحمزة وإدريس من أن له
الخيار بعد البلوغ، لتطرق الضرر إليه باعتبار إثبات المهر في ذمته والنفقة من غير
ضرورة تقتضي ذلك حال الصبا، بخلاف الصبية التي يثبت لها ذلك لا عليها،
ولخبر الكناسي (2) عن الباقر عليه السلام " إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان له
الخيار، إذا أدرك أو بلغ خمس عشرة سنة " إلا أن الأول مع أنه مجرد اعتبار
يدفعه منع عدم المصلحة في ذلك، خصوصا مع كون المهر في ذمة الأب، والثاني
- مع ضعفه سندا بل ودلالة، لاحتمال الخيار بالطلاق أو بالعيب أو نحو ذلك -
قد أعرض عنه المشهور، فلا يصلح مثلهما مخصصين لقاعدة اللزوم المؤيدة بالاشعار
والشهرة المتقدمتين، بل ربما ظهر من المسالك نفي ظهور الخلاف فيه أيضا كالصبية
نعم في صحيح ابن مسلم (3) " سألته عن الصبي يتزوج الصبية، قال: إذا كان
أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز، لكن لهما الخيار إذا أدركا " إلا أنه - مع
اشتماله على الصبية التي قد عرفت تظافر النصوص والاجماع على نفي الخيار لها -
محتمل للخيار بالطلاق أو العيب أو العقد بعنوان الفضولي لا الولاية أو نحو ذلك
مما تسمعه فيما يأتي إن شاء الله.
(و) كيف كان ف‍ (هل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات أظهرها
سقوط الولاية عنها وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع، و) حينئذ ف‍ (لو زوجها

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 9 - 8.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 9 - 8.
174

أحدهما لم يمض عقده إلا برضاها) كالأجنبي وكالولد الرشيد، وكالثيب الرشيدة
التي لا خلاف يعتد به على ما اعترف به في المسالك في انتفاء الولاية عليها، إذ هو في
خصوص ولاية النكاح على البكر الكاملة التي لم تتزوج، أو تزوجت ولم توطأ، أو
وطئت دبرا، أو ذهبت بكارتها بغير الجماع قبل البلوغ، وبعده على قول وكان
لها أب أو جد له كامل حاضر، أما إذا لم يكونا أو كانا غائبين غيبة منقطعة أو
ناقصين بجنون أو رق أو كفر مع إسلامهما فلا ولاية لأحد عليها إجماعا محكيا إن
لم يكن محصلا.
كما أن المشهور في محل البحث نقلا وتحصيلا بين القدماء والمتأخرين
سقوط الولاية عنها، بل عن المرتضى في الإنتصار والناصريات الاجماع عليه.
للأصل الذي لا ينافيه ثبوت الولاية حال النقص بالصغر، ضرورة تغير
الموضوع، ولذا انتفت الولاية عنها في غير النكاح حتى التصرف ببدنها بعلاج
ونحوه.
وظاهر قوله تعالى (1) في المعتدات من الوفاة: " فإذا بلغن أجلهن فلا جناح
عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " كقوله تعالى فيهن (2) أيضا: " فإن خرجن
فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف " وقوله تعالى فيهن (3): " فلا تحل له
من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا " بل قيل:
وقوله تعالى: (4) " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن
أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف " المراد منه أن مطلق المنع عضل لا الاستقلال
بالنكاح حال العضل، وإن كان فيه ما فيه، وغير ذلك مما ظاهره استقلالها بالولاية
ولو لبعض أفراد البحث، وهو من تزوجت ووطئت دبرا ويتم بعدم القول بالفصل،
وصلاحية النسبة بدون الاستقلال لا ينافي ظهورها فيه، كما لا ينافي غلبة اتفاق

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 234 240.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 234 240.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 230 - 232.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 230 - 232.
175

بعض الأفراد حجية ظاهر اللفظ في غيرها بعد فرض عدم تبادر التقييد، ووجود
الخلاف لا ينافي تحصيل الاجماع فضلا عن حكايته.
وصحيح الفضلاء أو حسنهم (1) عن الباقر عليه السلام " المرأة التي قد ملكت نفسها
غير السفيهة ولا المولى عليها أن تزويجها بغير ولي جائز " والمناقشة فيه - بمنع
كون البكر مالكة أمرها وغير مولى عليها، ومنع إفادة المفرد المعرف العموم،
وعدم ظهور المراد في ملك النفس والفائدة في الجمع بين السفيهة والمولى عليها -
واضحة الدفع، ضرورة ظهور كون المراد ملك النفس بغير النكاح كي يصح الاخبار
عنها بالجملة الأخيرة وحينئذ يتجه اندراج محل البحث فيها خصوصا بعد ملاحظة
قول الباقر عليه السلام في خبر زرارة (2) عنه " إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري
وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت فإن أمرها جائز، تتزوج إن شاءت بغير إذن
وليها، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها ".
ومنه يعلم حينئذ أن المراد بوصفها بغير السفيهة التوضيح للمراد بملكها
نفسها من كونها رشيدة، ويحتمل إرادة الكناية بذلك عن البلوغ، فيتجه تقييدها
حينئذ بكونها غير سفيهة ولا مولى عليها بسبب الجنون، فيكون الحاصل أن المرأة
إذا بلغت رشيدة جاز تزويجها بغير ولي، ولا ينافي ذلك قول الصادق عليه السلام في خبر أبي مريم
وغيره (3): " الجارية البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها وقال: إذا كانت مالكة
لأمرها تزوجت متى شاءت " بدعوى ظهوره في اعتبار عدم الأب في ملك الأمر، إذ
ليس هو بأولى من كون المراد أنها وإن كانت مالكة أمرها لا تتزوج إلا بإذن
أبيها إذا كان لها أب مراعاة للوالدية، وحفظا له من عيب الناس، خصوصا بعد
عقله ومعرفته بالرجال، وائتمانه وغلبة محبة الرجل الكامل صهرا، والجمع بين

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
176

السفيهة والمولى عليها لعدم اندراج الأولى في الثانية إذا فرض عدم رشدها في خصوص
النكاح وما يشبهه، لا سفها ماليا، فإن السفيهة في المال خاصة لا دليل على اعتبار
إذن الولي في التزويج الذي هو تصرف غير مالي، والمفرد المعرف باللام للطبيعة
المراد منها عموم الأفراد هنا، نحو " أحل الله البيع " (1) فلا إشكال حينئذ في دلالة
الصحيح المزبور وإن أطنب فيه في المسالك لكنه لا يخفى ما فيه على من تأمله.
وصحيح منصور بن حازم عنه عليه السلام أيضا " تستأمر البكر وغيرها، ولا
تنكح إلا بأمرها ".
وخبر سعدان بن مسلم (3) عن الصادق عليه السلام " لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت
من غير إذن وليها ".
وخبر عبد الرحمان (4) عنه عليه السلام أيضا " تتزوج المرأة من شاءت إذا كانت
مالكة لأمرها، فإن شاءت جعلت وليا ".
والمرسل عن ابن عباس (5) " إن جارية بكرا جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقالت:
إن أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة، فقال صلى الله عليه وآله: أجيزي
(اختري خ) ما صنع أبوك، فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال: فاذهبي فانكحي
من شئت، فقالت: لا رغبة لي عن ما صنع أبي ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس
للآباء في أمور بناتهم شئ ".
وخبره الآخر عنه صلى الله عليه وآله أيضا " الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر
تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها ".

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 275.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1 - 4.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب عقد النكاح الحديث 8.
(5) سنن ابن ماجة ج 1 ص 578.
(6) سنن البيهقي ج 7 ص 118.
177

وصحيح البزنطي (1) عن أبي الحسن عليه السلام " في المرأة البكر إذنها صماتها، والثيب
أمرها إليها ضرورة عدم اعتبار إذنها لو كانت مولى عليها، اللهم إلا أن يكون المراد
أن إذنها حيث تعتبر صماتها بخلاف الثيب، فيخرج حينئذ هو ونظيره عن
الاستدلال.
وخبر صفوان (2) قال: " استشار عبد الرحمان موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج
ابنته لابن أخيه، فقال: افعل ويكون ذلك برضاها، فإن لها في نفسها نصيبا، قال:
واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه السلام عن تزويج ابنته علي بن جعفر، فقال:
افعل ويكون ذلك برضاها، فإن لها في نفسها حظا ".
وخصوص خبر الحلبي (3) عنه عليه السلام " سألته عن المتعة بالبكر بلا إذن أبويها،
قال: لا بأس ".
وخبر القماط (4) " سأل عن المتعة بالبكر مع أبويها، قال: لا بأس، ولا
أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب ".
ومرسل أبي سعيد (5) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جارية بكر بين أبويها
تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها فأفعل ذلك؟ قال: نعم واتق موضع الفرج،
قال: قلت: فإن رضيت بذلك، قال: وإن رضيت، فإنه عار على الأبكار ".
وخبر محمد بن مسلم (6) " سألته عن الجارية يتمتع فيها الرجل، قال: نعم إلا
أن تكون صبية تخدع، قال: قلت: أصلحك الله فكم الحد الذي إذا بلغته لم تخدع؟
قال: بنت عشر سنين ".

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 9 - 6 - 7 مع الاختلاف في لفظ الثاني.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 9 - 6 - 7 مع الاختلاف في لفظ الثاني.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 9 - 6 - 7 مع الاختلاف في لفظ الثاني.
(6) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المتعة الحديث 4.
178

ولا يعارض ذلك صحيح أبي مريم (1) عن الصادق عليه السلام " العذراء التي لها أب
لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها " بعد قصورها عن المعارضة من وجوه، فلا بأس
بحمله على الكراهة أو الحرمة من جهة العوارض الأخر كما أومأ إليه الصادق عليه السلام
في خبر ابن البختري (2) عنه " في الرجل يتزوج البكر متعة، قال: يكره للعيب
على أهلها " وسأل أبو الحسن الأبادي الحسين بن روح لم كره المتعة بالبكر؟ فقال:
قال النبي صلى الله عليه وآله (3): " الحياء من الايمان " والشروط بينك وبينها فإذا حملتها
على أن تنعم فقد خرجت عن الحياء وزال الايمان، فقال: فإن فعل ذلك فهو زان،
قال: لا.
فحينئذ يتم الاستدلال بهذه النصوص على المطلوب بعد إتمامها بعدم القول بالفصل
إلا من المحكي عن جمع الشيخ في كتابي الأخبار اللذين لم يعدا للفتوى بسقوط الولاية
عنها في المنقطع دون الدائم، على أنه جمع يأباه ظاهر جميع الأخبار، بل والاعتبار،
ضرورة أولوية الدائم في ذلك منه باعتبار ما فيه من العار والغضاضة، واحتمال الحبل
ونحو ذلك مما لا يقاومه احتمال الفرق بتكثر حقوق الدائم وطول مدته بخلافه
في المنقطع، إذ هو كما ترى، ضرورة إمكان طول المدة في المنقطع.
ومن هنا يحكى عن بعضهم أنه عكس، فأثبت الولاية في المنقطع دون الدائم،
وإن كنا لم نعرف قائله، كما أنا لم نعرف وجها يعتد به له، ولسابقه سوى اعتبار
لا يصلح كونه مدركا لحكم شرعي، بل لعل الاعتبار يشهد بسقوط الولاية رأسا،
ضرورة تحقق الظلم في جبر العاقل الكامل على ما يكرهه، وهو يستغيث ولا يغاث،
بل ربما أدى ذلك إلى فساد عظيم، وقتل وزنا وهرب إلى الغير، وبذلك مع الأصل
تتم دلالة الكتاب والسنة والاجماع والعقل.
كما أنه مما ذكرنا يظهر لك الحال فيما حكاه المصنف وغيره بقوله: (ومن
الأصحاب من أذن لها في الدائم دون المنقطع، ومنهم من عكس) بل قد عرفت أن

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 12 - 10.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 12 - 10.
(3) المستدرك الباب - 93 - من أبواب أحكام العشرة الحديث 11 - 19 من كتاب الحج.
179

الأول لم نعرف قائله ولا وجهه سوى دعوى ظهور ما دل على اسقاط ولايتهما
في الدائم، وفيه ما لا يخفى خصوصا بعد النصوص المصرحة في المنقطع التي قد مر جملة
منها، وصحيح أبي مريم (1) السابق الذي قد عرفت قصوره عن المعارضة من وجوه
وكذا الثاني الذي قد عرفت أنه ذكره الشيخ وجه جمع بين الأخبار، لكنها جميعا
تأباه، نعم قد يستدل له بمكاتبة المهلب الدلال (2) " سأل أبا الحسن عليه السلام إن امرأة
كانت معي في الدار ثم إنها زوجتني نفسها، وأشهدت الله وملائكته على ذلك، ثم إن
أباها زوجها من رجل آخر، فما تقول؟ فكتب: التزويج الدائم لا يكون إلا بولي
وشاهدين ولا يكون تزويج متعة ببكر استر على نفسك واكتم رحمك الله " باعتبار
مفهوم الوصف، لكن من المعلوم جريانها على مذاق العامة، على أنها قاصرة
عن المعارضة من وجوه، فلا ينبغي التأمل في ضعف القولين المزبورين، بل يمكن
تحصيل الاجماع على خلافها.
وأما القول الرابع الذي أشار إليه المصنف بقوله: (ومنهم من أسقط أمرها
معهما فيهما) فهو وإن ذهب إليه الصدوق والشيخ وجماعة على ما قيل، بل مال
إليه بعض متأخري المتأخرين للأصل والأخبار الكثيرة (3) إلا أنه لم يبلع حد
الشهرة، بل في محكي السرائر أن الشيخ حكم بسقوط الولاية مع غيبتهما عنها وإن
كانا على مسافة قريبة، بل فيه أيضا أنه قد رجع عن هذا المذهب بالكلية في كتاب
التبيان الذي صنفه بعد كتبه جميعها واستحكام علمه وسيره للأشياء ووقوفه عليها
وتحقيقه لها، والأصل لا ريب في انقطاعه كما عرفت، خصوصا بعد اعتراف الخصم
بالسقوط مع الغيبة والجنون ونحوهما من العوارض التي لا تسقط معها الولاية في حال
الصغر، بل تنتقل إلى وليه، فلا إشكال في انقطاع الولاية السابقة التي كانت من
حيث الصغر، فلا وجه لاستصحابها كما هو واضح، وأما النصوص فجميعها أو أكثرها
قاصر السند ولا جابر، مخالفة لظاهر الكتاب، موافقة لمذهب مالك وابن أبي ليلى

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 12 - 11.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب المتعة الحديث 12 - 11.
(3) الوسائل الباب 6 و 9 من أبواب عقد النكاح.
180

والشافعي وأحمد وإسحاق والقاسم بن محمد وسليمان بن يسار وسالم بن عبد الله ونحوهم
من كبار العامة، غير صريحة في المخالفة باعتبار احتمالها الأبكار التي لم يحصل
لهن رشد في أمر النكاح وإن بلغن بالعدد ورشدن في حفظ المال، أو النهي كراهة
عن الاستبداد وعدم الطاعة والانقياد، خصوصا الأب الذي هو غالبا أنظر لها،
وأعرف بالأمور منها، وأدعى لما يصلحها، وهو المتكلف بأمورها، وبالخصومة مع
زوجها لو حدث بينهما نزاع وشقاق، فالذي يليق بها إيكال أمرها إليه كما هو الغالب
والمعتاد في الأبكار من تبعية رضاهن لرضا الوالد ولو بالسكوت عند نقله، ولذا لا
يستأمرها خصوصا بعد أن كان إذنها صماتها.
وربما أومأ إلى ذلك ما في جملة منها من نفي الأمر لهن إذا كن
بين الأبوين بعد العلم بعدم ولاية للأم عندنا، كقول أحدهما عليه السلام في خبر
ابن مسلم (1): " لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر،
وقال: يستأمرها كل أحد ما عدا الأب " وقول الصادق عليه السلام في خبر إبراهيم بن (2)
ميمون: " إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر " وقوله عليه السلام أيضا
في خبر الفضل بن عبد الملك (3): " لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها
أن يزوجها هو أنظر لها " بل لعل الظاهر من استئمار غير الأب لها أن لها أمرا
وإذنا.
ومن ذلك يظهر الوجه في خبري العلا بن رزين (4) وابن أبي يعفور (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا تتزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن " بل لعل
النهي فيه إرشاد باعتبار مخالفته لمذهب العامة، وما فيه من العار والغضاضة التي هي
مظنة إثارة الفتن، كما أومأ إليه خبر المهلب السابق، بل وخبر إسماعيل (6)

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6 - 15.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 5 - 6.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 5 - 6.
(6) الوسائل الباب - 3 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6 - 15.
181

" سألت الرضا عليه السلام عن رجل تتزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها ولا أحد من
قراباتها ولكن تجعل المرأة وكيلا فيزوجها من غير علمهم، فقال: لا يكون ذا "
ضرورة عدم الولاية لأحد في الثيب.
والوجه في خبر الحلبي (1) عنه عليه السلام أيضا " في الجارية يزوجها أبوها بغير رضا
منها، قال: ليس لها مع أبيها أمر، وإذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة "
أي لا ينبغي لها معرضة أبيها وإن كرهت نفسها، فإن اللائق بها إيثار رضا أبيها
على رضاها ومحبتها، كما أومأ إليه النبي صلى الله عليه وآله في مخاطبته للجارية في الخبر
السابق.
وفي خبر (2) زرارة " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا ينقض النكاح إلا
الأب " المحتمل أيضا إرادة بيان أنه لا ينبغي أن يعترض أحد أمر النكاح بعد تمام
مقدماته إلا الأب، فإن له اعتراضه ونقضه، بل لعله دال على خلاف المطلوب،
ضرورة اقتضائه صحة النكاح إذا وقع منها إذا لم ينقضه الأب وإن لم يكن عن
إذنه.
وفي خبر عبد الله بن الصلت (3) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن البكر إذا بلغت
مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب ".
بل مما ذكرنا يظهر لك الوجه في النبوي صلى الله عليه وآله وسلم " لا نكاح إلا بولي "
والآخر عنه صلى الله عليه وآله أيضا إنه قال: " أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها
فنكاحها باطل - ثلاثا - " مع أن الثاني نقلوه عن الزهري، وقد أنكره، قال
ابن الجريح: " سألت الزهري عن هذا الخبر فلم يعرفه " كما حكاه في المسالك،
بل المراد من الأول نفي النكاح الكامل قطعا لا الصحيح، كما لا يخفى على من

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب عقد النكاح الحديث 7.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب عقد النكاح الحديث 11 وفيه عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن البكر - الخ.
182

تأمل إفراده ولاحظ نظائره.
كل ذلك مضافا إلى ما أطنب فيه في المسالك من المناقشة في جميع هذه
النصوص سندا ودلالة، وأضعف من هذا ما عن الحلبيين والمقنعة على اضطراب في
عبارتها كما قيل، بل في كشف اللثام اقتصر فيها على ذكر الأب من التشريك بينهما
في الولاية، بمعنى توقف الصحة على الرضا منهما معا.
كما أومأ إليه المصنف بقوله: (وفيه رواية أخرى دالة على شركتهما
في الولاية حتى لا يجوز لهما أن ينفردا عنها بالعقد) إذ لم نعرف له وجها سوى دعوى
الجمع بين الأدلة بشهادة إشعار الحظ والنصيب ونحوهما مما مر في النصوص
السابقة بذلك، وهو كما ترى تأباه كل منهما، والحظ والنصيب لا ينافي الاستقلال،
أي يستحب اختيار رضاها ومحبتها الباطنة وإن كانت لا تعارض ولا تتكلم للحياء،
وقد راعاه رسول الله صلى الله عليه وآله عند خطبة علي عليه السلام وغيره الزهراء سلام الله عليها منه،
فلا ينبغي لمن له أدنى معرفة بمذاق الفقه وممارسته في خطاباتهم التوقف في
هذه المسألة.
نعم يستحب لها إيثار اختيار وليها على اختيارها، بل يكره لها الاستبدار
كما أنه يكره لمن يريد نكاحها فعله بدون إذن وليها، بل ربما يحرم بالعوارض،
بل ينبغي مراعاة الوالدة أيضا، بل يستحب لها إلقاء أمرها إلى أخيها مع عدمهما،
لأنه بمنزلتهما في الشفقة والتضرر بما يلحقها من العار والضرر وفي الخبرة والبصيرة،
ولدخوله فيمن بيده عقدة النكاح في بعض الأخبار السابقة، بل الذي ينبغي أن
تخلد إلى أكبر الإخوة إن لم يترجح عليه غيره بالخبرة والبصيرة والشفقة وكمال
العقل والصلاح، لأنه بمنزلة الأب كما في مرسل الحسن بن علي عن الرضا عليه السلام.
وكيف كان فهذا كله إذا لم يعضلها.
(أما إذا عضلها الولي وهو أن لا يزوجها من كفو مع رغبتها) ورغبته
بمهر المثل أو بدونه، وفي الصحاح " يقال: عضل الرجل أيمه إذا منعها من التزويج "
وفيه أيضا " وعضلت عليه تعضيلا إذا ضيقت عليه في أمره، وحلت بينه وبين ما
183

يريد " قلت: قد يرجع الأول للثاني، وعلى كل حال (فإنه) تسقط ولايتهما
حينئذ و (يجوز لها أن تزوج نفسها ولو كرها إجماعا) منا بقسميه، مضافا
إلى الخيانة، وإلى قوله تعالى (1): " فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا
تراضوا بينهم بالمعروف " بناء على دخول بعض أفراد المقام فيه، وكون المراد
نهي الناس أجمع الذي يدخل فيهم الأولياء، على معنى أنه لا يكون عضل منكم
أو المراد خطاب الأولياء، وعلى كل حال فالمراد بأزواجهن من رضين به أن يكونوا
أزواجا، لا خصوص الأزواج السابقة وإن احتمل في الآية، ولكن على أي وجه
دال على المطلوب، نعم لو قيل بكون المراد نهي الأزواج السابقين عن عضل النساء
أن يتزوجن بعد خلائهن خرجت عن الدلالة، هذا وربما استفيد من الآية ثبوت
الولاية وإلا لم يكن للعضل وجه، وفيه أن العضل ظلما متحقق على كل حال كما
هو واضح.
وكيف كان فلا تحتاج إلى مراجعة الحاكم خلافا للمحكي عن أكثر العامة
من سلب عبارتها في النكاح، فيزوجها حينئذ الحاكم، ولم نعرف ذلك لأحد من
أصحابنا، نعم عن التذكرة تارة جواز الاستقلال، ناقلا له عن جميع علمائنا،
مصرحا بعدم اشتراط مراجعة الحاكم، وأخرى اشتراط إذنه واثبات العضل عنده
وإلا لم يكن له، كما عن بعض العامة، لكنه واضح الضعف، مخالف للأصل
والاجماع بقسميه.
وليس من العضل المنع من تزويج غير الكفؤ شرعا، بل النكاح معه فاسد بناء
على ما تعرفه من اشتراط الكفاية في صحة النكاح، بل لعل المنع من غير الكفؤ
عرفا للضعة و نحوها ليس بعضل، فلا يبعد جواز منع الولي عن ذلك، حتى على
المختار من عدم الولاية لأحد عليها إذا كان في ذلك غضاضة ونقص وعيب في العرض،
وإن كان لو خالفت وعقدت نفسها كان العقد صحيحا، ولو عضلها الأب دون الجد
أو بالعكس سقطت ولاية من عضل دون الآخر.

(1) البقرة: 2 - الآية 232.
184

ولو كان المنع عن قسم خاص من النكاح، كالمؤجل أو الدائم أمكن كونه
عضلا، خصوصا مع عدم تيسر الآخر ويحتمل العدم، لا طلاق أدلة الولاية المقتصر
في تقييدها على المتيقن، وهو المنع من أصل التزويج، وفيه صدق المنع من أصل
التزويج حال عدم تيسر الآخر، وقد يفرق بين التزويج الدائم والمنقطع، فيكون
عضلا في الأول دون الثاني.
ولو اختارت شخصا والولي آخر وكل منهما كفو ففي المسالك " ففي تقديم
مختاره نظرا إلى أن رأيه في الأغلب أكمل، ولأنه الولي، أو مختارها، لأنه
أقرب إلى ألفتها وجهان: أجودهما الثاني " وفيه أن المتجه الأول بناء على عدم
سقوط ولايتهما، لاطلاق الأدلة، ولأن ذلك يؤدي إلى عدم ولايته في أغلب الأحوال،
ضرورة إمكان دوام اختيار خلاف مختاره، والظاهر تحقق العضل بمجرد منع الكفؤ
مع رغبتها فيه وإن كان لطلب كفو آخر، بل وإن كان لعدم بذله مهر المثل، ضرورة
إمكان عدم خاطب آخر، ولصدق المنع عن التزويج وإن كان لطلب الأعلى، ولأن
المهر حقها، فلها العفو عن جميعه وبعضه، ولو قلنا باختصاص ولايتهما في الدائم دون
المنقطع أو بالعكس ففي تصور العضل منهما مع تيسر القسم الآخر الذي لا ولاية لهما
عليه فيه منع، أما مع عدم تيسره فيمكن تحققه حينئذ بمنعها منه، لكنه لا يخلو
من إشكال، لاطلاق أدلة الولاية كما عرفته في نظيره، والأمر سهل بعد سقوط
هذه المسألة عندنا من أصلها، لما عرفته من استقلالها بالولاية.
(و) على كل حال ف‍ (لا ولاية لهما) فضلا عن غيرهما (على الثيب) التي
قد ذهبت بكارتها بالوطء ولو من زنا أو شبهه قبل البلوغ وبعده (مع البلوغ والرشد)
بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل يمكن دعوى القطع بذلك على وجه لا ينافيه خلاف
العماني، خصوصا بعد ملاحظة الأصل والنصوص التي كادت تكون متواترة السالمة
عن المعارض المعتد به، إذ قوله صلى الله عليه وآله: " لا نكاح إلا بولي " بعد تسليم كونه
من القسم الذي يجوز العمل به من الأخبار عام يمكن تخصيصه بما عرفت، كما أن
خبر إسماعيل السابق ونحوه محمول على ضرب من الارشاد، وكذا ما في بعض
185

النصوص من ظهور اعتبار النكاح في الثيب محمول على الغالب ونحوه بعد قصوره عن
تقييد غيره من المطلق للشهرة وغيرها، بخلاف من ذهبت بكارتها بغير الوطء من
عثرة أو غيرها، فإن الأصل وغيره يقتضي ببقاء حكم البكارة لها، فيجري فيها
البحث السابق الذي قد عرفت أن الأقوى عدم الولاية عليها أيضا.
(و) كيف كان فلا إشكال في عدم ولايتهما عليها، كما (لا) إشكال في عدم
ولايتهما (على البالغ الرشيد) بل ولا خلاف، بل يمكن دعوى الجماع عليه،
للأصل (و) بعض النصوص، نعم (تثبت ولايتهما على الجميع) أي البكر والثيب
والبالغ (مع الجنون) المتصل بالصغر، بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك أنه
موضع وفاق، بل في غيرها الاجماع عليه، للاستصحاب المؤيد باستبعاد عزلهما عن
ولاية النكاح خاصة، ضرورة بقاء ولايتهما على المال المشروط انقطاعها بايناس
الرشد، مضافا إلى ما سمعته من خبر أبي بصير في تفسير من بيده عقدة النكاح.
وأما المنفصل بالبلوغ والرشد فظاهر إطلاق المصنف هنا كاطلاق غيره أنه
كذلك، بل هو صريح بعضهم، معللين له باطلاق النص وفي كشف اللثام بعد أن
حكي عن التذكرة والتحرير أنه تعود ولايتهما قال: " وهو الأقرب، بل لا عود
حقيقة، لأن ولايتهما ذاتية منوطة باشفاقهما وتضررهما بما يتضرر به الولد "
قلت: لم نعثر على نص يقتضي إطلاقه ذلك، وكونها ذاتية لا تستلزمه، فيندرج
في إطلاق ما دل على أنه " ولي من لا ولي له " بعد انقطاع ولايتهما بالبلوغ
والرشد، بل لولا الاجماع المدعى على ثبوت ولايتهما على المتصل لأمكن دعوى
نفيها باعتبار كون المسلم منها الثبوت من حيث الصغر المفروض انتفاؤه، خصوصا
بعد ما عن المسالك وغيرها في باب الحجر من أن الأكثر على ثبوت الولاية للحاكم
على من بلغ سفيها وإن كان أبوه حيا، وإن كان للنظر فيه مجال، ولذا كان
المحكي عن الشهيد وجماعة ثبوتها للأب، لما عرفته، وقد تقدم تحقيق الحال فيما
تقدم، فلا حظ.
لكن ومع ذلك فالانصاف قوة كون الولاية لهما في المتجدد بعد فرض ولايتهما
186

في المتصل، خصوصا بعد معلومية كون المنشأ في ولايتهما الشفقة والرأفة ونحوهما
مما لا فرق فيه بين المتصل والمنفصل، وملاحظة قوله تعالى (1): " وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " وغيره خصوصا فيما ورد في الأب الذي هو للولد
بمنزلة الرب، ولعله لذا يحكى عن القطيفي دعوى عدم الفرق بين المتصل والمنفصل في
باب النكاح، أي في الولاية وعدمها، على أن المتجه على تقدير التفصيل أنه لو كان
الجنون أدواريا فاتفق دوره متصلا بالبلوغ كانت الولاية لهما، وبعد انتهائه
ترتفع، فإذا جاء الدور الثاني كانت الولاية للحاكم، وهو كما ترى، فتأمل جيدا.
(و) على كل حال ف‍ (لا خيار لأحدهم مع الإفاقة) للأصل وغيره، بل
في المسالك وغيرها الاجماع عليه.
(وللمولى أن يزوج مملوكته صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة)
راغبة أو كارهة (ولا خيار معه) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل ولا
إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه، ضرورة كونه مقتضي تسلط الناس على أموالهم،
ومقتضى قوله تعالى (2): " فانكحوهن بإذن أهلهن ".
بل (وكذا الحكم في العبد) الصغير والكبير العاقل والمجنون الراغب والكاره،
كما هو ظاهر قوله تعالى (3): " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين " إلى آخره
الذي لا ينافيه ذكر الأيامى معهم الذين علم اعتبار الإذن فيهم، وقوله (4) " عبدا
مملوكا لا يقدر على شئ " وحسن زرارة (5) عن الباقر عليه السلام " سألته عن مملوك تزوج
بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما " وتسلط
الناس على أموالهم، وكونه مالكا للطلاق لا ينافي جواز إجباره على النكاح وإن

(1) سورة الأنفال: 8 - الآية 76.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 29.
(3) سورة النور: 24 - الآية 32.
(4) سورة النحل: 16 - الآية 77.
(5) الوسائل الباب - 24 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
187

تمكن من إزالته به، فما عن بعض العامة من عدم ملك المولى الاجبار عليه لذلك في غير
محله، بل له إجباره على الوطء، بل الظاهر عدم الفرق بين تولي السيد القبول عنه
وبين إلزامه به بعد أن كان إكراهه بحق، كما هو واضح.
نعم لا ولاية له على المبعض على الوجه المزبور، بل ولا للكافر على المملوك
المسلم، بل قد يشكل ولاية الحاكم حينئذ عليه، لعدم كونه مولى عليه على كل
حال، كالصغير والمجنون حتى تترتب الأولياء في حقه، وإنما هو مولى عليه للمالك
من حيث المالية، وقد فرض عدم ولاية له في هذا الحال، لا أن الكفر مانع، فيبقى
حينئذ بلا ولي بالنسبة إلى النكاح ونحوه وإن تولي بيعه الحاكم مثلا على
الكافر، فإنه لا تلازم، كما لا تلازم بين ثبوتها لولي لطفل والمجنون بالنسبة إلى
مملوكهما وبين ما نحن فيه، لوضوح الفرق بينهما والله العالم.
(و) المشهور على ما في الروضة أنه (ليس للحاكم ولاية في النكاح على
من لم يبلغ) ذكرا كان أو أنثى، للأصل وعدم الحاجة إليه بعدم البلوغ، لكن
فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم انحصار مصلحة النكاح في الوطء، ولذا جاز إيقاعه
للأب والجد والأصل مقطوع بعموم ولاية الحاكم المستفادة من نحو قوله صلى الله عليه وآله
" السلطان ولي من لا ولي له " وغيره المراد به أنه قائم مقام الولي حيث لا ولي
غيره، على وجه استغنت عن الجابر في خصوص الموارد، نحو غيرها من القواعد،
مضافا إلى خبر أبي بصير الوارد في تفسير من بيده عقدة النكاح، بل في صحيح ابن
سنان " الذي بيده عقدة النكاح هو ولي أمرها " ولعله لذا ونحوه ناقش في المسالك
فيه، بل أجاد في كشف اللثام حيث إنه بعد أن ذكر المستند السابق قال: " وفيه
نظر ظاهر، فإن استند الفرق أي بين الحاكم والأب إلى الجماع صح، وإلا
أشكل " أي بما ذكرناه اللهم إلا أن يقال: إن ولاية الحاكم على الصغير من باب
الحسبة بخلاف ولاية الأب والجد والفرض عدم الحسبة حال الصغر، أو يقال:
إن ظاهر ما تسمعه من الخبر الآتي في الصغيرين إذا زوجا ومات أحدهما ونحوه
من الأخبار المشتملة على التفصيل في الحكم بين تزويج الأب وغيره، وأنه إن كان
188

الأول مضى، وإلا كان فضولا، ضرورة دخول الحاكم في الغير، لكن قد يمنع
دوران ولايته على الحسبة، بل ظاهر ما دل عليه من نص وغيره كونه كغيره
من الأولياء في موضوع الولاية، وليس هو كولاية عدول المؤمنين، وأيضا قد يمنع
عدم الحسبة حال الصغر، ضرورة عدم انحصارها في الوطء ونحوه، وأما الأخبار
المزبورة فهي غير مساقة لبيان ذلك، بل المراد منها أن العقد إن كان ممن له
الولاية مضى، وإلا كان فضولا كما لا يخفى على من تأملها، فالعمدة حينئذ
الاجماع إن تم.
نعم لا ولاية له (ولا) لغيره على الأصح (على بالغ رشيد) ذكرا كان
أو أنثى، للأصل والاجماع بقسميه (وتثبت ولايته على من بلغ غير رشيد)
بجنون ولم يكن له ولي من حيث القرابة (أو تجدد فساد عقله إذا كان النكاح
صلاحا) له بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر كونه مجمعا عليه، لأنه " ولي
من لا ولي له " (1) وفي المسالك استظهر من المتن ثبوت ولايته عليهما مع وجود
الأب والجد، واستحسنه في المتجدد دون المتصل، وفيه أن المراد بقرينة كلامه
السابق مع عدم الولي القريب، بل لعل ظاهر كلامه المتقدم ثبوتها له في المتجدد
فضلا عن المتصل وإن كان فيه ما عرفت.
(ولا ولاية للوصي وإن نص له الموصي على الانكاح على الأظهر) الأشهر
كما في المسالك بل المشهور كما في غيرها، للأصل بعد عدم ثبوت مشروعية الاحداث
لهما على وجه يشمل ذلك، وعدم قابلية نقل الولاية من حيث القرابة بعد الموت،
لانقطاعها به، كما لا تقبل الحضانة ونحوها مما يختص بالقرابة النقل بالوصاة،
ولانتفاء حاجة الصغير إليه.
وفيه أن الأصل مقطوع بعموم " فمن بدله " (2) ونحوه مما دل على وجوب
إنفاذ ما يعهد به الميت المقتضي صحة جميع ما يوصى به إلا ما علم فساده،

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 105.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 181
189

وانسياق إرادة خصوص الايصاء بالخير للوالدين والأقربين من الضمير في الآية مناف
لمعروفية الاستدلال بها في النصوص (1) وكلام الأصحاب على عموم الموصى به، كما
لا يخفى على من لاحظ ذلك، على أن النصوص كافية في الدلالة على هذا المضمون.
وبصحيح ابن مسلم وأبي بصير (2) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن الذي بيده
عقدة النكاح قال هو الأب والأخ والموصى إليه " وخبر أبي بصير (3) عن الصادق عليه السلام
" الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والأخ والموصى إليه " واشتمالهما على ذكر الأخ
لا يسقطهما عن الحجية في غيره مع إمكان حمله على كونه وكيلا لها أو وصيا، وإن
صار عطف الوصي عليه من عطف العام على الخاص.
ولا يعارض ذلك الصحيح المضمر (4) " سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين
وبنتا والبنت صغيرة، فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه ثم مات
أب الابن المزوج فلما أن مات قال الآخر: أخي لم يزوج ابنه، فزوج الجارية
من ابنه فقيل للجارية: أي الزوجين أحب إليك الأول أو الأخير؟ قالت: الأخير،
ثم إن الأخ الثاني مات وللأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوج، فقال للجارية:
اختاري أيهما أحب إليك: الزوج الأول أو الزوج الأخير، فقال الرواية فيها أنها
للزوج الأخير، وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها، وليس لها أن تنقض ما
عقدته بعد إدراكها " بعد كونه مضمرا في الكافي والتهذيب وعدم ثبوت كون الأخ
وصيا علي نكاح البنت، وإنكار الأخ الثاني ما فعله الأول، ونسبة ذلك إلى الرواية
المشعر بالتقية لو فرض كونه من الإمام عليه السلام مع التعليل العليل كما هو واضح، كل
ذلك بعد منع دعوى عدم ثبوت ولايتهما على الاحداث بعموم ولايتهما على وجه
يشمل ذلك.

(1) الوسائل الباب - 32 و 33 و 35 - من كتاب الوصايا.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 5 - 4.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 5 - 4.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
190

ولا ينافيه اعتبار المصلحة شرعا الذي هو شرط تصرف الوصي، ضرورة
كون الوصي كالوكيل ينتقل إليه كلما كان للموصي فعله حيا (و) لا
سيما بعد اعتراف الخصم بأن (للوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به
ضرورة إلى النكاح) بل نفى بعضهم الخلاف عن ثبوتها في ذلك، بل عن ظاهر الكفاية
الاجماع عليه، بل عن القطيفي دعواه صريحا إذ لو كانت غير قابلة لذلك لم تثبت
ولايته عليه في هذا الحال، بل تكون حينئذ للحاكم، ودعوى كونها حينئذ مثل
الانفاق يدفعها إمكان كونها مثله قبل البلوغ أيضا، ضرورة عدم انحصار مصلحة
النكاح في الوطء، بل له مصالح أخر أيضا كثيرة بها يندرج في قوله تعالى (1):
" ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير " ونحوه ودعوى عدم المصلحة أصلا في النكاح
للصغير - ولذا لم يجز للحاكم والوصي ونحوهما ممن يعتبر في تصرفه المصلحة
التزويج، بخلاف الأب والجد الذي لا يعتبر في تصرفهما ذلك، بل يكفي عدم
المفسدة والوطء فعلا هو المنفعة المقصودة من النكاح، وهو ممتنع في الصغير بخلاف
البالغ - يدفعها ما عرفت من صدق الاصلاح في النكاح بمعنى العقد عرفا ولو من
غير جهة الوطء كما هو واضح.
فالأقوى حينئذ ثبوت ولايته على الصغير في النكاح مع الغبطة، كباقي
التصرفات، وفاقا للمحكي عن المبسوط والخلاف والجامع وغاية المراد وموضع
من المختلف والكركي بل لا فرق بين تصريح الموصي وبين إطلاقه إلا بالصراحة
والظهور، وهو غير مجد بعد اعتبارهما معا، نعم لو فرض انسياق غير ذلك منه
اتجه العدم، وهو غير محل البحث، كما أن الأقوى عدم الفرق في الصورة المستثناة
بين الذكر والأنثى، فما عساه يظهر من بعضهم من تخصيص الاستثناء بناء عليه
في الذكر لا وجه له.
(و) أما (المحجور عليه للتبذير) ف‍ (لا يجوز له أن يتزوج غير مضطر)
إذا كان فيه إتلاف لما له، بلا خلاف أجده فيه، بل (و) لا اشكال معتد به، بل
(لو أوقع كان العقد فاسدا و) إن أذن له الولي به، لعدم جوازها له حينئذ فلا

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 220.
191

تؤثر أثرا، نعم (إن اضطر إلى النكاح جاز للحاكم) أو غيره، بل وجب عليه (أن
يأذن له) فيه دفعا لما يلحقه من الضرر في الدنيا أو الآخرة أو فيهما مقتصرا على ما
تندفع به الضرورة مما يليق بحاله، والظاهر أنه يكفي الولي الإذن له بذلك (سواء
عين الزوجة أو أطلق) إذ لا يزيد حجره على المملوك الذي يكفي في صحة تزويجه
الإذن له بذلك من غير تعيين، بعد معلومية تقييد جواز ذلك له شرعا بما لا ينافي
مصلحة ماله ويؤدي إلى فساده، فلا تفريط من الولي باطلاق الإذن المعلوم تقييدها
بعدم الافساد، بل يمكن منع التفريط لو لم يأذن الولي أصلا وإن قلنا بإثمه،
ضرورة عدم استلزام ترك الإذن الاتلاف لماله، ضرورة كونه أي السفيه مكلفا
عاقلا يحرم عليه تبذير ماله، فليس له مع عدم إذن الولي إفساد ماله بما لا ينبغي،
بل أقصاه سقوط اعتبار إذنه أو انتقال الولاية للحاكم، فيتزوج من تندفع به بالمهر
الذي لا يقتضي تبذيرا في ماله، فإن خالف وفعل غير ذلك على وجه أدى إلى إتلاف
ماله فهو جان على نفسه دون الولي. هذا كله مع عدم الإذن أصلا فضلا عن عدم
التعيين.
فما وقع من بعضهم - من وجوب التعيين عليه وأنه يكون مفرطا إن لم يفعل
إذا فرض صدور التزويج من المبذر بالمهر المقتضي لاتلاف ماله ولو بسبب الدخول بها
مع جهلها - في غير محله، ضرورة أصالة براءة ذمة الولي من ذلك، وإنما عليه
أن يأذن بما فيه المصلحة وأن لا يجيز ما يخالفها بعد الوقوع، على أن عقد السفيه
بمهر يزيد على مصلحته إما فاسد مطلقا أو مع جهلها بالحال، ولا يفترق حال
هذا العقد بالإذن والإجازة وعدمهما، ومع الفساد إما أن يلزمه بالدخول مهر المثل
أولا، فعلى الأول إن سلمنا التفريط مع انتفاء الإذن مطلقا فلا نسلمه مع الإذن
المطلق خصوصا مع انصرافه إلى ما فيه المصلحة، ووجوب الإذن على الولي لا يوجب
وجوب التعيين، واستحقاق المثل عليه إنما هو بجنايته كاتلافه مال الغير، وعلى الثاني
لم يتضرر بشئ وكذا الكلام على باقي التقادير، فلا ريب حينئذ في عدم وجوب التعيين
192

عليه، والاكتفاء عنه بتعيين الشارع له، وتحريم التبذير عليه.
(و) كيف كان ف‍ (لو بادر) المبذر إلى التزويج (قبل الإذن) من الولي
(والحال هذه) من الاضطرار إليه (صح العقد) وإن أتم بعدم مراعاتها
عند المصنف والفاضل في القواعد، لأصالة الصحة مع عدم كون التزويج من التصرفات
المالية المحضة، لأن المهر غير لازم في العقد، والنفقة تابعة كتبعية الضمان
للاتلاف.
لكن قد يشكل بكونه كالتصرف المالي، بل ذكر المهر فيه منه قطعا، ولذا
حجر عليه فيه مع عدم الضرورة، على أن الغرض من الحجر عليه حفظ ماله، وهو
لا يتم إلا به، فلا بد في صحة العقد من الإذن سابقا أو الإجازة لاحقا، كما صرح
به في جامع المقاصد والمسالك، بل هو المحكي عن الخلاف والمبسوط والتذكرة،
بل عن الأول نفي الخلاف فيه، بل لا وجه للحجر عليه بعد عدم اعتبار إذن الولي،
ضرورة معلومية عدم المنع منه تعبدا، ومن الغريب ما في القواعد من عدم اعتبار
الإذن تارة ومن اعتبارها أخرى مع عدم فصل معتد به بين الموضعين، وربما تجشم
للجمع بينهما، فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال (فإن زاد في المهر عن المثل) اللائق بحاله صح العقد،
و (بطل) في (الزائد) وإن أذن فيه الولي إن لم ينحصر دفع الضرورة بذلك، لكونه
تبذيرا منهيا عنه، لكن لا يبطل العقد بذلك لعدم اعتباره في صحته، ولذا جاز
النكاح بدونه فهنا أولى، ولا سيما إذا علمت المرأة بالحال، لأنها أقدمت على
ذلك، مع احتمال الفساد مطلقا، لكون التراضي إنما وقع على المسمى، ولا يقدح
العلم، ضرورة كونه كالمعاملة الفاسدة المعلومة لدى المتعاملين، أو في خصوص
الجاهلة التي لم ترض إلا بالمسمى، فتكليفها بالعقد مع الأقل منه إضرار بها.
ولو تزوج بمن يحيط مهر مثلها بما له مع وجود اللائقة بحاله ممن ليس
هي كذلك فسد وإن كان قد أذن له المولى في مطلق التزويج، لأنه أيضا تبذير منهي
عنه، بل فساد العقد هنا أوضح، ضرورة أنه على الصحة لم يكن للمهر شئ يقدر
193

به، ودعوى صحته حينئذ بدونه كما ترى، خصوصا في الجاهلة، وكذا الرجوع إلى
مهر السنة في خصوص المقام، نعم قد يحتمل في العالمة أنها يثبت لها مقدار مثل
اللائقة بحاله، لأنه الذي ينفذ تصرفه فيه دون غيره، أو يتحقق لها شئ في ذمته
غير معلوم فيرجع فيه إلى الصلح ونحوه.
ولو وطأ والحال هذه وجب لها مهر المثل مع جهلها بالتحريم وإن استغرق
ماله، لكونه كوطء الشبهة، ولا يشكل ذلك بالأصل وبأنه لو وجب لم يفسد العقد،
لأنه إنما يبطل لئلا يلزمه مهر المثل، فإذا لزمه انتفى المقتضي لفساده، كما أنه
إذا اشترى شيئا بغير إذن فتلف في يده، فإنه يضيع على البائع، ضرورة اندفاعه بأن
الأصل انقطع بالوطء المحرم الموجب لذلك، ووجوب المهر بالجناية لا بالعقد،
فما عن الشيخ من عدم وجوب مهر المثل في الفرض في غير محله، وكذا ما عن القاضي
من التفصيل بعلمها بحاله وجهلها، وفي كشف اللثام يعني مع الجهل بالتحريم
في الحالين، وهو إنما يتم إذا علمت بأنها لا تستحق المهر بالوطء، وإلا فهي إنما
بذلت نفسها في مقابلة العوض.
وعلى كل حال فلو لم يأذن له الولي في النكاح مع الحاجة أذن له الحاكم،
فإن تعذر استقل على الأقوى، لكونه مضطرا إلى حق له استيفاؤه فإذا تعذر بغيره
استوفاه بنفسه، بل قد يقال بأن له بمجرد امتناع الولي من غير حاجة إلى استئذان
الحاكم وإن تمكن منه، وإن كان الأحوط له ذلك، فتأمل جيدا.
194

الفصل (الثاني)
(في اللواحق، وفيه مسائل)
(الأولى)
(إذا وكلت البالغة الرشيدة) مثلا (في العقد) عليها لزوج بعينه فخالف
وعقدها من نفسه أو غيره كان فضولا، بل لو أذنت له في العقد (مطلقا) بأن
قالت له: أنت وكيلي على أن تزوجني أو تزوجني من رجل أو كفو (لم يكن
له أن يزوجها من نفسه إلا مع إذنها) فإن فعل كان فضولا، لعدم اندراجه في
إطلاق التوكيل على ذلك وإن كان هو أحد أفراد المطلق من حيث تعلق الوكالة
الظاهرة في إرادة التزويج من غيره أو غير الظاهرة فيما يشمله، بل في المسالك نفي
الخلاف في ذلك هنا، نعم لو عممت موضوع الوكالة بأن قالت: أنت وكيلي على
تزويجي من رجل أي رجل كان أو من كفو أي كفو كان، وبالجملة جعلت
موضوع الوكالة لفظا عاما صالحا لشموله له من حيث تعلق التوكيل صح تزويجها له
من نفسه، بناء على أن المنع من هذه الجهة، لا الخبر (1) الذي تسمعه، ضرورة كونه
من الوكالة المطلقة بالنسبة إلى ذلك، بخلاف الأول الذي هو من مطلق الوكالة
المنصرف إلى غيره أو غير الظاهر فيما يشمله، فيكون الفرق بينهما كالفرق بين
مطلق الوكالة والوكالة المطلقة، لكن في المسالك أن الفرق لا يخلو من نظر، من
حيث إنه داخل في الاطلاق، كما هو داخل في التعميم وإن كان العموم أقوى دلالة،
إلا أنهما مشتركان في أصلها إلى أن قال: فإن كانت المسألة إجماعية وإلا فللنظر
فيها مجال، ثم حكى عن التذكرة احتمال جواز تزويجها من نفسه مع الاطلاق
واحتمال المنع.

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
195

قلت: هذا مضافا إلى ما تقدم في كتاب البيع من الخلاف نصا وفتوى في جواز
بيع الوكيل من نفسه، والشراء كذلك فيما لو كان وكيلا على البيع أو الشراء، بل
من الأقوال في تلك المسألة عدم الجواز حتى مع نص الموكل، وذكرنا أن التحقيق
هناك الجواز وأن انسياق الغير في أول النظر لا انسياق تقييد، والفرق بين المقامين
بغير الاجماع إن كان في غاية الصعوبة وأما النصوص فهي متعارضة ومن المستبعد
القول بالمنع لها وإن كانت الإذن من الموكل حاصلة، كاستبعاد القول بالجواز لها
أيضا وإن لم يحصل الإذن، وكذا تقدم أيضا في المكاسب في مسألة ما لو دفع إليه
مال ليصرفه في المحاويج ماله دخل في المقام، بل منه يعلم قوة القول بالجواز مع
الاطلاق المفروض صدقه على ما يقع من الوكيل.
بل منه يعلم الحال فيما ذكره المصنف (و) غيره هنا من أنه (لو وكلته في
تزويجها منه) أو تزويجها بمن شاء ولو من نفسه (قيل: لا يصح، لرواية
عمار) (1) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن
يعلم بها أهل بيتها، يحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها، تقول له: قد
وكلتك فاشهد على تزويجي، قال: لا - إلى أن قال -: قللت: فإن وكلت غيره
بتزويجها منه، قال: نعم " الحديث (ولأنه يلزم أن يكون موجبا قابلا و) لكن
(الجواز أشبه) بأصول المذهب وقواعده المستفادة من العمومات الشاملة للفرض،
ولا تصلح الرواية المزبورة لقطعها بعد ندرة القول بها والطعن في سندها، بل ودلالتها
بما في المسالك من جواز كون المنفي هو قوله: " وكلتك فاشهد على تزويجي "
فإن مجرد الاشهاد غير كاف، وباحتمال الكراهة من النهي، باعتبار تطرق التهمة
الموجبة للفتنة ومخالفة التقية ونحو ذلك، واتحاد الموجب والقابل بعد التغاير
الاعتباري الكافي في تناول العمومات والاطلاقات له غير قادح.
ولذا صرح المصنف وغيره بل لا أجد فيه خلافا بجوازه في الولي للطفلين
والوكيل عن الاثنين وغير ذلك، كما حرر في محله، بل في المتن وغيره هنا (أما

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
196

لو زوجها الجد من ابن ابنه الآخر أو الأب من موكله كان جائزا) مع أنه من مسألة
الاتحاد التي يمكن التخلص منها بالتوكيل بحسب الولاية عمن هو ولي عليه، بل
قيل: يمكن التخلص للوكيل أيضا بأن يوكل عن نفسه، فيكون موجبا بالوكالة،
ويقبل وكيله عنه له وإن كان هو كما ترى من مسألة الاتحاد، ضرورة كون
الوكيل قائما مقام الموكل، فكلما جاز له فعله جاز لموكله، نعم لو كان وكيلا
على التوكيل فوكل شخصا عن موكله تخلص عن الاتحاد، ومن ذلك وغيره يمكن
أن يكون المانع في المسألة الأولى الخبر (1) المخصوص لا الاتحاد فينحصر المنع
حينئذ على تقدير القول به في خصوص تزويج الوكيل من نفسه الذي هو مضمون
الخبر دون غيره من صور الاتحاد التي منها أن يكون وكيلا عن الزوج والزوجة
فتأمل جيدا.
المسألة (الثانية)
الجارية الحرة المولى عليها (إذا زوجها الولي) للمصلحة بمهر المثل
فأزيد من الكفؤ الحر السالم من العيب المبيح للفسخ لم يكن لها اعتراض بعد
الكمال في العقد، ولا في المهر بلا خلاف ولا إشكال، وكذا لو زوجها الأب والجد
بذلك مع عدم المفسدة للصحاح المستفيضة النافية للأمر لها في تزويج أبيها المندرج
فيه الجد له أو الملحق به بالاجماع، قال عبد الله بن الصلت (2): " سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال: لا " وابن
بزيع (3) " سألت الرضا عليه السلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت، ثم تكبر قبل أن
يدخل بها زوجها، أيجوز عليها التزويج أم الأمر إليها؟ قال: يجوز عليها تزويج

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3 - 1 وفي الأول " قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام " إلا أن في الكافي ج 5 ص 394 كالجواهر.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
197

أبيها " ونحوهما غيرهما،
بل مقتضى إطلاقهما ذلك وإن كان (بدون مهر المثل)،
ولعله كذلك، وفي جامع المقاصد أنه المعتمد في الفتوى، بل الظاهر عدم الفرق بينهما
وبين غيرهما من الأولياء.
أما مع عدمها أو مع المفسدة ف‍ (هل لها أن تعترض؟ فيه تردد) ينشأ من
إطلاق النصوص السابقة في الأب وأولويته من العفو الجائز له عن المهر بعد ثبوته،
ولأن المقصود من النكاح النسل والتحصين ونحوهما لا المهر، فيكون حينئذ هو
نفسه مصلحة خالية عن المفسدة، ومن إناطة تصرف الولي بالمصلحة أو عدم المفسدة،
ولا ريب في تحقق المفسدة في ذلك مع فرض وجود الكفؤ الباذل لمهر المثل.
(و) لذا قال المصنف (الأظهر أن لها الاعتراض) لكن قد سمعت
النصوص السابقة في الأب التي لا تعرض فيها لنقصان المهر وزيادته، ومن هنا أمكن
دعوى الفرق بين الأب والجد وبين غيرهما باعتبار عدم المفسدة فيهما واعتبار المصلحة
في غيرهما مع منع المفسدة في المقام، إلا أنه كما ترى، خصوصا مع سوق النصوص
السابقة لبيان غير ذلك، مضافا إلى غلبة التزويج بمهر المثل وكونه المعتاد، فلا
يبعد كون ذلك مضارة بالنسبة إليها ما لم تقترن بمصلحة خارجية، والعفو إنما ثبت
في مقام خاص بدليل خاص، كما أنه لا يبعد حينئذ توقف العقد المشروط مضيه
من الولي بعدم المضارة المفروض تحققها على الإجازة، بناء على عدم اعتبار المجيز
في الحال، لخصوص التصرف الخاص في الفضولي، وإلا بطل من أصله، لأن النكاح
يمضي عليها وتتخير في المهر، فتفسخه إن شاءت، ويثبت لها مهر المثل مطلقا
أو بالدخول بتقريب أن العقد والمهر أمران مختلفان، وليس الثاني شرطا في صحته،
فالمضارة فيه حينئذ يرتفع بفسخه، ويبقى العقد صحيحا، نعم قد يقال بتسلط
الزوج حينئذ على الخيار باعتبار أنه لم يرض بالعقد إلا على الوجه المخصوص ولم
يتم له، والزامه بمهر المثل على وجه القهر ضرر منفي، مع احتمال عدمه خصوصا
إذا كان عالما بالحال، والحكم لاقدامه على عقد قابل لأن يؤول إلى ذلك، إذ من
الواضح كون الواقع في الخارج أمرا واحدا مشخصا، وعدم فساد النكاح بفساد المهر
198

إنما هو فيما لم يكن منشأ بطلانه عدم قبول أحد المتعاقدين، وإلا لصح لمن عقد
له فضولا بمهر خاص أن لا يجيز في النكاح دونه، وهو معلوم البطلان، على أن
إلزامها بمهر المثل على وجه القهر أيضا ضرر منفي.
ومن ذلك كله تعرف ما في المحكي عن الشيخ من القول بالصحة واللزوم في العقد
والمهر، بل وما في قول المصنف وغيره من الاعتراض في خصوص المهر; بل يظهر لك
ما في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما من التشويش للمسألة خصوصا الثاني، فإنه
مع إطنابه في المسألة لم يأت بشئ محرر فيها، لا في الموضوع ولا في الحكم، نعم
قال أولهما في آخر المسألة " والمعتمد في الفتوى أنه إن زوجها كذلك في المصلحة فلا
اعتراض لها أصلا، وإلا كان لها فسخ المسمى والنكاح معا، لأنه عقد على خلاف
المصلحة، وهل لها فسخ الصداق وحده حيث يكون إنشاء النكاح من الولي جائزا؟
يحتمل ذلك، فإن فسخت كان للزوج فسخ النكاح " إذ هو كما ترى، ضرورة أنك
عرفت فضولية العقد المخالف للمصلحة لا صحته، والخيار فيه أو في المهر خاصة،
ودعوى إمكان فرض المصلحة في أصل النكاح دون المهر يدفعها ما عرفت من كون
الواقع في الخارج أمرا واحدا، على أن المتجه حينئذ مضي النكاح لا تخييرها بين
فسخه وفسخ المهر خاصة، فلاحظ وتأمل جيدا، فإنه قد تلخص مما ذكرناه أنه
لا اعتراض لها في النكاح بدون مهر المثل مع المصلحة في ذلك، لا طلاق الأدلة بل
الظاهر عدم جريان الأقوال السابقة فيه، فما في جامع المقاصد من جعل ذلك موضوع
المسألة في غير محله، كما أنه ليس منه ذو المفسدة والمضرة، فإن لها الاعتراض
فيه قطعا، بل هو فضولي، لعدم ولاية له في نحو ذلك.
إنما الكلام في النكاح بدون مهر المثل من حيث كونه كذلك مع قطع النظر
عن جهة أخرى تقتضي الفعل أو الترك، فالمحكي عن الشيخ عدم الاعتراض، للاطلاق
الذي عرفت أنه غير مساق لذلك، ولأولويته من العفو عنه الممنوعة بعد أن كان هو
في موضوع خاص لدليل خاص، وظاهر المصنف وغيره بل هو صريح آخر أن لها
الاعتراض في المهر خاصة، لاختصاص الضرر به، وعدم توقف صحة (جهة خ ل)
199

عقد النكاح عليه، وبذلك افترق عن البيع بدون ثمن المثل، فإذا اختارت الفسخ
ثبت لها مهر المثل بالدخول في أقوى الوجهين، كما أن الأقوى عدم ثبوت الخيار
للزوج خصوصا مع علمه بالحال، لأصالة عدم الخيار في عقد النكاح لقوله عليه السلام
" لا يرد النكاح " إلى آخره وغيره، وقيل: إن لها الخيار في أصل النكاح لكونه
عقدا على خلاف المصلحة، وهو جيد إن كان المراد به الفضولية، لما عرفت من
عدم ولاية له على هذا الشخصي من النكاح، وربما قيل بالتخيير بين فسخ النكاح
وبين فسخ المهر خاصة، وهو ضعيف، وأضعف منه احتمال فساد العقد باختيارها
الفسخ للمهر، إذ جميع ذلك تهجس، والتحقيق ما عرفت خصوصا بعد إيقاع العقد
على مقتضى واحد، وتخلف ذلك في بعض المقامات للدليل، فلا يقاس عليه غيره،
هذا كله مع العلم بالحال.
أما إذا لم يعلم وقد بلغت الصبية وكان الولي قد عقدها بدون مهر المثل ففي
جريان الأقوال السابقة باعتبار أصالة عدم مصلحة اقتضت ذلك على وجه يسقط
اعتراضها وعدمه، لأصالة الصحة المقتضية ترتب الأثر وجهان، أقواهما الثاني،
فيكون حينئذ كبيع الولي بدون ثمن المثل مع عدم العلم بالحال، كما ليس لها
الاعتراض مع التزويج بالكفؤ بمهر المثل، مع دعوى المفسدة إلا بالبينة.
المسألة (الثالثة)
(عبارة المرأة معتبرة في العقد) عندنا (مع البلوغ والرشد) أي العقل
(فيجوز لها أن تزوج نفسها وأن تكون وكيلة لغيرها إيجابا وقبولا) بلا
خلاف، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، بل ولا إشكال، لا طلاق الأدلة، بل
لو قلنا بثبوت الولاية على البكر البالغة الرشيدة للأب والجد لم يستلزم ذلك سلب
200

عبارتها للغير، بل ولا لها بإذنه كما هو واضح، فما عن الشافعي من سلب عبارتها
مطلقا معلوم البطلان.
المسألة (الرابعة)
(عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر) الأشهر، بل المشهور شهرة
عظيمة بين القدماء والمتأخرين، بل في الناصريات الاجماع عليه، وفي محكي السرائر
نفي الخلاف عنه في غير تزويج العبد نفسه، والأمة نفسها بغير إذن المولى، بل
فيه الاجماع على ذلك، بل فيه مضافا إلى ذلك دعوى تواتر الأخبار به، بل من
أنكر الفضولي في غير النكاح أثبته هنا، للاجماع والنصوص، بل لم نعرف الخلاف
في ذلك إلا من الشيخ في محكي الخلاف والمبسوط، مع أنه في محكي النهاية
والتهذيب والاستبصار وافق المشهور، بل عنه في الخلاف حكاية الاجماع على صحة
الفضولي في نكاح العبد، بل لم نعرف له موافقا قبله ولا بعده إلا ما يحكى عن
فخر الاسلام، نعم في الوسيلة " إن النكاح لا يقف على الإجازة إلا في تسعة مواضع،
وهي عقد البكر الرشيدة على نفسها مع حضور الولي، وعقد الأبوين على الابن
الصغير، وعقد الجد مع عدم الأب، وعقد الأب على ابنه الصغير، وعقد الأم
عليه، وعقد الأخ والأم والعم على الصبية، وتزويج الرجل عبد غيره بدون إذن
سيده، وتزويج نفسه من غير إذن سيده " وكان ذلك اقتصارا على ما في النصوص،
ولا ريب في ضعف الجميع، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافها فضلا عما سمعته
من محكيه، مضافا إلى استفاضة النصوص المعتبرة كخبر محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر
عليه السلام " سألته عن رجل زوجته أمه وهو غائب، قال: النكاح جائز إن شاء
الزوج قبل، وإن شاء ترك " الحديث. وحسن زرارة (2) " سألته عن مملوك تزوج
بغير إذن سيده، قال: ذلك إلى سيده إن شاء أجاز وإن شاء فرق بينهما، فقلت:

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
201

أصلحك الله إن الحكم بن عيينة وأصحابه يقولون، إن أصل النكاح باطل، فلا تحل
إجازة السيد له، فقال عليه السلام: إنه لم يعص الله وإنما عصى سيده، فإذا أجاز فهو
جائز " وخبره الآخر (1) " سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم
اطلع على ذلك مولاه، فقال عليه السلام: ذلك إلى مولاه إن شاء فرق بينهما - إلى أن
قال -: فقلت له: إنه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال عليه السلام: إنه إنما أتى شيئا
حلالا، وليس بعاص لله، وإنما عصى سيده " وصحيح ابن وهب (2) " جاء رجل
إلى أبي عبد الله عليه السلام فقال: إني كنت مملوكا لقوم وإني تزوجت امرأة حرة بغير
إذن مولاي ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت، فقال: أكانوا
علموا أنك تزوجت امرأة وأنت مملوك لهم؟ فقال: نعم وسكتوا عني ولم يتغيروا
علي، فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، أنت على نكاحك الأول "
وصحيح الحذاء (3) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما
وهما غير مدركين فقال: النكاح جائز، وأيهما أدرك كان له الخيار " بناء على
إرادة العرفي من الولي لا الشرعي، وإلا لم يكن لهما الخيار، ولقوله في آخره:
" قلت: فإن كان أبوها الذي زوجها قبل أن تدرك، قال: يجوز عليها تزويج الأب،
ويجوز على الغلام " والنبوي (4) في البكر التي زوجها أبوها فأتته تستعدي، فقال
عليه السلام: " أجيزي ما صنع أبوك " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز
الفضولي هنا، بل قد أشبعنا الكلام في كتاب البيع في كونه موافقا للقواعد والعمومات،
وفي الروايات المتشتتة الدالة على جوازه في سائر العقود، بل وفي غير العقود من الأفعال
التي رتب الشارع عليها أحكاما، وفي غير ذلك من الفروع والمسائل التي لا يخفى
جريانها في المقام بأدنى ملاحظة.

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب
المواريث.
(4) سنن ابن ماجة ج 1 ص 578.
202

كل ذلك مع عدم الدليل للشيخ سوى أن صحة العقود لا بد لها من دليل
شرعي وليس، والأخبار (1) الناطقة بفساد النكاح بغير إذن الولي أو المولى، بل
ورد (2) أن نكاح الأمة بغير إذن سيدها زنا، ولأن العقد مبيح فيمتنع صدوره
من غير الزوجين أو وليهما، ولأن الإجازة شرط الصحة، والشرط لا يتأخر
عن المشروط، والجميع كما ترى، ضرورة أن الدليل ما عرفت، بل قد ذكرنا كفاية
العمومات في صحته، والأخبار مع أن أكثرها عامية معارضة بأخبار الصحة، قابلة
للتأويل بأنه في معرض الفساد إن لم تجز، أو بأنه فاسد مع عدم الإجازة أصلا،
والمبيح هو العقد مع رضا المتعاقدين، وقد صدر العقد من صحيح العبارة، ولا يشترط
صدوره من المتعاقدين، وإلا لم يجز التوكيل، وبالإجازة يحصل الرضا الذي هو
شرط كاشف كما أوضحناه في كتاب البيع، فلاحظ وتأمل، فلا إشكال حينئذ في
صحة الفضولي هنا.
وحينئذ (فلو زوج الصبية) مثلا صغيرة أو كبيرة (غير أبيها وجدها
قريبا كان أو بعيدا لم يمض إلا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد ولو كان أخا أو عما)
لعدم ولاية غير الأب والجد على ذلك، نعم قد سمعت الكلام في ولاية الوصي والحاكم
عليها (و) لكن (يقنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها) عند المشهور بين
الأصحاب، لصحيح ابن أبي نصر (3) قال: " قال لي أبو الحسن عليه السلام في المرأة البكر
إذنها صماتها والثيب أمرها إليها " وحسن الحلبي (4) " وسئل عن رجل يريد أن
يزوج أخته، قال: يؤامرها، فإن سكتت فهو إقرارها، وإن أبت لا يزوجها "

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 5 و 6 و 7 والباب - 17 -
منها والباب 11 من أبواب المتعة الحديث 11 وسنن البيهقي ج 7 ص 105.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
203

وخبر داود بن سرحان (1) " في رجل يريد أن يزوج أخته يؤامرها، فإن سكتت
فهو إقرارها وإن أبت لم يزوجها " والمناقشة فيها بأنها في الإذن السابقة والمناط
غير منقح يدفعها أولا أنه لا خلاف في عدم الفرق بينهما، بل يمكن دعوى الاجماع
عليه، وثانيا إطلاق الصحيح الأول الذي لا فرق فيه بينهما.
بل قد يؤيد كفاية السكوت في الإذن اللاحقة صحيح ابن وهب (2) السابق
وإن كان هو في غير ما نحن فيه، لكنه دال على أن السكوت المتأخر المقرون بقرائن
تدل على الرضا كاف في الصحة، فمع فرض جعل الشارع سكوت البكر إقرارا وإن
لم يقترن بقرائن كفى وإن كان متأخرا.
نعم قد يتوقف في أصل الحكم، بل عن ابن إدريس الجزم بالعدم، لعدم دلالته
على الرضا، وهو جيد على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد، بل يمكن حمل هذه
على إرادة السكوت الدال على الرضا ولو بقرائن الأحوال التي منها حياء البكر
عن التصريح بالرضا بالتزويج، بخلاف العدم، فإنه يمكن أن تقول: إني لا أريد
التزويج، ولا غضاضة عليها بذلك، على أن البكر غالبا تسكت، موكلة الأمر إلى
وليها العرفي.
وفيه أنه يمكن أن يكون من الاجتهاد في مقابلة النص المحتمل لأن يكون
الحكمة في الاكتفاء بالسكوت منها هو ما سمعت وإن لم يكن ذلك مقيدا للعلم،
لكن المتجه على ذلك أنه لا إشكال في الاكتفاء بالسكوت الدال قطعا على الرضا،
وكذا السكوت المقرون بقرائن ولو ظنية، بل والسكوت من حيث كونه سكوت
بكر وإن لم تكن ثم قرائن خارجية، كما أنه لا إشكال في عدم الاكتفاء به مع
اقترانه بقرائن تدل على عدم الرضا، بل لعل المتجه ذلك أيضا في المقترن بقرائن
ظنية تدل على ذلك أيضا، بل لا يبعد ذلك فيما تعارضت فيه الأمارات على وجه لم
يحصل الظن بدلالته على الرضا ولو من حيث كونه سكوت بكر، واحتمال القول

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
204

بحجية ما عدا المقترن بما يدل على عدم الرضا قطعا تمسكا باطلاق النص والفتوى
ضعيف، لكون المتيقن منهما غير هذه الأفراد، فتبقى هي حينئذ على قاعدة كون
الشك في الشرط شكا في المشروط.
(و) كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أنه (تكلف الثيب النطق)
إلا مع اقتران سكوتها بقرائن عدل على رضاها قطعا، وهل المدار في البكارة
والثيبوبة على الزوال بالوطء وعدمه، فيندرج حينئذ في البكر من ذهبت بكارتها
بغيره ولو بإصبع ونحوه، أو لم تكن بكرا خلقة، بل والموطوءة دبرا ونحو ذلك،
أو على وجود هذا الوصف وعدمه، فتندرج من زالت بكارتها أو من لم تكن بكرا
في الثيب حينئذ؟ وجهان، أحوطهما الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن.
(ولو كانت) البكر (مملوكة وقف على إجازة المالك) لعدم الفرق عندنا
في الفضولي حينئذ بين ذلك وغيره، والمفروض عدم العبرة بإجازتها، نعم لا بد من
تحقق الإجازة فيه، ولا يكفي السكوت الذي لم يقترن بما يتحقق حصول الرضا
معه وإن كان المالك بكرا، لقاعدة الشك وغيرها.
(وكذا لو كانت) المعقود عليها فضولا (صغيرة فأجاز الأب أو الجد
صح) أيضا، لما عرفت من عدم الفرق في الفضولي عندنا بين تعقبه الإجازة ممن له
العقد أو من وليه الشرعي الذي له ذلك، ولا يكفي السكوت أيضا إلا إذا اقترن بما
يدل على إرادة الرضا، بل قد عرفت في كتاب البيع احتمال اشتراط اللفظ في الإجازة،
لقوله عليه السلام (1): " إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام " ولأنه الحاسم لمادة
النزاع، ولذا اعتبروا صريح اللفظ في صيغ العقود لكن قد سمعت صحيح ابن
وهب (2) الدال على الاكتفاء بذلك، مضافا إلى صدق تحقق الإذن والرضا، هذا وقد
تقدم في كتاب البيع تمام الكلام في مباحث الفضولي بما لم نسيق إليه بحمد الله
ولطفه وكرمه، فلاحظ وتأمل، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
205

المسألة (الخامسة)
(إذا كان الولي) رقا ولو مكاتبا قد تحرر أكثره فلا ولاية له على ولده
الحر والمملوك الذكر والأنثى بلا خلاف ولا إشكال، للأصل وغيره، فلو عقد
علي بنته الصغيرة مثلا الحرة لم يمض عقده وإن لم يناف غرض السيد، بل وإن
أذن له، فإن إذنه لا تفيده ولاية بعد أن كان ناقصا عنها، لعدم قدرته على شئ، بل
لو أذن سيده في العقد علي بنته المملوكة له كان ذلك توكيلا من السيد،
لا إثبات ولاية، فما عساه يتوهم من بعضهم من ثبوت الولاية حينئذ لما تسمع في كتاب
القضاء من أن الأقرب عند المصنف عدم اعتبار الحرية فيه، فينفذ حينئذ قضاؤه بإذن
مولاه، وتتبعه الولاية في غير محله، لامكان الفرق باندراج حكمه بإذن مولاه
في القسط والعدل ونحوهما مما أمرنا باتباعه (1)، بخلاف الولاية من حيث الأبوة
مثلا التي لا شمول في دليلها لمثل الأب المزبور، ومع فرضه فهو في بعض الأفراد
من تعارض العموم من وجه المرجح فيه غيره عليه من وجوه، بل الظاهر عدم ولايته
أيضا من حيث الحكومة وإن أمضينا حكمه، لقصور ما دل عليها عن تناول نحو
الفرض الذي هو مولى عليه، كما هو واضح فتأمل.
وكذا لو كان (كافرا ف‍) إنه (لا ولاية له) أيضا إجماعا على ولده
المسلم باسلام أمه أوجده أو بوصفه الاسلام قبل البلوغ بناء على اعتباره أو بعده
في البكر البالغة إن قلنا بالولاية عليها، لنفي السبيل (2) ولأن " الاسلام يعلو ولا
يعلي عليه " (3) (ولو كان الأب كذلك ثبتت الولاية للجد خاصة) وبالعكس،
ولو كانا معا كذلك كانت الولاية للحاكم الذي هو ولي من لا ولي له (4) بل

(1) سورة الحجرات: 49 - الآية 9.
(2) سورة النساء 40 - الآية 141.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب موانع الإرث الحديث 11 من كتاب المواريث.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 105.
206

ظاهر العبارة والمحكي عن غيرها عدم ولاية الكافر مطلقا حتى على
ولده الكافر لكن فيه أنه مناف لقوله تعالى (1): " والذين كفروا
بعضهم أولياء بعض " بل ولا طلاق ما دل (2) على ولاية الأب والجد المقتصر
في الخارج منهما على اليقين، ودعوى الولادة على الفطرة يدفعها بعد التسليم المعاملة
للأولاد معاملة الكفار في الأحكام التي منها ذلك، نعم لو كان للمولى عليه الكافر
وليان أحدهما مسلم والآخر كافر اتجه انتفاء ولاية الكافر حينئذ تغليبا للاسلام
الذي يعلو ولا يعلى عليه (3) المعلل به إرث المسلم الكافر دون العكس،
بل المعلل به اختصاص المسلم في الإرث وإن كان له ورثة كفار غيره أقرب منه،
خلافا للمحكي عن الشيخ من اختصاص الكافر بالولاية، للآية ولا ريب في ضعفه،
بل لعل احتمال اشتراكهما فيها عملا باطلاق الأدلة معا أقرب منه، وإن كنا
لم نعرف قائلا به، وعلى كل حال فالأقوى ما عرفت.
(وكذا) الكلام فيما (لو جن) الأب أو غيره من الأولياء (أو أغمي
عليه) أو سكر فإنه لا ولاية له حينئذ، نحو ما سمعته من الكافر إجماعا، لعدم
قابليته لها، كالصغير الذي لا ولاية له على مملوكه، بل عن التذكرة نفيها
عن السفيه أيضا، لكن قد يشكل بأن الحجر عليه في خصوص التصرف المالي في ماله
هذا.
وفي المسالك لا فرق بين طول زمان الجنون والاغماء وقصره لقصوره حالته
ووجود الولاية في الآخر، وإنما يفرق بين الطول والقصر عند من يجعل ولاية
الجد مشروطة بفقد الأب كالشافعي، فيجعل المانع القصير غير مبطل ولا ناقل
لها إلى الأبعد، كالنوم. وفيه أن ذلك لا يتفرع على القول المزبور، ضرورة
اشتراط ولاية الحاكم مثلا بفقد الأب والجد عندنا، فيلزم جريان ذلك فيه،

(1) سورة الأنفال - 8 الآية 73.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب موانع الإرث الحديث 11 من كتاب المواريث.
207

فالمتجه عدم الفرق على القولين لعدم القابلية بذهاب العقل الموجب للفرق بينها وبين
النوم الذي هو عادي للانسان، ولذا لم يعتد به الشارع في كثير من المقامات التي
اعتبر في صحتها العقل، كالصوم والوكالة وغيرهما، بل لا يبعد انتفاء الولاية
في السكران وإن بقي له تميز في الجملة، كما عن التذكرة التصريح به وإن استبعده
في المسالك باعتبار عدم كمالية عقله، فإن وجود التمييز في الجملة أعم من ذلك، فلا
ولاية له، وفرض كمال تمييزه ينافي كونه سكرانا، كما هو واضح.
نعم لا خلاف (و) لا اشكال بل في الكشف الاتفاق عليه في أنه (لو زال المانع
عادت الولاية) التي لم يزل ما اقتضاها من صدق الأبوة والجدودة، أما الوصي فقد
عرفت البحث في عود ولايته في محله.
ثم إنه قد يتوهم من تعبير المصنف بلفظ المانع ثبوت أصل الولاية لا سقوطها،
ويتفرع على ذلك قيام الحاكم مقامه مع وجود المانع، فيزوج الصغير حينئذ مثلا
باعتبار ولاية أبيه وإن قلنا بعدم تزويجه له بولاية الحكومة، لكن لا يخفى عليك
إشكاله خصوصا بعد تعبير غيره بكون هذه الأمور مسقطات للولاية، فليس للحاكم
حينئذ ولاية إلا من حيث كونه ولي من لأولي له، نعم لا يسقطها الاحرام وإن لم
تصح عبارة العقد منه حاله إيجابا وقبولا مباشرة ووكالة نصا (1) وإجماعا، لكن
الولاية ثابتة له، بل الظاهر عدم ثبوت ولاية الحاكم من حيث عدم الولاية في هذا
الحال إلا إذا طال زمان الاحرام واشتدت الحاجة إلى التزويج، فيحتمل الانتقال
إليه فيه غير المملوك، كما في كشف اللثام، دفعا للضرر، مع احتمال العدم، ولا
يستأذن، لأن الإذن توكيل، والمحرم ممنوع منه.
(و) كيف كان ف‍ (لو اختار الأب زوجا والجد آخر فمن سبق عقده صح)
بتقديم قبوله (وبطل المتأخر) بناء على استقلال كل منهما بالولاية، قال الصادق

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب تروك الاحرام من كتاب الحج.
208

عليه السلام في صحيح هشام بن سالم ومحمد بن حكيم (1): " إذا زوج الأب والجد كان
التزويج للأول فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى " وفي موثق عبيد بن
زرارة (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام " الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل
ويريد جدها أن يزوجها من آخر، فقال: الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن
لم يكن الأب زوجها قبله، ويجوز عليها تزويج الأب والجد " إلى غير ذلك
من النصوص الدالة على الحكم المزبور الذي لم نعرف فيه خلافا بينهم، بل يمكن
دعوى الاجماع عليه.
ومن الموثق المزبور يستفاد ما ذكره المصنف (و) غيره من أنه (إن تشاحا
قدم اختيار الجد) مضافا إلى صحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما عليه السلام " إذا زوج الرجل
ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، ولابنه أيضا أن يزوجها، فقلت: فإن هوى أبوها
رجلا وجدها رجلا آخر، قال: الجد أولى بنكاحها " وكذا خبر عبيد بن زرارة (4)
الآتي نعم في المسالك أنه لو سبق الأب والحال هذه قاصدا سبق عقد الجد صح عقده
وإن كان ترك الأولى، وظاهره استحباب هذه الأولوية، بمعنى أنه ينبغي للأب
مراعاة أبيه وطاعته في ذلك، وهو كما ترى مناف لظاهر المتن وغيره، بل والنصوص،
بل لعله مناف لما دل (5) على وجوب الطاعة الشامل لمثل الفرض، فلا يبعد كونه
عاصيا، بل قد يقال ببطلان عقده حينئذ لأولوية الجد منه في هذا الحال الظاهرة
في انتفاء ولاية الأب، بل هو المعنى المعروف المستعمل فيه لفظ الأولى في غير
المقام.
ولا ينافي ذلك خبر البقباق (6) المروي في الكافي عن الصادق عليه السلام " إن الجد إذا
زوج ابنة ابنه وكان أبوها حيا وكان الجد مرضيا جاز، قلنا: فإن هوى أبو الجارية.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب قد النكاح الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 - 1 - 5.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 - 1 - 5.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 - 1 - 5.
(5) أصول كافي ج 2 ص 158 والبحار ج 74 ص 76 الطبع الحديث.
(6) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
209

