الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ١٧
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء السابع عشر
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتب
تيراز: 1500 جلد
نوبت چاپ: دوم
تاريخ انتشار: 1365
چاپ از: چاپخانه خورشيد
آدرس ناشر: تهران، بازار سلطاني، دار الكتب الاسلامية
تلفن 520410 - 527449
1

بسم الله الرحمن الرحيم (الثاني في الشروط) (وهي قسمان)
(الأول ما باعتباره يجب الصوم، وهو سبعة: البلوغ وكمال العقل فلا يجب
على الصبي ولا على المجنون إلا أن يكملا قبل طلوع الفجر) فإنه يجب عليهما حينئذ
بلا خلاف ولا اشكال (و) أما (لو كملا بعد طلوعه لم يجب) الصوم (على الأظهر)
الأشهر بل المشهور شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا، بل هي كذلك عند ابن
إدريس فإنه - بعد أن حكى ما في الخلاف للشيخ من إن الصبي إن نوى الصوم أول
النهار ولم يفطر فبلغ وجب عليه الاتمام الذي يرجع إلى ما عن المبسوط إذا بلغ حال
الصوم جدد النية وكان صوما صحيحا - قال إنه خلاف إجماع أصحابنا وإنه من
فروع المخالفين فلا يلتفت إليه، قلت خصوصا بعد أن كان المحكي عنه في الجمل
والاقتصاد وكتابي الصلاة من المبسوط والخلاف اطلاق أن عليه الامساك بقية
النهار تأديبا لا وجوبا من غير تقييد بتناول المفطر وغيره، بل استدل في الأخير
بعد أن نص على عدم وجوب القضاء عليه على عدم وجوب الامساك بأن أول
النهار لم يكن مكلفا فتجب عليه العبادة، وبقية النهار لا يصح صومه، ووجوب
2

الإعادة يحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة، ومن ذلك يعلم ضعف ما يحكى عن
الاقتصاد من وجوب القضاء بعد القول بعدم وجوب الامساك، كما أنه يعلم
حينئذ ضعف الخلاف المزبور وإن حكي عن ابن حمزة القول به، بل أطلق وجوب
الصوم عليه إن بلغ في الأثناء ولم يفطر من غير تقييد بالنية، وعن المصنف وفي
المعتبر أنه قواه تمسكا بأن الصوم ممكن في حقه، ووقت النية باق، ثم قال لا يقال
لم يكن الصبي مخاطبا لأنا نقول لكنه الآن صار مخاطبا، ولو قيل لا يجب صوم
بعض اليوم قلنا متى إذا تمكن من نية يسري حكمها إلى أول النهار أو إذا لم
يتمكن، وههنا هو متمكن من نية تسري إلى أوله، ومال إليه في المدارك وفيه
منع ما يدل هنا على سيريان النية بعد أن لم يكن مكلفا إلا القياس الممنوع عندنا
بل المتجه منعه هنا عند غيرنا أيضا لكونه مع الفارق، هذا، وقد تقدم في آخر
المواقيت من كتاب الصلاة في مسألة ما لو بلغ الصبي في أثناء الصلاة ما له نفع في
المقام في الجملة، فلا حظ وتأمل، وكذا الحال في المجنون.
(وكذا المغمى عليه) وإن أفاق قبل الزوال وقد سبقت منه
النية، لما عرفته فيما تقدم من كون الاغماء مفسدا كالحيض (و) عرفت أيضا
ضعف ما (قيل) من أنه (إن نوى الصوم قبل الاغماء صح) صومه
(وإلا كان) فاسدا و (عليه القضاء و) لا ريب في أن (الأول أشبه) بأصول
المذهب وقواعده، كما أن الأشبه أيضا سقوط القضاء عنه أيضا كما تعرفه في محله
إن شاء الله.
(و) منها (الصحة من المرض) لما تقدم سابقا من عدم صحة الصوم
من المريض الذي يتضرر به إجماعا بقسميه، وكتابا (1) ونصوصا (2) مستفيضة

(1) سورة البقرة - الآية 180
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب من يصح من الصوم
3

أو متواترة
(فإن برئ قبل الزوال ولم يتناول) شيئا يقتضي الافطار (وجب)
عليه (الصوم) بتجديد النية على المشهور، لتمكنه منه حينئذ ببقاء وقت النية
فيشمله عموم ما دل على وجوب صوم الشهر، لكن قد يناقش بمنع ما يدل على
بقاء وقت النية فيه إلا القياس على المسافر والناسي والجاهل ونحوهم، وهو
معلوم البطلان عندنا، ولعله لذا أطلق ابن زهرة استحباب الامساك للمريض إذا
برئ، وعد ابن حمزة من الصوم المندوب صوم المريض إذا برئ وأطلق، وقال
والمسافر إذا قدم أهله قبل الزوال ولم يفطر وجب عليه الصوم، فكأنه فرق بينه
وبين المريض للنص، وهو جيد إن لم يقم اجماع على المساواة في ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (إن كان) قد (تناول) قبل البرء أو كان برؤه بعد الزوال
أمسك استحبابا ولزمه القضاء احتراما لشهر رمضان وتشبيها بالصائمين وأمنه من تهمة
من يراه وقول علي بن الحسين (عليه السلام) في رواية الزهري (1) " وكل من أفطر لعلة من
أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالإمساك عن الطعام بقية يومه تأديبا
وليس بفرض " خلافا لظاهر المفيد والمرتضى فأوجباه، ويمكن أن يريدا تأكد
الندب، لعدم الدليل عليه بل ظاهر الأدلة خلافه، لكن في الخلاف " القادم من
سفره وكان قد أفطر والمريض إذا برئ والحائض إذا طهرت والنفساء إذا انقطع
دمها يمسكون بقية النهار تأديبا، وكان عليهم القضاء، وقال أبو حنيفة ليس عليهم
الامساك وإن أمسكوا كان أحب إلينا، دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط
ولأن هذا اليوم واجب صومه وإنما أبيح الافطار لعذر، وقد زال العذر، وبقي
حكم الأصل - ثم قال - إذا بلغ الصبي والكافر إذا أسلم والمريض إذا برئ وقد
أفطروا أول النهار يمسكون بقية النهار تأديبا ولا يجب ذلك بحال - ثم قال -:
دليلنا إجماع الفرقة وأيضا الأصل براءة الذمة ولا يجب عليهم إلا بدليل وربما جمع

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1
4

بينهما بنفي الوجوب أصالة، فلا ينافيه حينئذ تأديبا " قلت ومنه ينقدح الشك في
دلالة خبر الزهري إلا أن الجميع كما ترى لا يصلح لقطع الأصل وغيره، والله أعلم.
(و) منها (الإقامة) عشرا (أو) ما في (حكمها) من الحضر والمتردد
ثلثين يوما وكثير السفر وغير ذلك (فلا يجب) الصوم (على المسافر ولا
يصح منه) بلا خلاف أجده فيه بيننا (بل) الاجماع بقسميه عليه والنصوص (1)
بعد الكتاب العزيز (2) مستفيضة أو متواترة فيه وفي أنه (يلزمه القضاء)
مضافا إلى الكتاب والاجماع (و) حينئذ ف‍ (لو صام لم يجزه مع العلم) قطعا
للنهي (و) غيره نعم (يجزيه مع الجهل) بكون السفر موجبا للافطار حتى خرج
الوقت بلا خلاف أجده فيه للصحيح (3) عن ابن أبي شعبة " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
رجل صام في السفر فقال إن كان بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن ذلك فعليه
القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه " وسأله أيضا عبد الرحمان بن الحجاج (4)
في الصحيح " عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال إن كان لم يبلغه أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه الصوم " إلى
غير ذلك من النصوص التي لا ريب في صراحتها بأن الجهل هنا عذر على حسب
ما سمعته في القصر والاتمام، ومن هنا لا يخفى عليك جريان كثير مما تقدم هناك
فلا حظ وتأمل كي تعلم أن المتجه الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن من النص
والفتوى، فلا يلحق حينئذ بجاهل الحكم ناسيه وإن حكي عن بعضهم ذلك
للاشتراك في العذر، ومرجعه إلى القياس المعلوم بطلانه عندنا، فيجب عليه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم
(2) سورة البقرة - الآية 180
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3 - 2 والثاني عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3 - 2 والثاني عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله
5

القضاء حينئذ،
ومن الغريب ما في المسالك من أن الناسي هنا كالجاهل وإن افترقا في
الصلاة، إذ لا يتصور إعادة الناسي هنا في الوقت إذا كان مراده أنه مثله في
المعذورية المزبورة، ضرورة عدم اقتضاء عدم تصوره ذلك، بل أقصاه أنه
يتعين عليه القضاء لو لم يذكر حتى خرج الوقت، ويجب عليه الافطار مع ذلك
لو تذكر قبله كالجاهل الذي يعلم في الأثناء، فإنه لا اشكال في وجوبهما عليه كما هو واضح.
(و) على كل حال فلا يلحق به المريض لو تكلف الصوم وصام غير عالم
بنهي الشارع عنه، لما عرفته من حرمة القياس نعم (لو حضر) المسافر (بلده
أو بلدا يعزم فيه) على (الإقامة عشرا كان حكمه حكم المريض في الوجوب) لو كان
قبل الزوال ولم يفعل المفطر (وعدمه) لو كان بعد الزوال أو كان قد فعل المفطر
ويستحب له الامساك بقية يومه بلا خلاف معتد به أجده في شئ من ذلك، وفي
خبر أحمد بن محمد (1) " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل قدم من سفر في شهر
رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال قال يصوم " وخبر أبي بصير (2) " سألته عن
الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فقال إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام
ذلك اليوم ويعتد به " وصحيح يونس بن عبد الرحمن (3) عن الكاظم (عليه السلام)
" أنه قال في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن
يتم صومه ولا قضاء عليه " بناء على كون المراد الجنابة عن احتلام ونحوه مما
لا يقدح البقاء عليها في الصوم، ومن ذلك يعلم بقاء وقت النية بالنسبة كالناسي
والجاهل بكونه شهر رمضان، وما في الغنية من اطلاق استحباب الامساك
للمسافر إذا قدم أهله يجب تنزيله على ما بعد الزوال كتنزيل الخيار بين الصوم

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث - 4 - 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث - 4 - 6 - 5
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث - 4 - 6 - 5
6

وعدمه في صحيح ابن مسلم (1) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقدم من
سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار فقال: إذا طلع
الفجر وهو خارج لم يدخل أهله فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر " وحسن
رفاعة (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر
حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار قال: إذا طلع الفجر وهو
خارج لم يدخل فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر " على ما قبل القدوم، بل
يجب تنزيل صحيح ابن مسلم (3) الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا سافر الرجل
في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من
شهر رمضان، فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم
ذلك اليوم، وإن دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، وإن شاء صام " وما في
خبر سماعة (4) " إن قدم بعد زوال الشمس أفطر ولا يأكل ظاهرا، وإن قدم من
سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء " على ما لا ينافي ذلك من
أن له الخيار قبل القدوم إذا عرف أنه يقدم قبل الزوال، أو غير ذلك مما هو
أولى من الطرح.
وعلى كل حال فلا ريب في عدم الاجتزاء بالصوم منه إذا قدم بعد الزوال
لما سمعته من النصوص، مضافا إلى خبر محمد بن مسلم (5) " سألت أبا عبد الله (عليه السلا)
عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب من يصح من الصوم الحديث - 3 - 2 - 7
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب من يصح من الصوم الحديث - 3 - 2 - 7
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 5 - من أبواب من يصح منه
الصوم - الحديث 1 وذيله في الباب - 6 - منها الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب من يصح من الصوم الحديث - 3 - 2 - 7
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 10
7

من الحيض يواقعها فقال لا بأس به " المعتضدة بفتاوى الأصحاب على وجه يمكن
تحصيل الاجماع عليه، فما عن نهاية الشيخ من اطلاق وجوب الصوم عليه وسقوط
القضاء عنه إذا قدم أهله ولم يكن قد فعل ما ينقض الصوم يجب تنزيله على ما قبل
الزوال، وإلا كان محجوجا بما عرفت بل في محكي السرائر أنه مخالف للاجماع
نعم عليه أن يمسك بقية يومه استحبابا احتراما لشهر رمضان، كمن أفطر قبل
الدخول قبل الزوال وكالمريض، ودعوى الوجوب فيه أضعف من دعواه فيه.
(و) قد تقدم في كتاب الصلاة أن (في حكم الإقامة كثرة السفر
كالمكاري والملاح وشبههما ما لم يحصل لهم الإقامة عشرة أيام) والعاصي بسفره
والمتردد ثلاثين يوما في مكان واحد وغير ذلك مما هو مذكور هناك مفصلا.
(و) منها (الخلو من الحيض والنفاس فلا يجب) الصوم (عليهما
أو لا يصح منهما وعليهما القضاء) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بيننا، بل
لاجماع بقسميه عليه، والنصوص (1) مستفيضة أو متواترة فيه.
(الثاني) من الشرائط (ما باعتباره يجب القضاء) وينتفي بانتفائه
(وهو ثلاثة شروط البلوغ وكمال العقل والاسلام، فلا يجب على الصبي القضاء)
لما فاته من الأيام في حال الصبا بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه
مضافا إلى أصل البراءة وغيره وما عن ابن أبي عقيل من " أن الكافر إذا أسلم والصبي
إذا بلغ وقد مضى بعض رمضان أو بعض يوم منه لم يلزمهما إلا صيام ما يستقبلانه
ولو قضيا ما مضى ويومهما كان أحب إلي وأحوط " يجب حمله على ضرب من الندب
لما عرفت من عدم وجوب عليه (إلا اليوم الذي) قد (بلغ فيه قبل طلوع فجره)

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الحيض والباب - 6 - من أبواب
النفاس من كتاب الطهارة
8

ولم يصمه فإنه يجب عليه قضاؤه قطعا،
لاطلاق الأدلة حينئذ حتى لو كان بلوغه
قبله في زمن لا يسعه الطهارة من الجنابة مثلا ولو الترابية، ضرورة كونه حينئذ
معذورا في ذلك كمن أفاق كذلك،
وأما اليوم الذي قد بلغ في أثنائه قبل الزوال
ولم يفعل المفطر فقد عرفت البحث فيه، وإن الأصح عدم وجوبه عليه، فلا يلزمه
قضاؤه،
ولو قارن بلوغه طلوع الفجر قوي القول بوجوب الصوم عليه لشمول الأدلة
حينئذ، ولو شك في تقدمه وتأخره بنى على تأخر مجهول التاريخ منهما، ولو جهلا حكم
بالاقتران، فيجب الصوم حينئذ، لكن فيه ما أشرنا إليه سابقا في كتابي
الطهارة والصلاة من أن الاقتران حادث أيضا، والأصل عدمه، فالمتجه الرجوع
إلى غيرهما من أصل ونحوه، وهو هنا البراءة كما يشهد له جعلهم ذلك شرطا
فالشك فيه حينئذ شك في المشروط، بل ربما قيل بنحو ذلك في الصورة الأولى
أيضا، لعدم اقتضاء الأصل تأخر المجهول عن المعلوم، بل أقصاه التأخر في نفسه
وهو لا يجدي في ثبوت التكليف أو سقوطه، فتأمل جيدا.
(وكذا) البحث في (المجنون) الذي هو كالصبي في ذلك ونحوه
عند الأصحاب من غير خلاف يعتد به بينهم، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه
بل حكاه عليه في الروضة من غير فرق ما كان الجنون بفعله على جهة الحرمة
وعدمها وبين ما كان بفعل الله تعالى، لاطلاق الأدلة، خلافا للمحكي عن الإسكافي
فأوجب القضاء عليه إذا كان بفعله على جهة الحرمة، قال: والمغلوب على عقله من
غير سبب أدخله على نفسه لا قضاء عليه إذا لم يفق في اليوم كله، فإن أفاق في
بعض اليوم ولم يكن فعل ما بمثله يفطر الصائم صام ذلك اليوم وأجزأ، وإن كان
من محرم قضى كل ما غم عليه منه، ولعله لاندراجه في الأول تحت " كل ما غلب
الله عليه فهو أولى بالعذر) (1) بخلافه في الثاني فإنه هو الذي فوت على نفسه الشرط

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 6
9

كالكافر، وربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين، لكن قال: لا فرق بين
المحرم والمحلل إذا علم افضاؤه إلى الاغماء يوم الصوم في وجوب القضاء كما لا فرق
في عدمه إذا لم يعلم الافضاء ثم قال: ويمكن تنزيل كلام من أطلق نفي القضاء على هذا
التفصيل وفيه أن الأدلة مطلقة سيما ما تعرفه إن شاء الله تعالى من نصوص الاغماء التي
فيها الصحيح وغيره، نعم يمكن تنزيل كلام الإسكافي على السكران الذي ستعرف
الحال فيه، وعلى كل حال فمن ذلك يعلم ضعف ما يحكى عن الشيخ أيضا من تكليف
المجنون بالقضاء إذا أفاق إن لم تتقدم النية على جنونه، وإلا كان صومه صحيحا
والله أعلم.
(والكافر) الأصلي (وإن وجب عليه) الصوم، لأنه مكلف بالفروع
(لكن لا يجب) عليه (القضاء) إجماعا بقسميه (إلا ما أدرك فجره مسلما) لأن
الاسلام يجب ما قبله بناء على منافاة القضاء وإن كان بفرض جديد لجب السابق
باعتبار كون المراد منه قطع ما تقدم: وتنزيله منزلة ما لم يقع، كالمراد من
قوله (1) " قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " لا أن المراد جب
خصوص العصيان، ولصحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سئل عن رجل
أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه قال: ليس عليه إلا ما أسلم فيه "
وصحيح العيص (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان
وقد مضى منه أيام هل عليهم أن يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه
قال ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع
الفجر " وخبر الحلبي (4) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلم بعد ما دخل

(1) سورة الأنفال الآية 39
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 - 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 - 1 - 5
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 - 1 - 5
10

من شهر رمضان أيام قال: ليقض ما فاته " محمول على الندب كما سمعته من ابن
أبي عقيل أو على من أسلم وفاته ذلك لعارض من مرض ونحوه، أو من أسلم
ولم يعلم وجوب الصوم وأفطر، ثم علم الوجوب أو غير ذلك لقصوره عن إفادة
الوجوب من وجوه.
(و) من ذلك كله يعلم الحال فيما (لو أسلم في أثناء اليوم) فإن نفي
قضائه عنه ظاهر في نفي وجوبه عليه كما هو المشهور شهرة عظيمة، نعم (أمسك)
بقيته (استحبابا) احتراما للشهر (ويصوم ما يستقبله وجوبا، وقيل) والقائل
الشيخ في المحكي من مبسوطه (يصوم إذا أسلم قبل الزوال) وجدد النية، وكان
صومه صحيحا (وإن ترك قضى) وقواه المصنف في المعتبر لعين ما سمعته سابقا في
الصبي، وظاهر صحيح الحلبي المتقدم آنفا الذي محل الفرض أول ما يدخل فيه بل لعله
لا ينافيه صحيح العيص، لاحتمال وجوب صومه أداء ويكون فائدة النص فيه على
عدم قضائه لرفع توهم وجوبه معه باعتبار خلو بعض اليوم من شرط الصحة، وفيه أن
ما دل على جب الاسلام ما قبله شامل لبعض اليوم أيضا الذي قد تعمد ترك النية
فيه، ولا دليل هنا على سراية النية الأخيرة، والاستثناء في خبر العيص يأبى
التنزيل المزبور المحتاج إلى تقييد نفي القضاء فيه بما إذا أدوا الصوم، فالصواب
حمل صحيح الحلبي على النصف الأخير الذي حصل الاسلام فيه، فلا يدخل فيه
إلا اليوم الذي يدرك فجره مسلما، إذ الناقص مندرج في عموم النفي عنه، فإذا
سقط وجوب صوم ذلك البعض أداء وقضاء لم يجب عليه صوم الباقي لأنه لا يتبعض
(و) لذا كان (الأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده.
(الثالث) في (ما يلحقه من الأحكام) وإن بان لك مما تقدم بعضها
وهو (من فاته شهر رمضان أو شئ منه لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا
قضاء عليه) للأصل وغيره، بل عن جواهر ابن البراج والمعتبر والمنتهى والتذكرة
11

الاجماع عليه في الأخير فضلا عن الأولين (وكذا إن فاته لاغماء) على
الشمهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن ظاهر فقه القرآن للراوندي الاجماع
حيث قال: لا قضاء عليه عندنا، وحمل كلام المخالف على الاستحباب، للأصل
وقاعدة معذورية ما يغلب الله عليه التي ينفتح منها ألف باب، وصحيح أيوب
ابن نوح (1) قال: " كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن المغمى عليه يوما
أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا فكتب لا يقضي الصوم لا يقضي الصلاة "
وصحيح علي بن مهزيار (2) " سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي
ما فاته من الصلاة أم لا فكتب لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة " ومكاتبة
القاشاني (3) " كتبت إليه أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته
فكتب لا يقضي الصوم " السالمة عن المعارض سوى دعوى كون الاغماء مرضا
فيشمله ما دل (4) على وجوب القضاء عليه من الكتاب والسنة، وسوى
النصوص (5) الواردة في وجوب قضاء الصلاة عليه بناء على أنه لا قائل بالفرق
ومنع الأولى واضح، وبعد التسليم يتجه تخصيص تلك الأدلة بما هنا، على أنه
لا كلام في تخصيصها بما يضر، ومقتضاه تخصيص الاغماء بذلك بناء على اندراجه
في المرض، وهو تفصيل لم يقل به أحد، وأما الثانية فالمتجه حمل تلك النصوص
على الندب، لمعارضتها بالأقوى منها من وجوه كما تقدم بيانه في محله، ولو سلم
الفتوى بها اقتصر عليها دون الصوم، لحرمة القياس عندنا، على أنه مع الفارق

(1) الوسائل - الباب - - 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 2 - 18
(2) الوسائل - الباب - - 3 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 2 - 18
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2
(4) سورة البقرة - الآية 180 والوسائل - الباب 25 من أبواب أحكام
شهر رمضان
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب قضاء الصلوات
12

باعتبار كون الصلاة آكد، ودعوى عدم القول بالفصل على وجه يحصل منه إجماع
معتد به على التسوية ممنوعة كل المنع، إذ عدم العلم بالقائل لا يقتضي عدمه كما
هو واضح، وخبر حفص (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " يقضي المغمى عليه ما فاته "
مع ضعفه بالارسال وغيره قاصر عن مقاومة غيره من وجوه.
(و) من ذلك كله وما قدمناه سابقا فيمن يصح منه الصوم يظهر لك
ضعف ما (قيل) من أنه (يقضي ما لم ينو قبل اغمائه) فإن نوى صح صومه
ولو بقي مغمى عليه تمام الشهر بناء على الاجتزاء بنية واحدة، وإن حكي ذلك
عن المفيد والمرتضى وسلار وابن البراج، قال الأول: " إذا أغمي على المكلف
قبل استهلال الشهر ومضى عليه أيام ثم أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيام، فإن
استهل الشهر عليه وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه وقد صام
شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه، لأنه في حكم الصائم بالعزيمة
على أداء فرض الصيام " ونسبه الفاضلان إلى الشيخ، ولعله لظهور قوله في
الخلاف " إذا نوى الصوم من الليل فأصبح مغمى عليه يوما ويومين وما زاد عليه
كان صومه صحيحا، وكذلك إن بقي نائما يوما أو أياما، وكذلك من أصبح
صائما وجن في بعضه أو مجنونا فأفاق في بعضه ونوى فلا قضاء عليه " في أن الاغماء
كالنوم إن سبقت منه النية صح، وإلا كان عليه القضاء، خصوصا بعد قوله أيضا
إذا نوى ليلا وأصبح مغمى عليه حتى ذهب اليوم صح صومه، ولا فرق بين
الجنون والاغماء، بل لعل ظاهر موضع من مبسوطه ذلك أيضا، قال: " والمغمى
عليه إذا كان مفيقا في أول الشهر ونوى الصوم ثم أغمي عليه واستمر به أيام لم يلزمه
قضاء شئ، لأنه بحكم الصائم، وإن لم يكن مفيقا في أول الشهر بل كان مغمى
عليه وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا، وعندي أنه لا قضاء عليه أصلا

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 5
13

لأن نيته المتقدمة كافية في هذا الباب، وإنما يجب ذلك على مذهب من رأى تعيين
النية أو مقارنة النية التي هي القربة ولسنا نراعي ذلك " ضرورة ظهوره في كون
المسقط للقضاء صحة صومه بتقدم النية ولو على الشهر، فيلزمه وجوب القضاء مع
عدمها أصلا، ويكون الفرق بينه وبين المفيد بجواز تقديم النية على الشهر وعدمه
وإلا فهما متفقان علي القضاء، لكن قال قبل ذلك: " وأما إذا زال عقله بفعل الله
مثل الاغماء والجنون وغير ذلك فإنه لا يلزمه قضاء ما يفوته في تلك الأحوال
فعلى هذا إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مغمى عليه أو مجنون أو نائم وبقي
كذلك يوما أو أياما كثيرة أفاق في بعضها أو لم يفق لم يلزمه قضاء شئ مما مر به
إلا ما أفطر فيه، أو طرح في حلقه على وجه المداواة له، فإنه يلزمه حينئذ القضاء
لأن ذلك لمصلحته ومنفعته، سواء أفاق في بعض النهار أو لم يفق، فإن الحال
لا يختلف فيه " وظاهره نفيه مطلقا إلا في الصورتين.
(و) على كل حال فلا ريب في أن (الأول أظهر) لما عرفت من
الأصل والنصوص السالمة عن المعارض عدا ما عرفت مما هو واضح الضعف، كمرسل
حفص بن البختري (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " يفضي المغمى عليه ما فاته " القاصر
عن معارضة غيره من وجوه، فلا بأس بحمله على الندب، ومن الغريب ما في
المختلف من الاستدلال عليه بخبر حفص بن البختري الآخر (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" المغمى عليه يقضي صلاته ثلاث أيام " الوارد أولا في خصوص الصلاة وفي
خصوص ثلاثة أيام منها، وقياس الصوم عليها يقضي بكونه كذلك، ولا قائل به
وهذا من أقوى الشواهد على حمل تلك النصوص على الندب كما لا يخفى على من
لاحظها متأملا لما فيها من الاختلاف بنفي القضاء مطلقا، واثباته كذلك، وفي

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 7
14

خصوص بعض الأيام كما تقدم الكلام فيها سابقا، فلاحظ وتأمل.
(ويجب القضاء على المرتد سواء كان عن فطرة أو عن كفر) بلا خلاف
أجده فيه، لعموم " من فاتته " وغيره مما هو دال على وجوب القضاء لكل
تارك، وخصوصا العامد الذي محل الفرض منه السالم عن معارضة ما دل (1) على
سقوطه عن الكافر بعد ظهوره في الأصلي ولو بمعونة فهم الأصحاب، ولا ينافي
ذلك قولنا بعدم قبول توبة المرتد عن فطرة ظاهرا وباطنا، إذ أقصاه عدم التمكن
من القضاء كغيره من التكاليف حتى الاسلام، إلا أن ذلك غير مانع من تكليفه
على وجه يترتب عليه العقاب بعد أن كان ذلك بسوء اختياره، كما حررناه
في كتاب الطهارة، وأما المخالف فقد أشبعنا الكلام فيه في باب القضاء من
الصلاة وفي كتاب الزكاة، فلاحظ وتأمل، والله أعلم.
(و) كذا يجب القضاء على (الحائض والنفساء وكل تارك له بعد)
حصول ما تقدم من شرط (وجوبه عليه) من البلوغ والعقل، فيدخل حينئذ
النائم ونحوه ممن يجب القضاء عليه وإن لم يكن مكلفا بالأداء، نعم إنما يجب عليه
(إذا لم يقم) الشارع (مقامه غيره) كالفدية للشيخ والشيخة وذي العطاش
والحامل المقرب ومن استمر عليه المرض كما ستعرف تفصيل ذلك كله عند تعرض
المصنف له.
وأما السكران ونحوه ممن لا يدخل تحت اسم المجنون والمغمى عليه فالمتجه
وجوب القضاء عليه، لعموم " من فاتته " كما عن الشيخ وابن إدريس والفاضلين
والشهيد القطع به، بل المتجه عدم الفرق بين كون ذلك منه على جهة الحرمة
وعدمها كالغافل والمكره والمضطر ونحوهم، خلافا لما يظهر من بعضهم من الفرق
بينهما في القضاء وعدمه، وفيه أن الدليل عام ولا معارض له، والإثم وعدمه

(1) المتقدم في ص 10
15

لا مدخلية له في القضاء وعدمه، لكن استفاضة الفتوى في اعتبار كمال العقل في
وجوب القضاء ينافي ذلك، اللهم إلا أن ينزل على إرادة نفيه عن خصوص المجنون
والمغمى عليه من ذلك، كما يومي إليه تفريعهم ذلك عليه لا مطلق زوال العقل، ولو
سلم يمكن منع وصوله إلى حد الاجماع الذي يرفع العذر، فتأمل جيدا والله أعلم.
(وتستحب الموالاة في القضاء احتياطا للبراءة) ولا تجب اجماعا محكيا عن
الناصريات والخلاف والمختلف إن لم يكن محصلا للأصل واطلاق الأمر بالقضاء في
الكتاب والسنة، وصحيح سليمان بن جعفر (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة قال: لا بأس بتفريق قضاء
شهر رمضان إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة الدم " وغيره
من النصوص التي سيمر عليك بعضها، نعم يستحب احتياطا للبراءة من احتمال
اعتبارها كالمقتضي الذي ينبغي أن يكون قضاؤه مثله، ولصحيح الحلبي (2) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا كان على الرجل شئ من صوم شهر رمضان فليقضه
في أي الشهور شاء أياما متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء، وليحص
الأيام، فإن فرق فحسن وإن تابع فحسن، قال: قلت: أرأيت إن بقي عليه شئ
من صوم شهر رمضان أيقضيه في ذي الحجة قال: نعم " وصحيح ابن سنان (3)
عنه (عليه السلام) أيضا " من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن قضاه متتابعا
فهو أفضل، وإن قضاه متفرقا فحسن ".
(وقيل) والقائل بعض الأصحاب على ما أرسله في السرائر: (بل يستحب

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8 - 4 - والأول عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
(2) ذكر صدره في الوسائل في - الباب - 26 - من أبواب أحكام شهر
رمضان - الحديث 5 وذيله في الباب 27 منها الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8 - 4 - والأول عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
16

التفريق للفرق بين الأداء والقضاء، وفي المدارك وغيرها أنه مال إليه في المقنعة
فإنه بعد أن حكم بالتخيير بين التتابع والتفريق قال: وقد روي (1) عن الصادق
(عليه السلام) " إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم، وكذا إن كان عليه خمسة
أيام وما زاد، فإن كان عليه عشرة أو أكثر تابع بين الثمانية إن شاء ثم فرق
الباقي " والوجه في ذلك أنه إن تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق بين الشهر
في صومه وبين القضاء، فأوجبت النية الفصل بين الأيام ليقع التفريق بين الأمرين
لكنه كما ترى ليس فيه استحباب التفريق مطلقا، كما أنا لم نجد ما ذكره من
الوجه في شئ مما وصل إلينا من النصوص، والاعتبار يقضي بأولوية المشابهة
لا أن من فاتته فريضة يقضيها كما فاتته.
(وقيل) والقائل بعض الأصحاب على ما أرسله في السرائر أيضا:
(يتابع في ستة ويفرق) في (الباقي للرواية) التي هي موثق عمار (2) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف
يقضيها؟ فقال إن كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، وإن كان عليه خمسة فليفطر
بينها أياما، وليس له أن يصوم أكثر من ستة أيام متوالية، وإن كان عليه ثمانية
أيام أو عشرة أفطر بينها يوما " ورواه الشيخ في الزيادات بهذا السند (3) عنه
أيضا " سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ قال: إن
كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، وإن كان عليه خمسة أيام فليفطر بينها يومين
وإن كان عليه شهر فليفطر بينها أياما، وليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيام
يعني متوالية، وإن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينهما يوما " إذ لم نجد غيره
لكنه كما ترى لا دلالة فيه على استحباب المتابعة في الستة أو الثمانية، بل أقصاه

(1) المقنعة ص 57
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6 - 7
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6 - 7
17

الرخصة اللهم إلا أن يستدل عليها باطلاق الأدلة السابقة وقوله هنا: " إذا كان عليه
ثمانية أو عشرة " إلى آخره بناء على كون المراد التفرقة بين الستة أو الثمانية وما زاد كما
يقضي به قوله " بينهما " بصيغة التثنية على ما وجدته فيما حضرني من نسخة التهذيب
وإن كان قد كتب عليها " بينها " فوق نسخته، وأيضا لا بد من حمل ذيله على أن ذلك فرد آخر للتفريق، وإلا نافاه ما ذكره من الفصل بين الخمسة بأيام ويومين
كما في الثاني، واحتمال التعبد في ذلك بعيد، فيكون المتجه حينئذ حمله على بيان
أفراد التفريق، وأن الكامل منها فصل كل يومين بيوم، فالخمسة حينئذ تحتاج
إلى الفرق بأربعة، ودونه الفرق بينها بيومين، ودونه الفرق بين الثمانية والعشرة
بيوم، وعلى هذا يصلح الموثق دليلا للقول السابق من استحباب التفريق بناء
على كون المراد ذلك في جميع أيام القضاء على معنى فصل كل يومين منه بيوم، لا
أن المراد منه الفرق في الجملة.
وعلى كل حال فالظاهر هو الذي أشار إليه المفيد بل والمرتضى في المحكي
عن جمله، حيث قال: " القاضي مخير بين المتابعة والتفريق، وقد روي أنه إن كان
عليه عشرة أيام أو أكثر منها كان مخيرا في الثمانية الأول بين المتابعة والتفريق
ثم يفرق ما بقي ليقع الفصل بين الأداء والقضاء " بل وابن الجنيد حيث قال: وقد
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) " ليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيام ثم يقطعها "
وفي محكي المبسوط وما لا يراعى فيه التتابع أربعة مواضع إلى أن قال: " وصوم
قضاء شهر رمضان لمن أفطر لعذر، وإن كان التتابع فيه أفضل فإن أراد الفضل
فليصم ستة أيام متعاقبات ثم يفرق الباقي " ونحوه عن النهاية إلا أن فيها " فإن
لم يتمكن من سرده " وفي محكي الوسيلة " فإن صام ثمانية أو ستة متواليات وفرق
الآخر كان أفضل " وهو يشعر بأفضليته من التتابع مطلقا والتفريق مطلقا جميعا
وفي محكي السرائر ومنهم من قال: " إن كان الذي فاته عشرة أيام وثمانية فليتابع
18

بين ثمانية أو ستة، ويفرق الباقي ".
ولا يخفى عليك أن نظر الجميع إلى هذا الموثق إذ لم نجد غيره، نعم خبر
علي بن جعفر (1) عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الإسناد فرق بين اليومين وغيرهما
قال: " سألته عمن كان عليه يومان من شهر رمضان كيف يقضيهما قال: يفصل
بينهما بيوم، فإن كان أكثر من ذلك فليقضها متوالية " ولعله لذا قال في المختلف
لا يقال قد اشتهر هذا النقل بين الأصحاب، فإن أكثر علمائنا نقلوا هذا الحديث
مرسلا عن الصادق (عليه السلام) ولولا ثبوته عندهم لما نقلوه كذلك، لأنا نقول: الذي
ذكروه أنه روي كذا ولم يذكروا على سبيل القطع، قال مع أنها قابلة للتأويل بما
قاله الشيخ من أن الأمر بالفصل ليس على الايجاب بل على جهة التخيير، لئلا يتوهم
وجوب التتابع في القضاء كما وجب في الأعداء، وإليه يرجع ما عن المنتهى من أنه
على جهة التخيير والإباحة لا على سبيل الايجاب ولا الندب ليحصل الارشاد لكن
فيه أنه يدفع ذلك اشتماله على قوله " ليس له " إلى آخره ومن هنا قال بعض
متأخري المتأخرين: " أن الصواب جعل السؤال في الخبر عن رجل معهود كان
يضربه التوالي " وإن كان هو كما ترى أيضا إلا أنه أولى من طرحه، وإن أبيت
إلا ذلك كان حقيقا به باعتبار معارضته لما عرفت، خصوصا مع اشتماله على
ما يقتضي كراهة المتابعة، ولا أظن أحدا منا يقول بها بعد الغض عن اضطرابه
في نفسه كما سمعت، على أن من ذكره من الأصحاب لا يأتي بتمام ما تضمنه.
(و) حينئذ فلا ريب في أن (الأول) أي القول باستحباب المتابعة
مطلقا (أشبه) بل ربما يستفاد كراهة التفريق من المفهوم في خبر غياث بن
إبراهيم (1) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) في قضاء شهر رمضان، إن كان لا يقدر

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 12
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 3
19

على سرده فرقه " بل ومن قوله (عليه السلام) فيه أيضا " لا يقتضي شهر رمضان في
عشرة من ذي الحجة " بنا على كون ذلك للتحرز عن التفريق بالعيد وأيام
التشريق، ولعله لذلك قال المصنف إنها أحوط إذ لم نجد قائلا بوجوبها سوى
ما يلزم المحكي عن أبي الصلاح من القول بفورية القضاء، مع أنه في غاية الضعف
بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، بل في محكي الناصريات أنه لو كان الأمر بالقضاء
هنا على الفور لكان يجب متى أمكنه القضاء أن يتعين الصوم فيه حتى لا يجزي
سواه، ولا خلاف في أنه يؤخر القضاء، مضافا إلى ما سمعته من النصوص
ومما ورد
في صحيح البختري (1) من تأخير نساء النبي (صلى الله عليه وآله) القضاء إلى شعبان، نعم إنما
يحكى القول بوجوب المتابعة عن بعض العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم.
وكما لا يجب المتابعة لا يجب الترتيب بلا خلاف أجده، للأصل واطلاق
الأدلة، وعدم وجوبه في الأداء، وإنما كان فيه من ضرورة الوقت، وحينئذ فلو
أخلى النية من التعيين أو عين الأخير أجزأ كما نص عليه بعضهم، نعم في المسالك وغيرها
أنه أفضل، لكون الأسبق أحق بالمبادرة، مع أنه لا يخلو من اشكال كما في
الدروس، ولعله لتساوي الأيام في التعلق بالذمة، وكون الترتيب في الأداء من
ضرورة الوقت، فالأصل حينئذ لا معارض له، والسبق أعم من ذلك، لكن
على كل حال ظاهر من تعرض لهذا الحكم أنه يتعين بالتعيين لا أن نيته تقع لغوا
باعتبار كون الأمر بالقضاء كالأمر بصوم عدد معين من الزمان لا جهة لتعيين
أحدها، ضرورة وضوح الفرق بين ما نحن فيه وبين ذلك بوجود جهة التعيين
هنا، وهو السبق واللحوق بخلافه هناك، وتظهر الثمرة فيما لو ظهر صحة ذلك
اليوم الذي نوى قضاءه، فإن المتجه حينئذ عدم وقوعه عن غيره، لعدم نيته، ولو

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4 عن
حفص بن البختري
20

كان الظهور في الأثناء ففي جواز العدول أو التجديد اشكال كالاشكال في جواز العدول
بعد التعيين مع عدم الظهور، بل وفيما لو لم يعين في الابتداء ثم أراده بعد الفراغ
من الصوم، وكذا لا ترتيب بين أفراد القضاء إذا كان رمضانين فصاعدا لعين
ما عرفت، نعم لا يبعد وجوب خصوص الحاضر عند التضيق.
ولا ترتيب أيضا بين القضاء وغيره من أقسام الصوم الواجب كفارة أو
غيرها للأصل السالم عن المعارض، خلافا للمحكي عن ابن أبي عقيل من عدم جواز
الصوم عن النذر أو الكفارة لمن عليه قضاء عن شهر رمضان حتى يقضبه، ولم
نقف على مأخذه.
نعم لا يجوز التطوع بشئ من الصيام لمن عليه صوم واجب قضاء كان أو
غيره كما هو المشهور، لقول الصادق (عليه السلام) (1) في صحيح الحلبي والكناني
المروي في الوسائل عن الفقيه " لا يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام أو عليه شئ
من الفرض " المعتضد باطلاق النهي عن التطوع لمن عليه شئ من الفرض، بل
فيها عنه أيضا أنه قال: قد وردت بذلك الأخبار والآثار، كما أن المحكي عنه في
المقنع أنه كذلك وجدته في كل الأحاديث، وخروجنا عنه في الصلاة لقوة المعارض
لا ينافي حجيته هنا، خلافا لسيد المدارك والمحدث البحراني فخصا ذلك بمن
عليه قضاء شهر رمضان دون غيره من الواجبات مستظهرا له أولهما من (السيد) الكليني،
وبالأصل المقطوع بما عرفت، وبالعمومات المخصصة به، واختصاصه في صحيح
الكناني (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه من شهر
رمضان أيام أيتطوع؟ فقال: لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان " وصحيح

(1) الوسائل - الباب - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 - 6
21

الحلبي (1) " سألته أيضا عن الرجل يكون عليه من شهر رمضان طائفة ويتطوع
قال: لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان " غير مناف للصحيح الأول، بل
لعلهما حجة على الاطلاق أيضا بضميمة عدم القول بالفصل المحجوجين به، كما أن
قياس الصلاة عليه أي قضاء شهر رمضان في المنع في صحيحي زرارة (2) المرويين
في التهذيب والحبل المتين المتقدمين في كتاب الصلاة في مسألة النافلة وقت الفريضة
لا يقضي بكون المراد منه الكراهة هنا على حسب ما اخترناه هناك، لما تقدم
سابقا، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين ولذا فرق بينهما في الدروس وكشف
الأستاذ، بل ظاهر هذين الصحيحين المفروغية منه هنا وأنه كان من الواضحات في
ذلك الزمان، فما عن المرتضى (رحمه الله) وجماعة منهم العلامة في القواعد من القول
بالجواز مطلقا تمسكا بالاطلاق الواجب تقييده بما هنا واضح الضعف، هذا، وفي
المدارك " الظاهر أن المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم الواجب عند من
قال به إنما يتحقق حيث يمكن فعله، فلو كان بحيث لا يمكن كصوم شعبان ندبا لمن
عليه كفارة كبيرة جاز صومه " وقد تبع بذلك الشهيد في الدروس حيث قال:
ويشترط فيه كله أي صوم النفل خلو الذمة عن صوم واجب يمكن فعله، فيجوز
حيث لا يمكن كشعبان لمن عليه كفارة كبيرة ولم يبق سواه، وجوز المرتضى
التنفل مطلقا والرواية بخلافه، لكن فيه أن الأدلة مطلقة، ويمكن أن يكون
المانع نفس اشتغال الذمة بالواجب وإن كان غير متمكن من أدائه لسفر ونحوه.
نعم ينساق منها الواجب عليه لنفسه دون غيره بإجارة أو نذر أو تبرع أو

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت الحديث - 3 عن التهذيب
وفي الوافي (باب كراهة التطوع في وقت الفريضة " عن الحبل المتين وفي المستدرك الباب - 20 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 4 عن روض الجنان
22

لكونه وليا أو غير ذلك مع احتماله، كما أن المنساق منه التطوع من حيث كونه
تطوعا،
فلو وجب عليه بنذر ونحوه جاز أداؤه، لخروجه عن الوصف المزبور
واندراجه في الواجب من غير فرق بين أن ينذر التطوع على الاطلاق أو أياما
مخصوصة يمكن وقوع الواجب قبلها، أما لو نذر أياما مخصوصة لا يمكن وقوعه
قبلها ففي صحة نذره اشكال، أقواه الصحة لحصول الرجحان الذاتي الذي يكفي
في تعلق النذر به المخرج له حينئذ عن التطوع،
ولو نسي الواجب فتطوع ولم
يعلم حتى فرغ صح واحتسب له ولو علم في الأثناء قطع ويحتمل كون الخلو
شرطا في الواقع، لأنه الأصل ولو كان مستفادا من النواهي كما حرر في محله.
(و) كيف كان ف‍ (في هذا الباب مسائل: الأولى من فاته شهر رمضان)
(أو بعضه بمرض فإن مات في مرضه لم يقض عنه وجوبا) بلا خلاف أجده فيه
نصا (1) وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه (و) لكن (استحب) القضاء عنه
عند الأصحاب على ما في المنتهى، لكن قد ينافيه خبر أبي بصير عن (2)
أبي عبد الله (عليه السلام) " سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت في
شوال فأوصتني أن أقضي عنها قال: هل برئت من مرضها قلت لا، ماتت فيه، قال:
لا يقضى عنها، فإن الله لم يجعله عليها، قلت فإني أشتهي أن أقضي عنها وقد
أوصتني بذلك قال فكيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها، فإن اشتهيت أن تصوم
لنفسك فصم " اللهم إلا أن يكون المراد نفي تأدية القضاء عنها، لعدم ثبوته عليها
على حسب النصوص (3) النافية للقضاء عن المريض الذي مات في مرضه، لا الصوم
عنها على جهة النيابة بحيث يكون لها، وكأنه واقع منها وهو الذي قد أشار إليه

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 0 - 12 - 0
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 0 - 12 - 0
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 0 - 12 - 0
23

بقوله (عليه السلام) " فإن اشتهيت " إلى آخره إذ الظاهر كون المراد الصوم لنفسك عنها
أي لا لوصيتها الباطلة لا أن المراد الصوم لنفسك ثم اهداء الثواب إليها وبذلك يظهر
لك أنه مستند الأصحاب في الاستحباب المزبور، ضرورة عدم إرادتهم استحباب
تأدية القضاء عنها لتصريحهم بنفيه عنها، فكيف يتصور تأدية له فضلا عن استحبابه، بل
المراد ما ذكرناه ولا بأس باطلاق اسم القضاء عليها توسعا وربما يؤيد ذلك استدلاله
عليه في المنتهى بأنه طاعة فعلت عن الميت فوصل إليه ثوابها.
والمناقشة في مشروعية يدفعها إطلاق ما دل (1) على جواز فعل جميع
العبادات عن الأموات، وتنزيل ذلك على اهداء الثواب لا داعي له، فما في المدارك
- من أنه أي دليل المنتهى ضعيف، إذ ليس الكلام في جواز التطوع بالصوم
واهداء ثوابه إلى الميت، بل في قضاء النائب عنه، والحكم بشرعيته يتوقف على
الدليل، لأن الوظايف الشرعية إنما تستفاد من النقل، ولم يرد التعبد بذلك، بل
مقتضى الأخبار المتقدمة عدم مشروعية القضاء - واضح الضعف خصوصا مع
ملاحظة ما يحكى من تعاقد بعض السلف من أصحاب الأئمة (عليه السلام) على
أن يؤدي الحي منهم عن الميت الصوم والصلاة، فإن من الواضح عدم كون ذلك
من إهداء الثواب بناء على عدم مشروعية التنفل باليومية والصوم بعنوان ما فات
من شهر رمضان، فليس حينئذ إلا لمشروعية النيابة على حسب ما ذكرنا، والحائض
والنفساء في شهر رمضان مع موتهما كالمريض في سقوط وجوب القضاء للنصوص (2)
المستفيضة في ذلك وفي ثبوت الاستحباب بناء على أن مدركه ما ذكرنا.
(و) كيف كان ف‍ (إن استمر به المرض إلى رمضان آخر سقط قضاؤه على

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب قضاء الصلوات
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان
24

الأظهر) الأشهر، بل المشهور (وكفر عن كل يوم من السالف بمد من
الطعام) كما استفاضت بذلك النصوص (1) أو تواترت، وقد رواه محمد بن
مسلم (2) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) وزرارة (3) عن
أبي جعفر (عليه السلام) وأبو بصير (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا
والفضل بن شاذان (5) عن الرضا (عليه السلام) وعلي بن جعفر (6) عن أخيه
موسى (عليه السلام) و عبد الله بن جعفر (7) عن أخيه (عليه السلام) أيضا، بل وأبو الصباح
الكناني (8) و عبد الله بن سنان (9) على ما ستعرف، وفيها المكرر، فلا بأس
بدعوى تواترها، والخروج بها عن ظاهر قوله تعالى (10) " فمن كان منكم
مريضا " إلى آخره، على أن التحقيق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد فلا محيص
عن العمل بها خصوصا بعد اشتهار الفتوى بها بين الطائفة، وعدم المعارضة المعتد به
لها، خصوصا بالنسبة إلى الفدية كما اعترف به المصنف في المعتبر، فما عن ابني
أبي عقيل وبابويه والشيخ في الخلاف وابني زهرة وإدريس وأبي الصلاح والفاضل
في النحرير من تعين القضاء دون الكفارة واضح الضعف، لابتنائه بالنسبة إلى
ثبوت القضاء على عدم حجية الخبر الواحد أو عدم تخصيص الكتاب به، وهما
معا باطلان كما حرر في محله، مضافا إلى امكان دعوى التواتر هنا أو القطع ولو
بالقرائن، ودعوى الشيخ في الخلاف الاجماع منزلة على غير ذلك، بل ظاهرها

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 0 - 1 - 2 - 6 - 8 - 9 - 10 والأخير
أيضا عن علي بن جعفر
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 3 - 4
(9) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 3 - 4
(10) سورة البقرة - الآية 180
25

المسألة الآتية كما لا يخفى على من لا حظه، وإلى ما عساه يقال من ظهور ما دل على
القضاء بالمرض من الكتاب والسنة في غير الفرض فلا يكون ظاهر الكتاب حينئذ
معارضا وإن كان فيه ما فيه، وأما ضعيف أبي الصباح الكناني (1) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان
قابل قال: عليه أن يصوم وأن يطعم عن كل يوم مسكينا، فإن كان مريضا فيما
بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام إن صح، فإن تتابع
المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مسكينا " فغير صالح للمعارضة من
وجوه، مع احتماله صيام الشهر رمضان الحاضر لا قضاءه أو قضاءه لكن مع عدم
استمرار المرض كما ستسمعه من الكاشاني في القسم الأخير، ولذا أدرجه سيد المدارك
في نصوص المشهور.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور كالمحكي عن ابن الجنيد
من الاحتياط بجمعهما معا بناء على إرادته الواجب منه، جمعا بين الأدلة التي
لا تخصص بخبر الواحد، وما دل على وجوب الفدية، ولحصول اليقين بالفراغ
بذلك، وفيه ما لا يخفى، فلا ريب في ضعفه وإن نسبه في الدروس إلى الرواية
ولعلها خبر سماعة (2) " سألته عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك
لم يصمه فقال: يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي عليه بمد من طعام، وليصم
هذا الذي أدرك، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فإني كنت مريضا فمر
علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن، ثم أدركت رمضان فتصدقت بدل كل يوم
مما مضى بمد من طعام، ثم عافاني الله وصمتهن " لكنها - مع ضعفها واضمارها
واحتمالها عدم الصحة فيهن لا بينهن، ولا ينافي العصمة عدم القضاء، لجواز أن

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 3 - 5
26

يكون تجدد له من العذر ما منعه من القضاء، سواء خلت أيام من العذر رأسا
أم لا، لسعة الوقت المجوزة للتأخير عن أول زمان العذر، وأنه (عليه السلام) مرض في
رمضان ففدى عن كل يوم بمد ثم عوفي قبل الرمضان الثاني فصامه، ثم مرض في
الرمضان الثاني ففدى عن كل يوم بمد ثم عوفي قبل الثالث فصامه، وكذا الثالث
ويكون السؤال عن رجل عوفي فيما بين الرمضانين ولم يصم ما فاته من الأول - قاصر
عن معارضة ما تقدم من وجوه، فلا بأس بحمله على الندب، كما يشهد له صحيح
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) " من أفطر شيئا من رمضان في عذر
ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم، وأما أنا فإني صمت
وتصدقت " بناء على أن المراد منه الاستمرار، ومن العذر فيه المرض بقرينة
قوله " وهو مريض " إلى آخره أو على تساوي المرض مع غيره من الأعذار مع
الاتصال، والله أعلم.
هذا كله فيما إذا استمر المرض إلى رمضان آخر (و) أما (إن بري
بينهما وأخره عازما على القضاء) مع التمكن منه فاتفق حصول العذر عند الضيق
(قضاه ولا كفارة وإن) كان (تركه تهاونا) بأن لم يكن عازما على
الفعل ولا على الترك في تمام الزمان على فرض قصوره، أو كان عازما على العدم
فيه سواء عرض له عذر بعد ذلك منعه من القضاء أولا أو على العدم عند الضيق
خاصة بعد العزم على الفعل قبله، أو على العدم في السعة لكن عرض له بعد ذلك
ما منعه عن القضاء، وبالجملة أدركه الرمضان الثاني أو عذر آخر مستمر إليه وهو
غير عازم على القضاء (قضاه وكفر عن كل يوم من السالف بمد من الطعام)
بلا خلاف أجده في الأخير بأقسامه السابقة إلا من الحلي في السرائر فاقتصر على
القضاء طرحا للنصوص على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد، فيبقى حينئذ أصل

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 4
27

البراءة سالما عن المعارض، ثم قال: والاجماع غير منعقد على وجوب هذه الكفارة
لأن أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها ولا يوردونها في كتبهم مثل الفقيه وسلار
والسيد المرتضى وغيرهما ولا يذهب إلى الكفارة في هذه المسألة يعني مسألة التواني
إلا شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الجزء الثاني من مقنعته، ولم يذكرها في
كتاب الصيام فيها ولا في غيرها من كتبه وشيخنا أبو جعفر ومن تابعهما وقلد
كتبهما ويتعلق بأخبار الآحاد التي ليست عند أهل البيت (عليه السلام) حجة على ما شرحناه
وقد يؤيده أيضا مرسل سعد بن سعد (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) (سألته عن
رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو أقل
من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال: أحب له تعجيل الصيام، فإن كان أخره
فليس عليه شئ " وهو كما ترى مبني على أصل فاسد، لكن بالغ في الانكار عليه
في المعتبر فقال إنه ارتكب ما لم يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية فيما علمت، ثم
ذكر رواة الفدية زرارة ومحمد بن مسلم وأبو الصباح الكناني وأبو بصير و عبد الله
ابن سنان، وقال: هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية، وليس لروايتهم معارض
إلا ما يحتمل رده إلى ما ذكرناه، فالراد لذلك متكلف لما لا ضرورة إليه، ونحو
منه عن المنتهى، وفي المختلف أن البراءة إنما يصار إليها مع عدم دليل الثبوت
وشغل الذمة، وقد بينا الأدلة، وعدم ذكر أحد من أصحابنا غير الشيخين لهذه
المسألة ليس حجة على العدم مع أن الشيخين هما القيمان بالمذهب، وكيف يدعى
ذلك وابنا بابويه رحمهما الله سبقا الشيخين بذكر وجوب الصدقة مطلقا، ولم يفصلا
بين التواني وغيره، وكذا ابن أبي عقيل، وهو أسبق من الشيخين، وهؤلاء
عمدة المذهب، والحديث الذي رواه سعد بن سعد مرسل ضعيف السند.
قلت ومع ذلك كله يمكن دعوى تواتر النصوص فيه أو القطع به منها ولو

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 7
28

بالقرائن كالاعتضاد ونحوه، فلا إشكال حينئذ في ذلك، بل ظاهر المحكي عن
الصدوقين ومحتمل ابني سعيد والمفيد وابن زهرة وجوبهما على كل تارك له مع
القدرة عليه، سواء عزم على القضاء أو عدمه أم لا، واختاره الشهيدان وغيرهما
كسيد المدارك وغيره، بل حكاه فيها عن المصنف في المعتبر على الجزم لاطلاق
قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1) " فإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى
أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول " والصادق (عليه السلام)
في صحيح أبي الصباح (2) بل وخبر سماعة (3) المتقدمين سابقا وقول الرضا (عليه السلام)
في صحيح الفضل (4) المروي عن العلل والعيون: " إذا أفاق بينهما أو أقام - أي
المسافر - ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء إلى أن قال في ذيله فإن أفاق فيما
بينهما ولم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته " وغيرها من
النصوص الظاهرة في أن الحكم هنا على قسمين خاصة، أحدهما الفداء لا غير، والآخر
مع القضاء.
لكن قد يشكل ذلك بما في صحيح ابن مسلم أو حسنه (5) عن
أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) " سألتهما عن رجل مرض فلم يصم
حتى أدركه شهر رمضان آخر فقال: إن كان برئ ثم توانى قبل إن يدركه
الرمضان الآخر صام الذي أدركه وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين
وعليه قضاؤه، وإن كان لم يزل مريضا " الحديث، وفي خبر أبي بصير (6) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " وإن صح فيما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي الصيام، فإن

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 2 - 3 - 5 - 8 - 1
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 2 - 3 - 5 - 8 - 1
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 2 - 3 - 5 - 8 - 1
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 2 - 3 - 5 - 8 - 1
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 2 - 3 - 5 - 8 - 1
(6) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 6
29

تهاون به وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعا لكل يوم مد إذا فرغ من ذلك
الرمضان " وفي خبره الآخر (1) المروي عن تفسير العياشي " فإن صح فيما بين
الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى حال الرمضان الآخر فإن عليه الصوم ويتصدق
من أجل أنه ضيع ذلك الصيام " مضافا إلى إطلاق نفي الفدية في مرسل سعد السابق
وأنه مع التهاون مفرط في واجب وتارك للعزم الذي يجب بدل الفعل ما دام موسعا
فناسب عقوبة إيجاب الصدقة الذي هو تطهير للذنب، بخلاف عدمه، ولعله لذا
والأصالة براءة الذمة اقتصر المصنف وغيره - بل قيل إنه المشهور خصوصا بين
المتأخرين كما في المسالك - على القضاء خاصة في غير المتهاون بالمعنى المزبور، إذ لا
معارض لهذه النصوص إلا تلك المطلقات المقيدة بما هنا من التفصيل المستفاد من
تعليق الحكم على الهاون في حسن ابن مسلم وغيره المشعر بالعلية.
لكن قد يدفع ذلك بمنع كون التهاون والتواني ذلك، بل ليس المراد منهما
إلا عدم القضاء مع التمكن منه تكاسلا واعتمادا على السعة، وهو أعم منه بالمعنى
المزبور، بل ظاهر المقابلة له باستمرار المرض في حسن ابن مسلم وغيره يقتضي إرادة
مجرد ترك الفضاء منه، فكأنه قال: إن كان برئ ثم ترك القضاء، وفي فوائد
الشرائع أن اللايح من الأخبار أن غير المتهاون هو الذي يعرض له ما يمنع الصوم
وهو ظاهر كلامه في التذكرة، قلت: لكن قد تكلف الكاشاني وأطنب في دعوى
اشتمال خبري أبي الصباح وأبي بصير علي تثليث الأقسام كما يقوله المشهور بجعل المذكور
في الصدر في الأول القسم الأول، وهو ما تجب به القضاء والفدية، وقوله " فإن
كان مريضا " إلى آخره القسم الثاني، وهو ما يجب فيه القضاء خاصة على معنى
حدوث المرض فيه بعد أن تمكن من القضاء كما أشار إليه بقوله " إن صح " وقوله
" فإن تتابع " إلى آخره القسم الثالث، وهو الذي تجب به الفدية خاصة، وعكسه

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث - 11
30

خبر أبي بصير فإن القسم الأول فيه ما تجب به الفدية، والقسم الثاني القضاء خاصة بأن
يكون المراد من قوله فيه: فإنما عليه أن يقضي الصيام بعد أداء الرمضان الحاضر أي ليس
على من فاته شئ من شهر رمضان لمرض قد صح بعد وتركه إلى أن جاء شهر الرمضان
الآخر غير متهاون إلا القضاء: فإن كان قد تهاون كان عليه الفدية معه أيضا، وهو
القسم الثالث فيه، إلا أنه كما ترى، اللهم إلا أن يكون بملاحظة الشهرة المزبورة
ومنه يظهر لك قوة القول بكون الأقسام ثلاثة، ولا ينافي ذلك الاطلاقات المزبورة
المحمولة على هذا التفصيل، على أنه قد يدعى كون الظاهر منها السؤال عمن
تعمد ترك القضاء حتى جاء شهر رمضان آخر، فلا تشمل العازم على المبادرة في ثاني
أوقات الامكان ثم عرض له المانع المستمر إلى الرمضان الآخر، بل ينبغي القطع
بعدم صدق التهاون على ذلك، بل ولا التواني، بل قد يقال بعدم صدق التهاون
عرفا بالتأخير في مثل المقام الذي قد حدد فيه الوجوب وإن كان على جهة
التوقيت ولو إلى آخر أزمنة الامكان كالصلاة بالنسبة إلى وقتها إلا على إرادة
التهاون بالواجب من حيث وجوبه أي تعمد تركه في وقته الذي قد خوطب به مع
تمكنه منه متهاونا به وعدم مبالاته فيه، ولعل هذا هو المقصود أولا وبالذات
من هذه النصوص وإن كان قد يلحق به غيره مما سمعته في صور المشهور، كمن
كان عازما على العدم ففاجأه العذر وإن عزم بعد ذلك على القضاء وإذا ارتفع فلم
يتيسر له حتى أدركه رمضان آخر إلا أنه لا يخلو من اشكال، وأشكل منه
الخالي عن العزم إذا كان كذلك، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.
ثم إن الظاهر عدم الفرق هنا بين الفوات بالمرض وبين غيره من الأعذار
كالسفر والحيض، بل ولا بين العذر وبين غيره كالعامد، ضرورة ظهور الأدلة في
ترتب القضاء أو الفدية أو القضاء خاصة على التهاون وعدمه أو على المتمكن من
القضاء وعدمه، من غير فرق بين أسباب الافطار في شهر رمضان، لاطلاق أدلة
31

القضاء، ولتعليل الفدية بالتضييع في خبر أبي بصير (1) وصحيح الفضل (2)
وإطلاق وجوبها مع القضاء في خبر سماعة (3) بل وغيره، واشتمال أكثر النصوص
على الفوات بالمرض يراد منه المثال بالنسبة إلى ما نحن فيه قطعا، نعم قد يفرق
بين المرض والسفر في المسألة السابقة التي قلنا بوجوب الفدية فيها دون الفضاء
وفاقا للفاضل في المختلف وثاني الشهيدين وسبطه وغيرهم باعتبار اطلاق أدلة القضاء
الذي يجب الاقتصار في تقييده على المتيقن، وهو ما إذا كان الفوات بالمرض
المستمر، والقياس عليه هنا منحصر في المحرم، إذ لا أولوية ولا مساواة بالنسبة إلى
ذلك، اللهم إلا أن يقال بالجمع استنادا في القضاء للعمومات وفي الفدية إلى أولوية
السفر من المرض الذي هو أعظم الأعذار، لكن لا أظن قائلا به، مع احتمال
منع الأولوية هنا، وإن ذكرها في المختلف فيما لو كان الفوات بغير المرض وأخر
القضاء توانيا، للفرق الواضح باعتبار فرض ثبوت القضاء معه دونه، فلعل
التكليف بالقضاء الذي هو أشق منها كاف في مرجوحيته بالنسبة إلى المرض، كما
أني لا أظن قائلا بكونه كالمرض في الاقتصار عليها، وإن كان هو ظاهر صحيح
الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام)، إلا أنه مع اتحاده وعدم ظهور العمل به قاصر
عن معارضة الآية والرواية، لكن في الدروس هل يلحق غير المريض به كالمسافر؟
توقف فيه المحقق في المعتبر، وتظهر الفائدة في وجوب الفدية على القادر وسقوط
القضاء عن العاجز، وكلام الحسن والشيخ يؤذن بطرد الحكم في ذوي الأعذار
وربما قيل بطرد الحكم في وجوب الكفارة بالتأخير لا في سقوط القضاء بدوام
العذر، ولا يخفى عليك أن الأخير هو الأصح، والمحكي عن الحسن مساواة الطرد

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 11 - 8 - 5
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 11 - 8 - 5
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 11 - 8 - 5
32

في ذوي الأعذار في غير صورة الاستمرار، على أن مذهبه كالشيخ في الخلاف
الذي حكي عنه فيه الطرد المزبور وجوب القضاء لا غير في استمرار المرض، ولا
خلاف حينئذ، ولعل ما وقع من المصنف في المعتبر والفاضل في التحرير والمنتهى
من النظر والاشكال فيما حكياه عن الشيخ من إلحاق غير المرض به مبني على الطرد
من حيث كونه طردا بحيث يأتي على جميع الأقوال التي منها الاقتصار على الفدية
وسقوط القضاء مع الاستمرار، ولا ريب في اشكاله حينئذ، بل الأقوى عدمه
إذ الظاهر اختصاص ذلك بالفوات بالمرض المستمر إلى الرمضان الآخر دون غيره
مع التلفيق وعدمه، وصحيح ابن سنان (1) عن الصادق (عليه السلام) " من أفطر شيئا
من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم "
- مع احتماله كون العذر المرض، كما لعله يشعر به قوله (عليه السلام): " وهو مريض " -
قاصر عن تخصيص ما دل على القضاء من الآية والرواية، خصوصا بعد عدم
ظهور العامل به، كصحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) الذي أشرنا
إليه سابقا المحتمل اختصاصه أيضا بالمرض كما لا يخفى على من لاحظه، سيما وقد
عرفت أن الشيخ (رحمه الله) يقول بالقضاء في استمرار المرض فضلا عن غيره
فلا وجه لحكاية الخلاف عنه هنا، ومنه يعلم حينئذ مهجورية الخبرين، فلا بأس
بطرحهما أو حملهما على ما يقتضي الاختصاص بالمرض.
ومقدار الفدية مد عن كل يوم على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة
بل لا خلاف فيه فيما وصل إلينا من النصوص (2) سوى ما عن بعض النسخ في خبر
سماعة (3) من المدين، وكأنه اشتباه من قلم النساخ في لفظ " من " كما يشهد له
الرسم في " طعام " فما عن النهاية والاقتصاد وابني حمزة والبراج - من أنها

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 4 - 0 - 5
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 4 - 0 - 5
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 4 - 0 - 5
33

مدان، فإن لم يتمكن فمد، بل قد يحتمله ما عن الجمل والمبسوط أنها مدان، وأقله
مد، والترتيب في الفضل - لم نجد ما يشهد له فضلا عن أن يصلح معارضا لما هنا،
والقياس على كفارة جزاء الصيد أو على كفارة ذي العطاش والشيخ الكبير ليس
من مذهبنا، على أنك ستعرف أنها مد أيضا في الأخيرين وإن ورد في صحيح
ابن مسلم (1) أنها مدان إلا أنه لمعارضته بما هو أقوى منه كما ستعرف يجب حمله
على الندب.
ولا تتكرر الفدية بتكرر السنين من غير فرق بين فدية الاستمرار وفدية
التهاون، لصدق الامتثال بالمرة كما صرح به هنا غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا
إلا من الفاضل في المحكي من تذكرته، فقال تتكرر قياسا على السنة الأولى التي
أوجبت المد عن كل يوم، وهو كما ترى، نعم لا فرق في حكم الاستمرار بين
الرمضان الواحد والأكثر، لاطلاق الأدلة، وخصوص خبر سماعة (2) وخبر
أبي بصير (3) المروي عن تفسير العياشي، فما عساه يظهر من المحكي عن الصدوقين
من وجوب الفدية للأول والقضاء للثاني الذي قد استمر إلى الثالث واضح الضعف
بل لم أجد له دليلا، وخبر علي بن جعفر (4) المروي عن قرب الإسناد عن أخيه
موسى (عليه السلام) " سألته عن رجل يتابع عليه رمضانان لم يصم فيهما ثم صح بعد ذلك
كيف يصنع؟ قال يصوم الأخير ويتصدق عن الأول بصدقة كل يوم مد من طعام
لكل مسكين " يراد منه الذي قد صح بعد الثاني، بل ربما يحتمل ذلك كلام
الصدوقين كما اعترف به في المختلف، بل عن ابن إدريس الجزم به، وحينئذ فلا
خلاف، والأمر سهل.

(1) الوسائل - البا ب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 5 - 11 - 9
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 5 - 11 - 9
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 5 - 11 - 9
34

ثم إن الفدية في مستمر العذر على المختار عزيمة لا رخصة، فلا يجزي
القضاء حينئذ عنها، لظاهر التعيين في الأدلة السابقة، لكن عن تحرير الفاضل
الاجزاء، ولا ريب في ضعفه، كما هو واضح.
المسألة (الثانية يجب على الولي أن يقضي ما فات عن الميت من صيام
واجب رمضان كان أو غيره سواء فات بمرض أو غيره) بلا خلاف أجده فيه في أصل
الحكم سوى ما عن ابن أبي عقيل من أن المشروع الصدقة عنه عن كل يوم بمد دون
القضاء، بل نسب القول به إلى الشذوذ، كما أنه نسب الصدقة إلى التواتر، وهو
من الغرائب، ضرورة كون العكس مظنة التواتر أو القطع ولو بمعونة شهرته بين
الإمامية، بل كان من ضروريات مذهبهم وصول جميع ما يفعل عن الميت من
صوم أو صلاة إليه، ومن ذلك يعلم ما في استدلال المختلف له بقوله تعالى (1):
" ليس للانسان إلا ما سعى " وجوابه عنه بأنا نقول بمقتضاها وأنه لا ثواب
للميت بصوم الحي وإن كان ما فات منه سببا لوجوب الصوم على الولي وسمي قضاء
لذلك، وإلا فالثواب للحي خاصة، ونحوه عن الانتصار والغنية ومتشابه القرآن
لابن شهرآشوب، حتى أنه قال في الأول: فإن قيل فما معنى قولهم صام عنه إذا
كان لا يلحقه وهو ميت ثواب ولا حكم لأجل هذا العمل قلنا معنى ذلك أنه صام
وسبب صومه تفريط الميت، ولأنه حصلت به علقة قيل عنه من حيث كان التفريط
المتقدم سببا في لزوم هذا الصوم، ثم احتج له أيضا بما روي (2) عنه (عليه السلام) " إذا
مات المؤمن أنقطع عمله إلا من ثلاث " ولم يذكر فيه الصوم عنه، وأجاب بنحو

(1) سورة النجم - الآية 40
(2) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب الوقوف والصدقات مع الاختلاف
في اللفظ.
35

ما سمعت، وتبعه في الغنية، وهو غريب ضرورة تواتر النصوص (1) في وصول
ثواب ما يفعله الحي عن الميت، بل هو من ضروريات مذهب الشيعة، وبذلك
تخصص الآية والرواية إن لم نقل أنها منسوخة الحكم، وأنها مخصوصة بالأمم
السالفة كما روي عن ابن عباس، لقوله تعالى (2): " وألحقنا بهم ذريتهم " فرفع
درجة الذرية بأعمالهم، بل ربما قيل إن ولده وحميمه وصديقه وكل من تبرع عنه
من سعيه أيضا، وأن الصلاة والصوم من ولده استغفار له، فيندرج في
أحد الثلاثة.
وأما صحيح أبي مريم الأنصاري (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه
قضاء، وإن صح ثم مرض حتى يموت وكان له مال تصدق عنه، فإن لم يكن له
مال تصدق عنه وليه " فهو قاصر عن معارضة غيره من النصوص التي يمكن دعوى
تواترها، وسيمر عليك بعضها، على أن الصدوق والكليني المعلوم كونهما أضبط
من غيرهما قد رويا هذه الرواية " وإن صح ثم مات وكان له مال تصدق عنه مكان
كل يوم بمد، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه ".
ثم إن إطلاق النص والفتوى وترك الاستفصال في الأول منهما يقتضي
عدم الفرق بين أسباب الفوات وبين العمد وغيره، لكن في الذكرى عن المصنف
(رحمه الله) أنه قال في مسائله البغدادية المنسوبة إلى جمال الدين بن حاتم المشعري:
" الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما فات من الميت من صيام وصلاة لعذر

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الاحتضار من كتاب الطهارة
والباب - 12 - من أبواب قضاء الصلوات
(2) سورة الطور - الآية - 21
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 8
36

كالمرض والسفر والحيض لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه " ثم قال الشهيد وقد
كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول، ولا بأس به، فإن الروايات تحمل على
الغالب من الترك، وهو إنما يكون على هذا الوجه، وهو اعتبار حسن، قلت:
لا يخفى عليك ما فيه.
(و) كيف كان ف‍ (لا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه وأهمله
إلا ما يفوت بالسفر، فإنه يقضي ولو مات مسافرا على رواية) بلا خلاف أجده
فيما عدا السفر، فلو مات المريض حينئذ قبل التمكن من القضاء سقط عن الولي
اتفاقا كما قيل، بل عن المنتهى نسبته إلى العلماء، وقد سأل أبو حمزة (1)
أبا جعفر (عليه السلام) " عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت
فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال: أما الطمث والمرض فلا، وأما
السفر فنعم " ونحوه موثق محمد بن مسلم (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وفي
خبر منصور بن حازم (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الرجل سافر في
شهر رمضان فيموت قال: يقضى عنه، وإن امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت
لم يقض عنها، والمريض في شهر رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه " ولأنه
لم يجب على الميت حتى يقضيه عنه وليه كما أو ماء إليه الصادق (عليه السلام) في خبر
أبي بصير المتقدم في المسألة السابقة في الامرأة التي مرضت في شهر رمضان
وماتت وقد أوصت بالقضاء عنها، وفي مرسل ابن بكير (5) تعليل قضاء الولي
بأنه قد صح - أي المريض - فلم يقض ما وجب عليه، ولذلك كان خيرة الشيخ في
الخلاف والنهاية والفاضلين في النافع والتحرير والمنتهى والمختلف وظاهر السرائر

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 4 - 16 - 15 - 12 - 13
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 4 - 16 - 15 - 12 - 13
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 4 - 16 - 15 - 12 - 13
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 4 - 16 - 15 - 12 - 13
(5) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 4 - 16 - 15 - 12 - 13
37

والتبصرة على ما حكي عن بعضهم عدم القضاء عن المسافر إذا لم يتمكن من القضاء
ولو بالإقامة في أثناء السفر، فتحمل النصوص المزبورة على الندب، لكن عن
التهذيب وجامع ابن سعيد وظاهر الصدوق في المقنع الوجوب، للنصوص (1)
المزبورة التي فيها الصحيح وغيره الواجب تحكيمها على غيرها، مضافا إلى اطلاق
خبر أبي بصير (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سافر في شهر
رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه قال: يقضيه أفضل أهل بيته " وربما كان
الفرق بينه وبين المريض حيث لا يكون السفر ضروريا بأن السفر من فعله، وكان
يمكنه الإقامة والأداء الذي هو أبلغ من التمكن من القضاء، بخلاف المرض مثلا
الذي هو مما غلب الله عليه فيه، ودعوى حمل نصوص السفر على ما إذا كان معصية
ولو لأنه في شهر رمضان بناء على كونه فيه كذلك يدفعها أنها خلاف الظاهر بلا
قرينة، كدعوى المناقشة في سندها ومنع صحته بحيث يصلح لاثبات الحكم، إذ
هي كما ترى، نعم قد يقال إنها بعد اعراض المشهور عنها قاصرة عن تقييد الاطلاق
المزبور، خصوصا بعد ما أومي إليه في خبر أبي بصير (3) من العجب وأنه كيف
القضاء عما لم يجعله الله، إلا أنه ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.
ثم إن ظاهر المعظم نصا وفتوى عدم الفرق في وجوب القضاء على الولي بين
من ترك ما يمكن التصدق به عما عليه من الصيام وغيره، بل في السرائر أما الصدقة
فلا تجب، لأن الميت ما وجبت عليه كفارة بل صوم لا بدل له، والولي هو
المكلف بقضائه لا يجزيه غيره، والاجماع منعقد من أصحابنا على ذلك، ولم

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4
و 11 و 15 و 16
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11 - 12
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11 - 12
38

يذهب إلى ما قاله السيد غيره، خلافا للمرتضى فاشترطه لصحيح أبي مريم
السابق (1) على ما رواه الصدوق والكليني اللذان هما أضبط من غيرهما، ومال
إليه بعض متأخري المتأخرين، بل في المعتبر ليس ما قاله أي ابن إدريس صوابا مع
وجود الرواية الصريحة المشتهرة وفتوى الفضلاء من الأصحاب، ودعوى علم
الهدى إجماع الإمامية على ما ذكره، فلا أقل من أن يكون ذلك قولا ظاهرا بينهم
فدعوى المتأخر أن محققا لم يذهب إليه تهجم.
قلت لكن لا يخفى عليك قصور الرواية باعتبار اتحادها وظهور اعراض
المعظم عنها وموافقتها للمشهور عن العامة عن تقييد اطلاق غيرها الذي هو
كالصريح في هذا الفرد باعتبار غلبة تركه مقدار ذلك من أكثر الناس، فهي حينئذ
معارضة لا مقيدة، علي أنه ينافيها خبر أبي مريم (2) المروي في التهذيب، ولا
مدخلية لضبط الكليني والصدوق هنا إذ الظاهر أنهما خبران له، ومقتضى الجمع
بينهما حينئذ التخيير كما تضمنه صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع (3) عن
أبي جعفر الثاني (عليه السلام) " قلت له: رجل مات وعليه صوم يصام عنه أو يتصدق
قال: يتصدق عنه، فإنه أفضل " لكن لا يقول به أحد عدا ما عساه يظهر من
الشيخ، وقد أعرض الجميع عنه، ولئن سلم الاتحاد فهو مضطرب يشكل العمل به في
نحو المقام، واجماع المرتضى مع موهونيته بمصير المعظم إلى خلافه إنما ادعاه على
الصيام عنه إن لم يتصدق في مقابلة من أنكر الصيام عنه أصلا، لا على ما نحن فيه
فلا ريب حينئذ في أن الأقوى ما عليه المشهور، والله أعلم.
(و) كيف كان فالمشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا أن (الولي هو

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 8 - 7
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 8 - 7
(3) الوافي الجزء السابع ص 51 - الباب - 55 - الحديث - 9 عن الفقيه
39

أكبر أولاده الذكور) لا غير أي من لا ذكر أكبر منه من ولده وإن لم يكن
هو إلا واحدا (و) حينئذ ف‍ (لو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء)
لأن المنساق من الولي هنا الولد الذكر، خصوصا مع ملاحظة الشهرة وقوله تعالى (1):
" فهب لي من لدنك وليا يرثني " ولذا فسره الشيخ به، بل في المختلف منع صدق
الولي على غيره، ومكاتبة الصفار (2) إلى الأخير (عليه السلام) " رجل مات وعليه قضاء
من شهر رمضان عشرة أيام وله وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا، خمسة
أيام أحد الوليين وخمسة أيام الآخر فوقع (عليه السلام) يقضي عنه أكبر ولديه عشرة أيام
ولاء إن شاء " بناء على ما عن الحر العاملي من أن روايته كذلك، وإن كان
الموجود فيما عندنا من الأصول " وليه " لا " ولديه ".
وعلى كل حال فمنه يستفاد اعتبار كونه الأكبر، بل لعله المراد من خبر
أبي بصير المتقدم آنفا باعتبار كونه هو أفضل أهل البيت بسبب اختصاصه بالحباء
بل ظاهر الأصحاب في كتاب الميراث تعليل الحباء بأن عليه القضاء، بل ربما فرعوا
عليه حرمان فاسد العقل ونحوه ممن لم يكن صالحا للقضاء من الحبوة، وقد اعترف
في الذكرى بأن الأكثر قد قرنوا بين الحبوة وبين قضاء الصلاة، بل قد يقال إنه
المراد أيضا من خبر حفص بن البختري (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في
الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه، قلت: فإن
كان أولى الناس بميراثه امرأة فقال: لا إلا الرجال " ونحوه مرسل حماد بن عثمان (4)
عنه (عليه السلام) أيضا بناء على أنه هو الأولى من جميع الناس بالميراث باعتبار اختصاصه بالحبوة
ولا ينافيه قوله " فإن " إلى آخره ضرورة كون المراد أنه إذا اتفق اختصاص المرأة

(1) سورة مريم (عليها السلام) الآية - 5
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 - 5 - 6
40

بالإرث، وحينئذ يكون المراد من أولى الناس فردا معينا لا أنه مطلق يدور الحكم مداره
في جميع الطبقات، ولئن كان في ذلك نوع تكلف أمكن جبره بالشهرة فإنها صالحة لذلك
ونحوه باعتبار حصول الظن بكون ذلك هو المراد دون غيره وانكار الشهرة المعتد بها
يدفعه التتبع، بل لم أجد من عمل بهذه النصوص على طبقات الإرث، فإن الذي
نسب إليه الخلاف هنا المفيد وابن الجنيد والصدوقان وابن البراج، وقد قال
الأول منهم: " فإن لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من أهله
وأولاهم به وإن لم يكن إلا من النساء " وقال الثاني: " وأولى الناس بالقضاء عن
الميت أكبر أولاده الذكور أو أقرب أوليائه إليه إن لم يكن له ولد " وهما كما ترى
قد اعتبرا نفي الولد في قضاء غيره، وهو غير مدلول الرواية وقال الصدوق في الرسالة
" من مات وعليه صوم رمضان فعلى وليه أن يقضي عنه، وإن كان للميت وليان
فعلى أكبرهما من الرجال، فإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء "
ونحوه ولده في المقنع، وليس في كلامه تصريح في المراد من الولي، وقال ابن
البراج: " على ولده الأكبر من الذكور أن يقضي عنه ما فاته من ذلك ومن
الصلاة أيضا، فإن لم يكن له ذكر فالأولى من النساء " وهو كالأولين في اعتبار نفي
الولد، نعم قد اتفقوا على ثبوت الولاية للنساء، وهم محجوجون بصريح الخبرين
السابقين وظاهر غيرهما، واحتمال كون المراد منهما نفيها عنهن مع وجود الرجال
كما ترى، فمن الغريب بعد ذلك ما في الدروس من حيث إنه حكى عن المفيد سمعت
ثم قال: " وهو ظاهر القدماء والأخبار والمختار، ولذا قال في المدارك بعد أن
حكاه عنه: " وهو غير جيد، فإن صحيحة حفص ومرسلة حماد صريحتان في
اختصاص الوجوب بالرجال، نعم مقتضاهما عدم اختصاص الوجوب بالولد الأكبر
بل تعلقه بالأولى بالميراث من الذكور مطلقا وبمضمونهما أفتى ابن الجنيد وابنا
بابويه وجماعة، ولا بأس به " وفيه بعد الغض عما أرسله من جماعة أن كلام هؤلاء
41

الثلاثة صريح في خلاف ذلك لتصريح الأخيرين بثبوت الولاية للنساء، واعتبار
الأول فقد الولد الأكبر، ومما ذكرنا يظهر لك أن ما في الروضة لا يخلو من خلل
فإنه أشار إلى ذلك بقوله: وقيل يجب على الولي مطلقا من مراتب الإرث حتى الزوجين
والمعتق وضامن الجريرة، ويقدم الأكبر من ذكورهم فالأكبر ثم الإناث واختاره
في الدروس، ولا ريب أنه أحوط إذ لا يخفى عليك عدم تمام انطباقه على ما سمعته من
عباراتهم ولئن أغضي عن ذلك كله كان المتجه ما عليه المشهور أيضا، لأن الأصل
البراءة، والواجب الاقتصار في الخروج عنه على المتيقن، وليس إلا أكبر الأولاد.
وعلى كل حال فلا يعتبر بلوغ الولي عند الموت، بل ولا عقله، لاطلاق
الأدلة التي ليس في شئ منها ظهور في كون تعلق القضاء بذمة الولي من حين الموت
ولا اشعار بكماله حينه، بل هي ظاهرة في كونها من باب الأسباب نحو من أجنب
اغتسل، ومن أتلف مال غيره فهو ضامن له، وما شابههما مما لا ينافيه رفع القلم
عن الصبي والمجنون، ومن ذلك يعلم ما في التمسك لعدم الوجوب باستصحابه، فما
في الروضة والمسالك من التردد بل في كشف الأستاذ وعن حاشية الإرشاد
والذكرى والإيضاح الجزم بعدم الوجوب لا يخلو من نظر، كما أنه لا يخلو منه
ما فيها أيضا من أنه لو اختص أحد أولاده بالبلو والآخر بكبر السن فالأقرب تقديم
البالغ، لكونه الأولى بالميت، إذ هو كما ترى مناف لاطلاق النص والفتوى
ومقتضاه ذلك أيضا في العاقل والمجنون ونحوهما.
ولو اشتبه الأكبر احتمل السقوط والقرعة والتوزيع، وإن كان الأقوى
الأول لأصالة البراءة بالنسبة إلى كل منهم، كواجدي المني في الثوب المشترك.
ولا يعتبر في الولي الإرث فعلا للاطلاق، فلو حجب بقتل أو كفر
أو رق تعلق به القضاء وإن توقف بعضهم في الأخير لمنع صدق كونه وليا
ومعارضة حق السيد، بل ربما ينقدح الاشكال في سابقه أيضا، لعدم الولاية
42

له، إلا أنه لا يخفى عليك دفعهما خصوصا بعد زوال المانع.
(ولو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء)
بالتقسيط عليهم (و) إن قال المصنف هنا: (فيه تردد) لكن الأقوى ذلك
وفاقا للأكثر، لعموم الولي والأولى للواحد والمتعدد، وخبر الأكبر إنما يقضي
بالتعيين عليه مع وجوده، لا أنه يقضي باشتراط وجوده في القضاء، إذ لا ريب
في وجوب القضاء عليه مع الاتحاد الذي لا يصدق معه وصف الأكبرية إلا على
معنى أن لا أكبر منه، وهو هنا متحقق فما عن ابن إدريس من اسقاط القضاء من
رأس للأصل المقتصر في الخروج عنه على المتيقن وهو الولد الأكبر واضح الضعف
كالمحكي عن ابن البراج من تخيير أيهما شاء قضى، فإن اختلفا فالقرعة، ومرجعه
عند التأمل إلى الوجوب الكفائي، لصدق الولي على كل منهما، والظاهر أنه يجوز
التوزيع مع التراضي، وربما احتمل العدم، وعلى كل حال ففيه أنه لا وجه للقرعة
حينئذ أولا، ضرورة كونه كباقي الواجبات الكفائية المعلوم عدم القرعة فيها
لعدم الاشكال حينئذ في شئ، لتحقق الوجوب على الجميع وإن سقط بفعل
البعض، ومع عدمه يعاقب الجميع، فلا اشكال حينئذ، وثانيا ما قيل من منع
صدق اسم الولي على كل منهما، بل هو مجموعهما وإن كان هو ترى، وثالثا أن
المنساق من أمثال ذلك مما هو قابل للتوزيع الاشتراك، نعم هو متجه فيما لا يقبله
كاليوم الواحد على ما صرح به الفاضل والشهيدان وغيرهم، فلهما حينئذ أن
يوقعاه معا، ولا ينافي ذلك اتحاده في ذمة الميت، ضرورة عدم توقف البراءة منه
على التعيين، ولو أفطرا فيه بعد الزوال وكان قضاء شهر رمضان احتمل وجوب
الكفارة عليهما، لصدق القضاء عن رمضان على صوم كل منهما وإن اتحد الأصل
ووجوب كفارة واحدة عليهما بالسوية، لكون القضاء في الواقع أحدهما، وحيث
لا ترجيح كانت بالسوية، ووجوبها وكونها على الكفاية أيضا كأصل الصوم
43

وسقوطها عنهما، واستقربه في الدروس واستوجهه في المسالك ولم يستبعده في
المدارك لانتفاء ما يدل على وجوب الكفارة في القضاء على وجه يتناول ذلك، وفيه
أنه يكفي الاطلاق بعد فرض تناول القضاء للنفس وللغير، وإلا جاز الافطار في المقام
وغيره بلا إثم فضلا عن الكفارة، وفي الدروس أيضا " ولو أفطر أحدهما فلا شئ
عليه إذا ظن بقاء الآخر، وإلا أثم لا غير " وفي المدارك " أن مقتضى ذلك
جواز الافطار بعد الزوال مع ظن بقاء الآخر " ويمكن المناقشة فيه بأن صوم
كل منهما يصدق عليه أنه صوم واجب من قضاء رمضان، فلا يجوز الافطار فيه
بعد الزوال، اللهم إلا أن يناقش في العموم المتناول لذلك كما في الكفارة.
(و) كيف كان ف‍ (لو تبرع ب‍) جميع (القضاء بعض) الأولياء
(سقط) عن الباقي كالأجنبي لأنه كالدين كما يومي إليه المرسل (1) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) أن رجلا جاء إليه فقال يا رسول الله إن أمي ماتت
وعليها صوم شهر فاقضيه عنها، فقال: لو كان على أمك دين كنت تقضيه عنها قال
نعم قال: فدين الله أحق أن يقضى " وخبر أبي بصير (2) المتقدم سابقا المشتمل
على وصية الامرأة بالقضاء، وقول الصادق (عليه السلام) (3) " إذا مات الرجل وعليه
صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله " وغيرها من النصوص المتفرقة في
الجح وغيره، والمناقشة في ذلك كله من بعض الناس لا يصغى إليها، ومنه ينقدح
جواز استيجار أحد الوليين الآخر على ما يخصه كما صرح به في الدروس، بل
واستيجارهما الأجنبي لاتحاد المدرك، وهو أنه عمل جاز التبرع به، فجاز الاستيجار

(1) صحيح مسلم ج 3 ص 156 " باب قضاء الصيام عن الميت " الحديث 3
من كتاب الصيام
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 12 - 1
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 12 - 1
44

عليه كالعكس، وإن فرق بينهما في الدروس فاستقرب الجواز في الأول واحتمله في
الثاني، لكنه في غير محله ضرورة تحقق التلازم بينهما كما هو مفروغ منه في
محله، ولا ينافي ذلك وجوبه على الولي، ضرورة ارتفاع موضوع الوجوب بأداء
الأجير كما هو واضح، ومنه يعلم ضعف ما في المدارك من أن الوجوب تعلق بالولي
وسقوطه بفعل غيره يحتاج إلى دليل، ومن ثم ذهب ابن إدريس والعلامة في
المنتهى إلى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع وإن وقع بإذن من تعلق به الوجوب، لأصالة
عدم سقوط الفرض عن (على خ ل) المكلف بفعل غيره، وقوته ظاهرة، قلت: بل
ضعفه ظاهر كما يخفى على من أحاط بنصوصهم (عليهم السلام) وفهم رموزها
وما ألحنوه له من القول، فإنه لا يستريب في جواز التبرع، ومتى جاز جاز الاستيجار
ومتى جازا معا ووقع الأداء برئت ذمة الولي، لفراغ ذمة الميت حينئذ التي شغلها
كان سببا للوجوب عليه على وجه التأدية عنه كالدين، إذ قد عرفت أن التحقيق
وقوع ذلك عن الميت وابراء له من خطاب القضاء، لا أنه يقع للولي نفسه كما زعمه
بعضهم، والله هو العالم.
(وهل يقضى عن المرأة ما فاتها) من الصوم على حسب حال الرجل؟
(فيه تردد) وخلاف أقواه ذلك وفاقا لظاهر المعظم، بل نسب إلى الأصحاب
لقاعدة الاشتراك، وصحيح أبي حمزة (1) وموثق محمد بن مسلم (2) وخبر
أبي بصير (3) المتقدمة سابقا في المسافرة والمريضة، بل ظاهر الأخير عدم الفرق
في أسباب الفوات، لكن قد يناقش بأن قاعدة الاشتراك في التكاليف على معنى
أن الأصل اشتراكهما في التكليف لا في نحو المقام، وبأن غاية ما يستفاد من
النصوص السابقة مشروعية القضاء عنها، وهو أعم من الوجوب ومن كونه على

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 - 16 - 11
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 - 16 - 11
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 - 16 - 11
45

الولي على حسب الرجل، وبأن ثبوت القضاء في مقابل الحبوة المنفية هنا، فأصالة
البراءة حينئذ بحالها بلا معارض، ولعله لذا بالغ ابن إدريس في انكاره، وقال إنه
ليس مذهبا لأحد من الأصحاب، والشيخ إنما أورده إيرادا لا اعتقادا، والاجماع
إنما انعقد على قضاء الولد عن والده، وربما مال إليه الشهيد الثاني في الروضة
ويدفع الأول بأن الثابت أصالة الاشتراك في جميع الأحكام من غير فرق بين الوضع
والتكليف، والثاني بأن ظاهر خبر أبي بصير الوجوب، وبأنه يثبت متى ثبتت
المشروعية، لعدم القائل بالفصل، كما أنه متى ثبتت أو ثبت الوجوب ثبت بالنسبة
إلى الولي، ضرورة معلومية عدم الوجوب على جميع الناس، فليس حينئذ إلا الولي
ولو بقرينة ثبوته في الرجل، بل قد يقال إنه في تلك النصوص من باب المثال على
حسب غير المقام، فيكون تلك الأدلة دليلا للمسألة، ومن هنا شدد الفاضل في
المختلف الانكار على ابن إدريس، بل قال: انكاره كونه مذهبا لأحد من
أصحابنا جهل منه، وأي أحد أعظم من الشيخ، خصوصا مع اعتضاد قوله
بالروايات والأدلة العقلية، مع أن جماعة قالوا بذلك كابن البراج، ونسبة قول
الشيخ إلى أنه ايراد لا اعتقاد غلط منه، وما يدريه بذلك، مع أنه لم يقتصر على
قوله بذلك في النهاية بل في المبسوط أيضا.
ولا فرق أيضا بين الحر والعبد في الحكم المزبور، لا طلاق النص والفتوى
السالم عن معارضة اقتضاء نفي الحبوة نفيه، لعدم ثبوت العلة الصالحة لذلك
والمراد بأولى الناس بميراثه الاستحقاق ذاتا لولا المانع، فتوقف الفاضل فيه في
القواعد بل عن فخر الاسلام الجزم بالعدم في غير محله.
ولو كان الولد خنثى مشكلا فلا قضاء، للأصل بعد الشك في الرجولية التي
هي شرط الوجوب، بل لو كان معه ذكر أصغر منه أمكن نفيه عنهما معا أما الخنثى
فلما عرفت، وأما الآخر فلعدم ثبوت كونه الأكبر، لاحتمال كون الخنثى ذكرا
46

والفرض أنها الأكبر، فالأصل براءة الذمة، ويحتمل ثبوته، لصدق الولدية التي
هي المرادة من الولاية، واعتبار الأكبرية إنما هو مع التعدد، ولم يعلم
ولعله الأقوى.
وولد الولد ولد، فيتعلق به القضاء مع كونه أكبر أو ليس غيره، إلا أنه
لا يخلو من اشكال، بل لعل الأقوى خلافه، للأصل بعد انسياق غيره، سيما في
بعض الصور، كما لو كان للميت أولاد وله أولاد أولاد أكبر من أولاده، فإن تعلق
القضاء بهم حينئذ مع عدم الإرث لهم وفراغ ذمة الأولاد الذين هم أولى بالميراث كما
ترى، فتأمل جيدا، والله أعلم.
المسألة (الثالثة إذا لم يكن له ولي) أصلا لا ذكر ولا أنثى (أو كان) له إناث
خاصة ف‍ (الأكبر) منهن (أنثى) حينئذ أو ليس له حينئذ إلا أنثى وأكبريتها
على معنى أن لا أكبر منها، وعلى كل حال متى كان كذلك (سقط القضاء)
عن ورثته وعن غيرهم بناء على المختار من انحصار الولي في الولد الذكر الذي ليس
معه ذكر أكبر منه، للأصل السالم عن المعارض (نعم قيل) والقائل الشيخ وابن
حمزة والفاضل وجماعة بل في صريح المختلف وظاهر الروضة أنه المشهور (يتصدق
عنه من كل يوم بمد) مطلقا أو مع العجز عن المدين على حسب ما سمعته في
صدقة ما بين الرمضانين، وقد نص ما عدا الأولين على أنه (من) أصل (تركته)
إلا أنه توقف فيه غير واحد من متأخري المتأخرين، بل لعله ظاهر المتن أيضا
لعدم الدليل، قلت: قد يستدل له - بعد معلومية قيام هذه الصدقة مقام الصوم
من فحوى خبر الوشا (1) الآتي، بل استفاضت به النصوص (2) في بدلية صيام

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الصوم المندوب
47

الثلاثة من كل شهر، وفي بعضها (1) أنه أفضل من صوم اليوم، بل في آخر (2)
أفضلية اطعام المسلم من صوم الشهر - بخبر أبي مريم (3) المتقدم سابقا المعتضد
بمرسل ابن أبي عقيل (4) الذي قد ادعى تواتر مضمونه، ولا ينافيه الخروج عن
الاطلاق مع وجود الولي للأدلة السابقة، كما أنه لا ينافيه ما في خبر أبي مريم بعد
ذلك من أنه " إن لم يكن له مال تصدق عنه الولي أو صام " إذ أقصاه اقتضاء
كون الحكم كذلك على تقدير وجود الولي أيضا، والخروج عنه فيه بخصوصه
لحصول المعارض لا ينافي حجيته في القسم الآخر، على أنه يمكن إرادة غير
الأكبر من الولي فيه وأنه يصوم ندبا عنه مع عدم المال له، ودعوى ظهور
القائل هنا بتعيين الصدقة وأنه لا يشرع القضاء عنه واضحة الفساد، خصوصا مع
ملاحظة صحيح ابن بزيع (5) المتقدم الظاهر في اجزائهما معا عنه، وإنما الصدقة
أفضل، من هنا قال في الروضة بعد أن ذكر الحكم المزبور: " هذا إذا لم يوص
الميت بقضائه وإلا سقطت الصدقة حيث يقضى عنه " وهو صريح في عدم تعين الصدقة
وعلى كل حال فما عن أبي الصباح (الصلاح خ ل) من أنه يستأجر عنه من ماله من
يقضي عنه، لأنه صوم وجب عليه ولم يفعله فوجب قضاؤه عنه بالأجرة كالحج فيه

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الصوم المندوب الحديث - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الصوم المندوب الحديث - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 8
(4) الظاهر أن المراد مما أرسله ابن أبي عقيل هو خبر أبي الأنصاري حيث إنه حكم بتواتره كما ذكره المحدث الكاشاني (قدس سره) في تعليقته على الحديث
في الوافي الجزء السابع ص 51 الباب - 55 - الحديث 7
(5) الوافي " الجزء السابع " ص - 51 - الباب - 55 - الحديث - 9
عن الفقيه
48

ما لا يخفى من منافاته للخبر المزبور وغيره إن أراد التعيين على وجه لا تجزي
الصدقة، بل في المختلف منع الملازمة والمساواة للحج، فإن الحج لا يجب على الولي
والصوم هنا يجب عليه، قلت: ولأن الصوم له فداء بخلاف الحج، ولا بأس به
إن أراد جواز ذلك للوارث لما عرفت، وكذا ما عن ابن إدريس من إنكار
الصدقة، بل قال إنه لم يقل به أحد من أصحابنا المحققين، وعلى كل حال تخرج
الصدقة والأجرة من أصل ماله، لظاهر الخبر المزبور ومؤيدا بكونه باعتبار أنه
حق واجب كالدين، بل قد سمعت ما في المرسل (1) السابق من أنه لكونه حق الله
أعظم من غيره، والله أعلم.
(ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهرا وتصدق من مال الميت
عن شهر) وفاقا للمشهور كما في الروضة، بل في الدروس أنه ظاهر المذهب لخبر
الوشا (2) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) المروي في الكافي والتهذيب " سمعته يقول:
إذا مات الرجل وعليه صيام شهرين متتابعين من غير علة فعليه أن يتصدق عن
الشهر الأول ويقضي الثاني " المنجبر ضعفه بسهل مع سهولته بالشهرة، فلا بأس
حينئذ بتقييد إطلاق النصوص السابقة به الذي هو ليس بتلك المكانة في التناول
لما هنا، فإن أكثر النصوص السابقة أو جميعها في قضاء شهر رمضان، نعم فيها من
التعليل ما يفضي بعدم اختصاصه بذلك، والمناقشة بعدم ذكر الولي فيه يدفعها
ظهور لفظ " عليه " بالوجوب، وليس هو إلا على الولي، فاحتمال إرادة الميت
توسعا باعتبار الثبوت في الذمة فيتصدق عنه حينئذ عن الأول ويستأجر على

(1) صحيح مسلم ج 3 ص 156 " باب قضاء الصيام عن الميت " الحديث 3
من كتاب الصيام
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1
وفيه " من علة "
49

قضاء الثاني لا داعي إليه ولا قرينة عليه، كاحتمال إرادة الرمضانين المتتابعين بقرينة
قوله: " من غير علة " فتخرج حينئذ عن الدلالة على المشهور، إذ هو كما ترى، فما
عن ظاهر المفيد وصريح الحلي والفاضل والشهيد وغيرهم من متأخري المتأخرين
- من طرح الخبر المزبور، والعمل على إطلاق ما دل على وجوب الصوم على
الولي فيقضي الشهرين حينئذ إلا أن يكونا من كفارة مخيرة، فيتخير بين صومهما
وبين العتق والاطعام من مال الميت كما نص عليه ابن إدريس - لا يخلو من ضعف
نعم قد يتجه على المختار تعيين الصدقة على الأول والقضاء للثاني كما نص عليه في الدروس
لأنه مدلول الخبر، فاطلاق المصنف وغيره تسامح أو مبني على عدم وجوب هذه
النية، وليس في الخبر دلالة على تقديم الصدقة، فلا يبعد كون المراد الصدقة عن
أحدهما والقضاء عن الآخر، فتأمل ولا يتعدى منه إلى غير مدلوله من الزايد علي الشهرين
أو الأقل، لعدم تنقيح العلة على وجه يخرج عن القياس المحرم، فيبقى حينئذ على
إطلاق الأدلة، نعم يقوى في الذهن أن ذلك رخصة لا عزيمة، فيجزيه حينئذ
صيام الشهرين كما يجزي لو تبرع بهما متبرع، وتسقط حينئذ الصدقة، ضرورة
كونها بدلا عن الصوم الذي قد فرض حصوله، ومن ذلك تعرف أنه لو أوصى
الميت بقضاء الشهرين عنه سقط عن الولي مع فرض الأداء كما هو واضح، وقد
نص عليه بعضهم.
ثم إن الظاهر اختصاص الحكم بالشهرين المعتبر فيهما التتابع لا ما اتفق فيهما
كذلك، كما لو فاته رمضانان على التعاقب، بل إن لم يقم إجماع أمكن اختصاص
الحكم بما إذا كان التتابع معتبرا فيه بأصل الشرع كالكفارة، فلا يدخل المنذوران
كذلك، بل قد يدعى أن المنساق الإشارة إلى الكفارة من ذكر التتابع، إلا
أن من تعرض هنا من الأصحاب لذلك لم يفرق بين الكفارة والمنذور، وحينئذ
يقوى إرادة الاطلاق المزبور المتناول لذلك، كما أن الأقوى عدم الفرق بين من
50

كان عليه شهران متتابعان عينا وبين من كانا عليه تخييرا لصدق " عليه " ولو على
التخيير، إلا أنه لا يتعين على الولي ذلك، لعدم نقصان الفرع عن أصله،
وحينئذ
فله التخيير الذي كان للميت، فإن اختار الصيام جاز له حينئذ الصدقة عن شهر
وصيام الآخر، ولو كان قد تعين على الميت الصوم لعجز عن غيره لم يتعين على
الولي، بل له الخيار بينه وبين غيره، كما لو عجز عن الصوم لمرض فإنه لا يتعين على
الولي الفردان الآخران، ضرورة عدم كون العجز معينا للتكليف في أصله كما هو
واضح بأدنى تأمل، والله أعلم.
المسألة (الرابعة) المشهور بين الأصحاب أن (القاضي لشهر) رمضان
مع سعة الوقت (لا يحرم عليه الافطار قبل الزوال لعذر وغيره) بل عن العلامة
في المدنيات الأولى الاجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة، منها صحيح ابن سنان (1)
عن الصادق (عليه السلام) " صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت، وصوم
قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس لك أن
تفطر " ومنها صحيح جميل (2) على ما في التهذيب عنه (عليه السلام) أيضا " في الذي يقضي
شهر رمضان أنه بالخيار إلى زوال الشمس " ومنها موثق إسحاق بن عمار (3)
عنه (عليه السلام) أيضا (الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الافطار ما بينه وبين أن
تزول الشمس، وفي التطوع ما بينه وبين أن تغيب الشمس " إلى غير ذلك من
النصوص التي يقصر عن معارضتها صحيح ابن الحاج (4) المحمول علي الكراهة
" سألت عن الرجل يقضي رمضان أله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا
بدا له؟ قال: إذا كان نوى من الليل وكان من قضاء رمضان فلا يفطر ويتم صومه "

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 9 - 4 - 10 - 6
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 9 - 4 - 10 - 6
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 9 - 4 - 10 - 6
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 9 - 4 - 10 - 6
51

وموثق زرارة (1) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل يقضي من شهر رمضان
فأتى النساء قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي أصاب في شهر رمضان لأن ذلك
اليوم عند الله من أيام رمضان " المقيد بها مع إرادة التشبيه فيه بأصل الكفارة
وإن أيدا بعموم (2) " لا تبطلوا أعمالكم " المخصص بها أو المنزل على الصلاة
أو على إرادة إبطالها بالكفر ونحوه كما هو مقتضى العموم فيه، وباقتضاء البدلية
ذلك كما أو ماء إليه أبو جعفر (عليه السلام) (3) وإلا لكان اتمامه مستحبا، فلا يجزي عن
الواجب الذي هو كما ترى، ضرورة منع اقتضاء المعنوية منها ذلك بل المسلم اقتضاء
إطلاق اللفظية المشاركة في الأحكام المتعارفة للمبدل، وأقصاها حينئذ الاطلاق
الذي يقيده بعض ما عرفت فضلا عن جميعه، فما عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح
وابن زهرة من الحرمة واضح الضعف، واضعف منه دعوى الأخير منهم الاجماع
عليه المعارض باجماع الفاضل الذي يشهد له التتبع.
(و) حينئذ فالمختار مظنة الاجماع لا دعواه، نعم (يحرم) عليه
الافطار (بعده) إجماعا محكيا في الانتصار والخلاف والغنية، ونصوصا قد تقدم
بعضها، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه أو القطع به، لعدم المخالف فيه سوى
ما عساه يظهر مما في التهذيبين من حمل خبر عمار (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) الذي
رماه بعضهم بالشذوذ " أنه سئل عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان
ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام قال: هو بالخيار إلى أن تزول الشمس

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 3
(2) سورة محمد (صلى الله عليه وآله) - الآية 35
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 3
(4) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم
الحديث 10 وذيله في الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4
52

فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى الافطار فليفطر
سئل فإن كان نوى الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس قال:
لا، سئل فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس قال: قد أساء وليس عليه
شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه " على أنه ليس عليه شئ من العقاب
وإن كان عليه القضاء والكفارة، بخلاف من أفطر في رمضان فعليه العقاب
والقضاء والكفارة وربما يؤيده خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في المرأة
تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الافطار قال: لا ينبغي له أن يكرهها بعد
الزوال " للتعبير بلفظ " لا ينبغي " المشعر بالكراهة، وفيه أن حمله على التقية
أو على إرادة عدم وجوب أكثر من يوم في قضائه أو غير ذلك أولى، ضرورة عدم
صلاحيته لمعارضة ما دل على الحرمة من الاجماع والنصوص السابقة وغيرها حتى
ما دل منها علي الكفارة التي من المعلوم كون الأصل فيها أن تكون عن ذنب، فلا
ينافي حينئذ ثبوتها في قتل الخطأ والصيد خطأ ونحوهما للدليل، كما أن الأصل فيها
التكفير للذنب وأن جميع الكفارات من سنخ واحد بالنسبة إلى ذلك، وحينئذ
فإن أراد الشيخ نفي العقاب عنه قبل التكفير فلا وجه حينئذ للكفارة، وإن أراد
بعدها فلا فرق بينه وبين رمضان، وخبر أبي بصير وإن كان مشعرا بذلك لكن
يجب حمله على إرادة الحرمة هنا، لقوة المعارض، علي أنه يمكن بناؤه على جواز
الاكراه للزوج وإن كان فرضها الامتناع منه على حسب طاقتها عملا لكل منهما
على حكمه، إذ الوجوب عليها لا يقتضي حرمة الوطء عليه، بل لعل مثله يأتي في
شهر رمضان حيث يكون الزوج مفطرا لعذر والزوجة صائمة، ولا يفسد صومها
بذلك لكونها مكرهة كالموجر في حلقه الماء، فتأمل جيدا، هذا.
(و) مع ذلك كله فخبر عمار مناف لما في المتن وغيره من أنه (تجب معه)

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم الحديث - 2
53

أي الافطار بعد الزوال (الكفارة) بل في الإنتصار والخلاف والغنية الاجماع
عليه، بل لعله كذلك، إذ لم أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن ابن أبي عقيل حيث
أطلق نفيها، ومال إليه في المسالك كما ستعرف، للأصل المقطوع بالنصوص والاجماع
ولأنه زمان لا يتعين صومه كقبل الزوال، وهو اجتهاد في مقابلة النص أو قياس
مع الفارق، وللخبر المزبور الشاذ القاصر عن معارضة غيره من النصوص
المستفيضة التي سمعت وتسمع جملة منها، فلا وجه للجمع بينه وبينها بحمله على
خصوص من جدد النية وحملها على من بيتها من الليل الذي لم نجد له شاهدا، بل
هو مخالف للنص والفتوى، كما لا وجه لحمله في المعتبر على كون الافطار بترك
النية التي لا توجب الكفارة في شهر رمضان، فكذا في قضائه الذي لا يوجبها فيه
إلا ما يوجبها في شهر رمضان، وكأن الذي دعاه إلى ذلك أنه حذف في رواية
الخبر المزبور جملتي جواب وسؤال، قال: وفي رواية عمار " سئل إن نوى
الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس قال: لا قد أساء وليس عليه
شئ " إلى آخرها، وقد سمعت أنه ليس هكذا، فلا يتم فيه الحمل المزبور، على أنه
يمكن منع عدم ترتب الكفارة بذلك خصوصا في شهر رمضان، ضرورة كون
المراد من الافطار في النصوص افساد الصوم الواجب الشامل لنحو ذلك كما أشرنا
إليه سابقا.
(و) كيف كان ف‍ (هي) عنده (إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من
طعام، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام) لخبر بريد العجلي (1) " في رجل أتى أهله في
يوم يقضيه من شهر رمضان إن كان أتى أهله قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوم
مكان يوم، وإن كان أتى أهله بعد الزوال فعليه أن يتصدق على عشرة مساكين
فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع " وصحيح

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 1
54

هشام بن سالم (1) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر
رمضان فقال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شئ عليه، يصوم يوما
بدل يوم، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم، وأطعم عشرة مساكين، فإن لم
يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك " ولا ينافيه اشتماله على نفيها قبل صلاة العصر
خصوصا بعد تقييده بغيره، واحتمال ابدال الظهر بالعصر سهوا، وكونه مبنيا على
اشتراك الوقت بين الظهرين، فأول وقت العصر حينئذ الزوال، وغير ذلك، كما
لا ينافي اشتمال سند الأولى على الحرث بن محمد المجهول بعد الانجبار بما عرفت.
خلافا للصدوقين وابن البراج على ما عن موضع من المختلف فكفارة رمضان
ولأبي الصلاح وابن زهرة فالاطعام أو الصيام مدعيا ثانيهما الاجماع عليه، ولابن
حمزة والمحكي عن أبي الفتح الكراجكي وابن البراج على ما عن موضع من المختلف
فكفارة رمضان إن أفطر استخفافا، كما عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار
احتماله، وإلا فالاطعام أو الصيام، ولابن إدريس فكفارة يمين، إلا أنه يمكن أن
يريد بها ما عند المشهور بقرينة اختياره له في موضع آخر نحو ما قال المفيد في
باب الكفارات: " كان عليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد صام
ثلاثة أيام متتابعات " وقال الفاضل في المختلف: " المشهور عند علمائنا أن كفارة من
أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال مختارا كفارة يمين، ذهب إليه
الشيخان وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس " واستدل له بما سمعت، بل منه يعلم
رجوع ما سمعته من أبي الصلاح وابن زهرة المشهور أيضا، كما يشهد له
ما عرفت من دعوى الثاني منهما الاجماع الذي لا وجه لدعواه إلا على ذلك، وفي
المحكي من النهاية " كان عليه كفارة اليمين، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام ".
والظاهر أن مراده من كفارة اليمين إطعام العشرة مؤيدا ذلك كله بأنه

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 2
55

لم نقف على ما يدل علي شئ من هذه الأقوال عدا الأول منها، فإنه يدل عليه
خبر زرارة (1) السابق المطعون في سنده بعلي بن فضال، ومرسل حفص بن سوقة (2)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر
رمضان فيسبقه الماء فينزل فقال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في
شهر رمضان " الفاقد شرائط الحجية، مع احتمال الأول الصوم قضاء عن رمضان
من غير علم بأنه فيه مؤيد بما فيه من التعليل، والثاني كون القضاء بمعنى الفعل
والاحتياط المقتضي للوجوب ممنوع كمنع البدلية المقتضية للمساواة، بل جواز
الافطار فيه قبل الزوال ينافيها على أن ما عدا رمضان من الأيام متساوية، فافطار
بعضها له بدل مساو بخلاف رمضان، فيبعد تساويهما في العقوبة، بل المناسب
انحطاط مرتبة عنه بعد الزوال كانحطاطها قبله، كما يومي إليه استبعادهم (عليه السلام)
مساواة قضاء رمضان له حتى قالوا (3) " وأنى له بمثله " فلو كانت كفارته كفارته
لساواه، كل ذلك مع ضف مقاومة الخبرين المزبورين لما عرفت من وجوه،
فلا ريب في أن الأقوى الأول وأما ما في المسالك - من جودة احتمال حمل الكفارة
هنا على الاستحباب، لاختلاف تقديرها في الروايات واختلاف تحديد وقت
ثبوتها يعني بالزوال والعصر، والاطلاق، وقصورها من حيث السند عن إفادة
الوجوب - فهو واضح الضعف لما عرفت من النص والاجماع على الوجوب
وليس نحو هذا الاختلاف الغالب وجود نظيره في النصوص أمارة الاستحباب،
كما هو ظاهر.

