الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٣٣
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمود القوچاني / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: گيتي
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
في شرح شرايع الاسلام
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266 من الهجرة
تصحيح وتحقيق وتعليق
محمود القوچاني
عنى بتصحيحه: العالم الفاضل السيد إبراهيم الميانجي
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه، وطبع
بنفقة
الطبعة السادسة المكتبة الاسلامية
الجزء
الثالث والثلاثون - 33
طهران شارع البوذر جمهوري
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(كتاب الخلع والمباراة)
بضم الخاء من الخلع بفتحها الذي هو بمعنى النزع لغة، وشرعا إزالة قيد
النكاح بفدية من الزوجة وكراهة منها له خاصة دون العكس، وكأنه لأن كلا
منهما لباس الآخر كما قال سبحانه (1): " هن لباس لكم وأنتم لباس لهن " فخلعه
إياها نزع منه لها، والمخالعة بينهما تكون بذلك منه وبفدائها نفسها وكراهتها له.
هذا وفي كشف اللثام " ومختلعة " بمنزلة " طالق " لا " مطلقة " وكأنه أشار
بذلك إلى دفع ما يقال من المنافاة بين ذلك وبين ما تقدم من عدم جواز الطلاق بقول:
" أنت مطلقة " ووجه الدفع إما بقراءتها بكسر اللام حتى تكون بمنزلة " أنت
طالق " أو أن المراد أنها بهذا المعنى وإن كانت بفتح اللام، كما عساه ظاهر الكفاية،
والأولى اختيار صيغة الماضي.
وكيف كان فالمبارأة بالهمز وتقلب ألفا لغة المفارقة، يقال: بارأ الرجل
شريكه إذا فارقه، وشرعا إزالة قيد النكاح بفدية منها مع كراهة من الجانبين.
وكيف كان فشرعية الخلع ثابتة كتابا وسنة وإجماعا من المسلمين قال الله

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 187.
2

تعالى (1): " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " وأما
السنة من طريق الخاصة فمتواترة (2) وستسمع طرفا منها في أثناء المباحث، بل
لعلها من طرق العامة أيضا كذلك، منها ما روي عن ابن عباس (3) " أنها جاءت
امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهي بنت عبد الله بن أبي،
وكان يحبها وتبغضه، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله لا أنا ولا ثابت، ولا يجمع رأسي
ورأسه شئ، والله ما أعيب عليه في دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر بعد الاسلام
ما أصفه بغضا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا
وأخصرهم قامة وأقبحهم وجها، فنزلت الآية، وكان قد أصدقها حديقة، فقالت ثابت:
يا رسول الله ترد الحديقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما تقولين؟ فقالت: نعم وأزيده،
فقال: لا حديقته فقط، فاختلعت منه " وربما يستفاد من هذا وغيره عدم المرجوحية
الشرعية فيه.
بل ربما حكي عن الشيخ وأبي الصلاح وابن البراج وابن زهرة وجوب الخلع
عند تحقق موضوعه، قال الشيخ في النهاية: " إنما يجب الخلع إذا قالت المرأة
لزوجها، إني لا أطيع لك أمرا، ولا أقيم لك حدا، ولا أغتسل لك من جنابة،
ولأوطئن فراشك من تكرهه إن لم تطلقني، فمتى سمع منها هذا القول وعلم من حالها
عصيانها في شئ من ذلك وإن لم تنطق به وجب عليه خلعها " واحتج له بأن النهي
عن المنكر واجب، وإنما يتم بهذا الخلع، فيجب، وأجيب بمنع المقدمة الثانية.
وربما حمل كلام الشيخ على شدة الاستحباب، بل في الحدائق حمل الوجوب

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب الخلع والمباراة.
(3) كنز العمال ج 3 ص 224 مع الاختلاف في اللفظ وذكره الرازي في تفسيره
ذيل الآية 229 من سورة البقرة - ج 2 ص 375 - ط عام 1307 مرسلا مع الاختلاف في
صدر الحديث وكذلك الطبري في تفسيره عن ابن عباس ج 2 ص 461 ط عام 1373 وفيه
" أخت عبد الله بن أبي " مع الاختلاف في ذيل الحديث أيضا.
3

في كلامه على الثبوت، بمعنى أنه لا يشرع ولا يثبت إلا بعد هذه الأقوال، نحو
ما تضمنته النصوص (1) من أنه " لا يحل له خلعها حتى تقول ذلك " وليس في شئ
منها أمر بذلك. وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه ومنافاته أصول المذهب وقواعده.
(و) كيف كان ف‍ (- النظر في الصيغة والفدية والشرائط والأحكام، أما
الصيغة ف‍) - اللفظ الصريح فيه (أن يقول: خلعتك على كذا، أو فلانة مختلعة
على كذا) بلا خلاف أجده في المقام وإن توقفوا في الجملة الإسمية في العقود، بل
قد عرفت الخلاف في " أنت مطلقة " في الطلاق، وإن كان التحقيق عندنا ما سمعته
غير مرة من عدم الاقتصار على لفظ مخصوص مادة أو كيفية، بل يكفي كل ما دل
على إنشاء الخلع من لفظ صريح في نفسه أو بالقرينة، كما أشبعنا الكلام فيه في
مقامات متعددة، ولعل وفاقهم على الجملة الإسمية هنا مما يؤيده، إذ لا دليل
بالخصوص عليها في المقام الذي هو كغيره بالنسبة إلى ذلك، بل وما تسمعه من جميل
من الاكتفاء بقول: " نعم " بعد سؤال الرجل ذلك، بل وغير ذلك مما سمعته في محله،
فلا فائدة في التكرار، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، فيقتصر على خصوص
ما ذكره الأصحاب من الصيغ الخاصة في كل باب.
(و) على كل حال ف‍ (هل يقع) الافتراق (بمجرده) من دون اتباع
بطلاق؟ (المروي) مستفيضا صحيحا وغيره (نعم) قال الباقر عليه السلام في خبر
زرارة (2): " لا يكون الخلع حتى تقول: لا أطيع لك أمرا، ولا أبر لك قسما،
ولا أقيم لك حدا، فخذ مني وطلقني، فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يخلعها
بما تراضيا به من قليل أو كثير، ولا يكون ذلك إلا عند سلطان، فإذا فعلت ذلك
فهي أملك بنفسها من غير أن يسمى طلاقا ".

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 5
وذيله في الباب - 3 - منه الحديث. 10.
4

وقال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (1): " عدة المختلعة عدة المطلقة، وخلعها
طلاقها، وهي تجزئ من غير أن يسمى طلاقا ".
وفي صحيح سليمان بن خالد (2) " قلت له: أرأيت إن هو طلقها بعد
ما خلعها أيجوز؟ قال: ولم يطلقها وقد كفاه الخلع؟ ولو كان الأمر إلينا لم نجز
طلاقها ".
وفي صحيح ابن بزيع (3) " سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تبارئ
زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك
أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال: تبين منه وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ
منها وتكون امرأته فعلت، فقلت: إنه قد روي أنه لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق،
قال: ليس ذلك إذا خلعا، فقلت: تبين منه؟ قال: نعم ".
وصحيحه الآخر (4) عنه عليه السلام " سألته عن المرأة تبارئ زوجها أو تختلع
منه بشاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه؟ فقال: إذا كان ذلك على
ما ذكرت فنعم، قال: قلت: قد روي لنا أنها لا تبين منه حتى يتبعها بالطلاق، قال:
فليس ذلك إذا خلعا، فقلت تبين منه؟ قال: نعم ".
وقال الصادق عليه السلام (5): " المختلعة التي تقول لزوجها: اخلعني وأنا أعطيك
ما أخذت منك، فقال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا حتى تقول: والله لا أبر لك
قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولآذنن في بيتك بغير إذنك، ولأوطئن فراشك غيرك،
فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها، وكانت تطليقة بغير طلاق
يتبعها، وكانت بائنا بذلك، وكان خاطبا من الخطاب "، إلى غير ذلك من النصوص

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 8 - 9.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 8 - 9.
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 8 - 9.
(4) أشار إليه في الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 9
وذكره في الكافي ج 6 ص 143.
(5) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 وذيله في الباب - 3 - منه الحديث 3.
5

بالخصوص.
مضافا إلى ما دل (1) على حصول البينونة بالخلع الصادق على المجرد عن
الطلاق قطعا، إذ القائل باتباع الطلاق لا يجعله داخلا في مفهومه، وإنما هو من
شرائط البينونة أو جزء سببها الذي هو الخلع المتبع بالطلاق.
بل ربما استظهر من صحيح ابن بزيع - بناء على نسخة النصب، بل ونسخة
الرفع من إضمار ضمير الشأن اسما لليس - اعتبار عدم اتباع الطلاق في مفهومه،
ومن هنا يكون جعل قراءة " خلع " فعلا وجعل " إذا " شرطا أولى، على معنى
أن ذلك ليس شرطا إذا خلع، بخلاف ما إذا بارأ وإن كان قد يناقش بأن كون
المراد اعتبار اتباع الطلاق في الخلع ينافي كون ذلك خلعا، لما ستعرف من أن
الخلع طلاق، لا أن المراد خروجها عن الخلع باتباع الطلاق، بل أقصاه كون الطلاق
حينئذ لغوا.
وربما كان ذلك تعريضا بمن عمل بالرواية المزبورة من العامة، بل لعل
قوله عليه السلام: " لو كان الأمر إلينا " إلى آخره إشارة إلى ذلك، أو إلى عدم مشروعية
طلاق المختلعة من دون الرجوع بالفدية والرجوع بالطلاق منه.
وعلى كل حال فلا محيص عن العمل بالنصوص المزبورة بعد ما عرفت،
خصوصا بعد انجبارها بالشهرة العظيمة، بل يظهر من المحكي عن المرتضى
الاجماع عليه.
(وقال الشيخ: لا يقع حتى يتبع بالطلاق) وتبعه ابنا زهرة وإدريس
مدعيا أو لهما الاجماع عليه، بل قال الشيخ: هو مذهب جعفر بن سماعة والحسن بن
سماعة وعلي بن رباط وابن حذيفة من المتقدمين، ومذهب علي بن الحسن من
المتأخرين، وأما الباقون من فقهاء أصحابنا المتقدمين فلست أعرف لهم فتيا
في العمل به.

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 6 و 9.
6

وعلى كل حال فلا دليل إلا الأصل المقطوع، والاجماع الممنوع، والاحتياط
الذي لا تجب مراعاته، وخبر موسى بن بكر (1) عن الكاظم عليه السلام قال: " قال علي
عليه السلام: المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدة " الضعيف سندا القاصر دلالة،
ضرورة احتمال كون المراد منه جواز أن تطلق مرة أخرى ما دامت في العدة، وذلك
بأن ترجع في البذل فيراجعها الزوج ثم يطلقها، بل لعله أولى من دعوى إرادة اتباع
الخلع الطلاق ما دامت في العدة الذي لا يقول به الخصم، إذ هو يعتبر اتباع صيغته
بصيغته، لا أنه يطلقها في العدة.
وأعجب من ذلك حمل تلك النصوص الكثيرة على التقية لمكان معارضة الخبر
المزبور، مستدلين على ذلك بقول الصادق عليه السلام لزرارة (2): " ما سمعت مني يشبه
قول الناس فيه التقية، وما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه " إذ لا يخفى
عليك أن ذلك مع معارضتها بما لا يشبه قول الناس، وليس إلا الخبر المزبور الذي
قد عرفت حاله.
وأغرب من ذلك استدلال ابن سماعة وغيره بأنه " قد تقرر عدم وقوع الطلاق
بشرط، والخلع من شرطه أن يقول الرجل إن رجعت فيما بذلت فأنا أملك ببضعك
فينبغي أن لا تقع به فرقة " إذ هو كما ترى ممنوع أصلا وتفريعا، بل ذلك من
أحكامه لا من شرائطه، وعلى تقديره فليس هو شرطا في الخلع على وجه ينافي
تنجيزه، وإنما هو اشتراط أمر آخر كما تسمعه في المباراة بناء على اشتراط
قول ذلك فيها.
ومن ذلك يعلم ضعف فقاهة ابن سماعة وأن جميلا كان أفقه منه، فإنه
قد روى جعفر (3) أخوه " أن جميلا شهد بعض أصحابنا وقد أراد أن يخلع ابنته
من بعض أصحابنا، فقال جميل للرجل: ما تقول؟ رضيت بهذا الذي أخذت

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 7 عن عبيد زرارة.
(3) الكافي ج 6 ص 141.
7

وتركتها؟ فقال: نعم، فقال لهم جميل: قوموا، فقالوا: يا أبا علي ليس يريد
يتبعها بالطلاق؟ فقال: لا ".
(و) كيف كان ففي المسالك وكشف اللثام (لا يقع) عندنا (بفاديتك
مجردا عن لفظ الطلاق، ولا فاسختك ولا أبنتك (بتتك خ ل) ونحوها لأنها كنايات
فلا يقع بها كالطلاق، لأصالة بقاء الزوجية، خلافا للعامة فأوقعوه بجميع ذلك،
وجعلوها كنايات تتوقف على النية، وبعضهم جعل اللفظين الأولين صريحين فيه،
لورود الأولى في قوله تعالى (1): " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " ولأن الثانية
أشد دلالة على حقيقته من لفظ الخلع بناء على أنه فسخ، وعلى تقدير كونه طلاقا
فهو كناية قطعا.
ويضعف الأول بأن مجرد وروده في القرآن أعم من كونه صريحا، ولأنه
لم يتكرر ولا شاع في لسان أهل الشرع، فلا يحلق بالصريح، ومثله ورود الامساك
في الرجعة (2) والتسريح في الطلاق (3) وفك الرقبة في العتق (4) فإنها إطلاقات خفية
لا تظهر في تلك المعاني إلا بانضمام القرائن.
قلت: كأن هذا الكلام مناف لما ذكره في غير مقام من كتابه - حتى في
المقام - من عدم اعتبار ألفاظ خاصة، وعدم كونها بلفظ الماضي، وقياس المقام على الطلاق
الوارد فيه (5) لفظ الحصر المراد منه التعريض بما عند العامة من الكنايات وغيره مع
حرمته عندنا مع الفارق كما عرفت، وانضمام القرائن مع إفادة أصل المعنى الذي هو
إنشاء معنى الخلع غير قادح، كما هو واضح لمن أحاط خبرا بما قدمنا هنا وهناك، اللهم
إلا أن يكون إجماعا هنا بالخصوص.
(و) كذا (لا) يقع (بالتقايل) الذي قد عرفت عدم مشروعيته
في عقد النكاح الذي قام الطلاق والخلع مقامه فيه، نعم لو قال الزوج بعد بذل

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(4) سورة البلد: 90 - الآية 13.
(5) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
8

المرأة: " أقلتك على ما بذلت " مريدا به معنى الخلع ولو مجازا بقرينة إن صح
ففيه البحث السابق.
(و) كيف كان ف‍ (بتقدير الاجتزاء بلفظ الخلع هل يكون فسخا أو
طلاقا؟ قال المرتضى) وتبعه المشهور: (هو طلاق) بل ظاهر ناصريات المرتضى
أو صريحه الاجماع عليه بعد أن حكى عن بعض المخالفين أنه فسخ (و) مع ذلك
(هو المروي) في المعتبرة المستفيضة (1) التي مر عليك شطر منها، وفي بعضها
" خلعها طلاقها " (2) وفي آخر " وكانت عنده على تطليقتين " (3) وفي الثالث
" وكان تطليقة بغير طلاق يتبعها " (4) وفي رابع " الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو
خاطب من الخطاب " (5) إلى غير ذلك.
(وقال الشيخ: الأولى أن يقال فسخ) لأنه ليس بلفظ الطلاق، وهو لا يقع
عندنا بالكناية، ولأنه لو كان طلاقا لكان رابعا في قوله تعالى (6) " فلا جناح
عليهما " لأن قبله " الطلاق مرتان " إلى آخرها، وبعده " فإن طلقها فلا تحل له "
إلى آخرها، فذكر تطليقتين والخلع تطليقة بعدها، ولأنها خلت من صريح الطلاق
ونيته فكان فسخا كسائر الفسوخ (وهو) من الشيخ ره (تخريج) على
القول بوقوعه مجردا، لما عرفت من أن مذهبه الاتباع بالطلاق، ورده غير واحد
بالنصوص المزبورة (7).
وعلى كل حال (ف‍) قد فرعوا على ذلك أن (من قال هو فسخ لم يعتد

(1) الوسائل الباب - 3 و 5 و 10 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2 - 3.
(5) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(7) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة.
9

به في عدد الطلقات) بخلاف القائل بكونه طلاقا.
قلت: كأن هذا البحث ساقط عندنا، لتظافر نصوصنا (1) بكونه طلاقا، بل
الفتاوى أيضا كذلك، بل لو قلنا: إنه فسخ أمكن دعوى إجراء حكم الطلاق عليه
للنصوص المزبورة بالنسبة إلى ذلك وغيره، ومن هنا لم نعرف القائل بذلك من أصحابنا،
نعم مع قطع النظر عن النصوص المزبورة يتجه ما ذكره الشيخ، لأنه سبب آخر من
أسباب الفراق، خصوصا بعد أن أفردوا له كتابا غير كتاب الطلاق الذي قد عرفت
أنه الفراق بقول: " أنت طالق " ومن هنا يظهر لك الحال على التقديرين بحيث
يسقط القول الآخر.
كما أن ما في المسالك من أن " هذا الخلاف متفرع على الخلاف السابق فإنا
إن اعتبرنا اتباعه بالطلاق فالمعتبر في رفع النكاح هو الطلاق، وإضافة الخلع إليه
قليلة الفائدة، لأن تملك المال يحصل بالطلاق في مقابلة العوض، بل بنيته مع سؤال
المرأة " لا يخلو من إجمال، ضرورة إمكان دعوى القائل أن الخلع هو المملك
لكن بشرط الطلاق، كما أنه يمكن جعل المجموع سببا، بل يمكن القول بتوقف
الفراق خاصة على الطلاق الذي لا يصلح للتمليك المحتاج إلى إنشاء من الطرفين،
ولعل هذا الاحتمال كاف في فساد هذا القول.
(و) كيف كان ف‍ (يقع الطلاق مع الفدية بائنا وإن انفرد عن لفظ
الخلع) وذلك لأن المحصل من النص (2) والفتوى بل وآية الفدية (3) التي هي
في البذل للطلاق كون الخلع نوعا خاصا من الطلاق الذي لا ينافيه التعريف المزبور
المحمول على إرادة الطلاق المقابل للخلع والمباراة، لا المعنى الأعم الشامل لهما وإن
اختص بلفظ " خلعت " عن باقي أفراد الطلاق، إلا أنه لا ينافي وقوعه بصيغة الطلاق
بعد أن كان فردا، إذ هو حينئذ كالسلف في البيع في كونه فردا خاصا منه، حتى إذا

(1) الوسائل الباب - 3 و 10 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
10

قلنا بعدم جواز عقد البيع غير السلم بلفظ " أسلمت " و " أسلفت " يجوز عقده بصيغة البيع، بل الظاهر عدم احتياجه إلى قصد السلمية بعد أن يكون الموضوع موضوعها،
لعدم كونه ماهية أخرى حتى يحتاج إلى قصدها، بل يكفي في كونه سلما قصد
البيعية وكون الموضوع موضوع السلم قصده أو لم يقصده، بخلاف الماهيات المختلفة،
فإنه مع اتحاد المورد فيها لا بد في ترتب كل واحد منها بالخصوص من قصد الخصوصية،
ولا يكفي قصد المعنى المشترك بينها.
ففي المقام إذا أوقع الطلاق بالفدية مع الكراهة كان خلعا قصده أو لم يقصده
بعد أن عرفت أنه قسم خاص منه، فيكفي في تحققه حينئذ قصد الطلاق فيما هو
موضوع الخلع وإن لم يقصد الخلع، كما يكفي في كون البيع سلما قصد البيع فيما
هو موضوع السلم وإن لم يقصد السلمية، ومن هنا كانت جميع شرائط الطلاق شرائط
الخلع ولا عكس، كالسلم بالنسبة إلى البيع.
كما أنه بذلك يظهر أنه لا وجه لدعوى أعمية الطلاق بالعوض من الخلع
فيشترط الكراهة في الثاني دون الأول، كما وقع من ثاني الشهيدين في المقام وغيره،
ضرورة عدم الدليل، بل ظاهر الأدلة خلافها، منها المعتبرة المستفيضة الدالة على
عدم حلية أخذ شئ من المرأة مع عدم الكراهة (1) وإطلاق أدلة الطلاق لا يقتضي
مشروعيته مع العوض وإن لم تكن كراهة، خصوصا بعد عدم قابلية الطلاق للتمليك
المنافي لأصالة بقاء المال على ملك مالكه، ولذا لم يقبل شرطية تمليك شئ من
الأشياء، لا من طرف المطلق ولا المطلقة، وهو واضح، وسيأتي لك زيادة تحقيق
لذلك، وإن كان مما ذكرنا يظهر لك النظر في كلام جملة من الأساطين فضلا عن غيرهم،
وحينئذ فيمكن إرادة المصنف ما ذكرنا.
بل لعله أيضا هو مراد غيره ممن صحح وقوع الخلع بصيغة الطلاق، بل في
كشف اللثام عن المبسوط نفي الخلاف فيه، لا أن المراد وقوعه بصيغة الطلاق مقصودا

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
11

بها الخلع على معنى أنها صيغة أخرى له، ضرورة أن ذلك يتم لو جعلنا ماهيته غير
ماهية الطلاق، والفرض أنه منه نصا (1) وفتوى، حتى عدوه في أقسام الطلاق
البائن سابقا. وبذلك يظهر لك ما في قول المصنف.
(فروع:)
(الأول:)
(لو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع على
القولين) أي القول بأن الخلع فسخ، والقول بأنه طلاق، أما الأول فواضح،
ضرورة أنه غير ما طلبته، وأما الثاني ففي المسالك " لأنه وإن جعلناه طلاقا لكنه
طلاق مختلف فيه، وما طلبته لا خلاف فيه، فظهر أنه خلاف مطلوبها على القولين ".
وفيه أن الخلاف فيه لا ينافي كونه مصداقا لما طلبته بعد تنقيح الحال فيه، وهو
ثمرة النزاع، كالنذر واليمين وغيرهما، وليس معنى " طلقني بعوض " أي اخلعني
بصيغة " أنت طالق بكذا " بل المراد حصول الطلاق بالعوض الذي لا فرد له إلا
الخلع على الأصح، فهو عين ما طلبته، اللهم إلا أن يدعى انسياق الصيغة المخصوصة
لكنها واضحة المنع، فإن أحدا لا يتخيل من قول: " بع لي هذا الكتاب " مثلا
إرادة نقله بيعا بصيغة " بعت " بحيث لو باعه بغيرها كان غير موكل فيه، والفرض
أنه بيع كما هو واضح بأدنى التفات، وهذا أحد المقامات التي أشرنا سابقا إلى
عدم تنقيح الحال فيها عندهم، وإلا فلا إشكال في حصول ما سألته بالخلع بناء على أنه
طلاق بعوض.
(ولو طلبت خلعا بعوض فطلق به لم يلزم البذل على القول بوقوع الخلع
بمجرده فسخا) لأنه حينئذ مبائن للطلاق (ويلزم على القول بأنه طلاق أو أنه

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3.
12

يفتقر إلى الطلاق) وذلك لكون الطلاق الذي وقع مع فرض حصول موضوع
الخلع خلعا منطبقا على سؤالها أو مع زيادة، ولا يخفى عليك أن ذلك بعينه جار
في الأول بعد ما ذكرنا.
(الثاني:)
(لو ابتدأ فقال) للكارهة: (أنت طالق بألف أو وعليك ألف) لم
يصح خلعا مع عدم قبولها نعم (صح الطلاق رجعيا) في قول ستعرف تحقيقه
(ولم يلزمها الألف ولو تبرعت بعد ذلك بضمانها) - أي الالتزام بها - لم ينفع
في صحته خلعا (لأنه) ك‍ (- ضمان ما لم يجب) في عدم الالتزام به، لتظافر
النص (1) والفتوى بأن موضوع الخلع نقدم فدائها، وألحق به مقارنته للطلاق بالعوض،
وعلى كل حال فالتزامها به بعد ذلك خارج عن موضوع الخلع وإلا لبقي موقوفا إلى
زمن رضاها أوردها، وهو معلوم البطلان، لأن الفضولية لا تجري فيه.
(و) حينئذ ف‍ (- لو دفعتها إليه) بعد مضي زمان القبول إن صح (كانت
هبة مستأنفة) وإلا كان دفعا فاسدا، ووجب رد المال إليها إذا كانت قد دفعتها
فدية (ولا تصير المطلقة بدفعها بائنة) حينئذ، لخروجها عن كونها فدية بها يصير
الطلاق بائنا.
وبالجملة ظاهر الأصحاب أنه يعتبر في صيغة الخلع وقوعها على جهة المعارضة
بينه وبين الزوجة، ويتحقق ذلك بأحد أمرين: تقدم سؤالها ذلك على وجه الانشاء
له، بأن تقول مثلا: " بذلت لك كذا على أن تخلعني " مثلا فيقول: " خلعتك على
ذلك " مثلا أو " أنت طالق بذلك " أو مجردا ناويا العوض، والثاني ابتداؤه به
مصرحا بذكر العوض، فتقبل المرأة بعده بلا فصل ينافي المعاوضة، وبدون ذلك يقع

(1) الوسائل الباب - 1 و 3 - من كتاب الخلع والمباراة والباب - 7 - منه الحديث 4.
13

الخلع باطلا، بل لا أجد فيه خلافا بينهم.
نعم أطنب في الحدائق مدعيا عدم ظهور النصوص في اعتبار الترتيب المزبور
الذي هو كترتيب المعاوضة، بل يكفي تقدم فدائها ثم طلاقها عليه مع فرض استمرار
عزمها على البذل، والذي غره إجمال النصوص في ترتيب سائر المعاوضات، لكن من
المعلوم أن الأصل عدم الصحة، ولا ريب في الشك في حصول الخلع بالفرض الذي ذكره،
ولا إطلاق معتد به صالحا للخروج به عن الشك المزبور، خصوصا بعد ظهور اتفاق
الأصحاب عليه وإطلاق لفظ الشراء والصلح على الحال المزبور في النصوص، فعن أمير
المؤمنين عليه السلام (1): " لكل مطلقة متعة إلا المختلعة، فإنها اشترت نفسها " وخبر
البقباق (2) عن الصادق عليه السلام " المختلعة إن رجعت في شئ من الصلح يقول: لأرجعن
في بضعك " بل وظهور النصوص (3) في اعتبار إنشاء التراضي بينهما بذلك، ولا ريب
في أنه متى اعتبر الانشاء من الطرفين كان لهما حكم سائر المعاوضة، فالفداء في المقام
إما معاوضة مستقلة أو قسم من أقسام الصلح، فلا بد من الترتيب بينهما على الوجه
المزبور.
بل الأولى اعتبار الألفاظ الدالة على ذلك بينهما، وإن كان يقوى الاكتفاء
بالفعل منها بقصد الانشاء، كما لو دفعت فادية فخلعها على ذلك، وإن كان الأحوط
خلافه، كما أنه يكتفى منه بايقاع ما أنشأت الفداء له من الخلع أو الطلاق وإن لم
يذكر الفداء لفظا، نعم ستعرف أن التحقيق عدم كون المقام من المعاوضات الحقيقة
وإن ثبت له بعض أحكامها لاجماع إن تم أو غيره.
هذا وظاهر المصنف عدم الفرق بين الصيغتين في الصحة مع حصول القبول منها
الجاري على نحو المعاوضة والبطلان مع عدمه، ولعله لظهور إرادة إنشاء العوضية
فيهما عرفا، فلم يكن مانع من الصحة إلا تخلف ترتيب المعاوضة وفوريتها.

(1) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة والباب - 7 - منه الحديث 4.
14

لكن أطنب في المسالك وادعى الفرق بينهما بأن الثانية صيغة إخبار لا صيغة
التزام مع عدم سبق البذل من المرأة " بل هي جملة معطوفة على الطلاق، فلا يتأثر
بها، وتلغو في نفسها، كما لو قال: " أنت طالق وعليك حج " حتى لو قبلت، لأن
قبولها حينئذ رضا بما فعل، والفرض عدم وقوع ما يقتضي المعاوضة منه بخلاف ما لو
قالت: " طلقني ولك علي ألف " أو " وعلي ألف " فأجابها بذلك، لوقوع الالتزام
منها، وهو الذي يتعلق بها، والزوج ينفرد بالطلاق، فإذا لم يأت بصيغة المعاوضة
حمل كلامه على ما ينفرد به، وكفاه نيته حتى لو أطلق وقال: " أنت طالق " عقيب
سؤالها بالعوض كفي ذلك ولزمها المال، لتحقيق المعاوضة، ووقوعها من جانب من
وظيفته الالتزام بها ووقوع التزامه به - إلى أن قال -: وبذلك ظهر الفرق بين الصيغتين
اللتين أتى بهما المصنف، وجعلهما غير ملزومتين للمال، فإن عدم لزومه في الأولى
مشروط بعدم لحوق القبول منها، إذ الفرض كونها غير ملتمسة منه ذلك بخلاف
الثانية، فإنها لا توجب التزام المال، سواء قبلت أم لا، لعدم دلالتها على المعاوضة
وضعا وإن قصد، إذ لا بد من التعبير باللفظ الدال على المعنى المطلوب كغيره من
المعاوضات - ثم أطنب بما يؤكد ذلك إلى أن قال -: ويتفرع على ذلك ما لو قال
الرجل بعد قبولها: " قصدت في الثانية العوضية، وأوردت بقولي: ولي عليك ألف ما يعينه
القائل بقوله: " طلقتك على ألف " فإنه لا يصدق، لأن ذلك خلاف مدلول اللفظ،
فلا يكفي قصده في لزوم العوض، ولو وافقته المرأة فوجهان: من أن اللفظ لا يصلح
للالتزام، فلا يؤثر مصادقتها على قصده، ومن أن الحق عليها، ومن الجائز أن يريد لي
عليك ألف عوضا عنه ونحو ذلك، والأجود الأول " إلى آخر ما ذكره.
وقد اشتمل على غرائب وإن حكى عن الشيخ رحمه الله الموافقة على بعض ذلك،
منها دعوى ظهور الصيغة في الأخبار، ومنها عدم الاعتبار بها حتى مع قصده إنشائية
العوضية بها، بل جعل الأجود ذلك وإن وافقته المرأة، مع أنه يكتفى في العقود بأي
لفظ ولو مجازا، بل اكتفى في المقام بالنية كما سمعت على تقدير الموافقة،
والفرض أن الحق منحصر فيهما، كما أن خطاب المعاوضة كذلك لا ينفي احتمال
15

عدم الاجتزاء بذلك.
وبالجملة فما أدري ما الذي دعاه إلى هذا الاطناب مع خروجه عن السداد
والصواب؟! خصوصا على مذهبه في غير المقام فضلا عنه الظاهر من النصوص (1)
توسعه الأمر فيه.
ولو قال: " أنت طالق على أن عليك ألفا " صح مع تقدم سؤالها ذلك أو تأخر
قبولها بحيث لم يخرج عن قبول المعاوضة، ودعوى أنها صيغة شرط في الطلاق - فيكون
قد علق طلاقها على شرط هو أن يكون عليها ألف لا على وجه المعاوضة - كما ترى خلاف
المنساق عرفا منها.
وأوضح من ذلك فسادا دعوى البطلان في جميع صور تأخر القبول من المرأة،
لأن فيه شائبة التعليق باعتبار ترتب الطلاق على قبول بذل المال كباقي الشرائط، بخلاف
ما لو تقدم بذلها، فإن الواقع حينئذ يصير معاوضة منجزة شبه الجعالة، لأنها تبذل المال
في مقابلة ما يقع من الطلاق، فإذا أتى به وقع موقعه وحصل غرضها، كالجعالة التي تبذل
في مقابلة ما يستقبل من العمل.
وفيه ما قد عرفت سابقا من أن التعليق المنافي المقتضي لمفارقة المسبب سببه،
والشائبة المزبورة هي مقتضى المعاوضة، فإن من ابتدأ البيع وقال: " بعتك هذا "
معناه أنك إن أعطيتني العوض ملكتك المعوض، ولكنه ليس تعليقا وإنما هو
تحليل للقصد بالمعاوضة، ومثله غير قادح قطعا.
وكيف كان فالبحث حينئذ في صحة الطلاق في جميع الصيغ المقصود بها
المعاوضة وعدمه متحد، وقد صرح جماعة بصحة الطلاق مع فرض فساد العوضية
بعدم القبول أو غيره، وكونه رجعيا إن صادف موضوعها وإلا كان بائنا، لكن أشكله
غير واحد بأن المقصود المقيد الذي ينتفي مطلقه بانتفاء قيده، فدعوى صحة المطلق
الذي لم يقصد منافية لقاعدة ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.

(1) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب الخلع والمباراة
16

ودعوى انحلال المقام إلى قصدين وإنشاءين: أحدهما إنشاء الطلاقية، والثاني
إنشاء العوضية، وفساد أحدهما لا يقتضي فساد الآخر - وذلك لعدم اعتبار العوضية في
الطلاق، لا أقل من أن يكون العوض هنا كالنكاح الذي قد عرفت عدم بطلانه بفساد
المهر - يدفعها منافاتها للوجدان الذي لم يفرق بين تقييد المقام وتقييد غيره،
وعدم اعتبار العوض فيه لا ينافي كون القصد المقيد الذي هو قصد واحد عرفا، والقياس
على النكاح لا يوافق مذهبنا، ومن هنا مال جماعة إلى عدم الصحة.
نعم قد يقال: إنه لا عوضية حقيقة في المقام، ولذا لو رجعت بالبذل لم يبطل الطلاق،
بل يكون رجعيا نصا (1) وفتوى، بل ستسمع عدم الخلاف بينهم في عدم فساد الطلاق
لو كان البذل مما لا يملكه المسلم أو مغصوبا أو غير ذلك، مما يقتضي عدم صحة بذله،
وليس ذلك إلا لعدم المعاوضة المصطلحة التي من المعلوم انتفاء موضوعها بانتفاء عوضها،
وإنما هي معاوضة بالمعنى الأعم، أي أن البذل منها باعث على ايجاد الطلاق الذي
هو من قسم الايقاع الذي لا يملك عوضا ولا شرطا، فهو حينئذ على معناه الأصلي،
ولم ينقلب طلاق الخلع إلى قسم العقود حتى يكون " فلانة طالق - مثلا - بكذا "
إيجابا، وقولها: " قبلت " قبولا، ولكن الشارع ذكر في هذا القسم من الايقاع صحة
البذل الباعث على إيقاعه، واعتبر فيه المقارنة له، وارتفاع البينونة بارتفاعه، فهي
حينئذ أحكام توهم من توهم منها إجراء حكم المعاوضة عليها، وغفل عما سمعت
من الصحة نصا (2) وفتوى مع الرجوع بالبذل وغيره مما عرفت.
وبذلك يتجه ما ذكره المصنف وغيره من الأساطين في المقام وفي غيره مما
ستسمع، بل وفي:

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة.
17

الفرع (الثالث:)
الذي هو (إذا قالت: طلقني بألف كان الجواب على الفور) الذي تقتضيه
المعاوضة لما عرفت (فإن تأخر) على وجه ينافي ذلك (لم يستحق عوضا وكان
الطلاق رجعيا) مع فرض اجتماع شرائطه، وإلا كن بائنا.
فمن الغريب ما في المسالك من ميله إلى البطلان أولا لكن قال في المقام:
" وظاهر كلام المصنف عدم الفرق بين العالم بالحال والجاهل، وهو يتم بغير إشكال
على تقدير كون الطلاق رجعيا كما أطلقه، أما لو كان بائنا كطلاق غير المدخول
بها مع تصريحه بقصد العوض ولم يتعقبه قبولها على الفور فالحكم بصحة الطلاق على
هذا الوجه بغير عوض لا يخلو من إشكال، لعدم القصد إليه، نعم يتجه كلامه على إطلاقه
على تقدير أن تقول: " طلقني بألف " فيتراخى ثم يقول: " أنت طالق " ولا يذكر
العوض، فإنه حينئذ طلاق مجرد عن العوض فلا يبعد القول بنفوذه كذلك، أما مع
تصريحه بالعوض وجهله بالحال، وتعذر الرجعة فهو محل الاشكال، وما وقفت هنا لأحد
من المعتمدين على شئ يعتد به " إذ هو كما ترى، ضرورة عدم الفرق في القصد بين
كون الطلاق رجعيا وغيره، ولعل عدم ذكر أحد من المعتمدين له لوضوح الحال
فيه بعد تنقيح أصل المسألة، من غير فرق بين الرجعي وغيره كما هو واضح.
ولا فرق في بذل المرأة بين " طلقني ي بكذا " وبين " علي كذا " أو " علي أن
علي كذا " أو " على أن أعطيك كذا " بل في المسالك " وفي معناها " إن طلقتني " أو
" إذا طلقتني " أو " متى ما طلقتني فلك كذا " بخلاف قول الرجل: " مهما أعطيتني كذا "
أو " إن أعطيتني كذا " أو غير ذلك من أدوات الشرط، فإنه لا يقع " وإن كان قد
يناقش بعدم الفرق بينهما في منافاة هذا التعليق للانشاء وعدمه، ولا ريب في أن الأحوط
عدمه فيهما إن لم يكن الأقوى، كما أن الأحوط ذكر العوض بصيغة الطلاق أو الخلع
مع تقدم بذلها، وإن كان الأقوى الاكتفاء بنيته.
18

(النظر الثاني)
(في الفدية)
التي هي العوض عن نكاح قائم لم يعرض له الزوال لزوما ولا جوازا لكونه افتداء،
والافتداء إنما يصح إذا كانت في قيد النكاح، ولما عرفت من أنه طلاق فيعتبر في محله
ما يعتبر فيه، ومن هنا لا يقع الخلع عندنا في البائن، بل في القواعد " ولا بالرجعية ولا
بالمرتدة عن الاسلام وإن عادت في العدة " وفي كشف اللثام " خلافا للعامة، فلهم قول
بالوقوع بالرجعية، لكونها كالزوجة، وبالمرتدة موقوفا " قلت: قد عرفت فيما
تقدم ما يقتضي احتماله في الأخيرة عندنا.
وكيف كان فقد ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد فيه خلافا بينهم أن (كلما
صح أن يكون مهرا صح أن يكون فداء في الخلع،) ومقتضاه أن كلما لا يصح أن
يكون مهرا لا يصح أن يكون فداء حتى يتم كونه ضابطا، لكن لا أجد ذلك في شئ
من النصوص، نعم في بعضها (1) " حل له أن يأخذ منها ما وجد " وفي آخر (2) " يحل له أن
يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير " وفي ثالث (3) " حل له أن يأخذ من مالها ما قدر
عليه " وفي صحيح زرارة (4) عن الباقر عليه السلام " المبارأة يؤخذ منها دون المهر، والمختلعة
يؤخذ منها ما شئت أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر، وإنما صارت المبارأة يؤخذ
منها دون المهر والمختلعة يؤخذ منها ما شاء لأن المختلعة تعتدي بالكلام وتتكلم
بما لا يحل لها " إلى غير ذلك، مضافا إلى عموم الآية (5) ولعلهم أخذوا الضابط

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 6 - 5 - 4 - 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 6 - 5 - 4 - 1.
(3) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 6 - 5 - 4 - 1.
(4) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 6 - 5 - 4 - 1.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
19

المزبور من نصوص المهر (1) فإنه ملحوظ ولو بعنوان جواز الزيادة عليه، أو
لمشاركة الفدية له في عدم اعتبارها في مفهوم الطلاق كعدم اعتباره في مفهوم النكاح،
أو لأنه لا يعتبر فيه أزيد مما يعتبر في أصل المعاوضات من كونه متمولا معلوما في
الجملة عينا أو دينا أو منفعة قليلا كان أو كثيرا مقدورا على تسليمه.
(و) على كل حال ف‍ (- لا تقدير فيه، بل يجوز ولو كان زائدا عما
وصل إليها من مهر وغيره) بلا خلاف أجده فيه نصا (2) وفتوى.
فتحصل مما ذكرنا من مقتضى الكتاب (3) والسنة (4) جواز الفداء بكل
متمول قل أو كثر، معلوما كان أو مجهولا، إلا جهالة لا تؤول إلى العلم ولم يثبت
شرعية الشارع لها في المعاوضات وإن كانت من قبيل ما نحن فيه، مثل شئ من
الأشياء، أو بعض ما يتمول أو نحو ذلك مما هو مثار النزاع، ولا تفي أدلة المقام بشرعيته،
فيبقى على أصل عدم الانتقال وعدم الخلع وغيرهما من الأصول.
لكن قال المصنف (و) تبعه غيره: إنه (إذا كان غائبا فلا بد من ذكر
جنسه) ككونه فضة أو ذهبا مثلا (ووصفه) مع اختلاف أوصافه (وقدره)
كقفيز ونحوه.
وفيه أنه لا دليل على اعتبار ذلك، بل ظاهر الأدلة السابقة عموما وإطلاقا
خلافه، بل هو مناف لقوله (و) قول غيره: (يكفي في الحاضر المشاهدة)
التي يمكن فرض مقدار ما يحصل من العلم منها في الغائب الذي هو مال معين لكن
لا يعرف وزنه ولا عدده ولا جنسه.
وأغرب من ذلك التزام عدم الصحة فيما لو بذلت له مالها في ذمته من المهر
أو الأعم منه ومن غيره ولم يعلم مقداره، لأنه من الغائب الذي يعتبر معرفة مقداره،

(1) الوسائل الباب - 1 - من الكتاب الخلع والمباراة الحديث 9 والباب - 4 - منه
الحديث 1 والباب - 7 - منه الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(4) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة
20

مع أنك قد عرفت اقتضاء عموم الأدلة وإطلاقها صحته كغيره من أفراد المجهول
الذي يؤول إلى العلم، نحو ما في الصندوق وما في كمي ونحوهما بعد العلم بوجود
ما يصلح فيهما للبذل، وليس في شئ من أدلة المقام ما يقتضي كونه كالمهر بالنسبة
إلى ذلك على فرض اشتراطه به، خصوصا بعد كون المهر أدخل في العوضية من
المقام.
(و) كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه (ينصرف الاطلاق) فيما
لو قالت مثلا: " مائة دينار - أو - درهم " (إلى غالب نقد البلد) وإن تعدد،
سواء كان ناقصا عن الدراهم الشرعية أو زائدا، مغشوشا أو جيدا، ومع فرض عدم الغلبة
التي ينصرف الاطلاق إليها لم يصح البذل، لما عرفت من كون مثل ذلك جهالة
لا تؤول إلى العلم، ومثار النزاع، فلم تثبت شرعية التعاوض حتى في مثل معاوضة
المقام التي، هي وإن كانت كما عرفت لكن لا ريب في اشتراك حق المعاوضة بين
المتعاوضين، وليس هو من قبيل الوصية ونحوها مما يراد منه تحقق الامتثال،
فمع فرض التعدد الذي لا يتسامح فيه لا ترجيح لأحدهما على الآخر في ولاية
التعيين، (و) الرجوع إلى معين آخر من قرعة ونحوها مناف لقاعدة الشارع
فيما شرعه من المعاوضات المبنية على عدم احتياج أمر آخر غيرها في استحقاق كل
من عوضيها، كل ذلك مع الاطلاق أما (مع التعيين) فلا إشكال في الرجوع (إلى
ما عين) بينهما وإن كان غير الغالب كما هو واضح.
(و) على كل حال فقد ظهر لك أنه (لو خالعها على ألف ولم يذكر
المراد ولا قصده) ولا قرينة تصرف الاطلاق إليه (فسد الخلع) للجهالة المضرة
بالمعاوضة كما عرفت، أما لو قصدا معينا صح ولزمها، لوجود المقتضي وارتفاع
المانع، بل لا يبعد صحته في غيره من المعاوضات كالبيع وغيره للعمومات، خلافا
للمسالك وبعض من تبعها، بل أرسله إرسال المسلمات، وأبعد من ذلك احتماله
الفساد في المقام أيضا قياسا على غيره من المعاوضات، وقد عرفت الصحة في المقيس عليه
فضلا عن المقيس، لعدم الدليل على اشتراط ذكر العوض، بل ظاهر الأدلة خلافه.
21

بل لا يبعد الصحة في المقام لو كان القصد من أحدهما خاصة إلى معين
وقبل الآخر على ذلك القصد وإن كان مجهولا عنده، لما عرفت من عموم الأدلة
وإطلاقها السالمين عن قدح مثل هذه الجهالة في مثل هذه المعاوضة، بل أقصاه
كونه كبذل ما في الصندوق، نعم لا تجوز في البيع ونحوه مما يشترط فيه العلم
للمتعاقدين.
بل لا يبعد الصحة في المقام أيضا مع قصد المعين من كل منهما واتفقا في
اتحاد قصديهما على غير تواط، لعموم الأدلة وإطلاقها وإن كان لا يخلو من
تأمل.
(ولو كان الفداء مما لا يملكه المسلم) عالمين به (كالخمر) والخنزير
فسد البذل بلا إشكال ولا خلاف، لاشتراط المالية فيه، بل قيل: (فسد الخلع)
لفساد المعاوضة حينئذ (وقيل) والقائل الشيخ: (يكون) الطلاق (رجعيا)
لما عرفت من عدم اعتبار العوض في مفهومه، وأن إنشاء الطلاق مستقل وإن كان
الباعث له عليه البذل المزبور، إلا أن أقصاه عدم كونه بائنا، لفحوى ما تسمعه من
النصوص (1) المتضمنة لكون الطلاق رجعيا لو رجعت بالبذل.
(و) لكن قال المصنف: (هو حق إن أتبع بالطلاق، وإلا كان البطلان
أحق) ولعله لأنه مع الاقتصار على الخلع لا يتحقق صحة الطلاق مع فساد العوض،
لأن الخلع الذي يقوم مقام الطلاق أو هو الطلاق ليس إلا اللفظ الدال على الإبانة
بالعوض، فبدونه لا يكون خلعا، فلا يتحقق رفع الزوجية بائنا ولا رجعيا، وإنما
يتم إذا أتبعه بالطلاق ليكونا أمرين متغايرين لا يلزم من فساد أحدهما فساد الآخر
فيفسد حينئذ الخلع لفوات العوض، ويبقى الطلاق المتعقب له رجعيا لبطلان العوض
الموجب لكونه بائنا، وفي المسالك هو الأقوى.
وفيه (أولا) أن الشيخ قد عرفت أنه ممن يوجب اتباع الخلع الطلاق،

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة.
22

فلا وجه للتفصيل في كلامه. و (ثانيا) أن الطلاق المتبع به الخلع لا يراد به إلا
الطلاق بالعوض، وليس هو إنشاء مستقلا، وقد سمعت سابقا من المسالك أنه هو
المملك للعوض، وأن تقدم الخلع عليه قليل الفائدة، بل يمكن فرض مسألة
المقام في كون الخلع بلفظ " أنت طالق بكذا من الخمر " من دون سبق الخلع،
ولا وجه للصحة فيه رجعيا إلا بناء على ما ذكرناه من عدم المعاوضة في ذلك
حقيقة.
ومنه ينقدح وجه الصحة رجعيا لو كانت الصيغة بلفظ " خلعت " أيضا وإن
لم نجوز وقوع غير الطلاق بعوض بها، لما عرفت من كون الخلع طلاقا وإن كان
مورده خاصا، فتارة يصح وأخرى يبطل لفقد شرط من شرائطه، ولكنه لا يبطل
أصل الطلاق الحاصل به كما يومئ إليه ما تسمعه من النص (1) والفتوى في صيرورة
الطلاق رجعيا لو فسخت البذل ورجعت به، من غير فرق بين كون الخلع قد كان بلفظ
" خلعتك على كذا " وبين " أنت طالق بكذا " وما ذاك إلا لصحة وقوع الطلاق به
في مورده وإن لم يسلم بفسخ للبذل أو بفقد شرط من شرائطه، واحتمال الجمود على
خصوص مورد النص مناف لقاعدة الاستنباط المستفادة من فحاوي الأدلة المشار إليها
بقولهم عليهم السلام (2): " لا يكون الفقيه فقيها حتى تلحن له بالقول فيعرف ما تلحن
له " وغيره، هذا كله مع العلم.
(و) أما مع الجهل كما (لو خالعها على خل) بزعمهما (فبان خمرا
صح وكان له بقدره خلا) بلا خلاف أجده فيه، قيل: لأن تراضيهما على المقدار
من الجزئي المعين الذي يظنان كونه متمولا يقتضي الرضا بالكلي المنطبق عليه،
لأن الجزئي مستلزم له، فالرضا به مستلزم الرضا بالكلي، فإذا فات الجزئي لمانع
صلاحيته للملك بقي الكلي، ولأنه أقرب إلى المعقود عليه.

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) المستدرك الباب - 15 - من أبواب صفات القاضي الحديث 5 من كتاب القضاء
والبحار - ج 2 ص 137 ط الحديث.
23

بل في المسالك " لم ينقلوا هنا قولا بفساده، ولا وجوب قيمته عند مستحليه
كما ذكروه في المهر، مع أن الاحتمال قائم فيه، أما الأول فلفقد شرط صحته،
وهو كونه مملوكا، والجهل به لا يقتضي الصحة، كما لو تبين فقد شرط في بعض
أركان العقد، وأما الثاني فلأن قيمة الشئ أقرب إليه عند تعذره، ولأن المقصود
من المعين ماليته، فمع تعذرها يصار إلى القيمة، لأنه لا مثل له في شرع الاسلام
فكان كتعذر المثل في المثلي حيث يجب، فإنه ينتقل إلى قيمته - ثم قال -:
ولو ظهر مستحقا لغيره فالحكم فيه مع العلم والجهل كما فصل ".
قلت: كأن ذلك مؤيد لما ذكرناه من عدم المعاوضة حقيقة هنا، وإلا
كان مقتضاها الانتفاء من رأس بانتفاء العوض، كما هو واضح، ولكن لما كان
إنشاء الطلاق مستقلا أثر أثره، والفداء لم ينتف ذلك المعين عرفا بعد الاتيان
بقدره خلا.
بل يمكن دعوى ذلك فيما لو كان الفداء خنزيرا بزعم أنه بقر مثلا فبان
خنزيرا أبدل بما ينطبق عليه من البقر وصح، لأنه قسم من الفداء، والقيمة بعيدة
عن مماثلة المبذول فداء، كما هو واضح. ولا يرد ذلك في صورة العلم المنحلة إلى
عدم إرادة الفدائية حقيقة، لعلمهما بعدم صلاحيته فداء، اللهم إلا أن يفرض في
صورة الجهل بالحكم شرعا، وحينئذ يأتي احتمال مثله، وعلم أحدهما كاف في
فساد البذل إجراء لحكم المعاوضة، فتأمل جيدا.
(ولو خالع على حمل الدابة أو الجارية لم يصح) مع عدم وجوده، لعدم
كونه متمولا عرفا وشرعا، نعم قد يقال بصحة بذل الثمرة قبل وجودها للطمأنينة
بحصولها، وكونها مالا ولو شرعا بدليل جواز بيعها.
أما مع وجوده ففي المسالك كذلك أيضا للجهالة، بل لعله ظاهر المتن وغيره
أيضا، بل ظاهر المسالك انحصار المخالف في بعض العامة.
ولكن لا يخفى عليك أن المتجه الصحة بناء على ما ذكرناه واحتملها في
24

المسالك في المقام، ثم قال: " ومثله ما لو خالعها على ما في كفها، فإنه لا يصح عندنا،
سواء علم أن في كفها شيئا متمولا وجهل مقداره أو عينه أو لم يعلم، ومن أجاز
الأول صححه هنا مع العلم بوجود شئ في كفها يصلح للعوض، أو ظهوره وجوده
فيه، فإن لم يظهر فيه شئ ففي وجوب مهر المثل - كما لو ظهر فساد العوض - أو
وقوع الطلاق رجعيا أو لزوم ثلاثة دراهم، لأن المقبوض في الكف ثلاثة أصابع، وهي
ما عدا الابهام والمسبحة، فيجب قدره من النقد؟ أوجه، أبعدها الأخير ".
قلت: لا ريب في فساده، بل وفساد الأول، لعدم الدليل، كما أن الوجه
الصحة مع العلم بأن في كفها ما يصلح للبذل، لما عرفت، فلو فرض ظهور عدمه انقلب
الطلاق رجعيا على البحث السابق.
(ويصح بذل الفداء منها) بلا خلاف ولا إشكال، لأنه هو المنطبق على
نسبته إليها كتابا (1) وسنة (2) (و) كذا (من وكيلها) القائم مقامها بعموم
الوكالة وإطلاقها.
بل في المسالك في تفسير عبارة المتن (و) كذا (ممن يضمنه) في ذمته
(بإذنها) فيقول للزوج: " طلق زوجتك على مأة وعلي ضمانها " والفرق بينه
وبين الوكيل أن الوكيل يبذل من مالها بإذنها وهذا يبذل من ماله بإذنها ليرجع
عليها بما يبذله بعد ذلك، فهو في معنى الوكيل الذي يدفع العوض عن الموكل
من ماله ليرجع به عليه، فدفعه له بمنزلة إقراضه لها وإن كان بصورة الضمان،
قلت: هو جيد لو دفع عينا عنها، أما لو بذل كليا في ذمته فلا يتصور قرضه لها،
كما أنه لا يتصور شغل ذمته به للخالع وشغل ذمتها له بايقاع الخلع كما هو
واضح.
بل هو إن صح يكون من مسألة المتبرع التي ذكرها بقوله: (وهل يصح
من المتبرع) وإن كان العقد إيجابا وقبولا من الزوج والزوجة؟ (فيه تردد،

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(2) الوسائل الباب - 1 و 4 - من كتاب الخلع والمباراة.
25

والأشبه المنع) عند المصنف والشيخ وغيره من الأصحاب، بل في المسالك " لم
يعرف القائل بالجواز منا " قلت: لا لأن الخلع من عقود المعاوضة، فلا يجوز لزوم
العوض لغير صاحب المعوض - كالبيع لو قال: " بعتك كذا بمأة في ذمة فلان " -
لامكان الجواب عنه بما عرفت من عدم كون المقام منها، خصوصا والمعوض هنا فكها
من قيد النكاح، فهو من قبيل الصلح الاسقاطي الذي يصح وقوعه من المتبرع، بل
لأن المستفاد من الكتاب (1) والسنة (2) مشروعية الفدية منها ولو بواسطة وكيلها،
أما المتبرع فيبقى على أصل المنع، إذ قد عرفت أنه لا إطلاق ولا عموم يقتضي مشروعية
هذا القسم من طلاق الفدية المسمى بالخلع وطلاق العوض على وجه تجري عليه أحكامه،
من كونه طلاقا بائنا إلا مع رجوعها بالبذل وغيره من أحكامه، ومن هنا كان
فرض المقام على وجه الجعالة من الأجنبي خروجا عن البحث، ضرورة عدم جريان
أحكام الخلع على ذلك على فرض صحته.
ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بكون المقام من الفداء أو المعاوضة أو الطلاق
أو الفسخ، إذ على كل حال مبني المشروعية على الأدلة الخاصة التي لا شمول فيها
للأجنبي، بل ولا للضامن بإذنها على الوجه المزبور، فالمتجه منعه حينئذ إن لم
يكن إجماعا، إلا أن يرجع إلى الوكالة في القرض في صورة الدفع ونحوه مما يمكن
اجراؤه على القواعد الشرعية.
نعم قد يقال فيهما: إن الآية (3) وما شابهها من السنة (4) تقتضي جواز فدائها
نفسها بمال الغير مع الإذن على وجه لا رجوع به عليها، وربما ظهور اتفاقهم
فيما يأتي على جواز فداء الأمة نفسها بمال سيدها مع إذنه، بناء على مساواته
لذلك، إذ كونه سيدا لا يقتضي كونه وكيلا أو وليا، وكون البضع له لا ينافي كون
مشروعية الفداء بشئ يتبعها بعد العتق.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(2) الوسائل الباب - 1 و 4 - من كتاب الخلع والمباراة.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(4) الوسائل الباب - 1 و 4 - من كتاب الخلع والمباراة.
26

وبالجملة الفداء بمال الغير مع الإذن على وجه لا رجوع به عليها قد يقال بشمول
الآية وما شابهها من الرواية له، فإن كانت مسألة التبرع المجوز عنها من هذا القبيل
أشكل القول بعدم الجواز إن لم يكن إجماعا، فإن ما فرضناه متحقق فيه نسبة الفداء
إليها وإن لم يكن المال قد أبيح لها افتداؤها به كالأمة، وما في بعض النصوص (1)
من ذكر " مالها " لا يقتضي التقييد أو التخصيص، لعدم المعارضة، كما هو واضح،
فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فبناء على عدم جواز البذل من المتبرع لا وقع لكثير من الفروع
المذكورة هنا على بذل الأجنبي، مع أن بعضها لا يخلو من نظر، كدعوى جواز
رجوعه به دون المرأة التي لا تملكه، نعم لها الرجوع بالبذل من الضامن الذي يرجع
عليها، لكونه كمالها، بخلاف بذل المتبرع، إذ قد يناقش بامكان منع جواز رجوعه
به، لأصالة اللزوم بعد حرمة القياس على جواز رجوعها، وبامكان عدم جواز
رجوعها بالبذل من الضامن، إذ هو أيضا ليس مالا لها، فلا يشمله ما دل (2) على
جواز رجوعها بما بذلت الظاهر في غير الفرض بناء على ما عرفت.
ثم لا يخفى عليك أنه بناء على الصحة لا فرق بين تقد سؤاله وبين قول الزوج:
" هي طالق بألف في ذمتك " فيقبل بلا تراخ.
كما لا فرق بين كونه وكيلا عنها وعدمه، إذ له دفع البذل بعنوان التبرع
لا الوكالة التي على فرض إيقاعه بها يتجه مطالبة الزوج به لها مع التصريح بها وإلا
تعلق به الفداء ظاهرا ورجع به على الزوجة، لأنه في الواقع في ذمتها مع فرض الوكالة
كالمعاوضة، بل على فرض الجواز يجوز للأجنبي أن يوكل أجنبيا آخر على ذلك،
بل له توكيل الزوجة وإن تخيرت بين بذلها نفسها وبعنوان الوكالة عن الأجنبي، كما
لو كان هو وكيلا.
ولا ريب في أن قول الزوجة للأجنبي: " اسأل زوجي يطلقني بكذا " توكيل،

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة.
27

سواء قالت: " علي " أو لم تقل، أما قول الأجنبي لها: " سلي زوجك يطلقك على
كذا " فلا ظهور فيه في التوكيل، بل في المسالك " إن لم يقل: " علي " لم يكن
توكيلا فلو اختلعت كان المال عليها، وإن قال: " علي " كان توكيلا فإن أضافت
إليه أو نوته ثبت على الأجنبي، ولو قال أجنبي لأجنبي: " سل فلانا يطلق
زوجته بكذا " كقوله للزوجة: " سلي زوجك " فيفرق بين أن يقول: " على "
أو لا يقول ".
ولو اختلع الأجنبي وأضاف العقد إليها مصرحا بالوكالة ثم بان أنه كاذب لم
يقع البذل، وفي وقوعه طلاقا البحث السابق، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك إجراؤه على
القواعد العامة، هذا كله في بذل المتبرع من ماله.
(أما لو قال: " طلقها على ألف من مالها وعلي ضمانها " أو " على عبدها
هذا وعلي ضمانه " صح، فإن) رضيت بذلك فذاك وإن (لم ترض بدفع البذل صح
الخلع وضمن المتبرع) كما صرح به بعضهم (و) لكن (فيه تردد) بل منع،
لأن مرجعه ضمان الأجنبي أيضا الذي قد عرفت عدم ثبوت شرعيته، بل هو من ضمان
ما لم يجب، وورود صحة ضمان ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه لو قلنا به لا يقتضي
صحة الفرض بعد حرمة القياس عندنا، نعم المتجه في الفرض كونه من الفضولي الذي
يتوقف على إجازتها الكاشفة عن الصحة وقت البذل وعدمها، لما سمعته في بحث
الفضولي وأنه جار على الضوابط، وأما ضمانه ذلك فلا أثر له، اللهم إلا أن يكون
بعنوان الشرطية والتوسعة في أمر الفداء، لكن بعد البناء علي صحته من المتبرع،
فتأمل جيدا.
(ولو خالعت في مرض الموت صح وإن بذلت أكثر من الثلث وكان من
الأصل) لعموم (1) " الناس مسلطون على أموالهم " المقتصر في الخروج منها على
التبرعات المحضة، كالصدقة والهبة ونحوهما.
(وفيه قول) آخر بل في المسالك أنه المشهور بين الأصحاب والمعمول به

(1) البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.
28

بينهم وهو (أن الزائد عن مهر المثل من الثلث) لكونه كالمحاباة في المعاوضات
(وهو أشبه) عند المصنف بأصول المذهب وقواعده التي منها ما عرفت سابقا
من أن تصرف المريض مقصور على ثلث ماله حيث يكون متبرعا به، وكان مهر المثل
هو عوض البضع شرعا، كالقيمة في المتقومات، ومن ثمة لو تصرف فيه متصرف على
وجه يضمنه كوطء الشبهة والمكره يجب عليه مهر المثل، فبذلها فدية للطلاق
يتقدر نفوذها من الأصل بمهر المثل، لأن العائد إليها البضع، فيعتبر قيمته شرعا،
كما لو اشترت شيئا بثمن مثله فإن بذلت من ذلك كان مقدار مهر المثل من الأصل
والزائد من الثلث، كالمحاباة في المعاوضات، وحينئذ فلو كان مهر مثلها أربعين دينارا
مثلا فبذلت مأة ولم يكن عندها غيرها صح للزوج ستون: أربعون في مقابلة مهر
المثل، وعشرون بالمحاباة، هي ثلث باقي التركة، ويرجع إلى الورثة أربعون
ضعف ما نفذت فيه المحاباة.
وربما قيل: إن الجميع يعتبر من الثلث، لأن العائد إليها غير متمول بالنسبة
إلى الورثة، والحجر على المريض إنما هو لحق الورثة، وفي المسالك " هو قول موجه "
وفيه أن الخروج من الثلث مخالف للعمومات التي ينبغي الاقتصار في الخروج منها
على المتيقن الذي هو غير الفرض، بل يكفي الشك في بقائه على مقتضاها، بل لولا
الشهرة لكان الأول في غاية القوة، وإن قال في المسالك، " إنه قول نادر غير موجه "
ضرورة عدم صدق المحاباة فيه، لعدم مقدر عرفا وشرعا في البذل حتى يكون الزائد
عليه محاباة، وكون مهر المثل قيمة للبضع في بعض الأحوال لا يقتضي كونه قيمة
للبذل، لا أقل من الشك، فيبقى على العمومات هذا كله إذا لم تبرأ من مرضها،
ولو برئت لزم الجميع كسائر المنجزات.
وأما مرض الزوج فلا يؤثر في الخلع، بل يصح خلعه في مرض الموت وإن كان
بدون مهر المثل، لأن البضع لا يبقى للوارث، وإن لم يجر خلع فلا وجه للاعتبار
من الثلث، ولأنه لو طلقها بغير عوض في مرض الموت لا يعتبر فيه الوضع من الثلث،
فكذا إذا نقص عن مهر المثل، والله العالم.
29

(ولو كان الفداء إرضاع ولده) منها أو من غيرها أو حضانته (صح) عندنا
للعمومات (1) لكن (مشروطا بتعيين المدة) رفعا للجهالة القادحة في أصل المعاوضة
وإن كانت مثل المقام، نعم قد يقال بالاكتفاء بأوان فطامه للتسامح في مثل هذه
المعاوضات، ولعموم الأدلة التي عرفتها سابقا.
(وكذا) يصح (لو طلقها على نفقته) بعد الرضاع مثلا أو مضافة إليه،
لكن في المتن وغيره (بشرط تعيين القدر الذي يحتاج إليه من المأكل والكسوة
والمدة) بل في المسالك وغيرها يعتبر تعيين ما ينفق على كل يوم من الادام والطعام
والكسوة في كل فصل أو سنة، أو بضبط المؤونة في جملة السنة، ويوصف بالأوصاف
المشروطة في المسلم.
ولا يخفى عليك ما في ذلك بعد الإحاطة بما أسلفناه من العمومات التي مقتضاها
بعد ضبط المدة الاكتفاء بالمتعارف له أكلا وشربا وكسوة في كل فصل، كنفقة
الزوجة وغيرها، وحينئذ يسقط تفريع إن خرج زهيدا وفضل من المقدار شئ
فهو للزوج وإن كان رغيبا واحتاج إلى الزيادة فهو على أبيه إن كان الولد فقيرا.
(و) على كل حال ف‍ (- لو مات قبل المدة كان للمطلق استيفاء ما بقي،
فإن كن رضاعا رجع بأجرة مثله، وإن كان إنفاقا رجع بمثل ما كان يحتاج إليه في
تلك المدة مثلا أو قيمة) بناء على ما ذكرناه، وبالمقدر على ما ذكروه، لأن العوض
له، والولد إنما هو محل البذل، وعن العامة قول بانفساخ العقد، لتعذر الوصول إلى
ما عين عوضا، فهو كالخلع على عين خرجت مستحقة أو كعوض تلف قبل القبض، وهو
كما ترى. نعم يمكن القول بجواز الفداء إرضاعا ونفقة في المدة ما دام حيا على وجه
يسقط استحقاقه بموته، لعموم قوله تعالى (2) " فيما افتدت به " و " تراضيا عليه " (3)
وغيرهما من الأدلة السابقة.

(1) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(3) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 5.
30

(و) كيف كان ف‍ (- لا يجب عليها دفعه) أي العوض من الأجرة والنفقة
(دفعة) معجلا، لأن موت الولد لا مدخل له في حلول الدين (بل) إنما يجب
(إدرارا في المدة كما كان يستحق عليها لو بقي) للأصل وغيره، خلافا لما عن
العامة من القول بالحلول.
(ولو تلف العوض) المبذول (قبل القبض لم يبطل) الخلع بلا خلاف
ولا إشكال، للأصل والعمومات التي خرجنا عنها بالبيع لدليله، بل في المتن وغيره
أنه باق على (استحقاقه، ولزمها مثله أو قيمته إن لم يكن مثليا) بل ظاهر كشف
اللثام اتفاقنا عليه، نعم فيه للعامة قول بالانصراف إلى مهر المثل، واحتج له في المسالك
بعموم " على اليد " (1) قال: " ويدها أخذت العين ولم تؤدها إلى مالكها، فتكون ضامنة
لها - إلى أن قال -: ولا فرق في ذلك بين تلفه باختيارها أو بآفة من الله تعالى شأنه أو
باتلاف أجنبي، لكن في الثالث يتخير الزوج بين الرجوع عليها وعلى الأجنبي، فإن
رجع عليها رجعت على الأجنبي إن أتلفه على وجه مضمون ".
ولا يخفى عليك ما في التعليل المزبور، نعم قد يقال بعد الاتفاق ظاهرا على ذلك:
إن مقتضى المعاوضة وما شابهها وجوب التسليم، ولذا اعتبر في صحتها القدرة عليه، بل
ربما يظهر من بعض المحققين في كتاب الإجارة اقتضاء التلف قبل القبض الانفساخ
كالبيع، لفوات معنى المعاوضة التي مقتضاها تبديل ملك بملك ويد بيد، وإن كان
فيه ما لا يخفى، لكن لا ريب في اقتضائها وجوب التسليم المستصحب بقاؤه إلى ما بعد التلف
المعلوم قيام المثل أو القيمة معه، وهو معنى الضمان.
(ولو خالعها بعوض موصوف فإن وجد) الزوج (ما دفعته على الوصف)
المشترط فذاك (وإلا كان له رده والمطالبة بما وصف) الذي هو حقه، وله الرضا
بالمدفوع وفاء عن حقه مع التراضي منهما بلا خلاف ولا إشكال، وإن كان ما دفعته
معيبا تخير بين قبوله والمطالبة بأرشه وبين رده والمطالبة بفرد آخر كما تقدم ذلك
في السلم.

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 95 وكنز العمال ج 5 ص 327 الرقم 5713.
31

(ولو كان) ما خالعها عليه شيئا (معينا فبان معيبا رده) إن شاء
(وطالب بمثله أو قيمته، وإن شاء أمسك مع الأرش، وكذا لو خالعها على عبد على
أنه حبشي فبان زنجيا أو على ثوب على أنه نقي فبان أسمر) وعلله في المسالك بأن
فوات الجزء الموجب للعيب أو للوصف (1) كتبعيض الصفقة، فيتخير بين رده وأخذ
عوضه وبين إبقائه مع أرشه، ثم قال: " وهذا بخلاف البيع فإنه مع رده لا يرجع
إلى عوضه، بل يوجب انفساخ البيع، والفرق أن الطلاق المترتب على العوض قد وقع
قبل الرد، والأصل فيه اللزوم، وليس هو كغيره من عقود المعاوضات القابلة
للتفاسخ مطلقا، بل يقف فسخه على أمور خاصة بدليل خاص لا مطلقا، فلا
وسيلة إلا إلى تحصيل المطلوب من العوض بما ذكر " وكذا ذكر في تخلف الوصف
مع اتحاد الجنس.
إلا أنه كما ترى، ضرورة اقتضاء تسلطه على الرد فسخ الملك الحاصل بسبب
البذل ومقتضاه حينئذ عود الطلاق إلى الطلاق المجرد عن العوض - كما لو رجعت
هي بالبذل، وليس هذا فسخا للطلاق - لا المطالبة بالمثل أو القيمة المحتاجين إلى
مملك جديد، خصوصا في تخلف الوصف المسلط في باب البيع وغيره من المعاوضات
على الفسخ خاصة، ومن هنا قال في آخر كلامه: " وللنظر في هذه المطالب مجال
إن لم تكن إجماعية، إذ لا نص فيها، وإنما هي أحكام اجتهادية، ولو قيل في فوات
الوصف بتعين أخذه بالأرش كان حسنا ".
والذي أوقعه في هذا الاشكال هنا وغيره من المقامات بناؤه على أنها معاوضة
حقيقية، والمتجه على ذلك في تخلف الوصف الرد، وانقلاب الطلاق إلى المجرد عن
العوض، وفي العيب التخيير بين الرد - ويكون الحكم كذلك - وبين الأرش، بناء
على أن ذلك مقتضى قاعدة لا ضرر ولا ضرار في البيع وغيره من المعاوضات، نعم يتجه

(1) هكذا في النسخة الأصلية، وفي المسالك " فوات الجزء الموجب للعيب أو
الوصف... " وهو الصحيح.
32

كلامهم هنا بناء على ما ذكرناه من أنه لا معاوضة حقيقة أو اصطلاحية وإن كانت
معاوضة بالمعنى الأعم التي هي كالباعث والداعي، والمراد الفداء، ولا ريب في تحققه
عرفا بالمثل والقيمة في المعيب وتخلف الوصف، وبالأرش في المعيب، وتفاوت القيمة
في تخلف الوصف، بل لعل ذلك هو المتعارف في تدارك الفداء.
ومن ذلك يظهر الوجه في قول المصنف وغيره أيضا: (أما لو خالعها على
أنه) أي الثوب (إبريسم فبان كتانا صح الخلع، وله قيمة الإبريسم، وليس له
إمساك الكتان لاختلاف الجنس) وإن كان قد يناقش في خصوص المثال بأنه من
نحو تخلف الوصف بعد الاشتراك في الثوبية التي هي جنس لهما، كالاشتراك في
العبدية بالنسبة للزنجي والحبشي، إلا أنه يمكن التمثيل بما لو خالعها بمعين على
أنه ثوب مثلا فبان حيوانا مثلا، كان له المطالبة بالقيمة أو الثوبية، وليس له إمساك
الحيوان إلا مع التراضي بينهما، وبالجملة قد عرفت أن المدار على تدارك الفداء
مع فرض فواته بما يتدارك به عرفا، وهو معنى آخر غير معنى المعاوضة المصطلحة،
ومن هنا أثبتوا له أحكاما غير أحكام المعاوضة، كما نبهنا عليه غير مرة،
والله العالم.
(ولو دفعت ألفا وقالت: " طلقني بها متى شئت " لم يصح البذل) وإن قال
الزوج بعدها بلا فاصل: " أنت طالق عليها " لعدم إنشاء فعلي، إذ المفهوم من هذه
العبارة الاعلام بأنها باذلة ذلك، وليس هو إنشاء بذل نحو قول المشتري: " بعني
مالك هذا بدرهم متى شئت " ولو فرض دلالة القرينة على إرادة إنشاء بذل فعلي
لذلك وقال الزوج: " أنت طالق " لم يكن إشكال في الصحة.
واحتمال البطلان للفصل بين إنشائها وقوله بقولها: " متى شئت " لا ينبغي
أن يذكر، ضرورة عدم قدح مثل ذلك في فورية المعاوضات فضلا عن المقام.
بل ربما يرجع إلى ما ذكرنا ما يحكى من تعليل الشيخ البطلان بأنه سلف
في طلاق، وبأنه عوض على مجهول، أي للجهل بالطلاق الواقع، وإلا أمكن النظر
فيه بأن هذه الصيغة كما تناولت الطلاق الباطل مع التراخي تناولت الفوري بعد هذه
33

الصيغة، ولا يلزم من بطلان التراخي بطلان مدلولها أجمع، وليس هو حينئذ سلفا
في طلاق بعد فرض شمولها للحال، وكذا القول في كونه عوضا على مجهول، خصوصا
بعد عدم الدليل على البطلان بمثل هذه الجهالة.
ومن هنا عدل في المسالك إلى تعليل البطلان بأن المعتبر في البذل الصحيح
كونه في مقابلة الطلاق الواقع على الفور، فإذا جعلته في مقابلة الواقع مطلقا فكأنه
قد جعلته في مقابلة طلاق باطل، وإن كان هو كما ترى أيضا إن لم يرد ما ذكرناه،
وعلله في كشف اللثام بالتعليق المانع من القبول كالايجاب، ولعله يرجع إلى
ما قلناه أيضا.
(و) على كل حال ف‍ (- لو طلق كان رجعيا والألف لها) مع فرض
كون مورده كذلك، وإلا كان بائنا على البحث السابق وإن جاء به على الفور لما
عرفت.
(ولو خالع اثنتين) فصاعدا (بفدية واحدة صح) بلا خلاف أجده فيه،
وإن كان لولاه لأمكن المناقشة فيه بخروجه عن أدلة المشروعية التي لا إطلاق فيها
ولا عموم يشمل الفرض، وقد عرفت أنه على خلاف الأصل، اللهم إلا أن يدعى
معلومية إلغاء الوحدة التي هي مورد تلك الأدلة، كما ألغيت في أصل الطلاق الذي
من أدلته ما عرفت من الحصر بقول: " أنت طالق " بل قد يدعى صدق " افتدت " (1)
على كل واحد منهما.
(و) على كل حال (كانت) الفدية المبذولة (بينهما بالسوية) كما عن
الشيخ والأكثر، لظهور أمثال ذلك فيها، ولا يقدح الجهل بالتقسيط كما لا يقدح
في غير المقام من المعاوضات المعتبر فيها المعلومية فضلا عن المقام.
وربما احتمل كون التقسيط على مهر المثل الذي هو الملحوظ في قيمة البضع
وعن القاضي أن التقسيط على المسمى في النكاح، ولعله يريد مهر المثل الذي قد يؤيد

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
34

التقسيط عليه أنه المتعارف في قيمة البضع، مع منع ظهور العبارة في التسوية، على
أن التقسيط في البيع ونحوه إنما هو لكون المبيع المجموع الذي يتقسط الثمن عليه
بحسب قيمة المبيع، ولو أن العبارة ظاهرة في التسوية لكان من الواجب الحكم بها لو
كان المبيع لشخصين وإن اختلفت قيمة أحدهما، كما أنه لو كان المختلع في المقام
المجموع على حسب البيع لم يصح خلع أحدهما خاصة عند قولهما أو قول وكيلهما:
" اخلعهما بألف " كما تسمعه، إذ ليس ذاك إلا لكون كل منهما مقصودة بنفسها
لا منضمة مع الأخرى، على أن المسألة في كلامهم مطلقة على وجه يشمل فرضها
مع عدم قصد التسوية من الخالع والباذل، ودعوى أن الأصل في خلع المتعدد التسوية
ممنوعة فليس حينئذ إلا التوزيع على نسبة مهر المثل، فتأمل جيدا، وكذا الكلام
فيما لو ابتدأهما بطلاقهما على ألف وقبلا (قبلتا ظ) على الفور.
(ولو قالتا طلقنا بألف فطلق واحدة كان له النصف) بناء على التسوية،
وما يقتضيه التوزيع على مهر المثل أو المسمى لها في النكاح على القولين الآخرين،
ولا يقدح في الصحة اختلاف السؤال والايقاع، لأن كل واحدة مقصودة بنفسها منفردة،
كما لو قال رجلان: " رد عبدينا بكذا " فرد أحدهما دون الآخر، وربما احتمل
في المقام إرادة كل واحدة منهما طلاقهما معا، فيختلف السؤال والايقاع حينئذ،
ولعله لذا استشكل في محكي التحرير في ثبوت النصف، لكنه في غير محله، كما أن
فرق بعضهم بين الصورة المزبورة وبين ما لو ابتدأهما فقال: " خالعتكما بألف " فقبلت
إحداهما خاصة - لأن القبول لم يوافق الجواب، كما لو قال: " بعتكما هذا العبد
بألف " فقال أحدهما: " قبلت " - كذلك أيضا، ضرورة ظهور كون كل منهما
مقصودة بنفسها في المقام بخلاف المثال الظاهر في عدمه، وإلا لجاء الاحتمال في
الصورة الأولى.
(و) كيف كان ف‍ (- لو عقب بطلاق الأخرى كان رجعيا) إن كان مورده
كذلك (ولا عوض له لتأخر الجواب عن الاستدعاء المقتضي للتجعيل) الذي قد
عرفت اعتباره.
35

(ولو خالعها على عين فبانت مستحقة قيل) والقائل الشيخ وتبعه غيره:
(يبطل الخلع) الذي هو معاوضة، لبطلان أحد العوضين، لكن قد عرفت المناقشة
في ذلك غير مرة (و) من هنا قال المصنف: (لو قيل يصح) الخلع (ويكون له
القيمة أو المثل إن كانت مثليا كان حسنا) لكون ذلك هو المتعارف في تدارك الفدائية،
وأولى من تداركه بمثل العين على نحو الفداء في الاحرام.
وظاهر قول المصنف: " فبانت " أن مفروض المسألة الجهل لا مع العلم الذي
ينحل إلى عدم إرادة الخلع عليه، للعلم بعدم سلامته كما تقدم الكلام فيه سابقا،
وإن كان قد يناقش فيه بأن العلم بكونه مستحقا لا ينافي قصد الخلع عليه كباقي المعاوضة،
نعم هو مؤيد لما ذكرناه من أنه لا معاوضة في القصد، وإنما هو من الباعث وإن
أعطى بعض أحكام المعاوضة لاجماع إن كان أو غيره، وقد تقدم سابقا بعض الكلام
فيما لو كان الفداء الخمر، وظاهر ثاني الشهيدين هنا أن حكم المغصوب حكمه في
حالي الجهل والعلم، ولكن جزم في المقام بالفساد، كما أن المصنف قد جزم هناك
بالصحة فيما لو خالعها على خل فبان خمرا بخلاف المقام، وقد يتخيل الفرق بين
المقامين، لكنه غير تام، والتحقيق ما عرفت.
(ويصح البذل من الأمة) بلا خلاف أجده فيه، بل لعله إجماع، ولولاه
لأمكن المناقشة - في أصل جواز ذلك منها على أن تتبع به بعد العتق - بأنه مناف
لما دل على عدم قدرة العبد على شئ (1) خصوصا المعاوضات، والضمان بالاتلاف
ليس قدرة منه على شئ، ولا يوجب وجود ذمة له على وجه يصح منه إيجاد شئ
فيها، كما تقدم نظير ذلك في الضمان، ومن السيد بما عرفت من كونه كالفداء من
المتبرع في عدم تناوله أدلة المشروعية إلا على الوجه الذي ذكرناه وأيدناه
بكلامهم في المقام.
وعلى كل حال (فلو أذن) لها (مولاها) بالافتداء (انصرف الاطلاق

(1) سورة النحل: 16 - الآية 75.
36

إلى الافتداء بمهر المثل) كانصراف إطلاق الأمر بالشراء إلى قيمة المثل، ويكون
في ذمة السيد لا في كسبها إن كانت ذات كسب، ولا في خصوص ما في يدها من مال السيد،
كما تقدم تحقيق ذلك في محله.
(ولو بذلت زيادة عنه قيل: يصح) الخلع (و) لكن (تكون) الزيادة
(لازمة لذمتها تتبع بها بعد العتق واليسار) وأما مقدار مهر المثل فعلى السيد
للإذن، ولكن قد يناقش بمنع حصول الإذن بمهر المثل في الفرض، لظهور إذنه بكونه
الفدية لا بعضها، ولعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه، لأن المتجه
حينئذ كون الجميع في ذمتها، وذلك لأنه لا خلاف (و) لا إشكال عندهم في أنها
(تتبع بأصل البذل مع عدم الإذن) بعد العتق واليسار، وهذا منه، فتأمل جيدا.
(ولو بذلت عينا) من أعيان سيدها (فأجاز المولى صح الخلع والبذل)
كما لو أذن ابتداء (وإلا صح الخلع دون البذل، ولزمها قيمته أو مثله تتبع به
بعد العتق) واليسار، لكونه حينئذ كما لو ظهر مستحقا، وهو مؤيد لما قلناه من
أن المقام ليس من المعاوضات وإلا كان المتجه الفساد لعدم الإجازة.
وظاهر المصنف وغيره هنا عدم الفرق بين علمه بالحال وجهله، وهو كذلك لما
عرفت من إمكان تدارك الفدائية بالابدال، كما ذكرناه غير مرة.
ولو بذل سيدها رقبتها ففي صحة الخلع والالتزام بالمثل أو القيمة أو بطلان
الخلع وجهان، اختار ثانيهما في المسالك، وأما احتمال الصحة فلم أجد من احتمله،
ولعله لمنافاة الطلاق والملكية اللذين هما أثر الخلع على وجه لا يتحد زمانهما،
مثل الزوجية والملكية فيما لو تزوجها في أن شراء وكيله لها مثلا بخلاف شراء
الزوجة المسبب للملك المزيل للزوجية.
ونحوه بذل رقبة زوجته في خلع زوجته الأخرى، فإنه جائز، ولكن بناء
على ما ذكرنا من عدم المعاوضة في المقام وعدم التقييد في قصد الطلاق يتجه حينئذ
الصحة والالتزام بتدارك الفداء لا البطلان، كما سمعته في نظائره، إذ أقصاه تعذر
37

الفداء، فيتدارك بما عرفت.
(و) كيف كان ف‍ (- يصح) ال‍ (- بذل) من (المكاتبة المطلقة) ولو
من المال الذي في يدها (ولا اعتراض للمولى) عليها بلا خلاف أجده، نعم أشكله
في المسالك وتبعه غيره بما يأتي في بحث المكاتبة من عدم جواز التصرف المنافي للاكتساب
ومسوغ فيه، من غير فرق بين المكاتب المطلق والمشروط.
ويدفعه بعد تسلميه أنه يمكن فرض المقام كذلك ولو بإرادة التكسب بالعقد
المنقطع مثلا وفرضه أيضا بأن المبذول مهر المثل فأقل بناء على عدم جواز تكسبها
بالأزيد، إذ المراد أن المكاتبة غير الأمة بالنسبة إلى ذلك، فمن الغريب قوله بعد
ذلك: " ولو قيل بأن اختلاع المكاتبة مطلقا كاختلاع الأمة كان وجها، لكن
لا أعلم به قائلا من أصحابنا، فينبغي التوقف إلى أن يظهر الحال أو وجه الفرق
الذي ادعوه " ضرورة كفاية ما ذكرناه فرقا.
نعم قد يناقش فيما جعله واضحا - من قوله: (وأما المشروطة فكالقن)
معللا بأنها لا تخلص من محض الرق إلا بأداء جميع المال، فهي قبله بحكم القن -
بأن ذلك إذا كان منها للتكسب على الوجه الذي فرضناه يتجه جوازه أيضا وستعرف
تحقيق الحال في ذلك في بحث المكاتبة إنشاء الله.
38

(النظر الثالث)
(في الشرائط)
(و) لا خلاف كما لا إشكال في أنه (يعتبر في الخالع شروط أربعة:
البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد) سواء قلنا بأنه طلاق أو فسخ (ف‍) - إنه
على كل حال (لا يقع من الصغر والجنون) اللذين قد عرفت الاجماع على سلب
عبارة معهما في مثل ذلك (و) كذا (لا) يقع (مع الاكراه) الذي
قد عرفت تحقيق الحال فيه في البيع، بل وفي الطلاق وفي الفروع المتعلقة به. (ولا
مع السكر ولا مع الغضب الرافع للقصد) كغيره من الايقاع والمعاوضة، ولا مع الغفلة
والسهو والعبث ونحو ذلك مما سمعته في الطلاق الذي قد مر البحث في ذلك فيه
وفي الرجوع إليه بدعوى عدم القصد وغيره من المباحث، كدعوى الاكراه ونحوه،
فلاحظ وتأمل.
(ولو خالع ولي الطفل بعوض صح إن لم يكن طلاقا) مع المصلحة أو
مع عدم المفسدة (وبطل مع القول بكونه طلاقا) لما عرفته سابقا من عدم صحته
من ولي الطفل، بل قد يقال بعدم صحته منه وإن لم نقل: إنه طلاق، باعتبار النصوص (1)
التي إن لم نقل أنها لبيان فرديته فلا ريب في أن المراد منها تنزيله منزلته، فيثبت
له أحكامه الظاهرة بناء على أن ذلك منها على وجه يشمله إطلاق المنزلة، ولكن
قد عرفت أنه من أفراده وإن لم يندرج في تعريفه المعتبر فيه صيغة " أنت طالق "
المنزل على أنه للطلاق المقابل للخلع لا له بالمعنى الأعم الشامل له، وحينئذ

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة.
39

فكان شرط يثبت للطلاق يثبت له، ويزيد بما ستعرفه من اعتبار الكراهة.
(و) كيف كان ف‍ (- يعتبر في المختلعة) البلوغ والعقل في محكي المبسوط
والجامع، واختاره في كشف اللثام، لانتفاء الكراهة منها، وعن التحرير لأنه لاحظ
لها في إسقاط مالها، وفيه ما لا يخفى، وفي صريح القواعد ومحكي النهاية الجواز،
والظاهر فرضه في حال تحقق الكراهة منهما، ضرورة عدم منافاة حصولها للصغيرة
المميز والمجنون الذي يمكن فرض سبق الكراهة منه في حال العقل ثم استمرت إلى
حال الجنون، ودعوى عدم اعتبار كراهتهما يدفعها أنه لا دليل على العدم، بل ظاهر
الأدلة الشرطية التي هي من أحكام الوضع الشاملة للمكلف وغيره، كالضمان والحدث
ونحوهما، ولعل ذلك هو الظاهر من المصنف، حيث لم يذكرهما في الشرائط،
وقد عثرنا على نسخة لكشف اللثام قد غير فيها ما حكيناه عنه أولا، قال: " وهو الوجه
في صغيرة لا يتصور الكراهة منها " وهذا منطبق على ما ذكرناه.
وعلى كل حال فقد ذكر هو وغيره بل لا أجد فيه خلافا بل الاجماع بقسميه
عليه أنه لا بد (يعتبر خ ل) في المختلعة (أن تكون طاهرا طهرا لم يجامعها فيه إذا
كانت مدخولا بها غير) صغيرة ولا (يائسة وكان حاضرا معها) على حسب ما
سمعته في الطلاق الذي قد عرفت كون الخلع فردا منه، فكل ما دل على اشتراطه
فيه يشترط في الخلع، مضافا إلى قول الصادق عليه السلام في خبر حمران (1): " لا يكون
خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع وشاهدين يعرفان
الرجل ويريان المرأة ويحضران التخيير وإقرار المرأة أنها على طهر من غير جماع
يوم خيرها " وقول الباقر (2) عليه السلام: " لا طلاق ولا خلع ولا مباراة ولا خيار إلا على طهر
من غير جماع " وغيرهما من النصوص (3) الدالة على اعتبار ذلك فيه.
ولعله لذا كان المحكي عن الخلاف الاتفاق على اعتبار ذلك فيه، سواء قلنا:
إنه طلاق أو فسخ، ولعله كذلك، نعم عن المراسم " وشروط الخلع والمباراة شروط

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 3 - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 3 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 3 - 0 -.
40

الطلاق إلا أنهما يقعان على كل زوجة " وهو يعطي وقوعهما في الحيض وطهر
المواقعة كما في كشف اللثام، لكن عن ابن إدريس يريد أنه بائن لا رجعة مع واحد
منهما، سواء كان مصاحبا للطلقة الأولى أو الثانية، قال: " لأنه لما عدد البوائن
ذكر ذلك، فالمعنى أنهما يبينان كل زوجة " وفي كشف اللثام " حكي عن الراوندي
أنه أراد المتمتع بها - وقال -: وهذا خطأ محض، لأن المباراة لا بد فيها من
طلاق، والمتمتع بها لا يقع بها طلاق ".
(و) كذا يعتبر في الخلع (أن تكون الكراهية من المرأة) خاصة
لا منه وحده، فلا يجوز أخذ العوض، ولا منهما فيكون مباراة، ولا خلاف في
أصل اشتراط الكراهية، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى استفاضة النصوص (1)
أو تواترها في ذلك.
إنما الكلام في الاكتفاء بمطلق الكراهة، كما هو ظاهر المصنف وغيره من
المتأخرين، بل هو ظاهر الآية (2) التي جعل المدار فيها على خوف عدم إقامة
حدود الله تعالى شأنه، ولا ريب في تحققه معها، أو أن المعتبر اسماع معاني الأقوال
المذكورة في النصوص (3) كما هو المحكي عن الشيخ وغيره من المتقدمين، بل عن
ابن إدريس " أن إجماع أصحابنا منعقد على أنه لا يجوز الخلع إلا بعد أن يسمع منها
ما لا يحل ذكره من قولها: " لا أغتسل لك عن جنابة، ولا أقيم لك حدا، ولأوطئن
فراشك من تكرهه " أو يعلم ذلك منها فعلا ".
والأصل في ذلك قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (4): " المختلعة لا يحل
خلعها حتى تقول لزوجها لا أبر لك قسما، ولا أطيع لك أمرا، ولا أغتسل

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3 وذكر ذيله في
الباب - 3 - منه الحديث 2.
41

لك من جنابة، ولأوطئن فراشك من تكره، ولآذنن عليك من تكرهه بغير إذنك،
وقد كان الناس يرخصون فيما دون هذا، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حل له
ما أخذ منها - إلى أن قال -: يكون الكلام من عندها " وقوله عليه السلام في حسن ابن
مسلم (1): " لا يحل له أن يأخذ منها شيئا حتى تقول: والله لا أبر لك قسما،
ولا أطيع لك أمرا، ولآذنن في بيتك بغير إذنك، ولأوطئن فراشك غيرك، فإذا فعلت
ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها " إلى آخره، ومضمر سماعة (2)
" سألته عن المختلعة، فقال: لا يحل لزوجها أن يختلعها حتى تقول: لا أبر لك قسما،
ولا أقيم حدود الله فيك، ولا أغتسل لك من جنابة، ولأوطئن فراشك، ولأدخلن
بيتك من تكرهه من غير أن تعلم هذا، ولا يتكلمون هم، وتكون هي التي تقول
ذلك، فإذا هي اختلعت فهي بائن، وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه " إلى غير ذلك
من النصوص التي ظاهرها ذلك، مؤيدا بأصالة عدم الصحة بدونه.
لكن قول الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3): " إذا قالت المرأة لزوجها
جملة: لا أطيع لك أمرا مفسرا وغير مفسر حل له أن يأخذ منها، وليس له عليها
رجعة " وخبر سماعة (4) قال للصادق عليه السلام: " لا يجوز للرجل أن يأخذ من المختلعة
حتى تتكلم بهذا الكلام كله، فقال: إذا قالت: لا أطيع الله فيك حل له أن يأخذ منها
ما وجد " شاهدا عدل على عدم اعتبار تلك الأقوال، مضافا إلى اختلافها في تلك
الألفاظ والاجماع في الرياض، بل قضية جميلة (5) المتقدمة التي هي الأصل في نزول
آية الخلع (6) خالية من ذكر الأقوال المزبورة.