هوى وهوى الجد هوى وهما سواء في العدل والرضا، قال: أحب إلي أن ترضى بقول
الجد " ضرورة ظهوره في الكبيرة التي لها رضا معتبر بخلاف ما نحن فيه، نعم
في التهذيب " أحب إلي أن يرضي الجد " ولا دلالة فيه أيضا سيما مع قراءة " يرضى "
بالبناء للمجهول، اللهم إلا أن تنزل على الأول بل ربما يؤيده خبره الآخر عنه
عليه السلام أيضا (1) " إذا زوج الرجل فأبى ذلك والده فإن تزويج الأب جائز وإن
كره الجد، ليس هذا مثل الذي يفعله الجد ثم يريد الأب أن يرده " بناء على
كون المراد منه ليس الذي وقع من الأب مثل الذي لم يقع بعد من الجد، ولكن
يريد فعله ويريد الأب أن يفعل غيره، فإن هوى الجد مقدم ولا يمضي ما يقع
من الأب حينئذ باعتبار أولوية الجد حينئذ عن التشاح، ولعل ذلك ظاهر قول
المصنف وغيره: " قدم اختيار الجد عند التشاح " بل هو معقد المحكي من إجماع
الخلاف والمبسوط والانتصار والسرائر والتذكرة.
لكن في كشف اللثام أنهما إن عقدا جميعا بعد التشاح أولا بل جهل كل منهما
باختيار الآخر قدم السابق اتفاقا، كما في السرائر والغنية بل ربما استفيد صحة
عقد الأب مع السبق ولو بعد التشاح من موثق عبيد بن زرارة (2) السابق، بل ومن
غيره، فإن تم ذلك كله لم يكن محيص عما عليه الأصحاب مؤيدا بالقاعدة وإطلاق
الصحيح (3) ومفهوم موثق عبيد، وإلا كان للنظر فيه مجال.
(و) على كل حال ف‍ (لو أوقعاه في حالة واحدة) على وجه اقترن العقدان
منهما مع التشاح وعدمه (ثبت عقد الجد دون الأب) إجماعا محكيا عن الغنية
والسرائر والانتصار والخلاف والمبسوط والتذكرة والروضة وإن لم يكن محصلا،
للصحيح (4) السابق وإطلاق مفهوم موثق عبيد (5).
ثم إن الظاهر ثبوت جميع ما عرفت من الأحكام للجد وإن علا مع الأب
للصدق، فيندرج في جميع ما عرفته من الأدلة، نعم في جريان الحكم المزبور على

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 6 - 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3 - 2.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3 - 2.
210

مثل الجد وأبيه الذي هو جد أيضا إشكال، ضرورة عدم صدق الجد والأب بل هما
جدان أو أبان، لكن قد يظهر من خبر عبيد بن زرارة (1) عن الصادق عليه السلام أولوية
الجد باعتبار ولايته على الأب الذي هو ابنه بلا واسطة أو بوسائط قال: " إني ذات
يوم عند زياد بن عبيد الله الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: أصلح الله
الأمير إن أبي زوج ابنتي بغير إذني، فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون
فيما يقول هذا الرجل؟ قالوا: نكاحه باطل، قال: ثم أقبل علي فقال: ما تقول
يا أبا عبد الله فيما سألني؟ فأقبلت على الذين أجابوه، فقلت لهم: أليس فيما تروون
أنتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله إن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا، فقال له
رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت ومالك لأبيك، فقالوا: بلى فقلت لهم: كيف يكون هو
وماله لأبيه ولا يجوز نكاحه عليه؟ قال: فأخذ بقولهم وترك قولي " وخبر علي بن
جعفر (2) عن أخيه عليه السلام المروي عن قرب الإسناد قال: " سألته عن رجل أتاه رجلان
يخطبان ابنته فهوى جدها أن يزوج أحدهما وهوى أبوها الآخر، أيهما أحق
أن ينكح؟ قال: الذي هوى الجد أحق بالجارية، لأنها وأباها للجد ".
ولو اختلف الأب والجد في السبق وعدمه فإن علم التاريخ فلا إشكال، وإن
علم تاريخ أحدهما وجهل الآخر حكم بصحة المعلوم بناء على أصالة تأخر المجهول
عنه، وإن جهلا معا قدم عقد الجد بناء على أن مقتضى الأصلين الاقتران الذي
عرفت تقدم عقد الجد فيه، وإن قلنا: إن الاقتران أيضا حادث ينفي بالأصل كان
الحكم بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل (مشتبه خ ل) مع احتمال تقديم عقد الجد،
لا طلاق ما دل عليه ما لم يسبقه عقد الأب، فمتى لم يعلم يحكم بتقدم عقده، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 5 - 8.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب عقد النكاح الحديث 5 - 8.
211

المسألة (السادسة)
(إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي) أو غيرهما ممن فيه أحد العيوب
الموجبة للفسخ (صح) للأصل وقيام الولي مقام المولى عليه الذي يجوز له فعل
ذلك لو كان كاملا، إذا العيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة التي يمتنع التزويج مع
انتفائها من الولي (و) غيره، نعم (لها الخيار إذا بلغت) (بعد الكمال خ ل)
للضرر في الالزام، ولا طلاق ما دل على الفسخ بأحد العيوب الشامل لما نحن فيه بعد
أن كان الصغر في المولى عليه بمنزلة الجهل لو كان مباشرا فيتخير حينئذ، بل لا يبعد
ثبوته للولي أيضا باعتبار نيابته عن المولى عليه المفروض عدم اسقاط إقدامه مع
علمه إياه.
(وكذا) الكلام (لو زوج) الولي (الطفل بمن بها أحد العيوب
الموجبة للفسخ) لكن عن الشيخ في الخلاف إنه أطلق جواز تزويج الولي الصغيرة
بعبد أو مجنون أو مجبوب أو مجذوم أو أبرص أو خصي محتجا بأن الكفاءة ليس من
شرطها الحرية ولا غير ذلك من الأوصاف من غير ذكر للخيار، وكان وجهه أن
الولي بعد أن جاز له ذلك كان كالمولى عليه في الفعل، ولا ريب في عدم ثبوت الخيار له
مع علمه وإقدامه عليه، فهو حينئذ كما لو اشترى معيبا للطفل، ودعوى تناول
أدلة العيوب لمثل المقام واضحة المنع، ضرورة ظهورها في غيره، فالمتجه حينئذ
فضولية التصرف، أو جوازه بلا خيار، لاطلاق ما دل على لزوم التصرف الجائز للولي،
وأنه لا اعتراض للمولى عليه عليه، نعم لو وقع من الولي على وجه يثبت فيه الخيار
ولو وقع من المولى عليه كما لو زوجه غير عالم بعيبه اتجه ثبوت الخيار حينئذ
للولي فضلا عن المولى عليه، فإن اختار الفسخ أو اللزوم على وجه كان يجوز له ذلك
مضى على الطفل، وإلا فلا، كما أنه لو سكت فلم يختر حتى كمل الطفل مثلا كان
الخيار له دون الولي.
212

ولعله لذلك مال إليه في المسالك، فإنه بعد أن ذكر عن الشافعية وجها بعدم
صحة العقد المذكور من حيث إنه لاحظ للمولي عليه في تزويج المعيب، سواء علم
الولي أم لم يعلم، ووجها آخر بالتفصيل بعلم الولي بالعيب، فيبطل كما لو اشترى
له المعيب مع علمه أو الجهل، فيصح ويثبت الخيار للولي على أحد الوجهين، أولها
عند البلوغ، قال: وهذا الوجه الأخير موجه، وعلى القول بصحة الفضولي يكون
المراد بالبطلان في الأول عدم اللزوم، بل يقف على الإجارة بعد البلوغ، ثم قال
أيضا: ولو اعتبرنا في عقد الولي الغبطة كما مال إليه بعض الأصحاب فالعقد لازم
معها مطلقا، وموقوف على الإجازة بدونها، قلت: قد يقال ذلك مع عدم اعتبارها
أيضا، بناء على أن فيه المفسدة والضرر، ولو الغضاضة العرفية والاستنكار، ودعوى
ارتفاع ذلك بالخيار يدفعها أن وجود الضرر يرفع صحة التصرف من الولي المعتبر
في جواز فعله عدم الضرر، لا أنه يثبت فيه الخيار، ولعل ذلك لا يخلو من قوة إن
لم يكن إجماعا، ولم تحصل مصالح تقتضي الفعل أو مرجحات بحيث ترتفع المرجوحية
معها، وحينئذ ينفذ ويلزم على المولي عليه على الوجه الذي قد عرفت.
ومن ذلك يعرف الكلام أيضا فيما ذكره المصنف (و) غيره من أنه (لو زوجها
بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت) لعدم اعتبار الحرية في الكفاءة، وعدم كونها
أحد العيوب الموجبة للفسخ (وكذا) الكلام في (الطفل) لو زوجه وليه
بمملوكة بناء على عدم اعتبار خوف العنت في تزويجه الأمة، (و) أما عليه
فالمتجه ما (قيل بالمنع في الطفل، لأن) الفرض أن (نكاح الأمة مشروط
بخوف العنت، ولا خوف في) جانب (الصبي)، كما هو واضح.
بقي الكلام في جواز عقد الولي الصغيرة مثلا متعة إلى ساعة مثلا بكذا
لإرادة حل النظر إلى أمها مثلا للاندراج تحت أمهات النساء (1) مثلا ونحو ذلك
مما هو مقتضى إطلاق النص (2) والفتوى وعموم الوفاء بالعقد (3) وتبعيته للقصد

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
213

وغير ذلك، بل كاد يكون صريح بعضهم عند ذكره ما يحرم بالعقد من المصاهرة من
دون دخول، بل عن المحقق في الشرائع وللولي الانكاح متعة وإن كنت لم أجده
فيها نعم عن بعض الناس تقييد ذلك بأن يكون للمولى عليه مصلحة وأن يكون
هو المقصود، فلو لم يكن مقصوده المولي عليه لم يصح، فلو عقد على صغيرة لإباحة
النظر لأمها أو لم يكن له فيه مصلحة لم يصح العقد، ولا يباح النظر، ولا يحرم به أم
المعقود عليها، وكذا باقي أحكام المصاهرة، بل جزم بذلك بعض الفضلاء ممن
قارب عصرنا وصنف فيه رسالة.
لكن لا يخفى عليك أن الجواز هو الموافق لما عرفت، ودعوى اعتبار كون
المقصود ذلك للمولي عليه واضحة المنع، لمنافاتها عموم الأدلة وإطلاقها، سيما
مع ملاحظة كثير مما ذكروه في الحيل الشرعية مما هو منطبق على القواعد
في كتاب الطلاق، والتخلص عن الرباء، والجمع بين الأختين، وإسقاط العدة،
والاستبراء، وغير ذلك، والفوائد المذكورة في أصل مشروعية النكاح والمتعة والصلح
وغيرها من العقود ليست شرطا في صحة العقد، وإنما هي حكم ومصالح لأصل
المشروعية، كما هو واضح.
وكان عدم نص أساطين الأصحاب على ذلك للمفروغية منه كالمفروغية من عدم
اعتبار القصد إلى جميع آثار العقد وما يترتب عليه في صحته، وأنه يكفي في ذلك
القصد بالعقد إلى كونها زوجة باعتبار أنها أنثى، وهي محل له ذاتا وإن لم تكن
أهلا للوطء فعلا لإرادة ترتيب بعض الآثار ولو حل النظر إلى الأم ونحوه، ولذا
نفى بعضهم عنه الخلاف بين أهل العلم.
فمن الغريب ما وقع من الفاضلين المزبورين من الوهم المسطور، وأغرب من
ذلك ما ذكره ثانيهما في الرسالة المزبورة مما هو خارج عن محل البحث، والله العالم
والهادي.
214

المسألة (السابعة)
(لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها) الذكر إجماعا أو ضرورة
من المذهب أو الدين، بل (ولو كان) المالك (امرأة في الدائم و) أما (المنقطع)
فالمعروف بين الأصحاب عدم جوازه، بل هو الذي استقر عليه المذهب، بل يمكن
دعوى تحصيل الاجماع عليه، لقبح التصرف في مال الغير، والأمر بنكاحهن بإذن
أهلهن (1) وما يظهر من النصوص (2) أيضا (و) لكن مع ذلك (قيل) والقائل
الشيخ في محكي النهاية والتهذيب (يجوز لها أن تتزوج متعة إذا كانت لامرأة
من غير إذنها) لخبر سيف بن عميرة (3) الذي رواه تارة عن الصادق عليه السلام بلا
واسطة، وأخرى بواسطة علي بن المغيرة (4) وثالثة بواسطة داود بن فرقد (5)
ومن هنا عده بعضهم ثلاثة أخبار، لكن في المسالك أن مثله اضطراب في السند
يضعف الرواية لو كانت صحيحة، فضلا عن مثل هذه الرواية، وربما ناقشه في ذلك
بعضهم، وعلى كل حال فمتنه قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتمتع بأمة
امرأة بغير إذنها قال: لا بأس به ".
(و) لا ريب أن (الأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده، إذ لا يخفى
عليك أن مثل هذه الأخبار - المخالفة لقاعدة قبح التصرف في مال الغير والكتاب
وإجماع الأصحاب وصحيح البزنطي (6) " سألت تتمتع الأمة بإذن أهلها، قال:
نعم إن الله عز وجل يقول: فانكحوهن بإذن أهلهن " وغير ذلك - مما لا ينبغي
الالتفات إليها، بل هي من القسم الذي قد أمرنا بطرحه والاعراض عنه، بل ربما

(1) سورة النساء: 4 - الآية 25.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب المتعة والباب - 29 - من أبواب نكاح العبيد
والإماء.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 3.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب المتعة الحديث 1 - 2 - 3.
(6) الوسائل الباب - 15 - من أبواب المتعة الحديث 3.
215

كانت هي مما دس في كتب الشيعة لإرادة إفساد مذهبهم، فمن الغريب إطناب
بعض الناس في ذلك، وأغرب منه ميله إلى القول بمضمونها، وليس ذلك إلا من آفة
نعوذ بالله منها، ولو أن مثل هذه الأخبار تزلزل ما استقر عليه المذهب مما كان
مثل ذلك لم يبق شئ منه مستقر، وقد قال الله تعالى (1): " إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون " فلا بد من إذنها حينئذ، ولو قلنا بأنها مولي عليها مع كونها
بالغة رشيدة، إذ لا تلازم بين الأمرين، بل هو من التصرف المالي الغير الممنوعة
منه قطعا.
المسألة (الثامنة)
(إذا زوج الأبوان الصغيرين) مراعيين ما يعتبر في جواز ذلك لهما
(لزمهما العقد) للأصل، وقيام الولي مقام المولي عليه وللنصوص المعتبرة (2)
بل لا خلاف أجده فيه في الصبية، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه فيها، نعم خالف
فيه جماعة من الأصحاب في الصبي، فأثبتوا له الخيار عملا ببعض الأخبار (3)
القاصر عن معارضة غيره من وجوه، كما عرفته سابقا، فهو إما مطرح أو محمول
على الخيار بالطلاق أو أحد العيوب، أو يراد بالخيار فيه الإجازة مع فرض وقوع
ذلك من الولي على جهة الفضولي، لعدم الغبطة أو حصول المضارة أو نحو ذلك مما
لا بأس به في مقام الجمع بين الراجح والمرجوح.
وعلى كل حال (فإن مات أحدهما ورثه الآخر) حتى على القول بالخيار،
كما حكي عنه التصريح به، ضرورة عدم منافاته لتحقق موجب الإرث الذي
هو الزوجية.

(1) سورة الحجر: 15 - الآية 9.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح الحديث 8 و 9.
216

(ولو عقد عليهما غير أبويهما) مما (ممن ظ) لا يجوز له تزويجهما كان
من الفضولي، بناء على عدم اعتبار المجيز له في الحال، أو يفرض وجود الولي لهما
ولم يجز، أو لم يعلم (و) الحكم فيه حينئذ إنه إن (مات‍) ا معا أو (أحدهما
قبل البلوغ بطل العقد) قطعا، لعدم، تماميته ولو من طرف واحد (وسقط المهر
والإرث) حينئذ لعدم تحقق موجبهما كما هو واضح.
(ولو بلغ أحدهما فرضي) به (لزم العقد من جهته) بناء على أن
الإجازة كاشفة، فالمراد باللزوم حينئذ من جهته عدم جواز فسخه له، بل في القواعد
في نحو المقام أنه تحرم المصاهرة عليه، بل في كشف اللثام نفي الاشكال فيه، فلا يجوز
له إن كان الزوج نكاح الأخت والخامسة وكل من الأم والبنت إلا إذا فسخت
الزوجة، فلا حرمة على إشكال في الأم، وفي الكشف من أن الفسخ كاشف عن الفساد
أو رافع له من حينه ثم قال فيها: ومع الطلاق نظر لترتبه على عقد لازم، فلا يبيح
المصاهرة إلى أن قال فيها: وإن كان الزوجة لم يحل لها نكاح غيره مطلقا إلا إذا
فسخ، والطلاق هنا معتبر، وفي الكشف وهل لها نكاح أبيه أو ابنه؟ فيه الوجهان في
إباحة الأم بالفسخ، لكنه قد يناقش باعتبار تحقق النكاح في تحريم ذلك وليس،
إذا الفرض عدم حصول الإجازة من الآخر، واحتمال حصولها غير كاف في تحققها،
بل الأصل يقتضي عدمها، بل مقتضاه جواز ذلك كله له حتى تحصل وإن انكشف بعد
حصولها بطلان التصرف الحاصل بين العقد وبينها، فمن باع ماله من فضولي لم يمتنع عليه
الانتفاع به ولو المتلف، اللهم إلا أن يفرق بينه وبين النكاح المطلوب فيه الاحتياط
بالأنساب وغيرها، أو يلتزم فيهما معا بالحرمة من باب المقدمة، ضرورة أنه على الكشف
بالمعنى المعروف عندهم يكون الأمر دائرا بين كونها أم امرأته مثلا أو غيرها،
فيحرم وطؤها مقدمة لامتثال تحريم نكاح أم الزوجة، ويحرم عليه التصرف في المال،
لدورانه بين كونه ماله ومال غيره، فيجب اجتنابه مقدمة لامتثال حرمة التصرف في
مال الغير، وبذلك ينقطع استصحاب الجواز السابق، فإنه لا يعارض باب المقدمة، بل
لعل موضوع المستصحب غير محقق بعد صدور ما يحتمل السببية منه المخرجة له
217

عنه، كما أنه، لم يعلم تناول أدلة الحل للفرض، إذ هي نكاح غير أم الامرأة، ولم
يعلم كونها كذلك، هذا أقصى ما يمكن أن يقال.
لكن الانصاف عدم خلوه مع ذلك عن الاشكال، خصوصا بعد ملاحظة أصل
عدم حصول الإجازة، واستصحاب أحكام الموضوع السابق، مثل جريان هذا العقد
والعزل في خبر الحذاء (1) إنما هو للاحتياط في حفظ المال، كالعزل للحمل، فهو
مخصوص في محله، ولذا صرحوا باعطائه للوارث مع فرض طول الانتظار ونحوه
بجنون ونحوه، فتأمل فإنه قد يقال بمعارضة أصالة عدم الإجازة بأصالة عدم حصول
المبطل للعقد المتأهل للصحة، والاستصحاب قد انقطع قطعا، ضرورة اندراجها
في المعقودة التي هي غير نافذة العقد، نعم هي محتملة لكونها من ذي العقد المقبول
أو المردود، ولا أصل ينقح ذلك، فيجب الاجتناب مقدمة كالمعقودة المشتبهة بغيرها،
مؤيدا ذلك بتناول أمر الوفاء بالعقد الشامل لمثل هذا العقد للأصيل مثلا، وليس
الوفاء به إلا المراعاة لحاله، واجراء حكم المصاهرة ونحوها عليه، لأن الوفاء
بكل شئ بحسب حاله، بل لعل الأمر بعزل المال في الصحيح الآتي (2) لذلك.
نعم من الغريب ما سمعته مع احتمال تحريم الأم والأب والابن بمجرد
صدور العقد فضولا الذي تعقبه عدم الإجارة ولو من طرف واحد، لاحتمال كون
الفسخ من حينه، فإنه لا يقتضيه أصل ولا قاعدة ولا فتوى، بل يمكن تحصيل الاجماع
أو الضرورة بخلافه، والطلاق غير مجد، ضرورة اعتبار تعقبه للنكاح، والفرض عدم
تماميته لعدم حصول الإجازة، وإن قلنا بكونها كاشفة بناء على مدخليتها في تأثير
الصحة ولو على جهة الكشف الشرعي فلا يؤثر الطلاق حينئذ فسخا، نعم على ما حققناه
سابقا من عدم المدخلية لها في الصحة، وأنه يكفي فيها أن يرضى الذي هو في علم الله
كالمحقق يتجه تأثير الطلاق لو صادف الصحة على الأصح، لعدم اعتبار العلم بها فيه
فتأمل جيدا، فإنه دقيق.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
218

وكيف كان (فإن مات) هذا الذي قد أجاز (عزل من تركته نصيب
الآخر) قبل البلوغ احتياطا، لاحتمال كونه وارثا بالإجازة الكاشفة، نحو ما
يعزل نصيب الحمل (فإن بلغ فأجاز) العقد (احلف أنه لم يجز للرغبة في الميراث
وورث) لانكشاف صحة العقد حينئذ من حين وقوعه، فتحقق الزوجية الموجبة
للإرث والمهر وغيرهما من أحكامها.
(ولو مات الذي لم يجز) قبل البلوغ أو بعده قبل الإجازة (بطل العقد)
لعدم تحققه (و) حينئذ ف‍ (لا ميراث) ولا مهر ولا غيرهما من أحكام الزوجية،
والأصل في هذه الأحكام صحيح الحذاء (1) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام
وجارية زوجها وليان لهما وهما غير مدركين، فقال: النكاح جائز وأيهما
أدرك كان له الخيار، وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر، إلا أن
يكون قد أدركا ورضيا، قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر، قال: يجوز ذلك
عليه إن هو رضي، قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي بالنكاح
ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال: نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك
فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث
ونصف المهر، قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال:
لا، لأن لها الخيار إذا أدركت، قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن
تدرك، قال: يجوز عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب
للجارية " والمراد بالوليين في صدره بقرينة ما في ذيله من له الولاية عرفا كالعم
والأخ، أو في المال خاصة، أو في النكاح أيضا ولكن لم يراع الغبطة المعتبرة في
تصرفه، واشتماله على تنصيف المهر بالموت نحو غيره من الأخبار الدالة على ذلك
غير قادح في حجية مع احتمال تقدم النصف الآخر.
ثم إن ظاهره كالفتاوى اعتبار اليمين في الإرث وغيره من الأحكام، فلو لم

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب
المواريث.
219

تحلف فلا إرث ولا مهر ولو لعارض من موت وغيره، فما في المسالك - من أنه ربما
احتمل مع موته قبل اليمين ثبوت الإرث، من حيث إنه دائر مدار العقد الكامل،
وهو هنا حاصل بالإجازة من الطرفين، بل في القواعد إن مات قبل اليمين بعد الإجازة
فاشكال - كما ترى، ضرورة منع كمال العقد بدونه، وأنه لو كان كذلك لم يتوقف
على اليمين ابتداء، بل قيل: إن الحلف فيه جار على الأصل باعتبار توقف صحة
العقد على الرضا به واقعا على وجه بحيث لو كان حيا لرضيت به زوجا، لا أنها
أظهرت الرضا رغبة في الميراث، وإلا فهي غير راضية به زوجا في الواقع وإن كان
هو كما ترى، ولو جنت بقي المال على عزله من العين إن أمكن وإلا فمن المثل أو القيمة.
وقيل: لو خيف الضرر على الوارث أو المال دفع إليه، وضمن للمجنون إن أفاق
وأجاز وحلف، لأن استحقاقه الآن غير معلوم، والأصل عدمه، وفيه أن استحقاق
كل منهما غير معلوم، ولذا أمر بالعزل كما عرفته سابقا، فالمتجه الانتظار.
ولو أجاز الزوج ونكل عن اليمين ففي لزوم المهر عليه إشكال من مؤاخذة
العقلاء بالاقرار، ومن أنه فرع الزوجية التي لم تثبت إلا باليمين نصا وفتوى، بل
هي جزء من علة النكاح أو شرط، ولعل الأول أقوى، لأن جزء السبب الرضا،
والإجارة تتضمن الاخبار به، فيكون إقرارا في حقه، والافتقار إلى اليمين لدفع
التهمة، حيث يردا إثبات حق على الغير، مع أنه خارج عن النص لكونه في المرأة
خاصة، وعليه ففي إرثه منه إشكال من توقف الإرث على اليمين، ومن أن الاقرار
لا يوجب المؤاخذة إلا ببعض المهر، فإن غاية ما يلزم تحقق الزوجية في طرفه، وهو
لا يستلزم هنا إلا ثبوت بعض المهر، ولا دليل على الزائد، وأيضا هو إما صادق
أو كاذب، فإن كان الأول فليس عليه، إلا بعض المهر، وإن كان كاذبا فلا مهر
أصلا، وليس هو كالاقرار بمائة مثلا لامرأة ثم ادعى أنها مهر نكاح يرث
منه، ضرورة وضوح الفرق بينهما وحكم المجنونين حكم الصغيرين.
نعم قد يشكل جريان الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي من التساوي
في الفضولية، ومن أن في بعض أحكامه ما هو على خلاف الأصل، فيقتصر على
مورده، لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد إن هذا أقوى، فيحكم ببطلان العقد
220

إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر، سواء قلنا: إن الإجازة
جزء السب أو كاشفة عن سبق النكاح من حين العقد، أما على الأول فظاهر، لأن
موت أحد المتعاقدين قبل تمام السبب مبطل، كما لو مات أحدهما قبل تمام القبول،
وأما على الثاني فلان الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد، بل لا بد معها
من اليمين، وقد حصل الموت قبل تمام السبب، خرج منه ما ورد فيه النص وهو العقد
على الصغيرين، فيبقى الباقي، ولأن الإرث لا يثبت باليمين كما في جامع المقاصد، وفيه -
مضافا إلى كون معية اليمين إنما هو بعد الموت لا قبله - أن اليمين لا مدخلية له
في الثبوت واقعا، ولا في الإرث، وإنما هو كاشف عن إثبات الإجازة، وعن صدق
المجيز في اخباره عن رضاه الباطن بالعقد، لا أنه أظهر الرضا للرغبة في الميراث،
وأيضا هو كالإجازة في الكشف، لا أنه من تمام السبب الناقل كي يقال بالبطلان
لحصول الموت قبله، على أن المتجه بناء على عدم اعتبار بقاء المعقود عليه على صفة
القابلية في صحة الإجازة الصحة من غير حاجة إلى اليمين، ضرورة تمامية العقد حينئذ
بدونه لا بطلان العقد، بل وكذا لو قلنا باعتبار اليمين لنفي التهمة الذي لا مدخلية
له في العقد، كما هو واضح، وما كنا لنؤثر أن يقع مثل ذلك عن مثلهما، نعم يقوى
في النظر اعتبار بقاء قابلية المعقود عليه لتأثير العقد فيه، كما عن الفخر التصريح به
في شرح الإرشاد، خصوصا بناء على ما ذكر في الكشف في بحث الفضولي من احتمال
أن الإجازة لها مدخلية في التأثير وإن كان هو واضح الفساد، كما ذكرناه في محله.
وحينئذ فيكون ما في النص مخالفا للقواعد، يقتصر عليه، لا يتعدى منه إلا لما علم
أولويته أو مساواته له.
وأغرب مما سمعت ما وقع من ثانيهما من احتمال الصحة في الفرض باعتبار
الأولوية من المنصوص بأن يقال: إن عقد الفضولي إذا كان له مجيز في الحال فلا إشكال
في صحته عند القائل بصحته، وإن لم يكن له مجيز في الحال فهو محل إشكال، وعقد
الكبيرين فضولا من القسم الأول دون عقد الصغيرين، فإذا ثبت الحكم في الأضعف
ثبت في الأقوى بطريق أولى، وهذا متجه لم ينبه عليه أحد.
221

قلت: لا يخفى عليك ما فيه، أما أولا فلأن العقد على الصغيرين قد يكون
من القسم الأول، كما إذا كان لهما ولي نكاح لكن عقد عليهما الفضولي، بل
قد يقال إنهما لا يخلوان من المجيز في الحال، بناء على عموم ولاية الحاكم لمثل ذلك،
ولعل مراده أن عقد الصغيرين فضولا قد لا يكون له مجيز في الحال بناء على المشهور
وحينئذ فلا إيراد عليه من هذه الجهة. وثانيا أن الاشكال في الصحة وعدمها لا مدخلية
له في الأولوية التي تكون سببا لاثبات حكم شرعي.
ومن ذلك يعلم الحال فيما ذكره فيها أيضا تبعا لغيره، من أنه لو تغير مورد
النص بكون العاقد على الصغيرين أحدهما الولي والآخر فضولي فمات من عقد له
الولي أولا قبل بلوغ الآخر إطرد الحكم، لأن الجائز من الطرفين أضعف حكما
من اللازم من أحدهما، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى،
وبذلك يخرج عن القياس الممنوع.
وكذا ما ذكره أيضا فيها فيما لو كانا بالغين وأوقعه أحدهما عن نفسه والفضولي
عن الآخر، أو كان أحدهما بالغا والآخر صغيرا، فأوقع له الولي أنه وإن كان
أبعد من جهة الخروج عن المنصوص في كونهما معا صغيرين، لكن ذلك منجبر
بالأولوية المزبورة ويظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضا، وهو متجه
إذا الجميع كما ترى غير خارج عن القياس الممنوع ما لم يصل ذلك إلى حد القطع بأولوية
الحكم هنا من مورد النص أو مساواته.
وأغرب من ذلك ما فيها أيضا من أن الأقوى اعتبار اليمين وإن لم تحصل
التهمة التي هي ليست علة تامة في اعتباره، بل هي حكمة لا يجب اطرادها وحينئذ
فلا يستحق شيئا في أعيان التركة بدونه وإن كان ما يعترف به في ذمته أو في عين
من الأعيان من المهر أضعاف ما يدعيه، ولا بعد في توقف ملكه لنصيبه من عين
التركة عليه، لأن ذلك أمر آخر، وحق خارج لا ملازمة بينه وبين ما يقربه، إذ لا
يخفى أن لفظ النص في الامرأة، وألحقنا الرجل بها إلحاقا، واليمين إنما يراد مع
عدم علمه بصدق المخبر، أما لو علم ولو بقرائن قطعية فلا فائدة في اليمين.
222

المسألة (التاسعة)
(إذا أذن المولى لعبده) مثلا (في إيقاع عقد النكاح) له (صح)
وإن لم يعين له امرأة ولا مهرا بلا خلاف أجده فيه، كما عن بعضهم الاعتراف به،
فيجوز له حينئذ تزويج الأمة والحرة الشريفة والوضيعة من أهل البلد أو خارجه،
نعم ليس له الخروج إليها إلا بإذن السيد، (و) لا يشكل ذلك بتفاوت المهر
تفاوتا فاحشا، فلا يكفي الاطلاق في التزامه لاندفاعه باقدامه عليه باطلاق الإذن له،
على أنه إذا أطلق (اقتضى الاطلاق الاقتصار على مهر المثل) نحو الاطلاق في البيع
والشراء ونحوهما وما يقال: إن مهر المثل متفاوت أيضا بتفاوت ذوات الأمثال
تفاوتا فاحشا يدفعه - مضافا إلى إقدامه على ذلك - إمكان دعوى تنزيل الاطلاق
على اللائقة بحاله وحال مولاه، وحينئذ فلو تزوج من لا يليق مثلها به أو من لا يليق
مهر مثلها بالمولى فإما أن يقف النكاح على الإذن، أو يصح ويكون الزائد من
مهرها على ما يليق بالمولى على العبد، يتبع به بعد العتق، ولعل الأقوى الوقوف
في التي لا تليق بحاله، بخلاف من لا يليق مهر مثلها بالمولى، فيصح النكاح
على الوجه الذي عرفت، نعم قد يقال بتسلط الامرأة على الخيار في العقد مع الجهل
بالحال، كما ستعرفه في نظائره مع أن الأقوى عدمه.
وعلى كل حال (فإن زاد) العبد على مهر المثل مع الاطلاق (كان الزائد
في ذمته يتبع به إذا تحرر) وإن قلنا بوقف العقد في الشراء بأزيد من ثمن المثل،
للفرق بينه وبين المقام بتوقف صحته على الثمن بخلاف النكاح، فإنه لا يتوقف
على المهر، نعم قد يناقش بأن العبد إن كان أهلا لأن يثبت شئ من المهر في ذمته
فليثبت جميعه، وبأن المرأة إذا لم تكن عالمة بالحال قد أقدمت على مهر يثبت
في ذمة المولى معجلا ولم يحصل، وقد يدفع بأنه أهل هنا للزائد على ما استحقه
على المولى بالإذن كما ستعرف، ويمنع كون نكاح العبد مطلقا يوجب كون المهر
223

معجلا في ذمة المولى أو غيره، بل قد يكون كذلك، وقد لا يكون كذلك، فالتقصير
منها حيث إنها أقدمت جاهلة بالحكم الشرعي، لكن قد يناقش فيه بأنه مع عدم
مدخلية ذلك بعض الصور لا مؤاخذة عليها في الجهل بحكم المعاملة، وقد تدفع بأنه
وإن كان لا مؤاخذة عليها شرعا بذلك، لكن ما وقعت فيه إنما هو بجهلها وعدم
سؤالها، خصوصا بعد معلومية مملوكية العبد لغيره. وأنه كل عليه فلا خيار لها
حينئذ نعم لو دلس نفسه فتزوجته على أنه حر فبان أنه مملوك كان لها الخيار نصا
وفتوى، هذا كله مع الاطلاق.
أما لو عين له الزوجة والمهر فلا ريب في نفوذه مع عدم التخطي عما عين له،
فإن تخطى في الزوجة خاصة أو فيها وفي المهر كان موقوفا على إذن جديدة
من المولى وإن كانت مساوية للمعينة.
وكذا لو عين له نوع النكاح فتخطى إلى غيره، ولو أطلق فلا إشكال
في الدائم، ويقوى دخول المنقطع أيضا.
ولو كان في المهر خاصة اتبع بالزائد بعد العتق نحو ما سمعته في الزائد على
مهر المثل، ونحو ما لو عين له المهر وأطلق له الزوجة، فإنهم صرحوا من غير
خلاف فيه يعرف بينهم بأنه يتبع بالزائد بعد العتق وإن كانت الزيادة مع المعين
لا تتجاوز مهر المثل، وفي خيار المرأة ما عرفت.
ولو كان المهر المعين أكثر من مهر مثل التي عقد عليها ففي لزوم العقد
والمسمى نظرا إلى كونه مأذونا، أو تعلق الزائد بذمته يتبع به بعد العتق كما لو زاد
في المطلق، ولانسياق إرادة الإذن بذلك لمن يكون مهر مثلها ذلك، وجهان:
عن التذكرة الأول ويقوى في النظر الثاني، فيثبت حينئذ الزائد عن مهر المثل
في ذمته بعد العتق، مثل ما لو عين له الزوجة وأطلق له المهر فتخطى عن مهر المثل،
فإن الزائد عليه حينئذ في ذمته يتبع به بعد العتق، ومن ذلك يظهر لك ما في الحدائق
من أنه لو عين له المهر والزوجة فتعدى فيهما أو في أحدهما كان فضولا، ولعله
224

توهمه من بعض نسخ المسالك أو مما في جامع المقاصد، قال: " إن المناسب للقواعد
أي مع الزيادة على مهر المثل أو المعين، إما القول بوقف النكاح أو الصداق على
إجازة المولى، فإذا فسخ الصداق ثبت مهر المثل بالدخول، وتتخير المرأة " وفية
ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، (و) الأمر في ذلك كله سهل.
إنما الكلام في أنه (يكون مهر المثل) المأذون له في الاطلاق والمعين
(على مولاه) وفي ذمته، كما هو المشهور على ما في المسالك، أو يكون في ذمة
العبد يؤديه مما يتجدد من كسبه إن كان مكتسبا، قيل أو مما في يده إن كان
مأذونا في التجارة، وإلا بقي في ذمته، فيقال لزوجته إن زوجك معسر بالمهر فإن
صبرت وإلا فلك خيار الفسخ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: (وقيل) والقائل
الشيخ وابنا البراج وسعيد على ما يحكى عنهم (في كسبه) بل في كشف اللثام " هو
عندي أقوى، لأن الأصل براءة ذمة المولى، والإذن في النكاح لا يستلزم تعليق
لازمه في الذمة، وإنما يستلزم الإذن في لازمه، وهو الكسب للمهر والنفقة،
وأيضا فغاية العبد المكتسب إذا أذن له في النكاح أن يصير في المهر والنفقة
بمنزلة الحر المكتسب، وأما المأذون في التجارة فإذنه فيها كأنه يتضمن
الإذن في أداء المهر مما في يده، والتعويض عنه بكسبه " انتهى. وفي الروضة
" يجب حينئذ على المولى تخلية العبد للتكسب نهارا وللاستمتاع ليلا، إلا أن
يختار الانفاق عليه وعلى زوجته من ماله، فله استخدامه بشرط أن لا تزيد أجرة
الخدمة على النفقة المبذولة، وإلا كان الزائد مصروفا في المهر، فيجب على المولى بذل
الزائد أو تخليته ليصرف الكسب فيهما حيث يفضل " وهو جيد إلا أنه ينبغي تقييد
الاستمتاع بالواجب عليه، أما غيره فلا يعارض وجوب طاعة السيد التي لا ينافيها
الإذن له في ذلك، نعم لا يجب على الأمة المأذونة الطاعة مع معارضة استمتاع الزوج،
للفرق الواضح بينها وبين العبد بوجوب ذلك عليه، بخلاف العبد.
وعلى كل حال فإنما يتعلق بكسبه الحاصل بعد العقد، والنفقة بكسبه الحاصل
بعد وجوب الانفاق المشروط بالتمكين، فما كان بيده من كسب قبل ذلك فهو للسيد،
225

والمهر المؤجل يتعلق بالكسب عند حلول أجله فإن فضل من السابق عن النفقة شئ
فهو للمولى، لأن الاكتساب تابع لوجوب الحق.
(و) كيف كان فلا ريب أن (الأول أظهر) ضرورة عدم ذمة للعبد
صالحة للاشتغال، وإلا لكان المهر جميعه فيها ولم يقل به أحد، كما أنه ليس
في الإذن ما يقتضي اختصاص ذلك بخصوص الكسب من أموال السيد، فالمتجه تنزيل
ذلك منزلة الاستدانة والشراء المأذون فيهما من السيد وإن انتفع العبد بهما، بل
ربما ظهر من خبر علي بن حمزة (1) عن أبي الحسن عليه السلام المفروغية من ذلك " في
رجل زوج مملوكا له من امرأة حرة على مئة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل
عليها، قال: يعطيه سيده من ثمنه نصف ما فرض لها، إنما هو بمنزلة دين استدانه
بإذن سيده " بل يمكن دعوى معلومية ذلك من الأصحاب أيضا، فإنهم في غير المقام
لا إشكال عندهم في التزام السيد بكل ما يأذن به لعبده من التصرفات التي تستتبع
مالا، اللهم إلا أن يفرق بين النكاح وغيره بأن المعوض في الشراء والدين ونحوهما
يدخل في ملك السيد، لعدم ملكية العبد، فلا بد من ثبوت العوض في ذمته حينئذ،
بخلاف النكاح، فإن البضع يكون للعبد، وفيه أن المتجه حينئذ كونه في ذمة العبد
يتبع به بعد العتق، ولم يقل به أحد، نعم قد يقال: إنه في ذمة العبد، لكونه عوض
ما انتقل إليه من البضع، ولكن يستحق على السيد أداؤه حالا أو عند حلول الأجل،
ولعل هذا هو المراد من قولهم في ذمة السيد إنه في عهدته أداؤه عن العبد، وإلا
فالمهر على الزوج نصا وفتوى، والله العالم.
(وكذا الكلام (القول خ ل) في نفقتها) خلافا ودليلا، نعم عن ابن حمزة
أنه فصل فيها بين كون العبد مكتسبا ففي كسبه، أي مع اختيار سيده كما حكاه
عنه في الإيضاح، وإلا فعلى سيده، وإن كان قد يفرق بينهما بأن الأول من المعاوضة
التي يعتبر فيها ملك العوض في مقابلة ملك المعوض، بخلاف النفقة التي هي حكم

(1) الوسائل الباب - 78 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 عن علي بن أبي حمزه.
226

شرعي متعلق بالزوج وإن وجب على السيد أداؤه عنه للإذن، كما في كفارات
الاحرام، هذا. وفي كشف اللثام عن الشيخ أنه إن لم يكن مكتسبا قيل: إنها تتعلق
بذمته فيقال لزوجته: إن زوجك معسر بالنفقة فإن اخترت أن تقيمي معه حتى
يجد، وإلا فاذهبي إلى الحاكم ليفسخ النكاح وقيل: تتعلق برقبته، لأن الوطء
كالجناية، واختاره، وقال: إنه أليق بمذهبنا فإن يمكن أن يباع منه كل يوم بقدر
ما يجب عليه من النفقة فعل، وإلا بيع كله في الجناية، ووقف ثمنه ينفق عليها،
والاعتراض بأنه إذا بيع انتقل إلى سيد آخر، والثمن من مال الأول، فكيف
ينفق منه على زوجته؟ ظاهر الاندفاع بمنع كون الثمن حينئذ من ماله، وإن سلم
فنقول: إنه بالإذن في النكاح ألزم على نفسه الانفاق على زوجته من ثمنه.
لكن الجميع كما ترى، خصوصا مع أن النفقة ليست بأولى من المهر في كونه
عوض إتلاف، ولا ريب في أنها على سيده، لأنها من توابع ما أذن له فيه، بل ربما
ظهر من موثق الساباطي (1) المفروغية منه قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أذن
لعبده في تزويج امرأة حرة فتزوجها، ثم إن العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب
نفقتها من مولى العبد، فقال: ليس لها على مولاه نفقة، وقد بانت عصمتها منه، فإن
إباق العبد طلاق امرأته، هو بمنزلة المرتد عن الاسلام، قلت: فإن هو رجع إلى
مواليه ترجع إليه امرأته؟ قال: إن كان قد انتقضت عدتها منه ثم تزوجت غيره
فلا سبيل له عليها، وإن كانت لم تتزوج ولم تنقض العدة فهي امرأته على النكاح الأول "
بل يمكن دعوى كونه من الواضحات، فلا يطال في تأييده، كما أنه لا يخفى عليك
جريان نحو ذلك بما لو كانت الإذن للجارية في التزويج في الصور الأربع، وأنه في أيها
يكون العقد فضولا أو لازما، ويلتزم بمهر المثل

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
227

المسألة (العاشرة)
(من تحرر بعضه ليس لمولاه إجباره على النكاح) لأنه صار شريكا
للمولى في الحق المتعلق برقبته، فليس لأحدهما التصرف إلا بإذن الآخر، ومنه
النكاح، فليس للمولى إجباره عليه مراعاة لجانب الحرية، لأن الحر لا يجير
عليه، والنكاح لا يختص ببعضه، ولا للعبد الاستقلال به مراعاة لجانب الرقية،
بل يعتبر صدوره عن رأيهما، وتكون المهر والنفقة حينئذ بالنسبة، والزيادة
هنا عن المعين والمثل يتعلق بجزئه الحر، وعلى كل حال فلا ريب في عدم جواز
استقلال أحدهما به، ضرورة كونهما كالشريكين اللذين سأل زرارة الصادق
عليه السلام (1) عنهما قال له " في عبد بين رجلين زوجه أحدهما والآخر لا يعلم،
ثم إنه علم بعد ذلك، أله أن يفرق بينهما؟ قال: للذي لم يعلم ولم يأذن أن يفرق
بينهما، وإن شاء تركه على نكاحه " وسأل علي بن جعفر (2) أخاه عليه السلام أيضا
" عن مملوكة بين رجلين زوجها أحدهما والآخر غائب، هل يجوز النكاح؟
قال: إذا كره الغائب لم يجز النكاح " بل لعل إطلاق المتن وغيره يقتضي عدم
جواز الاستقلال ولو في أيام المهاياة، والله العالم.
المسألة (الحادية عشر)
(إذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه) الذي له الولاية
على سيدها وحينئذ (فإذا زوجها لزم وليس للمولى عليه مع زوال الولاية فسخه)
بعد فرض مراعاة الولي ما يعتبر في جواز تصرفه من الغبطة أو عدم المفسدة، ضرورة

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 عن عبيد بن
زرارة.
(2) الوسائل الباب - 70 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
228

كونه كباقي التصرفات فيما له الذي ليس له الاعتراض عليه فيه، من غير فرق
في المالك المولي عليه بين كونه ذكرا وأنثى، بل في المسالك نبه بذلك على خلاف
بعض العامة، حيث منع من تزويج، أمة المولي عليه مطلقا، لأنه ينقص قيمتها،
وقد تحبل فتهلك، ومنهم من شرط في جواز تزويج الولي كون المولي عليه ممن
يجوز له مباشرة التزويج، والكل عندنا ساقط، والفرق بين التصرفين ظاهر،
واشتراط التصرف بالمصلحة يرفع احتمال النقص.
قلت: بل الظاهر عدم اعتبار كون الولي ممن يجوز له تزويج المولي عليه،
فالحاكم والوصي لهما تزويج مماليك الصغار وإن لم يكن لهما تزويجهما، لما عرفت
من أن ذلك من ولاية التصرف في المال التي هي لهما، بخلاف نكاحهما.
(و) كيف كان ف‍ (يستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد بكرا كانت
أو ثيبا) وإن تأكد في الأولى، بل قد عرفت اعتبار إذنه فيهما من جماعة وإن كان
الأقوى خلافه كما تقدم، والاستحباب المزبور مبني عليه، ولذا استدل عليه
في المسالك، مضافا إلى غلبة كونه أعرف بالأنسب من الرجال وأعرف بالأحوال
فيها، بل في استبدادها من الغضاضة عليه ما لا يخفى، بل ربما أدى إلى عدم الاهتمام
منه بما يهمها في جميع ما يعرض لها من الأمور التي يتكلف بها الولي بما سبق
من الأخبار الكثيرة (1) الدالة على أن المتولي لتزويجها هو الأب المحمولة بعد
معارضتها بما عرفت على ما هو أقل مراتبها من الحمل على الاستحباب، لكن
لا يخفى على من تأمل تلك النصوص عدم إفادتها الاستحباب على الوجه المزبور،
ضرورة خلوها منطوقا ومفهوما عن الأمر لها بالاستئذان خصوصا في الثيب، نعم هي
ظاهرة في النهي عن نكاح البكر بدون إذن الأب، وعن مخالفة أمره ونحو ذلك مما
يفيد كراهة الاستبداد لها، وهو لا يفيد استحباب الاستئذان، ولعله لذلك ناقشهم
في الحدائق فيها وفي المسألة الآتية بعدم الدليل على ما يفيد الاستحباب على الوجه
المزبور، اللهم إلا أن يدعى استفادة ذلك عرفا من أمثال تلك الخطابات، بل هو

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح.
229

معنى ولايته المجازية المستفادة من النصوص حتى في الثيب التي قد سمعت خبر
إسماعيل (1) عن الرضا عليه السلام فيها وفي البكر، مضافا إلى إطلاق ما دل على الولاية
المزبورة.
(و) كذا الكلام فيما ذكره المصنف أيضا من أنه يستحب لها (أن توكل
أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد)، لأنه من الذي بيده عقدة النكاح فيما سمعته
من خبر أبي بصير (2) المحمول على الولاية المجازية (و) كذا مرسل الحسن بن علي (3)
عن الرضا عليه السلام " الأخ الأكبر بمنزلة الأب " المستفاد منه أيضا ما ذكره المصنف
من استحباب (أن تعول على الأكبر إذا كانوا أكثر من أخ) واحد، (و)
حينئذ ف‍ (لو تخير كل واحد من الأكبر والأصغر زوجا تخيرت خيرة الأكبر)
الذي قد عرفت أنه بمنزلة الأب، مضافا إلى ما تسمعه من الخبر (4) الآتي قريبا نعم
قد تنضم مرجحات خارجية لخيرة الأصغر، وهو غير ما نحن فيه، إذ محل البحث
الترجيح للأكبر من حيث كونه كذلك مع التساوي في المرجحات الخارجية، كما
هو واضح.
(مسائل ثلاث):
(الأولى)
(إذا زوجها الأخوان) اللذان قد عرفت أنهما أجنبيان عندنا (برجلين
فإن وكلتهما فالعقد للأول) ضرورة وقوع الثاني حينئذ على امرأة ذات بعل
(و) حينئذ ف‍ (إن) كان قد (دخلت بمن تزوجها أخيرا) جاهلة بعقد الأول
فرق بينهما بلا خلاف معتد به أجده فيه، وإن حكي عن المبسوط أنه قال فيه:

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب عقد النكاح الحديث 15.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4 - 6. س
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4 - 6.
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
230

إن فيه خلافا، وأنه روى أصحابنا (1) أن العقد وأن الأحوط الأول، بل ربما
توهمه بعضهم من عبارة الشيخ في النهاية التي تسمعها.
وعلى كل حال فلا إشكال في أنه يفرق بينهما (ف‍) إن كان قد (حملت) منه
(ألحق الولد به) وبها، للشبهة التي بمنزلة الصحيح، (وألزم مهر) مثل‍ (ها
وأعيدت إلى السابق) واستحقت عليه المسمى، وعن التذكرة احتمال أن لها
المسمى على المشتبه أيضا، لأنه أمهر على ذلك، ولقول الباقر عليه السلام في خبر محمد بن
قيس (2) " إن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلا ثم أنكحتها
أمها رجلا بعد ذلك، فدخل بها، فاختلفا فيها، فأقام الأول الشهود، فألحقها
بالأول، وجعل لها الصداقين جميعا، ومنع زوجها الذي حقت له أن يدخل بها
حتى تضع الولد، ثم ألحق الولد بأبيه ".
ولو كانا عالمين فهما زانيان لا يلحق بهما الولد ولا تستحق عليه مهرا، ولو
كانت هي عالمة خاصة لم تستحق المهر، ولم يلحق بها الولد، بل يختص إلحاقه
بالأب، ولو انعكس الأمر لم يلحق به الولد، واستحق عليه المهر، كما هو
واضح.
ولو علم سبق أحدهما وجهل فإن علم تاريخ أحدهما وقلنا بتأخر مجهول
التاريخ عن معلومه كانت المرأة لمعلوم التاريخ، وإلا فالقرعة، أو فسخ الحاكم
النكاح، أو أجبرهما معا على الطلاق، ولعل الأوسط أوسط.
(وإن اتفقا في حالة واحدة) بأن علم ذلك، أو كان هو مقتضى الأصلين
كما لو علم صدورهما وجهل التاريخ (قيل) والقائل الشيخ في كتابي الأخبار:
(يقدم) عقد (الأكبر) إلا أن يدخل بها الآخر، بل اختاره الفاضل
في المختلف ابنا سعيد وحمزة، وإن كان الأخير لم يشترط، بل ما عن النهاية والقاضي
من إطلاق الحكم بعقد أكبرهما إلا مع دخول الآخر إلا مع سبق عقد الأكبر
ظاهر في أن المراد اتفاق العقدين أيضا كما فهمه المصنف منه في محكي النكت،

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
231

والأصل في ذلك خبر وليد بياع الأسفاط (1) قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا
عنده عن جارية كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة وزوجها الأصغر بأرض
أخرى، قال: الأول أحق بها إلا أن يكون الآخر قد دخل بها، فإن دخل بها
فهي امرأته، ونكاحه جائز " المحمول على صورة الاقتران بمقتضى الأصول.
كالمحكي من عبارة النهاية " وإن كان لها أخوان فجعلت الأمر إليها ثم
عقد كل واحد منهما عليها لرجل كان الذي عقد عليها أخوها الأكبر أولى من
الآخر، فإن دخل بها الذي عقد عليها أخوها الصغير كان العقد ماضيا، ولم يكن
للأخ الكبير أمر مع الدخول، وإن كان الكبير قد سبق بالعقد ودخل الذي عقد
عليه الأخ الصغير بها فإنها ترد إلى الأول، وكان لها الصداق بما استحل من
فرجها، وعليها العدة " وحينئذ فيكون هو موافقا للمحكي عنه في كتابي
الأخبار من حمل الخبر على ما إذا جعلت الامرأة أمرها إلى أخويها واتفق العقدان
في حالة واحدة، فإنه يكون حينئذ عقد الأكبر أولى ما لم يدخل الذي عقد عليه
الأصغر، وإن زاد الأول بيان حكم سبق الأكبر مع دخول من عقد له الأصغر،
كما أنه زاد في التهذيب التصريح بالاقتران، ومثل ذلك لا يكون خلافا في المسألة،
وإن أطنب فيه في المسالك، وجعل ذلك من الشيخ قولين، وما حكاه المصنف من
إطلاق تقديم الأكبر ثالثا، مع أن المصنف قد بين حكم السابق على وجه لم يظهر
فيه خلاف، فيكون موضوع ما حكاه بلفظ القيل صورة الاقتران مع عدم الدخول،
وقد عرفت أن الشيخ قائل فيها في الكتب الثلاثة بتقديم الأكبر، بل ينبغي القطع
بتنزيه الشيخ عن القول بتقديم عقد الأكبر وإن سبقه عقد الأصغر، خصوصا بعد
تصريحه بتقديم عقد الأصغر مع الدخول وإن لم يعلم سبق عقده للأكبر، بل ولو
علم الاقتران، ضرورة عدم جدوى الدخول مع فرض تقديم عقد الأكبر وإن كان
متأخرا، لأنه يكون عقد الأصغر لاغيا والدخول لا يصلح لتصحيحه.
وبالجملة ما أطنب فيه في المسالك في تحرير محل النزاع ليس بشئ على

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
232

أن المصنف حكى ذلك بلفظ القيل، ولعله أراد ما في كتابي الأخبار في صورة
عدم الدخول، أو أراد ما في الوسيلة، قال فيها: " وإن وكلت أخوين لها على الاطلاق
وزوجها كل واحد منهما من رجل دفعة صح عقد الأخ الأكبر، وإن سبق أحدهما
صح العقد السابق " وهو صريح فيما حكاه المصنف، بل يمكن تنزيل كلام الشيخ
على ذلك كما عرفت.
(و) على كل حال ف‍ (هو) أي القول بتقديم عقد الأكبر مع الاتفاق (تحكم)
لعدم المرجح، والخبر (1) مع فقده شرط الحجية في سنده ولا جابر غير صالح،
على أنه محتمل لكون العقد منهما فضولا، بل لعل هذا الاحتمال منه أقوى من
غيره، باعتبار خلوه من أمارات التوكيل، وحينئذ يكون الأول أحق بها، بمعنى
أن الذي ينبغي لها إجازة عقد الأخ الأكبر الذي هو بمنزلة الأب، فلو فرض أنها
دخلت بمن عقد له الأصغر لم يكن حينئذ لعقد الأكبر محل للإجازة، فينطبق
الخبر المزبور على ما ذكره المصنف بقوله (وإن لم تكن أذنت لهما أجازت عقد
أيهما شاءت) سواء تقارنا أو اختلفا (والأولى لها إجازة عقد الأكبر) الذي
هو بمنزلة الأب (وبأيهما دخلت قبل الإجازة) قولا (كان العقد له)
للاكتفاء بالإجازة الفعلية عن القولية، لكون المعتبر الرضا فكلما دل عليه من
قول أو فعل كان كافيا علي إشكال لنا فيه قد تقدم في محله، أو يفرض تقدم قول
عادة قبل الدخول، أو أنها كانت يكفي سكوتها أو غير ذلك، وبذلك كله ظهر لك
الحكم في جميع صور المسألة من غير حاجة إلى ما أطنب فيه في المسالك من الاكثار
في الصور.
نعم بقي شئ وهو أنه قد يقال على المختار بصحة نكاح الداخل بالامرأة
في صورة عدم العلم بتاريخ العقدين لو فرض وقوع المخاصمة بعد الدخول، لأصالة
الصحة في فعل المسلم، وقوله، ولأنه قد حكم له بظاهر الشرع بالزوجية، ولم يعلم
فسادها بالاقتران أو السبق، فهو نحو مدعي الصحة والفساد، نعم لو كانت المخاصمة

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
233

بينهما قبل الدخول لم يكن ترجيح لأحدهما على الآخر، فلا محيص عن الحكم
بالبطلان بناء على أن الاقتران مقتضى الأصلين، وإن لم نقل بذلك أقرع أو يحكم
بالخيار للمرأة أو يفسخ الحاكم العقدين أو يجبرهما على الطلاق، بخلاف المفروض،
بل لا يعتبر في صحته على الوجه الذي ذكرناه دعوى الداخل سبق العقد، فيكفيه
تشبثه بالزوجية، بل قد يقال إن للعاقد الدخول وإن علم بوقوع عقد آخر، إلا
أنه لم يعلم كونه سابقا أو مقارنا اعتمادا على أصالة صحة عقده، لكن الانصاف عدم
خلو ذلك كله عن بحث ونظر ليس هذا محله، والله العالم.
المسألة (الثانية)
(لا ولاية للأم) ولا لأحد من آبائها (على الولد) الصغير بلا خلاف
أجده فيه إلا من الإسكافي الذي يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، للأصل
وظاهر النصوص (1) السابقة، خصوصا الحاصرة للولاية في غيرها وغير آبائها، نعم
لا يبعد رجحان مراعاة إذن الأم في تزويج بنتها للمحكي عن رسول الله صلى الله عليه وآله (2) أنه
أمر نعيم بن النخاع أن يستأمر أم ابنته في أمرها وقال: " واتمروهن في بناتهن " فما
عن الإسكافي من قيام الأم وآبائها مقام الأب وآبائه واضح البطلان.
وحينئذ (فلو زوجته) كان عقدها فضولا كغيرها من الأجانب
(ف‍) إن (رضي لزمه العقد، وإن كره) بطل، لكن عن الشيخ وأتباعه أنه
إن رده (لزمها) أي الأم (المهر، وفيه تردد) من الأصل بل
الأصول، ومن خبر محمد بن مسلم (3) عن الباقر عليه السلام " إنه سأله عن رجل
زوجته أمه وهو غائب، قال: النكاح جائز إن شاء المزوج قبل وإن شاء ترك،
فإن ترك المزوج تزويجه فالمهر لازم لأمه " وعن الشيخ في النهاية الفتوى به، إلا
أنه ضعيف السند غير صالح لقطع الأصول، خصوصا بعد إعراض الفحول ومعارضته

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب عقد النكاح.
(2) مسند أحمد ج 2 ص 97.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
234

بما في صحيح الحذاء (1) من غرامة النصف في الفضولي، وإن كنا لم نجد قائلا به
صريحا (وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه)
ولم تثبت، لأنها حينئذ
قد فوتت البضع على الامرأة.
لكن نظر فيه في المسالك تبعا لجامع المقاصد بأن ضمان البضع بالتفويت
مطلقا ممنوع، وإنما المعلوم ضمانه بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقا، ثم
قال: والأقوى عدم وجوب المهر على مدعي الوكالة مطلقا إلا مع ضمانه، فيجب
حينئذ ما يضمنه جميعه أو بعضه، قلت: لا ريب في أن مقتضى القواعد ذلك، والتعليل
المزبور عليل.
لكن في الحدائق " أن العمدة في ذلك روايات فيها الصحيح وغيره دالة
على الضمان بدعوى الوكالة قد ذكرناها في باب الوكالة " قلت: الذي عثرنا عليه
من النصوص التي أشار إليها (2) دالة على التنصيف بل لعله المشهور، بل لم نجد للقول
بضمان المهر كملا دليلا وإن حكي عن الشيخ في النهاية والقاضي سوى التعليل
في خبر التنصيف بأنه " ضيع حقها بترك الاشهاد " وسوى ما في بعضه أيضا من ظهور
ذلك، لكنه بعد التصريح بالتنصيف فيه لا وجه للأخذ به، فبعد الاغضاء عما في إرادة
التعليل حقيقة منه، ضرورة عدم وجوبه عليه أولا، وعدم تماميته فيما لو أشهد
ومات الشهود مثلا، إلى غير ذلك مما هو قد كرر في محل تحرير هذه المسألة،
فحمل الخبر على ذلك غير وجيه.
وربما حمل على إرادة أن المهر لازم لأمه لا عليها، أي لها استعادته
لو كانت دفعته، والامتناع عنه مع عدم الدفع، وعلى التقديرين هو لها لا عليها،
نعم يفهم منه حينئذ عدم لزومه للولد مع الإجازة، بل على الأم، ولعله لبذلها إياه
من نفسها، فتكون كمن ضمن عن الزوج للزوجة، إلا أنه كما ترى أيضا، فالأولى
رد المراد به إلى قائله، أو يحمل على إرادة لزوم المهر، لأمه في الجملة على وجه

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الوكالة الحديث 1.
235

ينطبق على التنصيف، بناء على أن العقد بدعوى الوكالة موجب لذلك، مع إنكار
الموكل، كما وقع ذلك في الصحيح (1) المعتضد بالخبر الذي هو مستند ذلك، بل
ربما أيد بكونه كالفرقة قبل الدخول، وبأنه أقل مخالفة للقواعد من ضمان
المهر كملا.
فما في الرياض - من أن الأقوى ضمان المهر كملا على تقدير صحة دعوى أن
ادعاء الوكالة بمجرده يوجب المهر كملا وإلا فالبحث فيه ساقط من أصله - في غير
محله، بل هو مخالف لصريح كلامه في باب الوكالة، فإنه هناك قد اختار التنصيف
كما لا يخفى على من لاحظه، والله العالم.
المسألة (الثالثة)
(إذا زوج الأجنبي امرأة فقال الزوج: زوجك العاقد من غير
إذنك فقالت: بل أذنت فالقول قولها مع يمينها على القولين، لأنها تدعي الصحة)
والزوج مدعي الفساد، ومدعي الصحة مقدم، ولأن الإذن من فعلها ولا يعلم إلا
من قبلها، والمراد بالإذن المتنازع فيه الإذن قبل العقد، فيكون صورة النزاع
ما إذا صدر عنها بعد العقد قبل النزاع ما دل على الكراهة، فيتجه حينئذ تقديم قولها
بيمينها، لأنها على كل من القولين تدعيها، والزوج يدعي الفساد، أما على القول
ببطلان الفضولي فواضح، وأما على القول بصحته فإنه يدعي فساده بالكراهة
المتأخرة، وهي تدعي صحته بالإذن السابقة، فيكون القول قولها بيمينها،
أما لو فرض أن صورة النزاع في حصول أصل الإذن وعدمه ولم يحصل منها
ما يقتضي الرد وقلنا بصحة الفضولي لم تتصور الخصومة بينهما، ضرورة إمكان
إبطالها دعواه بانشاء الإذن، بل الظاهر أن دعواها الإذن في السابق كاف في الإجازة،
اللهم إلا أن يدعي أنها غير قاصدة للانشاء بذلك، فلا يكفي ذلك حينئذ فيها،
وفيه أنها وإن لم تكن قاصدة للانشاء، لكن لا ريب في دلالة هذه الدعوى منها
على الرضا الكافي في تحقق الإجازة، على أنها لو أرادت إبطال دعواه من غير يمين
أنشأته.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
236

ولو ادعى الزوج إذنها متقدما على العقد أو متأخرا فأنكرت فإن كان قبل
الدخول قدم قولها مع اليمين، لأن الإذن من فعلها، فلا يعلم إلا منها، والأصل
لا يعارض بأصالة الصحة هنا، إلا على القول ببطلان الفضولي، وإلا فالأصل عدم
البطلان الشامل للوقوف على الإجازة، وهو لا يجدي، فإن نكلت حلف الزوج
وثبت العقد، بخلاف الصورة الأولى، إذ لا يمكنه الحلف، لجواز إذنها وإن لم يطلع
عليه، خصوصا إذا ادعته قبل العقد.
وإن كان بعد الدخول فالأقرب كما في القواعد تقديم قوله لدلالة الدخول
عليه، لأن الأصل عدم الاكراه والشبهة، نعم هو مبني على أن المدعي من يدعي
خلاف الظاهر، وإلا فالأصل عدم الإذن، ولا يجدي كون الأصل في الدخول الشرعية
فإنه ليس مما فيه النزاع، وإنما الدخول أمر يظهر منه الإذن لأصله.
(الفصل الرابع)
(في أسباب التحريم)
(وهي) أحد وعشرون وإن اقتصر المصنف منها على (ستة):
(السبب الأول)
(النسب) ثم الرضاع، والمصاهرة، والنظر، واللمس، والزنا بها، والزنا
بغيرها، والايقاب، والافضاء، والكفر، وعدم الكفاءة، والرق، وتبعيض السبب، واستيفاء
العدد، والاحصان، واللعان، وقذف الصماء والخرسا، والطلاق، والاعتداد، والاحرام،
والتعظيم كزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
237

وكيف كان فيحرم بالنسب وهو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر،
أو انتهائهما إلى ثالث أصول الانسان وفروعه، وفروع أول أصوله، وأول فرع من كل
أصل بعد الأصل الأول، وبعبارة أخرى كل قريب إليه ولو بواسطة من هو أقرب
منه ما عدا أولاد العمومة والخؤولة.
(و) تفصيل ذلك أنه (يحرم) أي (بالنسب سبعة أصناف من النساء) وهي
المستفادة من قوله تعالى (1): " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم
وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت " إلى آخره.
ف‍ (الأم والجدة وإن علت لأب كانت أو لأم) واحدة من السبع، وفي المسالك
" أن ضابطها كل أنثى ولدتك أو ولدت من ولدتك ذكرا كان أو أنثى " وفيه أنه
إن أريد بالثاني خصوص الأم لزم خروج ما عدا الجدة للأب أو الأم كجدة الأبوين
أو الأجداد عن الضابط، مع أن المقصود إدخالها، وإن أريد الأعم منها فلا بد من
قيد يدل عليه، كقولنا: " بواسطة أو بغيرها " ومعه يجوز الاقتصار على الأول
ولا يحتاج إلى الثاني.
(و) كذا الكلام في (البنت للصلب وبناتها وإن نزلن وبنات الابن وإن
نزلن) وقد ضبطها في المسالك أيضا بأنها " كل أنثى ولدت لك أو ولدت لمن ولد لك
ذكرا كان أو أنثى " وفيه ما عرفت، فالأولى ضبطها بكل أنثى ينتهي نسبها إليك
بواسطة أو بغيرها.
(والأخوات لأب كن أو لأم أولهما)
وليست هن إلا الإناث التي
ولدهن وإياك شخص واحد من غير واسطة، ولا يدخل في اسمهن غيرهن، ولذا
لم يكن فيهن علو ولا سفل.
(و) أما (بناتهن وبنات أولادهن) فهي صنف آخر مقابل للأخت
في الآية وحينئذ فالمراد من بنات الأخ والأخت ما يشمل السافلات كبنات أولادها
وبناتها، والضابط كل أنثى انتهت إلى أبويك أو أحدهما بالتوليد بواسطة أو وسائط

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
238

أوكل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما ولو بواسطة.
(والعمات سواء كن أخوات أبيه لأبيه أو لأمه أولهما، وكذا أخوات
أجداده وإن علون، والخالات للأب أو للأم أولهما وكذا خالات الأب والأم وإن
ارتفعن)، فالمراد حينئذ من العمة والخالة ما يشمل العمات والخالات العاليات،
أي عمة الأب أخت الجد للأب لأب أو لأم أولهما، وعمة الأم أخت الجد لها
كذلك، وعمة الجد أخت جد الأب لأب أو لأم أولهما بالغة ما بلغ، وعمة الجدة
أخت جد الأم كذلك، وخالتهم أي خالة الأب والأم والجد والجدة، وهي
كالعمة غير أن اتصالها بالجدات واتصال العمة بالأجداد، ومراتب العمات والخالات
هي مراتب الآباء والأمهات، فأخوات الآباء والأمهات في جميع الطبقات عمات
وخالات، فضابط العمة حينئذ كل أنثى هي أخت ذكر ولدت له بواسطة أو غيرها
من جهة الأب أو الأم أو منهما، أو كل أنثى ولدها وأحد آبائك شخص من غير
واسطة، والخالة كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو غيرها أو كل أنثى
ولدها وإحدى أمهاتك شخص من غير واسطة، فالعمة العليا والخالة العليا هي أخت
الجد وإن علا والجدة كذلك، لا عمة العمة وخالة الخالة، فإنهما قد يحرمان
فيدخلان في المذكورات، وقد لا يدخلان فلا يحرمان كما إذا كانت العمة القريبة
أختا لأبيه لأمه والخالة القريبة أختا لأمه لأبيها، فإن عمة العمة حينئذ تكون
أخت زوج الجدة، وخالة الخالة أخت زوجة الجد، ولا نسب بينه وبينهما،
فلا تكونان محرمتين عليه، ولا يدخلان في المذكورات، لانتفاء التحريم، بخلاف
ما إذا كانا محرمتين، كما إذا كانت العمة القريبة أختا للأب للأب والأم أو للأب
والخالة القريبة أختا للأم للأب والأم أو للأم، فإن عمة العمة تكون حينئذ أخت
الجد وخالة الخالة أخت الجدة، فيحرمان ويدخلان في المذكورات.
(و) أما (بنات الأخ سواء كان الأخ لأب أو لأم أولهما وسواء كانت
بنته لصلبه أو بنت بنته أو بنت ابنه وبناتهن وإن سفلن) على حسب الضابط الذي
سمعته في بنات الأخت.
239

وعلى كل حال فقد عرفت المراد بالمحرمات السبع المذكورات في الآية سواء
قلنا بصدق الأسماء حقيقة على العاليات والسافلات وإن تفاوتت الأفراد في الانسياق،
أو قلنا به فيما لا واسطة خاصة دون غيره، فمجاز إلا أنه مراد في خصوص الآية،
لاتفاق المفسرين كما قيل على إرادة ذلك منها، ولأن المقصود منها تفصيل المحرمات
كما يقتضيه المقام، ويدل عليه قوله تعالى (1): " وأحل لكم ما وراء ذلكم " ولا ريب
في أن الحمل على العموم أنسب بالفرض المذكور، لانحصار المحرمات النسبية في السبع
على ذلك التقدير، بخلاف ما لو لم ترد منها ذلك، فإنه يخرج عنها حينئذ كثير
مما يحرم بالنسب، وأيضا فالمعنى الحقيقي للأم على هذا التقدير ليس فيه تعدد
يصح معه استعمال صيغة الجمع، فيجب حمله على ما يطلق عليه اللفظ ولو مجازا،
تحقيقا لمقتضى الجمعية، وإرادة هذا المعنى من الأم يقتضي إرادته من غيره، لأن
الظاهر كون الجمعية في الجميع على نسق واحد، واحتمال كون التعدد باعتبار تعدد
المخاطبين خلاف الظاهر، لأن خطاب الجماعة للعموم، ومقتضاه ثبوت الحكم لكل
واحد دون المجموع، وما يقال إن المجاز هنا لازم إما في الخطاب أو في ألفاظ النسب
ولا ترجيح يدفعه منع انتفاء الترجيح، فإن التجوز في الثاني أقل، والفائدة فيه أتم
وأكمل، على أنه موافق للنصوص (2) المعتبرة المستفيضة الدالة على تحريم نساء
النبي صلى الله عليه وآله على الحسن والحسين عليهما السلام لو لم تكن محرمة على الناس بآية " ولا تنكحوا
ما نكح آباؤكم " (3) وحرمة حلائلهما عليهما السلام عليه صلى الله عليه وآله بقوله تعالى (4): " وحلائل
أبنائكم الذين من أصلابكم " وعلى تحريم بنات الفاطميين عليه صلى الله عليه وآله بقوله
تعالى (5): " وبناتكم " إلى غير ذلك مما يدل على المطلوب، فمن الغريب احتمال

(1) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 12 والمستدرك
الباب - 2 - منها الحديث 6 والبحار ج 43 ص 228 و ج 96 ص 239 الطبع الحديث.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 22.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 23.
240

بعضهم أن المراد في الآية خصوص ما لا واسطة فيه، والتحريم في غيره قد استفيد
من السنة.
(و) كيف كان فيستفاد من الآية مضافا إلى ذلك أن (مثلهن من الرجال
يحرم على النساء فيحرم الأب وإن علا) على البنت (والولد وإن سفل) على الأم
(والأخ وابنه وابن الأخت) على الأخت والعمة والخالة (والعم وإن علا
وكذلك الخال) علي بنت الأخ وبنت الأخت، والضابط من لو كان امرأة وهي
رجل كان محرما مع بقاء النسب بعينه، لأن التحريم من أحد الطرفين هنا يستلزم
التحريم من الطرف الآخر، ولعل ذلك هو السبب في تخصيص الله تعالى في الآية المحرمات
على الرجال ولم يذكر العكس.
نعم قد يناقش فيما ذكره بعضهم دليلا لذلك من أن النكاح مثلا أمر واحد
بسيط، فلا يكون حلالا وحراما وإن اختلفت إضافته إلى الطرفين، فإن ذلك
لا يخرجه عن وحدته المانعة من اجتماع الحكمين المتضادين بأنه إن أريد من النكاح
العقد فهو الايجاب والقبول، وهما فعلان قائمان بمحلين مختلفين، إذ الايجاب فعل
الموجب والقبول فعل القابل، فلا يكون شيئا واحدا، وإن أريد منه الوطء فلا ريب
في أن المعنى القائم بالواطئ غير المعنى القائم منه بالموطوء، فإن الوطء في الواطئ بمعنى
الفاعلية، وفي الموطوء بمعنى المفعولية، وهما معنيان متغايران، فلا اجتماع للضدين
في محل واحد، بل بذلك يظهر لك التعدد في غير النكاح من المعاملات، كالبيع والصلح
والإجارة وغيرها وحينئذ فلا مانع من اختلاف الحكم فيها.
ولعله لذا ذهب جماعة إلى اختلاف حكم المتعاقدين في البيع وقت النداء
إذا كان أحدهما مخاطبا بالجمعة دون الآخر، فخصوا المنع بمن خوطب بالسعي،
وحكموا بجواز البيع من طرف الآخر نعم رجح جماعة آخرون عموم المنع من
حيث الإعانة على الإثم.
وليس الحكم بالتحريم في المقام منها قطعا، للفرق الظاهر بين تحريم العقد
على أحد الطرفين في نفس الأمر عند تحريمه على الآخر، وتحريم العقد عليه لكونه
241

إعانة على ما يحرم على الآخر، فإن التحريم على الأول كثيرا ما يكون ثابتا
للمتعاقدين بالأصالة من غير أن يكون ثبوته لأحدهما تابعا لثبوته للآخر وإن
كان العلم بثبوته لأحدهما منهما موقوفا على العلم بثبوته للآخر، لأن توقف العلم على العلم
لا يستدعي توقف الحكم على الحكم، فإن العلم بتحريم الابن على الأم من قوله تعالى (1):
" حرمت عليكم أمهاتكم " وإن توقف على العلم بتحريم الأم على الابن إلا أن التحريم
في الأول ليس بمتوقف على التحريم في الثاني ولا تابع له، بل تحريم الابن على الأم
تحريم أصلي كتحريم الأم على الابن وإن كان تابعا له في العلم والتصديق، ومن المعلوم
أن التحريم بهذا الوجه لا يمكن اثباته بتحريم الإعانة، لكونه تابعا لتحريم الفعل
على المعان، وموقوفا عليه إذا الإعانة على الإثم فرع تحقق التكليف المؤجل للإثم
على تقدير المخالفة، وأيضا فإن التحريم من جهة الإعانة مقصور على صورة العلم
بتعرض المعان للإثم، إذ مع احتمال الاشتباه في الموضوع أو اعتقاد نفي التحريم
على وجه معتبر لم يتحقق هناك إثم تحرم الإعانة عليه، بخلاف التحريم من جهة
اللزوم، فإنه لا يختص بذلك، بل يثبت مطلقا ولو مع الجهل بالحال، كما هو مقتضى
حكمهم بالتحريم هنا مطلقا، وبالجملة لا يحتاج فساد دعوى كون المنشأ في التحريم
هنا الإعانة إلى تطويل.
فالأولى في الاستدلال على المطلوب في المقام بأن تحريم المعاملة إن كان
لتوجه النهي إلى عينها أو وصفها اللازم كما في بيع الميتة ونكاح المحارم فالتحريم
من أحد الطرفين يستلزم التحريم من الآخر لأن تحريمها على الوجه المذكور يقتضي
فسادها، وهو يقتضي تحريمها من الطرف الآخر، لكون التحريم من لوازم الفساد
ولو كان لتوجه النهي فيها إلى أمر خارج كما في البيع وقت النداء، وبيع الأمة قبل
استبرائها، والعقد على المخطوبة إن قلنا بتحريمه، فالتحريم من أحد الطرفين
لا يستلزم التحريم من الآخر إلا من جهة الإعانة على الإثم، للأصل السالم
عن المعارض، نعم قد يدعي كراهته.