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث - 3
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 2
56

هذا كله في قضاء شهر رمضان،
أما غيره من الواجبات المطلقة فقد يشعر
ما في المتن وغيره بجواز الافطار فيها قبل الزوال وبعده، كما صرح به جماعة منهم
الفاضل والشهيد الثاني وغيرهما، للأصل السالم عن المعارض، نعم لو تعين لم يجز
الخروج عنه مطلقا قبل الزوال وبعده قضاء رمضان كان أم غيره، إلا أنه
لا كفارة، للأصل السالم عن المعارض، خلافا للمحكي عن بعضهم، فحرم قطع كل
واجب معين أو غيره، ولعله الظاهر من المحكي عن أبي الصلاح وابن زهرة حيث
ذكرا في النذر الغير المعين أن كل من أفطر كان مأثوما، واختاره بعض متأخري
المتأخرين عملا بعموم النهي عن إبطال العمل، خرج منه قضاء رمضان بالنص
وبقي الباقي، لكنك لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه هنا وفي باب
الصلاة من عدم صلاحية الآية لاثبات ذلك، فلا ريب حينئذ في ضعفه، كضعف
المحكي عن علي بن بابويه من مساواة قضاء النذر لقضاء رمضان في الحرمة بعد
الزوال والكفارة، وإن كان قد يشهد للحرمة صحيح ابن سنان (1) السابق وخبر
سماعة بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام) " الصائم بالخيار إلى زوال الشمس
قال: إن ذلك في الفريضة، فأما النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب
الشمس " إلا أنه يمكن دعوى انصراف الفريضة فيهما في عرف الحديث إلى الواجب
بالأصالة، فلا يشمل المنذور، على أن المراد من خبر سماعة إخراج النافلة، ثم إنه
لا دلالة فيهما على الكفارة، والاستدلال لها بأن الموجب لها كونه قد أبطل
عبادة فعل أكثرها، وهو متحقق هنا، وباقتضاء البدلية عن المنذور ذلك لا ينطبق
على أصول الإمامية.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 9 - 8
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 9 - 8
57

ثم إنه لا يجب عليه المضي في الصوم مع افساده بعد الزوال كما يعطيه المحكي
عن تحرير ابن فهد، بل لعله ظاهر غيره للأصل السالم عن المعارض، وقوله (عليه السلام) في
صحيح هشام (1) " صام ذلك اليوم " يراد منه صوم يوم بدل ذلك اليوم بقرينة
ما تقدم، وعدم صدق الصوم حقيقة على هذا الامساك، على أنه إن حمل عليه
خلا الخبر عن التعرض للقضاء، وخبر زرارة قد عرفت ندرته وشذوذه، على أنه لا يقتضي المساواة في جميع الأحكام التي منها الامساك تعبدا بناء على وجوبه في
شهر رمضان الذي ورد أنه لا يساويه غيره أبدا، ومن الغريب التمسك بالاستصحاب
مع أن حقيقة هذا الامساك مباينة لحقيقة الصوم شرعا فما في الروضة ومحكي الدروس
من الوجوب واضح الضعف، وعلى تقديره فالظاهر عدم وجوب تكرار الكفارة
بتكرر السبب، للأصل السالم عن المعارض أيضا وإن قلنا به في شهر رمضان مطلقا
أو مع تخلل التكفير، أو اختلاف الجنس أو الجماع خاصة بعد حرمة القياس عندنا
ومعلومية الفرق بين شهر رمضان وغيره في عظم الحرمة وغيرها، وقد عرفت ندرة
الخبر المزبور وشذوذه وقصوره عن المساواة في ذلك ونحوه، فما في الروضة أيضا
من تكررها به كالأصل واضح الضعف أيضا، والله أعلم.
المسألة (الخامسة إذا نسي غسل الجنابة ومر عليه أيام أو الشهر كله قيل)
والقائل الأكثر: (يقضي الصلاة والصوم) لصحيح الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام)
" سألته عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان
قال: عليه أن يقضي الصلاة والصيام " وخبره الآخر (3) الذي هو بهذا المضمون
أيضا، وخبر إبراهيم بن ميمون (4) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يجنب

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3 - 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3 - 3 - 1
58

بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة أو يخرج شهر
رمضان قال: يقضي الصلاة والصيام " بل ومرسل الصدوق (1) " إن من جامع
في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان أن عليه أن يغتسل
ويقضي صلاته وصومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنه يقضي صلاته
وصومه إلى ذلك اليوم، ولا يقضي ما بعد ذلك " فإن ما فيه من الاستثناء
لا ينافي الاستدلال به على المطلوب، كما هو واضح، نعم هي أخبار آحاد يتجه
طرحها عند من لم يعلم بها.
(و) لذلك (قيل) والقائل ابن إدريس: (يقضي الصلاة حسب)
لعدم ثبوت اشتراط الصوم بالطهارة من الأكبر إلا مع العلم، ومن ثم لو نام جنبا
أولا فأصبح صح صومه وإن تعمد ترك الغسل طول النهار، فههنا أولى، لكن
وافقه عليه هنا من لم يوافقه على الأصل المزبور كالمصنف هنا والنافع حيث قال:
(وهو الأشبه) بأصول المذهب وقواعده، بل لعله ظاهر الفاضل في المحكي عن
التلخيص، حيث نسب الأول إلى القيل، وفي اللمعة الاقتصار على نسبته إلى
الأشهر، ولعله لرفع الخطأ والنسيان بناء على أن القضاء من المؤاخذة المرفوعة
باعتبار كونها أقرب المجازات بعد نفي الحمل على الحقيقة، ولأن الظاهر من إطلاق
الفاضل في القواعد والشهيد في الدروس واللمعة عدم الفرق عندهم في هذا الحكم
بين اليوم والأيام وجميع الشهر، واقتصار النصوص المزبورة على الأيام وجميع الشهر
تنبيها على الفرد الأخفى، وهو مناف لما ذكر سابقا من عدم قضاء ما نام الجنب
فيه حتى أصبح وإن تعمد ترك الغسل طول النهار، فكيف يقضي مع النسيان.
ومن هنا قال في المدارك: " ينبغي تقييد ذلك بما إذا عرض النسيان في

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب من يصح منه الصوم -
الحديث 2
59

الليلة الأولى وانتبه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا
وأصبح في النومة الثانية، أما إذا حصل بعد طلوع الفجر من اليوم الأول وكان
قد أصبح في النومة الأولى فينبغي القطع بسقوط قضاء ذلك اليوم، للأخبار (1)
الصحيحة المتضمنة لأن الجنب إذا أصبح في النومة الأولى فلا قضاء عليه، أما
ما عدا اليوم الأول فلا ريب في وجوب قضائه عملا بالنص الصحيح (2) السالم عن
المعارض " وقد أخذ ذلك من جده في المسالك فإنه بعد أن ذكر الاشكال المزبور
قال: " وأجيب بحمل ما هنا على الناسي ليلا بعد الانتباه أو على ما عدا اليوم
الأول على تقدير النسيان بعد فوات محل الغسل جمعا بين النصوص - ثم قال -:
ولعل مخالفة المصنف في الحكم هنا لأجل ذلك حيث لم يجد قائلا بالتفصيل، ولم يمكن
القول بالقضاء مطلقا، لمنافاته ما مر " وفي الروضة بعد أن ذكر الاشكال المزبور
قال: وربما جمع بينهما بحمل هذا على الناسي، وتخصيص ذلك بالنائم عالما عازما
فضعف حكمه بالعزم أو بحمله على ما عدا اليوم الأول، ولكن لا يدفع إطلاقهم
وإنما هو جمع بحكم آخر، والأول أوفق، بل لا تخصيص لأحد النصين لتصريح
ذلك بالنوم عامدا عازما وهذا بالناسي، ويمكن الجمع أيضا بأن مضمون هذه
الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر، فيفرق بين اليوم والجميع عملا بمنطوقهما
إلا أنه يشكل بأن قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض، لاشتراكهما في المعنى إن
لم يكن أولى، ونسب المصنف القول إلى الشهرة دون القوة وما في معناها إيذانا
بذلك، فقد رده ابن إدريس والمحقق لهذا أو لغيره، إلا أن الجميع كما ترى
خصوصا ما سمعته من ابن إدريس المبنى على أصل فاسد قد فرغنا منه في الأصول.
وأضعف منه الاستدلال بحديث الرفع الذي هو إما مقيد بما هنا أو غير

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3
60

شامل، لمنع كون القضاء مؤاخذة، بل هو تكليف جديد بعبادة، بل أضعف
من ذلك دعوى انحصار القضاء في تعمد البقاء، وقد عرفت وجوبه بالنوم بعد
الانتباه ولو مع العزم على الغسل قبل الفجر، وهو ليس من التعمد قطعا، بل
لا يخفى عليك أن جملة من الكلمات السابقة كأنها اجتهاد في مقابلة النص، ودعوى
المنافاة لما دل على عدم قضاء ما نام الجنب فيه حتى أصبح يدفعها ظهور تلك النصوص
كما لا يخفى على من لاحظها متدبرا لها في كون العذر النوم خاصة، فلا تشمل
ما لو نسي ونام الذي يشبه العامد على البقاء على حالته التي هي جنابة في الواقع
ضرورة أنه بعد أن نسي جنابته نام عازما على البقاء على ما هو عليه بزعمه المخالف
للواقع، فلا تشمله تلك النصوص الظاهرة في أن المانع من الغسل غلبة النوم دون
غيره، فمن أجنب ليلا ونسي ثم نام حتى أصبح وجب عليه القضاء للنصوص الصحيحة
ولا يحتاج إلى الانتباه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال، نعم لو نام متذكرا
فأصبح في نومته ولما أصبح نسي الغسل لم يكن عليه قضاء ذلك اليوم قطعا والنصوص
لا تشمله، ضرورة ظهورها في نسيانه في وقت الخطاب به لو كان ذاكرا، بخلاف
الفرض الذي لو فرض كونه ذاكرا فيه لم يشترط في صحة صوم ذلك اليوم، كما
هو واضح، ودعوى عدم تعقل الفرق بين كون العذر في عدم الغسل النوم وبين
كونه النسيان واضحة الفساد، بل هي اجتهاد في مقابلة النص، ولا حاجة إلى
ابداء الفرق بينهما بالعزم على الغسل في الأولى، فضعف حينئذ حكم الجنابة فلم
يكن عليه قضاء، بخلافه في النسيان كي يرد عليه بأن العزم قد يتقدم على النسيان
الذي فرض أنه كالنوم.
كما أنه لا حاجة بعد ما عرفت إلى الجمع بين النصين بالفرق بين اليوم والأيام
فيخص ما هنا بالأيام كما هو منطوق نصوصه، والأول باليوم، مع أنه قد يرد عليه
أن عذرية النوم قد تكون في أيام أيضا فيما لو أجنب في الليل ونام عازما على
61

الغسل فأصبح وترك ثم جاء الليلة الثانية ونام عازما على الغسل فأصبح وهكذا
ودعوى أنه يندرج في الليلة الثانية تحت ذي الانتباهتين الذي قد تقدم الكلام
فيه سابقا وقلنا أنه يجب بها القضاء وفي الثالثة تحت ذي الثلاثة التي تجب بها
الكفارة يمكن دفعها بظهور تلك النصوص في ذي الانتباهتين في ليلة واحدة
وكذا الثلاثة، وأشكله أيضا في الروضة بأن قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض
لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى، وإن كان فيه ما فيه.
بل لا حاجة أيضا إلى ما أطنب به الشهيد في المحكى من شرحه في دفع الاشكال
المزبور، قال: " ويمكن حله بأن النائم ليس بناس، وقد أبيح له فعل النوم أول مرة
ارفاقا، وليس النوم مظنة التذكر، وإباحته تستلزم إباحة ما يترتب عليه، بخلاف
النائم ثانيا، فإنه قد تخلله التذكر، فترك الغسل عقيبه والاشتغال بالنوم تفريط
محض، أما الناسي فإنه مع يقظته في مظنة التذكر، وعدم تذكره مع طول الزمان
لا يكون إلا لتفريطه، فافترقا - قال - فإن قلت: ما تقول: لو نام أولا ثم انتبه
ونسي النسيان المذكور أيجب عليه قضاء مع إطلاق الأصحاب أن لا قضاء عليه
قلت: إن كان انتباهه ليلا واستمر نسيانه فالأجود وجوب القضاء لعين ما ذكرناه
وإن لم ينتبه حتى فات وقت الغسل واستمر نسيانه عذر في ذلك اليوم، واطلاق
الأصحاب محمول عليه، واطلاق الرواية في قضاء الصوم من غير استثناء اليوم
الأول محمول على الذاكر ليلا إما عقيب نومته أو لا عقيبها مع طول زمان التذكر
ثم ينسى، فإن قلت: يلزمك فيما لو أنتبه جنبا وطال الزمان عليه مستيقظا ثم نام
فأصبح أنه يجب عليه القضاء، قلت، ليس ببعيد، وإطلاق الأصحاب يراد به
المعتاد من النوم عقيب الانتباه الذي هو في موضع الضرورة، ولو منع القضاء فالفرق
عدم صدق النسيان هنا، والتفريط إنما هو بالنسيان في مظنة التذكر أو بالنسيان
بعد التذكر، وكلاهما منفيان " إذ لا يخفى عليك أن جميع ذلك تكلف لا حاجة
62

إليه، وكفى بالنصوص المعتبرة دليلا للحكم، ولا معارض لها بعد تنزيل تلك
النصوص على ما سمعت.
والظاهر أنه لا فرق في نسيان الجنابة بين وقوعها في شهر رمضان وبين
وقوعها سابقا عليه فنسيها فيه أو قبله واستمر نسيانه،
كما أنه لا فرق على الظاهر
بين غسل الجنابة وغسل الحيض والنفاس في الحكم المزبور بناء على أنهما شرط في
صحة الصوم، إذ الظاهر اتحاد الجميع في كيفية الشرطية، بل قيل إنهما أقوى
لأنه لم يرد فيهما ما ورد فيه مما يوهم أن الشرط إنما هو تعمد البقاء،
وكذا في
حكم صوم رمضان النذر المعين وقضاؤه وغيرهما، لعدم الفرق على الظاهر في أقسام
الصوم في الاشتراط بالطهارة، والله أعلم.
المسألة (السادسة إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائما وثبتت
الرؤية الماضية) قبل الزوال (أفطر وصلى العيد) بلا إشكال، لبقاء الوقت
(وإن كان بعد الزوال) أفطر (فقد فاتت الصلاة) ولا قضاء عليه على الأصح
والمشهور كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الصلاة، والله أعلم.
وأما (القول في صوم الكفارات) فتام البحث فيه في أبوابها (و) لكن
لما كان الغرض هنا استيفاء أقسام الصوم ناسب التعرض له اجمالا، فنقول:
(هو اثني عشر) قسما وعن بعض النسخ ثلاثة عشر قسما، ولعله الأصح، لأنه
المنطبق على ما ذكره (وينقسم أربعة أقسام).
(الأول ما يجب فيه الصوم مع غيره، وهو) صوم (كفارة قتل العمد فإن
خصالها الثلاث تجب جميعا) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الاجماع بقسميه
عليه مضافا إلى النصوص المستفيضة، منها صحيحة ابني سنان وبكير (1) عن

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القصاص في النفس - الحديث - 1
من كتاب القصاص
63

أبي عبد الله (عليه السلام) " قال: سئل المؤمن يقتل المؤمن متعمدا أله توبة؟ فقال إن كان
قتله لايمانه فلا توبة له، وإن كان قتله لغضب أو سبب من أمر الدنيا فإن توبته
أن يقاد منه، وإن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل
صاحبهم، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمه وصام شهرين متتابعين
وأطعم ستين مسكينا " (وألحق بذلك من أفطر على محرم في شهر رمضان عامدا
على رواية (1) قد تقدم الكلام فيها مفصلا.
(الثاني ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره، وهو ستة) أحدها
(صوم كفارة قتل الخطأ) بلا خلاف معتد به للآية (2) التي في معناها أخبار
كثيرة (3) قد عمل بها الأصحاب إلا من شذ ممن هو محجوج بذلك كالمحكي عن
ظاهر المفيد وسلار من أنها مخيرة
(و) ثانيها كفارة (الظهار) التي نص على
ترتيبها الكتاب العزيز، قال الله عز وجل (4): " والذين يظاهرون من نسائهم ثم
يعودون لما قالوا فتحرير رقبة - إلى أن قال - فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين
من قبل إن يتماسا، فمن لم يستطيع فاطعام ستين مسكينا "
(و) ثالثها كفارة
(الافطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال) الذي قد عرفت البحث فيها آنفا
(و) رابعها صوم ال‍ (كفارة) في (اليمين) المعلقة في الكتاب العزيز (5) فضلا

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
(2) سورة النساء - الآية - 94
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
والباب - 10 - من أبواب الكفارات - الحديث 1 من كتاب الايلاء والكفارات
والباب - 10 - من أبواب القصاص في النفس - الحديث 3
(4) سورة المجادلة - الآية - 4
(5) سورة المائدة - الآية 91
64

عن السنة (1) والاجماع على عدم الوجدان
(و) خامسها (الإفاضة من عرفات
قبل الغروب عامدا) فإن الواجب فيها صيام الثمانية عشر يوما بعد العجز عن
البدنة، قال ضريس (2): " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عمن أفاض من عرفات قبل أن
تغيب الشمس قال: عليه بدنة تنحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر
يوما " ويأتي انشاء الله تمام البحث فيها في الحج
(و) سادسها الصوم (في كفارة
جزاء الصيد) الذي هو النعامة والبقرة الوحشية والظبي وما ألحق بها، لكن في
المتن هنا فيه (تردد) من لفظ " أو " في الآية (3) ومن دلالة أكثر الأخبار (4)
على الترتيب، ثم قال: (وتنزيلها على الترتيب أظهر) ويأتي انشاء الله تحقيق
الحال فيها
(وألحق بهذه) الكفارة المرتبة (كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته
أو ولده، وكفارة خدش المرأة وجهها) في المصاب حتى أدمته (ونتفها شعر
رأسها) فيه أيضا لقول الصادق (عليه السلام) في خبر سدير (5) " وإذا شق زوج
علي امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين، ولا صلاة لهما حتى

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الكفارات من كتاب الايلاء
والكفارات
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة -
الحديث 3 من كتاب الحج
(3) سورة المائدة - الآية - 95
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب كفارات الصيد وتوابعها من
كتاب الحج
(5) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الكفارات - الحديث - 1 من
كتاب الايلاء والكفارات وهو خبر خالد بن سدير وهو الصحيح كما نقله (قده)
في الجواهر كذلك في أحكام الأموات ج 4 ص 368
65

يكفرا ويتوبا من ذلك، وإذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز
الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا، وفي خدش
الوجه إذا أدمت وفي النتف كفارة حنث يمين " إلا أنه لضعف الرواية بخالد حتى
قيل إن كتابه موضوع حملت على الاستحباب، كما هو المحكي عن ابن إدريس
واختاره غيره، ومن هنا جعلها المصنف إلحاقا، ويأتي إن شاء الله تحقيق الحال فيها.
القسم (الثالث ما يكون الصائم مخيرا فيه بينه وبين غيره، وهو خمسة:
كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان عامدا) على الأصح كما تقدم البحث فيه
سابقا
(وكفارة خلف النذر) بناء على كونها مثل كفارة شهر رمضان
(و) أما كفارة (العهد) ففي المدارك المشهور أنها مخيرة أيضا، وقيل إنها
مرتبة، وقيل إنها كفارة يمين، ويأتي تحقيق الحال إن شاء الله
(و) كذا
كفارة (الاعتكاف الواجب) التي هي مثل كفارة شهر رمضان عند الأكثر على
ما قيل لخبر سماعة (1) وقيل إنها كفارة ظهار، فتكون مرتبة حينئذ لصحيح
زرارة (2) وأبي ولاد الخياط (3) ويأتي تحقيق الحال فيها إن شاء الله
(وكفارة
حلق الرأس في حال الاحرام) التي نص عليها في الكتاب العزيز بقوله تعالى (4):
" ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله، فمن كان منكم مريضا أو به أذى من
رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك "
(وألحق بهذه) الكفارة المخيرة
(كفارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب) للخبر المزبور (5) وربما قيل إنها

(1) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 2 - 1 - 6
(2) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 2 - 1 - 6
(3) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 2 - 1 - 6
(4) سورة البقرة - الآية 192
(5) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الكفارات - الحديث - 1 من
كتاب الايلاء والكفارات
66

مرتبة، وفي المدارك الأصح أنها تأثم ولا كفارة، استضعافا للرواية وتمسكا
بالأصل، ويأتي تحقيق الحال في ذلك.
القسم (الرابع ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه وبين غيره، وهو كفارة
الواطئ أمته المحرمة بإذنه) لأنها كما ستعرف إن شاء الله بدنة أو بقرة أو شاة
فإن عجز عن الأولين فشاة أو صيام ثلاثة أيام، فالصيام فيها مرتب على غيره
وهو البدنة والبقرة مخيرا بينه وبين غيره، وهو الشاة كما تعرفه إن شاء الله في محله
(و) كيف كان ف‍ (كل الصوم) الواجب (يلزم فيه التتابع إلا أربعة) لأن ما عداها
فالتتابع فيه إما لازم لتعيين الزمان كشهر رمضان، أو منصوص عليه في الكتاب
والسنة أو في السنة خاصة، نعم في المدارك " أنه يمكن المناقشة في وجوب المتابعة
في صيام كفارة قضاء رمضان، وحلق الرأس، وصوم الثمانية عشر في بدل البدنة
وبدل الشهرين عند العجز عنهما، لاطلاق الأمر بالصوم فيها، فيحصل الامتثال
مع التتابع وبدونه " قلت: يمكن دعوى انصراف التتابع من الاطلاق المزبور
ولو بقرينة الفتوى به، وكونه كفارة والغالب فيها التتابع، خصوصا بملاحظة
ما ورد (1) من تعليل التتابع في الشهرين منها بأنه كي لا يهون عليه الأداء فيستخف
به، لأنه إذا قضاها متفرقا هان واستخف بالأيمان، مضافا إلى ما عرفت من أن
الصوم في كفارة قضاء رمضان كالصوم في كفارة اليمين، ولذا نص المفيد والفاضل
على أنها كفارة يمين مع التصريح بأن خصالها الاطعام أو الصيام دون الكسوة
والتحرير، وأما الحلق ففي ظاهر الغنية أو صريحها الاجماع على وجوب التتابع في
صومه، وأما صوم الثمانية عشر بدل الشهرين فالظاهر أن المراد الاقتصار على هذا
القدر منهما ارفاقا بالمكلف، فتكون حينئذ متتابعة، مضافا إلى ما أرسله المفيد في
المقنعة بعد تصريحه بالتتابع وغيره إلى مجئ الآثار عنهم (عليهم السلام) بذلك

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
67

بل الظاهر أنها هي المجزية في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات، وإن كان ظاهر
الدروس أو صريحها عدم وجوب التتابع فيه، وربما يأتي لذلك كله تتمة في محله
إن شاء الله، وحينئذ بان أن الكلية المزبورة في محلها في المعظم أو الجميع ولا ينافيها
الحصر الإضافي في خبر الجعفري (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) " إنما الصيام الذي
لا يفرق كفارة الظهار والقتل واليمين " إذ من المعلوم كون المراد منه بقرينة
السؤال بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، كمعلومية أن المراد من قول الصادق (عليه السلام)
في صحيح عبد الله بن سنان (2) " كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين "
عدم التفرقة ولو على بعض الوجوه الآتية أو غير ذلك.
وعلى كل حال فالكلية المزبورة تامة في الجميع أو المعظم، إنما الكلام في
الأربعة المستثنيات، الأول (صوم النذر المجرد عن التتابع) أو ما يستلزمه
(وما في معناه من يمين أو عهد) حيث لا يضيق وقته بظن الوفاة أو ظن طرو
العذر المانع من الصوم أو العلم، ومنه ضيق الوقت، والمشهور كما قيل جواز تفريقه
للأصل خلافا للمحكي عن أبي الصلاح فيمن نذر صوم شهر وأطلق، فإن
ابتدأ بشهر لزمه إكماله، ولابن زهرة وإن لم يشترط الموالاة يعنى من نذر صوم
شهر فأفطر مضطرا بنى، وإن كان مختارا في النصف استأنف، وإن كان في
النصف الثاني أثم وجاز له البناء، ونحوه المحكي عن ابن البراج، بل والمفيد إلا أنه
لم يصرح بعدم اشتراط الموالاة فربما يحتمل حمله على ما إذا نذر شهرا متتابعا
وكيف كان فحجتهم على ذلك بعد انسياق الاتصال خبرا موسى بن بكير (3) عن

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم الواجب - الحديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم الواجب - الحديث 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
وهو على ما في سند الشيخ (قدس الله سره) موسى بن بكر كما في التهذيب ج 4
ص 285 الرقم 863 و 864
68

أبي عبد الله (عليه السلام) والفضيل بن يسار (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) الآتيين
لكن قيل إنهما - مع ضعفهما، واحتمال حملهما على شرط التتابع ولو بقرينة أن السائل
لا يسأل إلا عن ذلك - إنما يدلان على اشتراط قيام النصف وإن كان مضطرا، ولم
يقولا به، هذا.
والانصاف أنه يمكن دعوى انصراف الاتصال في جميع من علق نذره على
ما ينساق إلى الذهن من اللفظ ولم يلحظ المطلق الصادق على المتتابع وغيره كما
ذكروه في ثلاثة: الحيض والاعتكاف وعشرة الإقامة، بل لعله المدرك لهم في اعتبار
التتابع في جملة من الكفارات التي ذكروا وجوبه فيها مع عدم دليل غير الاطلاق
المزبور، كما في كفارة قضاء شهر رمضان والثمانية عشر يوما للمفيض وكفارة الحلق
ونحو ذلك، فإن لم يقم إجماع كان القول به متجها، بل يمكن حمل ما هنا من
كلام الأصحاب على ما لا ينافيه من نذر مطلق الصوم، أو الصوم المطلق الذي هو
لا فرق في صدق الثلاثة أو الشهر على المتتابع منه وعدمه وإن كان المنساق منها
الأول، إلا أنه لا مانع من كون المقصود المنذور من حيث الصدق دون الانسياق
فتأمل جيدا.
(و) الثاني (صوم القضاء) أي قضاء الصوم الواجب ولو نذرا معينا للأصل السالم
عن المعارض بعد أن كان القضاء بأمر جديد خلافا لأبي الصلاح في قضاء شهر رمضان
وقد عرفت ضعفه، والشهيد في الدروس فاستقرب وجوب التتابع في قضاء ما اشترط
فيه ذلك، كنذر ثلاثة أيام متتابعة في رجب مثلا، وتردد فيه العلامة في القواعد
من ذلك، ومن أن القضاء هو الأداء، وإنما يتغايران في الوقت، وهو واضح
الضعف، واضعف منه دعوى أن التتابع منذور، فكما يجب تحصيل الصوم يجب
تحصيل تتابعه، إذ المنذور إذا فات وقته انحل، ولو لم يكن دليل على القضاء لم

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب بقيه الصوم الواجب - الحديث 1
69

يجب، ولا دليل على تتابعه، ودعوى أن دليل القضاء وهو " من فاتته فريضة
فليقضها كما فاتته) يدل عليه، لكون الفائت متتابعا، يدفعها ظهور كون المراد
من التشبيه غير ذلك من الكيفيات التي وضعها الشارع كالقصر والاتمام والجهر
والاخفات لا ما يشمل مثل ذلك الذي هو كنذر المكان والأحوال ونحوها مما هو
معلوم عدم الالتزام بمراعاتها في القضاء، والله أعلم.
(و) ثالثها (صوم جزاء الصيد) ولو كان نعامة، لعدم الدليل سوى
ما عرفته من انصراف الاتصال من الاطلاق، خلافا للمفيد والمرتضى وسلار
فأوجبوه في جزائها، بل في المختلف المشهوران فيه شهرين متتابعين، ويأتي تحقيق
الحال فيه إن شاء الله.
(و) الرابع صوم (السبعة في بدل الهدي) للاطلاق، وخبر إسحاق بن
عمار (1) " قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): إني قدمت
الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى فرغت في حاجة إلى بغداد قال: صمها ببغداد
قلت: أفرقها قال: نعم " خلافا لابن أبي عقيل وابن زهرة وأبي الصلاح فأوجبوه فيها
كالثلاثة لحسن علي بن جعفر (2) عن أخيه (عليه السلام) كما عن المختلف والمنتهى والصحيح كما
عن حج المنتهى والتذكرة قال: " سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج والسبعة أيصومها
متوالية أو يفرق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة ولا يفرق بينها والسبعة ولا يفرق بينها ولا
يجمع السبعة والثلاثة جميعا " وخبر الحسين بن يزيد (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام):

(1) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب الذبح - الحديث 1 - 2 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب الذبح - الحديث 1 - 2 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 2
عن الحسين بن زيد
70

" السبعة الأيام والثلاثة الأيام في الحج لا تفرق، إنما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في
اليمين " إلا أنهما - مع ما في سندهما حتى الأول منهما الذي فيه محمد بن أحمد العلوي
ولم ينص على توثيقه في كتب الرجال على ما قيل، وندرة العامل بهما - يمكن أن يكون
المراد بهما تجويز المتابعة لا وجوبها الذي من المحتمل كون السؤال عنه والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر)
كحيض ومرض ونحوهما (بنى عند زواله) لقاعدة أولوية الله عز وجل بالعذر
فيما هو يغلب عليه التي قالوا (عليهم السلام) إنه ينفتح منها ألف باب، بل أشير
إليها في نصوص المقام، قال رفاعة (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عليه
صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض، قال: يبني عليه، الله حبسه، قلت
امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها قال: تقضيها
قلت: فإنها قضتها ثم يئست من الحيض قال: لا تعيدها أجزأها ذلك " ونحوه
صحيح محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام)، ومن المعلوم أن المراد بالقضاء البناء
بقرينة السؤال الثاني، وقال سليمان بن خالد (3): " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا
برئ يبني على صومه أم يعيد صومه كله فقال: بل يبني على ما كان صام، ثم قال:
هذا مما غلب الله عز وجل عليه وليس على ما غلب الله عز وجل عليه شئ " فما في
صحيح جميل ومحمد بن حمران (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في الرجل
الحر يلزمه صوم الشهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض قال: يستقبل
فإن زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على ما بقي " وخبر أبي بصير (5)
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قطع صوم كفارة اليمين وكفار الظهار

(1) الوسائل - الباب 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 10 - 11 - 12 - 3 - 6
(2) الوسائل - الباب 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 10 - 11 - 12 - 3 - 6
(3) الوسائل - الباب 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 10 - 11 - 12 - 3 - 6
(4) الوسائل - الباب 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 10 - 11 - 12 - 3 - 6
(5) الوسائل - الباب 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 10 - 11 - 12 - 3 - 6
71

وكفارة الدم فقال: إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في
الشهر الأول كان عليه أن يعيد الصيام، وإن صام الشهر الأول وصام من الشهر
الثاني شيئا ثم عرض له ما فيه العذر فإنما عليه أن يقضي " يجب حمله على الاستحباب
أو على كون المرض غير مانع من الصوم، أو على التقية من المحكي عن الشافعي في
أحد قوليه من الفرق بين المرض والحيض، فخص العذر بالثاني دون الأول، أو
على عدم المبادرة بعد ارتفاع المانع، أو غير ذلك، ضرورة قصورهما عن معارضة
تلك النصوص المعمول بها بين الأصحاب قديما وحديثا، بل لا أجد فيه خلافا
بالنسبة إلى الشهرين، بل في شرح الإصبهاني أنه مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب
فيهما وفي الشهر، ولعله كذلك إلا أن الشيخ في النهاية بعد أن ذكر هذا
الحكم في الشهرين المتتابعين قال: " ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا فصام خمسة
عشر يوما وعرض له ما يفطر فيه وجب عليه صيام ما بقي من الشهر، وإن كان
صومه أقل من خمسة عشر يوما كان عليه الاستئناف " وظاهره ذلك مع العذر
ولعله لخبر موسى بن بكير (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل جعل عليه
صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال: إن كان صام خمسة
عشر يوما فله أن يقضي ما بقي، وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز حتى
يصوم شهرا تاما " وخبر الفضيل بن يسار (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) " في رجل
جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال: جاز له أن
يقضي ما بقي عليه، وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
وهو عن موسى بن بكر كما تقدم الإشارة إليه
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
72

تاما " ولأنه بدون المتابعة خارج عما تعلق به النذر، فلا يجزي وإن لم يكن
عليه إثم للعذر، لا أنهما - مع ضعفهما، وعدم الجابر لهما بالنسبة إلى ذلك،
واحتمالهما الأمر الذي لا يؤدي إلى الاضطرار، ويكون مما غلب الله عليه - قاصران
عن معارضة ما عرفت من النصوص السابقة من وجوه، مضافا إلى خبر علي بن
أحمد بن أشيم (1) " كتب الحسين إلى الرضا (عليه السلام) جعلت فداك رجل نذر أن
يصوم أياما معلومة فصام بعضها ثم اعتل فأفطر أيبتدئ في صومه أم يحتسب مما
مضى، فكتب إليه يحتسب بما مضى " ودعوى الخروج بذلك مما تعلق به النذر فلا
يجزي كأنها اجتهاد في مقابلة النص والفتوى، مع ما قيل من أنها مبنية على كون
صوم الشهر عبادة واحدة منذورة وهو ممنوع، بل الظاهر أن صوم كل يوم عبادة
فصوم الشهر ثلاثون عبادة منذورة والتتابع منذور آخر، فإذا صام منها شيئا
فقد أتى ببعض المنذورات وقد برأت ذمته مما فعله ولا دليل على فعله مرة أخرى
والمتابعة سقطت عنه للضرورة، وإن كان لا يخلو من نظر.
وعلى كل حال فمن ذلك كله يعلم أن ما في المدارك - من قصر الحكم على
الشهرين خاصة، لعدم الدليل على غيرهما، فيبقى المكلف تحت العهدة إلى أن يتحقق
الامتثال بالاتيان بالمأمور به على وجهه الذي هو المتابعة - في غير محله، ضرورة
أن ذلك لا يصلح معارضا للمستفاد من النصوص المزبورة من القاعدة المذكورة
نعم صرح الشهيد في الدروس واللمعة بأن كل ثلاثة يجب تتابعها تستأنف
بالاخلال به سواء كان لعذر أو لغيره إلا ثلاثة دم المتعة في خصوص الفصل بيوم
النحر وأيام التشريق، ولعله ظاهر يحيى بن سعيد من غير استثناء، وفي القواعد
" من أخل بالمتابعة في كفارة اليمين أو قضاء رمضان أو الاعتكاف أعاد مطلقا "
ونحوه في المسالك ومحكي الاقتصاد والمبسوط لقاعدة عدم الاتيان بالمأمور به على

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2
73

وجهه، وقول الصادق (عليه السلام) (1): " كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين "
وقول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر الجعفري (2): " إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة
الظهار وكفارة الدم وكفارة اليمين " وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3):
" صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان، والتتابع أن يصوم شهرا
ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه فإن عرض له شئ يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي
عليه، وإن صام شهرا ثم عرض له شئ فأفطر قبل إن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع
فليعد الصيام، وقال: صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات ولا يفصل بينهن "
لكن الأخير إنما يدل ولو بقرينة السياق على الفرق بين كفارة اليمين في الظهار
واليمين في غيره بالنسبة إلى تجاوز النصف وعدمه، لا على حكم الفصل للعذر، كما
أن الحصر في سابقه إضافي بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، ضرورة عدم حصر ذلك
في هذه الثلاثة كضرورة تحقق التفرقة في الأولين للعذر الذي يغلب الله عليه، أو أن
المراد هذه وما ماثلها، والمراد بالتفريق المنفي في كفارة اليمين الاختياري بتجاوز
النصف لا ما كان للعذر، ترجيحا للمستفاد من النصوص السابقة على ذلك، خصوصا
بملاحظة اطلاق معقد إجماع الإنتصار وخصوص إجماع الغنية قال في الأول: " ومما
يظن انفراد الإمامية به القول بأن من أفطر لمرض في صوم التتابع بنى على ما تقدم ولم
يلزمه الاستيناف - ثم قال - دليلنا الاجماع المتردد وأيضا فإن المرض عذر ظاهر لسقوط
الفروض، وقد علمنا أنه لو أفطر بغير عذر للزمه الاستئناف ولم يجزله البناء فلا يجوزان

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 - 3
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب
الحديث 9 وذيله في الباب - 10 - منها - الحديث 4 مع الاختلاف في صدره
74

يكون مثل ذلك حكمه مع العذر، لأن المعذور لا بد أن يخالف حكمه حكم من
لا عذر له " وقال في الثاني: " ويجب التتابع في كل ذلك يعني صوم كفارة
الحلق وكفارة اليمين، فمن فرق مختارا استأنف، ومن فرق مضطرا بنى بدليل
ما قدمناه أي الاجماع والاحتياط " ونص ابن حمزة على البناء مع العذر على ثلاثة
دم المتعة وغيرها، وأصرح منه الحلبي في الإشارة، كما أنه نص عليه في السرائر
في ثلاثة اليمين، كل ذلك مضافا إلى إطلاق المصنف في كتبه والفاضل فيما
عدا القواعد.
ومن ذلك يعلم أن المشهور البناء مع العذر مطلقا، فلا بأس حينئذ بترجيح
المستفاد من النصوص المزبورة من القاعدة التي ينفتح منها ألف باب على ما يظهر منه
خلاف ذلك، من غير فرق بين الثلاثة وغيرها حتى ثلاثة الاعتكاف، اللهم إلا أن
يقال بأن فيه جهة أخرى غير تتابع الصوم، وهي التتابع من حيث الاعتكاف
ولم يثبت البناء فيه من هذه الجهة، مضافا إلى ظاهر بعض النصوص التي تسمعها في
محلها إن شاء الله.
ثم إن المصنف وغيره أطلق تعليق الحكم على العذر وعدمه، كما أن آخر
أطلق تعليق الحكم على الاضطرار والاختيار من غير تعرض للخصوصيات، ولا
إشكال كما لا خلاف نصا وفتوى في اندراج المرض الحاصل منه تعالى بل وكذا
الحيض، وإن كان اقتصار الصدوق على المرض قد يشعر بعدمه، لكن لا يبعد
إرادة المثال منه، بل في الخلاف أن الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد حكمهما
حكم المريض عندنا، واختاره في الدروس خلافا له في المبسوط فقوى قطع التتابع
بافطارهما، لكن ينافيه عموم التعليل المزبور كما أنه ينافي ما عن يحيى بن سعيد من
النص على وجوب الاستئناف لغير المرض والحيض، بل لعله ظاهر اقتصار الشيخ
عليهما في المحكي من جمله ومبسوطه واقتصاده، ضرورة ظهور النصوص السابقة في
75

تحقق العذر بكل ما غلب الله عليه من غير فرق بين المرض والحيض وغير هما، بل
لا يبعد ظهور قوله (عليه السلام): " الله حبسه " في تناول السفر وإن لم يكن ضروريا باعتبار
كونه محبوسا عن الصوم معه، بل هو حينئذ مما غلب الله عليه باعتبار كون منع
الصوم فيه منه، فيكون ذلك كناية عن كل ما ينافي الصوم إذا لم يكن من قبل
المكلف بمعنى أنه لا ينافي التتابع إلا التعمد للافطار، فما في الوسيلة والسرائر
وظاهر الخلاف - من أن السفر قاطع للتتابع، بل صرح في الثاني عدم الفرق بين
المضطر في ذلك والمختار، ولعله لعدم صدق غلبة الله له عليه بعد أن كان باختياره
مع حرمة قياسه على المرض والحيض الذين لم نتعرض لغيرهما، فلا مخرج حينئذ عن
أصل وجوب التتابع - فيه أنه شريكهما في الضرورة، بل لعله شريكهما في حبس
الله وغلبته بعد الإذن فيه، لنفي العسر والحرج في الدين، ولذا جاز وقوعه في
شهر رمضان الذي يجب التتابع فيه، بل قد عرفت أن دقيق النظر يقضي بكون
المراد من التعليل بالحبس والغلبة إخراج تعمد الافطار، فلا يشمل تعمد سبب
ما أمر الشارع بالافطار منه.
ومنه يعلم حينئذ أنه لا فرق في المرض والحيض وغيرهما من الأعذار التي
يرتفع خطاب الصوم معها بين أن تكون أسبابها من الله عز وجل وبين أن تكون
من العبد، فإنها على كل حال تكون أعذارا وقد حبسه الله تعالى عن الصوم معها
وغلبه عليها، كما أن منه يعلم حينئذ عدم الفرق بين السفر الضروري والاختياري
كما هو مقتضى إطلاق الشيخ في النهاية عذرية السفر، وإن استحسن الفرق بينهما
المصنف في المعتبر، بل قطع به الفاضل بل والشهيد في الدروس إذا حدث سببه بعد
الشروع في الصوم، وهذا وإن كان هو الأحوط، بل أحوط منه قطع التتابع به
مطلقا، إلا أن الأقوى ما عرفت، ويندرج فيه ما لو نسي النية حتى فات وقتها
أو نام عنها كذلك، فإن صوم ذلك اليوم باطل، إلا أنه لا يقطع التتابع للعذرية
76

ودعوى أن النسيان من الشيطان فلا يكون عذرا كما ترى، بل من العذر أيضا
ما لو كان نادرا مثلا قبل تعلق الكفارة ما ينافي التتابع، كصوم كل خميس
فيجزيه حينئذ المتابعة فيما عداه، ولا يجب عليه الانتقال لغير الصوم من خصال
الكفارة باعتبار تعذر التتابع، نعم لو كان قد نذر صوم الدهر اتجه ذلك.
وكيف كان فالمراد من البناء مع العذر أنه لا يخل بالتتابع شرعا باعتبار غلبة
الله تعالى عليه، فهو أولى بالعذر، لا أن المراد سقوط التتابع حينئذ معه في
جميع الصوم حتى ما بقي باعتبار انقطاعه في الجملة، وحينئذ لا يمكن حصوله، فما في
الدروس من القول بسقوطه فيما بقي لذلك واضح الضعف.
هذا كله إن أفطر لعذر (وإن أفطر لغير عذر استأنف) في الشهرين إجماعا
بقسميه، بل يمكن دعوى التواتر المحكي منهما، بل لا أجد خلافا بين الأصحاب
في غيرهما أيضا خصوصا في الشهر المنذور تتابعه، وقد اعترف الإصبهاني بقطع
الأصحاب في ذلك إلا أني لم أقف له في السنة على ما يدل عليه في غير الشهرين
والشهر، نعم ذكر غير واجد الاستدلال عليه بأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه
فيبقى في عهدة التكليف، وهو جيد بناء على أن الجميع عبادة واحدة وعمل واحد
ضرورة فسادها بالاخلال بالتتابع، إذ هي كالصلاة المركبة من الركعات المعتبر
فيها صحة السابق منها بصحة اللاحق إلا أنه لا يخفى عليك صعوبة التزام ذلك بعد
حصر مفسدات الصوم الشامل لصوم الكفارة وغيره بغير ذلك خصوصا بعد انتهاء
اليوم وتمامه المقتضي لاعتبار الكشف عن الفساد لو أخل بالمتابعة المتأخرة كالركعة
المتأخرة بالنسبة إلى الركعة السابقة، بل المتجه بناء على ذلك الاجتزاء للجميع
بنية واحدة، ضرورة كونه عملا واحدا مركبا، إلى غير ذلك مما يصعب التزامه
فلا يبعد القول بكون كل الأيام عبادات مستقلة لا ربط لصحة بعضها بالآخر وأوجب
الشارع تتابعها في الكفارة حينئذ، فالمتجه حينئذ بناء على ذلك كون المتابعة
77

واجبا تعبديا لا شرطيا، فيأثم بتركها، والصوم على صحته كالمتابعة في صلاة
الجماعة على الأصح، ودعوى كون المتجه على ذلك اعتبار شرطيتها في الكفارة
دون الصوم فتكون كالمتابعة الواجبة في القضاء ونحوه بنذر وشبهه يدفعها أن
ذلك إنما يتم في المتابعة الخارجة عن العمل نفسه، بخلاف ما نحن فيه الذي هو
نوع من الصوم، وليست الكفارية أمرا خارجا عنه، بل لا يتصور القول بصحة
الصوم وعدم اجزائه عن الكفارة، ضرورة اقتضاء صحته سقوط الإعادة
ودعوى أنه بالاخلال بالمتابعة يبطل كونه صوم كفارة ويصح صوما مطلقا واضحة
الفساد، إذ الفرض أن المكلف لم ينوه إلا صوم كفارة، فنقله إلى غيرها بلا نية
مخالف للضوابط الشرعية، إذ الجنس لا يبقى مع ذهاب الفصل كما هو واضح
وأضعف منه دعوى أنه صوم كفارة لكنه غير مجز عنها باعتبار فقده للتتابع فيحتاج
إلى الاستئناف لذلك، إذ عدم اجزائه عنها يقتضي فساده بالنسبة إليها، والفرض
عدم نية غيرها، فلا محيص عن القول بالوجوب التعبدي أو التزام الأمور السابقة
من اتحاد العمل ونحوه، كما هو ظاهر وجوب الاستئناف في كلمات الأصحاب
ولعله لا بأس بالتزامها بعد مساعدة النص والفتوى عليها، وربما فرق بين ما كان
دليله نحو " كفارته كذا " وبين ما كان نحو " عليه كذا " فيدخل التتابع في
الحقيقة على الأول دون الثاني لكنه كما ترى لا مساعد له من النص والفتوى بل
هما ظاهران في خلافه، هذا وربما قيل إن المحكي عن فخر الاسلام في شرح الإرشاد
ظاهر في كون المتابعة واجبا تعبديا، قال: " الصوم إما أن يجب فيه التتابع أو لا
فإن لم يجب فلا بحث، وإن وجب فإما أن يكون شرطا في صحته أو لا، والثاني
لا يبطل بترك التتابع، ولا يجب الاستئناف والأول يجب الاستئناف إلا ما استثني "
وفيه أنه يمكن أن يريد التتابع الواجب في القضاء ونحوه بنذر وشبهه، فإنه لا ريب
في عدم اعتباره في صحة الصوم عن القضاء، ضرورة كونه كنذر الموالاة في وضوء
78

مخصوص فلم يفعلها، فإنه يحنث بالنذر، والوضوء صحيح ضرورة عدم صلاحية
النذر لاثبات شرطية ونحوها مما أمره راجع إلى الشرع، بل أقصاه الوجوب دون
الشرطية كما هو محرر في محله فتأمل جيدا فإن المقام غير منقح في كلام الأعلام والمتجه
الوقوف على ما هو الظاهر منهم من وجوب الاستئناف بتعمد الاخلال فيما وجب
فيه التتابع على وجه يدخل في الصوم (إلا) في (ثلاثة مواضع) أحدها
(من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهرا ومن الثاني ولو يوما) فإنه إذا
كان كذلك (بنى، ولو كان قبل ذلك استأنف) بلا خلاف ولا اشكال بخلافه
في الأول فإنه يبني وإن أخل بالمتابعة عمدا بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواتر أو مستفيض، للمعتبرة المتقدم بعضها
مضافا إلى خبر سماعة بن مهران (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون
عليه صوم شهرين متتابعين أيفرق بين الأيام؟ فقال إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم
عرض له أمر فأفطر فلا بأس فإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه أن يعيد
الصيام " وخبر منصور بن حازم (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في رجل
صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال: يصوم شهر رمضان ويستأنف
الصوم، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته " إلى غير ذلك مما هو
موافق لسهولة الملة وسماحتها ونفي الحرج في الدين وإرادة التخفيف واليسر، ولا
حاجة إلى تكلف الاستدلال بما هو محل للنظر، وحينئذ فما في النهاية - من أن من
وجب عليه شئ من هذا الصيام وجب عليه أن يصومه متتابعا فإن لم يتمكن من

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب
الحديث. - 5 لكن روى الثاني في الوسائل مضمرا إلا أن الموجود في التهذيب ج 4
ص 283 الرقم 855 قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام).... "
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
79

صيامه متتابعا صام الشهر الأول ومن الشهر الثاني شيئا، ثم فرق ما بقي عليه " مما
يعطي وجوب التتابع في الشهرين، وأن متابعة الشهر الثاني بيوم منه للأول إنما
يكون مع العجز - واضح الضعف، مع أنه قال فيها بعد ذلك: " ومن وجب عليه
صيام شهرين متتابعين في أول شعبان فليتركه إلى انقضاء شهر رمضان ثم يصوم
شهرين متتابعين، فإن صام شعبان والرمضان لم يجزه إلا أن يكون قد صام مع
شعبان شيئا مما تقدم من الأيام فيكون قد زاد على الشهر، فيجوز له البناء عليه
ويتمم شهرين " وهو يعطي جواز التفريق إذا صام من الثاني يوما ولعل بمعونته
يمكن حمل كلامه الأول على إرادة الإثم بالتفريق بعد الشهر ويوم، كما هو مذهبه
فيما حكي عن التبيان وكفارات النهاية وظهار المبسوط، بل هو خيرة المفيد والسيد
وابني إدريس وزهرة، لا وجوب الاستئناف الذي قد عرفت الاجماع والنص
عليه، وإن كان الأقوى في هذا أيضا خلاف ما ذكروه وإن (وممن خ ل) حكى
السيدان الاجماع عليه وفاقا لظاهر المحكي عن ابني الجنيد وأبي عقيل وصريح
الفاضل والدروس، لظهور النصوص السابقة في الإذن في التفريق بعد ذلك
فيستعقب عدم الإثم، مضافا إلى ظهور قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1)
" والتتابع " إلى آخره في حصول التتابع المأمور به بذلك، ولعله لكون المراد
تتابع الشهرين أنفسهما دون أيامهما بناء على صدقه بذلك كما تسمع له تتمة
إن شاء الله في المسألة الثانية.
فما عساه يقال إن الثابت الشرطية والتكليفية وسقوط الأولى بذلك لا يقتضي
سقوط الثانية واضح الضعف ضرورة كونه بعد الاغضاء عما نحن فيه نفسه غير صالح

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب بقيه الصوم الواجب الحديث 9
80

لمعارضة ما عرفت، فتأمل، كالمحكي عن ابن إدريس من الاستدلال بأن التتابع
أن يصوم الشهرين، ولقد أجاد في محكي المنتهى في رده بقوله: نحن نمنع
ذلك لما ثبت في حديث الحلبي عن الصادق (عليه السلام) " إن حد التتابع "
إلى آخره، وحينئذ لا يتوجه الخطاب إلى المكلف، وقول الصادق (عليه السلام)
أولى بالاتباع من قول ابن إدريس، وهو كما قال إلا أن الاحتياط مع ذلك
لا ينبغي تركه، لعدم ثبوت ذلك عن الصادق (عليه السلام) بطريق التواتر، وعدم القطع
بكون المراد منه ذلك، نعم هو حجة شرعية للفتوى التي لا تنافي أولوية الاحتياط
كما هو واضح، هذا.
وظاهر الفتاوى بل ومعاقد الاجماعات عدم الفرق في الحكم المزبور بين
النذر وغيره، لكنه لا يخلو من إشكال باعتبار انسياق غيره من النصوص
وشدة مخالفة الحكم فيه للضوابط، خصوصا مع تصريح الناذر بالتتابع ستين يوما
بل ومع إطلاقه بناء على ظهوره في ذلك، ضرورة عدم الحقيقة الشرعية لتتابع
الشهرين، وكشف النصوص للمراد بالخطابات الشرعية لا تقتضي التعدي إلى
الخطابات العرفية التي من المعلوم كون المرجع فيها العرف، ولعله لذا قصر بعض
مشايخنا الحكم على غير النذر ونحوه، وهو جيد، اللهم إلا أن يكون الناذر
علق مراده بالمراد الشرعي مما وقع فيه ذلك، أو أن الشارع قد كشف كون المراد
واقعا بهذا الخطاب ذلك وإن زعم صاحبه خلافه، والحكم الشرعي يتبع الواقع
الذي هو المقصود بالخطاب، وتخيل ذي الخطاب كون الواقع غير ذلك لا مدخلية
له بعد أن لم يكن مقصودا له بالخطاب كما حررناه في محله، وحينئذ فيتجه إطلاق
الأصحاب، نعم يخرج منه ما لو صرح الناذر بتتابع الأيام، ولعله غير مندرج
في كلامهم، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، والله أعلم.
81

(و) الموضع الثاني (من وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر فصام
خمسة عشر يوما ثم أفطر) لغير عذر فضلا عنه (لم يبطل) ما مضى من (صومه
وبنى عليه، ولو كان قبل ذلك استأنف) على المشهور بين الأصحاب، بل
في السرائر الاجماع عليه، لخبري موسى بن بكير (1) والفضيل بن يسار (2)
المتقدمين سابقا المنجبرين سندا ودلالة بذلك، ولا حاجة هنا إلى تجاوز النصف
بيوم كما في الشهرين ضرورة عدم احتمال التتابع هنا غير اتصال الأيام، فليس
الاجتزاء بالخمسة عشر إلا للدليل بخلافه في الشهرين، فإن من المحتمل فيه إرادة
تتابع الشهرين دون الأيام كما أومأت إليه النصوص، وفي السرائر بعد أن ذكر
الفرق بينهما بذلك قال: وهذا فرق تواترت به الأخبار عن أئمة آل محمد الأطهار
(عليهم السلام)، ومن ذلك كله يعلم أنه لا وجه للمناقشة في هذا الحكم من
أصله، كما لا وجه لما في الوسيلة من عدم الفرق بين الشهر والشهرين في اعتبار
مجاوزة النصف في البناء، إذ هو كما ترى خارج عن الأدلة المزبورة وعن مراعاة
الضوابط مع فرض عدم العمل بها هنا مضافا إلى حرمة القياس وكونه مع الفارق
وكذا لا وجه معتد به لما في الغينة من الفرق بين الشهر الذي شرط تتابعه في
النذر والذي أطلق، فحكم بالاستئناف في الأول على كل حال إذا أفطر مختارا
وفي الثاني بأنه إن كان في النصف الأول استأنف، وإلا فلا، ولعله لعدم تقييد
الخبرين بالتتابع، وفيه مضافا إلى ترك الاستفصال فيهما أنه لا فرق بين ذكر القيد
وعدمه إلا بالصراحة والظهور، بناء على انسياق التتابع من المطلق، وإلا خرجا
عن موضوع المسألة، ولا ينطبق ما فيهما من الحكم عليه، فالتدبر فيهما يقضي
بعدم الفرق بينهما، ومنه يعلم ما في إشارة السبق، قال في صوم النذر والعهد:

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 والأول عن موسى بن بكر كما تقدم الإشارة إليه سابقا
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 والأول عن موسى بن بكر كما تقدم الإشارة إليه سابقا
82

" ومتى شرط فيهما التتابع لم يجز التفريق - إلى أن قال - ولو اضطر إلى تفرقة
صومهما بنى ولم يلزمه استئناف إلا مع الاختيار، وإذا لم يشترط متابعة ولا ألجأت
ضرورة إلى غيرها فلا بناء إلا بعد الاتيان بالنصف وما زاد عليه، وإلا فالاختيار
لافطاره فيه قبل بلوغه يوجب الاستئناف " إذ هو - مع أنه فرق بما سمعته من
ابن زهرة بل وابن حمزة، اللهم إلا أن يريد معنى " أو " من قوله " وما زاد "
بقرينة قوله " قبل بلوغه " المعلوم إرادة قبل بلوغ النصف منه - ظاهر في عدم
الفرق في ذلك بين الشهر والشهرين وما زاد أو نقص، وهو تعد عن الأدلة بلا
شاهد بعد حرمة القياس عندنا، وكونه مع الفارق في بعض الصور فالمتجه
الاقتصار على مضمونها بعد مخالفة الحكم للضوابط كما هو واضح، فما عن الشيخ
من طرد الحكم في السنة لا يخلو من منع وإن كان هو أعلم بما قال كما في الدروس
والله أعلم
(و) الموضع الثالث التفريق (في صوم الثلاثة الأيام عن الهدي)
المعلوم وجوب التتابع فيها نصا (1) وفتوى بل إجماعا إلا (لمن صام يوم التروية
وعرفة ثم أفطر يوم النحر) فإنه (جاز) له (أن يبني بعد انقضاء أيام التشريق)
إجماعا محكيا عن المختلف لخبر عبد الرحمان بن الحجاج (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر " وخبره
الآخر (3) أيضا عن أبي الحسن (عليه السلام) " كان أبو جعفر (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2 و 5
الوسائل - الباب - 52 - من أبواب الذبح الحديث - 1 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الذبح الحديث 4 وفيه " كان
جعفر (عليه السلام) يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحج " وأما ذيله فليس
من الخبر وإنما هو عبارة الشيخ (قدس الله سره) في التهذيب ج 5 ص 231
المطبوع بالنجف الأشرف
83

يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحرم، ومن صام يوم التروية ويوم عرفة فإنه
يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق " وخبر يحيى الأزرق (1) عن أبي الحسن (عليه السلام)
أيضا " سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي فصام يوم التروية
ويوم عرفة قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق " لكن في المدارك " أنها
أخبار ضعيفة، وفي مقابلها أخبار صحيحة السند دالة على خلاف ما تضمنته
وسيجئ تحقيق ذلك في كتاب الحج " قلت: ويأتي تحقيق غيره أيضا، وهو
ما إذا فاتت الثلاثة قبل النحر فلم يصمها ولا اليومين منها يصومها أيام التشريق كما
عن ابن الجنيد، لخبري إسحاق بن عمار (2) و عبد الله بن ميمون القداح (3)
عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما لسلام) " إن عليا (عليه السلام) كان يقول: من فاته صيام
الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق، فإن ذلك جائز له " الشاذين
المعارضين بالأصح سندا والأكثر عددا، مضافا إلى العمل، قال ابن سنان (4) في
الصحيح: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تمتع فلم يجد هديا قال: فليصم ثلاثة
أيام ليس فيها أيام التشريق " ونحوه خبر ابن مسكان (5) عنه (عليه السلام) أيضا، نعم في
صدر خبر ابن الحجاج (6) المتقدم عن أبي الحسن (عليه السلام) الذي نص فيه على صوم الثالث
منها بعد أيام التشريق قال: " فإن فاته ذلك - أي صوم الثلاثة - يصوم صبيحة يوم
الحصبة ويومين بعد ذلك " وفي صحيح صفوان (7) عنه (عليه السلام) أيضا قال: " ذكر
ابن البراج أنه كتب إليك يسألك عن متمتع لم يكن له هدي فأجبته في كتابك
يصوم ثلاثة أيام بمنى، فإن فاته ذلك صام صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك قال:
أما أيام منى فإنها أيام أكل وشرب لا صيام فيها، وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله "

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب الذبح - الحديث 2 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الذبح - الحديث 5 - 6 - 1 - 2 - 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الذبح - الحديث 5 - 6 - 1 - 2 - 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الذبح - الحديث 5 - 6 - 1 - 2 - 4 - 3
(5) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الذبح - الحديث 5 - 6 - 1 - 2 - 4 - 3
(6) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الذبح - الحديث 5 - 6 - 1 - 2 - 4 - 3
(7) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الذبح - الحديث 5 - 6 - 1 - 2 - 4 - 3
84

فإن اقتصاره على إنكار أيام منى ظاهر في الاقرار بالآخر، وهو الصوم صبيحة
الحصبة واليومين بعدها، بل عن الصدوق ووالده والشيخ في النهاية والمبسوط وابن
إدريس الفتوى بذلك، إلا أن الصدوق قال: " تسحر ليلة الحصبة وهي ليلة النفر
وأصبح صائما " وفي النهاية فسر يوم الحصبة بيوم النفر، مع أنهم ومقتضى ذلك ابتداء
الصوم في ثالث أيام التشريق، لأنه هو يوم النفر، مع أنهم صرحوا بعدم جواز
الصوم فيها، اللهم إلا أن يكون المراد عدم جواز تمام الثلاثة فيها، لكنه كما
ترى مناف لاطلاق دليل الحرمة فيها، ويمكن أن يكون المراد في الخبرين بصبيحة
الحصبة اليوم الذي بعدها، بل قيل إنه المتبادر، فهو حينئذ الرابع عشر، وليس
من أيام التشريق، وتكلف إرادة ذلك في كلامهم يأباه تصريح بعضهم، فليس
حينئذ إلا الحكم بضعف قولهم، كضعف قول ابن الجنيد وأن الأصح الصوم
بعدها، وهذا كله خارج عما نحن فيه، إذا الكلام فيمن صام يومين قبل النحر
(و) على كل حال فالتفريق إنما هو في هذه الصورة، ف‍ (لو كان أقل
من ذلك) بأن صام يوما (استأنف) صومه (وكذا لو فصل بين اليومين
والثالث بافطار غير العيد) كما لو صام قبل التروية بيوم ويوم التروية وأفطر
يوم عرفة (استأنف أيضا) لاطلاق ما دل على اشتراط التتابع فيها، ولعل
اطلاق الشيخ في المحكي من مبسوطه وجمله واقتصاده جواز البناء إذا صام يومين
منزل على ذلك، نعم صرح ابن حمزة بجواز الفصل بيوم عرفة، ونفي البأس عنه
في المختلف لمطلوبية التشاغل بالدعاء للشارع، ولا يخفى ما فيه.
بقي شئ وهو أن الظاهر من النص والفتوى عدم الفرق في ذلك بين علمه
بتخلل العيد وعدمه فيكون هذا مستثنى من الكلية الآتية أيضا، لكن في المسالك
" يظهر من بعض أن البناء مشروط بما لو ظهر العيد وكان ظنه يقتضي خلافه، وإلا
استأنف " قلت: صرح به الشيخ على ما في حاشية الكتاب هنا وإن كان المحكي
85

عنه في الحج الأول، وهو الأقوى، للاطلاق الذي أظهر أفراده العلم بالعيد.
ثم إن ظاهر المتن عدم الاستئناف بهذا التفريق ولو تعمد تأخير صوم اليوم
عن أيام التشريق بناء على كون هذه المسألة كالمسألتين السابقتين، لكن صرح
بعضهم بأن التتابع يسقط في الثالث إلى انقضاء أيام التشريق، وفي شرح الإصبهاني
أن المبادرة بالصوم بعد أيام التشريق وإن لم يصرح به في فتوى ولا خبر عثرنا
عليه إلا أنه المتبادر من كلام الأصحاب وبعض الأخبار، ويدل عليه أن التتابع
واجب فيها، وإنما اغتفر الفصل بالعيد وأيام التشريق، للعذر بحرمة الصوم فيها
ولا عذر فيما بعدها، فلا وجه لاغتفار التأخير بعدها، كما إذا أفطر في النصف
الأول من الشهر أبو الشهرين لعذر ثم يزول العذر، ومقتضى ذلك أن هذا التفريق
للعذر، وهو خلاف ظاهر الاستثناء الذي قد يستدل له باطلاق البعدية، اللهم
إلا أن يقال بانصراف أول أفرادها منه، ولا ريب في أنه أحوط، ويأتي إن شاء
الله في كتاب الحج له تتمة.
(و) كيف كان فقد (ألحق) الشيخ ويحيى بن سعيد والفاضل فيما عدا
المنتهى على ما قيل (به) أي الشهر المنذور (من وجب عليه صوم شهر في كفارة
قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا) وكفارته نصف كفارة الحر، مستدلا عليه
في المختلف بأن التنصيف كما يكون في العدد كذا يكون في الوصف، وكما أجزأ
تتابع الشهرين بيوم كذا النصف يحصل به التتابع، لأن الشهر في معرض النقصان
فلو أوجبنا تتابع ستة عشر يوما لزدنا على حكم الشهرين، فاكتفي بتتابع خمسة
عشر يوما التي تزيد على نصف الناقص بنصف يوم، وبأنه لا يزيد على النذر
المتتابع، وقد أجزأ فيه تتابع خمسة عشر يوما، فيثبت الحكم في الأضعف
بطريق الأولى، وبأن الجعل الذي في الخبرين قد يكون بالنذر وقد يكون بفعل
ما يوجب ذلك من افطار أو ظهار أو نحوهما، والجميع كما ترى، ومن هنا قال
86

المصنف: (وفيه تردد) من ذلك ومن وجوب الاقتصار على المتيقن في مخالفة
القواعد، ودعوى القطع بالأولوية من المنذور واضحة المنع.
(و) من ذلك تعلم أن الأولى الجزم بالعدم دون التردد، كما أنه يعلم مما
قدمنا أن (كل من وجب عليه صوم متتابع لا يجوز أن يبتدئ زمانا) يعلم
أنه (لا يسلم) له التتابع (فيه) بتخلل عيد أو شهر رمضان أو غير ذلك
مما لا يجوز صومها عنه، لتوقف امتثال الأمر على اجتناب ذلك، وحينئذ
(فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يصوم شعبان إلا أن يصوم قبله ولو يوما)
وفي صحيح منصور بن حازم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: " في رجل صام
في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم
فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته " إلا أنه كما ترى لا يدل على
اتمام الكلية، ولذا اقتصر على مضمونه في النهاية ولم أتحقق إجماعا عليها، بل ربما
ظهر من بعضهم خلافها، ولعله لأنه انقلاب تكليف، فتشمله روايات العذر، وربما
كان في تكليف المرأة بها وعدم انتظار زمان يأسها مع غلبة عدم سلامتها من
الحيض شهرا ويوما (عسر وحرج ظ) والصحيح المزبور معارض بنصوص الثلاثة
التي يفصل بينها بالعيد، وقد ظهر من ذلك كله أن هذه الكلية إن لم يتحقق
إجماع عليها أمكن المناقشة فيها، خصوصا فيما لو صام واتفق العذر الشرعي من
مرض ونحوه في أيام الفصل التي هي شهر رمضان أو أيام العيد والتشريق ونحو
ذلك، بل ينبغي الجزم بالصحة في الفرض مع الغفلة، بل وإن لم يتفق العذر فيها
ويكفي كونها عذرا مع الغفلة، لكن في الدروس ولا يعذر بفجأة مثل رمضان
أو العيد، سواء علم أو لا، بخلاف فجأة الحيض والنفاس، وكيف كان فيستفاد من
المثال في المتن أن البدأة بالصوم في أثناء الشهر لا يوجب كونه ثلاثين متصلة، وإلا

(1) الوسائل - الباب - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 1
87

لم يتم الحكم إلا بتقدير كون شعبان تاما ليسلم له أحد وثلاثون، وكذا يستفاد أنه
لا فرق في اليوم الزائد على الشهر بين سبقه عليه ولحوقه به، ولعله كذلك وإن
كان الذي ينساق إلى الذهن تعقيب الشهر بيوم، إلا أن التدبر يقضي بكون المراد
صوم شهر ويوم كيفما كان.
(و) على كل حال (لا) يجوز لمن كان عليه شهران متتابعان أن
يصوم (شوالا مع يوم من ذي القعدة ويقتصر) على ذلك (وكذا الحكم في
ذي الحجة مع يوم آخر) من المحرم ضرورة نقصان الشهر بالعيد، فلا يحصل
المطلوب باليوم، نعم لو صام يومين اتجه الاجزاء، لحصول الشهر ويوم كما هو
واضح
(وقيل) والقائل الشيخ والصدوق في المحكي عن مقنعة وابن حمزة: إن
(القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين) متتابعين (منها وإن دخل فيهما العيد وأيام
التشريق لرواية زرارة) (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " سألته عن رجل قتل رجلا
خطأ في الشهر الحرام قال: ويغلظ عليه الدية، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين
متتابعين من أشهر الحرم، قلت: فإنه يدخل في هذا شئ قال: وما هو قلت:
يوم العيد وأيام التشريق، قال: يصوم فإنه حق لزمه " ونحوه حسن زرارة
الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا، لكن في المعتبر " وهي نادرة مخالفة لعموم الأحاديث
المجمع عليها ومخصصة لها، ولا يقوى الخبر الشاذ على تخصيص العموم المعلوم على
أنه ليس فيه تصريح بصوم العيد، والأمر المطلق بالصوم في الأشهر الحرم ليس
بصريح في صوم عيدها، وأما أيام التشريق فلعله لم يكن بمنى، ونحن لا نحرمها
إلا على من كان بمنى " ونحوه في المختلف، بل في التذكرة " إن في طريقه سهل
ابن زياد، وهو ضعيف، ومع ذلك فهو مخالف للاجماع " ونحوه عن المنتهى

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 - 2
88

ومن ذلك يعلم الحال في الحسن عن زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قلت له رجل
قتل رجلا في الحرم قال: عليه دية وثلث دية، ويصوم شهرين متتابعين من أشهر
الحرم، ويعتق رقبة، ويطعم ستين مسكينا، قال: قلت: يدخل في هذا شئ
قال: وما يدخل؟ قلت: العيدان وأيام التشريق، قال: يصومه فإنه حق لزمه "
بل إرادة صوم الشهرين وأنه لا يضر هذا الفصل بالتتابع أظهر من الأول لاتحاد
ضمير " يصومه " والمتقدم فيه العيدان، مع أنه ليس في هذه الأشهر إلا الأضحى
إلا أن يريد بالآخر يوم الغدير وإن لم يحرم صومه.
(و) كيف كان فلا ريب في أن (الأول أظهر) وأصح لقوة
ما دل على تحريم الصوم في هذه الأيام بحيث لا يصلح ذلك لمعارضتها، كما
هو واضح.
هذا كله في الواجب (و) أما (الندب من الصوم) على وجه يشمل
المكروه، أو على إرادة ما عداه كالمحرم ف‍ (قد لا يختص وقتا كصيام أيام السنة
فإنه جنة) وسترة (من النار) لتسبيبه العفو عما يوجبها، وتقدم في أول الصوم
ما يعلم منه ذلك (وقد يختص وقتا) معينا وهو كثير (و) لكن (المؤكد
منه أربعة عشر قسما) بل أزيد من ذلك،
الأول (صوم ثلاثة أيام من كل
شهر أول خميس منه آخر خميس وأول أربعاء في العشر الثاني) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
قد صام (2) حتى قيل ما يفطر، ثم أفطر حتى قيل ما يصوم، ثم صام صوم داود
يوما ويوما لا، ثم قبض على صيام هذه الثلاثة التي تذهب المواظبة على صومها
وجر الصدر ووسوسته، وتعدل صوم الدهر باعتبار عدل كل يوم منها عشرة
أيام، لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وقد كان من قبلنا من الأمم إذا نزل

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث - 2
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1
89

على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام، والذي يظهر من مجموع ما وصل إلينا من
النصوص أن الأفضل ما ذكره المصنف وغيره من الكيفية المزبورة في صومها
وإن كان لها كيفيات أخر كصوم الخميسين بينهما أربعاء في العشرات الثلاثة لاطلاق
الأمر بذلك في بعض النصوص (1) الذي لا يعارضه المقيد في غيره (2) بعد حمله
على شدة الاستحباب كما حرر في محله بالنسبة إلى المندوبات من غير ملاحظة الأول
والأخير، أو ذلك في شهر وأربعاء وخميس وأربعاء في شهر آخر لخبر أبي بصير (3)
" سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر، فقال: في كل عشرة أيام يوم الخميس
وأربعاء وخميس، والشهر الذي يليه أربعاء وخميس وأربعاء " الحديث، أو الأربعاء
والخميس والجمعة، أو الخميس بين أربعاءين، لخبر إسماعيل بن داود (4) قال:
" سألت الرضا (عليه السلام) عن الصيام فقال ثلاثة أيام في الشهر الأربعاء والخميس والجمعة
فقلت: إن أصحابنا يصومون أربعاء بين خمسين، فقال لا بأس بذلك، ولا
بأس بخميس بين أربعاءين " الحديث، أو الاثنين والأربعاء والخميس، أو في كل
عشرة يوما، لخبر أبي بصير (5) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم السنة فقال:
صيام الثلاثة أيام من كل شهر الخميس والأربعاء والخميس، وإن شاء الاثنين والأربعاء
والخميس وإن شاء في كل عشرة يوما، كان ذلك ثلاثين حسنة، وإن أحب أن
يزيد على ذلك فليزد " بل الظاهر الاكتفاء في أصل الاستحباب بصيام ثلاثة أيام

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 و 8 و 14
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 23
90

من الشهر متوالية أو متفرقة من أوله أو آخره، قال عمار بن موسى (1) (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه الثلاثة أيام من الشهر هل يصلح له أن
يؤخرها أو يصومها في آخر الشهر قال: لا بأس، قلت: يصومها متوالية أو يفرق
بينها قال: ما أحب إن شاء متوالية وإن شاء فرق بينها " وسأل علي بن جعفر (2)
أخاه (عليه السلام) " عن صيام الثلاثة أيام في كل شهر تكون على الرجل يصومها متوالية
أو يفرق بينها قال: أي ذلك أحب " وحمل ذلك على خصوص القضاء لا داعي إليه.
وقد يظهر لك من ذلك كيفيات متعددة لصوم الثلاثة وإن كان آكدها
ما في المتن، ولا ينافيه مرسل الفقيه (3) " أنه سئل العالم خميسان يتفقان في آخر
العشر فقال: صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني " وإن حكي عن ابن أبي عقيل
الفتوى به لامكان حمله على كون الثاني يوم الثلاثين من الشهر، وحينئذ فيستحب
صوم الأول، لاحتمال النقص في الشهر، مع أن المحكي عن ابن إدريس أن الخميس
الأخير هو المؤكد صومه، فإن جاء الشهر ناقصا فلا شئ عليه، ولعله لكثرة
ما دل (4) على أفضلية الخميس الأخير في العشر الأخير، والأول في العشر الأول
وعلى كل حال فقد اقتصر في الدروس على ذكر بعض الكيفيات، قال: ويتأكد
أول خميس في العشر الأول وأول أربعاء في العشر الثاني وآخر خميس في العشر
الآخر، وروي خميس بين أربعاءين ثم أربعاء بين خميسين كقول ابن الجنيد، وروي
مطلق الخميس والأربعاء في الأعشار الثلاثة، والأمر سهل حيث كان الأمر مستحبا
وكيف كان فيكره له فيها المجادلة والجهل والاسراع إلى الحلف والأيمان بالله، كما
أنه يستحب له احتمال من يجهل عليه، كل ذلك لقول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 4 - 8
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 4 - 8
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 4 - 0
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 4 - 0
91

ابن يسار (1): " إذا صام أحدكم الثلاثة أيام من الشهر فلا يجادلن أحدا، ولا
يجهل ولا يسرع إلى الحلف والأيمان بالله، وإن جهل عليه أحد فليحتمل ".
(و) المشهور بل لا أجد فيه خلافا أن (من أخرها يستحب له القضاء)
لقول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان (2) " ولا يقضي شيئا من صوم التطوع
إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر، ولا يجعلها بمنزلة الواجب، إلا
أني أحب لك أن تدوم على العمل الصالح " وغيره، إلا أنه ظاهر في مشروعية
قضائها بمطلق الفوات كما أفتى به في الدروس وغيرها، لكن في المدارك " ولو كان
الفوات لمرض أو سفر لم يستحب قضاؤها، لما رواه الكليني في الصحيح عن سعد
ابن سعد الأشعري (3) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) " سألته عن صوم ثلاثة أيام
في الشهر هل فيه قضاء على المسافر؟ قال: لا " وإذا سقط القضاء على المسافر سقط
عن المريض بطريق أولى، لأنه أعذر منه " قلت: يمكن حمله على عدم التأكد أو
الوجوب، لخبر عذافر (4) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصوم هذه الثلاثة
الأيام في الشهر فربما سافرت وربما أصابتني علة فيجب علي قضاؤها، فقال لي إنما
يجب قضاء الفرض وأما غير الفرض فأنت فيه بالخيار في السفر والمرض، قال وقال:
المرض قد وضعه الله عز وجل عنك والسفران شئت فاقضه، وإن لم تقضه فلا جناح
عليك " وضعف سنده غير قادح هنا، ولعل نفيه في المرض محمول على إرادة التأكيد
أيضا، لخبر داود بن فرقد (5) عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث
" فيمن ترك صوم ثلاثة أيام في كل شهر فقال: إن كان من مرض فإذا برأ فليقضه

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب آداب الصائم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2 - 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2 - 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2 - 3 - 5
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1
92

وإن كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد " هذا، وفي الروضة أنه إن قضاها
في مثلها من الأيام أحرز فضيلتهما أي الأداء والقضاء، ولم أره لغيره، قيل:
ولعله لما عرفت من أن العلة في استحباب صومها عرض الأعمال وهو صائم، أو
استدفاع العذاب، لكنه كما ترى لا يصلح قاطعا لأصالة عدم تداخل الأسباب
فهو حينئذ مشكل، كالمحكي عن شرح الإرشاد لفخر الاسلام الصائم لرمضان أو
النذر العين إذا كان فيه أحد الأيام الثلاثة التي يستحب أن يصومها من كل شهر
وأيام البيض يحصل له ثواب الواجب والمندوب معا، وكيف نية الواجب عن
المندوب ودخل المندوب ضمنا، وكذا لو صام قضاء شهر رمضان أو النذر المعين
أو الكفارات أو أي صوم كان من الواجبات في الأيام المندوبات، فإنه يحصل له
ثواب الصوم الواجب والمندوب معا، ويكفي فيه نية الواجب والمندوب، اللهم إلا
أن يقال إن المستفاد من الأدلة رجحان وجود طبيعة الصوم فيها واجبا أو غيره
ومثله ليس من التداخل في شئ، لكن الكلام في استفادته، ولعله لما ورد من
التعليل في صومها المنطبق على ذلك، فلا حظ وتأمل، والله أعلم.
(و) كيف كان فلا خلاف أيضا نصا وفتوى في أنه (يجوز تأخيرها
اختيارا من الصيف إلى الشتاء) قال الحسن بن أبي حمزة (1) " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره في الصيف إلى الشتاء فإني أجده
أهون علي؟ قال: نعم فاحفظها " ونحوه غيره، بل قد يستفاد من خبر الحسن
ابن راشد (2) جواز تعجيلها، قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أو
لأبي الحسن (عليه السلام) الرجل يتعمد الشهر في الأيام القصار يصومه لسنة قال:
لا بأس " إلا أني لم أجد من ذكره، بل في المدارك الاستدلال به على التأخير

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2
93

المزبور الذي هو في الحقيقة من القضاء.
(و) على كل حال ف‍ (إن عجز) عن صومها لكبر أو نحوه أو شق
عليه ذلك واشتد (استحب له أن يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مد من طعام)
كما استفاضت به النصوص (1) بل قد يستفاد منها استحباب هذا الفداء لترك
صومها على كل حال، ولذا خير بينه وبين القضاء في الدروس، وهو جيد وإن كان
ما في سؤال كثير منها المشقة والشدة ونحوهما، إلا أن خصوص المورد لا يخصص
الوارد، بل خبر يزيد بن خليفة (2) ظاهر في غير ذلك أيضا، قال: " شكوت
إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: إني أصدع إذا صمت هذه الثلاثة الأيام
وشق علي قال: فاصنع كما أصنع، فإني إذا سافرت تصدقت عن كل يوم بمد من
قوت أهلي الذي أقوتهم به " كما أنه يستفاد من خبر عمر بن يزيد (3) كراهة ترك
الصوم مع القدرة والعدول إلى الفداء، قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
إن الصوم أشد علي فقال لي: الدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم، ثم قال:
وما أحب أن تدعه " ولا ينافي ذلك ما استفاض في النصوص (4) إن الصدقة
بدرهم أفضل من صيام يوم بعد امكان إرادة مطلق اليوم منه لا أحد الثلاثة
ومن ذلك كله يظهر لك شدة الندب في صيام هذه الثلاثة، وإنها دون الوجوب
بيسير، والله أعلم.
(و) الثاني (صوم أيام) الليالي (البيض وهي الثالث عشر والرابع
عشر والخامس عشر) عند العلماء كافة كما عن المنتهى والتذكرة للمروي في محكي

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 و 6
94

العلل بسنده إلى ابن مسعود (1) " سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إن آدم لما عصى
ربه ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري، فإنه لا يجاورني أحد
عصاني، فبكى وبكت الملائكة، فبعث الله عز وجل جبرئيل فأهبطه إلى الأرض
مسودا، فلما رأته الملائكة ضجت وبكت وانتحبت وقالت: يا رب خلقا خلقته
ونفخت فيه من روحك وأسجدت له ملائكتك، بذنب واحد حولت بياضه
سوادا، فنادى مناد من السماء أن صم لربك اليوم، فصام فوافق يوم صومه يوم
ثلاثة عشر من الشهر، فذهب ثلث السواد، ثم نودي يوم الرابع عشر أن صم لربك
اليوم فصام فذهب ثلثا السواد، ثم نودي في يوم خمسة عشر بالصيام فصام فأصبح
وقد ذهب السواد كله، فسميت أيام البيض للذي رد الله عز وجل فيه على آدم
من بياضه، ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة أيام جعلتها لك ولولدك
من صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر " إلا أنه قال الصدوق: هذا الخبر صحيح
ولكن الله تبارك وتعالى فوض إلى نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) أمر دينه فقال عز وجل (2)
" ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " فسن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكان أيام
البيض خميسا في أول الشهر وأربعاء في وسط الشهر وخميسا في آخر الشهر، وذلك
صوم السنة، من صامها كان كمن صام الدهر، لقول الله عز وجل (3) " من جاء
بالحسنة فله عشر أمثالها " قال في المدارك ومقتضاه أن صوم هذه الأيام منسوخ
بصوم الخميس والأربعاء، وربما كان في بعض الروايات (4) المتضمنة صومها اشعار

(1) ذكره في الوسائل مقطعا في الباب - 12 - من أبواب الصوم المندوب
الحديث 1 وتمامه مذكور في علل الشرايع ج 2 ص 67 المطبوعة عام 1378
(2) سورة الحشر - الآية 7
(3) سورة الأنعام - الآية 161
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 16
95

بذلك، قلت: لكن فيه - مع عدم المنافاة بين استحبابها واستحباب تلك الثلاثة
- إن الاجماع بقسميه على خلافه، نعم في الدروس أنه يشعر خبر الزهري (1) بعدم
تأكدها، ولعله لأنه عدها من المخير إن شاء صام وإن شاء أفطر، وفيه أنه لم
يذكر فيه الصوم المندوب قسما والمخير فيه قسما آخر حتى يكون فيه اشعار بذلك
وإنما اقتصر فيه على المخير وعد منه هذه الأيام، فليس المراد منه إلا عدم الوجوب
والحرمة، هذا. وقد اعترف الفاضل وغيره بعدم العثور على نص من طرقنا يدل
على استحبابها عدا خبر الزهري والخبر المزبور.
قلت: لكن في قرب الإسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان (2)
عن جعفر (عليه السلام) " إن عليا (عليه السلام) كان ينعت صيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: صام رسول الله
(صلى الله عليه وآله) الدهر كله ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام صيام داود يوما لله ويوما له ما شاء
الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين والخميس ما شاء الله ثم ترك ذلك وصام البيض ثلاثة أيام
من كل شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله إليه " وفي المحكي عن الدروع الواقية لابن
طاووس (3) عن كتاب تحف العقول تأليف عبد الرحمان بن محمد الحلواني عن علي
ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أتاني جبرئيل فقال
قل لعلي: صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم تصوم عشرة آلاف سنة
والثاني ثلاثون ألف سنة والثالث مأة ألف سنة، قلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله): لي ذلك
خاصة أم للناس عامة؟ فقال: يعطيك الله ذلك ولمن عمل مثل ذلك، فقلت: ما هي
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قال: الأيام البيض من كل شهر، وهي الثالث عشر والرابع
عشر والخامس عشر " وقال أيضا وجدت في تاريخ نيسابور في ترجمة الحسن بن

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 3
والثاني عن الدروع الواقية نقلا من كتاب تحفة المؤمن.
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 3
والثاني عن الدروع الواقية نقلا من كتاب تحفة المؤمن
96

جعفر (1) باسناده إلى الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال:
" سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن صوم أيام البيض فقال: صيام مقبول غير مردود "
ودعوى أن لمراد بأيام البيض الثلاثة الأيام أي الخميسان بينهما أربعاء للمحكي عن
ابن أبي عقيل " فأما السنة من الصيام فصوم شعبان وصيام البيض وهي ثلاثة في كل
شهر متفرقة أربعاء بين خميسين: الخميس الأول من العشر الأول والأربعاء الأخر
من العشر الأوسط وخميس من العشر الأخير " كما ترى لا تنطبق على ما جاء في
وجه التسمية في اللغة والخبر وغيرها، والظاهر الاجتزاء بما كان منها أول أربعاء
عنها وعن ثاني الثلاثة، وليس من التداخل في شئ، بل من اجتماع عنوان
الأمرين، والله أعلم.
(و) الثالث (صوم يوم الغدير) وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة
الذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) إماما للناس وعلما لهم (2)
وقد قال الصادق (عليه السلام) في خبر الحسن بن راشد (3): " إن صومه يعدل ستين
شهرا " وزاد في آخر (4) " من أشهر الحرم " بل قال في خبر العبدي (5):
" إنه يعدل مأة حجة ومأة عمرة مبرورات متقبلات " وقال أيضا في خبر المفضل
ابن عمران (6): " صومه كفارة ستين سنة " وفي خبره الآخر (7): " من
صامه كان أفضل من عمل ستين سنة " إلى غير ذلك مما ورد في فضله وفي ذكر من
صامه من الأنبياء والأوصياء الذين نصبوا فيه، وفي ذكر ما وقع فيه في الأزمنة
السابقة مما فيه قوة الدين وكسر شوكة الكافرين والمنافقين، ومن أعجب ما اتفق
فيه نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) علما للعباد وقد خذلوه إلى أن

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - - 10 - 4 - - 8 - 7
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - - 10 - 4 - - 8 - 7
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - - 10 - 4 - - 8 - 7
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - - 10 - 4 - - 8 - 7
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - - 10 - 4 - - 8 - 7
(7) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 0 - 2 - - 10 - 4 - - 8 - 7
97

قتل عثمان فيه وبايع الناس أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك اليوم وتمام، التعرض لشرح
هذا اليوم ليس هذا محله، فليطلب من مظانه.
(و) الرابع (صوم) يوم (مولد النبي (صلى الله عليه وآله)) وهو سابع عشر من
شهر ربيع الأول على المشهور لخبر إسحاق بن عبد الله (1) عن أبي الحسن علي بن
محمد (عليه السلام) في حديث " إن الأيام التي يصام فيها أربع: يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله) يوم
سابع عشر من شهر ربي الأول " وفي المصباح (2) روي عنهم (عليهم السلام)
" أنهم قالوا من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول كتب الله له صيام سنة "
وفي خبر العريضي (3) " ركب أبي وعمومتي إلى أبي الحسن (عليه السلام) وقد
اختلفوا في الأيام التي تصام في السنة وهو مقيم بقرية قبل مسيره إلى سر من رأى
فقال لهم: جئتم تسألون عن الأيام التي تصام في السنة فقالوا: ما جئناك إلا لهذا
فقال: اليوم السابع عشر من ربيع الأول وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
واليوم السابع والعشرون من رجب، وهو اليوم الذي بعث فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة، وهو اليوم الذي دحيت فيه الأرض
من تحت الكعبة، واليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وهو يوم الغدير " وعن
المفيد في مسار الشيعة اليوم السابع عشر من ربيع الأول كان مولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ولم يزل الصالحون من آل محمد (صلى الله عليه وآله) على قديم الأوقات يعظمونه ويعرفون حقه

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 عن
إسحاق بن عبد الله أيضا إلا أنه سهو فإن الموجود في التهذيب ج 4 ص 305
الرقم 922 عن أبي إسحاق بن عبد الله كما هو كذلك في الوسائل في الباب - 14 -
من أبواب الصوم المندوب الحديث 3 والباب 3 والباب - 15 - منها الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 3
98

ويرعون حرمته ويتطوعون بصيامه، قال: وروي (1) عن أئمة الهدى (عليه السلام):
أنهم قالوا: " من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول وهو مولد سيدنا
رسول الله (صلى الله عليه وآله) كتب الله له صيام سنة " وقال في المقنعة: " ورد الخبر (2) عن
الصادقين (عليهم السلام) بفضل صيام أربعة أيام في السنة: يوم السابع عشر من
ربيع الأول، وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن قال: ويوم
السابع والعشرين من رجب، وهو اليوم الذي بعث فيه، فمن صامه كتب الله له
صيام ستين سنة، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة دحيت الأرض، ويوم
الغدير نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) إماما " وفي المحكي عن روضة
الواعظين روى (3) " أن يوم السابع عشر من ربيع الأول يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله)
فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة " فما عن الكليني - من أنه يوم الثاني عشر منه كما
عن المشهور (الجمهور ظ) بل عن حاشية القواعد للشهيد الثاني ولعله أثبت - غير واضح.
(و) الخامس (يوم مبعثه) وهو اليوم السابع والعشرين من رجب
للخبر السابق (4) وخبر الحسن بن راشد (5) عن الصادق (عليه السلام) " لا تدع صيام
سبعة وعشرين من رجب، فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد (صلى الله عليه وآله)
وثوابه مثل ستين شهرا لكم " بل قال (عليه السلام) في خبر عبد الله بن طلحة (6): " من
صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب الله له صيام سبعين سنة " وقال أيضا
في خبر كثير النوا (7) " في اليوم السابع والعشرين منه أي رجب نزلت النبوة

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 - 6 - 7 مع الاختلاف في لفظ الثاني
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 - 6 - 7 مع الاختلاف في لفظ الثاني
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 - 6 - 7 مع الاختلاف في لفظ الثاني
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 4
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 4
(7) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 4
99

على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من صام هذا اليوم كان ثوابه ثواب من صام ستين شهرا "
كقول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في مرسل سهل بن زياد (1) إلى غير ذلك من
النصوص التي لا ينافيها ما في خبر الحسن بن بكار الصيقل (2) عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) بعث الله محمد (صلى الله عليه وآله) لثلاث ليال مضين من رجب وصوم
ذلك اليوم كصوم سبعين عاما " بعد ما حكي عن سعد أنه قال كان مشايخنا يقولون
إن ذلك غلط من الكاتب، وأنه لثلاث يقين من رجب.
(و) السادس (يوم دحو الأرض) من تحت الكعبة، وهو اليوم
الخامس والعشرين من ذي القعدة الذي في ليلته ولد إبراهيم (عليه السلام) وولد عيسى (عليه السلام)
وفي خبر الوشا (3) " وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة، من صام ذلك اليوم
كان كمن صام ستين شهرا " وأرسل الصدوق (4) عن موسى بن جعفر (عليهما السلام)
أنه قال: " في خمس وعشرين من ذي القعدة أنزل الله الكعبة البيت الحرام، فمن
صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة، وهو أول يوم أنزل الله فيه الرحمة من
السماء على آدم (عليه السلام) وفي مرسل سهل بن زياد (5) عن أبي الحسن
الأول (عليه السلام) في حديث قال: " وفي خمس وعشرين من ذي القعدة وضع
البيت، وهو أول رحمة وضعت على وجه الأرض، فجعله الله عز وجل مثابة للناس
وأمنا، من صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا " وقال محمد بن عبد الله

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 وفي
النسخة الأصيلة ".. من رجب وورد صوم ذلك اليوم لصوم سبعين عاما "
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2 - 4
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2 - 4
100

الصيقل (1): " خرج علينا أبو الحسن الرضا (عليه السلام) في يوم خمس وعشرين
من ذي القعدة فقال: صوموا فإني أصبحت صائما، قلنا: جعلنا فداك أي يوم
هو؟ قال: يوم نشرت فيه الرحمة ودحيت فيه الأرض ونصبت فيه الكعبة وهبط
فيه آدم " وعن عبد الله بن عباس (2) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خلال حديث:
" أنزل الله الرحمة ليال يقين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم كان كصوم
ستين سنة " وعن ابن طاووس بسنده إلى عبد الرحمان السامي (3) عن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: " أول رحمة نزلت من السماء إلى الأرض
في خمس وعشرين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة فله عبادة
سنة صام نهارها وقام ليلها " وعنه أنه قال في رواية (4) " خمس وعشرين ليلة
من ذي القعدة أنزلت الرحمة من السماء، وأنزل تعظيم الكعبة على آدم، فمن صام
ذلك اليوم استغفر له كل شئ بين السماء والأرض " وفي خبر إسحاق بن عبد الله (5)
عن أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) في حديث قال: " الأيام التي يصام فيهن أربعة
- إلى أن قال - ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الأرض " إلى غير
ذلك من النصوص، وحينئذ فلا اشكال في تأكد صومه

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 (2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 8 عن
عبد الله بن مسعود وفيه " كان كصوم سبعين سنة "
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 7 - 9 - وفي الأول " عبادة مائة سنة "
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 7 - 9 - وفي الأول " عبادة مائة سنة "
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 6 هكذا
في الوسائل إلا أن الصحيح أبو إسحاق بن عبد الله كما تقدم الإشارة إليه في ص 98
101

نعم في المحكي عن حاشية القواعد لثاني الشهيدين دحو الأرض بسطها والمراد هنا بسطها من تحت الكعبة، وهو يقتضي خلق الكعبة قبل بسط الأرض
والموجود في الرواية (1) أنه في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وفي
بعض الروايات (2) دحو الكعبة لا الأرض، وكلها ضعيفة جدا والحكم بها
مشكل لما علم من أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وأن
المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة، وهو يقتضي خلق
السماوات قبل ذلك، فلا يتم عد الأشهر في تلك المدة، مع أن ابن بابويه روى (3)
أن الكعبة أنزلت يوم التاسع والعشرين من ذلك الشهر، واثبات مثل هذه الأحكام
المتناقضة بالأخبار الضعيفة بعيد وإن اشتهرت، فرب مشهور لا أصل له، وقد
يدفع بأن دحوها غير خلقها، لقوله تعالى (4): " بعد ذلك دحاها " وأما دحو
الكعبة فبمعنى دحو الأرض من تحتها، أو على ظاهره ولا منافاة، فإن الأرض قبل
الدحو إنما كانت موضع الكعبة، فدحوها هو دحو الأرض بعينه، وأما رواية (5)
نزول الكعبة في يوم التاسع والعشرين فالمراد بها الياقوتة أو الدرة التي كانت
هناك قبل الطوفان كما ورد في الأخبار (6) ويفهم منها أنها الكعبة والقطعة من
الأرض موضعها، فالمراد بها في أخبار النزول هي الجوهرة، وفي أخبار الدحو
موضعها، والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1
(4) سورة النازعات - الآية 30
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1
(6) البحار المجلد 22 ص 14 و 15 من طبعة الكمباني
102

(و) السابع (صوم يوم عرفة) وهو اليوم التاسع من ذي الحجة
(لمن لم يضعفه) الصوم عما عزم عليه (من الدعاء) كما وكيفا (ويحقق الهلال)
على وجه لا يقع في صوم العيد، لخبر سليمان الجعفري (1) " سمعت أبا الحسن (عليه السلام)
يقول كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف، ويأمر بظل مرتفع
فيضرب له فيغتسل مما يبلغ منه الحر " وأرسل الصدوق (2) عن الصادق أنه قال:
" صوم يوم التروية كفارة سنة، وصوم يوم عرفة كفارة سنتين " بل قال:
روي (3) " أن في تسع من في الحجة نزلت توبة داود، فمن صام ذلك اليوم
كان كافرة تسعين سنة " وفي صحيح ابن مسلم (4) عن أحدهما (عليه السلام) " أنه سئل
عن صوم عرفة فقال: أنا أصومه " وفي خبر عبد الرحمان (5) عن أبي الحسن (عليه السلام)
" صوم يوم عرفة يعدل السنة " إلى غير ذلك من النصوص التي لا ينافيها وقوع
ترك صومه من بعضهم (عليهم السلام) المحتمل كونه للضعف عن الدعاء، ومخافة
الوقوع في صوم العيد، ومخافة التأسي به، فيكون واجبا، كما نص عليه الحسين
(عليه السلام) في خبر سالم (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أوصى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) وحده، وأوصى علي (عليه السلام) إلى الحسن والحسين
(عليهما السلام) جميعا، فكان الحسن إمامه، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن
(عليه السلام) وهو يتغدى والحسين (عليه السلام) صائم، ثم جاء بعد ما قبض الحسن (عليه السلام)
فدخل على الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين (عليه السلام) صائم
فقال له الرجل: إني دخلت على الحسن (عليه السلام) وهو يتغدى وأنت صائم
ثم دخلت عليك وأنت مفطر، فقال: إن الحسن (عليه السلام) كان إماما فأفطر