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 5 ذكر ذيله في
الباب - 4 - منه الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 1 - 2.
(5) سنن البيهقي ج 7 ص 313.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
42

بل يقوى في النظر من ذلك كله أن المدار على الكراهة، إلا أنها لما كانت
لا تعلم غالبا إلا بالقول أو الفعل - بل الأخير منهما لا دلالة فيه غالبا إلا بأن
تفعل المخالفة لزوجها - فلم يبق إلا القول الدال على ذلك، كما قالت جميلة زوجة
ثابت (1) وإلا فالمدار على المدلول دون الدال، ومن هنا اكتفى المصنف ومن
تأخر عنه - بل في كشف اللثام نسبته إلى الأصحاب - بالكراهة منها، سواء علم
ذلك من قولها أو فعلها أو غيرها، لأن بها يتحقق خوف عدم إقامة حدود الله
تعالى فيما بينهما.
ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في الرياض من عدم الاكتفاء بالكراهة وإن
وافق على عدم اعتبار العبارات المخصوصة، لكن قال: " لا بد من الوصول إلى هذا
الحد الذي في النصوص، وهو تعديها في الكلام بما يدل على خوف وقوعها مع عدم
الطلاق في الحرام " بل قال: لا وجه لاطلاق المتن وغيره الاكتفاء بالكراهة محتجا
بظاهر النصوص المزبورة قال: " بل ربما دل بعضها على أن الاكتفاء بأقل من ذلك
قول العامة " إلا أنه كما ترى حتى ما ذكره أخيرا، فإن قوله عليه السلام في حسن
الحلبي (2): " وقد كان الناس " إلى آخره ليس إشارة إلى العامة، وإنما المراد
حكاية فعل الناس، وأنهم يرخصون بأقل من هذا الكلام المنفر لكل أحد،
بل مقتضاه فساد الخلع من النساء التي تختلع في عصرنا هذا وما قاربه بمحض
من أعاظم علمائه.
وأغرب منه ما حكاه في الحدائق عمن عاصره من مشائخ بلاد البحرين من اعتبار
الكراهة الذاتية، قال: " وقد حضرنا في غير موضع مجلس الخلع، وكان لا يوقعونه
إلا بعد تحقيق الحال ومزيد الفحص والسؤال في ثبوت الكراهة الذاتية، وعدم الكراهة
العارضة، والسعي في قطع الأسباب الموجبة للكراهة التي تدعيها المرأة، ليعلم

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 313.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3.
43

كونها ذاتية غير عارضية، فإذا تحقق ذلك وعلموا أنه لا يمكن رفعها بوجه من
الوجوه أوقعوا الخلع بها " وهو من الغرائب التي لا يساعد عليها كتاب ولا سنة ولا
فتاوى أصحاب لا في المقام ولا في غيره، بل كلامهم في باب الشقاق بين الزوجين صريح
في خلافه، والله الهادي إلى الصواب.
كما أن كلام المتأخرين مثل المصنف وغيره ظاهر أو صريح في عدم خلاف
في المسألة حملا لكلام المتقدمين الذي منه ما سمعته من ابن إدريس على إرادة تحقق
الكراهة منها، لا ما فهمه في الرياض من أنه لا بد معها من التعدي في الكلام على وجه
يخاف وقوعها مع عدم الطلاق في الحرام.
بل في الحدائق " لم يشترط أحد فيما أعلم ممن تقدم أو تأخر البلوغ إلى
هذا الحد المستفاد من هذه الأخبار وتوقف الخلع على كلامها بشئ من هذه العبارات "
ولعله كذلك، ضرورة استبعاد دعوى اشتراط الاسماع المزبور تعبدا بحيث لا تجزئ
الكراهة المتحققة التي يخاف معها من أمثال ذلك، بل يمكن دعوى القطع بعدمه
خصوصا بعد ما سمعته (1) من بعض عبارات الأصحاب في المسألة الآتية.
وفرض حصول الكراهة مع الأمن من هذه الأحوال في امرأة لقوة دينها - كما
يحكى عن امرأة كانت تحت شخص قد تمرض مرضا شديدا فبالغت في خدمته،
فلما برئ أراد جزاءها على ذلك، فقال لها: اقترحي علي جزاء، فقالت له:
اسكت عن هذا الكلام، ثم ألح عليها، فأجابته بأني أريد منك جزائي طلاقي،
لأني كارهة لك من أول الأمر، ولكن فعلت ما فعلت خشية من الله تعالى شأنه في
التقصير في حقك - مع أنه في غاية البعد - ولذا طلبت المرأة المزبورة أن يكون جزاءها
طلاقها مخافة الوقوع في المحرم عليها من ترك حقوق الزوجية - يمكن أن يقال:
إن الشارع اكتفى بالكراهة التي من شأنها وقوع مثل ذلك، فلا ينافي تخلفها في
بعض الأفراد النادرة، كما أنه لا يكتفي بالمخالفة والتقصير في حقوق الزوج مع عدم
كونه عن كراهة، ولكن لضعف دين أو غيره، فتنقح من ذلك كله أن اعتبار

(1) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة وفي المسودة " تسمعه " وهو الصحيح.
44

المتأخرين مطلق الكراهة في محله، ولعله مراد المتقدمين أيضا، بقرينة عدم ذكر الخلاف في المسألة، وحينئذ تكون الكلمة متفقة على ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (- لو قالت: لأدخلن عليك من تكره لم يجب
خلعها) للأصل، وظاهر نفي الجناح والحل في الكتاب (1) والسنة (2) (بل) لا دليل
في شئ منهما على استحبابه وإن قال المصنف وغيره (يستحب) إلا أنه -
للتسامح فيه - يمكن أن يكون وجهه الخروج من شبهة الخلاف (و) لما أرسله
في المتن من أن (فيه رواية بالوجوب) وإن كنا لم نقف عليها كما اعترف به
غيرنا أيضا، إلا أنه لا ينافي ذلك الاستدلال على الندب المتسامح فيه بها.
ومن ذلك يظهر لك ضعف المحكي عن الشيخ والقاضي وجماعة من القول
بالوجوب إذا قالت ذلك أو خيف عليها الوقوع في المعصية، استنادا إلى أن ذلك
منكر منها والنهي عن المنكر واجب، وإنما يتم الخلع.
ورده في المسالك وتبعه عليه غيره بمنع انحصار النهي في الخلع، بل تأديه
بالطلاق المجرد من البذل أقرب إليه وأنسب بمقام الغيرة والنخوة من مراجعتها على
بذل المال الحقير.
وفيه (أولا) منع كون القول نفسه من دون تعقبه بفعل منها منكرا.
و (ثانيا) منع وجوب الفراق عليه فضلا عن الخلع وإن أصرت هي على فعل الحرام،
إذ الواجب من النهي عن المنكر القول أو الفعل الذي لا يستلزم فوات حقه، وإلا
لوجب عليه تحرير العبد المصر على ترك طاعة سيده، وهو معلوم البطلان إذ
لا يجب على الغير رفع يده من ماله أو حقه مقدمة لخلاص الآخر عن الحرام القادر
على تركه بدون ذلك.
هذا وظاهر القواعد بل والمتن والنافع اختصاص الخلاف في ذلك فيما لو

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
45

قالت القول المزبور، والمحكي عن الشيخ " وإنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها
إني لا أطيع لك أمرا، ولا أقيم لك حدا، ولا أغتسل لك من جنابة، ولأوطئن
فراشك من تكرهه إن لم تطلقني، فمتى سمع منها هذا القول أو علم من حالها
عصيانه في شئ من ذلك وإن لم تنطق به وجب عليه خلعها ".
وعن ابن إدريس حمله على تأكد الاستحباب قال: " وإلا فهو مخير بين
خلعها وطلاقها وإن سمع منها ما سمع بغير خلاف، لأن الطلاق بيده، ولا أحد
يجبره على ذلك ".
وعن ابن زهرة " وأما الخلع فيكون مع كراهة الزوجة خاصة، وهو مخير
في فراقها إذا دعته إليه حتى تقول له: لئن لم تفعل لأعصين الله بترك طاعتك،
ولأوطئن فراشك غيرك، أو يعلم منها العصيان في شئ من ذلك، فيجب والحال هذه
طلاقها ".
وعن ابن حمزة " وما يوجب الخلع أربعة أشياء: قول من المرأة أو حكمه،
فالقول أن تقول: أنا لا أطيع لك أمرا، ولا أقيم لك حدا، ولا أغتسل لك من
جنابة، ولأوطئن فراشك من تكرهه، والحكم أن يعرف ذلك من حالها " والأمر
في ذلك سهل بعد ضعف القول المزبور على كل حال.
(ويصح خلع الحامل مع رؤية الدم كما يصح طلاقها ولو قيل إنها
تحيض) لأنها إحدى الخمس التي يطلقن على كل حال، وقد عرفت أن الخلع
طلاق أو كالطلاق في الأحكام، مضافا إلى خبر زرارة ومحمد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" الخلع تطليقة بائنة وليس فيه رجعة، قال زرارة: لا يكون إلا على مثل موضع
الطلاق، إما طاهرا وإما حاملا بشهود " فما عن بعض الأصحاب - من أنها إن حاضت
لم يجز خلعها وإن جاز طلاقها - واضح الضعف وإن قيل: إنه مبني على كونه فسخا
مع عموم ما سمعته من الخبرين (2) لكنه كما ترى.

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3 و 4.
46

(وكذا التي لم يدخل بها ولو كانت حائضا، وتخلع اليائسة وأن وطأها
في طهر المخالعة).
(ويعتبر في العقد حضور) أي شهادة (شاهدين دفعة) بمعنى سماعها
صيغة العقد على نحو ما سمعته في الطلاق الذي قد عرفت أن الخلع بايجابه وقبوله
فرد منه، بل إن لم نقل أنه فرد منه يعتبر فيه ذلك لاطلاق المنزلة، والنصوص (1)
الخاصة التي مر عليك بعضها، فلا إشكال في المسألة (و) حينئذ ف‍ (- لو افترقا لم يقع)
لكن في المسالك " واعلم أن إثبات هذا المطلوب من النصوص على القول بكونه فسخا
لا يخلو من إشكال، ولعل الاستناد إلى الاجماع أسهل " وفيه ما لا يخفى.
(و) يعتبر فيه أيضا (تجريده عن شرط) يقتضي تعليقه، للأدلة التي
سمعتها في الطلاق وغيره، فما في المسالك من أن دليله غير صالح، وعموم الأدلة
على مشروعيته يتناول المشروط، وورود النص (2) بجواز تعليق الظهار على
الشرط يؤنس كونه غير مناف للصحة في الجملة قد عرفت ما فيه في الطلاق، فلا
حاجة إلى إعادته، وكفى بالاجماع المحقق هنا دليلا.
(ويصح الخلع من المحجور عليه لتبذير أو فلس) بلا خلاف بل ولا
إشكال، لاطلاق الأدلة وعمومها السالمة عن معارضة الحجر الذي، لا ينافي ذلك،
سواء أذن الولي أم لم يأذن، وسواء كان العوض بقدر مهر المثل أو دونه، فإن ذلك
لا يزيد على الطلاق مجانا الذي هو نافذ منهما، لعدم منافاته للحجر في المال،
فما عساه يظهر من قواعد الفاضل - من اعتبار كون المبذول عوض المثل، وعن
التذكرة التردد في ذلك - في غير محله، لعدم الدليل على الحجر عليه في ذلك،
بل ظاهر الأدلة خلافه.
نعم لا يجوز للمرأة تسليم المال إلى السفيه، بل تسلمه إلى الولي، فإن سلمته
إلى السفيه وكان الخلع على عين أخذه الولي من يده، فإن تلفت في يد السفيه قبل

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار.
47

علم الولي بالحال ففي المسالك وغيرها " رجع على المختلعة بمثلها أو قيمتها، لحصول
التلف قبل قبض المستحق للقبض، ولو علم وتركها في يده حتى تلفت مع تمكنه
من قبضها ففي ضمان الولي أو الدافع وجهان، أجودهما الثاني وإن أثم الولي
بتركها في يده.
وإن كان الخلع على دين رجع الولي على المختلعة بمثله، لأنه لم يجر قبض
صحيح تحصل به البراءة، وتسترد المختلعة من السفيه ما سلمته إليه، فإن تلف قبل
رده ففي ضمانه له وجهان تقدما في بابه، ولا ضمان هنا على الولي وإن أمكنه انتزاعه
منه بغير إشكال، لأنه ليس عين الحق. هذا كله إذا كان التسليم إلى السفيه بغير
إذن الولي، فإن كان بإذنه ففي الاعتداد به وجهان: من أنه تسليم مأذون فيه ممن
له الولاية فكان مبرئا، ومن الشك في نفوذ مثل هذا الإذن إذ ليس للولي أن يفوض
إلى السفيه الأمر في ماله إلا أن يفرض مراعاته له بحيث لا يخرج عن يده، فيتجه
البراءة، وهذا التفصيل حسن، وأطلق في القواعد البراءة مع إذنه، ولا يخلو من
إشكال ".
قلت: قد تقدم تحقيق الحال في تصرفات السفيه في بابه، لكن المتجه هنا ضمان
السفيه ما دفعته إليه، إذ ليس هو كالمجنون الذي يكون الدافع إليه أقوى في الاتلاف،
لأنه عاقل، وقد دفع إليه المال على وجه مخصوص لا مجانا، فلا ريب في أنه
أقوى من السبب، ومن هنا كان المحكي عن التذكرة نفي البأس عن التضمين مطلقا بعد
فك الحجر عنه.
وحينئذ فما في القواعد نحو ما سمعته من المسالك - من أنه ليس لها الرجوع على
السفيه بعد فك الحجر عنه، لأنها سلطته على إتلافه بتسليمه - لا يخلو من نظر خصوصا
مع الجهل بحاله، بل قد يقال: لها المطالبة لوليه بذلك قبل فك الحجر عنه، بل
قد يقال بحصول التهاتر قهرا معها، لاشتغال ذمته لها بما اشتغلت ذمتها له، وبذلك
يظهر لك أن ما في المسالك وكشف اللثام تبعا للقواعد لا يخلو من غبار فتأمل، هذا
48

كله في الخالع إذا كان سفيها أو مفلسا.
أما المختلعة السفيهة فلا ريب في فساد بذلها بدون إذن الولي كما في القواعد
وغيرها، وكذا المفلسة مع فرض بذلها شيئا مما تعلق به حق الغرماء، نعم لو بذلت
شيئا في ذمتها صح، بل قد يقال بصحة ذلك في السفيهة أيضا على وجه تتبعه به بعد
فك الحجر عنه كالأمة.
(و) كذا يصح الخلع (من الذمي) بل (والحربي) بلا خلاف ولا إشكال
لاطلاق الأدلة (و) عمومها، بل (لو كان البذل خمر أو خنزيرا صح) معاملة
لهم بدينهم (و) إن لم يجز بين المسلمين نعم (لو أسلما أو أحدهما قبل الاقباض
ضمنت القيمة عند مستحليه) للتعذر الشرعي المنزل منزلة التعذر الحسي، وقد
يحتمل سقوط حقه منه لو كان المسلم هو، كما سمعت حكاية المصنف له قولا فيما
لو أسلمت قبل قبض المهر وكان خمرا.
ولو ترافعا إلينا وكان الخلع بعوض صحيح قبل الاسلام أو بعده منهما أو من
أحدهما قبل القبض أو بعده كلا أو بعضا أمضاه الحاكم وإن كان العوض فاسدا.
ثم إن ترافعا بعد التقابض فلا اعتراض وإن كان قبله لم يأمر الحاكم بقبضه،
بل يوجب عليهما القيمة، وكذا لو أسلمنا ثم تقابضا ثم ترافعا أبطل القبض، ولا شئ
عليهما إلا إذا كانا علما الحرمة، فيعز رهما كما عن المبسوط.
(و) كيف كان ف‍ (الشرط) الذي يتوقف صحة الطلاق الخلعي على
تجرده منه (إنما يبطل إذا لم يقتضه العقد، فلو قال: فإن رجعت رجعت لم
يبطل) ب‍ (هذا الشرط، لأنه مقتضى الخلع، وكذا لو شرطت هي الرجوع في
الفدية) الذي هو لها شرطت أو لم تشرط، بل في المسالك " الضابط في كل شرط
لا يصح تعليق العقد عليه هو الشرط الخارج عن مقتضى العقد، فلو شرط ما هو مقتضاه -
بمعنى أن مضمونه يتناوله العقد وإن لم يشترط - لم يضر وكان ذلك بصورة الشرط
لا بمعناه، كقوله: إن رجعت في البذل رجعت في الطلاق، فإن ذلك أمر ثابت مترتب
على صحة الخلع شرط أم لم يشرط، وكذا قولها: على أن لي الرجوع فيه في العدة
49

ونحو ذلك " وقد تبعه غيره على هذا الكلام.
لكنه لا يخلو من غبار، ضرورة أنه إن كان المراد من الشرط في المقام هو
ما يلزم به نحو الشرائط الالزامية في العقود فهو الخارج عما نحن فيه من الشرط التعليقي
الذي قد تقدم اعتبار تجرد الطلاق عنه، وإنما هي مسألة أخرى لا مدخلية لها في
اشتراط مقتضى العقد وعدمه، بل مبناها على قابلية الطلاق بل وغيره من الايقاعات
للشرائط الالزامية على نحو العقود أو خصوص الخلع منه باعتبار مشابهته للعقد،
لعموم " المؤمنون عند شروطهم " (1) وعدمها إلا ما دل عليه الدليل في العتق، ولعل
الأقوى عدم قبول الايقاع وخصوص الطلاق الذي هو بمنزلة الإقالة في العقود والفسخ
بالعيب ونحوه حتى الخلع منه للشرط بالمعنى المزبور، وذلك لأن الايقاع معنى
متحد يتحقق بانتهاء صيغته، وليس هو كالعقد المركب من القصدين الذي يقع القبول
فيه لما يذكر في الايجاب من العوض والشرط وغيرهما، ومن هنا يتسلط على الفسخ
بعدم الوفاء بالشرط في العقد، باعتبار كون المراد عند التحليل عدم الالتزام بالعقد
إذا لم يحصل الشرط الذي هو فيه جزء من العوض أو المعوض، وهذا المعنى لا يمكن
التزامه في الايقاع، خصوصا في مثل الطلاق الذي هو بمنزلة الفسخ بالعيب ونحوه
حتى الخلع منه، بناء على ما عرفت من عدم إرادة المعاوضة الحقيقة فيه. وعلى كل
حال فهذه مسألة خارجة عما نحن فيه.
وإن كان المراد بالشرط هنا هو الذي يقتضي تعليق إنشاء الايقاع، فتحقيق
الحال فيه أن الاجماع بقسميه على اعتبار التنجيز في العقد والايقاع، ولا ريب في منافاة
التعليق له، وقد ذكرنا في السابق أن وجه البطلان في المقتضي تأخير الأثر - سواء
كان على أمر محتمل أو متيقن الحصول - هو منافاته لمقتضى التسبيب المستفاد من أدلة
شرعية هذه الأسباب.
وأما لو علق على أمر مقارن كقول: " أنت طالق إن كانت الشمس طالعة "

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
50

فقد ذكر بعضهم أنه يبطل أيضا إذ كان مترددا في ذلك بخلاف ما لو كان عالما
بحصولها، فإنه لا تعليق حقيقة فيه، وإنما هو صورة تعليق، وكذا الكلام في " إن
كانت زوجتي فهي طالق " و " إن كان ملكي فقد بعتك ".
لكن قد يناقش بأن العلم بحصول المعلق عليه لا ينافي صدق تعليق الانشاء
حقيقة، ضرورة كون الانشاء كيفية نفسانية، ولا ريب في اختلافها بحسب التنجيز
والتعليق، سواء كان المعلق عليه معلوم الحصول أو لا، فيتحقق حينئذ عدم التنجيز
المفروض اعتباره في العقد والايقاع.
اللهم إلا أن يدعى منع الاجماع بقسميه على اعتبار التنجيز بهذا المعنى،
لكنه كما ترى، إذ التنجيز معنى متحد، فمع فرض كونه معقد الاجماع الذي
هو دليل المسألة يتجه البطلان، لعدم حصوله قطعا، إذ لا مدخلية لوجود المعلق
عليه وعدمه في صدق التعليق المنافي للتنجيز حقيقة في نحو قوله: " بعتك هذا إن
كانت السماء فوقنا والأرض تحتنا ".
وحينئذ فمقتضيات العقد المذكور استثناؤها لا تزيد على المعلق عليه المعلوم
الحصول، فلو قال: " خلعتك إن كان لي الرجوع برجوعك بالبذل " كان تعليقا،
خصوصا إذا كان جاهلا بالحال، وكذا لو قال: " بعتك إن كان لي الخيار في
المجلس " أو " إن كان لي الخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيام " بل وكذا لو قال:
" بعتك إن كنت أملك الثمن " وهكذا.
نعم لا بأس بأن يقول بعد الخلع: " إن رجعت بالبذل رجعت بالبضع " على
وجه لا يكون تعليقا للعقد، وكذا لو قالت هي بعد البذل: " ولي الرجوع بذلك
في العدة " فإنه لا يقتضي التعليق في الانشاء الذي قد عرفت أنه كيفية نفسانية،
والفرض حصولها من دون تعليق، فليس هو إلا منجزا، والشرط المزبور إنما هو
لغو، بل لا يتعقل فيه معنى الشرطية، وبذلك اتضح لك تحقيق الحال، وربما يأتي لك
زيادة تحقيق.
ومن الغريب أنه في المسالك أعرض عن إشكال المسألة بما ذكرت وذكر
51

إشكالها بتخلل كلام بين الايجاب والقبول في الأول على تقدير تأخر القبول، وتخلله
بين الاستدعاء والايجاب في الثاني على تقدير تقدم الاستدعاء، وقد تقدم اعتبار
الفورية بينهما المعلوم اندفاعه بأن ذلك لا يقدح، لأنه بناء على الصحة من توابع
العقد ومتعلقاته، فلا يضر فصله، بل لا فصل فيه، كما هو واضح. هذا كله في التعليق
على الأمر الحاصل المقارن أو على خصوص ما اقتضاه.
(أما لو قال: " خالعتك إن شئت " لم يصح وإن شاءت) مقارنا لتمام
إيجابه (لأنه شرط ليس من مقتضاه) ورافع للتنجيز المفروض اعتباره، خصوصا
بعد أن كان التعليق على كلي المشيئة الذي لا ريب في بطلانه وإن كان أحد أفرادها
المقارن.
(وكذا لو قال: إن ضمنت لي ألفا أو أعطيتني أو ما شاكله وكذا) باقي
أدوات التعليق نحو (متى أو مهما أو أي وقت أو أي حين) ومن الواضح الفرق
بين ذلك وبين قوله: " خالعتك بألف " مثلا من غير أن يتقدم سؤالها وإن كان
في المعنى هو مشروطا بقبولها، لكنه تعليق شرعي لا لفظي من المنشئ الذي لو
قال مثلا: " بعتك كذا بكذا إن قبلت " بطل قطعا، لكونه تعليقا من المنشئ
منافيا للتنجيز المفروض اعتباره.
ومن الغريب ما في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر البطلان في هذه الأمثلة
معللا لها بالتعليق وغيره قال: " وفي الحقيقة هذه الأحكام كلها راجعة إلى صور
الشرائط المرتبطة بالألفاظ، وإلا فالمعنى متحد، وإثبات الأحكام بمثل هذه
الاعتبارات لا يخلو من تكلف ".
وفيه ما لا يخفى من عدم تنقيحه لما هو المدار في المسألة، وإلا فلا ريب في
عدم التنجيز في هذه الأمثلة وما شابهها، وهي شرائط حقيقية لا صورية، والفرق بين
التعليق الشرعي والانشائي في كمال الوضوح، كالفرق بين الانشاء التنجيزي والتعليقي
سواء كان المعلق عليه متوقع الحصول أو معلومه أو هو حاصل فعلا ومن مقتضى
52

العقد أو غيره.
وأغرب من ذلك قوله متصلا بما سمعت: " وبقي البحث في تعليق الاستدعاء
على الشرط، وقد تقدم تجويزه وفي التحرير لو قالت إن طلقتني واحدة فلك على
ألف فطلقها فالأقرب ثبوت الفدية، وهو تعليق محض، إلا أن يقال بأن الاستدعاء
يتوسع فيه، ومن ثم لم يختص بلفظ بخلاف الخلع الواقع من الزوج، وفي الحقيقة
كل لفظ يتقدم منهما فهو معلق على الآخر، ومن ثم قلنا: إنه مع تأخير القبول
من جانبها يكون في الخلع شائبة الشرط، إلا أنهم اعتبروا في نفس الخلع الذي هو
عبارة عن اللفظ الواقع من الزوج تجرده عن صورة الشرط بخلاف اللفظ الواقع منها،
ولو جعلنا الخلع عبارة عن العقد المركب منهما أشكل الفرق، وعلى ما ذكره في تعريف
الخلع في التحرير - من أنه عبارة عن بذل المرأة المال للزوج فدية لنفسها - يقوى
الاشكال، خصوصا في حكمه الذي حكيناه عنه ".
قلت: هو من غرائب الكلام، ومناف لما أسلفه سابقا جازما من جواز
التعليق في استدعائها الذي هو عنده أحد ركني المعاوضة، وقد تقدم مناقشتنا له في
ذلك، والتوسع في الاكتفاء عنه بكل لفظ لا مدخلية له في جواز التعليق، ضرورة
ثبوت التوسع في القبول في سائر العقود الجائزة المعلوم عدم جواز التعليق فيها
وأغرب من ذلك قوله: " وفي الحقيقة كل لفظ " إلى آخره، إذ قد عرفت أن ذلك
تعليق شرعي لا إنشائي.
نعم قد يقال: إن ذلك منهم بناء على جواز التعليق عندهم في بذلها مؤيد
لما قلناه من عدم كونها معاوضة حقيقية مشتملة على الايجاب والقبول، بل البذل
منها داع على صدور الطلاق منه عليه، فحينئذ لا يقدح تعليقه، إذ ليس قبول
ايجاب وإنشاء معاوضة، وإن جرى عليه بعض أحكامها من الفورية مثلا وغيره،
للاجماع أو لأنه المتيقن من صحة الخلع المخالف للأصل، كما عرفت ذلك
مكررا.
53

(النظر الرابع)
(في الأحكام)
(وفيه مسائل:)
(الأولى:)
(لو أكرهها على الفدية فعل حراما) بلا خلاف ولا إشكال، ضرورة
كونه ظلما محرما، ويتحقق الاكراه عليها بنحو ما سمعته من الاكراه على الطلاق
وغيره من العقد والايقاع، إذ الاكراه حقيقة واحدة في الجميع، وليس منه ترك
ما لا يجب عليه من الأمور المتعلقة بالزوجية وإن تأذت بذلك والتجأت إلى الفداء
حتى الإغارة بزوجة، بل وإن قصد بذلك بذلها الفداء، بل ليس منه ترك حقوقها
الواجبة عليه مع فرض عدم قصد إرادة البذل منها بذلك، نعم متى قصد بالترك بذل
الفداء بتحقق الاكراه كما تقدم الكلام في ذلك في باب الشقاق بين الزوجين.
(و) على كل حال ف‍ (لو طلق به) أي الاكراه (صح الطلاق ولم
تسلم له الفدية) التي فرض الاكراه عليها (وكان له الرجعة) إن كان المورد
مما له الرجعة فيه، وإلا بطل أصل الطلاق أو كان بائنا على البحث السابق، أو هو
بائن على كل حال، لكون التقصير في المقام من جانبه.
نعم لا خلاف معتد به في صيرورة الطلاق رجعيا إذا كان مورده كذلك، ولا
يستلزم بطلان الفداء بطلانه، ولعله لما عرفت من عدم المعاوضة الحقيقية، بل كان
الفداء باعثا، وربما كان كلامهم في المقام مؤيدا لذلك، ضرورة كون المتجه على
54

المعاوضة حقيقة بطلان أصل الطلاق، لمعلومية بطلان المعاوضة ببطلان العوض الذي
هو أحد أركانها، ولذا قال في المسالك من غير نقل خلاف: " إنه إن كان الواقع
خلعا بطل، وإن قلنا: إنه طلاق فلا يكون رجعيا، لأن ماهيته لا تتحقق بدون
صحة البذل عندنا " وإن كان قد يناقش بأن عدم صحته خلعا لا ينافي صحته طلاقا
فالأولى تعليله بعدم وقوع الطلاق بلفظ " خلعت " بل هو كناية في غير الخلع من
الطلاق، وفيه التأمل الذي ذكرناه سابقا.
المسألة (الثانية:)
(لو خالعها والأخلاق ملتئمة) أي لا كراهة بينهما (لم يصح الخلع
ولا يملك الفدية) بلا خلاف ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
السنة (1) المستفيضة أو المتواترة التي قد مر كثير منها، بل وظاهر اعتبار الخوف
من عدم إقامة حدود الله تعالى (2) المنتفي في الفرض.
(ولو طلقها والحال هذه بعوض لم يملك العوض، و) لكن (صح الطلاق،
وله الرجعة) مع فرض كون مورده رجعيا، وإلا كان بائنا أو باطلا على البحث
السابق بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه عليه مضافا إلى
النصوص المستفيضة على عدم حمل أخذ شئ منها مع عدم الكراهة.
هذا ولكن في المسالك بعد أن ذكر الحكم الأول قال: " هذا بالنسبة إلى
الخلع، وأما الطلاق بعوض فمقتضى كلام المصنف والجماعة كونه كذلك،
لاشتراكهما في المعنى، بل عده في المبسوط خلعا صريحا حيث قسمه إلى واقع
بصريح الطلاق، وإلى واقع بغيره، وجعل الأول طلاقا وخلعا، وجعل الخلاف في

(1) الوسائل الباب - 1 و 2 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
55

الثاني هل هو طلاق أم لا، وهذا إن كان إجماعا فهو الحجة في حكمه، وإلا
فلا يخلو من إشكال، لأن النصوص (1) إنما دلت على توقف الخلع على الكراهة،
وظاهر حال الطلاق بعوض أنه مغاير له وإن شاركه في بعض الأحكام " وقد تكرر
منه هذا الكلام في المسالك والروضة، وأنكر عليه سبطه معترفا بعدم الموافق له على
ذلك من المتقدمين والمتأخرين.
وقد أطنب في الحدائق في بيان فساده بعد أن حكى ما وقع له من ذلك في
المسالك والروضة في مواضع، وحكى عن بعض معاصريه موافقته له في ذلك، وأنهم
طلقوا بالعوض جملة من النساء مع عدم كراهة، فضلا عن الجهل بالحال.
ولقد عثرت على رسالة كبيرة مصنفة في هذه المسألة للعالم الرباني المحقق
المدقق الميرزا أبي القاسم القمي قدس سره وهو وإن أبدع فيها وذكر فيها أنه
منذ أربعين سنة أو أزيد كان على خلاف ما ذكره الشهيد ولكنه ظهر له بعد ذلك
صحته، وصنف الرسالة المزبورة التي هي وإن أبدع فيها لكنها أوفق بفقه الأعاجم
المبني على التجشم والتدقيق المعلوم كونه على خلاف طريقة المعتدلين من أهل
الفن، وكان منشأ الوهم ما وقع للمصنف وغيره من ذكر حكم الخلع مستقلا، وذكر
حكم الطلاق بعوض غير مرة، وما وقع لبعضهم كالفخر والمقداد وأبي العباس في
تعريف الخلع مما يقتضي كون الطلاق بعوض مفهوما آخر غير الخلع، ومن
ذلك ونحوه نشأ الوهم في أنه شئ مستقل يوافق الخلع ويفارقه، بل ظاهر بعض
كلمات القمي في رسالته المزبورة أنه حيث يكون موافقا للخلع يقصد به معنى الخلع
لا الطلاق ولقد أشرت سابقا إلى ما يفسد هذا كله، فلاحظ وتأمل.
ولكن نزيدك هنا أنه ليس في شئ من النصوص طلاق العوض أو طلاق
الفداء، نعم فيها " أن الخلع والمباراة طلاق (2) " وظاهرها كالفتاوى إرادة الفردية

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2 وفيه " الخلع
والمباراة تطليقة بائن ".
56

منه لا المشاركة في الحكم، بل ظاهر آية الفداء (1) التي هي في مقام الطلاق، فعلم من ذلك أعمية الطلاق منه على نحو ما قررناه في السلم الذي هو قسم من
البيع، ولا ينافي ذلك تعريف الطلاق سابقا بما لا يشمل الخلع المبني على إرادة
تعريف المقابل للخلع منه لا المعنى الأعم الشامل له ولغيره، وحينئذ فلا يحتاج
إلى قصد معنى الخلع بلفظ الطلاق المستعمل في مورد الخلع، بل يقصده معناه
ويكون خلعا باجتماع شرائطه، كما يكون البيع في مقام السلم سلما، وحينئذ
فلا ريب في أن مفهوم الطلاق بالعوض ومفهوم الخلع متباينان، ولكن لا مصداق
لهما إلا مورد الخلع، ومن هنا افترق الخلع عن الطلاق بالعوض في صيرورة الثاني
رجعيا ببطلان بعض شرائط الخلع بخلاف الأول، فإنه يبطل من أصله.
ومن الغريب دعوى الفاضل المزبور تحقق الطلاق بالعوض في غير مورد الخلع،
وذكر له أقساما ستة: أولها الطلاق بالعوض، والثاني الصلح عن الطلاق بكذا،
والثالث الهبة المعوضة بالطلاق، والرابع الجعالة على الطلاق، والخامس اشتراط
الطلاق بعقد بيع مثلا، والسادس الطلاق مع شرط العوض، وذكر أن دليل صحة
ما عدا الأول والثاني منها عمومات الصلح والهبة والجعالة والبيع.
ثم أطنب في اقتضاء الطلاق الواقع في المذكورات البينونة إلا مع التقايل
والتفاسخ أو يكفي وقوعه وإن جاز له الرجوع به حيث يكون رجعيا، وتجشم
لكونه كالخالع حينئذ بكون المراد في الصلح والهبة والجعالة والشرط في البيع طلاقا
لا رجعة له فيه، فهو حينئذ في قوة اشتراط عدم الرجعة به وإن كان لولا ذلك لكان
رجعيا، وجعل دليل الأول قوله تعالى (2) " أوفوا بالعقود " الشامل ولو للعقد
الجديد وما دل على الوفاء بالميثاق أو العهد المحتمل إرادته أيضا من الوفاء بالعقود،
ودليل الأخير " المؤمنون عند شروطهم " (3) الشامل للالزام بالعوض على جهة

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
57

الشرطية ولو في ضمن الايقاع كالشرط في العتق، إلى غير ذلك مما ذكره فيها الذي
لولا الأدب معه لقلنا فيه ما قلنا.
ومن هنا ذكرنا أنها أوفق بفقه الأعاجم، وليته بقي على حاله قبل الأربعين
سنة، ضرورة خروج مفهوم الطلاق بعوض عن المذكورات أجمع، فإنه فيها قد
وقع عوضا، لا أنه بعوض الذي يراد منه أنت طالق بكذا على وفق الخلع، على
أنه يمكن المناقشة في صحة الصلح عن الطلاق، بل وجعله عوضا عن الهبة،
بل وفي كونه عملا بجعل وإن صرح بجوازه ثاني الشهيدين وبعض من تأخر
عنه.
وأغرب من ذلك كله الاستدلال على الأول بعموم " أوفوا " (1) وغيره الذي
من المعلوم عدم تناوله للمفروض، وعلى الثاني بعموم " المؤمنون عند " (2) إلى
آخره الذي قد ذكرنا غير مرة عدم تناوله للايقاع.
وبالجملة هذه الكلمات ونحوها مما لا ينبغي أن تسطر في أثناء كتب الشيعة
التي هي معدن أسرار النبوة، ومبرأة من أمثال هذه الكلمات اللائقة بكتب العامة
لا الخاصة.
وأغرب من ذلك كله الاستدلال على صحته بعوض أو بشرط إلزامي
بعمومات الطلاق الذي هو مجرد إنشاء الفسخ الذي هو غير قابل للنقل أو
الالزام بشئ.
ومن ذلك كله وغيره ظهر لك الوجه فيما اتفق الأصحاب عليه من عدم صحة
الطلاق بعوض إلا في مورد الخلع، وحينئذ تلحقه أحكامه من الرجوع بالبذل
وغيره، كما هو واضح.

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
58

المسألة (الثالثة:)
(إذا أتت بالفاحشة جاز عضلها) عندنا (لتفدي نفسها) لقوله تعالى (1):
" ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "
(وقيل: هو منسوخ) بآية الحد (2) التي هي غير منافية له (ولم يثبت)
النسخ، بل ولا القائل به منا، كما اعترف به في المسالك وكشف اللثام، قال في
الأول منهما: " واعلم أن القول الذي حكاه المصنف من كون الآية منسوخة تبع
فيه الشيخ في المبسوط، وهو قول بعض العامة، وأما أصحابنا فلا يعرف ذلك لهم
ولم ينقله أحد من الأصحاب عنهم، ولكن الشيخ في المبسوط يحكي أقوالهم ويختار
منها ما ترجح عنده، وقد نقل القول بكونها منسوخة بقول وقيل، وهو ضعيف
المستند).
والمراد بالعضل هنا مضارة الزوجة والتضييق عليها بسوء العشرة لتضطر إلى
الافتداء منه بمالها، لأن أصل العضل على ما عن الهروي وغيره: التضييق
والمنع، يقال: أردت أمرا فعضلني عنه زيد إذا منعه وضيق عليه، وأعضل في الأمر
إذا ضاق.
وأما الفاحشة ففي المسالك " قيل: هو الزنا، وقيل: ما يوجب الحد مطلقا،
وقيل: كل معصية - ثم قال -: وكون الحكم على خلاف الأصل ينبغي الاقتصار
منه على محل الوفاق، وهو الأول، لأنه ثابت على جميع الأقوال ".
وفي كشف اللثام " هي كل معصية كما في التبيان ومجمع البيان وأحكام
القرآن للراوندي أو ما مر من أقوالها إذا كرهت الزوج، كما في تفسير علي

(1) سورة النساء: 4 - الآية 19.
(2) سورة النور: 24 - الآية 2.
59

ابن إبراهيم (1) ".
وفي الحدائق " وأما ما يتعلق بهذه الآية (2) من الأخبار فلم أقف إلا على
ما ذكره أمين الاسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان، حيث قال: " إلا أن يأتين
بفاحشة مبينة " أي ظاهرة، قيل: وفيها قولان: أحدهما يعني: إلا أن يزنين، عن
الحسن وأبي قلامة (3) والسدي، وقالوا: إذا اطلع منها على زنية فله أخذ الفدية منها،
والآخر أن الفاحشة النشوز، عن ابن عباس، والأولى حمل الآية على كل معصية،
وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام (4) واختاره الطبري).
هذا وفي المسالك " هل يتقيد جواز العضل ببذل مخصوص كمقدار ما وصل إليها؟ ظاهر المصنف والأكثر عدمه، لاطلاقهم الجواز إلى أن تفدي نفسها، لاطلاق
الآية، ولعدهم هذا خلعا، وهو غير مقيد، ورجح الشهيد في بعض تحقيقاته تقييده
بما وصل إليها منه من مهر وغيره حذرا من الضرر العظيم، واستنادا إلى قوله صلى الله عليه وآله
لزوجة ثابت بن قيس (5) وقد قالت أزيده: " لا، حديقته فقط " وفي بعض ألفاظ
الخبر " أما الزيادة فلا، ولكن حديقته " (6) وحمل كلام الأصحاب على غير صورة
العضل، أو على ما إذا بذلت الزيادة من قبل نفسها - ثم قال - وفي الاحتجاج من
الجانبين معا نظر، لأن الاستثناء في الآية وقع من إذهاب الأزواج ببعض ما آتوهن
لا بجميعه، والاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ، والجميع غير داخل فيه، فاطلاق
الاستثناء لا يفيد، فلا حجة فيها للفريقين، وأما الخبر فلا دلالة فيه أيضا على

(1) تفسير علي بن إبراهيم ص 73 ونقله في تفسير البرهان ج 1 ص 355.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 19.
(3) في هامش النسخة الأصلية (أبي قدامة خ ل) إلا أن الموجود في الحدائق
ومجمع البيان " أبي قلابة ".
(4) مجمع البيان ج 2 ص 24 ط صيدا - سورة النساء: 4 ذيل الآية 19.
(5) المتقدم في ص 3.
(6) سنن البيهقي ج 7 ص 314.
60

موضع النزاع، لأن المرأة المذكورة ليست من هذا الباب، ولا عضلها زوجها،
وإنما كان يريدها رضيت عنه، وإنما هي الكارهة له على أصل قاعدة الخلع،
وتقييده صلى الله عليه وآله بالحديقة لكون الزوج طلبها، وإلا لجازت الزيادة إجماعا، وأما
حمله لكلام الأصحاب على غير صورة العضل ففيه أنهم أطلقوا فيها، على أنك قد
عرفت عدم الدليل على التقييد بقدر ما أخذت منه لا من الآية ولا من الخبر، وليس
ذلك من باب الخلع والمباراة ليبحث عن تقييده بذلك وشبهه، وأما حديث الاضرار
فحسن، لكنه غير مقيد بكون البذل بمقدار ما وصل إليها، بل بما يحصل معه
الاضرار وعدمه، والأظهر الاقتصار في تقدير العضل على بعض ما وصل إليها مطلقا،
عملا بظاهر الآية ووقوفا فيما خالف الأصل على محل اليقين " ونحو ذلك قد ذكر
في الروضة أيضا.
قلت: صريح كلامه أن المقام ليس من الخلع والمباراة بعد أن اعترف سابقا
أنهم قد عدوه في بابه، وظاهرهم كون المقام منه، وإلا فقد صرحت النصوص (1)
المستفيضة أو المتواترة بعدم حل أخذ شئ منها بدون كراهتها الظاهرة بالأقوال
المزبورة، وقد عرفت أن الطلاق بالعوض لا مصداق له غير مورد الخلع.
بل لعل التأمل في كلامهم في المقام وذكرهم الفدية ونحوها يشرف الفقيه
على القطع بكون الفرض من مقام الخلع، وإلا لذكروا له أحكاما مستقلة من
كونه طلاقا بائنا حينئذ أو رجعيا، وأنه يجوز له الرجوع بما أفدته أولا، إلى غير
ذلك من الأحكام.
على أنه بناء على إرادة كل معصية من الفاحشة ينبغي القول بجواز إكراه
المرأة على إفدائها بكل ما يقترحه عليها أو بمقدار ما وصل إليها منه أو بعضه بمجرد
غيبة أو كذبة أو غير ذلك من المعاصي وإن كانت المرأة كارهة للفراق ومحبة
لزوجها، وهو حكم غريب لم يذكره فقيه، ولا بحثوا عنه، ولا ذكروا له

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
61

أحكاما.
وكذا لو قلنا بأن المراد منها الزنا أو ما يوجب الحد، بل لعل القول بجواز
الاكراه لها بما لا يجوز له قبل الفاحشة من سائر أفراد الظلم حتى تفدي نفسها
من المستنكرات.
فالأولى أن يقال: إن المراد جواز إكراه المرأة الكارهة لزوجها التي هي
موضوع الخلع إذا جاءت بالفاحشة، وهي نشوزها وخروجها عن طاعته، لكراهتها
له بالتضييق عليها من الهجر وقطع النفقة وغير ذلك مما هو جائز لها حتى تفدي
نفسها منه بما يشاء منها، وهو في الحقيقة ليس إكراها بما لا يجوز له، بل هو
إكراه بحق فتأمل جيدا، فإن المقام غير محرر في كلماتهم، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا صح الخلع فلا رجعة له) بلا خلاف أجده فيه: بل الاجماع بقسميه
عليه، وهو الحجة بعد الأصل والنصوص المستفيضة أو المتواترة التي منها قول
الرضا عليه السلام في صحيح ابن بزيع (1) " تبين منه، وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ
منها وتكون امرأته فعلت " وفي ذيل صحيح ابن سنان المروي في المحكي عن تفسير
علي بن إبراهيم (2) " لا رجعة للزوج على المختلعة، ولا على المبارأة إلا أن يبدو
للمرأة، فيرد عليها ما أخذ منها " بل ومفهوم موثق أبي العباس (3) عن الصادق عليه السلام
" المختلعة إن رجعت في شئ من الصلح يقول: لأرجعن في بضعك " وغيرها من
النصوص (4) الصريحة والظاهرة، وإنما ذكرنا هذه خاصة منها لجمعها بين

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 9.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 3 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 3 - 0 -.
(4) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 3 - 0 -.
62

الدلالة على ذلك (و) على أن (لها الرجوع في الفدية ما دامت في العدة و)
إن لم يرض الزوج بذلك.
نعم (مع رجوعها يرجع إن شاء) الذي لا أجد فيه خلافا، أيضا إلا
من ابن حمزة، فاعتبر التراضي منهما مع إطلاقهما، أما إذا قيدا أو أحدهما كان
للمرأة الرجوع بما بذلت، وله الرجوع بها إن شاء، ولا ريب في ضعفه وإن نفى
عنه البأس في المختلف، ضرورة كونه كالاجتهاد في مقابلة النص الحاكم على قاعدة
كون ذلك مقتضى المعاوضة بعد تسليم كونها كذلك حقيقة.
إنما الكلام في اشتراط جواز رجوعها بامكان صحة رجوعه وعدمه، صريح
جماعة كما عن ظاهر الشيخ الأول، بل ربما نسب إلى الشهرة، وظاهر غير واحد
ممن أطلق جواز الرجوع بها حتى المصنف الثاني.
ولعل الأقوى الأول، لقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " وغيرها، مضافا إلى ظاهر
النصوص المزبورة، حتى الأول (1) منها الذي مقتضاه اشتراط الجواز المستفاد من
قوله عليه السلام " فعلت " برد ما أخذت منه، وكونها امرأة له المنزل على إرادة بحكم
امرأته، باعتبار جواز الرجوع له حينئذ، للاجماع على عدم رجوعها زوجة له
بمجرد رجوعها بالبذل، فلا يجوز لها رد ما أخذت منه، ولا تكون امرأة له كما
في المطلقة ثلاثا.
وأما الموثق (2) فدلالته ظاهرة وإلا لبقي الشرط بلا جزاء، بل لعل اتفاق
الأصحاب على تقييد جواز رجوعها بالبذل بما إذا كان في العدة مع خلو النصوص
عنه مبني على التلازم المزبور، للعلم بعدم جواز الرجوع له بعدها، لصيرورة المرأة
أجنبية حينئذ كالصغيرة واليائسة اللتين لا عدة لهما اللتين قد استفاضت النصوص (3)
بكون طلاقهما حيث يقع بائنا، فتقيد جواز رجوعها بالعدة مقدمة لجواز رجوعه

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 9.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 2 و 3 - من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
63

حينئذ، كما أن الاجماع وإطلاق النصوص (1) على جواز الخلع لمن لا عدة لها أو
كانت عدتها عدة بائن كالمطلقة ثلاثا، فلا يتوهم اقتضاء النصوص المزبورة اختصاص
مورد الخلع بالرجعية باعتبار ما فيها من أنه إن رجعت رجع، بدعوى كون ذلك
كاللازم لماهيته، إذ هو كما ترى.
فتحقق حينئذ أنه لا رجوع لها حيث لا رجوع له لعدم عدة أو لانقضائها أو
لغير ذلك، لا أقل من أن يكون ذلك هو المستفاد من النصوص (2) المزبورة، فيبقى
عدم جواز رجوعها في غيره على أصالة عدم الجواز.
بل قد يقوى بملاحظة الأخير عدم صحة رجوعها مع فرض عدم علمه بذلك
إلى انقضاء محله، لأن الثابت من الأدلة المزبورة رجوعها في حال العلم بذلك، أما
الصحيح الأول (3) الذي قد اعتبر في شرطه كونها امرأة له فأقرب مجازاته حال
علمه الذي يكون فيه حينئذ أحق ببضعها، وأما الموثق (4) فجواب الشرط فيه
الخطاب بقول: " لأرجعن ببضعك " الذي لا ينطبق إلا على حال العلم، وأما
الثالث (5) فاختصاص دلالته في حال العلم واضح، ولم نقف على غيرها، فيبقى في غير
مفادها على أصالة المنع، مؤيدا بقاعدة " لا ضرر ولا ضرار ".
ودعوى ظهورها في أن الشرط ثبوت رجوعه شرعا أعم من أن يرجع أم لا
ومتى كانت العدة رجعية كان رجوعه جائرا سواء علم أم لم يعلم، كما لو طلق
رجعيا ولم يعلم بجواز الرجوع فيها فترك إلى انقضاء العدة فإن ذلك لا يخرج
العدة عن كونها رجعية واضحة المنع بعد الإحاطة بما ذكرنا من انحصار الدليل
في النصوص المزبورة التي لا ينكر عدم استفادة حكم غير الفرد المزبور منها، لعدم

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث - 0 - 3.
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 9.
(4) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث - 0 - 3.
(5) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4.
64

تعرض فيها لغيره، فيبقى على أصل المنع بعد فرض عدم إطلاق يندرج فيه.
وكذا دعوى كون المحصل من الأدلة كون رجعتها شرطا في جواز رجوعه،
والشرط لا يتوقف وجوده على وجود المشروط بالفعل وإلا دار.
بل هي أوضح من الأولى منعا، خصوصا ما ذكر من الدور فيه المعلوم
عدمه في المقام الذي حاصله عدم صحة رجوعها إلا في حال علمه بذلك.
وحينئذ فما في القواعد وغيرها من الحكم بالصحة لا يخلو من نظر، وكان
منشأ الاشتباه استفادة الحكم الوضعي من النصوص (1) المزبورة، وهو غير مقيد،
وهو كذلك لو أن الأدلة أفادته على الوجه المفروض، وإنما إفادته على النحو
الذي ذكرناه، ولا شمول فيه قطعا.
وعلى كل حال فبناء على عدم اعتبار العلم في جواز رجوعها لو أنشأ
الرجوع جاهلا برجوعها فصادف سبق رجوعها فالظاهر الصحة، من غير
فرق بين الذاهل وغيره، لاطلاق ما دل على سببيته، كما تقدم البحث في نظائر
ذلك غير مرة.
ثم إنه حيث ترجع المرأة بالبذل ويكون للزوج حق الرجوع فهل تكون
بذلك مطلقة رجعية يثبت لها جميع أحكامها من النفقة والتوارث وغيرهما كما هو
أحد الوجهين أو القولين، لعدم كون الرجعية إلا من جاز الرجوع فيها، وإيماء
الخبرين (2) المزبورين إلى ذلك أم لا، لأنها ابتدأت على البينونة وسقوط هذه
الأحكام، فعودها بعد ذلك يحتاج إلى دليل، والأصل بقاء الأحكام السابقة،
ولا يلزم من جواز رجوعه على الوجه المزبور كونها رجعية مطلقا، لجواز
أن يراد بالرجعية ما يجوز للزوج الرجوع فيها مطلقا، بل في المسالك هو
الظاهر.
قلت: قد يقال بعد تسليم عدم دلالة الخبرين المزبورين على صيرورتها حينئذ

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3 و 4.
65

رجعية ولو باتحاد التعبير عنهما أو ما يقاربه، وعدم ظهور الأدلة في كون الخلع
طلاقا، وأن بينونته إنما هي من جهة الفداء الذي هو كالشراء أو الصلح، فمع
فرض رجوع البذل عاد الطلاق إلى أصله كما لو فسد، بل قد يدعى ظهور الأدلة
حتى آية " وبعولتهن " (1) في أن الأصل في الطلاق أن يكون رجعيا -: إن
الصحيح الأول (2) باعتبار قوله عليه السلام فيه: " وتكون امرأته " دال على أن المختلعة
كالزوجة، نحو ما ورد (3) في الرجعية، فإن لم نقل باندراجها فيها أمكن استفادة
أحكامها من ذلك، نحو ما استفيد أحكام الرجعية.
ولعله لذلك وغيره أطلق الأصحاب في كل مقام يبطل الخلع فيه صيرورة
الطلاق رجعيا، وحينئذ فلا يجوز له نكاح الأخت ولا الرابعة بعد رجوعها بالبذل،
أما قبله فلا إشكال في الجواز، وإن ذكر بعض وجها للعدم، باعتبار تزلزله،
لامكان رجوعها، لكنه في غير محله، إذ هو حينئذ كالاجتهاد في مقابلة إطلاق
النصوص (4) أنه تطليقة بائنة، وخصوص صحيح أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام
" سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أيحل له أن يخطب أختها من قبل أن
تنقضي عدة المختلعة؟ قال: نعم قد برئت عصمتها منه، وليس له عليها رجعة "
الظاهر - ولو بقرينة ما في ذيله الذي هو كالتعليل - في جواز التزويج بها، مضافا
إلى صدق عدم الجمع بين الأختين وتزوج الخمسة في الفرض، وغير ذلك.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 9.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أقسام الطلاق والباب - 13 - منها الحديث 6
والباب - 20 - منها الحديث 11 والباب - 18 و 20 و 21 - من أبواب المدد من كتاب
الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الخلع والمباراة.
(5) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الخلع والمباراة.
66

وهل لها الرجوع بالبذل حينئذ وإن لم يجز له الرجوع باعتبار كون المانع من قبله، مع أنه يتمكن منه أيضا ولو بتطليق الأخت مثلا بائنا - كما مال إليه
بعض الناس - أو لا يجوز الرجوع، لعدم تناول النصوص (1) المزبورة المنحصر
فيها دليل جواز رجوعها للفرض خصوصا الأول (2) منها بل والثاني (3) والثالث (4)؟
ولعله الأقوى، ولا ينافي شيئا مما ذكرنا ما في شرح الإرشاد وغيره من نفي الخلاف
أو الاتفاق على كون البذل جائزا من جهتها المعلوم إرادة ذلك في الجملة منه
خصوصا بعد عدم ذكرهم له في سياق المسألة، وإنما ذكر في أثناء كلام لهم في غير
المقام، كما هو واضح بأدنى ملاحظة.
ثم إنه لا يخفى عليك ظهور الموثق (5) المزبور، وقوله عليه السلام في صحيح ابن
سنان (6): " ينبغي " إلى آخره المعلوم منه إرادة استحباب اشتراط مقتضى الخلع
فيه جواز (7) رجوعها ببعض البذل، وأنه يثبت له حق الرجوع بذلك ولا ينافي ذلك
قوله عليه السلام في الصحيحين (8): " ما أخذ منها " الظاهر في جميعه بعد أن لم يكن
ظاهرا في الشرطية، وأقصاه أن ذلك أحد أفراد الرد، فلا ينافي استفادة جواز الفرد
الآخر له وهو رد البعض من الموثق والصحيح، مؤيدا ذلك بأنه إذا صح لها الرجوع
بالجميع صح لها الرجوع بالبعض، لأن الحق لها، فلها إسقاط بعضه، كما لها
إسقاط جميعه، فإن عدم الرجوع في قوة الاسقاط، إذ لا يلزم منه رجوع العوض
الآخر.
ومن ذلك بان لك ضعف احتمال عدم جواز رجوعها بالبعض، لأن ذلك يقتضي

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث - 0 - 4 - 3.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 9.
(3) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث - 0 - 4 - 3.
(4) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث - 0 - 4 - 3.
(5) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3 - 4.
(6) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3 - 4.
(7) هكذا في النسختين الأصليتين والصحيح " في جواز ".
(8) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2 و 4.
67

صيرورة الطلاق رجعيا، وهو مشروط بعدم الاشتمال على العوض، والفرض بقاء
البعض عوضا، إذ لا فرق بين القليل والكثير، ومن ثم لو جعل ابتداء ذلك القدر
الباقي أو أقل منه كفى في البينونة، والجمع بين كون الطلاق رجعيا وبقاء العوض
في مقابلته جمع بين متنافيين، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص، على أن العوض
هنا المجموع دون البعض الباقي وإن كان صالحا لأن يكون عوضا لو وقع الخلع
عليه، فيصدق حينئذ بانتفاء البعض انتفاء العوض، ويثبت حكم الرجوع.
ومن الغريب ميله إلى ذلك في المسالك مستدلا له بما سمعت قال: " وفي صحيح
ابن بزيع (1) ما يرشد إليه، لظهوره في اعتبار رد الجميع، لأن " ما " من صيغ
العموم، فلا يترتب عليها الحكم بالبعض، وهو العمدة في الباب لصحته " وفيه ما لا يخفى
بعد الإحاطة بما ذكرناه.
وأضعف منه احتمال جواز رجوعها بالبعض، لأن البذل جائز من جهتها،
ولكن لا يجوز له الرجوع، لأن بقاء شئ من العوض مانع من رجوعه وهو حاصل،
إذ هو مع ما فيه مناف لقاعدة الاضرار، والتحقيق ما عرفت.
نعم الظاهر وجوب رد الجميع عليه إذا اختار الرجوع، لظهور ذيل صحيح
ابن سنان (2) في ذلك، بل هو مقتضى المعاوضة.
بقي شئ، وهو أن ظاهر النص والفتوى في المقام عدم الفرق في صيرورتها
بحكم الرجعية في جواز الرجوع بها بين فراقها بصيغة الخلع أو الطلاق كما ذكرناه
سابقا، وهو مؤيد لما ذكرناه سابقا من احتمال صيرورتها مطلقة رجعية لو بان
فساد البذل وإن كان بصيغة " خلعت " ولو لم يكن إجماعا منهم لأمكن القول هنا
أيضا بأنه إن كانت الصيغة هنا بلفظ " خلعت " ورجعت بالبذل فسد الخلع من أصله
وعادت الامرأة امرأة له بلا رجوع منها، بل ربما أمكن تنزيل صحيح ابن

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 0 -.
68

بزيع (1) عليه، بخلاف ما إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، فإنه حينئذ يبطل الخلع،
ويبقى الطلاق رجعيا أو غيره على حسب مورده، كما عرفته سابقا، وبذلك حينئذ
تنتظم كلماتهم التي منها قوله:
المسألة (الخامسة:)
(لو خالعها وشرط الرجوع (الرجعة خ ل) لم يصح) الشرط، لكونه
مخالفا للسنة (2) المقتضية كون الخلع طلاقا بائنا، بل يبطل الخلع أيضا، كما
صرح به في المسالك، لكنه شبه المعاوضة التي قد عرفت بطلانها ببطلان الشرط
فيها في محله، خلافا لابن إدريس كما تقدم تحقيق الحال فيه في كتاب البيع،
ولا يكون الخلع ببطلان الشرط طلاقا، لما عرفت من عدم انعقاد الطلاق به
عندهم، وأن العوض عندهم جزء مفهومه ومنه الشرط، فمع فرض بطلانه يبطل
أصل الخلع.
(وكذا) يبطل الشرط (لو طلق بعوض) لأنه شرط باطل على كل
حال، من غير فرق بين كون الخلع بصيغة " خلعت " أو صيغة الطلاق بعوض، نعم
في المسالك هنا أنه ينبغي أن يقع الطلاق رجعيا إن خلا من موجبات البينونة،
وإلا اتجه بطلانه، وهو مبني على مذاقه الذي قد تقدم النظر فيه، ضرورة عدم
الفرق في القصد بين كون مورد الطلاق رجعيا وغيره، فمع فرض عدم اقتضاء فساد
العوض أو الشرط فساد أصل الطلاق لكونهما قصدين متباينين يتجه صحة الطلاق
كيفما كان مورده، وإلا بطل فيهما، وظاهر الأصحاب عدم مدخلية العوض في
صحة قصد الطلاق، فيتجه في المقام المفروض فيه بطلان الشرط صحة الطلاق
وإن بطل المعنى المعاوضي الذي به صار خلعا على طريقة المعاوضة التي تبطل ببطلان

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الخلع والمباراة.
69

الشرط فيها وإن كان للنظر في أصل دعوى تمايز قصدي الطلاق والعوض وعدم
الارتباط بينهما على نحو المعاوضة لا في العوض ولا في الشرط مجال.
المسألة (السادسة:)
(المختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع) عندنا بلا خلاف ولا إشكال (لأن)
وقوع (الثاني) بها (مشروط بالرجعة) والفرض انتفاؤها، وكذا الظهار
والايلاء المعتبر في موردهما كونها زوجة، وهي بالخلع الذي هو تطليقة بائنة
صارت كالأجنبية، (نعم لو رجعت في الفدية فرجع) هو بها (جاز استئناف
الطلاق) لصيرورتها زوجة حينئذ، كما هو واضح.
المسألة (السابعة:)
(إذا قالت: " طلقني ثلاثا بألف، فطلقها قال الشيخ) فيما حكاه المصنف
والفاضل في محكي التحرير عنه: (لا يصح) عندنا (لأنه طلاق بشرط)
وفيه ما لا يخفى من أنه لا شرط في الفرض. (و) لذا قال المصنف مشيرا إلى النظر
فيه: (الوجه أنه طلاق في مقابلة بذل، فلا يعد شرطا) لكن في المسالك " الذي
رأيناه في كلام الشيخ خلاف ذلك، وأنه نقل البطلان معللا بالشرط في كلام آخر
يخالف ما نقله المصنف في اللفظ والمعنى، وهو أنه جعل مورد الشرط ما لو قالت:
" طلقني على أن لك علي ألفا " وهذا اللفظ هو المحتمل للشرط دون ما عبر به المصنف،
لأن الباء صريحة في العوض، قال في موضع من المبسوط: إذا قالت لزوجها:
" طلقني ثلاثا بألف درهم " فقال لها: " قد طلقتك ثلاثا بألف درهم " صح عند
المخالف، وعندنا لا يصح، لأن الطلاق الثلاث لا يقع عندنا بلفظ واحد، ولا يجب
أن نقول هنا أنها تقع واحدة، لأنها إنما بذلت العوض في الثلاث، فإذا لم يصح
70

الثلاث وجب أن يبطل من أصله، ثم قال: إذا قالت له: " طلقني ثلاثا على أن
لك علي ألفا " فطلقها صح الخلع، ولزمها الألف، وانقطعت الرجعة، وعندنا
لا يصح، لما قلناه، ولأنه طلاق بشرط، وقال في موضع آخر إن قالت له: " طلقني
ثلاثا بألف " فطلقها ثلاث فعليها الألف، وإن طلقها واحدة أو اثنتين فعليها
بالحصة، وعندنا أنه لا يصح أصلا، وقد مضى، وإن قالت له: " طلقني ثلاثا
على ألف " فالحكم فيه كما لو قالت بألف، وقال قوم في هذه: " إن طلقها ثلاثا
فله ألف، وإن طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق، ولم يجب عليها ما سمي، وفصل
بينهما بأن قال: إذا قالت بألف فهذه باء البذل، والبذل يقتضي أن يقسط على
المبذل، كما لو باعه ثلاثة أعبد بألف، وإذا قال: " علي ألف " علق الطلاق
الثلاث بشرط هي الألف، فإذا لم يوقع الثلاث، لم يوجد الشرط، فلم يستحق
شيئا ".
قلت: لا ريب في أن تعليل البطلان في العبارة المزبورة بصورة التعبير بعلى
لا الباء، مع أن مختاره كونها كالباء في إفادة العوضية وإن حكي عن بعضهم الشرطية،
لظهور قوله تعالى (1): " أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني
ثماني حجج " في العوض، بل هو المراد من قوله تعالى (2): " أتبعك على أن تعلمن
مما علمت رشدا " الآية، وأوضح منه " فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا
وبينهم " (3) إلى آخرها.
مضافا إلى إمكان دعوى فهم العرف منها ذلك من سائر استعمالاتها في أمثال
المقام، خصوصا بعد أن لم يذكر أحد أنها من أدوات الشرط وإن كان لا مانع من
قصد معناه فيها في بعض المقامات بضرب من التجوز أو غيره.
على أن الأمر في ذلك سهل، لأنها مسألة لفظية، فلا وجه للاطناب فيها كما
في المسالك، على أن المصنف لم يسند ذلك إلى الشيخ في المبسوط، ولعله في

(1) سورة القصص: 28 - الآية 27.
(2) سورة الكهف: 18 - الآية 66 - 94.
(3) سورة الكهف: 18 - الآية 66 - 94.
71

الخلاف، بل لعله في المبسوط في موضع غير ما نقله فإن من لاحظ المبسوط يعلم
تشويشه وكثرة تفريعه على مذاهب العامة والخاصة على وجه يشتبه الحال في كثير
من مقاماته، بل لا تنقيح في كثير من عباراته، ولعله لذا هجر استعماله في هذه
الأزمنة، واقتصر علي المنقول عنه في الكتب المعروفة.
وكيف كان (ف‍) تحقيق الحال في مفروض المسألة على أصولنا أنها (إن
قصدت الثلاث ولاء) من دون تخلل رجعة بزعم صحتها مفيدة للبينونة سواء
كان التثليث مترتبا أو مرسلا (لم يصح البذل) لكونه بذلا على أمر باطل،
ضرورة معلومية عدم وقوع الثلاث عندنا بذلك (وإن طلقها ثلاثا مرسلا) بأن
قال: " أنت طالق ثلاثا " فضلا عن المترتب الذي يقع فيه الثاني والثالث على المطلقة،
لما عرفت من عدم وقوعه بذلك ثلاثا عندنا على كل حال، بل هو في المرسل إما
باطل أو يقع واحدة على الخلاف السابق، فلا يملك البذل حينئذ بذلك. (لأنه
لم يفعل ما سألته) من الطلاق الثلاث المتقضي للبينونة، اللهم إلا أن تريد التلفظ
بذلك، وهو خروج عما نحن فيه.
(وقيل) كما عن موضع من المبسوط بناء على وقوع الواحدة بالأخير
(يكون له الثلث) من الألف، وكذا المترتب (ل‍) أنه هو بعد أن جعل
عوضا كان موزعا على الثلاث والفرض (وقوع الواحدة) قطعا في المترتبة، وفي
قول في المرسلة، فيكون لها ثلث الألف، وفيه أن الظاهر جعل البذل في مقابلة
المجموع الذي ينتفي بانتفاء بعضه، فلا يستحق شيئا، ولذا كان المحكي عن موضعين
آخرين من المبسوط عدم استحقاق شئ.
(أما لو قصدت الثلاث التي يتخللها رجعتان) ففي القواعد وغيرها (صح)
وظاهرها صحة ذلك خلعا، لكونه حينئذ بذلا على شئ صحيح له فائدة فقصد،
وفيه منع عموم أو إطلاق في أدلة الخلع على وجه يتناول الفرض بحيث تجري عليه
أحكام الخلع التي قد عرفت مخالفتها للأصل.
72

نعم قد يقال بصحته جعالة على إشكال تقدمت الإشارة إليه، ويأتي تحقيقه
في محلها، بل وكذا الاشكال في صحته صلحا كما أشرنا إليه سابقا.
بل ربما أشكل كونه خلعا أيضا بأن وقوع الثلاث على هذا الوجه يستدعي
تأخر الطلقتين الأخرتين عن استدعائها بتخلل الأول بينهما وبتخلل الرجعتين،
وذلك مناف لعقد الخلع كما سلف، وبأن البذل في مقابل الطلقات الثلاثة ورجوعه
في كل واحدة متوقف على رجوعها قبله بالبذل، فإن لم يحصل لم تصح الطلقات،
لكونها بائنة يتوقف على رجوعها ثم رجوعه ليصح الطلاق المتعقب، وإن حصل
لم يتحقق استحقاقه الألف، لأن رجوعها بالبذل يرفع استحقاقه له، فلا يكمل
له الألف في الثالثة، ولو قيل بأن البذل في مقابلة الثالثة خاصة ليسلم من توقفه
على رجوعها لم يحصل الفورية بين طلبها وجوابه أصلا.
وعن بعض الجواب عن الأخيرين باعتبار الفورية في الطلاق الأول خاصة،
وجعل الباقي من تتمة المقصود، واعتبر رجوعها في البذل بين الطلقات، لتوقف ما
طلبته عليه، والتزم توقف ملكه للألف على الثالثة، لأن بها حصل ما طلبته
فاستحق ما بذلته، فيكون الأولتان شرطا في استحقاق البذل على الثالثة لا جزء
من المطلوب.
وعن بعض آخر الجواب بأن شرطها ذلك إذن منها له وتوكيل في الرجوع
عنها في البذل، لاستلزام وقوع الثلاث على هذا الوجه تخلل الرجوع، فإذا بذلت
عليه العوض فقد أذنت له في فعل ما يتوقف عليه صحتها، فإذا طلق واحدة جاز له
الرجوع عنها في البذل لتصير رجعية، ثم يرجع ويطلق، ثم يرجع في البذل
كذلك ثم يرجع هو ويطلق.
وقد يناقش في الأول بأن رجوعها يمنع من تملكه للعوض المفروض في
مقابلة الطلقة المرجوع في عوضها، فلا يمكن الجمع بين كون الألف مبذولة في
مقابلة الثلاث وبين ثبوتها في مقابلة الأخيرة، لأن ثبوتها في مقابلة الأخيرة خاصة
يقتضي كون الأولتين رجعيتين، فلا يفتقر إلى رجوعها في العوض، وأيضا فإن مقتضى
73

لفظها كون العوض في مقابلة المجموع لا الثالثة خاصة.
وفي الثاني بأن صريح لفظها إنما هو بذل الألف في مقابلة طلاقه لها أما فعل
ما يتوقف عليه من رجوعها فلا، ولا يلزم من عدم صحة طلاقه بدون رجعتها
إذنها له في الرجعة، لجواز أن يوقع هو الطلاق ثم يتوقف على رجوعها بنفسها
في العوض، وأيضا فالمحذور السابق من جعل البذل في مقابلة الجميع وسقوط ما قابل
المرجوع فيه آت هنا.
وربما ظهر من بعضهم أنه لا حاجة إلى دعوى التوكيل منها، بل يجوز له
الرجوع بالأولتين، وإن كانتا متقابلتين، لعدم تمام الخلع الذي يتوقف رجوعه على
رجوعها بالبذل، وهو كما ترى أيضا، ولعل الأولى منه جعل البذل في مقابلة الثالثة
التي بها يتحقق الخلع، والأولتان مقدمة لتحقيق كونها ثالثة، وهما رجعيتان،
إلا أن فيه أيضا أنه خلاف ظاهر اللفظ، ومناف لترتيب صيغة الخلع بالفصل
بطلقتين ورجعتين، والفرض عدم كونهما من متعلقات صيغة الخلع.
ومن هنا جعل في المسالك " الحق في الجواب عنهما أن يقال: البذل إنما
دفع في مقابلة المجموع من حيث هو مجموع، لا في مقابلة كل واحد من الثلاث
على وجه التوزيع، ولا في مقابلة الثالثة خاصة، وحينئذ فلا يتحقق استحقاقه العوض
إلا بتمام الطلقات الثلاث، فالأوليان تقعان رجعيتين محضا، فله الرجوع فيهما
من غير أن يتخلل رجوعها في العوض، فإذا تمت الثلاث استحق العوض بتمامه،
لا في مقابلة الثالثة كما قيل، بل في مقابلة المجموع من حيث هو مجموع، وكانت
حينئذ بائنة بوجهين: كونها في مقابلة عوض، وكونها ثالثة، والأوليان رجعيتان،
لعدم بذل عوض في مقابلتهما من حيث إنهما مفردتان، بل من حيث إنهما جزء من
المجموع، وذلك لا يقتضي استحقاق شئ في مقابلتهما، فارتفع الاشكال الثاني. وأما
الأول فيرتفع بفورية الطلاق الأول لاستدعائها واتباعه بالباقي مع تخلل
الرجعتين على الفور، لأن مجموع ذلك مطلوب واحد وعقد واحد، فيكفي ترتب
74

أوله على استدعائها وإن بعد الجزء الأخير، كما لا يقدح بعد الجزء الأخير من
الطلاق الواحد عن الاستدعاء، وهما مشتركان هنا في الوحدة من حيث اتحاد
المطلوب، وكون البذل في مقابله، وإن افترقا بتعدد أحدهما في نفسه فإن ذلك
أمر آخر ".
قلت: لكن فيه ما ذكرناه من الاشكال، وهو عدم صلاحية تناول أدلة الخلع
لمثل المفروض، خصوصا بعد تخلل الرجعة المقتضية لعودها زوجة المنافية لكونها
جزء الخلع كما هو واضح، بل قد يقال بعدم معقولية ما ذكره، ضرورة كون حاصله
أن المجموع من حيث هو كذلك هو المقابل بالعوض، فينبغي أن يكون هو الخلع،
ولا يتعقل كون مجموع طلقات مستقلات طلاقا واحدا خلعيا، إذ هو كدعوى كون
مجموع بيوع مثلا بيعا واحدا، كما أنه لا يتعقل أيضا كون كل من الثلاث
طلاقا خلعيا، ولذا يتوقف رجوعه على رجوعها في الأولتين، وأنه بالتمام يكون
الطلاق طلاقا واحدا خلعيا، إذ هو كما ترى، خصوصا مع ملاحظة ما ورد من
النصوص (1) بأن الخلع تطليقة بائنة، بل ظاهر جميع النصوص كون الخلع تطليقة
واحدة بائنة، فلا تتناول المركب من الطلقات المتعددة بل المركب منها ليس طلاقا
شرعيا، بل هو نحو المركب من البيوع المتعددة، أقصى ما هنا جعل الشارع
الطلاق الثالث محرما لنكاحه لها حتى تنكح زوجا غيره، كما أنه جعل التاسع في
بعض الوجوه محرما أبدا، فالمتجه حينئذ دعوى الصحة في الفرض لا على جهة
الخلع، نعم يصح جعالة على البحث السابق.
وحينئذ (فإن طلق ثلاثا فله الألف، وإن طلق واحدة) كما عن المبسوط
(قيل له: ثلث الألف، لأنه جعلته في مقابلة الثلاث، فاقتضى تقسيط المقدار على
الطلقات بالسوية، وفيه تردد، منشأه جعل الجملة في مقابلة الثلاث بما هي فلا يقتضي
التقسيط مع الانفراد) خصوصا والطلقة ليست متقومة، والعمدة هنا الثالثة إن لم
يختص بها البذل.