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
242

وحينئذ فآية التحريم دالة على تحريم معظم ما يقصد من النساء عادة، وهو
أمران العقد والوطء، فإن أريد العقد كما هو الظاهر من وقوعها في سياق أحكام
النكاح الذي هو حقيقة فيه شرعا فدلالتها على فساد نكاح المذكورات وثبوت
التحريم من الطرف الآخر معلومة مما سبق، وإن أريد الوطء فالوجه في دلالتها أن
المراد من تحريم وطء المذكورات أنه لا يحل بسبب محلل بالعقد وإلا فالتحريم
بدونه ثابت لجميع النساء، ولا ريب في أن تحريم الوطء بذلك المعنى يقتضي فساد
العقد، وفساد العقد يقتضي تحريمه من طرفي الموجب والقابل معا، فيثبت المطلوب
الذي هو استلزام التحريم من طرف التحريم من الطرف الآخر، نعم لزوم العقد
من أحد الطرفين لا يستلزم لزومه من الآخر لأن اللزوم معناه امتناع الفسخ،
ولا ريب في جواز اختصاصه بأحدهما وكون العقد من الآخر جائزا يسوغ له فسخه،
كما في كل عقد ثبت فيه الخيار من أحد الجانبين، فإنه لازم من جانب الآخر كما
صرح به الأصحاب ودلت عليه النصوص (1) فما قيل أو عساه يقال: إن العقد اللازم
إنما يلزم من الطرفين لأن جوازه أحدهما مناف للزوم العقد واضح الضعف،
والله العالم.
(فروع ثلاثة)
(الأول)
(النسب يثبت مع النكاح الصحيح) في نفس الأمر، والمراد به هنا
على ما ذكره غير واحد الوطء المستحق في نفس الأمر بأصل الشرع وإن حرم
بالعارض لصوم أو حيض أو اعتكاف أو إحرام أو غير ذلك مما يجتمع تحريمه
مع الزوجية أو الملك فيدخل حينئذ فيه وطء الجاهل بالاستحقاق، كمن وطأ

(1) الوسائل الباب - 3 و 4 - من أبواب الخيار من كتاب التجارة.
243

حليلته باعتقاد أنها أجنبية، لعدم علمه بالسبب، كما زوجه الوكيل أو الولي ولم
يعلم به، أو لظنه الوقوع على وجه فاسد، كما لو زوجه الفضولي وتوهم فساده، فإن
ذلك لا يقدح في كون الوطء صحيحا وإن أثم باقدامه عليه معتقدا تحريمه، وإنما
فسرنا النكاح بالوطء دون العقد، ليدخل فيه ملك اليمين والتحليل على قول
جماعة، فإن النسب يثبت بهما إجماعا مع انتفاء العقد فيهما، وحمله على ما يعمهما
والعقد مجازا لا يصح مع وصفه بالصحة، لأن الملك لا يتصف بها، وإرادة سبب
الملك مع ما فيه من العبد والمخالفة لما هو المعهود من الاستناد إلى الملك نفسه
إنما يصح معها الوصف في السبب الاختياري، كالبيع دون القهري، كالإرث الذي
لا يجري فيه التقسيم إلى الصحيح والفاسد كما لا يجري في أصل الملك.
وعلى كل حال ففي مصابيح العلامة الطباطبائي المراد من صحة الوطء كونه
مستحقا بأصل الشرع، كما هو مقتضى التفسير المزبور، فإن تعريف المشتق بالمشتق
يكون في الأكثر تعريفا لمبدأ الاشتقاق بمبدأ الاشتقاق، إذ القصد في التعريفات إلى بيان
المفهوم غالبا دون المصداق، وليس المراد من الصحة هاهنا المعنى المعروف
المقابل للفساد، ضرورة كون وطء الشبهة صحيحا بهذا المعنى قطعا، فلا يصح
جعله مقابلا للنكاح الصحيح في المتن وغيره إلا مع تقييده بالمستجمع للشرائط،
وهو تكلف مستغنى عنه، ومع ذلك فهو خلاف المعهود في الحدود من إرادة المفهوم
فيها وفي المحدود، لأن تعريف النكاح الصحيح بالوطء المستحق يكون على
هذا التقدير من قبيل تعريف أحد المتلازمين في الصدق بالآخر، كتعريف المتكلم
بالكاتب قصدا إلى بيان المصداق دون المفهوم، وحينئذ فلا يتوقف العلم بالنسب
على العلم بكون الوطء صحيحا، بل على العلم بكونه فردا للوطء المستحق، وعلى
تقديره فالعلم بالصحة لا يتوقف علي العلم بثبوت النسب، فلا دور. والله العالم.
(و) كذا يثبت النسب (مع الشبهة) إجماعا بقسميه، إنما الكلام
في المراد به، فقد يقال: إنه الوطء الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد
فاعله الاستحقاق أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع أو مع ارتفاع التكليف
244

بسبب غير محرم، والمراد بالجهالة المغتفرة أن لا يعلم الاستحقاق، ويكون النكاح
مع ذلك جايزا كاشتباه المحرم من النساء في غير المحصور بما يحل منهن، والتعويل على
إخبار المرأة بعدم الزوج أو بانقضاء العدة أو على شهادة العدلين بطلاق الزوج أو موته
أو غير ذلك من الصور التي لا يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعا وإن كان قريبا،
فالوطء في التعريف بمنزلة الجنس يدخل فيه الوطء بالشبهة وغيره، وبالقيد الأول
أعني نفي الاستحقاق يخرج النكاح الصحيح؟ فإنه الوطء المستحق كما عرفت،
وبالثاني يخرج ما عدا ذلك مما هو خارج عن الوطء بالشبهة، وهو أقسام:
الأول وطء المكلف العالم بعدم الاستحقاق، وهو الزنا الذي لا شبهة فيه.
والثاني وطء الجاهل الذي ليس بمعذور في جهالته وإن ظن الاستحقاق إذا
كان ظنه مما لا يجوز التعويل عليه، كما إذا تزوج المفقود زوجها من دون فحص
ولا رفع إلى الحاكم، ولكن ظن وفاته لطول المدة أو تعويلا على إخبار من لا يوثق
به، أو شهادة العدل الواحد، أو تزوج امرأة في عدتها مع جهله بأنها كم هي،
أو تزوج امرأة اشتبه عليه أمرها لشبهة رضاع أو مصاهرة أو غيرهما من أسباب
التحريم من دون اجتهاد أو تقليد، إلى غير ذلك من الصور التي يجب فيها الفحص
والسؤال، ولا يعذر فيها الجاهل بالحال، فإن الظاهر أن ذلك كله زنا لا يثبت معه
النسب شرعا إلا إذا أعتقد جواز النكاح في تلك الصور لشبهة محتملة في حقه، فإنه
حينئذ يكون وطء شبهة، ويصدق عليه حده نظرا إلى اعتقاده الاستحقاق، لا لأن
جهالته مغتفرة في الشرع، والأصل في ذلك أن الفروج لا تستباح إلا بسبب شرعي،
فما لم يتحقق فيه السبب المبيح فهو وطء محرم داخل في الزنا، ومن المعلوم أن الشارع
لم يبح الوطء بمجرد الاحتمال أو الظن، وإنما أباحه بشرط العلم بالاستحقاق،
أو حصول ما جعله أمارة للحل، فبدونهما لا يكون الوطء إلا زنا.
ويدل عليه أيضا ما رواه الكليني والشيخ عن الحسن بن محبوب السراد عن أبي
أيوب الخزاز عن يزيد الكناسي (1) قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة تزوجت

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب حد الزنا الحديث 3 من كتاب الحدود
وفيه " سألت أبا عبد الله عليه السلام ".
245

في عدتها قال: إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإن عليها الرجم،
وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة فإن عليها حد الزاني غير المحصن،
وإن كانت تزوجت في عدة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر والعشرة أيام
فلا رجم عليها، وعليها ضرب مئة جلدة، قلت: أرأيت إن كان ذلك بجهالة؟ قال:
فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن عليها عدة في طلاق
أو موت، ولقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك، قلت: فإن كانت تعلم أن عليها عدة
ولا تدري كم هي، قال: فقال: إذا علمت أن عليها عدة لزمته الحجة، فتسأل
حتى تعلم ".
وصحيح أبي عبيدة الحذاء (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن امرأة تزوجت
رجلا ولها زوج، قال: فقال: إن كان زوجها الأول مقيما معها في المصر الذي
هي فيه تصل إليه أو يصل إليها فإن عليها ما على الزاني المحصن: الرجم قال: وإن كان
زوجها الأول غائبا عنها أو مقيما معها في المصر لا يصل إليها ولا تصل إليه فإن عليها
ما على الزاني غير المحصن، ولا لعان بينهما ولا تفريق - إلى أن قال -: قلت: فإن
كانت جاهلة بما صنعت، قال: فقال: أليس هي في دار الهجرة؟ قلت: بلى، قال: فما
من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا وهي تعلم أن امرأة المسلم لا يحل لها أن
تتزوج زوجين، قال: ولو أن المرأة إذا فجرت قالت لم أدر أو جهلت أن الذي
فعلت حرام ولم يقم عليها الحد إذا لتعطلت الحدود ".
والثالث وطء من ارتفع عنه التكليف بسبب محرم كالسكر، فإن المشهور إن
وطء السكران بشرب خمر ونحوه زنا يثبت به الحد وينتفي معه النسب كما
عن الشيخين وغيرهما التصريح به، بل قيل: لم نقف على مخالف في ثبوت الحد سوى
العلامة في التحرير، فنفاه عنه، ولكنه في غيره وافق المشهور، ولا ينافي ذلك عدم
علمه بالتحريم حال سكره وإن اشترطناه في أصل ثبوت الحد، لكن من المعلوم

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
246

أن ذلك لا يزيد على اشتراطي التكليف المتحقق في الفرض، باعتبار أن ما بالاختيار
لا ينافي الاختيار، وليس هو شرطا زائدا على اشتراط التكليف كي يتجه ارتفاع
الحد بارتفاعه، ولا يخفى على من أحاط بالنصوص (1) الواردة في تحريم الخمر
وكل مسكر أنها ظاهرة أو صريحة في أن السكران في أفعاله بمنزلة الصاحي في أفعاله،
فيترتب ما يترتب عليه من قود وحد ونفي ولد وغير ذلك، وهو معنى قولهم (2)
عليهم السلام: " إن الخمر رأس كل إثم " وعدم توجيه الخطاب إليه باعتبار ارتفاع
قابليته لذلك لا ينافي ترتب الأحكام ولو للخطاب السابق على حال السكر، كما
هو واضح لا يحتاج إلى إطناب.
فتحصل من ذلك أن وطء الشبهة ثلاثة أقسام: (الأول) الوطء الذي ليس
بمستحق مع اعتقاد فاعله الاستحقاق، لجهل بالموضوع أو جهل بالحكم الشرعي على وجه
يعذر فيه. (الثاني) الوطء الذي ليس بمستحق مع عدم اعتقاد فاعله الاستحقاق، إلا
أن النكاح معه جائز شرعا، كالمشتبه بغير المحصور، والتعويل على إخبار المرأة.
(الثالث) الوطء الغير المستحق، ولكن صدر ممن هو غير مكلف، كالنائم والمجنون
والسكران بسبب محلل ونحوهم، وما عدا ذلك والنكاح الصحيح الذي قد عرفت كله
زنا، هذا.
ولكن قد يشكل أولا بخروج المكره اللهم إلا أن يكلف دخوله في الثالث
بإرادة ارتفاع التكليف بالحرمة، وثانيا بخروج التكون من مائه بمساحقة أو غيرها
مما هو ملحق به شرعا، وقد يدفع بكون المراد هنا ثبوت النسب من حيث الوطء،
وثالثا بأن ظاهر عبارات الأصحاب يقتضي تحقق الشبهة بمجرد الظن وإن لم يكن
من الظنون المعتبرة شرعا، بل حصولها مع احتمال الاستحقاق مطلقا ولو مع الشك
أو ظن الخلاف، فإنهم أطلقوا القول بلحوق الولد فيما إذا تزوج امرأة بظن أنها

(1) الوسائل الباب - 9 و 15 - من أبواب الأشربة المحرمة كتاب الأطعمة والأشربة.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4 و 7 من كتاب
الأطعمة والأشربة.
247

خالية فوطأها ثم بانت محصنة، وكذا فيما لو وطأ أجنبية بظن أنها زوجته أو أمته،
وفي غير ذلك من المسائل المفروضة في كلامهم، ولم يقيدوا الظن في شئ منها بكونه
معتبرا في الشرع، ولولا تحقق الشبهة بمطلق الظن لوجب تقييده به ولم يجز إطلاقه.
وأيضا قد عرف كثير منهم الشبهة على ما قيل بأنه الوطء الذي ليس بمستحق
مع ظن الاستحقاق، ولو كان تحقق الشبهة موقوفا على حصول الظن المعتبر لم يصح
التحديد بمطلق الظن، لعدم طرد التعريف على ذلك التقدير، حمله على خصوص
الظن المعتبر تجوز لا يرتكب مثله في الحدود المبنية على إرادة الظواهر.
بل في المسالك تعريفها بالوطء الذي ليس بمستحق مع عدم العلم بالتحريم،
وهو يقتضي حصولها بمجرد الاحتمال وإن كان مساويا أو مرجوحا فكيف بالاحتمال
الراجح.
قال الشيخ في المحكي عن نهايته: " وإذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبرت بطلاق
زوجها واعتدت وتزوجت ورزقت أولادا ثم جاء زوجها الأول وأنكر الطلاق وعلم
أن شهادة من شهد بالطلاق شهادة زور فرق بينها وبين الزوج الأخير، ثم تعتد
منه وترجح إلى الأول بالعقد المتقدم، ويكون الأولاد للزوج الأخير ".
وفي المحكي الخلاف " إذا وجد الرجل امرأة على فراشه فظنها امرأته فوطأها
لم يكن عليه الحد، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: عليه الحد، وقد روى
ذلك (1) أصحابنا، دليلنا الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل ".
وعن ابن إدريس " وإذا نعي الرجل إلى امرأة أو أخبرت بطلاق زوجها لها
فاعتدت وتزوجت ورزقت أولادا ثم جاء زوجها الأول - إلى آخر ما سمعته
من الشيخ وزاد - من وطأ جارية من المغنم قبل أن يقسم وادعى الشبهة في ذلك فإنه
يدرأ عنه الحد، للخبر (2) المجمع عليه وقد روى (3) أنها تقوم عليه، ويسقط
من قيمتها بمقدار ما يصيبه، منها والباقي بين المسلمين، ويقام عليه الحد، ويدرأ

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب حد الزنا الحديث 0 - 11 من كتاب الحدود.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب حد الزنا الحديث 0 - 11 من كتاب الحدود.
(3) الوسائل الباب - 22 - من أبواب حد الزنا الحديث 6 من كتاب الحدود.
248

عنه بمقدار ما كان له فيها، والأولى ما ذكرناه، لأن الاشتباه في ذلك حاصل
بلا خلاف، وأيضا فإنه يظن أن سهمه أكثر منها ومن قيمتها ".
وقال في المتن فيما يأتي: " الوطء بالشبهة يلحق به النسب فلو اشتبهت عليه
أجنبية فظنها زوجته أو أمته لحق به الولد، وكذا لو وطأ أمة غيره لشبهة لكن
في الأمة يلزمه قيمة الولد يوم سقط حيا، لأنه وقت الحيلولة، ولو تزوج امرأة
بظن أنها خالية لظنها موت الزوج أو طلاقه فبان أنه لم يمت ولم يطلق ردت
على الأول بعد الاعتداد من الثاني، واختص الثاني بالأولاد مع الشرائط، سواء
استندت في ذلك إلى حكم حاكم أو شهادة شهود أو إخبار مخبر ".
وقال في النافع: " ولو تزوج امرأة لظنه خلوها فبانت محصنة ردت
على الأول بعد الاعتداد من الثاني، وكانت الأولاد للواطئ مع الشرائط ".
وفي محكي التحرير: " الوطء بالشبهة يلحق به النسب كالصحيح، فلو اشتبهت
عليه أجنبية فظنها زوجته أو مملوكته فوطأها وجاءت منه بولد لحق به - وقال -:
لو ظن خلو الامرأة من زوج وظنت هي موت زوجها أو طلاقه فتزوجها ثم بان
حياته وكذب المخبر بالطلاق ردت على الأول بعد الاعتداد من الثاني، ولو حبلت
من الثاني لحق به الولد مع الشرائط، سواء استندت في الموت أو الطلاق إلى حكم
حاكم أو شهادة شاهدين أو إخبار واحد ".
وفي القواعد: " وطء الشبهة كالصحيح في إلحاق النسب، فلو ظن أجنبية زوجته
أو جاريته فوطأها فالولد له، ولو تزوج امرأة ظنها خالية وظنت موت زوجها
أو طلاقه ثم بان الخلاف ردت على الأول بعد العدة من الثاني، والأولاد للثاني
إن جمعت الشرائط سواء استندت إلى حكم حاكم أو شهادة شهود أو إخبار مخبر "
إلى غير ذلك من العبارات الخالية عن تقييد الظن بكونه معتبرا وبما إذا اعتقد
جواز العمل به شرعا.
بل النصوص أيضا كذلك قال أبو جعفر عليه السلام في الموثق وغيره عن زرارة (1): " إذا

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
249

نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها أنه طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها
الأول بعد فإن الأول أحق بها من هذا الأخير، دخل بها أو لم يدخل، ولها
من الأخير المهر بما استحل من فرجها " وفي الحسن وغيره عن محمد بن قيس (1)
قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل حسب أهله أنه قد مات أو قتل فنكحت امرأته
وتزوجت سريته فولدت كل واحدة منهما من زوجها، فجاء زوجها الأول ومولى
السرية، قال: فقال: يأخذ امرأته فهو أحق بها، ويأخذ سريته وولدها، أو يأخذ
عوضا من ثمنه " وفي الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته
عن رجلين شهدا على رجل غابت عنه امرأته أنه طلقها، فاعتدت المرأة وتزوجت،
ثم إن الزوج الغائب قدم فزعم أنه لم يطلقها وأكذب نفسه أحد الشاهدين، فقال:
لا سبيل للأخير عليها، ويؤخذ الصداق من الذي شهد ورجع، فيرد على الأخير،
والأول أملك بها، وتعتد من الأخير، ولا يقربها الأول حتى تقضي عدتها "
وفي الموثق عن أبي بصير وغيره (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " إنه قال في شاهدين شهدا
على امرأة بأن زوجها مات أو طلقها، فتزوجت، ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق،
قال: يضربان الحد، ويضمنان الصداق للزوج مما غراه، ثم تعتد وترجع
إلى الأول " وخبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن عليا عليه السلام قضى في الرجل
تزوج امرأة لها زوج فرجم المرأة وضرب الرجل الحد، وقال: لو علمت أنك علمت
لفضخت رأسك بالحجارة " والمروي عن تفسير علي بن إبراهيم (5) وغيره " إن

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب العدد الحديث 3 من كتاب الطلاق وفيه " يأخذ
رضا من ثمنه " إلا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 150 كالجواهر.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق وفيه " على
رجل غائب عنه امرأته ".
(3) الوسائل الباب - 37 - من أبواب العدد الحديث 5 من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 27 - من أبواب حد الزنا الحديث 7 من كتاب الحدود.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب حد الزنا الحديث 17 و 16 من كتاب الحدود.
250

عمر بن الخطاب أتى بستة نفر أخذوا في الزنا، فأمر أن يقام على كل منهم الحد، وكان
أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا فقال: يا عمر ليس هذا حكمهم، قال: فأقم أنت الحد
عليهم، فقدم واحدا منهم فضرب عنقه، وقدم الثاني فرجمه، وقدم الثالث فضربه
الحد، وقدم الرابع فضربه نصف الحد، وقدم الخامس فعزره، وأطلق السادس،
فتحير عمر وتعجب الناس من فعله، فقال له عمر: يا أبا الحسن ستة نفر في قضية
واحدة أقمت عليهم ستة حدود وليس يشبه شئ منها الآخر، فقال أمير المؤمنين
عليه السلام: أما الأول فكان ذميا فخرج عن ذمته لم يكن له حد إلا السيف، وأما
الثاني فرجل محصن كان حده الرجم، وأما الثالث فغير محصن حده الجلد،
وأما الرابع فعبد ضربناه نصف الحد، وأما الخامس فكان من الفعل بالشبهة فعزرناه
وأدبناه، وأما السادس فمجنون مغلوب على عقله سقط عنه التكليف " وخبر
السكوني (1) عن جعفر عليه السلام عن أبيه " إن عليا عليه السلام أتي برجل تزوج امرأة
على خالتها فجلده وفرق بينهما " وخبر الخنثى (2) التي ألحقها أمير المؤمنين عليه السلام
بالرجال بعد اعترافها وزوجها بأنها ولدت وأولدت، ثم قال له أمير المؤمنين عليه السلام:
" إنك لأجرأ من راكب الأسد " أو قال: " من خاصي الأسد " إلى غير ذلك
من النصوص الدالة على المطلوب باعتبار حكم الشبهة من الاعتداد وإثبات المهر
وإلحاق الأولاد من دون سؤال عن كون ذلك كان بطريق معتبر أولا، عالما
بالاستحقاق أولا، أو كان الشاهدان معتبرين أولا، وباعتبار إثبات التعزير الذي
هو ليس بحد، بل ليس هو إلا الاخلاد إلى ظن غير معتبر، وإلا لم يستحق
التعزير.
فيعلم حينئذ عدم اعتبار حلية الوطء في تحقيق الشبهة، بل يتحقق مع
حرمته، فالوطء مع عدم العلم بالحل وانتفاء الظن المعتبر محرم بناء على ما ذكر

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ميراث الخنثى الحديث 2 و 5 من كتاب
المواريث.
251

من أن الفروج لا تستباح بالاحتمال، لكن لم لا يجوز أن يثبت به النسب مع ظن
الاستحقاق، نظرا إلى إطلاق النص والفتوى، وأي مانع من القول بتحريم الوطء
وثبوت النسب معه إذا اقتضته الأدلة الشرعية، ولعل المناط في الزنا وانتفاء الشبهة
العلم بعدم الاستحقاق مع انتفائه، وهو غير حاصل في الفرض وإن علم بتحريم الوطء
عليه، بل لم نجد من اعتبر المعذورية في تحقق الشبهة قبل الشهيد الثاني، وتبعه
سبطه وصاحب الكفاية، كما ستعرف، بل لعل الشبهة في المقام هي التي يدرأ بها
الحد من غير فرق بينهما، ولم يعتبر أحد في تلك المعذورية.
وقد يدفع الاشكال من أصله بأنه بعد العلم بتوقف إباحة الفروج على الإذن
الشرعي لا يفيدها ظن الاستحقاق، ولا احتماله إلا مع اعتباره وجواز التعويل
عليه في الشرع، فبدونه كما هو المفروض ينتفي الإذن، ويثبت التحريم، فلا يكون
هناك شبهة مسوغة للوطء كي يكون الوطء وطء شبهة، ومن المعلوم أنه ليس نكاحا
صحيحا، لأن المفروض أنه غير مستحق في نفس الأمر فيتعين أن يكون زنا،
لانحصار الوطء في الأقسام الثلاثة على ما قطع به الأصحاب، وأيضا فإن تحريم
الوطء مع عدم الاستحقاق يستلزم الزنا، لأنه ليس إلا الوطء المحرم الذي ليس
بمستحق، ولا ريب أن الوطء المفروض كذلك، وحينئذ فاطلاق النص والفتوى مع
تسليمه يجب تقييده بالظن المعتبر وما في حكمه أو بما إذا اعتقد الوطئ جواز
الاخلاد إلى الظن الحاصل له لجهله بالحكم.
قال الشهيد في المسالك بعد نقله عن الشيخ والأصحاب تحقق الشبهة في الوطء
بظن المرأة خالية عن الزوج أو ظن موت زوجها أو طلاقه سواء استند إلى حكم
الحاكم أو شهادة الشهود أو إخبار مخبر: " إن الحكم المذكور لا إشكال فيه على
تقدير حكم الحاكم أو شهادة شاهدين يعتمد على قولهما شرعا وإن لم يحكم حاكم،
إذ ليس هناك نزاع حتى يفتقر الحكم إليه، وحينئذ فيكون ذلك شبهة مسوغة للوطء
وموجبة للحاق الأولاد، وثبوت الاعتداد بعد ظهور الفساد، لأن وطء الشبهة موجب
ذلك، وأما على تقدير كون المخبر ممن لا يثبت به ذلك شرعا كالواحد فينبغي
252

تقييده بما لو ظنا جواز التعويل على خبره جهلا منهما بالحكم، فلو علما بعدم
الجواز كانا زانيين، فلا يلحق بهما الولد، ولا عدة عليها منه، ولو جهل أحدهما
ثبتت العدة ولحق الولد به دون الآخر " وفي التحرير صرح بالاجتزاء بخبر الواحد،
وهو محمول على ما ذكرناه ليوافق القوانين الشرعية.
وقال السيد الفاضل في شرح النافع بعد ايراده عبارة المحقق المنقولة: " إنه
يجب تقييد الحكم المذكور بما إذا اعتقد الزوج جواز التعويل على ذلك الظن،
ليصير الوطء وطء شبهة، فلو كان الظن مما لا يجوز التعويل عليه وعلما بذلك فإن
الوطء يكون زنا، وينتفي الولد عن الواطئ كما هو واضح "
وقال في الكفاية: " لو تزوج امرأة لظنها خالية أو موت الزوج أو طلاقا بحكم
حاكم أو شهادة شهود أو إخبار مخبر مع اعتقاد جواز التعويل على ذلك ثم بان فساد
الظن ردت إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني، واختص الثاني بالأولاد مع الشرائط
ولو علما عدم جواز التعويل على قول المخبر بذلك كانا زانيين، فلا يلحق بهما
الولد، ولا عدة عليها منه ".
وقد ظهر من ذلك أن إطلاق الظن في تعريف الوطء بالشبهة وكذا عدم العلم
بالتحريم ليس محمولا على ظاهره، بل هو مقيد بما يجوز معه الوطء على ما
صرحوا به واقتضته طريقتهم المعلومة في استباحة الفروج، ومثل هذا التسامح لا يخلو
عنه أكثر التعريفات، سيما تعاريف أهل هذا الفن، فإنه لا يكاد يسلم شئ منها
عن المسامحة والانتقاض بحسب الطرد والعكس، وقد اشتمل كل من التعريفين
المذكورين على خلل غير ما ذكر، فإن التعريف الأول يخرج عنه وطء غير المكلف
كالمجنون والنائم وغيرهما، وكذا الوطء الجائز شرعا مع عدم ظن الواطء
الاستحقاق، كما لو أخبرته الامرأة الغير المأمونة بعدم البعل وانقضاء العدة، فإن
الظاهر جواز التعويل على خبرها وإن لم يفد الظن، لأنها مصدقة على نفسها،
253

كما ورد في الأخبار (1) والتعريف الثاني يدخل فيه وطء الظان بعدم الاستحقاق
وإن استند إلى سبب شرعي، كشهادة العدلين والاجتهاد والتقليد المعتبرين، فإنه
يصدق معه أنه غير علم بالتحريم، وإنما هو ظان، مع أنه لا خلاف في أنه زنا لا يثبت
به النسب، وما في القواعد - من أن الحد إنما يثبت في المحرم بالاجماع، كالخامسة
وذات البعل، دون المختلف فيه كالكتابية والمخلوقة من الزنا - يراد منه جواز
استناد الواطء مع الاختلاف إلى القول بالحل، وليس المراد منه أنه يدرأ عنه وإن
علم منه خلاف ذلك، كما هو واضح.
كما أنه قد يقال: إن المراد من العلم بالتحريم الذي اعتبر انتفاؤه في التعريف
الثاني للشبهة ما يعم الظن المعتبر أو العلم بالحكم الظاهري، للقطع بفساد الحد
على تقدير إرادة العلم القطعي بالحكم الواقعي، وحينئذ فيخرج عن التعريف وطء
المخالف الذي لم يعتقد الحل في الظاهر وإن ظن الإباحة في نفس الأمر، فإنه معلوم
الحرمة، فلا يصدق عليه حد الوطء بالشبهة، بل بذلك يظهر انطباق التعريف
المذكور على المدعى وأنه لا يصلح الاستناد إليه في تحقق الشبهة بمجرد الاحتمال،
بل بمثله يتبين عدم صحة الاستشهاد بما دل على سقوط الحد مع الشبهة والجهل
بالحكم، فإنه إنما يصح لو أريد منها انتفاء العلم القطعي بالحكم الواقعي، وهو
ممنوع بل الظاهر خلافه، لعدم صدق الشبهة والجهالة مع العلم بتحريم النكاح
شرعا، وخصوصا مع جعلهما عذرا يدرأ به الحد.
وأما حديث الخنثى فإنما يصح التأييد به لو كان اسقاط الحد عن زوجها
لتجويزه كونها أنثى، وهو ممنوع إذا الظاهر أنه كان يعتقد أنه امرأة نظرا إلى
ظاهر الحال، حيث كان الغالب عليها مشابهة النساء دون الرجال كما يستفاد من
ظاهر الرواية وتقتضيه القرائن الحالية، فإن الاقدام على تزويجها مع كون الغالب
عليها مشابهة الرجال بعيد الوقوع في العادة.

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب عقد النكاح الباب - 10 - من أبواب المتعة
والباب - 24 - من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
254

وأما روايات التعزير فمع عدم صراحة جميعها في وطء الشبهة ولا في أن
المأتي به تعزير لأحد محمولة على التهمة في دعوى الجهالة بمظنة الزنا، أو على
أن الاقدام على الوطء لظن معتبر لا يعلم الواطء اعتباره، ولو سلم فلا نسلم امتناع
التعزير مع الجهل بالحال، وخصوصا مع ظن عدم الاستحقاق، لأن الوطء في تلك
الحال لا ينفك عن اجتراء على القبيح ومخالفة الاحتياط المطلوب سيما في الفروج،
مع ما فيه من قطع المعاذير الباطلة وحسم مادة المعصية، ولا ريب في أنه مطلوب
شرعا.
وأما فساد ما ذكر أخيرا فيعرف من ملاحظة كلام الفقهاء في الحدود، فإنه
لم يشترط أحد منهم في الحد العلم بعدم الاستحقاق في تحقق الزنا وانتفائه، وإنما
اعتبروا فيه العلم بالتحريم، وبنوا عليه ثبوت الحد مع وجوده، وسقوطه مع
انتفائه في جميع المسائل التي فرعوها على اعتبار العلم في حد الزنا، كما لا يخفى على
من لاحظ عبارة المصنف والفاضل وغيرهما هناك، هذا.
ولكن الانصاف عدم منافاة الإثم في الوطء للشبهة إذا كان منشأه التقصير
في المقدمات، ضرورة كون نكاح الكفار ونحوهم جميعه من الشبهة وإن أثموا به
باعتبار اختيارهم الأديان الباطلة، وكذا ظان الحلية من غيرهم، ولكن لتقصيره في
عدم مباشرة أهل الشرع والالتفات إلى ما يراد منه لم يتنبه إلى حرمة العمل له بهذا
الظن، فإنه لا ريب في تحقق الإثم عليه بذلك، كما أنه لا ريب في كونه من الشبهة
والسكران إنما خرج بالأدلة الخاصة.
فالتحقيق حينئذ تعريف الشبهة بما ذكرناه أولا، لكن مع تعميم الاعتقاد للقطع
والظن الذي لم يتنبه صاحبه إلى عدم جواز العمل به ولو لتقصير منه في المقدمات،
وتعميمه أيضا للمقصر فيما اقتضاه كأهل المذاهب الفاسدة وغيره، وجميع ما نافى
ذلك من عبارة أو رواية قد عرفت إمكان إرجاعه إليه، بل قد يقال بكفاية الظن
بالاستحقاق في النسب وإن لم يعلم الواطء بكفايته في الحلية بعد تنبهه للحال
وتقصيره في السؤال كما هو مقتضى إطلاق ما سمعته من النص والفتوى، لعدم كونه
255

زنا، وأولى منه الاقدام على الشبهة المحصورة حتى مع العلم بحرمة الاقدام مع بقاء
الاشتباه، ضرورة عدم تحقق الزنا بمطلق الحرمة، وخبر الكناسي والحذاء إنما
يدلان على عدم سماع دعوى الجهل بالحكم من الامرأة، لمكان كونه كالضروري،
وهو غير ما نحن فيه، وكذا ما في أولهما من لزوم الحجة عليها لو علمت بالعدة ولم
تدر كم هي، فإن عليها السؤال.
وبالجملة لا يتحقق الزنا بمثل هذه الحرمة، ولا أقل من الشك في ذلك، فتبقى
أصالة ترتب حكم النسب على المسمى اللغوي بحاله، إذ لم يخرج منه إلا بعض
الأحكام لولد الزنا المعلوم منه غير الفرد المزبور، ولعله لذا ونحوه أطلق الأصحاب
كما سمعت، بل قد سمعت ما يقتضي الاكتفاء بعدم العلم بالحرمة في تحقق الشبهة،
ولعله لا يخلو من قوة مع فرض جهله بالحكم الظاهري وإن كان متنبها للسؤال،
لكنه أثم وأقدم، نعم لو علم اجتهادا أو تقليدا بحرمة نكاح المفقود زوجها مع الظن
أو الاحتمال أمكن القول بخروجه حينئذ عن الشبهة، وبالجملة لا دليل على اعتبار
المعذورية في الوطء الغير المستحق في تحقق الشبهة، بل مقتضى الدليل خلافه
فتأمل.
وعلى كل حال فلا فرق في حكم الشبهة بين الأعمى وغيره، فما عن الشيخين
وابن البراح من عدم تصديقه لو ادعى الشبهة بظن الزوجية للأجنبية التي وطأها
محمول على إرادة الفرق بين البصير والأعمى في أصل دخول الشبهة، فإنه لما كان
الاشتباه في حق الأعمى قريبا جدا وجب عليه غاية التحفظ، فلم يقبل منه دعواها،
لمكان التهمة حينئذ، لا أن المراد منه أنه مع كمال التحفظ لو فرض دخول الشبهة
عليه لا يجري عليه حكم المشتبه، ولذا لم يسمع منه دعواها، ضرورة كون ذلك
تخصيصا للأدلة من غير مخصص قابل لذلك، كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (لا يثبت) النسب (مع الزنا) إجماعا بقسميه، بل
يمكن دعوى ضروريته فضلا عن دعوى معلوميته من النصوص أو تواترها فيه
256

(فلو زنى فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينسب إليه شرعا) على وجه يلحقه
الأحكام، وكذا بالنسبة إلى أمه.
(و) لكن (هل يحرم على الزاني) لو كان بنتا؟ (والزانية) لو كان ولدا؟
(الوجه أنه يحرم، لأنه مخلوق من مائه) ومائها فلا ينكح الانسان بعضه بعضا،
كما ورد في بعض (1) النصوص النافية لخلق حوا من آدم (و) أيضا (هو يسمى ولدا
لغة) والأصل عدم النقل، ومناط التحريم هنا عندنا عليها، كما اعترف به في كشف اللثام
على وجه يحتمل أو يظهر منه الاجماع على ذلك، بل في المسالك أنه يظهر من جماعة
من علمائنا منهم العلامة في التذكرة وولده في الشرح وغيرهما أن التحريم إجماعي،
بل الظاهر اتفاق المسلمين كافة على تحريم الولد على أمه، وكأنه لازم لتحريم
البنت على أبيها وإن حكي عن الشافعية عدم تحريمها عليه نظرا إلى انتفائها
شرعا، لكنه كما ترى، ضرورة عدم الملازمة بين الانتفاء شرعا والحلية بعد أن كان
مناط التحريم اللغة.
بل يظهر من النصوص أن التحريم ذاتي لا مدخلية للنسب الشرعي فيه، قال
زرارة في المروي عنه (2) في محكي العلل: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن بدو النسل
من ذرية آدم عليه السلام فإن عندنا أناسا يزعمون أن الله أمر آدم عليه السلام أن يزوج بناته
من بنيه وأن أصل هذا الخلق من الإخوة والأخوات، قال أبو عبد الله عليه السلام: سبحان الله
وتعالى عن ذلك علوا كبيرا عما يقولون، من يقول هذا؟ إن الله عز وجل جعل أصل
صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات من حرام، ولم يكن له من
القدرة ما يخلقهم من الحلال؟ وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب،
والله لقد نبئت أن بعض البهائم تنكرت له أخته، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها
وعلم أنها أخته أخرج غرموله ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا " وزاد

(1) البحار ج 11 ص 221 الطبع الحديث.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 4.
257

في حديث آخر (1) " إن كتب الله كلها مما جرى فيه القلم، في كلها تحريم الأخوات
على الإخوة فيما حرم وأن جيلا من هذا الخلق رغبوا عن علم بيوتات الأنبياء،
وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه، فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال - ثم قال -:
ما أراد من يقول هذا وشبهه إلا تقويه حجج المجوس، فما لهم قاتلهم الله " وهو صريح
فيما ذكرناه، ولذلك حكاه عن البهائم التي لا نسب شرعي بينها، فالقبح الذي لا يخفى
على البهائم كيف يخفى علي بني آدم إلا على من كان أسوأ منها.
مضافا إلى ما فيه من نقصان الشهوة المفضي إلى اختلال أمر التناسل الذي
هو الغرض الأصلي من النكاح، وأن النكاح لما كان من أعظم علل الضم والاجتماع
المطلوبين للتعاون والتشارك والتوسل إلى الكمالات الكسبية للانسان وجب أن يكونا
من الغايات المقصودة منه، لأن مصالح الأفعال الحسنة غايات في طلب الحكيم العالم
بها، وحيث كان الضم والاجتماع حاصلين مع النسب اللغوي خاصة على أبلغ الوجوه
وأحسنه لم يكن لعلقة السبب تأثير في حصولهما، لامتناع تحصيل الحاصل، فلا تكون
العلاقة السببية مطلوبة مع وجود النسبية إلا مع ضعف تأثيرها في الاجتماع والضم،
كما في أولاد العمومة والخؤولة، فإنه ينزل الضعف فيه منزلة العدم، ويجبر بالإذن
في النكاح المقتضي للضم، كما في الأباعد.
وعلى كل حال فلا ينبغي التأمل في أن مدار تحريم النسبيات السبع على اللغة،
ولا يلزم منه إثبات أحكام النسب في غير المقام الذي ينساق من دليله إرادة الشرعي
لانتفاء ما عداه فيه، وهو قاض بعدم ترتب الأحكام عليه، لأن المنفي شرعا كالمنفي
عقلا كما أومأ إليه النفي باللعان، فما في القواعد - من الاشكال في العتق أن ملك
الفرع والأصل والشهادة على الأب والقود به وتحريم الحليلة وغيرها من توابع النسب -
في غير محله، وفي كشف اللثام " كالإرث وتحريم زوج البنت على أمها والجمع بين الأختين
من الزنا أو إحداهما منه وحبس الأب في دين ابنه أن منع منه - ثم قال - والأولى

(1) ذكر قطعة منه في الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 5 وتمامه
وفي البحار ج 11 ص 223 الطبع الحديث.
258

الاحتياط فيما يتعلق بالدماء أو النكاح، وأما العتق فالأصل العدم مع الشك في السبب،
بل ظهور خلافه، وأصل الشهادة القبول " قلت: لا ينبغي التأمل في أن المتجه عدم
لحوق حكم النسب في غير النكاح، بل ستعرف قوة عدم جريان حكمه فيه أيضا
في المصاهرات فضلا عن غير النكاح، بل قد يتوقف في جواز النظر بالنسبة إلى من
حرم نكاحه مما عرفت.
لكن الانصاف عدم خلو الحل من قوة بدعوى ظهور التلازم بين الحكمين هنا،
خصوصا بعد ظهور اتحادهما في المناط، ومن ذلك كله يظهر لك أنه لا وجه لما في المسالك
من التردد في أمثال هذه المسائل، كما هو واضح.
(الثاني)
(لو طلق زوجته فوطأت بالشبهة فإن أتت بولد لأقل من ستة أشهر من
وطء الثاني ولستة أشهر) فما فوق إلى أقصى الحمل (من وطء المطلق الحق
بالمطلق) لانتفائه عن الثاني قطعا، لعدم الولادة كاملا قبل الستة أشهر، والفرض
أن الفراش منحصر فيهما، والمسلم لا يحمل على الزنا مع امكان عدمه، وإن أتت به
لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى الحمل من وطء الثاني ولزيادة من أقصى الحمل من
وطء الأول فهو ملحق بالثاني قطعا لما عرفت.
(أما لو كان الثاني له أقل من ستة أشهر وللمطلق أكثر من أقصى مدة
الحمل لم يلحق بأحدهما) لانتفائه عنهما شرعا (وإن احتمل أن يكون منهما)
بأن أتت به لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى مدة الحمل من وطئهما معا (استخرج
بالقرعة) عند الشيخ فيما حكي عن مبسوطه مؤذنا بالاجماع عليه، وحكاه
في الكشف عن فخر الاسلام، لأنها لكل أمر مشكل، وهذا منه بعد اشتراك الفراش
بينهما، وإن كان التكون منهما وتعارض الأصول في إلحاقه بكل منهما حتى أصالة
تأخر الحادث التي هي في المقام لو قلنا بها كانت من الأصول المثبتة، ولذا قال في كشف
259

اللثام في رد الأصل بأنه كما أن الأصل عدم التكون سابقا الأصل عدم التكون
لاحقا، فالأصل بالنسبة إلى كل منهما عدم النسب، لكن مع ذلك في المتن (على
تردد أشبهه أنه للثاني، وحكم اللبن تابع للنسب) بل في المسالك نسبته إلى الأكثر،
معللا له بأن فراش الأول قد زال وفراش الثاني ثابت، فهو أولى من الزائل،
ولأن صدق المشتق على ما وجد فيه المعنى المشتق منه حالته أولى ممن سبق
مع التعارض، للخلاف المشهور أنه مع سبقه يكون مجازا لا حقيقة، وفيه منع ثبوت
الفراش للثاني بعد فرض ارتفاع الشبهة، لعدم صدقه هنا حقيقة بناء على أنها فيه
بمعنى حال التلبس، بل قد يمنع أصل الفراش في الشبهة للتصريح في الصحاح والقاموس
ومختصر النهاية وغيرها بأنه الزوجة، ولا ينافي ذلك لحوق الولد باعتبار احترام
الوطء كما في الأمة بناء على أنها ليست فراشا كل ذلك مع احتمال القول بأن
الطلاق غير مزيل حكم الفراشية ولذا يلحق به مع عدم معارضة غيره.
فالأولى الاستدلال على ذلك بالنصوص، وكأنه لم يعثر عليها، ولذا علله
بما عرفت (منها) صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا كان للرجل منكم
الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدت ونكحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنه من مولاها
الذي أعتقها، فإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير ".
(ومنها) المرسل عن زرارة (2) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل إذا طلق
امرأته ثم نكحت وقد اعتدت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأول، وإن كان ولد
أنقص من ستة أشهر فهو لأمه ولأبيه الأول، وإن ولد لستة أشهر فهو للأخير ".
(ومنها) المرسل (3) عن أحدهما عليهما السلام " في المرأة تتزوج في عدتها، قال:
يفرق بينهما وتعتد عدة واحدة منهما جميعا، وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر
فهو للأخير، وإن جاءت بولد أقل من ستة أشهر فهو للأول ".

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 11.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14.
260

(ومنها) خبر أبي العباس (1) قال: " إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير،
وإن كان أقل من ستة أشهر فهو للأول " إلا أنها غير وافية بتمام المطلوب الذي
منه وطء الشبهة لا بعقد، اللهم إلا أن يدعى عدم القول بالفصل، أو يدعى أن خبر
أبي العباس شامل له، أو يقال: إن الحكم فيه للأول لعدم زوال فراشه، أو تتعين
فيه القرعة، كما لعله ظاهر المسالك، قال فيها: " وإنما قيد المصنف بالطلاق مع أن
إلحاقه بهما ممكن بدونه، كما لو وطأ زوجته ثم وطأها آخر شبهة، فإن الأقسام
تأتي فيه، إلا أنه هنا لا يتوجه الخلاف المذكور في هذه، لثبوت الفراش الملحق
للنسب بهما، بخلاف صورة الفرض، فإن فراش الأول قد زال باطلاق، فكان
الثاني أرجح من هذا الوجه، فيتصور الخلاف، وظاهره القرعة ".
ومنه صورة الجهل بتاريخ الوطء، فإن ظاهر النصوص المزبورة معلوم الامكان،
لا ما دار بينه وبين الامتناع. اللهم إلا أن يدعى كون المفهوم منها أعم من ذلك،
لكنه مشكل، ولعل المتجه فيه القرعة أيضا بعد ما عرفت من فساد ما في المسالك من
دعوى أصالة اللحوق بالثاني، لما عرفته من زوال فراشه بزوال الشبهة، نعم
قد يقال بترجيح الفراش الفعلي على الزائل كما عساه الظاهر من أكثر النصوص السابقة
مؤيدا بخبر الصيقل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " سمعته يقول وقد سئل عن رجل اشترى
جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها، قال: بئسما صنع، يستغفر الله ولا
يعود، قلت: فإن باعها من آخر ولم يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر
فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
الولد للفراش، وللعاهر الحجر " والمراد الأخير الذي عنده الجارية بقرينة خبره
الآخر في ذلك (3) إلا أنه قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للذي عنده الجارية،
لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر " وخبر سعيد الأعرج (4)
عنه عليه السلام أيضا: " سأله عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الحمل،

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 12.
(2) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 3 - 4.
261

قال: للذي عنده الجارية، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش " بل منها يستفاد
كون الجارية فراشا، وفيه بحث يأتي في محله، ولعل المراد هنا بعد العلم بوطء
المالك، ويأتي تمام البحث فيه.
أما إذا لم يكن فراش فعلي كما لو فرض اشتباه الجميع فالمتجه القرعة بعد
ما عرفت من عدم جريان الأصول على وجه تفيد الالحاق، والمرسل (1) وخبر
أبي العباس (2) لا جابر لهما بالنسبة إلى الالحاق بالأخير، بل لعل من ذلك خبر
معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر
واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد ولده، ورد
قيمة الولد على صاحب الجارية " الخبر. وخبر سليمان (4) عنه عليه السلام أيضا " قضى
علي عليه السلام في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد، وذلك في الجاهلية قبل أن يظهر
الاسلام، فأقرع بينهم، فجعل الولد لمن قرع، وجعل عليه ثلثي الدية للأخيرين،
فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجده، وقال: لا أعلم فيها شيئا إلا ما قضى
علي " وخبر أبي بصير (5) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا إلى
اليمن، فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما مر عليك، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله
أتاني قوم تبايعوا جارية فوطؤوا أجمع في طهر واحد، فولدت غلاما، فاحتجوا به
كلهم يدعيه، فأسهمت بينهم، وجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم، فقال:
النبي صلى الله عليه وآله: إنه ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى لله إلا أخرج سهم
المحق " فتأمل جيدا.
وأما اللبن فلا ريب في تبعيته بثبوت النسب وإن حكي التردد فيه في وطء
الشبهة عن ابن إدريس، لكنه في غير محله، ضرورة اندراجه في نحو أمهاتكم

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 12.
(3) الوسائل الباب - 57 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 4.
(4) الوسائل الباب - 57 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 4.
(5) الوسائل الباب - 57 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 4.
262

اللاتي أرضعنكم " (1) بعد فرض تحقق النسب بوطء الشبهة، كما هو واضح.
الفرع (الثالث)
(لو أنكر الولد ولاعن انتفى عن صاحب الفراش) بلا خلاف ولا إشكال،
(وكان اللبن تابعا)، فلا ينشر حرمة بالنسبة إليه وإن نشر بالنسبة إلى الامرأة،
للحكم به بوطء صحيح بالنسبة إليها بخلافه، وحينئذ يكون كلبن الشبهة من طرف
المرأة الذي ستعرف الكلام فيه إنشاء الله، وإن كان قد يشكل بعدم الفحل شرعا،
فيكون كلبن الدر، وقد يدفع بأنه ليس كذلك في حقها بخلاف الملاعن نفسه.
نعم يحرم الولد عليه إن كان بنتا مع الدخول بالأم، لكونها ربيبته حينئذ،
أما إذا لم يكن قد دخل فلعل المتجه عدم الحرمة، للعمومات بعد أن قطع الشارع
نسبه عنها باللعان، وما يقال: إنه غير منتفية عنه قطعا، بدليل أنه لو أقر بها
بعد اللعان ورثته، يدفعه أن ذلك غير كاف في التحريم، فإن البنت المجهولة النسب
التي يمكن تولدها عنه لو ادعى كونها بنته قبل مع أنها لا تحرم عليه قبل ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (لو أقر به بعد ذلك) اللعان (عاد نسبه) إليه بمعنى
أنه يرثه الولد (وإن كان هو لا يرث الولد) بل يقوى في النظر أن ذلك لعدم
عود النسب باقراره، لا أنه يعود به وعدم الإرث عقوبة، ضرورة عموم ما دل على
انقطاع النسب باللعان، والإرث منه مؤاخذة له باقراره لا ينافيه، فيبقى حينئذ
حكم انقطاع النسب بالنسبة إلى غير ذلك، فيقتص منه بقتله، ويحبس في دينه،
ويقطع بالسرقة من ماله، وتقبل شهادته عليه، وغير ذلك من أحكام الأجانب،
بل لا يعود حكم اللبن إلا بالنسبة إليه خاصة مؤاخذة له بالاقرار، وربما احتمل
عوده مطلقا، ولكنه واضح الضعف، وربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله في محله.

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
263

(السبب الثاني)
من أسباب التحريم
(الرضاع)
كتابا (1) وسنة متواترة (2) وإجماعا وضرورة من المذهب أو الدين
(و) لكن (النظر في شروطه وأحكامه) إذ لا ريب في أن (انتشار الحرمة
بالرضاع يتوقف على شروط: الأول أن يكون اللبن عن نكاح) أي وطء بعقد
صحيح أو ملك يمين (فلو در) من الامرأة من دون نكاح فضلا عن غيرها
من الذكر والبهيمة (لم ينشر حرمة) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه
عليه، للأصل والموثق (3) " عن امرأة در لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية
أو غلاما بذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: لا " والخبر (4)
" عن امرأة در لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكرانا وإناثا أيحرم من ذلك ما يحرم
من الرضاع؟ قال: لا " وبهما مع الاجماع يخص العام ويقيد المطلق لو سلم شمولهما
لمثل الفرض، بل ظاهرهما عدم النشر به بعد الولادة وإن كانت منكوحة، بل وإن
كانت حاملا، كما هو مجمع عليه في الأولى والأشهر في الثانية، بل عن الخلاف
والغنية والسرائر الاجماع عليه.
بل ربما استدل عليه بظاهر صحيح ابن سنان (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن لبن الفحل، فقال: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث.
264

أخرى فهو حرام " بل في خبره الآخر (1) عنه عليه السلام أيضا " عن لبن الفحل، فقال
ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام " بتقريب عدم صدق
لبن الولد على الحمل، لكن قد يقال: إنه وإن كان في تعريف لبن الفحل إلا أنه
لم يسق لبيان ذلك، ولا لإرادة القيدية في جميع ما ذكره، ضرورة عدم انحصاره
في ذلك، فالعمدة حينئذ ما سمعت، خلافا للقواعد والمسالك والروضة وظاهر عبارة
المصنف الآتية، للاطلاق الواجب تقييده بما عرفت لو سلم شموله للفرض وعدم
انسباق الولادة من الرضاع فيها، لتعارفه كما عساه يومئ إليه إرادته من لفظ الرضاع
في الخبرين السابقين.
نعم هل يعتبر في الولادة كونها في محل يعيش الولد أو بعد ولوج الروح فيه
أو لا يعتبر شئ من ذلك، بل يكفي مطلق الوضع له وإن قلت أيامه ما لم يعرف كونه
درا؟ لم أجد لهم نصا في ذلك، ولا ريب أن الأخير أحوط إن لم يكن أقوى،
للاطلاق الذي لا يعارضه عموم الحل بعد أن كان موضوعه ما وراء المحرمات.
بقي شئ، وهو أن ظاهر المصنف وغيره اعتبار الوطء في ترتب حكم الرضاع،
ومقتضاه حينئذ عدم العبرة بمن حملت امرأته من مائه السابق إلى فرجها من دون
دخول ثم ولدت، ولكن فيه أنه مناف لاطلاق الأدلة الذي لا يقدح فيه ندرة اتفاق
ذلك، فالأولى جعل المدار على تكون الولد من مائه على وجه ينسب إليه الولد
الذي يتبعه اللبن حتى في نكاح الشبهة الذي ستعرف كونه بحكم النكاح الصحيح
بالنسبة إلى ذلك، ولعل تعبير الأصحاب بالوطء باعتبار الغلبة، لا أن المراد اشتراط
ذلك على وجه يخرج به ما عرفت وإن كان ربما حكي عن ثاني الشهيدين التصريح
باعتبار الدخول، ولكن فيه ما عرفت، والله العالم.
(وكذا) لا ينشر (لو كان عن) وطء (زنا) ولو مع الولادة إجماعا

(1) أشار إليه في الوسائل في الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4
وذكره في الكافي ج 5 ص 440.
265

بقسميه وهو الحجة بعد ما في الدعائم عنه أي علي عليه السلام (1) إنه قال: " لبن الحرام
لا يحرم الحلال، ومثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها ثم أرضعت بلبن فجور قال:
ومن أرضع من فجور بلبن صبية لم يحرم نكاحها، لأن اللبن الحرام لا يحرم
الحلال " وبعد ظهور الأدلة في غيره، خصوصا بعد ما عرفت من عدم تحقق النسب
المقتضي لكون اللبن من غير فحل شرعي، فما عن ابن الجنيد - من أنها لو أرضعت
بلبن حمل من زنا حرمت وأهلها على المرتضع، وكان تجنبه أهل الزاني أحوط
وأولى - في غير محله، سيما فرقه بين الزاني (و) الزانية.
نعم (في نكاح الشبهة تردد) كما هو ظاهر من السرائر (أشبهه تنزيله
على النكاح) أي الوطء بالعقد (الصحيح) وفاقا للأكثر، بل لم نجد فيه خلافا
محققا، فإن ظاهر المحكي عن الحلي التردد، ولعله للأصل ومنع العموم في الرضاع
المطلق في الآية (2) والأخبار (3) المنصرف إلى غير الشبهة، لندرتها واختصاص الملحق
لها بالنسب من الاجماع بغير محل الخلاف، ولا نص عام يدل عليه، مضافا إلى
مفهوم الصحيح (4) السابق الذي عرفت عدم كونه مساقا لإرادة القيدية كمنع دعوى
الانصراف المزبور الذي لا ينافيه ندرة وقوع الشبهة، فلا ريب حينئذ في اللحوق
بالصحيح، للعمومات المؤيدة بما يحصل من استقراء مشاركته للصحيح في لحوق
الأولاد به والاعتداد والمهر ونحو ذلك من الظن، لتنزيله منزلته إلا ما خرج، وإن
كنا لم نعثر في النصوص على تشبيهه به أو تنزيله منزلته أو حمله عليه، اللهم إلا أن
يقال: إن من الشبهة ما ورد فيه (5) " لكل قوم نكاح " المراد منه أن ما بأيديهم
من العقود الفاسدة لها حكم النكاح، لا أن المراد منه أنه نكاح حقيقة، ضرورة

(1) المستدرك الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.
(5) الوسائل الباب - 83 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
266

معلومية بطلان نكاح الأم والأخت.
هذا كله في الشبهة من الطرفين، وإلا ففي الروضة ثبت الحكم في حق من ثبت
له النسب، وهو إن تم إجماعا فذاك، وإلا أمكن التوقيف، سيما فيما إذا كان
الزاني الزوج لبعض ما سمعته في الزنا من عدم الفحل شرعا وغيره.
وكيف كان فلا ريب في اعتبار العلم بالامرأة في الحرمة، فلو ارتضع من خنثى
مشكل وإن كان قد وطئت بالشبهة لم ينشر حرمة، لتخصيص عمومات الرضاع
بما ذكرناه، فإنه لا يكاد يشك من لحظ النصوص، خصوصا نحو قول الباقر عليه السلام (1):
" لا يحرم من رضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من
امرأة واحدة " ونحوه مما كان ظاهره إرادة القيدية من جميع ما يذكر فيه ظهورها
في اعتبار الأنوثة، لا أن الخارج الذكر خاصة كما يشهد له أيضا ما عساه يظهر من
بعضهم من دعوى الوفاق على عدم النشر بالرضاع منها.
نعم لا يعتبر في النشر بقاء الامرأة في حبال الرجل قطعا (و) إجماعا ف‍ (لو طلق
الزوج وهي حامل منه) ثم وضعت بعد ذلك أو أرضعت وهي حامل بناء على كونه
كالولادة (أو) طلقها وهي (مرضع) أو مات عنها كذلك (فأرضعت ولدا
نشر) هذا الرضاع (الحرمة كما لو كانت في حباله) بلا خلاف أجده فيه، بل
الاجماع بقسميه عليه، بل في المسالك وغيرها أنه لا فرق بين أن يرتضع في العدة ولا
بعدها، ولا بين طول المدة وقصرها، ولا بين أن ينقطع اللبن ثم يعود وعدمه، لأنه
لم يحدث ما يحال اللبن عليه، فهو على استمراره منسوب إليه، لكن إن شرطنا
كون الرضاع وولد المرضعة في الحولين اعتبر كون الرضاع قبلهما من حين الولادة،
وإلا فلا.
(وكذا لو تزوجت ودخل بها الزوج الثاني) ولم تحمل منه، بل (و) إن
(حملت) منه مع كون اللبن بحاله لم ينقطع ولم تحدث فيه زيادة، فإنه للأول
أيضا بلا خلاف أجده فيه، كما عن التذكرة الاعتراف به، للأصل الذي مقتضاه ذلك

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
267

أيضا حتى مع زيادته الممكنة كونه للثاني، وعن التذكرة القطع به أيضا، بل لم
أجد فيه خلافا عندنا، يحكى عن الشافعي في أحد قوليه أنه إن زاد بعد أربعين يوما
من الحمل الثاني فهو لهما عملا بالظاهر من أن الزيادة بسبب الحمل الثاني، فيكون
اللبن للزوجين، وفي المسالك " وهذا قول موجه على القول بالاكتفاء بالحمل وإن كان
العمل على الأول " قلت: هو فيها ممن اكتفى بالحمل، وحينئذ فالذي ينبغي له
العمل عليه لا على الأول.
(أما لو انقطع) اللبن انقطاعا بينا (ثم عاد في وقت يمكن أن يكون لل‍) حمل
من ال‍ (ثاني) وربما حدد بمضي أربعين يوما من انقطاعه إلى عوده حينئذ
(كان) اللبن (له دون الأول) بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل في المسالك
نسبته إلى قطع المصنف والأصحاب، نعم عن الشافعي قول إنه للأول ما لم تلد
من الثاني مطلقا، لأن الحمل لا يقتضي اللبن، وإنما يخلقه الله للولد عند خروجه
لحاجته إليه، وهو غذاء الولد لا غذاء الحمل الذي يتغذى بدم الحيض، وقول آخر
إنه يكون لهما مع انتهائه إلى حال ينزل معه اللبن، وأقله أربعون يوما، لأن
اللبن كان للأول، فلما عاد بحدوث الحمل فالظاهر أنه رجع بسبب الحمل للثاني
فكان مضافا إليهما، كما لو لم ينقطع، (و) أما أصحابنا فقد عرفت اتفاقهم على
كونه للثاني.
نعم (لو اتصل) اللبن ولم ينقطع اللبن (حتى تضع الحمل من الثاني كان
ما قبل الوضع للأول) زاد عما قبل الحمل أولا، لأن الأصل عدم الحدوث
من الثاني، وكما يزيد بالحمل يزيد بدونه، (وما بعد الوضع للثاني) خاصة
إجماعا من الكل كما عن التذكرة، سواء زاد أم لم يزد انقطع أم اتصل، لأن لبن
الأول انقطع بولادة الثاني، فإن حاجة المولود إلى اللبن يمنع كونه لغيره، وفي
كشف اللثام نسبته إلى إجماع أهل العلم، لأن الولادة أقوى من أصالة استمرار
اللبن، هذا حاصل ما عند من وقفنا عليه من الأصحاب. ولكن لا يخفى عليك
إشكاله في كثير من أفراده، ضرورة عدم مدخلية للعقل في ذلك، ولا دليل شرعي
268

قاطع للعذر يؤخذ به، ولعله لذا قال في كشف اللثام في الأول الذي لا خلاف فيه
عندهم ولم يتجدد فيه سبب غير السبب الأول بعد أن حكى عن التذكرة تعميمه
بما ذكرنا: فيه تأمل، إذ ربما طال حتى علم أنه در بنفسه لا من الأول، ونحوه
يجري في غيره من الأفراد، ودعوى أن العرف كاف في تحقيق هذه النسبة جيدة
إن تمت على وفق ما ذكروه، ضرورة إمكان دعوى كون اللبن لهما فيه في بعض
الأفراد، وحينئذ يمكن أن يكون حكمه نشر الحرمة بالنسبة إليهما معا، لا طلاق
أدلة الرضاع وعدمه مطلقا بظهور اعتبار وحدة اللبن، وإلا كان كمن ارتضع من
لبن في أثناء كل رضعة من لبن آخر، ولعل هذا أقوى، وكيف كان فالمدار على
صدق نسبة اللبن وإجراء الحكم عليه، والله العالم.
(الشرط الثاني)
(الكمية) إذ لا يكفي في الحريم مسمى الرضاع إجماعا بقسميه،
ونصوصا (1) مستفيضة أو متواترة، بل ولا الرضعة الكاملة على المشهور بين الأصحاب
شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في محكي الخلاف ونهج الحق
وعدة مواضع من التذكرة، للنصوص (2) المستفيضة أو المتواترة الواردة في التحديد
بغيرها، بل صرح جملة منها بعدم الاعتداد بالرضعة والرضعتين كما ستعرف.
فما عن كثير من العامة - كأبي حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعي والثوري
والبلخي والليث بن سعد من التحريم بمطلق الرضاع وإن قل راوين ذلك عن علي
عليه السلام وابن عباس وابن عمر - معلوم البطلان، ومن الغريب دعوى الليث منهم
إجماع أهل العلم على نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم، مع أن المحكي
عن الأكثر منهم موافقتنا.

(1) الوسائل الباب - 2 و 3 و 4 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(2) الوسائل الباب - 2 و 3 و 4 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
269

وأغرب منه ما عن الشيخ في التبيان وابن إدريس في السرائر من حكاية ذلك
عن بعض أصحابنا ولم نعرفه، نعم عن المصري في دعائم الاسلام إنه روى (1) عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " يحرم من الرضاع كثيره وقليله حتى المصة الواحدة "
ثم قال وهذا قول بين صوابه لمن تدبره ووفق لفهمه، لأن الله تعالى شأنه
يقول (2) " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم " والرضاع يقع على القليل والكثير، وعن
ابن الجنيد إنه قال: قد اختلفت الرواية من الوجهين جميعا في قدر الرضاع المحرم،
إلا أن الذي أوجبه الفقه عندي واحتياط المرء لنفسه أن كلما وقع عليه اسم رضعة
وهو ملأة بطن الصبي إما بالمص أو الوجور محرم للنكاح، إلا أنه قد استقر
المذهب على خلافهما وعلى رميهما بالشذوذ، مع أنه لا دليل لهما إلا العمومات
ومكاتبة علي بن مهزيار (3) في الصحيح لأبي الحسن عليه السلام " يسأله عما يحرم من
الرضاع، فكتب إليه: قليله وكثيره حرام " والضعيف برجال العامة والزيدية
عن زيد بن علي (4) عن آبائه عن علي عليهم السلام إنه قال: " الرضعة الواحدة كالمائة
رضعة لا تحل له أبدا " والقوي (5) " الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي
يرضع حتى يتملأ ويتضلع " والحسن المضمر (6) " سألته عما يحرم من الرضاع،
قال: إذا رضع حتى يمتلئ بطنه، فإن ذلك ينبت اللحم والدم، وذلك الذي
يحرم ".
لكن الجميع كما ترى ضرورة تخصيص العمومات، وقصور غيرها عن معارضة
النصوص الصحيحة الصريحة المشهورة رواية وفتوى بما فيها من الشذوذ والضعف

(1) المستدرك الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 وفيه " يحرم
من الرضاع قليله وكثيره المصة الواحدة تحرم "
(2) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10 - 12.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10 - 12.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1.
(6) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1.
270

والارسال والاضمار والمكاتبة، وموافقة أهل الخلاف، ومخالفة أهل الحق، وركاكة
متن الأولين، واحتمال الأخيرين تحديد الرضعة لا التحديد بها، وإمكان حمل
الصحيح على ما يبلغ المحرم بمعنى حصول التحريم بالمقدر، سواء كان قليلا
أو كثيرا، بل يمكن تنزيله على الحرمة بعد الفطام، كل ذلك مضافا إلى انقراض
القائل، واستقرار الاجماع بعدهما على خلافهما، وقطع الأصحاب بشذوذ ما ورد
من النشر بما دون العشر، وندرة القائل به، وعدم الاعتداد به، فلا ينبغي الشك حينئذ
من هذه الجهة.
وكيف كان فللأصحاب في تحديد الرضاع المحرم تقديرات ثلاثة: الأثر
والزمان والعدد، والمشهور ثبوت التحريم بكل منها، خلافا للمحكي عن المفيد
والديلمي، فخصا الحكم بالعدد، وللصدوق حيث قصره فيما حكي من هدايته على
الزمان والمقنع على الأثر مسندا الأخيرين إلى الرواية، وللمحكي عن ابن سعيد من
تخصيص التأثير بما عدا الأثر. إلا أن الأقوى الأول.
(و) المراد بالأثر (هو ما أنبت اللحم وشد العظم) والأصل فيه بعد
الاجماع المعلوم والمنقول عن التذكرة والإيضاح والمسالك وتلخيص الخلاف وغيرها
النبوي المروي في كتب أصحابنا (1) " الرضاع ما أنبت اللحم وشد العظم " وما
استفاض عن الصادق عليه السلام من التحديد بذلك ففي الصحيح (2): " ما يحرم من الرضاع؟
قال: ما أنبت اللحم وشد العظم " وفي الخبرين (3) " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت
اللحم وشد العظم " وفي خبر آخر (4) " قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان
والثلاث، فقال: لا إلا ما اشتد عليه العظم ونبت اللحم ".
نعم ظاهر النص والفتوى فعلية ذلك، فلو ارتضع رضاعا من شأنه ترتب ذلك عليه

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 461 وفيه " لارضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم ".
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 والباب - 2 - منها
الحديث 19.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 23.
271

لكن منع منه مانع كمرض ونحوه لم يؤثر، مع احتماله كما يومئ إليه الاكتفاء
بأخبار أهل الخبرة المبني على أنه مما ينبت، بل يومئ إليه أيضا جعل الزمان
والعدد كاشفين عنه، ضرورة ابتناء كشفهما على ذلك، لكن قد يقال: إن أقصى ذلك
كله الحكم به على غير معلوم الحال، لا الأعم منه وما علم عدمه، ولعل هذا
هو الأقوى، ومرجعه إلى اعتبار الفعلية التي طريقها ما عرفت.
وكذا ظاهر النص والفتوى اعتبارهما معا في الحرمة، فلا يكفي حينئذ
أحدهما، خلافا للشهيد في اللمعة، فاكتفى به، بل حكاه السيد في نهاية المرام عن
جماعة، وقواه وعلله بالتلازم، واحتمل التعليل به في الروضة، ولكن رجح اعتبار
الجمع، وقطع به في المسالك، ورد القول بالاكتفاء بالشذوذ ومخالفة النصوص والفتوى،
وكأنه استضعف التعليل بالتلازم، لعدم ظهوره، وعدم ظهور استناد الشهيد إليه،
كما يشعر به كلامه في كتابيه، وإلا فالبناء عليه يقتضي الموافقة في كون المحرم
وجود الوصفين معا وإن اكتفى في العلم بالتحريم بأحدهما، فإنه للكشف عن وجود
الآخر، لا للاستغناء به عنه، وليس في ذلك ما يخالف النص ولا الفتوى، لكنه فرع
ثبوت التلازم، وهو في حيز المنع، خصوصا بالنسبة إلى إنبات اللحم، ضرورة عدم
استلزامه لشد العظم، لبطوء تحلله وتغذيه، فقد تكون بعض الرضعات مغذيا للحم
خاصة وبعضها مغذيا للعظم خاصة، كما في صورة استغناء اللحم عن الغذاء.
نعم يمكن دعوى التلازم من جهة اشتداد العظم باعتبار سبق اللحم عليه،
فلا يشتد العظم إلا بعد أن يستغني اللحم المشتمل عليه عن الغذاء، ويكون الجمع
بينهما حينئذ في الأخبار مع إغناء الثاني عن الأول لوجهين: الأول أن نشر الحرمة
لهما، والآخر أن تغذى العظم بعد استغناء اللحم عن الغذاء، فبعض الرضعات ينبت
اللحم خاصة، وبعضها يشد العظم، والكل معتبر مع احتمال عدمه أيضا، ضرورة
إمكان تصور شد العظم خاصة من رضاع امرأة بعد استغناء اللحم من امرأة أخرى.
ومن هنا أمكن أن لا يكون نظر الشهيد إلى ذلك، بل للاكتفاء في النصوص
272

المتضمنة للتحريم بما أنبت اللحم بدون اعتبار اشتداد العظم، كما في المعتبرين (1)
السابقين، وفي الصحيح (2) " قلت له: فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: ما أنبت
اللحم والدم " والحسن (3) " لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم " والتحريم
بما ينبت اللحم يقتضي التحريم بما يشد العظم، للاجماع على اعتبار الاشتداد جمعا
أو تخييرا، فإذا انتفى الأول ثبت الثاني، ولا ينافي ذلك اعتبار إنبات الدم في هذه
الأخبار، لأنه متقدم على إنبات اللحم، فلا يزيد اشتراطه على اشتراطه، وفي كشف
اللثام أن المراد بالدم فيهما الغريزي، وهو الذي ينسب إليه الانبات، لا الذي
يستحيل إليه الغذاء في الكبد قبل الانتشار منه إلى الأعضاء، وكذا لا ينافيه انضمام
الاشتداد فيما تقدم من النصوص، لاحتمال تلازم الوصفين، فيصح الجمع والاكتفاء.
لكن فيه أن الظاهر تخلف الاشتداد عن الانبات كما عرفت، بل يشهد به
الحسن ويقتضيه النظر، فإن العظم لبطوء تغذيه يتأخر اشتداده عن نبات اللحم، بل
ربما كان التغذي فيه بعد استغناء اللحم عن الغذاء، لأنه لسرعة قبوله له وشدة
احتياجه إليه يجذ به إلى نفسه، فلا يصل إلى العظم إلا بعد استغنائه عنه، بل قد
يتخلف الانبات عن الاشتداد فيما إذا ورد الغذاء على البدن بعد استغناء اللحم بما
تقدمه، فينصرف إلى العظم.
وما يقال - من أن الغذاء الوارد على البدن يتوزع على الأعضاء ويأخذ كل
عضو منه قسطه اللائق به - فليس على إطلاقه، بل هو بشرط الاحتياج وبقدر الحاجة،
وإذا ثبت التخلف مطلقا أو من جهة الاشتداد فقط ظهر التعارض بين ما دل على التحديد
بما أنبت اللحم وشد العظم وما دل على التحديد بالأول وحده، والجمع بينهما
يتحقق إما بتخصيص الثاني وإما بحمل العطف في الأول على التقسيم أو ارتكاب حذف
الموصول فيه مع بقاء الصلة، ويترجح الأول بمطابقة الأصل وفتوى المعظم، وقوة الدلالة

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
273

فيما دل على الجمع، وقرب الحمل فيما يعارضه، لشيوع التخصيص، بل يمكن إرادة
المغذي للعظم من الدم فيه، فيتجه حينئذ اشتراط الاجتماع كما هو المشهور بل
قد يقال مع فرض عدم العلم بالتخلف: إن المتجه أيضا التخصيص عملا بظهور اللفظ
فيه، واحتمال التلازم لا يكفي في نفيه وفي قطع الأصل، خصوصا بعد معارضة ذلك
باحتمال بناء نصوص اللحم وحده على التلازم، بل يمكن إرادة شد العظم من الدم
فيها ولو باعتبار تغذيه منه، فتأمل جيدا.
وكيف كان فالمراد بانبات اللحم وشد العظم ما كان مسببا عن الرضاع التام
بحيث يستقل في حصول الأمرين، ويتحقق حصولهما، ويظهر لدى حس أهل
الخبرة، فلا يتحقق بالمسمى وإن كان له تأثير في حصولهما، لأن الاكتفاء بمطلق
التأثير يقتضي فساد التحديد، فإنه لا يزيد على اعتبار أصل الرضاع ولا بالرضعة
والرضعات اليسيرة، لأن الظاهر اعتبار السببية التامة كما قلنا دون الناقصة، ولأن
المفهوم من التحديد بما ينبت اللحم ويشد العظم حصول كثرة يعتد بها، وهي غير
متحققة في الرضاع اليسير، ولوقوع التصريح في النصوص (1) بعدم حصول الانبات
والاشتداد بالرضعة فما فوقها إلى العشر، بل بانتفائهما فيهما، كما ستعرفه. فمع
ملاحظة الجمع بين النصوص والفتاوى يعلم كون المراد مرتبة خاصة من الانبات
والاشتداد، لا مطلق التأثير، كما هو واضح.
وهذا التحديد الوارد في النصوص المستفيضة المعتبرة من أقوى الحجج على
ابن الجنيد ومن قال بالمسمى من أصحابنا، والظاهر أنهم لم يخالفوا في أصل التحديد،
بل حملوا ذلك على مطلق التأثير، وهذا مع عدم ملائمته لمذهب ابن الجنيد قد ظهر
فساده مما قلناه.
واختلف الأصحاب فيما يحصل به العلم بالأثر فالحلبيان والطبرسي على ما
قيل أوقفوا ذلك على حصول التقدير بالزمان أو العدد، وهو ظاهر كتابي الشيخ
في الأخبار، حيث بنى العمل على ما تضمن الحديد بأحدهما ورد التقدير بالأثر

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 و 9 و 19 و 21 و 23.
274

إليه بجعله مفسرا له، ويحتمله كلام المفيد والديلمي وابن سعيد، بأن يكون وجه
التخصيص فيه إجمال الحد عندهم بالانبات والاشتداد، لا عدم اعتباره من أصله،
ومقتضى هذا القول سقوط الفائدة في هذه العلامة، والاستغناء عنها بالزمان والعدد،
والمشهور بين الأصحاب أنها علامة مستقلة مقابلة لهما غير متوقفة عليهما، وبه قال
الشيخ في النهاية والخلاف والقاضي والحليون الثلاثة والشهيدان والمحقق الكركي وعامة
المتأخرين، وهو الأصح، إذ المستفاد من النصوص حصول التحريم به، سواء وافق
أحدهما أو خالف، ولا ينافي ذلك الموثق (1) " لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم
وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات " بعد ظهور كون المراد نفي التحريم من هذه
الجهة كما أن تعليل عدم النشر بالعشر بعدم إنباتها اللحم لا يقتضي كونه الأصل
وأنهما علامتان، إذ لعل المراد عدم نشره الحرمة من هذه الجهة، وأما العدد والزمان
فالمفروض نفيهما.
نعم قد يقال إن حصر الرضاع المحرم في كثير من النصوص بما أنبت اللحم
مع الإشارة في بعضها إلى أن التحريم بالعدد لكونه محصلا لذلك حتى أنه أومأ إلى
التعريض بما عند العامة من كون العشر تنبته يقتضي أنه الأصل كما هو ظاهر المصنف
وغيره، بل لعله لذا وغيره قال في كشف اللثام: " الأظهر في الاعتبار والأخبار كون
الأثر هو الأصل، والباقيان علامتان له " انتهى. لكن لا تنحصر علامته فيهما، فقد
يتحقق عند أهل الخبرة، بل وعند غيرهم ذلك بدونهما، فالمراد حينئذ من كونهما
علامتين الحكم بالتحريم بحصول الأثر عندهما وإن لم يظهر ذلك لأهل الخبرة،
لا أن المراد حصر ذلك فيهما وجودا وعدما على وجه يقتضي سقوط هذه العلامة،
بل قد يقال إنه لو فرض ولو نادرا معلومية حصول الأثر بالأقل منها ترتب التحريم،
نعم قد يشك في ترتبه لو فرض نادرا عدم حصول الانبات مع حصولهما، ضرورة
منافاة ذلك لكونهما علامتين، ولا طلاق تحقق التحريم بتحققهما وتنزيل ذلك على
الغالب ليس بأولي من جعل ذلك حكمة في دوام حصول التحريم بحصولهما، بل
لعل هذا أولى بملاحظة نظائر ذلك في الشرع.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
275

وعلى كل حال فما عن بعضهم - من أن الأصل العدد وإنما يعتبر الآخران
عند عدم الانضباط به - واضح الضعف، مع أنه لم نتحقق القائل به، ضرورة ظهور
النصوص والفتاوى في كونها علامات مستقلة، كل واحدة أصل برأسها، وأنها
كغيرها من العلامات مطردة غير منعكسة، فلا ينتفي التحريم بانتفاء أحدها ما لم
ينتف الآخران، أو أن الأصل الانبات والآخران علامتان له على الوجه الذي
عرفته، ولعله الأقوى في النظر.
نعم ينبغي أن يعلم أن المدار في التحريم بالأثر استقلال الرضاع في حصوله على
وجه ينسب إليه، فلو فرض تركيب غذاء الصبي منه ومن السكر مثلا على وجه الامتزاج
بمعنى أنه يرتضع الرضعة الناقصة فيكمل غذاءه بالسكر فيكون التغذي والانبات
والاشتداد منسوبا إليهما أشكل ثبوت التحريم به، للأصل بعد عدم صدق النسبة،
اللهم إلا أن يدعي أنهما وإن امتزجا في المعدة، إلا أن لكل منهما أثرا مستقلا،
فيصدق على كل منهما أنه أنبت لحما وشد عظما، فيتحقق التحريم حينئذ إلا
أنه كما ترى. نعم قد يدعي ذلك فيما لو فرض استقلال الرضاع بالغذاء في وقت
والسكر في وقت آخر، كأن يرتضع بالنهار مثلا ويتغذى باللبن وبالليل يتغذى
بالسكر، مع أنه أيضا لا يخلو من إشكال، لعدم العلم بصدق النسبة إليه وتحققها وإن
استمر على هذا العمل، والأصل الحل، وربما يومئ إليه ما تسمعه من النصوص على
عدم النشر بالعشر إذا كن متفرقات بعد حصره الرضاع المحرم بالذي أنبت.
وكيف كان فللعلم بالأثر طريقان: (أحدهما) الرجوع إلى قول أهل الخبرة،
كما نص عليه جماعة، لأن تعيين الموضوع لا يتوقف على الشرع، نعم يعتبر فيه
شروط الشهادة من الايمان والعدالة والعدد، فلا حكم للواحد وإن أفاد الظن واكتفي
به في مثل المرض المبيح للفطر والتيمم، لأن المدار فيه على مطلق الظن، بخلاف
المقام المعتبر فيه العلم أوما يقوم مقامه، نعم قد يأتي على قول المفيد والديلمي
بالاكتفاء بشهادة الامرأة الواحدة في الرضاع قبول الواحد من باب الشهادة، ولكنه
شاذ.
276

ثم إنه لا ريب في اختلاف الحال هنا باختلاف اللبن والأولاد وكمال الرضاع
ونقصه والزمان والمكان، وفي حصوله بما دون العدد المعتبر والمدة؟ وجهان
من الأصل وعموم الموثق وغيره، ومن عدم اشتراط الانعكاس في العلامات، فيحمل
العموم على نفي التحريم بالنظر إلى بعضها، فلا ينافي التحريم ببعض آخر، ولعله
الأقوى، وبه قطع في المسالك.
(وثانيهما) أن يتحقق الرضاع مدة طويلة كشهرين وثلاثة مثلا مع اختلال
شرط الزمان والعدد، كما إذا كانت الرضعات ناقصة واشترطنا الكمال في المدة كالعدد،
أو تحقق الفصل في المدة قبل إكمال العدة وقلنا بعدم اشتراط التوالي في النشر
بالأثر، فيحكم بالتحريم بهذا الطريق، لأن العادة قاضية باستقلاله مثلا في إنبات
اللحم وشد العظم وإن لم يرجع فيه إلى أهل الخبرة، وهذا القسم وإن لم يصرحوا
به إلا أنه داخل فيما قالوه، ولا ينافي ذلك قول الصادق عليه السلام في مرسل ابن أبي
عمير (1) السابق: " والرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتملأ ويتضلع
وينتهي من نفسه " من حيث ظهوره في اعتبار الكمال في الانبات، فالناقصة حينئذ
لا تنبت، لاحتمال كون المراد الانبات الذي يحصل من المدة والعدد اللذين هما
علامتان شرعيتان له، لا عدم حصول الانبات مطلقا، ضرورة مخالفته للوجدان،
وكذا اعتبار التوالي في المدة والعدد، فإن المراد نفي كونهما علامة له مع عدم التوالي
فيهما، وذلك لا ينافي تحققه من طريق آخر كطول المدة ونحوها، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان فقد عرفت أنه (لا حكم لما دون العشرة إلا في رواية
شاذة) (2) وإن صح سندها قد أعرض عنها الأصحاب واستفاضت النصوص بخلافها،
ولم نعرف عاملا بها سوى ما عرفته من الإسكافي الذي استقر المذهب على خلافه
في ذلك، بل لعله قبله كان كذلك نحو ما سمعته من المصري أيضا، فليس هو حينئذ
محرما مستقلا، ولا كاشفا عن الانبات شرعا، ولا عند أهل الخبرة غالبا، ولو فرض
نادرا حصول المرتبة المحرمة من الأثر به أمكن تحقق التحريم به، ولا ينافيه

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
277

إطلاق عدم العبرة به في النصوص بعد حمله على إرادة عدم العلم بتحقق ذلك به غالبا،
بل لعله يكون وجه جمع بين ما دل على ثبوت التحريم به وما دل على عدمه، بل
هو أولى من طرح الأول بترجيح الثاني عليه حتى في الفرض النادر وإن أمكن،
لاحتمال عدم اعتبار الشارع له عنوانا للحكم الشرعي لندرته، (و) الأمر سهل.
إنما المعركة العظمى، في أنه (هل يحرم بالعشرة؟ فيه روايتان)
إحداهما الحرمة، وهي رواية الفضيل بن يسار (1) على ما في بعض كتب الفروع
عن أبي جعفر عليه السلام " لا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا المجبور، قال:
قلت: وما المجبور؟ قال: أم تربي وظئر تستأجر وأمة تشتري ثم ترضع عشر
رضعات يروي الصبي وينام " المؤيدة بالعمومات والاحتياط خصوصا في الفروج،
وبالمفهوم في خبر هارون بن مسلم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يحرم من الرضاع إلا
ما شد العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ عشرا إذا
كن متفرقات فلا بأس " وخبر عمرو بن يزيد (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغلام
يرضع الرضعة والرضعتين، فقال: لا يحرم، فعددت عليه حتى أكملت عشر
رضعات فقال: إذا كانت متفرقة فلا " وخبر عبيد بن زرارة (4) عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) روى في الوسائل في الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 و 11
عن فضيل بن يسار روايتين: الأولى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا يحرم من الرضاع
إلا ما كان مخبورا - وفي معاني الأخبار ص 65 " مجبورا " - قلت: وما المخبور؟ قال:
أم مربية أو أم تربي أو ظئر تستأجر أو خادم تشتري... " والثانية عن أبي جعفر عليه السلام
قال: " لا يحرم من الرضاع إلا المخبورة أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروي الصبي
وينام " والظاهر أن ما روى في كتب الفروع مأخوذ عنهما.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 19 عن هارون بن
مسلم عن مسعدة.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5 عن عمر بن يزيد
وفيه " يرضع الرضعة والثنتين ".
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 21.
278

" سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: ما أنبت اللحم والدم، ثم قال: ترى
واحدة تنبته؟ فقلت: اثنتان أصلحك الله، قال: لا، فلم أزل أعد عليه حتى بلغت
عشر رضعات " بناء على مخالفة الجواب بما بعد " حتى " لما قبلها، بل وخبره
الآخر (1) عنه عليه السلام أيضا في حديث إلى أن قال: " فما الذي يحرم من الرضاع؟
فقال: ما أنبت اللحم والدم، فقلت: وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال: كان
يقال: عشر رضعات، قلت: فهل يحرم عشر رضعات؟ فقال: دع ذا، ما يحرم
من النسب فهو يحرم من الرضاع " وما عن الفقه (2) المنسوب إلى الرضا عليه السلام.
والثانية لا تحرم وهي موثقة عبيد بن زرارة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" سمعته يقول: عشر رضعات لا يحرمن شيئا " ونحوه خبر ابن بكير (4) عنه عليه السلام
أيضا، وصحيحة علي بن رئاب (5) عنه عليه السلام أيضا قال: " قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال:
ما أنبت اللحم وشد العظم، قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: لا، لأنه لا ينبت اللحم
ولا يشد العظم عشر رضعات " وموثق زياد بن سوقة (6) قلت لأبي جعفر عليه السلام: " هل
للرضاع حد يؤخذ به؟ قال: لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة
رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها،
فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعته
امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما " وما في المقنع " ولا
يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم، وسئل الصادق عليه السلام (7) هل لذلك
حد؟ فقال: لا يحرم من الرضاع إلا رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات
لا يفصل بينهن " المؤيدة بالأصل وعمومات النكاح وحصر التحريم في المنبت
في النصوص (8) المستفيضة مع الظن بعدمه في العشر أو الشك فيه.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18 - 3 - 4.
(2) المستدرك الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18 - 3 - 4.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1 - 14.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1 - 14.
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1 - 14.
(8) الوسائل الباب - 2 و 3 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
279