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب 3 - 11 - 10 - 1 - 5 - 13
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب 3 - 11 - 10 - 1 - 5 - 13
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب 3 - 11 - 10 - 1 - 5 - 13
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب 3 - 11 - 10 - 1 - 5 - 13
(5) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب 3 - 11 - 10 - 1 - 5 - 13
(6) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب 3 - 11 - 10 - 1 - 5 - 13
103

لئلا يتخذ صومه سنة وليتأسى به الناس، فلما قبض كنت أنا الإمام فأردت أن
لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي " ولعله على ذلك ينزل خبر محمد بن مسلم (1)
" سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يصم يوم عرفة
منذ نزل صيام شهر رمضان " وعلى أن المراد لم يصمه بعنوان الوجوب، أو لأنه
يضعفه عن الدعاء، فإن الذي يظهر من النصوص أن الدعاء فيه أفضل من صومه
قال محمد بن مسلم (2) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن صوم يوم عرفة فقال:
من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة فصمه وإن
خشيت أن تضعف عن ذلك فلا تصمه " وقال سدير (3) " سألته أيضا عن صوم يوم
عرفة فقلت: جعلت فداك إنهم يزعمون أنه يعدل صوم السنة قال: كان أبي
لا يصومه، قلت: ولم ذاك جعلت فداك؟ قال: إنه يوم دعاء مسألة، وأتخوف
أن يضعفني عن الدعاء وأكره أن أصومه، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم
أضحى وليس بيوم صوم " ومنه يعلم الوجه في اعتبار تحقق الهلال في استحباب
صومه: كما أنه يمكن أن يكون الترك من بعض أئمتنا (عليهم السلام) لصومه لغلبة
كونه عيدا في تلك الأزمنة كما عن الصادق (عليه السلام) (4) " أنه لما قتل
الحسين (عليه السلام) أمر الله ملكا ينادي أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها
لا وفقكم الله لصوم ولا فطر " وفي حديث آخر (5) " لا وفقكم الله لفطر ولا
أضحى " بل مقتضاه كالخبر السابق كراهية صومه في الحالين المزبورين المنزل عليهما

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 4 - 6
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 4 - 6
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 - 4 - 6
(4) الفقيه ج 2 ص 54 - الرقم 236 - 237
(5) الفقيه ج 2 ص 54 - الرقم 236 - 237
104

خبر زرارة (1) عن الصادقين (عليهما السلام) " لا تصم في يوم عاشورا ولا عرفة
بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار " والله أعلم.
(و) الثامن بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر الغنية الاجماع عليه (صوم)
يوم (عاشوراء) وهو اليوم العاشر من المحرم الذي قتل فيه أبو عبد لله (عليه السلام)
لا التاسع كما عن ابن عباس في أحد النقلين عنه، لخبر أبي همام (2) عن أبي الحسن (عليه السلام)
(صام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم عاشورا " وخبر عبد الله بن ميمون القداح (3)
عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " صيام يوم عاشوراء كفارة سنة " وخبر
مسعدة بن صدقة (4) عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) " إن عليا (عليه السلام) قال:
صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة " وخبر كثير النوا (5) عن
الباقر (عليه السلام) " لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم " الحديث.
لكن قيده المصنف وجماعة بأن يكون (على وجه الحزن) لمصاب سيد
شباب أهل الجنة (عليه السلام) وما جرى عليه في ذلك اليوم مما ينبغي لوليه أن يمنع نفسه عن
الطعام والشراب طول عمره فضلا عن ذلك اليوم، لا أن يكون على جهة التبرك
والشكر كما يصنعه بنو أمية وأتباعهم، وبذلك جمع الشيخان وغيرهما بين ما سمعت
وبين النصوص المتضمنة للنهي عن صومه، كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (6)
" سألا الباقر (عليه السلام) عن صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 2 - 5
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 2 - 5
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 وهو
خبر أبان عن عبد الملك.
105

تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) وأصحابه بكربلا، واجتمع عليه
خيل أهل الشام وأنا خوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل
وكثرتها واستضعفوا الحسين (عليه السلام) وأصحابه كرم الله وجوههم، وأيقنوا
أن لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر ولا يمده أهل العراق، بابي المستضعف الغريب،
ثم
قال: وأما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعا بين أصحابه، وأصحابه
صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم
وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم
فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم، وذلك
يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صام أو تبرك به حشره
الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب ومسخوطا عليه، ومن اذخر فيه إلى منزله
ذخيرة أعقبه الله نفاقا في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته
وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك " وخبر جعفر بن عيسى (1) " سألت
الرضا (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه، فقال: عن صوم ابن
مرجانة تسألني، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين (عليه السلام) وهو
يوم يتشأم به آل محمد (صلى الله عليه وآله) ويتشأم به أهل الاسلام، واليوم الذي يتشأم به
لا يصام ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه (صلى الله عليه وآله)، وما
أصيب آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلا يوم الاثنين، فتشأمنا منه وتبرك به عدونا، ويوم
عاشوراء قتل فيه الحسين (عليه السلام) وتبرك به ابن مرجانة وتشأم به آل محمد (صلى الله عليه وآله)
فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب، وكان محشره مع
الذين سنوا صومهما والتبرك بهما " وخبر يزيد الترسي (2) قال: " سمعت عبيد بن زرارة

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 3 - 4 والثاني عن زيد النرسي
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 3 - 4 والثاني عن زيد النرسي
106

يسأل الصادق (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال من صامه كان حظه من صيام
ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد، قال: قلت وما كان حظهم من ذلك قال:
النار أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار " وخبر نجية بن الحرث
العطار (1) " سألت الباقر (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال: صوم متروك
بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة قال: نجية فسألت الصادق (عليه السلام) من بعد
أبيه فأجابني بمثل جواب أبيه، ثم قال: أما إنه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا
جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين (عليه السلام) " ومنه يعلم أن صومه
كان واجبا خلافا لأبي حنيفة، وخبر زرارة (2) عن الباقر (عليه السلام) أيضا " لا تصم
في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة " وقد تقدم، وخبر الحسين بن أبي منذر (3)
عن أبيه عن الصادق (عليه السلام) " سألته عن صوم عرفة فقال: عيد من أعياد المسلمين
ويوم دعاء ومسألة، قلت: فصوم عاشوراء قال: ذلك يوم قتل فيه الحسين (عليه السلام)
فإن كنت شامتا فصم، ثم قال: إن آل أمية نذروا نذرا أن قتل الحسين (عليه السلام)
أن يتخذوا ذلك عيدا لهم، فيصومون شكرا ويفرحون، فصارت في آل سفيان
سنة إلى اليوم، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح ذلك
اليوم، ثم قال إن الصوم لا يكون للمصيبة، ولا يكون إلا شكرا للسلامة، وأن
الحسين (عليه السلام) أصيب يوم عاشوراء، فإن كنت فيمن أصيب به فلا تصم
وإن كنت ممن سره سلامة بني أمية فصم شكرا الله ".
بل جزم بعض متأخري المتأخرين بالحرمة ترجيحا لهذه النصوص وحملا
لتلك على التقية، وأن صوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما كان قبل نزول شهر رمضان

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 7 وهو
عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه
107

لا على الوجه المزبور الذي قد ينافيه قول الصادق (عليه السلام) (1) " إن الصوم
لا يكون للمصيبة " إلى آخره. لكن فيه - مع أنه مناف لظاهر اتفاق الأصحاب
ومعلومية حصر الحرمة في غيره - إن أقصى ما يستفاد من هذه النصوص الكراهة
خصوصا بعد جمعه مع الاثنين ومع يوم عرفة، كمعلومية أن المذموم والمنهي عنه
اتخاذه كما يتخذه المخالفون والتبرك به واظهار الفرح والسرور فيه، لا أن
المنهي عنه مطلق صومه وأنه كالعيد وأيام التشريق وإلا لم يكن ليخفى مثل ذلك
على زرارة ومحمد بن مسلم حتى يسألا عنه، ضرورة حينئذ كونه كصوم العيدين، نعم
قد يقال بنفي التأكد عنه لمشاركته في الصورة لا عداء الله وإن اختلفت النية، بل
لعل ذلك إنما يكون إذا لم يتمكن من افطاره ولو للتقية، فينوي فيه الوجه المزبور
لا مطلقا، خصوصا مع ملاحظة خبر عبد الله بن سنان (2) عن الصادق (عليه السلام)
قال: " دخلت عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن، ودموعه
تنحدر كاللؤلؤ المتساقط، فقلت يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مم بكاؤك لا أبكى الله
عينيك، فقال لي: أو في غفلة أنت؟ أما علمت أن الحسين (عليه السلام) أصيب
في مثل هذا اليوم؟ فقلت يا سيدي فما قولك في صومه؟ قال لي صمه من غير تبييت
وأفطره من غير تشميت، ولا تجعله صوم يوم كملا، وليكن إفطارك بعد صلاة
العصر بساعة على شربة من ماء، فإنه في ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء
عن آل الرسول الله (صلى الله عليه وآله) وانكشف الملحمة عنهم " وخصوصا بعد ما روي (3) عن

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 7
(2) المستدرك - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 9
(3) علل الشرائع - ج 1 - الباب 162 - الحديث 3 - ص 217
الطبع الحديث
108

ميثم التمار في حديث طويل مما يدل على كذب ما ذكروا وقوعه فيه من خروج
يونس من بطن الحوت، واستواء سفينة نوح على الجودي، وقبول توبة داود
وتوبة آدم، ويوم فلق الله البحر لبني إسرائيل، وبه يظهر ضعف خبر كثير
النوا (1) الذي روى ذلك، مضافا إلى ما قيل فيه (2) من أنه بتري عامي قد
تبرأ الصادق (عليه السلام) منه في الدنيا والآخرة، وعلى كل حال فلا ريب في
جواز صومه سيما على الوجه الذي ذكره الأصحاب، وما في المسالك من أن
مرادهم بصومه على جهة الحزن الامساك إلى العصر كما في الخبر المزبور واضح
الضعف، بل يمكن القطع بفساده بأدنى ملاحظة، والله أعلم.
(و) التاسع صوم (يوم المباهلة) بأمير المؤمنين (عليه السلام)
وزوجته وولديه (عليهما السلام) وهو اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة، قيل
وهو الذي تصدق فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه في ركوعه (3) فنزل
قوله تعالى (4): " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون " وأظهر الله فيه نبيه (صلى الله عليه وآله) على خصمه (5) كما
أنه ظهر فيه قرب سيدنا علي (صلوات الله عليه) من ربه وأنه نفس رسول الله
(صلى الله عليه وآله) (6) فهو حينئذ أشرف الأيام الذي ينبغي فيه الصيام

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5
(2) راجع رجال الكشي في ترجمة كثير النوا
(3) البحار - ج 35 ص 190 الطبع الحديث
(4) سورة المائدة - الآية 60
(5) إرشاد المفيد ص 78 والبحار المجلد 6 - الباب 62 ص 639 والمجلد 9 الباب 7 من طبعة الكمباني وص 257 من ج 35 الطبع الحديث
(6) البحار - ج 35 ص 257 الطبع الحديث
109

شكرا لهذه النعم الجسام والمنن العظام.
(و) العاشر والحادي عشر (صوم كل خميس) لأنه اليوم الذي تعرض
فيه الأعمال (وكل جمعة) لخبر الزهري (1) عن علي بن الحسين (عليهما السلام)
" وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الخميس والجمعة والاثنين "
وقول الرضا (عليه السلام) في المحكي عن العيون (2) بسنده إليه " من صام يوم الجمعة
صبرا واحتسابا أعطي ثواب صيام عشرة أيام غرر زهر لا تشاكل أيام الدنيا " وخبر
هشام (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في رجل يريد أن يفعل شيئا من الخير مثل
الصدقة والصوم ونحو هذا قال: يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة، فإن العمل
يوم الجمعة يضاعف " وقال عبد الله بن سنان (4): " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام)
صائما يوم الجمعة فقلت له: جعلت فداك إن الناس يزعمون أنه يوم عيد، فقال:
كلا إنه يوم خفض ودعة " وللمحكي من فعله من خبر محمد بن مروان (5) عن
الصادق (عليه السلام) " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر
حتى يقال لا يصوم، ثم صام يوما وأفطر يوما، ثم صام الاثنين والخميس، وكان (عليه السلام)
يقول: ذلك صوم الدهر " الحديث، وفي خبر أنس بن مالك (6) المروي في
المقنعة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) " من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب
الله له عبادة تسعمائة سنة "
لكن عن ابن الجنيد أن صوم الاثنين والخميس منسوخ، وصوم السبت
منهي عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله)، وفيه كما في المختلف وكذا الدروس أنه لم يثبت عندنا

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 مع الاختلاف
(6) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 4
110

شئ من ذلك، ولم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك، نعم روى جعفر بن
عيسى (1) عن الرضا (عليه السلام) ما سمعته سابقا في صوم عاشوراء، فإن صح كان صوم
الاثنين مكروها لا منسوخا، وإلا فلا، وكذا ما حكي عنه أيضا من أنه لا يستحب
إفراد يوم الجمعة بصيام، فإن تلا به ما قبله أو استفتح جاز، نحو ما رواه الجمهور
عن أبي هريرة الكذاب (2) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لا تصوموا يوم الجمعة إلا
أن تصوموا قبله أو بعده " وروايتهم (3) " أنه سأل رجل جابر بن عبد الله وهو
يطوف فقال له: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن صيام يوم الجمعة قال: نعم
ورب الكعبة " وفي شرح الإصبهاني أنه إن صح يمكن حمله على كراهيته لمن يضعفه
عن الفرائض ونوافل الجمعة والأدعية وأداء صلاتها على وجهها والسعي، وهو كما
ترى إنما يحتمل في الأخير دون الأول الموافق للمروي (4) عن العيون بسنده
إلى آدم بن فيضة عن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) " لا تفرد الجمعة
بصوم " كما أن ما في الوسائل - من احتمال الأول النسخ، والتأويل بإرادة نفي
الوجوب، وكون الاستثناء منقطعا، أو الكراهة، أو نفي تأكد الاستحباب
قال: وهما متقاربان - لا يخفى عليك ما فيه، فليس حينئذ إلا الطرح أو نحوه
للقصور، خصوصا بعد اعتضاد الأول بفتوى الأصحاب، أو يحمل على الزيادة
في التأكد كما أومأ إليه الشيخ في المصباح، قال: روي الترغيب في صومه إلا

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 3
(2) صحيح مسلم ج 3 ص 154 " باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا " الحديث 3 - 1 من كتاب الصيام
(3) صحيح مسلم ج 3 ص 154 " باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا " الحديث 3 - 1 من كتاب الصيام
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 3 عن
دارم بن قبيصة
111

أن الأفضل أن لا ينفرد بصومه إلا بصوم يوم مثله قبله، والأمر سهل.
(و) الثاني عشر (أول ذي الحجة) لمرسل سهل (1) عن أبي الحسن
الأول (عليه السلام) " في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام)
فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا " ولا ينافيه ما في خبر الوشا (2)
عن الرضا (عليه السلام) المتقدم " ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها
إبراهيم (عليه السلام) لاحتمال كونه ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومرسل (3) ابن
بابويه وغيره عن موسى بن جعفر (عليه السلام) " من صام أول يوم من ذي
الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا، فإن صام التسع كتب الله له صوم الدهر "
بل قال في المحكي عنه في كتاب ثواب الأعمال أنه روي (4) " من صامه كان
كفارة تسعين سنة " كما أنه روي (5) فيه مسندا إلى عائشة " إن شابا كان صاحب
سماع وكان إذا أهل هلال ذي الحجة أصبح صائما، فارتفع الحديث إلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فأرسل إليه فدعاه فقال: ما يحملك على صيام هذه الأيام؟ فقال: بأبي
أنت وأمي يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيام المشاعر وأيام الحج عسى الله أن يشركني في
دعائهم، قال: فإن لك بكل يوم تصومه عدل عتق مأة رقبة ومأة بدنة ومأة فرس يحمل عليها
في سبيل الله، فإذا كان يوم التروية فلك عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي فرس
يحمل عليها في سبيل الله، فإذا كان يوم عرفة فلك عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي
فرس يحمل عليها في سبيل الله، وكفارة ستين سنة قبلها وستين سنة بعدها ".

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 6
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 6
(4) لم نجد ذلك في كتاب ثواب الأعمال وإنما رواه في الوسائل عن الفقيه
في الباب - 18 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 - 3 - 6
112

(و) الثالث عشر والرابع عشر (صوم رجب) كله أو بعضه ولو يوما
منه أولا أو آخر أو وسطا (و) كذا (شعبان) بالضرورة من المذهب أو
الدين، بل لا يمكن إحصاء ما ورد في فضل صومهما من سنة سيد المرسلين وعترته
الهادين، كما لا يمكن إحصاء، ما وعد الله على ذلك إلا لرب العالمين، بل من شدة
ما ورد في شعبان منهما ابتدع أبو الخطاب وأصحابه وجوبه، وجعلوا على إفطاره
كفارة، ولعله لذا ترك كثير من الأئمة (عليه السلام) صيامه مظهرين للناس بذلك عدم وجوبه
في مقابلة بدعة أبي الخطاب لعنه الله، بل يستفاد مما ورد فيهما أحكام أخر متعلقة
بهما كالاستغفار والصدقة (1) ونحوهما، كما يستفاد من النصوص ثبوت التأكد
في غير ذلك أيضا كالنيروز (2) وأول يوم من المحرم وثالثه وسابعه (3) والتاسع
والعشرين من ذي القعدة (4) وستة أيام بعد العيد (5) لكن في الدروس وفيها
بحث ذكرناه في القواعد، وروي صحيحا (6) كراهة صيام ثلاثة بعد الفطر
بطريقين، وصوم داود (عليه السلام) يوم ويوم لا ويوم (7) التروية (8) وثلاثة أيام للحاجة

(1) الوسائل - الباب - 27 و 30 - من أبواب الصوم المندوب
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الصوم المندوب
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1 و 2
و 9 و 10 وفي الحديث الأخير " فإذا أصحبت من تاسعه فأصبح صائما "
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الصوم المندوب
(5) الوسائل - الباب - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الصوم المندوب
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الصوم المندوب
(8) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 4 و 6
113

بالمدينة (1) ويوم النصف من جمادى الأولى (2) وغير ذلك لكن قد سمعت ما في
الدروس في الستة الأيام بعد الفطر، والأولى صومها بعد مضي الثلاثة لقول الصادق
(عليه السلام) في خبر زياد بن أبي الجلال (3): " لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام
ولا بعد الفطر ثلاثة أيام، إنها أيام أكل وشرب " وسأله (عليه السلام) أيضا عبد الرحمان بن
الحجاج (4) عن اليومين بعد الفطر فقال له: " أكره لك أن تصومهما " كما أن
حريز (5) روى عنهم (عليهم السلام) " إذا أفطرت من رمضان فلا تصومن
بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاثة يمضين " وإن اقتصر المصنف منه على هذه الأربعة
عشر، والله أعلم.
هذا كله في الصوم المندوب (و) أما الصوم التأديب فقد عرفت فيما تقدم
أنه (يستحب الامساك تأديبا وإن لم يكن صوما) شرعا، وهو المراد بصوم
التأديب كما في خبر الزهري (6) (في سبعة مواطن: المسافر إذا قدم أهله أو
بلدا يعزم فيه الإقامة عشرا فما زاد بعد الزوال أو قبله وقد أفطر، وكذا المريض
إذا برئ) بعده أو قبله وقد تناول (وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في
أثناء النهار، والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، وكذا
المغمى عليه) من غير فرق فيها بين ما قبل الزوال وبعده كما تقدم الكلام فيها
مفصلا
(ولا يجب) عندنا (صوم النافلة بالدخول فيه) إلا في الاعتكاف على

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب المزار من كتاب الحج
(2) مصباح المتهجد ص 554
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث
1 - 2 - 3 والأول عن زياد بن أبي الحلال والثاني عن أبي الحسن (عليه السلام) على ما في الكافي
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(6) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1
114

قول يأتي للأصل، وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (1) في الذي يقضي
شهر رمضان: " إنه بالخيار إلى زوال الشمس، وإن كان تطوعا فإنه إلى الليل
بالخيار " وقوله (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان (2): " صوم النافلة لك أن
تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال
الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر " إلى غير ذلك من النصوص التي
لا أجد خلافا في الفتوى بمضمونها، بل الاجماع بقسميه عليه، فالنهي عن إبطال
العمل في الآية (3) يجب تنزيله على غير ذلك بناء على شموله له (و) حينئذ
ف‍ (له الافطار) في (أي وقت شاء و) لكن (يكره بعد الزوال) لخبر
مسعدة بن صدقة (4) عن أبي عبد الله عن أبيه (عليه السلام) المحمول على ذلك أو نحوه
لقصوره عن معارضة ما دل على الجواز من وجوه لا تخفى، قال: " إن عليا
(عليه السلام) قال: الصائم تطوعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار، فإذا انتصف النهار
فقد وجب الصوم " والمناقشة بأنه إنما يدل على تأكد الندب بعد التجوز بلفظ
الوجوب لا الكراهة يدفعها أن المفهوم الأول يقضي بكون المراد من الوجوب
مجازا الراجح الفعل المكروه الترك، على أنه قد يحتج لها بخبر معمر بن خلاد (5)
عن أبي الحسن (عليه السلام) " قلت له: النوافل ليس لي أن أفطر فيها بعد الظهر قال: نعم "
والمناقشة باحتمال كون المراد من " نعم " أن لك أن تفطر نحوها في قوله:
أليس الليل يجمع أم عمرو * وإيانا فذاك بنا تداني
نعم وأرى الهلال كما تراه * ويعلوه النهار كما علاني

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 4 - 9 - 11 - 5
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 4 - 9 - 11 - 5
(3) سورة محمد (صلى الله عليه وآله) الآية 35
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 4 - 9 - 11 - 5
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب وجوب الصوم الحديث 4 - 9 - 11 - 5
115

يدفعها أنه لا ينافي الظهور الذي يكفي في غيرها من الأحكام فضلا عن
الكراهة المبنية على التسامح، نعم ينبغي تقييدها بالافطار اقتراحا لا الأعم
الشامل من دعي إلى طعام، فإنه لا كراهة فيه، بل ربما كره له المضي على
الصوم كما ستعرف.
(و) أما القسم الثالث من الصوم ف‍ (المكروه) على حسب كراهة
غيره من العبادات، وقد ذكر المصنف منه (أربعة):
الأول ما عرفته سابقا من (صوم عرفة لمن) خشي أن (يضعفه عن
الدعاء) الذي هو أفضل من الصوم
(و) كذا يكره (مع الشك في الهلال)
ولو لوجود غيم ونحوه مما يفيد التخوف أن يكون يوم أضحى، لصحيح محمد بن
مسلم (1) وخبر سدير (2) المتقدمين سابقا.
(و) الثاني ما تقدم سابقا من (صوم النافلة في السفر) عند المصنف
وجماعة (عدا ثلاثة أيام بالمدينة للحاجة) وقد عرفت تحقيق الحال في ذلك،
فلاحظ وتأمل.
(و) الثالث (صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيفه) كما في القواعد
والدروس والمحكي عن سلار، ويقرب منه ما في الغنية من أنه يستحب أن لا يصوم
إلا بإذنه، ونحوه ما في الوسيلة والمنتهى والتذكرة لخبر الزهري (3) عن علي بن
الحسين (عليهما السلام) " والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، قال

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث
4 - 6 وفي الأول النهي عن الصوم مع خوف الضعيف فقط، وأما الخوف عن كونه
يوم أضحى فهو في خبر سدير كما تقدم في ص 104
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1
116

رسول الله (صلى الله عليه وآله): من نزل على قوم فلا يصوم تطوعا إلا بإذنهم " المحمول على
ذلك، لعدم صلاحيته سندا لتقييد أصالة الجواز وعدم الاشتراط المستفادة من
إطلاق الأمر بالصوم الذي هو جنة من النار كالنهي (1) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله)
لعلي (عليه السلام) التي أكثرها من ذلك، أو المستحب " يا علي لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، ولا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه، ولا يصوم الضيف
تطوعا إلا بإذن صاحبه " خصوصا بعد إشعار " لا ينبغي " مع التعليل في خبر
الفضيل بن يسار (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) بها، قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم،
ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا الشئ فيفسد عليهم، ولا ينبغي
لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم، فيشتهي الطعام فيتركه لهم " بل
لعلها تفوح أيضا من قول الصادق (عليه السلام) في خبر هشام بن الحكم (3) قال: " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، ومن
طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ومن صلاح العبد وطاعته
أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره، ومن بر الولد أن لا يصوم تطوعا
إلا بإذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية وكان العبد
فاسقا وكان الولد عاقا " وزاد في المروي (4) عن العلل في الأخير " ولا يحج
تطوعا، ولا يصلي تطوعا " ضرورة كون المقصود منها المبالغة في تحقق الأوصاف
المزبورة، لا أن المراد بيان المصداق، فاطلاق الشيخين وجماعة النهي عن الصوم

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 4 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 4 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 4 - 2 - 3
117

بدون الإذن منزل على ذلك أو محجوج به كالذي في المعتبر والسرائر والنافع والإرشاد
والتلخيص والتبصرة من أنه لا يصح، بل وزاد في الثاني يكون مأزورا لا مأجورا
بل في الأول الاجماع عليه، وهو مع معارضته باجماع الغنية الذي يشهد له التتبع
ويعضده ما عرفت واضح الضعف بعد مصيره نفسه إلى خلافه هنا، اللهم إلا أن
ينزل على النهي فيكون كقوله في المتن:
(والأظهر أنه لا ينعقد مع النهي)
وهو القول الثالث المفصل بين عدم الإذن فيكره، وبين النهي فلا ينعقد، وفيه
أن الأدلة المزبورة قد اعتبرت عدم الإذن الشامل للنهي وعدمه، فلا دليل حينئذ
على التفصيل المزبور، اللهم إلا أن يقال بدلالة خبر هشام عليه باعتبار عدم تحقق
العقوق والعصيان في الزوجة والعبد إلا بالنهي، وكذا الجهل فإن المراد به الجهل
بحق المضيف وما يجب رعايته من جانبه، فإن صام بدون إذنه ولا علمه لم يحصل
له انكسار قلب إلا إذا قدم ما يتناوله، فيمتنع منه، وهو غير لازم، فلا جهل
بالصوم من غير علمه، وإنما يكون إذا نهي فلم ينته، وهو كما ترى، فإن الجهل
لا يتعين أن يكون بالمعنى المذكور، ولو سلم فاقتضاؤه الفساد ممنوع، وأغرب
من ذلك الاستدلال عليه بفحوى كراهة استدامة الصوم إذا دعي إلى طعام،
فإنها تقتضي مرجوحية الابتداء عند نهي المضيف، ولا تقع العبادة مرجوحة
فإنه لا يليق وقوعه من محصل، كما لا يليق بالخريت الماهر المتدبر العارف بأساليب
كلامهم (عليهم السلام) وما يلحنون به من خطاباتهم ويرمزون به فهم غير الكراهة
من هذه النصوص القاصرة عن إفادة غيرها سندا ودلالة، كما هو واضح.
وعلى كل حال فقد قيل: إن الحكم باشتراط الإذن في الصوم صحة أو
فضلا ثابت وإن جاء نهارا فلا يتمه إلا بالإذن، لاطلاق النص والفتوى ما لم تزل
الشمس، فإن زالت لم يشترط، لاطلاق النص والفتوى بكراهة الافطار بعده،
وفيه أن بين الاطلاقين تعارض العموم من وجه، ودعوى ظهور الاطلاقات هنا في
118

ابتداء الصوم دون استدامته يمكن معارضتها أولا بظهور ذلك الاطلاق في
الاشتراط من حيث الصوم نفسه لا من حيث الضيافة، وثانيا بأنها منافية لتعميم
الاشتراط لما قبل الزوال، ولولا أن الكراهة مما يتسامح بها أمكن القول بعدمها
في الفرض للأصل، أما على الحرمة مطلقا أو مع النهي فالمتجه ذلك، فتأمل
جيدا، والله أعلم.
(وكذا يكره صوم الولد) وإن نزل في احتمال (من غير إذن والده)
وإن علا كذلك كما في القواعد وكذا المنتهى والتذكرة لعين ما سمعته في الضيف
خلافا للنافع والإرشاد والتلخيص والتبصرة والدروس وشرح الإرشاد
لفخر الاسلام على ما حكي عن بعضها، فلم يصح لخبر هشام (1) المتقدم الدال على
اعتبار إذن الوالدين معا، قيل: ويمكن حمل الوالد في كلام الأصحاب على الجنس
الشامل للذكر والأنثى والواحد والمتعدد، وهو كما ترى، فلا عامل به حينئذ على
ظاهره، وهو مضعف آخر للعمل به، مضافا إلى ضعف سنده وغيره مما عرفت
سابقا، ومن ذلك يظهر لك ضعف القول بعدم الصحة، بل لعله كذلك حتى مع
النهي، لعدم ما يدل على وجوب طاعته في ذلك ما لم تستلزم إيذاء بذلك من
حيث الشفقة التي لا فرق بين الوالد والوالدة معها، وهو خارج عن محل البحث،
والله أعلم.
(و) الرابع (الصوم ندبا لمن دعي إلى طعام) كما ذكره الفاضل
والشهيد، لكن في المدارك وغيرها أنه لم نقف على ما يدل عليها من النصوص، وإنما
تدل على أفضلية القطع التي حكى الاتفاق عليها في المعتبر، قال علي بن حديد (2):

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب الصائم - الحديث 7 عن علي
ابن حديد عن عبد الله بن جندب
119

" قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام): أدخل على القوم وهم يأكلون وقد صليت العصر
وأنا صائم فيقولون: أفطر فقال: أفطر فإنه أفضل " وقال الصادق (عليه السلام) في
خبر داود (1): " لافطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من الصيام سبعين ضعفا
أو تسعين ضعفا " والترديد من الراوي، أو تقسيم من الإمام (عليه السلام) بحسب تفاوت
الإخوة والأغراض والدواعي، وقال أبو جعفر (عليه السلام) (2): " من نوى الصوم
ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور، فإنه يحسب
له بذلك اليوم عشرة أيام، وهو قول الله عز وجل (3): من جاء بالحسنة فله
عشر أمثالها " وقال (عليه السلام) أيضا في صحيح جميل (4): " من دخل على أخيه وهو صائم
فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة " ولعله لذا قيد
ابن إدريس الأفضلية بعدم الاعلام، وفيه أن ذلك مستحب في مستحب، ويمكن
أن يكون مراده إلى غير ذلك من النصوص التي لا تدل إلا على أفضلية القطع من
الصوم، والاكتفاء بذلك لاثبات الكراهة وإن كانت في العبادة غير واضح.
نعم قد يستدل عليها مضافا إلى فتوى المصنف وغيره بها بما دل على النهي
عن معارضة المؤمن وترك إجابته، بل قال الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة بن
مهران (5): " إذا دخلت إلى منزل أخيك فليس لك معه أمر " وقال (عليه السلام) أيضا
في خبر الحسين بن حماد (6): " إذا قال أخوك: كل وأنت صائم فكل ولا تلجئه
إلى أن يقسم عليك " وكفى بذلك لمثلها.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب الصائم - الحديث 6 - 1 - 4 - 14 - 11 وفي الثالث " قال أبو عبد الله (عليه السلام)... الخ "
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) سورة الأنعام - الآية 161
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
120

وكيف كان فقد قيل أيضا: إن مقتضى إطلاق النص والفتوى أنه لا فرق
بين من هيأ له طعاما وغيره، وبين من يشق عليه المخالفة وغيره، قلت: لكن
قد يومي ما في بعضها مما هو كالتعليل لذلك بادخال السرور ونحوه إلى خلاف ذلك
بل في خبر الحسين بن حماد (1) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدخل على رجل وأنا
صائم فيقول لي: أفطر فقال: إن كان ذلك أحب إليه فأفطر ".
وعلى كل حال فقد نص الفاضلان وغيرهما على اشتراط كونه مؤمنا، ولعله
لكونه المتبادر من الأخ، ولأنه الذي رعايته أفضل من الصوم.
ثم إن الحكمة في الافطار ليست من حيث الأكل بل من حيث إجابة دعاء
المؤمن وعدم رد قوله. وإنما يتحقق الثواب على الافطار مع قصد الطاعة به
لذلك ونحوه من إدخال السرور وغيره لا بمجرده: لأنه عبادة يتوقف ثوابها على
النية، فتأمل جيدا.
وظاهر المصنف وغيره عدم الفرق في ذلك بين الصوم المندوب وغيره من
الواجب الموسع كالقضاء، لاطلاق النص والتعليل بادخال السرور، وخبر عبد الله
الخثعمي (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي
هو على أمره أيفطر؟ قال: إن كان تطوعا أجزأه وحسب له، وإن كان قضاء
فريضة قضاه " والله أعلم.
(و) أما الصوم (المحظور) ف‍ (تسعة):
الأول والثاني (صوم) يومي (العيدين) باجماع علماء الإسلام
والنصوص المستفيضة (3) نعم قد استثني الشيخ من ذلك خصوص القاتل في أشهر

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب الصائم - الحديث 9 - 2 والثاني عن صالح بن عبد الله الخثعمي
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب الصائم - الحديث 9 - 2 والثاني عن صالح بن عبد الله الخثعمي
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه
121

الحرم فإنه يصوم شهرين منها وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق، وقد عرفت
ضعفه فيما تقدم.
(و) الثالث والرابع والخامس (أيام التشريق لمن كان بمنى) وهي
الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة بلا خلاف معتد به أجده
فيه، بل عن الغنية والمعتبر والتذكرة والمنتهى الاجماع عليه، وفي خبر الزهري (1)
" وأما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام من أيام
التشريق " وفي خبر زياد بن أبي الجلال (2) عن الصادق (عليه السلام) " لا تصم بعد
الأضحى ثلاثة أيام، ولا بعد الفطر ثلاثة أيام إنها أيام أكل وشرب " وفي صحيح
أبي أيوب عنه (3) (عليه السلام) أيضا " في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار
فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة كيف يصنع؟ قال: يصوم ذا الحجة كله
إلا أيام التشريق في منى، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام "
إلى غير ذلك من النصوص التي هي وإن كانت مطلقة كبعض الفتاوى لكن يجب
تنزيلها على من كان بمنى، لصحيح معاوية بن عمار (4) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الصيام أيام التشريق فقال: أما بالأمصار فلا بأس، وأما بمنى فلا " وللاجماع
في الروضة على عدم الحرمة لمن لم يكن بمنى، وربما لحظ المطلق أن جمعها كاف عن
تقييد كونها بمنى لأن أقل الجمع ثلاثة، وأيام التشريق لا تكون ثلاثة إلا بمنى،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب - المحرم والمكروه - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1
عن زياد بن أبي الحلال
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب بقية الصوم الواجب - الحديث 8
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1
122

أما في غيرها فيومان لا غير، إذ لا يجزى التضحية بعد اليومين ولا يستحب أو يجب
التكبير إلا فيهما، وحينئذ يرتفع الخلاف في البين، ولا يكون قول المصنف هنا:
(على الأشهر) إشارة إلى هذا الخلاف وإن كان قد يشهد له ما في المعتبر،
بل هو إشارة إلى ما سمعته سابقا من خلاف الشيخ في خصوص القاتل في أشهر
الحرم كما يشهد لذلك عبارته في النافع، فلاحظ وتأمل، وقد عرفت ضعفه فيما تقدم
كما أنك قد عرفت وتعرف إن شاء الله ضعف ما عن ابن الجنيد من جواز صيامها
بدل كفارة الهدي، وما عن غيره من جواز صوم الثالث منها في ذلك، إذ الجميع
كما ترى مناف لاطلاق النص والفتوى، هذا.
وفي المسالك أنه يمكن أن يعود قيد " على الأشهر " إلى ما دل عليه إطلاق
تحريم صوم هذه الأيام لمن كان بمنى، فيكون إشارة إلى خلاف من خص التحريم
بالناسك أي بحج أو عمرة، قلت: لكن فيه إنا لم نجده لا حد قبل المصنف،
نعم هو للفاضل في القواعد والإرشاد وإن استشكل فيه في التحرير والتذكرة،
وقد رده غير واحد باطلاق النص والفتوى، اللهم إلا أن يدعى انسياق ذلك منهما
فيبقى إطلاق ما دل على الندب بحاله، لكنه لا يخلو من بحث، ويمكن على تكلف
إرجاع القيد إلى جميع ذلك، والأمر في ذلك كله سهل، هذا، وفي كشف الأستاذ
أن صومها محرم لمن كان بمنى أو مكة على الأقوى، منذورة أو لا، قضاء أو لا
مبعضة كأن يخرج منها أو يدخلها قبل الزوال أو لا، وأما في غيرهما فلا بأس،
ولا يخلو من بحث في البعض، والله أعلم.
(و) السادس (صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الفرض) أي رمضان
لورود النهي عنه، ولأنه تشريع، وقد تقدم تفصيل الكلام فيه.
(و) السابع (صوم) أيام مطلقة مثلا أو مخصوصة بعنوان الوفاء عن
(نذر المعصية) بفعل محرم أو ترك واجب شكرا أو زجرا عن فعل الواجب أو
123

ترك المحرم لا زجرا عن العكس، فإنه يصح حينئذ، والمايز النية، ولا خلاف
أجده في حرمة الصوم، بل نسبه بعضهم إلى قطع الأصحاب، وقال علي بن الحسين
(عليهما السلام) في خبر الزهري (1): " وصوم نذر المعصية حرام " كقول النبي
(صلى الله عليه وآله) في وصيته (2) لعلي (عليه السلام) فيما رواه الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في خبر
حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه جميعا عنه (عليه السلام)، كما أنه لا ينبغي الاشكال
في حرمة النذر إذا أوقعه بعنوان التقرب به، ضرورة كونه حينئذ تشريعا،
وليس هو كنية المعصية التي يعفو الله عنها إذا لم تقع المعصية كما عساه يظهر من
بعض متأخري المتأخرين، وربما كان في قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر أبي حمزة
الثمالي (3) إشارة إليه، قال: " من صام شعبان كان طهرا له من كل زلة ووصمة
قال: قلت: وما الوصمة؟ قال: اليمين في المعصية، والنذر في المعصية " كصحيح
محمد بن مسلم (4) عن أحدهما (عليهما السلام) " أنه سئل عن امرأة جعلت مالها
هديا، وكل مملوك لها حرا إن كلمت أختها أبدا، قال تكلمها وليس هذا بشئ
إنما هذا وشبهه من خطرات الشياطين " بل ربما ظهر من الإصبهاني وغيره أن
مبنى الحرمة في الصوم التي يتبعها الفساد التشريع أيضا، وإليه يرجع ما في المدارك
من أنه لا ريب في عدم انعقاد هذا النذر وتحريم الصوم على هذا الوجه، لأن
الصوم يفتقر إلى القربة، وهذا مما لا يمكن التقرب به، قلت: لا يخفى عليك أن
المتجه بناء على ذلك تعميم الحكم لكل صوم نذر لم ينعقد إذا جاء على هذا الوجه

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 7
(4) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب الأيمان - الحديث 2
124

من غير فرق بين المعصية وغيرها، وهو مشكل باعتبار كون النهي لأمر خارج
عن حقيقة الصوم المأمور به لنفسه قبل النذر، وإنما أفاده النذر إلزاما، فيمكن
أن يقال بالصحة بعد فرض نية التقرب بالصوم وإن لاحظ مع ذلك حيثية النذر،
نعم خرج من ذلك للنص والفتوى صوم نذر المعصية، ويبقى غيره على الأصل،
بل قد يقال بالاقتصار على خصوص الصوم دون الصلاة ونحوها من العبادات،
فتأمل جيدا.
(وصوم الصمت) في شرعنا عند علمائنا أجمع كما في محكي التذكرة
والمنتهى وغيرهما، وقال علي بن الحسين (عليهما السلام) في خبر الزهري (1):
" وصوم الصمت حرام " كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما رواه أبو جعفر (عليه السلام) في
صحيح منصور بن حازم (2): " لا صمت يوما إلى الليل " كقوله (صلى الله عليه وآله) أيضا (3)
في الوصية لعلي (عليه السلام) بالاسناد السابق: " ولا صمت يوما إلى الليل - إلى أن قال -:
وصوم الصمت حرام " وقال (صلى الله عليه وآله) أيضا في خبر زيد بن علي عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) المروي عن معاني الأخبار (4): " ليس في أمتي رهبانية ولا سياحة
ولا ذم يعني سكوت " إلى غير ذلك، وإنما يحرم بأن ينوي الصوم ساكتا ولو في
بعض اليوم، لا الصوم ساكتا ولو في تمام اليوم بدون جعله وصفا للصوم بالنية،
فإنه من المباحات، بل لو صمت ناويا بعد الصوم فإنما المحرم التشريع بذلك إن لم
يتعلق به غرض صحيح دون الصوم الذي صمت فيه، وأما صوم الصمت بمعنى نية
الصوم عن الكلام خاصة فهو غير مراد هنا، ضرورة كون المراد بيان أنواع الصوم

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 2 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 2 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 2 - 3 - 4
125

بالمعنى المعروف دون هذا المعنى وإن كان هو حراما أيضا إذا لم يتعلق به غرض
صحيح يوجبه أو يندبه.
وكيف كان ففي المدارك ظاهر الأصحاب أن الصوم على هذا الوجه يقع
فاسدا لمكان النهي، ويحتمل الصحة لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع
النية، وتوجه النهي إلى الصمت المنوي ونيته، وهو خارج عن حقيقة العبادة،
وفيه أنه إن كان مبنى الفساد النص ومعقد الاجماع فلا إشكال في ظهورهما في توجه
النهي إلى نفس الصوم على هذا الوجه، وإن كان مبناه التشريع فالتحقيق الفساد
أيضا مع الادخال في العمل على وجه التشخيص للمأمور به من حيث تعلق الأمر
ضرورة عدم حصول الامتثال حينئذ لعدم أمر كذلك، والفرض عدم ملاحظة
غيره مما هو ثابت، وأما التشريع في أثناء العمل أو في ابتدائه لكن لا على الوجه
المزبور بل على ضم الصمت إلى المفطرات فالأصح عدم إبطاله، لعدم الدليل، لأنه
أمر خارج عن العبادة، لكن قد ينافي ذلك حينئذ عدم اختصاص صوم الصمت
بالحكم المزبور، فلا ينبغي الاقتصار عليه، اللهم إلا أن يكون تبعا للنص، ولأن
الثابت في شرع بني إسرائيل الصوم عن الكلام كالصوم عن الطعام، بل ربما فسر
به قوله تعالى (1): " فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما
فلن أكلم اليوم إنسيا " فلذلك ناسب ذكره بالخصوص.
(و) كذلك البحث في (صوم الوصال) الذي قد حكي الاجماع على
حرمته أيضا في محكي التذكرة والمنتهى وغيرهما، وقال علي بن الحسين (عليهما السلام)
في خبر الزهري (2): " وصوم الوصال حرام " والصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة (3):

(1) سورة مريم (ع) - الآية 26 و 27
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 6 - 1 وفي الثاني " لا وصال في صيام "
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 6 - 1 وفي الثاني " لا وصال في صيام "
126

" لا صيام في وصال " وفي صحيح منصور بن حازم (1): " لا وصال في صيام "
كقول النبي (صلى الله عليه وآله) في الوصية لعلي (عليه السلام) (2): " لا وصال في صيام " و " كان
يواصل ويقول: إني لست كأحدكم، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني " (3)
وقال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة (4) المروي عن المستطرفات: " ولا قران بين
صومين " إلى غير ذلك من النصوص التي جعل في الوسائل منها ما تقدم في بعض
أخبار مسألة تقديم الصلاة على الافطار أنه قد حضرك فرضان فابدأ بأفضلهما،
وأفضلهما الصلاة، وإن كان فيه ما فيه، فما عساه يظهر من ابن الجنيد من جواز
الوصال لا ريب في فساده، قال: لا يستحب الوصال الدائم في الصيام، لنهي
النبي (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، ولا بأس بما كان منه يوما وليلة ويفطر في السحر، ويكره
أن يصل الليلة التي من أول الشهر باليوم الذي هو آخر الشهر، مع احتمال إرادته
عدم الجواز من نفي الاستحباب بقرينة الاستدلال عليه بالنهي المفيد للحرمة،
وأن العبادة لا تكون إلا راجحة، ويكون قوله: " لا بأس " إلى آخره خلافا
في المراد بالوصال كما ستعرف، ومرجعه حينئذ إلى كلام ابن إدريس، ويحتمل
أيضا إرادته صوم الدهر عدا يومي العيدين من الوصال الدائم، والكراهة من
نفي الاستحباب للنصوص الدالة عليها، وما في المختلف من احتمال المنع فيه واضح
الضعف، وحينئذ فلا يكون في كلامه تعرض للوصال بالمعنى الذي تسمعه من ابن
إدريس، وأما قوله: " ويكره " إلى آخره فقد يناسبه في الجملة قول أبي جعفر
(عليه السلام) في خبر عمر بن خالد (5): " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصوم شعبان وشهر

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2 - 3 - 4 - 12
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2 - 3 - 4 - 12
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2 - 3 - 4 - 12
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2 - 3 - 4 - 12
(5) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 5
127

رمضان يصلهما، وينهى الناس أن يصلوهما " خصوصا إذا أريد منه العموم
لا خصوص ذلك، وكيف كان فخلافه غير محقق أو غير معتد به في تحصيل الاجماع
على ذلك كما اعترف به في المختلف.
(و) إنما الكلام في موضوعه، ففي المتن والنافع والإرشاد والمختلف
وغيرها (هو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر) بل في المدارك نسبته إلى
الشيخ في النهاية وأكثر الأصحاب، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1):
" الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره " وقوله في الصحيح أيضا عن حفص
ابن البختري (2): " المواصل في الصيام يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر "
وفيما أرسل (3) عن الصدوق أيضا " الوصال الذي نهي عنه أن يجعل الرجل
عشاءه سحوره " مضافا إلى قوله تعالى (4): " ثم أتموا الصيام إلى الليل ".
(وقيل) والقائل ابن إدريس حاكيا له عن اقتصاد الشيخ ولم نتحققه،
والفاضل في محكي التلخيص (هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما) لخبر محمد بن
سليمان عن أبيه (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) سأله " عن صوم شعبان ورمضان لا يفصل
بينهما، قال: إذا أفطر من الليل فهو فصل، قال: وإنما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا وصال في صيام، يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين غير إفطار، وقد
يستحب للعبد أن لا يدع السحور " وربما أشعر به خبر المستطرفات (6) أيضا،

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 7 - 9 - 5 - 12
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 7 - 9 - 5 - 12
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 7 - 9 - 5 - 12
(4) سورة البقرة - الآية 183
(5) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 7 - 9 - 5 - 12
128

بل لعله المفهوم من الوصال، ضرورة كون المنساق منه وصال اليومين بالصوم،
وقوله تعالى: " ثم أتموا الصيام إلى الليل " لا دلالة فيه إلا على عدم وجوب
الصيام بعد الليل دون الحرمة، وظاهر المحكي عن اقتصاد الشيخ في المختلف أن
صوم الوصال جعل عشائه سحوره أو طي يومين، ويقرب منه ما في الروضة من أنه أن ينوي صوم يومين فصاعدا بحيث لا يفصل بينهما بفطر، أو صوم يوم إلى وقت
متراخ عن الغروب، ومنه أن يجعل عشاءه سحوره بالنية، ولعله كذلك بناء على
أن مبنى الحرمة فيه التشريع، ضرورة اشتراك الجميع فيه على هذا التقدير، نعم
تظهر ثمرة الخلاف بناء على كونه محرما لنفسه وإن خلا عن التشريع، ولعل
الأقوى حينئذ ما في الاقتصاد من كونه الأعم من الأمرين جمعا بين النصوص،
وعلى الأول يتجه عدم الحرمة إذا أخر الافطار بغير النية، أو تركه رأسا ليلا،
لعدم التشريع حينئذ، بل يظهر من الفاضل وغيره أنه لا وصال مع عدم النية،
بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، قيل: لأن تناول المفطر أمر مباح
لا دليل على وجوبه، ولا ظهور للنصوص ولا كلام الأصحاب في الاطلاق، فإن
الظاهر منهما ملاحظة النية التي هي معتبرة في مفهوم في الصيام شرعا، فبمجرد ترك
الافطار لا يصدق صيام يومين مثلا، وكذا لو نوى ترك الافطار أو تأخيره في
الليل أو في أثناء النهار من غير أن يجعل ذلك في نية الصوم لم يؤثر فيه فسادا ولا
حرمة، قلت: لكن في المدارك أن الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك، إذ المستفاد
من الرواية تحقق الوصال بتأخير الافطار إلى السحر مطلقا، وربما يؤيده قوله (عليه السلام)
فيما تقدم في مسألة تأخير الافطار عن الصلاة أنه قد حضر فرضان فابدأ بأفضلهما
وأفضلهما الصلاة، وما في المحكي من نكاح المبسوط أن من خصائص النبي (صلى الله عليه وآله)
إباحة الوصال، قال: وهو أن يطوي الليل بلا أكل وشرب مع صيام النهار لا أن
يكون صائما، لأن الصوم في الليل لا ينعقد، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطرا
129

بلا خلاف، ونحوه عن نكاح التذكرة أيضا، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) الثامن (أن تصوم المرأة ندبا بدون إذن زوجها أو مع نهيه لها)
لقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1): " ليس للمرأة أن تصوم تطوعا
إلا بإذن زوجها " وقوله (عليه السلام) في خبره الآخر أيضا (2): " جاءت امرأة إلى
النبي (صلى الله عليه وآله) فسألت ما حق الزوج على المرأة؟ فقال: أن تطيعه ولا تعصيه،
ولا تتصدق من بيته إلا بإذنه، ولا تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها وإن
كانت على ظهر قتب " وقال الصادق (عليه السلام) في خبر عمرو بن حبيب العرزمي (3):
" جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟
فقال: هو أكثر من ذلك، فقالت: أخبرني بشئ من ذلك، فقال: ليس لها
أن تصوم إلا بإذنه " وفي خبر الزهري (4) عن علي بن الحسين (عليهما السلام)
" وأما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، والعبد لا يصوم
تطوعا إلا بإذن مولاه ومرسل قاسم بن عروة (5) " لا يصلح للمرأة أن تصوم
تطوعا إلا بإذن زوجها " كل ذلك مضافا إلى ما تقدم سابقا من النصوص (6) في
الولد والضيف المشتملة على ذلك وعلى العبد أيضا، وإلى ما في المعتبر من الاجماع
عليه أيضا كالاجماع عليه بالنسبة إلى العبد.
ولذا قال المصنف: (وكذا المملوك) الذي حكى في المدارك الاجماع على

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 1 - 3 - 4 والثالث عن عمرو بن جبير العزرمي
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 1 - 3 - 4 والثالث عن عمرو بن جبير العزرمي
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 1 - 3 - 4 والثالث عن عمرو بن جبير العزرمي
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه
130

عدم انعقاد صومه بدون الإذن فضلا عن النهي، وإلى ما ذكره غير واحد من
الأصحاب من ملك المولى والزوج من منافعهما ما ينافي الصوم، ولا سيما في المرأة
والأمة، لكن عن علم الهدى وجماعة منهم سلار وابن حمزة التصريح بالكراهة،
ويقرب من ذلك ما عن ابن زهرة من استحباب أن لا يصوما بدون الإذن حاكيا
عليه الاجماع، بل لعله هو الذي يعطيه ما عن النهاية في المرأة، قال: " وأما صوم
الإذن فلا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، فإن صامت من غير إذن جاز له
أن يفطرها ويواقعها " اللهم إلا أن يكون المراد منها ما في السرائر " وأما صوم
الإذن فلا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، فإن صامت من غير إذنه فلا ينعقد
صومها ولا يكون شرعيا، وله مواقعتها فيه وإلزامها الافطار، ويجب عليها
مطاوعته " فترجع حينئذ إلى ما في محكي المبسوط، وأما التفصيل بين عدم الإذن
والنهي فيكره في الأول ويحرم في الثاني فلم أجد به قائلا هنا سوى ما يظهر من
الشهيد في اللمعة، كما أني لا أعرف له دليلا سوى ما عرفته سابقا في حكم الضيف
والولد، وسوى ما عساه يقال من حمل جميع ما في هذه النصوص على الكراهة
بقرينة " لا يصلح " في المرسل المزبور، وضمهما مع الولد والضيف اللذين قد عرفت
الحال فيهما، وغير ذلك مما عرفته فيما تقدم، مضافا إلى ضعف سند جملة منها،
وإلى خبر علي بن جعفر (1) المروي في المحكي من كتابه عن أخيه (عليه السلام) " سألته
عن المرأة تصوم تطوعا بغير إذن زوجها قال: لا بأس " ودعوى الملكية للمنفعة
على وجه تمنع من الصوم بدون الإذن واضحة المنع، خصوصا بعد تجويز
الاستمتاع للزوج وأن الصوم لا يمنعه، وخصوصا بعد تجويز ما لا ينافي منافع
السيد من العبادات الشرعية كالذكر والتفكر ونحوهما، بل قد يمنع وجوب طاعة

(1) الوسائل - الباب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 5
131

السيد في نحو ذلك لو صرح بالنهي، لاطلاق أدلة شرعيتها، الشامل للعبد والحر،
فإنه وإن كان بيته وبين ما دل على وجوب طاعة السيد تعارض العموم من وجه
إلا أنه قد يمنع تحكيمه، على أن ذلك إن سلم في العبد فلا يسلم في الزوجة المعلوم
عدم وجوب طاعتها للزوج في ذلك ونحوه مما لا ينافي الاستمتاع، ومقتضى ذلك
صحة الصوم مع النهي فضلا عن عدم الإذن، اللهم إلا أن ينعقد إجماع عليه،
فإني لا أجد خلافا فيه، إذ من ذكرنا عنهم الخلاف إنما هو منهم في عدم الإذن
واحتمال إرادتهم منه ما يشمل النهي بعيد، فيبقى حينئذ هو مظنة الاجماع،
أما مع عدمه فلا يخلو القول بالحصة من قوة، لما عرفت، خصوصا مع غيبة
الزوج ونشوزه ومرضه ونحو ذلك مما لا معارضة فيه لحقه، وسيما في الطفل ونحوه
بل قد يشك في تناول تلك النصوص له، ضرورة ظهورها في كون الزوج ممن له
أهلية، ودعوى الانتقال إلى وليه كما ترى، ومن الغريب ما في المدارك
هنا لظهوره في أن الحكم بعدم الصحة في الزوجة والعبد من المسائل المفروغ عنها
والمسألة الواضحة، خصوصا في العبد حيث إنه لم ينقل فيها خلافا ولا ترددا، وقد
ظهر لك حقيقة الحال، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك بل في سائر الأفعال
المندوبة التي تنافي الاستمتاع في الجملة أو الخدمة، فتأمل جيدا، والله أعلم.
(و) التاسع (صوم الواجب سفرا عدا ما استثني) من المنذور سفرا
وحضرا وثلاثة الهدي والثمانية عشر بدل البدنة كما عرفت الحال فيه مفصلا،
وأما صوم الدم (1) فإنه وإن روى الزهري (2) في خبره عن علي بن الحسين
(عليهما السلام) حرمته فيه، كالوارد في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) (3) لكن قيل:

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " وأما صوم الدهر "
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 2 - 3
132

إن المراد به مع صوم الأيام المحرمة، أما بدونها فلا، إجماعا على الظاهر إلا من
بعض متأخري المتأخرين، ويمكن إرادة الكراهة من الحرمة فيهما كما أفتى بها
الشهيد في الدروس، وقال الصادق (عليه السلام) لما سأله زرارة (1) عنه: " لم يزل
مكروها " وفي خبر آخر له (2) أيضا " لم نزل نكرهه " وقال سماعة (3): " سألته
عنه فكرهه، وقال: لا بأس بأن يصوم يوما ويفطر يوما " واحتمال العكس يدفعه
ما عرفت من اتفاق الأصحاب على الظاهر، بل ربما أشعر التشبيه به في نصوص (4)
بعض الأيام المستحبة بأنه أفضل الأفراد، وفي كتاب الملهوف لابن طاووس (5)
" إن زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله " والله أعلم.
(النظر الثالث في اللواحق، وفيه مسائل):
(الأولى المرض الذي يجب مع الافطار ما يخاف منه الزيادة بالصوم،
ويبني في ذلك على ما يعلمه في نفسه أو يظنه لا مارة كقول عارف) بل قد عرفت
فيما تقدم الاكتفاء بالخوف الذي يتحقق بالاحتمال المعتد به وإن لم يصل إلى حد
الظن كما سمعت تفصيل الكلام في ذلك (و) فيما (لو صام مع تحقق الضرر متكلفا
قضى) وفي غيره مما يتعلق بهذه المسألة،
بل والمسألة (الثانية) التي هي أن
(المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب عليه ذلك) في الصوم والصلاة
(و) حينئذ ف‍ (لو صام عالما بوجوبه) أي القصر لم يجزه ذلك و (وجب)
عليه (قضاؤه) المأمور به في الكتاب والسنة والفتاوى
(نعم إن كان جاهلا)

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1 - 4 - 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1 - 4 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1 - 4 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 5 و 8
و 15 وغيرها
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الصوم المحرم والمكروه - الحديث 1 - 4 - 5 - 6
133

بالوجوب أجزأه ذلك و (لم يقضه) نحو ما سمعته في الصلاة، ولا يلحق به
الناسي كما قدمنا الكلام فيه آنفا، بل وتقدم في كتاب الصلاة ما له نفع في المسألة
هنا، فلاحظ وتأمل، والله أعلم.
المسألة (الثالثة) لا خلاف أجده في أن (الشرائط المعتبرة في قصر
الصلاة معتبرة في قصر الصوم) للاشتراك في الأدلة، بل (ويزيد) الصوم (على
ذلك) عند الشيخ وابني حمزة والبراج والفاضلين في المعتبر والكتاب والنافع
والتلخيص باعتبار (تبييت النية للسفر، فإن لم يبيتها أتم صومه، بل في خلاف
الأول منهم الاجماع عليه، كما أنه في السرائر نفي الخلاف عن الافطار مع التبييت
أي وقت خرج بعد طلوع الفجر، نعم قال في النهاية: " ومتى بيت نيته للسفر
من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقية النهار،
وعليه القضاء " ونحوه عن الاقتصاد والجمل، وقال في المبسوط: " ومن سافر
عن بلده في شهر رمضان وكان خروجه قبل الزوال فإن كان يبيت نية السفر أفطر
وعليه القضاء، وإن كان بعد الزوال لم يفطر، ومتى لم يبيت النية للسفر وإنما
تجددت له أتم ذلك اليوم ولا قضاء عليه " فإن أراد من عدم الافطار الامساك
تعبدا كان نحو ما سمعته من النهاية، وإلا كما عساه يومي إليه التعبير بالافطار -
كان قولا آخر، وأظهر منه في ذلك ما في الخلاف من إطلاق حرمة الافطار على
من تلبس بالصوم أول النهار ثم سافر آخره محتجا عليه بالاجماع وبالاستصحاب
وبقوله تعالى: " أتموا الصيام إلى الليل " ضرورة ظهوره في الاجتزاء بهذا الصوم
وإن كان قد بيت النية، كظهور ما في كتابي الأخبار من التخيير للمسافر بعد
الزوال بين الصوم والافطار، وأفضلية الأول في ذلك أيضا، مع احتمال الجميع
إرادة الامساك، فيتفق ما في كتبه جميعها، وعلى كل حال فقد اشترط في جميعها
على ما حكي عن بعضها التبييت في جواز الافطار وقيل والقائل المفيد
134

والإسكافي وأبو الصلاح والفاضل في أكثر كتبه والشهيدان وغيرهم: (لا يعتبر)
ذلك (بل يكفي) في جواز إفطاره (خروجه قبل الزوال) وإن لم يكن مبيتا
للسفر إلا أن أبا الصلاح منهم أوجب الامساك تعبدا مع القضاء لو خرج بعد
الزوال (وقيل) والقائل علي بن بابويه واختاره في السرائر: (لا يعتبر) ذلك
(أيضا، بل يجب القصر ولو خرج قبل الغروب) ولم يكن مبيتا للسفر، فتكون
الأقوال حينئذ ستة أو سبعة.
(والأول) منها (أشبه) عند المصنف ومن عرفت، لمضمر أبي بصير
المرسل (1) " إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتم الصوم
واعتد به من شهر رمضان " وخبر علي بن يقطين (2) عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)
" في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال: إذا حدث نفسه في الليل
بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، وإن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر
من يومه أتم صومه " وخبر رفاعة (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعرض
له السفر في شهر رمضان حين يصبح قال: يتم صومه ذلك " وخبر سليمان بن جعفر
الجعفري (4) " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل ينوي السفر في شهر
رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح قال: إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه
صيام ذلك اليوم إلا أن يدلج دلجة " وخبر أبي بصير (5) " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فإن خرجت
قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم " وصحيح صفوان (6)
عن الرضا (عليه السلام) في حديث، قال: " ولو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 12 - 10 - 5 - 6 - 13 - 11
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 12 - 10 - 5 - 6 - 13 - 11
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 12 - 10 - 5 - 6 - 13 - 11
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 12 - 10 - 5 - 6 - 13 - 11
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 12 - 10 - 5 - 6 - 13 - 11
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 12 - 10 - 5 - 6 - 13 - 11
135

وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والافطار، فإن هو أصبح ولم ينو
السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك) وللأمر
بالاتمام في الآية (1) الشامل للخارج قبل الزوال خرج منه المبيت بالاجماع، فيبقى
ما عداه، ولاستصحاب صحة صومه المعتضد بظاهر قوله تعالى (2): " ولا تبطلوا
أعمالكم " ضرورة أنه إذا كان السفر بدون تبييت فهو حاصل بعد انعقاد الصوم،
بخلاف ما إذا كان مبيتا، فإنه لم ينو الصوم فلم ينعقد، بل في المعتبر ولو قيل يلزم
على ذلك لو لم يخرج أن يقضيه التزمنا ذلك، فإنه صامه من غير نية إلا أن يجدد
ذلك قبل الزوال.
إلا أن الجميع كما ترى، إذ النصوص فيه - مع ضعف السند في أكثرها
وضعف الدلالة في بعضها، ومخالفتها لما سمعته من الشيخ من القضاء، وعدم
الاعتداد به من شهر رمضان، مع عدم دلالتها على تمام الدعوى، وموافقتها كما
في الحدائق للمحكي عن الشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي وأبي ثور والنخعي
ومكحول والزهري - معارضة بما هو أصح منها سندا وأقوى دلالة، كصحيح
الحلبي (3) عن الصادق (عليه السلام) " أنه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر
وهو صائم، فقال: إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم،
وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه " وصحيح محمد بن مسلم (4) عنه (عليه السلام) أيضا
" إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم

(1) سورة البقرة - الآية 183
(2) سورة محمد (صلى الله عليه وآله) - الآية 35
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2 - 1
136

ويعتد به من شهر رمضان " وحسن زرارة أو صحيحه (1) عنه (عليه السلام) أيضا " في
الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر، قال: إن خرج قبل الزوال فليفطر
وإن خرج بعد الزوال فليصم " وموثقه (2) عنه (عليه السلام) أيضا " إذ أخرج الرجل
في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام، فإذا خرج قبل الزوال أفطر " والجمع
بينها باعتبار التبييت والخروج قبل الزوال في الافطار يقتضي الاعتداد بالصوم
ووجوبه مع فقدهما أو أحدهما، وهو خلاف ما سمعته من صريح النهاية ومحتمل
غيرها، بل لم أتحقق قائلا به ممن اعتبر التبييت أو أنه نادر كما عرفت، على أنه
فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه وقد أشرنا إلى بعضها، فلا بأس حينئذ بطرح
ما لا يقبل التقييد منها بهذه إن كان، وتقييد الباقي بها، كل ذلك مضافا إلى
ما في عدم الدلالة في بعضها كخبر الادلاج (3) بل قيل: إنه لم يقل به أحد،
ضرورة ظهوره في عدم الاكتفاء بالتبييت، بل لا يبعد أن يكون مبنى هذا الخبر
على حرمة السفر في شهر رمضان من بعد الفجر إذا لم تدع حاجة إليه، لاستلزامه
إبطال الصوم الواجب، فلذلك كل عليه إتمام الصوم، بخلاف ما إذا أدلج، فإنه
لم يقطع صومه وإن لم يضطر إلى السفر، بل قيل: إنه يجوز أن يكون تبييت النية
في النصوص المزبورة كناية عن السفر المضطر إليه بناء على الغالب، كما أنه قيل:
يحتمل في خبر علي بن يقطين (4) منها عدم السفر أصلا، إلى غير ذلك مما قيل أو
يقال فيها على حسب غيرها من النصوص التي ثبت رجحان غيرها عليها، واستصحاب
الصوم والأمر بالاتمام والنهي عن الابطال بناء على شمولها لمثل المقام يجب الخروج
عنها بنصوص الزوال.

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3 - 4 - 6 - 10 والأول والثاني عن عبيد بن زرارة
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3 - 4 - 6 - 10 والأول والثاني عن عبيد بن زرارة
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3 - 4 - 6 - 10 والأول والثاني عن عبيد بن زرارة
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3 - 4 - 6 - 10 والأول والثاني عن عبيد بن زرارة
137

ودعوى عدم النية مع التبييت مع عدم جريانها في المتردد يدفعها منع المنافاة
بين نية الصوم ونية السفر، ضرورة الاكتفاء في تحقق الأولى بأصالة عدم وقوعه
منه وإن بيت نيته، إذ ذلك أعم من وقوعه، وليس السفر من المفطرات كي
يجب العزم على عدمه، في أصل نية الصوم، وإنما هو مناف له بمعنى أنه يرتفع
وجوب الصوم عند تحققه، فلا يقدح حينئذ العزم عليه في نية الصوم في حال عدم
وقوعه الذي هو الموافق للأصل العقلي، وكذا المتردد في وقوعه، واستوضح
ذلك في منافيات الصوم القهرية كالحيض ونحوه مع فرض التردد في حصولها أو الظن
فإنه لا إشكال في تحقق النية لذويها اعتمادا على ذلك الأصل الشرعي الذي لا يتفاوت
جريانه بين الاختياري والاضطراري، ومن هنا يمكن دعوى الاجماع على خلاف
ما التزمه المصنف، إذ كلام الشيخ الذي هو الأصل في المذهب المزبور صريح في
اعتبار الخروج مع التبييت في الافطار ووجوب القضاء، وأنه لا يكفي الثاني عن
الأول، فمن حكى عنه ذلك كان مخطئا بالحكاية، وإن كان أول عبارته في النهاية
قد يعطي ذلك، إلا أن آخرها صريح فيما قلناه.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى ما اختاره المفيد وجماعة لصحة دليله
وصراحته، وأما ما ذهب إليه علي بن بابويه فلم نجد له دليلا بعد إطلاق الآية
المنزل على التفصيل المزبور، كاطلاق ما دل على التلازم بين القصر والافطار سوى
مضمر عبد الأعلى مولى آل سام (1) " في الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال:
يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل " الضعيف سندا بل ودلالة بما قيل
من احتمال كون " حرج " فيه بالحاء المهملة، فيكون الظرف فيه متعلقا بقوله:
" يفطر " والمعنى حينئذ أن على المسافر في شهر رمضان أن يتناول مفطرا ولو قبل

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 14
138

مغيب الشمس وإن كان يعسر عليه ذلك، إجراء للسنة: ومخالفة للمنافقين الذين
يصومون في السفر، وعلى كل حال فمثله لا يصلح معارضا لتلك النصوص، كما أن
صحيح رفاعة بن موسى - (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يريد السفر في
شهر رمضان قال: إذا أصبح في بلده ثم خرج فإن شاء صام وإن شاء أفطر " -
كذلك، لعدم قائل بمضمونه، نعم احتمل العلامة في المختلف العمل به فيما بعد
الزوال، قال: وإنما قيدنا بذلك للجمع بين الأخبار، وفي المدارك هذا الحمل بعيد
نعم لو قيل بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيدا، وبذلك يحصل الجمع
بين الأخبار، قلت: بل هو أبعد من ذلك، بل لعل التأمل في النصوص فضلا عن
الفتاوى يورث القطع بعدم ذلك، ومنه يعلم ضعف ما سمعته من الشيخ من
التخيير للمبيت لو خرج بعد الزوال، لعدم دليل معتد به له، كعدم دليل له فيما
ذكره هو وغيره من وجوب الامساك عليه تعبدا، ضرورة بطلان إرادة ذلك من
لفظ الصوم في تلك النصوص، خصوصا مع التصريح في بعضها بالاعتداد به من
شهر رمضان، وقد بان لك بحمد الله ضعف الجميع، وأن الأقوى التفصيل بين ما
قبل الزوال وبعده من غير مدخلية للتبييت وعدمه، وإن كان الاحتياط الذي هو
ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه، وهو هنا يحصل بالتبييت مع الخروج قبل الزوال
دون غيره، لدوران الأمر بين وجوب الصوم وحرمته فيما عداه، فتأمل جيدا،
والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (كل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم)
فيه (وبالعكس) اللغوي، أي كل سفر يجب قصر الصوم فيه يجب قصر الصلاة
فيه، لا الاصطلاحي الذي هو العكس المستوي بقرينة قوله: (إلا لصيد التجارة

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 7
139

على قول) ضرورة كون الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، وهو يقضي بكون
المستثنى منه موجبة كلية، فلا يكون من المصطلح، على أن ذلك هو مقتضى أدلة
المقام من النصوص وغيرها، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن وهب (1):
" هما واحد إذا قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت " كخبر سماعة (2) عنه
(عليه السلام) " ليس يفترق التقصير والافطار، فمن قصر فليفطر " أي ومن أفطر فليقصر
مضافا إلى كون المناط فيهما معا السفر، قال في صحيح عمار بن مروان (3):
" من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره في الصيد أو في معصية الله أو
رسولا لمن يعصي الله أو في طلب شحناء أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين "
وقال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر تغلب (4): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خيار أمتي الذين
إذا سافروا أفطروا أو قصروا " الخبر، وقال المرتضى (رحمه الله) في الانتصار:
" لا خلاف بين الأمة في أن كل سفر أسقط فرض الصيام ورخص في الافطار فهو
بعينه موجب لقصر الصلاة " ونحوه في الغنية.
فما عن الشيخ في النهاية والمبسوط وابن حمزة - من الفرق بينهما فيما إذا
كانت المسافة أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه بتحتم الصوم والتخيير في الصلاة
بين القصر والاتمام، إلا ابن حمزة اشترط في التخيير المزبور إرادة الرجوع من
الغد - واضح الضعف، خصوصا بعد إطلاق الآية (5) القضاء في الصوم بمطلق

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة المسافر - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 6
عن أبان بن تغلب
(5) سورة البقرة - الآية 181
140

السفر، كقول الصادق (عليه السلام) (1): " إذ أخرج الرجل في شهر رمضان مسافرا
أفطر " وقوله (عليه السلام) في صحيح ليث (2): " إذا سافر الرجل في شهر رمضان
أفطر " وكذا ما فرقناه بينهما في كثير السفر إذا أقام في بلده خمسة أيام
بالتقصير في صلاة النهار دون الصوم وصلاة الليل، ووافقهما عليه ابن البراج أيضا
على ما قيل، ولا ريب في ضعفه، وأضعف من ذلك القول الذي أشار إليه المصنف
وإن حكى ابن إدريس الاجماع عليه، إلا أنا لم نتحققه، بل المتحقق خلافه،
وهو قول الشيخ في النهاية والمبسوط بالفرق بينهما في صيد التجارة بالاتمام في
الصلاة والقصر في الصوم، إذ لا دليل عليه، فضلا عن مخالفته للأدلة، وخبر
زرارة (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصيد اليوم واليومين والثلاثة
أيقصر الصلاة؟ قال: لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين، وأن التصيد مسير
باطل لا تقصر الصلاة فيه " صريح فيما لا يقوله الخصم من كون التصيد مسير باطل
فلا ينبغي أن يفطر فيه أيضا، ضرورة عدم كون الصيد للتجارة من ذلك، وإلا
لم يكن للافطار فيه وجه، وهو واضح، كخبر عبيد ولده (4) " سألته أيضا عن
الرجل يخرج إلى الصيد أيقصر أو يتم؟ قال: يتم لأنه ليس بمصير حق " نعم في
مرسل عمران بن محمد بن عمران القمي (5) عنه (عليه السلام) " قلت: الرجل يخرج إلى
الصيد مسيرة يوم أو يومين يتم أو يقصر؟ فقال: إن خرج لقوته وقوت عياله

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح من الصوم - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب من يصح الصوم - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صلاة المسافر - الحديث 7 وهو
خبر ابن بكير كما تقدم في كتاب الصلاة ج 1 ط ص 258
(4) الوسائل - الباب صلاة المسافر - الحديث 4 - 5
(5) الوسائل - الباب صلاة المسافر - الحديث 4 - 5
141

فليفطر ويقصر، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة " وفي خبر حماد بن
عثمان (1) عنه (عليه السلام) في قوله الله عز وجل (2): " فمن اضطر غير باغ ولا عاد "
قال: " الباغي باغي الصيد، والعادي السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا
اضطرا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، وليس لهما أن
يقصرا في الصلاة " وفيه أن المراد بالفضول في الأول صيد اللهو لا صيد التجارة
الداخل في صيد القوت للعيال، على أن ظاهره القصر فيهما معا لا خصوص الصوم
وأنه الذي لا تحل له الميتة صائد المعصية لا التجارة التي لو كانت منهما لم يكن وجه
للفرق بين الصوم والصلاة، ويمكن قراءة الأخير بكسر الصاد بمعنى الملوك
الصيد المتكبرين، والباغي منهم الخارج على الإمام كما فسر به، والعادي باللص
في مرسل البزنطي (3) وغيره، لكن في خبر حماد بن عثمان (4) عنه (عليه السلام)
" الباغي طالب الصيد والسارق ليس لهما أن يقصرا من الصلاة " وليس لهما إذا
اضطرا إلى الميتة أن يأكلاها، ولا يحل لهما ما يحل للناس " وفي المحكي عن معاني
الأخبار وروي (5) " أن العادي اللص، والباغي الذي يبغي الصيد لا يجوز لهما
التقصير في السفر ولا أكل الميتة في الاضطرار " إلا أنهما كما ترى ظاهران في
صيد اللهو، ولذلك لم يكن محلا للرخصة الشرعية التي منها الافطار في السفر،

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة المسافر - الحديث 2 وفيه
" قال: الباغي الصيد والعادي السارق... الخ "
(2) سورة البقرة - الآية 168
(3) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 5 - 4 من كتاب الأطعمة والأشربة
(4) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب صلاة المسافر - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 5 - 4 من كتاب الأطعمة والأشربة
142

لا صيد التجارة الذي هو محل البحث، كما هو واضح، فبان لك من ذلك كله
ضعف القول المزبور وغيره مما فرق بين الصلاة والصوم، مضافا إلى ما تقدم
في كتاب الصلاة مما له نفع في هذه المسائل، ولقد أطنب الفاضل في المختلف
في الاستدلال على فساد القول المزبور، لكنه لما لا ينطبق على أصول الإمامية
وقواعدها، ولا ينافي ثبوت الحكم للدليل لو كان، فلاحظ وتأمل.
نعم ربما فرق بينهما في الأماكن الأربعة التي يخير فيها في الصلاة بين القصر
والاتمام، بل الاتمام أفضل، بخلاف الصوم، فإن الظاهر عدم جوازه فيها، وفي
المسالك أنه يمكن تكلف الغناء عن استثنائها من الكلية في المتن ونحوه بالتزام
كون القصر فيها واجبا تخييريا بينه وبين التمام، لأن الواجب وهو الصلاة لا تتأدى
إلا بأحدهما، فيكون واحد منهما موصوفا بالوجوب كالجهر والاخفات في بمسلة
القراءة الواجبة الاخفاتية، وحينئذ ينطبق على الكلية المزبورة في المتن وغيره،
قلت: ويمكن أن يقال إن المراد منها كون السفر الموجب للافطار موجبا للقصر
وورود أحد الأماكن ليس من السفر في شئ، وأما الفرق بينهما في المسألة
السابقة وهي فيما لو سافر بعد الزوال فقد يقال بعدم اندارجه في الكلية، لأنه
باعتبار كونه بعد الزوال كالذي قد فرغ منه، فلا يؤثر السفر فيه، كما يومي
إليه حكم القادم من السفر، فإنه قبل الزوال يصوم إذا لم يكن قد تناول شيئا،
بخلافه بعد الزوال، بل وناسي النية ونحوه مما يشعر يكون الزوال منتهى الخطاب
بالصوم، فلا يندرج حينئذ في الكلية، أو يلتزم تخصيصها بذلك للأدلة السابقة
والله أعلم.
والأمر سهل بعد وضوح الحكم كوضوح الحكم في المسألة (الرابعة)
التي هي أن (الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفرا يلزمهم الصوم، وهم الذين سفرهم
أكثر من حضرهم ما لم يحصل لأحدهم إقامة عشرة أيام في بلده أو غيره) بلا خلاف
143

أجده في شئ من ذلك، ولا إشكال كما عرفته في كتاب الصلاة (و) لكن في
المتن هنا (قيل: يلزمهم الاتمام مطلقا عدا المكاري) ولم نظفر بقائله كما اعترف
به في المدارك، وعن بعض شراح النافع ولعل المصنف سمعه من معاصر له في غير
كتاب مصنف.
و (الخامسة) أيضا، وهي (لا يفطر المسافر حتى يتوارى عنه
جدران بلده أو يخفى عليه أذانه) بعد الإحاطة بما قدمناه في كتاب الصلاة فيها
وفي غيرها من الفروع المتعلقة في المقام (فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء
الكفارة) بلا خلاف ولا إشكال، وإنما الكلام في ظهور سقوطها لو استمر على
السفر حتى خفي عليه ذلك، وقد قدمنا تحقيق الحال فيها وفي نظائرها، والله أعلم.
المسألة (السادسة الهم و) الشيخ والمرأة (الكبيرة وذو العطاش)
بضم العين، وهو داء لا يروى صاحبه ذكر أو أنثى (يفطرون في رمضان)
بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه من غير فرق بين عجزهم عنه
(و) بين كونه شاقا عليهم مشقة لا تتحمل، نعم (يتصدقون عن كل يوم بمد
من طعام) وفاقا للصدوقين وبني أبي عقيل والجنيد والبراج وسعيد والشيخ والفاضل
وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، لصحيح ابن مسلم (1) " سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول: الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان
ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام، ولا قضاء عليهما، فإن لم
يقدرا فلا شئ عليهما " ونحوه صحيحه الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم
الحديث 1 - 2 لكن الثاني عن أبي عبد الله عليه السلام
144

إلا أنه قال: " ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام " وجمع
بينهما الشيخ في محكي التهذيب والنهاية والمبسوط بالفداء بمدين، فإن لم يقدرا فبمد
ولا شاهد له، وأولى منه ما في الاستبصار من الجمع بالندب، لأصالة البراءة من
الزائد، ولأنه مقتضى التخيير بين الأقل والأكثر الذي هو مقتضى الأمر بهما في
الخبرين، مضافا إلى قصور الخبر المزبور عن تقييده غيره مما تضمن المد من الصحيح
الأول والصحيح الآخر (1) أيضا في قول الله عز وجل (2): " وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام ومسكين " قال: " الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش "
بناء على أن طعام المسكين مد، وخبر عبد الملك بن عتبة الهاشمي (3) " سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في
شهر رمضان فقال: تصدق في كل يوم بمد من حنطة " وصحيح عبد الله بن
سنان (4) أو حسنة " سألنه عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان قال:
يتصدق كل يوم بما يجزي من طعام مسكين " ومرسل ابن بكير (5) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) في قول الله تعالى: " وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين " قال:
" الذين يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد "
وخبر أبي بصير (6) المروي عن تفسير العياشي سألته عن قول الله عز وجل:
" وعلى الذين " إلى آخره، قال: " هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع والمريض "
وخبر رفاعة المروي (7) عنه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية أيضا، قال:
" المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير " وصحيح الحلبي (8) عن أبي عبد الله

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9
(2) سورة البقرة - الآية 180
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
145

(عليه السلام) سألته " عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان فقال: يتصدق بما يجري
عنه من طعام مسكين لكل يوم مد " وخبر الكرخي (1) " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع والسجود
فقال: ليؤم برأسه - إلى أن قال -: قلت: فالصيام قال: إذا كان في ذلك الحد
فقد وضع الله عنه، فإن كانت له مقدرة فصدقة مد من طعام بدل كل يوم أحب
إلي، وإن لم يكن له يسار فلا شئ عليه " وخبر أبي بصير (2) المروي عن نوادر
ابن عيسى، قال أبو عبد الله (عليه السلام): " أيما رجل كبر لا يستطيع الصيام أو مرض
من رمضان إلى رمضان ثم صح فإنما عليه كل يوم أفطر فيه فدية طعام، وهو
مد لكل مسكين " وخبره الآخر (3) عنه (عليه السلام) أيضا " قلت له: الشيخ الكبير
لا يقدر أن يصوم فقال: يصوم عنه بعض ولده، قلت: فإن لم يكن له ولد، قال:
فأدنى قرابته، قلت: فإن لم يكن له قرابة، قال: يتصدق بمد في كل يوم، فإن لم
يكن عنده شئ فليس عليه " وخبر داود بن فرقد عن أبيه (4) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " فيمن ترك الصيام قال: إن كان من مرض فإذا بري فليقضه، وإن كان
من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد " وهي - مع اشتمالها جميعا على المد - دالة على أصل
الحكم، وما في الأخير منها: من صيام الولد أو غيره من ذوي القرابة عن الشيخ -
لم أجد عاملا بما يظهر منه من وجوب ذلك في زمن حياته، نعم حمله الشيخ كالشهيد
في الدروس على الندب، ولا بأس به وإن كان مستغربا.

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 10 - 12 - 11
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 10 - 12 - 11
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 10 - 12 - 11
(4) الوسائل - الباب - 10 - من الصوم المندوب - الحديث 1 وفيه
" فيمن ترك صوم ثلاثة أيام في كل شهر... الخ "
146

(ثم) على كل حال (إن أمكن القضاء) بعد ذلك (وجب) كما نص
عليه الفاضل وغيره لعموم " من فاتته " ولأن بعض أفراد ذي العطاش أو جميعها
من المرض الواجب قضاء ما فات به في الآية والرواية، لكن قد يشكل ذلك فيما لو
صام عنه ولده أو ذو قرابته بناء على مشروعيته، فتأمل وإلا سقط ولا ينافي
ذلك نفيه في صحيح ابن مسلم السابق (1) بعد انصرافه حتى في ذي العطاش الذي
هو كانقلاب المزاج لحرارة في الكبد أو غيره إلى الغالب من عدم التمكن من
القضاء اللهم إلا أن يقال إن نفيه ظاهر في حال التمكن منه لا عدمه، وفيه أنه
يمكن أن يكون المراد منه بيان أن حالهما عدم القضاء كالأداء أو بيان عدم القضاء
عنهما لو ماتا أو نحو ذلك، فتأمل، بل الظاهر وجوب الفدية أيضا مع ذلك كما نص
عليه في الدروس، لاطلاق ما دل عليهما، وليس ذلك جمعا بين العوضين، إذ يمكن
بل لعله الظاهر كون الفدية كفارة عن صورة تعمد إفطار اليوم لا قضائه،
فلا ينافيه حينئذ غلبة عدم التمكن من القضاء حتى ينزل إطلاقها عليه، مع أنه
لا دليل عليه ولا داعي إليه، فتأمل، اللهم إلا أن يقال إن لفظ الاجزاء في
صحيح الحلبي (2) وحسن ابن سنان (3) ظاهر في إرادة الاجزاء عن الصوم
وكونه بدلا عنه، وفيه أن مقتضاه الاكتفاء بالصدقة وسقوط القضاء لا العكس
الذي هو محل البحث، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فقد بان لك الدليل على أصل الحكم وفروعه (و) لكن
ومع ذلك (قيل) والقائل المفيد وعلم الهدى وسلار وابنا زهرة وإدريس
والفاضل في المختلف: (إن عجز الشيخ والشيخة سقط التكفير كما يسقط الصوم،

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث - 1 - 9 - 5
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث - 1 - 9 - 5
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث - 1 - 9 - 5
147

وإن أطاقاه بمشقة كفرا) بل حكى الثاني والرابع منهم الاجماع عليه للأصل،
ومناسبة الفدية لكون المفدى مقدورا عليه في الجملة، وصحيح ابن مسلم (1)
المتقدم في تفسير الآية الظاهر في كون الشيخ الكبير وذوي العطاش يطيقان الصوم
ومن المعلوم أن منهما من لا يطيقه، فلا بد من حمله على تخصيص الفدية بمن أطاقه
منهما دون من لا يطيقه، وظهور جملة مما دل عليها في المطيق كالمتضمن لفظ
" يضعف " و " لا حرج " ونحوهما، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة انقطاع
الأصل ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه، ومنع المناسبة المزبورة أو عدم صلاحيتها
دليلا، ومعارضة صحيح ابن مسلم بغيره من الأخبار الواردة في تفسير الآية التي
ادعى بعضهم أنها منسوخة، فتخرج حينئذ عما نحن فيه، وعدم انحصار الدليل
في الخبر الظاهر في ذلك بعد تسليم ظهوره، وأما الاجماع المحكي فهو موهون بما
عرفت، ومن الغريب الاستدلال بقوله (عليه السلام): " فإن لم يقدرا " في صحيح ابن
مسلم (2) وقوله (عليه السلام): " فإن كانت له قدرة " في خبر الكرخي (3) بتخيل
كون المراد القدرة على الصوم، وهو كما ترى، إذ لا ريب في ظهورهما أو صراحتهما
خصوصا خبر الكرخي في إرادة القدرة على الصدقة، كما هو واضح.
ومن هنا قال المصنف: (والأول أظهر) لكن ظاهره أن القول المزبور
إنما هو في الشيخين دون ذي العطاش، وليس كذلك، فإن سلار على ما حكي
عنه قد نفي الفدية عنه مع اليأس من برئه، وعن ابن حمزة التوقف فيها وإن كانا
محجوجين بما عرفت، بل قطع المحقق الشيخ علي بعدم القضاء والفدية على المأيوس
من برئة فاتفق أنه برئ، واختاره المقداد في التنقيح، كما أن الفاضل في محكي
التلخيص نفى الفدية عنه واقتصر على القضاء في المأيوس الذي برئ، وقطع في

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3 - 1 - 10
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3 - 1 - 10
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3 - 1 - 10
148

جملة من كتبه تبعا للمفيد وعلم الهدى وابن إدريس بعدم الفدية عليه إذ كان
مرجو الزوال، خلافا لما عن الشيخ وسلار وابني حمزة والبراج، لأنه مريض،
فيجري عليه حكم غيره من المرضى، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين، قال:
لأن صحيحي ابن مسلم (1) باشتمالهما على نفي القضاء ظاهران في المأيوس من برئه،
وخبري ابن بكير (2) وأبي بصير (3) ضعيفان مع الارسال والاضمار، وخبر
داود (4) مع ضعفه ربما يظهر منه أيضا عدم التمكن من القضاء، فيبقى حينئذ على
حكم المرضى الذي هو القضاء خاصة مع البرء دون الفداء، ومنه يعلم ما في كلام
المحقق الشيخ علي، فإن العطاش مرض، قد دل النص والاجماع على أن المريض
إذا برئ وجب عليه القضاء من غير مدخلية لليأس وعدمه، وخبرا محمد بن مسلم
لا يصلحان لاستثنائه من الأمراض، كما أن خبر داود لا يدل على خروجه عن
إطلاق المرض، وفي الروضة الأقوى أن حكمه كالشيخين يسقطان عنه مع العجز
رأسا، وإنما تجب الفدية مع المشقة، وفيه أن إطلاق النصوص المزبورة يدفع
ذلك كله، ضرورة اقتضائه وجوب الفدية عليه على كل حال، وأما القضاء فإنه
وإن نفي في صحيحي ابن مسلم إلا أنه محمول على ما إذا لم يتمكن رأسا، فلا ينافي
ما دل على وجوبه من عموم " من فاتته " و " فمن كان منكم مريضا " ونحوه (5)
بناء على أن العطاش منه، ولا بأس باختصاص هذا المرض من بين الأمراض
بوجوب الفداء، ولو قيل بعدم اندراجه في إطلاق المرض كما عساه يشعر به خبر

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب يصح منه الصوم - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 6 - 7
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 6 - 7
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الصوم المندوب - الحديث 1
(5) سورة البقرة - الآية 180
149

داود لم يكن إشكال في الحكم أصلا، إذ وجوب الفداء لهذه النصوص، ووجوب
الفضاء لعموم " من فاتته " الذي لا يحكم عليه ما في الصحيحين المتقدمين بعد أن
عرفت الحال فيه، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى عليك أن الحكم في المقام ونظائره من العزائم لا الرخص، ضرورة
كون المدرك فيه نفي الحرج ونحوه مما يقضي برفع التكليف، مضافا إلى لفظ
الوضع ونحوه في خبر الكرخي، فما عساه يظهر من قوله: " لا جناح " ونحوه
من ارتفاع التعيين خاصة لا بد من إرجاعه إلى ما ذكرنا، سيما مع عدم ظهور
خلاف فيه من أحد من أصحابنا عدا ما عساه يظهر من المحدث البحراني، فجعل
المرتفع التعيين خاصة، تمسكا بظاهر قوله تعالى (1): " وعلى الذين يطيقونه "
إلى قوله: " وإن تصوموا خير لكم " بعد كون المراد منه الشيخ وذا العطاش،
لكنه كما ترى، إذ الآية - مع فرض كونها غير منسوخة بقوله (2): " فمن
شهد منكم الشهر فليصمه " وقد عرفت ما ورد فيها من النصوص، مضافا إلى
ما رواه علي بن إبراهيم (3) في المحكي من تفسيره بسنده إلى الصادق (عليه السلام) من
تفسيرها بمن مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء رمضان
فعليه أن يقضي ويتصدق لكل يوم بمد من طعام - يمكن حملها على استقلال قوله:
" وإن تصوموا " عن الأول، لبيان كون الصوم خيرا من السفر المقتضي
للافطار، أو أن المراد كونه خيرا في نفسه، فلا ينافي وجوبه، أو غير ذلك مما
لا ينافي ما ذكرنا، والله أعلم.
هذا والتحقيق أن المراد بالشيخ والشيخة من توقف بقاء صحة مزاجهما

(1) سورة البقرة - الآية 180 - 181
(2) سورة البقرة - الآية 180 - 181
(3) تفسير علي بن إبراهيم ص 56
150

على تعدد الأكل والشرب في أزمنة متقاربة للاستبانة لا لمزيد الهضم، ولا ريب
في منافاته للصوم، بل هما حينئذ كذي العطاش بعد عمد تمكنهما من الأكل دفعة
ولو لضعف في الهاضمة، ولا من عدم الأكل مطلقا، وليس المراد من الشيخ
الذي ذكره في القاموس من استبانت فيه السن، أو من خمسين أو إحدى وخمسين
إلى آخر عمره أو إلى الثمانين المعلوم بلوغ أكثر الناس هذا السن مع وجوب الصوم
عليهم، بل المراد منه ما ذكرنا كما يعرف ذلك من كلام الأطباء، وبه يعرف وجه
حكمة الشرع في إفطارهما، بل وإلحاق ذي العطاش بهما، والله العالم.
المسألة (السابعة) لا خلاف في أن (الحامل المقرب والمرضع القليلة
اللبن يجولهما الافطار في رمضان) مع التضرر بالصوم، لعموم أدلة نفي الحرج
والضرار وإرادة الله تعالى اليسر وسهولة الملة ونحو ذلك، وخصوص صحيح ابن
مسلم (1) " سمعت الباقر (عليه السلام) يقول: الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج
عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، لأنهما لا يطيقان الصوم، وعليهما أن يتصدق
كل واحد منهما في كل يوم يفطران بمد من طعام وعليهما قضاء كل يوم أفطرتا
فيه تقضيانه بعد " وغيره مع الاجماع بقسميه (و) لكن من الصحيح المزبور - مع
عموم " من فاتته " وغيره مما غيره مما قيل من أولويته من المرض وإن كان فيه ما فيه - يستفاد
أنهما (تقضيان) وجوبا، مضافا إلى مكاتبة ابن مهزيار (2) المروية عن
المستطرفات، قال: " كتبت إليه أسأله يعني علي بن محمد (عليه السلام) إن امرأة ترضع
ولدها وغير ولدها في شهر رمضان فيشتد عليها الصيام وهي ترضع حتى غشي عليها
ولا تقدر على الصيام ترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها أو تدع الرضاع
وتصوم، فإن كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1 - 3
151

إن كان يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها، وإن كان ذلك
لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها متى ما أمكنها " المنجبرة بعمل
المعظم، بل في الروضة القطع به.
فما عن علي بن بابويه وسلار - من عدم وجوب القضاء، بل لعله الظاهر
من عدم تعرض الصدوق وعلم الهدى له أيضا - لا وجه له، بل يجب (مع)
القضاء (الصدقة عن كل يوم بمد من طعام) إذا كان الخوف على الولد بلا خلاف
أجده فيه، للصحيح المتقدم، أما إذا كان الخوف على النفس خاصة فعن ظاهر
الأكثر كما في شرح الإصبهاني، والمشهور كما في المسالك وغيرها عدم وجوب
الفدية حينئذ، بل في الدروس ما يقضي بكونه ظاهر الأصحاب، قال: لو خافت
المرأة على نفسها دون ولدها ففي وجوب الفدية وجهان، والرواية مطلقة، ولكن
الأصحاب قيدوا بالولد، وإن كان قد يناقش فيه بأن المحكي عنه التصريح بذلك
فخر الاسلام في شرحي الإرشاد والقواعد وبعض من تأخر عنه، مع أن المحكي
عن الصدوقين وابن حمزة والفاضلين في المعتبر والتذكرة والمنتهى والتحرير القطع
بتساوي الخوفين في وجوب الفدية، كما أن المصنف هنا وفي النافع وعن الشيخ
في الخلاف والفاضل في الإرشاد والتلخيص والتبصرة ذكروا الاطلاق الشامل لهما،
ولعله لا يخلو من قوة، لاطلاق الصحيح المزبور، بل قد يشعر قوله فيه:
" لا يطيقان " بكون الخوف على النفس، ودعوى انسياق الخوف على الولد من
قلة اللبن ممنوعة، لامكان كون ذلك داعيا لشدة ضعفها، مع أنها لا تتم في الحامل
ومكاتبة ابن مهزيار لا دلالة فيها على نفي الفداء مع كون الخوف على النفس خاصة
على وجه يصلح لتقييد الاطلاق المزبور، وإن ظنه بعض متأخري المتأخرين،
وعدم الفداء في الذي يخشى على نفسه المرض أو زيادته المندرج فيه ما نحن فيه
152

للأصل، لا لأن ذلك يقتضي عدم الفداء، ضرورة أنه إنما يقتضي الافطار خاصة
فلا بأس حينئذ بالفرق بين أفراده في وجوب الفدية مع القضاء وعدمه، وليس
فيه تخلف المعلول عن العلة، كما هو واضح، إذ لا مانع من عدم وجوب الفداء
في ذلك - بخلاف ما نحن فيه - عقلا ولا شرعا، ودعوى أن عدمه في الأقوى
يقتضي عدم وجوبه في الأدنى الذي هو محل البحث واضحة المنع، ضرورة عدم
مجال للعقل في إدراك ذلك هنا بحيث يصلح لرفع اليد عن ظاهر الدليل الشرعي،
كدعوى أن الظهور يرفعه إعراض المشهور عنه، لما عرفت من عدم تحقق الشهرة
بل لعل المتحقق خلافها، على أنها بنفسها هنا لا تصلح لذلك، فلا ريب حينئذ في
أن الأقوى والأحوط وجوب الفداء مطلقا.
نعم قد يقال باختصاصه فيما إذا كان الخوف على النفس أو الولد للجوع
أو العطش أو نحوهما، لا لغير ذلك كمرض الولد وإشرافه على المرض المحوج إلى
شرب دواء ونحوه، فإنه وإن وجب الافطار والقضاء حينئذ، لكن لا فدية
للأصل مع عدم شمول الخبر له، لكنه مع ذلك لا يخلو من نظر في الجملة.
ولا فرق في المرتضع بين كونه ولدا من النسب والرضاع، ولا في المرضعة
بين المستأجرة والمتبرعة، لكن في الروضة لو قام غيرها مقامها متبرعا أو أخذ
مثلها أو أنقص امتنع الافطار، وقد تبع في ذلك الدروس قال: لا فرق بين
المستأجرة والمتبرعة إلا أن يقوم غيرها مقامها، ثم قال: لو قام غير الأم مقامها
روعي صلاح الطفل، فإن تم بالأجنبية فالأقرب عدم جواز الافطار، هذا مع
التبرع أو تساوي الأجرتين، ولو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسلميه إليها وجاز
الافطار، وهل يجب هذا الافطار عليها؟ الظاهر نعم مع ظن الضرر بتركه، وأنه
لا يدفعه إلا إرضاعها، ومبنى ذلك كله وجوب المقدمة التي لا تقتضي ضررا أو
قبحا والمكاتبة المزبورة، بل جزم في الحدائق بوجوب الاستيجار وإن زادت
153

الأجرة على المثل مع الامكان لاطلاق المكاتبة، ولقائل أن يقول بعدم وجوب
الاستيجار مطلقا، بل عدم وجوب إجابة المتبرع، تمسكا باطلاق الصحيح (1)
المزبور الذي تقصر المكاتبة المزبورة عن تقييده سندا وغيره، خصوصا مع
اعتضاده باطلاق الفتوى، ولا استبعاد في الرخصة شرعا لخصوص المرضعة كائنة
ما كانت في ذلك، بل ربما يؤيده تصريح هؤلاء بعدم الفرق بين الأم والمتبرعة،
مع أن مقتضى ذلك عدم جواز التبرع لها مع اقتضائه الافطار حتى الأم إذا
كان للولد أب.
وعلى كل حال فالفدية من مالهما وإن كان لهما زوج وكان الولد له، لأنها
بدل إفطارهما وإن كان بسبب الولد، ولأن ذلك هو مقتضى قوله (عليه السلام): " عليهما "
في النص كما هو واضح، هذا، وقد ذكرنا سابقا أن هذا الافطار الذي منشأه
الضرر ونحوه عزيمة لا رخصة كما صرح به في الروضة تبعا لما سمعت التصريح به
في الدروس.
المسألة (الثامنة من نام في رمضان واستمر نومه فإن كان نوى الصوم فلا
قضاء عليه، وإن لم ينو فعليه القضاء، والمجنون والمغمى عليه لا يجب على أحدهما
القضاء سواء عرض ذلك أياما أو بعض يوم، وسواء سبقت منهما نية أو لم تسبق
وسواء عولج بما يفطر أو لم يعالج على الأشبه) كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.
المسألة (التاسعة) قد قطع الأصحاب كما في المدارك بأن (من يسوغ
له الافطار) كالمريض والمسافر وغيرهما (في شهر رمضان يكره له التملي من
الطعام والشراب) بل في المسالك نفي الخلاف عنه في غير ذي العطاش احتراما
لشهر رمضان، واقتصارا في الرخصة على مقدار الضرورة، قال ابن سنان (2):

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 5
154

" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان ومعه جارية أفله أن
يصيب منها بالنهار؟ فقال: سبحان الله أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان، أن
له في الليل سبحا طويلا، قلت: أليس له أن يأكل ويشرب ويقصر؟ فقال:
إن الله تبارك وتعالى قد رخص للمسافر في الافطار والتقصير رحمة وتخفيفا لموضع
التعب والنصب ووعثاء السفر، ولم يرخص له في مجامعته النساء في السفر بالنهار في
شهر رمضان، وأوجب عليه قضاء الصوم ولم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا
آب من سفره، ثم قال: والسنة لا تقاس، وإني إذا سافرت في شهر رمضان
ما آكل إلا القوت ولا أشرب كل الري " خلافا للمحكي عن أبي الصلاح من
عدم الجواز ولغيره في خصوص ذي العطاش، لخبر عجلان (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه قال: يشرب بقدر ما يمسك
رمقه، ولا يشرب حتى يروى " المحمول على الكراهة عند الأكثر لاطلاق
الرخصة في الافطار، وليس هو بحكم الصائم كي يقتصر على مقدار الضرورة التي
هي بحكم الايجار الذي من الواضح الفرق بينه وبين المقام المتحقق فيه الاختيار،
فلا فرق حينئذ في الحكم المزبور بين أفراد من يسوغ له الافطار.
(و) كذا لا فرق بين (الجماع) وبين الأكل والشرب في الجواز،
قال عمر بن يزيد (2) في الصحيح: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في
شهر رمضان أله أن يصيب من النساء؟ قال: نعم " وقال عبد الملك (3) في
الصحيح أيضا: " سألت أبا الحسن يعني موسى (عليه السلام) عن الرجل يجامع أهله في

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1
وهو خبر عمار
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 1 - 3
155

السفر وهو في شهر رمضان قال: لا بأس به " ونحوه خبر سهل بن زياد (1) عن
أبيه، وخبر أبي العباس (2) وخبر داود بن الحصين (3) وخبر علي بن الحكم (4)
وصحيح محمد بن مسلم (5) وغيرها من النصوص التي لا ينبغي التأمل في حمل
ما ظاهره المعارضة لها - كالخبر السابق (6) وصحيح محمد بن مسلم (7) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في
شهر رمضان فإن ذلك محرم عليه " - على الكراهة باعتبار منافاته لحرمة شهر رمضان
كما أومأ إليه خبر ابن سنان (8) أيضا، قال: " سألته عن رجل أتى جاريته في
شهر رمضان بالنهار في السفر فقال: ما عرف هذا حق شهر رمضان أن له في الليل
سبحا طويلا ".
(و) حينئذ فما (قيل) والقائل الشيخ إنه (يحرم) للمسافر أن يجامع
نهارا إلا عند الحاجة، وعن أبي الصلاح أنه لا يجوز لمن يسوغ له الافطار الجماع
مختارا ما لم يخف فسادا في الدين واضح الضعف (و) لا سيما مع أن (الأول
أشبه) بأصول المذهب وقواعده، كوضوح الضعف فيما حكي عن أبي الصلاح
أيضا من أنه إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا لظاهر قوله تعالى:
" فمن شهد منكم الشهر فليصمه " وقوله تعالى: " ثم أتموا الصيام إلى الليل " ولخبر
أبي بصير (9) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخروج في شهر رمضان قال: لا إلا
فيما أخبرك به خروج إلى مكة أو غزوة في سبيل الله أو مال تخاف هلاكه أو أخ

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2 - 4 - 7 - 9 - 10 - 5 - 8 - 6
والأول عن محمد بن سهل عن أبيه
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3
(9) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 3
156

تريد وداعه " ولاطلاق ما دل على وجوبه، إلا أن الجميع كما ترى قاصر عن
معارضة الأصل، وظاهر قوله تعالى (1): " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة
من أيام أخر " وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة عمار بن مروان (2): " من سافر
قصر وأفطر " وصحيح محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) " سئل عن الرجل
يعرض له له السفر في شهر رمضان وهو مقيم وقد مضى منه أيام فقال: لا بأس بأن
يسافر ويفطر ولا يصوم " ونحوه خبر أبان بن عثمان (4) عن الصادق (عليه السلام)، وفي
الصحيح عن الوشا عن حماد بن عثمان (5) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل من
أصحابي جاءني خبره من الاعراض (الأعوص خ ل) وذلك في شهر رمضان أتلقاه
وأفطر؟ قال: نعم، قلت: أتلقاه وأفطر أو أقيم وأصوم؟ قال: تلقاه وأفطر "
والمرسل (6) عن الصادق (عليه السلام) أيضا " سئل عن الرجل يخرج ليشيع أخاه مسيرة
يومين أو ثلاثة فقال: إن كان في شهر رمضان فليفطر، قال: أيهما أفضل يصوم
أو يشيعه قال: يشيعه، إن الله عز وجل وضع الصوم عنه إذا شيعه " وفحوى
ما دل (7) على استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) في شهر رمضان المتوقف امتثاله
للنائي على السفر، وغير ذلك مما يظهر منه أن السفر كالموانع الاضطرارية، وأن
الصوم لا يجب إلا على الحاضر، وأنه لا يجب عليه أن يحضر حتى يكون مكلفا،
بل هو باق على إباحة السفر له، بل لعل ذلك كذلك في كل صوم قد تعين كقضاء
شهر رمضان عند مجئ الأشهر الأخر، وصوم الكفارة لو تعين، وصوم النذر،

(1) سورة البقرة - الآية 181
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب صلاة المسافر - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة المسافر - الحديث 2 - 3
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب صلاة المسافر - الحديث 2 - 3
(7) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب المزار من كتاب الحج
157