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الخلع والمباراة.
75

(ولو كانت معه على طلقة) مثلا (فقالت طلقني ثلاث بألف فطلق
واحدة) لا بنية الأقل منه (كان له ثلث الألف) لقاعدة التوزيع.
(وقيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط: (له الألف إن كانت عالمة)
بعدم بقاء غير الواحدة وأنها تبين منه بها، لأن ذلك يكون قرينة على إرادة بذلها
في مقابلتها وأن غرضها الحرمة الكبرى، على معنى كمل لي الثلاث بألف (والثلث
إن كانت جاهلة) لقاعدة التوزيع (وفيه الاشكال) السابق.
وقيل: يستحق الألف على كل حال لحصول المراد بالثلاث بالواحدة،
وهي الحرمة الكبرى، وقيل: لا يستحق شيئا، لعدم حصول ما استدعته، بل هو
لا يملكه فلا يمكنه، والتوزيع قد عرفت ما فيه، ودعوى كون علمها بالحال قرينة
على ما عرفت ممنوعة، ومع فرضها يكون خروجا عن محل النزاع، وهو الذي
اختاره في المسالك.
ولو سألت الثلاث على هذا الوجه وكان يملك طلقتين فطلقها واحدة فله
ثلث الألف على الأول، وكذا على الثاني مع جهلها، ومع علمها فالنصف توزيعا
للألف على الطلقتين، ولا شئ له على الرابع، والثالث منتف هنا، نعم لو طلقها
تطليقتين استحق تمام الألف عليه، وثلثيه على الأول، بل وعلى الثاني مع الجهل،
وتمام الألف مع العلم، ولا شئ على الرابع.
76

المسألة (الثامنة:)
(لو قالت: " طلقني واحدة بألف " فطلق ثلاثا ولاء) بأن قال: " أنت
طالق ثلاثا " (وقعت واحدة) بناء على حصولها بذلك (و) حينئذ يكون
(له الألف) لاتيانه بما سألت إلا مع احتمال إرادتها الواحدة التي تحصل بغير
التركيب المزبور لغرض من الأغراض لها، فإن المتجه حينئذ صحته طلاقا لا
خلعا، لعدم كونه جوابا لما سألت، كما هو واضح، ولا فرق في الأول بين العالم
بالحال والجاهل.
لكن في المسالك " لو قيل بالفرق وتخصيص الحكم المذكور بالعالم كان وجها،
ويبقى الكلام في الجاهل الذي يجوز وقوع الثلاث، فإن قصد الألف في مقابلة الأولى
فكذلك، وإن قصدها في مقابلة غيرها أو مقابلة الجمع توجه عدم لزوم الألف، لأنه
لم يقصد تملكها في مقابلة الطلاق الصحيح، بل علق تملكها على أمر لم يتم له كما
لو طلقها ثلاثا ولاء وقصدها في مقابلة غير الأولى " وفيه أن المفروض كون الوقوع
بالارسال الذي لا يتصور فيه أولى وثانية وثالثة، اللهم إلا أن يريد التقدير.
(و) حينئذ يتجه فيه ما تسمعه فيما (لو قالت: طلقني واحدة بألف
فقال: أنت طالق فطالق فطالق) فإنه لا خلاف عندنا ولا إشكال في أنها متى قالت:
ذلك (طلقت بالأولى ولغا الباقي، فإن قال: الألف في مقابلة الأولى فالألف له،
وكانت الطلقة بائنة) لتحقق الخلع بها، ولغت الثانية والثالثة، لوقوعهما على
بائنة.
(ولو قال في مقابلة الثانية كانت الأولى رجعية) لأنها لم يقصد مقابلتها
بعوض وإن سألته هي، فإن المدار على قصده (وبطلت الثانية والفدية) فضلا عن
الثالثة، لعدم صحة الطلاق عندنا على المطلقة وإن كانت رجعية، وكذا لو قصد في
مقابلة الثالثة.
77

(ولو قال: في مقابلة الكل قال الشيخ: وقعت الأولى وله ثلث الألف)
بناء على التوزيع، وتبطل الثانية والثالثة وما خصهما من التقسيط، لوقوعهما على
مطلقة.
(وفيه إشكال من حيث إيقاعه ما التمسته) وهو الطلقة الصحيحة، فينبغي
استحقاقه الجميع إن نوى كون الفداء في مقابل الكل، لأن الخلع ليس معاوضة
محضة حتى يبطل باختلاف الايجاب والقبول في العوض، كما لو قال: " بعتك هذه
العبيد الثلاثة بألف " فقال: " قبلت واحدا معينا منها " فإنه لا يصح قولا واحدا،
وقد يدفع بأنه وإن لم يكن معاوضة محضة لكنه لما قصد كون الألف في مقابلة
الجميع فقد نوى فعل الأول بثلث الألف فلا يستحق الجميع، لأن هذا الاستدعاء
شبه الجعالة، ومع بذل الجاعل عوضا - فقبل القابل بنية التبرع أو بنية الأقل
لا يستحق الجميع، فكذا هنا.
نعم هذا يتم لو لم ينو شيئا، فإنه حينئذ يكون قد فعل ما التمسته، فيستحق
ما بذلته، ويجعل جوابه بقوله: " أنت طالق " أولا مطابقا لما التمسته أما مع جعله
في مقابل الكل فلا.
ولا يشكل ذلك بأن المتجه حينئذ عدم استحقاقه شيئا، لعدم مطابقة
الجواب السؤال، إذ هو حينئذ كما لو قالت: " طلقني بألف " فقال: " أنت طالق
بخمسمائة " لأنا نقول: الظاهر الصحة في المشبه به أيضا، كما عن الشيخ، لأنه
زاد جزاء خيرا، ولأنه قادر على إيقاعه بغير عوض، فأولى أن يقدر على إيقاعه
ببعض العوض المبذول الذي قد حصل إنشاؤه في ضمن إنشاء بذل الجميع، وقد عرفت
أن المقام ليس كالمعاوضات المحضة، بل هو من قبيل الداعي.
وكذا لا يشكل ما هنا بأنه مناف عدم الحكم بالتوزيع في المسألة السابقة،
لوضوح الفرق بين المقامين، فإنه في الأول قد أتى ببعض ما التمسته من الطلقات،
وهو غير موافق لغرضها، بخلاف المقام الذي قد أتى فيه بملتمسها بأنقص من
78

العوض الذي بذلته، فإن مرجعه إلى التبرع بالزائد عن الثلث، وليس كل ما فعل
ما التمسته يستحق عليه ما بذلته، فإنه لو نوى التبرع بالطلاق الملتمس بغير عوض
لا على وجه الجواب المطابق لم يستحق شيئا فكذا هنا بالنسبة إلى بعض العوض.
المسألة (التاسعة:)
(إذا قال أبوها: طلقها وأنت برئ من صداقها) أو بعضه بمعنى أنه بذل
له مالها في ذمته على طلاقها (فطلق صح الطلاق رجعيا) إن كان مورده كذلك
(ولم يلزمها الابراء، ولا يضمنه الأب) الذي هو أجنبي بالنسبة إلى ذلك مع
بلوغ البنت ورشدها، والفرض عدم وكالته، فلا ضمان عليه للزوج ولا للبنت بعد
عدم حصول الخلع والبراءة، نعم لو أجازت هي ذلك وقلنا بصحة الفضولي في ذلك
صح البذل وكان خالعا.
بل في المسالك " إن كان ولي عليها بصغر أو جنون أو سفه لم يصح أيضا،
لأنه إنما يملك التصرف فيما له غبطة وحظ، ولاحظ لها في هذا، كما لو كان
لها دين فأسقطه - بل قال -: لا فرق في ذلك بين إبرائه من الجميع أو البعض وإن
جوزنا له العفو عن بعضه، لأن العفو أمر آخر غير جعله عوضا عن الطلاق، وأيضا فإن
العفو عن البعض مشروط بوقوعه بعد الطلاق، كما تشعر به الآية، والبراءة هنا تكون
بنفس الطلاق فلا يقع " وإن كان فيه لا ما يخفى، ضرورة كون هذا التصرف بمالها
كغيره من أموالها يتبع فيه عدم المفسدة أو المصلحة على القولين، بل أقواهما الأول
في الولي الاجباري، ولا خصوصية للمقام، فينبغي بناء صحته وفساده على ذلك
لا الجزم بعدمه مطلقا، ولعل كلام المصنف وغيره منزل على الكبيرة الرشيدة
لا غيرها من المولي عليها التي يدور الحكم فيها على ما عرفت، من غير فرق بين
الولي الاجباري وغيره.
ثم إن ذكره السفيهة هنا مع الصغيرة والمجنونة لا يخلو من شئ، لأن السفيه
79

محجر عليه في التصرف فيما له، وليس عبارته مسلوبة ليقوم الولي مقامه في البذل،
كما تقدم تحرير الكلام فيه في محله.
المسألة (العاشرة:)
(إذا وكلت في خلعها مطلقا) صح، لمعلومية عدم اعتبار المباشرة في
البذل، فتشمله عمومات الوكالة و (اقتضى) إطلاق الوكالة الذي هو بمعنى
الاقتصار على التوكيل من غير ذكر المقدار لا عموما ولا خصوصا (خلعها بمهر
المثل) فما دون (نقدا بنقد البلد) بناء على انصرافه من الاطلاق المزبور
على نحو التوكيل في البيع والشراء وإن كان لا يخلو من نظر.
(وكذا) الكلام في (الزوج إذا وكل في الخلع وأطلق) على الوجه
المزبور اقتضى أيضا الخلع بمهر المثل فما فوق نقدا بنقد البلد (فإن بذل
وكيلها) المزبور ال‍ (زيادة على مهر المثل بطل البذل) أو كان موقوفا على
الإجازة، فإن لم تحصل بطل (ووقع الطلاق رجعيا) إن كان مورده كذلك،
وكان الخلع بصيغة الطلاق (ولا يضمن الوكيل) للأصل وغيره.
(ولو خلعا وكيل الزوج بأقل من مهر المثل بطل الخلع) إن لم تحصل
الإجازة (ولو طلق بذلك البذل لم يقع) الطلاق فضلا عن الخلع مع فرض
عدم الإجازة (لأنه فعل غير مأذون فيه) فيكون طلاق أجنبي، بخلاف ما لو طلق
الزوج بعوض بذله الوكيل فبان غير وكيل مثلا، فإنه يبطل الخلع ويصح طلاقا
كما هو واضح.
(ويلحق ب‍) فصل (الأحكام مسائل النزاع وهي) كثيرة لا يخفى
حكمها المبني على قواعد التداعي، ومن هنا المصنف منها على (ثلاث):
80

(الأولى:)
(إذا اتفقا في القدر) كالمأة ونحوها (واختلفا في الجنس)
كالدرهم والدينار والإبل والغنم مثلا (فالقول قول المرأة) بيمينها، كما عن
المبسوط والجواهر، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، لأنها هي المدعي عليها،
والموافق قولها لأصل البراءة، فتحلف يمينا على نفي دعواه، وفي المسالك " تحلف
يمينا جامعة بين نفي ما يدعيه وإثبات ما تدعيه " وفيه أن ما تدعيه لا حاجة لليمين
عليه، لثبوته باقرارها.
وعلى كل حال ليس للزوج أخذه لاعترافه بعدم استحقاقه له، وفي المسالك
" نعم لو أخذه على وجه المقاصة اتجه جوازه " وفيه أنه مناف لقاعدة ذهاب
اليمين بما فيها.
وكيف كان فقد أشكل في المسالك القول المزبور بأن " كلا منهما مدع
ومدعى عليه، والآخر ينكر ما يدعيه، والقاعدة في نظائره كالبيع والإجارة التحالف
إلى أن قال -: فلو قيل: إنهما يتحالفان ويسقط ما يدعيانه بالفسخ أو الانفساخ
ويثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما يدعيه الزوج كان حسنا، ولا يتجه هنا بطلان
الخلع، لاتفاقهما على صحته، وإنما يرجع اختلافهما إلى ما يثبت من العوض،
ويحتمل أن يثبت مع تحالفهما مهر المثل مطلقا لتسلط الدعويين بالتحالف،
خصوصا إذا كان الواجب منه مغايرا لما يدعيه الزوج حتى لا يدخل في ضمن
دعواه ".
وفي كشف اللثام بعد أن حكى عن الجامع قولا بالتحالف، وعن المبسوط أنه
حكاه عن العامة قال: " وهو أولى، فإذا تحالفا ثبت مهر المثل ".
قلت: لا يكاد يخفى وجه التحالف على مثل المصنف والفاضل وغيرهما، خصوصا
بعد أن ذكروا ذلك في نظائره، إلا أن ذلك منهم هنا مؤيد لما ذكرناه سابقا من
81

عدم كون الخلع عندهم من المعاوضات الصرفة، بل هو قسم من الفداء، وحينئذ يتجه
ما ذكروه، لعدم تعلق الدعوى بالمعاوضة، خصوصا بعد ما عرفته غير مرة من عدم
بطلان الخلع بفساد العوض، وليس هو إلا لكونه أمرا مستقلا لا تحلقه أحكام
المعاوضة، فليس الزوج إلا مدعيا به، وليست الامرأة إلا منكرة لما يدعيه،
ولا ينافي ذلك إقرارها له بغير ما ادعاه، وفي الحقيقة ليست هي مدعية على الزوج
شيئا.
ثم لو سلم كونه كالمعاوضات كان المتجه فسخ الخلع أو انفساخه لا الرجوع
إلى مهر المثل، واتفاقهما على الصحة غير مجد كما لا يجدي في البيع، للحكم شرعا
بنفي ما ادعاه كل منهما باليمين ولو اتفقا على عدم غيره.
ثم إن ما احتمله في المسالك أخيرا لا يتصور له وجه في صورة زيادة مهر
المثل على ما ادعاه الزوج، فإن الحكم به له مع اعترافه بعدم استحقاقه له
غير معقول، كما هو واضح، هذا كله في الاختلاف في الجنس بعد الاتفاق على
القدر.
أما لو انعكس بأن اتفقا على الجنس واختلفا في القدر فلا ريب في أن القول
قول المرأة في دعوى الأقل، للأصل كما في المعاوضات، وإن ذكرنا احتمال التحالف
فيها هناك إذا كان النزاع في تشخيص ما وقع عليه العقد، ومثله يجري هنا بناء على
أنه كالمعاوضة، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
82

المسألة (الثانية:)
(لو اتفقا على ذكر القدر) وهو المأة مثلا (دون الجنس واختلفا في
الإرادة قيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط: (يبطل و) هو كذلك بناء
على كون المراد بالاختلاف في الإرادة أن كلا منهما أراد غير ما أراده
الآخر، ضرورة سماع كل منهما في الأخبار عن إرادته، فيتحقق حينئذ اختلاف
المرادين.
نعم لو كان المراد الاختلاف فيما اتفقا عليه من الإرادة وقت العقد بأن يقول
أحدهما: أردنا كذا والآخر يقول: أردنا كذا يتجه حينئذ ما (قيل) من أن
(على الرجل البينة) ضرورة كونه كالمسألة السابقة إذ لا مدخلية للذكر بعد
فرض العلم بالإرادة.
ولعله لذا قال المصنف: (وهو أشبه) لما عرفت من كون مختاره في السابقة
ذلك، وعن العامة قول بالتحالف كالسابقة.
ولو كان اختلافهما في أصل الإرادة مع اتفاقهما على عدم ذكر الجنس فقال
أحدهما: أردنا جنسا معينا وقال الآخر: إنا لم نرد بل أطلقنا ففي المسالك " يرجع
النزاع إلى دعوى الصحة والفساد، ومن المعلوم تقديم مدعي الصحة بيمينه " قلت:
لكن عن التحرير إطلاق تقديم قول المرأة هنا كما في القواعد، قال: " لو اتفقا على
ذكر القدر واختلفا في ذكر الجنس بأن ادعى ألف درهم، فقالت: بل ألف مطلقا
فإن صدقته في قصد الدراهم فلا بحث، وإلا قدم قولها وبطل الخلع " ولعل ذلك
لأن دعوى الفساد ترجع إلى إنكار كون العوض المزبور المدعى به في ذمتها للزوج،
ولذا كان القول قولها فيه، وإلا فحق البينونة هو للزوج، وقد ثبت عليه باقراره
الذي لا يعارضه دعواها الفساد، لأن القول قوله فيها، وهذا بخلاف دعوى الصحة
83

والفساد في عقود المعاوضة التي مقتضى دعوى الفساد فيها ترتب المطالبة بالعوض أو
المعوض، وعلى ذلك مبنى كلامهم في:
المسألة (الثالثة:)
التي هي (لو قال: خالعتك على ألف في ذمتك فقالت: بل في ذمة زيد
فالبينة عليه واليمين عليها) كما عن الشيخ والمتأخرين. (و) حينئذ
(يسقط العوض عنها مع يمينها، ولا يلزم زيد) للأصل واعتراف الزوج
بكون البذل في ذمتها، ولكن تكون بائنة عنه لاعترافه بخلعها على الوجه الصحيح
شرعا.
(وكذا لو قالت) في جواب دعواه: (بل خالعك فلان والعوض عليه)
من غير فرق بين ذكرها على وجه يقتضي صحة الخلع أو فساده، لأن مبني المسألة
ما ذكرناه، لا مدعى الصحة والفساد الذي يقدم فيه مدعي الصحة على مدعي الفساد
(أما لو قالت) في جواب دعواه: (خالعتك بكذا وضمنه عني فلان أو يزنه عني
فلان لزمها الألف) لاقرارها (ما لم تكن بينة) على دعواها، (لأنها دعوى
محضة، ولا يثبت على فلان شئ بمجرد دعواها).
وكان الفاضل في القواعد شرح عبارة الشرائع بقوله " ولو ادعى عليها الاختلاع
فأنكرت وقالت: اختلعني أجنبي قدم قولها في نفي العوض عنها، وبانت بقوله،
ولا شئ له على الأجنبي، لاعترافه، وكذا لو قال: خالعتك على ألف في ذمتك
فقالت: بل في ذمة زيد، أما لو قالت: خالعتك بكذا وضمنه عني فلان أو يزنه
عني لزمها الألف ما لم يكن لها بينة " ولعل الصحيح " يؤديه عني فلان " ضرورة
أن دعواها الوزن لا تنافي دعواه وإن أقامت البينة، وإنما الذي ينافيها دعوى ضمان
الغير عنها أو الالتزام بتأديته عنها بوجه شرعي.
وعلى كل حال فما عن ابن البراج - من أن القول قوله وعليها البينة لأن
84

الأصل في مال الخلع أن يكون في ذمة الزوجة - واضح الضعف، والأصل المزبور
غير أصيل، خصوصا بعد ما عرفت غير مرة أن العوض في الخلع ليس من أركانه،
لا بمعنى صحته بدونه، بل المراد عدم اشتراط صحته بصحته، فالدعوى فيه حينئذ
لا مدخلية لها في الخلع.
ومن هنا حكم الأصحاب بأن القول قولها في نفيه وإن أجابت الدعوى بما
يقتضي فساد البذل، لعدم كون المقام من مدعي الصحة والفساد، خصوصا بعد أن
اقتضى إقرار الزوج بالخلع الصحيح تلف المعقود عليه، لعدم تمكنه من رد البضع
على كل حال، فدعواها الفساد حينئذ ترجع إلى دعوى نفي حق له عليها، لا إلى
إثبات حق لها عليه، نعم لو كانت دعوى الفساد منه ودعوى الصحة منها اتجه حينئذ
تقديم قولها بيمينها، لأنها تريد إثبات حق البينونة لها عليه، وهو بدعوى
الفساد يريد أن يثبت حق الرجوع له عليها، فتأمل جيدا، فإن المسألة في
غاية الدقة.
ولذا خفي مدركها على ثاني الشهيدين وبعض من تبعه، فإنه - بعد أن حكى
عن الشيخ القول الأول ونسبه إلى عمل المتأخرين، وعن ابن البراج القول الثاني
قال -: " والقولان مطلقا غير منقحين، والتحقيق أن نقول: دعواها وقوع المخالعة
منها على الألف في ذمة زيد، إما أن يكون بمعنى أن لها في ذمة زيد ألفا فخالعته
بها، أو بمعنى أنها خالعته بألف يثبت له في ذمة زيد ابتداء من غير أن يكون لها عند
زيد ألف، فإن أرادت المعنى الأول فلا يخلو إما أن يوافقها الزوج على أن لها في
ذمة زيد ألفا أولا، وعلى تقدير عدم موافقتها إما أن يكون زيد مقرا لها بالألف
أولا، فإن كان الزوج موافقا لها على ثبوت الألف في ذمة زيد، وزيد مقر لها بنى قبول
قولها على أن العقد على دين في ذمة الغير هل يجوز أم لا، وكلامهم هنا قد يؤذن
بجوازه، لكن لم ينبهوا عليه في الفدية وشرائطها، وجوازه في البيع محل نظر،
وأما هنا فلا يبعد الجواز للتوسع في هذا العقد بما لا يتوسع به في المعاوضة المحضة،
85

فإن جوزنا ذلك فالقول قولها، لاتفاقهما على خلع صحيح على التقديرين، وهو
مع ذلك يدعي شغل ذمتها بالعوض، ومجرد الخلع أعم منه، والأصل براءة ذمتها
منه، وإن لم نجوز ذلك أو لم يكن زيد مقرا بالحق ولم يعترف الزوج بثبوتها
في ذمته فالنزاع يرجع إلى صحة الخلع وفساده، لأن دعواها تقتضي فساده، حيث
لم يسلم فيه العوض، وهو يدعي صحته، ومقتضى القاعدة المستمرة تقديم قوله، وإن
أرادت بكونها في ذمة زيد المعنى الثاني - وهو أنها خالعته بعوض لا يثبت في ذمتها،
بل في ذمة زيد ابتداء، بأن كان ذلك مع دعواها الوكالة عنه في الخلع ووافق - بنى
على جواز خلع الأجنبي المتبرع، وإن لم تدع ذلك أو لم يوافق لدعواها يرجع
إلى فساد الخلع، وهو يدعي صحته فيكون قوله مقدما، وقد ظهر بذلك أن
تقديم قولها في هذه الصورة مطلقا غير جيد. والظاهر أن موضوع المسألة ما إذا
وقع الخلع بدين لها في ذمة زيد ليتصور بناء الصحة على التقديرين، وربما
تعارض على هذا التقدير الأصل والظاهر، لأن الأصل براءة ذمتها وعدم التزامها
بالمال، والظاهر من المخالعة التزام العوض. وعلى كل حال فهذه الصورة مفروضة
في اتفاقهما على وقوع العقد بينهما لا بينه وبين الأجنبي، لأن ذلك يأتي في
الصورة الثانية ".
وهو من غرائب الكلام، وما كنا نرجو وقوع مثله من مثله، فإنه قد اشتمل
على عجائب نسأل الله تعالى العصمة منها، خصوصا توقفه في البيع بشئ مثلا في ذمة
زيد، وخصوصا حمل كلامهم مع إطلاقه بل ظهوره في غير ما ذكره على خصوص
ما إذا كان لها في ذمة زيد مأة مع إقراره بها وعلم الزوج بذلك، على أن المتجه فيه
بناء على مذاقه في المسألة التداعي والتحالف والرجوع إلى مهر المثل، ضرورة
أنه كالاختلاف بالجنس. بل هو منه كما هو واضح. وكذا كلامه في الصورة الثانية
التي حكمها حكم الأولى كما عرفت وإن كان هو دون ذلك.
قال: " الثانية أن يدعي أنه خالعها بألف في ذمتها أيضا فأنكرت وقوع
العقد معها مطلقا، وقالت: بل اختلعني فلان الأجنبي والمال عليه، وقد أطلق
86

المصنف تبعا للشيخ تقديم قولها أيضا في نفي العوض، لأصالة براءة ذمتها منه،
ولا شئ للزوج على الأجنبي لاعترافه بأن الخلع لم يجر معه وتحصل البينونة بقول
الزوج، ولا يقال: إنه أقر بعقد أنكرته المرأة وصدقناها بيمينها فيلغو ويستمر
النكاح، كما لو قال: " بعتك هذه العين بكذا " فأنكر صاحبه وقبلنا قوله
بيمينه، فإن العين تبقى للمقر، وذلك لأن الخلع يتضمن إتلاف المعقود عليه، وهو
البضع، والبيع لا يتضمن إتلاف المعقود عليه، ألا ترى أن البيع يفسخ بتعذر العوض،
والبينونة لا تسترد، فإذا كان كذلك فاقراره بالخلع المتضمن للاتلاف إقرار بالاتلاف
فلا يرد، ونظيره من البيع أن يقول: بعتك عبدي هذا بكذا فأعتقته وأنكر فإنما يصدق
بيمينه (1) ويحكم بعتق العبد باقراره، فهذا تحرير الحكم المذكور، وهذا البحث
إنما يتم إذا قلنا بأن خلع الأجنبي المتبرع صحيح ليكونا متفقين على وقوع
العقد صحيحا، أما على ما يذهب إليه المصنف والشيخ بل الأكثر أشكل تقديم
قولها، لأنها حينئذ تدعي فساد الخلع، وهو يدعي صحته، فينبغي تقديم قوله،
إلا أن يقال: إن مرجع اختلافهما إلى وقوع عقد المعاوضة معها وهي تنكر ذلك،
فيقدم قولها، لأصالة عدم التزامها بذلك، كما لو ادعى أنه باعه شيئا فأنكر
وأضاف إلى ذلك دعوى بيعه من فلان، فإنه لا يسمع في حق الغير، ويقدم قوله في
نفيه، ولا يخلو ذلك من نظر، ولا ما بين المسألتين من الفرق، وعلى التقديرين
يحكم عليه بالبينونة بمجرد دعواه، لاعترافه بها، وإنما الكلام في ثبوت
العوض ".
قلت: كأنه رحمه الله لم يحم حول المسألة أصلا، وليته تنبه مما ذكره
أخيرا من أن البينونة ثابتة على كل حال والكلام في ثبوت العوض، ضرورة أنه
إذا كان الأمر كذلك فليس هو إلا مدع وهي منكرة، فضلا عن إساءة الظن بمثل

(1) هكذا في النسختين المخطوطتين: المبيضة والمسودة وفي المسالك " فإنا
نصدقه بيمينه ".
87

هؤلاء الأساطين أنه خفي عليهم ما لا يخفى على أصاغر الطلبة: من قاعدة تقديم
مدعي الصحة على مدعي الفساد، خصوصا بعد أن ملؤوا كتبهم منها، فما احتمل
في نفسه أن ذلك منهم لأمر آخر يحتاج إلى التأمل، وهو ما ذكرناه، ولعله قد
ظهر له حقيقة الحال في الروضة، ولذا لم يذكر شيئا من ذلك فيها، بل ذكر كما
ذكر الأصحاب، فلاحظ وتأمل، والله العالم. هذا تمام الكلام في الخلع.
(وأما المباراة)
التي بمعنى المفارقة (ف‍) هي قسم من الخلع، كما اعترف به في كشف
اللثام، بل هو مقتضى إثباتهم لها أحكام الخلع من دون دليل دل على تنزيلها
منزلته، بل هو مقتضى استدلالهم بآية الفدية (1) على الخلع وبعض أحكامه، مع
أنها في المباراة باعتبار ظهورها في كون المورد خوف عدم إقامتهما حدود الله تعالى
الذي هو كناية عن حصول الكراهة منهما، إلى غير ذلك من الأمارات الدالة على
أنها ضرب من الخلع، إلا أنها اختصت باسم خاص لمكان انفرادها عن مطلق الخلع
ببعض الأحكام، كما يومئ إليه قولهم: إنها تزيد على الخلع بأمور ثلاثة
وغيره، فهي حينئذ كالمرابحة والمواضعة والمساومة والمحاقلة والمزابنة في
البيع، وبذلك عطفت على الخلع في النصوص (2) واستحقت ذكر الكلام فيها
بالخصوص.
بل ربما كان ذلك هو السبب في تعريف الخلع بما لا يشملها، كما أنهم عرفوا
الطلاق بما لا يشمل الخلع، مع أنك قد عرفت كونه قسما من أقسامه، بل لعله

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2 و 4 والباب - 6 -
منه الحديث 1.
88

لذا توهم بعض الناس وجعل المباراة إيقاعا مستقلا مقابلا للخلع، ولم يعلم أن
مقابلتها باعتبار المعنى الخاص للخلع لا مطلقه، على نحو مقابلة السلم للبيع، وإلا
فهي قسم من المعنى العام للخلع الذي هو عبارة عن فدية الزوجة نفسها الكارهة
لإرادة الفك من قيد الزوجية، سواء كان ذلك مع كراهة الزوج أو لا، وإن كان
للقسم الأول بعض الأحكام الخاصة التي استحق بها اسم المباراة التي توهم من
ذلك لها أنها إيقاع خاص ينبغي اشتقاق صيغة له من اسمه كغيره من أسماء العقود
والايقاعات. بل تعارف في لسان الفقهاء أن المباراة (هو أن يقول: بارأتك على كذا
فأنت طالق).
(و) كيف كان ف‍ (هي تترتب على كراهة كل واحد من الزوجين
صاحبه) بلا خلاف أجده فيه بينهم، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى موثق
سماعة (1) عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام " سألته عن المباراة كيف هي؟ فقال:
يكون للمرأة شئ على زوجها من صداق أو من غيره ويكون قد أعطاها بعضه،
فيكره كل منهما صاحبه، فتقول المرأة لزوجها: ما أخذته منك فهو لي وما بقي
عليك فهو لك وأبارؤك، فيقول لها الرجل: فإن أنت رجعت في شئ مما تركت
فأنا أحق ببضعك ".
إنما الكلام في كون الكراهة هنا من المرأة هي الكراهة التي مر الكلام فيها
في الخلع أو أنه يكفي هنا مطلقها وإن قلنا بعدم الاكتفاء به في الخلع، بل لا بد
من زيادة تلك الألفاظ أو ما في معناها؟ قد يظهر من ذكرهم اعتبار كراهة الزوج
هنا زيادة على الخلع أن الكراهة منها متحدة فيهما، وإنما زادت باعتبار كراهة
الزوج، ولهذا لم يتعرضوا للبحث فيها بالنسبة إليها - كغيرها مما مر في
الخلع من المباحث اتكالا على المساواة بينهما فيما لم يثبت زيادته، لأنها كما
عرفت خلع بالمعنى الأعم.

(1) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3.
89

وقد يقال: إن إطلاقهم اعتبار الكراهة هنا مع شدة البحث فيها هناك يقتضي
كون المعتبر هنا ماهيتها بخلافها في الخلع، بل لعل ذلك هو ظاهر صحيح زرارة (1)
عن أبي جعفر عليه السلام " المبارأة يؤخذ منها دون الصداق، والمختلعة يؤخذ منها ما
شئت، أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر، وإنما صارت المبارأة يؤخذ منها
دون الصداق والمختلعة يؤخذ منها ما شاء لأن المختلعة تتعدي في الكلام، وتتكلم بما
لا يحل لها ".
ولكن لا ريب في أن الأقوى الأول، والمراد من الصحيح المزبور أن المختلعة
بالمعنى الأخص التي تختص الكراهة بها تعتدي بالكلام، وتتكلم ما لا يحل لها
بلا كراهة من الزوج تقتضي ذلك بخلاف المبارأة، فإنها وإن كانت كذلك أيضا إلا
أنها في مقابلة كراهة الزوج لها، خصوصا بعد ملاحظة اقتصار الأصحاب هنا على
غيره من الفوارق بينهما وبين الخلع.
على أن ذلك كله ساقط عندنا، لما عرفت من حمل تلك النصوص (2) على
إرادة بيان أصل الكراهة لا خصوص فرد منها، بل قلنا: إن مراد المشهور ذلك أيضا،
وحينئذ لا فرق بينهما في اعتبار أصل الكراهة، بل قد عرفت هناك قوة الاكتفاء بها
مع العلم بها وإن لم يصدر منها ما يدل على ذلك.
(و) على كل حال فلا خلاف في أنه (يشترط اتباعه) أي القول
المزبور في المباراة (بلفظ الطلاق) بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه
مستفيض أو متواتر، وحينئذ (فلو اقتصر المبارئ على لفظ المباراة لم يقع به فرقة،
ولو قال بدلا من " بارأتك ": " فاسختك " أو " أبنتك " أو غيره من الألفاظ صح إذا
اتبعه بالطلاق، إذ المقتضي للفرقة التلفظ بالطلاق لا غير) من الألفاظ المزبورة
التي هي كنايات في الطلاق والخلع، وقد عرفت عدم عقد الخلع فضلا عن الطلاق
بشئ منها، كما أنك قد عرفت كون المباراة قسما من الخلع الذي لا ينعقد بشئ

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
90

من ذلك.
نعم لو بارأها بلفظ الخلع اتجه حينئذ عدم الاتباع بالطلاق، بناء على عدم
اعتبار اتباعه به، وأنه بنفسه فاسخ للنصوص (1) السابقة التي مثلها في المقام
صريحا أو ظاهرا، كخبر حمران (2) " سمعت أبا جعفر عليه السلام يحدث يقول:
المبارأة تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما، لأن العصمة بينهما قد
بانت ساعة كان ذلك منها ومن الزوج " وموثق جميل بن دراج (3) عن أبي
عبد الله عليه السلام " المباراة تكون من غير أن يتبعها الطلاق " وغيرهما من النصوص (4)
الظاهرة في ذلك أيضا التي هي كنصوص الخلع بالنسبة إلى ذلك المبنية على أن
المباراة خلع، والخلع لا يحتاج إلى الاتباع بالطلاق إذا وقع بصيغته لا إذا وقع
بالكنايات.
وبذلك انكشفت الغمة التي وقعت على جملة من المصنفين في المقام، حيث
أنكروا على الأصحاب اشتراط اتباع المباراة بالطلاق مع اتفاق النصوص (5)
صريحا وظاهرا على خلافه، فمنهم من قدم إجماعهم عليها، ومنهم من قدمها عليه،
ولم يعلموا أن كلام الأصحاب مبني على ما ذكروه من صيغ المباراة التي هي
كنايات في الطلاق والخلع، كما صرحوا به في صيغة الخلع، كما أنهم لم يعلموا
أن ما في النصوص مبني على المباراة التي هي الخلع المؤداة بصيغته، لأنها قسم منه،
وليست إيقاعا جديدا اشتق لها صيغة من لفظها، بل هي كالمرابحة والمحاقلة والمزابنة
التي لا يشتق لها صيغة تقوم مقام البيع من لفظها، لأنها أقسام من البيع، وصيغتها
صيغته، ولكن اختصت بأسماء لمكان بعض أحكام، وكذلك المباراة التي
هي خلع، ولذا استفاضت النصوص بعدم احتياجها إلى الاتباع بالطلاق كالخلع.

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب الخلع والمباراة.
(2) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3 - 4 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3 - 4 - 0 -.
(4) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 3 - 4 - 0 -.
(5) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث - 0 -.
91

وبذلك يظهر لك أنه لا حاجة إلى الاستدلال للأصحاب بخبر (1)
" ليس ذاك إذا خلع " بناء على قراءته فعلا حتى يستدل بمفهومه على احتياج
المباراة للطلاق، مع أن صدره مناف لذلك، والتحقيق ما عرفت، والحمد لله
رب العالمين.
(و) بما ذكرناه مكررا في باب الخلع وفي المقام يظهر لك الوجه فيما
اتفقوا عليه من أنه (لو اقتصر) في مورد المباراة (على قوله: أنت طالق بكذا
صح، وكان مباراة إذ هي عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين الزوجين،)
بل قد عرفت أن الطلاق بالعوض،) بل قد عرفت أن الطلاق بالعوض لا مورد له إلا. الخلع والمباراة، كما أنك قد
عرفت عدم اعتبار قصد الخلع والمباراة في صحة ذلك مع فرض وقوعه في موردهما،
لأنهما من الطلاق، فيكفي في تحققهما قصد الطلاقية، وكون المورد صالحا
لهما.
وبذلك يظهر لك فساد ما في المسالك هنا المبني على مشروعية الطلاق بعوض
من دون خلع ولا مباراة، فاعتبر قصد الخلعية والمباراة مع فرض الوقوع بصيغة " أنت
طالق بكذا " ومع عدم قصد ولو لعدم الشرائط يكون طلاقا بعوض مشروعا في
نفسه، وقد عرفت مخالفته للكتاب (2) والسنة (3) والاجماع على عدم جواز حل
الفدية للزوج بدون ذلك، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.
(و) كيف كان فلا خلاف في أنه (يشترط في المبارئ والمبارأة ما يشترط
في المخالع والمخالعة) بل ولا إشكال، بناء على ما ذكرناه من كونها قسما من
الخلع الذي قد عرفت وفاء الأدلة بما سمعت من أحكامه المتعلقة بهما وبالفدية
وغير ذلك.

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 9.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الخلع والمباراة.
92

(و) من ذلك يعلم أنه (تقع الطلقة مع العوض بائنة ليس للزوج فيها
رجوع إلا أن ترجع الزوجة في الفدية فيرجع ما دامت في العدة، وللمرأة الرجوع
في الفدية ما لم تنقض عدتها) كما سمعت دليل ذلك كله في الخلع، مضافا إلى
قول الصادق عليه السلام في خبر زرارة ومحمد بن مسلم (1): " المباراة تطليقة بائنة، وليس
في شئ من ذلك رجعة " وقول أحدهما عليهما السلام في خبر إسماعيل الجعفي (2):
" المباراة تطليقة بائنة، وليس فيها رجعة " وإلى غير ذلك مما تقدم من النصوص
التي اشتمل بعضها على اشتراط الزوج عليها أنه إن رجعت بشئ من البذل فهو
أملك ببضعها الظاهر في الحكمين معا، نحو قول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير (3):
" المبارأة تقول المرأة لزوجها: لك ما عليك واتركني، أو تجعل له من قبلها شيئا،
فيتركها إلا أنه يقول: فإن ارتجعت في شئ فأنا أملك ببضعك ولا يحل لزوجها
أن يأخذ منها إلا المهر فما دونه " وفي موثق ابن سنان (4): " المبارأة: تقول
لزوجها: لك ما عليك وبارئني فيتركها، قال: قلت: فيقول لها: إن ارتجعت في
شئ فأنا أملك ببضعك، قال: نعم " وفي صحيح الحلبي (5): " المباراة أن تقول
المرأة لزوجها: لك ما عليك واتركني فيتركها، إلا أنه يقول لها: إن ارتجعت
في شئ فأنا أملك ببضعك ".
إلا أن ما فيها من اعتبار اشتراط ذلك في المباراة لم أجد به قائلا، بل
ظاهر اقتصارهم على غيره من الفرق بينها وبين الخلع عدمه، ومن هنا وجب حمله
على ضرب من الندب، وذلك لأن ذلك له إذا رجعت، كما أن لها أن ترجع
وإن لم يذكر هذا الشرط بينهم كما سمعته في الخلع، وكذا بقية أحكامه التي

(1) الاستبصار ج 3 ص 319.
(2) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 5.
(4) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4 - 5.
(5) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 1.
93

لا خلاف في جريانها في المقام بل ولا إشكال، لما عرفت من أنها قسم من الخلع، بل
هذه النصوص يستفاد حكم الرجوع ببعض الفدية الذي قد عرفت البحث فيه
سابقا.
(و) كيف كان ف‍ (المباراة كالخلع) في جمع ما تقدم (لكن المباراة)
تفترق عنه بأمور ثلاثة:
أحدهما: أنها) تترتب على كراهة كل من الزوجين) ل‍ (صاحبه، ويترتب
الخلع) المقابل لها (على كراهة الزوجة) خاصة.
(و) ثانيها: أنه (يأخذ في المباراة بقدر ما وصل إليها منه) من المهر
(ولا يحل له الزيادة وفي الخلع جائز) لما عرفت، بلا خلاف أجده في عدم جواز
الزيادة، بل الاجماع بقسميه عليه، بل عن جماعة من الأصحاب عدم جواز أخذ
المساوي، بل لا بد أن يقتصر على الأقل، لما سمعته من صحيح زرارة (1) السابق
الصريح في أن المباراة يؤخذ منها دون الصداق، والمرسل في الفقيه (2) " أنه روي
أنه لا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر من مهرها، بل يأخذ منها دون مهرها " إلا
أن ذلك لما كان منافيا لعموم تسلط الناس على أموالهم (3) وقوله تعالى (4):
" فإن طن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه " و " فيما افتدت " (5) وغير ذلك ومعارضا
بصحيح أبي بصير (6) السابق وجب إرادة المهر فما دون من العبارة المزبورة التي عبر

(1) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 1.
(3) البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 4.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(6) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4.
94

بمثلها عن ذلك في غير مقام، ومن هنا كان الأقوى ذلك وفاقا للمشهور.
(و) ثالثها: أنها (تقف الفرقة في المباراة) التي فسرها المصنف بأن
يقول: بارأتك (عليه التلفظ بالطلاق اتفاقا منا) بقسميه. (وفي الخلع على
الخلاف) السابق الذي عرفت الحال فيه، كما أنك عرفت التحقيق في المباراة،
والله العالم.
95

(كتاب الظهار)
الذي هو مصدر " ظاهر " مثل " قاتل " مأخوذ من الظهر، لأن صورته
الأصلية أن يقول الرجل لزوجته: " أنت علي كظهر أمي " وخص الظهر لأنه
موضع الركوب، والمرأة مركوبة وقت الغشيان، فركوب الأم مستعار من ركوب
الدابة، ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع، وهو استعارة
لطيفة، وكان طلاقا في الجاهلية محرما أبدا، وحرم في الاسلام، فقال: " والذين
يظاهرون " (1) إلى آخرها.
والسبب في نزولها على ما في خبر حمران (2) عن أبي جعفر عليه السلام المروي عن
تفسير علي بن إبراهيم قال: " إن امرأة من المسلمات أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت:
يا رسول الله إن فلانا زوجي، وقد نشرت له بطني وأعنته على دنياه وآخرته، لم
يرمني مكروها أشكوه إليك، قال: فبم تشكينه؟ قالت: إنه قال: أنت علي
حرام كظهر أمي وقد أخرجني من منزلي، فانظر في أمري، فقال لها رسول الله
صلى الله عليه وآله. ما أنزل الله تبارك وتعالى كتاب أقضي فيه بينك وبين زوجك،
وأنا أكره أن أكون من المتكلفين، فجعلت تبكي وتشكي ما بها إلى الله تعالى عز

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 2 وذكر ذيله في الباب - 2 -
منه الحديث 1، البحار ج 104 ص 166 ط الحديث.
96

وجل وإلى رسول الله صلى الله عليه وآله. وانصرفت، قال: فسمع الله تبارك وتعالى مجادلتها
لرسول الله صلى الله عليه وآله في زوجها وما شكت إليه، فأنزل الله عز وجل في ذلك قرآنا:
بسم الله الرحمن الرحيم قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله،
والله يسمع تحاور كما إن الله سميع بصير * الذين يظاهرون منكم من نسائهم
ما هن أمهاتهم، إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، وإنهم ليقولون منكرا من القول
وزورا، وإن الله لعفو غفور (1) قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المرأة فأتته،
فقال: جئني بزوجك فأتت به، فقال له: قلت لامرأتك هذه: أنت علي حرام كظهر
أمي؟ فقال: قد قلت لها ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: قد أنزل الله تعالى فيك
وفي امرأتك قرآنا، فقرأ عليهما الآيات، ثم قال: فضم إليك امرأتك، فإنك قد
قلت منكرا من القول وزورا، وقد عفى الله عنك وغفر لك ولا تعد، قال: فانصرف
الرجل وهو نادم على ما قال لامرأته، وكره الله عز وجل ذلك للمؤمنين بعد،
وأنزل الله تعالى شأنه (2): " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا "
يعني ما قال الرجل الأول لامرأته: أنت علي حرام كظهر أمي، قال: فمن قالها
بعد ما عفى الله وغفر للرجل الأول فإن عليه تحرير رقبة من قبل أن يتماسا،
يعني مجامعتها، ذلكم توعظون به، والله بما تعملون خبير، فمن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين، يعني من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فاطعام ستين مسكينا،
قال: فجعل عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا، ثم قال: ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله،
وتلك حدود الله، قال: هذا حد الظهار، قال حمران: وقال أبو جعفر عليه السلام: ولا
يكون ظهار في يمين ولا في غضب، ولا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة
شاهدين مسلمين ".
وهذا الرجل المزبور الذي هو مورد نزول آية الظهار أوس بن الصامت،

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 1 و 2.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
97

وزوجته خولة بنت المنذر، لخبر ابن أبي عمير عن أبان (1) وغيره، عن أبي عبد الله
عليه السلام المروي في الفقيه، قال: " كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يقال له:
أوس بن الصامت كان تحته امرأة يقال لها: خولة بنت المنذر، فقال لها ذات يوم:
أنت على كظهر أمي ثم ندم، فقال لها: أيتها المرأة ما أظنك إلا وقد حرمت
علي، فجائت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فقالت يا رسول الله: إن زوجي قال لي: أنت علي
كظهر أمي، وكان هذا القول فيما مضى يحرم المرأة على زوجها، فقال لها رسول
الله صلى الله عليه وآله: ما أظنك إلا وقد حرمت عليه، فرفعت المرأة يدها إلى السماء، وقالت:
أشكو إلى الله تعالى فراق زوجي، فأنزل الله تعالى يا محمد " قد سمع " - إلى
آخرها - ثم أنزل الله عز وجل الكفارة في ذلك، فقال: " والذين يظاهرون من
نسائهم " إلى آخرها. وإن لم يكن بالتفصيل المزبور الذي فيه أن الكفارة على غير
الرجل المزبور ممن يفعل فعله بعد نزول الآية.
لكن عن المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني (2)
باسناده إلى علي عليه السلام " وأما المظاهرة في كتاب الله تعالى فإن العرب كانت إذا ظاهر
رجل منهم من امرأته حرمت عليه إلى آخر الأبد، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كان بالمدينة رجل من الأنصار يقال له: أوس بن الصامت، وكان أول رجل ظاهر
في الاسلام، فجرى بينه وبين امرأته كلام، فقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم
إنه ندم على ما كان منه، فقال: ويحك إنا كنا في الجاهلية تحرم علينا الأزواج في
مثل هذا قبل الاسلام، فلو أتيت رسول الله فسألته عن ذلك، فجاءت المرأة إلى
رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبرته، فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمت عليه إلى آخر الأبد،
فجزعت وبكت، وقالت: أشكو إلى الله فراق زوجي، فأنزل الله عز وجل: قد سمع
- إلى - قوله والذين يظاهرون، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قولي لأوس زوجك: يعتق
نسمة، قالت: وأني له نسمة، والله ما له خادم غيري، قال: فيصوم شهرين متتابعين،
فقالت: إنه شيخ كبير لا يقدر على الصيام، فقال: مريه فليتصدق على ستين مسكينا،

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 4.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 4.
98

فقالت: وأني له الصدقة، فوالله ما بين لابيتها أحوج منا، قال: فقولي له فليمض إلى
أم المنذر فليأخذ منها شطر وسق تمر، فليتصدق على ستين مسكينا " وهو ظاهر
في أن الكفارة كانت على الرجل المزبور، والأمر في ذلك سهل.
(و) كيف كان ف‍ (النظر فيه) أي في كتاب الظهار (يستدعي بيان
أمور خمسة).
(الأول)
(في) قول (الصيغة)
(وهو) يتحقق ب‍ (أن يقول: أنت على كظهر أمي) بلا خلاف
نصا (1) وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه من المسلمين فضلا عن المؤمنين
(وكذا) يتحقق (لو قال) بدل " أنت " (هذه) أو " زينب " (أو ما
شاكل ذلك من الألفاظ الدالة على تميزها) بلا خلاف أجده فيه أيضا، لظهور
المثالية فيما ورد من النصوص (2) بلفظ " أنت " نعم قد يقال باعتبار التلفظ بما يدل
عليها، فلو قال: " كظهر أمي " مضمرا لاسمها لم يقع، للأصل وغيره.
(و) كذا (لا عبرة باختلاف ألفاظ الصلات كقوله: أنت مني أو
عندي) أو لدي أو علي أو نحو ذلك، لظهور اختلاف ما ورد من النصوص (3) فيها

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار والباب - 2 - منه الحديث 2 والباب
- 4 - منه الحديث 2 و 3.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار والباب - 2 - منه الحديث 2 والباب - 4 -
منه الحديث 2 و 3 والباب - 9 - والباب - 13 - الحديث 5 والباب - 16 - منه.
99

بعدم اعتبار لفظ مخصوص منها، بل الظاهر عدم اعتبارها أصلا، فلو قال: " أنت
كظهر أمي " صح كما لو قال: " أنت طالق " واحتمال الفرق بينهما - باحتمال
صيغة الظهار مجردة عن الصلة كونها محرمة على غيره حرمة ظهر أمه عليه،
بخلاف الطلاق، فإنه لا طلاق وهي في حبسه دون حبس غيره - لا وجه له بعد ظهور
إرادة الظهار له، فما عن التحرير من التوقف مع حذف الصلة لا يخلو من نظر،
وكذا لا يعتبر في التشبيه لفظ الكاف قطعا، بل يكفي " مثل " ونحوها وفي الاكتفاء
بدون أداة التشبيه وجه، لكن الأحوط إن لم يكن الأقوى خلافه.
(و) كيف كان ف‍ (لو شبهها بظهر إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا
كالأم والأخت فيه روايتان): صحيح زرارة (1) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الظهار
فقال: هو من كل ذي محرم: أم أو أخت أو عمة أو خالة، ولا يكون الظهار
في يمين، قال: قلت: كيف يكون؟ قال: يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في غير
جماع: أنت علي حرام مثل ظهر أمي أو أختي وهو يريد بذلك الظهار " وصحيح
جميل بن دراج (2) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يقول لامرأته: أنت على
كظهر عمته أو خالته، قال: هو الظهار " ومرسل يونس (3) الآتي عن أبي عبد الله
عليه السلام " وكذلك إذا هو قال: كبعض المحارم " دالة على تحقق الظهار مؤيدة
باطلاق أدلته.
وصحيح سيف التمار (4) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يقول لامرأته:
أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي، قال: إنما ذكر الله الأمهات، وإن
هذا لحرام " مؤيدا بالأصل.
ولكن لا يخفى عليك أن (أشهرهما) رواية وفتوى (الوقوع) لانقطاع

(1) ذكر صدره في الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 1 وذيله في
الباب - 2 - منه الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 4 - 3.
(3) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 4 - 3.
(4) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 4 - 3.
100

الأصل بالنصوص المزبورة المعلوم رجحانها على صحيح سيف القابل لإرادة بيان
أن المذكور في الآية الأمهات، وهو كذلك، ولكن لا ينافي ثبوت التحريم من
السنة وأن قوله عليه السلام: " وإن هذا لحرام " جواب للسائل، فيكون حينئذ كالأخبار
السابقة، فلا ريب في أن الأقوى الوقوع.
إنما الكلام في تنزيل الرضاعيات منزلة النسبيات في ذلك، فقيل به، لقوله صلى
الله عليه وآله (1): " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ولعموم قوله عليه السلام في
الصحيح (2) السابق: " كل ذي محرم " وقيل: لا يقع، للأصل وانسياق النسبيات
من المحرم والمحارم، والتنزيل المزبور هو في التحريم خاصة لا ما يشمل
انعقاد صيغة الظهار.
ومن الغريب ما في المسالك من رد ذلك بأن " من " في الخبر إما تعليلية، مثلها
في قوله تعالى (3): " مما خطيئاتهم أغرقوا " أو بمعنى الباء، كما في قوله تعالى (4):
" ينظرون من طرف خفي " والتقدير يحرم لأجل الرضاع أو بسببه ما يحرم لأجل
النسب أو بسببه، وكلاهما مفيد للمطلوب، لأن التحريم في الظهار بسبب النسب ثابت
في الجملة إجماعا، فيثبت بسبب الرضاع كذلك، إذ هو كما ترى أجنبي عن انعقاد صيغة
الظهار به.
ومن هنا بان لك أن الأقوى عدم الوقوع بالأم الرضاعية فضلا عن غيرها،
كما أنه بان لك الوقوع بالتشبيه بالمحارم كالأخت والعمة فضلا عن الجدات
التي هن أمهات حقيقة في أحد القولين وإن كان الظاهر انسياق الوالدة بلا واسطة
من الأم، بل بان لك أيضا الحال في الصور الست المذكورة في المسالك.
(ولو شبهها) أي الزوجة (ب‍) أن قال: هي أو ما قام مقام ذلك عليه ك‍ (يد

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 من كتاب النكاح. (2) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 1.
(3) سورة نوح ع: 71 - الآية 25.
(4) سورة الشورى: 42 - الآية 45.
101

أمه أو شعرها أو بطنها) أو غير ذلك من أجزائها - من غير فرق بين ما يتوقف
حياتها عليه أو لا يتوقف ولا بين ما حلته الحياة من الأجزاء وبين غيره (قيل:
لا يقع) والقائل المرتضى، بل قيل والمتأخرون، بل في انتصاره أنه مما انفردت
به الإمامية (اقتصارا) فيما خالف الأصل بل الأصول (على منطوق
الآية) (1) وغيرها من أدلة الظهار المنساق غير المفروض منها ولو من ملاحظة
المبدأ.
(و) لكن (بالوقوع رواية فيها ضعف) وهي رواية سدير (2) عن
الصادق عليه السلام " قلت له: الرجل يقول لامرأته: أنت علي كشعر أمي أو كقبلها
أو كبطنها أو كرجلها، قال: ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار " ولكن هي
منجبرة بما عن الشيخ في الخلاف من الاجماع على ذلك، بل وبعمل الصدوق والقاضي
وابن حمزة، فإن ذلك مع روايتها في التهذيب الذي هو أحد الكتب المعتبرة
المتبينة كاف في جواز العمل بها، خصوصا بعد اعتضادها بمرسل يونس (3) عن
أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل قال لامرأته: أنت على كظهر أمي أو كيدها
أو كبطنها أو كفرجها أو كنفسها أو ككعبها أيكون ذلك الظهار؟ وهل يلزم
فيها ما يلزم المظاهر؟ فقال: المظاهر إذا ظاهر امرأته فقال: هي علي كظهر أمي
أو كيدها أو كرجلها أو كشعرها أو كشئ منها ينوي بذلك التحريم فقال:
لزمه الكفارة في كل قليل منها أو كثير، وكذلك إذا قال هو: كبعض ذوات المحارم
فقد لزمته الكفارة " ولا معارض لذلك سوى انسياق صوغ الصيغة من الاسم، وهو
غير صالح للمعارضة، خصوصا بعد ملاحظة صوغ الصيغة في سائر العقود من غير مبدأ

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 2 و 3.
(2) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الظهار الحديث 2 وفيه " ككفها " بدل " كقبلها "
كما في " التهذيب ج 8 ص 10.
(3) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الظهار الحديث 1 وذكر ذيله في الباب - 4 -
منه الحديث 4.
102

اسمها، وسوى ما في صحيح زرارة (1) وخبر جميل (2) السابقين الذين لم يسق
الحصر فيهما لما ينافي ذلك، وعلى تقديره فلا يصلح لمعارضة المنطوق المزبور، وهذا
كله في التشبيه بغير الظهر من الأم.
(أما لو شبهها بغير أمه بما عدا لفظة الظهر) من اليد والرأس وغيرهما
(لم يقع قطعا) للأصل السالم عن معارضة ما دل على (3) إلحاق المحارم بالأم
بعد أن كان في خصوص التشبيه بالظهر، ولكن فيه أنه وإن كان مورده ذلك إلا أنه
ظاهر - خصوصا مرسل يونس (4) منها - في كون غير الأم كالأم في تحقق
الظهار بالتشبيه بها، سواء كان بالظهر أو غيره، خصوصا بعد معلومية كون الظهار
معنى متحدا، فالأقوى الصحة إن لم يكن إجماعا، كما عساه يشعر به لفظ القطع في
عبارة المتن، لكن عن المختلف أن بعض علمائنا قال بوقوعه، وآخرين بعدمه،
ونحوه عن ابن إدريس.
(ولو) شبه الجملة بالجملة بأن (قال: أنت) على (كأمي أو مثل أمي
قيل) والقائل الشيخ ومن تبعه: (يقع إن قصد به الظهار) ولعله الأقوى، لفحوى
الخبرين (5) السابقين بل قيل: إنه أولى بالتحريم، لاشتمالها على تلك الأجزاء
التي منها الظهر الذي هو محل النص (6) والفتوى، مؤيدا ذلك باطلاق أدلة الظهار
الذي صار معناه ولو بمعونة النصوص (7) إنشاء تحريم الزوجة عليه، وأنها كأمه أو
باقي محارمه، خلافا للأكثر كما في المسالك، وهو مبني على اعتبار ذكر الظهر
في الحرمة، وقد عرفت ما فيه.
ومنه يعلم ما في قول المصنف (وفيه إشكال منشأه اختصاص الظهار بمورد
الشرع والتمسك في الحل بمقتضى الأصل (العقد خ ل)).

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 0 - 4.
(4) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 0 - 4.
(5) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الظهار الحديث 1 و 2.
(6) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار.
(7) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار.
103

ولو شبه بعض أجزاء الزوجة بجملة الأم مريدا به الظهار فالظاهر الصحة
أيضا بناء على ظهور الخبرين (1) في الاكتفاء بالكناية في تحقق الظهار مع القصد،
وهذا منها.
وكذا لو شبه جزء الزوجة بظهر الأم، بل وكذا لو شبه الجزء بالجزء،
كما لو قال: " يدك علي كيد أمي " مريدا به الظهار، وأولى من ذلك ما لو شبه
جملة الزوجة بجملة غير الأم من المحارم.
(و) بالجملة فالمدار على إنشاء تحريم الزوجة عليه بتشبيهها بإحدى
المحرمات النسبية من غير فرق بين الصريح والكنائي.
نعم (لو شبهها بمحرمة بالمصاهرة تحريما مؤيدا كأم الزوجة وبنت
زوجته المدخول بها وزوجة الأب والابن لم يقع الظهار) للأصل بعد انصراف
المحرم أو المحارم إلى النسبيات، فما عن المختلف من التحريم أيضا لا يخلو من
نظر.
(وكذا لو شبهها بأخت الزوجة أو عمتها أو خالتها) مما يحرم في حال
لا مطلقا، ضرورة كون حكمها حكم الأجنبية في جميع الأحكام، لأن تحريمها
يزول بفراق الأم والأخت، كما يحرم جميع نساء العالم على المتزوج أربعا ويحل
له كل واحدة ممن ليست محرمة بغير ذلك على وجه التخيير بفراق واحدة من
الأربع، بل عمة الزوجة وخالتها لا تحرم عينا ولا جمعا، إنما تحرم على وجه
مخصوص، كما هو واضح.
(و) أولى من ذلك بعدم حصول التحريم (لو قال: كظهر أبي أو أخي
أو عمي) فإنه (لم يكن شيئا) بلا خلاف أجده، بل في المسالك هو محل وفاق،
للأصل ولأن الرجل ليس محلا للاستمتاع، ولا في معرض الاستحلال، خلافا
لبعض، فحرمه قياسا على محارم النساء (وكذا لو قالت هي: أنت علي كظهر
أبي أو أمي) لأن الظهار من أحكام الرجال كالطلاق إجماعا.

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب الظهار الحديث 1 و 2.
104

(ويشترط في وقوعه حضور عدلين يسمعان نطق المظاهر) على نحو الطلاق
بلا خلاف أجد فيه نصا (1) وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه، نعم في المسالك
" وأما اشتراط كونهما عدلين فلا دليل عليه إلا من عموم (2) اشتراط العدالة في
الشاهدين، وفي إثبات الحكم هنا بمثل ذلك ما لا يخفى من الاشكال، وقد تقدم
في الطلاق رواية (3) بالاجتزاء فيهما بالاسلام، كما أطلق هنا " وقد عرفت البحث
معه هناك.
(ولو جعله يمينا) جزاء على فعل أو ترك - قصدا للزجر عنه أو البعث على
فعل، سواء تعلق به أو بها، كقوله: إن كلمت فلانا أو إن تركت الصلاة فأنت
على كظهر أمي - (لم يقع) بلا خلاف أجده فيه، فإنه لا يمين بغير الله، ولقول
أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة (4) السابق: " لا يكون الظهار في يمين " وفي حسن
حمران (5) " لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب " ولا يقاس جوازه
على جوازه معلقا بناء عليه، لحرمة القياس عندنا، واتحاده في الصورة مع مفارقته
له في المعنى والقصد - لأن المراد من الشرط مجرد التعليق وفي اليمين الزجر
والبعث - لا يقتضي جوازه، خصوصا بعد ما سمعت من النص والفتوى، والله العالم.
(ولا يقع) إنشاؤه (إلا منجزا، فلو علقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة)
أو نحوهما من التعليق على الوقت (لم يقع على) القول (الأظهر) بل الأشهر،
بل المشهور، بل لا ينبغي الخلاف فيه، لمنافاة ذلك للايقاع، بخلاف التعليق على

(1) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار.
(2) الوسائل الباب - 41 - من كتاب الشهادات.
(3) استدل في المسالك للاجتزاء بالاسلام في الشاهدين في الطلاق بما وراء في
الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 4 - من كتاب الظهار الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 7 من كتاب الظهار الحديث 2.
105

الشرط الذي هو - مع أنك ستسمع النص (1) فيه - غير مناف لنفس الانشاء،
ضرورة رجوعه إلى تأخير مقتضاه وإلى متعلق الانشاء، نحو التعليق " في أكرم زيدا
غدا " وفي النذر ونحوهما مما كان التعليق فيه لمتعلق الانشاء لا له نفسه، فإنه
غير متصور التحقق فضلا عن صحته وفساده، بخلاف تعليق الآثار ومتعلق الانشاء،
فإنه متصور وصحيح مع فرض الدليل عليه بالخصوص، بل ربما اكتفى بعضهم في
مشروعيته بالعمومات وإن كان فيه أنه مناف لما دل على تسبيبه لمسببه بمجرد
وقوعه وحصوله، ومن هنا كان من المسلم عند الأصحاب عدم جواز التعليق المزبور
في كل عقد أو إيقاع إلا ما خرج بالدليل، من غير فرق بين الوصف والشرط.
(وقيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط: (يقع) للعمومات المعلوم
عدم شمولها للمفروض الذي ذكرناه، فإن مرجعه حينئذ إلى عدم الانشاء، قيل:
ولفحوى وقوعه معلقا على شرط، بل لعله أولى، وفيه ما لا يخفى بناء على كون
المراد بالمعلق الخارج بقيد التنجيز الذي إنشاؤه معلق لا المعلق أثره أو متعلقه على
أمر محقق كانقضاء الشهر ودخول الجمعة، كما توهمه غير واحد فاستدل بالدليل
المزبور، ولا ريب في أنه متجه، إذ احتمال جواز المحتمل دون المتيقن كما ترى،
بل الأدلة لا تساعد عليه، إذ لا تعرض فيها لكون المعلق عليه معلوم الوقوع لدى
المعلق أولا.
ولعله لذا قال المصنف مشيرا إلى القول المزبور الذي مقتضاه جواز التعليق
في نفس الانشاء: (وهو نادر) إذ لم نعرف من وافقه عليه، بل لعله لا قائل به
بالمعنى المزبور، فتخرج المسألة عن الخلاف بعد حمل كلام القائل على إرادة تعليق
الأثر والمتعلق.
(وهل يقع في إضرار؟ قيل) كما عن النهاية والوسيلة: (لا) يقع لقول
الباقر عليه السلام في حسن حمران (2): " لا يكون ظهار في يمين ولا في إضرار " (وفيه

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الظهار الحديث 2.
106

إشكال منشأه التمسك بالعموم) والاطلاق كتابا (1) وسنة (2) بل لعل ظاهر
الأكثر الوقوع، لعدم ذكر ذلك في شرائطه، فلا يقوى حينئذ الخبر المزبور على
التخصيص والتقييد، ولكن لا يخفى عليك إمكان منع ذلك بعد قبول الخبر للحجية،
خصوصا بعد حكاية الشهرة كما عن الكفاية على مضمونه، وإمكان تأييده بقاعدة
" لا ضرر ولا ضرار " اللهم إلا أن يقال: إن مبني مشروعية الظهار على الضرار.
(و) كيف كان ف‍ (في وقوعه موقوفا على الشرط تردد) وخلاف
(أظهره الجواز) وفاقا للمحكي عن الصدوق والشيخ وابن حمزة، بل وأكثر
المتأخرين، فلو قال: " أنت على كظهر أمي إن دخلت الدار " أو " إن شاء زيد "
فدخلت الدار وشاء وقع، لقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن الحجاج (3): " الظهار
ضربان: أحدهما فيه الكفارة قبل المواقعة، والآخر بعدها، فالذي يكفر قبل
المواقعة الذي يقول: أنت على كظهر أمي، ولا يقول إن فعلت بك كذا وكذا،
والذي يكفر بعد المواقعة الذي يقول: أنت على كظهر أمي إن قربتك " ونحوه
مضمره الآخر (4): " الظهار على ضربين في أحدهما الكفارة، إذا قال: أنت على
كظهر أمي، ولا يقول أنت علي كظهر أمي إن قربتك " وقوله عليه السلام أيضا في صحيح
حريز (5): " الظهار ظهاران: فأحدهما أن يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يسكت،
فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا
وكذا ففعل فحنث فعليه الكفارة حين يحنث " وخبر عبد الرحمن بن أبي نجران (6)
قال: " سأل صفوان بن يحيى عبد الرحمن بن الحجاج وأنا حاضر عن الظهار، قال:

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب الظهار.
(3) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 8 - 7.
(4) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 8 - 7.
(5) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 8 - 7.
(6) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 12 وليس فيه سأل صفوان.
وذكره بعينه في الاستبصار ج 3 ص 260.
107

سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي لزمه
الظهار، قال لها دخلت أو لم تدخلي خرجت أو لم تخرجي أو لم يقل شيئا فقد لزمه
الظهار " مضافا إلى العموم كتابا (1) وسنة (2) حتى قوله صلى الله عليه وآله (3): " المؤمنون
عند شروطهم " بل وموافقة الحكمة، فإن المرأة قد تخالف الرجل في بعض مقاصده،
فتفعل ما يكرهه وتمتنع عن ما يرغب فيه، ويكره الرجل طلاقها من حيث يرجو
موافقتها، فيحتاج حينئذ إلى تعليق ما يكرهه بفعل ما تكرهه أو ترك ما تديره،
فإما أن تمتنع وتفعل فيحصل غرضه، أو تخالف فيكون ذلك جزاء معصيتها، لضرر
جاء من قبلها.
وخلافا للسيد وبني زهرة وإدريس وسعيد والبراج، بل عن الغنية
والسرائر الاجماع عليه، لمعلومية منافاة التعليق لانشاء العقد والايقاع إلا
ما خرج، ولخبر الزيات (4) " قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إني ظاهرت من امرأتي،
فقال: كيف قلت؟ قال: قلت: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا وكذا،
فقال: لا شئ عليك، فلا تعد " ومرسل ابن بكير (5) " قلت لأبي الحسن عليه السلام إني قلت
لامرأتي: أنت علي كظهر أمي إن خرجت من باب الحجرة فخرجت، فقال:
ليس عليك شئ، قلت: إني قوي على أن اكفر، فقال: ليس عليك شئ، فقلت:
إني قوي على أن اكفر رقبة ورقبتين، قال: ليس عليك شئ قويت أو لم تقو "
ومرسل ابن فضال (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يكون الظهار إلا على موضع الطلاق "
وقد عرفت عدم وقوع الطلاق معلقا، فلا يقع الظهار.
ولا يخفى عليك ما في الجميع، ضرورة وجوب الخروج عن قاعدة التنجيز

(1) سورة المجادلة: 58 الآية 2.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب الظهار.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
(4) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 3.
(5) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 3.
(6) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار الحديث 3.
108

بالأدلة السابقة، كالنذر واليمين وغيرهما مما جاز فيها التعليق، والأخبار - مع
الضعف فيها المانع من أصل القبول فضلا عن المعارضة، واحتمال الأول منها نفى
الشئ عليه قبل حصول الشرط، أو لعدم حضور الشاهدين وغير ذلك واليمين، كالثاني،
وظهور الثالث في إرادة المرأة من الموضع فيه - لا تصلح معارضة للأخبار السابقة،
والاجماعان المزبوران موهونان بما عرفت.
هذا ولكن في القواعد " في الفرق بين الفرض وبين المعلق نظر " وفي شرحها
للإصبهاني " من خروج التعليق عن النصوص، ومن أن الوقوع مشروطا يدل على
عدم اشتراط التنجيز وإرادة الايقاع بنفس الصيغة فيه، وإذا لم يشترط ذلك لم يكن
فرق بين الشرط والتعليق، بل قد يكون التعليق أولى بالوقوع ".
ومن الغريب ما وقع في المسالك في المقام وكان نسخته التي شرح عبارتها فيها
سقط، كما لا يخفى على من لاحظ شرحه لها في المقام الذي قد جعل فيه الكلام في
المسألة الثانية شرحا للمسألة الأولى، وحكى عن المصنف القول بالعدم، وأنه نسب
القول بالجواز إلى الندرة، مع أن صريح كلامه جواز بعد التردد، وكذا كلامه
في النافع، وأغرب منه موافقة الرياض له على ذلك، وما ندري أن السبب في ذلك
اختلاف النسخ أو عدم التمامية في الملاحظة؟ ولعل الذي غرهما التعبير باعتبار
التنجيز المراد منه في غير المقام عدم التعليق مطلقا، ولكن التدبر في العبارة
يقتضي ما ذكرناه، واحتمال الفرق بين الشرط والوصف في غاية البعد، بل يمكن
القطع بفساده.
(ولو قيد مدة كأن يظاهر منها شهرا أو سنة) أو يوما (قال الشيخ:
لا يقع) للأصل، ولأنه لم يؤبد التحريم، فأشبه ما إذا شبهها بامرأة لا تحرم
عليه على التأييد، ولصحيح سعيد الأعرج (1) عن الكاظم على السلام " في رجل ظاهر من

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 10 وفيه " فوفى " بدل " يوما "
كما في التهذيب ج 8 ص 14 الرقم 45 والاستبصار ج 3 ص 262 الرقم 936. والوافي
ج 12 ص 139. إلا أن فيه وفي بعض النسخ " يوما " مكان " فوفى " كما يشير إلى ذلك
قريبا.
109

مرأته يوما، قال: ليس عليه شئ ".
(و) لكن (فيه إشكال مستند إلى عموم الآية) (1) والرواية (2)
فإن مقتضاهما الجواز، مضافا إلى خبر سلمة بن صخر (3) قال: " كنت امرءا قد
أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي
حتى ينسلخ رمضان خوفا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتابع في ذلك إلى أن
يدركني النهار ولا أقدر أن أترك، فبينما هي تخدمني من الليل إذا انكشف لي
منها شئ فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري، وقلت
لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبروه بأمري، فقالوا: والله لا نفعل،
نتخوف أن ينزل فينا قرآن، ويقول فينا رسول الله صلى الله عليه وآله مقالة يبقى علينا عارها،
لكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك، فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبرته
بخبري، فقال لي: أنت بذاك، فقلت: أنا بذاك، فقال: أنت بذاك، فقلت: أنا بذاك،
فقال: أنت بذاك، فقلت: نعم ها أنا ذا فامض في حكم الله عز وجل فأنا صابر له،
قال: أعتق رقبة، فضربت صفحة رقبتي بيدي، فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما
أصبحت أملك غيرها، فقال: فصم شهرين متتابعين، فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
وهل أصابني ما أصابني إلا من الصوم؟ قال: فتصدق، قلت: والذي بعثك بالحق
لقد بتنا ليلتنا وما لنا عشاء، فقال: اذهب إلى صاحب صدقة بني رزين فقل له
فليدفعها إليك، فأطعم عنك وسقا من تمر ستين مسكينا، ثم استعن بسائره عليك
وعلى عيالك، قال: فرجعت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الصيق وسوء الرأي،
ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وآله السعة والبركة، وقد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي،

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب الظهار.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 390 والمستدرك الباب - 1 - من كتاب الظهار
الحديث 4.
110

فدفعوها إلي " وفي رواية أخرى (1) " إن النبي صلى الله عليه وآله أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر
صاعا، فقال: أطعمه ستين مسكينا، وذلك لكل مسكين مد ".
إلا أن هذا الخبر لم نجده في طرقنا، وإنما هو من طرق العامة، كما
اعترف به غيرنا أيضا، وإطلاق الأدلة لا تناول فيه للفرض، بل المنصرف منه غيره،
خصوصا بعد أن كان الظهار في الجاهلية لحرمة الأبد ولم يشرعه الشارع، بل جعله
من المحرمات وأنه لا يفيد حرمة ولكنه يوجب الكفارة، فالاطلاق حينئذ ليس إلا
للظهار المزبور، بل لعل قوله تعالى (2): " ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا
اللائي ولدنهم " مشعر بذلك، بل إن شرع الاطلاق المزبور التقييد بالوقت فليشرع
أيضا التقييد بالمكان وبغيرهما من الأحوال الذي لم نعرف له أثرا في كلام الأصحاب،
فلا ريب في أن المتجه بحسب الأصول العدم، مؤيدا بالصحيح (3) المزبور وإن قيل:
إنه مختلف النسخ، ففي بعضها ما سمعت، وفي آخر عوض " يوما " " فوفى " وحينئذ
يخرج عن الدلالة على المقام، ضرورة كون المراد أنه وفى بظهاره، أي لم يقرب،
بل ظاهر الوافي أن هذه النسخة هي المعتمدة، بل قيل: لا دلالة فيه على النسخة
الأخرى أيضا، إذ يمكن أن يكون نفي الشئ عليه لوفائه بما قال باعتبار قصر
اليوم، لكن هذا كله لا ينافي التأييد، للأصول ولو للظهور أو الاحتمال على بعض
النسخ، والله العالم.
هذا (وربما قيل: إن قصرت المدة عن زمان التربص لم يقع) لأن الظهار
يلزمه التربص مدة ثلاثة أشهر من حين الترافع وعدم الطلاق، وهو يدل بالاقتضاء
على أن مدته تزيد عن ذلك، وإلا لانتفى اللازم الدال على انتفاء الملزوم،
بل عن المختلف اختياره وإن كنا لم نتحققه، بل في المسالك لا بأس به، والرواية

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 390.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
(3) المتقدم في ص 109.
111

الصحيحة (1) لا تنافيه.
(و) لكن (هو) كما ترى (تخصيص للعموم بالحكم المخصوص)
من غير مقتض، والحكم بالتربص تلك المدة على تقدير المرافعة لا يوجب تخصيص
العام، لأن المرافعة حكم من أحكام الظهار وهي غير لازمة، فجاز أن لا ترافعه،
فيحتاج إلى معرفة حكمه على هذا التقدير، وجاز أن لا يعلمها بايقاعه ويريد معرفة
حكمه مع الله تعالى شأنه، والحكم بتربصها تلك المدة على تقدير المرافعة محمول
على ما إذا كان مؤبدا أو موقتا بزيادة عنها، فإذا قصرت كان حكمه تحريم العود إلى
أن يكفر من غير أن يتوقف على المرافعة.
(و) من هنا كان (فيه) أي القول المزبور (ضعف) واضح، ضرورة أنه
لا دلالة فيما ذكره على مشروعية الموقت، بل لعل ظاهر إطلاق الحكم بتربص المدة
المزبورة يقتضي كون الظهار مبنيا على الدوام، فهو إن لم يدل على العدم فلا دلالة
فيه على مشروعية التوقيت قطعا، فالأصول المزبورة حينئذ بحالها، كما هو واضح.
نعم لو ثبت دليل التوقيت أمكن القول بعدم منافاة ذلك له لما عرفت، والله العالم.
(فروع)
(لو قال: أنت طالق كظهر أمي وقع الطلاق) إذا قصده، لوقوع صيغة
صحيحة (ولغا الظهار، قصده) بأن أراد أنت طالق وأنت كظهر أمي (أو
لم يقصده) وإن جاز وقوعه بالمطلقة الرجعية، لعدم تمامية الصيغة بسبب عدم
ذكر الموضوع.
(وقال الشيخ: إن قصد الطلاق والظهار صح إذا كانت المطلقة رجعية،
فكأنه قال: أنت طالق أنت كظهر أمي، وفيه تردد، لأن النية لا تستقل بوقوع

(1) المتقدمة في ص 109.
112

الظهار ما لم يكن اللفظ الصريح الذي لا احتمال فيه) كما في غير الظهار من
العقود والايقاعات، ولكن لا يخفى عليك إمكان دفعه بناء على ما تكرر منا من أن
المدار في صيغ العقود والايقاعات على إنشاء معناها باللفظ الدال عليها حقيقة كان
أو مجازا إلا ما خرج بالدليل على التعمد بلفظ خاص، وحينئذ فالمتجه الصحة
مع فرض معلومية قصده الظهار بالعبارة المزبورة، والفرض أنها صحيحة بمقتضى
القواعد العربية.
نعم لو لم ينو الظهار به أو نوى به التأكيد للطلاق لم يصح قطعا، بل في
المسالك " وكذا إذا قصد بالجميع الظهار، فإنه يحصل الطلاق أيضا دون الظهار،
أما حصول الطلاق فللفظه الصريح، والصريح لا يقبل صرفه إلى غيره، حتى لو قال
لزوجته، أنت طالق ثم قال: أردت به من وثاق غيري أو نحو ذلك لم يسمع وحكم
به عليه، بخلاف ما لو أتى بالكناية حتى يصحح بها، والأصل في ذلك ونظائره
أن اللفظ الصريح إذا وجد نفاذا في موضوعه لا ينصرف إلى غيره بالنية، وأما عدم
حصول الظهار فلان الطلاق لا ينصرف إلى الظهار، والباقي ليس بصريح في الظهار
كما بيناه، وهو لم ينو به الظهار وإنما نواه بالجميع، ويحتمل هنا لزوم الظهار أخذا
باقراره " وإن كان فيه ما لا يخفى.
بل كأنه من غرائب الكلام إن لم يحمل على صورة التداعي، فيراد
حينئذ من قوله: " قصد " أنه ادعى قصد الظهار بالمجموع، كما عساه يومئ
إليه تعليله وقوله أخيرا: " أخذا باقراره " وإن كان فيه ما فيه أيضا على هذا التقدير
أيضا فتأمل.
وكذا قوله أيضا متصلا بذلك: " رابعها أن يقصد الطلاق والظهار جميعا
نظر، فإن قصدهما بمجموع كلامه حصل الطلاق دون الظهار لما تبين، وإن قصد
الطلاق بقوله: أنت طالق والظهار بقوله: كظهر أمي ففيه الخلاف " إلى آخر
ما ذكره، ضرورة أن المتجه عدم حصول كل منهما مع فرض قصد حصولهما
بمجموع كلامه، لعدم كونه صيغة طلاق ولا ظهار، اللهم إلا أن يحمل على ما عرفت،
113

أو يقال: إن قصد المجموع منهما لا ينافي وفاء صيغة الطلاق به، فتأمل. وكذا إذا
قصد بالمجموع الطلاق أو الظهار، كما هو واضح.
ولو عكس فقال: أنت كظهر أمي طالق وقصدهما معا بما دل على كل منهما
وقعا بناء على ما ذكرناه، وفي المسالك " وقع الظهار لصراحته " وفي وقوعه الطلاق
الوجهان، لأنه من النية وأنه ليس في لفظ الطلاق مخاطبة ولا ما في معناها " وقد
عرفت ما فيه، وفي القواعد بعد أن ذكر ما ذكر المصنف قال: " ويقعان معا لو قال: أنت
كظهر أمي طالق وقصدهما على إشكال " وكأنه فرق بين المسألتين بسبب إمكان
الاجتزاء بصيغة الطلاق بتقدير موضوع المطلقة، لفحوى الاكتفاء بقول: " نعم "
بخلاف الظهار، والحق عدم الفرق بينهما بعد فرض صحة ذلك في العربية.
وأغرب من ذلك قول المصنف (وكذا لو قال: أنت حرام كظهر أمي)
مريدا عدم صحة الظهار به أيضا كالأولى، كما عن الشيخ في المبسوط والخلاف مدعيا
فيهما الاجماع على ذلك، ولعله لأنه غير المعهود من صيغة الظهار في النصوص،
فالأصل عدم ترتب حكمه عليها.
لكن فيه أنك قد سمعت ما في صحيح زرارة (1) عن الباقر عليه السلام جواب سؤاله
عن كيفيته من قوله: " يقول لامرأته وهي طاهر في غير جماع: أنت على حرام مثل
ظهر أمي أو أختي " وهو نص في الباب، وكذا ما في خبر حمران (2) عنه عليه السلام
أيضا في سبب نزول الآية (3) من " أن الرجل قال لها: أنت علي حرام كظهر
أمي - إلى قوله -: لما قال الرجل الأول لامرأته: أنت علي حرام كظهر أمي
قال إن قالها بعد ما عفى الله للرجل فإن عليه تحرير رقبة " ولأن قوله:
" حرام " تأكيد لغرضه، فلا ينافيه، فإن قوله: " أنت كظهر أمي " لا بد له من

(1) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 2.
(3) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
114

القصد إلى معناه، وهو يستلزم القصد إلى الحرمة، فإذا نطق به كان أولى. والعجب من تجويز الشيخ وقوعه بالكناية، وما هو أبعد من هذه مع خلوها
عن نص يقتضي صحتها، ومنعه من هذه الصيغة مع ورود النص الصحيح بها بل مع قطع
النظر عنه يتجه الصحة، لتحقيق معنى الظهار بها وصراحتها فيه. ومن هنا جزم في
المسالك بالصحة تبعا للمحكي عن الفاضل في التحرير والمختلف، بل والقواعد وإن
قال: " على إشكال ".
نعم لو قال: " أنت علي حرام " ففي القواعد " ليس بظهار وإن نواه " ولعله
للأصل بعد فرض ظهور النصوص في اعتبار التشبيه به، مضافا إلى ظهور الأخبار
كخبر زرارة (1) " سأل الباقر عليه السلام عن رجل قال لامرأته: أنت علي حرام، فقال:
لو كان عليه سلطان لأوجعت رأسه، وقلت: الله أحلها لك فما حرمها عليك، إنه
لم يزد على من أكذب فزعم أن ما أحل الله له حرام، ولا يدخل عليه طلاق ولا
كفارة، فقال زرارة: قول الله عز وجل (2): " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل
الله لك؟ " فجعل فيه الكفارة، فقال: إنما حرم عليه جارية مارية، فحلف أن
لا يقربها، فإنما جعل عليه الكفارة في الحلف، ولم يجعل عليه في التحريم " وغيره من
النصوص (3).
أما لو قال: " أنت على كظهر أمي حرام " أو " أنت علي حرام كظهار أمي " و " أنت
طالق أنت كظهر أمي للرجعة " و " أنت كظهر أمي طالق " وقع من غير إشكال إذا قصده،
لاتيانه بالصيغة كاملة من غير تخلل شئ، وغاية ما زاده أن يكون لغوا مع فرض أنه
قصد بحرام في الأولى و " طالق " في الأخيرة كونه خبرا ثانيا.
(ولو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرتها ثم ظاهر الضرة وقع الظهاران)
المنجز والمعلق عليه، بل في المسالك " لو قال: إن ظاهرت من إحداكما أو أيكما

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 0 - من كتاب الطلاق.
(2) سورة التحريم: - الآية 1.
(3) الوسائل الباب - 15 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 0 - من كتاب الطلاق.
115

ظاهرت منها فالأخرى علي كظهر أمي ثم ظاهر من إحداهما صار مظاهرا من
الأخرى أيضا وإن كان هو كما ترى، اللهم إلا أن يكون مبنيا على صحة وقوع
الظهار بالمبهم، نحو ما سمعته في الطلاق، فيراد حينئذ أنه ظاهر إحداهما باللفظ
المزبور، فإذا ظاهر الأخرى تم الظهاران، لكنه أيضا هو كما ترى، فتأمل.
(ولو ظاهرها إن ظاهر فلانة الأجنبية وقصد النطق بلفظ الظهار صح
الظهار عند مواجهتها به، وإن قصده الظهار الشرعي لم يقع ظهار) لاشتراط
الصحيح منه بالوقوع على الزوجة، وإن أطلق ففيه وجهان، كما عن المبسوط
والتحرير من احتمالي التعليق على الاسم والصفة. (وكذا لو قال: أجنبية) على
الحالية أو اقتصر عليها من دون ذكر فلانة.
(ولو قال فلانة من غير وصف) بالأجنبية (ثم تزوجها وظاهرها قال
الشيخ: يقع الظهاران، وهو حسن) وإن كان قد يحتمل العدم، لكون الشرط حين
إيقاع الصيغة غير مشروع، وربما قيل: إن الشرط هو الذي يجوز وقوعه حال
التعليق وعدمه، ومن المعلوم أن ظهار الأجنبية حال التعليق غير صحيح، والمفروض
عدم إرادة مجرد الصورة، فكان ذلك أشبه بالصيغة المتأخرة عن التعليق وإن كان
هو كما ترى، ضرورة عدم خروج بذلك عن أصل الشرطية التي يكفي فيها
التجويز بحسب الذات وإن تخلف لفقد شرط من شروطه، على أنه لا دليل
لغة ولا عرفا على اعتبار إمكان حصول الشرط حال التعليق في مفهوم الشرط،
كما هو واضح.
ولو نكح فلانة الأجنبية التي علق ظهار الزوجة على ظهارها وظاهرها ففي
المسالك، " في وقوع الظهار بالزوجة الأولى وجهان: من خروجها بالنكاح عن
كونها أجنبية فلا يقع، ومن تعليق ظهارها بظهار فلانة، والوصف بالأجنبية
للتعريف لا للشرط، نحو ما لو حلف على أن لا يدخل دار زيد هذه فباعها زيد
ثم دخلها، فإن في حنثه الوجهين أيضا، ومنشأ هما ترجيح الإشارة على الوصف
أو بالعكس ".
116

نعم لا يقع الظهار إذا علقه عليها مريدا به الشرعي حال كونها أجنبية وإن
نكحها وظاهرها، لعدم حصول المعلق عليه الذي هو مستحيل شرعا، كما لو قال:
" أنت علي كظهر أمي إن بعت الخمر " وأراد البيع الشرعي، والله العالم.
ولو علقه بمشيئة الله تعالى شأنه وقصد الشرط لم يقع، لعدم العلم بوقوعه إن
لم يكن معلوما عدمه، نعم لو قصد التبرك وقع، لكونه منجزا حينئذ.
ولو قال: " أنت علي كظهر أمي إن لم يشأ الله تعالى " فلو كان عدليا يعتقد
أنه تعالى لا يريد القبائح والمعاصي وقع إن عرف التحريم، لأنه منجز في المعنى،
وإن كان أشعريا ففي القواعد إشكال، ولعله من الجهل بوقوع الشرط الموجب
لاستصحاب الحل والحكم بعدم وقوع الظهار، ومن لزوم وقوعه شاء الله أو لم يشأ،
فإنه إن شاء لم يجز أن لا يقع، لكون المشيئة عندهم سببا تاما لوقوع الشئ، وإن
لم يشأ تحقق الشرط، فيتحقق المشروط، ولزوم عدم وقوعه على التقديرين، فإنه
إن شاء فقد انتفى الشرط فانتفى المشروط، وإن لم يشأ لم يقع، إذ ما من شئ
إلا بمشيئة الله تعالى، وربما دفع بأنه يلزم منه بطلان التعليق، فلا يقع الظهار،
لأنه إنما أوقعه معلقا.
ولو علق بالنقيضين كأن قال: " أنت علي كظهر أمي إنشاء الله أو لم يشأ "
أو " إن دخلت الدار أو لم تدخلي " وقع لأنه في معنى نفي التعليق.
ولو علق بأمرين على الجمع لم يقع مع وقوع أحدهما، بل لا بد من وقوعهما
ولو على البدل، إلا أن ينص على اجتماعهما دفعة، نعم يقع بوقوع أحدهما لو علقه
بهما على البدل، كما هو واضح، إلى غير ذلك من الفروع التي ذكرها العامة في
صورة تعليق الطلاق بناء على مذهبهم فيه، فإن مثلها يأتي في المقام بناء على جواز
التعليق في الظهار وإن لم نجوزه في الطلاق، والله العالم.
117

الأمر (الثاني)
(في المظاهر)
(و) لا خلاف في أنه (يعتبر فيه البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد)
بل ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه، (فلا يصح ظهار الطفل ولا المجنون ولا
المكره ولا فاقد القصد بالسكر، أو الاغماء أو الغضب) أو النوم والسهو ونحو
ذلك، للأدلة العامة على ذلك كله، نحو قوله صلى الله عليه وآله (1): " إنما الأعمال بالنيات "
و " رفع القلم " (2) ونحوهما، بل لم يحك أحد الخلاف هنا في المراهق وإن عرفت
البحث فيه في الطلاق، ولعله لخصوص أدلته هناك بخلاف المقام الذي ظاهر أدلته
كتابا (3) وسنة (4) كون المظاهر مكلفا، ولذا وصف بالمنكر والزور، ووجب
عليه الكفارة.
والأمر سهل بعد وضوح الأمر من الأدلة العامة فضلا عما ورد هنا في بعض
الشرائط، كموثق عبيد بن زرارة (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا طلاق إلا ما أريد
به الطلاق، ولا ظهار إلا ما أريد به الظهار " وحسن حمران (6) السابق عن أبي

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب العبادات الحديث 10 من كتاب الطهارة.
(2) الوسائل الباب - 36 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب
القصاص.
(3) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار.
(5) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الظهار الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الظهار الحديث 2.
118

جعفر عليه السلام " لا يكون الظهار في يمين ولا في إضرار ولا في غضب " وقال الرضا عليه السلام
في صحيح ابن أبي نصر (1): " الظهار لا يقع على الغضب " وفي موثق عمار (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الظهار الواجب، قال: الذي يريد به الرجل الظهار بعينه "
وغيرها.
ولعل من ذلك خبر حمزة بن حمران (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل
قال لأمته: أنت علي كظهر أمي يريد أن يرضي بذلك امرأته، قال: يأتيها
ليس عليه شئ " باعتبار عدم النية فيه أو أنه أراد اليمين لها على ذلك، وقد عرفت
عدم انعقاده بالظهار، نحو موثق ابن بكير (4) قال: " تزوج حمزة بن حمران ابنة
بكر، فلما أراد أن يدخل بها قال له النساء: لسنا ندخلها عليك حتى تحلف لنا،
ولسنا نرضى أن تحلف بالعتق، لأنك لا تراه شيئا، ولكن احلف لنا بالظهار،
وظاهر من أمهات أولادك وجواريك، فظاهر منهن، ثم ذكر ذلك لأبي عبد
الله عليه السلام، فقال: ليس عليك شئ، ارجع إليهن " ولعل هذا الحلف كان على عدم
طلاقها، كما يفصح عنه خبر آخر (5) في معناه، وفيه " أنهم قالوا له: أنت مطلاق،
فنخاف أن تطلقها، فلا ندخلها عليك حتى تقول: إن أمهات أولادك عليك

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الظهار الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الظهار الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الظهار الحديث 9.
(4) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الظهار الحديث 3 عن عبد الله بن المغيرة قال...،
إلا أن الموجود في الاستبصار ج 3 ص 258 والتهذيب ج 8 ص 11 عن ابن المغيرة
عن ابن بكير قال...، وفي الجميع " تزوج حمزة بن حمران ابنة بكير.... "
(5) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الظهار الحديث 2 وفيه " أنت لا تبالي بالطلاق
وليس هو عندك بشئ وليس ندخلها عليك تظاهر من أمهات أولادك قال: ففعل " وكذلك
في الكافي ج 6 ص 154 وما في الجواهر نقل بالمعنى أخذه من بيان المحدث الكاشاني
" قده " في الوافي ج 12 ص 135 في ذيل الحديث.
119

كظهر أمك إن طلقتها ".
وكيف كان فلا إشكال في شئ من الشرائط المزبورة، فما عن العامة - من عدم
اعتبار النية - واضح الفساد، كالمحكي من قولهم أيضا من وقوع ظهار السكران،
وما أبعد ما بين ذلك وبين ما في الحدائق من أن إطلاق الخبرين المذكورين شامل
لمطلق الغضب ارتفع معه القصد أو لم يرتفع، وتبعه في الرياض، فقال: " وكذا
لا يقع في حال غضب مطلقا وإن لم يرتفع معه القصد أصلا ولا سكر بلا خلاف في
الظاهر فيهما، وهو حجة فيهما كالأدلة القاطعة في الثاني والصحيح والموثق في الأول "
وإن كان هو كما ترى مناف لاجماع الأصحاب على الظاهر ولجميع ما دل على
وقوع الظهار مع حصول الشرائط المزبورة الذي لا يعارضه إطلاق الخبرين المزبورين
اللذين يعارضهما ما دل على تحقق الظهار بإرادة الظهار من وجه، ولا ريب في أن
الترجيح لذلك عليهما من وجوه، ومن هنا كان ظاهر الأصحاب تقييد الغضب بالرافع
للقصد، كما هو واضح.
وعلى كل حال فقد بان لك مما هنا (و) ما تقدم سابقا أنه (لو ظاهر
ونوى الطلاق لم يقع طلاق، لعدم اللفظ (التلفظ خ ل) المعتبر) فيه وهو أنت
طالق (ولا ظهار، لعدم القصد) وكذا لو طلق وقصد الظهار لم يقع ظهار، لعدم
اللفظ المعتبر فيه، ولا طلاق لعدم القصد بلا خلاف في شئ من ذلك عندنا ولا إشكال،
خصوصا بعد قول الصادق عليه السلام (1): " لا يقع ظهار عن طلاق ولا طلاق عن ظهار "
خلافا للعامة، فجوزوا وقوع الطلاق بلفظ الظهار مع النية حتى لو قال: " أنت
طالق كظهر أمي " ونوى الطلاق بالأخيرة وقع على طلاقان إن كان الأول
رجعيا وبطلانه واضح عندنا.
(ويصح ظهار الخصي والمجبوب) وإن لم تبق لهما ما يتحقق به الجماع
من إدخال الحشفة أو قدرها (إن قلنا بتحريم ما عدا الوطء) في الظهار (مثل

(1) الوسائل الباب - 20 - من كتاب الظهار الحديث 1.
120

الملامسة) وغيرها من ضروب الاستمتاع، لاطلاق أدلة الظهار الممكن تحقق
فائدته بامتناع غير الوطء من الاستمتاع نعم لو قلنا باختصاصه بالوطء لم يقع منهما
ظهار، لعدم فائدته، بل في المسالك " هذا كله إذا لم نشترط الدخول بالمظاهرة،
وإلا لم يقع منهما مطلقا، حيث لا يتحقق منهما الدخول " قلت: قد يفرض عروض
ذلك لهما بعد الدخول، والأمر سهل.
وزاد في القواعد الخنثى، وأورد عليه بأنه يجوز أن يكون امرأة وآلة الرجل
زيادة، فلا يتحقق الوطء الصادر من الرجال الذي هو مناط الظهار. وفيه أن
المتجه عدم جواز تزويج الخنثى المشكل من أصله، لعدم العلم بكونه رجلا، ويمكن
أن يريد العنين من الخنثى في كلامه، لغلبة التعنين في الخناثي، والله العالم.
(وكذا يصح الظهار من الكافر) وفاقا للأكثر نقلا إن لم يكن تحصيلا،
لاطلاق الأدلة (و) لكن (منعه الشيخ) وتبعه القاضي وسبقه الإسكافي فيما
حكي عنهما، بل ظاهر مبسوط الأول الاجماع عليه (التفاتا إلى تعذر الكفارة)
منه التي هي من لوازم الظهار إذ هي عبادة لا تصح منه، وإلى أنه حكم شرعي
فكيف يصح ممن لا يقر به (و) لا ريب في أن (المعتمد) المزبور لهم في المنع
(ضعيف) غير صالح لتخصيص العموم، وذلك (لامكانها) أي الكفارة منه
(بتقديم الاسلام) القادر عليه، ولذلك كان مكلفا بالفروع.
وما يقال من أن الذمي يقر على دينه فحمله على الاسلام لذلك بعيد، وأن
الخطاب على العبادة البدنية لا يتوجه على الكفار الأصلي ففي المسالك " أنه أجيب
عنه بأنا لا نحمل الذمي على الاسلام ولا نخاطبه بالصوم، ولكن نقول: لا نمكنك
من الوطء إلا هكذا، فإما أن يتركه أو يسلك طريق الحل " قلت: هذا مع
الترافع إلينا.
وإنما الكلام في صحة وقوعه من الكافر وترتب حكمه عليه، ولا ريب في
صحته وترتب أحكامه عليه بناء على تكليفه بالفروع أقر بالشرع أو لم يقر إذ
ذلك من باب الأسباب التي لا تفاوت فيها بين المقر والمنكر، هذا إن لم نقل بصحة
121

العتق والاطعام من كافر كما عن بعض، وإلا صح، بلا إشكال وإن تعذر خصوص
الصوم منه، كما أنه قيل: لا إشكال فيما لو أسلم بعد الظهار لعدم جريان الكلام
المزبور فيه حينئذ.
(و) كذا (يصح من العبد) عندنا، بل الاجماع بقسميه عليه، للعموم
وخصوص نحو خبر محمد بن حمران (1) " سأل الصادق عليه السلام عن المملوك أعليه ظهار؟
فقال: عليه نصف ما على الحر: صوم شهر، وليس عليه كفارة صدقة ولا عتق " وصحيح
جميل (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " في الظهار، وقال: إن الحر والمملوك
سواء، غير أن على المملوك نصف ما على الحر من الكفارة، وليس على عتق رقبة
ولا صدقة إنما عليه صيام شهر " وخبر الثمالي (3) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن
المملوك أعليه ظهار؟ فقال: نصف ما على الحر من الصوم، وليس عليه الكفارة صدقة
ولا عتق " فما عن بعض العامة - من المخالفة في ذلك لأن لازم الظهار إيجاب
تحرير الرقبة وهو لا يملكها - واضح الفساد، خصوصا بعد قوله تعالى (4): " فمن
لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا " والعبد غير واجد، فيلزمه الصوم
كما هو واضح. والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 2 - 3.
(4) سورة المجادلة: 58 - الآية 4.
122

الأمر (الثالث)
(في المظاهرة) منها
(و) لا خلاف عندنا ولا إشكال في أنه (يشترط أن تكون منكوحة
بالعقد) بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عنوان موضوعه كتابا (1) وسنة (2)
بالزوجة أو ما في حكمها (ف‍) لا إشكال في الشرط المزبور،
ولكن على معنى
أنه (لا يقع بالأجنبية) خلافا لا حنيفة (ولو علقه على النكاح) بأن
قال: " أنت علي كظهر أمي إن تزوجتك " خلافا لمالك والشافعي.
(وأن تكون طاهرا طهرا لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضرا) أو ما
في حكمه (وكان مثلها تحيض، ولو كان) زوجها (غائبا) بحيث لا يعرف حال
زوجته (صح، وكذا لو كان حاضرا وهي يائسة أو لم تبلغ) بلا خلاف أجده في
شئ من ذلك بيننا، بل إجماعنا بقسميه عليه، مضافا إلى صحيح زرارة (3) عن
أبي جعفر عليه السلام وقد سأله عن كيفيته، فقال: " يقول الرجل لامرأته وهي طاهر في
غير جماع: أنت علي حرام كظهر أمي " ورواية حمران (4) عنه عليه السلام أيضا
" لا يكون ظهار إلا على طهر بعد جماع بشهادة شاهدين مسلمين " وقول أبي
عبد الله عليه السلام في المرسل (5): " لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق "
ومنه مع اعتضاده بفتوى الأصحاب وإجماعهم يستفاد حكم الغائب وغيره على نحو ما
سمعت في الطلاق محررا، والمدار في الشرط المزبور على وقت إيقاعه لا وقت حصول

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 2 و 3.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب الظهار.
(3) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 1 - 3.
(4) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 1 - 3.
(5) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 1 - 3.
123

الشرط لو كان معلقا عليه كما هو واضح (وفي اشتراط الدخول تردد) وخلاف
(والمروي) صحيحا عن الصادقين عليهما السلام (اشتراطه) ففي صحيح ابن مسلم (1)
عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قال " في المرأة التي لم يدخل بها زوجها، قال:
لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار " وفي صحيح الفضيل بن يسار (2) عن الصادق عليه السلام
" سألته عن رجل مملك ظاهر من امرأته قال: لا يلزم، ثم قال: وقال لي: لا يكون
ظهار ولا إيلاء حتى يدخل بها " إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة مع ذلك بعمل
الشيخ والصدوق وأكثر المتأخرين كما في المسالك.
خلافا للمفيد والمرتضى وسلار وابني إدريس وزهرة (و) هو (القول
الآخر) الذي (مستنده التمسك ب‍) ما في الكتاب من (العموم) (3) القابل
للتخصيص بالسنة (4) عندنا كما حرر ذلك في محله، ولا ينافي ذلك ما دل على
أنه " لا يكون ظهار إلا على مثل موضع الطلاق " من الخبر (5) المزبور، ومن
المعلوم عدم اعتبار الدخول في صحة الطلاق، فليكن الظهار كذلك، ضرورة عدم
اقتضاء الخبر المزبور إلا أن الظهار لا يقع إلا حيث يقع الطلاق، لا أنه حيث
ما يقع الطلاق يقع الظهار، كما هو واضح.
(وهل يقع) الظهار (بالمستمتع بها فيه خلاف، والأظهر) الأشهر
بل المشهور (الوقوع) لاطلاق الأدلة، خلافا للمحكي عن الحلي وظاهر
الإسكافي والصدوق، للأصل المقطوع بالاطلاق المزبور، ولانتفاء لازم الظهار الذي

