الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ٥
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان ١٤١٥
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٥٥٠٣-٨٠-٩
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولي أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الخامس
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث 2
1

BP النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي، تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. vols 18 - 2 - 75 - 5503 - isbn 964
ردمك (شابك) 9 - 77 - 5503 - 964 / ج 5
5. vol /. 9 - 80 - 5503 - isbn 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 5
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): واصف - قم
المطبعة: الأولى - شعبان 1415 ه‍
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 4000 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دورشهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - لاك 5
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
4

المقصد الثاني
في ماهية الصلاة وأفعالها بأقسامها
والكلام فيها: إما في الصلوات الواجبة أو المستحبة، وعلى التقديرين إما
في اليومية أو غيرها، فهاهنا أبواب أربعة:
5

الباب الأول
في أفعال الصلوات الواجبة اليومية
وهي: إما واجبة أو مندوبة، فهاهنا فصلان.
7

الفصل الأول
في أفعالها الواجبة
وهي بكليتها: النية، وتكبيرة الاحرام، والقيام، والقراءة، والركوع،
والسجود، والتشهد، والتسليم، نذكرها بأحكامها في ثمانية أبحاث.
9

البحث الأول
في النية
وهي جز عند طائفة (1)، وشرط عند آخرين (2)، وظاهر بعضهم - التردد في
كونها شرطا أو جزءا (3)، وهو في موقعه جدا، والفائدة في تحقيقه قليلة كثيرا،
فالاعراض عنه أولى.
والمعتبر فيها القصد إلى الفعل تقربا إلى الله سبحانه - كما مض في بحث
الوضوء تفصيلا ودليلا - منضما معه ما يعينه، ويميزه إذا لم يكن هناك مميز
خارجي، وكانت الصلاة المأمور بها متعددة، كأن تكون الذمة مشغولة بصلاة
واجبة ومندوبة، أو أداء وقضاء، أو إجارة ونذر وغير ذلك، لأن ترتب ما يستتبعه
أحدهما فعلا أو تركا على ما فعله الذي عليه يتوقف البراءة والاجزاء، بل صدق
الامتثال، يتوقف على مرجح، وليس إلا القصد بالفرض فيجب.
والقول بأن ما فعله لا مع القصد لمميز موافق لكل منهما فيكون صحيحا،
إذ ليست الصحة إلا موافقة مأمور به - كما مر في الوضوء - وهي ترادف الاجزاء
المستلزم للبراءة.
يرد بعدم معقولية البراءة عن واحد لا بعينه من الأمرين المختلفين آثارا
وتوابع، ولا الاجزاء عنه، ولازمه إما عدم للازم البراءة والصحة، أو عدم كون
الصحة موافقة المأمور به مطلقا بل موافقة المأمور به المعين.
مع أن لنا أن نقول: إن الأمر بكل من الشيئين - المختلفين آثارا الغير

(1) كالشهيد في البيان: 150.
(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 149، والعلامة في المنتهى 1: 266،
وصاحب المدارك 3: 309.
(3) كالمحقق في المختصر النافع: 29، والكركي في جامع المقاصد 2: 217.
والشهيد الثاني في المسالك 1: 28.
11

المتميزين إلا بالقصد - يستلزم الأمر بقصد المميز قطعا، تحصيلا للامتثال والاجزاء
والبراءة، فالخالي عن ذلك القصد لا يكون موافقا لتمام المأمور به، فلا يكون
صحيحا.
مع أن لزوم قصد المميز في مثل ذلك قد يستفاد من الأخبار أيضا، كالأخبار
الآمرة بتقديم فريضة الصبح مثلا على نافلته (1)، أو التهجد بعد طلوع الصبح
أو الحمرة (2)، ونحوها، فإنه لا يحصل التقديم والتأخير إلا بواسطة القصد.
وكالأخبار الواردة في العدول من صلاة إلى أخرى، يصرح به موثقة
عمار: في الرجل يريد أن يصلي ثماني ركعات فيصلي عشر ركعات أيحتسب
بالركعتين من صلاة عليه؟ قال: (لا، إلا أن يصليها عمدا، فإن لم ينو ذلك
فلا) (3).
فإن قيل: قد مر في بحث الوضوء جواز انطباق ما فعل بلا قصد المميز على
واحد معين باختيار المكلف بعد الفعل، فلا يثبت لزوم قصده أولا.
قلنا: الجواز لا يستلزم التعين والتحقق، والأصل بقاء الاشتغال وعدم
البراءة الحاصل قبل القصد المتأخر، ولا دليل على حصول البراءة بذلك القصد
قطعا، وتجويز ذلك عقلا لا يفيد في دفع الاستصحاب، فيجب ضم القصد حال
الفعل.
وهل يجب ضمه في ابتداء الفعل، أو يكفي الانضمام في الأثناء - كأن
يدخل في صلاة مترددا بين أن يتنفل بها للصبح أو يؤدي فريضتها ثم قصد إحداهما
في الأثناء -؟.
الظاهر: الثاني، إذ ما بعد النية يكون من المنوي قطعا وينصرف ما قبلها

(1) انظر: الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51.
(2) انظر: الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48.
(3) التهذيب 2: 343 / 1421، الوسائل 6: 7 أبواب النية ب 3 ح 1.
12

إليه أيضا، وذلك لأن وجود المركب من أجزاء - كفريضة الصبح مثلا - ليس إلا
تحققه في الخارج منضمة الأجزاء بعضها مع بعض، وقد تحقق ذلك، فيكون آتيا
بالمأمور به، فيكون ممتثلا، وبه يدفع الأصل والاستصحاب المتقدمان.
نعم لما كان يلزم انصرافه إلى هذا المركب بخصوصه قطعا يجب وجود ما
يعينه، وقصد الباقي معين قطعي له، وكذا ضم الباقي مع ما تقدم، بخلاف النية
اللاحقة للمجموع فإن كونها معينة ليس قطعيا.
نعم يشترط عدم مانع من انصراف المتقدم إلى المنوي، كقصده أولا لغيره،
فإنه لا يفيد حينئذ، كما يأتي في مسألة أصالة عدم جواز العدول، وستأتي زيادة
تحقيق للمقام في مسألة قصد السورة قبل البسملة.
ولو كان هناك مميز خارجي كان كافيا في الترجيح ولم يحتج إلى قصد، بل مع
وجود المميز الخارجي لا يكون المنوي والمقصود إلا ذلك المميز وإن لم يخطره
بباله
مفصلا، لعدم إتيان العاقل بفعل بلا قصد، فإذا فعله مع المميز يكون المقصود
في خزينة خياله هو المميز - بالفتح - البتة.
ثم إن المميز كما يكفي وجوده أولا، كذلك يكفي لحوقه في الأثناء، فلو
شرع في صلاة مترددا بين صلاة الآيات والظهر مثلا وضم بعد قراءة الفاتحة تتمة
صلاة الآيات كانت صحيحة، نعم لو قصد الظهر أولا لم يفد ذلك بل يبطل به،
وظهر وجهه مما مر، ويأتي في بحث السورة.
وكذلك لم يحتج إلى قصد المميز إذا لم يكن في المأمور به تعدد حتى يحتاج
إلى مميز.
والقول بأن عدم التعدد بحسب الشريعة لا يوجب عدمه مطلقا، فإن
صلاة الظهر مثلا وإن لم تكن شرعا إلا واحدة واجبة ولكن يمكن وقوعها على جهة
الندب بحسب قصد المكلف إما عمدا أو سهوا أو جهلا، وكذا إذا لم يكن في
الذمة قضاء صلاة الظهر شرعا ولكن يمكن وقوعها بحسب قصده قضاء، ولا
ريب أنها بهذه الجهة غير مأمور بها في الشريعة.
13

مردود بأن غير المأمور به من الأفراد خارج بقصد القربة، مع أن مثل هذه
الأفراد غير محصورة، فكلما اعتبر مميز يكون له فرد آخر غير مأمور به أيضا.
ولا يعتبر في النية شئ سوى ما ذكر ولو كان الوجه، أو الأداء والقضاء، أو
القصر والاتمام، أو نحو ذلك، للأصل، وعدم الدليل، إلا إذا توقف التميز عليه
فيجب لما ذكر.
وابتداء وقتها الشروع في مقدمات الصلاة، ويتضيق عند أول جزء من
التكبير بحيث يكون آخر جزء منها عند أول جزء منه.
وتجب استدامتها حكما إلى آخر الصلاة، كما مر تحقيق جميع ذلك في الوضوء.
فروع:
أ: لو نوى قطع الصلاة ولم يقطع لم تبطل صلاته، وفاقا لجماعة منهم: المبسوط
والخلاف والشرائع (1)، لأصالة عدمه، وعدم كونها مبطلة، فإنه حكم وضعي
يحتاج إلى ثبوت الوضع، واستصحاب الحالة الثابتة لما فعل من الأجزاء، وحرمة
القطع.
وخلافا للمحكي عن كثير من المتأخرين، منهم الفاضل في المختلف
والقواعد بل كثير من كتبه (2).
لاشتراط الاستدامة الحكمية المنافية لنية القطع.
ووجوب تحصيل البراءة اليقينية الغير الحاصلة مع تلك النية.
وعدم صدق الامتثال العرفي معها.
وإيجابها خروج ما فعله من الأجزاء عن الجزئية للصلاة وصيرورته لغوا

(1) المبسوط 1: 102، الخلاف 1: 307، الشرائع 1: 79.
(2) المختلف: 91، القواعد 1: 31، التحرير 1: 37، نهاية الإحكام 1: 449،
المنتهى 1: 267.
14

فاسدا فلا يرجع بعده إلى الصحة.
ويجاب عن الأول: بأن الثابت من دليل الاستدامة ليس إلا وجوب البقاء
على حكم النية عندما يفعل من أجزاء الصلاة، فلا يضر عدمها في حالة لا يشتغل
فيها بشئ من الصلاة.
وعن الثاني: بحصول اليقين بالبراءة شرعا بعد عدم الدليل على وجوب
الزائد على ما أتى به.
وعن الثالث: بمنع منافاة تلك النية لصدق الامتثال، فإنه لو أمر المولى
عبده بفعل ففعله امتثالا له يعد ممتثلا ولو نوى في الأثناء ترك الفعل ثم ندم عن
ذلك القصد وأتم الفعل بقصد الإطاعة.
وعن الرابع: بمنع تأثير هذه النية في ما فعل وعدم فساده بها إلا مع إيجابها
بطلان الصلاة، وهو أول الكلام.
وهل يختص عدم البطلان بها بصورة عدم الاتيان بشئ من أفعالها الواجبة
قبل تجديد النية؟
صريح بعضهم نعم، لعدم الاعتداد به لخلوه عن النية، واستلزام إعادته
الزيادة في الصلاة (1).
أقول: هذا إنما يتم فيما تستلزم زيادته البطلان، فلا يجري فيما ليس.
كذلك، كذكر الركوع والسجود، والتسبيحات في الركعتين الأخيرتين، والسورة
في الصلاة المستحبة، بل في كثير من الأفعال - كالركوع والسجود - إذا خصصنا
الزيادة المبطلة بما إذا كانت بقصد الصلاة.
نعم يتجه البطلان في مثله أيضا إذا كان ما فعله قبل تجديد النية فعلا كثيرا
مبطلا للصلاة.
وكذا الحكم لو نوى القطع بعد ذلك، فلا تبطل إلا مع الاتيان بشئ

(1) كما في المدارك: 3: 315.
15

يوجب زيادته البطلان، أو الفعل الكثير المبطل بعد تلك النية وقبل التجديد.
وكذا لو عتق القطع على أمر قطعي الثبوت ولم يوجد بعد.
ولو علقه على أمر محال أو ممكن الثبوت الموجب لجواز القطع شرعا فلا تبطل
قبل وجوده أصلا، بل وكذا غير الموجب له، وأما بعد الوجود فمع رفض تلك النية
فلا بطلان أيضا، ومع البقاء عليها فكنية القطع.
والشك والتردد في القطع في جميع ما مر كالقطع.
ب: الأصل عدم جواز العدول من صلاة إلى أخرى مطلقا، إذ مقتضى العدول
جعل ما تقدم عليه بالنية السابقة - الموافق للأمر المنوي بسبب نيته، المجزي عن
الأمر التبعي بأجزائه لولا طرو المفسد، لما عرفت من حصول التعيين بالنية -
موافقا
لأمر آخر وخارجا عن الأمر الأول، ولا شك أن الأصل والاستصحاب يقتضيان
عدمه، إذ الأصل عدم امتثال الأمر الآخر وعدم تأثير النية المتأخرة في الموافقة،
والمستصحب كفايته عن الأمر الأول، وأيضا: الاشتغال اليقيني مستصحب حتى
تحصل البراءة اليقينية، ولا تحصل مع العدول في النية.
ثم مقتضى ذلك الأصل، الحكم بعدم جواز العدول وعدم كونه مؤثرا إلا
في موضع ثبت فيه العدول، وقد ثبت في مواضع يجئ بيانها في محالها، فيحكم
فيهابه وينفى عن غيرها.
ج: لا يشترط القيام ولا سائر الشرائط في النية، للأصل، وعدم ثبوت الجزئية.
إلا أن لاشتراطها في التكبيرة، الواجبة مقارنة النية لها ولو مجرد الحكمية، تنتفي في
المسألة الفائدة.
16

البحث الثاني
في تكبيرة الاحرام
وهي جزء للصلاة، واجبة بالاجماع والمستفيضة من الأخبار (1)، بل ركن
فيها تبطل بتركها، إجماعا منا ومن أكثر العامة، له، ولأصالة الركنية بهذا المعنى
لكل جزء من الأجزاء الواجبة للمأمور به، لايجاب تركه ولو جهلا أو سهوا عدم
الاتيان به، ومخالفته الموجبة لعدم تحقق الامتثال وإن لم يكن المكلف مقصرا في
بعض الصور، فإن عدم التقصير لا يستلزم الامتثال جزما، غاية الأمر عدم
المؤاخذة في نسيانه.
وللصحاح المستفيضة المصرح جملة منها بفساد الصلاة بتركها نسيانا (2)
المستلزم له مع العمد بالأولوية.
وما في شواذها - مما ينافي بظاهره ذلك - من عدم البأس بتركها نسيانا مطلقا
كما في بعض (3)، أو إذا كبر للركوع ليجتزئ به عنها كما في آخر (4)، أو
قضائها قبل
القراءة أو بعدها كما في ثالث (5)، أو قبل الركوع وإلا فيمضي كما في رابع (6).

(1) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 و ص 12 ب 2.
(2) انظر: الرسائل 6: 12 أبواب تكبيرة الاحرام ب 2.
(3) الفقيه 1: 226 / 999، التهذيب 2: 144 / 565، الإستبصار 1: 352 / 1330
الوسائل 6: 15 أبواب تكبيرة الاحرام ب 2 ح 9.
(4) الفقيه 1: 226 / 1000، التهذيب 2: 144 / 566، الإستبصار 1: 353 / 1334،
الوسائل 6: 16 أبواب تكبيرة الاحرام ب 3 ح 2.
(5) الفقيه 1: 226 / 1001، التهذيب 2: 145 / 567، الإستبصار 1: 352 / 1331،
الوسائل 6: 14 أبواب تكبيرة الاحرام ب 2 ح 8.
(6) التهذيب 2: 145 / 568، الإستبصار 1: 352 / 1332، الوسائل 6: 5
أبواب تكبيرة الاحرام ب 2 ح 10.
17

لا يصلح لمعارضتها، لشذوذه المخرج له عن الحجية، ولموافقته للمنقول
عن جملة من المخالفين منهم الزهري والأوزاعي والحكم والحسن وقتادة وابن
المسيب (1)، فيحتمل التقية.
مع احتمال الحمل على غير تكبيرة الاحرام من تكبيرات الافتتاح، بل
تعينه، لعمومها بالنسبة إليه، أو على صورة عدم اليقين بالترك، وإرادة نسيان
الفعل وعدمه من النسيان المصرح به.
وأما الركنية بمعنى البطلان بزيادتها أيضا عمدا أو سهوا فإثباتها بالأصل
المتقدم، كما ذكره بعضهم وأصر عليه (2)، فغير صحيح، لأن زيادة شئ لا توجب
عدم موافقة ما أتى به للمأمور به، والأصل عدم شرطية عدم الزيادة.
نعم تثبت أصالتها في جميع أجزاء الصلاة - التي منها التكبيرة - بحسنة زرارة
وبكير: (إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها، واستقبل صلاته
استقبالا إذا كان قد استيقن يقينا (3) ورواية أبي بصير: (من زاد في صلاته فعليه
الإعادة) (4).
وتخصيصهما بزيادة الركعة - كما قيل (5) - لا وجه له، وعدم إمكان إبقائهما
على إطلاقهما لا يوجب التقييد بما لم يعلم تقييده به بل يقيد بالقدر المعلوم.
مع أن الظاهر الاجماع على أن ما تبطل الصلاة بتركه سهوا تبطل بزيادته
أيضا، فالترديد في إبطال زيادة التكبيرة - كما في المدارك (6) - باطل.

(1) حكاه عنهم في المغني والشرح الكبير 1: 541.
(2) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(3) الكافي 3: 354 الصلاة ب 41 ح 2، التهذيب 2: 194 / 763، الوسائل
8: 231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 1.
(4) التهذيب 2: 194 / 764، الإستبصار 1: 376 / 1429 الوسائل 8: 231
231 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 19 ح 2.
(5) انظر: الذخيرة: 359.
(6) المدارك 3: 318.
18

وبما ذكر يخصص عموم قوله في صحيحة زرارة: (لا تعاد الصلاة إلا من
خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود) (1).
وستجئ زبادة تحقيق لذلك في بحث الخلل.
وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: صورتها أن يقول: (الله أكبر) مرتبا بين الكلمتين بتقديم
الأولى على الثانية، مواليا بينهما غير فاصل ولو بسكوت أو لفظ آخر (ولو) (2) من
الأسماء الحسنى، ولا مبدلا حرفا منهما بغيره ولا كلمة بغيرها ولو كان بمعناها، ولا
مغيرا لهيئتها ولو بتعريف أكبر.
فلو خالف واحدا مما ذكر لم تبرأ ذمته إجماعا كما عن الانتصار والناصريات
والمنتهى والغنية (3)، لاستصحاب الاشتغال بالتكبير المصرح به في الأخبار،
المتحقق يقينا بما ذكر بالاجماع، وبصحيحة حماد (4)، ومرسلة الفقيه (5) المصرحتين
بهذه الهيئة، الغير المعلوم تحققه بغير ما ذكر، لعدم إرادة المعنى الحقيقي
المعلوم من لفظ التكبيرة هنا، وعدم ثبوت الحقيقة فيما يشمل جميع ما يؤدي
المعنى، والاجمال في المجاز المراد في المقام.
خلافا في الأخير للمحكي عن الإسكافي (6)، فجوز التعريف على كراهة،
لعدم تغير المعنى.

(1) الفقيه 1: 225 / 991، التهذيب 2: 152 / 597، الوسائل 4: 312
أبواب القبلة ب 9 ح 1.
(2) ما بين القوسين ليس في (ق).
(3) الإنتصار: 40، الناصريات (الجوامع الفقهية): 196، المنتهى 1: 268، الغنية
(الجوامع الفقهية): 557.
(4) الكافي 2: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقهية 1: 196 / 961، التهذيب 2:
81 / 301،
الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
(5) الفقيه 1: 200 / 921، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 11.
(6) نقله عنه في المنتهى 1: 268.
19

ويرد باحتمال مدخلية اللفظ، فلا يقطع بالبراءة بدونه.
ولأجل ما ذكر يحكم بعدم حصول البراءة مع وصل همزة (الله) أو (أكبر) أو
مد الأولى ولو لم يقصد الاستفهام، أو إشباع فتحة الثانية بحيث يظهر منه الألف،
أو فتحة الباء، أو مد الألف الثانية في (الله) أو إظهار إعراب (أكبر) وإن
كان بعضها
موافقا للغة العرب.
خلافا في الأول للمنقول عن بعض المتأخرين (1) فجوز الوصل حين تلفظ
المصلى قبلها بما يوصلها به، عملا بظاهر القانون العربي.
ويرد بأن الموافقة له لا تدل على جوازه، وتعلق الأمر تخييرا به أيضا.
وقد يستدل لتوقف البراءة على الاقتصار بجميع ما ذكر من غير تغيير أصلا:
بأنه المعهود المنقول عن الشارع فلا يجوز التعدي، لتوقيفية العبادة.
وفيه: أنه إن أريد أنه ورد عنه الأمر به بخصوصه، فلا نعرف فيه نقلا،
وإن أريد أنه تلفظ كذا، فلا يدل ذلك على التعيين لاحتمال كونه أحد أفراد
المخير.
مع أنه من أين عهد عنه أنه لم يدرج همزة (الله) مع تكلمه عليه السلام قبله
بأدعية التكبيرات، أو لم يمد ألفه الثانية قليلا، أو لم يشبع فتحة (أكبر) وما
الذي يدل على ذلك؟.
وهل تجوز زيادة ما لا يوجب تغييرا في التكبيرة ولو بظهور إعرابها أصلا
كقوله: الله أكبر وأجل وأعظم، أو الله أكبر من كل شئ، أو الله أكبر تعالى
وتقدس؟.
صريح بعضهم عدم الجواز (2).

(1) لم نعثر على شخصه، ونقل في روض الجنان: 259، وكشف اللثام 1: 213 عن
بعض المتأخرين أيضا.
(2) كما في جامع المقاصد 2: 237، وشرح المفاتيح (المخطوط).
20

ولا أرى له وجها وجيها، لحصول التكبيرة بالنحو المجمع عليه، وعدم كون
الزيادة بنفسها مبطلة ولا موجبة للتغيير في التكبير.
المسألة الثانية. الأخرس الذي سمع التكبيرة وأتقن ألفاظها ولا يقدر على
التلفظ بها، ومن بحكمه من العاجز عن النطق لعارض، ينطق على قدر الامكان.
ومع العجز عن النطق أصلا يقصد هذا اللفظ مع الإشارة بالإصبع، بلا
خلاف في اعتبارها - كما صرح به بعضهم (1) - من دون ضم شئ معها، كما عن
المبسوط والمعتبر والمنتهى والتحرير (2).
أو منضما معها عقد القلب بمعناها المطابقي أو غيره من كونها ثناء على الله
سبحانه، كما في الشرائع والنافع (3)، وعن الإرشاد والنهاية، (4).
أو هو مع تحريك اللسان، كما في القواعد والبيان وشرح الجعفرية وروض
الجنان (5).
ولا دليل على شئ منها إلا ما مر في الأول من حكاية نفي الخلاف.
وما قيل للثاني من أنه لولاه لما تشخصت الإشارة (6).
وللثالث من وجوبه على غي الأخرس (7)، وما لا يدرك كله لا يترك كله (8)،
والميسور لا يسقط بالمعسور (9).

(1) انظر: الرياض 1: 154.
(2) المبسوط 1: 103، المعتبر 2: 154، المنتهى 1: 268، التحرير 1: 37.
(3) الشرائع 1: 79، المختصر النافع 1: 29.
(4) الإرشاد 1: 252، النهاية: 75 وقال فيها: وقراءة الأخرس... ايماء
بيده مع الاعتقاد بالقلب.
(5) القواعد 1: 32، البيان: 155، روض الجنان: 259.
(6) كما في الرياض 1: 154.
(7) كما في نهاية الإحكام 1: 455 و 479، وجامع المقاصد 2: 238، وروض
الجنان: 259، وكشف اللثام 1: 213.
(8، 9) عوالي اللآلي 4: 58.
21

وللطرفين من رواية السكوني: (تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في
الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه) (1).
ويرد الأول: بعدم حجيته.
والثاني: بأنه فرع وجوب الأول، مع أن التشخص يحصل بالقصد إلى
اللفظ الذي هو غير عقد القلب بالمعنى، ومنه يظهر بطلان ما قيل من أنه مما لا بد
منه فيتحد قول من ذكره مع قول من تركه (2).
والثالث: بعدم الدلالة كما هو مبين في موضعه.
والرابع: بخروجه عن المفروض، ودلالته عليه بالفحوى أو تنقيح المناط
ممنوعة.
فالقول بسقوط التكبيرة عنه - كما احتمله في المدارك (3) - قريب، إلا أن
اعتبار ما ذكره الأصحاب سيما الأول بل مع الثاني أولى وأحوط.
وغير الأخرس العاجز عن التلفظ بخصوص هذا اللفظ - وإن قدر على غيره -
يتعلمه ما أمكن إجماعا، لتوقف الواجب عليه.
ومع تعذر التعلم فالمشهور - بل المدعى عليه إجماع علمائنا (4) - أنه يتلفظ
بترجمته بلغته، أو مطلقا مع المعرفة بها. ولا يتعين عند الأكثر (5) السريانية
والعبرانية، ولا الفارسية بعدهما - وإن قيل بتعين الثلاثة مرتبا بينها (6) - لعدم
وضوح مستنده.

(1) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 17، التهذيب 5: 93 / 305، الوسائل 12: 381
أبواب الاحرام ب 39 ح 1.
(2) كما في الرياض 1: 154.
(3) المدارك 3: 321.
(4) انظر: مجمع الفائدة 2: 195، والمدارك 3: 320، والرياض 1: 154.
(5) منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 455، والشهيد الثاني في الروضة 1: 256،
والمحقق السبزواري في الذخيرة: 267، وصاحب الرياض 1: 154.
(6) نقله في مفتاح الكرامة 2: 338 عن الموجز الحاوي وكشف الالتباس
والمقاصد العلية.
22

واستدل لأصل الحكم بوجوب تحصيل البراءة اليقينية.
وإبراز المعاني بالألفاظ المعروفة، وبتعذر تلك الألفاظ يجب إبراز المعاني بما
أمكن، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
ويرد الأول: بحصول البراءة اليقينية عما قطع بالاشتغال به، وأصالة عدم
الاشتغال بغيره.
والثاني: بعدم الدلالة، مع احتمال كون الواجب هو التلفظ بهذا اللفظ
خاصة من غير التفات إلى المعنى وإن كان بعيدا، ولذا احتمل بعض المتأخرين.
سقوط التكبيرة حينئذ (1). وهو حسن لولا الاجماع على خلافه، ولا شك أن متابعة
المشهور أحوط.
والظاهر أن الاكتفاء بالرجمة إنما هو مع ضيق الوقت إلا إذا قطع بعدم
إمكان التعلم مع السعة فيجوز فيها أيضا، ولعله مراد من خصه بالضيق مطلقا
بناء على تعارف حصول المعرفة بالسعي.
وفي وجوب التلفظ بالمرادف العربي لو أمكن واكتفاء في الترجمة بما يتعذر
تعلمه - لو علم البعض - احتمال.
المسألة الثالثة: المشهور - كما نص عليه جماعة (2)، بل بلا خلاف بين
أصحابنا كما صرح به بعضهم (3)، بل به قال أصحابنا كما في المنتهى (4) مؤذنا
بالاجماع عليه، بل بالاجماع كما عن ظاهر الذكرى (5) - أن المصلي مخير في تعيين
تكبيرة الاحرام من التكبيرات السبع التي يستحب التوجه بها، لاطلاق النصوص

(1) كما في المدارك 3: 320.
(2) منهم صاحب الحدائق 8: 21.
(3) منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 127، والمجلسي في البحار 81: 357.
(4) المنتهى 1: 268.
(5) الذكرى: 179.
23

باستحباب السبع من دون تصريح بتعيين تكبيرة الاحرام منها (1)، مع أنها واحدة
منها إجماعا، ولأن تكبيرة الاحرام ليست بخارجة منها إجماعا، ولا مجموعها
كذلك، ولا واحدة معينة منها، لأصالة عدم التعيين، ولبطلان الترجيح من غير
مرجح، فيكون واحدا لا بعينه.
وصرح بعض مشايخنا المحدثين بتعيين الأولى منها لها (2)، وهو ظاهر
الوافي (3)، والمنقول عن البهائي في بعض حواشيه، والسيد نعمة الله الجزائري
(4)، لصحيحة الحلبي: (إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك، ثم ابسطها بسطا، ثم كبر
ثلاث تكبيرات) إلى أن قال: (ثم تكبر تكبيرتين) الحديث (5).
فإن الافتتاح لا يطلق حقيقة إلا على تكبيرة الاحرام، وما يقع قبلها ليس
من الافتتاح في شئ وإن سمي ما عداه تكبيرات الافتتاح بتأخيرها عن تكبيرة
الاحرام التي يقع بها الافتتاح.
وصحيحة زرارة، الواردة في علة استحباب السبع بإبطاء الحسين عليه
السلام عن الكلام، وفيها: (فافتتح رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة فكبر
الحسين، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله تكبيره أعاد، فكبر الحسين عليه
السلام، حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وآله سبع تكبيرات وكبر الحسين عليه
السلام، فجرت السنة بذلك) (6).
فإنها تدل على أن التكبير الأول هو تكبيرة الاحرام، لاطلاق الافتتاح

(1) انظر الوسائل 6: 20 أبواب تكبيرة الاحرام ب 7.
(2) كما في الحدائق 8: 21.
(3) الوافي 8: 638.
(4) نقله عنهما صاحب الحدائق 8: 21.
(5) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67 / 244، الوسائل 6: 24
أبواب تكبيرة الاحرام ب 8 ح 1.
(6) الفقيه 1: 199 / 918، علل الشرائع: 332 / 2، الوسائل 6: 21 أبواب
تكبيرة الاحرام ب 7 ح 4.
24

عليها، وكون العود إلى البواقي لتمرين الحسين عليه السلام.
وصحيحته الأخرى، الآمرة بإعادة الصلاة بنسيان أول تكبيرة من
الافتتاح (1)، ولولا أنه تكبيرة الاحرام لما تعاد الصلاة بنسيانه.
والثالثة، الواردة في صلاة الخوف، وفيها: (ولكن يستقبل بأول تكبيرة حين
يتوجه) (2).
ويرد الأولان: بمنع كون الافتتاح حقيقة في تكبيرة الاحرام، بل يطلق على
الجميع، وعلى خصوص تكبيرة الاحرام مجازا.
وقد أطلق على الجميع كثيرا، كما ورد في بعض الأخبار أنه: (إذا افتتحت
الصلاة فكبر إن شئت واحدة، وإن شئت ثلاثا، وإن شئت خمسا، وإن شئت
سبعا (3).
وفي بعض الصحاح: الافتتاح؟ قال: (تكبيرة تجزيك) قلت: فالسبع؟
قال: (ذلك الفضل) (4).
وفي آخر: (التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي، والثلاث أفضل،
والسبع أفضل كله) (5).
وفي الموثق: (استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء) (1).
ويكون إطلاق الافتتاح على الأولى باعتبار كونها افتتاحا لمطلوبات الصلاة

(1) التهذيب 2: 145 / 567، الإستبصار 1: 352 / 1331، الوسائل 6: 14 أبواب
تكبيرة الاحرام ب 2 ح 8.
(2) الفقيه 1: 295 / 1348، التهذيب 3: 173 / 383، الوسائل 8: 441 أبواب صلاة
الخوف والمطاردة ب 3 ح 8.
(3) التهذيب 2: 66 / 239، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الاحرام ب 7 ح 3.
(4) التهذيب 2: 66 / 241، علل الشرائع: 332 / 3، الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة
الاحرام ب 1 ح 2.
(5) التهذيب 2: 66 / 242، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 4.
(6) التهذيب 2: 287 / 1152، الخصال: 347 / 17، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة
الاحرام ب 7 ح 2.
25

التي منها التكبيرات ودعواتها، وعلى الأخيرة باعتبار كونها افتتاحا لواجباتها.
والثالثة: بأنها إنما تفيد لو كان المعنى: ينسى أول التكبيرات من تكبيرات
الافتتاح، ولكن يمكن أن يكون المعنى: ينسى أول تكبيرة من التكبيرات الداخلة
في الصلاة، وهي التي من الافتتاح أي بعضه حيث إنه يحصل به وبالنية، أو التي
لأجله حتى تكون لفظة: (من) بمعنى اللام، أو المسببة عن الافتتاح حتى تكون
سببية.
والرابعة: بمنع الدلالة، إذ لا يثبت منها إلا رجحان الاستقبال، وهو ثابت
في غير تكبيرة الاحرام أيضا.
مضافا إلى ما في الأولى من أن المراد بقوله فيها: (افتتحت) ليس بالتكبيرة
قطعا، للأمر بسبع تكبيرات بعده متراخيا فمعناه: أردت الافتتاح، فلا يفيد
شيئا.
وفي الثانية أن افتتاحه صلى الله عليه وآله بالأولى لا ينافي التخيير، وليس
المراد بجريان السنة بذلك جريانها بجعل الأولى افتتاحا بل بالسبع، وأيضا المستفاد
منها أن السبع لم تكن مشروعة بعد فكانت الأولى افتتاحا قطعا وتكون خارجة عن
المقام. والاستصحاب - كما قيل (1) - لا يفيد، إذ المشروع قبل ذلك كما كان أولا
كان آخرا أيضا، للانحصار فيه. واستصحاب فعل النبي لا معنى له.
ومع ذلك حلم يعارضها الرضوي: (واعلم أن السابعة هي الفريضة، وهي
تكبيرة الاحرام، بها تحرم الصلاة) (2).
فإنها تدل على تعين الأخيرة للاحرام كما حكي عن ظاهر المراسم والكافي
والغنية (3).
إلا أنه - لضعفه - عن إثبات الحكم قاصر، وانجباره بعمل القوم غير

(1) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) فقه الرضا (ع): 105 بتفاوت يسير.
(3) المراسم: 70، الكافي في الفقه: 122، الغنية (الجوامع الفقهية): 559.
26

ظاهر، بل نقل الاشتهار على التخيير المنافي له متواتر (1)، نعم لثبوت التسامح
في أدلة الفضل لاثباته صالح.
فالقول بالتخيير لما مر، مع أفضلية جعلها الأخيرة كما عن المبسوط
والاقتصاد والمصباح ومختصره والذكرى والروضة وروض الجنان وشرح القواعد (2)،
لأجل الرضوي، وللخروج عن خلاف من ذكر، أقوى.
المسألة الرابعة: يشترط فيها جميع ما يشترط في الصلاة، من الطهارة والستر
والقيام والاستقبال، فلا تجزي التكبيرة لو كبر مع انتفاء واحد مما ذكر، لأن ذلك
مقتضى الجزئية والركنية الثابتتين بالاجماع وغيره.
مضافا في اشتراط القيام - الموجب لعدم الاجزاء ولو كبر هاويا إلى الركوع
- إلى الموثقة: (وكذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة
وهو قاعد، فعليه أن يفتتح صلاته ويقوم، فيفتتح الصلاة وهو قائم، ولا يعتد
بافتتاحه وهو قاعد) (3).
ومفهوم الصحيحة: (إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبر الرجل وهو مقيم
صلبه، ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه، فقد أدرك الركعة) (4).
خلافا للمحكي عن المبسوط وروض الجنان فقالا: إن كبر المأموم تكبيرة
واحدة للافتتاح والركوع وأتى ببعض التكبير منحنيا صحت صلاته (5).
واستدل له بأصالة عدم البطلان، واحتياجه إلى الدليل.

(1) راجع ص 23.
(2) المبسوط 1: 104، الإقتصاد: 261، مصباح المتهجد: 33، الذكرى: 179، الروضة 1:
281، روض الجنان: 260، جامع المقاصد 2: 239.
(3) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 5: 503 أبواب القيام ب 13 ح 1.
(4) الكافي 3: 382 الصلاة ب 61 ح 6، التهذيب 3: 43 / 152، الإستبصار
1: 435 / 1679، الوسائل 8: 382 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.
(5) المبسوط 1: 105، روض الجنان: 258 و 259.
27

ويرد بوجوده كما عرفت.
وقد يرد بتوقيفية العبادة، وتوقف الصحة على الدلالة، واستصحاب عدم
البراءة (1) وفيه نظر.
المسألة الخامسة: يستحب للإمام الجهر بها إجماعا، لصحيحة الحلبي:
(إذا كنت إماما يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها، وتسر ستا) (2) ونحوها
غيرها (3).
ولا يضر عدم تصريحها بتكبيرة الاحرام، لأن الاجماع على أن ما يجهر بها
من السبع هو تكبيرة الاحرام يجعلها صريحة فيها، مع أن الواحدة التي تجزي
ليست إلا هي.
وعموم موثقة أبي بصير: (ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول،
وللمأموم أن لا يسمع الإمام شيئا مما يقول) (4) خرج منه ما خرج بالدليل فيبقى
الباقي.
ويستفاد من الأخيرة ما صرح به بل بعدم الخلاف فيه - الذي هو أيضا حجة
مستقلة فيه لتحمل المقام للمسامحة - جماعة منهم المنتهى (5)، من استحباب إسماع
الإمام جميع المأمومين إياها.
وهو كذلك، لذلك. إلا أنه يجب استثناء من يفتقر من المأمومين إسماعه
إلى العلو المفرط، لما دل على المنع منه في الصلاة (6).

(1) انظر: كشف اللثام 1: 214، والرياض 1: 155.
(2) التهذيب 2: 287 / 115، الخصال: 347 / 18، الوسائل 6: 33 أبواب تكبير
الاحرام ب 12 ح 1 و 3.
(3) انظر: الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الاحرام ب 12.
(4) التهذيب 3: 49 / 170، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
(5) المنتهى 1: 269.
(6) انظر: الوسائل 6: 96 أبواب القراءة في الصلاة ب 33.
28

وكذلك يستفاد منها حكم آخر صرح به الأكثر (1)، وهو استحباب الاسرار
بها للمأموم.
وأما غيرهما فيتخير، لاطلاق النصوص، وأصالة البراءة عن أحد الأمرين.
خلافا للمحكي عن الجعفي، فأطلق استحباب رفع الصوت بها (2).
ولا مستند واضحا له عدا إطلاق بعض النصوص بأن النبي صلى الله عليه
وآله كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا (3).
ولكنه بيان للفعل الذي لا عموم فيه، فيحتمل وقوعه جماعة كما هو الغالب
في صلاته.
المسألة السادسة: ويرفع المصلي بها يديه إجماعا محققا ومنقولا (4)، له،
وللمستفيضة من الصحاح وغيرها.
فمن الأولى صحيحة ابن عمار: رأيت أبا عبد الله عليه السلام حين افتتح
الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا (5).
والجمال: رأيت أبا عبد الله إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى يكاد يبلغ
أذنيه (6).
وابن سنان: يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (7).
وحماد: ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه (8).

(1) منهم صاحب المدارك 3: 324، صاحب الحدائق 8: 36، وصاحب الرياض 1: 155.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 179.
(3) الخصال: 347 / 16، الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الاحرام ب 12 ح 2.
(4) كما في الخلاف 1: 319، والمعتبر 2: 156.
(5) التهذيب 2: 65 / 234، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الاحرام ب 9 ح 2.
(6) التهذيب 2: 65 / 235، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الاحرام ب 9 ح 1.
(7) التهذيب 2: 66 / 236، الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الاحرام ب 9 ح 3.
(8) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، التهذيب 2: 81 / 301،
الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
29

ومن الثانية مرسلة الفقيه، وفيها: (وارفع يديك بالتكبير إلى نحرك، ولا
تجاوز بكفيك أذنيك حيال خديك، ثم ابسطهما بسطا وكبر ثلاث تكبيرات - إلى أن
قال -: ثم كبر تكبيرتين في ترسل ترفع بهما يديك) الحديث (1).
وحسنتا زرارة، إحداهما: (ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك ولا
ترفعهما كل ذلك) (2).
والأخرى: (إذا قمت في الصلاة فكبرت فارفع يديك، ولا تجاوز بكفيك
أذنيك أي حيال خديك (3).
ورواية ابن حازم: رأيت أبا عبد الله افتتح الصلاة، فرفع يديه حيال
وجهه واستقبل القبلة ببطن كفيه (4).
والرضوي: (فإذا افتتحت الصلاة فكبر وارفع يديك بحذاء أذنيك، ولا
تجاوز بإبهاميك حذاء أذنيك) (5).
استحبابا بالاجماع المصرح به في أمالي الصدوق والمنتهى وشرح القواعد (6)،
بل في كلام جماعة كما قيل (7)، وصريح الأخير أنه إجماع المسلمين.
لا لأجل معارضة الدال على الوجوب من الأخبار مع صحيحة علي: (على
الإمام أن يرفع يده في الصلاة، ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة) (8) حيث
إنها تدل على نفي الوجوب على غير الإمام المستلزم لنفيه مطلقا بالاجماع المركب.

(1) الفقيه 1: 197 / 917.
(2) الكافي 3: 309 الصلاة ب 20 ح 1، الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الاحرام ب
10 ح 1.
(3) الكافي 3: 309 الصلاة ب 20 ح 2، الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الاحرام
ب 10 ح 2.
(4) التهذيب 2: 66 / 240، الوسائل 6: 27 أبواب تكبيرة الاحرام ب 9 ح 6.
(5) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.
(6) أمالي الصدوق: 511، المنتهى 1: 269، جامع المقاصد 1: 240.
(7) انظر: الرياض 1: 155.
(8) التهذيب 2: 287 / 1153، قرب الإسناد: 208 / 808، الوسائل 6: 27 أبواب
تكبيرة الاحرام ب 9 ح 7.
30

لدلالتها على الوجوب على الإمام المستلزم لوجوبه مطلقا أيضا بما ذكر.
والقول (1) بأنها نص في رفع الوجوب على غير الإمام، وظاهر في وجوبه عليه
لجواز إرادة شدة الاستحباب منه، وصرف الظاهر إلى النص لازم حيث لا يمكن
الجمع بينها بابقاء كل منهما على حاله هنا للاجماع المركب.
مردود بمنع النصوصية في الأول، لجواز إرادة خفة الوجوب منه، فإن
للوجوب مراتب كالاستحباب.
بل (2) لضعف الدال على الوجوب منها بشذوذ القول به جدا كما في الجميع،
أو بعدم ثبوت الحجية كما في الرضوي، مع القصور عن إفادة الوجوب دلالة أيضا
باعتبار عدم اشتمال الحجة منها غير المرسلة وإحدى الحسنتين على الأمر المفيد
للوجوب، وهما وإن اشتملتا عليه إلا أن اطلاقهما بالنسبة إلى جميع التكبيرات
السبع - بل تصريح الأولى بها - وعدم القول بوجوب الرفع في غير واحدة منها،
يوجب دوران الأمر بين حمل الأمر على الاستحباب أو تقييد التكبير بالاحرام، ولا
ترجيح بينهما عندنا، مع أن الأول في الأولى - لما قلنا - متعين، مضافا إلى مفهوم
الحصر في الرضوي الآتي في تكبيرة الركوع (3).
خلافا للانتصار فأوجبه (4).
لادعائه الاجماع عليه الذي هو في نفسه عندنا ليس بحجة، سيما مع
معارضته مع الاجماعات العديدة ومخالفته لفتوى معظم الطائفة.
ولظاهر بعض الأخبار المتقدمة بجوابه.
ولقوله سبحانه: (فصل لربك وانحر) (5) بملاحظة الأخبار المفسرة للنحر

(1) انظر: الرياض 1: 155.
(2) عطف على قوله: لا لأجل معارضة....
(3) لعل مراده (ره) رواية علل الفضل المنقولة عن الرضا عليه السلام، انظر ص
216.
(4) الإنتصار: 44.
(5) الكوثر: 2.
31

فيها برفع اليدين بالتكبير في الصلاة (1).
ويجاب عنه - مع خلو الحجة من تلك الأخبار عن التفسير بالرفع في الصلاة
- بمعارضتها مع ما يفسره بغير ذلك، وهو مرسلة حريز: قلت له: (فصل لربك
وانحر) قال: (النحر هو الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره) (2).
وإمكان تفسير الآية بالأمرين - كما قيل (3) - لكون القرآن دلولا ذا وجوه فلا
تعارض، كلام خال عن التحصيل، لأن المراد أنه يمكن حمله على معان كثيرة،
لا أن يستدل بالجميع.
إلى (4) أن يصل أسفل الوجه قليلا، كما في الصحيحة الأولى، وهو الموافق
للنحر المصرح به في المرسلة، فيتحد ذلك مع قول من ندب الايصال إلى
المنحر (5)، بل وكذا المنكب (6)، لأنهما أسفل الوجه.
أو يصل حيال الوجه لأكثر الروايات المتقدمة، وهو شحمتا الأذنين
المذكورة في بعض الروايات (7)، المصرح بها في طائفة من العبارات كما هو
المعلوم وتدل عليه الحسنة الأخيرة أيضا من حيث التفسير بقوله (أي حيال خديك).
مخيرا بين الغايتين وإن كان الأولى بل الأقوى تعيين الأخيرة، لكون رواياتها
أخص من مفهوم الغاية في رواية المنحر الدال على عدم الرفع زائدا عليه، سواء
بلغ إلى الحد أو تجاوز عنه، فيحمل الأخيرة على الأولى، وهو منتهى الرفع اتفاقا
نصا وفتوى، فيكره ما زاد عليه كما صرح به في طائفة من الأخبار (8).

(1) انظر: مجمع البيان 5: 550
(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84 / 309، الوسائل
5: 489، أبواب القيام ب 2 ح 3.
(3) انظر: الحدائق 8: 45.
(4) تحديد لرفع اليد.
(5) حكاه عن ابن أبي عقيل في الذكرى: 179.
(6) الصدوق في الفقيه 1: 198.
(7) انظر: الوسائل 6: 26 أبواب تكبيرة الاحرام ب 9 و ص 31 ب 10.
(8) انظر: الوسائل 6: 31 أبواب تكبيرة الاحرام ب 10.
32

مضمومتي الأصابع كلها، كما عليه الأكثر، ومنهم الخلاف مدعيا عليه
الاجماع (1).
أو ما عدا الابهام، كما في السرائر (2)، وعن الإسكافي والسيد والمفيد
والقاضي (3)
أو ما عدا الخنصر.
ويدل على الأول ما في صحيحة حماد في وصف صلاة الصادق عليه السلام
حيث قال: فقام مستقبل القبلة منتصبا، فأرسل يديه على فخذيه قد ضم
أصابعه (4) باستصحاب تلك الحالة إلى أرفع.
وعلى الثاني ما في الذكرى (5) من أنه منصوص، ومثله كاف في المقام.
وعلى الثالث ما في البحار عن كتاب زيد النرسي، عن أبي الحسن الأول:
أنه رآه يصلي، فكان إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه، الابهام والسبابة
والوسطى والتي تليها، وفرج بينها وبين الخنصر (6).
ويرد الأول باندفاع الاستصحاب بما للثاني ذكر.
والآخر بأنه مخالف للاجماع لاتفاقهم على استحباب ضم الخنصر، فبقي
الثاني وهو الأقوى.
مستقبلا للقبلة بباطن كفيه، لخبر منصور المذكور (7).

(1) الخلاف 1: 321.
(2) السرائر 1: 216.
(3) نقله عن الإسكافي والسيد في المعتبر 2: 156، المفيد في المقنعة: 103،
القاضي في المهذب 1: 92.
(4) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81 / 301، الوسائل 5: 459
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
(5) الذكرى: 179.
(6) البحار 81: 225 / 12.
(7) في ص 30.
33

مبتدئا بالرفع بابتداء التكبير، منتهيا له بانتهائه على المشهور، بل في المعتبر
والمنتهى (1) الاجماع عليه، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى أنه مقتضى الرفع حين الافتتاح كما في الصحيحين الأول
والثالث (2)، إذ لو تقدم أحدهما على الآخر لم يتحدا في الحين. بل هو مقتضى
الصحيح الثاني (3) الدال على كون الرفع وقت التكبير، والحسن الأول (4) المصرح
بالرفع في الافتتاح، والمرسلة (5) المصرحة بالرفع بالتكبير.
ولا ينافيه الحسن الآخر والرواية المتعقبة له (6) الظاهران في كون الرفع بعد
التكبير، لوجوب جعل الفاء فيهما بمعنى الواو كما في الرضوي (7)، للاجماع على
خلافه، مع كون ما ذكرنا صالحا للقرينة له.
نعم ظاهر المرسل المنافاة، لاقتضائه - لمكان ثم - لكون التكبير بعد الرفع
قبل الارسال، كما هو القول الثاني في المسألة (8)، أو مقارنا له كما هو القول
الآخر (9).
ويدفعها وجوب إخراج لفظة: (ثم) عن معناها الحقيقي الذي هو التعقيب
المقيد بالمهلة بالاجماع، لعدم استحباب الامهال، سيما إمهال بعد إمهال. ومجازها
كما يمكن أن يكون التعقيب المطلق يمكن أن يكون المعية ليكون بمعنى لفظة
الواو، فلا يعلم المنافاة.

(1) المعتبر 2: 200، المنتهى 1: 285.
(2) المتقدمين في ص 29.
(3) المتقدم في ص 29.
(4) المتقدم في ص 30.
(5) المتقدمة في ص 30.
(6) المتقدمان في ص 30.
(7) المتقدم في ص 30.
(8) نسبه في التذكرة 1: 113 إلى ظاهر الشافعي.
(9) حكاه عن البعض في نهاية الإحكام 1: 457، التذكرة 1: 113.
34

ثم إن ظاهر بعض الأخبار - سيما الواردة في رفع اليد للركوع والسجود (1) -
كون رفع اليدين بنفسه مستحبا غير موقوف على التكبير، كما صرح به بعض
الأصحاب أيضا (2).

(1) انظر: الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2.
(2) كصاحب الحدائق 8: 261.
35

البحث الثالث
في القيام
وهو واجب في الفرائض حال تكبيرة الاحرام والقراءة وقبل الركوع وبعده،
إجماعا من المسلمين، بل ضرورة من الدين - إلا فيما مر فيه الخلاف في التكبيرة
(1) - وهو الحجة فيه.
مضافا إلى الروايات المتكثرة التي منها الصحيحة الواردة في صلاة الصادق
عليه السلام في مقام تعليم حماد، المشتملة على القيام في جميع تلك الحالات،
المتضمنة لقوله: (يا حماد هكذا صل) (2) الموجب لوجوب كل ما اشتمل عليه، إلا ما
قام الدليل على استحبابه.
والعامي المنجبر وهو قوله عليه السلام لرافع: (صل قائما) (3) الموجب له في
غير ما أخرجه الدليل من أجزاء الصلاة.
وصحيحة جميل: ما حد المريض الذي يصلي قاعدا؟ - إلى أن قال -: (إذا
قوي فليقم) (4) والتقريب ما مر.
والاستدلال بقوله سبحانه: (وقوموا لله قانتين) (5) بملاحظة انتفاء
الوجوب المدلول عليه بالأمر في غير الصلاة ضرورة. وقوله تعالى: (الذين

(1) راجع ص 27.
(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، التهذيب 2: 81 / 301،
الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
(3) مسند أحمد 4: 426.
(4) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 3، التهذيب 2: 169 / 673، الوسائل
5: 495 أبواب
القيام ب 6 ح 3.
(5) البقرة: 238.
36

يذكرون الله قياما وقعودا) (1) بملاحظة ما ورد في تفسيره كحسنة أبي حمزة في هذه
الآية، قال: (الصحيح يصلي قائما، وقعودا: المريض يصلي جالسا) الحديث (2).
وقريب منها غيرها (3). وبما ورد في الصحاح من قوله: (من لم يقم صلبه في الصلاة
فلا صلاة له) (4)..
غير جيد، لعدم أولوية تخصيص القنوت في الأول بالصلاة عن حمل الأمر
على الاستحباب، وعدم دلالة الثاني على الوجوب وعلى تعيين القيام أيضا،
والثالث على القيام فإن إقامة الصلب أعم منه لتحققها مع الجلوس أيضا إذا لم
ينحن فيه، ولذا أمر في صحيحة زرارة (5) بها حين الركوع أيضا، مع أنهما على
فرض الدلالة لا تفيدان إلا في الجملة، فتأمل (6).
والأصل فيه لركنية مطلقا، لما مر في التكبيرة، خرج منه المواضع التي لا
تبطل الصلاة بزيادته أو نقصه بالدليل الخارجي.
وقيل بركنيته في الجملة (7). وقيل: في حال التكبيرة والمتصل بالركوع (8).
وقيل: تابع لما وقع فيه (9)، ينقسم بانقسامه في الركنية والوجوب والاستحباب
(10).
ومآل الكل واحد، فلا تترتب على ما ذكرنا من الأصل ثمرة، لاتفاقهم على

(1) آل عمران: 191.
(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176 / 396، الوسائل 5: 481
أبواب القيام ب 1 ح 1.
(3) انظر: الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1.
(4) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 4، الوسائل 5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 2.
(5) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل 6: 295
أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(6) إشارة إلى إمكان استنباط الأصل منهما. منه رحمه الله تعالى.
(7) كما في الحدائق 8: 60.
(8) كما في المفاتيح 1: 120، والرياض 1: 156.
(9) كما في جامع المقاصد 2: 199، والمدارك: 326، وكفاية الأحكام: 18.
(10) اتصافه بالاستحباب إنما هو في حال القنوت، والقول بأنه متصل
بالقراءة فهو في الحقية قيام
واحد فكيف يتصف بعضه بالوجوب وبعضه بالاستحباب باطل لأنه أمر ممتد يقبل
الانقسام، وقد
يقال: إن القيام المتصل بالركوع مع ما للقراءة أمر واحد، وهو باطل لامكان التخلف كما في ناسي
القراءة والجالس بها سهوا أو الساكت بعدها، مع أنه فرق بين الكلي جزئيه كالوقوف بعرفة فإنه
ركن واستيعابه واجب. منه رحمه الله تعالى.
37

البطلان بتركه عمدا في جميع ما ذكر، وسهوا في حال التكبيرة وقبل الركوع،
وبزيادته عمدا في غير موضعه، وعلى عدم البطلان بنقصانه في القراءة وأبعاضها
نسيانا، وبزيادته في غير المحل سهوا.
ومنه يظهر تخلف مقتض الأصل في غير حال التكبيرة والقيام المتصل
بالركوع، وبقاؤه والحكم بالركنية في الحالين، وثمرتها فساد الصلاة لو أتى بهما من
غير قيام.
والقول بأن تركه في الحالة الأخيرة مقترن بترك الركوع ومعه يستغنى عن
القيام، لأن ترك الركوع مستقل في الابطال.
باطل، لمنع قوله: مقترن بترك الركوع، إذ لا تلازم بين ترك القيام قبل
الركوع وتركه، للتخلف فيما لو أتى به عن جلوس، لأنه ركوع حقيقة وعرفا، ولا
وجه لفساد الصلاة حينئذ إلا ترك القيام. إلا أن يمنع كون الاتيان بالركوع عن
الجلوس ركوعا حقيقة كما هو الظاهر، فإن الظاهر اعتبار الانحناء عن القيام فيه
كما يأتي.
وأما النية فلعدم ثبوت جزئيتها للصلاة فلا يعلم وجوب القيام فيها، مع أن
النية هي الحكمية الواجب تحققها مع التكبيرة الواجب معها القيام قطعا
فلا ثمرة في الكلام في قيام النية.
وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: حد القيام الواجب ما يصدق عليه القيام عرفا، لأنه
المرجع في تعيين المعاني.
38

وهو يتحقق بانتصاب فقار الظهر عرفا المتحد مع إقامة الصلب كذلك
أيضا، لشهادة العرف، وللأمر بالانتصاب في مرسلة الفقيه بقوله: (وقم
منتصبا) (1) والرضوي المنجبر: (وانصب نفسك) (2). والمروي في قرب الإسناد
الآتي في بحث طمأنينة الركوع (3).
ولنفي الصلاة عمن لا يقيم صلبه في المعتبرة.
ولصحيحة زرارة: (إذا أردت أن تركع فقل وأنت منتصب: الله أكبر، ثم
اركع) (4). ولا قائل بالفصل في حالات القيام.
ولانتصاب الصادق عليه السلام كما في صحيحة حماد (5) وأمره بالصلاة
هكذا.
وإن كان في دلالة الأخيرين نظر، لعدم وجوب القول في الأول، واشتمال
الثاني على غير الواجب الموجب للتجوز إما في قوله: (هكذا) أو في (صل).
وإذا ظهر وجوب الانتصاب فلا يجوز الانحناء ولو لم يصل حد الركوع، ولا
الميل إلى أحد الجانبين، إلا إذا كان قليلا جدا بحيث لا ينافي صدق الانتصاب
بإقامة الصلب في العرف.
وأما إطراق الرأس فهو غير مناف له ولا لصدق القيام، فهو ليس بمخل
وإن كان الأولى تركه، لفتوى جماعة (6) بأولويته، مضافا إلى تفسير قوله سبحانه:

(1) الفقيه 1: 197 / 917 عن الصادق عليه السلام، ورواه في موضع آخر
(ص 180 / 856) عن
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، وفي الوسائل 5: 488 بواب القيام ب 2 ح 1.
(2) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.
(3) انظر: ص 199.
(4) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل 6: 295
أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(5) المتقدمة في ص 36.
(6) منهم صاحب المدارك 3: 328، وصاحب الحدائق 8: 65، وصاحب الرياض
1: 156.
39

(وانحر) (1) بإقامة الصلب والنحر في الخبر (2)، وإن لم تخل دلالته عن نظر.
وعن الحلبي (3): استحباب إرسال الذقن إلى الصدر المستلزم للاطراق،
ولعله لكونه أقرب إلى الخضوع المأمور به، ولا بأس به.
المسألة الثانية: الأشهر - بل عليه عامة من تأخر عدا من ندر كما قيل (4)،
بل عن المختلف (5) الاجماع عليه - وجوب الاستقلال مع الاختيار، بمعنى عدم
الاعتماد على شئ بحيث لو رفع السناد لسقط.
للتأسي.
والاجماع المنقول.
وتوقف القطع بالبراءة عليه.
وقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (6).
وصحيحة ابن سنان: (لا تستند بخمرك وأنت تصلي، ولا تستند إلى جدار
إلا أن تكون مريضا) (7).
ومفهوم المروي في دعوات الراوندي: (فإن لم يتمكن من القيام بنفسه
اعتمد على حائط أو عكازة وليصل قائما) (8).

(1) الكوثر: 2.
(2) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84 / 309، الوسائل
5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 3.
(3) الكافي في الفقه: 142.
(4) انظر: الرياض 1: 156.
(5) المختلف: 100.
(6) عوالي اللآلي 1: 197 / 8، صحيح البخاري 1: 162، سنن الدارقطني 1: 273.
(7) التهذيب 3: 176 / 394، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 2، وفيهما:
لا تمسك بخمرك. والخمر بالخاء المعجمة والميم المفتوحتين: ما واراك من شجر.
منه رحمه الله تعالى.
(8) دعوات الراوندي: (213 / 576، المستدرك 4: 117 أبواب القيام ب 1 ح 7.
40

والمروي في قرب الإسناد: عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو
حائط، فقال: (لا) (1).
وصحيحة حماد الواردة في تعليمه.
مضافا إلى أن المتبادر من القيام المأمور به إنما هو الخالي عن السناد، كما
صرح به المحقق الثاني حيث قال: إن المتبادر من أوامر القيام وجوب قيام
المصلي بنفسه، ولا يعد المعتمد على شئ قائما بنفسه (2). وهو الظاهر من
المنتهى (3)، وغيره (4).
ولذا ترى أن راكب الخيل المعتمد على السرج مع انتصاب فقار الظهر لا
يقال: إنه قائم، مع وجود جميع صفات القائم فيه سوى الاعتماد على الرجلين،
وكذا من تعلق بشئ ولم يعتمد على رجليه وإن كانتا على الأرض، فهو حقيقة فيه
مجاز في غيره، كما هو الظاهر من فخر المحققين حيث قال: والقيام:
الاستقلال (5).
خلافا للمحكي عن الحلبي (6)، وقواه جماعة من متأخري المتأخرين منهم
شيخنا صاحب الحدائق (7) فقالوا بجواز الاستناد ولو مع الاعتماد مع كراهته،
للأصل، ولصحيحة علي: عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد
وهو يصلي، أو يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة؟ فقال: (لا
بأس) وعن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين، هل يصلح
له أن يتناول جانب المسجد فينهض ليستعين به على القيام من غير ضعف ولا

(1) قرب الإسناد: 171 / 626، الوسائل 5: 487 أبواب القيام ب 1 ح 20.
(2) جامع المقاصد 2: 203.
(3) المنتهى 1: 265.
(4) كالمختلف: 100.
(5) إيضاح الفوائد 1: 99.
(6) الكافي في الفقه: 125.
(7) الحدائق 8: 62.
41

علة؟ فقال: (لا بأس) (1).
وموثقة ابن بكير: عن الرجل يصلي متوكئا على عصا أو على حائط، فقال:
(لا بأس أن يتوكأ على عصا أو على حائط) (2).
ورواية - ابن يسار: عن الاتكاء في الصلاة على الحائط يمينا وشمالا، فقال:
(لا بأس) (3).
والاتكاء إنما يطلق حقيقة على ما فيه اعتماد، كما صرح به أهل اللغة (4).
وأجيب عنها بأنها أعم مطلقا من أدلة الأول باعتبار اختصاص أدلته
بالفرض - بالاجماع - وبالاستناد الموجب للسقوط برفع السناد كذلك، وعموم هذه
بالاعتبارين، مع اختصاص الأول بغير المريض أيضا إجماعا وعموم أكثر الثاني بل
غير ذيل الصحيحة بالنسبة إليه، وأما صدرها فلعدم معلومية رجوع القيد إلى غير
الجملة الأخيرة يكون قوله: (من غير مرض ولا علة) قيدا لوضع اليد دون
الاستناد، فيجب تخصيصها بها.
مضافا إلى أن هذه الأخبار لشذوذها، كما يستفاد من كلام فخر
المحققين (5)، والصيمري (6)، وغيرهما (7)، بل من كلام الأكثر - حيث لم يسندوا
الخلاف إلا إلى الحلبي القائل بالكراهة، مع احتمال إرادته الحرمة منها كما هي
شائعة في كلام القدماء - مضافا إلى ضعف سند بعضها، ليست بحجة.
وعلى فرض الحجية والتعارض فالترجيح مع أخبار الأول، لموافقة الشهرة

(1) الفقيه 1: 237 / 1045، التهذيب 2: 326 / 1339، قرب الإسناد: 204 / 792،
الوسائل 5: 499 أبواب القيام ب 10 1، مسائل علي بن جعفر: 235 / 547.
(2) التهذيب 2: 327 / 1341، قرب الإسناد 171 / 626، الوسائل 5: 500 أبواب
القيام ب 10 ح 4.
(3) التهذيب 2: 327 / 1340، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 3.
(4) مجمع البحرين 1: 454، معجم مقاييس اللغة 6: 137، لسان العرب 1: 200
(5) إيضاح الفوائد 1: 99.
(6) نقله عنه في الرياض 1: 156.
(7) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخلوط).
42

والكتاب والسنة النبوية، ومخالفة العامة كما صرح به فخر المحققين، والكل من
المرجحات المنصوصة.
هذا مع أن نفي البأس في تلك الأخبار عن الاستناد يقتضي نفي الكراهة
التي هي أيضا نوع بأس، ولا يقول به المجوز، وهو أيضا وجه آخر لضعف تلك
الأخبار وعدم حجيتها.
ويرد هذا الجواب:
أولا: بأن تماميته إنما هي على فرض تمامية أدلة القول الأول، وهي ممنوعة.
لما في الأول من منع وجوب التأسي.
وفي الثاني من عدم حجية الاجماع المنقول.
وفي الثالث من حصول القطع بالبراءة بحصول القيام المأمور به، وهو
يحصل مع عدم الاستقلال أيضا كما يأتي، والأصل عدم وجوب الزائد.
وفي الرابع من عدم معلومية كيفية صلاته صلى الله عليه وآله، فلعله كان
مستندا على شئ.
وهي الخامس من احتمال كون قوله: (لا تستند) نفيا فلا يفيد التحريم،
ودعوى ظهوره فيه ممنوعة، مع أنه لو سلم لأوجب تخصيص الصلاة بالفريضة وهو
ليس بأولى من التجوز في الظهور المذكور.
ومنه يظهر ما في السادس والسابع.
وفي الثامن مما مر في المسألة الأولى.
وفي التاسع من منع التبادر المذكور، لعدم صحة سلب القائم عمن كان
منتصبا وإن كان معتمدا على شئ، ولذا لا يقال لمن قام معتمدا على عصاه: إنه
ليس بقائم، وكذا من اعتمد منتصبا على جدار.
وأما راكب الخيل فعدم صدق القائم عليه لوضع مقعده على السرج،
ولا شك في أن صدق القيام يتوقف على عدم وضع المقعد على شئ، مع أن صريح
المروي في الدعوات المتقدم إطلاق القائم على المعتمد.
43

وثانيا: بأن عموم أدلة الثاني باعتبار الاستناد والاتكاء ممنوع، بل المتبادر
منهما هو الذي يسقط مع رفع السناد.
وشذوذها المخرج إياها عن الحجية غير معلوم، كيف؟! ولم يتعرض
للاستقلال في كثير من كتب القدماء منها نهاية الشيخ وسرائر الحلي.
وموافقة الشهرة ليست من المرجحات المعتبرة.
ومطابقة الكتاب ممنوعة، لعدم دلالته على القيام فضلا عن الاستقلال.
ومخالفة العامة غير ثابتة، إذ لم يثبت جواز الاعتماد منهم، ولم يصرح فخر
المحققين به وإنما حمل روايات الجواز على التقية، فلعله لما ورد من أن إيقاع
الاختلاف بين الشيعة من باب التقية.
والبأس هو الشدة والعذاب كما صرح به أهل اللغة (1)، فنفيه لا ينفي إلا
الحرمة.
ومما ذكر ظهر قوة القول الثاني، ولكن الاحتياط في الأول، وهو طريق
النجاة ومطلوب في كل الحالات سيما في الواجب من الصلاة.
وعلى أي حال فالظاهر جواز الاستناد والاعتماد على شئ في حال النهوض
ليستعين به عليه، كما صرح به بعض مشايخنا (2)، ودل عليه الأصل وصحيحة
علي.
وحكي عن بعضهم عدمه (3)، ولا دليل له.
المسألة الثالثة: قد صرح جمع من الأصحاب - منهم: المحقق الثاني في شرح
القواعد والجعفرية والشهيد في الدروس وصاحب المدارك (4) - بوجوب الاعتماد

(1) انظر: مجمع البحرين 4: 50، ولسان العرب 6: 6.
(2) كصاحب الحدائق 8: 66.
(3) كما في جامع المقاصد 1: 203.
(4) جامع المقاصد 2: 202، الدروس 1: 169، المدارك 3: 328.
44

حال القيام على الرجلين، ونسبه في البحار إلى المشهور (1).
لتوقف القطع بالبراءة عليه، والتأسي بصاحب الشرع، وعدم الاستقرار
الواجب بدونه، وكونه متبادرا من القيام، والرضوي: ولا نتكئ مرة على رجلك
ومرة على الأخرى) (2).
ويرد الأول بحصوله بأصالة عدم الوجوب، والثاني بمنع الوجوب وعدم
الثبوت من صاحب الشرع، والثالث والرابع بالمنع، والخامس بالضعف والمعارضة
مع ما يأتي.
خلافا للمحكي عن النفلية والذكرى (3)، وصرح به بعض مشايخنا
المحدثين (4). بل هو ظاهر الأكثر، ومنهم الفاضلان حيث لم يتعرضا له بوجه، بل
هو ظاهر من لم يمنع الاعتماد في القيام، لأنه مناف للاعتماد على الرجلين.
وهو الأظهر، للأصل، وصحيحة أبي حمزة: رأيت علي بن الحسين عليهما
السلام في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي، فأطال القيام حتى جعل مرة يتكئ على
رجله اليمنى ومرة على رجله اليسرى (5).
وهل يجوز رفع إحدى الرجلين؟.
صريح جماعة عدمه (6)، بل صرح في الحدائق بأنه لا خلاف في بطلان
الصلاة به، وباتفاق الأصحاب على وجوب القيام على الرجلين، واستدل له
بوقوعه على خلاف الوجه المتلقى من صاحب الشريعة أمرا وفعلا (7).

(1) البحار 81: 342: المشهور وجوب الاعتماد على الرجلين. منه رحمه الله تعالى.
(2) فقه الرضا (ع): 101، مستدرك الوسائل 4: 118 أبواب القيام ب 2 ح 1.
(3) النفلية: 20 والذكرى: 182: استحباب عدم الاعتماد على الرجل الوحدة. منه رحمه
الله تعالى.
(4) كصاحب الحدائق 8: 63.
(5) الكافي 2: 579 الدعاء ب 60 ح 10، الوسائل 5: 490 أبواب القيام ب 3 ح 1.
(6) لم نعثر على من صرح بذلك إلا صاحب الحدائق (ره)، نعم يمكن أن يستفاد
من حكمهم بوجوب الاعتماد على الرجلين. راجع الهامش (4) ص 44.
(7) الحدائق 8: 64.
45

ويمكن أن يستدل له بالرضوي المتقدم المنجبر بدعوى نفي الخلاف، بل
عمل الأصحاب الخالي عن المعارض المعلوم في القيام، لعدم معلومية كون اتكاء
السجاد على ذلك النحو، وبأنه الفرد النادر من القيام الغير المنصرف إليه عند
الاطلاق.
وأما ما في قرب الإسناد للحميري من أن رسول صلى الله عليه وآله كان
يصلي وهو قائم، فرفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تعالى: (طه ما أنزلنا) إلى
آخره (1)، الموجب لجوازه بالاستصحاب حيث إنه لم يدل على انتفاء الجواز بنزول
الآية.
فلضعفه غير صالح للحجية، ومع ذلك معارض بما روي أيضا في تفسير
الآية المذكورة: (أنه صلى الله عليه وآله كان لقوم على أصابع رجليه في الصلاة
حق تورمت قدماه فأنزل الله تعالى: طه) إلى آخره (2).
ولأجل ذلك التعارض مع ضعف الرواية الثانية أيضا لا يمكن أن يستدل
على جواز القيام على الأصابع بها أيضا، فهو أيضا غير جائز، لعدم انصراف القيام
المطلق إليه، بل ينصرف إلى ما هو الشائع المعتاد من القيام على الرجلين.
ولأجل ذلك الانصراف يحكم أيضا بعدم جواز تباعد الرجلين فاحشا
بحيث يخرج عن المعتاد، بل الظاهر كما صرح به بعضهم (3) خروجه بذلك عن
حد القيام، بل يمكن أن يستدل عليه أيضا ببعض الأخبار الدالة على أن غاية
التباعد بينهما قدر شبر (4).
ثم الظاهر أن غير الجائز من رفع إحدى الرجلين أو القيام على الأصابع هو
ما كان بقدر معتد به، فلو فعل واحدا منهما يسيرا في آن يسيرة لم يضر.

(1) ترب الاسناد: 171 / 626، الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 3 ح 4.
(2) انظر: تفسير القمي 2: 57، الوسائل 5: 490 أبواب القيام ب 3 ح 3.
(3) انظر: الحدائق 8: 65.
(4) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.
46

ثم لو تجاوز عن اليسير فهل تبطل به الصلاة أم ارتكب المحرم خاصة؟.
مقتضى ما ذكرنا - من انصراف القيام الذي هو جزء الصلاة إلى غيره -
البطلان، لعدم موافقته المأمور به.
وكذا لو ترك الاستقلال بناء على وجوبه لأجل كونه حقيقة القيام كما
قيل (1). وأما على وجوبه لا لأجل ذلك ففي البطلان به إشكال، لأصالة عدم.
جزئيته للصلاة بل يكون واجبا فيها، فتأمل.
المسألة الرابعة: لو عجز عن الاستقلال - على القول بوجوبه - صلى
معتمدا إجماعا، له، ولصحيحة ابن سنان (2) بضميمة عدم الفصل بين أنواع
العجز واستصحاب جواز الاعتماد له بعد رفع المرض ووجود الضعف، ولعمومات
جواز الاستناد الخارج عنها صورة التمكن بالدليل.
وقد يستدل باستصحاب وجوب غير الاستقلال من هيئات القائم، وبنحو
قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) (3).
وهما يتمان على تقدير عدم كون الاستقلال مأخوذا في معنى القيام وإلا فلا،
كما بينا وجهه في كتاب عوائد الأيام (4).
ولو عجز عن الانتصاب، أو الاعتماد على الرجلين على وجوبه، أو عن
القيام عليهما، أو تقاربهما، صلى منحنيا مقدما أقل الانحناء على الأكثر، معتمدا
على رجل واحدة قائما عليها، مساعدا بينهما مقتصرا فيه على أقل ما يمكن، لظاهر
الاجماع في الجميع، وإلا فلا دليل تاما غيره عليه بعد ما عرفت من كون هذه
الأمور مأخوذة في معنى القيام المأمور به، نعم لولاه لدل عليه الاستصحاب،

(1) كما في الرياض 1: 99 و 156.
(2) التهذيب 3: 176 / 394، الوسائل 5: 500 أبواب القيام ب 10 ح 2.
(3) عوالي اللآلئ 4: 58 / 205.
(4) عوائد الأيام: 90.
47

ونحو قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور).
ولو تعارض بعض هذه الأمور مع بعض تخير على الأظهر، وقد يقدم
الانتصاب لقوله: (لا صلاة لمن لا يقيم صلبه) (1).
وفيه: أنه يعارض أدلة وجوب غيره الموجب لانتفاء الصلاة بانتفائه،
فتأمل.
ولو عجز عن بعفر هذه الأمور أو كلها في بعض الحالات دون بعض أتى
بها في حال المكنة إجماعا، له، ولما يأتي في القيام.
المسألة الخامسة: ولو عجز عن القيام في البعض أتى بالممكن منه، بلا
خلاف كما صرح به جماعة (2)، لثبوت وجوب القيام في جميع مواقعه بالاجماع، ولما
دل على وجوبه في كل موقع بخصوصه، والأصل عدم ارتباط بعضه ولا اشتراطه
ببعض، فلا يسقط وجوبه في شئ من مواقعه بسقوطه في بعض آخر.
ويدل عليه أيضا عموم صحيحة جميل: ما حد المرض الذي يصلي صاحبه
قاعدا؟ فقال: (إن الرجل ليوعك ويحرج ولكنه أعلم بنفسه، إذا قوي فليقم) (3).
وعلى هذا فيقوم عند التكبيرة وليستمر قائما إلى أن يعجز فيجلس.
ولو قدر على القيام زمانا لا يسع القراءة والركوع معا.
ففي أولوية القيام قارئا ثم الركوع جالسا كما عن نهاية الإحكام (4).
أو لزوم الجلوس ابتداء ثم القيام متى علم قدرته عليه إلى الركوع حتى

(1) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 4، التهذيب 2: 78 / 290 الوسائل
5: 489 أبواب القيام ب 2 ح 2، بتفاوت يسير.
(2) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 261، وصاحب الحدائق 8: 66،
وصاحب الرياض 1: 156.
(3) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 3، التهذيب 2: 169 / 673، الوسائل
5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 3.
(4) نهاية الإحكام 1: 439.
48

يركع من قيام، كما عن النهاية والمبسوط والسرائر والمهذب والوسيلة والجامع (1)
مع احتمال إرادة تجدد القدرة في الثلاثة الأخيرة.
وجهان، أوجههما الأول، لأنه حال القراءة غير عاجز عما يجب عليه
فيجب، فإذا انتهى إلى الركوع صار عاجزا فيأتي بالممكن.
وللثاني: أن الركوع عن قيام - للركنية - أهم من إدراك القراءة قائما، وأنه
ورد في النصوص: أن الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام يحتسب له
صلاة القائم (2).
ويضعف الأول: بأنه غير صالح لتجويز ترك واجب، والثاني: بأنه مختص
بما إذا كان الجلوس جائزا إجماعا، والكلام بعد فيه.
ولو عجز عن الركوع والسجود دون القيام لم يسقط عنه بالاجماعين، لعدم
المقتضي - فإن كلا منهما واجب برأسه فلا يسقط بتعذر غيره - ولصحيحة جميل
السابقة، فيقوم، ويركع ويسجد بما هو وظيفة العاجز عنهما.
ولو تعارض القيام مع الركوع والسجود بأن يكون إذا قام لم يمكنه الجلوس
للسجود ولا الانحناء للركوع، ففي لزوم القيام واكتفاء عنهما بالايماء، والجلوس
والاتيان بهما، وجهان، أقواهما بل المدعى عليه الاتفاق في كلام جماعة (3): الأول،
لما مر في تعارض قيام القراءة وقيام الركوع.
المسألة السادسة: لو عجز عن القيام بجميع أنحائه في جميع صلاته صلى
جالسا، وكذا فيما يعجز فيه عن القيام في صورة التمكن عنه في بعض الأجزاء،

(1) النهاية: 128، المبسوط 1: 1000، السرائر 1: 348، المهذب 1: 111، الوسيلة:
114، الجامع للشرائع: 79.
(2) انظر: الوسائل 5: 700 أبواب القيام ب 9.
(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 265، وصاحب الحدائق 8: 67، وصاحب الرياض
1: 156.
49

إجماعا محققا، ومحكيا مستفيضا (1)، بل ضرورة كما قيل (2).
وهو فيه الحجة، مضافا إلى أصالة بقاء التكليف بغير القيام من أفعال
الصلاة الغير الممكن تحققه إلا بالجلوس، والمستفيضة كصحيحة جميل، وحسنة
أبي حمزة (3)، ومرسلة محمد بن إبراهيم (4)، والمراسيل الثلاث للفقيه
(5)، وغيرها.
وحد العجز المسوغ له - على الأصح الأشهر بل عليه عامة من تأخر - عدم
التمكن من القيام عادة الموكول معرفته إلى نفسه، لأنه المفهوم من عدم الاستطاعة
المعلق عليه الحكم في بعض الأخبار.
مضافا إلى تصريح بعض المعتبرة به كصحيحة جميل السابقة، وصحيحة
ابن أذينة: ما حد المرض الذي يفطر صاحبه، والمرض الذي يدع صاحبه فيه
الصلاة قائما؟ قال: (بل الانسان على نفسه بصيرة، قال: ذاك إليه هو أعلم
بنفسه) (6).
وقريبة منها موثقة زرارة، إلا أن في آخرها: (هو أعلم بما يطيقه) (7) بدل
قوله: (هو أعلم بنفسه).
وفي حكم عدم التمكن المشقة العظيمة التي لا يتحمل مثلها عادة، أو

(1) كافي في المعتبر 2: 159، والمنتهى: 265، وكشف اللثام 1: 210، والحدائق
8: 67.
(2) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).
(3) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176 / 396،
الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1 ح 1.
(4) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الفقيه 1: 235 / 1033،
التهذيب 3: 176 / 393،
الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 13.
(5) الفقيه 1: 235 / 1033 و 236 / 1037، 1038، الوسائل 5: 484
، 485 أبواب القيام ب 1
ح 13، 15، 16.
(6) الكافي 4: 118 الصيام ب 39 ح 2، التهذيب 3: 177 / 399، الوسائل
5: 494 أبواب القيام ب 6 ح 1.
(7) الفقيه 2: 83 / 369، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 2.
50

خوف حدوث مرض أو زيادته، أو بطء برئه، أو عسر علاجه، لأدلة نفي العسر
والضرر (1).
خلافا للمحكي عن المفيد في بعض كتبه، فقال بأن حده أن لا يتمكن من
المشي بمقدار زمان الصلاة (2).
وللشيخ في النهاية، فقال بأن حده الأمران: إما علمه من نفسه أنه لا
يتمكن منها قائما، أو لا يقدر على المشي زمان صلاته (3)، لرواية المروزي:
(المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيهما أن يمشي بقدر صلاته
إلى أن يفرغ قائما) (4).
ورد بالضعف في السند، لجهالة الراوي.
والمخالفة للاعتبار، فإن المصلي قد يتمكن من القيام بمقدار الصلاة ولا
يتمكن من المشي بمقدار زمانها، وقد يكون بالعكس.
ويرد الأول: بعدم قدح ذلك في الحجية.
والثاني: بعدم اعتبار الاعتبار بعد نص الأطهار، إن هو إلا اجتهاد في
مقابلة النص، فيجوز تجويز الشارع الجلوس بعد بلوغ المصلي إلى هذا الحد وإن
قدر على القيام.
نعم ترده المعارضة مع مثل رواية محمد بن إبراهيم: (المريض يصلي قائما،
وإن لم يقدر على القيام صلى جالسا) (5) ونحوه مرسلة الفقيه (6) بتبديل:
وإن لم

(1) البقرة: 185، الحج: 78، وانظر: الوسائل 25: 427 أبواب إحياء
الموات ب 12.
(2) المقنعة: 215.
(3) النهاية: 129.
(4) التهذيب 3: 178 / 402، الوسائل 5: 495 أبواب القيام ب 6 ح 4.
(5) الفقيه 1: 235 / 1033، التهذيب 3: 176 / 393، الوسائل 5: 484
أبواب القيام ب 1 ح 13.
(6) الفقيه 1: 236 / 10237، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 15.
51

يقدر) بقوله: (فإن لم يستطع).
فإنه يدل منطوقا ومفهوما على وجوب القيام مع التمكن وإن لم يقدر على
المشي أصلا.
فيعارض تارة منطوق الأول - الدال على الجلوس مع القدرة على القيام إذا
لم يتمكن من المشي - مع منطوق قوله في الثاني: (يصلي قائما) ومفهوم قوله فيه.
(وإن لم يقدر) - الدال على القيام مع القدرة عليه - بالعموم من وجه، لأن عدم
التمكن من المشي الذي هو موضوع الأول أعم من التمكن من القيام ساكنا ومن
عدمه، والتمكن من القيام الذي هو موضوع الثاني أعم من التمكن من المشي
وعدمه.
ومحل التعارض هو التمكن من القيام ساكنا، فيدل الأول على الجلوس معه
والثاني على القيام.
فإن رجحنا الثاني بالشهرة فتوى ورواية واعتبار روايتها سندا فهو، وإلا
فيرجع إلى عمومات وجوب القيام واستصحابه، فيجب تقديم الثاني بهذا
الاعتبار، ويحكم بوجوب الصلاة قائما ساكنا بعد القدرة عليه وإن لم يقدر على
المشي بقدرها.
ويعارض تارة أخرى مفهوم الأول - الدال على عدم الجلوس مع التمكن
من المشي - مع منطوق الثاني - الدال على الجلوس مع عدم التمكن على القيام على
أن يجعل القيام حقيقة فيما معه السكون - بالعموم من وجه أيضا، لأن التمكن من
المشي أعم من التمكن من القيام السكوني ومن عدمه، كما أن عدم التمكن من
القيام - على الجعل المذكور - أعم من التمكن من المشي وعدمه.
ومحل التعارض هو التمكن من المشي دون القيام السكوني، فالأول يدل
على عدم الجلوس فيه والثاني على الجلوس.
فإن رجحنا الثاني بأكثرية الرواية يتعين الجلوس، وإن لم نجعلها من
52

المرجحات - كما هو الحق - فمقتضى القواعد وفاقا لبعض مشايخنا المحفقين (1)
التخيير بين الصلاة ماشيا - كما عن ابن نما والفاضل والشهيد الثاني (2) - وجالسا
كما عن المحقق الثاني (3).
ولكن هذا على جعل القيام حقيقة في المستقر، وكذا إذا ترددنا في اختصاصه
به أو أعميته فيستصحب وجوب الهيئة القيامية المتحققة في ضمن المشي أيضا،
ويعارضه استصحاب وجوب الاستقرار المتحقق مع الجلوس فيحكم بالتخيير.
ولو قلنا بأنه أعم منه ومما في ضمن المشي - كما هو الظاهر ومقتضى
الاستعمال في قول العرف: يمشي جالسا ويمشي قائما - فلا يكون بينهما تعارض
من هذه الجهة كما لا يخفى، ويكون الحكم للأول، وتتعين الصلاة ماشيا كما هو
المحكي عمن ذكر، واختاره بعض مشايخنا الأخباريين (4).
ولا يعارضه دليل وجوب الاستقرار، لعدم دليل عليه سوى الاجماع، وهو
منفي في المقام، واستصحابه لا يعارض الخبر.
وتؤكده حينئذ أدلة وجوب القيام أيضا.
ومنه يظهر أن الأحوط الصلاة ماشيا، لكونها إما معينة أو أحد فردي المخير.
والأتم منه احتياطا الجمع.
ومما ذكرنا ظهر أن حد العجز - الموجب للجلوس في الصلاة - على كون
القيام أعم مما معه الاستقرار: ما هو المشهور من عدم التمكن من القيام بحسب
علمه.
وعلى اختصاصه بما فيه الاستقرار هو: عدم التمكن منه ومن المشي، كما هو
قول كل من جوز الصلاة ماشيا مع العجز عن الاستقرار، يحتمله كلام النهاية

(1) التوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) الفاضل في التذكرة 1: 110، الشهيد الثاني في المسالك 1: 29.
(3) جامع المقاصد 2: 205.
(4) صاحب الحدائق 8: 71.
53

بجعل لفظة: (أو) بمعنى الواو (1)، بل كلام المفيد (2) بجعل العجز عن المشي بهذا
المقدار كناية عن العجز عن القيام مستقرا، لتلازم العجزين والقدرتين غالبا كما
نبه عليه في الذكرى (3).
فرعان:
أ: مقتضى ما تقدم من وجوب القيام بقدر الامكان - الثابت بالأصل
وصحيحة جميل (4) - أنه لو تمكن من القيام قبل القراءة أو في أثنائها أو بعدها
وجب. وهو كذلك، لذلك، وعن ظاهر المنتهى الاجماع عليه أيضا (5).
ولا تجب الطمأنينة في الأخير، وفاقا للمحكي عن جماعة منهم: الفاضل في
النهاية والقواعد والتحرير (6)، والصيمري (7)، للأصل، وعدم وجوبا أولا حتى
يستصحب. وما كان واجبا أولا إنما كان لأجل القراءة، لأصالة عدم الوجوب
بنفسها.
وقد يحتمل الوجوب، لأصل الاشتغال، المندفع بالاتيان بما ثبت به
الاشتغال.
ولاستصحاب وجوبها السابق على العجز، المندفع بمنعه، وكونها لازمة
للقراءة لا يدل على وجوبها بنفسها، والوجوب التبعي يسقط بسقوط متبوعه.
ولضرورة تحقق سكون بين الحركتين المتضادتين الصعودية والهبوطية،
المردودة بأنها غير محل النزاع، لأنه سكون حقيقة لا يلزم الاحساس به، والكلام

(1) راجع ص 51 - 52.
(2) راجع ص 51.
(3) الذكرى: 180.
(4) المتقدمة في ص 48.
(5) المنتهى 1: 265.
(6) نهاية الإحكام 1: 442، القواعد 1: 31، التحرير 1: 37.
(7) نقله عنه في شرح المفاتيح (المخطوط).
54

فيما يحس به، مع أنه لو صح لدل على الوجوب العقلي دون الشرعي.
وكذا مقتضى الأصل والصحيحة وجوب القيام للسجود لو تمكن منه بعد
الركوع، ووجوب الطمأنينة في هذا القيام وعدمه مبني على وجوبها أولا وعدمه.
وكذا مقتضى الأصل وجوب الركوع مع القيام الانحنائي لو تمكن منه بعد
القراءة دون الانتصاب، لثبوت وجوبه كذلك، وأصالة عدم الارتباط
فيستصحب.
ولا تجب في شئ مما ذكر إعادة ما تقدم عليه جالسا من القراءة أو الركوع،
لأصالة الصحة والبراءة.
ب: يركع الجالس بما يصدق عليه الركوع، وهو مبرئ للذمة، للأصل.
وقد ذكروا في ركوع الجالس وجهين:
أحدهما: أن ينحني فيه بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع
القائم بالنسبة إلى القائم.
وثانيهما: أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده، وأدناه أن ينحني
بحيث يحاذي جبهته قدام ركبتيه.
والظاهر أن كلا منهما محصل ليقين البراءة.
وعن بعض كتب الشهيد (1) إيجاب رفع الفخذين من الأرض، استنادا إلى
وجوبه حال القيام، والأصل بقاؤه.
وفيه: أنه غير مقصود فيه لأجل الركوع، بل إنما هو تابع للهيئة الواجبة في
تلك الحالة المنفية هنا قطعا.
المسألة السابعة: لو عجز عن القعود مطلقا ولو مستندا صلى مضطجعا

(1) الدروس 1: 168.
55

بالاجماع المحقق، والمحكي في المعتبر والمنتهى والمدارك والحدائق (1)،
وغيرها (2)،
له، وللمستفيضة كحسنة أبي حمزة: في قول الله عز وجل: (الذين يذكرون الله
قياما) (3) قال: (الصحيح يصلي قائما، وقعودا: المريض يصلي جالسا، وعلى
جنوبهم: الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا) (4).
وموثقة سماعة: عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: (فليصل وهو
مضطجع، وليضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزي عنه، ولن يكلف الله ما لا
طاقة له به) (5).
ومرسلة الفقيه: (المريض يصلي قائما، فإن لم يستطع صلى جالسا، فإن لم
يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر، فإن لم
يستطع استلقى و أومأ إيماء وجعل وجهه نحو القبلة، وجعل سجوده أخفض من
ركوعه) (6).
موثقة الساباطي: (المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا، كيف قدر صلى، إما
أن يوجه فيومئ إيماء) وقال: (يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جنبه الأيمن
ثم يومئ بالصلاة، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن، فكيف ما قدر، فإنه له
جائز، ويستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماء) (7).
والمروي في الدعائم: فإن لم يستطع أن يصلي جالسا، صلى مضطجعا
لجنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة، فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن، صلى

(1) المعتبر 2: 160، المنتهى 1: 265، المدارك 3: 330، الحدائق 8: 75.
(2) كالذخيرة: 262، كشف اللثام 1: 211، والرياض 1: 157.
(3) آل عمران: 191.
(4) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 11، التهذيب 3: 176 / 396،
الوسائل 5: 481 أبواب القيام ب 1 ح 1.
(5) التهذيب 3: 306 / 944، الوسائل 5: 482 أبواب القيام ب 1 ح 5.
(6) الفقيه 1: 236 / 1037، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 15.
(7) التهذيب 3: 175 / 392، الوسائل 5: 483 أبواب القيام ب 1 ح 10.
56

مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة يومئ إيماء) (1).
وبهذه الروايات يخصص ما دل على الاستلقاء بعد الجلوس مطلقا كمرسلتي
محمد بن إبراهيم وفيها: (فإن لم يقدر على ذلك صلى قاعدا، فإن لم يقدر صلى
مستلقيا) (2).
وقريبه منها مرسلته الأخرى (3).
والمروي في العيون وفيه: (فإن لم يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا
رجليه حيال القبلة يومئ إيماء (4).
فالروايات - لكونها دالة على عدم الاستلقاء إلا بعد العجز عن الاضطجاع -
أخص مطلقا من الثلاثة الأخيرة فتخصص بها.
مضافا إلى أن عمومها موافق للمنقول عن جماعة من العامة كابن المسيب
وأبي ثور وأصحاب أبي حنيفة (5)، ومخالف لعمل علمائنا، بل لاجماعهم، بل
وللكتاب بملاحظة التفسير الوارد فيه، فلولا تخصيصها لكان طرحها متعينا.
ويتخير بين الجنبين، وفاقا للمحكي عن موضع من المبسوط وظاهر الشرائع
والنافع والتذكرة ونهاية الإحكام والارشاد واللمعة والمدارك (6)، للأصل، وإطلاق
الأوليين الخالي عن الدافع كما يأتي، مع أفضلية تقديم الأيمن لما سنذكر.
وخلافا للأكثر، فقالوا بتعين الأيمن.
إما مطلقا ومع تعذره يستلقي كجماعة، لرواية الدعائم.

(1) الدعائم 1: 198، مستدرك الوسائل 4: 116 أبواب القيام ب 1 ح 5.
(2) الفقيه 1: 235 / 1033، التهذيب 3: 176 / 393، الوسائل 5: 484
أبواب القيام ب 1 ح 13.
(3) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الوسائل 5: 484 أبواب القيام
ب 1 ذيل حديث 13.
(4) عيون أخبار الرضا 2: 67 / 316، الوسائل 5: 486 أبواب القيام ب 1 ح 18.
(5) المغني والشرح الكبير 1: 815.
(6) المبسوط 1: 100، الشرائع 1: 80، المختصر النافع: 30، التذكرة 1:
110، نهاية الإحكام
1: 440، الإرشاد 1: 252، اللمعة (الروضة 1): 251، المدارك 3: 331.
57

أو مقدما على الأيسر، فلا يجوز الأيسر إلا مع تعذر الأيمن (1) كما عن
الجامع والسرائر (2)، للمرسلة والموثقة مع ضعف الرواية.
ويرد الجميع بعدم الدلالة على الوجوب والتعين، للخلو عن الدال عليه فلا
يفيد، غايته الرجحان، وهو مسلم، لأجل ذلك وللاجماع المنقول عن المعتبر
والمنتهى (3) على تعين الأيمن المثبت للرجحان، للمسامحة فيه، حيث لا حجية في
حكاية الاجماع.
وأما دعوى تبادر الأيمن من إطلاقهما فمن أغرب الدعاوي.
ويجب أن يكون حينئذ مستقبلا للقبلة بمقاديم بدنه كالملحد، للموثق،
ورواية الدعائم، وعدم دلالتهما على الوجوب لا يضر في المورد، للاجماع المركب.
المسألة الثامنة: لو عجز عن الصلاة مضطجعا وجب عليه أن يصلي
مستلقيا على قفاه بالاجماع والنصوص المتقدمة. مستقبلا للقبلة بباطن كفيه
كالمحتضر، لروايتي الدعائم والعيون المتقدمتين، المنجبرتين بالعمل في المورد.
ممدودة رجلاه، لأنه مقتضى كون بطنهما إلى القبلة.
وقيل: الأولى أن يجعل تحت رأسه شيئا يصير وجهه مواجها للقبلة (4).
ولا بأس به.
المسألة التاسعة: القائم والجالس إذا لم يتمكنا من الانحناء الواجب، فإن
تمكنا من أقل ما يصدق عليه أسماء الركوع والسجود حيث إنهما انحناء بقدر

(1) منهم الطوسي في المبسوط 1: 110، وابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 561، والملامة في المنتهى 1: 265.
(2) الجامع للشرائع: 79، السرائر 1: 349.
(3) المعتبر 2: 160، المنتهى 1: 265.
(4) شرح المفاتيح (المخطوط).
58

يصدق عليه الاسم، مع وضع الجبهة على شئ في الثاني، من غير مدخلية فيه
لعدم تفاوت موضعي الجبهة والقدم ولا لسائر الشرائط في الصدق ولذا أطلق
السجدة على مثل ذلك في الصحيحة والموثقة الآتيتين، وجب، لمطلقات الأمر
بالركوع والسجود، وضرورة تقييد ما أوجب الزيادة بالامكان.
ويجب في السجدة أن يرفع شيئا يضع جبهته عليه بلا خلاف فيه - على
الظاهر - المصرح به في جملة من العبارات (1)، بل عن ظاهر المعتبر والمنتهى
الاجماع عليه (2)، لموجبات وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه (3)، ولمرسلة،
الفقيه، المؤيدة بصحيحة زرارة وموثقتي أبي بصير والبصري:
الأولى: شيخ كبير لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه ولا يمكنه الركوع
والسجود، فقال: (ليومئ برأسه ايماء، وإن كان له من يرفع الخمرة إليه فليسجد،
فإن لم يمكنه ذلك فليومئ برأسه نحو القبلة إيماء) (4).
والثانية: (المريض يسجد على الأرض أو على مروحة أو على مسواك يرفعه،
وهو أفضل من الايماء) (5).
ولا تنافي الأفضلية للوجوب، إذ يراد أن ثواب ذلك حين وجوبه أكثر من
ثواب ذاك حين وجوبه أيضا.
والثالثة: عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد عليه؟ قال: (لا، إلا
أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها) (6).

(1) انظر: مجمع الفائدة 2: 191، والذخيرة: 263، والحدائق 8: 84.
(2) المعتبر 2: 161 المنتهى 1: 265.
(3) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.
(4) الفقيه 1: 238 / 1052، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ح 11.
(5) الفقيه 1: 236 / 1039، التهذيب 2: 311 / 1264، الوسائل 5:
364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 و 2.
(6) التهذيب 3: 177 / 397، الوسائل 5: 483 أبواب القيام ب 1 ح 7.
59

والرابعة: (ويضع في الفريضة بوجهه على ما أمكنه من شئ) (1).
وبها تقيد مطلقات الايماء بالرأس للسجود في المريض، فيخص بصورة
عدم إمكان الرفع.
وهل يجب ازدياد الانخفاض في السجود مهما أمكن بعد التجاوز عن اللبنة
ما لم يصل حدا يسلب اسم السجود؟.
فيه نظر، والاحتياط معه.
ولو تعذر الوضع سقط وهل يسقط معه الانحناء؟.
مقتضى القاعدة ذلك، إذا لا سجدة بدون الوضع، وأمر الاحتياط
واضح.
ولو تعذر الانحناء الذي يصدق معه الركوع والسجود يومئ بالرأس لهما
إجماعا، للمرسلة المتقدمة وغيرها، وبها تقيد مطلقات الايماء فيحمل على الايماء
بالرأس مع امكانه.
وهل يجب عليهما الانحناء للركوع والسجود إذا لم يصل حدا يصدق معه
الركوع أو السجود؟.
الأصل يقتضي العدم وإثباته بنحو قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) (2)
باطل، إلا أن يدعى الاجماع عليه فيتبع إن ثبت.
والظاهر أنه يجب مع الايماء للسجود وضع الجبهة على شئ يرفعه، لموثقة
سماعة المتقدمة (3) بضميمة الاجماع المركب المؤيدة بالصحيحة، والموثقتين
السابقتين.
وقيل: لا، للأصل، وخلو كثير من الأخبار والفتاوي عنه.