ولا تجب له الإقامة، فيكون الحاصل من مجموع الأدلة وجوب الصوم على من
كان حاضرا وعدمه على المسافر إلا ما خرج بالدليل.
نعم يستفاد من صحيح الحلبي (1) وخبر أبي بصير (2) أفضلية الإقامة في
شهر رمضان، قال في الأول: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدخل
في شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان
أن يسافر فسكت، فسألته غير مرة فقال: يقيم أفضل إلا أن يكون له حاجة
لا بد من الخروج فيها، أو يتخوف على ماله " وقال في الثاني أيضا: " جعلت
فداك يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية في زيارة قبر أبي عبد الله
(عليه السلام) فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما
أفطر بيوم أو يومين فقال: أقم حتى تفطر، قلت له: جعلت فداك فهو أفضل
قال: نعم، أما تقرأ في كتاب الله فمن شهد منكم الشهر فليصمه " بل في المختلف
أن المشهور كراهة السفر إلى أن يمضي ثلاثة وعشرون يوما منه فتزول الكراهة
ولعله لمرسل ابن أسباط (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا دخل شهر رمضان فلله
فيه شرط، قال الله تعالى: " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " فليس للرجل إذا دخل
شهر رمضان أن يخرج إلا في حج أو عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف
هلاكه، وليس له أن يخرج في إتلاف مال غيره، فإذا مضت ليلة ثلاثة وعشرين
فليخرج حيث شاء " وقد بان لك الحال من ذلك كله، وأن المراد من الآية
وجوب صوم الشهر جميعه على من شهده أي كان حاضرا، وأن المراد الكراهة
من النهي في خبر أبي بصير القاصر سندا ودلالة، وإطلاق ما دل على وجوبه
يقيد بما إذا لم يكن مسافرا كما عرفت، والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 - 7 - 6
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 - 7 - 6
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 - 7 - 6
158

كتاب الاعتكاف
(و) يقع (الكلام في ماهيته وأقسامه وأحكامه)
أما الأول ف‍ (الاعتكاف) لغة هو الاحتباس، ومنه اللبث الطويل
الذي هو أحد أفراد لزوم الشئ وحبس النفس عليه برا كان أو غيره، قال الله
تعالى (1): " ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " أي لازمون لها وحابسون
أنفسكم عليها، نحو قوله (2) " يعكفون على أصنام لهم " وشرعا على وجه
النقل أو المجاز الشرعي (هو اللبث المتطاول للعبادة) وفي المنتهى " لبث
مخصوص للعبادة " وفي الدروس " لبث في مسجد جامع مشروط بالصوم ابتداء "
إلى غير ذلك من تعريفاتهم التي لا فائدة مهمة في استقصائها والمناقشة في طردها
وعكسها وذكر الشروط ونحوها فيها بعد معلومية كون المراد منها الكشف في
الجملة الحاصل بذلك ونحوه، كغيره من الموضوعات الشرعية والمتشرعية التي
تعرضوا لها، مع احتمال ملاحظة من ذكر الشروط كونه اسما للصحيح لا الأعم
منه والفاسد، كما أن المراد من قوله: " للعبادة " كون اللبث على وجه التعبد به

(1) سورة الأنبياء - الآية 53
(2) سورة الأعراف - الآية 134
159

نفسه، فلا يتوهم شموله اللبث لعبادة خارجية كقراءة قرآن ونحوها، بل لا يتوهم
أن المعتبر في الاعتكاف قصد كون اللبث لعبادة خارجة عنه بحيث لا يجزي
الاقتصار على قصد التعبد به خاصة، ضرورة ظهور النصوص والفتاوى في
مشروعيته لنفسه من غير اعتبار ضم قصد عبادة أخرى معه، ففي خبر السكوني (1)
باسناده إلى الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) " اعتكاف
عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين " لكن ظاهر ما يأتي من التذكرة
اعتبار ذلك، بل جزم به شيخنا الأكبر في رسالته وكشفه،
وعلى كل حال فالاجماع من المسلمين بقسميه على مشروعيته على وجه الندب
وربما كان في قوله تعالى (2): " طهرا بيتي للطائفين والعاكفين " دلالة عليه،
كقوله (3): " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " وأما النصوص (4)
الدالة على مشروعيته ولو بتضمنها فعل النبي (صلى الله عليه وآله) فهي متواترة، نعم في المنتهى
إن أفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان مستدلا برواية السكوني المتقدمة
وهو كما ترى، ولعل قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي العباس (5):
" اعتكف رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان في العشر الأولى، ثم اعتكف في
الثاني في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثم لم يزل
(صلى الله عليه وآله) يعتكف في العشر الأواخر " أظهر دلالة، كقوله (عليه السلام) في خبر الحلبي (6) في
حديث: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد

(1) الوسائل - الباب - - من كتاب الاعتكاف الحديث 3 - 0 - 4 - 1
(2) سورة البقرة - الآية 119 - 183
(3) سورة البقرة - الآية 119 - 183
(4) الوسائل - الباب - - من كتاب الاعتكاف الحديث 3 - 0 - 4 - 1
(5) الوسائل - الباب - - من كتاب الاعتكاف الحديث 3 - 0 - 4 - 1
(6) الوسائل - الباب - - من كتاب الاعتكاف الحديث 3 - 0 - 4 - 1
160

وضربت له قبة من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه " بل قوله (عليه السلام) في خبر داود
ابن سرحان (1): " لا اعتكاف إلا في الشعر الأواخر من شهر رمضان " على
ما رواه في التهذيب، وفي الكافي " إلا في العشرين " أظهر منهما، والأمر
في ذلك سهل.
(و) كيف كان ف‍ (لا يصح إلا من مكلف مسلم) لما قدمناه سابقا
من اشتراط الايمان في صحة العبادة فضلا عن الاسلام، لاعتبار نية القربة فيها
المعلوم عدم قابلية غير المؤمن - الذي لا يقربه من ربه شئ بعد فقد الايمان - لها
على أنك قد عرفت كون الاعتكاف اللبث المنافي لوجوب خروج الكافر من المسجد
بل الظاهر اعتبار ذلك ابتداء واستدامة لما عرفت، فلو ارتد في الأثناء بطل
اعتكافه وإن رجع كالصوم، بل أولى هنا للنهي حينئذ عن اللبث في المسجد،
خلافا للمحكي عن المبسوط فلا يبطل وفاقا للشافعي، وأما التكليف فلا ريب في
اعتباره من حيث العقل، لمعلومية عدم وقوعها من فاقده حتى السكران ولو بالأثناء
أما من حيث البلوغ ففيه البحث السابق في عبادة الصبي بالنسبة إلى الشرعية
والتمرينية، فمن الغريب جزم المصنف هنا بعدم الصحة مع حكمه بها سابقا في الصوم
اللهم إلا أن يريد بالتكليف ما لا يشمله اتكالا على ما ذكره سابقا، أو يريد نفي
الصحة الشرعية هنا وإثبات الصحة التمرينية هناك كما اختاره في المسالك وأو ماء إليه
في التذكرة، قال: " ويصح اعتكاف الصبي المميز كما يصح صومه، وهل هو مشروع
أو تأديب إشكال " أو غير ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (شرائطه ستة:)
(الأول النية) المعلوم اعتبارها في جميع العبادات التي منها الاعتكاف

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 5
161

بلا خلاف، لأصالتها في كل مأمور به، والبحث في حقيقتها واعتبار الوجه وغير
ذلك من مباحثها قد تقدم سابقا
(و) قد ذكرنا هناك أنه إنما (يجب) في
نحوه (نية القربة) خاصة، وحينئذ فلا إشكال هنا من سائر الوجوه كما اعترف
به ثاني الشهيدين في المحكي من فوائده على القواعد، قال: " ولو لم يعتبر الوجه كما
هو الوجه استرحنا من الاشكالات، وكان معنى وجوب الثالث على القول به
ترتب الثواب على فعله والعقاب على تركه بخلاف غيره " وهو كما ترى في غاية
الجودة، إلا أن ظاهره اختصاص ذلك في القول بعدم اعتبار الوجه، أما عليه فلا،
وهو ظاهر عبارة المتن، ولذا قال المصنف بناء على ما اختاره من اعتبار نية الوجه:
(ثم إن كان منذورا) مثلا (نواه واجبا، وإن كان مندوبا نوى الندب،
فإن مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر وجدد نية الوجوب) ضرورة ظهوره
في وجوب التجديد، لكن في المدارك بناء على اعتبار الوجه إن كان منذورا
نوى الوجوب، وإن كان مندوبا وقلنا إن المندوب لا يجب بالدخول فيه ولو مضى
اليومان نوى الندب، وإن قلنا إنه يجب بالشروع أو بمضي اليومين نواه على
هذا الوجه، بمعنى أن يكون الجزء الأول منه أو اليومان الأولان على وجه الندب
والباقي على وجه الوجوب، ولا يتوجه عليه ما ذكره الشارح من تقدم النية على
محلها، لأن محلها أول الفعل، غاية الأمر أن يقع على وجهين مختلفين، فيجب نيتهما
كذلك، ولو اقتصر على نية اليومين الأولين ندبا ثم جدد نية الثالث على وجه
الوجوب كما هو ظاهر عبارة المصنف كان جيدا، ولا يرد عليه ما ذكره بعضهم
من أن الثلاثة أقل ما يتحقق به هذه العبادة، وهي متصلة شرعا، ومن شأن
العبادة المتصلة أن لا يفرق النية على أجزائها بل يقع بنية واحدة، لأنا نقول إنه
لا دليل على امتناع التفريق، بل قد اعترف الأصحاب بجوازه في الوضوء ونحوه
فليكن هنا كذلك، وأما ما قيل - من أن الاعتكاف لما كان الأصل فيه الندب،
162

والوجوب لا يتعلق به إلا لأمر عارض جاز أن ينوي فيه أجمع ما هو مقتضى
الأصل، وهو الندب - فضعيف جدا، إذ لا معنى لايقاع الفعل الواجب على وجه
الندب، كما هو واضح، قلت: بل هو قوي جدا، ضرورة كون اعتكاف الثلاثة
عبادة واحدة، ولا توصف قبل الوقوع إلا بالندب، فهو حينئذ وجهها،
والوجوب الحاصل بعد مضي اليومين أو بالشروع إنما هو من أحكام تلك العبادة
المندوبة لا من وجوه أمرها، ضرورة كونه بأمر آخر غير الأمر بأصل الاعتكاف
لا يعتبر في صحته أصل النية فضلا عن نية الوجه، ومن هنا لو أتم المكلف الفعل
بالاستدامة على مقتضى الأول غير عالم بالأمر الثاني صح فعله قطعا، ومن
ذلك وجوب إتمام النافلة بعد الشروع فيها بناء على حرمة القطع، ولو سلم فالمتجه
التجديد كما ذكره المصنف، إذ لا معنى لقصد امتثاله قبل تحقق الخطاب به ضرورة
عدم الوجوب إلا بعد مضي اليومين، كما أن المتجه على التجديد وقوع النية عند
الغروب من اليوم الثاني على وجه لا تنافي المقارنة عرفا من غير اعتبار التقدم
اليسير والتأخر، لكن في الروضة ظاهر الأصحاب أن النية للفعل المستغرق للزمان
المعين كالوقوف بعرفة يكون بعد تحققه لا قبله، وربما نوقش بخلو جزء من الزمان
حينئذ من النية، فالأولى تقدمها بما لا ينافي المقارنة عرفا مع فرض تعذر المقارنة
حقيقة، وفيه أنه مناف لاعتبار المقارنة المستفادة من الأدلة، ودعوى صدق
تحققها عرفا في نحو ما نحن فيه بذلك لا تختص بالتقدم، ومن هنا كان التحقيق
ما قدمناه، ولعل ذلك كله بناء على أن النية الاخطار، أما على الداعي فالأمر سهل
بل يمكن استمراره على وجه تحصل به المقارنة حقيقة، لكن في رسالة شيخنا
أنه يكفي التبييت هنا على الأقوى، وهو مشكل، كما أن ما فيها من أنه يجوز
نيته عن الميت والأموات دون الاحياء لا يخلو من إشكال أيضا، بل الأقوى
جوازه، ولا يقدح ما فيه من النيابة في الصوم التبعي كالصلاة للطواف ونحوها
163

نعم ما فيها - من أنه لا يجوز العدول بالنية عن اعتكاف إلى غيره مع اختلافهما
في الوجوب والندب واتحادهما، ولا عن نيابة ميت إلى غيره إلا إذا نوى واجبا
فبان عدم وجوبه، فإن الأقوى جواز العدول إلى الندب، ولا يخلو من إشكال -
جيد جدا، والله أعلم، ولا يخفى عليك جريان هذا البحث في نية أصل الاعتكاف
أيضا، بل في كل عبادة مستغرقة للزمان.
الشرط (الثاني الصوم، فلا يصح) بدونه بلا خلاف أجده فيه بيننا،
بل الاجماع بقسميه عليه، لقول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (1) وغيره:
" لا اعتكاف إلا بصوم " وهو المراد من الوجوب في قول علي بن الحسين (عليهما
السلام) في خبر الزهري (2): " وصوم الاعتكاف واجب " بل النصوص (3)
بذلك في غاية الاستفاضة إن لم تكن متواترة، فلا حاجة إلى الاستدلال عليه
مضافا إلى ذلك بما في التذكرة من أن الاعتكاف لبث في مكان مخصوص فلم يمكن
بمجرده قربة كالوقوف بعرفة، فاحتاج إلى اشتراط الصوم، لأنه بمجرده لا يكون
عبادة، إذ هو كما ترى، نعم الظاهر أن شرطية الصوم له كشرطية الطهارة للصلاة
لا يعتبر فيه الوقوع له، بل يكفي في صحة الاعتكاف وقوعه معه وإن لم يكن له
سواء كان الصوم واجبا أو ندبا رمضان كان أو غيره بلا خلاف أجده فيه،
بل عن المعتبر أن عليه فتوى علمائنا، ويدل عليه مضافا إلى ذلك في الجملة وقوعه
من النبي (صلى الله عليه وآله) في شهر رمضان (4) لكن في التذكرة بعد أن ذكر نحو ذلك
قال: ولو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وجب عليه الصوم بالنذر، لأن ما لا يتم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب الاعتكاف الحديث 3 - 2 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب الاعتكاف الحديث 3 - 2 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب الاعتكاف الحديث 3 - 2 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب الاعتكاف
164

الواجب إلا به يكون واجبا، وأشكل إطلاقه في المدارك بأن النذر المطلق يصح
إيقاعه في صوم شهر رمضان أو واجب غيره، فلا يكون نذر الاعتكاف مقتضيا
لوجوب الصوم، كما أن من نذر الصلاة فاتفق كونه متطهرا في الوقت الذي تعلق
به النذر لم يفتقر إلى طهارة مستأنفة، نعم لو كان الوقت معينا ولم يكن
صومه واجبا اتجه وجوب صومه للنذر أيضا، فلو نذر المعتكف صياما
وصام تلك الأيام عن النذر أجزأ، وفيه أن المراد بقرينة كلامه سابقا
ولا حقا الوجوب ولو تخييرا أو عند توقف الواجب عليه، ولذا قال بعد ذلك:
" لو نذر اعتكافا وأطلق فاعتكف في أيام أراد صومها استحبابا جاز " وهو
كالصريح فيما قلناه، لكن جزم في المسالك بالمنع من جعل صوم الاعتكاف المنذور
مندوبا، للتنافي بين وجوب المضي على الاعتكاف الواجب وجواز قطع الصوم
المندوب، وفي المدارك هو جيد إن ثبت وجوب المضي في مطلق الاعتكاف
الواجب وإن كان مطلقا، لكنه غير واضح كما ستقف عليه، أما بدون ذلك
فيتجه جواز إيقاع المنذور المطلق في الصوم المستحب، أما المعين فلا ريب في
امتناع وقوعه كذلك، لما ذكره من التنافي بين وجوب المضي فيه وجواز قطع
الصوم، وفيه أنه لا منافاة بين الاستحباب الذاتي والوجوب الغيري، فيتجه
حينئذ وقوع المعين فيه فضلا عن المطلق بعد اختلاف الجهة كالفريضة في المسجد
ونحوها، وهو واضح.
وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الاعتكاف لا يصح (إلا في زمان يصح
فيه الصوم ممن يصح منه) الصوم (فإن اعتكف في العيدين) مثلا (لم يصح،
وكذا لو اعتكف الحائض والنفساء) بل والمسافر بناء على عدم مشروعية الصوم
منه، لكن في المختلف عن ابن بابويه والشيخ وابن إدريس استحباب الاعتكاف
في السفر محتجين عليه بأنه عبادة مطلوبة للشارع لا يشترط فيها الحضر، فجاز
165

صومها في السفر، وفيه أنه يكفي في اشتراط الحضر فيه اشتراطه في شرطه، وهو
الصوم، فلا وجه للاستدلال باطلاق مشروعيته على جواز الصوم له سفرا،
ضرورة أنه لا يتوقف أحد في اعتبار استفادة ذلك من نحو قوله (عليه السلام):
" لا اعتكاف إلا بصوم " وقوله (عليه السلام) (1): " ليس من البر الصيام في السفر "
الذي هو بمعنى قوله: " لا صيام إلا في الحضر " واحتمال العكس بأن يقال
لا اعتكاف إلا بصيام، والاعتكاف للاطلاق مشروع سفرا وحضرا فالصوم له
كذلك كما ترى، ولا أقل من أن يكون ذلك من التعارض من وجه، ولا ريب
في كون الترجيح لما ذكرنا لوجوده، والله أعلم.
الشرط (الثالث) العدد (لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة أيام) بلا خلاف
أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (2)
وموثق عمر بن يزيد (3): " لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام " كقوله
(عليه السلام) في خبر داود بن سرحان (4): " الاعتكاف ثلاثة أيام يعني السنة " وأبو جعفر
(عليه السلام) في خبر أبي عبيدة (5): " من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن
شاء زاد ثلاثة أيام أخر، وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة
فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام " إلى غير ذلك،
وحينئذ (فمن نذر)
مثلا (اعتكافا مطلقا وجب عليه أن يأتي بثلاثة) لأنها أقل ما يتحقق به المطلق
المزبور، وله أن يأتي بالأزيد، وليس من الأقل المتحقق في ضمن الأكثر الذي
لا يتصور امتثاله بالزائد عليه بعد حصوله بالأقل، ضرورة عدم الامتثال في الفرض

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب من يصح منه الصوم - الحديث 11
(2) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب الاعتكاف الحديث 2 - 5 - 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب الاعتكاف الحديث 2 - 5 - 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب الاعتكاف الحديث 2 - 5 - 4 - 3
(5) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب الاعتكاف الحديث 2 - 5 - 4 - 3
166

بالأقل الذي صار بعد فرض قصد المكلف الزائد جزءا كاليوم من الثلاثة،
ولا ينافيه وجوب القضاء له خاصة لو أفسده، بل قد يحتمل عدم اعتبار القصد
أخيرا له بعد القصد الأول، لعدم الدليل على مشروعيته كذلك
(وكذا إذا
وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة) بضم يومين ندبا له (ليصح)
له قضاء (ذلك اليوم) وإن كان هو مخيرا في جعله أولا أو أخيرا أو وسطا
على إشكال في الأخير الوسط دون الأول، لكن ستعرف دفعه.
والمراد باليوم لغة وعرفا من طلوع الفجر إلى غروب الحمرة المشرقية،
فلا تدخل الليلة الأولى في الثلاثة فضلا عن الأخيرة كما بيناه غير مرة، وربما يشهد
له في الجملة قوله تعالى (1): " سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما "
فالنية حينئذ عنده لا عندها، وإن كان الأحوط الجمع بينهما، خلافا للمحكي عن
الفاضل وإن كنا لم نتحققه، ولثاني الشهيدين فأدخلا الليلة الأولى فيها، وجعلاها
محل النية قياسا على الليلتين في الأثناء، وفيه أن دخولهما لا لكونهما من مسمى
اليوم، بل لظهور النص والفتوى في استمرار حكم الاعتكاف، وأنه لا انقطاع
فيه، ولذلك دخلا، فهو قياس مع الفارق، ومن ذلك يعلم أن الاعتكاف
بدونهن يبطل، فلو نذره كذلك كان باطلا، خلافا لما ستعرفه من الشيخ،
وأضعف منه القول بدخول الليلة الرابعة التي يشهد اللغة والعرف بخلافها، بل خبر
عمر بن يزيد (2) المتقدم في كتاب الصوم صريح في نسبة هذا القول للمغيرية
وأنهم كذبوا فيه، نعم له إدخالها في الاعتكاف، لأنه لا حد لأكثره، أما بعضها

(1) سورة الحاقة - الآية 7
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 7
إلا إنه لم يتقدم ذكره
167

أو بعض اليوم ففي شيخنا الميل فيه إلى العدم، وعليه إبداء الفرق، وهل
يجزي التلفيق في صدق الثلاثة؟ وجهان بل قولان، أقواهما نعم كما في غير المقام
وفاقا للفاضل في المختلف للصدق عرفا، وخلافا للمحكي عن المبسوط وغيره، ولو
نذر اعتكاف شهر معين أو غير معين دخل فيه الليلة الأولى، لأنها من مسماه،
ويجزيه ما بين الهلالين تم أو نقص ويقوى الاجتزاء بالعدد أيضا إن شاء، لصدق
الامتثال بكل منهما عرفا، كما أنه يجزيه التتابع والتفريق ثلاثة في الشهر المطلق
والأيام للصدق كما في الصوم، إلا أنه لا يخلو من نظر لما تقدم في نذر الصوم،
بل صرح شيخنا في بغيته بوجوب التتابع في نذر الشهر، إلا أن ظاهرهم في المقام
عدمه، بل في المختلف أن له التفريق يوما فيوما على أن يضم لكل يوم من النذر
يومين ندبا، قال: لا يقال: لا يصح الصوم تطوعا ممن عليه صوم واجب لأنا
نقول: نمنع أولا ذلك على ما اختاره المرتضى، سلمنا لكن نذر الاعتكاف
لا يستلزم نذر الصوم، فجاز أن يعتكف في نهار رمضان فينوي أول نهار من
اعتكاف المنذور وباقية ندبا أو بالعكس، أما لو كان نذره اعتكاف شهر معين
وجب مراعاة التوالي، لتوقف الصدق عليه، فلو أفطر يوما منه بعد مضي ثلاثة
مثلا أثم وأتم ما بقي وقضى ما فات كما ستعرفه عند تعرض المصنف له.
(و) كذا تعرف الحكم في (من ابتدأ اعتكافا مندوبا) وأن مختار
المصنف وجماعة بل هو المشهور أنه (كان بالخيار في المضي فيه وفي الرجوع،
فإن اعتكف يومين وجب الثالث، وكذا لو اعتكف ثلاثة ثم اعتكف يومين بعدها
وجب السادس و)
قد عرفت الحال فيما (لو دخل في الاعتكاف قبل العيد بيوم أو يومين)
أي أنه (لم يصح) لما تقدم من أنه لا اعتكاف إلا بصوم، وهو محرم في العيد
أما لو دخل في اعتكاف خامسه العيد مثلا أو نذره ففي صحة ما عدا العيد وبطلانه
168

وجهان،
هذا (و) قد عرفت الحال فيما (لو نذر اعتكاف ثلاثة) أيام (من
دون لياليها) وأنه غير جائز لكن (قيل) والقائل الشيخ في المحكي عن خلافه:
(يصح) ذلك، قال: " إذا قال: لله علي أن أعتكف ثلاثة أيام لزمه ذلك،
فإن قال: متتابعا لزمه بينها ليلتان، وإن لم يشترط المتابعة جاز أن يعتكف نهار
ثلاثة أيام بلا لياليهن " وقال في هذا الكتاب أيضا قبل ذلك: " لا يكون
الاعتكاف بأقل من ثلاثة أيام وليلتين " وقال في المحكي عن مبسوطه: " إن نذر
أياما بعينها لم يدخل فيها لياليها إلا أن يقول العشر الأواخر وما يجزي مجراه،
فيلزمه حينئذ الليالي، لأن الاسم يقع عليه " ثم قال في موضع آخر منه: " وإذا
نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أول يوم
إلى بعد الغروب من ذلك اليوم، وكذلك اليوم الثاني والثالث، هذا إذا أطلقه،
وإن شرط التتابع لزمه الثلاثة الأيام بينها ليلتان ".
(وقيل) والقائل المشهور بل لا أجد فيه خلافا إلا ممن عرفت: (لا)
يصح (لأنه بخروجه عن قيد الاعتكاف) في الليل (يبطل اعتكاف ذلك اليوم)
لكونه حينئذ اعتكافا أقل من ثلاثة أيام، قيل: وإلى ذلك يرجع ما في المختلف من
الاستدلال على المطلوب بأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام، ومفهوم
ذلك دخول الليالي، لكن قد يناقش بأنه لا يتم في الزائد على الثلاثة، فالأولى
حمل كلامه على إرادة فهم الاتصال على وجه يدخل فيه الليالي المتوسطة من أمثال
هذا التركيب في إقامة العشر وثلاثة الحيض وغيرهما، كما أن الأولى الاستدلال
عليه أيضا بما يأتي من النصوص (1) الدالة على وجوب الكفارة علي من جامع
ليلا وهو معتكف، ضرورة عدم الداعي إلى حملها على اشتراط التتابع، كل ذلك

(1) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف
169

مضافا إلى إمكان دعوى الاجماع على المطلوب، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (لا يجب التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة
بل) له ذلك والتفريق، لصدق الامتثال بكل منهما: وإن كان في التفريق (لا بد
أن يعتكف ثلاثة ثلاثة فما زاد) لما عرفت من أن الاعتكاف لا يكون أقل من
ثلاثة، بل قد سمعت ما في المختلف من التفريق يوما يوما، وإن كان هو خروج
عن محل البحث، ضرورة إرادة التفريق في المنذور نفسه من غير ضم غيره معه،
ومثله يأتي في نذر الثلاثة كما صرح به شيخنا في بغية الطالب، لعدم تصور الفرق
بينها وبين العشرة في ذلك، هذا.
ولا يخفى عليك أنه لا يجب عليه التوالي (إلا) إذا نذر مثلا على وجه
يظهر منه كما (إذا اشترط التتابع لفظا) بأن قال عشرة أيام متتابعة (أو معنى)
كما لو نذر شهر رجب أو العشرة الأخيرة منه أو من شهر رمضان مثلا ونحو ذلك
مما يتوقف صدق الاسم عليه، فإنه حينئذ يجب مراعاته، فلو أخل به لعذر احتمل
البناء لما تقدم في الصوم، واحتمل العدم اقتصارا على المتيقن، وإن كان عمدا
استأنف على الأقوى، مع احتمال البناء كما تعرف الحال فيه إن شاء الله عند تعرض
المصنف له، والله أعلم.
الشرط (الرابع المكان، فلا يصح) الاعتكاف (إلا في مسجد)
إجماعا بقسميه ونصوصا (1) مستفيضة أو متواتراة، إنما الكلام في تعيينه،
فعن ابن أبي عقيل أنه كل مسجد، قال: " الاعتكاف عند آل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لا يكون إلا في المساجد، وأفضله المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)
ومسجد الكوفة، وسائر الأمصار مساجد الجماعات " وعن جماعة أنه لا يكون

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف
170

إلا في (جامع) وهو ظاهر المصنف بل والمفيد وإن عبر بالمسجد الأعظم إلا أن
الظاهر إرادة الجامع منه في مقابلة مسجد السوق والقبيلة ونحوهما من المساجد
التي لم يجتمع فيها المعظم من أهل البلد، ولا أعدت لذلك، ولو فرض تعدد الجامع
في البلد الواحد جاز في كل واحد منها، وليس له التشريك بينها في الاعتكاف
الواحد مع عدم الاتصال، أما معه بالباب مثلا ففي بغية الأستاذ لا تبعد الصحة،
وفيه أن ذلك غير مجد بعد فرض ظهور الأدلة في اعتبار الوحدة المفروض عدم
تحققها بذلك في المفروض، وقال في محكي المنتهى: " لو فصل الجامع الذي يجوز
الاعتكاف فيه بحاجز جاز أن يعتكف بكل منهما، لأنه بعضه، وليس له أن يخرج
عن أحدهما إلا لضرورة أو حاجة من حر أو برد أو غير ذلك، أما لو كان أحد
الموضعين ملاصقا للآخر بحيث لا يحتاج إلى المشي في غيرهما جاز أن يخرج من
أحدهما إلى الآخر " قلت: المدار على صدق الوحدة عرفا كما لا يخفى، ولو تعذر
المكث في محل النية فالأقوى البطلان مع احتمال الاكتفاء بجامع آخر.
(وقيل) والقائل الأكثر كما في الدروس: (لا يصح إلا في المساجد
الأربعة: مسجد مكة ومسجد النبي (صلى الله عليه وآله) ومسجد الجامع بالكوفة ومسجد
البصرة) بل في محكي المنتهى أنه المشهور، بل عن المرتضى والشيخ وابن زهرة
والطبرسي الاجماع عليه (وقائل) وهو علي بن بابويه (جعل موضعه) أي
الأخير (مسجد المداين) الذي روي (1) أن الحسن (عليه السلام) صلى فيه، وفيه أن
المتجه حينئذ ضمه مع الأربعة كما عن المقنع لا إبداله (و) ذلك لأن (ضابطه)
عندهم (كل مسجد جمع فيه نبي أو وصي) نبي (جماعة) ومن المعلوم أن الأربعة
قد تحقق فيها ذلك، والخامس على فرض صحة
الرواية المزبورة يلحق بها

(1) مرآة العقول ج 3 ص 246
171

(و) كذا مسجد براثا، بل (منهم) كالشيخ في المبسوط والمرتضى في الإنتصار
على ما قيل (من قال) باعتبار كون الجماعة في (جمعة) ولم يتحقق ذلك في غير
الأربعة، بل لعل المتحقق خلافه، وربما قيل: إن هذا فائدة الخلاف في اعتبار
الجماعة والجمعة.
وعلى كل حال فالأقوى الثاني، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1):
" لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع " وقوله (عليه السلام) في خبر ابن سنان (2):
" لا يصلح العكوف في غيرها يعني مكة إلا أن يكون مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أو في مسجد من مساجد الجماعة " وقوله عن أبيه (عليهما السلام) في خبر علي
ابن غراب (3): " المعتكف يعتكف في المسجد الجامع " ومثله خبر علي بن
عمران (4) وفي خبر أبي الصباح (5) عنه (عليه السلام) أيضا " أنه سئل عن الاعتكاف
في رمضان في العشر الأواخر قال: إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا أرى الاعتكاف
إلا في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) أو في مسجد جماعة " وفي
حسن الحلبي أو صحيحه (6) أنه سئل أيضا " عن الاعتكاف فقال: لا يصلح
الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) أو مسجد الكوفة
أو مسجد جماعة، وتصوم ما دمت معتكفا " وقال (عليه السلام) أيضا في خبر داود بن
سرحان (7): " لا أرى الاعتكاف إلا في مسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله)
أو في مسجد جامع) وقال (عليه السلام) أيضا في خبر يحيى بن العلاء الرازي (8): " لا يكون
اعتكاف إلا في مسجد جماعة " بل لعله يرجع إلى ذلك المرسل (9) عن المقنع أنه

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
(2) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
(4) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
(5) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
(6) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
(7) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
(8) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
(9) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3 - 4 - 4 - 5 - 7 - 10
6 - 2
172

روي " لا اعتكاف إلا في مسجد يصلى فيه الجمعة بإمام وخطبة " والمرسل (1)
عن ابن الجنيد أنه " روى ابن سعيد يعني الحسين عن أبي عبد الله (عليه السلام) جواز
الاعتكاف في كل مسجد صلى فيه إمام عدل صلاة الجمعة جماعة، وفي المسجد الذي
تصلى فيه الجمعة بإمام وخطبة " ضرورة كونه هو الجامع غالبا، كمعلومية كونه
المراد من مسجد الجماعة، إذا لم يقل أحد باعتبارها في الاعتكاف، وهي جميعا كما
ترى متفقة على خلاف المحكي عن ابن أبي عقيل، وأما موثق عمر بن يزيد (2)
الذي هو دليل المشهور " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في الاعتكاف ببغداد
في بعض مساجدها؟ فقال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل
صلاة جماعة، ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة
ومسجد مكة " فيمكن إرادة الأعم من المعصوم من الإمام العدل فيه، بل لعله
على التوصيف ظاهر في غيره، وكان وجه اعتبار صلاة العدل فيه جماعة أن السائل
سأل عن مساجد بغداد، وهي ليست مساجد أهل الحق، إلا أنه يجري عليها
الحكم إذا اتخذها أهل الحق لصلاتهم وجوامع لهم، فيكون المراد أنه لا عبرة
بمسجد الجماعة لهم إذا لم يصل فيها إمام عدل جماعة على وجه يكون جامعا لهم
ولغيرهم، للشك في الاكتفاء بغير ذلك وإن سمي جامعا باعتبار اتخاذ غير أهل
الحق كذلك، وعلى كل حال فهو مع اتحاده وكونه من قسم الموثق واحتماله
ما عرفت قاصر عن معارضته لما تقدم، سيما بعد اعتضاده بظاهر الآية (3) بناء
على دلالتها على مشروعيته بكل مسجد، ودعوى المرتضى والشيخ وغيرهما الاجماع
لم نتحققها، بل لعل المتحقق خلافه، فلا ريب في أن الأقوى ما قلناه.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 14 - 8
(2) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 14 - 8
(3) سورة البقرة - الآية 183
173

ويلحق بالمساجد حيطانها التي من جانبها وآبارها التي فيها وسطوحها
ومنائرها ومنابرها ومحاريبها وسراديبها، كبيت الطشت في الكوفة ونحو ذلك
مما هو مبني على الدخول ما لم يعلم الخروج، بخلاف سنائدها ونحوها مما هو مبني
على الخروج ما لم يعلم دخولها، والإضافات إلى الجوامع حكمها حكمها مع اتخاذها
اتخاذها، وقبر مسلم بن عقيل (عليه السلام) وهاني نحوهما ليس من المسجد على الظاهر، وما
في الدروس من تحقق الخروج عن المسجد بالصعود على السطح لعدم دخوله في
مسماه واضح الضعف، نعم لو فرض قصد المعتكف الاعتكاف في الأسفل دونه
جاء فيه البحث السابق الذي قد ذكرنا فيه عدم الدليل على وجوب اعتبار ذلك
ولو قصده، ولعله لذا قطع في محكي المنتهى بعدم الفرق بين السطوح وغيرها من
غير نقل خلاف فيه، بل حكاه عن الفقهاء الأربعة، واستحسنه في المدارك،
وهو كذلك، ولو اعتكف فبان عدم المسجدية أو الجامعية بطل اعتكافه،
ولا يصلحه لحوقهما.
ولو تعذر إتمام اللبث في المكان الذي اعتكاف فيه لخروجه عن قابلية اللبث
فيه بأحد الأسباب احتمل الاكتفاء باللبث في غيره، بل ربما قيل به، وهو مشكل
ولو زال المانع احتمل البناء، والأقوى الاستئناف مع فرض الوجوب.
وتعلم الجامعية بالبينة والشياع وحكم الحاكم ونحو ذلك، بل يمكن
الاكتفاء بخبر العدل.
(و) كيف كان ف‍ (يستوي في ذلك الرجل والمرأة) بلا خلاف أجده
بيننا، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه كما ادعاه في الحدائق، لأصالة الاشتراك،
وظاهر بعض النصوص (1) في وجه، من غير فرق بين المكان الذي أعدته للصلاة

(1) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 و 2
174

في بيتها وغيره عندنا، نعم خالف بعض العامة في ذلك فجوز لها الاعتكاف في
مسجد بيتها، ولعله لذلك نبه المصنف على التسوية المزبورة.
والحضرات المشرفة وإن كانت أفضل من الجوامع لا تلحق بها هنا،
وكذا رواقها وإن كان متخذا للعبادة لا لا حكام البناء، وجميع بقاع جامع
الاعتكاف على حد سواء للمعتكف، بل لا يبعد عدم اعتبار خصوص بعضها وإن
خصصه المعتكف، نعم قد يقال باعتباره لو خصصه الولي كحاكم الشرع على إشكال
فيه ينشأ من عموم ولايته على هذا النحو، والله أعلم.
الشرط (الخامس إذن من له ولاية) على المنع من الاعتكاف (كالمولى
لعبده) مدبرا كان أو أم ولد أو غيرهما (والزوج لزوجته) بلا خلاف أجده
فيه معللين له بملكية السيد والزوج منافعهما، فلا يجوز صرفهما لها بغير الإذن،
بل في الدروس إضافة الولد والأجير والضيف لهم، ولم نعثر هنا على دليل بالخصوص
نعم قد تقدم في الصوم المندوب ما له مدخلية في المقام مع فرض الاعتكاف فيه،
وإن كان هو أخص من المقام، ضرورة أعمية الاعتكاف من ذلك حتى في الصوم
المندوب الذي يفرض حصول الإذن فيه، فليس للمسألة مدرك على الظاهر سوى
الملكية المزبورة على الوجه المزبور التي يمكن تسليمها في العبد وفي الأجير دون
الزوجة ودون الولد، ولذا لم يعتبر إذنه بعض مشايخنا، لكن اعتبر عدم منعه،
وكذا الوالدة، وفيه أيضا بحث، وأما الضيف فليس مبنى المنع فيه إلا حيثية
الصوم قطعا، فينبغي أن يدور الاعتكاف مدارها، وبالجملة قد تقدم في الصوم
ما له نفع في المقام، ومنه يعلم الحال في الاعتكاف الواجب المعين والمطلق،
واعتبار الإذن فيه وعدمها.
(و) على كل حال ف‍ (إذا أذن من له ولاية كان له المنع قبل الشروع)
للأصل السالم عن المعارض (وبعده ما لم يمض يومان) بناء على وجوبه حينئذ
175

(أو يكون واجبا بنذر وشبهه) وقلنا بوجوب إتمامه بالشروع، لعدم طاعة
المخلوق في معصية الخالق، ولو قلنا بوجوب الاعتكاف بالشروع مطلقا لم يكن له
الرجوع معه، ولعله لهذا أطلق الشيخ في المحكي عن مبسوطه وخلافه عدم جواز
الرجوع مع الإذن، وإلا كان واضح الفساد.
(فرعان) بل فروع: (الأول المملوك) المبعض (إذا هاياه مولاه جاز له
الاعتكاف في أيامه) التي تسع أقل الاعتكاف (وإن لم يأذن له مولاه) لعدم
السلطان له فيها، نعم قيده بعضهم بما إذا لم يضعفه في نوبة السيد، وزاد آخر
ولم يكن الاعتكاف في صوم مندوب إن منعنا المبعض من الصوم بغير إذن المولى
وهو جيد في الأخير، أما الأول فيمكن المناقشة فيه باطلاق ما دل على أن له
الانتفاع في أيامه، ولذا لم يعتبر في نوبة السيد التقييد بما إذا لم يضعفه في نوبته،
فتأمل جيدا.
(الثاني إذا أعتق) العبد (في أثناء الاعتكاف) الذي لم يؤذن فيه
(لم يلزمه المضي فيه إلا أن يكون شرع بإذن المولى) وحصل سبب الوجوب،
خلافا للمحكي عن الشيخ فأوجب الاتمام عليه فيه وإن لم يكن أصله مأذونا فيه،
وهو غريب.
الثالث المكاتب الذي لم يتحرر منه شئ حكمه حكم القن في عدم جواز
الاعتكاف بغير الإذن، للأصل وغيره، نعم لو كان اعتكافه اكتسابا اتجه عدم
اعتبار الإذن حينئذ، لأنه مقتضى الكتابة، فما عن الشافعي من عدم اعتبارها
مطلقا واضح الضعف، كاطلاق المحكي عن الشيخ من اعتبارها، والمتجه ما ذكرناه.
الشرط (السادس استدامة اللبث) بنفسه قائما أو جالسا أو مضطجعا أو
راكبا مستقرا أو مضطربا (في المسجد) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
176

بقسميه عليه، بل في المدارك وغيرها نسبته إلى العلماء كافة، لأنه معنى الاعتكاف
ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن سرحان (1) في حديث: " ولا ينبغي
للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بد منها، ثم لا يجلس حتى
يرجع، والمرأة مثل ذلك " وزاد في صحيح الحلبي (2) " ولا يخرج في شئ إلا
لجنازة أو يعود مريضا، ولا يجلس حتى يرجع " وقال له (عليه السلام) أيضا داود بن
سرحان (3) في خبره الآخر: " كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): إني أريد أن أعتكف فماذا أقول؟ وماذا أفرض على نفسي؟ فقال:
لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، ولا تقعد تحت ضلال حتى تعود إلى
مجلسك " وقال أيضا في خبر ابن سنان (4): " لا يخرج المعتكف من المسجد
إلا في حاجة " وفي صحيحه (5) أيضا " ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد
إلا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط " بل خبر ميمون بن مهران (6) ظاهر في معلومية
منافاة الاعتكاف للخروج في ذلك الزمان، قال: " كنت جالسا عند الحسن بن علي
(عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول الله إن فلانا له علي مال ويريد
أن يحبسني فقال: والله ما عندي مال فأقضي عنك، فقال: فكلمه، فلبس (عليه السلام)
نعله فقلت له: يا بن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال له: لم أنس ولكني
سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من سعى في حاجة أخيه
المسلم فكأنما عبد الله عز وجل تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله " إلى غير
ذلك من النصوص المعتضدة بما سمعت.
وحينئذ (فلو خرج لغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه) ضرورة ظهور

(1) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 4
(2) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 4
(3) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 4
(4) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 4
(5) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 4
(6) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 4
177

جميع ما عرفت في الشرطية التي ينعدم بانعدامها المشروط، بل جزم المصنف هنا
ومحكي المعتبر بأنه لا فرق في ذلك بين أن يكون (طوعا خرج أو كرها)
مستدلا عليه في الأخير بأن الاعتكاف لبث في المسجد، فيكون الخروج منافيا له
لكن قد يناقش بظهور الأدلة في كون المنافي له شرعا الأول، خصوصا بملاحظة
ما دل على الرخصة في الخروج فيه للحاجة ونحوها مما هو أسهل من الاكراه بمراتب
ولذا قال الفاضل في تذكرته: " إنما يبطل بالخروج اختيارا، وأما إذا خرج كرها
فلا إلا مع طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا " ونفي عنه البأس في المدارك
للأصل وحديث رفع لقلم، وعدم توجه النهي إلى هذا الفعل، وفي المختلف قال
الشيخ في المبسوط: " لو أخرجه السلطان ظلما لم يفسد اعتكافه، وإنما يقضي
ما يفوته، وإن أخرجه لإقامة حد أو استيفاء دين يقدر على قضائه بطل، لأنه
أحوج إليه، فكان مختارا في خروجه " وقال في موضع آخر: " كل من خرج
من الاعتكاف لعذر أو غير عذر وجب عليه قضاؤه، ومتى خرج قبل أن يمضي
ثلاثة استأنف، وهذا هو الأقرب إن طال الزمان، أما مع عدمه فلا، لنا أن
الاعتكاف هو اللبث، ولا يتحقق ماهيته مع الخروج، احتج بأنه عذر فلا ينافي
الاعتكاف كاليسير، والجواب أن اليسير لا عبرة إذا كان لعذر بخلاف المتطاول "
قلت: لا صراحة في كلام الشيخ في المتطاول الماحي للصورة التي لا تفاوت فيه بين
العذر وغيره، فيرجع إلى ما ذكرنا، كالمحكي عن المنتهى، وكذا ينساق من
الأدلة أن المنافي الخروج بجملته لا بعضو من أعضائه، وبه قطع المصنف والفاضل
في محكي المعتبر والمنتهى من غير نقل خلاف مستدلا عليه في الأخير بما رواه
الجمهور (1) عن عائشة " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا اعتكف يدني إلي رأسه

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 574 " باب المعتكف يدخل بيه لحاجته "
الحديث 1
178

فأرجله " وهو مع عدم كونه من طرقنا لا ظهور فيه بخروج رأسه من المسجد،
والتحقيق أن المدار على صدق اللبث فيه، فما عن المسالك من منافاة خروج الجزء
له كالكل كما ترى، نعم ليس له أن ينوي الاعتكاف ببعض بدنه، ومن الاضطرار
الكون في الخارج لغبار ونحوه، والجهل بالحكم ليس عذرا بخلاف الموضوع.
وكيف كان (فإن لم تمض ثلاثة أيام) التي هي أقل الاعتكاف قبل خروجه
الاختياري ((بطل الاعتكاف) من أصله (وإن مضت فهي صحيحة إلى حين
خروجه،
ولو) كان قد (نذر اعتكاف أيام معينة) كالعشر الأواخر من شهر
رمضان ونحوها (ثم خرج قبل إكمالها بطل الجميع إن شرط التتابع ويستأنفها)
بأن يقضيها متتابعة في وجه، لعدم الاتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا
ولو بسبب النذر الذي لم يخرج عن عهدته بذلك كما عن المبسوط والدروس،
لكن في المختلف " ولقائل أن يقول: لا يجب الاستيناف وإن وجب عليه التمام
متتابعا وكفارة خلف النذر، لأن الأيام التي اعتكفها متتابعة وقعت على الوجه
المأمور به، فيخرج بها عن العهدة، ولا يجب عليه استينافها، لأن غيرها لم يتناوله
النذر، بخلاف ما إذا أطلق النذر وشرط التتابع فإنه هنا يجب الاستئناف، لأنه
أخل بصيغة النذر، فوجب عليه استئنافه من رأس، بخلاف صورة النزاع،
والفرق بينهما بتعين الزمان هناك وإطلاقه هنا لكل صوم متتابع، فأي زمان كان
الاطلاق يصح أن يجعله المنذور، وأما مع التعيين فلا يمكنه البدلية " ووافقه
ثاني الشهيدين في المحكي عن مسالكه، وفيه أن التتابع في البعض غير كاف في
الامتثال بعد أن فرض اعتباره في الجميع في صيغة واحدة، وعدم إمكان استئنافها
نفسها باعتبار تعينها لا ينافي وجوب القضاء، كما إذا لم يأت بها أجمع، وكما إذا
نذر صوم يوم بعينه، فالمتجه حينئذ ما ذكره المصنف، نعم ظاهره اعتبار اشتراط
التتابع لفظا، وعدم الاكتفاء عن ذلك بتعين الأيام الذي يلزمه التتابع كما هو صريح
179

الدروس، وهو كذلك، ضرورة كون التتابع فيه كالتتابع في صوم شهر رمضان
لا يفسد ما سبق، ولا ينافي ما يأتي، وإنما يجب قضاؤه نفسه، هذا.
(و) قد ظهر لك من النصوص السابقة مضافا إلى الاجماع بقسميه أنه
(يجوز) له (الخروج) في الجملة (للأمور الضرورية) شرعا أو عقلا أو
عادة (كقضاء الحاجة) من بول أو غائط، نعم عن الأصحاب أنهم أوجبوا
تحري أقرب الطرق إلى موضع قضاء الحاجة، ونحوه يجري في غيره، وفي محكي
المنتهى " لو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها إلا أن يجد بها غضاضة بأن
يكون من أهل الاحتشام، فيجد المشقة بدخولها لأجل الناس، فيعدل عنها حينئذ
إلى منزله وإن كان أبعد " بل قال: " ولو بذل له صديق منزله وهو قريب من
المسجد لقضاء حاجة لم يلزمه الإجابة، لما فيه من المشقة بالاحتشام، بل يمضي إلى
منزله " وربما ظهر من جماعة الميل إليه، واستشكله في الحدائق بأنه تقييد لاطلاق
النص بغير دليل، وما ذكره من التعليل لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية مشيرا
بذلك إلى الغضاضة ونحوها كما صرح به بعد ذلك، وفيه أن مرجع هذا التعليل
ونحوه إلى ما علم من نفي الحرج في الدين وسهولة الملة وسماحتها ونحو ذلك،
ولا فرق بين البعيد والقريب ما لم يخرج عن مسمى الاعتكاف.
(و) منها أيضا (الاغتسال) من الجنابة والاستحاضة ونحوهما مما هو
فيها واجب، نعم في الحدائق " لا يجوز الخروج للغسل المندوب " واستحسنه
في المدارك بعد أن حكاه عن التذكرة، وقد يناقش بعموم ما دل على الحث عليه
في الجمعة (1) ونحوها، وإن كان بينهما تعارض العموم من وجه، لكن قد
يؤيد ذلك بما دل على الخروج للحاجة المتعلقة به وبغيره، ضرورة إطلاق الأدلة

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة من كتاب الطهارة
180

جواز الخروج لها، ولا داعي إلى تخصيصها بالغير، بل ظاهر المحكي عن ثاني
المحققين عدم الفرق بينهما، ولذا احتمل في عبارة المتن إرادة مطلقها، قال: فيدخل
فيه حاجة نفسه وحاجة غيره من المؤمنين، لاستثناء ذلك، بل كما أنه لا حاجة إلى
إرادة خصوص الغائط والبول منها، وإن جنح إليه في المدارك حتى أنه توقف
في جواز الخروج لقضاء حاجة الغير مستدلا عليه بخبر ميمون بن مهران (1) ثم
قال: لكنه قاصر من حيث السند، فلا يصلح لتخصيص الأخبار المتضمنة لاطلاق
المنع من الخروج، وفيه ما لا يخفى، بل يمكن دعوى الاجماع على خلافه.
ولو أمكن الغسل في المسجد على وجه لا يتعدى إليه النجاسة ففي المدارك
قد أطلق جماعة المنع من ذلك، لما فيه من الامتهان المنافي للاحترام، ويحتمل
الجواز كما في الوضوء والغسل المندوب، وفيه أنه مستلزم لللبث المحرم، وبه يفرق
بينه وبين الوضوء والغسل المندوب، على أنه قد ورد النهي عن الوضوء في المسجد
من البول والغائط.
(و) منها (شهادة الجنائز) للحمل والصلاة عليها ودفنها، وفي محكي
المنتهى قال علماؤنا: يجوز أن يخرج لتشييع الجنازة وعيادة المريض، وقد
سمعت ما في صحيح الحلبي (2) وصحيح ابن سنان (3) من غير فرق بين تعين ذلك
عليه وعدمه، لاطلاق النص، لكن في التذكرة اعتبار الأول، وفيه ما لا يخفى.
(و) منها (عود المريض) بلا خلاف أجده، بل في التذكرة أنه قول
علمائنا أجمع، وهو الحجة، مضافا إلى صحيح الحلبي (4) وإمكان اندراجه في
الحاجة، وإلى ما دل (5) على استحبابه في نفسه.

(1) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف الحديث 4 - 2 - 6 - 2
(2) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف الحديث 4 - 2 - 6 - 2
(3) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف الحديث 4 - 2 - 6 - 2
(4) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف الحديث 4 - 2 - 6 - 2
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الاحتضار من كتاب الطهارة
181

(و) منها (تشييع المؤمن) كما ذكره الفاضل وغيره إلا أني لم أعثر
على نص فيه بالخصوص.
وكذا قوله: (وإقامة الشهادة) إلا أنهما مندرجان في الحاجة التي قد
عرفت إطلاقها، وتقييدها بعدم البد منها يمكن إرادة التي لا يمكن الجمع بينها
وبين الاعتكاف، وتفوت بعدم الخروج إليها، أو إرادة ما يشمل ذلك ونحوه،
على أن إقامة الشهادة مع تعينها حاجة لا بد منها، بل وتحملها مع التعين كذلك
أيضا، مضافا إلى كون التعارض بين ما دل على عدم خروج المعتكف وبين ما دل
على وجوب إقامتها تعارض العموم من وجه، والترجيح للثاني من وجوه، بل لعله
كذلك مع عدم التعين، خلافا للفاضل في بعض كتبه، خصوصا مع ملاحظة
ما ورد في الجنازة وعود المريض من الرخصة، ولعل هذا هو الوجه في كثير مما
ذكره الأصحاب في المقام وعدم النص بالخصوص عليه، وكأنهم فهموا المثال مما
ذكر فيها، فلذا لم يقتصروا عليه، وأكثرهم توسعة شيخنا في بغيته، قال:
" ويجوز الخروج للضرورية الشرعية والعقلية والعادية وللأكل والشرب والغسل
والإقامة للشهادة والتحمل ولمقدماتها مع التوقف عليها، ورد الضال وإعانة المظلوم
وإنقاذ المحترم وعيادة المريض وتشييع المؤمن الحي وجنازة الميت وصلاتها وحضور
دفنها وسننه واستقبال المؤمن وغسل النجاسات والقذارات والاستحمام لشديد
الحاجة ولصلاة الجمعة والعيدين بناء على جواز صومه للقاتل في أشهر الحرم، بل
لمطلق الصلاة في مكة، وخوف ضيق وقتها، وقضاء حاجة المؤمن وإعانة بعض
خصوصا المعتكفين على مطالبه، والخروج معه دفعا لخوف أو ردا لماله الضائع،
والشارد والمسروق، أو قياما بحقه، وانتظاره لدفع خوفه، وفعل ما فيه غضاضة
في المسجد، وإخراج الريح خارج المسجد - إلى أن قال -: وما تعلق بمصالح نفسه
من الاتيان بماء أو حطب أو علفا لدابته أو نحو ذلك لا بأس به، ولا يلزم
182

الاستيجار والاستعانة وإن كان واجدا ومطاعا، ويشكل في واجد المملوك
والأجير، ومن الحاجة امتثال أمر المالك والوالدين والخادم لمخدومه والمتعلم
لمعلمه والمنعم لصاحب نعمته، ومعرفة الوقت والتأذين وجهاد العدو ومصاحبة
المحرم الامرأة الجميلة أو الخادم المشخص أو الجليلة والقوي للشيخ الضعيف
والمريض للاعتماد عليه، ومن الحوائج طلب الاحتياط في غسل أو إزالة نجاسة
ونحوها ما لم يدخل في الوسواس، فإن دخل فسد الاعتكاف، ومنها ما لو احتاج
إلى مسألة والمجتهد خارج المسجد، أو احتاج إلى قرآن وكتاب دعاء أو شئ
مما تتوقف عليه العبادة، ولو أضربه الشعر ولم يسعه الحلق في المسجد خرج له،
ومثله طلي النورة والحجامة والفصادة ونحوها من الأعذار، ومظنة تمام الاعتكاف
فتبين خلافه بعد خروجه أو نية فراغه " بل في المختلف عن المبسوط يجوز
للمعتكف صعود المنارة والأذان فيها سواء كان داخل المسجد أو خارجه، لأنه
من القربات، وإذا خرج إلى دار الوالي وقال: حي على الصلاة أيها الأمير بطل
اعتكافه، وفيه أيضا عن الخلاف يجوز للمعتكف أن يخرج فيؤذن في منارة
خارج الجامع وإن كان بينه وبين الجامع فضاء ولا يكون في الرحبة، لما روي
من الحث على الأذان ولم يفصلوا، واستشكله بأنه مستحب يمكنه فعله في المسجد
فيكون الخروج له لا لضرورة، فلا يجوز، على أنه معارض بالحث على الأمر
بالصلاة، فكما يبطل الخروج له فكذا هو، ونحوه عن التذكرة والمنتهى، نعم
زاد فيهما " أما لو فرض أن يكون هو المؤذن وقد اعتاد الناس صلاته ويبلغ من
الاستماع ما لا يبلغ لو أذن في المسجد لم أستبعد قول الشيخ " إلى غير ذلك من
كلماتهم المتفقة على الزيادة على المنصوص في الجملة، وكان مبناه فهم المثالية مما في
النصوص، لكن ينبغي الاقتصار حينئذ على ما علم فيه المماثلة أو ظن ظنا معتبرا
شرعا، أو مبناه في جملة منه تعميم لفظ الحاجة له، لأنها أعم مما تتعلق بالنفس أو
183

الغير إلا أنه مع عدم شموله لجميع ما ذكر لعدم صدق الحاجة أو الشك قد عرفت
تقييدها في النصوص بعدم البد منها الذي يجب حمل المطلق عليه، ولا أقل من
الشك في جملة من الأمور أنها، من الحوائج التي لا بد منها أو أن مبناه ما أشرنا
إليه من كون التعارض في أكثرها أو جميعها من وجه، والترجيح لها فتوى جماعة
من الأصحاب بل جميعهم في الجملة، وبأنه كالواجبات في هذا التعارض، فكما يخرج
لما يطرأ من الواجبات مع أن التعارض بينها من وجه أيضا فكذا هذه المندوبات،
وباشتمال النصوص على بعضها المحتمل أو المظنون أو المعلوم فيه المثالية، وبأن
ظاهر استدلال الحسن بن علي (عليهما السلام) ترجيح كل ما كان من هذا القبيل
على الاعتكاف، أو غير ذلك.
إلا أنه لا يخفى عليك بعد ذلك كله رجحان الاحتياط الذي هو ساحل
بحر الهلكة في كل ما هو غير منصوص ولم يعلم إلحاقه به، كما أنه لا يخفى عليك
تقييد ذلك كله بما إذا لم يستلزم محو صورة الاعتكاف، وإلا بطل على كل حال،
ولذا وجب خروج المرأة من المسجد لو حاضت في أثناء الاعتكاف، والمريض
الذي لا يسعه اللبث، وكذا غيرهما من ذوي الأعذار التي ينمحي صورة
الاعتكاف معها، ويجب عليهم حينئذ استئناف الاعتكاف مع وجوبه، وإلا فلا
وعليه ينزل إطلاق بعض الأصحاب وجوب العود إلى الاعتكاف، كاطلاق قول
الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن الحجاج (1): " إذا مرض المعتكف أو طمنت
المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ ويصوم " وقوله (عليه السلام) في خبر
أبي بصير (2): " في المعتكفة إذا طمثت قال: ترجع إلى بيتها، فإذا طهرت

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3
184

رجعت فقضت ما عليها " جمعا بين ذلك وبين ما دل على عدم وجوب الاعتكاف
بمجرد الشروع، وأنه إنما يجب بالنذر أو مضي يومين كما ستعرف تفصيل
الكلام فيه.
وعلى كل حال فظاهر الخبرين استئناف الاعتكاف، لكن في المنتهى تردد
فيه من ذلك ومن حيث حصول العارض المقتضي للضرورة، فكان كالخروج
للحاجة، بل قال: الأقرب عدم الاستئناف، وفيه ما لا يخفي بعد فرض محو الصورة
حتى في المقيس عليه، فلا ريب حينئذ في وجوب الاستئناف، ثم إن كان
الاعتكاف واجبا ولم يمض ثلاثة وجب القضاء من أصله، وإلا فالمتروك خاصة،
نعم لو كان المتروك ثالث المندوب مثلا وجب قضاؤه بإضافة يومين إليه، لما عرفت
من أن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة.
(و) كيف كان ف‍ (إذا خرج) المعتكف (لشئ من ذلك لم يجز له
الجلوس) تحت ضلال بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، كما
أن صحيح الحلبي (1) وخبري داود بن سرحان (2) دالة عليه، بل لا تقييد في
الأول وأحد الأخيرين، بكونه تحت الظلال، ولذا أطلق النهي عنه بعضهم،
لكن في الحدائق أنهما مقيدان بالخبر الأخير لداود، ومن هنا خص الشيخان
والفاضلان والمرتضى وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس وغيرهم تحريمه بذلك،
لكن قد يناقش بأن التقييد مبني على حجية مفهوم المكان، ويمكن منعها وأنها
كمفهوم اللقب، وقال جماعة منهم الشيخ والمصنف والفاضل وغيرهم: (ولا المشي
تحت الظلال) بل عن المرتضى " ليس للمعتكف إذا خرج عن المسجد أن يستظل

(1) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 و 3
185

بسقف حتى يعود إليه " ثم استدل عليه بالاجماع وطريقة الاحتياط، ولعله الحجة
مضافا إلى ما دل (1) عليه في المحرم بناء على أصالة مساواته له في ذلك حتى يعلم
الخلاف، وإلى احتمال إلغاء خصوصية الجلوس، وكون المانع منه تحت الظلال،
فلا فرق بينه وبين المشي والوقوف، وفي الوسائل أنه قد تقدم ما يدل على عدم
جواز الجلوس والمرور تحت الظل للمعتكف، وإلى قاعدة الشك في الشرط بناء
عليها، وإلى غير ذلك، هذا كله مع الاختيار، أما مع الاضطرار فلا بأس كما
صرح به غير واحد، ولعله لاطلاق ما دل على الجواز المقتصر في تقييده بما هو
المنساق من حال الاختيار.
(و) كذا (لا) يجوز للمعتكف (الصلاة خارج المسجد) الذي
اعتكف فيه مع عدم الضرورة، لاطلاق الأدلة السابقة (إلا بمكة، فإنه يصلي)
المعتكف بمسجدها (أين شاء) من بيوتها بلا خلاف أجده فيه، لقول الصادق
(عليه السلام) في صحيح ابن سنان (2): " المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، سواء
عليه صلى في المسجد أو في بيوتها " وفي صحيح منصور بن حازم (3) " المعتكف
بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، والمعتكف بغيرها لا يصلي إلا في المسجد الذي
سماه " وقال ابن سنان (4) أيضا: " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: المعتكف
بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها - إلى أن
قال -: ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة، فإنه
يعتكف بمكة حيث شاء، لأنها كلها حرم الله " قال الشيخ: إنما يريد بقوله (عليه السلام):

(1) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب الاعتكاف، الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب الاعتكاف، الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب الاعتكاف، الحديث 1 - 2 - 3
186

" يصلي " صلاة الاعتكاف، كما يقضي به سياق الكلام والنصوص السابقة.
(ولو خرج) أي المعتكف (من المسجد ساهيا لم يبطل اعتكافه)
بلا خلاف للأصل وحديث رفع القلم، وانصراف ما دل على الشرطية إلى غيره
ولو لاشتماله على النهي المتوجه إلى غيره، نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يطل
حتى انمحت الصورة كما اعترف به غير واحد، ضرورة رجوعه حينئذ إلى انتفاء
الحقيقة الذي لا فرق فيه بين العمد والسهو والاضطرار وغيره، هذا. وقد زاد
بعض مشايخنا شرطا آخر للاعتكاف، وهو إباحة اللبث، فلو وجب عليه الخروج
لجنابة أو لعارض يخافه على نفسه أو عرضه أو غيره مما يوجب الخروج فمكث فسد
اعتكافه، ثم قال بعد ذلك: " كل من حرم عليه اللبث لخوف على نفسه أو عرضه
أو أمر يلزمه حفظه فلبث بطل اعتكافه، وهو كذلك، وكأن الأصحاب تركوا
التعرف له لوضوحه، ولأنه المنشأ لما ذكروه من الشرط الخامس الذي هو إذن
من له ولاية كالزوج والسيد، ضرورة كون ذلك لحرمة اللبث عليهم من دون
الإذن، فيعم حينئذ كل من حرم عليه اللبث، على أن من الواضحات عدم اجتماع
الأمر والنهي في شئ واحد، نعم ينبغي أن يخص ذلك بما إذا كان محرما في
نفسه لا من حيث الضدية لأداء دين ونحوه، فإن الأقوى حينئذ الصحة لما حققناه
في محله من أن الأمر بالشئ لا يقتضي النهي عن ضده الخاص - ثم قال -: ولو
غصب مكانا من المسجد أو جلس على فراش مغصوب فالأقوى البطلان، وأما
اللباس والمحمول فلا يبعث على الفساد على الأقوى، ولو وضع في المسجد تراب
أو فراش مغصوب ولا يمكن نقله فلا مانع من الكون عليه، ولو جلس في المغصوب
أو عليه مجبورا أو جاهلا بالغصب فليس عليه شئ - وكأنه أراد بغصب المكان
دفع من سبق إليه قهرا أو نحو ذلك كما يومي إليه قوله متصلا بذلك -: من سبق
إلى مكان فهو أحق به حتى يفارقه أو يطيل المكث غير مشغول حتى يخل بعبادة
187

المتعبدين، ولو فارقه وله فراش أو شئ يعتد به بقي اختصاصه إن كان خروجه
لغرض صحيح لا يقتضي البطء المفرط، ووضع الخيط والعود والخرقة كلا وضع
وأما ما يسجد عليه والمسبحة فما يلحظ في الوضع، وحد الانتظار إلى أن يحصل
خلل في نظم الصلاة ونحوها كلزوم الفرج في الجماعة بعد قول: " قد قامت الصلاة "
والسابق للحجرة أولى بها في السكني، ولكن ليس له منع الشريك ما لم يحصل
ضرر بخلاف المدرسة، وتجري الوكالة في الاختصاص حيث يجلس الوكيل في مكان
الموكل وما لها أعمال خاصة من بقاع المسجد يقدم مريد الأعمال على غيره " انتهى
لكن أكثره لا يخلو من نظر حتى الفرق بين اللباس والمحمول وغيرهما في الأول
فضلا عما في الأخير من تقدم مريد الأعمال، وعن دعوى جريان حكم الغصب على
كل من نافى أولوية السبق، وعن الفرق بين المسبحة وغيرها، فتأمل جيدا،
والله أعلم.
(فروع) يمكن استفادة حكمها مما تقدم: (الأول إذا نذر اعتكاف
شهر معين ولم يشترط التتابع فاعتكف بعضه وأخل بالباقي صح ما فعل) إذا كان
ثلاثة فصاعدا (وقضى ما أهمل، ولو تلفظ فيه بالتتابع استأنف) كما عرفته في
شرح قول المصنف: " ولو نذر اعتكاف أيام معينة " إلى آخره، وفي المدارك
بناء على ما سلف له هناك - بل الأصح عدم بطلان ما فعل إذا كان ثلاثة فصاعدا
مع التلفظ بالتتابع وبدونه، إذ المفروض تعيين الزمان، وقد عرفت أن التلفظ
بالتتابع لا يفيد مع تعيين الزمان إلا مجرد التأكيد لإفادة تعيين التتابع المعنوي
وقد بينا ذلك فيما سبق " قلت: قد عرفت ما فيه أيضا سابقا من وضوح الفرق.
(الثاني إذا نذر اعتكاف شهر معين ولم يعلم به حتى خرج كالمحبوس
والناسي قضاه) بلا خلاف، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب،
لكن ربما استشكل بعدم ما يدل على قضائه، ويدفع - مضافا إلى احتمال تتأول
188

" من فاتته " له، وإلى أنه مشتمل على الصوم الذي قد ثبت القضاء للواجب منه -
بأنه قد ثبت القضاء في الحائض والمريض وغيرهما مما قد اشتملت عليه النصوص
والفتاوى مع عدم القول بالفصل، نعم عن الشهيد أنه لو غمت عليه الشهور توخى
وإلا تخير كما في الصوم، وأشكله بعضهم بأنه لا دليل عليه هنا، والقياس محرم،
وقد يدفع بأن مبناه في الصوم على القاعدة التي لا تفاوت فيها بين المقامين، وهي
أصالة بقاء التكليف، وقبح تكليف ما لا يطاق، فليس حينئذ إلا التوخي، ومع
عدمه فالتخيير، لأنهما أقرب طرق الامتثال، على أنه شهر معين قد وجب صومه
ولو للاعتكاف، ولا خصوصية لشهر رمضان، فتأمل جيدا، والله أعلم
(الثالث إذا نذر اعتكاف أربعة أيام فأخل بيوم قضاه لكن يفتقر إلى
أن يضم إليه آخرين ليصح الاتيان به) والمراد بالقضاء الاتيان به ليتناول المنذور
المطلق والمعين، ضرورة عدم اختصاص الحكم بالقضاء، بل هو لكل من وجب
عليه اعتكاف يوم كما أشار إليه المصنف فيما سبق وفيما يأتي، والظاهر التخيير بين
التقديم والتأخير والتوسيط، لكن عن جماعة من المتأخرين أن الزائد على الواجب
إن تأخر عن الواجب لم يقع واجبا، وإن تقدم جاز أن ينوي به الوجوب من
باب مقدمة الواجب، والندب لعدم تعين الزمان له، وفي المدارك وربما يشكل
بما إذا كان الواجب يوما واحدا، فإن اعتكاف اليومين بنية الندب يوجب الثالث
فلا يكون مجزيا عما في ذمته، وبأن الاعتكاف يتضمن الصوم، وهو لا يقع
مندوبا ممن في ذمته واجب، ويدفع بأن غاية ما يستفاد من الأدلة الشرعية أن من
اعتكف يومين يتعين عليه اعتكاف الثالث، وهو لا ينافي وجوبه من جهة أخرى،
وعن الثاني بأن الممتنع إنما هو وقوع النافلة ممن في ذمته قضاء رمضان لا مطلق
الواجب كما بيناه فيما سبق، قلت: ولو أراد زوال الاشكال الأول من أصله نوى
بالأول الندب وجعل ما في ذمته وسطا على أنهما هما واجبان من باب المقدمة،
189

فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة، وكيف كان فلو كان المنذور خمسة ففي المدارك
وجب أن يضم إليه سادسا سواء أفرد اليومين أو ضمهما إلى الثلاثة، لما بيناه فيما
سبق من أن الأظهر وجوب كل ثالث قلت: ستعرف تحقيق الحال فيه.
(الرابع إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد) قطعا، لما عرفت من
أن أقل الاعتكاف ثلاثة، فلا يكون مشروعا (ولو) نذره لا بهذا القيد أو
(نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد) مثلا (صح ويضيف إليه آخرين)
كما هو واضح.
هذا كله في حقيقته وشرائطه، (وأما) الكلام في (أقسامه فإنه ينقسم
إلى واجب وندب) ضرورة كونه عبادة، وهي منحصرة فيهما (فالواجب
ما وجب بنذر وشبهه) من العهد واليمين والإجارة وأمر السيد ونحوها
(والمندوب ما تبرع به) عن نفسه أو عن غيره (فالأول يجب بالشروع)
بلا خلاف أجده إذا كان معينا، بل هو واجب قبله، أما غيره فهو وإن كان
مشهورا فيه كما قيل إلا أنه يصعب إقامة الدليل عليه كغيره من الاعتكاف الواجب
توسعا، ومن هنا قال في المدارك: إنه لو قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب
المضي فيه قبل اليومين لم يكن بعيدا، وهو كذلك، والنهي عن إبطال العمل
بعد تسليم إرادة الابطال منه بغير الارتداد ونحوه خاص في الصلاة كما يشهد له
الاستقراء وغيره، فالوجوب حينئذ بالشروع لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن
يكون مستنده ما تسمعه من دليل الوجوب بالشروع في المندوب الذي هو أضعف
من الواجب مستنده ما تسمعه من دليل الوجوب بالشروع في المندوب الذي هو أضعف
من الواجب بمراتب، فتأمل. (والثاني) مع عدم الشرط (لا يجب المضي فيه
حتى يمضي يومان) كاملان إجماعا من القائلين بهذا القول (فيجب الثالث)
وفاقا للإسكافي وابن البراج والشيخ في النهاية وجمع من المتأخرين ومتأخريهم،
190

للأصل وصحيح محمد بن مسلم (1) " إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن
يخرج ويفسخ اعتكافه، فإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ
اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام " وصحيح أبي عبيدة (2) عن الباقر (عليه السلام) " من
اعتكف في ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء ازداد أياما أخر، وإن شاء
خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يستكمل
ثلاثة أيام " بل قد يظهر من الأخير وجوب كل ثالث بعد اليومين، فيجب السادس
لمن اعتكف خمسة، والتاسع لمن اعتكف ثمانية، وهكذا، والمناقشة في سندهما
بعلي بن الحسن بن فضال يدفعها أنهما في طريق الكافي في أعلى مراتب الصحة،
على أنه هو قد ذكر في الخلاصة " وأنا أعتمد على رواية علي بن الحسن بن فضال
وإن كان مذهبه فاسدا " فحكى عن النجاشي والكشي والشيخ وغيرهم توثيقه
وقربه من الإمامية، فلا وجه حينئذ لحملهما على شدة الاستحباب بعد جمعهما
لشرائط الحجية وعدم المعارض لهما سوى الأصل الذي يقطعه أقل من ذلك.
(و) حينئذ فما (قيل) من أنه (لا يجب) الثالث أيضا كما هو خيرة
المرتضى وابن إدريس والفاضلين في المعتبر والمنتهى والمختلف والتذكرة والقواعد
واضح الضعف، بل القول بالوجوب بمجرد الشروع كما عن المبسوط وأبي الصلاح
أقرب منه، لامكان الاستدلال له - مضافا إلى النهي عن إبطال العمل، وإلى أنه
كتعين الكلي بالفرد - بالنصوص (3) الدالة على وجوب الكفارة على المعتكف إذا

(1) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف
191

أبطل اعتكافه بالجماع، وبخبري محمد بن مسلم (1) وأبي بصير (2) المتقدمين سابقا
الدالين على وجوب إعادة المريض والحائض الاعتكاف بعد البرء والطهارة، وإن
أجيب عن الأولى بأنها مطلقة لا عموم فيها، وتصدق بالجزء والكل، فيكفي في
العمل بها تحققها في بعض الصور، فلا يكون حجة في الوجوب، على أنه لو سلمنا
عمومها لم يلزم من ذلك الوجوب، لاختصاصها بجماع المعتكف كما ستقف عليه،
ولا امتناع في وجوب الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب، وبنحو ذلك عن
الثانية، وإن كان قد يناقش أولا بأن الاطلاق حجة كالعموم، وبأن الكفارة
على ما عهد من الشرع إنما تجب في مقام الوجوب المستلزم مخالفته للعقوبة،
فتكون الكفارة لدفع تلك العقوبة، وهذا لا يعقل في المستحب الذي لا يترتب
فيه على تركه عقوبة، وإنما غاية ذلك عدم الثواب عليه، وكيف يمكن القول
بوجوب الكفارة في الاعتكاف المستحب.
(و) لكن مع ذلك كله فلا ريب في أن (الأول أظهر) لصراحة
الصحيحين (3) السابقين الحاكمين على غيرهما، وإن كان الأخير أحوط، بل لا يخلو
من قوة، والله أعلم.
هذا كله مع عدم الشرط في الاعتكاف والنذر (و) أما (لو شرط في
حال نذره الرجوع إذا شاء) وقلنا بصحة هذا الشرط فيه (كان له ذلك) في

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 وهو صحيح
عبد الرحمان بن الحاج كما تقدم في ص 184
(2) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1 و 3
192

(أي وقت شاء) عملا بقولهم (عليهم السلام) (1): " المؤمنون عند شروطهم "
(ولا قضاء) للأصل السالم عن المعارض من غير فرق بين المعين وغيره، وبين
منذور التتابع وغيره (ولو لم يشترط) بل كان مطلقا (وجب استئناف ما نذره
إذا قطعه) وكان مشروط التتابع أو لم يمض منه ثلاثة أيام على التفصيل الذي
عرفته سابقا، إنما الكلام في صحة الشرط المزبور، ولعله موقوف على صحته في
الاعتكاف، وربما يدل عليها فيه - مضافا إلى عموم " المؤمنون عند شروطهم " إلى آخره
ونحوه - قول أبي جعفر (عليه السلام) (2): " إذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن
يخرج ويفسخ الاعتكاف، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ
اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام " ضرورة ظهوره في أن له الفسخ مع الشرط بعد
اليومين أيضا، وقال أبو ولاد في الصحيح (3): " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
امرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه
من المسجد إلى بيتها فتهيأت لزوجها حتى واقعها فقال: إن كانت خرجت من
المسجد قبل إن تمضي ثلاثة أيام ولم يكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما على
المظاهر " وهو ظاهر أيضا في عدم الكفارة عليها مع الشرط، لكن يظهر من
الحدائق تبعا للمدارك التوقف في صحة هذا الشرط في عقد النذر، لأن نصوص
المقام إنما دلت عليه في الاعتكاف دون النذر، وفيه أن جوازه في الاعتكاف
يقضي بجوازه في النذر، ضرورة كون مورد النذر حينئذ هذا القسم من
الاعتكاف، فيشمله أدلة النذر، فالبحث إن كان حينئذ فهو في جوازه في الاعتكاف

(1) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب الخيار - الحديث 7 من كتاب التجارة
(2) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 6
193

وربما خص جوازه فيما لو كان الشرط عروض العارض لا مطلقا، بل حكي
ذلك عن جماعة من الأصحاب منهم الفاضل في التذكرة، حيث قال: إنما يصح
اشتراط الرجوع مع العارض، فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة أو التنزه
أو البيع والشراء للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز، وعن ثاني
الشهيدين القطع به، نعم ينبغي أن يراد بالعارض ما هو أعم من العذر، كما يدل
عليه صحيحة أبي ولاد، إذ حضور الزوج ليس من الأعذار المسوغة للخروج من
الاعتكاف، وإنما هو من جملة العوارض، فيختص الشرط حينئذ بعروض العارض
لا مطلقا، ويؤيده قول الصادق (عليه السلام) في الموثق (1): " إذا اعتكف العبد فليصم
وقال: لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام، واشترط على ربك في اعتكافك كما
تشترط عند إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة
نزلت بك من أمر الله " وقوله (عليه السلام) في قوي أبي بصير (2): " لا يكون
الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام، ومن اعتكف صام، وينبغي للمعتكف إذا اعتكف
أن يشترط كما اشتراط المحرم ".
بل ربما قيل باختصاص الجواز في اشتراط العذر الذي يسوغ معه الفسخ
بلا شرط، للموثق الأول، وأن فائدة الشرط مجرد التعبد، وإن كان قد يدفعه
ظهور النص والفتوى بخلافه، بل ظاهر الأكثر أو صريحه جواز الاشتراط مطلقا
من غير تخصيص بالعارض كما اعترف به في الحدائق، وليس في صحيح أبي ولاد

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 2 من كتاب الاعتكاف - الحديث 9
وقطعة منه في الباب 4 منه - الحديث 5 وذيله في الباب 9 منه - الحديث 2
(2) ذكره صدره في الوسائل في الباب 4 من كتاب الاعتكاف - الحديث 2
ووسطه في الباب 2 منه - الحديث 7 وذيله في الباب 9 منه - الحديث 1
194

منافاة لذلك، بل لا يخلو من تأييد، كما أنه ليس في الموثق والقوي ذلك أيضا،
ضرورة عدم ظهورهما في حصر الجواز بذلك، فلا ينافي المطلق الدال على
الجواز حينئذ مما عرفت.
نعم قد يخص الندب بالشرط على حسب شرط المحرم، لأنه المأمور به في
الخبرين المزبورين، فالأقوى حينئذ جواز الشرط مطلقا، كما أن الأقوى أن له
الرجوع على حسب ما اشترط إن خاصا فخاصا، وإن مطلقا فمطلقا، ولا ينافي
ذلك ما نفاه الفاضل من عدم جواز اشتراط الجماع ونحوه، ضرورة كونه من
اشتراط منافيات الاعتكاف الذي يبطل به أصل الاعتكاف نحو الشرط الفاسد من
(في ظ) العقد على الأصح كما صرح به في الدروس مع قوله بجواز الشرط مطلقا
وليس هو كاشتراط فسخه، كما هو واضح بأدنى تأمل.
ولكن ينبغي أن يعلم أن تفصيل الحال على ما ذكرنا أن الشرط إن كان في
النذر وقد اعتكف مشترطا كان له على مقتضى ما شرط من غير فرق بين المعين وغيره
والمتتابع وغيره، ولا قضاء عليه ولا إعادة كما سمعته من المصنف، وإن كان الشرط
في الاعتكاف دون النذر فلا أثر له مع فرض كونه معينا، وإنما حكمه كما إذا لم
يشترط، وإن كان غير معين اتجه حينئذ إجراء الشرط فيه على حسب جريانه في
المندوب، ويأتي بغير ذلك الفرد مع إبطاله، ومرجع فائدة الشرط حينئذ إلى
نفس الاعتكاف دون النذر، فلا يلتزم بمضي اليومين كالشرط في الاعتكاف
المندوب، ولا ينافي ذلك قولهم هناك: إنه يجب الاعتكاف بمضي اليومين بعد أن
عرفت تنزيله على غير المشروط فيه الرجوع.
وبذلك ظهر أنه لا يجدي الاشتراط في الاعتكاف مع فرض الاطلاق في
النذر كما صرح به شيخنا في رسالته وغيره، ولو كان واجبا بنذر وشبهه فإن
أخذ الشرط حين إجراء الصيغة فلا قضاء، وإلا لزم، وفي محكي المنتهى
195

" الاشتراط إنما يصح في عقد النذر، أما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح
له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف " ونحوه عن المعتبر، وفي الدروس " ولو شرط
الرجوع متى شاء اتبع ولم يتقيد بالعارض، ولو جعل الشرط في نذره أو عهده أو
يمينه فكذلك، ولو خلى النذر من الشرط فلا عبرة بالشرط عند الشروع في
الاعتكاف " إلى غير ذلك من عباراتهم المطابقة لما ذكرنا وللقواعد المعلومة.
فما في الحدائق - من أن محل هذا الاشتراط وقت الدخول في الاعتكاف،
ونيته أعم من أن يكون متبرعا به أو منذورا لأن ذلك مدلول نصوص المقام،
وليس في نصوص الباب تعرض للاعتكاف على وجه النذر فضلا عما يدل على إيقاع
هذا الشرط فيه، إلى أن قال: ولم أر من تنبه لذلك إلا السيد السند في المدارك
حيث قال: لم أقف على رواية تدل على ما ذكروه من مشروعية اشتراط ذلك في
عقد النذر، وإنما يستفاد من نصوص المقام أن محل ذلك نية الاعتكاف، ولو قيل
بجواز اشتراطه في نية الاعتكاف المنذور إذا كان مطلقا لم يكن بعيدا، خصوصا
على ما أشرنا إليه سابقا من مساواته المندوب في عدم وجوب المضي فيه إلا بمضي
يومين، ولو قلنا إن اشتراط الخروج إنما يسوغ عند العارض وفسرناه بالضروري
جاز اشتراطه في المنذور المعين أيضا - كما ترى واضح الفساد، ضرورة أنه لا أثر
لهذا الشرط في الاعتكاف المنذور مطلقا، ونصوص المقام مساقة لبيان أصل حكم
الاشتراط في الاعتكاف من غير مدخلية للنذر الذي هو يلزم ما شرع على حسب
ما شرع، فلا حاجة إلى دليل خاص يدل على المشروعية في النذر، بل يكفي فيها
ثبوته في الاعتكاف كما هو واضح.
نعم قد يقال بوجوب الاشتراط في الاعتكاف أيضا مع الاشتراط في عقد
النذر الذي مرجعه الالتزام بالاعتكاف المشتمل على الشرط، فلا يجري عليه حينئذ
حكم الاعتكاف المشروط بدون ذكر الشرط فيه، مع احتماله، اكتفاء بالاتيان به
196

وفاء عن النذر المفروض ذكر الاشتراط فيه، وإن كان الأول أحوط وأولى.
وكيف كان فقد عرفت الحكم في صور الاشتراط في النذر الأربعة، كما
أنك قد عرفت الحكم في الأربعة الفاقدة للشرط، لأن مجموع الصور ثمانية، إذ
النذر إما أن يقع على معين أولا، وعلى التقديرين إما أن يشترط فيه التتابع
أولا، وعلى الأربعة إما أن يشترط الرجوع متى شاء أو لا، فالصور ثمانية قد
علم حكمها مما قدمناه آنفا وسابقا، لكن عن المسالك في حكم صور الشرط أن له
الرجوع مع العارض، ثم إن كان الزمان معينا لم يحب قضاء ما فات في زمن
العارض سواء اشترط التتابع أم لا، وإن كان مطلقا ولم يشترط التتابع ففي وجوب
قضاء ما فات أو الجميع إن نقص ما فعله عن ثلاثة قولان، أجودهما القضاء، وفاقا
للمصنف في المعتبر، ولو شرط التتابع فالوجهان، وكذلك اختاره في الروضة،
وفي الدروس " وإذا خرج للشرط في الاعتكاف المندوب فلا قضاء، وإن كان في
الواجب المعين فكذلك، وإن كان غير معين ففي القضاء نظر " وقطع في المعتبر
بوجوبه، وقال ابن إدريس: " إذا اشترط التتابع ولم يعين الزمان وشرط على ربه
فخرج فله البناء والاتمام دون الاستئناف، إن لم يشترط استأنف " ولعله أراد
به أنه شرط على ربه في التتابع لا في أصل الاعتكاف، وفي محكي المنتهى " الخامس
لم يعين زمانا لكن شرط المتابعة واشترط على ربه فعند العارض يخرج ثم يأتي
ما بقي عليه عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة، وإن كان أقل استأنف - إلى
أن قال -: السابع لم يعين واشترط على ربه ولم يشترط التتابع، فإنه يخرج مع
العارض ثم يستأنف إن كان قد اعتكف أقل من ثلاثة أيام، وإلا بني إن كان
الواجب أزيد بالباقي إن كان ثلاثة فما زاد، وإلا فثلاثة " ومثله عن التذكرة
إلى غير ذلك من عباراتهم المنافية لما ذكرناه من عدم وجوب القضاء والاستئناف
في صورة الاشتراط.
197

اللهم إلا أن يكون وجه ذلك أن المفروض في هذه العبارات الخروج عند
العارض الذي هو أعم من العذر الشرعي المسوغ للخروج عن المسجد لا عن أصل
الاعتكاف وإن خرج عنه في بعض الأحوال المقتضية له بطول المكث ونحوه مما
يبطل به أصل الاعتكاف، بخلاف العارض المشترط الخروج عنده هنا، قال:
" فإن المراد به اشتراط الخروج عن الاعتكاف معه، فلا ينافي بقاء وجوب
الاعتكاف معه الذي هو مقتضى النذر في غير وقت العارض، فيعتكف حينئذ
ما بقي إن كان قد اعتكف ثلاثة فصاعدا، أو يأتي بالجميع إن نقص اعتكافه عن
ثلاثة كالمطلق الذي لم يشترط فيه " إلا أن الظاهر إتيان البحث السابق في مشروط
التتابع، وقد قلنا هناك بقوة وجوب مراعاته، فيأتي حينئذ بعدد متتابع فيه،
كما أن المتجه حينئذ في المعين وجوب اعتكاف ما بقي منه بعد زوال العارض،
نعم يسقط قضاؤه مع فرض استيفائه (استيعابه ظ) مع احتمال وجوب أيضا،
لأن الشرط إنما سوغ الخروج عند العارض، فهو حينئذ كالعذر الطاري المسوغ
لقطع الاعتكاف الذي لا ينافي وجوب القضاء، اللهم إلا أن يقال إن مقتضى
اشتراطه في عقد النذر وجوب الاعتكاف المتزلزل عليه، فمتى اختار الفسخ لم يكن
خطاب عليه، والفرض استيعاب العارض الوقت، فتأمل جيدا فإن المسألة من
المشكلات التي هي غير محررة في كلام الأصحاب.
وكيف كان فقد عرفت أن المختار أن للمعتكف الاشتراط المزبور من غير
فرق بين تعليقه على العارض وغيره، وإن لم يعلقه (إلا ظ) على المشيئة، وهو
حينئذ كاشتراط الخيار في العقد، ولذا عامله هذه المعاملة شيخنا في رسالته،
فقال: يستحب أن يشترط الفسخ متى أراده أو إذا حصل صاد أو مانع، ولو
اشترط أمرا مخصوصا وإن لم يكن مانعا أو مانعا لذلك أو في يوم مخصوص أو
وقت مخصوص من ليل أو نهار عمل عليه، ويندفع عنه حينئذ قضاء الوجوب
198

ووجوب الاتمام ولو كان واجبا بنذر ونحوه، فإن أخذ الشرط حين إجراء الصيغة
فلا قضاء، وإلا لزم، ويعتبر المقارنة في الشرط لعقد النية، فلا أثر للمتقدم
والمتأخر المنفصل، وفي اعتباره قبل الدخول في الثالث وجه، والأقوى خلافه،
ولو شرط ثم أسقط حكم شرطه فكمن لم يشترط، ولا فرق في العارض بين الإلهي
وغيره إلى غير ذلك من الأحكام التي تعرف جريانها هنا بأدنى ملاحظة لأحكام
اشتراط الخيار في العقد، كما أنه يعلم أيضا بأدنى نظر أنه لا يجوز التعليق في
الاعتكاف، فمتى علقه بطل إلا إذا كان شرطا مؤكدا، وكقوله: إن كان راجحا
أو كان المحل مسجدا ونحو ذلك على حسب ما قيل أو احتمل في العقد أيضا،
فتأمل جيدا.
نعم الظاهر أنه لا يصح له اشتراط الفسخ في اعتكافه لاعتكاف عبده أو
ولده أو اعتكاف آخر له كما صرح به شيخنا أيضا في رسالته، وإن كان ربما
يحتمل بناء على جواز مثله الخيار المشترك معه في أن مدركه عموم " المؤمنون
عند شروطهم " الذي هو المنشأ في كثير من الأحكام السابقة وغيرها، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فلا فرق في جواز الرجوع مع الشرط بين اليوم الثالث وغيره
لما عرفته من إطلاق النص والفتوى، خلافا للمحكي عن الشيخ فلم يجوز الرجوع
مع الشرط في اليوم الثالث، لأنه واجب من قبل الله، فلا يفيد الشرط جواز
الرجوع فيه، ولا ريب في ضعفه، للاطلاق السابق الذي لا ينافيه كون الوجوب
من قبل الله بعد أن كان الرجوع به من الله أيضا، كما هو واضح.
(وأما أحكامه فقسمان: الأول إنما يحرم على المعتكف ستة: النساء لمسا)
بشهوة (وتقبيلا) كذلك (وجماعا) في الفرجين إجماعا بقسميه في الأخير
199

وكتابا (1) وسنة (2) مستفيضة أو متواترة على المشهور في الأولين،
بل لا أجد فيه خلافا سوى ما عساه تشعر به عبارة التهذيب فإنه - بعد أن
روى (3) عن الصادق (عليه السلام) في الحسن " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم إذا كان العشر
الأواخر اعتكف في المسجد وضربت له قبة من شعر وشمر المئزر وطوى فراشه
فقال بعضهم: واعتزل النساء فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما اعتزال النساء فلا " -
قال: فإنه أراد بذلك مخالطتهن ومجالستهن ومحادثتهن دون الجماع، والذي يحرم
على المعتكف من ذلك الجماع دون غيره، مع احتمال إرادته الحصر الإضافي،
فلا يشمل اللمس والتقبيل بشهوة، ولعله لذا نسبه في المدارك إلى قطع الأصحاب
الذي بملاحظته يقوى إرادة ما يعم ذلك من المباشرة في الآية، كما أنه يقوى
حينئذ إرادة الابطال أيضا من النهي فيها لا التحريم خاصة، وإن اختاره الفاضل
في المختلف وغيره، لأنه هو معنى النهي، ولا تنافي بين التحريم والصحة هنا،
لكن فيه أنه وإن لم يكن منافاة عقلا ضرورة كون النهي عن أمر خارج في
العبادة لكن الفهم العرفي كاف في ذلك، كالنهي عن التكفير في الصلاة ونحوها
على أن تأديتهما مع الجماع الذي لا إشكال في البطلان به بعبارة واحدة أمارة
أخرى على أن الجميع من سنخ واحد، كما أن حكمهم بالبطلان به - وليس في الآية
ولا في السنة تصريح به، بل أقصاهما النهي والكفارة، وهما أعم من البطلان -
لا وجه له إلا الفهم العرفي المشترك بين الجميع الحاصل بملاحظة أن الشارع في أمثال
ذلك معظم نظره بيان الصحة والفساد، بل قد لا يكون مقصوده إلا ذلك وإن

(1) سورة البقرة - الآية 183
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 0 - 2
(3) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 0 - 2
200

أداه بلفظ النهي ونحوه، كما هو واضح بأدنى تأمل، ومن هنا كان مختار
الإسكافي والشيخ في الخلاف البطلان بهما، بل هو مختاره أيضا، بل في محكي
المنتهى مع زيادة الجماع في غير الفرجين أنزل أو لم ينزل، بل عن الإسكافي زيادة
اتباع النظر للنظر بشهوة من محرم، وربما كان ظاهر تحريم الاستمتاع بالنساء في
الدروس، ضرورة كونه أعم من المباشرة، لكنه لا يخلو من بحث، لكون
المنهي عنه في الآية المباشرة، اللهم إلا أن يراد منها ما يعم ذلك، وله وجه ينبغي
عدم ترك الاحتياط له.
والظاهر أن حكم المرأة في ذلك حكم الرجل، فيبطل اعتكافها بمسها وتقبيلها
بشهوة وجماعها، لأصالة الاشتراك ولبعض النصوص (1) في الجماع، وللاتفاق
ظاهرا على ذلك، بل الظاهر عدم الفرق في الجماع بين المرأة والذكر بل وغيرهما
كالدابة، بل يمكن تعميم اللمس والتقبيل بشهوة لذلك أيضا، وبالجملة كل جماع
وكل لمس وتقبيل ونحوهما بشهوة ولذة من الرجل والمرأة وغيرهما محرم ومبطل،
لكنه يصعب إقامة الدليل عليه، إذ ليس هو إلا التنبيه بما دل على النهي عن
ذلك في النساء إليه، وهو مشكل جدا خصوصا بالنسبة إلى بعض الأفراد وإن كان
هو الموافق للاحتياط، نعم قد صرح في المنتهى بأن الجماع فضلا عن غيره إنما
يبطل مع العمد دون السهو، وإن كان للنظر فيه مجال إن لم ينعقد إجماع عليه،
أما اللمس ونحوه بغير شهوة فلا بأس به، للأصل السالم عن المعارض، بل في
المنتهى لا نعرف فيه خلافا، وفيه أيضا أنه ثبت (2) أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يلامس

(1) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 6
(2) لم نجد ما يدل على لمس النبي (صلى الله عليه وآله) بعض نسائه في الاعتكاف وإنما
ورد مباشرته (صلى الله عليه وآله) لبعضهن وهو صائم كما رواه البخاري في صحيحه - كتاب
الصوم باب المباشرة والقبلة للصائم - ومسلم في صحيحه أيضا - كتاب الصوم
باب القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته -
201

بعض نسائه في الاعتكاف.
(و) كذا يحرم عليه (شم الطيب على الأظهر) الأشهر بل المشهور،
لصحيح أبي عبيدة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ
بالريحان ولا يماري ولا يشتري ولا يبيع " بل مقتضاه حرمة التلذذ بالريحان أيضا
كم نسب في المدارك حرمة شمه إلى الأكثر أيضا، فما عن مبسوط الشيخ من عدم
حرمة شم الطيب واضح الضعف، بل هو اختار خلافه في المحكي من جمله ونهايته
وخلافه، بل وعن الأخير دعوى الاجماع عليه، ولعله كذلك خصوصا بين
المتأخرين، لكن ينبغي أن يعلم أن المنساق إلى الذهن من شم الطيب التلذذ به
ففاقد حاسة الشم خارج، بل قد يومي إلى ذلك في الجملة قوله (عليه السلام) في الصحيح:
" ولا يتلذذ ".
(و) أما (استدعاء المني) فقد ذكر المصنف حرمته في الاعتكاف تبعا
للشيخ، لكن لم نقف على نص فيه بالخصوص كما اعترف به في المدارك وغيرها،
نعم علله فيها بأولويته من اللمس والتقبيل في منافاة الاعتكاف إلا أنه كما ترى. (و) يحرم عليه أيضا (البيع والشراء) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه
عليه، وهو الحجة، مضافا إلى صحيح أبي عبيدة السابق، بل في المنتهى كلما
يقتضي الاشتغال في الأمور الدنيوية من أصناف المعاش فينبغي القول بالمنع منه
عملا بمفهوم النهي عن البيع والشراء، ثم حكى عن المرتضى المنع عن التجارة
والبيع والشراء، وقال: التجارة أعم، بل قال: الوجه تحريم الصنائع المشغلة عن

(1) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1
202

العبادة كالخياطة وشبهها، إلا ما لا بد منه، بل عن ابن إدريس التعدي إلى كل
مباح لا يحتاج إليه، وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بل وما في سابقه حتى إلحاق
الصلح والإجارة ونحوهما بذلك، وإن كان وجه القياس فيها واضحا، إلا أنه
محرم عندنا على كل حال، فالاقتصار عليهما حينئذ هو الوجه، بل الظاهر استثناء
ما تمس الحاجة إليه مما يضطر إليه من مأكوله ومشروبه ونحوهما، وإن كان مما ينبغي
تقييد ذلك بما إذا تعذر التوكيل والنقل بغير البيع، لعدم الضرورة حينئذ،
وإلى ذلك أومأ الشهيد في الجملة حيث قيده بما إذا تعذر المعاطاة، لكنه مبني
على أنها ليست بيعا، وهو خلاف التحقيق، والأمر سهل، وعلى كل حال ففي
بطلان البيع وصحته لو وقع وجهان بل قولان كالبيع وقت النداء، أقواهما الصحة
لعدم انصراف الذهن إلى إرادة الفساد من النهي عنه في أمثال ذلك، والله أعلم.
(و) كذا يحرم (المماراة) بلا خلاف أجده، للصحيح المزبور
وفي المسالك المراد بها هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة
والفضيلة، كما يتفق لكثير من المتسمين بالعلم، وهذا النوع محرم في غير الاعتكاف
وقد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص (2) وإدخاله في محرمات الاعتكاف إما
بسبب عموم مفهومه، أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة كما ورد (3) تحريم الكذب
على الله ورسوله في الصيام، وعلى القول بفساد الاعتكاف بكل ما حرم فيه تتضح
فائدته، ولو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق ورد الخصم
عن الخطأ كان من أفضل الطاعات، فالمايز بين ما يحرم منه وما يجب ويحرم

(1) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 1
(2) البحار - ج 1 الباب 17 من كتاب العلم
(3) الوسائل - الباب - 2 - من ما يمسك عنه الصائم
203

ويستحب النية، فليتحرز المكلف من تحويل الشئ من الوجوب إلى جعله من
أكبر القبائح، وهو جيد، والكلام في إبطاله على حسب ما عرفت، وعن الشيخ
هنا أنه والسباب لا يفسد الاعتكاف، لأنه لا يفسد الصوم، وهو كما ترى،
وعن المنتهى والدروس زيادة تحريم الكلام الفحش في الاعتكاف (و) لم نقف
له على دليل،
بل (قيل) والقائل الشيخ في المحكي من جمله وابنا حمزة والبراج:
(يحرم عليه ما يحرم على المحرم) وفي محكي المبسوط روي (1) " أنه يجتنب
ما يجتنب " (ولم يثبت) فالأصول حينئذ بحالها، بل في التذكرة بعد أن حكى
ذلك عن بعض علمائنا قال: وليس المراد بذلك العموم، (ف‍) إنه (لا يحرم
عليه لبس المخيط ولا إزالة الشعر ولا أكل الصيد ولا عقد النكاح) فلا خلاف
حينئذ، ولعله إلى ذلك أومأ المصنف بقوله: " ولم يثبت " أي لم يثبت القول
بذلك لأحد، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه إن كان، بل لعل المعهود من
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه وغيرهم خلافه.
(و) كذا المعهود منها أنه (يجوز له النظر في معاشه والخوض في
المباح) المحتاج إليه وغيره، وما سمعته من ابن إدريس قد عرفت فساده، وأنه
لا دليل عليه، كدعوى أن الاعتكاف اللبث للعبادة، فلا يجوز فيه غيرها، إذ
قد عرفت أن المراد من هذه العبارة كون الاعتكاف اللبث الذي هو عبادة
لاخراج اللبث الذي لم يكن كذلك، على أنه سلم إرادة العبادة الخارجة عنه
فأقصى ما يمكن أن يسلم العبادة في الجملة، لا أنه لا يقع في زمن الاعتكاف إلا
العبادة، كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (كلما ذكرناه من المحرمات عليه نهارا يحرم عليه

(1) المبسوط - كتاب الاعتكاف " فصل فيما يمنع الاعتكاف منه وما لا يمنع "
204

ليلا) لكونه معتكفا فيهما، فتشمله الأدلة في الحالين (عدا الافطار) لأن
الصوم محله النهار
(ومن مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب) عليه بالشروع
على القول به أو بمضي اليومين أو بنذر أو عهد أو نحو ذلك (قيل: يجب على
الولي القيام به، وقيل: يستأجر من يقوم به، الأول أشبه) عند المصنف
والفاضل، والأصل في ذلك ما في المبسوط على ما حكاه عنه في المختلف،
قال: من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه في أصحابنا من يقول يقضي عنه
وليه، أو يخرج من ماله من ينوب عنه قدر كفايته، لعموم ما روي (1)
" إن من مات وعليه صوم واجب وجب على وليه أن يقضي عنه، أو يتصدق
عنه " قال في المختلف: وهذا يشعر بعدم وجوب قضائه عليه، عملا بالأصل الدال
على البراءة، وبأن إيجاب الصوم لا يستلزم إيجاب الاعتكاف، وحجة الآخرين
أنه قد ورد ورودا مشهورا وجوب القضاء عن الميت، ولا يمكن الاتيان بمثل
هذا الصوم إلا على هيئته، وهو هيئة الاعتكاف، فكان الاعتكاف واجبا،
وهذا كما ترى لا دلالة فيه، على أن القول المزبور مختار الشيخ، وفي المدارك
في شرح عبارة المتن " هذان القولان حكاهما الشيخ في المبسوط واستدل لهما بما
روي " إلى آخره، قال في المعتبر وما ذكره (رحمه الله) إنما يدل على وجوب
قضاء الصوم، أما الاعتكاف فلا، وهو جيد، وفي المسالك " أطلق الشيخ
وجوب قضاء الولي ذلك، لعموم ما روي " إلى آخره، ويجب تقييده بما إذا
كان قد استقر في ذمته قبل ذلك أو تمكن من قضائه فلم يفعل كما هو المعتبر في
الصوم، وإلا لم يتجه الوجوب على الولي، إذ ليس للاعتكاف نص على الخصوص
إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تنطبق على ما وصل إلينا من عبارة الشيخ التي

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان
205

سمعتها حتى عبارة الدروس فإنه قال: ولو مات قبل القضاء بعد التمكن وجب على
الولي قضاؤه عند الشيخ، والرواية لا دلالة فيها إلا على قضاء الصوم، وجوز
الفاضل الاستنابة فيه للولي.
وكيف كان فلا إشكال في عدم وجوب قضاء ما فاته من الاعتكاف المتلبس
به على الولي، إذ لا يزيد على الصوم، إنما الكلام فيما سمعته من عنوان الدروس
والحق عدم وجوبه أيضا، للأصل السالم عن المعارض بعد ما عرفت سابقا من
أن وجوب الاعتكاف لا يقضي بوجوب الصوم، بل أقصاه أنه لا يصح بدونه
وفرق واضح بين المقامين، ضرورة الاكتفاء بوقوعه في شهر رمضان ونحوه
من الصوم الواجب بغير الاعتكاف، نعم قد يتم فيما لو نذر الصوم معتكفا ففاته
بعد أن تمكن من قضائه، فإنه قد يتجه الوجوب حينئذ على الولي ويتبعه
الاعتكاف من باب المقدمة، فيجري فيه حينئذ ما سمعته سابقا في كتاب الصوم
من جواز الاستنابة، ووجوبه على الأولياء المتعددين، وكون المنكسر كفرض
الكفاية، وغير ذلك من الأحكام السابقة، ومن ذلك ظهر أن الأشبه عدم
الوجوب لا ما اختاره المصنف وغيره.
ثم إن الظاهر عدم الفورية في قضاء الاعتكاف حيث يقضى، لعدم اقتضاء
الأمر إياها، فما عن المبسوط والمعتبر من وجوبه على الفور واضح الضعف، وفي
الدروس بعد أن حكى ذلك عنهما " والظاهر أنه من فروع الفورية في الأمر
المطلق لا من خصوصيات الاعتكاف " قلت: قد حققنا عدم اقتضاء الأمر المطلق
الفور في محله، هذا، وقد تقدم سابقا ما يعلم منه الوجه فيما ذكره في الدروس
هنا من أنه لو بقي من الاعتكاف أي الواجب أقل من ثلاثة أو نذر الأقل أكمله
ثلاثة ووجب الجميع، ولو عين ثلاثة فجاء الثالث العيد بطل من أصله، ويجئ
على القول بقضاء صومه وجوب ثلاثة غيرها، ولو فرق الاعتكاف المنذور في أثناء
206

اعتكاف آخر بحيث لا يحصل الخروج عن مسمى الاعتكاف قيل صح، أما توزيع
الساعات فلا، بل وما في المنتهى من أنه إن أغمي على المعتكف أياما ثم أفاق لم
يلزمه قضاؤه، لأنه لا دليل عليه، والوجه وجوب القضاء إن كان واجبا غير
معين بزمان، إذا عرفت هذا فإذا فسد الاعتكاف وجب قضاؤه إن كان واجبا،
وإن كان ندبا استحب قضاؤه، وعلى قول الشيخ يجب قضاؤه مطلقا، لأنه يجب
بالدخول فيه، قال (رحمه الله): " ومتى كان خروجه من الاعتكاف بعد الفجر كان
دخول في قضائه قبل الفجر، ويصوم يومه، ولا يعيد الاعتكاف ليله، وإن كان
خروجه ليلا كان قضاؤه من مثل ذلك الوقت إلى آخر مدة الاعتكاف المضروبة
وإن كان خروج وقته من مدة الاعتكاف بما فسخه به ثم عاد إليه وقد بقيت مدة
من التي عقدها تمم باقي المدة وزاد في آخرها مقدار ما فاته من الوقت " إذ لا يخفى
عليك الحال في جميع ذلك بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا في النذر المعين والمطلق
وغيرهما، والله أعلم.
(القسم الثاني فيما يفسده، وفيه مسائل: الأولى) لا إشكال ولا خلاف
في أن (كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف) لما تقدم من اشتراطه به،
والمشروط عدم عند عدم شرطه من غير فرق بين ما هو مفسد للاعتكاف في نفسه
(كالجماع و) بين غيره ك‍ (الأكل والشرب والاستمناء) ونحوها من
المفطرات، ويفسده عندنا أيضا غير ذلك من باقي ما نهي عنه فيه، لما عرفته
مفصلا، وربما ظهر من المتن اختصاص مفسده في ذلك وفي الجماع، ولكن
التحقيق خلافه.
وعلى كل حال (فمتى) أفسده بأن (أفطر في اليوم الأول أو الثاني لم
تجب به كفارة إلا أن يكون واجبا) معينا، أما المطلق ففيه البحث السابق في
أنه لا يجب إلا بمضي اليومين أو بالشروع، فعلى الأول يكون كالمندوب،
207