(1) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الظهار الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الظهار الحديث 1 وليس فيه " قال: لا يلزم ثم
قال " إلا أنه موجود في التهذيب ج 8 ص 21 الرقم 66.
(3) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
(4) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الظهار.
(5) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار الحديث 3.
124

هو الالزام بأحد الأمرين: الفئة أو الطلاق المعلوم امتناعه فيها، وتنزيل
هبة المدة منزلته قياس، على أن أجل المستمتع بها قد يكون قليلا لا يحتمل
الأمر بالصبر إلى المدة.
وفيه منع كون ذلك لازم أصل الظهار، وإنما هو حكم ما تعلق منه بالزوجة
التي يمكن ذلك في حقها، خصوصا بعد ما ستسمع من صحة وقوعه بالمملوكة التي
لا يجري فيها ذلك، والمرسل (1) عن الصادق عليه السلام " لا يكون الظهار إلا على مثل
موضع الطلاق " لا جابر له في المقام، بل يمكن دعوى انصرافه إلى إرادة اعتبار
شرائط الطلاق من الخلو عن الحيض ونحوه منه لا نحو المقام، كما أنه
يمكن دعوى اندراج المتمتع بها في المثل، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في
كتاب النكاح.
(وفي الموطوءة بالملك) ولو مدبرة أو أم ولد (تردد) وخلاف
(والمروي) صحيحا وغيره (أنه يقع كما يقع بالحرة) وهو الأقوى وفاقا للمشهور
بين المتأخرين لا للآية (2) التي يمكن دعوى انصراف النساء فيها إلى غيرها، بل
لصحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن الظهار على الحرة والأمة،
فقال: نعم " ونحوه صحيحه الآخر (4) عن أبي عبد الله عليه السلام، وموثق إسحاق بن
عمار (5) " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يظاهر من جاريته، فقال: الحرة
والأمة في ذلك سواء " وصحيح ابن البختري أو حسنه (6) عن أبي عبد الله وأبي
الحسن عليهما السلام " في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن جميعا بكلام واحد، فقال

(1) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار الحديث 3.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
(3) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 5 - 1.
(4) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 5 - 1.
(5) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 5 - 1.
(6) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الحديث 3 عن أبي عبد الله أو
أبي الحسن عليهما السلام، إلا أن في الاستبصار ج 3 ص 263 والتهذيب ج 8 ص 21 عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام.
125

عليه السلام: عليه عشر كفارات " وخبر ابن أبي يعفور (1) " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل ظاهر من جاريته، قال: هي مثل ظهار الحرة " وصحيح ابن أبي نصر المروي عن قرب الإسناد (2) عن الرضا عليه السلام " سألته عن الرجل يظاهر
من أمته، فقال: كان جعفر عليه السلام يقول: يقع على الحرة والأمة الظهار " وعن المبسوط
روى أصحابنا (3) أن الظهار يقع بالأمة والمدبرة وأم الولد.
خلافا للمحكي عن بني أبي عقيل وحمزة والبراج وإدريس والمفيد وأبي
الصلاح وسلار، للأصل المقطوع بما عرفت والمرسل (4) الذي قد عرفت الحال فيه
آنفا، وخبر حمزة بن حمران (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل جعل جاريته
عليه كظهر أمه، قال: يأتيها وليس عليه شئ " القاصر عن معارضة ما تقدم
بضعف السند، والموافقة للعامة، وباحتماله الاخلال بالشرائط، كما عن الشيخ قال:
" لأن حمزة بن حمران روى هذه الرواية في كتاب البزوفري أنه يقول ذلك
لجاريته يريد إرضاء زوجته، لا لإرادة الظهار الحقيقي " قلت: قد يؤيده
ما سمعته سابقا من خبري حمزة بن حمران (6) وإن كان يمكن أن يكون ذلك
خبرا آخر له، ولأن الظهار كان في الجاهلية طلاقا، ومن المعلوم أن الطلاق لا يقع
بها الذي هو كما ترى، خصوصا بعد ما نقل أنهم كانوا يظاهرون من الأمة أيضا،
ويعزل سيدها فراشها، بل نقل وقوع الطلاق عليها في الجاهلية.
هذا وفي المسالك " واعلم أنه على القول بوقوعه بها يأتي فيها الخلاف السابق
في اشتراط الدخول وعدمه، لتناول الروايات الدالة عليه لها، كما تناولت الحرة،

(1) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 7.
(2) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 7.
(3) المستدرك الباب - 7 - من كتاب الظهار الحديث 4.
(4) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الظهار الحديث 3.
(5) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الظهار الحديث 6.
(6) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الظهار الحديث 2 و 3.
126

وتوهم اختصاص ذلك الخلاف بالحرة ضعيف جدا بل باطل " قلت: لا ريب
اختصاص تلك الأدلة في الزوجة دون الأمة المملوكة، نعم قد يقال بظهور هذه
الأدلة في مساواتها للحرة، وأنها ملحقة بها في ذلك، وقد عرفت اعتبار الدخول
في الحرة فيعتبر فيها.
والظاهر إلحاق الأمة المحللة بالمملوكة في وقوع الظهار عليها مع الدخول
بها، لاطلاق الأدلة المزبورة الذي لا يقدح فيه اختصاص مورد سؤاله بغيرها، كما
هو واضح، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (مع الدخول يقع ولو كان الوطء دبرا) لما عرفته غير
مرة من أنه لا خلاف في تحقق الدخول بالوطء دبرا في كل ما جعل عنوانا له من
الأحكام، ولم نعرف مخالفا في ذلك إلا من المحدث البحراني، فادعى انسياق
الدخول في القبل من الأدلة المزبورة، وقد تقدم البحث معه في ذلك.
وعلى كل حال فيقع الظهار مع تحقق شرطه (صغيرة كانت) المظاهرة
(أو كبيرة مجنونة أو عاقلة) لأن الصغر والجنون لا مدخلية لهما في أحكام الوضع
وإن لم يكونا لهما أهلية للترافع، كما أن حرمة الدخول بالصغيرة لا تنافي تحقق
شرطية الظهار، وحينئذ لا إشكال في وقوع الظهار في الفرض.
(وكذا يقع في الرتقاء) المدخول بها في دبرها (والمريضة التي لا توطأ)
في فرجها، ولكن دخل بها في دبرها، هذا وفي المسالك " أنه يمكن بناء ذلك
فيهما على القول بعدم اشتراط الدخول، بقرينة ذكر المريضة التي لا توطأ الشامل
باطلاقه للقبل والدبر في سائر الأوقات، وإن لم يدخل الرتقاء في هذا العموم غالبا
بالنظر إلى الدبر، ومثله إطلاق المصنف الحكم بصحة ظهار الخصي والمجبوب
اللذين لا يمكنهما الوطء، فإنه لا يتم على القول باشتراط الدخول، فلا بد في اطلاق
هذه الأحكام من تكلف ".
قلت: قد عرفت إمكان إصلاحه في الخصي والمجبوب بإمكان عروض ذلك لهما
127

بعد الدخول، إنما الكلام فيما ذكره هنا، وقد تبعه عليه الفاضل في القواعد، فقال:
" وعلى الاشتراط يقع مع الوطء دبرا في حال صغرها وجنونها، ويقع بالرتقاء
والمريضة التي لا توطأ " والظاهر إرادته ما ذكرناه في تفسير المتن.
والأصل في التشويش عبارة المبسوط، فإنها على ما قيل " وأما بعد الدخول
بها فإنه يصح ظهارها صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، بكرا أو ثيبا،
مدخولا بها أو غير مدخول، يقدر على جماعها أو لم يقدر، لعموم الآية ".
ولعل مراده بعد الدخول بها دبرا، فيكون مراده حينئذ نحو ما سمعته في
عبارة المتن، والثيبوبة والبكارة إنما هي بالنسبة إلى الفرج، وكذا الكلام في القدرة
على جماعها وعدمها، هذا ولكن في كشف اللثام " ولا يظهر لهذا الكلام معنى إلا
أن يكون المراد: سواء كانت الثيبوبة للدخول بها، أو لغيره، أو يكون المراد
بالدخول الخلوة " انتهى.
128

الأمر (الرابع)
(في الأحكام)
(وهي مسائل:)
(الأولى:)
لا خلاف في أن (الظهار محرم، لاتصافه بالمنكر) والزور في قوله تعالى (1):
" وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا " وهما معا محرمان مع تصريح الرواية (2)
الواردة في سبب نزولها بكونه معصية (و) لكن (قيل) وإن لم نتحققه لأحد
من أصحابنا (لا عقاب فيه، لتعقيبه بالعفو) فقال عز وجل بعد ذكره (3):
" وإن الله لعفو غفور " وهو يستلزم نفي العقاب.
وفيه أنه لا يلزم من وصفه تعالى بالعفو والغفران فعليتهما بهذا النوع من
المعصية، وذكره بعده لا يدل عليه، فإنه تعالى موصوف بذلك عفى عن هذا الذنب
الخاص أو لم يعف، نعم تعقبه له لا يخلو من باعث على الرجاء والطمع في عفو الله
تعالى، ونظائره في القرآن كثيرة، كقوله تعالى (4): " ليس عليكم جناح فيما
أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما " وغيره هذا كله
بالنسبة إلى نفس الآية الشريفة، وإلا فقد عرفت التصريح في الرواية (5) الواردة في

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 2.
(3) سورة المجادلة: 58 - الآية 2.
(4) سورة الأحزاب: 33 - الآية 5.
(5) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 2.
129

سبب نزولها بكونه معصية موجبة للكفارة، وإنما العفو كان لأول الفاعلين باعتبار
جهله، والله العالم، بحقيقة الحال.
المسألة (الثانية:)
(لا تجب الكفارة بالتلفظ) عندنا بل وعند غيرنا، بل الاجماع بقسميه
عليه، لظاهر اعتبار العود في الآية (1) وغيرها، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (2)
في ذلك، خصوصا ما دل (3) منها على عدم الكفارة مع عدم المس (و) حينئذ
فما عساه يظهر (4) من بعضها من ترتب الكفارة على حصوله يجب تنزيله على ما
في غيره من أنه (إنما تجب بالعود) الذي هو العنوان في الآية.
(و) المشهور أنه (هو إرادة) استباحة (الوطء) بل قيل: إنه
يظهر من التبيان ومجمع البيان وغيرهما الاتفاق عليه، لصحيح جميل (5) عن
أبي عبد الله عليه السلام " سأله عن الظهار متى يقع على صاحبه فيه الكفارة؟ فقال: إذا
أراد أن يواقع امرأته، قلت: فإن طلقها قبل أن يواقعها أعليها كفارة؟ قال:
سقطت الكفارة عنه " وصحيح الحلبي (6) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يظاهر
من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها، قال: ليس عليه كفارة، قلت: فإن أراد
أن يمسها، قال: لا يمسها حتى يكفر، قلت: فإن فعل فعليه شئ، فقال: أي
والله إنه لإثم ظالم، قلت: عليه كفارة غير الأولى؟ قال: نعم " وخبر أبي بصير (7)

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار.
(3) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار.
(4) الوسائل الباب - 13 - من كتاب الظهار والباب 1 منه الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار الحديث 4.
(6) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 6.
(7) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 6.
130

" قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: متى تجب الكفارة على المظاهر؟ قال: إذا أراد أن
يواقع، قال: قلت: فإن واقع قبل أن يكفر، قال: فقال: عليه كفارة أخرى ".
بل وخبر علي بن مهزيار (1) قال: " كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام:
جعلت فداك إن بعض مواليك يزعم أن الرجل إذا تكلم بالظهار وجبت عليه الكفارة
حنث أو لم يحنث، ويقول: حنثه كلامه بالظهار، وإنما جعلت عليه الكفارة عقوبة
لكلامه، وبعضهم يزعم أن الكفارة لا تلزم حتى يحنث في الشئ الذي حلف عليه، فإن
حنث وجبت عليه الكفارة، وإلا فلا كفارة عليه، فوقع عليه السلام بخطه: لا تجب الكفارة
حتى يحنث " بناء على أن المراد بالحنث فيه العود إلى ما حرمه على نفسه مما كان
مباحا له، إلى غير ذلك من النصوص التي منها المرسل (2) أيضا " في رجل ظاهر
- إلى أن قال -: سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة " وغيره.
فما عن بعض العامة - من أن المراد به الوطء نفسه - واضح الفساد، ضرورة
مخالفته ما عرفت من الكتاب (3) والسنة (4) والاجماع وما في بعض نصوصنا -
من موافقته كخبر زرارة (5) " قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني ظاهرت من أم ولدي ثم
وقعت عليها ثم كفرت، فقال: هكذا يصنع الرجل الفقيه إذا وقع كفر " وخبره
الآخر (6) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ظاهر ثم واقع قبل أن يكفر، فقال لي:
أوليس هكذا يفعل الفقيه؟ " - محمول على التقية، أو على الظهار المعلق على
الوطء أو على الاستفهام الانكاري في الأول وزيادة " أو " من النساخ في الثاني، أو
" ليس " فيوافق الأول حينئذ في الانكار، أو على إرادة هكذا يصنع الفقيه منهم،
أو غير ذلك.

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الظهار الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار الحديث 6.
(3) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(4) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار.
(5) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 5.
(6) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 5.
131

وعلى كل حال فلا ريب في فساد القول المزبور كباقي أقوالهم في المقام عدا
ما وافق ما ذكرناه.
وكذا ما سمعته سابقا في خبر (1) سبب النزول - من أن المراد عود غير الفاعل
الأول إلى الظهار بعد أن نزلت آيته - لم أجد به قائلا منا، نعم عن أبي علي
والمرتضى منا المراد بالعود إمساكها على النكاح زمانا وإن قل، كما عن بعض
العامة، لأن صيغة الظهار تقتضي التحريم الذي لا يكون إلا بالبينونة، فإذا لم يبنها
فقد عاد عن التحريم، كما يقال: قال فلان: قولا ثم عاد فيه وعاد له أي خالفه
ونقضه يقرب من قولهم عاد فلان في هبته، وهو أيضا واضح الضعف، لا لاقتضاء
" ثم " التراخي الذي هو وارد على المختار لو فرض أنه أراد استباحة الوطء عقيب
الظهار بلا فصل، وإن أمكن الجواب عنه بجريانه على الغالب الذي هو عدم إرادة
المظاهر خلاف ظهاره متصلا به، بل إنما يكون بعد ذلك بمدة، بل هو للنصوص (2)
التي يمكن دعوى تواترها بخلافه، خصوصا ما دل (3) منها على عدم الكفارة بعدم
المس المعتضدة مع ذلك بالأصل وغيره مما عرفت، هذا.
(و) لكن (الأقرب أنه لا استقرار لها) فلو فارقها بعد إرادة الوطء
لم يكن عليه كفارة (بل معنى الوجوب تحريم الوطء حتى يكفر) كما عن
المشهور، لا أنه يخاطب بالكفارة بمجرد الإرادة المزبورة وإن عدل عنها وطلق
مثلا الذي هو مناف لظاهر النصوص (4) التي منها ما دل (5) على أنه لا يمسها
حتى يكفر وعلى سقوط الكفارة إذا فارقها قبل المس، بل وظاهر الآية
(6) الموجب للتحرير قبل المس، والقبلية تستدعي وجود المتضائفين.

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار.
(3) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار.
(4) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار.
(5) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار الحديث 8.
(6) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
132

فما عن العلامة في التحرير - من القول بالاستقرار بإرادة الوطء التي هي العود
المعلق عليه وجوب الكفارة وإن رجع عنها، ولأنها وجبت عند الإرادة
فيستصحب، ولأنها إن لم تستقر بذلك لم تكن واجبة حقيقة، بل إنما كانت
شرطا لإباحة الوطء واضح الفساد، لأنه كالاجتهاد في مقابلة النص.
لكن في كشف اللثام " والجواب أن الوجوب خلاف الأصل، وإنما علم من
النصوص الوجوب بمعنى توقف المس عليه وإن لم يكن ذلك وجوبا حقيقة ".
وقد تبع بذلك ما في المسالك حيث قال: " فإن قيل: يلزم من هذا عدم
وجوبها، لأن الواجب هو الذي لا يجوز تركه لا إلى بدل، وهذه الكفارة قبل المسيس
يجوز تركها مطلقا حيث يعزم على عدم المسيس إما مطلقا أو مع فعل ما يرفع
الزوجية، ويترتب على ذلك أنه لو أخرجها قبل المسيس لا يجزي، لأنها لم
تجب، ولأن نية الوجوب لها غير مطابقة، وهذا المعنى الذي أطلقتموه عليه غير
الوجوب المتعارف، بل هو بالشرط أشبه، قلنا: الأمر كما ذكرت، وإطلاق
الوجوب عليها بهذا المعنى مجازي، وقد نبهوا عليه بقولهم بمعنى التحريم الوطء
حتى يكفر، فهي حينئذ شرط في جواز الوطء، وإطلاق الواجب على الشرط من
حيث إنه لا بد منه في صحة المشروط مستعمل كثيرا، ومنه وجوب الوضوء للصلاة
المندوبة، ووجوب الترتيب في الأولين، بمعنى الشرطية فيهما، وأمانية الوجوب
بالكفارة فجاز إطلاقها بهذا المعنى، لأن نية كل شئ بحسبه، ولو لم نعتبر نية
الوجه كما حققناه في أبواب العبادات لعدم الدليل الناهض عليه تخلصنا عن الاشكال "
وقد تبعه غير واحد ممن تأخر عنه على ذلك.
لكنه كما ترى، ضرورة أن الوجوب الشرطي لا يكفي في ملاحظة الامتثال
المتوقف عليه صحة العبادة التي لا تقع من دون أمر شرعي، وما أدري ما الذي دعاهم
إلى ذلك؟ إذ لا منافاة بين الوجوب الشرعي والشرطي، والفرض ظهور الكتاب (1)

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
133

والسنة (1) فيهما معا، نعم إنما ذلك مع الإرادة المتعقبة لاستباحة الوطء ويحصل
ذلك باستمرارها إلى تمام التكفير وإن لم يطأ، أما مع فرض الطلاق أو الرجوع
عن الإرادة المزبورة أو غير ذلك فلا وجوب ولو في أثناء الكفارة، وهذا هو المراد
من عدم استقرار الوجوب في مقابل القائل باستقراره وإن رجع عن تلك الإرادة،
بل قد يقال: إن الظهار هو السبب الموجب لها، ولكن بشرط العود الذي هو
الإرادة المزبورة، فمع فرض انتفاء استمرارها يرتفع الشرط، فيرتفع المشروط،
بل هذا هو معنى قوله تعالى (2): " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما
قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ".
(و) كيف كان ف‍ (لو وطأ قبل الكفارة لزمه كفارتان) بلا خلاف
معتد به أجده فيه، بل عن الخلاف والانتصار والسرائر والغنية وظاهر التبيان
والمبسوط الاجماع عليه، ولعل وجهه حصول سبب الكفارة أو لا بالظهار والعود الذي
قد عرفته، والوطء سبب ثان لها باعتبار حصول الحنث به بالظهار الذي هو كاليمين
والنذر بالنسبة إلى ذلك.
مضافا إلى صحيح الحلبي (3) وخبر أبي بصير (4) المتقدمين سابقا،
وحسن الصيقل (5) عن الصادق عليه السلام " قلت له: رجل ظاهر من امرأته فلم يكفر،
قال: عليه الكفارة من قبل أن يتماسا، قلت: فإنه أتاها قبل أن يكفر، قال:
بئسما صنع، قلت: عليه شئ؟ قال: أساء وظلم، قلت: فيلزمه شئ؟ قال: رقبة
أيضا ".
بل لم نجد في ذلك خلافا إلا من أبي علي في خصوص من كان تكفيره بالاطعام،

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(3) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 6 - 5 وفي الثالث " فلم يف " بدل " فلم يكفر " كما في الاستبصار ج 3 ص 262 و 265 والتهذيب ج 8 ص 14 و 18.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 3.
134

فلم يوجب تقدمه على المس ولا تكريره به، كما هو ظاهر عبارته المحكية عنه
وإن كانت لا تخلو من سماجة، ومن هنا حكى بعضهم عنه عدم وجوب التعدد بالوطء
الأول مطلقا، ولكن ما ذكرناه هو مقتضى التدبر فيها محتجا باطلاق الآية فيه،
بخلاف العتق والصيام.
واستدل له في المسالك بخبري (1) زرارة السابقين المشتملين على التكفير
بعد المواقعة، وقد عرفت الحال فيهما، وبحسن الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام " سألته
عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات، قال: يكفر ثلاث مرات، قلت: فإن واقع
قبل أن يكفر قال: يستغفر الله ويمسك حتى يكفر " وخبر زرارة (3) عن أبي جعفر
عليه السلام " إن الرجل إذا ظاهر من امرأته ثم يمسها قبل أن يكفر فإنما عليه
كفارة واحدة، ويكف عنها حتى يكفر " وما تقدم من خبر سلمة بن صخر (4)
وأمر النبي صلى الله عليه وآله له بكفارة واحدة، مع أنه واقع بعد الظهار قبل التكفير،
والمرسل (5) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " في المظاهر يواقع قبل أن يكفر، قال: كفارة
واحدة "
ومن هنا قال فيها: " ويمكن على هذا حمل الأخبار (6) الواردة بتعدد
الكفارة على الاستحباب جمعا بين الأخبار، ومع أن في تينك الروايتين رائحة
الاستحباب، لأنه عليه السلام لم يصرح بأن عليه كفارة أخرى إلا بعد مراجعات
وعدول عن الجواب، كما لا يخفى - إلى أن قال -: قول ابن الجنيد لا يخلو من

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 2 و 5.
(2) ذكر صدوره في الوسائل في الباب - 13 - من كتاب الظهار الحديث 2 وذيله
في الباب - 15 - منه الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 9.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 386.
(5) سنن البيهقي ج 7 ص 386.
(6) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار.
135

قوة، وفيه جمع بين الأخبار " وتبعه على ذلك في الجملة في كشف اللثام، فإنه بعد
أن حكى قول ابن الجنيد قال: " ويؤيده أن أكثر الأخبار إنما أوجب عليه رقبة
ثانية " ثم ذكر بعض النصوص التي سمعتها.
لكن لا يخفى عليك أن هذا من الاعوجاج في الفقه، نسأل الله تعالى العافية
منه، ضرورة أن هذا القول الشاذ - الذي يمكن القطع بفساده ولو بملاحظة استقرار
الكلمة على خلافه في الأعصار المتعاقبة - فيه أن من المعلوم كون ترك التقييد في
الاطعام لكونه بدلا عنهما، فما القيد فيهما إلا قيد فيه، وكذا من المعلوم
مرجوحية النصوص المزبورة بالنسبة إلى تلك النصوص من وجوه يكفي أحدها في عدم
المكافئة التي تحتاج إلى الجمع المزبور الذي هو مع ذلك بلا شاهد.
بل قد عرفت الاحتمالات في خبري زرارة (1) كما أن غيرهما من النصوص
لا صراحة فيه، بل ولا ظهور بخصوص المحكي عن ابن الجنيد الذي هو موافق
للأصحاب في خصوص العتق والصيام، بل ما فيه من الأمر بالاستغفار والكف (2)
ونحوهما مما ينافي قول ابن الجنيد الذي مبناه عدم وجوب تقديم الاطعام على
المس وعدم تكرره بتكرره، فهي حينئذ من قسم المأول الخارج عن الحجية.
مع أنه ليس بأولى من حملها على صورة الجهل والنسيان المصرح بها في
المسالك وكشف اللثام وغيرهما والمحكي عن الشيخ اللذين أولهما مبنى أمر النبي
صلى الله عليه وآله سلمة بن صخر (3) بالكفارة الواحدة وكذا الرجل من بني
النجار (4) بل لعل ذلك أولى، لشهادة قول الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (5)
له بخلاف الأول، قال: " الظهار لا يكون إلا على الحنث، فإذا حنث فليس له
أن يواقعها حتى يكفر، فإن جهل وفعل فإنما عليه كفارة واحدة " المؤيد

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الظهار الحديث 2 و 5.
(2) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 2 و 3.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 386.
(4) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 7 - 8.
(5) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 7 - 8.
136

بخبر (1) رفع الخطأ والنسيان وغيره، مضافا إلى ظهور النصوص (2) الموجبة في
العامد ومن ذلك يتجه إلحاق الناسي بالجاهل المصرح به في الصحيح المزبور (3).
(و) كيف كان ف‍ (لو كرر الوطء تكررت الكفارة) وفاقا للمشهور
بل لا خلاف معتد به أجده فيه، لصدق الوطء قبل التكفير على كل منها، وقد عرفت
ظهور الأدلة في كونه سببا للتكفير، والأصل عدم التداخل، مضافا إلى خبر أبي
بصير (4) عن الصادق عليه السلام " إذا واقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة أخرى "
وليس في هذا اختلاف.
فما عن ابن حمزة - من أنه إن كفر عن الوطء الأول لزمه التكفير عن
الثاني وإلا فلا، لأن الأخبار الموجبة لكفارة أخرى للوطء تشمل الوطء الواحد
والمتعدد، والأصل البراءة من التكرير، فإذا وطأ مرات قبل التكفير لم يكن عليه
سوى كفارة أخرى، وأما إذا كفر عن الأول فإذا وطأ ثانيا صدق عليه أنه
وطأ قبل التكفير، فلزمه كفارة أخرى، وحسن أبي بصير ليس نصا في ايجاب التكرار
مطلقا، وفي كشف اللثام " وهو قوي " لا ريب في ضعفه، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص
أو في حكم النص.
نعم الظاهر أنه لا كفارة عليه فيما لو فرض حصول وطئه ثانيا بعد تكفيره عن
السبب الأول، لعدم صدق الوطء قبل التكفير حينئذ، بناء على أن المراد به التكفير
عن الظهار الذي هو قبل المس.
ولعله لذا جزم به في القواعد وشرحها للإصبهاني، نعم قالا: " لو وطأ ثانيا
بعد أن أدى كفارة واحدة ناويا بها عن الوطء الأول بعينه أو عن أحدهما، أي
الوطء الأول والظهار لا على التعيين على إشكال في الثاني وجبت بالوطء الثاني

(1) الوسائل الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
(2) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 1 و 4 و 6.
(3) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 8 - 1.
(4) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 8 - 1.
137

كفارة ثالثة " لصدق الوطء قبل التكفير عن الظهار الذي قد عرفت بظهور الأدلة في
كونه سببا للكفارة حتى في الصورة الثانية، بناء على صحتها وانصرافها إلى التوزيع
بينهما، لعدم حصول تمام كفارة الظهار حينئذ، فيكون كما لو وطأ في أثناء كفارته
في أنه يصدق عليه أنه وطأ قبل أن يكفر.
اللهم إلا أن يقال: إن المتيقن منه قبل الشروع في الكفارة، لكنه كما
ترى، ضرورة كون الكفارة اسما للمجموع، نعم لو قيل في الفرض إنه تقع الكفارة
لواحد منهما لا بعينه أمكن القول حينئذ بعدم الحكم بصدق الوطء قبل التكفير،
والأصل براءة الذمة، فتأمل جيدا.
المسألة (الثالثة:)
(إذا طلقها رجعيا ثم راجعها لم تحل له حتى يكفر) بلا خلاف أجده
فيه، لأنها حينئذ بحكم الزوجة، نعم ليس مجرد رجوعه بها موجبا للكفارة
بل هي على حالها السابق الذي قد عرفت اعتبار العود بالظهار في وجوب الكفارة
فيه، والرجوع بها أعم من العود الذي قد عرفته، ومرسل النميري (1) عن أبي
عبد الله عليه السلام " رجل ظاهر ثم طلق، قال: سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن
يعاود المجامعة، قيل: فإنه راجعها، قال: إن كان إنما طلقها لاسقاط الكفارة عنه
ثم راجعها فالكفارة لازمة له أبدا إذا عاود المجامعة، وإن كان طلقها وهو لا ينوي
شيئا من ذلك فلا بأس أن يراجع، ولا كفارة عليه " مع سقوطه عن الحجية قاصر
عن المعارضة من وجوه، ولذا لم أجد عاملا به.
(ولو خرجت من العدة ثم تزوجها ووطأها فلا كفارة) فضلا عما قبل
الوطء وفاقا للمشهور، للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة بعد ظهورها في
أن الموجب لها العود والوطء بالسبب الأول الذي وقع الظهار عليه لا مطلقا حتى

(1) الوسائل الباب 10 - من كتاب الظهار الحديث 6.
138

لو استباحها بسبب جديد، كما صرح بذلك كله في خبر يزيد بن معاوية (1)
على ما عن الفقيه ويزيد الكناسي على ما عن غيره المنجبر بما عرفت إن كان في سنده
شئ، قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها تطليقة،
فقال: إذا طلقها هو تطليقة فقد بطل الظهار، وهدم الطلاق الظهار، فقلت له:
فله أن يراجعها؟ قال: نعم هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر
من قبل أن يتماسا، قلت: فإن تركها حتى يحل أجلها وتملك نفسها ثم تزوجها
بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يمسها؟ قال: لا، قد بانت منه
وملكت نفسها " مؤيدا بالنصوص (2) المستفيضة الدالة على سقوط الكفارة
عنه بالطلاق.
ومن ذلك يعلم الوجه فيما ذكره المصنف وغيره بقوله (وكذا لو طلقها
بائنا وتزوجها في العدة ووطأها) ضرورة أنها بالطلاق البائن قد ملكت نفسها وانقطع
حكم السبب الأول الذي وقع عليه الظهار، وإنما استحل نكاحها بعقد جديد،
خلافا لسلار وأبي الصلاح فأوجبا حكم الظهار، ولو بالتزويج بعد عدة البائنة
لاطلاق الآية (3) الذي هو مع الاغضاء عن تقييده بما سمعت منساق إلى العود بذلك
السبب لا مطلقا، ولحسن علي بن جعفر (4) عن أخيه عليه السلام سأله " عن رجل ظاهر
من امرأته ثم طلقها بعد ذلك بشهر أو شهرين فتزوجت، ثم طلقها الذي تزوجها
فراجعها الأول، هل عليه فيها الكفارة للظهار الأول؟ قال: نعم عتق رقبة أو
صوم أو صدقة " القاصر عن معارضة ما سمعت بمخالفة الشهرة وموافقة العامة وغير
ذلك، فلا بأس بحمله على الندب.

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار الحديث 2 عن يزيد بن معاوية كما
في الفقيه ج 3 ص 342.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار الحديث - 0 - 9.
(3) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(4) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار الحديث - 0 - 9.
139

وأما المناقشة في متنه - باحتمال فساده، لأنه عقب تزويجها بعد طلاقها بشهر
أو شهرين، فيكون قد وقع في العدة، بل عقب التزويج فيه بالفاء المقتضية للفورية
المستلزمة لعدم الخروج من العدة، بل قوله أخيرا " فراجعها الأول " ولم يقل
" تزوجها " مشعر بذلك أيضا - فلا يخفى عليك ما فيها، بل أطنب في المسالك في
ردها، ولكن لا حاجة إليه بعد ما عرفت.
(وكذا) لا كفارة قطعا (لو ماتا أو مات أحدهما) قبل العود بلا
خلاف ولا إشكال (أو ارتدا أو أحدهما) عن فطرة أو عن ملة قبل الدخول أو
بعده إذا كان المرتد الرجل عن فطرة، حتى لو قلنا بقبول توبته على وجه يصح له
تزويجه بامرأته، لكن هو حينئذ كالمطلق بائنا بل أعظم، ولو كان عن ملة أو كانت
المرتدة الامرأة فهو بحكم الطلاق الرجعي، ضرورة الرجوع إلى الزوجة بالاسلام
في العدة كما هو واضح، ويمكن كون إطلاق المصنف اتكالا على وضوحه، وللفرق
بين الطلاق الرجعي وبينه بجعله سببا جديدا دون الطلاق، والله العالم.
140

المسألة (الرابعة:)
(لو ظاهر من زوجته الأمة ثم ابتاعها فقد بطل العقد) كما عرفته في
محله، ويتبعه بطلان حكم الظهار لما سمعته. (و) حينئذ (لو وطأها بالملك)
الجديد (لم يجب عليه الكفارة)، للأصل وغيره مما عرفت، بل هو أقوى من
تزويجها بعد طلاقها بائنا، لاختلاف جنس السبب فيه دونه. (ولو ابتاعها من
مولاها غير الزوح ففسخ) نكاحه (سقط حكم الظهار) الذي كان قد تعلق به.
(و) حينئذ ف‍ (لو تزوجها الزوج بعقد مستأنف لم تجب الكفارة) وكذا
لو اشتراها منه.
ولو ظاهر السيد أمته المملوكة - بناء عليه - فباعها من غيره بطل حكم
الظهار وإن اشتراها منه بعد ذلك، وأولى منه ما لو أعتقها ثم تزوجها.
ولو ظاهر غير زوجته الأمة المظاهرة أيضا وعاد ثم قال لمالكها: " أعتقها عن
ظهاري " ففعل وقع عتقها عن كفارته وانفسخ النكاح بينهما، لأن إعتاقها عنه يتضمن
تمليكه، وإذا ملك زوجته انفسخ نكاحه، ويتبعه بطلان ظهاره لها، فإذا أراد
تزويجها لم يتعلق به حكم الظهار، لما عرفت، وكذا لو أعتقها باستدعائه عن كفارة
أخرى. ولو ظاهر عن أمته المملوكة وعاد فأعتقها عن ظهاره جاز.
وكذا لو آلى عن زوجته الأمة ووطأها لزمته الكفارة، فقال لسيدها (1):
" أعتقها عن كفارتي " ففعل جاز وانفسخ النكاح كالظهار، ولو ظاهر من زوجته
الذمية وعاد ثم نقضت المرأة العهد فاسترقت فملكها الزوج فأسلمت وأعتقها عن
كفارة ظهاره أو غيرها جاز، وذلك وغيره كله واضح بحمد الله تعالى.

(1) في النسخة الأصلية المبيضة والمسعودة " فقال سيدها " والصحيح ما أثبتناه.
141

المسألة (الخامسة:)
(إذا قال: " أنت كظهر أمي إن شاء زيد " فقال: " شئت " وقع على القول
بدخول الشرط في الظهار) والاشكال بعدم العلم بمشيئته فإن قوله أعم من ذلك هين
بعد معلومية إرادة المشيئة التي طريقها قوله، ولو لأنها شئ لا يعلم إلا من قبله،
وكذا لو علقها على مشيئتها أو مشيئته غيرها أو المركب أو غير ذلك من وجوه
التعليق، نعم لو قال المعلق على مشيئته: " شئت إن شاء زيد " مثلا لم يقع، لعدم
قبول المشيئة التعليق.
ولو علقه على مشيئة صبي غير مميز لم يعقل مشيئته للظهار المتوقف على
تعقله، أما المميز ففي المسالك " وجهان: من سلب عبارته شرعا، وإمكان مشيئته
عقلا، وقبول خبره في نظائر ذلك " وفيه أنه لا إشكال فيه بعد فرض تحقق مشيئته،
لعدم مدخلية عبارته هنا في صحة الظهار حتى يقال: إنها مسلوبة، بل
لو علقها على مشيئة المجنون وكان يمكن تحقق ذلك منه صح وإن جزم هو
بعدمه كغير المميز.
ولو علقه على مشيئتها فشائت باللفظ كارهة بالقلب، وقع ظاهرا وفي وقوعه
باطنا بالنسبة إليها وجهان: من أنه تعليق بلفظ المشيئة، ولو كان بالباطن لكان
إذا علق بمشيئة زيد لم يصدق زيد في حقها، ومن ظهور عدم الشرط وهو المشيئة
عندها، ولا يخلو من نظر.
ولو قال: " إن شئت أو أبيت " فقضية اللفظ وقوعه بأحد الأمرين، نحو
" إن قمت أو قعدت " اللهم إلا أن يظهر منه إرادة التنجيز.
(ولو قال: إنشاء الله) وقع إن قصد التبرك، وإلا (لم يقع ظهار) عندنا،
لأنه لم يشأ المحرم، بل وعند الأشاعرة، للجهل بالشرط وإن جوزوا مشيئته له،
ولو عكس فقال: " إن لم يشأ الله تعالى " وقع إن كان عدليا، للعلم بعدم مشيئته له،
142

وإن كان أشعريا ففي المسالك وجهان، أجودهما الوقوع مطلقا.
قلت: قد تقدم جملة من الكلام في ذلك سابقا، ولكن نقول هنا: إن
كلامهم مبني على إرادة الاختيار من المشيئة، ولذا كان محالا تعلقها عندنا وعند
المعتزلة بايجاد القبيح بخلاف الأشاعرة، وعلى أنه لا يمكن أن يقع خلاف مشيئة الله،
كما عن الأشاعرة على ما حكاه عنهم في الإيضاح قال: " وجوزه المعتزلة والإمامية "
قلت: ومقتضاه حينئذ أن المشيئة أمر آخر، وبالجملة هذه المسألة كلامية وإن
ذكرها الفقهاء على المتعارف منها.
المسألة (السادسة:)
(لو ظاهر من أربع بلفظ واحد) لا بأربع ألفاظ فإنه لا خلاف حينئذ في
تعدد الكفارة، ولكن قال: " أنتن علي كظهر أمي " (كان) مظاهرا منهن
بلا خلاف أجده، بل في المسالك وكشف اللثام الاجماع عليه، فإن فارقهن بما يرفع
الكفارة من طلاق ونحوه فلا إشكال، وإن عاد إليهن أجمع فالمشهور أن (عليه عن
كل واحدة كفارة) بل عن الخلاف الاجماع عليه، لصدق الظهار عن كل واحدة
مع العود إليها وإن اتحدت الصيغة، ولحسن حفص بن البختري (1) عن الصادق
والكاظم عليهما السلام " في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن كلهن جميعا بكلام واحد،
فقال: عليه عشر كفارات " وخبر صفوان (2) قال: " سأل الحسين بن مهران أبا
الحسن الرضا عليه السلام عن رجل ظاهر من أربع نسوة، فقال: يكفر لكل واحدة
كفارة، وسألته عن رجل ظاهر من امرأته وجاريته ما عليه؟ قال: عليه لكل واحدة
كفارة " الحديث.
خلافا لأبي علي، فكفارة واحدة، لاتحاد الصيغة كاليمين، ولخبر غياث بن
إبراهيم (3) عن الصادق عن أبيه عن علي عليه السلام " في رجل ظاهر من أربع نسوة،

(1) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الظهار الحديث 1 - 2 - 3.
143

قال: عليه كفارة واحدة ".
وفيه منع التلازم بين اتحاد الصيغة وتعدد الظهار الذي هو الأثر الحاصل
منها لا نفسها، كما حققناه في محله، وبذلك ظهر الفرق بينه وبين اليمين الذي لا إشكال
في أنه اسم للعبارة المخصوصة اتحد متعلقها أو تعدد، ولا ينافي ذلك حكمهم باتحاد
البيع الواقع على أعيان متعددة، ولذا لو ظهر عيب في بعضها كان له فسخ العقد من
أصله أو أرش المعيب، وليس له رد المعيب نفسه خاصة، لامكان الفرق بينهما بصحة
بيع المجموع من حيث هو كذلك على وجه يكون كل واحد من الأعيان جزء
المبيع، بخلاف المقام الذي لا يصح فيه ظهار المجموع كطلاقه، ومن هنا اتضح لك
كون الظهار بالطلاق أشبه منه باليمين، وأما الخبر المزبور فهو فاقد شرائط الحجية،
فلا يصلح معارضا للحسن الأول المعتضد بها، ولو عاد إلى بعضهن دون بعض فعلى
المختار تجب الكفارة بعدد من حصل فيها العود، وعلى القول الآخر تجب الواحدة
ولو بالعود إلى الواحدة مع احتمال العدم أصلا، كما لو حلف أن لا يكلم جماعة بناء
على أنه لا يلزمه الكفارة بتكليم بعضهم.
(ولو ظاهر من واحدة مرارا) وعاد لما قال بعد كل ظهار أو لم يعد بعد
كل ظهار بل عاد بعد الأخير (وجبت عليه بكل مرة كفارة) وفاقا للأكثر، لظهور
الأدلة في سببية كل منها، والأصل تعدد المسبب بتعدد السبب، سواء (فرق الظهار)
عن الآخر بأن حصل التراخي بينهما أو وقع في مجلس غير مجلس الأول (أو
تابعه) وإن حكى عن المبسوط نفي الخلاف عن التعدد في صورة التفريق، وسواء اتحد
المشبه به أو تعدد، وسواء تخلل التكفير أو الوطء أو لا، بل سواء قصد التأكيد
بالثاني والثالث مثلا أو لا وإن حكى عن الشيخ في المبسوط أنه نفى الخلاف عن
الوحدة إذا نوى التأكيد، بل ظاهر الفخر في الإيضاح أن محل الخلاف في غير
صورة التأكيد، ويقرب منه ما في كشف اللثام، ولكن لم نتحققه، بل لعل مقتضى
إطلاق المتن والقواعد والنافع ومحكي الجامع وابن أبي عقيل وابن زهرة وابن إدريس
144

عدم الفرق، ولعله لذا صرح في محكي المختلف بعدم الفرق.
ودعوى صدق اتحاد الظهار مع نية التأكيد لا تعدده ممنوعة، ضرورة أن
المؤكد غير المؤكد، وإطلاق أدلة الظهار تقتضي ترتب الكفارة على مسماه مع العود،
وهو متحقق في المقصود به التأكيد، مضافا إلى إطلاق صحيح ابن مسلم (1) عن
الباقر عليه السلام " سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر ما عليه؟ قال:
عليه مكان كل مرة كفارة " وصحيحه الآخر (2) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن رجل
ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر، فقال: قال علي عليه السلام: مكان كل مرة كفارة "
الحديث. وصحيح الحلبي (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته
ثلاث مرات، قال: يكفر ثلاث مرات) وخبر جميل (4) عن أبي عبد الله
عليه السلام (فيمن ظاهر من امرأته خمس عشرة مرة، قال: عليه خمس عشر
كفارة).
فما عن المبسوط: من أنه (إن والى ونوى التأكيد أو أطلق لم يلزمه
أكثر من كفارة، وإن نوى الاستئناف أو فرق تعددت، تخلل التكفير أولا)
ونحوه عن الوسيلة صريحا والخلاف مفهوما فإنه حكم بالتعدد إذا نوى الاستئناف
لكن لم يفرق فيه بين التوالي والتفريق، ولعله إليه أشار المصنف بقوله: (ومن
فقهائنا من فصل) واضح الضعف لما عرفت خصوصا في صورة الاطلاق، وإن
استدل له مضافا إلى ما سمعت بالأصل المقطوع بما عرفت، وخبر عبد الرحمن
ابن الحجاج (5) عن الصادق عليه السلام (في رجل ظاهر من امرأته أربع مرات، في
مجلس واحد، قال: عليه كفارة واحدة) القاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه،
فلا بأس بطرحه أو حمله كما عن الشيخ على الاتحاد في الجنس وإن بعد أو على
إرادة الظهار أربعا بلفظ واحد أو غير ذلك.
هذا وفي المسالك (أنه يظهر من قول المصنف: (ومن فقهائنا) إلى آخره

(1) الوسائل الباب - 13 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 13 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 13 - من كتاب الظهار الحديث 4 - 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 13 - من كتاب الظهار الحديث 3 - 6.
(5) الوسائل الباب - 13 - من كتاب الظهار الحديث 3 - 6.
145

أن منهم من فرق بين ما لو تابع وفرق، فحكم بالتعدد في الثاني دون الأول،
وفي رواية ابن الحجاج ما يرشد إليه، لأنه حكم بالاتحاد مع اتحاد المجلس، وتلك الأخبار الدالة على التعدد مطلقة، فتحمل على اختلاف المجلس جمعا بين الأخبار،
وهذا قول موجه بالنسبة إلى دلالة الأخبار، وطريق الجمع بينها، إلا أنا لم
نقف على القائل به من أصحابنا، نعم نقله الشيخ في المبسوط عن بعضهم، ومقتضى
طريقته أنه من العامة لا من أصحابنا ".
وفيه أنه مع قطع النظر عن ذلك قاصر عن تقييد تلك المطلقات المعتضدة
بالعمل وبقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، و (دعوى) عدم تعدد السبب الذي هو
الظهار والعود الذي قد تقدم كون المراد منه الإرادة المتعقبة للوطء، وهو غير
متكرر وإن تكرر الظهار، سواء تخلل العود بين الظهارات أو وقع آخرا، لأن
المتخلل بعد فرض الرجوع عنه بالظهار المتعقب له لم يكن تتمة السبب، بناء
على المختار من كون العود إرادة الوطء مستمرة إلى تمام التكفير حتى تحصل
استباحة الوطء، وأما الأخير فليس هو إلا عود واحد (يدفعها) أن إرادة الوطء
المتأخرة مع انضمامها إلى كل واحد من الظهارات المتكررة تصير سببا تاما في
الوجوب، فيتعدد كما اعترف به في التنقيح.
وأضعف منه ما عن أبي علي من أنه إن اختلف المشبه به تعددت الكفارة،
كأن قال: " أنت على كظهر أمي أنت علي كظهر أختي " لأنهما حرمتان
انتهكهما، وإن اتحد اتحدت ما لم يتخلل التكفير، إذ هو مع منافاته لظاهر الأدلة
لا شاهد له.
(و) كيف كان ف‍ (لو وطأها قبل التكفير) عن الجميع كفر عن
البعض أولا (وجب عليه عن كل وطء كفارة واحدة) لا أزيد، للأصل وغيره، وعن
كل مرة بقيت أخرى كما هو واضح.
146

المسألة (السابعة:)
(إذا أطلق الظهار حرم عليه الوطء حتى يكفر) بلا خلاف معتد به
ولا إشكال، لما سمعته من الكتاب (1) والسنة (2) والاجماع (ولو علقه بشرط)
كما لو قال مثلا: " أنت على كظهر أمي إن دخلت الدار أو كلمت زيدا "
(جاز الوطء ما لم يحصل الشرط) لعدم تحقق الظهار المشروط به، فإن دخلت
أو كلمت زيدا وقع بعد الدخول والتكلم، سواء طال الزمان أو قصر. (و)
حينئذ ف‍ (لو وطأ قبله لم يكفر) للأصل وغيره (ولو كان الوطء هو الشرط)
بأن قال: " أنت علي كظهر أمي إن وطأتك " (ثبت الظهار بعد فعله)
كغيره من الشرائط (ولا تستقر الكفارة حتى يعود) إلى إرادة وطئها ثانيا على
الوجه الذي قدمناه سابقا.
(وقيل) كما عن الصدوق والشيخ في الفقيه والمقنع والهداية والنهاية:
(تجب) الكفارة (بنفس الوطء) وإن كان ابتداؤه جائزا، لأن الاستمرار
وطء ثان، وإنما المباح مسماه، فيجب حينئذ بما زاد على مسماه بالنزع أو غيره،
(وهو بعيد) ضرورة أن الوطء أمر واحد عرفا من ابتدائه إلى النزع،
والاطلاق محمول على العرف، والمشروط إنما يقع بعد وقوع الشرط لا قبله،
واستدامة الأفعال ليس أفعالا مستقلة كاستمرار القيام والجلوس مثلا، نعم لو نزع
كاملا ثم عاد وجبت الكفارة وإن كان في حالة واحدة، لصدق تعدد الوطء حينئذ،
كما هو واضح.
بل في كشف اللثام " وعندي أن شيئا من عبارات تلك الكتب ليس نصا في
ذلك، ففي الفقيه: والظهار على وجهين: أحدهما أن يقول الرجل لامرأته: هي

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(2) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار.
147

كظهر أمه ويسكت، فعليه الكفارة من قبل أن يجامع، فإن جامع من قبل أن
يكفر لزمته كفارة أخرى، وإن قال: هي عليه كظهر أمه إن فعل كذا وكذا
فليس عليه شئ حتى يفعل ذلك الشئ ويجامع، فتلزمه الكفارة إذا فعل ما حلف
عليه، ونحوه ما في المقنع والهداية وفي النهاية: ثم إنه ينقسم قسمين: قسم منه
يجب فيه الكفارة قبل المواقعة، والثاني لا تجب فيه الكفارة إلا بعد المواقعة،
فالقسم الأول هو أنه إذا تلفظ بالظهار على ما قدمناه، ولا يعلقه على شرط، فإنه
تجب عليه الكفارة قبل مواقعتها، فإن واقعها قبل أن يكفر كان عليه كفارة أخرى،
والضرب الثاني لا تجب فيه الكفارة إلا بعد أن يفعل ما شرط أنه لا يفعله أو
يواقعها، فمتى واقعها كانت عليه كفارة واحدة، فإن كفر قبل أن يواقع ثم واقع
لم يجزه ذلك عن الكفارة الواجبة بعد المواقعة، وكان عليه إعادتها، ومتى فعل
ما ذكر أنه لا يفعله وجبت عليه الكفارة أيضا قبل المواقعة، فإن واقعها بعد ذلك
كان عليه كفارة أخرى - قال -: والظاهر أن معنى هذه العبارات أن عليه الكفارة
بعد المواقعة إذا عاد لما قاله، فارتفع الخلاف من البين " قلت: وعلى تقديره فلا
ريب في ضعفه.
ولو علقه بنفي فعل كقوله: " إن لم تدخلي الدار " لم يقع إلا عند اليأس
من الدخول بموت أحدهما قبله، فيحكم بوقوعه قبل الموت، ونحوه لو قال: " أنت
على كظهر أمي إن لم أتزوج عليك " فإنه يصير مظاهرا عند اليأس بالموت،
ولكن لا كفارة عليه، لعدم العود بعده، لأن الموت عقيب صيرورته مظاهرا.
نعم لو علق النفي بإذا بأن قال: " إذا لم تدخلي " ففي المسالك " وقع عند
مضي زمان يمكن فيه إيقاع ذلك الفعل من وقت التعليق فلم يفعل والفرق بين
الأداتين أن " إن " حرف شرط لا إشعار له بالزمان، و " إذا " ظرف زمان كمتى
في التناول للأوقات، فإذا قيل له: " متى ألقاك " صح أن يقول له: " متى شئت "
أو " إذا شئت " ولا يصح " إن شئت " فقوله: " إن لم تدخلي الدار " معناه " أي
148

وقت فاتك دخولها " (1) وفواته بالموت، وقوله: " إذا لم تدخلي الدار " معناه " أي
وقت فاتك الدخول " فيقع الظهار بمضي زمان يمكن فيه الدخول به، ويحتمل
وقوعه في الموضعين بمضي زمان يمكن فيه الفعل، لدلالة العرف عليه، ويقوى
الاحتمال مع انضباطه، وفي معنى " إذا " " متى " و " أي وقت ". ".
قلت: قد يقال: إن المحتمل مساواة " إذا " لأن في العرف الآن في هذا
التركيب، فإنه لم يرد منها إلا معنى الشرطية الحاصلة بأن لا العكس، وفرق
واضح فيه بينها وبين " متى " و " أي وقت " كما لا يخفى بأدنى التفات، والأمر
سهل بعد أن كان المدار على المفهوم عرفا منه.
ولو علقه بالحمل فقال: " أنت على كظهر أمي إن كنت حاملا " فإن
كان بها حمل ظاهر وقع في الحال، وإلا ففي المسالك " إن ولدت لأقل من ستة
أشهر من التعليق بأن وقوعه حين التعليق، لوجود الحمل حينئذ، وإن ولدت لأكثر
من أقصى مدة الحمل أو بينهما ووطئت بعد التعليق وأمكن حدوثه به بأن كان بين
الوضع والوطء ستة أشهر فأكثر لم يقع، لتبين انتفاء الحمل في الأول، واحتمال
حدوثه بعد التعليق في الثاني، وإن لم يطأها بعد التعليق بحيث يمكن حدوثه به
ففي وقوعه وجهان: من احتمال حدوثه بغير الوطء كاستدخال المني، والأصل
عدم تقدمه، ومن أن ذلك نادر، والظاهر وجوده عند التعليق، وهذا هو
الأقوى ".
قلت: قد يقال: إن المدار على الحمل عرفا، ولا يتحقق صدقه بالولادة لدون
الستة أشهر التي بها ينكشف استعداد النطفة للانعقاد الذي هو منشأ الحمل، كما
قدمنا ذلك سابقا.
كما أنه قد يقال بعدم تحقق الحمل عرفا عند التعليق بالولادة بين الأدنى
والأقصى وإن لم يحصل وطء من الزوج، إذ الوطء حال النوم وغيره محتمل،

(1) هكذا في النسختين المخلوطتين المبيضة والمسودة، وفي المسالك " إن فاتك
دخولها " وهو الصحيح.
149

والأصول متعارضة، فلا يقين بإحراز صدق الحمل حال التعليق، ونفيها شرعا
بالنسبة إلى إلحاق الولد ونحوه لا يقتضي نفيها بالنظر إلى صدق النسب العرفية،
والظهور الذي ذكره أقصاه الظن، وهو لا يجدي في تحقيق النسب إذا كانت عنوانا
لحكم شرعي كما هو واضح.
ولو قال: " إن ولدت أنثى " فولدتها وقع حين تحقق الولادة، ولو قال:
" إن كنت حاملا بها " تبين بولادتها وقوعه حين التعلق وإن توقف ظهوره على
الولادة، وتظهر الفائدة، في احتساب المدة من حينه لو كان قد وقته بمدة وفي غير
ذلك.
ولو علقه بالحيض فقال: " إن حضت حيضة " لم يقع حتى تنقضي أيام
حيضها، ولو قال: " إن حضت " واقتصر ففي المسالك " وقع إذا رأت دما محكوما
بكونه حيضا إن كانت معتادة، فلو رأته في عادتها وقع برؤية الدم، وإلا فبمضي
ثلاثة أيام، وعلى القول بحيضها برؤية الدم مطلقا أو مع ظنه يقع كذلك، ويحتمل
توقفه على ثلاثة مطلقا، إذ به يتحقق أنه ليس بدم فساد، والفرق بينه وبين العبادة
والتحريم أن الظهار لا يقع إلا بيقين، وأحكام الحيض يثبت بالظاهر ".
قلت: إذا كان المدار في الظهار على ذلك لم تجد الثلاثة ولا الرؤية في زمن
العادة، ضرورة عدم حصول اليقين بذلك، وإن جرى عليه حكم الحيض بالنسبة إلى
الأحكام الشرعية التي مرجعها إلى الموضوع الشرعي بخلاف التعليق العرفي المراد به
الموضوع الواقعي، كما اعترف به. نعم قد يقال: إن المنصرف من نحو ذلك إرادة
التعليق على الموضوع الشرعي، وحينئذ يتجه الاجتزاء به مطلقا.
ولو قال لها ذلك وهي حائض لم يقع إلا بحيضة مستأنفة، وفي المسالك " ومتى
قالت: حضت فالقول قولها، بخلاف ما لو علقه على دخول الدار فقالت: دخلتها،
فإنها تحتاج إلى البينة، والفرق عسر إقامة البينة على الحيض، وغاية عسرها
مشاهدة الدم، وذلك لا يعرف إذا لم يعرف عادتها وأدوارها، فلعله دم فساد، فاكتفى
150

الشارع فيه بقولها، وقد تقدم في كتاب الطلاق ما يدل عليه من النص (1) ومثله
لو قال: " إن أضمرت بغضي " فقالت " أضمرت " فالقول قولها لعسر الاطلاع، بخلاف
الأفعال الظاهرة، كدخول الدار، لسهولة إقامة البينة عليها ".
قلت: قد يقال: إنه لا مدخلية للعسر هنا، إذ أقصاه عدم ثبوت الظهار،
واكتفاء الشارع بقولها في ذلك بالنسبة إلى ما رتبه من الأحكام لا يقتضي
الاكتفاء به في مثل المقام، نعم إن كان قصد المظاهر ذلك اتجه الاكتفاء به وإلا فلا،
كما هو واضح.
ولو تعدد الشرط بأن قال: " إن دخلت أو كلمت " مثلا وقع بأي واحد
منهما، ثم لا يقع بالآخر شئ، لأنهما ظهار واحد، نعم لو قال: " إن دخلت
دار فلان فأنت على كظهر أمي وإن كلمت زيدا فأنت علي كظهر أمي " ووجد
الشرطان وقع الظهاران، ولو قال: " إن دخلت الدار وكلمت زيدا " فلا بد من
وجودهما معا لوقوعه، من غير فرق بين تقدم الكلام على الدخول وبالعكس بناء
على أن الواو لمطلق الجمع كما هو الأصح، أما على الترتيب فيعتبر تقديم
الدخول على لكلام، لأنه يكون كما لو قال: " إن دخلت ثم كلمته " كما
هو واضح.
ولو قال: " أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار إن كلمت زيدا " ففي
المسالك " لا بد منهما في وقوعه، ويشترط تقديم المذكور أخيرا - وهو الكلام -
على المذكور أولا وهو الدخول، لأنه جعل الكلام شرطا لتعليق الظهار بالدخول،
ويسمى ذلك اعتراض الشرط على الشرط والتعليق يقبل التعليق كما أن التنجيز
يقبله، نظير قوله تعالى (2): " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان
الله يريد أن يغويكم " المعنى: إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن
أردت أن أنصح لكم ".

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
(2) سورة هود عليه السلام: 11 - الآية 34.
151

قلت: قد يقال: إن المفهوم منه عرفا التعليق على الدخول والكلام مطلقا
كما عن بعض، فلا يشترط الترتيب بينهما حينئذ، ويقع الظهار بحصولهما كيف اتفق،
لأنه ذكر صفتين من غير عاطف، فلا وجه لاعتبار غير الدخول، أو يقال: إن
المفهوم منه عرفا التعليق على الدخول والكلام حاله، وعلى كل حال هو غير ما
ذكره.
ولو علقه على مخالفتها الأمر فقال: " إن خالفت أمري " ثم قال لها:
" لا تكلمي زيدا " مثلا فكلمته ففي المسالك " لم يقع الظهار، لأنها ما خالفت
أمره، وإنما خالفت نهيه، ويحتمل الوقوع نظرا إلى أنه يسمى في العرف
مخالفة أمره، ويقوى ذلك إن استقر العرف عليه، وإلا فالعبرة بالمعنى المصطلح
عليه ".
قلت: قد ذكروا أن للفظ الأمر معاني متعددة، منها القول، فمع قيام
القرينة على واحد منها يكون هو المتبع، وإلا كان المرجع العرف لا الاصطلاح
الخاص، إلا أن يكون المظاهر من أهله وقصد بالأمر الاصطلاح المزبور.
ولو علقه على مخالفة النهي ثم قال لها: " قومي " فقعدت ففي المسالك " في
وقوعه أوجه مبنية على أن الأمر بالشئ هل هو نهي عن ضده مطلقا أو ضده العالم
أوليس نهيا عنهما؟ فعلى الأول يقع الظهار بفعلها ما يخالف أمره دون الأخيرين،
هذا كله إذا لم يدل العرف على شئ، وإلا عمل بمقتضاه مقدما على القاعدة
الأصولية، لأن التعليقات تحمل على الأمور العرفية لا على القواعد الأصولية، هذا
إن انضبط العرف، وإلا رجع إلى الاصطلاح ".
وفيه ما عرفت من أنه مع فرض عدم دلالة العرف يتجه الحكم بعدم الوقوع
لا الرجوع إلى الاصطلاح إلا على الوجه المزبور، على أنه كما أن الأمر بالشئ؟
نهي عن ضده فكذا النهي عن الشئ أمر بضده، فكان عليه بناء المسألة الأولى على
ذلك أيضا، والجميع كما ترى.
152

ولو علقه بقذفها زيدا مثلا وقع بقذفها له حيا وميتا، لأن قذف الميت
كقذف الحي في الصدق سواء، بخلاف ما لو علقه على تكليمها له، فإنه لا يقع إلا
أن يسمع كلامها، كما اعترف به في المسالك، لكن قال: " ولو منع من السماع
لعارض كذهول وصمم فوجهان " وفيه أن المتجه عدم اعتباره حينئذ.
ولو علقه بالضرب ففي المسالك أيضا " لم يقع بضربه ميتا " وفيه منع، وعلى
كل حال فلا يشترط إيلامه به، للصدق عرفا بدونه.
ولو قال: (إن قذفته في المسجد " اعتبر كونها في المسجد دونه، وإن قال:
" إن ضربته في المسجد " ففي المسالك اعتبر كون المضروب فيه، قال: " والفرق
أن قرينة الحال تشعر بأن المقصود الامتناع عما يهتك حرمة المساجد، وهتك
الحرمة تكون بالقذف فيه والضرب فيه ".
قلت: قد يقال: إن المدار على صدق اللفظ من حيث نفسه، وإلا
فالقرائن لا ضبط لها، وهو يصدق على ضربها وهي في المسجد وإن كان المضروب
خارجا.
ولو علقه برؤية زيد مثلا وقع برؤيتها له حيا وميتا مستيقظا ونائما،
ويكفي رؤية شئ من بدنه وإن قل، ولو كان كله مستورا لم يقع، ولا يكفي رؤيته
في المنام قطعا، نعم لو رأته في ماء صاف لا يمنع الرؤية أو من وراء جسم شفاف
كالزجاج وقع، لصدقها وإن تخلل الماء مثلا لكنه كتخلل أجزاء الهواء، ولذا
لا تصح صلاة المتستر به، ولو رأته بالمرآة مثلا أو بانعكاسه بالماء فوجهان: من
حصول الرؤية في الجملة، وكون المرئي مثاله لا شخصه، وهو الأصح. ولو حدث
في المرأة العمى لم يقع قطعا وإن حضر عندها، بل لعله كذلك لو علق الظهار عليه
وهي عمياء إلا أن يراد بالرؤية حينئذ الحضور.
ولو علقه بالمس وقع إذا مست شيئا من بدنه حيا كان أم ميتا، نعم في
المسالك " ويشترط كون الممسوس مما تحله الحياة، فلا يقع بمس الشعر والظفر،
إذ لا يقال لمن مسها من إنسان: إنه مسه، مع احتماله، وفي اعتبار كون مسها
153

بباطن كفها أو يعم سائر بدنها وجهان: أجودهما الثاني، والوجهان آتيان في مس
المحدث للقرآن، نعم يشترط كونه بما تحله الحياة من بدنها كما يشترط ذلك
في الممسوس، ومثله يأتي في مس الميت على الوجه الذي يوجب الغسل ".
قلت: قد ذكرنا في ذلك المبحث ما يعلم منه ما في كلامه هنا، فلاحظ
وتأمل.
ولو قلنا بوقوعه موقتا فقال: " في شهر كذا " وقع أول جزء من ليلة هلاله،
ولو قال: " في نهار شهر كذا " أو " في أول يوم منه " وقع عند طلوع الفجر من
أول أيامه، وكذا لو قال: " في يوم كذا " ولو قال: " في آخر الشهر " وقع في
آخر جزء منه، لا أول جزء من ليلة السادس عشر، لأن النصف الثاني كله آخر
الشهر، ولا في أول اليوم الآخر منه، ولو قال: " عند انتصافه " ففي المسالك " وقع
عند غروب الشمس من اليوم الخامس عشر، لأنه مسمى النصف، ولهذا يقال:
ليلة النصف من شعبان مثلا " وفيه منع مع فرض هلاله ناقصا، اللهم إلا أن يعد
ذلك نصفا عرفا.
ثم لا يخفى عليك أن الأمر المعلق عليه إن فعله فاعله عمدا أو كان الغرض
مجرد التعليق عليه - كقدوم الحاج أو السلطان ونحوهما - وقع الظهار عند حصول
شرطه مطلقا، أما لو كان الغرض منه المنع، كما لو قال: " إن دخلت دار فلان أو
كلمته " فدخلته أو كلمته جاهلة بالتعليق أو ناسية أو مجنونة أو مكرهة أو علق هو
ذلك على فعله قاصدا منع نفسه منه ففي المسالك " في وقوعه وجهان: وجود المعلق به،
وليس النسيان ونحوه دافعا للوقوع، ومن عموم قوله صلى الله عليه وآله (1): " إن الله تعالى وضع عن
أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " والمراد رفع المؤاخذة أو رفع الأحكام،
والتفصيل متوجه نظر إلى القصد ".
قلت: لا يخفى عليك ما في الذي جعله وجها للثاني، كما لا يخفى عليك أن
المدار على صدق ما علق عليه الظهار.

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب الأيمان الحديث 5.
154

المسألة (الثامنة:)
(يحرم الوطء على المظاهر) إذا عاد (ما لم يكفر سواء كفر بالعتق
أو الصيام أو الاطعام) بلا خلاف معتد به أجده، بل هو فيمن فرضه الأولان
موضع وفاق بين المسلمين، والنصوص (1) من الطرفين وافية، مضافا إلى الكتاب (2)
بل هو كذلك أيضا في الثالث، خلافا للإسكافي منا، وقد عرفت ضعفه وضعف دليله
فيما تقدم.
(ولو وطأها خلال الصوم) الذي هو الكفارة (استأنف) وفاقا للمحكي
عن الشيخ بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، سواء صام من الشهر الثاني يوما أولا،
وسواء كان ذلك في ليل أو نهار، للنص كتابا (3) وسنة (4) على وجوب تقديم
صيام الشهرين على المسيس، وإذا وطأ في الأثناء ثم أكمل الشهرين لم يصم
الشهرين قبل المسيس، ولما عرفت من وجوب كفارتين عليه إذا وطأ قبل
التكفير، ولا ريب في صدقه في الفرض، لكون الكفارة اسما للمجموع، فيلزمه حينئذ
كفارتان تامتان، والأصل عدم وجوبهما مع إيجاب إتمام ما تخلله الوطء، بل
ولا قال به أحد.
(وقال شاذ منا) وهو ابنا إدريس وسعيد على ما حكى عنهما (لا يبطل
التتابع لو وطأ ليلا) لأنه عبارة عن اتباع صوم اللاحق للسابق من غير فارق،
وهو متحقق إن وطأ ليلا، فيصدق صيام شهرين متتابعين في الفرض، وغاية ما يستفاد
من الآية (5) وجوب تقديم الصوم المتتابع على الوطء، فيأثم حينئذ بالوطء خلاله،

(1) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار وسنن البيهقي ج 7 ص 386.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(3) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(4) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار
(5) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
155

ولا دليل على الاستئناف، بل الأصل وغيره يقتضي عدمه، على أن الاستئناف
لا يجديه شيئا، فإنه لا يصدق على المستأنف أنه كفر قبل الوطء، بل الاكمال
أولى، لأن بعض الشهرين قد حصل قبل التماس، كما أن وجوب الكفارتين عليه
لا يقتضي الاستئناف أيضا، إذ يمكن أن يكون أحدهما ما تخلله الوطء، واختاره في
المسالك لما عرفت، ولأنه لو وقع قبل الشروع يجتزئ بالصوم بعده مع عدم صدق
الاتيان به قبل التماس فكذا الفرض.
ولعله لذا قال في القواعد: " الأقرب أن الوطء إن وقع ليلا وجب الاتمام
مطلقا والتكفير ثانيا، وكذا إن وقع نهارا بعد أن صام من الثاني شيئا،
وإن كان قبله استأنف وكفر ثانيا " وحاصله ملاحظة تتابع الشهرين المعتبر في
الكفارة وعدمه.
قلت: لا ريب في كون المراد هنا بالتتابع أمرا زائدا على المعتبر في الكفارة،
وهو كون الشهرين معا يقعان قبل التماس، فمع فرض حصول الوطء في أثنائهما
ولو ليلا بعد حصول تتابع الكفارة لم يحصل الامتثال.
والأصل في النزاع عبارة الشيخ في المبسوط والخلاف، حيث عبر في المحكي
منهما عن المعنى المزبور ببطلان التتابع، فيبطل ما تقدم من الصوم ويستأنف الشهرين،
فاعترض عليه ابن إدريس بأنه لا يبطل التتابع بذلك، لأنه عبارة عن اتباع صوم
يوم لاحق بصوم يوم سابق من غير فارق، وهذا متحقق مع الوطء ليلا، ولا يستأنف
الكفارة لأنه لا يبطل من الصوم شئ، فلا يجب عليه الاستئناف، بل يتم صومه وعليه
كفارة أخرى للوطء، وإن كان الوطء نهارا من غير عذر قبل أن يصوم من الشهر
الثاني شيئا وجب عليه الاستئناف للكفارة التي يوجبها الظهار وكفارة أخرى للوطء
عقوبة، وكان مراد ابن إدريس أنه لا دليل على اعتبار أزيد من التتابع المعتبر في
الكفارة في الصحة والفساد، نعم يجب شرعا كتابا (1) وسنة (2) كونها قبل التماس،

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(2) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار.
156

وذلك لا يقتضي أزيد من الإثم، لا البطلان الذي لا يمكن تلافيه بالاستئناف الذي
هو واقع أيضا بعد التماس، وفرض تماس آخر مع أنه غير محل البحث يمكن فرض
عدمه بموت المرأة مثلا وطلاقها، وليس في أدلة (1) تعدد الكفارة بالوطء قبل التكفير
إلا وجوب كفارة أخرى غير كفارة الظهار به على وجه لا ينافي الاجتزاء بما وقع
منها للظهار، كما لا يخفى على من لاحظها.
ولعله لذا وافقه الفاضل والشهيدان مؤيدا ذلك بأصالة صحة ما وقع، وبما
عرفته من أنه لو اعتبر القبلية شرطا لم تجب الكفارة للظهار مع فرض الوطء قبل
الشروع في التكفير، ضرورة عدم التمكن حينئذ من الاتيان بالمأمور به على وجهه،
مع أنه لا خلاف في وجوبها بل ولا إشكال، وليس ذلك إلا لأن القبلية المزبورة
واجبة تعبدا لا شرطا، ولعله لذا وافقه عليه الفاضل والشهيدان في الدروس
والمسالك.
لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد عن الاشكال، ضرورة عدم إمكان إنكار
ظهور الآية (2) وما شابهها من الرواية (3) في توقف صدق امتثال الأمر المزبور
على القبلية المذكورة كما في سائر القيود التي تذكر في المأمور به، وكان مقتضى
ذلك تعذر المأمور به مع فرض الوطء قبله، ويتبعه حرمة الوطء عليه أبدا، بل
يلزم بالطلاق مع مطالبة المرأة إلا أن الأدلة المعتضدة بالفتوى قد صرحت بإجزاء
الكفارة عن الظهار عنه في هذا الحال، وهو لا يقتضي الاجتزاء بالكفارة التي تخللها
الوطء، ودعوى الأولوية ممنوعة على مدعيها، بل المتجه بقاؤها على اقتضاء اشتراط
القبلية عدم الاعتداد بها، وليس ذلك لكون الاستئناف محصلا للمأمور به كي
يتجه ما أورده الخصم من أن الاستئناف أيضا لا يحصل معه المأمور به، لكون الفرض

(1) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(3) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث - 0 -.
157

حصول التماس، بل لأن به يقين البراءة إما للاجماع، أو لأنه كمن وطأ قبل أن
يشرع في التكفير، أو للقطع بعدم الزيادة عليه.
بل قد ينقدح من ذلك طريق آخر لاثبات المطلوب، وهو انحصار الأمر في
الاستئناف، وذلك لفساد امتثال الأمر بالفعل قبل التماس بالمس في أثنائه،
فلم يبق إلا الأمر بالتكفير لمن وطأ قبل أن يكفر، وليس هو إلا ابتداء تكفير
لا إتمامه.
بل قد يقال باقتضاء قاعدة الشغل ذلك أيضا، للقطع بعدم سقوط التكليف عنه،
ولكن لم يعلم المكلف به هل هو الاتمام أو الاستئناف، فيجب الأخير مقدمة للبراءة
اليقينية بعد القطع بعدم وجوبهما معا عليه، بل لا محيص عنها مع فرض تصادم
الأدلة أو خلوها عما يرجح به أحد القولين، ولعله لذا كان خيرة فخر المحققين
الاستئناف حاكيا له عن والده في المختلف والتحرير.
بل في المتن بعد قوله: " وقال شاذ منا " إلى آخره (وهو غلط) معرضا
به بابن إدريس وكأنه ظن أن ابن إدريس لم يفهم المراد بالتتابع في كلام الشيخ،
لكن الانصاف أن المسألة في غاية الغموض، ولا يستأهل القائل بالاتمام الحكم بغلطيته،
بل هو قول قوي ونظر حسن، كما عرفت ذلك كله.
بل قد عرفت اختياره جملة من الأساطين له كالفاضل والشهيدين والكركي،
ولعله لذا قال الأخير في حاشيته على الكتاب: " والحق أن ما غلطه به المصنف
من التغليط ونسبه إلى الشذوذ توغل في الخشونة وخروج عن الانصاف " قلت: ويمكن
أن يكون قد تنبه المصنف لذلك فيما بعد فضرب على هذا، ولكن قد تكثر النسخ
فإنه يحكى عن جملة منها خلوها عن ذلك.
ومن التأمل فيما ذكرنا ظهر لك الوجه فيما ذكره الفاضل في القواعد، فإنه
بعد أن حكى القولين في المسألة قال: " وهل يكفي الاستئناف عن كفارة الوطء قبل
إكمال التكفير إشكال " إذ هو ليس إلا من جهة حصول الوطء في الأثناء، فلا يدخل
158

فيما دل (1) على إيجابه الكفارة زيادة على كفارة الظهار، لظهوره فيمن وطأ
قبل أن يشرع في التكفير، لكن قد عرفت أنه بافساده الكفارة التي وقع في أثنائها
صار كالوطء قبل التكفير، ولعله لذا وغيره لم أجد خلافا في ايجابه الكفارة أيضا
حتى من الفاضل في غير المقام.
وبالجملة فالمسألة غير منقحة في كلامهم، وتحقيقها ما سمعت، والحمد لله،
ولا يصعب عليه كالالتزام بفساد الصوم بالوطء ليلا، إذ هو ليس من حيث كونه مفطرا،
بل هو من حيث فوات شرط الكفارة كما هو واضح، بل لعله مثله يجري في الاطعام
أيضا وإن لم يذكروه.
(وهل يحرم عليه) أي المظاهر بظهاره (ما دون الوطء كالقبلة
والملامسة؟ قيل) والقائل الشيخ وجماعة على ما قيل: (نعم، لأنه مماسة) لغة،
والأصل عدم النقل والاشتراك، ولأنه مقتضى تشبيهها بالأم التي يحرم فيها غير
الوطء من الاستمتاع بها، واختاره في القواعد، بل ظاهرها تحريم مطلق الاستمتاع
حتى النظر المحكي عن ظاهر بعض الأصحاب التصريح بحليته.
وعلى كل حال (ففي) أصل تحريم غير الوطء من اللمس بشهوة
ونحو (ه عليه إشكال ينشأ من اختلاف التفسير) للمماسة في الآية الشريفة (2)
المتعارف الكناية بها عن الوطء في غير المقام، فيحصل الظن بإرادته منها هنا وإن
كان المسيس أعم من ذلك لغة، بل في حاشية الكركي أنها كناية مشهورة
عنه، ويعضده التفسير فيحمل عليه، بل عن ابن إدريس الاتفاق على إرادته
منه هنا.
ويؤيده أنه المنساق من نصوص (3) الباب خصوصا ما جاء في العود المفسر

(1) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار الحديث 6.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(3) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار.
159

فيها بإرادة الوطء (1) وخصوص ما تسمعه من صحيح أبي بصير (2) في المسألة الآتية
ولا أقل من الشك، والأصل الحل، والتشبيه بالأم يمكن كون المراد منه حرمة
الوطء المستفاد من قوله تعالى (3): " حرمت عليكم أمهاتكم " خصوصا بعد أن لم
تخرج المرأة عن ملك الاستمتاع بها، فيمكن أن يكون مفاد الظهار حينئذ حرمة
وطئها كالحيض والصوم وإن كان في الشرع أحوال للمرأة بالنسبة إلى الاستمتاع بها
الذي قد يحرم على الزوج، كالمحرمة والمعتكفة، لكن لا ريب في أن الأصل الحل
حتى يثبت ما يقتضي التحريم على العموم، كما هو واضح.
المسألة (التاسعة:)
(إذا عجز المظاهر عن) خصال (الكفارة أو ما يقوم مقامها) إن قلنا
به كما ستسمع التحقيق فيه في محله إنشاء الله (عدا الاستغفار قيل) والقائل
الشيخ وجماعة، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر: (يحرم عليه) الوطء (حتى
يكفر) للأصل بعد إطلاق الأدلة كتابا (4) وسنة (5) حرمة الوطء قبل التكفير،
بل أمره صلى الله عليه وآله لسلمة بن صخر (6) بالأخذ من صدقة قومه والتكفير منها كالصريح في

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتاب الظهار الحديث 4 و 8 و 10 والباب - 15 - منه
الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 23.
(4) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(5) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الظهار.
(6) المستدرك الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 4.
160

عدم إجزاء الاستغفار وإلا لأمره به.
مضافا إلى صحيح أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام " كل من عجز عن الكفارة
التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما
يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار، فإنه إذا
لم يجد ما يكفر به حرمت عليه أن يجامعها، وفرق بينهما إلا أن ترضى المرأة
أن يكون معها ولا يجامعها " وخبر أبي الجارود (2) قال: " سأل أبو الورد أبا
جعفر عليه السلام وأنا عنده عن رجل قال لامرأته أنت علي كظهر أمي مأة مرة، فقال
أبو جعفر عليه السلام: يطيق بكل مرة عتق نسمة؟ قال: لا، قال: يطيق إطعام ستين
مسكينا مأة مرة؟ قال: لا، قال: فيطيق صيام شهرين متتابعين مأة مرة قال: لا،
قال: يفرق بينهما ".
(وقيل) والقائل ابن إدريس وتبعه المصنف في النافع والفاضل في محكي
المختلف: (يجزؤه الاستغفار، وهو أكثر) وإن كنا لم نتحققه، لأن الأصل
براءة الذمة من الحرمة في الحال المزبور الذي إيجاب الكفارة معه تكليف بغير
المقدور، بل في حرمة الوطء عليه مع أصالة عدم وجوب الطلاق عليه من الحرج
ما لا يخفى، ولموثق إسحاق بن عمار (3) عن الصادق عليه السلام " إن الظهار إذا عجز
صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه، ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع، ثم ليواقع،
وقد أجزء ذلك عنه من الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام
فليكفر، وإن تصدق بكفه فأطعم نفسه وعياله فإنه يجزؤه إذا كان محتاجا، وإلا
يجد ذلك فليستغفر الله ربه، وينوي أن لا يعود، فحسبه بذلك والله كفارة "
وخبر داود بن فرقد (4) " الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2 - 4 من كتاب الايلاء والكفارات.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2 - 4 من كتاب الايلاء والكفارات.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2 - 4 من كتاب الايلاء والكفارات.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث - 3 - من كتاب الايلاء
والكفارات.
161

شئ من الكفارة ".
وفيه أن الأخير مقيد بالصحيح (1) السابق، كما أن الأصل مقطوع بظاهر
الأدلة المقتضي حرمة الوطء على المظاهر حتى يكفر، ولا تكليف بالكفارة مع
العجز عنها حتى يقال إنه تكليف بغير المقدور، بل أقصاه الامتناع عن الوطء،
وفرض ذلك في خصوص ما لو وجب الوطء عليه - لكون المظاهرة زوجة وقد مضى لها
أربعة أشهر - يدفعه منع التكليف له بالوطء باعتبار توقفه على التكفير المفروض
تعذره، فهو حينئذ غير مقدور، فلا تكليف به.
بل في الرياض على تقدير التنزل عن ظهور المنع نقول: لا أقل من احتماله،
وعدم القدرة على الكفارة كما يمكن صيرورته قرينة للاجتزاء بالاستغفار كذا يمكن
خروجه شاهدا على عدم التكليف بذي المقدمة، وترجيح الأول على الثاني موقوف
على دلالة هي في المقام مفقودة.
هذا مع عدم جريان ذلك في التي لم يجب على المظاهر وطؤها كالأمة والمتمتع
بها على القول بوقوع مظاهرتهما، كما هو مذهب الخصم والأشهر الأقوى كما
مضى، فالدليل أخص من المدعى وإن كان قد يناقش بامكان دفع الأخير بعدم
القول بالفصل، بل والأول بامكان ترجيح الأول بأنه حق لغيره، وهو الامرأة،
فالمتجه حينئذ القول بالزامه بالطلاق حينئذ إلا أن ترضى المرأة حينئذ بعدم الجماع،
كما أشار إليه في الصحيح (2) المتقدم سابقا.
وأما الموثق فهو - مع الاضطراب في متنه بالنسبة إلى وجوب التكفير بعد ذلك
إذا تمكن وعدمه - قاصر عن معارضة الصحيح المزبور المعتضد بفتوى الأكثر
وإطلاق الأدلة الذي يمكن الاستدلال به مع فرض تعارض الخبرين وسقوطهما،

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء والكفارات.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات.
162

ودعوى معارضة الاطلاق المزبور باطلاق ما دل على أن الاستغفار كفارة العاجز كما
سمعته في خبر داود بن فرقد (1) كما ترى، ضرورة قصوره عن تلك الاطلاقات
كتابا (2) وسنة (3) كما هو واضح.
هذا وفي المسالك " واعلم أن المراد بالاستغفار في هذا الباب ونظائره أن
يقول: أستغفر الله مقترنا بالتوبة التي هي الندم على فعل الذنب والعزم على ترك
المعاودة إلى الذنب أبدا، ولا يكفي اللفظ المجرد عن ذلك، وإنما جعله الله كاشفا
عما في القلب، كما جعل الاسلام باللفظ كاشفا عن القلب، واللفظ كاف في البدلية
ظاهرا، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فإن لم يقترن بالتوبة التي هي من الأمور
الباطنة لم يترتب عليه أثر فيما بينه وبين الله تعالى، بل كان الوطء معه كالوطء قبل
التكفير، فيجب عليه به كفارة أخرى في نفس الأمر وإن لم يحكم عليه
بها ظاهرا ".
قلت: قد يقال: إن الاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى، وليست التوبة
من مقوماته، نعم ظاهر الموثق (4) المزبور اعتبارها معه، لكن الفتاوى مطلقة،
ودعوى الاجتزاء بذكره عنها لأن المراد به القول المزبور مقترنا بها ممنوعة،
وعلى تقديره فدعوى جعل الشارع له كاشفا عن ذلك كالاسلام ممنوعة أيضا، لعدم
الدليل، وإلا لاجتزء به في كل مقام اعتبرت التوبة فيه، بل الأصح عدم الاجتزاء
في الحكم بها باظهاره فضلا عنه ما لم تدل القرائن على صدقه في ذلك، كما حررنا
ذلك في غير المقام ردا على المحكي عن الشيخ من الاجتزاء بمجرد إظهارها.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 3 من كتاب الايلاء
والكفارات.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(3) الوسائل الباب - 1 و 15 - من كتاب الظهار.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 4 من كتاب الايلاء والكفارات.
163

المسألة (العاشرة:)
(إن صبرت المظاهرة) على ترك الزوج وطأها (فلا اعتراض) بلا
خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال، للأصل السالم عن المعارض بعد معلومية انحصار
حق الاستمتاع فيهما، فلا اعتراض لأحد عليهما (وإن) لم تصبر (رفعت أمرها
إلى الحاكم) المعد لأمثال ذلك، فإذا أحضره (خيره بين التكفير والرجعة وبين
الطلاق، وأنظره) للتفكر في ذلك (ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن انقضت
المدة ولم يختر أحدهما) حبسه و (ضيق عليه في المطعم والمشرب) بأن يمنعه
عما زاد على سد الرمق مثلا (حتى يختار أحدهما، ولا يجبره على الطلاق تعيينا
(تضييقا خ ل) ولا يطلق عنه) ولا على التكفير كذلك، لعدم الدليل عليه، بل
ظاهر ما تسمعه من الأدلة الجبر على أحدهما تخييرا، لأنه كما إذا لم يجبره على
أحدهما قبل المرافعة، لما عرفت من أن الحق لهما، بلا خلاف أجده في شئ من
ذلك بل في المسالك ظاهر الأصحاب الاتفاق على هذا الحكم، بل في نهاية المراد
" وهذه الأحكام مقطوع بها في كلام الأصحاب، وظاهرهم أنه موضع وفاق " وفي
كشف اللثام " الاتفاق على هذه الأحكام كما هو الظاهر " وفي الرياض " ظاهر
جماعة الاجماع عليه " وظاهرهما معا خصوصا الأخير منهما أن ذلك هو الحجة
فيها دون موثق أبي بصير (1) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ظاهر من
امرأته، قال: إن أتاها فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا، وإلا ترك ثلاثة، فإن فاء وإلا أوقف حتى يسأل ألك حاجة في امرأتك
أو تطلقها؟ فإن فاء فليس عليه شئ، وهي امرأته، وإن طلق واحدة فهو أملك برجعتها "
لقصوره عن تمام المدعى.
وقد تبعا بذلك ثاني الشهيدين في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر الخبر

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الظهار الحديث 1.
164

المزبور قال: " وفي طريق الرواية ضعف، وفي الحكم على إطلاقه إشكال، لشمول ما إذا رافعته عقيب الظهار بغير فصل بحيث لا يفوت الواجب لها من الوطء بعد مضي
المدة المضروبة، فإن الواجب وطؤها في كل أربعة أشهر مرة، وغيره من الحقوق
لا يفوت بالظهار، أما إذا لم يحرم غير الوطء فظاهر وأما إذا حرمناه فيبقى لها حق
القسم على بعض الوجوه، وهو غير مناف للظهار، وفي الرواية أمور أخر منافية
للقواعد ".
وفيه - مع أن الخبر المزبور من قسم الموثق الذي تحقق في الأصول حجيته -
أنه معتضد بعمل الأصحاب كما اعترف به غير واحد، فلا بأس بالعمل به حتى في
المورد المزبور الذي قد جعل الاشكال فيه، بل في كشف اللثام " لعل المراد بالفئة
الندم والتزام الكفارة ثم الوطء، لا الوطئ ليستشكل بأنها ليس لها المطالبة به إلا
في كل أربعة أشهر، وربما رفعت أمرها بعد الظهار بلا فصل ".
على أن مضمونه منطبق على القواعد العامة، بل معتضده في الجملة بالأمر
بالتفريق بينهما في الخبرين (1) السابقين، بل ربما تسمعه أيضا في أخبار (2)
الايلاء المشتمل بعضها على ما ذكره الأصحاب هنا من التضييق عليه في المطعم
والمشرب.
نعم هو ظاهر في غير الأمة والمتمتع بها بناء على جواز ظهارهما، باعتبار
ذكر الطلاق فيه، ومن المعلوم عدم وقوعه عليهما، بل لعل كلام الأصحاب أيضا
كذلك.
كما أنه يمكن دعوى ظهوره كالفتاوى في القادر على الكفارة، دون العاجز
عنها الذي قد ذكرنا سابقا إلزامه بالطلاق، بناء على عدم الاجتزاء بالاستغفار،

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1 و 2 من كتاب الايلاء والكفارات.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الايلاء من كتاب الايلاء والكفارات.
165

لكن في كشف اللثام عن النهاية والغنية والوسيلة لا يجبر على الطلاق بعينه إلا إذا
قدر على التكفير وأقام على التحريم مضارة، بل عن الأخير إجماع الطائفة على ذلك،
وظاهرهم جبره عليه بخصوصه مع قدرته على التكفير وإقامته على التحريم.
وفي الكشف " يعنون أنه إذا لم يقدر على التكفير لم يجبر على شئ، فإن
الأصل عدم وجوب الطلاق عليه، ولعله ندم مما فعله ويشق عليه مفارقة زوجته،
فابتلى هو كما ابتليت، فهما ينتظران الفرج ".
وفيه أنه مناف لما سمعته سابقا من الصحيح (1) وغيره، بل لعل قاعدة
لا ضرر ولا ضرار ونفي الحرج تقتضيه أيضا، نعم لو قلنا باجزاء الاستغفار في حال
العجز اتجه حينئذ إلزامه به أو الطلاق.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات.
166

(ويلحق بذلك النظر
في الكفارات)
تبعا للنظر في كفارة الظهار التي هي المقصودة بالبحث هنا، ولعل ذلك هو
الأمر الخامس الذي استدعاه النظر في كتاب الظهار. (و) على كل حال
ف‍ (فيه مقاصد:)
(الأول:)
(في ضبط الكفارات، و) لكن ليعلم أنه (قد سبق الكلام في كفارات
الاحرام، فلنذكر) هنا (ما سوى ذلك، وهي) أي الكفارة اسم التكفير الذي
هو في الأصل بمعنى السر ومنه الكافر، لأنه ستر الحق، بل يقال لليل: كافر، لأنه
يستر من يفعل فيه شيئا، وفي الشرع العبادة المخصوصة، نحو الصوم والصلاة والزكاة،
بل يجري فيها ما يجري فيها من البحث في ثبوت الحقيقة الشرعية وفي كونها اسما
للأعم أو الصحيح، وغير ذلك من المباحث التي حررناها في الأصول.
وفي المسالك " قد عرفها بعضهم بأنها طاعة مخصوصة مسقطة للعقوبة أو مخففة
غالبا، وقيد بالأغلبية لتدخل كفارة قتل الخطأ فيها، فإنها ليست عقوبة - قال -:
وينتقض في طرده بالتوبة، فإنها طاعة مخصوصة، بل هي من أعظم الطاعات، ثم قد
تكون مسقطة للذنب، كما إذا كان الذنب حق الله تعالى ولم يجب قضاؤه، وقد
يكون مخففة له، كما إذا ترتب وجوب القضاء (1) أورد الحق ونحوه، وكذا
ينتقض بقضاء العبادات، فإنه طاعة مسقطة للذنب المترتب على التهاون في الفعل

(1) هكذا في النسختين الأصليتين، والموجود في المسالك " كما إذا اقترنت بوجوب
القضاء ".
167

إلى أن يخرج الوقت أو مخففة له من حيث افتقار سقوطه رأسا إلى التوبة ".
وفيه أن من المعلوم إرادة التمييز في الجملة من التعريف المزبور الذي هو
أشبه شئ بتعاريف أهل اللغة، كما أن من المعلوم أيضا إرادة الخصوصية
المخصوصة التي لا وجود لها في التوبة وقضاء العبادة، لا جنس الخصوصية، كما
هو واضح.
ثم لا يخفى عليك أن الأمر بالكفارة من حيث هو كذلك لا يقتضي الفور،
إذ هو كغيره من الأوامر المطلقة التي قد حققنا في الأصول عدم دلالتها على الفور،
نعم قد يكون متعلقها حقا للفقراء مثلا يجب أداؤه فورا كغيره من الحقوق المالية
نحو الزكاة مثلا، للأدلة (1) الدالة على ذلك، هذا.
ولكن في المسالك " واعلم أن الكفارات الواجبة إن لم تكن عن ذنب ككفارة
قتل الخطأ فوجوبها على التراخي، لأن مطلق الأمر لا يقتضي الفور على أصح
القولين، وإن كانت مسقطة للذنب أو مخففة له ففي وجوبها على الفور وجهان: من
أنها في معنى التوبة من حيث كانت مسقطة للذنب أو محففة له، والتوبة واجبة على
الفور، ومن أصالة عدم وجوب الفورية، ولا يلزم من مشاركتها للتوبة في ذلك مساواتها
لها في جميع الأحكام، فإنها في الأصل حق مالي أو بدني، وفي نظائرها من العبادات
والحقوق ما يجب على الفور، ومنها ما لا يجب على الفور، ومنها ما لا يجب، وأصل
وجوبه متوقف على دليل يقتضيه غير أصل الأمر، وأطلق بعضهم وجوبها على الفور
مستدلا بأنها كالتوبة الواجبة لذلك، لوجوب الندم على كل قبيح أو إخلال
بواجب، ولا يخفى فساده على إطلاقه، فإن منها ما ليس مسببا عن قبيح، ثم على
تقدير فعلها لا يكفي في إسقاط استحقاق العقاب حيث يكون عن ذنب، بل لا بد معها

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما تجب فيه الزكاة من كتاب الزكاة
والباب - 46 - من أبواب جهاد النفس الحديث 33 و 36 والباب - 39 - من فعل
المعروف الحديث 2 و 6 من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والباب - 7 -
من أبواب الدين والقرض من كتاب التجارة.
168

من التوبة المشتملة على ترك الذنب في الحال، والندم على فعله فيما سلف، والعزم
على عدم العود إليه في الاستقبال، ولو وجب معها قضاء العبادة كافساد الصوم فلا بد
معها من القضاء للقادر عليه، ومثله القول في الحدود والتعزيرات على المعاصي ".
وفيه - بعد الاغضاء عما ذكره من القسم الثالث للواجب على الفور وعدمه -
أن الأصل في الحقوق المالية سواء كانت لشخص معين أو غير معين الفورية إلا مع
الإذن من صاحب الحق، ومن ذلك رد الأمانات الشرعية إلى أهلها فورا وأداء
الخمس والزكاة وغيرها، وكأنه متفق عليه إلا ما دل عليه الدليل (1) من
الرخصة في تأخير نحو الزكاة في الجملة طلبا لأفضل مواردها، بل لعل تأخير
الحق عن مستحقيه مع حاجتهم إليه من الظلم المحرم عقلا ونقلا (2) ومن الاضرار
المنهي عنه (3) أيضا.
بل قد يناقش في قوله: " ثم على تقدير فعلها " إلى آخره بأنه قد يظهر
من أدلة بعض الكفارات حصول التكفير بها من غير حاجة إلى التوبة، كما ستسمع
ذلك إنشاء الله فيما يأتي.
وكيف كان فالكفارة (مرتبة ومخيرة وما يحصل فيه الأمران، وكفارة
الجمع، فالمرتبة) قد ذكر في المتن منها (ثلاث كفارات،) بل ظاهره كغيره
حصرها في ذلك ما عدا كفارات الاحرام.
الأولى كفارة (الظهار و) الثانية كفارة (قتل الخطأ) وذلك

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 8 والباب - 52 -
منها الحديث 2 والباب - 53 - منها من كتاب الزكاة.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ما تجب فيه الزكاة من كتاب الزكاة والباب
- 46 - من أبواب جهاد النفس الحديث 33 و 36 والباب - 39 - من فعل المعروف الحديث 2 و 6 من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والباب - 7 - من أبواب الدين الدين
والقرض من كتاب التجارة.
(3) الوسائل الباب - 12 - من كتاب احياء الموات.
169

لأنه (يجب في كل واحدة العتق، فإن عجز فالصوم شهرين متتابعين، فإن
عجز فاطعام ستين مسكينا) بلا خلاف أجده في الأولى بل عن جماعة الاجماع
عليه.
مضافا إلى نص الآية (1) بل وإلى الاستئناس له ببعض المعتبرة وإن لم تكن
صريحة، ففي الموثق (2) " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله
إني ظاهرت من امرأتي، فقال: اذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي، قال: فاذهب
فصم شهرين متتابعين، فقال: لا أقوى على ذلك، فقال: فاذهب فأطعم ستين مسكينا،
فقال: ليس عندي " وفي المرسل (3) كالصحيح على الصحيح " في رجل صام شهرا
من كفارة الظهار ثم وجد نسمة، قال: يعتقها ولا يعتد بالصوم " ولا قائل بالفرق
لظهور الأمر بالمعين في ذلك.
بل أظهر من ذلك النصوص (4) التي قد ذكرناها في أول الظهار الواردة في
تفسير الآية (5) بل وغيرها من النصوص التي لا ينكر ظهورها أيضا في ذلك كخبر
أبي الجارود (6) وغيره (7) فما في جملة من النصوص (8) من العطف بأو المقتضي
للتخيير يجب إرادة بيان ماهية الكفارة منه إن كان فيها الصحيح والموثق وغيرهما،

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 3.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الظهار.
(5) سورة المجادلة: 58 - الآية 3
(6) الوسائل الباب - 13 - من كتاب الظهار الحديث 5.
(7) الوسائل الباب - 4 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(8) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الظهار الحديث 2 والباب - 18 - منه الحديث 1
والباب - 1 - من أبواب الكفارات الحديث 3 و 4 و 6.
170

لكن لا عامل بها بالنسبة إلى التخيير الذي هو أحد معاني " أو " وإلا فهي تأتي
لغيره أيضا، بل إن أبيت عن ذلك فقد قيل: إنها شاذة لا عمل عليها مخالفة للكتاب
وإجماع الأصحاب.
وأما الثانية فهي كذلك على المشهور، بل عن المبسوط، نفي الخلاف فيه،
وكذلك المسالك في الديات للآية (1) في الأولين والنصوص (2) المستفيضة في الثلاثة
التي منها صحيح ابن سنان (3) عن الصادق عليه السلام " إذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه
ثم أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا
مدا مدا " فما عن سلار وابن حمزة وظاهر المفيد - من أنها مخيرة - واضح الضعف،
خصوصا بعد أن لم نقف لهم على مستند كما اعترف به غيرنا أيضا إلا الأصل
المقطوع بما عرفت، بل عن النزهة أن القول المزبور مخالف لظاهر التنزيل
والاجماع.
ولا يلحق بهما كفارة الجماع في الاعتكاف الواجب عند المصنف لظاهر حصره
في غيرها، وتصريحه في كتاب الصوم بكونها مخيرة، ولعله كذلك وفاقا للمحكي
عن الأكثر للموثقين (4) " عن معتكف واقع أهله هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر
رمضان " وزيد في ثانيهما " متعمدا عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا " خلافا لما عن الصدوق ره وجماعة للصحيح (5) " عن المعتكف يجامع أهله،
قال: إذا فعل فعليه ما على المظاهر " ونحوه الصحيح الآخر (6) والجمع بينهما بحمل
كل منهما على الآخر ممكن إلا أن الشهرة التي هي أقوى المرجحات ترجح الثاني،

(1) سورة النساء: 4 - الآية 92.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الكفارات والباب - 10 - من أبواب القصاص
في النفس الحديث 4 والمستدرك الباب - 8 - من أبواب الكفارات.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 2 و 5.
(5) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 1 - 6.
(6) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الاعتكاف الحديث 1 - 6.
171

ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.
(و) الثالثة (كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال)
لأنها على المشهور بين الأصحاب رواية وفتوى على ما في المسالك (إطعام عشرة
مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعات) ففي صحيح يزيد بن معاوية (1)
عن الباقر عليه السلام " في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان قبل الزوال لا شئ
عليه إلا يوما مكان يوم وإن أتى أهله بعد زوال الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة
مساكين لكل مسكين مد، فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم، وصام ثلاثة أيام كفارة
لما صنع " وبمعناه الخبر (2) المنجبر بما سمعت، مع أن في سنده من أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه.
بل قد يستدل له بصحيح هشام بن سالم (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل
وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان، قال: إن كان وقع عليها قبل الصلاة العصر فلا
شئ عليه، يصوم يوما بدل يوم، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم، وأطعم عشرة
مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك " بناء على ما عن الشيخ من
أنه إذا كان وقت صلاتين عند زوال الشمس إلا أن الظهر قبل العصر جاز أن يعبر
عما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين، ويعبر عما بعد العصر بأنه بعد
الزوال بمثل ذلك، مؤيدا بما سمعت من المعتبرة السابقة والشهرة، بل قيل
والاجماع.