ومن أجل ذلك اختلف الفتاوى حتى من المفتي الواحد في الكتاب الواحد
على ما حكي، فذهب ابن إدريس في أول كتاب النكاح إلى القول بالعشر، وجعله
الأظهر في الفتوى والصحيح، ورجع عنه في باب الرضاع، وحكم بأن الخمس
عشرة هو الأظهر من الأقوال وقال: " وقد حكينا الخلاف فيما مضى، واخترنا هناك
التحريم بالعشر، وقويناه، والذي أفتي به وأعمل عليه الخمس عشرة، لأن العموم
قد خصه جميع أصحابنا المحصلين، والأصل الإباحة، والتحريم طار،
فبالاجماع من الكل تحرم الخمس عشرة، فالتمسك به أولى وأظهر، لأن الحق أحق
أن يتبع ".
وذهب العلامة في التذكرة والإرشاد والتبصرة والتلخيص وظاهر القواعد
والتحرير إلى القول بالخمس عشرة، ونص في الأول على أنه المشهور، وبالغ
في تقويته، ثم رجع عنه في المختلف، واختار القول بالعشر، واحتج عليه بعمل
الأكثر.
وقال في اللمعة: " ويشترط أن ينبت اللحم ويشد العظم أو يتم يوما وليلة
أو خمس عشرة رضعة، والأقرب النشر بالعشر ".
وقال أبو العباس في المهذب: " من شرائط الرضاع ارتضاع المقدر الشرعي،
وهو ثلاث: ما أنبت اللحم وشد العظم، أو رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة "
ثم خص فيه وفي المقتصر على النشر بالعشر.
بل اختلف كلماتهم في الأشهر من القولين، ففي المختلف والمنتصر وغاية
المرام ونهاية السيدان العشر هو قول الأكثر، وفي الروضة أنه قول المعظم،
وفي التذكرة وزبدة البيان والمفاتيح أن المشهور هو الخمس عشرة، وعزاه في كنز العرفان
إلى الأكثر، وفي كنز الفوائد إلى عامة المتأخرين، وفي المسالك إلى أكثرهم، قال: " وأكثر
القدماء على القول بالعشر " ورفع بذلك التنافي بين كلامي العلامة في المختلف والتذكرة
قلت: الانصاف أن شهرة الخمس عشرة عند المتأخرين محققة، وأما القدماء
فإنه وإن ذهب كثير منهم إلى العشر كالعماني والمفيد والقاضي والديلمي والحلبي
280

والطوسي وأبي المكارم، بل حكي عن المرتضى وإن كنا لم نتحققه إلا أن ذلك
لم يبلغ حد الاشتهار، خصوصا بعد أن كان خيرة الشيخ والطبرسي وغيرهما من القدماء
الخمس عشرة، بل حكي عن أتباع الشيخ، بل لعله خيرة أئمة الحديث وفقهاء
أصحاب الأئمة، كمحمد بن أحمد بن يحيى، وأحمد بن محمد بن عيسى، ومحمد بن أبي
عمير، والحسن بن محبوب، وحماد بن عثمان، وعلي بن رئاب، وهشام بن سالم، وغيرهم
ممن اقتصر على رواية الخمس عشرة دون العشر، كما عساه يومئ إليه ظهور دعوى
الشهرة من محكي المبسوط والتبيان ومجمع البيان، بل ربما ظهر من عبارتي
الخلاف والتذكرة إجماع الإمامية على ذلك، خصوصا الأخيرة، قال فيها: " الرضاع
المحرم ما حصل به أحد التقديرات الثلاثة: إما رضاع يوم وليلة، أو رضاع خمس عشرة
رضعة، أو ما أنبت اللحم وشد العظم عند علماء الإمامية - ثم قال -: يشترط توالي
الرضعات من المرأة الواحدة، فلو تخلل بين العدد رضاع امرأة أخرى لم ينشر
الحرمة، ولم يعتد برضاع شئ منهما ما لم يكمل رضاع إحداهما خمس عشرة
رضعة متوالية، فلو رضع من إحداهما أربع عشرة رضعة ثم رضع مثلها من أخرى
لم يعتد بذلك الرضاع عند علمائنا أجمع " وإن كان هو مع شهرة الخلاف المزبور
كما ترى، لكن لا ريب في استفادة شهرة هذا القول أيضا بين القدماء.
ومع ذلك هو في غاية البعد عن أقوال العامة رواياتهم، فإن للقائلين بالعدد
منهم ثلاثة أقوال:
(أحدها) الثلاث، وبه قال زيد بن ثابت وأبو ثور وابن المنذر وداود وأهل
الظاهر، لمفهوم قوله صلى الله عليه وآله (1): " لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ".
(ثانيها) الخمس، وهو المشهور بينهم، وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق
وطاووس وعطا وسعيد بن جبير و عبد الله بن زبير و عبد الله بن مسعود وعائشة، لما رووه (2)
عنها أنها قالت: " كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 455 و 458.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 454.
281

نسخه بخمس معلومات، وأنه صلى الله عليه وآله توفي وهي مما تقرأ في القرآن " والحديث مشهور
عندهم، أخرجه الستة إلا البخاري.
(وثالثها) التحريم بالعشر كما حكي عن عائشة وحفصة وطائفة منهم، لما روي
عن عائشة (1) أنها قالت: " نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشرا ولقد كان
في صحيفة تحت سريري، فما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وتشاغلنا بموته دخل داجن
فأكلها " ولما رواه عروة في حديث سهلة (2) بنت سهيل " أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
لها فيما بلغنا: أرضعيه عشرا تحرمي عليه " ولكن المعروف في هذه الرواية عندهم
أنه قال لها: " أرضعيه خمسا " ولذلك كانت عائشة تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها
أن يرضعن من أحبت أن يراها خمس رضعات وإن كان كبيرا وبذلك تظهر قوة
هذا القول باعتبار بعده عمن جعل الله الرشد في خلافهم.
ومع هذا (أصحهما) سندا (أنه لا تحرم) وأظهرهما دلالة، بل
لا صحة في رواية العشر، ضرورة كون العمدة فيها الرواية الأولى، وفي طريقها
محمد بن سنان الذي ضعفه الشيخ والنجاشي وابن الغضائري، وقال: إنه غال لا يلتفت
إليه، بل روى الكشي فيه قدحا عظيما، بل عن ابن شاذان أنه من الكذابين
المشهورين، على أنها مختلفة المتن، فاسدة الحصر، متروكة الظاهر، إذ هي على
ما حضرني من نسخة الوافي مروية عن التهذيب عن ابن محبوب عن محمد بن الحسين
عن محمد بن سنان عن حريز عن الفضيل بن يسار (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " لا يحرم
من الرضاع إلا المجبورة، أو خادم أو ظئر قد رضع عشر رضعات يروي الصبي وينام "

(1) سنن الدارقطني ج 4 ص 179 (كتاب الرضاع الحديث 222) وسنن ابن ماجة
ج 1 ص 599 (باب رضاع الكبير).
(2) ذكره ابن قدامة في المغني ج 9 ص 193.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 11 وفيه " إلا
المخبورة ".
282

وعنه أيضا عن الثيملي عن النخعي عن حريز عن الفضيل بن يسار عن البصري (1) قال:
" لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا، قلت: وما المجبور؟ قال: أم مربية أو لم
ترب أو ظئر تستأجر أو خادم يشتري أو ما كان مثل ذلك موقوفا عليه " وعن الفقيه عن حريز
عن الفضيل بن يسار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا يحرم من الرضاع إلا ما كان
مجبورا، قلت: وما المجبور؟ قال: أم مربية أو ظئر تستأجر أو خادم تشترى " وعن
بعض نسخ الفقيه " المحبور " بالحاء المهملة، وهو مع حذف العشرة منه جعل
" المحبور " فيه صفة للرضاع، وفسره بإحدى النسوة الثلاث، وفي الأولى من روايتي
التهذيب جعل الخادم والظئر مقابلين للمجبورة.
وأما أنها متروكة الظاهر فهو واضح، ضرورة عدم اعتبار نوم الصبي في التحريم،
وعدم انحصار المحرم في ذلك، فإن رضاع المتبرعة أو المستأجرة على عدد خاص
وغيرهما محرم قطعا، على أنه إن كان قوله عليه السلام: " قد رضع " إلى آخره مختصا
بالظئر كان مخالفا للظاهر عند الخصم أيضا، كما أن حصره مخالف له أيضا، فلا بد
من طرحه أو تأويله، بل اختلال متنه كاف في فساده، ومن هنا احتمل الشيخ أن
يكون المراد به نفي التحريم عمن أرضع رضعة أو رضعتين مستدلا عليه بخبر
موسى بن بكير (3) عن أبي الحسن عليه السلام " قلت له: إن بعض مواليك تزوج إلى قوم،
فزعم النساء أن بينهما رضاعا، قال: أما الرضعة والرضعتان والثلاث فليس بشئ
إلا أن يكون ظئرا مستأجرة مقيمة عليه ".
وأما خبرا هارون (4) وعمرو بن يزيد (5) فمع الطعن في سندهما - خصوصا

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 وفيه " إلا ما كان
مخبورا ".
(2) أشار إليه في الوسائل في الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7
وذكر نصه في الفقيه ج 3 ص 307 الرقم 1474.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8 عن موسى بن بكر.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 19.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5 عن عمر بن يزيد.
283

الأول لأن هارون بن مسلم من أهل الجبر والتشبيه، بل هو تارة رواها عن
أبي عبد الله عليه السلام بلا واسطة وأخرى رواها عنه عليه السلام بواسطة مسعدة بن زياد العبدي -
دلالتهما بالمفهوم الذي هو أضعف من المنطوق، على أن الأول إذا كان الظرف فيه
متعلقا بالبأس المنفي اقتضى مفهومه تحريم ما دون العشر أيضا مع الاجتماع، ولا ينافيه
خبر عمرو بن يزيد، لامكان ذلك فيه، وإلغائه بالنسبة إلى ذلك ليس بأولى من إلغائه
بالنسبة إلى الجميع، على أن يكون المراد منه عدم المحرم على سائر الوجوه بخلاف
العشر، فإنها قد تحرم فيما لو فرض حصول الانبات بها على نحو الخمس عشرة، على
أنه يمكن كون المراد منه ما سمعته من خبر موسى بن بكير المتقدم المعلوم عدم
إرادة المفهوم منه.
وأما خبر عبيد بن زرارة (1) فهو بالدلالة على خلاف المطلوب أولى، ضرورة
ظهوره في كون الجواب " لا " وإلا لذكره، على أنه هو بنفسه روى (2) عن الصادق
عليه السلام عدم إنبات العشر، وكذا خبره (3) الآخر الظاهر في نسبة الانبات بها
إلى غيره، سيما بعد الاعراض عن جوابه ثانيا، بل هو ظاهر في الخروج مخرج
التقية.
والفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام لم تثبت حجيته عندنا، بل لعل الثابت عدمها.
ومن ذلك كله يظهر لك فساد ما عساه يقال: إن القول بالعشر تجتمع عليه
جميع الروايات بعد حمل مطلقها على مقيدها على معنى حمل ما دل على النفي
بالعشر على المتفرقات، وما دل على الثبوت بها على المجتمعات، ضرورة عدم المكافئة
سندا ودلالة، على أنه لا يتم في مثل مرسل (4) المقنع، بل ولا في موثق زياد بن
سوقة (5) الذي هو كالتصريح في التحديد بالخمس عشرة، خصوصا بعد ملاحظة

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 21.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3 وفيه عدم ثبوت
الحرمة بعشر رضعات.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18 - 14 - 1.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18 - 14 - 1.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18 - 14 - 1.
284

وروده في بيان التحديد، بل يمكن دعوى القطع ممن له أدنى خبرة بكلماتهم عليهم السلام
بعدم إرادة مثل هذا التقييد في أمثال هذه الخطابات التي هي صريحة أو كالصريحة
في عدم النشر بالعشر ولو مجتمعات، فلم يبق إلا الترجيح، وليس إلا للنفي، لصحة
السند، وكثرة العدد، ووضوح الدلالة، وشهرة العمل، والاشتمال على التعليل، وغير
ذلك. ولو سلم فلا أقل من الشك بعد تعارض الأدلة التي منها مطلقات الانبات في أن
العشر يحصل بها الانبات المحرم، والشك في الشرط شك في المشروط، واحتمال التمسك
في اثباته بالعشر بمطلق الانبات بعد فرض حصول الانبات بها عرفا يدفعه معلومية إرادة
المرتبة الخاصة من الانبات لا مطلقه، ولذا لم يحصل بما دون العشر ولو يسيرا عند الخصم،
فهو في الحقيقة مجمل لا مطلق أراد الشارع منه الاطلاق إلا ما أخرجه الدليل، كما لا يخفى
على من رزقه الله بصيرة في فهم كلماتهم عليهم السلام التي قد ينكشف بها خلاف ما تقتضيه
صناعة فن القواعد الأصولية المبنية على الغالب، فلا ريب حينئذ في أن الترجيح لنفي
التحريم بها.
(و) منه يعلم أنه (ينشر الحرمة إن بلغ خمس عشرة رضعة) ضرورة
استلزام عدم النشر بها النشر بالأكثر، وهو إما الخمس عشرة أوما فوقه أوما بينه
وبين العشر، والأخيران باطلان بالاجماع، فتعين الأول، والاجماع هنا مع وضوحه
منقول في كلام الأصحاب، فإن الشيخ في الخلاف والحلي والآبي احتجوا على الخمس
عشرة بالاجماع على التحريم، وبه صرح العلامة في المختلف والسيوري في التنقيح بأن
بطلان العشر يستلزم ثبوت الخمس عشرة، لعدم القائل بغيرهما من المحققين،
وفي المسالك ليس فيما فوق العشر ما يجوز التعويل عليه غير الخمس عشرة بالاجماع،
لكن في التقييد إشعار بوجود قول لا يعتد به، وليس القول بما دون العشر، لبطلانه
ببطلان العشر قطعا، وكأنه إشارة إلى القول بالخمسة عشر يوما، وهو كما ستعرف
قول شاذ منقوض ملحوق بالاجماع، فلا ريب في تعين الخمس عشرة، مضافا إلى
موثق زياد بن سوقة ومرسل المقنع، وقد اتضح الحال بحمد الله على وجه لم يبق
شك في المسألة (أو) شبهة.
285

كما لا شك في ثبوت التحريم لو (رضع يوما وليلة) للموثق المزبور
المعتضد بالمرسل المقنع المذكور وفتوى الطائفة قديما وحديثا، بل قد يظهر من
محكي التبيان ومجمع البيان والغنية والإيضاح وغيرها عدم الخلاف فيه، وفي الخلاف
إجماع الفرقة عليه، وفي محكي التذكرة نسبته إلى علماء الإمامية، وفي كشف اللثام
الاتفاق عليه، ومنه يعلم ما عن الفقه (1) المنسوب إلى الرضا عليه السلام " والحد الذي يحرم
به الرضاع مما عليه عمل العصابة دون كل ما روي، فإنه مختلف ما أنبت اللحم
وقوي العظم، وهو رضاع ثلاثة أيام متواليات، أو عشر رضعات متواليات محررات
مرويات بلبن الفحل " ضرورة أنه لم نعرف بل ولا حكي عن أحد من عصابة الحق
العمل بذلك، بل لم نعثر على رواية ولو شاذة توافقه مع كثرة أخبار الباب، على
أنه لا يخفى عليك بعد ما بين العلامتين، وهذا أحد المقامات التي تشهد بعدم صحة
نسبة هذا الكتاب، مضافا إلى ما اشتمل عليه مما لا يليق بمنصب الإمامة، ومما هو
مخالف للمتواتر عن الأئمة عليهم السلام أو ما ثبت بطلانه باجماع الإمامية بل الأمة، بل
منه أيضا يعلم ما في مرسل الصدوق في الهداية عن الصادق عليه السلام (2) " يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب، ولا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن
وليس بينهن رضاع " ويحتمل انقطاع الحديث على " النسب " فيكون الباقي فتوى
مشعرة بالرواية، وعلى الأول رواية مشعرة بالفتوى، وربما حكي عن المقنع أنه قال:
" وروي (3) أنه لا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن ليس
بينهن رضاع " وبه كان يفتي شيخنا محمد بن الحسن، لكني لم أجده فيما حضرني من
نسخة المقنع، بل الموجود فيه ما سمعته من المرسل السابق.
وعلى كل حال فهذه الرواية على تقدير ثبوتها ووجود القائل بها لا تزيد على

(1) المستدرك الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
(2) المستدرك الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 وفيه " قال
النبي... "
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 15.
286

خبر مرسل غير منجبر، فلا ينهض لمعارضة مما سبق من النص والاجماع، كما
لا ينهض لمعارضتهما صحيح العلاء بن رزين (1) عن الصادق عليه السلام " سألته عن الرضاع
فقال: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة " فإنه وإن كان معتبر
السند إلا أن عمل الطائفة بخلافه، فهو من الشاذ الذي أمرنا بطرحه، وصحفه
بعض متأخري المتأخرين بالضم والتشديد أو بالكسر مع الإضافة إلى ضمير الارتضاع،
على أن المراد الرضاع في الحولين اللذين هما سن الرضاع والسنة فيه، فضلا عن خبر
الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام " لا يحرم من الرضاع إلا ما كان حولين كاملين " وخبر
عبيد بن زرارة أو زرارة (3) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن الرضاع، فقال: لا يحرم
من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين " الضعيفين المتروكين أيضا
باجماع الطائفة الممكن تأويلهما بإرادة الظرفية، ولا يأباه وصف الكاملين.
فمن الغريب توقف بعض متأخري المتأخرين في ذلك فيهما، بل أغرب منه
ميله إلى اعتبار الحولين لتعدد رواياته وتأيده بالأصل والمخالفة لمذاهب الجمهور،
إذ يمكن أن يكون مخالفا لاجماع المسلمين وللأخبار المتواترة عن الأئمة الميامين
عليهم السلام، بل يمكن أن يكون مخالفا للضرورة من الدين، كالذي عساه يظهر
من النصوص السابقة، في المجبور من اعتبار الدوام والاستمرار في تحريم الرضاع
الذي لا يخلو من تأييد للحولين، ولكن لو ساغ للفقيه التردد بكلما يجد أو الجمود
على كل ما يرد ما اخضر للفقه عود ولا قام للدين عمود، نسأل الله تعالى تنوير البصيرة
وصفاء السريرة، فإنه الرحيم المنان المتفضل الحنان ذو الفضل والاحسان.
ثم لا يخفى عليك ظهور النص والفتوى في الاكتفاء بذلك وإن لم يبلغ العدد،
ويمكن أن يكون تحديد الشارع ملاحظا فيه الوسط من الناس، فإنه كما اعترف
به في المسالك يأتي على العدد تقريبا، وهذه عادة للشارع في ضبط قوانين الشرع
في مقامات عديدة، ويكون تحقيقا في تقريب، وقد عرفت أن الأصل الانبات،

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 13.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10 - 8.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10 - 8.
287

وأنهما علامتان شرعيتان له على التحقيق الذي تقدم، فما عن الشيخ والتذكرة -
من أنهما لمن لم يضبط العدد، ومقتضاه عدم اعتبارهما مع العلم بالنقص عن العدد -
في غير محله، خصوصا بعد إطلاق النص والفتوى مع معلومية اختلاف الأطفال
في ذلك اختلافا بينا، نعم قد يقال: إن الظاهر من ملاحظة ما سمعت والعدد
ونحوهما عدم اعتبار خصوص اليوم والليلة الحقيقتين فيكفي الملفق حينئذ المقابل
لهما في المقدار مع ملاحظة الاتصال فيه مع احتمال العدم.
كما أنه لا يخفى عليك ظهورهما أيضا ولو للاطلاق في أن المراد ارتضاع
الصبي فيهما كلما يحتاج إليه، فلا ينافي ارتوائه حينئذ قبل الليلة بيسير على وجه
لم يحتج إلى الرضاع إلا بعد اتصاف الليل مثلا، ضرورة تحقق الصدق بعد عدم
اعتبار ابتداء إرضاعه من أولهما، ولا استيعابهما بالرضاع، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (يعتبر في) عدد (الرضعات المذكورة) اجتماع (قيود
ثلاثة): الأول (أن تكون الرضعة كاملة) بلا خلاف أجده فيه بيننا، للأصل
والتبادر والتصريح بها في الأخبار كما عرفت. (و) الثاني (أن تكون الرضعات
متوالية) بالمعنى الذي ستعرفه. (و) الثالث (أن يرتضع من الثدي) وأما
غير العدد من التقدير فلا يعتبر فيه اجتماع ذلك، نعم يعتبر الارتضاع من الثدي
في الثلاثة قطعا، لتوقف تحقق مسمى الارتضاع المعتبر في الجميع عليه، وأما كمالية
الرضعة فقد عرفت عدم اعتبارها في الانبات، ضرورة إمكان تحققه بالناقصة إذا بقي
على ذلك مدة، كما عرفت.
وقول الصادق عليه السلام في مرسل ابن أبي عمير (1) " الرضاع الذي ينبت اللحم
والدم هو الذي يرضع حتى يتملأ ويتضلع وينتهي نفسه " كخبر ابن أبي يعفور (2)
" سألته عما يحرم من الرضاع، قال: إذا رضع حتى يمتلئ بطنه، فإن ذلك ينبت
اللحم والدم، وذاك الذي يحرم " يجب حمله على إرادة بيان المنبت من حيث

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1.
288

العدد أو نحو ذلك، وإلا كان مخالفا للوجدان، نعم صرح في كشف اللثام وغيره
باعتبارها أيضا في التقدير الزماني، وهو متجه مع فرض انتفاء صدق رضاع يوم
وليلة بذلك، لكن دعوى ذلك في جميع الأفراد محل شك، كما لو فرض ارتضاع
الصبي بعض الرضعة واشتغل بلعب ونحوه حتى تحقق الفصل الطويل ثم ارتضع
رضعة كاملة، فإنه قد يمنع عدم صدق رضاع يوم وليلة فيه، ضرورة ابتناء ذلك
على العرف الذي لا يقدح فيه أمثال ذلك من تأخير وقت رضاع الصبي في الجملة،
وعدم الاكمال في الجملة ونحو ذلك مما لا ينافي الصدق عرفا على وجه الحقيقة دون
المسامحة، بل لو كان تمام الليلة أو اليوم ببعض الرضعة كفى بلا إشكال، وذلك كاف
في عدم اعتبار الكمال بالمعنى المعتبر في العدد فيه، كما هو واضح.
وأما التوالي بالمعنى الذي ستعرفه فستعرف تحقيق الحال فيه، ولعل إلى
ذلك أومأ في المسالك، حيث قال في شرح المتن: " هذه القيود الثلاثة إنما تعتبر
في الرضعات بالنسبة إلى العدد، أما غيره من التقديرين فمنها ما يعتبر فيه مطلقا،
وهو الارتضاع من الثدي، ومنها ما يعتبر في تقدير الزماني دون النشوي وهو توالي
الرضعات، فإن المعتبر في رضاع اليوم والليلة كون مجموع غذاء الولد في ذلك
الوقت من اللبن بحيث كلما احتاج إليه يجده إذ لم يبق منتفيا في الزماني إلا
الكمال، لكن في الرياض جعل القيود الثلاثة معتبرة في الزماني والعددي محتجا
عليه بما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، فلاحظ وتأمل.
ثم إنه هل المعتبر مع ذلك حصول العدد بشرائطه كيف اتفق أم يعتبر مع
صحة مزاج الولد؟ وجهان كما في المسالك، قال: " وتظهر الفائدة لو كان
مريضا ورضاعه قليل الكمية وحصول العدد المعتبر منه، بحيث كان مرتويا في جميعها
بحسب حاله، فعلى الأول يكفي ذلك في نشر الحرمة عملا باطلاق النص الشامل
له، وعلى الثاني يعتبر في الكمية مقدار ما يتناول صحيح المزاج حملا على المعهود،
والوجهان آتيان في القدر الزماني، وما وقفت فيه على شئ يعتد به " قلت: لعل
العرف في ذلك مختلف كما لا يخفى على من تأمله.
289

(و) على كل حال ف‍ (يرجع في تقدير الرضعة إلى العرف) الذي هو المرجع
في كل لفظ لم يعين له الشارع حدا مضبوطا. (وقيل): حدها (أن يروي الصبي)
مثلا (ويصدر من قبل نفسه) وكأنه في محكي التذكرة أرجع القولين إلى قول
واحد حيث قال: " إن المرجع في الكاملة إلى العرف، - ثم قال -: إذا ارتضع الصبي
وروى وقطع قطعا بينا باختياره وأعرض إعراض ممتل باللبن كان ذلك رضعة "
وهو الذي فهمه في كشف اللثام، فإنه قال: " القولان مذكوران في المبسوط، ونسب
الثاني إلى أصحابنا، وفي الخلاف قطع به، ونسب الأول إلى الشافعي، والظاهر أن
الثاني تفسير للأول، كما هو صريح التذكرة، ولا تنافيه هذه العبارة ولا عبارة المبسوط "
وقد سبقه إلى ذلك ثاني الشهيدين في المسالك قال فيها: " والقولان للشيخ، وهما في الحقيقة
قول واحد، لأن ما ذكره ثانيا مما يدل عليه العرف ولا يدل على غيره، وإنما الاختلاف
في العبارة، وقد جمع بينهما في التذكرة " ثم حكى ما سمعته عنها وقال: " فجعل
العبارتين معا حدا واحدا، وقد فصل المصنف بينهما بقيل، وكذلك العلامة في القواعد
والتحرير نظرا إلى الشك في تساويهما مفهوما، وكلام الشيخ في المبسوط ليس فيه
ما ينافي اتحادهما، لأنه قال: والمرجع في ذلك إلى العرف، لأن ما لا حد له في الشرع
ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف، غير أن أصحابنا قيدوا الرضعة بما يروى الصبي منه
ويمسك، وهذه العبارة هي مستند الجماعة في جعلهما قولين، وليست بدالة على ذلك،
وربما نزلت الحكاية بقيل على التنبيه على اختلاف العبارة في ضبطها، لا أنه قول
مستقل ".
قلت: لا يخفى ظهور ذلك والمحكي عن الخلاف في أنهما قولان مستقلان، وكأن
ثانيهما نظر إلى الخبرين المزبورين، فلا يكفي حينئذ عدم الارتواء والامتلاء والتضلع
ولو لعارض في الصبي أو عادة أو نحو ذلك بخلاف الأول، فإنه يكفي صدق الرضعة
عرفا المتحققة بحسب حال الصبي ويكون ذلك فائدة القولين، ولعل الأول
أقواهما كما هو ظاهر الأصحاب، ومقتضى القاعدة في أمثال ذلك من الألفاظ،
والخبران يمكن إرجاعهما إليه، بل لم نجد عاملا بهما على جهة مخالفة العرف،
فتأمل جيدا فإنه قد ينكشف بذلك الحال في المسألة السابقة، وهي اعتبار صحة المزاج
الذي قد عرفت الوجهين فيها، والله العالم.
290

وكيف كان فقد عرفت أن المدار على العرف، (فلو التقم) الصبي (الثدي
ثم لفظه وعاود فإن كان أعرض أولا) عن الرضاع لعدم إرادته (فهي رضعة، وإن كان
لا بنية الاعراض كالتنفس أو الالتفات إلى ملاعب) بضم الميم أو فتحها (أو الانتقال
من ثدي إلى آخر) أو غير ذلك مما يكون قرينة على عدم إكمال الأولى (كان
الكل رضعة واحدة) عرفا حينئذ، نعم قد يقال بتحقق الرضعة في الأول عرفا
بمجرد الاعراض مع عدم قرينة تدل على النقصان على إشكال.
(ولو منع) بأن قطعته المرضعة مثلا (قبل استكماله الرضعة لم يعتبر
في العدد) قطعا، لما عرفت خلافا للمحكي عن الشافعية من الوجه في تعدد الرضعات
بتعدد قطع المرضعة نظرا إلى أنه لو حلف " لا أكلت اليوم إلا أكلة واحدة "
فاستدام الأكل من أول النهار إلى آخره لم يحنث وإن أكل وقطع قطعا بينا ثم
عاد إليه حنث، وفيه أنه كفى بالعرف فارقا بين المقامين، وحينئذ لم تحتسب الرضعة
الناقصة في العدد وإن لفقت برضعة ناقصة أخرى، بل يخرجان معا عن الاعتداد
بهما في العدد.
(و) على كل حال فقد عرفت أيضا (أنه لا بد) في العدد (من توالي
الرضعات بمعنى أن المرأة الواحدة تنفرد باكمالها) من غير تحقق رضاع أخرى
(فلو رضع من واحدة بعض العدد ثم رضع من أخرى بطل حكم الأول) وإن
أكملته بعد ذلك.
(و) كذا (لو تناوب عليه عدة نساء لم تنشر الحرمة) وإن كن لرجل
واحد (ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة ولاء و) حينئذ ف‍ (لا يصير
صاحب اللبن) بذلك (مع اختلاف المرضعات أبا ولا أبوه جدا ولا المرضعة أما)
لانتفاء الشرط وهو التوالي فتنتفي الحرمة حينئذ بانتفائه بلا خلاف أجده فيه بيننا،
بل في محكي الخلاف والغنية والتذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة مضافا إلى موثق
زياد بن سوقة (1) المتقدم سابقا وإلى ما عرفت من أن الأصل الانبات والباقيان

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
291

علامتان، ومع الفصل لا يعلم إن لم نقل لا يحصل النبات والاشتداد به وحده الذي
هو المتبادر.
فمن الغريب بعد ذلك كله دغدغة صاحب المسالك في بعض أفراد ذلك، حيث
إنه بعد أن ذكر أن لاعتبار التوالي جهتين: إحداهما ما ذكره المصنف من عدم
النشر باكمال العدد من مرضعة أخرى، وذكر دعوى التذكرة الاجماع عليه،
والاستدلال له برواية زياد، قال: وهذه الرواية ناصة على المطلوب إلا أنك قد عرفت
ما في سندها من الاشكال، ولعل التعويل على الاجماع أولى على ما فيه، وقد خالف
في ذلك العامة كافة، فلم يعتبروا المرضعة بل اتحاد الفحل، والأصل وعموم أدلة
الرضاع تقتضيه، وتخصيصها باشتراط اتحاد المرضعة يحتاج إلى دليل صالح، والرواية
ليست حجة مطلقا، أما على المخالف فظاهر، وأما علينا فلضعف السند.
ومن ثم لم يعتبرها الأكثر في اشتراط كون العدد خمس عشرة، نظرا إلى
ذلك، فيبقى الاحتياج إلى تحقيق الاجماع وحجيته، وفيه ما لا يخفى، ضرورة تحقق
الاجماع وحجيته، والخبر مع أنه من قسم الموثق الذي قد فرغنا من حجيته في الأصول
معتضد بفتوى الأصحاب قديما وحديثا، معمول به فيما بينهم في المقام وغيره، فلا
ينبغي حينئذ التوقف في عدم النشر بالاكمال من عدة نساء وإن كن لفحل واحد،
وأنه لا يكون الفحل أبا ولا أحد من المرضعات أما، وربما وافقنا على ذلك بعض
العامة، نعم خالف فيه آخر منهم، فحكم بكونه أبا إذا كن لفحل واحد، لأن
جميع اللبن له، كما لو اتحدت المرضعة، والزوجات ظروف، ولا تلازم بين الأبوة
والأموة، فيمكن تحقق كل منهما بدون الآخر كما في النسب، وحينئذ فلو فرض
كون المرتضع زوجة صغيرة لصاحب اللبن انفسخ نكاحها دونهن، ولكن يحرمن
عليه لو كان ذكرا لأنهن موطوءات أبيه لا لكونهن أمهات له، كغيرهن ممن وطأ
أبوه وإن لم يكن قد رضع منهن إذا الفرض عدم رضاعه من واحدة منهن ما تستحق
به ذلك، وهو واضح، وإن كان فيه ما عرفت.
كوضوح كون المراد بالتوالي عدم الفصل بخصوص رضاع امرأة أخرى نصا
292

وفتوى، فلا يقدح الفصل بالأكل ونحوه، بل وبوجود اللبن في فمه بلا خلاف
أجده فيه، بل يظهر من المسالك وغيرها المفروغية منه، لكن قد يشكل ذلك بناء
على كون العدد كاشفا عن الانبات فيما لو كان الفصل بالأكل ونحوه على وجه يعلم
عدم الانبات بالخمس عشرة المتخللة، كما لو اتفق الفصل بين كل رضعتين مثلا
حتى أكمل الخمس عشرة رضعة، اللهم إلا أن يقال: إن العدد المزبور كاشف شرعا
وهو أدرى به، ويمكن أن يكون قد لاحظ الكشف في أغلب أفراده وجعلها علامة
دائما محافظة على ضبط الشرع.
إنما الكلام في أن القادح في التوالي مسمى رضاع امرأة أخرى أو الرضعة
الكاملة، فلا يقدح فيه حينئذ الناقصة، وجهان بل قولان، صريح القواعد الأول،
بل لعله ظاهر المصنف والمحكي من عبارة المبسوط، بل في كشف اللثام نسبته إلى
إطلاق الأصحاب، وفي المسالك ينبغي أن يكون العمل عليه، وصريح المحكي
عن التذكرة الثاني، لظهور لفظ " رضعة " في الموثق المزبور الذي هو الأصل في هذه
الأحكام في ذلك، خصوصا بعد إرادة الكاملة منها في ضمن الخمس عشرة، مع
ظهور اتحاد المراد منها فيهما، اللهم إلا أن يقال: إن المنساق من إضافتها إلى
الامرأة وإن كانت هي بمعنى " من " إرادة مصداق الرضاع منها، لكنه كما ترى،
والمناسب لاطلاق دليل الرضاع اعتبار الكاملة، فينبغي أن يكون العمل عليه وإن
كان مراعاة الاحتياط أولى، هذا كله في العدد.
وأما التقديران الآخران فليس في النصوص اعتبار التوالي بهذا المعنى فيهما،
فينبغي المدار على حصول مسماهما وعدمه، من غير فرق بين الفصل بالأكل ونحوه وبينه بالرضاع، فكل ما نافي حصول مسماها اعتبر عدمه، ولا ريب في اختلاف
الأفراد في ذلك بحسب القلة والكثرة، وتغذي الصبي وعدمه، كما هو واضح.
ثم إن الظاهر من النص والفتوى كون المراد بالتوالي عدم الفصل المزبور،
فيكفي الأصل في الحكم به مع الشك، لا أن المراد به أمر وجودي يلزمه ذلك،
فلا يكفي الأصل حينئذ في الحكم مع الشك به وإن علم حصول العدد من الامرأة،
293

لما عرفته من ظهور النص والفتوى بخلافه، مضافا إلى إطلاق الرضاع، فتأمل
جيدا.
(و) كيف كان فقد عرفت أنه (لا بد) في التقديرات الثلاثة (من
ارتضاعه) أي المرتضع (من الثدي في قول مشهور، تحقيقا لمسمى الارتضاع،
فلو وجر في حلقه أو أوصل إلى جوفه بحقنة وما شاكلها) من سعوط وتقطير
في إحليل أو ثقب من جراحة أو نحو ذلك (لم ينشر) حرمة، لعدم صدق الارتضاع،
ولخبر زرارة (1) عن الصادق عليه السلام " لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد
حولين كاملين " الذي هو نص في المطلوب وإن كان ظاهره غير مراد، فيبقى حينئذ
عموم الحل سالما بعد حرمة العمل على العلة المستنبطة، خلافا للعامة للقياس
المعلوم بطلانه عندنا بعد فرض حصول موضوعه، بل عن بعضهم الحرمة بالسعوط،
لأن الدماغ جوف للتغذي كالمعدة، أو لأن الحاصل فيه ينحدر إليها في عروق
متصلة بها.
(وكذا لو جبن فأكله جبنا) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بيننا، بل
في كشف اللثام نسبته إلى علمائنا أجمع إلا في الوجور، فاعتبره الإسكافي والشيخ
في موضع من المبسوط، مع أنه قوى المشهور في مواضع أخر، للمرسل (2) عن الصادق
عليه السلام " وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع " ولكن مع فقده شرائط الحجية
وعدم صراحته لاحتمال إرادة المنزلة في الغذاء ونحوه قد أعرض عنه الأصحاب،
ولدعوى شمول الرضاع، وهي ممنوعة، ولأن العلة في التحريم الانبات، وهو حاصل
بالوجور كالرضاع، وفيه منع كون العلة ذلك، ومنع العمل على العلة المستنبطة،
ويمكن أن يكون للرضاع مدخلية، فلا إشكال حينئذ في عدم اعتبار الوجور.
بل لا يبعد أن يكون في حكم وجور الحليب الوجور من الثدي، فإن المعتبر
هو ما كان بالتقامه الثدي وامتصاصه، كما صرح به في كشف اللثام، بل قد يشك

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.
294

في جريان حكمه بالامتصاص من غير رأس الثدي فضلا عن الامتصاص من غير الثدي
كثقب ونحوه، بل وفي جذب الصبي اللبن من الثدي بغير الفم، فتأمل.
(وكذا يجب أن يكون اللبن بحاله، فلو مزج بأن ألقي في فم الصبي
مائع) مثلا (ورضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبنا) استهلكه أم لا غالبا
أم لا (لم ينشر) إذ الرضاع وإن تحقق إلا أن المعتبر مع ذلك نصا وفتوى
وصول اللبن، بل في كشف اللثام أن ذلك هو المفهوم من الرضاع والارضاع والارتضاع،
بل فيه أيضا أن في حكمه امتزاجه بريقه كذلك كما في التذكرة، ولو لم يخرجه
عن الاسم جرى عليه الحكم ما لم يحصل مناف من جهة أخرى.
(ولو ارتضع من ثدي الميتة) تمام العدد مثلا (أو رضع بعض الرضعات)
منها (وهي حية ثم أكملها) منها (ميتة) أو أكمل الرضعة الأخيرة منها
كذلك (لم ينشر) الحرمة، لا لأن اللبن متنجس أو حرام أوليس في محل
الولادة أو نحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه، بل (لأنها خرجت بالموت عن التحاق
الأحكام) العرفية التي منها صدق كونها مرضعة " وأرضعنكم " ونحو ذلك،
(فهي) حينئذ (كالبهيمة المرضعة) التي قد عرفت عدم نشر الحرمة بين الرضيعين
منها، والنائمة والغافلة والمغمى عليها ونحوها قد خرجن بالدليل على عدم اعتبار
القصد، فيبقى اعتبار الحياة المستفاد من " أرضعنكم " وغيره بحاله، كل ذلك مع
عدم ظهور خلاف فيه، بل في كشف اللثام لا حكم للبن الميتة بالاتفاق أيضا كما
يظهر من التذكرة. (و) لكن في المتن مع ذلك (فيه تردد)، ولعله مما عرفت
ومن إطلاق أدلة الرضاع الذي يجب الخروج عنه بما عرفت، لا أقل من الشك،
والأصل الحل.
وكذا يعتبر في النشر الوصول إلى معدة الصبي الحي، فلا اعتبار بغير المعدة،
ولا بالايصال إلى معدة الميت، لعدم الامتصاص والارتضاع والاغتذاء ونبات اللحم
وشد العظم، فلو وجر حينئذ لبن للفحل في معدته لم يصر أبا له، ولا المرأة أما له،
ولا زوجته حليلة ابن، كما هو واضح.
295

(الشرط الثالث)
(أن يكون في الحولين، ويراعى ذلك في المرتضع) من حين انفصاله ولو
بتكميل المنكسر من الشهور من الخامس والعشرين على وجه يكون شهرا هلاليا
أو عدديا، ويحتمل إكماله مما يليه من الشهر وهكذا، فيجري الانكسار في الجميع
حينئذ، والتكملة حينئذ هلالية أو عددية، ولعل الأقوى الأول إن لم يكن الدليل
ظاهرا في إرادة تحقق الحولين المراد منهما أربعة وعشرون شهرا هلاليا علي وجه
يخرج المنكسر عنهما وإن لحقه الحكم، نحو ما سمعته سابقا في خيار الحيوان،
ولعل هذا هو المراد من أحد الاحتمالين في جامع المقاصد، قال " والمعتبر
في الحولين الأهلة كما في سائر أبواب الفقه، ولو انكسر الشهر الأول فاحتمالان ".
وعلى كل حال فلا خلاف معتد به في اعتبار كون الرضاع في حولي المرتضع
فلا عبرة بما بعدهما ولو في الشهر والشهرين، بل الاجماع بقسميه عليه، (لقوله)
أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عنه الصادق عليه السلام في خبر منصور بن حازم (1) وقول
الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (2) أيضا (لا رضاع بعد فطام ومعناه كما في الفقيه
أنه إذا رضع الصبي حولين كاملين ثم شرب بعد ذلك من لبن امرأة أخرى ما شرب
لم يحرم ذلك الرضاع، لأنه رضاع بعد فطام، أي بعد بلوغ سن الفطام، قال
حماد بن عثمان (3): " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لارضاع بعد فطام، قال: قلت:
جعلت فداك وما الفطام؟ قال: الحولان اللذان قال الله عز وجل " وبذلك يعلم
المراد من قوله عليه السلام في صحيح البقباق (4): " الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم "
لا أن المراد منه اعتبار عدم فطامه قبل الحولين أيضا كما عن الحسن بن أبي عقيل،
وإلا كان

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 - 2 - 5 - 4
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 - 2 - 5 - 4
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 - 2 - 5 - 4
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 - 2 - 5 - 4
296

المحكي عنه اعتبار الفطام ويمكن إرادته سن الفطام، فلا خلاف حينئذ في نشره
الحرمة فيهما وإن فطم الصبي.
إلا أنه مع ذلك فالانصاف عدم خلو اعتبار ذلك عن قوة إن لم يقم إجماع،
ضرورة كونه هو مقتضي قواعد الجمع بين الاطلاق والتقييد، وأصالة التأسيس
وظهور الفطام في الفعلي منه لا سنه، بل استعماله فيه مجاز، بل في الكافي في تفسير
قوله صلى الله عليه وآله: " لا رضاع - إلى آخره - أن الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما يفطم
لا يحرم ذلك الرضاع التناكح " نعم ما عن الإسكافي من النشر بالرضاع بعد الحولين
إذا لم يفطم مناف لصريح النص والفتوى، بل الاجماع بقسميه، مع أنه لا دليل
عليه إلا الاطلاق والمفهوم اللذين يجب الخروج عنهما بما عرفت، وخبر داود بن
الحصين (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " الرضاع بعد حولين قبل أن يفطم يحرم " الضعيف بلا
جابر، أو الموثق الموهون بما عرفت الذي رماه في التهذيب بالشذوذ، وحمله فيه
وفي الاستبصار على التقية، بل يمكن حمله على الحولين من ولادتها بناء على عدم
اعتبار ذلك في التحريم، (و) الأمر في ذلك سهل.
إنما الكلام في أنه (هل يراعى) ذلك أيضا (في ولد المرضعة الأصح)
عند المصنف وابن إدريس والفاضل في غير المختلف والشهيدين وفخر الاسلام
والكركي وغيرهم بل ربما نسب إلى الأكثر (أنه لا يعتبر) للعموم، خلافا
للتقي وابني زهرة وحمزة، بل في الغنية الاجماع عليه، للأصل وإطلاق " لا رضاع
بعد فطام " (2) وأخبار الحولين (3) ولأن ابن فضال (4) سأل ابن بكير في المسجد
فقال: " ما تقولون في امرأة أرضعت غلاما سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من
سنتين حتى تمت السنتان؟ أيفسد ذلك بينهما؟ قال: لا يفسد ذلك بينهما، لأنه رضاع بعد
فطام، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا رضاع بعد فطام، أي أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية
فقد خرج من حد اللبن، ولا يفسد بينه وبين من شرب من لبنه، قال: وأصحابنا يقولون:

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 - 1 - 6.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 - 1 - 6.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 و 5 و 8
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 - 1 - 6.
297

إنها لا تفسد إلا أن يكون الصبي والصبية مما يشربان شربة شربة " وربما
حكي عن ظاهر التهذيبين الموافقة على هذا التفسير، وأجيب بمنع الاجماع، بل
في كشف اللثام وغيره أنه ادعى الاجماع على خلافه، وأن الظاهر فطام المرتضع
والحولين من سنه، لأنه المبحوث عنه، لا ولد المرضعة، لعدم مدخليته في البحث
ليكون الكلام فيه، والأصل يجب الخروج عنه باطلاق الأدلة فضلا عن غيره،
وفهم ابن بكير الناشئ عن اجتهاد غير حجة وإن كان من أصحاب الاجماع، هذا.
ولكن قد يقال: إنه لا شهرة محققة على عدم اعتبار ذلك، فإنه في كشف اللثام
قد اعترف باجمال عبارة الشيخين وكثير، كما أنه في محكي المختلف حكي الاطلاق
عن أكثر المتقدمين أو الاجماع.
قال في المقنعة: " وليس يحرم النكاح من الرضاع إلا ما كان في الحولين قبل
الكمال، فأما ما حصل بعد الحولين فإنه ليس برضاع يحرم به النكاح قال رسول الله
صلى الله عليه وآله (1): " لا رضاع بعد فطام، ولا يتم بعد احتلام، ولو أرضعت
امرأة صبيا قد أكمل سنتين وكانت لها بنت جاز التناكح بينهما، إذ هو رضاع بعد
انقضاء أيامه وحده على ما وصفناه ".
وقال في محكي النهاية: " وينبغي أن يكون الرضاع في مدة الحولين، فإن
حصل الرضاع بعد الحولين سواء كان قبل الفطام أو بعده قليلا كان أو كثيرا فإنه
لا يحرم ".
وفي محكي المبسوط بعد أن ذكر عدم العبرة برضاع الكبير خلافا لعائشة
قال: " الرضاع لا حكم له إلا ما كان في الحولين، فإن رضع بعضه في الحولين وبعضه
خارج عن الحولين لم ينشر الحرمة، ولا فرق بين أن يكون مفتقرا إلى شربه
أو مستغنيا ".
وكذا في محكي الخلاف، فإنه بعد أن ذكر مسألة الكبير قال: " مسألة
المعتبر في الرضاع المحرم ينبغي أن يكون في مدة الحولين، فإن وقع بعضه

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 12.
298

في المدة وبعضه خارجا عنها لم يحرم ".
وفي محكي المراسم " المحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل
بينها برضاع أخرى، وأن يكون اللبن لبعل واحد، وأن يكون الرضاع في الحولين،
ولهذا تقول: إنه متى رضع أقل من العشر لم يحرم، أو رضع بعد الحولين لم يحرم "
إلى غير ذلك من عباراتهم التي لا ظهور فيها بإرادة حولي المرتضع خاصة، بل يمكن
دعوى ظهورها في حولي الولادة مع ذلك، لأنه هو مقتضي التعريف في الحولين
المشار به إلى ما في الآية (1) المعلوم إرادتهما منها، بل من ذلك يظهر دلالة خبر
حماد بن عثمان عليه أيضا، بل ليس في تفسير الفقيه للخبر المزبور منافاة لما ذكره
ابن بكير، لأنه ذكر بعض الأفراد في مقابلة العامة الذين يحرمون برضاع الكبير،
بل لعل ملاحظة ما في المبسوط والخلاف وذكرهما المسألتين مستقلتين أي رضاع
الكبير ومدة الرضاع يشهد لما ذكره ابن بكير.
على أنه لو نزل كلام الأصحاب على إرادة حولي المرتضع خاصة يكون لا حد
عندهم لمدة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة، فإنه يبقى رضاعها مؤثرا ولو سنين
متعددة، وهو مع إشكاله في نفسه لكونه حينئذ كالدر مناف لعادتهم من عدم
إهمال مثل ذلك، خصوصا بعد أن تعرض له العامة، فإنهم قد اختلفوا في تحديد
مدة الرضاع، فذهب جماعة إلى أنها حولان لقوله تعالى (2): " والوالدات " إلى آخره
فدل على أن الحولين تمام مدتها، فإذا انقضت فقد انقطع حكمها، وهو قول
سفيان الثوري، والأوزاعي و الشافعي وأحمد وإسحاق والمروي عن عمرو بن مسعود
وأبي هريرة وأم سلمة، وعن مالك أنه جعل حكم الزيادة على الحولين إذا كان
يسيرا حكم الحولين، وقال أبو حنيفة: مدة الرضاع ثلاثون شهرا لقوله تعالى (3):
" وحمله وفصاله " إلى آخره وفيه أنه لأقل مدة الحمل وأكثر مدة الرضاع، لأن
الفصال الفطام، وقال بعضهم: مدة الرضاع ثلاث سنين، إلى غير ذلك من الشواهد

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(3) سورة الأحقاف: 46 - الآية 15.
299

الكثيرة، لما ذكره، ابن بكير، نعم قد ينافيه موثق داود بن الحصين (1) بناء على
تفسيره بما سمعت، ولكن قد عرفت شذوذه.
وكيف كان (فلو مضى لولدها أكثر من حولين ثم أرضعت من له دون
الحولين نشر الحرمة) على القول الأول، ولم ينشر على الثاني (ولو رضع العدد
إلا رضعة فتم الحولان ثم أكمله بعدهما لم ينشر الحرمة) على القولين، لتحقق
الفطام في المرتضع والولادة (وكذا لو كمل الحولان ولم يرو من الأخيرة) ضرورة
عدم صدق تمام العدد فيهما أيضا (و) هو واضح. نعم (ينشر) على الأول
(إذا تمت الرضعة مع تمام الحولين) للمرتضع وعليهما إذا تمت بتمام الحولين له
ولولد المرضعة، لا طلاق أدلة الرضاع، واختصاص النفي بما بعد الفطام الذي
هو الحولان، لكن قد ينافي ذلك ما في صحيح البقباق (2) من كون الرضاع قبل
الحولين الذي لا يصدق مع التمام، بل هو مقيد لاطلاق المفهوم السابق، اللهم إلا أن
يراد منه قبل تجاوز الحولين لا قبل تمامهما، فلا يكون منافيا، ولعل ذلك أقوى
ولو لفهم الأصحاب المؤيد باطلاق الرضاع، وصدق كونه في الحولين الذي هو معقد
الاجماع المحكي، نعم عن غاية المراد " يعتبر في نشر الحرمة في الرضاع أن يكون
المرتضع دون الحولين طول مدة الرضاع إجماعا، وخلاف ابن الجنيد حيث نشر
الحرمة بعد الحولين ما لم يتخلل فطام ضعيف، لسبق الاجماع وتأخره " إلى آخره،
ويمكن أن يريد بقرينة ما حكاه عن ابن الجنيد بدون الحولين ما لا ينافي المقارنة،
والله العالم.
ولو جهل الحال فلم يعلم كونه في الحولين أو في غيرهما ففي القواعد وجامع
المقاصد الحكم بالحل من غير فرق بين العلم بتاريخ أحدهما وعدمه، ولعله لقاعدة
أن الشك في الشرط شك في المشروط، فيبقى أصل الإباحة بحاله، ولما عرفته منا
مكررا من عدم الحكم بالاقتران مع تعارض الأصلين وجهل التاريخ، بل هو حادث
والأصل عدمه، ولا بتأخر المجهول عن المعلوم كما حررناه في محله، وحينئذ فأصل

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 - 4.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 - 4.
300

الحل مرجح على أصل البقاء في الحولين الذي هو غير صالح لا ثبات كون الرضاع
فيهما، بل ظاهرهما كون الحكم كذلك حتى في حال الارتضاع مع الشك في زمن
الولادة، ولعله كذلك، فتأمل.
(الشرط الرابع)
(أن يكون اللبن لفحل واحد ف‍) لا حرمة بين المرتضع وأمه وأبيه فضلا
عن غيرهم مع كون القدر المحرم من اللبن لفحلين، لشبهة، أو مفارقة للأول وتزويج
للثاني، وبقاء الولد متغذيا في أثناء العدد بأكل أو وجور ونحوهما مما عرفت عدم
قدح تخلله بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل موثق زياد بن
سوقة (1) وغيره دال عليه بل يمكن القطع به من النص والفتوى كالقطع منهما بأن
المرأة مثلا (لو أرضعت بلبن فحل واحد مئة حرم بعضهم على بعض، وكذا لو نكح
الفحل عشرا وأرضعت كل واحدة واحدا أو أكثر) القدر المحرم (حرم التناكح
بينهم جميعا) إجماعا ونصوصا، وهو المراد مما اشتهر قديما من كون اللبن
للفحل، قال عبد الله بن سنان (2): " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لبن الفحل، فقال:
هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام " وقال
سماعة (3): " سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كل واحدة منهما غلاما
فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس أينبغي لابنه أن يتزوج
بهذه الجارية؟ فقال: لا، لأنها أرضعت بلبن الشيخ " وقال البزنطي: " سألت
أبا الحسن عليه السلام عن امرأة أرضعت جارية ولزوجها ابن من غيرها أيحل للغلام
ابن زوجها أن يتزوج الجارية التي أرضعت؟ فقال: اللبن للفحل " وروى مالك بن
عطية (5) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " في الرجل يتزوج المرأة فتلد منه ثم ترضع

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 - 6 - 7 - 13.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 - 6 - 7 - 13.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 - 6 - 7 - 13.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 - 6 - 7 - 13.
301

من لبنها جارية أيصلح لولده من غيرها أن يتزوج تلك الجارية التي أرضعتها؟
قال: لا، هي بمنزلة الأخت من الرضاعة، لأن اللبن لفحل واحد " وقال صفوان (1)
" قلت للعبد الصالح عليه السلام: أرضعت أمي جارية بلبني، قال: هي أختك من الرضاعة،
قال: قلت: فيحل لأخي من أمي لم ترضعها بلبنه، يعني ليس لهذا البطن ولكن
لبطن آخر، قال: والفحل واحد؟ قلت: نعم هو أخي لأبي وأمي، قال: اللبن
للفحل، صار أبوك أباها وأمك أمها " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن العبرة
بلبن الفحل.
ولا ينافي ذلك قوله عليه السلام في خبر أبي بصير (2) " في رجل تزوج امرأة فولدت
منه جارية، ثم ماتت المرأة فتزوج أخرى فولدت منه ولدا، ثم إنها أرضعت
من لبنها غلاما، أيحل لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوج ابنة المرأة التي
كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ قال: ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع
من لبنه " فإن نفي المحبة ليس صريحا في عدم الحرمة، فيمكن أن يراد منه ما لا ينافيها،
خصوصا بعد ما عرفت من النصوص المعتضدة بالفتاوى وعمومات الرضاع، ولعل
هذا التعبير منه عليه السلام تقية ممن لا يحرم عنده لبن الفحل من العامة، كعروة بن
الزبير و عبد الله بن الزبير وإسماعيل بن علية وداود الإصبهاني، ويروى أيضا عن سعيد بن
المسيب وأبي مسلم بن عبد الرحمان وسليمان بن يسار وإبراهيم.
وعلى كل حال فلا إشكال في الحرمة مع اتحاد لبن الفحل على الوجه الذي
عرفته، كما لا شك في عدمها مع عدمه على الوجه الذي سمعت، بل هو بهذا المعنى
شرط في أصل الحرمة بالرضاع على قياس الشرائط السابقة له.
أما مع تعدده (و) لو مع اتحاد المرضعة كما (لو أرضعت اثنين) مثلا

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3 عن أبي الحسن
عليه السلام والكليني رواه في الكافي ج 5 ص 439 عنه عليه السلام وفي ص 444 عن العبد
الصالح عليه السلام.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.
302

(بلبن فحلين) الرضاع المحرم (لم يحرم أحدهما على الآخر) على المشهور
بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل عن المبسوط والسرائر والتذكرة
وغيرها الاجماع عليه، لعدم اتحاد الفحل، فهو حينئذ شرط لخصوص الحرمة
بين المتراضعين، لا أصل الرضاع، فإنه يحرم بالنسبة إلى المرضعة، وكل من
الفحلين بالنسبة إلى لبنه، كما هو واضح، قال العجلي (1) في الصحيح أو الحسن
" سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل (2) وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله
نسبا وصهرا فقال: إن الله عز وجل خلق آدم من الماء العذب وخلق زوجته من
سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه، فجرى بذلك الضلع سبب ونسب، ثم زوجها إياه،
فجرى بسبب ذلك بينهما صهر، وذلك قول الله عز وجل: نسبا وصهرا فالنسب
يا أخا بني عجل ما كان من سبب الرجال، والصهر ما كان من سبب النساء، قال:
فقلت له: أرأيت قول النبي صلى الله عليه وآله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسر لي ذلك،
فقال: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام،
فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله، وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها
واحدا بعد واحد من جارية أو غلام فإن ذلك رضاع ليس بارضاع الذي قال
رسول الله صلى الله عليه وآله يحرم من الرضاع لا يحرم من النسب، وإنما هو من سبب ناحية
الصهر رضاع ولا يحرم شيئا، وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة، فيحرم "
وقال الساباطي (3) في الموثق " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام رضع من امرأة يحل
له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ قال: فقال: لا قد رضعتا من لبن فحل
واحد من امرأة واحدة، قال: قلت: فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة، قال: فقال:
لا بأس بذلك، إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام،
فاختلف الفحلان، فلا بأس " وقال الحلبي (4) في الصحيح " سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) ذكر ذيله في الوسائل في الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1
وتمامه في الكافي ج 5 ص 442.
(2) سورة الفرقان: 25 - الآية 54.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 3.
303

عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضا؟
فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا تحل،
وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك ".
وبها معتضدة بما عرفت يخص عموم قوله صلى الله عليه وآله (1): " يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب " خلافا للطبرسي، فاكتفى في الحرمة بالاشتراك بالأمومة للعموم
السابق، وخبر محمد بن عبيدة الهمداني (2) قال: " قال الرضا عليه السلام: ما يقول أصحابك
في الرضاع؟ قال: قلت: كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنه
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك، قال: فقال لي: وذلك
لأن أمير المؤمنين سألني عنها البارحة، فقال لي: اشرح لي اللبن للفحل، وأنا
أكره الكلام، فقال لي: كما أنت حتى أسألك عنها، ما قلت في رجل كانت له
أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا؟ أليس كل شئ من
ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرم على ذلك الغلام؟ قال: قلت: بلى،
قال: فقال أبو الحسن عليه السلام: فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل
الأمهات، وإنما حرم الله الرضاع من قبل الأمهات وإن كان لبن الفحل أيضا
يحرم ".
وفيه أن هذه الرواية قاصرة عن معارضة ما سمعت من وجوه منها هجرها،
كما نبه عليه المصنف بقوله: (وفيه رواية أخرى مهجورة) مع إمكان حملها
على أن الرضاع من قبل الأم يحرم من ينسب إليها من جهة الولادة دون الرضاع،
إذ لا اشكال (و) لا خلاف في أنه (تحرم أولاد هذه المرضعة نسبا) مثلا (على
المرتضع منها) وإن لم يكن بلبن فحلهم، لعموم " يحرم من الرضاع ما يحرم
من النسب " (3) السالم عن المعارض، وإنما يشترط اتحاد الفحل بين المتراضعين

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 9.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
304

الأجنبيين منها، وربما يومئ إلى ذلك ظهور الخبر في حرمة الأولاد النسبيين للفحل،
أو يحمل على التقية، فإنه مذهب العامة، كما حكاه عنهم في محكي السرائر قال
فيها: " إن كان لأمه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع فهي أخته لأمه
عند المخالفين لا يجوز أن يتزوجها، وقال أصحابنا الإمامية بأجمعهم: يحل له
تزويجها، لأن الفحل غير الأب، وبهذا فسروا قول الأئمة عليهم السلام في ظاهر النصوص،
وألفاظها المتواترة " اللبن للفحل " يريدون لبن فحل واحد، بل لعل قوله عليه السلام
في الخبر المزبور: " كانوا يقولون " إلى آخره ظاهر في معلومية الحال بين الشيعة ".
وما أبعد ما بين قول الطبرسي وبين ما اعتبره العلامة من اتحاد الفحل في نشر
الحرمة من الرضاع، من عدم اختصاصه بين الرضيعين الأجنبيين من امرأة، بل
اعتبره في كلما كان الرضاع من الطرفين منشأ للحرمة، ومن هنا قال في القواعد:
" لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ولا أختها منه ولا عمتها منه ولا
خالتها ولا بنات أخيها ولا بنات أختها وإن حرمن بالنسب، لعدم اتحاد الفحل ".
وأغرب من ذلك موافقة المحقق الثاني له، فإنه قال في شرح هذه العبارة:
" أطبق الأصحاب على أن حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين إلا إذا كان اللبن
لفحل واحد - إلى أن قال -: فعلى هذا لو كان لمن أرضعت صبيا أم من الرضاع
لم تحرم تلك الأم على الصبي، لأن نسبتها إليه بالجدودة إنما يتحصل من رضاعه
من مرضعته ورضاع مرضعته منها، ومعلوم أن اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد،
فلا تثبت الجدودة بين المرتضع والأم المذكورة، لانتفاء الشرط، فينتفي التحريم،
ومن هذا يعلم أن أختها من الرضاع وعمتها منه وخالتها منه لا يحرمن وإن حرمن
من النسب، لما قلناه من عدم اتحاد الفحل، ولو كان المرتضع أنثى لم يحرم عليه أبو المرضعة
من الرضاع، ولا أخوها منه، ولا عمها منه، ولا خالها منه، لمثل ما قلناه، قيل:
عموم قوله صلى الله عليه وآله " يحرم " إلى آخره يقتضي التحريم هنا، وأيضا فإنهم قد أطلقوا
على مرضعة المرضعة أنها أم وعلى المرتضعة بلبن أبي المرضعة أنها أخت فتكون
الأولى جدة والثانية خالة، فيندرجان في عموم المحرم للجدة والخالة، وكذا
305

البواقي قلنا: الدليل الدال على اعتبار اتحاد الفحل خاص، فلا حجة في العام حينئذ،
وأما الاطلاق المذكور فلا اعتبار به مع فقد الشرط، فإنهم أطلقوا على المرتضع أنه
ابن للمرضعة، وعلى المرتضعة منها بلبن فحل آخر أنها بنت لها أيضا، ولم يحكموا
بالأخوة المثمرة للتحريم بين الابن والبنت، لعدم اتحاد الفحل ".
وفيه أن العمدة في الشرط المزبور ما مر من خبري الحلبي وعمار، وهما قد نصا
على حرمة أخت المرضعة للأب، فيعلم أن المراد منه اشتراطه في الإخوة بالنسبة
إلى المرتضعين الأجنبيين من امرأة واحدة في سائر المراتب، من غير فرق بين
الخالات والأخوال والأعمام والعمات، فإن الإخوة على الوجه المزبور ملحوظة
في الجميع، فاتحاد الفحل شرط في تحققها، لا كل ما كان حرمته من الرضاع
وإن كان ربما يوهمه ذيل خبر العجلي، لكنه ليس كذلك نصا وفتوى، فيبقى
حينئذ ما عداها على عموم قوله عليه السلام " يحرم من الرضاع " إلى آخره، ضرورة عدم
التلازم بين اعتبار اتحاد الفحل في تحقق الأخوة المحرمة وإن كانا معا ولدين
للمرضعة بالرضاع، وبين اعتباره في الجدة والعمة ونحوهما، على أنه يمكن أن يكون
المراد بلبن الفحولة المستفاد من خبر العجلي الذي يكون منشأ وهم العلامة ما كان
له أثر في المرتضع ولو بواسطة مرضعته وإن علت ما لم يتخلل فصل باختلاف فحلين،
كالأخت الرضاعية من طرف الأم التي نصت الرواية على حليتها، فإنهما وإن
اشتركا في لبن الجدودة إلا أنهما اختلفا في لبن الفحولة من طرف الأب الذي
هو أقرب تأثيرا، وحينئذ يتحقق في الفرض اتحاد الفحل بهذا المعنى، ويتجه
التحريم. وعلى كل حال فلا ريب في سهو قلمهما الشريف في ذلك، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (يستحب) لمن استرضع وليا كان أو غيره (أن يختار
للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة) قال الباقر عليه السلام (1) قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: " لا تسترضعوا الحمقاء العمشاء فإن اللبن يعدى وإن الغلام
ينزع إلى اللبن، يعني إلى الظئر في الرعونة والحمق " وقال الصادق عليه السلام (2) " كان

(1) الوسائل الباب - 78 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 78 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 3.
306

أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا تسترضعوا الحمقاء، فإن اللبن يغلب الطباع، وقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تسترضعوا الحمقاء فإن الولد يشب عليه " وقال عليه السلام (1) أيضا
" قال أمير المؤمنين عليه السلام: انظروا من ترضع أولادكم، فإن الولد يشب عليه " وقال
محمد بن مروان (2) " قال لي أبو جعفر عليه السلام: استرضع لولدك بلبن الحسان وإياك
والقباح، فإن اللبن يعدى " وقال أيضا في خبر زرارة (3): " عليكم بالوضاء من
الظؤرة، فإن اللبن يعدى " إلى غير ذلك من النصوص المستفاد منها رجحان اختيار
الزائد من الأوصاف الحسنة على المذكورة ومرجوحية اختيار أضدادها في الخلق
والخلق.
(و) من هنا قال المصنف وغيره: إنه (لا) ينبغي أن (تسترضع
الكافرة) لما عرفت، ولفحوى قول الباقر عليه السلام في حسن ابن المسلم (4): " لبن
اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلي من ولد الزنا " ومنه يستفاد الجواز
اختيارا، مضافا إلى الأصل وخبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (5) سأل الصادق عليه السلام
" هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهودية والنصرانية والمشركة؟ قال: لا بأس وقال:
امنعوهن من شرب الخمر " فلا تقدح نجاسة اللبن حينئذ.
(و) لكن لا ريب أن الأولى عدمه إلا (مع الاضطرار)، بل الذي ينبغي
معه أن (تسترضع الذمية ويمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير) قال
عبد الله بن هلال (6): " سألت الصادق عليه السلام عن مظائرة المجوسي، قال: لا، ولكن
أهل الكتاب " وقال (7): " إذا أرضعن، لكم فامنعوهن من شرب الخمر " وقال:
أيضا في خبر سعيد بن يسار (8): " لا تسترضع للصبي المجوسية، وتسترضع له
اليهودية والنصرانية، ولا يشربن الخمر ويمنعن من ذلك " وقال الحلبي (9)
" سألته عن رجل دفع ولده إلى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها
أو ترضعه في بيته، قال: ترضعه لك اليهودية والنصرانية في بيتك وتمنعها من شرب

(1) الوسائل الباب - 78 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 79 - من أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 79 - من أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 76 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 5 - 3.
(5) الوسائل الباب - 76 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 5 - 3.
(6) الوسائل الباب - 76 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 5 - 3.
(7) الوسائل الباب - 76 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1 - 6.
(8) الوسائل الباب - 76 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1 - 6.
(9) الوسائل الباب - 76 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1 - 6.
307

الخمر وما لا يحل مثل لحم الخنزير، ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهن، والزانية
لا ترضع ولدك، فإنه لا يحل لك، والمجوسية لا ترضع ولدك إلا أن تضطر إليها "
وربما كان ظاهر النص والفتوى الوجوب تعبدا أو شرطا في جواز الاسترضاع، فليستأجرها
مشترطا عليها ذلك إن لم تكن أمة له كي يتوجه له المنع، بل في كشف
اللثام احتمال جوازه مطلقا من باب النهي عن المنكر، إذ لا فرق في التكليف بين المسلم
وغيره وإن كان فيه أنه خارج عما نحن فيه، كما أنه يقوى عدم الوجوب، ويمنع
من أصله، للأصل والاطلاق وانسياق الندب في هذه النصوص المبتني ذلك فيها
على المحافظة على طيب اللبن الذي قد عرفت تأثيره في الصبي.
(و) كيف كان فيستفاد من خبر الحلبي المزبور: أنه (يكره أن يسلم إليها
الولد لتحمله إلى منزلها) مضافا إلى عدم أمانتها عليه وربما سقته مسكرا أو أطعمته
لحم خنزير.
كما أن منه (و) من غيره يستفاد أنه (تتأكد الكراهة في ارتضاع
المجوسية و) أنه (يكره أن يسترضع من ولادتها من زنا و) سأل علي بن
جعفر (1) أخاه موسى عليه السلام " عن امرأة زنت هل يصلح أن تسترضع؟ قال: لا يصلح،
ولا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا " نعم (روي) بعدة طرق أنه (إن أحلها مولاها
فعلها) إذا كانت أمة (طاب لبنها وزالت الكراهية) قال إسحاق بن عمار (2):
" سألت أبا الحسن عليه السلام عن غلام لي وثب على جارية لي فأحبلها فولدت واحتجنا
إلى لبنها فإن أحللت لهما ما صنعا أيطيب لبنها؟ قال: نعم " وروى هشام بن سالم
وجميل بن دراج وسعد بن أبي خلف (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في امرأة الرجل
يكون لها الخادم قد فجرت فتحتاج إلى لبنها، قال: مرها فلتحللها يطيب اللبن "
وفي مرسل جميل (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل كانت له مملوكة فولدت من
فجور، فكره مولاها أن ترضع له مخافة أن لا يكون ذلك جائزا له، فقال أبو عبد الله
عليه السلام: فحلل خادمك من ذلك حتى يطيب اللبن ". (و) لكن مع ذلك قال

(1) الوسائل الباب - 75 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 75 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 3.
(3) الوسائل الباب - 75 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 3.
(4) الوسائل الباب - 39 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
308

المصنف: (هو شاذ مستبعدا تأثير التحليل فيما وقع ومضى محرما، وكأنه
اجتهاد في مقابلة النص، وربما حملت على الفضولي الذي تعقبته الإجازة، ولا بأس
به وإن بعد في بعض ألفاظها، بل لا بأس بحمله على تأثير الإذن في التحليل وإن
تأخر في الاخراج عن الزنا شبيه الإذن في بعض أفعال المعاملة، كالقبض ونحوه،
وهذا كله في النظر في شروط الرضاع.
(وأما أحكامه ف‍ (فيه (مسائل: الأولى إذا حصل الرضاع المحرم)
وهو ما اجتمعت فيه الشروط السابقة (انتشرت الحرمة من المرضعة وفحلها إلى
المرتضع) نفسه ونسله (ومنه إليهما ف‍) صار هو وما تولد منه ابنا لهما
و (صارت المرضعة له أما و) صار (الفحل) الذي هو صاحب اللبن (أبا
وآباؤهما) من الذكور والإناث (أجدادا وجدات وأولاد) كل من‍ (هما)
من المرضعة أو غيرها والفحل أو غيره (إخوة) وأخوات (وإخوتهما أخوالا)
وخالات (وأعماما) وعمات بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل الظاهر اتفاق
أهل الاسلام جميعا عليه إلا من لا يعتد به من العامة الذين قصروا الحرمة على
الأمهات وأخوات خاصة جمودا على ما في الآية (1) وهو معلوم البطلان خصوصا
بعد تواتر قوله صلى الله عليه وآله (2) " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " المراد منه على
الظاهر أن كلما يحرم من النسب يحرم نظيره في الرضاع، فيشمل حينئذ المحرم
من جهة النسب والمحرم من جهة المصاهرة بعد وجود سببها نحوها في النسب،
فالبنات والأمهات والأخوات العمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت منه
نحوها من النسب في الحرمة، وكذا حليلة الابن الرضاعي ومنكوحة الأب الرضاعي
وأم الزوجة الرضاعية والجمع بين الأختين الرضاعيتين ونحو ذلك كلها يستفاد
تحريمها منه مضافا إلى النسبيات.
نعم ينبغي ملاحظة خصوص أسماء المحرمات في إثبات الحرمة من جهة
الرضاع، وكشف ذلك أن من الواضح البين عدم مدخلية للشارع في تحقيق موضوعات
النسب من الأبوة والأمومة والعمومة والخؤولة ونحوها، بل هي ليست إلا كغيرها

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
309

من الألفاظ التي مرجعها إلى اللغة والعرف، وإنما جاء من الشارع أحكام رتبها
عليها في النكاح وغيره، فالمحرمات السبع وما حرم بالمصاهرة منها من حليلة
الابن ومنكوحة الأب وأم الزوجة ونحو ذلك لا مدخلية للشارع في تحقيق أسمائها
كما هو واضح، وكذلك لا مدخلية له أيضا فيما حصل بالرضاع من العلقة التي هو
قال فيها: " إنها لحمة كلحمة النسب " (1) ولم يعهد من الشارع تحديد للأم
من الرضاعة ولا الأخت منه ولا غيرها، بل هو لغة وعرفا وشرعا كحال ألفاظ
النسب مرجعه إلى اللغة والعرف، فالأم من الرضاعة والأب منه والأخ منه مثلا
وهكذا يرجع فيها إليهما على حسب الرجوع إليهما في أسماء النسب، وقوله صلى الله عليه وآله:
" يحرم من الرضاع " إلى آخره ليس فيه إلا بيان ما يحرم بالرضاع، أي كل
شخص من أشخاص المحرم مما كان موضوعه اسما من أسماء النسب، نظيره مما
هو مسمى باسمه من الرضاع محرم، من غير فرق بين موضوع المحرم في النسب
والمصاهرة وغيرهما، فيكون المقصود منه بيان ما يحرم به لا بيان كيفية علقته
وكيفية تأثيره بالنسبة إلى ما يرجع إلى موضوع الحكم مما ليس هو وظيفة
الشرع.
وبذلك كله اتضح لك ما ذكره غير واحد من الأصحاب من قصر نشر الحرمة
في الرضاع بين الأب الرضاعي والأم الرضاعية والمرتضع دون غيرهم من أصول
المرضع، وذلك لانحصار عنوان ما يحرم من النسب فيهم، ضرورة كون الأب
في النسب وإن علا يحرم عليه كلما تولد منه من الإناث ولو بوسائط، فكذلك يحرم
على الأب الرضاعي كلما تولد منه كذلك، والأم النسبية وإن علت يحرم عليها كل
ما تولد ولو بوسائط فكذلك الأم الرضاعية، وهكذا في كل عنوان من أسماء النسب
التي جعلت موضوعا للحل والحرمة في مصاهرة وغيرها يجري في نحو ذلك العنوان

(1) لم نعثر على هذه الرواية مع التتبع في مظانها وإنما الموجود بهذا السياق
قوله صلى الله عليه وآله: " الولاء لحمة كلحمة النسب " وقد رواه في الوسائل في الباب - 42 -
من كتاب العتق الحديث 2 و 6 نعم ذكر السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ذيل الآية 23
من سورة النساء " الرضاع لحمة... " ولا أعلم أنه هل أخذه من كتب الحديث أو من الكتب
الفقهية كالجواهر وأمثاله.
310

من الرضاع، وليس شئ منها موجودا في أصول المرتضع وفروع أصوله النسبيين،
نعم هي متحققة في فروعه خاصة ومن هنا كان نشر الحرمة مقصورا في الثلاثة وعام
للمحرم من حيث النسب ومن حيث المصاهرة، وتحريمه في الأخيرة على حسب
تحريمها في النسب، لأنه إنما يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فلا بأس حينئذ
للفحل أن ينكح أخت المرتضع نسبا وإن كانت هي أخت ولده، ضرورة عدم كونها
بنتا رضاعية ولا ربيبة كذلك عرفا، والمحرم في النسب منها البنت والربيبة،
ومثلهما من الرضاع يحرم عليه، وأما أخت الولد التي هي قدر مشترك غير موجود
في الخارج في غير الفردين المذكورين اللذين قلنا بحرمة مثلهما من الرضاع، فليس
من عنوان المحرم في النسب كي يتجه تحريمه بعد فرض انحصار المحرم في الشريعة
في البنت والربيبة من النسب والرضاع، والفرض أنها ليست منهما في العرف واللغة،
ودعوى أنها بنت من الرضاعة شرعا له باعتبار ارتضاع أخيها بلبنه واضحة الفساد،
للقطع بعدم علقة عند الشارع للرضاع غير العلقة العرفية التابعة للنسبية التي أومأ
إليها رب العزة بعد ذكره المحرمات من النسب بقوله تعالى (1): " وأمهاتكم من
الرضاعة وأخواتكم " مكتفيا عن غيرهما بقياسها على أسماء المحرم في نسب
أو مصاهرة من العمة والخالة فيها وحليلة الابن ومنكوحة الأب وأم الزوجة وهكذا.
وقد ظهر لك من ذلك أن قوله صلى الله عليه وآله (2): " يحرم من الرضاع " إلى آخره
المتفق عليه بين المسلمين، بل الظاهر تواتره عند الفريقين من جوامع الكلم التي
قد أوتيت للنبي صلى الله عليه وآله، ومن الكلام الذي قد اختصر له اختصارا، كما أنه قد ظهر
لك عدم احتياجه إلى بيان من يحرم عليه بالرضاع ضرورة صراحته في أن موضوع
المحرم به هو موضوع المحرم بالنسب، والمحرم عليه فيه محرم عليه فيه، وبالجملة
هو هو لكن مع ضم اسم الرضاع ولفظه إلى اسم المحرم بدونه، فنقول بدل تحريم الأخت
من النسب تحريم الأخت من الرضاعة، والبنت كذلك، وهكذا في حليلة الابن ومنكوحة
الأب، والجمع بين الأختين وغير ذلك مما هو من أسماء النسب تضيف إليه لفظ

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
311

" من الرضاع " ويبقى الحكم بحاله من الحل والحرمة والمحلل له والمحرم عليه،
فلا تغيير لعبارة تحريم النسب بشئ إلا بزيادة لفظ " من الرضاعة " إلى موضوع
التحريم الذي هو اسم من أسماء النسب، فإن ذلك هو المعيار والمدار، فكل شئ
أردت معرفته من الرضاع تنظر إلى شخص عنوان حرمته في النسب، وتضيف إليه
من الرضاعة وتحكم بالحرمة.
ولا يشتبه عليك أن المراد بنشر الرضاع الحرمة في المصاهرة أنه يحدث مصاهرة
بمعنى أن الأجنبية لو أرضعت ولدك مثلا صارت بمنزلة زوجتك، فتحرم أمها،
لأنها من أمهات نسائكم، كما توهمه جماعة، بل المراد من نشره ذلك على حسب
النشر في النسب، أي لا بد من وجود سبب المصاهرة وهو النكاح، نعم الرضاع جعل
الأم لها في الرضاعة بمنزلة الأم من النسب في الحرمة التي تسبب فيهما معا عن النكاح،
وكذلك منكوحة الأب الرضاعي والابن الرضاعي والجمع بين الأختين من الرضاعة.
وبالجملة الرضاع يوجد العقلة النسبية ويتبعها التحريم بالنسب أو بالمصاهرة،
لا أنه يوجد المصاهرة، ضرورة عدم اقتضاء الدليل، بل ظاهر الأدلة خلافه،
بل يمكن تحصيل الاجماع أو الضرورة على ذلك إلا ما دل عليه دليل بخصوصه
لا يتعدى منه إلى غيره كما ستعرف.
فظهر لك أن المدار على عنوان النسب الذي صار موضوعا للمحرم
في مصاهرة أو غيرها لا نظائره، فلا يشتبه عليك ذلك بما ينتزع من ألفاظ الأقدار
المشتركة مما هي ليست من أشخاص عنوان المحرم في النسب، كما وقع فيه
جملة من الأعاظم وارتطم عليهم الأمر حتى وقع منهم تحريم جملة مما أحله الله
غفلة عن حقيقة الحال.
بل لا يحتاج إلى ما في التذكرة من استثناء أربع صور من ضابط " يحرم
من الرضاع " إلى آخره، حيث قال: " يحرم في النسب أربع نسوة قد يحرمن
في الرضاع وقد لا يحرمن: الأولى أم الأخ في النسب حرام، لأنها إما أم أو زوجة
أب، وأما في الرضاع فإن كانت كذلك حرمت أيضا، وإن لم تكن كذلك لم تحرم،
كما لو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم. الثانية أم ولد الولد حرام، لأنها
312