وعلى الثاني كالمعين (وإن أفطر في الثالث وجبت الكفارة) على كل حال
لوجوبه إلا أن يكون مشروطا على وجه يرتفع وجوبه، فيكون كاليومين
الأولين (ومنهم) وهو الشيخ ومن تبعه بل في المدارك نسبته إلى أكثر المتأخرين
(من خص الكفارة بالجماع حسب) الذي لا أجد خلافا في ثبوتها به،
والنصوص (1) به مستفيضة، وفيها الصحيح وغيره (واقتصر في غيره من
المفطرات على القضاء، وهو الأشبه) بأصول المذهب وقواعده، ضرورة عدم
الدليل على وجوبها بغيره عدا القياس عليه، وهو محرم عندنا، نعم قد يلحق
به استدعاء المني بناء على فساد الاعتكاف به، كما أنه قد يقال إن مقتضى ترك
الاستفصال في النصوص وجوب الكفارة به مطلقا من غير فرق بين المندوب منه
والواجب معينا ومطلقا في اليومين الأولين وفي غيرهما، ولا ينافي ذلك الندبية
والتوسعة في المطلق، كما لا ينافيان حرمة وقوعه فيهما وإن جوز ناله الخروج،
وأنه يخرج به وبغيره، لكن ليس له فعله، وهو باق على الاعتكاف مستمر عليه
فمتى فعل كذلك أثم وكفر، اللهم إلا أن يقال إن تعليق الكفارة على عدم
الاشتراط في صحيح أبي ولاد (2) المتقدم يومي إلى عدم وجوبها مع عدم تعين
الاعتكاف حتى في اليوم الثالث إذا فرض الاشتراط فيه على وجه يرفع وجوبه،
مضافا إلى أصل البراءة ونحوه، وهو قوي جدا: فيكون المدار حينئذ في
وجوبها بالجماع وعدمه بتزلزل الاعتكاف وعدمه، فتجب في الثاني دون الأول.
وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الحال في جملة من عبارات الأصحاب،
منها عبارة الدروس " ويفسد الاعتكاف نهارا مفسد الصوم ومطلق الاستمتاع

(1) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 0 - 6
(2) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف - الحديث 0 - 6
208

بالنساء - إلى أن قال -: ثم إن أفسده وكان معينا ولو بمضي يومين كفر إن
كان بجماع أو إنزال وغيره من مفسدات الصوم " ونقل عن الشيخ أن ما عدا
الجماع يوجب القضاء خاصة، والظاهر أنه يراد به مع عدم التعيين، فلو أفسده
بالخروج أو باستمتاع لا يفسد الصوم أو سبب يوجب قضاء الصوم خاصة فكفارة
خلف النذر أو العهد، ومنها ما في المنتهى، قال: " كل ما يفسد الصوم يفسد
الاعتكاف وقد مضى، وهل يجب فيه الكفارة؟ قال السيد المرتضى والمفيد:
الكفارة بكل مفطر في رمضان، ولا أعرف المستند، والوجه عندي التفصيل،
فإن كان الاعتكاف في شهر رمضان وجبت الكفارة بالأكل والشرب وغيرهما مما
عددناه في شهر رمضان، وإن كان في غيره فإن كان منذورا معينا وجبت الكفارة
أيضا، لأنه بحكم رمضان، أما لو كان الاعتكاف مندوبا أو واجبا غير متعين
بزمان لم تجب الكفارة بغير الجماع مثل الأكل والشرب وغيرهما، وهذا غير لائق
من السيد، لأنه لا يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه مطلقا، أما على قول
الشيخ في المبسوط من وجوب المندوب في الاعتكاف بالشروع فيه فإنه يجب به
الكفارة، وكذا اليوم الثالث على قول الشيخين، أما على قولنا وقول السيد
المرتضى فلا تجب الكفارة، لأن له الرجوع متى شاء، فإن تمسكوا بعموم
الأحاديث الدالة على وجوب الكفارة قلنا إنما وردت في الجماع، فحمل غيره عليه
قياس محض، وإن كان الصوم يفسد به، ويفسد الاعتكاف بفساد الصوم،
لكن الكفارة لا تتبع هنا بجواز الرجوع " ونحوه عن التذكرة، ولا يخفى
عليك حقيقة الحال بعد الإحاطة بجميع ما ذكرناه.
(و) منه يعلم أيضا أنه (يجب كفارة واحدة) للاعتكاف (إن
جامع ليلا، وكذا إن جامع نهارا في غير رمضان) إذا لم يكن في إفطاره كفارة
كقضاء رمضان (ولو كان فيه) أو في قضائه (لزمه كفارتان) لأصالة تعدد
209

المسببات بتعدد الأسباب، وكذا لو كان الصوم منذورا مثلا، وإطلاق ما دل
على وجوب الكفارتين من خبر عبد الأعلى (1) ومرسل الصدوق (2) في المعتكف
إذا جامع نهارا منزل على رمضان ونحوه مما يقتضي إفطاره كفارة أيضا،
كاطلاق بعض الأصحاب، بل لعله الظاهر من خبر عبد الأعلى، قال فيه: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف في شهر رمضان قال: عليه
الكفارة، قال: قلت: فإن وطأها نهارا قال: عليه كفارتان " خصوصا بعد
ملاحظة الاجماع على الظاهر على عدم اقتضاء الاعتكاف إلا كفارة واحدة من غير
فرق بين الليل والنهار، كما هو واضح، وحينئذ فمدار تعدد الكفارة واتحاده
تعدد السبب واتحاده، فربما اجتمع خمس كفارات وربما اتحدت، وهو على
الضوابط غير محتاج إلى الدليل.
ثم إن الأقوى وفاقا للمشهور بل نسبه الفاضل إلى الأصحاب تارة وإلى
فتوى علمائنا أخرى مشعرا بدعوى الاجماع عليه كون كفارة الاعتكاف مخيرة
مثل كفارة شهر رمضان كما نص عليه في موثق سماعة (3) " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن معتكف واقع أهله قال: عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان
متعمدا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا " ولا ينافي
ذلك ما في صحيح زرارة (4) وغيره من أن على المعتكف إذا جامع ما على المظاهر
بعد وجوب حمله على إرادة التشبيه بوجوب أصل الكفارة أو على أفضلية مراعاة
الترتيب، بل هو مقتضى الجمع بين هذين الخبرين وما شابههما.
المسألة (الثانية) قد عرفت فيما تقدم أن (الارتداد) في أثناء

(1) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 4 - 3 - 5 - 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 4 - 3 - 5 - 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 4 - 3 - 5 - 1
(4) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 4 - 3 - 5 - 1
210

الاعتكاف (موجب للخروج من المسجد و) حينئذ (يبطل) به (الاعتكاف)
الذي قد عرفت اشتراطه باللبث في المسجد، مضافا إلى إبطاله استدامة النية هنا
(وقيل: لا يبطل، وإن عاد) إلى الاسلام (بنى) على اعتكافه (والأول
أشبه) بل لا ريب في فساد الثاني كما قدمنا الكلام فيه مفصلا.
المسألة (الثالثة قيل) والقائل الإسكافي والمرتضى والشيخ وبنو حمزة
والبراج وإدريس وغيرهم: (إذا أكره امرأته على الجماع وهما معتكفان نهارا
في شهر رمضان لزمه أربع كفارات) اثنتان عنه واثنتان عن زوجته، بل في
الدروس أنه المشهور لا نعلم فيه مخالفا سوى المعتبر، بل في المختلف نفي ظهور
الخلاف، وفي المسالك أن العمل على ما ذكره الأصحاب متعين، ونحوه عن المحقق
الثاني (وقيل) ولم نعرف القائل قبله: (يلزمه كفارتان، وهو الأشبه) عند
المصنف للأصل السالم عن المعارض، وفيه أن المتجه على مختاره سابقا ثلاث،
لأنه صرح بالتحمل بالنسبة إلى الصوم، وإنما ناقش هنا في المعتبر في إلحاق
الاعتكاف به، لعدم الدليل عليه بعد حرمة القياس، اللهم إلا أن يكون قد عدل
هنا عن اختياره هناك، فحكم بعدم التحمل مطلقا، وحينئذ لم يكن عليه إلا
كفارتان، لكن لا يخفى عليك ما فيه بالنسبة إلى الصوم، لما تقدم من الخبر (1)
المعمول به بين الأصحاب، بل قد يقوى ذلك في الاعتكاف بحمل ما فيه من
الصوم على المثال للاعتكاف، أو أن الكفارتين هنا للصوم أيضا وإن كان التعدد
بسبب الاعتكاف، إلا أن المتجه على ذلك عدم التحمل لو جامعها ليلا، فالأول
أولى، وحينئذ فهو لا الثاني أشبه، ضرورة صلاحية مثل هذا الاتفاق من
الأصحاب للشهادة على إرادة ما يعم نحو المقام من الخبر المزبور، فتأمل جيدا،
والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم - الحديث 1
211

المسألة (الرابعة) قال في التذكرة: (إذا طلقت المعتكفة رجعية
خرجت إلى منزلها) عند علمائنا أجمع، وهو بعد شهادة التتبع له العمدة في هذا
الحكم لا الآية (1) التي يمكن المناقشة في استفادة الحكم منها هنا إذا كان
الاعتكاف واجبا معينا عليها ولم تكن قد اشترطت، ولذا قال في المسالك بعد ذكر
الحكم المزبور: " إن ذلك يتم مع كون الاعتكاف مندوبا أو واجبا غير معين
أو مع اشتراط الحل عند العارض، ولو كان معينا من غير شرط فالأقوى اعتدادها
في المسجد، فإن دين الله أحق أن يقضى " وفي الدروس " ولو طلقت اعتدت في
منزلها مع عدم تعيين الزمان، وإلا ففي المسجد " وهو جيد لولا الاجماع المحكي
المعتضد بكلمات المعظم (ثم) إذا خرجت من العدة (قضت واجبا إن كان
واجبا) معينا بنذر ونحوه (أو مضى يومان) فتعين الثالث، وإن كان
واجبا مطلقا أتت به أداء، ويمكن أن يراد من القضاء ما يشمله (وإلا) اعتكفت
(ندبا) إن شاءت، وقد يظهر من المصنف مشروعية قضاء الاعتكاف المندوب
وفيه بحث أو منع، ولعله يريد أيضا من قضائه نحو ما ذكرنا، والأمر سهل
بعد وضوح المقصود.
المسألة (الخامسة) قد عرفت الحال فيما (إذا باع أو اشترى) وأن
التحقيق أنه (يبطل اعتكافه) بذلك عملا بما يفهم من النهي عنه في مثله عرفا
(وقيل) والقائل جماعة: (يأثم ولا يبطل) لكون النهي عن خارج من
العبادة (وهو) ضعيف كما عرفت، والأول (الأشبه)
كما أنك قد عرفت
الحال في المسألة (السادسة) أيضا، وهي (إذا اعتكف ثلاثة متفرقة) على معنى
اعتكاف النهار دون الليل (قيل) والقائل الشيخ: (يصح، لأن التتابع لا يجب

(1) سورة الطلاق - الآية 1
212

إلا بالاشتراط، وقيل) والقائل غيره: (لا) يصح (وهو الأصح) وكذا
عرفت الحال في التفريق بمعنى التلفيق من الأيام المنكسرة الذي أفتى العلامة في
المختلف بصحته، وقد ينساق من العبارة أن المراد بالتفريق اعتكاف الأيام المتفرقة
في ضمن الشهر مثلا على أن يكون يوم في أوله، وآخر في وسطه، وثالث
في آخره ولو بضم الليل معه، وحاصله عدم اعتبار الاتصال في الأيام
وإن كان هو عبادة واحدة، كالتفريق في أجزاء الغسل، لكن
ذلك ليس خلافا محررا في كلام الأصحاب، ولا عرفنا القائل
بصحته، ضرورة انصراف الاتصال من الثلاثة التي هي
أقل الاعتكاف، وعلى كل تقدير فلا يخفى عليك
التحقيق في الجميع، والله هو العالم والمعين،
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا
على تواتر آلائه ووفور نعمائه، وصلى الله على محمد
وآله الطاهرين
213

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين الغر
الميامين هداة الخلق وأعلام الحق.
كتاب الحج
الذي هو من أعظم شعار الاسلام، وأفضل ما يتقرب به الأنام إلى الملك
العلام، لما فيه من إذلال النفس وإتعاب البدن، وهجران الأهل والتغرب عن
الوطن، ورفض العادات وترك اللذات والشهوات، والمنافرات والمكروهات،
وإنفاق المال وشد الرحال، وتحمل مشاق الحل والارتحال ومقاساة الأهوال،
والابتلاء بمعاشرة السفلة والأنذال، فهو حينئذ رياضة نفسانية وطاعة مالية،
وعبادة بدنية، قولية وفعلية، وجودية وعدمية، وهذا الجمع من خواص الحج
من العبادات التي ليس فيها أجمع من الصلاة، وهي لم تجتمع فيها ما اجتمع في
الحج من فنون الطاعات، ومن هنا ورد " أن الحج المبرور لا يعدله شئ ولا
جزاء له إلا الجنة " (1) و " أنه أفضل من عتق سبعين رقبة " (2) بل قال

(1) وهو مضمون ما رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب وجوب
الحج - الحديث 3 وما رواه في المستدرك في الباب 24 منها - الحديث 22 و 24
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3
214

أبو الحسن (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (1): " من قدم حاجا حتى إذا دخل مكة
دخل متواضعا، فإذا دخل المسجد قصر خطأه من مخافة الله عز وجل فطاف
بالبيت طوافا وصلى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة، وحط عنه سبعين
ألف سيئة ورفع له سبعين ألف درجة، وشفعه في سبعين ألف حاجة، وحسب له
عتق سبعين ألف رقبة، قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم) وفي خبر معاوية
ابن عمار (2) عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لقيه أعرابي فقال: يا رسول الله إني خرجت أريد الحج ففاتني وأنا رجل مميل
فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج فالتفت إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)
فقال: انظر إلى أبي قبيس، فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله
ما بلغت ما يبلغ الحاج، ثم قال: إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم
يضعه إلا كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر
درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب الله له مثل ذلك، فإذا
طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه،
فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقفت بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه،
فإذا رمى الجمار، خرج من ذنوبه، قال: فعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كذا وكذا
موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثم قال: أنى لك أن تبلغ ما يبلغ
الحاج، قال أبو عبد الله (عليه السلام): ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له
الحسنات إلا أن يأتي بكبيرة " و " الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
215

من سبيل الله تعالى " (1) وأنه أفضل من الصيام والجهاد والرباط (2) بل من
كل شئ إلا الصلاة، وفي الحديث (3) " أما إنه ليس شئ أفضل من الحج إلا
الصلاة، وفي الحج هنا صلاة، وليس في الصلاة قبلكم حج " بل فيه (4) " إنه
أفضل من الصلاة والصيام لأن المصلي يشتغل عن أهله ساعة، وإن الصائم
يشتغل عن أهله بياض يوم، وإن الحاج ليشخص بدنه ويضحي نفسه وينفق ماله
ويطيل الغيبة عن أهله لا في مال يرجوه ولا في تجارة " وقد تطابق العقل
والنقل (5) على أن أفضل الأعمال أحمزها، وإن الأجرة على قدر المشقة.
بل يستحب إدمان الحج والاكثار منه وإحجاج العيال ولو بالاستدانة أو
تقليل النفقة كما دلت عليه المعتبرة المستفيضة (6) وليس ذلك إلا لعظم هذه
العبادة، ويكفي لفاعلها أنه يكون كيوم ولدته أمة في عدم الذنب.
نعم ينبغي المحافظة على صحة هذه العبادة المعظمة أولا بتصحيح النية،
لأن الحج موضوع على الاعلان، ومعدود في هذه الأعصار من أسباب الرفعة

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 و 13
(2) وهو مضمون ما رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب وجوب الحج
الحديث 7 والباب 38 منها الحديث 5 والباب 44 والباب 41 الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 5
(5) نهاية ابن الأثير في مادة " حمز " وفي الكافي - ج 4 ص 199 في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة
والجزاء أجزل "
(6) الوسائل - الباب - 45 و 46 و 5 و 53 - من أبواب وجوب الحج
216

والافتخار والأبهة والاعتبار، بل هو مما يتوصل به إلى التجارة والانتشار ومشاهدة
البلدان والأمصار، والاطلاع على أحوال الأماكن والديار، فيخشى عليه من
تطرق هذه الدواعي الفاسدة المبطلة للعمل في بعض الأحوال، ولا خلاص من
ذلك إلا بالاخلاص، ولا إخلاص إلا بالخلوص من شوائب العجب والرياء،
والتجرد عن حب المدح والثناء، وتطهير العبادات الدينية عن التلويث بالمقاصد
الدنيوية، ولا يكون ذلك إلا باخراج حب الدنيا من القلب، وقصر حبه على
حب الله تعالى، ويكون ذلك هو الداعي إلى العمل، وهو ملاك الأمر ومدار
الفضل، والطريق العامي إليه واضح مكشوف، ولكن عند العلم تسكب العبرات
وتكثر العثرات، ولاستدامة الفكر في أحوال الدنيا ومآلها ومزاولة علم الأخلاق
الذي هو طب النفس وعلاجها نفع بين في ذلك وتأثير ظاهر، والله الموفق.
كما أنه ينبغي التفقه في الحج، فإنه كثير الأجزاء جم المطالب وافر المقاصد
وهو مع ذلك غير مأنوس وغير متكرر، وأكثر الناس يأتونه على ضجر وملالة
سفر، وضيق وقت واشتغال قلب، مع أن الناس لا يحسنون العبادات المتكررة
اليومية مثل الطهارة والصلاة مع الفهم لها ومداومتهم عليها وكثرة العارفين بها،
حتى أن الرجل منهم يمضي عليه الخمسون سنة وأكثر ولا يحسن الوضوء فضلا عن
الصلاة، فكيف بالحج الذي هو عبادة غريبة غير مألوفة، لا عهد للمكلف بها مع
كثرة مسائلها وتشعب أحكامها وأطولها ذيلا، وخصوصا مع انضمام الطهارة
والصلاة إليها، لشرطية الأولى وجزئية الثانية، فإن الخطب بذلك يعظم، قال
زرارة (1): " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ
أربعين عاما فتفتيني؟ فقال: يا زرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام تريد أن تفنى

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 12
217

مسائلة في أربعين عاما " إلا أنه يلوح من الخبر المزبور عدم اعتبار استقصاء.
مسائلة، بل هو غير مقدور، ولكن لا بد من معرفة فروض المناسك.
وعلى كل حال فللحج أسرار وفوائد لا يمكن إحصاؤها وإن خفيت على
الملحدين كابن أبي العوجاء وأشباهه، لأن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم
الحق فلم يستعذ به، وصار الشيطان وليه وربه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره
إذ من الواضح أن الله تعالى سن الحج ووضعه على عباده إظهارا لجلاله وكبريائه
وعلو شأنه وعظم سلطانه، وإعلانا لرق الناس وعبوديتهم وذلهم واستكانتهم،
وقد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم، والملاك لمماليكهم، يستذلونهم
بالوقوف على باب بعد باب، واللبث في حجاب بعد حجاب، لا يؤذن لهم
بالدخول حتى تقبل هداياهم، ولا تقبل منهم الهدايا حتى يطول حجابهم، وأن الله تعالى
قد شرف البيت الحرام وأضافه إلى نفسه، واصطفاه لقدسه، وجعله قياما للعباد
ومقصدا يؤم من جميع البلاد، وجعل ما حوله حرما، وجعل الحرم أمنا، وجعل
فيه ميدانا ومجالا، وجعل له في الحل شبها ومثالا فوضعه على مثال حضرة
الملوك والسلاطين، ثم أذن في الناس بالحج ليأتوه رجالا وركبانا من كل فج،
وأمرهم بالاحرام وتغيير الهيئة واللباس شعثا غبرا متواضعين مستكينين رافعين
أصواتهم بالتلبية وإجابة الدعوة، حتى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول،
وأوقفهم في حجبه يدعونه ويتضرعون إليه حتى إذا طال تضرعهم واستكانتهم
ورجموا شياطينهم بجمارهم وخلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب
قربانهم وقضاء تفثهم ليطهروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم وبينه،
وليزوروا البيت على طهارة منهم، ثم يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرق وكنه
العبودية، فجعلهم تارة يطوفون ببيته ويتعلقون بأستاره، ويلوذون بأركانه،
وأخرى يسعون بين يديه مشيا وعدوا ليتبين لهم عز الربوبية وذل العبودية،
218

وليعرفوا أنفسهم ويضعوا الكبر من رؤوسهم، ويجعل نير الخضوع في أعناقهم
ويستشعروا شعار المذلة، وينزعوا ملابس الفخر والعزة، وهذا من أعظم فوائد
الحج، مضافا إلى ما فيه من التذكر بالاحرام والوقوف في المشاعر العظام الأحوال
المحشر وأهوال يوم القيامة، إذ الحج هو الحشر الأصغر، وإحرام الناس وتلبيتهم
وحشرهم إلى المواقف وقوفهم بها ولهين متضرعين راجين إلى الفلاح أو الخيبة
والشقاء أشبه شئ بخروج الناس من أجداثهم وتوشحهم بأكفانهم واستغاثتهم
من ذنوبهم وحشرهم إلى صعيد واحد إما إلى نعيم أو عذاب أليم، بل حركات
الحاج في طوافهم وسعيهم ورجوعهم وعودهم يشبه أطوار الخائف الوجل المضطرب
المدهوش الطالب ملجأ ومفزعا نحو أهل المحشر في أحوالهم وأطوارهم، وإلى
ما فيه من اختبار العباد وطاعتهم وانقيادهم إلى أوامره ونواهيه، كما شرحه
أمير المؤمنين (عليه السلام) في المروي (1) عنه في نهج البلاغة.
(و) كيف كان ف‍ (هو يعتمد على ثلاثة أركان:)
الركن (الأول في المقدمات)
(وهي أربع):
(المقدمة الأولى)
(الحج) بفتح الحاء المهملة وقد تكسر (وإن كان في اللغة) هو (القصد)
أو كثرته إلى من يراد تعظيمه، والكف والقدوم والغلبة بالحجة وكثرة الاختلاف
والتردد (فقد صار في الشرع) على وجه الحقيقة بناء على ثبوتها فيه أو المجاز فيه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 11 و 21
219

والحقيقة عند المتشرعة (اسما لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة)
أو لقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده، أو مع زيادة متعلقة بزمان
مخصوص، وفي الدروس يلزم على الأول النقل، وعلى الثاني التخصيص، وهو
خير من النقل، وفي المسالك الايراد على طرده بالعمرة وبكل عبادة مقيدة بمكان
مخصوص، وعلى عكسه بأن الآتي بالبعض التارك البعض الذي لا مدخل له في
البطلان يصدق عليه اسم الحاج، فلا يكون الحج اسما للمجموع، كما أن المصنف
أورد على الثاني بأنه يخرج عنه الوقوف بعرفة والمشعر، لأنهما ليسا عند البيت
الحرام مع كونهما ركنين من الحج إجماعا، إلى غير ذلك مما لا فائدة معتد بها
لطول البحث فيها بعد ما ذكرناه غير مرة من أن الغرض من أمثال هذه التعاريف
الكشف في الجملة، فهي أشبه شئ بالتعاريف اللغوية، وحينئذ فالأمر فيها سهل.
(و) على كل حال ف‍ (هو فرض على كل من اجتمعت فيه الشرائط
الآتية من الرجال والنساء والخناثي) كتابا (1) وسنة (2) وإجماعا من المسلمين
بل ضرورة من الدين يدخل من أنكره في سبيل الكافرين، بل لعل تأكد وجوبه
كذلك فضلا عن أصل الوجوب، كما هو واضح (و) لذا سمى الله تعالى تركه
كفرا في كتابه العزيز (3)
نعم (لا يجب بأصل الشرع إلا مرة واحدة)
إجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين، مضافا إلى الأصل، واقتضاء
إطلاق الأمر في الكتاب والسنة ذلك كما حقق في محله، وإلى غير ذلك من
النصوص (4) الكثيرة جدا الدالة صريحا وظاهرا على اختلاف دلالتها، وستسمع

(1) سورة آل عمران - الآية 91 - 92
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب وجوب الحج
(3) سورة آل عمران - الآية 91 - 92
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب وجوب الحج
220

بعضها، فما عن الصدوق في العلل - من أن الذي اعتمده وأفتي به أن الحج على
أهل الجدة في كل عام فريضة - واضح الضعف، وفي محكي المنتهى " قد حكي عن
بعض الناس الوجوب في كل سنة مرة، وهي حكاية لم تثبت، ومخالفة للاجماع
والسنة " إلى آخره، أو محمول على ما حمل عليه بعض النصوص الموهمة لذلك -
كخبر علي بن جعفر (1) عن أخيه موسى (عليه السلام) " إن الله تعالى فرض الحج على
أهل الجدة في كل عام، وذلك قول الله عز وجل (2): " ولله على الناس حج
البيت من استطاع إليه سبيلا، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " قال: قلت:
" من لم يحج منا فقد كفر قال: لا، ولكن من قال: ليس هذا هكذا فقد كفر "
وخبر حذيفة بن منصور (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " الحج فرض على أهل الجدة
في كل عام " ومرسل التميمي (4) عنه (عليه السلام) أيضا " إن في كتاب الله عز وجل فيما
أنزل الله ولله على الناس حج البيت في كل عام من استطاع إليه سبيلا " - من إرادة
الوجوب على البدل، بمعنى أن من وجب عليه الحج فلم يفعل في السنة الأولى
وجب عليه في الثانية، وهكذا في كل عام، أو الندب أو تأكده أو غير ذلك،
لأن ظاهرها مخالف لاجماع المسلمين كما اعترف به في المعتبر وغيره، لما عرفت من
عدم الوجوب إلا مرة، فليس هو بعدها إلا مستحبا.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
(2) سورة آل عمران - الآية 91 و 92
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 و 5
مع الاختلاف في اللفظ
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 7 وهو
مرفوع عبد الله بن الحسين الميثمي
221

ومن الغريب ما في الوسائل من حمل هذه النصوص (1) على الوجوب كفاية وإن
جعله الوجه بعض الأفاضل مؤيدا له بما دل من النصوص التي فيها الصحيح
وغيره على جبر الإمام الناس على الحج إذا تركوه، وإلا استحقوا العقاب ولم
ينظروا، إذ هو مخالف لاجماع المسلمين على الظاهر أيضا، فلا بد من طرحها أو
تنزيلها على ما عرفت ونحوه، ونصوص الجبر خارجة عما نحن فيه، ضرورة عدم
اختصاصها بأهل الجدة كما يومي إليه اشتمال الصحيح (2) منها على أنه إن لم يكن
لهم مال أنفق عليهم من بيت المال، بل اشتمل أيضا على الجبر على المقام عند
البيت وعلى زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) والمقام عنده، ولعلنا نقول به كما أو ماء إليه في
الدروس، قال فيها: " ويستحب للحاج وغيرهم زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة
استحبابا مؤكدا، ويجبر الإمام الناس على ذلك لو تركوه، لما فيه من الجفاء
المحرم كما يجبرون على الأذان، ومنع ابن إدريس ضعيف، لقوله (صلى الله عليه وآله) (3):
" من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة فقد جفوته يوم القيامة، ومن أتاني
زائرا وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة " وفي المختلف
" قال الشيخ: إذا ترك الناس الحج وجب على الإمام أن يجبرهم على ذلك،
وكذلك إذا تركوا زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) كان عليه إجبارهم عليها أيضا، وقال ابن
إدريس لا يجب الاجبار، لأنها غير واجبة، واحتج الشيخ بأنه يستلزم الجفاء،
وهو محرم " وعلى كل حال فالوجوب بهذا المعنى خارج عما نحن فيه من الوجوب
كفاية على خصوص أهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة

(1) الوسائل - الباب - 4 و 5 - من أبواب وجوب الحج
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المزار - الحديث 3 من كتاب الحج
222

منهم مؤديا لواجب ولو كان مع من لم يحج منهم، وقد صرحت النصوص بأن
ما عدا المرة تطوع، كقول الصادق (عليه السلام) للأقرع بن حابس (1) إذ سأله:
" في كل سنة مرة واحدة، ومن زاد فهو تطوع " بل هو مقتضى قوله (عليه السلام)
أيضا في خبر هشام بن سالم (2) المروي عن المحاسن والخصال: " وكلفهم حجة
واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك " وقول الرضا (عليه السلام) في علل الفضل (3):
" إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك لأن الله وضع الفرائض على أدنى
القوة " ونحوه في علل ابن سنان (4).
(و) كيف كان فهذه الحجة الواجبة بأصل الشرع (هي) الحجة التي
هي أحد أركان الاسلام، إذ في كثير من الأخبار (5) " أنه بني الاسلام على
خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية " وبهذا الاعتبار أطلق
عليها (حجة الاسلام) في النص والفتوى.
(وتجب) بعد فرض إحراز الشرائط (على الفور) اتفاقا محكيا عن
الناصريات والخلاف وشرح الجمل للقاضي، وفي التذكرة والمنتهى إن لم يكن
محصلا، وربما يومي إليه ما نص فيه من الأخبار (6) على نهي المستطيع عن
الحج نيابة، وسأل الشحام (7) الصادق (عليه السلام) " التاجر يسوف الحج قال: ليس

(1) المستدرك - الباب - 3 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 4 وهو
وقول النبي (صلى الله وعليه وآله) له، لأن الأقرع بن حابس إنما كان في زمانه (صلى الله وعليه وآله)
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مقدمة العبادات
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب النيابة في الحج
(7) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 6
223

له عذر " وقال (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي (1): " إذا قدر الرجل على ما يحج
به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الاسلام "
بل قد تدل عليه النصوص (2) الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره الدالة على أن
من وجب عليه ثم سوفه العام والعام الآخر ثم مات فقد ترك شريعة من شرائع
الاسلام، وأنه المراد بقوله تعالى (3): " ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة
أعمى وأضل سبيلا " ومن قوله تعالى (4): " ونحشره يوم القيامة أعمى " باعتبار
أن الوعيد مطلقا دليل التضييق كما اعترف به في المنتهى (و) المدارك.
بل الظاهر أن (التأخير مع الشرائط) عن عام الاستطاعة معصية (كبيرة
موبقة) ومهلكة كما صرح به غير واحد وإن حج بعد ذلك، لكونه كذلك
في نظر أهل الشرع، ولما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان (5) عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) إنه كتب إلى المأمون تفصيل الكبائر، ومن جملتها الاستخفاف
بالحج الصادق بالتأخير عن عام الاستطاعة، مضافا إلى ما قيل من أنه قد يصادف
الترك أصلا الذي لا إشكال في أنه كبيرة، بل في الكتاب والسنة إطلاق اسم
الكفر عليه المعلوم أنه من الكبائر في النصوص والفتاوى ولو الكفر بمعنى
الخروج عن الطاعة الشامل لما نحن فيه، كما يشهد له الصحيح (6) " سألت

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 - 0
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 - 0
(3) سورة الإسراء - الآية 74
(4) سورة طه - الآية 124
(5) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 33 - 4 مع الاختلاف في الثاني
(6) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب جهاد النفس - الحديث 33 - 4 مع الاختلاف في الثاني
224

أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكبائر فقال: هي في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله
عز وجل وعقوق الوالدين وأكل الربا بعد التنبه وأكل مال اليتيم والفرار من
الزحف والتعرب بعد الهجرة، قلت: فهذه أكبر المناهي قال: نعم، قلت: فأكل
درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة، قلت:
ما عددت ترك الصلاة في الكبائر فقال: أي شئ أول ما قلت لك، قال: قلت:
الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر يعني من غير علم " فإنه ظاهر في إرادة
ما يشمل المقام من الكفر المعدود في الكبائر، بل لو قلنا إن الحج أعظم من
الصلاة أو أن المراد من الصلاة ما يشمل صلاة الطواف كانت الدلالة ظاهرة، إلا
أنه لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة أن ذلك في الترك لا في التأخير عن عام
الاستطاعة وإن حج بعده في العام الآخر الذي هو مفروض البحث دون الترك
أصلا، بل دون تكرار التأخير إصرارا بلا تخلل توبة، فإنه لا صغيرة مع الاصرار
فالعمدة حينئذ ما ذكرناه أولا، أما الترك أصلا فكونه من الكبائر مفروغ منه
بل يمكن دعوى كونه ضروريا.
ثم المراد بالفورية وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة، وإلا ففيما
يليه وهكذا، ولو توقف على مقدمات من سفر وغيره تعين الاتيان بها على وجه
يدركه كذلك.
ولو تعددت الرفقة في العام الواحد قيل وجب المسير في أولها، فإن أخر
عنها وأدركه مع التالية، وإلا كان كمؤخره عمدا في استقرار الحج، وبه قطع
في الروضة، وجوز في الدروس التأخر عن الأولى إن وثق بالمسير مع غيرها،
واستحسنه في المدارك، قال: بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر
التالية، لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى، وأطلق العلامة في التذكرة
جواز التأخير عن الرفقة الأولى، لكن المسألة في كلامه مفروضة في حج النائب،
225

وينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى قبل أشهر الحج وقبل تضييق الوقت
الذي يمكن ادراكه فيه، لأنه الأصل، ولا مقتضي للخروج عنه، قلت: لعل
المقتضي تحقق الخطاب بالمقدمات، والأصل عدم مقدمة أخرى تقوم مقام هذه
الميسرة، وخصوصا إذا كان المظنون عدم حصولها، فهو في الحقيقة كاتلاف
الطهورين بعد الوقت مع عدم العلم بحصول غيرهما، فاكتفاؤه بمجرد الاحتمال
كما ترى.
نعم قد يقال إن له التأخير مع الوثوق الذي ذكره في الدروس، مع أن
الظاهر استقرار الحج بالتمكن من الرفقة الأولى، كمن وجبت عليه الصلاة ومضى
وقت يمكن أن يفعلها ولم يفعلها ومات مثلا، فإنه لا إشكال في تحقق وجوب
القضاء عليه بذلك، على أنه في الفرض مندرج في جميع النصوص الدالة (1) على
أن من استطاع الحج ولم يحج ومات فإن شاء أن يموت يهوديا أو نصرانيا
ونحوها، فمن الغريب اكتفاء السيد المزبور بما سمعت، ودعواه القطع بالجواز
فيما عرفت، وإطلاق التذكرة يمكن تنزيله على ما لا يشهد له من غلبة التأخير مع
الوثوق، على أن كلامه مفروض في حج النائب على ما صرح به، وحكم الأجير
يتبع رضى المستأجر، ومعلوم منه عادة المضايقة في التأخير مع عدم الوثوق، ولو
سلم جواز التأخير في حق النائب فلا يلزم منه الجواز لغيره، إذ الفورية فيه تتبع
العقد، وفي غيره تثبت بمقتضى الدليل، ومع اختلافهما في المدرك لا يجب
توافقهما في الحكم.
ثم إن ما ادعاه من القطع إنما يستقيم لو كان وجوب قطع المسافة لتعلق
الخطاب المنجر، وهو باطل، وإلا لزم جواز التخلف عن الوفد الخارج قبل أشهر

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب وجوب الحج
226

الحج مع الانحصار، وعدم استقرار الحج في الذمة بالتمكن من الخروج قبلها،
وسقوطه عن البعيد إذا كان بحيث لا يمكنه قطع المسافة في تلك المدة، واللوازم
كلها باطلة، فكذا الملزوم، فتجب إناطة التكليف بالخطاب المعلق، ولا يختلف الحال
بدخول أشهر الحج وعدمه كما هو ظاهر، ضرورة كونه حينئذ كباقي أفراد
الواجب الموسع الذي يتضيق بخوف الفوات، ومنه محل الفرض باعتبار عدم
الوثوق برفقة أخرى، فيجب التقديم، وهو المطلوب، على أن اشتغال الذمة
يقينا يوجب الاتيان بما يعلم معه حصول الامتثال، ولا يتحقق ذلك في محل
الفرض إلا بالخروج مع الوفد الأول، ضرورة انتفاء العلم فيه مع التأخير، فكذا
ما يقوم مقامه من الظن، ومجرد الاحتمال لا عبرة به، إذ لا أقل من الظن فيما
الأصل فيه اليقين، وحينئذ فلا ريب في عصيانه بالتأخير مع التمكن من الرفقة
الأولى من دون وثوق بغيرها، إذ هو لا يخلو إما أن يتأتى له الخروج بعدها
أم لا، أما الثاني فظاهر، لأنه تأخير للحج من عام إلى آخر مع التمكن، وأما
الأول فإن قلنا ببدلية العزم في الواجب الموسع فكذلك، لاستحالة العزم على الفعل
مع عدم الوثوق بالتمكن من مقدماته، وإلا فالعصيان ثابت له من حيث التعرض
للمعصية والجرأة عليها بالتأخير عن الرفقة الأولى مع عدم الوثوق بالثانية وإن
تبين له الخلاف بعد ذلك، والتمكن اللاحق لا يرفع حكم الاجتزاء السابق، ولا
فرق في المجتري بين المصادف للتمكن وغيره مما يتعلق بالاختيار، والقول بعصيان
أحدهما دون الآخر تحكم ظاهر، ولذا يتوجه عليه الذم على التقديرين، وما يقال
من أن العزم على المعصية ليس بمعصية فعلى تقدير تسليمه إنما هو في العزم الذي
يبقى معه الاختيار لا في مطلق العزم.
ثم إن الوفد الخارجين إلى مكة إما أن يكونوا متوافقين في الخروج زمانا
أو مختلفين متقاربين، أو متباعدين في أشهر الحج، أو قبلها، أو خروج أحدهم
227

فيها والآخر قبلها، وعلى كل حال فإما أن يكون أحد الوفدين مثلا موثوقا به
خروجا وسلامة وإدراكا دون الآخر، أو يكون كلاهما موثوقا به مع التساوي
أو الأوثقية في الكل أو البعض مع تساوي الباقي أو اختلافه، كما لو كان السابق
أوثق خروجا واللاحق أوثق سلامة وإدراكا، والاختلاف من غيره جهة الوثوق
لا تأثير له في الحكم، وأما باعتباره فإن كان في أصل الوثوق تعين المسير مع المعتمد
منهم وإن لم يكن سابقا، وإلا فالأولى الخروج مع الأوثق، ومع التساوي أو
اختلاف الجهات المتساوية فالمكلف بالخيار، والمراد بالادراك إدراك التمتع الذي
هو فرض البعيد بأركانه الاختيارية، فلو ضاق وقت التأخير عن ذلك وجب
الخروج مع السابق، فلو أخر عصى وصح حجه وإن علم فوات التمتع أو اختياري
أحد الموقفين بالتأخير، لصدق الاضطرار المسوغ للعدول بذلك وإن كان منشأه
سوء الاختيار كما في نظائره.
(و) كيف كان ف‍ (قد يجب الحج بالنذر وما في معناه) من العهد
واليمين (وبالافساد) على ما ستعرفه (وبالاستيجار للنيابة) ونحو ذلك
(و) حينئذ ف‍ (يتكرر) الوجوب (بتكرر السبب) وتعدده من جنس
واحد أو أجناس مختلفة (وما خرج عن ذلك) ونحوه فهو (مستحب) إن لم
يعرض ما يقتضي تحريمه أو كراهته
(و) مع عدم ذلك فلا خلاف نصا وفتوى
في أنه (يستحب لفاقد الشرائط، كمن عدم الزاد والراحلة إذا تسكع سواء
شق عليه السعي أو سهل، وكالمملوك إذا أذن له مولاه) وواجدها المتبرع به
بعد أداء الواجب، والله العالم.
228

(المقدمة الثانية)
في القول (في الشرائط)
(والنظر في حجة الاسلام، وما يجب بالنذر وما في معناه وفي أحكام
النيابة، القول) الأول (في حجة الاسلام، وشرائط وجوبها خمسة):
(الأول كمال العقل والبلوغ، فلا يجب) الحج (على الصبي) المميز
وغيره (ولا على المجنون) المطبق والأدواري الذي تقصر نوبته عن أداء تمام
الواجب أو ما في حكمه إجماعا بقسميه، ونصوصا (1) وحينئذ (فلو حج الصبي)
ولو قلنا بشرعية عبادته (أو حج عنه) الولي (أو عن المجنون) على الوجه
الذي تعرفه إن شاء الله (لم يجز عن حجة الاسلام) إجماعا بقسميه، وقال
الصادق (عليه السلام) في خبر مسمع (2): " لو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت
عليه فريضة الاسلام " وسأل إسحاق بن عمار (3) أبا الحسن (عليه السلام) " عن ابن
عشر سنين يحج قال: عليه حجة الاسلام إذا احتلم، وكذا الجارية عليها الحج
إذا طمثت " إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت وبالأصل وغيره،
(نعم لو دخل الصبي المميز أو المجنون في الحج ندبا ثم كمل كل واحد منهما و
وأدرك المشعر أجزأ عن حجة الاسلام) على المشهور بين الأصحاب، بل في

(1) الوسائل - الباب - 3 و 4 - من أبواب مقدمة العبادات والباب 12
و 13 من أبواب وجوب الحج
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
229

التذكرة ومحكي الخلاف الاجماع عليه في الصبي، قال في الأول: " وإن بلغ الصبي
أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة بالغا أو معتقا وفعل باقي
الأركان أجزأ عن حجة الاسلام، وكذا لو بلغ أو أعتق وهو واقف عند علمائنا
أجمع " وهو الحجة، مضافا إلى تظافر الأخبار (1) بأن من أدرك المشعر أدرك
الحج كما تسمعها إن شاء الله فيما يأتي في حكم الوقوفين بعرفة والمشعر، وخصوص
المورد فيها لا يخصص الوارد، بل المستفاد منها ومما ورد (2) في العبد هنا ونحو
ذلك عموم الحكم لكل من أدركهما من غير فرق بين الادراك بالكمال وغيره،
ومن هنا استدل الأصحاب بنصوص العبد على ما نحن فيه مع معلومية حرمة
القياس عندهم، فليس مبنى ذلك إلا ما عرفته من عموم الحكم المستفاد من
النصوص المزبورة، مضافا أيضا إلى ما يأتي من أن من لم يحرم من مكة أحرم
من حيث أمكنه، فالوقت صالح لانشاء الاحرام، فكذا لانقلابه أو قلبه، مع
أنهما قد أحرما من مكة وأتيا بما على الحاج من الأفعال، فلا يكونان أسوأ
حالا ممن أحرم من عرفات مثلا ولم يدرك إلا المشعر، بل في كشف اللثام " إن
كملا قبل فجر النحر وأمكنهما إدراك اضطراري عرفة مضيا إليها، وإن كان وقفا
بالمشعر قبل الكمال ثم كملا والوقت باق وجب عليهما العود ما بقي وقت اختياري
المشعر " وفي الدروس " ولو بلغ قبل أحد الموقفين صح حجه، وكذا لو فقد
التمييز وباشر به الولي فاتفق البلوغ والعقل، ولو بلغ بعد الوقوف والوقت باق
جدد النية وأجزأ ".
لكن في المتن كالمحكي عن المعتبر والمنتهى الاجزاء عن حجة الاسلام

(1) الوسائل - البا ب - 23 - من أبواب الوقوف بالمشعر
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب وجوب الحج
230

(على تردد) بل عن ظاهر النافع وصريح الجامع العدم، للأصل ومنع الاجماع
ودلالة الأخبار، فإنها إنما دلت على إدراك الحج بادراك المشعر، ولكن إنما
يدرك الحج الذي نواه وأحرم، وصلاحية الوقت للاحرام لا يفيد إلا إذا لم
يكن محرما، أما المحرم فليس له الاحرام ثانيا إلا بعد الاحلال أو العدول (1) إلى
ما دل عليه الدليل، ولا دليل هنا، ولا الاستطاعة ملجأة إليه، ولا مفسدة
للانصراف إلى ما في الذمة، فإنا نمنع وجوب الحج عليه بهذه الاستطاعة،
لاشتغال ذمته باتمام ما أحرم له، مع أن صلاحية الوقت إذا فاتت عرفة ممنوعة،
والحمل على العبد إذا أعتق قياس، لكن فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت،
ولا وجه لمنع الاجماع الذي نقله الثقة العدل وشهد له التتبع، كما لا وجه لمنع دلالة
الأخبار إن كان المراد منها ما ورد في العبد، فإنها صريحة في الاجزاء عن حجة
الاسلام، بل هو المنساق من إطلاق أن إدراك المشعر إدراك الحج لا الحج
الذي نواه وأحرم به، فإنه مدرك له قبل حصول هذه الصفة، وصلاحية الوقت
إنما ذكرت استيناسا لما نحن فيه لا أنها دليل، ضرورة وضوح الفرق بين نفس
الموضوعين، ومنع الوجوب بهذه الاستطاعة لما عرفت مصادرة، كما أن الحمل
على العبد ليس قياسا بعد ما عرفت من الاجماع وظهور نصوص العبد في عدم
الخصوصية له.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى الاجزاء عن حجة الاسلام إنما
الكلام في وجوب تجديد النية للاحرام بحجة الاسلام وللوجوب كذلك في
الوقوف، سيما على تقدير اعتبار الوجه من آن الادراك، لأنه لا عمل إلا بنية،

(1) هكذا في المخطوطة المبيضة ولكن في المسودة " ولا العدول إلا إلى
ما دل عليه الدليل " وهو الصواب
231

والفرض عدم نية حجة الاسلام سابقا، وعدمه للأصل وانعقاد الاحرام
وانصراف الفعل إلى ما في الذمة إذا نوى عينه وإن غفل عن خصوصية ولم يتعرض
لها في النية ولا للوجوب في نية الوقوف، ولعله الأقوى تمسكا باطلاق النص في
العبد والفتوى فيه وفي المقام، فهو إجزاء شرعي، وتظهر الثمرة فيمن بلغ قبل
فوات المشعر ولم يعلم حتى فرغ منه أو من باقي المناسك، فما عن الخلاف من
وجوب تجديد نية الاحرام والمعتبر والمنتهى والروضة من إطلاق تجديد نية
الوجوب والدروس من تجد النية محل للنظر بل المنع، كما أن الأقوى عدم اعتبار
الاستطاعة بعد الكمال من البلد أو الميقات في الاجزاء عن حجة الاسلام للاطلاق
المزبور، بل هو كالصريح بالنسبة إلى العبد، ولا استبعاد في استثناء ذلك مما دل
على اعتبارها فيها، بل في التذكرة " لو بلغ الصبي وأعتق العبد قبل الوقوف أو
في وقته وأمكنهما الاتيان بالحج وجب عليهما ذلك، لأن الحج واجب على الفور
ولا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحر، خلافا للشافعي، ومتى لم يفعلا
الحج مع إمكانه فقد استقر الوجوب عليهما سواء كانا موسرين أو معسرين،
لأن ذلك واجب عليهما بامكانه في موضعه، فلم يسقط بفوات القدرة بعده " وفي
كشف اللثام من المعلوم أن الاجزاء عن حجة الاسلام مشروط بالاستطاعة عند
الكمال، لكن الاتمام لما جامع الاستطاعة التي للمكي غالبا وكانت كافية في
الوجوب هنا وإن كانا نائيين كما مرت الإشارة إليه لم يشترطوها، ولذا قال في
التذكرة إلى آخر ما سمعت، ثم قال: ومن اشترط استطاعة النائي لمجاور مكة
اشترطها هنا في الاجزاء، فما في الدروس والروضة وغيرهما - من اعتبار سبق
الاستطاعة وبقائها، لأن الكمال الحاصل أحد الشرائط، فالاجزاء من جهته -
محل للنظر، إذ لو سلم أن التعارض بين ما هنا وبين ما دل على اعتبار الاستطاعة
232

من وجه أمكن الترجيح لما هنا من وجوه، خصوصا بملاحظة نصوص العبد،
ولذا قال في الروضة بعد أن حكم بما عرفت: ويشكل ذلك في العبد إن أحلنا
ملكه، وربما قيل بعدم اشتراطها فيه للسابق، أما اللاحقة فتعتبر قطعا.
وكيف كان فالمنساق من المتن وغيره اعتبار إدراك اختياري المشعر،
فلا يجزيه اضطرارية وإن وجب عليهما ما أمكنهما من اضطراري عرفة، ولعله
كذلك اقتصارا على المتيقن،
نعم لا فرق في الحكم المزبور بين حج التمتع والأفراد
والقران للاطلاق، فلو كان قد اعتمر عمرة التمتع ثم أتى بحجة وكان فرضه
عند الكمال التمتع بقي على التمتع، وكفاه لعمرته ما فعل منها قبل الكمال، كما نص
عليه في محكي الخلاف والتذكرة، بل في الدروس نسبته إلى ظاهر الفتوى، فما في
كشف اللثام - من أنه لم يساعده الدليل إن لم يكن عليه إجماع، فإن إدراك أحد
الموقفين الاختياريين يفيد صحة الحج، والعمرة فعل آخر مفصول منه وقعت
بتمامها في الصغر أو الجنون كعمرة أوقعها في عام آخر، فلا جهة للاكتفاء بها،
ولذا قيل بالعدم، فيكون كمن عدل إلى الافراد اضطرارا، فإذا أتم المناسك
أتى بعمرة مفردة في عامه ذلك أو بعده - فيه أن إطلاق متن الاجماع المعتضد
بظاهر الفتوى وإطلاق نصوص العبد كاف في إثبات ذلك، بل لعله المنساق من
ظاهرهما، ولا حاجة إلى ما قيل من أنه يأتي بعد التمام بعمرة أخرى للتمتع في
ذلك العام إن كانت أشهر الحج باقية، ويسقط الترتيب بين عمرة التمتع وحجه
للضرورة، وإن لم يبق أشهر الحج أتى بالعمرة في القابل، وهل يجب عليه فيه حجة
أخرى؟ وجهان، من الأصل، ومن دخول العمرة في الحج، ووجوب الاتيان
بهما في عام واحد على المتمتع، وأما إن كان فرضه الافراد أو التمتع وكان الذي
أتى به الافراد فالأمر واضح، ويأتي بعد الاتمام بعمرة مفردة، وعلى الأخير
يكون عادلا عن فرضه إلى الافراد ضرورة، ومن ذلك تعرف الحال فيما في
233

الدروس من أنه لو حج العبد الأفقي أي غير المكي أو المميز كذلك قرانا أو إفرادا
أو حج الولي بغير المميز أو المجنون كذلك وكملوا قبل الوقوف ففي العدول إلى
التمتع مع سعة الوقت نظر، من الأمر باتمام النسك، والأقرب العدول للحكم
بالاجزاء مطلقا، ومع عدم القول بالعدول أو لم يمكن العدول ففي إجزاء الحج
هنا نظر، من مغايرته فرضهم، ومن الضرورة المسوغة لانتقال الفرض، وهو
قوي، قلت: قد عرفت التحقيق في ذلك، وأما إن كان فرضه الافراد والذي
أتى به التمتع فهل يبقى عليه ويجزي عن الافراد أو يعدل بنيته إليه أو ينقلب حجه
مفردا وإن لم ينوه وجوه، وجهها أحد الأخيرين، وحينئذ فعليه عمرة مفردة،
قيل: وعلى ما في الخلاف والتذكرة الظاهر الأول، وهو مشكل جدا، والاحتياط
في جميع ذلك لا ينبغي تركه، ضرورة انسياق الاكتفاء بأحد الموقفين للمتلبس
بما هو فرضه لو كان كاملا من الأدلة، فالمتجه الاقتصار عليه وعدم ترك الاحتياط
في غيره، هذا، وفي نصوص العبد معقد إجماع التذكرة وجملة من العبائر
الاكتفاء في إدراك الحج بادراك أحد الموقفين لا خصوص المشعر كما في المتن
وبعض العبارات، ولعله لأن إدراك المشعر متأخر عن موقف عرفة، فالاجتزاء
بأحدهما يقتضي أنه الأقصى في الادراك، ولو فرض تمكنه من موقف عرفة دون
المشعر فلا يبعد عدم الاجزاء، ضرورة ظهور النص والفتوى في أن كل واحد
منهما مجز مع الاتيان بما بعده لا هو نفسه، وربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله
في العبد.
(و) على كل حال فلا إشكال في أنه (يصح إحرام الصبي المميز وإن لم
يجب عليه) بناء على شرعية عبادته، نعم لا بد من إذن الولي بذلك لاستتباعه
المال في بعض الأحوال، فليس هو عبادة محضة، مع احتمال العدم لعدم كونه
تصرفا ماليا أولا وبالذات إن لم يكن إجماعا، كما هو ظاهر نفي الخلاف فيه بين
234

العلماء من محكي المنتهى والتذكرة، أما البالغ فالأقوى عدم اعتبار إذن الأب في
المندوب منه فضلا عن الأم ما لم يكن مستلزما للسفر المؤدي إلى إيذائهما باعتبار
مفارقته أو سبق نهيهما عنه في وجه، خلافا للفاضل في القواعد فاعتبر إذن الأب
بل عن ثاني الشهيدين في المسالك أنه قوى توقفه على إذن الأبوين، لكن قال
في الروضة: " إن عدم اعتبار إذنهما حسن إذا لم يكن الحج مستلزما للسفر
المشتمل على الخطر، وإلا فالاشتراط أحسن ".
(و) على كل حال ف‍ (يصح أن يحرم عن غير المميز وله ندبا وكذا
المجنون) فيستحق الثواب حينئذ عليه، وتلزمه الكفارة والأفعال والتروك على
الوجه الذي ستعرفه بلا خلاف أجده في أصل مشروعية ذلك للولي، بل يمكن
تحصيل الاجماع عليه. مضافا إلى دلالة النصوص الكثيرة عليه، كقول الصادق
(عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار (1): " انظروا من كان معكم من الصبيان
فقدموهم إلى الجحفة أو إلى بطن مر ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم، ويطاف بهم
ويرمى عنهم، ومن لا يجد الهدي فليصم عنه وليه " وسأله عبد الرحمان بن
الحجاج (2) في الصحيح " إن معنا صبيان مولودا فقال (عليه السلام): مر أمه تلقى حميدة
فتسألها كيف تصنع بصبيانها، فأتتها فسألتها فقالت: إذا كان يوم التروية
فاحرموا عنه وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم، وقفوا به المواقف، وإذا كان
يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ثم زوروا به البيت، ومري الجارية أن
تطوف به بالبيت وبين الصفا والمروة " وقال أحدهما (عليهما السلام) في خبر
زرارة (3): " إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 1 - 5
235

فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ويطاف به ويصلى عنه، قال زرارة: ليس لهم
ما يذبحون فقال (عليه السلام): يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ويتقى عليهم ما يتقى
على المحرم من الثياب والطيب، فإن قتل صيدا فعلى أبيه " إلى غير ذلك مما هو
واضح الدلالة عليه، خلافا لأبي حنيفة فأنكره من أصله، ولا ريب في ضعفه.
كما أن ظاهر النص والفتوى كون الاحرام بالصبي على معنى جعله محرما
بفعله لا أنه ينوب عنه في الاحرام، ومن هنا صرح غير واحد بأنه لا فرق في
الولي بين كونه محلا أو محرما، فما عن الشافعية في وجه من كون الاحرام عنه
واضح الضعف.
وعلى كل حال فكيفيته أن ينوي الولي الاحرام بالطفل بالعمرة أو الحج،
فيقول: اللهم إني أحرمت بهذا إلى آخر النية، وفي الدروس أنه يكون حاضرا
مواجها له ويلبسه ثوبي الاحرام ويجنبه ما يجنب المحرم، ويلبي عنه إن لم يحسنها
وإلا أمره، بل في القواعد وغيرها " إن كل ما يتمكن الصبي من فعله من التلبية
والطواف وغيرهما فعله، وإلا فعله الولي عنه " ولعل خبر زرارة فيه (1) إشارة
إلى ذلك، وليكونا في الطواف متطهرين وإن كانت الطهارة من الطفل صورية،
وفي الدروس " يحتمل الاجتزاء بطهارة الولي " وفي كشف اللثام وعلى من طاف به
الطهارة كما قطع به في التذكرة والدروس وهل يجب إيقاع صورتها بالطفل أو المجنون؟
وجهان كما وفي الدروس وظاهر التذكرة من أنها ليست طهارة مع الأصل، ومن
أنه طوافه، لأنه طواف بالمحمول، وفي التذكرة " وعليه أن يتوضأ للطواف
ويوضأه، فإن كانا غير متوضأين لم يجز الطواف، وإن كان الصبي متطهرا والولي
محدثا لم يجزه أيضا، لأن الطواف بمعونة الولي يصح، والطواف لا يصح إلا

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5
236

بطهارة، وإن كان الولي متطهرا والصبي محدثا فللشافعية وجهان، أحدهما
لا يجزي " قلت: ريب في أن الأحوط طهارتهما معا، لأنه المتيقن من هذا
الحكم المخالف للأصل، وإن كان يقوى في النظر الاكتفاء بطهارة الولي كما يومي
إليه ما في خبر زرارة (1) من الاجتزاء بالصلاة عنه، ولعله فرق بين أفعال الحج
نفسها وشرائطها، فيجب مراعاة الصوري منه في الأول دون الثاني، فتأمل جيدا.
ولو أركبه دابة فيه أو في السعي ففي التذكرة والدروس وجب كونه سائقا
أو قائدا، إذ لا قصد لغير المميز، وهو حسن، وفي المدارك أنه ينبغي القطع
بجواز الاستنابة في الطواف، لاطلاق الأمر بالطواف به، ولقول حميدة في
صحيح ابن الحجاج (2): " مري الجارية " إلى آخره، قلت: بل لا يبعد
جواز الاستنابة في غيره أيضا كما عساه يلوح من النص والفتوى، وأما الصلاة
فقد سمعت ما في خبر زرارة، لكن في الدروس " وعلى ما قاله الأصحاب من
أمر ابن ست بالصلاة يشترط نقصه عنها، ولو قيل: يأتي بصورة الصلاة كما يأتي
بصورة الطواف أمكن " وكأنه اجتهاد في مقابلة النص.
وكيف كان فإن أحرم به بالحج ذهب إلى الموقفين، ونوى الوقوف به،
ثم يحضره الجمار ويرمي عنه، وهكذا إلى آخر الأفعال، وفي القواعد ومحكي
المبسوط " أنه يستحب له ترك الحصى في يد غير المميز ثم يرمي الولي أي بعد
أخذها من يده " ولكن لم نظفر له بمستند، وفي محكي المنتهى " وإن وضعها
في يد الصغير ويرمي بها فجعل يده كالآلة كان حسنا " قلت: هو كذلك محافظة
على الصورة منه، لأن الرمي من أفعال الحج، وربما يأتي لذلك كله تتمة عند
تعرض المصنف له ولغيره من الأحكام.

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5 - 1
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5 - 1
237

(و) المراد ب‍ (الولي) هنا (من له ولاية المال كالأب والجد للأب
والوصي) بلا خلاف أجده في الأولين، بل في التذكرة الاجماع عليه، وأما
الوصي ففي المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، ويشهد له إطلاق الولي في
النصوص، بل منه يستفاد ولاية الحاكم التي بها صرح الشيخ في المحكي عنه، بل من
مبسوطه " أن الأخ وابن الأخ والعم وابن العم إن كان وصيا أو له ولاية عليه
وليها فهو بمنزلة الأب، وإن لم يكن أحدهم وليا ولا وصيا كانوا كسائر الأجانب "
ونحوه عن السرائر، قال في التذكرة: وهذا القول يعطي أن لأمين الحاكم الولاية
كما في الحاكم، لأن قوله: " أوله ولاية " إلى آخره، ولا مصرف له إلا ذلك
وحكى عن الشافعي في توكيل كل من الوصي وأمين الحاكم وجهان، قلت:
الأقوى ذلك، بل عن الشهيد الثاني التصريح بجواز التوكيل من الثلاثة، لأنه
فعل تدخله النيابة كما أو مأنا إليه، بل عن الشيخ أن غير الولي إن تبرع عن الصبي
انعقد إحرامه، ولعله لاطلاق أكثر الأخبار، واحتمال الولي فما تضمنته المتولي
لاحرامه واحتماله كأبيه الجريان على الغالب أو التمثيل.
(و) لكن لا ريب في ضعفه، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن
المعتضد بظاهر النص والفتوى، نعم (قيل) والقائل المبسوط أيضا والخلاف
والمعتبر والمنتهى والتحرير والمختلف والدروس، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر:
(للأم ولاية الاحرام بالطفل) لخبر عبد الله بن سنان أو صحيحه (1) عن
الصادق (عليه السلام) " إن امرأة قامت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعها صبي لها فقالت:
يا رسول الله أيحج بمثل هذا؟ قال: نعم ولك أجره " ضرورة اقتضاء الأمر لها (2)

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
(2) هكذا في المخطوطة المبيضة ولكن في المسودة " الأجر لها " وهو
الصواب لمطابقته للخبر أي " ولك أجرة "
238

كونها محرمة به أو آمرة لغيرها وغير وليها أن يحرم به، وحينئذ فتلتزم لوازم
الاحرام كالولي، ولعله الأقوى، خلافا لظاهر المتن والقواعد ومحكي السرائر
وغيرها للأصل المقطوع بما عرفت، خصوصا بعد التسامح في المستحب.
(و) كيف كان ف‍ (نفقته الزائدة) على نفقة الحضر مثل آلة سفره
وأجرة مركبه وجميع ما يحتاج إليه في سفره مما كان مستغنيا عنه في حضره
(تلزم الولي) في ماله (دون الطفل) بلا خلاف أجده، لأنه هو السبب،
والنفع عائد إليه، ضرورة عدم الثواب لغير المميز بذلك، وعدم الانتفاع به في
حال الكبر، ولأنه أولى من فداء الصيد الذي نص عليه في خبر زرارة فما (1)
عن الشافعي في أحد الوجهين من الوجوب في مال الصبي كأجرة المعلم واضح
الضعف، خصوصا بعد وضوح الفرق بأن التعلم في الصغر يغنيه عنه في الكبر،
ولو فاته لم يدركه بخلاف الحج والعمرة، نعم قد يتوقف في الحكم المزبور فيما إذا
توقف حفظ الصبي وكفالته وتربيته على السفر، وكانت مصلحته في ذلك، ولعل
إطلاق الأصحاب منزل على غير ذلك، وأما الهدي الذي يترتب عليه بسبب الحج
فكأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي الذي هو السبب في حجه، وقد صرح
به في صحيح زرارة (2) بل صرح فيه أيضا بأنه إن قتل صيدا فعلى أبيه، وبه
أفتي الأكثر في كل ما لا فرق في لزومه للمكلف في حالتي العمد والخطأ، خلافا
للفاضل في محكي التذكرة فعلى الصبي الفداء لوجوبه بجنايته، فكان كما لو أتلف
مال غيره، وكأنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر، نعم قد يقال ذلك فيما يختلف
حكمه في حال العمد والسهو في البالغ كالوطي واللبس إذا اعتمد الصبي، فعن
الشيخ أنه قال: " الظاهر أنه تتعلق به الكفارة على وليه، وإن قلنا إنه لا يتعلق

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5
239

به شئ - لما روي (1) عنهم (عليهم السلام) " إن عمد الصبي وخطأه واحد "
والخطأ في هذه الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين - كان قويا " واستجوده
في المدارك لو ثبت اتحاد عمد الصبي وخطأه على وجه العموم، لكنه غير واضح
لأن ذلك إنما ثبت في الديات خاصة، قلت: وهو كذلك، لبطلان سائر عباداته
من صلاة وضوء ونحوهما بتعمد المنافي، ومن هنا قيل بالوجوب تمسكا بالاطلاق
ونظرا إلى أن الولي يجب عليه منع الصبي عن هذه المحظورات، ولو كان عمده
خطأ لما وجب عليه المنع، لأن الخطأ لا يتعلق به حكم، فلا يجب المنع، فما في
المدارك - من أن الأقرب عدم الوجوب اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع
النص وهو الصيد - واضح الضعف، ضرورة عدم الفرق بين الصيد وغيره في حال
العمد كما عرفت، فتشمله الخطابات التي هي من قبيل الأسباب، ومقتضاها وإن
كان الوجوب على الصبي بعد البلوغ أو في ماله إلا أنه قد صرح في صحيح
زرارة بكونه (2) على الأب باعتبار أنه هو السبب.
ومما ذكرنا يظهر لك الحال فيما حكي عن الشيخ من أنه يتفرع على الوجهين
ما لو وطأ قبل أحد الموقفين متعمدا، فإن قلنا إن عمده وخطأه سواء لم يتعلق به
حكم فساد الحج، وإن قلنا إن عمده عمد أفسد حجه ولزمه القضاء، ثم قال:
" والأقوى الأول، لأن إيجاب القضاء يتوجه إلى المكلف، وهذا ليس بمكلف "
وفي المدارك وهو جيد، ثم إن قلنا بالافساد فلا يجزيه القضاء حتى يبلغ فيما قطع
به الأصحاب، ولا يجزي عن حج الاسلام إلا أن يكون بلغ في الفاسد قبل

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب العاقلة - الحديث 2 من كتاب الديات
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5
240

الوقوف بالمشعران اجتزأنا بذلك، إذ لا يخفي عليك أن المتجه بناء على ما عرفت
فساد حجه بتعمده، وحينئذ يترتب عليه القضاء بعد البلوغ كالغسل بالجنابة
الصادرة منه، وربما يأتي لذلك تتمة عند تعرض المصنف له، والله أعلم.
الشرط (الثاني الحرية، فلا يجب الحج) ولا العمرة (على المملوك
وإن أذن له مولاه) وتشبث بالحرية وبذل له الزاد والراحلة، للأصل والاجماع
بقسميه منا ومن غيرنا، وقول أبي الحسن موسى (عليه السلام) في الموثق (1): " ليس
على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق " وقوله (عليه السلام) في خبر آدم بن علي (2):
" ليس على المملوك حج ولا جهاد، ولا يسافر إلا بإذن مالكه " قيل: ولعدم
الاستطاعة، لأنه لا يملك شيئا ولا يقدر على شئ، وفيه أنه يمكن تحققها
ببذل ونحوه، فالعمدة في الدليل ما سمعت.
(و) منه يعلم أنه (لو تكلفه بإذن مولاه صح حجة لكن لا يجزيه
عن حجة الاسلام) مضافا إلى الاجماع بقسميه عليه منا ومن غيرنا أيضا، وقول
الكاظم (عليه السلام) (3) في صحيح أخيه: " المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه إعادة
الحج) وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (4): " إن المملوك إذا حج
وهو مملوك ثم مات قبل أن يعتق أجزأه ذلك الحج، فإن أعتق أعاد الحج "
وقوله (عليه السلام) (5) في الصحيح الآخر: " المملوك إذا حج وهو مملوك أجزأه إذا
مات قبل أن يعتق، فإن أعتق أعاد الحج " وقوله (عليه السلام) أيضا في خبر مسمع (6):
" لو أن عبدا حج عشر حجج كانت عليه حجة الاسلام إذا استطاع إلى ذلك

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 4 - 1 - 5
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 4 - 1 - 5
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 4 - 1 - 5
(6) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 4 - 1 - 5
241

سبيلا " وخبر إسحاق بن عمار (1): " سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن أم الولد
تكون للرجل قد أحجها أيجزي ذلك عنها من حجة الاسلام؟ قال: لا، قلت: لها
أجر في حجتها قال: نعم " إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها خبر حكم
ابن حكيم الصيرفي (2) سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " أيما عبد حج به مواليه
فقد أدرك حجة الاسلام " الذي أجمعت الأمة على خلافه فمن الواجب طرحه
أو حمله على إدراك ثواب حجة الاسلام ما دام مملوكا كما أو ماء إليه لفظ الاجزاء
في الصحيح المزبور (3)، ويشهد له خبر أبان بن الحكم (4): " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يكبر، والعبد إذا
حج به فقد قضى حجة الاسلام حتى يعتق " أو على إدراك الموقفين معتقا
أو غير ذلك.
(ف‍) لا إشكال كما لا خلاف في الحكم المزبور، نعم (إن) حج بإذن
مولاه، و (أدرك الوقوف) بعرفة والمشعر أو (بالمشعر معتقا أجزأه) ذلك
عن حجة الاسلام بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، بل في محكي المنتهى
لو حج بإذن مولاه ثم أدركه العتق فإن كان قبل الوقوف في الموقفين أجزأه الحج
سواء كان قد فعل الاحرام أو لا، ولا نعلم خلافا في أنه لو أعتق قبل إنشاء
الاحرام بعرفة فأحرم أنه يجزيه عن حجة الاسلام عندنا أيضا، ذهب إليه علماؤنا
مضافا إلى صحيح معاوية بن عمار (5) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): مملوك أعتق
يوم عرفة فقال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج " وزاد فيما رواه في

(1) والوسائل - الباب - 16 - من أبواب وجوب الحج الحديث 6 - 7 - 4 - 2
(2) والوسائل - الباب - 16 - من أبواب وجوب الحج الحديث 6 - 7 - 4 - 2
(3) والوسائل - الباب - 16 - من أبواب وجوب الحج الحديث 6 - 7 - 4 - 2
(4) والوسائل - الباب - 16 - من أبواب وجوب الحج الحديث 6 - 7 - 4 - 2
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
242

المعتبر " وإن فاته الموقفان فقد فاته الحج، ويتم حجه ويستأنف حجة الاسلام "
وصحيح شهاب (1) عنه (عليه السلام) أيضا " في رجل أعتق عشية عرفة عبد الله قال:
يجزي عن العبد حجة الاسلام، ويكتب لسيده أجران: ثواب الحج وثواب
العتق " ونحوه في الاجزاء خبره الآخر (2) وغيرها من النصوص الظاهرة أو
الصريحة في إدراك حجة الاسلام بذلك وإن لم يكن مستطيعا كما هو الغالب في
محل الفرض، خصوصا بناء على استحالة ملكه.
لكن في الدروس اشتراط تقدم الاستطاعة وبقائها، وتعجب منه في
المدارك، لاستحالة ملك العبد عنده، ومن هنا قال هو: وينبغي القطع بعدم
اعتبار الاستطاعة هنا مطلقا، لاطلاق النص خصوصا السابقة، وقد تقدم تحقيق
الحال في ذلك وفي التجديد للنية وغيرهما من المباحث التي لا يخفى عليك جريانها
في المقام الذي هو الأصل لذلك المقام.
كما أنه لا يخفى عليك الحال فيما ذكروه من الفروع هنا، كعدم جواز
رجوع السيد بالإذن بعد التلبس، ضرورة وجوب الاتمام على العبد به، لاطلاق
أدلته المعلوم تحكيمه على ما دل (3) على وجوب طاعة العبد ولو بملاحظة النظائر
وحينئذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل لو رجع السيد قبل التلبس ولم يعلم
العبد به حتى أحرم وجب الاستمرار في أقوى الوجهين: لأنه دخل دخولا
مشروعا، فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف ولم يعلم الوكيل،
فما عن الشيخ من أنه يصح إحرامه وللسيد أن يحله واضح الضعف، وإن استشكله
في القواعد بل اختاره في المختلف لعموم حق المولى، وعدم لزوم الإذن، خصوصا

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 4
(3) البحار - الجزء الرابع من المجلد الخامس عشر ص 41 الطبعة الكمباني
243

وقد رجع قبل التلبس، ولكن فيه أن صحة الاحرام إنما هي لبطلان رجوع
المولى، فكأنه لم يرجع، فيشمله قوله تعالى (1): " وأتموا الحج " الآية وغيره
والاحرام ليس من العبادات الجائرة، وإنما يجوز الخروج منه في مواضع مخصوصة
ولم يثبت أن هذا منها، ولعل احتمال عدم صحة الاحرام لعدم حصول الشرط في
الواقع الذي هو كالوضوء للصلاة - فالاستصحاب إنما هو الجواز الاقدام في الظاهر
ومتى بان فساده انكشف البطلان - أقوى من ذلك، ولذا تردد في الصحة وعدمها
المصنف في المحكي من معتبره وغيره، وإن كان فيه منع الشرطية على الوجه المزبور
لعدم ما يدل عليها كذلك، بل أقصاه أنها كاشتراط طهارة الثوب للصلاة، فتأمل
جيدا، نعم لو رجع قبل التلبس وعلم العبد بذلك لم يكن له إحرام، وفي
الاكتفاء بالعدل الواحد هنا وجه قوي.
وللمولي بيع العبد في حال الاحرام قطعا، بل في المدارك إجماعا، للأصل
السالم عن المعارض بعد كون الاحرام لا يمنع التسليم، وعدم جواز التحليل للثاني
للوجوب على العبد بإذن الأول لا يقضي بفساده البيع، بل أقصاه الخيار مع عدم
قصر الزمان بحيث لا يفوته شئ من المنافع، لحديث نفي الضرر والضرار (2).
ولو جنى العبد في إحرامه بما يلزم فيه الدم كاللباس والطيب لزمه دون السيد
للأصل السالم عن المعارض المعتضد بظاهر قوله تعالى (3): " ولا تزر وازرة
وزر أخرى " نعم عن الشيخ " أنه يسقط الدم إلى الصوم، لأنه عاجز، ففرضه

(1) سورة البقرة - الآية 192
(2) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 و 4 و 5
(3) سورة الأنعام - الآية 164 وسورة الإسراء - الآية 16 وسورة
الفاطر - الآية 19 وسورة الزمر - الآية 9
244

الصوم ولسيده منعه منه، لأنه فعل موجبه بدون إذن مولاه " قلت: فهو حينئذ
عاجز عنهما، فالمتجه حينئذ بقاء الدم في ذمته يتبع به بعد العتق، فإن عجز عنه
صام، ولا يقال إن ذلك من الأحكام الشرعية المترتبة عليه من دون مراعاة إذن
المولى كقضاء الصلاة ونحوها، لأنا نقول ما دل على ملكية العبد للسيد وأنه
ليس له التصرف بنفسه إلا بإذنه أرجح مما دل على الكفارة من وجوه، فالجمع
حينئذ بين الخطابين القول بمضمون كل منهما، وينتج تبعيته به بعد العتق،
كضمان ما يتلفه من مال الغير.
ومن ذلك كله يظهر لك ضعف ما عن المفيد من وجوب الفداء في الصيد
على السيد وإن كان قد يشهد له قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز (1): " كلما
أصاب العبد وهو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له " لكن يعارضه مضافا إلى ما سمعت - خبر عبد الرحمان بن أبي نجران (2) " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن عبد أصاب صيدا وهو محرم على مولاه شئ من الفداء فقال: لا شئ
على مولاه " وحمله كما عن الشيخ على من أحرم بغير إذنه يدفعه ظهور الخبر في
كون العبد محرما، ولا يكون ذلك إلا مع إذن السيد، وإلا لم يكن له إحرام،
وربما جميع بينهما بأن الفداء على السيد إن كان قد أذن له السيد في الجناية أيضا،
ويأمره بالصوم إن عجز هو عنه، وعلى العبد إن كان الإذن في الاحرام خاصة،
فيتعين عليه الصوم لعجزه، وفيه - مع أن صوم العبد غرامة للسيد أيضا - أنه
جمع بلا شاهد ولا ينتقل إليه من نفس اللفظ، كالجمع بينهما بأن الإذن إن كان
في الاحرام لزم السيد، وإن كان العبد مأذونا مطلقا إحراما وغيره لزمه دون

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب كفارات الصيد - الحديث 1 - 3 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب كفارات الصيد - الحديث 1 - 3 من كتاب الحج
245

السيد، فليس حينئذ إلا ترجيح أحد الخبرين على الآخر، فقد يرجح الأول
بصحته وكونه ناقلا عن الأصل، وبخبر جميل بن دراج (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال: فمره فليصم،
وإن شئت فاذبح عنه " وفيه أن الصحة بعد إعراض جماعة من الأصحاب أو
الأكثر لا تجدي، والخبر المقرر أولى من الناقل، لاعتضاده بحجة أخرى،
وخبر جميل إن لم يشهد للعكس فلا شهادة له عليه، ضرورة أمره بالأمر بالصوم،
وتعليق الذبح على المشية، مع أنه خارج عما نحن فيه، ضرورة كون الذبح هناك
من توابع الإذن لا أنه وجب كفارة، ولذلك أوجبه على المولى بعضهم،
وستسمع إن شاء الله في باب الذبح تمام البحث فيه، وأن المصنف قد اختار تخيير
المولى بين الذبح عنه وبين أمره بالصوم للرواية المزبورة، لكن الانصاف مع
ذلك مراعاة الاحتياط، وعلى كل حال فقد بان لك مما ذكرنا ضعف المحكي عن
أبي الصلاح من التفصيل بين الاحرام بالإذن وعدمه، فتجب الكفارة في الأول
على السيد، وفي الثاني على المملوك، لكنه يصوم لعدم تمكنه من الهدي والاطعام
إذ قد عرفت فساد الاحرام مع عدم الإذن، فلا يترتب به على كل منهما شئ
كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (لو أفسد) العبد (حجه) بالجماع قبل الوقوف
بالمشعر وجب عليه المضي فيه وبدنة وقضاؤه، لأنه كالحر في ذلك، ضرورة دخوله
في الاحرام على الوجه الصحيح، فيترتب عليه أحكامه، وفي وجوب تمكين السيد
إياه منه وعدمه وجهان بل قولان ينشئان من أن الإذن في الحج تقتضي الالتزام
بجميع ما يترتب عليه شرعا، ومنه ذلك، بل ربما قيل بتناول ما دل على التزام

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الذبح - الحديث 1
246

السيد بكل ما أصابه العبد في حال إحرامه لذلك، ومن أن القضاء عقوبة دخلت عليه بسوء اختياره لا مدخلية للإذن السابقة فيه بوجه من الوجوه، بل ربما
أدى ذلك إلى الاحتيال بتعطيل العبد نفسه عن منافع سيده بحيث يحصل عليه
الضرر بذلك، ولعل ذلك هو الأقوى، خصوصا بعد ما سمعت في الكفارة
ونحوها، وربما بني القولان على أن القضاء هو الفرض والفاسد عقوبة، فيتجه
الأول حينئذ، لتناول الإذن له، وقد لزم بالشروع، فيلزمه التمكين منه، أو
بالعكس فيتجه الثاني، لعدم تناول الإذن له، وفيه أن من المعلوم عدم تناول
الإذن للحج ثانيا وإن كان هو الفرض، لأنها إنما تعلقت بالأول.
هذا كله إذا لم يعتق، فإذا أفسده قبل الوقوف (ثم أعتق مضى في
الفاسد) أيضا لما دل على وجوب إتمامه (وعليه بدنة) أو بدلها (وقضاه)
كالحر لما عرفت (وأجزأه عن حجة الاسلام) سواء قلنا إن الاكمال عقوبة
والثانية حجة الاسلام أم بالعكس، أما على الأول فظاهر، لوقوع حجة الاسلام
في حال الحرية التامة، وأما على الثاني فلما سبق من أن العتق على هذا الوجه
يقتضي إجزاء الحج عن حج الاسلام.
(وإن) أفسده قبل الوقوف و (أعتق بعد فوات الموقفين وجب)
الاكمال و (القضاء ولم يجزه عن حجة الاسلام) فتجب عليه حينئذ إذا أحرز
شرائطها، بل لو فرض شغل ذمته بها وجب عليه أن يقدمها على القضاء كما في
القواعد ومحكي الخلاف والمبسوط لفوريتها دونه، ولأنه آكد، لوجوبها بنص
القرآن، وحينئذ فلو قدم القضاء لم يجز عن أحدهما، أما القضاء فلكونه قبل
وقته وأما حجة الاسلام فلأنه لم ينوها، خلافا للمحكي عن الشيخ فصرفه إلى
حجة الاسلام، لكن عن مبسوطه احتمال البطلان قويا، واستجوده في المدارك
بناء على مسألة الضد، وإلا اتجه صحة الفضاء وإن أثم بتأخير حجة الاسلام،
247

قلت: بل في كشف اللثام الأظهر عندي تقديم القضاء لسبق سببه، وعدم
الاستطاعة لحجة الاسلام إلا بعده، قلت: هو كذلك مع فورية القضاء، بل
ومع عدمه في وجه.
ولا فرق في المملوك بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب بقسميه والمبعض
في عدم وجوب حجة الاسلام عليهم التي قد عرفت اشتراطها بالحرية المفقودة في
الجميع، نعم للمبعض لوتها يا مع مولاه الحج ندبا في نوبته من دون إذن من
المولى إذا لم يكن تغرير بنفسه في السفر، ومن الغريب ما ظنه بعض الناس من
وجوب حجة الاسلام عليه في هذا الحال، ضروة منافاته الاجماع المحكي من
المسلمين الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية المعلوم عدمها في المبعض،
والله أعلم.
الشرط (الثالث) أن يكون له ما يتمكن به من (الزاد والراحلة)
لأنهما من المراد بالاستطاعة التي هي شرط في الوجوب باجماع المسلمين، والنص (1)
في الكتاب المبين، والمتواتر (2) من سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، بل لعل ذلك
من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج، وحينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجزه
عن حجة الاسلام لو استطاع بعد ذلك قطعا، كالقطع بكون الراحلة من المراد
بالاستطاعة، فيتوقف الوجوب على حصولها وإن تمكن بدونها بمشي ونحوه،
للاجماع المحكي عن الناصريات والغنية والتذكرة والمنتهى، والنصوص المستفيضة

(1) سورة آل عمران - الآية 91
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب وجوب الحج
248

التي فيها الصحيح وغيره، فقد سأل جعفر الكناسي (1) في الصحيح أبا عبد الله
(عليه السلام) " عن قول الله عز وجل: " والله " - إلى آخره - ما يعنى بذلك؟ قال:
من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع - أو قال -:
ممن كان له مال، فقال له حفص: فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد
وراحلة ولم يحج فهو ممن يستطيع الحج قال: نعم " وصحيح هشام أو حسنه (2)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى: " والله " - إلى آخره - ما يعنى بذلك؟
قال: " من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة " وخبر السكوني (3)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سأله رجل من أهل القدر فقال: يا بن رسول الله أخبرني
عن قول الله عز وجل: " ولله " - إلى آخره - أليس قد جعل لهم الاستطاعة؟
فقال: ويحك إنما يعنى بالاستطاعة الزاد والراحلة ليس استطاعة البدن " وخبر
الفضل بن شاذان (4) المروي عن العيون عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى المأمون
" وحج البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلا، والسبيل الزاد والراحلة مع
الصحة " وخبر الأعمش (5) المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) " وحج
البيت واجب على من استطاع إليه سبيلا، وهو الزاد والراحلة " إلى غير ذلك
وفي كون الزاد كالراحلة بالنسبة إلى ذلك وجهان ينشئان من ظاهر النصوص
المزبورة، ومن اقتصار الفتاوى أو أكثرها على الراحلة خاصة، فيبقي الزاد كغيره

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 4 عن
حفص الكناسي وهو الصحيح كما يشهد له جملة " فقال له حفص " أيضا
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب وجوب الحج الحديث 7 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب وجوب الحج الحديث 7 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب وجوب الحج الحديث 7 - 5 - 6
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 4
249

على صدق الاستطاعة، ولعله لا يخلو من قوة، وعلى كل حال فقد وسوس سيد
المدارك وتبعه صاحب الحدائق في الحكم بالنسبة إلى الراحلة فضلا عن الزاد من
ظهور لفظ الاستطاعة في الآية في الأعم من ذلك الشامل للمستطيع بالمشي ونحوه
من غير مشقة لا تتحمل كما اعترف به الأصحاب في حق القريب، ودل عليه
صحيح معاوية بن عمار (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عليه دين أعليه
أن يحج؟ قال: نعم، إن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين
ولقد كان من حج مع النبي (صلى الله عليه وآله) مشاة، ولقد مر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكراع
الغميم فشكوا إليه الجهد والعناء فقال: شدوا إزركم واستبطنوا ففعلوا ذلك
فذهب عنهم " وقال أبو بصير (2) لأبي عبد الله (عليه السلام): " قول الله عز وجل:
" ولله " - إلى آخره - قال: يخرج ويمشي إن لم يكن عنده قلت: لا يقدر
على المشي قال: يمشي ويركب، قلت: لا يقدر على ذلك أعني المشي قال:
يخدم القوم ويخرج معهم " وصحيح محمد بن مسلم (3) " قلت لأبي جعفر (عليه السلام):
قول الله تعالى: " ولله " إلى آخره - قال: يكون له ما يحج به، قلت: فإن
عرض عليه الحج فاستحى قال: هو ممن يستطيع الحج ولم يستح ولو على حمار
أجدع أبتر، فقال: إن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليفعل "
ونحوه صحيح الحلبي (4) عنه (عليه السلام) أيضا.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 2
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 8 من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
وذيله في الباب 10 منها - الحديث 1
(4) ذكره صدره في الوسائل في الباب 8 من أبواب وجوب الحج - الحديث 3
وذيله في الباب 10 منها - الحديث 5
250

وفيه أن من المعلوم ضرورة عدم الوجوب بمجرد الاستطاعة العقلية التي
تحصل بالخدمة ونحوها كما تضمنه خبر أبي بصير، منها، ولا يلتزمه هذا المتوقف،
كما أن من المعلوم قصورها عن مقاومة ما عرفت من وجوه، فلا معنى لحمل تلك
النصوص من جهتها على إرادة بيان ما لو توقف الحج على الزاد والراحلة كما هو
الغالب، أو على التقية أو غير ذلك، نعم لا بأس بالعكس لذلك، فتحمل هي على
كون المراد من هذه النصوص بيان فضل الحج المندوب والترغيب فيه، وأنه
لا بأس بتحمل هذه المشاق نحو ما ورد في زيارة الحسين (عليه السلام) وغيره من الأئمة
(عليهم السلام) وكون ذلك وقع تفسيرا للآية غير مناف بعد أن فسرت النصوص
استطاعة الواجب بما عرفت، واستطاعة المندوب بذلك، فيكون المراد من الآية
القدر المشترك، أو أن المراد بيان حكم من استقر الوجوب في ذمته سابقا أو غير
ذلك، وإن أبيت فليس لها إلا الطرح في مقابلة ما عرفت من الاجماع والنصوص
السابقة، بل يمكن دعوى تحصيله، كدعوى ضرورية عدم كفاية مطلق
الاستطاعة في الوجوب، ومن هنا ظن بعض مشايخنا أن المراد بالاستطاعة المتوقف
عليها وجوب الحج معنى شرعي مجمل، فكل ما شك في اعتباره فيها توقف
الوجوب عليه، لأن الشك في الشرط شك في المشروط، وإن كان قد يناقش فيه
بأنا وإن علمنا عدم كفاية مطلق الاستطاعة في الوجوب إلا أن النصوص كشفت
ما اعتبره الشارع فيها، فيبقى غيره على المراد بالاستطاعة، ضرورة كون ذلك
من قبيل الشرط الشرعي لها، وحينئذ فما شك في اعتباره فيها زائدا على ما ثبت
في الشرع ينفى بأصل العدم نحو غيرها من ألفاظ المعاملة، فليس حينئذ لها حقيقة
شرعية، بل ولا مراد شرعي مجمل. كما لا يخفى على من لاحظ النصوص والفتاوى
في المقام، وإنما التحقيق ما ذكرناه.
(و) منه يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من أن‍ (هما معتبران فيمن
251

يفتقر إليه) هما في (قطع المسافة) وإن قصرت عن مسافة القصر، خلافا للمحكي
عن العامة فشرطوا ذلك، لا مثل القريب الذي يمكنه قطع المسافة بالمشي من دون
مشقة يعتد بها، بل لا أجد فيه خلافا، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب
مشعرا بدعوى الاجماع عليه، وإن كان الذي وقفنا عليه الشيخ في محكي المبسوط
والفاضل في القواعد والتذكرة والمنتهى، وعن التحرير والمصنف أنه لا يشترط
الراحلة للمكي، ولعلهما يريدان أيضا ما يشمل ذلك، فيتفق الجميع حينئذ، لكن
في كشف اللثام يقوى عندي اعتبارها أيضا للمكي للمضي إلى عرفات وأدنى الحل
والعود، ولذا أطلق الأكثر ومنهم الشيخ في غير المبسوط والفاضل في الإرشاد
والتبصرة والتلخيص والمحقق في النافع، قلت: قد يقال إنه ينقدح الشك من
ذلك كله في تناول دليل الشرط المزبور لمثل الفرض، فيبقي اعتبار صدق اسم
الاستطاعة بالنسبة إليه خاليا عن المعارض، وإنما يبقى تقييده بنفي الضرر والحرج
ونحوهما، ويكون حينئذ المدار عليها كما فيما لم يدل دليل على اعتبار أمر شرعي
من الاستطاعة بالنسبة إليه لما سمعته من التحقيق السابق.
(و) كيف كان ف‍ (لاتباع ثياب مهنته) بالفتح والكسر أي ما يبتذله
من الثياب، لأن المهنة الخدمة وعدم بيعها في حج الاسلام لا أجد فيه خلافا،
بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة الاجماع على استثناء ثياب بدنه التي يدخل فيها
ثياب التجمل اللائقة بحاله زمانا ومكانا فضلا عن ثياب المهنة، كاطلاق الثياب
في الدروس ومحكي التحرير، وهو الحجة مضافا إلى ما فيه من العسر والحرج،
وأن الشارع استثناها في دين المخلوقين الذي هو أعظم من دين الخالق، وإلى
فحوى ما تسمعه من خبر أبي الربيع الشامي (1) الذي فسر السبيل فيه بالسعة بالمال.

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
252

بل (و) من ذلك كله يعلم أنه (لا) يباع (خادمه ولا دار سكناه
للحج) أيضا كما صرح به غير واحد، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة الاجماع
عليه، بل في الأخير دعواه على استثناء فرس ركوبه، وإن قال في كشف اللثام:
لا أرى له وجها، فإن فرسه إن صلح لركوبه إلى الحج فهو من الراحلة، وإلا
فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر إليه، وإنما يفتقر إلى غيره، ولا دليل على أنه
حينئذ لا يبيعه في نفقة الحج إذا لم يتم إلا بثمنه، لكن لعل وجهه ما عرفت،
خصوصا بعد استثنائه في الدين، نعم في الدروس وعن الشيخ إلحاق حلي المرأة
بحسب حالها في زمانها ومكانها بالثياب، وهو مشكل لعدم الدليل، كالاشكال
في استثناء كتب العلم على الاطلاق، وإن كان هو متجها في التي لا بد له منها
فيما يجب عليه تحصيله أو العمل به، لأن الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية،
ومنه يعلم ما في إطلاق ابن سعيد والتحرير، فعن الأول أنه قال: " لا يعد في
الاستطاعة لحج الاسلام وعمرته دار السكنى والخادم، ويعتبر ما عدا ذلك من
ضياع وعقار وكتب وغير ذلك " والثاني أنه أطلق بيع ما عدا المسكن والخادم
والثياب من ضياع أو عقارا وغيرهما من الذخائر، ومن هنا قيد ذلك في محكي
المبسوط والمنتهى والتذكرة بماله منه بد، ولعله لنفي الحرج والضرر والعسر
وسهولة الملة وإرادة الله اليسر وغير ذلك، وإليه أو ماء في المدارك حيث إنه - بعد
أن ذكر عن المنتهى إجماع العلماء على استثناء المسكن والخادم وأنه فيه ألحق
بذلك فرس الركوب وكتب العلم وأثاث البيت من فراش وبساط وآنية ونحو
ذلك - قال: ولا ريب في استثناء جميع ما تدعو الضرورة إليه من ذلك، لما في
التكليف ببيعه مع الحاجة الشديدة إليه من الحرج المنفي، ونحوه غيره ممن تأخر
عنه، فما في الدروس من التوقف في استثناء ما يضطر إليه من أمتعة المنزل
والسلاح وآلات الصنائع لا يخلو من نظر، ولو زادت أعيانها عن قدر الحاجة
253

وجب بيعها قطعا كما في الدروس وغيرها، بل الأقوى وجوب البيع لو غلت
وأمكن بيعها وشراء ما يليق به من ذلك بأقل من ثمنها كما صرح به في التذكرة
والدروس والمسالك وغيرها، لما عرفت من أن الوجه في استثنائها الحرج ونحوه
مما لا يأتي في الفرض، لا النص المخصوص كي يتمسك باطلاقه، فما عن الكركي
من عدم وجوب الاستبدال إذا كانت لائقة بحاله لا يخلو من نظر مع فرض
كون الأدون لائقا أيضا، وإن احتمله في كشف اللثام ومحكي التذكرة، لأنه
كالكفارة، ولعدم زيادة العين عن الحاجة، وأصالة عدم وجوب الاعتياض
والحرج، والجميع كما ترى، مع أنه قد يفرق بين الكفارة والحج بأن العتق فيها
له بدل بخلاف ما هنا، فتأمل جيدا.
ومن لم يكن له هذه المستثنيات استثني له أثمانها كما في الدروس والمسالك
وغيرهما، واستجوده في المدارك إذا دعت الضرورة إليه، وهو كذلك، أما
مع الاستغناء عنها أو عن بعضها باستيجار ونحوه ووثق بحصوله عادة ولم يكن
عليه في ذلك مشقة فمشكل، وإن كان الأقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه
الاعتياض عنها بالأوقات العامة وشبهها، بل في الدروس القطع بذلك، ضرورة
وضوح الفرق بين المقامين، لكن لو فعل احتمل تحقق الاستطاعة، والله العالم.
(والمراد بالزاد قدر الكفاية من القوت والمشروب) له ولمن يتبعه من
الناس والدواب (ذهابا وعودا) إلى وطنه إن أراده وإن لم يكن له به أهل
ولا له فيه مسكن مملوك، خلافا للشافعية فلا عبرة بالإياب مطلقا في قول، وإن
لم يملك به مسكنا في آخر، وإن لم يكن له به أهل في ثالث، للحرج بالتكليف
بالإقامة في غير وطنه، واستحسنه في المدارك مع تحقق المشقة به، أما مع انتفائها
كما إذا كان وحيدا لا تعلق له بوطن أو كان له وطن ولا يريد العود إليه
فيحتمل قويا عدم اعتبار كفاية العود في حقه، لاطلاق الأوامر، والمراد بالتمكن
254

منه القدرة عليه بحمل من بلده أو بالشراء له في منازله، قال في المنتهى: " الزاد
الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وكسوة، فإن
كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله، وأما الماء وعلف البهائم فإن كانت
توجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة لم يجب حملها، وإلا وجب مع المكنة
ومع فقدها (عدمها خ ل) يسقط الفرض " لكن في الدروس ويجب حمل الزاد
والعلف ولو كان طول الطريق، ولم يوجب الشيخ حمل الماء زيادة عن مناهله
المعتادة، ولعل الشهيد يريد وجوب الحمل مع الحاجة إليه، كما أن الشيخ يريد
عدم الوجوب مع عدم التوقف عليه، لكن عن التذكرة التصريح بالفرق بين
الزاد والماء، فأوجب حمل الأول إذا لم يجده في كل منزل بخلاف الثاني وعلف
البهائم، فإنهما إذا فقدا من الموضع المعتاد لهما لم يجب حملهما من بلده ولا من
أقرب البلدان إلى مكة من طرف الشام، ويسقط إذا توقف على ذلك، وهو
مشكل، والمتجه عدم الفرق في وجوب حمل الجميع مع الامكان، وسقوطه مع
المشقة الشديدة، ويمكن أن يريد الفاضل ذلك كما يومي إليه ما في التذكرة من
التعليل بما فيه من عظم المشقة وعدم جريان العادة، ولا يتمكن من حمل الماء لدوابه
في جميع الطريق، ونحو ذلك عن موضع من المنتهى أيضا، ولعله لذا اقتصر
في الدروس على نسبة الخلاف في ذلك للشيخ خاصة، وإن أبيت عن ذلك كله
ففيه ما لا يخفى، وكيف كان فالأمر في ذلك سهل. ضرورة وضوح الحال في حكمه
وفي المراد منه، كوضوح الحال في وجوب حمل المحتاج إليه من الأواني والأوعية
التي يتوقف عليها حمل المحتاج إليه من ذلك وغيرها من أسباب السفر، قال علي
(عليه السلام) في المروي (1) عنه في الخصال بسنده إليه: " إذا أردتم الحج فتقدموا في

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 8
255

شراء ما يقويكم على السفر، فإن الله تعالى (1) يقول: ولو أرادوا الخروج
لا عدوا له عدة ".
(و) أما المراد (بالراحلة) ف‍ (راحلة مثله) كما في القواعد،
وظاهرهما اعتبار المثلية في القوة والضعف والشرف والضعة كما عن التذكرة التصريح
به، لكن في كشف اللثام الجزم بها في الأولين دون الأخيرين، لعموم الآية
والأخبار، وخصوص قول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير (2): " من عرض
عليه الحج ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبي فهو مستطيع " ونحوه غيره
ولأنهم (عليهم السلام) ركبوا الحمير والزوامل، واختاره في المدارك لذلك
أيضا، بل هو ظاهر الدروس، قال: والمعتبر في الراحلة ما يناسبه ولو محملا إذا
عجز عن القتب، ولا يكفي علو منصبه في اعتبار المحمل والكنيسة فإن النبي (صلى الله عليه وآله)
والأئمة (عليهم السلام) حجوا على الزوامل، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن الاشكال
مع النقص في حقه، إذ فيه من العسر والحرج ما لا يخفى، وحجهم (عليهم السلام)
لعله كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك، والأمر في المحمل والكنيسة
كذلك، فعلى الأول يعتبر القدرة عليه إن افتقر إليه لحر أو برد أو ضعف،
ولا عبرة به مع الغنى عنه ولو كان امرأة، خلافا لبعض الشافعية فاشترطه لها
مطلقا، ولعله للستر، وفيه أنه يحصل بالملحفة ونحوها، والمعتبر القدرة على
المحمل بشقيه إن لم يوجد شريك وأمكن الركوب بدونه بوضع شئ يعادله في
الشق الآخر، أو شق محمل مع وجود شريك للشق الآخر، أو إمكان حمله على

(1) سورة التوبة - الآية 46
(2) الوسائل - الباب - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 7
256

ظهر المطية وحده، كل ذلك للاستطاعة، فما عن التذكرة - من أنه إن لم يجد
شريكا وتمكن من المحمل بتمامه احتمل الوجوب للاستطاعة، والعدم لأن بذل المال
خسران لا مقابل له، وظاهره التوقف - في غير محله، نعم لو تعذر الشريك
وتعذر الركوب بدونه سقط الفرض، لعدم الاستطاعة، وإن لم يكفه المحمل
اعتبر في حقه الكنيسة كذلك، فإن تعذرت سقط الفرض، هذا كله مع مراعاة
الحاجة للضعف أو الحر أو البرد أو نحوها، أما الشرف والضعة ففي اعتبارهما البحث
السابق، والله أعلم.
(و) كيف كان فلو لم يجد عين الزاد والراحلة وغيرهما مما يتوقف عليه
السفر (يجب) عليه (شراؤهما ولو كثر الثمن مع وجوده) لأن الحج وإن
كان مشروطا بالاستطاعة إلا أنه بعد حصولها يصير وجوبه مطلقا، فتجب
حينئذ مقدماته.
(وقيل) والقائل الشيخ: (إن زاد عن ثمن المثل لم يجب) للأصل
والضرر والسقوط مع الخوف، وضعف الفرق بأن العوض هنا على الناس وهناك
على الله (والأول) أشهر و (أصح) بل هو المشهور شهرة عظيمة سيما بين
المتأخرين، نعم عن التذكرة إن كانت الزيادة تجحف بما له لم يجب الشراء على
إشكال كشراء الماء للوضوء، بل عن الشهيد الثاني والمحقق الثاني تقييده أيضا
بعدم الاجحاف، ولعل المراد أن وجوب مقدمة الواجب مقيد بما إذا لم يستلزم
ضررا لا يتحمل، وقبحا يعسر التكليف به، لأنه أحد الأدلة الذي قد يعارضه
غيره ويرجح عليه كما هنا، فإن ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب
في غير المقام ليرجح على الخطابات الأصلية فضلا عن التبعية، ولذا تسقط الصلاة
من قيام إلى القعود مثلا، والوضوء إلى التيمم، ولا فرق في الضرر الذي لا يتحمل
مثله بين المالي منه والبدني، فتأمل جيدا فإنه نافع في غير المقام، ولعل ذلك هو
257

المنشأ في سقوط وجوب المقدمة في الشبهة الغير المحصورة، فالمتجه حينئذ دوران
الحكم على ذلك، وهو غير ما ذكره الشيخ، فتأمل جيدا.
(ولو كان له دين) حال (وهو قادر على اقتضائه) بنفسه أو وكيله
ولو بواسطة حاكم الشرع بل وحاكم الجور مع عدم الضرر في وجه بل ومعه في
آخر (وجب عليه) لأنه مستطيع بذلك، وإن كان قد يقوى في النظر عدمها
مع التوقف على حاكم الجور، للنهي عن الركون إليه والاستعانة به وإن حملناه
على الكراهة مع التوقف عليه، ترجيحا لما دل على الجواز بالمعنى الشامل للوجوب
من دليل المقدمة وغيره، ومثله لا يتحقق به الاستطاعة بعد فرض أن الجواز
المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دل على المنع وما دل على خلافه من
المقدمة وغيرها، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ومقتضاه حينئذ أن من ترك
الاستعانة بالظالم على تحصيل ماله المتوقف استطاعة الحج عليه لم يثبت في ذمته
حجة الاسلام.
وكيف كان (فإن منع منه) لغصب أو إعسار أو تأجيل (وليس له
سواه سقط الفرض) لعدم الاستطاعة، ولا يجب عليه الاستدانة تحصيلا لها،
لكن في المدارك ويحتمل قويا الوجوب إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد
الحج، كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به، وفيه منع صدق اسم الاستطاعة
بذلك، ولو كان مؤجلا وبذله المديون قبل الأجل ففي كشف اللثام وجب الأخذ
لأنه بثبوته في الذمة وبذله المديون له بمنزلة المأخوذ، وصدق الاستطاعة ووجدان
الزاد والراحلة عرفا بذلك، وفيه أنه يمكن منع ذلك كله، نعم لو أخذ صار به
مستطيعا قطعا
(ولو كان له مال وعليه دين) حال (بقدره) خمس أو زكاة أو
كفارة أو نذر أو لآدمي (لم يجب) الحج لعدم الاستطاعة باعتبار سبق
وجوب الوفاء بما عنده على وجوب الحج (إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم
258

بالحج) فيجب حينئذ لصدقها، بل في المنتهى والقواعد والدروس سواء كان
الدين حالا أو مؤجلا معللا له في الأول بأنه غير مستطيع مع الحلول، والضرر
متوجه عليه مع التأجيل فيسقط الفرض، قلت: ولتعلق الوجوب به قبل
وجوب الحج وإن وجب أو جاز التأخير إلى أجله، لكنه لا يخلو من نظر أو منع
ولذا حكي عن الشافعية في المؤجل وجه بالوجوب، بل مال إليه في المدارك، بل
وفي الحال مع عدم المطالبة، قال: ولمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد
كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به وكان للمديون وجه للوفاء
بعد الحج، متى انتفى الضرر وحصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية
للوجوب، وقد روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار (1) سأل الصادق
(عليه السلام) " عن رجل عليه دين أعليه أن يحج؟ قال: نعم إن حجة الاسلام واجبة
على من أطاق المشي من المسلمين " بل لم يعتبر في كشف اللثام وجود وجه للمديون
للوفاء، فإنه بعد أن حكى ذلك عن الشافعية قال: " ولا يخلو من قوة سواء كان
ما عليه من حقوق الله كالمنذور وشبهه أو من حقوق الناس، لأنه قبل الأجل غير
مستحق عليه، وعند حلوله إن كان عنده ما يفي به أداه، وإلا سقط عنه مطلقا
أو إلى ميسرة، وكما يحتمل التضييع بالصرف في الحج يحتمل فوت الأمرين جميعا
باهماله، خصوصا والأخبار (2) وردت بأن الحج أقضى للديون، ويؤيده ما مر
من صحيح معاوية إن لم يحمل على من استقر عليه الحج سابقا " وهو جيد في
المؤجل دون الحال وإن لم يطالب به صاحبه الذي قد خوطب المديون بوفائه قبل
الخطاب بالحج، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب وجوب الحج
259

(و) كيف كان ف‍ (لا يجب الاقتراض للحج) قطعا، بل لو فعل لم يكن
حج إسلام (إلا أن يكون له ما بقدر ما يحتاج إليه) في الحج (زيادة عما
استثنيناه) من الأمور السابقة، فإنه يجب حينئذ الاقتراض عينا إذا كان لا يمكنه
صرف ماله في الزاد والراحلة، ويكون حج إسلام ثم يؤديه من ماله، وإلا وجب
تخييرا لصدق الاستطاعة، وقول الصادق (عليه السلام) (1) لجفير: " مالك لا تحج؟
استقرض وحج " بل قد يستفاد من وجوب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله
أنه لو كان له دين مؤجل يكفي للحج وأمكن اقتراض ما يحج به كان مستطيعا،
لصدق التمكن من الحج كما جزم به في المدارك، ومن هنا يظهر أن ما ذكره في
المنتهى - من أن من كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا إلى بعد فواته
سقط عنه الحج، لأنه غير مستطيع - غير جيد على إطلاقه، قال: وهذه حيلة
يتصور ثبوتها في إسقاط فرض الحج عن الموسر، وكذا لو كان له مال فوهبه
قبل الوقت أو أنفقه فلما جاء وقت الحج كان فقيرا لا يجب عليه، وجرى مجرى
من أتلف ماله قبل حلول الأجل، وينبغي أن يريد بالوقت وقت خروج الوفد
الذي يجب الخروج معه، وقد تقدم الكلام فيه، كما أومأ إلى ذلك في الدروس
بقوله: ولا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلا إذا كان عند
سير الوفد.
(ولو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في
النكاح وإن شق) عليه (تركه) كما في القواعد ومحكي المبسوط والخلاف
والتحرير (وكان عليه الحج) لصدق الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج الذي

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 عن
حفية (حقبة) ولكن في التهذيب ج 5 ص 441 والاستبصار ج 2 ص 329 عقبة
260

لا يعارضه النكاح المستحب، بل في الثلاثة الأخيرة " وإن خاف العنت " خلافا
لبعض العامة في الأخير، بل في محكي التحرير " أما لو حصلت المشقة العظيمة فالوجه
عندي تقدم النكاح " ونحوه في الدروس ومحكي المنتهى، بل في المدارك عنه
تقديمه في المشقة العظيمة التي لا تتحمل مثلها في العادة، وفي الخوف من حدوث
مرض أو الوقوع في الزنا، وهو جيد، كما هو خيرة السيد المزبور وجده
والكركي وغيرهم على ما قيل، لما تقدم من نفي الضرر والضرار والحرج ونحو
ذلك، ولا يخفى أن تحريم صرف المال في النكاح إنما يتحقق مع توجه الخطاب
بالحج وتوقفه على المال، فلو صرف فيه قبل سير الوفد الذي يجب الخروج معه
أو أمكنه الحج بدونه انتفى التحريم قطعا.
(و) كيف كان ف‍ (لو بذل له زاد وراحلة ونفقة له) بأن استصحب
في الحج (و) أعطي نفقة (لعياله) إن كانوا، أو قيل له حج وعلي نفقتك
ذهابا وإيابا ونفقة عيالك، أو لك هذا تحج به وهذا لنفقة عيالك، أو أبذل لك
استطاعتك للحج، أو نفقتك للحج وللإياب ولعيالك، أو لك هذا لتحج بما
يكفيك منه وتنفق بالباقي على عيالك، ونحو ذلك (وجب عليه) الحج من
حيث الاستطاعة إجماعا محكيا في الخلاف والغنية وظاهر التذكرة والمنتهى وغيرهما
إن لم يكن محصلا، وهو الحجة بعد النصوص المستفيضة أو المتواترة، ففي صحيح
محمد بن مسلم (1) " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) - في حديث -: فإن عرض عليه الحج
فاستحيى قال: هو ممن يستطيع الحج ولم يستحي ولو على حمار أجدع أبتر، قال:
فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا يركب بعضا فليفعل " وصحيح معاوية بن
عمار (2) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 2
261

أيجزي ذلك عن حجة الاسلام أم هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة " وقال
(عليه السلام) أيضا (1) في خبره الآخر: " فإن كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل
فإنه لا يسعه إلا أن يخرج ولو على أجدع أبتر " وفي صحيح الحلبي (2) عنه
(عليه السلام) أيضا في حديث " قلت له: فإن عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك
أهو ممن يستطيع إليه سبيلا؟ قال: نعم، ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار
أجدع أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج " وخبر
أبي بصير (3) سمعته أيضا يقول: " من عرض عليه الحج ولو على حمار أجدع
مقطوع الذنب فأبي فهو مستطيع للحج " وخبره الآخر (4) قلت له (عليه السلام) أيضا:
" رجل كان له مال فذهب ثم عرض عليه الحج فاستحيى فقال: من عرض عليه
الحج فاستحيى ولو على حمار أجدع مقطوع الذنب فهو ممن يستطيع الحج " إلى
غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربع وغيرها.
ولا ينافي ذلك ما في بعضها من الأمر بمشي بعض وركوب بعض، خصوصا
بعد ما في كشف اللثام من احتمال كون الأمر بذلك بعد ما استحيى فلم يحج أي
لما استطاع بالبذل فلم يقبل ولم يحج استقر عليه، فعليه أن يحج ولو مشيا، فضلا
عن مشي بعض وركوب بعض، واحتمال كون المعنى إن بذل له حمار أجدع
أبتر فيستحيي أن يركبه فليمش وليركبه إذا اضطر إلى ركوبه، وكذا لا ينافيه
ما فيها من الحمار الأجدع الأبتر، سيما بعد ابتنائه على عدم اعتبار مناسبة الراحلة
شرفا وضعة كما هو خيرة من عرفت، أو أن ذلك في خصوص البذل، أو تطرح
بالنسبة إلى ذلك.