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 من كتاب الصوم
عن بريد المجلي كما في التهذيب ج 4 ص 278 والاستبصار ج 2 ص 120 والفقيه ج 2
ص 96.
(2) الخبر الذي قبل بانجباره بما قد ذكره (قده) هو خبر بريد بن معاوية المجلي
المتقدم فإن في سنده الحارث بن محمد في جميع الطرق وليس هناك خبر آخر بمعناه
يكون منجبرا بما ذكره طاب ثراه
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2.
172

خلافا لما عن الحلبي وابني زهرة وحمزة فخيروا بينهما، وللقاضي وظاهر
الشيخين فجعلوها كفارة يمين، وهما مع مخالفتهما لما مضى لم نقف على مستند لهما،
وللعماني فأسقطها، للموثق (1) عن القاضي لرمضان المفطر بعد ما زالت الشمس،
قال: " قد أساء وليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه " وهو وإن
كان من الموثق واعتضد بالأصل إلا أنه غير مكافئ لما مر من وجوه، والصدوقين
فجعلاها كفارة شهر رمضان، للموثق (2) " عن رجل قضى من شهر رمضان فأتى
النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في رمضان، لأن ذلك اليوم
عند الله تعالى من أيام رمضان " وعن ابن حمزة موافقته على ذلك مع الاستخفاف،
بل عن الشيخ في النهاية وكتابي الأخبار احتماله.
إلى غير ذلك من الأقوال التي تبلغ ثمانية أو تسعة. (منها) - مضافا إلى
ما عرفت - ما عن ابن إدريس من أن عليه قضاء يومين: يوم لرمضان ويوم لقضائه،
و (منها) ما عن التقي من صوم ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين، و (منها) ما عن
المفيد في باب الكفارات من التخيير بين كفارة اليمين وبين ما ذكر أولا، والجميع
كما ترى، وقد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الصوم، فلاحظ.
نعم ما ذكره المصنف - من اعتبار التتابع في الأيام بل في كشف اللثام حكايته
عن الشيخين وجماعة قاطعين به - لم أقف له على مستند بالخصوص، كما اعترف به
في كشف اللثام، بل قد يخالفه عموم قول الصادق عليه السلام (3): " كل صوم يفرق
إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين " اللهم إلا أن يدعى انصراف ذلك من الأمر بصوم
ثلاثة أيام (4) خصوصا في الكفارة التي اعتبر التتابع في شهريها فضلا عن الثلاثة،

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 - 3.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 - 3.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب
الصوم.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 من كتاب
الصوم.
173

إلا أنه كما ترى.
(والمخيرة كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان مع وجوب صومه
بأحد الأسباب الموجبة للتكفير) التي قد تقدم البحث فيها وفي أصل المسألة
في كتاب الصوم، فلاحظ، بل لا فرق بين إفطاره على محلل أو محرم فلاحظ
وتأمل.
(وكفارة من أفطر يوما نذر صومه) من غير عذر (على أشهر
الروايتين) (1) بل والقولين، بل عن الانتصار الاجماع عليه، لعموم ما تسمعه من
أدلة كفارة النذر.
(وكذا) في التخيير (كفارة الحنث في العهد) سواء كان متعلقه الصوم
أو غيره على المشهور أيضا، بل عن الانتصار أيضا والغنية الاجماع عليه أيضا، لخبر
علي بن جعفر عن (2) عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن رجل عاهد الله تعالى في غير
معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين
متتابعين " وخبر أبي بصير (3) عن أحدهما عليهما السلام " من جعل عليه عهد الله وميثاقه
في أمر لله طاعة، فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا " وقصور سنديهما منجبر بما عرفت، فما عن بعض - من كونها كفارة
يمين بتقريب أنه مثله في الالتزام - واضح الضعف وإن أمكن تأييده أيضا بما
تسمعه من النصوص (4) على أن كفارة النذر كفارة يمين، والعهد مثله أو أولى
منه بذلك.
(و) لكن الأقوى أن الكفارة (في النذر) مخيرة أيضا وإن قال المصنف

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 7 و 4، راجع الباب - 7 -
من أبواب بقية الصوم الواجب من كتاب الصوم.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 1 و 3 و 4 و 5.
174

هنا: (على التردد) إلا أن المشهور كونها مخيرة ككفارة شهر رمضان، بل عن
الإنتصار والغنية الاجماع عليه، وهما الحجة بعد تأييدهما بخبري العهد الذي هو
مثله، وبخبر عبد الملك بن عمر (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عمن جعل عليه
لله أن لا يركب محرما سماه فركبه، قال: لا، قال: ولا أعلمه إلا قال: فليعتق
رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا " وبمكاتبة ابن مهزيار (2)
للهادي عليه السلام " كتبت إليه: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما لله تعالى فوقع ذلك
اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجاب: يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة
مؤمنة " ومكاتبة القاسم الصيقل (3) على ما في المسالك بناء على عدم خصوصية للصوم،
وأن المراد من الرقبة الإشارة إلى التخيير وإن كان فيه ما فيه، لاشتراكها بينها وبين
كفارة اليمين، نعم قد يرجح الأول ما سمعت.
(و) حينئذ فيكون (الواجب في كل واحدة) من الكفارات الثلاث أو
الأربع (عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا على الأظهر)
خلافا للمحكي عن الصدوق في النذر، فجعلها كفارة يمين، ووافقه المصنف في النافع
وجماعة، لقول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (4) " إن قلت: لله علي فكفارة يمين "
وخبر حفص بن غياث (5) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن كفارة النذر، فقال: كفارة
النذر كفارة اليمين " وخبر صفوان الجمال (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له:
بأبي وأمي جعلت على نفسي مشيا إلى بيت الله، قال: كفر يمينك، فإنما جعلت
على نفسك يمينا " إلى آخره، ولصحيح ابن مهزيار (7) قال " كتب بندار مولى

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 7 عن عبد الملك بن عمرو.
(2) الوسائل الباب - 10 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 3 من كتاب الصوم.
(4) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 4.
(5) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 4.
(6) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 3.
(7) الوسائل الباب - 7 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 4 من كتاب الصوم.
175

إدريس يا سيدي إني نذرت أن أصوم كل سبت وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من
الكفارة؟ فكتب عليه السلام وقرأته: لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صومه في سفر ولا
مرض إلا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بقدر
كل يوم سبعة مساكين " بناء على قراءة " شبعة " بابدال السين المهملة بالشين
المعجمة مع الباء الموحدة، والمراد من المساكين العشرة، أو على السهو من النساخ
بابدال العشرة بالسبعة، كما يومئ إليه ما حكاه في المسالك من تعبير الصدوق ره
في المقنع بمضمونه مبدلا للسبعة بالعشرة، بل قال: " هو عندي كذلك بخطه
الشريف ".
بل أطنب في المسالك في ترجيح الحسن المزبور على خبر عبد الملك سندا
ودلالة مؤيدا له بما سمعت من النصوص إلا أنها أجمع موافقة للعامة، بل في
المسالك اتفاق روايات العامة (1) التي صححوها عن النبي صلى الله عليه وآله على مضمونها، ومن
الغريب ذكر ذلك مؤيدا للحسن، مع أن الميزان الشرعي بخلافه، خصوصا في مثل
المكاتبة التي يراعى فيها التقية غالبا.
وبذلك - مضافا إلى ما سمعته من نصوص العهد والاجماعين والشهرة - يظهر
لك رجحان الأولى عليها، فما أطنب فيه في المسالك من ترجيح العكس في غير محله،
كما أنه لا وجه للجمع بينهما بحمل السابقة على كفارة النذر المتعلق بالصوم
والأخيرة على غيره، كما عن المرتضى في بعض كتبه، وابن إدريس والعلامة في غير
المختلف، خصوصا مع عدم الشاهد عليه سوى وجه اعتباري، وهو مساواته بسبب
تعلقه بالصوم لكفارته، وهو كما ترى.
بل لعل جمع الشيخ بينهما بحمل الأولى على غير العاجز والأخيرة عليه
أولى، لشهادة خبر جميل بن صالح (2) عن أبي الحسن موسى عليه السلام له، قال: " كل

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 69 إلى 72.
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 5.
176

من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين " وإن كان قد يناقش بأن الظاهر
إرادة عجز عن المنذر لا عن الكفارة، فيحمل على ضرب من الندب، بل ربما
كان شاهدا للمختار في الجملة.
ونحوه خبر عمر بن خالد (1) عن أبي جعفر عليه السلام " النذر نذران، فما كان
لله تعالى فف به، وما كان لغير الله فكفارته كفارة يمين " بناء على أن المراد من غير
الله تعالى فيه ما ينذره الانسان معلقا له على شئ لإرادة عدم فعله نحو اليمين، وربما
احتمل أن المراد كفارة إيقاع النذر لغير الله تعالى.
ولكن لا يخفى عليك بعده وأن ما ذكرناه أقرب منه، بل قد يشهد له خبر
عمر بن حريث (2) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل قال: إن كلم ذا قرابة له فعليه
المشي إلى بيت الله تعالى وكل ما يملكه في سبيل الله تعالى وهو برئ من دين
محمد صلى الله عليه وآله، قال: يصوم ثلاثة أيام، ويتصدق على عشرة مساكين " بل وخبر على
وإسحاق ابني سلمان عن إبراهيم بن محمد (3) قال لهما: " كتبت إلى الفقيه عليه السلام
يا مولاي نذرت أن أكون متى فاتتني صلاة الليل صمت في صبيحتها، ففاته ذلك
كيف يصنع؟ وهل له من ذلك مخرج؟ وكم يجب عليه من الكفارة في صوم كل
يوم تركه إن كفر إن أراد ذلك؟ فكتب يفرق عن كل يوم بمد من طعام كفارة "
بناء على أن ذلك ضرب آخر من الندب لعدم لزوم هذا النذر.
بل قد يقال: إنه مما ذكرناه ينقدح وجه آخر للجمع بين النصوص، بحمل

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 6 عن عمرو بن خالد
كما في الاستبصار ج 4 ص 55.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب الكفارات الحديث 2 عن عمرو بن حريث كما
في التهذيب ج 8 ص 310 - الرقم 1153.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 8 عن علي وإسحاق ابني
سليمان عن إبراهيم بن محمد كما في التهذيب ج 4 ص 329.
177

النصوص (1) الدالة على أن كفارته كفارة اليمين على خصوص النذر المراد به ذلك
ولو على ضرب من الندب، وهذا كله سبب رجحان النصوص المزبورة بما سمعت،
فالمتجه حينئذ طرح ما عارضه أو حمله على ما لا ينافيها.
وعلى كل حال فما عن سلار والكراجكي وظاهر بعض - من أن كفارة
النذر والعهد كفارة الظهار - واضح الضعف، بل لم أعثر له على مستند، وكذا ما عن
الجامع من أنه إن أحنث بما نذره عمدا مع تمكنه منه فإن كان له وقت معين
فخرج فعليه كفارة شهر رمضان، فإن لم يقدر فكفارة يمين، وفقه القرآن
للراوندي من أن كفارة النذر مثل كفارة الظهار، فإن لم يقدر كان عليه
كفارة اليمين.
(و) أما (ما يحصل فيه الأمران) وهما التخيير والترتيب فهو (كفارة
اليمين، وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة
أيام) بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك " الحكم في هذه الكفارة محل وفاق بين
المسلمين من حيث إنها منصوصة في القرآن " (2).
(و) أما (كفارة الجمع) ف‍ (هي كفارة قتل المؤمن عمدا ظلما،
وهي عتق رقبة وصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا) بالاجماع
والمعتبرة المستفيضة (3) كما في الرياض، ويأتي تمام الكلام فيها في محله إنشاء الله.

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(3) الوسائل الباب - 28 - من أبواب الكفارات والباب - 9 و 10 - من أبواب القصاص
في النفس.
178

(المقصد الثاني)
(فيما اختلف فيه، وهي سبع:)
(الأولى:)
(من حلف بالبراءة) من الله تعالى شأنه أو من رسوله صلى الله عليه وآله سلم أو من الأئمة
عليهم السلام المراد بها هنا نفي التعلق دينا ودنيا من سائر الوجوه، وكذا ما في معناها
(فعليه كفارة ظهار، فإن عجز فكفارة يمين) في المحكي عن الشيخين وجماعة،
بل عن الغنية الاجماع عليه، بل عنها ذلك بمجرده وإن لم يحنث، كما عن
الطوسي والقاضي.
خلافا للمحكي عن المفيد والديلمي من ترتبها على الحنث، وعن ابن حمزة
عليه كفارة نذر، وعن الصدوق أنه يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة مساكين،
ولعله لخبر عمر بن حريث (1) المتقدم في المسألة السابقة بناء على أن ما فيه للحلف
بالبراءة، وعن التحرير والمختلف التكفير باطعام عشرة مساكين، لكن مسكين مد،
ويستغفر الله تعالى شأنه، للصحيح (2) " كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد
العسكري عليه السلام رجل حلف بالبراءة من الله ورسوله فحنث ما توبته وكفارته؟
فوقع عليه السلام يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين مد، ويستغفر الله عز وجل "
ولا بأس بالعمل بمضمونها لصحتها كما في المسالك.
(و) كلن (قيل) كما عن الشيخ وابن إدريس وأكثر المتأخرين:
(يأثم ولا كفارة، وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده، لأنا لم نعثر على ما يدل

(1) راجع التعليقة (2) من ص 177.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
179

على القول الأول بل ولا على أن كفارته كفارة النذر عدا الاجماع الذي هو مع
وهنه بشدة الخلاف في المسألة معارض بما عن الشيخ في الخلاف من إجماع الإمامية
وأخبارهم على العدم، فالأصل حينئذ بحاله، وخبر عمر بن حريث (1) المتقدم
مع احتماله ما قدمناه في المسألة السابقة غير جامع لشرائط الحجية كي يصلح قاطعا
للأصل، بل وكذا الصحيح الموهون بالاعراض عنه إلى زمن الفاضل فعمل به في بعض
كتبه، ومن هنا قال المصنف في المحكي عنه من نكت النهاية: " إن ما تضمنه نادر "
ولعله لاتفاق جميع ما سمعت من الاجماعين والشهرة البسيطة والمركبة على خلافه،
فلا بأس بحمله على ضرب من الندب.
نعم لا خلاف فيما أجده في أصل الحرمة، بل الاجماع بقسميه عليه، من غير
فرق بين الصدق والكذب والحنث وعدمه، وتحليف الصادق عليه السلام الرجل الذي افترى
عليه بالبراءة من حول الله وقوته (2) قضية في واقعة خاصة لحكمة من الحكم، فلا
تدل على الجواز الذي قد علمت عدم الخلاف بل الاجماع على عدمه، بل عن فخر
المحققين إجماع أهل العلم على عدم جوازه.
مضافا إلى المرسل (3) عن النبي صلى الله عليه وآله " إنه سمع رجلا يقول: أنا برئ
من دين محمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ويلك إذا برئت من دين محمد فعلى دين من
تكون؟ قال: فما كلمه رسول الله صلى الله عليه وآله حتى مات " وعن يونس بن ظبيان (4)
أنه قال لي: " يا يونس لا تحلف بالبراءة منا، فإن من حلف بالبراءة منا صادقا أو
كاذبا فقد برئ منا " بل في التنقيح جاء عنهم عليهم السلام (5) " إذا عرضتم على البراءة منا

(1) راجع التعليقة (2) من ص 177.
(2) الوسائل الباب - 33 - من كتاب الأيمان الحديث 1 و 3.
(3) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الأيمان الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب الأمر والنهي الحديث 8 و 9 و 10 و 21 وهو
نقل بالمعنى.
180

فمدوا الأعناق " وإن كان كالأول في غير الحلف بالبراءة، بل هو في أصلها، وقد استفاضت
النصوص (1) في النهي عنها للتقية وإن كان العمل على خلافها، خصوصا إذا كانت لحفظ
النفس من القتل، مع أنها براءة لفظية لا قلبية. بل قوله تعالى (2): " إلا من أكره
وقلبه مطمئن بالايمان " كالصريح في جوازها فضلا عما دل على (3) أن الاكراه مما
رفع عن الأمة، فلا بد من حمل تلك النصوص على ضرب من المبالغة في أمر
البراءة.
بل منه يستفاد في الجملة حكم المقام الذي هو قسم من البراءة أيضا وإن كانت
بعنوان الحلف المعلوم عدم انعقاده بها وحرمته لمعلومية عدم جواز الحلف بغير الله،
بل في التنقيح " التلفظ بذلك أي البراءة إن علقه على محال لا يخرجه عن الاسلام،
لأن حكم المعلق حكم المعلق به، وإن علقه على ممكن فهل يخرج به عن الاسلام
أم لا؟ الحق نعم، لقيام الدليل على وجوب الثبات على الاعتقاد الصحيح، وامتناع
الانتقال عنه، فإذا علق على ممكن والممكن جائز الوقوع فيقع المعلق عليه، نعم إن كان
المتلفظ يعلم معنى التعليق كفر في الحال وإلا فلا ".
ولعله إلى ذلك أشار في الرياض حيث قال: (بقوله خ ل): " إن الحلف
بالبراءة يحتمل الكفر في بعض صوره " وكان مراده بالعلم بمعنى التعليق قصده،
فيكون الحاصل أنه متى قصد معنى التعليق وكان المعلق عليه أمرا ممكنا نافى الجزم
المأمور به في الاعتقاد، نعم إن قصد بذلك المبالغة في الامتناع عن المحلوف عليه لم
يكن كفرا، ولكن المتجه على هذا عدم الفرق بين كون المعلق عليه أمرا محالا
وعدمه، ضرورة منافاة التعليق على كل حال للجزم.
ولعله لذا قال الكركي في حاشيته على الكتاب في المقام: " وهل يكفر بذلك؟

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب الأمر والنهي من كتاب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر.
(2) سورة النحل: 16 - الآية 106.
(3) الوسائل الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
181

يحتمل، لأن تعليق الكفر على بعض الحالات التي لا دخل لها في حصوله يقتضي
الحصول بدونها، والظاهر العدم، لأنه يراد بذلك المبالغة في المنع غالبا، وما أشبهه
بقول (1) إن شهد فلان فهو صادق إلى آخره. ولم يفرق مع تحقق التعليق
بين كون المعلق عليه محالا أولا، نعم ظاهر كلامه أن احتمال الكفر لعدم
مدخلية التعليق في تحقق البراءة التي هي مقتضى الكفر، إما لأنها كالشتم والسب
المعلقين، فإنهما متحققان وإن علقا، وإما لأن البراءة ليست من قسم الايقاع المعلوم
الذي له آثار يرجع إليها التعليق، بل هي ليست إلا معناها الحاصل بقصد إنشاءه
سواء علق أو لا.
وعلى كل حال فلا ريب في ظهور كلمات الأصحاب في عدم الكفر في الفرض
الذي أمروا فيه بالكفارة والاستغفار على اختلاف أقوالهم من المفيد إلى زماننا،
قال في محكي المقنعة: " قول القائل: أنا برئ من الاسلام أو أنا مشرك إن فعلت
كذا باطل، لا يلزمه إذا فعل كفارة، وقسمه بذلك خطأ منه، ويجب إن يندم عليه
ويستغفر الله تعالى شأنه " وكذا غيره وإن اختلفت كلماتهم في أصل الكفارة وفي كيفيتها
وفي عدمها، وكذا ظاهر ما سمعته من المكاتبة (2) وغيرها.
ولعله لأن المراد من اليمين بالبراءة غالبا المبالغة لا التعليق حقيقة كي
يتحقق به الكفر الذي ينبغي أن يحمل عليه ما سمعته من خبر يونس بن ظبيان (3)
السابق، أو المبالغة في تحريم الصورة المزبورة والكف عنها.

(1) في النسخة المخلوطة المبيضة " ومما أشبهه " كما هو المحتمل في المسودة
أيضا وكتب كلمة " بقول " في هامش المبيضة برمز " بدل " وهي ليست في المسودة أصلا.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الأيمان الحديث 2.
182

(الثانية:)
(في جز المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو
إطعام ستين مسكينا) كما عن المراسم والوسيلة والاصباح والجامع والنزهة
والنافع، بل في المقنعة، والانتصار وعن النهاية " أن فيه كفارة قتل الخطأ: عتق
رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين ".
لكن في كشف اللثام " عن الشيخين أنهما نصا على الترتيب في قتل الخطأ،
وحينئذ فيحتمل أن يكون التشبيه في الخصال والترتيب جميعا، ويكون التعبير بأو
إجمالا للترتيب، وأن يكون التشبيه في أصل الخصال " وإن كان فيه أن نص
المقنعة على أنها مثل كفارة شهر رمضان التي نص على أنها مخيرة، ويمكن أن
يكون مذهب المرتضى ذلك أيضا، بل لعله هو الظاهر من عبارته هنا، وحينئذ فيكون
إجماع الانتصار على التخيير.
مضافا إلى خبر خالد بن سدير (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شق
ثوبه على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له، فقال: لا بأس بشق الجيوب،
قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون، ولا يشق الوالد على ولده، ولا زوج
على امرأته، وتشق المرأة على زوجها، وإذا شق الزوج على امرأته أو والد على
ولده فكفارته حنث يمين، ولا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا عن ذلك، وإذا
خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وفي الخدش إذ أدمت وفي النتف كفارة
حنث يمين، ولا شئ في اللطم على الخدود سوى الاستغفار والتوبة، ولقد شققن
الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام وعلى مثله تشق
الجيوب وتلطم الخدود " المنجبر بفتوى من عرفت، بل الاجماع المحكي كما

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
183

ستعرف، بل لم يعرف المخالف في العمل بما في ذيله من حكم المسألة الثالثة، بل عن
ابن إدريس " أن أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم وفتاواهم " إلى آخره، فلا
وجه للتوقف في العمل به من الطعن في سنده، كما وقع من بعض من ذوي الاختلال
في الطريقة، كما لا وجه للتوقف فيه من جهة الدلالة، كما وقع للفخر، ضرورة
ظهور لفظة " في " هنا كنظائر في إفادة التسبيب.
(و) لكن مع ذلك (قيل) كما عن الحلبي: (مثل كفارة الظهار)
مدعيا الاجماع عليه، بل في الرياض عن الإنتصار ذلك أيضا قال: " لكن ذيل عبارته
ظاهر في التخيير وإن حكم في صدر ها بأنها كفارة ظهار، ونحوه كلام الشيخ في
محكي التحرير إلا أن الصدر أصرح، فليحمل الذيل كالرواية بمعونة فتوى
الجماعة على بيان الجنس على التفصيل، لا كونها مخيرة كما ذكره بعض الأجلة،
فتكون الرواية حجة في المسألة، لانجبار ضعفها بالشهرة العظيمة وحكاية الاجماعين
المتقدمين ".
وفيه أن الموجود في عبارة الانتصار تشبيهها بكفارة قتل الخطأ التي هي مخيرة
عند المفيد وسلار، ومذهب المرتضى غالبا على وفق مذهبهما، فالمظنون ما هو
ظاهر العبارة من التخيير فيهما، فيتفق الصدر، ويكون إجماعه الذي ذكره حجة
للمسألة، مضافا إلى الخبر، ولعل فتوى من عرفت شاهد على صحة الاجماع المزبور،
لا على أنها كفارة ظهار الذي لم يعرف القول به ممن تقدمه، بل ولا من تأخر عدا
الحلي والشهيد في اللمعة.
وبذلك يظهر لك وهن إجماع ابن إدريس، كما أن منه يظهر غرابة ما سمعته
من الرياض، بل ما كنا لنؤثر وقوع مثل ذلك من مثله، بل ويظهر لك أيضا من
قول المصنف: (والأول مروي) (1) نوع ميل إليه، بل ينبغي الجزم به، لما
عرفت من ضعف القول بأنها كفارة ظهار.

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
184

(و) أما ما في المتن من أنه (قيل: تأثم ولا كفارة استضعافا للرواية
وتمسكا بالأصل) فلم نتحققه قبل المصنف، كما عن جماعة الاعتراف به أيضا،
كالشهيد في النكت وغيره، بل قيل: لم يحكه أحد عدا المصنف هنا والفاضل في
القواعد والإرشاد، نعم قد اختاره جماعة من المتأخرين كالفخر وثاني الشهيدين
في المسالك والروضة وسبطه.
لكن فيه أن ضعف الرواية منجبر بما سمعت، فينقطع الأصل بها، مضافا
إلى الاجماعين المزبورين المعتضدين بما عن الغنية من الاجماع على وجوب الصوم
هنا، فلا محيص حينئذ عن القول بالوجوب، إنما الكلام في أنه تخييري أو مرتب،
والأقوى الأول، لما عرفت، والأحوط الثاني.
ثم إن سياق الخبر (1) المزبور ظاهر في كون ذلك للمصاب كما قيد به
المصنف وغيره، بل لا يبعد إرادة من أطلق حتى المرتضى ذلك للانصراف، ودعوى
الأولوية ممنوعة، لأن الجز في المصاب مشعر بعدم الرضا بقضاء الله تعالى دون
غيره، نعم لا فرق بين مصاب القريب والبعيد، أما اعتبار جز جميع الشعر فقد جزم
به في المسالك، وفي كشف اللثام إشكال، ولعله من الخلاف في إفادة مثل هذه الإضافة
العموم أولا، وفيه أنه لا إشكال في انصراف المقام إلى المتعارف الذي يتحقق في
البعض، بل لو أريد استقصاء الجميع حقيقة ندر تحققه، ولعله لذا قال في الرياض:
" وهل يفرق بين كل الشعر وبعضه؟ ظاهر إطلاق الرواية العدم، واستقر به
في الدروس، لصدق جز الشعر وشعرها عرفا بالبعض، وهو أحوط، بل لعله أقرب،
لكون جز الكل نادرا، فيبعد حمل النص (2) عليه ".
ويلحق بالجز الحلق والاحراق كما عن بعض، وهو وإن كان أحوط لكنه لا يخلو
من نظر، لعدم اندراجه في موضوع اللفظ، وعدم الفحوى أو الأولوية المفيدة،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
185

(الثالثة:)
(يجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب) الذي هو قلعه خلاف الجز
الذي هو القص (وخدش وجهها وشق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة
يمين) بلا خلاف أجده، كما اعترف به في الروضة، بل في الانتصار الاجماع عليه،
وهو الحجة بعد الخبر (1) المنجبر بما سمعت بل قد سمعت ما حكيناه عن ابن إدريس
من دعوى إجماع الأصحاب عليه في تصانيفهم وفتاواهم، ثم قال: " فصار الاجماع
هو الحجة، وبهذا أفتي " ومن ذلك يعلم ما في نسبة بعض الندب إليه، نعم بعض
متأخري المتأخرين ممن لا يرى العمل إلا بالخبر الصحيح قد مال في المقام
إلى القول بالاستحباب، وهو بعد العلم بأن منشأه فساد الطريقة لا يعبأ بخلافه.
والكلام في تقييد ذلك بالمصاب وفي الاجتزاء ببعض الشعر ما سمعته في المسألة
السابقة.
نعم ظاهر إطلاق الفتوى فيما عدا النهاية بل ومعقد الاجماع الاكتفاء بمسمى
الخدش الذي لا يستلزم الادماء، لكن قد عرفت تقييده بذلك في الخبر (2) اللهم إلا
أن يقال بملازمة الخدش في المصاب للادماء غالبا، فيبقى غيره على مقتضى الأصل
إلا أن الأحوط الاجتزاء بالاطلاق، خصوصا بعد تصريح الفاضل في التحرير بعدم
اعتباره معترفا بظهور الخبر فيه.
ولا يعتبر خدش جميع الوجه كما لا عبرة بادماء غيره فضلا عن خدشه ولا بشق
ثوبها على ولدها أو زوجها ولا بقص الرجل شعره ولا نتفه، إذ المدار على عنوان
الحكم في النص والفتوى، وهو ما لا يشمل ذلك، والقياس والاستحسان والاجتهاد
من غير ضوابطه الشرعية غير جائزة في مذهبنا، بل من ذكر حكم النتف مغائرا
للجز ينقدح الشك في إلحاق الحلق والحرق بالجز كما يظهر من بعض، لدعوى

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
186

القطع بالمساواة أو الأولوية.
ثم المعتبر في شق الثوب المتعارف منه في المصاب، لأنه المنصرف منه لا مطلق
شقه كما قيل، بل عن بعض أنه لا فرق فيه بين الملبوس وغيره، ولا بين شقه
ملبوسا أو منزوعا، إذ هو كما ترى وإن كان أحوط، نعم لا فرق في متعارفه بين
الاستيعاب وعدمه.
كما أن الأحوط ما قيل من عدم الفرق في الولد بين الذكر والأنثى وإن نزل،
لا ولد الأنثى وإن كان لا يخلو من نظر، لما تحقق في محله أنه ولد حقيقة أيضا، ودعوى
تبادر غيره يجري أيضا في ولد الذكر، وما في الرياض من " أن التعميم بالإضافة لعله
مستفاد من الاستقراء - ثم قال -: ولا ريب أن الأحوط التعميم مطلقا، بل لا يبعد الحكم
به، للفحوى " لا يخفى عليك ما فيه من دعوى الاستقراء والفحوى، نعم لا إشكال في
أنه أحوط.
كما لا ريب في ثبوت الحكم في الزوجة الدائمة سواء كانت حرة أو أمة، بل
في الرياض " أنها المتبادر منها نصا وفتوى قطعا، فيرجع في المتمتع بها إلى الأصل،
خلافا لجماعة من أصحابنا، فألحقوها بالأولى، فإن كان إجماع وإلا فيأتي فيه
ما مضى، مضافا إلى احتمال كون الصدق عليها مجازا، بل هو الظاهر من الأصول
كما مر مرارا إلا أن يستدل عليه بالفحوى ".
وفيه أنه لا إشكال، في صدق الزوجة عليها، ولا ينافيه تخلف بعض أحكامها
عنها لا دلالة مخصوصة، واحتمال المجازية واضح الضعف، والأصول لا مدخلية لها في
الصدق العرفي، والفحوى التي ذكرها ممنوعة على وجه تكون مدركا للحكم مع
فرض المجازية أو عدم الانصراف.
نعم قد يشك في الحاق المطلقة رجعيا بها وإن صرح به بعض باعتبار الشك في
عموم المنزلة لمثل الفرض مع أنه لا ريب في كونه أحوط إن لم يكن أقوى خصوصا
بعد ملاحظة ثبوت ما هو أخفى من ذلك لها.
أما الأمة فلا ريب في عدم اندراجها وإن كانت أم ولد، ومن الغريب احتمال
187

إلحاقها أيضا للفحوى التي قد عرفت منعها على وجه تكون دليلا، بل من الاتفاق هنا
على العدم يتأيد عدم تحققها، كما هو واضح.
هذا وقد تقدم سابقا الكلام في حكم الشق حلا وحرمة من الرجل والامرأة،
فلاحظ وتأمل.
كما أنه تقدم الكلام أيضا مفصلا في:
(الرابعة:)
التي هي حكم (كفارة وطء الزوجة في الحيض مع التعمد والعلم بالتحريم
والتمكن من التكفير) فإنه (قيل: يستحب، وقيل: يجب، وهو الأحوط)
بل الأقوى: وكذا تقدم الكلام في مقدارها الذي هو الدينار ونصفه وربعه،
فلاحظ وتأمل.
(و) منه أيضا يعلم الحال فيما ذكره غير واحد من أنه (لو وطأ أمته
حائضا كفر) وجوبا (بثلاثة أمداد من الطعام) بل عن المرتضى الاجماع عليه،
وقيل استحبابا، والأول هو الأقوى أيضا.
(الخامسة:)
(من تزوج امرأة في عدتها فارق وكفر بخمسة أصوع من دقيق وفي وجوبها
خلاف) فعن صريح جماعة وظاهر آخرين ذلك أيضا، لخبر أبي بصير (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن امرأة تزوجها رجل فوجد لها زوجا، قال: عليه الحد
وعليها الرجم، لأنه قد تقدم بعلم وتقدمت هي بعلم، وكفارته إن لم يقدم إلى
الإمام أن يتصدق بخمسة أصوع دقيق " والمرسل إليه أيضا (2) عن أبي عبد

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الزنا الحديث 5 من كتاب الحدود.
(2) الوسائل الباب - 36 - من أبواب الحديث 1.
188

الله عليه السلام " في رجل تزوج امرأة ولها زوج، فقال: إذا لم يرفع خبره إلى الإمام
فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا بعد أن يفارقها " قيل والمناقشة في السند مدفوعة
بفتوى من عرفت.
وفيه - مع عدم بلوغ ذلك حد الشهرة - أن العنوان في كلامهم ذات العدة
وفي الخبرين ذات الزوج، وهما متغائران، فما فيهما لا عامل به، وما في الفتوى
لا شاهد له، ودفع ذلك - بشمولها ولو بترك الاستفصال لذات العدة الرجعية، ولا قائل
بالفرق بينها وبين البائنة - كما ترى، نعم لا وجه للمناقشة في الدلالة، لظهور لفظة
" على " والجملة الخبرية المقصود بها الانشاء في ذلك، لكن لا يجدي ذلك في إثبات
المطلوب بعد ما عرفت، بل ما اشتملا عليه من الشرط لم أجد عاملا به، كما اعترف
به في الرياض، وهو موهن آخر لهما، نعم لا بأس بالعمل بهما على جهة الندب
الذي يتسامح فيه.
(و) لذا قال المصنف: (الاستحباب أشبه) خصوصا بعد حكاية الشهرة
بين المتأخرين عليه، بل لا بأس بذلك فيما تضمنته الفتوى أيضا ولو للاحتياط، وفي
الإنتصار " التكفير بخمسة دراهم مدعيا عليه الاجماع " وهو غريب، إذ لم نعرف القول
به من غيره، كما اعترف به بعضهم، ومن هنا حمله بعضهم على إرادة القول الأول،
ولكن يجتزأ عن الصاع بدرهم قيمة، وفيه أنه لا دليل أيضا على الاجتزاء بذلك في
المقام ولا في غيره مما كانت الكفارة فيه الاطعام، كما تسمعه إنشاء الله، فالأولى
الاقتصار فيها على الدقيق، وأولى منه اعتبار دقيق الحنطة والشعير اللذين هما من
جنس ما يخرج في الكفارة، كما جزم به في التنقيح، ولعله للانصراف، مؤيدا
بالاحتياط، والله العالم
189

(السادسة:)
(من نام عن العشاء حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما على رواية فيها
ضعف) بالارسال وهي رواية عبد الله بن المغيرة (1) عمن حدثه عن الصادق عليه السلام
" في رجل نام عن العتمة ولم يقم إلا بعد انتصاف الليل، قال: يصليها ويصبح صائما "
وفي الإنتصار بعد أن ذكره من متفردات الإمامية وحكى عن الفقهاء الخلاف في ذلك
قال: " دليلنا على صحة قولنا - بعد الاجماع الذي تردد - الطريقة التي ذكرناها
من قوله تعالى (2): " وافعلوا الخير " وأمره عز وجل بالطاعة (3) " بل عن الغنية
نحو ذلك أيضا.
(و) لكن مع ذلك وكونه أحوط (لعل الاستحباب أشبه) بأصول
المذهب وقواعده التي من مقتضاها عدم حجية المرسل المذكور وإن كان الذي أرسله
إماميا من أصحاب الاجماع كما حرر في محله، وإجماع السيدين كغيره من
إجماعات القدماء لا وثوق بالمراد منها على وجه تستريح النفس في الفتوى بها بالوجوب
والحرمة، وإن قلنا بحجية الاجماع المنقول لكن في الغالب ينقلونه على مقتضى
العمومات ونحوها، أو على غير ذلك مما لا يفيد في إثبات المطلوب.
ودعوى انجبار المرسل بصريح فتوى جماعة من القدماء وظاهر باقيهم لأمرهم
به الظاهر في الوجوب لم نتحققها في غير المرتضى، بل وفيه أيضا، خصوصا بعد
ملاحظة ما وقع لها غير مرة من التعبير عن المندوب بالوجوب وعن المكروه بالعصيان،
على أن المحكي عن الشيخين أنهما أطلقا الاصباح صائما، ومع ذلك معارض بما

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب المواقيت الحديث 8 من كتاب الصلاة مع
اختلاف يسير، وفي التهذيب ج 8 ص 323 كالجواهر.
(2) سورة الحج: 22 - الآية 77.
(3) سورة آل عمران: 3 - الآية 32 و 132.
190

عن ابن إدريس ومن تأخر عنه كالمصنف والفاضل وغيرهما من التصريح بالندب،
فهو موهن لها، مؤيدا بمعلومية كون الأصل في الكفارة أن تكون عن ذنب،
وليس في الفرض بناء على أن ذلك كفارة، كما هو ظاهر الأصحاب أو صريحهم
إلا أن يكون المراد نام عنها عمدا، وهو خلاف الظاهر.
كل ذلك مع عدم تعرض الخبر المزبور لقضاء ذلك اليوم لو فرض تعذر صومه
بعذر شرعي كحيض أو سفر أو مرض أو غير ذلك، كما أنه لا تعرض فيه لحكمه
لو أفطره عمدا وإن قال في الدروس: " ولو أفطر في ذلك اليوم أمكن وجوب الكفارة
لتعينه، وعدمه لتوهم أنه كفارة ولا كفارة فيها، ولو سافر فيه فالأقرب الافطار
والقضاء، وكذا لو مرض أو حاضت المرأة، مع احتمال عدم الوجوب فيهما وفي السفر
الضروري، لعدم قبول المكلف الصوم، وكذا لو وافق العيد أو التشريق، ولو وافق
صوما متعينا فالأقرب التداخل، مع احتمال قضائه ".
لكن الجميع كما ترى مجرد تهجس، بل لعل إهمال ذلك كله وغيره دليل
الاستحباب الذي يقع فيه مثل هذا الاهمال بخلاف الواجب، مضافا إلى ما في النهاية
من التعبير بأنه " يصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها إلى ذلك الوقت " ونحوه
في الإنتصار، ومن المعلوم عدم الذنب على النائم، فهو أمارة أخرى للندب في
كلامهم.
فمن الغريب ما في الرياض من الميل إلى الوجوب، بل في بعض كلامه نفي الاشكال
عنه، إذ قد ظهر لك أن الأمر بالعكس، والله العالم.
وعلى كل حال فلا يلحق به ناسي غير العشاء بالنوم قطعا.
191

(السابعة:)
قال الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار: (من نذر صوم يوم فعجز عنه
أطعم مسكينا مدين) لخبر إسحاق بن عمار (1) عن الصادق عليه السلام " في رجل يجعل
عليه صياما في نذر ولا يقوى، قال: يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين " وفي
خبر آخر (2) " عن رجل نذر صياما فثقل عليه الصوم، قال: تصدق عن كل يوم
بمد من حنطة " مضافا إلى الصحيح (3) المتقدم سابقا " من عجز عن نذر نذره فعليه
كفارة يمين " بناء على ما قلناه فيه.
ولكن اختلاف متنها وضعف سند الأولين منها وعدم وضوح دلالة الأول
منها أيضا يشهد للندب على تفاوت مراتبه، خصوصا بعد ملاحظة قاعدة
سقوط النذر بالعجز عنه من غير استتباع الكفارة التي قد عرفت أصالة كونها
عن ذنب.
وإليه أشار المصنف بقوله: (وربما أنكر ذلك قوم بناء على سقوط النذر
مع تحقق العجز) وحينئذ يسهل الأمر في مدرك قوله: (فإن عجز تصدق بما
استطاع، فإن عجز استغفر الله) تعالى الذي قد اعترف بعض الناس بعدم العثور
عليه، للتوسع في الندب الذي يكفي فيه هنا إطلاق بعض النصوص (4) في مطلق
العجز عن الكفارة، وقاعدة " لا يسقط " ونحو ذلك مما لا يكفي في الندب ويكفي
في الوجوب.
هذا وفي التنقيح " عن المفيد يقضي ولا كفارة، وعن ابن إدريس إن رجى زوال

(1) الوسائل الباب - 12 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 12 - من كتاب النذر والعهد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب الكفارات الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات.
192

العجز أفطر وقضى من غير كفارة - ثم قال -: وفي الكل نظر، لأن ذلك اليوم
إما معين أو غيره، والثاني يأتي به أي وقت شاء ولا كفارة، والأول لا إثم عليه
مع العجز، فلا وجه لوجوب الصدقة والاستغفار ".
قلت: ظاهر هذه الكلمات فرض المسألة في العجز عنه بعد الشروع فيه،
وعبارة المصنف وغيره لا تأباه كالخبرين وإن كان فرض المسألة في الأعم أولى،
لأن الحكم ندبي، وكذا لا فرق بين المعين وغيره مع فرض العجز الظاهر في الاستمرار،
والأمر سهل.
ومن المندوب ما عن الصادق عليه السلام (1) من أن " كفارة عمل السلطان: قضاء
حوائج الاخوان ".
" وكفارة المجالس أن تقول عند قيامك منها: سبحانك ربك رب العزة عما
يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين " (2).
" وكفارة الضحك: اللهم لا تمقتني " (3).
" وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كفارة الاغتياب؟ فقال: تستغفر لمن اغتبته " (4)
وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث الغيبة.
وقال عليه السلام (5) أيضا: " الطيرة على ما تجعلها، إن هونتها تهونت وإن
شددتها تشددت، وإن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (6):
" كفارة الطيرة التوكل ".
وقد سمعت ما في خبر خالد (7) عنه عليه السلام أيضا من أنه " لا شئ في اللطم على

(1) الوسائل الباب - 33 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 34 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 32 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 35 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(6) الوسائل الباب - 35 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(7) الوسائل الباب - 31 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
193

الحدود سوى الاستغفار والتوبة ".
(المقصد الثالث:)
(في) تفصيل حكم (خصال الكفارات، وهي العتق والصيام والاطعام)
ف‍ (القول) أولا (في العتق و) لا إشكال كما لا خلاف في أنه (يتعين على
الواجد في الكفارات المرتبة) لأنه العنوان للحكم كتابا (1) وسنة (2) ومعقد
إجماع، ومرجعه إلى العرف.
(و) حينئذ ف‍ (يتحقق الوجدان بملك الرقبة) فاضلة عن حاجته لرفعة
أو مرض، كما صرح به غير واحد وإن كان عدم تحقق الصدق خصوصا في الأول
لا يخلو من نظر.
(و) كذا يتحقق عرفا (بملك الثمن) فاضلا عن المستثنيات (مع
إمكان الابتياع) أي الاعتياض بلا مجازفة تضر في الحال على نحو ما سمعته في
الوجدان للماء وعدمه، بل بملاحظة ذلك المقام يظهر لك جريان كثير من فروعه
هنا، على أنه ستسمع تعرض المصنف لجملة أخرى، فلاحظ وتأمل.
(و) على كل حال ف‍ (يعتبر في الرقبة ثلاثة أوصاف:)

(1) سورة النساء: 4 - الآية 92.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الكفارات.
194

الوصف (الأول:)
(الايمان) أي الاسلام (وهو معتبر في كفارة القتل) عمدا وخطأ
(إجماعا) بين المسلمين بقسميه بعد تصريح الكتاب العزيز به في الخطأ منه (1)
المعلوم إرادة ذلك فيه من حيث إنه كفارة قتل، لا من حيث كونه خطأ، ومن
هنا لم يفرق أحد بينه وبين العمد الذي هو أولى منه باعتبار ذلك، بل إيجاب
الجمع عليه قرينة على إرادة الجنس كفارة الخطأ منه، إلا أن الفرق بينهما بالترتيب
والجمع، مضافا إلى ما قيل من إطلاق النصوص (2) التي فيها الصحيح وغيره (و)
إن كان فيه ما فيه.
نعم (في غيرها) كالظهار مثلا (على التردد) والخلاف (والأشبه
اشتراطه) وفاقا للمحكي عن السيد والشيخ والحلي وغيرهم، بل في الرياض وغيره
نسبته إلى الأكثر، بل عن انتصار الأول وكشف الحق الاجماع عليه، وإن كنا لم
نتحققه في الأول في خصوص المقام، نعم في ذلك بالنسبة إلى أصل عتق الكافر،
لا لقاعدة حمل المطلق على المقيد وإن اختلف السبب التي تحقق في الأصول خلافها،
بل لظهور اتحاد المراد بخصال الكفارة وإن اختلف السبب باعتبار كونها
عبادة واحدة بكيفية خاصة من غير مدخلية لاختلاف أسبابها كالغسل مثلا.
مؤيدا ذلك بصحيح محمد بن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام الوارد في الظهار قال:
" والرقبة يجزئ عنها صبي ممن ولد في الاسلام " والخبر (4) الوارد في كفارة

(1) سورة النساء: 4 - الآية 92.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات والباب - 17 - من كتاب العتق.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 11 من كتاب
الصوم.
195

شهر رمضان " من أفطر يوما منه فعليه عتق رقبة مؤمنة " والخبرين المتقدمين
في كفارة المفطر يوما نذره على التعيين من غير عذر الذي فيهما " وتحرير رقبة
مؤمنة ".
وبقاعدة الاحتياط الواجب مراعاتها عند كثير في مثل المقام تحصيلا للبراءة
اليقينية من يقين الشغل.
وبما دل على عدم جواز عتق الكافر من الاجماع المحكي، وخبر سيف بن
عميرة (2) عن الصادق عليه السلام المنجبر سندا ودلالة بالشهرة والاجماع المحكي " أيجوز
للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا " وقول الله تعالى شأنه (3): " ولا تيمموا
الخبيث منه تنفقون " المشعر بالعلية باعتبار تعليق الحكم على الوصف في إرادة الخباثة
من حيث هي مطلق، سواء كانت لرداءة المال أو الفساد العقيدة.
بل قيل: ربما كانت الخباثة من هذه الجهة أولى بالعلية في نحو المسألة المعتبر
فيها قصد القربة بالاجماع والمعتبرة (4) وأي قربة في عتق رقبة محادة لله تعالى،
بل هي موادة صرفة منعت منها الآية الأخرى (5) إلا أنها في المشرك خاصة،
لتصريح الآية الأخرى بالجواز في أهل الذمة (6) المؤيدة هنا بالمروي من فعل
علي عليه السلام (7) " أنه أعتق عبدا نصرانيا فأسلم " لكن يمكن الذب عن الاختصاص
هنا بعدم القائل بالفرق، فإن كل من منع من المشرك منع من غيره أيضا، والمعارضة

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 و 3.
(2) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 5.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 267.
(4) الوسائل الباب - 4 و 6 - من كتاب العتق والباب - 13 - من كتاب الوقوف
والصدقات.
(5) سورة المجادلة: 58 - الآية 22 وصورة الممتحنة: 60 - الآية 1.
(6) سورة الممتحنة: 60 - الآية 7.
(7) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 2.
196

بالمثل هنا وإن أمكنت إلا أن دفعها ممكن بعد اشتهار الأخذ بالآية الأولى،
وهو من أقوى المرجحات، وغير ذلك مما ستعرفه في محله، وإن كان في بعضها ما فيه،
خصوصا الآية التي يمكن الجزم ولو بمعونة ما ورد (1) فيها من التفسير بإرادة الرداءة
من الخبث فيها من حيث المالية الذي هو مقتضى المفهوم من قوله تعالى (2): " لن
تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " ومن غيره على وجه لا مدخلية لخبث العقيدة
وإن كانت مالية تامة، بل قد يقال: إن المنساق من الانفاق غير العتق، فما عن
الإسكافي والشيخ وغيرهما - من الجواز للاطلاق الذي يجب الخروج عنه بما عرفت -
ضعيف.
(و) كيف كان ف‍ (المراد بالايمان هنا الاسلام) الذي هو الاقرار
بالشهادتين (أو حكمه) الحاصل بسبب إسلام أحد الأبوين ولا يعتبر مع ذلك العلم
بالتصديق القلبي الذي لا يمكن الاطلاع عليه، وإن كان هو الايمان حقيقة كما
يومئ إليه قوله تعالى (3): " قل: لم تؤمنوا ولكن قولوا: أسلمنا " لكن الشارع
أجرى على المقر حكم المؤمن قلبا مع فرض عدم الاطلاع على حاله، بل ربما تعدى
بعضهم فأجرى عليه حكم المسلم مع العلم بنفاقه مطلقا أو في بدء الاسلام، إلا أن
الأصح خلافه، كما حققناه سابقا.
وكذا لا يعتبر الايمان بالمعنى الأخص الحادث الذي هو بمعنى الاقرار
بالأئمة الاثني عشر، لتأخره عن زمن الخطابات، خلافا للتنقيح فاعتبره، حاكيا
له عن ابن إدريس، لقاعدة الشغل التي هي غير مقعدة (4) هنا، وكأن الذي غره
في ذلك ما ذكره الفخر في الإيضاح من تحرير الخلاف بين القائلين باشتراط الاسلام،
فحكي عن المرتضى وابن إدريس - ووالده منهم - القول بالاشتراط واختاره،

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب زكاة الغلات من كتاب الزكاة.
(2) سورة آل عمران: 3 - الآية 92.
(3) سورة الحجرات: 49 - الآية 14.
(4) هكذا في النسخة الأصلية والأولى " غير متبعة " أو " غير مفيدة ".
197

وعن غيرهم العدم.
والظاهر عدم خلاف بين الأصحاب كذلك، بل ليس هو إلا في الايمان بمعنى
الاسلام، نعم اعتبر بعضهم الاسلام الملازم للايمان الذي هو بمعنى الاذعان، وإلا
فالمسألة محررة بين الخاصة والعامة في اشتراط الايمان وعدمه في غير كفارة القتل،
فالجميع بين قولين.
نعم لعل المرتضى وابن إدريس من القائلين بعدم إجزاء عتق المخالف، لكفره
عندهم، وهو غير ما حرره من البحث. ومن هنا أطنب الصيمري في الانكار عليه،
بل ادعى الاجماع على عدم اعتبار الايمان " بالمعنى المزبور، وهو في محله، بل قول
والده في القواعد: " والأقوى اعتبار الايمان " بمعنى إرادة التصديق منه لا الايمان
بالمعنى المتأخر، وعلى تقديره فهو واضح الضعف كالأول أيضا وإن استدل له بأن
غيره خبيث، وبخبر ناجية (1) قال: " رأيت رجلا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له:
جعلت فداك إني أعتقت خادما لي وهو ذا أطلب شراء خادم لي منذ سنين فما أقدر
عليها، فقال: ما فعلت الخادم؟ فقال: حية، فقال، ردها في مملكتها، ما أغنى الله
تعالى عن عتق أحدكم تعتقون اليوم ويكون علينا غدا، لا يجوز لكن أن تعتقوا إلا
عارفا " وخبر الحلبي (2) الذي ستسمعه.
إلا أنه كما ترى، ضرورة منع تناول الآية (3) للمفروض، وقصور الخبر
عن الحجية، واحتمال إرادة غير المسلم، والناصب من غير العارف، أو ضرب من
الكراهة، أو غير ذلك، وخبر الحلبي لا جابر له، خصوصا بعد إطلاق الأدلة،
وخصوص صحيح الحلبي (4) قلت لأبي عبد الله عليه السلام " الرقبة تعتق من المستضعفين،
قال: نعم " وخبر علي بن أبي حمزة (5) عن العبد الصالح عليه السلام " فيمن أوصى بعتق

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 5.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 267.
(4) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 1 - 4.
(5) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 1 - 4.
198

نسمة - إلى أن قال -: فليشتر من عرض الناس ما لم يكن ناصبا.
(و) كيف كان ف‍ (يستوي في الاجزاء الذكر والأنثى والصغير والكبير)
لصدق الرقبة (و) لكن ينبغي أن يعلم أن (الطفل بحكم المسلم، ويجزئ إذا
كان أبواه مسلمين) للسيرة القطعية في جميع الأحكام حتى القتل به (أو أحدهما
ولو حين يولد) أو بعد الولادة، لنصوص (1) تبعية أشرف الأبوين، من غير
فرق بين أن يموت قبل أن يبلغ ويصف الاسلام (و) بعده، خلافا للعامة، فإن
لهم اختلافا في ذلك.
نعم (في رواية) من طرقنا (لا يجزئ في القتل خاصة إلا البالغ الحنث،
وهي حسنة) معمر بن يحيى (2) عن الصادق عليه السلام " سألته عن الرجل يظاهر من
امرأته يجوز عتق المولود في الكفارة، فقال: كل العتق يجوز فيه المولود إلا في
كفارة القتل، فإن الله تعالى يقول: فتحرير رقبة مؤمنة (3) يعني بذلك مقرة قد
بلغت الحنث ".
ونحوه مرسل الحسين بن سعيد (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل، فإن الله تعالى يقول: فتحرير
رقبة مؤمنة، يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث، ويجوز في الظهار صبي ممن ولد
في الاسلام ".

(1) الوسائل الباب - 70 - من كتاب العتق والباب - 3 - من أبواب حد المرتد
الحديث 7 والباب - 6 - من أبواب المستحقين للزكاة والباب - 43 - من أبواب جهاد العدو
الحديث 1 من كتاب الجهاد.
(2) أشار إليه في الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 6 وذكره
في الكافي ج 7 ص 462.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 92.
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 6.
199

وفي خبر الحلبي (1) عنه عليه السلام أيضا " لا يجوز في القتل إلا رجل، ويجوز في
الظهار وكفار اليمين صبي ".
وفي خبره الآخر (2) عنه عليه السلام أيضا في قول الله عز وجل (3): " فتحرير
رقبة مؤمنة " قال: " يعني مقرة بالإمامة " ونحوه خبره الثالث (4) عنه عليه السلام أيضا
بدون قوله: " بالإمامة ".
وفي خبر مسمع (5) عنه عليه السلام " لا يجزئ في كفارة القتل إلا رقبة قد صلت
وصامت، ويجزئ في الظهار ما صلت ولم تصم ".
ولكنه لم يعرف العمل بهذه النصوص إلا من الإسكافي والكركي في حاشية
الكتاب وبعض متأخري المتأخرين، فهي في الحقيقة مهجورة لا تصلح مقيدة لاطلاق
ما دل على التبعية المزبورة المستفادة من لحوق حكم الارتداد له لو وصف الكفر
بعد بلوغه وإن لم يتلفظ بالشهادتين، ومن قوله تعالى (6): " واتبعتهم ذريتهم بايمان
ألحقنا بهم ذريتهم " بناء على أن المراد به إلحاق الذرية في الايمان وغير ذلك،
المؤيد بخبر كردويه الهمداني (7) عن أبي الحسن عليه السلام في قوله تعالى: " فتحرير
رقبة مؤمنة ": " كيف تعرف المؤمنة؟ قال: على الفطرة " وخبر السكوني (8)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام " الرقبة المؤمنة التي ذكرها الله تعالى
إذا عقلت، والنسمة التي لا تعلم إلا ما قلته وهي صغيرة " وخبر المبارك (9) عن
أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: جعلت فداك الرجل يجب عليه عتق رقبة مؤمنة فلا يجدها
كيف يصنع؟ فقال: عليكم بالأطفال فاعتقوهم فإن خرجت مؤمنة فذاك، وإن

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 4 - 5 - 10.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 4 - 5 - 10.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 92.
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 4 - 5 - 10.
(5) المستدرك الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 3 عن موسى عن أبيه،
عن جده.
(6) سورة الطور: 52 - الآية 21.
(7) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 7 - 8 - 3.
(8) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 7 - 8 - 3.
(9) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث 7 - 8 - 3.
200

لم تخرج مؤمنة فليس عليكم شئ " ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.
(و) كيف كان ف‍ (لا يجزئ الحمل وإن كان أبواه مسلمين) وانفصل
بعد ذلك حيا بلا خلاف أجده فيه، لأصالة الشغل السالمة عن معارضة إطلاق الأدلة
المنصرف إلى غيره (وإن كان) هو (بحكم المسلم) حتى أن الجاني عليه يضمنه
كالمسلم على تقدير موته بعد انفصاله حيا، لكن لا يلحقه في الشرع حكم الأحياء
حملا، ولذا لا تجب فطرته، وللعامة وجه بالاجتزاء إن انفصل لما دون ستة
أشهر.
(وإذا بلغ المملوك أخرس وأبواه كافران فأسلم بالإشارة) القائمة مقام
لفظه بعد بلوغه (حكم باسلامه وأجزأ) بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال بعد
ملاحظة ما دل (1) على قيامها مقام اللفظ في العبادة وغيرها، وقد روي (2) هنا " أن
رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جارية أعجمية أو خرساء، فقال: يا رسول
الله علي عتق رقبة فهل تجزئ عني هذه؟ فقال صلى الله عليه وآله سلم: أين الله تعالى؟ فأشارت إلى
السماء، ثم قال صلى الله عليه وآله: من أنا؟ فأشارت إلى أنه رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله له: أعتقها
فإنها مؤمنة ". (ولا يفتقر مع وصف الاسلام في الاجزاء إلى الصلاة) كما عن
بعض العامة، وربما حمل على ما إذا لم تكن الإشارة مفهمة.
(ويكفي في الاسلام) عندنا (الاقرار بالشهادتين) بل والايمان بمعنى
التصديق إلا أن يعلم خلافه (ولا يشترط) مع ذلك (التبري مما عدا
الاسلام) لاطلاق الأدلة والسيرة المستمرة من زمانه صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا، نعم
عن العامة قول بذلك، وآخر باشتراطه إن كان ممن يعتقد رسالته صلى الله عليه وآله في الجملة،
كقوم من اليهود يزعمون أنه رسول العرب خاصة، وأخرى أنه سيبعث، بل عن
الشيخ في المبسوط اختياره، ومنهم من قال: من أتى بالشهادتين بما يخالف اعتقاده
حكم باسلامه، فالوثني والمعطل إذا شهد بالتوحيد حكم باسلامه، ومنهم من

(1) الوسائل الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 من كتاب الصلاة.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 388 وفيه " أتى بجارية سوداء ".
201

اكتفى بالاسلام بالاقرار بصلاة توافق ملتنا أو حكم يختص بشئ، والجميع
كما ترى.
(ولا يحكم باسلام المسبى من أطفال الكفار سواء كان معه أبواه الكافران
أو انفراد به السابي المسلم) وفاقا للمشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين كما
في المسالك، لعدم الدليل عليها، بل هو على خلافها، ضرورة بقائه على حكم
التبعية قبل السبي، خصوصا إذا كان معه أبواه، نعم قد يقال بانقطاعها بالنسبة إلى
الطهارة في صورة انفراده عنهما، للأصل الذي يكفي فيه الشك في بقاء حكم
التبعية السابقة، مضافا إلى السيرة، ومن هنا فصل بعضهم بينها وبين العتق مثلا،
فأجرى عليه حكم المسلم في الأول بخلاف الثاني، واختاره في المسالك.
اللهم إلا أن يقال: إنها متحققة فيها في غيرها من العتق والصلاة ودفنه في
قبور المسلمين وغير ذلك، وربما كان في إطلاق ما سمعته من النصوص (1) الآمرة
بعتق الأولاد شهادة على ذلك.
مضافا إلى نصوص الفطرة (2) بناء على أن معناها الولادة على الاسلام، إلا
أن الأبوين يهودانه وينصرانه بذكر التقريبات له، وتربيته على ذلك، أو أن
معناه الولادة على الاسلام إلا أن أبويه يهودانه مثلا بالتبعية له والتربية عنده،
فمتى انقطعت عاد إلى حكم مقتضى الفطرة، ومقتضاها الحكم باسلام المتولد
منهم بموتهما عنه وبقاؤه منفردا لولا الاجماع، وربما كان أيضا في خبر
السكوني (3) دلالة على المطلوب أيضا، لقوله: " والنسمة التي لا نعلم إلا ما قلته
وهي صغيرة ".
ولعله لذلك وغيره كان خيرة الدروس ذلك، وهو لا يخلو من قوة، وقد تقدم

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث - 0 - 8.
(2) الكافي ج 2 ص 12 والوسائل الباب - 48 - من أبواب جهاد العدو الحديث 3
والبحار ج 67 ص 130.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات الحديث - 0 - 8.
202

بعض الكلام في المسألة سابقا، وتمامه في كتاب الجهاد (1).
(ولو أسلم المراهق) المميز (لم يحكم باسلامه) لاطلاق ما دل على (2)
سلب عبارته مؤيدا بما سمعته من النصوص (3) التي ذكرناها للإسكافي المشتملة على
اعتبار البلوغ لتحقق الايمان، ولكن مع ذلك قال المصنف: (على تردد) ولعله
لاعتبار عبارته في الوصية وغيرها مما تقدم سابقا، والاسلام أولى منها بذلك.
وفيه أنه لا يخرج عن القياس الممنوع عندنا، نحو التعليل بأن الاسلام يتعدى من
فعل الأب إليه على تقدير كون أحد أبويه مؤمنا، فمباشرته للايمان مع عدم أبويه
أقوى، (و) إطلاق ما دل (3) على حصول الاسلام بقول الشهادتين إنما هو لبيان
عدم الحاجة إلى قول آخر غير قولهما، نحو إطلاق " كل عقد وإيقاع " المعلوم
تقييده بصحة العبارة.
نعم (هل يفرق بينه وبين أبويه؟ قيل: نعم صونا له أن يستزلاه عن عزمه
وإن كان بحكم الكافر) وإن كان لا يخفى عليك عدم صلاحية ذلك لاثبات الوجوب
على وجه ينقطع به حكم ذمة الوالدين لو كان ذميا مثلا.
هذا وفي المسالك " وينبغي القول بتبعيته حينئذ للمسلم في الطهارة إن لم نقل
باسلامه، حذرا من الحرج والضرر اللاحقين بمن يحفظه من المسلمين إلى أن يبلغ،
إذ لو بقي محكوما بنجاسته لم يرغب في أخذه، لاقتضائه المباشرة غالبا، وليس
للقائلين بطهارة المسبي دليلا ووجها بخصوصها دون باقي أحكام الاسلام
سوى ما ذكرناه ونحوه " وهو كما ترى أيضا، خصوصا عدم الفرق بينه وبين
المسبي.

(1) ج 21 ص 134 إلى 140.
(2) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الحجر والباب - 32 - من مقدمات الطلاق من
كتاب الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب الكفارات.
(4) الكافي ج 2 ص 25.
203

(الوصف الثاني:)
(السلامة من العيوب) المسببة عتقه بلا خلاف ولا إشكال (فلا يجزئ
الأعمى ولا الأجذم ولا المقعد ولا المنكل به، لتحقق العتق بحصول هذه الأسباب)
فلا يحصل التحرير المأمور به في الكفارة، وفي الموثق (1) عن الباقر عليه السلام " لا يجزئ
الأعمى في الرقبة، ويجزئ ما كان منه مثل الأقطع والأشل والأعرج والأعور،
ولا يجزئ المقعد " وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خبر السكوني (2): " في العبد
الأعمى والأجذم والمعتوه لا يجوز في الكفارات، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقهم "
وفي خبر أبي البختري (3) " لا يجوز في العتاق الأعمى والمقعد، ويجوز الأشل
والأعرج " وفي المحكي عن قرب الإسناد (4) " لا يجوز في العتاق الأعمى والمقعد "
وفي خبر علي بن جعفر المروي عنه أيضا (5) سأل أخاه عليه السلام " عن رجل عليه عتق
نسمة أيجزئ عنه أن يعتق أعرج أو أشل؟ فقال: إن كان ممن تباع أجزأ عنه إلا
أن يكون وقت على نفسه شيئا، فعليه ما وقت ".
نعم لا خلاف معتد به ولا إشكال في إجزاء الناقص نقصانا لا يخل باكتسابه ولا
ينقص عاليته، كقطع بعض أنامله (و) نقصان بعض أصابعه، بل الأقوى أنه
(يجزئ مع غير ذلك من العيوب) المنقصة لماليته والمخلة باكتسابه (كالأصم
والأخرس ومن قطعت إحدى يديه أو إحدى رجليه) لصدق الرقبة، بل عن الخلاف
والمبسوط الاجماع عليه في الأعور، خلافا للمحكي عن المبسوط من أن مقطوع

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 3 - 1.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 3 - 1.
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 3 - 1.
(4) الوسائل الباب - 23 - من كتاب العتق الحديث 5 وفيه " الأعمى والأعور " وفي
البحار ج 104 ص 197 " الأعمى والأعور والمقعد " كما أشار إلى هذا اللفظ في الرسول
نقلا عن الحميري في الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث 4.
204

اليدين أو الرجلين أو اليد والرجل من جانب واحد لا يجزئ بغير خلاف، مع أن
المحكي عنه أيضا أنه قال بعد تفصيل مذاهب الناس في ذلك: " والذي نقوله في هذا
الباب الآفات التي ينعتق بها لا يجزئ معها، فأما من عدا هؤلاء فالظاهر أنه يجزؤه "
وهو مخالف لما سمعته منه، ومن ذلك يظهر ضعف المحكي من نفي الخلاف، بل
قيل: إن المراد به بين الناس.
فما عن الإسكافي - من عدم إجزاء الناقص في الخلقة ببطلان الجارحة إذا لم
يكن في البدن سواها، كالخصي والأصم والأخرس، دون الأشل من يد واحدة
والأقطع منها - شاذ ضعيف يمكن تحصيل الاجماع على خلافه.
وكذا يجزئ السقيم وإن بلغ به السقم إلى حد التلف للصدق المزبور،
خلافا للمحكي عن المبسوط في المأيوس عن برئه، ولما عن العامة في الهرم العاجز
عن الكسب.
وكذا من قدم للقتل دون من لم يقدم وإن وجب قتله، نعم في القواعد (و)
لو أعتق من لا حياة له مستقرة فالأقرب عدم الاجزاء، ولعله لكونه بحكم الميت،
كما ينبه عليه حكم الذبيحة، مع أن الأقوى خلافه في المقامين، كما هو
محرر في محله.
نعم (لو قطعت رجلاه لم يجز، لتحقق الاقعاد) الموجب للعتق.
هذا وقد يقال: إن المراد مما في النصوص (1) عدم إجزاء ذوي هذه الأوصاف
بالكفارة ولو كانوا مملوكين، كما لو فرض أنهم سبوا كذلك بناء على جواز
سبيهم لاطلاق الأدلة، ويكون الوجه في اختصاص هذه الأوصاف أنها توجب العتق
لو فرض عروضها على الملك، وهذا معنى قوله عليه السلام: (2) " لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقهم "
بل يمكن حمل كلام الأصحاب على ذلك أيضا، بل وتعليلهم في غير صورة
التنكيل، كل ذلك مع عدم تصور العتق للمعتوق حتى يجعل من شرائط الكفارة،

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث - 0 - 3.
(2) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث - 0 - 3.
205

فتأمل جيدا، والله العالم.
(ويجزئ ولد الزنا) إذا بلغ ووصف الاسلام، لاطلاق الأدلة، بل عن
المبسوط الاجماع عليه، وفي خبر سعيد بن يسار (1) عن الصادق عليه السلام " لا بأس أن
يعتق ولد الزنا " (ومنعه قوم استسلافا لوصفه بالكفر أو لقصوره عن صفة الايمان)
بل عن المرتضى وابن إدريس الاجماع على ذلك وإن كان موهونا باعراض الأكثر
عنه والاجماع المحكي، وآية (2) " لا تيمموا الخبيث " إلى آخره لا تشمله بعد
وصفه الاسلام، بل وقبله بناء على ما عرفت من المراد منها سابقا، كما أن نفي
الخير في ولد الزنا في النبوي (3) قال: " لا في لحمه ولا في دمه ولا في جلده - إلى
أن قال - ولا في شئ منه " مع عدم الجابر لا ينافي عتقه أيضا (و) لذا قال المصنف:
(هو ضعيف).
نعم لا يجزئ ولد الزنا قبل البلوغ، لعدم التبعية فيه، كما جزم به
في التنقيح وغيره، وإن حكمنا بطهارته للأصل الذي مقتضاه ذلك حتى لو
كان بين كافرين فضلا عن أن يكون بين مسلم وكافر، كما حققنا جميع ذلك
وغيره في محله.
لكن في الدروس هنا " يتحقق إسلام ولد الزنا بالمباشرة بعد البلوغ وبتبعية
السابي وفي تحققه بسبب الولادة من المسلم نظر، من انتفائه عنه شرعا، ومن تولده
عنه حقيقة، فلا يقصر عن السابي " وفي شرح الصيمري " وهو المعتمد ".
قلت: حكمه بجواز سبيه مستلزم للحكم بتبعيته، ولولاها أشكل استرقاقه،
خصوصا بناء على بعض ما ذكر في تفسير قوله صلى الله عليه وآله: (4) " كل مولود يولد

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 267.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 من كتاب النكاح
وهو خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
(4) الوسائل الباب - 48 - من أبواب جهاد العدو الحديث 3 والكافي ج 2 ص 13
وصحيح مسلم ج 8 ص 52 ط عام 1334.
206

على الفطرة " إلى آخره إن يراد الولادة الشرعية، فلا معنى للنظر في تبعيته للمسلم،
إذ لا فرق فيها بالنسبة إليهما. نعم قد يقال: إن من المقطوع به عدم تبعيته للأبوين في الاسلام والايمان،
ومنه ينبغي القطع أيضا بعدم تبعيته لهما في الكفر أيضا تنزيلا لما دل عليها على الولادة
الشرعية، ولو بقوله صلى الله عليه وآله: (1) " لكل قوم نكاح " المراد منه أن غيره يكون
سفاحا، فلا نسب شرعي بينهما يقتضي التبعية.
اللهم إلا أن يقال بالفرق بين المسلم والكافر إن ابن الزنا من الثاني أولى،
لتبعيته له في الأحكام التي هي الاسترقاق والنجاسة ونحوهما، بخلافه من
الثاني، فإن تبعيته له تقتضي شرفا له بالاسلام، وهو بعيد عن ذلك، لكونه شر
الثلاثة (2).
ولكن ذلك كله مجرد اعتبار لا يصلح مدركا لحكم شرعي، وقد عرفت أن
العمدة في دليل التبعية السيرة، وسيرة في المقام، لعدم تحقق ولد الزنا المعلوم أنه
كذلك بلا شبهة من الواطئ.

(1) الوسائل الباب - 83 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 من كتاب
النكاح.
(2) البحار ج 5 ص 285 ط الحديث. راجع سفينة البحار ج 1 ص 560. مادة
" زنى " وسنن البيهقي ج 10 ص 57 و 58.
207

(الوصف الثالث:)
(أن يكون تام الملك فلا يجزئ المدبر ما لم ينقض تدبيره) قبل العتق،
كما عن الشيخ وابني الجنيد والبراج، لحسن الحلبي أو صحيحه (1) عن أبي
عبد الله عليه السلام " في رجل يجعل لعبده العتق إن حدث به حدث وعلى الرجل تحرير
رقبة في كفارة يمين أو ظهار أيجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة؟
قال: لا " ومضمر عبد الرحمن (2) " سألته عن رجل قال لعبده إن حدث بي حدث فهو حر
وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار أله أن يعتق عبده الذي جعل
له العتق إن حدث به حدث في كفارة تلك اليمين؟ قال: لا يحوز " الذي جعل
له ذلك.
(وقال) الشيخ (في المبسوط والخلاف: يجزئ) بل في المسالك نسبته
إلى ابن إدريس والمتأخرين، بل في كشف الرموز عن الشيخ الاجماع عليه (وهو
أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي منها جواز الرجوع بالوصية بالقول وبفعل
المنافي، وقد استفاضت النصوص (3) بكون التدبير منها، فيجوز التصرف فيها بنحو
البيع والعتق، بل في الصحيحين (4) " هو مملوكه إن شاء باعه وإن شاء أمسكه حتى
يموت، فإذا مات السيد يخرج من ثلثه " بل عن الإنتصار الاجماع على جواز
بيعه كما هو مضمون كثير من النصوص (5) ولا ريب في أولوية العتق الذي هو

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 12 - من كتاب التدبير الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 2 - من كتاب التدبير.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب التدبير - الحديث 1 والباب - 8 - منه الحديث 3.
(5) الوسائل الباب - 1 - من كتاب التدبير.
208

إحسان محض منه.
بل قد يقال: إن المراد من الصحيح عتق المدبر بعد موت سيده، كما في
خبر إبراهيم الكرخي (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن هشام بن رزين سألني أن
أسألك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث بسيده حدث الموت، فمات السيد وعليه
تحرير رقبة واجبة في كفارة أيجزئ عن الميت عتق العبد الذي كان السيد جعل له
العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميت؟ قال: لا " وحينئذ يقرأ
" يعتق " بالبناء للمجهول وأن السؤال في الثاني الاكتفاء بنفس التدبير في الكفارة،
أو يحملان على أنه قد كان ذلك بطريق النذر ونحوه مما لا يجوز الرجوع به،
هذا كله إذا لم ينقض تدبيره قبل العتق، وإلا جاز قولا واحدا، والله العالم.
(ولا المكاتب المطلق الذي أدى من كتابته شيئا) بلا خلاف (و)
لا إشكال، لحريته حينئذ بمقدار ما أدى.
نعم (لو لم يؤد أو كان مشروطا قال) الشيخ (في الخلاف لا يجزئ، ولعله
نظر إلى نقصان الرق، لتحقق الكتابة) التي هي معاملة بين السيد والمملوك،
وهي لازمة من قبل السيد، وقد خرج بها عن الملك خروجا متزلزلا حتى قيل:
إنها بيع العبد من نفسه، والأصل لزوم العقد، والعتق يستلزم الملك، وبقاؤه في
المكاتب غير معلوم، ومن ثم لم تجب فطرته ولا نفقته وانتفت عنه لوازم الملك من
المنع من التصرف وغيره وإن نهاه السيد، والحجر عليه في بعض التصرفات مراعاة
لوفاء الدين لا يقتضي كونه باقيا في الرق، وعوده إليه على تقدير العجز أمر متجدد،
وقد بينا أن خروجه غير متيقن، ولذا مال إليه في محكي المختلف.
(و) لكن (ظاهر كلامه في النهاية أنه يجزئ) بل نسبه بعض إلى
الأكثر، بل عن الحلي الاجماع عليه (ولعله أشبه) بأصول المذهب وقواعده

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الكفارات الحديث 1 وفيه هشام بن أدين
(أديم خ ل) وكذلك في الكافي ج 6 ص 194 وفي التهذيب ج 8 ص 231 هشام بن
أذينة.
209

(من حيث تحقق الرق) فيه ولذا جاز عتقه تبرعا إجماعا حكاه غير واحد.
وليس إلا لبقاء الرق المستصحب فيه إلى أن يثبت المزيل، ولا ثبوت قبل أداء المطلق
شيئا من مال الكتابة وقبل أداء تمام المال في المشروط، وثبوت المعاملة ووجوب
الوفاء بها مسلم إلا أن ذلك لا يقتضي خروجه عن الرقية، وكونها بيعا للمملوك
من نفسه غير صحيح عندنا فحينئذ هو باق على مقتضى إطلاق الأدلة المؤيدة ببعض
ما تسمعه في المدبر.
(و) كذا (يجزئ) في الكفارة عتق (الآبق إذا لم يعلم موته)
وفاقا للأكثر، بل عن الحلي الاجماع عليه، لأصالة بقائه حيا مؤيدة بالاجماع
المزبور، وما عن الحلي أيضا من نسبته إلى أخبار أصحابنا المتواترة وبصحيح أبي
هاشم الجعفري (1) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قد أبق منه مملوكه يجوز
أن يعتقه في كفارة الظهار، قال: لا بأس به ما لم يعرف منه موتا " والمراد من
المعرفة العلم كما هو مقتضى الأصل، لكن عن الكافي الذي هو أضبط روايته " لا بأس
ما علم أنه حي مرزوق " ويمكن أن يريد العلم ولو بالاستصحاب، فلا مخالفة
حينئذ بين النسختين، وعلى تقديرها فلا ريب في رجحان الأولى بما عرفت.
فما عن الشيخ في الخلاف من تقييد الجواز بالعلم بالحياة إن أراد ما ذكرناه
فمرحبا بالوفاق، وإلا فهو واضح الضعف لما عرفت.
ودعوى معارضة أصالة البقاء بأصالة الشغل واضحة الفساد بمعلومية
ورود الأولى على الثانية، خصوصا مع ملاحظة جريان أحكام البقاء في نظائره
من الموضوعات.
وكذا ما عن المختلف من أنه استوجه الرجوع فيه إلى الظن، فيصح عتقه
مع ظن حياته، ويبطل مع ظن وفاته أو اشتباه الحال وإن تبعه في التنقيح،
على أنه لا دليل على اعتبار الظن هنا، فلا وجه لتخصيص أدلة المنع والجواز مع

(1) الوسائل الباب - 48 - من كتاب العتق الحديث 1.
210

عمومها للصورتين.
وأضعف من ذلك كله ما عن بعض الشافعية من أنه لا يصح عتقه في الكفارة
مطلقا لدعوى نقصان الملك الممنوعة على مدعيها، على أنه ليس في شئ من النصوص
اعتبار تمامية الملك كي يكون عنوانا للحكم، وإنما عبر بها بعض الأصحاب
لإرادة البحث عن هذه الأفراد، وحينئذ فالمغصوب كالآبق في الاجزاء لما عرفت،
والله العالم.
(وكذا تجزئ المستولدة لتحقق رقيتها) سواء مات ولدها أو لا، بل
الاجماع بقسميه عليه في الأول، وبلا خلاف إلا من الإسكافي في الثاني، لاطلاق
الأدلة المؤيد بخصوص الخبر (1) عن زين العابدين عليه السلام " أم الولد تجزئ في
الظهار " المتمم بعدم القول بالفصل، وامتناع بيعها لا ينافي بقاء الملك الكافي
في صحة العتق، على أنه يصح بيعها في الجملة إجماعا، بل قيل: وعتقها تبرعا،
فما عن قول للعامة - من عدم جواز عتقها لنقصان ملكها ولذا لا يجوز بيعها - واضح
الفساد، خصوصا بعد ما عرفت من عدم ذكر التمامية عنوانا للحكم في شئ من
الأدلة، بل مما ذكرنا يظهر لك أيضا إجزاء عتق الموصى بخدمته على التأييد، لاطلاق
الأدلة أيضا وإن حكي أن للعامة فيه قولين.
(ولو أعتق نصفين من عبدين مشتركين) مثلا على وجه لا سراية فيه إلى
البعضين (لم يجز، إذ لا يسمى ذلك) عتق (نسمة) حقيقة ولا رقبة، فلا امتثال،
خلافا لبعض العامة، فيجزئ، تنزيلا للاشقاص منزلة الأشخاص كما في الزكاة،
ولآخر منهم، فيجزئ إن كان الشقص الآخر الباقي حرا وإلا فلا، لإفادة الأول (2)
الاعتاق الاستقلالي والتخلص من الرق، وهو مقصود من الاعتاق، والجميع كما ترى
لا ينطبق شئ منها على أصولنا، كما هو واضح.
(ولو أعتق شقصا من عبد مشترك نفذ العتق في نصيبه، فإن نوى الكفارة

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(2) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر زيادة كلمة " الأول ".
211

وهو موسر أجزأ إن قلنا: إنه ينعتق بنفس إعتاق الشقص) أو أوقفناه على الدفع
على وجه الكشف فدفع، وفاقا للمشهور على ما في المسالك، لصدق إعتاقه الرقبة في
الكفارة حينئذ ولو بسبب عتقه الشقص المتقضي للسراية في الباقي على حسب ما نوى
به الأول، والفرض نية الكفارة بل لا فرق في الاجزاء على هذا بين أن
يقصد العتق لجميع العبد بطريق السراية وبين أن يقصده لنصيبه، لحصول العتق
بالسراية في الحالين، بناء على أن معناها اتباع الشارع الباقي على حسب ما وقع
عليه الأول.
لكن في المسالك " يحتمل قويا اشتراط نية العتق لجميعه، لأنه مأمور
باعتاق رقبة بالنية، فلا يكفي نية نصيبه وإن تبعه الباقي بحكم الشرع، فإن ذلك
غير كاف في صرفه إلى الكفارة " وفيه أنه مأمور بعتق الرقبة التي لكيفيتها
طريقان: أحدهما قصد عتقها أجمع والآخر قصد الشقص المسبب لعتق الجميع،
سواء لاحظ السراية أو لا، بل هو في الحقيقة نية للجميع، لأن قصد السبب قصد
لما يترتب عليه.
خلافا لأبي على في أصل المسألة فلم يجتز بالعتق المزبور، معللا له بأن
عتق الباقي يقع قهرا، فيلزم بالقيمة، ولا يجزئ عن الكفارة إن قصدها، وهو
كما ترى، خصوصا مع قصده عتق الجميع، والقهرية المزبورة لا تنافي كونها
مختارة له مع قصد سببها، بل قد عرفت أن مقتضى السراية والتبعية كون الباقي على
حكم الأول شرعا وإن لم يقصده، فتأمل.
(وإن قلنا): إنه (لا ينعتق إلا بأداء قيمة حصة الشريك) على وجه
يكون ذلك تمام السبب (فهل يجزئ عند أدائها؟ قيل: نعم، لتحقق عتق الرقبة)
وإن توقف على الأداء في البعض.
ولكن في المتن (و) تبعه عليه غير (فيه تردد، منشأه) مما عرفت
ومن (تحقق عتق الشقص أخيرا بسبب بذل العوض لا بالاعتاق) وفيه أن بذل
العوض كان متمما للسبب الذي وقع باختياره مقصودا به عن الكفارة، فهو في الحقيقة
212

قد أعتق الكل عنها وإن قد تم العتق في البعض، وفي الآخر حين الدفع،
وربما يقارنه لو فرض كون الأداء بجعل ماله في ذمته عوضا عن ذلك.
بل لعل الأقوى عدم الاحتياج إلى تجديد النية عند الأداء كما عن المبسوط،
لأنها اقترنت بالعتق الذي كان حصوله على ترتب وتدرج، وليس هو عتقا جديدا
حاصلا بالأداء، فما في المسالك - من احتمال التجديد لتقترن النية بعتق نصيب
الشريك كما اقترنت بعتق نصيبه - واضح الضعف ثم قال: " ولو نوى في الحال
صرف العتق في نصيبه إلى الكفارة ونوى عند أداء القيمة صرف العتق في نصيب
الشريك إليها أجزأ أيضا، لاقتران النية بحالة حصول العتق " ولا يخفى عليك
ما فيه من الخفاء، هذا كله إذا كان موسرا يسري عتقه.
(و) أما (لو كان معسرا) ففي المتن وغيره (صح العتق في نصيبه، ولا يجزئ
عن الكفارة) لكونه شقصا لا رقبة (وإن أيسر بعد ذلك) لأنه لا يوجب السراية
(لاستقرار الرق في نصيب الشريك) لكن قد يشكل أصل صحة العتق مع فرض
كون المقصود له العتق عنها، فمع فرض عدم الصحة فيها يبطل العتق، لا أنه يصح
وليس كفارة، لقاعدة ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، كما أنه يشكل ما فيه (و)
في غيره أيضا من أنه (لو ملك النصيب فنوى إعتاقه عن الكفارة صح وإن تفرق)
العتق، (لتحقق عتق الرقبة) ولو بدفعتين، إذ لا دليل على وجوب تحصيله دفعة
بالشك في حصول المأمور به الحاصل من الاطلاق فتبقى أصالة الشغل سليمة، بل
مؤيدة باستبعاد بقاء النفوذ عن الكفارة موقوفا.
هذا وفي المسالك " واعلم أنه يفرق بين هذه المسألة وبين السابقة - على القول
بإجزاء العتق بالسراية عن الكفارة، مع أن إعتاقه لنصفي العبدين أبلغ من عتق
النصف في الواحد، وقد حكم بإجزائه - بأن من شرط الاجزاء أن ينوي عتق الجميع
عن الكفارة كما بيناه، أو ينوي عتق نصيبه ويطلق ليسري العتق إلى الباقي، ويتبع
ما نواه على الوجه الآخر، والأمران منتفيان في السابقة، فإنه بغيته عتق النصفين
213

من الاثنين عن كفارة واحدة قد صرح بعد إرادة عتق الباقي من العبد الواحد عن
الكفارة على تقدير السراية، ونية العدم صرفت الشقص الخارج عن عتقه للكفارة،
فلم يقع مجزئا عنها لذلك، ولو كان قد نوى عتق الشقصين عن كفارتين جاءت المسألة
الثانية بأسرها وصح عتقهما عن الكفارة، وسرى إليهما على ما فصل ".
وفيه أنه لا حاجة إلى فرض المسألة الأولى في عتق النصف الموجب للسراية
حتى يحتاج إلى هذا التكلف الذي يمكن المناقشة فيه أيضا، بل يمكن فرضه في
المبعض وغيره الذي لا سراية فيه لمانع من موانعها، كما هو واضح.
ولو أعتق بعض عبده عن الكفارة سرى في الجميع وأجزأه عنها، بل هو أولى
مما تقدم سواء قصد السراية أو لا.
(ولو أعتق المرهون لم يصح ما لم يجز المرتهن) لما عرفته مفصلا في
كتاب الرهن (1) من الحجر على الراهن والمرتهن في التصرفات، بل هو كالمفروغ
منه هناك ولا دليل على استثناء العتق.
(و) لكن (قال الشيخ: يصح مطلقا) مع الإجازة وبدونها (إن كان
موسرا، ويكلف أداء المال إن كان حالا، أو رهنا بدله إن كان مؤجلا) لغلبة
العتق على حق الرهانة المجبور بما عرفت، إلا أنه كما ترى، على أنه كان عليه
إيقافه على الفك أو الابدال اللذين يمكن تعذرهما منه لا الاجتزاء بمجرد تكليفه،
ولذا قال المصنف: (وهو بعيد).
وأضعف منه ما عن بعض العامة من الاجزاء مطلقا، وما أبعد ما بينه وبين
القول بالبطلان حتى لو أجاز المرتهن بعد العتق الذي لا يبقي موقوفا، والتزام
الكشف مناف لما دل على منع حق الرهانة التي لا ريب في تحققها قبل الإجازة التي
لا تصلح لرفعها فيما مضى من الزمان، وقد تقدم تحقيق ذلك كله في كتاب الرهن (2)
فلاحظ وتأمل، فإنه قد ذكرنا هناك قوة احتمال قيام الفك مقام الإذن.