(1) التهذيب 3: 308 / 952، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
(2) عوالي اللآلئ 4: 58 / 205.
(3) في ص 56.
60

ويندفعان بما مر.
وهل يجب جعل السجود حينئذ أخفض من الركوع؟.
ظاهر الأكثر نعم، بل قيل: إنه قطعي (1) لما يأتي في المضطجع والمستلقي
بضميمة عدم الفرق.
وفيه: أن ما يأتي فيهما غير دال على الوجوب، بل غايته الرجحان وهو
مسلم.
ولو لم يتمكنا من الايماء بالرأس يومئان بالعين لهما بالاجماع، وهو الحجة
فيه، مضافا إلى وجوب الركوع والسجود عليهما إجماعا وعدم القول بالاتيان بهما
بوضع آخر، وبعض مطلقات إيماء المريض.
ويضعان شيئا على الجبهة وجوبا، لما مر.
والمضطجع إن تمكن من السجود بوضع الجبهة على الأرض وجب، لأدلته،
واستصحابه، واختصاص أدلة الايماء بحال عدم الامكان كما هو الغالب في غير
الجالس، ويشعر به قوله: (ولن يكلف الله ما لا طاقة له به) في ذيل موثقة
سماعة (2).
وإن لم يتمكن منه يومئ - هو والمستلقي - بالرأس مع إمكانه، لاطلاق
المرسلة المتقدمة (3)، والمرسلة الأخرى وفيها: (إن استطعتم أن تجلسوه فأجلسوه
وإلا فوجهوه إلى القبلة، ومروه فليومئ برأسه، يجعل السجود أخفض من
الركوع (4).
وبدونه يومئان بالعين، لمرسلة محمد بن إبراهيم: في المستلقي، قال: (فإذا
أراد الركوع غمض عينيه ثم يسبح، ثم يفتح عينيه، ويكون فتح عينيه رفع رأسه

(1) كما في الرياض 1: 157.
(2) المتقدمة في ص 56.
(3) في ص 56.
(4) الفقيه 1: 236 / 1038، الوسائل 5: 485 أبواب القيام ب 1 ح 16.
61

من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثم يسبح، فإذا فتح فتح عينيه،
فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود) (1).
وقريبة منها مرسلته الأخرى (2).
وهما وإن كانتا مطلقتين ولكن يجب تقييدهما بعدم إمكان إلا بماء بالرأس،
للمرسلتين المتقدمتين المقيدتين بحال الامكان قطعا، فيكون أخص منهما. ولا
يضر ورود الأخيرتين في المستلقي، لعدم الفصل. ولا عدم دلالتهما على الوجوب،
لذلك.
وفي وجوب وضع شئ على الجبهة في السجود وجعله أخفض من الركوع
في حالتي الايماء بالرأس والعين، وجهان.
الأظهر: الأول في الأول، لموثقة سماعة في المضطجع - مع عدم الفصل في
المستلقي - المؤيدة بسائر الأخبار المتقدمة. وفي الثاني: الثاني، للأصل، وعدم
الدافع، إلا قوله: (ويجعل سجوده أخفض من الركوع) في إحدى المراسيل
المتقدمة (3)
وهو - مع اختصاصه بالايماء بالرأس وعدم ثبوت عدم الفاصل بل ثبوت
وجوده - لا يثبت الوجوب. وورود: (ليجعل) في بعض النسخ لا يفيد) لوروده
في الأكثر بقوله: (ويجعل).
والظاهر أن الأعمى العاجز عن الايماء بالرأس يومئ بعصر العينين، لعدم
سقوط الركوع والسجود عنه إجماعا، وعدم قول بغير هذا النحو.
المسألة العاشرة: من عجز في الأثناء عن حالة انتقل إلى ما دونها بلا خلاف

(1) التهذيب 3: 176 / 393، الوسائل 5: 484 أبواب القيام ب 1 ذيل حديث: 13
(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 12، الوسائل 5: 484 أبواب القيام
ب 1 ذيل حديث 13.
(3) وهي مرسلة الفقيه، راجع ص 56 الهامش (6)، وقد ورد فيها (جعل) بصورة
الماضي.
62

فيه ظاهرا، بل صرح بنفيه بعضهم (1)، ويدل عليه كثير من الأخبار المتقدمة
المصرحة بمثل قوله: فإن لم يستطع صلى جالسا، فإن لم يستطع صد على جنبه،
وهكذا، فمتى عجز عن القيام منتصبا انحنى، وعن الانحناء جلس، وعنه
اضطجع، وعنه استلقى.
ثم لو كان العجز عن القيام قبل القراءة أو في أثنائها، فهل يقرأ حال
الانتقال أم يؤخرها إلى الجلوس؟
المشهور: الأول، للاستصحاب، وللمحافظة على القراءة في المرتبة العليا
مهما أمكن، وحالة الهوي أعلى من القعود.
وقيل بالثاني (2)، لاشتراط القراءة بالاستقرار كما ينبه عليه رواية السكوني:
(في المصلي يريد التقدم، قال: يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم ثم يقرأ)
(3).
ويضعف بمنع كون الاستقرار من شرائط القراءة ووجوبه فيها - والرواية
واردة في مورد خاص - بل هو من واجبات الصلاة المنتفية هنا قطعا وكان لازم
وجوبه لها مقارنته للقراءة أيضا، والحاصل أن وجوبه حال القراءة إنما كان لأجل
الصلاة وهو منتف هنا، لا لأجل القراءة.
كما يضعف دليل الأول بأن الاستصحاب لا يدل على وجوب القراءة،
لعدم وجوبها أولا متصلا بل كان يجوز يسير فصل، وقد يحصل الانتقال في آن
يسيرة لا تنافي توالي القراءة عرفا.
ووجوب المحافظة عليها في المرتبة العليا مطلقا ممنوعة، نعم يجب كونها في
حال القيام مهما أمكن، وليس تمام حالة الهوي والانتقال قياما.
فإن كان مراد المشهور الجواز فهو كذلك، ويدل عليه الأصل
والاستصحاب، وإن أريد الوجوب فهو فيما يصدق عليه القيام كذلك، وأما بعده

(1) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 192، والفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 122.
(2) كما في مجمع الفائدة 2: 192، والمدارك 3: 334.
(3) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 24، التهذيب 2: 290 / 1165،
الوسائل 6: 98 أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.
63

من حالات الهوي فلا.
وإن كان العجز بعد القراءة قبل الركوع فمع العجز عن الانحناء مطلقا
يركع جالسا.
ومع التمكن من الانحناء والطمأنينة فيه والذكر، ينحني مطمئنا ذاكرا فيه
للركوع، ثم يجلس فيسجد.
وإن تمكن من الانحناء دون الطمأنينة والذكر، ينحني للركوع ويهوي
منحنيا حتى يجلس كذلك، فيذكر فيه من غير فصل الجلوس منتصبا، لئلا يزيد
في الركن، حيث إن الطمأنينة والذكر خارجان عن حقيقة الركوع. وكذا إذا لم
يتمكن من الذكر خاصة.
ومنه يظهر حال تجدد العجز بعد الانحناء أيضا.
وإن لم يتمكن من وصل الانحناءين ففي الاكتفاء بالانحناء قائما للركوع
وسقوط الطمأنينة والركوع، أو الركوع جالسا، أو قائما منحنيا ثم الجلوس منتصبا
ثم الانحناء فيه لدرك الطمأنينة والركوع، أوجه.
المسألة الحادية عشرة: من تجدد له الاقتدار على الحالة العليا من الدنيا انتقل
إليها بالاجماع، له، ولصحيحة جميل المتقدمة (1) بضميمة الاجماع المركب.
ويترك القراءة حتى ينتقل إليها وجوبا، لقدرته على دركها فيها، فلا يجزي
الأدون منها إلا إذا احتاج الانتقال إلى زمان ينتفي فيه التوالي في القراءة.
ويبني على ما قرأ في الدنيا، لاقتضاء الأمر للاجزاء.
ولو خف في الركوع قيل الطمأنينة وجب الانتقال منحنيا إلى حد الراكع من
غير أن ينتصب، لئلا يزيد في الركن أو ينقص في الواجب.
ولو خف بعد الركوع قام ثم سجد ليسجد عن قيام، وفيه تأمل.
وهكذا من الصور المتصورة في هذه المسألة والمسألة السابقة.
المسألة الثانية عشرة: يستحب أن يكون نظر المصلي قائما حال قيامه إلى

(1) في ص 48.
64

موضع سجوده بالاجماع، لصحيحة زرارة (1)، وغيرها.
وأن تكون يداه على فخذيه بحذاء ركبتيه كما في صحيحة زرارة، وحماد (2).
المسألة الثالثة عشرة: يستحب أن يتربع الجالس حال قراءته بأن ينصب
فخذيه وساقيه، رافعا أليتيه عن الأرض.
لا لرواية حمران: (كان أبي إذا صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه) (3).
للاجمال في المراد من التربع الذي ذكره، حيث إنه يستعمل في معان.
منها: ما مر، وهو الذي ذكره الفقهاء في هذا المقام.
ومنها: أن يقعد على وركيه ويمد ركبته اليمنى إلى جانب يمينه وقدمه إلى
جانب شماله، واليسرى بالعكس، ذكره في المجمع (4).
ومنها: ذلك إلا أن يضع إحدى رجليه على الأخرى، فسره به أبو الحسن
عليه السلام في رواية رواها الكشي في ترجمة جعفر بن عيسى (5).
ومنها: الأعم من الجميع بل من غيره أيضا، ذكره القاموس حيث قال:
وتربع في جلوسه: خلاف جثا وأقعى (6).
ولا يعلم المراد من التربع الوارد في الرواية، وحكاية الواقعة لا تفيد العموم.
ومع ذلك معارض ببعض روايات أخر:

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل
5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، التهذيب 2: 81 / 301،
أمالي الصدوق: 337 / 13، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1،
بتفاوت في بعضها.
(3) الفقيه 1: 238 / 104، التهذيب 2: 171 / 679، الوسائل 5: 502 أبواب القيام
ب 11 ح 4.
(4) نقله في مجمع البحرين 4: 331 عن المجمع، أي مجمع البحار للشيخ
محمد طاهر الصديقي المتوفى 981.
(5) رجال الكشي 2: 790.
(6) القاموس المحيط 3: 28.
65

منها: ما رواه في الكافي في جلسة الطعام وفيها: (ولا يضع إحدى رجليه
على الأخرى، ولا يتربع فإنها جلسة يبغضها الله ويبغض صاحبها) (1).
ومنها: رواية أخرى في جلسة رسول الله صلى الله عليه وآله: ولم ير متربعا
قط (2).
بل (3) لتصريح بعض الفقهاء منهم الثانيان (4) باستحباب التربع بهذا
المعنى، بل تصريح المنتهى بالاجماع على استحبابه (5)، وفيه وإن لم يفسره بهذا
المعنى ولكنه استدل له بأنه أقرب إلى هيئة القائم، وهو صريح في أنه المراد.
ولا يعارضه الخبران المذكوران، لما عرفت من الاجمال، مضافا إلى تعارضهما
مع غيرهما من جلوس الصادق عليه السلام وأكله متربعا (6).
وأن يثني رجليه حال ركوعه، بأن يفترشهما تحته ويقعد على صدرهما،
بالاجماع كما عن الخلاف (7)، له، ولرواية حمران المتقدمة.
وأن يتورك حال تشهده وفاقا للشيخ (8)، وجماعة من الأصحاب (9)، ولعموم

(1) الكافي 6: 272 الأطعمة ب 23 ح 10، الوسائل 24: 257 أبواب آداب
المائدة ب 9 ح 2، وفيه بتفاوت يسير.
(2) الكافي 2: 661 العشرة ب 21 ح 1، الوسائل 12: 106 أبواب أحكام العشرة
ب 74 ح 1.
(3) عطف على قوله: لا لرواية حمران....
(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 206، والشهيد الثاني في المسالك 1: 29.
(5) المنتهى 1: 266، وفيه ادعاء الاجماع على عدم الوجوب لا على الاستحباب، فراجع
(6) الكافي 6: 272 الأطعمة ب 23 ح 9، الوسائل 24: 249 أبواب آداب
المائدة ب 6 ح 3، وفيه بتفاوت يسير.
(7) لم نعثر عليه في الخلاف، وقال في الرياض: وفي الخلاف الاجماع على
أفضلية التربع، وفي المدارك
الاجماع عليها فيه وفي تثنية الرجلين. راجع الرياض 1: 157.
(8) المبسوط 1: 100، الخلاف 1: 363.
(9) منهم الكركي في جامع المقاصد 2: 207، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 192،
وصاحب المدارك 3: 335، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 211.
66

ما دل على استحبابه فيه (1) وعدم المخصص.
خلافا لظاهر الشرائع والنافع فتردد (2)، ولعله لاطلاق الرواية السابقة.
ويدفعه أن الظاهر من قوله: (صلى جالسا) ما يقابل القيام في حالة
الاختيار.

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.
(2) الشرائع 1: 81، المختمر النافع: 30.
67

البحث الرابع
في القراءة
وهي واجبة بإجماع الأمة إلا من شذ من العامة (1)، وعليه عمل النبي
والأئمة، وهما الأصل فيه بعد المستفيضة (2).
والحق المشهور عدم ركنيتها، بل عليه الاجماع عن الخلاف (3)، لدلالة
الأخبار على عدم بطلان الصلاة بتركها سهوا كصحيحة محمد: (إن الله عز وجل
فرض الركوع والسجود، والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة، ومن
نسي القراءة فقد تمت صلاته) (4).
وقريبة منها صحيحة زرارة (5).
وصحيحته الأخرى: (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت،
والقبلة، والركوع، والسجود) ثم قال: (القراءة سنة، والتشهد سنة، فلا ينقض
السنة الفريضة) (6).
وموثقة منصور: إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي،
فقال: (أليس قد أتممت الركوع والسجود؟) قلت: بلى، قال: (فقد تمت صلاتك

(1) حكاه عن الحسن بن صالح بن حي في الخلاف 1: 327، وكذا حكاه النووي في
المجموع 3: 330.
(2) انظر الوسائل 6: 37 لا أبواب القراءة ب 1.
(3) الخلاف 1: 334.
(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 1، التهذيب 2: 146 / 569، الإستبصار 1:
353 / 1335، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 2.
(5) الفقيه 1: 227 / 1005، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 1.
(6) الفقيه 1: 225 / 991، التهذيب 2: 152 / 597، الوسائل 6: 91 أبواب
القراءة ب 29 ح 5.
68

إذا كان نسيانا) (1).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
خلافا للمحكي في المبسوط عن بعض الأصحاب (2) وفي التنقيح عن ابن
حمزة (3) فقالا بالركنية.
لعمومات نفي الصلاة بانتفاء الفاتحة (4).
وكون القراءة فريضة، لدلالة قوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر من القرآن) (5)
بضميمة الاجماع على عدم وجوب القراءة في غير الصلاة عليه، وكل ما كان
فريضة فهو ركن كما مزح به جماعة (6)، وتشير إليه الصحاح الثلاثة المتقدمة.
ويضعف الأول: بوجوب تخصيص العام بالخاص.
والثاني: بمنع الفريضة أولا، كما صرح به في الصحاح الثلاثة، ومنه تبطل
دلالة الآية، لأنهم عليهم السلام أعلم - بمواقعها، مع أن فيها محل كلمات أخر،
منها عدم أولوية تخصيص عموم: (ما تيسر) بالحمد والسورة، وتقييد إطلاق
القراءة بحالة الصلاة، عن حمل الأمر على الاستحباب.
ومنع الكلية ثانيا، والصحاح لا تدل على أزيد من أن السنة ليست بركن،
وأما أن كل فريضة ركن فلا.
وهاهنا مسائل.
المسألة الأولى: تتعين قراءة الحمد في الفريضة بالاجماع المحقق والمحكي

(1) الكافي 3: 348 الصلاة ب 35 ح 3، التهذيب 2: 146 / 570، الوسائل 6: 90 أبواب
القراءة ب 29 ح 2.
(2) المبسوط 1: 105.
(3) التنقيح 1: 197.
(4) انظر: الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1.
(5) المزمل: 20.
(6) منهم صاحب الحدائق 8: 92، وقال الوحيد في شرح المفاتيح (المخطوط): كل جزء
من أجزاء العبادة يكون الأصل ركنيته لها حتى يثبت من الشرع عدم الركنية.
69

مستفيضا (1)، له، ولعمل الحجج (2)، والمستفيضة من النصوص.
منها: صحيحة محمد: عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال:
(لا صلاة له إلا أن يقرأها في جهر أو إخفات) (3).
ورواية أبي بصير: عن رجل نسي أم القرآن، قال: (إن كان لم يركع فليعد
أم القرآن) (4).
وموثقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال:
(فليقل: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، ثم ليقرأها ما
دام لم يركع، فإنه لا قراءة حتى يبتدأ بها في جهر أو إخفات، فإنه إذا ركع
أجزأه) (5).
والمروي في كتاب المجازات النبوية: (كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب
فهو خداج) (6) إلى غير ذلك.
وكذا في النافلة على الأشهر الأقرب، للصحيحة المتقدمة، والرواية الأخيرة
المنجبرة، ولأن الصلاة كيفية متلقاة من الشارع فيجب الاقتصار فيها على موضع
النقل.

(1) كما في الخلاف 327، الغنية (الجوامع الفقهية) 557، التذكرة 1: 114،
الحدائق 8: 91.
(2) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.
(3) التهذيب 2: 146 / 573، الإستبصار 1: 354 / 1339، الوسائل 6: 88
أبواب القراءة ب 27 ح 4.
(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة 28 ح 1.
(5) التهذيب 2: 147 / 574، الإستبصار 1: 354 / 1340، الوسائل 6: 89 أبواب
القراءة ب 28 ح 2.
(6) المجازات النبوية: 111 / 79، الوسائل 6: 39 أبواب القراءة ب 1 ح 6.
والخداج أي نقصان، وصفت بالمصدر للمبالغة يقال: خدجت الناقة فهي خادج إذا
ألقت ولدها قبل تمام الأيام
وإن كان تام الخلق - مجمع البحرين 2: 290.
70

خلافا للمحكي عن التذكرة فلا تجب، للأصل (1).
ويضعف بما مر، إلا أن يريد بالوجوب المنفي الشرعي. فهو مسلم،
لانتفائه في أصل النوافل فكيف بأجزائها. إلا أن تثبت حرمة القطع فيها أيضا
فيثبت لأجزائها الوجوب الشرعي بعد الاحرام بها.
المسألة الثانية: موضع وجوب قراءة الحمد في الفريضة الركعتان من الثنائية
والأوليان من الرباعية والثلاثية، فتجب فيها دون غيرها.
أما الثاني فيأتي بيانه، وأما الأول فبالاجماعين (2) وفعل الحجج (3)، وتوقف
القطع بالبراءة عليه، والأخبار) (4).
المسألة الثالثة: تجب قراءة الحمد أجمع، للأمر بقراءته وهو اسم للجميع،
المنتفي بانتفاء بعضه.
وهو وإن صدق بالمجموع العرفي الذي لا يخل به نقص حرف، إلا أنه
انعقد الاجماع القطعي على قراءة مجموعه الحقيقي بحيث لم يخل بحرف منه، فهو
الحجة فيه، ومقتضاه أداء كل حرف حرف منه بحيث يعد هذا الحرف عرفا.
ويدل عليه أيضا أن الاخلال بحرف منه إما يكون بنقصه أو بإبداله بحرف
آخر، والأول إذا كان الحرف جزء كلمة والثاني مطلقا يجعل المقروء خارجا من
القرآن، فتبطل بالتكلم به عمدا الصلاة.
ومنه يظهر سر ما أجمعوا عليه من وجوب إخراج الحروف من مخارجها، بل
الحكمان متحدان، إذ عدم خروج الحرف من مخرجه يخرجه عن صدق هذا الحرف

(1) التذكرة 1: 114.
(2) انظر: التذكرة 1: 114، والرياض 1: 158.
(3) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.
(4) انظر: الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1.
71

عرفا، وخروجه منه يدخله في الصدق، إذ اختلاف الحروف إنما هو باختلاف
المخارج. بل المخرج لكل حرف ما يصدق مع الخروج عنه أنه هذا الحرف عرفا،
سواء كان متسعا، كمخرج التاء المثناة الفوقانية، والجيم، والدال، والكاف،
وغيرها، حيث إنه يمكن إخراجها من أصول مقاديم الأسنان العليا إلى أواخر
الحنك، أو لا، كمخرج الباء الموحدة، والفاء، والميم، ونحوها، ولا يلزم بعد
الصدق العرفي الاخراج من موضع معين من المخارج المتسعة كما يقوله القراء،
لعدم الدليل.
والمناط في الحروف التي لم ترد في لسان العجم - وهي الثاء، والذال،
والصاد، والضاد، والطاء، والظاء والقاف، ولذا لا يعرفون مخارجها ولا يميزونها
في التكلم عن السين، والزاي، والغين - عرف العرب، فيجب أداؤها بحيث لو
سمعها العرب حكم بكونها هذه الحروف، فالعجم لا يميز في التكلم بين ألفاظ:
ذل، وزل، وضل، وضل، فيجب في التكلم بواحد منها أن يكون بحيث لو
سمعها العرب حكم بأنه أيها، ولا يتحقق ذلك إلا بإخراجها من مخارجها المقررة
عند العرب، ولا تكفي التفرقة بينها بفرق اختراعي، فاللازم تعلم مخارجها من
أهلها ومنهم القراء، فيلزم الأخذ منهم قطعا لو لم يتمكن من التعلم من العرب.
ثم إن من الحروف ما يظهر بمجرد وصول الهواء الصوتي بمخرجه وهي غير
الحروف المتقلقلة، كالخاء (1) والعين وغيرهما، فلا يلزم فيها غير الايصال
المذكور.
ومنها ما لا يكفي فيه ذلك، بل يلزم في ظهوره بحيث يصدق التكلم به عرفا
من مجاوزة الهواء الصوتي عن مخرجه بعد الوصول إليه وهو المراد بالتقلقل، وهي
الحروف المتقلقلة، فالظاهر لزوم التقلقل فيها، فلو اكتفى بوضع اللسان على
مخرج الدال مثلا من غير رفعه عنه لم يكف في أدائها بل يلزم التقلقل.
وما ذكر هو القدر اللازم في مادة الحروف.

(1) في (ق) و (س): كالحاء.
72

وأما أوصافها فلا شك في وجوب مراعاة التشديد، أي قراءة الواحد
المشدد. والتشديد هو غير الادغام اصطلاحا، لأنه يستعمل فيما كان
الثابت في اللفظ حرفين نحو: يدرككم ويوجهه.
والدليل على وجوبه وبطلان الصلاة بالاخلال به إجماع الفقهاء عليه،
مضافا إلى أن الاخلال به إما بإظهار الحرفين المخففين أو حرف واحد مخفف،
والأول موجب لزيادة حرف غير القرآن في الصلاة وبه تخرج الكلمة عن القرآنية
بل عن العربية في الأكثر، والثاني لخروج اللفظ عن العربية والقرآنية وعما هو هو،
بل يتغير فيهما المعنى في الأغلب.
وأما المد المتصل والادغام الصغير - وهو إدغام حرفين متجانسين أو
متناسبين أولهما ساكن في كلمة أو كلمتين في الآخر، ولو كان أولهما متحركا فهو
الادغام الكبير الذي حكم الأكثر من القراء بعدم وجوبه (1) - فقد حكم جماعة من
الفقهاء منهم الشهيد والمحقق الثاني بوجوب مراعاتهما (2)، بل يخطر ببالي ادعاء
الاجماع على الأول.
والأصل يقتضي عدم وجوبهما أيضا، لعدم دليل عليه، فإنه لا يخرج
بالاخلال بهما اللفظ عن كون لفظا عربيا وقرآنا عرفا، ولا يتغير به المعنى، ولا
الحرف عن كونه ذلك الحرف أصلا.
غاية الأمر ثبوت اتفاق القراء - أو مع العرب - على مراعاتهما، بل على
وجوبهما في التكلم، ولذا يثبتون علامة المد المتصل في المصاحف، ولا يثبت منه
إلا توقف اللهجة العربية - والأداء على نحو العرب عليه وأن العرب لا يتلفظ
إلا كذلك، ولم يثبت وجوب ذلك، ولذا لا يحكمون بوجوب إمالة أكف في مواضعه
ولا إشباع الحركات وتفخيم الراء مثلا مع أنا نعلم قطعا أن العرب لا يؤدي إلا

(1) ووجوب الادغام فيه مذهب يعقوب وأبي يوسف من القراء، وأوجبه عاصم
أيضا ي كلمتين من القرآن: (ما مكني)، في سورة الكهف، (ولا تأمنا) في سورة
يوسف. منه رحمه الله تعالى.
(2) الشهيد في البيان: 157، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 245.
73

كذلك ألا ترى أن أهل الفرس لا يميلون ألفا ولا يفخمون الراء ولا يشبعون حركة
ولا يخرجون الغين المعجمة من مخرجها، بل لو فعل ذلك أحد في لسانهم يضحكون
منه، ومع ذلك لا يخرج اللفظ بشئ منها - لو فعله أحد - عن الفارسية، ولو أمر
أحد بقراءة نظم أو نثر فارسي فقرأ بهذا النحو لا يقال: لم يمتثل، وإن قيل: لم
يقرأ باللهجة الفارسية.
وبالجملة: القدر الثابت شرعا ليس إلا وجوب أداء اللفظ المنزل من غير
إخلال بحرف منه عرفا، وأما وجوب أدائه على نحو أداء العرب وهيئته ولهجته
وكيفيته فلا دليل عليه أصلا وأبدا، بل لو قال العرب: هذا ليس بعرب أو غلط،
لم يضر، كما يقول الفارسي لمن فخم الراء أو أمال أو أخرج الغين من مخرجه في لفظ
فارسي: إنه غلط وليس بفارسي، فإن المراد نفي العربية في اللهجة والأداء والتغليظ
فيه، ولم يثبت وجوب الموافقة فيهما، نعم لو ثبت الاجماع الشرعي على
وجوب مراعاة واحد منهما لوجب، ولكن الشك فيه، ومع ذلك فالمحتاط لا يتركهما
البتة.
وأما ما ورد في بعض الأخبار - من الأمر بالقراءة كما يقرأ الناس (1)، أو كما
تعلمتم (2) - فلا يفيد العموم، مع أنه إنما ورد في مقام السؤال عما وجد في مصاحف
الأئمة من بعض الآيات والكلمات الخالية عنها سائر المصاحف وأنهم لا يحسنون
قراءة ذلك.
وأما سائر الأوصاف من الإمالة، والاخفاء، والغنة، والتفخيم، والترقيق،
والاستعلاء، والاطباق، والمد المنفصل، ونحوها فلا دليل على وجوب شئ منها،
ولم أعثر على مصرح من الفقهاء بوجوبه وإن جعل نادر الاحتياط في مراعاته (3).
وهل يستحب؟ لا دليل شرعيا عليه أيضا كما صرح به الأردبيلي (4)، وغيره،

(1) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23، الوسائل 6: 162 أبواب
القراءة ب 74 ح 1.
(2) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 2، الوسائل 6: 163 أبواب
القراءة ب 74 ح 2.
(3) كما في مجمع الفائدة 2: 219.
(4) مجمع الفائدة 2: 219.
74

إلا أنه صرج كثير من الفقهاء فيها بالاستحباب (1)، ولا بأس به لأجل فتواهم ما
لم يبلغ حدا يخل بالأسلوب أو يوجب الاستهجان كما يشاهد في بعض، بل قد
يبلغ حدا يقطع بأن العرب لا يقرأ هكذا ويستقبحه.
وأما حركاتها وسكناتها: فما كان من غير الاعرابية والبنائية، أي غير ما في
أواخر الكلمات كفتح حاء الحمد، وعين أنعمت، وسكون ميمهما، فلا شك في
وجوب مراعاتها بالكيفية المنزلة، وبطلان الصلاة بالاخلال بها، للاجماع. ولأن
القرآن والفاتحة ليسا اسمين للأجزاء المادية أي الحروف فقط قطعا، بل للمركب
منها ومن الجزء الصوري الذي هو الهيئة، فمع انتفائه لا يكون فاتحة ولا قرآنا.
ولأن القرآن ليس إلا هذا المنزل، فكل كلمة لم يكن منزلا لم يكن قرآنا، ولا شك
أن المنزل هو الكلمة بالحركة والسكون المخصوصين وبغيرهما ليس منزلا، فتبطل
بها الصلاة.
ومنه يظهر وجوب مراعاتها في كل حرف، وبطلان الصلاة بالاخلال بها
عمدا ولو نادرا لا يخرج المجموع بالاخلال به عن اسم الفاتحة عرفا.
وما كان في أواخر الكلمات فإما سبهون أو حركة، والأول تبطل الصلاة
بالاخلال به أيضا قطعا، للاجماع، وعدم معلومية كون الكلمة المتحركة آخرها
من القرآن، فإنه لو قال في سورة التوحيد: (لم يكن له) بضم النون تبطل
صلاته، إذ ليس (لم يكن) كلمة قرآنية، ولو سئل عنها يسلب عنها القرآنية.
ومنه يظهر وجوب مراعاة الثاني، والبطلان بالاخلال به أيضا، لو كان
بإبداله بحركة أخرى مضادة، سواء كان مغيرا للمعنى كضم تاء (أنعمت) أو لا
كضم باء (رب العالمين) إذ (أنعمت، ولله رب العالمين) مضمومة التاء
والباء ليس قرآنا.
مع أن البطلان في الأول إجماعي، بل في الثاني أيضا، لعدم ثبوت ما حكي

(1) كالشهيد الثاني روض الجنان: 265، وصاحب المدارك 3: 337، وصاحب
الحدائق 8: 114.
75

عن السيد في بعض مسائله (1) من القول بعدم البطلان مع عدم تغير المعنى،
وعدم قدحه في الاجماع لو ثبت.
مع أن تغير الحركة يوجب تغير المعنى قطعا، فإن استفادة الوصفية من
(الرب) المكسورة باؤه معنى غير الخبرية للمبتدأ المحذوف المستفادة منه
مضمومة
الباء، وكذا إذا قال: (الحمد) بفتح الدال، فإن المعنى المستفاد منه مضمومة
الدال لا يستفاد منه مفتوحة قطعا وإن علم المراد بقرينة الحال والمقام، واللازم،
استفادة المعنى من نفس اللفظ ولا شك أن (الحمد)، المفتوحة لا يفيد المعنى
الابتدائي.
مع أن عدم تغير المعنى - لو سلم - غير كاف في كون اللفظ قرآنا، فإن
اللفظ أيضا له مدخلية فيه.
وأما الاخلال بالثاني بالاسكان وحذف الاعراب، فقد صرح في المنتهى
بالبطلان به (2).
وهو بإطلاقه غير صحيح قطعا، للاجماع بل الضرورة على جواز الوقف،
وليس هو إلا حذف الاعراب وإسكان المتحرك إما مطلقا أو مع قطع النفس.
ثم بملاحظة عدم اختصاص جوازه، الوقف أصلا وإجماعا بموضع معين
- سوى ما وقع الاتفاق على عدم جوازه، كالوقف في خلال الكلمة الواحدة وما في
حكمها كالحرف ومدخولها، بل المضاف والمضاف إليه على ما هو المظنون، حيث
إن الظاهر الاتفاق على عدم جوازه، مع إيجابه خروج اللفظ عن العربية بل.
القرآنية بل عدم إفادة المعنى في الأغلب - يظهر جواز حذف الاعراب والاسكان
في كل غير ما ذكر. وهذا التغيير لا يخرج الكلمة عن القرآنية، إذ لم يعلم نزول
القرآن متصلا متحركا كله. ولا عن العربية، لأن بناء العرب على الوقف فهو يجوز

(1) حكاه بهن السيد المرتضى في المدارك 3: 338.
(2) المنتهى 1: 273.
76

قطعا.
وهل يشترط فيه قطع النفس، أو يجوز الاسكان من غير فصل بتوقف أو
تنفس؟
الظاهر: الثاني، للأصل، وعدم دليل على وجوب التحريك أو التوقف أو
بطلان الصلاة بدونهما، فإن المناط في إيجاب مراعاة الحركات والسكنات والبطلان
بالاخلال بها - كما عرفت - هو الاجماع، أو خروج اللفظ عن القرآنية أو العربية،
ولا يعلم شئ منهما في المقام، بل نرى أنه لو قرأ أحد (قل أعوذ برب الفلق) من
شر ما خلق) بإسكان القاف من غير توقف لا يقال: (ما خلق) ليس بقرآن،
بخلاف ما لو قال: (خلق) بضم الخاء.
وأما ما قيل من اتفاق القراء وأهل العربية على عدم جواز الوقف بهم الحركة
والوصل بالسكون (1).
فلو ثبت لم يضر، لما أشير إليه من أن الواجب هو قراءة القرآن العربي دون
القراءة على نحو العرب، وهذا كيفية في القراءة، غاية الأمر أنه لا يكون قراءة
عربية بل يكون قراءة عربي، ولم يثبت أزيد من وجوب الأخيرة.
مع أن ذلك الاتفاق ممنوع، فإنا رأينا العرب يسكنون كثيرا من غير توقف،
فينادون: يا علي يا علي، يا حسين يا حسين، يا محمد يا محمد، بإسكان الياء
والنون والدال من غير تنفس وتوقف. وأيضا: لو كان هذا مبطلا لم يجوزوه في الأذان
والإقامة مع منهم من مزح فيه بالجواز، ففي روض الجنان: ولو ترك الوقف
أصلا سكن أواخر الفصول أيضا (2).
غاية الأمر أنه لا يكون وقفا لغة، وعدم وقفيته لا يستلزم عدم الجواز.
مع أن إطلاق الوقف على هذا النوع من التوقف مجاز قطعا، فيحتمل أن

(1) حكاه المجلسي في البحار 82: 8 عن والده.
(2) روض الجنان: 244.
77

يكون المعنى المجازي هو مطلق الاسكان فيما من شأنه التحريك، مع أن منهم
من أطلق الوقف على مجرد الاسكان، ففي شرح الإرشاد للأردبيلي في مستحبات
الأذان والإقامة: والوقف بمعنى إسكان أواخر الفصول هنا (1). إلى غير ذلك مما
مر.
فإن قيل: يلزم أن لا يكون فرق بين الكلمات اللازمة الجزم وغيرها نحو: لم
يفعل ويفعل، بل بين النفي والنهي.
قلنا: الفرق في المعنى واللفظ، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فبجواز
التحريك وعدمه، يحصل الامتياز حين الاسكان بالقصد، وبما هو في الواقع من
وجمد سبب الجزم وعدمه واقعا، وهو كاف في التفرقة.
وبذلك يظهر جواز الاسكان والوقف حال جهل الاعراب من غير إشكال،
لوجود الامتياز الواقعي.
وتردد فيه في المنتهى (2). وليس بشئ، إذ لا دليل على وجوب العلم
بالاعراب، بل لو كان كذلك لزم بطلان صلاة أكثر العجم، بل العرب،
لتعلمهم مواضع الوقوف من الحمد والسورة موقوفة من غير علمهم بإعرابها.
ثم بما ذكرنا ظهر أيضا جواز الوقف بالحركة فيما يجوز فيه الوقف، للأصل،
وعدم الخروج عن العربية، وعدم وجوب القراءة العربية لو ثبت عدم قراءة العرب
هكذا.
ولو كان بعده همزة الوصل يظهرها، لأن الثابت وصلها عند اتصال المتحرك
معها، وكذا لو أسكن ما قبلها من غير توقف لعدم الحركة الموجبة لوصلها، كما في
فصول الأذان والإقامة عند عدم التوقف.
هذا كله في أصل الاعراب. وأما وصفه من الاشباع كما يفعله القراء بل
العرب أيضا، فلا يجب وإن واظب عليه العرب، لصدق الضمة وأخواتها على غير

(1) مجمع الفائدة 2: 172.
(2) المنتهى 1: 27.
78

المشبع أيضا، وكون المشتمل عليه قرآنا وعربيا عرفا.
وإيجاب بعض القراء له لا يوجبه، بل الكل أيضا كذلك كما مر، ولذا ترى
الفقهاء في مواضع عديدة ربما يقولون: فلأن غير واجب وإن أجمع القراء على
وجوبه، لعدم وجوب تقليدهم.
ثم الواجب من الحركات والسكنات هو ما وافق إحدى القراءات دون
مطلق العربية، لما يأتي.
بقي هاهنا شئ وهو: إنه قد ثبت بما ذكر عدم جواز الاخلال بحرف ولا
إعراب وأنه يجب الاتيان بكل من الحروف والاعرابات صحيحا، فهل الصحيح
المجزي قراءته هو ما وافق العربية مطلقا، أو إحدى القراءات كذلك ولو كانت
شاذة، أو العشر، أو السبع، أو بالجميع عند الاختلاف؟
ليس الأول ولا الأخير بالاجماع القطعي، وأمرهم عليهم السلام بالقراءة
كما يقرأ الناس (1)، وكما تعلموا (2)، ولا شك أن الناس لا يتجاوزون القراءات.
ومنه يظهر بطلان الثاني أيضا.
فالحق جواز القراءة بإحدى العشر.
والتخصيص بالسبع لتواترها أو إجماعيتها غير جيد، لمنع التواتر، وعدم
دلالة الاجماعية على التعين، لما عرفت من أن مستند التزام جميع الكلمات والحروف
والاعرابات - مع صدق قراءة القرآن وأم الكتاب عرفا لو وقع الاخلال ببعضها -
الاجماع والخروج عن القرآنية والعربية، وشئ منهما في كل من العشر غير لازم.
ولزوم التكلم بغير ما يعلم أنه قرآن أو تجوز قراءته في غير السبع إذا كان
الاختلاف بحرفين فصاعدا، فلا يجوز لاطلاقات النهي عن التكلم، ويتعدى
إلى غيره بعدم الفصل.

(1) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23.
(2) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 2.
79

يعارض بجواز القراءة بغير السبع إذا كان الاختلاف بأقل من حرفين،
لصدق قراءة الفاتحة والقرآن عرفا، ويتعدى إلى غيره بعدم الفصل، فيبقى الأصل
بلا معارض.
فائدة:
من الفاتحة البسملة إجماعا منا ومن أكثر العامة، وهو الحجة، مضافا
إلى الأخبار المتكثرة (1)، فتجب قراءتها فيها.
وكذا في السورة على الأشهر، بل هو أيضا مجمع عليه، لعدم قدح ما نسب
إلى الإسكافي من المخالفة في السورة (2)، فيه يرد قوله، مضافا إلى بعض
المعتبرة (3).
والأخبار المخالفة في الموضعين (4) - لو سلمت دلالتها - لم تفد أصلا،
لشذوذها غايته، وموافقتها العامة (5).
المسألة الرابعة: لا تجزي الترجمة مع القدرة على القراءة العربية بإجماعنا
المحقق، والمصرح به في كلام جماعة حد الاستفاضة كالناصريات والخلاف
والمنتهى والذكرى والمدارك (6)، وهو الحجة فيه. مضافا إلى عدم كون الترجمة:
القرآن أو الفاتحة أو السورة المأمور بقراءتها، لصحة السلب، وتبادر غيرها. ولا
دلالة لقوله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) (7).
المسألة الخامسة: يجب ترتيب آيها وكلماتها على الوجه المنقول، لقولهم

(1) انظر: الوسائل 6: 57 أبواب القراءة ب 11.
(2) نسبه إليه الشهيد في الذكرى: 186.
(3) انظر: الوسائل 6: 58 أبواب القراءة ب 11 ح 5.
(4) انظر: الوسائل 6: 60 أبواب القراءة ب 12.
(5) انظر: بداية المجتهد 1: 126، والمغني 1: 558 و 568.
(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 197، الخلاف 1: 343، المنتهى 1: 273، الذكرى
: 186، المدارك 3: 341.
(7) الأنعام: 19.
80

عليهم السلام: (اقرؤوا كما يقرأ الناس) و (كما تعلمتم) وللاجماع، ولأنه المتبادر
من قراءة الحمد أو السورة التامة، كما هو مقتضى الأخبار والاجماع. مع أن
بمخالفة الترتيب بين الكلمات يخرج الكلام عن العربية أو القرآنية كثيرا،
وبالمخالفة الكثيرة بين الآيات عن الفاتحة أو السورة.
المسألة السادسة: لا تجب القراءة من الحفظ على الأصح، وفاقا للمحكي
عن ظاهر الخلاف والمبسوط والنهاية (1)، وصريح الفاضلين (2)، واختاره
الأردبيلي (3)، وصاحب الذخيرة (4)، وبعض مشايخنا المحققين (5)، وهو مختار والدي
- رحمه الله - في المعتمد، للأصل، وإطلاقات القراءة، ورواية الصيقل: ما تقول
في الرجل يصلي، وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريبا منه؟ قال:
(لا بأس بذلك) (6).
وخلافا للشهيد ومن تبعه (8)، فأوجبها إلا مع العجز عن الحفظ.
لأصل الاشتغال.
وعدم تبادر مثل ذلك من الاطلاقات، سيما بملاحظة المنع عن النظر في
المصحف المفتوح الذي في قبلته (9).

(1) الخلاف 1: 427، المبسوط 1: 109، النهاية: 80.
(2) المحقق ي المعتبر 2: 174، العلامة في المنتهى 1: 274.
(3) مجمع الفائدة 2: 212.
(4) الذخيرة: 272.
(5) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(6) التهذيب 2: 294 / 1184، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة ب 41 ح 1.
(7) الذكرى: 187.
(8) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 30.
(9) انظر: الوسائل 5: 163 أبواب مكان المصلي ب 27.
81

والمروي في قرب الإسناد للحميري: عن الرجل والمرأة يضع المصحف
أمامه ينظر فيه ويقرأ ويصلي، قال: (لا يعتد بتلك الصلاة) (2).
ويرد أصل الاشتغال بما مر من الاطلاق والرواية، وتخصيص الاطلاق
بالسورة لا وجه له.
وعدم التبادر بعدم المضرة، وإنما المضر تبادر الغير وهو ممنوع، كيف؟! مع
أنه لو نذر أحد أن يقرأ سورة يحكمون بالبراءة بالقراءة عن المصحف قطعا، بل
يحملون مطلقات مرغبات التلاوة والقراءة على الأعم، ولو رأوا حديثا أنه
يستحب
قراءة القرآن كل يوم كذا وكذا آية، يحملونها على الأعم، بل يجعلون القراءة من
المصحف أولى وأتم.
وأما المنع عن النظر إلى المصحف المفتوح، فإنما هو على الكراهة وهي في
المقام مسلمة، مع أن النظر إليه لغير القراءة ربما يشوش القراءة ويختلط معها،
ففيه
من المنع ما ليس فيما كان للقراءة.
ورواية قرب الإسناد بالضعف الخالي عن الجابر، مع أن في دلالتها على
الوجوب نظرا ظاهرا، لخلوها عن الدال عليه. نعم تدل على المرجوحية والكراهة
وهي مسلمة.
هذا كله مع الاختيار، وأما بدونه فيجوز قطعا، والظاهر أنه لا خلاف فيه.
المسألة السابعة: من لم يعلم الفاتحة أو شيئا منها يجب عليه أحد الأمور
الثلاثة: التعلم، أو الائتمام، أو متابعة القارئ، من باب المقدمة،
إجماعا، فإنه
يجب أحد الأمرين من قراءة الحمد أو الائتمام، وتحققه يتوقف على أحد الثلاثة.
والأكثر لم يذكروا غير الأول، ولعله من باب التمثيل كما قيل، أو لأجل

(1) قرب الإسناد: 195 / 742، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة ب 41 ح 2.
82

تعينه لعدم إمكان الأخيرين غالبا سيما في كل صلاة، فهما غير مقدوران كلية
عادة، فانحصر في الأول (1).
وفيه نظر لأنه قد يعلم الاقتدار على الائتمام في الصلاة الحاضرة.
فإن تعذر لضيق وقت أو نحوه فإما يعلم بعض الفاتحة أو لا يعلم.
فإن علم بعضها فإما يكون آية تامة أو غير تامة.
فإن كانت تامة وجبت قراءتها بلا خلاف كما في الذخيرة والحدائق (2)، بل
إجماعا كما في المدارك (3)، لاطلاقات الأمر بالقراءة وقراءة القرآن (4)
الصادقة مع ذلك قطعا.
تقييدها بالفاتحة بأخبارها مخصوص بالامكان البتة، لعدم التكليف بما لا
يمكن، ولنحو قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) (5).
إلا أن الأول لا يدل على تعيين ما يعلم من الفاتحة، والثاني غير دال كما مر
مرارا.
فإن ثبت الاجماع البسيط أو المركب كما هو الظاهر، وإلا فالاكتفاء بمطلق
القرآن قوي جدا.
وهل يجب التعويض عن الباقي؟ كما عن نهاية الإحكام وفي شرح
القواعد (6)، وعن روض الجنان نسبته إلى أكثر المتأخرين (7)، أم لا؟
كما عن ظاهر

(1) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) الذخيرة: 272، الحدائق 8: 110.
(3) المدارك 3: 343.
(4) من الأخبار الآمرة بقراءة القرآن صحيحة ابن سنان وفيها: (لو أن رجلا دخل في
الاسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزاه أن يكبر ويسبح ويصلي). منه رحمه الله تعالى.
والرواية في التهذيب 2:
147 / 575، الإستبصار 1: 310 / 1153، الوسائل 6: 42 أبواب القراءة ب 3 ح 1.
(5) عوالي اللآلئ 4: 58 / 205.
(6) نهاية الإحكام 1: 475، جامع المقاصد 2: 251.
(7) روض الجنان: 262.
83

المعتبر والمنتهى (1)، وفي صريح المدارك (2)، والمعتمد.
الحق هو الثاني، للأصل.
دليل الأول: توقف اليقين بالبراءة عليه.
ودلالة الأمر بالحمد على وجوبه ووجوب هذا القدر، ولا يسقط الثاني
لسقوط الأول.
وقوله تعالى: (فاقرؤوا ما تيسر) (3).
وقوله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (4) خرج منه ما خرج بالاجماع فيبقى
الباقي ومنه ما لا عوض فيه.
ويجاب عن الأول: بأنه مع التعذر لم يعلم الاشتغال بالأزيد.
وعن الثاني: بأن الدلالة التبعية منتفية بانتفاء المطابقة.
وعن الثالث: بعدم الدلالة كما مر.
وعن الرابع: بأنه لا يعلم أن المراد منه نفي الذات الذي هو الحقيقة،
لمعارضته مع إطلاق الصلاة علي الفاقدة لها في صحيحة ابن سنان الآتية (5)، وفي
أخبار سهو القراءة (6)، ولا يتعين كون مجازه نفي الصحة.
مع أنه على فرض تسليم الحقيقة تكون غاية ما يدل عليه نفي الصلاتية،
ولا بأس بتسليمه في المورد ولو مع التعويض، ويلزمه عدم وجوب الصلاة عليه
لعدم إمكانها - على ذلك - في حقه، ويكون ما يجب عليه - بالاجماع وغيره - بدلا
عن الصلاة، ووجوبه بل مع تسميته في لسان المتشرعة صلاة لا يستلزم كونه صلاة
حقيقة. فلا، يفيد قوله: (لا صلاة) للمورد.

(1) المعتبر 2: 170، المنتهى 1: 274.
(2) المدارك 3: 341.
(3) المزمل: 20.
(4) عوالي اللآلئ 1: 196 / 2 و ج 2: 218 / 13 و ج 3: 82 / 65.
(5) في ص 86.
(6) انظر: الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 و ص 88 ب 28.
84

أو نقول: بعد إثبات صحة الفاقدة للعوض بالأصل تثبت صلايته بعدم
الفصل، فإن كل ما يصح من هذه الأفراد فهو صلاة قطعا.
ثم على القول بالتعويض هل يجب أن يكون بتكرار ما يعلم من الحمد
مقدما على غيره من القرآن أو الذكر - لأقربيته إلى الفاتحة كما في التذكرة (1)
-؟ أو بغيره من القرآن؟ أو مطلق الذكر مقدما على التكرار - كما في شرح القواعد
(2)، لئلا يكون شئ واحد بدلا وأصلا -؟ أو بأحد - الأولين وإلا فبالثالث؟ أو
بأحد الثانيين وإلا فبالأول؟ أو التخيير بين الجميع؟.
أوجه، مقتضى بعض أدلة التعويض: الثالث، ومقتضى الأصل: الأخير.
واعتبار الأقربية ممنوع. واستلزام التكرار لوحدة الأصل والبدل غير مسلم، لأن
المكرر غير الأصل.
وقيل: وعلى التعويض مطلقا تجب مراعاة الترتيب بين البدل والمبدل منه،
فإن علم الأول أخر البدل، أو الآخر قدمه، أو الطرفين وسطه بينهما، أو الوسط
حفه بهما (3).
ولا دليل تاما على وجوبه، والأصل ينفيه.
وإن كانت غير تامة ففي وجوب قراءتها [مطلقا] (4) أو عدمه كذلك، أو
التفصيل بين تسميته قرآنا وعدمها.
أقوال، أقواها: الثاني! إذ الاجماع الذي هو الدليل في الآية التامة منتف
هنا قطعا، فالاكتفاء هنا بمطلق القراءة قوي (5).
وإن لم يعلم شيئا منها فإما يعلم شيئا من القرآن غيرها أم لا.

(1) التذكرة 1: 115.
(2) جامع المقاصد 2: 250.
(3) انظر: الروضة البهية 1: 267، والرياض 1: 158.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح العبارة.
(5) في (ه‍): أقوى.
85

فإن علمه وجبت عليه قراءته على الأشهر الأظهر، بل قيل: إنه لا خلاف
فيه (1)، للنبوي المنجبر الآمر بقراءة القرآن بعد العجز بقوله: (وإن كان معك قرآن
فاقرأ وإلا فاحمد الله وكبره وهلله) (2).
وللاطلاقات المتقدمة.
وصحيحة ابن سنان: (إن الله فرض من الصلاة الركوع والسجود، ألا
ترى لو أن رجلا دخل في الاسلام ثم لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر
ويسبح ويصلي) (3).
وظاهر الشرائع التخيير بينه وبين مطلق الذكر (4). وهو ضعيف لا أعرف
وجهه.
وإن لم يعلم يجب عليه الذكر، للاجماع. لا للنبوي ومنطوق الصحيح،
لدلالة الأول على وجوب ذكر خاص لم يثبت الانجبار فيه، وعدم صراحة الثاني
في الوجوب.
وهل الواجب مطلق الذكر كما ذهب إليه طائفة (5)؟ أو التسبيح والتكبير كما
هو ظاهر بعض مشايخنا (6)؟ أو بضم التهليل معهما كجماعة منهم الشرائع (7)؟ أو
التحميد مع الثلاثة كبعضهم (8)؟ أو مطلق الذكر والتكبير كما عن الخلاف (9)؟

(1) كما في كشف اللثام 1: 217.
(2) سنن البيهقي 2: 380.
(3) التهذيب 2: 147 / 575، الإستبصار 1: 310 / 1153، الوسائل 6: 42 أبواب
القراءة ب 3 ح 1.
(4) الشرائع 1: 81.
(5) منهم الشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 268، والشهيد الثاني في
الروضة البهية 1: 268
(6) انظر: الحدائق 8: 112.
(7) الشرائع 1: 82، ومنهم الشيخ في المبسوط 1: 107، والعلامة في
الإرشاد 1: 253.
والفيض في المفاتيح 1: 129.
(8) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 474.
(9) الخلاف 1: 343.
86

أو تعين ما يجزي في الأخيرتين من التسبيح كما في الذكرى (1) وجعله في المدارك
الأحوط؟.
أقوال، أقواها: الأول، للاجماع على ثبوته، وأصالة عدها وجوب الزائد، إذ
لا دليل على سائر الأقوال إلا النبوي لبعضها، والصحيح لبعض آخر، وثبوت
بدلية التسبيح عن الحمد في الأخيرتين فلا يقصر بدل الحمد في الأوليين منهما،
للا خير.
وقد عرفت عدم ثبوت الوجوب من الأولين، والأخير ضعيف غايته، لمنع
البدلية في الأخيرتين أولا، ومنع إيجابها لوجوب التبديل به في الأوليين ثانيا.
ثم إنه هل تجب مساواة البدل من القرآن أو الذكر للفاتحة أم لا؟.
المشهور بين المتأخرين الأول، ولا دليل عليه سوى مثل ما مر من أدلة
التعويض، وقد عرفت ضعفها.
والأصل يقتفي العدم، فهو الأقوى وفاقا للمعتبر (3) وجمع آخر (4).
ثم على القول بوجوب المساواة ففي وجوبها في الآيات أو الحروف أو فيهما
معا، أقوال، أظهرها بل - كما قيل (5) - أشهرها أيضا الثاني.
والظاهر عدم وجوب كون الذكر بالعربية، للأصل.
نعم يتجه الوجوب على القول بوجوب الأذكار الخاصة المتقدمة، لأصل
الاشتغال، حيث إن المعنى المراد من التكبير والتسبيح ونحوهما مجازا - لعدم
إرادة معناها الحقيقي المصدري قطعا - متعدد ولا يعلم التعين.
نعم لو عجز عن العربية يحتمل جواز غيرها بل وجوبه، ويحتمل العدم على

(1) الذكرى: 187.
(2) المدارك 3: 343.
(3) المعتبر 2: 169.
(4) انظر المبسوط 1: 107، ومجمع الفائدة 2: 216، والمدارك 3: 343، والمفاتيح
1: 129.
(5) انظر: الروضة البهية 1: 267.
87

تلك لأقوال، لعدم ثبوت التوقيف.
ثم إن هذا كله في الذي لا يعلم الفاتحة كلا أو بعضا بالمرة.
هاهنا قسم آخر وهو الذي يعلمها كلا ولكن مع غلط وتبديل في الحروف
والكلمات.
وهو على قسمين: لأنه إما يمكنه التعلم والتصحيح، أو لا يمكنه.
والأول على قسمين:
أحدهما: أن يقصر حتى ضاق الوقت.
وثانيهما: أن لا يقصر بل يشتغل بالتصحيح حتى ضاق الوقت ولكن لم
يصححه حتى ضاق.
والثاني - وهو الذي لا يمكنه التعلم - أيضا على قسمين: لأنه إما لأجل
نقصان في لسانه كالذي يبدل بعض الحروف ببعض كالفأفاء (1)، والتمتام (2)
والألثغ) وبعض من نشاهد أنه ليس له مخرج الخاء (4) أو العين.
أوليس لأجل ذلك ولا نقصان في لسانه ولا في مخارجه، بل لا ينطلق لسانه
بأداء كلمة وإن تكتم بجميع حروفها صحيحة في لغته كما نشاهد كثيرا.
وحكم الأخيرين - على ما صرح به في الذكرى (5)، وهو ظاهر المنتهى وشرح
القواعد (6)، وغيره (7)، بل لعله إجماعي - هو القراءة بمقدوره، أي بما يعلمه
وعليه جرى لسانه، كما يدل عليه الحديث المشهور: (إن سين بلال عند الله شين) (8)

(1) الفأفاء على فعلال هو الذي يتردد في الفاء إذا تكلم. الصحاح 1: 62.
(2) التمتام هو الذي يتردد في التاء. الصحاح 5: 1878.
(3) الألثغ هو الذي يصير الراء غينا أو لاما، والسين ثاء. الصحاح 4: 1325.
(4) في (ق) و (س): الحاء.
(5) الذكرى: 188.
(6) المنتهى 1: 274، جامع المقاصد 2: 252.
(7) كالذخيرة: 273.
(8) عدة الداعي: 21، مستدرك الوسائل 4: 278 أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 3.
88

ورواية السكوني: (إن الرجل الأعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته
فترفعه الملائكة على عربيته) (1).
والمروي في قرب الإسناد للحميري: سمعت جعفر بن محمد عليهما
السلام يقول: (إنك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم
الفصيح، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك، فهذا
بمنزلة العجم المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح ولو ذهب
العالم المتكلم الفصيح حتى يدع ما قد علم أنه يلزمه ويعمل به وينبغي له أن يقوم
به حتى يكون ذلك منه بالنبطية والفارسية لحيل بينه وبين ذلك بالأدب حتى يعود
إلى ما قد علمه وعقله، [قال:] ولو ذهب من لم يكن في مثل حال الأعجم المحرم
ففعل فعال الأعجمي والأخرس على ما وصفنا إذا لم يكن أحد فاعلا للشئ من
الخير ولا يعرف الجاهل من العالم) (2).
وأما الأولان فالظاهر أن وجوب قراءة ما يعلمه حسنا إجماعي. وأما ما لا
يعلمه كذلك فالظاهر - كما هو مقتضى الأصل - عدم وجوب قراءته لأن الغلط
ليس بقرآن بل هو كلام غير القرآن موجب للبطلان.
ثم إذا تركه هل يترك ما يتعلق به لفظا أو معنى وإن أحسنه، أم لا؟
الظاهر: نعم، لخروج الباقي حينئذ عن كونه قرآنا، بل ذكرا.
والأحوط تكرير الصلاة بترك الغلط وما يتعلق به تارة وقراءته أخرى.
المسألة الثامنة: قراءة الأخرس وتشهده تحريك لسانه بهما مهما أمكن،
لظاهر الاجماع، ورواية السكوني المتقدمة في تكبيرة الاحرام (3).

(1) الكافي 2: 619 فضل القرآن ب 12 ح 1، الرسائل 6: 221 أبواب
قراءة القرآن ب 30 ح 4.
(2) قرب الإسناد: 48 / 158، الوسائل 6: 150 أبواب القراءة ب 67 ح 2.
وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(3) في ص 22.
89

ومقتضاها وجوب الإشارة بالإصبع أيضا، وكذا يجب عقد القلب بأن
يقصد أن هذا التحريك للقراءة، لما مر في التكبيرة (1).
وأما عقده بمعناها فذكره جماعة (2)، ولا دليل عليه، والأصل ينفيه.
المسألة التاسعة: تجب قراءة سورة كاملة بعد الحمد - في كل من الركعتين
الأوليين من الفرائض وركعتي الفجر مع عدم الاضطرار كالخوف أو الضيق أو
عدم إمكان التعلم - عند الشيخ في التهذيب (3)، والاستبصار والخلاف
والجمل (4)، والعماني (5)، والسيد، والحلبي، والحلي، والقاضي (6)، بل الأكثر كما
صرح به غير واحد (7)، بل عن الانتصار وأمالي الصدوق والغنية والوسيلة،
والقاضي: الاجماع عليه (8)، وبه تشعر عبارة التهذيب أيضا.
وهو الأظهر.
لا للاجماعات المنقولة.
أو قوله سبحانه: (فاقرؤوا ما تيسر) (9).

(1) في ص 21.
(2) منهم الشهيد في الذكرى: 188.
(3) حيث قال في التهذيب 2: 72: وعندنا أنه لا تجوز قراءة هاتين
السورتين - يعني والضحى وألم
نشرح - إلا في ركعة واحدة. ولا يتم (لا تجوز) إلا على القول بالوجوب لجواز
التبعيض على القول بالاستحباب. منه رحمه الله تعالى.
(4) الإستبصار 1: 314، الخلاف 1: 355، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 180.
(5) حكاه عنه في المختلف: 91.
(6) السيد في الإنتصار: 44، الحلبي في الكافي: 17، الحلي في السرائر
1: 221، القاضي في المهذب 1: 97.
(7) كالعلامة في المنتهى 1: 271، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 268.
(8) الإنتصار: 44، أمالي الصدوق: 512، الغنية (الجوامع الفقهية):
557، الوسيلة: 93.
(9) المزمل: 20.
90

أو التأسي.
أو الأخبار البيانية (1) ولو بضميمة قوله صلى الله عليه وآله: (صلوا كما
رأيتموني أصلي) (2).
أو صحيحة منصور: (لم لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر) (3).
أو الرضوي المنجبر بما مر: (تقرأ سورة بعد الحمد في الركعتين الأوليين،
ولا تقرأ في المكتوبة سورة ناقصة (4).
أو صحيحة زرارة في المسبوق: (قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في
نفسه بأم الكتاب وسورة، فإن لم يدرك سورة تامة أجزأته أم الكتاب)
الحديث (5).
أو معاوية: (من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثم ليركع) (6).
أو ابن سنان: (يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها،
ويجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار) (7).
أو محمد بن إسماعيل: أكون في طريق مكة، فننزل للصلاة في موضع
يكون فيه الأعراب، أنصلي المكتوبة على الأرض فنقرأ أم الكتاب وحدها أم نصلي
على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ قال: (إذا خفت فصل على الراحلة

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1.
(2) صحيح البخاري 1: 162.
(3) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 12، التهذيب 2: 69 / 253، الإستبصار 1.
314 / 1167، الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4 ح 2.
(4) فقه الرضا (ع): 105، مستدرك الوسائل 4: 160 أبواب القراءة ب 3 ح 3.
(5) الفقيه 1: 256 / 1162 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 45 / 158، الإستبصار 1:
436 / 1683، الوسائل 8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.
(6) التهذيب 2: 295 / 1187، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 43 ح 1.
(7) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 9، التهذيب 2: 70 / 256، الوسائل 6: 40 أبواب
القراءة ب 2 ح 5.
91

المكتوبة وغيرها، فإن قرأت الحمد والسورة أحب إلي) (1).
حيث إنه لولا وجوب السورة لما جاز لأجلها ترك القيام والاستقرار
الواجبين.
أو الحلبي: (لا بأس أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين
إذا أعجلته حاجة أو تخوف شيئا) (2).
حيث دل المفهوم على ثبوت البأس - الذي هو العذاب والشدة - في ترك
السورة مع عدم الخوف أو الحاجة.
أو محمد: عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة؟ قال: (لا، لكل سورة
ركعة) (3).
أو المروي في علل ابن شاذان: (وإنما بدئ بالحمد دون سائر السور)
الخبر (4).
حيث إنه لولا وجوب الصورة لما صح إطلاقه لفظ البدأة.
أو الأخبار الناهية عن القرآن بين السورتين في الفريضة (5)، حيث إنه لا وجه
له إلا لزوم زيادة الواجب في الصلاة عمدا.
أو عن العدول من سورتي التوحيد والجحد إلى ما عدا سورتي الجمعة
والمنافقين (6)، حيث إنه لولا وجوب السورة هنا لما حرم العدول عنهما ولم يجب

(1) الكافي 3: 457 الصلاة ب 91 ح 5، التهذيب 3: 299 / 911،
الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4 ح 1.
(2) التهذيب 2: 71 / 261، الإستبصار 1: 315 / 1172، الوسائل 6: 40 أبواب
القراءة ب 2 ح 2.
(3) التهذيب 2: 70 / 254، الإستبصار 1: 314 / 1168 وفيه: لكل ركعة
سورة، الوسائل 6.
44 أبواب القراءة ب 4 ح 3 و ص 50 ب 8 ح 1.
(4) عيون أخبار الرضا 2: 105، الوسائل 6: 38 أبواب القراءة ب 1 ح 3.
(5) انظر: الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8.
(6) الوسائل 6: 152 أبواب القراءة ب 69.
92

إتمامها.
لضعف الأول: بعدم الحجية.
والثاني: بعدم الدلالة ى مز.
والثالث: بعدم الوجوب.
والرابع: بعدم إثبات للوجوب كما مر مرارا، وعدم ثبوت اشتمال ما قال
بعده: (صلوا) للسورة.
والخامس (1). بعدم صراحته في الوجوب، لجواز كون قوله: (لا تقرأ) نفيا
وهو غير مثبت للتحريم. ولو كان نهيا لما أفاد التحريم، لجواز قراءة الأكثر
بالعدول، فيجب الحمل على المرجوحية لئلا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.
وإمكان تخصيص الأكثر بغير العدول ص لا يفيد، لعدم ثبوت أولويته من
التجوز في نحو ذلك المقام.
والسادس: بما مر أيضا، لكونه إجبارا.
ومنه يظهر ضعف السابع أيضا، وأما مفهوم قوله فيه: (فإن لم يدرك) فلا
يفيد، لأن عم الاجزاء يكون في المستحب أيضا.
والثامن: بعدم كون الأمر فيه للوجوب المعين الذي هو حقيقته، ومجازه كما
يمكن أن يكون الوجوب التخييري يمكن أن يكون استحبابا - ومنه يظهر عدم
دلالة سائر الأخبار المتضمنة للأمر بقراءة سورة معينة (2) - مع أنه معارض
بصحيحة زرارة (3).
والتاسع: بأنه استدلال بمفهوم الوصف، وهو غير ثابت الاعتبار، ولا
دلالة في المقابلة بالصحيح على اعتبار مفهوم المريض أصلا.

(1) وقد يضعف الخاص بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسورة في غير الفاتحة.
وفيه: أن ذكره الأكثر يعين إرادته. منه رحمه الله تعالى.
(2) انظر: الوسائل 6: 43 أبواب القراءة ب 4.
(3) المتقدمة في ص 91.
93

والعاشر: بعدم مراحته في أن الأمر بالصلاة على الراحلة وجوبا أو تخييرا
لأجل المحافظة على السورة، بل لعلة أخرى.
وظهور سوق السؤال في قطع السائل بوجوب السورة ممنوع، ولو سلم
فتقريره إنما هو على الاعتقاد، وفي حجيته بإطلاقه نظر.
ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالتقرير على الاعتقاد في صحيحة أخرى:
قلت: أيهما أحب إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا يقرأ بسورة أو فاتحة الكتاب؟
قال: (فاتحة الكتاب) (1).
والحادي عشر: بدلالة منطوقه على نفي البأس في ترك السورة مع مطلق
الحاجة ولو كانت يسيرة، وبه يثبت عدم الوجوب مطلقا بالاجماع المركب،
فيعارض المفهوم، وتخصيصه ببعض الحاجات ليس بأولى من إرادة المرجوحية من
البأس.
والثاني عشر: بعدم الدلالة وإنما كان دالا لو قال: لكل ركعة سورة، مع
أن في دلالته أيضا خدشة.
والثالث عشر: بأن البدأة يمكن أن تكون بالنسبة إلى الركوع والسجود دون
السورة، مع أنه لو كانت بالنسبة إليها أيضا لما دل على وجوبها، ولذا يصح أن
يقال: إنما بدئ بالقراءة قبل القنوت لأجل الفلان.
والرابع عشر: باحتمال كرن الوجه لزوم التشريع، فإن الزيادة في المستحب
بدون التوقيف أيضا غير جائزة.
والخامس عشر: بأن تحريم العدول لا يوجب الاتمام، لاحتمال الترك،
فيجوز أن يكون نفس العدول عن سورة مستحبة حراما.
بل (2) لرواية يحيى بن أبي عمران - المنجبر ضعفها لو كان - بل صحيحته

(1) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 28، التهذيب 2: 147 / 576، الإستبصار 1:
310 / 1152، الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1 ح 1.
(2) عطف على قوله: لا للاجماعات المنقولة.... (في ص 90).
94

كما قيل (1): ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في
أم الكتاب فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها، فقال العباسي: ليس
بذلك بأس؟ فكتب بخطه: (يعيدها مرتين على رغم أنفه) العباسي (2).
ولولا وجوب السورة الكاملة لم يكن في ترك البسملة البأس - الذي هو
العذاب - كما قال العباسي فلم يكن وجه لرغم أنفه.
وتؤيده رواية عمر بن أبي شعبة في حكم من يصلي خلف من لا يقتدى به:
أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته، قال: (فأتم السورة ومجد الله وأثن
عليه حتى يفرغ) (3).
وجعلها مؤيدة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للسورة في غير الفاتحة.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (4)، ونهاية الشيخ (5)،
والديلمي (6)، والمعتبر والمنتهى (7) ومال إليه في المدارك والذخيرة (8)،
وجمع آخر من المتأخرين (9)، فلم يوجبوا إتمامها كما عن الأول، أو مطلقا
كالباقين، للصحيحين المصرحين بجواز أم الكتاب وحدها في الفريضة (10)،
والأخبار الدالة على جواز

(1) انظر: المنتهى 1: 272، وغنائم الأيام: 184.
(2) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 2، التهذيب 2: 69 / 25 وفيه: يحيى بن عمران،
الإستبصار 1: 311 / 1156، الوسائل 6: 87 أبواب القراءة ب 27 ح 3.
(3) التهذيب 3: 38 / 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.
(4) حكاه عنه في المختلف: 91.
(5) النهاية: 75.
(6) المراسم: 69.
(7) المعتبر 2: 173، المنتهى 1: 272.
(8) المدارك 3: 347، الذخيرة: 268.
(9) منهم الأفضل المقداد في التنقيح 1: 198، والمحقق السبزواري في
الكفاية: 18، والفيض في 1: 131.
(10) الأول: التهذيب 2: 71 / 259، الإستبصار 1: 314 / 1169،
الوسائل 6: 39 أبواب القراءة ب 2 ح 1.
الثاني: التهذيب 2: 71 / 260، الوسائل 6: 40 أبواب القراءة ب 2 ح 3.
95

تبعيض السورة في الصلاة أو الفريضة (1).
ويجاب عنها بكونها أعم مطلقا من دليل الوجوب، لاختصاصه بعدم
الاضطرار إجماعا وعمومها بالنسبة إليه، والخاص مقدم على العام قطعا.
مع أنهما لو تعارضا أيضا لكان الترجيح لدليل الوجوب، لمخالفته
للعامة (2)، وموافقته للشهرة العظيمة، بل كما قيل: الاجماع من القدماء (3)،
لتشويش كلام النهاية، وإيجاب الإسكافي بعض السورة، فلم يبق إلا الديلمي،
وهو واحد معروف لا يقدح خلافه في الاجماع. كما لا يقدح خلاف الإسكافي،
لكونه منفردا فيما ذهب إليه.
ومنه يظهر وجه آخر لرد الصحيحين، وهو: مخالفتهما لشهرة القدماء
المخرجة لهما عن الحجية.
ولرد دلالة أخبار التبعيض على [عدم] (4) وجوب السورة الكاملة، وهو:
توقف دلالتها عليه على عدم الفصل، وهو غير ثابت.
هذا، مضافا إلى ما في كثير من أخبار التبعيض من علام الدلالة على جواز
الاكتفاء بالبعض:
كصحيحة ابن يقطين (5)، لتضمنها للفظ الكراهة الأعم لغة من الحرمة.
وصحيحة سعد بن سعد (6)، لعدم نفيها لقراءة سورة أخرى زائدة على

(1) انظر: الوسائل 6: 46 أبواب القراءة ب 5. وسيشير المصنف (ره)
إلى بعض منها في الصفحة الآتية.
(2) انظر: الأم 1: 109، والمجموع 3: 388، والمغني 1: 568.
(3) انظر: الرياض 1: 159.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح العبارة.
(5) التهذيب 2: 296 / 1192، الإستبصار 1: 316 / 1178، الوسائل 6: 44
أبواب القراءة ب 4 ح 4.
(6) التهذيب 2: 295 / 1191، الإستبصار 1: 316 / 1177، الوسائل 6: 45 أبواب
القراءة ب 4 ح 6.
96

قراءة ما بقي من السورة الأولى. وأما تقريره عليه السلام على قراءة النصف في
الركعة الأولى فغير حجة في المقام، لأن حجيته إنما هي مع عدم المانع المنفي
بالأصل الغير الجاري هنا، لوجود مانع التقية.
وصحيحة عمر بن يزيد المقيدة لجواز التبعيض بما إذا زادت عن ثلاث
آيات (1)، لعدم صراحتها في إرادة البعض، بل ولا ظاهرة، لاحتمال إرادة قراءة
سورة واحدة في كل من الركعتين.
واستبعاده - من جهة أنه لو أريد ذلك لم تكن للتقييد بزيادتها على ثلاث
آيات فائدة - مردود بجواز كراهة التكرير حينئذ تعبدا، وعدم القول به مشترك
الورود.
مع أن روايات التبعيض تعارض بعضها بعضا من حيث الاطلاق والتقييد
بما إذا كانت ست آيات أو زائدة على ثلاث، وإن أمكن دفعه بمرجوحية المقيد منها
بعدم القائل، ورجحانه لتقييده لو كان به قائل.
فرع:
لا تجب قراءة السورة - مطلقة ولا معينة - شرعا في النوافل مطلقا ولو في
الرواتب، للأصل، والاجماع. ولا تحرم الزيادة من السورة فيها إجماعا وأصلا
ونصا (2).
ولكن يستحب مطلقها في مطلقها شرعا، إجماعا محققا ومنقولا (3).
ويجب ما وظف - من المطلقة أو المعينة الواحدة أو المتعددة - شرطا فيما وظف
فيه، للتوظيف. ومع ترك الموظف فيه يكون المأتي به فاسدا، لعدم انطباقه على
ذلك الأمر التوظيفي وهو ظاهر، ولا على غيره من المطلقات، لانتفاء القصد إليه.

(1) التهذيب 2: 71 / 262، الإستبصار 1: 315 / 1173، الوسائل 6: 47 أبواب
القراءة ب 6 ح 3.
(2) انظر: الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8.
(3) كما في الرياض 1: 163.
97

المسألة العاشرة: يجب تقديم الحمد على السورة، لموثقة سماعة: عن الرجل
يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب - إلى أن قال: - (ثم ليقرأها ما دام لم يركع،
فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات) (1).
ورواية محمد: عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال: (لا صلاة
له إلا أن يبدأ بها في جهر أو إخفات) (2).
وتؤيده رواية العلل والرضوي المتقدمتان (3)، وما ورد في بيان بدو الصلاة ليلة
المعراج من أمره سبحانه بالسورة بعد الأمر بالحمد (4)، إلى غير ذلك.
فلو عكس فإن كان عمدا ولم يقرأ سورة بعد الحمد حتى ركع بطلت الصلاة
قطعا.
ولو قرأها بعدها أيضا فالمحكي عن القواعد والمنتهى وشرح القواعد
والذكرى والدروس والبيان والمسالك (5) - بل كما قيل هو المشهور (6) - البطلان
أيضا، لتعلق النهي بالجز أو الوصف، وهو مفسد.
أما الثاني فظاهر.
وأما الأول فللأمر بقراءة الحمد مقدمة على السورة وتضادها قراءة السورة
قبله، أو للأمر بتقديم الحمد المضاد لتأخيره، والأمر بالشئ نهي عن ضده.

(1) التهذيب 2: 147 / 574، الإستبصار 1: 354 / 1340، الوسائل 6: 38 أبواب
القراءة ب 1 ح 2 و ص 89 أبواب القراءة ب 28 ح 2.
(2) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 28، التهذيب 2: 146 / 573، الإستبصار 1:
354 / 1339، الوسائل 6: 37 أبواب القراءة ب 1 ح 1.
(3) في ص 91 و 92.
(4) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312 / 1،
الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
(5) القواعد 1: 33، المنتهى 1: 272، جامع المقاصد 2: 255، الذكرى: 188،
الدروس 1: 171 البيان: 157، المسالك 1: 30.
(6) انظر: الحدائق 8: 124.
98

مع أن المستفاد من الروايتين الأوليين أيضا البطلان.
ويضعف الأول: بأن المأمور به هو تقديم الحمد على السورة التي تجب في
الصلاة - وهو يتحقق بقراءة سورة أخرى بعده - لا على مطلق السورة.
والثاني: بأنه لا شك في عدم بقاء الابتداء في الروايتين على معناه الحقيقي،
لتقدم التكبيرة ودعاء الافتتاح، على الحمد، وليس الابتداء عاما أو مطلقا حتى
يقتصر فيه على القدر الثابت، بل المراد الابتداء الإضافي، ويمكن كون المضاف
إليه السورة الواجبة في الصلاة.
وظاهر الشرائع وصريح المدارك الصحة (1)، للأصل.
وقيل بالأول مع اعتقاد كون السورة الأولى هي الواجبة، لكونه بدعة.
وبالثاني مع عدمه (2).
وفيه: أنه لا اعتقاد إلا مع دليل، ومعه لا بدعة.
والتحقيق: أنه يجب بناء المسألة على مسألة القران بين السورتين، فإن
حرمناه مطلقا بطلت الصلاة، وإلا فلا.
وإن كان سهوا ولم يتذكر حتى ركع صحت الصلاة، وإن تذكر قبله قرأ
سورة بعد الحمد، لبقاء وقتها.
وهل يعيد الحمد لو كان التذكر بعد قراءته؟.
ظاهر القواعد: نعم (3)، وصريح شرحه: لا (4)، وهو الأقوى للأصل.
وكذا في صورة العمد على القول بالصحة لو أراد إعادة السورة بعد الحمد
قبل قراءته. وكذا لو أرادها بعده مع قراءة الحمد بقصد القربة كمن لا يعلم
البطلان بالاخلال بالترتيب. وإن قرأه على وجه لا تتأتى فيه القربة فيعيده.

(1) الشرائع 1: 82، المدارك 3: 351.
(2) انظر: مجمع الفائدة 2: 219.
(3) القواعد 1: 33.
(4) جامع المقاصد 2: 255.
99

وأما على البطلان فيعاد جميع ما فعل من أجزاء الصلاة.
المسألة الحادية عشرة: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض سورة عزيمة على الأظهر
الأشهر، وعليه الاجماع عن الانتصار ونهاية الشيخ وخلافه والغنية وشرح القاضي
لجمل السيد ونهاية الفاضل وتذكرته (1)، ويظهر من شرح الإرشاد للأردبيلي (2)،
وصرح به بعض مشايخنا أيضا) (3).
بل الظاهر تحقق الاجماع لعدم نقل خلاف فيه من القدماء إلا من
الإسكافي (4). وكلامه ليس صريحا فيه، لاحتمال إرادته النسيان أو التقية، مع أنه
لو كان صريحا أيضا لم يقدح في الاجماع. فهو الحجة في المسألة.
لا غيره مما ذكروه كرواية زرارة: (لا تقرأ في المكتوبة بشئ من العزائم، فإن
السجود زيادة في المكتوبة) (5).
وموثقة سماعة: (من قرأ: (اقرأ باسم ربك) فإذا ختمه فليسجد، فإذا قام
فليقرأ فاتحة الكتاب ويركع) وقال: (إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزيك
الايماء والركوع، ولا تقرأ في الفريضة، اقرأ في التطوع) (6).
واستلزامه أحد الأمرين: إما الاخلال بالسجود، أو زيادة سجدة في
الصلاة، وكلاهما محذوران:

(1) الإنتصار: 43، النهاية: 77، الخلاف 1: 426، الغنية (الجوامع الفقهية): 558،
شرح الجمل: 86، نهاية الإحكام 1: 466، التذكرة 1: 116.
(2) مجمع الفائدة 2: 231 و 232.
(3) كصاحب الحدائق 8: 155، وصاحب الرياض 1: 160.
(4) حكاه عنه صاحب الرياض 1: 160.
(5) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 6، التهذيب 2: 96 / 361، الوسائل 6: 105
أبواب القراءة ب 40 ح 1.
(6) التهذيب 2: 292 / 1174، الإستبصار 1: 320 / 1191، الوسائل 6: 102 أبواب
القراءة ب 37 ح 2.
100

أما الأول، فلفورية السجود بالاجماع - على الظاهر - المصرح به في حملة من
كلمات الأصحاب (1)، والأخبار (2) حتى روايات المسألة الظاهرة في المخالفة،
لتضمنها الأمر بالسجود بعد الفراغ من الآية بلا فاصلة، ولولا الفورية لما كان له
وجه بالمرة.
وأما الثاني، فلما مر من الخبرين الدالين على بطلان الصلاة بالزيادة فيها في
بحث التكبيرة (3)، مع إشعار به في رواية زرارة، بل لعله إجماعي كما صرح به
بعض الأجلة (4).
لضعف (5) الأولين بعدم صراحتهما في النهي، لاحتمال كون الجملة خبرية.
وأما التعليل في أولاهما بزيادة السجدة فهو غير دال على الحرمة، لجواز أن يكون
تعليلا لمطلق المرجوحية ولو قلنا بكون الزيادة مطلقا محرمة، بأن يكون المراد أنه
تكره القراءة، لأن السجدة لها غير جائزة لكونها زيادة، فلم يبق إلا ترك السجدة
فورا وهي مكروهة.
والثالث بمنع كون الأمرين معا مسببين للقراءة، لترك السجدة مع عدم
قراءة العزيمة أيضا. وإنما هي سبب لحرمة ذلك الترك، والمسلم حرمة سبب
الحرام دون سبب الحرمة، إلا أن يقال: المحذور الأول هو الاخلال بالواجب،
وإن ملزوم الحرام مطلقا حرام ولو لم يكن سببا له.
مضافا إلى إمكان منع فورية السجدة، ومع الاجماع على الكلية حتى في
المسألة كما هو ظاهر المدارك (6) وإن ادعاه على الجملة، ولذا تترك في
الفريضة لو

(1) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 313، وصاحب المدارك 3: 421،
والبهبهاني في شح المفاتيح (المخطوط).
(2) الوسائل 6: 239 أبواب قراءة القرآن ب 42.
(3) راجع ص 18.
(4) الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 216.
(5) تعليل لقوله: لا غيره مما ذكروه....
(6) المدارك 3: 353.
101

قرأت العزيمة فيها للنسيان أو التقية فيومئ لها حتى يفرغ من الصلاة.
مع أنه لا خلاف في عدم الفورية مع المانع والضرورة، والمانع الشرعي
كالعقلي، ولذا تنتفي الفورية لو قرأت السجدة في مكان ينهى مالكه عن السجدة
فيه. فلو لم تجز هذه الزيادة في الفريضة لكان المانع الشرعي متحققا.
وأما الأخبار فعلى - الفورية الكلية قاصرة الدلالة، ولو سلمت فشمولها لمن
في الفريضة ليس إلا بالعموم، فيعارض - في حق من قرأ في الفريضة - مع أدلة
منع الزيادة في المكتوب، فيخصص بها أو يعكس، فيرتفع أحد المحذورين.
ولأجل ضعف هذه الأدلة يشعر كلام بعض من تأخر بالجواز (1)، لكونه
موافقا للأصل، المندفع بالاجماع. وبعض الأخبار (2)، الخارجة عن الحجية؟
للشذوذ. والقاصرة في الدلالة، لتضمن أكثرها للسؤال عن حكم من قرأها،
الدال على حكم المورد بالعموم الحاصل من ترك الاستفصال، المحتمل كونه
للتقية، لأن الجواز مذهب العامة (3) كما صرح به الجماعة ويستنبط من
الرواية (4).
فروع:
أ: لو قرأ سورة العزيمة تامة في الفريضة عمدا بطلت - للنهي الموجب للفساد -
إن اكتفى بها، وإلا فكذلك إن قلنا ببطلان الصلاة بالتكلم بغير ما ثبت جوازه،
كما هو الحق، وإن خصصناه بالتكلم بغير القرآن والدعاء مطلقا فلا تبطل إلا أن
أبطلناها بالقران.
وهل تبطل بمجرد الشروع فيها أم لا؟
الثابت من الاجماع - بل سائر الأدلة التي ذكروها - اختصاص التحريم بما

(1) كصاحب المدارك 3: 353، والفيض في المفاتيح 1: 132.
(2) الوسائل 6: 102 و 104 أبواب القراءة ب 37 و 39.
(3) بدائع الصنائع 1: 180، مغني المحتاج 1: 216.
(4) الوسائل 6: 102 و 103 أبوب القراءة ب 37 و 38.
102

إذا بلغ موضع السجدة.
ولكن على القول بوجوب السورة الكاملة وعدم جواز القران مطلقا يلزمه
أحد المحرمين إما القران، أو إتمام العزيمة. وملزوم الحرام حرام، فالحق على
ذلك البطلان.
وأما مع جواز القران بين سورة وبعض من أخرى فلا تبطل.
وتظهر الفائدة فيما لو حصل بعد الشروع وجه لجواز القراءة كالنسيان أو
التقية أو العدول إلى النافلة.
ب: لو قرأها سهوا فإن لم يتذكر حتى تمت صحت صلاته وإن لم يدخل الركوع
ولا يجب استئناف سورة غيرها، لصدق قراءة سورة غير منهي عنها، إذ لا نهي مع
السهو.
وقيل: يستأنف سورة أخرى ما لم يركع، لوجوب قراءة سورة غير العزيمة
قبل الركوع ولم يقرأها ولم يخرج وقتها ولم يحصل مسقط لها (1).
ويضعف بأن مطلقات قراءة السورة شاملة للعزيمة أيضا، خرجت هي
حال العمد بالدليل فيبقى الباقي.
وكذا لو تذكر بعد قراءة آية السجدة، لما عرفت من اختصاص الاجماع
وسائر الأدلة بتعمد قراءتها إلى موضع السجدة، فإذا وقعت قراءتها جائزة فلا منع
فيما بعدها.
ولو تذكر قبلها ففي وجوب العدول مطلقا، أو ما لم يتجاوز النصف، أو
عدم جوازه مطلقا، وجوه بل أقوال.
والتحقيق: أنه على ما ذكرنا من اختصاص حجة المنع بالاجماع المنفي في
المورد يتعين الاتمام مع التجاوز عن النصف وعدمه على القول بعدم جواز القران

(1) انظر: البيان: 163.
103

مطلقا، وفي صورة التجاوز خاصة على القول بجوازه بالعدول قبل التجاوز،
ويتخير بينه وبين العدول فيهما إن جوزنا العدول مطلقا.
وأما من يتمسك للمنع بغير الاجماع مما مر أيضا فإن لم يوجد للمنع عن
العدول مطلقا ألم مع التجاوز دليل - كما اعترف به بعضهم (1) - يتعين عنده
العدول، وإن وجد يتعارض الدليلان، فإن لم يكن لأحدهما ترجيح يحكم
بالتخيير.
ج: لا يسجد في الصلاة في صورة الصحة، بل يؤمن لها بعد قراءتها، ويسجد
بعد الصلاة.
أما الأول فلما دل على أنها زيادة، مع ما دل على أن مطلق الزيادة مبطل،
وأن إبطال الصلاة محرم.
ولا ينافيه وجوب السجدة، لعدم ثبوت فوريته حتى في المورد.
وأما بعض الأخبار (2) الآمرة بالسجود في الصلاة فخاصها ضعيف لا يصلح
للحجية، لعدم ثبوته من الأصول المعتبرة. وعامها محمول على النافلة، لتعارضها
مع ما مر من عمومات حرمة الزيادة، بل خصوص التعليل في رواية زرارة (3)،
حيث دل على أن زيادة السجدة في المكتوبة محرمة.
إلا أن يقال: إنه لا مرجح لتقديم العمومات الثانية، ويمنع دلالة التعليل
على الحرمة، فيرجع إلى التخيير بين السجدة وتركها إلى الفراغ. بحمل بعض ما
نهى عن السجدة مع إمام لا يسجد على التقية، مع أن في ذكر عدم سجدة الإمام
أو توصيفه بأنه لا يسجد إشارة إلى جوازها في المكتوبة.
فهو الأجود لو لم يثبت الاجماع على خلافه كما ادعاه فخر المحققين في

(1) كصاحب الحدائق 8: 159.
(2) انظر: الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37.
(3) المتقدمة في ص 100.
104

الإيضاح (1)، وحكي عن التنقيح أيضا (2).
وأما الثاني فلأنه مقتضى فحوى ما دل على وجوب الايماء إذا صلى مع إمام
لا يسجد كروايتي أبي بصير (3)، وسماعة (4)، إذا قلنا بتحريم السجدة.
وأما الثالث فلمطلقات وجوب السجدة الخالية عن دليل السقوط هنا.
المسألة الثانية عشرة: لا يجوز أن يقرأ في الفرائض سورة تفوت تمام وقت
فريضة أو بعضه، لأنه ملزوم للحرام.
وقيل: للحسن (5): (لا تقرأ في الفجر شيئا من الحم) (6). ولا وجه له عدا
تفويته الوقت، بل به وقع التصريح في الخبر: (من قرأ شيئا من الحم في صلاة
الفجر فاته الوقت) (7).
وفيه - مع عدم صراحة الأول في النهي وأنه لو كان للتفويت لما كان وجه
للتخصيص بال حم -: أنه لو كان نهيا أيضا لما كان على حقيقته إلا على التخصيص
ببعض الصور، ضرورة عدم الفوت لو صلى أول الوقت، وليس ذلك بأولى من
الحمل على الكراهة لفوات وقت الفضيلة، وعليه يحمل عموم الثاني وإلا يجب
تخصيصه أيضا.
ولا فرق فيما ذكرنا بين القول بوجوب السورة أو استحبابها، وجواز القران

(1) إيضاح الفوائد 1: 109.
(2) التنقيح 1: 199.
(3) الكافي: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291 / 1168، الإستبصار 1:
320 / 1192، الوسائل 6: 103 أبواب القراءة ب 38 ح 1.
(4) التهذيب 2: 292 / 1174، الإستبصار 1: 320 / 1191، الوسائل
6: 102 أبواب القراءة ب 37 ح 2.
(5) كما في الرياض 1: 160.
(6) التهذيب 3: 276 / 803، الوسائل 6: 111 أبواب القراءة ب 44 ح 2.
(7) التهذيب 2: 295 / 1189 وفيه: الحواميم، الوسائل 6: 111 أبواب القراءة ب
44 ح 1.
105

وعدمه، فالبناء عليه - كما قيل (1) - فاسد. نعم يصح البناء في الحكم بتحريم
الشروع فيها.
وإدراك ركعة في الوقت لا ينفي التحريم، إذ لا يجوز تأخير شئ من الصلاة
عن الوقت اختيارا، وأما إدراك الصلاة بإدراك الركعة في الوقت (2) فهو مع
الاضطرار.
والمحرم إنما هو إذا علم الفوات بقراءتها، لا إذا ظنه أو احتمله، للأصل،
وعدم العلم باللزوم.
وقيل بالتحريم مع الظن أو الاحتمال أيضا (3)، لعدم تأتي نية القربة، للتردد
بين الواجب والحرام.
وفيه: منع احتمال الحرمة، لأنها إنما هي مع العلم بالفوات بالقراءة لا
بالفوات بها واقعا، ولا علم هنا، فمن رأى مطلقات أوامر السورة ولم يعلم فوات
الوقت بسورة ولا حرمة ما يحتمله أو يوجب الظن به، يقرؤها قربة إلى الله
سبحانه.
ولو شرع في سورة بظن طول الوقت ثم تبين الضيق، فإن ضاق عن غيرها
أيضا يترك السورة مطلقا، إلا عدل إلى غيرها مما يسعه الوقت.
المسألة الثالثة عشرة: يجوز أن يقرأ في النوافل العزائم إجماعا محققا ومحكيا
مستفيضا (4)، وأصلا، ونصا عاما وخاصا (5).
ومن قرأها وبلغ موضع السجدة أو استمع ما يوجبها يجب عليه السجود،

(1) انظر: المدارك 3: 354، والذخيرة: 277، والحدائق 8: 126.
(2) انظر: الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.
(3) كما في شرح المفاتيح (المخطوط).
(4) كما في الخلاف 1: 430، والحدائق 8: 160، ونسب إلى المشهور في
البحار 82: 14.
(5) انظر: الوسائل 6: 105 أبواب القراءة ب 40.
106

للعمومات (1)، وخصوص الأمر به في موثقة سماعة المتقدمة (2)، وصحيحة الحلبي:
عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال: (يسجد ثم يقوم فيقرأ
فاتحة الكتاب ويركع ويسجد) (3).
وبه يخص ما دل على المنع من الزيادة في الصلاة إن لم نقل باختصاصه
بالمكتوبة، لكون موجبات هذه حينئذ بالنسبة إليها خاصة.
وقيل: يجوز السجود (4)، ولعله لخبر وهب: (إذا كان آخر السورة السجدة
أجزأك أن تركع بها) (5).
ويرد بعدم الدلالة، لجواز أن يكون المراد عدم وجوب الركوع بالفاتحة في
مقابل ما مر من الأمر بقراءتها حتى يركع بها.
ثم إذا سجد قام، للروايتين، ووجوب كون الركوع من القيام.
وأتم السورة إن شاء، إن كانت السجدة في الأثناء لعدم المانع. ولا يعيد
الفاتحة حينئذ، لعدم المقتضي.
وإن كانت في آخر السورة أعاد الفاتحة - للروايتين - استحبابا وفاقا لظاهر
الأكثر، لعدم دليل على الوجوب سوى ما قيل من ظاهر الأمر في الخبرين (6).
ويجاب عنه بأنه مجاز، لعدم تحقق حقيقته - التي هي الوجوب الشرعي في
المقام - إلا على القول بحرمة قطع النوافل، والوجوب الشرطي ليس بأولى من
الاستحباب، مع أن دلالة الصحيحة على الوجوب غير ثابتة، مضافا إلى أن ظاهر

(1) الوسائل 6: 107، 110، أبواب قراءة القرآن ب 42 و 43.
(2) قي ص 100.
(3) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 5، التهذيب 2: 291 / 1167، الإستبصار 1:
319 / 1189، الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 37 ح 1.
(4) كما في الخلاف 1: 430.
(5) التهذيب 2: 292 / 1173، الإستبصار 1: 319 / 1190، الوسائل
6: 102 أبواب القراءة
ب 37 ح 3.
(6) كما في الرياض 1: 165.
107

خبر وهب دال على عدم لزوم الفاتحة.
ولا يضيف إلى الحمد سورة أخرى أو آية، للأصل.
خلافا للمحكي عن الشيخ (1)، ولا أعرف مستنده.
المسألة الرابعة عشرة: لا يجوز القران بين السورتين في الفريضة على
الأظهر، وفاقا للصدوق في الفقيه والأمالي والهداية (2)، والسيد في الانتصار
والمسائل المصرية الثالثة (3)، والشيخ في التهذيب والنهاية والمبسوط
والخلاف (4)، والحلبي (5)، والتحرير والقواعد والارشاد والمختلف (6)، والشهيد
في الرسالة (7)، وأكثر مشايخنا، بل قال بعضهم: إنه الأشهر (8). بل عن الأمالي:
إنه من دين الإمامية، وفي الانتصار: دعوى الاجماع عليه (9).
للمروي في قرب الإسناد: عن رجل قرأ سورتين في ركعة، قال: (إن كانت
نافلة فلا بأس وأما الفريضة فلا تصلح) (10).
فإن المستفاد من قوله: (لا تصلح) الحرمة، مع أن التفصيل بين النافلة
والفريضة قاطع للشركة في حكم النافلة الذي هو انتفاء البأس، فيثبت البأس في
الفريضة.
ومنه تظهر دلالة مرسلة الصدوق عن الصادق عليه السلام في الهداية: (لا

(1) المبسوط 1: 114.
(2) الفقيه 1: 200، الأمالي: 512، الهداية: 31.
(3) الإنتصار: 44، المسائل المصرية (رسائل الشريف المرتضى 1): 220.
(4) التهذيب 2: 296، النهاية: 75، المبسوط 1: 107، الخلاف 1: 336.
(5) الكافي في الفقه: 118.
(6) التحرير 1: 39، القواعد 1: 32، الإرشاد 1: 253، المختلف: 93.
(7) الرسالة الألفية: 51.
(8) كما في الحدائق 8: 45، والرياض 1: 160.
(9) الأمالي: 512، الإنتصار: 44.
(10) قرب الإسناد: 202 / 778، الوسائل 6: 53 أبواب القراءة ب 8 ح 13.
108

تقرن بين السورتين في الفريضة، وأما في النافلة فلا بأس) (1).
بل رواية عمر بن يزيد: اقرأ سورتين في ركعة؟ قال: (نعم) قلت: أليس
يقال أعط لكل سورة حقها من الركوع والسجود؟ فقال: (ذلك في الفريضة وأما في
النافلة فلا بأس) (2).
وضعفها - لو كان - منجبر بما مر وبتأيدها بمؤيدات أخر، كصحيحتي
منصور ومحمد المتقدمتين في مسألة وجوب السورة (3).
وموثقة زرارة: عن الرجل يقرن بين سورتين في الركعة، فقال: (إن لكل
سورة حقا، فأعطها حقها من الركوع والسجود) (4).
والمروي في مستطرفات السرائر عن الباقر عليه السلام: (لا قران بين
سورتين في ركعة) (5).
والمروي في المعتبر والمنتهى عن جامع البزنطي، وفي المجمع عن العياشي
عن الصادق عليه السلام: (لا تجمع بين السورتين في ركعة إلا الضحى وألم نشرح،
والفيل ولايلاف) (6).
والرضوي: (ولا تجمع بين السورتين في الفريضة) (7).
والاستدلال بهذه غير جيد: أما الأولان فلما مر، وأما الثالث فلعدم كون
الأمر بالاعطاء فيه للوجوب إلا مع التخصيص بالفريضة ولا أولوية، وأما البواقي
فلعدم الصراحة في الحرمة كما ذكر غير مرة.

(1) الهداية: 31.
(2) التهذيب 2: 70 / 257، الإستبصار 1: 316 / 1179، الوسائل 6: 51 أبواب
القراءة ب 8 ح 5.
(3) راجع ص 91 - 92.
(4) التهذيب 2: 73 / 268، الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8 ح 3.
(5) مستطرفات السرائر: 73 / 12، الوسائل 6: 53 أبواب القراءة ب 8 ح 12.
(6) المعتبر 2: 188، المنتهى 1: 276، مجمع البيان 5: 544.
(7) فقه الرضا (ع): 125، مستدرك الوسائل 4: 163 أبواب القراءة ب 6 ح 5.
109

وعن الاستبصار (1)، وافي والمحقق (2)، وأكثر المتأخرين (3): الجواز،
واختاره في شرح القواعد والدروس والذكرى والبيان والمدارك (4)، وصريح المنتهى
وظاهر التذكرة التردد (5).
للأصل، وصحيحة ابن يقطين: (عن القران بين السورتين في المكتوبة
والنافلة، قال: (لا بأس) وعن تبعيض السورة، قال: (أكره ولا بأس) (6).
والمروي في المستطرفات: (لا تقرن بين سورتين في الفريضة فإن ذلك
أفضل) (7).
وموثقة زرارة: (إنما يكره أن يجمع بين السورتين في الفريضة، وأما في النافلة
فلا بأس) (8).
ويجاب عنها بمرجوحيتها عما مر بموافقتها للعامة، كما يظهر من
الانتصار (9)، وحكي عن البحار (10)، ونقله في التذكرة عن الشافعي (11).
مضافا إلى أن الثالثة على الجواز غير دالة، لأعمية الكراهة في اللغة عن
الحرمة.