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 5 - 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 5 - 7 - 8
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 5 - 7 - 8
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج الحديث 3 - 5 - 7 - 8
262

وكيف كان فظاهرها كمعاقد أكثر الاجماعات تحقق الوجوب بمجرد البذل
من غير فرق بين كونه على وجه التمليك أم لا، ولا بين كونه واجبا بنذر وشبهه
أم لا، ولا بين كون الباذل موثوقا به أم لا، ولا بين بذل عين الزاد والراحلة
وبين أثمانهما، لكن عن ابن إدريس اعتبار التمليك في الوجوب ومرجعه إلى
عدم الوجوب بالبذل بناء على عدم وجوب القبول المقتضي للتمليك، لأنه اكتساب
فلا يجب، ومن هنا في المختلف بعد أن حكى ذلك عنه قال: " إن فتاوى أصحابنا
خالية عنه، وكذا الروايات، بل لو وهب المال لم يجب القبول " قلت: اللهم إلا
أن يلتزم وجوب القبول في خصوص المقام، وكذا الكلام فيما ذكره في التذكرة
فإنه بعد أن حكى كلامه قال: " التحقيق هنا أن البحث هنا في أمرين: الأول هل
يجب على الباذل بالبذل الشئ المبذول أم لا، فإن قلنا بالوجوب أمكن وجوب
الحج على المبذول له، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال، أقربه عدم
الوجوب، وإن قلنا بعدم وجوبه ففي إيجاب الحج إشكال، أقربه العدم، لما فيه
من تعليق الواجب بغير الواجب " بل هو أوضح في رجوعه إلى عدم الوجوب
بالبذل، بل هو غير قابل لما ذكرناه من الاحتمال، وحينئذ يكون مخالفا للنص
والفتوى ومعاقد الاجماعات، بل وكذا ما في الدروس، قال: " ويكفي البذل
في الوجوب مع التمليك أو الوثوق به، وهل يستقر الوجوب بمجرد البذل من
غير قبول؟ إشكال، من ظاهر النقل، وعدم وجوب تحصيل الشرط، ولو حج
كذلك أو في نفقة غيره أجزأ بخلاف ما لو تسكع، فإنه لا يجزي عندنا، وفيه
دلالة على أن الاجزاء فرع الوجوب، فيقوى الوجوب بمجرد البذل لتحقق
الاجزاء، إلا أن يقال الوجوب هنا لقبول البذل، ولو وهبه زاد أو راحلة لم
يجب عليه القبول، وفي الفرق نظر، وابن إدريس قال: لا يجب الحج بالبذل
حتى يملكه المبذول، وجنح إليه الفاضل " بل في حاشيته في الهامش على قوله:
263

" وهل " إلى آخره كتب في آخرها أنها منه " فيه تنبيه على قاعدتين: إحداهما
إجزاء حج من حج بمجرد البذل، ثانيتهما عدم إجزاء حج من حج متسكعا،
ولا فرق بينهما معقولا سوى أن المتسكع حج لا مع الوجوب، والمبذول له حج
مع الوجوب، فيلزم من ذلك أن الاجزاء لا ينفك عن سبق الوجوب، ولما كان
الاجزاء حاصلا مع البذل دل على سبق الوجوب الاجزاء، وذلك يستلزم الوجوب
بمجرد البذل، فانتفى الاشكال في الاستقرار بمجرد البذل من غير قبول قولا،
إلا أن يقال إشارة إلى جواب هذا الكلام وتقريره صحة المقدمات إلا قولكم:
" وذلك يستلزم الوجوب بمجرد البذل " وسند منع صحتها أن ضروريات الاجزاء
الوجوب على الاطلاق لا الوجوب بمجرد البذل، ونحن نقول: الاجزاء مستند
إلى قبول البذل إما قوليا كقبلت، أو فعليا كاستمراره مع البذل على ذلك
الممكن، وهذا لا تردد فيه، ولا يلزمه منه وجوب القبول الذي فيه النزاع،
فالاشكال باق بحاله، وهذا كلام بين لا يدفعه إلا ظاهر الرواية، وابن إدريس
اختار هذا أعني عدم وجوب القبول، وقد أشار إليه الفاضل في التذكرة،
ولا بأس به " انتهى.
وهو كالصريح في عدم وجوب القبول نحو ما سمعت من الفاضل الذي قد
خالف بذلك النص والفتوى، بل ما ذكره هو أولا في التذكرة من معقد نسبته
إلى علمائنا فضلا عن معقد إجماع غيره، بل ومعقد إجماعه في غيرها كالمنتهى،
قال فيها: " ولو لم يكن له زاد وراحلة أو كان ولا مؤونة له لسفره أو لعياله
فبذل له بإذن الزاد والراحلة ومؤونته ومؤونة عياله مدة غيبته وجب الحج عليه
عند علمائنا، سواء كان الباذل قريبا أو بعيدا لأنه مستطيع " وفي المنتهى " ولو
بذل له زاد وراحلة ونفقة له ولعياله وجب عليه الحج مع استكمال الشروط الباقية
264

وكذا لو حج به بعض إخوانه، ذهب إليه علماؤنا خلافا للجمهور " وهو كما
ترى لا يتم بناء على ما عرفت من عدم وجوب القبول الذي هو واضح الفساد،
وكونه منة لا تتحملها النفوس، ولم يكلف الشارع معها بشئ من التكاليف يدفعه
أن المالك الحقيقي يلحظ ذلك في خصوص الحج الذي يراد به وجه الله تعالى،
بل ذلك في الحقيقة كأنه اجتهاد في مقابلة النص، فلا ريب في وضوح فساده،
كوضوح فساد ما سمعته من ابن إدريس، بل هو مخالف لظاهر النص والفتوى،
خصوصا في آخر الفصل الآتي، ودعوى أنه لا معنى لتعليق الواجب بغير الواجب
يدفعها مع أنها اجتهاد في مقابلة النص أن غاية ذلك عدم استقرار الوجوب،
ولا بأس به، ضرورة كونه حينئذ كالمستطيع بنفسه الواجب عليه السير مع
احتمال زوال الاستطاعة، والاكتفاء بالاستصحاب مشترك بينهما، على أن الدعوى
المزبورة إنما تقتضي وجوب البذل على الباذل للمبذول له بنذر وشبهه لا اعتبار
خصوص التملك، ومن هنا حكي عن الفاضل ذلك، بل جزم به الكركي، قال فيما
حكي عنه في شرح عبارة المتن: هذا إنما يستقيم إذا كان البذل على وجه لازم،
كما لو نذر له مال ليحج به، أو نذر له ما يكفيه لمؤونة الحج، أما أو
نذر له لا على هذا الوجه فإنه لا يجب القبول، ولو نذر لمن يحج وأطلق ثم
بذل لمعين ففي وجوب الحج نظر، لأنه لا يصير مالكا إلا بالقبض، ولا يجب
عليه الاكتساب للحج بالقبض، وكذا لو أوصى بمال لمن يحج فبذل لمعين،
وفي كشف اللثام بعد أن اختار ما قدمناه قال: وقد يقال بوجوب القبول إذا
وجب البذل، وقد يقال بوجوبه إذا وجب عينا لا تخييرا، حتى لو نذر أو
أوصى به لمن يحج مطلقا فبذل له لم يجب القبول.
لكن لا يخفى عليك ما في الجميع من مخالفته للنص والفتوى ومعاقد
الاجماعات، وأن تعليق الواجب على الجائز لا يقتضي إلا عدم الاستقرار، نعم
265

قد يقال باعتبار الطمأنينة بالوفاء أو بعدم الظن بالكذب حذرا من الضرر
والخطر عليه، وللشك في شمول أدلة الوجوب له إن لم تكن ظاهرة في خلافه،
بل لعل ذلك كذلك وإن وجب على الباذل، بل هو في الحقيقة خارج عما نحن
فيه، ضرورة أن محل البحث الوجوب من حيث البذل من دون نظر إلى الموانع
الخارجية التي قد تنتفي الاستطاعة معها، كما هو واضح، ولا ريب في أن المتجه
ما قلنا عملا باطلاق النص والفتوى ومعاقد الاجماعات، مضافا إلى تحقق
الاستطاعة بذلك.
كما أن المتجه لذلك كله أيضا ما صرح به غير واحد من الأصحاب من
عدم الفرق في الوجوب بين بذل عين الزاد والراحلة وبين بذل عين أثمانهما، خلافا لثاني
الشهيدين فلم يوجبه في الثاني، ولعله لأن القبول لها شرط لحصول الاستطاعة
التي هي شرط للوجوب، فلا يجب تحصيله، وفيه أنه لا فرق في تحقق الاستطاعة
عرفا ببذل كل منهما، فيجب القبول حينئذ وغيره من المقدمات، ضرورة صيرورة
الوجوب حينئذ مطلقا، فيجب حينئذ جميع مقدماته من شراء الآلات ونحوها
ضرورة عدم كون ذلك من شرائط صدق الاستطاعة، بل هي مما يتوقف عليها
فعل الحج من المستطيع، فصدق الاستطاعة حينئذ حاصل بدونها، وكفي فيه
القدرة على شرائها مثلا، كما هو واضح بأدنى تأمل، كل ذلك مضافا إلى ما في
النصوص السابقة مما هو كالصريح في التعميم المزبور، بل ربما ادعي معروفية
بذل الأثمان في البذل دون عين الزاد والراحلة.
وكذا لا فرق في الوجوب بين بذل الجميع للفاقد وبين بذل البعض لمن
كان عنده ما يكمله، ضرورة أولويته من الأول في الحكم.
ولا يمنع الدين الوجوب بالبذل وإن منعه في غيره، بل إن لم يقم إجماع
على اعتبار بذل مؤونة العيال في الوجوب أمكن منعه في المعسر عنها حضرا،
266

للاطلاق المزبور، وليس المبذول من أملاكه المطلقة له كي يجب عليه إعطاء ما يلزمه
منه، ومن هنا قلنا لا يمنعه الدين، ومن ذلك من وهب له مال اشترط الحج به
عليه كما صرح به في الدروس.
ثم لا يخفى ظهور النص والفتوى أو صرحتهما خصوصا صحيح معاوية
ابن عمار (1) المتقدم منه في أن حج المبذول له حج إسلام، فلا يجب عليه حينئذ
غيره وإن أيسر بعد ذلك، لما عرفته سابقا من وجوبه في العمر مرة واحدة،
خلافا للشيخ فأوجبه في الاستبصار الذي لم يعده للفتوى، لخبر الفضل بن
عبد الملك (2) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لم يكن له مال فحج به
أناس من أصحابه أقضى حجة الاسلام قال: نعم، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن
يحج، قلت: هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟
قال: نعم قضي عنه حجة الاسلام وتكون تامة ليست بناقصة، وإن أيسر فليحج
وكذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج " القاصر سندا ودلالة
عن معارضة غيره من وجوه، فلا بأس بحمله على الندب كما عن المشهور، بل

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 6 - 0
وينتهي خبر الفضل بن عبد الملك بقوله (عليه السلام): " وإن أيسر فليحج " على ما في
الاستبصار ج 2 ص 143 - الرقم 467 والتهذيب ج 5 ص 7 - الرقم 18 وله
ذيل طويل على ما في الكافي ج 4 ص 274 إلا أنه ليس فيه " وكذلك الناصب
إذا عرف فعليه الحج وإن كان قد حج " وإنما هو مذكور في ذيل خبر أبي بصير المروي في التهذيب ج 5 ص 9 - الرقم 22 والكافي ج 4 ص 273 والفقيه ج 2
ص 260 - الرقم 1265 وذكره في الاستبصار مستقلا ج 2 ص 145 - الرقم 474
267

لعله الظاهر عند التأمل، خصوصا بعد ملاحظة حكم الناصب فيه المعلوم كونه
كذلك وقد يحتمل كما في كشف اللثام أن يحج عن غيره وعدم بذل الاستطاعة
فإن الحج به إنما يستلزم استصحابه أو إرساله في الحج، وهو أعم، ولا يأبى عنه
تسميته حج الاسلام، ولا بأس به وإن كان بعيدا.
هذا كله في البذل المستفاد من " عرض عليه الحج " (1) ونحوه في
النصوص الظاهر في إباحة أكل الزاد وركوب الراحلة أو الإباحة المطلقة الشاملة
للإذن في التملك إن أراده ونحو ذلك مما لم يعتبر في جواز التصرف فيه الملك
كالهبة وبيع المحاباة ونحوهما، ضرورة عدم صدق الاستطاعة بذلك قبل القبول
الذي به يتم العقد المسبب للتمليك، فلا إباحة قبله ولا ملك، ومن هنا قال المصنف
والفاضل وغيرهما:
(ولو وهب له مال لم يجب عليه قبوله) من غير فرق بين الهبة
مطلقا ولخصوص الحج، وبين هبة نفس الزاد والراحلة وأثمانهما، فما في الدروس
- من النظر في الفرق بين الهبة والبذل، بل في المدارك وغيرها الجزم بعدم الفرق -
واضح الضعف، كوضوح الفرق بينهما بما عرفت، لا لأن البذل يفيد التمليك
بلا قبول بخلاف الهبة، إذ هو كما ترى واضح المنع، كوضوح فساد الايراد
عليه بأن الهبة قربة إلى الله تعالى لا يعتبر في تملكها القبول، وإنما التحقيق ما سمعت
ولا ينافيه ما قدمناه في صور البذل التي لم يدخل فيها ما نحن فيه مما أريد منه
التملك بعقد الهبة فصدر منه الايجاب بقصد الانشاء الذي لا يؤثر أثرا حتى يتعقبه
القبول، وبدونه يكون فاسدا لا يجوز التصرف فيه، فتأمل جيدا.
إنما الكلام في وجوب الحج على من أبيح له المال على وجه الاطلاق الشامل
للحج وغيره على وجه لو أراد الحج استطاعة بالإباحة المزبورة، فقد يقال به

(1) أي: هذا كله في البذل المستفاد من قولهم (عليه السلام): " عرض عليه الحج "
268

لصدق الاستطاعة الذي قد استدل به على الوجوب في المبذول له لخصوص الحج
ولو بالإباحة المزبورة، وقد يقال بعدمه اقتصارا فيما خالف ما دل على عدم
الوجوب في غير الحج من التكاليف كالوضوء والغسل ولباس الصلاة ومكانها على
المتيقن من النصوص المزبورة، بل هو الظاهر منها أو صريحها، ولعله الأقوى،
بل قد يقوى أيضا عدم الوجوب على من استطاعه براحلة موقوفة ونحوها وزاد
مبذول لا لخصوص الحج، بل إن لم ينعقد إجماع على وجوبه للمبذول لهم الحج
على جهة الاطلاق من دون خصوصية كأن يقال بذلت الزاد والراحلة لكل من
يريد الحج مثلا أمكن القول بعدمه، للأصل وغيره، وبالجملة المدار في المسألة أن
وجوب الحج على المبذول له لصدق الاستطاعة المتحقق في ذلك وأمثال، أو أنه
لمكان الأدلة المخصوصة، لعدم الاكتفاء بهذه الاستطاعة المشتملة على المنة التي
سقط لها ونحوها أكثر التكاليف، ولعل الأخير لا يخلو من قوة، فتأمل جيدا
فإنه نافع في المقام.
(ولو استؤجر للمعونة على السفر وشرط له الزاد والراحلة أو بعضه وكان
بيده الباقي مع نفقة أهله وجب عليه وأجزأه عن الفرق إذا حج عن نفسه) كما
في القواعد وغيرها، وهو المراد مما في التذكرة " ولو طلب من فاقد الاستطاعة
إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة لم يجب القبول، لأن
تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب، نعم لو آخر نفسه بما تحصل به الاستطاعة
أو ببعضه إذا كان مالكا للباقي وجب عليه الحج، وكذا لو قبل مال الهبة،
لأنه الآن مالك للاستطاعة، كما أن المراد مما في المتن وغيره الاستيجار بما يقتضي
الاستطاعة أو شرطه أو نحو ذلك مما لا إشكال في عدم وجوب القبول عليه فيه،
لأنه تحصيل لشرط الوجوب فلا يجب، كما لا إشكال في الوجوب عليه بعد القبول
لتحقق الاستطاعة حينئذ.
269

نعم قد يشكل ذلك بأن الوصول إلى مكة والمشاعر قد صار واجبا على
الأجير بالإجارة، فكيف يكون مجزيا عن حجة الاسلام، وما الفرق بينه وبين
ناذر الحج في سنة معينة إذا استطاع في تلك السنة لحجة الاسلام، حيث حكموا
بعدم تداخل الحجتين، ويدفع بأن الحج الذي هو عبارة عن مجموع لأفعال
المخصوصة لم تتعلق به الإجارة، وإنما تعلقت بالسفر خاصة، وهو غير داخل
في أفعال الحج، وإنما الغرض منه مجرد انتقال البدن إلى تلك الأمكنة ليقع الفعل
حتى لو تحققت الاستطاعة فانتقل ساهيا أو مكرها أو على وجه محرم ثم أتى بتلك
الأفعال صح الحج، ولا يعتبر وقوعه لأجل قطعا، سواء قلنا بوجوب
المقدمة أو لا، وهذا بخلاف نذر الحج في السنة المعينة، فإن الحج نفسه يصير
واجبا بالنذر، فلا يكون مجزيا عن حجة الاسلام، لاختلاف السببين كما سيجئ
بيانه إن شاء الله، وقد سأل معاوية بن عمار (1) الصادق (عليه السلام) " عن الرجل
يمر مجتازا يريد اليمين أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة فيدرك الناس وهم يخرجون
إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد أيجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ فقال: نعم "
وسأله (عليه السلام) أيضا (2) " عن حجة الجمال تامة هي أو ناقصة؟ فقال: تامة " وفي خبر
الفضل بن عبد الملك (3) أنه (عليه السلام) سئل " عن الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب
عليها فيحج وهو كري يعني عنه حجه أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج
فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة، أو لا تكون حتى
يذهب إلى الحج ولا ينوي غيره أو يكون ينويهما جميعا أيقضي ذلك حجته؟
قال: نعم حجته تامة " فظهر لك من ذلك كله أنه لا تنافي بين وقوع حجة الاسلام

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 1 - 5
270

ووجوب قطع المسافة عليه بالإجارة مثلا في الفرض، وأنه غير مانع من صدق
اسم الاستطاعة، ضرورة عدم منافاة وجوب القطع المزبور لها بعد ما عرفت من
إمكان الجمع بينهما، كما هو واضح.
هذا كله فيمن استطاع بالإجارة على قطع الطريق (و) أما (لو كان
عاجزا عن الحج فحج) متسكعا أو حج (عن غيره لم يجزه عن فرضه) قطعا
وإن كان قد استطاع بهذه النيابة (وكان عليه الحج إن وجد الاستطاعة) بعد
ذلك ولو باستمرار بقائها إلى السنة القابلة لو فرض حصولها بعوض النيابة بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، مضافا إلى وضوح
وجهه، وإلى قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر آدم بن علي (1) المنجبر بما عرفت: " من
حج عن إنسان ولم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه الله تعالى ما يحج
به، ويجب عليه الحج " وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (2): " لو أن
رجلا موسرا أحجه رجل كانت له حجة فإن أيسر بعد ذلك كان عليه الحج "
بناء على أن المراد من الاحجاج فيه النيابة عن رجل لا البذل، وإلى تناول
ما دل على الوجوب له، وإلى غير ذلك مما لا يصلح لمعارضته ما في صحيح جميل (3)
عن الصادق (عليه السلام) " في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب
مالا هل عليه الحج؟ قال: يجزي عنهما جميعا " خصوصا بعد احتمال عود الضمير
فيه إلى المنوب عنهما فيمن حج عنه تبرعا ومن أحجه غيره بقرينة تثنية الضمير
في الجواب، ويكون حينئذ غرض السائل السؤال عن إجزاء حج الضرورة نيابة واحتمال عود الضمير إلى النائب والمنوب على معنى الاجزاء عن النائب فيما عليه

(1) الوسائل - الباب - - 21 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - - 21 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - - 21 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 5 - 6
271

من النيابة، كقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح معاوية بن عمار (1): " حج الصرورة
يجزي عنه وعمن حج عنه " وأما حسنه (2) سأله (عليه السلام) " عن رجل حج عن غيره يجزيه
عن حجة الاسلام قال: نعم " يحتمل الاجزاء عن المنوب عنه، وكون المراد
الحج المندوب في حالة الاعسار دون حال اليسار، وغير ذلك، وكذا خبر عمرو
ابن الياس (3) قال: " حج بي أبي وأنا ضرورة فقلت لأبي: إني أجعل حجتي
عن أمي فقال: كيف يكون هذا وأنت صرورة وأمك صرورة، قال: فدخل
أبي على أبي عبد الله (عليه السلام) وأنا معه فقال: أصلحك الله إني حججت بابني هذا
وهو صرورة وماتت أمه وهي صرورة فزعم أنه يجعل حجته عن أمه فقال: أحسن
هي عن أمه أفضل، هي له حجة " على أنه معارض بصحيح ابن مهزيار (4) قال:
" كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) إن ابني معي وقد أمرته إن يحج عن أمي يجزي
عنها حجة الاسلام؟ فكتب لا وكان ابنه صرورة كانت أمه صرورة " ولا وجه
للجمع بينهما إلا ما قلناه من كون المراد بحج الاسلام في الأول المندوب، وفي
الثاني الواجب، وإن أبيت فلا بد من الطرح في مقابلة ما عرفت، كما اعترف به
في المدارك مع اختلال طريقته وما هو إلا لأن المسألة من القطعيات التي لا يقبل

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 4
(3) ذكر ذيله في الوسائل في الباب 21 من أبواب الحج - الحديث 3
وتمامه في التهذيب ج 5 ص 8 الرقم 21
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 4 عن
علي بن مهزيار عن بكر بن صالح وهو الصحيح كما في الاستبصار ج 2 ص 321
والتهذيب ج 5 ص 412
272

فيها أمثال ذلك، فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين كصاحب الذخيرة
في الحكم بعد ذلك لهذه النصوص التي لا دلالة معتدا بها في شئ منها إلا صحيح
جميل الذي قد عرفت الحال فيه، بل قيل: إنه باعتبار عدم انطباق الجواب فيه إلا
عن أول الأمرين في السؤال - مع أن إصابة المال قد ذكرت بعد الثاني - مضطرب
ومظنة لعدم الضبط في حكاية الجواب، فيشكل حينئذ لذلك فضلا عن غيره
والالتفات إليه في مثل هذا الحكم المخالف للأصول والفتاوى وغيرها، كما هو واضح
الشرط (الرابع أن يكون له ما يمون به عياله حتى يرجع فاضلا عما يحتاج
إليه، فلو قصر ماله عن ذلك لم يجب عليه) الحج بلا خلاف أجده، بل ربما ظهر
من بعضم الاجماع عليه، للأصل وعدم تحقق الاستطاعة بدونه، خصوصا بعد
أن اعتبر الشارع فيها ما هو أسهل منه، ضرورة وجوب الانفاق عليه، فهو
حينئذ سابق على وجوب الحج، فلا استطاعة عدمه، ولخبر أبي الربيع
الشامي (1) الذي رواه المشايخ الثلاثة " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله
عز وجل: " ولله على الناس " - إلى آخره - فقال: ما يقول الناس؟ قال:
فقيل: الزاد والراحلة، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد سئل أبو جعفر (عليه السلام)
عن هذا فقال: هلك الناس إذا لئن كان لمن كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به
عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا، فقيل له:
فما السبيل؟ فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله
أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم " بل رواه
المفيد في المقنعة أيضا إلا أنه زاد بعد قوله: ويستغنون به عن الناس " يجب
عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا " ثم ذكر تمام

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
273

الحديث، وقال فيه: " يقوت به نفسه وعياله " وخبر الأعمش (1) المروي عن
الخصال بسنده إليه عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين،
قال: " وحج البيت واجب على من استطاع إليه سبيلا، وهو الزاد والراحلة مع صحة
البدن، وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه بعد حجه " بل
عن الطبرسي في مجمع البيان (2) أنه قال في قوله: " ولله " إلى آخره المروي
عن أئمتنا (عليهم السلام): " إنه الزاد والراحلة ونفقة من يلزمه نفقته، والرجوع
إلى كفاية إما من مال أو ضياع أو حرفة مع صحة في النفس وتخلية الدرب من
الموانع وإمكان المسير " المؤبد ذلك كله بخبر عبد الرحيم القصير (3) عن أبي عبد الله
(عليه السلام)، قال: " سأله حفص الأعور وأنا أسمع عن قول الله عز وجل: " ولله "
- إلى آخره - فقال: ذلك القوة في المال واليسار، قال: فإن كانوا موسرين فهم
ممن يستطيع قال: نعم " إلى غير ذلك.
لكن في المنتهى والمدارك " أن المراد من وجبت نفقته عليه من العيال
وبالمؤونة ما يتناول الكسوة وغيرها حيث يحتاجون إليها، أما من يستحب فلا،
لأن الحج فرض، فلا يسقط بالنفل " قلت: قد يشكل ذلك بظهور النص فيمن
يعول به عرفا، وليس هو من معارضة المستحب للواجب، بل من توقف حصول
الخطاب بالواجب عليه، وفرق واضح بين المقامين، بل الظاهر استثناء ما يحتاج
إليه من مؤونة أضيافه ومصانعاته وغيرها من مؤنه له، ضرورة كون المراد
بالاستطاعة على ما يظهر من هذه النصوص وما تقدم في المسكن والخادم ونحوهما
وجدان ما يزيد على ما يحتاجه من أمثال ذلك اللازمة له أولا وبالذات أو ثانيا

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج الحديث 4 - 5 - 3
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج الحديث 4 - 5 - 3
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج الحديث 4 - 5 - 3
274

وبالعرض، كالحفظ لعرضه ودفع النقص عنه أو ظلم الجائر أو نحو ذلك، وهو
الذي رمز إليه الإمام (عليه السلام) بقوله: " اليسار في المال " بل قد يندرج التكليف
بالحج مع عدم ملاحظة ذلك في الحرج والضرر والعسر المنفية عقلا وآية ورواية،
فهي حينئذ الدليل له كنظائره مما تقدم سابقا في استثناء المسكن والخادم ونحوهما
فلاحظ وتأمل جيدا.
وكيف كان فالحج من الواجبات التي يعتبر فيها المباشرة التي هي الأصل في
كل العبادات المطلوب فيها الخضوع وإظهار العبودية (و) حينئذ فالمستطيع
(لو حج عنه) غيره م‍ (من يطيق الحج لم يسقط عنه فرضه، سواء كان)
النائب (واجدا للزاد والراحلة أو فاقدهما وكذا لو تكلف الحج مع عدم
الاستطاعة) بلا خلاف أجده بيننا، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه وعلى عدم
الاجزاء لو حج بنفسه غير مستطيع أو أحج نائبا عنه ثم استطاع كما تقدم، لعدم
إجزاء المندوب عن الواجب، ولأنه مع قصد الاجتزاء به عنه كالصلاة قبل الوقت
والزكاة قبل الوجوب، إذ الأصل عدم إجزاء المندوب والمتبرع به قبل الوجوب
عن الواجب، كأصالة عدم إجزاء فعل الغير عما اعتبر فيه المباشرة المتمكن منها،
فما عن العامة من الاجتزاء بتقديم الحج قبل الاستطاعة واضح الفساد، ولا يخفى
عليك ما في عبارة المتن من عدم حسن التأدية، ولعلها هي بالبناء للمجهول من
دون اتصال الضمير بحرف الجر، بل المجرور فيها به " من " واشتبه النساخ فيها
والأمر سهل بعد وضوح المطلوب.
(و) على كل حال ف‍ (لا يجب على الولد بذل ماله لوالده في الحج)
ولا يجوز للوالد فضلا عن أن يجب عليه أخذ ما يستطيع به من مال ولده الصغير
ولا يجب عليه الاتهاب من الكبير على الأشهر بل المشهور، للأصل وقول
275

أبي جعفر (عليه السلام) في خبر الثمالي (1) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجل: أنت
ومالك لأبيك، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): وما أحب له أن يأخذ من مال ابنه إلا
ما يحتاج إليه مما لا بد منه، إن الله عز وجل لا يحب الفساد " وخبر الحسين بن
أبي العلاء أو حسنه (2) على ما رواه في معاني الأخبار سأل الصادق (عليه السلام) " ما يحل
للرجل من مال ولده قال: قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له: فقول
رسول الله (صلى الله عليه وآله) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال: أنت ومالك لأبيك، فقال:
إنما جاء بأبيه إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال، يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من
أمي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه فقال: أنت ومالك لأبيك، ولم
يكن عند الرجل شئ، أفكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبس الأب للابن " وخبر
علي بن جعفر (3) سأل أخاه (عليه السلام) " الرجل يأكل من مال ولده قال: لا إلا أن
يضطر إليه، فليأكل منه بالمعروف " وخبر ابن سنان (4) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
ماذا يحل للوالد من مال ولده؟ فقال: أما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له
أن يأخذ من ماله شيئا، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن
يطأها إلا أن يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه، قال: ويعلن ذلك، قال:
وسأله عن الوالد يرزأ - أي يصيب - من مال ولده قال: نعم، ولا يرزأ الولد
من مال والده شيئا إلا بإذنه، فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن
يعتقها فليقومها على نفسه قيمة ثم يصنع بها ما شاء، إن شاء وطأ وإن شاء باع "
إلى غير غير ذلك من النصوص الدالة على عدم الجواز إلا مع الحاجة.
خلافا للمحكي عن النهاية والخلاف والتهذيب والمهذب، إلا أن في الأولين،

(1) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 - 9 - 6 - 3 من كتاب التجارة
(2) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 - 9 - 6 - 3 من كتاب التجارة
(3) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 - 9 - 6 - 3 من كتاب التجارة
(4) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 - 9 - 6 - 3 من كتاب التجارة
276

النص على الوجوب، وفي الأخير على الجواز، وأجمل في التهذيب أنه يأخذ من
مال الولد، وفي محكي المبسوط روى أصحابنا أنه إذا كان له ولد وله مال وجب
عليه أن يأخذ من ماله ما يحج به، ويجب عليه إعطاؤه، وكأنه أشار بذلك إلى
صحيح سعيد بن يسار (1) سأل الصادق (عليه السلام) " الرجل يحج من مال ابنه وهو
صغير قال: نعم يحج منه حجة الاسلام، قال: وينفق منه قال: نعم، ثم قال:
إن مال الولد لوالده، إن رجلا اختصم هو ووالده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقضى
أن المال والولد للوالد " وفي محكي الخلاف " روى الأصحاب إذا كان له ولد و
مال وجب عليه أن يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به، ويجب عليه إعطاؤه،
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا الأخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة
وقد ذكرناها في الكتاب الكبير، وليس فيها ما يخالفها، فدل على إجماعهم على
ذلك " قلت: لم نعرف من وافقه على ذلك غير المفيد، كما أنك عرفت ما يخالف
الرواية المزبورة القاصرة بالاعراض وغيره عن إثبات مثل هذا الحكم، وإن أمكن
تأييدها بما دل على جواز أكل الأب من مال ولده، وبما في صحيح ابن مسلم (2)
عن أبي جعفر (عليه السلام) في كتاب علي (عليه السلام) " إن الولد لا يأخذ من مال والده شيئا
إلا بإذنه، والوالد له أن يأخذ من مال ابنه ما شاء، وله أن يقع على جارية ابنه
إن لم يكن الابن وقع عليها، وذكر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لرجل: أنت ومالك
لأبيك " وخبر الحسين بن علوان (3) عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 1 من
كتاب التجارة
(3) الوسائل - الباب - 67 - من كتاب العتق - الحديث 1
277

السلام) قال: " أتى النبي (صلى الله عليه وآله) رجل فقال: يا رسول الله إن أبي عمد إلى
مملوك لي فأعتقه كهيئة المضربي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك من هبة
الله تعالى لأبيك أنت سهم من كنانته، يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء
الذكور، ويجعل من يشاء عقيما، جازت عتاقة أبيك، يتناول والدك من مالك
وبدنك، وليس لك أن تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلا بإذنه " وخبر محمد
ابن سنان (1) عن الرضا (عليه السلام) المروي عن العيون والعلل أنه كتب إليه فيما كتب
من جواب مسائله " وعلة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد لأن
الولد موهوب للوالد في قول الله عز وجل (2): يهب لمن " إلى آخره مع أنه
المأخوذ بمؤونته صغيرا أو كبيرا، والمدعو له لقوله عز وجل (3): " ادعوهم
لآبائهم) ولقول النبي (صلى الله عليه وآله): " أنت ومالك لأبيك " وليس للوالدة مثل ذلك،
ولا تأخذ شيئا من ماله إلا بإذنه أو إذن الأب، لأن الوالد مأخوذ بنفقة الولد،
ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها " وخبر علي بن جعفر (4) سأل أخاه (عليه السلام) " عن
الرجل يكون لولده الجارية أيطأها؟ قال: إن أحب، وإن كان لولده مال وأحب
أن يأخذ منه فليأخذ، وإن كانت الأم حية فلا أحب أن تأخذ منه شيئا
إلا قرضا ".
إلا أن العمدة هي، إذ هذه النصوص وإن دلت على جواز تناول الأب
لكن يمكن أن يكون ذلك مع الحاجة إليه، كما دل عليه ما تقدم، بل هو المتجه

(1) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 10 - 11 من كتاب التجارة
(2) سورة الشورى - الآية 48
(3) سورة الأحزاب - الآية 5
(4) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 10 - 11 من كتاب التجارة
278

جمعا بين الأدلة، على أنه لو سلم الجواز مطلقا فوجوب الحج بذلك محل نظر أو
منع يعرف مما قدمنا في الوجوب على من أبيح له المال على جهة الاطلاق، ومن
هنا لم يذكروا في المقام إلا خبر سعيد المزبور، بل في كشف اللثام كان الشيخ في
الخلاف أراد بالأخبار المروية في التهذيب خبر سعيد وحده، لأنه رواه فيه بطرق
ثلاثة في الحج بطريقين: أحدهما طريق موسى بن القسم، والآخر طريق أحمد
ابن محمد بن عيسى، وفي المكاسب بطريق ثالث هو طريق الحسين بن سعيد،
قلت: وبهذا الاعتبار حينئذ أطلق عليه الأخبار، أو أنه يريد ما ذكرناه من
النصوص، لكنك قد عرفت ما في الاستناد إليها، بل الصحيح المزبور محتمل
للاقتراض كما عن الاستبصار واجبا أو مستحبا كما عن التحرير والتذكرة إذا كان
مستطيعا بغيره، ولمساواة نفقته في الحج لها في غيره مع وجوب نفقته على الولد
كما في كشف اللثام، وإن كان قد يناقش في وجوب الحج عليه بذلك، وحينئذ
فقصور الصحيح المزبور عن إثبات ذلك واضح، فوسوسة الفاضل الخراساني كما
قيل في الحكم المزبور لذلك في غير محلها، خصوصا بعد ما في الحدائق من احتمال
النصوص السابقة الحمل على التقية، كما يشعر به مزيد التأكيد في خبر الحسين بن
علوان الذي جميع رجاله من العامة، على أن العمدة فيها النبوي الذي قد ذكر
حاله في خبر ابن أبي العلاء (1) بل وصحيح الثمالي (2) الذي قد ذكر فيه أولا
ثم قال: ما يقتضي خلافه موميا بذلك إلى عدم صحته، فلا حظ وتأمل، والله العالم
الشرط (الخامس إمكان المسير) بلا خلاف أجده فيه، بل في محكي
المعتبر والمنتهى اتفاقنا عليه، وهو الحجة، مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة

(1) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 9 - 2 من كتاب التجارة
(2) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 9 - 2 من كتاب التجارة
279

بدونه، وإلى نفي الحرج والعسر والضرر والضرار، وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح
ذريح (1): " من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به
أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا "
وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار (2) في قوله: " ولله " - إلى آخره -
" هذه لمن كان عنده مال وصحة " كقوله (عليه السلام) في صحيح هشام بن الحكم (3):
" إن كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد وراحلة " وغير ذلك مما يدل على
اعتبار ذلك (و) لو بالنسبة إلى بعض أفراده، إذ (هو يشتمل على) اعتبار
(الصحة وتخلية السرب) بفتح السين المهملة وقد تكسر وإسكان الراء الطريق
(والاستمساك على الراحلة وسعة الوقت لقطع المسافة) وغير ذلك مما يتوقف
الامكان عليه كله
(فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب) الذي يتوقف عليه
الحج ولو بالمشقة التي لا تتحمل، أو صحيحا يتضرر به كذلك لكبر أو زيادة
ضعف أو نحو ذلك (لم يجب) الحج لما عرفت بلا خلاف أجده فيه، بل عن
المنتهى كأنه إجماعي، بل عن المعتبر اتفاق العلماء عليه، نعم لو كان المرض يسيرا
لا يشق معه الركوب ولا يضره لم يسقط الحج قطعا، لاطلاق الأدلة السالم عن
معارضة ما دل باطلاق على اعتبار الصحة في الاستطاعة بعد انصرافه إلى الأول،
خصوصا بملاحظة الوصف في صحيح ذريح، ومن هنا قال المصنف كغيره:
(ولا يسقط) الحج (باعتبار المرض مع إمكان الركوب) بل لا أجد

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 7
280

فيه خلافا بينهم، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق
عليه، وكذا لو تمكن من المشي وجب عليه وإن تضرر بالركوب ما لم يشق عليه
مشقة لا تتحمل دون المشقة اليسيرة التي لا ينفك عنها السفر غالبا، والدواء في
حق غير المتضرر مع الحاجة إليه كالزاد، والطبيب المحتاج إلى استصحابه كالخادم،
وليس الأعمى من المريض عرفا، فيجب عليه الحج عندنا، لعموم الأدلة حتى
نصوص الصحة التي لا ريب في تناولها له وللأعرج والأصم والأخرس ونحوهم،
خلافا لأبي حنيفة فلم يوجبه على الأعمى، نعم لو افتقر إلى قائد وتعذر لفقده
أو فقد مؤونته سقط، وكذلك السفيه سفها موجبا للحجر عليه ليس مريضا،
فيجب عليه الحج وإن وجب على الولي إرسال حافظ معه عن التبذير إلا أن يأمنه
عليه إلى الإياب أو لا يجد حافظا متبرعا، ويعلم أن أجرته ومؤونته تزيد على
ما يبذره، والنفقة الزائدة للسفر إلى الإياب في مال المبذر، وأجرة الحافظ جزء
من الاستطاعة إن لم يجد متبرعا، كما هو واضح.
(ولو منعه عدو) عن المسير (أو كان معضوبا) لضعف أو زمانة
(لا يستمسك على الراحلة أو عدم المراق مع اضطراره إليه سقط الفرض
بلا خلاف ولا إشكال فيه في الجملة، ولو عجز عن الاستمساك على القتب مثلا
وأمكنه الاستمساك في المحمل وتمكن منه وجب، كما هو واضح، ويأتي تمام
الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى (و) إنما الكلام الآن في أنه
(هل تجب
الاستنابة مع) عروض (المانع من مرض أو) ضعف وهرم و (عدو) قبل
الاستقرار (قيل) والقائل الإسكافي والشيخ وأبو الصلاح وابن البراج والحسن
في ظاهره والفاضل في التحرير: (نعم) ومال إليه في المنتهى، بل لعله ظاهر قول
المصنف هنا: (وهو المروي) مشيرا بذلك إلى قول الصادق (عليه السلام) في صحيح
281

الحلبي أو حسنه (1): " وإن كان مؤسرا حال بينه وبين الحج مرض أو حصر
أو أمر يعذره الله تعالى فيه فإن عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له "
وإلى مضمر ابن حمزة (2) الذي هو نحو ذلك، وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في صحيح
ابن مسلم (3): " لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم
يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه " وصحيح ابن سنان (4)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر شيخا كبيرا لم يحج قط ولم
يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه " وهو الحجة بعد الاجماع المحكي في
الخلاف عليه، مضافا إلى معلومية قبوله للنيابة، فتجوز حينئذ، وإذا جازت
وجبت هنا للدخول في الاستطاعة الموجبة للحج، إذ ليس في الآية إلا أن على
المستطيع الحج، وهو أعم من الحج بنفسه وغيره.
إلا أن الأخير كما ترى، والاجماع المحكي موهون بمصير ابني إدريس وسعيد
والمفيد في ظاهره والفاضل في القواعد والمختلف وغيرهم إلى خلافه، وهو الذي
أشار إليه المصنف بقوله: (وقيل: لا) يجب، والنصوص المزبورة، محمولة على
من استقر في ذمته الحج ثم عرض المانع الذي لم يرج زواله، فإن الاستنابة حينئذ
واجبة قولا واحدا كما في الروضة وعن المسالك، أو على الندب بقرينة خبر عبد الله
ابن ميمون القداح (5) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " إن عليا (عليه السلام) قال
لرجل كبير لم يحج قط: إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك " وخبر أبي سلمة

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 7 - 5 - 6 - 8 والثاني مضمر ابن أبي حمزة كما يأتي
الإشارة إليه في ص 287 والأخير عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام) وهو سهو
فإن الموجود في الكافي ج 4 ص 272 كالجواهر
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
282

عن أبي حفص (1) عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) " إن رجلا أتى عليا
(عليه السلام) ولم يحج قط فقال: إني كنت كثير المال قد فرطت في الحج حتى كبر سني قال:
فتستطيع الحج قال: لا، فقال علي (عليه السلام): إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج
عنك " ولا ينافي ذلك ما فيه من لفظ التفريط المقتضي بظاهره الاستقرار،
لوجوب حمله على إرادة التفريط من حيث القدرة المالية على معنى الاستطاعة بها
منذ سنين مع ترك الحج بنفسي وبغيري، ضرورة عدم انطباق الجواب الظاهر
في التخيير إلا على ذلك، ودعوى إرادة الوجوب من هذا التخيير مع أنها
تقتضي إخراج الخبر المزبور حينئذ عما نحن فيه كما ترى، فما في الحدائق من
تعارف التعبير عن الوجوب بذلك حتى استدل بهذا الخبر وسابقه على الوجوب
لا يصغى إليه وفي محكي المقنعة عن الفضل بن عباس (2) قال: " أتت امرأة
من خثعم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: إن أبي أدركته فريضة الحج وهو شيخ
كبير لا يستطيع أن يلبث على دابة فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): فحجي عن أبيك "
ضرورة منافاة أمر الغير كالتخيير الوجوب، على أن المروي في كشف اللثام أن
متن الأخير بعد قوله: " دابة " " فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال: نعم،
فقالت: هل ينفعني ذلك؟ قال: نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته عنه نفعه "
وهو مع ذلك غير ظاهر في حياة الوالد، على أن الصحيحين (3) الأولين قد

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 - 4
والأول عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله (عليه السلام) إن رجلا... الخ. وما في
الجواهر والوسائل كلاهما سهو فإن في التهذيب عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله
عن أبيه (عليهما السلام) أن رجلا... الخ
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 و 5
283

اشتملا على منع المرض الذي هو أعم من مرجو الروال وعدمه، بل لعل الظاهر
منه الأول، وقد صرح غير واحد بأن الوجوب على تقدير القول به إنما هو فيما
لم برج زواله، أما ما يرجى زواله فلا تجب الاستنابة فيه، بل عن المنتهى الاجماع
عليه، وربما يشهد له التتبع، بل في المدارك " لو حصل له اليأس بعد الاستنابة
وجب عليه الإعادة، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا فلا يجزي عن الواجب، ولو اتفق
موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه، لعدم حصول شرطه الذي هو
استقرار الحج أو اليأس من البراء " وهذا جميعه صريح في عدم الوجوب قبله.
نعم قد يظهر من الدروس الوجوب مطلقا، فإنه قال: "
الأقرب أن
وجوب الاستنابة فوري إن يئس من البرء، وإلا استحب الفور " واختاره في
الحدائق تمسكا بظاهر الأخبار المزبورة التي كما لم يفرق فيها بين المأيوس منه وغيره
في الوجوب وعدمه لم يفرق فيها بينهما في الفورية وعدمها، على أن سيد المدارك
قد جزم بظهورها في المأيوس، وقال: إنه لو وجبت الاستنابة مع المرض مطلقا لم
يتحقق اعتبار التمكن من المسير في حق أحد من المكلفين، إلا أن يقال باعتبار
ذلك في الوجوب البدني خاصة، وإن كان هو كما ترى، ومن ذلك يظهر لك قوة
القول بالندب، بل الصحيح (1) الأول الذي هو العمدة لهم ظاهر فيه، لمعلومية
عدم وجوب استنابة الصرورة الذي لا مال له، بل الذي يقوى كون المراد
الاحجاج في مثل هذا الشخص بدل تركه الحج لا أنه نائب عنه، مضافا إلى ما
عن غير واحد منهم كالشيخين والحلبي والقاضي وابن سعيد والفاضل في التحرير
وأبي علي في ظاهره على ما قيل - بل عن ظاهر التذكرة أنه لا خلاف فيه بين
علمائنا - من التصريح بالوجوب عليه بعد ذلك مع بقاء الاستطاعة لو برئ من غير

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
284

فرق بين أن يكون الحج عنه مع رجاء الزوال وعدمه، وما ذاك إلا للأمر الأول
الذي لم يقم مقامه الأمر الثاني، لعدم وجوبه، وإلا لاقتضى الاجزاء كما هو
مقرر في الأصول، إلا أن يكون هناك دليل على خلافه، فيرجع البحث حينئذ
إلى أن الحج يجب بالبدن والمال، فإن تعذر الأول وجب في المال خاصة، فإن
تمكن منه بعد ذلك ببدنه وجب، لعدم إسقاط الواجب في المال الواجب في البدن
لكن لم نعرف ما يدل على ذلك، بل هي دعوى مجردة عن الدليل، بل الدليل
يقضي بخلافها، وجميع ذلك شاهد عند التأمل على الندب الذي قد اعترفوا به في
غير المأيوس، وأنكر الدليل عليه في الحدائق، وقال: " ليس إلا هذه النصوص
الظاهرة في الوجوب مطلقا " قلت: يمكن أن يكون دليله ما دل (1) على
استحباب النيابة في الحج للصحيح والمريض وغيرهما، ولا إشكال من هذه الجهة
بناء على ما قلناه من الاستحباب مطلقا، فيكون متأكدا في خصوص
موضوع المسألة.
لكن ومع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، وعليه لو لم يجد الممنوع
مالا لم يجب عليه الاستنابة قطعا، ولو بذل له لم يجب عليه قبوله، للأصل
السالم عن المعارض بعد حرمة القياس على الصحيح، وكذا لو وجد المال ولم يجد
من يستأجره، فإنه يسقط فرضه إلى العام المقبل، ولو وجد من يستأجره بأكثر
من أجرة المثل وجب مع المكنة على الأقوى،
ولا يلحق بحج الاسلام في وجوب
النيابة حج النذر والافساد، للأصل السالم عن المعارض، خلافا للدروس فجعلهما
كحج الاسلام في ذلك، بل أقوى، وهو مشكل، وعليه فلو اجتمع على الممنوع
حجتان جاز له استنابة اثنين في عام واحد، لعدم الترتيب بينهما كما في قضاء الصوم

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب النيابة في الحج
285

ولو زال عذر الممنوع قبل التلبس بالاحرام انفسخت النيابة فيما قطع به الأصحاب
على ما في المدارك، ولو كان بعد الاحرام احتمل الاتمام والتحلل، وعلى الأول
فإن استمر الشفاء حج ثانيا، وإن عاد المرض قبل التمكن فيحتمل الاجزاء، بل في
المدارك أنه الأقرب، هذا.
(و) قد ظهر لك مما قدمناه أنه (إن أحج نائبا) عنه (واستمر
المانع فلا قضاء) عنه بعد موته قطعا (وإن زال) المانع (وتمكن وجب
عليه ببدنه) عندهم كما عرفت، لاطلاق ما دل على وجوبه (و) حينئذ ف‍ (لو
مات بعد الاستقرار ولم يؤد قضي عنه) كغيره ممن هو كذلك، لكن قد
عرفت الاشكال في الوجوب عليه بناء على وجوب النيابة، ومن هنا حكى في
المدارك عن بعض الأصحاب احتمال عدم الوجوب كما لو لم يبرأ، للأصل، ولأنه
أدى حج الاسلام بأمر الشارع، فلم يلزمه حج ثاني كما لو حج بنفسه، بل في
المدارك أن هذا الاحتمال غير بعيد، إلا أن الأول أقرب، وتبعه عليه في الحدائق
وقد عرفت أن التحقيق استحباب النيابة، فيتجه حينئذ الوجوب عليه بعد زوال
المانع وبقاء الاستطاعة، والله العالم.
(ولو كان لا يستمسك خلقة قيل سقط الفرض عن نفسه و) عن (ماله
وقيل: يلزمه الاستنابة) واختاره في المدارك والحدائق (والأول أشبه)
بأصول المذهب وقواعده، أما على المختار من الندب في العارضي فضلا عنه
فواضح، وأما على الوجوب فيه فالمتجه الاقتصار على المنساق من النصوص
المزبورة المخالفة للأصل، بل صحيح ابن مسلم (1) منها كالصريح في ذلك،
وخبر ابن عباس (2) ظاهر في عدم الاستقرار، بل وعدم الوجوب، بل غير

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 5 - 4
286

ظاهر في حياة الوالد كما عرفت، ودعوى ظهور صحيح الحلبي (1) وخبر ابن
أبي حمزة (2) في العموم وكذا صحيح ابن سنان (3) ممنوعة، كدعوى أن
القول بعدم الوجوب فيه إحداث قول ثالث، على أن التحقيق عدم البأس في
إحداثه إذا لم ينعقد إجماع على خلافه كما حرر في محله، فلا ريب في أن الأشبه
الأقوى ما ذكره المصنف وإن كان الأحوط الثاني.
(ولو احتاج في سفره إلى حركة عنيفة للالتحاق) بالحج لضيق الوقت
مثلا (أو الفرار من العدو فضعف) عنها لمرض أو خلقة أو شقت عليه مشقة
لا تتحمل (سقط) عنه (الوجوب في عامه، وتوقع المكنة في المستقبل)
فإن حصلت وهو مستطيع حج (ولو مات قبل التمكن والحال هذه لم يقض عنه)
والظاهر وجوب الاستنابة عند القائل بها مع انحصار الطريق بحركة عنيفة
لا يستطيعها خلقة أو لعارض أيس من برئه، لشمول الأدلة السابقة له.
وعلى كل حال تكلف هذا وشبهه الحج لم يجز عن حجة الاسلام على
الظاهر من إطلاق الأصحاب ذلك، وكذا المريض والممنوع بالعدو، لعدم
تحقق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب، فكان كما لو تكلفه الفقير، وبه صرح
الفاضل في المحكي من تذكرته وغيره، لكن في الدروس - بعد أن ذكر الشرائط
وإطلاق الأصحاب عدم الاجزاء لو حج فاقدها -
قال: " وعندي لو تكلف
المريض المعضوب والممنوع بالعدو وبضيق الوقت أجزأ، لأن ذلك من باب
تحصيل الشرط، فإنه لا يجب، ولو حصله وجب وأجزأ، نعم لو أدى ذلك
إلى إضرار بالنفس يحرم إنزاله وقارن بعض المناسك احتمل عدم الاجزاء " وفي

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 7 - 6
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 7 - 6
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 7 - 6
287

كشف اللثام كما في الدروس، وكأنه يشير بذلك إلى أن هذه الشروط تنقسم
إلى ما ليس فيه اختيار للعبد كالبلوغ والعقل والحرية، وهذه لا يمكن تحصيلها
ولا يتصور إجزاء الحج بدونها، وإلى ما ليس كذلك كالشرائط الباقية، وهي
خمسة، وقد تقدم أن الزاد والراحلة منها لا يجب تحصيله، ولو حصله وجب الحج
وأجزأ، ولا يكفي التسكع عنه، لعدم حصول شرط الوجوب، وفي حكم الزاد
والراحلة مؤونة عياله، وأما الثلاثة الباقية وهي الصحة من المرض وتخلية السرب
من العدو والتمكن من المسير ويعبر عن الثلاثة بامكان المسير فاطلاق الأصحاب عدم
الاجزاء لمن حج غير مستكمل للشرائط يدخل فيه الشرط المزبور، لكن فيه نظر
أو منع إذا كان لا يؤدي إلى ارتكاب منهي عنه مضاد للمأمور به، فإنه حينئذ
يكون في معنى الزاد والراحلة يتوقف الوجوب عليهما، ولا يجب تحصيلهما، ولو
حصلهما وجب الحج، وإليه أشار بقوله: " لأنه من باب تحصيل الشرط " أي
ليس عدم هذه الثلاثة مانعا من صحة الحج إذا تكلفها، فيحمل كلام الأصحاب
على أحد أمرين، إما على أنه لا يجب تحصيل هذه الشرائط، وإما على ما يؤدي
تحصيلها إلى ارتكاب منهي عنه مضاد للمأمور به، وإليه أشار بقوله: " وقارن
بعض المناسك " كما لو كان في أثناء الاحرام تحمل المرض أو دافع العدو مع غلبة
العطب فإن ذلك يرجع إلى قاعدة اجتماع الأمر والنهي، أما مع عدم هذين
الأمرين فالاجزاء متحقق مع تكلف تلك المشاق التي لا يجب تكلفها، بل ظاهر
قوله: " احتمل عدم الاجزاء " احتمال الاجزاء أيضا، ولعله لأن النهي هنا عن
وصف خارج عن المنسك، فلم يتحد متعلق الأمر والنهي، بل ربما قيل: إن في
ذلك قوة، ولذلك جعل عدم الاجزاء احتمالا وإن اختاره في كشف اللثام، وجعل
الاجزاء احتمالا ضعيفا، وفي المدارك بعد أن حكي عن الدروس ما سمعت قال:
288

" وفي الفرق نظر، والمتجه أنه إن حصلت الاستطاعة الشرعية قبل التلبس
بالاحرام ثبت الوجوب والاجزاء، لما بيناه من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد
وإن حصل التلبس قبل تحقق الاستطاعة انتفى الأمران معا، سواء كان عدم تحقق
الاستطاعة بعدم القدرة على تحصيل الزاد والراحلة، أو بالمرض المقتضي لسقوط
الحج، أو لخوف الطريق، أو غير ذلك، لأن ما فعله لم يكن واجبا، فلا يجزي
عن الواجب، كما لا يجزي فعل الواجب الموقت قبل دخول وقته " وفي الحدائق
" أن مرجع ذلك إلى ما اختاره الشهيد، لأنه متى كان الاعتبار بالاستطاعة من
الميقات فلو تحمل المشقة وارتكب الخطر الذي لم يكلف به بل نهي عنه حتى وصل
إلى الميقات وجب عليه الحج وأجزأ، وهو خلاف كلام الأصحاب كما صرح به
في التذكرة، وهو ظاهر غيره، لما صرحوا به في الزاد والراحلة، وما ذكره من
عدم اعتبار الاستطاعة من البلد فإنما هو في صورة ما لو اتفق له الوصول إلى
الميقات بأي نحو كان، فإنه لا يشترط في حقه ملك الزاد والراحلة في بلده كما ذكره
الأصحاب، لا بمعنى أن من كان بعيدا لا يمكنه المسير إلا بهذه الشرائط المذكورة
فإن استطاعته إنما تحصل باعتبار الميقات، فإنه باطل قطعا، بل الاستطاعة في
هذه الصورة مشروطة من البلد، فإن استطاع بحصول هذه الشروط الخمسة
المعدودة وجب عليه الحج والمسير، وإلا فلا، نعم يحصل الشك هنا في أن
المتكلف للحج بالمشقة الموضوعة عنه في عدم إمكان المسير هل هو من قبيل المتسكع
الذي لم يملك زادا ولا راحلة فلا يجزي عنه كما هو المفهوم من كلام الأصحاب،
أو من قبيل تكلف تحصيل الزاد والراحلة وإن لم يجب عليه تحصيلهما، فحجه
يكون صحيحا مجزيا عن حجة الاسلام كما هو ظاهر شيخنا الشهيد؟ إشكال "
قلت: الاشكال في محله، ولا يقال إنه بذلك ينكشف كونه مستطيعا وإن لم
يكن عالما بذلك، لأنا نقول أولا لا يتم فيمن وقع فيما خاف منه من جرح أو
289

نهب مال أو نيل عرض أو نحو ذلك، وثانيا أنه ينكشف بذلك سلامته
لا استطاعته، وفرق واضح بين المقامين، ضرورة توقف صدق الأولى على إحراز
السلامة بالطريق المعتد به شرعا، ولا يكفي فيها عرفا حصول السلامة في الواقع
نعم قد يقال بحصول وصف الاستطاعة له لو تكلف المشاق المزبورة ثم ارتفع
المانع على وجه كان يتمكن معه من المسير بعد ارتفاعه، ولعله إلى ذلك لمح
سيد المدارك فيما ذكره من التفصيل لا ما سمعته من المحدث البحراني الذي لا يرجع
إلى حاصل عند التأمل، والله العالم.
(و) كيف كان فلا ريب في أنه (يسقط فرض الحج لعدم ما يضطر
إليه من الآلات كالقرب وأوعية الزاد) وغيرها مما يحتاج إليه، ضرورة عدم
صدق الاستطاعة بدونه، كما أنه لا ريب في وجوب شراء ذلك كله أو استيجاره
بالعوض المقدور وإن زاد عن أجرة المثل على حسب ما عرفته سابقا، ولو تعددت
الطرق تخير مع التساوي في الأمن وإدراك النسك واتساع النفقة، وإلا تعين
المختص بذلك، وفي كشف اللثام إلا أن يختص الخوف بالمال، وخصوصا غير
المجحف، وستعرف وجهه مما يأتي.
(و) على كل حال ف‍ (لو كان له طريقان فمنع من أحدهما سلك الآخر
سواء كان أبعد أو أقرب) مع فرض سعة النفقة والوقت للأبعد، أما لو قصرت
أو قصر الوقت عنه سقط الحج إذا انحصر الطريق فيه، كما هو واضح، خلافا
للشافعية فلم يوجبوا سلوك الأبعد مطلقا، وهو واضح الفساد، كوضوح فساد
ما عن أحمد من استقرار الوجوب على واجد الزاد والراحلة وإن لم يأمن بمعنى
وجوب الحج عنه لو مات، ووجوبه عليه متسكعا لو افتقر ثم أمن، لا أنه يجب
عليه الحج بنفسه وهو غير آمن،
إذ لا يخفى عليك ما فيه من المخالفة للكتاب
والسنة والاجماع، ضرورة توافقها جميعا على اعتبار تخلية السرب في الاستطاعة
290

المعلوم اشتراط وجوب الحج بها، فيسقط الحج حينئذ مع الخوف على النفس قتلا
أو جرحا من عدو أو سبع أو غيرهما، أو على البضع، أو على المال جميعه أو ما
يتضرر به، للحرج وصدق عدم الاستطاعة وعدم تخلية السرب، وظاهر الحدائق
نفي الخلاف فيه، بل ظاهر التذكرة الاجماع عليه، قال في الأول: " لا خلاف
نصا وفتوى في أن أمن الطريق من الخوف على النفس والبضع والمال شرط في
وجوب الحج " وقال في الثاني: " لو كان في الطريق عدو يخاف منه على ماله سقط
فرض الحج عند علمائنا، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين: لأن بذل
المال تحصيل لشرط الوجوب، وهو غير واجب، فلا يجب ما يتوقف عليه، وفي
الرواية الأخرى أنه لا يسقط فرض الحج عنه، ويجب أن يستنيب ".
قلت: قد عرفت ما في وجوب الاستنابة في المريض ونحوه، فضلا عن
ذلك ونظائره ممن لم يخل له السرب، بل ربما ظهر من معقد ظاهر إجماع التذكرة
ونفي الخلاف في الحدائق عدم الفرق في المال بين القليل والكثير والمضر وغيره
وإن كان هو مشكلا مع القلة وعدم الضرر، بل في كشف اللثام " لا أعرف
للسقوط وجها وإن خاف على كل ما يملكه إذا لم نشترط الرجوع إلى كفاية ولم
نبال بزيادة أثمان الزاد والآلات وأجرة الراحلة والخادم ونحوهما ولو أضعافا
مضاعفة - بل قال -: وعلى اشتراط الرجوع إلى كفاية وعدم الزيادة على ثمن
المثل وأجرة المثل أيضا نقول: إذا تحققت الاستطاعة المالية وأمن في المسير على
النفس والعرض أمكن أن لا يسقط خوفه على جميع ما يملكه فضلا عن بعضه،
لدخوله بالاستطاعة في العمومات، وخوف التلف غير التلف، ولم أر من نص على
اشتراط الأمن على المال قبل المصنف، وغاية ما يلزمه أن يؤخذ ماله فيرجع " وفيه
منع صدق اسم الاستطاعة في الفرض عرفا أو شرعا، بل لعله في بعض أحوال
الفرض يكون مخاطرا على النفس بالعارض لذهاب راحلته أو زاده أو نحو ذلك
291

مما يخشى مع فقده التلف، نعم لو كان المال قليلا غير مضر وغير مجحف اتجه
الوجوب حينئذ وكان ذلك كزيادة أثمان الآلات على الأقوى.
(و) من ذلك يظهر لك الحال فيما (لو كان في الطريق عدو) لا يأخذ
المال قهرا إلا أنه (لا يندفع إلا بمال) ضرورة أولوية عدم السقوط به من
الأول، لأن الدفع فيه بصورة الاختيار بخلافه، لكن ينبغي تقييد المال بما
عرفت، فما (قيل) كما عن الشيخ وجماعة من أنه (يسقط) الحج حينئذ
(وإن قل) المال واضح الضعف، كاستدلاله بصدق عدم تخلية السرب، وبأنه
من تحصيل شرط الوجوب فلا يكون واجبا، وبأنه إعانة على الظلم فلا يكون
جائزا، وبأنه كأخذ المال قهرا، إذ لا يخفى عليك ما في الأخير بعد ما عرفت
الحكم في المشبه به، بل وما في سابقه، ضرورة عدم كونه إعانة عرفا، بل هو
من باب تحمل الظلم لأداء الواجب ومصانعة الظالم لتحصيل الحق، فهو من
مقدمات الواجب المطلق كزيادة الأثمان ونحوها، ومع فرض القدرة عليها على
وجه لا ضرر فيه ولا قبح يجب، ويكون مخلى السرب كما هو واضح.
ومن هنا قال المصنف: (ولو قيل: يجب التحمل مع المكنة كان حسنا)
نحو قوله في المعتبر: والأقرب إن كان المطلوب مجحفا لم يجب، وإن كان يسيرا
وجب بذله وكان كأثمان الآلات، بل عن التحرير والمنتهى أنه استحسن نحوه
ومما يؤيد ذلك كله استمرار الطريقة في هذه الأزمان على وجه لم يكن فيه شك
بين الأعوام والعلماء على وجوب الحج، وقلما ينفك الطريق فيها على نجد ونحوه
عن ذلك ونحوه، بل لا ينفك عن بذل المال المجحف المضر، بل عن الأخذ قهرا
إن لم يدفع بالاختيار، اللهم إلا أن يكون وجهه التمكن من السير على طريق لم
يكن فيه ذلك، وحينئذ ينبغي اعتبار الاستطاعة على غير الطريق المزبور في كونه
حج إسلام، مع أن ظاهر السيرة التي ذكرناها احتساب الحج فيه حج إسلام مع
292

الاستطاعة فيه خاصة، كما هو واضح بأدنى ملاحظة، والتحقيق ما ذكرناه من
وجوب الدفع للمقدمة ما لم يعارضها ما يقتضي سقوطها من أدلة الحرج ونحوه،
كما أومأنا إليه سابقا في أثمان الآلات، ومن ذلك يعرف الحال فيما في كشف اللثام
من أن المناسب لعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية عدم الفرق بين المجحف وغيره
إلا الاجحاف الرافع للاستطاعة، إذ لا يخفى عليك وجه الفرق بينهما كما أو مأنا
إليه سابقا ولاحقا، هذا كله إذا كان قبل الاحرام، وإلا كان من الصد الذي
ستعرف البحث فيه إن شاء الله.
(ولو بذل له) أي العدو (باذل) فارتفع منعه (وجب عليه الحج)
بلا خلاف ولا إشكال (لزوال المانع، نعم لو قال) الباذل (له اقبل وادفع
أنت) للعدو (لم يجب) القبول للأصل والمنة، ولأنه تكسب وتحصيل لشرط
الوجوب، وحمله على بذل الزاد والراحلة قياس، فما عساه يظهر من الدروس
- من التوقف فيه، بل في المدارك لم يستبعد الوجوب لأن الشرط التمكن من
الحج، وهو حاصل بمجرد البذل، ولشمول قوله (عليه السلام) (1): " إن عرض عليه
ما يحج به فاستحى فهو مستطيع " - ليس في محله كما لا يخفى، فالمتجه حينئذ
سقوط الحج إذا لم يكن عنده ما يريده العدو، أو قلنا بعدم وجوب الدفع له
وإن استطاعه، ولو وجد مجيرا من العدو بأجرة وتمكن منها على وجه لا ضرر
فيه ولا قبح وجب، لما عرفته سابقا في المال المبذول للعدو، ضرورة كونه أولى
لأنها أجرة بإزاء عمل، فهي كأجرة الخادم والجمال والراحلة، فما في القواعد - من
أن الأقرب هنا عدم الوجوب مع قوله هناك: " في السقوط نظر " ونحوه عن
التذكرة - في غير محله.

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب وجوب الحج
293

(و) على كل حال ف‍ (طريق البحر كطريق البر) في جميع ما ذكرناه
وحينئذ (فإن غلب ظن السلامة) على وجه لم يكن خوف معتد به عند العقلاء
وجب الحج (وإلا سقط) إذا انحصر الطريق فيه، (ولو أمكن الوصول
بالبر والبحر فإن تساويا في غلبة السلامة) المعتد بها عند العقلاء (كان مخيرا)
في سلوك أيهما شاء (وإن اختص أحدهما) واستطاعه (تعين، ولو تساويا في
رجحان العطب سقط الفرض) كما هو واضح، لكن في المدارك " مقتضى
العبارة أن طريق البحر إنما يجب سلوكه مع غلبة ظن السلامة، فلا يجب مع اشتباه
الحال، ولم يعتبر الشارح ذلك بل اكتفى بعدم ترجيح العطب، وهو حسن "
قلت: بل عن الشارح أنه بعد أن اختار ذلك قال: " هذا هو الذي يقتضيه
ظاهر النص وفتوى الأصحاب " وهو جيد إلا أن الفاضل في القواعد قال: " ولو
افتقر أي في السير إلى القتال فالأقرب السقوط مع ظن السلامة " وفي محكي
الإيضاح " أن المراد بالظن هنا العلم العادي الذي لا يعد العقلاء نقيضه من
المخوفات، كامكان سقوط جدار سليم قعد تحته، لأنه مع الظن بالمعنى المصطلح
عليه يسقط إجماعا، وبالسلامة هنا السلامة من القتل والجرح والمرض والشين،
لأنه مع ظن أحدها بالمعنى المصطلح عليه في لسان أهل الشرع والأصول يسقط
باجماع المسلمين " وقد يناقش في معقد إجماعه الأول المقتضي بظاهره السقوط مع
عدم الظن بالمعنى المزبور بأنه لا وجه له إذا لم يصل الاحتمال إلى حد الخوف المعتد
به عند العقلاء، ضرورة تناول الاطلاقات والعمومات له، كما أنه قد يناقش فيما في
القواعد من السقوط مع الافتقار إلى القتال مع فرض ظن السلامة بالمعنى المزبور
ضرورة صدق الاستطاعة معه، ومنع عدم صدق تخلية السرب مع تضمن السير
أمرا بمعروف ونهيا عن منكر وإقامة لركن من أركان الاسلام، ولذا حكي عنه
القطع بعدم السقوط في المنتهى والتحرير من غير فرق في ذلك بين كون العدو
294

كافرا أو مسلما، ودعوى عدم وجوب قتال الأول إلا للدفع أو الدعاء إلى الاسلام
والثاني إلا للدفع أو النهي عن المنكر، ولم يفعله، وليس الفرض منه، يدفعها
بعد كون الوجوب هنا بالعارض أن ذلك من الدفاع أيضا ومن النهي عن المنكر.
وعلى كل حال فقد عرفت أن التحقيق كون المدار على الخوف المعتد به
عند العقلاء، هذا، وفي المدارك إنما يسقط الحج مع الخوف إذا حصل في ابتداء
السير أو في أثنائه، والرجوع ليس بمخوف، أما لو تساويا مع المقام في الخوف
احتمل ترجيح الذهاب لحصول المرجح فيه بالحج، والسقوط كما لو حصل ابتداء
لفقد الشرط، ولعل الأول أقرب، ونحوه في الدروس من غير ترجيح، قلت:
قد يرجح الثاني بصدق عدم تخلية السرب والخوف وعدم الاستطاعة، واشتراك
الرجوع والمقام معه في ذلك غير مناف، كما أنه لا ينافيه ارتفاع الإثم عنه في
ذهابه لتساوي الأحوال بالنسبة إليه، فإنه ليس المدار على سقوط الحج عنه
بالخوف الذي يكون معه السير معصية، بل يكفي فيه صدق عدم تخلية السرب
والخوف وعدم الاستطاعة، فجواز المسير حينئذ هنا لا يقتضي الوجوب،
فلا يكون حينئذ حج إسلام يجب عليه إنفاذه، فتأمل جيدا.
(ومن) حج و (مات بعد الاحرام ودخول الحرم برئت ذمته)
بلا خلاف أجده فيه كما في المدارك والحدائق وغيرهما، بل عن المنتهى الاجماع
عليه، لصحيح بريد العجلي (1) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجا
ومعه جمل وله نفقة وزاد فمات في الطريق، قال: إن كان صرورة ثم مات في
الحرم فقد أجزأت عنه حجة الاسلام، وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم
جعل جمله وزاده ونفقته في حجة الاسلام، وإن فضل من ذلك شئ فهو للورثة

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
295

إن لم يكن عليه دين، قلت: أرأيت إن كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق
قبل إن يحرم لمن يكون جمله ونفقته وما معه قال: يكون جميع ما معه وما ترك
للورثة إلا أن يكون عليه دين فيقضي، أو يكون قد أوصى بوصية فينفذ ذلك
لمن أوصى له، ويجعل ذلك من ثلثه " وصحيح ضريس (1) عن أبي جعفر (عليه السلام)
" في رجل خرج حاجا حجة الاسلام فمات في الطريق فقال: إن مات في الحرم
فقد أجزأت عن حجة الاسلام، وإن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه
حجة الاسلام ".
(وقيل) والقائل الشيخ وابن إدريس في المحكي عنهما (يجتزى بالاحرام)
ولا دليل له سوى ما قيل من أنه يشعر به مفهوم قوله (عليه السلام) في صحيح بريد:
" وإن كان مات قبل أن يحرم " إلى آخره، وهو - مع معارضته بمفهوم الجزء
الأول من الخبر وهو قوله: " إن كان صرورة ثم مات في الحرم " إلى آخره - معارض
بما في صحيح ضريس " وإن كان مات قبل الحرم " بل وبصحيح زرارة (2) عن
أبي جعفر (عليه السلام) " قلت: فإن مات وهو محرم قبل إن ينتهي إلى مكة قال: يحج
عنه إن كانت حجة الاسلام ويعتمر، إنما هو شئ عليه " وبالمرسل (3) عن
المقنعة عن الصادق (عليه السلام) " إن خرج حاجا فإن كان مات في الحرم فقد سقطت
عنه الحجة، وإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج وليقض عنه وليه "
فالمتجه الجمع بكفاية أحدهما في السقوط أو مشروعية القضاء، وبه يتم المطلوب.
(و) من هنا كان (الأول أظهر) اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 3 - 4
296

اليقين، نعم مقتضاهما اعتبار الموت في الحرم، لكن في المدارك والحدائق
" إطلاق كلام المصنف وغيره يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يموت في الحل
أو الحرم محرما ومحلا، كما لو مات بين الاحرامين " بل في الثاني " وبه قطع
المتأخرون، ولا بأس به " قلت: قد صرح بذلك في الدروس أيضا، لكن
لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال بعد مخالفة الحكم للأصول التي يجب الاقتصار
في الخروج عنها على المتيقن، وهو الموت في الحرم، اللهم إلا أن يكون إجماعا
كما هو مقتضى نسبته في الحدائق إلى الأصحاب، لكنه كما ترى، ومن الغريب
نسبته إلى إطلاق الأخبار فيها أيضا، نعم الظاهر عدم الفرق بين حج الافراد
والقران والتمتع، وأنه يجزي ذلك عن النسكين، بل ظاهر المدارك والحدائق
كون العمرة المفردة كذلك، بل ذلك من معقد نسبته إلى إطلاق المصنف وغيره
في الأول، والأصحاب والأخبار في الثاني، ولعله لصدق اسم الحج، ولفحوى
الاجتزاء به في عمرة التمتع.
ثم إن مقتضى الأمر بالقضاء فيهما كون موردهما من استقر في ذمته
الوجوب، فيستفاد منه حينئذ الاجزاء في غيره ممن هو في عام الاستطاعة بالأولى
ومن هنا قال في المتن: (وإن كان قبل ذلك) أي قبل الاحرام أو دخول الحرم
(قضيت عنه إن كانت مستقرة، وسقطت إن لم تكن كذلك) اللهم إلا أن
يقال وجوب القضاء عليه أيضا، كما عن ظاهر المقنعة والنهاية والمبسوط، فيتجه
حينئذ شمولهما لهما، لكن فيه منع واضح، ضرورة انكشاف عدم الاستطاعة
بذلك، وربما قيل بحمل الأمر فيهما على الندب، ولا بأس به، إلا أنه يبقى
الاجزاء عمن استقر عليه بلا دليل، اللهم إلا أن يرشد إليه ما تسمعه إن شاء الله
في حكم النائب من الاجتزاء بذلك فيه، ولعل الأولى تعميم الصحيحين (1) لهما،

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 و 2
297

واستعمال الأمر بالقضاء فيهما في القدر المشترك بين الندب والوجوب، ومن ذلك
يعلم حينئذ اتحاد من استقر عليه الوجوب مع غيره في الاجتزاء بذلك عن
النسكين أي الحج والعمرة، لظهور النصوص فيه، لكن في كشف اللثام في
النفس منه شئ، خصوصا في الافراد والقران، لاحتمال الصحيحين غير المستقر
عليه، وغيرهما الاجتزاء عن النسك الذي أحرم به، والتحقيق ما عرفت، بل
عن الشهيد القطع به فيه بل وفي النائب أيضا، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى في أنه (يستقر
الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط فأهمل) حتى فات، فيحج في زمن حياته
وإن ذهبت الشرائط التي لا ينتفي معها أصل القدرة، ويقضى عنه بعد وفاته،
قال محمد بن مسلم (1): " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل مات ولم يحج حجة
الاسلام ولم يوص بها تقضى عنه قال: نعم " وسماعة بن مهران (2) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يموت ولم يحج حجة الاسلام ولم يوص بها وهو موسر
قال: يحج عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك " إلى غير ذلك.
إنما الكلام فيما به يتحقق الاستقرار، فالمشهور نقلا وتحصيلا تحققه
بمضي زمان يمكن فيه الاتيان بجميع أفعال الحج مختارا مستجمعا للشرائط على
حسب ما مر في استقرار وجوب الصلاة من غير فرق بين الأركان وغيرها،
ضرورة اشتراط صحة التكليف بسعة الوقت لتمام ما كلف به، وإلا كان تكليفا
بما لا يطاق، ولا بد من ملاحظة حال الاختيار في ذلك، فلا يجزي مضي وقت
يسع فعل المضطر في استقرار الوجوب على المختار، فما عن العلامة من احتمال
الاجتزاء فيه بمضي زمان يتمكن فيه من الاحرام ودخول الحرم في غير محله،

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 5 - 4
298

بل وكذا ما عن الشهيد من احتمال الاجتزاء بمضي زمان تتأدى به الأركان خاصة
وهو مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان والسعي وإن حكي عن المهذب
اختياره، ضرورة اختصاص ما دل على الاجتزاء بذلك ونحوه بمن تلبس بالفعل
وصارت حاله هكذا، لا أن ذلك يكفي في تقدير تحقق الخطاب ابتداء، وقد
تقدم في مباحث الطهارة والصلاة تمام التحقيق في نظير المسألة من الفرق بين ابتداء
الخطاب وغيره، والفرق بين أول الوقت وآخره، واستقرار الخطاب لمن أدرك
ركعة من آخره في ابتداء التكليف وعدمه، فلاحظ وتأمل.
ومنه يعلم ما في المدارك، فإنه بعد أن ذكر خلو ما وقف عليه من الأخبار
عن لفظ الاستقرار فضلا عما يتحقق به قال: " وإنما اعتبر الأصحاب ذلك بناء
على أن وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء، وإنما يتحقق وجوبه بمضي زمان
يمكن فيه الحج مستجمعا للشرائط، ويشكل بما بيناه مرارا من أن وجوب
القضاء ليس تابعا لوجوب الأداء، وبأن المستفاد من كثير من الأخبار ترتيب
القضاء على عدم الاتيان بالأداء مع توجه الخطاب به ظاهرا كما في صحيحي بريد
وضريس المتقدمين " إذ لا يخفى عليك ما فيه من عدم بناء ذلك على ذلك، بل
للقاعدة العقلية والنقلية، وهي عدم صحة التكليف بفعل يقصر الوقت عن أدائه،
وأما تبعية القضاء للأداء فالتحقيق فيها أن القضاء محتاج إلى أمر جديد، ولا
يكفي في وجوبه خطاب الأداء كما هو محرر في محله، إلا أن الأصل في موضوع
القضاء تدارك ما فات على المكلف بعد أن تحقق سبب وجوبه عليه، كما أومي
إليه في موثق أبي بصير (1) المتقدم في كتاب الصوم، قال: " سألته عن امرأة
مرضت في شهر رمضان فماتت في شوال فأوصتني أن أقضي قال: هل برئت

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 12
299

من مرضها؟ قلت: لا، ماتت فيه، قال: لا يقضى عنها فإن الله لم يجعله عليها،
قلت: فإني أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك فقال: كيف تقضي شيئا
لم يجعله الله عليها " الحديث.
وخروج قضاء الحائض الصوم ونحوها عن ذلك بدليل خاص لا ينافي
القاعدة المقتضية سقوط القضاء هنا عمن مات قبل الاحرام أو قبل دخول الحرم
في عام الاستطاعة، ضرورة انكشاف عدم الوجوب عليه، فلا قضاء، واحتمال
القول به هنا للخبرين السابقين ممكن لولا اعراض المعظم عنهما بالنسبة إلى ذلك
وحملهما على الندب، بل لم يحك العمل بمضمونهما إلا عن ظاهر نادر ممن عرفت،
بل قيل: إنهما فيمن استقر الحج في ذمته كما دل عليه الحكم بالاجزاء عن حجة
الاسلام إن مات في الحرم، وبقضاء الولي عنه إن مات دون الحرم، ومن هنا
قطع الأصحاب على ما اعترف به في المدارك بأن من حصل له الشرائط وتخلف
عن الرفقة ثم مات قبل حج الناس لا يجب القضاء عنه، لتبين عدم استقرار الحج
في ذمته بظهور عدم الاستطاعة، لكن في الحدائق " هذا موضع شك، حيث إن ترك الحج لم يقع بعذر شرعي، فيمكن أن يكون بتعمد التأخير مع وجوب
ذلك عليه يستقر الحج في ذمته وإن لم يمض الزمان الذي يقع فيه المناسك، كما لو
أفطر عمدا في شهر رمضان ثم سافر لاسقاط الكفارة ورفع الإثم، فإنه لا يوجب
رفع الإثم ولا سقوط الكفارة " قلت: لا يخفى عليك ما فيه من كون الأمر
ظاهريا، لمعلومية انتفاء الأمر في الواقع بانتفاء شرطه، والإثم إنما هو للاقدام
على المخالفة، وأما القضاء والكفارة المترتبان على مخالفة الأمر في الواقع فلا ريب
في أن المتجه سقوطهما من هذه الجهة، نعم لو جاء دليل بالخصوص عليهما أو على
أحدهما اتجه الحكم بوجوبهما كما هو واضح، ولمراعاة القاعدة المزبورة جزم الفاضل
في المحكي من تذكرته بأن من تلف ماله قبل عود الحاج وقبل مضي إمكان عودهم
300

لم يستقر الحج في ذمته، لأن نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط، ولكن
أشكله في المدارك باحتمال بقاء المال لو سافر، وبأن فوات الاستطاعة بعد الفراغ
من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعا، وإلا لوجب إعادة الحج مع تلف المال
في الرجوع أو حصول المرض الذي يشق معه السفر، وهو معلوم البطلان،
قلت: قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا وإيابا في الوجوب
(والكافر يجب عليه الحج) عندنا بل الاجماع بقسميه عليه، لشمول
خطاب أدلة الفروع له خلافا لأبي حنيفة (و) لكن (لا يصح منه) ذلك
ما دام كافرا كسائر العبادات وإن اعتقد وجوبه وفعله كما يفعله المسلم، لكون
الاسلام شرطا في الصحة، وكذا لا يصح القضاء عنه لو مات، لعدم كونه أهلا
للابراء من ذلك والاكرام، وعموم الأدلة له ممنوع، فيبقى أصل عدم مشروعية
القضاء عنه سالما، نعم لو أسلم وجب عليه الاتيان به إذا استمرت الاستطاعة،
وإلا لم يجب أيضا وإن فرض مضي أعوام عليه مستطيعا في الكفر، لأن الاسلام
يجب ما قبله، لكن في المدارك يجب عليه ذلك في أظهر الوجهين، ثم قال:
واعتبر العلامة في التذكرة في وجوب الحج استمرار الاستطاعة إلى زمان
الاسلام، وهو غير واضح، قلت: بل الوجوب غير واضح، ضرورة كونه
كالقضاء الذي يثبت عليه بفوات الفريضة، فإنه بالاسلام أيضا يسقط عنه،
فكذلك وجوب الحج، ومرجعه إلى الخطاب به حال كفره على وجه يتحقق به
العقاب لو مات عليه، أما لو أسلم سقط عنه، لما عرفته من جب الاسلام ما قبله
فإنه قد كان في حال أعظم من ذلك، فإذا غفره الله له غفر له ما دونه، ومن
ذلك يعلم أنه لو فقد الاستطاعة قبل الاسلام أو بعده قبل وقته ومات قبل
عودها لم يقض عنه، ولو أحرم لم يعتد باحرامه حال كفره، كما لا يعتد بغيره
من عباداته.
301

(فلو أحرم ثم أسلم) في الأثناء (أعاد الاحرام) من الميقات،
لفساد الأول، (ولو لم يتمكن من العود إلى الميقات أحرم من موضعه) ولعله
إلى ذلك يرجع ما عن الخلاف من أن عليه الرجوع إلى الميقات والاحرام منه،
فإن لم يفعل وأحرم من موضعه وحج تم حجه، لا أن المراد عدم الوجوب، أو
تحقق الإثم خاصة بعدم العود إليه مع الامكان (ولو أحرم بالحج) كافرا
(وأدرك) الاختياري من (الوقوف بالمشعر) مسلما (لم يجزه إلا أن
يستأنف احراما آخر) ولو فيه كما في القواعد والمسالك مع فرض عدم التمكن
وفي كشف اللثام أن قول المحقق: (وإن ضاق الوقت أحرم ولو بعرفات)
كأنه اقتصارا على حال من يدرك جميع الأفعال، وفي المسالك كان حق
العبارة ولو بالمشعر، لأنه أبعد ما يمكن فرض الاحرام منه، فيحسن دخول
" لو " عليه بخلاف عرفة، وإن كان الاحرام منها جائزا، بل أولى به، وفي
المدارك هو جيد إن ثبت جواز استيناف الاحرام من المشعر، لكنه غير واضح
كما سيجئ تحقيقه، قلت: ستعرف وضوحه إن شاء الله.
ثم إن كان الحج افرادا أو قرانا أتم حجه ثم اعتمر بعده، وإن كان
فرضه التمتع وقد قدم عمرته ففي الاجتزاء بها أو العدول إلى الافراد وجهان،
وفي المدارك وجزم الشارح بالثاني منهما هنا، وقال: إن هذا من مواضع الضرورة
المسوغة للعدول من التمتع إلى قسيميه، قلت: لكن ظاهر النصوص الأول،
فالمتجه الجزم بالأول منهما كما عرفته في نظير المقام، بل عرفت غير ذلك أيضا مما
يأتي هنا، فلا حظ وتأمل.
(ولو حج المسلم ثم ارتد) بعده ثم تاب (لم يعد على الأصح) للأصل
بعد تحقق الامتثال، وعدم وجوب حج الاسلام في العمر إلا مرة، وقد
حصلت، خلافا للمحكي عن الشيخ بناء منه على أن الارتداد يكشف عن عدم
302

الاسلام في السابق، لأن الله لا يضل قوما بعد إذ هداهم، وفيه أنه مخالف
للوجدان، ولظواهر الكتاب والسنة، وآية الاحباط (1) إنما تدل على عدم
قبول عمل الكافر حال كفره لا ما عمله سابقا حال إسلامه، ومع التسليم فهو
مشروط بالموافاة على الكفر كما هو مقتضى الجمع بينها وبين الآية (2) الأخرى
الدالة على ذلك، هذا كله مضافا إلى قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة (3):
" من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله
ولا يبطل منه شئ " ونحوه غيره.
(ولو لم يكن مستطيعا) حال إسلامه (فصار كذلك في حال ردته)
ولو عن فطرة بأن استصحبه غيره وحمله إلى مكة والمواقف (وجب عليه الحج)
لاجتماع شرائطه (وصح منه) حج إسلام (إذا تاب) ولو كان عن فطرة
بناء على قبولها منه، سواء استمرت استطاعته إلى ما بعد التوبة أو لا، إجراء
له مجرى المسلم في ذلك لتشرفه بالاسلام أولا، ومعرفة أحكامه التي منها الحج،
وخبر الجب (4) إنما هو في غيره، بل في القواعد " أنه لو مات أي المرتد بعد
الاستطاعة أخرج من صلب تركته ما يحج به عنه وإن لم يتب على إشكال "
لكن فيه ما عرفت من عدم براءة ذمته من ذلك، وعدم تأهله للاكرام، ودعوى
شمول أدلة القضاء له وكون الحج كالدين يمكن منعها أيضا، فلعل الأقوى عدم

(1) سورة المائدة - الآية 7
(2) سورة البقرة - الآية 214
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 1
(4) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 2
والخصائص الكبرى ج 1 ص 249
303

القضاء عنه، بل يقوى ذلك أيضا فيما لو كان مستطيعا قبل الارتداد ثم أهمل ثم
ارتد ومات عليه، فتأمل.
(ولو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح) لما عرفته
في الحج من الأصل وغيره بعد عدم دخول الزمان في مفهومه كالصوم كي يتجه
بطلانه بمضي جزء منه ولو يسيرا، وعدم ثبوت اشتراط الاتصال فيه كالصلاة كي
يتجه بطلانه حينئذ بحصول المنافي للارتباط، بل هو أشبه شئ بالوضوء والغسل
ونحوهما مما لا تبطل الردة ما وقع من أجزائهما إذا حصلت في أثنائهما، فإذا عاد
إسلامه بني حينئذ ما لم يحصل مبطل خارجي كالجفاف ونحوه كما تقدم تحقيق
ذلك في محله، خلافا للمحكي عن الشيخ هنا أيضا، وقد عرفت ما فيه، بل ألزم
هو نفسه هنا بأن المتجه على ذلك عدم لزوم قضاء ما فاته من الصلاة والصوم مثلا حال
الارتداد لو تاب، لكونه حينئذ من الكافر الأصلي، فلا قضاء عليه، لجب
الاسلام ما قبله.
هذا كله في الكافر والمرتد (و) أما (المخالف إذا استبصر) فالمشهور
أنه (لا يعيد) ما فعله من (الحج) على وفق مذهبه، للمعتبرة (1) المستفيضة
التي قد ذكرنا شطرا منها في قضاء الصلاة، وشطرا آخر في الزكاة التي يجب حمل
ما ظاهره الوجوب منها على الندب، لضعفها عن المعارضة من وجوه، وحينئذ
فما عن ابني الجنيد والبراج من وجوب الإعادة عليه واضح الضعف، نعم في المتن
والقواعد والدروس ومحكي المعتبر والمنتهى والتحرير (إلا أن يخل بركن منه)

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب مقدمة العبادات والباب 3 من
أبواب المستحقين للزكاة والباب 23 من أبواب وجوب الحج
304

بل في المدارك نسبته إلى الشيخ وأكثر الأصحاب، وهو متجه إذا كان المراد
عندهم، ضرورة عدم الاتيان بالحج الذي هو شرط في سقوط الإعادة، فإن
المنساق من النصوص المسقطة لذلك إذا كان قد جاء بالحج على وفق ما عندهم،
وأما إذا كان المراد عندنا كما صرح به في الكتب السابقة فمشكل جدا كما اعترف به
غير واحد من متأخري المتأخرين، خصوصا بعد عدم كون الحكم في الصلاة
كذلك، والفرق بينهما في غاية الاشكال، مضافا إلى مخالفة ما هنا لاطلاق
النصوص الذي به قد خرجنا عن قاعدة الإعادة وإن كان الفعل فاسدا كما تقدم
ذلك في قضاء الصلاة.
لكن قد يقال هنا إن المراد بتقييد الركن عندنا الصحة لو أخل بما هو
ركن عندهم لا عندنا كالحلق، لا أن المراد وجوب الإعادة بالاخلال بركن عندنا
وإن لم يكن ركنا عندهم، إذ الظاهر ركنية كل ما كان ركنا عندنا عندهم كما
اعترف به في الذكرى، فلا يمكن حينئذ فرض ذلك، وحينئذ يكون المراد
تكثير ما يحكم بصحته من فعلهم لا تقليله كي يتجه عليه الاشكال بأن إطلاق
النصوص يقتضي الصحة وإن أخل بالركن عندنا، كما أنه يكون حينئذ لا فرق
بينه وبين الصلاة، فإن الظاهر سقوط القضاء إذا جاء بها تاركا فيها لما يفسد
تركه عندهم ولا يفسد عندنا إذا فرض وقوعها منه على وجه لا ينافي التقرب وإن
فقدت النية المفسد تركها عند الجميع، فيرتفع الاشكال حينئذ من أصله.
ولعل الذي دعاهم إلى هذا التقييد هنا دون الصلاة هو ما عرفته من أن
كل ركن عندنا ركن عندهم ولا عكس، بخلاف الصلاة فإن وجوه المخالفة بيننا
في التروك والأفعال متكثرة، وقد أرادوا بذلك بيان سقوط الإعادة هنا عنه إذا
كان قد جاء بالفعل وقد ترك ما هو ركن عندهم لا عندنا والفرض أنه استبصر،
لا أن المراد ثبوت الإعادة عليه بتركه ما هو ركن عندنا وليس ركنا عندهم كي
305

يتجه عليه الاشكال بأن إطلاق النصوص يقتضي الصحة في هذا الفرد، فتأمل
جيدا فإنه دقيق نافع.
بل قد ينقدح منه قوة القول بصحة عبادة المستبصر التي قد جاء بها قبل
استبصاره على وفق ما عند الشيعة إذا فرض كونها على وجه لا ينافي التقرب،
بل يدعى القطع، ضرورة أولويته من سقوط القضاء والإعادة عنه بالفعل المخالف
لهم الذي هو فاسد في الواقع، والتردد الذي وقع من بعضهم إنما هو في عبادة
المخالف الباقي على خلافه إذا جاء بها على وفق ما عند أهل الحق وفرض كونها
على وجه لا ينافي النية منه من كونه مكلفا بالفروع وقد جاء بتكليفه فيتحقق امتثاله
ومن كون الايمان شرطا فيعتبر في الصحة وقوع ذلك الفعل به لا له أم زمانه (1)
فلا تجزيه الإصابة الاتفاقية، وإلا لاستحق الثواب الأخروي على فعله بمقتضى
الوعد المعلوم حرمانه منه بالضرورة من المذهب، فتأمل جيدا.
ثم إن هذا السقوط عنه لانكشاف صحة فعله بالايمان المتأخر أو أنه تفضل
من الله تعالى، قد أطنب في الحدائق تبعا للمدارك في ترجيح الثاني مستدلين
عليه بما دل (2) على بطلان عبادة المخالف، وإنها هي الهباء المنثور، والرماد
الذي اشتدت به الريح والسراب الذي يحسبه الظمآن ماء، وغير ذلك مما ورد
فيهم، وفيه أن القائل بالأول لا يلتزم صحة عباداتهم مع بقائهم على خلافهم إلى
الموت، بل المراد صحة خصوص من تعقبه الايمان منهم، فيكون الشرط في الصحة
حينئذ حصوله مقارنا أو متأخرا، ولما كان علم الله تعالى بما يكون كعلمه بما كان

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولعل الصواب " وقوع ذلك الفعل بدلالة
إمام زمانه "
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب مقدمة العبادات - الحديث 1
والمستدرك - الباب - 27 منها - الحديث 61 و 64 وتفسير البرهان - سورة النور
الآية 39
306

وقد علم تعقبه للايمان فهو صحيح من أول وقوعه وإن كنا نحن لم نعلم به لجهلنا
بحصول الشرط، ويؤيد ذلك ما في نصوص المقام (1) من أنه إذا استبصر يؤجر
على عمله الذي عمله حال خلافه، فإن الأجر عليه يقضي صحته، ولا استبعاد في
الحكم بصحته في هذا الحال وإن كان هو على خلاف ما عليه أهل الحق، كالفعل
الموافق للتقية، وهو قوي جدا، بل هو المحكي عن الفاضل في المختلف وخيرة
الفاضل الطباطبائي.
كما أنه يقوى بملاحظة النصوص واشتمالها على الناصب والحرورية ونحوهم
من الفرق المحكوم بكفرها لغلوها أو لكونها من الخوارج عدم الفرق في الحكم
المزبور بين جميع فرق المسلمين وإن كان بعضهم كافرا بل وإن كان مرتدا عن
فطرة، فما عن العلامة من قصر الحكم على من لم يكن كافرا منهم في غير محله،
لا لشمول المخالف لهم نصا وفتوى، فإنه قد يقال بكون المنساق منه من حيثية
الخلاف لا إذا انضمت إليه حيثية الكفر، بل لما سمعته من النصوص السابقة.
نعم ينبغي قصر الحكم على خصوص هذه الفرق، فلا يلحق بهم المحق
الجاهل إذا وقع حجه مثلا على وفق أهل الخلاف ثم بان له بعد ذلك الواقع،
وإن تردد فيه في الدروس ظنا منه أن ذلك أولى من صحة عبادة المخالف المخالفة
للواقع مع مخالفة اعتقاد الفاعل، لكنه كما ترى قياس لا نقول به، ضرورة
عدم وصول العقل إلى هذه الأولوية، وليس في النصوص إشارة إلى علة يمكن
جريانها في الفرض كما هو واضح، فيتجه حينئذ بقاؤها على مقتضى القواعد،
ودعوى اقتضائها الصحة لقاعدة الاجزاء قد فرغنا من بيان فسادها في الأصول.

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب مقدمة العبادات والباب 3 من
أبواب المستحقين للزكاة والباب 23 - من أبواب وجوب الحج
307

(و) كيف كان ف‍ (هل الرجوع إلى كفاية) للمعيشة (من صناعة
أو مال أو حرفة) أو ضيعة أو نحو ذلك (شرط في وجوب الحج؟ قيل)
والقائل الشيخان والحلبيان وابنا حمزة وسعيد وجماعة: (نعم) يشترط، بل عن
الخلاف والغنية الاجماع عليه (ل‍) لأصل والحرج و (رواية أبي الربيع)
الشامي (1) " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: " ولله على الناس
حج " - الآية - فقال: ما يقول الناس؟ قال: فقيل: الزاد والراحلة، قال: فقال
أبو عبد الله (عليه السلام): قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال: هلك الناس إذا
لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس
ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا، فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة
في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله، أليس قد فرض الله
الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم " وعن بعض النسخ " ينطلق إليه "
كما عن المقنعة روايته " هلك الناس إذا كان من له زاد وراحلة لا يملك غيرهما أو
مقدار ذلك مما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحج
بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا، فقيل له: فما السبيل عندك؟
فقال: السعة في المال، وهو أن يكون معه ما يحج ببعضه ويبقى بعض يقوت به
نفسه وعياله " وخبر الأعمش (2) عن الصادق (عليه السلام) أيضا في تفسير السبيل " هو
الزاد والراحلة مع صحة البدن، وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما يرجع
إليه من حجه " وغيرهما من بعض (3) الأخبار المرسلة.
(وقيل) والقائل المرتضى وابن إدريس وابنا أبي عقيل والجنيد

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 4 - 5
308

والمتأخرون: (لا) يشترط، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر، بل الشهرة
(عملا بعموم الآية) والنصوص لصدق اسمها بدونه لغة وعرفا (وهو
الأولى) وبذلك ينقطع الأصل، كما أن من الواضح عدم الحرج خصوصا بعد
ملاحظة ما ضمنه الله من الرزق، ومنع الاجماع سيما مع ملاحظة ذهاب من عرفت
إلى خلافه، وعدم دلالة الخبر بعد الطعن في سنده، بل لعله على عكس ذلك
أدل حتى على زيادة المقنعة، ودعوى ظهور إرادة ذلك من قوت نفسه باعتبار
معلومية إرادة ما بعد رجوعه - كقوله (عليه السلام): " يرجع فيسأل الناس بكفه " أو
دعوى إرادة ما يستمر تحصيل القوت منه لا مقدار ذهابه وإيابه، بل لعله المراد
من كل رواية اشتملت على اعتبار ذلك، أو دعوى ظهور قوله (عليه السلام): " أليس
قد فرض الله " إلى آخره، في اعتبار بقاء شئ زائد على ما يكفيه للحج ذهابا
وإيابا، وليس هو إلا ما عند الخصم للاجماع على عدم غيره - كما ترى، إذ
لا دلالة في الأول والأخير على اعتبار ما ذكروه من مقدار الكفاية الظاهر بعد
عدم التقييد بسنة أو بما دونها في إرادة الدوام والاستمرار عادة بأن تكون له
صنعة أو عقار يكفيه نماؤه أو نحو ذلك مما يتخذه الانسان معاشا، ومن المعلوم
عدم استفادة ذلك من الخبر المزبور، وتتميمه بالاجماع كما هو مقتضى الدعوى
الثالثة ليس بأولى من طرحه، لاشتماله على ما لا يقول به الجميع، ضرورة أن
تحميله إرادة مقدار الكفاية بالمعنى المزبور مما فيه مما يكاد يقطع بعدمه، فلا يصلح
حينئذ لتقرير الاستدلال به، فتأمل.
وما عن بعض المراسيل (1) من التنصيص على ذلك لا جابر له، كما أنه
لا ظهور في خبر المقام في إرادة الاستمرار مما فيه من اعتبار التقوت وإن كان

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 5
309

هو محتملا، لكن لا يخفى عليك أن مجرد الاحتمال لا يكفي في الاستدلال،
خصوصا في مثل المقام المخالف لاطلاق الكتاب والسنة، على أنه من المستبعد
جدا عدم وجوب الحج على من يملك جملة وافرة من أعيان الدراهم التي لا يزيد
نماؤها على مقدار كفايته، وإن كان لو أراد صرفها عينها تقوم به وبحجه سنين
وكذا من عنده عقار كذلك، كما أنه من المستبعد عدم ذكر ذلك في المستثنيات
السابقة التي لا ينكر ظهور كلامهم في ذلك المقام في الاقتصار على مستثنيات الدين
على إشكال في بعضها، بل من المستبعد أيضا اشتراط الغنى في وجوب الحج الذي
هو مقتضى هذا الشرط، بل فيه زيادة على الغنى، مع أن مقتضى النصوص أعم
من ذلك، فرب فقير لا يملك قوت سنته يجب عليه الحج، لاستطاعته، ورب
غنى يملكها لا يجب عليه، لعدم استطاعته له إلا بانفاق ما يجب عليه مما عرفت
استثناءه، ولعل هذا هو المراد بخبر أبي الربيع على معنى عدم كفاية نفس الغنى
في الوجوب، بل لا بد من اعتبار ما يزيد على ذلك، ضرورة تحققه بملك قوت
السنة فعلا أو قوة، ومثل ذلك قد لا يكفي في وجوب الحج، كما هو واضح.
(و) كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال نصا وفتوى في أنه (لو اجتمعت
الشرائط فحج متسكعا أو حج ماشيا أو حج في نفقة غيره أجزأه عن الفرض) بل
الاجماع بقسميه عليه، ضرورة صدق الامتثال، وعدم وجوب صرف المال إلا
للتوقف عليه، وبذلك يفرق بينه وبين من حج متسكعا قبل حصول الشرائط،
لعدم الأمر حينئذ، فلا امتثال، بل هو كالصلاة قبل وقتها.
(و) على كل حال ف‍ (من وجب عليه الحج) أو ندب (فالمشي) للحج
خضوعا وخشوعا وطلبا للأحمز من حيث كونه مشيا (أفضل له من الركوب)
من حيث كونه ركوبا، وفاقا للمشهور بين الأصحاب، لقول الصادق (عليه السلام) في
310

خبر ابن سنان (1) وغيره: " ما عبد الله بشئ أشد من المشي ولا أفضل "
والمراد إلى بيته، لقوله (عليه السلام) في مرسل أبي الربيع (2) المروي عن كتاب ثواب الأعمال: " ما عبد الله بشئ مثل الصمت والمشي إلى بيته " ومرسل الفقيه (3)
" روي أنه ما تقرب العبد إلى الله عز وجل بشئ أحب إليه من المشي إلى بيته
الحرام على القدمين " وقد سئل أبو عبد الله (4) (عليه السلام) " عن فضل المشي فقال:
إن الحسن بن علي (عليهما السلام) قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلا ونعلا وثوبا
وثوبا ودينارا ودينارا، وحج عشرين حجة ماشيا " وقال أيضا في خبر
أسامة (5): " خرج الحسن بن علي (عليهما السلام) إلى مكة ماشيا فورمت
قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبت لسكن عنك هذا الألم، فقال: كلا "
الحديث. وفي خبر أبي المنكدر (6) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قال ابن عباس:
ما ندمت على شئ صنعته ندمي على أن لم أحج ماشيا، لأني سمعت رسول الله
(صلى الله عليه وآله) يقول: من حج بيت الله ماشيا كتب الله له ستة آلاف حسنة من حسنات
الحرم، قيل: يا رسول الله وما حسنات الحرم؟ قال: حسنة بألف ألف حسنة،
وقال: فضل المشاة في الحج كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم، وكان
علي بن الحسين (عليهما السلام) يمشي إلى الحج ودابته تقاد وراءه ".