(1) راجع ج 25 ص 195 إلى 207.
(2) راجع ج 25 ص 199 إلى 206.
214

(ولو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ) فيه (قولان): (أحدهما)
في محكي الخلاف، فمنع من صحته في العمد، وأجازه في الخطأ، واحتج عليه بالاجماع،
بل قال: " لأنه لا خلاف بينهم أنه إذا كانت جنايته عمدا أنه ينتقل ملكه إلى المجني
عليه، وإن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه، لأنه عاقلته " و (ثانيهما) في محكي
المبسوط عكس ذلك، قال: " الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان عامدا نفذ العتق،
لأن القود لا يبطل بكونه حرا، وإن كان خطأ لا ينفذ، لأنه يتعلق برقبته والسيد
بالخيار بين أن يفديه أو يسلمه ".
(والأشبه) عند المصنف (المنع) في الأول لما سمعته من الاجماع
المحكي، ولأن الخيار فيه إلى أولياء المقتول إن شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقوه،
وصحة عتقه يستلزم بطلان ذلك.
ثم قال: (وإن قتل خطأ قال في المبسوط: لم يجز عتقه، لتعلق حق المجني
عليه برقبته، وفي النهاية: يصح ويضمن السيد دية المقتول، وهو حسن) لما سمعته
من الاجماع أيضا، ولأن الخيار إلى المولى إن شاء افتكه وإن شاء دفعه إلى أولياء
المقتول، فإذا أعتقه قد اختار الانفكاك، لكن في المسالك " هذا يتم مع يساره،
فلو كان معسرا لم ينفذ عتقه، لتضرر أولياء المقتول به وإسقاط حقهم منه "
إلى آخره.
وكيف كان فحاصل ما ذكره المصنف اختيار ما سمعته من الشيخ في الخلاف،
ولعله إليه يرجع ما عن ابن إدريس في الخطأ من جوازه مع ضمان المولى قال: " لأنه
قد تعلق برقبة العبد الجاني حق الغير، فلا يجوز إبطاله " بل وما في القواعد " ويجزئ
الجاني خطأ إن نهض مولاه بالفداء وإلا فلا، ولا يصح عتق الجاني عمدا إلا بإذن
الولي " وفي التحرير " ولو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ فيه قولان، أقواهما
عدم الجواز، وكذا القول في الخطأ، والأقرب الاجزاء، ويضمن المولى الدية،
ولو عفى الولي صح عتقه في الموضعين، ولا بد من تجديد العتق في العمد لو سبق
215

على ما اخترناه " وفي المسالك " الأقوى صحته مع الخطأ والعمد مراعى بفكه له
في الخطأ واختيار أولياء المقتول الفداء في العمد وبذله له أو عفوهم عن الجناية "
وكأنه أخذه مما في الدروس قال: " الثالث سلامتها من تعلق حق آخر، ففي الجاني
عمدا أو خطأ قولان أقربهما المراعاة بالخروج عن عهدة الجناية ".
قلت: كان الوجه في ذلك هو معلومية تعلق حق المجني عليه في رقبة العبد،
لكن لا دليل على مانعية الحق المزبور لتصرف المالك الذي هو مقتضى العمومات،
فهو حينئذ كتصرف الوارث في تركة الميت التي تعلق بها حق الدين، ولا يقاس
هذا الحق على حق الرهانة الموقوف على الإذن لدليله الخاص، نعم لا بد من مراعاة
حكم الحق المتعلق على وجه لا يضر أداء الحق، فينتقل المال عن المتصرف متعلقا به
الحق، فمع فرض أداء المتصرف الحق إلى أهله يخلص المال عن تسلط ذي
الحق المتعلق به، وإلا تسلط صاحب الحق على فسخ التصرف الواقع منه مقدمة
لتحصيل حقه.
إلا أنه لا يخفى عليك صحة جريان هذا الكلام في مثل البيع ونحوه القابل
للأمر المزبور، أما مثل العتق فيشكل جواز فسخه بأنه مبني على التغليب وأنه متى
صار حرا لم يعد إلى الرقية، إذ ليس المقام من باب الكشف الذي لا ينافي ذلك،
بل هو من فسخ التصرف الذي ترتب عليه أثره بعموماته وإن بقي الحق متعلقا بالعين
التي كانت موردا للتصرف المزبور، والفسخ لذي الحق حيث يحصل يكون من حينه،
لما عرفت من عدم الدليل على منع التعلق المزبور أصل صحة التصرف وقاعدة " لا ضرر
ولا ضرار " إنما تقتضي عدم لزوم التصرف المزبور، لا أصل صحته، نعم لما كان
أدلة العتق تنافي ذلك لم يتم الأمر إلا في المنع من أصل التصرف، واحتمال التزام
الكشف فيه مما لا تساعد عليه الأدلة، وربما أشار إليه الفاضل في التحرير في صورة
العمد، فلاحظ وتأمل.
بل الظاهر أن مراد القائل بالمراعاة هو الصحة حقيقة على حسب الصحة في
البيع لا الكشفية، وحينئذ يرد عليه ما سمعت من عدم عود الحر رقا إلا بدليل
216

خاص وليس، فالمتجه حينئذ عدم الصحة مطلقا.
وكأنه هو الذي فهمه الصيمري من الفاضل بل وغيره قال: " وفي القواعد أجاز
العتق إن كانت خطأ بشرطين، إما دفع الدية قبل العتق أو الضمان ويرضى الولي
بالضمان، لا بدونهما، وهو يدل على جواز العتق في العمد والخطأ معا، لأن مع
حصول أحد الشرطين لا كلام في صحة العتق، لزوال تعلق الجناية برقبته، أما مع أداء
المال فظاهر، وأما مع الضمان فإنه مع رضا الولي ناقل للأرش من رقبة العبد إلى
ذمة المولى، فلا كلام في جواز العتق بعد أحد هذين الشرطين، وهذا هو المعتمد،
أما عدم جوازه في العمد لأنه يؤدي إلى إسقاط حق المجني عليه، لأنه مخير بين قتله
وبيعه واسترقاقه، والعتق يمنع من البيع والاسترقاق، وكل تصرف يمنع حق
الغير فهو باطل، وأما عدم جوازه في الخطأ فلأن الجناية متعلقة برقبته، ومع عدم
افتكاك المولى فهو مخير بين البيع والاسترقاق، والعتق يمنع من ذلك، فيكون
باطلا وهو مذهب الدروس، لأنه قال: ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان،
أقربهما المراعاة بالخروج من عهدة الجناية، ولا يخرج من عهدة الجناية إلا
بأحد الشرطين ".
قلت: هو صريح في المختار، وإن كان دعواه - أن الشهيد على ذلك - لا تخلو
من نظر، لأنه كالصريح في الصحة فعلا مع المراعاة المتأخرة لا السابقة، وأما
ما ذكره عن الفاضل فقد أشار إلى عبارته في العتق، قال: " وهل يصح عتق الجاني؟
الأقرب ذلك إن كانت خطأ وأدى المال أو ضمنه مع رضاه وإلا فلا " بل في
الإيضاح الاجماع على الصحة حينئذ، بل هو قد اختار ذلك فيه وفي العمد، هو
صريح في المختار أيضا، لكن ينبغي أن يراد بالضمان الدخول في العهدة ولو بالصلح
ونحوه على وجه تخلو رقبة العبد من الحق، وفي كشف اللثام هناك " الأقوى
البطلان - مع انتفاء الشرطين - لتعلق حق الغير بالرقبة، ولأن الصيغة لا تؤثر
حين الايقاع، فبعده أولى، نعم إن لم تستوعب الجناية الرقبة كان المعتق أحد
الشريكين ".
217

وحينئذ يكثر القائل بالمختار الذي قد عرفت أنه الموافق للضوابط الشرعية
في خصوص العتق الذي لا يوقف ولا يفسخ مع عدم الدليل على الكشف هنا، بل هو
عند التأمل ساقط، نعم في خبر جابر (1) عن الباقر عليه السلام قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام
في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه، قال: فأجاز عتقه وضمنه الدية "
فإن صحت الرواية أو انجبرت كان العمل بها وإلا اطرحت أو أولت بسبق الضمان
وإن كان بعيدا.
هذا وفي التحرير " ولو أعتق المرتد بعد رجوعه إلى الاسلام فإن كان عن
غير فطرة أجزأ: وإن كان عن فطرة فالوجه عدم الاجزاء، وكذا لو أعتق من وجب
عليه القتل حدا مع التوبة - إلى أن قال - وكذا لا يجزئ، لو جنى ما يجب العتق
بالقصاص منه، كالعينين، ويجزئ لو جنى غير ذلك، ولو جنى دون النفس على عبد
عمدا فالوجه الاجزاء ولو تعذر القصاص، ويضمن المولى حينئذ ".
وفيه أن وجوب القتل عليه حدا لا يخرجه عن الملكية، ولا عتقه ينافي إقامة
الحد عليه، كما أن القصاص المقتضي لانعتاقه لا ينافي ذلك أيضا، فمقتضى إطلاق
الأدلة وعمومها الصحة حتى في الأخير، لعدم تحقق الانعتاق حينئذ قبله، نعم فيه
الكلام الذي سمعته في الجاني عمدا من حيث تعلق الجناية، لا من حيث الانعتاق،
لكن في الدروس " ولا يجزئ المنذور عتقه أو الصدقة به وإن كان النذر معلقا
بشرط لم يحصل بعد على الأقوى " ولعله كذلك.
(ولو أعتق عنه معتق بمسألته صح) للسائل، لأنه حينئذ يكون كالوكيل
والنائب عنه، إذ من المعلوم قبول مثله للنيابة، فيندر في إطلاق الأمر بتحرير
الرقبة (2) بعد فرض دخوله في ملكه وإن اختلف في وقته، كما ستعرف بعد الاتفاق
- كما في المتن - على إجزائه.

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب ديات النفس الحديث 1 من كتاب الديات.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 92.
218

لكن قد يناقش بالمنع من دخوله في ملكه بمجرد ذلك، لأنه ليس من
الأسباب الشرعية لذلك، ومن هنا كان المحكي عن ابن إدريس صحته عن المعتق،
لأنه ملكه، ولا عتق إلا في ملك، وفيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص بعد الاجماع
المحقق على الصحة عن السائل.
نعم قد يقال: إنها أعم من الدخول في الملك وإن كان الخبر (1) " لا عتق
إلا في ملك " إلا أنه يجب تخصيصه بالصورة المزبورة للاجماع المزبور، فلا داعي
إلى دعوى الدخول في الملك كي يقال متى دخل وبأي سبب دخل، ولكن في الإيضاح
عن المبسوط في كتاب الطهارة " أنه نص على انتقاله للأمر - ثم قال -: ولا خلاف
فيه، لقوله عليه السلام (2) لا عتق إلا في ملك ".
اللهم إلا أن يمنع ذلك عليه، ويقال: إن مراد الشيخ بانتقاله للأمر صيرورة
العتق له، لا انتقال ملكية العبد له، أو يقال: إن الوجه في دخوله في ملكه هو أنه
لما أمره بما لا يصح منه إلا بعد ملكه له كان كالوكيل عنه في ذلك، ضرورة كون
الإذن في الشئ إذنا في لوازمه، فيكفي حينئذ في إدخاله في ملكه عتقه العبد بعنوان
أنه له، إذ هو موجب قابل للتمليك موقع للعتق، نحو قول القائل مثلا: " اشتر
لي عبدا بكذا منك " ومن المعلوم أن المثمن لا يكون إلا لمن له الثمن، فإذا
اشتراه بعين ماله بعنوان أنه للآمر دخل الثمن في ملكه بالشراء بعنوان أنه له،
فيكون موجبا قابلا بالنسبة إلى ذلك، وهذا باب واسع في الفقه كثير النظائر،
ومنه ما نحن فيه، فإنه إذا قال له: " أعتق عبدك - مثلا - عني " والمفروض أنه لا عتق
إلا في ملك كان أمرا له بادخاله في ملكه، فمع إعتاقه بعنوان أنه له كان ذلك
إيجابا وقبولا بالنسبة إلى التمليك، وإيقاعا بالنسبة إلى الحرية، ولا تنافي بينهما،
وكان هذا هو السبب في اجماعهم في المقام على الصحة.
نعم يبقى الاشكال في قول المصنف (و) غيره: (لم يكن له) أي المعتق

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب مقدمات الطلاق والباب - 5 - من كتاب
العتق مع الاختلاف في اللفظ.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب مقدمات الطلاق والباب - 5 - من كتاب
العتق مع الاختلاف في اللفظ.
219

(عوض) عن عبده الذي أعتقه بأمره، لعدم الشرط وإن كان هو مقتضى أصل
البراءة وغيره، لأنه قد أتلف ماله بأمره في مصلحته، بل هو أولى من الحكم
بالضمان الذي قد عرفت الحال فيه فيما لو قال: " أد ديني " فأداه عنه، ضرورة
عدم اعتبار ملكية المدفوع عنه في وفاء الدين بخلاف العتق، فالمتجه الضمان خصوصا
مع نية المأمور ذلك، إذ لا يكون ذلك إلا على جهة القرض، لأن المفروض
كونه وكيلا عنه بأمره.
بل ذكرنا هناك أن قاعدة احترام مال المسلم تقتضي ذلك أيضا، فإن مباشرة
المأمور لعتقه بعد فرض كونه وكيلا عنه تكون كمباشرته نفسه، فيكون قد
أتلف مال الغير، فهو له ضامن، وإن كان بإذنه إن لم يكن على وجه المجانية، فلاحظ
ما تقدم سابق وتأمل. هذا كله مع عدم الشرط.
(فإن شرط عوضا كأن يقول) له (أعتق) عبدك عني (وعلي عشرة
مثلا صح ولزمه العوض) بلا خلاف ولا إشكال، ويكون من قبيل قرض العبد بقيمة
معينة، وليس من قسم البيع مع فرض عدم قصده لهما.
(ولو تبرع بالعتق عنه) متبرع من غير مسألة (قال الشيخ) في
محكي الخلاف: (نفذ العتق عن المعتق) تغليبا للحرية، ولوقوع صيغة صحيحة
من صحيح العبارة (دون من أعتق عنه) لاشتراط العتق بالملك، ولا
يدخل في ملكه من دون اختياره، فلا يقع العتق عنه (سواء كان المعتق عنه
حيا أو ميتا).
(ولو أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت قال) أي (الشيخ:
يصح)، لأنه كما في الإيضاح " قائم مقام المورث في كثير من الأحكام، فإن الوارث
يملك لما كان ملكا للمورث، ويقبل قوله فيما كان يقبل قوله فيه، كالاقرار المجهول،
وتعيين المطلقة، والمعتق تعيينا إنشائيا، والقول قوله في الكاشف مع اليمين وعدمه،
وعليه قضاء ما عليه من صلاة أو صوم، على أن الوارث إذا أدى من التركة فهو منه في
220

الحقيقة، لأنه يملكها بالموت، وإذا صح من أحد ماليه صح من الآخر - ثم
قال -، وقال شيخنا ابن سعيد في شرائعه: (والوجه التسوية بين الأجنبي والوارث
في المنع والجواز) وضعفه ظاهر بما ذكرناه ".
قلت: كأن الذي دعاه إلى ذلك حسن ظنه بأبيه، حيث قال في القواعد بعد
أن ذكر عن الشيخ الفرق بين الوارث وغيره: " ولعل بينهما فرقا " وإلا فالانصاف
أن جميع ما ذكره لا دخل له في إثبات المطلوب، إذ هو بعد الاغضاء عن صحة
بعض ما ذكره للوارث لا دخل له فيما نحن فيه من عدم الفرق بينه وبين الأجنبي
في مفروض المسألة، وإن كان فرق بينه وبينه في أمور أخر قد جاءت بدليل خاص،
كأصل إرثه منه دون الأجنبي كما هو واضح ومن هنا أنكر عليه ذلك بعض من
تأخر عنه، واستوجه التساوي بينهما.
لكن في المسالك " الوجه الاجزاء عن الميت مطلقا، وفي وقوعه عن الحي نظر
وإن كان الوقع لا يخلو من قوة " وفي حاشية الكركي اختيار الاجزاء عن الميت
مطلقا دون الحي قال: " فإن الفرض أن الأجنبي نوى العتق عن ذي الكفارة، فيقع
منه، لعموم " لكل امرئ ما نوى " (1) ولا نجد مانعا سواء كونه أجنبيا، ولا
دخل له في المانعية، إذ عدم القرابة لا ينافي قضاء الدين عن الميت تبرعا عبادة كان
أو غيرها، ويكفي في التمسك بانتفاء المانعية عدم تحققها، تمسكا بالأصل، أما
الحي فلا يجزئ عنه مطلقا إلا بإذنه، إذ لا يؤدي عنه دين إلا بفعله ولو نيابة
فيما تدخل فيه النيابة، هذا هو الذي ساق إلى الدليل ".
وفي الجميع ما لا يخفى، إذا المانع في المقام اعتبار الملك فيمن يكون العتق له،
ولا طريق إلى إدخاله في ملك الميت أو الحي قهرا، وما في غاية المراد والمسالك -
من أن توقف العتق على الملك يندفع بالملك الضمني، كما قيل به مع السؤال -
يدفعه وضوح الفرق بين السؤال وعدمه بالنسبة إلى قابلية الدخول في الملك
باختياره وعدمه، ومن الغريب ما سمعته من الكركي من عدم إجزاء التبرع في

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.
221

وفاء دين الحي.
فالأقوى عدم الفرق بينهما في البطلان هنا لولا حسن بريد (1) سأل
الباقر عليه السلام " عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات من قبل أن يعتق، فانطلق ابنه
فابتاع رجلا من كسبه، فأعتقه عن أبيه، وأن المعتق أصاب مالا ثم مات وتركه،
لمن يكون ميراثه؟ فقال: إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر أو واجبة
عليه فإن المعتق سائبة لا ولاء لأحد عليه، قال: وإن كانت الرقبة على أبيه تبرعا
وقد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء العتق ميراث لجميع ولد الميت من
الرجال، قال: ويكون الذي اشتراه فأعتقه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتق
قرابة من المسلمين أحرار يرثونه، وإن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها
عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا من غير أن يكون أمره بذلك فإن
ولاؤه وميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه إذا لم يكن للمعتق وارث من قرابته ".
ولعله لهذا الحسن المزبور فصل الشيخ بين الوارث وغيره، ولو كان لكان
المتجه التسوية في عدم الاجزاء عن الميت الذي لا يدخل في ملكه، بل لعل المتجه
بطلان العتق من أصله، لقاعدة ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، كما عرفته
سابقا.
(و) كيف كان ف‍ (إذا قال: " أعتق عبدك عني " فقال: " أعتقت عنك "
فقد وقع الاتفاق) كما حكاه غير واحد (على الاجزاء) وإن كان قد سمعت
الخلاف فيه من ابن إدريس، كما أنك قد سمعت نفي الخلاف من الشيخ عن الدخول
في الملك (و) إن كان فيه ما فيه أيضا (لكن) وقع الخلاف في أنه (متى
ينتقل إلى الأمر؟ قال الشيخ: ينتقل بعد قول المعتق: " أعتقت عنك " ثم ينعتق
بعده) إذ اقتضاء العلة الواحدة الشيئين بالترتيب بينهما ممكن ثابت، وأشكله
الكركي فيما إذا كان أحدهما شرطا لتأثير السبب في العقود والايقاعات، فإن عدم

(1) الوسائل الباب - 40 - من كتاب العتق الحديث 2.
222

ترتب أثر السبب عليه دليل فساده، ويمتنع الحكم بصحته بعد فساده آنا ما.
ولعله لذا قال المصنف: (وهو تحكم) إذ لا دليل على تعيين ذلك من بين
المحتملات، بل فيه أنه يستلزم تأخر العتق عن الاعتاق بقدر ما يتوسطهما الملك
وإن اعتذر عنه بأن تأخير العتق عن الاعتاق بسبب أنه إعتاق عن الغير، ومثله واقع
في قوله: " أعتقت عبدي عنك بكذا " فإن عتقه يتوقف على قبول المعتق عليه،
ويلزم منه تأخر العتق عن الاعتاق، ولكن لا يخفى عليك وضوح الفرق بين
المثالين.
ومن هنا قيل كما عن المفيد والعلامة والفخر أنه يحصل الملك بشروعه في
لفظ الاعتاق، ويعتق إذا تم اللفظ لمجموع الصيغة، فالجزء علة للملك، وهو ملك
الأمر والكل سبب لزوال ملكه عنه بالاعتاق، وفيه أنه يستلزم صيرورته ملكا للآمر
قبل تمام الصيغة، فلو فرض ترك إكمالها خرج عن ملكه ولم يقع العتق.
وقيل: إنه يحصل الملك للمستدعي بالاستدعاء ويعتق عليه إذا تلفظ المالك
بالاعتاق، وفيه ما عرفت وزيادة.
وقيل: إنه يحصل الملك والعتق معا عند تمام الاعتاق، وأورد عليه
في المسالك بأنه وإن كان فيه سلامة من المحذور السابق، إلا أن اشتراط
وقوع العتق في ملك يقتضي تقديم الملك على العتق فلا يتم وقوعهما في وقت واحد
عند تمام لفظ العتق.
وفيه أنه يمكن الاكتفاء بالتقدم الذاتي الحاصل فيما بين العلة والمعلول،
نحو ما قلناه في شراء من ينعتق عليه، ونحوهما يقال فيما لو قال: " أنت وكيلي
على بيع داري " مثلا، فيقبل الوكالة بأن باع مثلا، فإن البيع حينئذ كاشف عن
قبول الوكالة، وهو إيجاب للبيع، وقد حصلا في زمان واحد، لكنهما مترتبان طبعا،
ونظائره في ذلك كثيرة.
بل قد يقال: إنه يكفي في الصحة اتحاد زمانهما لصدق كون العتق في ملك،
إذ ليس معناه اعتبار سبق الملك على العتق زمانا.
223

وبالجملة فالظاهر أن اتفاق الأصحاب على المسألة في المقام ليس إلا لما
ذكرناه الذي قد عرفت جريانه في نظائر المسألة، وإلا لم نقف لهم على دليل خاص،
وحينئذ فإن رجع ذلك إلى أحد الأقوال الخمسة فمرحبا بالوفاق، وإلا كان قولا
سادسا، وهو أقواها، والتمليك المزبور إن شئت جعلته من القرض بعوض، أو من
التمليك به، نحو الهبة المعوضة، أو من التمليك المجاني حيث لا يكون عوضا أو
نحو ذلك، فإنه بعد أن صار وكيلا عنه بأمره له وسؤاله إياه صار موجبا قابلا إذا
كان الموكل فيه متوقفا على إدخال في ملك مثلا، إذ التوكيل في شئ توكيل
في لوازمه، ونحوه ما لو قال له: " اشتر لي كذا بثمن منك " أو " زوجني فلانة بمهر
منك " فإن المهر والثمن يدخلان في ملك الموكل بفعل ما وكل فيه على الوجه الذي
وكله عليه، وهذا الأمر جار في كثير من الأبواب، مفروغ من صحته، بل هو نحو ما
لو قال المالك: " أعتق عبدي عن كفارتك بكذا " مثلا فأعتقه، فإنه يدخل في
ملكه بذلك بعد تقدم الكلام المزبور من المالك الذي صار كالايجاب لو فرض
وقوع العتق مقارنا له، وإلا كان توكيلا له في تملك العبد متى شاء بالثمن
المزبور.
ومن ذلك يعرف النظر في كثير من الكلمات في المقام، بل يظهر النظر فيما
ذكره الفخر من تخصيص صحة المسألة فيما لو وقعت على جهة الفورية دون التراخي
بناء منه على أن مفروض المسألة من الايجاب، والقبول المعتبر فيهما ذلك، ولم
يتفطن إلى التوكيل الذي لا يعتبر فيه ذلك، ومن هنا كان ظاهر المصنف وغيره
الاطلاق في فرضها، فلاحظ وتأمل.
وقيل: إنه يحصل بالأمر المقترن بصيغة العتق، فيكون تمام الصيغة كاشفا عن
سبق الملك عليها، وعدم إيقاعها بعد الاستدعاء أو قطعها أو وقوع خلل فيها دال على
عدم حصول الملك بالأمر، لعدم حصول ما يعتبر في صحته، وهو اقترانه بالأمر
بالعتق، وأورد عليه في المسالك بأن الاقتران المذكور يكون شرطا في سبق الملك،
224

ولا يتحقق الاقتران إلا بتمام صيغة العتق، فيلزم تأخر الملك عن الاعتاق وإلا لتأخر
الشرط عن المشروط.
قال: (و) لأجل هذه الاشكالات ونحوها قال المصنف ونعم ما قال: إن
(الوجه الاقتصار على الثمرة، وهي صحة العتق) عن الأمر (وبراءة ذمته) من
الكفارة، (و) لا يجب البحث عن وقت انتقال الملك إليه، فإن (ما عدا)
ما ذكر (ه تخمين) لا يرجع إلى دليل صالح ".
قلت: لكن قد عرفت تحقيق الحال على وجه لا يأتي فيه شئ من وجوه الاشكال،
بل قد عرفت عد اختصاص المقام، بل هو جار فيه وفي نظائره، وإن كان ما ذكره
المصنف فيه استراحة عن تحليل المسألة.
قال: (ومثله ما إذا قال له: " كل هذا الطعام " فقد اختلفوا أيضا في
الوقت الذي يملكه الأكل) هل هو بتناوله في يده أو بوضعه في فيه أو بازدراد
اللقمة بعد الاتفاق على عدم ملكه بوضعه بين يديه؟ وفرعوا على ذلك جواز إطعامه
لغيره على الأول دون غيره من الأقوال، لكن لا يخفى عليك أنه لا داعي هنا إلى
اعتبار الملك، إذ الإباحة تكفي في الجوز إلى آخر أمره.
ومن هنا قال المصنف: (والوجه عندي أنه يكون إباحة للتناول، ولا ينتقل
إلى ملك الأكل) وتبعه غيره عليه، لأنه ليس كالعتق يعتبر فيه الملك لمن يكون
العتق له، قالوا: وحينئذ فلو نبت عن غائطه شجرة مثلا كان ملكا للمقدم دون الأكل
وإن كان قد يناقش بخروجه عن المملوكية إذا صار غائطا.
هذا وفي كشف اللثام " أنه يمكن القول بمثله في مسألة الاعتاق أيضا، فإن
النص (1) والاجماع إنما هما على أن الاعتاق إنما يكون في ملك، ويكفي في صدقه
هنا ملك المعتق، ولا محذور في إجزاء الاعتاق عن غير المالك ".
قلت: هو كذلك، إلا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على إرادة اعتبار
الملك ممن يكون العتق له إلا ما خرج بالدليل، كعتق الوارث على الميت

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب العتق.
225

للخبر (1) الذي سمعته.
(و) كيف كان ف‍ (يشترط في الاعتاق شروط:)
(الأول:)
(النية بمعنى القصد إلى فعله بعنوان أنه للكفارة، وذلك (لأنه) أي
الاعتاق (عبادة تحتمل وجوها، فلا يختص بأحدها إلا بالنية، ولا بد) مع
ذلك من نية القربة) المعتبرة في كل عبادة كفارة وغيرها بالأدلة المذكورة
في محلها على ذلك، كباقي مباحث النية من اعتبار نية الوجه وعدمه فيه أيضا
وغيره من المباحث، بل وقد ذكرنا هناك الفرق بين العبادة وغيرها.
لكن في غاية المرام للصيمري هنا " يشترط في التكفير النية المشتملة على
الوجه والقربة والتكفير، فلو نوى الوجه والقربة ولم ينو عن الكفارة لم يجز، وهذه
الشروط مجمع عليها " وإن كان فيه ما فيه، ضرورة عدم الفرق بين المقام وغيره في
اعتبار الوجه وعدمه الذي قد عرفت البحث والخلاف فيه في محله.
إنما الكلام هنا في قول المصنف: (فلا يصح العتق من الكافر ذميا كان أو حربيا
أو مرتدا لتعذر نية القربة في حقه) فإنه قد أطنب في المسالك في إشكاله بالمنع
من تعذر نية إيقاع الكافر الفعل طلبا للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى سواء حصل
ما نواه أو لا إذا كان كفره بانكار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحوه مما لا ينافي الاعتراف بالله تعالى،
وإن كان المراد تعذر الايقاع منه على وجه يستحق الثواب طالبناه بالدليل على
اشتراط مثل ذلك، وعارضناه بعبادة المخالف من المسلمين وعتقه، فإنه لا يستتبع
الثواب عنده مع صحة عتقه عنده، قال: " وفي صحة عباداته غيره (2) بحث قرر في

(1) الوسائل الباب - 40 - من كتاب العتق الحديث 2.
(2) هكذا في النسختين المخلوطين وفي المسالك " وفي صحة عبادات غيره ".
226

محله، وبالجملة فكلامهم في هذ الباب مختلف غير منقح، لأنهم تارة يحكمون
ببطلان عبادة الكافر مطلقا استنادا إلى تعذر نية القربة منه، ومقتضى ذلك إرادة
المعنى الثاني، لأن ذلك هو المتعذر منه لا الأول، وتارة يجوزون منه بعض
العبادات كالعتق وسيأتي تجويز جماعة من الأصحاب له منه مع اشتراط القربة فيه،
نظرا إلى ما ذكرناه من الوجوه في الأول، وقد وقع الخلاف بينهم في وقفه وصدقته
وعتقه المتبرع به ونحو ذلك من التصرفات المالية المعتبر فيها القربة، واتفقوا على
عدم صحة العبادات البدنية منه نظرا إلى أن المال يراعى فيه جانب المدفوع إليه
ولو بفك الرقبة عن الرق، فيرجح فيه جانب الغرامات، بخلاف العبادات البدنية،
ومن ثم ذهب بعض العامة إلى عدم اشتراط النية في العتق والاطعام واعتبرها في الصيام
إلا أن هذا الاعتبار غير منضبط عند الأصحاب كما أشرنا إليه وسيأتي له في العتق
زيادة بحث إنشاء الله ".
وأورد عليه في الرياض بأن فيه - مضافا إلى ما دل على شرطية الايمان وعدم
صحة عبادة المخالف الذي هو أولى من الكافر من الاجماع والنصوص (1) - أنه
لا تتأتى منه نية القربة التي هي قصد الامتثال وموافقة الأمر، لعدم اعتقاده بموجب
الكفارة، إذ هو إما منكر للبارئ تعالى كالدهرية ونحوهم أو جاحد للنبي صلى الله عليه وآله
المبين لذلك الآمر به عنه سبحانه، فإذا صام بعد الظهار مثلا لا يمكنه قصد الامتثال
بذلك والعزم على أن الصيام كفارة لما وقع منه، فإنه لا يعتقد تحقق الحرمة بالموجب
فضلا عن كون الصيام مكفرا لها، بل يجعلهما حراما وبدعة بقصد التشريع في
شرعه، ولعل هذا هو السر في حكم الأصحاب بفساد عبادة الكفار، لعدم تحقق قصد
القربة بهذا المعنى منهم.
والعجب من شيخنا في المسالك حيث اعترضهم في ذلك وجوز صدور نية القربة
بهذا المعنى عنهم، فيالله كيف يقصد الكافر بما يأتي به من هيئة صلاتنا أنه عبادة

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمة العبادات.
227

مقربة له إلى جنابه سبحانه مع اعتقاده كون مثل ذلك بدعة وضلالة؟! فاتيانه بذلك
على تقديره يكون على طريق الاستهزاء والسخرية، وما أرى مثل هذه الدعوى من
نحو هذا الفاضل إلا غفلة واضحة، نعم قد تحصل له نية القربة في بعض الخصال إذا
كانت عنده وفي شرعه مقربة، ولكن مثل هذه القربة غير كافية، بل لا بد من نية
القربة التي هي القصد إلى امتثال أمر الكفارة، ولذا إن أحدنا لو صام ندبا من دون
نية التكفير لم يجز عنه إجماعا.
قلت: وكأنه لذلك فصل الشهيد في غاية المراد بين العتق للكفارة من الكافر
غير الجاحد لله تعالى والعتق لغيرها، فأبطل الأول وصحح الثاني، قال بعد أن
حكى الخلاف في صحة مباشرة الكافر العتق وعدمها عن الشيخ فصححه، وعن ابن
إدريس والمصنف فأفسده: " ومبناه على مقدمات: (الأولى): هل نية القربة
معتبرة في العتق أم لا؟ الحق نعم، لقولهم عليهم السلام (1): " لا عتق إلا ما أريد به وجه
الله " إلى أن قال (الثانية): - هل المعتبر في نية القربة ما يترتب عليه الثواب
أو مطلق التقرب إلى الله تعالى؟ يحتمل الأول، لأنه عبادة، وكل عبادة يترتب
عليها استحقاق الثواب بفعلها صحيحة، ويحتمل الثاني لأن الدليل على صحة العتق
إذا أريد به وجه الله تعالى، وهو أعم من ترتب الثواب وعدمه. (الثالثة): هل
يعتبر في التقرب معرفة الله أم يكفي التقليد؟ يحتمل الأول، لأن هذه المعرفة
ليست حقيقة، فليس ثم مقصود، ويحتمل الثاني، لصدق أنه قصد وجه الله - ثم
قال -: إذا عرفت ذلك فنقول: الأصحاب جوزوا وقف الكافر وصدقته، مع أنهما
مشروطان بنية القربة، وهو يشعر باختيارهم الثاني من الاحتمالين، فحينئذ يصح
عتق الكافر، وإن قلنا بأول الاحتمالين لا يصح، ثم اعلم أن الكفر بسبب إنكار
واجب الوجود تعالى وإقامة الشبهة على إنكاره لا يصح معه شئ من العبادات، لزوال
جميع المقدمات، وأما لو لم يكن شبهة بل مجرد إنكار قلد فيه فيصح على الثاني

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب العتق والباب - 13 - من كتاب الوقوف
والصدقات.
228

من الاحتمالين، وأما الكافر المقر بالله تعالى العارف به وكفره بسبب جحده النبوة
أو بعض فرائض الاسلام فإنه لا ينبي إلا على ثاني الثانية، فهو أولى بالجواز إذن،
ثم اعلم أن العتق لما بني على التغليب والوقف والصدقة لما اشتمل على نفع الغير
واشتمل الجميع على المالية فجانب المالية أغلب من جانب العبادة، فمن ثم وقع
الخلاف في صحة العتق، ولم يقع في عدم صحة الصلاة والصوم، والأقوى صحته عندنا
ما لم يجحد الله تعالى إذا اعتقد أن العتق قربة إلى الله تعالى شأنه لما عتقه عن
الكفارة ". وهو الأصل لكل من تأخر عنه في هذه المسألة.
وتبعه الكركي في حاشية الكتاب في النتيجة، فقال: " إن كان كفره بجحد
الربوبية أو لم يعتقد كون العتق قربة أو أعتق عن الكفارة لم يصح وإلا صح "
إلى غير ذلك من كلماتهم التي يشبه بعضها بعضا.
لكنها لا تخلو من نظر، لا لعدم مشروعية عباداتنا في دينهم، لامكان فرض
ذلك، خصوصا في مثل العامة بل يمكن فرض وقوع ذلك من بعضهم بعنوان أنه
مذهبه ولو جهلا، بل لامكان دعوى التواتر في نصوصنا (1) أو الضرورة من مذهبنا
على أنه لا عبادة لغير المؤمن مطلقا، لأنه يعتبر فيها موافقة الأمر من حيث دلالة
ولي الله تعالى شأنه عليه، ولذا قرن طاعته بطاعتهم ومحبته بمحبتهم (2) فمن جاء
بعبادة موافقة لأمره لكن لا من حيث دلالة وليه عليه لم تكن صحيحة،
والأمر في الشريعة السابقة بعد نسخها غير كاف في الصحة وإن وافق الأمر في
شريعتنا.
ومن هنا تعذر على الكافر بجميع أقسامه نية التقرب المأخوذ فيه ملاحظة
الأمر بواسطة ولاة الأمر، وكذا المخالف، ولا صحة في وقفهم وصدقاتهم، وإنما
لها حكم الصحة في بعض ما جرت السيرة والطريقة على استعماله كذلك من مساجدهم
وبيعهم وكنائسهم ونحو ذلك، لا الصحة الحقيقية التي تستحق فاعلها الثواب على

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث - 0 -.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 59 وسورة المائدة: 5 - الآية 60.
229

فعلها من حيث صدق امتثال الأمر على وجهه المستلزم عقلا بقاعدة اللطف استحقاق
الثواب، ولا الموافقة للأمر الذي قد عرفت أنه يعتبر في امتثاله ملاحظة من
كان الواسطة به.
قال الباقر عليه السلام في خبر زرارة (1): " أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره
وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله تعالى شأنه فيواليه
ويكون جميع أعماله بدلالته ما كان له على الله حق في ثوابه، ولا كان من أهل
الايمان ".
وقال عليه السلام أيضا في خبر آخر (2): " من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله
البتة يوم القيامة ".
وقال أمير المؤمنين عليه السلام (3): " قد جعل الله للعلم أهلا، وفرض على العباد
طاعتهم بقوله: " وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " (4) وبقوله:
" ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه " (5) وبقوله،
" وكونوا مع الصادقين " (6) وبقوله: " وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في
العلم " (7) وبقوله: " وأتوا البيوت من أبوابها " (8) والبيوت هي بيوت العلم الذي
استودعه الله عند الأنبياء، وأبوابها أوصياؤهم، فكل عمل من أعمال الخير يجري
على يد غير الأصفياء وعهودهم وحدودهم وشرائعهم وسننهم مردود غير مقبول، وأهله

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب صفات القاضي الحديث 12 و 14 وفيهما " ألزمه
الله البتة إلى الفناء (العناء خ ل) ".
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب صفات القاضي الحديث 44 من كتاب القضاء.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 59 - 83.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 59 - 83.
(6) سورة التوبة: 9 - الآية 119.
(7) سورة آل عمران: 3 - الآية 7.
(8) سورة البقرة: 2 - الآية 189.
230

في محل كفر وإن شملت وصف الايمان " إلى آخره.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) أنه قال لعلي عليه السلام: " أنا مدينة العلم وأنت بابها،
فمن أتى من الباب وصل، يا علي أنت بابي الذي أوتى منه، وأنا باب الله تعالى،
فمن أتاني من سواك لم يصل إلى الله تعالى " إلى غير ذلك من النصوص التي هي فوق
عدد التواتر، بل لعله من ضروري مذهب الشيعة.
ومن الغريب دعوى هؤلاء الفضلاء الصحة في الكافر غير الجاحد، مع أن
مقتضاها اندراجه في المطيع، بل لا بد من ترتب الثواب عليه بقاعدة اللطف، لكونه
وافق الأمر وجاء بالمأمور به على وجهه الذي أراده الله تعالى منه، لأن ذلك مقتضى
الصحة، وعدم ترتب الثواب على هذا الفرض مناف لقاعدة اللطف، كما أن التزامه
مناف لضرورة المذهب بل الدين، وكأن الذي دعاهم إلى ذلك جريان السيرة على
إجراء حكم الصحة على مثل مساجدهم وكنائسهم وبيعهم ونحو ذلك، وقد عرفت
عدم الصحة فيها بالمعنى المزبور، بل هو إجراء لحكمها لمصلحة من المصالح، فينبغي
الاقتصار فيه على المتيقن، وأما ما عدا ذلك فلا.
وبذلك يظهر لك النظر في جميع تلك الكلمات حتى ما في الرياض وإن أكثر
العجب من القائل بالصحة، لكن كان ينبغي أن يكون ذلك بالطريق الذي ذكرناه،
لا ما ذكره الذي قد عرفت إمكان فرضه على وجه يسلم مما ذكره، على أنه في آخر
كلامه قد اختار الصحة أيضا في العتق إذا لم يكن عن كفارة.
نعم قد أجاد سيد المدارك بقوله: " وأما اشتراط الايمان فيدل عليه أن
التكفير عبادة والعبادة من شرطها الايمان، والمقدمتان إجماعيتان، ويدل على الثانية
الأخبار الكثيرة المتضمنة لبطلان عبادة المخالف (2) " وإن كان هو لم يذكر
ما ذكرناه أيضا من توجيه تعليلهم البطلان بتعذر نية القربة من غير المؤمن.

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب صفات القاضي الحديث 40 من كتاب القضاء.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمة العبادات.
231

ومن الغريب أنه في الرياض وافق أولا على اشتراط الايمان مستدلا عليه بنصوصه
ولكن قال بعد ذلك بصحة عتق الكافر إذا لم يكن عن كفارة. وأغرب منه ما في
التنقيح من صحة عتق الكافر غير الجاحد حاكيا له عن العلامة واستحسنه، وأنه
يستحق عليه عوضا يشبه الثواب، فيسقط بها جزء من عقابه، ولا يخفى عليك ما فيه
بعد الإحاطة بما ذكرناه، والله المؤيد والمسدد.
(و) كيف كان ف‍ (يعتبر نية التعيين إن اجتمعت أجناس مختلفة) على
المكلف متماثلة، كما لو كان عليه كفارة ظهار وقتل الخطأ، أو مختلفة كأحدهما مع
كفارة اليمين مثلا (على الأشبه) بأصول المذهب وقواعده التي منها توقف
صدق الامتثال عليه عقلا وعرفا، كما عرفت في كل عبادة تعدد جنسها على المكلف
به، إذ لا مميز للفعل إلا النية، والفرض عدم أمر مطلق يقصد امتثاله، كما أن
تعدد السبب لا يقتضي تعدد المأمور به دون الأمر، فليس خطابه حينئذ بعتق رقبتين،
بل هو مأمور بعتقين أحدهما للظهار والآخر للقتل مثلا، فلا بد من امتثال كل
منهما، ولا يحصل إلا بملاحظة خصوص كل واحد منهما، وإلا لم يقع
لأحدهما، فلا يصدق عليه امتثال أحدهما، مؤيدا ذلك كله بقاعدة الشغل وغيرها.
خلافا للمحكي عن المبسوط، فاكتفى بالاطلاق مطلقا ووافقه عليه سيد
المدارك، لأصالة البراءة من اشتراطه المقطوعة بما عرفت، ودعوى حصول الامتثال
للأمر بالتكفير وانصرافه إلى واحدة لا بعينها فيبقى في ذمته أخرى الممنوعة على مدعيها
بما سمعت، ضرورة أنه لا أمر بالتكفير على جهة الاطلاق، وإنما الموجود الأمر
بالتكفير المقيد، وليس امتثاله عرفا بالمطلق الذي لم يتعلق به أمر، ولو سلم نظير
ذلك في الدفع وفاء عن الدين المتعدد بسبب الرهانة في بعضه آخر أو بسبب
اختلاف من له الدين فيتحقق الوفاء مع إطلاق الدفع وإن كان الاحتمالات في توزيعه
أو تعيينه بعد الدفع أو القرعة متعددة، ففرق واضح بين العبادة المتوقف صحتها على
ملاحظة امتثال الأمر المتعلق بها بخلاف وفاء الدين المتحقق عرفا صدقه وإن فقد
التعيين المزبور، فقياس ما نحن فيه على ذلك - كما يومئ إليه ما تسمعه عن الشيخ
232

من الاكتفاء بالتعيين بعد الفعل - واضح الفساد.
وأوضح منه فسادا تخيل اتحاد الأمر هنا باعتبار اندراج الجميع تحت اسم
التكفير الذي قد عرفت عدم مشروعية مطلقه، وإنما هو اسم انتزاعي لأنواع متعددة
كل منها متعلق أمر خاص لا يصدق امتثاله إلا بملاحظته وإلا فالأمر بالعبادة أيضا
متحد، مع أنه لا ريب في أن تحته أنواعا مختلفة، والمراد باتحاد الأمر وتعدده
التنويع الشرعي بالأوامر المستقلة وعدمه، وهذا هو المدار في وجوب التعيين وعدمه
مع الاجتماع على المكلف، كما ستسمع زيادة توضيحه.
كل ذلك مضافا إلى إشكال قول الشيخ في صورة الاختلاف حكما ككفارة
الظهار واليمين، فإنه إن تخير بعد العتق بين عتق آخر والاطعام كان العتق منصرفا
إلى المرتبة، وهو خلاف الفرض، وإن تعين العتق ثانيا كان منصرف إلى المخيرة،
وهو خلاف التقدير أيضا، ومن هنا فصل في محكي المختلف، فأوجب التعيين مع
اختلاف الكفارة حكما بالتخيير وعدمه، لا مع اتفاقهما ولو في أصل وجوب العتق،
ككفارة الظهار والقتل خطأ أو أحدهما مع كفارة الجمع.
وربما دفع الاشكال السابق بانصراف العق أولا إلى المرتبة لترجيحها
على المخيرة بتعيينه فيها دونها، وهو كما ترى وبأن الشيخ صرح في المبسوط
بجواز التعيين بعد الابهام، فينصرف العتق إلى من أراد صرفه إليها، كما لو عين
في الابتداء، ويبقى حكم الآخر بحاله، فلا محذور حينئذ، واختاره الفاضل في
التحرير وولده.
وفيه - مع منع ذلك عليه في العبادة وإن قلنا به في مثل الديون - أنه قد
يتعذر عليه ذلك بموت ونحوه، على أن الاشكال قبل التعيين.
وفي المسالك " يمكن دفعه هنا بالتزام تعيين العتق ثانيا على تقدير كون
إحداهما مرتبة والأخرى مخيرة، ولا يلزم انصراف العتق أولا إلى المخيرة،
بل إلى كفارة مطلقة مما في ذمته، وتبقى أخرى مطلقة كذلك مترددة بين المرتبة
233

والمخيرة، وإن اختار غير العتق لم تحصل براءة الذمة مما هو متعلق بها، لأنه
ليس مخيرا، وإذا اختار العتق برئت ذمته على التقديرين، فتعين العتق لذلك لا
لانصرافه إلى المخيرة وإن شاركه في المعنى، وهذا كمن عليه كفارة مشتبهة بين
المخيرة والمرتبة، فإنه يتعين عليه العتق لتيقن براءة الذمة منهما وإن لم
يكن العتق متعينا عليه في نفس الأمر، بل من باب مقدمة الواجب، لتوقف براءة
الذمة عليه ".
قلت: قد تبع بذلك الفاضل في القواعد وولده في الإيضاح، بل أطنب في تحرير
المعنى المزبور، وقال: " إنه من غوامض هذا الباب ".
ولكن قد يقال: إن المتجه على ما يقوله الشيخ مع فرض عدم التعيين ابتداء
وبعد العتق الاجتزاء بإحدى خصال الكفارة المخيرة، ولا يتعين عليه العتق، وذلك
لأن مقتضى دليله رجوع أوامر الكفارات المتعددة وإن اختلفت إلى أمر واحد
وهو التكفير، فيجتمع حينئذ على المكلف حكم الترتيب والتخيير، ويكون كما لو
قال له " أعتق " مثلا و " أعتق أو صم أو أطعم " مثلا الذي لا ريب في تحقق الامتثال
فيه بما ذكرنا، ضرورة كونه حينئذ عنده كسب واحد اقتضى ذلك، لأنه أرجع
الأوامر المتعددة إلى أمر واحد بمقتضى كل واحد منها، ولذا لم يوجب التعيين،
معللا له بصدق امتثال الأمر بالتكفير بدونه، وإن كان قد أوضحنا فساده، وقلنا:
إنه لا أمر بالتكفير مطلقا، وإنما الموجود الأوامر الخاصة، والتكفير الشامل لها
قدر انتزاعي منا، وإنما الكلام في التفريع على قوله صحيحا كان أو فاسدا، والتحقيق
فيه ما ذكرناه، وليس عنده الباقي بعد العتق كفارة مجملة دائرة بين المرتبة والمخيرة
كي يجب مراعاة الترتيب تحصيلا للبراءة اليقينية، بل صريح كلامه أن العتق
الأول يقع مطلقا لا مجملا، ولكن قد اكتفى في الامتثال باطلاقه، كوفاء درهم
من الدرهمين في الذمة، تعدد سبب شغلها أو اتحد، وحينئذ فالمتجه الاكتفاء في
الامتثال بخصلة المرتبة، وواحدة من خصلة التخيير، ولعل هذا أغمض مما ذكره
فخر المحققين، خصوصا إذا لاحظ وقوع ما ذكرناه دفعة بالعتق مثلا والاطعام من
234

وكيله لوكيل الستين، والله العالم والموفق والمؤيد والمسدد.
(و) كيف كان ف‍ (لو كانت الكفارات من جنس واحد) بأن تكرر
الظهار منه أو القتل خطأ أو الافطار في شهر رمضان (قال الشيخ) في محكي
الخلاف: (يجزئ نية التكفير مع القربة، ولا يفتقر) في الامتثال (إلى
التعيين) بملاحظة سبب كل واحد منها بخصوصه، لصدق الامتثال بدونه، بل في
محكي الخلاف نفي الخلاف عنه.
وفي غاية المراد " لم أعرف القول باشتراط التعيين مع تجانس السبب لأحد من
العلماء، ولكن المحقق جعل فيه إشكالا " وإن أنكر عليه الصيمري ذلك، وقال:
" إن مذهبه في الدروس وجوب التعيين، اتحدت الكفارة أو تعددت، اختلف الجنس
أو اتحد، وهو ظاهر المصنف في المختصر، لأنه أطلق وجوب التعيين، وهو المعتمد ".
قلت: هو كذلك فيما حكاه عنهما.
ولعله لذا قال الكركي في حاشية الكتاب: " المعتمد أنه لا بد من التعيين مطلقا،
اختلف الأجناس أو تجانست، لأن الاجزاء إنما يتحقق بالاتيان بالمأمور به على
الوجه المأمور به، وإنما يؤثر في وجوه الأفعال النية، فلا تتعين الكفارة لسبب معين
إلا بالتعيين، ولا يضر قول شيخنا في شرح الإرشاد بأن اشتراط التعيين مع تجانس
السبب لا نعرفه قولا لأحد من العلماء سوى ما ذكره المصنف فيه من الاشكال،
إذ لا يضر عدم القائل مع قيام الدليل حيث لم يثبت الاجماع، ونقل الشيخ عدم
الخلاف في ذلك مع تحققه غير قادح ".
قلت: ومما عرفت يظهر الوجه في قول المصنف: (وفيه إشكال) مضافا
إلى ما ذكره غير واحد في وجهه من أن كل واحد من الكفارات عمل، وكل
عمل مفتقر إلى النية، فكل كفارة تحتاج إلى نية، وإن كان فيه أن البحث في
نية التعيين لا أصل النية التي لا كلام في وجوبها في كل واحد منها، ضرورة عدم
صحة العبادة بدونها، ولا ريب في أن كل كفارة عبادة.
235

ومن ذلك يعلم أن كثيرا من الكلمات في المقام مغشوشة حتى هؤلاء القائلين
بوجوب التعيين في المفروض، فإن الصيمري منهم قال: " والمراد بالتعيين تعيين السبب
لا تعيين شخص الكفارة فلا يجب أن يقول: " قتل زيد أو عمرو " ولا النذر الفلاني ".
وقد أخذه من الشهيد في غاية المراد قال: " واعلم أن هاهنا تنبيها، وهو أن النزاع
إما أن يكون في اشتراط تعيين خصوصية المحلوف عليه أو في اشتراط تعيين مطلق
السبب؟ فإن كان الأول فاحتمال عدم الاشتراط أظهر، وإن كان الثاني فالحق
الاشتراط، لتردد الكفارة بين ما في الذمة وبين غيره، وليس صرفها إلى ما في الذمة
أولى من صرفها إلى غيره، فلا يتمحض لما في الذمة إلا بالنية، والظاهر أنه لا
نزاع في هذا عند هؤلاء، وأن محل النزاع هو الأول ".
قلت: ومن الغش الذي ذكرناه ما ذكروه من وجوب التعيين مع الاتحاد الذي
هو صريح الدروس والتنقيح، ونسبوه إلى ظاهر النافع، مع أنه لا وجه لاعتبار التعيين
مع الاتحاد، ضرورة كون المراد بالتعيين مع اشتراك ما في ذمة المكلف، وإلا
فالمتعين في نفسه لا يحتاج إلى التعيين، واحتمال وجوب ملاحظة خصوص السبب
تعبدا لا للتمييز - مع أنه من غير مسألة التعيين - واضح الفساد، ضرورة إطلاق أوامر
التكفير بأسبابها، فالسبب غير داخل في وجه المأمور به قطعا، وإنما تجب نية السبب
للتشخيص مع الاشتراك، بل هو كغيره من المشخصات ولا خصوصية له، ومن هنا صح
نية القربة والتكفير لمن كان في ذمته كفارة مرددة بين الظهار والقتل وإن تمكن
من العلم بالرجوع إلى كتاب له مثلا أو بالتذكر ونحوهما.
نعم لا يجزئ مع الاتحاد نية العتق المطلق من غير ملاحظة التكفير لاشتراكه
حينئذ بين التطوع وبينه، وهذا غير ما نحن فيه، كما أن ما سمعته من الصيمري
لا مدخلية له في مسألة التعيين التي هي على القول بها في المتجانس لا بد من ملاحظة
خصوص كل واحد منها بمشخص من مشخصاته.
وبذلك كله ظهر لك عدم تنقيح المسألة عندهم، والتحقيق فيها ما أشرنا إليه
بعد عدم دليل بالخصوص قطعا من أنه متى تعددت الأوامر على وجه يقتضي التنويع
236

لم يحصل الامتثال إلا بملاحظة كل واحد منها، إذ المطلق لا أمر به كي يصح
امتثاله، والفعل لا مشخص له مع اشتراكه إلا بالنية، ومتى كان الأمر متحدا
وإن تعددت أفراده لا يجب التشخيص، لصدق الامتثال بدونه قطعا، وذلك كقضاء
أيام شهر رمضان الذي هو في الحقيقة كوفاء الدين، والأمر الضمني لا يقتضي التنويع،
ففي الكفارات مع اجتماع أسبابها كالظهار والقتل خطأ أو أحدهما مع الافطار في
شهر رمضان لا بد من التعيين، لأنها أوامر متعددة متنوعة، ولا مدخلية لاتفاق
حكم الكفارة بالترتيب والتخيير وعدمه، ضرورة عدم اقتضاء الأول اتحاد الأمر
الذي قد عرفت أنه المناط في عدم وجوب التعيين.
فما سمعته في المختلف - من التفصيل بين المتفقة حكما فلا يجب التعيين
بخلاف المختلفة في الترتيب والتخيير فيجب - واضح الفساد، كما أن القول بوجوب
نية التعيين في أفراد متحدة السبب ككفارات الظهار مثلا على وجه لا يجزئ إلا
نية خصوص كل منها بأحد مشخصاتها كذلك أيضا، ضرورة أنها أفراد أمر واحد،
وتعددها بتعدد السبب لا يقتضي تعدد أوامرها على وجه التنويع، ضرورة كون السبب
في جميعها الأمر بالكفارة للظهار، وفي الحقيقة مع تعدد السبب - مرتين مثلا -
كان كالأمر بعتق رقبتين، بل كالأمر بوفاء الدرهمين وإن استقرضهما بعقدي القرض
مثلا بخلاف اختلاف الجنس كالقتل والظهار، فإن لكل منهما أمرا مستقلا
بكفارته بتوقف امتثاله على تشخيصه، وكان الشيخ في المبسوط ظن أن هذه الأسباب
كأسباب الدين المختلفة بالقرض والجناية والشراء مثلا، فإنه مع اجتماع القدر
المخصوص منها في الذمة يكفي في صدق الوفائية الدفع المطلق عنها من دون
تشخيص، ولكنه كما ترى، ضرورة الفرق بين أوامر العبادة الملاحظ فيها
قصد الامتثال وغيرها، فلا بد من ملاحظة كل واحد منها بإحدى مشخصاته في
صدق امتثاله.
وبذلك كله بان لك الوجه في اختلاف كلماتهم، وأن التحقيق فيها ما ذكرناه،
237

وأنه لا معنى لاشكال المصنف في عدم وجوب التعيين في أفراد متحدة الجنس لما
عرفت من أنها أفراد أمر واحد، نعم يجب قصد التكفير عن ذلك السبب أو
عما في ذمته في كل واحد منها لا خصوص كل واحد منها بمشخصه. كما إذا
اختلف السبب.
بل بان لك مما ذكرناه أنه لا وجه لقول المصنف: (أما الصوم فالأشبه
بالمذهب أنه لا بد فيه من نية التعيين) ضرورة عدم الفرق بين الصوم وغيره من خصال
متحدة الجنس، وقول الأصحاب يجب التعيين في الصوم في غير شهر رمضان والنذر
المعين يراد منه بنية التكفير، لا خصوص كل شخص من أشخاص سببها المتحد،
كما هو واضح وبذلك يظهر لك أن هذه الكلام من جملة الكلام المغشوش.
(و) أما ما ذكره هنا من أنه (يجوز تجديدها إلى الزوال) فهو أمر
خارج عما نحن فيه، وقد استوفينا الكلام فيه في كتاب الصوم، وأنه هل يختص
بالناسي ومن بدا له أو مطلقا حتى من تعمد العدم في الليل حتى طلع الفجر.
فلاحظ وتأمل.
238

(فروع:)
(على القول بعدم) وجوب (التعيين)
(الأول:)
(لو أعتق عبدا عن إحدى كفاريته) المتفقتين في الترتيب، أو التخيير
أو المختلفتين (صح، لتحقق نية التكفير) التي اجتزأ بها القائل بذلك (إذ
لا عبرة بالسبب) عنده ولا غيره من المميزات (مع اتحاد الحكم) الذي هو
وجوب العتق مرتبا أو مخيرا، نعم على ما سمعته من العلامة لا بد من إرادة الترتيب
في الكفارتين أو التخيير فيهما من اتحاد الحكم فهو حينئذ أخص من الأول، وحينئذ
فإن كانتا مع اختلاف سببهما متفقتين في الجمع أو الترتيب أو التخيير برئ من العتق
عن أحدهما، ولزمه في الأول عتق رقبة أخرى مطلقة كذلك فتبرأ ذمته منهما
بالنسبة إلى العتق، وكذا في الثاني أو المركب منهما، وأما الثالث فإنه
بالعتق تبرأ من إحداهما ويتخير ثانيا بين فعل إحدى الخصال الثلاث مطلقة
فيبرأ منهما.
ولو كانت إحداهما مرتبة والأخرى مخيرة برئت ذمته من إحداهما أيضا
لا على التعيين، وتعين عليه العتق ثانيا عن إحداهما كذلك، لتوقف البراءة مما
في ذمته المتردد بين الأمرين عليه إن لم يصرف ذلك المطلق الأول بعد العتق إلى
واحدة معينة وإلا لزمه حكم الأخرى خاصة، ولو عجز ثانيا عن العتق تعين عليه
الصوم، لما عرفت من العلة في العتق.
239

(الثاني:)
(لو كان عليه كفارات ثلاث متساوية في) الترتيب بين (العتق والصوم
والصدقة) نحو كفارة الظهار والقتل والجز بناء على أنه كفارة ظهار، أو
متساوية في الخصال وإن اختلفت في الترتيب والتخيير، كما لو كان مع الأولتين
كفارة إفطار شهر رمضان (فأعتق ونوى القربة والتكفير) أجزأ عن واحدة غير
معينة إذا لم يعينها بعد العتق.
(ثم) لو (عجز) عن العتق (فصام شهرين متتابعين بنية القربة والتكفير)
برئ من أخرى كذلك أيضا (ثم) لو (عجز) عن الصوم (فأطعم ستين
مسكينا كذلك برئ من الثلاث ولو لم يعين) وكذا لو كان إحدى الثلاث مثلا
مخيرة، أما لو كانت الثلاث مخيرة فلا حاجة إلى اعتبار العجز بخلافه على الأولين،
ولو اجتمع عليه ثلاث كفارات جمع فأعتق ونوى الكفارة مطلقا فإنه يبرأ من عتق
واحدة غير معينة، فإذا صام كذلك برئ من صوم واحدة كذلك، فإذا أطعم فكذلك
ثم إن لم يصرفه إلى واحدة معينة وإلا افتقر في تعيين الخصال إلى الاطلاق،
والله العالم.
240

(الثالث:)
(لو كان عليه كفارة ولم يدر أهي عن قتل) مثلا (أو) عن (ظهار
فأعتق ونوى القربة والتكفير أجزأ) بلا إشكال. لما عرفت من إجزاء هذه النية
مع العلم بنوع الكفارة وتعددها، فمع الجهل واتحادها أولى، بل في المسالك " ولو
اشترطنا التعيين مع العلم احتمل سقوطه مع الجهل - كما في هذه الصورة - ووجوب
التردد بين الأمرين كالصلاة المشتبه حيث وجب تعيينها ابتداء فكذا مع الجهل،
فتردد النية بين الأقسام المشكوك فيها، وهو أولى ".
وفيه أن المتجه سقوطه حتى مع العلم، لأنه متعين في نفسه، والتعيين إنما
يجب مع التعدد، لتوقف الامتثال عليه بخلاف المتعين، فإنه يكفي في صدق
امتثاله ملاحظة الأمر المتعلق به واقعا، وليس في الأدلة وجوب التعرض لخصوص
السبب في النية، ضرورة صدق امتثال كفارة النذر مثلا بقصد الأمر الذي في ذمته،
وكان في الواقع نذر مثلا، كما هو واضح.
وقد يفرق بين الظهرية والعصرية وبين المقام بامكان القول بوجوب ملاحظة
القيود المزبورة في نفسها، لا للتعيين لدخولها في نفس المأمور به، فيتوقف صدق
الامتثال عليها، بخلاف المقام المعلوم خروج ملاحظة السبب عن المكلف به الذي هو
الكفارة له فتأمل جيدا، فإنه لا يخلو من دقة.
هذا وفي حاشية الكركي على الكتاب " ولو قلنا باشتراط التعيين وجب
الترديد بينهما " ولا يخفى ما فيه، ضرورة عدم كونه تعيينا حينئذ، بل إما أن
يقال بسقوطه أو لا بد من التكرار بناء على حصول الاحتياط به، والله العالم.
241

(الرابع:)
(لو شك) فيما في ذمته (بين نذور) كفارة (ظهار) مثلا (فنوى التكفير)
أو النذر (لم بجز، لأن النذر لا يجزئ فيه نية التكفير و) هو لا يجزئ فيه نية النذر،
نعم (لو نوى إبراء ذمته من أيهما كان) مع التردد بينهما وبدونه كما سمعته
سابقا (جاز) لكونه قدرا جامعا بينهما مختصا بهما مع فرض عدم احتمال غيرهما
في ذمته، بل يقوى الاكتفاء بذلك مع تمكنه من العلم، لما سمعته سابقا من اتحاد
المكلف به وتعينه في نفسه، بل وإن لم يتشخص عنده بما عينه به واقعا، وما سمعته
من الكركي سابقا قد عرفت ما فيه وإن ذكره هنا أيضا.
(ولو نوى العتق مطلقا) أي مجردا عن الصفة التي تقتضي تشخيصه في
الواقع (لم يجز، لأن احتمال إرادة التطوع أظهر عند الاطلاق،) ومع فرض
عدم نيتها أقصاه الاطلاق المجرد عن التشخيص، (وكذا لو نوى الوجوب، لأنه قد
يكون لاعن كفارة) ولا عن نذر، فهو غير قابل في حد ذاته للتشخيص، لأنه
من صفات الأمر، نعم لو نوى العتق الواجب مريدا به التشخيص أجزأ، بل لو قصد
التميز بالوجوب كان كذلك وإن كان الأول أظهر في إرادة التشخيص.
ولعله لذا فرق في القواعد بين نية الوجوب والعتق الواجب، فلا يجزئ الأول
ويجزئ الثاني، فما في المسالك - من أن الفرق بينهما غير واضح - لا يخلو من
نظر، والأمر سهل بعد معلومية كون المدار على نية ما يحصل به التشخيص واقعا
وإن لم يعلم به بعينه، لصدق الامتثال، والله العالم.
242

(الخامس:)
(لو كان عليه كفارتان) مثلا (وله عبدان فأعتقهما) عنهما (و).
لكن كان كيفية ذلك بأن (نوى) عتق نصف كل واحد منهما عن كفارة)
قاصدا للسراية في النصف الآخر أو لم يتعرض لذلك على حسب ما سمعته سابقا
(صح، لأن كل نصف تحرر عن الكفارة المرادة به) بقصده تحرره لها
(ويحرر الباقي عنها بالسراية) التي قد عرفت الحال فيها.
(وكذا لو أعتق نصف عبده عن كفارة معينة صح لأنه ينعتق كله دفعة)
كما تقدم الكلام في ذلك كله وفي المحكي عن ابن الجنيد، وليس المراد من العبارة
عتق كل من نصفي كل من العبدين عن كفارة بمعنى نية نصف عن واحدة والنصف
الآخر عن الأخرى، وهكذا الحال في العبد الآخر، كما ادعى في المسالك أنه
المتبادر من العبارة أو هي شاملة له، ضرورة فساده على هذا التقدير، بل لا موضوع
للسراية والرغبة فيه ملفقة، ومن المعلوم عدم إجزائها حينئذ، فليس المراد من
العبارة إلا ما ذكرناه، ويكون هو حينئذ عين المسألة السابقة.
ولكن المصنف أعاده لبيان حكم ما ذكره بقوله: (أما لو اشترى أباه أو
غيره ممن ينعتق عليه ونوى) به (التكفير قال في المبسوط يجزئ) للصدق،
إذ العتق وإن كان قهريا إلا أنه اختياري السبب، مثل عتق النصف المقتضي للسراية،
ومع فرض استمرار النية تصادف ملكه الذي هو شرط أو سبب في الانعتاق، (وفي
الخلاف لا يجزئ، وهو أشبه) عند المصنف بأصول المذهب وقواعده، (لأن
نية العتق) قبل الشراء لا أثر لها، إذ هي (تؤثر في ملك المعتق) وإن تبعه غيره،
كما سمعته في العبد المشترك (لا في ملك غيره) وبعده تصادف حريته (ف‍) إن
(السراية سابقة على النية،) وحينه ملكا (1) غير مستقر (ف) على كل حال

(1) هكذا في النسخة الأصلية المسودة والمبيضة والأولى " كان ملكا ".
243

(لا يصادف حصولها ملكا) يصلح للعتق عن الكفارة.
وقد استشكل في ذلك الفاضل في القواعد، وجعل منشأ الاشكال ما سمعته من
التعليلين، لكن في إيضاح ولده " الأصح عدم الاجزاء، لأن الملك هنا سبب معد
للعتق لا من الأسباب الفاعلة، لأن السبب الفاعل هنا النسب، والملك جاعل المحل
قابلا لتأثير النسب في العتق، وفاعل قبول المحل لأثر صادر عن غيره ليس بفاعل
لذلك الأثر، فلا يصدق عليه أنه أعتق، ولأن المكلف به مباشرة العتق، ومباشرة
العتق إنما تكون بفعل سببه المؤثر، والقابل لا يصلح هنا للتأثير - قال -: ولقد
عرضت هذا على المصنف واستحسنه - وقال -: الذي أفتي به أنه لا يجزئ ".
وفيه إمكان منع كون الفاعل النسب، إذ قد يقال: إنه الملك بشرط النسب أو
هما معا العلة التامة، بل مع قطع النظر عن ذلك يصدق نسبة التحرير إليه
على نحو غيرها من النسب الصادرة من الأسباب كما أومى إليه فيما تسمعه من
المسالك.
وكأن الشهيد في غاية المراد قد عرض به، حيث استدل على الاجزاء بأن
" الملك سابق على السراية قطعا، لسبق العلة على المعلول، والسبب سابق على الملك،
ضرورة سبق السبب على المسبب، والنية مقارنة للسبب إلى حين الشراء، فالسراية لم
تصادف إلا عبدا معتقا عن كفارة فلا سراية - ثم قال -: وحينئذ نمنع وجود العتق
هنا إلا عن الكفارة لأنه إنما ينعتق لو لم يوجد سبب أسبق، وقد وجد نية
الكفارة " ولا يخلو من قوة وإن ناقشه في كشف اللثام بأنه لو لم يكن العتق
للقرابة لافتقر إلى صيغة، والتزامه بعيد جدا، على أن نية العتق ليست سببا فيه،
والأسباب الشرعية لا تتمانع.
ولكن في المسالك بعد أن ذكر ما سمعته في غاية المراد قال: " وهذا متجه
بشرط استصحاب النية فعلا إلى عقد البيع، لتصادف الملك وتصدف مقارنتها للسبب
إلى حين الملك، وما ذكروه من الفرق بين هذه وعتق المشترك بأن النية إنما أثرت
244

في المملوك أما ما سرى إليه العتق من ملك الغير فلم يكن مملوكا حال النية، وإنما
ترتب السراية على عتق البعض وحكم بملك المعتق له ضمنا قبل السراية فالأمر هنا
كذلك، بل الملك هنا حقيقي لا ضمني، لأن الانعتاق مسبب عن ملك القريب له،
فإذا قارنته النية فقد قارنت العتق واشتركا في مقارنتها السبب، وربما فرق بين
الأمرين بأن العتق بالنسبة إلى السراية إلى حصة الشريك سبب فاعلي له، والشراء
بالنسبة إلى عتق القريب سبب معد لا فاعل، لأنه يجعل المحل قابلا لتأثير النسب
في العتق، والسبب الفاعلي فيه هو النسب، وفاعليته قبول المحل لأثر بفعل غيره غير
فاعل لذلك الأثر، والمعتبر في العتق المطلوب في الكفارة كون المعتق فاعلا له كما
مر، وفيه نظر، لاشتراك الأمرين في أصل السببية التي لها مدخل في التأثير في العتق،
والفاعل له حقيقة هو الله، وإنما هذه اعتبارات نسبها الله تعالى علامة لحكمه لا فاعلة
في الحكم، فإما أن يصح العتق في الكفارة فيهما نظرا إلى السببية أو لا فيهما،
لعدم مباشرته للصيغة التي جعلها الشارع موجبة للعتق بذاتها ".
قلت: وهو ما أشرنا إليه سابقا من الاتحاد في صدق النسبة عرفا في الجميع،
إذ التحرير الجعل حرا، وهو يعم ما كان بالصيغة وغيره، وهنا قد حرره بالشراء،
ولما كان عقد البيع هنا كافيا في العتق جري مجرى صيغة الاعتاق، فكما تكفي النية
عندها تكفي عنده، وإن ضويق في الاكتفاء بها فلينوه مستمرا إلى ما بعده، ليصادف
الملك، كما أشرنا إليه سابقا، فالمتجه حينئذ الاجزاء إلا أن يكون إجماعا،
كما عساه يظهر من عبارة المبسوط، حيث قال: " لا يجزئ عندنا " ومن الغريب
أن الموجود من عبارته ذلك، وقد حكى المصنف عنه في المتن القول بالاجزاء
اللهم إلا أن يكون له مقام آخر.
245

(الشرط الثاني:)
(تجريده عن العوض ف‍) لا تجزئ المكاتبة بنوعيها بل (لو قال لعبده:
" أنت حر وعليك كذا " لم يجز عن الكفارة) اتفاقا كما في كشف اللثام،
و (ل‍) عله لما ذكره غير واحد، بل ظاهرهم (أنه) كالمفروغ منه من أن
(قصد العوض) ينافي الاخلاص المعلوم اعتباره في العبادة التي قد عرفت كون
الكفارة منها.
(و) كذا (لو قال له قائل: " أعتق مملوكك عن كفارتك ولك علي
كذا " فأعتقه لم يجز عن الكفارة) أيضا إجماعا كما في المسالك فيه وفي سابقه،
لما عرفته، وما عن بعض الشافعية - من الصحة عن الكفارة وسقوط العوض، لحصول
العتق، فهو حينئذ نحو قول القائل: " صل الظهر عن نفسك ولك علي كذا " فصلى
أنه تجزؤه صلاته ولا يستحق العوض - واضح الفساد بعد ما عرفت، بل لعل الحكم
في المقيس عليه كذلك إذا فرض أنه صلى بقصد العوض المنافي للاخلاص.
نعم قد يشكل أصل التعليل في الصورتين بأن ذلك إن نافى الاخلاص المعتبر
في نية الكفارة نافاه أيضا في نية العتق المجرد عنها بناء على أنه عبادة، ضرورة عدم
الفرق حينئذ بين النية فيهما، وظاهرهم المفروغية من الصحة مع التجرد عن
الكفارة، بل الجعل في الصورة الثانية إن كان منافيا للاخلاص في النية لم يصح
جعله في الحج والصلاة وغيرهما من العبادات، وكذا الإجارة المعلوم فساد التزامه،
لاستفاضة النصوص (1) في الإجارة على الحج.
ودعوى الفرق بين المقام وبينه - بأن الجعل هنا على فعل راجع إلى نفس
المجعول له بخلاف الأول - يدفعها أن ذلك يقتضي فساد الجعالة لا فساد النية، مع

(1) الوسائل الباب - 2 و 3 و 4 و 10 و 11 - وغيرها من أبواب النيابة في الحج -
من كتاب الحج.
246

أن ظاهرهم عدم الاشكال في الصحة من هذه الجهة (و) لعله لاطلاق أدلة
الجعالة (1) وإمكان ترتب نفع له على ذلك، فالتحقيق الاستناد في أصل الحكم
إلى الاجماع الذي سمعته، أو إلى دعوى ظهور أدلة الكفارة في التحرير المجرد
عن العوض.
نعم (في وقوع العتق) لا عنها (تردد) من تغليب الحرية وصدور
الصيغة من أهلها في محلها كما عن المبسوط، بل في غاية المراد " هذا هو الأصح "
وفي كشف اللثام " هو الأجود " ومن أنه إنما نوى المقيد الذي يرتفع المطلق -
الذي لم ينو - بارتفاعه، إذ لا عمل إلا بنية، ولعله الأقوى وفاقا للدروس
وحاشية الكركي.
(و) لكن (لو قيل بوقوعه هل يلزم العوض؟ قال الشيخ: نعم، وهو
حسن) في الصورة الأولى، لعموم ما دل (2) على صحة الشرط فيها، والبطلان عن
الكفارة لا يقتضي بفساد الشرط الذي صحته تبع لصحة العتق لا لصحة كونه عن
الكفارة.
أما الثانية فلا يخلو من وجه بناء على ما عن المبسوط من أنه يقع عن الباذل،
ويكون ولاؤه له، وإن كان فيه ما فيه أيضا، أما على القول بكونه عن المالك فقد
يشكل بأنه لم يقع المعوض عنه، وهو العتق عن الكفارة، ولا وقع العتق
له، فلا يستحق العوض الذي هو الجعل على ذلك، ومن هنا قيل: إن الحكم
بلزوم العوض وعدم الاجزاء عن الكفارة مما لا يجتمعان، والثاني ثابت إجماعا
فينتفي الأول.
وما يقال -: من أن الجعل قد وقع عن العتق عن الكفارة، وقد فعل وإن
كان لا يجزئ شرعا، إذ الاجزاء حكم شرعي، وليس فعلا للمكلف حتى يصح

(1) الوسائل الباب - 1 - وغيره من كتاب الجعالة.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة من كتاب التدبير والمكاتبة.
247

الجعل عليه - يدفعه أن الجاعل إنما يجعل على الفعل الصحيح شرعا، نحو غيره من
الجعل على نحو الصلاة والحج وغيرهما، وتعذر ذلك هنا لا يقتضي إرادة الصورة،
خصوصا إذا كان الجاعل جاهلا بالحكم الشرعي، فالحق عدم استحقاق الجعالة
حينئذ، نعم لو علم بالقرائن أن الغرض من ذلك تخليص العبد من الرق كيف
كان وذكر الكفارة من باب المثال اتجه حينئذ لزومه حتى لو قلنا بوقوع العتق
عن المالك.
(و) على كل حال (لو رد المالك العوض بعد قبضه) أو أبرأه قبل
قبضه (لم يجز عن الكفارة) أيضا (لأنه) إذا (لم يجز حال الاعتاق فلم
يجز فيما بعد،) نعم لو قال ابتداء عقيب الالتماس: " أعتقه عن كفارتي لا على
الألف " كان ردا لكلامه وأجزأه عن الكفارة، كما هو واضح.
ولو اشترى بشرط العتق فأعتقه عن الكفارة ففي محكي المبسوط لم يجزه
عنها، ولعله لأنه إن جبر على الاعتاق فهو عتق واجب لغير الكفارة، وإلا فهو
إعتاق لغير نام الملكية، لكنه كما ترى، ضرورة تناول الاطلاقات له، إذ هو عتق
بلا عوض، والوجوب بالشرط مؤكد للوجوب عن الكفارة لا إعتاق، ولعله لذا كان
المحكي عن التحرير والمختلف الحكم بالاجزاء، وفي كشف اللثام " لا يبعد التفصيل
بالاجزاء إن تقدم وجوب الكفارة على الشراء، والعدم إن تأخر " ولا يخلو من
نظر بناء على أن المراد من الشرط حصول ماهية العتق كيف كان بحيث يندرج فيه
العتق عن الكفارة، والله العالم.
248

(الشرط الثالث:)
(أن لا يكون السبب) المؤثر للعتق (محرما، فلو نكل بعبده بأن قلع
عينيه أو قطع رجليه ونوى التكفير انعتق، ولم يجز عن الكفارة) بلا
خلاف ولا إشكال للنهي (1) المنافي لقصد الطاعة به المتوقف على الأمر به.
هذا كله في العتق. وأما (القول في الصيام و) هو أحد خصال الكفارة بلا خلاف في أنه
(يتعين) أي الصوم في المرتبة مع العجز عن العتق) المراد من عدم الوجدان
الذي هو عنوان الحكم في الكتاب العزيز (2) أو المندرج فيه، ولا إشكال بعد توافق
الكتاب والسنة (3) والاجماع عليه.
و) لا ريب في أنه (يتحقق) عدم الوجدان الذي عبر عنه المصنف
ب‍ (العجز إما بعدم) وجود (الرقبة) عنده (و عدم ثمنها وإما بعدم التمكن
من شرائها وإن وجد الثمن،) لعدم الباذل (وقيل: حد العجز عن الاطعام أن
لا يكون معه ما يفضل عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة) ونحوه في التحرير
إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذكر ذلك في المقام الذي هو في العجز عن الرقبة
لا الاطعام.
ومن هنا قال في المسالك بعد أن ذكر استثناء النفقة: " ولم يقدر الأكثر
هنا للنفقة والكسوة مدة، فيمكن أن يكون المعتبر كفاية العمر، ويتحقق ذلك
بملك ما يحصل من نمائه إدرار النفقة في كل سنة بما يقوم بكفايته ونحو ذلك،

(1) يمكن استفادة النهي مما ورد في تعزير من نكل بعبده المروي في المستدرك في
الباب - 19 - من كتاب العتق.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 92.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الكفارات.
249

ويمكن أن يريدوا به مؤونة السنة، لأن المؤونات تتكرر فيها ويتجدد الاعداد
لها، وأن يريدوا به قوت يوم وليلة زيادة على المحتاج إليه في الوقت الحاضر من
الكسوة والأمتعة، ولعدم ورود التقدير هنا في النصوص عدل المصنف إلى
قوله: " وقيل: حد العجز " إلى آخره، ولم يذكر العجز عن الرقبة لما
ذكرناه ".
وفيه أن المصنف لم يتقدم له ذكر النفقة أصلا، وإنما ذكرها بعد ذلك،
ويمكن أن يكون مراد المصنف بذلك أن يأتي على هذا القول كون حد العجز
عن الرقبة أن لا يكون عنده ما يفضل عن قوت يوم وليلة، ضرورة عدم الفرق بينهما
في ذلك، ووجهه حينئذ أن الكفارة من قبيل الديون التي يقتصر فيها على ذلك مع
المستثنيات، وإن كان قد يناقش بامكان كون المراد من الوجدان الغني نحو
قوله عليه السلام (1): " لي الواجد يحل عقوبته وعرضه " الذي هو مثل قوله (2): " مطل
الغني يحل عقوبته وعرضه ".
قال في الصحاح: " وجد في المال وجدا ووجدا ووجدا وجدة أي استغنى -
إلى أن قال -: وأوجده أو أغناه يقال: الحمد لله الذي أوجدني بعد فقر " وفي مختصر
النهاية " الواجد العني الذي لا يفتقر، ولي الواجد أي القادر على قضاء دينه، ووجد
يجد جدة استغنى ".
وربما يؤيده موثق إسحاق بن عمار (3) عن أبي إبراهيم عليه السلام " سألته عن
كفارة اليمين في قوله تعالى: (4) فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ما حد من لم يجد؟

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الدين والقرض الحديث 4 من كتاب التجارة.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الدين والقرض الحديث 3 والمستدرك
الباب - 8 - منها الحديث 2 و 6 وسنن البيهقي ج 6. ص 70 وفي الجميع " مطل الغنى ظلم ".
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب الكفارات.
(4) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
250