إما بنته أو زوجته ابنه، وفي الرضاع قد لا تكون إحداهما، مثل أن ترضع الأجنبية
ابن الابن، فإنها أم ولد الولد، وليست حراما. الثالثة جدة الولد في النسب حرام، لأنها
إما أمك أو أم زوجتك، وفي الرضاع قد لا تكون كذلك كما إذا أرضعت أجنبية
ولدك، فإن أمها جدته وليست بأمك ولا أم زوجتك. الرابعة أخت ولدك في النسب
حرام عليك، لأنها إما بنتك أو ربيبتك، وإذا أرضعت أجنبية ولدك فبنتها أخت
وليست ببنت ولا ربيبة ". ضرورة عدم كون شئ منها عنوانا للمحرم في الشرع، بل
موضوع المحرم في الأولى من النسب الأم ومنكوحة الأب، ومثلهما في الرضاع
حرام أيضا لا أم الأخ كي يحتاج إلى استثناء فرد من نظيره في الرضاع. وفي الثانية
البنت وحليلة الابن ومثلهما من الرضاع كذلك لا أم ولد الولد كي يحتاج إلى
ما ذكر. وفي الثالثة الأم وأم الامرأة، ومثلهما في الرضاع ثابت لا جدة الولد.
وفي الرابعة البنت والربيبة، ومثلهما في الرضاع ثابت لا أخت الولد الذي هو لفظ
منتزع للقدر المشترك، إلا أنه اتفق انحصار أفراده في النسب في المحرم بخلافه
في الرضاع، وليس هو مما جعله الشارع عنوانا للمحرم، اللهم إلا أن يريد العلامة
بهذا الاستثناء الذي هو في الأصل لبعض العامة اختصاص خروج الرضاع عن النسب
حتى في ألفاظ لوازم النسب الاتفاقية في هذه الألفاظ الأربعة، بمعنى أنه ليس هناك
لفظ ولو للازم النسب ينفرد به عن نظير له في الرضاع إلا هذه الألفاظ، لكن ذلك
على فرض تماميته ليس له كثير فائدة.
وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا ما أطنب به القائلون بعموم المنزلة،
خصوصا جدي الفاضل المتبحر الآخوند الملا أبو الحسن الشريف في رسالته الرضاعية،
بل ويظهر لك أيضا جملة مما ذكره السيد الداماد في رسالته التي عملها في هذه
المسألة، وتسمع إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك.
313

كما أنه قد ظهر لك الوجه في
المسألة (الثانية)
وهي (كل من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على هذا
المرتضع)، لأنهم إخوة من الأب والأم أو من الأب، والأخوات من عنوان
المحرم بالنسب فيحرم مثله في الرضاع، (وكذا كل من ينسب إلى المرضعة
بالبنوة ولادة) لكونهم إخوة من الأم، فيحرمون وبنيهم (وإن نزلوا) عليه
(ولا يحرم عليه من ينسب إليها بالبنوة رضاعا) من غير لبن فحله وإن كان هو
أخا من أم، لما عرفت من صراحة النصوص (1) في اعتبار اتحاد الفحل في الحرمة،
فيختص هذا الفرد بالخروج من عموم قوله صلى الله عليه وآله (2): " يحرم " إلى آخره، خلافا
للطبرسي كما تقدم الكلام فيه مفصلا، وهل يحرم عليه نسل الإخوة من الأم نسبا
ورضاعا بمعنى المرتضع بلبن الأخ من الأم؟ الظاهر ذلك، لعموم الخبر واختصاص
الاشتراط في المرتضعين من امرأة واحدة كما سمعت البحث فيه مفصلا، والله
العالم.
المسألة (الثالثة)
(لا ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ولا رضاعا ولا في أولاد
زوجته المرضعة ولادة) لا رضاعا (لأنهم صاروا في حكم ولده) كما
في النص (3) وفاقا للشيخ في غير المبسوط وابني حمزة وإدريس، بل نسبه بعضهم

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
314

إلى الشهرة، بل ربما ادعي الاجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة كصحيح ابن
مهزيار (1) قال: " سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه السلام إن امرأة أرضعت
لي صبيا، فهل يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما أجود ما سألت، من
ها هنا يؤتي أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن
الفحل لا غير، فقلت له: إن الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي هي ابنة غيرها،
فقال: لو كن عشر متفرقات ما حل لك منهن شئ، وكن في موضع بناتك " وصحيح
الحميري (2) قال: " كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام امرأة أرضعت
ولدا لرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع عليه السلام
لا تحل له " وصحيح أيوب بن نوح قال (3): " كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن
عليه السلام امرأة أرضعت بعض ولدي أيجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام
لا يجوز ذلك، لأن ولدها صار بمنزلة ولدك " والمناقشة - بأن ولدها وولد الفحل
لم يكونوا بالرضاع إلا إخوة ولده، وهم غير محرمي النسب، ضرورة اشتراك ذلك
بينه وبين الربائب المتوقف حرمتهم على الدخول بأمهم وليس، وقد عرفت أن الرضاع
إنما يحرم ما يحرم بالنسب خاصة، لا الأعم منه ومن المصاهرة المتوقف تحريمها
في النسب على سبب آخر وهو النكاح فضلا عن الرضاع - كأنها من الاجتهاد في مقابلة
النص، فما عساه يظهر من المبسوط والقاضي بل وابن فهد من الحل في الجميع
في غير محله.
ومن الغريب ما عن الآبي من الحل، وأنه المشهور، لكن المحكي من عبارته
أنه قال: " لا شبهة أن أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا لا تحرم على أبي المرتضع،
لقولهم عليهم السلام: " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " وهذا لا يحرم في النسب فلا يحرم
في الرضاع، لكن ذهب الشيخ في الخلاف والنهاية إلى تحريم ذلك تمسكا برواية
علي بن مهزيار ورواية أيوب بن نوح، وما أعرف في هذه المسألة مخالفا، فهي
مشهورة بين الأصحاب، وعليها العمل " ويمكن أن يريد بنفي الشبهة عن اقتضاء

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 1.
315

القواعد ذلك وإن خرجنا عنها بالنصوص، كما عساه يشهد له التعبير بالأشبه
المعروف إرادة ما ذكرناه منه في نسخة قديمة، وحينئذ فيكون عدم معرفته الخلاف
بالنسبة إلى التحريم الذي نقله عن الشيخ وأتباعه، لا كما توهمه بعضهم منه من العكس،
وأن المراد نفي معرفته من غير الشيخ وأتباعه، فإن أستاده المحقق وقبله ابن إدريس
مصرحان بالحرمة، فالمسألة حينئذ لا ريب فيها، وكان الوجه في تخصيص ولد المرضعة
بالنسبي دون الفحل عدم حرمة الرضاعي منها على ولده الذي هو المنشأ في التحريم
عليه، لما عرفت من اعتبار اتحاد الفحل بخلاف صاحب اللبن، فإن جميع أولاده
يحرمون على المرتضع نسبا ورضاعا كما تقدم، مضافا إلى ما أشار إليه خبر عيسى
من أن المنشأ في التحريم لبن الفحل الذي هو مشترك بين الرضاعي والنسبي، بل
قد لا يشرب النسبي منه، فلا إشكال في الحكم حينئذ.
ومن الغريب تردد بعض متأخري المتأخرين في أصل الحرمة، بعد ما
سمعت من النصوص المعتبرة المعتضدة بالعمل والاحتياط، وأصالة الحرمة في وجه
السالمة عن معارضة ما عدا الأصل المقطوع بعد تسليمه وما عدا ما يفهم من نصوص
الرضاع من كون عنوان المحرم منه ما يحرم من النسب، والفرض عدمه في المقام كما
عرفت الذي يمكن منع دلالتها على الحصر في ذلك. فلا تنافي حينئذ بينها وبين
أدلة المقام، ومع التسليم - بل لعله الظاهر المنساق منها، خصوصا بعد ذكرها
في مقام التحديد والبيان - يجب تخصيصها بما هنا، كما هو مقتضى القواعد،
لا حملها على الكراهة البعيدة عن سياقها، خصوصا خبر ابن مهزيار منها.
(و) إنما الكلام في أنه (هل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا
اللبن في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها؟ قيل) والقائل الشيخ في الخلاف والنهاية:
(لا) يجوز، بل عن الأول منهما الاجماع عليه، لاستلزام صيرورتهم أولادا
لأبيهم الأخوة بينهم، بل الحرمة بينهم من مقتضى حكم إطلاق المنزلة.
(و) لكن مع ذلك (الوجه الجواز) وفاقا للمحكي عن الأكثر، للأصل بعد
منع الاجماع المزبور، بل المحكي عنه نفسه في المبسوط الحكم بالجواز، ومن هنا
316

احتمل في إجماعه أنه على التحريم على الأب أو على المنزلة في الجملة، بل قيل: إنه
لا خلاف في الجواز، لرجوعه عن الحرمة فيهما إلى الجواز في المبسوط المتأخر عنهما،
كما أن المحكي عن الشهيد في بعض تحقيقاته من الحرمة أما أنا لم نتحققه قد
رجع عنه في اللمعة التي هي آخر ما صنف، فقطع بالجواز، ومنع استلزام التنزيل
المزبور ذلك، ضرورة إمكان كون المراد منه ذلك بالنسبة إلى التحريم على الأب،
بل لعله المنساق منه، خصوصا خبر ابن مهزيار منها، بل المنساق من كل علة
لحكم أنها علة للحكم الذي سيقت له، على أن منصوص العلة بناء على حجيته
في غير محل العلة يراد منه تسرية الحكم في كل موضوع وجدت فيه العلة، نحو
" حرمت الخمر لاسكاره " المقتضي لحرمة كل مسكر، ومقتضى ذلك الحرمة في كلما
صاروا في حكم ولده، لا الحرمة بالنسبة إلى أولاده، ضرورة عدم كون ذلك من مفاد
العلة، بل هو قسم من مستنبط العلة بتقريب أنهم إذا صاروا بحكم ولده استلزم
ذلك صيرورة ولده إخوة لهم، فيحرم نكاحهم فيهم.
بل تعدى بعض هؤلاء المتوهمين، وقال: إن ولد الفحل والمرضعة ما حرموا على
أبي المرتضع إلا لصيرورتهم إخوة ولده، وهم في النسب منحصرون في الأولاد والربائب،
فيحرمون في الرضاع، ومقتضى ذلك التحريم بالرضاع لكل امرأة صارت بمنزلة
امرأة محرمة نسبا أو مصاهرة وإن لم يوجد سببها، فتحرم أم المرضعة على أب
المرتضع، لصيرورتها بمنزلة أم الزوجة باعتبار كونها جدة ولده، بل ربما صرح
بعض هؤلاء بحرمة أختها عليه، وحينئذ فإذا أرضعت ولده أخت زوجته حرمت امرأته
عليه، بل صرح بعض هؤلاء في رسالته بنشر الحرمة أيضا من الفحل وأولاده في آباء
المرتضع وأولادهم إذ كما حرم على أبي المرتضع لكونهم بمنزلة ولده باعتبار أخوتهم
لولده كذلك بالنسبة إلى الفحل وأولاده، ضرورة صيرورة المرتضع ولدا له بالرضاع،
فيكون إخوته بمنزلة الولد له على حسب ما سمعته في أب المرتضع، فيحرمون
عليه، وهكذا بالنسبة إلى جداته من طرف الأب والأم على حسب العموم في أب
المرتضع.
317

وبالجملة متى ارتضع المرتضعان من امرأة واحدة ولبن فحل واحد انعقدت
الأخوة بينهما وبين إخوة كل منهما، وانتشرت الحرمة فيهم وفي الآباء النسبيين
والرضاعيين، ومن غير فرق بين المصاهرة والنسب.
بل وقفت على بعض الرسائل المعمولة في هذه المسألة، فرأيت فيها أمورا
عجيبة وأشياء غريبة يقطع من له أدنى نظر بخروجها عن المذهب أو الدين، حتى
التزم فيها حرمة كل امرأة أرضعت أولاد بعض المحرمات نسبا أو رضاعا، لصيرورتها
بالرضاع بمنزلة تلك المحرمات، فمرضعة ابن العمة عمة وابن الخالة خالة وهكذا،
بل مقتضى ما ذكروه في رسائلهم حرمة بنات عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميعهن بسبب
رضاعه مع عمه حمزة عند امرأة واحدة بلبن فحل واحد، فإنه بذلك صار أخا له،
واستلزم ذلك إخوة النبي لجميع إخوة حمزة، فلا يجوز له نكاح أحد من بنات
عمه، وهو مخالف لصريح قوله تعالى (1): " إنا أحللنا لك أزواجك - إلى قوله -
وبنات عمك وبنات عماتك " ولمفاخرة الصادق أو الباقر عليهما السلام مع الرشيد في تزويج
النبي صلى الله عليه وآله منه لو خطب منه كريمته (2) وهي مشهورة معروفة، بل مخالف لصريح
موثق يونس بن يعقوب (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أرضعتني وأرضعت
صبيا معي ولذلك الصبي أخ من أبيه وأمه فيحل لي أن أتزوج ابنته؟ قال: لا بأس "
بل هو مناف لموثق إسحاق بن عمار (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تزوج أخت
أخيه من الرضاع، فقال: ما أحب أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة " ضرورة
ظهورها في الكراهة، فلا بد من حملها على إرادة الأخت من الرضاعة لأخيه
من النسب، بمعنى أن أخاه النسبي قد ارتضع من امرأة، ولها بنت من أبيه الرضاعي
أو من غيره، فإنه يحل لأخيه النسبي نكاح هذه البنت وإن كانت أختا لأخيه ومحرمة

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 3 وفيه أن موسى بن
جعفر عليهما السلام قال للرشيد، ولا يخفى أن الصادقين عليهما السلام لم يكونا في عهد الرشيد.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 3 - 2.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 3 - 2.
318

عليه، لكن لا يحرم مثله من النسب، فبالرضاع أولى، أو أن المراد لو ارتضع صبي
معي من لبني فصار أخي من الرضاعة وله أخت من النسب، فإنه يحل لي أن أتزوجها
على كراهة لما عرفت، لا أن المراد الأعم من ذلك ومن الأخت التي ارتضعت بلبني
مثلا مع أخي، فإنها حرام لكونها أختا من الرضاعة، لا أخت أخ، إذا المراد
بها كل من ارتضع بلبنك سواء كانت معك أو لا.
فمن الغريب ما وقع لجدي في رسالته من الاستدلال بهذا الموثق على التحريم
مدعيا أنه المراد من قوله عليه السلام " ما أحب " وإلا لزم حلية خلاف المعلوم مما
عرفت، فيحمل على العموم، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت، ومن الغريب
حمله الموثق الأول في رسالته أيضا على التقية أو على عدم اتحاد الفحل، فإنه لم
نعرف الداعي إلى هذا الحمل.
وأغرب من ذلك دعوى هؤلاء أن الأصحاب جميعهم على هذا التعميم، مع أنا
لم نقف لهم على شئ من ذلك سوى ما عرفته من حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد
صاحب اللبن ولادة ورضاعا وفي أولاد المرضعة ولادة لظاهر النصوص السابقة، مع أن
جماعة حملوها على الكراهة ونفوا التحريم اقتصارا على اختصاص حرمة الرضاع
بما يحرم من النسب، وهو جيد لولا النصوص المزبورة التي لا يخفى ظهور قوله عليه السلام
في خبر ابن مهزيار (1): " هذا هو لبن الفحل لا غير " وقوله عليه السلام: " حرمت عليه
من قبل لبن الفحل " في اختصاصها بالاستثناء، وأنها من المسائل التي يصاب الناس
فيها، أي العامة، حيث اقتصروا في التحريم على ما يحرم من النسب، وليس هذه المسألة
منه، كما هو واضح بأدنى تدبر للخبر المزبور، أو يراد مطلق الناس على معنى أنه
يتأتى قول الناس أي يصح، لأن هذا لبن الفحل، أو غير ذلك مما هو مذكور
في الوافي وغيره.
بل المتجه بناء على ما ذكرناه الاقتصار على مفادها ومفاد الفتاوى،
فلا يتعدى إلى أمهات الفحل، ولا إلى أخواته وغيرها، وكذا المرضعة، بل لا يبعد

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
319

جواز نكاح أم المرتضع في أولاد صاحب اللبن وفي أولاد المرضعة، لأن صيرورتهم
بحكم الأولاد لأبي المرتضع لا يقتضي ذلك بالنسبة إلى أم المرتضع إلا بالقياس
الممنوع عندنا، نعم لا يبعد إرادة الأب وإن علا للمرتضع مع احتمال الاقتصار، كما
لا يبعد إلحاق الأب الرضاعي للنسبي في الحرمة.
وسوى ما عن الخلاف والنهاية والوسيلة من حرمة أولاده في أولاد الفحل
والمرضعة، للتعليل بأن أولادهما بحكم أولاده، وهو يقتضي كونهم بمنزلة الإخوة
للمرتضع لأبيه، وهو ممنوع، فإن الربيبة بمنزلة الولد في الحرمة على الأب، ولا
تحرم على أولاده من غير تلك الامرأة، والتعليل للحرمة فيما سيق له من الحرمة
على الأب كما عرفت الكلام فيه مفصلا.
وسوى ما عن الشيخ في الخلاف والنهاية من حرمة نكاح الفحل في إخوة
المرتضع، بل عن ابن إدريس موافقته على ذلك، مع شدة منافاة المحكي عنه
في غير ذلك للتعميم المزبور، بل قال: " إنه هو الذي يقتضيه مذهبنا لأنه لا يجوز
في النسب أن يتزوج الرجل بأخت ابنه ولا بأم امرأته فكذا في الرضاع " بل ظاهر
المحقق الثاني في الرسالة الموافقة على ذلك مع شدة إنكاره على هذا التعميم، لكن
قال هنا: " الظاهر عدم الفرق بين بنات الفحل بالنسبة إلى أبي المرتضع وأخوات
المرتضع بالنسبة إلى الفحل نظرا إلى العلة المذكورة في الحديثين، فإن كانا حجة
وجب التمسك بمقتضى العلة المنصوصة، وإلا انتفى التحريم في المقامين " وفيه أن
ذلك ليس من مقتضى العلة وإنما هو نظيرها، ضرورة اقتضائها صيرورة أولاد الفحل
والمرضعة أولادا لأبي المرتضع، لا الأعم من ذلك ومن العكس، على أن أخت الولد
ليس من عنوان النسب، لأن حرمتها لكونها بنتا أو ربيبة دخل بأمها، والرضاع
لا يؤثر مصاهرة، وخروج ذلك عن القاعدة بالنسبة إلى أبي المرتضع لا يقتضي الخروج
بالنسبة إلى الفحل. فمن الغريب ما وقع للمحقق الثاني من الحكم هنا بالتحريم
لما عرفت، مع نهاية محافظته عن الوقوع في القياس، حتى أنه أنكر على العلامة
320

والشهيد وغيرهم في المسألة الآتية.
وسوى ما عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس أيضا من حرمة نكاح الفحل أم
أم المرتضع، لحرمة ذلك في النسب فيحرم مثله في الرضاع، ولظهور خبر ابن
مهزيار (1) فيه، بل هو ظاهر الفاضل في المختلف، فإنه بعد أن حكي عن المبسوط
الجواز قال: " وهو وإن كان قويا إلا أن رواية ابن مهزيار على خلافه، فإن الإمام عليه السلام حكم فيها بتحريم أخت الابن من الرضاع وجعلها بمنزلة البنت، ولا ريب
أن أخت الابن إنما تحرم بالنسب لو كانت بنتا والسبب لو كانت بنت زوجة،
فالتحريم هنا باعتبار المصاهرة، وجعل الرضاع كالنسب في ذلك، فيكون في أم الأم
كذلك قال: ولولا هذه الرواية لقلت بقول الشيخ رحمه الله " ونحوه محكي
عن الشهيد في النكت، ثم قال: " وليس هذا قياسا لأنه تنبيه بجزئي من كلي على
حكم الكلي ".
وفيه أن ذلك من القياس المنهي عنه، ضرورة صدق تعريفه عليه، إذ ليس هو
إلا تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع، لظن علة متحدة فيهما، والأصل فيما
ذكره هو أخت الولد من الرضاع، والفرع هو جدة الولد منه، والحكم المطلوب
تعديته هو التحريم الثابت بالأصل في النص، وما يظن كونه علة التحريم هو كون
أخت الولد من الرضاع في موضع من يحرم من النسب، أعني البنت النسبية، وهذا
بعينه قائم في جدة الولد من الرضاع، فإنها في موضع جدته من النسب، بل لعل ذلك
أسوء حالا من القياس الذي قد عرفت أنه تعدية الحكم من جزئي إلى آخر، لاشتراكهما
فيما يظن كونه علة للحكم، وهو رحمه الله قد حاول تعدية الحكم من الجزئي إلى
الكلي ونبه على العلة وثبوتها في أول كلامه، وأغرب في عبارته فسمى ذلك تنبيها
على الحكم، ونفى عنه اسم القياس.
وكأن الذي أوقع بعض متأخري المتأخرين في الوهم هو صدور مثل ذلك
من الشهيد وبعض عبارات الخلاف والتذكرة الظاهرة في الاجماع على بعض ما يوافق

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
321

التعميم المزبور، إلا أنه مع احتمال كون المراد منها غير ذلك ورجوعهما
(ورجوعهم خ ل) عن ذلك في باقي مصنفاتهم واضطراب كلماتهم في المسائل الأربعة التي
قد عرفت البحث فيها لا ينبغي الاقدام في هذه المسائل على أمثال ذلك التي هي ليست
مظنة الاجماع، بل يمكن دعواه بالعكس.
بل يظهر من غير واحد من الأساطين المفروغية من حكم ما ذكره المصنف
بقوله: (أما لو أرضعت امرأة ابنا لقوم وبنتا لآخرين جاز أن ينكح إخوة كل
واحد منهما في إخوة الآخر، لأنه لا نسب بينهم ولا رضاع) مع أن مقتضى كلام
أهل عموم المنزلة بل هو صريح بعضهم التحريم، بدعوى أن الاشتراك في الرضاع
يعقد الأخوة بين المرتضعين وبين من كان في طبقتهما من الأخوة والأخوات، كما
أنه ينشر التحريم في أصولهما وفروعهما، وبالجملة صار الجميع إخوة وإن تعدد
آباؤهم وأمهاتهم.
لكنه كما ترى، بل هو من الفساد بمكانة، خصوصا بعد الإحاطة بجميع
ما ذكرناه الذي منه يعلم عدم الحرمة فيما حكاه المحقق الثاني في رسالته عن بعضهم،
وصرح سبطه الداماد في رسالته بكثير منها. وهي حرمة نكاح المرضعة بلبن
فحلها التي هي في حباله حين الارضاع أخاها أو أختها لأبويها أو أحدهما، أو ولد
أخيها أو ولد أختها أو ولد ولدها، أو عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها، أو ولد عمها
أو عمتها أو ولد خالها أو ولد خالتها، أو أخ زوجها أو أخته، أو ولد ولد الزوج أو ولد أخ
الزوج، أو عم الزوج أو عمته أو خال الزوج أو خالته، أو المرضعة بلبنه ولد
ولد الزوجة الأخرى.
ضرورة عدم المقتضي للتحريم في شئ من ذلك بعد أن عرفت انحصاره عندنا
فيما يساوق النسب عرفا، وفي نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة
ورضاعا، وأولاد المرضعة، إذا الأولى إنما صارت أخت الولد من الرضاع، وليس
هي من عنوان المحرم في النسب، نعم هي تحرم إذا كانت بنتا أو ربيبة قد دخل
بأمها، وهي ليست كذلك لا نسبا ولا رضاعا لغة وعرفا، والثانية عمة الولد منه،
322

وليست هي أيضا من عنوانه، وإنما المحرم منها ما كانت أختا نسبا أو رضاعا،
وهي ليست كذلك قطعا، والثالثة إنما تحرم للجمع بينها وبين أختها، وذلك منتف،
والرابعة جدة ولده من الرضاعة، وهي ليست أيضا من عنوان النسب وإنما تحرم إذا
كانت أما نسبا أو رضاعا أو أم زوجة كذلك، وهي ليست كذلك قطعا لغة ولا عرفا،
خلافا لمن عرفت من غير أهل التنزيل إذ هذه إحدى المسائل الثلاث السابقة، الخامسة
والسادسة بنت أخ ولد صاحب اللبن أو بنت أخت ولده، وهما ليسا من عنوان
النسب، بل إنما يحرمان بكونهما بنت الابن أو بنت ابن الزوجة المدخول بها،
وهما ليسا كذلك، والسابعة والثامنة بنت عم ولده أو عمته أو بنت ابن خال ولده
أو خالته، وهي ليست من عنوان النسب، وكذلك أم الأخ وأم ولد الولد وأم ولد الأخ
وأم العم والعمة والخال والخالة، بل ما كان منها مندرجا في عنوان النسب حرم مثله
في الرضاع، وما كان متوقفا منها على نكاح أب أو ولد توقفت الحرمة على حصول سببه
في النسب والرضاع، على أن بعض هذه الصور مما لا تندرج في محرم ولو على التعميم
المزبور، مثل ما إذا أرضعت ولد أخ زوجها إذ هي أم ولده من الرضاع وأم ولد أخيه
من النسب، ولا يحرم شئ منهما عليه.
وفي رسالة السيد الداماد الفرق بين رضاعها ولد عمها وولد عمتها، فتحرم على
زوجها بالأول دون الثاني وكذا ولد الخال وولد الخالة، قال: " لأن الزوج يصير
أبا لولد عمها من الرضاعة، وأبوه نسبا محرم عليها، فكذا رضاعا، فهو حينئذ بمنزلة
عمها، بخلاف ولد العمة، فإن الزوج يكون بمنزلة زوج عمتها، وهو غير محرم
عليها، وكذا الكلام في ابن الخال والخالة " قلت: قد يقال على طريقتهم: إنها
تكون في الأول بمنزلة عمة ولده لقيامها مقام أمه النسبية والفرض أنها عمة فتحرم
عليه، لصيرورتها بمنزلة أخته، وكذا إذا أرضعت ابن خالتها تكون خالة ولده،
فتصير حينئذ أختا لزوجته، فتحرم عليه جمعا.
وبالجملة من لاحظ رسالة الداماد قضى منها العجب، وعلم انتهاء الوهم
والاشتباه في العلماء، بل وكذا رسالة جدي المرحوم المبرور الآخوند الملا أبي الحسن
323

الشريف وإن كان بين الرسالتين بون عظيم، فإنه إن كان لأهل هذا القول كلام يمكن
أن يقال فهو ما ذكره فيها، لا ما ذكره السيد في رسالته، فإنه شئ لا ينبغي نسبته
إلى أصاغر الطلبة فضلا عن العلماء.
نعم ينبغي الاحتياط في المسائل الثلاث التي قد سمعت كلام الأصحاب فيها
واضطرابه في حكمها، حتى أنه حكى عن الشيخ الاجماع في بعضها، وعن العلامة
أيضا لكن من أحاط خبرا بغير ذلك من كلماتهم عرف الصحيح منها من الفاسد، وما
هو مظنة الاجماع ومظنة خلافه، وما نشأ من الاشتباه بين القياس الجائز والممتنع،
وما نشأ من اشتباه إطلاق المنزلة بالعموم اللغوي، وعدم الفرق بين ما سيقت العلة له
وغيره، كما لا يخفى على من له أدنى تأمل وتدبر. والله هو العالم الهادي.
المسألة (الرابعة)
لا إشكال ولا خلاف في أن (الرضاع المحرم يمنع من النكاح سابقا ويبطله لاحقا)
للقطع بعدم الفرق بين الابتداء والاستدامة في ذلك، كما تطابقت عليه النصوص (1)
والفتاوى من الخاصة، بل والعامة، وحينئذ (فلو تزوج) مثلا (رضيعة فأرضعتها
من يفسد نكاح الصغيرة برضاعها كأمه) فتكون أخته، وزوجته فتكون بنته،
(وجدته) فتكون عمته أو خالته، (وأخته) فتكون بنت أخت، (وزوجة
الأب) فتكون أختا لأبيه، (وزوجة الأخ) فتكون بنت أخيه (إذا كان
لبن المرضعة منهما) وإلا كانت ربيبة لهما، فلا يحرم نكاحها عليه (فسد النكاح)
قطعا لما عرفت، وللنصوص الدالة على مطلق الحكم المزبور التي ستسمعها في المسألة
الآتية، إنما الكلام في المهر الذي أوجبه العقد (ف‍) نقول: (إن انفردت المرتضعة
بالارتضاع مثل أن سعت إليها فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة سقط مهرها

(1) الوسائل الباب 1 و 10 و 14 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
324

لبطلان العقد الذي باعتبار) استدامت‍ (ه يثبت) استدامة استحقاق (المهر)
بل كل عقد يتعقبه الفسخ والانفساخ من طرف أو طرفين يبطل تسبيبه، ومنه الإقالة
والخيار في البيع المقتضيين رد الثمن إلى المشتري والمبيع إلى البائع، بل ذلك روح البطلان
الذي هو كالصحة المستلزم حصولها في طرف ثبوتها في الطرف الآخر، ومن هنا لم يذكر
أحد في المقام وجها لثبوت المهر.
نعم عن التذكرة إن السقوط أقوى، ولعله يؤذن باحتمال عدم السقوط،
ووجهه في المسالك بأن المهر وجب بالعقد، والأصل يقتضي استمراره إلى أن يدل
دليل على خلافه، ولا نص عليه هنا، والرضيعة لا قصد لها، فكان فعلها بمنزلة
عدمه، فيحتمل حينئذ أن يثبت لها نصف المهر، لأنها فرقة قبل الدخول كالطلاق، وهو
أحد وجهي الشافعية، ويضعف بأنها قياس لا نقول به، فإما أن يثبت الجميع لما
ذكره، أو يسقط الجميع من حيث استناده إليها، وكيف كان فالمذهب السقوط.
قلت: لما عرفت - بل لعل ذلك هو ظاهر الحكم بالفساد في النصوص السابقة من
غير تعقيبه بشئ، ضرورة استلزام فساد العقد رد كل عوض إلى صاحبه، وليس هذا
كالموت الذي ليس هو من فواسخ عقد النكاح ومبطلاته، بل حاله كحال تلف المبيع
في يد المشتري، وأما الطلاق بعد الدخول فمع أنه ليس من الفواسخ بل هو إيقاع
رب عليه الشارع أضداد الصحة - يمكن أن يقال إنه حيث كان بعد الدخول الذي
هو سبب استقرار المهر سنة (1) وكتابا (2) لم يؤثر فسخا حينئذ إلا بالنسبة
إلى البضع، ولعله لأن معوض المهر الانتفاع بالبضع ولو آنا، ضرورة عدم مدة
معلومة له كي يوزع المهر عليها. نعم كان مقتضى ذلك عدم استحقاق شئ مع الطلاق
قبل الدخول، لكن ثبت النصف لدليل خاص، كما هو واضح.
(و) من ذلك يعلم الحال فيما (لو تولت المرضعة إرضاعها مختارة)
وقد سمى لها مهرا وإن (قيل) كما عن المبسوط وجماعة: إنه (كان للصغيرة

(1) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 24.
325

نصف المهر، لأنه فسخ حصل قبل الدخول، ولم يسقط) المهر (لأنه ليس من)
قبل (الزوجة) فأشبه الطلاق حينئذ، لكنه كما ترى لا يخرج عن القياس المحرم
ومن هنا قيل بوجوب الجميع عليه، لوجوبه بالعقد، فيستصحب إلى أن يثبت
المزيل، والتنصيف إنما ثبت بالطلاق، إلا أنه أيضا لا يخلو من نظر، لما عرفته سابقا
من لزوم صدق انفساخ العقد وبطلانه، وفساده لبطلان ما ترتب عليه، بل هو معنى
البطلان المقابل للصحة في المعاملة، بل هي ظاهرة، في مدخلية الاستدامة وإلا
لم يتصور معنى للانفساخ والفساد والبطلان، كما هو واضح بأدنى تأمل، فإن لم ينعقد
إجماع كان المتجه السقوط، كما في الأولى التي لم يكن لفعلها الذي كفعل البهائم
مدخلية في السقوط، ولو قيس بتلف الأموال كان المتجه ضمانها له مهر المثل،
لا سقوط المسمى الذي قد يوافقه وقد يخالفه.
ومن ذلك يظهر لك الحال فيمن لم يسم لها مهر، فإنه لا ريب في كون المتجه
الانفساخ وعدم ثبوت شئ لها، ضرورة انحصار ثبوت المتعة لها بالقياس على الطلاق،
وهو محرم عندنا، كضرورة انحصار إثبات مهر المثل لها أو نصفه بالقول بغير علم
أو بما شابهه، وعدم خلو البضع عن عوض مسلم إذا استوفي بوجه غير فاسد لا مطلقا حتى
إذا لم ينتفع به بشئ، فإن دعوى عدم خلوه في هذا الحال ممنوعة كل المنع،
فلا ريب في أن المتجه ما ذكرنا.
ومنه يعلم سقوط البحث عن الرجوع على المرضعة، نعم يجئ البحث فيه بناء
على ثبوت شئ من ذلك على الزوج، وفيه قولان منشأهما ضمان البضع بالتفويت
باعتبار كونه كالأموال، لأنه بقابل بها في النكاح والخلع، ولا يحتسب على المريض
المهر لو نكح بمهر المثل فما دون، وكذا المختلعة بمهر المثل.
(و) حينئذ ف‍ (للزوج الرجوع علي المرضعة بما أداه إن) كان قد (قصدت
الفسخ) بالارضاع، وإلا لم تكن متعدية، بل كانت كمن حفر بئرا في ملكه فتردى
فيه مترد، بل هي محسنة على المرضعة، فلا سبيل عليها، لكن في المسالك تبعا
لجامع المقاصد الوجه عدم الفرق في الضمان وعدمه بذلك لأن إتلاف الأموال موجب
326

له على كل حال، فإن كان البضع ملحقا بها ضمن في الحالين وإلا فلا، والفرق بينه
وبين الحفر بعد تحقق الاتلاف فيه دونه واضح، قلت هو كذلك نعم قد يمنع
كون البضع من الأموال، ضرورة عدم صدق المالية عرفا، ولذا لم يتحقق به غنى
ولا استطاعة، ولا بالمهر في مقابلته خمس ولا غير ذلك من لوازم المالية عرفا، وملك
الانتفاع به في مقابلة ملك المهر لا يقضي بكونه مالا، إذا المال قد يكون عوضا شرعا
لغير المال كما في الديات وأروش الجنايات، على أن ملك الانتفاع غير ملك المنفعة،
ولذا لم يصح له نقلها للغير، كما لا يصح له الرجوع على الزاني، بل وعلى المشتبه،
ولا عليها أو على غيرها لو قتلت نفسها، بل من ذلك يعلم أنه ليس من منافع الحر
المقابلة بمال فضلا عن أن يكون مالا بنفسه.
ولعله لذا قال المصنف (وفي الكل تردد مستنده الشك في ضمان منفعة
البضع) قلت: بل كان المتجه الجزم بعدمه، وإلا لكان اللازم الرجوع بمهر المثل
سواء كان الذي غرمه أزيد أو أنقص، كما أن المتجه الرجوع على الصغيرة التي
رضعت بنفسها بما زاد من مهر المثل على المسمى، ولها الرجوع عليه بما زاد من
المسمى عليه، نعم يقاصها بالمساوي من مهر المثل للمسمى.
ومن جميع ما ذكرناه يعلم الكلام فيما ذكره في المسالك تبعا لغيره من الصور
الباقية التي (منها) ما لو كان الرضاع بفعل الصغيرة والكبيرة عالمة لكن لم تعنها
عليه، فإن في إلحاقها بالسابقة أو عدم الضمان وجهين: من أنها لم تباشر الاتلاف،
ومجرد قدرتها على منعها لا يوجب الضمان، كما لو لم تمنعها من مباشرة إتلاف مال
الغير مع قدرتها على المنع.
قيل: وربما ظهر من المصنف وأكثر الجماعة أن تمكينها بمنزلة المباشرة،
وبه صرح في التذكرة، بل في المسالك أن ظاهر الأصحاب القطع بالحاق التمكين
بالمباشرة، ولعله لأن المرتضعة غير مميزة، فكان تمكينها من الرضاع بمنزلة
الفعل، ولكن إن لم يكن إجماعا لا يخلو من نظر، ومن هنا قال في المسالك:
" لو قيل هنا باشتراك الصغيرة والكبيرة في الفعل، فيكون السبب منهما، ولا يرجع
327

الزوج على المرضعة إلا بنصف ما يغرمه لكان أوجه من ضمانها مطلقا ".
(ومنها) أن تتولى الكبيرة ولكن مع الحاجة بأن ينحصر الرضاع فيها وتوقف
حياة الصغيرة على ذلك، فإن في ضمانها حينئذ وجهين من كونها مأمورة بذلك
شرعا، فلا يستعقب فعلها ضمانا وكونها محسنة، ومن تحقق الاتلاف بالمباشرة
التي هي من الأسباب، وأقصى ذلك رفع الإثم كالطبيب والبيطار ونحوهما.
(ومنها) أن تكون الكبيرة مكرهة، فإن الاكراه يسقط ضمان المال المحقق
فضلا عن مثل هذا، نعم يمكن دعوى الرجوع على المكره باعتبار قوة السبب على
المباشر.
ولكن لا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد أن عرفت أن المتجه سقوط المهر،
وأن البضع ليس من الأموال، وكان جملة من كلامهم في المقام تبعوا به ما وقع لأبي
حنيفة وصاحبيه والشافعي، والتحقيق ما عرفت إن لم يكن إجماع أو دليل خاص،
والله هو العالم.
(و) كيف كان فقد ظهر لك أنه مما يتفرع على الضابط السابق ما (لو كان
له زوجتان كبيرة ورضيعة فأرضعتها الكبيرة) ضرورة أنه متى كان كذلك
(حرمتا أبدا) إن كان من لبنه وإن لم يكن دخل بالكبيرة، بأن كان قد أولدها
شبهة ثم عقد عليها ولم يدخل، أو كان قد دخل بها وطلقها وهي ذات لبن منه ثم
بعد العدة قد عقد عليها ولم يدخل بها، فإن الصغيرة حينئذ تكون بنته برضاعها من
لبنه، فتحرم عليه، والكبيرة أم امرأته، لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب،
ولو مثل هذه المصاهرة المتحقق سببها بغير رضاع، كما عرفت تحقيقه سابقا.
وكذا يحرمان أبدا (إن كان) رضاعها له بغير لبنه، لكن إذا كان
قد (دخل بالكبيرة) كي تكون الصغيرة ربيبة قد دخل بأمها والكبيرة أم
امرأة (وإلا) يكن قد دخل بها (حرمت الكبيرة حسب) لكونها أم امرأة
دون الصغيرة التي هي ربيبة لم يدخل بأمها، نعم ينفسخ عقدها بسبب اجتماعها
مع الأم في استدامة عقدي نكاحهما التي هي كالعقد عليهما ابتداء الذي لا ريب
في بطلانه، لعدم صلاحيته للتأثير فيهما شرعا وتأثيره في إحداهما دون الأخرى
328

ترجيح بلا مرجح، فليس حينئذ إلا البطلان، ومثله يأتي هنا بلا خلاف أجده
في شئ من ذلك، بل الظاهر الاتفاق عليه، بل عن الإيضاح دعواه صريحا، لكن
ربما أشكل بأن أصالة بقاء صحة نكاح الصغيرة يقتضي ترجيحها، والمانع إنما
طرأ في نكاح المرضعة، وفساده بطرو المانع بالنسبة إليها لا يستلزم فساد ما خلا
عنه، وقياس ذلك على العقد عليها دفعة قياس مع الفارق، وستسمع الجواب عنه
في آخر البحث، مضافا إلى منافاته للمعتبرة.
قال الصادق عليه السلام في الصحيح (1) وفي خبر ابن سنان (2): " لو أن رجلا
تزوج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته فسد نكاحه " وقال عليه السلام في الصحيح الآخر (3)
" في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده، قال: تحرم عليه " بل
في خبر ابن مهزيار (4) الآتي التصريح بحرمة الكبيرة والصغيرة، بل لعله المراد
من قوله عليه السلام: " فسد نكاحه " أي لكل منهما، فلا إشكال حينئذ في الحكم الأول
بأنه بمجرد صدق الأمية والبنتية يتحقق انفساخ النكاح، فلا تكون الكبيرة أم
امرأته.
بل عند التأمل الصادق يستحيل صدق أمية الزوجة فعلا، ضرورة استلزام
صدق الأمية فسخ الزوجية، لأنه أول آنات صدق البنتية، وكذا الكلام في تحقق
الجمع في استدامة العقدين بالنسبة للأم وبنتها الذي قلنا: إنه يقتضي فسخ العقدين
وحرمة الأم دون الربيبة التي له تجديد العقد عليها مع فرض عدم الدخول بأمها،
إذ يمكن دفع الأول منهما - بناء على تحقق الحرمة بإرضاع من كانت زوجة -
بأنه لو سلمنا عدم الصدق المزبور فعلا لكن لا ريب في أنها كانت زوجة وإن انفسخ
عقدها في أول أزمنة صدق البنتية بل يمكن دفعه - بناء على عدمه أيضا - بأن
ظاهر النص والفتوى الاكتفاء في الحرمة بصدق الأمية المقارنة لفسخ الزوجية
بصدق البنتية إذا الزمان وإن كان متحدا بالنسبة إلى الثلاثة أي البنتية والأمية

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
329

وانفساخ الزوجية، ضرورة كونها معلولات لعلة واحدة، لكن آخر زمان الزوجية
متصل بأول زمان صدق الأمية، فليس هي من مصداق أم من كانت زوجتك،
بل لعل ذلك كاف في الاندراج تحت أمهات النساء، بخلاف من كانت زوجتك،
وكأنه إلى ذلك أومأ أبو جعفر عليه السلام فيما تسمعه من خبر ابن مهزيار الآتي المشتمل
على الفرق بين الصورتين.
وأما الثاني فليس المراد من الجمع أنه تحقق في زمان ثم انفسخ، بل المراد
أنه لما اتحد زمان البنتية والأمية بالجزء الأخير من الرضاع فاستدامة العقدين
عليهما غير ممكن، وانفساخ أحدهما بالخصوص ترجيح من غير مرجح، فليس إلا
انفساخهما، وتحرم الكبيرة باعتبار أنها أم الزوجة بالتقريب الذي سمعته، والربيبة
لعدم الدخول بأمها يجوز له تجديد العقد عليها، ودعوى اختصاص الأم بالانفساخ -
لتحقق سبب التحريم فيها وإبقاء الربيبة على عقدها الأول - يدفعها ما عرفته
من اتحاد زمان تحققهما، أي البنتية والأمية، فلا مجال للترجيح، وتحقق سبب
التحريم فيها لا يقتضيه كما هو واضح، واحتمال الترجيح بالقرعة - مع أنه مناف
لظاهر النص والفتوى - يدفعه احتمال أن القرعة لاستخراج المتحقق واقعا المشتبه
ظاهرا، لا لترجيح المشتركين في السبب، وإلا لجرت في العقد عليهما دفعة.
(و) كيف كان ف‍ (للكبيرة مهرها إن كان دخل بها) لأنه يستقر به، ولذا
تنحصر ثمرة الفسخ في البضع خاصة، نعم بناء على أن البضع من الأموال يمكن
الرجوع عليها بما أتلفته عليه من بضعها، فيرجع عليها بمهر المثل، بل في كشف
اللثام أنه كما لو طلقها ثم راجعها فأنكرت الرجوع في العدة فحلفت وتزوجت
ثم صدقته، فإنها تغرم له المهر بما فوتت عليه البضع، وقال: " ولا يجدي الفرق
ببقائه هنا بخلافها في المسألة كما في التذكرة " قلت: لكن قد عرفت ما في ذلك كله
سابقا.
(وإلا) يكن قد دخل بها (فلا مهر لها لأن الفسخ جاء منها) ولما
عرفته من أن ذلك مقتضى انفساخ العقد، كما في غير ذلك من العقود على ما عرفته
سابقا.
330

ومنه يعلم ما في قوله: (وللصغيرة مهرها) وإن لم تحرم عليه، كما
في صورة عدم الدخول بالأم والارتضاع من غير لبنه (لانفساخ العقد) حينئذ
(بالجمع) الذي عرفته، والفرض أنه قد حصل بفعل غيرها، لكن قد عرفت أن
مقتضى الانفساخ عدم رجوعها عليه بشئ، خصوصا مع عدم التقصير منه، كما أنك
قد عرفت أن القول الذي حكاه المصنف هناك نصف المهر، وهنا جزم بالجميع، مع أن
المسألة من واد واحد.
(و) كذا لا يخفى عليك ما (قيل:) إنه (يرجع به على الكبيرة)
لأنها هي التي فوتت عليه البضع. (و) قد عرفت البحث في ذلك مفصلا في جميع
الصور، فلا يحتاج إلى الإعادة.
كما لا حاجة إلى البحث فيما (لو أرضعت الكبيرة له زوجتين صغيرتين)
ضرورة أنه بعد الإحاطة بما سمعت يعلم متى كان ذلك (حرمت الكبيرة والمرتضعتان
إن كان) ذلك بلبنه أو كان قد (دخل بالكبيرة) من غير فرق بين
التعاقب والدفعة لأنها حينئذ إما بنت أو ربيبة قد دخل بأمها، فتحرم الثانية وإن
بانت أمها منه، لحرمة الربيبة من النسب مطلقا فكذا بالرضاع.
(وإلا) يكن قد دخل بها (حرمت الكبيرة) التي هي أم زوجته بالتقريب
السابق دون المرتضعين لأنهما ربيبتان لم يدخل بأمهما، نعم ينفسخ عقدهما معا
إذا ارتضعا دفعة، وإلا اختص الانفساخ بالأم والأولى، دون الثانية التي ارتضعت
بعد تحقق انفساخ عقد الأم والبنت، فليست هي حينئذ إلا بنت زوجة لم يدخل
بأمها، فلا تحرم، كما لا تحرم بصيرورتها أختا لمن كانت زوجة له، كما هو
واضح.
(ولو كان له زوجتان وزوجة رضيعة فأرضعتها إحدى الزوجتين أولا)
بلبنه مثلا (ثم أرضعتها الأخرى حرمت المرضعة الأولى والصغيرة) لصيروتهما
بنتا وأم زوجة بالتقريب السابق (دون الثانية، لأنها أرضعتها وهي بنته)
لا زوجته كي تندرج تحت " أمهات نسائكم " (1) بل هي ليست إلا أم بنته،

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
331

وليست محرمة على الأب، كما كشف عن ذلك خبر ابن مهزيار (1) عن أبي جعفر عليه السلام
قال: " قيل له: إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها
امرأته الأخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية وامرأتاه، فقال أبو جعفر
عليه السلام: أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا، فأما
الأخيرة فإنها لا تحرم عليه، لأنها أرضعتها وهي بنته " وهو صريح في المدعى،
ولا يلزم منه عدم حرمة الربيبة التي هي بنت من كانت زوجته المدخول بها، ضرورة
الفرق بين مصداق قوله تعالى (2): " وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي
دخلتم بهن " وبين قوله تعالى (3): " أمهات نسائكم " فإن الأولى صادقة قطعا
علي بنت من كانت زوجة، بخلاف الثانية الظاهرة في اعتبار اجتماع الأمية،
والزوجية، خصوصا مع اشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق وما شابهه.
على أنه قد عرفت انحصار المحرم في الرضاع بما يحرم من النسب، وليس
في النسب من انحصر صدقها في أم من كانت زوجة، إذ أم المطلقة مثلا ليس حرمتها
لذلك، بل لتحقق الصدق قبل الطلاق، وهو سبب التحريم مؤبدا، فليس حرمتها
لأنها أم من كانت زوجته، بل لأنها كانت أم زوجة فعلا، بخلاف الربيبة، فإن
في النسب بنت من كانت زوجة مندرجة تحت الآية الشريفة، فيحرم مثلها في الرضاع،
ولعله لذلك كان المحكي عن الإسكافي والشيخ في النهاية وظاهر الكليني حلية الثانية،
بل هو خيرة الرياض وسيد المدارك حاكيا له عن جماعة، بل هو ظاهر الأصفهاني
في كشفه أو صريحه أيضا، بل ربما كان ظاهر ما حكاه فيه عن ابن إدريس أيضا.
(و) لكن مع ذلك كله (قيل: بل تحرم أيضا) في الفرض (لأنها
صارت أما لمن كانت زوجته) بل نسبه في المسالك إلى ابن إدريس والمصنف
في النافع وأكثر المتأخرين، بل لم يحك القول الأول إلا عن الشيخ في النهاية
وابن الجنيد، نعم قال إنه مال إليه المصنف لقول: (وهو) أي التحريم (أولى)

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 23.
332

ثم ناقش في الخبر بضعف سنده بصالح بن أبي حماد وهو ضعيف، بل قال ومع ذلك
فهو مرسل، لأن المراد بأبي جعفر حيث يطلق الباقر عليه السلام وبقرينة قول ابن شبرمة
في مقابله، لأنه كان في زمنه، وابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه السلام، ولو أريد بأبي
جعفر الثاني وهو الجواد عليه السلام بقرينة أنه أدركه وأخذ عنه فليس فيه أنه سمع ذلك
بلا واسطة، فالارسال متحقق على التقديرين، مع أن هذا الثاني بعيد، لأن إطلاق
أبي جعفر لا يحمل على الجواد عليه السلام ثم اختار هو ذلك، معللا له بالصدق، لأن
الأصح عدم اشتراط بقاء المعنى في صدق المشتق، وبمساواة الرضاع للنسب، وهو
يحرم سابقا ولا حقا.
وفيه ما عرفت من منع الصدق، واعتبار بقاء المبدء في الصدق لو كان هذا منه،
لامكان المنع، إذا الموجود لفظ " النساء " لا " الزوجة " وهو جامد لا مشتق، وأيضا
لا نظير له في النسب كي يحرم مثله في الرضاع، ومنع الارسال على تقدير إرادة
الجواد عليه السلام من أبي جعفر، وكثرة إطلاقه على الباقر عليه السلام لا ينافي حمله على الجواد
عليه السلام خصوصا بالقرينة، بل في الرياض ليس في سند الخبر المزبور من يتوقف
فيه عدا صالح بن أبي حماد، وهو وإن ضعف في المشهور إلا أن القرائن على مدحه
كثيرة، وتوهم الارسال فيه ضعيف قلت: على أن الدليل غير منحصر في الخبر، بل
يكفي فيه الأصل وعموم (1) " أحل " وغير ذلك بعد عدم الاندراج في أمهات النساء،
فالخبر مؤيد حينئذ لا دليل، ولا ينافي ذلك الحكم بالتحريم في الصورة الأولى،
لما عرفت من كفاية اتصال زمن الزوجية بزمان صدق الأمية في الاندراج تحت أمهات
النساء كما ذكرناه سابقا، وكشف عنه الخبر أيضا لاحقا، حيث حرم الأولى
والصغيرة.
(و) كيف كان فقد ظهر لك مما قدمناه أن (في كل) من (هذه
الصور) الثلاثة التي ذكرها المصنف (ينفسخ النكاح لتحقق الجمع المحرم)
إلا صورة من المسألة الثانية التي قدمناها (وأما التحريم) أبدا وعدمه (فعلى ما

(1) سورة النساء: 4 - الآية 24.
333

صورناه) وبيناه.
بل (و) منه يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف من أنه (لو طلق زوجته)
بعد الدخول بها (فأرضعت زوجته الرضعية حرمتا عليه) لكونهما بنتا أو ربيبة
مدخولا بأمها وأم زوجته، لكن في المسالك " إن جزمه بتحريم الصغيرة أيضا على
تقدير الدخول بالكبيرة مبني على الاكتفاء بارضاع من كانت زوجته، وقد سبق
منه الحكم بخلاف ذلك، لأن الأولوية لا تقتضي التحريم، فكأنه قرينة على كونه
اختار التحريم في السابقة، أو رجوع عن الحكم - إلى أن قال -: ولا يتوهم اختلاف
الحكم من حيث إن الخارجة من الزوجية هنا المرضعة، وهناك الرضيعة، لاشتراكهما
في المعنى المقتضي للتحريم وعدمه " وفيه ما عرفت من وضوح الفرق بين المسألتين
في الدليل وغيره، ضرورة صدق الربيبة علي بنت من كانت زوجته نسبا ورضاعا
بخلاف أمهات نسائكم، فإنه غير صادق على من كانت امرأة، وصدق الإضافة بأدنى
ملابسة لا يقتضي حمل اللفظ عليها، بل لا ينبغي التأمل في اعتبار اجتماع وصف
الأمية والزوجية في الصدق، فلا يكفي تقدم الزوجية وتأخر وصف الأمية
عنها بعد انفساخ الزوجية كما في المسألة السابقة، وهذا هو السر في جزم المصنف
هنا في هذه، وميله إلى الحلية في الأولى كما عرفت الكلام فيه مفصلا، فتأمل
جيدا، فإن هذه المباحث غير محررة في كلامهم، والله هو العالم.
المسألة (الخامسة)
(لو كان له أمة يطؤها فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه جميعا) سواء
كان بلبنه أو لبن غيره، لصيرورتهما بنتا أو ربيبة قد دخل بأمها وأم امرأة (ويثبت
مهر الصغيرة) بأجمعه عليه، لوجوبه بالعقد، مع عدم كون الفسخ من قبلها،
334

وفيه البحث السابق، كما أنه لا يخفى عليك جريان الصورة السابقة (و) إنما
المراد هنا بيان أنه (لا يرجع به على الأمة) التي أرضعت وإن قلنا بالرجوع
به في غيرها (لأنه لا يثبت للمولى مال في ذمة مملوكه) لعدم تصور أدائه له
بعد فرض كونه وما يملكه للمولى، إلا أن الانصاف عدم خلو ذلك عن التأمل
إن لم يكن إجماعا، ضرورة اشتراك ضمانه مال الغير - ويتبع به بعد العتق إن
أعتق - وضمانه مال مولاه في الدليل الذي هو " من أتلف " ونحوه من الخطابات
الوضعية التي لا يعتبر في ثبوت الحكم الوضعي بها تحقق الحكم الشرعي، فللمولى
حينئذ مطالبته به بعد العتق، وله استيفاؤه من باب الزكاة ونحو ذلك، نعم إن كان
إجماع على الفرق بين مال المولى ومال غيره اتجه ذلك، على أنه يجب تقييده
بغير المكاتبة، أما هي فقد جزم في المسالك بالثبوت عليها سواء كانت مكاتبة مطلقة
أو مشروطة مطلقا لانقطاع سلطنته عنها، وصيرورتها بحيث يثبت عليها مال.
(نعم) هذا كله لو كانت الأمة الموطوءة ملكا له أما (لو كانت موطوءة بالعقد)
وهي ملك للغير قيل (رجع به عليها، ويتعلق برقبتها وعندي) وعند المصنف
(في ذلك تردد) للتردد في أصل ضمان منفعة البضع، (و) أنه بالمسمى
أو بمهر المثل، بل قد سمعت أن التحقيق عندنا عدمه، بل (لو قلنا بوجوب العود)
أي الرجوع (بالمهر لما قلنا ببيع المملوكة فيه، بل تتبع به إذا تحررت)
إذ ليس هو من قبيل الجنايات التي يباع العبد فيها، وإنما هو من قبيل الأموال
التي يتبع بها بعد العتق، فقول القائل يتعلق برقبتها لا وجه له، اللهم إلا أن يريد
ذلك، كما هو واضح.
335

المسألة (السادسة)
(لو كان لاثنين زوجتان صغيرة وكبيرة فطلق كل منهما زوجته وتزوج
بالأخرى ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما) وإن لم يكن بلبن
أحدهما، لصيرورتها أم زوجة فعلا بالنسبة إلى أحدهما، وأم من كانت زوجة
بالنسبة إلى الآخر بناء على التحريم بمثله وإن كان قد سمعت ما فيه (وحرمت
الصغيرة على من دخل بالكبيرة) لصيرورتها ربيبة قد دخل بأمها، فلو فرض
دخولهما معا بها حرمت عليهما معا، كما أنه لو فرض اللبن لأحدهما صارت
بنتا له.
المسألة (السابعة)
(إذا قال: هذه أختي من الرضاع) مثلا (أو بنتي) أو أمي (على
وجه) محتمل لأن (يصح) ذلك لا معلوم فساده لكبر في السن أو غيره (فإن
كان) قد صدر ذلك منه (قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا) لعموم (1)
" إقرار العقلاء " سواء صدقته المرأة أو كذبته أو لم تكن عالمة بصدقه ولا
كذبه، فإن أكذب نفسه ووافقته المرأة على ذلك احتمل قويا جواز النكاح،
لانحصار الحق فيهما، لكن أطلق في القواعد عدم القبول، وكذا شارحها الكركي
والإصبهاني وثاني الشهيدين في المسالك، نعم قال في الأخير: " إنه لو أظهر لدعواه

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
336

تأويلا محتملا بأن قال: إني اعتمدت في الاقرار على قول من أخبرني ثم تبين لي
أن مثل ذلك لا يثبت به الرضاع وأمكن في حقه ذلك احتمل القبول، لامكانه -
لكن قال بعد ذلك -: أطلق الأصحاب عدم قبوله مطلقا لعموم " إقرار العقلاء على
أنفسهم جائز " (1) وعليه العمل " وفيه أن المتيقن من الخبر المزبور إلزام المقر بما
أقربه لمن أقر له، مع المخالفة له، لا أن المراد به إلزامه بذلك وإن وافقه المقر له
على الكذب في الاقرار.
ومن الغريب عدم احتمال الثلاثة الأولين القبول في هذه الصورة مع احتمالهم
القبول في الرجوع عن الاقرار بعد التزويج، فإنه قال في القواعد قبل ذلك: " ولو رجع
أحد الزوجين بعد إقراره بالرضاع عنه بعد الفرقة لم يقبل رجوعه ظاهرا، وإن
ادعى الغلط الممكن، لأن الانكار لا يسمع بعد الاقرار " لكن في كشف اللثام تبعا
لجامع المقاصد أنه يفهم من السيد سماعه قبل الحكم بالفرقة، ولعله لكونه إقرارا
بالنكاح بعد إنكاره، ثم حكيا عن التذكرة إطلاق عدم السماع، كما أنه حكى
في الجامع عن أبي حنيفة قبول الرجوع من المقر عن إقراره، من غير فرق بين
الرجل والمرأة، وهو وإن كان على إطلاقه غير جيد، ضرورة عدم قبوله مع المخاصمة،
نعم ما قلناه في صورة التصديق على الكذب في الاقرار لا يبعد قبوله في المقام، وفي غيره
من المقامات من البيع والملكية والوقفية والزوجية ونحو ذلك، بل إن لم يقم إجماع
أمكن دعوى القبول في حال عدم العلم من الخصم فضلا عن صورة الموافقة له على الاقرار
الصوري، والمسألة محتاجة إلى تأمل تام في غير المقام من أفرادها.
وعلى كل حال فلو أوقع العقد على هذا الحال، أي حال الاقرار بالأختية
مع التكذيب له من الامرأة مثلا فقد يحتمل في بادي النظر إلزام كل منهما بمعتقده،
فيكون العقد فاسدا في حقه، صحيحا في حقها، كما لو ادعى الأختية بعد العقد،
لكن دقيق النظر يقضي بخلافه، ضرورة اشتراط الصحة من الطرفين في العقد، ومع
فرض انتفائها من أحدهما بظاهر الشرع لا بد من انتفائها من الآخر، ومن هنا جزم

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
337

في كشف اللثام بأنه لو أوقع العقد حينئذ لم يقع ظاهرا، وفرق واضح بين ذلك وبين
الدعوى بعد العقد، ضرورة ثبوت الصحة ظاهرا في العقد قبل الدعوى، وهي لا تقتضي
فساده في ظاهر الشرع، وإنما يلزم بحكم الفساد بالنسبة إليه خاصة مؤاخذة له باقراره
وإلا فحكم الصحة في العقد باق كما هو واضح. هذا كله في الاقرار قبل العقد من
غير فرق بين وقوعه من الرجل والمرأة.
(و) أما (إن كان) من الرجل مثلا (بعد العقد ومعه بينة) على
دعواه، أو ادعى عليها العلم فنكلت عن اليمين وحلف هو، أو وافقته على ذلك (حكم
بها) له (فإن كان قبل الدخول فلا مهر) أصلا ولا متعة لتبين فساد العقد (وإن
كان بعده كان لها المسمى) عند الشيخ إذا لم تكن بغيا بأن لم يثبت علمها بذلك
قبل الدخول، ولكن ستعرف ضعفه وإن أشعرت عبارته المحكية عنه بالاجماع عليه.
(وإن فقد البينة وأنكرت) أي (الزوجة) أو لم تعلم بصدقه ولا كذبه
ولم يدع عليها العلم أو ادعاه وحلفت هي على نفيه لزمه الحكم بحرمتها عليه بمقتضى
إقراره و (لزمه المهر كله مع الدخول) لعدم ثبوت بطلان العقد، بل هو مستصحب
الصحة وإلزامه باجتنابها مؤاخذة له باقراره لا يقتضي انفساخا له (ونصفه مع
عدمه على قول مشهور) لأنه فرقة قبل الدخول، فيكون كالطلاق، لكنه واضح
الضعف، إذ هو مع أنه قياس قد عرفت الفرق بينه وبين الطلاق، فالمتجه إلزامه بالمهر
كملا مطلقا، اللهم إلا أن يثبت أن كل فرقة قبل الدخول كالطلاق، نعم لو أوقع
الطلاق مثلا في هذا الحال أمكن القول بالتنصيف، ودعواه الأختية لا ينافي تأثير
الطلاق في حقها بعد فرض تكذيبها، مع احتمال العدم اقتصارا فيما دل على
تشطير الطلاق على ما كان الطلاق مفرقا للزوجية، والفرض عدمه هنا باعتقاد الزوج،
فتطالب الامرأة حينئذ بالمهر تاما وإن بانت بالطلاق عنه باعتقادها.
ومما ذكرنا يعلم ما في المحكي الذي سمعته عن الشيخ من لزوم المسمى أيضا في الأول
باعتبار أن العقد هو سبب ثبوت المهر، لأنه مناط الشبهة، فكان كالصحيح المقتضي لتضمين
البضع بما وقع عليه التراضي في العقد، وفيه أن المقام نحو المقبوض بالعقد الفاسد
338

من البيع وغيره، وليس في شئ مما وصلنا من النصوص أن عقد الشبهة كالصحيح حتى
يؤخذ باطلاق التشبيه، ولذا لم يكن لها شئ مع عدم الدخول، فليس حينئذ
إلا استيفاء البضع على وجه الضمان، فيضمن بقيمته، وهي مهر المثل عرفا وشرعا
كغيره مما يقبض بعنوان العقد الصحيح، بل ليس المقام إلا أحد أفراد قاعدة " ما
يضمن بصحيحه يضمن بفاسده " وهو واضح، هذا كله في دعواه.
(و) منه يعلم الحال فيما (لو) كانت الدعوى منها، ضرورة اتحاد
الجميع فيما سمعته من الأحكام، ومنه ما إذا (قالت الامرأة ذلك) أي هو أخي
أو ابني من الرضاع على وجه يصح (بعد العقد لم تقبل دعواها في حقه) كما لم
تقبل دعواه في حقها (إلا ببينة) أو تصديق أو دعوى العلم وحلفها بعد نكوله،
أو نحو ذلك، ولا ينافي سماع دعواها رضاها بالعقد، لجواز جهلها به حالة العقد
وتجدد العلم لها بخبر الثقات، خلافا لبعض العامة، بل لا يبعد قبول دعواها وإن
ادعت العلم بالحال حين العقد، لاطلاقهم سماع دعوى النساء مع البينة، ولعموم
" البينة على المدعي " (1) ونحو ذلك، لكن قد يظهر من قواعد الفاضل عدم
سماعها ولعله لتكذيب فعلها قولها.
وكيف كان صدقها الزوج أو ثبت بالبينة ثبت لها المهر مع الدخول
وجهلها وإلا يكن دخل بها فلا مهر لها، ولو كذبها ولا بينة لها لم تقع الفرقة،
وعليها أن تمكنه من نفسها ما أمكنها، وتفدي نفسها بما أمكنها تخلصا من الزنا
باعتقادها، وليس لها المطالبة بالمسمى كلا وبعضا لا قبل الدخول ولا بعده،
لاعترافها بفساد العقد، ولا مهر المثل إن كان أكثر من المسمى، لأنه دعوى منها
بلا بينة، نعم إنما يثبت لها بعد الدخول أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل.
بل فيما حضرني من نسخة المسالك أن لها ذلك مطلقا، أي في حالتي
التصديق والتكذيب إلا إذا كانت بغيا فإنه لا شئ لها حينئذ وفيه أنه لا فرق
على الظاهر بين دعواها ودعوى الزوج في ذلك، فمع فرض التصديق أو قيام البينة

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء.
339

يتجه لها مهر المثل وإن كان أكثر من المسمى، نحو ما سمعته في دعوى الزوج،
وأنه من قاعدة " ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده " ورضاها بما في العقد لا تلتزم به
بعد ظهور فساده، كما لا يلتزم به الزوج على حسب ما عرفته. فمن الغريب
موافقته في المسألة السابقة على ثبوت مهر المثل وخلافه هنا، مع اتحادهما في المدرك
إلا في الصورة التي فرضناها، وهي ما لو كذبها، فإنه ليس لها حينئذ إلا الأقل،
ضرورة كونها مدعية صرفا مع فرض زيادته على المسمى، وما في القواعد من
احتمال مطالبته بمهر المثل في هذه الصورة لأنه دخول بعد عقد تبين فساده من
أصله مع جهلها كما ترى، ضرورة عدم تماميته إلا من قبلها دون الزوج الذي
فرض تكذيبه لها.
نعم لها إحلافه على نفي العلم إن ادعته عليه أو احتملت علمه، كما هو شأن
الحلف على نفي فعل الغير، فإن نكل حلفت على البت، كما هو شأن الحلف على
إثبات فعل، فيحكم بالفرقة حينئذ ومهر المثل مع الدخول لا قبله، لاعترافها بعدم
الاستحقاق، ولو نكلت أو كان قد حلف الزوج أولا فإن كان قد دفع الصداق
لم يكن له مطالبتها به، لاعترافه باستحقاقها له، إلا إذا طلقها قبل الدخول ارتجع
نصفه، وإلا يكن دفعه إليها لم بكن لها المطالبة، لاعترافها بعدم الاستحقاق، فإن
كان عينا كان مالا مجهول المالك، وكذا إذا قبضته وكان باقيا وكان العقد
ثابتا في الظاهر، أما إذا نكلت فظاهر، وأما إذا حلف أولا فليمينه.
وربما نوقش في الأخير بأن نفي علمه لا ينفيه، فيمكن أن يحلف على ما
ادعته، وعلى كل حال فليس لها مطالبته بحقوق الزوجية وإن نكلت لاعترافها
بعدم الاستحقاق، بل ربما وجب عليها الفرار من بعضها مع الامكان، فما عن بعضهم
من احتمال مطالبتها بغير القسم والجماع لإقراره بالزوجية ولزوم حقوقها واضح
الضعف.
نعم قد يقال: إن لها المطالبة في خصوص النفقة باعتبار كونها محبوسة عليه،
ومنعها من تمكينه إنما هو من جهة الشرع، مع أنه أيضا كما ترى، وفي كشف اللثام
340

" قد يقال: إنها إن رجعت عن دعواها وصدقت الزوج في عدم الرضاع كانت لها
المطالبة بالحقوق، وغاية المطالبة بها الرجوع عن الدعوى، فيبقى جوازها لها "
وفيه أن مفروض المسألة المطالبة في حال إصرارها على الدعوى، وكيف كان فهذا
كله إذا كانت الدعوى منها بعد العقد، (و) أما (لو كان) ذلك منها (قبله
حكم عليها بظاهر الاقرار) نحو ما سمعته في دعوى الرجل، فلاحظ وتأمل.
المسألة (الثامنة)
(لا تقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلة) بجميع ما يعتبر عند الحاكم
الذي تقوم عنده الشهادة، حتى عدم قئ اللبن بناء على اعتباره عنده بلا خلاف أجده
ممن تعرض لها (لتحقق الخلاف في الشرائط المحرمة) للرضاع كما عرفته مفصلا
في محاله (و) حينئذ فيقوم (احتمال أن يكون الشاهد استند إلى عقيدته)
التي اعتقدها باجتهاد أو تقليد المخالفة لما عند الحاكم إلا أن يكون الشاهدان
اللذان شهدا عنده مقلدين له، عارفين بما يشترط عنده، ويكون واثقا بمعرفتهما،
فيتجه حينئذ احتمال قبول الاطلاق حينئذ، ولعل إطلاق الأصحاب منزل على غير
هذه الصورة، خصوصا بعد ملاحظة التعليل، نعم لا يعتبر مع ذلك ذكر وصول اللبن إلى الجوف،
ضرورة اقتضاء الشهادة بالرضاع ذلك، مع عدم الخلاف بين العلماء في كيفيته بعد أن
يكون الرضاع من الثدي، فيكفي فيه حينئذ إطلاق الشهادة بالرضاع، نعم لا تكفي حكاية
القرائن، بأن يقول: رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك، لأن حكاية ذلك لا تعد شهادة،
بل إذا علم الشاهد العلم العادي بوصول اللبن إلى جوفه بالقرائن المفيدة له يشهد بحصوله
على الوجه المفصل، هذا. وفي المسالك " أن مثل ذلك ما لو شهد الشاهد بنجاسة
الماء مع الاختلاف الواقع بين الفقهاء فيما به يحصل نجاسة، إذ لا بد حينئذ
من التفصيل أو العلم بموافقة مذهب الشاهد لمذهب الحاكم " وصريحه كظاهر غيره
341

سراية المسألة في كل ما كان المشهود به ذا شرائط مختلف فيها اختلافا معتدا به
أو أسباب كذلك ومنه حينئذ الملك والبيع والوقف والزوجية والطلاق ونحو ذلك مما
يقطع الفقيه ملاحظة أفرادها بعدم اعتبار التفصيل في الشهادة بها.
ومنه يقدح الاشكال فيما نحن فيه، ويمكن أن يكون الشارع اعتبر ما يظهر
من عبارة الشاهد، ونزله منزلة الواقع تعبدا حتى يعلم خلافه، فمتى قال: هذا
ملك لزيد، أو زوجة له، أو قد باع، أو قد اشترى، أو نحو ذلك حكم به وإن لم يعلم
موافقة لرأي الحاكم، واحتمل كونه ملكا على رأيه أو رأي من يقلده، فيتجه
حينئذ مثله في المقام، فيحكم حينئذ بمجرد قول الشاهد هذه أخته من الرضاع وإن
لم يعلم موافقته للحاكم أو مخالفته، واحتمال قبول شهادته فيما تقدم باعتبار عدم
جواز إطلاق الحكم بالملكية مثلا إلا مع إرادة ذات السبب المتفق عليه بين الجميع
وإلا كان مدلسا بعينه جار في المقام، فالمتجه طرد الحكم في الجميع نحو ما سمعته
من المسالك، إذ احتمال الخصوصية في الرضاع لم نتحققها، اللهم إلا أن يكون من
جهة معروفية الخلاف المعتد به فيه على وجه يقطع أو يظن كون المراد للشاهد أن
يشهد (شهد خ ل) ما كان عنده أو عند مقلده، فيتجه حينئذ جعل المدار على ذلك
وشبهه مما حصل في عبارة الشاهد ما يظهر منه بناء على ما شهد به على الخلاف،
فإنه حينئذ لا بد من التفصيل بعدم العلم بكون المشهود به هو ما عند الحاكم، بخلاف
ما لو أطلق العبارة، فإن الظاهر منه إرادة الواقع، فيتحد حينئذ مع ما عند الحاكم
الذي يزعمه أن الواقع ذلك، فتأمل جيدا، وعلى كل حال فذلك معتبر في الشهادة
بالرضاع.
أما لو شهد بالاقرار به، فلا خلاف أجده في الاكتفاء بالاطلاق، لعدم
الاختلاف، وما يقال - من أن المقر ربما ظن محرما ما ليس منه - يدفعه أنه
أمر آخر لا تعلق له بالشهادة على الاقرار الذي مع ثبوته لا يجب على الحاكم
استفضاله، لعموم مؤاخذة العقلاء باقرارهم (1) ولكن مع ذلك قد يناقش باحتمال

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
342

أن الاقرار على حسب الاعتقاد المفروض بطلانه عند الحاكم المخاصمة لا يؤخذ به،
وحمله على ما عند الحاكم وإن لم يعلم تقليده له بل وإن علم تقليده لغيره كما ترى،
ضرورة عدم الفرق بين عبارته وعبارة الشاهد، (وأما إخبار الشاهد بالرضاع ف‍) هو
كغيره لا بد فيه من العلم به ولو بالقرائن المفيدة له عادة، وحينئذ (يكفي) فيه
(مشاهدته) الصبي (ملتقما) حلمة (ثدي المرأة) ذات اللبن (ماصا له
على العادة حتى يصدر) فيشهد على البت وإلا لم يقدر أن يشهد على مشاهدة ذلك،
إذ يمكن عدم حصول الرضاع منه، وبالجملة لا بد من حصول العلم بالرضاع له بأي
طريق يكون، كما هو واضح.
المسألة (التاسعة)
(إذا تزوجت) امرأة (كبيرة بصغير ثم فسخت إما لعيب فيه وإما
لأنها كانت مملوكة فأعتقت أو لغير ذلك ثم تزوجت) زوجا (آخر وأرضعته)
أي الصبي (بلبنه حرمت على الزوج، لأنها كانت حليلة ابنه) بناء على عدم
اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق (وعلى الصغير لأنها) أمه و (منكوحة أبيه)
وكذا لو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها بعد أن أولدها ثم تزوجت بالصغير
فأرضعته من لبن الأول، لذلك بعينه.
المسألة (العاشرة)
(لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدتهما أحدهما
انفسخ نكاحهما، لأن المرتضع إن كان هو الذكر فهو إما عم لزوجته) إن كانت
343

الجدة جدة الصغيرة لأبيها (أو خال) إن كانت جدتها لأمها، أو كلاهما إن كانت
لهما (وإن كان الأنثى فهي إما عمة لزوجها أو خالة) أو هما معا على نحو
ما عرفت.
المسألة الحادية عشر
تقبل شهادة النساء في الرضاع على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا،
إذ هو خيرة المقنعة والناصريات والمراسم والوسيلة والمتن فيما يأتي والنافع وكشف
الرموز والمختلف والقواعد والإرشاد والإيضاح والدروس واللمعة والتنقيح والمعالم
والمهذب البارع وغاية المرام والروضة والمسالك على ما حكي عن بعضها، بل قيل:
إنه ظاهر الصدوقين والقديمين وأبي الصلاح وابن البراج وكل من أطلق قبول شهادة
النساء فيما يخفى على الرجال ولم يصرح بالخلاف هنا، بل في الناصريات نسبته
إلى أصحابنا مشعرا بالاجماع عليه، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من الشيخ في كتاب
الرضاع من المبسوط، وفيه وفي كتاب الشهادات في الخلاف، وابني إدريس وسعيد
والعلامة في رضاع التحرير، مع أن الشيخ - ره - قد رجع عن ذلك في شهادات المبسوط
المتأخر عن الخلاف، كما أن كتاب الشهادات متأخر عن كتاب الرضاع منه،
وكذا العلامة قد رجع عنه في التحرير في كتاب الشهادات منه المتأخر عن كتاب
الرضاع، فأفتي فيه بالقبول كما في سائر كتبه، فانحصر الخلاف حينئذ في ابني إدريس
وسعيد.
فمن الغريب بعد ذلك نسبته في محكي السرائر والتحرير والمسالك إلى
الأكثر، وفي كشف الرموز إلى الشيخ وأكثر أتباعه، وأغرب من ذلك دعوى الشيخ
الاجماع ظاهرا في الأول، وصريحا في الأخيرين، بل في شهادات المبسوط عن
أصحابنا أنهم رووا (1) أنه لا تقبل شهادة النساء في الرضاع أصلا، مع أن الاجماع

(1) المبسوط ج 8 ص 175.
344

مظنة الأول كما سمعته من المرتضى الذي يشهد له التتبع، والرواية غير موجودة
في الأصول المعتمدة ولا مقبولة حتى عند من حكاها في الموضع الذي نقلها فيه،
لما عرفت أنه في هذا الموضوع من الكتاب المزبور قد أفتى بالقبول، ويمكن أن
يكون قد أخذهما من الاجماع والأخبار (1) على عدم قبول شهادتهن فيما لا يعسر
اطلاع الرجال عليه على وجه كان الأصل فيها عدم القبول، مضافا إلى أن الرضاع
من ذلك، باعتبار إمكان اطلاع المحارم من الرجال عليه، بل والأجانب مع اتفاق
الرؤية، أو تعمدها مع عدم الإثم حال التحمل، أو مع تجديد التوبة، أو مع القول بعدم
قدح مثله في العدالة، وفيه منع عدم العسر، فإن الرضاع مما لا يطلع عليه الرجال
غالبا، ولا يحل لهم النظر إليه عمدا، لأنه في محل العورة التي لا يحل للأجانب
النظر إليها، خصوصا بعد اعتبار التفاصيل السابقة في الشهادة بالرضاع، فلا ريب
في كونه مما يعسر الاطلاع عليه لهم، ولم يعتد علم الرجال به بالنظر المشتمل على
سائر تفاصيله، وحينئذ فيندرج في جميع ما دل على قبول شهادتهن في مثل ذلك من
إجماع ونصوص، نحو قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (2): " تجوز شهادة
النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر " وفي خبر داود بن
سرحان (3): " أجيز شهادة النساء في الصبي، صاح أو لم يصح، وفي كل شئ لا ينظر
إليه الرجال تجوز شهادة النساء فيه " كقول الرضا عليه السلام في خبر محمد بن الفضيل (4):
" يجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه " إلى غير ذلك
من النصوص الدالة على ذلك، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (5) الدالة على قبول
شهادتهن في العذرة والنفاس واستهلال المولود وعيوب النساء المعلوم كون الوجه
في ذلك تحريم النظر وعسر الاطلاع وعدم اعتياده، والرضاع إن لم يكن أولى من
بعضها فهو مثله، وإلى إطلاق ما دل (6) على قيام امرأتين مقام رجل واحد

(1) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات.
(2) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 10 - 12 - 7 - - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 10 - 12 - 7 - - 0 -.
(4) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 10 - 12 - 7 - - 0 -.
(5) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 10 - 12 - 7 - - 0 -.
(6) الوسائل الباب - 15 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء.
345

في الشهادات، وإطلاق قول الباقر عليه السلام في رواية ابن أبي يعفور (1): " تقبل شهادة
المرأة والنسوة إذا كن مستورات " وإلى خصوص قول الصادق عليه السلام في مرسلة
ابن بكير (2) " في امرأة أرضعت غلاما أو جارية، قال: يعلم ذلك غيرها، قلت: لا،
قال: لا تصدق إن لم يكن غيرها " فإن مفهوم الشرط المعتبر هو تصديقها حيث
يعلم ذلك غيرها، والسند مجبور بما عرفت.
ومن ذلك كله يعرف الحال فيما استدل به للخصم من الأصل المقطوع
بما عرفت، والاجماع المعارض بمثله الموهون بما سمعت، والمرسل (3) في المبسوط
الذي قد بان لك الحال فيه، ودعوى عدم عسر اطلاع الرجال على ذلك الممنوعة
على مدعيها، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى قبول شهادتهن منفردات فضلا عن حال
الانضمام، فيثبت حينئذ كسائر أحوال النساء بشهادة رجلين، أو رجل وامرأتين
أو أربع نسوة، وما أبعد ما بين القول بعدم ثبوته بهن وبين المحكي عن القاضي من
عدم ثبوته إلا بهن، لكنه شاذ ضعيف، كضعف المحكي عن التحرير من عدم ثبوته
برجل وامرأتين، مع تصريحه بجواز النسوة كالرجلين، وثبوت أحوال النساء
بالجميع.
وكيف كان فلا تكفي في ثبوته المرأة والمرأتان وفاقا للمشهور، للأصل بعد
معلومية اعتبار المرأتين بواحد فيما تسمع فيه شهادة النساء، بل قد صرح الأصحاب بأن
شهادة النساء حيث تقبل على الانفراد يشترط فيها بلوغ الأربع، واستثنوا من ذلك
ميراث المستهل والوصية بالمال، فأثبتوا بالواحدة ربع المشهود به، وبالاثنين نصفه
وبالثلاث ثلاثة أرباعه، وما عن ابن الجنيد - من أن كل أمر لا يحضره الرجال فشهادة
النساء فيه جائزة كالعذرة والاستهلال والحيض، ولا يقضي به بالحق إلا بأربع
منهن، فإن شهد بعضهن فبحساب ذلك - مع ضعفه لا يتأتى في مثل الرضاع، فإن

(1) الوسائل الباب - 41 - من كتاب الشهادات الحديث 20.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.
(3) المبسوط ج 8 ص 175.
346