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 6 - 5 - 3 والثاني مرسل الربيع بن محمد المسلى
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 6 - 5 - 3 والثاني مرسل الربيع بن محمد المسلى
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 6 - 5 - 3 والثاني مرسل الربيع بن محمد المسلى
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 6 - 5 - 3 والثاني مرسل الربيع بن محمد المسلى
(5) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 8 وهو
عن أبي أسامة كما في أصول الكافي ج 1 ص 463
(6) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 9 مع الاختلاف فيه
311

أما المشي لا لذلك بل ليكون أقل لنفقته فلا ريب في أن الركوب أفضل
منه مع يساره، لقول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1): وقد سئل عن
المشي أفضل أو الركوب: " إن كان الرجل موسرا فيمشي ليكون أقل لنفقته
فالركوب أفضل " ولعله دفعا للشح وصرفا للمال في طريق الحج وعدم الثواب في
المشي في الفرض أصلا، كما أنه قد يقترن الركوب بما يترجح به على المشي كالقوة
على العبادة والعجلة إليها، أو دفع النقص عنه بتخيل الشح والقلة من الأعداء
والحساد ونحو ذلك، كما أو ماء إليه خبر هشام بن سالم (2) قال: " دخلنا على
أبي عبد الله (عليه السلام) أنا وعنبسة بن مصعب وبضعة عشر رجلا من أصحابنا فقلت:
جعلني الله فداك أيما أفضل المشي أو الركوب؟ فقال: ما عبد الله بشئ أفضل
من المشي، فقلنا: أيما أفضل يركب إلى مكة فيعجل فيقيم بها إلى أن يقدم
الماشي أو يمشي؟ فقال: الركوب أفضل " وخبر عبد الله بن بكير (3) " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا نريد الخروج إلى مكة مشاة فقال: لا تمشوا واركبوا،
فقلت: أصلحك الله بلغنا أن الحسن بن علي (عليهما السلام) حج عشرين حجة
ماشيا، فقال: إن الحسن بن علي (عليهما السلام) كان يمشي وتساق معه محامله
ورجاله " وخبر سيف التمار (4) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا كنا نحج مشاة

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب وجوب الحج - الحديث
10 - 6 - 5 مع الاختلاف في لفظ الأخير، ورواه في التهذيب ج 5 ص 478
الرقم 1690 بعين ما ذكر في الجواهر
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 32 من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
وذيله في الباب 33 منها - الحديث 3
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
312

فبلغنا عنك شئ فما ترى؟ فقال: إن الناس يحجون مشاة ويركبون، قلت:
فليس عن هذا أسألك فقال: فعن أي شئ سألت؟ قلت: أيهما أحب إليك أن
نصنع؟ قال: تركبون أحب إلي، فإن ذلك أقوى لكم في الدعاء والعبادة ".
وإلى هذا الأخير أو ماء المصنف بقوله: (إذا لم يضعفه) أي المشي
(ومع الضعف الركوب أفضل) نحو ما سمعته في صوم عرفة، ولا يتوهم من
ذلك أفضلية الركوب من حيث كونه ركوبا، وذلك حكمة له، بل المراد ضم
مرجح له، بل لعل ما ورد في جملة من النصوص (1) من أفضليته على المشي معللة
له بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد ركب محمول على ذلك، بمعنى أن من ركب ملاحظا
للتأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) قد يترجع ركوبه على مشيه، وبذلك يتضح لك عدم
التعارض بين النصوص، وأنه لا حاجة إلى ما أطنبوا به من تعدد صور الجمع،
حتى ذهب إلى كل بعض، ضرورة معلومية رجحان المشي من حيث كونه مشيا،
بل لعله ضروري، وأن المراد بما دل على رجحان الركوب عليه من النصوص
إنما هو من حيث اقتران بعض المرجحات به، فهو من باب دوران المستحبات
وترجيح بعضها على بعض، لا أن الركوب من حيث كونه ركوبا أفضل من
المشي من حيث كونه، مشيا، فإن ذلك مقطوع بفساده، بل لا ينبغي للفقيه
احتماله، ومثله الكلام في المشي إلى المشاهد، خصوصا (مشهد ظ) سيدي
ومولاي أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) والله العالم.
(مسائل أربع: الأولى إذا استقر الحج في ذمته ثم) لم يفعله - والمراد
به ما يعم النسكين وأحدهما، فقد تستقر العمرة وحدها، وقد يستقر الحج وحده
وقد يستقران - فعله متى تمكن منه على الفور ولو متسكعا بلا خلاف أجده فيه

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 و 2 و 4 و 8
313

ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص دالة عليه، بل لعله المراد من
خبر أبي بصير (1) الذي سأل الصادق (عليه السلام) فيه عن قول الله عز وجل: " ولله "
- إلى آخره - فقال: يخرج ويمشي إن لم يكن عنده مال، قال: لا يقدر على
المشي قال: يمشي ويركب، قال: لا يقدر على ذلك يعني المشي قال: يخدم
القوم ويخرج معهم " فإن لم يفعل حتى (مات) ولو لعدم تمكنه (قضي عنه)
أي فعل عنه (من أصل تركته) كسائر الديون لا من الثلث بلا خلاف أجده
فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه أيضا، خلافا لأبي حنيفة ومالك والشعبي
والنخعي قال الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (2): " يقضى عن الرجل حجة
الاسلام من جميع ماله "
وسئل (عليه السلام) أيضا في خبر سماعة (3) " عن الرجل يموت
ولم يحج حجة الاسلام ولم يوص أيضا وهو موسر قال: يحج عنه من صلب ماله
لا يجوز غير ذلك " (فإن كان عليه دين) ولو خمس أو زكاة مثلا ووفت التركة
بالجميع فلا إشكال (و) إن (ضاقت) أي (التركة قسمت على الدين، وأجرة
المثل بالحصص) كما تقسم في الديون، لاشتراك الجميع في الثبوت وفي التعلق
بالمال، لاتفاق النص والفتوى على كونه دينا أو بمنزلته، فما عن الشافعي - من
تقديم الحج في قول: بل عن الجواهر احتماله، وفي آخر تقديم الدين - في غير
محله وإن مال إلى الأول في الحدائق للحسن عن معاوية بن عمار (4) " قلت له:
رجل يموت وعليه خمسمائة درهم من الزكاة وعليه حجة الاسلام وترك ثلاثمائة درهم

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحج - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المستحقين للزكاة - الحديث 2
من كتاب الزكاة
314

وأوصى بحجة الاسلام وأن يقضى عنه دين الزكاة قال: يحج عنه من أقرب
ما يكون ويرد الباقي في الزكاة " قال: ومثلها ما رواه الشيخ في التهذيب (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا " في رجل مات وترك ثلاثمائة درهم وعليه من الزكاة
سبعمائة درهم فأوصى أن يحج عنه قال: يحج عنه من أقرب المواضع ويجعل
ما بقي في الزكاة " وفيه - بعد إعراض الأصحاب عنهما وقصور سند الثاني منهما
واختصاصهما بالزكاة - أنه يمكن كون ما ذكره فيهما مقتضى التوزيع أيضا،
فلا إشكال حينئذ.
ولو كان قد استقر عليه كل من النسكين ووسع النصيب خصوص أحدهما
صرف فيه، وإن وسع كل منهما تخير للتساوي في الاستقرار، ويحتمل تقديم
الحج لكونه أهم في نظر الشارع، وتقديمه ممن عليه الافراد والقران خاصة،
وتقديم العمرة ممن عليه التمتع خاصة، والتخيير ممن عليه أحد الأنواع مخيرا،
وقد يحتمل سقوطهما عمن عليه التمتع لدخول العمرة في حجه، وإن لم يف النصيب
بشئ من النسكين صرف في الدين لا فيما بقي به من الأفعال من طواف ووقوف
لعدم التعبد بشئ منها وحدها عدا الطواف، واحتمال إثبات مشروعية ذلك
بقاعدة الميسور و " ما لا يدرك " قد بينا فساده في محله، على أن الظاهر قصر
الاستدلال بها على ما يعضدها فيه كلام الأصحاب، لقصور سندها وعدم ثبوت
كونها قاعدة، وكلام الأصحاب على الظاهر بخلافها هنا، بل لعل ظاهره كون
الطواف أيضا كذلك، لاطلاقهم رجوع النصيب ميراثا بمجرد قصوره عن
الحج أو العمرة، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فقد ظهر لك أن تعلق الحج بالتركة على نحو تعلق الدين بها

(1) الوسائل - الباب - 42 - من كتاب الوصايا - الحديث 1
315

الذي تعرف البحث فيه إن شاء الله في محله على تقديري الاستيعاب وعدمه،
كما أن يأتي أيضا إن شاء الله كيفية تعلق حق الوارث بالتركة، وأنه مخالف
لقواعد الشركة فيما لو أقر الوارث بوارث آخر، فإن النص والفتوى كما تسمعه
إن شاء الله في كتاب الاقرار وغيره متطابقان على دفع الفاضل مما في يده إن
كان لمن أقر له، لا أنه يشاركه فيما في يده وإن كان مساويا له في الإرث، كما
إذا أقر بأخ له وأنكره الآخر وكان الإرث لهما فإنه يدفع له ثلث ما في يده،
وهو تكملة حصة المقر له الباقية عند المنكر، أما إذا لم يكن له في يده شئ كما لو
أقر الأخ لأم بأخ لأب فلا شئ له، وكذا لو أقر لآخر آخر من الأم فإن لهما
الثلث، وليس في يد المقر إلا السدس، وهو نصيبه مع فرض الموافقة، فليس في
يده أزيد من نصيبه كي يدفعه إلى من أقر له، ولا ريب في مخالفة ذلك لقواعد
الشركة التي مقتضاها التساوي في الحاصل والتالف لهما وعليهما، كما لو أقر أحد
الشريكين في دار مثلا لآخر بالشركة معهما على السوية وأنكر الآخر وقاسم المقر
بالنصف كان النصف بينهما بالسوية، تنزيلا للاقرار على الإشاعة، بخلافه في
الاقرار بالوارث، وقد تجشمنا وجها للفرق بينهما في غير المقام، إلا أن الانصاف
كون الفارق النص والفتوى.
ونحو ذلك في مخالفة القواعد إقرار الوارث بالدين وإنكار شركائه، فإنه
لا يمضي إلا على مقدار حصته وإن استوعبها، كما لو ترك الميت ابنين وبنتا وألفا
مثلا وأقر أحد الولدين بألف دينا فإنه يدفع جميع ما في يده من الألف وهو
أربعمائة للمقر له، لأنه لا إرث له باعترافه، أما إذا أقر بخمسمائة فإنه يدفع مما في
يده مائتين، لأنه الذي تعلق بنصيبه من الدين الذي هو موزع على ما في يده
ويد أخيه وأخته بلا خلاف محقق معتد به أجده في شئ من ذلك عندنا نصا
وفتوى، نعم يحكى عن الشافعي وجوب دفع جميع ما في يده في الدين، لأنه
316

لا إرث إلا بعده، ولا ريب في بطلانه، ومثل ذلك يأتي في الحج الذي قد
عرفت كونه من الدين أيضا.
لكن ذلك كله في إقرار الوارث بوارث أو دين، أما إذا أقر الديان
لآخر بدين وارثا كان أو غيره وفرض استيعابه للتركة على تقدير موافقة الشريك
وكذا لو أقر بحج أيضا فالذي تقتضيه قاعدة تنزيل الاقرار على الإشاعة قسمة
الحاصل في يد المقر من دينه على حسب دينهما معا، وربما يشهد له ما رواه
الصدوق في الفقيه عن محمد بن أبي عمير متصلا بالحكم بن عتيبة (1) قال: " كنا
على باب أبي جعفر (عليه السلام) ونحن جماعة ننتظر أن يخرج إذ جاءت امرأة فقالت:
أيكم أبو جعفر؟ فقال لها القوم: ما تريدين منه؟ فقالت: أسأله عن مسألة،
فقالوا لها: هذا فقيه أهل العراق فاسأليه، فقالت: إن زوجي مات وترك ألف درهم وكان لي عليه من صداقي خمسمائة درهم، فأخذت صداقي وأخذت ميراثي
ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدت له، قال الحكم: فبينما أنا أحسب إذ
خرج أبو جعفر (عليه السلام) فقال: ما هذا الذي أراك تحرك به أصابعك يا حكم؟ فقلت:
إن هذه المرأة ذكرت أن زوجها مات وترك ألف درهم وأن لها عليه من صداقها
خمسمائة درهم وأخذت ميراثها ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدت له، قال
الحكم: فوالله ما أتممت الكلام حتى قال: أقرت بثلثي ما في يدها ولا ميراث لها
قال الحكم: فما رأيت والله أفهم من أبي جعفر (عليه السلام) قط " قال ابن أبي عمير:
وتفسير ذلك أنه لا ميراث لها حتى تقضي الدين، وإنما ترك ألف درهم وعليه من
الدين ألف وخمسمائة درهم لها وللرجل، فلها ثلث الألف، لأن لها خمسمائة درهم

(1) الوسائل - الباب - 26 - من كتاب الوصايا - الحديث 8 مع الاختلاف
في الألفاظ ورواة في الفقيه ج 4 ص 166 الرقم 579 بعين ما ذكر في الجواهر
317

وللرجل ألف درهم، فله ثلثاها، وهو صريح فيما ذكرناه مما هو موافق للقاعدة
المزبورة التي مقتضاها أن تركة الميت نحو مال المفلس في كونها أسوة الغرماء،
وكذا رواه الشيخ في بعض نسخ التهذيب، بل مقتضى ذلك عدم الفرق بين كون
الدين مستوعبا أم لا، وإن كان له الرجوع فيما قبضته حينئذ إرثا على مقدار
ما يخصه من الدين، بخلاف ما قبضته من الدين، فإنه يقسم بين المقر والمقر له
على حسب دينهما، لكن رواه في الكافي في كتاب الوصايا وكتاب المواريث
" أقرت بثلث ما في يدها " حاكيا في الأول منهما ما سمعته من تفسير ابن أبي عمير
وفي الثاني منهما أيضا عن الفضل بن شاذان (1) ما نصه " وتفسير ذلك أن الذي
على الزوج صار ألفا وخمسمائة درهم، للرجل ألف، ولها خمسمائة، وهو ثلث الدين
وإنما جاز إقرارها في حصتها، فلها مما ترك الميت الثلث، وللرجل الثلثان، فصار
لها مما في يدها الثلث، ويرد الثلثان على الرجل، والدين استغرق المال كله، فلم
يبق شئ يكون لها من ذلك الميراث، ولا يجوز إقرارها في حق غيرها " وهما
كما ترى لا يتمان خصوصا الثاني منهما إلا على كون الرواية ثلثي ما في يدها لا ثلث،
ومن هنا قال في الدروس - بعد أن روى الخبر المزبور كما سمعته من الصدوق
قدس سره ثم حكى عن الكليني ما سمعته من الفضل: - قلت: " هذا مبني على
أن الاقرار يبنى علي الإشاعة وأن إقراره لا ينفذ في حق الغير، والثاني لا نزاع
فيه، وأما الأول فظاهر الأصحاب أن الاقرار إنما يمضى على قدر ما زاد عن حق
المقر بزعمه، كما لو أقر بمن هو مساو له، فإنه يعطيه ما فضل عن نصيبه ولا يقاسمه
فحينئذ يكون قد أقرت بثلث ما في يدها، أعني خمسمائة، لأن لها بزعمها وزعمه
ثلث الألف الذي هو ثلثا خمسمائة، فيستقر ملكها عليه، ويفضل معها ثلث خمسمائة

(1) الكافي ج 7 ص 168 الطبع الحديث
318

وإذا كانت أخذت شيئا بالإرث فهو بأسره مردود على المقر له، لأنه بزعمها
ملك له، والذي في التهذيب نقلا عن الفضل " لقد أقرت بثلث ما في يدها "
رأيته بخط مصنفه، وكذا في الاستبصار، وهذا موافق لما قلناه، وذكره
الشيخ قدس سره بسند آخر عن غير الفضل وعن غير الحكم متصلا بالفضل بن
يسار (1) عنه (عليه السلام) " أقرت بذهاب ثلث مالها، ولا ميراث لها، تأخذ المرأة
ثلثي خمسمائة، وترد عليه ما بقي " قلت: هو كذلك فيما حضرني من نسخ
التهذيب المعتبرة وإن كان كتب في الهامش نسخة الثلث التي ينفيها خبر الفضل بن
يسار المصرح بما سمعت مع زيادة، لأن إقرارها على نفسها بمنزلة البينة، لكن
قد يقال إن هذا الخبر غير نقي السند بمحمد بن مروان، والأول مع كون
الراوي الحكم الذي هو من العامة في التهذيب عن السعدي عنه، وفي الفقيه زكريا
ابن يحيى السعدي، وفي الكافي زكريا بن يحيى الشعيري، مضافا إلى ما سمعته
من اختلاف متنه في الثلث والثلثين، وما ذكره الفضل وابن أبي عمير في تفسيره
ولا جابر إلا ما سمعته من النسبة إلى ظاهر الأصحاب التي لم نتحققها، إذ لم أعثر
على من تعرض لمفروض المسألة ولا الخبر المزبور عداه قدس سره، نعم هو كذلك
في الاقرار بوارث أو دين كما سمعت تفصيل الكلام فيه، ودعوى اتحاد الفرض
مع ذلك واضحة المنع، فالمتجه حينئذ مراعاة قاعدة تنزيل الاقرار على الإشاعة
نحو ما سمعته في إقرار أحد الشريكين، ضرورة اتحاد كيفية تعلق دين كل منهما
بالتركة، كما أن الزعم من كل منهما متحد في استحقاق الثلث والثلثين من الألف
في مفروض الخبر، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط، والله تعالى العالم.

(1) الوسائل - الباب - 26 - من كتاب الوصايا - الحديث 9 عن الفضيل
ابن يسار كما في التهذيب ج 9 ص 169 الرقم 691
319

المسألة (الثانية يقضى الحج من أقرب الأماكن) عند الأكثر، بل المشهور
بل عن الغنية الاجماع عليه، والمراد به كما في المدارك " أقرب المواقيت إلى مكة
إن أمكن الاستيجار منه، وإلا فمن غيره مراعيا الأقرب فالأقرب، فإن تعذر
الاستيجار من أحد المواقيت وجب الاستيجار من أقرب ما يمكن الحج منه إلى
الميقات " وفي القواعد " من أقرب الأماكن إلى الميقات " ومزجها في كشف اللثام
قال: " وإنما يجب أي الحج عنه من أقرب الأماكن إلى مكة من بلده إلى الميقات
فإن أمكن من الميقات لم يجب إلا منه، وإلا فمن الأقرب إليه فالأقرب، ولا يجب
من بلد موته أو بلد استقراره عليه " قلت: الظاهر اتحاد المراد، وهو الحج عنه
من أقرب الأماكن إلى مبدأ نسك الحج، فلو فرض عدم التمكن من ذلك إلا من
بلده وجب، ولا يشكل ذلك بمنافاته لحق الوارث بعد إيجاب الشارع الحج من
جميع ماله، وقد فرض توقفه على ذلك فيجب، بل الظاهر تقديمه على ما لو تمكن
من الحج عنه من أدنى الحل أو من مكة مثلا أو نحو ذلك من مواقيت الاضطرار
بمعنى دوران الأمر بين الحج عنه من بلده وبين مواقيت الاضطرار، فإنه يقدم
الأول، كما هو واضح، بل الظاهر مراعاة مزاحمته للدين على هذا الوجه أيضا،
إذ الاضطرار بالنسبة إلى الميت قصور ماله، والفرض سعته، وتكون حينئذ
الأجرة خارجة من الأصل على جميع الأقوال، وإلى هذا أو ماء في المدارك بقوله:
" فلو أوصى بالحج من البلد فإن قلنا بوجوبه كذلك من دون وصية كانت أجرة
المثل لذلك خارجة من الأصل، وإن قلنا الواجب الحج من الميقات كان ما زاد
على أجرة ذلك محسوبا من الثلث إن أمكن الاستيجار من الميقات، وإلا وجب
الخراج من حيث يمكن، وكانت أجرة الجميع من الأصل كما هو واضح " فإن
المراد بقوله: " وإلا " إلى آخره ما أشرنا إليه، فمن الغريب إنكاره عليه في
320

الحدائق وإطنابه في ذلك، وقوله: إني لا أفهم لهذه العبارة معنى صحيحا،
فلاحظ وتأمل، نعم لو فرض عدم سعة ماله إلا للحج عنه من أدنى الحل أو من
مكة وجب، لاطلاق الأدلة وخصوص خبر علي بن يزيد صاحب السابري (1) قال:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في
ذلك فلم يكف للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا، تصدق بها، فقال
(عليه السلام): ما صنعت بها؟ فقال: تصدقت بها، فقال: ضمنت إلا أن لا يكون يبلغ
ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان "
والله العالم، وعلى كل حال فهذا أحد الأقوال في المسألة.
(وقيل) والقائل الشيخ وابن إدريس ويحيى بن سعيد وغيرهم (يستأجر
من بلد الميت، وقيل: إن اتسع المال فمن بلده وإلا فمن حيث أمكن) واختاره
في الدروس، قال: " يقضى من أصل تركته من منزله، ولو ضاق المال فمن حيث
أمكن ولو من الميقات على الأقوى " بل في المدارك إرجاع القول الأول إليه،
قال: الموجود في كلام الأصحاب حتى في كلام المصنف في المعتبر أن في المسألة
قولين، وقد جعل المصنف هنا الأقوال ثلاثة، ولا يتحقق الفرق بين القولين
الأخيرين إلا على تقدير القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد
على القول الثاني، ولا نعرف بذلك قائلا، مع أنه مخالف للروايات كلها، وتبعه
على ذلك في الحدائق، لكن قد يناقش بامكان عدم التزام سقوط الحج بل ينتقل
إلى الحج من الميقات، ولا يجب الاستيجار من حيث أمكن كما هو مقتضى جملة
من الروايات، وبذلك يتحقق الفرق بين القولين، أو يقال بوجوب التكميل من
الولي مع القصور أو الحج عنه بنفسه كما يقتضيه إطلاق الوجوب، وكذا

(1) الوسائل - الباب - 37 - من كتاب الوصايا - الحديث 2
321

وجوب اختيار المتبرع بالحج عنه للنيابة حينئذ وإن وجب الحج من الميقات مع
التعذر مطلقا.
(و) كيف كان ف‍ (الأول أشبه) للأصل ومحكي الاجماع وعدم
اشتراط الحج بالمسير إلا عقلا، فهو على تقدير وجوبه واجب آخر لا دليل على
وجوب قضائه، ولذا لو سار المستطيع في بلده إلى أحد المواقيت لا بنية الحج
ثم أراده فأحرم صح وإن أساء بتأخير النية، وكذا لو أفاق المجنون عند الميقات
بل لو قلنا بتبعية القضاء للأداء لم يجب هنا، ضرورة أن القول بذلك إنما هو
لتوهم تحليل الخطاب المتعلق بالأداء إلى إيجاب مطلق الفعل وإيجابه أداء، ومن
المعلوم أن دليل وجوب المقدمة لا يصلح لذلك، إذ هو إنما يعقل في شأن
المكلف بالأداء، على أن التبعية المزبورة على تقدير تسليمها إنما تقتضي الوجوب
من بلد الاستطاعة دون بلد المنزل والموت، ولا ريب في بطلانه، اللهم إلا أن
يقال إن ذلك كذلك إن لم ينتقل إلى ما هو أقرب منه إلى الميقات، وإلا وجب
القضاء منه، إلا أن الجميع كما ترى شك في شك، والتحقيق ما عرفت، مضافا
إلى إطلاق ما دل من المعتبرة المستفيضة (1) على وجوب القضاء من دون تقييد
بناء على عدم انصرافه إلى خصوص البلد، بل قد يؤيد أيضا بصحيح حريز (2)
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج
عنه من البصرة فقال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه " إذ لو كان
الطريق معتبرا لم ينف البأس عن ذلك، فإن قوله: " من الكوفة " إن جعل
متعلقا بقوله: " يحج عنه " كان من مسألة من استؤجر على طريق فحج على

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب وجوب الحج
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
322

غيره، وستسمع الخلاف فيها، ومبنى الصحة على عدم اعتبار الطريق في الحج،
وإن جعل صفة لرجل كان وجه الاستدلال فيه أنه لو كان الطريق معتبرا لوجب
ملاحظة بلد من عليه الحج وإن أطلق في الإجارة، لانصراف ذلك إليه.
بل أيد أيضا بصحيح علي بن رئاب (1) عنه (عليه السلام) أيضا " في رجل أوصى
أن يحج عنه حجة الاسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما قال: يحج عنه
من بعض المواقيت التي وقتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قرب " باعتبار عدم استفصاله
عن إمكان الحج بذلك من البلد أو غيره مما هو أبعد من الميقات، وإن كان قد
يناقش بامكان كون ذلك لظهور السؤال في قصور الخمسين عن الأزيد من الميقات
ولو باعتبار العرف والعادة، بل لا بد من ارتكاب ذلك فيها، ضرورة كون
السؤال في الوصية التي يعترف هذا المؤيد بتنزيلها على البلد، وإلا فمن حيث يمكن
كما تسمعه في خبر محمد بن أبي عبد الله (2)، وبخبر زكريا بن آدم (3) " سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات وأوصى بحجة أيجزيه أن يحج عنه من غير البلد
الذي مات فيه فقال: ما كان دون الميقات فلا بأس " وفيه أنه أيضا في الوصية،
فيجب حمله على عدم سعة المال الموصى به للحج، كخبر عمر بن يزيد (4) " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أوصى بحجة فقال: تجزي من دون الميقات " بقرينة
خبره الآخر (5) قال: " قلت له أيضا: رجل أوصى بحجة فلم تكفه قال:

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3 عن
محمد بن عبد الله كما في الكافي ج 4 ص 308 وهو الصحيح كما يأتي نقله كذلك
في ص 327
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 6 - 7 مع الاختلاف في لفظهما
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 6 - 7 مع الاختلاف في لفظهما
323

فيقدمها فيحج من دون الميقات " وخبر أبي سعيد (1) عمن سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
" عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة قال: يحج بها رجل من حيث تبلغه "
بل لعله على ذلك يحمل خبر محمد بن أبي عبد الله (2) " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام)
عن رجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه: قال: على قدر ماله، إن
وسعه ماله فمن منزله، وإن لم يسعه من منزله فمن الكوفة، وإن لم يسعه ماله من
الكوفة فمن المدينة " وصحيح الحلبي (3) عنه (عليه السلام) أيضا " وإن أوصى أن يحج
عنه حجة الاسلام ولم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت ".
لكن في المدارك بعد أن أوردهما دليلا للقائل باعتبار البلد أجاب عنهما
بأنهما إنما تضمنا الحج من البلد مع الوصية، ولعل القرائن الحالية كانت دالة على
إرادة الحج من البلد كما هو الظاهر من الوصية عند الاطلاق في زماننا، فلا يلزم
مثله مع انتفاء الوصية، وفيه إمكان منع فرق العرف بين قول الموصي: حجوا
عني وبين قول الشارع: حجوا عنه في الانصراف إلى البلد وعدمه، فالمتجه
الجواب عنهما بأن أخبار الوصية متدافعة على الظاهر، فمنها كخبر زكريا وغيره
ما يقتضى الاجتزاء فيها بالحج من الميقات، ومنها كهذين الخبرين ما يقتضي الحج

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3 عن
محمد بن عبد الله كما في الكافي ج 4 ص 308 وهو الصحيح كما يأتي نقله كذلك
في ص 327
(3) ذكره الشيخ في التهذيب في ذيل صحيح الحلبي المروي في ج 5
ص 405 الرقم 1410 والظاهر أنه ليس من الصحيحة بل هو كلام الشيخ
قدس سره فراجع
324

من البلد، وإلا فمن حيث يسع المال، وحمل الأخبار السابقة على عدم سعة المال
ليس بأولى من حمل هذه الأخبار على الوصية بمال معين للحج، ولا أقل من
تساوي الاحتمال، فيبطل الاستدلال بكل من القسمين على شئ من الطرفين،
ويرجع إلى القاعدة التي قد عرفت اقتضاءها الحج من الميقات، على أنه لو سلم
ترجيح الحمل الأول كان مقتضاه ذلك في خصوص الوصية، ولعله تعبد شرعي
لا لفهم من العبارة المساوية لعبارة الشارع التي مقتضاها الصدق بالحج من الميقات
في الوصية وغيرها، على أن مفهوم صحيح الحلبي لا يدل إلا على عدم وجوب الحج
من الميقات مع السعة في المال، بل يمكن حمل الأمر في المنطوق على الندب باعتبار
وروده في مظنة الحظر، وبذلك ظهر لك أن الاستدلال بهذه النصوص على
ما يقوله الخصم في غير محله، كالاستدلال عليه بالمروي (1) عن مستطرفات السرائر
من كتاب المسائل بسنده عن عدة من أصحابنا، قالوا: " قلنا لأبي الحسن (عليه السلام)
يعني علي بن محمد (عليهما السلام): إن رجلا مات في الطريق وأوصى بحجته
وما بقي فهو لك، فاختلف أصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت، فهو
أوفر للشئ أن يبقى، وقال بعضهم: يحج عنه من حيث مات، فقال (عليه السلام):
يحج عنه من حيث مات " إذ هو - مع أنه يأتي فيه ما عرفت أيضا - يمكن فهم
ذلك من وصيته بقرينة الحال، إذ الظاهر إرادة موته في طريق الحج، بل لعل
الخبر أوصى بحجته أي باتمام حجته.
وأغرب من ذلك كله الاستدلال عليه بالأخبار (2) السابقة في النيابة عمن
لا يستطيع الحج بنفسه باعتبار اشتمالها علي الأمر بتجهيز رجل يحج عنه الظاهر

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج في الحج - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج
325

في إرادة الحج من البلد، إذ هو المناسب للتجهيز، وأنه لا فرق بين النواب،
وفيه بعد حرمة القياس ما عرفت من حمل تلك الأوامر على الندب، مع أنها غير
مساقة لبيان مثل ذلك.
وأغرب منه الاستدلال بأنه لما ثبت الوجوب عليه باستطاعته له بزاد وراحلة
وغيرهما مما يتوقف عليه وجب القضا عنه ميتا على الوجه الذي ثبت في ذمته، إذ
هو كما ترى، ضرورة كون الوجوب عليه حيا كذلك للمقدمة لا أنه وجه
للمأمور به، وهو الحج، ولذا لو وقع على وجه محرم أجزأه، ودعوى تعلق
نفقة الطريق من البلد بعد موته بماله كالدين واضحة المنع، بل هي مصادره،
كوضوح فساد الاستدلال على اعتبار الطريق بمجموع هذه النصوص على وجه
يبطل ما ذكرناه من القاعدة، فإنه كما ترى.
ومن ذلك كله يظهر لك ما أطنب فيه في الحدائق وتعجب مما جاء به من
التحقيق، حتى قال بعد الفراغ منه: وعليك بالتأمل الدقيق في هذا التحقيق
الرشيق فإنه حقيق بأن يكتب بالتبر على الحداق لا بالحبر على الأوراق، إلا أن
الألف بالمشهور سيما إذا زخرفت بالاجماعات شنشنة أخزمية، وطريقة لا تخلو من
العصبية، فإنك إذا أحطت خبرا بما ذكرناه تعرف أن ذلك كله عجب بلا عجب،
وهزء بلا سبب، نسأل الله تعالى العفو عنا وعنه، كما أنك تعرف فساد ما عن
ابن إدريس من دعوى تواتر الأخبار بذلك، ولذا جزم المصنف في المعتبر بأنه
غلط، قال: فإنا لم نقف بذلك على خبر شاذ فضلا عن المتواتر، كل ذلك مضافا
إلى إمكان الطعن في أسانيد النصوص المزبورة عدا صحيح الحلبي منها الذي
عرفت الحال في دلالته، بل لو أغضينا عن ذلك كله باعتبار احتمال التأويل في أخبار
الطرفين أمكن ترجيح أخبار المشهور بالاجماع المنقول والأصل وغير ذلك.
وكيف كان فالمراد بالبلد على تقدير اعتباره بلد الاستيطان، لأنه المنساق
326

من النص والفتوى، خصوصا من الإضافة فيهما، سيما خبر محمد بن عبد الله (1)
لكن في المدارك الظاهر أن المراد بالبلد الذي يجب عليه الحج منه على القول به
محل الموت حيث كان كما صرح به ابن إدريس، ودل عليه دليله، وهو وإن كان
يؤيده أنه البلد التي هي منتهى انقطاع الخطاب بالحج عنه، ضرورة كونه مكلفا به
من ذلك المكان، فيناب عنه منه، إلا أن ما حكاه عن ابن إدريس لم نتحققه،
بل المحكي من عبارته يقتضي بلد الوطن كذا دليله، بل لم نتحققه لغيره من
أصحابنا، نعم ربما حكي عن بعض العامة، بل قد يناقش فيما ذكرناه توجيها بأنه
لا تلازم بين خطابه في ذلك المكان الذي كان من اتفاقيات الخطاب لا أنه
ملاحظ في أصل الخطاب وبين قضائه منه، وإنما الملاحظ في أصل خطابه بلد
استيطانه، ولذا كان عليه مدار الاستطاعة، فالأقوى حينئذ اعتباره لا بلد الموت
بل ولا بلد اليسار التي حصل وجوب الحج عليه فيها وإن احتمل أيضا بل
عن بعض العامة القول به.
ولو كان له موطنان كان الواجب من أقربهما كما عن التذكرة التصريح به،
للصدق الذي يجمع به بين حق الوارث والميت مثلا، والظاهر كون المراد أن
بلد الاستيطان أقل المجزي، وإلا فلو استؤجر عنه مما هو أبعد منه أجزأ قطعا
نعم في اعتبار المرور عليه إشكال، ولعل صحيح حريز (2) يشهد للعدم، كما أنه
قد يشهد للاجزاء لو قضي عنه من الميقات بناء على القول بالوجوب من البلد وإن
أثم الوارث حينئذ، واحتمال عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه يدفعه منع كونه
وجها له بحيث يقتضي عدم الاجزاء عنه، وهل يملك حينئذ الوارث الزائد؟

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
327

وجهان، أقواهما العدم عند بعض الأفاضل، لأنه حق تعلق بالعين بمنزلة الدين،
فلا يملكه الوارث، وفيه أن ذلك بمنزلة ما لو تبرع عنه متبرع بالحج أو بوفاء
الدين، ومن هنا اختاره في محكي الدروس، ثم على تقدير العدم لا تبرأ ذمة الوارث
بالقضاء عنه ثانيا، لسقوط حجة الاسلام عنه، ولو لم يكن له مال أو كان ولم
يخرج منه فتبرع عنه وليه أو غيره فحج عنه أجزأ بلا خلاف ولا إشكال نصا
وفتوى، بل ربما أشعر المحكي عن ابن الجنيد بوجوب ذلك على الولي، لاطلاق
الأمر المحمول على الندب قطعا، ضرورة كونه لا يزيد على الدين كما صرح به
في بعض النصوص، فيجزي حينئذ فيه ما يجزي فيه من براءة الذمة لو وقع من
الولي أو غيره، وعدم وجوبه على الولي إذا لم يكن للميت مال، والله العالم.
المسألة (الثالثة من وجب عليه حجة الاسلام) وكان متمكنا منها (لا
يحج عن غيره) تبرعا أو ب‍ (إجارة) بل (ولا) يحج (تطوعا) بلا خلاف
أجده في الأول منهما، لا لأن الأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده على وجه
يقتضي الفساد، فإن التحقيق خلافه، ولا لكونه موقتا على وجه لا يصح
فيه غير كشهر رمضان، فإن التحقيق عدم اقتضاء الفورية أصل التوقيت فضلا
عن التوقيت على هذا الوجه، وما عن المبسوط هنا من أنه لو حج ندبا انقلبت
حجة إسلام مقطوع بفساده، بل هو لخبر سعد بن أبي خلف (1) " سألت
أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت قال: نعم إذا لم يجد
الصرورة ما يحج به عن نفسه، فإن كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه
حتى يحج من ماله، وهي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال أو لم يكن له مال "

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
328

وصحيح سعيد (1) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الصرورة أيحج عن الميت؟ فقال:
نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به، وإن كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من
ماله، وهو يجزي عن الميت له مال أو لم يكن له مال " لكن في المدارك
" قد قطع الأصحاب بفساد التطوع والحج عن الغير مع الاستطاعة وعدم الاتيان
بالواجب، وهو إنما يتم إذا ورد فيه نهي على الخصوص أو قلنا باقتضاء الأمر
بالشئ النهي عن ضده الخاص، وربما ظهر من صحيح سعد بن أبي خلف خلاف
ذلك، والمسألة محل تردد " ولعله حمل قوله (عليه السلام): " وهو يجزي " إلى آخره
على إرادة بيان الاجتزاء بنيابة الصرورة مطلقا سواء كان له مال أو لم يكن وإن
كان يأثم على الأول الذي قد بينه (عليه السلام) بقوله: " إذا لم يجد " إلى آخره، وفيه
أنه خلاف ظاهر قوله (عليه السلام): " لا يجزي عنه " وخلاف قاعدة اقتضاء النهي
الفساد، بل هو عند التأمل تفكيك في الخبر، بل يقطع بعدم إرادته، ومن هنا
احتمل بعض المتأخرين كون المراد بقوله (عليه السلام): " وهو " إلى آخره إرادة بيان
الاجتزاء بنيابته بعد الحج عن نفسه بماله، ولا ينافيه إطلاق الصرورة باعتبار
ما كان عليه سابقا، وهو وإن تم به الاستدلال على المطلوب على هذا التقدير إلا
أنه خلاف الظاهر، ولعل الأولى حمله على إرادة بيان الأحوال الثلاثة للنائب التي
ستسمع تعرض الأصحاب لها، وهي عدم جواز النيابة مع خطابه بحجة الاسلام
وتمكنه منها، والجواز مع عدم خطابه أصلا أو مع خطابه وعدم تمكنه منها لتلف
ماله مثلا، فالأول هو الذي أشار إليه بقوله (عليه السلام): " فإن وجد " إلى آخره،
والثاني والثالث أشار إليهما قوله (عليه السلام): " وهو يجزي " إلى آخره، والمراد
جواز نيابته وإن كان له مال في السابق ووجب عليه حج الاسلام إلا أنه لم يجده

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3
329

حال النيابة، أو حمله على إرادة الجزء الأول من الحديث بالضمير دفعا لتوهم الراوي
أن نيابته غير جائزة، وعود الضميرين المجرورين في آخر الحديث إلى الميت، يعني
سواء كان على الميت حج واجب أو لم يكن، وحج عنه ندبا أو غير ذلك مما لا ينافي
دلالته على المطلوب، وهو النهي عن النية مع اشتغال الذمة بحجة الاسلام
والتمكن منها، ولعل ذلك هو المنشأ لاتفاق الأصحاب ظاهرا على ذلك، بل يمكن
استفادة عدم جواز التطوع منه أيضا باعتبار إطلاق النهي عن النيابة التي منها
تطوع الحج أيضا، كما لو كان متبرعا، على أن المنع منها يستلزم ذلك، كما أن
جواز التطوع يستلزم جوازها، لأن كلما جاز للمكلف فعله جازت النيابة فيه إلا
ما خرج بالدليل، فما عن خلاف الشيخ من أنه يأثم ويصح حجه في غير محله،
بل قد يستفاد منه ولو بمعونة كلام الأصحاب بناء على إرادة المثال مما فيه عدم
الفرق بين حج الاسلام وغيره من أفراد الحج الواجبة فورا بإجارة أو عهد أو يمين
أو غيرها، ولذا قال المصنف: (وكذا من وجب عليه) أي الحج (بنذر)
مقتض للفورية (أو إفساد) ونحوهما مما كان وجوبه على الوجه المزبور،
فلا يكون مدركه مسألة الضد التي هي محل خلاف، مع أن المسألة هنا وفاقية على
الظاهر، فتأمل جيدا.
المسألة (الرابعة) قد عرفت سابقا أنه لا فرق في وجوب الحج بين الذكر
والأنثى والخنثى بعد حصول سببه، ف‍ (لا يشترط) حينئذ في وجوب الحج
(وجود المحرم في النساء) مع عدم الحاجة إليه (بل يكفي غلبة ظنها بالسلامة)
على نفسها وبعضها للرفقة مع ثقات وكونها مأمونة أو غير ذلك بلا خلاف أجده
فيه بيننا، لصدق الاستطاعة بعد جواز خروجها مع عدم الخوف نصا وفتوى
بدونه، قال صفوان الجمال (1) لأبي عبد الله (عليه السلام): " قد عرفتني بعملي تأتيني

(1) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
330

المرأة أعرفها باسلام وحبها إياكم وولايتها لكم ليس لها محرم قال: إذا جاءت
المرأة المسلمة فاحملها فإن المؤمن محرم المؤمنة، ثم تلا هذه: والمؤمنون والمؤمنات
بعضهم أولياء بعض (1) " وقال الصادق (عليه السلام) في صحيح سليمان بن خالد (2):
" في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟ قال؟ نعم إذا كانت
مأمونة " وسأله معاوية بن عمار (3) أيضا " عن المرأة تحج بغير ولي فقال: لا بأس
تخرج مع قوم ثقات " وفي خبره الآخر (4) " لا بأس وإن كان لها زوج أو أخ
أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها وليس لهم سعة فلا ينبغي لها أن تقعد، ولا ينبغي
لهم أن يمنعوها " إلى غير ذلك من الأخبار.
نعم لو فرض توقف حجها عليه للخوف بدونه اعتبر حينئذ وإن لم يجب
عليه الإجابة، ولو اقترح أجرة أو نحوها وجب عليها مع استطاعتها لذلك وإن كان
أزيد من أجرة المثل، وإلا لم يجب الحج عليها، ضرورة كونه حينئذ كغيره من
المقدمات التي فرض توقف الحج عليها وهل يجب عليها تحصيل أصل المحرم حال توقف الحج
عليه فيجب عليها التزويج مثلا؟ اشكال، ولو ادعى الزوج الخوف عليها وأنكرت
ذلك ففي الدروس عمل بشاهد الحال أو بالبينة، فإن انتفيا قدم قولها، والأقرب
أنه لا يمين عليها، وقال أيضا: ولو زعم الزوج أنها غير مأمونة على نفسها
وصدقته فالظاهر الاحتياج إلى المحرم، لأن في رواية أبي بصير (5) و عبد الرحمان (6)
" تحج بغير محرم إذا كانت مأمونة " وإن أكذبته فأقام بينه بذلك أو شهدت به
القرائن فكذلك، وإلا فالقول قولها، وهل يملك الزوج محقا منعها باطنا؟ نظر،
وتبعه على ذلك كله في المدارك والحدائق، لكن قد يشكل عدم اليمين عليها

(1) سورة التوبة - الآية 72
(2) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 3 - 4 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 3 - 4 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 3 - 4 - 5 - 6
(5) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 3 - 4 - 5 - 6
(6) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 3 - 4 - 5 - 6
331

بعموم قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " البينة عل المدعي واليمين على من أنكر " ودفعه بعدم
الحق له عليها في هذا الحال فلا يمين له عليها يقتضي الاشكال في أصل سماع
دعواه في ذلك باعتبار كونها هي المكلفة، وقد رفع الشارع سلطنته عنها مع
حصول شرائط استطاعتها عندها، وكذا الاشكال في النظر الأخير بالنسبة إلى
عدم جواز منعها باطنا، إذ مقتضى أحد وجهيه عدم جواز ذلك له وإن كان محقا
في دعواه واقعا، وما ذاك إلا لعدم السلطنة له وإن كانت غير مأمونة، ولو فرض
الخلل في عرضه من ذلك سار معها حفظا لعرضه لا أنه يمنعها عن أداء تكليفها،
على أن العرض مشترك بينه وبين غيره من أرحامها، وظاهرهم اختصاص الدعوى
بين الزوج وزوجته في ذلك، ولعله لأن حق البضع مختص به دون غيره، إلا أن
ذلك يقتضي جواز المنع له باطنا، ويقتضي توجه اليمين له عليها، ودعوى كون
المراد من ذلك كله إثبات عدم استطاعتها - فليس لها الخروج بدون إذنه، لما
ستعرفه من اختصاص سقوط السلطنة بالحج الواجب - يدفعها عدم اختصاص ذلك
في المقام، مع أن ظاهرهم ذلك دونه بالنسبة إلى المال ونحوه من شرائط الاستطاعة
وإن كان المتجه أن له ذلك باعتبار تعلق حق الاستمتاع وغيره فيها، لكن ينبغي
حينئذ جريان حكم باقي الدعاوي عليها من اليمين مع الانكار والمنع باطنا مع عدم
الاثبات ونحو ذلك، كما أن المتجه عدم سماع دعواه لو أراد بها ما يقتضي عدم
ائتمانها في نفسها على بعضها مثلا، فإن ذلك إنما يقتضي سيره معها لا أنه يتسلط
على منعها من الحج، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (لا يصح حجها تطوعا إلا بإذن زوجها) إجماعا
محكيا عن التذكرة، بل في المدارك نسبته إلى علمائنا أجمع، بل فيها عن المنتهى

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم من كتاب القصاء
332

لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم، وهو الحجة، مضافا إلى موثق إسحاق بن
عمار (1) عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: " سألته عن الامرأة المؤسرة قد حجت
حجة الاسلام تقول لزوجها أحجني مرة أخرى، أله أن يمنعها؟ قال: نعم،
يقول لها: حقي عليك أعظم من حقك علي في ذا " ومنه يعلم الوجه في التوقف على
الإذن، ضرورة تعلق حقه فيها بالاستمتاع ونحوه، فليس لها فعل ما ينافي حقه
من دون إذنه على حسب غيره من الحقوق، وإليه يرجع ما عن بعضهم من
الاستدلال على المطلوب بأن حق الزوج واجب، فلا يجوز لها تفويته بما ليس
بواجب، فما في المدارك - من المناقشة فيه بأنه إنما يقتضي المنع من الحج إذا
استلزم تفويت حق الزوج، والمدعى أعم - في غير محلها، ضرورة اقتضاء علقة
الزوجية سلطنته على ذلك، كما يومي إليه قوله تعالى (2): " الرجال قوامون على
النساء " والخبر المزبور، بل يومي إليه أيضا حق الاسكان الذي تعيينه إلى الزوج
على أن الاحرام والطواف وصلاته والسعي ونحوها منافية للاستمتاع الذي هو
حقه، بل السفر نفسه منقص له وإن صاحبها، بل الظاهر ثبوت حقه في ذلك على
وجه له المنع وإن كان ممنوعا من فعل الاستمتاع بمرض أو سفر أو إحرام أو نحو
ذلك، ومن هنا أطلق المنع في النص والفتاوى ومعقد الاجماع، هذا، وفي كشف
اللثام بعد أن حكى عن التذكرة الاجماع على توقف حجها على الإذن قال:
" ولكن توقف سفرها على إذن الزوج يحتمل أن يكون لعلقة الزوجية الموجبة
للسلطنة، وأن يكون لحق الاسكان الذي تعيينه إلى الزوج، وأن يكون الحق
الاستمتاع، فعلى الأولين له منعها من مصاحبته في السفر، واحتمل على الثالث

(1) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
(2) سورة النساء - الآية 38
333

أيضا، لتطرق النقص إليه في السفر، وعليه دون الثاني له منع المتمتع بها، وعلى
الأول احتمال، قيل: لو سافر للحج ففي من المتمتع بها ضعف لبقاء التمكين وتحقق
بذل العوض، قيل: فهل له منعها عن الاحرام ندبا نظر، فإن كان غير محرم
فالظاهر له منعها تحصيلا لغرضه، وإن كان محرما فالظاهر لا يتحقق المنع من طرفه
وينسحب في المريض المدنف على ضعف، لامكان إفاقته، مع تخيل مثل ذلك في
المحرم، لامكان صده أو حصره فيتحلل، ولكن ينبغي أن يحرما معا أو تحرم
بعده، وأما الاحلال فيجوز تقدمها قطعا، والظاهر جواز المقارنة، وهل لها
تأخيره بتأخير المحلل أو المعد للتحلل؟ وجهان من فوات حق الزوج، ومن ارتفاع
حقه باحرامها الصحيح " قلت: قد عرفت التحقيق في ذلك وأن له التسلط على
المنع، بل ليس لها الفعل إلا بالإذن مطلقا، لمنافاة نفس الفعل لحقه، وللآية
والخبر وغيرهما مما سمعت، فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكره من التفريع والترديد.
(نعم لها ذلك في الواجب) المضيق (كيف كان) لعدم الطاعة للمخلوق
في معصية الخالق، والمعتبرة التي منها صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام)
" سألته عن امرأة لها زوج وهي ضرورة لا يأذن لها في الحج قال: تحج وإن لم
يأذن لها " بل فيما رواه الصدوق عن عبد الرحمان (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" تحج وإن رغم أنفه " وفي صحيح معاوية بن وهب (3) " لا طاعة له عليها في
حجة الاسلام ولا كرامة، تحج إن شاءت " وفي صحيح محمد بن مسلم (4) عن
أبي جعفر (عليه السلام) " سألته عن امرأة لم تحج ولها زوج وأبى أن يأذن لها في الحج
فغاب زوجها هل لها أن تحج؟ فقال: لا طاعة له عليها في حجة الاسلام " بل

(1) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب وجوب الحج الحديث 4 - 5 - 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب وجوب الحج الحديث 4 - 5 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب وجوب الحج الحديث 4 - 5 - 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب وجوب الحج الحديث 4 - 5 - 3 - 1
334

ظاهر إطلاق المصنف وغيره وصريح المدارك عدم الفرق في الواجب بين المضيق
والموسع، وإن كان قد يشكل في الأخير بعد ظهور النصوص المزبورة في غيره
بعدم الدليل على ترجيح الواجب الموسع على حقه المضيق، بل لعل مقتضى الأدلة
خلافه، ومن هنا حكى في المدارك عن بعضهم أن له المنع فيه إلى محل التضييق،
ولكن استضعفه، لأصالة عدم سلطنته عليها في ذلك، وفيه أنه يكفي فيه إطلاق
أدلة وجوب الطاعة وتضييق حق الاستمتاع بها.
(وكذا) الكلام (لو كانت في عدة رجعية) في الحج المندوب
والواجب مضيقه وموسعه، لأنه بحكم الزوجة، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح
منصور بن حازم (1): " المطلقة إن كانت صرورة حجت في عدتها، وإن كانت
حجت فلا تحج حتى تنقضي عدتها " وعليه يحمل إطلاق صحيحة معاوية بن
عمار (2) عنه (عليه السلام) أيضا " لا تحج المطلقة في عدتها " وخبره (3) أيضا " المطلقة
تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها "
(نعم في البائنة لها المبادرة) في الحج
المندوب في عدتها (من دون إذنه) لانقطاع عصمة الزوجية، فهي حينئذ
كالمعتدة من الوفاة التي استفاضت النصوص في جواز حجها في العدة، ففي موثق
داود بن الحصين (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سألته عن المتوفى عنها زوجها قال:
تحج وإن كانت في عدتها) وموثق زرارة (5) عنه (عليه السلام) أيضا سأله " عن التي

(1) الوسائل - الباب - 60 - من أبواب الحج - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 60 - من أبواب الحج - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب العدد - الحديث 2 من كتاب الطلاق
(4) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 وليس
فيه قوله: " في عدتها " وهو موجود في الفقيه ج 2 ص 269 الرقم 1312
335

يتوفى عنها زوجها أتحج في عدتها؟ قال: نعم " وخبر أبي هلال (1) عنه (عليه السلام)
أيضا فيها " تخرج إلى الحج والعمرة ولا تخرج التي تطلق، إن الله تعالى
يقول: ولا يخرجن (2) " فما عن أحمد بن حنبل من عدم الجواز للمتوفى عنها
زوجها واضح الضعف، كاحتمال عدم جوازه للمطلقة بائنا، لاطلاق النصوص
السابقة المحمولة عند الأصحاب على الرجعية، كما عساه يشعر به الخبر الأخير (3)
والله العالم.
(القول في الشرائط ما يجب بالنذر واليمين والعهد) في الجملة، إذ
تفصيل ذلك في محله (وشرائطها اثنان) إذ لا يشترط في الواجب بها ما يشترط
في حج الاسلام، بل يكفي فيه التمكن منه كما هو واضح.
(الأول كمال العقل) في الناذر (فلا ينعقد نذر الصبي ولا المجنون)
بلا خلاف فيه كما في المدارك، لارتفاع القلم عنهما، سقوط حكم عبارتهما، ولا
المغمى عليه ولا الساهي والغافل ولا النائم بل ولا السكران وإن أخذ بما يجنبه أو
يتركه من الواجب بسبب اختياره شرب المسكر، ولا مدخلية هنا لشرعية عبادة
الصبي وتمرينيتها، كما لا فرق بين بلوغه عشرا وعدمه.
الشرط (الثاني الحرية، فلا يصح نذر العبد إلا بإذن مولاه) لأنه مملوك
العين والمنافع، ولذا لا يقدر على شئ، وفي صحيح منصور بن حازم (4) عن
الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا يمين لولد مع والده، ولا لمملوك مع

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 4
(2) سورة الطلاق - الآية 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب الايمان - الحديث 2
336

مولاه، ولا للمرأة مع زوجها " وفي صحيحه الآخر (1) عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " لا رضاع بعد فطام، ولا وصال في صيام، ولا يتم
بعد احتلام، ولا صمت يوما إلى الليل، ولا تعرب بعد هجرة، ولا هجرة بعد
الفتح، ولا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك، ولا يمين لولد مع والده، ولا
لمملوك مع مولاه، ولا للمرأة مع زوجها، ولا نذر في معصية، ولا يمين في قطعية
رحم " وخبر عبد الله بن ميمون القداح (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " لا يمين للولد
مع والده، ولا للمرأة مع زوجها، ولا للمملوك مع سيده " إلا أن مورد هذه
النصوص جميعها اليمين لكن الأصحاب جزموا باتحاد حكم الجميع، وهو الظاهر،
خصوصا بعد خبر الحسين بن علوان (3) المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن
أبيه (عليهما السلام) " إن عليا (عليه السلام) كان يقول: ليس على المملوك نذر إلا أن
يأذن سيده " بل وخصوصا بعد معلومية اتحاد الثلاثة في المعصية وقطعية الرحم
مع اقتصاره في الأول على النذر، وفي الثاني على اليمين، بل يمكن دعوى القطع
بكون المنشأ في ذلك الزوجية والوالدية والسيدية لا كونه يمينا، وحينئذ فالمناقشة
في المقام وما ألحق به من الزوجية والولد بأن الوارد اليمين فالحاق النذر والعهد به
قياس ممنوع عندنا وإن اشترك الجميع في بعض الأحكام ضعيفة لما عرفت، مؤيدا
باطلاق اليمين على النذر في الخبر المروي (4) عن الكاظم (عليه السلام) لما سئل " عن جارية
حلف عليها سيدها أن لا يبيعها فقال: لله علي أن لا أبيعها فقال (عليه السلام): ف الله

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب الأيمان - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب الأيمان - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 15 - من كتاب النذر والعهد - الحديث 2
(4) التهذيب ج 8 ص 310 الرقم 1149
337

بنذرك " وفي موثق سماعة (1) " إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي
بها ما جعل لله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه أو عافاه الله تعالى من أمر
يخافه أو رد عليه ماله أو رده من سفره أو رزقه الله رزقا فقال: لله علي كذا
وكذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي له أن يفي به " بل في الحدائق
الاستدلال على ذلك بقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (2): " ليس للمرأة
مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلا بإذن
زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها " وإن كان هو كما ترى
خصوصا بعد عدم القائل بمضمونة.
(و) على كل حال ف‍ (لو أذن له) مولاه (في النذر فنذر وجب)
لعموم أدلته (وجاز له المبادرة) مع السعة (ولو نهاه) لكن فيه الاشكال
السابق كما اعترف به هنا في كشف اللثام، نعم لا إشكال في ذلك مع الضيق،
بل في محكي المنتهى والتحرير يجب عليه الحمولة مع الحاجة، لأنه السبب في شغل
ذمته وإن كان لا يخلو من نظر أو منع، بل لعله كذلك أيضا في وجوب تمكينه
من تحصيل ما يتوقف عليه الحج الواجب باستيجار على عمل ونحوه، وإن جعله
في المدارك وجها قويا، هذا.
(و) قد ظهر لك مما ذكرنا أنه (كذلك الحكم في ذات البعل) بلا خلاف
أجده فيه لا لما قيل من توقف حجها تطوعا على الإذن من الزوج، فإنه غير الإذن
في النذر، بل لما سمعت من النص في اليمين الملحق به النذر والعهد بغير القياس
الممنوع فيتوقف حينئذ صحة الثلاثة على الإذن منه، ومعها ليس له المنع في

(1) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب النذر والعهد - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 15 - من كتاب النذر والعهد - الحديث 1
338

الضيق، وفي السعة على الاشكال السابق، ولو كانت أمة مزوجة توقف صحة
نذرها على إذن المولى والزوج، ثم إن الإذن المعتبرة يكفي في الصحة لحوقها
في وجه قوي.
ويلحق بالزوجة والمملوك الولد على ما ذكره جماعة، لاشتراكه معهما في
الأدلة السابقة، لكن في القواعد بعد اعتبار الإذن في الزوجة والعبد قال:
للأب حل يمين الولد، وظاهره عدم اعتبار الإذن في الصحة، وإنما له حلها، بل
في الحدائق نسبته إلى المشهور، بل ظاهره أو صريحه كون الشهرة على ذلك في
الزوجة والعبد أيضا، وفي كشف اللثام يأتي للمصنف استقرابه عدم اشتراط
انعقاد نذر أحد من الثلاثة بإذن أوليائهم، وإنما لهم الحل متى شاءوا، وإذا لم
يأذنوا فإن زالت الولاية عنهم قبل الحل استقر المنذور في ذممهم، وفيه أن الفرق
بينهما وبين الولد واضح، لمملوكية منافعهما دونه، نعم قد عرفت اتحاد كيفية دلالة
الدليل في الجميع، ولعله ظاهر في اعتبار الإذن، بل قد عرفت التصريح به في خبر
الحسين بن علوان (1) الذي به يستكشف المراد مما في غيره، مضافا إلى ظهور
إرادة نفي الصحة في غيره مما تضمنه باللفظ المزبور، ولعله لذا كان المحكي عن ثاني
الشهيدين اعتبار الإذن في الثلاثة، ووافقه عليه بعض من تأخر عنه، وأما المناقشة
باختصاص الدليل باليمين ولذا اقتصر عليه بعضهم في كتاب الأيمان وساوى هنا بينه
وبين العهد ونظر في النذر فقد عرفت الجواب عنها، وأن الظاهر اتحاد حكم الجميع
ويأتي إن شاء الله تمام الكلام في ذلك في كتاب النذور والأيمان، كما يأتي تمام
الكلام فيما ذكره بعضهم هنا من أنه لو نذر الكافر أو عاهد لم ينعقد، لتعذر نية
القربة منه وإن استحب له الوفاء، ولو حلف انعقد على رأي.

(1) الوسائل - الباب - 15 - من كتاب النذر والعهد - الحديث 2
339

(مسائل ثلاث: الأولى إذا نذر الحج مطلقا) غير مقيد بوقت (فمنعه
مانع أخره حتى يزول المانع) ولا يبطل النذر بذلك ما لم يكن مانعا عنه في جميع
الأوقات التي تدخل تحت الاطلاق إلى الموت، فإن المعروف بين الأصحاب - حتى
نسبه في المدارك إلى قطعهم، وحكى عن جده نفي الخلاف فيه - أن النذر المطلق
يجوز تأخيره إلى ظن الوفاة، لكن في كشف اللثام عن التذكرة أن عدم الفورية
أقوى، فاحتمل الفورية إما لانصراف المطلق إليها كما قيل في الأوامر المطلقة،
أو لأنا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حيا، أو لضعف ظن
الحياة هنا، لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الاتيان به إلا في عام آخر، أو
لاطلاق بعض (1) الأخبار الناهية عن تسويف الحج، قلت: ولذلك جعل بعضهم
الغاية في الأوامر المطلقة الوصول إلى حد التهاون عرفا، وقد يقال باستحقاقه
العقاب بالترك تمام عمره مع التمكن منه في بعضه وإن جاز له التأخير إلى وقت آخر
بظن التمكن منه، فإن جواز ذلك له بمعنى عدم العقاب عليه لو اتفق حصول التمكن
له في الوقت الثاني لا ينافي استحقاق عقابه لو لم يصادف بالترك في أول أزمنة التمكن
وتمام تحرير ذلك في غير المقام.
(و) لعله لذا (لو تمكن من أدائه ثم مات قضي عنه من أصل تركته)
كما هو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب على ما في المدارك، بل في كشف
اللثام نسبته إلى قطعهم وإن قال للنظر فيه مجال، للأصل وافتقار وجوبه إلى أمر
جديد تبعا لما في المدارك حيث أنه بعد أن حكى عنهم الاستدلال له بأنه واجب
مالي ثابت في الذمة فيجب قضاؤه من أصل المال كحج الاسلام قال: وهو استدلال
ضعيف، للأصل بعد احتياج القضاء إلى أمر جديد كما في حجة الاسلام، ولمنع

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب وجوب الحج
340

كونه واجبا ماليا، فإنه عبارة عن أداء المناسك، وليس بذل المال داخلا في
ماهيته ولا من ضرورياته، وتوقفه في بعض الصور، كتوقف الصلاة عليه على
بعض الوجوه، كما إذا احتاج إلى شراء الماء أو استيجار المكان والساتر مع
القطع بعدم وجوب قضائها من التركة.
وذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب قضاء الحج المنذور من الثلث، ومستنده
غير واضح، وبالجملة النذر إنما تعلق بفعل الحج مباشرة، وإيجاب قضائه من
الأصل أو الثلث يتوقف على الدليل، وتبعه على ذلك أيضا في كشف اللثام، فإنه
- بعد أن حكى قضاءه من الأصل عن الفاضلين وظاهر الشيخين، لأنه دين كحجة
الاسلام - قال: وعليه منع ظاهر، ثم حكى عن أبي علي والشيخ في النهاية
والتهذيب والمبسوط وابني سعيد في المعتبر والجماع الاخراج من الثلث للأصل
وكونه كالمتبرع به وصحيح ضريس (1) سأل أبا جعفر (عليه السلام) " عن رجل
عليه حجة الاسلام ونذر نذرا في شكر ليحجن رجلا إلى مكة فمات الذي نذر
قبل أن يحج حجة الاسلام، ومن قبل أن يفي بنذره مات قال: إن ترك مالا
يحج عنه حجة الاسلام من جميع المال، وأخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره
وقد وفى بالنذر، وإن لم يترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الاسلام حج عنه
بما ترك، ويحج عنه وليه حجة النذر، إنما هو مثل دين عليه " وصحيح ابن
أبي يعفور (2) سأل الصادق (عليه السلام) " عن رجل نذر لله إن عافى الله ابنه
من وجعه ليحجنه إلى بيت الله الحرام فعافى الله الابن ومات الأب فقال: الحجة
على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه فقال:
هي واجبة على الأب من ثلثه، أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه " فإن إحجاج

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 3
341

الغير ليس إلا بذل المال لحجه، فهو دين مالي محض بلا شبهة، فإذا لم يجب إلا
من الثلث فحج نفسه أولى، قلت: قد يقال بعد الاتفاق ظاهرا على القضاء عنه
أن الخطاب بالحج من الخطابات الدينية على معنى ثبوته في الذمة على نحو ثبوت
الدين فيها لا أنه مثل خطاب السيد لعبده يراد منه شغل الذمة بايجاده في الخارج
وإن لم يثبت في الذمة ثبوت دين، ومن هنا وجب في حج الاسلام إخراج قيمة
العمل من أصل التركة، وبهذا المعنى كان واجبا ماليا لا من حيث احتياجه إلى
المقدمات المالية التي لم تخرج من أصل التركة ما لم يوص بها على الأصح، بل لعل
خطاب النذر الذي هو نحو الخطاب بالإجارة أولى من الخطاب الأصلي بذلك،
على أن متعلق النذر الحج على حسب مشروعيته، وقد عرفت أنها على الوجه
المزبور، بل قوله (عليه السلام): " إنما هو مثل دين عليه " رمز إلى ما ذكرنا، بل
إيجاب المال في نذر الاحجاج في الصحيحين السابقين من ذلك أيضا، وكذا
الصحيح (1) عن مسمع بن عبد الملك " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كانت لي جارية
حبلى فنذرت لله تعالى إن هي ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه فقال: إن
رجلا نذر لله في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الأب وأدرك
الغلام بعد فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسأله عن ذلك فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يحج
عنه مما ترك أبوه ".
وبذلك اتجه ما سمعته من الأصحاب من وجوب أصل القضاء وكونه من
أصل المال، لأنه واجب ديني بالمعنى الذي عرفت، ومن هنا حمل في محكي المختلف
الصحيحين السابقين على النذر في مرض الموت، لمخالفتهما للضوابط، ضرورة
عدم الوجه لخروجه من الثلث بعد كونه واجبا ماليا، بل ومع فرض كونه واجبا

(1) الوسائل - الباب - 16 - من كتاب النذر والعهد - الحديث 1
342

بدنيا إنما يجب من الثلث مع الوصية به لا بمجرد النذر، ودعوى سقوط وجوب
النذر بالموت مما اتفق النص (1) والفتوى على بطلانها، وعن منتقى الجمان حملهما
على الندب المؤكد الذي قد يطلق عليه لفظ الوجوب، ولعله لعدم ظهورهما في
الموت بعد التمكن من النذر الذي هو مفروض المسألة، بل لعل الأول منهما ظاهر
في خلافه، فلا بأس بحملهما حينئذ على ضرب من الندب بعد ما عرفت من التحقيق
الذي لا محيص عنه، ومنه يعلم ما في الحدائق من الاطناب المشتمل على كمال
الاضطراب، ولا ينافي ذلك اعتبار تعذر المباشرة في جواز الاستنابة بعد دلالة
الدليل عليه، كما لا ينافيه عموم ما دل (2) على منع التصرف فيما عدا الثلث من
مال الميت بعد ما عرفت من كونه من قسم الدين وشبهه، ولا إطلاق ما دل على
الاخراج من الثلث فيما عدا حجة الاسلام، كصحيح معاوية بن عمار (3) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " سألته عن رجل مات وأوصى أن يحج عنه قال: إن كان
صرورة حج عنه من وسط المال، وإن كان غير صرورة فمن الثلث " وحسنه (4)
عنه (عليه السلام) أيضا " في رجل توفى وأوصى أن يحج عنه قال: إن كان صرورة فمن
جميع المال، إنه بمنزلة الدين الواجب، وإن كان قد حج فمن ثلثه " بعد انصراف
غير المفروض منه، كاختصاص حجة الاسلام بالقضاء من صلب المال في قول
الصادق (عليه السلام) في الصحيح (5): " يقضى عن الرجل حجة الاسلام من جميع ماله ".
ثم إنه لو مات وكان عليه حجة الاسلام والنذر فإن اتسع المال لاخراجهما

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب وجوب الحج
(2) الوسائل - الباب - 10 - 11 - من كتاب الوصايا
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب وجوب الحج الحديث 6 - 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب وجوب الحج الحديث 6 - 4 - 3
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب وجوب الحج الحديث 6 - 4 - 3
343

فلا إشكال فيه، ولو لم يتسع إلا لأحدهما فبناء على القول بخروج المنذورة من
الثلث يتجه تقديم حجة الاسلام وإن تأخر سببها فإنها كالدين، فلا تعارضها
المنذورة المفروض كونها كالوصية، نعم على المختار يتجه التقسيط بناء على تساويهما
في الخروج من الأصل، لأنهما معا حقان ماليان، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر
خلافا لبعض فأوجب تقديم حجة الاسلام، لأن وجوبها ثابت بأصل الشرع،
ولأنه كان تجب المبادرة فيها فيجب الابتداء باخراجها قضاء، وهما كما ترى،
نحو الاستدلال من بعضهم على ذلك بصحيح ضريس (1) الذي فيه إخراج
المنذور من الثلث، وهو غير المفروض، لكن ذلك كله إذا فرض فيام القسط
بكل منهما، وإلا فالظاهر التخيير مع احتمال تقديم ما تقدم سببه، هذا، ولا يخفى
عليك كون الأمر بقضاء الولي عنه في صحيح ضريس للندب، كما يدل عليه
الصحيح الآخر (2) فما عن ابن الجنيد من الوجوب واضح الضعف.
(و) كيف كن ف‍ (لا يقضى عنه) إذا مات (قبل التمكن) منه
بلا خلاف أجده فيه، للأصل السالم عن معارضة خطاب النذر الذي انكشف
عدم تعلقه بعدم التمكن منه، نعم في كشف اللثام بعد شرح ما في القواعد من
نحو المتن قال: ويشكل الفرق بينه وبين الصوم المنذور إذا عجز عنه مع حكمه
بقضائه في الايمان، وإن فرق بوجود النص على قضائه إذا عيدا لزمه القول
بقضائه حينئذ، مع أنه يقوى عدمه، وهو ليس إشكالا لأصل الحكم.
هذا كله مع الاطلاق في النذر (فإن عين الوقت ف‍) إن (أخل به مع
القدرة (قضى عنه خ ل) وجب) عليه الكفارة و (القضاء) بلا خلاف

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 3
344

أجده فيه، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما اعترف به في المدارك لما سمعت
فإن مات ولم يقضه قضي عنه من الأصل على الأصح لما عرفت
(وإن منعه) عنه
(عارض كمرض أو عدو حتى مات لم يجب قضاؤه عنه) إجماعا في المدارك،
كما أنه لم يجب عليه القضاء بعد الوقت للأصل السالم عن المعارض، لكن عن
الفاضل في الايمان أنه قطع بسقوط القضاء إذا صد، واستشكله إذا تعذر بمرض،
وهو ما ترى، وفي المدارك بعد حكاية الاجماع المزبور قال: " ولا يخفى أن
طرو المانع من فعل المنذور في وقته لا يقتضي بطلانه، لوقوعه صحيحا ابتداء
وإن سقط الواجب بالعجز عنه، وهذا بخلاف نذر غير المقدور ابتداء كالطيران
ونحوه، فإن النذر يقع فاسدا من أصله، كما هو واضح " قلت: لا فرق بينهما
إلا بالعلم بفساد الثاني ابتداء بخلاف الأول، فإنه بعد ذلك يعلم، نعم لا مانع
من مجئ الدليل بقضائه في بعض الأفراد لوقوع صورة صيغة النذر، والله العالم.
(ولو نذر الحج أو أفسد حجه وهو معضوب) حال النذر والافساد
(قيل) والقائل الشيخ وأتباعه فيما حكي عنهم: (يجب أن يستنيب، وهو
حسن) في الثاني بناء على أن الثانية حجة الاسلام التي قد عرفت سابقا استنابة
المعضوب فيها، لأن الحج واجب بدني ومالي، فإذا تعذر الأول تعين الثاني،
وأما في النذر فقد يشكل بسقوط الواجب بالعجز عنه، واختصاص الروايات (1)
المتضمنة لوجوب الاستنابة بحج الاسلام، وبأن النذر إذا وقع حال العضب فإن
كان مقيدا بوقت معين واستمر المانع إلى ذلك الوقت بطل النذر، وإن كان
مطلقا توقع المكنة، ومع اليأس يبطل، ولا تجب الاستنابة في الصورتين، نعم
لولا حظ في نذره الاستنابة وجب قولا واحدا، ولو حصل العضب بعد النذر

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب وجوب الحج
345

والتمكن من الفعل ففي المدارك قد قطع الشارح وغيره بوجوب الاستنابة،
ونحن نطالبهم بدليله، وللاشكال المزبور فسر الإصبهاني في كشفه عبارة القواعد
التي هي كعبارة المتن بما سمعته من الشارح، قال: والسبب في ذلك أن عبارة
المبسوط ليست نصا ولا ظاهرة في الوجوب على من نذر معضوبا، لأنها كذا
" المعضوب إذا وجبت عليه حجة بالنذر أو بافساد وجب عليه أن يحج عن نفسه
رجل، فإذا فعل فقد أجزأه " وعلى هذا فلا إشكال أصلا، وما في المدارك من
المطالبة بدليله يدفعها ما سمعته سابقا من كون الحج واجبا ماليا بالمعنى المذكور
إلا أن الانصاف ظهور عبارة المبسوط في النذر معضوبا، ولعل وجهه فحوى
ثبوتها في حجة الاسلام كذلك بتقريب أن مشروعيته على الوجه المزبور، فنذره
ملزم به على جسما هو مشروع، بل قد يقال بانصراف النذر شرعا إلى الاستنابة
وإن لم يقصدها، لأصالة الصحة، وإطلاق ما دل على وجوب الوفاء بالنذر،
فلا يحكم ببطلانه حينئذ إلا إذا قصد المباشرة فعلا، والفرض اليأس منها، ولو
تكلف المعضوب للسير لحجة الاسلام فشرع فهل ينويها وتجزيه إن أتمها، ويستقر
إذا أفسد؟ احتمال قوي، لأنها إنما سقطت عنه نظرا له ورخصة، فإذا تكلفها
كانت أولى بالاجزاء من فعل النائب، ويحتمل العدم، لأن فرضه الاستنابة
، فحجه كحج غير المستطيع، والله العالم.
المسألة (الثانية إذا نذر الحج فإن نوى حجة الاسلام) وكانت واجبة
عليه وقلنا بانعقاده لأن أسباب الشرع معرفات، وتظهر الثمرة في الكفارة وغيرها
(تداخلا) أي لم يجب به غيرها قطعا، بل في كشف اللثام اتفاقا، وإن لم
يكن حين النذر مستطيعا توقعها، فإن كان موقتا وقد أتى وقته ولم يستطع حتى
انقضى انحل (وإن نوى غيرها لم يتداخلا) قطعا واتفاقا في كشف اللثام أيضا
نعم لو كان مستطيعا لها ونذر غيرها في عامه لغى إلا أن يقصد الفعل إن زالت
346

الاستطاعة فزالت، بل في المدارك احتمال الصحة لو خلي عن القصد حملا للنذر
على الوجه الصحيح، أما لو أطلق في نذره أو قيده في سنة غير سنة الاستطاعة
صح وقدم حجة الاسلام، ولو كان نذره حال عدم الاستطاعة وجب الاتيان
بالنذر مع القدرة وإن لم تحصل الاستطاعة الشرعية كما في غيره من الواجبات،
إذ هي شرط في وجوب حج الاسلام للدليل دون غيره، لكن في الدروس
والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثم استطاع صرف
ذلك إلى النذر، فإن أهمل واستمرت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت حجة
الاسلام أيضا، وظاهر الأصحاب تقديم حجة الاسلام مطلقا، وصرف الاستطاعة
بعد النذر إليها إلا أن يعين سنة للنذر، فيصرف الاستطاعة فيها إلى حج النذر
وأشكله في المدارك بأن الاستطاعة بهذا المعنى إنما ثبت اعتبارها في حج الاسلام
وغيره من الواجبات يراعى فيه التمكن من الفعل خاصة، وبأن النذر المطلق موسع
وحجة الاسلام مضيقة، والمضيق مقدم على الموسع، وحينئذ فلو اتفق حصول
الاستطاعة قبل الاتيان بالحج المنذور قدمت حجة الاسلام إن كان النذر مطلقا
أو مقيدا بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها، لأن وجوبها على الفور بخلاف
المنذورة على هذا الوجه، وإلا قدم النذر لعدم تحقق الاستطاعة في تلك
السنة، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي، وحينئذ فيراعى في وجوب حج الاسلام
بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية، وقد يقال إن مراد الشهيد بقرينة تفريعه عدم
وجوب حجة الاسلام بحصول الاستطاعة في عام النذر المطلق، إلا أن تبقى إلى
السنة الثانية، لصيرورة الحج بالنذر وإن كان مطلقا كالدين، فيعتبر في وجوب
حجة الاسلام حينئذ وفاؤه، وليس المراد منه عدم وجوب الحج بالنذر إلا بملك
الزاد والراحلة نحو حج الاسلام، ضرورة أنه لا دليل عليه، ومن المستبعد جزم
الشهيد به.
347

(و) على كل حال ف‍ (إن أطلق) في النذر أي لم يعين حجة الاسلام
ولا غيرها (قيل) والقائل الشيخ في محكي النهاية والاقتصاد والتهذيب: تداخلا
وأجزأت حجة واحدة عنهما، لصحيح رفاعة (1) سأل الصادق (عليه السلام) " عن رجل
نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟ قال: نعم "
ونحوه صحيح ابن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام)، ولعله لذلك كان المحكي عن النهاية
أنه (إن حج ونوى النذر أجزأ عن حجة الاسلام، وإن نوى حجة الاسلام
لم يجز عن النذر مضافا إلى ما قيل من أن العام لما كان عام حج الاسلام
انصرفت النية إليه وإن نوى النذر، بخلاف حج النذر، فلا دليل على انصراف
نية غيره إليه إلا أن يتعين في عامه، ولكن فيه أن الصحيحين إنما يدلان على
نذر المشي، وهو لا يستلزم نذر حج فيمشي إليه للطواف والصلاة وغيرهما، فكأنهما
سألا أن هذا المشي إذا تعقبه حج الاسلام هل يجزي أم لا بد له من المشي ثانيا
وظاهر أنه يجزى، أو سألا أنه إذا نذر حجة الاسلام فينوي بحجه المنذور
دون حجة الاسلام.
(و) من هنا (قيل) والقائل المشهور: (لا تجزي إحداهما عن
الأخرى) بل عن الناصريات الاجماع عليه (وهو الأشبه) بأصول المذهب
وقواعده التي منها قاعدة تعدد المسبب بتعدد سببه المبني عليها كثير من مسائل
الفقه في الكفارات وغيرها وإن قلنا أن أسباب الشرع معرفات، ومن الغريب
ما وقع من بعض متأخري المتأخرين حتى سيد المدارك من هدم هذه القاعدة،
ودعوى صدق الامتثال بواحد في جميع مواردها، لكن يهون الخطب اختلال
طريقتهم في كثير من المسائل، والله العالم والهادي.

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 3 - 1
348

المسألة (الثالثة إذا نذر الحج ماشيا وجب) في الجملة بلا خلاف أجده
فيه، بل لعل الاجماع بقسميه عليه، لعموم دليل وفاء النذر (1) وخصوص صحيح
رفاعة وغيره، لكن في أيمان قواعد (2) الفاضل (لو نذر الحج ماشيا وقلنا
المشي أفضل انعقد الوصف، وإلا فلا " وفي محكي إيضاح ولده " انعقد أصل
النذر إجماعا، وهل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه قولان مبنيان على أن المشي أفضل
من الركوب أو العكس " وفيه أن المنذور الحج على هذا الوجه، ولا ريب في
رجحانه وإن كان غيره أرجح منه، وذلك كاف في انعقاده، إذ لا يعتبر في
المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه، فلا وجه حينئذ لدعوى عدم الانعقاد
على هذا التقدير أيضا، كما أن ما في كشف اللثام من حمله على حال أفضلية
الركوب من المشي لبعض الأمور السابقة كذلك أيضا، ضرورة عدم اقتضاء
ذلك ذلك كما هو واضح، خصوصا بعد ما عرفته من أن اقتران الركوب ببعض
الأمور لا يصير سببا لعدم رجحان المشي أصلا، بل أقصاه ترجيحه على المشي
على نحو ترجيح قضاء حاجة المؤمن على النافلة أو بالعكس، فهو من ترجيح
المندوبات بعضها على بعض، فلا إشكال في المسألة حينئذ، وصحيح الحذاء (3)
سأل أبا جعفر (عليه السلام) " عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا فقال: إن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج حاجا فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل فقال: من هذه؟
فقالوا: أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية، فقال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب، فإن الله غني عن مشيها وحفاها "
حكاية حال كما عن المعتبر والمنتهى، ولعله (صلى الله عليه وآله) علم منها العجز، كما لعله يومي إليه

(1) سورة الحج - الآية 30
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 4
349

مشيها بين الإبل، ويفهم منه حينئذ جواب السائل بأنه قد لا يجب وفاء هذا النذر
أو أن المراد عدم الانعقاد من حيث الحفاء الذي من الغالب عسره على وجه
يسقط التكليف به، خصوصا في بعض الأزمنة، هذا.
والظاهر من اللفظ مع قطع النظر عن القرائن أن مبدأ وجوب المشي في
نحو الفرض من حين الشروع في أفعال الحج، ضرورة كونه حالا من فاعل
" أحج " فيكون وصفا له، وإنما يصدق حقيقة بتلبسه به، كما أن منتهاه آخر
الأفعال، وهو رمي الجمار، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (1): " إذا حججت
ماشيا ورميت الجمرة فقد انقطع المشي " وهو الذي حكاه عنه (عليه السلام) الرضا (عليه السلام)
في صحيح إسماعيل بن همام (2) " في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة
زار البيت راكبا وليس عليه شئ " فما في المتن في النذور والدروس من أن آخره
طواف النساء بل قيل إنه المشهور في غير محله، كالقول بأن المبدأ من بلد النذر
كما في الكتاب والقواعد في كتاب النذور ومحكي المبسوط والتحرير والإرشاد،
أو بلد الناذر لأن الحج هو القصد، وقد أريد هنا القصد إلى بيت الله، وابتداء
قصده بالسفر إليه، ولأنه السابق إلى الفهم عرفا من نحو قولهم: حج ماشيا،
بل بلد النذر هو بلد الالتزام فهو كبلد الاستطاعة، بل قيل: إن بلد الناذر هو
المتبادر، إلا أن الجميع كما ترى، وقيل: من أقرب البلدين إلى الميقات، لأصل
البراءة، بل في كشف اللثام يمكن القول بأنه من أي بلد يقصد فيه السفر إلى
الحج، لتطابق العرف واللغة فيه بأنه حج ماشيا، وذلك كله يقتضي عدم تنقيح
العرف في الاطلاق، فالمتجه بقاؤه على حقيقة إلا مع القرائن المقتضية لغيره من
بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين أو غير ذلك، وعلى ذلك يحمل المفهوم من

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 2 - 3
350

سياق النصوص ما تضمن منها القيام في المعبر من كون المشي في الطريق
ضرورة كون المفروض فيها نذر المشي إلى بيت الله لا الحج ماشيا، وبينهما فرق
وتبادر بعض الأفراد إلى الذهن غير مجد إذا لم يكن على وجه ينتفي الظن بعدم
إرادة الغير.
وكيف كان ففي المتن والقواعد وغيرهما (أن‍) - ه (يقوم في مواضع
العبور) المضطر إليها كالسفينة ونحوها، بل في الحدائق أنه المشهور، لخبر
السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) " إن عليا (عليه السلام) سئل
عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فمر في المعبر قال: فليقم في المعبر قائما حتى
يجوز " ولأن المشي يتضمن القيام والحركة، ولا يسقط الميسور منهما بالمعسور،
لكن في محكي المعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة وأيمان الكتاب والقواعد
الاستحباب، لضعف الخبر عن إثبات الوجوب دونه، وانصراف نذر المشي إلى
ما يمكن فيه ذلك دون ما لا يمكن، فيبقى على مقتضى أصل البراءة، ومنع دخول
القيام في المشي، لأنه السير راجلا، بل الحركة أولى منه بالوجوب، وعدمه فيها
وانتفاء الفائدة مشترك بينهما، وكونه تعظيما للمشاعر وطريقها خروج عما نحن
فيه، ولو اضطر إلى ركوب البحر من بلده إلى مكة سقط القيام قطعا للحرج،
والخروج عن لفظ النص والفتوى، لكن في كشف اللثام أنه يمكن القول به إن
أمكن الارساء عند الاعياء، ونحوه ركوبه أو ركوب نهر أياما، ولو تعارض
العبور في سفينة وجسر تعين الثاني إذا لم يحصل مانع يسقط معه التكليف.
وعلى كل حال (فإن ركب) ناذر المشي المتمكن منه جميع (طريقه
قضى) مع فرض تعين السنة بالنذر، بل يكفر عن النذر، وإلا أعاد، لعدم

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1
351

صدق امتثاله، بل في المدارك أنه يستفاد من ذلك فساد الحج، لعدم وقوعه
عن المنذور للمخالفة ولا غيره لعدم النية، لكن في كشف اللثام أنه احتمل في
المعتبر والمنتهى والتحرير والمختلف سقوط قضاء المعين، لأن المشي ليس من أجزاء
الحج ولا صفاته ولا شروطه، وقد أتى به، وإنما عليه لاخلاله بالمشي الكفارة،
بل لعله الظاهر من أيمان القواعد والتحرير والإرشاد، بل في الكشف هو قوي
إلا أن يجعل المشي في عقد النذر شرطا، كما فصل في المختلف بل قال أيضا:
" إنه يجزي ما ذكر في المطلق، لأنه لما نوى بحجه المنذور وقع عنه، وإنما أخل
بالمشي قبله وبين أفعاله، فلم يبق محل للمشي المنذور ليقضي إلا أن يطوف أو
يسعى راكبا، فيمكن بطلانهما، فيبطل الحج حينئذ إن تناول النذر المشي فيهما "
ويقرب من ذلك ما في المدارك، فإنه بعد أن حكى ما سمعته عن المعتبر قال: وهو
إنما يتوجه إذا كان المنذور الحج والمشي غير مقيد أحدهما بالآخر والمفهوم من
نذر الحج ماشيا خلاف ذلك، والتحقيق صحة الفعل مطلقا سواء كان المنذور
الحج ماشيا أو المشي فيه، وسواء كان معينا أو مطلقا، ضرورة عدم صلاحية
النذر لاثبات الشرطية التي هي حكم وضعي، كعدم صلاحيته للتنويع، وقصد
الوفاء بالفعل عنه لا ينافي قصد القربة به، وليس النذر إلا كالإجارة، نعم تجب
الكفارة في بعض الأفراد، كما أنه يبقى المكلف به بالنذر في الذمة بعض آخر
وقد أوضحنا جميع أطراف المسألة في نذر الموالاة في الوضوء من كتاب الطهارة
فلاحظ وتأمل.
هذا كله إن ركب جميع طريقه (و) أما (إن ركب بعضا) ف‍ (قبل)
والقائل الشيخان وجماعة: (يقضي ويمشي موضع ركوبه) لأن الواجب عليه
قطع المسافة ماشيا، وقد حصل بالتلفيق، فيخرج عن العهدة، إذ هو إنما نذر
352

حجا يكون بعد المشي في جميع طريقه، وقد حصل، ولأنه أخل بالمنذور فيما
ركب فيه فيقضيه (وقيل) والقائل ابن إدريس: (بل يقضي ماشيا لاخلاله
بالصفة المشترطة، وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده في الجملة، لعدم الصدق
بدون ذلك، ضرورة كونه نذر المشي إلى الحج في جميع طريقه، ولم يحصل في
شئ من الحجين، لكن في المدارك " هو جيد إن وقع الركوب بعد التلبس
بالحج، إذ لا يصدق علي من ركب في جزء من الطريق بعد التلبس بالحج أنه حج
ماشيا، بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق النذر بالمشي
من البلد لأن الواجب قطع تلك المسافة في حال المشي وإن فعل في أوقات متعددة
وهو يحصل بالتلفيق، إلا أن يكون المقصود قطعها كذلك في عام الحج " وفيه
ما لا يخفى، كما أنه لا يخفى عليك جريان ما تقدم من الكلام في صحة الحج وفساده
هنا، فإن الجميع من واد واحد، وعلى كل حال فما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد
ابن عباد بن عبد الله البصري (1) سأل الكاظم (عليه السلام) " عن رجل جعل لله نذرا
على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر قال:
ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به " لا بد من حمله على استحباب
ذلك للعاجز.
(و) كيف كان ف‍ (لو عجز) أي الناذر للمشي سقط عنه إجماعا بقسميه
ونصوصا (2) ولعدم التكليف بما لا يطاق، نعم (قيل) والقائل الشيخ وجماعة
على ما حكي: (يركب ويسوق بدنة) لصحيح الحلبي (3) " قلت لأبي عبد الله

(1) الوسائل - الباب - 21 - من كتاب النذر والعهد - الحديث 2 وفيه
عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: سأله عباد بن عبد الله البصري
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 0 - 3
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 0 - 3
353

(عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله وعجز أن يمشي قال: فليركب وليسق
بدنة، فإن ذلك يجزي إذا عرف أنه من الجهد " وصحيح ذريح المحاربي (1)
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حلف ليحجن ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه
قال: فليركب وليسق الهدي " ولما في محكي الخلاف من الاستدلال عليه بالاحتياط
وإجماع الطائفة وأخبارهم، لكن في كشف اللثام " أن كلامه يحتمل الوجوب
على من ركب قادرا على المشي ثم عجز عن القضاء " (وقيل) والقائل المفيد
وابن الجنيد ويحيى بن سعيد والشيخ في نذور الخلاف، بل في كشف اللثام
" أنه يحتمله كلام الشيخين والقاضي ونذر النهاية والمقنعة والمهذب ": (يركب
ولا) يجب عليه أن (يسوق) لانتفاء القدرة على المنذور، فلا يستوجب
جبرا، ولذا تركه في صحيح رفاعة بن موسى (2) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله قال: فليمش، قلت: فإنه تعب فقال: إذا تعب
ركب " وصحيح ابن مسلم (3) سأل أحدهما (عليهما السلام) " عن رجل جعل
عليه مشيا إلى بيت الله تعالى فلم يستطع قال: يحج راكبا " وكذا غيرهما، بل
في خبر عنبسة (4) التصريح بعدم وجوبه، قال: " نذرت في ابن لي إن عافاه الله
تعالى أن أحج ماشيا فمشيت حتى بلغت العقبة فاشتكيت فركبت ثم وجدت راحة
فمشيت فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة،
فقلت: معي نفقة ولو شئت أن أذبح لفعلت وعلي دين فقال: إني أحب إن
كنت موسرا أن تذبح بقرة، فقلت: شئ واجب أفعله فقال: لا، من جعل

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 1 - 9
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 1 - 9
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج الحديث 2 - 1 - 9
(4) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب النذر والعهد - الحديث 5
354

لله عليه شيئا فبلغ جهده فليس عليه شئ " ورواه ابن إدريس في المحكي من
مستطرفات سرائره نحو ذلك (وقيل) والقائل ابن إدريس في أحد النقلين عنه:
(إن كان) النذر (مطلقا توقع المكنة من الصفة) فإن لم تحصل سقط
(وإن كان) النذر (معينا بوقت سقط فرضه) من أصله (لعجزه) كما في
غيره من النذور، لكن المحكي من عبارة ابن إدريس خلاف ذلك، قال:
" ومن نذر أن يحج ماشيا ثم عجز عنه فليركب ولا كفارة عليه، ولا يلزمه شئ
على الصحيح من المذهب، وهو مذهب شيخنا المفيد في المقنعة " إلى آخره، وقيل
كما عن الفاضل في المختلف " إن كان النذر معينا ركب ولا شئ عليه، وإن كان
مطلقا توقع المكنة " فتكون الأقوال حينئذ أربعة، بل ما سمعته من المدارك
يكون خامسا.
(و) كيف كان فقد عرفت أن (المروي) في الصحيحين (الأول)
(و) لكن الذي يقوى أن (السياق) فيهما (ندب) لما عرفته من خبر
عنبسة وغيره، وما في المدارك - من عدم التنافي بين ما دل على الوجوب وبين
صحيح رفاعة وابن مسلم، لأن عدم الذكر أعم من ذلك، وأما خبر عنبسة فهو
ضعيف السند، لأن رواية واقفي - في غير محله، إذ عدم الذكر في مقام البيان
لا ينكر ظهوره في عدم الوجوب، وخبر عنبسة من قسم الموثق الذي هو حجة
عندنا، وكذا ما فيها أيضا من أن " المعتمد ما ذهب إليه ابن إدريس إن كان
العجز قبل التلبس بالاحرام، وإن كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله وسياق
البدنة وسقوط الفرض بذلك عملا بظاهر النصوص المتقدمة، والتفاتا إلى إطلاق
الأمر بوجوب إكمال الحج والعمرة مع التلبس بهما، واستلزام إعادتهما هنا المشقة
الشديدة " ضرورة عدم هذا التفصيل في النصوص، بل يمكن القطع بعدمه فيها،
والأمر باتمام الحج والعمرة أعم من الاجتزاء به عن النذر، ولذا لم يجزيا عن حج
355

الاسلام لو فسدا وإن وجب إتمامهما أيضا كما هو واضح، فلا ريب في أن الأقوى
الثاني، عملا بالنصوص المستفيضة من غير فرق بين النذر المطلق والمعين، وبين
من عرف من نفسه العجز عن المشي قبل الشروع وبين من عرض له ذلك في الأثناء
وبين العجز المأيوس من ارتفاعه وغيره حتى لو علم التمكن في عام آخر في وجه،
وخروج جملة من ذلك عن القواعد غير قادح بعد صلاحية المعتبرة لذلك سندا
ودلالة وعملا، فيكون حاصلها أن ذلك كيفية حاصلة للحج المنذور، بل قد يلحق
به غيره من زيارة أحد المشاهد ونحوها، نعم قد يقال بوجوب مقدار ما يستطيعه
من المشي كما يومي إليه صحيح رفاعة (1) وغيره، بل في خبر سماعة وحفص (2)
المروي عن نوادر ابن عيسى " سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي
إلى بيت الله حاجا قال: فليمش، فإذا تعب فليركب " ومرسل حريز (3) عن
أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) " إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر
أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب " الحديث.
(القول) الثالث (في النيابة) في الحج
(و) لا خلاف بين المسلمين في أصل مشروعيتها، بل لعله من ضروريات
الدين، نعم لها (شرائط) منها ما يتعلق ب‍ (النائب) وعن بعض النسخ
" النيابة " ولعلها ألصق بتمام التفريع في العبارة، والأمر سهل،
وعلى كل حال
فهي (ثلاثة: الاسلام وكما العقل وأن لا يكون عليه حج واجب، فلا تصح

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 10 - 12
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 10 - 12
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب وجوب الحج الحديث 1 - 10 - 12
356

نيابة الكافر) إجماعا بقسميه، لعدم صحة عمله، و (لعجز) بعض أفراده
(عن نية القربة) واختصاص أجره في الآخرة بالخزي والعقاب دون الأجر
والثواب اللازمين لصحة العمل، بل الظاهر مساواة المخالف بل غير الإمامي للكافر
في ذلك، فلا تصح نيابته أيضا، لعدم صحة عمله، وعدم وجوب إعادته عليه
لو استبصر تفضل كالكافر لو أسلم، نحو التفضل علينا باجراء جملة من أحكام
المسلمين عليه في الدنيا لا لأن عمله صحيح، ولو سلم فغاية ذلك الصحة بشرط
موافاة الايمان، والبحث في عدم صحة نيابته من حيث كونه مخالفا، على أنه
قد تمنع الصحة في نحو ذلك حتى لو استبصر، لظهور النصوص (1) التي خرجنا
بها عن القواعد في غيره.
(و) كذا (لا) تجوز (نيابة المسلم عن الكافر) لما عرفت من عدم
انتفاعه بذلك، واختصاص جزائه في الآخرة بالخزي والعقاب، والنهي عن
الاستغفار (2) له والموادة (3) لمن حاد الله تعالى، واحتمال انتفاعه بالتخفيف عنه
ونحوه يدفعه لزوم الثواب الذي هو دخول الجنة ونحوه لصحة العمل ولو من
حيث الوعد بذلك لا التخفيف ونحوه، مع إمكان منع قابليته له أيضا في عالم
الآخرة، كما يومي إليه نصوص (4) تعجيل جزاء بعض أعماله في الدنيا التي هي

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب مقدمة العبادات والباب 3 من
أبواب المستحقين للزكاة والباب 23 من أبواب وجوب الحج
(2) سورة التوبة - الآية 81 و 85
(3) سورة المجادلة - الآية 22
(4) البحار - ج 67 ص 233 و 242 - الباب 12 - الحديث 48 و 77
الطبع الحديث
357

جنته كالانظار لإبليس ونحوه، وما في بعض النصوص (1) - من انتفاع الميت
بما يفعل عنه من الخير حتى أنه يكون مسخوطا فيغفر له، أو يكون مضيقا عليه
فيوسع عليه - في غيره من المؤمنين، نعم في بعضها (2) أنه إن كان ناصبا نفعه
ذلك بالتخفيف عنه إلا أنه مع اشتماله على الناصب معارض بغيره مما دل كتابا (3)
وسنة (4) على عدم نفعه أي المخالف، وأنه ماله في الآخرة من نصيب، وأنه
يجعل الله أعماله هباء منثورا، وأنهم أشد من الكفار نارا، وكذا احتمال
كون الحج عنه مع فرض استطاعته له وتقصيره فيه من الواجبات المالية - لأنه
كالدين، فيتعلق بماله بعد موته، ويؤدى عنه وإن لم ينتفع به كالزكاة والخمس،
فينوي القربة مباشر الفعل من حيث مباشرته نحو ما سمعته في الزكاة - مدفوع
بمنع كون الحج كذلك وإن ورد فيه أنه كالدين، وقلنا بخروجه من أصل المال،
لكنه في سياق غير ذلك.
(بل لا) تجوز نيابته (عن المسلم المخالف) الذي هو كافر في الآخرة
فيجري فيه نحو ما سمعته من غير فرق فيه بين الناصب منه وغيره، بل والمستضعف
منهم وغيره والأب وغيره، خلافا للمحكي عن الجامع والمعتبر والمنتهى والمختلف

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الاحتضار من كتاب الطهارة
والباب 12 من أبواب قضاء الصلوات من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 8
من كتاب الصلاة
(3) سورة الشورى - الآية 19
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب مقدمة العبادات والمستدرك الباب
27 منها - الحديث 61 و 64
358

والدروس فجوزوها عن غير الناصب مطلقا لكفره وإسلام غيره وصحة عباداته،
ولذا لا يعيدها لو استبصر
وللشيخ فلم يجوزها مطلقا (إلا أن يكون أب
النائب) كالفاضلين هنا والقواعد،
لصحيح وهب بن عبد ربه أو حسنه (1)
سأل الصادق (عليه السلام) " أيحج الرجل عن الناصب؟ فقال: لا، قال: فإن كان أبي
قال: إن كان أباك فنعم " وربما ألحق به الجد للأب وإن علا دونه للأم،
وللشهيد في المحكي من حواشي القواعد فجوزها للمستضعف، لكونه كالمعذور،
وفي الأول ما عرفت، والثاني مع معارضته بالاجماع المحكي عن ابني إدريس
والبراج قاصر عن مقاومة ما دل على المنع، وأنه في الآخرة أعظم من الكفار
الذين لا يجوز لهم الاستغفار ولو كانوا آباء، كما يومي إليه اعتذاره (2) تعالى
عن استغفار إبراهيم لأبيه بأنه كان عن موعدة وعدها إياه، وأنه لما تبين له أنه
عدو له تبرأ منه، بل نهى النبي (صلى الله عليه وآله) (3) عن الاستغفار للمنافقين الذين لا ريب
في اندراج المخالفين فيهم حتى قال الله تعالى (4): " إن تستغفر لهم سبعين مرة
فلن يغفر الله لهم " بل ما ورد (5) في كيفية الصلاة على المنافق كاف في إثبات
حاله في ذلك العالم، مضافا إلى قطع علقة الأبوة والبنوة بين المسلم وغيره،
كما يومي إليه قوله تعالى (6): " إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح " هذا.
وفي كشف اللثام أنه يمكن أن يكون الفرق بين الأب وغيره تعلق الحج

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
(2) سورة التوبة - الآية 115 - 85 - 81
(3) سورة التوبة - الآية 115 - 85 - 81
(4) سورة التوبة - الآية 115 - 85 - 81
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 1 و 9
والباب 5 منها - الحديث 1 و 5 و 18 و 25 من كتاب الطهارة
(6) سورة هود (عليه السلام) - الآية 48
359

بالمال، فيجب على الولي الاخراج عنه أو الحج عنه بنفسه، ولفظ الخبر لا يأبى
الشمول لهما، وبالجملة فليس لاثابة المنوب عنه، ويمكن أن يكون سببا لخفة عقابه
وإنما خص الأب به مراعاة لحقه، وعن إسحاق بن عمار (1) أنه سأل الكاظم (عليه السلام)
" عن الرجل يحج فيجعل حجته أو عمرته أو بعض طوافه لبعض أهله وهو عنه
غائب ببلده أخرى فينقص ذلك من أجره، قال: لا، هي له ولصاحبه، وله أجر
سوى ذلك بما وصل، قال: وهو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتى
يكون مسخوطا عليه فيغفر له، أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه، قال: فيعلم
هو في مكانه إن عمل ذلك لحقه قال: نعم، قال: وإن كان ناصبا ينفعه ذلك قال:
نعم يخفف عنه " وفيه أن الحج وإن كان له شبه بالماليات في الاخراج من الأصل
ونحوه كالزكاة والخمس لكن من المعلوم أن دينيته لله وحده لا شريك له، فلا
يمكن قضاؤه عنه إلا مع صلاحية أدائه عنه، بخلاف حق الزكاة والخمس فإن
الدينية فيه لله وللناس، فإذا أدى من ماله حصل ردا لمظلمة إلى أهلها، وبقي
العقاب عليه بالنسبة إلى حق الله، فلا ريب في عدم خروج الحج الواجب من
أصل المال في الكافر والمخالف، لعدم انتفاعه به، واحتمال وجوبه لأن يحج به
الناس عقوبة وإن لم يكن عنه لا دليل عليه، بل لعل ظاهر الأدلة خلافه، حتى
ما دل على خروج الحج من المال، ضرورة ظهورها فيمن يحج عنه بعد موته،
كما هو واضح، وتخفيف العقاب بفعل الخير عن الميت لم يثبت في غير المؤمن،
والخبر المزبور قاصر عن معارضة ما دل من الكتاب والسنة على خلاف ذلك،
فيبقى حينئذ جميع ما شك فيه على الأصل الذي هو مقتضى قوله تعالى (2):

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 5
(2) سورة النجم - الآية 40
360

" وأن ليس للانسان إلا ما سعى " فالتحقيق حينئذ اعتبار الايمان في النائب
والمنوب عنه، والله العالم.
(و) مما يتفرع أيضا على اعتبار كمال العقل أنه (لا) تصح (نيابة
المجنون) مطبقا أو أدوارا حال دوره (لانغمار عقله بالمرض المانع عن القصد)
المعتبر، فلا يكون فعله صحيحا (وكذا الصبي غير المميز) وإن حج به الولي
(وهل تصح نيابة المميز؟ قيل: لا) تصح (لاتصافه بما يوجب رفع القلم)
فلا وثوق بفعله، إذ ذلك لا ينافي مشروعية أصل النيابة، بل لأن عبادته
تمرينية فلا تقع لنفسه فضلا عن غيره، أو للشك في تناول دليل النيابة له وإن
قلنا بشرعية عبادته (وقيل: نعم) تصح (لأنه قادر على الاستقلال بالحج
ندبا) بناء على شرعية عباداته، ولا شك في شمول دليل النيابة له، وحيث كان
المختار عندنا صحة عمله لكن على وجه التمرين لا على كيفية أمر المكلف بالنافلة
مثلا - لاختصاص ما عدا ذلك بالمكلفين، لأن الحكم الشرعي خطاب الله المتعلق
بأفعالهم من غير فرق بين خطاب الوجوب والحرمة والندب والكراهة، بل لا يبعد
إلحاق خطاب الإباحة بها، وأن عدم مؤاخذة الصبي لارتفاع القلم عنه كالمجنون،
لا لأنه مخاطب بالخطاب الإباحي، نعم لما أمر الولي بأمره بالعبادة وكان الظاهر
من هذا الأمر إرادة التمرين كان هو أيضا مأمورا بما أمر به الولي من التمرين
بناء على أن الأمر بالأمر أمر لكن على جهة ذلك الأمر، فيكون عمله على جهة
التمرين مشروعا - كان المتجه عدم صحة نيابته عن الغير، ضرورة اختصاص جهة
التمرين به وإن استحق هو عليه الثواب من هذه الجهة، بل يجوز إهداؤه إلى الغير
بإذن الولي أو مطلقا كما هو الأقوى، لاختصاص دليل الحجر في غير ذلك، لكن
لا يقع منه بعنوان النيابة عن الغير المخاطب بالفعل لنفسه وجوبا أو ندبا، وأوضح
من ذلك لو قيل بأن التمرين فيه نحو تمرين الحيوانات على بعض الأعمال، فإنه
361

لا مشروعية لفعله من حيث نفسه أصلا، وإنما يستحب للولي تمرينه وأمره بذلك
بل ربما قيل بعدمها مطلقا بناء على الشرعية التي هي على نحو شرعية الندب للمكلف
باعتبار الشك في تناول إطلاقات النيابة لمثله، فيبقى حينئذ على مقتضى أصل عدم
الجواز الموافق لقوله تعالى: " ليس للانسان إلا ما سعى " وإن كان هو كما ترى
لوضوح منع الشك، فتأمل جيدا.
(ولا بد) في الأفعال المفتقرة إلى النية (من نية النيابة وتعيين المنوب
عنه) بلا خلاف أجده فيه، لاشتراك الفعل بين وجوه لا يتشخص لأحدها إلا
بالنية، كما أن لا يتشخص لأحدهم مع تعددهم إلا بتعيينه، أما مع اتحاده فيكفي
قصد النيابة عنه، والمراد (ب‍) تعيينه (القصد) بما يشخصه في نفس الأمر
من اسم أو غيره ولو بقصد من له في ذمته مع فرض اتحاده.
ثم لا يخفى عليك أن نية الاحرام والطواف عن فلان مثلا هي نية النيابة
عنه، وكذا الاحرام بحج فلان مثلا، وعلى كل حال فالواجب قصد ذلك،
وما في صحيح ابن مسلم (1) " ما يجب على الذي يحج عن الرجل قال: يسميه في
المواطن والمواقف " محمول عليه أو على إرادة الاستحباب من الوجوب فيه، لعدم
وجوب ذلك اتفاقا، ولصحيح البزنطي (2) " إن رجلا سأل الكاظم (عليه السلام) عن
الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه فقال: إن الله لا تخفى عليه خافية " وخبر المثنى
ابن عبد السلام (3) عن الصادق (عليه السلام) " في الرجل يحج عن الانسان يذكره في
جميع المواطن كلها فقال: إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، الله يعلم أنه قد حج
عنه، ولكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها " نعم الظاهر رجحان ذلك كما

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 1 - 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 1 - 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 1 - 5 - 4
362

سيصرح به المصنف وغيره خصوصا في الأضحية، لحسن ابن معاوية (1) قيل
للصادق (عليه السلام): " أرأيت الذي يقضي عن أبيه أو أمه أو أخيه أو غيرهم أيتكلم
بشئ؟ قال: نعم يقول عند إحرامه: اللهم ما أصابني من نصب أو شعث أو شدة
فآجر فلانا فيه وآجرني في قضائي عنه " وسأله الحلبي أيضا (2) عن مثل ذلك
فقال: " نعم يقول بعد ما يحرم: اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو بلاء
أو شعث فآجر فلانا فيه وآجرني في قضائي عنه " وقد سمعت صحيح ابن مسلم (3)
السابق، والمناقشة في عبارة المتن باغناء قصد تعيين المنوب عن النيابة باردة،
إذ يكفي عدم إغناء النيابة عنه.
(وتصح نيابة المملوك بإذن مولاه) بلا خلاف بل ولا إشكال، لعموم
الأدلة وإطلاقها، وما عن بعض الجمهور من المنع لعدم إسقاطه فرض الحج عن
نفسه فضلا عن غيره واضح الفساد.
(ولا تصح نيابة من وجب عليه الحج واستقر) بتقصيره بعدم فعله عام
الاستطاعة الذي قد عرفت وجوب فعل الحج عليه مع تمكنه ولو مشيا، ومن هنا
لا تصح نيابته لما عرفته سابقا مفصلا (إلا مع العجز عن الحج ولو مشيا) فإنه
يسقط عنه حينئذ، وتصح نيابته، حتى لو اتفق حصول التمكن له في الأثناء لم
تنفسخ الإجارة، كما لا تنفسخ بتجدد الاستطاعة لحج الاسلام، بل لا يجب إلا
مع بقائها إلى العام القابل، كما هو واضح.
(وكذا لا يصح حجه تطوعا) لما عرفته (و) حينئذ ف‍ (لو تطوع)
يقع باطلا، ولكن (قيل) والقائل الشيخ في محكي مبسوطه: (يقع عن حجة

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 3 - 2 - 1 والأول حسن معاوية بن عمار
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 3 - 2 - 1 والأول حسن معاوية بن عمار
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 3 - 2 - 1 والأول حسن معاوية بن عمار
363

الاسلام) قهرا (وهو تحكم) واضح بعد عدم دليل عليه صالح للخروج به
عن مقتضى القواعد (ولو حج عن غيره لو يجز عن أحدهما) لما عرفت.
(ولمن حج) واجبا فضلا عن غيره (أن يعتمر عن غيره إذا لم تجب
عليه العمرة،
وكذا لمن اعتمر) واجبا (أن يحج عن غيره إذا لم يجب عليه
الحج) للعمومات السالمة عن المعارض، وتلبسه بأحد النسكين لا يمنع نيابته في
النسك الآخر المفروض عدم خطابه به، إذ قد عرفت أنه لا تجوز نيابة من كان
مكلفا به فورا متمكنا منه، للاتفاق عليه ظاهرا، وللنص الذي سمعت الكلام
فيه، كما هو واضح، والله العالم.
(و) كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال في أنه (يصح
نيابة من لم يستكمل الشرائط) أي شرائط وجوب الحج (وإن كان صرورة)
لاطلاق الأدلة، وخصوص جملة من النصوص (1) من غير فرق في ذلك بين الرجل
والمرأة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة (فيجوز أن تحج المرأة عن
الرجل وعن المرأة) وبالعكس لاطلاق دليل النيابة وخصوص الامرأة، قال
الصادق (عليه السلام) في صحيح رفاعة (2): " المرأة تحج عن أخيها وأختها، وقال:
تحج عن أبيها " وسأله معاوية بن عمار (3) أيضا " عن الرجل يحج عن المرأة
والمرأة تحج عن الرجل فقال: لا بأس " إلى غير ذلك، خلافا لما عن النهاية
والتهذيب والمبسوط والمهذب من عدم جواز حج المرأة الصرورة عن غيرها،
والاستبصار من عدم جوازه عن الرجال، ولعل الأول لخبر سلمان بن جعفر (4)

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب النيابة في الحج
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 5 - 2
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 5 - 2
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3 عن
سليمان بن جعفر كما في الاستبصار ج 2 ص 323 الرقم 1144
364

" سألت الرضا (عليه السلام) عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة قال: لا ينبغي "
بناء على إرادة الحرمة منه كما في الحدائق،
والثاني لخبر شحام (1) عن الصادق
(عليه السلام) " سمعته يقول: يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، ولا تحج
المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة " وخبر مصادف (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
أتحج المرأة عن الرجل؟ قال: نعم إذا كانت فقيهة مسلمة وكانت قد حجت،
رب امرأة خير من رجل " وموثق عبيد بن زرارة (3) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه هل تجزي عن امرأة؟ قال: لا، كيف
تجزي امرأة وشهادته شهادتان، قال: إنما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة،
والرجل عن الرجل، وقال: لا بأس أن يحج الرجل عن المرأة " وفيه منع إرادة
الحرمة من " لا ينبغي " خصوصا في المقام الذي قد عرفت قوة دليله من النصوص
المنجبرة بالعمل على وجه يقصر غيرها عن معارضتها سندا ودلالة، فالمتجه حينئذ
حمله على الكراهة لمكان كونها صرورة.
بل لعل نيابة الرجل الصرورة لا تخلو منها وإن كانت الامرأة أشد،
لمكاتبة بكر بن صالح (4) إلى أبي جعفر (عليه السلام) " إن ابني معي وقد أمرته أن
يحج عن أمي أيجزي عنها حجة الاسلام؟ فقال: لا، وكان ابنه صرورة وكانت
أمه صرورة " ومكاتبة إبراهيم بن عقبة (5) إليه (عليه السلام) يسأله " عن رجل صرورة لم
يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة
الاسلام أو لا؟ بين لي ذلك يا سيدي إن شاء الله، فكتب لا يجزي ذلك " بل

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 4 - 3
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 4 - 3
365

خبر بشير النبال (1) أوضح من ذلك دلالة على إرادة رجحان نيابة الرجل عليها
قال: " سألته أن والدتي توفت ولتحج فقال: يحج عنها رجل أو امرأة، قال:
أيهما أحب إليك؟ قال: رجل أحب إلي " بل قد يستفاد من التأمل في جميع
النصوص صريحها وظاهرها وإشعارها كموثق عبيد بن زرارة وغيره أن للراجحية
والمرجوحية جهتين: التساوي في الذكورة والأنوثة والصرورة وغير الصرورة،
والنهاية في المرجوحية نيابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة، لاجتماع الجهتين
فيها، وكذا نيابة الرجل الصرورة عن المرأة الصرورة إلا أنها أقل باعتبار خفة
صرورة الرجل بالنسبة إلى صرورة المرأة، وأما نيابة الرجل الصرورة عن الرجل
ففيه جهة الصرورية فقط كالامرأة الصرورة عن الامرأة الصرورة، وكذا غير
الصرورة مع المخالفة ليس فيه إلا جهة المخالفة، والجماع للجهتين كالرجل غير
الصرورة عن الرجل والامرأة غير الصرورة عن الامرأة فيه الفضل، وخال عن
جهة المرجوحية، نعم هذا كله من حيث نفس الذكورة والأنوثة، وإلا فقد
تحصل بعض المرجحات في خصوص بعض أفراد أحدهما على بعض أفراد الآخر
كما أشار إليه بقوله (عليه السلام): " رب امرأة خير من رجل " بل ربما ظهر من قوله
و (عليه السلام) في خبر بشير: " رجل أحب إلي " أن الرجل غالبا خير من المرأة تأدية
وأقوى على الاتيان بالكامل منها لا أنه خير منها في النيابة عن الامرأة حتى مع
فرض تساويهما في الأداء أو كون المرأة خيرا منه، وإلا لنافى ما سمعته في موثق
عبيد، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (من استؤجر) مثلا (ومات في الطريق فإن
أحرم ودخل الحرم فقد أجزأت عمن حج عنه) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 8
366

بقسميه عليه، لما سمعته سابقا من الخبرين (1) الذين وإن (2) كان موردهما
الحج عن نفسه إلا أن الظاهر ولو بمعونة فهم الأصحاب كون ذلك كيفية خاصة
في الحج نفسه سواء كان عن نفسه أو عن الغير، وسواء كان واجبا بالنذر أو
غيره، فالمناقشة في ذلك من بعض متأخري المتأخرين في غير محلها لما عرفت،
خصوصا بعد أن كان فعل النائب فعل المنوب عنه، والفرض إجزاؤه في الثاني
فيجزي في الأول، مضافا إلى موثق إسحاق بن عمار (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت
قبل إن يحج قال: إن مات في الطريق أو بمكة قبل إن يقضي مناسكه فإنه يجزي
عن الأول " المحمول ولو بقرينة ما عرفت على إرادة ما بعد الاحرام ودخول
الحرم، وعدم العمل بما دل عليه مما هو أزيد من ذلك للمعارض الذي هو أقوى
منه لا يقدح في العمل به فيما نحن فيه.
ومنه يعلم وجه الاستدلال بغيره من النصوص (4) مما هو نحوه في الدلالة
حتى مرسل المفيد (5) في المقنعة " من خرج حاجا فمات في الطريق فإنه إن كان
مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فإن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه
الحج وليقض عنه وليه " فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة.