وأن الرجل ليسأل في كفه وهو يجد، فقال: إذا لم يكن عنده فضل عن قوت عياله
فهو ممن لا يجد " وإن كان هو في غير ما نحن فيه من وجدان الرقبة لكنه تفسير
لمطلق من لا يجد على معنى أنه المالك، لا زيد مما يحتاجه من قوته وقوت عياله
وغيره من مؤونة، فيكون ذكر القوت مثالا لكل مؤونة، واعتبار الزيادة حينئذ
لأجل إمكان الاتيان بالمأمور به، وهو على جدته، لا أنه بذلك يكون فقيرا
ومسكينا وحينئذ يكون المرتب عليه الصوم عدم الجدة أي الغنى والسعة، ومنه يشكل
الحال في كثير مما ذكروه، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان (فلو وجد الرقبة وكان مضطرا إلى خدمتها) لمرض أو كبر
أو زمانة أو ضخامة أو لرفعة شأن (أو) إلى (ثمنها لنفقته أو كسوته) له أو لعياله
الواجبي النفقة عليه، أو لدين وإن لم يطالب به، أو حق لازم عليه أو نحو ذلك
(لم يجب العتق) بلا خلاف ولا إشكال.
نعم في المراد من النفقة الوجوه أو الأقوال السابقة التي حكي عن ظاهر
المبسوط اختيار الأول منها، لأنه قال: " إما أن يكون له فضل عن كفايته على
الدوام أو وفق الكفاية، فإن كان له فضل لم يكن من أهل الصيام، لأنه واجد، وإن
كان له وفق كفايته على الدوام لا يزيد شيئا، فإن فرضه الصيام " وفي الدروس
والمسالك وحاشية الكركي وغيرها اختيار الثالث منها، لأن الكفارة بمنزلة الدين
الذي يستثنى منه ذلك بالنسبة إلى القوت.
وفي المسالك " وأما الكسوة المحتاج إليها في الوقت فمستثناة وإن بقيت بعد
ذلك مدة طويلة بغير خلاف، وكذلك المسكن والخادم - ثم قال -: وحيث كان
المعتبر قوت اليوم والليلة فلو كانت مؤونته تستدر من ضيعة أو تجارة ويحصل منهما
كفايته بلا مزيد ولو باعهما لتحصيل عبد كان ممكنا لارتد إلى حد المساكين
كلف ذلك، واستثني مؤونته مما ذكر، ولو اعتبرنا قوت السنة أو الدوام لم يقع،
واختلف كلام العلامة، ففي التحرير أوجب بيعهما، وفي القواعد قطع بعدم الوجوب، مع
أنه لم يبين المراد من النفقة المستثناة له، ولكن هذا يشعر باستثناء أزيد من قوت
251

اليوم والليلة ".
ورده في الرياض بعد أن حكاه عن الدروس وجماعة مستدلا له بصدق
الوجدان لغة " بأنه معارض بعدم الصدق عرفا وعادة، وهو الأرجح حيثما حصل
بينهما معارضة، مع التأيد بأصالة البراءة والأولوية المستفادة من نفي الزكاة التي
هي أعظم الفرائض بعد الصلاة عن مثله بالاجماع والأدلة، مع منافاة الوجوب حينئذ
للملة السهلة السمحة، واستلزامه العسر والحرج في الشريعة المحمدية على
المتصدع بها ألف صلاة وسلام وتحية، فالقول بذلك بعيد غايته كالقول الأول، فإذا
الأوسط أوجه ".
قلت: لا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن المراد
بالوجدان السعة وعدمه عدمها، ولعل إيكالهما إلى العرف أولى من ذلك كله،
وقياس ما نحن فيه على الدين ليس من مذهبنا وتقدير النفقة بما سمعت لا مدخلية
له فيما نحن فيه، ضرورة عدم كونها عنوانا لحكم شرعي هنا في شئ من الكتاب
والسنة، كما أنه لا مدخلية هنا لملاحظة ذكر المستثنيات في الدين عينا أو قيمة
بناء على أن الكفارة منه، ضرورة عدم مناسبة ذلك للخلاف بينهم في اعتبار نفقة
السنة أو تمام العمر الذي من المعلوم عدم ملاحظة مثله في وفاء الدين الذي قد يمنع
شموله لمثل المقام، خصوصا بعد ملاحظة ذكرهم له في باب المفلس الذي لا يكون
إلا في حقوق الناس دون حقوق الله تعالى، ودعوى الأولوية على وجه يقطع العقل
بها ممنوعة، فلا مدرك للمسألة حينئذ إلا ما ذكرناه من كون المعتبر في وجوب
العتق كون المكلف ذا جدة أي سعة في المال، والعرف صالح لتشخيصه.
وإن أبيت جعلت المراد الغنى الشرعي المقابل للفقير كذلك، وحينئذ فاستثناء
الأمور المذكورة لصدق عدم الجدة فيمن لا يملك سواها، لا للاستثناء في الدين
الذي منه الكفارة، بل لو فرض تعدد بعضها عنده لم يجب عليه بيعه في العتق مع
عدم صدق الجدة به.
252

وبذلك كله ظهر لك أن الوجه فيما ذكره المصنف (و) غيره من أنه
(لا يباع المسكن ولا ثياب الجسد) ولا غيرهما مما ذكر في الدين كدابة الركوب
للحاجة أو للشرف وغيرها ما قلناه من عدم صحة الجدة.
بل والنظر في قولهم: (ويباع ما يفضل عن قدر الحاجة من المسكن) إذا فرض
عدم تحقق صدق الجدة (و) السعة به، نعم لا بأس بقولهم (لا يباع الخادم على
المرتفع عن مباشرة الخدمة) لكن لما ذكرناه، لا لما ذكروه من كونه مستثنى
في الدين.
ومنه يعلم النظر في قولهم: (ويباع على من جرت عادته بخدمة نفسه إلا
مع المرض المحوج إلى الخدمة) بناء على عدم تحقق صدق الجدة عليه
بذلك.
(و) كذا الكلام فيما (لو كان الخادم غاليا بحيث يتمكن من الاستبدال منه
ببعض ثمنه) الذي (قيل) فيه (يلزم بيعه، لامكان الغنى عنه) وقيل: لا يلزم،
لاطلاق ما دل على استثنائه في الدين (وكذا قيل في المسكن إذا كان غاليا وأمكن
تحصيل البدل ببعض الثمن) بحيث يبيعه، لامكان الجميع بين الأمرين.
(و) لكن (الأشبه) عند المصنف وغيره (أنه لا يباع تمسكا بعموم
النهي عن بيع المسكن) في الدين، وقد عرفت أن التحقيق دوران الأمر على
صدق الجدة وعدمه.
ومنه يعلم الحال في كثير من كلماتهم في المقام على اختلافها، حتى ذكر
الوجهين فيمن وجد الرقبة بأزيد من ثمن المثل المبني على ما ذكروه في التيمم
من الوجوب للمقدمة، ومن عدمه لقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " المشعر باتحاد
المراد من عدم الوجدان في الموضعين، إذ هو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه
من كون المدار على صدق الجدة وعدمها، نعم لو فرض معها توقف شراء الرقبة
مثلا على بذل الزائد المستلزم قبحا أو ضررا رجح على باب المقدمة كما حققناه
في محله.
253

وبالجملة ليس المراد من عدم الوجدان هنا ما أريد به هناك، كما هو
ظاهر بعضهم أو صريحه حتى فرع في المقام بعض ما ذكر هناك، كما عرفت
الحال مفصلا.
بقي الكلام في شئ، وهو ما ذكروه من الاجزاء لو تكلف غير الواجد فأعتق،
بل ربما ادعي الاجماع عليه إلا مع فرض النهي عنه، ومثل بمن اشترى الرقبة
مع وجود الدين المطالب به، ونوقش بعدم اقتضاء الأمر بشئ النهي عن ضده،
والإثم بترك الوفاء لا يقتضي فساد العتق، ولعل الوجه في أصل الحكم بعد الاجماع
المزبور دعوى ظهور الأدلة في إرادة التخفيف برفع الوجوب العيني مع عدم الجدة
لا أصل المشروعية، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف في أنه (مع تحقق العجز عن العتق يلزم)
الحر (في الظهار والقتل خطأ صوم شهرين متتابعين) بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى الكتاب (1) والسنة (2) المستفيضة أو المتواترة.
(و) المشهور بل قيل عليه عامة من تأخر بل عن الخلاف الاجماع عليه
أن (على المملوك صوم شهر) للصحيح (3) " الحر والمملوك سواء، غير أن على
المملوك نصف ما على الحر من الكفارة، وليس عليه صدقة ولا عتق " وخبر محمد بن
حمران (4) عن الصادق عليه السلام " سألته عن المملوك أعليه الظهار؟ فقال: نصف ما على
الحر: صوم شهر، وليس عليه كفارة من صدقة وعتق " ونحوه غيره (5) المنجبرين
بما سمعت إن كان في سنديهما ضعف المعتضدين بغلبة التنصيف، بل قيل: إنها قاعدة،
وبذلك كله تخص الآية بناء على ما حققناه في الأصول من جواز تخصيص الكتاب
بخبر الواحد إن لم نقل بظهورها في الحر، وإلا فلا حاجة إلى التخصيص،
والاختصاص بالظهار يدفعه عدم القول بالفرق بينه وبين القتل خطأ، فما

(1) سورة النساء: 4 - الآية 92 وسورة المجادلة: 58 - الآية 4.
(2) الوسائل الباب - 1 و 10 - من أبواب الكفارات.
(3) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 1 - 3.
(4) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 1 - 3.
(5) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الظهار الحديث 2 - 1 - 3.
254

عن الحلبي وابني زهر وإدريس من كونه كالحر فيهما حينئذ واضح الضعف
على أصولنا.
ولو أعتق قبل الأداء الشهران بناء على ما ستعرفه من أن العبرة عندنا
بحالة الأداء ولو أعتق بعد التلبس بالصوم فكذلك يجب عليه الشهران على إشكال،
من أن العبرة بأول الأداء، ولذا لا يجب عليه العتق إذا أيسر، واحتمال كون
مجموع الصوم عبادة واحدة، ولأن السبب في حقه سبب لصوم شهر، فلا يتسبب لصوم
شهرين، ومن أنه إنما كان يكفيه شهر للرق وقد زال، مع كون الظاهر أن صوم
كل يوم عبادة مغايرة لصوم آخر، وإنما كان العبرة بأول الأداء في سقوطه الخصلة
المتقدمة.
أما لو أفسد ما شرع فيه من الصوم فإنه يجب عليه الشهران قطعا بناء على
وجوب العتق على المكفر إذا أيسر قبل التلبس، فإنه حينئذ كمن لم يشرع،
وكذا لو أيسر وأفسد تعين العتق عليه بناءا عليه، وقد يحتمل عدم تعين الشهرين
عليه، وكذا العتق.
وأما المبعض فيحتمل إلحاقه بالحرة لاطلاق الأدلة المقتصر في الخروج
منها على المملوك، ويحتمل ملاحظة النسبة فيه، ولعل الأول أحوط إن لم
يكن أقوى.
ولو وجد بالجزء الحر ما لا يفي بالعتق وجب على العتق للوجدان، وعن العامة
قول بأنه ليس له بناءا على أنه يقتضي الولاء وهو ليس أهلا له.
وعلى كل حال (فإن أفطر) الحر (في الشهر الأول من غير عذر
استأنف) لفوات التتابع الذي هو شرط في الاجزاء عن الكفارة بلا خلاف (وإن كان
لعذر بنى) على صومه، ولم ينقطع تتابعه للأدلة (وإن صام من الثاني
ولو يوما أتم) وإن لم يتابع في الباقي، لتحقق التتابع في الشهرين ولو
شرعا لذلك.
255

(وهل يأثم مع الافطار؟ فيه تردد) وخلاف (أشبه عدم الإثم)
وفاقا للأكثر كما أشبعنا الكلام في كتاب الصوم (1) في ذلك كله، بل وفي إلحاق
التتابع بنذر وشبهه به، بل وفي الاجتزاء به لو كان في شهر بنذر ونحوه بصوم
خمسة عشر يوما وفي إلحاق كفارة العبد به، بل وفي تحقيق العذر الذي لا يقطع
التتابع (و) إن قال المصنف هنا: (العذر الذي يصح معه البناء الحيض والنفاس
والمرض والاغماء والجنون، وأما السفر فإن اضطر إليه كان عذرا وإلا كان قاطعا
للتتابع).
(ولو أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على أنفسهما لم ينقطع التتابع،
ولو أفطرتا خوفا على الولد قال في المبسوط: ينقطع، وفي الخلاف لا ينقطع، وهو
أشبه).
(ولو أكره على الافطار لم ينقطع التتابع، سواء كان إجبارا كمن وجر
الماء في حلقه أو لم يكن كمن ضرب حتى أكل، وهو اختيار الشيخ في الخلاف،
وفي المبسوط قال بالفرق).
(ولو عرض في أثناء الشهر الأول زمان لا يصح صومه عن الكفارة كشهر
رمضان والأضحى بطل التتابع) لكن تحقيق ذلك كله وغيره من المباحث قد
أشبعناه في كتاب الصوم (2) فلا نعيده، فلاحظ وتأمل.
وأما (القول في الاطعام) أحكامه فلا خلاف ولا إشكال في أنه (يتعين)
أي (الاطعام في المرتبة مع العجز عن الصيام) أصلا بالهرم ونحوه، قيل وبالمرض
المانع منه أو ما يحصل به مشقة شديدة وإن رجا برءه، وبالخوف من زيادته، وفيه منع
صدق إطلاق عدم الاستطاعة مع رجاء البرء، خصوصا مع قصر الزمان، ولعل المسألة
من مسألة جواز البدار لذوي الأعذار مع رجاء الزوال أو يجب عليهم الانتظار،

(1) ج 17 - ص 71 - 86.
(2) ج 17 - ص 87 - 89.
256

وكان الفاضل في القواعد اختار الثاني هنا، حيث قال: " ولو عجز عن الصوم بمرض
يرجى زواله لم يجز الانتقال إلى الاطعام إلا من الضرر كالظهار " وتبعه في كشف
اللثام قال: " ومن العامة من أجازه إذا ظن استمراره شهرين، لصدق أنه لا يستطيع
الصوم " إلى آخره.
والصحيح إذا خاف الضرر بالصوم انتقل إلى الاطعام، لشمول عدم الاستطاعة
له، وكذا عدم القدرة في خبر أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فقال: أعتق رقبة، فقال: ليس عندي،
قال: فصم شهرين متتابعين. قال: لا أقدر، قال: فأطعم ستين مسكينا ".
هذا وفي القواعد وكشف اللثام أيضا " وهذا الصوم بخلاف صوم شهر رمضان،
فلا يجوز فيه الافطار من الصحيح لخوف المرض، لعموم الأمر بصومه وتعليق التأخير
إلى أيام أخر على المرض، مع أنه لا بدل له " وفيه ما لا يخفى من عدم الفرق بين
شهر رمضان وغيره من الصوم الواجب.
ولو خاف المظاهر الضرر بترك الوطء مدة وجوب التتابع لشدة شبقه فالأقرب
الانتقال إلى الاطعام كما في القواعد ومحكي المبسوط، أما إذا خاف من شدة الشبق
حدوث مرض فهو من خوف الصحيح المرض الذي قد عرفت الحال فيه، وأما إذا كان
الشبق هو الضرر فلأنه ضرر كغيره، ولا ضرر ولا حرج في الدين، ويؤيده أن الله تعالى
رخص الرفث إلى النساء ليلة الصيام (2) بعد أن حرمه لما علم أنهم لا يصبرون،
وقصة سلمة بن صخر (3) الذي حمله الشبق على أن واقع بعد الظهار في رمضان
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " صم شهرين متتابعين، فقال له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وهل أصابني
ما أصابني إلا من الصيام؟ ".
وكذا قيل: لا يلحق به السفر وإن امتنع حالته، لأنه مستطيع للصوم

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 187.
(3) المستدرك الباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 2.
257

بالإقامة غالبا، نعم لو تعذرت أمكن الجواز فيه، وفيه أن الحضر شرط وجوب
الصوم، ولا يجب على المكلف تحصيل شرط الوجوب، فيمكن حينئذ دعوى صدق
عدم الاستطاعة حاله، ولا يجب عليه الإقامة تحصيلا للشرط.
(و) كيف كان ف‍ (يجب إطعام العدد) ولو بالتسليم إلى المستحق
(لكل واحد مد) وفاقا للمشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين، لأصالة
براءة الذمة من الزائد، بعد الاجماع على عدم جواز الأقل وكفايته غالبا، وللنصوص
المستفيضة أو المتواترة الواردة في كفارة اليمين (1) المتممة بعدم القول بالفصل،
مضافا إلى خصوص ما ورد (2) في كفارة القتل خطأ وكفارة شهر رمضان من
الخمسة عشر صاعا (3) وما سمعته سابقا من حديث الأعرابي (4) الذي دفع له
النبي صلى الله عليه وآله مكتل التمر الذي فيه خمسة عشر صاعا، وغير ذلك.
(و) لكن مع ذلك (قيل) كما عن الخلاف والمبسوط والنهاية والتبيان
ومجمع البيان والوسيلة والاصباح: (مدان) مع القدرة (ومع العجز مد)
بل عن صريح أول وظاهر الرابع والخامس الاجماع عليه، للاحتياط المتعارض في
بعض صوره.
(و) حينئذ فلا ريب في أن (الأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده
التي مقتضاها العمل بالنصوص (5) المستفيضة أو المتواترة التي فيها الصحيح وغيره،
ومروية في الكتب الأربعة وغيرها المعتضدة مع ذلك بالأصول والعمل وغيرهما،
السالمة عن المعارض المكافئ لها، إذ ليس هو إلا الاجماع الذي قد عرفت حاله،

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الكفارات.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 و 10 من كتاب الصوم.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 390.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث - 0 -.
258

وإلا خبر أبي بصير (1) عن أحدهما عليهما السلام " في كفارة الظهار تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا لكل مسكين مدين مدين " والمرسل (2) عن علي عليه السلام " في الظهار يطعم
ستين مسكينا، كل مسكين نصف صاع " اللذين ينبغي حملهما على ضرب من
الندب، بل يمكن أن يكون ذلك منتهى الزيادة على المد التي قد ذكر استحبابها
غير واحد من الأصحاب المقدرة في صحيح الحلبي (3) بحفنة، وفي حسن هشام (4)
عن الصادق عليه السلام " في كفارة اليمين مد من حنطة وحفنة لتكون الحفنة في طحنه
وحطبه ".
بل عن الإسكافي وجوبها، لظاهر الخبرين المزبورين وإن كان هو ضعيفا،
لخلو معظم النصوص (5) المعتضدة بالعمل الواردة في مقام البيان عنها. ومن هنا كان
المتجه حملهما على الندب، فيكون حينئذ أقله الحفنة وأعلاه المد.
ونحو ذلك الاشباع المقدر في المشهور بالمرة، لاطلاق أكثر النصوص
المتحقق صدق امتثاله بالمرة، بل في صحيحة أبي بصير (6) منها عن الباقر عليه السلام
" يشبعهم مرة واحدة " لكن عن المفيد أنه اعتبر في الأيمان يشبعهم طول يومهم
ولم يذكر المد إلا في القتل، وعن سلار فيها أيضا " وإطعامهم لكل واحد شبعة
في يومه، ولا يكون فيه صبي ولا شيخ كبير ولا مريض، وأدنى ما يطعم كل
واحد منهم مدا " وعن الوسيلة " أنه إذا أطعهم أشبعهم، وإن أعطاهم الطعام لزمه لكل
مسكين مدان في السعة ومد في الضرورة " وعن القاضي " فليطعم كل واحد منهم
شبعة في يومه، فإن لم يقدر أطعمه مدا من طعام " وعن أبي علي " هو مخير بين
أن يطعم دون التمليك غداهم وعشاهم في ذلك اليوم، وإذا أراد تمليك الانسان الطعام
أعطى كل إنسان منهم مدا وزيادة عليه بقدر ما يكون لطحنه وخبزه وإدامه "
وعن التقي وابن زهرة الاقتصار على الاشباع في يومه، وفي خبر سماعة بن

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 6.
(2) دعائم الاسلام ج 2 ص 278 ط مصر عام 1379.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 10 - 4 - 0 - 5.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 10 - 4 - 0 - 5.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 10 - 4 - 0 - 5.
(6) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 10 - 4 - 0 - 5.
259

مهران (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن قول الله تعالى (2) من أوسط
ما تطعمون أهليكم، قال: ما يأكل أهل البيت يشبعهم يوما، وكان يعجبه مد
لكل مسكين " الحديث.
ولعل التأمل في ذلك أجمع يقتضي إرادة استحباب الزيادة على المد، وحدها
المد الآخر، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، وعلى تقديره فقد عرفت أن
الأقوى المد واستحباب الزيادة عليه إلى مد آخر.
وأما الجمع بين النصوص بالتفصيل بين حالي القدرة والعجز فهو - مع أنه
لا شاهد له - فرع المكافئة المفقودة من وجوه، كالجمع بالتفصيل بين كفارة الظهار
وغيرها، فيجب مدان في الأولى ومد في غيرها الذي ادعى مخالفته للاجماع،
ولعله كذلك.
هذا وفي المسالك " المعتبر من المد الوزن لا الكيل عندنا، لأن المد
الشرعي مركب من الرطل، والرطل مركب من الدرهم، والدرهم مركب من وزن
الحبات، ويركب من المد الصاع، ومن الصاع الوسق، فالوزن أصل الجميع، وإنما
عدل إلى الكيل في بعض المواضع تخفيفا، وتظهر الفائدة في اعتبار الشعير بالكيل
والوزن، فإنهما مختلفان جدا بالنسبة إلى مقدار البر بالكيل ".
قلت: كما جاء التقدير بالمد وليس له مكيال معروف جاء التقدير بالصاع
هنا، كما سمعته من الأمر (3) بدفع خمسة عشر صاعا، ومن المعلوم أنه مكيال
معروف، فيجوز الدفع به حينئذ من دون ملاحظة الوزن اللهم إلا أن يقال:
إن مرجعه إلى الوزن، إذ هو أربعة أمداد، وقد عرفت أن ضبط المد بالميزان،
فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 9.
(2) سورة المائدة: 5 الآية 89.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 من كتاب
الصوم.
260

(و) كيف كان ف‍ (لا يجزئ) عندنا مع الاختيار (إعطاء ما دون
العدد المعتبر وإن كان بقدر إطعام العدد) لعدم صدق الامتثال، ولموثق ابن عمار (1)
" سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أيجمع
ذلك لانسان واحد يعطاه؟ فقال: لا، ولكن يعطي إنسان إنسانا، كما قال الله
تعالى " نعم لو دفعه لواحد ثم اشتراه منه مثلا ثم دفعه لآخر وهكذا إلى تمام
الستين أجزاه بلا خلاف ولا إشكال.
(و) على كل حال ف‍ (لا يجوز التكرار عليهم من الكفارة الواحدة)
ولو في أيام متعددة، لا المتعددة التي لا خلاف في جواز التكرار فيها حينئذ (مع
التمكن من العدد) خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، فاجتزأ بالصرف إلى واحد في
ستين يوما (و) ضعفه واضح.
نعم (يجوز) ذلك في المشهور (مع التعذر) بل لم أقف فيه على
مخالف صريح معتد به، كما اعترف به غيرنا أيضا، بل في كشف اللثام يظهر من
الخلاف الاتفاق عليه، لخبر السكوني (2) المنجبر بالعمل عن أبي عبد الله عليه السلام
" قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين فلتكرار
عليهم حتى يستكمل العشرة يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غدا " واحتمال التقية من أبي
حنيفة بقرينة كون الراوي منهم يدفعه اشتماله على اشتراط جواز ذلك بعدم وجدان
غير الرجل والرجلين، وهو مناف لما سمعته من أبي حنيفة من إطلاق الاجتزاء
بذلك، فلا بأس بتقييد الاطلاق به، فضلا عن الخروج به عن الأصول.
فما عساه يظهر من بعض - من الميل إلى وجوب الصبر إلى حال التمكن -
واضح الضعف، ولكن الظاهر الخبر المزبور وبعض فتاوى الأصحاب ملاحظة التعدد في
الأيام، ولا ريب في أنه أحوط، هذا كله في المتحدة.
وأما المتعددة فلا خلاف بلا إشكال في جواز الاعطاء لواحد وإن تمكن من

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 1.
261

الغير، من غير فرق بين التسليم والاشباع، فيحتسب حينئذ إشباع المسكين مرتين
بمسكينين ولو في يوم واحد، وإن ظهر من الدروس نوع توقف فيه، قال: " ولو
تعددت الكفارات جاز أن يعطي ليومه من كل واحدة مدا، وعلى القول
بإجزاء الاشباع لو أطعم مسكينا مرتين غداء وعشاء في يوم ففي احتسابه بمسكينين
احتمال، سواء وجد غيره أو لا ".
(ويجب أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله، و) لكن (لو أعطى ما يغلب
على قوت البلد جاز) وإن لم يكن من طعام أهله، وتبعه الفاضل في القواعد،
ومرجعه إلى ما في المسالك من أن " المعتبر في الكفارة من جنس الطعام القوت
الغالب من الحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما - إلى أن قال -: ويجزئ التمر
والزبيب " بعد أن حمل آية الأوسط (1) على الندب.
وقد تبع بذلك ما في الدروس من أنه " يجب الاطعام بما يسمى طعاما،
كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما، وقيل: يجب في كفارة اليمين أن
يطعم من أوسط ما يطعم أهله، للآية وحمل على الأفضل، ويجزئ التمر
والزبيب ".
وقد أشار بالقيل إلى ما عن ابن إدريس من أنه " يجوز أن يخرج حبا ودقيقا
وخبزا وكلما يسمى طعاما إلا كفارة اليمين، فإنه يجب عليه أن يخرج من الطعام
الذي يطعم أهله للآية " (2) واختاره في محكي التحرير.
وعن ابن حمزة " أن فرضه غالب قوته فإن أطعم خيرا منه فقد أحسن، وإن
أطعم دونه جاز إذا كان مما يجب فيه الزكاة ".
وعن المفيد ره " ينبغي أن يطعم المسكين من أوسط ما يطعم أهله، وإن
أطعم أعلى من ذلك كان أفضل، ولا يطعم من أدون ما يأكل هو وأهله من
الأقوات ".
وفي محكي الخلاف " كلما يسمى طعاما يجوز إخراجه في الكفارة، وروى

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
262

أصحابنا (1) أن أفضله الخبز واللحم، وأوسطه الخبز والزيت، وأدونه الخبز
والملح - واستدل باجماع الفرقة وبقوله تعالى (2): " فإطعام ستين مسكينا " قال -:
وكل ذلك يسمى طعاما في اللغة، فيجب أن يجري مجرى الخبز في الحكم الظاهر ".
وفي النافع " يجب أن يطعم ما يغلب على قوته " بل في الرياض حكايته عن
المبسوط وجماعة.
وفي كشف اللثام عن ظهاره " الواجب في الاطعام في الكفارة من غالب قوت
البلد وكذلك زكاة الفطرة، وقال قوم: يجب مما يطعم أهله، وهو الأقوى للظاهر،
فإن أخرج من غالب قوت البلد وهو مما يجب فيه الزكاة أجزأه فإن أخرج فوقه
فهو أفضل وإن أخرج دونه فإن كان مما لا يجب فيه الزكاة لم يجزه وإن كان مما
يجب فيه الزكاة فعلى قولين، وإن كان قوت البلد مما لا يجب فيه الزكاة فإن كان
غير الأقط لم يجزه وإن كان أقطا قيل: فيه وجهان: أحدهما يجزؤه، والثاني
لا يجزؤه، لأنه مما لا تجب فيه الزكاة، والذي ورد به نص أصحابنا أن أفضله الخبز
واللحم، وأوسطه الخبز والخل والزيت، وأدونه الخبز والملح " وعن كفاراته
" ويخرج من غالب قوت أهله بلده، قال: فإن كان في موضع قوت البلد اللبن والأقط
واللحم أخرج منه ".
وفيه أيضا عن خلافه " أنه نص على وجوب ما يغلب على قوته وقوت أهله
لا البلد، واستدل بالآية (3) وقال أوجب من أوسط ما نطعم أهلنا، وهو دون ما
يطعم أهل البلد ".
وعن الفاضل في المختلف أنه استقرب ايجاب الحنطة والدقيق، وفي نهاية المرام

(1) إشارة إلى ما وراء في الوسائل في الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 2
و 3 و 5 و 9.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 4.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
263

والكفاية والرياض أن الأولى الاقتصار على إطعام المد من الحنطة والدقيق إلا
أن الأخير منهم نفى البأس عما سمعته سابقا من الخلاف من الاجتزاء بكل ما
يسمى طعاما ترجيحا للغة هنا على العرف والعادة بالاجماع الذي حكاه على ذلك، الذي
منه ينبغي حمل الآية على الندب، وكأنه أشار إلى ما في الصحاح من أن الطعام
ما يؤكل، قال: " وربما خص بالطعام البر " إلى غير ذلك من كلماتهم المختلفة
أشد اختلاف، بل بعضهما لا يرجع إلى حاصل، ولا يعرف له مستند.
وأما النصوص الواردة في تفسير الأوسط في كفارة اليمين فمنها ما هو ظاهر
في إرادة التوسط في الجنس، نحو خبر أبي بصير (1) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن
أوسط ما تطعمون أهليكم، قال: ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك، قلت: وما
أوسط ذلك؟ فقال: الخل والزيت والتمر والخبز تشبعهم به مرة واحدة " الحديث.
وغيره (2) ومنها ما هو ظاهر في إرادة التوسط في المقدار، كخبره الآخر 3)
قال: " سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل (4) من أوسط - إلى
آخرها - قال: قوت عيالك، والقوت يومئذ مد " الحديث. ولا يبعد إرادتهما
معا من الأوسط.
قلت: قد يقوى في النظر الاجتزاء بكل ما تؤكل ويسمى طعاما لو كان
الامتثال بالاشباع، لاطلاق النصوص (5) الاكتفاء باشباعهم بما يسمى إطعاما
الذي قد عرفت أن في اللغة الطعام لكل ما يؤكل، فضلا عن الاطعام الذي هو في
العرف كذلك أيضا، فيصدق حينئذ بالاشباع من الفواكه والمربيات وغيرها مما
هو أعلى منها أو أدنى.

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 5 - 3.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 5 - 3.
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 10.
(4) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(5) الوسائل الباب - 12 - و 14 - من أبواب الكفارات.
264

ووجوب المد من الحنطة والدقيق أو التمر، بل مطلق الأقوات الغالبة لو
كان بالتسليم، حملا لمطلق المد في النصوص (1) الكثيرة على ما في صحيح
الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا " لكل مسكين مد من حنطة أو
مد من دقيق وحفنة " إلى آخره المعتضد بخبر الثمالي (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عمن قال والله ثم لم يف، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كفارته إطعام عشرة مساكين
مدا مدا دقيق أو حنطة " الحديث. وغيره (4) وعلى ما في النصوص السابقة من
التصريح بالاجتزاء (5) وعلى مطلق الأقوات الغالبة لغالب الناس بناء على أن
المراد من الأوسط إلى آخره ذلك، لأنه يقتضي الإضافة إلى " أهليكم " الشامل
لأهل المكفر وغيره، فيراد من " أوسط " ما تطعمه الناس، وعلى أنه لا فرق بين
كفارة اليمين وغيرها في المراد من الاطعام المعتبر فيها وإن كانت الآية خاصة
بكفارة اليمين، فيكون المحصل من الجميع ما ذكرنا.
وقد يشهد لما ذكرنا في الجملة خبر أبي جميلة (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" في كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو
كسوتهم، والوسط الخل والزيت، وأرفعه الخبز واللحم، والصدقة مد مد من حنطة
لكل مسكين " وخبر زرارة (7) عن أبي عبد الله عليه السلام " في كفارة اليمين عتق رقبة
أو إطعام عشرة مساكين، والإدام والوسط الخل والزيت. وأرفعه الخبز واللحم،
والصدقة مد لكل مسكين " الحديث. إذ المراد من قوله عليه السلام: " والصدقة "
فيهما الإشارة إلى القسم الثاني من الكفارة الذي هو التسليم.

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 4.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 8 و 10.
(5) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 13 والباب - 14 - منها
الحديث 7.
(6) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 9.
(7) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 9.
265

بل قد يقال: اختلاف الأصحاب في ذلك بالنسبة إلى هذا القسم من الكفارة
لا الاشباع الذي لا تقدير فيه بالمد قطعا.
بل لعل عبارة المتن والقواعد ظاهرة في ذلك، حيث فرق، فيهما بين الاطعام
والاعطاء، فاجتزأ بالثاني بالغالب من قوت البلد، وأوجب في الأول الاطعام من
أوسط ما يطعم أهله المعلوم إرادة الوجوب التخييري بينه وبين الأعلى، بل
والأدنى، لما سمعته من النص (1) والفتوى على الاجتزاء بالثلاثة في الاطعام،
كما أشار إليه المصنف بقوله: (ويستحب أن يضم إليه إداما: أعلاه اللحم
وأوسطه الخل) والزيت (وأدونه الملح).
قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2) " في قول الله عز وجل (3): من
أوسط ما تطعمون أهليكم: هو كما يكون في البيت من يأكل المد، ومنهم من يأكل
أكثر من المد، ومنهم من يأكل أقل من المد فبين ذلك، وإن شئت جعلت لهم أدما،
والأدم أدناه ملح، وأوسطه الخل والزيت، وأرفعه اللحم " وقد سمعت قوله عليه السلام أيضا
في خبري أبي جميلة (4) وزرارة (5) السابقين.
بل عن المفيد وسلار إيجاب ذلك للخبرين المزبورين وإن كان هو خلاف
المشهور، بل الخبران المزبوران قاصران عن إفادة الوجوب، خصوصا بعد تفسيرهما
للوسط بذلك المشعر بعدم إجزاء غيره، مع أنهما لم يقولا به، بل ولم يقل به
أحد، على أنهما غير مكافئين للصحيح المزبور الظاهر أو الصريح في عدم الوجوب،
للتعليق فيه على المشيئة المعتضد باطلاق أدلة الاطعام كتابا (6) وسنة (7)

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 2 و 3 و 5 و 9.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 3.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 89.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 9.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 9.
(6) سورة المجادلة: 58 - الآية 4.
(7) الوسائل الباب - 12 و 14 - من أبواب الكفارات.
266

فلا بد من حمل الأمر فيهما على أفضلية الفرد المزبور من الاطعام على غيره مما
هو أدنى منه.
(و) كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه (يجوز أن يعطى العدد)
المأمور به في الكفارة عشرة أو ستين (متفرقين أو مجتمعين إطعاما وتسليما)
لصدق الامتثال وإن قال في الدروس: " هو الأفضل " بل الظاهر الاجتزاء بالتفريق،
فيطعم بعضا ويسلم آخر، للصدق المزبور أيضا.
(و) كذا لا إشكال في أنه (يجزئ إخراج الحنطة والدقيق والخبز)
بل والتمر للتصريح بها في النصوص (1) التي تقدمت.
(ولا يجزئ إطعام الصغار منفردين) محتسبا بهم من العدد إلا مع
احتساب الاثنين بواحد، وفاقا للمشهور، بل في الرياض نفي الخلاف فيه إلا من بعض
المتأخرين فاجتزأ به، للاطلاق الذي يجب تقييده بمفهوم الخبرين (2) الآتيين
المحمول ما فيهما من الاختصاص بكفارة اليمين على المثال لغيرها، ولو بقرينة
الشهرة، المؤيدة باستبعاد الفرق مع اتحاد الأمر فيهما باطعام المسكين، بل يمكن
دعوى ظهور ذلك في إرادة بيان كيفية الاطعام في جميع الكفارات وإن ذكر ذلك
في كفارة اليمين.
(ويجوز) إطعامهم (منضمين) مع الكبار محتسبا بهم من العدد، من
غير فرق بين كفارة اليمين وغيرها أيضا، وفاقا للمشهور أيضا، بل عن المبسوط
والخلاف نفي الخلاف فيه، وكأنه لم يعتن بخلاف المفيد المانع على ما قيل من
إطعامهم مطلقا في صورتي الانفراد والاجتماع مع عد الاثنين بواحد وعدمه، ولعله
لشذوذه ومخالفته إطلاق الأدلة وخصوصها.
قال الصادق عليه السلام في خبر غياث (3): " لا يجزئ إطعام الصغير في كفارة

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الكفارات الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
267

اليمين، ولكن صغيرين بكبير " وفي خبر السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام
" أن عليا عليه السلام قال: من أطعم في كفارة اليمين صغارا وكبارا فليزود الصغير بقدر
ما أكل الكبير ".
بل في صحيح يونس بن عبد الرحمن (2) عن أبي الحسن عليه السلام " سألته عن
رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين أيعطى الصغار والكبار سواء والرجال والنساء
أو يفضل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ قال: كلهم سواء، ويتمم إذا لم
يقدر على المسلمين وعيالاتهم تمام العدة التي تلزمه أهل الضعف ممن لا ينصب " إلا
أنه ظاهر في فرد التسليم الذي لا خلاف في اتحادهم فيه، إنما الكلام في فرد الاشباع
اللهم إلا أن يدعى تناول الاعطاء لهما، إلا أنه كما ترى.
وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الدليل فيما ذكره المصنف (و) غيره من
أنه (لو انفردوا احتسب الاثنان بواحد) الخبران المزبوران، إلا أن الأول
منهما مطلق شامل لصورتي الاجتماع والانفراد، بل ظاهر الثاني منهما الصورة
الأولى، ومن هنا كان المحكي عن ابن حمزة احتساب الاثنين بواحد مطلقا، ومال
إليه في الرياض، بل ربما حكي عن الإسكافي والصدوق أيضا، لكن في كفارة اليمين
خاصة وأما في غيرها فيجتزأ بهم مطلقا كالكبار.
لكن قد يقال: إن قوله عليه السلام في الصحيح المزبور: " ويتمم " (3) ظاهر
في الاجتزاء باطعام المسلم وعياله الذين فيهم الكبار والصغار محتسبا بهم من العدد
مع القدرة على ذلك، وكذا فحوى قوله عليه السلام: في صحيح الحلبي (4): " إن
من في البيت يأكل أكثر من المد وأقل " إلى آخره، مؤيدا ذلك باطلاق الأدلة

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(2) ذكر صدره في الباب - 17 - من أبواب الكفارات الحديث 3 وذيله في الباب - 18 - منها الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 3، وهو نقل بالمعنى.
268

المعتضدة بالشهرة، فتخرج هذ الصورة - أي صورة الانضمام - عن إطلاق خبر
غياث (1) وتبقى صورة الانفراد التي يحتسب فيها الاثنان بواحد.
إلا أن الظاهر مما ذكرناه إرادة التبعية من الانضمام لا مطلق إطعام كبير
مع صغير ولو في مجالس متعددة، كما عساه يتوهم، بل قد سمعت قول علي عليه السلام:
في خبر السكوني (2) المشتمل على الأمر بزيادة الصغير في صورة إطعامه مع الكبير
الذي ينبغي حمله بناء على ما ذكرنا على غير صورة التبعية من الانضمام، بل منه
يستفاد إرادة قدر ما يأكل الكبير، وذلك كما يكون باحتساب الصغيرين بواحد يكون
باحتساب أكل الصغير مرتين في وقتين مرة، إذا احتساب الاثنين بواحدة لا يصيرهما
مصداقا لمسكين، ولعل قوله عليه السلام: " فليزود " إلى آخره ظاهر فيما ذكره في
الصورة الثانية، فتأمل جيدا، فإني لم أجد شيئا من ذلك منقحا في كلامهم.
ومن هنا كان الاحتياط بالاقتصار على الكبار لا ينبغي تركه، خصوصا مع
عدم تنقيح للصغر والكبر هنا، وإن صرح بعضهم بالرجوع فيها هنا إلى العرف،
ويحتمل مراعاة البلوغ وعدمه.
(ويستحب الاقتصار) في الكفارة (على إطعام المؤمنين ومن هو بحكمهم
كالأطفال) التابعين لهم في ذلك وتسليمهم، بل خيرة الفاضل في القواعد والتحرير
والمقداد وجوب ذلك، بحيث إذا لم يجد أخرها إلى أن يتمكن كما هو المحكي
عن بني الجنيد والبراج وإدريس، بل عن الأخير منهم اشتراط العدالة مع ذلك.
(وفي المبسوط تصرف إلى من تصرف إليه زكاة الفطرة، ومن لا يجوز هناك لا يجوز
هنا) والمحكي أنها تصرف في المؤمن والمستضعف، واختاره الفاضل في الإرشاد،
وعن النهاية اشتراط الايمان مع الامكان، فإن لم يجد تمام العدة كذلك جاز إعطاء
المستضعف من المخالفين، وعن الفاضل في المختلف اختياره.
(والوجه) عند المصنف (جواز إطعام المسلم الفاسق ولا يجوز إطعام

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الكفارات الحديث 1 - 2.
269

الكافر، وكذا الناصب) ومرجعه إلى اشتراط الاسلام فيها دون الايمان،
فيجوز إعطاؤها حينئذ إلى سائر الفرق المخالفة للحق إلا من كان كافرا منهم بغلو
أو نصب أو نحوهما، لاطلاق الأدلة، وموثق إسحاق بن عمار (1) عن أبي الحسن
الكاظم عليه السلام وقد سأله عن الكفارة قال: " قلت: أفنعطيها ضعفاء من غير أهل
الولاية؟ قال: نعم، وأهل الولاية أحب إلي " كما أن صحيح يونس بن
عبد الرحمان (2) المتقدم سابقا دليل ما سمعته من الشيخ في النهاية، وكأن
المصنف جمع بينه وبين الموثق المزبور بالحمل على الندب الذي هو صريح
" أحب إلي " في الموثق، فيكون الشرط حينئذ له، لا لأصل الجواز بعد إرادة
المؤمنين فيه من " المسلمين " كإرادة الفقير من الضعفاء فيه لا المستضعف، وهو وإن
كان متوجها بالنظر إلى ما وصل إلينا من نصوص المقام التي سمعتها، ولذا اختاره
بعض من تأخر عنه، لكن من المعلوم أنه مواساة ومودة وصلة ونحو ذلك مما
لا محل لها إلا المؤمن، بل كل ما دل على منع إعطائها الكافر دال على من كان
بحكمه من الفرق المخالفة التي هي أشد من الكفار، بل لعل التعبير عنها بالصدقة
فيما مضى من النصوص (3) مشعر بكونها من قسم الصدقات الواجبة التي منها
الزكاة المتقدم في كتابها اعتبار الايمان فيها، بل قد تقدم هناك النصوص (4)
المشتملة على المبالغة في المنع عنها وعن الصدقة لهم، وأنهم ليسوا أهلا لذلك،
بل لا قربة في دفع نحو هذه الصدقات إليهم، فلاحظ وتأمل، فالمتجه حينئذ عدم
ترك الاحتياط في ذلك إن لم نقل بقوة اعتباره.
ثم إنه لا ريب في اعتبار المسكنة في مصرفها، للآية (5) والرواية (6)

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 2 و 6 و 9.
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المستحقين للزكاة والباب - 21 - من
أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.
(5) سورة المجادلة: 58 الآية 4.
(6) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات.
270

والاجماع، فيختص ص مصرفها حينئذ في المسكين، وفي المسالك " ولا يتعدى إلى غيره من
أصناف مستحقي الزكاة غير الفقير حتى الغارم وإن استغرق دينه ماله إذا ملك مؤونة
السنة وكذا ابن السبيل إن أمكنه أخذ الزكاة أو الاستدانة، وإلا ففي جواز أخذه
نظر، من حيث إنه حينئذ في معنى المسكين، ومن أنه قسيم له مطلقا، ويظهر من
الدروس جواز أخذه لها حينئذ " ونحوه في التنقيح، بل صرح بأن الأقوى
الاقتصار على المسكين.
وإن كان قد يناقش بصدق اسم الفقير على الغارم المزبور، بناء على جواز
دفعها للفقير، إما لأنه أسوأ حالا كما ذهب إليه بعضهم، إذ يكون أولى حينئذ
وإن احتمل عدم الجواز أيضا لعدم جواز صرف حق طائفة إلى أخرى، إلا أنه
كما ترى، أو لأن كل واحد من المسكين والفقير يدخل تحت الآخر حيث
ينفرد بالذكر، وإنما يبحث عن الأسوأ حالا منهما على تقدير الاجتماع، كآية
الزكاة (1).
نعم لا تصرف في الرقاب ولا في القناطر ونحوها من سهم سبيل الله تعالى
شأنه.
أما ابن السبيل فقد يقوى في النظر إلحاقه بالفقير كما سمعته من الدروس
وإن كان الذي عثرنا عليه منها هنا " ولا يجزئ ابن السبيل إذا أمكنه أخذ الزكاة
أو الاستدانة، ولا الغارم ولا الغازي إذا ملكا مؤونة السنة " بل قد يناقش في الغارم
أيضا باعتبار أن ملكه لمؤونة السنة غير الدين لا يخرجه عن اسم الفقير، والله العالم.

(1) سورة التوبة: 9 - الآية 60.
271

(مسائل أربع:)
(الأولى:)
لا خلاف نصا (1) وفتوى في أن (كفارة اليمين مخيرة العتق والاطعام
والكسوة) وقد عرفت الكلام في الأولين، وأما الأخير (فإذا كسى الفقير
يجب أن يعطيه ثوبين مع القدرة، ومع العجز ثوبا واحدا) عند الشيخ والقاضي
والحلبي وابن زهرة والفاضل في القواعد وولده في شرحه على ما حكى عن بعضهم،
جمعا بين ما في صحيح الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام " لكل إنسان ثوبان " وأخبار
إسحاق بن عمار (3) وعلي بن أبي حمزة (4) وأبي جميلة (5) عنه عليه السلام
أيضا " والكسوة ثوبان " وخبر سماعة بن مهران (6) عنه عليه السلام أيضا " ثوبين
لكن رجل " وبين صحيح أبي بصير (7) عن أبي جعفر عليه السلام " قلت: أو كسوتهم (8)

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 10.
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 13 - 2 - 9 والأول عن أبي خالد القماط.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 13 - 2 - 9 والأول عن أبي خالد القماط.
(5) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(6) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 13 - 2 - 9 والأول عن أبي خالد القماط.
(7) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 5 والباب - 15 - منها
الحديث 4.
(8) سورة المائدة: 5 - الآية 92.
272

قال: ثوب " وصحيح محمد بن قيس (1) عنه عليه السلام أيضا " ثوب يوارى عورته "
وخبر معمر (2) عنه عليه السلام أيضا " سألته عمن وجب عليه الكسوة في كفارة
اليمين، قال: هو ثوب يواري عورته " لكنه كما ترى لا شاهد له، بل لا إشعار
في شئ من النصوص به.
(و) من هنا (قيل) كما عن الشيخ والحلي ووالد الصدوق ويحيى
ابن سعيد (يجزئ الثوب الواحد مع الاختيار) بل في المتن (وهو أشبه)
بأصول المذهب وقواعده، وتبع أكثر من تأخر عنه كالفاضل في قوله الآخر
والشهيدين والمقداد والسيمري وغيرهم، ولعله كذلك، للأصل وإطلاق الأدلة
وانسياق الندب من نظم جميع ما في النصوص المزبورة الذي هو الأمر بثوب
وبثوبين، نحو ما في المرسل الحسين بن (3) سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث: ويجزئ في كفارة الظهار صبي ممن ولد في الاسلام،
وفي كفارة اليمين ثوب يواري عورته، وقال: ثوبان " لأنه حينئذ كالتخيير بين
الأقل والأكثر المحمول على ذلك.
ودعوى ترجيح نصوص الثوبين مطلقا - بأن خبرهما الصحيح أصح من خبر
أبي بصير الصحيح، لاشتراك أبي بصير نفسه وصحته إضافية، بخلاف صحيح الحلبي،
وباقي الأخبار شواهد، لأنها ضعيفة الاسناد أو مرسلة، فإن محمد بن قيس الذي
يروى عن الباقر عليه السلام مشترك بين الثقة وغيره، وخبر الحسين بن سعيد مرسل، ومعمر
ابن عثمان مجهول فلا تكافؤ حتى يجمع بينها بذلك، ومن هنا كان المحكي عن
الصدوق والمفيد والشيخ في الخلاف وسلار وابن حمزة والكيدري إطلاق وجوب
الثوبين بل عن الخلاف الاجماع عليه - يدفعها منع الاشتراك في راوي الصحيحين،
مع وجود القرينة على الثقة في أحدهما، والجمع على تصحيح رواياته في الثاني،
بل خبر معمر محتمل الصحة، لما يحكي من وجود " ابن يحيى " بدل " ابن عثمان "

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 15 - من أبواب الكفارات الحديث 2 - 3.
273

في بعض النسخ، مع أن في سنده من أجمع على تصحيح ما يصح عنه، ومن هنا قيل:
إن الأسانيد في غاية الاعتماد، ومع ذلك معتضدة بالشهرة المتأخرة وغيرها.
وأما ما عن ابن الجنيد - من حمل الكسوة على عرف الشرع في الصلاة فيفرق
حينئذ بين الرجل والمرأة فيجزئ الأول ثوب يجزؤه في الصلاة، وللثانية
درع وخمار - فلم نقف له على دليل، بل ظاهر ما سمعته من الأدلة على خلافه.
نعم لو قيل بالجمع بين النصوص باختلاف الفقراء مكانا وزمانا فمنهم من
يجزؤه الثوب ومنهم الثوبان كان وجها، لشهادة خبر محمد بن مسلم (1) عن أحدهما
عليهما السلام على ما في كشف اللثام " وأما كسوتهم فإن وافقت به الشتاء فكسوته،
وإن وافقت به الصيف فكسوته، لكل مسكين إزار ورداء، وللمرأة ما يواري ما
يحرم منها إزار ودرع وخمار " والذي وجدته في الوسائل راويا له عن تفسير
العياشي (2) " وأما كسوتهم فإن وافقت بها الشتاء فكسوتهم لكل مسكين إزار
ورداء، وللمرأة ما يواري ما يحرم منها إزار وخمار ودرع ".
وعلى كل حال فيه شهادة في الجملة على ما ذكرنا، مضافا إلى معلومية
اختلاف الكسوة بالنسبة إلى الفقراء كاختلاف الأكل، ضرورة ظهور الإضافة في
إرادة كسوتهم اللائقة بحالهم، لا مطلق مسمى كسوة.
وفي الرياض " الأجود الجمع بين النصوص بحمل الأدلة على الأفضلية، أو
ما إذا لم يحصل بالواحد ستر العورة، ولذا قيد بالستر في أكثر ما مر من المعتبرة
بخلاف الأخبار الأولة وهذا أولى، فيكون المعيار بالكسوة ما يحصل به ستر
العورة مع صدق الكسوة عرفا وعادة، كالجبة والقميص والسراويل، دون الخف
والقلنسوة بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك إلا في الأخير، ففيه إشكال وقول

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 336 سورة المائدة الحديث 167 كما في البحار نقلا
عنه ج 104 ص 225.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات الحديث 7.
274

بالعدم كما عن المبسوط، لعدم صدق الكسوة عليه عرفا، وهو متجه إلا مع إعطاء
قميص أو جبة معه لصدق الكسوة حينئذ جزما ومن هنا يظهر الحكم في نحو الإزار
والرداء وإن جزم بهما كالأول الشهيدان وغيرهما ".
قلت: قد يقال: إن التقييد بمواراة العورة جريا مجرى الغالب، وإلا فلم
نجد أحدا اعتبر ذلك، بل مقتضى إطلاقهم الاجتزاء بالقميص ونحوه الاكتفاء به
وإن لم يكن ساترا لرقته، نعم ما ذكره من أن المدار على صدق اسم الكسوة عرفا
جيد، فلا يجزئ ما لا يحصل به مسماها من الثياب.
وكيف كان فلا يجزئ ما لا يسمى ثوبا كالخف والقلنسوة والنعل والمنطقة،
لما سمعته من النصوص (1) المعتضدة بظاهر الإضافة، خلافا للمحكي عن الشافعي
فيهما في وجه.
ويكفي الغسيل من الثياب كما في القواعد وغيرها، بل عن المبسوط والسرائر
التصريح به أيضا، لاطلاق الأدلة، خلافا لظاهر المحكي عن الوسيلة والاصباح،
نعم لا يجزئ البالي ولا المرقع الذي ينخرق بالاستعمال، كما صرح به غير واحد،
للشك في تناول الاطلاق له إن لم يكن ظاهره خلافه، لبطلان المنفعة أو معظمها،
بل ربما احتمل دخوله في الخبيث.
ولا فرق في مسماه بين القميص والجبة والقباء والرداء وغيرها، كما لا فرق في
جنسه بين القطن والصوف والكتان والحرير الممزوج والخالص والقنب والشعر وغيرهما
مع الاعتياد.
بل يندرج في الكسوة ما جرت العادة بلبسه، كالجليد والفرو من جلد ما
يجوز لبسه وإن حرمت الصلاة فيه، خلافا للمحكي عن أبي علي، فاعتبر جوازها
فيه، ولا دليل عليه، نعم لا يجزئ ما يعمل من ليف أو خوص أو نحوهما مما
لا يعتاد لبسه.

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 1 و 2 و 9 و 10 و 13
والباب - 14 - منها الحديث 1 و 2 و 5 و 7 و 8 و 9 و 10.
275

ولا يشكل الأول بعدم صدق الثوب المفسر به الكسوة في النص (1) لأنه
مساق لبيان الاتحاد والتعدد لا الجنس، مع إمكان دعوى صدق الثوب عليه.
هذا وفي التحرير في الدرع إشكال، بل الدروس الجزم بالعدم، ولعله كذلك،
لعدم انصرافه من الكسوة، بل العمامة كذلك.
وفي القواعد تقييد الحرير الخالص للنساء وفيه أن ظاهر (2) الاجتزاء بتمليك
الثوب أو الثوبين، فيتحقق الامتثال حينئذ بدفعه للرجل وإن حرم عليه لبسه،
لكنه صالح للابدال وجائز لبسه للضرورة والحرب وللبيع وغير ذلك.
ويجزئ كسوة الصغار وإن كانوا رضعاء وإن انفردوا عن الرجال ومع المكنة
من كسوة الكبار، لاطلاق الأدلة، ولا يجب تضاعف العدد كما يجب في الاطعام،
للأصل وانتفاء النص هنا.
ولو تعذرت العشرة انتظر، وفي الدروس " كرر على الممكن في الأيام على
احتمال " وأشكله بأنه " يؤدي إلى أن يكسي عشرة أثواب، وذلك بعيد " قلت:
مضافا إلى عدم الدليل مع حرمة القياس عندنا، وفيها " أنه لو أخذ الكبير ما يواري
الصغير فالأشبه عدم الاجزاء " قلت: لا إشكال في عدم الاجتزاء به كسوة له، كما
لا إشكال في الاجتزاء به كسوة لصغير عنده.

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب الكفارات الحديث 4.
(2) جاء في هامش النسخة المخلوطة المبيضة " في المسودة " ظاهر النص " وضرب
على كلمة " النص " والمظنون أنه أراد أن يبدله بلفظ " الصحيح " فسها رحمه الله " وقد
راجعت النسخة المخطوطة المسودة المحفوظة في (مكتبة السيد الحكيم (قده) العامة في
النجف الأشرف) فوجدتها كما ذكره المحشي على النسخة المبيضة.
276

المسألة (الثانية:)
(الاطعام في كفارة اليمين مد لكل مسكين ولو كان قادرا على المدين،
ومن فقهائنا من خص المد بحال الضرورة، والأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده،
كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.
المسألة (الثالثة:)
(كفارة الايلاء مثل كفارة اليمين) لأنه من اليمين وإن اختص بأحكام
لكن غير الاتحاد في الكفارة، كما ستعرف.
المسألة (الرابعة:)
(من ضرب مملوكه) ذكرا أو أنثى (فوق الحد استحب له التكفير
بعتقه) وفاقا للمحكي عن ابن إدريس وأكثر المتأخرين، لصحيح أبي بصير (1)
عن أبي جعفر عليه السلام " من ضرب مملوكا حدا من الحدود من غير حد أوجبه المملوك
على نفسه لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه " المحمول على ذلك بقرينة خبره الآخر
عنه عليه السلام (2) أيضا: " إن أبي ضرب غلاما له ضربة واحدة بسوط، وكان بعثه في
حاجة فأبطأ عليه، فبكى الغلام وقال: الله تبعثني في حاجتك ثم تضربني؟! قال:
فبكى أبي، وقال: يا بني اذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله فصل ركعتين، فقل:

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 من كتاب
الحدود.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
277

اللهم اغفر لعلي بن الحسين خطيئته، ثم قال للغلام: اذهب فأنت حر، فقلت:
كان العتق كفارة للذنب فسكت " الظاهر في ذلك من وجوه ولو من سكوته في مقام
البيان.
وأما خبر عبد الله بن طلحة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن رجلا من بني فهد
كان يضرب عبدا له والعبد يقول: أعوذ بالله تعالى، فلم يقلع عنه، فقال: أعوذ
بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فأقلع الرجل عنه الضرب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يتعوذ بالله فلا تعيذه
ويتعوذ بمحمد فتعيذه؟! والله أحق أن يجار عائذة من محمد، فقال الرجل: هو حر
لوجه الله تعالى، فقال: والذي بعثني بالحق نبيا لو لم تفعل لواقع وجهك حر
النار " فهو غير ما نحن فيه وإن كان لا يخلو من إشعار في الجملة، على أنا لم نتحقق
القول بالوجوب صريحا وإن كان عساه يظهر من بعض عبارات القدماء التي لا وثوق
بإرادة ذلك منها.
وكيف كان فقد يقال: إن المستفاد من خبر أبي بصير الثاني استحباب عتقه بمجرد
الضرب الذي هو غير مستحق عليه وإن جاز للمولى للتأديب، بل يمكن إرادة ذلك
من الحد في خبره الأول لا الحد المصطلح وإن قال في المسالك تبعا لغيره: " إن
المتبادر من الحد المتجاوز هو المقدار من العقوبة المستحقة على ذلك الفاعل مع
إطلاق الحد عليه شرعا، فلا يدخل التعزير، ويعتبر فيه حد العبيد لا الأحرار،
وقيل يعتبر حد الأحرار، لأنه المتيقن، ولأصالة بقاء الملك سالما عن تعلق
حد العتق على مالكه، وهذا يتأتي على القول بالوجوب، أما على الاستحباب: فلا،
لأن المعلق على مفهوم كلي يتحقق بوجوده في ضمن أي فرد من أفراده، وحمله
على حد لا يتعلق بالمحدود بعيدا جدا، ومن أن ظاهر الرواية ما ذكرناه من اعتبار
حد العبيد حدا ".
ولا يخفى عليك سقوط هذا الكلام من أصله بناء على ما ذكرناه، بعد

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
278

الاغضاء عن بعض ما فيه، خصوصا بعد ملاحظة العتق من علي بن الحسين عليه السلام
بالضربة الواحدة التي تظلم منها العبد، وخصوصا بعد التسامح في أمر الندب،
ويمكن القول بتأكد الندب في الفرض الذي ذكره، بل يزداد تأكدا لو ضربه حد
الأحرار، والله العالم.
(المقصد الرابع)
(في الأحكام المتعلقة بهذا الباب، وهي مسائل:)
(الأولى:)
(من وجب عليه شهران فإن صام هلاليين فقد أجزاء ولو كانا ناقصين)
بلا خلاف ولا إشكال، لصدق الامتثال، فإن الشهر حقيقة ما بين الهلالين (وإن صام
بعض الشهر وأكمل الثاني اجتزأ به وإن كان ناقصا) لما عرفت، (ويكمل الأول
ثلاثين) من الشهر الثالث، لانكساره، فيتعذر اعتبار الهلال فيه، فيرجع إلى
العدد.
(وقيل: يتم) من الثالث (ما فات من الأول) لأنه أقرب إلى الشهر
الحقيقي، وقيل: ينكسر الشهران بانكسار الأول لأن الثاني لا يدخل حتى يكمل
الأول، فيتم من الثاني الذي يليه ثلاثين أو مقدار ما فات منه، ويتم الثاني من
الذي يليه كذلك.
(والأول أشبه) عند المصنف وقد تقدم تحقيق المسألة في كتاب
279

الطلاق (1) وقلنا: إن الثاني أشبه لا الأول.
وتظهر الثمرة في ما لو صام من آخر رجب يوما وهو ناقص ثم أتبعه بشعبان
وهو كذلك، فيقضي تسعة وعشرين من شوال على الأول، وناقصا منه بواحد على
الثاني، وينتفي التتابع على الثالث في محل الفرض، لكون الذي صامه ثلاثين،
وهو نصف ما عليه وفي غيره - بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان - صح التتابع إن
صام بعد العدد يوما.
ومن ذلك يظهر لك ضعف القول المزبور، لما عساه يظهر من صحيح منصور
ابن حازم (2) عن الصادق عليه السلام من صحة التتابع فيمن صام شعبان في الظهار إذا كان
قد زاد يوما، فلاحظ وتأمل، فإن إطلاقه إنما يتم على مختار المصنف وكذا
القول الذي ذكره، أما على انكسارهما وإتمامهما ثلاثين ثلاثين فلا يتم إلا في صورة
تمام الشهرين، أما إذا كانا ناقصين أو أحدهما فلا يتم، لعدم حصول الزيادة، نعم
لو قلنا باتمام الأول بمقدار ما فات منه مما يليه يتم في صورة تمامهما ونقصانهما
وتمامية شعبان ونقصان رجب دون العكس، والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(المعتبر) عندنا (في) الكفارة (المرتبة) ب‍ (حال الأداء لا حال
الوجوب) كالوضوء والصلاة وغيرهما من العبادات المراعي فيها ذلك، باعتبار تناول
إطلاق النصوص حال الأداء قدرة أو عجزا، ولا يشكل ذلك بمنافاته لمقتضي
الاستصحاب إن قلنا بتعلق الوجوب حاله بخصلة خاصة، وبعدم اقتضاء الأمر
الوجوب إن لم نقل، لأن المتجه بناء على ما ذكرنا الوجوب على ما يقتضيه الحال
في سائر أوقات الامتثال، فلا استصحاب وإن صادف الخطاب حالا من الأحوال،

(1) راجع 32 ص 249.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم.
280

كما هو واضح.
وبذلك يظهر لك أن التحقيق ذلك وإن قلنا بفورية الكفارة، لأنها ليست
توقيتا، فمع فرض العصيان يشمله إطلاق الأدلة، فما عساه يظهر من بعض العبارات
من أن مبنى المسألة التراخي في الكفارة في غير محله. وحينئذ (فلو كان قادرا
على العتق وعجز صام ولا يستقر العتق في ذمته) خلافا للمحكي عن بعض العامة من
اعتبار حال الوجوب تغليبا لجانب العقوبة، وآخر من اعتبار أغلظ الحالين، لكونها
حقا واجبا في الذمة بوجود المال، فيعتبر حال اليسار كالحج، وآخر من اعتبار
أغلظ الأحوال من الوجوب إلى الأداء حتى لو أيسر استقر العتق عليه،
وليس لأصحابنا في المقام إلا الأول، وإن قال بعضهم باعتبار حال الوجوب في
القصر والاتمام.
ولو أعتق العبد ثم أيسر قبل الصوم ففي القواعد ومحكي المبسوط يعتق لأنه
حال الأداء موسر، وقد يحتمل العدم، لأن الرقية منعت من سببية الحنث لغير
الصوم، بخلاف الحر لتحقق السببية بالنسبة إليه والعجز إنما يمنع من الحكم، فإذا
انتفى عمل السبب عمله.
والتحقيق عدم الفرق، لأن العبودية أحد أسباب العجز أيضا، وإلا فسببية
الظهار شاملة للحر والعبد، ومن اعتبر من العامة حال الوجوب جعل عليه الصوم، ومن
اعتبر أغلظ الحالين أو الأحوال اعتبر الأغلظ من حين العتق والأداء إلى الأداء،
والله العالم.
281

المسألة (الثالثة:)
(إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه، بل يجب)
عليه (الصبر) لعدم الفورية، فلا يتحقق إطلاق " لم يجد " (1) الذي هو شرط
الانتقال، وكذا لو لم توجد الرقبة فعلا، ولكن ثمنها موجود وهي مما يتوقع
وجودها، بل عن الشيخ التصريح بوجوب ذلك عليه (ولو كان) الصبر (مما
يتضمن المشقة) عليه (بالتأخير كالظهار) لشدة شبق مثلا، لصدق الوجدان
معها.
(و) لكن (في الظهار تردد) من ذلك ومن قاعدة " لا ضرر ولا ضرار "
ونفي الحرج في الدين وسهولة الملة وسماحتها وسقوط كثير من التكاليف بها، فيتجه
حينئذ الانتقال وإن صدق معه اسم الواجد، كانتقال المكلف إلى التيمم مع وجدان
الماء بالمشقة في استعماله مثلا، بل الأصح ذلك مع فرض بلوغ المشقة حدا يسقط
معها التكليف، كما هو واضح.

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 4 وسورة المائدة: 5 - الآية 92.
282

المسألة (الرابعة:)
(إذا عجز عن العتق) في المرتبة (فدخل في الصوم) ولو لحظة من اليوم
(ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العتق) وفاقا للمشهور لصحيح محمد بن مسلم (1)
عن أحدهما عليهما السلام قال: " سئل عمن ظاهر في شعبان ولم يجد ما يعتق، قال: ينتظر
حتى يصوم شهرين متتابعين، فإن ظاهر وهو مسافر انتظر حتى يقدم، وإن صام
وأصاب مالا فليصم الذي ابتدأ " ولما في المسالك وغيرها من " أنه عند الشروع كان
فاقدا، ومن ثم يشرع البدل، فلو لم يسقط التعبد بالعتق لم يكن الصوم بدلا،
ومتى ثبت السقوط استصحب، والخطاب متعلق بالعتق قبل الشروع في الصوم لا بعده "
ثم حكي عن ابن الجنيد أنه لو أيسر قبل أن يصوم أكثر من شهر وجب العتق،
لمرسل محمد بن مسلم (2) أيضا الذي هو كالصحيح عن أحدهما عليهما السلام " في رجل صام
شهرا من كفارة الظهار ثم وجد نسمة، قال: يعتقها ولا يعتد بالصوم " ورده بأنه
محمول على الأفضل جمعا بينه وبين صحيح الآخر. وهذا هو الذي أشار إليه
المصنف بقوله: (وإن كان أفضل).
لكن قد يقال باقتضاء ذلك التخيير لا الترتيب الذي هو ظاهر الأدلة، وبأن
قوله تعالى (3): " فمن لم يجد " إن كان شرطا لصوم كل يوم من أيام الشهرين

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 4 - من أبواب الكفارات الحديث 1 وذيله
في الباب - 5 - منها الحديث 1 وفيه " قال: ينتظر حتى يصوم شهر رمضان ثم يصوم شهرين
متتابعين.... وإن صام فأصاب ما لا فليمض الذي ابتدأ فيه " كما هو كذلك في التهذيب
ج 8 ص 17 والاستبصار ج 3 ص 267 والفقيه ج 3 ص 344 والكافي ج 6
ص 156.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
(3) سورة المجادلة: 58 - الآية 4.
283

كما هو الظاهر اتجه الاستئناف حينئذ حتى إذا وجد قبل الانقضاء اليوم الأخير
بلحظة، وإن كان شرطا لأصل الشروع في الصوم لم يشرع العتق حينئذ، لا أنه
أفضل، لسقوط الأمر به بالأمر ببدله الذي هو الصوم، كما هو مقتضى ما سمعته
من الدليل الذي حكيناه عن المسالك وغيرها، بل لعل ذلك هو المناسب لقولهم:
" إن العبرة بحال الأداء الذي هو قبل تمام الصوم منه، بل ولما ذكروه
في التيمم من انتفاض التيمم بوجدان الماء في أثنائه، بل ولقاعدة الشغل
وغير ذلك.
فالمتجه حينئذ الترجيح بين الصحيحين، ولا ريب في حصوله للأول، للشهرة
العظيمة والصحة في السند، فإن الأول على ما قيل مروي في التهذيب بسندين
صحيحين، بل أكثر رواة أحدهما المجمع على تصحيح ما يصح عنه، بخلاف الثاني،
فإنه ليس كذلك، ولغير ذلك، فيطرح الآخر حينئذ.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك مبني على ما سمعته سابقا من عدم سقوط خطاب
مشروعية العتق بعدم الوجدان، وإنما الساقط تعينه، ولذا لو تكلف الفقير وأعتق
أجزأه، فيتجه حينئذ العمل فيه بحمله على الأفضلية.
(وكذا) الكلام فيما (لو عجز عن الصيام فدخل في الاطعام ثم زال
العجز) لكن ينبغي أن يكون العلة فحوى الصحيح (1) المزبور المعتضد بعدم
القول بالفصل، ولولا ذلك لا شكل إلحاق حكمه بالعتق، لما عرفت من ظهور
الأدلة بخلافه.
وعلى كل حال ينبغي أن يعلم أن سقوط الحكم بالعتق على تقدير الشروع
في الصوم يصير مراعى باكمال الصوم على الوجه المأمور به، فلو عرض في أثنائه
ما يقطع التتابع ووجدت القدرة على العتق حينئذ إما بالاستمرار السابق أو بأمر متجدد
وجب العتق، لوجود المقتضي له، وهو القدرة عليه قبل أن يشرع في الصوم، لأنه

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الكفارات الحديث 2.
284

ببطلان السابق ينزل منزلة من لم يصم أصلا بالنسبة إلى الكفارة ولو فقدت القدرة
على الأعيان قبل أن يجب استئناف الصوم بقي حكم الصوم بحاله، إذ هو حينئذ
كمن وجد الماء في أثناء الصلاة وقلنا بوجوب بقائه عليها، فإنه لا يفسد التيمم إلا أن
يستمر وجدان الماء إلى أن يفرغ من الصلاة ويتمكن من استعماله، فإن فقد قبل
ذلك بقي التيمم بحاله، ولو فرض قطعه الصلاة بسبب محرم قبل فقدان الماء بطل
التيمم حينئذ وكلف بالطهارة المائية.
المسألة (الخامسة:)
(لو ظاهر ولم ينو العود فأعتق عن الظهار قال الشيخ: لا يجزؤه، لأنه
كفر قبل الوجوب وهو حسن) بل لا نعلم للأصحاب قولا بخلافه، كما اعترف
به في المسالك، لكن بناه على أن السبب في التكفير العود، لمعلومية عدم مشروعية
تقدم المسبب على سببه، ثم قال: " نعم لو جعلنا السبب هو الظهار والعود شرطا
أو جعلنا العود جزء السبب احتمل جواز تقديمها كما يجوز تقديم الزكاة على
الحول مع وجود بعض سببها، وهو ملك النصاب وعدم تمامه بالحول، وهو قول لبعض
الشافعية، والشيخ وافقهم على تعجيل الزكاة، ووافق هنا على عدم إجزاء الكفارة،
وكلاهما عندنا ممنوع ".
وفيه أنه لا فرق في عدم الاجتزاء على التقادير الثلاثة، ضرورة عدم تعقل
الامتثال قبل الأمر، والتقديم في الزكاة على القول به بأمر مستقل في التعجيل،
أو أن تمام الحول شرط كاشف، كما تقدم تحقيق الحال في ذلك.
285

المسألة (السادسة:)
(لا تدفع الكفارة إلى الطفل، لأنه لا أهلية له) لقبول التمليك المعتبر في فرد
التسليم في الكفارة، لظهور قوله عليه السلام (1): " لكن مسكين مد " وأنها صدقة
في ذلك (و) لكن (تدفع إلى وليه) كغيرها مما يعتبر فيها التمليك، وكذا
المجنون فما عن الخلاف من الخلاف في ذلك واضح الضعف، نعم لو كانت بالاطعام
جاز مباشرته، لعدم اعتبار التمليك فيها.
وما في المسالك - من احتمال المنع بدون إذن الولي كالتسليم، لأن مقتضى
عموم ولايته توقف التصرف في مصالح الطفل على أمره - واضح الفساد، ضرورة رجحان
الاحسان عقلا وشرعا، على أن الإذن هنا إن قلنا بها فهي في أصل التصرف
في إشباع الطفل لا بالنسبة إلى صحة قبضه وترتب الملك عليه، نحو ما سمعته
في التسليم.
وأما الكسوة فظاهر اللام في النصوص (2) انحصارها في التمليك، فلا يجوز
دفعها حينئذ للطفل والمجنون، بل تدفع إلى وليهما، فاحتمال جواز مباشرته لها -
لأنها من ضروراته، ولا يمكن الولي ملازمتها وهي ملبوسة له، فتكون في معنى
الاطعام - واضح الفساد.

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب الكفارات.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 1 والباب - 14 - منها
الحديث 7 و 10.
286

المسألة (السابعة:)
(لا تصرف الكفارة إلى من تجب نفقته على الدافع، كالأب والأم والأولاد
والزوجة والمملوك) بلا خلاف أجده فيه، لا (لأنهم أغنياء بالدافع) كما
أوضحناه في كتاب الزكاة (1) بل لانسياق غيرهم من الأدلة خصوصا مع ملاحظة
قوله تعالى (2): " من أوسط ما تطعمون أهليكم " المشعر بكون المساكين غيرهم،
وملاحظة قول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الرحمن (3) الوارد في الزكاة: " خمسة
لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب والأم والولد والمملوك والزوجة، وذلك لأنهم
عياله لازمون له " المشعر بأن العيالية منافية لصدق إيتاء الزكاة الظاهر في خروجها
عنه وعن عياله، ضرورة اقتضاء إعطائها لعياله رجوعها إليه بنوع من الاعتبار،
وكذا الصدقة التي منها الكفارة، بل لعل ما دل (4) على عدم أكل العيال من
العقيقة لأنها صدقة مشعر بذلك، بل قد يدعى معلومية ذلك من الشرع على وجه
يعرفه كل تابع له.
ومن ذلك يظهر لك جواز دفع الغير لهم الكفارة مع بذلها ممن عليه وعدمه،
لعدم هذه الموانع، كما جاز دفع الزكاة من غير المنفق لهم عدا المملوك حتى

(1) راجع ج 15 ص 395 - 403.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 92.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 47 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 من كتاب النكاح
إلا أنه ليس فيه التعليل بأنها صدقة، نعم ورد في المستدرك في الباب - 34 - من أحكام
الأولاد الحديث 2 " فإن لم يطبخه فلا بأس أن يتصدق به " وفي البحار ج 10 ص 252
ط الحديث " لا يصلح لها - أي الأم - الأكل منه فليتصدق بها كلها ".
287

الزوجة إن لم يقم إجماع، كما تقدم تحقيقه في كتاب الزكاة (1) وبه أفتى
جملة من الأساطين، فلاحظ وتأمل ليظهر لك ما في تعليل المصنف هنا المقتضي
عدم الفرق بين المنفق وغيره.
بل وما في إطلاق الفاضل في القواعد من عدم جواز صرفها إلى ولد الغني ولا
إلى من تجب نفقته عليه، وكذا ما فيها أيضا من جواز دفعها لعبد الفقير بناء على
جواز تملكه قبول الهبة أو أذن له مولاه وإلا فلا، إذ فيه أن الإذن لا تصيره قابلا
للتملك حتى يصح دفعها له، نعم لا بأس باطعامه مع عدم نهي المولى بناء على
جواز ذلك له، لأنه إحسان.
ثم قال: " ولا يجوز صرفها إلى من تجب عليه نفقته إلا مع فقر المكفر على
إشكال " قيل: من أنه حينئذ لا يجب عليه الانفاق، فيكون كالأجنبي الفقير،
وقوله عليه السلام في حسن جميل (2) لمن أفطر في رمضان: " فخذه فأطعمه عيالك،
واستغفر الله تعالى " وقول الصادق عليه السلام في خبر إسحاق بن عمار (3): " إن الظهار
إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه، ولينو أن لا يعود قبل أن يواقع ثم
ليواقع، وقد أجزأ ذلك عنه عن الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما
من الأيام فليكفر، وإن تصدق بكفه وأطعم نفسه وعياله فإنه يجزؤه إذا كان محتاجا،
وإن لم يجد ذلك فليستغفر الله ربه، وينوي أن لا يعود، فحسبه بذلك والله
كفارة " ومن أنه إذا تمكن من الاطعام للكفارة فهو متمكن منه للقرابة مثلا،
وهو مقدم فيجب عليه.
ولا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة عدم مدخلية
الفقر والغني في عدم جواز صرفها لمن وجبت نفقته عليه، لما سمعته من عدم صدق

(1) راجع ج 15 ص 397 إلى 401.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 4.
288

الامتثال كما عرفت، ثم لا ملازمة بين الفقر وعدم وجوب الانفاق، إذ قد تجب
النفقة عليه وإن كان فقيرا، بمعنى أنه لا يملك مؤونة السنة، ولكن بملك نفقة جملة
من الأيام، وأما الخبران المزبوران فمن المعلوم إرادة سقوط الكفارة عنه فيهما،
وإلا فإطعام النفس ليس منها قطعا، وحينئذ فالمراد أن الله تعالى يحسب ذلك
كفارة له بعد الاستغفار والندم.
هذا وقد تقدم في الزكاة ما يستفاد منه جملة من الأحكام في المقام، مثل
جواز دفع الزكاة للعيال لا للانفاق، بل للتوسعة عليهم، ومثل دفعها إليهم، لأن
عندهم من يعولون، وغير ذلك من الفروع التي لا يخفى عليك جريانها في المقام،
بل من التأمل فيما هناك يظهر لك النظر فيما في المسالك وغيرها فمن الغريب
إرسالهم الحكم هنا إرسال المسلمات من غير إحالة له على ما تقدم، فلاحظ
وتأمل.
(و) على كل حال فلا خلاف ولا إشكال في أنها أي الكفارة (تدفع
إلى من سواهم) ممن لا تجب نفقته (وإن كانوا أقارب) ولكن بشرط المسكنة
والايمان، بل هم أفضل من غيرهم، والله العالم.
289

المسألة (الثامنة:)
قد عرفت فيما تقدم أنه (إذا وجبت الكفارة في الظهار وجب تقديمها على
المسيس سواء كفر بالعتق أو بالصيام أو بالاطعام) وإن لم يصرح به في الأخير في
الآية (1) إلا أنه معطوف على المصرح به، خلافا للإسكافي في خصوص الاطعام،
وقد سمعت ضعفه، والله العالم.
المسألة (التاسعة:)
(إذا وجب عليه كفارة مخيرة كفر بجنس واحد) عتق أو صيام أو
إطعام (ولا يجوز أن يكفر بنصفين من جنسين) بأن يصوم شهرا ويطعم ثلاثين
مثلا، بلا خلاف أجده ولا إشكال، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه، نعم لا بأس
باختلاف أفراد الصنف الواحد منها، كما لو أطعم بعضهم قوتا خاصا وآخر
غيره، أو كسى أحدهم ثوبا والآخر ثوب من جنس آخر، لصدق اسم الاطعام
والكسوة، كما هو واضح.

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 4.
290

المسألة (العاشرة:)
(لا يجزئ دفع القيمة في الكفارة، لاشتغال الذمة بالخصال لا بقيمتها)
التي لا تندرج في إطلاق الأمر بالاطعام مثلا حتى في الفرد الذي يراد منه التمليك
للاطعام، والاجتزاء بها في الزكاة ونحوها للدليل، ومن هنا لم يكن خلاف في
ذلك عندنا، بل في المسالك هو إجماع وإن خالف فيه بعض العامة لنوع من
الاستحسان الذي ليس بحجة عندنا كالقياس على الزكاة.
المسألة (الحادية عشرة:)
(قال الشيخ: من قتل في الأشهر الحرم وجب عليه صوم شهرين متتابعين
من أشهر الحرم وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق، لرواية (وهي رواية خ ل)
زرارة (1) والمشهور عموم المنع) بل حكى غير واحد الاجماع عليه، كما تقدم
الكلام في ذلك مفصلا في كتاب الصوم (2) فلاحظ.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
(2) راجع ج 17 ص 88.
291

المسألة (الثانية عشرة:)
(كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما،
فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام) لخبر أبي بصير وسماعة (1)
قالا: " سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم
يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة، قال: فليصم ثمانية عشر
يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام " المؤيد بالموثق (2) " عن رجل ظاهر عن
امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام، قال: يصوم ثمانية عشر
يوما " وإن كان مورده خاصا بالظهار الذي هو أحد أفراد الكلية الشاملة للكفارة
المرتبة والمخيرة لكن على معنى تعذر الفردين الآخرين وتعين الصوم عليه فعجز
عنه على الوجه المراد منه، لا كما في المسالك حيث قال: " إطلاق وجوب الشهرين
يشمل ما لو وجب بسبب كفارة أو نذر وما في معناه وما لو وجبا في الكفارة تعيينا
أو تخييرا، لأن الواجب المخير بعض أفراد الواجب بقول مطلق - ثم قال -: وفي
الحكم بذلك على إطلاقه إشكال، وفي مستنده قصور، لكن العمل بذلك مشهور بين
الأصحاب - إلى أن قال بعد أن ذكر كلاما في الأثناء -: وبالجملة ليس لهذا الحكم
مرجع يعتد به حتى يلحظ عليه ما يناسبه من الأحكام " وتبعه على ذلك
بعض من تأخر عنه.
وفيه أنه المستند ما سمعت من الخبر المنجبر بالشهرة التي حكاها، والموثق

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 نقلا عن
التهذيب ج 4 ص 312 عن أبي بصير إلا أن الموجود في الاستبصار ج 2 ص 97 عن أبي بصير
وسماعة بن مهران.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
292

الذي يرد منه خصوص الظهار ولو بقرينة الشهرة، بل بيان حكم خاص لكيفية
التكفير التي لا فرق فيها بين الظهار وغيره، خصوصا بعد ملاحظة ما هو كالتعليل
للحكم المزبور في الخبر الأول الظاهر - ولو بقرينة ذكر العتق والصدقة - في
الكفارة لا ما يشمل النذر، وكذا نحو عبارة المتن وغيرها، بقرينة ذكر ذلك من
أحكام الكفارة، وكونه تعبيرا عن مضمون الخبرين المزبورين.
ومن ذلك يعرف ما في دعوى تناول الاطلاق المزبور للنذر، كما عرفت ما في
دعوى شموله للمخيرة على الوجه الذي ذكره، ضرورة عدم انسياقه من إطلاق
الوجوب ثم العجز الظاهر في المعين إلا على الوجه الذي ذكرناه، وهو تعين ذلك
بتعذر الفردين الآخرين، لعدم ما يجده للعتق والصوم، فتعين عليه الصوم بتخيل
القدرة عليه فعجز عن الاتيان به على الوجه المراد منه، وشرع له بدل آخر عن إطعام
الستين، وهو صوم الثمانية عشر، بل هو كذلك أيضا في المرتبة، بل قد يدعى أن
المراد من إطلاق نحو المتن ذلك أيضا.
ومنه يعلم حينئذ إرادة التتابع فيها، لأنها من الكفارة وإن قال في المسالك
وغيرها: " وفي اشتراط التتابع في الثمانية عشر وجهان: من أصالة البراءة، وكون
التتابع واجبا في الأصل فكذا في البدل، والملازمة ممنوعة " لكنه كما ترى،
ضرورة انسياق التتابع في كل صوم شرع كفارة، خصوصا في المقام.
ومما ذكرنا يعلم أيضا أن المراد بالصدقة عن كل يوم بمد الثمانية عشر
لا الستين كما عن بعضهم، بل جعله في نهاية المراد أحد الوجهين، ضرورة أنك قد
عرفت كون مفروض المسألة تعذر الآخرين في المرتبة والمخيرة، فلا يصح فرض
الصدقة على الستين المتقضي للتمكن من فرد الاطعام الذي لا يقتضي الانتقال معه
إلى صوم الثمانية عشر في المرتبة والمخيرة، ولعل الوجه فيه فحوى ما ورد (1) في

(1) لم يرد التصدق بمدين لصوم كل يوم في قضاء شهر رمضان، إلا في موثق سماعة
- على ما قيل في بعض نسخة - المروي في الوسائل في الباب - 25 - من أبواب أحكام
شهر رمضان الحديث 5 وتعرض لها في الجواهر ج 17 ص 33 نعم في صحيحة ابن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام في الشيخ الكبير والذي به العطاش أنه لا حرج عليهما أن يفطرا
في شهر رمضان " ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام ". راجع الوسائل
الباب - 15 - من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.
293

النصوص في قضاء شهر رمضان وغيره من أنه مد أن لصوم كل يوم بل لعل إطعام
الستين مع تعذر الشهرين في المرتبة يومئ إلى ذلك. وبذلك كله ظهر لك الوجه
فيما ذكره المصنف وغيره من الأصحاب.
فما عن الإسكافي والمفيد - من عدم البدل للظهار مع تعذر الخصال للأصل
المقطوع بما عرفت، بل والصدوقين من أن بدله التصدق بما يطيق - واضح الضعف،
بل لا شاهد للأخير سوى قاعدة الميسور التي لا تعارض الدليل المخصوص، بل
العمل بها دونه كالاجتهاد في مقابلة النص.
نعم قد يعارض الخبر (1) المزبور صحيح ابن سنان أو حسنه (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام " في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به
على ستين مسكينا، قال: يتصدق ما يطيق " وفي صحيحه الآخر (3) عنه عليه السلام
أيضا " في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر، قال: يعتق
نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر تصدق بما
يطيق " بل عن ظاهر الكليني العمل بهما، بل قيل: إنه فتوى التهذيبين
صريحا، بل في الرياض أنه لا يخلو من قوة، لصحة السند، ولموافقة قاعدة
الميسور.
وجمع الشهيد في الدروس بينهما تبعا للفاضل في محكي المختلف بالتخيير
بينهما الذي هو مقتضى الجمع، ولثبوته في المبدل منه فكذا في البدل.