(1) الإستبصار 1: 317.
(2) الحلي في السرائر 1: 220، المحقق في الشرائع 1: 82.
(3) نسب إليهم في الذخيرة: 273.
(4) جامع المقاصد 2: 248، الدروس 1: 173 الذكرى: 190، البيان:
158، المدارك 3: 354.
(5) المنتهى 1: 276، التذكرة 1: 116.
(6) التهذيب 2: 296 / 1192، الإستبصار 1: 316 / 1178، 317 / 1181، الوسائل
6: 52 أبواب القراءة ب 8 ح 9.
(7) مستطرفات السرائر: 73 / 8، الوسائل 6: 52 أبواب القراءة ب 8 ح 11.
(8) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 10، التهذيب 2: 72 / 267، الإستبصار 1:
317 / 1180، الوسائل 6: 50 أبواب القراءة ب 8 ح 2.
(9) الإنتصار: 44.
(10) البحار 82: 13.
(11) التذكرة 1: 116، ونقله عن الشافعي في عمدة القاري 6: 43.
110

فروع:
أ: لو قرن بطل، لأصالة بطلان الصلاة بالتكلم، خرج المباح من القرآن
والدعاء فيبقى الباقي.
ب: المحرم المبطل قراءة السورتين التامتين، لأن التامتين معنى السورتين،
ويؤيده بل يدل عليه عدم الخلاف في جواز القنوت ببعض الآيات - كما صرح به
جماعة (1)، وورد في قنوتات الأئمة سيما كلمات الفرج (2) - وفي جواز الاعلام
بالآيات، والعدول ما لم يتجاوز النصف، فلا منع في سورة وبعض غيرها.
والمتغايرتين، لأنه المتبادر من قراءة السورتين، فلا حظر في تكرار سورة
واحدة ولا الفاتحة.
ولا يرد في الموردين أنه الزيادة في المكتوبة وهي لها مبطلة، لعدم ثبوت كونهما
من الزيادة، لدخولهما في مطلقات القراءة الشاملة لغير ما أخرجه الأدلة، وهو
السورة التامة المغايرة، كما يظهر مما يأتي في معنى الزيادة في بحث خلل الصلاة.
ج: صرح جماعة - منهم فخر المحققين (3) - بأن المحظور هو القران بقصد
الجزئية للصلاة. والنص أعم منه، فالتقييد يحتاج إلى دليل، وليس
د: لا ريب في جواز القران في النوافل، وعليه اتفقت كلمة الأفاضل،
واستفاضت أخبار الأطايب (4).
ه‍: مقتضى أكثر الروايات حرمة قراءة السورتين سواء كانتا متصلتين أو

(1) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 2740، والمجلسي في البحار 82: 13.
(2) انظر: الوسائل 6: 274 أبواب القنوت ب 7.
(3) إيضاح الفوائد 1: 109.
(4) انظر: الوسائل 6: 50، أبواب القراءة ب 8.
111

أحدهما قبل الفاتحة والأخرى بعدها.
المسألة الخامسة عشرة: يجوز العدول من كل سورة غير الجحد والتوحيد
إلى أخرى ما لم يبلغ النصف، إجماعا، كما في شرح القواعد وشرح الإرشاد (1)،
للأصل، وصحيحة الحلبي: (من افتتح بسورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها
فلا بأس، إلا قل هو الله أحد ولا يرجع منها إلى غيرها، وكذلك قل يا أيها
الكافرون) (2).
والمروي في الدعائم عن الصادق عليه السلام: (من بدأ بالقراءة في الصلاة
بسورة ثم رأى أن يتركها ويأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة
الآخر (3) إلا أن يكون بدأ بقل هو الله أحد فإنه لا يقطعها، وكذلك سورة الجمعة
والمنافقين في الجمعة لا يقطعهما إلى غيرهما وإن بدأ بقل هو الله أحد قطعها ورجع
إلى سورة الجمعة والمنافقين يجزيه في صلاة الجمعة خاصة) (4).
وصحيحة عمرو بن أبي نصر: الرجل يقوم في الصلاة يريد أن يقرأ سورة
فقرأ قل هو الله أحد أو قل يا أيها الكافرون، فقال: (يرجع من كل سورة إلا قل
هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون) (5).
وهي، بعمومها شاملة لمن أراد سوره أولا وقرأ غيرها مع القصد والرجوع عن
الإرادة الأولى، فلا يرد أنه لعله لعدم قصد السورة في البسملة وغير ذلك مما يذكر
بعضه.

(1) جامع المقاصد 2: 279، مجمع الفائدة 2: 245.
(2) التهذيب 2: 190 / 753، الوسائل 6: 99 أبواب القراءة ب 35 ح 2.
(3) في الدعائم 33: (ما لم يبلغ نصف السورة)، وما في المتن موافق للنسخ
والمستدرك.
(4) دعائم الاسلام 1: 161، مستدرك الوسائل، 4: 200 أبواب القراءة ب 27 ح 1.
(5) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 25، التهذيب 2: 190 / 752،
الوسائل 6: 99 أبواب القراءة ب 35 ح 1.
112

ولا ينافيه قوله تعالى: (ولا تبطلوا أعمالكم) (1) لعدم كون ذلك إبطالا
للعمل وإن كان إخراجا لما قرأ عن الجزئية. ولا النهي عن القران بين السورتين،
لعدم كونه قرانا كما مر.
وكذلك إذا بلغ النصف ولم يتجاوز عنه، وفاقا للشيخين (2)، والمعتبر
والمنتهى والتذكرة والقواعد (3)، وجملة من الأصحاب، بل في الذخيرة والبحار: إنه
المشهور (4) لما ذكر من الأصل، والعمومات، وخصوص المروي في قرب الإسناد:
عن رجل أراد سورة فقرأ غيرها هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة
التي أراد؟ قال: (نعم ما لم يكن قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون) (5).
وفي مسائل علي عن أخيه عليه السلام مثل ما ذكر، إلا أن في السؤال:
هل يصلح له بعد أن يقرأ نصفها أن يرجع (6).
والمروي في الذكرى عن نوار البزنطي: في الرجل يريد أن يقرأ السورة
فيقرأ في أخرى، قال: (يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف).
وضعفها منجبر بالشهرة المحكية.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، والجعفي (8)، والفقيه ونهاية الأفضل
وروض الجنان (9)، وفي السرائر وشرح القواعد والدروس والذكرى (10)، بل في
الأخير نسبه إلى الأكثر، فمنعوه مع البلوغ إلى النصف.

(1) محمد: 33.
(2) المفيد في المقنعة: 147، الطوسي في النهاية. 77، المبسوط 1: 107.
(3) المعتبر 2: 191، المنتهى 1: 280، التذكرة 1: 116، القواعد 1: 33.
(4) الذخيرة: 280، البحار 82: 16.
(5) قرب الإسناد: 206 / 802، الوسائل 6: 100 أبواب القراءة ب 35 ح 3.
(6)، مسائل علي بن جعفر: 164 / 260.
(7) الذكرى: 195، الوسائل 6: 101، أبواب القراءة ب 36 ح 3.
(8) حكاه عنهما في الذكرى: 195.
(9) الفقيه 1: 201، نهاية الإحكام 1: 478، روض الجنان: 270.
(10) السرائر 1: 222، جامع المقاصد 2: 279، الدروس 1: 173، الذكرى: 195.
113

للنهي عن إبطال العمل فيقتصر فيه على مورد الاجماع. وقد عرفت ضعفه.
وللرضوي: (واقرأ في صلاتك كلها يوم الجمعة وليلة الجمعة سورة الجمعة
والمنافقين وسبح اسم ربك الأعلى، وإن نسيتها أو واحدة منها فلا إعادة عليك،
فإن ذكرتها من قبل أن تقرأ نصف سورة فارجع إلى سورة الجمعة، وإن لم تذكرها
إلا ما بعد قراءة نصف سورة فامض في صلاتك) (1).
ويضعف بالمعارضة مع ما مر فيرجع إلى الأصل.
مع أن ظاهر روايتي قرب الإسناد والمسائل الاختصاص بالنصف فيكون
أخص مطلقا من الرضوي، لشموله لبلوغ النصف وما بعده، مع أن المخرج فرد
نادر جدا يتأمل في شمول العموم له.
ولا يجوز العدول مع التجاوز عن النصف بالاجماع على الظاهر، وادعاه في
روض الجنان وشرح الإرشاد للأردبيلي (2)، للرضوي، ورواية الدعائم، المنجبرين
في المقام قطعا.
وأما موثقة عبيد: في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، فقال: (له
أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها) (3) فهي بالشذوذ مردودة.
خلافا لبعض مشايخنا الأخباريين، فجوز في حدائقه العدول مطلقا (4)،
للعمومات. ودفعها ظاهر مما مر.
هذا في غير سورتي التوحيد والجحد، وأما فيهما فلا يجوز العدول إلى غير
الجمعة والمنافقين ولو قبل النصف، بل متى شرع فيهما وجب إتمامهما، على
الأظهر، الموافق للشيخين، والسيد، والحلي، والفاضل - في غير المنتهى والتذكرة -

(1) فقه الرضا (ع): 130، مستدرك الوسائل 4: 223 أبواب القراءة ب 53 ح 1.
(2) روض الجنان: 270، مجمع الفائدة 2: 245.
(3) التهذيب 2: 293 / 1180، الوسائل 6: 101 أبواب القراءة ب 36 ح 2.
(4) الحدائق 8: 215.
114

والشهيدين (1)، بل للأكثر، وعليه الاجماع في الانتصار وشرح الإرشاد
للأردبيلي (2).
لصحيحة الحلبي المثبتة للبأس - الذي هو العذاب - في الرجوع عنهما (3)،
وروايتي قرب الإسناد والمسائل المنجبرتين، النافيتين لصلاحية العلول عنهما
المثبت للفساد.
ورواية الحلبي: (إذا افتتحت صلاتك بقل هو الله أحد وأنت تريد أن تقرأ
غيرها فامض فيها ولا ترجع، إلا أن تكون في يوم الجمعة فإنك ترجع إلى الجمعة
والمنافقين منها) (4).
ويؤيده غيرها مما سبق، كصحيحة عمرو ورواية الدعائم، أو لم يسبق
كموثقة عبيد (5). وإنما لم نجعلها دالة لاحتمالها نفي إباحة الرجوع، الغير
المنافية للكراهة.
خلافا للمحكي عن المعتبر، فكره العدول عنهما قبل النصف (6)، وظاهر
المنتهى والتذكرة والذخيرة التوقف (7)، لقوله سبحانه: (فاقرؤوا ما تيسر) (8)
وضعفه ظاهر. ولضعف دلالة الروايات على التحريم، وهو ممنوع.
وأما إلى الجمعة والمنافقين فيجوز العدول عنهما على الحق المشهور، وفي

(1) المفيد المقنعة: 147، الطوسي في النهاية: 77، السيد في الانتصار
: 44، الحلي في السرائر 1: 221، الفاضل في نهاية الإحكام 1: 478، الإرشاد
1: 254، الشهيد الأولى في البيان: 157، والذكرى: 195، الشهيد الثاني في روض
الجنان: 270.
(2) الإنتصار: 44، مجمع الفائدة 2: 245.
(3) المقدمة في ص 112.
(4) التهذيب 3: 242 / 650، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69 ح 2.
(5) صدرها: عن رجل أراد أن يقرأ في سورة فأخذ في أخرى، قال: (فليرجع إلى
السورة الأولى إلا أن يقرأ ب قل هو الله أحد) وسيأتي ذيلها. انظر: الرقم (2) من
الصفحة الآتية.
(6) المعتبر 2: 191.
(7) المنتهى: 280، التذكرة 1: 116، الذخيرة: 280.
(8) المزمل: 20.
115

شرح الإرشاد عدم الخلاف فيه (1)، لرواية الدعائم ورواية الحلبي المقدمتين،
وموثقة عبيد: رجل صلى الجمعة وأراد أن يقرأ سورة الجمعة فقرأ قل هو الله أحد،
قال: (يعود إلى سورة الجمعة) (2).
وصحيحة محمد: الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل
هو الله أحد، قال: (يرجع إلى سورة الجمعة) (3).
والمروي في قرب الإسناد والمسائل: عن القراءة في الجمعة ما يقرأ؟ قال:
(سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون، وإن أخذت في غيرهما وإن كان قل هو الله
أحد فاقطعها من أولها وارجع إليهما) (4).
في يوم الجمعة مطلقا أي في صلاة الصبح أو الجمعة أو الظهرين، لرواية
الحلبي. لون ليلتها، لعدم الدليل.
سواء كان قراءة الجحد والتوحيد سهوا أو عمدا، وفاقا للحدائق (5)،
والأردبيلي (6)، بل الأكثر كما في الحدائق، لاطلاق روايتي الدعائم وقرب الإسناد،
بل سائر الروايات، لأن إرادة قراءة الجمعة أولا لا تستلزم كون قراءة التوحيد
سهوا، لجواز تغير القصد.
إن لم يتجاوز النصف، وفاقا لظاهر المشهور كما في الحدائق (7) ومحتمل
الاجماع كما في شرح الإرشاد لتعارض مطلقات جواز العدول عنهما إليهما مع ما
دل على المنع مع التجاوز مطلقا بالعموم من وجه ولا مرجح، فتبقى مطلقات منع

(1) مجمع الفائدة 2: 246.
(2) التهذيب 3: 242 / 651، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69 ح 3.
(3) الكافي 3: 426 الصلاة ب 76 ح 6، التهذيب 3: 242 / 652، الوسائل 6: 152
أبواب القراءة ب 69 ح 1.
(4) قرب الإسناد: 214 / 839، الوسائل 6: 153 أبواب القراءة ب 69 ح 4، مسائل علي
بن جعفر: 245 / 580.
(5) الحدائق 8: 220.
(6) مجمع الفائدة 2: 247.
(7) الحدائق 8: 218.
116

العدول عنهما بلا مخصص يقيني.
وقد يستدل أيضا بالجمع بين مطلقات التجويز وصحيحة ابن صبيح (1).
وفيه نظر من وجوه.
خلافا في الأول للشرائع في بحث صلاة الجمعة، فلم يجوز العدول عنهما
مطلقا (2)، وهو ظاهر الانتصار (3) والمحكي عن الإسكافي (4)، ولعله لاطلاق
روايات المنع.
ويجاب بوجوب حمل المطلق على المقيد.
وللحدائق، فلم يجوزه في الجحد، لاختصاص روايات التجويز
بالتوحيد (5).
ويجاب بعدم القول بالفصل، وعموم الرضوي ورواية قرب الإسناد
المنجبرتين في المقام بالشهرة التي حكاها هو، وعدم الخلات المحكي كما مر،
فيعارض عمومات المنع بالعموم من وجه، ويرجع في المورد إلى الأصل.
وفي الثاني لنهاية الشيخ (6)، والمحقق (7)، والسرائر والتذكرة والمنتهى وشرح
القواعد (8)، فخصوه بصلاة الجمعة وظهرها - وتخصيص بعضهم الظهر بالذكر
لاطلاقه على الجمعة - لاختصاص الأدلة بصلاة الجمعة الشاملة للظهر أيضا،
وحمل يوم الجمعة في رواية الحلبي عليها.

(1) التهذيب 3: 8 / 22، الإستبصار 1: 415 / 1589، الوسائل 6: 159
أبواب القراءة ب 72 ح 2.
(2) الشرائع 1: 99.
(3) الإنتصار: 44.
(4) حكاه عنه في الذكرى: 195.
(5) الحدائق 8: 218.
(6) النهاية: 77.
(7) لا يوجد في كتب المحقق الموجودة ولكن نسبه إليه صاحب الحدائق 8: 221.
(8) السرائر 1: 297، التذكرة 1: 115، المنتهى 1: 280، جامع المقاصد 2: 280.
117

وفي الشمول منع، وفي الحمل تحكم.
وللروض، فخصه بهما وبالعصر (1)، وللجعفي، فأثبته في صلاة الجمعة
والصبح والعشاء (2)، وأطلق طائفة - منهم: القواعد والدروس (3) - جواز العدول
منهما إليهما من غير تعيين، وكأن دليل هؤلاء كون تجويز العدول إليهما لأفضليتهما
فيدور مدار استحبابهما، وكل يقول باستحبابهما فيما ذكر.
وفي المقدمتين نظر.
وفي الثالث للثانيين (4)، فخصا جواز العدول بكون قراءة الجحد والتوحيد
سهوا، لدلالة إرادة قراءة الجمعة أو المنافقين ن - كما في الروايات - على ذلك
وقد عرفت جوابه.
وفي الرابع لظاهر السرائر ونهاية الشيخ، فقيدا بعدم بلوغ النصف (5)،
ودليلهما وجوابه يظهر مما سبق.
ولمستقرب شرح الإرشاد (6)، ومحتمل الحدائق، فجوزا العدول مطلقا،
للمطلقات (7). وجوابه ظاهر.
فروع:
أ: لا شك في حساب البسملة من النصف، لكونها جزءا من السورة.

(1) روض الجنان: 270.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 190.
(3) القواعد 1: 34، الدروس 1: 11.
(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 280، الشهيد الثاني في روض الجنان: 270.
(5) السرائر 1: 297، النهاية: 77.
(6) مجمع الفائدة 2: 244.
(7) الحدائق 8: 215.
118

ب: لا شك في وجوب إعادة البسملة ثانيا للسورة المعدول إليها لو تخلل
بينهما ما يرفع الموالاة المعتبرة، كان يعدل في أواخر سورة البقرة مثلا.
والظاهر أنه لا كلام أيضا في عدم وجوب إعادتها مع بقاء الموالاة وقراءتها
أولا بقصد السورة المعدول إليها وقراءة المعدول عنها سهوا.
وإنما الكلام فيما إذا قرأها لا بقصد سورة معينة، أو بقصد المعدول عنها.
والظاهر وجوب الإعادة، لصيرورتها - بتعقبها المعدول عنها على الأول، وبه
وبالقصد على الثاني - جزءا له، - فلو لم يعدها لم يقرأ المعدول إليها كاملة.
ج: لو قرأ بعض سورة ونسي الباقي منها، أو نسي آية من أثنائها يجوز
العدول عنها إلى غيرها قبل تجاوز النصف في غير الجحد والتوحيد قطعا.
وهل يجوز بعد النصف وفي السورتين أيضا؟
الظاهر: نعم: لأن الظاهر من الأخبار المانعة عن الرجوع إرادة الاتمام
الغير الممكن في المقام، بل صدق الرجوع على ذلك وشمول إطلاقه له محل كلام،
فيبقى الأصل خاليا عن المعارض.
مع أن حجية أخبار المنع عن العدول بعد النصف كانت بواسطة الانجبار
الغير المعلوم في المورد.
وهل ذلك على الوجوب، أو يجوز الاكتفاء بما علم من السورة؟
يحتمل الأمران:
من جهة وجوب السورة الكاملة المتوقفة على العدول.
ومن جهة عدم شمول ما ذكرنا من دليل وجوب السورة الكاملة بل جميع
أدلته لمثل المورد.
مضافا إلى رواية ابن وهب. أقرأ سورة فأسهو فأنتبه في آخرها، فارجع إلى
119

أول السورة أو أمضي؟ قال: (بل امض) (1).
فإنها شاملة لما إذا تركت آية منها سهوا، فإذا جاز الاكتفاء ببعض السورة
حينئذ جاز فيما نحن فيه أيضا، لعدم الفرق.
والثاني أظهر، والأول أحوط.
ولو غلط في كلمة أو حرف أو آية، بمعنى أنه يتردد فيه أنه هل هو على هذا
النحو أو هذا، أو تردد في وجود كلمة وعدمها، ففي وجوب تكرار المحتملات،
أو التخيير بينها، أو العدول، أو قراءة الباقي من السورة وترك مكان الغلط،
احتمالات.
أظهرها: التخيير بين الأخيرين، فإن شاء يقرأ الباقي، وإن شاء يعدل، لما
مر، مضافا إلى صحيحة زرارة: رجل قرأ سورة في ركعة فغلط أيدع المكان الذي
غلط فيه ويمضي في قراءته أو يدع تلك السورة ويتحول عنها إلى غيرها؟ فقال:
(كل ذلك لا بأس به) (2).
ولا تنافيه صحيحة ابن عمار: (من غلط في سورة فليقرأ قل هو الله أحد ثم
يركع) (3).
لأن الأمر فيها ليس للوجوب قطعا، لعدم تعين التوحيد بالاجماع.
هذا مع منافاة الاحتمالين الأولين لأصالة عدم جواز التكلم في الصلاة إلا
بما علم جوازه.
والأحوط العدول أيضا سيما في غير الجحد والتوحيد قبل تجاوز النصف.
د: لا شك في عموم الحكم بجواز العدول - فيما يجوز - للفرائض والنوافل،
وهل يعمهما الحكم بعدم جوازه فيما لا يجوز، أم يختص بالفريضة؟

(1) التهذيب 2: 351 / 1458، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة ب 32 ح 1.
(2) التهذيب 2: 293 / 1181، الوسائل 6: 100 أبواب القراءة ب 36 ح 1.
(3) التهذيب 2: 295 / 1187، الوسائل 6: 110، أبواب القراءة ب 43 ح 1.
120

ظاهر الشيخ في النهاية بل صريحه: الثاني (1)، ونسب إلى ظاهر الأصحاب
من جهة إيرادهم الحكم في طي أحكام الفرائض (2).
وقد يحتاط بالمنع في النوافل، وهو كذلك إلا أنه غير الفتوى.
والظاهر فيها المنع على القول بتحريم قطع النوافل، لعموم الأخبار
المتقدمة. والجواز على القول بجوازه، لأن دلالة أخبار المنع بعد التجاوز عن
النصف وفي الجحد والتوحيد إنما ير من حيث الأمر بالامضاء في الصلاة أو إثبات
البأس في الرجوع ونحوهما مما يتوقف ثبوته في النوافل على عدم جواز قطعها،
فتأمل.
ه‍: لو قرأ البسملة بقصد الجحد أو التوحيد لا يجوز الرجوع، لصدق
الشروع، لاختصاص الأجزاء المشتركة بين أمور بأحدها مع قصده عرفا، فإن من
كتب البسملة والحمد لله رب العالمين بقصد كتابة القرآن يصدق أنه شرع فيها مع
اشتراك كتب كثيرة معه فيهما، وكذلك في الامساك بقصد الصوم، وغسل العضو
بقصد الوضوء أو الغسل، وغير ذلك.
و: العدول المحرم فيما زاد على النصف أو من الجحد أو التوحيد إنما هو إذا
شرع في السورة بقصد الجزئية للصلاة. وأما لو قرأها لا بذلك القصد فيجوز الترك
والشروع إلى الغير مطلقا، للأصل، واختصاص الروايات - كما يشهد به قرينة
المقام، ولفظ الرجوع، وسياق الكلام - بسورة الصلاة.
ز: لو عدل إلى ما لا يجوز تبطل الصلاة، لأن العدول ليس إلا قراءة المعدول

(1) قال الوحيد البهبهاني (ره) في شرح المفاتيح: بل في النهاية صرح
بذلك حيث قال (ص 77): وإذا قرأ الانسان في الفريضة سورة بعد الحمد وأراد
الانتقال إلى غيرها جاز ذلك ما لم يتجاوز نصفها،
إلا سورة الكافرين والاخلاص، فإنه لا ينتقل عنهما إلا في صلاة الظهر يوم الجمعة.
(2) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).
121

إليها، فيكون منهيا عنها، فيكون النهي متعلقا بالجزء للصلاة، وهو مفسد.
المسألة السادسة عشرة: المشهور بين متأخري أصحابنا - كما قيل (1) -
وجوب قصد السورة المعينة في الصلاة قبل البسملة.
لتوقف البراءة اليقينية عليه.
ولوجوب قراءة السورة الكاملة وعدم صيرورة البسملة جزءا منها في نفس
الأمر إلا بقصد كونها منها، لبطلان التخصيص بلا مخصص.
ولأن المتبادر مما دل على قراءة السورة أن يقرأ جميع كلماتها المشتركة بقصد
كونها منها.
ولأنه كما يتوقف تحقق الامتثال على قصد القربة يتوقف على قصد التعيين
أيضا، ولذا لو قرأ (الحمد لله رب العالمين) لا بقصد قراءة الحمد بل من غير قصد
أو بقصد الشكر لله سبحانه، لم يعد ممتثلا للأمر بقراءة الفاتحة للصلاة ولو ضم
بعدها سائر الآيات.
ولأن المأمور به قراءة سورة معينة، ولا تتعين إلا بتعيين جميع أجزائها لها،
ولا تتعين أجزاؤها المشتركة في الواقع ونفس الأمر إلا بقصد كونها منها.
ويرد على الأول: أن ما علم الشغل به وهو قراءة سورة مع بسملة فقد علم
الاتيان به، وما لم يعلم البراءة عنه لم يعلم الشغل به أيضا.
وعلى الثاني: منع توقف صيرورتها جزءا من سورة مخصوصة على القصد،
بل يتحقق بما يعقبها أيضا من المميزات أي تتمة السورة.
ألا ترى أنه لو أمر المولى عبده بكتابة سورتي التوحيد والفاتحة وعين لكل
منهما أجرا فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، مترددا في أن يبدأ بأي من السورتين،

(1) انظر: الحدائق 8: 228.
122

ثم ظهر له أن يبدأ بكتابة التوحيد، بل ولو أراد حين كتابة البسملة أن يبدأ بالفاتحة
ثم بدأ له الابتداء بالتوحيد فكتبه، يعد ممتثلا عرفا ويقال: كتب تمام التوحيد،
ويستحق الأجر المعين. ولو عاقبه مولاه ولم يعطه الأجر معتذرا بأنه لم يكتب السورة
الكاملة، لعدم تعين السورة في قصده عند كتابة البسملة، يلام ويقبح.
وكذا لو أمره بقراءة السورتين فقرأهما يستحق الأجر، ولا يتأمل في أنه هل
كان قاصدا قبل البسملة لتعيين السورة حتى تكون السورة كاملة أم لا، بل
وكذلك لو علم عدم التعيين قبلها كما إذا قرأ البسملة ثم قال لمولاه: بأيتهما أبدا؟
وهذا أمر ظاهر جدا، نعم لما كان يتوقف صدق الامتثال على قصد الإطاعة فلو
قرأ البسملة أولا بقصد آخر غي إطاعة أمر المولى لم يكن كافيا، لذلك.
والتوضيح: أن وجود السورة إما وجود كتبي، وهو صورتها المرقومة، أو
قولي، وهو السورة المقروءة، أو ذهني، وهو صورتها الذهنية، وليس لها وعاء واقع
ونفس أمر سوى أحد الثلاثة، ولا أفهم لجزئية البسملة لها في أحد هذه الأوعية
معنى إلا ضمها مع سائر أجزائها. في ذلك الوعاء، فإذا كانت معها تكون السورة
كاملة والبسملة لها جزءا كائنا ما كان قصد الكاتب أو القارئ أو المتصور.
نعم لو تعلق أمر بالكتابة أو لقراءة يجب قصد الإطاعة في كتابة البسملة
أو قراءتها في صدق الامتثال لا في جزئية البسملة للسورة، فإنه لو قصد المصلى في
قراءة آية من الفاتحة الرياء تبطل صلاته، لا لعدم قراءة الفاتحة الكاملة،
بل لعدم قصد القربة في جميع أجزائها.
وعلى الثالث: منع التبادر المذكور جدا، بل لا يخطر ببال السامع قصد
المأمور أصلا.
وعلى الرابع: منع توقف تحقق الامتثال على قصد التعيين أبدا، ومنع عدم
امتثال القارئ لآية الحمد من غير قصد الفاتحة إذا قصد القربة كما إذا تردد
بينها وبين غيرها ثم عزم عليها، وأما عدم امتثال من قصد بها الشكر فهو لأجل قصد
الغير لا عدم قصد الفاتحة، وهو أمر آخر يأتي.
123

وعلى الخامس: منع علم تعين السورة إلا بتعين جميع أجزائها لها إن أريد
تعين حل جزء قبل قراءته أو حينها، بل يكفي تعينه بعدها أيضا، ومنع عدم تعين
الأجزاء المشتركة إلا بالقصد إن أريد مطلق التعين، بل يتعين بما يتعقب له.
ولضعف هذه الأدلة ذهب جماعة من الأجلة من متأخري متأخري الفرقة
إلى عدم لزوم القصد (1). وهو الحق، للأصل، وصدق الامتثال.
وهل يجب عدم قصد سورة أخرى غير ما قرأها حتى لو قصد بالبسملة
سورة وقرأ غيرها عمدا وجب الرجوع إلى الأولى أو البسملة ثانيا قبل الركوع وبطل
بعده، أم لا؟
الظاهر: نعم إذ لا شك في تخصيص المشتركات وتميزها بالنيات كما مر في
بحث نية الصلاة ولذا ترى أنه لو كتب أحد البسملة بقصد سورة يقال: أنه
شرع في كتابة السورة، فمع قراءة البسملة بقصد سورة تكون جزءا منها، فلو قرأ
غيرها بلون البسملة كان قارئا لبعضها. وتعقب المميز هنا يعارض القصد فلا
يفيد.
مع أنه بقصد السورة الأولى صارت جزءا منها فيستصحب حتى علم
خروجه عن هذه الجزئية وصيرورته جزءا لأخرى، وذلك مع ممانعة القصد غير
معلوم، فيكون قارئا لبعض كل من السورتين لا لسورة تامة.
ولكن ذلك إذا دخل البسملة بقصد السورة المعينة، أما لو أراد قبل الشروع
فيها قراءة سورة، ثم ذهل عن هذا القصد حتى دخل البسملة بلا قصد فلا ضير فيه.
ثم إنه لا ينافي ما ذكرناه من الحكمين شيئا من الأخبار الواردة في هذا
المضمار، كما لا يخفى على من تأمل فيها.

(1) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 248، وصاحب الحدائق 8: 228.
124

المسألة السابعة عشرة. صرح جماعة بوجوب الموالاة في القراءة (1)، وأريد بها
قراءة الحمد والسورة متتالية الكلمات والآيات.
فإن أرادوا التتالي الحقيقي فلا دليل عليه، والأصل ينفي وجوبه.
وإن أرادوا ضربا من التوالي العرفي فهو كذلك، لا للتأسي أو أصل
الاشتغال، لضعفهما في المقام كما عرفت مرارا. بل لأنه المتبادر من قراءة الحمد
والسورة.
والتوضيح: أنه أمر بقراءتهما والواجب الاتيان بالمأمور به، والمفهوم عرفا من
قراءة سورة قراءتها مع نوع توال عرفا بمعنى أنه المتبادر من التركيب، فلو أخل
بها لم يأت بالمأمور به، ولذا لو نذر أن يقرأ الحمد مثلا لا يمتثل بقراءة كل يوم
بل ساعة آية منها.
ثم الاخلال بها تارة يكون بقراءة شئ آخر في خلالها، وأخرى بالسكوت.
والأول: إما يكون بمزج كلمات أخرى بين كلمات الحمد مثلا بحيث يفهم
الارتباط ويتوهم السامع الجزئية والاتحاد، كان يقول: الحمد والشكر لله رب
العالمين، الرحمن المنان الكريم الرحيم، مالك يوم الحشر والجزاء والدين،
إياك نعبد وعليك نتوكل وإياك نستعين، اهدنا الطريق القويم والصراط
المستقيم، وهكذا.
أو بدون المزج، كان يتول بعد مالك يوم الدين: جل جلاله.
فإن كان من الأول تبطل به القراءة قطعا ولو كان بكلمة، لا للاخلال
بالموالاة الواجبة، بل لأن المقروء يخرج عن كونه حمدا، فهو المخل بكونه حمدا مثلا
دون قراءته.
لأن كان من الثاني، فإن زاد المتخلل بحيث يخل بالمعنى المنصرف إليه الأمر
بقراءة الحمد عرفا بطلت القراءة، وإلا لم تبطل. فلا تبطل بتخلل كلمة أو كلمتين

(1) منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 463، والشهيد في الذكرى: 188،
والفيض في المفاتيح 1: 129.
125

أو ثلاث أو فقرة دعاء أو آية، إلا أن يتكرر بحيث يخرج الحمد مثلا عن كونه حمدا
عرفا.
وإن كان من الثالث فهو أيضا كالثاني، والظاهر عدم الخروج به عن المعنى
المفهوم عرفا إلا بوصوله حد السكوت الطويل المبطل للصلاة أيضا، وسيجئ
بيانه في بحث المبطلات.
ثم مع الاخلال فإن كان بالسكوت تبطل الصلاة، لأن غير المبطل لها لا
يبطل القراءة أيضا.
وإن كان بغيره فقبل الركوع يستأنف القراءة - عمدا كان أو سهوا -
لوجوب الامتثال وبقاء المحل. ولا تبطل الصلاة مطلقا، للأصل. إلا إذا كان
المتخلل غير القرآن والدعاء.
وقيل بالبطلان مع العمد (1)، للنهي المستلزم للفساد، أو لعدم ثبوت جواز
مطلق القرآن والدعاء.
ويضعف الأول بانتفاء النهي، والأمر بالموالاة نهي عن تركها مطلقا لا في
الجملة. والثاني بما يأتي في محله.
المسألة الثامنة عشرة: (والضحى) و (ألم نشرح) سورة واحدة، وكذا
(الفيل) و (لإيلاف)، على الأظهر الموافق للصدوق في اعتقاداته والأمالي
والفقيه (2)، والانتصار (3)، بل السيد مطلقا كما نقلوه (4)، والمفيد (5)، والشيخ
في

(1) كما في المختصر النافع: 30.
(2) أمالي الصدوق: 512، الفقيه 1: 205.
(3) الإنتصار: 44.
(4) حكاه المحقق في المعتبر 2: 187، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع
1: 203، وصاحب الحدائق 8: 202.
(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 187.
126

النهاية والتهذيب والاستبصار (1)، بل مطلقا كما ذكروه (2)، والنافع والشرائع و
نهاية الفاضل وتحريره وتذكرته (3)، بل هو الأشهر كما صرح به جمع ممن تأخر (4)،
بل في الاعتقادات والانتصار والتهذيب والثلاثة الأخيرة الاجماع عليه، وفي الأمالي
نسبته إلى دين الإمامية (5)، وفي الاستبصار إلى آل محمد صلى الله عليه وآله (6).
للنصوص المستفيضة المنجبر ضعفها بما مر:
منها: الرضوي: (لا تقرأ في الفريضة الضحى وألم نشرح، وكذا ألم تر كيف
ولايلاف) إلى أن قال: (لأنه روي أن الضحى وألم نشرح سورة واحدة، وكذلك
ألم تر كيف ولايلاف سورة واحدة) إلى أن قال: (فإذا أردت قراءة بعض هذه
السور فاقرأ والضحى وألم نشرح ولا تفصل بينهما، وكذلك ألم تر كيف
ولايلاف (7).
ومرسلة الصدوق المروية في الهداية: (وموسع عليك أي سورة قرأت في
قراءة فرائضك إلا أربع وهي: والضحى وألم نشرح في ركعة، لأنهما جميعا سورة
واحدة، ولايلاف وألم تر كيف في ركعة، لأنهما جميعا سورة واحدة، ولا تنفرد
بواحدة من هذه الأربع السور في ركعة مريضة) (8).
والمروي في المجمع والشرائع مرسلا: (إن الضحى وألم نشرح سورة

(1) النهاية: 78، التهذيب 2: 72، الإستبصار 1: 317.
(2) انظر: المنتهى 1: 276، والتنقيح الرائع 1: 203، والحدائق 8: 202.
(3) المختصر النافع: 31، الشرائع 1: 83، نهاية الإحكام 1: 468،
التحرير 1: 39، التذكرة 1: 115
(4) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 269، والروضة البهية 1: 269،
والمحقق السبزواري في الذخيرة: 279.
(5) أمالي الصدوق: 510.
(6) الإستبصار 1: 317.
(7) فقه الرضا (ع): 112، مستدرك الرسائل 4: 164 أبواب القراءة ب 7 ح 3.
(8) الهداية: 31، البحار 82: 45 / 34.
127

واحدة، وكذا سورة ألم تر كيف ولايلاف) (1).
وفي تفسير العياشي عن أحدهما عليهما السلام: (ألم تر كيف ولايلاف
سورة واحدة) قال: (وروي أن أبي بن كعب لم يفصل بينهما في مصحفه) (2).
وفي كتاب القراءة لأحمد بن عمد بن سيار بسندين عن مولانا الصاق عليه
السلام أنه قال: (الضحى وألم نشرح سورة واحدة) و (ألم تر ولايلاف سورة
واحدة) (3).
وتؤيدهما صحيحة الشحام: صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرأ
الضحى وألم نشرح في ركعة (4).
وجعلها دليلا على الوحدة - باعتبار أنه لولاها لزم تخصيص أخبار النهي عن
القران والأصل عدمه - مردود بأن الوحدة أيضا مستلزمة للنقل في لفظ السورة
المستعملة في هذه الأربع، إذ لا تكون الواحدة منها سورة، مع أنها يصدق عليها
سورة الضحى حقيقة، للتبادر. والأصل عدم النقل أيضا.
وعلى هذا فتجوز قراءتهما معا في ركعة من فريضة ولا يجوز الاكتفاء بواحدة
منها، لأن أصالة هذين الحكمين مقتضى الحكم الأول وهو الوحدة، مع دلالة
الروايتين الأوليين عليهما، والأخيرة على أولهما، حيث إن الصلاة كانت فريضة
بقرينة قوله: (صلى بنا).

(1) مجمع البيان 5: 507، 1: 83، الوسائل 6: 55، 56 أبواب القراءة ب
10 ح 4 و 9.
(2) الموجود بأيدينا من تفسير العياشي من أول القرآن إلى سورة الكهف، وقد
رويت هذه الرواية عن العياشي في مجمع البيان ج 10 / 544. والظاهر أن قوله
: وروى أن أبي بن كعب... من
المجمع لا من تفسير العياشي، فهي رواية مستقلة، وقد رواهما في الوسائل هل 6: 55
أبواب القراءة ب 10 ح 6 و 7 عن مجمع البيان.
(3) مستدرك الوسائل، 4: 163 أبواب القراءة ب 7 ح 1 و 2.
(4) التهذيب 2: 72 / 266، الإستبصار 1: 317 / 1182، الوسائل 6: 54
أبواب القراءة ب 10 ح 1.
128

خلافا لجماعة من المتأخرين (1) في الأول، فمنعوا الوحدة تمسكا - بعد
تضعيف غير الصحيحة من الروايات ومنع دلالتها إلا على جواز الجمع وهو أعم
من الوحدة - بأصالة عدم النقل التي سبق ذكرها.
وتواتر اثنينيتهما في المصاحف.
ورواية المفضل المتقدمة في مسألة القران (2)، حيث إن الأصل في الاستثناء
الاتصال.
وصحيحة الشحام: صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام فقرأ في الأولى
والضحى، وفي الثانية ألم نشرح (3).
ويرد الأول - بعد الجواب عن الضعف بالانجبار بما سبق - باندفاع الأصل
بما ذكر.
والثاني بمنع التواتر، وإنما المتواتر تخلل البسملة، وهو غير المدعى، مع أن
في حجية هذا التواتر كلاما طويلا.
والثالث بالحمل على متعارف الناس، مع أن الرواية ضعيفة وفي هذا
الحكم من الجابر خالية.
والرابع بالحمل على النافلة، وبعدم الدلالة على التعدد فيمكن أن تكون
هذه السور مستثناة من التبعيض الممنوع.
مضافا في الروايتين إلى رجحان معارضهما عليهما بمخالفة العامة (4).
مع أنه إذا قلنا بوجوب الجمع بين السورتين للروايتين - كما هو المصرح به

(1) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 269، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:
243، وصاحب المدارك 3: 378.
(2) راجع ص 109، وهي رواية البزنطي عن المفضل.
(3) التهذيب 2: 72 / 265، الإستبصار 1: 318 / 1184 بتفاوت يسير، الوسائل 6: 54
أبواب القراءة ب 10 ح 3.
(4) كما في غرائب القرآن (جامع البيان 30): 114، والتفسير الكبير
32 / 2، وروح المعاني 30: 165.
129

في كلام الثانيين (1) - انتفت ثمرة نزاع البين كما أشارا إليه، ولكن يرد عليهما
عدم
دلالة الخبرين إلا على الجواز، وتظهر الثمرة حينئذ في الاكتفاء بأحدهما.
ومما ذكر يظهر دليل من خالف في الأحكام الثلاثة أيضا، إلا أن ظاهر
بعض مشايخنا عدم القول به بين أصحابنا (2).
ثم على المختار هل تعاد البسملة بينهما؟ كالحلي والفاضل (3)، وكثير من
المتأخرين (4)، لثبوتها بينهما متواترا، وكتبها في المصاحف إجماعا، ولحصول
البراءة اليقينية به.
أولا؟ كالنافع (5)، وعن الشيخ (6)، لاقتضاء الوحدة ذلك، ودعوى المجمع
أن الأصحاب لا يفصلون بينهما بها (7)، وقوله في الرضوي المتقدم: (ولا تفصل
بينهما) وما روي أن أبي (7)، يفصل بينهما بها.
الظاهر هو الأول، لا لما ذكر، لعدم حجية هذا التواتر لانتهائه إلى عمل
الخلفاء الثلاث، وعدم العلم بالاشتغال بأزيد مما علم منه البراءة.
بل للأمر في رواية سالم بن سلمة بالقراءة كقراءة الناس (8)، ولا شك أنهم
يقرؤون كذلك. واقتضاء الوحدة لترك البسملة ممنوع، لجواز تخللها بين السورة

(1) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 262، الشهيد الثاني في روض الجنان: 269،
ولا يخفى أن المراد بالروايتين هنا هو صحيحة الشحام الأولى ورواية المفضل
المتقدمتان في الصفحة السابقة، كما صرح به في جامع المقاصد وروض الجنان.
(2) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).
(3) الحلي في السرائر 1: 221، الفاضل في التحرير 1: 39.
(4) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 204، والشهيد الثاني في الروضة
1: 269، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 244، والخوانساري في الحواشي على شرح
اللمعة: 276.
(5) المختصر النافع: 31.
(6) التبيان 10: 371.
(7) مجمع البيان 5: 507.
(8) الكافي 2: 633 فضل القرآن ب 14 ح 23.
130

كما في النمل. وعدم حجية دعوى الاجماع. وعدم دلالة الرضوي، لجواز أن
يكون المراد عدم التفرد بواحدة منها.
كسالة التاسعة عشرة: تخير المصلي في كل ثالثة ورابعة من الفرائض
الخمس بين قراءة الحمد وحدها والتسبيح، بإجماعنا المحقق، والمنقول في كلام
الأصحاب مستفيضا (1)، بل - كما قيل - متواترا (2)، وعليه استفاضت أخبارنا بل
تواترت كما تأتي طائفة منها.
وإطلاق كثير منها يقتفي عدم الفرق بين ناسي القراءة في الأوليين وغيره كما
هو الأشهر، بل عليه غير من شذ وندر وهو - كما قيل (3) - الشيخ في الخلاف (4)،
ولكن عبارته فيه في الوجوب غير صريحة، بل احتجاجه بإجماع الفرقة وتعبيره أخيرا
فيه بالأحوط ظاهر في عدمه، بل يريد الأولوية والاستحباب كما صرح هو به في
المبسوط (5)، وتبعه جماعة من الأصحاب (6).
لما مر من الاطلاق، بل عموم كثير من نصوص التخيير وعدم وجوب القراءة
في الأخيرتين وإجزاء التسبيح فيهما.
وللأصل.
واستصحاب التخيير.
وصحيحة ابن عمار: في الرجل يسهو عن القراءة في الأوليين فيذكر في

(1) كما في المختلف: 92، والمهذب البارع 1: 371 والذكرى: 188، وجامع المقاصد
2: 256.
وروض الجنان: 261، ومدارك الأحكام 3: 344، والذخيرة: 270، وكشف اللثام 1: 218
(2) كما في الرياض 1: 161.
(3) انظر: الرياض 1: 161.
(4) الخلاف 1: 341.
(5) المبسوط 1: 106.
(6) منهم ابن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 80، وصاحب الحدائق 8: 422، وصاحب
الرياض 1: 161.
131

الأخيرتين، قال: (أتم الركوع والسجود؟) قلت: نعم، قال: (إني أكره أن أجعل
آخر صلاتي أولها) (1).
وموثقتي أبي بصير وسماعة، الأولى: (إذا نسي أن يقرأ في الأولى والثانية
أجزأه تكبير الركوع والسجود) (2).
والثانية: عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال: (فليقل
- إلى أن قال: - فإذا ركع أجزأه إن شاء الله) (3).
وخبر أبي بصير: عن رجل نعمي أم القرآن، قال: (إن كان لم يركع فليعد أم
القرآن) (4).
فإنها ظاهرة في إجزاء الركوع وتسبيحه عن القراءة إذا شرع فيهما، ولو
وجبت القراءة في الآخرتين تداركا لما صدق عليه الاجزاء.
ويضعف الأول: بكونه إما أعم مطلقا مما صرح بأنه: (لا صلاة إلا بفاتحة
الكتاب) (5) كما صرح به بعض مشايخنا (6) فيخصص به، أو من وجه كما ذكره
بعض آخر منهم (7) وهو الأظهر، فيتساقطان ويرجع إلى الأصل وهو مع قراءة
الفاتحة، لثبوت الاشتغال بشئ إجماعا ولا يتعين بعد التساقط فيستصحب
الاشتغال.

(1) التهذيب 2: 146 / 571، الإستبصار 1: 354 / 1338، الوسائل 6: 92 أبواب
القراءة ب 30 ح 1.
(2) التهذيب 2: 146 / 572، الإستبصار 1: 354 / 1338، الوسائل 6: 9 أبواب
القراءة ب 29 ح 3.
(3) التهذيب 2: 147 / 574، الإستبصار 1: 354 / 1340، الوسائل 6: 89 أبواب
القراءة ب 28 ح 2.
(4) الكافي 3: 347 الصلاة ب 35 ح 2، الوسائل 6: 88 أبواب القراءة ب 28 ح 1.
(5) عوالي اللآلئ 1: 196 / 2، المستدرك 4: 158 أبواب القراءة ب 1 ح 5.
(6) كصاحب الحدائق 8: 422.
(7) كصاحب الرياض 1: 161.
132

ومنه يظهر ضعف الثاني أيضا.
والثالث: بمنع التخيير أولا، لأنه فرع عدم النسيان في الأوليين.
والرابع: بمنع الدلالة، لجواز أن يكون المراد بجعل آخر الصلاة أولها قراءة
الحمد والسورة كما تؤكده بل تدل عليه مرسلة أحمد: (أي شئ يقول هؤلاء في
الرجل إذا فاتته مع الإمام ركعتان؟) قلت: يقولون يقرأ في الركعتين بالحمد
والسورة، قال: (هذا يقلب صلاته فيجعل أولها آخرها!!) فقلت: ما يصنع؟
قال: (يقرأ فاتحة الكتاب في كل ركعة) (1).
ولا دلالة للسؤال عن إتمام الركوع والسجود على عدم إرادة ذلك أصلا.
والبواقي. بأنها إنما تفيد لو كان مراد من يوجب القراءة في الآخرتين أنها
عرض عنها في الأوليين، وهو غير معلوم، ولا منافاة بين إجزاء الركوع عن ركعته
وبين وجوب قراءة أخرى بدليل آخر.
احتج الشيخ: بإجماع الفرقة.
وما مر من أصل الاشتغال.
ومن قولهم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب).
ورواية ابن حماد: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال: (اقرأ في
الثانية) قلت: أسهو في الثانية، قال: (اقرأ في الثالثة) قلت: أسهو في صلاتي
كلها، قال: إذا حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك) (2).
وصحيحة زرارة: رجل نسي القراءة في الأوليين فذكرها في الأخيرتين،
فقال: (يقضي القراءة والتكبير والتسبيح الذي فاته في الأوليين في الأخيرتين، ولا
شئ عليه) (3).

(1) الكافي 3: 383 الصلاة ب 61 ح 10، الفقيه 1: 263 / 1203 بتفاوت
يسير، الإستبصار 1: 437 / 1686، التهذيب 3: 46 / 160، الوسائل 8: 389 أبواب
صلاة الجماعة ب 47 ح 7.
(2) الفقيه 1: 227 / 1004، التهذيب 2: 148 / 579، الإستبصار 1: 355 / 1342
الوسائل 6: 93 أبواب القراءة ب 30 ح 3.
(3) الفقيه 1: 227 / 1003، الوسائل 6: 94 أبواب القراءة ب 30 ح 6.
133

ورد الأول: بمنع الاجماع، بل الظاهر تحققه على خلافه.
والثاني: باندفاعه بما مر.
والثالث: بما ذكر من التعارض مع العموم الأول الراجح بالشهرة العظيمة
القريبة من الاجماع بل لعلها إجماع. مضافا إلى ضعف العموم الثاني وقصوره عن
الشمول لما نحن فيه، لاختصاصه بحكم التبادر - الحاصل من تتبع النصوص
والفتاوي - بالفاتحة في محلها المقرر لها شرعا، وهو الركعتان الأوليان خاصة.
والرابع: بالضعف في السند والدلالة، لظهوره في القراءة في الأخيرتين،
والمراد بها حيث يطلق الحمد والسورة معا، وهو مخالف للاجماع.
ومنه يظهر ما في الخامس، مضافا إلى ظهوره في كون الاتيان بها قضاء عما
فات في الأوليين لا أدا لوظيفة الأخيرتين كما هو المطلوب، مع أنه صرح فيه
بقضاء التكبير والتسبيح الفائتين في الأوليين وهو أيضا مخالف للاجماع، مع أنه
- كسابقه - موافق لرأي أبي حنيفة (1) وإن كان رأيه مطلقا شاملا لما كان الترك
عمدا.
وفي الجميع - غير الأول - نظر:
أما الثاني، فلما عرفت من ضعف الدافع.
وأما الثالث، فلمنع إيجاب الشهرة في الفتوى للرجحان، وبمنع التبادر
جدا.
وأما الرابع، فلأن ضعف السند غير ضائر، وإرادة الحمد والسورة من
مطلق القراءة ممنوعة، ولو سلم فالاجماع على عدم إرادتهما معا قرينة.
وأما الخامس، فلذلك، ولعدم خروج جز من الحديث عن الحجية بخروج
جز آخر منه عنها.
ولأجل ما ذكر نفى بعض مشايخنا المحدثين البعد عن هذا القول (2)،

(1) انظر: المبسوط للسرخسي 1: 18، والمجموع للنووي 3: 361، والاستذكار 1: 170.
(2) انظر: الحدائق 8: 422.
134

وجعله بعض آخر الأحوط (1).
إلا أن شذوذ هذا القول جدا - حتى نفى بعضهم وجود القائل به - يوجب
عدم حجية ما دل عليه من الرواية والصحيحة أصلا، مضافا إلى ما في الثانية من
عدم الدلالة على الوجوب رأسا.
وأما عمومات نفي الصلاة عما لا فاتحة فيه، فهي وإن كانت مقبولة عند
القوم في غير ذلك المقام، مستندا لهم في غير واحد من الأحكام، ولم تتحمل
الشذوذ المخرج لها عن الحجية، إلا أنه قد عرفت تعارضها مع
عمومات إجزاء التسبيح في الأخيرتين وما بمعناها بالعموم من وجه،
ولولا ترجيح الثانية بما مر لتكافأتا ووجب الحكم بالتخيير الذي هو المطلوب. وأما
التساقط والرجوع إلى الأصل فإنما هو فيما كان التخيير منفيا بإجماع ونحوه وليس
هاهنا منه. فيتعين الحكم بالتخيير حينئذ أيضا، وبه يندفع أصل الاشتغال.
المسألة العشرون: الأفضل في هذه الركعات للإمام التسبيح عند
العماني (2) والصدوقين (3)، والحلي (4)، وجملة من متأخري المتأخرين (5)،
ومشايخنا (6)، والمعاصرين (7).
لطائفة جمة من الأخبار الدالة عليه.
إما بالعموم، كصحيحتي زرارة المصرحتين بأن في السبع ركعات الأخيرة
من الصلوات الخمس ليس قراءة، وزاد في إحداهما: (إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل

(1) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 205.
(2) حكاه عنه في المختلف: 92.
(3) الصدوق في الفقيه 1: 209، وحكاه عن والده في المختلف: 92.
(4) السرائر 1: 230.
(5) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 272، والحر العاملي في الوسائل
6: 122.
(6) انظر: الحدائق 8: 388، وشرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط)،
والدرة النجفية: 137، وكشف الغطاء: 237، وغنائم الأيام: 183.
(7) انظر: الحدائق 8: 388، وشرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط)،
والدرة النجفية: 137، وكشف الغطاء: 237، وغنائم الأيام: 183.
135

ودعاء) (1).
وصحيحته الأخرى الواردة في حكم المسبوق، وفيها: (فإذا سلم الإمام قام
فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة إنما يقرأ [فيها] في الأوليين، وفي الأخيرتين
لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء، ليس فيهما قراءة) (2).
وروايتي العجلي ومحمد بن أبي حمزة: الأولى في الفقيه (3)، والثانية في
العلل (4)، المعللتين أفضلية التسبيح عن القراءة في الأخيرتين بتذكر النبي ليلة
المعراج فيهما عظمة الله عز وجل فقال: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
والله أكبر).
وجعلهما خاصتين بالإمام لاقتداء الملائكة حينئذ غير جيد، لأنه غير الإمامة
المتنازع فيها، وإلا لكان المنفرد أيضا إماما، حيث ورد: إن من صلى مثلا بأذان
صلى معه صفوف من الملائكة (5). ونحو ذلك.
ورواية الفقيه المعللة لجعل القراءة في الأوليين والتسبيح في الأخيرتين
بالفرق بين ما فرضه العز وجل وبين ما فرضه رسول الله (6).
وصحيحة محمد بن قيس المصرحة بأن أمير المؤمنين كان يستبح في
الأخيرتين (7).
والمروي في العيون المصرح بأن مولانا الرضا عليه السلام كان يسبح فيهما

(1) الكافي 3: 273 الصلاة ب 3 ح 7، الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 6.
(2) الفقيه 1: 256 / 1162، التهذيب 3: 45 / 158، الإستبصار 1: 436 / 1683،
الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4، وما بين المعقوفين أضفناه من
المصدر.
(3) الفقيه 1: 202 / 925، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ح 3.
(4) علل الشرائع: 322 / 1، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ملحق
بالحديث 3. وقد ضبط اسم الراوي فيهما محمد بن حمزة.
(5) انظر: الوسائل 5: 381 أبواب الأذان والإقامة ب 4.
(6) الفقيه 1: 202 / 924، الوسائل 6: 38 أبواب القراءة ب 1 ح 4.
(7) التهذيب 2: 97 / 262، الوسائل 6: 125 أبواب القراءة ب 51 ح 9.
136

يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) ثلاث مرات، من
المدينة إلى المرو (1). إلى غير ذلك.
أو بالخصوص، كصحيحة زرارة: (لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من
الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أم غير إمام) قال: قلت: فما أقول؟
قال: (إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله
، ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات) (2).
ورواية أبي خديجة وفيها: فإذا كان - أي الاقتداء - في الركعتين الأخيرتين
فعلى الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام التسبيح) الحديث (3).
وقد يستدل (4) أيضا بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في المسألة
السابقة (5)، وصحيحة الحلبي: (إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما
فقل: الحمد لله وسبحان الله والله أكبر) (6).
وفيهما نظر: أما في الأولى فلما مر، وأما في الثانية فلاحتمال كون قوله: (لا
تقرأ) جملة حالية فلا دلالة فيها على المطلوب، بل وكذا لو كانت وصفية ويكون
المعنى: الركعتين اللتين لا تجب القراءة فيهما، نعم لو كانت الجملة إنشائية
لكانت لها دلالة، ولكن لا يتم الاستدلال بالاحتمال.
والأفضل له القراءة عند الشيخ في الاستبصار (7)، والحلبي (8)، والشرائع

(1) عيون أخبار الرضا 2: 178 / 5، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 42 ح 8.
(2) الفقيه 1: 256 / 1158، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.
(3) التهذيب 3: 275 / 800، الوسائل 6: 126 أبواب القراءة ب 51 ح 13.
(4) كما في المختلف: 92، والحبل المتين: 232، والحدائق 8: 397.
(5) راجع ص 131.
(6) التهذيب 2: 99 / 372، الإستبصار 1: 322 / 1203، الوسائل 6: 124 أبواب
القراءة ب 51 ح 7.
(7) الإستبصار 1: 322.
(8) الكافي في الفقه: 144.
137

والقواعد والمنتهى والتذكرة واللمعة والبيان والدروس وشرح القواعد (1)،
والأردبيلي (2)، والمدارك (3).
لما دل عليه إما بالعموم، كرواية محمد بن حكيم: أيما أفضل، القراءة في
الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: (القراءة أفضل) (4).
أو بالخصوص كصحيحة ابن حازم: (إذا كنت إمام قوم فاقرأ في الركعتين
الأخيرتين بفاتحة الكتاب، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل) (5).
وصحيحة معاوية بن عمار: عن القراءة خلف الإمام في الركعتين
الأخيرتين، فقال: (الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح، وإذا كنت وحدك
فاقرأ فيهما وإن شئت فسبح) (6).
ورواية جميل: عما يقرأ الإمام في الركعتين الأخيرتين في آخر الصلاة، فقال
(بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه، ويقرأ الرجل وحده إذا صلى فيهما بفاتحة
الكتاب) (7).
والتوقيع المروي في الاحتجاج وكتاب الغيبة للشيخ بسند قوي وهو: أنه
كتب إليه يسأل عن الركعتين الأخيرتين فقد كثرت فيهما الروايات، فبعض يرى
أن قراءة الحمد فيهما أفضل، وبعض يرى أن فيهما التسبيح أفضل، فالفضل لأيهما

(1) الشرائع 1: 82، القواعد 1: 33، المنتهى 1: 275، التذكرة 1: 116،
اللمعة (الروضة 1): 259، البيان: 160، الدروس 1: 175، جامع المقاصد 2: 259.
(2) مجمع الفائدة: 208.
(3) المدارك 3: 345.
(4) التهذيب 2: 98 / 370، الإستبصار 1: 322 / 1201، الوسائل 6: 125 أبواب
القراءة ب 51 ح 10.
(5) التهذيب 2: 99 / 371، الإستبصار 1: 322 / 1201، الوسائل 6: 126 أبواب
القراءة ب 51 ح 11.
(6) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 294 / 1185، الوسائل 6: 108
أبواب القراءة ب 42 ح 2.
(7) التهذيب 2: 295 / 1186، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة ب 42 ح 4.
138

لنستعمله؟ فأجاب عليه السلام: (قد نسخت قراءة أم الكتاب في هاتين الركعتين
التسبيح، والذي نسخ التسبيح قول العالم عليه السلام: كل صلاة لا قراءة فيها
خداج، إلا للعليل أو من يكثر عليه السهو، فيتخوف بطلان الصلاة عليه) (1).
ولعل وجه النسخ بالقول المذكور أنه دل على كثرة مناسبة وفضيلة واهتمام
للفاتحة في الصلاة، أو لأنه إذا كان كذلك فالأفضل أن يكون في جميع الصلاة
لتكون أحفظ من البطلان.
ويمكن أن يكون قوله: (فيتخوف) متعلقا بذلك أيضا، أي نسخ بهذا
القول، لخوف بطلان الصلاة بالسهو في القراءة في الأوليين.
ويمكن أن يكون المراد بالنسخ أنه بني على أفضلية التسبيح بعد مقدمة ليلة
المعراج، وكان البناء عليها لأجلها حتى صدر ذلك القول من العالم، فرفعت اليد
عن تلك المقدمة ونسخت.
وأجاب الأولون عن هذه الروايات بأنها مرجوحة بالنسبة إلى الأولى، لأنها
أكثر وأشهر، وفي الدلالة أظهر، ومع ذلك مخالفة للعامة وهذه موافقة لها (2)،
ويجب تقديم المخالف عند التعارض.
ويرد عليه: منع الأكثرية أولا، فإن العمومات وإن كانت كذلك إلا أن
خصوصات أفضلية القراءة للإمام أكثر، مع أن بعد تحقق الكثرة من الطرفين
- سيما مع اعتبار السند بل صحته بل مع تعدد الصحاح - لا يوجب نوع كثرة في
أحد الطرفين ترجيحا.
والأشهرية ثانيا، كيف؟! والقائلون بأفضلية القراءة للإمام أكثر.
والأظهرية ثالثا، وهو ظاهر جدا.
ومخالفة الأولى لجميع العامة رابعا، كيف؟! والمنقول عن سفيان كراهة

(1) الإحتجاج: 491، كتاب الغيبة: 229 ولكن لم يذكر فيه السؤال، الوسائل 6: 127
أبواب القراءة ب 51 ح 14.
(2) انظر: الأم 1: 107، والمغني 1: 561.
139

القراءة في الأخيرتين كما يظهر من كتب السيد والفاضل (1)، وعن الشافعي
والأوزاعي وأحمد روايتان (2)، إحداهما وإن كانت وجوب القراءة ولكن الأخرى
غير معلومة لنا، فلعلها موافقة لها.
وموافقة هذه خامسا، كيف؟! وصحيحتا ابني حازم وعمار مصرحتان
بالتفصيل الذي لم ينقل من أحد من العامة، فهما أيضا مخالفتان لهم قطعا، فإنه
يصدق عليهما أنهما مخالفتان للعامة.
مع أنه لم تثبت أفضلية القراءة أو تعيينها في الركعتين من أحد من العامة،
إذ قد عرفت أن لمن ذكر روايتان، وسفيان يكرهها، والحسن يوجبها في كل صلاة
في ركعة واحدة (3)، ومالك لا يوجبها في مجموع الأخيرتين (4)، والمنقول عن أبي
حنيفة في كتب أصحابنا التخيير (5)، من غير تعرض للأفضلية أصلا.
نعم ذكرها ابن روزبهان العامي الكذاب في كتابه أنه يقول بالأفضلية، ولا
يثبت بمجرد ذلك أن ذلك قول أبي حنيفة بحيث يصير منشأ لمرجوحية الأخبار.
ثم مع تسليم ذلك الترجيح للأولى نقول: صرح التوقيع بمرجوحية روايات
أفضلية التسبيح، وهو أخص من روايات الترجيح بمخالفة العامة، فيجب
تقديمه قطعا.
والخدش في التوقيع - إما بالاجمال (6)، أو بعدم جواز النسخ في المورد، أو
بعدم صلاحية ما ذكره ناسخا للنسخ - ليس بشئ، كما لا يخفى على المتدبر.
نعم المستفاد من التوقيع ليس إلا نسخ التسبيح بالقراءة، وإذا ليس هو نسخ

(1) كالتذكرة 1: 116.
(2) انظر: الأم للشافعي 1: 107، المغني 1: 561، المبسوط للسرخسي 1: 18.
(3) انظر: بداية المجتهد 1: 126، المجموع 3: 361، المغني 1: 561.
(4) انظر: بداية المجتهد 1: 126، المغني 1: 561، المبسوط للسرخسي 1: 18.
(5) راجع الخلاف 1: 341، والتذكرة 1: 115، والمنتهى 1: 275، وانظر المبسوط
للسرخسي 1: 19، عمدة القاري 6: 8، المجموع 3: 361، المغني 1: 561، الشرح
الكبير 1: 560، نيل الأوطار 2: 233.
(6) في (ق): بالاجماع.
140

وجوبه ولا جوازه إجماعا فالمراد نفي أفضليته. والناسخ أيضا ليس وجوب القراءة
إجماعا ولا جوازها، لعدم إيجابه لنسخ الأفضلية، فيمكن أن يكون المراد نسخ
فضيلتها لأفضليته أو أفضليتها لأفضليته، وحيث لا دليل على تعيين أحد الأمرين
فالقدر الثابت منه ليس إلا نسخ أفضلية التسبيح، وأما كون القراءة أفضل فلا
يثبت منه.
وعلى هذا لا يثبت من التوقيع ترجيح روايات أفضلية القراءة، بل غايته
عدم العمل بروايات أفضلية التسبيح، ولازمه عدم ثبوت الأفضلية لشئ منهما
الموجب للحكم بالتساوي.
ثم بعد ملاحظة روايات أفضلية كل منهما وعدم مرجح آخر لشئ منهما،
تعلم أنه لا تثبت أفضلية شئ منهما على الآخر، وأن الحكم التساوي في حق
الإمام كما هو مذهب الشيخ في النهاية والمبسوط والجمل (1)، بل نقله المحدث
المجلسي عن أكثر كتبه (2)، وهو ظاهر الفاضلين في المعتبر والارشاد والمختلف (3).
وهاهنا مذهب آخر، وهو: التفصيل بأفضلية القراءة له مع تجويزه وجود
مسبوق والتسبيح مع عدم ذلك، نقل عن الإسكافي (4)، واختاره والدي
العلامة - رحمه الله - في المعتمد جمعا بين الأدلة.
ويضعفه خلو هذا الجمع عن الشاهد والبينة.
وكذا الحكم للمنفرد على الأقوى، وفاقا لمن مر من القائلين بالتخيير
للإمام، وللاستبصار والشرائع والقواعد والمنتهى وشرح القواعد والبيان (5)،
والمحقق الأردبيلي (6).

(1) النهاية: 76، المبسوط 1: 106، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 181.
(2) البحار 82: 91.
(3) المعتبر 2: 190، الإرشاد 1: 253، المختلف: 92.
(4) حكاه عنه في المختلف: 92.
(5) الإستبصار 1: 322، الشرائع 1: 82، القواعد 1: 33، المنتهى 1: 275،
جامع المقاصد 2: 259، البيان: 160.
(6) مجمع الفائدة 2: 209.
141

لتعارض عمومات أفضلية التسبيح المتقدمة (1) مع عمومات أفضلية القراءة
وعمومات المساواة السابقتين (2)، وتعارض خصوصات أفضلية الأول للمنفرد
كصحيحتي زرارة المذكورتين (3)، وموثقة الساباطي الواردة في المسبوق وفيها:
(فإذا سلم الإمام ركع ركعتين يسبح فيهما) (4) مع خصوصات المساواة له، كصحيحة
معاوية بن عمار السالفة (5) بل صحيحة منصور أيضا (6)، وعدم المرجح، فيصار
إلى التخيير.
وتوهم دلالة رواية جميل (7) على أفضلية القراءة له، فاسد لوقوع قوله:
(ويقرأ الرجل وحده) عقيب النهي أو ما بمعناه، فلا يفيد سوى انتفاء الحظر، مع
أنه مع الدلالة أيضا يعارض ما مر ويرجع إلى المساواة.
وخلافا لمن مر من القائلين بأفضلية التسبيح للإمام، فقالوا بأفضليته له
أيضا، والتذكرة والدروس (8)، لنحو ما مر في الإمام بجوابه.
وأما المأموم فالأفضل له التسبيح، وفاقا لكل من مر من القائلين بأفضلية
التسبيح للإمام، وللمنتهى (9)، لخصوص صحيحة معاوية ورواية جميل، الخاليتين
عن المعارض المساوي، وأما المعارض العام فلا يقاوم الخاص بل يلزم تخصيصه
خلافا لمن قال بأفضلية القراءة له أو بالمساواة، لنحو مما مر مع دفعه،

(1) في ص 136.
(2) في ص 136.
(3) في ص 135 - 136.
(4) التهذيب 3: 247 / 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجمعة ب 29 ح 2.
(5) في ص 138.
(6) المتقدمة في ص 138.
(7) المتقدمة في ص 138.
(8) التذكرة 1: 115، الدروس 1: 175.
(9) المنتهى 1: 275.
142

ولرواية أبي خديجة السابقة (1).
ويدفع بعدم تعين المستتر في قوله: (كان) فلعله الائتمام كما احتمله في
الوافي (2) بأن يكون المأمومون مسبوقين، فتخرج الرواية عن المسألة. ومع كونه غير
ذلك مما يشملها أيضا فتكون عامة أيضا، لشمولها للمسبوق فلا يفيد.
المسألة الحادية والعشرون: اختلفوا في المجزئ من التسبيح في الركعات
الأواخر على أقوال.
الأول: أنه اثنتا عشرة تسبيحة، صورتها: (سبحان لله والحمد لله ولا إله
إلا الله والله أكبر) ثلاثا، وهو قول العماني (3)، والشيخ في ظاهر النهاية (4)،
ومختصر المصباح (5)، والاقتصاد (6)، والقاضي في ظاهر المهذب (7)، والفاضل في
التلخيص كما حكي (8)، وهو ظاهر أكثر نسخ الفقيه المشهورة (9).
لاستصحاب الاشتغال.
وأقربيته إلى مساواة الحمد.
وللرضوي: (تقرأ فاتحة الكتاب وسورة في الركعتين الأولتين، وفي الركعتين
الأخيرتين الحمد وحده، وإلا فسبح فيهما ثلاثا ثلاثا تقول: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر، تقولها في كل ركعة منهما ثلاثا) (10).

(1) في ص 137.
(2) الوافي 8: 1205.
(3) حكاه عنه في المختلف: 92.
(4) النهاية: 76.
(5) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 219.
(6) الإقتصاد: 261.
(7) المهذب 1: 94.
(8) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 219.
(9) الفقيه 1: 209.
(10) فقه الرضا (ع): 105، مستدرك الوسائل 4: 202 أبواب القراءة ب 31 ح 1.
143

والمروي في العيون عن الضحاك: إنه صحب الرضا عليه السلام من
المدينة إلى مرو فكان يسبح في الأخراوين ويقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله
الا الله والله أكبر) ثلاث مرات ثم يركع (1).
والمروي في صلاة السرائر عن كتاب حريز، عن أبي جعفر عليه السلام:
(لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو
غير امام) قلت: فما أقول فيهما؟ قال: (إن كنت اماما فقل: سبحان الله والحمد
لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثلاث مرات ثم تكبر وتركع) (2) الحديث.
قيل: ورواه الفقيه كذلك في باب كيفية الصلاة (3). وهو اشتباه، لان
المذكور فيه كلام الصدوق وليس رواية.
ويضعف الأول: باندفاع الاستصحاب بالاتيان بما علم الاشتغال به.
والثاني: بعدم وجوب تحصيله.
والثالث: بالضعف الخالي عن الجابر أولا، وبعدم الدلالة على الوجوب
التعييني - لمقام الجملة الخبرية - ثانيا.
وأما قوله: (فسبح) فإنه وإن كان أمرا إلا أنه لا يدل إلا على وجوب مجرد
التسبيح فقط لأنه حقيقة فيه، فيمكن أن يكون البيان بيانا للأفضل، فيكون
الزائد على مطلق التسبيج مستحبا، كما تقول: اجلس وتقرأ القرآن، فإنه لا يدل
على وجوب القراءة أيضا.
وبه يضعف الرابع أيضا، إذ لا دلالة له على كونه على سبيل الوجوب
أصلا، مضافا إلى ما في البحار من أن الموجود في النسخ القديمة المصححة من
العيون بدون التكبير، والظاهر أن الزيادة من النساخ (4). انتهى.

(1) عيون أخبار الرضا 2: 180 - 181 وليس فيه: (ثم يركع)، الوسائل 6: 110
أبواب القراءة ب 42 ح 8.
(2) السرائر 1: 219، الوسائل 6: 123 أبواب القراءة ب 51 ح 2.
(3) انظر: الرياض 1: 165.
(4) البحار 82: 88.
144

كما أن بالأول (1) يضعف الخامس، فإن حال كتاب حريز عندنا غير معلوم،
مع أن ناقله - الذي هو الحلي - لم يعمل به وأفتى بالعشر (2)، وهو من مضعفات
الحديث جدا.
مضافا إلى ما فيه من الاضطراب، حيث إنه رواه في آخر السرائر بعينه عن
كتاب حريز بإسقاط: (الله أكبر) (3).
ولذا قال في البحار: إن الظاهر أن زيادة التكبير من قلمه أو قلم النساخ،
وذكر له مؤيدات منها: نسبة القوم إلى حريز الاكتفاء بالتسع (4). ولولا الظهور فلا
شك في سقوطه عن عرصة الاحتجاج. وذكر التكبير في روايات أخر لا يدل على
ترجيح النسخة المتضمنة له بوجه.
هذا، مع ما فيه من ضعف الدلالة، لعدم كون الأمر فيه لحقيقته التي هي
الوجوب التعييني، لجواز قراءة الحمد أيضا. وحمله على التخييري ليس بأولى من
الاستحباب.
والقول - بأن الأول أقرب إلى الحقيقة فيجب الحمل عليه - ضعيف غايته،
لمنع وجوب الحمل على الأقرب، سيما مع أن الثاني أشيع وأشهر.
مضافا إلى ما في الجميع من المعارضة مع ما يأتي.
والثاني: أنه عشر بإسقاط التكبير في المرتين الأوليين، وهو مختار
المصباحين (5)، والجملين (6)، والمبسوط وعمل اليوم والليلة (7)، وابني حمزة وزهرة،

(1) أي: بالتضعيف الأول للدليل الثالث، وهو ضعف السند.
(2) السرائر 1: 222.
(3) مستطرفات السرائر: 71 / 2، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.
(4) البحار 82: 87.
(5) حكاه عن مصباح السيد في المعتبر 2: 189، مصباح المتهجد: 44.
(6) نقله عن جمل السيد في شرحه للقاضي: 93، الجمل والعقود للشيخ (الرسائل
العشر: 181.
(7) المبسوط 1: 106، عمل اليوم والليلة (الرسائل العشر): 146.
145

والديلمي، والحلي، والقاضي (1).
قال جماعة: ولم نقف له على مستند (2).
يحتمل أن يكون لصحيحة زرارة: قال: قلت: فما أقول [فيهما؟] - أي
في الأخيرتين - قال: (إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله
إلا الله، ثلاث مرات، تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر وتركع) (3).
وجه الاستناد: إفادة قوله: (ثم تكبر) للوجوب، كما عليه جماعة في الجمل
الخبرية، فلا يمكن أن يكون تكبيرة الركوع، فيكون جزءا للتسبيح.
وهو حسن عند من يقول بتلك الإفادة، ولكنها عندنا غير ثابتة ولأجله يخرج
عن الدلالة، مضافا إلى ما فيه من عدم أولوية الوجوب التخييري عن
الاستحباب.
وقد ترد أيضا (4) باضطراب الرواية، لاختلاف نسختها في الفقيه وكذا في
السرائر فيشكل التمسك بها، سيما وأن احتمال السقوط أرجح من الزيادة، سيما
مع وجود الزيادة في كثير من روايات المسألة وإن لم تكن لبعضها على الوجوب
دلالة.
وفيه: منع الاختلاف في رواية الفقيه - التي هي الحجة - وإنما هو في رواية
السرائر خاصة (5)، ولا ضير في اختلافها، مع أن زبادة قوله فيها: (تكمله تسع
تسبيحات) ترجح جانب القلة.
والثالث: أنه تسع بإسقاط التكبير في المرات الثلاث، حكي عن حريز بن

(1) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية)
: 557، الديلمي في
المراسم: 72، الحلي في السرائر 1: 222، القاضي في شرح الجمل: 93.
(2) كما في المدارك 3: 379، وكشف اللثام 1: 219، والبحار 82: 90، والحدائق 8:
413، والرياض 1: 165، وغنائم الأيام: 182.
(3) الفقيه 1: 256 / 11158، الوسائل 6: 122، أبواب القراءة ب 51 ح 1.
(4) كما في الرياض 1: 165.
(5) السرائر 1: 219، المستطرفات: 71 / 2.
146

عبد الله السجستاني من قدماء الأصحاب (1)، والصدوق (2)، ووالده كما في
المختلف (3)، والحلبي كما قيل (4).
للصحيحة المتقدمة، بجعل التكبيرة تكبيرة الركوع، لعدم دلالتها على
وجوبها. وهو كذلك، بل في دلالتها على وجوب التسع أيضا ما مر من تعارض
المجازين.
مع أن في النسبة إلى أكثر من ذكر أيضا كلاما، فإنه وإن أسنده. في المعتبر
والمنتهى والذكرى إلى حريز (5)، وفي بعض الكتب إلى الصدوق والحلي (6)، ولكن
عرفت رواية اثنتي عشرة عن حريز أيضا (7)، ومر تصريح الصدوق أيضا بها في
الفقيه (8). والظاهر أنه لأجل روايته هذه الصحيحة في باب الجماعة، ولا يخفى أن
نقلها بعد تصريحه بخلافها لا يثبت مذهبه. وصرح في المنتهى بأن مذهب الحلبي
ثلاث تسبيحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله (9).
والرابع: أنه أربع وهي التسبيحات الأربع، وهو مذهب المفيد (10)،
والشيخ في الاستبصار (11)، والمنتهى والتذكرة والقواعد وشرح القواعد (12)، وجمع

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 189.
(2) الفقيه 1: 256.
(3) المختلف: 92.
(4) حكاه عنه في المختلف: 92.
(5) المعتبر 2: 189، المنتهى 1: 275، الذكرى: 188.
(6) كما في الذكرى: 188، والمنتهى 1: 275.
(7) راجع ص 144.
(8) راجع ص 144.
(9) المنتهى 1: 275.
(10) المقنعة: 113.
(11) الإستبصار 1: 321، وحكاه عنه في المنتهى 1: 275.
(12) المنتهى 1: 275، التذكرة 1: 115، القواعد 1: 33، جامع المقاصد 2: 206.
147

آخر من المتأخرين (1)، وجوزه الحلي للمستعجل (2)، وجعله في المعتبر الأولى (3).
لصحيحة زرارة: ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: (أن
تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وتركع) (4).
ورواية أبي خديجة: (إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين
الأولتين، وعلى الذين خلفك أن يقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر) إلى أن قال في الركعتين الأخيرتين: (وعلى الإمام التسبيح مثل ما يسبح القوم
في الركعتين الأوليين) (5).
وغيرهما من الأخبار المتضمنة لهذه الأربع من غير تقييد بعدد، الظاهرة في
كفاية الواحدة.
ورد باحتمال أن يكون المراد بيان إجزاء القول دون العدد.
وفيه: أنه يفيد لو تمت أدلة الزائد عن الواحدة.
نعم يرد على الأول أنه لا يدل على عدم إجزاء غيره إلا بالأصل المندفع
بسائر الأخبار، فإن إجزاء شئ لا ينافي إجزاء غيره سيما مع ثبوت إجزاء الحمد
أيضا.
وعلى الثاني بعدم إمكان الحمل على الحقيقة، التي هي الوجوب التعييني كما
مر.
والخامس: أنه ثلاث: التسبيح والتحميد والتهليل، عزاه في المنتهى إلى
الحلبي (6) ولم أعثر على دليله.

(1) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 205، والشهيد الثاني في روض الجنان: 261.
(2) السرائر 1: 222.
(3) المعتبر 2: 190.
(4) الكافي 3: 319 الصلاة في 23 ح 2، التهذيب 2: 98 / 367، الوسائل 6: 109 أبواب
القراءة ب 42 ح 5.
(5) التهذيب 3: 275 / 800 بتفاوت يسير، الوسائل 6: 126 أبواب القراءة ب 51 ح 13
(6) المنتهى 1: 275.
148

والسادس: أنه الثلاث المذكور لكن مع تبديل التهليل بالتكبير، نسب إلى
الإسكافي (1)، لصحيحة الحلبي: (إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما
فقل: الحمد لله وسبحان الله والله أكبر) (2).
حيث إن الأمر فيها للوجوب قطعا، لأنه إذا لم يقرأ يجب غيرها عينا، أو أن
هذا التركيب مفيد للوجوب التخييري.
ويرد عليه ما مر سابقا من احتمال كون: (لا تقرأ) بمعنى لا تجب القراءة،
أو إنشاء فالأمر حينئذ يكون مجازا قطعا.
والسابع: أنه مطلق الذكر، اختاره في البحار (3)، واحتمله صاحب
الذخيرة (4)، لرواية علي بن حنظلة: عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟
فقال: (إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله، فهما سواء)
قلت: فأيهما
أفضل؟ قال: هما والله سواء، إن شئت سبحت وإن شئت قرأت) (5).
وفيه: أنه لا بد إما من حمل التسبيح في قوله: (سبحت) على مطلق الذكر،
أو المطلق في قوله: (فاذكر الله) على التسبيح، ولا دليل على التعيين، فلا دليل
على كفاية مطلق الذكر.
والثامن: أن المصلي مخير - اختاره المحقق في المعتبر (6)، وصاحب

(1) نسبه إليه في المختلف: 92.
(2) التهذيب 2: 99 / 372، الإستبصار 1: 322 / 1203، الوسائل 6: 124 أبواب القراءة
ب 51 ح 7.
(3) البحار 82: 89.
(4) الذخيرة: 270.
(5) التهذيب 2: 98 / 369، الإستبصار 1: 321 / 1200، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة
ب 42 ح 3.
(6) المعتبر 2: 190.
149

البشرى (1)، وجملة من المتأخرين، منهم: المدارك والمنتقى والذخيرة والمفاتيح
والحدائق (2) - بين جميع ما ذكر حتى مطلق الذكر كبعض من ذكر (3)، أو - جميع ما
روي كبعض آخر (4)، فإنه قد روي غير ما مر أيضا كثلاث تسبيحات، كما في
مرسلة الفقيه: (أدنى ما يجزي من القولي في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات
تقول: سبحان الله سبحان الله سبحان الله) (5).
أو التسبيح والتحميد والاستغفار، كما في صحيحة عبيد: عن الركعتين
الأخيرتين من الظهر، قال: (تسبيح وتحمد الله وتستغفر لذنبك، وإن شئت فاتحة
الكتاب فإنها تحميد ودعاء) (6).
أو مطلق التسبيح، كما في رواية ابن عمار: عن القراءة خلف الإمام في
الركعتين الأخيرتين، فقال: (الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح، وإذا
كنت وحدك فاقرأ فيهما وإن شئت فسبح) (7).
أقول: بعد رفع اليد عن دليلي القولين الأولين لما عرفت، وعن القول
الخامس لعدم الدليل، وعن رواية مطلق الذكر والتسبيح، لمرسلة الفقيه المثبتة
لأدنى ما يجزي من القول، ولما مر من عدم ثبوت مطلق الذكر.
يبقى دليل التسع، والأربع، وثلاث الإسكافي، وثلاث تسبيحات،

(1) حكاه عنه في الذكرى: 189.
(2) المدرك 3: 381، المنتقى 2: 23، الذخيرة: 270، المفاتيح 1: 130، الحدائق 8:
416.
(3) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 130.
(4) المحقق السبزواري في الذخيرة: 270.
(5) الفقيه 1: 256 / 1159، الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 7.
(6) التهذيب 2: 98 / 368، الإستبصار 1: 321 / 1991، الوسائل 6: 107 أبواب القراءة
ب 42 ح 1.
(7) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ج 1، التهذيب 2: 294 / 1185، الوسائل 6: 108 أبواب
القراءة ب 42 ح 2.
150

والتسبيح والتحميد والاستغفار.
ولا يمكن حمل هذه الأدلة على الوجوب المعين، لانتفائه قطعا. ولا على
الاستحباب المصطلح - بمعنى جواز الترك لا إلى بدل مع الثواب على الفعل -
لوجوب البدل إجماعا، ولأنه إنما كان لو ثبت وجوب غيره معينا واحتمل كون ضم
ذلك مستحبا ولم يثبت ذلك في شئ منها.
والقول باستحباب واحد منها من غير ضم غير لو كان فيكون هو من باب
الوجوب التخييري ويكون أفضل أفراد المخير.
فالأوامر ونحوها في هذه الأدلة يراد بها الوجوب التخييري إما مطلقا أو
أفضل أفراده، ولا يحتمل مجاز آخر.
ثم المراد بالتخيير فيها إما أنه أحد أفراد المخير من بين جميع ما روي، أو أنه
أحد فردي المخير منه ومن الفاتحة حتى يتعين أحدهما.
وعلى الأول لا يكون تعارض بين الأخبار، ويكون الحكم التخيير بين هذه
المذكورات.
وعلى الثاني وإن حصل التعارض ولكن الحكم معه أيضا للتخيير بينها، فهو
الحكم في المسألة.
فروع:
أ: الأظهر الأشهر - كما صرح به بعض من تأخر (1) - وجوب الترتيب بين هذه
الأذكار، وإليه ذهب الفاضل والشهيد (2). فإن اختار الأربع يقدم التسبيح ثم
التحميد ثم التهليل ثم التكبير، وإن اختار التسع يكتفي بالثلاثة الأولى على

(1) صرح في كشف اللثام 1: 218، والحدائق 8: 435 بأنه المشهور.
(2) الفاضل في التذكرة 1: 115، المنتهى 1: 276، الشهيد في الذكرى: 189، الدروس
1: 173.
151

الترتيب المذكور، وعلى الثلاث يبدل التهليل بالتكبير مقدما للتحميد.
للأمر بالترتيب في الأخبار، أي الأمر بقول هذه الهيئة المرتبة، فلو خالفها لم
يكن المقول ما أمر به.
خلافا لطائفة، منهم: المعتبر والمدارك والذخيرة (1).
للأصل. وهو مدفوع بما مر.
ولعدم إفادة العطف بالواو للترتيب.
وفيه: أن العطف هنا جزء من أجزاء الكيفية المنقولة فتختل باختلاله
كالعطف في قوله عز شأنه: (لم يلد ولم يولد) لا لتعداد المقول كما في قوله: اقرأ
سورة كذا وسورة كذا. والحاصل: أن خصوص حرف العطف أيضا جزء من
المقول، وهو مجموع المعطوف والمعطوف عليه والعطف.
ولاختلاف الروايات في تعيينها، فبأي ترتيب ذكرت يوافق الرواية.
ورد بأنه إثما يتتم على القول بالتخيير خاصة، وإلا فكل من ذهب إلى قول
استفادا إلى رواية مخصوصة فالواجب عنده الاتيان بما دل عليه دليله.
وفيه نظر، أما أولا: فلأن تماميته على التخيير إنما هي لو لم يقصد أحد الأفراد
أولا ولم يتعين بالقصد، وأما مع قصده والقول بتعينه به فلا بد من مراعاة الترتيب،
المستفاد من دليله.
وأما ثانيا: فلأن المخير فيه على القول بالتخيير أيضا لا يخلو من ترتيب،
لتقديم التسبيح والحمد على الباقيين على كل قول ودليل.
وأما ثالثا: فلأن وجوب الترتيب على سائر الأقوال ومتابعة كل قائل دليله،
إنما هو إذا ترك سائر الروايات بالمرجوحية أو عدم الحجة.
وأما إذا لم يكن كذلك، بل سلم حجية أخبار المسألة، وكان عمله بالأقل

(1) المعتبر 2: 190، المدارك 3: 381، الذخيرة: 272.
152

لحملة الزائد في أخباره على الاستحباب، أو بالزائد بحمل أخبار الناقص على عدم
اشتمالها إلا على بعض القدر الواجب، فلا تخرج عنده أخبار سائر الأقوال المخالفة
لدليله عن الحجية فيما اشتمل عليه ومنه الاختلاف في الترتيب.
فالصواب أن يجاب - على المختار - بأن اختلاف الرواية كما أوجب التخيير
في أصل الذكر كذلك أوجبه في ترتيبه، ولكن في الترتيبات الواردة في أخبار
الأقوال الثلاثة. فإن أريد من نفي الترتيب ذلك فهو كذلك. وإن أريد مطلقه
فهو فاسد، لخروج بعض الهيئات عن جميع النصوص.
ب: لو شرع في القراءة أو التسبيح فهل يجوز له العدول إلى الآخر أم لا؟
الأظهر وفاقا لجماعة: نعم (1)، للأصل.
وقيل: لا (2)، للنهي عن إبطال العمل.
وفيه: منع النهي بحيث يشمل المورد - أولا - كما بيناه في موضعه، ومنع
كونه إبطالا ثانيا.
ولايجابه الزيادة في الصلاة.
وفيه: منع كونه زيادة مبطلة، كما يظهر وجهه مما سنذكره في بيان الزيادة
المبطلة.
ج: قال في شرح القواعد: تجوز قراءة الحمد في إحدى الأخرتين والتسبيح
في الأخرى، لانتفاء المانع (3) انتهى.
ويخدشه: أن انتفاء المانع إنما يفيد مع وجود المقتضي ولا مقتضي له.
وأما ما في المدارك - من أن التخيير في الركعتين تخيير في كل واحدة منهما (4) -

(1) منهم صاحب المدارك 3: 382، وصاحب الحدائق 8: 438.
(2) كما في الذكرى: 189.
(3) جامع المقاصد 2: 207.
(4) المدارك 3: 382.
153

فإنما يتم لو ورد مثل تلك العبارة وليس. وما ادعاه من إشعار بعض الروايات به
فلم نعثر عليه.
واستصحاب اشتغال الذمة بذكر في الثانية بعد الأولى، يقتضي الاتيان
بالمتيقن، وهو ما أتى في الأولى، إلا مع دليل على كفاية غيره، ولم نقف عليه.
د: صرح جمع من الأصحاب بأنه لو شك في عدد التسبيح يبني على
الأقل (1). وهو كذلك، لأصالة عدم الزيادة. ثم لو ذكرها فلا بأس.
ه‍: تستحب الاثنتا عشرة تسبيحة، للرضوي (2)، وروايتي العيون
والسرائر (3)، وفتوى جمع من الأجلة (4).
وهل تستحب الزيادة؟ المشهور: لا، للأصل.
وعن العماني. أنه يقال التسبيحات الأربع سبعا أو خمسا، وأدناه الثلاث في
كل ركعة (5). ونفى في الذكرى البأس عن اتباعه في الاستحباب (6). وهو كذلك،
حيث إن المقام يتحمل التسامح.
و: لا يجب القصد إلى واحد من القراءة أو التسبيح قبل الشروع في أحدهما،
لأصالة عدم وجوب التعيين، وكفاية القصد الاجمالي إلى أجزاء الصلاة في نية
القربة المعتبرة.
ولو كان قاصدا إلى أحدهما معينا، فسبق إلى لسانه الآخر، فله الابقاء

(1) منهم الشهيد في الذكرى: 189، وصاحب المدارك 3: 382، والمجلسي في
البحار 82: 95، وصاحب الحدائق 8: 440.
(2) راجع ص 143 - 144.
(3) راجع ص 143 - 144.
(4) منهم الشيخ في النهاية: 76 والاقتصاد: 261 وابن أبي عقيل حكاه عنه
في المدارك 3: 379 والعلامة في القواعد 1: 3.
(5) حكاه عنه في المختلف: 92.
(6) الذكرى: 189.
154

عليه، والعدول إلى غيره، لما مر.
وعلى الابقاء هل يستأنفه أم لا؟.
استجود في الذكرى الأول، لأنه عمل بغير نية (1).
ومال في الحدائق إلى الثاني (2). وهو الأقرب، لكفاية الاستدامة الحكمية في
نية القربة المعتبرة فيه، ولا دليل على اعتبار الأزيد فإنه لا يشترط في كل جزء
قصده بخصوصه، بل يكفي كونه بحيث إذا التفت علم أنه يصلي لله، وهو كذلك، فهو
في حال سبق اللسان إليه قاصد له إجمالا كمن يقرأ الفاتحة من غير التفات إليها.
والحاصل: أنه لا شك في أن استباق لسانه إلى أحد المخيرين ليس بحيث
يكون فعله بلا قصد وشعور أصلا، بل هو قاصد في الجملة، وعمله للقربة وإن
لم يكن ملتفتا إليها، ولم يثبت من دليل اشتراط النية أزيد من ذلك في أجزاء
الفعل المركب.
ز: ليس في التسبيح بسملة لا وجوبا ولا استحبابا، لعدم دليل عليها.
ولو أتى بها فإن كان لا بقصد جزئيتها فلا بأس قطعا. وكذا إن كان
باعتقادها، على الأقرب، إذا اعتقاده إما ناش عن دليل شرعي دله إليها فهي جزء
في حقه، أو عن تقصير في السؤال واستقرار ذلك في ذهنه، فغايته إثمه في التقصير
أو في ذلك الاعتقاد أيضا، وأما حرمة البسملة حينئذ فلا دليل عليها أصلا. وتوهم
كونها تشريعا (3) فاسد جدا، كما بيناه في موضعه.
ح: صرح في الذكرى بوجوب الموالاة الواجبة في القراءة في التسبيح أيضا (4).

(1) الذكرى: 189.
(2) الحدائق 8: 439.
(3) كما في الحدائق 8: 439.
(4) الذكرى: 189.
155

ونفاه في الحدائق (1). وهو جيد، لعدم دليل عليه.
ولو قيل بالتفصيل، بأنه أمر مثلا بقراءة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر، فيجب أن لا يتخلل شئ بين هذه الأذكار بحيث لم يصدق على
المجموع قراءة هذا المركب لو كان له اسم، ولا ضير في التخلل بين المرات، كان
أجود.
نعم لو سكت سكوتا مبطلا للصلاة بطلت لأجله.
ط: ظاهر المدارك استحباب الاستغفار مع التسبيحات أيضا (2)، ولعله
لصحيحة عبيد المقدمة (3)، وهي لا تدل عليه إلا مع الاكتفاء بالتسبيح والتحميد
على القول بكفاية كل ما روي، فلا يستحب في غير هذه الصورة، ولا يبعد وجوبه
حينئذ، فتأمل.
المسألة الثانية والعشرون: يجب الجهر بالقراءة خاصة في الصبح وأوليي
المغربين، والاخفات بها في أوليي الظهرين، على الحق المشهور، ونسبه في المنتهى
والتذكرة إلى أكثر علمائنا (4)، وعن الخلاف والغنية الاجماع على الحكمين (5)،
وعن السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز الجهر في الاخفاتية (6).
لا للشهرة أو الاجماع المنقول، لعدم حجيتهما.
ولا للتأسي، لعدم وجوبه.