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 و 2
(2) العبارة غير مستقيمة فلا بد من إسقاط " الذين " أو إسقاط " وإن "
حتى تكون صحيحة
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
رواه مضمرا كما في الكافي ج 4 ص 306 والتهذيب ج 5 ص 417 الرقم 1450
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 0 - 4
(5) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 0 - 4
367

كما أنه لا إشكال في عدم استحقاق المستأجر رد ما قابل المتخلف من الأجرة
بعد الاجماع المحكي من جماعة على ذلك ونفي الخلاف من آخر، بل نسبه بعضهم
إلى دلالة النصوص أيضا، مع إمكان القول بأن عقد الإجارة إنما يقتضي تأدية
الحج من الأجير على حسب تكليفه من نسيان وسهو وإجزاء وغير ذلك، فيكون
ما وقع منه في الفرض من أفراد العمل المستأجر عليه حقيقة، نحو المستأجر على
صلاة مثلا فنسي فيها ما لا يبطلها، فإنه لا إشكال في استحقاق الأجير تمام الأجرة
ضرورة كون محل البحث حال الاطلاق المجرد عن التصريح بالتوزيع مع اتفاق
النقصان وعن عدمه لو اتفق عدمه، والظاهر ما ذكرناه في هذا الحال وإن كان
الحاضر في ذهن الأجير والمستأجر الاتيان بكمال الأفعال، لكن لا على وجه
تقسيط الأجرة، بل كان لأنه أول الأفراد في الاجزاء، فالمناقشة حينئذ من بعض
متأخري المتأخرين في عدم استحقاق المستأجر رد ما قابل المتخلف بأنه وإن
حصل المبرئ للذمة لكنه ليس تمام ما استؤجر عليه - فيستحق حينئذ رد المقابل
للمتخلف وإن حصل المبرئ للذمة الذي ليس هو تمام المستأجر عليه - في غير
محلها، خصوصا مع ملاحظة ما حكي من الاجماعات المعتضدة بعدم الخلاف وغيره.
(نعم لو مات قبل ذلك لم يجز) ما وقع منه قبل الاحرام قطعا بل اجماعا
بقسميه وإن ورد جملة من النصوص (1) بأنه يعطى المنوب حجة النائب إن كان
قد حج سابقا، وإلا كتبه الله له حجة مع فرض عدم مال للنائب يستأجر به عما
في ذمته، لكن المراد منها - بعد حملها على تقصير النائب في الأداء وإتلاف
الأجرة في غير الحج أو نحو ذلك - بيان وصول عوض للمنوب بدل دراهمه،

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب النيابة في الحج
368

وإن الله تعالى شأنه لا يضيع ماله إذا فرض وقوع ذلك ولم يعلم الولي بل استأجره
واعتمد على أصالة عدم تقصير المسلم فيما يجب عليه، لا أن المراد منها الاجزاء
حقيقة بحيث لو علم الولي بذلك وأمكنه الاستيجار عنه ثانيا وثالثا لم يجب عليه
فإنه من المقطوع ببطلانه، ضرورة عدم فراغ المنوب عنه بمجرد الاستيجار،
بل لا بد من الفعل معه كما هو واضح، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من
العمل بهذه النصوص غير مستأهل للالتفات، كغيره من مخالفاته الناشئة عن
اختلال الطريقة، نعوذ بالله منه.
(و) من هنا قال المصنف: في الفرض (عليه أن يعيد من الأجرة ما قابل
المتخلف من الطريق ذاهبا وعائدا) مع فرض اشتراط المباشرة في الحج كي يتجه
انفساخ الإجارة حينئذ بموته، فيحتاج إلى التقسيط المزبور وفاقا لجماعة من
الأصحاب، بل ينبغي القطع به مع فرض دخول قطع المسافة كذلك في العمل
المستأجر عليه، ضرورة اقتضاء قاعدة الإجارة ذلك على ما أوضحناه فيها، لكن
ينبغي حينئذ تعيين المسافة، وإلا بطلت الإجارة للجهالة، ضرورة شدة اختلافها
فمع فرض ذكرها في عقد الإجارة كي يتجه التقسيط الذي لا وجه له مع فرض
عدم ذكرها في العمل المستأجر عليه لا بد من تعينها، وإلا كان فيه من الغرر
ما لا يخفى، ومن ذلك يعلم ما في إطلاقهم، وهل يجزي غير المعين عنه مع رضاء
المستأجر على وجه يلحقه التقسيط أيضا؟ وجهان.
وعلى كل حال فلا إشكال بل ينبغي القطع بعدم التوزيع مع التصريح بإرادة
نفس العمل على وجه لا يستحق الأجير على مقدمات العمل شيئا إذا فرض صحة
نحو ذلك، وإنما الاشكال فيما لو أطلق الإجارة على الحج فهل يدخل فيها قطع
المسافة ذهابا وإيابا على وجه يقتضي التوزيع والتقسيط أولا يدخل وإنما يراد
نفس العمل، فلا تستحق المقدمات حينئذ شيئا، نعم يختص التوزيع على فعل
369

بعض العمل كما لو أحرم مثلا ومات قبل دخول الحرم؟ خيرة جماعة منهم الأول،
وآخرين الثاني، والتحقيق أن المقدمات ملحوظة لكن في زيادة قيمة العمل نحو
ملاحظة الأوصاف في البيع، لا على جهة التوزيع في الأجرة والثمن، فإذا فرض
وقوع بعض العمل لوحظت قيمة ذلك البعض على وجه يحتاج إلى تلك المقدمة،
فالتوزيع حينئذ بهذا المعنى في محله، وأما لو فرض وقوع المقدمات خاصة فقد
يتجه استحقاق أجرة المثل فيها، لأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يقصد التبرع
به بل وقع مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه فلم يتسير له ذلك بمانع قهري،
وعدم فائدة المستأجر به - مع إمكان منعه بأن فائدته الاستيجار ثانيا من محل موته
لا من البلد الذي تختلف الأجرة باختلافه - غير قادح في استحقاق الأجرة عليه
نحو بعض العمل المستأجر عليه الذي لا استقلال له في نفسه كبعض الصلاة ونحوه
نعم قد يحتمل في الفرض أن المستحق أكثر الأمرين من أجرة المثل وما يقتضيه
التقسيط أو أقلهما، ولكن الأقوى أجرة المثل، لعدم صحة التقسيط من أصله
بعد فرض عدم اندراجها في عقد الإجارة على وجه تقابل بالأجرة كما هو واضح،
ومن ذلك يعلم ما في كلام كل من الطرفين، اللهم إلا أن يريدوا ما ذكرناه،
والله العالم.
هذا كله على المختار من عدم الاجزاء إذا مات قبل الاحرام أو بعده قبل
دخول الحرم (ومن الفقهاء) كالشيخ (رحمه الله) (من اجتزأ بالاحرام)
وإن لم يدخل الحرم، بل ادعى أنه منصوص عليه بين الأصحاب لا يختلفون فيه
بل ربما استدل له باطلاق خبر إسحاق (1) المتقدم المنزل على ذلك، وإلا فهو
شامل لمن مات قبل الاحرام ولم يقل به أحد، فيجب حمله على ما ذكرنا لقاعدة

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
370

الاقتصار (و) بذلك كله بان لك أن (الأول أظهر) كما عرفت الكلام فيه
مفصلا، إذ المسألة من واد واحد على ما سمعت، وأما إذا مات قبل الاحرام
فقد عرفت أنه لا خلاف في عدم إجزائه، بل الظاهر الاجماع عليه، مضافا إلى
الأصل، خصوصا بعد أن كان كذلك في المنوب عنه الذي فعل النائب قائم مقامه
وإلى عموم قول الصادق (عليه السلام) في مرسل المفيد (1) نعم في المرسل (2) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " في رجل أعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرجل حدث فقال:
إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول، وإلا فلا "
والآخر (3) عنه (عليه السلام) أيضا " في رجل أعطى رجلا مالا يحج به فمات قال: إن
مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه، وإن مات في الطريق فقد أجزأ "
إلا أنهما مع إرسالهما لم أجد قائلا بهما، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافهما،
فيجب طرحهما أو حملهما على ما عرفت، وأما احتمال اختصاص النائب بذلك فهو
مقطوع بعدمه، والله العالم.
(ويجب أن يأتي بما شرط عليه من تمتع أو قران أو إفراد) لقاعدة
" المؤمنون " (4) وللأمر بالوفاء بالعقد (5) فلا يجزي حينئذ غير المعين عنه وإن
كان أفضل، وفي الحسن المضمر (6) " في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3 - 4
(4) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب الخيار - الحديث 7 من كتاب التجارة
(5) سورة المائدة - الآية 1
(6) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 2 وفيه
عن الحسن بن محبوب عن علي (عليه السلام) إلا أن الشيخ (قده) قال بعد ذكره الخبر في
التهذيب ج 5 ص 416 الرقم 1447 أنه حديث موقوف غير مسند إلى أحد من
الأئمة (عليهم السلام)
371

مفردة قال: ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، لا يخالف صاحب الدراهم "
(و) لكن (روي) عن أبي بصير (1) عن أحدهما (عليهما السلام) أنه
(إذا أمر أن يحج مفردا أو قارنا فحج متمتعا جاز لعدوله إلى الأفضل) قال:
" في رجل أعطى رجلا دراهم يحج عنه حجة مفردة أيجوز له أن يتمتع بالعمرة
إلى الحج؟ قال: نعم، إنما خالف إلى الفضل " وعن الشيخ وجماعة الفتوى
بمضمونها، نعم مقتضى التعليل الواقع فيها اختصاص الحكم بما إذا كان المستأجر
مخيرا بين الأنواع كالمتطوع وذي المنزلين المتساويين في الإقامة بمكة وناء وناذر الحج
مطلقا، لأن التمتع لا يجزي مع تعين الافراد فضلا عن أن يكون أفضل منه.
(و) لكن قال المنصف: (هذا يصح إذا كان الحج مندوبا أو قصد
المستأجر الاتيان بالأفضل لامع تعلق الغرض بالقران أو الافراد) وفي محكي المعتبر
والمنتهى الاقتصار على المندوب، وفي محكي المنتهى والتحرير ذلك أيضا مع العلم بقصد
المستنيب الأفضل، ولذا قال في المدارك لم يستجود ما ذكره المصنف، قال: لأن
مقتضاه أن كلا من نذر الحج أو قصد المستأجر الاتيان بالأفضل مصحح للحكم
المذكور، ولا بد من اعتبارهما معا، ومع ذلك فتخصيص الحج بكونه مندوبا
لا يظهر له وجه، فإن ما ذكرناه من افراد الواجب مساو للندب في هذا المعنى
وفي القواعد وشرحها للإصبهاني ولو عدل النائب إلى التمتع عن قسميه وعلم أنه
تعلق الغرض أي غرض المستنيب بالأفضل بأن يكون مندوبا أو منذورا مطلقا
أو كان المنوب ذا منزلين متساويين فيتخير أي علم أن الأفضل مطلوب له أيضا،

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
372

وبالجملة التخيير أجزأ وفاقا للمعظم، إذ ما على المحسنين من سبيل، ولخبر
أبي بصير (1) السابق، خلافا لظاهر الجامع والنافع والتلخيص وعلي بن رئاب
قصرا على النوع المأذون، والجواب أن غيره في حكم المأذون، لفرض العلم
بقصد التخيير وإن ذكر ما ذكر إنما هو للرخصة في الأدنى، وإلا يعلم تعلق
غرض بالأفضل فلا يجزي وفاقا للمعتبر والتحرير، لأنه غير ما استنيب فيه حقيقة
وحكما، خلافا لظاهر أبي علي والشيخ والقاضي فأطلقوا جواز العدول إلى الأفضل
ويمكن إرادتهم التفصيل، ويؤيده أن غيره إنما يكون أفضل إذا جاز فعله للمنوب
والنائب، إلى غير ذلك من كلماتهم المتفقة على جواز العدول مع فرض التخيير
وقصد المنوب الأفضل، لكن قد يناقش بما ظاهرهم الاتفاق عليه من كون التمتع
والقران والأفراد أنواعا للحج مختلفة، وأنه يجب في الإجارة تعيين أحدها،
لاختلافها في الكيفية والأحكام، وإلا لزم الغرر كما اعترف به في المدارك في صدر
البحث، حينئذ فالتخيير للمنوب عيه لكونه مندوبا أو لغير ذلك مع العلم
بإرادة المستأجر الأفضل لا يجدي بعد تعيين الفرد بالإجارة ودعوى أنه ذكر
للرخصة في الأدنى لا يقتضي صحة الإجارة مع إرادة التخيير فيها، للغرر والابهام
نعم لو قلنا بعد تعيين الفرد بالعقد باجزاء غيره عنه مع رضاء المستأجر نحو الوفاء
بغير الجنس أمكن الاجزاء حينئذ لذلك، لا لأنه مقتضى عقد الإجارة، بل نحوه
يجري في العدول إلى غير الأفضل عنه أيضا، وبذلك يظهر لك النظر في جميع
تلك الكلمات التي مبناها العلم بإرادة التخيير في العمل المستأجر عليه كما لا يخفى
على من لاحظها، وحملها على ذلك يأباه ظاهر بعضها وصريح آخر، وعلى تقديره
فمرحبا بالوفاق، نعم يمكن حمل خبر أبي بصير عليه حتى ما فيه من التعليل بناء على

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
373

إرادة استفادة العلم برضا المستأجر بذلك باعتبار كنون المعدول إليه أفضل،
بل يمكن فرضه لا على طريق الفحوى بل بالقرائن حال الإجارة على رضاه بوقوع
الأفضل عوضا عن المستأجر عليه، وكيف كان فمع عدم الإذن بذلك ولو فحوى
بناء على الاجتزاء بها لو عدل لم يستحق عوضا، لكونه متبرعا حينئذ وإن وقع
عن الميت باعتبار نية النائب، وما عن التحرير والمنتهى من الاشكال في ذلك في
غير محله، وإن وجه بأنه أتى بالعمرة والحج وقد استنيب فيهما، وإنما زادهما
كمالا وفضلا، إلا أنه كما ترى، والله العالم.
(ولو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض)
وفاقا للمشهور، لعموم " أوفوا " و " المؤمنون " (وقيل) والقائل الشيخ في
محكي المبسوط: (يجوز) العدول (مطلقا) لصحيح حريز (1) سأل الصادق
(عليه السلام) " عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة
فقال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه " ولعله لذا أطلق في محكي
التهذيب الاجزاء إذا استؤجر للحج من بلد فحج من آخر، وفي محكي النهاية
والمهذب والسرائر جواز العدول من طريق استؤجر ليحج منه، وعن الجامع
نفي البأس عنه، إلا أن الجميع كما ترى، ولا ظهور في الصحيح المزبور في جواز
المخالفة حتى مع الغرض، وإنما دل على صحة الحج وأن هذه المخالفة لا تفسده،
وهو المراد بنفي البأس، وذلك غير محل البحث، بل في كشف اللثام ظاهره عدم
تعلق الغرض بالطريق، وفي محكي التذكرة الأقرب أن الرواية إنما تضمنت مساواة
الطريقين إذا كان الاحرام من ميقات واحد، أما مع اختلاف الميقاتين فالأقرب
المنع، لاختلافهما قربا وبعدا واختلاف الأغراض، وتفاوت الأجر بسبب تفاوتهما

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
374

بل في المدارك وكشف اللثام احتمال أن الكوفة صفة لرجل لا صلة ليحج، بل
لعل المتجه للعموم المذكور عدم جواز العدول إلا مع العلم بانتفاء الغرض، بل
في المدارك الأولى وجوب الوفاء بالشرط مطلقا، وإن كان قد يناقش بأن المراد
بعدم الغرض الكناية عن عدم إرادة الالزام بما ذكر من الشرط، وإنما المراد
هو أو غيره، فهو كالإجارة المطلقة التي لم يذكر فيها اشتراط طريق، ولا ريب في
تخيير الأجير حينئذ.
كما أنه إشكال بل ولا خلاف في صحة الحج من حيث أنه حج لو خالف
وحج على غير الطريق المشترط وإن استلزم الاحرام من غير ميقاته، بل حتى لو كان
ابتداء الطريق المشترط من ميقات مخصوص، إنما الكلام في صحته من حيث
الإجارة، وقد قطع المصنف وغيره على ما اعترف به في المدارك بصحته كذلك،
لأنه بعض العمل المستأجر عليه وقد امتثل بفعله، ولكن أشكله فيها بأن المستأجر
عليه الحج المخصوص، وهو الواقع عقيب قطع المسافة المعينة ولم يحصل الاتيان به
نعم لو تعلق الاستئجار بمجموع الأمرين من غير ارتباط لأحدهما بالآخر اتجه
ما ذكروه، وفي محكي التذكرة الأقرب فساد المسمى والرجوع إلى أجرة المثل،
ولم نجده لغيره، بل ظاهر الجميع وصريح تقسيط الأجرة ورد ما قابل الطريق
أو بعضه منها، وربما احتمل رد التفاوت بين الطريقين إن كان ما سلكه أسهل،
وإلا لم يرد شيئا، لكنه واضح الضعف، وإن جزم به أيضا في محكي التذكرة
إذا لم يتعلق غرض بالطريق، إلا أنك قد عرفت استحقاق الأجرة كاملة مع عدم
تعلق الغرض على الوجه الذي ذكرناه.
والتحقيق أنه إن أريد بالشرطية في كلامهم الجزئية على معنى أنه ذكر
الطريق على وجه الجزئية لما وقع عليه عقد الإجارة اتجه التقسيط، ضرورة كونه
كتبعض الصفقة المبيع حينئذ، بل لا يبعد تسلط المستأجر على الخيار، فله
375

الفسخ حينئذ ودفع أجرة المثل عما وقع منه، وإن كان المراد الجزئية من العمل
المستأجر عليه على وجه التشخيص به فقد يتخيل في بادئ النظر عدم استحقاق
شئ كما سمعته من سيد المدارك، لعدم الاتيان بالعمل المستأجر عليه، فهو متبرع
به حينئذ، لكن الأصح خلافه، ضرورة صدق كونه بعض العمل المستأجر عليه
وليس هو صنفا آخر، وليس الاستئجار على خياطة تمام الثوب فخاط بعضه مثلا
بأولى منه بذلك، بناء على عدم الفرق بين التخلف لعذر وغيره في ذلك وإن اختلفا
في الإثم وعدمه، لأصالة احترام عمل المسلم، بل لو شرط عليه عدم استحقاق
أجرة مع عدم الاتيان به على الوجه المخصوص أشكل صحة الإجارة، لأن
تشخيص العمل على وجه لا يصدق عليه أنه بعض العمل المستأجر عليه لا يتبع
شرط المستأجر، وإنما هي تابعة لمشخصاته الخارجية، والفرض صدق الاتيان
ببعض العمل المستأجر عليه وإن خالف التشخيص الذي صدر من المستأجر،
فيرجع الشرط المزبور حينئذ إلى استئجار على عمل بلا أجرة، اللهم إلا أن يفرض
الشرط على وجه يقتضي إسقاطه لما استحقه بعقد الإجارة من التقسيط، وهو
غير ما نحن فيه، وإن أريد بشرطية الطريق في كلامهم معنى الشرطية التي هي في
العقود التزام بأمر خارجي عما قوبل بالعوض في العقد فلا محيص عن القول باقتضاء
التخلف الخيار في الفسخ ودفع أجرة المثل، وعدمه ودفع الأجرة تماما نحو
الشرط في البيع وغيره من عقود المعاوضة، إذ ليس للشرط قسط من الثمن على
وجه التوزيع، ودعوى أن نحو هذا الشرط في خصوص الإجارة كذلك لا دليل
عليها، وإنما أوجبنا أجرة المثل في الفرض مع الفسخ لوصول العمل إلى المستأجر
مع عدم صدق التبرع به، فيبقي على مقتضى أصالة احترام عمل المسلم الذي كان
مقابلا بمقتضى عقد الإجارة بشئ من الأجرة، فمع الفسخ يرجع إلى قيمته.
376

وبذلك كله ظهر لك المراد مما في جملة من عبارات الأصحاب والنظر في جملة
أخرى وخصوصا ما أطنب به الإصبهاني في شرحه من كثرة التشقيقات
والاحتمالات الظاهرة في صدورها منه قبل أن يعض على العلم بضرس قاطع، ومن
ذلك ما ذكره في صورة إرادة الشرطية المقابلة للجزئية - وكون المراد بالطريق
ما قبل الميقات لا منه - من أنه " إن نوى الشرطية بمعنى عدم استحقاق الأجرة
على تقدير المخالفة لم يستحق الأجير حينئذ شيئا اتحد الميقات أو لا، تعلق
غرض بالطريق أم لا، وإلا فإن تعلق غرض بالطريق فإما أن يتحقق الغرض أو
أفضل منه مع المخالفة - كأن يكون الغرض التأدي إلى ميقات مخصوص فخالف
الطريق وسار إلى ذلك الميقات أو أفضل منه أو مساوية - فيجزيه ما فعله ويستحق
به الأجرة كاملة، وإما أن يفوت الغرض ففيه الأوجه التي عرفتها: فساد المسمى
واستحقاق أجرة المثل - وعدم الفساد مع رد التفاوت أو لا معه، ووجه رابع
هو عدم استحقاق شئ لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، وخامس وهو التفصيل
بأنه إن كان الغرض شيئا متعلقا بما استؤجر له كالميقات والاحتياط للوجوب من
باب المقدمة لم يستحق شيئا، أو استحق أجرة المثل، أو المسمى مع الرد، وإلا
كالمرور على أخ أو ضيعة استحق المسمى كاملا، وإن لم يتعلق به غرض استحق
المسمى كاملا أو مع الرد " إذ هو جميعه كما ترى، وقس على هذا ما تركناه من
كلامه، فإنه أيضا كذلك، ومن الغريب عدم فرقه بين الشروط في عقود المعاملة
والشروط الشرعية لمشروط التي يجري فيها قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه،
والتحقيق ما عرفت، ولا ينافيه ما في كلام الأصحاب هنا من رد التفاوت بعد أن
حملنا كلامهم على إرادة الجزئية من الشرطية لا معناها الذي ذكرناه، وهو متجه
على قواعد الإجارة.
(وإذا استؤجر ل‍) مباشرة (حجة) في سنة معينة (لم يجز أن يؤجر
377

نفسه) لمباشرة أخرى في تلك السنة قطعا، لعدم القدرة على التسليم، فتبطل
الثانية حينئذ، ولو فرض اقترانهما بطلتا معا، بل قد يقال بكون الحكم كذلك
مع عدم اعتبار المباشرة، فإنه وإن تمكن من الاتيان بهما بالاستنابة لكن يعتبر
في الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن
على إرادة الاستنابة، ففي الفرض لا يجوز الإجارة الثانية للحج في تلك السنة
وإن كان المراد بها أو بالأولى أو بهما ما يعم الاستنابة، ولكن قد ذكرنا في
كتاب الإجارة احتمال الصحة، ولو كانت الإجارة الأولى مطلقة فعن الشيخ إطلاق
عدم جواز الإجارة (لأخرى حتى يأتي بالأولى، و) قال المصنف والفاضل في
محكي المنتهى: (يمكن أن يقال بالجواز إن كان لسنة غير الأولى) بل عن المعتبر
الجزم به، وهو كذلك، لاطلاق الأدلة السالمة عن المعارض، بل في المدارك
يحتمل قويا جواز الاستئجار للسنة الأولى إذا كانت الإجارة الأولى موسعة، إما
مع تنصيص المؤجر على ذلك أو القول بعدم اقتضاء الاطلاق التعجيل قال: ونقل
عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته أنه حكم باقتضاء الاطلاق في كل الإجارات
التعجيل، فيجب المبادرة بالعمل بحسب الامكان، ومستنده غير واضح، وهو
كذلك أيضا بناء على الأصح من عدم اقتضاء الأمر الفور، والفرض عدم ظهور
في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك، بل إن لم يكن إجماع فهو في الحج كذلك
وإن صرح باقتضاء الاطلاق التعجيل فيه جماعة، اللهم إلا أن يفرض اقتضاء
التعارف فيه ذلك، ثم على تقدير التعجيل المزبور فالظاهر صحة الإجارة الثانية
المطلقة مع فرض علم المستأجر الثاني بالإجارة الأولى، ضرورة كون المراد به
التعجيل بحسب الامكان، أما مع عدم علمه فالظاهر أن له الخيار مع احتمال البطلان
وعن المنتهى القطع بالجواز مع إطلاق الإجارتين، وفي كشف اللثام وكأنه لدلالة
سبق الأولى على تأخير الثانية.
378

وعلى كل حال فالتعجيل على القول به ليس توقيتا، وحينئذ فإن أهمل
لم تنفسخ الإجارة وإن أثم بالتأخير، ويستحق الأجرة التامة، لكن في الدروس
" ولو أطلق اقتضى التعجيل، فلو خالف الأجير فلا أجرة له " وضعفه واضح،
بل هو مناف لقوله فيها متصلا بذلك: " ولو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في
المطلقة في وجه قوي، ولو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة " وإن كان هو
أيضا لا دليل عليه بحيث يعارض أصالة لزوم العقد، اللهم إلا أن يكون بنى ذلك
على فهم اشتراط التعجيل، فيثبت الخيار حينئذ لفوات الشرط وإن كان مضمرا
وإن كان هو كما ترى.
نعم تنفسخ الإجارة بفوات الزمان الذي عين للحج فيها سواء كان
بتفريط أولا، خلافا لأحد وجهي الشافعية بناء على كونه كتأخير الدين عن
محله، وله وجه مع فرض كون التعيين المزبور بعنوان الشرطية، ولكن يثبت
الخيار حينئذ، ولو قدمه عن السنة المعينة فعن التذكرة الأقرب الجواز، لأنه
زاد خيرا، وهو المحكي عن الشافعي، وفي المدارك في الصحة وجهان، أقربهما
ذلك مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين، وفيه أنه يرجع إلى عدم إرادة التعيين
من الذكر في العقد، وحينئذ لا إشكال في الاجزاء، إنما الكلام فيما اعتبر فيه
التعيين، ولا ريب في عدم الاجتزاء به عن الإجارة إلا إذا كان بعنوان الشرطية
لا التشخيص للعمل، والله العالم.
(ولو) أحصر أو (صد) الأجير على الذهاب إلى الحج وفعله في
سنة معينة (قبل الاحرام ودخول الحرم استعيد من الأجرة بنسبة المتخلف)
بلا إشكال بل ولا خلاف إذا لم يضمن الحج من قابل، لانفساخ العقد، واحترام
ما وقع من العمل (و) ما بقي، فيستحق كل منهما ما يخصه من المسمى كما في
غير المقام مما استؤجر عليه من الأعمال، بل (لو ضمن) أي الأجير (الحج في
379

المستقبل لم يلزم) المستأجر (إجابته) للأصل (و) غيره، خلافا لما (قيل)
من أنه (يلزم) إجابته، لوضوح ضعفه وإن نسب إلى ظاهر المقنعة والنهاية
والمهذب، بل ربما قيل إنه ظاهر المبسوط والسرائر وغيرها، ولذا حمله غير واحد
على إرادة ما إذا رضي المستأجر بضمان الأجير بمعنى استئجاره ثانيا بالمتخلف
من الأجرة ولو معاطاة، فإنه حينئذ لا إشكال فيه، كما لا إشكال في استحقاق
الحج عليه سنة أخرى لو فرض إطلاق الإجارة، ضرورة عدم انفساخها بتعذر
أحد أفرادها، بل الظاهر عدم الخيار لأحدهما في ذلك، للأصل وغيره، خلافا
لما عن الشهيد من أنه يملكانه في وجه قوي، إلا أنه كما ترى.
أما لو صد بعد الاحرام ودخول الحرم أو بعد الاحرام فإنه وإن كان الحكم
فيه كالأول أيضا من انفساخ الإجارة والرجوع بما قابل المتخلف في المختار إلا أن فيه
خلافا، فإن المحكي عن الخلاف أن الاحصار بعد الاحرام كالموت بعده في خروج
الأجير عن العهدة، وعدم وجوب رد شئ عليه، وإن كان لا يخفى ضعفه،
لعدم الدليل، والاتفاق على عدم الاجزاء، إذا حج عن نفسه فكيف أجزأ عن
غيره، واختصاص نص الاجزاء (1) بالموت، فحمله عليه قياس، لكنه (ره) نظمه
مع الموت في سلك، واستدل عليه باجماع الفرقة مع أن الحكم فيما نحن فيه منصوص
لهم لا يختلفون فيه، ومن هنا قال في كشف اللثام: " ظني أن ذكر الاحصار
من سهو قلمه الشريف أو قلم غيره، وعلى كل حال فيمكن أن يكون تقييد
المصنف بذلك إشارة إلى هذا الخلاف لا لاختياره الاجزاء كما ظن، ولعل هذا
أولى مما عن المسالك من أنه يمكن أن يكون فائدة التقييد بقبلية الاحرام ودخول
الحرم الاحتراز عما لو كان بعدهما، فإنه لا يتحقق استعادة الأجرة مطلقا، بل

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب النيابة في الحج
380

يبقى على الأحكام إلى أن يأتي ببقية المناسك مع الامكان - إلى أن قال - إلا أن
قيد دخول الحرم لا مدخل له في ذلك، بل مجرد الاحرام كاف فيه، لامكان
مناقشته بما في المدارك من أنه إن أراد بقوله: " مع الامكان " إمكان الاتيان
ببقية المناسك في ذلك العام فهو آت مع الصد قبل الاحرام، وإن أريد به ما هو
أعم من ذلك لم يكن مستقيما، إذا المصدور يتحلل بالهدي، ولو صابر ففاته الحج
تحلل بالعمرة كما سيجئ بيانه إن شاء الله، ولا أجرة له عليها، لأنه فعلها
متحللة " وإن كان قد تدفع بأن مراده ما أشار إليه الكركي في فوائده على
الكتاب من أن المحرم في بعض الأحوال يبقى على إحرامه حتى يأتي بالمناسك،
لعدم تمكنه من الهدي أو العمرة التي يتحلل بها، ومثله قد يقال بعدم استعادة
الأجرة فيه وإن استمر على ذلك إلى السنة القابلة وكان أجيرا على الحج في السنة
الماضية، وذلك لأنه بتلبسه بالحج في هذه السنة كان كمن حج فيها، وإن انتقل
تكليفه اضطرارا إلى السنة القابلة ببقية المناسك، إذ هو حينئذ كمن أدرك
اضطراري الحج ومن فاته بعض الأجزاء التي تقضى بعد فوات الوقت، وكيف
كان فمتى انفسخت الإجارة وكان الاستئجار واجبا استأجر من موضع الصد مع
الامكان، إلا أن يكون بين الميقات ومكة فمن الميقات، لوجوب إنشاء
الاحرام منه.
(وإذا استؤجر فقصرت الأجرة) عن نفقة الحج (لم يلزم) المستأجر
(الاتمام) للأصل السالم عن المعارض (وكذا لو فضل عن النفقة لم يرجح
عليه بالفاضل) لذلك أيضا، ولأن من كان عليه الخسران كان له الجبران، من
غير فرق في ذلك بين أن يكون قد قبض الأجرة أو لا، فيطالب بها جميعها أو
بعضها مع عدم القبض، ويجب على المستأجر الدفع إليه، وكان تعرض المصنف
وغيره لذلك مع وضوحه وعدم الخلاف فيه بيننا نصا وفتوى لتعرض النصوص له
381

وللتنبيه على خلاف أبي حنيفة المبني على ما زعمه من بطلان الإجارة، فلا يجب
حينئذ على المستأجر الدفع للأجير، نعم عن النهاية والمبسوط والمنتهى استحباب
الاتمام في الأول، لكونه من المعاونة على البر والتقوى، والتذكرة والمنتهى
والتحرير وغيرها استحباب الرد في الثاني تحقيقا للاخلاص في العبادة، بل عن
المقنعة أنه قد جاءت رواية أنه " إن فضل مما أخذه فإنه يرده إن كانت نفقته
واسعة، وإن كان قتر على نفسه لم يرده " ثم قال: وعلى الأول العمل، وهو
أفقه، ولعله أشار بذلك إلى خبر مسمع (1) قال للصادق (عليه السلام): " أعطيت الرجل
دراهم يحج بها عني ففضل منها شئ فلم يرده على فقال: هو له، لعله ضيق على
نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة " إلا أنه كما ترى ضعيف الدلالة على ذلك،
خصوصا مع ملاحظة خبر محمد بن عبد الله القمي (2) قال: " سألت أبا الحسن
الرضا (عليه السلام) عن الرجل يعطي الحجة يحج بها فوسع على نفسه فيفضل منها أيردها
عليه؟ قال: لا، هو له " هذا، وفي كشف اللثام أنه " إن شرطا في العقد
الاكمال أو الرد لزم " وفيه أنه يمكن منع صحة مثل هذا الشرط في عقد الإجارة
للجهالة، كما هو واضح، والأمر سهل.
(و) على كل حال ف‍ (لا يجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر)
للأصل ومرسل ابن أبي نجران (3) عن الصادق (عليه السلام) " سئل: الرجل يطوف عن
الرجل وهما مقيمان بمكة قال: لا، ولكن يطوف عن الرجل وهو غائب " ولأن
المريض المستمسك طهارته إذا لم يستقل بالمسير حمل وطيف به كما قال الصادق (عليه السلام)
في صحيح معاوية بن عمار (4): " الكسير يحمل ويطاف به، والمبطون يرمي

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الطواف - الحديث 6
382

ويطاف عنه ويصلى عنه " وسأل صفوان (1) أبا الحسن (عليه السلام) " عن المريض يقدم
مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت ولا أن يأتي بين الصفا والمروة قال: يطاف به
محمولا يخط الأرض برجليه حتى يمس الأرض قدميه في الطواف، ثم يوقف به في
أصل الصفا والمروة إذا كان معتلا ".
فظهر من ذلك أنه لا يستنيب (إلا مع العذر) المانع من الطواف به أيضا
للإجهاز عليه مثلا، أو لكونه (كالاغماء والبطن وما شابههما) مما لا يمكن
معه الطواف ولو بالحمل لعدم الطهارة فيجوز حينئذ، للمعتبر المستفيضة كصحيح
حبيب الخثعمي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن
يطاف عن المبطون والكسير " وصحيح حريز (3) عنه (عليه السلام) أيضا " المريض
المغلوب والمغمى عليه يطاف عنه ويرمى عنه " بل الظاهر جواز الاستنابة عن
المغمى عليه فيهما من غير إذن منه ولا استنابة كما في سائر الأحياء لعدم قابليته،
إلا أن يراد أنه يستنيب قبل الاغماء لظهور إماراته، والاطلاق ينفيه، نعم
ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يرج البرء أو ضاق الوقت وإلا انتظر لخبر يونس (4)
عن أبي الحسن (عليه السلام) " سأله أو كتب إليه عن سعيد بن يسار أنه سقط من جمله
فلا يستمسك بطنه أطوف عنه وأسعى فقال: لا، ولكن دعه فإن برأ قضى
هو وإلا فاقض أنت عنه " هذا.
ولكن في كشف اللثام " إن المغمى عليه لم أر من تعرض له بخصوصه ممن
قبل المصنف وابني سعيد، نعم أطلقوا النيابة عمن لا يستمسك الطهارة - ثم

(1) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب الطواف - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الطواف - الحديث 5 - 1
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الطواف - الحديث 5 - 1
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الطواف - الحديث 4
383

قال -: وقال الصادق (عليه السلام) في صحيح حرير (1): " المريض المغلوب والمغمى عليه
يرمى عنه ويطاف به " والفرق بينهما أن الطواف فريضة والرمي سنة " قلت: لعل
ذلك اتكالا على ذكر المبطون الذي لا يستمسك طهارته، فإن المغمى عليه أولى
بعدم طهارة له ولو اضطرارية، وأما ما ذكره من الصحيح المزبور فالموجود فيما
حضرني من نسخة التهذيب المعتبرة " ويطاف عنه " كما ذكره سابقا، نعم كتب
عليها نسخة " ويطاف به " والظاهر أن المعتبرة الأولى فإنه لا وجه للطواف به
مع عدم طهارة له، بل لعل ذلك هو المدار في نحوه من غير فرق بين من لا يستمسك
طهارته لبطن مثلا وغيره، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: " وما شابههما "
بل قد يقال باندراج الحائض في ذلك، ضرورة عدم تمكنها من الطهارة كالمبطون
بل في كشف اللثام التصريح به، قال: ومن أصحاب الأعذار أو الغيبة الحائض
إذا ضاق الوقت أو لم يمكنها المقام حتى تطهر، ولا يكون لها العدول إلى ما يتأخر
طوافه، كما يحمل عليه صحيح أبي أيوب الخزاز (2) قال: " كنت عند أبي عبد الله
(عليه السلام) فدخل عليه رجل فقال: أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف
النساء ويأبى الجمال أن يقيم عليها قال: فأطرق وهو يقول: لا تستطيع أن تتخلف
عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضي فقد تم حجها "
وهي داخلة فيمن لا يستمسك الطهارة إذا ضاق الوقت، وإلا لم تستنب للطواف
إلا إذا غابت، فلا يطاف عنها ما دامت حاضرة وإن علمت مسيرها قبل الطهر،

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الطواف - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 84 - من أبواب الطواف - الحديث 13 والفقيه
ج 2 ص 245 الرقم 1176
384

وفي الدروس وفي استنابة الحائض عندي تردد، قلت: لعله من ذلك ومن عدم
قابليتها لوقوع الطواف الذي هو كالصلاة منها، فكذا نائبها، ومن بطلان متعتها
وعدولها إلى حج الافراد لو قدمت إلى مكة حائضا وقد تضيق وقت الوقوف،
إذ لو كانت النيابة في الطواف مشروعة في حقها لصحت متعتها، ومن هنا قال في
المدارك: إن الحيض ليس من الأعذار المسوغة للاستنابة في الطواف، نعم حكى
فيها عن جده جواز استنابة الحائض في طواف الحج وطواف النساء مع الضرورة
الشديد اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة، ثم قال: وهو غير بعيد،
بل قوى الجواز في طواف النساء، بل قال: إن مقتضى صحيح أبي أيوب السابق
جواز تركه والحال هذه، قلت: هو وإن كان كذلك إلا أنه بقرينة عدم
القائل به يجب حمله على الاستنابة، ولعله لا بأس به إذا فعلت ذلك بعد غيبتها
وطهارتها لا أنه يطاف عنها مع حضورها حال حيضها، بل جعل المدارك على ذلك
في صحة الاستنابة عنها في الطواف متجه.
وكيف كان فظاهر المتن جواز الاستنابة للغائب مطلقا، بل هو صريح
الدروس والقواعد ومحكي الجامع وغيره، بل في كشف اللثام كأنه لا خلاف فيه
حيا كان أو ميتا، والأخبار (1) به متظافرة، ويؤيده جواز الحج والعمرة عنه
بل لعل ظاهر الاطلاق ذلك وإن تمكن من الحضور، وإن كان لا يخلو من إشكال
في بعض الافراد، كما أن ما عن ابن سعيد من تحديد الغيبة بعشرة أميال لا يخلو
منه أيضا وإن شهد له مرسل ابن أبي نجران (2) عن الصادق (عليه السلام) " سئل كم

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب النيابة في الحج والباب 51 من
أبواب الطواف
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3
385

قدر الغيبة فقال: عشرة أميال " ضرورة ظهور الاستنابة فيه في المندوب
بدون ذلك.
(و) كيف كان فلا إشكال في أنه أي الحاضر (يجب أن يتولى ذلك
بنفسه) مع جامعيته لشرائط التكليف بمعنى نيته له وإن طيف به على دابة ونحوها
وحينئذ فلا ينافي ما في المتن (و) غيره من أنه (لو حمله حامل فطاف به أمكن
أن يحتسب لكل منهما طوافه عن نفسه) فينوي الحامل بحركته الذاتية الطواف
لنفسه، والمحمول بحركته العرضية كذلك: قال الهيثم بن عروة التميمي (1)
للصادق (عليه السلام): " إني حملت امرأتي ثم طفت بها وكانت مريضة في البيت في
طواف الفريضة وبالصفا والمروة واحتسبت بذلك لنفسي فهل تجزيني؟ فقال:
نعم " فما عن الشافعي من عدم جواز ذلك لاستلزامه النية بفعل واحد طواف
شخصين واضح الفساد، لمنع الملازمة أولا، ومنع بطلان اللازم ثانيا، لجواز
حمل اثنين فصاعدا له، بل من ذلك يظهر أن المحمول إذا كان مغمى عليه أو صبيا
جاز للحامل نية طوافه مع طواف نفسه كما نطق به صحيح حفص بن البختري (2)
عن الصادق (عليه السلام) " في المرأة تطوف بالصبي وتسعى به هل يجزي ذلك عنها وعن
الصبي؟ فقال: نعم " وما عن الإيضاح - من أنه إنما يجوز على القول بجواز ضم
نية التبرد إلى نية الوضوء - في غير محله، ضرورة صدق الطواف على كل منهما،
بل الظاهر جواز احتساب الحامل والمحمول ذلك لهما وإن كان الحمل بأجرة،
واستحقاق الحمل عليه في حال طوافه لا ينافي احتسابه له، إذ هو كما لو استؤجر
لحمل متاع فطاف وهو يحمله، فإن الطواف به لا معنى له إلا الحمل، لكن عن
أبي علي منعه، لاقتضاء الاستئجار استحقاق هذه الحركة عليه لغيره، فلا يجوز

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الطواف - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الطواف - الحديث 2 - 3
386

له صرفها إلى نفسه كالاستئجار للحج، بل عن الفاضل في المختلف استحسانه، إلا
أنه قال: " والتحقيق أنه إن استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما، وإن استؤجر
للطواف لم يجز عن الحامل " ولعله لأنه على الثاني كالاستئجار للحج، ولكن
الظاهر انحصاره في الطواف بالصبي والمغمى عليه، فإن الطواف بغيرهما إنما هو
بمعنى الحمل، نعم إن استأجره غيرهما للحمل في غير طوافه لم يجز الاحتساب، بل
قد يناقش في الأولين أيضا بأنه إذا جاز تبرعا الطواف بهما مع احتساب طوافه
لنفسه كما أو ماء إليه صحيح حفص جاز الإجارة عليه، وليس هو كالاستئجار للحج
بل أقصاه اشتراط الطوافين بمقدمة واحدة، وهو حركته المخصوصة التي تكون
سببا لحصول الطواف من كل منهما، فتأمل جيدا فإنه دقيق.
(ولو تبرع إنسان بالحج عن غيره بعد موته برئت ذمته) إن كانت
مشغولة، وأعطي ثواب الحج إن لم تكن بلا خلاف أجده في شئ من ذلك،
بل الاجماع بقسميه عليه، بل النصوص (1) مستفيضة أو متواترة فيه، من غير
فرق في الميت بين أن يكون عنده ما يحج به عنه أم لا، وبين إيصائه به وعدمه،
وبين قرب المتبرع للميت وعدمه، وبين وجود المأذون من الميت أو وليه وعدمه
كل ذلك لاطلاق النصوص ومعاقد الاجماعات، وثبوت مشروعية النيابة عنه مع
تعذر الإذن عنه، وأن الحج مع شغل الذمة به كالدين الذي لا إشكال في جواز
التبرع به مع النهي فضلا عن عدم الإذن، وأصل عدم اشتراط حصولها منه حال
حياته، وعدم تعلق الغرض بما يقابلها من ماله، خلافا لمالك وأبي حنيفة فأسقطا
فرضه إن مات بلا وصية، وأخرجاه من الثلث إن أوصى.

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب وجوب الحج والباب 25 من
أبواب النيابة في الحج
387

أما الحي فلا تجوز النيابة عنه بإذنه فضلا عن التبرع في الواجب مع تمكنه
منه عندنا للأصل وغيره،
نعم تجوز عنه في المندوب مع التبرع فضلا عن الإذن عندنا
خلافا للشافعي ولأحمد في رواية سواء كان قادرا أو عاجزا بل الاجماع بقسميه
عليه، بل النصوص (1) به مستفيضة أو متواترة، بل لا فرق عندنا بين من كان
عليه حج واجب مستقرا كان أو لا وغيره، تمكن من أدائه ففرط أو لم يفرط،
بل يحج الآن بنفسه واجبا ويستنيب غيره في التطوع، خلافا لأحمد فلم يجز
الاستنابة فيه ما اشتغلت ذمته بالواجب، إذ لا يجوز له فعله بنفسه، فالاستنابة
أولى، وفيه أن عدم جواز فعله له لاخلاله بالواجب، ولذا لو أخلت الاستنابة به
لقصور النفقة ونحوه لم يجز عندنا أيضا لا أن عدم جوازه لعدم مشروعيته في
حقه كي تمنع النيابة فيه،
بل لا بأس بتشريك الكثيرين بحجة واحدة كما دل عليه
صحيحا هشام (2) ومحمد بن إسماعيل (3) وغيرهما، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك
بين الحي والميت، وما في خبر علي بن جعفر (4) المروي عن قرب الإسناد سأل
أخاه (عليه السلام) " عن رجل جعل ثلث حجته لميت وثلثيها لحي فقال: للميت، فأما
للحي فلا " محمول على غير ذلك، أو معارض بما هو أقوى منه،
وكذا لا بأس
بتعدد النواب في المندوب في سنة واحدة، فقد أحصي عن علي بن يقطين في عام
واحد ثلاثمائة ملبيا ومائتان وخمسون وخمسمائة وخمسون، هذا، ولكن عن
المنتهى التصريح بعدم جواز الحج ندبا عن الحي إلا بإذنه، ولعله حمل النصوص
على إهداء الثواب لا على وجه النيابة، إلا أنه واضح الضعف كما لا يخفى
على من لاحظها.

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 0 - 9
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 0 - 9
388

إنما الكلام في جواز التبرع عن الحي في الواجب في حال جواز النيابة عنه
لعضب ونحوه للأصل السالم عن معارضة ما دل على مشروعيتها عنه بإذنه، ضرورة
أعمية ذلك من جواز التبرع، فيبقى حينئذ أصل بقاء شغل ذمته وأصل وجوب
الاستنابة عليه سالما عن المعارض بعد حرمة القياس على الميت، وعدم ثبوت كونه
في هذا الحال كالدين الذي يقضى عن صاحبه مع نهيه، وقوله (صلى الله عليه وآله) (1): " دين الله
أحق أن يقضى " إنما هو الميت، فالأحوط حينئذ إن لم يكن الأقوى الاقتصار
في النيابة عنه حينئذ على الإذن.
(وكلما يلزم النائب من كفارة) في الجناية في الاحرام والهدي في التمتع
والقران (ففي ماله) دون المنوب عنه بلا خلاف أجده بيننا كما اعترف به بعضهم
بل عن الغنية الاجماع عليه في الكفارة، مضافا إلى أن ذلك عقوبة على فعل
صدر منه، فهو كما لو قتل نفسا أو أتلف مالا لأحد، وإلى دخول الهدي في
العمل المستأجر عليه، وهو واضح.
(ولو أفسده) أي الحج الذي ناب فيه (حج من قابل) بلا خلاف
أجده فيه بيننا، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه (و) إنما الكلام في أنه (هل
يعاد بالأجرة عليه) أو لا؟ قال في المتن: (يبنى) ذلك (على القولين) أي
القول بأن الفرض الأول والإعادة عقوبة، أو الثاني وإتمام الأول عقوبة، ولم
يقيد ذلك بكون الإجارة معينة، والتحقيق أن الفرض الثاني لا الأول الذي أطلق
عليه اسم الفاسد في النص والفتوى، واحتمال أن هذا الاطلاق مجاز لا داعي إليه
بل هو مناف لجميع ما ورد في بيان المبطلات في النصوص من أنه قد فاته الحج،
ولا حج له ونحو ذلك مما يصعب ارتكاب المجاز فيه، بل مقتضاه أن الحج لا يبطله

(1) كنز العمال ج 3 ص 56 الرقم 1037 وص 57 الرقم 1045
389

شئ أصلا، وإنما يوجب فعل هذه المبطلات الإثم، والإعادة عقوبة، وهو كما
ترى، وخبرا المقام اللذان (1) ستسمعهما وإن كانا ظاهرين في أن الفرض الأول
إلا أنه يجب حملهما على إرادة إعطاء الله تعالى للمنوب حجة تامة تفضلا منه وإن
قصر النائب في إفسادها وخوطب بالإعادة، فلا محيص حينئذ عن القول بأن
الفرض الثاني، كما لا محيص حينئذ بناء على ذلك عن القول بانفساخ الإجارة إذا
فرض كونها معينة، وعود الأجرة لصاحبها، وأنه يجب على النائب الإعادة للحج
من قابل بنية النيابة من غير عوض، لأنه هو الحج الذي أفسده وخوطب بإعادته،
فيجزي حينئذ عن المنوب مع فرض وقوعه منه، وإلا استأجر الولي من يحج عنه
بخلاف الإجارة المطلقة، فإن الظاهر عدم انفساخها، كما أن الظاهر الاجتزاء بالحج
من قابل عن الحج ثانيا ويستحق به الأجرة، أما الأول فلأنه الأصل في كل
إجارة معينة لم يأت بها المستأجر فيما عين له من الزمان، ودعوى أن ذلك من
الاضطرار الشرعي كقضاء بعض الأشواط ونحوه مما لا يقدح في التعيين واضحة
الفساد، فتعاد الأجرة حينئذ لانفساخ ما أوجبها من العقد، ولا ينافي ذلك
وجوب الحج عليه من قابل عن المنوب بخطاب شرعي من غير عوض، وأما الثاني
فلأن الفرض كون الإجارة مطلقة، ففساد الفرد لا يقتضي انفساخها وإن قلنا
بوجوب التعجيل فيها، لكنه لا على وجه يتعين به المستأجر عليه بحيث إذا فات
تنفسخ الإجارة لفوات المحل، نعم عن الشهيد احتمال تسلط المستأجر على الفسخ
لفوات التعجيل، مع أنه مناف لأصالة اللزوم وغيرها، ولذا صرح بعدمه الفاضل
في القواعد، وحينئذ فالمتجه بقاء لزوم العقد هنا، ويعيد الحج من قابل، بل
الظاهر أنه يكتفى به عن خطاب الإجارة وخطاب الافساد كالمستطيع إذا أفسد حجه

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 و 2
390

فإنه يحج من قابل ويكتفى به عن خطاب الاستطاعة والافساد، وليس من
التداخل المحتاج إلى الدليل المخصوص بل هو من التداخل المفهوم من دليل السببين
ودعوى أن الحج بافساده له انقلب لنفسه، لأنه غير المستأجر عليه مثلا، فهو كما
إذا اشترى الوكيل في شراء شئ بصفة ما هو على خلاف الصفة فيكون القضاء
عن نفسه، يدفعها منع انقلابه إليه نفسه، كمنع ذلك في المشبه به، وكذا
دعوى أن سبب وجوب الإعادة الافساد لا الاستئجار، والأصل عدم التداخل
فإنه يدفعها أيضا أن الافساد إنما أوجب ما أوجبته الإجارة، كتعقب بعض
أسباب الحدث بعضا آخر، وحينئذ فما في القواعد ومحكي المبسوط والخلاف
والسرائر من إيجاب حجة ثالثة في المطلقة في غير محله.
وبذلك كله يظهر لك ما في أقوال المسألة ووجوهها، فإن محصلها مع المختار
ثمانية: أحدها انفساخ الإجارة مطلقا إن كان الثاني فرضه، وهو ظاهر المتن،
الثاني انفساخها مع التعيين دون الاطلاق، ووجوب حجة ثالثة نيابة كما هو خيرة
الفضال في القواعد والمحكي عن الشيخ وابن إدريس، الثالث عدم الانفساخ مطلقا
ولا يجب حجة ثالثة وهو خيرة الشهيد، الرابع إن كان الثاني عقوبة لم ينفسخ
مطلقا ولا عليه حجة ثالثة، وإن كان فرضه انفسخ في المعينة دون المطلقة،
وعليه حجة ثالثة، وهو على ما قيل خيرة للتذكرة وأحد وجهي المعتبر والمنتهى
والتحرير، الخامس كذلك وليس عليه حجة ثالثة مطلقا، وهو محتمل المعتبر
والمنتهى، السادس انفساخها مطلقا مطلقة كانت أو معينة، كان الثاني عقوبة
أولا، لانصراف الاطلاق إلى العام الأول وفساد الحج الأول وإن كان
فرضه، السابع عدم انفساخها مطلقا كذلك، قيل: ويحتمله الجامع والمعتبر
والمنتهى والتحرير لمضمر إسحاق بن عمار (1) قال: " قلت: فإن ابتلى بشئ

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
391

يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أيجزي عن الأول؟ قال: نعم،
قلت: فإن الأجير ضامن الحج قال: نعم " وفي خبره (1) الآخر سأل الصادق
(عليه السلام) " عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل
وكفارة قال: هي للأول تامة، وعلى هذا ما اجترح " الثامن المختار، وهو
محتمل محكي المختلف، وهو الأصح لما سمعت، وليس في الخبرين منافاة له
بعد ما عرفت.
(وإذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل) كما عن المبسوط
والسرائر والجامع والقواعد، بل عن الشهيد تعميم ذلك لكل إجارة مطلقة وإن
قيل إن دليله غير واضح، إلا على القول باقتضاء إطلاق الأمر المبادرة الذي قد
على فساده في محله، بل في كشف اللثام منع جريان ذلك هنا وإن سلم هناك،
ولعله لذا كان مقتضى محكي المعتبر العدم حيث جوز أن يؤجر الأجير نفسه لآخر
إن استأجره الأول مطلقا، وعن المنتهى احتماله، بل عنه أنه قطع بالجواز إذا
أطلقت الإجارتان، وكأنه لدلالة سبق الأولى على تأخير الثانية، وعلى كل حال
فليس التعجيل بناء عليه توقيتا، ولذا صرح في القواعد بعد الفتوى به بأنه إن
أهمل لم تنفسخ الإجارة، بل في كشف اللثام أنه ليس للمستأجر الفسخ أيضا إلا
على ما احتمله الشهيد، وكان ذلك كله بناء على أن وجوب التعجيل تعبدي مستفاد
من دليل مستقل، لا أنه مستفاد من إطلاق العقد على وجه يقتضي الانفساخ
أو التسلط على الفسخ، إلا أن ذلك كما ترى، إذ لم نعثر على دليل صالح لذلك،
ومن هنا يمكن تنزيل عبارة المصنف وغيره على إرادة بيان اقتضاء الاطلاق

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 2
392

الحلول، بمعنى كون الأعمال كالأموال، فكما أن إطلاق العقد المقتضي لاثبات
مال في الذمة ينزل على ذلك فكذلك عقد الإجارة المقتضي لاثبات عمل في الذمة،
فالمراد حينئذ أنه يتسلط المستأجر على مطالبته في الحال، وليس للأجير التأخير
تمسكا باطلاق العقد المنزل على الحلول على حسب عقد البيع وشبهه، وحينئذ
فالعبارة هنا نحو عباراتهم هناك، لا أن المراد بيان خصوصية للحج، نعم يجب
التعجيل مع طلب ذي الحق صريحا أو قيام شاهد حال على إرادته ذلك، فتأمل
جيدا، وعلى كل حال فلا إشكال في عدم استحقاق التعجيل مع اشتراط الأجل،
فإنه يصح عندنا العامين والأزيد خلافا للشافعي إلا في الواجب المضيق مع إمكان
استئجار من يبادر إليه، فإنه لا يجوز التأجيل حينئذ كما هو واضح.
(
(ولا يصح أن ينوب) نائب واحد (عن اثنين في) حج واجب
ل‍ (- عام واحد) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، لعدم ثبوت
مشروعية ذلك، بل الثابت خلافه، فلو وقع الحج كذلك بطل، لامتناعه لهما،
لعدم قابليته للتوزيع، ولا لواحد بخصوصه، لعدم الترجيح، ولا له لعدم نيته له
فليس حينئذ إلا البطلان، نعم الظاهر صحة التشريك في الحج المندوب بمعنى
نيابة عنهما مثلا فضلا عن إهداء الثواب لهما، بل لو نذر جماعة الاشتراك في حج
استنابوا فيه، كما أنه يجوز للشخصين فصاعدا استئجار رجل واحد للحج عنهما
ندبا، ضرورة كونه كاستئجار الواحد له على الحج عن أبيه وأخيه مثلا، نعم
لو كان قد استأجره شخص للحج عنه ندبا مثلا لم يجز له أن يؤجر نفسه لآخر
على ذلك، لاستحقاق الأول له، وأما لو كان استئجاره لادخاله في نية الحج لم
يكن بأس في استئجاره ثانيا لادخاله معهم في النية، كما هو واضح.
(و) على كل حال ف‍ (لو استأجراه) في الواجب (لعام صح الأسبق)
وبطل المتأخر، لاشتغال الذمة بالأول، بل الظاهر كونه كذلك وإن أجاز الأول
393

إذ ليس هو من الأجير الخاص الذي إذا آجر نفسه وأجاز المستأجر له وقع العقد
له، لأنه من الفضولي، ضرورة كون المستحق عليه النيابة عن شخص بعينه وهي
لا يتصور فيها الفضولية على الوجه المزبور بعد فرض كون الواقع ثانيا النيابة
عن شخص آخر.
(ولو اقترن العقدان وزمان الايقاع) للمستأجر عليه (بطلا) لخروج
فعلهما عن القدرة، وعدم المرجح، نعم لو استأجراه للحج عامين مختلفين صحا معا
إن لم تجب المبادرة إلى الأخير لندبه، أو تقييد وجوبه بالعام المتأخر، أو اتساعه
أو فقد أجير غيره، وإلا فالأقرب بطلان المتأخر كما عن الدروس.
(وإذا أحصر) النائب (تحلل بالهدي ولا قضاء عليه) مع تعيين
الإجارة، لانفساخها حينئذ، والأصل البراءة، ولا حرج في الدين، بل في
القواعد لا قضاء عليه وإن كانت الإجارة مطلقة على إشكال، بل في كشف اللثام
أنه قضية كلام الأكثر، لكنه كما ترى، إذ الحج واجب عليه مطلقا بعد فرض
إطلاق الإجارة كحجة الاسلام وإن لم يجب على المستأجر، فلا يبرأ إلا بفعله
كما عن التذكرة والمنتهى التصريح به، وهو متجه.
(ومن وجب عليه حجان مختلفان كحجة الاسلام والنذر) أو غيرهما
(ومنعه عارض جاز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد) بلا خلاف أجده
فيه بيننا، بل عن الخلاف الاجماع عليه، خلافا لبعض الشافعية، لأنهما فعلان
متباينان غير مترتبين، بل المندوبان والمختلفان كذلك أيضا، بل الظاهر صحة
الحجين وإن تقدم إحرام حجة غير حجة الاسلام ولو المندوبة، لوقوعهما في عام واحد
وإنما يبطل المندوب أو المنذور أو ينصرف إلى الفرض إذا أخل بالواجب، خلافا
للمحكي عن أحمد فصرف السابق إلى حجة الاسلام وإن نوى الندب أو النذر،
بل ربما نسب ذلك إلى قضية كلام الشيخ إلا أنه في غير محله، لنصه على العدم هنا
394

كما قيل: نعم عن الشهيد احتمال وجوب تقديم حجة الاسلام بناء على وجوب
ذلك على الحاج عن نفسه، مع أنه لا يخفى ما فيه أيضا، إنه على الانصراف
فهل له المسمى كما عن الشهيد أنه الأقرب لاتيانه بما استؤجر له والقلب من فعل
الشارع، بل قال: وحينئذ تنفسخ إجارة الآخر، أو لا يستحق شيئا، لأنه غير
المستأجر عليه وإن أبرئ ذمة المستأجر عن حجة الاسلام، لكن ذلك بقلب من
الشارع لا منه كي يستحق عوضه، خصوصا إذا تعمد التقدم على إحرام نائب
حجة الاسلام، والأمر سهل بعد البناء على عدم الانصراف كما عرفت، بل الظاهر
ذلك حتى لو بطل حج نائب الاسلام أو لم يحج.
(ويستحب أن يذكر النائب من ينوب عنه باسمه في المواطن وعند كل
فعل من أفعال الحج والعمرة) خصوصا عند ذبح الأضحية، لصحيح ابن مسلم (1)
سأل أبا جعفر (عليه السلام) في الصحيح " ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال:
يسميه في المواطن والمواقف " والمراد منه تأكد الندب، لعدم الوجوب اتفاقا
محكيا في كشف اللثام إن لم يكن محصلا، ولصحيح البزنطي (2) " إن رجلا
سأل الكاظم (عليه السلام) عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه فقال: إن الله تعالى
لا تخفى عليه خافية " وخبر المثنى بن عبد السلام (3) عن الصادق (عليه السلام) " في الرجل
يحج عن الانسان يذكره في جميع المواطن كلها فقال: إن شاء فعل وإن شاء لم
يفعل، الله يعلم أنه قد حج عنه، ولكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها " بل
لا يبعد عدم وجوب نية أصل النيابة في الحج والعمرة إلا عند الاحرام لهما، فلا
يجب تجديدها عند الطواف والوقوف والسعي وغيرها من الأفعال وإن أوجبنا

(1) الوسائل - الباب 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 1 - 5 - 4
(2) الوسائل - الباب 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 1 - 5 - 4
(3) الوسائل - الباب 16 - من أبواب النيابة في الحج الحديث 1 - 5 - 4
395

نية القربة فيها، إلا أنها مع ذلك إجزاء أو العمرة التي فرض نية النيابة في
ابتدائهما، فتكفي حينئذ في كل مركب، بل لا يبعد الاجتزاء بها في حج التمتع عند
إحرام العمرة خاصة، فلا تجدد عند إحرام الحج حينئذ فضلا عن أفعاله وأفعال
العمرة التي أدخلها الله في حج التمتع وجعلها من أجزائه، هذا، ولكن الاحتياط
في جميع ذلك لا ينبغي تركه.
(و) كذا يستحب (أن يعيد ما يفضل معه من الأجرة بعد حجه)
سيما إذا لم يكن ذلك الفاضل بتقصير على نفسه في النفقة كما عرفته فيما تقدم
(وأن
يعيد المخالف حجه إذا استبصر) للنص (1) والفتوى (وإن كانت) الأولى
(مجزية) كما تقدم الكلام فيه
(و) في أنه (يكره أن تنوب المرأة إذا كانت
صرورة) فلاحظ وتأمل.
(مسائل ثمان: الأولى إذا أوصى أن يحج عنه ولم يعين الأجرة انصرف
ذلك إلى أجرة المثل) فنازلا، لكونه كالتوكيل في ذلك (وتخرج من
الأصل إذا كانت واجبة) اسلامية، لما عرفت سابقا كونها كالدين، وإنما
الخلاف في كونها من البلد أو الميقات، وقد عرفت الحال فيه، كما أنك قد عرفت
الحلال في الواجبة غير الاسلامية بالنسبة إلى الخروج من الأصل أو الثلث والبلد
والميقات، نعم لا اشكال بل (و) لا خلاف في خروجها (من الثلث إذا كانت
ندبا) كغيرها من الوصايا، ولو فرض توقف وجودها على بذل الثلث كملا وكان
زائدا على أجرة المثل ففي بذله لذلك إشكال، من إمكان تنفيذ الوصية، ومن
مراعاة الاحتياط في جانب الوارث الذي دل الكتاب (2) والسنة (3) على انتقال

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب وجوب الحج
(2) سورة النساء - الآية من 8 إلى 16
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب موجبات الإرث من كتاب الإرث
396

المال إليه بموت مورثه عدا ما أوصى به، وقد فرض انصرافه في المقام إلى أجرة
المثل، فلا يضايق بالزائد، بل ينتظر إلى وقت الامكان، اللهم إلا أن يقال إن
أجرة المثل مع فرض الانحصار هي مقدار الثلث، بل لعل ذلك كذلك وإن كان
من جهة فورية امتثال أمر الوصية مع إمكانه، ومنه ينقدح وجوب بذل المال
كله في حج الاسلام مثلا مع فرض توقف أدائه عليه ولو من جهة فورية التأدية.
(و) كيف كان فلا خلاف في أنه (يستحقها) أي الأجرة (الأجير
بالعقد) بمعنى ملكه لها لأنه مقتضى العقد، فلو فرض كونها عينا ونمت كان
النماء له، نعم إذا لم يكن ثم تعارف ولا قرينة لم يجب تسليمها إلا بعد العمل كما
أوضحنا الكلام فيه في محله، بل لو فرض كون المستأجر وصيا أو وكيلا ودفع
مع فرض عدم القرينة على الإذن له في ذلك كان ضامنا، لكونه تفريطا، هذا،
ولكن في الدروس " إذا توقف حج الأجير على دفع الأجرة ولم يدفعها المستأجر
فالأقرب أن له الفسخ " وهو كما ترى إذا كان مراده المفروض الذي لا ريب في
كونه المتجه انتظار وقت الامكان، نعم لو علم عدم التمكن مطلقا اتجه القول
بجواز الفسخ لهما للضرر.
وعلى كل حال إنما يستحق الأجرة المسماة إذا جاء بالعمل المستأجر عليه
(فإن خالف ما شرط عليه) مما هو معين للعمل المراد لم يستحقها قطعا، لكن
(قيل) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه: (كان له أجرة المثل) وهو كما
ترى، ولذا قال المصنف: (والوجه أنه لا أجرة) له ضرورة كونه من المتبرع
بل يمكن عدم خلاف الشيخ، لأنه إنما قال في المبسوط: فإن تعدى الواجب رد
إلى أجرة المثل، ويجوز أن يريد من استؤجر على الحج واشترط عليه طريق
مخصوص ونحوه على وجه لا يقتضي تشخيص العمل فخالف رد إلى أجرة المثل في
المشروط، وأما الشرط الذي خالف فيه، فلا أجرة له، نعم يبقى عليه ما قيل من
397

أن المتجه على هذا التقدير مراعاة التوزيع لا الرجوع إلى أجرة المثل وإن كان
فيه ما عرفت سابقا، فتأمل جيدا.
المسألة (الثانية من أوصى أن يحج عنه ولم يعين المرات فإن لم يعلم منه
إرادة التكرار اقتصر على المرة) التي تحصل بها الطبيعة الموصى بها كما في قواعد
الفاضل وغيرها، نحو ما لو أمر السيد عبده على ما حقق في محله، لأصالة البراءة
وغيرها، بل يمكن دعوى دلالة اللفظ على إرادة ذلك، فلا وصية حينئذ بالزائد
كما لا أمر به، بل لو سلم دعوى صدق تحقق الوصية بالحج بتعدد الحج عنه في
سنة واحدة، إلا أن فيه مزاحمة لحق الوارث المقتضي لوجوب الاقتصار على أقل
ما يتحقق به الوصية إلا مع رضاه لو فرض انحصار الوصية في اللفظ المزبور
كما في نظائره.
(وإن علم إرادته التكرار) المستوعب لماله (حج عنه حتى يستوفى
الثلث من تركته) بلا خلاف ولا إشكال مع عدم إجازة الوارث، لعدم تسلطه
على غيره كما حرر في محله، وعلى ذلك يحمل خبر محمد بن الحسن الأشعري (1)
" قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك إني سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك
فلم أجد عندهم جوابا وقد اضطررت إلى مسألتك وإن سعد بن سعد أوصى إلي
فأوصى في وصيته حجوا عني مبهما ولم يفسر فكيف أصنع؟ قال: يأتيك جوابي
في كتابك، فكتب إلي يحج عنه ما دام له مال يحمله " وخبر محمد بن الحسين (2)
قال لأبي جعفر (عليه السلام): " جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك فقال: هات،
فقلت: سعد بن سعد أوصى حجوا عني مبهما ولم يسم شيئا ولا ندري كيف

(1) الاستبصار ج 4 ص 137 - الرقم 513
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
398

ذلك؟ فقال: يحج عنه ما دام له مال " وخبر محمد بن الحسين بن أبي خالد (1)
" سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أوصى أن يحج عنه مبهما فقال: يحج عنه
ما بقي من ثلثه شئ " لكن عن الشيخ وجماعة العمل بما في هذه النصوص وإن لم
يعلم إرادة التكرار واختاره في الحدائق تحصيلا ليقين البراءة، وفيه أنه لا يقين
بالشغل بأزيد من المرة، وما أبعد ما بينه وبين الإصبهاني حيث اقتصر على الخبرين
الأخيرين، ثم قال: ويمكن أن يكونا بمعنى أنه يحج عنه إن بقي من ثلثه شئ
بعد وصيته مقدمة عليه، بمعنى أنه يخرج من الثلث، فلا يفهم التكرار أصلا،
ولكنه كما ترى، واقتصر في المدارك في الاستدلال على التكرار المزبور على
الخبر الأخير، ثم قال: ولا يخفى أن ذلك إنما يتم إذا علم منه إرادة التكرار على هذا
الوجه، وإلا اكتفي بالمرتين لتحقق التكرار بذلك كما يكفي المرة مع الاطلاق، وفيه
أن من المعلوم عدم كون لفظ التكرار عنوانا للوصية كي يكون المدار على تحقق
مفهومه، وإنما الكلام فيما إذا كان عنوانها اللفظ المزبور في النصوص، وقد يقال
إن محل فرضه بعد العلم بالوصية بثلثه كما عساه يومي إليه قوله في الخبر الأول:
" أوصى إلي " ولكن اقتصر على ذكر المصرف المزبور فهل يحج عنه مرة
ويصرف الباقي في غيره من وجوه البر أو يحمل على صرفه أجمع فيه، لأن تكراره
بر أيضا، ويحتمل إرادته، بل لعل ظاهر الوصية بالثلث مع الاقتصار على
المصرف المخصوص يقتضي إرادة صرف الجميع فيه، بل قد يدعى ظهور الاقتصار
في الوصية بالحج عنه في إرادة الوصية بالثلث، وأنه يصرف في ذلك وإن لم يوص
بالثلث بغير اللفظ المزبور، نحو ما لو قال: اخرجوا رد المظالم أو تصدقوا عني
ونحو ذلك، ولعل مراد الشيخ ومن تبعه ذلك لا الحمل على التكرار تعبدا وإن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 2
399

كان ظاهر اللفظ خلافه، ضرورة استبعاد مثل ذلك في مثله، هذا كله إذا لم يكن
في الحج الموصى به حج إسلام، وإلا احتسب من الأصل ثم تكرر الحج بقدر
الثلث، كما هو واضح، والله أعلم.
المسألة (الثالثة إذا أوصى أن يحج عنه كل سنة بقدر معين) من غلة
بستان ونحوها (ف‍) اتفق أنه (قصر) ذلك القدر عن قيمة الحج (جمع
نصيب سنتين واستؤجر به لسنة، وكذا لو قصر ذلك أضيف إليه من نصيب
الثالثة) بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام
الأصحاب، وفي كشف اللثام نسبته إلى عملهم، لخبر علي بن محمد الحضيني (1) " كتب
إلى أبي محمد (عليه السلام) أن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر دينارا في كل
سنة وليس يكفي، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) تجعل حجتين في حجة، فإن
الله تعالى عالم بذلك وخبر إبراهيم بن مهزيار (2) " كتب إليه (عليه السلام) أعلمك يا مولاي
أن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل
سنة حجة بعشرين دينارا وأنه قد انقطع طريق البصرة فتضاعفت المؤن على
الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا، وكذلك أوصى عدة من مواليك في حجهم
فكتب (عليه السلام) تجعل ثلاث حجج في حجتين إن شاء الله " وضعفهما منجبر بما عرفت
بل قيل: إنهما صحيحان في طريق الفقيه، وقد يقال إنهما مبنيان على معلومية
إرادة الموصي صرف ذلك في الحج، أو ظهور الوصية فيه، وأن القدر المخصوص

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 - 2
لكن رواهما مضمرا إلا أن الصدوق (قده) رواهما في الفقيه ج 2 ص 272
من غير اضمار كالجواهر وكذلك في الكافي ج 4 ص 310
(2) تقدم آنفا
400

إنما كان لأنه يفي به كما يومي إليه قوله في الخبر الثاني: " وأنه قد انقطع " إلى
آخره، فمع فرض قصوره يصرف غيره من الأقدار فيه عملا بالوصية التي لم يعتبر
في إنفاذها كون الحج بقدر مخصوص، بناء على ما عرفت، أما إذا علم ذلك
ففي الحج مما يمكن، أو العود ميراثا، أو الصرف في وجوه البر إن لم يرج إمكان
إنفاذ الوصية فيما يأتي من السنين وإلا انتظر وجوه قد ذكرنا تحريرها في كتاب
الوصية، وحينئذ فلا وجه لما في المدارك من إمكان المناقشة بأن انتقال القدر المعين
بالوصية إنما يتحقق مع إمكان صرفه فيها، ولهذا وقع الخلاف في أنه إذا قصر المال
الموصى به عن الحج هل يصرف في وجوه البر أو يعود ميراثا فيمكن إجراء مثل
ذلك هنا، لتعذر صرف القدر الموصى به في الوصية، والمسألة محل تردد وإن كان
المصير إلى ما ذكره الأصحاب لا يخلو من قرب، ضرورة أن ذلك في غير المفروض
ولو فضل من الجميع إن حصر السنين في عدد كعشرة ونحوها فضلة لا تفي
بالحج ففي كشف اللثام عاد ميراثا أو صرف في غيره من الميراث، قلت: قد يقال
بوجوب دفعها أجرة في بعض السنين وإن زادت عن أجرة المثل مع فرض الوصية
فلا فضلة حينئذ، نعم لو أمكن فرضها جرى فيها الوجهان، بل يتعين الثاني منهما
مع فرض الوصية به، وأنه ذكر ذلك مصرفا لها فاتفق تعذره، كما أنها يتعين
الأول إذا فرض إخراجها عن الوارث بالوصية المزبورة التي قد فرض تعذرها،
فتأمل ولاحظ ما كتبناه في الوصية في مثل ذلك، هذا، وفي كشف اللثام أيضا
الظاهر أنه إن لم يكف نصيبه حجة لها من البلد وكفى له من غيره استؤجر من
حيث يمكن، ولا يصرف فيها ما لأخرى وإن نص في الوصية على الاستئجار
من البلد، ولكن الخبر الأخير (1) قد يوهم الخلاف، ويمكن تنزيله على عدم

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 2
401

إمكانه من الميقات، قلت: لا داعي إلى هذا الاجتهاد في مقابلة النص المعمول به
بين الأصحاب مع أنه تبديل للوصية أيضا، والمحافظة على كونه في كل سنة
وإن خالف في أنها من البلد ليس بأولى من المحافظة على الأخير وإن خالف الوصية
في الأول، بل هو أولى بعد ظهور النص والفتوى في ذلك، وعلى كل حال فما في
المدارك - من أن القول باعتبار الحج من البلد أو الميقات كما مر - مخالف لظاهر
الخبر المزبور في كون الوصية به من البلد.
المسألة (الرابعة لو كان عند إنسان وديعة ومات صاحبها وعليه حجة الاسلام
وعلم أن الورثة لا يؤدونها) عنه (جاز) وعن المهذب عليه (أن يقتطع) منها
(قدر أجرة الحج) حسبة من البلد أو من الميقات إن لم يوص على الأصح،
والمسمى إن أوصى وخرج الزائد من الثلث أو أجاز الوارث (فيستأجر به)
من يؤديها عنه أو يحج هو (لأنه خارج عن ملك الورثة) بناء على بقاء ما قابل
الدين على ملك الميت، ولصحيح بريد العجلي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سألته
عن رجل استودعني مالا فهلك وليس لولده علم بشئ ولم يحج حجة الاسلام
قال: حج عنه، وما فضل فأعطهم " لكن لا دلالة فيه على عدم اعتبار استئذان
الحاكم الذي هو الولي لمثل ذلك وإن تمكن منه، لاحتمال الأمر منه لبريد الإذن
به فيه، فلا إطلاق فيه حينئذ يدل على خلافه، فما عن الشهيد - من استبعاده
بعد أن حكاه قولا، بل في الحدائق الجزم بمنافاته لاطلاق الصحيح - في غير محله
ضرورة أنه من خطاب المشافهة، والمتيقن من تعديته إلى غير المشافه ذلك، نعم
لو لم يتمكن منه استقل هو بذلك حسبة إن كان من عدول المسلمين، لأن
المؤمنين بعضهم أولياء بعض، وظاهر المصنف والفاضل في القواعد اعتبار العلم

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
402

بعدم أداء الوارث، لكن عن النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر اعتبار الظن
الغالب، ويمكن شمول العلم له.
وعلى كل حال فمع عدمه يستأذنهم، واستجوده في المدارك، قال: " لأن
مقدار أجرة الحج وإن كان خارجا عن ملك الورثة إلا أن الوارث مخير في جهات
القضاء، وله الحج بنفسه والاستقلال بالتركة، والاستئجار بدون أجرة المثل،
فيقتصر في منعه من التركة على موضع الوفاق " وفيه أن الصحيح (1) أعم من
ذلك، وقد يكون الوارث طفلا أو لا يطمئن بتأديته لو دفعه له الوديعة أو أقر
بها له، وربما أنكر وجوب الحج على مورثه، بل قد يشكل الدفع مع العلم
بالأداء من دون استئذان الحاكم، لتعلق دين الحج به، كما في تركة المديون
المتوقف دفعها للوارث على الإذن، والتخيير في جهات القضاء لا يسقط الحق
المزبور، وإن كان قد يدفع بأن حق الدين وإن تعلق بالعين لكن المخاطب به
الوارث، فمع فرض العلم بتأديته لم يجز منعه عنه، بل لعله كذلك مع عدم العلم
بحاله فضلا عن حال العلم، ولعله لذا قيدوا الصحيح بما سمعت، بل عن التذكرة
اعتبار الأمن من الضرر على نفسه أو ماله مع ذلك، وهو حسن، بل عن التذكرة
أنه إذا تمكن من إثبات وجوب الحج عليه ببينة مثلا لم يكن له الاستقلال، وله
وجه، وبالجملة ليس للأصحاب كلام منقح في جميع أطراف المسألة، وقد ذكرنا
في الوصايا طرفا منه.
ثم إن مورد الرواية الوديعة، ولكن ألحق بها غيرها من الحقوق المالية
حتى الغصب والدين، ولعله لأن مبنى ما ورد في الوديعة الحسبة التي لا فرق فيها
بين الجميع، إلا أن اعتبار إذن الحاكم هنا أقوى من الأول، خصوصا في الدين

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1
403

الذي لا يتعين إلا بقبض من هو له أو من يقوم مقامه، ومن هنا يتجه ما عن
بعضهم أيضا من إلحاق غير حجة الاسلام بها، بل إلحاق غير الحج من الحقوق
المالية كالخمس والزكاة والديون ونحوها به في الحكم المزبور، خلافا لبعضهم،
بل قد يتجه ما صرح به بعضهم من الضمان بالدفع إلى الوارث المتمكن من منعه
مع عدم الأداء منه.
ولو تعدد الودعي وعلموا بالحق وعلم بعضهم ببعض توازعوا الأجرة،
ويمكن وجوب القضاء عليهم كفاية، ولو قضوا جميعا قدم السابق وغرم الباقون
على تردد للشهيد فيه مع الاجتهاد، لعدم التفريط، ولو اتفقوا سقط عن كل منهم
ما يخصه خاصة، قال الشهيد: " ولو علموا بعد الاحرام أقرع بينهم وتحلل من لم
تخرج القرعة له ".
المسألة (الخامسة إذا عقد الاحرام عن المستأجر عنه) مثلا (ثم نقل
النية إلى نفسه لم يصح) بلا خلاف ولا إشكال فلا يترتب له ثواب ولا غيره،
(نعم) عن الخلاف والمبسوط والجواهر والمعتبر والجامع والمنتهى والتحرير أنه
(إذا أكمل الحج وقعت عن المستأجر عنه ويستحق الأجرة) ولعله لاستحقاق
المنوب عنه أفعالها بالاحرام عنه، فلا يؤثر العدول بعد أن صار كالأجير الخاص
الذي استحقت منفعته الخاصة، بل ربما ظهر من خبر أبي حمزة (1) عن الصادق
(عليه السلام) " في رجل أعطى رجلا مالا ليحج عنه فحج عن نفسه قال: هي عن صاحب
المال " أن ذلك كذلك حتى لو أحرم لنفسه، وفي الدروس بعد أن حكى ذلك

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب النيابة في الحج - الحديث 1 عن
ابن أبي حمزة والحسين عن أبي عبد الله (عليه السلام) كما في التهذيب ج 5 ص 461
الرقم 1605
404

عن الشيخ قال: " بناء على أن نية الاحرام كافية عن نية باقي الأفعال وأن الاحرام
يستتبع باقي الأفعال وأن النقل فاسد لمكان النهي " إلى أن حكى مضمون خبر
أبي حمزة، ثم قال: " وهذا أبلغ من الأول ".
(و) كيف كان ففي المتن (يظهر لي أنها لا تجزي عن أحدهما) وحينئذ
لا أجرة، ووافقه الفاضل في القواعد وبعض متأخري المتأخرين، لأن الأعمال
بالنيات، فلا تقع عن النائب بعد كون الاحرام لغيره، لعدم صحة النقل اتفاقا
كما في المدارك، وأما عن المنوب عنه فلانتفاء النية في باقي الأفعال، والرواية
ضعيفة متروكة الظاهر محتملة لإرادة الثواب له، وفيه أن عدم النية بعد
الاستحقاق عليه شرعا وصيرورته كالأجير الخاص غير قادح بناء على ملك المستأجر
له ما يقع منه من العمل، خصوصا إذا كان الواقع العمل المستأجر عليه، ونية
القربة بعد فرض حصولها لا تنافي المعنى المعاملي، وحينئذ فالرواية المزبورة مع
تنزيلها على المعنى المزبور ليست متروكة الظاهر، على أنها منجبرة في خصوص
الفرض بفتوى من عرفت، والله العالم.
المسألة (السادسة إذا أوصى أن يحج عنه وعين) الأجير و (المبلغ)
وقلنا بظهور إرادة البلد من ذلك (فإن كان بقدر ثلث التركة أو أقل صح)
وتعينا (واجبا كان أو مندوبا) لعموم الوصية وإن كان لا يجب على الأجير
القبول (وإن كان أزيد وكان) الحج (واجبا ولم تجز الورثة كانت أجرة
المثل) من الميقات في قول، ومن البلد في قول آخر (من أصل المال والزائد
من الثلث، وإن كان ندبا حج عنه من بلده) بناء على ظهوره من إطلاقه (إن
احتمل الثلث، وإن قصر حج عنه من بعض الطريق، وإن قصر عن الحج حتى
لا يرغب فيه أجير صرف في وجوه البر، وقيل يعود ميراثا) هذا، ولكن في
المدارك قد جعل صور المسألة ثمانية فقال: الأولى أن يعين الأجير والأجرة معا
405

ويكون الحج واجبا، ويجب إيقاع ما عينه الموصي، ثم إن كانت الأجرة المعينة
مقدار أجرة المثل أو أقل نفذت من الأصل، وإن زادت كانت أجرة المثل من
الأصل والزيادة من الثلث إن لم تجز الورثة، ولو امتنع الموصى له من الحج بطلت
الوصية واستؤجر غيره بأقل ما يوجد من يحج به عنه، وفيه بعد تنزيل إطلاقه
الخروج من الأصل على الميقات أو على القول الآخر أنه لا وجه لبطلان الوصية
إذا لم يظهر منها تقييد المبلغ المعين بخصوصية الأجير المخصوص، بل ينفذ وصيته
بالمبلغ المعين لغيره المساوي له، ومن ذلك يعلم النظر فيما ذكره في الثانية، وهي
الصورة بحالها والحج مندوب، قال: ويجب إخراج الوصية من الثلث إلا مع
الإجازة، فينفذ من الأصل، ولو امتنع الموصى له من الحج فالظاهر بطلان
الوصية، لأنها إنما تعلقت بذلك المعين، فلا يتناول غيره، نعم لو تعلق غرض
الموصي بالحج مطلقا وجب إخراجه، لأن الوصية على هذا التقدير تكون في قوة
شيئين، فلا يبطل أحدهما بفوات الآخر، ضرورة أن ذلك مقتضى الوصية إلا
أن يعلم إرادة التقييد، لا أن التعيين مقتضاها حتى يعلم الاطلاق مع فرض
كون الوصية على وجه لا يظهر منها أحد الأمرين، فتأمل، ولو عين الأجير خاصة
والحج واجب استأجر بأجرة المثل من الأصل، بل لا يبعد وجوب إعطائه أجرة
مثله إن امتنع وإن خرج ما زاد منها على أجرة المثل من الثلث، بل احتمل وجوب
إجابته إلى ما طلب مطلقا مع اتساع الثلث تنفيذا للوصية، إلا أنه خلاف المنساق
من إطلاقها، وفي القواعد " ولو عين النائب وأطلق القدر استؤجر بأقل ما يوجد
أن يحج عنه به مثله إن لم يزد على الثلث " وعن المبسوط والتحرير والمنتهى ترك
مثله، والتحقيق ما عرفت، ولو امتنع الموصى له استأجر غيره، ولو كان الحج
مندوبا كانت الأجرة أجمع من الثلث، ولو امتنع الموصى له ففي المدارك سقطت
الوصية إلا إذا علم تعلق غرض الموصي بالحج مطلقا، فتأمل، ولو عين الأجرة
406

خاصة والحج واجب وكانت مساوية لأجرة المثل ففي المدارك صرفها الوارث إلى
من شاء ممن يقوم بالحج، وكذا إن نقصت، وإن كانت أزيد كان ما يساوي
أجرة المثل من الأصل والزائد من الثلث، وهو حسن، لكن ولاية ذلك إلى
الحاكم إن لم يكن له وصي على ذلك لا إلى الوارث، ولو كان الحج مندوبا
فالأجرة كلها من الثلث إلا مع إجازة الوارث، ولو لم يعين أجرة ولا أجيرا وكان
الحج واجبا حج عنه من أصل المال بأقل ما يوجد من يحج به عنه من الميقات
على الأصح، ولو كان الحج مندوبا خرجت الأجرة من الثلث إلا مع إجازة
الوارث، وقد تقدم سابقا ما يعلم منه التفصيل في كثير من هذه الأحكام، كما
أنه قد ذكرنا في الوصية ما يعلم منه صرف مثل ذلك في وجوه البر أو عوده ميراثا
وإن ناقش الأول هنا في المدارك بعد أن نسبه إلى المشهور، بل مال إلى عوده
ميراثا، ثم حكى عن المحقق الثاني التفصيل بين قصوره ابتداء فيعود ميراثا، وبين
طرو القصور فيصرف في وجوه البر، وأن الشارح استحسنه، ثم قال: ولعل
القول بعوده ميراثا مطلقا أقرب، وفيه ما لا يخفى في الوصية التي صحت واتفق
تعذر مصرفها كما أوضحنا تفصيل ذلك في كتاب الوصية،
بل ذكرنا فيه أيضا
ما يعلم منه الكلام في المسألة (السابعة) وهي (إذا أوصى في حج وغيره قدم
الواجب) على غيره (فإن كان الكل واجبا) كحج وزكاة وخمس وكفارة
ونحو ذلك (وقصرت التركة قسمت على الجميع بالحصص) وعن بعض أصحابنا
تقديم الحج لأولويته، ولا ريب في ضعفه بل ربما كان احتمال تقديم غيره من
الحق المالي الصرف للناس أولى.
المسألة (الثامنة من) كان (عليه حجة الاسلام ونذر أخرى ثم مات
بعد) حصول (الاستقرار) لهما بحصول التمكن منهما فلم يفعل فعن أبي علي
والشيخ ويحيى بن سعيد بل المصنف في المعتبر (أخرجت حجة الاسلام من
407

الأصل والمنذورة من الثلث) لأنه كالمتبرع به، وصحيح ضريس بن أعين (1)
" سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل عليه حجة الاسلام ونذر في شكر ليحجن رجلا
فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحج حجة الاسلام وقبل أن يفي لله بنذره فقال:
إن كان ترك مالا حج عنه حجة الاسلام من جميع ماله، ويخرج من ثلثه ما يحج
به عنه للنذر، وإن لم يكن ترك مالا إلا بقدر حجة الاسلام حج عنه حجة
الاسلام مما ترك وحج عنه وليه النذر، فإنما هو مثل دين عليه " وصحيح ابن
أبي يعفور (2) سأل الصادق (عليه السلام) " عن رجل نذر لله إن عافى الله ابنه من وجعه
ليحجنه إلى بيت الله الحرام، فعافى الله الابن ومات الأب، فقال: الحجة على
الأب يؤديها عنه بعض ولده، قال: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه، فقال:
هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه " فإن إحجاج الغير
ليس إلا بذل المال لحجه، فهو دين مالي محض بلا شبهة، فإذا لم يجب إلا من
الثلث فحج نفسه أولى (و) بذلك يظهر لك ما في مناقشة سيد المدارك في
الاستدلال بهما، كما أن منه أيضا يظهر أنه (لو ضاق المال إلا عن حجة الاسلام
اقتصر عليها، ويستحب أن يحج عنه للنذر) نعم لما كان ذلك مخالفا للأصول
ولم يعلم العمل به من الأصحاب ولا استقرار ذلك عليه حمله في محكي المختلف على
النذر في مرض الموت، فيسقط الاستدلال به حينئذ.
(و) لعله لذا (منهم) أي الأصحاب كابن إدريس بل قيل إنه مقتضى
إطلاق المقنعة والخلاف (من ساوى بين المنذورة وحجة الاسلام في الاخراج
من الأصل، والقسمة مع قصور التركة، وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 - 3
408

ضرورة كون كل منهما دينا، واحتمال سقوط المنذورة لأنه واجب بدني
كما في المدارك مناف لما يظهر من الأدلة من كونه واجبا ماليا، سواء تعلق به
خطاب الأصل أو خطاب النذر كما أوضحنا ذلك سابقا، نعم قد يشكل القسمة
بينهما في حال القصور مع فرض عدم حصول كل منهما بما يخصه بعدم الفائدة في
التقسيم المزبور، وبامكان ترجيح حج الاسلام بوجوبها بأصل الشرع، والتفريط
في تأخيرها لوجوب المبادرة بها، وما سمعته من صحيح ضريس، ولكن يستحب
قضاء المنذورة عنه للخبرين (1) وعن ظاهر أبي علي الوجوب، ولعله لذا جزم في
القواعد بخروج المنذورة من الأصل كحج الاسلام، وبقسمة التركة بينهما أي
مع سعتها لهما، ثم قال: ولو اتسعت لأحدهما خاصة قدمت حجة الاسلام، بل
حكاه شارحه عن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع والاصباح، بل وعن المصنف
في الكتاب، بل قال: " لا فرق بين تقدم النذر على استقرار حجة الاسلام
وتأخره عنها، وكذا إن وجبتا من البلد واتسعت التركة لأحدهما منه وللأخرى
ومن الميقات أخرجت حجة الاسلام من البلد والمنذورة من الميقات، إلا أن يدخل
السير من البلد في النذر، فيقوى العكس، لأصالة وجوبه حينئذ فيها، وفي حجة
الاسلام من باب المقدمة " قلت: لكن ظاهر المصنف عدم ترجيح إحداهما على
الأخرى، فتوزع التركة عليهما ولو لبعض الأفعال فيهما، كما أن ظاهره عدم
العمل بالصحيح المزبور فيما تضمنه حيث إنه - بعد أن أشار إليه بقوله: (وفي
الرواية إذا نذر أن يحج رجلا ومات وعليه حجة الاسلام أخرجت حجة الاسلام
من الأصل وما نذره من الثلث) - قال: (والوجه التسوية، لأنهما دين) كما
صرح به في ذيل الخبر المزبور، ومنه يظهر نوع اضطراب فيه، هذا، وقد تقدم
سابقا ما له نفع في المقام، فلاحظ وتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب وجوب الحج - الحديث 1 و 3
409

إلى هنا تم الجزء السابع عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ومنه
وقد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية
المخطوطة المصححة بقلم المصنف نور الله ضريحه
وقد خرج بعون الله ولطفه خاليا عن الأغلاط
إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر
ويتلوه الجزء الثامن عشر
في أقسام الحج
إن شاء الله
تعالى
عباس القوچاني
410