الحق فيه لا يقبل القسمة، فالتحقيق حينئذ ما عرفت.
خلافا للمحكي عن المفيد من الاجتزاء بشهادة الاثنتين فيما لا يراه الرجال
كالعذرة وعيوب النساء والنفاس والحيض والولادة والاستهلال والرضاع، بل قال:
" وإذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه " بل
عن سلار موافقته على ذلك غير مشترط عدم وجود غيرها، وعن أبي الصلاح الحكم
بشهادة الاثنتين فيما لا يعاينه الرجال، ويمكن أن يدخل فيه الرضاع.
وعلى كل حال فلم نجد ما يدل على الاجتزاء بالاثنتين سوى قول الباقر عليه السلام
في خبر أبي بصير (1): " يجوز شهادة امرأتين في الاستهلال " وظاهر قول الصادق عليه السلام
في المرسل (2) السابق: " لا تصدق إن لم يكن غيرها " ولا ما يدل على الواحدة
سوى قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (3) وقد سأله عن شهادة القابلة، فقال:
" تجوز شهادة الواحدة " والأول مع أنه في الاستهلال والثاني بالاطلاق الذي يقيد
بما عرفت، على أنه لا جابر له في ذلك، والثالث في غير الرضاع، يمكن حمل
الأول والأخير على إرادة الاجتزاء بالاثنتين والواحدة ولو بالنسبة إلى النصف
والربع، بل يمكن حمل عبارة القائل بالواحدة في خصوص المقام على إرادة الندب،
كما عساه يومئ إليه عبارة السيد في الناصرية، قال: استحب أصحابنا أن يقبل
في الرضاع شهادة المرأة الواحدة تنزيها للنكاح عن الشبهة واحتياطا فيه، واحتج على
ذلك بالاجماع والنبوي " دعها كيف وقد شهدت السوداء " (4) حيث إنها وحدها
شهدت بالرضاع، وحينئذ فيرتفع الخلاف في الواحد وإن بعد التنزيل، وإن أبيت
فلا ريب في ضعفه، كالاجتزاء بالاثنتين، لما عرفت.
ثم لا فرق بناء على القبول بين شهادة أم الزوجة وجدتها وبين شهادة

(1) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 41 - 2.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 41 - 2.
(4) سنن الدارقطني ج 4 ص 177 (كتاب الرضاع من رقم 15 إلى 19).
347

أم الزوج وجدته وبين غيرهن من النساء، لاطلاق الدليل، خلافا للمحكي
عن العامة، ففرقوا بين الصورتين الأولتين، بل الظاهر سماع شهادة بنت الزوجة
والزوج ما لم تتضمن شهادة على الوالد، وما عن الشافعية - من أنه لا يتصور شهادة البنت على
أمها بأنها ارتضعت من أم الزوج، لاشتراط الشهادة عليه بالمشاهدة - يدفعه منع
اشتراطها بذلك، إذ قد يحصل العلم بالاستفاضة ونحوها، ولو شهدت المرضعة بالرضاع
منها بين اثنين أو بينها وبين واحد قبلت مع ثلاث أو أخرى ورجل، لأنها لم تشهد
على فعلها، ولجواز ارتضاعه منها وهي نائمة، ولا تفيد لها أجرة لو ادعتها، بل في القواعد
لو شهدت بأني أرضعته فالأقرب القبول ما لم تدع أجرة، أي بأن أقرت بالتبرع
أو الابراء أو الأخذ، لانتفاء المانع حينئذ، لكن قد يناقش بأنها شهادة على فعل
نفسها، فهي في معنى الدعوى أو الاقرار، وقد يدفع بأن المقصود بالشهادة إنما
هو الارتضاع، وهو فعله، بل عن الشافعية وجه بسماع شهادتها وإن ادعت الأجرة
وإن لم يقبل منها في دعوى الأجرة، وتقبل شهادتها بالرضاع، والأقوى عدم
القبول مطلقا، ضرورة خروج الفرض عن موضوع الشهادة واندراجه في موضوع
الدعوى، كما هو واضح، والله العالم.
(السبب الثالث)
من أسباب التحريم (المصاهرة، وهي) علاقة قرابة تحدث بالزواج
جعلها الله تعالى كما جعل النسب، فقال عز من قائل: (1) " هو الذي خلق من الماء
بشرا فجعله نسبا وصهرا " نعم قد تعارف هنا البحث عن أمور ألحقت بها إلحاقا
وربما عرفها بعضهم بما يشملها توسعا، والأمر سهل.
وعلى كل حال فهو أي السبب المذكور (يتحقق مع الوطء الصحيح)
الناشئ عن العقد ولو تحليلا أو الملك، (ويشكل) تحققه (مع الزنا والوطء
بالشبهة) كما ستعرف الكلام فيه (و) في تحققه أيضا ب‍ (النظر واللمس ف‍) الذي

(1) سورة الفرقان: 25 - الآية 54.
348

ينبغي (البحث) فيه (حينئذ في الأمور الأربعة).
(أما النكاح الصحيح ف‍) كل (من وطأ امرأة) ولو دبرا (بالعقد
الصحيح) الدائم أو المنقطع (أو الملك) عينا أو منفعة بالتحليل (حرم على
الواطئ) أبدا (أم الموطوءة وإن علت) لأب أو أم (وبناتها وإن سفلن)
لابن أو بنت، سواء (تقدمت ولادتهن أو تأخرت ولو لم تكن في حجره) أي
في حضانته وحفظه وستره بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بيننا، بل بين المسلمين
كافة، بل هو إجماع منهم، لقوله تعالى (1): " وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي
في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن " والإماء لو سلم عدم كونهن من النساء
فلا فرق بينها وبينهن إجماعا بقسميه.
كما أن التقييد بالحجور فيها غير معتبر كذلك، قال علي عليه السلام في خبر
غياث بن إبراهيم (2): " الربائب عليكم حرام، كن في الحجر أم لم يكن " وفي
رواية إسحاق بن عمار (3) عنه عليه السلام: " الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي
دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور سواء " وفي صحيح ابن مسلم (4): " في رجل
كانت له جارية فأعتقت وتزوجت فولدت أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج ابنتها؟
قال: لا هي حرام، وهي ابنته، والحرة والمملوكة في هذا سواء " وفي مرسل
جميل (5): " في رجل له جارية فوطأها ثم اشترى أمها أو بنتها قال: لا تحل له
أبدا " إلى غير ذلك مما لا يعارضه الشواذ المطرحة من النصوص، كرواية رزين (6)
قلت لأبي جعفر عليه السلام: " رجل كانت له جارية فوطأها فباعها أو ماتت، ثم وجد
ابنتها أيطؤها؟ قال: إنما حرم الله هذا من الحرائر، وأما الإماء فلا بأس "

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 3 - 2.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 3 - 2.
(4) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 3 - 2.
(5) الوسائل الباب - 21 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 8.
(6) أشار إليها في الوسائل الباب - 21 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 16
وذكرها بعينها في الاستبصار ج 3 ص 161 الرقم 584.
349

وخبر الفضيل بن يسار (1): " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له مملوكة يطؤها
فماتت، ثم يصيب بعد ابنتها، قال: لا بأس، ليست بمنزلة الحرة ".
(و) كما حرم على الواطئ الأم والبنت كذلك يحرم (على الموطوءة)
المذكورة (أب الواطئ وإن علا) لأب أو أم (وأولاده وإن سفلوا) لابن
أو بنت (تحريما مؤبدا) نصا (2) وإجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل
ربما أدرجا في آية حلائل الأبناء (3) وآية " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم " (4)
وإن كنا في غنية عنه بغيره، هذا كله في الوطء بالعقد والملك.
(ولو تجرد العقد عن الواطئ حرمت الزوجة على أبيه) وإن علا (وولده)
وإن سفل على حسب ما عرفت، وتقييد حلائل الأبناء بالذين من أصلا بكم
لاخراج من لم يكن من الصلب كالذي يتبنى (ولم تحرم بنت الزوجة عينا بل)
إنما تحرم (جمعا و) حينئذ ف‍ (لو فارقها) أي الأم قبل الدخول (جاز له
نكاح بنتها) إجماعا، لنص الكتاب (5).
(وهل تحرم أمها بنفس العقد) عليها؟ (فيه روايتان، أشهرهما)
رواية وفتوى (أنها تحرم) بل في الغنية والناصريات الاجماع عليه، لدخولها
تحت " أمهات نسائكم " (6) وللأخبار (7) والاحتياط، خلافا للحسن، فاشترط
الحرمة بالدخول كالبنت، للأصل وصحيح جميل بن دراج وحماد بن عيسى (8)

(1) نقل مضمونها في الوسائل في الباب - 21 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة
الحديث 15 عن الفضيل بن يسار وربعي بن عبد الله قالا: سألناها ورواها في الاستبصار ج 3 ص 161
الرقم 587 كالجواهر.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 22.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(6) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(7) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث - 0 - 3. والثاني عن جميل بن دراج وحماد بن عثمان.
(8) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث - 0 - 3. والثاني عن جميل بن دراج وحماد بن عثمان.
350

عن الصادق عليه السلام: " الأم والبنت سواء إذا لم يدخل بها، يعني إذا تزوج المرأة ثم
طلقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوج أمها وإن شاء ابنتها " ومضمر محمد بن
إسحاق بن عمار (1): " قلت له: رجل تزوج امرأة ودخل بها، ثم ماتت أيحل له
أن يتزوج أمها، قال: سبحان الله كيف يحل له أمها وقد دخل بها؟ قال: قلت
له: فرجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها يحل له أمها، قال: وما الذي
يحرم عليه منها ولم يدخل بها؟ " ولأن الظاهر من الآية (2) كون الدخول قيدا
للنساء في الجملتين، لأن ظاهر الصفة والشرط ونحوهما إذا تعقبت جملا متعاطفة
رجوعها إلى الكل تسوية بينها.
والأصل مقطوع بما عرفت، واحتمال صحيح جميل بن دراج أو ظهوره في أن
قوله: " يعني " من كلام الراوي، بل عن الوسائل أنه رواها عن نوادر ابن عيسى
عارية عن هذه الزيادة، وحينئذ فلا يكون حجة بعد عدم تعين كلام الإمام له،
لجواز رجوع ضمير " بها " إلى الأم، فالمعنى أنه إذا لم يدخل بالأم كانت هي
والبنت سواء في الحل، وأما ما يحكى عن الصدوق رحمه الله - من رواية (3) الخبر
المزبور " الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى " -
فقد قيل من المحتمل قويا أن يكون ذلك من كلام الصدوق تفسيرا بالمعنى، تبعا
لما فسر به في تلك الرواية، نعم قد يقال باستفادة كونه مذهبا له في ذلك لكن
ينافيه ما صرح به في المقنع، قال: " إذا تزوج البنت دخل بها أو لم يدخل فقد
حرمت عليه الأم وقد روي (4) أن الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
(4) المستدرك الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
351

بإحداهما حلت له الأخرى " بل منه يستفاد كون ذلك من تتمة الخبر المزبور،
اللهم إلا أن يكون رواه على مقتضى ما فهمه.
وعلى كل حال فمع التسليم يكفي طعنا في الخبر المزبور هذا الاختلاف
في متنه، ومع ذلك هو مضطرب الاسناد، لأنه كما ذكره الشيخ قال: لأن
الأصل فيه جميل وحماد وهما تارة يرويانه عن الصادق عليه السلام بلا واسطة، وأخرى
يرويانه عن الحلبي عنه عليه السلام، بل جميل يرويه مرة ثالثة عن بعض أصحابه عن
أحدهما عليه السلام ومثل ذلك مما يضعف الاحتجاج به في الثاني، مع أنه مضمر لا صراحة
فيه أيضا.
وأما الآية فالتحقيق أن القيد في الجمل المتعاطفة التعلق بالأخيرة ولو لأصالة
بقاء ما قبلها على الاطلاق وخصوصا هنا، لأنه إن علق بالجملتين قوله تعالى:
" اللائي " إلى آخره لزم الفصل بين الصفة وموصوفها بأجنبيات، وإن علق بها جملة
قوله تعالى: " من نسائكم اللاتي " إلى آخره لم يصح إلا أن يكون " من " باعتبار
الأولى بيانية، وباعتبار الثانية (1) وهو وإن سلم جوازه ولو بأن تحمل بالنسبة
إليهما على الاتصالية، نحو قوله تعالى (2): " المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض "
ويكون المجموع حالا عن أمهات النساء والربائب جميعا، لكنه لا بد له من قرينة
وليست، بل هي على خلافها من النصوص محققة.
قال الصادق عليه السلام في خبر ابن عمار (3): " إن عليا عليه السلام كان يقول: الربائب
عليكم حرام من الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور وغير الحجور سواء، والأمهات
مبهمات دخل أم لم يدخل، فحرموا وأبهموا ما أبهم الله ".
وقال أبو حمزة في خبر العياشي (4): " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح هكذا " وباعتبار الثانية ابتدائية ".
(2) سورة التوبة: 9 الآية 67.
(3) ذكر صدره في الوسائل الباب - 18 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3
وذيله في الباب - 20 - منها الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
352

امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها أتحل له ابنتها؟ قال: فقال: قد قضى في هذا
أمير المؤمنين عليه السلام، لا بأس به إن الله يقول: وربائبكم اللاتي في حجوركم - إلى
آخرها - ولكنه لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها،
قال: قلت: أليس هما سواء؟ قال: فقال: لا، ليس هذا مثل هذا، إن الله تعالى يقول:
وأمهات نساءكم، ولم يستثن في هذه كما اشترطه في تلك، هذه مبهمة ليس فيها شرط
وتلك فيها شرط " مضافا إلى غير ذلك من النصوص (1) المصرحة باعتبار الدخول
في تحريم الربيبة وعدمه في تحريم الأم التي لم يتعرض فيها للتفسير.
بل قد يظهر من صحيح منصور بن حازم (2) - الذي استدل فيه الخصم، وهو
على خلافه أدل - معلومية قضاء علي عليه السلام في ذلك بين الشيعة حتى أنهم كانوا
يفتخرون فيه على غيرهم، قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فأتاه رجل فسأله
عن رجل تزوج بامرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أيتزوج بأمها؟ فقال أبو عبد الله:
قد فعله رجل منا، فلم نر به بأسا، فقلت: جعلت فداك ما يفخر الشيعة إلا بقضاء
علي عليه السلام في هذه السمحة التي أفتى بها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك، ثم أتى عليا
عليه السلام، فقال له علي عليه السلام: من أين أخذتها؟ فقال: من قول الله تعالى: وربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن إلى آخرها، فقال علي عليه السلام:
هذه مستثناة وهذه مرسلة وأمهات نسائكم، فقال أبو عبد الله عليه السلام للرجل: أما
تسمع ما يروى هذا عن علي عليه السلام؟ فلما قمت ندمت، وقلت: أي شئ صنعت، يقول
هو: قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا، وأقول أنا: قضى علي عليه السلام فلقيته بعد ذلك،
فقلت: جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي كنت تقول، كان زلة مني، فما
تقول فيها؟ فقال: يا شيخ تخبرني أن عليا عليه السلام قضى فيها، وتسألني فما تقول
فيها " كما أن منه يظهر الوجه في حمل الخبرين المخالفين بعد فرض دلالتهما،

(1) الوسائل والمستدرك الباب - 18 و 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(2) ذكر صدره وذيله في الوسائل الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة
الحديث 1 وتمامه في الكافي ج 5 ص 422.
353

وهو التقية المستفادة من هذا الصحيح بوجوه من الدلالة، فحينئذ لا ريب في المسألة
والله العالم.
(ولا تحرم مملوكة الأب على الابن بمجرد الملك، ولا مملوكة الابن
على الأب)، للأصل، وظهور حصر المحرمات في غيرهما، ضرورة عدم اندراجهما
في حليلة الابن ومنكوحة الأب، واحتمال كون المراد منهما من جاز وطؤها
(و) لو بالملك مقطوع بعدمه، مناف للظاهر من لفظي الحلائل والنكاح. نعم
(لو وطأ أحدهما مملوكته) ولو دبرا (حرمت على الآخر) إجماعا ونصا (1)
(ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلا بعقد أو ملك أو تحليل)،
لقاعدة قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه.
(و) لكن (يجوز للأب أن يقوم مملوكة ابنه إذا كان صغيرا ثم يطؤها
بالملك) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة
بعد النصوص (2) إنما الكلام في أن المراد من تقويمها تملكها بعقد شرعي كبيع
ونحوه، أو يكفي في دخولها في ملكه مجرد تقويمها على أن تكون مملوكة له بالقيمة
في ذمته مثلا لولده، قد صرح غير واحد من الأصحاب بالأول، لأصالة عدم دخولها
في الملك إلا بالمملك الشرعي، بل في جامع المقاصد القطع بذلك تارة، ونفى الخلاف
أخري، قال: " ولا يكفي مجرد التقويم قطعا، إذ لا ينتقل الملك، إلا بسبب
ناقل، وقبله لا يجوز التصرف، ولا أثر للتقويم بدون العقد المملك، ولا خلاف
في شئ من هذه الأحكام " وهو إن تم إجماعا كفى، وإلا أمكن أن يحتمل الثاني
عملا بظاهر النص (3) وما كان كالمتن من الفتوى، ويكون حينئذ شبه فرض
القيميات، وحينئذ يتجه احتمال الاقتصار في هذا الحكم على خصوص الأب
لا الجد، وخصوص مملوكة الولد لا البنت، جمودا على ما خلف الأصل
على المتيقن، وإن كان الذي يقوى في النظر العموم، للقطع باتحاد الجميع، بل ينبغي

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 40 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 40 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
354

القطع به على الأول، ضرورة تسلط الجد على التصرفات جميعها التي منها ذلك،
كما أنه ينبغي القطع بعدم الفرق بين الولد والبنت عليه أيضا كما هو واضح.
(ولو بادر أحدهما فوطأ مملوكة الآخر من غير شبهة كان زانيا)
بلا خلاف ولا إشكال، وفي نشر الحرمة بذلك ما سيأتي (لكن لا حد على الأب)
الذي هو أصل للولد ومالك له ولما له، كما كشف عن ذلك النص (1) وبه صرح
في القواعد والإرشاد والتلخيص والمسالك وجامع المقاصد، بل لا أجد فيه خلافا
كما اعترف به في جامع المقاصد، إلا أني لم أجد به نصا بالخصوص على وجه
يصلح مقيدا لما دل على الحد بالزنا، بل لم أعثر على من استثناه في كتاب الحدود،
كما استثنوا سقوط الحد على الوالد بسرقة مال الولد، بل في المسالك في شرح
المسألة الرابعة من الشرائع في كتاب الحدود في حد السارق ما هو كالصريح
في مفروغية ترتب حد الزاني على الأب لو زنى بجارية الابن، فلاحظ وتأمل،
والله العالم.
(وعلى الابن الحد) لا طلاق أدلته (ولو كان هناك شبهة سقط الحد)
عنه للأمر بدرئه عندها (2) (ولو حملت مملوكة الأب من الابن مع الشبهة)
الملحقة للولد بأبيه (أعتق) قهرا، لعدم ملك الأب ولده وإن نزل فينعتق حينئذ
على جده المالك للجارية (ولا قيمة على الابن) للأصل وغيره (و) ليس هكذا
(لو حملت مملوكة الابن من الأب) شبهة، فإنه (لم ينعتق) على الولد
المالك للجارية، لأن الرجل يملك أخاه (و) لكن (على الأب فكه) منه
(إلا أن تكون أنثى) فتنعتق قهرا على أخيها، ولا قيمة على الأب.
(ولو وطأ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على الولد، لسبق الحل)
وكذا العكس، وإن قلنا: إن الشبهة تنشر الحرمة لكن إذا لم يكن العقد مثلا
سابقا كما ستعرف البحث فيه، (وقيل: تحرم لأنها منكوحة الأب) فتندرج

(1) الوسائل الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب حد الزنا الحديث 11 من كتاب الحدود.
355

في عموم (1) " ولا تنكحوا " وفيه أن المراد من النكاح فيها العقد كما ستعرف،
(و) عليه (يلزم الأب مهرها) بما استحل من فرجها، (ولو عاودها الولد
فإن قلنا) بالثاني أي أن (الوطء بالشبهة ينشر الحرمة كان‍) ت حينئذ أجنبية عنه،
ف‍ (عليه) لها (مهران) إذا كان قد عاودها مشتبها: أحدهما المسمى السابق،
والثاني مهر المثل للوطء الأخير، وهكذا (وإن قلنا) بالأول أي أن وطء الشبهة
(لا يحرم وهو الصحيح) عند المصنف كما ستعرفه أو في خصوص الفرض (فلا مهر)
عليه (سوى الأول) ضرورة بقائها حينئذ على زوجيته ولم تحرم عليه بوطء أبيه
كما هو واضح. والله العالم.
(ومن توابع المصاهرة تحريم أخت الزوجة) لأب وأم أو لأحدهما
(جمعا لا عينا) كتابا (2) وسنة (3) مستفيضة أو متواترة وإجماعا بقسميه،
بل لا يجوز الجمع بينهما بالوطء بالملك، لذلك أيضا، وما في خبر ابن يقطين (4) -
" سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن أختين مملوكتين وجمعهما، قال: مستقيم ولا أحبه لك،
قال: وسألته عن الأم والبنت المملوكتين قال: هو أشدهما ولا أحبه لك " - محمول
على إرادة الجمع في الملك أو على التقية، كخبر الحلبي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" قال محمد بن علي عليه السلام في أختين مملوكتين تكونان عند الرجل جميعا قال: قال علي
عليه السلام: أحلتهما آية (6) وحرمتهما آية أخرى (7)، وأنا أنهى عنها نفسي
وولدي " فإن الظاهر كون الداعي إلى هذا الاجمال التقية، وإن كان هو ظاهرا
في إفادة التحريم، ضرورة ظهور قوله عليه السلام: " وأنا أنهى نفسي " في رجحان آية
النهي وأن العمل عليها، بل منه يستفاد ترجيح النهي في العامين من وجه فإن ذلك

(1) سورة النساء: 4 - الآية 22 - 23.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 22 - 23.
(3) الوسائل الباب - 24 و 25 و 26 و 27 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 3.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 3.
(6) سورة النساء: 4 - الآية 3 و 24 و 25.
(7) سورة النساء: 4 - الآية 23.
356

منه، إذ آية التحليل آية الملك وآية التحريم آية النهي عن الجمع بين الأختين،
قال معمر بن يحيى بن بسام (1): " سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروي الناس عن
أمير المؤمنين عليه السلام عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلا نفسه
وولده، فقلت: كيف يكون ذلك؟ قال: أحلتها آية وحرمتها أخرى، فقلنا: هل
إلا أن تكون إحداهما نسخت الأخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟
فقال: قد بين لهم إذ نهى نفسه وولده، قلنا: ما منعه أن يبين ذلك للناس؟ قال:
خشي أن لا يطاع، ولو أن أمير المؤمنين عليه السلام ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله والحق
كله " وكيف كان فلا إشكال في أصل الحكم.
(و) من توابعها أيضا تحريم (بنت أخت الزوجة وبنت أخيها إلا برضا
الزوجة و) حينئذ ف‍ (لو أذنت صح) وإلا فلا، بلا خلاف معتد به أجده في شئ
من ذلك، بل الاجماع مستفيضا أو متواترا عليه كالنصوص (2) فما عن الإسكافي
والعماني من الجواز مطلقا بعد تسليم صحة ذلك عنهما لاطلاق قوله تعالى (3):
" وأحل لكم ما وراء ذلكم " وخبر علي بن جعفر (4) " سألت أخي موسى عليه السلام
عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها، قال: لا بأس " المقيدين بغيرهما
من النص (5) والاجماع واضح الضعف، كوضوح ضعف المحكي عن الصدوق
من المنع مطلقا، لا طلاق جملة من النصوص (6) المقيد أيضا بما عرفت، خصوصا
بعد أن كان مذهب جميع العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، بل لا يبعد عدم
قدح خلافهما في الاجماع السابق لهما (و) اللاحق، فالمسألة حينئذ لا إشكال
فيها.
نعم (له إدخال العمة والخالة علي بنت أخيها وأختها ولو كره المدخول

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(4) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 - 1 - 0 -.
(5) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 - 1 - 0 -.
(6) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 - 1 - 0 -.
357

عليها) بلا خلاف معتد به أجد فيه، بل عن التذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة
بعد الأصل وعموم الآية (1) وخصوص خبر ابن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه السلام
" لا تزوج ابنة الأخ ولا ابنة الأخت على العمة ولا على الخالة إلا بإذنهما، وتزوج
العمة والخالة على ابنة الأخ والأخت بغير إذنهما " ونحوه خبره الآخر (3) وخبر
علي بن جعفر (4) عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن امرأة تزوجت على عمتها وخالتها،
قال: لا بأس، وقال: يتزوج العمة والخالة على ابنة الأخ وبنت الأخت، ولا تزوج
بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضا منهما، فمن فعله فنكاحه باطل "
وخبر مالك بن عطية (5) عن الصادق عليه السلام " لا تنكح المرأة على خالتها، وتزوج
الخالة على ابنة أختها " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك، فما عن المقنع من
إطلاق المنع كالعكس واضح الفساد، كاحتمال الاستدلال له بقول الصادق عليه السلام في خبر
أبي الصباح (6) " لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة
وخالتها " إذ هو مطلق يجب حمله على المقيد هذا، ولكن في بعض القيود إن القول
بالجواز وإن كرهتا مناف لخبر ابن مسلم (7) عن الباقر عليه السلام " لا تتزوج الخالة
والعمة على ابنة الأخ وابنة الأخت بغير إذنهما ".
وفيه أن الذي عثرنا عليه في الأصول من خبر ابن مسلم " تتزوج الخالة "
إلى آخره من دون نهي، نعم رواه في المسالك كذلك، والظاهر أنه وهم منه، وعلى
تقديره يمكن حمله على إرادة الإذن من العمة والخالة كما جزم به في المسالك،
حيث إنه بعد أن ذكر الجواز قال: " ولكن بشرط علم الداخلة بكون المدخول عليها
زوجة، وإلا لم يصح، والمصنف أطلق الجواز، وهو محمول على رضا الداخلة، ثم

(1) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 12 - 3.
(3) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 12 - 3.
(4) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 12 - 3.
(5) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9 وفيه " لا تتزوج
المرأة... "
(6) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 5.
(7) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 5.
358

على تقدير جهلها بالحال فهل يقع العقد باطلا أم يتوقف عقد الداخلة على
رضاها أم عقدها وعقد المدخول عليها؟ أوجه، أوجهها الوسط، لأن جواز عقد
الداخلة مشروط برضاها، فلا وجه لابطاله بدونه، وعقد السابقة قد حكم بصحته
ولزومه قبل العقد الثاني فيستصحب، والحق في ذلل للداخلة، فتتخير في عقد نفسها
بين فسخه والرضا بمصاحبة المدخول عليها، وكون رضاها شرطا في صحة الجمع
لا يدل على أزيد من ذلك، لأن العقد حينئذ لا يقصر عن عقد الفضولي، وسيأتي
تحقيقه " وظاهره المفروغية من اعتبار رضاها، ولعله أخذه ما تسمعه في نكاح
الحرة على الأمة، بناء على اشتراك المسألة في كيفية دلالة الدليل، وفي حكمة
الحكم، وهي الاحترام، إلا أنه ستعرف هناك عدم اعتبار الإذن في الجواز والصحة،
وإنما تتسلط هي على الخيار، كما ستسمع، اللهم إلا أن يريدوا ذلك هنا أيضا،
وفيه أنه بعد التسليم لا يخرج عن القياس.
ومن هنا قال في الرياض: " لا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول
عليها بنت أخ أو أخت أم لا وفاقا للأكثر، للأصل وإطلاق النصوص " وعن العلامة
اشتراط العلم ومستنده غير واضح، والنصوص باعتبار إذنهما مختصة بالصورة
الأولى، وظاهره عكس ما سمعته من المسالك، نعم في قواعد الفاضل " الأقرب أن
للعمة والخالة حينئذ فسخ عقدهما لو جهلتا، لا المدخول عليهما، أي لا عقد المدخول
عليهما، لأصالة صحته ولزومه، ولا أحدهما يقع باطلا، لأصالة الصحة واستصحابها
مع عدم الدليل على البطلان، فليس حينئذ إلا فسخ عقد أنفسهما مع عدم رضاهما "
وفيه أن المتجه ما عرفت من الصحة واللزوم فيهما اقتصارا فيما خالف الأصل على
المتيقن، وهو الصورة الأولى التي هي المناسبة لاحترام العمة والخالة، لا المفروضة،
وخبر أبي الصباح (1) مع أنه ضعيف لا جابر له في خصوص ما نحن فيه، وموافق
باطلاقه للعامة يقوى في الظن إرادة الصورة التي صرحت النصوص بالمنع من الجمع
فيها من دون الإذن، وهي إدخال بنت الأخ والأخت على العمة والخالة، لا ما نحن

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
359

فيه الذي أطلق في النصوص جوازه، بل لو سلم عدم التفات النصوص إلى الإذن وعدمها
في هذه الصورة لاكتفينا في حليتها بعمومات الحل، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى
عدم اعتبار الإذن، وعليه لا يحتاج إلى البحث في تنقيح الاحتمالات المذكورة
في المسالك تبعا لجامع المقاصد وإن كان الأقوى فيها على القول باعتبار الإذن أن لهما
فسخ عقد أنفسهما لا المدخول عليهما، وهو واضح.
بل قد يقال إن مقتضى ما ذكرنا جواز الجمع بينهما بعقد واحد بغير إذن
منهما، لاختصاص النصوص باعتبار الإذن في صورة إدخالهما على العمة والخالة، اللهم
إلا أن يستفاد حكم ذلك مما تسمعه في الجميع بين الحرة والأمة بعقد واحد بناء
على اتحادهما في كيفية دلالة الدليل، وقد ورد الخبر الصحيح (1) هناك بصحة
عقد الحرة دون الأمة أي مع عدم الإذن فلاحظ وتأمل جيدا، هذا.
وظاهر النصوص والفتاوى اختصاص الحكم في التزويج فلا يحرم الجمع بينهما
بالوطء بالملك للتعبير بالتزويج والنكاح في أكثر النصوص (2) وهو حقيقة في العقد،
بل لو سلم اشتراكه بينه وبين الوطء فالقرينة على إرادة العقد منه هنا ظاهرة، لأن
المملوكة ليست أهلا للإذن ولا للسلطنة على النكاح، وكذا لو كانت العمة والخالة
أمتين له وأدخل عليهما بنت الأخ والأخت حرتين، بل لعله أولى بالجواز،
بل لو انعكس الفرض بأن كانت العمة والخالة حرتين وأدخل عليهما بنت الأخ
والأخت المملوكتان، فكذلك أيضا.
ودعوى المنع للأولوية من إدخالهما حرتين يدفعها منع الأولوية، لعدم
استحقاق الأمة الاستمتاع، كاحتمال منع مطلق الجمع للنهي عنه في خبر
أبي الصباح (3) ولأن النكاح بمعنى الوطء لغة، ولأن الملك بمنزلة النكاح
في الاستفراش، ولأن الحكمة احترام العمة والخالة بالنسبة إلى بنت الأخ والأخت
والاحتراز عن وقوع البغضة بينهما، إذ قد عرفت ضعف خبر أبي الصباح، ولا جابر له

(1) الوسائل الباب - 48 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 0 - 7.
(3) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 0 - 7.
360

بالنسبة إلى ذلك، مع أنه موافق للعامة، وقد عرفت أن النكاح العقد، وأنه على
تقدير اشتراكه يراد منه العقد، ووضوح الفرق بينه وبين النكاح في الاحترام
والامتهان وغيرهما، فالتحقيق قصر الحرمة على خصوص التزويج.
نعم لا فرق فيه بين الحرائر والإماء، لا طلاق الأدلة، بل لعل المنع هنا
أولى في بعض الأفراد، وأما التحليل فالظاهر إلحاقه بالملك في الحكم لا التزويج،
كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله في محله.
كما أن الظاهر عدم الفرق في العمة والخالة بين الدنيا والعليا وإن احتمل
الاقتصار على الأولى، لمخالفة الحكم للأصل إلا أن الأقوى التعميم، للاشتراك
في العلة، واحتمال شمول اللفظ للجميع، خصوصا في مثل النكاح الثابت نظير ذلك
فيه في نظائر هذا اللفظ في المحرمات ونحوها، والله هو العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة
من غير إذنهما كان العقد باطلا) لا تنفع الإجازة بعده، لاقتضاء النهي ذلك
في المعاملة، بل لعله يقتضي هنا خروج الموضوع عن قابلية النكاح، كالنهي
عن النسبيات، ولقول الكاظم عليه السلام في خبر أخيه (1): " فمن فعل فنكاحه باطل "
لأن رضا العمة والخالة شرط في صحة العقد، فيجب مصاحبته للمشروط، كما
هو الأصل في الشرائط، أي الظاهر من أدلتها خصوصا في المقام.
(وقيل) والقائل الشيخان وأتباعهما بل نسبه غير واحد إلى الأكثر (كان
للعمة والخالة الخيار في إجازة العقد وفسخه أو فسخ عقدهما بغير طلاق) فيكون
لهما الفسخ بغير طلاق من زوجهما (والاعتزال) عنهما والأول لوقوع العقدين
صحيحين، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنه صدر من أهله في محله جامعا
لشرائطه، فلا يؤثر تجدد البطلان بفسخ العمة والخالة في صحته الأصلية كغيره
من العقود الموقوفة على رضا الغير إذا وقع صحيحا، فكانت حينئذ نسبة العقدين
إلى العمة والخالة على السواء، ولما كان الجمع موقوفا على رضاهما تخيرا في رفع

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
361

الجمع بما شائا من فسخ عقدهما وعقد الداخلة، لأن كلا منهما يحصل به رفع الجمع
الذي قد جعل إليهما.
وفيه أن العقد الأول لازم بالأصل، ورفع الجمع يحصل بفسخ العقد الطارئ
الذي هو متعلق الرضا، ورفع الجمع وإن كان يحصل لكل منهما إلا أن فسخ
السابق قد منع منه مانع شرعي، وهو سبق لزومه، فيختص التسلط على رفع الثاني،
كما اختص الفساد بعقد الأخت الطارئ على عقد أختها، لا أقل من أن يكون
ذلك مرجحا لفسخه على فسخ عقدها، على أن ظاهر النصوص التي سمعتها اعتبار
الإذن في صحة العقد الطارئ، فلم تجتمع شرائط الصحة بدونها، بخلاف الأول،
ولذا لم يجز له التصرف به قبل استئذانهما وإن كانتا غير عالمين، بل لو ماتتا
قبل علمهما لا بد من تجديد العقد، فدعوى تمامية شرائط صحة العقد الثاني في غير
محلها، بل هو كالفضولي في غير المقام الذي شبهه به المستدل، وحينئذ فيختص هو
بالتوقف على الإذن صحة وفسادا، وهو القول الثالث الذي اختاره جماعة
من المتأخرين، فجميع ما عرفته في حجية الفضولي من عموم " أوفوا " (1) وغيره،
بل لعله أولى بالصحة منه، فإن الذي تعقب فيه رضا من بيده عقدة النكاح
بخلافهما، وليس في شئ من النصوص هنا زيادة على اعتبار الرضا في المقامين، بل
تلك الأدلة أوضح في اشتراطه منها هنا، فكما قلنا هناك باندراج العقد المتعقب
بالرضا في الاطلاقات والعمومات فكذا هنا، وحينئذ فيراد بما دل على النهي بدون
الرضا ما فقده سابقا ولاحقا، ومنه الخبر الذي استدل به للقول الأول، ضرورة
شموله لما تعقبه الإذن، بل منه يعلم ما في دعوى دلالة مثل هذا النهي على الفساد،
وأغرب منها دعوى دلالته على خروج الموضوع عن القابلية كالنسبية، ضرورة عدم
كون المقام من ذلك، فإنه محلل بالإذن لا من المحرمات، بل منه يعلم ما
في دعوى ظهور الشرطية في المصاحبة، فإن شرطية الرضا ليست من هذا القبيل،
خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرناه من أدلة الفضولي وما وقع في الشرع مما يعلم منه

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
362

كون شرطية الرضا ولو متأخرا في جميع ما اعتبر فيه من العقود كافيا، كما لا يخفى على
من كشف الله بصيرته.
فبان حينئذ فساد القول الأول الذي لم نتحقق القائل به بعد احتمال إرادة
البطلان في نحو عبارة المتن الوقوف على الإذن إلا ما يحكي عن ابن إدريس هنا من
بطلان الثاني وتزلزل العقد الأول، وهو القول الرابع في المسألة، محتجا على الأول
بما سمعته من الأدلة السابقة، ولم يتعرض لدليل الثاني، وفي المسالك كان الأصل
فيه نقله عن الشيخ تزلزل العقدين، واعترضه بالنهي الدال على فساد الثاني، وأبقى
الأول على حاله، فاضطربت فتواه، لأنه إذا وقع الطارئ فاسدا لم يكن لتخيرها
في فسخ عقد نفسها وجه، لأن المقتضي للفسخ الجمع، ومع وقوع العقد فاسدا
لا جمع، ولعل ما ذكره من حمل كلامه على ذلك أولى، وإلا فهو من المستغربات
التي لا ينبغي أن تنسب إلى فقيه.
(و) قد تبين بذلك كله أن القول الثالث لا (الأول) الذي اختاره
المصنف (أصح) الأقوال، اللهم إلا أن يرجع إليه كما عرفت.
ولو كانت العمة أو الخالة مجنونتين مثلا ففي سقوط اعتبار إذنهما أو انتقاله
إلى وليهما أو لا يصح العقد لانتفاء شرط صحته وجوه: أوسطها أوسطها (1)، سيما إذا
كانتا صغيرتين مثلا، ولكن لم أجد شيئا من ذلك في كلام أحد من الأصحاب، ولا فيما
إذا عرض الجنون لهما مثلا بعد العقد، بل ولا غير ذلك من الفروع المتصورة في المقام.
هذا كله في حرمة المصاهرة وتابعها بالوطء الصحيح.
(وأما الزنا) ونحوه (فإن كان طارئا) على الدخول الصحيح بعقد
أو ملك (لم ينشر الحرمة) للأصل والاجماع بقسميه، بل لعل المحكي منهما

(1) في هامش النسخة الأصلية هنا تعليقة منه قدس سره وهي: " أقول هو كذلك
في مسألة اعتبار إذن الحرة في نكاح الأمة قطع بعدم شمول أدلة الولاية لمثله ورجح الصحة
حسن وفقه الله ".
363

مستفيض أو متواتر كالنصوص التي (1) منها المشتملة على التعليل بأنه " لا يحرم
الحرام الحلال " وأنه " ما حرم حرام قط حلالا " وحينئذ (فمن تزوج بامرأة)
ودخل بها (ثم زنى بأمها أو بنتها أو لاط بأخيها أو أبيها أو ابنها أو زنى بمملوكة
أبيه الموطوءة) له (أو ابنه) كذلك لم تحرم عليه امرأته ومملوكته (فإن
ذلك كله) وما شابهه (لا يحرم السابقة) بل إطلاقها خصوصا التعليل فيها
كالفتاوى عدم الفرق في الزوجة بين المدخول بها وغيرها، خلافا للمحكي عن أبي علي،
فقال: " إن عقد الأب أو الابن على امرأة فزنى بها الآخر حرمت على العاقد ما لم
يطأها، لعموم " ما نكح آباؤكم " (2) مع عدم القول بالفرق ولموثق عمار
عن الصادق عليه السلام (3) " في الرجل تكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها
الجد أو الرجل يزني بالمرأة هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال: لا، إنما ذلك
إذا تزوجها فوطأها ثم زنى بها ابنه لم يضره، لأن الحرام لا يفسد الحلال،
وكذلك الجارية " بل حكي عنه بعضهم اعتبار الدخول في عدم النشر مطلقا
لا في خصوص معقودة الأب والابن، ولعله لفهم التعميم في خبر الكناني (4) عن أبي
عبد الله عليه السلام " إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا، وإن كان قد تزوج
ابنتها قبل ذلك ولم يدخل بها فقد بطل تزويجه، وإن هو تزوج ابنتها ودخل
بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو
دخل بها " لكنه ضعيف جدا، بل في الرياض قد ادعى جماعة من الأصحاب الاجماع
على خلافه.
ويمكن منع إرادة الوطء من الآية أوما يعمه، وعلى تقديره يخص بالأخبار

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 0 - 8.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 22.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 وفيه " هل يجوز
لأبيه " كما في الكافي ج 5 ص 420 إلا أن في الاستبصار ج 3 ص 164 الرقم 597 هل
يحل لأبيه ".
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 0 - 8.
364

السابقة والاجماعات، والخبر الأول - مع ما قيل إنه ضعيف سندا ودلالة - قاصر
عن تقييد غيره كالثاني نعم ظاهر تقييد المصنف والفاضل الأمة بالموطوءة انتفاء
الحكم مع انتفاء الوطء لكن في القواعد قبل ذلك بقليل " ولو وطأ أحدهما مملوكة
الآخر بزنا أو شبهة ففي التحريم على المالك نظر " ومراده بقرينة ما بعده الزنا بها
قبل وطء المالك لها.
واختار في جامع المقاصد الحرمة بعد أن حكاها عن الشيخ وابن الجنيد
والبراج وجماعة، لعموم " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم " مع عدم القول بالفرق،
وخبر عمار السابق الذي لا يقدح ضعفه على ما قيل بعد اعتضاده بظاهر الآية
وغيره من الأخبار (1) كما في جامع المقاصد وبعد تأييده بأخبار (2) تحريم زوجة
أحدهما عليه بزنا الآخر قبل العقد، كما في كشف اللثام، وبعد تأيده أيضا
بخبر الكاهلي (3) قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن رجل اشترى جارية
ولم يمسها فأمرت امرأته ابنه وهو ابن عشر سنين أن يقع عليها، فوقع عليها،
فما ترى فيه؟ قال: أثم الغلام، وأثمت أمه، ولا أرى للأب إذا قربها الابن أن
يقع عليها " الحديث، هذا.
ولكن قد يناقش بأنه - مع مخالفته للأصل وعموم " ما ملكت أيمانكم " (4)
وعموم " لا يحرم الحرام الحلال " (5) - منع كون النكاح بمعنى الوطء لغة،
لما عرفت، ومعارضة الخبر بقول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة (6): " إن زنى
رجل بامرأة أبيه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها، ولا يحرم الجارية

(1) الوسائل الباب 4 و 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(2) الوسائل الباب 4 و 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 3 و 24 و 25.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 12.
(6) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
365

على سيدها، إنما يحرم ذلك منه إذا كان أتى الجارية، وهي حلال فلا تحل تلك
الجارية أبدا لأبيه ولا لابنه " وخبر مرازم (1) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسئل
عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع، فقال: أثمت وأثم ابنها،
وقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له: أمسكها إن الحلال لا يفسده
الحرام " ولعله لذا كان المحكي عن ابن إدريس عدم الحرمة.
لكن قد يقال: إن التعارض بين الأدلة جميعها من العموم والخصوص والاطلاق
والتقييد فيجب حينئذ حمل المطلق فيها على المقيد والعام على الخاص، ودعوى
قصوره عن ذلك مدفوعة بما عرفت، بل قد يقال: إن خبر مرازم المسؤول فيه
عن قضية الامرأة هو بعينه ما في خبر الكاهلي، وإن الإمام عليه السلام أجابه بالإمساك
تقية، فإن المعروف عندهم كما قيل الحل، بل التعليل فيه مبني على ذلك، ضرورة
إمكان الشك في اندراجها تحت الحلال قبل اتخاذها فراشا، إذ ليس الملك لها
يجعلها كذلك، ولذا لم تحرم على ابنه ولا على غيره بمجرد الملك، بل لعل
ابن إدريس قال بالحل بناء منه على ما ذهب إليه من أن الزنا للسابق لا ينشر
حرمة، وستعرف ضعفه.
واحتمال أن النشر هنا باعتبار قيام الملك مقام العقد - فيكون من الزنا
اللاحق الذي قد عرفت أنه لا يحرم الحلال وإن كان قبل الدخول، ولذا تردد
العلامة في التحريم هنا، مع قوله بأن الزنا السابق ينشر واللاحق لا ينشر - يدفعه
ما عرفت من ظهور كون المراد بالحلال الفرج المستباح بسببه المخصوص كالعقد
أو الذي وطأ بسببه الشامل له ولغيره، كالأمة المملوكة الموطوءة مثلا.
وعلى ذلك يتجه بناء هذه المسألة على مسألة نشر الزنا السابق، وهو الذي
ذكره المصنف بقوله: (وإن كان الزنا سابقا على العقد فالمشهور تحريم بنت
العمة والخالة إذا زنى بأمها) بل عن المرتضى والتذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
366

مضافا إلى خبر محمد (1) قال: " سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا جالس عن رجل نال
من خالته في شبابه ثم ارتدع، أيتزوج ابنتها؟ فقال: لا، فقال: إنه لم يكن أفضى
إليها إنما كان شئ دون شئ، فقال: لا يصدق ولا كرامة " وخبر الخزار (2) عنه عليه السلام
أيضا قال: " سأله محمد بن مسلم وأنا جالس " الحديث بأدنى تفاوت.
وناقش فيه في المسالك بضعف السند، وعدم التصريح فيه بالوطء بل بعدمه الذي
لا يليق بمنصب الإمامة تكذيبه فيه، وأنه في الخالة خاصة، وحينئذ فيتجه إدراج
حكم الزنا بهما في حكم غيرهما الذي ستعرف البحث فيه، لا أنهما بخصوصهما
ينشر الزنا بها الحرمة وإن لم نقل به في غيرهما كما وقع من بعضهم.
وفيه أنه خبر لا يعرف للطائفة خلاف في مضمونه، على أن الشيخ وإن رواها
بطريق موثق لكن الكليني بطريق حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم، ويمكن أن
يكون التكذيب عن علم منه بالواقع، ولا زالوا يخبرون بأمثال ذلك، وإلحاق
العمة بها لعدم القول بالفصل، بل عن السرائر (3) روى " أن من فجر بعمته أو خالته
لم يحل ابنتاهما أبدا " فيمكن أن يكون رواية لم تصل إلينا، على أن العمدة
الاجماع الذي عرفته، ولا يقدح فيه توقف ابن إدريس فيه.
هذا كله مع فرض عدم النشر في الأجنبية، وإلا فلا ريب في النشر فيهما،
ضرورة تناول الأدلة لهما، بل هما أولى. فمن العجب توقف العلامة في المختلف
هنا مع حكمه بالنشر في الأجنبية، ولعله في إثبات الحكم فيها بالخصوص وإن
كان فيه ما عرفت من أنه لا ينبغي التأمل أيضا بعد الاجماعين والخبرين المزبورين
المؤيدة بمرسل السرائر، والله العالم.
(أما الزنا بغيرهما فهل ينشر حرمة المصاهرة كالوطء الصحيح؟ فيه روايتان
إحداهما ينشر (4) وهي أوضحهما طريقا) وأكثرهما عددا وعاملا، (والأخرى

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
367

لا ينشر) (1) ولكن العمل على الأولى وفاقا للأكثر نقلا مستفيضا ومحصلا، بل
هو المشهور كذلك، إذ هو خيرة الشيخ في النهاية والتهذيب والاستبصار، وأبي الصلاح
وبني البراج وحمزة وزهرة وسعيد، والعلامة في التذكرة والمختلف، وولده في الإيضاح،
والشهيد في اللمعة وظاهر النكت، والسيوري في الكنز والتنقيح، وابن فهد في المقتصر
وظاهر المهذب، والصيمري في غاية المرام وتلخيص الخلاف، والمحقق الكركي
في كنز الفوائد، والشهيد الثاني في الروضة والمسالك، وسبطه الفاضل في شرح النافع،
والفاضل الهندي في كشف اللثام، والعلامة الطباطبائي في مصابيحه، والمقدس
البغدادي، بل في الكافي روى في " باب الرجل يفجر بالمرأة فيتزوج أمها
أو بنتها " الأخبار الدالة على التحريم مقتصرا عليها، وظاهره القول بالحرمة،
وقد عرفت أن ابن الجنيد حرم مزنية الأب والابن على الآخر بعد التزويج قبل
الوطء، وهو يقتضي التحريم بالزنا قبل العقد بطريق أولى، وفي المحكي عن التبيان
والطبرسي في مجمع البيان في قوله تعالى (2) " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم
من النساء " و " كل من عقد عليها الأب من النساء تحرم على الابن دخل بها الأب
أو لم يدخل بلا خلاف، فإن دخل بها الأب على وجه السفاح فهل تحرم على
الابن؟ فيه خلاف، وعموم الآية يقتضي أنها تحرم عليه، لأن النكاح يعبر به
عن الوطء كما يعبر به عن العقد، فيجب أن يحمل عليهما " واللفظ للأول، والثاني
قريب منه، وظاهرهما القول بالتحريم، كما أن ظاهر المصنف هنا ذلك أيضا، وفي الغنية
أن تحريم أم المزني بها وابنتها هو الظاهر من مذهب أصحابنا، والأكثر من
رواياتهم، ثم حكى إجماع الطائفة على تحريم مزنية الأب والابن على الآخر.
وأما القول الآخر فهو خيرة الفقيه والمقنع والمقنعة والمسائل الناصرية
والمراسم والسرائر والنافع والإرشاد وكشف الرموز، ولم نعرف غيرهم، نعم
حكاه في السرائر على ما قيل عن التبيان في تفسير قوله (3): " وأمهات نسائكم "

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 و 7 و 9 و 10.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 22 - 23.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 22 - 23.
368

وكلامه في هذا الموضع لا يدل على اختيار أحد القولين، وإنما يدل على منع دلالة
الآية على التحريم، وهو غير الحكم بنفيه. فمن الغريب دعوى المرتضى
في الناصريات الاجماع عليه، مع أن كلامه في الإنتصار يعطي اختيار التحريم، وكذا
ما يلوح من كلام ابن إدريس من شهرة القول بالحل، على أنك قد عرفت أن
معظم أصحابنا المتقدمين عليه على التحريم، وأما المتأخرون فكاد يكون
إجماعا منهم.
وبذلك كله يظهر لك ما في الرياض ودعواه شهرة الحل، كدعواه أن
المشهور بين المخالفين التحريم، مع أن المستفاد من كلام السيد في الإنتصار كون
المشهور بينهم الحل، بل قد يشعر به قول الصادق عليه السلام في خبر مرازم (1) " وقد
سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة " إلى آخره.
وعلى كل حال فيدل عليه - مضافا إلى ما عرفت من الاجماع المحكي -
ما رواه الكليني والشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام " إنه
سئل عن رجل يفجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال: لا، ولكن إن كانت عنده امرأة
ثم فجر بأمها أو بنتها أو أختها لم تحرم عليه امرأته، إن الحرام لا يفسد الحلال "
وما رواه الشيخان في الصحيح وغيره عنه (3) عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته
عن رجل فجر بامرأة أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: لا " وصحيح
منصور بن حازم (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل كان بينه وبين امرأة فجور، هل
يتزوج ابنتها؟ فقال: إن كان قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها، وإن كان جماعا

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3. وليس
فيه " وإن كان جماعا فلا يتزوج ابنتها " وهي موجودة في الاستبصار ج 3 ص 167
الرقم 608.
369

فلا يتزوج ابنتها، وليتزوجها هي إن شاء ".
وفي الصحيح عن عيص بن القاسم (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باشر
امرأة وقبل، غير أنه لم يفض إليها، ثم تزوج ابنتها، فقال: إذا لم يكن أفضى
إلى الأم فلا بأس وإن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها " قيل: هكذا رواه
الشيخان في أكثر النسخ، وذكره الأصحاب في كتب الاستدلال، واحتج به الشيخ
وغيره على هذا المطلب، وبه يظهر فساد ما في بعض النسخ " رجل باشر امرأته "
بالإضافة إلى هاء الضمير، فتكون حينئذ لا تعلق لها بهذا الحكم أصلا.
ومعتبر يزيد الكناسي (2) " قال: إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة،
فقال: أحب أن تسأل أبا عبد الله عليه السلام، وتقول له: إن رجلا من أصحابنا تزوج
امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها، ويقبلها من غير أن يكون أفضى إليها، قال:
فسألت أبا عبد الله عليه السلام فقال: كذب، مره فليفارقها، قال: فرجعت من سفري،
فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد الله عليه السلام، فوالله ما رفع ذلك عن نفسه، وخلى
سبيلها " وخبر أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا فجر الرجل
بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا " الحديث، والصحيح عن أبي بصير (4) " سألته
عن الرجل يفجر بالمرأة أتحل لابنه؟ أو يفجر بها الابن أتحل لأبيه؟ قال: إن
كان الأب أو الابن مسها لم تحل " وخبر علي بن جعفر (5) عن أخيه موسى عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 لم يذكر صدره
في الوسائل وإنما ذكره في الكافي ج 5 ص 416.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2 مع اختلاف لفظ الأول.
(5) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 2 مع اختلاف لفظ الأول.
370

قال: " سألته عن رجل زنى بامرأة هل تحل لابنه أن يتزوجها؟ قال: لا " ورواه
الحميري في قرب الإسناد كذلك، وموثق عمار (1) وخبر الكاهلي (2) السابقين.
ومن ذلك كله يعلم ما في حجة الخصم، من الأصل المقطوع بما عرفت،
والعمومات المخصصة بما سمعت، والاجماع الممنوع أو الموهون بخلاف المعظم،
بل إطباق المتأخرين، بل لم نعثر على موافق للناقل له ممن تقدمه سوى آحاد
لا يثبت بهم الاجماع، بل لعل عكسه مظنته كما سمعته من ابن زهرة، بل ظاهر
الناقل له في الإنتصار خلافه، بل ربما ظهر من كلامه فيه الاجماع على ذلك.
والأخبار، وهي خبر هشام بن المثنى (3) " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له
رجل: رجل فجر بامرأة أيحل له ابنتها؟ قال: نعم، إن الحرام لا يفسد الحلال "
وخبره الآخر قال: (4) " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا، فدخل عليه رجل،
فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال: نعم وأمها وابنتها " وخبر
حنان بن سدير (5) " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ سأله سعيد عن رجل تزوج
امرأة سفاحا يحل له ابنتها؟ قال: نعم إن الحرام لا يحرم الحلال " وخبر سعيد بن
يسار (6) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل فجر بامرأة يتزوج بابنتها، فقال: نعم
يا سعيد إن الحرام لا يفسد الحلال " وخبر زرارة (7) " قلت لأبي جعفر عليه السلام:
رجل فجر بامرأة هل يجوز أن يتزوج بابنتها؟ قال: ما حرم حرام حلالا قط "
وخبر صفوان (8) قال: " سأله المرزبان عن الرجل يفجر بالمرأة وهي جارية قوم
آخرين، ثم اشترى بنتها أيحل له ذلك؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال، ورجل

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 2.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 2.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10 - 11.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 عن أبي عبد الله
عليه السلام " أنه سئل عن الرجل " إلا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 320 الرقم 1343
كالجواهر.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10 - 11.
(6) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 - 9 - 12.
(7) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 - 9 - 12.
(8) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 - 9 - 12.
371

فجر بامرأة حراما أيتزوج ابنتها؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال " وخبر زرارة (1)
السابق المشتمل على حصر الافساد بالوطء الحلال دون الحرام.
إلا أن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما عرفت سندا وعددا وعاملا
ودلالة، لاحتمال الجميع الفجور بغير الجماع، أو به ولكن بعد التزويج، أو التقية،
وهو أحسن المحامل، وذلك لأن هذا الخبر كما يظهر من الإنتصار والغنية وغيرهما
نبوي (2) أي " لا يفسد الحرام الحلال " وأنه من رواياتهم عنه صلى الله عليه وآله وهو صحيح،
لكنهم لم يفهموا المراد منه، فظنوا أن المراد منه ما يشمل الحلال تقديرا، وهو
ليس كذلك، ضرورة أن الصور ثلاثة:
(أحدها) أن يقع الوطء الحرام متعقبا للوطء الحلال بالعقد أو الملك
ولا ريب في كون ذلك من أفراده.
(ثانيها) أن يقع بين العقد والوطء، وقد عرفت أن ابن الجنيد يقول بالنشر فيه،
للموثق الذي سمعت، ولدعوى كون المراد أن الوطء الحرام لا يفسد وطء الحلال،
ولولا دعوى الاجماع بخلافه ونفي الخلاف في محكي البيان عنه لكان له وجه،
لأن النصوص جميعها أو أكثرها مطلقة قابلة للتقييد بالموثق المزبور، إلا أنه
لما لم يكن صريحا في ذلك وإمكان دعوى الاندراج تحت " إن الحرام لا يفسد الحلال "
ضرورة فعلية الحل فيه بعد العقد، وعدم وقوعه لا ينافي صدق الحلية عليه فعلا بعد
حصولها بسببها المخصوص كان الأوجه خلافه، نعم هو متجه في مثل الملك الذي
هو ليس سببا خاصا للوطء، ولذا لم تحرم مملوكة الولد على الوالد وبالعكس،
بخلاف معقودتهما، ومن هنا كان التحقيق نشر الحرمة بزنا كل منهما في مملوكة
الآخر قبل وطئه لها عليه كما عرفت، ولا ينافيه النبوي المزبور (3).

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(2) سنن الدارقطني ج 3 ص 267 (كتاب النكاح باب المهر الرقم 87) وفيه
" لا يفسد الحلال الحرام ".
(3) سنن الدارقطني ج 3 ص 267 (كتاب النكاح باب المهر الرقم 87).
372

(ثالثها) أن يقع الحرام قبل ايجاد سبب الحل، ولا ريب في عدم تناوله لهذا
الفرد، ضرورة كون المراد فعلية الحل لا تقديرها، ودعوى حلية العقد عليها
فعلا يدفعها ظهور إرادة أن الحرام من ذلك الصنف لا يفسد الحلال منه، لا أن
المراد ما يشمل ذلك والحلال من كلي آخر، بل قد يدعي ظهور لفظ الافساد في بعض
هذه النصوص في المتعقب لما هو قابل للافساد من العقد الذي هو سبب حلية الوطء
أو الملك المتعقب للوطء وحينئذ تكون هذه النصوص المشتملة على التعليل المزبور
الذي هو غير منطبق على ما هو الظاهر إنما خرجت على مذاق العامة وما يعللون
به، بل قوله عليه السلام في الخبر السابق: " ولقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة
فقلت له " إلى آخره مشعر بما قلناه من صدور ذلك ونحوه تقية، ولذا قد فصلوا
الأمر في النصوص التي قد عرفتها، وبينوا بها فساد ما فهمه العامة من النبوي،
فكان ذكر التعليل منهم فيما ليس من أفراده ظاهرا رمز منهم على صدور ذلك منهم
تقية، وأن الفقيه لا يكون فقيها حتى يفهم ما يلحنوه ويرمزوه له كما ورد عنهم
عليهم السلام (1) خصوصا بعد التصريح في تلك النصوص، فليس حينئذ بعد اليوم في المسألة
من إشكال، ومما ذكرنا يعلم ما في الرياض ودعواه الشهرة على عدم النشر، كدعواه
أن الشهرة بين العامة على النشر وغير ذلك مما لا يخفى فساده بعد الإحاطة بما ذكرنا.
نعم لو طلق الرجل البنت التي زنى بأمها بعد تزويجه بها طلاقا بائنا ففي
جواز عقده عليها ثانيا وجهان: أحوطهما في الفرج الاجتناب، وأقواهما الجواز،
ولو للشك، فبقي عمومات الحل سالمة، وربما كان ذلك وجها آخر في النصوص
المعارضة فيكون حينئذ ذاتها حلالا له، لا أنها ما دامت زوجة له، بل مقتضى
ذلك الحل له حتى لو زنى بالأم بعد الطلاق، لكن لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال
خصوصا في الفروج، فتأمل جيدا والله العالم، هذا كله في الزنا.
(وأما الوطء بالشبهة فالذي خرجه الشيخ) وتبعه عليه المشهور نقلا
وتحصيلا (أنه ينزل منزلة النكاح الصحيح، وفيه تردد أظهره) عند المصنف

(1) المستدرك الباب - 15 - من أبواب صفات القاضي الحديث 5.
373

والحلي فيما حكي عنه (أنه لا ينشر) الحرمة (لكن يلحق معه النسب) للعمومات،
ولكن الأقوى الأول، لا للظن بكونه أولى من الزنا، ولا للظن من استقراء جملة
من أحكامه لحوقه بالصحيح في جميع الأحكام إلا ما خرج، ولا للاندراج في قوله
تعالى: " ولا تنكحوا " بدعوى إرادة ما يشمل الوطء والعقد منه، ضرورة عدم
تمامية الجميع، بل للاجماع المحكي عن التذكرة المعتضد بنفي الخلاف في محكي
المبسوط، وبالشهرة العظيمة نقلا وتحصيلا، بل عن ابن المنذر نسبته إلى علماء
الأمصار، وعد منهم أصحاب النص وهم الإمامية، فالعمدة في نشره ذلك، وإن
كان لا بأس بتأييده بما ذكر من الاستقراء والأولوية خصوصا مع دعوى كونها
من الأولوية العرفية التي يمكن دعوى حجيتها، نعم إنما ذلك إذا كان سابقا
على العقد مثلا، أما إذا كان لاحقا فالأقوى عدم النشر كما عن الأكثر، للأصل
السالم عن معارضة ما يدل على خلافه بعد ظهوره في السابق، فلاحظ وتأمل.
وأما النظر إلى ما يحرم لغير المالك النظر إليه واللمس بشهوة فيحرمان
المنظورة والملموسة على أب اللامس وابنه عند المشهور بين الأصحاب نقلا بل
وتحصيلا، إذ هو خيرة الصدوق والشيخ والقاضي وابني حمزه وزهرة والعلامة
في المختلف وولده ويحيى بن سعيد والآبي والمحقق الكركي والشهيد الثاني وسبطه
على ما حكي عن بعضهم، بل في الغنية نفي الخلاف عن تحريم منظورة الأب على
الابن، بل الظاهر أن القول بالجواز مطلقا إنما نشأ من ابن إدريس وبعض من
تأخر عنه كالمصنف والفاضل في أكثر كتبه وابن القطان فيما حكي عنه، وإنما
الخلاف في منظورة الابن خاصة فصرح المفيد بعدم حرمتها، وتبعه الشهيد في اللمعة،
ولعله ظاهر اقتصار أبي الصلاح في الحرمة على منظورة الأب خاصة. نعم ربما لاح
من ظاهر ما حكي عن سلار التوقف في الحكم أيضا حيث أسند التحريم إلى
الرواية.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى الأول، لا للاندراج تحت اسم الحليلة
خرج ما خرج بالاجماع وبقي ما بقي ومنه محل البحث، ويتم بعدم القول بالفصل،
374

لظهور منع صدق اسم الحليلة، ولا لأن النظر واللمس أقوى من العقد المجرد لكون
مثل ذلك قياسا، بل للمعتبرة المستفيضة كصحيح محمد بن إسماعيل (1) " سألت
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل تكون له الجارية فيقبلها هل تحل لولده؟ فقال:
بشهوة، قلت: نعم، قال: ما ترك شيئا إذا قبلها بشهوة، ثم قال ابتداء منه: إن
جردها ونظر إليها بشهوة حرمت على أبيه وابنه، وقلت: إذا نظر إلى جسدها،
فقال: إذا نظر إلى فرجها وجسدها بشهوة حرمت عليه " وصحيح ابن سنان (2) عن أبي
عبد الله عليه السلام " في الرجل تكون عنده الجارية يجردها وينظر إلى جسدها نظر شهوة
هل تحل لأبيه؟ وإن فعل أبوه هل تحل لابنه؟ قال: إذا نظر إليها بشهوة ونظر
منها إلى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه، وإن فعل ذلك الابن لم تحل للأب " وخبر
محمد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل
لابنه " وخبر العيص بن القاسم (4) عنه عليه السلام أيضا " أدنى ما تحرم به الوليدة تكون
عند الرجل على ولده إذا مسها أو جردها " وخبر ابن سنان (5) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في الرجل تكون عنده الجارية فيكشف فيراها أو يجردها لا يزيد على ذلك، قال:
لا تحل لابنه " وخبر داود الأبزازي (6) " سألته عن رجل اشترى جارية فقبلها،
فقال: تحرم على ولده، وقال: إن جردها فهي حرام على ولده " وخبر البجلي
وحفص بن البختري (7) قالوا: " سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول عن الرجل تكون له
الجارية أفتحل لابنه، قال: ما لم يكن من جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس "
ومرسل يونس (8) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن أدنى ما إذا فعله الرجل بالمرأة
لم تحل لابنه ولا لأبيه، قال: الحد فيه المباشرة ظاهرة أو باطنة مما يشبه

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 6 - 4.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 6 - 4.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 6 - 4.
(4) الوسائل الباب - 77 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 4 والثالث عن داود الأبزاري وهو الصحيح.
(5) الوسائل الباب - 77 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 4 والثالث عن داود الأبزاري وهو الصحيح.
(6) الوسائل الباب - 77 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2 - 4 والثالث عن داود الأبزاري وهو الصحيح.
(7) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
(8) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
375

مس الفرجين ".
وليس للخصم المجوز مطلقا والمفصل إلا أصل الحل وعموماته المخصوصة
بما عرفت، وموثق ابن يقطين (1) عن العبد الصالح عليه السلام " عن الرجل يقبل الجارية
يباشرها من غير جماع داخل أو خارج أتحل لابنه أو لأبيه؟ قال: لا بأس " وخبر
الكاهلي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته عن رجل تكون له جارية فيضع
أبوه يده عليها من شهوة أو ينظر منها إلى محرم من شهوة، فكره أن يمسها ابنه "
والاقتصار على الولد في مقام البيان في أكثر النصوص (3) القاصرين عن معارضة
ما تقدم سندا وعددا وعاملا بل ودلالة، إذ الظاهر إرادة الوطء والمباشرة بالشهوة
ومس الفرجين ونحو ذلك مما يصنعه الرجل بحليلته من الجماع دخلا وخارجا
خصوصا مع ملاحظة خبر البجلي والبختري ومرسل يونس السابقين، بل لو أغضي عن
ذلك، فليس هو إلا مطلق يحمل على المقيد، والكراهة مع إمكان منع كونها
حقيقة في المعنى المصطلح في العرف السابق يمكن إرادة الحرمة منها ولو مجازا
بقرينة الأخبار السابقة، على أن الظاهر خروجه عما نحن فيه، إذا الظاهر كون
الجارية للولد، لا أنها ملك للوالد، والاقتصار في بعض النصوص يمكن أن يكون
اتكالا على ما بينوه في النصوص الأخر صريحا وظاهرا، فلا يكون قرينة على
إرادة مفهوم اللقب منه، كما هو واضح، فليس في المسألة حينئذ ريب.
نعم لا خلاف ولا إشكال في عدم نشر الحرمة بمثل نظر الوجه والكفين بغير
شهوة، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل والعمومات وما يستفاد من
فحاوي النصوص المزبورة، بل قد يقال بعدم النشر بالنظر إليهما بشهوة، لظهور
النصوص فيما لا يشمله، كما اعترف به في المسالك، بل ولا ما يشمل ما ماثله
من النظر إلى ما يبدو عادة من الجارية وإن تلذذ بذلك، بل وغيره أيضا،

(1) الوسائل الباب - 77 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 3 و 5 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
376

لكن لم يعاملها معاملة الأمة التي يراد استفراشها بالتجريد والتقبيل، ولمس
البواطن ونحو ذلك مما رمز إليه عليه السلام بقوله تارة " جماع " أو " كالجماع " وأخرى
بالمباشرة ظاهرة وباطنة كمس الفرجين، وثالثة بالجماع داخل وخارج إلى غير
ذلك مما هو ظاهر فيما لا يشمل المفروض، كظهوره فيما لا يشمل تجريدها ولمسها
ولو للباطن للتداوي أو نحوه وإن تلذذ.
فما عساه يظهر من بعضهم من الميل إلى النشر بالنظر إلى الوجه والكفين
بشهوة فضلا عن لمسهما مدعيا أنه الظاهر من كلمات الأصحاب في غير محله وإن
أو همته بعض العبارات.
نعم لا يبعد القول بالنشر بالتجريد واللمس لباطن الجسد، ووضع البطن
على البطن وإن لم يكن ذلك عن شهوة وتلذذ، بل كان منه لإرادة إثارة الشهوة
وتحريك العضو، عملا بإطلاق الأدلة الذي لا ينافيه المفهوم في بعض النصوص
السابقة بعد معلومية إرادة اخراج مثل السابق ونحوه مما لم يرد به المعاملة
معاملة المتخذة فراشا منه، بل يمكن عدم إرادة المفهوم فيه.
كما أنه لا يبعد القول بالنشر فيما ينشر من ذلك بالنسبة إلى أم المنظورة
وبنتها وفاقا للمحكي عن أبي علي والشيخ، بل عن الثاني منهما دعوى الاجماع
عليه، بل وغير ذلك من أحكام المصاهرة، لظهور النصوص المزبورة في قيام ذلك
مقام الجماع في ترتب الأحكام، وحينئذ لا فرق في الحكم بين الأب وإن علا والابن
وإن نزل، بل لعل إجماع الشيخ يرشد إلى إرادة الأصحاب المثال من ذكر الولد
والوالد كما هو غير بعيد إرادته في النصوص، ولعله هو الوجه في الاقتصار على الولد
في الأكثر منها، بل قد يشهد بذلك مضافا إلى ما عرفت النبوي (1) " من كشف
قناع امرأة حرم عليه أمها وابنتها " والآخر (2) " لا ينظر الله تعالى إلى رجل نظر

(1) المستدرك الباب - 20 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
(2) المستدرك الباب - 18 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.
377

إلى فرج امرأة وابنتها " وصحيح ابن مسلم (1) " من تزوج امرأة فنظر إلى رأسها
وإلى بعض جسدها أيتزوج ابنتها؟ قال: لا، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له
أن يتزوج ابنتها " وفي كشف اللثام ونحوه أخبار أخر (2).
ومن ذلك قد يقال بحرمة الربيبة ولو حرة بالعقد على أمها الأمة، بل
والحرة مع النظر واللمس المذكورين، على أن يكون المراد من النصوص سيما
مرسل يونس أن كل مصاهرة يعتبر في نشرها الحرمة الدخول، يقوم النظر
واللمس المذكوران مقامه، من غير فرق بين الأمة والحرة، إلا أنه لما كان ذلك
معتبرا في المملوكة دون الحرة التي ثبتت مصاهرتها بالعقد إلا في الربيبة منها
استفاضت الرواية في الأمة دونها، ومن هنا أطلق في مرسل يونس، بل ربما زاد
بعضهم فيما حكي عنه، فخرج بناء على تحقق حكم المصاهرة بالزنا السابق
أن النظر واللمس المذكورين إذا حصلا في الأجنبية نشرا حكم المصاهرة كالزنا،
مدعيا ظهور النصوص المزبورة في كونهما يقومان مقام الجماع وأنهما مثله، مؤيدا
له بالنبويين المزبورين، إلا أنه قول غير معروف القائل كما اعترف به في المسالك،
نعم ظاهر المحكي عن الخلاف بل معقد اجماعه فيه تحقق المصاهرة فيهما لو وقعا
حلالا أو شبهة إلا إذا كانا محرمين، وإن كانا معا ضعيفين، ضرورة ظهور النصوص
التي سمعتها في قيامهما مقام الدخول في تحقق المصاهرة متممين بسبب المصاهرة
كالملك للأمة والعقد على الأم لا مطلقا، بل لو وقعا من المالك للأمة محرمين كما
لو كانت مزوجة لم يثبتا مصاهرة للأصل بعد ظهور النصوص فيما لا يشمل ذلك.
بل المعروف بين الأصحاب قصرهما على خصوص الأمة المملوكة دون
الربيبة التي هي بنت الأمة المعقود عليها وإن كانت مملوكة فضلا عن الربيبة

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 وفيه " فنظر إلى
بعض جسدها أيتزوج " إلا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 280 الرقم 1187 والاستبصار
ج 3 ص 162 الرقم 590 كالجواهر.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
378

الحرة التي من أمها حرة أيضا، للأصل وظاهر الآية (1) وصحيح العيص (2)
" سئل الصادق عليه السلام عن رجل باشر امرأة وقبل غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج
ابنتها فقال: إذا لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس وأن كان أفضى إليها فلا يتزوج
ابنتها " وإن كان قد يناقش بأن الأصل والعمومات مخصصة بما عرفت، وصحيح
العيص قد عرفت أن الموجود في النسخ الصحيحة " باشر امرأة " فيكون ظاهرا
في الأجنبية، ودالا على عدم كون ذلك كالزنا السابق كما عرفت تحقيقه، فيبقى
صحيح ابن مسلم المعتضد بظاهر النصوص المزبورة سالما عن المعارض حينئذ بعد إرادة
ما يشمل النظر واللمس المزبورين من الدخول في الآية، ولو للنصوص المتقدمة.
ولعل ذلك هو الأقوى إن لم يكن إجماعا على عدمه، إذ قد عرفت سابقا
المفروغية من اعتبار الدخول في حرمة الربيبة الظاهر فيما لا يشمل النظر واللمس
المزبورين، كظهور كلامهم هناك في عدم الفرق بين بنت الأمة المعقود عليها
والحرة.
ومن ذلك كله يظهر لك محال النظر في المتن وما شابهه في هذه المسألة، قال:
(وأما النظر واللمس فما يسوغ لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف لا ينشر
الحرمة، وما لا يسوغ لغير المالك كنظر الفرج والقبلة ولمس باطن الجسد بشهوة فيه
تردد، أظهره أنه يثمر كراهية، ومن نشر به الحرمة قصر التحريم على أب اللامس
والناظر وابنه خاصة دون أم المنظورة والملموسة وبنتيهما) مضافا إلى ما فيها
من جواز اللمس للكف لغير المالك، مع أنه لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه،
كما عرفته سابقا، وجواز النظر لا يستلزم جواز اللمس، وإلى ما فيها أيضا من
ظهورها في التحريم بنظر الوجه بشهوة، لكونه مما لا يسوغ لغير المالك، مع أن
الذي قد سمعته من النصوص السابقة عدم الحرمة بمثله، وإلى ما فيها من دعوى
قصر الحرمة على القول بها على أب اللامس وابنه، مع أنك قد عرفت ظهور الأدلة

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
379

في خلاف ذلك، بل يمكن إرادة المثال مما اقتصر عليهما وعلى الوالد من الفتاوى،
كالنصوص التي قد عرفت ظهورها أو صراحتها في ذلك، خصوصا المشتملة على الولد
خاصة، بل يظهر لك ما في جملة من كلمات القوم هنا، فإني لم أر من حرر
المسألة على الوجه الذي ذكرنا.
ومن أغرب ما وقفنا عليه هنا للمقداد في التنقيح حيث جعل محل البحث
والخلاف في نظر خصوص الفرج ولمسه والقبلة بشهوة، وكأنه لم يلحظ نصا ولا فتوى
حال كتابته، نعم ظاهر النصوص والفتاوى أن محل البحث هنا الأمة المملوكة،
لكن عن الشهيد في نكت الإرشاد تحميل نحو المتن الأعم منها بدعوى إرادة الأعم
من المالك للرقبة أو البضع، على أن يكون ذلك عنوانا للحرمة فيهما، فيتحصل
حينئذ من العبارة جريان الخلاف في نظر ما عدا الوجه والكفين من الوالد وبالعكس،
وحكم النظر إليهما وقد عرفت قوته وإن كان الموجود في أكثر الفتاوى بل وأكثر
النصوص المملوكة رقبة من المالك، والله العالم.
(و) كيف كان فقد ظهر لك أيضا مما ذكرناه في باب الرضاع أن (حكم
الرضاع في جميع ذلك) من أقسام المصاهرة (حكم النسب) بل قد سمعت
من النصوص ما اشتمل على المحرمة بالرضاع، والله هو العالم.
(ومن مسائل التحريم)
(مقصدان: الأول في مسائل من تحريم الجمع، وهي ستة:)
(الأولى)
(لو تزوج أختين) نسبا أو رضاعا لأب وأم أو لأحدهما (كان
العقد للسابقة وبطل عقد الثانية) بلا إشكال ولا خلاف سواء دخل في الثانية أو لا، وسواء
دخل بالأولى أولا، بل له وطء زوجته السابقة في عدة الثانية لو كان لها عدة لعدم المانع
خلافا للمحكي عن أحمد، ضرورة عدم صدق اسم الجمع بين الأختين، فيبقى تحت عمومات
380

الحل، بل هو أولى من حل نكاح الأخت في عدة الأخرى البائنة الذي لا خلاف فيه لذلك
أيضا، كما لا خلاف في الحرمة في العدة الرجعية، لكونها فيها بمنزلة الزوجة، نعم
صرح جماعة بالكراهة في الأول حتى تخرج منها، لأنها من علاقة الزوجية،
ولصحيح زرارة " سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج امرأة بالعراق ثم خرج
إلى الشام فتزوج امرأة أخرى فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق، قال: يفرق
بينه وبين التي تزوجها بالشام، ولا يقرب المرأة حتى تنقضي عدة الشامية قلت:
فإن تزوج امرأة ثم تزوج أمها وهو لا يعلم أنها أمها، قال: قد وضع الله عزو جل
عنه جهالته لذلك، ثم قال: إذا علم أنها أمها فلا يقربها، ولا يقرب البنت حتى
تنقضي عدة الأم منه فإذا انقضت عدة الأم حل له نكاح البنت " الحديث. المحمول
عليها فيها وفي البنت لما عرفت، وهو جيد إن ثبت قصوره عن معارضة العمومات
السابقة ولو لاعراض المعظم مع أنه ليس ابتداء نكاح وإلا كانت مخصصة به، كما
عن ظاهر الشيخ في النهاية والمحكي عن ابني حمزة والبراج، هذا.
ولا فرق في الحكم المزبور بين الدائم والمنقطع والمختلف كما لا فرق في جواز
العقد على إحداهما في عدة البائن للأخرى من غير فرق بين الطلاق والفسخ وغيرهما،
فيجوز حينئذ متعة إحدى الأختين، فإذا انقضى أجلها عقد على الأخرى وإن
كانت في العدة، وهكذا، لأنها من عدة البائن وليس عليه لنفسه عدة، وهو طريق
لاحتيال الجمع بين الأختين على الدوام، ويؤيده قول الصادق عليه السلام في خبر الصيقل (2)
" لا بأس بالرجل أن يتمتع أختين " المقتصر في الخروج منه على الجمع بينهما
في حالة واحدة، بل يمكن دعوى ظهوره في المفروض مع اعتبار إرادة الاستمرار
الذي لا يكون في غير المتعة، لعدم المحلل فيها، وإلا فلا خصوصية للمتعة.
لكن في النهاية بعد أن ذكر جواز العقد على إحدى الأختين في عدة طلاق
البائن قال " وقد روى فيها أنه إذا انقضى أجلها فلا يجوز العقد على أختها إلا بعد

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
381

انقضاء عدتها " مشيرا بذلك إلى صحيح ابن سعيد (1) قال: " قرأت كتاب رجل إلى
أبي الحسن عليه السلام: الرجل يتزوج المرأة متعة إلى أجل مسمى فينقضي الأجل
بينهما، هل يحل له أن يتزوج أختها من قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب لا يحل له
أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها " المؤيد بخبر يونس (2) وخبر علي بن أبي حمزة (3)
وخبر أحمد بن محمد بن عيسى المروي عن نوادره (4) بهذا المضمون الذي مرجعه إلى
قارئ المكتوب، بل عن نهاية المرام لسيد المدارك أن العمل به متعين، بل في التهذيب
التصريح بعدم جواز ذلك متعة مدعيا أنه مضمون الصحيح وإن كان هو كما سمعت
مطلق بل هو لازم لما سمعته من الشيخ في النهاية وابني حمزة والبراج.
لكن لا يخفى عليك أولوية حمله على الكراهة، لقصوره عن مقاومة ما عرفت
على وجه يصلح للتقييد ولو لاعراض الأصحاب عنه، بل في السرائر هذه الرواية شاذة
مخالفة لأصول المذهب لا يلتفت إليها ولا يجوز التصريح عليها إلا أنه مع ذلك
لا ينبغي ترك الاحتياط سيما في الفروج.
ولو اشتبه السابق ولم يكن ثم ما يشخصه ولو علم التاريخ بناء على الحكم
بتأخر المجهول عن المعلوم أقرع في وجه قوي وإن لم أجد من ذكره هنا، نعم
في القواعد " الأقرب إلزامه بطلاقهما، لأن الواجب عليه الامساك بمعروف
أو التسريح باحسان، ولم يتمكن من الأول فيتعين عليه الثاني، فإذا امتنع منه
ألزمه الحاكم به، كما في كل من وجب عليه أمر فامتنع منه، وللزوم الحرج
على المرأتين " ولعل غير الأقرب احتمال العدم، واحتمال فسخهما، وفسخ الحاكم،
وبطلانهما، وحينئذ فلا يكفي في حلية إحداهما طلاق الأخرى، لاحتمال كون
الثانية اللاحقة إلا أن يجدد العقد عليها، وكذا لو قال: " زوجتي منهما طالق "
وإن صح الطلاق، لتعين الزوجة في الواقع وإن لم يعلمها بنفسها المطلق، نعم لو جدد
العقد على من يريدها منهما صح، كما هو واضح.