(1) الحدائق 8: 439.
(2) المدارك 3: 381.
(3) في ص 150.
(4) المنتهى 1: 277، التذكرة 1: 116.
(5) الخلاف 1: 277، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.
(6) السرائر 1: 218.
156

ولا لصحيحتي زرارة: إحداهما: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي أن يجهر
فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الاخفات فيه، فقال: (أي ذلك فعل متعمدا فقد
تقض صلاته وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ساهيا أو ناسيا أو لا يدري فلا
شئ) (1).
والأخرى مثلها مع زيادة في السؤال والاقتصار بالناسي والساهي (2).
لعدم دلالة الأولى إلا إذا قلنا بأولوية تخصيص ما لا ينبغي بما لا يجوز، عن
التجوز في قوله: (نقض صلاته وعليه الإعادة) بالحمل على الاستحباب، أو مجاز
آخر. والثانية إلا على حجية مفهوم الوصف. والأمران ممنوعان.
ولا لصحيحة محمد: عن صلاة الجمعة في السفر، قال: تصنعون كما
تصنعون في الظهر، ولا يجهر الإمام فيها بالقراءة، وإنما يجهر إذا كانت خطبة) (3).
لمكان الجملة الخبرية سيما مع مقابلتها بقوله: (وإنما يجهر) وهو للاستحباب
إجماعا.
بل للصحيحين: أحدهما: عن القراءة خلف الإمام، فقال: (أما الصلاة
التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه) الحديث (4).
وثانيهما: (إن الصلاة التي يجهر فيها إنما هي في أوقاتك مظلمة، فوجب أن

(1) الفقيه 1: 227 / 1003، التهذيب 2: 162 / 635، الإستبصار 1: 313 / 1163،
الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 1.
(2) التهذيب 2: 147 / 577، الوسائل 6: 86 أبواب القراءة ب 26 ح 2.
(3) التهذيب 3: 15 / 54، الإستبصار 1: 416 / 1598، الوسائل 6: 162 أبواب
القراءة ب 3 ح 9.
(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 1، التهذيب 3: 32 / 114، الإستبصار 1:
427 / 1649، علل الشرائع: 325 / 1، الوسائل 8: 356
أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.
157

يجهر فيها ليعلم المار أن هناك جماعة) (1).
ورواية الفقيه المصرحة بعلة الجهر في صلاة الجمعة والمغرب والعشاء
والفجر: وإنما أمر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله بالاجهار في القراءة
فيها وبالاخفاء في القراءة في صلاة العصر (2). والأمر حقيقة في الطلب الحتمي لغة
كلفظ الوجوب في مثل زمان الصادقين عليهما السلام بحكم الحدس والوجدان.
وكونها أخص من المدعى غير ضائر، لعدم القول بالفصل.
وتؤيد المطلوب: المستفيضة المصرحة بانقسام الصلاة إلى الجهرية
والاخفاتية (3) في نحو صحيحتي ابن يقطين (4)، وصحيحة ابن سنان (5)، وروايتي
الأزدي (6)، ومحمد بن أبي حمزة (7)، فإن ظاهرها التوظيف الظاهر في الوجوب، سيما
مع انضمام الأخبار بعضها مع بعض.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فقال بالاستحباب (8)، ونسب إلى السيد،
حيث قال: إنه من وكيد السنن. وليس بصريح في المخالفة ولو مع ضم ما بعده
وهو قوله: حتى روي أنه من تركهما عمدا أعاد. كما نقله في المنتهى (9)، حيث

(1) الفقيه 1: 203 / 927، علل الشرائع: 263، عيون أخبار الرضا 2: 108، الوسائل
6: 82 أبواب القراءة ب 25 ح 1.
(2) الفقيه 1: 202 / 925، الوسائل 6: 83 أبواب القراءة ب 25 ح 2.
(3) ذكرها البهبهاني في شرح المفاتيح. منه رحمه الله تعالى.
(4) الأولى: التهذيب 3: 34 / 122، الإستبصار 1: 429 / 1657، الوسائل 8: 358
أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11، الثانية: التهذيب 2: 296 / 1192، الوسائل
8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.
(5) التهذيب 3: 35 / 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.
(6) الفقيه 1: 256 / 1161، التهذيب 3: 276 / 806، قرب الإسناد:
37 / 120، الوسائل 8: 360 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.
(7) علل الشرائع: 322 / 1، الوسائل 6: 83 أبواب القراءة ب 25 ح 2.
(8) حكاه عنه في المختلف: 93.
(9) المنتهى 1: 277.
158

إن ظاهره عدم قوله بالإعادة، لأن الوجوب لا يستلزم الإعادة بالترك عند جميعهم،
واختاره طائفة من متأخري المتأخرين - كصاحبي المدارك والذخيرة (1) - ويميل
إليه كلام الأردبيلي (2).
للأصل.
وقوله عز شأنه: (ولا تجهر بصلاتك) الآية (3).
وصحيحة علي: عن الرجل يصلي من الفرائض ما يجهر فيه بالقراءة فهل
عليه أن لا يجهر؟ قال: (إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر) (4).
والأصل مندفع بما مر.
والآية مجملة، مع أنها على جميع تفاسيرها عليه غير دالة، بل على بعضها
تدل على المطلوب.
والصحيحة ضعيفة، لمخالفتها للشهرة العظيمة القديمة والجديدة، فهي
بالشذوذ عن حيز الحجية خارجة. ومع ذلك بالنسبة إلى معارضها مرجوحة،
لموافقتها العامة (5)، كما صرح به الشيخ (6) وجماعة من الخاصة (7).
فروع.
أ: المشهور - كما في الحدائق (8)، بل ربما ادعي عليه الاجماع كما فيه أيضا -

(1) المدارك 3: 358، الخيرة: 274.
(2) مجمع الفائدة 2: 226 و 227.
(3) الإسراء: 110.
(4) التهذيب 2: 162 / 636، الإستبصار 1: 313 / 1164، قرب الإسناد:
205 / 796 وفيه: هل عليه أن يجهر؟، الوسائل 6: 85 أبواب القراءة ب 25 ح 6.
(5) انظر: المغني لابن القدامة 1: 642، وعمدة القاري 6: 27، ومغني المحتاج
1: 162.
(6) التهذيب 2: 162، الإستبصار 1: 313.
(7) منهم العلامة في المنتهى 1: 277، والسبزواري في الذخيرة: 274،
والفيض في المفاتيح 1: 134، وصاحب الرياض 1: 161.
(8) الحدائق 8: 437.
159

تحتم الاخفات في التسبيحات في الركعتين الأخيرتين.
للتسوية بينها وبين مبدلها.
وعموم الاخفات في الفرائض.
وصحيحة ابن يقطين: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام، أيقرأ
فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال: (فلا بأس وإن صمت فلا بأس) (1).
حيث إن الظاهر من قوله: (يصمت) أي يخافت، فقيه إشارة إلى أنه السنة
فيهما.
وصحيحة زرارة المقدمة (2)، حيث أمر فيها بالإعادة بالجهر فيما لا ينبغي
الجهر فيه مطلقا، والمورد أيضا تما لا ينبغي الجهر فيه قطعا.
وما في بعض الأخبار: إنه عليه السلام أخفى ما سوى القراءة في
الأوليين (3).
ويرد الأول: بمنع البدلية أولا، ووجوب التسوية ثانيا، وثبوت الحكم في
المبدل ثالثا.
والثاني: بمنع عموم الاخفات، وأين هو؟ فإن ثبوته في خصوص الموارد بأمر
النبي بالاخفات في القراءة في صلاة العصر، وبالاجماع المركب، وهو في المقام غير
ثابت.
والثالث: بمنع إرادة الاخفات من الصمت، بل يحتمل كون المعنى
الحقيقي مرادا ويكون إشارة إلى مذهب العامة، حيث إن أبا حنيفة ذهب
إلى الصمت فيهما (4)، يعني: الركعتين اللتين هكذا يفعل الناس فيهما أو يكون

(1) التهذيب 2: 296 / 1192، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.
(2) في ص 157.
(3) روى المحقق (ره) في المعتبر 2: 176: (إن النبي صلى الله عليه وآله
كان يجهر في هذه المواضع: - أي في الصبح وأولتي المغرب والعشاء - ويسر
ما عداها).
(4) حكاه عنه في التفسير الكبير 1: 216، وعمدة القارئ 6: 8.
160

تجوزا عن ترك القراءة كما احتمله في الوافي (1)، فإنه إذا تعين التجوز فلا أولوية
للأول. ثم على المعنى الأول لا دلالة في الرواية على وجوبه فلعله على الأفضلية.
والرابع: بما مر من تعارض المجازين فيه.
والخامس: بعدم دلالته على الوجوب.
ولذلك ذهب الحلي إلى انتفاء وجوب الاخفات وقال. يكون قياسه على
القراءة باطلا (2). وهو جيد، للأصل الخالي عن معارضة ما ذكر، كما ذكر،
وإن كان الأحسن مراعاته، لدعوى الشهرة.
ب: قيل: وجوب الاخفات في الأخيرتين على تقدير القراءة فيهما
إجماعي (3). ولعله أراد عند القائلين بوجوب الجهر والاخفات.
فإن ثبت وإلا فالأصل ينفيه، إذ لا دليل عليه، فإن الاجماع المركب غير
جار هنا.
وأمر النبي بالاخفات بالقراءة في صلاة العصر لا يفيد، إذ لا يعلم قراءته
في الأخيرتين، بل لا يعلم أنه أتى بالأخيرتين أيضا، حيث إنه ورد في المستفيضة
بأن الصلاة المفروضة من الله سبحانه كانت ركعتين ركعتين وزاد النبي
الأخيرتين (4). ولم يعلم زيادتهما حينئذ.
ومن هذا يظهر فساد التمسك باطلاق القراءة أيضا، مع أن في إطلاقها في
المورد - لكونها في مقام حكاية الحال - نظرا ظاهرا.
ج: يعذر الجاهل والناسي في الجهر والاخفات في مواضعهما، فلا

(1) الوافي 82: 1204.
(2) السرائر 1: 222.
(3) كما في السرائر 1: 218.
(4) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13.
161

تجب الإعادة عليهما بتركهما، إجماعا محققا، ومحكيا مستفيضا (1)؟ له،
ولصحيحتي زرارة المتقدمتين (2). ومقتضاهما عدم وجوب التدارك ولو قبل
الركوع، ولا سجود سهو بالاخلال بهما، وعدم الفرق بين جاهل الحكم
وموضوعه. وهو كذلك.
د: صرح جماعة - منهم: الحلي، والراوندي، والفاضلان، والشهيد (3) -
أن أقل الجهر أن يسمع القراءة من قرب منه تحقيقا أو تقديرا.
والاخفات كما في القواعد والمنتهى والشرائع (4)، أو أقله كما في النافع
والتذكرة (5)، أو أعلاه كما في السرائر (6): أن يسمعها نفسه فقط ولو تقديرا. ونسبه
في التبيان إلى أصحابنا (7)، بل في المعتبر والمنتهى. والتذكرة الاجماع عليه.
وقال المحقق الثاني - بعد نقل قول الفاضل: أقل الجهر إسماع القريب،
وحد الاخفات إسماع نفسه -: وينبغي أن يزاد في الجهر قيد آخر وهو تسميته جهرا
عرفا، وذلك بأن يتضمن اظهار الصوت على الوجه المعهود، إلى أن قال في
الاخفات: ولا بد من زيادة قيد آخر وهو تسميته مع ذلك إخفاتا بأن يتضمن
اخفاء الصوت وهمسه (8).
وقال في روض الجنان: أقل الستر أن يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا،

(1) كما في الحدائق 308، 1، والرياض 1: 162.
(2) في ص 157.
(3) الحلي في السرائر 1: 223، الراوندي في فقه القرآن 1: 104، المحقق في
المعتبر 2: 177، والشرائع 1: 82، العلامة في التذكرة 1: 117، والمنتهى 1: 277،
والتحرير 1: 39، الشهيد في الدروس 1: 173، والبيان: 158.
(4) القواعد 1: 33، المنتهى 1: 277، الشرائع 1: 82.
(5) المختصر النافع: 30، التذكرة 1: 117.
(6) السرائر 1: 223.
(7) التبيان 6: 534.
(8) جامع المقاصد 2: 260.
162

وأكثره أن لا يبلغ أقل الجهر، وأن الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان صحيح
السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب للتسمية جهرا عرفا (1).
وبنحو ما ذكراه صرح جماعة من المتأخرين (2)، بل كما قيل: كافة من تأخر
عنهما (3).
فالجهر على الأول إسماع الغير مطلقا، والاخفات إسماع نفسه فقط.
وعلى الثاني الجهر اشتمال الكلام على اظهار الصوت على النحو المعهود،
إما مع إسماع الغير أيضا كما هو محتمل كلامهما، أو مطلقا كما هو ظاهر تفسير الجهر
عرفا بتضمن اظهار الصوت كما في كلام الأول، وجعل الاشتمال على الصوت
موجبا للتسمية جهرا كما في كلام الثاني.
وبه صرح صاحب الحدائق، قال بعد نقل كلاميهما. فإن اشتمل الكلام
على الصوت سمي جهرا أسمع قريبا أو لم يسمع، وإن لم يشتمل عليه سمي إخفاتا
كذلك، وفسره نفسه به أيضا، قال: ولا لجملة المتبادر عرفا من الجهر ما اشتمل
على هذا الهزيز الذي هو الصوت لأن كان خفيا، وما لم يشتمل عليه فإنه يسمى
إخفاتا وإن أسمعه قريبا (4).
والاخفات يتضمن إخفاء الصوت وهمسه، إما مع عدم إسماع الغير كما هو
المحتمل، أو مطلقا كما هو الظاهر.
ثم دليل الأولين الاجماع المنقول، ومتابعة اللغة، حيث إن الجهر هو
الاعلان، أي الاظهار، والاخفات هو الاسرار، أي الكتمان، كما صرح بهما في
الصحاح والقاموس (5)، ولا شك أن الاظهار هو الاظهار للغير، والكتمان الاخفاء
عنه، فالجهر لا يتحقق إلا مع إسماع الغير ومعه يتحقق، والاخفات لا يتحقق إلا

(1) روض الجنان: 265.
(2) منهم الفيض في المفاتيح 1: 134، وصاحب الحدائق 8: 140.
(3) كما في الحدائق 8: 139.
(4) الحدائق 8: 139 و 140.
(5) الصحاح 1: 248 و ج 2: 618، القاموس المحيط 1: 152 و 409.
163

مع عدم إسماعه وإن اشترط إسماع نفسه بدليل آخر.
ويضعف الأول: بعدم حجية الاجماع المنقول، مع أنه لا يتعين أن يكون
على معنى الجهر والاخفات، بل يمكن أن يكون المراد الاجماع على أن أقل ما يجهر
به إسماع الغير وإن كان الجهر غير الاسماع، يعني لا يكفي في الجهر مجرده بل يجب
إسماع الغير أيضا، كما أنه لا يكفي في الاخفات مطلق الاخفاء بل يجب إسماع
نفسه.
والثاني: بأن تفسير الجهر والاخفات بما ذكر معارض بتفسير ما في الكتابين
أيضا برفع الصوت وجعله عاليا، والاخفات بالاسكان، وأن المتبادر من الاعلان
والكتمان العرفيان، ولا يتحقق الأول بمجرد إسماع القريب كيف كان ولو مع
همس الصوت، كما لا ينافي الثاني ذلك أيضا، ولو سلم فلا شك في استلزام إسماع
النفس لاسماع الغير إذا قرب أذنه الفم بقدر أذن المتكلم أو أقرب منه.
وإرادة إسماع الغير في بعض الأوضاع في الجهر وعدمه كذلك في الاخفات
تجوز خارج عن متابعة اللغة.
وبالجملة: مطلق الاعلان والكتمان غير مراد، ونوع خاص منهما خروج عن
متابعة اللغة، مع عدم دليل عليه.
وليل الآخرين وجوب الرجوع إلى العرف في تعيين معاني الألفاظ، لأنه
المحكم فيما لم يرد فيه توقيف. ولا ريب أن اسماع الغير لا يسمى جهرا ما لم يتضمن
صوتا، وما لم يتضمن الصوت يسمى إخفاتا وإن أسمعه الغير. وتقديم اللغة على
العرف ممنوع سيما مع التعارض.
مع أنه روي في العيون أن أحمد بن علي صحب الرضا عليه السلام فكان
يسمع ما يقوله في الأخراوين من التسبيحات (1).
وبضعف الأول: بأن الرجوع إلى العرف في تعيين معنى اللفظ إنما هو إذا

(1) عيون أخبار الرضا 2: 178 / 5، الوسائل 6: 110 أبواب القراءة ب 42 ح 8.
164

كان عرف المتكلم أو مطلقا مع عدم العلم بتغايره. للغة، وأما عرف الزمان
المتأخر
عن زمانه المغاير للغة فلا يرجع إليه أبدا. مع أن مساعدة العرف لما ذكروه غير
معلومة، إذا موافقة عرف العرب فيهما له غير ثابتة، ومرادفهما من سائر اللغات
غير معين حتى يرجع إليها.
والثاني: بأن تماميته موقوفة على وجوب الاخفات في التسبيحات في
الأخيرتين، وهو ممنوع.
ومنه يظهر ضعف دليل الطرفين، ولكن نقول: أن الجهر المأمور به في
الأخبار على هذا يكون مجملا بين معان ثلاثة: التصويت، أو اسماع الغير، أو هما
معا، والاخفات أيضا كذلك: الهمس، أو عدم إسماع الغير، أو هما معا.
وليس قدر مشترك يحكم بوجوبه ويعمل في الزائد بأصل البراءة، والاشتغال
اليقيني يستدعي اليقين بالبراءة وهو لا يحصل إلا بأن يوجب في الجهر الوصفان:
التصويت وإسماع الغير، وفي الاخفات: الهمس وعدم إسماعه، عملا بأصل
الاشتغال، فيجبان معها.
ويظهر أن الواجب في الجهرية التصويت مع إسماع الغير، وفي الاخفاتية
الهمس مع عدم إسماعه الكلام والقراءة، لا الهمهمة أو صفير بعض الحروف أو
قلقلته ونحوهما، فإنه لا حجر فيه قطعا.
فإن قيل: التصويت يستلزم إسماع الغير، كما أن عدم إسماعه لا
ينفك عن الهمس، فيكون إسماع الغير في الجهر والهمس في الاخفات واجبا على
جميع الأقوال، فيتحقق القدر المشترك.
قلنا: لو سلم ذلك يعلم - بانضمام الاجماع على عدم جواز اجتماعهما
في صلاة واحدة - لزوم تغاير آخر بينهما أيضا من التصويت في الجهر أو عدم
الاسماع في الاخفات، ولا يتعين، فيعمل بأصل الاشتغال.
والمراد بالغير اللازم عدم إسماعه ليس الغير المتصل بالشخص، أو القريب
بقدر لا يتعارف القرب بهذا القدر عادة، بل بقدر يتعارف من قرب الغير وبعده.
165

ه‍: لا جهر على المرأة في مواضعه إجماعا محققا، ومحكيا
مستفيضا (1)، للأصل، إما لأجل اختصاص النصوص الموجب له بحكم
التبادر ومقتضى سياق أكثرها بالرجل - كما قيل (2) - وإن كان محل تأمل، أو
لأجل عدم معلومية المأمور في الصحيحتين اللتين هما المعول عليهما في
المقام (3)، وعدم إطلاق فيهما، وإطلاق الأمر والوجوب لا يقتضي إطلاق
المأمور. والرواية مخصوصة بالنبي صلى الله عليه وآله (4)، ويتوقف التعميم
فيها على الاجماع المركب المفقود في المقام.
وللمروي في قرب الإسناد: هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال:
لا، إلا أن تكون امرأة تؤم النساء، فتجهر بقدر ما تسمع) (5).
ولا يعارضه ذيله، لضعف الرواية المحتاج رفعه إلى الجابر، وهو مختص
بصدره.
ومنه يظهر عدم وجوب الاخفات في مواضعه أيضا، كما صرح به جماعة (6)،
وإن أوهم تخصيص النفي بالجهر في كثير من العبارات وجوبه، ولا دليل له.
فيجوز لهن كل من الجهر والاخفات في كل من الموضعين، إلا أن تعلم
بسماع صوتها الأجانب، فلا يجوز الجهر لها فيما لا يجوز لها الاسماع.
وهل تبطل الصلاة حينئذ؟.
الظاهر: نعم، للنهي الموجب للفساد (7)، وهو وإن كان متعلقا بالعارض

(1) كما في المعتبر 2: 178، والتذكرة 1: 117، والذكرى: 190.
(2) انظر: الرياض 1: 162.
(3) المتقدمتين في ص 157.
(4) المتقدمة في ص 158.
(5) قرب الإسناد: 223 / 867، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة ب 31 ح 3.
(6) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 265، والأردبيلي في مجمع
الفائدة 2: 228، وصاحب الرياض 1: 162.
(7) انظر: الوسائل 20 / 197 أبواب مقدمات النكاح ب 106، والمستدرك 14: 272،
أبواب مقدمات
النكاح ب 83.
166

الأخص من وجه، إلا أن الحق الفساد معه أيضا.
و: يجب أن لا يبلغ الجهر العلو المفرط، كما صرح به المحقق الثاني (1)،
وغيره (2)، لموثقة سماعة: عن قول الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت
بها) (3)، قال: (المخافتة ما دون سمعك، والجهر أن ترفع صوتك شديدا) (4).
والمرويين في تفسير القمي: أحدهما: في قوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك
ولا تخافت بها) ذلك الجهر بها رفع الصوت، والمخافتة: ما لم تسمع بأذنك) (5).
وثانيهما: (الاجهار: رفع الصوت عاليا، والمخافتة: ما لم تسمع
نفسك) (6).
وعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للصلاة حين نزول الآية غير ضائر، لأن
القراءة في الصلاة دعاء أيضا، مع تصريح صحيحة ابن سنان: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: على الإمام أن يسمع من خلفه وإن كثروا؟ فقال: ليقرأ قراءة
وسطا يقول الله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) (7) بشمول الآية للصلاة،
مضافا إلى إيجابها للقراءة الوسطى أيضا.
ولا الاخفات حدا لا يسمع نفسه القراءة، أي الكلام والحروف إجماعا،
لما مر من الموثقة والروايتين، إذ بدونه لا تخرج الحروف عن مخارجها ومع خروجها
عنها يسمعها قطعا، ولأن ما لا تسمع حروفه لا يعد قراءة ولا فاتحة.

(1) جامع المقاصد 2: 260.
(2) كالشهيد الثاني في روض الجنان: 265.
(3) الإسراء: 110.
(4) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 21، التهذيب 2: 290 / 1164، الوسائل 6: 96
أبواب القراءة في 33 ح 2.
(5) تفسير القمي 2: 30، الوسائل 6: 98 أبواب القراءة ب 33 ح 6.
(6) تفسير القمي 2: 30، المستدرك 4: 199 أبواب القراءة ب 26 ح 5.
(7) الكافي 3: 317 الصلاة ب 21 ح 27، الوسائل 6: 97 أبواب القراءة ب 33 ح 3.
167

وصحيحة زرارة: (لا يكتب من القرآن والدعاء إلا ما أسمع نفسه) (1).
وأما صحيحة الحلبي: هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال: (لا
بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة) (2).
فإن الهمهمة الصوت الخفي كما في القاموس (3) من غير تقييد بتشخيص
الحروف.
فلا تنافيها، لوجوب في تقييدها بما إذا تضمن سماع الحرف أيضا بصحيحة
زرارة، لأن الموصول فيها هو القرآن والدعاء، وإسماعهما لا يكون إلا بإسماع
حروفهما.
أو بحال التقية، حيث إن الأدلة المذكورة مختصة بغيرها إجماعا ونصا،
كمرسلة محمد بن أبي حمزة: (يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس) (4).
وصحيحة ابن يقطين: عن الرجل يصلي خلف من لا يقتدى بصلاته
والإمام يجهر بالقراءة، قال: (اقرأ لنفسك، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس) (5).
ومنه يظهر كون الأدلة أخص من صحيحة علي أيضا: عن الرجل له أن
يقرأ في صلاته ويحرك لسانه في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال: (لا بأس أن
[لا] يحرك لسانه يتوهم توهما، (6) فتخص هي أيضا بها.

(1) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 6، التهذيب 2: 97 / 363، الإستبصار
320 / 1194، الوسائل 6: 96 أبواب القراءة ب 33 ح 1.
(2) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 15، التهذيب 2: 97 / 364، الإستبصار 1:
320 / 1195، الوسائل 6: 97 أبواب بالقراءة ب 33 ح 4.
(3) قال في القاموس 4: 194 الهمهمة: الكلام الخفي. وفي لسان العرب 12: 622:
الصوت الخفي.
(4) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 16، التهذيب 2: 97 / 366، الإستبصار 1:
321 / 1197، الوسائل 6: 128 أبواب القراءة ب 52 ح 3.
(5) التهذيب 3: 36 / 129، الإستبصار 1: 430 / 1663، الوسائل 6: 127 أبواب
القراءة ب 52 ح 1.
(6) التهذيب 2: 97 / 365، الإستبصار 1: 321 / 1196، الوسائل 6: 128 أبواب
القراءة ب
52 ح 2، وما بين المعقوفين من المصدر.
168

ز: وجوب الجهر والاخفات في مواضعهما مختص بالقراءة خاصة
دون غيرها من الأذكار، بلا خلاف كما قيل (1)، للأصل، وعدم ثبوت الزائد
من أدلتهما، وصحيحة علي: عن التشهد والقول في الركوع والسجود
والقنوت للرجل أن يجهر به؟ قال: (إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر) (2).
ح: حكم القضاء - ولو عن الغير تبرعا أو إجارة مع اتحاد القاضي والمقضي عنه
ذكورية وأنوثية - في الجهر والاخفات حكم الأداء، بالاجماع، كما عن الخلاف
والمنتهى (3). وهو الحجة فيه، دون عموم التشبيه في قوله: (فليقضها كما فاتته) (4)
لمنع العموم. ودون أدلة وجوب الجهر أو الاخفات، لعدم شمولها للمورد بعموم
أو إطلاق.
ومع اختلافهما - كالرجل يقضي عن المرأة وبالعكس - فقيل: المعتبر حال
القاضي (5).
والحق عندي: التخيير، لانتفاء الاجماع المقتفي للتعيين فيه.
ط: القدر الواجب أن تسمى القراءة جهرية أو إخفاتية عرفا، فلا يضر الجهر
بحرف أو كلمة وكلمتين ونحوها في الاخفاتية وبالعكس، لبقاء التسمية.
المسألة الثالثة والعشرون: تستحب في القراءة أمور:

(1) انظر: الحدائق 8: 143، والرياض 1: 162.
(2) التهذيب 2: 313 / 1272، قرب الإسناد: 198 / 758، الوسائل 6: 290 أبواب
القنوت ب 20 ح 2.
(3) الخلاف 1: 387، المنتهى 1: 277.
(4) عوالي اللآلئ 2: 54 / 143 و ج 3: 107 / 150.
(5) كما في الحدائق 8: 144.
169

منها: الجهر بالبسملة في أول الحمد والسورة في مواضع الاخفات، في جميع
الركعات، للإمام والمأموم، على الأظهر الأشهر، كما صرح به جماعة منهم المنتهى
وشرح القواعد والمدارك (1)، بل عن الخلاف وفي ظاهر الذكرة الاجماع عليه (2).
لنا على نفي الوجوب: إطلاق صحيحة الحلبيين: عمن يقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: (نعم إن شاء سرا وإن شاء
جهرا) (3).
وما صرح بجهر المعصوم بها في صلاة لا يجهر فيها كصحيحة صفوان:
صليت خلف أبي عبد الله أياما، كان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن
الرحيم، فإن كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم (4).
وروايته: صليت خلف أبي عبد الله إياما، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها
جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وكأن يجهر في السورتين جميعا (5).
وحسنة الكاهلي: صلى بنا أبو عبد الله عليه السلام في مسجد كاهل، فجهر
مرتين ببسم الله الرحمن الرحيم وأخفى (6).
أو في جميع صلواته بالليل والنهار، كالمروي في العيون: إن الرضا عليه

(1) المنتهى 1: 278، جامع المقاصد 2: 268، المدارك 3: 360.
(2) الخلاف 1: 331، التذكرة 1: 116.
(3) التهذيب 2: 68 / 249، الإستبصار 1: 312 / 1161، الوسائل 6: 61 أبواب
القراءة ب 12 ح 2.
(4) التهذيب 2: 68 / 246، الإستبصار 1: 310 / 1154، الوسائل 6: 57 أبواب
القراءة ب 11 ح 1.
(5) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 20، الوسائل 6: 74 أبواب القراءة ب 21 ح 1.
(6) التهذيب 2: 288 / 1155، الإستبصار 1: 311 / 1157، الوسائل 6: 57 أبواب
القراءة ب 11 ح 4.
170

السلام كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلواته بالليل والنهار (1)
المنجبر ضعفه - لو كان - بما مر.
وعدم ثبوت قراءته في الأخيرتين حتى يجهر بالبسملة غير ضائر، لعدم ثبوت
وجوب الاخفات فيهما، مع أنه على فرض تسليمه لا دليل على وجوب إخفات
البسملة فيهما أيضا كما لا يخفى، فيعمل فيهما بالأصل.
وعلى الاستحباب: ما مر من الشهرة والاجماع المنقول الكافيين هنا
- للتسامح - مؤيدين بما مر من جهر الإمام، وبالمستفيضة الناطقة بأن من علامات
المؤمن أو الشيعة الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (2).
وجعلهما دليلين على المطلوب غير جيد.
أما الأول، فلجواز كون جهر الإمام على الجواز، وعدم ثبوت رجحان
متابعة غير النبي فيما لم يعلم وجهه، مضافا إلى اختصاص غير رواية العيون بحال
الجماعة فلا يدل على غيرها.
ولا يرد النقض باختصاصه بإمام الأصل أيضا مع أنه لا يقال به، لأنه
لعدم قول به.
وأما الثاني، فلأنه لا عموم فيه بالنسبة إلى محل الجهر، بل هو إما مطلق في
مقام الاثبات فيكتفى فيه بفرد، أو مجمل. وإرجاعه إلى العموم - كما قيل (3) - لا
وجه له.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فخص الاستحباب بالإمام (4)، والحلي
فخصه بالركعتين الأوليين (5)، محتجين بلزوم الاقتصار - فيما خالف لزوم الاخفات
المجمع عليه - على المتيقن، وهو الإمام فقط عند الأول، والأوليان عند الثاني.

(1) عيون أخبار الرضا 2: 181، الوسائل 6: 76 أبواب القراءة ب 21 ح 7.
(2) انظر: الوسائل 14 / 478 أبواب المزار ب 56.
(3) انظر: الرياض 1: 162.
(4) حكاه عنه في المختلف: 93.
(5) السرائر 1: 218.
171

ويضعفان بمنع كون الاخفات مطلقا مجمعا عليه، وإنما هو في غير المسألة،
ولا عموم ولا إطلاق يشمل الجميع سوى رواية الفقيه (1) العامة بالنسبة إلى ما تقدم
فتخص به، مع أنها - كما مر - لا تدل على لزوم الاخفات في الأخيرتين.
وهو وجه آخر لتضعيف الثاني، إذ اللازم الاقتصار - في وجوب الاخفات
المخالف للأصل - على ما يشمله النص، وهو غير الأخرتين.
والقاضي، فأوجب الجهر بها مطلقا (2)، وهو ظاهر الصدوق في الفقيه (3)،
بل جعله في الأمالي من دين الإمامية (4).
والحلبي، ففي الأوليين خاصة (5).
لمداومتهم عليهم السلام على ذلك.
وللاحتياط.
ودعوى الاجماع.
والمروي في الخصال: (والاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة
واجب) (6).
وصحيحة ابن قيس في خطبة طويلة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام يذكر
فيها بدع الخلفاء، فقال: (قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم) إلى أن قال: (وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم) الحديث (7).
ويدفع الأول: بالمنع، وعدم الدلالة على الوجوب لو ثبت.

(1) الفقيه 1: 202 / 925.
(2) المهذب 1: 92.
(3) الفقيه 1: 202.
(4) أمالي الصدوق: 511.
(5) الكافي في الفقه: 117.
(6) الخصال: 604، الوسائل 6: 75 أبواب القراءة ب 21 ح 5.
(7) الكافي 8: 58 / 21، الوسائل 1: 457 أبواب الوضوء ب 38 ح 3.
172

والثاني: بمنع كونه احتياطا - لوجود القول بالحرمة - وعدم وجوب
الاحتياط.
والثالث: بالمعارضة بنقل الحلي الاجماع على صحة الصلاة بترك الاجهار
مطلقا (1)، وعدم الحجية.
والرابع - بعد تسليم ثبوت الحقيقة الشرعية في الوجوب كما هو الأظهر -
بوجوب تخصيصه بصحيحة الحلبيين المقدمة، لاختصاصها بغير الجهرية من
الصلاة إجماعا. مضافا إلى ضعفه، لمخالفته الشهرتين العظيمتين.
وبهما يدفع الخامس أيضا.
مضافين إلى عدم عمومهما، فإرادة الأوليين من الصلاة الجهرية ممكنة.
ومنها: الاستعاذة بعد التوجه قبل القراءة إجماعا، كما عن الخلاف والمجمع
والذكرى (2)، وغيرها (3)، له، وللآية (4)، والمعتبرة، كصحيحة الحلبي: (إذا
افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كثر ثلاث تكبيرات) إلى أن
قال: (ثم تكبر تكبيرتين) إلى أن قال أيضا (ثم تكبر تكبيرتين) إلى أن قال:
(ثم تعوذ من الشيطان الرجيم، ثم اقرأ فاتحة الكتاب (5).
ومرسلة الفقيه وفيها: (ثم كبر تكبيرتين وقل: وجهت وجهي) إلى قوله:
(وأنا من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن
الرحيم) (6).
وموثقة سماعة: عن الرجل يقوم في الصلاة فنسي فاتحة الكتاب، قال:

(1) السرائر 1: 218.
(2) الخلاف 1: 324، مجمع البيان 3: 385، الذكرى: 191.
(3) كالمنتهى 1: 269، وجامع المقاصد 2: 271، والبحار 82: 7، وكشف اللثام
1: 221.
(4) النحل: 98: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم).
(5) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67 / 244، الوسائل 6: 24
أبواب تكبيرة الاحرام ب 8 ح 1.
(6) الفقيه 1: 197 / 917.
173

(فليقل: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إن الله السميع العليم، ثم يقرؤها
ما دام لم يركع) (1).
والمروي في قرب الإسناد: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام
المغرب، فتعوذ بإجهار (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وأعوذ
بالله أن يحضرون) (2).
وفي تفسير الإمام: (أما قوله الذي ندبك الله إليه وأنزل عند قراءة القرآن:
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم (3).
والرضوي: (ثم افتتح الصلاة وارفع يديك) ثم ذكر تكبيرات الافتتاح إلى
أن قال: (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن
الرحيم) (4).
وفي الدعائم: (تعوذ - بعد التوجه - من الشيطان الرجيم، تقول: أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم) (5).
وظاهر الآية وبعض الروايات وإن كان الوجوب - كما عن ولد الشيخ (6) -
إلا أن الاجماع المحقق على عدمه، مضافا إلى رواية الأحنف - المنجبر ضعفها لو
كان بما ذكر -: (إذا قرأت بسم الله الرحمن الرحيم فلا تبال أن لا تستعيذ) (7)
ورواية حماد الطويلة المتضمنة لصلاة الإمام عليه السلام (8)، يدفعه.

(1) التهذيب 2: 147 / 574، الإستبصار 1: 354 / 1340، الوسائل 6: 89 أبواب
القراءة ب 28 ح 2.
(2) قرب الإسناد: 124 / 436، الوسائل 6: 134 أبواب القراءة ب 57 ح 5.
(3) تفسير الإمام العسكري (ع): 16، الوسائل 6: 197 أبواب قراءة
القرآن ب 14 ح 1. بتفاوت يسير.
(4) فقه الرضا (ع): 104 و 105، مستدرك الوسائل 4: 213 أبواب القراءة ب 43 ح 1.
(5) دعائم الاسلام 1: 157، مستدرك الوسائل 4: 213 أبواب القراءة ب 43 ح 2.
(6) حكاه عنه في الذكرى: 191.
(7) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 3، الوسائل 6: 59 أبواب القراءة ب 11 ح 8،
وفيهما: عن فرات بن أحنف....
(8) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، التهذيب 2: 81 / 301،
الوسائل
5: 459 و 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و 2.
174

والمشهور أن محلها الركعة الأولى من كل صلاة خاصة، وفي المنتهى وشرح
القواعد وعن ظاهر الذكرى الاجماع عليه (1).
فإن ثبت فهو، وإلا فعموم الآية والموثقة يثبته في كل ركعة يقرأ فيه، وهو
الأقوى.
إلا أن يراد استحبابه من جهة الصلاة فلا شك في انتفائه في غير الركعة
الأولى لعدم الدليل. ولكن لا دليل على ثبوته فيها أيضا، إذ لا يثبت من أدلته
الزائد على استحبابه، وهو ثابت لأجل ابتداء القراءة، وغيره غير معلوم، وكلام
القوم أيضا غير ناص فيه بل احتجاجهم بالآية قرينة على عدم إرادته.
والحاصل: أنه إن أريد استحبابه من جهة أنه دعاء أو ابتداء قراءة فلا دليل
على تخصيصه بالأولى، وإن أريد من جهة الصلاة فلا دليل على ثبوته فيها أيضا.
والظاهر كفاية كل ما يؤدي الاستعاذة بالله من الشيطان.
والأولى ذكر ما ورد في الروايات من قولهم عليهم السلام: أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم.
أو: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم، كما في
الأخبار المقدمة.
أو: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، كما ذكرها في النفلية (2). وقال
شارحها: وهذه الصيغة محل وفاق (3)، وبها رواية الخدري: إن النبي صلى الله
عليه وآله وسلم كان يقول قبل القراءة: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) (4).
ويستحب الاسرار بها ولو في الجهرية، لأنه المشهور، بل عليه الاجماع عن

(1) المنتهى 1: 270، جامع المقاصد 2: 271، الذكرى: 191.
(2) النفلية: 220.
(3) حكاه عنه في الحدائق 8: 162.
(4) الذكرى: 191، الوسائل 6: 135 أبواب القراءة ب 57 ح 6.
175

الخلاف (1)، وقيل: بلا خلاف أجده (2)، وأمثال ذلك كاف في المقام.
ولا تنافيه رواية قرب الإسناد المتقدمة، لجواز الاجهار قطعا، وعدم وجوب
المستحبات عليهم دائما.
ومنها: الترتيل في القراءة إجماعا محققا، ومحكيا مستفيضا (3)، وكتابا وسنة،
ففي مرسلة ابن أبي عمير: (ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل في قراءته) الحديث (4).
وقد أجمع أئمة اللغة على أخذ التأني في القراءة والتبين في الحروف والحركات
في معناه (5)، وتدل عليه رواية ابن سنان: عن قول الله تعالى: (ورتل القرآن
ترتيلا) (6)، قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: تبينه تبيانا، ولا تهذه هذ الشعر
، ولا تنثره نثر الرمل، ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية، ولا يكن هم أحدكم آخر
السورة) (7) والهذ: السرعة.
فهو المستحب.
وأما ما زاد على ذلك، من توفية الحق من الاشباع كما في المغرب
والكشاف (8)، وحسن التأليف كما في القاموس (9)، وعدم مد الصوت كما عن نهاية
الفاضل (10)، وتحسين الصوت كما في رواية ضعيفة فسره فيها بأن تمكث فيه وتحسن
به صوتك (11)، ومراعاة صفات الحروف من الهمس والجهر والاستعلاء والاطباق

(1) الخلاف 1: 327.
(2) كما في الرياض 1: 162.
(3) كما في المدارك 3: 361، والحدائق 8: 172، والرياض 1: 163.
(4) التهذيب 2: 124 / 471، الوسائل 6: 68 أبواب القراءة ب 18 ح 1.
(5) انظر: مجمع البحرين 5: 378، والنهاية لابن الأثير 2: 194، ولسان العرب 11:
265.
(6) المزمل: 4.
(7) الكافي 2: 614 فضل القرآن ب 9 ح 1، الوسائل 6: 207 أبواب قراءة
القرآن ب 21 ح 1، وفيهما: عن عبد الله بن سليمان....
(8) المغرب 1: 201، الكشاف 4: 637.
(9) القاموس المحيط 3: 392.
(10) نهاية الإحكام 1: 476.
(11) مجمع البيان 5: 377، الوسائل 6: 207 أبواب القراءة القرآن ب 21 ح 4.
176

والغنة وغيرها كما في النفلية (1)، وحفظ الوقوف كما في رواية ضعيفة منسوبة إلى
مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قال فيها: (إنه حفظ الوقوف وبيان الحروف) (2).
فلم يثبت استحبابه من جهة اعتباره في الترتيل لأن قلنا باستحباب بعض
ما ذكر من جهة أخرى:
فنقول باستحباب الاشباع في الحركات، لامكان إدخاله في لحن العرب
المرغب إلى القراءة به في بعض الأخبار (3).
وتحسين الصوت، باعتبار الرواية المتقدمة للتسامح في أدلة السنن وإن لم
يتسامح من جهة تفسير الترتيل.
وحفظ الوقوف، لمثل ما ذكر أيضا. والمراد به إما المحافظة على الوقوف المثبتة
في المصاحف أي أواخر الآيات، أو المحافظة على موضع الوقف بأن لا يقف إذا
أراد الوقف إلا في موضع يحسن فيه الوقف، فيقف على التام ثم الحسن ثم الجائز،
فعلى الأول يكون الوقوف جمعا واللام فيه للعهد، وعلى الثاني يحتمله ويحتمل
المصدرية واللام تكون جنسية.
ولا يتعين الوقف على موضع وجوبا، ولا يحرم في موضع ما لم يختل به
النظم، للأصل، والاجماع.
وكذا لا يتعين التنفس في موضع ولا عدمه فيه، لما ذكر. وفي صحيحة علي
التصريح بجواز قراءة الفاتحة وسورة أخرى بنفس واحد (4).
ومنها: ترك قراءة سورة قل هو الله أحد بنفس واحد، لرواية محمد بن
يحيى (5).
ومنها: قراءة السور المعينة في الفرائض.

(1) النفلية: 22.
(2) تفسير الصافي 1: 61، الوافي 9: 1739.
(3) الكافي 2: 614 فضل القرآن ب 9 ح 3، الوسائل 6: 210 أبواب القراءة القرآن
ب 24 ح 1.
(4) التهذيب 2: 296 / 1193، قرب الإسناد: 203 / 783، الوسائل 6: 113 أبواب
القراءة ب 46 ح 1.
(5) الكافي 3: 314 الصلاة ب 21 ح 11، الوسائل 6: 114 أبواب القراءة ب 46 ح 3.
177

وبيان المقام: أنه لا يجب في شئ من الفرائض سورة معينة إجماعا قطعيا،
وبه يحمل بعض ما يتضمن الأمر على الاستحباب، وإنما اختلفت الأخبار وكلمات
العلماء الأخيار في المستحب منها في بعض الموارد.
واللازم فيها أن ما اتفقت أدلة الاستحباب فيه يحكم باستحبابه، وما
اختلفت فيه فإن كان الاختلاف في نفس الاستحباب أو الأفضلية يعمل
بالراجح، ومع انتفاء الرجحان بالتخيير، وإن كان بسبب مراتبه بأن يدل دليل على
استحباب هذه السورة والآخر على أفضلية سورة أخرى فيعمل بالدليلين لعدم
المنافاة، فيحكم بفضيلة للأولى وأفضلية للثانية.
وعلى هذا فالمستحب في غير ليلة الجمعة ويومها قراءة (الأعلى) (والشمس)
ونحوهما في الظهر والعشاء، (وإذا جاء) (والتكاثر) وشبههما في العصر والمغرب،
(وعم) (وهل أتى) (ولا أقسم) ومثلها في الغداة، لصحيحة محمد المصرحة بأنه
يقرأ كذلك (1).
ولا تنافيها صحيحة عيسى بن عبد الله الحاكية لقراءة رسول الله صلى الله
عليه وآله الأوليين بما وب (هل أتيك) وشبهها، وفي الثانيتين ب (التوحيد،
(وإذا جاء) (وإذا زلزلت)، وفي الأخيرة بما مر (وهل أتيك) وشبهها (2).
لامكان إدخال محل الاختلاف في الشبه، مع أنها لا تدل على استحباب
الجميع فلعل البعض على الجواز.
نعم ظاهر الرضوي: (اقرأ في صلاة الغداة: المرسلات، وإذا الشمس
كورت، ومثلهما، وفي الظهر: إذا السماء انفطرت، وإذا زلزلت، ومثلهما، وفي
العصر: والعاديات، والقارعة، ومثلهما، وفي المغرب: والتين، وقل هو الله أحد،
ومثلهما، وفي يوم الجمعة وليلة الجمعة: بسورة الجمعة، والمنافقين) (3) ينافيها
في

(1) التهذيب 2: 95 / 354، الوسائل 6: 117 أبواب القراءة ب 48 ح 2.
(2) التهذيب 2: 95 / 355، الوسائل 6: 116 أبواب القراءة ب 48 ح 1.
(3) فقه الرضا (ع): 124، مستدرك الوسائل 4: 257 أبواب القراءة ب 36 ح 1.
178

العصر والمغرب.
ولم أعثر على مصرح بمضمونه، وبه مع ما فيه من الضعف يصير مرجوحا،
فالعمل على ما مر، فيقرأ واحدة مما مر في الركعتين مما ذكر، أو كل واحدة في
ركعة،
لصدق الامتثال بالأمرين.
خلافا للمشهور، فقالوا باستحباب قراءة سور المفضل وهي من سورة
(محمد) إلى آخر القرآن عند الأكثر (1)، وقيل من (الجاثية) (2)، وقيل من
(الحجرات) (3)، وقيل من (الفتح) (4) وقيل من (ق) (5)، وقيل من (الأعلى) (6) وقيل
من (الضحى) (7)، سميت به لكثرة ما يقع فيها من فصول التسمية.
فمطولاتها وهي من (محمد) إلى (عم) في الصبح، ومتوسطاتها وهي من
(عم) إلى (الضحى) في العشاء، وقصارها وهي من (الضحى) إلى آخر القرآن في
الظهرين والمغرب، وخصوص (هل أتى) في الأولى من غداة الاثنين والخميس،
وزاد الصدوق (هل أتيك) في ثانيتها) (8).
ولم أعثر على رواية من طرقنا تدل على حكم غير غداة اليومين، مع كونه
مخالفة لوجوه كثيرة لما وز في أخبارنا الصحيحة، سيما في التفرقة بين الظهر
والعشاء المصرح في الصحيحة المتقدمة بأنهما سواء.
نعم هو للعامة موافق (9)، وبه تترك الشهرة التي يمكن التمسك بها في مقام
المسامحة أيضا.
وأما حكم غداة اليومين فاستدل عليه برواية رجاء الآتية (10)، وهي عليه
غير دالة، لجواز كون ما فعل أحد أفراد ما يستحب.

(1) منهم صاحب المدارك 3: 363، وصاحب الحدائق 8: 176.
(2) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.
(3) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.
(4) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.
(5) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.
(6) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.
(7) انظر الإتقان للسيوطي 1: 221.
(8) الفقيه 1: 201.
(9) انظر: المغني لابن قدامة 1: 568.
(10) في ص 181.
179

نعم روى أبو علي ابن الشيخ في مجالسه، عن أبي الحسن العسكري عليه
السلام: (من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ في أول ركعة من صلاة
الغداة هل أتى على الانسان) (1).
والصدوق في ثواب الأعمال: (من قرأ سورة هل أتى على الانسان في كل
غدوة خميس زوجه الله من الحور العين ثمان مائة عذراء وأربعة آلاف ثيب) (2).
وهما لا يدلان إلا على تعيين ثواب، ولا شك أن لغيرهما أيضا ثوابا ولم تثبت
أقليته، فلا يفيدان، مع أن الأخير لا يثبت حكم الصلاة.
ثم ما ذكر هو المستحب، والأفضل منه - وفاقا للفقيه (3) - قراءة القدر
والتوحيد في الجميع، الأولى في الأولى، والثانية في الثانية، لرواية أبي علي بن
راشد: قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك، إنك كتبت إلى محمد بن
الفرج تعلمه أن أفضل ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه وقل هو الله أحد، وإن
صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر، فقال عليه السلام: (لا يضيق صدرك بها، فإن
الفضل والله فيهما) (4).
والمروي في فلاح السائل: يسأله عما يقرأ في الفرائض، وعن أفضل ما يقرأ
فيها، فكتب عليه السلام إليه: (إن أفضل ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه في
ليلة القدر وقل هو الله أحد) (5).
والتوقيع المروي في كتابي الغيبة والاحتجاج: كتب إليه: إن العالم عليه
السلام قال: (عجبا لمن لم يقرأ في صلاته إنا أنزلناه في ليلة القدر كيف تقبل

(1) أمالي الطوسي: 228، مستدرك الوسائل 4: 210 أبواب القراءة ب 38 ح 2.
(2) ثواب الأعمال: 121، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 50 ح 2.
(3) الفقيه 1: 201.
(4) الكافي 3: 315 الصلاة ب 21 ح 19، التهذيب 2: 290 / 1163، الوسائل 6: 78
أبواب القراءة ب 23 ح 1.
(5) فلاح السائل: 162، مستدرك الوسائل 4: 190 أبواب القراءة ب 19 ح 1.
180

صلاته؟!) وروي: (ما زكت صلاة لم يقرأ فيها بقل هو الله أحد) إلى آخر السؤال.
التوقيع: (الثواب في السورة على ما قد روي، وإذا ترك سورة مما فيها الثواب
وقرأ قل هو الله أحد وإنا أنزلناه لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة
التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير هاتين السورتين وتكون صلاته تامة، ولكنه يكون
قد ترك الأفضل) (1).
وتؤيده بل تدل عليه رواية منصور: (من مضى به يوم واحد فصلى فيه
الخمس صلوات ولم يقرأ فيها بقل هو الله أحد قيل له: يا عبد الله لست من
المصلين لما (2).
ومرسلة الفقيه، ورواية رجاء بن ضحاك، ورواية الصائغ المرويتان في
العيون:
الأولى: حكى من صحب الرضا عليه السلام إلى خراسان أنه كان يقرأ
في الصلاة في اليوم والليلة في الركعة الأولى الحمد وإنا أنزلناه، وفي الثانية
الحمد وقل هو الله أحد (2).
والثانية: كان الرضا عليه السلام في طريق خراسان قراءته في جميع
المفروضات في الأولى الحمد وإنا أنزلناه، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد
، إلا في صلاة الغداة والظهر والعصر يوم الجمعة فإنه كان يقرأ فيها بالحمد وسورة
الجمعة والمنافقين، وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة في الأولى الحمد
وسورة الجمعة وفي الثانية الحمد وسبح اسم ربك الأعلى، وكان يقرأ في صلاة
الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس في الأولى الحمد وهل أتى على الانسان، وفي
الثانية الحمد وهل أتيك حديث الغاشية (4).

(1) الغيبة: 231، الإحتجاج: 482، الوسائل 6: 79 أبواب القراءة ب 23 ح 5.
(2) الكافي 2: 22 6 فضل القرآن ب 13 ح 10، المحاسن: 96 / 56، ثواب الأعمال: 127،
الوسائل 6: 80 أبواب القراءة ب 24 ح 2.
(3) الفقيه 1: 202 / 923، الوسائل 6: 79 أبواب القراءة ب 23 ح 3.
(4) عيون أخبار الرضا 2: 180، الوسائل 6: 121 أبواب القراءة ب 50 ح
1 و ص 156 ب 70
ح 10، وفيهما: رجاء بن أبي الضحاك.
181

والثالثة: خرجت مع الرضا عليه السلام إلى خراسان، فما زاد في الفرائض
على الحمد وإنا أنزلناه في الأولى، والحمد وقل هو الله أحد في الثانية (1).
وأما الجمعة: فأما مغربها وعشاؤها فتستحب سورة الجمعة في الأولى منهما
والأعلى في الثانية.
كذلك عند الشيخ في النهاية والمبسوط (2)، والصدوق والسيد (3)، بل الأكثر
كما قيل (4)، لرواية أبي بصير: (اقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبح اسم ربك
الأعلى، وفي الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد) (5) ونحوه روى في قرب الإسناد (6).
وبتبديل الأعلى بالتوحيد في الثانية من الأولى عند الشيخ في المصباح
والاقتصاد (7)، لرواية الكناني: (إذا كان ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة
الجمعة
وقل هو الله أحد، وإذا كانت العشاء الآخرة فاقرأ بالجمعة وسبح اسم ربك
الأعلى، وإذا كانت صلاة العشاء يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة وقل هو الله
أحد) (8).
وبتبديلها بالمنافقين في الثانية من الثانية عند العماني (9)، لمرفوعة حريز
وربعي: (إن كانت ليلة الجمعة يستحب أن يقرأ في العتمة سورة الجمعة وإذا

(1) عيون أخبار الرضا 2: 206.
(2) النهاية: 78، المبسوط 1: 108.
(3) الصدوق في الفقيه 1: 201، السيد في الإنتصار: 54.
(4) انظر: المدارك 3: 364.
(5) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 2، التهذيب 3: 6 / 14، الإستبصار 1: 413 / 1582،
الوسائل 6: 118 أبواب القراءة ب 49 ح 2.
(6) قرب الإسناد: 360 / 1287، الوسائل 6: 156 أبواب القراءة ب 70 ح 11.
(7) مصباح المتهجد: 230، الإقتصاد: 262.
(8) التهذيب 3: 5 / 13، الوسائل 6: 119 أبواب القراءة ب 49 ح 4.
(9) حكاه عنه في المختلف: 94.
182

جاءك المنافقون، وفي صلاة الصبح مثل ذلك، وفي صلاة الجمعة مثل ذلك، وفي
العصر مثل ذلك) (1).
والأول وإن كان أشهر إلا أن لعدم التصريح في الروايتين بأنه في الصلاة
فيحتمل استحباب القراءة مطلقا، يكون العمل بالروايتين الأخيرتين، والقول
باستحباب الجمعة في الأولى منهما والتوحيد في الثانية من الأولى، والتخيير بين
الأعلى والمنافقين في الثانية من الثانية، الظهر وأولى.
إلا أن يجعل نفس الشهرة دليلا على المشهور فيحكم بالتخيير في ثانية الأولى
بين التوحيد والأعلى، وفي ثانية الثانية بينها وبين المنافقين.
وأما في غداتها، فتستحب الجمعة في أولاها إجماعا نصا وفتوى، والتوحيد
في ثانيتها عند الأكثر كما قيل (2)، لروايتي أبي بصير والكناني المتقدمتين، وصحيحة
الحسين بن أبي حمزة: ما أقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة؟ فقال: (اقرأ في الأولى
بسورة الجمعة وفي الثانية بقل هو الله أحد ثم اقنت حتى تكونا سواء) (3).
والمنافقون فيها، عند الصدوق والسيد (4)، للمرفوعة السابقة، والمروي في
العلل صحيحا: (اقرأ سورة الجمعة والمنافقين فإن قراءتهما سنة يوم الجمعة في
الغداة والظهر والعصر، فلا ينبغي لك أن تقرأ غيرهما في الظهر - يعني يوم الجمعة -
إماما كنت أم غير إمام) (5).
والرضوي: (واقرأ في صلاة الغداة يوم الجمعة سورة الجمعة في الأولى وفي

(1) التهذيب 3: 7 / 18، الإستبصار 1: 414 / 1585، الوسائل 6: 119 أبواب القراءة ب 49
ح 3.
(2) انظر: جامع المقاصد 2: 274.
(3) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 3، الوسائل 6: 121 أبواب القراءة ب 49 ح 10.
(4) الصدوق في الفقيه 1: 201، السيد في الإنتصار: 54.
(5) علل الشرائع: 355 / 1، الوسائل 6: 120 أبواب القراءة ب 49 ح 6.
183

الثانية المنافقين) الحديث (1).
ومقتضى الجمع التخيير، فهو كذلك.
وأما في صلاة الجمعة وظهرها وعصرها، فبالجمعة في الأولى والمنافقين في
الثانية إجماعا نصا وفتوى في الجمعة، لما ذكر.
وعلى الأظهر الأشهر في الظهر، لرواية رجاء المتقدمة، وصحيحة العلل
السابقة، وصحيحة الحلبي: عن القراءة في الجمعة إذا صتيت وحدي أربعا
أجهر بالقراءة؟ فقال: (نعم) وقال: (اقرأ بسورة الجمعة والمنافقين يوم
الجمعة) (3).
ومن غير خلاف يعرف في العصر، للمرفوعة السالفة، وصحيحة الحلبي.
وجوبا عند الصدوق في الظهر والجمعة (3)، وعند السيد في الجمعة
خاصة (4).
لأخبار دالة عليه بظاهرها، يمكن الذب عنها بأدنى عناية. مع وجوب
الحمل على الاستحباب قطعا بقرينة المرفوعة المتقدمة، وصحيحة علي: عن
الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمدا، قال: (لا بأس بذلك) (5).
والأخرى: عن الجمعة في السفر ما أقرأ فيها؟ قال: (اقرأ بقل هو الله
أحد) (6).

(1) فقه الرضا (ع): 128 مستدرك الوسائل 4: 207 أبواب القراءة ب 37 ح 1.
(2) الكافي 3: 425 الصلاة ب 76 ح 5، التهذيب 3: 14 / 49، الإستبصار
1: 416 / 1593، الوسائل 6: 16 أبواب القراءة ب 73 ح 3.
(3) المقنع: 45.
(4) الإنتصار: 54.
(5) التهذيب 3: 7 / 19، الإستبصار 1: 414 / 1586، الوسائل 6: 157
أبواب القراءة ب 71 ح 1.
(6) التهذيب 3: 8 / 23، الإستبصار 1: 415 / 1590، الوسائل 6: 157
أبواب القراءة ب 71 ح 2.
184

وصحيحة ابن سنان: في صلاة الجمعة (لا بأس بأن تقرأ فيها بغير الجمعة
والمنافقين إذا كنت مستعجلا) (1) والاستعجال أعم من الضرورة المبيحة وغيرها.
ورواية الأزرق: رجل صلى الجمعة، فقرأ سبح اسم ربك الأعلى وقل هو
الله أحد، قال: (أجزأه) (2) إلى غير ذلك.
وهذه الأخبار ما بين صريحة وظاهرة في جواز الترك في الجمعة، فكذلك في
الظهر، لعدم القول بالفرق إلا ما توهم من تخصيص الصدوق الوجوب
بالظهر (3)، وهو ليس كذلك.
مع أن الصحيحة الثانية صريحة في الظهر، لأن جمعة السفر ظهر. بل
يستفاد منها كون الظهر يطلق عليه الجمعة أيضا فيحتمل. الاستناد إلى سائر
الأخبار لعدم الوجوب في الظهر أيضا.
وهل الأفضلية المحكومة بها للقدر والتوحيد ثابتة في ليلة الجمعة ويومها
أيضا أم لا؟
الظاهر: الاتفاق على العدم، فبه تخصص أخبار أفضليتهما المطلقة. مضافا
إلى ظاهر رواية رجاء في الغداة والظهر والعصر، وصحيحة العلل في الظهر
والمستفيضة الآمرة بالرجوع عن التوحيد في صلاة الجمعة أو يوم الجمعة (4).
ومنها: الاجهار في النوافل الليلية، والاخفات في النهارية، إجماعا منا، كما

(1) الفقيه 1: 268 / 1225، التهذيب 3: 242 / 653، الوسائل 6: 157
أبواب القراءة ب 71 ح 3.
(2) التهذيب 3: 242 / 654، الإستبصار 1: 415 / 1592، الوسائل 6: 158
أبواب القراءة ب 71 ح 5.
(3) انظر: غنائم الأيام: 194.
(4) انظر: الوسائل 6: 102 أبواب القراءة ب 69.
185

في المنتهى وشرح القواعد وعن المعتبر والذكرى (1) وغيرها (2)، له، وللنصوص،
منها: مرسلة ابن فضال: (السنة في صلاة النهار الاخفات، والسنة في صلاة الليل
الاجهار) (3).
ومنها: قراءة التوحيد ثلاثين مرة في كل من الركعتين الأوليين من صلاة
الليل، وفاقا لجماعة (4)، لما رواه الشيخ في التهذيب، والصدوق في المجالس (5).
وعن المفيد والقاضي: التوحيد ثلاثون مرة في الأولى، والجحد كذلك في
الثانية (6)، وربما احتمل كلام الحلي أن به رواية (7).
وقال جمع بقراءة التوحيد في الأولى والجحد في الثانية من غير تحديد (8)،
وظاهرهم المرة، لمرسلة الكافي والتهذيب (9).
ومنهم من عكس كذلك (10)، ولم أعثر له على مستند. وقد يستند فيه إلى
حسنة معاذ (11)، ولا دلالة لها عليه، بل هي على عكسه أدل.
ومنها: إسماع الإمام من خلفه قراءته، بل مطلق الأذكار التي لم يجب

(1) المنتهى 1: 278، جامع المقاصد 2: 275، المعتبر 2: 184، الذكرى: 194.
(2) كالمختصر النافع: 31، والمفاتيح 1: 136، والرياض 1: 163.
(3) التهذيب 2: 289 / 1161، الإستبصار 1: 313 / 1165، الوسائل
6: 77 أبواب القراءة ب 22 ح 2.
(4) منهم العلامة في التذكرة 118، ونهاية الإحكام 1: 478، والشهيد في
الدروس 1: 175.
(5) التهذيب 2: 124 / 470، أمالي الصدوق: 462 / 5، الوسائل 6:
129 و 130 أبواب القراءة ب 54 ح 1 و 2.
(6) المفيد في المقنعة: 122، القاضي في المهذب 1: 135.
(7) السرائر 1: 307.
(8) النهاية 120، مفاتيح الشرائع 1: 137.
(9) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 22، التهذيب 2: 74 / 274، الوسائل 6: 65
أبواب القراءة ب 15 ح 2.
(10) نقله في الذكرى: 115 عن موضع من الرسالة.
(11) الكافي 3: 316 الصلاة ب 21 ح 22، الفقيه 1: 314 / 1427، التهذيب
2: 74 / 273، الخصال: 347 / 20، الوسائل 6: 65 أبواب القراءة ب 15 ح 1.
186

إخفاتها، ما لم يبلغ العلو المفرط.
أما الأول، فللاجماع، كما في المنتهى والمدارك (1) وصحيحة أبي بصير:
(ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعه
شيئا مما يقول) (2).
خرج ما يجب إخفاته فبقي الباقي.
ويتأكد في الشهادتين، للصحيحين الآتيين في بحث الجماعة (3).
وأما الثاني، فلما مر من النهي عن العلو المفرط.
ومنها: أن يسأل الرحمة إذا قرأ آية تشتمل عليها، ويستعيذ من النقمة إذا
قرأ آية تتضمنها، للعمومات (4)، وخصوص الموثقة (5)، والمرسلة (6).
وكذا المأموم إذا سمعها، لحسنة الحلبي (7).
ومنها: السكوت بقدر تنفس بعد القراءة وقبل تكبيرة الركوع، لرواية حماد
الحاكية لصلاة الصادق عليه السلام (8). بل بعد الحمد وقبل السورة أيضا، لرواية
للمروي ابن عمار (9). بل بعد تكبيرة الافتتاح وقبل الحمد أيضا، للمروي في
الخصال (10).

(1) المنتهى 1: 277، المدارك 3: 370.
(2) التهذيب 2: 102 / 383، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
(3) وهما صحيحة البختري: الفقيه 1: 260 / 189، الوسائل 8: 396
أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1، وصحيحة أبي بصير: التهذيب 2: 102 / 382،
الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.
(4) انظر: الوسائل 6: 170 و 215 أبواب قراءة القرآن ب 3 و 27.
(5) الكافي 3: 301 الصلاة ب 17 ح 1، التهذيب 2: 286 / 1147، الوسائل 6: 69
أبواب القراءة ب 18 ح 2.
(6) التهذيب 2: 124 / 471، الوسائل 6: 68 أبواب القراءة ب 18 ح 1.
(7) الكافي 3: 302 الصلاة ب 17 ح 3، الوسائل 6: 69 أبواب القراءة ب 18 ح 3.
(8) الكافي 3: 302 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81 / 301،
الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.
(9) التهذيب 2: 297 / 1196، الوسائل 6: 114 أبواب القراءة ب 46 ح 2.
(10) الخصال: 74 / 116، مستدرك الوسائل 4: 205 أبواب القراءة ب 34 ح 1.
187

وكونهما عاميين غير ضائر في مقام المسامحة.
والمستفاد من الأخير استحباب السكت بعد الحمد إذا قرأها في الركعتين
الأخيرتين أيضا.
المسألة الرابعة والعشرون: يحرم قول آمين في آخر الحمد على الأشهر
الأقوى، بل كاد أن يكون إجماعا منا، بل عليه الاجماع في كلام جملة من علمائنا
منهم الانتصار والمنتهى (1)، وعن مجالس الصدوق (2)، والشيخين وابن زهرة (3)،
والتحرير والنهاية (4)، ونهج الحق (5).
لحسنة جميل: (إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد حتى فرغ من قراءتها فقل
أنت: الحمد لله رب العالمين، ولا تقل آمين، (6).
والمروي في الدعائم: وروينا عنهم عليهم السلام أن قالوا - إلى أن قال -:
وحرموا أن يقال بعد قراءة فاتحة الكتاب: آمين كما يقوله العامة (7).
وضعفه منجبر بما مر.
ويؤيده رواية الحلبي: أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب: آمين؟ قال: (لا) (8).

(1) الإنتصار: 42، المنتهى 1: 281.
(2) أمالي الصدوق: 512.
(3) المفيد في المقنعة: 155، الطوسي في الخلاف 1: 332 - 334، ابن زهرة
في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.
(4) التحرير 1: 39، نهاية الإحكام 1: 465.
(5) نهج الحق للعلامة (ره): 424.
(6) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 5، التهذيب 2: 74 / 275، الإستبصار
1: 318 / 1185، الوسائل 6: 67 أبواب القراءة ب 17 ح 1.
(7) دعائم الاسلام 1: 160 وفيه: وكرهوا أن يقال بعد فراغ فاتحة الكاب آمين
كما تقول العامة، مستدرك الوسائل 4: 175 أبواب القراءة ب 13 ح 3.
(8) التهذيب 2: 74 / 276، الإستبصار 1: 318 / 1186، الوسائل 6: 67 أبواب
القراءة ب 17 خ 3.
188

والحسن المروي في العلل: (ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك: آمين) (1).
والاحتجاج بهما لا يخلو عن شئ، لاحتمال الأخير النفي المفيد لمطلق
المرجوحية، وما قبله نفي الرجحان.
والأظهر بطلان الصلاة به أيضا كما هو المشهورة لأن الكلام مبطل إلا ما
ثبت جوازه، والمحرم غير جائز وإن كان دعاء.
لا لمنع كونه دعاء - كما قيل (2) - من حيث إنه اسم للدعاء، ومع ذلك
مشترك بينه وبين كونه من أسمائه سبحانه على قول بعض أهل اللغة (3)، أو من
جهة أن الدعاء إنما يتحقق إذا قصد بالقراءة الطلب دون مطلق التعبد، فما لم
يقصده لم يكن دعاء، فيبطل ويتعدى إلى صورة القصد بالاجماع المركب.
ولا للاجماعات المنقولة على الابطال.
ولا لاحتمال شرطية عدمه في صحة الصلاة فيستصحب الاشتغال.
أما الأول، فلأن المراد بكونه اسما للفعل - كما صرح به نجم الأئمة (4) - أنه
مفيد لمعناه ولا يتصرف فيه تصرف الفعل أي ليس فعلا، لا أن معناه لفظ الفعل
كما يقال: إن فعل الماضي معناه لفظ مثل ضرب، لاستعماله في معناه، والأصل
عدم النقل، فإن لفظة (آمين)، استعملت في معنى الفعل في الأدعية كثيرا، وكذا
(صه) ورد لطلب السكوت في الأحاديث في موارد عديدة.
والاشتراك - لو سلم - لا ينفي الجواز عند قصد المعنى الدعائي كما في سائر
المشتركات، مع أن ذكر اسمه سبحانه أيضا داخل في الذكر المستثنى.
ولا تتوقف دعائيته على قصد الطلب من القراءة، لأنه نفسه طلب حاجة
وهي الاستجابة كلما دعي.

(1) علل الشرائع: 358 / 1، الوسائل 5: 464 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 6.
(2) انظر: التحرير 1: 39.
(3) انظر: القاموس المحيط 4: 199، والمصباح المنير: 25.
(4) شرح الكافية: 178.
189

وأما الثاني، فلمنع الحجية.
وأما الثالث، فلأنه مبني على عدم جريان الأصل في شرائط العبادة، وهو
عندنا غير صحيح.
والظاهر اختصاص التحريم والابطال بكونه بعد قراءة الفاتحة دون أثناء
الصلاة مطلقا، وفاقا لظاهر نهاية الشيخ والفقيه والشرائع والنافع والقواعد (1)،
للأصل، واختصاص الروايات.
خلافا في الأول للمحكي عن الإسكافي والأردبيلي، فكرهاه (2)، ومال إليه
في المعتبر (3)، واحتمله في المدارك (4)، لصحيحة جميل: عن قول الناس في الصلاة
جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب. آمين، قال: (ما أحسنها واخفض الصوت بها) (5).
بجعل (ما) نافية، مدخولها فعل متكلم، (وأخفض) فعل ماض وكلاما
للراوي، والضمير المجرور لكلمة ما أحسنها، حيث إن مثل ذلك القول لا
يستعمل ظاهرا إلا فيما يكون جائزا ومرجوحا فيدل على الكراهة.
أو بجعل (ما) استفهامية إنكارية، والبواقي كما ذكر بالتقريب المتقدم.
أو بجعلها تعجبية، ومدخولها فعل تعجب، (واخفض) فعل أمر وكلاما
للمعصوم أمر به للتخضع المطلوب في الدعاء سيما طلب الإجابة، فيدل على
الاستحباب، ويعارض ما دل على الترك، ويتردد بين الحرمة والاستحباب، ولا
شك أن الاحتياط في مثله الترك فيكون مكروها.
وبهذا التقريب، أو لضعف روايات المنع، أو اشتهار استعمال الأمر في

(1) النهاية: 77، الفقيه 1: 255، الشرائع 1: 83، المختصر النافع:
31، القواعد 1: 33.
(2) حكاه عن الإسكافي في الدروس 1: 174، الأردبيلي ي مجمع الفائدة 2: 235.
(3) المعتبر 2: 186.
(4) المدارك 3: 34.
(5) التهذيب 2: 75 / 277، الإستبصار 1: 318 / 1187، الوسائل 6: 68 أبواب
القراءة ب 7 1 ح 5.
190

الشريعة في الندب احتج بعضهم بأصالة الجواز أيضا (1).
ويجاب عن الأول - بعد الاغماض عن عدم حجيته لشذوذه على جميع
الاحتمالات -: بمنع إفادة الاحتمال الثاني للجواز، بل يستعمل في الحرام أيضا،
فيقال لمدمن الخمر: ما أحسنه عندك؟! ومرجوحيته على الاحتمال الأخير عن
معارضه بموافقة العامة (2)، ومخالفة الاجماع، لعدم قول بالاستحباب، ومثل ذلك
لا يصلح للاحتجاج.
ويجاب عن الوجه الثاني: بمنع الضعف أولا، وجبره بما مر - لو كان - ثانيا.
وعن الثالث: بأنه لا يوجب صرف اللفظ عن حقيقته.
وفي الثاني للمدارك، فلم تبطل الصلاة به على الحرمة أيضا، لتعلق النهي
بالخارج (3).
ويجاب عنه: بأن الفساد ليس لمجرد النهي بل مع ما ذكر.
وللخلاف وشرح القواعد (4) - بل كل من استدل للتحريم بأنه من كلام
الآدميين وليس دعاء كالانتصار والمنتهى (5)، وغيرهما (6)، بل هو المشهور كما قيل (7) -
في الثالث، فقالوا بتحريمه لابطاله للصلاة في أثنائها مطلقا؟ لظاهر بعض
الاجماعات المنقولة.
وضعفه عندنا ظاهر.

(1) كما في مجمع الفائدة 2: 235.
(2) انظر: الأم للشافعي 1: 109، بدائع الصنائع 1: 207، نيل الأوطار 2: 244.
(3) المدارك 3: 374.
(4) الخلاف 1: 334، جامع المقاصد 2: 284.
(5) الإنتصار: 43، المنتهى 1: 281.
(6) كالتنقيح الرائع 1: 202، جامع المقاصد 2: 284، روض الجنان: 267.
(7) انظر: كشف اللثام 1: 216.
191

البحث الخامس
في الركوع
وهو واجب في كل ركعة من الفرائض والنوافل شرعا وشرطا، مرة واحدة،
بالضرورة من الدين والأخبار المتواترة من الطاهرين (1)، إلا في صلاة الآيات،
فيجب في كل ركعة منها خمس مرات كما سيأتي في بحثها إن شاء الله. وركن في
الجملة إجماعا، ومطلقا على الأظهر الأشهر، كما يأتي.
والكلام إما في واجبه لله أو مستحباته، فهنا مقامان:
المقام الأول
في واجباته
وهي أمور تذكر في مسائل:
المسألة الأولى: يجب فيه الانحناء إجماعا وضرورة، له، ولأنه معناه عرفا
بقدر ما تصل يداه ركبتيه ويتمكن من وضعهما عليهما، بالاجماع المحقق،
والمحكي في المنتهى وشرح القواعد (2)، وعن المعتبر والشهيد (3)، وغيرهما (4)، له.
لا لصحيحتي زرارة: (وتمكن راحتيك من ركبتيك، وتضع يدك اليمنى
على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، وبلع بأطراف أصابعك عين الركبة، وفرج

(1) انظر: الوسائل 6: 310 أبواب الركوع ب 9 و ص 312 ب 10.
(2) المنتهى 1: 285، جامع المقاصد 2: 283
(3) المعتبر 2: 193، الشهيد في الذكرى: 197.
(4) كالحدائق 8: 236.
192

أصابعك إذا وضعتهما على ركبتيك) (1).
وزاد في الأخرى: (فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعا إلى ركبتيك
أجزأك ذلك، وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين
الركبة، وفرج بينهما، وأقم صلبك، ومد عنقك، وليكن نظرك ما بين قدميك)
، (2)
الحديث.
لأن قوله (وتمكن راحتيك) محتمل للخبرية الغير الصريحة في الوجوب بل
قوله: (وأحب إلي) صريح في عدمه. و (بلع) وإن كان أمرا إلا أن التبليع غير
واجب إجماعا، فهو على الندب محمول قطعا. وعدم الاجزاء المفهوم من قوله:
(فإن وصلت...) يمكن أن يكون عن المأمور به الاستحبابي في الركوع.
ولا للتأسي، لعدم وجوبه.
ولا لتوقف حصول البراءة اليقينية عليه، لحصولها بما تيقن الشغل به من
الانحناء.
وهل الواجب وصول جز من اليد ولو أطراف الأصابع إليها والزائد
مستحب؟ كما عن الشهيد الثاني (3)، وبعض آخر من المتأخرين (4)، بل عن
البحار أنه مذهب الأكثر (5)، وإليه ذهب والدي المحقق العلامة - طاب ثراه - في
المعتمد مقيدا بوصول جزء من باطن أطرافها لا مطلقا، بل هو محتمل كل من اكتفى
بوصول اليدين لم إلى الركبتين كالمنتهى مدعيا عليه الاجماع (6)، بل من قيد
بإمكان

(1) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل 6
: 290 أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل 5
: 1 46 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(3) المسالك 1: 31.
(4) كصاحب الرياض 1: 166.
(5) البحار 82: 119 - 120.
(6) المنتهى 1: 285.
193

وضع الجبين أيضا، كالسرائر والشرائع والقواعد والذكرى (1)، لصدقه بوضع كل
جزء من اليد ولو رأس الإصبع، بل من ذكر الكفين أيضا، كالمعتبر والنافع
والدروس (2)، لأن الكف مجموع ما تحت الزند فيصدق وضعها بوضع جزء منها،
ويؤيده احتجاج المعتبر بالرواية الصريحة (3) في الاكتفاء بوصول رؤوس الأصابع.
أو وصول الزائد عن رؤوسها بل عن الأصابع أيضا؟ كما هو ظاهر شرح
القواعد (4)، بل كل من ذكر الراحة بل الكف (5)، ومال إليه في الذخيرة (6)،
وقيل: إنه ظاهر عبارة أكثر (7).
الحق هو الأول، للأصل، ومنطوق قوله: (فإن وصلت) في الصحيحة،
الخاليين عما يصلح للمعارضة سوى ما استدل به للقول الآخر من التأسي،
واستصحاب الشغل، والأمر بتمكن الراحة وتبليع عين الركبة بأطراف الأصابع،
أي التقامها المتوقف على وصول الزائد في الصحيحة (8)، وملء الصادق عليه
السلام كفيه من ركبتيه عند تعليم حماد كما في صحيحته (9)، وكونه المتبادر من
إمكان وضع اليد المدعى عليه الاجماع (10).

(1) السرائر 1: 224، الشرائع 1: 84، القواعد 1: 34، الذكرى: 197.
(2) المعتبر 2: 193، المختصر النافع: 31، الدروس 1: 176.
(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل 6
: 295 أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(4) جامع المقاصد 2: 283 إنما قيدنا بالظاهر لاحتمال أن يكون مراده باطن
رؤوس الأصابع فيكون كلامه في الباطن دون نفس الرأس. منه رحمه الله تعالى.
(5) كالشيخ في النهاية: 71، العلامة في التذكرة 1: 118، الشهيد الثاني في
روض الجنان: 271.
(6) الذخيرة: 281.
(7) الرياض 1: 166.
(8) المتقدمة في ص 193.
(9) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه: 196 / 916، التهذيب 2: 81 / 301،
الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
(10) كما في جامع المقاصد 2: 283.
194

وتضعف الثلاثة الأولى: بما مر.
والرابعة - بعد تسليم كون التبليع بالمهملة -: بمنع توقفه على وصول الزائد
عن الأصابع أولا، والاجماع على عدم وجوبه ثانيا.
والخامسة: بعدم دليل فيها على الوجوب، لاشتمال الرواية على كثير من
المستحبات.
والسادسة: بمنع التبادر وعدم كفايته لو سلم، لوقوع هذا الكلام في كلام
بعض الفقهاء. وأما الاجماع المدعى بعده، فمع عدم حجيته يحتمل تعلقه
بالتحديد المشترك بين التحديدين، وهو ملاقاة اليدين الركبتين إما بالبلوغ، أو
الوضع ردا على أبي حنيفة.
فروع:
أ: وجوب ما ذكر من الانحناء إنما هو مختص بالرجل دون المرأة،
لاختصاص الاجماع بل سائر الأدلة - لو تمت - به. والاشتراك هنا غير مجمع
عليه.
بل فتوى جماعة استحباب انحنائها أقل من ذلك (1)، كما يأتي، ويدل عليه
الصحيح الآتي (2)، وبه يخص عموم باقي الأدلة لو شملتها أيضا. وحمله على
الاختلاف في وضع اليدين دون قدر الانحناء يأباه التعليل المذكور فيه.
ب: المعتبر الانحناء بقدر يمكن الوضع لو أراده، ولا يجب الوضع على
الأقوى الأشهر، بل عليه الاجماع في بعض العبارات (3)، للأصل.
خلافا لبعض مشايخنا المحدثين، فأوجبه، لظواهر الأخبار (4).

(1) كما في السرائر 1: 224، والنفلية: 25.
(2) الكافي 3: 335 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94 / 350، الوسائل 6: 462 أبواب
أفعال الصلاة ب 1 ح 4.
(3) كما في الذكرى: 197.
(4) النظر: البحار 82: 120.
195

ويرد بعدم الدلالة على الوجوب، كما يظهر وجهه مما مر.
ج: المعتبر إمكان الوضع بواسطة الانحناء، فلا اعتبار بإمكانه بغيره
كالانخناس (1)، أو الجمع بينهما بحيث لولا الانخناس لم يبلغ، لعدم صدق
الركوع.
د: مقطوع اليدين ينحني بقدر ما يصلان لولا القطع، استصحابا لما
يجب قبله.
ومن كانت يداه قصيرتين ينحني بقدر مستوي الخلقة، لعدم ثبوت الزائد
من الاجماع الذي هو الأصل في المسألة.
ولو كانتا طويلتين ينحني حتى يصدق الركوع قطعا، وهل يكفي مجرد ذلك
بعد وصول يديه، أو يشترط الانحناء بقدر يصل مع استواء الخلقة؟.
مقتضى الأصل هو الأول، والمصرح به في كلماتهم هو الثاني، قالوا: حملا
لألفاظ النصوص على الغالب.
وفيه: أنه لا نص على ذلك أصلا (2)، وإنما الوارد التمكن أو التبليع أو
الوصول، الغير الواجبة عندهم إجماعا.
د: العاجز عن الانحناء بالقدر المعتبر ينحني بالمقدور، لأن الانحناء واجب
ثابت بالنصوص (3)، والزائد عن مطلقه واجب آخر يثبته الاجماع أو أخبار أخر،
وسقوط أحدهما للعجز لا يوجب سقوط الآخر.

(1) الانخناس أن يخرج ركبته وهو مائل منتصب. منه رحمه الله تعالى.
(2) في شرح الإرشاد للأردبيلي، في طويل اليد: دليل الانحناء له بقدر مستوي
الخلقة غير واضح، ولا يبعد القول بالانحناء حتى تصل إلى الركبتين مطلقا، نعم لو وصل
بغير الانحناء يمكن اعتبار ذلك. (مجمع الفائدة 2: 256). منه رحمه الله تعالى.
(3) انظر: الوسائل 6: 334 أبواب الركوع ب 28.
196

وعن مطلقه يومئ برأسه إجماعا، له، ولرواية الكرخي: (رجل شيخ لا
يستطيع القيام إلى الخلاء ولا يمكنه الركوع والسجود؟ فقال: يؤمن برأسه نحو
القبلة الايماء) (1) بل للنصوص كما قيل (2).
وعن الايماء بالرأس يومئ بالعين بلا خلاف.
و: الراكع خلقة أو لعارض ينحني يسيرا، وجوبا عند المحقق في الشرائع
والفاضل في جملة من كتبه (3)، تحصيلا للفرق بين حالتي القيام والركوع.
واستحبابا عند الشيخ (4)، والمعتبر والمدارك (5)، لأن ذلك حد الركوع، فلا
تلزم الزيادة عليه، ولا دليل على وجوب التفرقة على العاجز.
ولا يخفى أن الركوع لو كان مطلق الهوي ولو من انحناء لكان للقول الأول
وجه، ولكنه ليس كذلك بل هو الانحناء من الانتصاب، وعلى هذا فالركوع
المأمور به لمثل هذا الشخص غير ممكن فالتكليف به ساقط، وتحصيل الفرق خال
عن الدليل وإن استحمت لفتوى الفقيه.
ولو قلنا بوجوب الايماء بالرأس عليه لصدق عدم إمكان الركوع لم يكن
بعيدا، ولو جمع بينه وبين يسير انحناء كان أحوط.
ز: يجب أن يقصد بانحنائه الركوع ولو بالنية الاستمرارية، فلو لم يقصده لم
يأت بالركوع به، لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى (6).

(1) الفقيه 1: 238 / 1052، التهذيب 3: 307 / 951، الوسائل 5:
484 أبواب القيام ب 1 ح 11.
(2) انظر: الرياض 1: 166.
(3) الشرائع 1: 85، الفاضل في التذكرة 1: 118.
(4) المبسوط 1: 110
(5) المعتبر 2: 194، المدارك 3: 387.
(6) انظر: الوسائل 1: 46، أبواب مقدمة العبادات ب 5.
197

وعلى هذا فلو هوى لسجدة العزيمة في النافلة، أو لقتل مري أو لقضاء
حاجة، فلا انتهى إلى حد الركوع أراد أن يجعله ركوعا، لم يجز، بل يجب عليه
الانتصاب ثم الهوي للركوع، وكذا لو هوى للسجود ساهيا فتذكر في الأثناء،
يجب عليه الانتصاب للركوع. ولا تلزم في شئ من الصور زبادة ركوع للصلاة
وإن زاد ركوع لغوي، ولكنه غسر مضر، إذ ليس هو زيادة في الصلاة، كما يأتي
بيانه.
وبه صرح جماعة (1)، بل قيل: إنه لا خلاف فيه (2)، ويدل عليه الخبر
أيضا: رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلي قائما وإلى جنبه رجل كبير يريد أن يقوم
ومعه عصا له، فأراد أن يتناولها، فانحط عليه السلام وهو قائم في صلاته فناول
الرجل العصا ثم عاد إلى صلاته لم.
وقد يستدل أيضا بإطلاق الموثق: (لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي
تصلي) (4).
وهو غير جيد.
نعم لو كان الهوي للسجود عمدا أو سهوا تصدق الزيادة في الصلاة وإن لم
تصدق زيادة ركوع للصلاة، ولكنه غير مبطل مع السهو قطعا، كما يأتي في محله.
ح: الظاهر الاتفاق على عدم الفرق بين الفريضة والنافلة في أقل الواجب
من الانحناء في الركوع، وكذا في وجوب طمأنينة الركوع.

(1) منهم الشهيد في الذكرى: 197، وما حب الحدائق 8: 241، وصاحب
الرياض 1: 166.
(2) كما في الحدائق 8: 241.
(3) الفقيه 1: 243 / 1079 وفيه: ثم عاد إلى موضعه إلى صلاته،
التهذيب 2: 332 / 1369، الوسائل 5: 503 أبواب القيام ب 12 ح 1.
(4) التهذيب 2: 330 / 1355، الوسائل 7: 280 أبواب قواطع الصلاة ب
24 ح 1.
198

ط: هل يجوز وضع اليد والاعتماد حال الركوع على شئ كعصا ونحوه؟
لا ربب فيه مع الضرورة، وكذا بدونها؟ للأصل.
المسألة الثانية: تجب الطمأنينة في الركوع إجماعا محققا، ومحكيا كما في
الناصريات والتذكرة والمنتهى وشرح القواعد (1)، وعن الغنية والمعتبر
والخلاف (2) بل عن الأخير على ركنيتها. وهو الحجة فيه مع المرسل المروي في
الذكرى المنجبر ضعفه بما مر، وفيه: (ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع
رأسك حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تستوي قائما)
الحديث (3).
والمروي في قرب الإسناد: (فإذا قام أحدكم فليعتدل، وإذا ركع
فليتمكن، وإذا رفع رأسه فليعتدل، وإذا سجد فليفرج وليتمكن، فإذا رفع رأسه
فليعتدل، وإذا سجد فليفرج، وإذا رفع رأسه فليلبث حتى يسكن) (4).
والاستدلال له بتوقف الذكر الواجب فيه عليه، وبحسنة زرارة: (بينا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد إذ دخل زجل، فقام يصلى
فلم يتم ركوعه وسجوده، فقال عليه السلام: نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا
وهكذا صلاته ليموتن على غير ديني) (5).
فاسد، لمنع التوقف، لجواز الانحناء زائدا على أقل الواجب والذكر في
أثنائه.
وعدم دلالة الرواية، لامكان كون عدم الاتمام بعدم الانحناء بالقدر

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 198، التذكرة: 118، المنتهى 1
: 282، جامع المقاصد 2: 284.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 558، المعتبر 2: 194، الخلاف 1: 348.
(3) الذكرى: 196 - 197.
(4) قرب الإسناد: 36 / 118 بتفاوت يسير.
(5) الكافي 3: 268 الصلاة ب 2 ح 6، التهذيب 2: 239 / 948، المحاسن:
79 / 5، الوسائل 6: 298 أبواب الركوع ب 3 ح 1.
199

الواجب، أو عدم إتمام الذكر في الركوع والسجود، أو عدم الانتصاب بعدهما.
وأما التشبيه بالنقر الظاهر في عدم الاتيان بالطمأنينة، فيحتمل أن يكون
في السجود خاصة، بل هو الظاهر فتفيد في إثبات الطمأنينة فيه.
ويجب كونها بقدر الذكر الواجب عند جماعة كافي والفاضلين والشهيد (1)،
بل ظاهر المعتبر والمنتهى الاجماع عليه (2)، وقيل. إنه مما لا خلاف فيه (3).
فإن ثبت فهو، وإلا فلا دليل عليه، لعدم تمامية ما استدلوا به له من توقف
الذكر الواجب في الركوع عليه، والأخبار المصرحة بأن من نقص الذكر في الركوع
لم يتم صلاته (4)، لما مر. ولذا لم يذكره جماعة منهم الناصريات والنهاية والجمل
والمبسوط والخلاف، وأمر الاحتياط واضح.
ومن لم يتمكن من الطمأنينة سقطت عنه بلا خلاف.
وهل تجب عليه مجاوزة أقل الواجب من الانحناء لو تمكن منها ليوقع
الواجب من الذكر حال الركوع؟.
قيل: لا (5) للأصل. وقيل: نعم (6)، لتوقف الذكر في حال الركوع عليه.
وهو كذلك لو أرادوا من أقل الواجب من الانحناء أقله فيما يصدق الركوع لغة،
ولو أريد ما تصل معه اليد الركبة ففيه تأمل، لأن الثابت هو وجوب الذكر حال
الركوع، إلا أن يدعى الحقيقة الشرعية فيه فيما تصل اليد الركبة، فتأمل.

(1) الحلي في السرائر 1: 224، المحقق في الشرائع 1: 85، العلامة في
القواعد 1: 34، الشهيد في الدروس: 177.
(2) المعتبر 2: 194، المنتهى 1: 282.
(3) كما في الذخيرة ج 283.
(4) الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4.
(5) كما في الذكرى: 197.
(6) كما في المدارك 3: 388.
200

المسألة الثالثة: يجب رفع الرأس منه والانتصاب والطمأنينة فيه بمسماها
إجماعا محققا ومحكيا مستفيضا (1)، له، وللأخبار:
منها: صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، وفيها بعد ركوع
النبي في الصلاة ليلة المعراج: (ثم أوحى إليه أن ارفع رأسك يا محمد - صلى
الله عليه وآله وسلم -) (2).
ومنها: رواية أبي بصير: (إذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك، فإنه لا
صلاة لمن لا يقيم صلبه) (3).
وإقامة الصلب لا تتحقق بدون الثلاثة.
وروايته الأخرى: (وإذا رفعت رأسك من الركوع فأقم صلبك حتى يرجع
مفاصلك، وإذا سجدت فاقعد مثل ذلك) (4).
والرضوي: (وإذا رفعت رأسك من الركوع فانصب قائما حتى يرجع
مفاصلك كلها إلى المكان، ثم اسجد) (5).
وعلى هذا فلا يجوز أن يهوي للسجود قبل الانتصاب أو الطمأنينة.
نعم لو كان له عذر مانع من أحدهما سقط، لأن الله أولى بالعذر، كما ورد
في الأخبار (6). وكذا لو تركه ناسيا حتى يخرج من محله لأنهما ليسا بركن. وعن
الخلاف الركنية مدعيا عليه الاجماع (7). وهو شاذ، وسيأتي الكلام فيه.

(1) انظر: الخلاف 1: 351، والمعتبر 2: 197، والمدارك 3: 389،
والمفاتيح 1: 139.
(2) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع 312 / 1، الوسائل 6: 465
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 15.
(3) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 6، التهذيب 2: 78 / 290،
الوسائل 6: 321 أبواب الركوع ب 16 ح 2.
(4) التهذيب 2: 325 / 1332، الوسائل 6: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 9.
(5) فقه الرضا (ع): 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.
(6) انظر: المسائل 8: 258 أبواب قضاء الصلوات ب 3.
(7) الخلاف 1: 351.
201

ولا فرق في وجوب الرفع والطمأنينة معه بين الفريضة والنافلة على ظاهر
الاجماع، وإن كان الوجوب في الثانية شرطيا، بل شرعيا على القول بعدم جواز
إبطال النافلة.
لقوله، عليه السلام: (لا صلاة لمن لا يقيم صلبه) (1).
نفى حقيقة الصلاة كما هو مقتضى حقيقة هذا التركيب. ولا ينافيه كون
الصلاة حقيقة في الأعم، لأنه إنما هو فيما لم يكن نص من واضع اللفظ على انتفاء
الحقيقة في فرد.
خلافا للمحكي عن الفاضل في النهاية، فقال: لو ترك الاعتدال في الركوع
أو السجود في صلاة التنفل عمدا لم تبطل صلاته، لأنه ليس ركنا في الفرض فكذا
في النفل (2).
وهو شاذ، واستدلاله عجيب.
ولو افتقر الراكع في الانتصاب إلى الاعتماد وجب، لوجوب مقدمة
الواجب. وكذا للرفع. بل الظاهر جواز الاعتماد له بلا عذر أيضا، للأصل. بل
وكذا حال الانتصاب، لما مر في القيام (3).
المسألة الرابعة: يجب فيه الذكر إجماعا محققا، ومحكيا في الانتصار والمنتهى
والتذكرة وشرح القواعد والمدارك (4)، وغيرها (5)، له، وللمستفيضة من الأخبار (6).

(1) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 6، التهذيب 2: 78 / 290، الوسائل 6: 321 أبواب
الركوع ب 16 ح 2.
(2) نهاية الإحكام 1: 483.
(3) راجع ص 55 - 59.
(4) الإنتصار: 45، المنتهى 1: 282، التذكرة 1: 119، جامع المقاصد 2: 285،
المدارك 3: 389.
(5) كالمفاتيح 1: 139.
(6) انظر: الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4.
202

والحق كفاية مطلقه فيه، وفاقا للجمل (1)، والمبسوط والسرائر والمنتهى
والتذكرة والايضاح وشرح القواعد والمدارك (2)، والشهيد الثاني (3)، ووالدي
العلامة رحمه الله، بل لعله الأشهر بين المتأخرين، وفي السرائر نفي الخلاف
فيه (4).
للأصل، ولصحيحتي الهشامين وحسنة أحدهما.
الأوليان: يجزئ عني أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود: لا إله
إلا الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال: (نعم كل هذا ذكر الله) (5).
والثالثة: (ما من كلمة أخف منها على اللسان من سبحان الله) قال،
قلت: يجزئني في الركوع والسجود أن أقول مكان التسبيح: لا إله إلا الله والحمد
لله والله أكبر؟ قال: (نعم كل ذا ذكر الله) الحديث (6).
وتخصيصها بالأذكار الأربعة بعد تعميم التعليل بقوله: (كل ذا ذكر الله)
غير ضائر. وتخصيص الاجزاء بحال الضرورة مع اطلاق الرواية لا وجه له.
ويؤيده ما في حسنتي مسمع من إجزاء ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا
في الركوع والسجود (7). وجعلهما مؤيدتين لما فيهما من الاجمال، إذ لا يتعين قدرهن

(1) نسب ذلك إلى جمل الشيخ في المنتهى 1: 282، ولكن الموجود فيه وكذا في جمل
السيد التسبيح في الركوع، انظر: الرسائل العشر: 180، وجمل العلم والعمل (رسائل
الشريف المرتضى 3): 32.
(2) المبسوط 1: 111، السرائر 1: 224، المنتهى 1: 282، التذكرة 1: 119، إيضاح
الفوائد 1: 112، جامع المقاصد 2: 286، المدارك 3: 392.
(3) المسالك 1: 31.
(4) السرائر 1: 224.
(5) الأولى: الكافي 3: 321 الصلاة ب 24 ح 8، التهذيب 2: 302 / 1218، الوسائل 6:
307 أبواب الركوع ب 7 ح 2.
الثانية: التهذيب 2: 302 / 1217، الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7 ح 2.
(6) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 5، مستطرفات السرائر. 96 / 12، الوسائل 6: 307
أبواب الركوع ب 7 ح 1.
(7) الأولى: التهذيب 2: 77 / 286، مستطرفات السرائر: 95 / 10، الوسائل 6: 302 أبواب
الركوع ب 5 ح 1.
الثانية: التهذيب 2: 79 / 297، الإستبصار 1: 323 / 1208، الوسائل 6: 303 أبواب
الركوع ب 5 ح 4.
203

من مطلق الذكر، مع أن مطلق الذكر أعم من قدرهن، إذ قد يكون أقل منهن (1).
خلافا للسيد وابني بابويه والمفيد والعماني والإسكافي (2)، والتهذيب
والخلاف (3)، والنهاية (4)، والجامع (5)، والحلبي والقاضي والديلمي وابن حمزة (6)،
والنافع والشرائع والدروس (7)، فأوجبوا التسبيح خاصة، وعن الذكرى أنه قول
المعظم (8)، بل في الانتصار وعن الخلاف والغنية الاجماع عليه (9)، والظاهر - كما
قيل (10) - أنه المشهور بين القدماء لأن اختلفوا في كيفيته.
فمنهم من اكتفى بمطلق التسبيح ولو واحدة صغرى، ومرجعه إلى التخيير
بين جميع صور التسبيح، وهو ظاهر الأول.
أما تعيينه، فلعله لأصل الاشتغال.
ورواية الحضرمي: (تدري أي شئ حد الركوع والسجود؟) قلت: لا،

(1) في الأول خلاف. منه رحمه الله تعالى.
(2) السيد في الإنتصار: 45، الصدوق في المقنع: 28، والهداية: 32، المفيد في المقنعة
: 105، وحكاه عن العماني في المعتبر 2: 195، وحكاه عن الإسكافي في المختلف: 95.
(3) التهذيب 2: 81، الخلاف 1: 348.
(4) النهاية: 81. اعلم أن الشيخ في النهاية قال أولا: والتسبيح في الركوع فريضة
إلى أن قال: ولو قال بدلا من التسبيح: لا إله إلا الله والله أكبر، كان جائزا. وهو
وإن خص ببدلية الذكرين إلا أن الظاهر أن مراده مطلق الذكر، للاجماع المركب،
والتصريح بالبدلية لا ينافي جواز مطلق الذكر. منه رحمه الله تعالى.
(5) الجامع للشرائع: 82.
(6) الحلبي في الكافي: 142، القاضي في المهذب 1: 97، الديلمي في المراسم: 69،
ابن حمزة في الوسيلة: 93.
(7) المختصر النافع: 32، الشرائع 1: 85، الدروس 1: 177.
(8) الذكرى: 197.
(9) الإنتصار: 45، الخلاف 1: 349، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.
(10) انظر: الحدائق 8: 246.
204

قال: (تسبح في الركوع ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم وبحمده، وفي
السجود: سبحان ربي الأعلى ويحمده، ثلاث مرات، فمن نقص واحدة نقص
ثلث صلاته، ومن نقص ثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبح فلا صلاة
له) (1).
حيث نفى حقيقة الصلاة لمن لم يسبح.
والروايات المصرحة بإجزاء التسبيح الظاهر في عدم إجزاء غيره (2).
ورواية هشام الآتية المصرحة بكون التسبيحة فريضة (3).
وأما كفاية مطلقه والتخيير بين أفراده، فلعله لأصل البراءة، والجمع بين
الأخبار المتضمنة للتسبيحة الكبرى والصغرى (4)، وصحيحتي ابن يقطين
إحداهما: عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح؟ فقال: (ثلاثة،
وتجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض) (5).
والأخرى: عن الرجل يسجد، كم يجزئه من التسبيح في ركوعه وسجوده؟
فقال: (ثلاث، وتجزئه واحدة) (6).
ولا كلام لنا معه في الجزء الثاني، أي كفاية مطلق التسبيح.
وأما الأول، فنجيب عن الأصل: بحصول اليقين بالبراءة بمطلق الذكر
بمقتضى ما تقدم من الأخبار الصحيحة.