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم.
راجع التعليقة (1) من ص 292.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 1.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 - 1.
294

وفيه أن المتجه الجمع بينهما بالتخصيص، فيخرج حينئذ كفارة شهر رمضان
من الحكم المزبور، كما سمعته من ظاهر الكليني والشيخ، بل حكي عن الصدوقين
أيضا وجماعة، وإن لم يكن على الوجه الذي ذكرناه جمعا بين النصوص، بل
لا محيص عنه مع مراعاة مقتضى أصول المذهب وقواعده، ودعوى خرقه الاجماع
المركب واضحة الفساد، لعدم استقرار إجماع فيها تستريح به النفس، كما هو
واضح.
وأما الاستغفار الذي أشار إليه المصنف بقوله: (فإن لم يستطع
استغفر الله تعالى ولا شئ عليه) فظاهر الأصحاب الاتفاق على بدليته مع العجز عن
خصال الكفارة على الوجه الذي عرفت في غير الظهار الذي قد تقدم البحث فيه على
ما اعترف به في المسالك، كما أنه قد تقدم البحث عن ذلك في الجملة في كتاب
الصوم (1).
وقد سمعت قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (2): " كل من عجز عن
الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين
الظهار " وفي خبر زرارة (3) عن أبي حعفر عليه السلام " سألته عن شئ من كفارة
اليمين - إلى أن قال -: قلت: فإن عجز عن ذلك، قال: فليستغفر الله عز وجل
ولا يعود ".
بل لعل ظاهرهما خصوصا الأول منهما بدليته على وجه تسقط عنه الكفارة
لو تمكن بعد ذلك، والمناقشة في سند الخبرين بعد الانجبار بما سمعت لا وجه لها،

(1) راجع ج 16 ص 311.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الكفارات الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات الحديث 6.
295

كالمناقشة بأنه لم يجعل بدلا في الكفارات التي سئل عنها النبي صلى الله وآله (1) في
رمضان وغيره مع اعتراف السائل بالعجز، إذ هو لا ينافي ثبوته في دليل آخر،
وقد عرفت سابقا أن مقتضى إطلاقها الاكتفاء بالمرة فيه بدلا.
نعم الأولى له أن يضم إليه الندم على ما وقع والعزم على عدم العود إليه إن
كان عن ذنب وإلا اكتفى به، والله العالم بحقيقة الحال.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 و 5 من
كتاب الصوم والباب - 1 - من كتاب الظهار الحديث 4 ومن أبواب الكفارات
الحديث 2.
296

(كتاب الايلاء)
وهو في الأصل الحلف من آلوت أي قصرت، يقال: آلى يولي إيلاء، والاسم
الألية والألوة، والجمع ألايا، مثل عطية وعطايا، وكذا يقال: ائتلى يأتلي ائتلاء
ومنه قوله تعالى (1): " ولا يأتل أولي الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى
والمساكين ".
وشرعا حلف الزوج على ترك وطء زوجته الدائمة المدخول بها قبلا أو مطلقا
مقيدا بالزيادة على الأربعة أشهر أو مطلقا للاضرار بها، كما ستسمع تفصيل ذلك
كله إنشاء الله.
والأصل فيه قوله تعالى (2): " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة
أشهر، فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم "
بل منها يستفاد الوجه في جملة من أحكامه الآتية.
وقد كان طلاقا في الجاهلية كالظهار، فغير الشارع حكمه، وجعل له أحكاما
خاصة إن جمع شرائطه، وإلا فهو يمين يعتبر فيه ما يعتبر في اليمين، وحينئذ فكل
موضع لا ينعقد إيلاء مع اجتماع شرائط اليمين يكون يمينا، كما ذكره غير
واحد، بل أرسلوه إرسال المسلمات وإن كان قد يناقش بأن المتجه عدم ترتب
أحكام اليمين عليه، لأنه قصد به الايلاء، والفرض عدم انعقاده، فما قصد لم يقع
وما وقع لم يقصد.
لكن قد يدفع بأن الايلاء فرد من مطلق اليمين، ويشخصه مورده لا قصده،

(1) سورة التوبة: 24 - الآية 22.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 226 و 227.
297

إذ الذي ذكروه في الفرق بينه وبين اليمين مع اشتراكهما في أصل الحلف والكفارة
الخاصة جواز مخالفته في الايلاء، بل وجوبها على وجه ولو تخييرا مع الكفارة،
دون اليمين المطلقة، وعدم اشتراط انعقاده مع تعلقه بالمباح بأولويته دينا أو دنيا
أو تساوي طرفيه، بخلاف مطلق اليمين، واشتراطه بدوام الزوجة كما ستعرف دونه،
وانحلال اليمين على ترك وطئها بالوطء دبرا مع الكفارة دون الايلاء، وهي أجمع
بعد الاغضاء عن المناقشة في بعضها أحكام لا تغير مهيته.
ولعله لذا اكتفى الأصحاب فيه بكل لسان مع اشتراط العربية للقادر في
غيره من العقود والايقاعات، إذ ليس ذلك إلا لأن الايلاء لم يكن للشارع تصرف
في إيقاعيته على وجه تغاير إيقاعيته اليمين وإن كان قد يتوهم من قولهم: " كتاب
الايلاء " وقولهم: " هو لغة كذا وشرعا كذا " إلا أن ذلك كله على ضرب من التسامح،
وليس الايلاء إلا يمينا مخصوصة باعتبار خصوص موردها، مثل الصرف والسلم
بالنسبة إلى البيع، فتأمل جيدا، وربما تسمع له تأييدا.
(و) كيف كان ف‍ (النظر في أمور أربعة:)
(الأول:)
(في الصيغة و) من المعلوم أنه (لا ينعقد الايلاء إلا بأسماء الله)
سبحانه و (تعالى) المختصة به أو الغالبة فيه، بلا خلاف أجده فيه، للأصل ولأنه
كما عرفت من اليمين المعتبر فيه ذلك، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (1) " من كان حالفا فليحلف
بالله أو فليصمت " وقال محمد بن مسلم (2) " قلت لأبي جعفر عليه السلام قول الله عز وجل
" والليل إذا يغشى " (3) " والنجم إذا هوى " (4) وما أشبه ذلك، فقال: إن

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 28.
(2) الوسائل البا ب - 3 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(3) سورة الليل: 92 - الآية 1.
(4) سورة النجم: 53 - الآية 1.
298

لله تعالى أن يقسم من حلقه بما شاء، وليس لخلقه أن يقسموا إلا به " وقال
الصادق عليه السلام: في صحيح الحلبي: (1) لا أرى أن يحلف الرجل إلا بالله تعالى "
وقال عليه السلام في صحيحه الآخر (2) أيضا: " والايلاء أن يقول: والله لا أجامعك
كذا وكذا، والله لأغيظنك ثم يغاضبها، فإنه يتربص به أربعة أشهر " الحديث.
إلى غير ذلك من النصوص.
نعم قد يقال بالاكتفاء بكل ما يدل على الحلف بمسمى الاسم من موصول
وصلة وإشارة ونحو ذلك مما يصدق معه أنه حلف بالله تعالى المعلوم
إرادة كونه حلفا بمسماه لا بخصوص اسمه، ويأتي إنشاء الله تمام البحث في
ذلك في الأيمان.
وعلى كل حال فلا ينعقد لو كان الحلف بالكعبة أو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو
الأئمة عليهم السلام وغيرها مما هو محترم وإن أثم بهتك الحرمة للاسم، بل والمسمى
كما نص عليه في كشف اللثام، بل لا بد (مع) ذلك من (التلفظ) بها
أي بالجملة القسمية، فلو قال: " لأتركن وطأك " لم يقع وإن أشعرت اللام
بالقسم للأصل.
(ويقع بكل لسان) لصدق الايلاء والحلف معه وإن قلنا باشتراط العربية
في غيره من العقد والايقاع، لكن قد عرفت أن الايلائية ليست شيئا
زائدا على اليمين الذي يقع بكل لسان، وهو مؤيد لما ذكرناه سابقا، كما
أشرنا إليه.
نعم لا بد أن يكون ذلك (مع القصد إليه) فلا يقع من الساهي والنائم
والسكران ونحوهما.
(واللفظ الصريح) فيه هو قول: (والله) تعالى (لا أدخلت فرجي في

(1) الوسائل الباب - 3 - من الايلاء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
299

فرجك) وما أشبهه (أو يأتي باللفظة المختصة بهذا الفعل) كالنيك، بناء
على اختصاصه بالوطء في القبل دون الدبر (أو ما يدل عليه صريحا) من
نحو ذلك.
(والمحتمل) الذي هو في المتن (كقوله: لا جامعتك ولا وطأتك، فإن
قصد) به (الايلاء صح، ولا يقع مع تجرده عن النية، وفيه أنهما من الصريح
عرفا وإن كانا في الأصل للأعم من ذلك، ولذا اكتفى بالأول منهما في صحيح (1)
أبي بصير عن الصادق عليه السلام " سألته عن الايلاء ما هو؟ فقال: هو أن يقول الرجل
لامرأته: والله لا أجامعك " وكذا في غيره أيضا، فالأصح كونه من الألفاظ
الصريحة.
(أما لو قال: لا جمع رأسي ورأسك بيت أو مخدة أو لا ساقفتك) بمعنى
" لا جمعني وإياك سقف " ونحو ذلك من الملاصقة والملامسة والمباشرة مما هو
كناية عن المعنى المزبور (قال في الخلاف: لا يصح به إيلاء) وتبعه ابن إدريس
والفاضل على ما حكي عنهما، للأصل وحصر الايلاء في غير واحد من النصوص (2)
فيما لا يشمل ذلك، (وقال في المبسوط: يقع مع القصد، وهو حسن) بل عن
الفاضل في التحرير والتلخيص والمختلف اختياره، لاطلاق أدلة الايلاء، ولحسن يزيد
ابن معاوية (3) " إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته ولا يمسها ولا يجمع رأسه
ورأسها فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر " وفي خبر أبي الصباح الكناني (4)
" الايلاء أن يقول الرجل لامرأته: والله لأغضبنك أو لأسوأنك " وصحيح
الحلبي (5) السابق، ولما عرفت من أن الايلاء من اليمين المعلوم انعقاده
بذلك، وهو الأقوى.

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الايلاء الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 1 و 6 والباب 9 منها.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الايلاء الحديث 1 عن بريد بن معاوية.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الايلاء الحديث 1 - 3.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
300

(ولو قال: " لا جامعتك في دبرك " لم يكن مؤليا) لأنه محسن غير
مضار، وكذا لو قال: لا وطأتك في حيض أو نفاس " أو نحو ذلك.
(وهل يشترط تجريد الايلاء عن الشرط؟ للشيخ قولان، أظهرهما)
عند المصنف (اشتراطه) كما عن بني حمزة وزهرة وإدريس ويحيى بن سعيد
والفاضل في أحد قوليه، (فلو علقه بشرط أو زمان متوقع) أو صفة (كان لاغيا)
بل عن الخلاف الاستدلال عليه بالاجماع والاخبار وأصالة البراءة، لكن لعل المراد
بالأخبار ما سمعته من النصوص (1) المتضمنة لتفسيره منجزا: وإلا فلم نقف
على خبر يدل على الحكم المزبور بخصوصه، وبالاجماع أنه إنما وقع مطلقا،
ولا دليل على وقوعه مشروطا، نعم عن ابن زهرة دعوى الاجماع على اشتراط
التجريد، كما عن ظاهر السرائر.
إلا أن الأقوى مع ذلك جوازه وفاقا للمحكي عن المبسوط والمختلف،
لما عرفت من عدم تسبيب للشارع في الايلاء زائد على تسبيب اليمين المعلوم قبوله
للشرط، وحينئذ فكل ما جاز في مطلق اليمين يجوز فيه، بل هو ليس إلا فردا
مخصوصا من اليمين، والنصوص (2) المزبورة إنما سيقت لبيان صيغته بالنسبة
إلى المحلوف به والمحلوف عليه، لا غير ذلك مما يشمل المفروض،
والاجماع المزبور بالمعنى الذي ذكرناه يرجع إلى الاحتياط الذي لا يعارض
الاطلاق.
وأما إجماع ابن زهرة المعتضد بظاهر السرائر فلم نتحققه، بل لعل المحقق
خلافه، وكأنه نشأ من توهم كون الايلاء كغيره من أفراد الايقاع المعلوم
عدم جواز تعليقه بالاجماع وغيره مما عرفته سابقا، كالطلاق ونحوه إلا ما خرج
ونحوه.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 1 و 6 والباب - 9 - منها.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 1 و 6 والباب - 9 - منها.
301

ولكن قد عرفت أنه ليس الايلاء إلا اليمين الذي قد دل الدليل على جواز
تعليقه، وليس له إنشائية زائدة على إنشائيته، ولا تسبيب زائد على تسبيبه، نعم
لهذا الفرد الخاص من اليمين وهو المتعلق بترك جماع الزوجة الدائمة أزيد من
المدة أحكام شرعية بها استحق اسم الايلاء، ودعوى أن من خصوصيته كونه منجزا
لا دليل عليها، بل لعل الاطلاق يقتضي خلافها، ولعله إلى ذلك أشار في كشف
اللثام، حيث إنه بعد أن اختار الجواز فرق بينه وبين غيره من الايقاع -
كالطلاق والعتاق - بأنهما إيقاعان، والتعليق ينافي الايقاع، والايلاء يمين
والتزام.
(و) كيف كان ف‍ (لو حلف بالعتاق لا يطأها أو بالصدقة أو التحريم)
بأن قال: إن جامعتك فعبدي حر أو مالي صدقة أو أنت أو فلانة محرمة علي أو
نحو ذلك (لم يقع) عندنا يمينا فضلا عن الايلاء (ولو قصد الايلاء) لما عرفته
من اعتبار الحلف بالله تعالى.
(و) كذا (لو قال: إن أصبتك فعلي كذا لم يكن إيلاء) بلا خلاف
ولا إشكال، وإنما ذكره تنبيها على خلاف بعض العامة في ذلك، وضعفه بل فساده
واضح عندنا.
(ولو آلى من زوجته وقال للأخرى: شركتك معها) أو أنت شريكتها
أو مثلها أو نحو ذلك (لم يقع بالثانية ولو نواه إذ) قد عرفت أنه (لا إيلاء
إلا مع النطق باسمه) تعالى ولا تجزئ الكناية عنه وإن قلنا بالاكتفاء بها في
المحلوف عليه، بل في المسالك " فإن التصريح باسمه عماد الدين (1) حتى لو قال به:
لأفعلن كذا ثم قال: أردت بالله لم ينعقد يمينه، وهذا مما اتفق عليه الكل وإن
اختلفوا في مثل قوله: أنت طالق ثم قال للأخرى: شركتك معها، فقد قال جمع
بوقوعه، لأن الكنايات فيه عن الطلاق، وهو مما قد قيل بوقوعه أيضا
ككناية المحلوف عليه هنا " وهو حسن إلا دعوى اعتبار التصريح به بحيث

(1) هكذا في النسختين المخطوطتين وفي المسالك " فإن التصريح باسمه عماد اليمين ".
302

لا يجزئ الضمير.
(و) على كل حال ف‍ (لا يقع) الايلاء (إلا في إضرار) بلا خلاف
أجده في ذلك، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، (فلو حلف لصلاح اللبن أو لتدبير
في مرض لم يكن له حكم الايلاء، وكان كالأيمان) قال الصادق عليه السلام في خير
السكوني (1): المنجبر بما عرفت " أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير
المؤمنين إن امرأتي أرضعت غلاما وإني قلت: والله لا أقربك حتى تفطميه،
قال عليه السلام: ليس في الاصلاح إيلاء " وقد تقدم ما في صحيح الحلبي (2) وغيره (3)
من أن " الايلاء أن يقول: والله لا أجامعك كذا وكذا، والله لأغيظنك ثم
يغاضبها " ونحوه ما في خبر أبي الصباح (4) " الايلاء أن يقول الرجل لامرأته:
والله لأغضبنك ولأسوأنك " وفي الخبر أو الصحيح (5) " إن تركها من غير
مغاضبة أو يمين فليس بمؤل " فمن الغريب وسوسة بعض الناس في الحكم المزبور،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(2) الوسائل الباب في الباب - 1 - من أبواب الايلاء الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الايلاء الحديث - 0 - 3.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الايلاء الحديث - 0 - 3.
(5) الوسائل الباب في الباب - 1 - من أبواب الايلاء الحديث 1 و 2.
303

الأمر (الثاني:)
(في المؤلى) لا خلاف كما لا إشكال بل الاجماع بقسميه عليه في أنه
(يعتبر فيه البلوغ وكما العقل والاختيار والقصد) مضافا إلى ما عرفته مكررا
من الأدلة العامة الدالة على اشتراطها في غيره من العقود والايقاعات.
(ويصح من المملوك حرة كانت زوجته أو أمة) لمولاه أو لغيره مع اشتراط
رقية الولد وعدمه، للعموم كتابا (1) وسنة (2)، بل لا أجد فيه خلافا ولا إشكالا،
نعم في المسالك " أما إذا كانت حرة فظاهر، إذ لا حق للمولى في وطئه وعموم الآية (3)
يتناوله، وأما إذا كانت أمة للمولى أو لغيره وشرط مولاه رقية الولد فقد ينقدح عدم
وقوع الايلاء منه، لأن الحق فيه لمولاه، فيتوقف على إذنه " وفيه منع حق للمولى
على وجه يصح إجباره عليه، ووجوب الطاعة ليس حقا في خصوص الفرض، وإلا
لجاء الاشكال في الحرة أيضا، فالمتجه العموم.
(و) كذا يصح (من الذمي) وغيره من الكفار المقرين بالله للعموم،
وامتناع صحة الكفارة منهم ما داموا كفارا لا يقدح في صحته، لأن الشرط مقدور
عليه بتقديمه الاسلام، ولا ينحل بالاسلام، خلافا لمالك، ولم يخالف الشيخ هنا في
الوقوع منه وإن خالف في الظهار، مع أن المقتضي واحد.
هذا وفي المسالك " والتقييد بالذمي من حيث اعترافه بالله تعالى، وينبغي أن
لا يكون على وجه الحصر فيه، بل الضابط وقوعه من الكافر المقر بالله تعالى ليتوجه
حلفه به " ويقرب منه ما في كشف اللثام.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 1 و 6 والباب - 9 - منها.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
304

وقد يقال بترتب حكم الايلاء عليه من التكفير ونحوه بالحلف بالله وإن لم
يكن مقرا به، لأنه مكلف بالفروع التي منها ترتب ذلك على الحلف بالله من المقر
وغيره للعموم ولأنه لولا ذلك لم يتوجه اليمين عليه لو ادعى عليه.
(و) كذا يصح (من الخصي) الذي يولج ولا ينزل بلا خلاف (و) لا
إشكال، للعموم.
نعم (في صحته من المجبوب) الذي لم يبق من آلته ما يتحقق به اسم
الجماع (تردد) من العموم ومن كونه يمينا على الممتنع، بل وخلاف. لكن
(أشبهه الجواز) وفاقا للمبسوط والتحرير والإرشاد والتبصرة والتلخيص، لعموم
الكتاب (1) الذي لا ينافيه ما في السنة من كون " الايلاء أن يقول: والله
لا أجامعك " (2) لامكانه منه بالمساحقة، خصوصا إذا بقي من آلته دون الحشفة
يلجه في الفرج وينزل منه، وأولى من ذلك بالجواز ما لو عرض الجب بعد
الايلاء.
(و) على كل حال ف‍ (تكون فئته) بناء على ما ذكرنا العود إلى
المساحقة، لا أنها تكون (كفئة العاجز) لمرض ونحوه التي هي القول باللسان
" لو قدرت لفعلت ". نعم قد يقال: إن فئته ذلك لو فرض تعذر المساحقة منه،
ولا ينافي ذلك عدم صدق الجماع حتى على المساحقة، لاطلاق قوله تعالى (3):
" للذين يؤلون " وليس في شئ من النصوص السابقة اشتراط الجماع الذي يمكن
دعوى انسياقه إلى غير المساحقة، بل أقصاها أن يقول الرجل لزوجته: " والله
لا أجامعك " وهو متحقق فيمن يكون مجامعته المساحقة ونحوها، بل ومن لا يكون
له مجامعة أصلا، بناء على ما ستعرفه من عدم اعتبار إمكان وقوع المحلوف عليه

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 266.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 1 والباب - 9 - منها
الحديث 1 و 2.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 266.
305

من الحالف في الايلاء، فيتحقق حينئذ بذلك، وتكون فئته القول باللسان والعزم على
الفعل مع فرض إمكانه له، ضرورة أن ذلك فئة مثل هذا المولى الذي فرض تناول
الأدلة له، نعم قد يقال: إنه وإن سلم كون فئته ذلك لكن لا ريب في عدم تحقق
الاضرار الذي اعتبروه شرطا، إذ الفرض أنه لاجماع له، اللهم إلا أن يمنع
شرطيته ذلك على وجه ينافي ذلك، وإنما المراد منها إخراج الحلف لصلاح الولد
ونحوه، لا بحيث يشمل المقام، ومن هنا كان المشهور تحقق الايلاء، مع أنك قد
عرفت الاتفاق على اعتبار الاضرار، ولا يمكن ذلك إلا - بما قلناه.
وعلى كل حال فما في المسالك - من أن الأصح عدم الايلاء منه، لفقد
شرط الصحة منه، وهو مخصص لعموم الآية، والفرق بينه وبين المريض توقع زوال
عذره دونه، ومرافعته وضرب المدة له ليقول باللسان ذلك في حكم العبث الذي
لا يليق بمحاسن الشرع، حتى التزم لذلك بطلان الايلاء لو عرض الجب في أثنائه،
لاستحالة بقاء اليمين مع استحالة الحنث، ومجرد المطالبة باللسان وضرب المدة
لذلك قبيح، كالمجبوب ابتدءا - لا يخلو من نظر بعد الإحاطة بما ذكرناه،
مضافا إلى إمكان منع عدم انعقاد اليمين على الممتنع، للاطلاق، واستحالة الحنث
لا ينافي انعقادها.
لكن الانصاف عدم تحقق الاضرار بالزوجة الذي قد عرفت اعتباره مع الحال
المزبور إلا على المساحقة التي ذكرناها، فتأمل جيدا. هذا كله المجبوب الذي
لم يبق من آلته ما يتحقق به اسم الجماع، وإلا جاز الايلاء بلا خلاف ولا
إشكال، بل في شرح الصيمري الاجماع عليه.
306

الأمر (الثالث:)
(في المؤلى منها، و) لا خلاف في أنه (يشترط) فيها (أن تكون
منكوحة بالعقد لا بالملك) بل لعله إجماع، لعدم اندراج المملوكة في
" نسائهم " (1) وفي الزوجة.
(وأن تكون مدخولا بها) بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في كشف
اللثام، حتى ممن قال بعدم اعتباره في الظهار، كالمفيد وسلار وابني زهرة وإدريس،
فإن المحكي عنهم التصريح هنا باعتباره، نعم في المسالك " وربما قيل به هنا أيضا،
ولكنه نادر " وإن لم نتحققه، ولعله نظر في النصوص الدالة على ذلك هنا،
كصحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام قال: " في غير المدخول بها لا يقع
عليها إيلاء ولا ظهار " وخبر أبي الصباح (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يقع
الايلاء إلا على امرأة قد دخل بها زوجها " وفي خبر آخر (4) عنه عليه السلام " إن أمير
المؤمنين عليه السلام سئل عن رجل آلى من امرأته ولم يدخل بها، قال: لا إيلاء حتى
يدخل بها، قال: أرأيت لو أن رجلا حلف ألا يبني بأهله سنتين أو أكثر من ذلك
أيكون إيلاء؟ ".
لكن قد يقال إن ذلك مناف لما سمعته من المشهور من وقوعه من المجبوب
الذي لا يتصور دخول فيه، مع فرض جبه عليه وجه لم يبق من الذكر شئ يتحقق
به الدخول، اللهم إلا أن يحمل الدخول في كلامهم هنا على ما يشمل دخول

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(2) الوسائل الباب - 8 - من كتاب الظهار الحديث 2 عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام إلا أن الموجود في التهذيب ج 8 ص 21 الرقم 65 عن أبي جعفر أو
أبي عبد الله عليهما السلام.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الايلاء الحديث 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الايلاء الحديث 2 - 3.
307

المجبوب من المساحقة ونحوها.
(و) كيف كان ف‍ (في وقوعه بالمستمتع بها تردد، أظهره المنع) وفاقا
للمشهور إما لتبادر الدائمة من النساء والزوجة أو لظهور قوله تعالى (1): " وإن
عزموا الطلاق " بعد قوله: " وللذين يؤلون " في قبول المولى منها له، وهو منتف في
المستمتع بها، نحو ما جاء في النص من الاستدلال على اعتبار النكاح الدائم في
المحلل بقوله تعالى (3): " فإن طلقها " كما نبهنا عليه في محله، فلاحظ وتأمل.
ولما قيل: أن لازم صحته جواز مطالبتها بالوطء وهو غير مستحق للمستمتع بها،
ولأصالة بقاء الحل في موضع النزاع، ولقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن أبي
يعفور (4): " لا إيلاء على الرجل من المرأة التي تمتع بها ".
خلافا للمحكي عن المرتضى من الوقوع بها، للعموم الذي لا يخصصه عود
الضمير إلى بعض المذكورات سابقا، ومطالبتها مشروطة بالدوام نظرا إلى الغاية،
وهو لا يستلزم عدم وقوعه بدون المطالبة، والأصل مقطوع بالايلاء الثابت
بالآية (5) وهو كما ترى، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب النكاح:
فلاحظ.
(ويقع بالحرة والمملوكة) كما يقع من الحر والمملوك، للعموم، بلا
خلاف أجده فيه. (و) لا في أن (المرافعة إلى المرأة لضرب المدة و) كذا
(إليها بعد انقضائها المطالبة بالفئة ولو كانت أمة، ولا اعتراض للمولى) لأن
حق الاستمتاع لها لا لمولاها.
(و) كذا (يقع بالذمية كما يقع بالمسلمة) للعموم، والله العالم.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 227.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 من كتاب الطلاق.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(4) التهذيب ج 8 ص 8 الرقم 22.
(5) سورة البقرة: 2 الآية 226.
308

الأمر (الرابع:)
(في أحكامه، وفيه مسائل)
(الأولى:)
(لا ينعقد الايلاء حتى يكون التحريم) بالحلف (مطلقا) فيحمل على
التأبيد، ضرورة توقف الصدق على الانتفاء في جميع الأوقات (أو مقيدا بالدوام)
الذي هو تأكيد لما اقتضاه الاطلاق (أو مقرونا بمدة تزيد على الأربعة أشهر)
ولو لحظة وإن انحلت بعدها اليمين، قال زرارة (1): " قلت لأبي جعفر عليه السلام:
رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر، قال: فقال: لا يكون إيلاء حتى يحلف
أكثر من أربعة أشهر " (أو مضافا إلى فعل لا يحصل إلا بعد انقضاء مدة التربص
يقينا أو غالبا، كقوله وهو بالعراق: حتى أمضي إلى بلاد الترك وأعود، أو يقول:
ما بقيت) الذي هو بمعنى أبدا، فإن أبد كل انسان عمره، بل لو قال: ما بقي
زيد فكذلك في أحد الوجهين أو أقواهما مع غلبة الظن ببقائه، لأن الموت المعجل
كالمستبعد في العادات، فيكون كالتعليق على خروج الدجال.
(ولا يقع لأربعة أشهر فما دون) لما عرفت (ولا معلقا بفعل ينقضي
قبل هذه المدة يقينا أو غالبا أو محتملا على السواء) لعدم صدق الحلف على أكثر
من أربعة أشهر، ولعدم تحقق قصد المضارة، فلا يحكم بكونه مؤليا وإن اتفق مضي
أربعة أشهر ولم يوجد المعلق به، بل يكون يمينا، لما عرفت من عدم تحقق قصد
المضارة في الابتداء، وأحكام الايلاء منوطة به، لا بمجرد اتفاق الضرر بالامتناع من

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الايلاء الحديث 2.
309

الوطء كما لو امتنع من غير يمين، وحينئذ فيرتفع اليمين لو وجد المعلق به قبل
الوطء وتجب الكفارة لو وطأ قبل وجوده حيث ينعقد اليمين.
قلت: قد يقال: إن لم يكن إجماعا - على ما سمعت المدار على واقعية
الزيادة - على أربعة أشهر - لا ظن حصولها أو عدمه، فإن الصدق يدور مداره -
فمع فرض التعليق لغاية يضم في العادة بلوغها الأزيد من أربعة فاتفق عدمه خلاف
العادة وبالعكس لا معنى لجريان حكم الايلاء على الأول دون الثاني المتحقق فيه
الصدق دون الأول، وكذا محتمل الوقوع فاتفق تأخره عن الأربعة، ولا دليل
على اعتبار إحراز ذلك على الوجه المزبور، نعم هو كذلك لتعجيل حكم الايلاء،
لا لأصل كونه إيلاء حتى بعد الانكشاف، فتأمل جيدا، فإني لم أجد ذلك محررا
في كلماتهم.
(ولو قال: والله لا وطأتك حتى أدخل هذه الدار) ولم يكن له مانع
منها لا يرتفع إلا بما زاد على أربعة أشهر (لم يكن إيلاء، لأنه يمكنه التخلص
من التكفير مع الوطء بالدخول) الذي هو غاية الحرمة (وهو مناف للايلاء)
المعتبر فيه حرمة الوطء عليه أزيد من الأربعة إلا مع الكفارة، إذ هو الذي تتحقق
به المضارة، بل لا يصدق على مثله أنه آلى إلى أزيد من أربعة أشهر بعد أن كان غاية
اليمين راجعة إلى اختياره، كما هو واضح.
310

المسألة (الثانية:)
(مدة التربص في الحرة والأمة) والمسلمة والذمية (أربعة أشهر)
من حين الايلاء على الأصح، كما ستعرفه (سواء كان الزوج حرا أو مملوكا)
مسلما أو ذميا بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (1) فيه
مضافا إلى الكتاب (2) وما عن مالك في الزوج المملوك وأبي حنيفة في الزوجة
المملوكة - من كون المدة فيهما على النصف في الحر والحرة لقاعدته - كالاجتهاد في
مقابلة النص.
(و) على كل حال ف‍ (المدة حق للزوج وليس للزوجة مطالبته فيها
بالفئة) لكن إن وطأ فيها كفر وانحل الايلاء وإلا تربص إليها، قال الباقر
والصادق عليهما السلام في الصحيح (3): " إذا آلي الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها
قول ولا حق في الأربعة الأشهر، ولا إثم عليه في كفه عنها في الأربعة أشهر، فإن
مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسها فما سكتت ورضيت فهو في حل وسعة، وإن
رفعت أمرها قيل له: إما أن تفئ فتمسها، وإما أن تطلق، وعزم الطلاق أن يخلي
عنها، فإذا حاضت وطهرت طلقها فهو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء،
فهذا الايلاء الذي أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله " ونحوه
غيره (4).
ولا ينافي ذلك خبر أبي مريم (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " عن رجل آلى من

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 3 وهو مضمر إلا أن في
الاستبصار ج 3 ص 255 عن أبي عبد الله عليه السلام.
311

امرأته، قال: يوقف قبل الأربعة أشهر وبعدها " المنزل على إرادة الايقاف قبلها
لالزام الحكم عليه بعد تلك المدة، لا لالزام الطلاق أو الايفاء، فإنه إنما يكون
بعد، ليوافق غيره من النصوص (1) المجمع عليها، كخبر أبي الجارود (2) " أنه
سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: الايلاء يوقف بعد سنة، فقلت: بعد سنة، فقال: نعم يوقف بعد سنة " المنزل على إرادة أنه يوقف ولو مضت سنة لم يرفع أمره فيها،
ولا تكون مطلقة بمضي المدة ليوافق غيره من النصوص أيضا التي منها خبر
عثمان (3) عن أبي الحسن عليه السلام " سألته عن رجل آلى من امرأته متى يفرق
بينهما؟ قال: إذا مضت أربعة أشهر ووقف، قلت له: من يوقفه؟ قال: الإمام،
قلت: وإن لم يوقفه عشر سنين، قال: هي امرأته ".
بل ظاهر النص (4) والفتوى أن المدة المزبورة حق للزوج ليس لها
مرافعته وإن كان قد ترك وطء ما قبل الايلاء بأربعة أشهر أو أقل مثلا، وفي المسالك
" ولو فرض كونه تاركا وطأها مدة قبل الايلاء يفعل حراما بالنسبة إلى ما زاد
من أربعة أشهر من حين الوطء، لأنه لا يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من ذلك،
ولا ينحل بذلك اليمين، لأن الايلاء لا ينحل بذلك ".
وفيه أن ظاهر الآية (5) والنصوص (6) بل هو صريح الصحيح (7)
المزبور عدم الإثم عليه في ترك الوطء مدة التربص مطلقا، بل لعل الغالب عدم وطئها
قبل الايلاء بآن ما، بل لو كان المراد تربص الأربعة في خصوص الموطوءة في زمان
متصل بايقاع الايلاء وإلا اتجه لها المطالبة قبل المدة المزبورة لصار زمان الايلاء

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث - 0 - 2 - 4.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث - 0 - 2 - 4.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث - 0 - 2 - 4.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(6) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء.
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
312

شهرا وشهرين وأقل وأكثر إذا فرض ترك وطئها قبل الايلاء بثلاثة أشهر أو شهرين
ونحو ذلك، وهو مناف للنص والفتوى، وإن قال الفاضل في القواعد: " ولو كان
الوطء يجب بعد شهر مثلا فحلف أن لا يطأها إلى شهرين ففي انعقاده نظر " ولعله
من القصور عن المدة المقدرة للايلاء، ومن أن الايلاء إنما انعقد لامتناعه من
الوطء مدة يجب عليه في أثنائها، ولكن لا ريب في أن الأول أقوى، كما اعترف به
في كشف اللثام.
وكيف كان فلا ريب في ظهور النص (1) والفتوى في أن المدة المزبورة حق
للزوج ليس لها المطالبة فيها إذا آلى وإن ترك وطيها سابقا، ولعل هذا أيضا من
أحكام الايلاء، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة.
وعلى كل حال (فإذا انقضت) الأربعة أشهر (لم تطلق بانقضاء المدة)
عندنا، للأصل وظاهر الكتاب (2) والسنة (3) أو صريحها، خلافا لأبي
حنيفة، فقد جعل المدة وقت الفئة، وقال: " إذا لم يفئ فيها طلقت طلقة بائنة "
ولعل قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (4): " إذا آلى الرجل من امرأته
فمكث أربعة أشهر فلم يفئ، فهي تطليقة، ثم يوقف فإن فاء فهي عنده على
تطليقتين، وإن عزم فهي بائنة منه " مطرح أو محمول على ما عن الاستبصار من
أنه إذا طلق بعد الأربعة أشهر فهي تطليقة رجعية، فإن فاء أي راجعها كانت عنده
على تطليقتين، وإن عزم حتى خرجت من العدة فقد صارت بائنة لا يملك رجعتها
إلا بعقد جديد ومهر مسمى، وإن بعد إلا أنه خير من الطرح الذي لا بد
منه مع فرض عدم تأويله، لاتفاق الكتاب والسنة القطعية (و) الاجماع
على خلافه.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(3) الوسائل الباب - 8 و 9 - من أبواب الايلاء.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الايلاء الحديث 4.
313

بل لو فرض عدم طلاق الزوج لها بعد المدة (لم يكن للحاكم طلاقها)
خلاف أجده فيه، لأن " الطلاق بيد من أخذ بالساق " (1) ولفحوى
النصوص (2) الدالة على حبسه والتضييق عليه ليفئ أو يطلق، مضافا إلى ظاهر
الكتاب (3) والسنة (4) أو صريحهما، وما في مضمر عثمان (5) من أنه " إن لم
يفئ بعد أربعة أشهر حتى يصالح أهله أو يطلق جبر على ذلك، ولا يقع طلاق
فيما بينهما حتى يوقف وإن كان بعد الأربعة الأشهر، فإن أبى فرق بينهما الإمام "
كالذي في خبره السابق الآخر (6) محمول على إرادة جبر الإمام له على
ذلك إن لم يفئ، فما عن مالك والشافعي في أحد قوليه - من أن له ذلك -
واضح الفساد.
(و) على كل حال ف‍ (إذا رافعته فهو مخير بين الطلاق والفئة، فإن
طلق فقد خرج من حقها، ويقع الطلاق رجعة (الطلقة رجعية خ ل) إن لم
يكن ما يقتضي البينونة (على الأشهر) بل المشهور، بل لم يعرف المخالف بعينه
وإن أرسله بعض، لأنه الأصل في الطلاق، ولذا احتاج البائن إلى سبب يقتضيه،
وللنصوص (7) التي منها قول الصادق عليه السلام في حسن يزيد بن معاوية (8): (فإذا

(1) كنز العمال ج 5 ص 155 الرقم 3151.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الايلاء.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 226 و 227.
(4) الوسائل الباب - 8 و 9 - من أبواب الايلاء.
(5) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الايلاء الحديث 4 عن عثمان بن عيسى،
عن سماعة قال: " سألته.... ".
(6) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 4.
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الايلاء الحديث 1 والباب - 10 - منها
الحديث 2.
(8) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الايلاء الحديث 1 عن بريد بن معاوية.
314

مضت الأربعة أشهر أوقف، فإما أن يفئ فيمسها، وإما أن يعزم على الطلاق فيخلي
عنها حتى إذا حاضت وطهرت من محيضها طلقها تطليقة قبل أن يجامعها بشهادة
عدلين، ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء ".
فما في صحيح منصور بن حازم (2) عن الصادق عليه السلام " المؤلي إذا وقف فلم
يفئ طلق تطليقة بائنة " محمول على من يرى الإمام إجباره على البائنة بفدية، أو
على من كانت عند الرجل على تطليقة واحدة، وكذا مضمره الآخر (2) " إن
المؤلي يجبر على أن يطلق تطليقة بائنة " وفي الكافي عن غير منصور (3) " أنه يجبر
على أن يطلق تطليقة يملك فيها الرجعة، فقال له بعض أصحابه: إن هذا ينتقض،
فقال: لا، التي تشكو فتقول يجبرني ويضربني ويمنعني من الزوج يجبر على أن
يطلقها تطليقة بائنة، والتي تسكت ولا تشكو شيئا يطلقها تطليقة يملك فيها
الرجعة " الحديث.
ثم على تقدير طلاقه رجعيا إن استمر عليه فذاك وإن رجع عاد الايلاء،
كما ستسمع تمام الكلام فيه إنشاء الله.
وعلى كل حال فبطلاقها يخرج عن حقها (وكذا إن فاء) ورجع إلى
وطئها يخرج عن حقها أيضا.
(وإن امتنع عن الأمرين) بعد مرافعة الحاكم (حبس وضيق عليه حتى
يفئ أو يطلق) بلا خلاف أجده فيه، قال الصادق عليه السلام في خبر غياث بن
إبراهيم (4): " كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أبى المؤلي أن يطلق جعل له حظيرة
من قصب وأعطاه ربع قوته حتى يطلق " وقال في خبر حماد بن عثمان (5) " كان
أمير المؤمنين عليه السلام يجعل له حظيرة من قصب يحبسه فيها ويمنعه من الطعام والشراب
حتى يطلق " وفي المرسل (6) " إن فاء وهو أن يرجع إلى الجماع وإلا حبس

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الايلاء الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الايلاء الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الايلاء الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الايلاء الحديث 3 - 1 - 4.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الايلاء الحديث 3 - 1 - 4.
(6) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الايلاء الحديث 3 - 1 - 4.
315

في حظيرة من قصب وشدد عليه في المأكل والمشرب حتى يطلق " بل عن الفقيه
" روي (1) أنه متى أمره إمام المسلمين بالطلاق فامتنع ضرب عنقه، لامتناعه
على إمام المسلمين " وفي مرسل خلف بن حماد (2) عن الصادق عليه السلام " في المؤلي
إما أن يفئ أو يطلق، فإن فعل وإلا ضربت عنقه " بل روي أيضا (3) " إن أمير
المؤمنين عليه السلام بنى حظيرة من قصب وجعل فيها رجلا آلى من امرأة بعد الأربعة
أشهر، فقال له: إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق وإلا أحرقت عليك
الحظيرة ".
(و) كيف كان ف‍ (لا يجبره الحاكم على أحدهما تعيينا) قطعا لأن
الشارع خيره بين الأمرين، فلا يجبر إلا على ما وجب عليه شرعا.
(ولو آلى مدة معينة ودافع بعد المرافعة حتى انقضت المدة سقط حكم
الايلاء ولم يلزمه الكفارة مع الوطء) لأنها تجب مع الحنث في اليمين، ولا يتحقق
إلا مع الوطء فيها، وأما إذا انقضت سقط حكم اليمين، سواء رافعته وألزمه الحاكم
بأحد الأمرين أم لا، لاشتراكهما في المقتضي وإن أثم بالمدافعة على تقدير المرافعة،
كما هو واضح.
(ولو أسقطت حقها من المطالبة) مدة ولو بالسكوت عنه (لم يسقط)
أصل (المطالبة، لأنه حق يتجدد فيسقط بالعفو ما كان لا ما يتجدد) وإن وجد
سببه، ولما كان حقها في المطالبة يثبت في كل وقت ما دام الايلاء باقيا فهو مما
يتجدد بتجدد الوقت، فإذا أسقطت حقها فيها لم يسقط إلا ما كان فيها ثابتا
وقت الاسقاط، وذلك في قوة عدم إسقاط شئ كما اعترف به في المسالك، لأن
الآن الواقع بعد ذلك بلا فصل يتجدد فيه حق المطالبة ولم يسقط بالاسقاط، فلها
المطالبة متى شاءت، قال: " وكذلك القول في نظائره، من الحقوق المتجددة بحسب
الوقت، كحق القسمة للزوجة، وحق الاسكان في موضع معين حيث نقول بصحته

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الايلاء الحديث 5 - 2 - 6.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الايلاء الحديث 5 - 2 - 6.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب الايلاء الحديث 5 - 2 - 6.
316

ونحو ذلك، ومن هذا الباب ما لو علمت باعسار الزوج فرضيت ثم أرادت الفسخ على
قول من بجوزه به، فلها ذلك لتجدد الضرب بفوات النفقة يوما فيوما، ويخالف ما إذا
رضيت بعنة الزوج ثم أرادت الفسخ، حيث لا يبطل خيارها لفوات الفورية، بأن
جهلت الفورية أو نحو ذلك مما سبق، فإنها لا تمكن منه، وفرق بأن العنة عجز
حاضر وخصلة ناجزة لا تبسط على الأيام، وحق الاستمتاع والنفقة يبسطان عليها،
وبأن العنة عيب والرضا بالعيب يسقط حق الفسخ ".
قلت: لا يخفى عليك ما في الفرق المزبور، والمتجه في كل سبب يسلطها
على الخيار في العقد متى أسقطت حقها منه لزم العقد، وليس لها بعد المطالبة،
ضرورة اتحاد صيغة العقد بالنسبة إلى ذلك، فلا يكون في حال جائزا وفي آخر
لازما، كما هو واضح.
إنما الكلام في إسقاط حق القسم وحق المطالبة، ولا ريب في سقوطه لو وقع بعقد
صلح ونحوه، كما ورد ذلك في حق القسم، أما سقوطه بالاسقاط فلا يخلو من إشكال،
لما عرفت، مع احتمال صحته اكتفاء بحصول سببه، ولفحوى ما دل (1) على
سقوطه بالصلح، ضرورة أنه مع فرض عدم قابلية سقوطه لعدم حصوله لا يصلح الصلح
والفرض صحته، فيدل على صحة سقوطه بالاسقاط.
ومن ذلك حق الدعوى الذي لا خلاف في مشروعية الصلح لاسقاطه، وهو أقرب
شئ إلى حق المطالبة لها في المقام، نعم لا يسقط بالسكوت عنه مدة قطعا، كما
هو صريح النص والفتوى، إنما الكلام في سقوطه بالاسقاط الحاصل بقولها:
" أسقطته من أصله " ونحوه، فتأمل جيدا، فإن المقام محتاج إلى التأمل، والله
العالم.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب القسم والنشوز من كتاب النكاح.
317

(فروع:)
(الأول:)
(لو اختلفا في انقضاء المدة) بأن ادعت المرأة انقضاءها لتلزمه بالفئة أو
الطلاق وادعى هو بقاءها (فالقول قول من يدعي بقاءها) للأصل، لأن
مرجع دعوى انقضائها إلى تقدم زمان الايلاء أو زمان المرافعة، والأصل عدم تقدم
كل منهما.
(وكذا لو اختلفا في) تقدم (زمان إيقاع الايلاء) أو المرافعة وتأخره
(فالقول قول من يدعي تأخره) للأصل المزبور، كما هو واضح.
(الثاني:)
(لو انقضت مدة التربص وهناك مانع من الوطء كالحيض والمرض)
ونحوهما (لم يكن لها المطالبة) بالفئة فعلا بلا خلاف أجده، بل في المسالك
الاجماع عليه (لظهور عذره في التخلف و) لعدم المضارة لها، نعم (لو قيل لها
المطالبة بفئة العاجز عن الوطء كان حسنا) بل اختاره غير واحد، بل حكي عن
كثير، لاطلاق الأدلة، ولقاعدة الميسور، ولتخييره بين الفئة والطلاق وربما طلقها
إذا طالبته، ولعدم كون المانع منها، بل هي ممكنة ولكن المانع من الله تعالى،
خلافا للمحكي عن الشيخ من المنع، لأن الامتناع من جهتها، وفيه أن عدم قبول
المحل كعدم القدرة من الفاعل، وكما يلزم بفئة العاجز عند عجزه عن الوطء كذلك
يلزم عند عجزها، فلا فرق بين الحيض وغيره.
318

(ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة قال في المبسوط: تنقطع الاستدامة
عدا الحيض) أي لا تحتسب من المدة، فإذا زال العذر بنت على ما مضى من المدة
قبل العذر كما في حاشية الكركي والمسالك، لأن الحق لها والعذر من قبلها، ومدة
التربص حق له فلا يجب عليه منها ما لا قدرة له على الفئة فيه، بل في كشف اللثام
" تستأنف مدة التربص لمنعها من ابتداء الضرب - إلى أن قال -: وإنما يستأنف
ولا يبني على ما مضى لوجوب المتابعة في هذه المدة، كصوم كفارة الظهار ونحوه "
وفيه منع واضح. وعلى كل حال تنقطع المدة بتجدد أعذارها الشرعية والحسية عند
الشيخ، نعم يستثنى من ذلك خصوص الحيض، فإنه لا يقطعها إجماعا، لأنه لو قطع
لم تسلم مدة التربص أربعة أشهر، لتكرره في كل شهر غالبا.
(و) لكن (فيه تردد) من ذلك ومن إطلاق الأدلة مع قيام فئة
العاجز مقام الوطء من القادر، وهو بحكمه.
(و) من هنا (لا ينقطع المدة بأعذار الرجل ابتداء ولا اعتراضا
إجماعا، لأن حق المهلة له والعذر منه، والمرأة لكن المضارة حاصلة (1) سواء
كانت شرعية كالصوم والاحرام أو حسية كالجنون والمرض. (و) كذا (لا تمنع
من المواقعة (2) انتهاء) لو اتفقت على رأس المدة، بل يؤمر بفئة العاجز أو الطلاق،
كما سيأتي، لاطلاق الأدلة.

(1) هكذا في النسخة المخطوطة المسودة، والموجود في المبيضة " والمرأة لكن
المضارة حاصلة " وهو خطأ، والصحيح ما أثبتناه.
(2) هكذا في النسخة الأصلية، وفي الشرائع المطبوع " المرافعة ".
319

(الثالث:)
(إذا جن بعد ضرب المدة احتسب المدة عليه وإن كان مجنونا) للاطلاق،
(فإن انقضت المدة والجنون باق تربص به حتى يفيق) لرفع القلم عنه، ولا يقوم
وليه مقامه في ذلك، نعم لو كان العذر مما لا يرتفع معه التكليف أمر بفئة
العاجز.
(الرابع:)
(إذا انقضت المدة وهو محرم ألزم بفئة المعذور) لما عرفت. (وكذا
لو اتفق صائما) على وجه لا يجوز له الافطار، ولا يلزم بالوطء، المحرم (و)
لكن (لو واقع أتى بالفئة وإن أثم) لحصول الغرض، سواء وافقته على ذلك أم
أكرهها، وسواء قلنا بجواز موافقتها له لأنه ليس محرما من طرفها أو لا،
لأنه إعانة على الإثم (وكذا) الكلام (في كل وطء محرم كالوطء في الحيض
والصوم الواجب) ونحوهما.
(الخامس:)
(إذا ظاهر ثم آلى) أو عكس (صح الأمران) لبقاء الزوجية
الصالحة لايقاع كل منهما وإن كانت قد حرمت بالسبب الآخر، فتحرم حينئذ من
الجهتين ولا تستباح بدون الكفارتين، لكن قد عرفت اختلاف المدة في إمهاله فيهما،
ففي الظهار ثلاثة وفي الايلاء أربعة، وحينئذ ففي الفرض إذا انقضت مدة الظهار
320

ألزم بحكمه خاصة، فترافعه (ويوقف بعد انقضاء مدته) أي (الظهار، فإن
طلق فقد وفى الحق) وخرج من حكمي الايلاء والظهار (وإن أبى ألزم)
ب‍ (التكفير وال‍) عود لل‍ (وطء لأنه أسقط حقه من التربص) إلى الأربعة
(بالظهار وكان عليه كفارة الايلاء) إذا وطأ وإن توقفت كفارة الظهار على
مدة تزيد عن مدة الايلاء أو كان الظهار متأخرا عنه بحيث انقضت مدته قبل التخلص
منه طولب بالأمرين معا ولزمه حكمها، ولكن قد يختلف حكمها فيما لو انقضت
مدة الايلاء ولما يكمل الكفارة للظهار، فإن حكم الايلاء إذا لم يختر الطلاق
إلزامه بالفئة وتعجيل الوطء، وحكم الظهار تحريمه إلى أن يكفر، وطريق الجمع
حينئذ إلزامه للايلاء بفئة العاجز، لأن الظهار مانع شرعي من الوطء قبل التكفير،
فتجتمع الكفارتان بالعزم على الوطء إحداهما للفئة والأخرى للعزم عليه، ولو
أراد الوطء في هذه الحالة قبل التكفير للظهار حرم عليه ذلك، بل يحرم عليها أيضا
تمكينه منه، كما سبق وإن أبيح له ولها من حيث الايلاء، ولو فعل حراما وطأ
حصلت الفئة ولزمه كفارتا الظهار والايلاء.
321

(السادس:)
(إذا آلى ثم ارتد) عن غير فطرة مثلا (قال الشيخ: لا تحتسب عليه مدة
الردة، لأن المنع بسبب الارتداد) الذي هو فاسخ للنكاح كالطلاق (لا بسبب
الايلاء) فلا تحتسب مدته من مدة الايلاء المقتضية لاستحقاق المطالبة
بعدها بالوطء، لتضاد المؤثرين المقتضي لتضاد الأثرين كما لا يحتسب زمان
العدة.
(والوجه) عند المصنف بل في المسالك نسبته إلى الأكثر (الاحتساب،
لتمكنه من الوطء بإزالة المانع) فلا يكون عذرا، ويفارق العدة بأن المرتد إذا
عاد إلى الاسلام تبين أن النكاح لم ينفسخ والطلاق الماضي مع لحوق الرجعة
لا ينفسخ، ولهذا ظهر أثره بتحريمها بالثلاث وإن رجع في الأولين،
ولكن ذلك كما ترى ولعله لذا قال الكركي في الحاشية: " وفي الفرق
بحث ".
322

(المسألة الثالثة:)
(إذا وطأ في مدة التربص لزمته الكفارة إجماعا) بقسميه، ولاطلاق
ما دل على كفارة اليمين من الكتاب (1) والسنة (2) ضرورة كون المفروض
منه، ولا إثم عليه في الكف عنها في المدة المزبورة التي لا حق لها فيها.
(ولو وطأ بعد المدة قال في المبسوط: لا كفارة) للأصل بعد الشك أو
الظن بخروج الفرض عن إطلاق ما دل على وجوبها بالحنث بسبب وجوب الوطء عليه
شرعا، لأنها مطالبة بعد مضي الأربعة، فلا حنث حينئذ، وبذلك يظهر لك الفرق
بين ما بعد المدة وأثنائها، على أن خروج الثاني في صورة جواز الوطء أو رجحانه
بالاجماع لا يقتضي خروج الأول عن مقتضى أصالة البراءة عن التكفير.
(و) لكن مع ذلك قال (في الخلاف) ومحكي النهاية والتبيان:
(تلزمه) الكفارة كما عن مجمع البيان وروض الجنان وأحكام القرآن، بل
هو ظاهر الأكثر، بل عن الخلاف الاجماع عليه، مضافا إلى خبر منصور بن
حازم (3) المنجبر بما عرفت عن الصادق عليه السلام قال: " سألته عن رجل آلى من
امرأته فمرت به أربعة أشهر، قال: يوقف فإن عزم الطلاق بانت منه، وعليها عدة
المطلقة، وإلا كفر عن يمينه، وأمسكها " معتضدا بما عن العياشي من إرساله
عنه عليه السلام (4) " أنه سئل إذا بانت المرأة من الرجل هل يخطبها مع الخطاب؟
قال: يخطبها على تطليقتين، ولا يقربها حتى يكفر عن يمينه " وكذا ما أرسله

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 92.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات.
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الايلاء الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الايلاء الحديث 4.
323

عنه عليه السلام أيضا في المحكي عن بعض الكتب (1) أنه قال: " إذا فاء المؤلى فعليه
الكفارة ".
ولعله لذا قال المصنف: (وهو أشبه) وتبعه الفاضل وغيره، مؤيدا ذلك
بأن يمين الايلاء يخالف مطلق اليمين في أمور هذا منها ومنها انعقاده وإن كان
تركه أرجح، بل ربما وجب، كما لو آلى في وقت يجب فيه الوطء، فما في المسالك -
من الوسوسة في الحكم المذكور لأمور لا توافق أصولنا - في غير محله، على أنه
هو في آخر كلامه أعاذه الله تعالى وإيانا من الوسواس قال: " ومع ذلك فاعتمادنا
على المذهب المشهور من وجوب الكفارة على المؤلي مطلقا ".
المسألة (الرابعة:)
(إذا وطأ المؤلي ساهيا) أو مجنونا، (أو اشتبهت بغيرها من حلائله)
أو في نحو ذلك من الأحوال التي لا يكون بها عامدا (قال الشيخ: بطل حكم
الايلاء) الذي هو ترك وطئها في المدة المزبورة بحيث يكون لها المطالبة، (ل‍) أن
المفروض (تحقق الإصابة و) لو في الأحوال المزبورة نعم (لم تجب الكفارة)
بلا خلاف ولا إشكال وإن انحل حكم الايلاء (لعدم الحنث) إذ الفرض عدم عمده،
فيندرج فيمن رفع عنه الخطأ أو النسيان من الأمة، بل من المعلوم أن المراد من
اليمين الالتزام بمقتضاها، ولا يكون ذلك إلا حال التذكر، فليس الفرض حينئذ
متعلقا لليمين، لكن قد ينقدح من ذلك حينئذ عدم الانحلال، لأنه ليس من أفراد
المحلوف عليه، وكذا مطلق اليمين.
اللهم إلا أن يقال: إن متعلق اليمين عدم وجود الحقيقة من الحالف أصلا،
إلا أن الكفارة على اليمين يتبع التكليف المتوقف على حصول التذكر، فالانحلال

(1) المستدرك الباب - 10 - من أبواب الايلاء الحديث 2.
324

يحصل بكونه منافيا للمحلوف عليه من عدم وجود الحقيقة أصلا ولا تجب الكفارة،
لأن عنوانها حال التكليف، فتأمل جيدا.
ثم إن الحكم على تقدير انحلال الايلاء واضح، أما إذا لم نقل بالانحلال
ففي المسالك " وجهان أحدهما أنه لا تحصل الفئة وتبقى المطالبة، لأن اليمين باقية،
والثاني تحصل بوصولها إلى حقها واندفاع الضرر، ولا فرق في إبقاء الحق بين وصوله إلى صاحبه حال الجنون والعقل كما لورد المجنون وديعة إلى صاحبها، ولأن وطء
المجنون كوطء العاقل في التحليل وتقرير المهر وتحريم الربيبة وسائر الأحكام فكذلك
هنا، ولا يلزم من عدم وجوب الكفارة عدم ثبوت الفئة، لأنها حق لله تعالى، والفئة حق
للمرأة، ويعتبر في حق الله تعالى من القصد الصحيح ما لا يعتبر في حق الآدمي،
والأصح الأول ".
قلت: لا يخفى عليك ما في دعوى الوجهين، ضرورة أنه يتعين مع عدم انحلاله
عدم كون ذلك فئة، وإن حصل بسببه سقوط المطالبة من المرأة في تلك الأربعة
ولكن يبقى لها حكم المطالبة في أربعة أخرى، لبقاء حكم الايلاء فيها،
وقد عرفت أن الأقوى عندنا الانحلال، فيسقط هذا التفريع من أصله.
325

المسألة (الخامسة:)
(إذا ادعى الإصابة فأنكرت فالقول قوله مع يمينه) بلا خلاف أجده فيه
(لتعذر) إقامة (البينة) أو تعسرها، فلو لم يقبل قوله فيه مع إمكان صدقه
لزم الحرج، ولأنه من فعله الذي لا يعلم إلا من قبله، وأصالة بقاء النكاح، وعدم
التسلط على الاجبار على الطلاق، وقول الباقر عليه السلام في خبر إسحاق بن عمار (1):
" إن عليا عليه السلام سئل عن المرأة تزعم أن زوجها لا يمسها ويزعم أنه يمسها، قال:
يحلف ويترك " وقول الصادق عليه السلام فيما أرسل عنه في بعض الكتب (2) " في فئة المؤلي
إذا قال: قد فعلت وأنكرت المرأة فالقول قول الرجل ولا إيلاء " ومثله في
تقديم قوله في الإصابة المخالف للأصل ما لو ادعى العنين إصابتها في المدة أو
بعدها.
ثم إذا حلف على الإصابة وأراد الرجعة بدعوى الوطء الذي حلف عليه
قال في التحرير: " الأقرب أنه لا يمكن، وكان القول قولها في نفي العدة والوطء على
قياس الخصومات من أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وإنما خالفناه
على دعوى الإصابة لما ذكر من العلة، وهي منتفية هنا، كما لو اختلفنا في الرجعة
ابتداء ".
وفي المسالك " هذا التفريع لابن الحداد من الشافعية، ووافقه الأكثر،
واستقر به العلامة في التحرير، وهو مع اشتماله على الجمع بين المتناقضين لا يتم
على أصولنا من اشتراط الدخول في صحة الايلاء، قال الشهيد ره: ما سمعنا فيه
خلافا، وإنما فرعوه على أصولهم من عدم اشتراطه، ومع ذلك فلهم وجه آخر

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(2) المستدرك الباب - 11 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
326

بأنه يمكن من الرجعة، ويصدق في الإصابة من الرجعة كما يصدق فيها لدفع التفريق،
لأن في الرجعة استيفاء ذلك النكاح أيضا، وهذا أوجه ".
قلت: لا يخفى عليك ما فيه من دعوى التناقض، وإنما هو اختلاف الأحكام
الظاهرية، واشتراط الدخول في الايلاء لا ينافي ثبوته بطريق شرعي، كتصديق المرأة
في دعوى الحيض ونحوها.
المسألة (السادسة:)
(قال في المبسوط) ومحكي الغنية والسرائر والجامع وظاهر غيرها:
(المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الايلاء)، بل في المسالك هو المشهور،
بل عن الأول دعوى الاجماع على ذلك، لأن ضرب المدة إلى الحاكم، ولما عن
تفسير العياشي عن العباس بن هلال (1) عن الرضا عليه السلام " ذكر لنا أن أجل الايلاء
أربعة أشهر بعد ما يأتيان السلطان " وحسن أبي بصير (2) المروي عن تفسير علي
ابن إبراهيم عن الصادق عليه السلام " وإن رفعته إلى الإمام أنظره أربعة أشهر، ثم يقول
له بعد ذلك: إما أن ترجع إلى المناكحة وإما أن تطلق، فإن أبى حبسه أبدا "
وللمروي عن قرب الإسناد عن البزنطي عن الرضا عليه السلام " أنه سأله صفوان وأنا
حاضر عن الايلاء، فقال: إنما يوقف إذا قدمته إلى السلطان، فيوقفه السلطان أربعة
أشهر ثم يقول له: إما أن تطلق وإما أن تمسك " وخبر أبي مريم (4) المتقدم
سابقا عن أبي عبد الله عليه السلام " عن رجل آلي من امرأته، قال: يوقف قبل الأربعة
أشهر وبعدها ".

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 7 - 6 - 5.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 7 - 6 - 5.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 7 - 6 - 5.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 3 راجع التعليقة (5)
من ص 311.
327

(و) لكن مع ذلك (فيه تردد) مما سمعت ومن عموم الآية (1)
والأخبار (2) والأصل والحكمة، لأن الأربعة غاية صبرها، وانسياق ابتدائه
من الايلاء وغير ذلك، بل عن القديمين التصريح بأنه من الايلاء، بل هو خيرة
الفاضل في المختلف وولده في الشرح، بل جزم به في المسالك، لترتيب التربص في
الآية (3) على الايلاء، فلا يشترط بغيره، ولقول الصادق عليه السلام فيما تقدم من حسن
يزيد بن معاوية (4): " لا يكون إيلاء إلا إذا آلى الرجل ألا يقرب امرأته
ولا يمسها ولا يجمع رأسه ورأسها، فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر، فإذا
مضت الأربعة أشهر وقف، فإما أن يفئ وإما أن يعزم على الطلاق " ونحوه حسن
الحلبي (5) وأبي بصير (6) عنه عليه السلام.
مضافا إلى منع احتياج المدة إلى الضرب، بل هو مقتضى الحكم الشرعي الثابت
بالآية (7) والرواية (8) المرتب على مضي المدة المذكورة من حين الايلاء،
وإثبات توقفها على المرافعة يحتاج إلى دليل، وهو منتف وهذا الدليل أخرجه عن
حكم العدل الأصلي، كما أن أصالة عدم التسلط قد انقطعت بالايلاء المقتضى له
بالآية (9) والرواية (10) والاجماع.
إلا أن ذلك كله كما ترى مناف لأصول المذهب وقواعده التي منها العمل

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(2) الوسائل الباب - 8 و 9 - من أبواب الايلاء.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الايلاء الحديث 1 عن بريد بن معاوية.
(5) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الايلاء الحديث 1.
(7) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(8) الوسائل الباب - 8 و 9 - من أبواب الايلاء.
(9) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(10) الوسائل الباب - 8 و 9 - من أبواب الايلاء.
328

بالنصوص (1) المزبورة المعتضدة والمنجبرة بما سمعت، بل قد يدعى انسياق كون
ذلك من أعمال السلطان، والآية والرواية تعليم لذلك، نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم (2):
" البينة على المدعي واليمين على من أنكر " ونحوها مما هو ميزان للحكم وكيفية
لعمل الحاكم.
المسألة (السابعة:)
(الذميان إذا ترافعا) إلينا (كان الحاكم بالخيار بين أن يحكم
بينهما) بمقتضى شرعنا، لعموم الأدلة، ولأنهم مكلفون بالفروع، ولقوله
تعالى (3): " لتحكم بين الناس بما أراك الله " (وبين ردهما إلى أهل نحلتهما)
لاقرارهم عليها المقتضي لجواز الاعراض عنهم في ذلك، لقوله تعالى (4): " فإن
جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ودعوى أنها منسوخة بقوله تعالى (5):
" وأن احكم بينهم بما أنزل الله " كما عن بعض العامة لم نقف على شاهد لها، مع
أن النسخ خلاف الأصل والاعراض عنهم من الحكم بينهم بما أنزل الله، نعم قد
يقال: إن الاعراض عنهم غير الأمر لهما بالرجوع إلى أهل نحلتهما الذي هو من
الباطل، فلا يؤمر به، وإقرارهم عليه غير الأمر بالرجوع إليه.

(1) الوسائل الباب - 8 و 9 - من أبواب الايلاء.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 1 من كتاب القضاء
وفيه " البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه "
(3) سورة النساء: 4 - الآية 105.
(4) سورة المائدة: 5 - الآية 42 - 49.
(5) سورة المائدة: 5 - الآية 42 - 49.
329

المسألة (الثامنة:)
(فئة القادر) على الجماع عقلا وشرعا (غيبوبة الحشفة في القبل) الذي
هو المحلوف عليه بلا خلاف أجده فيه، بل في السرائر والغنية ومتشابه القرآن لابن
شهرآشوب أن المراد بالفيئ في الكتاب العزيز (1) العود إلى الجماع بالاجماع،
مضافا إلى ظاهر النصوص (2).
(و) أما (فئة العاجز) عقلا وشرعا كما عرفت ف‍ (اظهار العزم على
الوطء مع القدرة) بأن يقول أو يكتب أو يشير إشارة مفهمة، ويمهل إلى زوال
عذره، (ولو طلب الامهال مع القدرة أمهل ما جرت العادة به، كتوقع خفة
المأكول) منه إن كان شبعانا (أو الأكل إن كان جائعا أو الراحة إن كان
متعبا) والسهر والانتباه إن كان نائما وما قضى الشرع بامهاله، كالفراغ من الصوم
والصلاة والاحرام، ولا يتقدر ذلك ونحوه بيوم أو ثلاثة عندنا، خلافا لبعض
العامة، فقدر بثلاثة، ولا دليل عليه، فالمتجه فيه الرجوع إلى العرف والعادة
في أمثاله.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 226.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الايلاء والباب - 8 - منها الحديث 7
والباب - 10 - منها الحديث 1.
330

المسألة (التاسعة)
(إذا آلى) الحر (من الأمة ثم اشتراها وأعتقها وتزوجها لم يعد الايلاء،
وكذا لو آلى العبد من الحرة ثم اشترته وأعتقته وتزوج بها) بلا خلاف ولا
إشكال، ضرورة كون العنوان تحريم ما حل بالزوجية، فمع فرض انتفائها ينتفي
موضوع الحكم وإن عاد بعد ذلك بسبب جديد، وعوده بالرجعة بالطلاق إنما هو
لبقاء الحل حينئذ بالتزويج السابق.
ومن ذلك يعلم الحل في المثال الأول بمجرد الشراء، لأن الوطء بالملك
حينئذ، وهو بسبب جديد غير التزويج، فلا يتوقف على العتق والتزويج، نعم هو
كذلك في المثال الأخير، لأنها لا تباح له بالعقد وهو مملوك لها وإن كان التحريم
قد زال بالشراء، لزوال العقد كما زال بالطلاق وإن لم يفرض تزويجه لها، وتظهر
الفائدة لو وطأها قبل العقد بشبهة أو حراما، فإنه لا كفارة، لزوال حكم الايلاء
لزوال الزوجية، كما هو واضح.
331

المسألة (العاشرة:)
التي قال في المسالك: " إنها مسألة شريفة كثر اعتناء الفضلاء ببحثها
والخلاف فيها وفي أقسامها " وهي (إذا قال لأربع: والله لا وطأتكن) مريدا
بذلك مجموعهن لا كل واحدة منكن ولو بالقرينة (لم يكن مؤليا في الحال)
عندنا، بمعنى عدم ظهور ترتب اليمين في الحال، لعدم الحنث بوطء الثلاث الذي هو
ليس مصداقا لوطئهن أجمع، نعم يظهر بوطء الرابعة باعتبار تحقق الصدق حينئذ
ولكن ليس عليه إلا كفارة واحدة، لأنها يمين واحدة متعلقها، المجموع الذي
كل واحدة جزء مفهومه، لأن المراد من المفروض سلب العموم لا عموم السلب،
وتقريب الوطء بالواحدة والثنتين إلى الحنث لا يوجب حصول الايلاء الذي هو الحلف
على ترك وطء الزوجة.
فما عن بعض العامة - من أنه يكون مؤليا منهن كلهن من حيث إن وطء
كل واحدة مقرب للحنث، وقد منع نفسه من وطئهن باليمين بالله تعالى، فكان
مؤليا، كما لو قال: لا أطأ واحدة منكن - واضح الضعف، لا لما قيل من أن تمكنه
من وطء كل واحدة منهن بغير حنث يدل على عدم تأثير يمينه قبل وطء الثلاث،
وهو معنى قولنا: غير مؤل في الحال، لا أن المراد به تأخر انعقاد الايلاء حتى
يكون منافيا لقاعدة اقتران الأثر للمؤثر والسبب للمسبب، بل هو قد انعقد من حين
وقوعه إلا أنه كان كيفية انعقاده على الوجه المزبور، إذ قد يناقش بأن وطء الرابعة
من حيث إنها رابعة ليست مصداقا لوطء جماعتهن قطعا فليس تحقق الحنث بها
إلا باعتبار ضم وطء من سبق منهن إلى وطئها حتى يصدق وطؤهن أجمع، فيكون
متعلق الايلاء وطء الجميع، وعدم الحكم عليه قبل وطء الرابعة باعتبار عدم العلم
بانضمام ما يتحقق به متعلقا للايلاء لا ينافي الحكم بتعلقه به بعد حصول ما ينكشف به
332

أنه متعلق الايلاء، بل أقصاه أنه مراعى بوطء الرابعة وعدمه، ودعوى أن وطء
الثلاث شرط لتحقق متعلق اليمين بوطء الرابعة لا أنه من متعلقه ممنوعة، ضرورة
عدم كونها مصداقا، بل لا فرق بين وطئها ووطء الأولى في ذلك، وإنما تحقق بها
المصداق الذي هو وطؤها ووطء غيرها، فتأمل فإنه دقيق.
بل لأن ذلك وإن انكشف به الإثم في وطء الأولى إلا. أنه لا يترتب عليه
حكم الايلاء، ضرورة أن الإثم المزبور قد كان من جهة أن وطء الأولى جزء من
مفهوم وطء المجموع الذي هو متعلق الايلاء، لا أنه من حيث كونه نفسه متعلقا
للايلاء، والمتيقن من الأدلة أن الايلاء الثاني لا الأول ضرورة مخالفته الأصل،
فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، بل إن لم يكن إجماعا أمكن منع ترتب حكم
الايلاء إذا كان متعلقه المجموع بالمعنى المزبور، فإن المجموع من حيث كونه
كذلك، ليس زوجة وليس من النساء اللذين هما ونحوهما عنوان حكم الايلاء،
كما تقدم نظير ذلك في الطلاق والظهار، حيث يكون متعلقهما المجموع
بالمعنى المزبور، فلاحظ وتأمل، فإني لم أجده محررا في كلام أحد من
الأصحاب.
بل منه ينقدح النظر في كلامهم حتى قول المصنف (و) غيره: (جاز له وطء
ثلاث منهن، ويتعلق التحريم في الرابعة، ويثبت الايلاء، ولها المرافعة، ويضرب لها
المدة، ثم تقفه بعد المدة) إذ قد عرفت أن الرابعة وغيرها سواء في مصداق
المجموعية، وجواز وطء الثلاث إنما هو مع عدم وطء الرابعة، وإلا انكشف تعلق
التحريم بالجميع، وإلا فالرابعة من حيث نفسها لم يتعلق بوطئها يمين فكيف يثبت
لها الايلاء والمرافعة والضرب والايقاف، إذ هي جزء من مصداق المجموع الذي
هو متعلق اليمين، وكون انكشاف تحقق المصداق يحصل بوطئها لا يقتضي ترتب
الأحكام المزبور لها.
(و) كيف كان ف‍ (لو ماتت واحدة) منهن (قبل الوطء انحلت
اليمين) بناء على توقف انعقادها على إمكان حصول الحنث بها والفرض تعذره هنا،
333

(لأن الحنث لا يتحقق إلا مع وطء الجميع وقد تعذر في حق الميتة، إذ لا حكم
لوطئها) حتى في المصاهرة ونحوها إلحاقا لها بالجمادات أو لانسياق وطء الحية
في المقام.
(وليس كذلك إذا طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا) ولو بائنا (لأن
حكم اليمين هنا باق فيمن بقي، لامكان الوطء في المطلقات) زنا أو حلالا
(ولو بالشبهة) لأن الاسم يشمل الحلال والحرام، فتثبت الكفارة حينئذ في هذه
الحالة على تقدير وطء الباقية في النكاح مع وطئهن، لتحقق الحنث وهو الحلف على
وطء الزوجة، فوطء المطلقات شرط في حصول الحنث في وطء الزوجة لا لأن الايلاء
متعلق بهن، لما تقدم من أن الطلاق البائن يبطل اليمين، كذا قرره في المسالك
في شرح عبارة المتن، وتبع غيره في شرح عبارة الفاضل، وسبقهما إلى ذلك وإلى
كثير مما ذكر هنا الفخر في شرح القواعد.
ولكن قد يناقش بأن الحلف قد وقع على ترك وطء جماعة الزوجات لا خصوص
الباقية، ولا ريب في انتفاء الموضوع، بل تعذره في طلاق الواحدة فضلا عن الزيادة،
ضرورة تعذر الحنث حينئذ كما في الميتة، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من اعتبار
تعلق الايلاء بالزوجة من حيث كونها كذلك، ولذا لو طلقها بائنا انحل
الايلاء، ولا يعود بعقدها جديدا، إذ هو سبب آخر غير الذي حرم عليه مقتضاه
بالحلف.
ومن الغريب قوله: " لتحقق الحنث " إلى آخره، إذ المحلوف عليه ليس
ترك وطء الزوجة الباقية، بل مجموع الزوجات الذي قد تعذر بانتفاء الموضوع ولو
في إحداهن، ولو كان المراد ما يشمل المطلقة لتحقق بوطئهن زنا أو شبهة مع طلاقهن
أجمع، كما هو واضح. هذا كله في الصورة الأولى.
وأما الثانية (و) هي (لو قال: لا وطأت واحدة منكن) مريدا فيها
العموم البدلي (تعلق الايلاء بالجميع، وضرب لهن المدة عاجلا) لأن كل
334

واحدة مصداق لمفهوم متعلق الايلاء الذي هو مطلق الواحدة، (نعم لو وطأ
واحدة) منهن (حنث وانحلت اليمين في البواقي) لتحقق مفهوم الواحدة التي
تعلق بها الايلاء.
(ولو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا كان الايلاء ثابتا فيمن بقي) لأنه
مصداق للمفهوم الذي تعلق به الايلاء.
(ولو قال في هذه أردت واحدة معينة قبل قوله، لأنه أبصر بنيته) مع
قبول اللفظ لما ذكره وإن كان ظاهره خلافه، فاحتمال عدم القبول لاتهامه في إخراج
بعضهن عن موجب ظاهر اللفظ واضح الضعف، نعم تؤمر بالبيان، فإن صدقته الباقيات
فذاك، وإن ادعت غيرها أنه عناها وأنكر فهو المصدق بيمينه، فإن نكل حلفت
المدعية، وحكم بكونه مؤليا عنها أيضا، وإن أقر في جواب الثانية أنه عناها أخذ
بموجب إقراره، وطولب بالفئة أو الطلاق، ولا يقبل رجوعه عن الأولى.
بل في المسالك " وإذا وطأهما في صورة إقراره تعددت الكفارة وإن وطأهما
في صورة نكوله ويمين المدعية لم يتعدد، لأن يمينها لا يصلح لالزام الكفارة عليه "
وإن كان قد يناقش بالمنع مع تعدد الكفارة بعد العلم ببطلان أحد إقراريه، لأن
المفروض إرادة واحدة فقط وإن اختلف كلامه في تعيينها، وملاحظة الحكم في
الظاهر يقتضي عدم الفرق بين الاقرارين وأحدهما مع اليمين المردودة، وإن كان
هو لا معنى له باعتبار أنه تكليف شرعي يخصه وهو أعلم بتكليفه، ولا مدخلية
لالزام الحاكم له بذلك.
ودعوى تسلطه عليه باعتبار تعلق حق الفقراء يدفعها - مع أن من خصالها
ما لا تعلق للفقراء فيه، كالصوم والتحرير - أنه لا وجه لتسلطه عليه بعد العلم بأن
عليه كفارة واحدة، كما هو واضح، مع إمكان القول بأن الانكار بعد الاقرار يقول
مقام الفئة، فلا يبقى للايلاء فيها حينئذ حكم.
ولو ادعت واحدة أولا أنك عينتني فقال: " ما عينتك " أو " ما آليت عليك "
335

وبمثله أجاب ثانية وثالثة تعينت الرابعة للايلاء.
ولو قال: " أردت واحدة غير معينة " لا على جهة العموم البدلي ففي المسالك
" في كونه مؤليا وجهان مثلهما في طلاق المبهمة، فإن قلنا به أمر بالتعيين، ويكون
مؤليا قبله عن إحداهن لا على التعيين، وإذا عين واحدة لم يكن لغيرها المنازعة،
وفي كون المدة من وقت التعيين أو من وقت اليمين إذا جعلنا مدة الايلاء من حينه
وجهان مبنيان على أن الطلاق المبهم إذا عينه يقع عند التعيين أو يستند إلى
اللفظ، فإن لم يعين ومضت أربعة أشهر فإن أوقعنا الايلاء من حينه وطالبته أمر
بالتعيين ثم الفئة أو الطلاق، ولو فاء إلى واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو طلق لم
يخرج عن موجب الايلاء، لاحتمال أن المؤلى عنها الرابعة، وإن قال:
طلقت التي أوليت عنها خرج عن موجب الايلاء، لكن المطلقة مبهمة، فعليه
التعيين ".
قلت: قد يقال بصحة الايلاء عن المبهمة هنا وإن منعناه في الطلاق لما سمعته
من أن الايلاء من اليمين الباقي على كيفية الخطابات التي لا مانع من تعلقها
بالواحد المطلق، لكن استظهر الكركي في حاشيته عدم كونه مؤليا أصلا، لعدم
المضارة لزوجة خاصة، إذ كل واحدة تحتمل غيرها، وفيه أن المضارة تنكشف
حينئذ بتعينها ولو بالقرعة، وعلى القول بصحته وعدم التعيين يحنث بوطء الجميع
وتترتب عليه الكفارة.
ولو طلق واحدة بائنة أو ماتت انحل الايلاء، ولو ترك وطئهن أجمع
حتى مضت المدة كان الحق لواحدة منها، فتستخرج حينئذ بالقرعة أو يرجع فيها
إلى تعيينه.
ولو وطأ بعضهن وترك الآخر حتى مضت المدة أمكن القول بجعل الحق لمن
ترك وطأهن، فإن كانت واحدة تعينت للايلاء وإلا استخرجت بالقرعة أو بتعيينه،
وأمكن القول ببقاء الحق شائعا بين الجميع، فيقرع حينئذ، فإن خرجت القرعة
336

لمن وطأها في أثناء المدة انحل الايلاء، ولم يكن للأخرى إيقافه من حيث الايلاء،
بل وكذا لو قلنا بأن مرجع التعيين إليه، فيعين من وطئها في أثناء المدة، فتأمل
جيدا، فإن المسألة غير محررة، وربما كان فيما تقدم في طلاق المبهمة إشارة لبعض
أحكامها، فلاحظ وتأمل.
وإن أراد الاستغراق اللغوي من المفروض لا العموم البدلي - بدعوى أنه معنى
عرفي للفظ المزبور، بمعنى إرادة التعميم فيه بغير طريق البدل - كان الحكم فيه
ما تسمعه في الصورة الثالثة.
ولو أطلق اللفظ المزبور ولم يعلم إرادته منه ففي حمله على الواحدة المبهمة
أو العموم البدلي أو الشمولي أوجه، ولعل أوسطها أوسطها.
(و) أما الصورة الثالثة التي هي (لو قال:) والله (لا وطأت كل
واحدة منكن) مريدا منها العموم الشمولي الملحوظ فيه كل واحدة واحدة بطريق
العموم ففي المتن وغيره (كان مؤليا من كل واحدة كما لو آلى من كل واحدة
منفردة) لتعلق المحذور بوطء كل واحدة منهن، وهو الحنث ولزوم الكفارة
وتضرب المدة في الحال، فإذا مضت كان لكل واحدة منهن مطالبته بالفئة أو الطلاق
(وكل من طلقها) منهن (فقد وفاها حقها ولم ينحل اليمين في البواقي، وكذا
لو وطأها قبل الطلاق لزمته الكفارة وكان الايلاء في البواقي باقيا) لأنك قد
عرفت انحلال الفرض إلى اليمين على كل واحدة بخصوصها على وجه
لا تعلقه له باليمين على أخرى. وكذا الكلام في كل يمين تعلق على الوجه
المزبور.
وقد يقال بالفرق بين ملاحظة الأفراد بجهة العموم وبين ملاحظة كل واحد
واحد منها بالخصوص، فإن الأول يعد في العرف يمين واحدة على وجه متى حنث
في بعضها انحل في الباقي بخلاف الحلف على كل واحد بالخصوص، ولعلك تسمع
لهذا تتمه إنشاء الله في الأيمان والنذور إذا كان متعلقها مثل ذلك.
هذا وفي المسالك هنا أنه " يمكن أن يقال هنا كما قيل في السابقة من أنه
337

إن قصد بقوله: لا أجامع كل واحدة المعنى الذي قرروه اتجه بقاء الايلاء في حق
الباقيات، وإلا كان الحكم فيها كالحكم فيما لو قال: والله لا أجامعكن، فلا يحصل
الحنث ولا يلزم الكفارة إلا بوطء الجميع، ولا يكون مؤليا في الحال على ما قرر هناك،
لوجهين: أحدهما أنه إذا وطأ بعضهن كالواحدة مثلا صدق أنه لم يطأ كل واحدة
منهن، وإنما وطأ واحدة منهن، كما يصدق أنه لم يطأهن وإنما وطأ إحداهن، وذلك
يدل على أن مفهوم اللفظ واحد، والثاني أن قول القائل: طلقت نسائي وقوله: طلقت
كل واحدة من نسائي يؤديان معنى واحدا وإذا اتحد معناهما في طرف الاثبات
فكذلك في طرف النفي، فيكون معنى قوله: " لا أجامع كل واحدة منكن " معنى قوله:
" لا أجامعكن " خصوصا على ما ذكره الشيخ عبد القاهر ومن تعبه من أن كلمة
" كل " في النفي إذا دخلت في حيزه بأن قدم عليها لفظا كقوله: " ما كل ما
يتمنى المرء يدركه " وقوله: " ما جاء القوم كلهم "، أو " ما جاء كل القوم " أو
تقديرا بأن قدمت على الفعل المنفي وأعمل فيها، لأن العامل رتبته التقديم على
المعمول، كقولك: " كل الدراهم لم آخذه " توجه النفي إلى الشمول خاصة
لا (دون خ ل) إلى أصل الفعل، وأفاد الكلام ثبوته لبعض أو تعلقه ببعض، وفي
هذا المقام بحث، وله جواب لا يليق بهذا المحل ".
قلت: هو على طوله لا حاصل له، ضرورة رجوعه إلى بحث لفظي، والمراد
هنا بيان الحكم على فرض كون المراد العموم الشمولي على أن إرجاع قوله:
" لا أجامعكن " إلى إرادة العموم الشمولي أولى من العكس عرفا، وبالجملة ذلك
بحث آخر خارج عما نحن فيه، وهو حكم الايلاء على تقدير إرادة المعنى المفروض،
والله العالم بحقائق أحكامه، ونسأله التأييد والتسديد.
338

المسألة (الحادية عشرة:)
(إذا آلى من) المطلقة (الرجعية صح) بلا خلاف ولا إشكال،
لما تكرر من أنها بحكم الزوجة (ويحتسب زمان العدة من المدة) بناء على
أن مبدأها من حين الايلاء، أما على القول بأنها من حين المرافعة فلا، ضرورة
أنه ليس لها المرافعة، لأنها لا تستحق عليه الاستمتاع، فلا يحتسب منها شئ من
العدة، بل إن راجعها فرافعته ضربت لها المدة حينئذ.
(وكذا لو طلقها) طلاقا (رجعيا بعد الايلاء وراجع) في احتساب
العدة من المدة، وحينئذ يطالب مع فرض رجوعه وانقضائها بأحد الأمرين: الفئة أو
الطلاق، لأن الزوجية وإن اختلت بالطلاق إلا أنه متمكن من الوطء بالرجعة،
فلا يكون الطلاق عذرا كالردة وإن افترقا بأن النكاح معه لا ينخرم، والطلاق
بالرجعة لا ينهدم، إلا أن هذا الفرق لا يوجب اختلاف الحكم هنا، لاشتراكهما في
التمكن من الوطء بإزالة المانع من قبل الزوج.
خلافا للمحكي عن الشيخ، فمنع من احتساب المدة فيهما، محتجا بأن
الطلاق رفع النكاح وأجراها إلى البينونة، بمعنى أنها في العدة في زمان يقتضي مضيه
البينونة، فلا يجوز احتساب هذه المدة من مدة يقتضي مضيها المطالبة
بالوطء، وهو زمان التربص، لتضاد الأثرين المقتضي لتضاد المؤثرين، وكذا
الردة.
وعن التحرير موافقته على انهدامها، وأنه إن راجع ضربت له مدة أخرى
ووقف عند انقضائها، فإن فاء أو طلق وفي، فإن راجع ضربت له مدة أخرى ووقف
339

بعد انقضائها وهكذا.
وفيه أنه مناف لاطلاق الكتاب (1) والسنة (2) بعد فرض اندراج المطلقة
الرجعية في النساء، سواء كانت مطلقة قبل الايلاء أو بعده، ومن هنا كان
ما في المتن لا يخلو من قوة، وأما الردة فقد عرفت البحث فيها سابقا،
وأنها كالمطلقة.

(1) سورة البقرة: 2 الآية 226.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من أبواب الايلاء.
340

المسألة (الثانية عشرة:)
(لا تكرر الكفارة بتكرر اليمين سواء قصد التأكيد أو لم يقصد أو قصد
بالثانية غير ما قصد بالأولى إذا كان) المحلوف عليه واحدا و (الزمان
واحدا) كأن يقول: " والله لا وطأتك والله لا وطأتك " أو يقول: " أبدا " فيهما أو
" خمسة أشهر " فيهما، لأن اليمين مبالغة في المحلوف عليه وإنما تغايرها بتغاير المحلوف
عليه، فإذا كررها على محلوف عليه واحد فإنما زاد في التأكيد والمبالغة، ولا
يجدي قصد المغايرة، والأصل البراءة من التكرير، ولأنه يصدق الايلاء بالواحد
والمتعدد على السواء، والعمدة الاجماع إن تم، كما عساه يظهر من نسبته إلى
ظاهر الأصحاب في المسالك، وإلا فلا يخلو من نظر مع الاطلاق أو قصد التأسيس،
لأصالة عدم التداخل بعد ظهور تعدد السبب بتعدد اليمين، ومنه يظهر الحال في
اليمين غير الايلاء، اللهم إلا أن يقال: إن التأكيد لازم لتكراره، قصده أو
لم يقصده، لأنه كتكرار الاخبار بالجملة الواحدة، فإن اليمين لم يخرج عن
الخطابات.
(نعم لو قال: والله لا وطأتك خمسة أشهر فإذا انقضت فوالله لا وطأتك ستة
أشهر) أو دائما (فهما إيلاءان) وكذا لو قال: " والله لا وطأتك خمسة أشهر
والله لا وطأتك سنة " وإن تداخلا في الخمسة وانفرد الثاني بباقي السنة كما في
كشف اللثام، قال: " فيتربص به أربعة أشهر فإن فاء أو دافع حتى انقضت السنة
انحلا، وليس عليه بالفئة إلا كفارة واحدة، وإن دافع حتى انقضت مدة الأول
بقي حكم مدة الثاني، وإن طلق ثم راجع أو جدد العقد عليها وأبطلنا مدة التربص
341

بالطلاق فإن لم يبق من مدة الثاني بعد الرجعة إلا أربعة أشهر أو أقل انحل الثاني
أيضا، وإلا طالبته بعد التربص ".
ونحوه ما في المسالك، قال في مفروض المسألة: " فإذا مضت أربعة أشهر فلها
المطالبة، فإن فاء انحلت اليمينان، فإذا أوجبنا الكفارة فالواجب كفارة واحدة
أو كفارتان على ما سبق - أي من احتمال التعدد في مطلق الايلاء وإن اتحد
مورده - وإن طلقها ثم راجعها أو جدد نكاحها فإن بقي من السنة أربعة أشهر أو
أقل لم يعد الايلاء وتبقى اليمين، وإن بقي أكثر من أربعة أشهر ولم نقل ببطلان
المدة عاد الايلاء بالرجعة، وفي تجديده ما سبق ".
وظاهره كالأول حصول الايلاء الثاني مع فرض اجتماع شرائطه مع تجديد
العقد أيضا. بل هو صريح كلامه في المسألة الآتية، معللا له بأن الطلاق البائن
إنما يحل الايلاء الحاصل لا المتوقع.
ولكن قد يشكل ذلك في الفرض بأنه مناف لانحلالهما بالفئة المبني على
كون المدة من أول الايلاء الأول لهما، ضرورة عدم الانحلال مع فرض اختصاص
المدة المشتركة بالأول، وحينئذ فالمتجه انحلالهما أيضا بالطلاق البائن المقتضي
لخروج الزوجة عن الزوجية موضوعا وحكما، بل لعله كذلك أيضا في المسألة الآتية،
وفرض خروجها عن الزوجية قبل حصول وقتها لا ينافي بطلان استعداد تعلقه الحاصل
باليمين الأول، وحينئذ فالأول والثاني سواء في الحكم المزبور، نعم لا تداخل في
الأول، بل هما إيلاءان متباينان لكل منهما حكمه.
(و) حينئذ ف‍ (لها المرافعة لضرب مدة التربص عقيب اليمين،) فإذا
انقضت أربعة أشهر فإن فاء في الخامس أو طلق وفاها حقها من الأول وبقي
من الثاني.
(ولو رافعته فماطل حتى انقضت خمسة أشهر فقد انحلت اليمين) الأولى،
342

(قال الشيخ: ويدخل وقت الايلاء الثاني) فله التربص أربعة أشهر إن لم يكن
طلقها أو راجعها واحتسبنا العدة من المدة أو بقي أزيد من أربعة أشهر. (و) أيضا
(فيه وجه ببطلان (والوجه بطلان خ ل)) الايلاء (الثاني لتعليقه على الصفة
على ما قرره الشيخ) كما عرفت الكلام فيه سابقا، وبالجملة فكلامهم في المقام
لا يخلو من غبار.
343

المسألة (الثالثة عشرة:)
(إذا قال: والله لا أصبتك سنة إلا مرة) أو أزيد أو يوما (لم يكن مؤليا
في الحال) عندنا بمعنى عدم جريان حكم الايلاء عليه في الحال (لأن له الوطء
من غير تكفير و) لكن (لو وطأ) العدد الذي استثناه (وقع الايلاء) حينئذ
بالمعنى الأعم (ثم ينظر فإن تخلف من المدة قدر التربص فصاعدا صح) إيلاء
بالمعنى الأخص لحصول الحنث والكفارة (وكان لها الموافقة، وإن كان دون ذلك
بطل الحكم الايلاء) بالمعنى المزبور وبقي بالمعنى الأعم، خلافا للمحكي عن
بعض العامة فجعله مؤليا في الحال، لأن الوطء الأول وإن لم يحصل به الحنث لكنه
مقرب منه كما سبق، وقد عرفت ضعفه.
ولو لم يطأها في السنة أصلا كان عليه كفارة، لأن الاستثناء من النفي إثبات،
إلا أن يريد باليمين الالتزام بعدم الزيادة على الواحدة.
ولو وطأها في هذه الصورة ونزع ثم أولج لزمته الكفارة بالايلاج الثاني،
لأنه وطء مجدد، وفي المسالك احتمال العدم، لعد الايلاجات المتتابعة في العرف
وطأة واحدة مثل الأكلة، وهو كذلك مع عدم النزع.
ولو قال: " إن أصبتك في هذه السنة فوالله لا أصبتك فيها " أو أطلق لم يكن
مؤليا في الحال أيضا وبني وقوعه بعد الإصابة على جواز المعلق، بخلاف الأولى التي
344

عقد اليمين فيها في الحال واستثنى وطأة واحدة مثلا، وهنا علق الايلاء على
إصابتها، فلا يمين قبل إصابتها، والله العالم والموفق والمسدد.
إلى هنا تمت بحمد الله تعاليقنا على الجزء 33 من كتاب جواهر الكلام، وهي
الموسوعة الكبيرة الفقهية التي امتازت عن سائر الكتب الفقهية بسعتها وإحاطتها، ولا أنس
جهود العلامة الأخ الشيخ محمد القوچاني سلمه الله حيث شاركني في انجاز العمل، وأرجو
من الله تعالى وحده أن يوفقني لاتمام العمل وتحقيق بقية الأجزاء إنه سميع مجيب.
النجف الأشرف
20 / ع 2 / 1396
محمود القوچاني
وتم تصحيحه وتهذيبه وترتيبه في اليوم
الخامس عشر من شهر صفر الخير سنة - 1398 -
والحمد لله أولا وآخر، وذلك بيد العبد:
السيد إبراهيم الميانجي
عفى عنه وعن والديه
345