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1
(4) الوسائل الباب - 27 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1
382

وعلى كل حال فلو طلقهما معا ثبت لهما ربع مجموع مهريهما مع اتفاقهما
جنسا وقدرا ووصفا، بل في القواعد ومع اختلافهما على إشكال، ولعله من أن الواجب
حينئذ نصف أحدهما، وهو مخالف لربع المجموع، فايجابه عليه يوجب اسقاط
الواجب وايجاب غيره، ومن أن النصف لما اشتبه بينهما ولا مرجح لزم التقسيط،
وحينئذ فيدفع القسط من كل مهر إلى من عين لها، وربما احتمل قسمة المجموع
عليهما، لعدم المرجح، والقرعة، والايقاف حتى يصطلحا أو يتبين الحال، ولعل
الأقوى من ذلك كله القرعة في مستحقة المهر منهما، لأنها واحدة منهما وقد
اشتبهت، فمن خرجت القرعة لها استحقت نصف مهرها، ولا إشكال، هذا كله
قبل الدخول بهما.
أما معه فيثبت المسميان لهما مع جهلهما بالحكم أو وقوع العقدين على وجه
يحرم وطؤهما بناء على وجوب المسمى في النكاح الفاسد مع الوطء شبهة، وليس له
تجديد عقد على إحداهما إلا بعد مفارقة الأخرى وانقضاء عدتها من حين المفارقة،
بل قيل: وكذا عدة الأولى من حين الإصابة، لكونها في نكاح فاسد، وفيه منع
عدة عليها، لكون الإصابة منه ولحوق السبب به، وكونه في حكم الإصابة
الصحيحة، وحينئذ فلو فارق إحداهما بائنا جدد العقد على الأخرى وإن لم تمض
عدتها من حين الإصابة، ولو طلق إحداهما بائنا والأخرى رجعيا وأراد
التجديد على الأولى لزم انقضاء عدة الرجعية، ولم يلزم انقضاء عدة البائن إلا من
حين الإصابة، بناء على الاحتمال السابق وإن أراد التجديد على الرجعية لم يلزم
انقضاء عدة البائن، وإنما يلزم انقضاء عدة الرجعية من حين الإصابة على الاحتمال
السابق، ولو أوجبنا مهر المثل في الفاسد مع الوطء شبهة فإن اتفق المسمى مع
مهر المثل فلا إشكال، وإن اختلف فالقرعة أو الايقاف حتى يصطلحا، والله العالم.
(ولو تزوجهما) أي الأختين (في عقد واحد) أو عقدين متفرقين
383

(قيل) والقائل جماعة منهم الشيخ في محكي المبسوط وابنا إدريس وحمزة
وغيرهم: (بطل نكاحهما) للنهي (1) المقتضي للفساد، وإن لم يكن في عبادة،
ولامتناع نكاح كل منهما مع الأخرى، فيمنع العقد حينئذ على كل منهما العقد
على الأخرى، والفرض أن نسبته إليهما متساوية، ولا مرجح، وأحدهما لا بعينه
يستحيل كونه موضوعا للصحة، فيتعين البطلان.
(و) لكن مع ذلك (روي أنه يتخير أيتهما شاء) وأفتى به الشيخ وأتباعه
(والأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده عند المصنف وغيره من المتأخرين
(وفي الرواية ضعف) في السند على ما رواها في الكافي والتهذيب بعلي بن السندي،
وهو مجهول، بل وبالارسال، لأنه رواها جميل بن دراج عن بعض أصحابه (2)
عن أحدهما عليهما السلام " أنه قال، في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة، قال: هو
بالخيار يمسك أيتهما شاء ويخلي سبيل الأخرى " بل وضعف في الدلالة، لاحتمال
إرادة الامساك بعقد مستأنف، نحو خبر الحضرمي (3) قلت لأبي جعفر عليه السلام: " رجل
نكح امرأة ثم أتى أرضا فنكح أختها وهو لا يعلم، قال: يمسك أيتهما شاء ويخلي
سبيل الأخرى " المراد منه قطعا التخيير بين إمساك الأولى بالعقد الأولى وبين
طلاقها وإمساك الثانية بعقد مستأنف، ولعل هذا هو العمدة لمن عرفت في ضعف
القول المذكور، وإلا فجميع ما ذكر لا يصلح معارضا للدليل الجامع لشرائط
الحجية، فإنه مع فرض ظهور دلالته لا يقدح الضعف في سنده بعد رواية الشيخين له،
على أنه رواه في الفقيه بطريق صحيح عن جميل عن أبي عبد الله عليه السلام، وليس متضمنا
لما هو مناف للعقل، فإن التخيير قد ورد فيمن أسلم عن أزيد من أربع وغيره،
فلا مانع من وقوع العقد صحيحا قابلا للتأثير بالاختيار المتعقب له، أو أنه أثر
الصحة في إحداهما وله الخيار في التعيين، مثل ملك الصاع من الصبرة وواحد الشيئين

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
384

أو الأشياء في الوصية.
وعلى كل حال فنظائره في الشرع كثيرة، نعم ما سمعته - من ضعف الظن بإرادة ذلك منه خصوصا بعد إعراض المعظم وقوة القواعد المنافية له وإرادة
غير المعنى المزبور من نحوه والاحتياط في الفروج - يوهن الركون إليه، إلا أن
الانصاف مع ذلك عدم خلو المسألة عن إشكال، لأن الاحتمال المزبور لا يخرج
الظاهر عن كونه ظاهرا، وهو الحجة، بل ستعرف فيما يأتي من العقد على الأزيد
من النصاب قوة التخيير، وهو مع ما نحن فيه من واد واحد، والله العالم.
المسألة (الثانية)
(لو وطأ أمة بالملك ثم تزوج أختها قيل) والقائل الشيخ في محكي
الخلاف والمبسوط: (يصح) التزويج، (وحرمت الموطوءة بالملك أولا
ما دامت الثانية في حباله) وعن التحير اختياره، لكون المحرم الجمع، فيدور
الأمر بين بطلان التزويج أو الوطء أو كليهما، ولا ريب أن التزوج أقوى من
غيره، لكثرة ما يتعلق به من الأحكام التي لا يلحق الوطء بالملك، كالطلاق
والظهار والايلاء والميراث وغيرها، بل الغرض الأصلي من الملك المالية فلا ينافي
النكاح، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة منع القوة، وترتب تلك الأحكام لا يدل
عليها، بل ولا كون الغرض الأصلي من الملك المالية على الضعف مع تساويهما في الاستفراش
الصحيح، بل بعد استفراش الأمة اختص تحريم الجمع بتزويج أختها ونحوه،
ضرورة انحصار فرد الجمع به، فهو حينئذ نكاح الأخت على الأخت، بل ليس هو
من التعارض الذي يفزع فيه إلى الترجيح، كما هو واضح.
ومن الغريب ما في المسالك من أنه " أجيب عن ذلك ببطلان القياس مع
وجود الفارق، فإن النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين " إذ لا يخفى عليك عدم
385

كون ذلك من القياس، بل هو من انحصار فرد النهي به، ولعله لذا نسبه المصنف
إلى القيل مشعرا بالتردد فيه، وهو في محله، بل مال إليه في كشف اللثام، فلا
يجوز حينئذ تزويج أختها إلا أن يخرج الأولى عن ملكه، نعم لو تزوج إحدى
الأختين جاز له شراء الأخرى، لعدم كونه من الجمع المحرم، إلا أنه يحرم
عليه وطؤها، ولو وطأ لم تحرم المنكوحة قطعا.
(ولو كان له أمتان ف‍) وطأ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتى يخرج
الأولى عن ملكه إجماعا بقسميه وكتابا (1) وسنة قد سمعت فيما مر بعضها،
كخبر الطائي (2) وغيره، قال عبد الله بن سنان (3): " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
إذا كانت عند الرجل الأختان المملوكتان فنكح إحداهما ثم بدا له في الثانية
فنكحها فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى يخرج الأولى من ملكه، يهبها
أو يبيعها، فإن وهبها لولده يجزؤه ".
نعم في القواعد في اشتراط اللزوم إشكال، من صدق الخروج عن الملك،
ومن أن العمدة في حل الأخرى حرمة الأولى بحيث لا يتمكن من وطئها، وهو
لا يحصل بدون اللزوم، إلا أن الوجه الثاني وإن كان أحوط كما ترى لا يصلح
معارضا لا طلاق النص بعد حرمة العلة المستنبطة عندنا، ولعل العمدة الخروج
عن الملك، أو الحرمة بالخروج وإن جاز له الرجوع، فإنه مع اللزوم يتمكن أيضا
من الوطء بعود الملك إليه ولو بالاستقالة.
وعن التذكرة القطع بعدم كفاية الهبة ما لم تقبض، لأنها إنما تتم به، والبيع
بالخيار إذا جاز للبائع الوطء، وهو جيد في الأول بناء على توقف الملك
على القبض فيه، بخلاف الثاني، فإن جواز الوطء له لا ينافي الخروج عن الملك
وإن الفسخ بالوطء، اللهم إلا أن يستفاد اعتبار لزوم الملك من قوله عليه السلام في الخبر
السابق: " فإن وهبها لولده يجزؤه " باعتبار ظهور كون ذلك أقل المجزئ

(1) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 - 1.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 - 1.
386

مع كون الملك فيه لازما لأنه من هبة القرابة.
إلا أنه كما ترى، وكذا في القواعد الاشكال في الاكتفاء بالتزوج والرهن
والكتابة من كون العمدة هو الحرمة، ومن ظهور النص والفتوى في اعتبار الخروج
عن الملك إلا أن الأول كما ترى أيضا، وعن التذكرة القطع بأن الرهن لا يكفي،
قال: " لأن منعه من وطئها لحق المرتهن، لا لتحريمها عليه، ولهذا يحل بإذن
المرتهن في وطئها، ولأنه يقدر على فكها متى شاء واسترجاعها إليه " ونوقش بأنه
يحل وطء المبيعة والموهوبة أيضا بإذن المبتاع والمتهب، وقد لا يستبد بالقدرة
على الفك، ولا يكفي المطلقة، لتحققها في العقود المخرجة عن الملك أيضا، وعنها
أيضا أنه قطع بكفاية الكتابة وفاقا للمحكي عن المبسوط، لأنها حرمت عليه بسبب
لا يقدر على رفعه إلا أن الجميع كما ترى مخالف لقواعد المذهب وأصوله بعد
اتفاق النص والفتوى على اعتبار الخروج عن الملك في حل الثانية، ولعل وجهه
أنه لما وطأها بالملك صارت بحكم الزوجة إلى أن يذهب ذلك السبب الذي
وطأها به، فيقوم مقام الطلاق، فلا ينبغي التجاوز عنها بمجرد احتمال كون
العلة غير ذلك، فيتعدى بعد حرمة القياس عندنا، كما هو واضح، هذا كله
في حل نكاح الأخرى له.
أما إذا (وطأهما) قبل أن يخرج الأولى عن ملكه (قيل) كما
في المتن (حرمت الأولى) عليه (حتى تخرج الثانية عن ملكه) ولكن لم نعرف
قائله بناء على كون المراد منه حرمة الأولى وحل الثانية، وقد اعترف في المسالك
بعدم معرفة قائله، بل قال: ولا من نقله غير المصنف، نعم ربما احتج له بخبر
معاوية بن عمار (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت عنده جاريتان أختان
فوطأ إحداهما ثم بدا له في الأخرى، قال: يعتزل هذه ويطأ الأخرى، قال: قلت:
فإن انبعثت نفسه للأولى قال: لا يقربها حتى يخرج تلك عن ملكه " بل وجه من
حيث الاعتبار بأن مجرد الملك للأمة لا يمنع من الجمع بينها وبين أختها

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
387

كما مر وإنما يمنع الجمع بالوطء بخلاف الحرة، فإن الممتنع الجمع بالعقد
وإن لم يطأ، فالوطء في الإماء منزل منزلة العقد في الحرائر، فكما أن الحرة تحل
أختها بطلاقها المزيل للعقد المحرم فالأمة تحل أختها بترك وطئها المنزل منزلة
العقد، فإنه مع ترك الوطء تصير مملوكة غير فراش، والملك لا يمنع الجمع،
وفيه أن الخبر المزبور مع فقده لشرائط الحجية دال على حل الثانية بالاعتزال،
ومحل البحث في الوطء بدون اعتزال في الأولى، على أنه بالنسبة إلى ذلك معارض
بما سمعته من النصوص والاجماع بقسميه على عدم حل الثانية لمن وطأ الأولى
إلا باخراج الموطوءة عن الملك، بل ولما تسمعه من النصوص (1) في المقام،
والاعتبار لا يصلح معارضا للأدلة، فلا ريب في ضعفه، بل وبطلانه، نعم لعل القائل
المزبور يريد حرمتهما معا عليه، وحينئذ يكون له وجه تعرفه فيما يأتي.
(وقيل) والقائل الشيخ في النهاية وابنا البراج وسعيد وتبعهم جماعة منهم
الفاضل في محكي المختلف وولده والشهيد في شرح الإرشاد والمحقق الثاني في شرحه
على القواعد: (إن كان) الوطء (بجهالة) للموضوع أو الحكم (لم تحرم
الأولى) عليه كحرمتها حال العلم، بل يجوز له الرجوع إليها إذا أخرج الثانية
عن ملكه ولو للعود إليها (وإن كان) الوطء (مع العلم حرمت) الأولى
(حتى تخرج الثانية) من ملكه (لا للعود إلى الأولى و) حينئذ ف‍ (لو
أخرجها للعود) إليها (والحال هذه لم تحل الأولى) قال فيها ما هذا لفظه:
" لا بأس أن يجمع الرجل بين أختين في ملك، لكنه لا يجمع بينهما في الوطء، لأن
حكم الجمع بينهما في الوطء حكم الجمع بينهما في العقد، فمتى ملك الأختين فوطأ
واحدة منهما لم يجز له وطء الأخرى حتى تخرج تلك عن ملكه بالبيع أو الهبة
أو غيرهما، فإن وطأ الأخرى بعد وطئه للأولى وكان علما بتحريم ذلك عليه
حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية، فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى
الأولى لم يجز له الرجوع إلى الأولى، وإن لم يعلم بتحريم ذلك جاز له الرجوع
إلى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه ".

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
388

وحاصله تحريم الأولى بوطء الثانية في حالتي الجهل والعلم، وأنه لا تحل
الأولى إلا بعد موت الثانية أو الاخراج عن الملك وإن اختلفا فيه بنية العود
إلى الولي وعدمه، وأما الثانية فالظاهر عدم اعتبار ذلك في حلها في الحالتين، وكأن
الوجه فيه بعد إمكان اندراجه فيما دل على (1) أن وطء إحدى الأختين المملوكتين
يحرم الأخرى، ضرورة صدق ذلك بالنسبة إلى كل منهما وإن حرم عليه وطء
الثانية لكنه لا ينافي نشره الحرمة، فإن مثل هذا النهي لا يقتضي الفساد عقلا ولا
لغة ولا عرفا، إذ هو كوطء المملوكة في الحيض الذي لا إشكال في نشره حرمة
المصاهرة، فإن الحرمة هنا ليست هي إلا من حيث الجمع، وإلا فمقتضى الحل
وهو الملك متحقق، وبذلك افترق ما نحن فيه عن العقد على الحرة مثلا بعد العقد
على أختها، فإن النهي عن الجمع هنا منحصر في الثانية، فتختص بفساد عقدها على ما
سمعته سابقا كاف في الدلالة على اختصاصها بالفساد دون الأولى، بخلاف المقام
المشترك فيه سبب الحرمة بينهما، وهو وطء إحدى الأختين، وقاعدة " لا يحرم
الحرام الحلال " - مع أنها لا تأتي في صورة الجهل، ويتم بعدم القول بالفصل، بل
يمكن دعوى ظهورها فيما لا يشمل ذلك مما كان محرما في ذاته بزنا ونحوه -
معارضة لما هنا بالعموم من وجه، والترجيح له عليها ولو للنصوص المعتبرة المستفيضة
التي قد عمل بها جماعة من الأساطين.
ففي صحيح أبي الصباح الكناني (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه سئل عن رجل عنده
أختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى، قال: إذ وطأ الأخرى فقد
حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى، قلت: أرأيت إن باعها؟ فقال: إن كان
إنما يبيعها لحاجة ولا يخطر على باله من الأخرى شئ فلا أرى بذلك بأسا، وإن
كان إنما يبيع ليرجع إلى الأولى فلا ".
وصحيح الحلبي (3) عنه عليه السلام أيضا " أنه سئل عن رجل كانت عنده أختان

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث - 0 - 9.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث - 0 - 9.
(3) أشار إليه في الوسائل في الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة
الحديث 9 وذكره في الكافي ج 5 ص 432.
389

مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى، قال: إذا وطأ الأخرى فقد حرمت
عليه الأولى حتى تموت الأخرى، قلت: أرأيت إن باعها أتحل له الأولى؟ قال: إن
كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شئ فلا أرى بذلك بأسا، وإن
كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا ولا كرامة " ومثلهما صحيح ابن مسلم (1)
عن أبي جعفر عليه السلام.
وفي خبر أبي بصير (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له أختان
مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى أيرجع إلى الأولى فيطؤها؟ قال: إذا وطأ
الثانية فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت أو يبيع الثانية من غير أن يبيعها من
شهوة لأجل أن يرجع إلى الأولى ".
وخبر علي بن أبي حمزة (3) عن أبي إبراهيم عليه السلام " سألته عن رجل ملك
أختين أيطؤهما جميعا؟ قال: يطأ إحداهما، وإذا وطأ الثانية حرمت عليه الأولى
التي وطأ حتى تموت الثانية أو يفارقها، وليس له أن يبيع الثانية من أجل الأولى
ليرجع إليها إلا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت ".
وخبر عبد الغفار الطائي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل كانت له أختان
فوطأ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى، قال: يخرجها من ملكه، قلت: إلى من؟
قال: إلى بعض أهله، قلت: فإن جهل ذلك حتى وطأها، قال: حرمتا عليه
كلتاهما " وهي كما ترى متعاضدة جامعة لشرائط الحجية، فهي حجة مستقلة فضلا
عن أن تكون مرجحة لما عرفت، بل الأخير منها صريح في الجاهل، ولا ينافيه
صحيح الحلبي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما
ثم يطأ الأخرى بجهالة، قال: إذا وطأ الأخرى بجهالة لم تحرم عليه الأولى،

(1) أشار إليه في الوسائل في الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9
وذكره في الفقيه ج 3 ص 284 الرقم 1352.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 10 - 6 - 5.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 10 - 6 - 5.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 10 - 6 - 5.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 10 - 6 - 5.
390

وإن وطأ الأخرى وهو يعلم أنها تحرم عليه حرمتا عليه جميعا " بعد قصوره عنه
ولو لاعتضاده باطلاق الأدلة السابقة، فلا بأس بالجمع بينهما بإرادة عدم الحرمة
نحو حال العلم، بل يكفي في حلها اخراج الثانية عن الملك ولو للعود إليها بخلاف
حال العلم المستحق زيادة عقوبة بذلك، وبأن الحيل الشرعية وإن اعتبرت في غير المقام
لكنه للاقدام على المعصية رفع الشارع اعتبارها هنا.
(و) من ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف تبعا للشيخ في المحكي من
مبسوطه وابن إدريس، بل نسبه في المسالك إلى أكثر المتأخرين (الوجه أن الثانية
تحرم على التقديرين) أي العلم والجهل (دون الأولى) فإنها تبقى على الحل
السابق نحو المعقودتين، بل والمعقودة الحرة الموطوء أختها بالملك بعدها، للأصل،
واختصاص النهي عن الجمع بالأخيرة، وقاعدة " لا يحرم الحرام " إلا أن الجميع
كما ترى، سيما في صورة العلم التي اتفقت جميع النصوص عليها التي لا يجوز على
مقتضى قواعد المذهب طرحها أو تأويلها، نعم ربما طرح بعضهم خبر عبد الغفار منها،
واقتصر في العمل على الباقي، ومقتضاه حينئذ بعد مراعاة قاعدة الجمع بين الاطلاق
والتقييد تخصيص حرمة الأولى في صورة العلم حتى تخرج الأخيرة عن ملكه دون
صورة الجهل، لكنه - مع أنا لم نعرف قائله وإن حكاه الشيخ في التهذيب وشرحه
بالأخبار السابقة، كما في المسالك - فيه طرح أيضا لما في النصوص السابقة من اعتبار
عدم نية العود إلى الأولى في الاخراج عن الملك المحلل للرجوع إليها، أو حمله على
ضرب من الندب والكراهة من غير داع، ولعل الأولى منه الحكم بحرمتهما معا
على الوجه الذي ذكرناه، وحمل خصوص التفصيل بنية العود إلى الأولى وعدمها على
صورة العلم، كما عن ابن حمزة، وأو على ضرب من الندب والكراهة لاستبعاد اعتبار
ذلك في الحل بعد فرض صحة البيع في نفسه، وارتفاع موضوع الجمع معه الذي
يندرج به في عمومات الحل، مضافا إلى قاعدة إلى " إصلاح الحلال الحرام " عكس القاعدة
السابقة وغيرها، بل قد يقال: إن المراد من ذلك عدم العبرة به إذا أريد به الاحتيال
المنافي صحة البيع، فيخرج حينئذ عما نحن فيه، والأمر في ذلك كله سهل بعد
391

ظهور الأمر في أصل المسألة بحمد الله وفضله.
ومنه يعلم ما في جملة من المصنفات خصوصا المسالك، وأطرف شئ فيها نقل
صحيح أبي الصباح (1) متهافت المتن على وجه يخرج به عن الحجية، وناقش فيه
بذلك، مع أنا لم نعثر على نسخة شاذة توافق ما ذكره، بل الموجود فيما حضرني
من الوافي والكافي ما سمعت، وفيها أيضا المناقشة في النصوص السابقة بعدم تعرضها
لتحريم الثانية الذي يمكن أن يقال: إن ترك ذلك لوضوحه، إذ لا خلاف نصا
وفتوى في حرمة وطئها أولا، وهو كاف في بقاء الحرمة، واحتمال أن وطأه المحرم
عليه صار سببا لحله ثانيا باعتبار تحريم الأولى عليه، فيرتفع الجمع كما ترى،
وعليه قد يحتمل حينئذ عود حل الأولى له بوطئه المحرم لها، لكن تحرم الثانية
عليه، فيرتفع الجمع، وهكذا، وهو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي منه
قد يستفاد حكم الأختين اللتين قد لمسهما أو نظرهما نظر شهوة على وجه يقوم مقام
الوطء بناء على ما سمعته سابقا دفعة واحدة، فإن تحريمهما معا بذلك غير بعيد،
بل لعله أولى من حرمة الأولى بوطء الثانية، كما هو واضح.
هذا وفي خبر ابن أبي عمير (2) المروي في زيادات التهذيب عن رجل من أصحابنا
قال: " سمعته يقول: لا يحل لأحد أن يجمع ثنتين من ولد فاطمة عليها السلام إن ذلك
يبلغها فيشق عليها قلت: يبلغها قال: أي والله " وعن العلل روايته مسندا عن حماد بن
عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام لكن لم أجد أحدا من قدماء الأصحاب ولا متأخريهم
ذكر ذلك في المكروهات فضلا عن المحرمات المحصورة في ظاهر بعض، وصريح
آخر في غيره، مضافا إلى عموم الكتاب والسنة، فهو حينئذ من الشواذ التي أمرنا
بالاعراض عنها، نعم جزم المحدث البحراني بحرمة ذلك، وعمل فيها رسالة أكثر
فيها التسجيع والتشنيع وذكر فيها أنه قد عرضها على بعض معاصريه من العلماء
المشاركين له في اختلال الطريقة، ووافقه على ذلك، لكن لا يخفى على من رزقه الله

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9.
(2) الوسائل الباب - 40 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
392

معرفة لسانهم وما يلحنون به من أقوالهم ظهور الكراهة منه، مع أنه لا جرأة لنا
بسبب شذوذه على الفتوى بها فيهما فضلا عن تزويج غير العلوية عليها الذي مقتضى
التعليل أنه يشق عليها أيضا، كما أن مقتضى الخبر المزبور سيما على مذهب المحدث
المذكور مطلق من تولد منها ولو من البنات وإن علون فلا يخلو حينئذ كثير من الناس
عن ذلك، ومن هنا عد ذلك بعض الناس من البدع، كما أنه احتمل كون الخبر المزبور
كانتحال أبي الخطاب أن العلويات إذا حضن قضين الصوم والصلاة (1) والله العالم.
المسألة (الثالثة)
(قيل) والقائل القديمان والشيخان وابن البراج وغيرهم، بل في كشف
اللثام وغيره نسبته إلى أكثر المتقدمين، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل عن ابن
أبي عقيل نسبته إلى آل الرسول (صلوات الله عليهم): إنه (لا يجوز للحر العقد
على الأمة إلا بشرطين: عدم الطول، وهو عدم المهر والنفقة، وخوف العنت،
وهو المشقة من الترك) لقوله تعالى (2): " ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح
المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، والله أعلم
بايمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف
محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان، فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن
نصف ما على المحصنات من العذاب، ذلك لمن خشي العنت منكم، وإن تصبروا خير
لكم، والله غفور رحيم " وخبر محمد بن صدقة البصري (3) المروي عن تفسير العياشي
قال: " سألته عن المتعة أليس هذا بمنزلة الإماء؟ قال: نعم، أما تقرأ قول الله
عز وجل: ومن لم يستطع - إلى قوله - ولا متخذات أخدان؟ فكما لا يسع الرجل

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب الحيض الحديث 15 من كتاب الطهارة.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 25.
(3) الوسائل الباب - 46 - من أبواب المتعة الحديث 1.
393

أن يتزوج الأمة وهو يستطيع أن يتزوج الحرة فكذلك لا يسع الرجل أن
يتمتع بالأمة وهو يستطيع أن يتزوج بالحرة " وصحيح ابن مسلم (1) سأل أحدهما
عليهما السلام " عن الرجل يتزوج المملوكة، قال: لا بأس إذا اضطر إليها " ونحوه
خبر أبي بصير (2) وصحيح زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن الرجل
يتزوج الأمة، قال: لا، إلا أن يضطر إلى ذلك " ومرسل ابن بكير (4) عن أبي
عبد الله عليه السلام " لا ينبغي أن يتزوج الرجل الحر المملوكة اليوم، إنما كان ذلك حيث
قال الله عز وجل: ومن لم يستطع منكم طولا، والطول المهر، ومهر الحرة اليوم
مثل مهر الأمة أو أقل " وخبر يونس (5) عنهم عليهم السلام " لا ينبغي للمسلم المؤمن أن
يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة، ولذلك لا ينبغي له أن يتزوج امرأة من أهل
الكتاب إلا في حال الضرورة، حيث لا يجد مسلمة حرة ولا أمة " وخبر أبي بصير (6)
عن أبي عبد الله عليه السلام " لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة وهو يقدر على الحرة،
ولا ينبغي أن يتزوج الأمة على الحرة " الحديث.
والمناقشة في الأولين بأن ثبوت البأس في المفهوم أعم من المنع يدفعها -
بعد إمكان دعوى معروفية التعبير عن ذلك - أنه قد كشف عنه التصريح به في صحيح
زرارة، كالمناقشة في غيرهما باشعار لفظ " لا ينبغي " فيه بالكراهة، فإنه - بعد
إمكان دفعها بمنع إشعاره بذلك - ظاهر في إرادة المنع منه هنا في بعضها ولو
باعتبار تكريره في المعلوم إرادة ذلك منه فيه، كخبر أبي بصير وغيره، بل لعل
مرسل ابن بكير ظاهر في إرادة المنع منه أيضا، بل منه يستفاد اندفاع المناقشة

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 1 - 5.
(3) الوسائل الباب - 45 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 1 - 5.
(4) الوسائل الباب - 45 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 1 - 5.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3 وفيه " لا ينبغي
للمسلم الموسر... وكذلك لا ينبغي له... "
(6) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 45 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3
وذيله في الباب - 46 - منها الحديث 3.
394

في الآية من الوجوه التسعة المذكورة جميعها أو أكثرها في زبدة البيان للأردبيلي
وغيرها.
كالمناقشة بعدم إرادة المفهوم باعتبار سوق الآية للإرشاد والمخرج
عند الحاجة، نحو قوله صلى الله عليه وآله (1): " من لم يستطع منكم الباه فعليه بالصيام فإنه
وجاء " ونحو القول للجار مثلا " إذا أعوزك أمر فصر إلينا " وقول الطيب: " إذا
خفت فساد الدم فعليك بالرمان، وهيجان الصفراء فعليك بالسكنجبين " إلى غير
ذلك مما يراد به الإرشاد إلى المخرج عند الحاجة والضرورة، ويؤيده النبوي (2)
" إن الحرائر صلاح البيت، والإماء خراب البيت " ولذا لم يجب نكاح الحرة مع القدرة
والأمة مع انتفائها، ولو كان الغرض منها الأمر والنهي والترتيب في الحكم لوجب
ذلك.
أو باعتبار أن المفهوم إنما يكون حجة إذا لم يظهر للقيد فائدة سوى نفي
الحكم عند انتفائه كما بين في الأصول، وللشرط هنا وجه ظاهر غير ذلك،
وهو الترغيب في أمر النكاح والحث على فعله بمجرد القدرة عليه ولو بنكاح الأمة،
مع التنبيه على أن نكاح الحرة أولى وأفضل من نكاح الأمة، وأنه لا ينبغي أن يعدل
عن الحرة إلا للضرورة.
أو باعتبار خروجه مخرج الغالب، فإنه إنما يرغب في نكاح الأمة غالبا من
لا يستطيع نكاح الحرة، فعبر عن مريد نكاح الأمة بمن لا يستطيع نكاح الحرة
التفاتا إلى هذه الغلبة.
أو باعتبار أن " من لم يستطع " ليس صريحا في الشرط وإن تضمن معناه،
ومفهوم الشرط إنما يكون معتبرا إذا كان معنى الشرط مفهوما من صريح اللفظ،

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 من كتاب الصوم مع
اختلاف في اللفظ.
(2) المستدرك الباب - 47 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 وفيه " والإماء
هلاكه ".
395

ولذا عبر عنه بعض الأصوليين بمفهوم " إن ".
وبأن المفهوم لو كان معتبرا هنا لزم أن لا يجوز للعبد نكاح الأمة مع قدرته
على نكاح الحرة، لأن " من " من أدوات العموم، فيتناول الحر والعبد واللازم باطل
بالاجماع، فكذا الملزوم.
وبأن المعلق على الشرطين هو رجحان النكاح، فإن معنى قوله تعالى: " فمن
ما ملكت أيمانكم " فلينكح مما ملكت أيمانكم، وقضية المفهوم حينئذ انتفاء
الرجحان عند انتفاء الشرطين دون الجواز، فلا يقتضي المنع.
وبأن قوله تعالى: " وإن تصبروا " إلى آخرها يدل على الجواز مع فقد
الشرطين، فإنه إذا خاف الضرر بالعزوبة أو الوقوع في الزنا فظاهر وجوب النكاح
حينئذ، فكيف يكون الصبر معه خيرا، وأيضا فإنهم حكموا باستحباب النكاح
لمن تاقت نفسه إليه مطلقا، وذلك يقتضي استحباب نكاح الأمة مع فقد الحرة
لتعينها له حينئذ، والتخصيص بالحرة ولو مع فقدها بعيد جدا، فالمراد أن
صبركم عن تزوج الأمة مع فقد الشرطين خير، فيكون تزويجها معه جائزا.
وبأن هذا المفهوم معارض بمنطوق قوله تعالى: " وأحل " (1) و " أنكحوا " (2)
و " لأمة " (3) والمنطوق مقدم على المفهوم لقوته.
وباحتمال كون الآية للأمر باتخاذ السراري مع عدم القدرة على نكاح
الحرائر، فلا يكون من محل النزاع في شئ.
مضافا إلى ما في الأول من أنه إن أريد بالارشاد معناه الأعم أي الهداية
إلى ما فيه المصلحة فهو غير مناف للتحريم، ضرورة كون الأحكام الشرعية
جميعها إرشادية بهذا المعنى، وإن أريد معناه المصطلح أي الدالة على ما هو
الأليق والأصلح بحال العبد في الأمور الدنيوية خاصة، كما يستفاد من كلامهم

(1) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(2) سورة النور: 24 - الآية 32.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 221.
396

في الأمر الارشادي وغيره، فادعاه ظهوره من سوق الآية ممنوع بل مقطوع بفساده،
إذ ليس في الآية إشعار بذلك، بل قد عرفت دلالتها على خلافه، وسوقها يقتضي
أن المراد بيان الحكم الشرعي من حيث الحل والحرمة، لوقوعها بعد آية التحريم (1)
المشتملة على ذكر ما يحل من النساء وما يحرم، وتعقيبها بقوله تعالى (2): " يريد الله
ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم " الدال على أن المقصود بيان الحكم
كما ذكرناه، وأما عدم وجوب نكاح الحرة مع القدرة والأمة بدونها فلعدم ما يدل
عليه، فإن المضمر غير معين، ولو سلم فعدم الوجوب لوجود الصارف عنه، لا لفهم
الارشاد من الآية كما ظن.
وما في الثاني من أن تسليم حجية المفهوم يقتضي أن الفائدة تخصيص الحكم،
ومخالفة المفهوم للمنطوق، وإن احتمل غيره من الفوائد، إذ لو كان الاحتمال قادحا
لم يكن المفهوم حجة أصلا، فإنه لا خلاف في كون التخصيص من جملة الفوائد،
ولا في تعين إرادته مع انتفاء غيره صونا لكلام الحكيم عن اللغو والعبث، إنما
الخلاف في أنه مع احتمال الفوائد الأخر يتعين الحمل على هذه الفائدة أو يبقى
الكلام محتملا لها ولغيرها، والقائلون باعتبار المفهوم يدعون الأول بناء على
غلبة هذه الفائدة بالنظر إلى غيرها، وأن المظنون إلحاق المحتمل بالأعم الأغلب،
أو أنها هي المفهومة من اللفظ المتبادرة عند الاطلاق، فلا يصرف الكلام عنها إلا
بدليل، وهذا معنى قولهم: " المفهوم حجة إذا لم يظهر للقيد فائدة " لا مجرد
الاحتمال، فإنه سهو بين ناشئ من قلة التأمل، وحينئذ فإن أريد مجرد احتمال
الحث والترغيب فهو مسلم، ولا يقدح في حجية المفهوم، وإن أريد ظهوره في ذلك
فهو واضح المنع، خصوصا مع ملاحظة قوله تعالى: وإن تصبروا " الدال على الحث
البليغ على ترك نكاح الأمة، وكذا قوله تعالى: " ذلك لمن خشي " المشعر بكون
ذلك للضرورة ونحو ذلك مما هو ظاهر في إرادة الترك المنافي للترغيب.
وما في الثالث من أن موضوع الحكم على القول بالجواز مطلقا هو كل من

(1) سورة النساء 4 - الآية 23 - 26.
(2) سورة النساء 4 - الآية 23 - 26.
397

يتأبى من نكاح الأمة سواء كان محتاجا إليه أم لم يكن، وسواء أراد نكاحها أو لم
يرد، وغير المستطيع ليس غالبا في أفراده، وإنما هو غالب في أفراد المحتاج إلى
نكاحها أو المريد له، إلا أنه ليس موضوعا للحكم المزبور بالجواز، لأنه غير مقصور
عليه، ولا على مريد النكاح لعدم تأثير الإرادة في الحكم الشرعي، على أن بناء
المناقشة على الظاهر، ومقتضاه اختصاص الجواز بغير المستطيع، وإرادة الغالب على
تقديره خروج عن الظاهر، فلا يصار إليه إلا بدليل.
وما في الرابع من أن " من " في الآية إما شرطية والفاء في جوابها، أو موصولة
والفاء في خبرها، وعلى كل حال فالمفهوم معتبر، أما الأول فلأن حجية المفهوم
للدلالة على الاشتراط، فمتى حصلت تبعها المفهوم، سواء كان اللفظ صريحا في الشرط
أو متضمنا له، كأكثر كلمات الشرط، بلا خلاف نجده بين علماء العربية والتفسير
والأصول والفقه وغيرهم، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم ومواضع استدلالهم
بأمثال ذلك، بل كل ما دل على اعتبار المفهوم في الأول دال عليه فيها أيضا، ولم
يخص أحد النزاع بالأول، وتعبير بعضهم بأن ليس تخصيصا قطعا، بل هو تعبير
عن محل النزاع بما يعبر به غالبا، وأما على الثاني فلأن دخول الفاء في الخبر يدل
على تضمن الموصول معنى الشرط كما صرح به أئمة العربية فيه، بل وفي كل
موصوف، فيكون المفهوم معتبرا، ولا يقدح فيه عدم وضعها لمعنى الشرط كالشرطية،
إذ العبرة بفهمه مطلقا ولو بالقرينة، لا باستفادته من جهة الوضع بخصوصه.
لا يقال دخول الفاء إنما يقتضي الايذان بالشرط حتى كأن الموصول والموصوف
متضمن له دخيل (متضمنا له دخيلا ظ) في معناه، ولا يقتضي كونه متضمنا له حقيقة
تضمن كلمات الشرط، مثل " من " و " ما " و " متى " معنى " إن " الشرطية، ومن
ثم لم يلتزم فيه الابهام المعتبر في كلمات الشرط، بل جاز أن يكون خاصا، كما
في قوله تعالى: " (1) الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات " المسوق للحكاية عن جماعة
خاصة، وكذا لم يجب أن يعامل معاملة كلمات الشرط من التزام الفاء في الجواب،

(1) سورة البروج: 85 - الآية 10.
398

وكون الصلة فعلا صريحا مستقبل المعنى، فيجوز " الذي يأتيني له درهم " بدون
فاء على قصد السببية، بل يجوز وصله بالظرف وما في معناه مما ليس فعلا صريحا،
وهو كثير، بل وبالفعل الماضي كما في الآية، وقول النحاة يتضمن الموصول
والموصوف معنى الشرط على ضرب من التسامح.
لأنا نقول: دخول الفاء دال على إرادة الشرط قطعا باجماع النحاة، لسبقه
إلى الذهن، وهذا القدر كاف في اعتبار المفهوم المستفاد من فهم أهل العرف الذين
لا يفرقون في الدال على الشرط صريحا أو بتضمنه معنى الشرط، كما في كلم
المجازاة أو بالقرينة لدخول الفاء في الخبر، فإن جميع ذلك مشترك في الدلالة على
مقصود المتكلم منطوقا ومفهوما عرفا، وإن اختلف الدال على الاشتراط بالوضع
والقرينة، فإن أراد بكون الفاء مؤذنة أن الدلالة قد استفيدت فهو مسلم، لكنه غير
قادح في المطلوب المبني على فهم الاشتراط ولو من القرينة كما عرفت، وإن أراد
بكونها مؤذنة أنها مشعرة لا دالة كما يقضي به لفظ الايذان فهو - مع كونه خلاف
ظاهر جعلهم الفاء من أمارات الشرط وأدلته، نحو ايذان اللام الموطئة للقسم
بالقسم - واضح الفساد ضرورة عدم الفرق في الدلالة عرفا، في نحو " من جاءك
فأكرمه " بين كونها موصولة أو شرطية، ولا يقدح في ذلك استعمالها غير مبهمة
في نحو قوله تعالى " الذين فتنوا " إلى آخرها، لأن دخول الفاء إنما يكون قرينة
على إرادة الشرط مع إمكانه، وهو فيما إذا كان خاصا ممتنع، كما أنه لا يقدح
عدم المعاملة معاملة أدوات الشرط في التزام الفاء ونحوها مما هي أحكام لفظية
لا مانع من أن تتبع وضع اللفظ، بخلاف اعتبار المفهوم، فإنه من توابع المعنى
دون اللفظ.
بل قد يقال بعد التسليم والتنزل إنه لا ريب في أن دخول الفاء مما يتقوى به
اعتبار القيد، وتتأكد معه الدلالة في مفهوم الوصف، ولا أقل من أن يصير به
المفهوم متوسطا في القوة والضعف بين مفهومي الشرط والوصف، كما يظهر بالتدبر
في قول القائل: " الذي يأتيني له درهم " وقوله: " الذي يأتيني فله درهم " فإنك
399

ترى أن دلالة الثاني على انتفاء الاستحقاق عند عدم الاتيان أقوى من الأول وإن
كانت أضعف من قوله: " إن يأتيني أحد فله درهم " وحينئذ فالقول بمفهوم الوصف
يقتضي اعتبار المفهوم، لتحقق الوصف فيه مع زيادة، والقول بعدم اعتباره لا يوجب
النفي فيه، لامكان تأثير الزيادة في الحجية، ومن هنا يعلم أن خروج هذا المفهوم
من مفهوم الشرط بعد تسليمه لا يقتضي عدم اعتباره، ولا يتوقف على القول بحجية
مفهوم الوصف، والله العالم.
وما في الخامس من ظهور الآية في خصوص الأحرار باعتبار ظهورها
في استطاعة مهر الأمة المنتفية في العبد، وفي أن المراد عدم الاستطاعة لفقد الطول،
لا لامتناعه، وهي في هذا المعنى ليست إلا في الأحرار، سيما على المختار من عدم
ملكية العبد، بل الظاهر من قوله تعالى: " منكم " الأحرار نحو قوله تعالى (1):
" وانكحوا الأيامى منكم " وكذا قوله تعالى (2): " فمن ما ملكت أيمانكم "
الظاهر في الملك فعلا أو إمكانه، وهو ليس إلا في الأحرار، ومع الاغضاء عن ذلك
كله فلا مانع من ارتكاب التخصيص في المفهوم لا إلغاؤه، ومع دوران الأمر بينهما
فلا ريب في تقديم الأول، على أن هذه المناقشة وما شابهها إنما هي في خصوص قوله
تعالى: " ومن لم يستطع " لا قوله تعالى: " ذلك لمن خشي " إلى آخرها، وهو كاف
في ثبوت المطلوب، لأن ثبوت أحد الشرطين ها هنا يقتضي ثبوت الآخر، للاجماع
على عدم اشتراط أحد الأمرين بخصوصه في نكاح الأمة، فإن الأصحاب اختلفوا
في هذه المسألة على قولين لا ثالث لهما: الجواز مطلقا والجواز مع وجود الشرطين
معا، فالقول بالجواز المشروط بأحدهما خاصة خلاف الاجماع المركب.
وما في السادس من أن المفهوم من تعليق نكاح الأمة على عدم استطاعة
نكاح الحرة أن نكاح الأمة بدل عن نكاح الحرة وقائم مقامه عند فقدها

(1) سورة النور: 24 - الآية 32.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 25.
400

أو عدم التمكن منها، ومقتضى ذلك ثبوت ما علم ها هنا من حكم الحرة مع الاستطاعة
للأمة بدونها، فإن المفهوم من جعل شئ بدلا عن آخر بعد بيان حكمته قصد
إثبات ذلك الحكم بعينه عند انتفائه للبدل، وحيث إن المستفاد من قوله تعالى بعد
ذكر المحرمات من النساء: " وأحل لكم ما وراء ذلكم " (1) هو جواز نكاح الحرة
مجردا عن وصف الرجحان والوجوب ولو من جهة العموم فينبغي أن يكون ذلك
هو حكم الأمة التي هي بدل عنها، فكأنه قيل: أحل لكم نكاح الحرائر من النساء،
ومن لم يستطع نكاحهن فلينكح من الإماء، فيكون المستفاد منه الجواز لا الرجحان،
ولا ينافيه رجحان نكاح الحرة من دليل آخر، على أن سوق الآية لوقوعها بعد
ذكر ما يحرم ويحل يقتضي أن المقصود بيان حكم الأمة من حيث الحل والحرمة
دون الرجحان وعدمه، بل إرادته منافية لقوله تعالى: " وإن تصبروا خير " فإن
المعنى كما ستعرف أن الصبر على ترك نكاح الأمة مع وجود الشرطين خير من
نكاحها، وهو صريح في رجحان الترك، فلا يصح الحمل على رجحان الفعل
المضاد له.
ولعل هذا أولى من الجواب عن ذلك، بأن استفادة الرجحان فرع تقدير
الأمة وإرادة الطلب، وهو غير متعين، لاحتمال أن يكون المقدر ما يقتضي مجرد
الجواز والإباحة، بل هو أولى، لأنه متيقن بخلاف الأمر، فإنه يتضمن شيئا
زائدا على الجواز، وهو مشكوك فيه، فيجب نفيه بالأصل، إذ يمكن المناقشة فيه
بأن مخالفة الأصل لازمة على تقدير الجواز أيضا، فإن الأصل عدم التحريم مع
فقد الشرطين، بل المخالفة على هذا التقدير أظهر كما لا يخفى.
وأولى من الجواب بأن رفع الرجحان الذي هو بمنزلة الفصل يستلزم رفع
الجنس الذي هو رفع الجواز على ما هو التحقيق، وفيه أنه يقتضي رفع الحصة
المعينة من الجواز التي تقوم بها الرجحان، لا ارتفاع الجواز مطلقا كما
هو المطلوب.

(1) سورة النساء: 4 - الآية 24.
401

وما في السابع من أن ما ذكره لما يقتضيه نظم العبارة كما لا يخفى على العارف
بأساليب الكلام، ضرورة ظهور الآية في أن الصبر على ترك النكاح مع الشرطين
خير من فعله، على أن الصبر الذي قد صرح أهل اللغة به وشهد به العرف - وهو
تحمل المشقة وحبس النفس عن الجزع - إنما يناسب ترك النكاح مع الشرطين،
لما فيه من المشقة الظاهرة، بخلاف فاقد التوقان والقادر على نكاح الحرة، فإنه
لا مشقة عليه بترك نكاح الأمة لانتفاء الموجب له في الأول، والاستغناء بنكاح
الحرة في الثاني، ودعوى ظهور كلمات الفقهاء في الوجوب مع خوف الضرر بالعزوبة
أو الوقوع في المحرم فلا يكون الصبر معه خيرا يدفعها أن المسلم وجوبه مع خوف
الضرر البدني، ولم يعلم إرادته من الآية، للمحكي عن أكثر المفسرين: منهم
جار الله الزمخشري والعلامة الطبرسي أن المراد من خشية العنت خوف الإثم الذي
تؤدي إليه الشهوة، وحينئذ يكون حكم نكاح الأمة مع خوف الضرر البدني حكم
المحرمات بالنسب وغيره، فكما لا تحل تلك به فكذلك هذه، وإلا لزم جواز
نكاح المحرمات بأسرها مع الانحصار، بل وجوبه بذلك، وبطلانه ضروري، على
أنه لو صح لوجوب تخصيص مفهوم الآية بما عدا ذلك، وليس في هذا ما يقتضي حمل
قوله تعالى: " إن تصبروا خير " على أفضلية الصبر مع فقد الشرطين كما ذكره
المعترض، وهو ظاهر.
وأما وجوب النكاح مع خوف الوقوع في المحرم لغلبة الشهوة كما ذكره
بعضهم فقد عرفت ما فيه في محله سابقا، لأن ترك المحرم أمر مقدور لا يتوقف
على التزويج، ولذا لم يجز ارتكابه مع عدم التمكن من الانكاح المحلل بالكلية وإن
بلغ من الشهوة ما بلغ، ولولا أنه مقدور لما حرم ذلك، والقول بوجوبه وإن فرض
اقتداره على ترك المحرم بالتقوى وشدة الورع كما ترى، ضرورة أن القول بوجوبه
على تقديره ليس تعبدا محضا، بل إنما هو لاستلزام ترك النكاح الوقوع في المحرم
على ما مر سابقا، وقد عرفت ما فيه ولو سلم فتخصيص هذه الصورة أعني نكاح الأمة
من ذلك لدلالة الآية عليه لا ينافي طريقة التحقيق، فإن تخصيص العمومات غير
402

عزيز، ويشهد له ظاهر كلام الفقهاء والمفسرين، حيث اقتصروا في معنى الآية
على ما هو الظاهر، ولم يتعرض أحد منهم حتى القائل بجواز نكاح الأمة مطلقا
لتأويل الآية وصرفها عن ظاهرها، ولا بقيام الاحتمال فيها، مع ما علم من طريقتهم
في استنباط الأحكام من الآيات وذكر ما فيها من الوجوه والاحتمالات، وهذا
بمنزلة التصريح منهم بعدم وجوب النكاح في تلك الصورة، وإلا فكان ينبغي لهم
التعرض لتنزيل الآية على الوجوب حتى يوافق ما ذهبوا إليه، والموجود في كلامهم
خلافه.
هذا مع إمكان أن يقال: لو أريد من خشية العنت ما يعم خوف الضرر البدني
فلا دلالة في الآية على جواز ترك النكاح معه، لعدم تحقق معنى الصبر فيه حقيقة،
فإن الصبر تحمل المشقة والكلفة، ولا مشقة في ترك النكاح مع خشية الضرر
البدني، وإنما الموجود معه خوف حصول المشقة دون المشقة نفسها، بخلاف الترك
مع خوف الوقوع في المحرم، فإنه لا ينفك عن المشقة الحاصلة باعتبار المنازعة
وقهر القوة الشهوية، وعلى هذا فيكون الصبر على ترك النكاح مقصورا على خوف الإثم
خاصة وإن كان خشية العنت أعم من ذلك، وإطلاق الصبر على ترك النكاح
مع خشية العنت نظرا إلى المشقة التي يؤول إليها الترك معها غالبا وإن كان ممكنا
إلا أنه تكلف مستغنى عنه، ولو سلم فالواجب تخصيص قوله تعالى: " وإن
تصبروا " بما عدا خوف الضرر البدني، لوجوب النكاح معه بمقتضى الحمل على
العموم، وهذا أولى من حمله علي أفضلية الترك مع فقد الشرطين، فإنه بعيد جدا
بخلاف التخصيص، كما أنه يجب حكم الفقهاء باستحباب النكاح لمن تاقت نفسه
إليه بناء على عمومه بما عدا هذه الصورة، لدلالة الآية على أن ترك النكاح فيها
بالخصوص أفضل، فإن الخاص مقدم على العام، ولا بعد في ذلك إذا اقتضته الأدلة
الشرعية، إذ ربما كان مصلحة ترك نكاح الأمة أهم من مصلحة الفعل وإن تاقت
النفس إليه، فلا يكون الفعل حينئذ راجحا كما عن بعضهم التصريح به أو كالتصريح.
وما في الثامن من أن الخاص ولو كان مفهوما مقدم على العام وإن كان منطوقا
403

لقوته، وما قيل من تقدم المنطوق على المفهوم إنما هو مع التعادل من سائر الجهات،
لا أن المنطوق من حيث إنه منطوق مقدم على المفهوم من حيث إنه مفهوم، وما
يقال - من أن المفهوم وإن ترجح باعتبار كونه خاصا فالعام يترجح لكونه منطوقا
فيتعادل الدليلان - يدفعه أن تعادل الدليلين بتعادل جهتي الترجيح، وهما هنا غير
متكافئين، لأن الفهم يتسارع إلى التخصيص عند جمع الدليلين وملاحظتهما من غير
توقف، ولأن تخصيص العموم شائع كثير بخلاف إلغاء المفهوم، ولأن دلالة
المفهوم على المورد المعين أظهر من دلالة المنطوق العام عليه، والترجيح ها هنا ليس
إلا لقوة الدلالة خصوصا المفهوم في قوله تعالى (1): " ذلك لمن خشي العنت " حتى
قيل: إنه لا يقصر عن المنطوق.
وما في التاسع من أن العامل في قوله تعالى: " مما ملكت أيمانكم " فعل
النكاح المقدر بقرينة ذكره في الشرط، والتقدير إن من لم يستطيع أن ينكح
المحصنات المؤمنات فلينكح أو فله أن ينكح مما ملكت، وقد عرفت أن النكاح
حقيقة فيما لا يشمل الملك، على أن الحمل على إرادة التسري ينافيه معلومية عدم
اشتراطه بعدم الاستطاعة وخوف العنت، بل وقوله تعالى: " فانكحوهن بإذن
أهلهن " وقوله تعالى: " فآتوهن أجورهن " بل وقوله تعالى: " وإن تصبروا خير "
إذ لا ريب في جواز التسري والوطء بملك اليمين من دون كراهة ولا منع، سواء قدر
على الحرة أو لم يقدر، وسواء خشي العنت أو لم يخش.
وقد ظهر لك من ذلك تمامية دلالة الآية على المطلوب، وكفى بها دليلا
فضلا عن النصوص المذكورة.
(و) لكن مع ذلك كله (قيل) والقائل جماعة: (يكره ذلك) أي نكاح
الأمة (من دونهما) أي الشرطين (وهو الأشهر) بين المتأخرين، بل في الغنية
الاجماع عليه، للأصل المستفاد من عموم الكتاب (2) والسنة (3) وقول الصادق عليه السلام

(1) سورة النساء: 4 - الآية 25.
(2) سورة النساء،: 4 - الآية 25.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب مقدمات النكاح.
404

في خبر ابن أبي منصور (1): لا بأس أن يتزوج الأمة متعة بإذن مولاها " وصحيح
البزنطي (2): " سألت الرضا عليه السلام يتمتع الأمة بإذن أهلها، قال: نعم إن الله تعالى
يقول: فانكحوهن بإذن أهلهن " وإشعار لفظ " لا ينبغي " في النصوص السابقة (3)
وإشعار نصوص النهي عن تزويج الأمة على الحرة (4) ومن حيث تخصيص النهي
بكونه على الحرة، فلو أن النهي كان عاما لخلا التقييد عن الفائدة، ومن حيث
دلالتها على التزويج ولو فالجملة وهو منصرف إلى العموم، لعدم الصارف له عنه،
وإشعار معقد الاجماع على جواز تزويج الأمة على الحرة بإذنها، وإشعار ما دل (5)
على جواز تزويج الحرة على الأمة.
إلا أن الجميع كما ترى فإن الاجماع لا وثوق به بعد شهرة القدماء نقلا
وتحصيلا على خلافه، ومعارض بما سمعته من ابن أبي عقيل من النسبة إلى آل
الرسول (صلوات الله عليهم) والعمومات مخصصة بما عرفت، بل الآية مساقة لتخصيص
قوله تعالى (6): " وأحل لكم ما وراء ذلكم " منها، ونصوص المتعة - مع معارضتها
بما دل على النهي، مثل خبر يعقوب بن يقطين (7) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل
يتزوج الأمة على الحرة متعة، قال: لا " - لا تنافي ما دل على الاشتراط بالأمرين
الآخرين، بل قوله عليه السلام في الصحيح منها (8): " نعم إن الله " إلى آخره ظاهر
في إرادة ما تضمنته الآية المشتملة على اعتبار الشرطين مع ذلك و " لا ينبغي " مع
أنه للقدر المشترك بين المحرم والمكروه قد عرفت القرائن الدالة على إرادة
الحرمة منه، ونصوص النهي عن تزويج الأمة على الحرة من حيث كونه على الحرة

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 45 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(4) الوسائل الباب - 46 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 0 - 1.
(5) الوسائل الباب - 46 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 0 - 1.
(6) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(7) الوسائل الباب - 16 - من أبواب المتعة الحديث 3.
(8) الوسائل الباب - 15 - من أبواب المتعة الحديث 3.
405

وإن جمع الشرطين ولو لعدم قدرته على وطء التي عنده فيمكن أن يكون شرطا
ثالثا، لأن المراد كفاية إذنها وإن فقد الشرطين، والتزويج في الجملة لا إطلاق
فيه، ويكفي فيه الجواز مع الشرطين، كما أنه يكفي في معقد الاجماع ونصوص
تزويج الحرة على الأمة.
وأضعف من ذلك القول بالتفصيل بين من عنده الحرة وغيره، فلا يجوز
للأول، ويجوز للثاني، مع أنه لم نعرف قائله وإن حكي عن الشيخ أنه حكاه عن
قوم من أصحابنا، بل ظاهر حكايته المنع وإن رضيت الحرة وهو مخالف لما تعرفه
من الاجماع، على أنه قد بالغ بعض الأفاضل في نفي هذا القول، وأنه ليس قولا
في المسألة، وأن مرجعه إلى القول بالجواز، ويؤيده تصريح بعض المتبحرين بأن
ليس في المسألة إلا قولين، وظاهر المسالك أن هذا القائل قد اعتبر في المنع وجود
الحرة فعلا لا القدرة عليها، لكنه كما ترى أيضا. وعلى كل حال فثبوته قولا
في المسألة هنا وهي جواز تزويج الأمة مع عدم الشرطين أو أحدهما لا من حيث
إذن الحرة وعدمه مشكل، ومع تسليمه فهو أضعف من سابقه كما لا يخفى عليك.
وكذا ما عد قولا رابعا، وهو ما يظهر من المفيد من التحريم دون الفساد،
فإنه ليس قولا في أصل التحريم، مع أنه في غاية الضعف مناف للفهم العرفي المستفاد
من الآية والنهي في الرواية في أمثال هذه المقامات مما كان مورده ركني
(ركن خ ل) العقد التي هي أولى من نواهي حرمة الجمع، كما هو واضح بأدنى نظر.
ثم المراد من الطول هنا المهر وإن كان هو أعم كما سمعت التصريح به
في الخبر (1) لكن ألحق به المصنف وغيره النفقة أيضا، وكأنه أخذه من أصل
المعنى اللغوي، وهو الزيادة والفضل والسعة في المال، لكن الانصاف أنه يمكن
عدم اعتبار غير المهر في الطول الذي هو شرط الجواز وأما النفقة فأمر قد ضمنه الله
تعالى خصوصا بعد قوله تعالى (2): " إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله "

(1) الوسائل الباب - 45 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
(2) سورة النور: 24 - الآية 32.
406

وخصوصا بعد قوله تعالى (1): " وفي السماء رزقكم وما توعدون ".
ولو وجد الشرطان فنكح الأمة ثم ارتفعا لم يؤثر ذلك في صحة النكاح
السابق، بل لو فرض أنه قد كان طلقها طلاقا رجعيا جاز له الرجوع بها وإن
فقد الشرطان، لأنها بمنزلة الزوجة، ولو أمكنه زوال العنت بوطء ملك اليمين
مع فقده الطول للحرة لم يجز له نكاح الأمة، لعدم الشرط، وربما احتمل
الجواز، لصدق عدم استطاعة طول حرة، وفيه أن خوف العنت شرط آخر،
والفرض عدم حصوله، هذا.
وفي المسالك " القدرة على وطء الحرة شرط في وجود الطول، فلو كان عنده
حرة رتقاء أو ضعيفة عن الوطء بمرض أو صغر أو كانت غائبة عنه بحيث خشي العنت
قبل الوصول إليها جاز له نكاح الأمة، لفقد شرط الطول ودفعا للحرج، نعم
لو قدر مع وجودها على زوال العنت ببعض الاستمتاعات غير الوطء امتنع " وظاهره
الجواز من غير مراعاة الإذن من الحرة، وهو لا يخلو من إشكال لما ستعرف،
نعم ما فيها أيضا من " أنه لا فرق في المنع عن العقد على القول به بين الدائم والمنقطع،
لشمول النكاح المشروط لهما، وأما التحليل فإن جعلناه عقدا امتنع أيضا، وإن
جعلناه إباحة فلا، كما لا يمتنع وطؤها بملك اليمين " جيد جدا خلافا لبعضهم،
فخص المنع بالدائم معللا له بأنه المنساق من الاطلاق وبما سمعته من صحيح (2)
نفي البأس عن المتعة الذي قد عرفت سوقه من حيث كونه على الحرة، أو لبيان أصل
جواز ذلك بإذن أهلها، والانسياق المزبور ممنوع، خصوصا بعد ملاحظة موارد
نظائر المقام، كما هو واضح. لكن ما ذكره من المنع في التحليل بناء على العقد
يمكن منعه حتى عليه أيضا لظهور النص والفتوى فيما لا يشمله، كما صرح به

(1) سورة الذاريات: 51 - الآية 22.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب المتعة الحديث 3.
407

بعضهم.
والتمكين من نكاح الكتابية بناء على جوازه رافع لخشية العنت الذي هو
أحد شرطي الجواز، فيكفي حينئذ في المنع وإن صدق معه عدم طول نكاح المؤمنة
المحصنة، اللهم إلا أن يقال بمعونة قوله تعالى (1): " ولأمة مؤمنة خير من
مشركة ولو أعجبتكم " والعسر في شدة المحافظة عن سؤرها وغيره إن المراد
خشية العنت من حيث عدم نكاح المؤمنة، فيكفي حينئذ في جواز نكاح الأمة
المؤمنة وإن تمكن من نكاح الكتابية، أو يقال بجواز كل منهما له أو نحو ذلك
فتأمل جيدا.
ولو توقف نكاح الحرة على مهر يجحف بالحال أو زيادة لا يتسامح في مثلها
فالظاهر عدم وجوب البذل وإن تمكن، والاستطاعة في الآية (2) محمولة على
المتعارف، ولعل ذلك مثل بذل الزيادة المزبورة في تحصيل ماء الطهارة وساتر
الصلاة وراحلة الحج، هذا.
وفي المسالك " المعتبر في المال المبذول في المهر القدر الزائد عما يستثنى
من المسكن والخادم وثياب البدن ونحوها، لأن ذلك لا ينافي الفقر، والفقير غير
مستطيع، مع احتماله، لتحقق القدرة في الجملة المانعة من نكاح الأمة ".
قلت: لعل إيكال صدق الاستطاعة طولا إلى العرف أولى من التعرض
لجزئياته التي لم تنضبط، لاختلافها مكانا وزمانا، ومن ذلك ما ذكره فيها أيضا
من أنه " لو كان له مال غائب يتحقق به الطول ولكن لا وصول إليه الآن مع خوف
العنت فإن أمكنه الاستدانة عليه فهو مستطيع، وإلا فلا، ومن ثم جاز له أخذ
الزكاة، ولو وجد من يشتريه بأقل من ثمن المثل ففيه الوجهان السابقان. وما فيها
أيضا من أنه " لو لم يكن مالكا للمهر ولكنها رضيت بتأجيله فإن كان إلى وقت
لا يترقب فيه المال عادة فلا عبرة به، وإن كان مما يتوقع فيه القدرة فوجهان،

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 221.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 25.
408

من تحقق القدرة على الحرة الآن، ومن أن المعتبر المال المخصوص للحرة، والفرض
عدمه، وشغل الذمة بمثل ذلك مع إمكان كذب الظن فضلا عن الاحتمال لا دليل
عليه إن لم يكن فيه ضرورة، وهذا أقوى، ولا فرق بين طلبها مع ذلك مقدار
مهر المثل معجلا أو أزيد منه أو أنقص، وكما لا يجب التزام دينها كذلك لا يجب
التزامه من غيرها بقرض وعدمه، حيث لا يكون عنده وفاء " إلى غير ذلك مما ليس
وظيفة الفقيه التعرض له في مثل الألفاظ التي لا حقيقة لها شرعية، بل ربما كان
بعض المتنبهين لمصاديق العرف أعرف من الفقيه بها، والمرجع إليه في معرفة نفسه
بخوف العنت وعدم الطول ما لم يعلم كذبه.
(و) كيف كان فلا يخفى أنه بناء (على) القول (الأول لا) يجوز له
أن (ينكح إلا أمة واحدة لزوال العنت بها) اللهم إلا أن يفرض عدمه فيجوز له
الثانية (و) أما (من قال ب‍) القول (الثاني أباح اثنتين) لأن الفرض عدم
حرمة نكاح الأمة عنده للعمومات، نعم لا تجوز له الثالثة (اقتصارا في المنع على
موضع الوفاق) وهو الثلاث كما ستعرفه، فيبقى ما عداه على أصل الجواز وعموماته،
والله العالم.
المسألة (الرابعة)
(لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من حرتين) كما ستعرف إن شاء الله.
المسألة (الخامسة)
(لا يحوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها) بلا خلاف أجده فيه
409

في المستثنى والمستثنى منه إلا ما عساه يظهر مما حكاه الشيخ عن قوم من أصحابنا من
عدم الجواز وإن أذنت، وهو مع أنه غير معروف القائل واضح الضعف، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص قال ابن بزيع (1) في الصحيح: " سألت أبا الحسن
عليه السلام هل للرجل أن يتمتع المملوكة بإذن أهلها وله امرأة حرة؟ قال:
نعم إذا رضيت الحرة، قلت: فإن رضيت الحرة يتمتع منها، قال: نعم " بل قد
يشعر به خبر حذيفة بن منصور (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج أمة
على حرة لم يستأذنها، قال: يفرق بينهما، قلت: عليه أدب، قال: نعم، اثني
عشر سوطا ونصف، ثمن حدد الزاني وهو صاغر " وغيره من النصوص (3) نعم يعتبر
وجود الشرطين السابقين بناء على منع نكاح الأمة بدونهما، ولا ينافي وجود الحرة
عنده تصور وجودهما بعد إمكان خوف العنت معها لرتق أو مرض أو غيرهما، وعدم
الطول لنكاح حرة غيرها، لكن قد يظهر مما في المسالك في المسألة السابقة عدم
اعتبار إذن الحرة حينئذ، وفيه أنه مخالف لظاهر الأدلة.
نعم يمكن عدم اعتبار إذنها على القولين إذا كانت ليست من أهل الإذن لصغر
أو جنون، بناء على ظهور اعتبار الإذن في القابلة لذلك، فيبقى غيرها حينئذ على
عمومات الحل، مع احتمال العدم، لاطلاق النهي عن نكاح الأمة على الحرة،
وظهور القابلية إنما هو في المستثنى، فيقتصر عليه في تخصيص المستثنى منه، واحتمال
الرجوع إلى إذن الولي لا دليل عليه، إلا إطلاق الولاية الذي لا يشمل مثل ذلك
قطعا، فلو تجدد لها القابلية بعد النكاح ففي اعتبار إذنها حينئذ في البقاء أو أن لها
الخيار في فسخ عقد نفسها خاصة أو مع عقد الأمة وجوه، أما الغيبة ونحوها مما
يمنع الاستئذان ممن له أهلية الإذن فالظاهر بقاء اعتبار الإذن معها، لاطلاق

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 47 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 والباب - 49 - من
أبواب حد الزنا من كتاب الحدود.
410

الأدلة.
وعلى كل حال (فإن بادر) وعقد من دون إذن (كان العقد باطلا)
عند بني أبي عقيل والجنيد وإدريس والشيخ في محكي التبيان وظاهر المبسوط
(وقيل) والقائل الشيخان وأتباعهما: (كان للحرة الخيار في الفسخ والامضاء)
لعقد الأمة (ولها فسخ عقد نفسها) أيضا، لنحو ما سمعته في عقد بنت الأخ
والأخت على العمة والخالة حتى التصريح بالبطلان هنا في بعض النصوص (1) كما
هناك، ولكن قد عرفت جوابه هناك، كما عرفت أن الأقوى الصحة مع الوقوف
على الإذن شبه الفضولي، بل قد لا ينافيه القول بالبطلان بعد حمله على إرادة العقد
بدون الإذن سابقا ولاحقا، كالحكم به هنا في نصوص المقام وغيره، ضرورة عدم
صدق النكاح بغير إذن على من لحقه الإذن، بل يمكن إرادة عدم ترتب أثر الصحة
قبل الإذن من البطلان، كما اتفق التعبير بذلك عن الفضولي ممن يرى صحته.
من ذلك يظهر الوهن في الاستدلال على البطلان بظاهر الاجماعات المحكية
على ذلك، وإلا كانت موهونة بالقول الثاني الذي قد يدعى شهرته بين القدماء، بل
لعل الشق الأول منه يرجع إلى ذلك أيضا كما هو ظاهر كشف اللثام أو صريحه،
ضرورة عدم إرادة ما يقابل اللزوم من الخيار فيه، وإلا لاقتضى صحة النكاح بغير
رضاها وإن كان لها فسخه، وهو مناف لما دل من نص وإجماع على اعتبار الإذن
في الصحة، اللهم إلا أن يستفاد ذلك من اعتبار إذنها أيضا في نكاحها على الأمة،
مع أنه هناك للزوم، لا لأصل الصحة، ولكن فيه أنه بعد تسليمه لا ينبغي قياس
ما نحن فيه عليه بعد اختلافهما في مفاد الدليل، فيحمل حينئذ على إرادة الوقف
على رضاها من الخيار فيه، بمعنى أن لها الخيار في صحته وفساده بايجاد الشرط،
وهو رضاها وعدمه، وهو عين ما قلناه.
نعم قد زاد هؤلاء بأن لها مع ذلك الخيار في عقد نفسها أيضا وكان المراد
تخييرها بين رد عقد الأمة وبين فسخ عقد نفسها، فلها حينئذ الالتزام بهما معا،

(1) الوسائل الباب - 46 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 2 و 5.
411

وليس لها رد عقد الأمة وفسخ عقد نفسها. ولعل الوجه فيه ظهور النصوص (1)
والفتاوى في أن أمر الجمع بينها وبين الأمة إليها، فإن رضيت به صح، وإلا كان
لها إبطاله، وهو يحصل بأحد أمرين: رد عقد الأمة أو فسخ عقد نفسها، فتتخير
فيهما، وفيه أنه منحصر في الأول بعد سبق لزوم عقدها، وعدم الدليل على طرو
تزلزله كما عرفته سابقا في عقد بنت الأخ والأخت على العمة والخالة، بل
فحوى صحيح الحذاء (2) يقضي بخلافه، على أنه مع فسخها عقد نفسها يلزم صحة
عقد الأمة من دون إذن، فينا في ما دل على اعتبار الإذن في صحة النكاح، وانتفاء
الزوجة بعد ايقاع العقد لا يكفي، لصدق النكاح بغير إذن الحرة وإلا لكفى موتها
مثلا بعد العقد قبل الإذن.
(و) من ذلك كله بان لك أن ما قلناه لا (الأول) ولا الثاني (أشبه)
بأصول المذهب وقواعده التي هي من صحة الفضولي إلا إذا رجعا إليه على حسب
ما سمعت، هذا كله فيما لو تزوج أمة على حرة.
(أما لو تزوج الحرة على الأمة كان العقد ماضيا) بلا خلاف أجد فيه،
بل في الرياض الاجماع عليه للعمومات وغيرها (و) لكن (لها الخيار في نفسها
إن لم تعلم) لخبر سماعة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل تزوج امرأة حرة
وله امرأة أمة ولم تعلم الحرة أن له امرأة أمة، قال إن شاءت الحرة أن تقيم
مع الأمة أقامت، وإن شاءت ذهبت إلى أهلها، قال: قلت له: فإن لم ترض بذلك
وذهبت إلى أهلها أفله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام؟ قال: لا سبيل له عليها إذا
لم ترض حين تعلم، قلت: فذهابها إلى أهلها فهو طلاقها، قال: نعم إذا خرجت
من منزله اعتدت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت " وخبر يحيى

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة والباب - 7 - من أبواب
ما يحرم بالكفر الحديث 4 والباب - 49 - من أبواب حد الزنا.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث.
(3) الوسائل الباب - 47 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
412

الأزرق (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له امرأة وليدة فتزوج حرة
ولم يعلمها بأن له امرأة وليدة، فقال: إن شاءت الحرة أقامت وإن شاءت لم تقم،
قلت: قد أخذت المهر فتذهب به، قال: نعم بما استحل من فرجها ".
ولعل المستفاد منهما اعتبار الإذن هنا في اللزوم لا الصحة بخلاف الصورة
السابقة، واحتمال اعتباره فيها كالسابقة لا دليل عليه، بل ظاهر العمومات
وغيرها خلافه، كما أنه قد يستفاد منهما عدم وجوب إعلام الحرة بأن عنده أمة،
للأصل وغيره، ودعوى استلزام ثبوت الحق لها بالخيار لوجوب الاعلام يدفعها
منع الملازمة أولا، ومنع ثبوت الحق لها حال الجهل ثانيا، كدعوى ظهور الأدلة
في اعتبار الإذن في الجمع بينها وبين الحرة من غير فرق بين سبقها على الأمة
والعكس، وإن اختلفا في تزلزل عقد الأمة في الأول والحرة في الثاني، لأصالة لزوم
السابق، وكذا الكلام في عقد العمة والخالة علي بنت الأخ والأخت كما سمعته هناك
من المسالك، بل ظاهرها المفروغية من ذلك، إلا أنها كما ترى مجرد احتمال
في الأدلة لا يساعد ظاهرها عليها كما عرفت، هذا.
ولكن في الرياض " ولو أدخل الحرة على الأمة جاز، ولزم علم الحرة بأن
تحته أمة إجماعا ونصوصا " ولم نتحقق ذلك، ويمكن أن يريد الاجماع والنصوص
على الحكم الأول، وهو الجواز أو يريد اعتباره في لزوم العقد أو غير ذلك، وعلى
كل حال فلا خيار لها في عقد الأمة الثابت لزومه، خلافا للمحكي عن البيان،
فخيرها فيه أيضا لما عرفت، وفيه ما سمعت، وفي محكي المبسوط جعله رواية ولم
نتحققها.
(ولو جمع بينهما) أي الحرة والأمة مثلا (في عقد واحد صح)
العقد فيهما مع الإذن منها سابقا ولاحقا لما عرفت، والأصح (عقد الحرة)
للعمومات (دون الأمة) ولا يقدح تبعيض مورد العقد عندنا، للأصل وغيره،
وفي صحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام " أنه سئل عن رجل تزوج امرأة حرة

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
413

وأمتين مملوكتين في عقد واحد، قال: أما الحرة فنكاحها صحيح، وإن كان سمى
لها مهرا فهو لها، وأما المملوكتان فإن نكاحهما في عقد مع الحرة باطل يفرق بينه
وبينهما " وينبغي تقييده مع عدم الإذن، للقطع بالصحة معها، ومنه يعلم أن ليس
لها فسخ عقد نفسها، وبالأولى يستفاد عدم فسخه مع سبقه، كما هو واضح،
هذا.
ولا يخفى عليك أن المبعضة خارجة عن مفهوم الأمة، فالمتجه عدم لحوق
الأحكام السابقة جميعها حينئذ، فتنكح حينئذ على الحرة من غير إذن، وتنكح
عليها الأمة من غير إذن، اللهم إلا أن يستفاد من الأدلة أن ذلك للشرف بالحرية
المختلف كلا وبعضا على وجه لا يكون من القياس ونحوه مما يحرم الأخذ به،
والله العالم.
المسألة (السادسة)
لا يحل وطء الزوجة حتى تبلغ تسع سنين إجماعا بقسميه ونصوصا (1)
بل في الموثق " لا توطأ جارية لأقل من عشر سنين، فإن فعل فعيبت ضمن "
لكنه شاذ يمكن حمله على الدخول في العشر أو على الكراهة أو غير ذلك، نحو قوله
عليه السلام في الخبر (3): " لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين "
المحمولتين على الترديد من الراوي، أو استحباب التأخير إلى العشر، أو اختلاف النساء
في تحمل الوطء.
ولا فرق في الزوجة بين الدائمة والمستمتع بها إجماعا أيضا بقسميه، مضافا
إلى إطلاق النصوص، بل صرح غير واحد بالحاق المملوكة بذلك، بل في التنقيح
ومحكي نهاية المرام والكفاية وظاهر المجمع الاجماع عليه، وهو الحجة بعد

(1) الوسائل الباب - 45 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0 - 7 - 2.
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0 - 7 - 2.
(3) الوسائل الباب - 45 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0 - 7 - 2.
414

إطلاق الخبرين، واشتراك علة المنع وعدم تحمل الصغيرة الوطء، وإفضائه إلى
الافضاء، وقبح وطء ذات الثلاث والأربع، فيستصحب المنع إلى التسع، ولا ينافي
ذلك اقتصار جملة من العبارات على الزوجة، لأن التخصيص بالذكر لا يقتضي
تخصيص الحكم، ولأنها مسوقة لبيان التحريم المؤبد والخروج عن حبال الزوجية
وعدمه، والثاني مختص بالزوجة، وكذا الأول على أظهر القولين، كما ستعرف.
لكن روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل
ابتاع جارية ولم تطمث، قال: إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس
عليها عدة، فليطأها إن شاء " وفي الحسن (2) عنه عليه السلام أيضا إنه قال: " في الجارية
التي لم تطمث ولم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل، قال: ليس عليها عدة يقع
عليها " وخبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (3) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض وإذا قعدت عن المحيض ما عدتها؟
قال: إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة لها " ويمكن حملها كما اعترف به
جماعة على من تجاوز سنها التسع ولم تبلغ الحد الذي يخشى معه الحمل،
كذات العشر وغيرها ممن لا تحيض، فيسقط الاستبراء لها عملا بهذه النصوص
المطابقة للأصل والحكمة، بل يمكن حملها على الوطء بعد التسع مع عدم مضي
مدة الاستبراء من حين الملك، فيصح على تفسير الصغيرة بمن لم تبلغ التسع كما
هو المشهور، ولا يعارض ذلك باحتمال تخصيص تلك الأدلة بما عدا المملوكة،
ضرورة رجحان الأول عليه بوجوه، منها الاجماع المحكي صريحا وظاهرا على
حرمة وطئها لدون التسع.
نعم روى الصدوق في المحكي من عيونه عن جعفر بن نعيم بن شاذان عن محمد بن
شاذان عن الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (4) عن الرضا عليه السلام
" في حد الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها،
قال: إذا لم تبلغ استبرأت بشهر، قلت: وإن كانت ابنة سبع سنين أو نحوها مما

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 3 - 4 - 11.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 3 - 4 - 11.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 3 - 4 - 11.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 3 - 4 - 11.
415

لا تحمل، فقال: هي صغيرة، ولا يضرك أن لا تستبرئها، فقلت: ما بينها وبين
تسع سنين قال: نعم تسع سنين " وهو كالصريح في الجواز، لكنها ضعيفة السند،
ركيكة المتن، متروكة الظاهر، متدافعة الصدر والعجز، مخالفة للاجماع والأخبار
لا يخلو عليها آثار التقية، فلا يصلح التعويل عليها في مثل هذا الحكم.
وكيف كان فالظاهر أن الدبر كالقبل في الحرمة، لاشتراكهما غالبا
في الأحكام، ولا طلاق المنع من الدخول المتناول لهما نصا وفتوى، كالطلاق
معقد الاجماع المحكي على تحريمه، نعم لا بأس بالاستمتاع بغير الوطء للأصل
السالم عن المعارض.
ومشتبهة السن كالمعلوم صغرها في الحرمة، للأصل وتعليق الحل في النص
على بلوغ التسع، فالشك فيه شك في المعلق، كما هو واضح.
وع
وعلى كل حال ف‍ (إذا) أثم و (دخل ب‍) الزوجة ال‍ (صبية) أي التي (لم
تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها) أبدا (و) إن قلنا (لم تخرج) بذلك
(من حباله) كما ستعرف إجماعا محكيا صريحا عن الإيضاح والتنقيح
وكنز الفوائد وغاية المرام، وظاهرا في المسالك ومحكي كشف الرموز والمقتصر
والمهذب البارع، بل والسرائر إن لم يكن محصلا، بل لعله كذلك إذ لم أجد
فيه خلافا إلا من المحكي عن نزهة ابن سعيد مع تصريحه بالتحريم في محكي
الجامع، والفاضل الهندي في كشف اللثام، ولا ثالث لهما، نعم ربما لاح من المفيد
وابن الجنيد، والصدوق ذلك، حيث لم يتعرضوا للتحريم مع تصريح الأولين
ببقائها على الزوجية، قال الأول: " إذا جامع الرجل الصبية ولها دون تسع
سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها، والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما " وقال
ابن الجنيد: " فإن أولج عليها فأفضاها قبل تسع سنين فعليه أن لا يطلقها حتى
تموت، وينفق عليها، ويقوم بأمرها، فإن أحب طلاقها أغرم ديتها، ولزمه مع
ذلك مهرها " وقال الصدوق في المقنع: " ولا تتزوج امرأة حتى تبلغ تسع سنين،
416

فإن تزوجتها قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فأنت ضامن " لكن ذلك لا يثبت
به قول، ولذا لم يسند أحد من الأصحاب القول به إليهم.
وأما إطلاق ابن البراج في المحكي من جواهره جواز وطء المفضاة إذا تحقق
اندمال جرحها فهو محمول على الزوجة الكبيرة، فإن الصغيرة لا يتصور فيها ذلك إلا
بفرض الافضاء قبل البلوغ والاندمال بعده، وهو فرض بعيد لا ينصرف إليه الاطلاق،
إلا أن الانصاف مع ذلك كله عدم خلوه عن القوة، للعمومات وخلو جميع النصوص
المعتبرة، مع التصريح في بعضها بالبقاء على الزوجية، كخبر بريد العجلي (1)
عن الباقر عليه السلام " في رجل اقتض جاريته يعني امرأته فأفضاها، قال: عليه الدية إن
كان دخل بها فأفضاها قبل أن تبلغ تسع سنين، فإن أمسكها ولم يطلقها فلا شئ
عليه " وصحيح حمران (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سئل عن رجل تزوج جارية
بكرا لم تدرك، فلما دخل بها اقتضها فأفضاها، فقال: إن كان دخل بها ولها تسع
سنين فلا شئ عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل
حين دخل بها فاقتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج، فعلى الإمام أن
يغرمه ديتها، وإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شئ عليه " وغيرهما من النصوص
التي لا ينبغي ترك بيان الحرمة المؤبدة فيها التي هي أولى بالبيان من غيرها من
الأحكام، بل لعل قوله عليه السلام " أمسكها " في الخبرين ظاهر في ذلك أيضا.
مضافا إلى ما في تعطيل هذا الفرج وعدم استنمائه (استمتاعه ظ) المنافي لغرض
الشارع، بل ولقوله تعالى (3): " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وخصوصا
إذا اندمل جرحها وعادت على ما كانت الذي احتمل السيوري فيه الجواز، بل
في كشف اللثام عن بعضهم التصريح به إلا أنه جزم بالعدم معللا له بالاستصحاب
وظاهر فتوى الأصحاب، إلا أنهما كما ترى بعد الإحاطة بما عرفت.
نعم لم أقف إلا على مرسل يعقوب بن يزيد (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 1 - 2.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(4) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 1 - 2.
417