(1) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 1، التهذيب 2: 157 / 615، الإستبصار 1: 324 / 1213،
الوسائل 6: 301 أبواب الركوع ب 4 ح 7.
(2) انظر: الوسائل 6: 302 أبواب الركوع ب 5.
(3) انظر: ص 208.
(4) انظر: الوسائل 6: 299، 302 أبواب الركوع ب 4 ح 5.
(5) التهذيب 2: 76 / 284، الإستبصار 1: 323 / 1206، الوسائل 6: 300 أبواب الركوع ب
4 ح 3.
(6) التهذيب 2: 76 / 285، الإستبصار 1: 1207، الوسائل 6: 300 أبواب الركوع ب
4 ح 4.
205

وأما عن رواية الحضرمي: بكونها أعم مطلقا مما مر، لدلالتها على أنه لا
صلاة لمن لم يسبح سواء ذكر ذكرا آخر أم لا، ودلالة ما مر على صحة صلاة
الذاكر.
ولو جعل التعارض بالعموم من وجه باعتبار شمول الذكر للتسبيح أيضا،
تعين تخصيص قوله (من لم يسبح) بغير الذاكر، لعدم إمكان تخصيص الذاكر
بالمسبح، لوقوع السؤال عن غير المسبح. مضافا إلى ترجيح ما مر بالصحة والأكثرية
والأصرحية.
بل ظاهر سوق الرواية نفي الفضيلة، لمقابلة عدم التسبيح مع نقص
الواحدة والثنتين وانتفاء (1) كل الصلاة بانتفاء ثلثها وثلثيها مع أنهما في
الفضيلة قطعا، فإن المراد نقص ثلث الكمال وثلثيه، فالمراد بعدم الصلاة أيضا
انتفاء تمام الكمال وبقاء ماهية الصلاة، فتأمل.
وعن الروايات: بأن إجزاء التسبيح الواحد أعم من الأمر به، ولا ينافي
اجزاء غيره أيضا، نعم لا يحكم به مع عدم دليل، للأصل، ومعه لا أثر للأصل.
والحكم بلزومه وظهوره في عدم إجزاء غيره ممنوع جدا، سيما مع ورود الاجزاء
غالبا في السؤال.
وأما عن رواية هشام: فبأن الأصل في الأمر ولفظ الواجب وإن كان المعين
وكان في المخير مجازا، إلا أنه يجب الحمل عليه مع القرينة، وما ذكرنا من الأخبار
قرينة عليه.
مضافا إلى أن الظاهر أن المراد من قوله: (من ذلك) التسبيحة الكبرى،
وكونها واجبه معينة قول شاذ ترده الأخبار، فلا محيص فيه عن التجوز إما بالحمل
على المخير أو الندب، ولا أقل من احتمال إرادة الكبرى فلا يتم الاستدلال.
ومنهم من عين ثلاث تسبيحات، أو التهليل أو التكبير أو الصلاة على
النبي، بدلا عن التسبيحات، فجعل الأولى أصلا وأحد الثلاثة الأخيرة رخصة،

(1) أي: ولمقابلة انتفاء كل الصلاة....
206

وهو أحد الثانيين (1).
ولعله استند في أصالة التسبيحة وتعيينها ابتداء: بأخبارها مع حمل المطلق
من التسبيح على المقيد بالثلاث. وفي بدلية غيرها: بالجمع بينها وبين غيرها. وفي
التخصيص بالثلاثة: بالأمر بها في بعض الأخبار المتقدمة مع التعبير فيه بالاجزاء،
الظاهر في البدلية مما ذكر بما ذكرنا من أخبار مطلق الذكر.
ويضعف: بأن الجمع لا يختص بذلك، بل يمكن بالتخصيص والأفضلية
وبيان بعض الأفراد ونحوها. مع أنه لا تظهر لذلك فائدة إلا كون الأصل أفضل،
وأفضلية التسبيح مسلمة مطلقا.
مضافا إلى أن تخصيص البدل مدفوع بما ذكرنا من عموم التعليل، ولو قطع
النظر عنه فاللازم الاقتصار على التهليل والتكبير، لأنهما المذكوران في الأخبار (2)،
إلا أن يكون لاستخراج الصلاة من رواية أخرى كما يأتي (3)، ولا بأس به.
ولذا اكتفى في النهاية والجامع في البدل بهما (4)، ولكنه جعل ثلاث
تسبيحات بدلا أيضا، وجعل الأصل تسبيحة واحدة كبرى، وهو أيضا قول آخر
في المسألة، ومستنده وجوابه واضح مما مر، مضافا إلى أن المذكور في الأخبار
المذكورة التحميد أيضا.
ومنهم من أوجب تسبيحة كبرى أو ثلاث صغريات من غير ذكر تجويزه غيرها
مع الضرورة، كما هو المنقول عن ظاهر التهذيب (5)، وابني بابويه (6)، أو مع

(1) الصدوق في الأمالي: 512، ومراده من الثانيين ابنا بابويه، راجع ص 204.
(2) انظر: الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7.
(3) انظر: ص 225.
(4) النهاية: 81، الجامع للشرائع: 83.
(5) التهذيب 2: 80.
(6) قد نسب هذا القول إلى ابني بابويه في المدارك 3: 391، والظاهر من الهداية
ص 32 والفقيه 1 ص 205 التخيير بين ثلاث كبريات وثلاث صغريات وإجزاء واحدة
للمريض والمستعجل. فراجع.
207

التصريح بتجويز واحدة صغرى مع الضرورة كما في الشرائع والنافع والدروس (1)،
بل في المنتهى: الاجماع عليه (2)، وعلى هذا فعليه يحمل إطلاق عبارات الأولين.
أو تجويز مطلق الذكر معها كما في اللمعة (3).
ومستندهم أما في كفاية التسبيحة الواحدة الكبرى فرواية هشام: عن
التسبيح في الركوع والسجود، فقال: (يقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي
السجود: سبحان ربي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة ثلاث،
والفضل في سبع) (4).
والمروي في العلل، وفيها بعد ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ركع
في ليلة الاسراء لما رأى من عظمة الله وقال. سبحان ربي العظيم ويحمده، وسجد
وقال: سبحان ربي الأعلى وبحمده: (فلذلك جرت به السنة) (5).
ورواية عقبة بن عامر: لما نزلت: (فسبح باسم ربك العظيم) (6) قال لنا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اجعلوها في ركوعكم) فلما نزلت: سبح
اسم ربك الأعلى) (7) قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اجعلوها في
سجودكم) (8).
وأما في كفاية الثلاثة من الصغرى، فموثقة سماعة وفيها: (أما ما يجزيك

(1) الشرائع 1: 85، المختصر النافع: 32، الدروس 1: 177.
(2) المنتهى 1: 283.
(3) اللمعة (الروضة 1): 270.
(4) التهذيب 2: 76 / 282، الإستبصار 1: 322 / 1204، الوسائل 6: 399 أبواب الركوع ب
4 ح 1.
(5) علل الشرائع: 332 / 4، الوسائل 6: 328 أبواب الركوع ب 21 ح 2.
(6) الواقعة: 74.
(7) الأعلى: 1.
(8) التهذيب 2: 313 / 1273، علل الشرائع: 333 / 6، الوسائل 6: 327 أبواب الركوع
ب 21 ح 1.
208

من الركوع فثلاث تسبيحات تقول: سبحان الله، سبحان الله، ثلاثا) (1).
وصحيحة ابن عمار: أخف ما يكون من التسبيح في الصلاة؟ قال: (ثلاث
تسبيحات مترسلا، تقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله) (2).
ورواية أبي بصير: عن أدنى ما يجزئ من التسبيح في الركوع والسجود،
فقال: (ثلاث تسبيحات) (3).
فإن التسبيح صادق في الصغرى قطعا.
وأما في التخيير بينهما: فحسنة مسمع: (يجزئك من القول في الركوع
والسجود ثلاث تسبيحات أو قدرهن مترسلا) (4).
والأخرى: (لا تجزئ الرجل في صلاته أقل من ثلاث تسبيحات أو
قدرهن) (5).
فإن الواحدة الكبرى بقدر ثلاث صغرى قطعا.
وصحيحة زرارة: ما يجزئ من القول في الركوع والسجود؟ فقال: (ثلاث
تسبيحات في ترسل، وواحدة تامة تجزئ) (6).
والظاهر أن المراد بالواحدة التامة التسبيحة الكبرى، وبالثلاث

(1) التهذيب 2: 77 / 287، الإستبصار 1: 324 / 1211، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع
ب 5 ح 3.
(2) التهذيب 2: 77 / 288، الإستبصار 1: 324 / 1212، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع
ب 5 ح 2.
(3) التهذيب 2: 80 / 299، الإستبصار 1: 323 / 1210، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع
ب 5 ح 6.
(4) التهذيب 2: 77 / 286، مستطرفات السرائر: 95 / 10، الوسائل 6: 303 أبواب
الركوع ب 5 ح 1.
(5) التهذيب 2: 79 / 297، الإستبصار 1: 323 / 1208، الوسائل 6: 303 أبواب الركوع
ب 5 ح 4.
(6) التهذيب 2: 76 / 283، الإستبصار 1: 323 / 1205 وفيه: في ترسل واحد وواحدة،
الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4 ح 2.
209

الصغريات، وجعل كل منهما في قالب الاجزاء يقتفي كونهما في مرتبة واحدة.
وبهذه الأخبار يرتفع الاجمال عما تضمنت الثلاث تسبيحات وواحدة
مطلقا، كصحيحتي ابن يقطين المتقدمتين (1) يحمل الثلاث على الصغريات،
والواحدة على الكبرى، لأن المجمل يحمل على المفصل.
ولعل المصرح بتجويز الصغرى الواحدة عند الضرورة يحمل التسبيح على
مطلقه الصادق على الصغرى أيضا، يخصص اجزاء الواحدة بحال الضرورة،
بشهادة المرسل المروي في الهداية. (سبح في ركوعك ثلاثا، تقول: سبحان ربي
العظيم وبحمده ثلاث مرات، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث
مرات، لأن الله عز وجل لما أنزل على نبته (فسبح باسم ربك العظيم) قال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم: اجعلوها في ركوعكم، فلما أنزل الله (سبح اسم ربك
الأعلى) قال: اجعلوها في سجودكم، فإن قلت: سبحان الله، سبحان الله،
سبحان الله أجزأك، والتسبيحة الواحدة تجزئ للمعتل والمريض والمستعجل) (2).
كما أن المختص لتجويز مطلق الذكر بها يحمل أخباره عليها.
وأما في تعيين أحدهما وعدم كفاية غيره للمختار، فما مر دليلا لوجوب مطلق
التسبيح، وبحمله على المقيد.
والأمر بالكبرى في الكتاب العزيز حيث أمر بالتسبيح باسم ربك العظيم،
وباسم ربك الأعلى، ولا وجوب في غير الصلاة إجماعا.
وفي صحيحة ابن أذينة الطويلة في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ليلة المعراج: (فأوحى إليه وهو راكع قل: سبحان ربي العظيم، تفعل ذلك
ثلاثا) (3).

(1) في ص 205.
(2) الهداية: 32، مستدرك الوسائل 4: 424 أبواب الركوع ب 4 ح 4.
(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312 / 1، الوسائل 5: 465 أبواب
أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
210

وفي روايتي هشام وعقبة.
والأمر بالتسبيح كذلك في مرسلة الهداية، وفي صحيحة زرارة وفيها: (ثم
اركع وقل: اللهم لك ركعت ولك أسلمت - إلى أن قال -: سبحان ربي العظيم
وبحمده، ثلاث مرات) (1).
وفي الرضوي: (وقل في ركوعك بعد التكبير: اللهم لك ركعت) إلى أن
قال: (سبحان ربي العظيم وبحمده) ثم ساق الكلام في السجود كذلك إلى أن
قال: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) (2).
والتصريح في الصغريات بأنها أخف ما يكون، أو أدنى ما يجزئ، في
صحيحة ابن عمار، ورواية أبي بصير المتقدمتين (3).
ولا كلام لنا معهم في كفاية أحد التسبيحين، ولا في التخيير بينهما، ولا في
كفاية الواحدة الصغرى أو مطلق الذكر عند الضرورة.
ونجيب عن دليلهم على التعيين: أنا عما مر دليلا لوجوب مطلق التسبيح،
فبما مر.
وأما عن الأمر بالكبرى في الآية، فبمنع أن المراد أنه قل هذا اللفظ، بل
المراد نفس التنزيه وهو واجب في كل حال، وقول بعض المفسرين ليس بحجة (4).
وأما عن صحيحة ابن أذينة، فبأن الأمر وإن كان حقيقة في الوجوب إلا أنه
ليس باقيا على حقيقته هنا قطعا، لجواز غير الكبرى أيضا بصريح الأخبار وقول
المعظم من الفقهاء. والحمل على الوجوب التخييري غير متعين، إذ هو أيضا مجاز
كالندب، بل هو أرجح، لشيوعه. غاية الأمر تكافؤ الاحتمالين، فتبقى أخبار

(1) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل 6: 295 أبواب
الركوع ب 1 ح 1.
(2) فقه الرضا (ع): 106، مستدرك الوسائل 4: 423 أبواب الركوع ب 4 ح 2.
(3) في ص 209.
(4) انظر: مجمع البيان 5: 228، والدر المنثور للسيوطي 6: 168.
211

مطلق الذكر خالية عن المعارض اليقيني. وحمل المطلق على الرخصة، والمقيد على
الأصالة غير مفيد، لأن المقصود في المطلق الكفاية، من باب الرخصة كانت أو
الأصالة.
ومنه يظهر الجواب عن رواية عقبة.
وأما عن الأمر بها في رواية هشام، فبأنه ليس أمرا. وأما قوله: (الفريضة
من ذلك...) فإن حمل على الكبرى في ليست بفرض حقيقي عنده ومجاز
متعدد، وإن حمل على المطلق فمع كونه خلاف الظاهر هو لا يقول به.
وأما عن صحيحة ابن عمار، ورواية أبي بصير، فبعدم دلالتهما على
الوجوب، لاحتمال كون ما ذكر أخف ما يكون في مرتبة الاستحباب، وأدنى ما
يجزئ عن الأمر الندبي.
ويؤيده منع كونهما أخف وأدنى من تسبيحة كبيرة سيما إذا لم يكن معها:
وبحمده، كما في كثير من الأخبار (1)، فيتعين الحمل على الخفة والدنو في
الرجحان.
على أن مدلولهما أن الثلاث أخف ما يكون من التسبيح وأدنى ما يجزئ منه
لا من مطلق الذكر، ولا ينافي ذلك جواز مطلق الذكر أصلا.
مضافا إلى أنه قد مر في صحيحة ابن يقطين إجزاء تسبيحة واحدة (2)،
وحملها على الكبيرة ليس بأولى من حمل ذلك على الاستحباب. بل قيد الترسل في
الصحيحة قرينة على الندب، لعدم وجوبه قطعا. ومع ذلك إرادة تسبيح الركعتين
الأخيرتين فيها ممكنة.
وأما عن مرسلة الهداية، فبالضعف الخالي عن الجابر، بل وجود المضعف
وهو شذوذ القول بوجوب ثلاث كبريات، مضافا إلى معارضتها مع بعض ما مر.
ومنه يظهر الجواب عن صحيحة زرارة، مع أن الأمر فيها ورد أولا على

(1) انظر: الوسائل 6: 299 أبواب الركوع ب 4 و ص 304 ب 6.
(2) راجع ص 205.
212

الدعاء الغير الواجب قطعا، فحمله على الندب متعين.
ومنه يظهر الجواب عن الرضوي.
ومنهم من أوجب ثلاث كبريات أو مثلها صغريات مخيرا بينهما، مع أفضلية
الكبرى، وهو ظاهر كلام الحلبي (1)، ونقل عنه في المختلف قولا آخر (2).
ومنهم من أوجب ثلاث كبريات خاضة، حكاه في التذكرة عن بعض
علمائنا (3).
ودليلهما يظهر مما مر كجوابهما، مع أنه يكفي في ردهما شذوذهما الموجب
لدخولهما في خلاف المجمع عليه.
فروع:
أ: هل يقدر مطلق الذكر - على القول بكفايته - بقدر أم لا؟.
قيل: ظاهر كلام الصدوق أنه يتعين منه مقدار ثلاث صغريات أو واحدة
كبرى (4)، واختاره بعض مشايخنا المعاصرين (5)، لظاهر حسنتي مسمع
المتقدمتين (6).
ويرد بأنهما معارضتان مع صحيحتي ابن يقطين (7). وحملهما على الكبيرة ليس
بأولى من حمل الحسنتين على إجزاء الأمر الندبي سيما مع قرينة قوله مترسلا في

(1) الكافي في الفقه: 142.
(2) المختلف: 96.
(3) التذكرة 1: 119.
(4) قال في الأمالي ص 512: والقول في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات، إلى
أن قال: ومن لم يسبح في ركوعه وسجوده فلا صلاة له إلا أن يهلل أو يكبر أو يصلي على
الني صلى الله عليه وآله بعدد التسبيح....
(5) الرياض 1: 167.
(6) في ص 203 - 204.
(7) راجع ص 205.
213

إحداهما، فإنه ليس بواجب قطعا. مع أنه ليس في إحداهما تصريح بالركوع،
فإرادة تسبيح الركعتين الأخيرتين ممكنة. مضافا إلى أن نفس الاجزاء وعدمه لا
يتعين كونهما للأمر الوجوبي كما مر مرارا.
فالقول الثاني - كما هو ظاهر أكثر الفتاوى - أقوى.
ب: لا شك في أنه على القول بكفاية مطلق الذكر لا يجب ضم قوله: وبحمده
مع التسبيحة الكبرى. وأما على القول بوجوبها معينا أو مخيرا فهل يجب أم لا؟.
صريح المحقق الثاني: نعم (1)، للأمر به في مرسلة الهداية، وصحيحة
زرارة، والرضوي (2)، ورواية حماد الطويلة المتضمنة لصلاته عليه السلام، وقوله
في الآخر: هكذا صل (3)، والتصريح بجريان السنة به في رواية العلل (4).
ولا ينافيه خلو بعض الأخبار عنه، لعدم وجوب ذكر كل واجب في كل
خبر. مع أنه يمكن أن يراد من (سبحان ربي العظيم) ما تضمن قوله (وبحمده)
كما يراد من بسم الله (بسم الله الرحمن الرحيم).
وصريح بعض آخر: لا (5). وهو الأقوى، للأصل، وعدم تمامية شئ مما
ذكر.
أما المرسلة، فلضعفها وخلوها عن الدال على الوجوب.
وأما الصحيحة والرضوي، فلعدم كون الأمر فيهما للوجوب قطعا كما مر.
وكذا رواية حماد، لاشتمالها على كثير من المستحبات.
وأما رواية العلل، فلأن السنة أعم من الواجب.

(1) جامع المقاصد 2: 287.
(2) راجع ص 209 و 210 و 211.
(3) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، التهذيب 2: 81 / 301
، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.
(4) راجع ص 208.
(5) كما في المدارك 3: 393.
214

نعم يستحب ضمه معه على جميع الأقوال قطعا، ووجهه ظاهر.
ج: لا يختص وجوب الذكر في الركوع والسجود بالفريضة، بل يجب في
النافلة شرطا أيضا، بل شرعا على المختار من تحريم إبطال النافلة.
والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب، وهو الحجة فيه، مضافا إلى قوله
في رواية الحضرمي المتقدمة: (ومن لم يسبح فلا صلاة له) (1) خرج من خرج عنه
بالدليل أي الذاكر مطلقا، فيبقى الباقي. وكون نقص الثلث أو الثلثين نقصا في
الكمال بدليل من خارج، لا يوجب حمل انتفاء الصلاة - الذي هو حقيقة في نفي
حقيقتها - عليه أيضا.
د: يجب أن يكون الذكر حال الركوع إجماعا، فتوى ونصا.
وهل يجب كونه حال الطمأنينة؟ لا دليل عليه، والأصل ينفيه.
بل لو نوقش في وجوب كونه بعد وصول اليد إلى الركبتين وقيل بإجزاء وقوعه
بعد الوصول إلى حد الركوع اللغوي، لم يكن بذلك البعد. وأمر الاحتياط
واضح.
المقام الثاني
في مستحباته ومكروهاته
أما المستحبات فأمور:
منها: أن يكبر له، على المشهور، وعليه أكثر أهل العلم كما في المنتهى (2)،

(1) راجع ص 204.
(2) المنتهى 1: 284.
215

وفي المدارك: إنه المعروف من مذهب الأصحاب (1)، وفي الحدائق. إن عليه اتفاق
غير أبي عقيل من الأصحاب قديما وحديثا (2)، بل هو الظاهر من المذهب كما عن
المبسوط (3)، بل إجماعي كما عن الذكرى (4).
أما رجحانه فبالاجماع، والأمر به في الأخبار كصحيحة زرارة: (إذا أردت
أن تركع فقل وأنت منتصب: الله أكبر، ثم اركع) (5).
والأخرى: (إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر، ثم اركع
واسجد) (1).
وأما عدم وجوبه، فللأصل الخالي عن معارضة ما دل على الوجوب ظاهرا،
لشذوذه المخرج له عن الحجية لو أبقي على ظاهره وحقيقته، مع أن القرينة
الصارفة عنها موجودة، وهي رواية أبي بصير: عن أدنى ما يجزئ من التكبيرة في
الصلاة، قال: (تكبيرة واحدة) (7).
والمروي في علل الفضل: (إن التكبير المفروض في الصلاة ليس إلا
واحدة) (8) وضعفه - لو كان - بما مر مجبور.
والحمل على تكبيرات الافتتاح - كما قيل (9) - بلا حامل، وجعل الأمر
بتكبيرة الركوع حاملا له ليس أولى مما قلنا، فيتعارض الاحتمالان ويرجع إلى

(1) المدارك 3: 394.
(2) الحدائق 8: 256.
(3) المبسوط 1: 110.
(4) الذكرى: 198.
(5) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل 6: 295
أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(6) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 3، التهذيب 2: 297 / 1197، الوسائل
6: 296 أبواب الركوع ب 2 ح 1.
(7) التهذيب 2: 66 / 238، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 5.
(8) علل الشرائع: 251.
(9) انظر: الحدائق 8: 257.
216

الأصل.
مع أنه على القول بجواز قطع النافلة لو أبقي الأمر على ظاهره لزم
التخصيص بغير النافلة، وهو ليس بأولى من حمل الأمر على مطلق المطلوبية.
فالقول بالوجوب، كما عن العماني والديلمي (1)، ويميل إليه كلام المدارك
والحدائق (2)، ولا يبعد كونه مذهب السيد أيضا، حيث إنه صرح في الانتصار
بوجوب رفع اليدين لغير تكبيرة الافتتاح من تكبيرات الصلاة أيضا (3)، وإيجاب
رفع اليد للتكبير دون التكبير نفسه حق يكون الوجوب تعليقيا بعيد، للأمر به
فيما مر، باطل.
والاحتجاج بالرضوي: (وإن لها - أي للصلاة - أربعة آلاف حد، وإن
فروضها عشرة: ثلاثة منها كبار وهي: تكبيرة الاحرام والركوع والسجود، وسبعة
منها صغار وهي: القراءة وتكبيرة الركوع وتكبيرة السجود وتسبيح الركوع وتسبيح
السجود والقنوت والتشهد) (4).
بضعفه الخالي عن الجابر مردود، مع إمكان حمل الفرض على شدة
الرجحان بقرينة ما مر.
ويستحب أن يكون التكبير حال القيام قبل الهوي، لقوله في الصحيحة
الأولى: (فقل وأنت منتصب) وفي صحيحة حماد المتضمنة لصلاة الصادق عليه
السلام: ثم رفع يديه حيال وجهه فقال: (الله أكبر) وهو قائم، ثم ركع (5).
وهل يشترط فيه القيام حتى لو كبر حين الهوي لم يأت بالمستحب؟
الظاهر: لا، وفاقا للخلاف والمنتهى والتذكرة وشرح القواعد والشرائع

(1) حكاه عن العماني في الذكرى: 198، الديلمي في المراسم: 71.
(2) المدارك 3: 394، الحدائق 8: 258.
(3) الإنتصار: 44.
(4) فقه الرضا (ع): 110 بتفاوت يسير، مستدرك الوسائل 40: 427 أبواب الركوع
ب 8 ح 1.
(5) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916،
التهذيب 2: 81 / 301، الوسائل 5: 459، أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و ص 46 ح
2.
217

والمدارك (1)، والأردبيلي (2).
فهو مستحب في المستحب لا أن مجموع التكبير قائما مستحب واحد،
لاطلاقات الأمر بالتكبير قبل الركوع، وأصالة عدم تقييده بحال.
وأما الصحيحتان فلا تفيدان أزيد من استحباب كونه في الانتصاب، وهو
مسلم، وأما الاشتراط وعدم الاستحباب بعده لو ترك فيه فلا، ولا يحمل المطلق
على المقيد في مقام الاستحباب، ولو حمل لا يفيد الاشتراط.
نعم، يشترط كونه قبل الركوع، للاجماع. فلو كبر بعد الوصول حد الركوع
أو ذكر جزءا منه فيه لم يأت بالمستحب.
ولكن الثابت من الاجماع وجوب كونه قبل وصول اليد إلى الركبتين دون
الركوع اللغوي، فلو كبر قبل هذا الحدائق بالمستحب وإن صدق عليه الراكع
لغة.
وأما التصريح في أكثر الأخبار (3) بقوله: (ثم اركع) الصريح في كونه قبل
الركوع الصادق على الركوع اللغوي، فلا يضر بعد إطلاق صحيحة زرارة: ما
يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: (أن تقول: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر، وتكبر وتركع) (4).
ومنها: رفع اليدين بالتكبير، وهو راجح اتفاقا فتوى ونصبا.
ولا يجب على الأظهر الأشهر، بل وفاقا لغير السيد، للاجماع الغير القادح
فيه خلاف النادر، وللأصل السالم عن المعارض التام.
وقد يستدل بعدم ذكره في بعض الأخبار. وفيه نظر.

(1) الخلاف 1: 347، المنتهى 1: 284، التذكرة 1: 119، جامع المقاصد 2: 291،
الشرائع 1: 85، المدارك 3: 395.
(2) مجمع الفائدة 2: 257.
(3) انظر: الوسائل 6: 295 أبواب الركوع ب 1 و ص 296 ب 2.
(4) الكافي 3: 319 الصلاة ب 23 ح 2، التهذيب 2: 98 / 367، الإستبصار
1: 321 / 1198 الوسائل 6: 109 أبواب القراءة ب 42 ح 5.
218

احتج السيد (1): بالاجماع، وهو ليس بحجة علينا. والأمر، وهو
للاستحباب، ولولاه لخرج المتضمن له عن الحجية بالشذوذ.
وهل يختص استحبابه بكونه للتكبير أولا: بل يستحب ولو لم يكبر أيضا؟.
ظاهر جماعة: الثاني (2)، وهو الحق، لاطلاق الحكم باستحبابه في إحدى
صحيحتي زرارة، وصحيحة ابن مسكان: في الرجل يرفع يده كلما أهوى للركوع
والسجود وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود، قال: (هي العبودية) (3).
والحكم باستحبابه مع التكبير في بعض الأخبار لا يوجب التقييد؟ فهنا
ثلاثة أمور مستحبة: التكبيرة، ورفع اليدين، وتقارنهما.
ثم الظاهر من الأصحاب اتحاد كيفية الرفع وقدره في تكبيرة الافتتاح وفي
غيرها من حالات الرفع، فالأولى كونه كذلك وإن اختص الدليل في البعض
بالأولى.
ثم إنه يظهر من استحباب التكبير قائما وانتهاء الرفع بانتهاء التكبير أنه
ينبغي أن يكون الركوع بعد إرسال اليدين.
ومنها: أن يضع يديه على ركبتيه، مقدما لوضع اليمنى، مالئا كفيه منهما،
مفرجات الأصابع، قابضا بها الركبتين، رادا ركبتيه إلى خلفه، مستويا ظهره
بحيث لو صبت عليه قطرة ماء لم تزل لاستوائه، مادا عنقه، مستحضرا فيه: آمنت
بك ولو ضربت عنقي، أو: آمنت بوحدانيتك ولو ضربت عنقي، صافا لقدميه،
باعدا بينهما قدر شبر، ناظرا بينهما، مجنحا يديه، متجافيا بهما، داعيا أمام التسبيح
بالآتي، كل ذلك للروايات.
ففي صحيحة زرارة: (ثم اركع وقل: اللهم لك ركعت، ولك أسلمت،
وبك آمنت، وعليك توكلت، وأنت ربي، خشع لك قلبي وسمعي وبصري

(1) الإنتصار: 44.
(2) كالعلامة في التذكرة 1: 119، وصاحب المدارك 3: 396، وصاحب الحدائق
8: 259.
(3) التهذيب 2: 75 / 280، الوسائل 6: 297 أبواب الركوع ب 2 ح 3.
219

وشعري وبشري ولحمي ودمي ومخي وعصبي وعظامي وما أقلته قدماي، غير
مستنكف ولا مستكبر ولا مستحسر، سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاث مرات
في ترتيل، وتصف في ركوعك بين قدميك تجعل بينهما قدر شبر، وتمكن راحتيك
من ركبتيك، وتضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، و [بلع]
بأطراف أصابعك عين الركبة، وفرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك، وأقم
صلبك، ومد عنقك، وليكن نظرك بين قدميك) (1).
وفي صحيحة حماد الواردة في التعليم: ثم ركع وملأ كفيه من ركبتيه
منفرجات، ورد ركبتيه إلى خلفه، ثم سوى ظهره حتى لو صبت عليه قطرة من
ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره، ومد عنقه، وغمض عينيه، ثم سبح ثلاثا بترتيل
فقال: (سبحان ربي العظيم وبحمده) الحديث (2).
وفيها أيضا: ولم يضع شيئا من بدنه على شئ منه في ركوع ولا سجود،
وكان مجنحا.
وقريبة منها صحيحته الأخرى (3).
والرضوي: (وإذا ركعت فألقم ركبتيك راحتيك، وتفرج بين أصابعك
واقبض عليهما).
وفيه أيضا: (فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك).
وفيه أيضا: (وليكن نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك، وفي وقت

(1) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل
6: 295 أبواب
الركوع ب 1 ح 1، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ وفي الوسائل: بلغ بالمعجمة، وقال في الحبل
المتين ص 213: هو تصحيف: وفي التهذيب: تلقم، وما أثبتناه موافق للكافي.
(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، التهذيب
2: 81 / 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.
(3) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل 5: 461
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3، وفي الجميع: عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة...
220

الركوع بين رجليك) (1).
وصحيحة ابن بزيع: رأيت أبا الحسن عليه السلام يركع ركوعا أخفض
من ركوع كل من رأيته يركع، فكان إذا ركع جنح بيديه (2).
ومرسلة الفقيه: ما معنى مد عنقك في الركوع؟ فقال: (تأويله آمنت بالله
ولو ضربت عنقي) (3).
ونحوها في العلل إلا أنه قال: (آمنت بوحدانيتك ولو ضربت عنقي) (4).
وإنما رجحنا النظر إلى بين القدمين، مع ورود التغميض في صحيحة حماد،
وفتوى النهاية والحلي به (5)، والقول بالتخيير كما هو ظاهر المنتهى (6)، لأكثرية
روايات النظر وأشهرية الفتوى بها، كما صرح به جماعة (7)، واعتضادها بما في رواية
مسمع: (إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يغمض الرجل عينيه في
الصلاة) (8).
فيكون النظر موافقا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والموافق لها
مقدم على غيره عند التعارض، سيما مع كون الرضوي المتضمن للنظر أحدث،
ومثله يقدم. مضافا إلى عدم صراحة فعل الصادق عليه السلام في كونه على وجه
الاستحباب، لجواز كونه اتفاقيا.

(1) فقه الرضا (ع): 102 و 106، مستدرك الوسائل 4: 419 أبواب الركوع ب 1 ح 2
و 435 ب 15 ح 2.
(2) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 5، عيون أخبار الرضا 2: 7 / 18،
الوسائل 6: 323 أبواب الركوع ب 18 ح 1.
(3) الفقيه 1: 204 / 928، الوسائل 6: 325 أبواب الركوع ب 19 ح 2.
(4) علل الشرائع: 320 / 1، الوسائل 6: 325 أبواب الركوع ب 19 ح 2.
(5) النهاية: 71، الحلي في السرائر 1: 225.
(6) المنتهى 1: 301.
(7) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 295، والمجلسي في البحار 81: 190،
وصاحب الرياض 1: 176.
(8) التهذيب 2: 314 / 1280، الوسائل 7: 249 أبواب قواطع الصلاة ب 6 ح 1.
221

ومنها: أن يكون ذكره تسبيحا، للخروج من الخلاف، والأمر به في كثير من
الأخبار.
وأزيد منه في الفضل أن تسبح ثلاث صغريات أو واحدة كبرى، لما مر من
الوجهين.
والظاهر من الأخبار أفضلية الواحدة الكبرى من الثلاث صغريات، لوقوع
الأمر بالواحدة في كثير من الروايات، بخلاف الثلاث، فإنها لم يؤمر بها بخصوصها
وإنما ورد إجزاؤها، مع أنه ورد أنه أخف ما يكون من التسبيح (1)، والظاهر كما مر
الخفة في الرجحان.
والأزيد منهما فضلا الكبريان، لقوله في رواية الحضرمي: (ومن نقص اثنتين
نقص ثلثي صلاته) (2).
والأزيد منهما ثلاث كبريات، للأمر بها في كثير من الروايات، وخصوص
روايتي هشام والحضرمي ومرسلة الهداية المتقدمة جميعا (3).
والأفضل منها السبع، لرواية هشام.
والأفضل منها التسع، للرضوي، قال بعد الأمر بقول سبحان ربي العظيم
ثلاث مرات: (وإن شئت خمس مرات، وإن شئت سبع مرات، وإن شئت التسع
فهو أفضل) (4).
ولا ينافيه قوله في رواية هشام: (والفضل في سبع) كما هو الظاهر من
الخلاف (5)، والإسكافي (6)، وجماعة (7)، حيث يظهر منهم عدم استحباب الزيادة

(1) انظر: الوسائل 6: 302 أبواب الركوع ب 5.
(2) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 1، التهذيب 2: 157 / 615، الإستبصار
1: 324 / 1213 الوسائل 6: 301 أبواب الركوع ب 4 ح 7.
(3) راجع ص 204 و 208 و 210.
(4) فقه الرضا (ع): 106، مستدرك الوسائل 4: 423 أبواب الركوع ب 4 ح 2.
(5) الخلاف 1: 349.
(6) حكاه عنه في الذكرى: 198.
(7) منهم العلامة في المنتهى 1: 283، وصاحب المدارك 3: 397.
222

على السبع وأنها نهاية الكمال، إذا لا شك في وجود الفضل في غيرها أيضا، فإما
يحمل على الفضل الكامل أو الفضل بالنسبة إلى الثلاث، والكل محتمل فلا
منافاة، ولعل الشيخ وتابعيه حملوه على الأول.
وليس بعض ما ذكر منتهى الفضل كما هو ظاهر جماعة، بل تستحب الزيادة
على التسع أيضا لو اتسع لها الصدر بقدر ما يتسع ولا تحصل معه السأمة كما ذكره
طائفة (1)، لموثقة سماعة: (ومن كان يقوى أن يطول الركوع والسجود فليطول ما
استطاع يكون ذلك في تسبيح الله وتحميده وتمجيده والدعاء والتضرع، فإن أقرب
ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد، فأما الإمام فإنه إذا قام بالناس فلا ينبغي أن
يطول بهم، فإن في الناس الضعيف ومن له الحاجة، فإن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم كان إذا صلى بالناس خفف لهم) (2).
ويؤكده تسبيح الصادق عليه السلام في الركوع والسجود ستين تسبيحة كما
في صحيحة ابن تغلب (3)، وثلاثا أو أربعا وثلاثين في صلاة الجماعة كما في رواية
ابن حمران والصيقل (4)، وفي فلاح السائل عن المفضل بن صالح (5)، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (كان علي عليه السلام يركع فيسيل عرقه من طول
الركوع) (6).
ومقتضى الموثقة استحباب التطويل مع الاستطاعة مطلقا، ولكنهم قيدوه

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 202.
(2) التهذيب 2: 77 / 287، الإستبصار 1: 324 / 1211، الوسائل 6: 305 أبواب
الركوع ب 6 خ 4.
(3) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 2، التهذيب 2: 299 / 1205، الوسائل 6: 304
أبواب الركوع ب 6 ح 1.
(4) الكافي 3: 329 الصلاة ب 26 ح 3، التهذيب 2: 300 / 1210، الإستبصار 1:
325 / 1214، الوسائل 6: 304 أبوب الركوع ب 6 ح 2.
(5) في (ه‍) و (س) و (ح): الفضل بن صالح.
(6) فلاح السائل: 109، مستدرك الوسائل 4: 440 أبواب الركوع ب 19 ح 2.
223

بما مر من اتساع الصدر، وكأنه لما يستفاد من الأخبار من مطلوبية الرغبة
والميل في المندوبات (1). ولا بأس به، وإن أمكن القول بالاستحباب مطلقا، لاطلاق
الموثقة.
وقد يقال باستحباب تطويل كل من الركوع والسجود بقدر القراءة،
لصحيحتي ابن وهب وابن حمزة، الدالتين على أن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم كان يفعل كذلك (2)، ولكن الأولى صريحة والثانية ظاهرة في الصلوات
المندوبة، فالقول به فيها خاصة جيد.
وكذا مقتضاها عدم استحباب التطويل للإمام بل كراهته.
وهل هو مخصوص بما إذا لم يعلم من المأمومين حب الإطالة؟
قيل: نعم (3)، لظاهر التعليل.
وفيه كلام، لأنه إنما هو إذا حمل الناس على المأمومين، وأما إذا أبقي على
عمومه يكون معناه أنه لوجود الصنفين في الناس شرع هذا الحكم لكل إمام،
فالتعميم أولى. وأما تطويل المعصوم كما في رواية الصيقل فلا يعلم أنه لحب
المأمومين فلعله لعلة أخرى، أو لمعارضة كثرة ميله مع عدم حب المأمومين، أو عدم
العلم بحبهم.
وهل يكره الزائد عن القدر الواجب من الذكر للإمام مع وجود من يضعف
عنه، أو ذي الحاجة الطالب للاقتصار؟
مقتضى التعليل ذلك، وإن كان ظاهر بعضهم استحباب الثلاث له
مطلقا (4).

(1) انظر: الوسائل 1: 85 أبواب مقدمة العبادات ب 26، والمستدرك
: 144 أبواب مقدمة العبادات ب 24.
(2) صحيحة ابن وهب: التهذيب 2: 334 / 1377، الوسائل 6: 333 أبواب الركوع
ب 26 ح 2.
صحيحة ابن حمزة: التهذيب 2: 123 / 468، الوسائل 6: 332 أبواب الركوع
ب 26 ب 1.
(3) كما في الروضة 1: 273.
(4) انظر: الذكرى: 199.
224

ثم استحباب التطويل أعم من أن يسبح في الركوع بالكبرى أو الصغرى
أو أتى بمطلق الذكر. وأما الأعداد المتقدمة فاستحبابها مخصوص بالتسبيح، بل
الكبرى منه في غير الثلاث، للأصل والاختصاص.
ومنها: أن يصلي في ركوعه وسجوده على النبي وآله بعد التسبيح أو قبله.
لا لما في الذكرى من صحيحة ابن سنان: عن الرجل يذكر النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وهو في الصلاة المكتوبة إما راكعا وإما ساجدا، فيصلي عليه وهو
على تلك الحال؟ فقال: (نعم، إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كهيئة
التكبير والتسبيح) الحديث (1).
لأنها إنما تدل على الاستحباب من حيث ذكره صلى الله عليه وآله، والمدعى
استحبابها ابتداء.
أو رواية الحلبي: (كلما ذكرت الله عز وجل والنبي فهو من الصلاة) (2).
لأنها لا تثبت إلا الجواز وعدم فساد الصلاة بها.
بل للصحيحة وللرواية، الأولى: أصلي على النبي وأنا ساجد؟ فقال:
(نعم هو مثل سبحان الله والله أكبر) (3).
والأخرى: (من قال في ركوعه وسجوده وقيامه: صلى الله على محمد وآل
محمد، كتب الله له مثل الركوع والسجود والقيام) (4).
ومثلها في ثواب الأعمال إلا أن فيه: (اللهم صل على محمد وآل محمد) (5).
والظاهر اختصاص الاستحباب بإحدى العبارتين، وإن جاز غيرهما بل

(1) الكافي 3: 322 الصلاة ب 25 ح 5، التهذيب 2: 299 / 1206، الوسائل
6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 1.
(2) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316 / 1293، الوسائل 6: 327
أبواب الركوع ب 20 ح 4.
(3) التهذيب 2: 314 / 1279، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 2.
(4) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 13، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 3.
(5) ثواب الأعمال: 34، الوسائل 6: 326 أبواب الركوع ب 20 ح 3.
225

استحب من جهة كونه مطلق الذكر.
ومنها: أن يرفع يديه إذا رفع رأسه من الركوع، وفاقا للمحكي عن ابني
بابويه وصاحب الفاخر (1)، والذكرى (2)، ومال إليه شيخنا البهائي وصاحب
المدارك (3)، لصحيحة ابن مسكان المقدمة (4)، وابن عمار: رأيت أبا عبد الله عليه
السلام يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع
رأسه من السجود، وإذا أراد أن يسجد الثانية (5).
خلافا للعماني والإسكافي والفاضلين فنفوه (6)، وظاهر المعتبر الاجماع
عليه (7).
لا وجه له بعد دلالة الصحيحين.
وفي الذكرى: يبتدئ بالرفع حين ابتداء رفع الرأس وينتهي بانتهائه (8).
انتهى. ولا بأس به.
وهل يكبر مع ذلك الرفع أم لا؟
ظاهر الأصحاب: الثاني، للأصل، وروايات حصر التكبيرات في خمس
وتسعين (9).
وقال بعض المتأخرين من الأخباربين بالأول (10)، استنادا إلى التلازم بينه

(1) الصدوق في الفقيه 1: 205، ونقله عن والده وعن صاحب الفاخر في الذكرى:
199.
(2) الذكرى: 199.
(3) الحبل المتين: 239، المدارك 3: 396.
(4) في ص 219.
(5) التهذيب 2: 75 / 279، الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2 ح 2.
(6) حكاه عن العماني والإسكافي في الذكرى: 199، المحقق في المعتبر 2: 199،
العلامة في التذكرة 1: 120.
(7) المعتبر 2: 199.
(8) الذكرى: 199.
(9) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الاحرام ب 5.
(10) حكاه في الحدائق 8: 260 عن السيد نعمة الله الجزائري والشيخ عبد الله
البحراني.
226

وبين الرفع، وهو ممنوع جدا.
إلا أن في رواية الاحتجاج الآتية في تكبيرات السجود (1) دلالة على
استحبابه، وهو يعارض روايات الحصر بالعموم من وجه، والتخيير طريق الجمع.
ومنها: أن يقول بعد رفع الرأس من الركوع: (سمع الله لمن حمده)
لصحيحة حماد: فلما استمكن من القيام قال: سمع الله من حمده، ثم كبر وهو
قائم ورفع يديه حيال وجهه، ثم سجد (2).
وصحيحة زرارة: (ثم قل: سمع الله لمن حمده - وأنت منتصب قائم -
الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت والكبرياء، والعظمة لله رب العالمين.
تجهر بها صوتك، ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا) (3).
وصريح الروايتين استحباب السمعلة بعد الانتصاب كما هو المشهور، وفي
الذكرى عن ظاهر العماني والحلي وصريح الحلبيين: استحبابها حال الارتفاع،
وباقي الأذكار بعد الانتصاب (4). ولا مستند لهم.
ومقتضى إطلاق الصحيحة وسائر الأخبار الآتية استحباب السمعلة لجميع
المصلين كما هو المشهور، بل عن الخلاف والمعتبر والمنتهى: الاجماع عليه (5).
وقيل: المأموم لا يسمعل، بل يقول: الحمد لله رب العالمين، لصحيحة
جميل: ما يقول الرجل خلف الإمام إذا قال: سمع الله لمن حمده؟ قال: (يقول:
الحمد لله رب العالمين، يخفض من الصوت) (6).

(1) انظر: ص 283.
(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، التهذيب 2: 89 / 301
، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.
(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل 6: 295
أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(4) الذكرى: 199.
(5) الخلاف 1: 350، المعتبر 2: 203، المنتهى 1: 285.
(6) الكافي 3: 320 الصلاة ب 24 ح 2، الوسائل 6: 322 أبواب الركوع ب 17 ح 1.
227

وهو كان حسنا لو لم يحتمل إرجاع الضمير في قوله (إذا قال) إلى المأموم،
ولكنه محتمل. وأظهرية إرجاعه إلى الإمام - لو سلمت - تعارض الاجماعات
المنقولة. مع أن استحباب الحمد له لا ينافي استحباب السمعلة، كما أن عدم
ذكرها هنا أيضا - لو رجع الضمير إلى الإمام - لا ينفيه بعد ثبوتها بأخبار اخز (1).
ومنها: أن يقول بعد السمعلة: الحمد لله رب العالمين أهل الجبروت
والكبرياء، والعظمة لله رب العالمين، كما في الصحيحة المتقدمة.
والظاهر أن العظمة مبتدأ والكبرياء عطف على الجبروت، ويحتمل كون
الكبرياء مبتدأ والعظمة عطفا عليه، وفي بعض النسخ بعد قوله: والعظمة:
(الحمد لله رب العالمين) وعليه يكون الكبريات والعظمة معا معطوفين على
الجبروت.
أو يقول بعد السمعلة: (بالله أقوم وأقعد، أهل الكبرياء، والعظمة لله
رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت) كما في الرضوي (2).
أو: (أهل الجود والكبرياء والعظمة) كما في المروي في المعتبر (3).
أو: (الحمد لله رب العالمين، أهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت) كما
في المروي في فلاح السائل (4).
أو: (الحمد لله رب العالمين، بحول الله وقوته أقوم وأقعد، أهل الكبرياء
والعظمة والجبروت) كما في المروي في الذكرى (5).
وأما مكروهاته:
يكره في الركوع أن يطأطئ رأسه، وأن يرفعه حتى يكون أعلى من

(1) انظر: الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، و ص 295 أبواب
الركوع ب 1 ح 1.
(2) فقه الرضا (ع): 106، وفيه (الحمد لله رب العالمين) وما ذكره في
المتن موافق للنسخة الحجرية.
(3) المعتبر 2: 203.
(4) فلاح السائل: 133.
(5) الذكرى: 199.
228

جسده، لما رواه الصدوق في معاني الأخبار قال: ونهى رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم أن يدبح الرجل في الصلاة كما يدبح الحمار، قال: ومعناه أن
يطاطئ. الرجل رأسه في الركوع حتى يكون أخفض من ظهره، وكان عليه السلام
إذا ركع لم يصوب رأسه ولم يقنعه، قال: معناه أنه لم يرفعه حتى يكون أعلى من
جسده ولكن بين ذلك (1).
ويستفاد من كراهة الأمرين استحباب تسوية الظهر مع الرأس، وهو
كذلك.
وقيل: لا خلاف فيهما بين الأصحاب.
قالوا: ويكره أيضا أن يركع ويداه تحت ثيابه.
فإن أرادوا بذلك كراهة كونهما تحت جميع ثيابه بحيث يكون ملاصقا لبدنه،
كما هو ظاهر إتيانهم بلفظ الجمع المضاف.
فتشهد له موثقة عمار: في الرجل يدخل يديه تحت ثوبه، قال: (إن كان عليه
ثوب آخر، إزار أو سراويل، فلا بأس، وإن لم يكن فلا يجوز ذلك) (2).
والقول بأنها أعم من المدعى من جهة اختصاصه بالركوع، وأخص منه من
جهة نفي الكراهة مع وجود ثوب آخر.
مردود بعدم ضير الأعمية، ومنع الأخصية، إذ مع إزار أو سراويل لا يكون
تحت جميع الثياب.
وإن أرادوا كراهة كونهما تحت ثوب مطلقا، واستحباب كونهما بارزتين، كما
هو صريح المبسوط حيث قال: يستحب أن تكونا بارزتين أو في كمه (3).
فلا شاهد له، إلا أن يثبت بقول الشيخ، ولا بأس به.

(1) معاني الأخبار: 280، الوسائل 6: 323، 324 أبواب الركوع ب 18 ح 3 و 4.
(2) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 10، التهذيب 2: 356 / 1475، الإستبصار 1.
392 / 1494، الوسائل 4: 432 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 4، وفيها بتفاوت يسير.
(3) المبسوط 1: 112.
229

بل في صحيحة محمد: عن الرجل يصلي ولا يخرج يديه عن ثوبه، قال:
(إن أخرج يديه فحسن، وإن لم يخرج فلا بأس) (1).
فإن وصف الاخراج بالحسن وعدمه بنفي البأس ظاهر في أحسنية الأول.
ولا يتوهم منافاة نفيه البأس عن الثاني لكراهته، لأن البأس هو العذاب،
والكراهة لا تنافي نفيه.

(1) الفقيه 1: 174 / 822، التهذيب 2: 356 / 147، الإستبصار 1: 391 / 1491،
الوسائل 4: 431 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 1.
230

البحث السادس
في السجود
ووجوب سجدتين في كل ركعة من فريضة شرعا، أو نافلة شرطا مجمع
عليه، بل ضروري الدين. والنصوص فيه متواترة معنى.
وهما معا ركن، بمعنى بطلان الصلاة بالاخلال بهما معا، عمدا وسهوا،
وبزيادتهما معا كذلك، ولا تبطل بالاخلال بواحدة أو زيادتها سهوا.
أما الأولان فبالاجماعين، مضافا في أولهما إلى ما مر من أصالة الركنية - بهذا
المعنى - في كل جزء واجب من الصلاة، وصحيحة زرارة: (لا تعاد الصلاة إلا
من خمسة: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود) (1).
وفي الثاني إلى ما يأتي من القاعدة المستندة إلى الأخبار الدالة على بطلان
الصلاة بالزيادة.
وتؤيده رواية زرارة: (لا يقرأ في المكتوبة شئ من العزائم، فإن السجود
زيادة في المكتوية) (2).
وقد يجعل ذلك دليلا (3)، وفيه نظر (4).

(1) الفقيه 1: 225 / 991، التهذيب 2: 152 / 597، الوسائل 6: 313
أبواب الركوع ب 10 ت 5.
(2) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 6، التهذيب 2: 96 / 361،
الوسائل 6: 105. أبواب القراءة ب 40 ح 1 وفي جميعها: (لا تقرأ في المكتوبة
شئ من العزائم...).
(3) كما في الرياض 1: 168.
(4) أما أولا فلأن قوله: (لا يقرأ) إخبار بقرينة قوله: (شئ) فيمكن أن
يكون المعنى: يرجح ذلك لأن السجود زيادة وهي مرجوحة. وأما ثانيا فلأنه يحتمل
أن يكون مخصوصا بالعمد، إذ قوله: (فإن
السجود زيادة، يحتمل أن يكون المعنى: والزيادة محرمة أو الزيادة مبطلة،
وعلى الأول يختص بالعامد، إذ لا حرمة على الناسي. منه رحمه الله.
231

وجعلهما ركنا في بعض الركعات دون بعض - كما عن المبسوط (1) - باطل،
كما يأتي في محله.
وأما الثالث والرابع فعلى الحق المشهور، بل عن التذكرة والذكرى: على
أولهما الاجماع، (1) للمستفيضة في الأول، كصحيحة أبي بصير: عمن نسي أن
يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم، قال: (يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن
كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وحدها وليس عليه
سهو) (3).
وابن جابر: في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو
قائم أنه لم يسجد، قال: (فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم
يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها، فإنها قضاء) (4).
وقريبة منها موثقة الساباطي (5)، وغيرها.
ولموثقتي ابني حازم، وزرارة في الثاني.
الأولى: عن رجل صلى فذكر أنه زاد سجدة، فقال: (لا يعيد صلاة من
سجدة ويعيدها من ركعة) (6).
-.

(1) المبسوط 1: 120.
(2) التذكرة 1: 138، الذكرى: 200.
(3) التهذيب 2: 153 / 602، والاستبصار 1: 359 / 1361، الوسائل 6: 364 أبواب
السجود ب 14 ح 1.
(4) التهذيب 2: 153 / 604، الإستبصار 1: 359 / 1362، الوسائل 6: 364 أبواب
السجود 14 ح 2.
(5) الفقيه 1: 228 / 1008، التهذيب 2: 152 / 598، الإستبصار 1: 358 / 1360،
الوسائل 6: 465 أبواب السجود ب 14 ح 4، في التهذيب والاستبصار لا توجد كلمة
(وحدها).
(6) الفقيه 1: 228 / 1009، التهذيب 2: 156 / 610، الوسائل 6: 319 أبواب
الركوع ب 14 ح 2.
232

والثانية: (والله لا تفسد زيادة سجدة) (1).
خلافا في أولهما، للمحكي عن الكليني (2)، وظاهر العماني (3)، فتبطل
بالاخلال مطلقا.
للأصل المتقدم.
واقتضاء الركنية لذلك.
ورواية معلى، عن أبي الحسن الماضي: (في الرجل ينسى السجدة من
صلاته، قال: إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته وسجد سجدتي
السهو بعد انصرافه، وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة) (4).
ويدفع الأصل: بما مر.
واقتضاء الركنية: بمنعها بهذا المعنى، والمسلم الركنية بالمعنى الذي ذكرنا،
كيف؟! ولم يرد لفظ الركن في نص، ولو ورد لم يثبت له معنى خاص، وإنما هو
أمر اصطلحوا عليه ولم يثبت الاصطلاح في السجدتين إلا بذلك المعنى.
والرواية: بعدم صراحتها، بل ولا ظهورها في المخالفة، لاحتمال السجدة
فيها السجدتين لا الواحدة بقرينة تعريفها بلام الجنس. واحتمال الاستحباب،
لعدم تضمنها الأمر المفيد للوجوب، ولو سلم فلا شك في شمولها للواحدة
والاثنتين فيتعين التخصيص بما مر.
مضافا إلى ما في الرواية من خللها باعتبار تقدم المعلى على أبي الحسن
الماضي، فلا يمكن روايته عنه، ومعارضتها مع ما هو أرجح منها سندا وعددا
وعملا.

(1) التهذيب 2: 156 / 611، الوسائل 6: 319 أبواب الركوع ب 14 ح 3.
(2) الكافي 3: 361.
(3) حكاه عنه في الذكرى: 200.
(4) التهذيب 2: 154 / 606، الإستبصار 1: 359 / 1363، الوسائل 6: 366 أبواب
السجود ب 14 ح 5.
233

ولظاهر التهذيب (1)، ومحتمل الاستبصار (2)، فتبطل بالاخلال بالواحدة إذا
كانت من الأوليين خاصة، لصحيحة البزنطي (3)، القاصرة عن إفادة الوجوب،
لتضمنها الأخبار. بل عن الاستدلال، لما فيها من الاجمال وعن معارضة ما مر،
لاعتضاده بالكثرة والشهرة. مضافا إلى اختصاصها بالركعة الأولى وعدم تعرضها
للثانية، مع دلالة رواية محمد بن منصور (4) على عدم الإعادة في ترك السجدة
الواحدة من الثانية.
ولوالد الصدوق والإسكافي (5)، فتبطل بالاخلال بها إذا كانت من الركعة
الأولى خاصة، وظهر وجهه وجوابه مما مر.
وفي الثاني، للمحكي عن الكليني وجمل السيد والحلبيين والحلي (6)، فتبطل
بالزيادة، للقاعدة المقدمة، وهي بالموثقين المعتضدين بالشهرة مخصصة.
ويأتي بيان هذه المسائل في باب الخلل.
ثم إن للسجود واجبات، ومستحبات، وأحكاما، نذكرها في ثلاثة
مطالب:

(1) التهذيب 2: 154.
(2) الإستبصار 1: 359.
(3) الكافي 3: 349 الصلاة ب 37 ح 3، التهذيب 2: 154 / 605، الإستبصار 1:
360 / 1364، قرب الإسناد: 365 / 1308، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 14 ح 3.
(4) التهذيب 2: 155 / 607، الإستبصار 1: 360 / 1365، الوسائل 6: 366 أبواب
السجود ب 14 ح 8.
(5) حكاه عنهما في الرياض 1: 168.
(6) الكافي 3: 361، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 36، أبو الصلاح
في الكافي في الفقه: 119، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 565،
الحلي في السرائر 1: 254.
234

المطلب الأول
في واجباته
وهي أمور:
الأول: السجود على سبعة أعضاء: الجبهة، واليدين، والركبتين،
والرجلين، بالاجماع المحقق والمحكي مستفيضا في كلمات أصحابنا. وهو الحجة
فيه، مضافا إلى النصوص المستفيضة:
منها: صحيحة حماد الواردة في التعليم، وفيها: فسجد على ثمانية أعظم:
الكفين، والركبتين، وأنامل إبهامي الرجلين، والجبهة، والأنف، وقال: (سبعة
منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكر الله عز وجل في كتابه وقال: (أن المساجد
لله فلا تدعوا مع الله أحدا) (1) وهي الجبهة، والكفان، والركبتان، والابهامان،
ووضع الأنف على الأرض سنة) (2).
وزرارة: (السجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين،
والابهامين، وترغم بأنفك إرغاما، وأما الفرض فهذه السبعة، وأما الارغام بالأنف
فسنة) (3).
والمروي في تفسير العياشي، وفيه بعد السؤال عن الوجه في قطع السارق
من أصول الأصابع: (قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: السجود على
سبعة أعضاء: الوجه، واليدين، والركبتين، وإبهامي الرجلين، فإذا قطعت اليد

(1) الجن: 18.
(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، التهذيب 2: 81 / 301
، الوسائل 5: 459 / 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.
(3) التهذيب 2: 299 / 1204، الإستبصار 1: 327 / 1224، الوسائل 6: 343 أبواب
السجود ب 4 ح 2.
235

من الكرسوع أو المرفق لم تبق له يد يسجد عليها) (1).
والرضوي: (والسجود على سبعة أعضاء: على الجبهة، واليدين،
والركبتين، والابهامين من القدمين، وليس على الأنف سجود، وإنما هو
الارغام) (2).
فروع:
أ: موضع السجود من اليدين الكفان عند أكثر الأصحاب، بل في التذكرة
وشرح القواعد وعن الخلاف والذكرى الاجماع عليه (3)، لحمل مطلقات أخبار
اليدين على المقيد، وهو الصحيحة الأولى.
خلافا للحلي والمحكي عن السيد والإسكافي (4)، فبدلوا الكفين بمفصلهما
عند الزندين.
فإن أرادوا تعينه فلا دليل عليه.
وإن أرادوا الاجتزاء به، كما نقل عنهم في شرح القواعد والدروس (5)،
وغيره، وهو الظاهر وإن عبروا بالمفصل، فإن الظاهر أن مرادهم أنه منتهى محل
السجود، وحينئذ تحتمل موافقة كل من عبر باليدين كالشيخ في النهاية (6) وغيره (7)
لهم.
فالدليل معهم، لكون المفصل أيضا من اليدين الواردتين في الأخبار، بل
الكفين، لأن القدر المشترك بين الشيئين يكون من كل منهما ما دام الاشتراك.

(1) تفسير العياشي 1: 319 / 109، مستدرك الوسائل 4: 454 أبواب السجود ب 4 ح
1.
(2) فقه الرضا (ع): 106، مستدرك الوسائل 4: 454 أبواب السجود ب 4 ح 2.
(3) التذكرة 1: 120، جامع المقاصد 2: 300، الخلاف 1: 354 وفيه: بيديه،
الذكرى: 201
(4) السرائر 1: 225، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 32، وحكاه
عن الإسكافي في الذكرى: 201.
(5) جامع المقاصد 2: 300، الدروس 1: 18
(6) النهاية: 71.
(7) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 488، والشهيد قي الدروس 1: 18.
236

ودعوى تبادر غيره من الكفين ومنافاته للتأسي وعمل الأئمة غريبة، لتجويز
المشهور السجود على ما دون المفصل ولو بيسير، ولا يختلف التبادر بالنسبة إليهما
ولا التأسي.
وهل يجب السجود على باطنيهما؟ كما عن نهاية الفاضل (1)، والشهيدين (2)،
وفي المدارك (3)، بل عن الأول نسبته إلى ظاهر علمائنا إلا المرتضى، وعن الذكرى
إلى الأكثر، واستدل له في المدارك بالتأسي، وفي غيره بأنه المعهود من فعل النبي
والأئمة والمسلمين (4).
أولا يجب؟ كما هو محتمل عبارة الأكثر حيث أطلقوا، وتردد في المنتهى (5).
مقتضى الأصل والاطلاقات: الثاني.
والقول بأن المطلق ينصرف إلى الفرد الشائع المعهود، والمتعارف باطن
الكف كما في الحدائق (6).
باطل، لأنه إن أريد شيوع إرادة الباطن من اليد والكف فهو ممنوع، وإن
أريد شيوع وضع الباطن من إطلاق السجود عليها أو وضعها - فلو سلم - فيحتمل
أن يكون ذلك حادثا بعد زمان الشارع لاستحبابه أو فتوى الأكثر بوجوبه. بل
الظاهر عدم شيوع السجدة على اليد قبل حكم الشارع بذلك حتى يكون له
شائع، بل لا شائع للسجدة عليها ولا استعمال له في غير هذا الموضع. وأما وضع
اليد والكف فلا شيوع له في الباطن قطعا.
والتأسي غير واجب.

(1) نهاية الإحكام 1: 488.
(2) الشهيد الأول في الذكرى: 201، والبيان 168، الشهيد الثاني في روض الجنان:
276.
(3) المدارك 3: 404.
(4) شرح المفاتيح للبهبهاني (ره) (المخطوط).
(5) المنتهى 1: 290.
(6) الحدائق 8: 278.
237

وفعل الجميع كذلك - لو سلم - لم يعلم أنه على سبيل الوجوب.
فالقول الثاني لا يخلو عن قوة، والأول أحوط.
ب: موضع السجود من الرجلين الابهامان، على الحق المشهور، بل في
الكتب المقدمة وغيرها: الاجماع عليه، وتدل عليه الأخبار المقدمة.
خلافا لجماعة من القدماء، فجعلوا عوض الإبهامين أصابع الرجلين كما في
كلام جماعة، منهم: الشيخ في المبسوط وموضع من النهاية (1)، والحلبي (2)، بل عن
شرح الجمل للقاضي نقل الاجماع عليه (3).
أو أطرافها، كما في كلام آخرين، منهم ابن زهرة (4).
ولعلهما لروايتي الجمهور وابن أبي جمهور عن رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم.
الأولى: (أمرت بالسجود على سبعة أعظم: اليدين، والركبتين، وأطراف
القدمين، والجبهة) (7).
والثانية ما رواه في العوالي: (اسجدوا على سبعة: اليدين، والركبتين،
وأطراف أصابع الرجلين، والجبهة) (6).
وفيها أيضا: (أمرت أن أسجد على سبعة أطراف: الجبهة، واليدين،
والركبتين، والقدمين) (7).
والمروي في قرب الإسناد: يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه،

(1) المبسوط 1: 112، النهاية: 36.
(2) الكافي في الفقه: 119.
(3) شرح الجمل: 90.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 558.
(5) سنن البيهقي 2: 103.
(6) عوالي اللآلئ 1: 196 / 5، مستدرك الوسائل 4: 455 أبواب السجود ب 4 ح 3.
(7) عوالي اللآلئ 2: 219 / 16، مستدرك الوسائل 4: 455 أبواب السجود ب 4 ح 3.
238

ورجليه، وركبتيه، وجبهته) (1).
ويرد - بعد الاغماض عن ضعفها - بوجوب حمل المطلق على المقيد.
والظاهر الاكتفاء فيهما بالباطن والظاهر، للاطلاق، وإن كان السجود على
رؤوسهما أفضل، لصحيحة حماد.
نعم لو تعذر السجود عليهما لعلمهما أو قصرهما أو عذر آخر، أجزأ على بقية
الأصابع كما ذكره في الذكرى (2)، واستحسنه في الذخيرة (3)، وقال بعض مشايخنا
المحققين: إن عليه طريقة المسلمين في الأعصار والأمصار (4)، بل الظاهر أن عليه
فتوى الأصحاب، لظهور أن تقييد المطلقات بالابهامين إنما هو مع الامكان،
فبدونه تبقى بلا معارض، وينجبر ضعفها بما مر من أنه الظاهر من الأصحاب.
ج: المعروف من الأصحاب أنه يكفي فيما عدا الجبهة من هذه الأعضاء
ما يصدق عليه الاسم، ولا يجب الاستيعاب، بل في المدارك والذخيرة: لا نعرف
فيه خلافا (5). وفي الحدائق: من غير خلاف يعرف (6).
وهو كذلك، للأصل، وصدق الامتثال، وإطلاق الأخبار (7)، ورواية
العياشي المتقدمة (8) المنجبر ضعفها بما ذكر، ويؤيده فحوى ما دل على الاكتفاء
بالمسمى في الجبهة (9). فتردد المنتهى (10) في الكفين لا وجه له.

(1) قرب الإسناد: 22 / 74، الوسائل 6: 345 أبواب السجود ب 4 ح 8.
(2) الذكرى: 201.
(30) الذخيرة: 286.
(4) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(5) المدارك 3: 404، الذخيرة: 286.
(6) الحدائق 8: 277.
(7) انظر: الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4.
(8) في ص 235.
(9) انظر: الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9.
(10) المنتهى 1: 290.
239

والكفان يشملان الأصابع أيضا، فيجوز الاكتفاء في السجود عليها. وما
في بعض كلمات القدماء من ذكر باطن الراحتين لا دليل على التخصيص به إن
أراده.
والحق المشهور الاكتفاء به فيها أيضا، لما مر، مضافا إلى المعتبر المستفيضة
المصرحة، كصحيحة زرارة. الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة، فقال: (إذا
مس شئ من جبهته الأرض فهما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه) (1).
والأخرى: (اسجد على المروحة أو عود أو سواك) (2) (3).
والثالثة: عن حد السجود، قال: (مما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف
مسجد، أي ذلك أصبت به الأرض أجزأك) (4).
ونحوها موثقة الساباطي (5)، وقريبة منهما روايتا زرارة (6)، والعجلي (7)،
وزاد في الأخيرة: (والسجود عليه كله أفضل).
خلافا للمحكي عن الصدوق والحلي (8)، والدروس وموضع من
الذكرى (9)، فأوجبوا مقدار الدرهم.

(1) الفقيه 1: 176 / 833، التهذيب 2: 85 / 314، الوسائل 6: 355
أبواب السجود ب 9 ح 1.
(2) الفقيه 1: 236 / 1039 (وفيه بتفاوت يسير)، التهذيب 2: 311 / 1264،
الوسائل 5: 364 أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1 و 2.
(3) توجد في (ح) زيادة: ومثله لا يستوعب الجبهة أو قدر الدرهم غالبا.
(4) التهذيب 2: 85 / 313، الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9 ح 2. وفيها: (ما
بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب ما وضعت منه أجزأك) وما أورده في المتن
مذكور في موثقة الساباطي.
(5) الفقيه 1: 176 / 836، التهذيب 2: 298 / 1201، الإستبصار 1: 327 / 1222،
الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ح 4.
(6) الفقيه 1: 176 / 837، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ذيل حديث 4.
(7) التهذيب 2: 298 / 1199، الإستبصار 1: 326 / 1221، الوسائل 6: 356 أبواب
السجود ب 9 ح 3.
(8) الصدوق في المقنع: 26، الحلي في السرائر 1: 225.
(9) الدروس 1: 180، الذكرى: 201.
240

قيل (1): ولعله لحسنة زرارة: (الجبهة كلها من قصاص شعر الرأس إلى
الحاجبين موضع السجود، فأيما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك، مقدار
الدرهم ومقدار طرف الأنملة) (2).
ولا أعرف لها وجه الدلالة، بل هو - كما اعترف به في المدارك وغيره (3) -
بالدلالة على خلافه أشبه، إذ مقتضاها الاكتفاء بقدر طرف أنملة وهو دون
الدرهم بكثير قطعا.
وقيل (4): لصحيحة علي: المرأة تطول قصتها، فإذا سجدت وقع بعض
جبهتها على الأرض وبعض يغطيه الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: (لا حتى تضع
جبهتها على الأرض) (5).
وظاهرها إيجاب تمام الجبهة، وهو إما خلاف الاجماع، أو شاذ يخرج به الخبر
عن الحجية، فهي على الندب محمولة.
مع أنه لا دلالة لها على الدرهم، وإخراج الزائد بالاجماع ليس بأولى من
إرادة الاستحباب. وحملها على كون الواقع من الجبهة على الأرض ما دون
المسمى، أو ردها باحتمال ذلك، باطل، إذ بعضها لا يقصر عن المسمى البتة،
مع أن ترك الاستفصال يفيد العموم.
نعم ذكر الدرهم في خبرين:
أحدهما: الرضوي: (وترغم بأنفك، ويجزئك في موضع الجبهة من
قصاص الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم) (6).

(1) كما في المدارك 3: 404.
(2) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 1، الوسائل 6: 356 أبواب السجود ب 9 ح 5.
(3) المدارك 3: 404، وانظر: الذخيرة: 288، والرياض 1: 168.
(4) انظر: الذكرى: 160.
(5) التهذيب 2: 313 / 1276، مسائل علي بن جعفر: 239 / 560، الوسائل
5: 363 أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 5.
(6) فقه الرضا (ع): 114 وفيه (ترغم بأنفك ومنخريك).
241

والآخر: في الدعائم: (وأكمل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك قدر
درهم) (1).
قيل: وهما نص فيما قالوه (2).
وهو في الثاني محل نظر، للتقييد بالأكمل (3). بل وكذا في الأول، لما مر من
إمكان إرادة إجزاء الأمر الندبي، مع أن فيه في النسخ المصححة التي رأينا من فقه
الرضا: (ومنخريك) مقام (يجزيك) ولا تكون له دلالة حينئذ، مضافا إلى ما فيها
من الضعف الخالي عن الجابر.
وفي الذكرى - بعد اختيار مقدار الدرهم - قال: لتصريح الخبر وكثير من
الأصحاب، فيحمل المطلق من الأخبار وكلام الأصحاب على المقيد (4). انتهى.
فإن أراد بالخبر بعض ما مر فقد عرفت حاله، وإن أراد غيره فلا نعرفه ككثير
من الأصحاب.
وقد ينقل عن الإسكافي القول بوجوب استيعاب الجبهة (5).
وهو شاذ، ولا دليل عليه سوى الصحيحة، المردودة بالشذوذ، المعارضة
بأكثر منها عددا، فيجب حملها على الاستحباب جمعا، بل قطعا بقرينة التصريح
بأفضليته في الرواية المقدمة (6).
الثاني: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه:
فإن لما يسجد عليه مدخلية في المعنى الحقيقي للسجدة. وتحقيق المقام في
هذا المرام، وبيان ما يصح السجود عليه وما لا يصح بعد مقدمة وهي:

(1) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 458 أبواب السجود ب 8 ح 1.
(2) لم نعثر على قائله.
(3) يوجد في نسخة الدعائم التي بأيدينا: (أقل) بدل (أكمل).
(4) الذكرى: 201.
(5) حكاه عنه في الرياض 1: 168.
(6) ص 240، الرقم (4).
242

أن السجود، هل هو وضع الجبهة على الأرض؟ كما فسرت به سجدة
الصلاة في بعض كتب اللغة (1)، وتؤيده - على ما قيل - مرسلتا الفقيه: (السجود
على الأرض [فريضة] وعلى غير الأرض سنة) (2) وفي إحداهما: (والخمرة) مكان
(غير الأرض) (3) دلتا على أن السجدة المأمور بها في كتابه سبحانه هي وضع الجبهة
على الأرض.
أو الانحناء حتى يساوي موضع جبهته موقفه مع وضعها على شئ؟ كما
فسرت به بعض الكتب الفقهية (4)، ويؤيده عدم اشتراط الأرض فيما يوضع عليه
غير الجبهة مع إطلاق السجود عليه.
الظاهر هو الثاني، لعدم صحة السلب، وعدم تبادر الغير، وثبوت
الاستعمال في الأعم، وعدم ثبوته في غيره، فيتحد المستعمل فيه المعلوم، فيكون
الأصل فيه الحقيقة، ونحو قوله في الأخبار الكثيرة: السجود على الأرض وعلى غير
الأرض، فإن المستفاد منه خروج كونها على الأرض عن معناها.
وأما ما مر من قول بعض اللغويين، فالظاهر أن المراد من الأرض مطلق ما
يحاذي الموقف، لأنه إنما فسر سجدة الصلاة بذلك مع أنه من العامة التي لا يشترط
ذلك عنده فيها أصلا، بل على عدم الاشتراط إجماعهم، ومع أنه في بيان المعنى
الشرعي، وقوله فيه ليس بحجة قطعا.
ومن هذا القبيل ما قال بعض فقهائنا: ويجب وضع سبعة أعظم على
الأرض (5)، مع أنه لا يقول باشتراط الأرض في غير الجبهة.

(1) انظر: الصحاح 2: 483، ولسان العرب 3: 206.
(2) الفقيه 1: 174 / 824، الوسائل 5: 345 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 8. وأضفنا
ما بين المعقوفين من المصدر وفيه: (على غير ذلك) بدل: (على غير الأرض).
(3) لم نعثر على هذه المرسلة في الفقيه، ووجدناها في الكافي عن محمد بن يحيى
باسناده. الكافي 3: 331 الصلاة ب 27 ح 8، الوسائل 5: 345 أبواب ما يسجد عليه
ب 1 ح 7.
(4) كما في المفاتيح 1: 142.
(5) كما في مفاتيح الشرائع 1: 143.
243

وأما المرسلتان، فليستا بنصين ولا ظاهرتين في إرادة ما ذكر، بل لهما محامل
أخر أيضا.
هذا بيان معنى السجدة لغة، ومقتضاه بضميمة الأصل: حصول الامتثال
بكل ما يسجد عليه.
ولكن هاهنا أصلا آخر هو عدم جواز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته
شرعا، حصل ذلك الأصل بالاجماع المحقق، والمحكي في المعتبر والتذكرة
والمدارك (1)، وغيرها، والأخبار، كصحيحة هشام: (لا يجوز السجود إلا على
الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس) (2).
والمروي في قرب الإسناد، وفيه بعد السؤال عن السجود: (لا يصلح حتى
يضع جبهته على الأرض) (3).
المؤيدة. بصحيحة حماد: (السجود على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو
لبس) (4).
ورواية البقباق: (لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا القطن
والكتان) (5) وغيرهما من المستفيضة.
فليكن ذلك أصلا ثانويا في يدك، ومقتضاه عدم جواز السجود على كل ما
علم عدم أرضيته أو نباتيته، أو شك فيهما إلا ما أخرجه الدليل، فالمرجع حينئذ
ذلك الأصل، فإن حصل الشك بعد الرجوع إليه - لتعارض أو نحوه - فالمرجع

(1) المعتبر 2: 117، التذكرة 1: 91، المدارك 3: 241.
(2) الفقيه 1: 177 / 840، التهذيب 2: 234 / 925، الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد
عليه ب 1 ح 1.
(3) قرب الإسناد: 201 / 772، الوسائل 5: 363 أبواب ما يسجد عليه ب 14 ح 6.
(4) الفقيه 1: 174 / 826، التهذيب 2: 313 / 1274، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد
عليه ب 1 ح 2.
(5) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 1، التهذيب 2: 303 / 1225، الإستبصار 1:
331 / 1241، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 6.
244

الأصل الأول.
إذا عرفت هذه فاعلم أن ما يمكن أن يسجد عليه إما أرض أو نباتها أو
غيرهما، والثاني على قسمين: الأول المأكول أو الملبوس، والثاني غيرهما، فهذه
أربعة أقسام، وها هنا أقسام أخر: ما يشك في أرضيته أو في نباتيته، أو في
مأكوليته وملبوسيته.
فهذه أقسام تذكر أحكامها في مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن في كرة الأرض اجزاء مختلفة الحقائق عرفا، ترابية
ورملية وجصية وكحلية وزرنيخية وملحية وقيرية وحجرية ونحاسية وحديدية وذهبية
وهكذا إلى آخر الفلزات والجواهر والمعادن، ولفظ الأرض موضوع لتمام الكرة أو مع
قطعة عظيمة منها أيضا، وليس موضوعا لكل جزء جزء منها بخصوصه، كما في
لفظ الماء الموضوع للكل والجزء، وإلا لصدق على كل جزء الأرض إذا انفصل من
الأرض أيضا، وليس كذلك.
ولكن هذه الأجزاء الكائنة فيها: منها ما هو جزء للأرض أيضا، ويصدق
عليه أنه بعض الأرض وأنه جزء أرضي، ومنها ما ليس كذلك بل جزء فيها.
والضابط في التفرقة بينهما أن تفرض كرة الأرض من ذلك الجزء خالصة فإن
صدق عليها اسم الأرض حينئذ أيضا، أو فرضت كرة أخرى منه خالصة فإن
صدق أنه تعددت كرة الأرض، أو إذا حصلت قطعة عظيمة منه في الهواء صدق
أنها أرض ارتفعت، فهو جزء أرضي أو جزء للأرض وبعض منها، وذلك كالتراب
والرمل بل الجص.
وإن لم يصدق ذلك فليس جزءا أرضيا ولا بعضا منه، كالفضة والذهب
والحديد ونحوها.
فما كان من الأول يصدق على السجود عليه حال اتصاله بالأرض أنه سجود
على الأرض وإن لم يكن هو بخصوصه إلا بعض الأرض - كصدق تقبيل زيد
245

ورؤيته على تقبيل جزء من وجهه ورؤيته - ويصح السجود عليه قطعا.
وما كان من الثاني فإما لا يصدق على السجود عليه حال الاتصال السجود
على الأرض، أو يشك في صدقه عليه، وعلى التقديرين لا يكون السجود عليه
صحيحا، للأصل الثانوي المتقدم.
إذا عرفت ذلك تعلم أنه يصح السجود على التراب والرمل إذا تمكنت
الجبهة عليه حال اتصالهما بالأرض، لصدق السجود على الأرض، الصحيح
بالاجماع، بل الضرورة واستفاضة النصوص، بل تواترها معنى.
وأما ما في صحيحة محمد بن الحسين: (لا تصل على الزجاج وإن حدثتك
نفسك أنه مما أنبتت الأرض، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان) (1).
فلا يدل على عدم جواز السجود على الرمل، بل يدل على عدم جوازه على
الحاصل منه ومن الملح معا، وهو كذلك.
وأما قوله (وهما ممسوخان) فيمكن أن يكون المراد منه أنهما مسخا فصارا
زجاجا، لا أنهما بنفسهما ممسوخان من الأرض.
وأما الحجر، فإن قلنا بكونه أرضا - كما هو ظاهر الأكثر بل صريحهم - فجواز
السجود عليه ظاهر.
وإن قلنا بعدم أرضيته، كما عن ظاهر الإسكافي (2)، والسرائر (3)، وصريح
بعض المتأخرين (4)، بل هو ظاهر الشيخ في النهاية أيضا حيث قال بعد نفيه جواز
السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته، وحكمه بجواز السجود على الأرض: ولا
بأس بالسجود على الجص والآجر والحجر والخشب (5).

(1) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 14، التهذيب 2: 304 / 1231، الوسائل 5: 360
أبواب ما يسجد عليه ب 12 ح 1.
(2) حكاه عنه في المختلف: 48.
(3) السرائر 1: 137.
(4) انظر: مفاتيح الشرائع 1: 62.
(5) النهاية: 103.
246

أو شككنا في أرضيته، كما هو كذلك.
لم تكن الأرضية موجبة لجواز السجود عليه. ولكن يحكم بصحته، للاجماع
عليها، مضافا إلى روايات. حمران، والحلبي، وعيينة.
الأولى: (فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث يسجد) (1).
والثانية: (دعا أبي بخمرة فأبطأت عليه، فأخذ كفا من حصباء فجعله على
البساط ثم سجد) (2).
والثالثة: أدخل المسجد في اليوم الشديد الحر فأكره أن أصلي على
الحصى، فابسط ثوبي فاسجد عليه؟ قال: (نعم لا بأس) (3).
وهي وإن كانت واردة في حال الانفصال، ولكن ما يجوز السجود عليه
منفصلا يجوز متصلا ضرورة.
ولا فرق بين أنواع الحجر من برام ورخام ونحوهما، وبالجملة كل ما يسمى
حجرا عرفا بالاطلاق حتى ما يقال له بالفارسية: مرمر، للاجماع المحقق،
والمحكي في كنز العرفان (4)، بل - كما قيل - بالضرورة (5)، وصدق الحصى
والحصباء على صغار الكل.
ولا يضر اطلاق المعدن على بعض أنواعه، بل كلها، لعدم دليل على المنع
في مطلق المعدن. ولا احتمال تكونه من الماء، وإلا لم يجز السجود على حجر، لقيام
الاحتمال في الكل.

(1) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 11، التهذيب 2: 305 / 1234، الإستبصار 1:
335 / 1259، الوسائل 5: 347 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 2.
(2) الكافي 3: 331 الصلاة ب 27 ح 4، التهذيب 2: 305 / 1235، الوسائل 5: 347 أبواب
ما يسجد عليه ب 2 ح 3، وفيها: (حصى) بدل (حصباء).
(3) التهذيب 2: 306 / 1239، الإستبصار 1: 332 / 1248، الوسائل 5: 350 أبواب ما يسجد
عليه ب 4 ح 1.
(4) كنز العرفان 1: 26.
(5) انظر: شرح المفاتيح (المخطوط).
247

نعم، لا يجوز فيما علم فيه الاجماع على عدم الجواز.
والأحوط عدم السجود على حجر الكحل.
وأما الحجر الجصي والأرض الجصية فيصح السجود عليه، لصدق الأرض
أو الحجر ولو بعد الحرق، لاستصحاب الأرضية أو الحجرية، ولصحيحة ابن
مجوب: عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد،
أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه: (إن الماء والنار قد طهراه) (1).
وحملها على التقية لا وجه له بعد عدم معارض معلوم. وكون السؤال عن
السجود، والجواب عن التطهر غير ضائر، إذ يدل السؤال على أن الشك في
السجود إنما هو لملاقاة العذرة وعظام الموتى. وكذا لا يضر عدم كونهما مطهرين
بهذا النحو، لعدم تحقق التنجس أيضا، فالمراد ارتفاع النفرة.
والظاهر جواز السجود على النورة، أما قبل الاحراق فلكونه حجرا، وأما
بعده فللاستصحاب. ولا يضر علم إطلاق الحجر. حينئذ، لجواز أن يكون سبب
جواز السجود على الحجر أرضيته، وزوالها هنا مشكوك فيه.
ولا يصح على شئ من الأراضي الفلزية والجوهرية والملحية والقيرية ونحوها
بالاجماع، لما مر، مع تأيده ببعض النصوص (2) وإن كانت واردة في البعض
بالخصوص.
وأما ما في بعض الأخبار من نفي البأس عن السجود على القير والقار (3)،
فمع شذوذه المخرج له عن الحجية، لعدم معلومية قائل بالجواز فيه، كما صرح به
الأردبيلي (4)، بل على خلافه اتفاق الأصحاب، كما في الحدائق (5).

(1) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 3، الفقيه 1: 175 / 829، التهذيب 2: 306 / 1237،
الوسائل، 5: 358 أبواب ما يسجد عليه ب 10 ح 1.
(2) انظر: الوسائل 5: 360 أبواب ما يسجد عليه ب 12.
(3) انظر: الوسائل 5: 353 أبواب ما يسجد عليه ب 6.
(4) مجمع الفائدة 2: 118.
(5) الحدائق 7: 256.
248

معارض بما هو أقوى منه سندا، كحسنة زرارة: قلت له: أسجد على
الزفت؟ - يعني القير - فقال: (لا) (1).
فإن السؤال عن الجواز قطعا فالنفي له.
والترجيح لها، لمخالفتها العامة، واختصاصها بغير حال الضرورة، والأول
موافق لها (2)، وأعم منه. مع أنه مع التكافؤ يرجع إلى أصالة عدم الجواز.
ومع ذلك لا دلالة لما نفي البأس فيه عن الصلاة، لجواز كون المراد القيام
عليه حال الصلاة (3).
فتجويز القول بالكراهة - كما في المدارك والوافي (4) - لا وجه له.
ثم إنه ظهر مما ذكرنا أن المناط في تعيين ما لا يصح السجود عليه من الأجزاء
الكائنة في الأرض: عدم صدق كونه بعض الأرض، بل الشك في صدقه أيضا
إذا لم يسبق بالعلم بالصدق أولا حتى يستصحب، كما في الأجزاء المذكورة،
لاحتمال كونها مخلوقة كذلك ابتداء أو متكونة من الأرض وغيره من ماء ونحوه.
وأما جعل الضابط، المعدنية - كما في كلام كثير من الأصحاب (5) - فعندي
غير حسن، لصدق المعدن لغة وعرفا على الأعم من ذلك، فيقال: معدن الحجر
الفلاني والتراب الكذائي، كمعدن حجر الرحى والتراب الأحمر والجص وغيرها،
مع أنه لم يرد نص متضمن لذلك اللفظ حتى يجب جعله المناط.
المسألة الثانية: اعلم أنه لا يصدق على شئ من أجزاء الأرض حال

(1) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 2، التهذيب 2: 303 / 1226، الإستبصار 1:
331 / 1242، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1.
(2) ادعى المجلسي (ره) في البحار 82: 156 اتفاق المخالفين على الجواز، ولكن لم
نجد في كتبهم تصريحا بذلك.
(3) مع أن في إرادة القير من القار نظرا لجواز أن يكون المراد منه الأشياء السود
مما وهم السجود عليه، ويكون النهي للغيرية فيما ورد النهي عنه فيه. منه رحمه
الله.
(4) المدارك 3: 244، الوافي 8: 736.
(5) انظر: جامع المقاصد 1: 160، وروض الجنان: 222، والمدارك 3: 243.
249

انفصاله عنها اسم الأرض قطعا، كما صرح به بعض متأخري المتأخرين (1)، ولا
يطلق عليه اسمها حقيقة، لعدم التبادر، وصحة السلب عرفا، فيكون مثل أجزاء
الفرس حيث إنه لا يصدق على شئ منها حال الانفصال أنه فرس. نعم يصدق
عليه اسم بعض الأرض وجزئها الأرضي.
وكذا لا يصدق على السجود عليه أنه سجود على الأرض.
ولكن كل ما صح السجود عليه حال الاتصال يصح حال الانفصال أيضا
بالاجماع بل الضرورة، ولخبر الخريطة الآتي (2)، ورواية صالح بن الحكم وفيها بعد
السؤال عن الصلاة في السفينة والجواب: فقلت له. آخذ مدرة معي أسجد
عليها؟ قال: (نعم) (3).
فيصح السجود على التراب الموضوع على مثل البساط والسجادة، والحصى
الملقاة عليه، وعلى المدرة واللبنة ونحوها.
ولو حصل تغتر في شئ من ذلك موجب للشك في خروجه عن صدق
بعض الأرض، وفي جواز السجود عليه، يحكم بالجواز، لاستصحاب البعضية
والجواز.
وكذا لو تغتر تغيرا موجبا للخروج عن صدق بعض الأرض وشك في جواز
السجود عليه، فيحتمل الحكم بالجواز أيضا، لاستصحابه، حيث إنه لم يكن
التجويز هنا لصدق الأرض حتى ينتفي بانتفائه.
ولكن الأحوط عدم الجواز، لأن الظاهر أن الاجماع على الجواز على الأجزاء
المنفصلة، وتصريح الأخبار به إنما هو لأجل صدق الأرضية أي جزئيته لها، فهما
قرينتان على أن المراد بالسجود على الأرض السجود على بعض منها.

(1) انظر: الذخيرة: 240، وشرح المفاتيح (المخطوط).
(2) انظر: ص 267، الرقم (2).
(3) التهذيب 3: 296 / 897، الوسائل 5: 354 أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 2.
250

وعلى ما ذكر تظهر صحة السجود على الخزف والآجر ومثل السبحة
المطبوخة، وفاقا للمحكي عن الأكثر وإن أنكره بعض من تأخر (1)، بل في عبارة
الفاضلين الاشعار بالاجماع على الجواز (2).
لاستصحاب الجواز الثابت بالاجماع والأخبار، بل صدق الأرض عليه
أيضا، ولو شككت فيه فاستصحبه أيضا.
والقول بأن هذا الاستصحاب معارض مع استصحاب بقاء شغل الذمة،
مردود بأن الأول مزيل للثاني، فلا تعارض بينهما، كما بيناه في الأصول.
وأما الرضوي المانع عن السجدة على الآجر - يعني المطبوخ (3) - فليس منعه
صريحا في النهي، مع أنه - لضعفه الخالي عن جابر - عن إفادة المنع قاصر.
المسألة الثالثة: يجوز السجود على كل ما أنبتته الأرض - عدا ما يجئ
استثناؤه - بالاجماع والنصوص، منها - مضافا إلى ما مر - صحيحة الفضل
والعجلي: (فإن كان من نبات الأرض فلا بأس بالقيام عليه والسجود عليه) (4).
وحسنة ياسر: مر بي أبو الحسن عليه السلام وأنا أصلي على الطبري وقد
ألقيت عليه شيئا أسجد عليه، فقال لا: (ما لك لا تسجد عليه، أليس هو من
نبات الأرض؟) (5).
وصحيحة ابن أبي العلاء: عن السجود على البورياء والخصفة والنبات؟

(1) انظر: الذخيرة: 241.
(2) المحقق في المعتبر 1: 375، العلامة في التذكرة 1: 62.
(3) فقه الرضا (ع): 113، مستدرك الوسائل 4: 10 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 1.
(4) الكافي 3: 31 الصلاة ب 27 ح 5، التهذيب 2: 305 / 1236، الإستبصار 1:
335 / 1260، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد - عليه ب 1 ح 5.
(5) الفقيه 1: 174 / 827، التهذيب 2: 308 / 1249، الإستبصار 1: 331 / 1243، الوسائل
5: 348 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 5.
251

قال: (نعم) (1).
وصحيحة محمد: (لا بأس بالصلاة على البورياء والخصفة وكل نبات إلا
التمرة) (2).
واستثناء التمرة قرينة على أن المراد بالصلاة السجود.
وأما صحيحة على: عن الرجل يصلي على الرطبة النابتة (3) قال، فقال:
(إذا ألصق جبهته بالأرض فلا بأس) الحديث (4).
فلا تنافي عموم ما مر، إذ المسؤول عنه هو الصلاة على الرطبة دون
السجود، فيحتمل أن يكون السؤال باعتبار عدم حصول التمكن عليه فلذا
أجاب بما أجاب.
وعلى هذا فيصح السجود على كل خشب وورق وقصب وعلف وورد
وزهر، وعلى التبن والتنباك والمروحة والعود والعصا والسواك والبورياء والحصير
وبالجملة مل ما أنبتته الأرض.
ولو شك في شئ أنه هل هو نبات أولا، فلا يصح السجود عليه، للأصل
المتقدم.
ولو كان على نبات صبغ، فإن كان له جرم لا يسجد عليه لم يجز السجود
عليه، إلا جاز.
وكذا يجوز على النبات لو سحق أو جف، وعلى الفحم، لصدق النبات
والاستصحاب.
ولا يجوز على الرماد، لخروجه عن اسم النباتية جدا، وتبدل صورته النوعية

(1) التهذيب 2: 311 / 1261، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 10.
(2) الفقيه 1: 169 / 800 وفيه: إلا الثمرة التهذيب 2: 311 / 1262، الوسائل 5: 345
أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 9.
(3) الرطبة: ما يقال له في الفارسية: يونجه. منه رحمه الله.
(4) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 13، الفقيه 1: 162 / 762، التهذيب 2: 304 / 1230،
الوسائل 5: 361 أبواب ما يسجد عليه ب 13 ح 1.
252

النباتية.
ولا على الحاصل من النبات مما لم يتعلق به نفس نباتي ولا نمو له،
كالصمغ، ومياه النباتات إذا عصر وانجمد، لأنه ليس نباتا.
وقال بعض مشايخنا المحققين بجواز السجود على ماء البقم إذا كتب به،
لأنه من نبات الأرض (1). وهو ضعيف جدا.
المسألة الرابعة: يستثنى من النبات ما يؤكل ويلبس، فلا يجوز السجود
عليهما إجماعا من غير السند في بعض رسائله الغير القادح خلافه في ثياب القطن
والكتان (2)، وللنصوص المقدمة جملة منها.
ومنها حسنة زرارة: أسجد على الزفت؟ قال: (لا، ولا على الثوب
الكرسف، ولا على الصوف، ولا على شئ من الحيوان، ولا على طعام، ولا على
شئ من ثمار الأرض، ولا على شئ من الرياش) (3).
والمرويان في العلل والخصال، الأول: (السجود لا يجوز إلا على الأرض أو
على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس) إلى أن قال: (لأن أبناء الدنيا عبيد ما
يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع
جبهته على معبود أبناء الدنيا) (4).
والثاني: إلا يسجد الرجل على كدس حنطة ولا شعير ولا لون مما يؤكل) (5).
وفي الأخير أيضا: (لا يسجد إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلا

(1) شرح المفاتيح (المخطوط). والبقم: خشب شجره عظام وورقه كورق اللوز
وساقه أحمر يصبغ بطبيخه - القاموس المحيط 4: 82.
(2) انظر: الموصليات الثانية (رسائل السيد المرتضى 1): 174.
(3) الكافي 3: 30 الصلاة ب 27 ح 2، التهذيب 2: 303 / 1226، الإستبصار 1:
331 / 1242، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1.
(4) العلل: 341 / 1، الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1.
(5) الخصال: 628، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 4.
253

المأكول والقطن والكتان) (1).
والرضوي: (كل شئ يكون غذاء الانسان في المطعم والمشرب من الثمر
والكثر (2)، فلا تجوز الصلاة عليه، ولا على ثياب القطن والكتان والصوف والشعر
والوبر وعلى الجلد، ولا على شئ يصلح اللبس فقط وهو يخرج من الأرض، إلا
أن يكون في حال ضرورة) (3) إلى غير ذلك.
خلافا للسيد في المسائل الموصلية فجوز السجود على ثياب القطن والكتان،
وهو ظاهر المعتبر مع كراهة (4)، كبعض متأخري المتأخرين (5).
وظاهر الشرائع والنافع (6)، وشرح الشرائع للصيمري كما حكي: التردد.
كل ذلك لروايات متعددة، كرواية الصرمي: هل يجوز السجود على
القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة؟ فقال: (جائز) (7).
والصنعاني: عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة،
فكتب إلى: (ذلك جائز) (8).
ورواية ياسر المقدمة (9)، وغير ذلك.
وترد - بعد تسليم دلالة الجميع وقطع النظر عن عموم بعضها بالنسبة إلى
حال الضرورة فيخص لها -: بأنها شاذة غير صالحة للحجية، إذ لم يفت بها صريحا

(1) الخصال: 604، الوسائل 5: 344 أبواب ما يسجد عليه ب ح 3.
(2) الكثر: حمار النخل - أي شحمه - أو طلعه. القاموس 2: 125.
(3) فقه الرضا (ع): 302، مستدرك الوسائل 4: 6 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 3.
(4) المعتبر 2: 119.
(5) الفيض في الوافي 8: 742.
(6) الشرائع 1: 73، المختصر النافع: 27.
(7) التهذيب 2: 307 / 1246، الإستبصار 1: 332 / 1246، الوسائل 5: 348 أبواب ما
يسجد عليه ب 2 ح 6.
(8) التهذيب 2: 308 / 1248، الإستبصار 1: 333 / 1253، الوسائل 5: 348 أبواب ما
يسجد عليه ب 2 ح 7.
(9) في ص 251.
254

إلا السيد في رسالته، مع أنه قد أفتى بالمنع في الجمل والمصباح والانتصار (1)،
ونقل فيه إجماع الطائفة على المنع، كالشيخ في الخلاف (2)، والفاضل في
المختلف (3).
ولو سلمت الحجية أيضا فتعارض ما مر من أخبار المنع عموما وخصوصا،
والترجيح للمنع بمخالفة العامة (4) وموافقة أخبار الجواز لها، كما صرح به في
صحيحة ابن يقطين: (لا بأس بالسجود على الثياب في حال التقية) (5) فتكون
محمولة على التقية.
ولا ينافيه طلب السائل في بعضها الجواب من غير تقية (6)، إذ لا يلزم الإمام
إلا الجواب بما فيه مصلحة السائل من التقية أو غيرها وإن ألح عليه في سؤال
الحكم من غير تقية.
ثم المراد بالمأكول: مأكول الانسان إجماعا، كما صرح به في الرضوي، وهو
المتبادر منه.
ولما أكل أو لبس: ما صدق عليه المأكول والملبوس في عرف المحاورات،
وهو ما كان مأكولا وملبوسا عادة، إذ غيره لا يصدق عليه اللفظان عرفا، بل لا
يتبادر منها غيره، ولأنه المدلول عليه من التعليل المذكور في العلل، إذ ما لا
يعتاد أكله أو لبسه ليس مما يعبد. وكذا يدل عليه لفظ الطعام والغذاء المتقدمين.
فلا منع في السجود على ما أكل أو لبس نادرا أو في مقام الاضطرار،
كالعقاقر التي تجعل في الأدوية من النباتات التي لم يطرد أكلها، لدخولها
فيما أنبتت الأرض مع عدم شمول الاستثناء لها.

(1) حكاه عن الجمل في شرحه للماضي: 75 وعن المصباح في المنتهى 1: 251،
الإنتصار: 38.
(2) المختلف 1: 357.
(3) المختلف: 86.
(4) انظر: نيل الأوطار 2: 289.
(5) الفقيه 1: 176 / 831، التهذيب 2: 235 / 930، الوسائل 5: 349
أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1 و 2.
(6) كما في روايتي الصرمي والصنعاني المتقدمتين.
255

وفي مثل الزنجبيل والزعفران والدارجيني والعناب ونحوها وجهان، أقربها
جدا المنع، لاعتياد أكلها.
وأما مثل عود الصندل وأصل الخطمي وورقه وورده وما ماثلها، فالأقرب
الجواز، لعدم الاعتياد.
ولو اعتيد أكل شئ أو لبسه في قطر دون قطر، ففي اعتبار قطر الشارع
لوجوب حمل اللفظ على متعارفه، أو اختصاص كل قطر بمعتاده لصدق اللفظ في
أحدهما وعدمه في الآخر، أو المنع مطلقا لصدق المأكول عادة ولأن الحنطة والشعير
والتمر والأرز وأمثالها يطرد أكلها في قطر دون آخر، مع انعقاد الاجماع فيها على
المنع، أوجه.
والصحيح أن يقال: إنه إن كان مما يصدق عليه المأكول والملبوس عند أهل
كل من القطرين وإن قال أحدهما ما نعتاد بأكله، لا يجوز السجود عليه كالخبز،
فإنه وإن لم يعتد أكله عند أكثر أهل الطبرستان وبادية العرب ولكنهم يقولون إنه
من المأكولات وإن لم يعتد أكله، ومثله الجبن واللحم عند بعض الناس حيث لا
يأكلونهما ويتحاشون عنهما ولكن لا يسلبون عنهما اسم المأكول.
وإن كان مما لا يصدق عليه المأكول والملبوس عادة عند الطائفتين فيجوز
السجود عليه، كالفحم والطين وأصول بعض النباتات، حيث قد يعتاد بأكله
بعض الناس ومع ذلك يقولون إنه ليس بمأكول ولكنا اعتدنا أكله.
وإن كان مما لا يصدق عليه المأكول والملبوس عادة عند إحدى الطائفتين دون
الأخرى، بل الأخرى تسلب عنه الاسم، فإن كانت إحداهما نادرة غير ملتفت
إليهم وإلى عرفهم كأهل بادية بعيدة عن العمران أو جزيرة أو قرية من أطراف
الأرض، وكان المعظم على خلافه، فالاعتبار بالمعظم، إذ قد عرفت أن المراد مما
صدق عليه اللفظ عرفا، والمصداق العرفي ما عليه معظم الانسان.
وإن لم تكن إحداهما كذلك بل كان عرف كل منهما مما يعتنى به ويلتفت
إليه، فالحق الجواز، لحصول الشك في الاستثناء، وصدق النبات.
256

ولو شاع أكل شئ أو لبسه في عصر ثم ترك وهجر في عصر آخر حتى زالت
العادة، أو لم يعتد أكله أو لبسه ثم شاع واعتيد، فالحكم للسابق، للاستصحاب.
وتحتمل متابعة التسمية، فلكل زمان حكمه.
ولو كان لشئ حالتان شاع أكله في إحداهما ولم يؤكل في الأخرى أو ندر،
كقشر اللوز وورق الكرم، اختص المنع بحالة الأكل. ونحوه التين، فإنه في بدء
ظهوره لا يؤكل فيجوز السجود عليه، ولا يجوز إذا نضج.
ولو كان لشئ أجزاء مأكولة أو ملبوسة غيرهما كان لعل منهما حكمه،
فيصح السجود على قشر الجوز والرمان والبطيخ، ونواة التمر والمشمش، وقشر
القطن وحبه، ولا يجوز على لبها، وكذا يجوز السجود على قشر بذر القرع والبطيخ
ونحوهما.
ولو كان شئ مما يؤكل تبعا لآخر ولا يؤكل منفردا، جاز السجود حال
الانفراد، كنواة العنب والرمان وقشر الحنطة والشعير والقشر الرقيق على البصل
ونحوها.
ولا يشترط في المأكول والملبوس فعلية الانتفاع بهما، بل يكفي كونهما كذلك
ولو بعد علاج فيه أو عمل، للصدق العرفي. فإن مثل اللوز المر والحنطة والشعير
والقطن والكتان يصدق عليه المأكول والملبوس عادة مع توقف الأول على جعله
حلوا، والثانيين على الطحن والعجن والطبخ، والآخر بن علي الغزل والنسج
والخياطة وغيرها.
خلافا للمحكي عن الفاضل في جملة من كتبه، فجوز على الحنطة والشعير
قبل الطحن، لكونهما غير مأكولين عادة، ولكون القشر في الشعير حائلا بين
المأكول والجبهة (1).
والمناقشة فيهما - بعد ما عرفت من صدق كونهما مأكولين عادة - واضحة،
مع أن الحنطة تشوى وتؤكل قبل الطحن أيضا شائعا، وكان كذلك قشر الشعير في

(1) التذكرة 1: 92، المنتهى 1: 251، التحرير 1: 34.
257

الصدر الأول، فقد حكي أنه كان يؤكل غير منخول وأول من نخله معاوية (1)،
على أن الطعام المنهي عن السجود عليه في الحسنة (2) شامل للحنطة والشعير قبل
الطحن لغة وعرفا وشرعا، بل في المروي عن الخصال - المنجبر ضعفه لو كان
بالشهرة العظيمة - تصريح بالمنع عن السجود على الحنطة والشعير (3).
وللمحكي عنه في النهاية، فجوز على القطن والكتان قبل الغزل والنسج،
وتوقف بعد الغزل (4). وضعفه ظاهر مما مر.
وأما المروي عن تحف العقول: (كل شئ يكون غذاء الانسان في مطعمه
أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود، إلا ما كان من نبات
الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا، وأما إذا صار منزولا فلا تجوز الصلاة
عليه إلا في حال الضرورة) (5).
فلا يصلح للاستناد، لضعفه الخالي عن الجابر.
المسألة الخامسة: لا يجوز السجود على الوحل، لأنه ليس بأرض ولا ما
أنبتته، ولعدم تمكن الجبهة عليه، ويؤيده بعض الأخبار (6).
فإن لم يقدر إلا عليه، فإن تمكن من غمس الجبهة فيه بحيث يصل إلى
الأرض ويتمكن عليها بلا مشقة وضرر وجب.
وإلا. فإن تمكن من الجلوس ووضع الجبهة على الوحل بحيث يصدق
السجدة بلا ضرر ومشقة وجب، لعمومات السجود، وعدم، توقف صدقه على
تمكن الجبهة.
وإلا فيركع ثم يسجد إيماء كما هو قائم، لموثقة الساباطي: عن الرجل

(1) كما في الحدائق 7: 257.
(2) راجع ص 253.
(3) راجع ص 253.
(4) نهاية الإحكام 1: 362.
(5) تحف العقول: 252، الوسائل 5: 346 أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 11.
(6) انظر: الوسائل 5: 141 أبواب مكان المصلي ب 15.
258

يصيبه المطر وهو لا يقدر أن يسجد فيه من الطين ولا يجهد موضعا جافا، قال:
(يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى، فإذا رفع رأسه من الركوع
فليومئ للسجود إيماء وهو قائم، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ويتشهد وهو قائم ثم
يسلم) (1).
وظاهر الرواية عدم إمكان الجلوس، حيث حكم بالتشهد قائما أيضا، فإنه
يجب الجلوس له مع إمكانه إجماعا، ولا وجه لسقوطه بعدم إمكان السجود.
ولو أمكن فهل يجب الجلوس للسجود أو يومئ قائما؟
الظاهر جواز الأمرين، لعدم دليل على وجوب الجلوس للسجود.
والاستدلال له بمثل قوله: (لا يسقط الميسور بالمعسور) (2) فاسد كما مر مرارا.
نعم، الظاهر وجوب الجلوس للسجدة الثانية، لوجوب الجلوس بين
السجدتين، فتأمل.
المسألة السادسة: يجوز السجود على القرطاس، بلا خلاف فيه في الجملة،
إلا عن الشهيد في البيان والذكرى، حيث توقف فيهما (3). بل - عن ظاهر جماعة (4)،
وصريح المسالك والروضة (5): الاجماع عليه.
وتدل عليه صحيحة ابن مهزيار: عن القراطيس والكواغذ المكتوبة، هل
يجوز السجود عليها أم لا؟ فكتب: (يجوز) (1).
والجمال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام في المحمل يسجد على القرطاس،

(1) التهذيب 2: 312 / 1266، الوسائل 5: 142 أبواب مكان المصلي ب 15 ح 4.
(2) عوالي اللآلي 4: 58 / 205.
(3) البيان: 134، الذكرى: 160.
(4) انظر: التذكر 1: 92، والذخيرة: 242، والرياض 1: 144.
(5) المسالك 1: 26، الروضة 1: 227.
(6) الفقيه 1: 176 / 830، التهذيب 2: 309 / 1250، الإستبصار 1: 334 / 1257
، الوسائل 5: 355 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2.
259

وأكثر ذلك يومئ إيماء (1).
والظاهر أن المراد أن أكثر سجوده كان بالايماء وهو حال السير وعدم التمكن
من السجود، وإذا تمكن كان يسجد على القرطاس.
وأما صحيحة جميل: (كره أن يسجد على قرطاس فيه كتاب) (2).
ففي دلالتها منفردة نظر، لعدم تعين إرادة المعنى المصطلح من الكراهة،
وعدم حجية مفهوم الوصف.
احتج الشهيد للمنع: باشتماله على النورة المستحيلة، ثم قال: إلا أن
يقال: الغالب جوهر القرطاس، أو إن جمود النورة يرد إليها اسم الأرض (3).
وفي احتجاجه وتوجيهه نظر.
أما احتجاجه: فعلى القول بجواز السجود على النورة ظاهر، وعلى القول
بعدمه يجب تخصيص النورة التي في القرطاس لرواياته.
وأما التوجيهان: فلأن أغلبية المسوغ لا تكفي مع امتزاجه بغيره واختلاط
أجزائهما بحيث لا يتميز، وجمود النورة لا يرد إليها اسم الأرض لو لم تسم بها
أولا، وإلا فلا وجه للاستشكال.
ثم مقتض إطلاق الصحيحة الأولى وكلام أكثر الأصحاب بل تصريح
جماعة (4): عدم الفرق في القرطاس بين المتخذ من القنب (5) والقطن والكتان
والإبريسم.
خلافا للمحكي عن التذكرة (6)، فاعتبر فيه كونه مأخوذا من غير الإبريسم،

(1) التهذيب 2: 309 / 1251، الإستبصار 1: 334 / 1258، الوسائل، 5: 355 أبواب
ما يسجد عليه ب 7 ح 1.
(2) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 12، التهذيب 2: 304 / 1232، الإستبصار 1:
334 / 1256، الوسائل 5: 356 أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 3.
(3) الذكرى: 160.
(4) انظر: الذخيرة: 242، والحدائق 7: 347، والرياض 1: 144.
(5) القنب: بالضم وفتح النون المشددة: نبات يؤخذ لحاؤه ثم يفتل حبالا.
مجمع البحرين 2: 150.
(6) التذكرة 1: 92.
260

وأرجع إليه إطلاق كلام علمائنا، لأنه ليس بأرض ولا نباتها، وعلى هذا فيجب
استثناء المأخوذ من الصوف أيضا.
وفيه: أن هذا إنما يصح، إذا جوزنا السجود على النورة، وقلنا بصدق
النبات على القرطاس المتخذ من النبات، فإنه يكون التعارض حينئذ بين
العمومات المانعة عن السجود على غير الأرض ونباتها (1) وبين الصحيحة بالعموم من
وجه، فيرجع في محل التعارض وهو القرطاس المتخذ من غير النبات إلى المرجح،
ولا شك أنه مع المانع لمخالفته للعامة.
وأما إذا قلنا بعدم جواز السجود على النورة فتكون الصحيحة أخص مطلقا
من العمومات، فتخص بها، وكذا إذا قلنا بعدم صدق النبات أو ما أنبتته الأرض
على القرطاس مطلقا، كما هو كذلك، وصرح به جماعة (2)، ولا يفيد كون أصله
نباتا، ألا ترى أنه يقال لزيد إنه مما أولدته زينب، وإن كان ميتا، وكذا أجزائه،
بخلاف ما إذا استحيل إلى شئ آخر كالرميم والتراب.
واستدل بعض مشايخنا المحققين لهذا القول - بعد تقويته - بندرة المأخوذ
من الإبريسم، والاطلاق ينصرف إلى الغالب (3).
ويضعف بأن المجوز عام لا مطلق، مع أن الندرة الموجبة لانصراف اللفظ
عنها ممنوعة جدا.
وللدروس، فلم يجوز السجود بالقرطاس المأخوذ من القطن والكتان
أيضا (4).
ووجهه ظاهر، وضعفه أظهر، لعدم صدق الاسمين حينئذ ولا الملبوس.
ثم إن مقتضى الصحيحة الأخيرة كراهة السجود على القرطاس المكتوب.
وهو كذلك، لها. وبه صرح الأصحاب.

(1) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.
(2) منهم المحقق في المعتبر 1: 375، وصاحب الحدائق 7: 248.
(3) شرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط).
(4) الدروس 1: 157.
261

إلا أنهم قالوا باشتراط الصحة حينئذ بوقوع الجبهة على المكان الخالي عن
الكتابة، أو كون المكتوب منه مما يصح السجود عليه، وإلا فيحرم.
وهو حسن، لأنه إذا كان المكتوب منه مما لا يصح السجود عليه لم تصدق
السجدة على القرطاس حي تشمله أخباره، ويخرج بها عن دليل المنع.
نعم يكون المنع إذا كان له جرم مانع من وصول الجبهة إلى القرطاس. وإن
كان مجرد اللون فلا منع.
والظاهر عموم الكراهة للمبصر والقارئ وغيرهما.
خلافا للحلي، والمحكي عن المبسوط، فخصاها بالمبصر القارئ (1) وهو مبني
على استنباط أن العلة في الكراهة حصول الشغل، وهو مخصوص بالقارئ.
وضعف: بمنع أنه العلة، بل النص، وهو مطلق. مع أن القارئ لا يشغل
حين السجدة، لعدم امكان القراءة حينئذ.
ولو كانت الكتابة في أحد وجهي القرطاس، فهل يكره السجود على الوجه
الآخر لصدق أن فيه كتابا؟.
الظاهر: نعم، لذلك.
المسألة السابعة: يجوز السجود على غيرهما مر جواز السجود عليه في حال
الضرورة والتقية، لسقوط وجوب السجود على ما يصح السجود عليه بالاضطرار،
وعدم سقوط السجود بالاجماع، وللمستفيضة من الروايات.
كرواية عيينة: أدخل المسجد في اليوم الشديد الحر، فأكره أن أصلي على
الحصى فأبسط ثوبي، فأسجد عليه؟ قال: (نعم ليس به بأس) (2).
وابن الفضيل: الرجل يسجد على كمه من أذى الحر والبرد؟ قال: (لا بأس

(1) السرائر 1: 268، المبسوط 1: 90.
(2) التهذيب 2: 306 / 1239، الإستبصار 1: 332 / 1248، الوسائل 5: 350 أبواب
ما يسجد عليه ب 4 ح 1.
262

به) (1).
وأبي بصير: عن الرجل يصلي في حز شديد، فيخاف على جبهته من
الأرض قال: (يضع ثوبه تحت جبهته) (2).
والأخرى: ممون في السفر فتحضر الصلاة، وأخاف الرمضاء على وجهي،
كيف أصنع؟ قال: (تسجد على بعض ثوبك) قلت: ليس علوب يمكنني أن
أسجد على طرفه ولا ذيله، قال: (اسجد على ظهر كفك، فإنها أحد المساجد) (3).
والثالثة: عن الرجل يسجد على المسح، فقال: (إذا كان في تقية فلا بأس به)
وعلي بن يقطين: عن الرجل يسجد على المسح والبساط، فقال: (لا بأس
إذا كان في حال التقية) (5).
وأحمد بن عمر: عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد،
أو على ردائه إذا كان تحته مسح، أو غيره مما لا يسجد عليه، قال: (لا بأس
به) (6).
ومنصور: إنا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج، أفنسجد عليه؟ فقال:

(1) التهذيب 2: 306 / 1241، الإستبصار 1: 333 / 1250، الوسائل 5: 350
أبواب ما يسجد
عليه ب 4 خ 2.
(2) الفقيه 1: 169 / 797، الوسائل 5: 352 أبواب ما يسجد عليه ب، ح 8.
(3) التهذيب 2: 306 / 1240، الإستبصار 1: 332 / 1249، الوسائل
5: 351 أبواب ما يسجد
عليه ب 4 ح 5.
(4) التهذيب 2: 307 / 1244، الإستبصار 1: 332 / 1245، الوسائل و
: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 3.
(5) الفقيه 1: 176 / 831، التهذيب 2: 307 / 1245، الوسائل 5: 349
أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1 و 2.
(6) التهذيب 2: 307 / 1242، الإستبصار 1: 333 / 1251 بتفاوت يسير،
الوسائل 5: 350 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 3.
263

(لا، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو كتانا) (1).
والمروي في العلل: الرجل يكون في السفر، فيقطع عليه الطريق، فيبقى
عريانا في سراويل، ولا يجد ما يسجد عليه، يخاف أن يسجد على الرمضاء أحرقت
وجهه قال: (يسجد على ظهر كفه فإنها أحد المساجد) (2).
والرضوي: (وإن كانت الأرض حارة تخاف على جبهتك أن تحترق، أو
كانت ليلة مظلمة خفت عقربا أو حية أو شوكة أو شيئا يؤذيك، فلا بأس أن
تسجد على كمك إذا كان من قطن أو كتان) (3).
ثم إن مقتضى رواية العلل تقديم القطن والكتان عند الضرورة على غيرهما
ولو ظهر الكف. ولا تزاحمها الروايات المتضمنة أولا للثوب الشامل لما كان من
غيرهما، لظهور عدم مدخلية الثوبية، ولا ثوب المصلي في ذلك قطعا، بل المنظور
جنسه، فيكون أعم مطلقا من القطن والكتان، فيخصص بهما، ويؤكده بل يدل
عليه الرضوي المنجبر بفتوى الجماعة هنا.
ومقتضى رواية أبي بصير [الأخرى] (4) تقديم ظهر الكف على سائر
الأجناس بعد القطن والكتان.
وحمل الأمر فيها على الإرشاد تجوز بلا قرينة. والتخصيص بما إذا لم يمكن
غيرهما تخصيص بلا مخصص.
فالقول بالترتيب بين الثوب أي القطن والكتان، وبين الكف وغيرهما
بتقديم الأول ثم الثاني، كما ذكره جماعة من الأصحاب من غير نقل خلاف، بل
بين الثاني والثالث - فيقدم الكف على غير هما وغير القطن والكتان - قوي جدا.
ولا تنافيه الروايات المقدمة المتضمنة لتجويز السجود على المسح والبساط

(1) التهذيب 2: 308 / 1247، الإستبصار 1: 332 / 1247، الوسائل 5: 351 أبواب ما
يسجد عليه ب 4 ح 7.
(2) علل الشرائع: 340 / 1، الوسائل 5: 349 أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 6.
(3) فقه الرضا (ع): 114، مستدرك الوسائل 4: 7 أبواب ما يسجد عليه ب 3 ح 1.
(4) في النسخ: الأولى، والصحيح ما أثبتناه.
264

من غير تقييد، عند التقية (1)، لجواز كون التقية في ترك السجود عليهما ووضع شئ
عليهما بل هو الظاهر، فيكون مفهوم تلك الروايات دليلا آخر على الترتيب، حيث
يثبت البأس إذا لم تكن تقية في ذلك، بالاطلاق، فيشمل ما أمكن السجود على
الثوب أو الكف.
المسألة الثامنة: ما مر من صحة السجود ببعض الأشياء دون بعض إنما هو
بالنسبة إلى مسجد الجبهة خاصة، وأما غيرها فيجوز وضعها على أي شئ كان،
بالاجماع المحقق والمحكي في كلام جماعة، له، وللأصل الخالي عن المعارض حتى
ما مر، لأن معنى السجود إنما هو وضع الجبهة.
ولبعض الأخبار، كصحيحة حمران: (كان أبي يصلي على الخمرة، يجعلها
على الطنفسة، ويسجد عليها، فإذا لم تكن خمرة جعل حصى على الطنفسة حيث
يسجد) (2).
والمستفاد منها وضع سائر مساجده عليه السلام على الطنفسة.
ورواية أبي حمزة: (لا بأس أن تسجد وبين كفيك وبين الأرض ثوبك) (3).
وفي الرضوي المنجبر: (ولا بأس بالقيام ووضع الكفين والركبتين والابهامين
على غير الأرض) (4).
المسألة التاسعة: السجود على الأرض أفضل من غيرها مما يصح السجود
عليه، بلا خلاف كما قيل (5)، له، ولكونه أبلغ في التذلل، ولجملة من الأخبار،

(1) راجع ص 263.
(2) الكافي 3: 332 الصلاة ب 27 ح 11، التهذيب 2: 305 / 1234، الإستبصار 1:
335 / 1259، الوسائل 5: 347 أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 2.
(3) التهذيب 2: 309 / 1254، الوسائل 5: 353 أبواب ما يسجد عليه ب 5 ح 2.
(4) فقه الرضا (ع): 114، مستدرك الوسائل 4: 8 أبواب ما يسجد عليه
ب 4 ذيل حديث 1.
(5) الحدائق 7: 259.
265

كرواية إسحاق: من السجود على الحصر والبواري؟ فقال: (لا بأس، وأن يسجد
على الأرض أحب إلى) (1) الحديث.
وصحيحة هشام: (السجود على الأرض أفضل، لأنه أبلغ في التواضع
والخضوع لله عز وجل (2).
ويستفاد من التعليل أفضلية السجود على التراب من غبره من الأجزاء
الأرضية، بل وضع سائر المساجد السبعة على الأرض، بل على التراب.
وتدل على استحباب وضع اليدين على الأرض صحيحة زرارة الطويلة،
وفيها في حكم اليدين عند السجود: (وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك، وإن
أفضيت بهما إلى الأرض فهو أفضل) (3).
ورواية السكوني: (إذا سجد أحدكم فليباشر بكفيه الأرض لعل الله يدفع
عنه الغل يوم القيامة) (4).
وظاهرها وإن كان الوجوب ولكن يحمل على الاستحباب بقرينة ما مر.
وأما روايته الأخرى: (ضعوا اليدين حيث تضعون الوجه فإنهما تسجدان كما
يسجد الوجه) (5).
فيحتمل أن يكون المراد منه حيث بوضع الوجه من جهة الارتفاع
والانخفاض.
وأفضل أفراد الأرض للسجود الترية الحسينية، لمرسلة الصدوق: (السجود
على طين قبر الحسين عليه السلام ينور إلى الأرض السابعة) (6).

(1) التهذيب 2: 311 / 1263، الوسائل 5: 368 أبواب ما يسجد عليه ب 17 ح 4.
(2) الفقيه 1: 177 / 840، علل الشرائع 341 / 1، الوسائل 5: 367 أبواب ما يسجد
عليه ب 17 ح 1.
(3) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل 5: 461
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(4) الفقيه 1: 205 / 930، الوسائل 6: 344 أبواب السجود ب 4 ح 6.
(5) التهذيب 2: 297 / 1198، الوسائل 6: 357 أبواب السجود 10 ح 3.
(6) الفقيه 1: 574 / 721، الوسائل 5: 365 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 1.
بتفاوت يسير.
266

والمروي في الاحتجاج: عن السجود على لوح من طين القبر، هل فيه
فضل؟ فأجاب عليه السلام: (يجوز ذلك وفيه الفضل) (1).
وفي مصباح الشيخ: كان لأبي عبد الله عليه السلام خريطة ديباج صفراء
وفيها تربة أبي عبد الله، فكان إذا حضرته الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه،
ثم قال: (إن السجود على تربة أبي عبد الله عليه السلام يخرق الحجب) (2).
وفي كتاب الحسن بن محمد الديلمي: كان الصادق عليه السلام لا يسجد
إلا على تربة الحسين تذللا لله واستكانة إليه (3).
وهل تتعدى الفضيلة إلى تربة سائر الأئمة والأنبياء؟
احتمله في شرح الفضيلة (4)، والأصل ينفيه.
ثم المراد من طين القبر والتربة وإن كان ما يسمى بذلك عرفا وهو ما على
القبر أو قريب منه جدا، ولكن في مرسلة السراج، والمروي في كامل الزيارة،
والمصباحين، ومصباح الزائر، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: (يؤخذ طين
قبر الحسين من عند القبر على سبعين ذراعا) (5).
وفي الأخير: وروي في حديث آخر: (مقدار أربعة أميال) وروي (فرسخ
في فرسخ) (6).
وفي كامل الزيارة عنه عليه السلام: (يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام
من عند القبر جملي سبعين باعا في سبعين باعا) (7).

(1) الإحتجاج: 489، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 2.
(2) مصباح المتهجد: 677، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 3.
(3) إرشاد القلوب: 115، الوسائل 5: 366 أبواب ما يسجد عليه ب 16 ح 4.
(4) حكاه عنه في الحدائق 7: 261.
(5) الكافي 4: 588 الحج ب 24 ح 5، التهذيب 6: 74 / 144، الوسائل، 14: 511، أبواب
المزار وما يناسبه ب 67 ح 3، كامل الزيارات: 279 / 2 وفيه: باعا مكان ذراعا،
مصباح المتهجد: 676، مصباح الكفعمي: 508، حكاه عن مصباح الزائر في البحار 98:
131 / 53.
(6) حكاه عنه في البحار 98: 131 / 54.
(7) كامل الزيارات: 281 / 6، الوسائل 14: 511 أبواب المزار وما يناسبه ب 67
ذيل ح 4.
267

ومقتضى هذه الأخبار ترتب الفضيلة على ما أخذ من سبعين ذراعا أو باعا،
بل فرسخ، بل أربعة أميال. وهو كذلك، لذلك.
ولا يضر ضعف بعض الأخبار إن كان، لكون المقام مقام المسامحة.
وأما رواية الحجال: (التربة من قبر الحسين بن علي عليهما السلام عشرة
أميال) (1).
فلاختلاف النسخ فيها حيث إن في كثير منها (البركة) مقام (التربة) لا يتم
الاستدلال بها.
المسألة العاشرة: يجب أن يكون موضع سجود الجبهة خاليا عن النجاسة
إجماعا، كما مر في بحث المكان مفصلا.
ولا بأس بالموضع المشتبه بالنجس محصورا كان أو غير محصور. نعم لا
يسجد على الجميع، بأن يسجد في كل سجدة من الصلاة بموضع أو في كل صلاة
بموضع، فتفسد الصلاة في الأول وواحدة منها في الثاني. ولو صلى كل واحد من
أشخاص عديدة على موضع صحت صلاة الجميع.
ولو جهل نجاسة موضع السجود وعلم به بعد الصلاة، ففي وجوب
الإعادة مطلقا، وعدمه كذلك، والأول في الوقت والثاني في خارجه، أقوال:
الأول ظاهر الجمل والعقود، قال: ما يوجب الإعادة في أحد وعشرين
موضعا - إلى أن قال -: أو من سجد على شئ نجس بعد علمه بذلك (2). وإنما
قيدنا بالظاهر لاحتمال أن يكون المعنى مع علمه بذلك.
والثاني ظاهر المعتبر والارشاد (3)، وحكي عن المبسوط ومهذب القاضي
والتذكرة ونهاية الإحكام والتبصرة والبيان والذكرى (4).

(1) التهذيب 6: 72 / 136، الوسائل 14: 512 أبواب المزار وما يناسبه ب 67 ح 7.
(2) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 186. وفيه: مع تقدم علمه بذلك.
(3) المعتبر 2: 377، الإرشاد 1: 267.
(4) المبسوط 1: 119، المهذب 1: 154، التذكرة 1: 134، النهاية 1: 527، التبصرة
: 35،
البيان: 248، الذكرى: 219 و 17.
268

وفي نسبته إلى الأخير نظر، لأنه صرح فيه بأن السجود على النجس كالصلاة
في الثوب النجس، وقد نقل في حكم الثوب قولين من غير ترجيح، ثم قال بإمكان
القول بعدم الإعادة مع الاجتهاد قبل الصلاة والإعادة بدونه إن لم يكن إحداث
قول ثالث.
والثالث للمحقق الثاني في حاشية الشرائع وحاشية الإرشاد، والمسالك بل
روض الجنان (1)، وغيرهما (2).
والعجب من بعض المعاصرين أنه قال بعدم العثور في المسألة على من
حكمها بخصوصها بحكم (3).
وسيأتي تحقيقها في بحث الخلل.
المسألة الحادية عشرة: لو ألصق ترابا بجبهته، أو وضع شيئا مما يسجد عليه
تحت كور عمامته، أو كانت قلنسوته من الثياب المجوز عليه السجود، أو طلى
جبهته بطين فجف إذا كان له جرم ولو قليلا:
فصريح الذكرى: صحة السجود (4).
وعن الشيخ: المنع من السجود على ما هو حائل له ككور العمامة وطرف
الرداء (5).
فإن أراد المنع عن المحمول من حيث هو محمول - كما هو مقتض التمثيل
بطرف الرداء - حتى يشمل مثل قطعة من المدر يأخذها الانسان بيده وبضعها عند
السجود ويسجد عليهما، فلا دليل على المنع.

(1) المسالك 1: 40، روض الجنان: 329.
(2) كالسبزواري في الذخيرة: 351.
(3) الرياض 1: 211.
(4) الذكرى: 159.
(5) الخلاف 1: 357.
269

وإن أراد ما كان محمولا وموضوعا على الجبهة - كالأمثلة التي ذكرناها -
فللمنع وجه قوي، لعدم صدق الوضع على الأرض أو السجود عليها معه إن كان
ملصقا به قبل السجود أيضا.
المسألة الثانية عشرة: لو فقد ما يصح السجود عليه في أثناء الصلاة، فإن
أمكن تحصيله من غير قطع الصلاة أو فعل كثير وجب، وإلا فإن لا يمكن مع قطع
الصلاة أيضا، يسجد على ما أمكن، وإن أمكن فظاهر والدي - رحمه الله - في
المعتمد: السجود على ما لا يقطع معه الصلاة وإن كان من غير ما يصح السجود
عليه.
ولعله لتحريم قطع الصلاة فهو ضرورة شرعية.
ويعارض بجواز التطع مع الضرورة أيضا ووجوب السجود على ما يصح
السجود عليه فهو أيضا ضرورة شرعية.
مع أن حرمة القطع مطلقا - حتى في مثل ذلك الحال - لا دليل عليها،
ودليلها لا يتعدى إلى مثل هذا الموضع أيضا، ولو سلم فيعارض أدلة عدم جواز
السجود إلا على الأرض، والترجيح لها، لمخالفتها العامة.
بل هنا كلام آخر، وهو: أنا نقول بانقطاع الصلاة وفسادها بترك السجود،
أو بالسجود على غير ما يصح عليه مع امكان تحصيله، فهي منقطعة لا أنه
يقطعها.
فالظاهر وجوب تحصيل ما يصح السجود عليه ولو بالخروج عن الصلاة.
واستصحاب صحة الصلاة معارضة باستصحاب وجوب السجدة على ما
يصح عليه.
المسألة الثالثة عشرة: لو لم يمكن تحصيل ما يصح السجود عليه في أول
الوقت أو في مكان معين كمسجد وأمكن في غيره، فهل يجب التأخير أو يجوز
السجود على ما أمكن؟
الظاهر: الأول، لأدلة وجوب السجود على ما يصح السجود عليه الموقوف
270

على التأخير، ووجوب مقدمة الواجب.
وأما الأخبار المقدمة، المجوزة للسجود على الكم وبعض الثوب ونحوهما
مع العذر الشامل لما اختص بزمان أو مكان دون غير هما.
فتعارض أخبار عدم جواز السجود إلا على الأرض أو ما ينبت منها (1) - بعد
تخصيصها بغير صورة عدم امكانهما مطلقا بالاجماع وغيره - بالعموم من وجه،
فيرجع إلى المرجحات، وهي مع أخبار عدم الجواز، لمخالفتها العامة.
المسألة الرابعة عشرة: لو سجد على ما لا يصح السجود عليه سهوا ولم
يتفطن حتى رفع رأسه، يمضي ولا يعود إلى السجدة ولا يعيد الصلاة، للأصل،
وانتفاء العود باستلزامه الزيادة المبطلة، والإعادة بتصريح الصحيح بأنه: (لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة) (2) فلم يبق إلا المضي.
ولا يرد أنه أيضا ينتفي بوجوب السجود على ما يصح، لأن الوجوب إنما هو
مع الاختيار، ولا وجوب مع الغفلة، فلا تشمله أدلة وجوبه.
وبعبارة أخرى: دليل وجوبه إما الاجماع المنتفي في المقام أو نحو قوله: (لا
يجوز السجود إلا على الأرض) ولا شك أن نفي الجواز إنما هو مع التذكر. وأما.
التوقيع فقد عرفت اجماله (3).
الثالث من واجبات السجود: الانحناء بقدر لم يكن موضع جبهته أرفع من
موقفه بقدر معتد به، بالاجماع المحقق، والمحكي في المعتبر والتحرير (4).
بل بالأزيد عن اللبنة المقدرة عند الأصحاب بأربع أصابع مضمومة تقريبا،

(1) انظر: الوسائل 5: 343 أبواب ما يسجد عليه ب 1.
(2) الفقيه 1: 225 / 991، التهذيب 2: 152 / 597، الوسائل 6: 313 أبواب الركوع ب
10 ح 5.
(3) كذا في النسخ، ولكن سيأتي التوقيع ووجه إجماله في ص 276 و 277.
(4) المعتبر 2: 207، التحرير 1: 40.
271

كما يؤيده الآجر الموجود الآن في أبنية بني العباس بسر من رأى، وظاهر المنتهى
الاجماع على هذا التحديد (1).
لا لما قيل من أن الانحناء بأقل من هذا القدر غير معلوم كونه سجودا مأمورا
به شرعا (2)، لوضوح عدم اختلاف صدقه بزيادة إصبع ونحوها كما هو المطلوب.
بل لمرسلة الكافي: (إذا كأن موضع جبهتك مرتفعا عن رجليك قدر لبنة
فلا بأس) (1).
وحسنة ابن سنان: عن السجود على الأرض المرتفعة، فقال: (إذا كان
موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك بقدر لبنة فلا بأس) (4).
دلتا بمفهوم الشرط على ثبوت البأس - الذي هو العذاب والشدة - مع
الزيادة.
والقول بعدم دلالة البأس على الحرمة ضعيف.
وربما يوجد في بعض فسخ الحسنة (يديك) بالياءين المثناتين من تحت، بدل
(بدنك) بالباء والنون في بعض النسخ، وعلى هذا فلا يتم الاستدلال بها.
وصحيحته: عن موضع جبهة الساجد، أيكون أرفع من مقامه؟ فقال:
(لا، ولكن يكون مستويا) (5).
وظاهر أن السؤال فيها عن الجواز قطعا فالنفي له، دلت على عدم جواز
الرفع مطلقا، خرج قدر اللبنة وما دونه بما مر فيبقى الباقي.
ولا ينافي التخصيص جزأه الأخير، لأنه كلام برأسه مثبت لحكم آخر، وهو
رجحان الاستواء، ولا ريب فيه، ولا دلالة له على الوجوب أيضا.

(1) المنتهى 1: 288.
(2) كما في الرياض 1: 169.
(3) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 بعد ح 4، الوسائل 6: 359 أبواب السجود ب 11 ح 3.
(4) التهذيب 2: 313 / 1271، الوسائل 6: 358 أبواب السجود ب 11 ح 1.
(5) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 4، التهذيب 2: 85 / 315، الوسائل 6: 357 أبواب
السجود ب 10 ح 1.
272

نعم في بعض النسخ: (وليكن مستويا) وعليه يكون أمرا مفيدا للوجوب.
ولكن يشكل إثباته به بعد اختلاف النسخ، مع أنه يتعين حمله على الندب
لو كان صريحا في الوجوب أيضا، بقرينة ما مر، وشهادة صحيحة أبي بصير: عن
الرجل يرفع موضع جبهته في المسجد قال: (إني أحب أن أضع وجهي في موضع
قدمي، وكرهه) (1).
فالقول بوجوب المساواة - كما عن بعض (2) - ضعيف.
وظاهر كلام المتقدمين عدم لحوق الانخفاض بالارتفاع، فيجوز بأي قدر
كان، وعن التذكرة الاجماع عليه (3).
وهو الحق، للأصل، وصدق السجود معه، ورواية محمد بن عبد الله:
عمن صلى وحده فيكون موضع سجوده أسفل من مقامه، فقال: (إذا كان وحده
فلا بأس) (4).
وبها يخص المفهوم المتقدم، حيث إن مقتضاه ثبوت البأس مع عدم ارتفاع
الجبهة الشامل لمطلق الانخفاض أيضا.
وعن الشهيدين وبعض آخر: الالحاق (5)، واختاره والدي العلامة - رحمه
الله - في المعتمد.
لموثقة عمار: في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض، فقال: (إذا
كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم عليه ويسجد على الأرض،
وإن كان أكثر من ذلك فلا) (6).

(1) التهذيب 2: 85 / 316، الوسائل 6: 357 أبواب السجود ب 10 ح 2.
(2) انظر: غنائم الأيام: 200.
(3) التذكرة 1: 121.
(4) التهذيب 3: 282 / 835، الوسائل 6: 358 أبواب السجود ب 10 ح 4.
(5) الشهيد الأول في الدروس 1: 157، الشهيد الثاني في روض الجنان: 276، وانظر:
جامع المقاصد 2: 299، والمدارك 3: 407.
(6) الكافي 3: 411 الصلاة ب 67 ح 13، التهذيب 3: 307 / 949، الوسائل 6: 358
أبواب
السجود ب 11 ح 2.
273

ويضعف بأنها تدل على نفي الاستقامة، وهو لا يدل على التحريم من
وجه، بل غايته الكراهة وهي مسلمة.
والعجب من صاحب الحدائق حيث إنه بعد ما نقل انتفاء دلالة الموثقة على
التحريم عن بعضهم طعن عليه بأنه مبني على أصله الضعيف من عدم دلالة
الأمر والنهي على الوجوب والتحريم (1).
ولا أدري أي أمر أو نهي في الموثقة، على أنها واردة في الفراش فيمكن أن
يكون ذلك لأجل أن مع غلظته لا يحصل الاستقرار المطلوب.
وظاهر الأخبار والفتاوي ومقتضى الأصل اختصاص الحكم بالموقف
ومسجد الجبهة، فلا ضير في ارتفاعهما أو انخفاضهما عن باقي المساقط بالأزيد عن
المقدر.
قال والدي - رحمه الله -: إلا أن يثبت الاجماع على العموم والظاهر عدم
ثبوته كما يفهم عن المنتهى والذكرى (2)، وإن كان الأحوط اعتباره. انتهى.
وهو كذلك.
فروع:
أ: صرح جماعة بأنه لا فرق في الارتفاع الممنوع بين ما كان بالانحدار
وغيره (3).
وهو كذلك، لاطلاق النص.
ب: لو وقعت الجبهة صلى موضع مرتفع عن القدر الذي يجوز السجود عليه، أو

(1) الحدائق 8: 286.
(2) المنتهى 1: 288، الذكرى: 202.
(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 32، وروض الجنان: 276، وصاحب
المدارك 3: 408، وصاحب الحدائق 8: 287، والمحقق القمي في غنائم الأيام: 201.
274

على ما لا يصح السجود عليه مع كونه مساويا للموقف أو مخالفا بالقدر المجزئ،
فمقتضى القاعدة فيهما وجوب جر الجبهة على الأرض حتن يوضع على - الموضع
المأمور به، وعدم جواز الرفع إلا إذا كان الارتفاع كثيرا لا يصدق معه السجود لغة
أو يشك صدق السجود معه، إذ بالرفع يزيد في سجود الصلاة.
وكون السجود باطلا لا ينفع في تجويز الرفع، إذ السجود واجب، والوضع
على الموضع الغير المرتفع أو ما يصح السجود عليه واجب آخر، فعدم تحقق أحدهما
لا يجوز زيادة الآخر.
ولا تتحقق زيادة السجود بالجر، لأن السجود هو الوضع المسبوق بالرفع،
فلا تلزم من الوضع على موضع بجره من موضع آخر زيادة سجود وإن - تحقق تجدد
وضع.
والفرق بين الوضع على المرتفع أو ما لا يصح السجود عليه بتجويز الرفع
في الأول وعدمه في الثاني، لعدم استلزام الأول للزيادة واستلزام الثاني لها.
باطل، إلا إذا قلنا بانتفاء صدق السجود على الوضع على المرتفع مطلقا،
وهو تحكم.
إلا أن هاهنا أخبارا دالة على جواز الرفع في الموضعين.
فما يدل في الأول رواية ابن حماد: أسجد فتقع جبهتي على الموضع المرتفع،
فقال: (ارفع رأسك ثم ضعه) (1).
وما يدل في الثاني التوقيع المروي في الاحتجاج والغيبة: عن المصلى يكون
في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويقع جبهته على مسح أو
نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجادة، هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها؟ فوقع
عليه السلام: (ما لم يستو جالسا فلا شئ عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة، (2).

(1) التهذيب 2: 302 / 1219، الإستبصار 1: 330 / 1237، الوسائل 6: 354 أبواب
السجود ب 8 ح 4.
(2) الغيبة: 233، الإحتجاج: 484، الوسائل 6: 354 أبواب السجود ب 8 ح 6.
275

ورواية ابن حماد: عن الرجل يسجد على الحصى، قال: (يرفع رأسه حتى
يستمكن) (1).
ولكن الأول: معارض برواية أخرى لابن حماد: أضع وجهي للسجود
فيقع وجهي على حجر أو على شئ مرتفع، أحول وجهي إلى مكان مستو؟ قال:
(نعم جر وجهك عن الأرض من غير أن ترفعه) (2).
وصحيحة ابن عمار: (إذا وضعت جبهتك على نبكة فلا ترفعها، ولكن
جرها على الأرض) (3).
والثاني: أما توقيعه فمقدوح بأنه إنما يبين حكم ما إذا رفع الرأس، كما هو
المسؤول عنه، فلا دخل له بالمتنازع فيه، مع أنه إن كان منه أيضا لا يفيد، لتحقق
الاجمال فيه بالتقييد بقوله: (ما لم يستو) حيث إنه يعارض منطوقه بضميمة الاجماع
المركب مفهومه مع هذه الضميمة.
وأما روايته فبمعارضتها مع صحيحة علي: عن الرجل يسجد على الحصى
ولا يمكن جبهته من الأرض قال: (يحرك جبهته حتى تمكن فتنحى الحصى عن
جبهته ولا يرفع رأسه) (4).
وقد يجاب عن معارض الأول بأنه يشمل جميع أفراد الارتفاع، والأول
مخصوص بما لا يجوز وضع الجبهة عليه، للاجماع على عدم جواز الرفع إذا كان
الارتفاع أقل منه، فهو أخص مطلقا من معارضه فيجب التخصيص به.

(1) التهذيب 2: 315 / 1260، الوسائل 6: 354 أبواب السجود ب 8 ح 5.
(2) التهذيب 2: 312 / 1269، الإستبصار 1: 330 / 1239 الوسائل 6: 353 أبواب
السجود ب 8 ح 2.
(3) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 3، التهذيب 2: 302 / 1221، الإستبصار 1:
330 / 1238، الوسائل 6: 353 أبواب السجود ب 8 ح 1. والنبكة: بالتحريك وقد
تسكن الباء: الأرض التي فيها صعود ونزول، والتل الصغير أيضا. مجمع البحرين
5: 295.
(4) التهذيب 2: 312 / 1270، الإستبصار 1: 331 / 1240، قرب الإسناد
: 202 / 779، الوسائل 6: 353 أبواب السجود ب 8 ح 3، بتفاوت يسير.
276

ويضعف بأن المعارض أيضا مخصوص بذلك، لعدم وجوب الجر مع
الوضع على ما ارتفع بقدر يجوز السجود عليه، فيحصل التكافؤ.
مع أن المعارض مخصوص أيضا بصورة إمكان الجر بدون انفصال الجبهة،
والأول أعم منه، بل الغالب في المكان المرتفع أنه تنفصل الجبهة بالجر إلى
الموضع المساوي عن الأرض، فيتعارضان إما بالعموم من وجه فيرجع، إلى القاعدة،
أو المطلق، فيقدم الخاص وهو أيضا مطابق للقاعدة.
وعن معارض الثاني بأنه غير صريح في النهي عن الرفع بل غايته رجحان
عدمه، وهو لا ينافي جواز الرفع.
إلا أن دليل الرفع مخصوص بصورة عدم تمكن الجبهة لا الوضع على ما لا
يسجد عليه كما هو المطلوب، وعدم الفصل غير معلوم.
فالقول بوجوب الجر مع الامكان في الصورتين - كما هو مختار المدارك
والذخيرة (1) - أقوى مما عليه الأكثر من التفصيل بين الموضعين بتجويز الرفع في
الأول لايجاب الجر في الثاني (2)، مع أنه أقرب إلى الاحتياط أيضا.
ج: لو وضع جبهته على ما لا يسجد عليه سهوا ولم يتفطن حتى رفع
رأسه فيجئ حكمه في باب خلل الصلاة (3).
الرابع: الذكر فيه مطلقا، أو التسبيح منه خاصة، على الخلاف المتقدم في.
الركوع، فإن السجود كالركوع في ذلك، لاتحاد الدليل، إلا أنم يبدل لفظ العظيم
بالأعلى استحبابا، للمستفيضة من النصوص (4).

(1) المدارك 3: 408، الذخيرة: 285.
(2) انظر: جامع المقاصد 2: 299 و 300، روض الجنان: 276، الحدائق 8: 287.
(3) قد مر حكم هذا الفرع في ص 271 فراجع.
(4) انظر: الوسائل 6: 307 أبواب الركوع ب 7، 339 أبواب السجود ب 2.
277

الخامس: الاعتماد على المواضع السبعة بإلقاء الثقل عليها، على ما صرح به
جماعة (1).
فلو اكتفى بمجرد الالصاق لم يجزء لأنه المأخوذ في معنى الوضع المأخوذ في
معنى السجدة.
فإن ثبت، ذلك أو الاجماع فهو، وإلا فللنظر فيه مجال، سيما بملاحظة
الأخبار المتضمنة لمس الجبهة الأرض أو إلصاقها أو إصابتها إياها (2).
وأما صحيحة علي: (تجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض) (3)
ورواية ابن حماد وصحيحة علي المتقدمتان (4) وإن صلحت للتأييد ولكن في دلالتها
نظر من وجوه، منها عدم صراحة الامكان والاستمكان في المطلوب.
والأحوط مراعاته جدا، فلو سجد على مثل الصوف أو القطن أو الفراش
الغليظ يعتمد عليه حتى تثبت الأعضاء.
السادس: الطمأنينة للاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (5)، والمرسل
والحسنة المتقدمتين في الركوع (6).
والظاهر أن المراد منها السكون والاستقرار (لا مجرذ استقراره على هيئة
الساجد، فلو سجد محركا جبهته جازا إياها على الأرض لم يطمئن) (7).
ومن هذا يظهر عدم تمامية الاستدلال على وجوب الطمأنينة بوجوب كون

(1) كالشهيد في الذكرى: 201، وصاحب الحدائق 8: 279، وصاحب الذخيرة: 286.
(2) انظر: الوسائل 6: 355 أبواب السجود ب 9.
(3) التهذيب 2: 76 / 284، الإستبصار 1: 323 / 1206، الوسائل 6: 300 أبواب
الركوع ب 4 ح 3.
(4) في ص 276.
(5) كما في المعتبر 2: 210، والمدارك 3: 409، والمفاتيح 1: 144.
(6) راجع ص 199.
(7) ما بين القوسين ليس في (ه‍).
278

الذكر في السجود، وكذا يظهر عدم وجوب كونها بقدر الواجب من الذكر وإن كان
الأحوط مراعاته، بل الظاهر اتحاده مع المسمى على ما اخترناه من كفاية مطلق
الذكر.
ولو تعذرت الطمأنينة سقطت، ويسقط معه الذكر أيضا لو لم يتمكن من
أداء الواجب منه في السجدة.
السابع: أن يراعي هيئة السجود، فلو أكب على وجهه ومد يديه ورجليه
ووضع جبهته على الأرض لم يجز، لأن هذه الهيئة لا تسمى سجودا، بل يقال نوم
على وجهه.
وعن الفاضل: وجوب تجافي البطن، معللا بأن بدونه لا يسمى سجودا (9).
وفيه منع ظاهر، كما صرح به بعض آخر أيضا (2).
فلو ألصق بطنه الأرض مع كونه على هيئة الساجد ووضع باقي المساجد
على كيفيتها الواجبة، فالظاهر الصحة.
الثامن: رفع الرأس من السجود حتى يجلس.
التاسع: الطمأنينة في الجلوس بمسماها، إجماعا محققا، ومحكيا في
الموضعين (3).
ولمرسلة الذكرى (4).
وإحدى روايتي أبي بصير المتقدمتين في الركوع (5).

(1) كما في نهاية الإحكام 1: 490.
(2) انظر: الحدائق 8: 280.
(3) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 558، والمعتبر 2: 210،
والمنتهى 1: 288، والتذكر 1: 121.
(4) الذكرى: 196.
(5) راجع ص 201.
279

وصحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، وفيها - بعد أمر الله
سبحانه للنبي بالسجود للصلاة -: (ثم أوحى تعالى إليه: استو جالسا يا
محمد) (1).
وظاهر أن الاستواء في الجلوس لا يتحقق إلا مع الطمأنينة.
المطلب الثاني
في مستحبات السجود
وهي أمور:
الأول: التكبير للأولى إجماعا، له، ولصحيحة زرارة وفيها: (فإذا أردت أن
تسجد فارفع يديك بالتكبير وخر ساجدا) (2).
والأخرى: (ثم ترفع يديك بالتكبير وتخر ساجدا) (3).
والثالثة: (إذا أردت أن تركع وتسجد فارفع يديك وكبر ثم اركع
واسجد) (4).
ورواية حماد وفيها: ثم كبر وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد (5).
ورواية معلى: (كان علي بن الحسين عليه السلام إذا هوى ساجدا انكب

(1) الكافي 3: 482 الصلاة ب 155 ح 1، علل الشرائع: 312 / 1،
الوسائل 5: 65، أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل
6: 461، أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(3) الكافي 3: 319 الصلاة ب 24 ح 1، التهذيب 2: 77 / 289، الوسائل 6: 295
أبواب الركوع ب 1 ح 1.
(4) الكافي 3: 320 الصلاة في 24 ح 3، التهذيب 2: 297 / 1197 ولم
يذكر فيه قوله: وكبر، الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2 ح 1.
(5) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، الوسائل
5: 459، أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
280

وهو يكبر) (1).
وفي الحسن: (إذا سجدت فكبر وقل اللهم سجدت) (2) الحديث، أي: إذا أردت السجود
، إذ لا تكبير بعد الدخول فيه مستحبا إجماعا.
استحبابا على الأشهر الأظهر.
خلافا لشاذ فأوجب (3).
وتحقيقه في الركوع قد مر.
ويجوز كونه حال القيام أو الهوي، كما صرح به جماعة منهم الخلاف
والمنتهى (4).
ويستحب كونه في حال القيام - لما في المنتهى من أن عليه فتوى علمائنا (5)،
بل هو ظاهر المعتبر أيضا (6)، ومثله كاف في مقام الاستحباب.
وأما الاستدلال عليه بالروايات الثلاث الأولى فغير تام، لعدم دلالة
الأوليين منها على ترتيب، والثالثة تثبت الترتيب بين التكبير والسجود لا بينه وبين
الهوي، وأما بالرابعة فكان حسنا لولا معارضتها مع الخامسة، كما أن الاستدلال
بالخامسة، على استحباب البدأة به قائما والانتهاء به مع مستقره ساجدا، لا يتم
لذلك أيضا.
الثاني: التكبير بعد الرفع من السجدة الأولى.

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 5، الوسائل 6: 383 أبواب السجود ب 24 ح 2.
(2) الكافي 3: 321 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 79 / 295، الوسائل 6: 383
أبواب السجود ب 24 ح 1.
(3) انظر: المراسم: 71، والذكرى: 198.
(4) الخلاف 1: 353، المنتهى 1: 288.
(5) المنتهى 1: 288.
(6) المعتبر 2: 210.
281

الثالث: التكبير للسجدة الثانية، لفتوى الفقهاء، وصحيحة حماد: ثم
رفع رأسه من السجود، فلما استوى جالسا قال: الله أكبر، ثم قعد على فخذه
الأيسر. - إلى أن قال: - ثم كبر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في
الأولى (1).
وللمروي في الاحتجاج وكتاب الغيبة: عن المصلي إذا قام من التشهد
الأول إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه، أن يكبر؟ فإن بعض أصحابنا قال: لا يجب
عليه التكبير ويجزئه أن يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد، فوقع عليه السلام:
(إن فيه حديثين، أما أحدهما فإنه إذا انتقل من حالة إلى حالة أخرى فعليه التكبير
، وأما الآخر فإنه روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس ثم قام
فليس عليه في القيام بعد القعود التكبير، وكذلك التشهد الأول يجري هذا
المجرى، وبأيهما أخذت من جهة التسليم [كان صوابا] (2).
وتدل على الثانية رواية زرارة الثالثة أيضا.
الرابع: التكبير بعد الرفع من الثانية، لفتوى الأصحاب، ولرواية
الاحتجاج.
وتؤيده الروايات المصرحة بأن تكبيرات الصلاة خمس وتسعون (3).
وإنما جعلناها مؤيدة لاحتمال تبديل هذا التكبير بالتكبير بعد الرفع عن
الركوع.
والمشهور استحباب كل من الثلاثة حال الاستواء جالسا، وهي وإن
صلحت لاثباته، سيما مع تكبير الإمام الأولين جالسا (4).

(1) الكافي 3: 311 ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، الوسائل 5: 549 أبواب
أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
(2) الإحتجاج: 483، الفقيه: 232. ما بين المعقوفين من المصدر.
(3) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبير الاحرام ب 5.
(4) راجع صحيحة حماد المذكورة آنفا.
282

إلا أنه روى السيد في مصباحه مرسلا: إنه إذا كبر للدخول في فعل من
الصلاة ابتدأ بالتكبير حالي ابتدائه، وللخروج بعد الانفصال عنه.
وبه تعارض الشهرة والصحيحة.
مع أن في دلالة الصحيحة على الاستحباب نظرا، لجواز عدم كونه كذلك
من العبادة، فإنه لا بد من الاتيان به في حال.
فالوجه تساوي الأمرين في الثلاثة بل الأربعة، بل الأولى في الرابع إتمامه
قبل الجلوس، لصريح رواية الاحتجاج، ولعدم تلازم بين استحبابه وجلسة
الاستراحة فمع تركها لا يكون جلوس، نعم يستحب تكبير الركوع حال القيام
لخصوصية دليله.
الخامس: أن يبدأ بيديه في الهوي للسجود، فيضهما على الأرض قبل
ركبتيه، إجماعا كما في الخلاف والمنتهى والتذكرة ونهاية الإحكام (1)، له،
وللنصوص كصحيحة زرارة: (وابدأ بيديك فضعهما على الأرض قبل ركبتيك،
فضعهما معا) (2).
وصحيحتي محمد (3)، ورواية ابن أبي العلاء (4)، وقد يحمل عليه حديث
التخوي الآتي أيضا (5).
وظاهر الأمر في الأول وإن كان الوجوب، كما عن أمالي الصدوق مدعيا في
ظاهر كلامه الاجماع عليه (6).

(1) الخلاف 1: 354، المنتهى 1: 288، التذكرة 1: 121، نهاية الإحكام 1: 492.
(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل 5: 461
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(3) التهذيب 2: 78 / 291 و 293، الإستبصار 1: 325 / 1215، 1217،
الوسائل 6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 1 و 2.
(4) التهذيب 2: 78 / 292، الإستبصار 1: 325 / 1216، الوسائل 6: 338 أبواب
السجود ب 1 ح 4.
(5) انظر: ص 287 الهامش 2.
(6) أمالي الصدوق: 512.
283

إلا أنه مدفوع بصحيحة البصري: عن الرجل إذا ركع ثم رفع رأسه،
أيبدأ فيضع يديه على الأرض أم ركبتيه؟ قال: (لا يضر، أي ذلك بدأ فهو
مقبول) (1)
وموثقة أبي بصير: (لا بأس إذا صلى الرجل أن يضع ركبتيه على الأرض قبل
يديه) (2).
وظاهر الصحيحة الأولى استحباب وضع اليدين معا كما صرح به في
الذكرى (3)، بل قيل: إنه المشهور (4)، وفي رواية مذكورة في بعض كتب
الأصحاب: إنه يضع اليمنى قبل اليسرى (5)، وهو اختيار الجعفي.
والتخيير بينهما وجه الجمع وإن كان العمل بالأول أولى لشهرته وصحة
روايته.
السادس: التجنح، بمعنى تجافي الأعضاء حال السجود، بأن يجنح
بمرفقيه ويرفعهما عن الأرض، مفرجا بين عضديه وجنبيه، ومبعدا يديه عن بدنه،
وجاعلا يديه كالجناحين، بالاجماع كما قيل (6)، له، ولصحيحة زرارة: (لا تفترش
ذراعيك افتراش السبع ذراعيه، ولا تضعن ذراعيك على ركبتيك وفخذيك ولكن
تجنح بمرفقيك) (7).

(1) التهذيب 2: 300 / 1211، الإستبصار 1: 326 / 1219، الوسائل
6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 3.
(2) التهذيب 2: 78 / 294، الإستبصار 1: 326 / 1218، الوسائل 6: 338 أبواب
السجود ب 1 ح 5.
(3) الذكرى: 201.
(4) كما في الحدائق 8: 292.
(5) انظر: الذكرى: 202.
(6) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 559.
(7) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل 5: 461
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
284

وصحيحة حماد الواردة في التعليم (1).
والمروي عن جامع البزنطي: (إذا سجدت فلا تبسط ذراعيك كما يبسط
السبع ذراعيه، ولكن اجنح بهما، فإن رسول الله عليه وآله وسلم كان
يجنح بهما حتى يرى بياض إبطيه) (2).
وعن الإسكافي: أفضلية عدم التجنح (3)، وهو بما مر محجوج.
هذا للرجل، وكذا سابقه.
وأما المرأة فتسبق في هويها بالركبتين وتبدأ بالقعود، ثم تضع يديها على
الأرض، وتفترش ذراعيها حال السجود، لأنه أستر ولحسنة زرارة: (فإذا جلست
فعل أليتيها، ليس كما يقعد الرجل، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود
وبالركبتين قبل اليدين، ثم تسجد لاطئة بالأرض) (4).
وصحيحة ابن أبي يعفور: (إذا سجدت المرأة بسطت فراعيها) (5).
ومرسلة ابن بكير: (المرأة إذا سجدت تضممت، والرجل إذا سجد
تفتح) (6).
السابع: ضم الأصابع جميعا حال وضعها على الأرض، الظاهر الوفاق كما في
المعتمد، ولقوله في صحيحة زرارة: (ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك ولكن

(1) انظر: الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 81 / 301،
الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.
(2) رواه عنه في البحار: 82: 137 / 18.
(3) حكاه عنه في الذكرى: 203.
(4) الكافي 3: 35 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94 / 350، الوسائل 5: 462
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4.
(5) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 4، التهذيب 2: 94 / 351، الوسائل 6: 341
أبواب السجود ب 3 ح 2.
(6) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 8، التهذيب 2: 95 / 353، الوسائل
6: 342 أبواب السجود ب 3 ح 3.
285

ضمهن جميعا) (1).
وفي صحيحة حماد: وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال
وجهه (2).
وإطلاقهما يقتضي ضم الابهام أيضا.
وعن الإسكافي: استحباب تفريقها عنها (3)، ولا أعرف مأخذه إلا المروي
في كتاب النرسي بإسناده عن سماعة: إنه رأى أبا عبد الله عليه السلام إذا سجد
بسط يديه على الأرض بحذاء وجهه، وفرج بين أصابع يديه (4).
وهو لا يختص بالابهامين، ومع ذلك لا يفيد، لأن القول مقدم على الفعل
عند التعارض، فيحمل على الجواز.
مستقبلا بها إلى القبلة، للرضوي: (وضم أصابعك، وضعها مستقبل
القبلة) (5).
الثامن: وضع اليدين طولا - أي: فيما بينه وبين القبلة -: حيث يحاذي وجهه
لا متجاوزا عنه إلى القبلة، ولا غير واصل إليه قريبا إلى سمت الركبة، وعرضا: بين
يدي الركبتين، لا قريبا من الوجه، ولا متجاوز عن مقابلة الركبتين إلى اليمين
والشمال، لصحيحة حماد المتقدمة، فقوله: (بين يدي ركبتيه) بيان لجهة العرض،
أي: يضعهما حيث يقابل الركبتين من غير تجاوز إلى يمينهما أو شمالهما، وقوله:
(حيال وجهه) بيان لجهة الطول، أي حيث يحاذي الوجه، لا أقرب إلى الركبة
منه، ولا إلى القبلة.

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل
5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(2) الفقيه 1: 196 / 96، الوسائل 5: 459 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.
(3) حكاه عنه في الذكرى: 203.
(4) رواه عنه في البحار 82: 140 / 27.
(5) فقه الرضا (ع): 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.
286

أو وضعهما طولا: حيث لم يصل حذاء الوجه، بل بحيث يحاذي المنكبين،
وعرضا: حيث ينحرف عن بين يدي الركبتين قليلا إلى اليمين والشمال، لقوله
عليه السلام في صحيحة زرارة: (ولا تلصق كفيك بركبتيك، ولا تدنهما من
وجهك، بين ذلك حيال منكبيك، ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك، ولكن تحرفهما
عن ذلك شيئا) (1).
فيكون قوله: (ولا تلصق) إلى قوله: (حيال منكبيك) بيانا لجهة الطول،
وما بعده للعرض.
مخيرا بين الطريقين، للخبرين. مع أولوية الثاني، لقولية روايته وإن
ضم مع فعلية الأول قوله أخيرا: (هكذا صل).
ويمكن أن يحمل الثاني على ما يطابق الأول أيضا، بأن يحمل قوله: (ولا
تلصق) على بيان جهة الطول كما هو كذلك، وقوله: (ولا تدنهما) على جهة
العرض، وقوله: (حيال منكبيك) على جهة العرض أيضا حيث إنه يطابق حذاء
الوجه عرضا، وقوله: (ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك) أي: وسطهما، بل تحرفه عن
الوسط إلى محاذاة الركبتين، ولكنه تكلف، ومع ذلك يلغو قوله: (بين ذلك)
فتأمل.
التاسع: أن يجافي بطنه، أي: رفعه عن الأرض، لأنه معنى التخوي
الثابت رجحانه من الأخبار (2)، ولقوله في مرسلة ابن بكير المتقدم: (والرجل إذا
سجد تفتح) (3) ولفتوى الأصحاب.
العاشر: قبض اليدين إليه بعد بسطه على الأرض، وهو عند رفع الرأس،

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل 5: 461
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(2) انظر: الوسائل 6: 341 أبواب السجود ب 3.
(3) راجع ص 28.
287

ويحتمل وجهين:
أحدهما: ما ذكره والدي - رحمه الله - وهو أن يضمها إلى جانبه بعد الرفع،
ثم يرفعهما بالتكبير، حتى يكون رفعهما بالتكبير غير رفعهما عن الأرض، ولا
يتحقق الرفعان برفع واحد.
والثاني: أن يكون المراد قبض الكفين بجمعهما، كمن يأخذ في قبضته
شيئا.
ولم أعثر على مصرح باستحبابه، والظاهر أن في معناه إجمالا، لا يمكن أن
يتمسك به لأحد الوجهين.
وأما حمله على أن المراد ضمهما إلى الجانب ووضعهما على الركبتين ثم
بالتكبير فلا يستفاد من القبض.
وأما قول الصدوق: وإذا رفع رأسه من السجدة الأولى قبض يديه إليه
قبضا، فإذا تمكن من الجلوس رفعهما بالتكبير (1).
فلا يفيد ذلك المعنى، كما توهم (2).
الحادي عشر: رفع اليدين للسجدتين والرفعين، للروايات المتقدمة في
الركوع (3).
وصريح الصحيحين رفعهما بالتكبير عند السجود الأسد، والأولى جعلهما
كذلك في البواقي أيضا.
الثاني عشر: أن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه، لما مر (4).

(1) كما في الفقيه 1: 206.
(2) انظر: الحبل المتين: (2).
(3) انظر: الوسائل 6: 296 أبواب الركوع ب 2.
(4) راجع ص 272.
288

وأما الأخفضية - كما في الشرائع (1) - فلا دليل على رجحانه.
الثالث عشر: وضع الأنف على ما يصح السجود عليه، لصحيحة حماد
التعليمية (2)، وموثقة عمار: (لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف فيها ما يصيب
الجبين) (3).
ورواية ابن المغيرة: (لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه) (4).
وظاهر الروايتين وإن كان الوجوب، إلا أن عدم قائل به ينفيه، ويوجب
حمله على الاستحباب، وأما الصدوق فظاهر كلامه وجوب الارغام (5)، كما يأتي.
وأما نفي الوجوب هنا بخبر ابن مصادف - المنجبر بالشهرة بل الاجماع
حقيقة -: (إنما السجود على الجبهة، وليس على الأنف سجود) (6) وبما يصرح
بظاهر الحصر فيما قال: (السجود على سبعة أعظم) (7).
فإنما يفيد لو قلنا بعدم دخول الاعتماد في معنى السجود، وصدقه بمطلق
الإصابة.
وأما إذا قلنا بدخوله فيه - كما صرح به جماعة منهم شيخنا البهائي، ولذا
جعل السجود أعم من وجه من الارغام (8) - فلا تنافي، إذ نفي وجوب السجود

(1) الشرائع 1: 87.
(2) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916،
التهذيب 2: 81 / 301، الوسائل 5: 459، 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 2.
(3) التهذيب 2: 298 / 1202، الإستبصار 1: 327 / 1223، الوسائل 6: 344 أبواب
السجود ب 4 ح 4.
(4) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 2، الوسائل 6: 345 أبواب السجود ب 4 ح 7.
(5) قال في الفقيه 1 ص 205: ومن لا يرغم أنفه فلا صلاة له. وقال في الهداية
(ص) 32: والارغام بالأنف سنة ومن تركها لم يكن له صلاة.
(6) التهذيب 2: 298 / 1200، الإستبصار 1: 326 / 1220، الوسائل 6: 343 أبواب
السجود ب 4 ح 1.
(7) التهذيب 2: 299 / 1204، الإستبصار 1: 327 / 1224، الوسائل 6: 343
أبواب السجود ب 4 ح 2.
(8) انظر: نهاية الإحكام 1: 89، والذكرى: 201، والحدائق 8: 296 نقلا
عن الشيخ البهائي.
289

بذلك المعنى لا ينفي الإصابة والارغام.
وقد يستدل (1) على نفي الوجوب بقوله في صحيحة حماد، وقوله في
صحيحة زرارة: إن الفرض سبعة، والارغام سنة (2).
وهو شبهة، لأن السنة في مقابل الفرض ما ليس في كتاب الله سبحانه،
كما تصرح به صحيحة حماد أيضا (3).
ويستحب إرغامه، أي وضعه على الرغام وهو التراب، لصحيحة زرارة،
وفيها بعد ذكر الأعضاء السبعة: (وترغم بأنفك إرغاما، فأما الفرض فهذه
السبعة، وأما الارغام بالأنف فسنة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم) (4).
والرضوي: (وترغم بأنفك ومنخريك في موضع الجبهة، من قصاص
الشعر إلى الحاجبين مقدار درهم) (5).
والظاهر أنه مستحب في مستحب، أي يستحب مع وضع الأنف على ما
يصح السجود، وضعه على التراب بخصوصه أيضا، لورود الأمرين.
فهو سنة مغايرة للأول، كما مرح به شيخنا البهائي (6)، ونقله عن بعض
مؤلفات الشهيد.
وعن الشهيدين، ومن تأخر عنهما: إن هنا مستحبا واحدا، هو وضع الأنف
على ما يصح السجود عليه من ارغام أو غيره (7). قيل: لأن مزية الأنف على الجبهة
غير معقولة.

(1) انظر: جامع المقاصد 2: 306.
(2) انظر: الهامش (2) من الصفحة السابقة و (4) من هذه الصفحة.
(3) وتصرح به أيضا صحيحة زرارة كما ستأتي.
(4) التهذيب 2: 299 / 1204، الإستبصار 1: 327 / 1224، الوسائل 6: 343 أبواب السجود
ب 4 ح 2.
(5) فقه الرضا (ع): 114.
(6) حكاه عنه في الحدائق 8: 296.
(7) كما في الدروس 1: 181، والمسالك 1: 32، وروض الجنان: 277. وانظر:
الذخيرة: 286.
290

ويضعف بأن هذا إذا خصصنا الأنف بالارغام وإلا فيساوي الجبهة، لأن
وضعها على التراب أيضا مستحب.
وقيل: لأن التغيير في التعبير في الأخبار - من لفظ الارغام في بعض
والسجود في بعض - من باب المسامحة، وإلا فالمراد واحد، وهو وضع الأنف على
ما يصح السجود عليه، وذكر الارغام إنما هو من حيث أفضلية السجود على
الأرض بالجبهة، والأنف تابع لها (1).
وفيه ما فيه: فإن بعد أفضلية السجود على الرغام لا يكون المستحب أمرا
واحدا.
ثم ظاهر إطلاق الأخبار اجزاء إصابة الأنف المسجد بأي جزء اتفق.
والسيد، والحلي عينا العرنين منه (2)، ولعل مأخذه رواية العيون الآتية (3)،
ولكنها لا تدل على اختصاص الموضوع بالعرنين، فلعله كان يضع مجموع الأنف،
وإن حصل الأثر في العرنين، لأنه أقرب إلى التأثير، فتأمل.
يحتمل إرادتهما الاجزاء لا التعيين.
ويؤيد المشهور بالرضوي المتقدم، حيث إن ظاهره كفاية وضع الأنف بأي
جزء منه حتى المنخرين.
وفيه: أن الظاهر أن قوله فيه: (ومنخريك) غلط النساخ، وإن كان كذلك
في كل نسخة منه رأيناه، إذ لا معنى صحيحا له.
والظاهر أنه (ويجزيك...). ويؤيده أن مقتضاه - من اعتبار قدر الدرهم
في موضع الجبهة - هو فتوى الصدوق (4)، المطابقة لعبارات ذلك الكتاب غالبا.

(1) انظر: الحدائق 8: 297.
(2) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 32، الحلي في
السرائر 1: 225. والعرنين هو كل شئ أوله، وعرنين الأنف: تحت مجتمع الحاجبين و
هو أول الأنف حيث يكون فيه الشمم. أنظر: الصحاح 6: 2163.
(3) انظر: ص 294.
(4) كما في المقنع: 26.
291

الرابع عشر: أن يكون ذكره تسبيحا. على ما مر في الركوع عددا وكيفية (1)،
إلا بتبديل العظيم بالأعلى.
الخامس عشر: الدعاء أمام الذكر بما في حسنة الحلبي: (إذا سجدت
فكبر، وقل: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت،
وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، الحمد لله رب
العالمين، تبارك الله أحسن الخالقين. ثم قل: سبحان ربي الأعلى وبحمده. فإذا
رفعت رأسك، فقل بين السجدتين: اللهم اغفر لي، وارحمني وأجرني، وادفع
عني، إني لما أنزلت إلي من خير فقير، تبارك الله رب العالمين) (2).
أو بما في الرضوي، وهو كما سبق، إلى قوله: (أنت ربي، سجد لك وجهي
وشعري وبشري ومخي ولحمي ودمي وعصبي وعظامي، سجد وجهي البالي الفاني
الذليل المهين، للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن
الخالقين، سبحان ربي الأعلى وبحمده - إلى أن قال: - وقل بين سجدتيك:
اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني، فإني لما أنزلت إلي من خير فقير. ثم اسجد
الثانية، وقل فيه ما قلت في الأولى) الحديث (3).
ويستحب أني يقول في السجدات الأربع (الأولى) (4) قبل الذكر أو بعده ما
في صحيحة الحذاء (5).

(1) راجع ص 202 - 213.
(2) الكافي 3: 321 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 79 / 295، الوسائل 6: 339 أبواب
السجود 2 ح 1.
(3) فقه الرضا (ع): 107.
(4) ليس في (ه‍) و (ح).
(5) قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول وهو ساجد: (أسألك بحق حبيبك محمد صلى
الله عليه
وآله إلا بدلت سيئاتي حسنات وحاسبتني حسابا يسيرا) ثم قال في الثانية: (أسألك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله إلا كفيتني مؤونة الدنيا وكل هول ء دون
الجنة) وقال في الثانية: (أسألك بحق
حبيبك محمد صلى الله عليه وآله لما غفرت لي الكثير من الذنوب والقليل وقبلت مني عملي اليسير)
ثم قال في الرابعة: (أسألك بحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله لما أدخلتني الجنة وجعلتني من سكانها ولما نجيتني من سفعات النار برحمتك). الكافي 3: 322 الصلاة ب 25 ح 4، الوسائل 6: 340 أبواب السجود ب 2 ح 2. منه رحمه الله.
292

وأن يدعو ما في المروي في السرائر: (ادع في طلب الرزق في المكتوبة وأنت
ساجد: يا خير المسؤولين ويا خير المعطين، ارزقني وارزق عيالي من فضلك، فإنك
ذو الفضل العظيم) (1).
وأما الدعاء بغير المأثور بخصوصه وطلب الحاجات وإن جاز في سجدة
الصلاة بالاجماع والأصل والنصوص، إلا أنه لا يستحب بخصوصه.
ويظهر من بعضهم استحبابه (2)، استنادا إلى رواية ابن سيابة: أدعو وأنا
ساجد؟ قال: (نعم، فادع للدنيا والآخرة) (3).
وابن عجلان (4): شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام تفرق أحوالنا وما
دخل علينا، فقال: (عليك بالدعاء وأنت ساجد، فإن أقرب ما يكون العبد إلى
الله عز وجل وهو ساجد) قال، قلت: فادعو في الفريضة واسمي حاجتي؟ فقال:
(نعم فقد فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء
آبائهم، وفعله في عليه السلام بعده) (5).
ولا دلالة لهما إلا على الجواز، فإن السؤال ظاهر فيه أو محتمل له.
نعم، تدل الثانية على استحباب كون الدعاء حالة السجود لا خصوص

(1) لم نجده في السرائر، وهو موجود في الكافي 2: 551 / 4، الوسائل 6: 372 أبواب
السجود ب 17 ح 4.
(2) انظر: الرياض 1: 170.
(3) الكافي 3: 323 الصلاة ب 25 ح 6، التهذيب 2: 299 / 1207، 6: 371 أبواب
السجود ب 17 ح 2.
(4) كذا في النسخ، وفي المصادر: عبد الله بن هلال.
(5) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 11، مستطرفات السرائر: 98 / 20، الوسائل 6: 371
أبواب السجود ب 17 ح 3.
293

سجود الصلاة، بل ربما يشعر بنوع كراهة فيه رواية محمد: صلى بنا أبو بصير
بطريق مكة فقال وهو ساجد - وقد كانت ضاعت ناقة لجمالهم -: اللهم رد على
فلان ناقته. قال محمد: فدخلت على أي عبد الله فأخبرته، فقال: (قد فعل؟)
فقلت: نعم. قال: فسكت. قلت: أفأعيد الصلاة؟ قال: (لا) (1).
السادس عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، على ما مر
في الركوع كيفية ودليلا (2).
السابع عشر: أن يزيد في تمكن السجود على الجبهة، لفتوى الفقهاء (3)،
ولأنه الظاهر من مطلوبية تحصيل أثره الذي مدح الله عليه بقوله: (سيما هم في
وجوهم من أثر السجود) (4).
وفي رواية السكوني: (إني لأكره للرجل أن أرى جبهته جلحاء ليس عليها
أثر السجود).
والمروي في العلل: (إن علي بن الحسين عليه السلام كان أثر السجود في
جميع مواضع سجوده، فسمي السجاد) (6).
ومنه يظهر استحباب زيادة الاعتماد في سائر المساجد أيضا. وفي العيون:
قال: دخل على أبي الحسن موسى بن جعفر قال: فإذا بغلام أسود بيده مقص،
يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة السجود (7).

(1) الكافي 3: 323 الصلاة ب 25 ح 8، التهذيب 2: 300 / 1208، الوسائل 6: 370
أبواب السجود ب 17 ح 1.
(2) راجع ص 22.
(3) انظر: المنتهى 1: 289، الذكرى: 203، الحدائق 8: 300.
(4) الفتح: 29.
(5) التهذيب 2: 313 / 1375، الوسائل 6: 376 أبواب السجود ب 21 ح 1.
الجلحاء: الملساء، والأرض الجلحاء: التي لا نبات فيها. مجمع البحرين 2: 345.
(6) علل الشرائع: 232 / 1، الوسائل 6: 376 أبواب السجود ب 21 ح 2.
(7) العيون 1: 63، الوسائل 6: 377 أبواب السجود ب 21 ح 4.
294

الثامن عشر: أن يكون نظره حال السجود إلى طرفي أنفه، للرضوي:
(ويكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك، وبين السجدتين في حجرك، وكذلك
في وقت التشهد) (1).
التاسع عشر: الجلوس بعد السجدة الثانية والطمأنينة فيه، ويسمى
بجلسة الاستراحة.
ورجحانها مجمع عليه بين الأصحاب، والنصوص به متكثرة كموثقة أبي
بصير: (إذا رفعت رأسك من السجدة الثانية في الركعة الأولى حين تريد أن تقوم،
فاستو جالسا ثم قم) (2).
وروايته وفيها: (فإذا كنت في الركعة الأولى والثالثة فرفعت رأسك من
السجود، فاستتم جالسا حتى ترجع مفاصلك) (3).
ومعتبرة أبي بصير ومحمد المروية في الخصال: (اجلسوا في الركعتين حتى
تسكن جوارحكم ثم قوموا، إن ذلك من فعلنا) (4).
وصحيحة ابن عواض: رأى أبا عبد الله عليه السلام إذا رفع رأسه من
السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم (5).
ورواية الأصبغ: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا رفع رأسه من الصلاة
قعد حتى يطمئن ثم يقوم، فقيل له: يا أمير المؤمنين كان من قبلك أبو بكر وعمر
إذا رفعوا برؤوسهم من السجود نهضوا على صدور أقدامهم كما ينهض الإبل،

(1) فقه الرضا (ع): 106.
(2) التهذيب 2: 82 / 303، الإستبصار 1: 328 / 1229، الوسائل 6: 346 أبواب
السجود ب 5 ح 3.
(3) التهذيب 2: 325 / 1332، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 9.
(4) الخصال: 628، الوسائل 5: 471 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 16.
(5) التهذيب 2: 82 / 302، الإستبصار 1: 328 / 1128، الوسائل 6: 34 أبواب
السجود ب 5 ح 1.
295

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: (إنما يفعل ذلك أهل الجفاء من الناس، إن هذا
من توقير الصلاة) (1).
والمروي في كتاب النرسي: (إذا رفعت رأسك من سجدتك في الصلاة قبل
أن تقوم، فاجلس جلسة، ثم بادر بركبتيك الأرض قبل يديك وابسط يديك بسطا
واتك عليهما ثم قم، فإن ذلك وقار المؤمن الخاشع، ولا تطيش من سجودك مبادرا
إلى القيام كما يطيش هؤلاء الأقشاب في صلاتهم) (2).
ومقتضى الأمر في الثلاث الأولى الوجوب، كما ذهب إليه السيد - مدعيا
عليه إجماع الفرقة - وصاحب الوسيلة (3). وظاهر المحكي عن الإسكافي والعماني
وابن بابويه (4) وجوب الجلوس، وإن لم يظهر وجوب الطمأنينة من كلماتهم.
خلافا للأكثر (5)، بل عن نهج الحق: الاجماع عليه (6)، للأصل المعتضد
بالشهرة، ورواية زرارة: رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام إذا رفعا
رأسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا (7).
ورواية رحيم: أراك إذا صليت ورفعت رأسك من السجود في الركعة
الأولى والثالثة فتستوي جالسا ثم تقوم، فنصنع كما تصنع؟ قال: (لا تنظروا إلى ما
أصنع إنما اصنعوا ما تؤمرون) (8).

(1) التهذيب 2: 314 / 1277، الوسائل 6: 347 أبواب السجود ب 5 ح 5.
(2) البحار 82: 184 بعد ح 10. الأقشاب جمع قشب بكسر الشين المعجمة ككتف: من لا
خير فيه من الرجال. مجمع البحرين 2: 143.
(3) السيد في الإنتصار: 46، الوسيلة: 93 وعدها من المختلف فيه.
(4) حكاه عنهم في الذكرى: 202.
(5) انظر: نهاية الإحكام 1: 494، والذكرى 202، والحدائق 8: 302.
(6) نهج الحق: 428.
(7) التهذيب 2: 83 / 305، الإستبصار 1: 328 / 1230، الوسائل 6: 346
أبواب السجود ب 5 ح 2.
(8) التهذيب 2: 82 / 304، الإستبصار 1: 328 / 1230، الوسائل 6:
347 أبواب السجود ب 5 ح 6.
296

ويمكن دفع الأصل بما مر، والروايتين - مع عدم دلالة الثانية على عدم
الوجوب - بأن غايتهما التعارض، والترجيح لما مر، لمخالفته العامة (1)
كما تظهر من الأخبار المقدمة، وترجيح القول على الفعل، وعدم فتوى الشيخ الناقل له
غير موجب لوهنه، لأنه إنما هو لأجل المعارض الغير الراجح بزعمه. وكذا عدم علم
أكثر القدماء بعد عمل طائفة، واحتمال عمل جماعة أخرى أيضا بل ظنه، لدعوى
السيد الاجماع. فتأمل.
العشرون: أن يجلس بين السجدتين وفي جلسة الاستراحة متوركا أي:
قاعدا على فخذه الأيسر، بالاجماع، لرواية أبي بصير: (إذا جلست في الصلاة فلا
تجلس على يمينك واجلس على يسارك) (2).
والرضوي: (وإذا جلست فلا تجلس على يمينك، لكن انصب يمينك
واقعد على أليتيك) (3).
وصحيحة حماد: ثم قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه اليمنى
على بطن قدمه اليسرى وقال: أستغفر الله وأتوب إليه، ثم كبر وهو جالس وسجد
الثانية (4).
واضعا ظاهر قدمه اليمنى على باطن اليسرى، للصحيحة المذكورة.
ملصقا أليتيه بالأرض، للرضوي المذكور، ورواية سعد: إني أصلي في
المسجد الحرام، فأقعد على رجلي اليسرى من أجل الندى؟ قال: (اقعد على أليتيك
وإن كنت في الطين) (5).

(1) انظر: نيل الأوطار 2: 302، والمغني 1: 171.
(2) التهذيب 83 / 307، الوسائل 6: 346 أبواب السجود ب 5 ح 4.
(3) فقه الرضا (ع): 102، مستدرك الوسائل 4: 87 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 7.
(4) الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، الفقيه 1: 196 / 916، الوسائل 5: 59،
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1 و 2.
(5) التهذيب 2: 337 / 1573، الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 4.
297

وصحيحة زرارة الآتية.
ويلزم هذا الجلوس وضع الركبة اليسرى على الأرض.
وأما سائر ما ذكره بعض الأصحاب من وضع الركبة اليمنى وطرف الابهام
على الأرض والافضاء بالمقعدة عليهما.
فمع صعوبة وضع الركبتين مع الأليتين على الأرض، ليس على بعضها في
مطلق الجلوس دليل، وإنما ورد في التشهد في صحيحة زرارة قال: (وإذا قعدت
في تشهدك فألصق ركبتيك الأرض وفرج بينهما شيئا، وليكن ظاهر قدمك اليسرى
على الأرض، وظاهر قدمك اليمنى جملي على باطن قدمك اليسرى، وأليتاك على
الأرض، وطرف إبهامك اليمنى على الأرض) (1) الحديث.
والاجماع المركب غير معلوم، كيف؟! وقال الإسكافي في الجلوس بين
السجدتين: إنه يضع أليتيه على بطن قدميه، ولا يقعد على مقدم رجليه
وأصابعهما، ولا يقعي إقعاء الكلب. وقال في ترك التشهد. يلزق أليتيه جميعا
ووركه الأيسر وظاهر فخذه الأيسر بالأرض [ولا يجزئه غير ذلك ولو كان في طين] (2)
ويجعل باطن ساقه الأيمن على رجله اليسرى وباطن فخذه الأيمن على عرقوبه
الأيسر (3)، ويلزق طرف إبهام رجله اليمنى مما يلي طرفها الأيسر بالأرض وباقي
أصابعها عاليا عليها، ولا يستقبل بركبتيه جميعا القبلة (4).
وهو كما ترى فرق بين جلوس التشهد وغيره وإن كان ما ذكره في جلوس
السجدتين وبعض ما ذكره في التشهد مما لم يذكره الأصحاب ولم يدل عليه دليل.
كما حكي عن السيد في مصباحه أنه قال: يجلس مماسا بوركه الأيسر مع
ظاهر فخذه الأيسر للأرض رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الأيسر وينصب طرف

(1) الكافي 3: 334 الصلاة ب 25 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل 5: 461
أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.
(2) ما بين المعقوفين من المصدر.
(3) العرقوب: عصب غليظ فوق عقب الانسان. القاموس 1: 107.
(4) حكاه عنه في الذكرى: 202.
298

إبهام رجله اليمنى على الأرض ويستقبل بركبتيه معا القبلة (1).
ولكن لا بأس بمراعاة ما ذكراه مما لا يخالف الصحيحة، إلا أن ما ذكره
السيد لا يخالف شيئا مما ذكروه وإنما زاد فيه العرقوب ولا بأس به لقوله.
بل يحتمل عدم الاختلاف، ولذا قال الحلي في السرائر: والظاهر اتحاد
الجميع للتلازم غالبا (2).
بل لا يبعد إرجاع قول الإسكافي أيضا إلى ما لا يختلف مع الجميع، ففي
الجلوس الحكم ما مر، وفي التشهد ما في الصحيحة، مخيرا في الجلوسين بين وضع
ركبته اليمنى على الأرض وطرف الابهام أو لا.
ولا يستحب عندنا الافتراش، وهو أن يثني رجله اليسرى، فيبسطها،
ويجلس عليها، وينصب رجله اليمنى، ويخرجها من تحته، ويجعل بطون أصابعه
على الأرض معتمدا عليها، فتكون أطرافها إلى القبلة.
الحادي والعشرون: أن يقول بين السجدتين بين التكبيرتين: ما مر في
حسنة الحلبي، أو الرضوي المتقدمتين (3)، أو: أستغفر الله ربي وأتوب
إليه، كما في
صحيحة حماد الفعلية (4).
الثاني والعشرون: أن يقوم سابقا يرفع ركبتيه قبل يديه، بالاجماع المحقق،
والمحكي في المنتهى والتذكرة وظاهر المدارك وصريح الحدائق (5)، وغيرها (6)، له،
ولصحيحة محمد (7)، والمروي في كتاب النرسي المتقدم (8)، ولأنه ملزوم الاعتماد

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 215.
(2) لم نعثر عليه في السرائر.
(3) في ص 292.
(4) انظر: الكافي 3: 311 الصلاة ب 20 ح 8، التهذيب 2: 81 / 301،
الوسائل 5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2.
(5) المنتهى 1: 291، التذكرة 1: 122، المدارك 3: 415، الحدائق 8: 309.
(6) كالذكرى: 203، وجامع المقاصد 2: 308، والذخيرة: 287، وغنائم الأيام: 210.
(7) التهذيب 2: 78 / 291، الوسائل 6: 337 أبواب السجود ب 1 ح 1.
(8) في ص 296.
299

على اليدين.
معتمدا على يديه، برواية الحضرمي: (إذا قمت من الركعة، فاعتمد على
كفيك، وقل: بحول الله وقوته أقوم وأقعد) (1).
والمروي في الدعائم: (إذا أردت القيام من السجود، فلا تعجن بيدك
- يعني يعتمد عليها، وهي مقبوضة - ولكن ابسطهما بسطا، واعتمد عليهما، وانهض
قائما) (2).
باسطا كفيه على الأرض، لا مقبوضة كالعاجن، لما مر، ولحسنة الحلبي:
(إذا سجد الرجل، ثم أراد أن ينهض فلا يعجن بيديه في الأرض، ولكن يبسط
كفيه من غير أن يضع مقعدته على الأرض) (3).
داعيا عند القيام بقوله: (بجول الله وقوته أقوم وأقعد) كما في رواية
الحضرمي المقدمة، وصحيحة محمد (4)، أو بإسقاط لفظ (وقوته) كما في صحيحته
الأخرى (5).
أو: (اللهم ربي بحولك وقوتك أقوم وأقعد) فقط، أو مع زيادة (وأركع
وأسجد) كما في صحيحة ابن سنان (6)، أو بإسقاط (ب) لاثبات الزيادة، كما في
صحيحته الأخرى المروية في السرائر (7)، أو بإسقاطهما معا، كما في المروي في

(1) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 10، التهذيب 2: 89 / 328، الإستبصار 1:
338 / 1269، الوسائل 6: 365 أبواب السجود ب 13 ح 5.
(2) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 465 أبواب السجود ب 16 ح 2.
(3) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 6، التهذيب 2: 303 / 1223،
الوسائل 6: 374 أبواب السجود ب 19 ح 1.
(4) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 11، التهذيب 2: 88 / 326، الوسائل
6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 3.
(5) التهذيب 2: 87 / 321، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 2.
(6) انظر: التهذيب 2: 86 / 320، الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13 ح 1.
(7) مستطرفات السرائر: 96 / 14، الوسائل 6: 362 أبواب السجود ب 13 ح 6.
300

الدعائم عن علي عليه السلام: (إنه كان يقول إذا نهض من السجود للقيام.
اللهم بحولك وقوتك أقوم وأقعد) (1). أو بإسقاطهما وإسقاط (اللهم) كما
في موثقة
رفاعة: (كان علي عليه السلام إذا نهض من الركعتين الأوليين، قال: بحولك
وقوتك أقوم وأقعد) (2).
وبعض هذه الأخبار، وإن ورد في القيام من السجود، وبعضها في القيام
من التشهد، وبعضها مطلق، إلا أن الظاهر عدم الفرق، فيستحب الكل في
الكل. ولو عمل بما في الأخبار ما ورد في القيام من السجود فيه، ومن التشهد فيه،
والمطلق في ما أراد كان أحسن.
ووقت الدعاء عند الأخذ بالقيام، كما ذكره الصدوقان (3)، والجعفي
والإسكافي (4)، والشيخان (5)، والديلمي (6)، والحلبيان (7)، ولذكرى (8)، ويدل
عليه رواية الحضرمي، وظاهر الأكثر الأخبار المذكور.
وعن بعضهم: أنه في جلسة الاستراحة (9)، وكأنه استفاده من قوله في
بعض هذه الروايات: (إذا قمت من السجود قلت...).
وفيه: أن المراد إذا أردت القيام بعد السجود احترازا عن مطلق القيام، مع
أنه على فرض إرادة الرفع من السجود يكون عاما، يجب تخصيصه بما ذكر، فالأول
هو الأصح.

(1) الدعائم 1: 164، مستدرك الوسائل 4: 460 أبواب السجود ب 11 ح 1.
(2) التهذيب 2: 327 / 88، الإستبصار 1: 338 / 1268، الوسائل 6: 361 أبواب
السجود ب 13 ح 4.
(3) انظر: الفقيه 1: 207، وحكاه عن والده في الذكرى: 203.
(4) حكاه عنهما في الذكرى: 203.
(5) المفيد في المقنعة: 106، والشيخ في المبسوط 1: 111.
(6) المراسم: 71.
(7) أبو الصلاح في الكافي في الفقه: 123، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
559.
(8) الذكرى 2530.
(9) انظر: المعتبر 2: 216.
301

وهل يستحب التكبير عند القيام عن التشهد؟ كما عن المفيد أنه أثبته،
وأسقط تكبيرات القنوت (1)، وإن حكي عنه رجوعه في آخر عمره (2)، وصريح
التوقيع المذكور وجود القول به قبل المفيد أيضا، بل ظاهره - حيث نسب خلافه
إلى بعض الأصحاب -: أن الأكثر كان على الاستحباب (3)، للحديث الذي
تضمنه التوقيع المحكي عن الاحتجاج سابقا.
أو لا؟ كما حكي عن الأكثر، للأصل، وللروايات المصرحة بأنه إذا قمت
من السجود قلت: بحول الله (4)، وضعفهما ظاهر.
نعم، يدل عليه روايات حصر التكبيرات في خمس وتسعين (5)، والحديث
الآخر الذي تضمنه التوقيع، وهو أخص من الأول، فكان المتجه تخصيصه به
- سيما مع اعتضاده بروايات الحصر - لولا تصريح الإمام فيه بالتخيير ولكن معه
لا محيص عنه أصلا، فهو المتجه.
الثالث والعشرون: كشفه جميع مساجده السبعة، ذكره في المبسوط (6)،
وقوله كاف في إثبات الاستحباب، وإن لم نقف على مستنده.

(1) حكاه عنه في نهاية الإحكام 1: 509.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 184.
(3) راجع ص 282.
(4) انظر: الوسائل 6: 361 أبواب السجود ب 13.
(5) انظر: الوسائل 6: 18 أبواب تكبير الاحرام ب 5.
(6) المبسوط 1: 112.
302

المطلب الثالث
في سائر ما يتعلق بهذا المقام
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يكره الاقعاء في الصلاة.
سواء فسر بأن يعتمد بصدور قدميه على الأرض، بجلس على عقبيه، كما
فسره به الفقهاء (1).
أو بأن يجلس على أليتيه، وينصب ساقيه، ويتساند إلى ظهره، كإقعاء
الكلب، كما حكي عن اللغويين، وبه فسره في الصحاح والقاموس والنهاية الأثيرية
والمغرب والمصباح المنير (2)، وابن القطاع والمعمر بن المثنى،
والقاسم بن سلام، وغيرهم.
أما الأول: فلاشتهاره بين الأصحاب، وفتوى معاوية بن عمار ومحمد بن
مسلم من أجلة القدماء به (3)، بل نقل الاجماع في الخلاف عليه (4).
مضافا إلى صحيحة زرارة: (إياك والقعود على قدميك، فتتأذى بذلك، ولا
تكن قاعدا على الأرض، فيكون إنما قعد بعضك على بعض، فلا تصبر للتشهد
والدعاء) (5).
(1) انظر: المعتبر 2: 218، والمنتهى 1: 291، والذكرى: 202.
(2) الصحاح 6: 2465، القاموس 4: 382، النهاية الأثيرية 4: 89،
المغرب 2: 130، المصباح المنير: 510.
(3) حكاه عنهما في المعتبر 2: 218، والمنتهى 1: 290.
(4) الخلاف 1: 361.
(5) الكافي 3: 334 الصلاة ب 29 ح 1، التهذيب 2: 83 / 308، الوسائل
5: 461 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3. (*)
303

والأخرى وفيها: (ولا تقع على قدميك) (1).
والمروي في معاني الأخبار: (لا بأس في الاقعاء بين السجدتين، وبين
الركعة الأولى والثانية، وبين الركعة الثالثة والرابعة) قال: (وإذا أجلسك الإمام في
موضع يجب أن تقوم فيه فتجافى، ولا يجوز الاقعاء، في موضع التشهدين إلا من
علة، لأن المقعي ليس بجالس، وإنما جلس بعضه على بعض) (2).
قال الصدوق بعد نقل هذا الخبر: والاقعاء: أن يضع الرجل أليتيه على
عقبيه في تشهده.
ثم الظاهر أن كيفية الاقعاء بهذا المعنى: أن يضع صدر قدمه إلى ما يلي
الأصابع من باطنه على الأرض ويعتمد عليه، بحيث تكون رؤوس أصابعه إلى
القبلة، ويرفع باقي قدمه، بحيث يماس عقبيه أليتيه، فيجلس على عقبيه، أي:
يعتمد بأليتيه على عقبيه رافعا عقبيه، مع وضع ركبتيه على الأرض، أو مع رفع
الركبتين أيضا.
أو كيفيته: أن يضع ما يلي الأصابع من ظهر قدميه على الأرض بحيث
تكون رؤوس أصابعه إلى خلاف جهة القبلة، ويرفع باقي قدميه بحيث يصل
العقبين إلى الأليتين فيجلس عليهما، ولكنه يتأذى به كثيرا.
وأما بسط تمام ظهر القدمين على الأرض وافتراش الساقين وتثنية الفخذين
عليهما، فهو ليس إقعاء، إذ ليس فيه اعتماد على صدر القدمين، بل الاعتماد على
مجموع الساق والقدم، وليس قعودا على القدمين كما في الرواية، ولا تأذي فيه
أصلا بل فيه الراحة، وهو جلوس حقيقي، فلا يصدق عليه ما في الأخبار أنه ليس
بجلوس.