خطب المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا "
وهو خير واحد ضعيف مرسل، بل ظاهره يقتضي التحريم المؤبد بالدخول مطلقا
قبلا أو دبرا، أفضى أو لم يفض، عالما كان بالصغر أو جاهلا، وحصول البينونة
بمجرد ذلك، وهو خلاف فتوى المعظم، بل الكل في المسألتين، وخلاف النص
المعتبر الدال على بقاء الزوجية مع الافضاء فكيف بدونه، فالمتجه طرحه، ودعوى
التمسك به فيما لا تنافيه الأدلة بعد جبر سنده بالشهرة ممكنة موافقة لصناعة الفقه
إلا أنها لا تورث الفقيه ظنا.
ومن ذلك كله تعرف ضعف القول بالتحريم المؤبد بالدخول وإن لم يفض
الذي أشار إليه المصنف بقوله: (ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح) وإن نسب
إلى الشيخين في المقنعة والنهاية وابن إدريس على أنه لم نتحقق النسبة إلى الأول.
بل الموجود في نسخة عندنا ما سمعته المشعر بالجواز مع الافضاء فضلا عن عدمه،
نعم قيل إن في التهذيب في آخر باب من يحرم نكاحهن بالأسباب " ومن تزوج
بصبية فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما، ولم تحل له أبدا " واحتج
على ذلك بمرسلة يعقوب بن يزيد السابقة، وعلى العبارة المذكورة علامة المتن،
ويمكن أن يكون ذلك من التهذيب، ووضع العلامة كان خطأ من النساخ.
وأما النهاية والسرائر فإنه وإن قال فيهما في أول أبواب النكاح: " وإذا
تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطأها فرق بينهما، ولم تحل له أبدا "
لكنهما قالا في باب الزفاف ما يدل على اشتراط الافضاء، قال في النهاية: " ولا يجوز
للرجل أن يدخل بامرأة قبل أن يأتي لها تسع سنين، فإن دخل بها قبل أن يأتي لها تسع
سنين فعابت كان ضامنا لعيبها، ويفرق بينهما، ولا تحل له أبدا " وقال في المحكي
من الثاني: " ولا يجوز للرجل أن يطأ امرأة قبل أن يأتي لها تسع سنين، فإن دخل قبل
ذلك فعابت كان ضامنا لعيبها، ولا يحل له وطؤها أبدا " ولعله لذا حكي بعضهم عنهما
موافقة الأصحاب حملا لاطلاق كلامهما على مقيده، فلم يتحقق حينئذ قول بذلك،
فلا وجه لاستعظام جماعة له، حتى توقف لأجله العلامة في المحكي من تحريره، ومال إليه
418

الشهيد الثاني في المسالك وبعض من تأخر.
ثم المراد بالافضاء على ما صرح به جماعة جعل مسلكي البول والحيض
واحدا، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل قد يظهر من محكي الخلاف الاجماع
عليه، خلافا لابن سعيد، فجعله رفع الحاجز ما بين مدخل الذكر والغائط، ولعله
محتمل القواعد أو ظاهرها، بل ربما ظهر من بعضهم أنه أشهر القولين، ولعل مراده
بين العامة، بل لعله المشهور عندهم لا عندنا، فإنه قد صرح غير واحد من أصحابنا
باستبعاد وقوعه، لبعد ما بين المسلكين وقوته، بل عن ابن فهد التصريح بعدم ترتب
حكم عليه لو وقع، بل في محكي المبسوط بعد أن حكاه عن كثير من أهل العلم قال:
" وهذا غلط، لأن ما بينهما حاجز عريض قوي " ثم الفقهاء فرعوا على الافضاء
إذا كان البول مستمسكا أو غير مستمسك، وهو إنما يصح على ما قلناه، وفي محكي
السرائر بعد أن حكاه عن توهم كثير من الناس قال: " وهذا غلط عظيم ".
قلت: لكن صرح العلامة في التحرير والمختلف والقواعد بوجوب الدية
في كل منهما، وتبعه على ذلك ولده والسيوري، معللين له بصدق اسم الافضاء
على كل منهما حقيقة، وبعد وقوع الثاني لا ينافي التسمية عرفا، وكذا الفاضل
الهندي، قال: " هو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا كما هو الغالب المشهور
في تفسيره، أو مسلك الحيض والغائط واحدا على رأي فإنه أيضا ممكن داخل
في مفهوم لفظ الافضاء، فإنه الايصال " بل ظاهر المسالك والروضة ذلك أيضا هذا.
وفي المتن فيما يأتي " وأما الفضاء فهو تصيير المسلكين واحدا " وفي النافع هو أن
يصير المسلكين واحدا وقيل أن يخرق الحاجز بين مجرى البول والحيض، وفي الصحاح
والقاموس " أفضي المرأة جعل مسكيها مسلكا واحدا " وفي مجمع البحرين " يعني
مسلك البول والغائط " وعن الآبي في كشف الرموز تفسير عبارة النافع بذلك أيضا،
ولعلهما أخذاه من تبادرهما من هذا اللفظ عند الاطلاق، وعليه يكون قولا آخر
في المسألة، ومقتضاه حينئذ كون الافضاء برفع الحاجزين معا، فإن صيرورة مسلك
البول والغائط واحدا لا يتم إلا برفع الحاجز بين مسلك البول والحيض، ومسلك
419

الحيض والغائط، فإن مسلك الحيض متوسط بين المسلكين الآخرين، فلا يتحدان
إلا باتحاد الجميع، وهو شئ غريب بعيد الوقوع في العادة، وقد استبعدوا ذهاب
الحاجز بين مسلكي الحيض والغائط وحده، وخطؤوا القائل فيه، فكيف برفعه
ورفع الحاجز الآخر معه، فإنه كاد أن يعد ممتنعا إلا أن يراد خرق الحاجزين
ولو بتكرار الوطء وفيه بعد من وجه آخر.
والأولى صرف هذا الكلام عن ظاهره، وتنزيله على ما يرجع إلى غيره
من الأقوال، وذلك إما بالحمل على إرادة رفع الحاجز بين مسلكين من مسالكها
الثلاث برفع أحد الحاجزين، فيتحد حينئذ مع ما سمعته من العلامة، لكن ينافيه
تعريف " المسلكين " إذا المناسب لإرادة هذا المعنى التنكير دون التعريف المفهم
للعهد.
أو بالحمل على مسلكي البول والحيض فيرجع إلى القول الأول، وظاهر
المسالك تنزيل عبارة الشرائع على ذلك، لكنه مع عدم تعارف التعبير عن مخرج
الحيض بالمسلك لا يتأتي في عبارة النافع المقابلة فيها بين هذا المعنى والمعنى الأول
اللهم إلا أن يريد بالأول رفع الحاجز بينهما من أصله، وبالثاني خرق ما بينهما
إلا أنه كما ترى.
أو بحمل المسلكين على القبل والدبر، على أن يكون المراد بصيرورتهما
واحدا اتحاد مسلك الغائط ومسلك الحيض من القبل بذهاب الحاجز بينهما، فيعود
إلى المعنى الثاني، ولعل هذا هو الوجه في تنزيله، بل هو الذي استظهره السيوري
فيما حكي عنه من عبارة النافع، بل قد يشهد له شيوع إطلاق المسلكين عليهما،
وكذا تعبير العلامة في القواعد عن أحد القولين في المسألة بخرق الحاجز بين القبل
والدبر، واستبعاده له بأن الحاجز بينهما عصب قوي يتعذر إزالته بالجماع، بل
عن ولده في الشرح التصريح بكون ذلك هو القول الذي حكاه في المبسوط عن كثير
من الناس، وحينئذ يكون القول باتحاد المسلكين والقول بخرق الحاجز ما بين
القبل والدبر والقول بصيرورة مسلكي الغائط والحيض واحدا واحدا، ويكون
420

الاختلاف بمجرد التعبير.
وكيف كان فكلام الفقهاء وأهل اللغة متفق على أن إفضاء المرأة شئ خاص،
لا أن المراد به مطلق الوصل أو التوسعة أو الشق أو الخلط كي تترتب أحكامه على
كل فرد من أفراد ذلك كما هو مبنى كلام العلامة ومن تابعه، ووجود معنى المطلق
في ذلك الخاص لا يقتضي كون المراد المطلق وأن ذكر الخاص من المثال، إذ يمكن
أن يكون من الألفاظ المشتركة بين العام والخاص، أو أن المعلق عليه الحكم
الخاص من حيث الخصوصية ولو للقرائن، خصوصا بعد مخالفة الحكم للأصول والقواعد
المناسبة، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن وهو الخاص من حيث الخصوصية.
نعم يبقى الكلام في تعينه من بين الأفراد التي سمعتها أقوالا واحتمالا،
ولا ريب في أن المظنون منها ما هو المشهور، للشهرة والاجماع المنقول، وتعارف
الوقوع وغير ذلك، وما في الصحاح والقاموس يمكن حمله عليه، وإلا كان خلطا
بين المعنى اللغوي والمتعارف بين كثير من فقهائهم، ويمكن أن يكونا من الناس
الذين غلطوا في ذلك، المشار إليهم في كلام الشيخ وابن إدريس.
وكيف كان فلا إشكال في وجوب المهر بافضائها مطلقا صغيرة كانت أو كبيرة،
حرة أو مملوكة، زوجة أو أجنبية، حل له وطؤها أو حرم، إلا إذا كانت
مملوكة له أو محللة أو بغيا غير مملوكة، لاطلاق ما دل على وجوبه الشامل للمقام،
خلافا لمحكي الخلاف والمبسوط وظاهر الوسيلة والتحرير في المكرهة على الزنا،
فلها الدية دون المهر، وهو كما ترى، ضرورة انتفاء الزنا في حقها مع الاكراه،
بل عن ديات الخلاف إجماع الفرقة عليه، ونقل الخلاف عن أبي حنيفة.
ثم إن حكم المهر في المفضاة حكمه في غيرها، وإنما تعرض الأصحاب هنا
لئلا يتوهم دخوله في الدية، فيختلف حينئذ في التسمية وعدمها، وبالنسبة إلى
عقر الأمة وإن كانت بغيا هل هو مهر المثل أو عشر القيمة في البكر ونصف العشر
في الثيب؟ إلى غير ذلك من الأحكام التي لا فرق فيها بين المفضاة وغيرها، نعم هذا
كله إذا أفضاها بالوطء، أما لو أفضاها بغيره لم يستقر المهر به في الزوجية، ولم
يلزمه مهر في الأجنبية، لأنه منوط بالدخول، وهو مفقود.
421

وعلى كل حال فلا إشكال بل ولا خلاف معتد به في وجوب الدية بافضاء
الزوجة قبل بلوغها التسع، بل عن الشيخ في كتابي الصداق والديات من الخلاف
الاجماع عليه، كما لا إشكال في عدم وجوبها بالافضاء بعد التسع، بل عن الشيخ
في صداق الخلاف الاجماع عليه وعن أبي العباس تطابق الأقوال والأخبار عليه،
وقد دل عليه خبرا بريد (1) وحمران (2) السابقان، فما عن الوسيلة في فصل آداب
الخلوة من كتاب النكاح من وجوب الأرش به يمكن إرادة الدية منه، كما صرح
به في مقام آخر منها كالضمان في المقنع، بل الظاهر ثبوت الدية في افضاء الأجنبية
صغيرة كانت أو كبيرة، مملوكة أو حرة، موطوءة بشبهة أو الزنا، مطاوعة أو مكرهة،
كما عن بعضهم التصريح به ويقتضيه ظاهر آخر، لاطلاق صحيح سليمان بن
خالد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا
نزلت بتلك المنزلة لم تلد، قال: الدية كاملة " فيتحصل حينئذ وجوب الدية
مطلقا إلا في صورة واحدة، وهي إفضاء الزوجة بعد البلوغ، للاجماع السابق
المقيد لاطلاق الصحيح المذكور، فما عن الحلبيين من إطلاق الدية بالافضاء
في غير محله، والمراد بها دية المرأة الحرة، وهي نصف دية الرجل إن كانت
المفضاة حرة، وإلا فالقيمة ما لم تتجاوز دية الحرة إن كانت أمة، نعم عن العلامة
إلحاق الزوجة النحيفة بالصغيرة، وكأنه اجتهاد، وكذا ما عن الشيخ في صداق
الخلاف التسوية بين الزوجة والموطوءة بشبهة في الفرق بين الصغيرة والكبيرة
مدعيا عليه الاجماع المتبين خلافه بعدم موافقة أحد له عليه فيما أجد.
وعن ابن الجنيد سقوط دية الزوجة إذا أمسكها الزوج ولم يطلقها، ولعله
لظاهر الخبرين الواجب حملهما على سقوطها صلحا، بأن تختار المقام معه بدلا
عن الدية، فإن الدية قد لزمته بالافضاء بدلالة النص والفتوى، فلا تسقط مجانا
من غير عوض، ولأنه لو لم يحمل على الصلح فإما أن يكون المراد سقوط الدية

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 1.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 1.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات المنافع الحديث 1 من كتاب الديات.
422

بالعزم على الامساك أو بنفس الامساك المستمر إلى الموت، بأن تسقط الدية به أو يبقى
الحكم بالسقوط مراعى بالموت، فإن أمسكها حتى مات تبين السقوط من حين الامساك،
أو عدم ثبوت الدية بالافضاء، واللوازم خصوصا بعضها في غاية البعد، فالمتجه الحمل
على التزامه بوجه شرعي في مقابلة اسقاط الدية كما قلناه.
وإشكاله بالمنع من اشتراط مثله في النكاح - وإذا امتنع اشتراطه كانت
المعاوضة عليه أولى بالمنع، وبأن كل شرط أسقطه الشارع في عقد النكاح فهو
مناف لمقتضى العقد، ومتى كان منافيا لم يجز التزامه بوجه - مدفوع بمنع بطلان
هذا الشرط في عقد النكاح، لتعارض الأدلة فيه، ولو سلم فغايته البطلان إذا اشترط
في هذا العقد، ولا يقتضي ذلك البطلان إذا وقع التراضي عليه في عقد آخر، بأن يكون
شرطا فيه أو ركنا، لاختلاف العقود فيما يعتبر فيها من الأركان والشروط،
والأولوية ممنوعة، والمنافاة لمقتضى عقد النكاح لا يستلزم المنافاة لغيره من العقود.
فظهر أنه يمكن حينئذ حمل الخبرين على ذلك، بل لعله أولى من حملهما
على نفي الإثم، لدفع توهم منافاته التحريم المعلوم ثبوته بالافضاء، إذ يبعده
وقوعه في مقابلة إثبات الدية المقتضي لارادتها في جانب النفي ولو في ضمن العموم،
بل يبعده أيضا قوله: وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شئ عليه، لأن
المراد به إما نفي الدية خاصة، أو ما يعمها وغيرها من الأشياء، فينبغي أن يكون
المراد به هناك أيضا ذلك حتى لا يحصل التفكيك بين القرينين، والأمر في ذلك
سهل.
ثم لا فرق في الحرمة أبدا بين الدائمة والمتمتع بها، لاطلاق النص (1)
والفتوى، ولا ينافيه تعقيب ذلك في كلام الأصحاب بتوقف البينونة على الطلاق
وعدمه بعد معلومية إرادة المثال من ذلك، أي تتوقف على حصول أحد أسبابها
أو تحصل بمجرد الوطء.
نعم الظاهر قصر الحكم على الزوجة الصغيرة المفضاة بالوطء فلا تحرم الكبيرة،

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
423

ولا المفضاة بالأصبع، ولا المملوكة ولا الأجنبية، للأصل السالم عن المعارض،
فما عن الفاضل وولده من تحريم الأجنبية وغيرهما مع ذلك الأمة غير واضح،
ودعوى الأولوية بزيادة الإثم في الأجنبية ممنوعة، كدعوى أن الزوجية سبب
للحل، فلا تكون سببا للتحريم الذي هو ضده، فليس هو إلا الصغر والافضاء،
وهما متحققان هنا، ضرورة منع كون التحريم المحض العقوبة مع انتفاء مثل تلك
في الأجنبية، فإن تحريمها أخف من تحريم الزوجة، فلعله أسقط فيهما ذلك، لثبوت
ما هو أشد منه، ومن ثم لم يثبت في المفضاة بالأصبع مع كونه أشد من الافضاء
بالوطء، والحكم في النص والفتوى منوط بالزوجية، فتكون جزءا من السبب
المحرم، ولا استبعاد فيه إذا اقتضته الأدلة الشرعية، خصوصا بعد بطلان القياس،
وعدم المنقح من إجماع أو غيره من الأدلة المعتبرة، كما هو واضح.
ولو ظن أنها كبيرة فأفضاها ثم تبين الخلاف لم تحرم على ما صرح به
بعضهم، بل هو ظاهر كثير حيث رتبوا الحكم على الوطء المحرم، للأصل السالم
عن معارضة النص والفتوى بعد انسياق غير ذلك منهما، خصوصا بعد فرض كون
التحريم عقوبة، كما صرح به غير واحد منهم، وهي إنما تترتب على المحرم دون
المباح، نعم أطلق جماعة التحريم بوطء الصغيرة أو إفضائها، بل النص أيضا مطلق،
لكن يمكن إرادة الجميع العلم بالصغر، نعم يمكن شمول النص والفتوى للصغيرة
المعلوم كونها صغيرة وإن كان جاهلا بحرمة وطئها جهلا يعذر فيه شرعا.
ولو اندمل المحل وصلح الوطء لم يعد الحل للاستصحاب وظاهر فتوى
الأصحاب، وعن الصيمري القطع به في غاية المرام، وعن السيوري أنه أولى الوجهين،
واحتمل العود بزوال علة التحريم، وحكاه في كشف اللثام قولا لبعضهم في موضع
منه، وحكم به في موضع آخر، ولعله لما عرفته سابقا من الاشكال في أصل الحرمة
بالافضاء، وعلى القول بها فيقتصر بها على المتيقن، وهو غير هذا الفرد، خصوصا بعد
قوله عليه السلام (1): " أفسدها وعطلها على الأزواج " هذا وقد قيل: إنه يأتي الوجهان

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1
424

على القول بالبينونة وعدمها، لكن فيه أن احتمال العود على القول بها واضح الفساد،
كما أنه لو قلنا بالتحريم بمجرد الوطء سقط هذا الفرع من أصله.
وكيف كان فلا إشكال في ثبوت التوارث بينهما، لثبوت الزوجية بناء
على المختار، وعموم أدلة الإرث، وفي تحريم الخامسة والأخت وبنت الأخت والأخ
بل والعقد على الأمة بدون رضاها، لكن في المحكي عن المهذب البارع استقرب
سقوط الإذن في الأمة إذا لم يكن عنده غيرها ولا طول دفعا للضرر، وفيه ما عرفت
سابقا من أن الأقرب اعتبار الإذن في أمثالها كالممنوع عن وطئها لمرض وغيره،
لاطلاق الأدلة واندفاع الضرر بالطلاق.
نعم الظاهر اختصاص التحريم في الوطء قبلا ودبرا دون باقي الاستمتاعات
وفاقا لصريح بعض وظاهر آخرين، للأصل السالم عن المعارض، فما في الروضة
من استجواد تحريم الاستمتاع بغير الوطء أيضا في غير محله، وفي استحقاقها القسم
مع غيرها وجهان، أجودهما ذلك كما تستحقه الرتقاء والقرناء والحائض والنفساء،
لأن الغرض منه الأنس بالمضاجعة دون المواقعة.
ولو وطأها عالما بالتحريم أثم وعزر، ولكن لا حد عليه كالحائض،
ولو حملت منه لحق به الولد، نعم لا يثبت الاحصان بها، لأن من شرطه التمكن
من الوطء، وهو مفقود هنا، فلو زنى أو زنت وجب الحد دون الرجم.
ولا إشكال في جواز طلاقها بناء على بقائها على الزوجية، ولا يشترط فيه
شرط زائد على غيره من أفراد الطلاق، خلافا لظاهر ما سمعته سابقا من ابن الجنيد
من إغرام الدية إن أراد الطلاق، ولا دليل عليه، بل ظاهر الخبرين (1) السابقين
توقف الدية على الطلاق، وهو عكس ما قاله، اللهم إلا أن يكون ذلك مراده
وإن قصرت عبارته عنه، على أن الظاهر ثبوت الدية لها على كل حال، فلا بد من
حمل ذلك على الصلح عنها بالإمساك، أو حمل قوله عليه السلام: " لا شئ عليه " فيهما
على نفي الإثم، ولو طلقها جاز له العود برجعة أو نكاح مستأنف، وكانت عنده

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 3.
425

كما كانت قبل.
وهل يقع بها الظهار؟ عن أبي العباس نعم إن حرمنا به غير الوطء من ضروب
الاستمتاع وإلا فلا، وهو جيد، وعلي الثاني يكون كالايلاء، وأما اللعان فإن
كان على القذف وقع، ولا ينافيه اشتراط الاحصان، فإنه فيه بمعنى العفة دون
المعنى المعتبر في الحد، وكذا لو كان لنفي الولد إن احتمل وطؤه لها بعد البلوغ
مع اجتماع سائر الشروط المعتبرة في اللحوق.
ويجب عليه الانفاق عليها ما دامت حية بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل قد
حكى الاجماع عليه جماعة، والأصل فيه مضافا إلى ذلك صحيح الحلبي (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل تزوج جارية فوقع عليها فأفضاها، قال: عليه
الاجراء عليها ما دامت حية " وهو كما ترى شامل للبائنة عنه بطلاق ونحوه
وغيرها، خلافا للمحكي عن الإسكافي فأسقط النفقة لها بعد طلاقها، وهو محجوج به
وبالإجماع بقسميه.
بل هو شامل للصغيرة والكبيرة، فإن الجارية بنص أهل اللغة هي الفتية
من النساء، ولا ريب في شمولها لمن بلغت التسع وتجاوزت عنها إلى أواخر
زمن الشباب، إلا أن المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا على
اختصاص الصغيرة بذلك، قال في محكي الخلاف: " من وطأ امرأة فأفضاها فإن
كان قبل تسع سنين لزمه نفقتها ما دامت حية، وعليه مهرها وديتها كاملة، وإن
كان بعد تسع سنين لم يكن عليه شئ غير المهر - ثم قال -: دليلنا على ذلك
إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك " نعم حمل هذا الخبر في محكي الاستبصار
على الكبيرة جمعا بينه وبين خبر بريد العجلي مع أنه لا تعارض بينهما، ثم
قال: " ولا ينافي هذا التأويل قوله عليه السلام في الخبر الأول: إن شاء طلق وإن شاء
أمسك إذا كان الدخول بعد تسع سنين، لأنه قد ثبت له الخيار بين إمساكها
وطلاقها، ولا يجب عليه واحد منهما وإن كان يلزمه النفقة على كل حال " وهو

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 3.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 3.
426

صريح في الانفاق على الكبيرة، ويؤيده إطلاق الصحيح السابق.
اللهم إلا أن يقال: إنه مقيد بالاجماع المحكي الذي يشهد له التتبع،
فإن الشيخ بعد تسليم ذكره ذلك مذهبا له لا مجرد جمع بين الأخبار قد رجع عنه
في الخلاف، وادعى الاجماع عليه، أو يقال: إنه معارض بما في الخبرين السابقين
من قولهما عليهما السلام: " وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شئ عليه " فإنه عام
المنفقة وإن كان واقعا في مقابلة اثبات الدية في الصغيرة. لكن ذلك إنما يقتضي
تحقق إرادتها من العموم لا قصر العموم عليها، كما أنه لا يقال: إن التعارض بينهما
من وجه ولا ترجيح، ضرورة وجود المرجح لهما دونه بالأصل والاجماع السابق
وغيرهما، على أن العموم فيهما وضعي باعتبار كونه نكرة في سياق النفي بخلاف
الاثبات الذي هو مطلق يرجع إلى العموم، والنفي أصرح في العموم من الاثبات،
فلا ريب حينئذ في كون التحقيق ما عند الأصحاب من قصر الحكم المزبور
على الصغيرة.
نعم عن ابن فهد والصيمري وابن القطان وأحد وجهي القواعد والإيضاح
والروضة تقييد الحكم بما إذا لم تتزوج بغيره، لزوال علة الوجوب، وهي الزوجية،
والتعطيل على الأزواج، وامتناع وجوبها بالزوجية على أكثر من واحد، مع أن
الأقوى خلافه أيضا، لعموم النص المعتضد بفتوى المعظم وإجماع الخلاف
واستصحاب الوجوب بعد منع التعليل بالزوجية، ومن ثم وجبت حال الصغر وبعد
البينونة قبل التزويج، وكذا التعليل بالتعطيل، لاحتمال العقوبة، ووجوبها عليهما
ليس للزوجية فيهما، بل للافضاء في الأول والزوجية في الثاني، كما هو واضح.
ولو أفضى الزوجة بغير الوطء أو وطأ أمته فأفضاها لم يثبت الحكم، للأصل
السالم عن المعارض، بل والأجنبية وفاقا لصريح جماعة وظاهر آخرين لذلك
أيضا، خلافا للمحكي عن الخلاف، فأوجب الانفاق عليها إن وطأها بعقد شبهة،
بل في القواعد وجوبه مطلقا على إشكال، أما لو ظن أنها كبيرة فوطأها وأفضاها
فالأقرب وجوب الانفاق عليها، لا طلاق النص خلافا لما عساه يظهر من جماعة
427

العدم، حيث رتبوا ذلك على الوطء المحرم، إلا أنه كما ترى.
ثم إن ظاهر النص والفتوى وجوب الانفاق عليها بجميع ما تحتاجه من
مؤونة أو كسوة أو مسكن كالزوجة وغيرها من واجبي النفقة، ولا يختص بالأول،
فإن الاجراء الوارد به لفظ النص يعم الجميع، وكذا الانفاق المعبر به في كلام
الأكثر، ولأن هذه النفقة إما نفقة الزوجة أو بدلها المستحق لها بتعطيلها على
الأزواج أو بالعقوبة على الافضاء، وكيف كان فيجب فيها ما يجب في الانفاق
على الزوجة، ولو قلنا بوجوب النفقة بالعقد أو اكتفينا فيها بالتمكن من الاستمتاع
ولو بغير الوطء حيث لا يمكن كان الواجب عليه نفقة الزوجة ما دامت في حباله،
فيستصحب حكمها بعد المفارقة، بل الظاهر قضاؤها لو فاتت كنفقة الزوجة، ولأنه
الأصل في كل حق مالي ثابت في الذمة، نعم الظاهر سقوطها بموته كما هو واضح،
والله العالم.
(المقصد الثاني)
(في مسائل من تحريم العين، وهي ستة)
(الأولى)
لا يجوز نكاح المرأة دائما ولا متعة في العدة، رجعية كانت أو بائنة،
عدة وفاة أو غيرها، من نكاح دائم أو منقطع، بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، لقوله تعالى (1): " ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب
أجله " فإن المفهوم عرفا النهي عن النكاح نفسه ولو لشيوع التعبير عن تحريم الفعل

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
428

بالنهي عن مقدماته لقصد المبالغة، ولذا لو قال السيد لعبده: " أعزم على هذا
الأمر أولا تعزم عليه " فهم منه توجه الخطاب بالأمر أو النهي عن نفس الفعل
دون العزم عليه بخصوصه، على أن الآية قد دلت على تحريم العزم، والمراد منه
إما معناه الحقيقي وهو القصد والإرادة أو الفعل المعزوم عليه مجازا لكونه ملزوما
للعزم، وعلى التقديرين يثبت المطلوب، أما على الثاني فظاهر، وأما على الأول فلأن
تحريم العزم على النكاح يستلزم تحريم النكاح المعزوم عليه، فإنه لو كان جائزا
لجاز العزم عليه قطعا، إذ لا حكم للعزم بالنظر إلى ذاته، وإنما يثبت له التحريم والجواز
بواسطة ما أضيف إليه من الفعل المعزوم عليه، فإن كان محرما فالعزم حرام،
وإلا فجائز، بل لا يعقل جواز الفعل مع تحريم العزم عليه، وحيث ثبت تحريم
العزم بالآية ثبت تحريم العقد نفسه.
وربما وجه الاستدلال بها بمعلومية عدم إرادة النهي عن العزم نفسه، بل
المراد منه النكاح، وذلك لإباحة العزم على النكاح بالاجماع، وبقوله تعالى (1)
" ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، أو أكننتم في أنفسكم " فإن
الأكنان في النفس بمعنى الاضمار فيه، وليس ذلك إلا العزم، مع أن رفع الجناح
عن التعريض يستلزم إباحة العزم أيضا، لامتناع حصول التعريض بدونه، وفيه
أن المعلوم من إباحة العزم على النكاح إنما هو العزم عليه فيما بعد العدة لا العزم
عليه فيها، فإنه محرم لكونه عزما على محرم، فالاتفاق على إباحة العزم
على النكاح بعد انقضاء العدة لا يقتضي حمل العزم على نفس الفعل، إذ يمكن حمله
على معناه الحقيقي مع التقييد بالعدة، ومنه يعلم تقييد الأكنان بما بعد العدة،
لأن العزم على القبيح قبيح، فيمتنع من الحكيم تجويزه، ولأن الحكم بالجواز
على تقدير استفادته من الآية شرعي، ولا ريب في نفي الجواز الشرعي وإن لم يكن
الجواز مستحيلا عند العقل، فإن التصريح بجواز العزم على النكاح في العدة مع
تحريمه والمنع عنه مما يعد سفها وعبثا، وذلك محال على الله تعالى، ومن ذلك
يعلم أن التعريض بالنكاح في العدة إنما يجوز لو كان القصد إلى إيقاعه بعدها،

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 235.
429

وذلك إنما يقتضي إباحته العزم بهذا الوجه.
وعلى كل حال ف‍ (من تزوج امرأة في عدتها عالما) بالحكم والموضوع
عامدا (حرمت عليه أبدا) بمجرد العقد (و) كذا. (إن جهل العدة
والتحريم) أو أحدهما (ودخل) بها قبلا أو دبرا (حرمت) عليه (أيضا، ولو لم
يدخل) بها (بطل ذلك العقد وكان له استئنافه) بعد انقضاء العدة بلا خلاف أجده
في شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة، قال
الصادق عليه السلام في خبري زرارة (1) وداود بن سرحان (2) وفي خبر أديم (3) بياع
الهروي الذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم: " لا تحل له أبدا " وقال عليه السلام
أيضا في الحسن (4) كالصحيح: " إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها
لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا، وإن لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل
للآخر " وفي صحيح ابن الحجاج (5) عن أبي إبراهيم عليه السلام " سألته عن الرجل
يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال: لا أما إذا كان
بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها، وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم
من ذلك، فقلت: بأي الجهالتين يعذر؟ بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه أم
بجهالته أنها في عدة؟ فقال: إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأن الله
حرم ذلك عليه، وذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها، فقلت: فهو في الأخرى
معذور، قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها، فقلت: فإن كان
أحدهما متعمدا والآخر بجهل، فقال: الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى
صاحبه أبدا " وفي الحسن كالصحيح (6) أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن المرأة
الحبلى يموت زوجها فتضع، وتتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرا، فقال:
إن كان دخل بها فرق بينهما، ثم لا تحل له أبدا، واعتدت بما بقي عليها
من الأول، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 4.
(5) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 4.
(6) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
430

فرق بينهما، واعتدت بما بقي عليها من الأول، وهو خاطب من الخطاب " ونحوه
موثق ابن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام، وفي الموثق الآخر المضمر (2) " سألته عن
رجل تزوج امرأة في عدتها، قال: يفرق بينهما، وإن كان دخل بها فلها المهر
بما استحل من فرجها، ويفرق بينهما، فلا تحل له أبدا، وإن لم يكن دخل بها
فلا شئ لها من مهرها " وفي الحسن أو الموثق (3) " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: بلغنا
عن أبيك أن الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا، فقال: هذا إذا
كان عالما، فإذا كان جاهلا فارقها وتعتد، ثم يتزوجها نكاحا جديدا " وفي خبر
حمران (4) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدتها بجهالة منها بذلك،
فقال: لا أرى عليها شيئا، ويفرق بينها وبين الذي تزوج بها ولا تحل له أبدا،
قلت: فإن كانت قد عرفت أن ذلك محرم عليها ثم تقدمت على ذلك، فقال: إن
كانت تزوجت في عدة لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة فإني أرى أن عليها
الرجم، وإن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة فإني
أرى عليها حد الزاني، ويفرق بينها وبين الذي تزوجها، ولا تحل له أبدا " وهي
كما ترى واضحة الدلالة على جميع ما عرفت بعد حمل المطلق فيها على المقيد.
بل قد يظهر من " الآخر " (5) فيها الحرمة عليهما أبدا بمجرد العلم من
أحدهما، وهو كذلك بعد فرض علم الآخر بأن الثاني قد أقدم عالما، ضرورة التلازم
هنا بين الحرمة أبدا من طرف الحرمة كذلك من طرف آخر، للتلازم بين فساد العقد
من طرف فساده من آخر، إذ هو مركب لا يتصور فيه تبعيض الصحة، بل ربما
أدى ذلك إلى التناقض، فإن مقتضى الصحة ملك المعقود عليه، ومقتضى الفساد عدمه،
فيكون الشئ الواحد مملوكا وغير مملوك، نعم قد يجري حكم الصحة ظاهرا على
أحدهما والفساد على آخر في الظاهر دون الواقع، كما لو أقر بالزوجية وانكار الآخر،

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 7.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 7.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10 - 17.
(4) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10 - 17.
(5) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 و 4.
431

فيلزم كل منهما باقراره وإنكاره، وليس هذا تبعيضا للعقد في الواقع، بل هو
ليس إلا واحدا، بخلاف المقام المفروض فيه التبعيض واقعا، وإلا لم يكن فيه إشكال
أصلا إذا فرض كونه من هذا القبيل، كما لو ادعت الامرأة مثلا بعد تجديد العقد
عليها أنها كانت عالمة حال العقد الأول وأقدمت على محرم، وأنكر الزوج علمها
بذلك، وادعى أنهما معا كانا جاهلين حال العقد الأول، فلا تترتب حرمة أبدا،
فإن المتجه حينئذ بقاء العقد الثاني على الصحة ظاهرا وإن وجب على الامرأة في باطن
الأمر التخلص منه، كما في نظائره.
ولا ينافي ما ذكرنا ما في ذيل صحيح ابن الحجاج (1) المعلوم عدم اختصاص
الحرمة أبدا في العالم على وجه لو جدد العقد بعد العلم بالحال يكون صحيحا من جهة
وفاسدا من أخرى، بل المراد أن الحرمة في الواقع أبدا على خصوص العالم فيهما
بعد فرض عدم علم الآخر به، فإن العقد كان صحيحا بحسب الظاهر، لعدم ثبوت
دعوى مدعي العلم في العقد الأول بعد العقد الثاني بمجرد دعواه.
وقد نبه لبعض ما ذكرناه في المسالك، فقال: " وإن جهل أحدهما وعلم
الآخر اختص كل واحد بحكمه وإن حرم على الآخر التزويج به من حيث مساعدته
على الإثم والعدوان، ويمكن التخلص من ذلك بأن يجهل التحريم أو شخص المحرم
عليه، ومتى تجدد علمه تبين فساد العقد، إذ لا يمكن الحكم بصحة العقد من جهة
دون أخرى في نفس الأمر وإن أمكن في ظاهر الحال، كالمختلفين في صحة العقد
وفساده " لكن فيه أولا أن الفساد ليس للإعانة على الإثم إذ يمكن فرض عدمها
في الغفلة ونحوها، بل هو لما عرفت، وثانيا ما في كشف اللثام، فإنه بعد أن ذكر
اختصاص الحرمة في العالم قال: " وإنما تظهر الفائدة إذا بقي الآخر على جهله حتى
عاد، أما إذا تجدد له العلم قبل العود فيشكل التحريم من أحد الجانبين خاصة، إلا
أن يقال بالحل للآخر إن جهل التحريم أو شخص المعقود عليها ثانيا، ولكن

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
432

لا يظهر الفرق بينه وبين صورة علمها إلا بأن يقال بلزوم العقد حينئذ وإن تجدد
العلم بالتحريم أو الشخص بعد العقد، ويمكن أن يكون التحريم ثابتا لهما أيضا،
لكن للعالم بالذات وللجاهل بالواسطة، لكون التحريم عقوبة على العقد، ولا عقوبة
إلا على العالم، ويحتمل أن لا يكون العقد باطلا حين جهل أحدهما وإن كانا حين
العقد الثاني عالمين بالحكم والشخص وإن أثم العالم، لكن لا نعرف به قائلا " قلت:
بل ولا وجها معتدا به كغيره مما ذكره، وقريب منه ما ذكره المقدس البغدادي
من أنه لا مانع من التزام تبعيض الصحة في الواقع، لأنها في المعاملة مجرد ترتب
آثار، فلا بأس في جريانها بالنسبة إلى شخص دون الآخر، وفيه ما عرفت.
فالأولى أن يقال: ليس المراد في النص والفتوى الفرق بين علمهما وعلم
أحدهما في ذلك، بل المراد إبانة التساوي بين الصورتين، لما عرفت أن الحرمة هنا
أبدا من جانب تستلزمها من آخر، لعدم قابلية عقد التبعيض في نفس الأمر، ومن هنا
اكتفى في المحرمات جميعها بذكر حرمتها من جهة، كما هو واضح.
وقد أشرنا إليه سابقا في البحث عن الشبهة، فلاحظ وتأمل تجد الأمر ظاهرا،
لظهور اعتبار الدخول في العدة في الحرمة أبدا فيما يعتبر فيه ذلك، فلو عقد جاهلا
عليها فيها ودخل بها بعد العدة ثم علم بالحال بعد ذلك لم تحرم أبدا، بل كان له
الاستئناف كما صرح به في المسالك.
ومن الغريب ما في الرياض من الحرمة أبدا بذلك معللا له باطلاق الفتاوى
كالنصوص، ثم قال: " وربما اشترط في الدخول وقوعها في العدة، وهو ضعيف "
وظاهره المفروغية من ذلك، مع أنه لا ينكر انسياق الدخول في العدة مما أطلق
فيه ذلك من النصوص، خصوصا بعد صراحة نصوص الحلبي (1) في ذلك، وموثق ابن
مسلم (2) وغيره فإنها جميعا بمذاق واحد، وفي خبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: " في رجل نكح امرأة وهي في عدتها، قال: يفرق بينهما،

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 6 و 20.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 8.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 8.
433

ثم تقضي عدتها، فإن كان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، ويفرق
بينهما، وإن لم يكن دخل بها فلا شئ لها " فإنه كالصريح في ذلك أيضا، على
أن الحكم مخالف للعمومات، فالمتجه الاقتصار فيه على المتيقن إذ لا أقل من الشك
في تناول الاطلاقات بمثله، ومن ذلك بان لك أن المناسب له المفروغية من عدم
الحرمة وذكر الحرمة احتمالا، لا العكس كما هو واضح.
وعلى كل حال فقد ذكر غير واحد من الأصحاب أن في إلحاق ذات البعل
بذات العدة في الحكم المزبور وجهين: ينشئان من أولوية حرمة الزوج التي هي
حكمة الحكم المزبور فيها من ذات العدة، ومن الاقتصار فيما خالف الأصل
على المتيقن، إلا أن الأول كما ترى، والأولى الاستدلال عليه بأنه من ذات العدة
الرجعية قطعا التي قد صرح بها في خبر حمران (1) السابق، وقد اتفق النص (2)
والفتاوى على أنها بحكم الزوجة، فيعلم منه حينئذ أن حكم الزوجة، مثل حكمها،
كما هو واضح. وبالنصوص، ففي مرفوع أحمد المروي (3) في الكافي والتهذيب
" أن الرجل إذا تزوج المرأة وعلم أن لها زوجا فرق بينهما ولم تحل له أبدا "
وفي موثق أديم بن الحر (4) قال أبو عبد الله عليه السلام: " التي تتزوج ولها زوج يفرق
بينهما ثم لا يتعاودان أبدا " ونحوه في موثقة الآخر (5) وموثق زرارة (6) عن أبي
جعفر عليه السلام " في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلك
فطلقها، قال: تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة، وليس للآخر أن
يتزوجها أبدا ".

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 17.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أقسام الطلاق والباب - 13 - منها الحديث 6
والباب - 20 - منها الحديث 11 والباب - 18 و 20 و 21 - من أبواب العدد من كتاب
الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10 - 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10 - 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 من كتاب الحج.
(6) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10 - 1 - 2.
434

لكن في كشف اللثام " لو عمل بالأخبار الواردة بالتحريم هنا أمكن الحكم
بالتحريم مطلقا، مع الجهل والعلم، ومع الدخول وبدونه، لا طلاقها " قلت: هو كذلك
لولا ما عرفت من أن حكمها حكم ذات العدة الرجعية، ولولا ما يظهر من صحيح
ابن الحجاج (1) عن الصادق عليه السلام " ومن تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم فطلقها
الأول أو مات عنها ثم علم الآخر أيراجعها؟ قال: لا حتى تنقضي عدتها " واعتبار
العلم في المرفوع الدال بمفهومه على عدم الحرة مع الجهل، وهو وإن تناول
كالصحيح (2) السابق حال الجهل مع الدخول إلا أنه يجب تقييده بموثق
زرارة (3) السابق الظاهر في هذه الصورة، فتبقى صورة الجهل مع عدم الدخول
على مقتضى العمومات، بل في الرياض دعوى الاجماع على الحل فيها، وبذلك
يتساوى حينئذ حكم ذات البعل لذات العدة كما صرح به جماعة من المتأخرين
منهم المحقق الثاني، بل لعله ظاهر الجميع وإن لم يتعرضوا له بالخصوص اتكالا
على معلومية اتحاد حكمها لحكم ذات العدة الرجعية.
ومنه يعلم ما في نسبة عدم الالحاق إلى المشهور، باعتبار قصر الحكم على ذات
العدة كما أنه يعلم عدم الحرمة أبدا فيمن عقد على بكر ذات بعل جاهلا ثم
دخل بها بعد الطلاق، نحو ما سمعته فيمن عقد على ذات العدة ثم دخل بها
بعد الخروج عن العدة، بل لعل الحكم كذلك فيمن عقد على ذات بعل ثم دخل بها
في عدتها بائنا، أو عقد على ذات عدة ثم دخل بها بعد أن صارت ذات بعل اقتصارا
فيما خالف الأصل على المتيقن الذي هو غير الفرض، نعم لا يبعد الحرمة أبدا على
من عقد على ذات بعل ثم دخل بها في عدتها الرجعية منه بناء على أنها بحكم
الزوجة على وجه يشمل الفرض، نعم لا يلحق بالعدة مدة استبراء الأمة في الشراء
ونحوه وإن كانت هي بمعناها، بل الحكمة فيهما متحدة، إلا أن المنساق من لفظ
العدة غيرها، والحكم مخالف للأصول، أما إذا كانت معتدة لطلاق أو وفاة فلا ريب

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
435

في تناول الأدلة لها.
إنما الاشكال في نكاح الامرأة في المدة قبل العدة، كما لو تزوج امرأة بعد
وفاة زوجها المجهولة لها أولهما قبل العدة، والأقرب كما في القواعد والمسالك
وغيرهما عدم التحريم المؤبد، لعدم كونها ذات بعل ومعتدة واقعا، ضرورة عدم
الاعتداد عليها قبل العلم بالوفاة، والأصل الحل، لكن لا يستلزم ذلك جواز الاقدام
عليها، ولا صحة العقد عليها، للاكتفاء في عدم جواز ذلك استحقاق العدة عليها
للزوج في نفس الأمر، فلا يؤثر العقد عليها في نفس الأمر وإن استمر جهلها حتى
تخرج من عدته ولم يبق له تعلق بها أصلا، ضرورة معلومية عدم الزوجين في آن
واحد للمرأة، كما أومأ إليه ثم في خبر الجاهلة (1) بالاعتداد، بل ربما احتمل
لذلك نشر الحرمة أبدا، بل قيل: إنه أولى، لكونه في زمان أقرب إلى الزوجية،
بل هي في ظاهر الشرع زوجة، بل هي داخلة في عموم موثق زرارة (2) عن الباقر
عليه السلام المتقدم آنفا، إلا أن الجميع كما ترى، خصوصا دعوى الاندراج
في الموثق المزبور الذي بان فيه أن الزوج حي، فالأقوى حينئذ عدم التحريم.
بل لعل الأقوى أيضا عدم إلحاق مدة المسترابة التي قد جاءها الدم
في أثنائها وانتقلت إلى الاعتداد عن الطلاق البائن بالأقراء بالعدة، ضرورة ظهور الحال
في كونها في هذه المدة ليست ذات بعل ولا ذات عدة، والحكم بأن تلك المدة
من العدة إنما كان في الظاهر، وقد انكشف فساده، فلا تحرم حينئذ مؤبدا بالعقد
عليها مع عدم الدخول، ولا به مع الدخول مع الجهل، وإن استشكل فيه الفاضل
في القواعد وشارحاها من دون ترجيح، وليس الوطء بملك اليمين في العدة بل ولا
بالتحليل بناء على كونه إباحة من النكاح فيها، وإن استشكل فيه المحقق الثاني
ولم يرجح، لكن وجه الترجيح فيه واضح، ضرورة عدم الاندراج في الأدلة،
والحكم مخالف للأصول والقياس محرم عندنا.

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 17.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
436

المسألة (الثانية)
(إذا تزوج في العدة ودخل فحملت وكان جاهلا لحق به الولد) قطعا
(إن جاءت به لستة أشهر فصاعدا) إلى أقصى مدة الحمل (منذ دخل بها)
ولأقصى مدة الحمل من وطء الأول، إذ هو من وطء الشبهة الملحق بالصحيح بالنسبة
إلى ذلك نصا (1) وفتوى، أما إذا جاءت به لدون الستة أشهر من وطئه ولها فصاعدا من
وطء الأول، كان للأول قطعا، كالقطع بخروجه عنهما لو جاءت به لأقصى مدة الحمل
لهما، ولو جاءت به في المدة المشتركة ففيه البحث السابق من الحكم به للأول أو الثاني
أو القرعة، لكن أطلق هنا وفي القواعد أنه للثاني من غير إشارة للخلاف، والظاهر
أن ذلك منهما اتكال على ما تقدم، فإن احتمال الخصوصية لهذه المسألة من بين
أفراد وطء الشبهة واضح الضعف، ومرسلة جميل (2) وغيرها مما أطلق فيها الحكم
هنا بأن الولد للثاني إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى مدة الحمل من
أدلة القول به في جميع أفراد الشبهة، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم.
(و) على كل حال (يفرق بينهما) لما عرفته (ويلزمه المسمى) لها
أو مهر المثل على الخلاف السابق، وإن كان قد يشعر بالأول هنا خبر أبي بصير (3)
وخبر سليمان بن خالد (4) لكن يمكن إرادة الجنس من المهر فيهما لا العهد،
لما قدمناه سابقا، كما أنه يمكن القول بوجوب المسمى في خصوص هذا الفرد
من الشبهة (وتتم العدة للأول) محتسبة أيام وطء الثاني منها (وتستأنف)
عدة (أخرى للثاني) وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل يمكن
دعوى الاجماع عليه، بل عن الشيخ في الخلاف الاجماع عليه، للصحيح (5)

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8 - 7 - 6.
(4) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8 - 7 - 6.
(5) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8 - 7 - 6.
437

والموثق (1) السابقين وغيرهما مضافا إلى قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب.
(وقيل) والقائل الصدوق فيما حكي من مقنعه وابن الجنيد (تجزئ
عدة واحدة) لموثق زرارة (2) السابق وصحيحه الآخر (3) عن أبي جعفر
عليه السلام " في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها، قال: يفرق بينها وتعتد
عدة واحدة عنهما جميعا " إلا أنهما قاصران عن معارضة النصوص السابقة من
وجوه، منها الشهرة والاعتضاد بالقاعدة والاجماع وغير ذلك، فوجب طرحهما
أو حملهما على عدم دخول الثاني، فيكون نسبة العدة إليهما لأدنى ملابسة
أو يراد بالواحدة الاتحاد في المقدار مع فرض العدة الأولى عدة طلاق، أو غير ذلك
من المحامل التي هي وإن كانت بعيدة إلا أنها خير من الطرح.
(و) كيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أن (لها مهرها على الأول)
لتحقق موجبه، وتزوجها في عدته لا يقدح في استحقاقه، للأصل (و) إطلاق
الأدلة، بل قد عرفت وجوب (مهر) المثل أو المسمى مع ذلك (على الأخير إن)
دخل بها و (كانت جاهلة بالتحريم) أو أنها في عدة (ومع علمها) بالتحريم
ف‍ (لا مهر) لها ضرورة كونها حينئذ بغيا، ولا مهر لبغي، كما أنه لا شئ لها
عليه مع الجهل وعدم الدخول، لظهور فساد العقد وعدم استحلال فرجها، وما عن
بعض الشواذ من الأخبار (4) من أن لها نصف المهر حينئذ مرفوض عند الطائفة،
والله العالم،
بقي في أصل المسألة شئ وهو أن المراد بالنكاح في العدة المحرم أبدا ما
إذا كان بنفسه أو بوكيله على ذلك وإن كانت الوكالة فاسدة إلا أنه يصدق عليه
بذلك أنه نكح في العدة، أما إذا كان قد عقد وكيله على المطلق النكاح فلا حرمة
بمجرد العقد وإن علم الوكيل، بل لو وكله على ذلك بالخصوص وكان الوكيل
عالما دونه لم تحرم بمجرد العقد، ولو كان العاقد الولي للطفل مع العلم لم يؤثر

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 11 - 21.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 11 - 21.
(4) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 11 - 21.
438

في الحرمة وكذا المجنون، بل وإن دخل على إشكال، ولو عقدها الفضولي عن
أحدهما فأجازت هي أو أجاز في العدة فالظاهر الحرمة مع العلم أيضا، وكذا لو
عقدها الفضوليان عنهما فأجازا في العدة، بل لو تأخرت الإجازة عن العدة أمكن
الحرمة أيضا بناء على الكشف، لصدق النكاح الصحيح الذي لولا كونه في العدة
لأثر، ويحتمل العدم اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، والله العالم.
المسألة (الثالثة)
(من زنى بامرأة) خلية عن زوج (لم يحرم عليه نكاحها) وإن لم تتب
وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، بل في محكي الخلاف الاجماع عليه للعمومات التي منها
" إن الحرام لا يحرم الحلال " (1) وخصوص صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
" أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالا، قال: أو له سفاح وآخره
نكاح، ومثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراما ثم اشتراها بعد فكانت
له حلالا " وخبر أبي بصير (3) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له
أن يتزوجها، فقال: حلال، أوله سفاح وآخره نكاح، أوله حرام وآخره حلال "
وخبر زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام " لا بأس إذا زنى رجل بامرأة أن يتزوج بها
بعد، فضرب مثل ذلك مثل رجل سرق ثمرة نخلة ثم اشتراها بعد " وخبر هاشم
ابن المثنى (5) قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا فدخل عليه رجل فسأله
عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال: نعم، وأمها وابنتها " خلافا
للشيخين وجماعة، بل في محكي الغنية الاجماع عليه، فاشترطوا التوبة لظاهر
الآية (6) مضافا إلى اطلاق غيرها مما تسمعه من النصوص (7) الواردة في المشهورة

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 1 - 8.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 1 - 8.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 - 1 - 8.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 راجع التعليقة في
الصفحة 371 الرقم 4. (وهناك هشام بن المثنى - المصحح).
(6) سورة النور: 24 - الآية 5.
(7) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
439

وغيرها وخبر أبي بصير (1) " سألته عن رجل فجر بامرأة أراد بعد أن يتزوجها،
فقال: إذا تابت حل له نكاحها، قلت: كيف يعرف توبتها، قال: يدعوها إلى
ما كان عليه من الحرام، فإن امتنعت فاستغفرت ربها عرف توبتها " وخبر إسحاق (2)
ابن جرير عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: " الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في
تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء
فرجها من ماء الفجور، فله أن يتزوجها، وإنما يجوز له أن يتزوجها بعد أن
يقف على توبتها " والموثق (3) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن الرجل يحل له أن
يتزوج امرأة كان يفجر بها، فقال: إن أنس منها رشدا فنعم، وإلا فليراودها على
الحرام، فإن تابعته فهي عليه حرام، وإن أبت فليتزوجها " وخبر محمد (4) عنه
عليه السلام أيضا أو عن أبي جعفر عليه السلام " لو أن رجلا فجر بامرأة ثم تابا فتزوجها
لم يكن عليه شئ من ذلك " ولا يعارضها النصوص السابقة بعد أن كانت مطلقة
وهذه مقيدة معتضدة بظاهر الكتاب وإجماع ابن زهرة، فتحمل عليها
كالعمومات.
وفيه أنها قاصرة عن ذلك بالشهرة على خلافها، وبموافقتها لابن
حنبل وقتادة، والآية - مع أن الظاهر إرادة المشهورة بالزنا منها كما تسمع
التصريح به في النصوص - إنما يراد بها الاخبار على قياس قوله تعالى (5):
" الخبيثات للخبيثين... والطيبات للطيبين " خصوصا ما ورد أن الخبث هو
الزنا والخبيث هو الزاني، واجماع ابن زهرة إنما هو على أصل الحل في مقابل ما
يحكى عن البصري من الحرمة مطلقا، فالمتجه حمل هذه النصوص على التقية
أو الكراهة.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 4 - 2 - 5.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 4 - 2 - 5.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 4 - 2 - 5.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 - 4 - 2 - 5.
(5) سورة النور: 24 - الآية 26.
440

ومنه يعلم عدم الحرمة على غيره بطريق أولى، خلافا لما عساه يظهر
من إطلاق المحكي عن الصدوق في المقنع وأبي الصلاح، للآية (1) أيضا على أن
زرارة قد روى (2) عن أبي جعفر عليه السلام " سأل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها،
فإذا النساء تنبئ عليها بالفجور، فقال: لا بأس أن يتزوجها ويحصنها " وقال علي
ابن يقطين: (3) " قلت لأبي الحسن عليه السلام: نساء أهل المدينة، قال: فواسق،
قلت فأتزوج منهن قال نعم " وقال زرارة (4) أيضا: " سأله عمار وأنا حاضر
عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة، قال: لا بأس، وإن كان التزويج الآخر فليحصن
بابه " وقال علي بن رئاب (5) في المروي عنه صحيحا في المحكي عن قرب الإسناد:
" سألت أبا عبد الله عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم، قال: نعم، وما يمنعه
ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد " إلى غير ذلك مما لا معارض له إلا دعوى
دلالة الآية على ذلك بناء على إرادة النهي من الخبر فيها، لمعلومية كذبه، تعالى
الله عن ذلك.
وفيها - مضافا إلى ما عن بعضهم من أن المراد منها المشهورة بالزنا كما
يشهد به بعض النصوص الآتية، وإلى ظهورها في الحرمة على غير الزاني، والمطلوب
الحرمة عليه وعلى غيره - أن إرادة التحريم منها يقتضي أن يباح للمسلم الزاني نكاح
المشتركة، وللمسلمة الزانية نكاح المشرك، ولا ريب في بطلانه، للاجماع على
أن التكافؤ في الاسلام شرط في النكاح، بل مقتضاها عدم جواز مناكحة الزاني إلا
إذا كانت الزوجة زانية، والمعروف من مذهب الأصحاب جوازها على كراهة،
فإنهم حكموا بكراهة تزويج الفاسق مطلقا، من غير فرق بين الزاني وغيره، نعم

(1) سورة النور: 24 - الآية 5.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 وفيه " فإذا
الثناء عليها في شئ من الفجور ".
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 4 - 6.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 4 - 6.
(5) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 4 - 6.
441

صرحوا بشدتها في شارب الخمر منه، ولو كان تزويج الزاني محرما لاستثني
من ذلك.
فالظاهر أن الآية خبر أريد به الاخبار دون النهي، والمعنى أن الزاني
أي الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء اللاتي
على خلاف صفته، وإنما يميل إلى خبيثة من شكله أو مشركة تقرب منه في الخباثة،
والزانية أي الفاسقة المسافحة لا يرغب في نكاحها الصالحون من الرجال، وإنما
يميل إلى نكاحها من هو مثلها في الفسق أو مشرك يقرب منها في الخبث، فإن
المشاكلة علة النظام والألفة، والمخالفة سبب الافتراق والنفرة، ويصير المعنى في
الآية نحو قوله تعالى: " والخبيثات " إلى آخرها، والمقصود بيان المناسبة
والمشاكلة الداعيين، إلى الألفة والمواصلة، وإنما قرن الزنا بالشرك تشديدا لأمر
الزنا وتغليظا لحرمته، حتى أنه لا يشبهه شئ من المعاصي سوى الشرك، أو لأن
الزاني يسلب عنه الايمان حين ما يزني، لا طاعته الهوى وإشراكه في العبادة، ولذا
قال عليه السلام: (1) " لا يزني الزاني وهو مؤمن " أو لأن المشرك لا يمتنع من الزنا ولا
يبالي منه، إذ لا يعتقد تحريمه كالزاني، فكأنه قيل: إن الزانية لا يميل إليها إلا
من لم يعتقد حرمة الزنا كالمشرك، أو يعتقد ولا يجري على مقتضى اعتقاده
كالزاني، وحيث كان المراد بما في صدرها ذلك لزم أن يكون المراد من التحريم
في آخرها الاخبار عن حال المؤمنين بامتناعهم عما يرتكبه غيرهم من المشركين
وفساق المسلمين من الميل إلى الزواني وعدم المبالاة من نكاحهن، إذ لا مناسبة
ظاهرة بين نهي المؤمنين والاخبار عن عدم امتناع الفساق عنها حتى يجمع بينهما
بالوصف، بخلاف الاخبار، فإن المناسبة المحسنة للتعاطف بينهما ظاهرة
لا تخفى.
على أن إرادة النهي إنما يصح لو جعل ذلك إشارة إلى نكاح الزانية خاصة،
وهو وإن كان أقرب بحسب اللفظ إلا أن الأنسب جعله إشارة إليه وإلى إنكاح

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النكاح المحرم - الحديث 24.
442

الزاني، وإنكاحه على اعتبار التغليب في المؤمنين، ومراعاة جانب المعنى حيث
يصح معه اللفظ أهم في أنظار البلغاء من جانب اللفظ، وحينئذ فلا يصح إرادة النهي
لما عرفت من جواز تزويج الزاني على كراهة إلا أن يحمل على ما هو أعم من
التنزيه مجازا، وذلك يقتضي سقوط الاحتجاج، إذ لا حصر في المجاز، ويشهد
لذلك تخصيص المؤمنين بالحكم، فإن الوجه فيه ظاهر على الاخبار بخلاف النهي،
فإنه يعم المؤمنين وغيرهم من المشركين وفساق المسلمين، لأن الكفار معاقبون
بالفروع عندنا، فالتعميم حينئذ أنسب.
هذا كله مع أنه قيل كما عن سعيد بن المسيب أن الآية منسوخة بآية
" وانكحوا الأيامى " (1) إلى آخرها وإن كان فيه التخصيص أولى من النسخ،
وقيل أيضا: إن النكاح فيها بمعنى الوطء كما عن سعيد بن جبير والضحاك بن
مزاحم، وربما اعترض عليه بأن المعنى يؤول حينئذ إلى نهي الزاني عن الزنا إلا
بزانية، والزانية أن يزني بها إلا زان، وهو معلوم الفساد، لكن قد يدفع بمنع
كون المعنى كذلك، بل هو كما روى عن ابن عباس أنه إن جامعها مستحلا
فهو مشرك، وإلا فهو زان، وكذا الزاني ولا فساد فيه، نعم الانصاف والتأمل الجيد
يقضيان بعدم إرادة النهي على وجه يفيد الخصم، بل هو إن كان فهو على ضرب من
التنزيه مستفاد من الأخبار.
(وكذا) الكلام (لو كانت مشهورة بالزنا) وإن استفاضت النصوص في
تفسير الآية بها، ففي خبري زرارة (2) والكناني (3) واللفظ للأول " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: الزاني - إلى آخرها - قال: هن نساء مشهورات
بالزنا، ورجال مشهورون بالزنا، شهروا به وعرفوا به، والناس اليوم بذلك المنزل
فمن أقيم عليه حد الزنا أو شهر بالزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف

(1) سورة النساء: 24 - الآية 32.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
443

منه توبة " وخبر محمد (1) عن أبي جعفر عليه السلام " في قول الله عز وجل: الزاني - إلى
آخرها - وهم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مشهورين بالزنا، فنهى
الله عز وجل عن أولئك الرجال والنساء، والناس اليوم على تلك المنزلة، من شهر بشئ
من ذلك أو أقيم عليه حد فلا تزوجوه حتى يعرف توبته " وخبر حكم بن حكيم (2)
فيها أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " إنما ذلك في الجهر، ثم قال: لو أن انسانا زنى
ثم تاب تزوج حيث يشاء " مضافا إلى خبر الحلبي (3) عنه عليه السلام أيضا " لا تتزوج
المرأة المعلنة بالزنا، ولا يزوج الرجل المعلن بالزنا إلا أن يعرف منهما التوبة "
إلا أن الجميع مراد منه ضرب من التنزيه، خصوصا بعد عدم معروفية القائل في
تخصيص الحرمة بالمشهورة خاصة، ومنه يعلم حينئذ هجر ظاهر هذه الأخبار
المقتضي لوجوب حمله على ما عرفت، ولرجحان ما يقتضي الحل مما سمعته من النصوص وغيرها عليها من وجوه.
(وكذا) الكلام (لو زنت امرأته) وهي في حباله، فإنه لا يجب عليه طلاقها
ولا تحرم بذلك عليه (وإن أصرت على الأصح) للأصل والعمومات وغيرها مما عرفت
مضافا إلى خبر عباد بن صهيب (4) عن جعفر بن محمد عليهما السلام " لا بأس أن يمسك الرجل
امرأته إن رآها تزني، وإن لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها شئ " بل عن
المبسوط الاجماع على بقاء زوجيتها إلا من الحسن البصري، نعم لا ريب في أولوية
رفع اليد عنها تخلصا من العار ومن اختلاط المياه وغير ذلك مما يدنس العرض،
خصوصا إذا كان ذلك منها قبل الدخول، نحو ما ورد في أنه ينبغي للمرأة أيضا
التخلص من الزوج إذا زنى خصوصا قبل الدخول بها، ففي خبر طلحة بن زيد (5)

(1) ذكر ذيله في الوسائل في الباب - 13 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3
وتمامه في الكافي ج 5 ص 355.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 1.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4 - 1.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم العيوب والتدليس الحديث 3.
444

عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام " قرأت في كتاب علي عليه السلام إن الرجل إذا تزوج المرأة
فزني قبل أن يدخل بها لم تحل له، لأنه زان، ويفرق بينهما، ويعطيها
نصف الصداق " وفي خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن رجل
تزوج بامرأة فلم يدخل بها، فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحد، ويحلق رأسه،
ويفرق بينه وبين أهله، وبنفي سنة " وخبر الفضل بن يونس (2) " سألت أبا الحسن
موسى عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت، قال: يفرق بينهما،
وتحد الحد، ولا صداق لها " وخبر السكوني (3) عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام
قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها الرجل: يفرق
بينهما، ولا صداق لها، إن الحدث كان من قبلها " إلى غير ذلك مما هو محمول
على ضرب من الندب ونحوه، لاعراض الطائفة عن العمل بمضمونها.
فما عن المفيد وسلار من تحريم الامرأة ولو المدخول بها بزناها مصرة عليه
لا دليل عليه سوى الآية (4) التي قد عرفت الكلام فيها، على أن استدامة النكاح
ليس نكاحها، وفي كشف اللثام " وإن حمل النكاح فيها على الوطء لم يفد المدعى
إلا أن يراد وطء غير الزاني، ويكون عدم التوبة إصرارا على أن المفيد قد صرح
بوجوب المفارقة، لحرمة نكاحها على غيره أيضا عنده " وسوى الاحتراز عن
اختلاط مائه بماء الزنا، ولذا ورد (5) في الأخبار أن من أراد التزويج بمن فجر
بها استبرأ رحمها من ماء الفجور، لكنه كما ترى لا يفيد الدعوى، وسوى ما عن
بعضهم من الاستدلال بحفظ النسب، وفيه أنه لا نسب للزاني، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب حد الزنا الحديث 8 من كتاب الحدود.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب حد الزنا الحديث 9 من كتاب الحدود وأشار
إليه في الباب - 6 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 3.
(4) سورة النور: 24 - الآية 3.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
445

(ولو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه أبدا في قول
مشهور) بل لا أجد فيه خلافا كما عن جماعة الاعتراف به، بل في كشف اللثام
نسبته إلى قطع الأصحاب عدا المصنف هنا، بل في الانتصار الاجماع عليه في ذات
العدة، بل عن الغنية والحلي وفخر المحققين الاجماع عليه مطلقا، وفي محكي الفقه
المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام (1) " ومن زنى بذات بعل محصنا كان أو غير
محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحل له أبدا "
وفي الرياض عن بعض متأخري الأصحاب أنه قال: " وروى أن من زنى بامرأة
لها بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه، ولم تحل له أبدا " قال: وهو ينادي
بوجود الرواية فيه بخصوصه، كما هو ظاهر الإنتصار وجماعة، هذا. مضافا إلى
ما قيل من أولوية ذلك من العقد عليها مع عدم الدخول في حال العلم، ومن العقد
عليها مع الدخول في حال الجهل.
لكن الانصاف أن العمدة في ذلك الاجماع، ولا فرق في إطلاق معقده بين
المدخول بها وغيرها، وبين العالمة والجاهلة بل وبين علم الزاني بأنها ذات بعل
أو جهله، ولا بين الدائم والمنقطع، نعم لا يلحق بها الأمة المستفرشة، لعدم الصدق
بل ولا المحللة، فتبقيان على العمومات.
ولو كانت هي الزانية دونه لعلمها بأنها ذات بعل دونه ففي الحرمة أبدا
إشكال وإن كان ظاهر العبارات عدم شموله، لكن يمكن استفادته من حكم العقد
على ذات البعل، بناء على الأولوية المزبورة، وأن حكمها الحرمة أبدا مع علمها
دونه بمجرد العقد، كذات العدة التي منها الرجعية، وهي فيها زوجته كما أومأنا
إليه سابقا فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع.
وكيف كان فلا يلحق الزنا بذات العدة البائنة وعدة الوفاة بذات البعل، ولا
الموطوءة شبهة ولا الموطوءة بالملك، للأصل والعمومات السالمة عن المعارض هنا
ولذا لم نجد فيه خلافا، لكن في الرياض فيه نظر، لجريان الأولوية الواضحة

(1) المستدرك الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.
446

الدلالة في ذات العدة المزبورة، لبناء ما عرفت من الحرمة بالعقد عليها مع العلم،
ومع الدخول في حال الجهل، وفيه منع الأولوية المفيدة كما هو واضح، والله العالم.
المسألة (الرابعة)
(من فجر بغلام فأوقبه حرم أبدا على الواطئ العقد على أم الموطوء وأخته
وبنته) بلا خلاف أجده بل عن الإنتصار والخلاف وغيرهما الاجماع عليه، بل هو
في أعلى درجات الاستفاضة والتواتر، وهو الحجة بعد المعتبرة، كصحيح ابن أبي عمير
عن رجل (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يعبث بالغلام، قال: إذا أوقب
حرمت عليه ابنته وأخته " وخبر اليماني (2) عنه أيضا " في الرجل لعب بغلام هل
تحل له أمه؟ فقال: إن كان ثقب فلا " وخبر حماد بن عثمان (3) قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: " رجل أتى غلاما أتحل له أخته؟ قال: فقال: إن كان ثقب فلا " إلى
غير ذلك من النصوص، نعم المنساق منها الغلام الحي، فيبقى غيره على عمومات الحل
لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك ومن الاطلاق، بل في جامع المقاصد لم
يبعد التحريم، ولا ريب في ضعفه.
كما أن ما فيها أيضا - من عدم الفرق في الموطوء بين الغلام والرجل، بل
هو من معقد إطباق الأصحاب في جامع المقاصد، بل في الروضة الاجماع عليه - لا يخلو
من إشكال إن لم يتم الاجماع المزبور بعد حرمة القياس وعدم القطع بالمساواة،
اللهم إلا أن يقال: إن اسم الغلام مما يقع على حديث العهد بالبلوغ، ولا قائل
بالفصل بينه وبين من زاد عن ذلك، وفيه عدم معلومية أن لا قائل بالفصل بعد أن
كان المعلق في الفتوى كالنص الغلام الذي لا يشمل الكهل والشيخ قطعا، وكذا الكلام
فيما إذا كان الواطئ الغلام، لا لعدم تكليفه، فإن الحكم الوضعي يشمل المكلف
وغيره، بل لأن عنوان الحكم فيما عثرنا عليه من النصوص وطء الرجل للغلام،

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 7 - 4.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 7 - 4.
(3) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 - 7 - 4.
447

خلافا لثاني المحققين، فجعل التحريم أقوى، لعدم الفرق في حكم المصاهرة بين
البالغ وغيره، صدق عنوان الحكم عليه بعد البلوغ، فيقال: إنه رجل أوقب وإن
كان إيقابه سابقا، والتحريم في النص خارج مخرج الغالب، والجميع كما ترى.
نعم الظاهر إلحاق الرضاع بالنسب هنا، لعموم يحرم منه ما يحرم منه (1) كما
أنه لا يبعد وفاقا للفاضل وغيره تعدية الحكم إلى الجدات وإن علون وبنات الأولاد
وإن نزلن دون بنت الأخت، هذا.
وفي القواعد " ولو أوقب خنثى مشكل أو أوقب فالأقرب عدم التحريم " ولعله
للأصل مع الشك في السبب، وربما نوقش بأنه إن كان مفعولا وكان الايقاب بادخال
تمام الحشفة حرمت الأم والبنت على واطيه بناء على نشر الزنا الحرمة، وإن كان فاعلا
فالنساء جميعها حرام عليه، كما أنه هو حرام على الرجال، وقد يدفع - بعد تسليم
شمول الأم التي تحرم ابنتها بالزنا بها له بالنسبة إلى ما يلده - بأن المراد نفي
الحرمة من حيث الايقاب الذي ستعرف عدم اعتبار دخول تمام الحشفة فيه، لا من
حيث الزنا، ولا من حيث الشك في ذكورته وأنوثته، على أن كلامهم في باب إرث
الخنثى المشكل إذا كان زوجا أو زوجة يقضي بجوازه، وأيضا فالذي يحرم بالايقاب
ما يتولد منه لا ما يلده، وفي الزنا ما يلده، فاختلف موجبهما.
وعلى كل حال فلا يحرم على المفعول به بسببه شئ، لكن قيل: أنه حكى
الشيخ عن بعض الأصحاب التحريم عليه أيضا، ولعله لاحتمال الضمير في الأخبار
الكل من الفاعل والمفعول، ولذا كان التجنب أحوط، وفيه أن المحدث عنه فيها
" الرجل " على أن الظاهر عدم جواز مثل ذلك لغة إلا على ضرب من المجاز المقطوع
بعدمه هنا، كما هو واضح.
هذا كله فيما إذا كان الايقاب سابقا (و) حينئذ ف‍ (لا تحرم إحداهن
لو كان عقدها سابقا) للأصل وعدم تحريم الحرام الحلال (2) لكن في مرسل ابن

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 و 12.
448

أبي عمير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يأتي أخا امرأته، فقال: إذا أوقبه
فقد حرمت عليه الامرأة " وعن ابن أبي سعيد في الجامع العمل به، وهو أحوط
كما أن الأحوط عدم تجديد العقد لو طلق مثلا بعد الايقاب، بل مال بعض
الأفاضل إلى عدم الجواز، لكن يقوى الجواز للاستصحاب الذي لا يقدح في جريانه
انقطاع ذلك النكاح بالطلاق، وكذا لا يحرم ما دون الايقاب، للأصل وتعليق
الحرمة عليه، والمراد به إدخال بعض الحشفة، لأنه لغة إدخال القضيب، فيصدق
بمسماه بخلاف الغسل المعلق نصا (2) وفتوى على غيبوبة الحشفة التي هي معنى
التقاء الختانين، لكن الانصاف انسياق ما يحصل به حرمة المصاهرة في غير المقام
مما علق على الدخول والوطء ونحوهما من الايقاب، فإن ثبت إجماع على نشره
الحرمة وإن لم يحصل ذلك كان متبعا، وإلا كان للتوقف فيه مجال.
ولا يحرم غير الثلاثة فلا بأس بنكاح ولد الواطئ ابنته الموطوء أو أخته أو أمه
بلا خلاف أجده فيه، لكن في مرسل موسى بن سعدان (3) ما ينافي ذلك، قال:
" كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه رجل، فقال له: جعلت فداك ما ترى في شابين
كانا مضطجعين فولد لهذا غلام ولآخر جارية أيتزوج ابن هذا ابنة هذا؟ قال:
نعم، سبحان الله لم لا يحل؟ فقال: إنه كان صديقا له، فقال: وإن كان فلا بأس، قال:
إنه كان يكون بينهما ما يكون بين الشباب، قال: لا بأس، فقال: إنه كان يفعل به،
قال فأعرض بوجهه، ثم أجابه وهو مستتر بذراعه، فقال: إن كان الذي كان منه
دون الايقاب فلا بأس أن يتزوج، وإن كان قد أوقب فلا يحل له أن يتزوج "
إلا أني لم أجد به قائلا، مع أنه فاقد لشرائط الحجية، فلا بأس بحمله
على الكراهة، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الجنابة الحديث 2 من كتاب الطهارة.
(3) الوسائل الباب - 15 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 وفيه " مصطحبين "
إلا أن الموجود في الكافي ج 5 ص 417 كالجواهر.
449

المسألة (الخامسة)
(إذا عقد المحرم) لحج أو عمرة عنه أو عن غيره فرض أو نفل (على امرأة
عالما بالحرمة حرمت عليه أبدا) وإن لم يدخل بها إجماعا بقسميه، بل المحكي
منه مستفيض أو متواتر، وهو الحجة مضافا إلى خبر زرارة وداود بن سرحان (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام، وخبر أديم بياع الهروي (2) عنه عليه السلام أيضا إنه قال:
" والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا ".
(ولو كان جاهلا فسد عقده) إجماعا ونصوصا (و) لكن (لم تحرم
عليه مع عدم الدخول على المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف إلا من المرتضى
وسلار، فحرماها كما في صورة العلم، لاطلاق خبر أديم بن الحر الخزاعي (3)
عن الصادق عليه السلام " إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما، ولا يتعاودان
أبدا " وخبر الحكم بن عيينة (4) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن محرم تزوج امرأة
في عدتها، قال: يفرق بينهما ولا تحل له أبدا " وخبر إبراهيم بن الحسن (5)
عن أبي عبد الله عليه السلام " إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما، ثم لا يتعاودان
أبدا " لكن مع ضعف الجميع وعدم الجابر مطلقة يجب تقييدها بمفهوم الخبرين
الأولين المعتضد بالعمومات، وبخبر محمد بن قيس (6) عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل
ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن يحل، فقضى أن يخلي سبيلها ولم يجعل نكاحه
شيئا حتى يحل، فإذا أحل خطبها إن شاء، فإن شاء أهلها زوجوه، وإن شاؤوا

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 من كتاب الحج.
(4) الوسائل الباب - 17 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 15.
(5) الوسائل الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3
من كتاب الحج وفي الثاني " قضى أمير المؤمنين في رجل... الخ ".
(6) تقدم آنفا تحت رقم 5.
450

لم يزوجوه ".
بل الظاهر عدم الحرمة وإن دخل، للأصل، وعموم الأدلة، وإطلاق المفهوم،
والاجماع المحكي عن المنتهى والتذكرة، خلافا للمحكي عن الخلاف والكافي والغنية
والسرائر والوسيلة، فحرموها بالدخول أبدا، كذات العدة، بل عن الأول
الاجماع عليه، وإن كنا لم نتحققه على ما نحن فيه، وعلى تقديره فهو موهون
بما سمعت من دعوى الفاضل الاجماع المعتضد بالأصل وغيره، والقياس على ذات
العدة غير جائز عندنا، وإطلاق الأخبار السابقة بعد تقييدها بمفهوم الخبرين غير
صالح للاستدلال به، نعم قد يستفاد مما في الفقيه وجود خبر دال، حيث قال: قال يعني
أبا عبد الله عليه السلام (1): " إن تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما، ولم تحل له أبدا "
وفي رواية سماعة (2) " لها المهر إن كان دخل بها " لكن مثل ذلك غير كاف
في مثل هذا الحكم، هذا.
وقد صرح غير واحد بعدم الفرق في الحكم المزبور بين وقوع العقد في أثناء
الاحرام الصحيح أو بعد إفساده، ولعله لمعاملته معاملة الصحيح في جميع أحكامه،
وكذا لا فرق بين العقد الدائم والمنقطع، نعم في محكي التحرير " الظاهر أن مراد
علمائنا بالعقد في المحرم وذات العدة إنما هو العقد الصحيح الذي لولا المانع لترتب
عليه أثره " وفيه أن لفظ التزويج والنكاح للأعم، مع أنك قد سمعت خبر الحكم
المشتمل على التزويج في العدة، وهو فاسد مع قطع النظر عن الاحرام، نعم قد يقال:
إن المنساق من نصوص المقام وفتاواه العقد الصحيح في نفسه خصوصا خبر ابن قيس،
فلا عبرة بالفاسد كنكاح الشغار، بل ولا بالفاسد لفقد شرط من الشرائط الصحة،
كالعربية ونحوها، بخلاف ما كان فساده بالعدة والبعل ونحوهما مما هو كالاحرام
في الافساد، فتأمل.
ولا تحرم الزوجة بوطئها في الاحرام مطلقا مع العلم بالتحريم والجهل، للأصل

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5 من كتاب الحج.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5 من كتاب الحج.
451

من غير معارض، وعموم عدم تحريم الحرام الحلال (1) ومحكي الاجماع.
بل صرح غير واحد بعدم الحرمة إن عقد عليها وهي محرمة، وهو محل
للأصل خلافا للخلاف، فحرمها أيضا مستدلا عليه بالاجماع والاحتياط والأخبار،
ورده في الرياض بأن الأخبار لم نقف عليها، ودعوى الوفاق غير واضحة، والاحتياط
ليس بحجة.
قلت: يمكن اثباته بقاعدة الاشتراك، أو بإرادة الجنس من الألف واللام
في بعض النصوص السابقة ونحو ذلك، اللهم إلا أن يدفع الأول بأن الاشتراك
في المعنى الصالح وقوعه منهما والفرض أن النصوص دلت على تزويج المحرم بمعنى
اتخاذه زوجة، وهو معنى يخص الرجال، فلا تشمله قاعدة الاشتراك، والثاني
بأن الجنسية مع فرض إرادتها يراد منها الجنس في معنى اللفظ، والفرض أن المحرم
خاص بالذكر فيكون الجنس في ذلك.
وفي الجميع نظر أما الأول فلا ريب في تناول القاعدة إياه بعد معلومية
كون ذلك من أحكام الاحرام المفروض اشتراكه بين الرجال والنساء، فكل حكم
يثبت فيه للرجال يثبت للنساء إلا ما خرج، فإذا ثبت حرمة التزويج لهم ثبت
حرمة التزويج لهن، وإن اختلف معنى التزويج لكل منهما باتحاد الزوجة والزوج،
ومن هنا لم يتوقف أحد في إثبات غير هذا الحكم من جهة التزويج والتوليد منه
ونحو ذلك للنساء، وأما الثاني فالمراد جنسية المحرم بمعنى الشخص المتصف
بالاحرام الذي لا ريب في شموله للمذكر والمؤنث كما هو واضح، ومن ذلك كله
يقوى اتحاد المحرمة والمحرم في الحكم المزبور، نحو التزويج في العدة ونكاح
ذات البعل، بل والزنا فيها كما عرفته سابقا، بل لا إشكال عندهم في الأولين
في عدم الفرق في الحرمة أبدا بين نكاح الرجل ذات العدة وبين نكاحها هي، وإن
اختلفا في أولية الحرمة أبدا من العالم القادم وتبعية الآخر له فتأمل جيدا، فإنه
دقيق نافع، ولعله لذا نفى الخلاف بعض أفاضل العصر عن كون إحرامها كاحرامه

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 و 12.
452

هنا، وظاهره المفروغية من المسألة، ولعلها كذلك، والله العالم.
المسألة (السادسة)
(لا تحل ذات البعل لغيره) إجماعا أو ضرورة (إلا بعد مفارقته وانقضاء
العدة إن كانت ذات عدة) ولعل من ذلك العقد متعة على الامرأة ولو في وقت
انقضاء أجل الأول وعدته، بل لعل منه تحليل الأمة، حال كونها محللة
لشخص ولو بعد انتهاء مدة الأول وعدته، ويأتي إن شاء الله تمام الكلام في ذلك.
انتهى الجزء التاسع والعشرون، وتم تصحيحه وتهذيبه
بيد العبد - السيد إبراهيم الميانجي - عفى عنه وعن
والديه، ولله الحمد أولا وآخرا، ويليه إن شاء الله تعالى
الجزء الثلاثون وأوله:
(السبب الرابع)
453