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 9، التهذيب 2: 84 / 309، الوسائل 6: 349
أبواب السجود ب 6 ح 5.
(2) معاني الأخبار: 300 - 301، الوسائل 6: 349 أبواب السجود ب 6 ح 6.
304

وأما الثاني: فلموثقة أبي بصير: لا تقع بير السجدتين إقعاء) (91).
وصحيحة محمد، وابن عمار، والحلبي: (لا تقع في الصلاة بين السجدتين
كإقعاء الكلب) (2).
والاقعاء في الأولى، وإن كان محتملا للمعنيين، إلا أن التقييد بإقعاء
الكلب في الثانية يعينه فيما ذكر، بل مقتضى أصالة حمل اللفظ على المعنى اللغوي
حتى يثبت النقل أو التجوز دليل مستقل على وجوب حملهما عليه، وإنما يصبار إلى
كراهة الأول لا لأنه إقعاء، كما عرفت.
ثم إن الأكثر روايات المعنى الأول مخصوص بالتشهد، كما أن ما مر من
روايتي الثاني مخصوصتان بما بين السجدتين.
إلا أن فتوى الأصحاب بالاطلاق، ودعوى الشيخ الاجماع في الأول (3)،
بل إطلاقه الصحيحة الأولى يثبت تعميمه في مطلق جلوس الصلاة (4). وكون ما
نقل عن الصحيحة عقيب بيان جلوس التشهد غير مفيد للتخصيص، وإن كان
جريان العلة المذكورة فيه في التشهد أظهر، لأن الذكر فيه الأكثر، فيكون موردا
للتساوي.
كما أن حديث زرارة المروي في مستطرفات السرائر: (لا بأس بالاقعاء فيما
بين السجدتين، ولا ينبغي الاقعاء في موضع التشهدين، إنما التشهد في الجلوس
وليس المقعي بجالس) (5) يثبت كراهة الثاني في التشهد أيضا.
ولا يضر البأس المنفي فيها في كراهته فيما بين السجدتين، لأن نفي البأس

(1) الكافي 3: 336 الصلاة ب 29 ح 3، التهذيب 2: 301 / 1213،
الوسائل 6: 348 أبواب السجود ب 6 ح 1.
(2) التهذيب 2: 83 / 306، الإستبصار 1: 328 / 1227، الوسائل 6: 348
أبواب السجود ب 6 ح 2، وفيه: (قالوا: لا تقع.....).
(3) الخلاف 1: 361.
(4) راجع ص 303 صحيحة زرارة.
(5) مستطرفات السرائر: 73 / 9، الوسائل 6: 39 أبواب التشهد ب 1 ح 1.
305

لا ينافي الكراهة.
نعم هو دليل انتفاء التحريم الذي هو مقتضى ظاهر النهي في الموثقة
والصحيحة، كما ينفى أيضا بعدم القائل، وبصحيحة الحلبي: (لا بأس بالاقعاء
في الصلاة فيما بين السجدتين) (1).
فلا شك في انتفاء التحريم للمعنى الثاني مطلقا.
وأما المعنى الأول فانتفاء تحريمه فيما بين السجدتين مجمع عليه أيضا،
ورواية معاني الأخبار المنجبرة ترشد إليه (2).
وأما في التشهد فقال الشيخ في النهاية: ولا يجوز ذلك في حال التشهد (3).
وحكي عن الصدوق أيضا (4).
إلا أن شذوذ هذا القول وعدم ظهور قائل به عدا من ذكر، بل قال الحلي
في السرائر: وقد يوجد في بعض كتب أصحابنا: ولا يجوز الاقعاء في حال
التشهدين، وذلك يدل على تغليظ الكراهة لا الحظر، لأن الشئ إذا كان شديد
الكراهة قيل لا يجوز، ويعرف ذلك بالقرائن. انتهى (5).
يمنع من المصير إليه، كما يخرج الخبر الدال عليه عن الحجية.
ولذلك يشكل القول بالتحريم (كما اختاره بعض مشايخنا الأخباريين
أيضا (6)، إلا أن تركه أحوط جدا.
وأما القول بانتفاء الكراهة - كما حكي عن السيد والمبسوط (7) - فبعيد عن

(1) التهذيب 2: 301 / 1212، الإستبصار 1: 327 / 1226، الوسائل 6: 348 أبواب
السجود ب 6 ح 3.
(2) راجع ص 304.
(3) النهاية: 72.
(4) الفقيه 1: 206.
(5) السرائر 1: 227.
(6) انظر: الحدائق 8: 317.
(7) حكاه عنهما في المنتهى 1: 290، والمعتبر 2: 218.
306

الصواب، وكأن نظرهما إلى ما مر من نفي البأس عن الاقعاء في بعض الأخبار.
ولا يخفى أنه لا ينافي الكراهة.
مع أن في المبسوط قال: وإن جلس بعد السجدتين وبعد الثالثة مقعيا كان
جائزا (1). وهو لا ينافي الكراهة. بل قال في موضع آخر منه. ولا يقعي بين
السجدتين (2).
المسألة الثانية: من كان بجبهته دمل أو جرح أو ورم: فإن أمكن السجود
عليه سجد عليه إجماعا.
وإلا: فإن لم يستوعب الجبهة حفر حفيرة أو عمل شيئا من طين أو خشب
أو نحوهما، بجعل فيها الدمل، ويوصل الصحيح من الجبهة على الأرض،
وجوبا، وفاقا للمشهور، بل في المدارك: أنه لا خلاف فيه بين العلماء (3).
وهو كذلك، كما يأتي، لوجوب مقدمة الواجب، وموثقة مصادف: (خرج
بي دمل، فكنت أسجد على جانب، فرأى أبو عبد الله عليه السلام أثره، فقال:
ما هذه؟ قلت: لا أستطيع أن أسجد من أجل الدمل، فإنما أسجد منحرفا،
فقال: لا تفعل، ولكن احفر حفيرة، واجعل الدمل في الحفيرة، حتى تقع جبهتك
على الأرض) (4).
والرضوي: (وإن كان في جبهتك علة لا تقدر على السجود، أو دمل،
فاحفر حفيرة، فإذا سجدت جعلت الدمل عليها (5).
وإن استوعبها، أو لم يمكن إيصال السليم من الجبهة إلى ما يسجد ولو

(1) المبسوط 1: 113.
(2) المبسوط 1: 118.
(3) المدارك 3: 416.
(4) الكافي 3: 333 الصلاة ب 28 ح 5، التهذيب 2: 86 / 317،
الوسائل 6: 359 أبواب السجود ب 12 ح 1.
(5) فقه الرضا (ع): 114، مستدرك الوسائل 4: 459 أبواب السجود ب 10 ح 1.
307

بمثل الحفر، سجد على أحد الجبينين جوازا، بلا خلاف فيه، بل بالاجماع،
ووجوبا على الأشهر، كما صرح به غير واحد، بل في المدارك: أنه قول علمائنا وأكثر
العامة (1) بل ظاهر المحقق الثاني والأردبيلي: أنه إجماعي (2).
فإن ثبت فهو، وإن لم ثبت بل كان قول بالتخيير بينه وبين ذقنه كما تحتمله
عبارة الخلاف (3)، فالحكم به مشكل وإن كان هو مقتضى أصل الاشتغال،
لاطلاق المرسلة الآتية (4).
وأما الرضوي والمروي في تفسير القمي الأول: (وإن كان على جبهتك علة
لا تقدر على السجود من أجلها، فاسجد على قرنك الأيمن، فإن تعذر فعلى قرنك
الأيسر، فإن تعذر عليك، فاسجد على ظهر كفك، فإن لم تقدر عليه فاسجد على
ذقنك) (5).
والثاني: رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع أن يسجد عليها؟ قال: (يسجد
ما بين طرف شعره، فإن لم يقدر فعلى حاجبه الأيمن، وإن لم يقدر فعلى حاجبه
الأيسر، وإن لم يقدر فعلى ذقنه) الحديث (6).
فلا ينفعان، ضعفهما الخالي عن الجابر، حيث إن مدلولهما الترتيب، مع
أن الثاني غير دال على الوجوب.
نعم الأحوط تقديم الجبينين، ولا ترتيب بينهما واجبا للأصل، وضعف
المرويين المذكورين، ولكنه مستحب لأجلهما. ولو سجد عليهما معا، بأن يحفر
الحفيرة ويجعل فيها القرحة مع إمكانه جاز مطعا، لصدق السجود على الأيمن.
فإن تعذر الجبين فيسجد على ذقنه، وفاقا للأكثر، بل لغير الصدوقين، وفي

(1) المدارك 3: 417.
(2) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 304، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 265.
(3) الخلاف 1: 419.
(4) في ص 309.
(5) فقه الرضا (ع): 114، مستدرك الوسائل 4: 459 أبواب السجود ب 10 ح 1.
(6) تفسير القمي 2: 30، الوسائل 6: 360 أبواب السجود ب 12 ح 3.
308

المدارك: انعقاد الاجماع عليه (1)، لمرسلة الكافي: عمن بجبهته علة لا يقدر على
السجود عليها، قال: (يضع ذقنه على الأرض) (2).
وضعفها - لو كان - بما مر منجبر، وقصورها عن إفادة الوجوب بأصل
الاشتغال يجبر، فيقال: ثبت الجواز بالمرسلة فتحصل به البراءة وحصولها بغيره غير
معلوم.
فإن تعذر الجميع أومأ، كما في موضعه مر.
خلافا في الثاني للمحكي عن المبسوط والنهاية والجامع (3)، فلم يوجبا
الحفيرة بل خيرا بينها وبين أحد الجبينين.
وعندي في نسبة الخلاف إليهما نظر، لأن ظاهرهما التخيير عند تعذر.
السجود على الجبهة مطلقا، فلم يلتفتا إلى النادر الذي هو إمكان إيصال جزء منها
إلى الأرض مع وجود العلة، والتخيير حينئذ مما ليس فيه ريبة كما مرت إليه
الإشارة.
وكذا ما حكي عن ابن حمزة حيث قدم السجدة على أحد الجبينين على
الحفيرة (4)، فإن الظاهر أنه أيضا في صورة الانتقال إلى الجبينين.
نعم يكون هو مخالفا في الثالث إن كان مراد القوم من السجود على أحد
الجبينين السجود عليه كيف اتفق، ولو بحفر الحفيرة، وتحققه في ضمن السجود
على الجبينين معا كما ذكرنا.
ولو كان مرادهم منه السجود على أحدهما فقط فلا يكون خلاف أصلا؟
لأنهم أيضا يقولون بوجوب حفر الحفيرة حينئذ بعد تعذر السجود على أحد
الجانبين، ولا ينتقلون إلى الذقن مع إمكانه.

(1) المدارك 3: 417.
(2) الكافي 3: 334 الصلاة ب 28 ح 6، الوسائل 6: 360، أبواب السجود ب
12 ح 2.
(3) المبسوط 1: 115، النهاية: 82، الجامع للشرائع: 84.
(4) حكاه عنه في الذكرى: 201.
309

وخلافا في الثالث لطائفة (1)، فأوجبوا الترتيب، لما مر (2).
ويدفع بما مر.
وفي الرابع للصدوقين، فمع تعذر الجبينين أوجبا ظهر الكف، ومع تعذره
الذقن (3)، للرضوي المتقدم، المندفع بالضعف الخالي عن الجابر في المورد،
والمعارضة مع المرسل المتقدم ورواية القمي.
ثم المراد بالذقن مجمع اللحيين، وهل يجب كشف البشرة؟ فيه وجهان بل
قولان، أظهرهما الثاني، لصدق السجود على الذقن مع الشعر أيضا، ولعدم
وجوب حلق الشعر لمن يتوقف الكشف عليه قطعا، وبعدم القول بالفصل يثبت
المطلوب فيمن لا يتوقف.
وهل يجب وضع الجبين أو الذقن على ما يسجد عليه عند الانتقال إليهما أم
لا؟.
فيه نظر، ومقتضى الأصل الثاني.
المسألة الثالثة: سور العزائم في القرآن أربع: (حم السجدة)، و (ألم
تنزيل)، و (النجم)، و (إقرأ)، بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (4)، له،
وللنصوص، منها: صحيحة ابن سنان: (إذا قرأت شيئا من العزائم التي يسجد
فيها، فلا تكبر قبل سجودك، ولكن تكبر حين ترفع رأسك، والعزائم أربع: حم
السجدة، وألم تنزيل، والنجم، واقرأ باسم ربك) (5).

(1) كالصدوق في المقنع: 26، وصاحب الحدائق 8: 321.
(2) راجع ص 308، الرضوي والمروي في تفسير القمي.
(3) الصدوق في المقنع: 26، وحكاه عن والده في الذكرى: 201.
(4) كما في الخلاف 1: 25، والمنتهى 1: 86، والمدارك 3: 418، وغيرها.
(5) الكافي 3: 317 الصلاة ب 22 ح 1، التهذيب 2: 291 / 1170،
الوسائل 6: 239 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.
310

ونحوه المروي في مستطرفات السرائر، وفي آخره: (وكان علي بن الحسين
يعجبه أن يسجد في كل سورة فيها سجدة) (1).
والمروي في المجمع: (العزائم: ألم تنزيل، حم السجدة، والنجم إذا
هوى، واقرأ باسم ربك، وما عداها في جميع القرآن مسنون، وليس بمفروض) (2)
وفي الخصال: (إن العزائم أربع: إقرأ باسم ربك الذي خلق، والنجم، وتنزيل
السجدة، وحم السجدة) (3).
ويجب السجود في هذه العزائم بالاجماعين (4)، والمستفيضة كرواية أبي
بصير: (إذا قرئ شئ من العزائم الأربع، فسمعتها، فاسجد وإن كنت على غير
وضوء وإن كنت جنبا وإن كانت المرأة لا تصلي، وسائر القرآن أنت فيه
بالخيار، إذ شئت سجدت وإن شئت لم تسجد) (5).
وموثقة سماعة: (إذا قرأت السجدة فاسجد، ولا تكبر حتى ترفع
رأسك (6).
وصحيحة محمد: عن الرجل يعلم السورة من العزائم، فتعاد عليه مرارا
في المقعد الواحد، قال: (عليه أن يسجد كلما سمعها، وعلى الذي يعلمه أن
يسجد) (7).
والمروي في الدعائم وفيها - بعد ذكر العزائم الأربع -: (وهذه العزائم لا بد
من السجود فيها، وأنت في غيرها بالخيار) (8).

(1) مستطرفات السرائر: 28 / 31، الوسائل 6: 244 أبواب قراءة القرآن ب
44 ح 2.
(2) مجمع البيان 5: 516، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 9.
(3) الخصال: 252 / 124، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 7.
(4) انظر: جامع المقاصد 2: 311، والمدارك 3: 419، وكشف اللثام 1: 230.
(5) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 2، التهذيب 2: 291 / 1171،
الوسائل 6: 240 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 2.
(6) التهذيب 2: 292 / 1175، الوسائل 6: 240 أبواب قراءة القرآن
ب 42 ح 3.
(7) التهذيب 2: 293 / 1179، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة القرآن
ب 45 ح 1.
(8) الدعائم 1: 215، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب قراءة القرآن ب 35
ح 1.
311

وتستحب السجدة في أحد عشر موضعا آخر بالتفصيل الآتي، بالاجماع
أيضا، كما صرح به جماعة منهم: الذكرى والمدارك والحدائق والتذكرة وشرح
القواعد (1)، وهو الدليل عليه.
مع المروي في العلل: (إن أبي علي بن الحسين عليه السلام ما ذكر نعمة
الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجدة إلا سجد، إلى
أن قال: (فسمي السجاد لذلك) (2).
وفي الدعائم: (موضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا: أولها آخر
الأعراف، وفي سورة الرعد: (وظلالهم بالغدو والآصال) وفي النحل:
(ويفعلون ما يؤمرون) وفي بني إسرائيل: (ويزيدهم خشوعا) وفي كهيعص:
(وخروا سجدا وبكيا) وفي الحج: (إن الله يفعل ما يشاء) وفيها: (وافعلوا
الخير لعلكم تفلحون) وفي الفرقان: (وزادهم نفورا) وفي النمل: (رب
العرش العظيم) وفي تنزيل السجدة: (وهم لا يستكبرون) وفي ص: (وخر
راكعا وأناب) وفي حم السجدة: (إن كنتم إياه تعبدون) وفي آخر النجم، وفي
إذا السماء انشقت: (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وآخر إقرأ باسم ربك
- إلى أن قال: - العزائم من سجود القرآن أربع: في ألم تنزيل السجدة، وحم
السجدة، والنجم، واقرأ. وهذه العزائم لا بد فيها من سجود، وأنت في غيرها
بالخيار إن شئت فاسجد، وإن شئت فلا تسجد، وكان علي بن الحسين يعجبه أن
يسجد فيهن كلهن) (3).
وعن الصدوق: استحباب السجدة في كل سورة فيها أمر بالسجدة، قال
في الفقيه: ويستحب أن يسجد الانسان في كل سورة فيها سجدة، إلا أن الواجب

(1) الذكرى: 213، المدارك 3: 419، الحدائق 8: 32، التذكرة 1: 123، جامع
المقاصد 2: 311.
(2) علل الشرائع: 232 / 1، الوسائل 6: 244 أبواب قراءة القرآن في 44 ح 1.
(3) الدعائم 1: 214 - 215، مستدرك الوسائل 4: 320 أبواب قراءة
القرآن ب 37 ح 1.
312

في هذه العزائم الأربع (1).
ويومئ إليه المرويان في العلل والمستطرفات المتقدمان (2).
يحتمل بعيدا أن يكون مراد الصدوق كالروايتين استحباب السجدة في كل
ما أمر فيه بالسجدة، ويكون المعنى: وتستحب السجدة في مواضع السجدة إلا
في العزائم فتجب، وحينئذ لا يخالف المشهور.
فروع:
أ: مواضع السجود في العزائم الأربع، والإحدى عشر الأخر هي آي
السجدة المتقدمة، بالاجماع وتدل عليه موثقة الساباطي: عن الرجل يقرأ
في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم، قال: (إذا بلغ موضع السجدة فلا
يقرؤها) (3).
فلا تجب في تتمة السورة، وتدل عليه رواية الدعائم المنجبرة، وأصالة عدم
الوجوب أو الاستحباب في غيرها، إذ لم يثبت في كل إلا سجدة واحدة.
وصريح الدعائم أنه تمام الآية كما صرح به جملة من الأصحاب، بل ظاهر
الذكرى والبحار والحدائق. اتفاق الأصحاب عليه (4)، وبه ينجبر الخبر المذكور،
فهو حجة عليه، مع أنه مقتضى الأصل.
وعن المعتبر وفي المنتهى: أن موضعه في حم السجدة (واسجدوا لله)
حاكيين له عن الخلاف أيضا (5)، وليس كذلك، بل كلام الخلاف صريح في أنه

(1) الفقيه 1: 201.
(2) في ص 311 - 312.
(3) التهذيب 2: 293 / 1177، الوسائل 6: 105 أبواب القراءة في الصلاة ب
40 ح 3.
(4) الذكرى: 214، البحار 82: 177، الحدائق 8: 335.
(5) المعتبر 2: 273، المنتهى 1: 304.
313

عقيب الآية (1)، بل قيل: إنه مما لم يقل به أحد من المسلمين (2)، نعم قال بعض
العامة بأن موضع السجود: (وهم لا يسأمون) (3).
واستدل له بأنه مقتضى فورية الأمر بالسجود، بل قيل: إن ظواهر الأخبار
هو السجود عند ذكر السجدة؟ لتعلق لسجود في جملة منها على سماع السجدة أو
قرأتها أو استماعها، والمتبادر منها هو لفظ السجدة، والحمل على تمام الآية يحتاج
إلى تقدير (4).
ويرد بما مر من الدعائم، والمروي في المجمع: إن السجود في سوره
فصلت عند قوله: (إن كنتم إياه تعبدون) (5).
ويجاب عن فورية الأمر - مضافا إلى منعها - بأنه لم يتعلق حينئذ أمر الله
سبحانه حتى تجب المسارعة إليه، فإنه لا مدخلية لتلاوة القارئ في تعلق الأمر
أصلا، فلو اقتضى الأمر الفورية كان تجب السجدة بمجرد بلوغ كل أحد بعد
اطلاعه على أمر الله سبحانه لأن لم يسمع آيها، مع أن هذا القدر من التأخير
لا ينافي الفورية.
وعن ظواهر الأخبار بأن لفظ السجدة مجاز في كل من لفظها والآية المتضمنة
للفظها والسورة المتضمنة لآيتها، والحمل على كل واحد منها يحتاج إلى دليل، وإن
لم يكن يؤخذ بالمتيقن وجوب السجدة عنده، وهو الفراغ عن الآية.
ثم إنه هل يجوز التقديم عليه والسجدة عند قوله تعالى: (واسجدوا لله)

(1) قال في الخلاف 1: 429: موضع السجود في حم السجدة عند قوله: (واسجدوا
لله الذي خلقهن إن كنتم تعبدون، ثم قال: وأيضا قوله تعالى: (واسجدوا لله الذي
خلقهن) أمر والأمر يقتضي النور عندنا وذلك يوجب السجود عقيب الآية. منه رحمه
رحمه الله.
(2) قال في الذكرى ص 214: فما قاله في المعتبر لا قائل به.
(3) انظر: أحكام القرآن لابن العربي 4: 1664، أحكام القرآن للقرطبي 15: 364،
أحكام القرآن للجصاص 3: 385، المجموع 4: 60.
(4) انظر: الحدائق 8: 334.
(5) مجمع البيان 5: 15، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 8.
314

أم لا، بمعنى أنه لو قدمها لم يجز عن الواجب؟
مقتضى أصالة عدم الوجوب قبل تمام الآية، وأصالة الاشتغال: الثاني.
ومنه يظهر عدم وجوب السجدة بتلاوة بعض الآية ما لم يتمها، بل عدم
وجوبها بتلاوة ما بعد لفظ السجدة إلى آخر الآية فقط، فلا تجب إلا بقراءتهما معا،
بل يمكن أن يقال بعدم وجوبها إلا بقراءة تمام الآية لولا الاجماع على وجوبها بقراءة
لفظ السجدة وما بعدها.
ب: استحباب السجود في المواضع الإحدى عشر على القارئ والمستمع
والسامع إجماعي، كما في التذكرة وشرح القواعد وغيرهما (1)، له، ولاطلاق بعض
ما مر، كرجحانه للأخير، ووجوبه على الأولين في العزائم.
والحق أنها لا تجب فيها على السامع، وفاقا للشيخ وتهذيب النفس للفاضل
والشرائع والمنتهى والقواعد والتذكرة (2)، بل في الخلاف: الاجماع عليه (3).
للأصل، ورواية بن سنان: عن رجل يسمع السجدة تقرأ، قال: (لا
يسجد إلا أن يكون منصتا لقراءته مستمعا لها أو يصلي بصلاته، فأقا أن يكون
يصلي في ناحية وأنت تصلي في ناحية أخرى، فلا تسجد لما سمعت) (4).
ولا توهن الرواية بتضمنها وجوب السجود إذا صلى بصلاة التالي لها، مع
أنه لا تجوز قراءة العزيمة في الفريضة، ولا الائتمام في النافلة.
لجواز الائتمام في بعض النوافل كالاستسقاء والعيدين والغدير، أو كون

(1) التذكرة 1: 123، جامع المقاصد 2: 311، وانظر: كشف اللثام 1: 230.
(2) الشيخ في الخلاف 1: 431، الشرائع 1: 87، المنتهى 1: 304، القواعد 1: 35،
التذكرة 1: 123.
(3) الخلاف 1: 431.
(4) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 3، التهذيب 2: 291 / 1169، الوسائل
6: 242 أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 1.
315

الصلاة خلف المخالف المجوز لقراءة العزيمة في الفريضة، مع أن صدر الخبر
يكفي في الاستدلال.
ثم بهذه الرواية يخصص عموم ما دل على الوجوب بمطلق السماع الشامل
للاستماع وغيره، لكونها أخص منه مطلقا.
وجعل التعارض بالعموم من وجه - لشمولها للسجدات المستحبة أيضا -
باطل، لعدم تفاوت الحكم الثابت لها إجماعا، فلا يلائم التفصيل القاطع
للشركة، مع أنه عليه أيضا يثبت عدم الوجوب، للأصل.
وترجيح الموجب - لمخالفته العامة - باطل، لأنه وإن خالف قول مالك
وأحمد وبعض آخر (1)، ولكنه يوافق أبا حنيفة بل الشافعي وابن عمر والنخعي
وسعيد بن جبير وبعضا آخر (2).
فالقول بالوجوب على السامع أيضا - كما ذهب إليه جماعة (3)، بل في
السرائر الاجماع عليه (4) - غير سديد.
ج: لا يستحب التكبير لهذه السجدة، وفي المدارك: إجماع الأصحاب على
عدم مشروعيته (5)، للأصل، وصحيحة ابن سنان وموثقة سماعة المتقدمتين (6).
وعن أكثر العامة القول بوجوبه قبلها (7).
نعم يستحب التكبير إذا رفع رأسه منها، للصحيحة، والموثقة، ومرسلة
الفقيه: (يقول في سجدة العزائم: لا إله إلا الله حقا حقا، لا إله إلا الله إيمانا

(1) انظر: المغني 1: 688، وعمدة القاري 7: 104.
(2) انظر: المغني 1: 688، وعمدة القاري 7: 104.
(3) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 311، والشهيد الثاني في المسالك 1: 32.
(4) السرائر 1: 226.
(5) المدارك 3: 420.
(6) في ص 310 - 311.
(7) كما في المغني 1: 686.
316

وتصديقا، لا إله إلا الله عبودية ورقا، سجدت لك يا رب تعبدا ورقا لا مستنكفا
ولا مستكبرا، بل أنا عبد ذليل خائف مستجير. ثم يرفع رأسه ثم يكبر (1).
وعن ظاهر الخلاف والمبسوط والذكرى وبعض آخر: وجوب هذا التكبير،
لظاهر الأمر (2).
ويجاب عنه: بمنع كونه أمرا وإنما هو إخبار يحتمل الأمرين.
ولو كان أمرا يحمل على الاستحباب، للمرويين في مستطرفات السرائر
والدعائم، المنجبرين بالشهرة، الأول: عن الرجل إذا قرأ العزائم كيف يصنع؟
قال: (ليس فيها تكبير إذا سجدت ولا إذا قمت، ولكن إذا سجدت قلت ما تقول
في السجود) (3).
والثاني: (ويسجد وإن كان على غير طهارة، وإذا سجد فلا يكبر، ولا يسلم
إذا رفع، وليس في ذلك غير السجود، ويدعوا في سجود ما تيسر من الدعاء) (4).
ومقتضى الأصل والروايتين - كفتاوى الأصحاب - خلو هذه السجدة عن
التشهد والتسليم.
د: لا يشترط فيها الطهارة عن الحدث الأصغر، ولا الأكبر، الخبث، ولا
ستر العورة، ولا استقبال القبلة، وفاقا في الجميع للأكثر، يل في المنتهى: الاجماع
على الأولين (5)، وفي التذكرة: على عدم اشتراط ما يشترط في الصلاة) (6).
للأصل في الكل.
والمروي في المستطرفات: فيمن قرأ السجدة وعنده رجل على غير وضوء،

(1) الفقيه 1: 201، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة القرآن ب 46 ح 2.
(2) الخلاف 1: 432، المبسوط 1: 114، الذكرى: 214، وانظر: كفاية الأحكام: 20.
(3) مستطرفات السرائر: 99 / 22، الوسائل 6: 246 أبواب قراءة القرآن
ب 46 ح 3.
(4) الدعائم 1: 215 - 216، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب قراءة القرآن
ب 35 ح 2.
(5) المنتهى 1: 305.
(6) التذكرة 1: 123.
317

قال: (يسجد) (1) وفيه أيضا: يقرأ الرجل السجدة وهو على غير وضوء، قال:
(يسجد) (2) في الأول.
وموثقة أبي بصير: (الحائض تسجد إذا سمعت السجدة) (3) وصحيحة
الحذاء: عن الطامث تسمع السجدة، قال: (إذا كانت من العزائم فلتسجد إذا
سمعتها) (4) في الثاني.
وروايتي الدعائم وأبي بصير - المتقدمتين - فيهما معا.
والمروي في العلل: عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته، قال:
(يسجد حيث توجهت به) (5) في الأخير في الجملة.
خلافا في الأزل لنهاية الشيخ، حيث لم يجوزها للحائض (6).
والمقنعة، حيث علل منع الجنب والحائض عن قراءة العزائم بقوله: لأن
فيها سجودا واجبا، ولا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات بلا خلاف (7).
انتهى.
والظاهر أن مراده النجاسة الحدثية، وإلا لم يتم التعليل.
وهو ظاهر الانتصار أيضا، حيث قال - في بيان الفرق بين العزائم وغيرها،
في المنع عن قراءة الجنب والحائض الأولى دون غيرها -: ويمكن أن يكون الفرق
بين عزائم السجود وغيرها أن فيها سجودا واجبا لا يكون إلا على طهر (8). انتهى.

(1) مستطرفات السرائر: 29 / 17، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن
ب 42 ح 5.
(2) مستطرفات السرائر: 28 / 12، الوسائل 6: 241 أبواب قراءة القرآن
ب 42 ح 6.
(3) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291 / 1168،
الوسائل 6: 103 أبواب القراءة في الصلاة ب 38 ح 1.
(4) الكافي 3: 106 الحيض ب 18 ح 3، التهذيب 1: 129 / 353،
الوسائل 2: 340 أبواب الحيض ب 36 ح 1.
(5) علل الشرائع: 358 / 1، الوسائل 6: 248 أبواب قراءة القرآن ب 49 ح 1.
(6) النهاية: 20.
(7) المقنعة: 52.
(8) الإنتصار: 31.
318

ونسب إلى الإسكافي أيضا، وفيه كلام، لأنه قال: غير الطاهر يتيمم (1).
وإرادة الاستحباب ممكنة.
لنفي الخلاف المتقدم في كلام المفيد، ولصحيحة البصري: عن الحائض
هل تقرأ القرآن وتسجد سجدة إذا سمعت السجدة؟ قال: (تقرأ ولا تسجد) وفي
بعض النسخ: (لا تقرأ ولا تسجد) (2).
والمروي في السرائر: (لا تقضني - الحائض الصلاة، ولا تسجد إذا سمعت
السجدة) (3).
ويضعف الأول: بعدم الحجية.
والروايتان: بعدم الدلالة على الحرمة. نعم تصلحان لاثبات جواز الترك
واشتراط الطهارة في الوجوب - كما ذهب إليه في التهذيبين (4) - لولا معارضتهما
مع ما مر، وأما معها فتخصصان به، لكون بعضه أخص من جهة اختصاصه بالعزائم
والقارئ والمستمع، وعمومهما، فتحملان على نفي الوجوب في غير العزيمة أو
السامع.
وفي الثالث لمحتمل كلام المقنعة كما مر، بحمل النجاسة على الخبثية،
وتوجيه الاستدلال بعدم خلو الجنب عنها غالبا.
ولا دليل له سوى ما مر من نفي الخلاف الظاهر ضعفه.
وفي الأخير للمروي في الدعائم: (إذا قرأت السجدة وأنت جالس فاسجد
متوجها إلى القبلة، وإذا قرأتها وأنت راكب فاسجد حيث توجهت) (5).

(1) انظر: الذكرى: 214.
(2) التهذيب 2: 292 / 1172، الإستبصار 1: 320 / 1193، الوسائل 2: 341 أبواب
الحيض ب 36 ح 4.
(3) مستطرفات السرائر: 105 / 47، الوسائل 2: 342 أبواب الحيض ب 36 ح 5.
(4) التهذيب 2: 292 / 1172 ذ. ح، والاستبصار 1: 320 / 1193 ذ. ح.
(5) الدعائم 1: 216، مستدرك الوسائل 4: 326 أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.
319

ولكن ضعفه يمنع عن إثبات الحكم المخالف للأصل به، فيحكم
بالاستحباب.
د: هل يشترط في هذه السجدة وضع الجبهة على ما يصح السجود
عليه، وعدم ارتفاع موضعها عن الموقف بأزيد من اللبنة، ووضع سائر
المساجد السبعة؟
ظاهر جماعة منهم: الذكرى وشرح القواعد والمدارك (1): التوقف من حيث
إطلاق اشتراط الثلاثة في السجود كما مر، ومن حيث انصراف مطلق السجود إلى
الشائع منه وهو سجدة الصلاة.
وقد ذكرنا في موضعه أن هذا الانصراف إنما هو فيما لذا بلغ الشيوع حذا
يصلح قرينة للتجوز وإرادة الفرد الخاص من المطلق بأن يكون صارفا للفظ إليه،
وهو في المورد ممنوع.
فالقول بالاشتراط قوي.
نعم لا يشترط خلو موضع السجدة عن النجاسة، لأن دليله إما الاجماع
الغير الثابت هنا، أو أخبار مخصوصة بالصلاة، أو عامة ضعيفة خالية عن الجابر
في المقام.
و: صرح جماعة من الأصحاب بفورية هذه السجدة، بل في شرح
القواعد عزاه إلى أصحابنا (2)، في المدارك: الاجماع عليه (3)، وفي
الحدائق: نفي الخلاف عنه (4).
وتدل عليه من الأخبار موثقة أبي بصير: (إن صليت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ

(1) الذكرى: 214، جامع المقاصد، 2: 313 المدارك 3: 420.
(2) جامع المقاصد 2: 313.
(3) المدارك 3: 421.
(4) الحدائق 8: 339.
320

باسم ربك الذي خلق، أو شيئا من العزائم، وفرغ من قراءته ولم يسجد، فأوم
إيماء) (1).
فإنه لولا فورية السجدة لم يكن وجه لايجاب الايماء.
ومنه تظهر دلالة موثقة سماعة: (من قرأ إقرأ باسم ربك فإذا ختمها
فليسجد، فإذا قام فليقرأ. فاتحة الكتاب وليركع) قال: (وإن ابتليت بها
مع إمام لا يسجد فيجزئك الايماء والركوع) (2).
مع أن الأمر بالسجدة بعد الختم قبل الركوع فيها صريح في فوريتها.
ثم لو نسيها، أو منعه عذر عنها، أو تركها عمدا، يأتي بها إذا ذكرها أو
ارتفع العذر، إجماعا، له، وصحيحة محمد: عن الرجل يقرأ السجدة فينساها
حتى يركع ويسجد، قال: (يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم) (3).
واختصاصها بالنسيان يجبر بالاجماع المركب.
وهل يجب حينئذ فورا؟ فيه نظر.
ز: لو تعددت قراءة موضع السجدة فلو تخلل بينها السجود يتكرر السجود
قطعا.
ولو لم يتخلل فهل تكفي سجدة واحدة للجميع أم لا؟.
الظاهر: نعم، لما بينا في موضعه من تداخل الأسباب.
وقيل: لا، لأصالة عدم التداخل (4)، وهي ممنوعة. ولصحيحة محمد
المتقدمة في صدر المسألة (5)، وهي غير دالة.

(1) الكافي 3: 318 الصلاة ب 22 ح 4، التهذيب 2: 291 / 1168، الإستبصار 1:
20 / 1192، الوسائل 6: 103 أبواب القراءة في الصلاة ب 38 ح 1.
(2) التهذيب 2: 292 / 1174، الإستبصار 1: 320 / 1191، الوسائل
6: 102 أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 2.
(3) التهذيب 2: 292 / 1176، الوسائل 6: 104 أبواب القراءة في
الصلاة ب 39 ح 1.
(4) كما في الذكرى: 215.
(5) راجع ص 311.
321

ح: الواجب إنما هو السجود عند تلاوة هذه الآيات أو سماعها، فلا يجب
بتصويرها وتخيلها ولا بكتابتها ولا بمشاهدتها مكتوبة، للأصل.
ط: يستحب الذكر فيها إجماعا؟ له، وللنصوص.
ويكفي فيها كل ذكركما في المروي في الدعائم: (ويدعوا في سجوده ما تيسر
من الدعاء) (1).
وأفضله المأثور، وهوما رواه في السرائر كما تقدم حيث قال: (قلت ما تقول
في السجود) (2).
أو ما في مرسلة الفقيه المتقدمة (3).
أو ما في صحيحة الحذاء: (إذا قرأ أحدكم السورة من العزائم فليقل في
سجود: سجدت لك يا رب تعبدا ورقا، لا مستكبرا عن عبادتك ولا مستنكفا ولا
متعظما، بل أنا عبد ذليل مستجير) (4).
وفي مرسلة الغوالي: إن النبي صلى الله عليه وآله قال عند نزول أو اسجد
واقترب) (5): (أعوذ برضاك عن سخطك وبمعافاتك عن عقوبتك، وأعوذ بك
منك، ولا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) (6).
وفي الفقيه: (فليقل: إلهي آمنا بما كفروا، وعرفنا منك ما أنكروا، وأجبناك
إلى ما دعوا، إلهي فالعفو العفو) (7).

(1) دعائم الاسلام 1: 215، مستدرك الوسائل 4: 318 أبواب القراءة في
غير الصلاة ب 35 ح 2.
(2) راجع ص 317.
(3) في ص 316.
(4) الكافي 3: 28 ح الصلاة ب 25 ح 23، الوسائل 6: 245 أبواب قراءة
القرآن ب 6 4 ح 1.
(5) العلق: 19.
(6) عوالي اللآلي 4: 113 / 176، مستدرك الوسائل 4: 321 أبواب
القراءة في غير الصلاة ب 39 ح 2.
(7) الفقيه 1: 201.
322

البحث السابع
في التشهد
وهو واجب - بإجماعنا بل الضرورة من مذهبنا - في كل صلاة ثنائية مرة بعد
السجدة الأخيرة وقبل التسليم، وفي الثلاثية والرباعية مرتين: مرة كما مر،
والأخرى بعد السجدة الرابعة.
والأخبار به مستفيضة (1)، كما تأتي في بحث نسيان التشهد، وأخبار الشك
بين الأربع والخمس (2)، ومن الأولى يظهر عدم ركنيته.
وأما صحيحة الفضلاء الثلاثة: (إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت
صلاته، فإن كان مستعجلا ني أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه) (3).
فلا تنافيه، لعدم تعين المرجع في قوله: فرغ، فلعله المأموم وكان الغرض
عدم وجوب متابعته في السلام مع الاستعجال، بل اللازم حمل الرواية عليه وإلا
لم يكن لها معنى صحيح إلا بتكلف.
ولا الأخبار المصرحة بأن التشهد سنة (4)، لأنها في مقابلة الفريضة بمعنى
ما لم يثبت وجوبه من الكتاب.
ولا الأخبار الكثيرة المتضمنة لعدم بطلان الصلاة بالحدث قبل التشهد
وإعادة الطهارة والتشهد (5)، لاحتمال إرادة التشهد بأن يصدق متشهدا، مع أن
غايتها - لو تمت - نفى الجزئية أو تجويز البناء على الصلاة لو أحدث في أثنائها

(1) انظر: الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 7.
(2) انظر: الوسائل 8: 224 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14.
(3) التهذيب 2: 817 / 1293، الوسائل 6: 397 أبواب التشهد ب 4 ح 2.
(4) انظر: الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 7.
(5) انظر: الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13.
323

وهما لا ينفيان الوجوب، ويأتي تحقيقهما.
وهاهنا مسائل.
المسألة الأولى: يجب فيه الجلوس بقدر ذكره الراجب إجماعا محققا ومحكيا في
المنتهى والتذكرة وتهذيب النفس للفاضل وشرح القواعد والمدارك (1)، وغيرها (2)،
وهو الحجة فيه.
مضافا إلى صحيحة محمد: التشهد في الصلاة، قال: (مرتين) قال،
قلت: وكيف مرتين؟ قال: (إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا آله إلا الله وحده
لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم تنصرف) الحديث (3).
ورواية علي بن أبي حمزة: (إذا قمت في الركعتين الأوليين ولم تتشهد فذكرت
قبل أن تركع فاقعد فتشهد) (4).
وفي حسنة الحلبي: (فاجلس وتشهد وقم) (5).
وفي صحيحة الفضيل في من نسي التشهد: (فليجلس ما لم يركع) (6).
وغير ذلك من المستفيضة من الصحاح وغيرها.
وعلى هذا فلو شرع في التشهد حين الرفع من السجود أو نهض قائما قبل

(1) المنتهى 1: 294، التذكر 1: 125، جامع المقاصد 2: 320، المدارك 3: 425.
(2) كالمفاتيح 1: 150، وكشف اللثام 1: 231 والرياض 1: 171،
وغنائم الأيام: 214.
(3) التهذيب 2: 101 / 379، الإستبصار 1: 342 / 1289، الوسائل 6: 397 أبواب
التشهد ب 4 ح 4.
(4) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 7، التهذيب 2: 344 / 1430، الوسائل
8: 244 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 26 ح 2.
(5) الكافي 3: 357 الصلاة ب 42 ح 8، التهذيب 2: 344 / 1429، الوسائل 6: 406
أبواب التشهد ب 9 ح 3.
(6) الكافي 3: 356 الصلاة ب 42 ح 2، التهذيب 2: 345 / 1431،
الوسائل 6: 405 أبواب التشهد ب 9 ح 1.
324

إكماله عمدا بطلت صلاته، وإن كان ناسيا تداركه ما دام محله باقيا، كما يأتي
بيانه.
المسألة الثانية: تجب فيه مطلقا الشهادتان بالاجماع المحقق، والمحكي في
التذكرة (1)، وعن الخلاف والغنية والذكرى (2)، وفي شرح القواعد نفي الخلاف فيه
بين أصحابنا، قال: إن عليه عمل الأصحاب كافة (3).
وتدل عليه مع الاجماع صحيحة محمد المتقدمة.
ورواية ابن كليب: أدنى ما يجز من التشهد، فقال: (الشهادتان) (4).
ونحوه الرضوي (5).
صرخ فيهما بأنهما أدنى ما يجزى من التشهد الذي هو واجب فيكون الاجزاء
عن الواجب، ولا يرد احتمال كون الاجزاء عن الأمر المستحب.
ويؤيده سائر المعتبرة المستفيضة الآمرة بالشهادتين فيه على اختلاف
كيفيتهما (6).
وأما رواية الخثعمي: (إذا جلس الرجل للتشهد فحمد الله أجزأه) (7).
وما في رواية بكر: (إذا حمدت الله أجزأ عنك) (8).
فلا ينافي ما مر لاجمال، المجزئ عنه فيحتمل أن يكون الأمر الندبي.

(1) التذكر 1: 125.
(2) الخلاف 1: 372، الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الذكرى: 204.
(3) جامع المقاصد 2: 319.
(4) الكافي 3: 37 الصلاة ب 30 ح 3، التهذيب 2: 101 / 375، الإستبصار 1:
341 / 1285، الوسائل 6: 398 أبواب التشهد ب 4 ح 6.
(5) فقه الرضا (ع): 111، مستدرك الوسائل 5: 10 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
(6) الوسائل 6: أبواب التشهد ب 3 و 4.
(7) التهذيب 2: 101 / 376، الإستبصار 1: 341 / 1286، الوسائل 6: 399 أبواب
التشهد ب 5 ح 2.
(8) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 1، التهذيب 2: 101 / 378،
الإستبصار 1: 342 / 1288 وفيهما: أجزأك، الوسائل 6: 399 أبواب التشهد ب
5 ح 3.
325

وكذا روايته الأخرى: أي شئ أقول في التشهد والقنوت؟ قال: (قل
بأحسن ما علمت فإنه لو كان موقتا لهلك الناس) (1).
فإنه يمكن أن يراد المقول استحبابا.
خلافا للمحكي عن المقنع، فأدنى ما يجزئ في التشهد الشهادتان، أو
قول: بسم الله وبالله (2).
وعن صاحب الفاخر فتجزئ شهادة واحدة في التشهد الأول (3).
ولعل مستند الأول موثقة الساباطي: في رجل في التشهد في الصلاة،
قال: (إن ذكر أنه قال: بسم الله وبالله فقط فقد جازت صلاته، وإن لم يذكر شيئا
من التشهد أعاد الصلاة) (4) ونحوها روايته (5) إلا أنه ليس فيها: (وبالله).
والمروي في قرب الإسناد بعد السؤال عن رجل ترك التشهد حتى سلم:
(فإن ذكر أنه قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أو بسم الله وبالله أجزأ في صلاته،
وإن لم يتكلم بقليل أو كثير حتى سلم أعاد الصلاة) (6).
ومستند الثاني صحيحة زرارة: ما يجزئ من القول في التشهد في الركعتين
الأوليين؟ قال: (أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) قال،
قلت: فما يجزئ من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ قال: (الشهادتان) (7).

(1) الكافي 3: 337 الصلاة 30 ح 2، التهذيب 2: 102 / 381، الوسائل 6: 399
أبواب التشهد ب 5 ح 1.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 204 والمدارك 3: 426.
(3) حكاه عنه وكشف اللثام 1: 231.
(4) التهذيب 2: 192 / 758، الإستبصار 1: 379 / 1437 بتفاوت، الوسائل
6: 403 أبواب التشهد ب 7 ح 7، لم يذكر (ويا لله) فيها وقد ذكر في الوافي 8
: 943.
(5) التهذيب 2: 319 / 1303، الإستبصار 1: 293 / 1343، الوسائل 6: 403 أبواب
التشهد ب 7 ح 7.
(6) قرب الإسناد: 195 / 741، الوسائل 6: 404 أبواب التشهد ب 7 ح 8،
وفيهما بتفاوت يسير.
(7) التهذيب 2: 100 / 374، الإستبصار 1: 341 / 1284، الوسائل 6: 396
أبواب التشهد ب 4 ح 1.
326

ويضعف الكل بعدم الحجية، للشذوذ، ومخالفة الأصحاب، بل
إجماعهم.
مضافا إلى قصور مستند الأول دلالة، بل انتفاء الدلالة فيه رأسا، إذ
إمضاء الصلاة إذا نسي التشهد مع تذكر قول: بسم الله وبالله، أو أشهد أن لا
إله إلا الله لا يدل على الكفاية. أحدهما في التشهد، كيف؟! والصلاة ممضاة لو لم يتذكر
شيئا منهما أيضا بل تذكر عدمه أصلا، وأما الجزء الأخير الآمر بالإعادة مع عدم
تذكر شئ، فهو مردود بمخالفة الاجماع، مع أن الإعادة لو ثبتت لكانت بأمر
جديد، فلا دلالة فيها على جواز الاكتفاء بما لا إعادة مع تذكره في صورة العمد.
وتعارض مستند الثاني مع صحيحة البزنطي: التشهد الذي في الثانية
يجزئ أن أقول في الرابعة؟ قال: (نعم) (1).
دلت على كفاية ما للثانية للرابعة، ولا يمكن أن يكون هو الشهادة الواحدة
باتفاق الخصم، فيجب الاثنتان في الأولى أيضا، وبعد تعارضهما تبقى المطلقات
المتقدمة خالية عن المعارض.
ثم أقل الواجب من الشهادتين: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله (على الأظهر، وفاقا لظاهر النافع والدروس
واللمعة (2).
لصحيحة محمد المتقدمة، المؤيدة بالرضوي: (فإذا حضر التشهد جلست
تجاه القبلة بمقدار ما تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن
محمدا عبده ورسوله، فإذا فعلت ذلك فقد تمت، صلاتك) (3).
وبصحيحة زرارة السابقة المنضمة مع الاجماع المركب.

(1) التهذيب 2: 101 / 377، الإستبصار 1: 342 / 1287، الوسائل 6: 397 أبواب
التشهد ب 4 ح 3.
(2) المختصر النافع: 32، الدروس 1: 182، اللمعة (الروضة 1): 276.
(3) فقه الرضا (ع): 150، مستدرك الوسائل 6: 519 أبواب صلاة الخوف
والمطاردة ب 3 ح 2.
327

وبموثقة عبد الملك (1)، والمروي في الخصال (2).
وجعلهما دليلين باطل، لتضمنهما ما لا يجب بالاجماع. والقول بأن خروج
البعض عن الوجوب بدليل لا يضر في وجوب الباقي، إنما يصح في العمومات
دون مثل ذلك.
واحتمال كون المراد من المرتين في الصحيحة التشهدين دون الشهادتين،
غير ضائر في دلالتها على الوجوب، كما أن عدم تعرضها لذكر الصلاة على النبي
لا يوهن في دلالتها على وجوب الشهادتين.
ثم بهذه الصحيحة - لكونها مقيدة - تقيد المطلقات المتقدمة.
فالقول بمقتضاها، وكفاية الشهادتين ولو بدون قوله: وحده لا شريك له،
وقوله: عبده كما في نهاية الشيخ والسرائر والشرائع والمنتهى والقواعد وشرح
القواعد (3)، والمعتمد لوالدي قدس سره، بل كثير من الأصحاب كما في شرح
القواعد (4)، بل المشهور كما في الحدائق (5) والمعتمد، بل ظاهر الأصحاب كما في
الذكرى (6)، أو التردد بين كفاية المطلق ولزوم المقيد كما في التذكرة (7)، وعن
نهاية الإحكام (8) وتهذيب النفس للفاضل.
غير جيد، لوجوب حمل المطلق على المقيد والمجمل على المفصل.
والقول بصراحة المطلق لتصريحه بأنه أدنى ما يجزئ وهو صريح في العدم،

(1) التهذيب 2: 92 / 944، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
(2) الخصال: 629، الوسائل 6: 412، أبواب التشهد ب 13 ح 5.
(3) النهاية: 83، السرائر 1: 241، الشرائع 1: 88، المنتهى 1: 292، القواعد 1:
35، جامع المقاصد 2: 318.
(4) جامع المقاصد 2: 318.
(5) الحدائق 8: 444.
(6) الذكرى: 204.
(7) التذكرة 1: 126.
(8) نهاية الإحكام 1: 500.
328

وظهور المقيد، لأن غايته الأمر الظاهر في الوجوب، والظاهر لا يقاوم الصريح.
باطل، لمنع الصراحة، فإن الشهادتين فيها لا يزيد على الظهور في
الاطلاق، بل ليس ظاهرا في عدم وجوب فرد مخصوص من الشهادة أيضا وإنما هو
بالأصل الغير المقاوم لظاهر أصلا.
ومن ذلك يظهر عدم معارضة موثقة أبي بصير (1) - الفاقدة للفظ: (أشهد)
الثاني في التشهد الأول - للصحيحة أيضا، إذ غايتها عدم التعرض وهو لما تعرض
له غير معارض، مع أن الرواية متضمنة لزيادات وللفظ أشهد في موضع آخر
فيمكن أن يكون هو المجزئ عن لفظ: (أشهد) الثاني في أول الشهادة الثانية،
فيكون مخيرا بين ما في الصحيحة والموثقة.
وأما رواية الحسن بن الجهم: عن رجل صلى الظهر أو العصر فأحدث
حين جلس في الرابعة، فقال. (إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله فلا يعيد، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد) (2).
فهي وإن كانت معارضة لها إلا أنها أعم منها باعتبار شمولها لما إذا اقتصر
على ما فيها، أو زاد عليها ما في الصحيحة أيضا، فلتخصص بالصحيحة، كما
تخصص بالنسبة إلى الصلوات أيضا على القول ببطلان الصلاة بالحدث قبلها.
على أن غايتها عدم وجوب الإعادة لو قال الشهادتين بدون الزيادة، وهو
لا ينفي وجوب الزيادة، لجواز أن يجب أن يتلفظ في التشهد بها وإن لم تجب إعادة
الصلاة إذا سبقها الحدث بعد حصول ماهية الشهادتين، فتأمل.
المسألة الثالثة: وتجب فيه الصلاة على النبي وآله في
كل من التشهدين على الأظهر الأشهر، بل في الناصريات والمنتهى والتذكرة وشرح

(1) التهذيب 2: 99 / 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.
(2) التهذيب 2: 354 / 1467، الإستبصار 1: 401 / 1531، الوسائل 7: 234 أبواب قواطع
الصلاة ب 1 ح 6.
329

القواعد (1)، والمعتمد، وعن الخلاف والغنية والمعتبر والذكرى: الاجماع عليه (2).
لصحيحة ابن أذينة أو حسنته الواردة في بدو الأذان، وفيها بعد تمام
السجدة الرابعة: (اجلس فجلس فأوحى الله إليه: يا محمد إذا ما أنعمت عليك
فسم باسمي، فألهم أن قال: بسم الله وبالله ولا إله إلا الله والأسماء الحسنى كلها
لله، ثم أوحى الله إليه: يا محمد صل على نفسك وعلى أهل بيتك) الحديث (3).
وصحيحة زرارة وأبي بصير الواردة في زكاة الفطرة، وفيها: (ومن صلى ولم
يصل على النبي صلى الله عليه - وآله وسلم وترك ذلك متعمدا فلا صلاة له) (4).
ولا يضر تشبيه زكاة الفطرة فيها بالصلاة في أنها من تمام الصوم كما أن
الصلاة على النبي من تمام الصلاة مع عدم توقف قبول الصوم على الزكاة، لأن
التشبيه لا يدل على المشابهة في جميع الأحكام، مع أن المشبه به يكون لا محالة أقوى
من المشبه، مضافا إلى أن غايته عدم تمامية الاستدلال بهذا الجزء وهو لا يوهن
الاستدلال بما ذكرنا من ذيله.
وفي أخرى: (إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من تمام
الصلاة، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله) (5).
وفي رواية أخرى منجبرة نقلها بعضهم. (من صلى ولم يصل فيها علي وعلى
آلي لم تقبل منه تلك الصلاة) (6).

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 198، المنتهى 1: 293، التذكرة 1: 125، جامع
المقاصد 2: 319.
(2) الخلاف 1: 365، الغنية (الجوامع الفقهية) 558، المعتبر 2: 266، الذكرى: 204.
(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312 / 1، الوسائل 5: 465 أبواب
أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
(4) التهذيب 2: 159 / 625، التهذيب 4: 108 / 314، الإستبصار 1: 343 / 1292، الوسائل
6: 407 أبواب التشهد ب 10 ح 2.
(5) الفقيه 2: 119 / 515، المقنعة: 264، الوسائل 6: 407 أبواب التشهد ب 10 ح 1.
(6) متشابه القرآن 2: 170، مستدرك الوسائل 5: 15 أبواب التشهد ب 7 ح 4.
330

وقد يستدل بالآية: (صلوا عليه) (1) ورواية محمد بن هارون وما
بمضمونها: (إذا صلى أحدكم ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صلاته
يسلك بصلاته غير سبيل الجنة) (2).
وفيهما نظر، لعدم دلالة الأمر بالصلاة على قول الصلاة، لعدم ثبوت
الحقيقة الشرعية عند نزول الآية، وعدم دلالة وجوب الذكر على وجوب الصلاة
فلعله تسميته في التشهد.
وغير الأولى من هذه الأخبار وإن كانت مطلقة غير معينة لموضع الصلاة في
الصلاة، إلا أن الأولى صريحة في تعيينها في التشهد، فهي مضافة إلى عدم قول
بوجوبها في غيره أصلا تعين موضعها.
هذا، مضافا إلى الأخبار المتكثرة المصرحة بوجوب الصلاة عليه صلى الله
عليه وآله وسلم كلما ذكر اسمه (2) كما يأتي، فلولا عموم الوجوب بدليل لا أقل من
وجوبها في التشهدين لعدم المخرج فيهما قطعا.
ولا يرد خروج الأكثر، إذ لم يعلم تحقق الأكثر من ذكره في التشهد، فإنه
يذكره كل أحد في كل يوم تسمع مرات لا محالة، وبه يثبت الوجوب في التشهدين
معا، فلا يضر عدم ثبوته من الأخبار المتقدمة.
ويستفاد من الروايتين الأولى والأخيرة وجوب إضافة الآل أيضا كما عليه
الاجماعات المحكية، وتدل عليه صحيحة القداح: (سمع أبي رجلا متعلقا بالبيت
وهو يقول: اللهم صل على محمد، فقال له أبي: يا عبد الله لا تبترها لا تظلمنا
حقنا، قل: اللهم صل على محمد وأهل بيته) (4).

(1) الأحزاب: 56.
(2) الكافي 2: 495 الدعاء ب 20 ح 19، المحاسن: 95 / 53، الوسائل 6: 408، أبواب
التشهد ب 10 ح 3.
(3) انظر: - الوسائل 7: 201 أبواب الذكر ب 42.
(4) الكافي 2: 495 الدعاء ب 20 ح 21، الوسائل 7: 202 أبواب الذكر ب 42 ح 2.
331

وصحيحة الحلبي: اسمي الأئمة في الصلاة؟ قال: (أجملهم) (1).
الأمر دل على الوجوب، ولا وجوب في غير موضع النزاع بالاجماع.
خلافا للمحكي عن الصدوق، فلم يذكر في شئ من كتبه الصلاة في شئ
من التشهدين، للأصل، والأخبار المصرحة بإجزاء الشهادتين (2)، وخلو كثير من
الأخبار عنها، وتجويز الانصراف بعد الشهادتين في صحيحة محمد السابقة (3)،
والتصريح في صحيحة الفضلاء المتقدمة (4) بأنه إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت
صلاته.
وعن والده فلم يذكرها في الأول (5)، ولعله لما مر من الاطلاقات،
واختصاص الصحيحة الأولى بالتشهد الأخير.
وعن الإسكافي فاكتفى بها في أحدهما (6)، ولعله للاطلاق، مع ضميمة
الاجماع على عدم الوجوب في غير التشهد، وعدم صراحة الصحيحة في اختصاص
الوجوب بالأخير لاتحاد الأول والأخير في صلاة النبي.
ويجاب عن أدلة الأول: بضعف الأصل بما مر، وعدم دلالة أخبار الاجزاء
إلا عن الاجزاء عن التشهد فيحتمل أن تكون الصلاة خارجة عنه، وعدم تصريح
الصحيحة بالانصراف بعد التشهد بلا فصل، بل أتى بلفظة: (ثم) الدالة على
التراخي، فلعله بعد الصلاة على النبي وآله لأن لم تكن مذكورة فيها، مع احتمال
إرادة الانصراف من التشهد دون الصلاة، ويؤكده عدم اختصاصها بالتشهد
الأخير بل لا يضر لو أريد الانصراف من الصلاة لاحتمال خروج الصلاة على النبي

(1) الفقيه 1: 208 / 938 و 312 / 1418، التهذيب 2: 326 / 1338، الوسائل 6: 285 أبواب
القنوت ب 14 ح 1.
(2) انظر: الوسائل 6: أبواب التشهد ب 4 و 5.
(3) في ص 324 الرقم 3.
(4) في ص 323 الرقم 3.
(5) حكاه عنه في الذكرى: 204.
(6) حكاه عنه في المدارك 3: 426.
332

عنها كالتسليم.
ومنه يظهر ضعف التمسك بصحيحة الفضلاء.
مع أن لنا أن نقول - على وجوب الصلاة على النبي وآله كلما ذكر -: إنه لا
يحصل الفراغ من الشهادتين المشتملتين على اسمه الشريف إلا بعد الصلاة عليه
أيضا.
وعن دليل الثاني: بمنع اختصاص الصحيحة بالتشهد الأخير كما مر
وجهه، مضافا إلى أن أحد أدلة وجوبها وهو وجوبها عند ذكره صلى الله عليه وآله
وسلم جار في التشهدين معا.
ومنه يظهر الجواب عن دليل الثالث أيضا.
وهل ينحصر وجوبها في لفظ: (اللهم صل على محمد وآل محمد) أم يجوز
كل ما أدى مؤداه؟.
الظاهر: الثاني، للأصل، وصحيحة بدو الأذان.
وهي جزء للصلاة إجماعا، له، ولقوله في الأحاديث المتقدمة: (إنها من تمام
الصلاة، وتمام الشئ جزؤه، و: (إن من تركها لا صلاة له) ولا تنتفي حقيقة
الشئ إلا بانتفاء جزئه.
ولصحيحة الحلبي: (كل ما ذكرت الله [به] والنبي صلى الله وعليه وآله فهو من
الصلاة، فإن قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت (1).
بل جزء من التشهد أيضا على ما هو ظاهر الأكثر حيث عدوها من
الواجبات في التشهد، بل هو الظاهر من أكثر الاجماعات المحكية: فإن ثبت
الاجماع فهو وإلا فالأصل يقتضي عدمه.
وتظهر الفائدة في وجوب الجلوس بها، ويمكن إثباته باستصحاب وجوب
الجلوس، فتأمل.

(1) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316 / 1293، الوسائل 6: 426 أبواب
التسليم ب 4 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
333

المسألة الرابعة: يستحب أن يزيد في تشهده في الركعتين الأوليين ما في
رواية عبد الملك: (الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد وتقتل شفاعته وارفع
درجته) (1).
والأكمل منه للتشهدين ما في موثقة أبي بصير: (إذا جلست في الركعة الثانية
فقل: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي
الساعة، أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، اللهم مل على محمد
وآل محمد، وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته. ثم تحمد الله مرتين أو ثلاثا، ثم
تقوم، فإذا جلست في الرابعة قلت: بسم الله وبالله والحمد لله وخير الأسماء
لله،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله
بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا نعم
الرسول، التحيات لله، والصلوات الطاهرات الطيبات الزاكيات الغاديات
الرائحات السابغات الناعمات لله، ما طاب وزكا وطهر وخلص وصفا فلله،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله
بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، أشهد أن ربي نعم الرب، وأن محمدا نعم
الرسول، وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور،
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، الحمد لله رب
العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، وسلم على
محمد وآل محمد، وترحم على محمد وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على
إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر
لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا،
ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم صل على محمد وآل محمد وامنن علي بالجنة وعافني
من النار،

(1) التهذيب 2: 92 / 344، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 1.
334

اللهم صل على محمد وآل محمد، واغفر للمؤمنين والمؤمنات ولمن دخل بيتي مؤمنا
وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا. ثم قل: السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على جبرئيل وميكائيل
والملائكة المقربين، السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده،
والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم تسلم) (1).
أو ما في الفقه الرضوي، قال: (فإذا تشهدت في الثانية فقل: بسم الله
وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة.
ولا تزيد على ذلك، ثم إنهض إلى الثالثة)، إلى أن قال: (فإذا صليت الركعة
الرابعة فقل في تشهدك: بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله،
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله
بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، التحيات لله، والصلوات الطيبات الزاكيات
الغاديات الرائحات التامات الناعمات المباركات الصالحات لله، ما طاب وزكا
وطهر ونما وخلص [فلله] وما خبث فلغير الله، أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا
نعم الرسول، وأن علي بن أبي طالب نعم الولي، وأن الجنة حق والنار حق والموت
حق والبعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور،
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، اللهم صل على محمد
وعلى آل محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، أفضل
ما صليت وباركت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد
مجيد، اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن
والحسين، وعلى الأئمة الراشدين من آل طه وياسين، اللهم صل على نورك
الأنور، وعلى حبلك الأطول، وعلى عروتك الأوثق، وعلى وجهك الأكرم، وعلى

(1) التهذيب 2: 99 / 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2،
وليس فيه كلمتا (وللمؤمنين والمؤمنات) الثانيتان.
335

جنبك الأوجب، وعلى بابك الأدنى، وعلى مسلك الصراط، اللهم صل على
الهادين المهديين الراشدين الفاضلين الطيبين الطاهرين الأخيار الأبرار، اللهم
صل على جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، وعلى ملائكتك المقربين
وأنبيائك المرسلين ورسلك أجمعين من أهل السماوات والأرضين، وأهل طاعتك
أكتعين، واخصص محمدا صلى الله عليه وآله بأفضل الصلاة والتسليم، السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين،
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ثم سلم) (1)
ثم إنه لا شك في جواز الاكتفاء في التشهد بما في رواية وهل يجوز التبعيض
بأن يذكر بعض ما في رواية واحدة فيه؟.
لا ريب في جوازه من حيث إنه دعاء، وأما من حيث وروده واستحبابه
بخصوصه فمحل نظر، نعم يجوز استفاء بأحد التشهدين بأن يذكر ما ورد فيه
دون الآخر، ويجوز الاكتفاء بافتتاح التشهد خاصة كما في رواية بدو الأذان (2).
المسألة الخامسة: يستحب التورك في التشهد، وإسماع الإمام إياه من خلفه
كما مر، ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى واليسرى على اليسرى مبسوطتين
مضمومتين، وظاهر تهذيب النفس الاجماع عليه، والنظر إلى حجره.
ختام:
هل تجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله حيث ما ذكر أم تستحب؟
المشهور: الثاني، بل في الناصريات والخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة:
الاجماع على عدم الوجوب (3).

(1) فقه الرضا (ع): 108 وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2) المتقدمة في ص، 330.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، الخلاف 1: 370، المعتبر 2: 226،
المنتهى 1: 293، التذكرة 1: 125.
336

وعن كنز العرفان القول بالوجوب (1)، واختاره من مشايخنا المحدثين
صاحب الحدائق، ونقله عن الصدوق، وشيخنا البهائي في مفتاح الفلاح،
والمحدث الكاشاني في الوافي، والصالح المازندراني في شرح أصول الكافي، وبعض
مشايخه البحرانيين (2).
وقال المقدس الأردبيلي في آيات الأحكام: ويحتمل وجوب الصلاة عليه كلما
ذكر، كما دل عليه بعض الأخبار - إلى أن قال: - ويمكن اختيار الوجوب في كل
مجلس مرة إن صلى آخرا، وإن صلى ثم ذكر يجب أيضا كما في تعدد الكفارة بتعدد
الموجب إذا تخللت، وإلا فلا (3).
احتج الموجبون بأدلة عمدتها الأخبار، وأظهرها دلالة وأصحها سندا
صحيحتا زرارة، وفيهما: (وصل على النبي صلى الله عليه وآله كلما ذكرته، أو ذكره
ذاكر عندك، في الأذان أو غيره) (4).
وأما غيرهما من الأخبار فلا يخلو من قصور في الدلالة أو السند كما لا يخفى
على المتأمل فيها (5).
واحتج الآخرون بالاجماعات المتقدمة، وإطباق جل القدماء والمتأخرين
ومعظمهم على انتفاء الوجوب، بل كل القدماء.
وأما الصدوق فليس وجه لنسبته إليه إلا ذكره بعض الأحاديث المتضمنة
للأمر في كتابه، وكون كل أمر للوجوب عنده غير معلوم، ولذا ترى كتابه مشحونا
بالأوامر الغير المحصورة في الأدعية والآداب من غير ذكر معارض، ولم ينسب أحد

(1) كنز العرفان 1: 133.
(2) انظر الحدائق 8: 460.
(3) زبدة البيان: 85.
(4) الأولى: الفقيه 1: 184 / 875، الوسائل 5: 451 أبواب الأذان والإقامة ب 42 ح
1. الثانية: الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 7، الوسائل 5: 451 أبواب الأذان
والإقامة ب 42 ح 1.
(5) انظر: الوسائل 7: 201 أبواب الذكر ب 42.
337

غيره القول بوجوبه إليه.
ولزوم العسر والحرج غالبا، سيما إذا وجبت مع ذكر اسمه العلمي واللقبي
والوصفي والضمير العائد إليه، كما هو مقتضى الصحيحتين.
وعدم ذكرها في أكثر الأدعية المشتملة على اسمه الشريف مع تكثرها غاية
الكثرة.
وذكره في القرآن في مواضع كثيرة مع عدم تعرضهم لوجوب الصلاة كما
تعرضوا لوجوب السجدات.
واقتضاء وجوبها اشتهارها أكثر من ذلك، حيث إن الغالب في الأذانات
الاعلامية سماعها جماعة غير محصورة سيما في البلدان.
أقول: لا شك في أن مقتضى الصحيحتين الوجوب مطلقا، إلا أن
مخالفتهما لاجماع القدماء ولا أقل من الشهرة العظيمة بينهم تدخل عمومهما في حير
الشذوذ، فالحكم بمقتضى عمومهما والافتاء به في غاية الاشكال، والاحتياط لا
يترك في شئ من الأحوال.
ثم الوجوب أو الاستحباب - على الاختلاف - هل يختص بذكره صلى الله
عليه وآله باسمه العلمي وهو محمد صلى الله عليه وآله وأحمد، أو يتعدى إلى لقبه
وكنيته بل وضميره الراجع إليه؟
صرح الشيخ البهائي بالتعدي إلى الأولين قطعا، وإلى الأخير إمكانا،
والمحدث الكاشاني في خلاصة الأذكار بالتعدي إلى الثلاثة (1).
وفصل صاحب الحدائق فتعدى إلى ما استمرت تسميته وتوصيفه به
واشتهرت في الاطلاق، كالمصطفى والنبي والرسول وأبي القاسم ونحوها، دون ما
ليس كذلك كالمختار وخير الخلق وخير البرية، والضمائر (2).

(1) حكاه عنه في الحدائق 8: 464.
(2) الحدائق 8: 464.
338

والحق التعدي إلى الكل، لصدق ذكره صلى الله عليه وآله، فإنه يحصل
بالكل ذكره. نعم لا يتعدى إلى ما يذكر في ضمن الصلاة عليه بعد ذكره، لخروجه
بالقرينة الحالية ولزوم التسلسل.
وهل وجوبه أو استحبابه فوري أم لا؟
الأظهر: الثاني، للأصل.
ولا يدل قوله: (كلما ذكرته) على الفورية، لأن التوقيت المستفاد من لفظة:
(ما) يمكن أن يكون مختصا بالذكر دون الصلاة.
ولو تكرر الذكر يكتفي للجميع بصلاة واحدة، إلا أن تكرر بعد الصلاة
فتكرر هي أيضا.
339

البحث الثامن
في التسليم
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: التسليم واجب في الصلاة على الأصح، وفاقا للسيد في
الناصريات والمحمدية (1)، والعماني والراوندي والديلمي وصاحب الفاخر وأبي
الصلاح وابن زهرة (2)، والبشرى والمعتبر والوسيلة والشرائع والنافع والمنتهى
والتبصرة والمهذب والتنقيح والايضاح لفخر المحققين واللمعة والدروس والمعتمد
- لوالدي العلامة - والحدائق (3) وغيرها (4)، وهو مختار الأثر مشايخنا المعاصرين
(5)، بل قال بعض من تأخر: إنه الأشهر (6). وعن الأمالي: أنه من دين الإمامية الذي
يجب الاقرار به (7). ونسبه والدي في المعتمد إلى الأكثر الطبقة الثانية.
وقيل: وفي الناصريات الاجماع عليه من كل من جعل التكبير جزءا من

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية) 195، نقله عن المحمدية في المختلف: 97.
(2) نقله عن العماني في المختلف: 97، وعن الراوندي في الحبل المتين: 255،
الديلمي في المراسم: 69، نقله عن صاحب الفاخر في الذكرى: 206، أبو الصلاح في
الكافي 119، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 558.
(3) نقله عن البشري في الذكرى: 208، المعتبر 2: 233، الوسيلة: 96،
الشرائع 1: 89، النافع: 33، المنتهى 1: 295، التبصرة: 28،
المهذب البارع 1: 387، التنقيح 1: 211، الإيضاح 1: 115، اللمعة (الروضة 1):
277، الدروس 1: 183، الحدائق 8: 471.
(4) انظر: الجامع للشرائع: 84، والبيان: 176، والحبل المتين: 255، والمفاتيح
1: 152.
(5) كالبهبهاني في حاشية المدارك (المدارك الحجري): 175، والسيد بحر العلوم في
الدرة النجفية: 144.
(6) انظر: الرياض 1: 172.
(7) أمالي الصدوق: 512.
340

الصلاة (1).
ولكن الظاهر أن مراده من العامة، لأنه قال في صدر المسألة - بعد قول
الناصر: تكبيرة الافتتاح من الصلاة والتسليم ليس منها -: لم أجد لأصحابنا إلى
هذه الغاية نصا في هاتين المسألتين (2).
لا للتأسي أو الاحتياط، لعدم وجوبهما.
ولا لاستصحاب تحريم ما يحرم فعله في الصلاة، لأنه فرع عدم ثبوت
خروجه عن الصلاة إذ معه لا يحرم ما ذكر، مع أنه معارض باستصحاب عدم
الحرمة بعد التشهد الثابت قبل أمر الشارع بالصلاة.
ولا لوجوب التسليم في الآية (3) ولا شئ منه بواجب في غير الصلاة، لجواز
كون المراد التسليم لأمره والإطاعة له.
ولا لأنه لولاه لم تبطل صلاة المسافر بالاتمام، لجواز استناد البطلان إلى نية
التمام إلى آخر الصلاة، لاطلاق أخبار بطلانها ظاهر في القصد (4)، مع أن
البطلان بلا قصد التمام محل نظر، وأيضا يمكن أن تكون الزيادة ما دام المصلي في
عرصة الصلاة وحيزها مبطلة.
ولا لجعله في الأخبار المستفيضة العامية والخاصية - التي كادت تبلغ التواتر -
تحليل الصلاة بما يفيد انحصار المحلل فيه في كثير منها (5)، فينحصر المحلل فيه
قطعا، وإن لم يضر قصور بعض هذه الأخبار سندا، لاشتهارها بين العلماء،
وبلوغها من الكثرة إلى حد التواتر، ونقلها في الأصول المعتبرة.
لأنه يرد عليه أنه لا شك في أن المنافيات الواقعة بعد التشهد قبل التسليم

(1) الرياض 1: 172.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.
(3) الأحزاب: 56.
(4) الوسائل 8: 505 أبواب صلاة المسافر ب 17.
(5) انظر: سنن البيهقي 2: 172، والوسائل 6: 415 أبواب التسليم ب 1.
341

كالحدث والنوم محلل أيضا، وكذا حصول ما يحلل قطع الصلاة من الأعذار، فلا
ينحصر المحلل في التسليم قطعا، فلا يكون الكلام للحصر والاستغراق، وإذا لم
يكن كذلك فتتسع دائرة الاحتمال.
مع أنه لو ثبت - بمجرد كونه محللا - وجوبه لزم وجوب سائر المنافيات أي
أحدها تخييرا أيضا، ضرورة كون الجميع محللا، وحرمة المنافيات إنما هي في أثناء
الصلاة، وكون ما بعد التشهد أثناء فرع وجوب التسليم.
وعلى هذا فيمكن أن يكون المراد أفضل أفراد المحلل ونحوه، مع أن في
الاستدلال بها للوجوب أبحاثا أخر أيضا.
بل (1) للأمر به في المستفيضة من الصحاح وغيرها التي كادت تبلغ حد
التواتر، منها: صحيحة ابن أذينة الطويلة الواردة في بدو الأذان، وفيها بعد
التشهد: (فقيل: يا محمد سلم عليهم، فقال: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته) (2).
وأبي بصير: (إذا كنت في صف سلم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن
يسارك، لأن عن يسارك من يسلم عليك، فإذا كنت إماما فسلم تسليمة واحدة
وأنت مستقبل القبلة) (3).
وسليمان بن خالد: عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأوليين، فقال:
(إن ذكر قبل أن يركع فليجلس، وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا
فرغ فليسلم وليسجد سجدتي السهو) (4).

(1) عطف على قوله: لا للتأسي....
(2) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312 / 1، الوسائل
5: 465 أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
(3) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 7، الوسائل 6: 19، أبواب التسليم ب 2 ح 1.
(4) التهذيب 2: 158 / 618، الإستبصار 1: 362 / 1374، الوسائل 6: 402 أبواب
التشهد ب 7 ح 3.
342

وفي موثقة غالب فيمن في رعف قبل السلام: (فاغسله ثم ارجع وسلم) (1).
ومنها: الأخبار الواردة في باب الشك في عدد الركعات المتضمنة للأمر
بالتسليم بعد التشهد، كصحيحتي الحلبي (2)، وصحيحة أبي بصير (3)، وموثقة
عبد الرحمن والبقباق (4).
المؤيدة جميعا بالمروي في العلل: سأله عليه السلام عن العلة التي من
أجلها وجب التسليم في الصلاة الحديث (5).
وبأخبار أخر متضمنة لطلب التسليم وذكره بحيث يحدس بعدم الاهتمام
بشأن المستحبات هذا الاهتمام (6).
وبما دل على أن آخر الصلاة التسليم، كموثقة أبي بصير فيمن رعف قبل
التشهد: (فليخرج فليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم صلاته، فإن آخر الصلاة
التسليم) (7).
وجعلها دليلا من حيث دلالة الأمر بالرجوع - الذي هو للوجوب - على كون
آخر الصلاة التسليم.

(1) التهذيب 2: 319 / 1304 وفيه: غسله ثم رجع فسلم، الوسائل 6: 425
أبواب التسليم ب 3 ح 6.
(2) الأولى: الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 8، الفقيه 1: 529 / 1015، الوسائل 8:
219 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 11 ح 1.
الثانية: الفقيه 1: 230 / 1019، التهذيب 2: 196 / 772، الإستبصار 1:
380 / 1441، الوسائل 8: 424 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 14 ح 4.
(3) التهذيب 2: 320 / 1307، الإستبصار 1: 345 / 1302، الوسائل 6: 416 أبواب
التسليم ب 1 ح 4.
(4) الكافي 3: 353 الصلاة ب 40 ح 7، التهذيب 2: 184 / 733، الوسائل 8: 211
أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 7 ح 1.
(5) علل الشرائع: 359 / 1، الوسائل 6: 417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.
(6) انظر: الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1 و ص 425 أبواب
التسليم ب 3 ح 6.
(7) التهذيب 2: 320 / 1307، الإستبصار 1: 345 / 1302، الوسائل 6: 416 أبواب
التسليم ب 1 ح 4.
343

ليس بجيد إذ ليس فيه دلالة على أن الرجوع لأجل ذكر التسليم، بل
لعله لأجل التشهد المعلوم دخوله في الصلاة يجعل آخرها التسليم.
وما قيل من ضعف دلالة الأمر في أخبارنا على الوجوب (1)، ضعيف غايته
كما بين في الأصول.
خلافا للشيخين والقاضي والحلي (2)، والفاضل في القواعد والتذكرة والنهاية
وتهذيب النفس، والمحقق الثاني في شرح القواعد (3)، والمقدس الأردبيلي (4)،
والمدارك والذخيرة والكفاية (5)، بل جمهور المتأخرين كما قيل (6)، بل هو
المشهور كما يظهر من تهذيب النفس، وظاهر الجمل والعقود التردد (7).
للأصل. ويدفع بما مر.
ولأنه لو كان من الصلاة لم تجب سجدة السهو، ولم يتحقق قطع الصلاة
بالتسليم في غير موضعه. ويضعف بمنع الملازمة، مع أن عدم كونه من الصلاة
لا يوجب عدم الوجوب، للأخبار المستفيضة.
ولصحيحة محمد المتقدمة (8)، حيث قال فيها بعد الشهادتين: (ثم تنصرف).
وصحيحة علي: عن المأموم يطول الإمام فتعرض له الحاجة، قال: (يتشهد

(1) الذخيرة: 291.
(2) المفيد في المقنعة: 139، الطوسي في النهاية: 89، القاضي في المهذب
1: 99، وفي شرح الجمل: 95، الحلي في السرائر 1: 231.
(3) جامع المقاصد 2: 326، نهاية الإحكام 1: 504، التذكرة 1: 127، القواعد 1: 35.
(4) مجمع الفائدة 2: 278.
(5) المدارك 3: 430، الذخيرة: 289، الكفاية: 19.
(6) كما في الحدائق 8: 471.
(7) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 183.
(8) في ص 324.
344

وينصرف) (1).
وصحيحة الفضلاء السابقة (2)، حيث صرحت بأنه: (إذا فرغ من
الشهادتين فقد مضت صلاته).
وصحيحة معاوية بن عمار في ركعتي الطواف الأمر فيهما بالقراءة والتشهد
والصلاة على النبي (3)، فإن ظاهرها عدم الوجوب فيهما، ولا قائل بالفصل.
وموثقة يونس: صليت بقوم صلاة، فقعدت للتشهد، ثم قمت ونسيت
أن أسلم عليهم، فقالوا: ما سلمت علينا، فقال: (ألم تسلم وأنت جالس؟) قلت:
بلى، قال: (لا بأس عليك ولو نسيت حتى قالوا لك استقبلتهم بوجهك فقلت:
السلام عليكم) (4).
والأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل المنافي من الحدث
والالتفات والنوم وغير ذلك (5)
ويجاب عن الصحاح الثلاثة الأولى: بأن غايتها حصول الانصراف عن
الصلاة وتماميتها ومضيها بالفراغ من الشهادتين، وذلك غير كاف في اثبات عدم
الوجوب، لجواز كون التسليم خارجا عن الصلاة، مع أنها لو دلت لتعارضت مع
ما دل على وجوبه بالعموم المطلق، فتخصص به كما بالنسبة إلى الصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله.

(1) الفقيه 1: 261 / 1191، التهذيب 2: 349 / 1446، قرب الإسناد:
207 / 803 (بتفاوت)، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
(2) في ص 323.
(3) الكافي 4: 423 الحج ب 32 ح 1، التهذيب 5: 104 / 339، الوسائل 13: 423
أبواب الطواف ب 71 ح 3.
(4) التهذيب 2: 348 / 1442، قرب الإسناد: 309 / 1206 وفيه: ولو شئت حين
قالوا لك، الوسائل 6: 425 أبواب التسليم ب 3 ح 5.
(5) كما في الوسائل 6: 423 أبواب التسليم ب 3.
345

بل قيل: إنه يمكن أن يراد بالانصراف في الأولين هو التسليم (1)، بل هو
مقتضى بعض الصحاح كصحيحة الحلبي (2) وغيرها (3).
وقد يستشهد له بالأمر بالانصراف - الذي أقله الطلب - في بعض الأخبار،
ولا مطلوب بعد التشهد سوى التسليم.
ولم نقف على الأمر المطلق بالانصراف إلا قوله: (ينصرف) في بعض
الأخبار، وهو يحتمل أن يكون اخبارا عن حصول الانصراف بعد التشهد، مع أن
في الأمر الوارد عقيب الحطر كلاما مشهورا. وأما الأمر المعلق في هذه الصحيحة (4)
فغايته مطلوبية الانصراف عن اليمين وهو يمكن أن يكون بنفسه مطلوبا. نعم في
بعض الأخبار الواردة في الشك الأمر بالانصراف ثم صلاة الاحتياط (5)، يحتمل
أن يكون الأمر فيه لمطلق الانصراف لأجل أداء الاحتياط، هذا، مع أن إطلاق
الانصراف على التسليم مجاز وهو ليس بأولى من التجوز في الأمر بإرادة الإباحة.
هذا، مضافا إلى ما في الصحيحة الثانية من اختلاف نسخها ففي موضع
من التهذيب كما ذكر، وفي آخر منه وفي الفقيه بدل: (يتشهد) (يسلم) (6).
ويعضد هذه النسخة - مضافا إلى التعدد وأضبطية الفقيه - الموافقة
لصحيحين آخرين مرويين فيهما: عن رجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام

(1) كما في الرياض 1: 172.
(2) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 6، التهذيب 2: 316 / 1293،
الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4 ح 1.
(3) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.
(4) كذا في جميع النسخ، والصحيح ظاهرا: في بعض الأخبار. انظر: الوسائل
6: 421 أبواب التسليم ب 2 ح 10، 13.
(5) انظر: الوسائل 8: 216 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 10.
(6) التهذيب 3: 283 / 842، الفقيه 1: 261 / 1191، الوسائل 8: 413،
أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
346

للتشهد، قال: (يسلم ويمضي لحاجته إن أحب) (1).
مع أنها أوفق بالسؤال في صدر الصحيحة، حيث كان السؤال عن طول
الإمام التشهد، وهو غالبا يكون في المستحبات المتأخرة عن الشهادتين فقد حصل
الفراغ عن التشهد.
وعن الرابعة: بأن عدم ذكر التسليم لا يدل على عدم وجوبه، إذ لا يلزم
ذكر كل واجب في كل خبر. مع أن المقام فيها ليس مقام ذكر الواجبات، ولذا لم
يذكر منها سوى قليل منها، بل المقام فيها مقام بيان بعض ما يستحب فيها، ولذا
ذكر فيها الجحد والتوحيد والحمد والثناء.
وعن الموثقة: بأن تصريح المسائل بالتسليم حين الجلوس يدل على أن
السلام المنسي عند القيام هو السلام على القوم حين الالتفات إليهم كما كان سنة
يومئذ - لا سيما في مقام التقية - أو كان مستحبا، فهو غير دال على مطلوبهم، بل
تفريع انتفاء البأس بوقوع السلام جالسا دليل على ثبوت البأس - الذي هو
العذاب - إذا ترك السلام مطلقا، فالموثقة على الوجوب أدل.
وعن الأخبار الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل المنافي: بأنها لو دلت
لدلت على عدم الجزئية لا عدم الوجوب.
المسألة الثانية: هل التسليم الواجب هو جزء من الصلاة أو خارج عنها؟.
صرح بعض مشايخنا بالأول، وقال: إنه الأشهر، بل ذكر دعوى
الناصريات والفاضل المقداد والمدارك والمنتهى الاجماع عليه (2). وبهذا القول صرح

(1) الأول: الفقيه 1: 257 / 1163، الوسائل 6: 416 أبواب التسليم ب 1 ح 6.
الثاني: التهذيب 2: 317 / 1299، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة
ب 64 ح 3.
(2) الرياض 1: 172، وانظر: التنقيح 1: 213، والمدارك 3: 431،
ولم نعثر على دعوى الاجماع في المنتهى كما سيشير إليه المصنف.
347

السيد في الناصريات، بل قال بركنيته (1).
واختار والدي - قدس سره - في المعتمد الثاني، ونسبه إلى الأكثر. ونقله في
الدروس من بعضهم (2). ونقل عن قواعد الشهيد والفاخر والبشرى (3)، والمحدث
الكاشاني والحر العاملي وصاحب الحدائق (4).
وهو الأظهر، للأصل، والأخبار، كصحيحتي سليمان والفضلاء
المتقدمتين (5)، وصحيحة الحسين بن أبي العلاء في ناسي التشهد حتى يركع:
(فقال: فليتم صلاته ثم يسلم) (6).
ويؤيده ما في صحيحة زرارة: (وإن كان الحدث بعد الشهادتين فقد مضت
صلاته) (7).
وموثقته: عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث قبل أن يسلم، قال: (قد
تمت صلاته).
وموثقة غالب: عن الرجل يصلي المكتوبة فينقضي صلاته ويتشهد ثم ينام
قبل أن يسلم، قال: (تمت صلاته) (9).

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.
(2) الدروس 1: 183.
(3) نقله عن قواعد الشهيد في التنقيح 1: 212 وعن الفاخر في الذكرى: 206 وعن
صاحب البشرى في الحدائق 8: 483.
(4) المفاتيح 1: 152، الحدائق 8: 483 وحكاه فيه عن الحر العاملي.
(5) في ص 323، و ص 342.
(6) التهذيب 2: 159 / 623، الإستبصار 1: 362 / 1373، الوسائل 6: 403 أبواب
التشهد ب 7 ح 5.
(7) الكافي 3: 347 الصلاة ب 33 ح 2، التهذيب 2: 318 / 1301، الإستبصار 1:
343 / 1291، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 13 ح 1.
(8) التهذيب 2: 320 / 1306، الإستبصار 1: 345 / 1301، الوسائل 6: 424، أبواب
التسليم ب 3 ح 2.
(9) التهذيب 2: 319 / 1304، الوسائل 6: 425 أبواب التسليم ب 3 ح 6.
348

دليل الجزئية: الاجماعات الأربعة المحكية.
واستصحاب تحريم ما حرم قبله، والكون في الصلاة.
وجعله تحليلا كما مر.
والأخبار كموثقة أبي بصير: (إذا نسي الرجل أن يسلم، فإذا ولى وجهه عن
القبلة وقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد فرغ من صلاته) (1).
دلت بالمفهوم على عدم الفراغ قبله.
وروايته وفيها: (فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة) (2).
وتؤيده الروايات المعتقة للانصراف بهذا القول (3).
وموثقة أبي بصير المتقدمة (4) المصرحة بأن آخر الصلاة التسليم.
ويرد - الأول: بعدم حجيتها، سيما مع كون الأولين اجماعا مركبا، ففي
الأول (5) جعله قول كل من أوجب تكبيرة الافتتاح، مع أن الظاهر منه كما مر إجماع
العامة، وفي الثاني (6) قول من جعله واجبا، وأما الثالث (7) فالاجماع فيه
على بطلان الصلاة بتخلل المنافي بينه وبين التشهد لو وجب، ودلالته على الجزئية
ممنوعة، لجواز كونه خارجا كذلك، وأما الأخير فلم نعثر على دعوى إجماع بسيط
أو مركب فيه.
وأول الاستصحابين: بوجود المعارض له كما مر، وعدم استلزامه للجزئية،
لجواز توقف التحليل على الاتيان بفعل خارج. وثانيهما: بزواله بما مر من الأدلة

(1) التهذيب 2: 159 / 626، الوسائل 6: 423 أبواب التسليم ب 3 ح 1.
(2) التهذيب 2: 93 / 349، الإستبصار 1: 347 / 1307، الوسائل 6: 421
أبواب التسليم ب 2 ح 8.
(3) الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.
(4) في ص 343.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.
(6) التنقيح الرائع 1: 213.
(7) المدارك 3: 431.
349

والثالث: بعدم توقف كونه محللا على الجزئية، لجواز أن تكون حلية ما يحرم
في الصلاة بأمر خارج عنها قبل التسليم وإن كان واجبا خارجا، إلا أنه لا دليل
على جواز تعمد فعل المنافي قبله، وهذا معنى كونه تحليلا، مضافا إلى أنه يمكن
أن يكون المراد من التحليل الخروج عن الصلاة وحل ما عقدته الصلاة، ويكون
حينئذ على الخروج أدل، فتأمل.
والبواقي غير الأخير: بأنها أعم مطلقا مما مر من أدلة الخروج، لدلالتها
بالمفهوم على عدم الفراغ والانقطاع والانصراف ما لم يقل بهذا القول سواء تم
التشهد أم لا، فتخصص به، كما أن حديث الانقطاع يخصص بسائر القاطعات
أيضا.
ولا ينافي ذلك رواية أبي كهمش: عن الركعتين الأوليين إذا جلست فيهما
للتشهد فقلت وأنا جالس: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، انصراف
هو؟ قال: (لا، ولكن إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو
الانصراف) (1) من جهة التصريح بعدم حصول الانصراف بعد التشهد وقبل
التسليم.
لأن هذا في الركعتين الأوليين، ولا شك أن التشهد فيهما ليس آخر الصلاة
ولا التسليم على النبي موجبا لانقطاع الصلاة. نعم ينقطع لو قال: السلام علينا،
لأنه موجب لانقطاع الصلاة إما لكونه آخرا لها أو خارجا عنها، ولهذا حكم ببطلان
الصلاة به في حسنة ميسر (2). مع أن حصول الانصراف به لا يدل على الجزئية،
ولذا قيل: الفراغ لا يستلزم الانصراف. انتهى.
هذا كله إذا كان التسليم المتنازع فيه مطلقة. وأما لو خص النزاع

(1) الفقيه 1: 229 / 1014، التهذيب 2: 316 / 1292، الوسائل 6: 426 أبواب
التسليم ب 4 ح 2.
(2) الخصال: 50 / 59، التهذيب 2: 316 / 1290، الوسائل 6: 409
أبواب التشهد ب 12 ح 1.
350

بالتسليمة الأخيرة وجعل هي المرادة من التسليم - كما يظهر من نهاية الشيخ (1) -
فلا دلالة لهذه الأخبار مطلقا، لورود كلها أو أكثرها في: السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين.
والأخير: بعدم صراحة التسليم فيها في المتنازع فيه، فيحتمل إرادة السلام
المستحب في التشهد على النبي ويكون المراد التسليم المستحب كما مر الإشارة
إليه.
المسألة الثالثة: اختلفوا في عبارة التسليم - الواجب عند الموجبين والمستحب
عند الآخرين - أنه هل هو السلام عليكم، أو السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، أو أحدهما؟
فذهب الشيخ في النهاية والصدوق والحلي وعن السيد والحلبي وفي المدارك
وظاهر شرح القواعد - وإن عبر أولا بالأحوط - إلى الأول (2)، وهو مختار والدي رحمه
الله، ونسبه بعض المتأخرين إلى المشهور (3)، بل في الدروس: إن عليه
الموجبين (4)، وفي البيان: إن السلام علينا لم يوجبه أحد من القدماء، ويلزمه
وجوب السلام عليكم (5)، وهو محتمل كل من أطلق التسليم، حيث إنه كثيرا ما
يطلق ويراد به هذا كما في النهاية والسرائر (6)، بل في الأحاديث (7).

(1) نسب التسليم الأخير إلى نهاية الشيخ وأنه قال بعد ضم التشهد إلى قوله
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين: ثم يسلم به. منه رحمه الله. انظر:
النهاية: 84.
(2) النهاية: 84، الصدوق في المقنع، 29، الحلي في السرائر 1: 231،
السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 43، والناصريات
(الجوامع الفقهية): 196، الحلبي في الكافي في، الفقه: 119، المدارك 3: 437،
جامع المقاصد 2: 326.
(3) انظر: الحدائق 8: 485.
(4) الدروس 1: 183.
(5) البيان: 177.
(6) النهاية: 72، السرائر 1: 231.
(7) انظر: الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2.
351

وعن الجامع: الثاني (1).
وذهب المحقق في كتبه الثلاثة (2)، والشهيد في الألفية واللمعة
والدروس (3)، والفاضل في القواعد وتهذيب النفس والنهاية والارشاد والمنتهى
والتذكرة بل جميع كتبه (4)، وروض الجنان والروضة (5)، إلى الثالث، وهو محتمل
كل من أطلق التسليم، كالخلاف والجمل والعقود والوسيلة والناصريات (6)، وعن
المهذب والنكت: دعوى الشهرة عليه (7). والاحتمال الآخر إرادة السلام
عليكم، كما يأتي وجهه.
والحق هو الأول، لأصل الاشتغال، لحصول البراءة عن التسليم الواجب
بالعبارة الأولى، للاجماع كما في التذكرة (8) وغيره (9) - ولا يقدح مخالفة الجامع في
الاجماع - وعدم العلم، بحصولها بغيرها.
ولصحيحة ابن أذينة في بدو الأذان، وفيها: (فقيل: يا محمد سلم عليهم،
فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) (10).
ورواية الحضرمي: إني أصلي بقوم، فقال: (تسلم واحدة ولا تلتفت، قل:

(1) الجامع للشرائع: 84.
(2) الشرائع 1: 89، المعتبر 2: 234، المختصر النافع: 33.
(3) الألفية: 60، اللمعة (الروضة 1): 277، الدروس 1: 183.
(4) القواعد 1: 35، نهاية الإحكام 1: 504، الإرشاد 1: 256، المنتهى 1: 296،
التذكرة 1: 127، وانظر: التحرير 1: 41، والمختلف: 97.
(5) روض الجنان: 279، الروضة البهية 2: 279.
(6) الخلاف 1: 376، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 183، الوسيلة: 96،
الناصريات (الجوامع الفقهية): 195.
(7) المهذب 1: 95.
(8) التذكرة 1: 126.
(9) كالذخيرة: 291.
(10) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، علل الشرائع: 312، الوسائل
5: 60، أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 10.
352

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم) الحديث (1).
وتؤيده صحيحة علي: رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمدا بني جعفر
يسلمون في الصلاة عن اليمين والشمال: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام
عليكم ورحمة الله) (2).
وموثقة أبي بصير المتقدمة في التشهد الطويل، حيث قال فيها بعد قوله
(والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) (ثم يسلم) (3).
فإن الظاهر من إطلاقه أن التسليم المأمور به هو غير السلام علينا، وليس
إلا السلام عليكم. وأيضا، ظاهره انصراف التسليم المطلق إليه.
ومثله الرضوي المتقدم (4).
وما في الموثق من أن التسليم إذن (5)، والتصريح في رواية أبي بصير: (بأن
الإذن إنما هو بالسلام عليكم) (6).
فعليه تحمل مطلقات الأمر بالتسليم.
احتج من قال بالتخيير: بأن السلام علينا موجبة للخروج عن الصلاة
وقاطعة لها، وكل ما كان كذلك فهو محلل، فهذه العبارة محللة، وإذا كانت محللة
كانت واجبة، وليس عينا إجماعا، فيكون مخيرا.
أما المقدمة الأولى: فللأخبار المتكثرة المتقدمة أكثرها، المصرحة بأنه إذا
قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد انصرفت، أو فقد انقطعت

(1) التهذيب 3: 276 / 803، الوسائل 6: 421، أبواب التسليم ب 2 ح 9.
(2) التهذيب 2: 317 / 1297، الوسائل 6: 419 أبواب التسليم ب 2 ح 2.
(3) التهذيب 2: 99 / 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.
(4) في ص 335.
(5) انظر: التهذيب 2: 317 / 1296، الوسائل 6: 16، أبواب التسليم ب 1 ح 7.
(6) التهذيب 2: 93 / 349، الإستبصار 1: 347 / 1307، الوسائل 6: 421 أبواب
التسليم ب 2 ح 8.
353

الصلاة، أو فقد فرغ من صلاته (1).
وأما الثانية: فلأن بالخروج منها يتحقق التحليل، وللمرويين في الخصال
والعيون: (لا يقال في التشهد الأولى: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأن
تحليل الصلاة هو التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت) (2).
وأما الثالثة: فلوجوب تحصيل التحليل من الصلاة، وللمروي في العلل:
عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة، قال: (لأنه تحليل الصلاة)
- إلى أن قال: - فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟ قال: (لأنه تحية الملكين) (3).
وبتقرير آخر. علة وجوب التسليم حصول التحليل به، فهو يحصل
بذلك، فيكون واجبا. وسند المقدمتين يظهر مما مر.
ويجاب عنه بالتقرير الأول، مضافا إلى منع كلية الثانية أي استلزام الخروج
للتحليل - وجعله كلاما شعريا في الشرعيات التي لا سبيل للعقل إليها غالبا
غريب - وإلى منع دلالة رواية العلل على أنه علة الوجوب، لأن الوجوب إنما وقع
في كلام السائل، وغايته تقرير الإمام على هذا الاعتقاد، وحجيته غير واضحة،
فيمكن أن يكون العلة لمطلق الرجحان:
بأنه إن أريد أن كل ما كان محللا كان واجبا فهو لا يقول به، وإلا أوجب
الصيغتين.
وإن أريد أن شيئا من المحلل واجب، فهو لا يفيد.
فإن قلت: المراد أنه من المحللات، ولا يجب في الصلاة إلا تحصيل شئ
من المحللات.
قلنا: لا نسلم أنه لا يجب إلا تحصيل شئ من المحلات، كما يظهر وجهه
مما يجاب به عن التقرير الآخر، وهو:

(1) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.
(2) الخصال: 604، العيون 2: 121 - 122، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 12 ح 3.
(3) علل الشرائع: 359 / 1 الوسائل 6: 417 أبواب التسليم ب 1 ح 11.
354

أنه إن أريد أن علة وجوب ماهية التسليم حصول التحليل به فهو مسلم،
ولكن يجب الزائد عنها أيضا إجماعا، وإلا لكفى التسليم بأي نحو اتفق ولو بمثل
السلام على النبي، أو على الملائكة، أو على الناس، ولم تجب إحدى الصيغتين.
وإن أريد أن علة وجوب التسليم المعهود هو ذلك، فلا دليل عليه،
ومقتضى رواية العلل ليس إلا علية التحليل لوجوب المطلق. وحمله في الرواية على
التسليمين مجاز لا دليل عليه، ولو سلم جواز إرادة المعهود فلا يتعين كونه
الصيغتين، فلعله السلام عليكم كما أطلق عليه التسليم في الأخبار وكلمات
القدماء، بل يدل عليه ما في الأخبار من أن التسليم إذن، وأن الإذن يحصل
بالسلام عليكم.
وعلى هذا فنقول: التحليل وإن حصل بذلك ولكن لا تنحصر علة وجوب
أحد التسليمين المعهود بالتحليل. ولذا قال بعض أصحابنا - بل جماعة كما قيل -:
إنه يخرج من الصلاة بقوله: السلام علينا... وإن وجب الاتيان بالسلام
عليكم أيضا (1)، وقال صاحب البشرى: لا مانع من أن يكون الخروج بالسلام
علينا... وإن كان يجب السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (2).
مع أن لنا أن نقول: إن مقتضى الرواية كون التحليل معلولا للتسليم
المعين الذي هو السلام عليكم، لأنه علل فيها صيرورته تحليلا بأنه تحية الملكين،
ومثله ورد في المروي في معاني الأخبار (3)، ولا شك أنها مخصوصة بالسلام عليكم.
وعلى هذا فيجب إما حمل التحليل في رواية الخصال على ما حملها به
بعضهم من الانقطاع أو الانصراف أو الخروج (4)، أو ارتكاب تجوز في رواية
العلل.

(1) انظر: المنتهى 1: 296، والحبل المتين: 253، والمفاتيح 1: 152.
(2) حكاه عنه في الذكرى: 208.
(3) معاني الأخبار: 175، الوسائل 6: 418 أبواب التسليم ب 1 ح 13.
(4) كما في الحدائق 8: 489.
355

فما قيل من أن صرف التحليل فيها عن معناه المعروف إلى أنه عبارة عن
انقطاع الصلاة والخروج منها لا وجه له (1)، غير صحيح.
ومنه يظهر الخدش في عموم التسليم الوارد في الرواية المصرحة بأن (تحليلها
التسليم) (2) لجميع الصيغ.
ثم إن ذكر الدليل بتقريريه على تقرير القول باستحباب التسليم مع جوابه
ظاهر.
وقد يستدل لهذا القول أيضا، بموثقة أبي بصير: (إذا كنت إماما فإنما
التسليم أن تسلم على النبي عليه وآله السلام وتقول: السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم تؤذن للقوم وتقول وأنت
مستقبل القبلة: السلام عليكم، وكذلك إذا كنت وحدك تقول: السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، مثل ما سلمت وأنت إمام، وإذا كنت في جماعة فقل
مثل ما قلت، وسلم على (من على يمينك وشمالك) الحديث (2).
دلت على أن التسليم المعهود هذه الصيغة، فيكون هو الواجب أو
المستحب، بل ظاهرها انحصار التسليم فيها.
ويضعف بأن مدلولها أن التسليم هو التسليم على النبي وهذه الصيغة، ولا
شك أنهما معا ليسا التسليم المعهود، فالمراد أمر آخر فلا يفيد، بل يمكن أن تكون
الصيغة الأخرى أيضا جزءا له، فيكون (ثم تؤذن وتقول) معطوفا على قوله
(وتقول) ويكون قوله (فإذا قلت) إلى آخره جملة معترضة.
واستدل أيضا، بورود الأمر بالتسليم وهو يصدق على كل منهما، فيكون
الواجب أو المستحب أحدهما.

(1) انظر: الرياض 1: 11.
(2) انظر: الوسائل 6: 10، أبواب التسليم ب 1.
(3) التهذيب 2: 93 / 349، الإستبصار 1: 347 / 1307، الوسائل 6: 421
أبواب التسليم ب 2 ح 8.
356

ويرد بأن التسليم لأن صدق على مطلقه، ولكن يجب الزائد على المطلق
بالاجماع، بل الضرورة حيث إنه تجب كيفية خاصة فبه يقيد المطلق، فإذا لم
يتعين القيد يرجع إلى أصل الاشتغال.
وبأن الروايات دلت على انقطاع الصلاة بالسلام علينا، فلا يكون بعده
واجب. وهو إنما يرد على القائل بالجزئية.
وبما ذكر ظهر ضعف قول آخر يحكى عن الجامع، وهو وجوب السلام علينا
- إلى آخره - خاصة (1). ونسبه في المعتبر (2) إلى الشيخ، وخطأه الشهيد (3)، فإنه
شاذ، بل في الذكرى: إنه خروج عن الاجماع (4).
ومع ذلك لا يساعده دليل سوى ما قيل من أنه ظهر من الأخبار أن التسليم
الواجب أو المستحب هو المحلل، وصرح في المستفيضة بأن الانصراف الذي هو
التحليل يحصل بهذه الصيغة (5).
ويرد بأن حصوله بها لا ينافي حصوله بصيغة أخرى أيضا، سيما مع شمول
التسليم لها، بل ظهوره فيها.
وأضعف منه ما حكي عن الفاخر (6)، وكنز العرفان، ونقله عن بعض
مشايخه المعاصرين أيضا (7)، لعدم وضوح مستند له إلا ما قيل من الآية (8)، والموثقة
المتقدمة (9).

(1) الجامع للشرائع: 48.
(2) المعتبر 2: 234.
(3) انظر: الذكرى: 207.
(4) الذكرى: 208.
(5) انظر: الوسائل 6: 426 أبواب التسليم ب 4.
(6) انظر: الذكرى: 206، قد حكى فيه عن صاحب الفاخر وجوب: السلام عليك
أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
(7) كنز العرفان 1: 141.
(8) (.... يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) الأحزاب: 56.
(9) في ص 358.
357

ويرد الأول بأن الظاهر من التسليم فيه الانقياد، بل به صرح في بعض
الروايات (1). والثاني بعدم صراحته في الوجوب، إذ ظاهر أن المحصور فيه ليس
الموضوع حقيقة، وباب المجاز واسع، فلعله التسليم المستحب.
نعم، في موثقة أبي بصير المشتملة على التشهد الطويل: (ثم قل: السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) (2).
ولكن لتعقبها ما لا قائل بوجوبه يتعين حمل الأمر فيها على مطلق
الرجحان.
مضافا إلى دعوى الفاضل الاجماع على استحباب هذا التسليم (3)، وجعل
الشهيد القول بوجوبه غير معدود من المذهب مؤذنا بمخالفته الاجماع، بل
الضرورة (4).
هذا. ثم إن القائلين بالقول الثاني (5) جعلوا الثانية مستحبة، ولا دليل
عليه لو قدم السلام عليكم
فرعان:
أ: الواجب في التسليم بالصيغة الأولى، هل هو مجموع السلام عليكم
ورحمة الله وبركاته - كما عن ابن زهرة وظاهر الشرائع والنافع (6) -؟

(1) انظر: معاني الأخبار: 367.
(2) التهذيب 2: 99 / 373، الوسائل 6: 393 أبواب التشهد ب 3 ح 2.
(3) انظر: المنتهى 1: 296.
(4) الذكرى: 206.
(5) مراده (ره) بالقول الثاني هو القول بالتخيير بين الصيغتين، لا القول
بوجوب السلام علينا... كما يوهمه صدر المسألة.
(6) انظر: الغنية (الجوامع الفقهية): 558، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33.
358

أو السلام عليكم خاصة - كما عن الصدوق (1)، والعماني والإسكافي (2)،
ووالدي رحمه الله، وغيرهم، بل الأكثر كما قال بعض من تأخر (3) -؟
أو بزيادة ورحمة الله خاصة؟.
الظاهر الثاني، لقوله في موثقة أبي بصير: (وتقول وأنت مستقبل القبلة:
السلام عليكم) (4).
فإن الموضوع فيها إما التسليم الواجب، أو الكامل، أو نحوهما، وكيف ما
كان ينفى وجوب الزائد.
وينفى وجوب قوله: وبركاته بما مر في صحيحة علي أيضا (5)، مع أنه صرح
جماعة بنفي الخلاف أو الاجماع على عدم وجوب: وبركاته (6).
ب: التسليمان الآخران لم يكونا واجبين، ولكن لا شك في استحبابهما،
بالاجماع، والأخبار (7).
والوظيفة تقديم السلام على النبي عليهما كما في موثقتي أبي بصير (8)، ثم
تقديم السلام علينا كما فيهما أيضا.
المسألة الرابعة: اختلفوا في المخرج من الصلاة من الصيغتين بما لا مزيد
فائدة في بسط الكلام فيه.

(1) الفقيه 1: 210.
(2) حكاه عنهما في المنتهى 1: 296.
(3) انظر: المفاتيح 1: 153.
(4) التهذيب 2: 93 / 349، الإستبصار 1: 347 / 1307، الوسائل 6: 421 أبواب
التسليم ب 2 ح 8.
(5) راجع ص 353.
(6) انظر: المنتهى 1: 296، والمفاتيح 1: 153.
(7) انظر: الوسائل 6: أبواب التسليم ب 2 و 4.
(8) راجع ص 358 - 360.
359

ولتحقيق المقام نقول:
اعلم أولا أنه يستعمل - ها هنا ألفاظ الصارف، والقاطع، والمخرج،
والمحلل.
والأولان متساويان، وهما أعمان مطلقا من المبطل، فإن كل مبطل للصلاة
صارف عنها قاطع لها ولا عكس، لأنهما لو لحقا في الأثناء كانا مبطلين، ولو تعقبا
الجزء الأخير من الصلاة أو كانا نفسه لم يكونا مبطلين، بل يكونان حاجزين من
عروض المفسد والمبطل، ويتساوقان للمخرج.
وأما المحلل فهو أعم من وجه من المخرج وأخويه، إذ لا مانع عقلا من أن
يحل بعض الأشياء أو كلها قبل تمام الصلاة، كما قد يقال بعدم ابطال الحدث
سهوا قبل السلام. على القول بجزئيته، ولا من أن يتم الصلاة ويخرج منها، وتوقف
حلية بعض الأشياء على أمر آخر، كما قاله صاحب الحدائق (1)، وإن أمكن دعوى
ثبوت التلازم شرعا من أحد الطرفين بل من كليهما.
وها هنا أمر آخر وهو المتمم أي الجز الأخير من الصلاة، فهو مباين
للمبطل، وأعم من وجه من المخرج وأخويه، إذ يمكن أن يكون الجزء الآخر
مخرجا، ويمكن أن لا يكون كذلك بل يتوقف الخروج والصرف على أمر خار يكون
هو كالحاجز بينها وبين غيرها، فما لم يفعله يكون المصلي في حيز الصلاة ويكون
ما يفعل بعده زيادة في الصلاة كما مر في إتمام المسافر (2)، وكذا من المحلل.
إذا عرفت ذلك فنقول: قد ثبت حكم التسليمات من الوجوب
والاستحباب مما تقدم.
ومقتضى الأصل عدم جزئية شئ منها للصلاة أيضا، ولا كونه صارفا ولا
مخرجا ولا محللا.
إلا أن صحيحة الحلبي المتقدمة المصرحة بأن (كل ما ذكرت الله به والنبي

(1) الحدائق 8: 484.
(2) راجع ص 341.
360

صلى الله عليه وآله فهو من الصلاة، وإذا قلت: السلام علينا - إلى آخره - فقد
انصرفت) (1) تدل على كون التسليمة الأولى جزءا من الصلاة، ولكن لا دليل على
مخرجيتها، بل في رواية أبي كهمش تصريح بعدم كونها صارفة (2)، فهي جزء
مستحب غير مخرج ولا صارف.
وأما المحللية فهي وإن كانت بالنسبة إليها بخصوصها مخالفة للأصل،
ولكن الأصل عدم حرمة شئ بعد تمام الصلاة ما لم يكن عليها دليل. فتكون
محللة من هذه الجهة أيضا، بمعنى أنه يحل بعدها جميع المحرمات، بل يحل قبلها
أيضا، لكون الجزء الأخير الواجبي هو الصلاة وتكون - هذه التسليمة محللة كاملة،
بمعنى أنه يستحب ترك المنافيات قبلها وإن جاز فعلها.
فإن قيل: كون الجزء الأخير محللا إنما هو إذا لم يكن دليل على عدمه، وهو
هنا موجود، وهو جعل تحليل الصلاة التسليم، إذ لا معنى للتحليل بعد
التحليل.
قلنا: لا شك في حصول التحليل الاضطراري بحدوث المبطلات
اضطرارا، والاختياري المحرم بالاتيان بالمنافيات في الأثناء بلا عذر، والمباح بل
الواجب فيما إذا حصل العذر للقطع، سيما بعد التشهد قبل التسليم. وأيضا:
المحلل لا بد له من علل - بالفتح - وهو قد يكون جميع المحرمات وقد يكون
بعضها. وأيضا: المحلل الكامل ما يكون بعد جميع الأجزاء المستحبة، فهو إما
كامل أو غير كامل.
ولا شك أن جميع هذه الأنواع لا ينحصر بالتسليم، فلا تكون القضية
حصرية حقية، وإذا كانت مجازية يتسع بابه ويدخل في حيز الاجمال، فلا يفهم
منه معنى منافيا لمحللية الجزء الأخير، ولا نافعا في محللية التسليم.
بل قد ورد في رواية أبي الجارود بعد الأمر بسجدتي السهو قبل التسليم:

(1) راجع ص 333.
(2) راجع ص 350.
361

(فإنك إذا سلمت ذهبت حرمة صلاتك) (1).
والظاهر منها أن قبل التسليم يترجح ترك المنافيات احتراما للصلاة، فيمكن
أن يكون هذا هو المراد من كونها تحليلا.
وأما الثانية فلا دليل على جزئيتها، والقول بائها جزء مستحب للتشهد قول
بلا دليل، فيحكم بمقتضى الأصل.
ولكن دلت الأخبار المتقدمة المتكثرة على مخرجيتها وصارفيتها، فيحكم بها
قطعا، فتكون مبطلة لو وقعت في الأثناء، كما صرح به في حسنة ميسر (2)، ومرسلة
الفقيه (3)، ومخرجة فقط، لو وقعت في الآخر، بمعنى أنها حاج عن عروض
جميع المفسدات حتى الزيادة، فلو زاد بعده تكبيرة أو ركوعا لم تفسد الصلاة.
وهل هي محللة أم لا؟ إن أريد ما يحلل جميع المحرمات ومبيحها، فلا دليل
عليه أصلا، وإن أريد حصول نوع تحليل بها ولو فرد كامل بأن يكون الأفضل ترك
المنافيات كلا أو بعضا قبلها، فلا بأس به من جهة رواية الخصال المتقدمة (4)، إلا
أن في دلالتها على المحللية بهذا المعنى نظرا مرت إليه الإشارة.
وأما الثالثة فقد مرت عدم جزئيتها (5).
ولا دليل على كونها مخرجة وصارفة أيضا من حيث هي هي بحيث لو وقعت
في الأثناء لانقطعت الصلاة، إذ لو وقعت قبل التسليم الثاني كانت حاجزة عن
جميع المفسدات.
إلا أن الظاهر وقوع الاجماع على كونها مخرجة بهذا المعنى أيضا، وقد ادعى

(1) التهذيب 2: 195 / 770، الإستبصار 1: 380 / 1440، الوسائل 8: 208 أبواب
الخلل الواقع في الصلاة ب 5 ح 5.
(2) الخصال: 50 / 59، التهذيب 2: 316 / 1290، الوسائل 6: 409
أبواب التشهد ب 2 1 ح 1.
(3) الفقيه 1: 261 / 1190، الوسائل 6: 410 أبواب التشهد ب 12 ح 2.
(4) في ص 354.
(5) راجع ص 348.
362

جماعة الاجماع عليه (1)، فلأجله يحكم بكونها مخرجة أيضا.
وأما المحللية فقد عرفت أنه لا يمكن التمسك بقوله (وتحليلها التسليم) في
إثبات شئ لاجماله. ولو قيل بأنه غاية كمال التحليل - بمعنى أنه يستحب ترك
جميع المنافيات حتى يسلم بهذه التسليمة - فلا بأس به.
فرع:
الأولى والأحوط أن يراعى في التسليم جميع شرائط الصلاة من الاستقبال
والطهور وترك المنافيات حتى السكوت الطويل.
وأن يكون جالسا عنده، بل صرح جماعه بوجوبه (2)، ولا شك أنه أحوط بل
الأظهر، على الأظهر، كما يستفاد من عمل الناس في جميع الأعصار، بل من
مطاوي الأخبار، بل المستفاد منها لزوم مراعاة جميع الشرائط المذكورة.
المسألة الخامسة: الإمام يسلم بالتسليمة الأخيرة، مرة واحدة، لا تستحب
له الزيادة، بالاجماع كما في الخلاف وتهذيب النفس والتذكرة (3)، للأصل
والأخبار، منها صحيحة ابن حازم: (الإمام يسلم واحدة، ومن وراءه يسلم
اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد سلم واحدة) (4).
وصحيحة أبي بصير المتقدمة في المسألة الأولى (5)، فإن التفصيل قاطع
للشركة.
حال كونه مستقبل القبلة، للأخيرة، وموثقة أبي بصير السابقة في المسألة.
الثالثة (6)، والمروي في المعتبر: عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة، قال:

(1) منهم المحقق في المعتبر 2: 235، والعلامة في التذكرة 1: 127، والشهيد
في الذكرى: 208.
(2) كالشهيد في الدروس 1: 183.
(3) الخلاف 1: 377، التذكرة 1: 127.
(4) التهذيب 2: 93 / 346، الإستبصار 1: 346 / 1304، الوسائل 6: 420
أبواب التسليم ب 2 ح 4.
(5) راجع ص 342.
(6) راجع ص 356.
363

(يقول: السلام عليكم) (1).
ومقتضى التفصيل في الأوليين بين الإمام والمأموم، والمفهوم منه - بجعل
التسليم الأول إلى القبلة والتسليم الثاني عن اليمين والشمال مع كونه مستقبلا
للقبلة أيضا إجماعا، وإنما يميل إلى الجهتين بالايماء عينا أو وجها -: أن التسليم
الأول إلى تجاه القبلة من غير إيماء أصلا، كما في الجمل والعقود حيث قال: ويسلم
أمامه إن كان إماما أو منفردا، وإن كان مأموما يؤمن إلى يمينه إيماء، وإن كان
على يساره غيره فعن يساره أيضا (2)، وكذا عن المبسوط ومحتمل الخلاف (3).
إلا أن في الانتصار والنهاية والوسيلة والغنية والسرائر والشرائع والنافع
والمنتهى والتذكرة وتهذيب النفس واللمعة والدروس (4)، بل الأكثر كتب القوم،
بل عليه إجماع الفرقة صريحا في الانتصار (5)، وظاهرا في تهذيب النفس: استحباب
السلام للإمام إلى اليمين - بأن يميل إليه بصفحة الوجه قليلا.
وهو الأظهر، لامكان إرجاع التفصيل في الخبرين المتقدمين إلى العدد، أي
التسليمة والتسليمتين، فيبقى الاجماع المحكي والشهرة الكافيان في مقام
الاستحباب خاليين عن المعارض.
بل يمكن أن يستدل له أيضا بصحيحة ابن عواض: (إن كنت تؤم قوما
أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن كنت
وحدك فواحدة مستقبل القبلة) (6).

(1) المعتبر 2: 236.
(2) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 183.
(3) المبسوط 1: 116، الخلاف 1: 37.
(4) الإنتصار: 47، النهاية 73، الوسيلة: 69، الغنية (الجوامع الفقهية): 558
السرائر 1: 287 و 231، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33، المنتهى 1: 297،
التذكرة 1: 127،
اللمعة (الروضة 1): 279 الدروس 1: 183.
(5) الإنتصار: 47.
(6) التهذيب 2: 92 / 345، الإستبصار 1: 346 / 1303، الوسائل 6: 419 أبواب
التسليم ب 2 ح 3.
364

ومقتضاها وإن كان استحباب الميل بالسلام إلى اليمين كيف ما كان - إما
بالالتفات إليه أو الايماء بالعين أو الوجه، كلا أو بعضا، لصدق السلام عن
اليمين عرفا في جميع الصور - ولكن خصوه بالايماء ببعض الوجه، للاجماع على
عدم إرادة صرف الوجه كله إلى اليمين. بل على كراهته تصريح رواية العلل،
وفيها: فلم لا يكون الايماء في التسليم بالوجه كله، ولكن يكون بالأنف لمن صلى
وحده، وبالعين لمن يصلي بقوم؟ (1).
وقد يوجه التخصيص أيضا، بأنه المتبادر من اللفظ عند الاطلاق،
وبالأخبار الدالة على أن كلا من الإمام والمأمومين يسلم على الآخر (2)، وهو يستلزم
الميل بصفحة الوجه لا أقل منه، وإنما اقتصروا عليه حذرا من الالتفات المكروه.
والتبادر مردود قطعا. والاستلزام ممنوع جدا، لكفاية الاسماع والقصد، مع
أنه قد يكون المأموم في اليسار أو الخلف أو الجهتين.
وعن الصدوق تخصيصه الايماء بالعين (3)، ولعله لرواية العلل.
وهو حسن، إلا أن الأولى أولى، للشهرة القوية. بل أظهر، لوقوع ذلك
التفصيل في السؤال، وإثبات الحكم به موقوف على حجته التقرير على الاعتقاد
سيما في المستحبات.
والمنفرد كالإمام في العدد والاستقبال والايماء والجهة، إجماعا، له،
ولصحيحة ابن عواض في الأولين، ورواية العلل في الثالث، ورواية البزنطي:
(إن كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك) (4) في الأول والأخير.
بل في الايماء بصحة الوجه أيضا، على الأظهر، وفاقا للانتصار - مدعيا

(1) العلل: 359 / 1، الوسائل 6: 22، أبواب التسليم ب 2 ح 15.
(2) انظر: الوسائل 6: 419، أبواب التسليم ب 2.
(3) الفقيه 1: 210 ذيل الحديث 944.
(4) المعتبر 2: 237.
365

عليه الاجماع - والسرائر والوسيلة وظاهر المعتبر (1)، بل الفقيه والمقنع والاقتصاد
(2)، بل هو المشهور عند القدماء، لدعوى الاجماع المذكورة، وظاهر التقرير في
رواية العلل حيث إن الايماء بالأنف لا يمكن إلا مع الايماء بالوجه، ومنه يظهر
وجه النسبة إلى الثلاثة الأخيرة.
خلافا للنهاية والشرائع والنافع (3)، والفاضل (4)، بل هو المشهور بين
المتوسطين، فبمؤخر العين، جمعا بين ما دل على الاستقبال به وما دل على أنه عن
اليمين.
ويضعف بأن الجمع ممكن بما مر أيضا، سيما مع وجود الشاهد له وأوفقيته
لما هو الظاهر من إطلاق (عن يمينك).
وترجيح الثاني بالشهرة والأوفقية لأخبار الاستقبال فاسد، لمكافأة الشهري
الجديدة بالقديمة، بل الاجماع المنقول. ومنع الأوفقية، لصدق الاستقبال على
التقديرين.
وللمبسوط والجمل والعقود، فقالا بالتسليم تجاه القبلة (5)، لأخبار
الاستقبال. وجوابه ظاهر.
وربما قيل بالتخيير، للرضوي: (ثم تسلم عن يمينك، وإن شئت يمينا
وشمالا تجاه القبلة) (6).
وفيه: أنه ظاهر في الدلالة على أفضلية اليمين، وأما الجواز بغيره أيضا، فلا
كلام فيه.

(1) الإنتصار: 47 و 48، السرائر 1: 231، الوسيلة: 69، المعتبر 2: 237.
(2) الفقيه 1: 210، المقنع 29، الإقتصاد: 264.
(3) النهاية: 72، الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33
(4) انظر: المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127، التحرير 1: 41، القواعد
1: 35، نهاية الإحكام 1: 504.
(5) المبسوط 1: 116، الجمل والعقود (الرسائل العشر) 183.
(6) فقه الرضا (ع): 109، مستدرك الوسائل 5: 22 أبواب التسليم ب 2 ح 1.
366

ويستحب للمأموم أن يسلم تسليمتين، بلا خلاف أجده، لصحيحة ابن
عواض.
إحداهما إلى اليمين، سواء كان فيه أحد أو لا، والأخرى إلى اليسار، بلا
خلاف ظاهر أيضا، لصحيحة أبي بصير وموثقته المتقدمتين (1)، وبهما يقيد إطلاق
الصحيحة السابقة (2).
إلا أن لا يعون على يساره أحد فيكتفي بالواحدة لليمين، على المشهور
المصرح به في الأثر العبارات كالنهاية والخلاف والجمل والعقي والانتصار والسرائر
والوسيلة والشرائع والقواعد ونهاية الإحكام وتهذيب النفس والمنتهى والتذكرة (3)،
وغيرها.
للموثقة وصحيحة ابن حازم المتقدمتين (4)، ورواية ابن مصعب: عن
الرجل يقوم في الصف خلف الإمام وليس على يساره أحد، كيف يسلم؟ قال:
(يسلم واحدة عن يمينه) (5).
وبها يقيد إطلاق الصحيحتين المتقدمتين (6) الشامل لما لم يكن في اليسار
أحد، مضافا إلى ما في ثانيتهما من التعليل الظاهر في اختصاصه بالمقيد.
خلافا لظاهر بعض العبارات - كالنافع (7) - حيث أطلق التسليمتين إلى
الجهتين، وكأنه للمطلقات الواجب تقييدها بما ذكر.

(1) في ص 342 و 356.
(2) وهي صحيحة ابن عواض، راجع مر 366.
(3) النهاية: 73، الخلاف: 377، الجمل والعقود (الرسائل العشر: 183، الإنتصار: 48
، السرائر 1: 231، الوسيلة: 96، الشرائع 1: 89، القواعد 1: 35،
نهاية الإحكام 1: 504، المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127.
(4) في ص 356 و 363.
(5) الكافي 3: 338 الصلاة ب 30 ح 9، التهذيب 2: 93 / 347، الإستبصار
1: 346 / 1305، الوسائل 6: 420 أبواب التسليم ب 2 ح 6، 7.
(6) صحيحة أبي بصير المتقدمة في ص 342، وصحيحة ابن عواض المتقدمة في ص
364.
(7) المختصر النافع: 33.
367

وللفقيه والمقنع والدروس (1)، فجعلوا الحائط على اليسار كالمأموم أيضا،
فيسلم إليها مع كون الحائط بجنبه.
ولم أجد دليلا عليه، إلا أن الشهيد قال بعد نقل هذا القول عن
الصدوقين: ولا بأس باتباعهما، لأنهما جليلان لا يقولان إلا عن ثبت (2).
وهو كان حسنا لولا معارضته للنص الدال على عدم الاستحباب حينئذ.
فتدبر.
والايماء له أيضا - كما للإمام - بصفحة الوجه، كما هو المصرح به في أكثر
العبارات لا كله، بل الظاهر أنه مراد من أطلق الوجه أيضا، كالنافع والمنتهى
والتذكرة (3).
لحصول السلام عن اليمين بانصراف الصفحة، فيبقى الزائد خاليا عن
الدليل، ولكون الالتفات بالجميع هو الالتفات المدعى على كراهته الاجماع،
مضافا إلى ما مر من رواية العلل (4).
ثم إن الصدوق زاد للمأموم تسليمة أخرى للرد على الإمام حي يكون
المجموع ثلاثا (5)، وظاهر والدي - رحمه الله - الميل إليه، لرواية العلل: قلت:
فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال: (تكون واحدة ردا على الإمام وتكون عليه وعلى
ملائكته، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكلين به، وتكون
الثالثة على من على يساره و [ملكيه] الموكلين به) (6).
وهو جيد وإن لم يذكرها الأكثر.
ومقتضى الرواية كون سلام الإمام مقدما على الآخرين. جعله الصدوق

(1) الفقيه 1: 210، المقنع: 29، الدروس 1: 183.
(2) الذكرى: 208.
(3) المختصر النافع: 33، المنتهى 1: 297، التذكرة 1: 127.
(4) في ص 365.
(5) الفقيه 1: 210، المقنع: 29.
(6) العلل: 359، الوسائل 6: 422 أبواب التسليم ب 2 ح 15، وما بين
المعقوفين من المصدر.
368

واجبا، لكونه حق آدمي مضيق (1).
وفيه: أنه إذا علم قصد الإمام التحية، وإلا فلا يجب الرد، ومع ذلك لم
يثبت هذا القدر من التضيق.
المسألة السادسة: ينبغي أن يقصد المصلي بالتسليم التسليم على الأنبياء
والأئمة والحفظة، ويزيد الإمام المأمومين، والمأموم الرد عليه ومن على بجانبه،
كذا قيل (2).
فإن أريد قصد الأنبياء والأئمة من قوله: وعباد الله الصالحين، فهو جيد،
لأن أراد قصده من قوله: السلام عليكم، فلا دليل عليه. والمصرح به في رواية
العلل قصده ملكيه، ويزيد الإمام المأمومين، وهم الإمام وملكيه ومن على يمينهم
ويسارهم.
إلا أن المقام مقام المسامحة والمقصود أمر مرغوب، ومع ذلك في رواية صلاة
النبي في المعراج دلالة عليه أيضا (3).
ولو اقتصر المأموم بواحدة جاز جمع الجميع في القصد، ولو كررها مرتين
يحتمل جمع الإمام وملكيه في القصد مع التسليمتين، وقصدهم في الأولى خاصة،
ولو كرر ثلاثا جعل الأولى للمأموم وملكيه، والثانية لأصحاب اليمين، والثالثة
لأصحاب اليسار كما به نطقت رواية العلل.
وهل يجب قصد الرد إلى الإمام على المأمومين؟ قيل: نعم (4)، والمشهور لا.

(1) حكاه عنه الشهيد في الذكرى: 209.
(2) كما في المفاتيح 1: 153.
(3) الكافي 3: 482 الصلاة ب 105 ح 1، العلل: 312، الوسائل 5: 465 أبواب أفعال
الصلاة ب 1 ح 10.
(4) قال الصدوق في الفقيه 1: 210، والمقنع: 29: وإن كنت خلف إمام تأتم به
فسلم تجاه القبلة واحدة ردا على الإمام. انتهى، واحتمله الشهيد الأول في الذكرى:
208، واستظهره من كلام
الصدوق، وقال الشهيد الثاني في الروضة 1: 280: ولو كانت وظيفة المأموم التسليم
مرتين فليقصد بالأولى الرد على الإمام وبالثانية مقصده.
369

والظاهر أنه إن علم منه قصدهم وجب ولكن كفاية، فيسقط بالعلم بقصد
البعض، وإلا فلا.
370

الفصل الثاني
في أفعالها المستحبة.
وهي كثيرة قد مر أكثرها في طي الأفعال الواجبة، وبقيت أمور:
الأول: الدعاء قبل الافتتاح بما في حسنة أبان وابن وهب: (إذا قمت إلى
الصلاة فقل: اللهم إني أقدم إليك محمدا صلى الله عليه وآله بين يدي حاجتي،
وأتوجه به إليك، فاجعلني به وجيها عندك في الدنيا والآخرة ومن المقربين، واجعل
صلاتي به مقبولة، وذنبي به مغفورا، ودعائي به مستجابا، إنك أنت الغفور
الرحيم) (1).
ورواه البرقي أيضا بأدنى تغيير: قال: (نقول قبل دخولك في الصلاة:
اللهم إني أقدم) (2) إلى آخره.
وبما في رواية صفوان: شهدت أبا عبد الله استقبل القبلة قبل التكبير

(1) الكافي 3: 309 الصلاة ب 19 ح 3، التهذيب 2: 287 / 1149،
الوسائل 5: 509 أبواب التسليم ب 15 ح 3.
(2) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 2، الوسائل 6: 509 أبواب القيام
ب 10 ح 3 بتفاوت يسير.
371

فقال: (اللهم لا تؤيسني من روحك، ولا تقنطني من رحمتك ولا تؤمني مكرك
فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) (1).
وبما في رواية علي بن النعمان: (من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد
صلى الله عليه وآله، إذا قام من قبل أن يستفتح الصلاة: اللهم إني أتوجه إليك
بمحمد وآل محمد وأقدمهم بين يدي صلاتي، وأتقرب بهم إليك، فاجعلني بهم
وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، أنت مننت شئ بمعرفتهم فاختم لي
بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم فإنها السعادة، اختم لي بها، إنك على كل شئ
قدير) (2).
وبما رواه ابن طاووس في فلاح السائل: (قال قبل أن يحرم ويكبر: يا محسن
قد أتاك المسئ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسئ، وأنت المحسن وأنا
المسئ، فبحق محد وآل محمد صل على محمد وآل محمد وتجاوز عن قبيح ما تعلم
مني) (3).
ولا شك في أن محل هذه الأدعية قبل تكبيرة الاحرام كما يصرح به في
الروايات، ولا في كون محلها قبل تكبيرات الست الأخر أيضا.
وهل يتعين ذلك أو يجوز بعدها أيضا؟ الظاهر الأول، كما هو الظاهر من
قوله (قبل التكبير) (وقبل أن يستفتح).
الثاني: التوجه إلى الصلاة بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الاحرام
الواجب، بإجماع الإمامية على الظاهر، والمحكي عن الانتصار والخلاف (4)، وبه
صرح والدي في المعتمد، له، ولاستفاضة النصوص كحسنة زرارة: (أدنى ما
يجزئ من التكبير في التوجه تكبيرة واحدة، وثلاث تكبيرات أحسن، والسبع

(1) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 3، الوسائل 5: 508 أبواب القيام ب 15 ح 1.
(2) الكافي 2: 544 الدعاء ب 51 ح 1، الوسائل 5: 508 أبواب القيام ب 15 ح 2.
(3) فلاح السائل: 155، مستدرك الوسائل 4: 123 أبواب القيام ب 9 ح 2.
(4) الإنتصار: 40، الخلاف 1: 315.
372

مستحبات الصلاة
أفضل) (1).
وصحيحة الشحام: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الافتتاح؟ قال:
(تكبيرة تجزيك) قلت: فالسبع؟ قال: (ذلك الفضل) (2).
ومحمد: (التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزي، والثلاث أفضل،
والسبع أفضل كله) (3) إلى غير ذلك.
ويستحب أن يدعو خلالها بثلاثة أدعية، كما في حسنة الحلبي: (إذا
افتتحت الصلاة فارفع كفيك، ثم ابسطهما بسطا، ثم كثر ثلاث تكبيرات، ثم
قل: اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي
ذنبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم تكبر تكبيرتين، ثم قل: لبيك وسعديك،
والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، لا ملجأ منك إلا
إليك، سبحانك وحنانيك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت. ثم تكبر
تكبيرتين، ثم تقول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض عالم الغيب
والشهادة، حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله
رب العالمين، لا شريك له ولذلك أمرت وأنا من المسلمين) (4).
وظهر مما مر في الحسنة والصحيحة جواز استفاء بالثلاث، وأنها أفضل من
الواحدة، وإن كان دون السبع في الفضيلة.
وكذلك يجوز استفاء بالخمس، لرواية أبي بصير: (إذا افتتحت الصلاة
فكبر إن شئت واحدة، وإن شئت ثلاثا، وإن شئت خمسا، وإن شئت سبعا، فكل

(1) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 3، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الاحرام ب
1 ح 8.
(2) العلل: 332 / 3، التهذيب 2: 66 / 241، الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الاحرام
ب 1 ح 2
(3) التهذيب 2: 66 / 24، الوسائل 6: 10 أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 4.
(4) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 7، التهذيب 2: 67 / 244، الوسائل 6: 24
أبواب تكبيرة الاحرام ب 8 ح 1.
373

ذلك مجز عنك، غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة) (1).
ومقتضى الأمر بالسبع كونها أفضل من الخمس.
وهل الخمس أفضل من الثلاث في المقام بخصوصه من حيث هو وإن كان
أفضل مطلقا من وجه الزيادة؟ قيل: نعم (2). وفيه نظر، لعدم الدليل.
وتجزئ التكبيرات ولاء من غير دعاء، لاطلاق ما مر، وموثقة زرارة:
رأيت أبا جعفر أو سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء (3).
ويجوز الاكتفاء ببعض الأدعية الثلاثة، لأصالة عدم الارتباط.
ويتخير في جعل أيها شاء تكبيرة الاحرام وإن كان الأفضل جعلها الأخيرة،
كما مر في بحث التكبير.
ثم هذا الحكم يعم جميع الصلوات، المفروضة منها والمسنونة، المرتبة
وغيرها، وفاقا للمحكي عن ظاهر الإسكافي والانتصار والجمل وصريح السرائر
والمعتبر والفاضل والشهيد والمدارك (4) والمعتمد واللوامع، وهو ظاهر الشرائع
والنافع (5)، بل هو الأشهر كما صرح به بعض من تأخر (6)
لاطلاق جملة من الأخبار، بل عموم طائفة من جهة اللفظ كما في حسنة
الحلب ورواية أبي بصير، أو ترك الاستفصال كما في بعض آخر، مضافا إلى الشهرة
الكافية في مقام التسامح.

(1) التهذيب 2: 66 / 239، الوسائل 6: 21 أبواب تكبيرة الاحرام ب 7 ح 3.
(2) كما في الرياض 1: 174.
(3) الخصال 347 / 17، التهذيب 2: 287 / 1152، الوسائل 6: 21
أبواب تكبيرة الاحرام ب 7 ح 2.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 99، الإنتصار: 40، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 31، السرائر 1: 237، المعتبر 2: 155، الفاضل في
المختلف: 99، والمنتهى 1: 269، الشهيد في الذكرى: 179، والبيان: 158،
والدروس 1: 168، المدارك 3: 441.
(5) الشرائع 1: 89، المختصر النافع: 33.
(6) انظر: الرياض 1: 175.
374

وقد يؤيد بفحوى لفظ (يجزيك) في رواية فلاح السائل: (افتتح في ثلاثة
مواطن بالتوجه والتكبير: في أول الزوال وصلاة الليل والمفردة من الوتر، وقد
يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبر تكبيرة لكل ركعتين) (1).
ويضعف بأنه يحتمل أن يكون المراد بالتوجه دعاء التوجه الذي هو الأخير
من الأدعية الثلاثة، فيكون فحوى (يجزيك) جواز هذا الدعاء في سائر الصلوات
أيضا.
وخلافا للمحكى عن السيد في المسائل المحمدية، فخص التكبيرات
الست بالفرائض، واستدل له بانصراف الاطلاقات إليها للشيوع والتبادر (2). وهو
ممنوع جدا.
وعن علي بن بابويه والمفيد (3)، فخصاها بأول كل فريضة، وأول ركعة من
صلاة الليل، ومفردة الوتر، وأول ركعة من ركعتي الزوال، وأول ركعة نوافل
المغرب، وأول ركعتي الاحرام، وزاد الأخير الوتيرة أيضا.
للرضوي: (ثم افتتح الصلاة وتوجه بعد التكبير، فإنه من السنة الموجبة في
ست صلوات...) (4) فذكر الست الأولى.
ونحوه مرسلا في الهداية (5).
ويرد - مع عدم صلاحيته سندا للمفيد - بمنع وروده في التكبيرات، بل
الظاهر أنه ورد لدعاء التوجه. ولو سلم فلا يدل على الاختصاص إلا بمفهوم
اللقب الضعيف. ولو سلم فلا يصلح لتقييد المطلقات وتخصيص العمومات،
لضعفه الخالي عن الجابر.
وكذا يعم المنفرد والجامع، لما ذكر، مضافا إلى صحيحة الحلبي: (فإذا كنت

(1) فلاح السائل 130، مستدرك الوسائل 4: 139 أبواب تكبيرة الاحرام ب 5 ح 1.
(2) حكاه عنه في المختلف: 99.
(3) حكاه عن ابن بابويه في التهذيب 2: 4 9 ذيل الحديث 349، المفيد في
المقنعة: 111.
(4) فقه الرضا (ع): 138، مستدرك الوسائل 4: 152 أبواب تكبيرة الاحرام
ب 10 ح 11.
(5) الهداية 380.
375

إماما فإنه يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها وتسر ستا) (1).
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فقال بالاختصاص بالأول (2)، ولعله
للصحاح المصرحة بأنه (إذا كنت إماما أجزأتك تكبيرة واحدة) (3).
وبأن رسول الله عليه وآله كان أتم الناس صلاة وأوجزهم، وكان
إذا دخل في صلاته قال: الله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم (4).
فإن الايجاز ليس عن الواجب، لأنها ليست بواجبة على المنفرد أيضا،
فيكون عن المستحب.
ويرد بالمعارضة مع ما مر، فتبقى الاطلاقات والشهرة العظيمة خالية عن
المعارض.
الثالث: القنوت، وهو في اللغة لمعان: كالطاعة، والسكون، والدعاء،
والقيام مطلقا أو في الصلاة، والخشوع، والعبادة، وغير ذلك.
وفي عرف المتشرعة: الدعاء بعد القراءة في الصلاة قائما.
والظاهر بحكم الحدس والوجدان وتتبع الأخبار اللذان هما الحاكمان في
ثبوت الحقيقة الشرعية ثبوتها هنا في عصر الصادقين وما بعده.
وفي دخول رفع اليد في حقيقته الشرعية وعدمه وجهان بل قولان، أجودهما
الثاني، للأصل. ودخوله في العرف المتأخر - لو سلم - لم يفد، لأصالة تأخر
الحادث.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: القنوت في الصلاة مندوب إليه، إجماعا فتوى ونصا متواترا،
كما تأتي جملة منها.

(1) التهذيب 2: 287 / 1151، الوسائل 6: 33 أبواب تكبيرة الاحرام ب 12 ح 1.
(2) حكاه عنه في الذكرى 180.
(3) انظر: الوسائل 6: 9 أبواب تكبيرة الاحرام ب 1.
(4) الفقيه 1: 200 / 921، الوسائل 6: 11 أبواب تكبيرة الاحرام ب 1 ح 11
وهي مرسلة الصدوق.
376

ولا يجب على الأظهر الأشهر، عند كل من تقدم وتأخر، بل في الانتصار
والناصريات والسرائر والمنتهى والتذكرة (1): الاجماع على استحبابه الظاهر في نفي
الوجوب، بل في التذكرة (2): التصريح به.
للأصل بل الاجماع، لعدم قدح خلاف من يأتي في انعقاده.
وصحيحة البزنطي: (إن شئت فاقنت وإن شئت لا تقنت، قال أبو الحسن
عليه السلام: فإذا كان التقية فلا تقنت وأنا أتقلد هذا) (3).
ورواية عبد الملك: عن القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: (لا قبله ولا
بعده) (4).
وموثقة سماعة: (فمن صلى من غير إمام وحده فهي أربع ركعات بمنزلة
الظهر، فمن شاء قنت في الركعة الثانية قبل أن يركع وإن شاء لم يقنت، وذلك
إذا صلى وحده) (5).
وصحيحة سعد النافية للقنوت إلا من الغداة والجمعة والوتر والمغرب (6)،
وموثقة يونس النافية له عن غير الفجر (7).

(1) الإنتصار: 46، الناصريات (الجوامع الفقهية): 199، السرائر 1:
242، المنتهى 1: 298، التذكرة 1: 128.
(2) التذكرة 1: 128.
(3) التهذيب 2: 91 / 340، الإستبصار 1: 340 / 1281، الوسائل 6:
269 أبواب القنوت ب 4 ح 1.
(4) التهذيب 2: 91 / 337، الإستبصار: 339 / 1278، الوسائل 6: 269 أبواب
القنوت ب 4 ح 2.
(5) التهذيب 3: 245 / 665، الوسائل 6: 272 أبواب القنوت ب 5 ح 8.
(6) التهذيب 2: 91 / 338، الإستبصار 1: 340 / 1279، الوسائل 6:
265 أبواب القنوت ب 2 ح 6.
(7) التهذيب 2: 91 / 339، الإستبصار 1: 340 / 1280، الوسائل 6: 265 أبواب
القنوت ب 2 ح 7.
377

خلافا لظاهر الفقيه والمقنع والهداية (1)، والعماني على أحد النقلين عنه (2)،
فأوجباه في اليومية، وقواه بعض متأخري المتأخرين من علماء البحرين (3).
لقوله سبحانه: (وقوموا لله قانتين) (4) والأمر للوجوب ولا وجوب إلا في
المسألة.
وموثقة عمار: (وليس له أن يدعه متعمدا) (5).
وصحيحة محمد: (القنوت في كل صلاة في الفريضة والتطوع) (6).
ونحوها من الأخبار المثبتة للقنوت في حز صلاة أو بعض الصلوات.
وصحيحة ابن عبد ربه: (من ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له) (7).
وموثقة محمد عن أبي جعفر: عن القنوت في الصلوات الخمس، فقال:
اقنت فيهن جميعا) قال: وسألت أبا عبد الله بعد ذلك عن القنوت، فقال لي: (أما
ما جهرت فيه فلا تشك) (8).
وصحيحة زرارة (الفرض في الصلاة: الوقت، والطهور، والقبلة،
والتوجه، والركوع، والسجود، والدعاء) قلت: ما سوى ذلك؟ قال: (سنة في
فريضة) (9) ولا دعاء واجبا إلا القنوت.

(1) الفقيه 1: 207، المقنع: 35، الهداية: 29.
(2) حكاه عنه في المعتبر 2: 243، والمختلف 96.
(3) قال في الحدائق 8: 353: وإلى القول بوجوبه - كما هو ظاهر الصدوق - مال
شيخنا أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني وذكر أنه صنف رسالة في القول
بالوجوب ولم أقف عليها.
(4) البقرة: 238.
(5) التهذيب 2: 315 / 1285، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 3.
(6) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 15، الفقيه 1: 207 / 934 وفيه:
في كل ركعتين، الوسائل 6: 264 أبواب القنوت ب 1 ح 12.
(7) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 6، الوسائل 6 ب 263 أبواب القنوت ب
1 ح 11.
(8) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 1، التهذيب 2: 89 / 331، الوسائل 6: 262
أبواب القنوت ب 1 ح 7.
(9) الكافي 3: 272 الصلاة ب 3 ح 5، التهذيب 2: 139 / 543، الوسائل 4: 295
أبواب القبلة ب 1 ح 1.
378

ورواية ابن المغيرة: (اقنت في كل ركعتين فريضة أو نافلة قبل الركوع) (1).
والمروي في الخصال: (القنوت في جميع الصلوات سنة واجبة في الركعة
الثانية قبل الركوع رجل القراءة) (2).
وللنقل الآخر عن العماني فأوجبه في الجهرية خاصة (3)، للأخبار كذيل موثقة
محمد المتقدمة، وصحيحة ابن وهب: (القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر
والغداة، فمن ترك القنوت رغبة عنه فلا صلاة له) (4).
وموثقة سماعة: عن القنوت في أي صلاة هو؟ فقال: (كل شئ يجهر فيه
بالقراءة فيه قنوت، والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة) (5).
والجواب أما عن دليل الأول للأول: فبمنع ثبوت الحقيقة الشرعية للقنوت
عند نزول الآية الكريمة، لإرادة معنى آخر محتملة، بل الأخبار بها مصرحة،
ففي المروي في تفسير العياشي: (قانتين أي: مطيعين راغبين) (6) وفي آخر مروي
فيه أيضا: (مقبلين على الصلاة محافظين لأوقاتها) (7) ونحوه في تفسير القمي) (8).
نعم في المجمع عن الصادق عليه السلام في تفسيرها: (أي: داعين في
الصلاة حال القيام) (9).
وهو وإن ناسب المعنى الشرعي إلا أنه غير صريح فيه لأن الدعاء حال

(1) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 4، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 9.
(2) الخصال: 604، الوسائل 6: 262 أبواب القنوت ب 1 ح 6.
(3) حكاه عنه في الذكرى: 183.
(4) التهذيب 2: 90 / 339، الإستبصار 1: 339 / 1276، الوسائل 6: 265
أبواب القنوت ب 2 ح 2.
(5) التهذيب 2: 89 / 333، الإستبصار 1: 339 / 1274، الوسائل 6: 267
أبواب القنوت ب 3 ح 3.
(6) تفسير العياشي 1: 127 / 416.
(7) تفسير العياشي 1: 127 / 418 بتفاوت يسير.
(8) تفسير القمي 1: 79 / 238.
(9) مجمع البيان 1: 343.
379

القيام لا ينحصر في القنوت سيما مع تضمن الحمد للدعاء أيضا.
ومع تسليم إرادته يتعين حمل الأمر فيه على الاستحباب، بقرينة ما مر من
الأخبار المعتضدة بعضها ببعض والأصل والشهرة العظيمة بل الاجماع على
الظاهر.
ولو سلم عدم التعين فيحتمله؟ للزوم ارتكابه أو التخصيص بحال الصلاة
وليس الأخير أولى، هذا.
مع أنه على التعارض مع الأخبار المذكورة أيضا إما يرجع إلى التخيير المنافي
للوجوب، أو الأصل. والقول بلزوم ترجيح أخبار الوجوب لمخالفتها العامة، مردود
بمخالفة الأكثر الأولى لهم أيضا؟ فإن حوالة القنوت إلى المشيئة أيضا لهم مخالفة
ومنه يظهر الجواب عن باقي أدلته.
مضافا إلى عدم دلالة الأخبار المثبتة له على الوجوب أصلا.
وعدم دلالة صحيحة ابن عبد ربه إلا على نفي الصلاة عمن كان تركه
للقنوت رغبة عنه وهم العامة، فيمكن أن يكون نفي الصح ة لذلك، حيث إنه
لا ينفك عن انتفاء الايمان الموجب لعدم صحة الصلاة، إلا لترك القنوت.
ومعارضة ذيل وموثقة محمد - باعتبار التفصيل القاطع للشركة - لصدرها.
وعدم اختصاص الدعاء الموارد في صحيحة زرارة بالقنوت كما مر، مع أن
القنوت لا يتعين بالدعاء بل يجوز فيه التسبيح أيضا كما ورد في الأخبار بل كلمات
الفرج التي ليست بدعاء، وإن عممت الدعاء فيحتمل أن يراد به القراءة، مع أنها
تتضمن ذكر التوجه الغير الواجب اجماعا، وبه يتعين حمل الفرض فيه على المؤكد
من الرجحان.
وعلم صراحة رواية ابن المغيرة في الوجوب إلا على القول بحرمة إبطال
النوافل.
ومنه يظهر خدش آخر فيما بعدها.
ومن جميع ما ذكر يظهر الجواب عن أدلة المخالف الثاني أيضا.
380

المسألة الثانية: محل القنوت في كل صلاة - سوى ما يأتي استثناؤه - في
الركعة الثانية، بلا خلاف يعرف، بل بالاجماع المحقق والمحكي في التذكرة
وغيره (1)، لموثقة سماعة ورواية الخصال المتقدمتين، وصحيحة زرارة: (القنوت في
حل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع) (2).
وصريحها كونه قبل الركوع، كما عليه الاجماع أيضا في المنتهى والتذكرة (3)،
وعن الخلاف ونهج الحق (4) وغرهما. وفي شرح القواعد: إنه لا خلاف فيه (5)، وهو
دليل آخر عليه.
مضافا إلى صحيحة ابن عمار: (ما أعرف قنوتا إلا قبل الركوع) (6).
وموثقة أبي بصير: (كل قنوت قبل الركوع إلا الجمعة) (7) وغير ذلك مما يأتي.
وأما رواية الجعفي ومعمر: (القنوت قبل الركوع، وإن شئت بعده) (8).
فلشذوذها غير مقاومة لما مر. مع أنها لا تنافيه بل تؤكده، لتصريحها بأن
القنوت قبل الركوع غايتها تجويزه بعده على تقدير المشيئة، ولا كلام فيه، لأنه دعاء
يجوز في كل حال، والكلام في الوقت المقرر شرعا.
على أنه يحتمل قريبا أن يكون (نسيت) مقام (شئت) فوقع التصحيف من
النساخ.

(1) التذكرة 1: 128، وانظر: المنتهى 1: 298، ونهاية الإحكام 1: 508.
(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 7، التهذيب 2: 89 / 330، الإستبصار
1: 338 / 1271، الوسائل 6: 266 أبواب القنوت ب 3 ح 1.
(3) المنتهى 1: 299، التذكرة 1: 128.
(4) الخلاف: 379، نهج الحق: 437.
(5) جامع المقاصد 2: 32.
(6) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 13، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 6.
(7) التهذيب 2: 90 / 334، الإستبصار 1: 339 / 1275، الوسائل 6: 273
أبواب القنوت ب 5 ح 12.
(8) التهذيب 2: 92 / 343، الإستبصار 1: 341 / 1283، الوسائل 6: 267 أبواب
القنوت ب 3 ح 4.
381

فما عن المعتبر والروضة من الميل إلى التخيير بين فعله قبل الركوع وبعده (1)،
ضعيف جدا.
ويستثنى من الحكم الأول الجمعة والوتر، ومن الثاني الأول خاصة كما يأتي
في محله.
ويتعين فيما قبل الركوع بعد القراءة، بلا خلاف، له، وللمعتبرة، منها:
روايتا ابن المغيرة والخصال المتقدمتان.
وموثقة سماعة: (والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة) (2).
ومثلها المروي في تحف العقول (3).
وصحيحة يعقوب وفيها - بعد السؤال عن أنه قبل الركوع أو بعده -:
قال: (قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك) (4).
ثم لو نسيه قبل الركوع أتى به بعده، بلا خلاف يوجد كما في المنتهى
والمدارك والذخيرة (5)، وعلى الظاهر كما في الحدائق (6)، بل بالاجماع كما في
المعتمد. للمستفيضة من النصوص. منها: صحيحة زرارة ومحمد: عن الرجل
ينسى القنوت حتى يركع، قال: (يقنت بعد ركوعه، فإن لم يذكر فلا شئ
عليه) (7).
ومحمد: عن القنوت ينساه الرجل، فقال: (يقنت بعدما يركع، وإن لم

(1) المعتبر 2: 245، الروضة 1: 284.
(2) التهذيب 2: 89 / 333، الإستبصار 1: 339 / 1274، الوسائل 6: 267
أبواب القنوت ب 3 ح 3.
(3) تحف العقول: 417.
(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 14، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب 3 ح 5.
(5) المنتهى 1: 300، المدارك 3: 448، الذخيرة: 294.
(6) الحدائق 8: 364.
(7) التهذيب 2: 160 / 628، الإستبصار 1: 344 / 1295، الوسائل 6: 287 أبواب
القنوت ب 18 ح 1.
382

يذكر حتى ينصرف فلا شئ عليه) (1).
وموثقة عبيد: الرجل ذكر أنه لم يقنت حتى ركع، قال: (يقنت إذا رفع
رأسه) (2).
وأما موثقتا عمار (3)، ورواية سهل (4)، ومرسلة الفقيه (5)، وصحيحة معاوية
ابن عمار (6)، في ناسي القنوت قبل الركوع المصرحة بأنه (ليس عليه شئ) أو (لا
إعادة عليه) أو (لا يقنت).
فلا تنافي ما مر، لظهور الفقرتين الأوليين في نفي الوجوب وعدم بطلان
الصلاة، واحتمال الثالثة له. مع أن المعاد في الثانية يمكن أن يكون هو الصلاة
دون القنوت بل هو الظاهر، لبعد إطلاق الإعادة على إعادة القنوت، لعدم. الاتيان
مضافا إلى موافقتها لأكثر العامة، الموجبة للمرجوحية على التنافي.
ثم التذكر إن كان قبل الدخول في السجود أتى به حينئذ، بلا خلاف على
الظاهر لاطلاق الصحيحتين وصريح الموثق المتقدمة.
لأن كان بعده أتى به بعده الصلاة جالسا مطلقا، كما صرح به والدي في

(1) التهذيب 2: 160 / 629، الإستبصار 1: 344 / 1296، الوسائل 6: 288 أبواب
القنوت ب 18 ح 2.
(2) التهذيب 2: 160 / 630، الإستبصار 1: 344 / 1297، الوسائل 6: 288 أبواب
القنوت ب 18 ح 3.
(3) الأولى: التهذيب 2: 315 / 1285، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 3.
الثانية: التهذيب 2: 131 / 507، الوسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 15 ح 2.
(4) التهذيب 2: 161 / 632، الإستبصار 1: 345 / 1299، الوسائل 6: 285 أبواب
القنوت ب 15 ح 1.
(5) الفقيه 1: 312 / 1421، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 5.
(6) التهذيب 2: 161 / 633، الإستبصار 1: 345 / 1300، الوسائل 6: 288 أبواب
القنوت ب 18 ح 4.
383

المعتمد، ومال إليه شيخنا في روض الجنان (1)، لموثقة أبي بصير: في الرجل إذا
سها في القنوت: (قنت بعدما ينصرف وهو جالس) (2).
والرضوي: (لأن ذكرته بعدما سجدت فاقنت بعد التسليم، وإن ذكرت)
وأنت تمشي في طريقك فاستقبل القبلة واقنت) (3).
والموثقة وإن شملت قبل السجود أيضا إلا أنه خرج منها بالصحيح والموثق
المتقدمين، لأن لزوم مخالفة ما بعد الغاية المذكورة فيهما لما قبلها خصصهما
بالتذكر بعد دخول الركوع، فيكون أخص من هذه الموثقة فتخصص بهما.
لا حين التذكر ولو كان في الصلاة، كما حكاه والدي في المعتمد نافيا عنه
المستند، يمكن استناده إلى اطلاق صحيحة محمد. ويضعف بوجوب حمل
المطلق على المقيد.
وذكر الشيخان في المقنعة والنهاية (4)، والفاضل في التذكرة (5)، بل نسبه في
روض الجنان إلى الأصحاب كافة (6): أنه لو لم يذكر القنوت حتى يركع في الثالثة
قضاه بعد الفراغ، ولا دليل على التقييد.
وفي المنتهى وعن المبسوط: عدم الاتيان به بعد النسيان حتى دخل في ركوع
الثالثة مطلقا (7)، واحتج له في المنتهى بصحيحة زرارة ومحمد السابقة وسائر ما نفى
الإعادة أو الشئ عليه.
وهي - كما مر - لا تدل إلا على نفي الوجوب، وهو كذلك، مع أن إرادة

(1) روض الجنان: 283.
(2) التهذيب 2: 160 / 631، الإستبصار 1: 345 / 1298، الوسائل 6: 287 أبواب
القنوت ب
16 ح 2.
(3) فقه الرضا (ع): 119، مستدرك الوسائل 4: 412 أبواب القنوت ب 12 ح 1.
(4) المقنعة: 139، النهاية: 90.
(5) التذكرة 1: 129.
(6) روض الجنان: 283.
(7) المنتهى 1: 300، المبسوط 1: 113.
384

عدم التذكر أصلا من الصحيحة محتملة بل هي فيها ظاهرة، فالقول بالاتيان به
بعد الفراغ حينئذ أصح.
بل لو لم يتذكر حتى فرغ من الصلاة أيضا أتى به، لاطلاق ما مر.
بل وكذا لو تذكر بعد الانصراف عن محل الصلاة يأتي به في الطريق
مستقبل القبلة، لما تقدم من الرضوي. ولا يضر ضعفه، لقاعدة التسامح، مع
اعتضاده برواية زرارة: رجل نسي القنوت وهو في الطريق، قد: (يستقبل القبلة
ثم ليقله) (1).
والظاهر اختصاص قضاء القنوت بصورة النسيان، أما لو تركه في محله
عمدا أو لعذر - كالمأموم المسبوق الخائف فوات متابعة الإمام في الركوع لو
اشتغل بالقنوت - فلا قضاء عليه، للأصل.
ولو ترك ناسيه المتذكر بعد الركوع عمدا فمقتضى بعض الاطلاقات
المتقدمة الاتيان به بعد الانصراف.
وقال والدي في المعتمد: وظاهر بعض الأخبار سقوطه ولعله أظهر.
أقول: لم أقف على هذا الخبر، فالعمل بمقتضى الاطلاق أجود.
المسألة الثالثة: ليس في القنوت دعاء معين لا يتعدى عنه، بل يذكر فيه كل
ما كان حمدا وثناء لله سبحانه، أو صلاة على الرسول والأئمة عليهم السلام، أو
دعاء لنفسه أو لغيره، مأثورا كان أو غير مأثور، بالاجماع، له، ولصحيحة إسماعيل
بن الفضل: عن القنوت وما يقال فيه، قال: (ما قضى الله على لسانك، ولا أعلم
فيه شيئا موقتا) (2).
وصحيحة الحلبي: عن القنوت، فيه قول معلوم؟ فقال: (اثن على ربك

(1) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 10، التهذيب 2: 315 / 1283
المسائل 6: 286 أبواب القنوت ب 16 ح 1.
(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 8، التهذيب 2: 314 / 1281،
الوسائل 6: 277 أبواب القنوت ب 9 ح 1.
385

وصل على نبيك واستغفر لذنبك) (1).
وفي رواية أبي بصير: عن أدنى القنوت، قال: (خمس تسبيحات) (2).
وفي رواية ابن أبي سمال (3): (تجزي من القنوت ثلاث تسبيحات) (4).
وأفضله المأثور عن الحجج، لأنهم أعرف بآداب الثناء والدعاء.
وأفضله كلمات الفرج، لتصريح الأكثر الأصحاب به كما قيل، ولما رواه الحلي
مرسلا، قال: وروي أنها أفضله (5). والعماني كذلك، قال بعد ذكر دعاء: وبلغني أن
الصادق عليه السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذه بعد كلمات الفرج (6). فتأمل.
وكلمات الفرج معروفة وهي: (لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله
العلي العظيم، سبحان أنه رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن
وما بينهن ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين) ورد ذلك في بعض
الروايات (7)
وذكر المفيد (8) وجمع من الأصحاب (وسلام على المرسلين) قبل التحميد،
ورواه في الفقيه في أول باب غسل الميت عن الصادق عليه السلام، ثم قال: هذه
الكلمات هي كلمات الفرج (9)، وقاله في كتاب الهداية أيضا في تلقين
الميت قال: تلقينه عند موته كلمات الفرج، ثم ذكرها كما ذكر (10)، ونحو ذلك
أيضا في الفقه

(1) الفقيه 1: 207 / 933، الوسائل 6: 278 أبواب القنوت ب 9 ح 4.
(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 11، التهذيب 2: 315 / 1282، الوسائل 6: 273
أبواب القنوت ب 6 ح 1.
(3) في المصدر: ابن أبي سماك.
(4) التهذيب 2: 92 / 342، الوسائل 6: 274 أبواب القنوت ب 6 ح 3.
(5) السرائر 1: 228.
(6) حكاه عنه في الذكرى: 184.
(7) انظر: الوسائل 2: 459 أبواب الاحتضار ب 38 ح 1.
(8) المقنعة: 107.
(9) الفقيه 1: 77 / 346، الوسائل 2: 459، أبواب الاحتضار ب 38 ح 2.
(10) الهداية: 23.
386

الرضوي قال: (ويستحب تلقين كلمات الفرج وهي: لا إله إلا الله الحليم
الكريم). إلى آخره (1).
وزيد في بعض الروايات: (وما تحتهن) بعد (وما بينهن) والكل حسن إنشاء
الله، إلا أنه لم يذكر فيه لفظ كلمات الفرج بل فيه: يقول في القنوت كذا (2)، و
كذا الروايات الخالية عن لفظ (وسلام على المرسلين) (3) فتأمل.
وفي العيون، عن رجاء بن أبي الضحاك في حديث نقل مولانا الرضا عليه
السلام إلى خراسان: وكان قنوته في جميع صلواته: (رب اغفر وارحم وتجاوز عما
تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم) (4).
وتجوز تسمية الحاجة في القنوت، روى في مستطرفات السرائر عن عبد الله
بن هلال: قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن حالنا قد تغيرت، قال:
(فادع في صلاتك الفريضة) قلت: أيجوز في الفريضة فأسمي حاجتي للدين
والدنيا؟ قال: (نعم فإن رسول الله قد قنت فدعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم
وعشائرهم، وفعله في عليه السلام من بعده) (5).
وفي الذكرى: روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال في قنوته: اللهم أنج
الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين،
واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان (6)، وقنت أمير المؤمنين عليه السلام في
صلاة الغداة فدعا على أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص ومعاوية وأبي

(1) فقه الرضا (ع): 165، مستدرك الوسائل 2: 128 أبواب الاحتضار ب
28 ح 2.
(2) انظر: فلاح السائل: 134.
(3) انظر: البحار 82: 206.
(4) العيون 2: 181 وفيه (الأعز الأجل الأكرم).
(5) مستطرفات السرائر: 98 / 20، الوسائل 6: 284 أبواب القنوت ب 13 ح 2.
(6) مضر ورعل ذكوان: أسماء ثلاث قبائل. انظر: الصحاح 4: 1710،
والمصباح المنير: 231، ولسان العرب 11: 289.
387

الأعور وأشياعهم (1).
وروى في كتاب محمد بن المثنى قريبا من ذلك (2).
ويظهر منها جواز تسمية من يدعو له في القنوت، وكذا الدعاء على الغير إذا
جاز شرعا. والظاهر أن الكل إجماعي أيضا.
وفي جواز القنوت بغير العربية قولان يأتي في بحث قواطع الصلاة.
المسألة الرابعة: يستحب في القنوت أمور:
منها: الجهر به لغير المأموم مطلقا، إخفاتية كانت الصلاة أو جهرية، إماما
كان المصلي أو منفردا، على الأظهر الأشهر، للشهرة، ولصحيحة زرارة: (القنوت
كله جهار) (3).
ورواية ابن أبي سمال (4): صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام الفجر،
فلا فرغ من قراءته في الثانية جهر بصوته نحوا مما كان يقرأ، قال: (اللهم اغفر
لنا) (5) إلى آخره.
وأما ما في صحيحة علي ورواية ابن يقطين: (إن شاء جهر وإن شاء لم
يجهر) (6) فلا ينافي الاستحباب.
وأما المأموم فيستحب له الاخفات، لما مر من الشهرة، ورواية أبي بصير:

(1) الذكرى: 184.
(2) نقله عنه في البحار 82: 210 / 29.
(3) الفقيه 1: 209 / 944، مستطرفات السرائر: 72 / 4، الوسائل 6: 291 أبواب
القنوت ب 21 ح 1.
(4) في الفقيه: ابن أبي سماك.
(5) الفقيه 1: 260 / 1188، الوسائل 6: 291 أبواب القنوت ب 21 ح 2.
(6) أ - التهذيب 2: 313 / 1272، قرب الإسناد: 198 / 758، الوسائل 6: 290 أبواب
القنوت ب 21 ح 2.
ب - التهذيب 2: 102 / 385، الوسائل 6: 290 أبواب القنوت ب 20 ح 1.
388

(ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي للمأموم أن يسمعه
شيئا مما يقول) (1).
وعن السيد والجعفي أنه تابع للصلاة في الجهر والاخفات (2)، لعموم قوله
عليه السلام: (صلاة النهار عجماء وصلاة الليل جهرية) (3).
ورد بأنه عام مطلقا بالنسبة إلى ما مر.
وفيه نظر: والأولى أن يقال: لا دلالة لكون الصلاة عجماء على اخفات كل
ما يذكر فيها حتى الأذكار المستحبة، بل يتحقق بإخفات القراءة أيضا.
وعن الإسكافي اختصاص الجهر بالإمام (4)، ولا دليل له.
ومنها: تطويل القنوت، لما رواه الصدوق: إنه قال النبي صلى الله عليه
وآله: (أطولكم قنوتا في دار الدنيا أطولكم راحة يوم القيامة في الموقف) (5).
وفي الذكرى: وروي عنهم: (أضل الصلاة ما طال قنوتها) (6).
ورأيت في بعض فوائد نصير الدين الطوسي أنه ذكر أن طول القنوت في
الصلاة يوجب الغنى، وللأئمة قنوتات طويلة مذكورة في المهج وغيره، وفي البحار
عقد بابا للقنوتات الطويلة المروية عن أهل العصمة (7).
وينبغي أن يستثنى من ذلك صلاة الجماعة إلا مع حب المأمومين، لما يستفاد
من الأخبار من استحباب الاسراع فيها (8).

(1) التهذيب 2: 102 / 383، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
(2) حكاه عنهما في الذكرى: 184.
(3) روى الجملة الأولى فقط، في الغوالي 1: 421 / 98 عن أن صلى الله عليه
وآله، وكذلك في مستدرك الوسائل 4: 194 أبواب القراءة ب 21 ح 3.
(4) حكاه عنه في الذكرى: 184.
(5) الفقيه 1: 308 / 1406، الوسائل 6: 291 أبواب القنوت ب 22 ح 1.
(6) الذكرى: 185.
(7) انظر: البحار 82: 211 ب 33.
(8) انظر: الوسائل 8: 419 أبواب صلاة الجماعة ب 69.
389

ومنها: التكبير له، على الحق المشهور، له، ولصحيحة ابن عمار (1) وغيرها.
وعن المفيد: نفيه في آخر عمره وإن كان يفتي به أولا (2)، ولا أعرف
مستنده.
ومنها: رفع يديه حال القنوت تلقاء وجهه مبسوطتين تستقبل بطونهما السماء
وظهورهما الأرض، لفتوى العلماء، بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب (3) مشعرة
بدعوى الاجماع، وهي كافية في المقام.
ويدل على رفع اليدين أيضا التوقيع المروي في الاحتجاج: عن القنوت في
الفريضة إذا فرغ من دعائه يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روي: (أن
الله أجل من أن يرد يدي عبد صفرا بل يملؤهما من رحمته) أم لا يجوز فإن بعض
أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة؟ فأجاب عليه السلام: (رد اليدين من القنوت
على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض، والذي عليه العمل فيما إذا رجع يديه
في قنوت الفريضة وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه من (4) صدره تلقاء ركبتيه
على تمهل ويكبر ويركع، ء والخبر صحيح، وهو في نوافل النهار والليل دون
الفرائض، والعمل به فيها أفضل) (5).
فإن في رجوع اليدين من الصدر دلالة على كونهما مرفوعتين.
وعلى رفعهما حيال الوجه صحيحة ابن سنان: (وترفع يديك في الوتر حيال
وجهك) (6).

(1) الكافي 3: 310 الصلاة ب 20 ح 5، التهذب 2: 87 / 323، الوسائل 6: 18 أبواب تكبيرة الاحرام ب 5 ح 1.
(2) حكاه عنه الشيخ في الإستبصار 1: 337.
(3) الذكرى: 184.
(4) كذا في النسخ، وفي الاحتجاج: مع، وفي نسخة من الوسائل: على.
(5) الإحتجاج: 486، الوسائل 6: 293 أبواب القنوت ب 23 ح 1.
(6) الفقيه 1: 309 / 1410، التهذيب 2: 131 / 504، الوسائل 6: 282 أبواب
القنوت ب 12 ح 1.
390

وهي وإن كانت مخصوصة بالوتر إلا أنه - كما قيل - لا قائل بالفرق، وهو
كاف في مقام المسامحة.
مضافا إلى المروي في معاني الأخبار: (الرغبة أن تستقبل براحتيك إلى السماء
وتستقبل بهما وجهك) (1).
وعن المقنعة الرفع حيال الصدر (2). والأول أولى لشهرته.
ويستفاد من الأخير وجه آخر لجعل بطن اليدين إلى السماء مبسوطتين
أيضا.
وحكى في المعتبر القول بالعكس (2)، لظواهر جملة من الأخبار (4).
وهو شاذ، وأخباره مطلقة، محتملة للحمل على غير حال الصلاة.
وقال ابن إدريس: إن حين الرفع يفرق الابهام عن الأصابع (5). ولا بأس
به، لقوله.
الرابع: أن يكون نظره حال قيامه إلى موضع سجوده كما مر، وحال القنوت
إلى باطن كفيه، للشهرة، وقيل (6): للجمع بين الخبرين الناهي أحدهما عن النظر
إلى السماء وثانيهما عن التغميض فيها (7). وراكعا إلى ما بين قدميه، وساجدا إلى
طرف أنفه، وجالسا بين السجدتين أو للتشهد إلى حجره كما مر، لما مر مع كونه
أبلغ في الخضوع المطلوب في العبادة.
الخامس: أن تكون يداه قائما: على فخذيه حذاء ركبتيه، وساجدا: كما
مر، ومتشهدا: على فخذيه مضمومة الأصابع مبسوطة، على المشهور كما في

(1) معاني الأخبار: 369 / 2، الوسائل 7: 50 أبواب الدعاء ب 13 ح 6.
(2) المقنعة: 124.
(3) المعتبر 2: 247.
(4) انظر: الوسائل 7: 48 أبواب الدعاء ب 13.
(5) السرائر 1: 228.
(6) انظر: المعتبر 2: 246، والمنتهى 1: 301.
(7) انظر: الوسائل 5: 510 أبواب القيام ب 16، و ج 7: 249 أبواب قواطع الصلاة
ب 6.
391

الذخيرة (1)، وفي روض الجنان: تفرد ابن الجنيد بأنه يشير بالسبابة في تعظيم الله
تعالى كما يفعله العامة (2).
السادس: التعقيب، وهو من السنن الأكيدة، والرويات في الحث عليه
مستفيضة، ومنافعه في الدين والدنيا كثيرة.
ففي مرسلة بزرج: (من صلى صلاة فريضة وعقب إلى أخرى فهو ضيف
الله، وحق على الله أن يكرم ضيفه) (3).
وفي رواية الوليد: (التعقيب أبلغ في طلب الرزق من الضرب في البلاد،
يعني بالتعقيب الدعاء تعقيب الصلاة) (4)،
وفي رواية عبد الله بن محمد: (ما عالج الناس شيئا أشذ من التعقيب) (5).
وفي رواية: (من عقب في صلاته فهو في صلاة) (6) إلى غير ذلك.
ولا شك في صدق التعقيب بالجلوس من بعد الصلاة لدعاء ومسألة أو ثناء
الله سبحانه، بل فسره به في القاموس والمجمل والمصباح المنير (7).
وهل يصدق على الجلوس بعدها بلا دعاء كما هو ظاهر النهاية الأثيرية (8)
واحتمله بعض الأصحاب كما حكاه في البحار (9)، أو الدعاء بلا جلوس كما نقل
عن بعض فقهائنا (10)، أم لا؟.

(1) الذخيرة: 295.
(2) روض الجنان: 283.
(3) الكافي 3: 341 الصلاة ب 32 ح 3، التهذيب 2: 103 / 388،
المحاسن: 51 / 75، الوسائل 6: 430 أبواب التعقيب ب 1 ح 5.
(4) التهذيب 2: 104 / 391، الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب ب 1 ح 1.
(5) التهذيب 2: 104 / 393، الوسائل 6: 429 أبواب التعقيب ب 1 ح 2.
(6) الذكرى: 210.
(7) القاموس المحيط 1: 110، المجمل لابن فارس 3: 392، المصباح
المنير: 21.
(8) النهاية الأثيرية 3: 267.
(9) البحار 82: 316.
(10) حكاه عنه في الحبل المتين: 259، والذخيرة: 295، والبحار 82: 314.
392

الظاهر الثاني، بمعنى أنه لا يحكم بحصوله شرعا بدون الأمرين، لعدم
ثبوت حقيقة شرعية فيه وتعدد المجاز، فيقتصر - في الحكم بثبوت أحكامه له -
على المتيقن.
والاستدلال على صدقه بمجرد أحدهما بالأخبار المثبتة للفضيلة لكل منهما
لا يدل على كونه تعقيبا، لجواز ثبوتها لكل أيضا.
والتفسير المذكور في رواية الوليد لعله من أحد الرواة.
وأما ما في صحيحة هشام ومرسلة الفقيه - من أن الخارج لحاجته معقب إن
كان على وضوء (1)، وأن المؤمن معقب ما دام على وضوئه (2) - فهو ليس بحقيقة،
إذ ليس مجرد البقاء على الوضوء تعقيبا إجماعا، فالمراد أنه بمنزلته ولا يثبت
منه ثبوت جميع أحكامه له، فلعله في شئ من الفضيلة.
والظاهر اشتراط اتصاله بالصلاة وعدم الفصل مطلقا أو الكثير منه في صدق
التعقيب، كما استظهره شيخنا البهائي (3).
وهل يشترط فيه الكون في المصلى وعلى الطهارة والاستقبال والاقبال؟
الظاهر لا، للأصل وعدم قول به، ومراعاتها أولى.
والظاهر عدم تعين الدعاء والمسألة في صدقه، فيصدق بالاشتغال بالتلاوة
والبكاء - رغبة أو رهبة - والتفكر.
ولا يشترط كون الدعاء بالعربية وإن كان هو الأفضل، بل الأفضل الأدعية
المأثورة كما هي في كتب القوم مذكورة.
وأفضل الجميع - كما صرح به في الشرائع والنافع والمنتهى والمدارك (4)،

(1) الفقيه 1: 216 / 963، التهذيب 2: 320 / 1308، الوسائل 6: 457
أبواب التعتيب ب 17 ح 1.
(2) الفقيه 1: 359 / 1576، الوسائل 6: 457 أبواب التعقيب ب 17 ح 2.
(3) الحبل المتين: 260.
(4) الشرائع 1: 90، المختمر النافع: 33، المنتهى 1: 302، المدارك 3: 452.
393

وغيرها - تسبيح الزهراء لقول هؤلاء الأعلام، مضافا إلى ما في رواية مفضل:
(سبح تسبيح فاطمة عليها السلام، وهو: الله أكبر أربعا وثلاتين مرة، وسبحان الله
الثلاثا وثلاتين مرة، والحمد لله ثلاثا وثلاتين مرة، فوالله لو كان شئ أفضل منه
لعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله إياها) (1).
وفي رواية ابن عقبة: (ما عبد الله بشئ من التحميد أفضل من تسبيح
فاطمة عليها السلام، ولو كان شئ أفضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه
وآله فاطمة عليها السلام) (2).
وصدرها لأن دل على الأفضلية من التحميد خاصة ولكن ذيلها يعطي
العموم.
وفي صحيحة ابن سنان: (من سبح تسبيح فاطمة عليها السلام قيل أن
يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر الله له، ويبدأ بالتكبير) (3)
وفي مرسلة ابن أبي نجران: (من سبح الله في دبر الفريضة تسبيح فاطمة،
المائة، واتبعها بلا إله إلا الله مرة غفر الله له) (4).
وفي رواية أبي خالد: يقول: (تسبيح فاطمة كل يوم في دبر كل صلاة أحب
إلي من صلاة ألف ركعة في كل يوم) (5)

(1) التهذيب 3: 66 / 218، الإستبصار 1: 466 / 1802، الوسائل 6: 445 أبواب
التعقيب ب 10 ح 3.
(2) الكافي 3: 343 الصلاة في 32 ح 14، التهذيب 2: 105 / 398،
الوسائل 6: 443 أبواب التعقيب ب 9 ح 1.
(3) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 6، التهذيب 2: 105 / 395، الوسائل
6: 439 أبواب التعقيب ب 7 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(4) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 7، التهذيب 2: 105 / 396، الوسائل
6: 440 أبواب التعقيب ب 7 ح 3.
(5) الكافي 3: 343 الصلاة ب 32 ح 15، التهذيب 2: 105 / 399،
الوسائل 6 ح 443 أبواب التعقيب ب 9 ح 2.
394

وفي رواية زرارة: (تسبيح فاطمة الزهراء الذكر الكثير الذي قال الله تعالى:
اذكروا الله ذكرا كثيرا) (1)
إلى غير ذلك من الأخبار.
وصورتها أن يكبر أربعا وثلاتين مرة، ويحمد ثلاثا وثلاتين مرة، ويسبح
كذلك، إجماعا، للنصوص المستفيضة منها: رواية المفضل المتقدمة، وصحيحة
محمد بن عذافر (2)، ورواية أبي بصير (3)، والمروي في مشكاة الأنوار (4)، وغيرها.
ويقدم التكبير - كما مر - إجماعا.
والحق المشهور تقديم التحميد على التسبيح، وفاقا للنهاية والمبسوط والمقنعة
والديلمي والقاضي والحلي (5)، وغيرهم، لصحيحة ابن عذافر المصرحة بلفظة
(ثم) الدالة على التعقيب، المؤيدة بالترتيب الذكري في بعض آخر،
وظاهر ص بن بابويه وولده والإسكافي والاقتصاد (6): تقديم التسبيح على
التحميد، لتقديمه ذكرا في بعض الروايات.
وهو للترتيب غير مفيد، فيحمل على الصحيحة، مع أن تقديم التسبيح
موافق لروايات العامة (7)، فالعمل على خلافها.
ويستحب ختمها بلا إله إلا الله مرة، للمرسلة المتقدمة.

(1) الكافي 2: 500 الدعاء ب 23 ح 4.
(2) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 8، التهذيب 2: 105 / 400، الوسائل
6: 444 أبواب التعقيب ب 10 ح 1.
(3) الكافي 3: 342 الصلاة ب 32 ح 9، التهذيب 2: 106 / 401، الوسائل
6: 444 أبواب التعقيب ب 10 ح 2.
(4) مشكاة الأنوار: 278.
(5) النهاية: 85، المبسوط 1: 117، المقنعة: 110، الديلمي في المراسم: 73،
القاضي في المهذب 1: 96، الحلي في السرائر 1: 233.
(6) حكاه عن علي بن بابويه والإسكافي في المختلف: 98، الصدوق في المقنع:
28، الإقتصاد: 264.
(7) انظر: صحيح البخاري 1: 213.
395

ثم إن التعقيب لا يختص بالفرائض، بل هي سنة في الفرائض والنوافل،
كما صرح به الشيخ في النهاية في مطلق التعقيب وتعقيبات خاصة أيضا كالتكبير
ثلاثا رافعا بها يديه وتسبيح الزهراء وغيرهما (1)، وهو كاف في التعميم،
مضافا إلى اطلاق أكثر الروايات بل عمومه سيما في التكبير والتسبيح.
ثم إنه كما يستحب التعقيب المركب من الجلوس والدعاء، يستحب كل
منهما منفردا عقيب الصلاة أيضا، لورود الحث على كل منهما منفردا، وبيان
الثواب له في المستفيضة من الروايات. ويتحقق كل منهما بمسماه عرفا وإن زاد
الأجر بالزيادة.
نعم وردت فضائل خاضة لقدر معين من بعضها كالجلوس في المصلى إلى
طلوع الشمس (2)، والأدعية الخاصة، فمن أراد أن يستحرزها فيعمل بما تترتب
الفضيلة عليه، كما أنه وردت لبعض الأدعية أيضا آداب وشرائط، من شاء
الوصول إلى كمال الأجر فليراعها.
السابع: سجدة الشكر على التوفيق لأدائها، بالاجماع كما في التذكرة (3)،
له، وللمستفيضة من النصوص بل المتواترة معنى.
وفيها فضل كثير، ففي صحيحة مرازم: (سجدة الشكر واجبة على كل
مسلم، تتم بها صلاتك، وترضي بها ربك، وتعجب الملائكة منك، لأن العبد
إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد
والملائكة، ويقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبدي أذى فرضي وأتم عهدي ثم
سجد لي شكرا على ما أنعمت به، ملائكتي ماذا له؟ قال: فتقول له الملائكة: يا
ربنا رحمتك) (4) الحديث.

(1) النهاية: 86.
(2) انظر: الوسائل 6: 458 أبواب التعقيب ب 18.
(3) التذكرة 1: 124.
(4) الفقيه 1: 220 / 978، التهذيب 2: 110 / 415، الوسائل 7: 6 أبواب سجدتي
الشكر
ب 1 ح 5. تمام الحديث: (ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنتك،
ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا كفاية مهمه، فيقول الرب تبارك
وتعالى: ثم ماذا؟ قال: ولا يبقى شئ من الخير إلا قالته الملائكة، فيقول الرب تبارك وتعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة ربنا لا علم لنا، فيقول الله تبارك وتعالى: أشكر له كما شكر لي وأقبل إليه بفضلي وأريه وجهي). منه رحمه
الله.
396

خلافا للجمهور، فأنكروها بعد الصلاة وشددوا في إنكارها مراغمة لنا مع
ورودها في أخبارهم (1).
وبالموافقة لهم ترد وعلى التقية تحمل صحيحة سعد بن سعد: عن سجدة
الشكر فقال: (في شئ سجدة الشكر؟) فقلت له: إن أصحابنا يسجدون بعد
الفريضة سجدة واحدة ويقولون هي سجدة الشكر، فقال: (إنما الشكر إذا أنعم
الله على عبده أن يقول: سبحان الذي...) (2) إلى آخره.
كما يشهد له التوقيع المروي الاحتجاج، وفيه - بعد السؤال عن سجدة
الشكر بعد الفريضة وأن أصحابنا ذكروا أنها بدعة -: (سجدة الشكر من ألزم
السنن وأوجبها، ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث في دين الله
بدعة) (3) الحديث.
ويشترط فيه قصد سجدة الشكر لتمتاز عن غيرها من السجدات.
وليس فيها تكبير حتى تكبير الرفع وإن أثبته في المبسوط (4)، ولا دليل عليه.
وليكن سجوده على ما يسجد عليه، لما مر في سجدة العزائم (5). وتردد فيه
في شرح القواعد (6)، ولم يشترطه في الذكرى والحبل المتين (7)، للأصل، وهو يندفع

(1) سنن النسائي 3: 65.
(2) الفقيه 1: 218 / 972، التهذيب 2: 109 / 413، الوسائل 7: 7
أبواب سجدتي الشكر ب 1 ح 6.
(3) الإحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.
(4) المبسوط 1: 114.
(5) راجع ص 321.
(6) جامع المقاصد 2: 317.
(7) الذكرى: 213، الحبل المتين: 245.
397

بما مر.
وكذا الكلام في ارتفاع موضع السجود.
واشترط في الذكرى فيها السجود على الأعضاء السبعة، معللا بتوقف
صدق السجود عليه (1). وأنكره شيخنا البهائي (2)، وبعض آخر (3)، وهو كذلك.
فعدم الاشتراط قوي. وأما أدلة اشتراطه في سجود الصلاة فغير جارية هنا
إلا المطلقات المتضمنة لقوله: (السجود على سبعة أعظم) (4) ودلالتها على الزائد
على الرجحان ممنوعة. وأما ما في بعضها من أن السبعة فرض فحمله على الوجوب
الأعم من الشرطي مجاز لا قرينة له، بل يحتمل التخصيص بالسجدات الواجبة.
والظاهر حصولي المستحب بسجدة واحدة من غير ذكر أيضا.
ولكن يستحب فيها أن يفترش ذراعيه ويصدق صدره وبطنه بالأرض،
لرواية ابن خاقان: رأيت أبا الحسن الثالث عليه السلام سجد سجدة الشكر،
فافترش ذراعيه وألصق صدره وبطنه بالأرض، فسألته عن ذلك فقال: (كذا
يجب) (5).
وقريبة منها رواية جعفر بن علي (6).
وأن يقول فيه: شكرا شكرا ثلاث مرات، كما في المروي في الذكرى (7)،
أو يقول: شكرا ثلاثا، للمرويين في العلل والعيون: (السجدة بعد الفريضة

(1) الذكرى 213.
(2) الحبل المتين: 245 وظاهره أن في المسألة وجهين، فهو غير منكر فيه.
(3) كصاحب الحدائق 8: 350.
(4) انظر: الوسائل 6: 343 أبواب السجود ب 4.
(5) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 15 بتفاوت يسير، التهذيب 2: 85 / 312،
الوسائل 7: 13 أبواب سجدتي الشكر ب 4 ح 2.
(6) الكافي 3: 324 الصلاة ب 25 ح 14، التهذيب 2: 85 / 311،
الوسائل 7: 13 أبواب سجدتي الشكر ب 4 ح 3.
(7) الذكرى: 213.
398

شكرا لله على ما وفق له العبد من أداء فرضه، وأدنى ما يجزئ فيها من القول أن
يقول: شكرا لله شكرا لله شكرا لله، ثلاث مرات) (1) الحديث.
وأفضل منه مائة مرة شكرا، أو عفوا، كما في رواية المروزي: (قل في سجدة
الشكر مائة مرة شكرا شكرا، وإن شئت عفوا عفوا) (2).
وأن يسجد سجدتين، كما صرح به جماعة، ودلت عليه رواية أخرى
للمروزي: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في سجدتي الشكر، فكتب إلي:
(مائة مرة شكرا شكرا، وإن شئت عفوا عفوا) (3).
فإن المستفاد منها معروفية التعدد، وظاهرها كفاية المائة مرة فيهما بأي نحو
كان، سواء وزعها عليهما أو خصصها بأحدهما. ولكن صرح في حسنة ابن جندب
الآتية بذكرها في الأخيرة.
وأن يصدق بين السجدتين خديه بالأرض، بل في المنتهى والتذكرة وشرح
القواعد: الاجماع على استحباب تعفيرهما فيه (4)
ويدعو بالمأثور، كما في حسنة ابن جندب: عما أقول في سجدة الشكر فقد
اختلف أصحابنا فيه، فقال: (قل وأنت ساجد: اللهم إني أشهدك وأشهد
ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنك أنت الله ربي، والاسلام ديني،
ومحمد نبيك، وفلان وفلان - إلى آخرهم - أئمتي، بهم أتولى ومن عدوهم أتبرأ،
اللهم إني أنشدك دم المظلوم، ثلاثا، اللهم إني أنشدك بايوائك على نفسك
لأعدائك لتهلكنهم بأيدينا وأيدي المؤمنين، اللهم إني أنشدك بإيوائك على نفسك

(1) العلل: 360 / الباب 79، العيون 1: 219 / 27، الوسائل 7: 5
أبواب سجدتي الشكر ب 1 ح 3.
(2) الفقيه 1: 218 / 969، العيون 1: 218 / 23، الوسائل 7: 16
أبواب سجدة الشكر ب 6 ح 2.
(3) الكافي 3: 344 الصلاة ب 32 ح 20، التهذيب 2: 111 / 417،
وفيهما: سجدة الشكر، بلفظ المفرد. الوسائل 7: 16 أبواب سجدتي الشكر ب 6
ذيل حديث 2.
(4) المنتهى 1: 303، التذكرة 1: 125، جامع المقاصد 2: 316.
399

لأوليائك لتظفرنهم بعدوك وعدوهم أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل
محمد، ثلاثا، اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر، ثلاثا. ثم ضع خدك الأيمن
على الأرض وتقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق علي الأرض بما رحبت،
ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كنت عن خلقي غنيا، صل على محمد وعلى
المستحفظين من آل محمد. ثم ضع خدك الأيسر وتقول: يا مذل كل جبار ويا معز
كل ذليل، قد وعزتك بلغ مجهود، ثلاثا. ثم تقول: يا حنان يا منان يا كاشف
الكرب العظام ثلاثا. ثم تعود للسجود فتقول مائة مر شكرا شكرا، ثم تسأل
حاجتك إن شاء الله) (1).
وورد في رواية سليمان أدعية أخرى للسجدة الأولى ووضع الخدين، ولم
يذكر السجدة الثانية (2)، ولكن لا دلالة فيها على أنها سجدة الشكر فلعلها سجدة
أخرى.
وذكر جماعة منهم الشهيدان وصاحب المدارك الجبينين بدل الخدين (3)، ولا
دليل عليه إلا بعض الأخبار الذي - لو تمت دلالته على استحباب تعفيرهما - لم
نعده في سجدة الشكر (4).
ويجوز الصاق الخدين بدون ذكر الدعاء، لأصالة عدم الاشتراط. بل بدون
السجدة الأخيرة بل بدون سجدة، لورود استحباب مطلق الصاق الخدين

(1) الكافي 3: 325 الصلاة ب 25 ح 17، الفقيه 1: 217 / 966، التهذيب 2:
110 / 416، الوسائل 7: 15 أبواب سجدتي الشكر ب 6 ح 1.
(2) الكافي 3: 326 الصلاة ب 25 ح 19، التهذيب 2: 111 / 418، الوسائل 7: 17
أبواب سجدتي الشكر ب 6 ح 5.
(3) الشهيد الأول في الذكرى: 213، الشهيد الثاني في المسالك 1: 32،
والروضة البهية 1: 286، صاحب المدارك 3: 424، لكن الظاهر من كلماتهم استحباب
تعفير الجبينين والخدين معا بين سجدتي الشكر.
(4) يظهر من الكتب الفقهية أن المراد من بعض الأخبار رواية مولانا العسكري عليه السلام: (علامات المؤمن خمس - إلى أن قال: - وتعفير الجبين) مصباح المتهجد:
730، الوسائل 14: 478 أبواب المزار ب 56 ح 1.
400

بالأرض بعد الصلاة. والأولى عدم قصد كونها من سجدة الشكر في الأخيرين.
وهل يجوز تكرير السجدتين بدون الخدين؟ فيه نظر.
ثم إنه ذكر جماعة أن هذه السجدة بعد تمام التعقيب (1)، واستدلوا عليه بما
رواه الصدوق من: أن الكاظم عليه السلام كان يسجد بعدما يصلي الفجر، فلا
يرفع رأسه حتى يتعالى النهار (2).
وفي دلالته نظر، لعدم تعين كونه سجدة الشكر، ولا بعد تمام التعقيب،
ولا على استحباب ما فعل بخصوصه.
ولكن لا بأس به بعد فتوى الفقيه، سيما مع ايجابه شكر التوفيق للدعاء
أيضا.
وقد اختلفت الأخبار وكلمات الأخيار في سجدة الشكر في صلاة المغرب،
فصرح في المنتهى أنها بعد نافلتها، لرواية حفص: صلى بنا أبو الحسن صلاة
المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة، فقلت له: كان آباؤك يسجدون بعد
الثالثة، فقال: (ما كان أحد من آبائي يسجد بعد الثالثة) (3).
وظاهر الذكرى والمدارك التخيير (4)، جمعا بين ما مر وبين رواية جهم:
رأيت أبا الحسن موسى وقد سجد بعد الثلاث ركعات من المغرب، فقلت:
جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث، فقال: (رأيتني؟) فقلت: نعم، فقال:
(فلا تدعها) (5).

(1) منهم الشهيد الأول في الذكرى: 213، والمحقق الثاني في جامع المقاصد
2: 316، وصاحب المدارك 3: 424.
(2) الفقيه 1: 218 / 970، الوسائل 7: 8 أبواب سجدتي الشكر ب 2 ح 1.
(3) التهذيب 2: 114 / 426، الإستبصار 1 347 / 1308، الوسائل 6: 489،
أبواب التعقيب ب 31 ح 1، وفي جميعها: (ما كان أحد من آبائي يسجد إلا بعد
السابعة).
(4) الذكرى: 113، المدارك 3: 16.
(5) الفقيه 1: 217 / 967، التهذيب 2: 114 / 427، الإستبصار 1: 347 / 1309،
الوسائل 6: 489 أبواب التعقيب ب 31 ح 2.
401

وكان هذا الجمع حسنا لولا ترجيح الثانية بالتوقيع المروي في الاحتجاج،
وفيه - بعد السؤال عن سجدة الشكر في صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد
أربع ركعات النافلة -: (وأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في
أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع، فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على
الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح،
فالأفضل أن تكون بعد الفرائض، وإن جعلت أيضا بعد النوافل جاز) (1).
وأما مع هذا الخبر فيتعين ترجيح الثانية كما لا يخفى.
ويستحب بعد رفع الرأس من السجدة أن يضع باطن كفه موضع سجوده
ثم يرفعها فيمسح بها وجهه وصدره، لمرسلة المقنعة: (فإذا رفع أحدكم رأسه من
السجود فليمسح بيده موضع سجوده، ثم يمسح بها وجهه وصدره) (2).
وروي في مكارم الأخلاق: (إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع
سجودك، ثم أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر، وعلى جبهتك إلى
جانب خدك الأيمن، ثم قل: بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة
الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن، ثلاثا) (3).
ولكن الظاهر اختصاص استحباب هذا النوع بصورة إصابة الهم،
والطريق الأول عام، وعلى أي تقدير لا يختص شئ منهما بسجدة الشكر، بل ورد
بعد السجدة وإن ذكرهما بعض الأصحاب عقيبها (4).
وكذا ما ذكره بعضهم من استحباب إطالة السجود و قول يا رب يا رب في
السجدة حتى ينقطع النفس (5)، فإن الكل في الأخبار مذكور (6)، ولكل فضل

(1) الإحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.
(2) المقنعة: 109.
(3) مكارم الأخلاق: 287.
(4) انظر: الحدائق 8: 348.
(5) انظر: الحدائق 8: 352.
(6) انظر: الوسائل 7: ب 6 و 7 في أبواب سجدتي الشكر.
402

كثير، ولكن لم يذكر شئ منه لخصوص سجدة الشكر.
فائدة:
ذكر الشيخ وجمع من الأصحاب أن حكم المرأة حكم الرجل في غير الجهر
والاخفات (1)، نعم يختلفان في بعض الآداب، كما ورد في حسنة زرارة حيث قال
فيها: (إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها، ولا تفرخ بينهما وتضم يديها
إلى صدرها لمكان ثدييها، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا
تطأطئ كثيرا فيرتفع عجزها، وإذا جلست فعلى أليتها وليس كما يقعد الرجل، وإذا
سقطت للسجود بدأت بالقعود بالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض،
وإذا كانت في جلوسها ضمت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض، وإذا نهضت
انسلت انسلالا لئلا يرتفع عجزها أولا) (2).

(1) النهاية: 73 وانظر القواعد 1: 36، وجامع المقاصد 2: 363.
(2) الكافي 5: 335 الصلاة ب 29 ح 2، التهذيب 2: 94 / 350، الوسائل
5: 462، أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 4، وفي المصادر (عجيزتها) مكان (عجزها).
403

الباب الثاني
في النوافل اليومية
405

وفيه مسائل:
المسألة الأولى: النوافل المرتبة أربع وثلاثون ركعة، بالاجماع المحقق،
والمحكي عن الانتصار والخلاف (1). وفي المختلف: إنه لم نقف فيه على
خلاف (2). وفي الذكرى: لا نعلم فيه مخالفا من الأصحاب (3) - وأما ما في الشرائع
والنافع من أنه الأشهر (4)، فالمراد في الرواية - فهو الحجة فيه، مضافا
إلى المستفيضة الدالة على العدد جملة أو تفصيلا (5).
وأما الأخبار العادة لها بأقل من الأربع والثلاثين، باسقاط الوتيرة كما في
بعضها، أو مع أربع من نوافل العصر كما في آخر، أو معها وثنتين من المغربية كما
في غيرهما (6).
فهي على نفي استحباب الزائد غير دالة، فلما مر غير مخالفة. ومع مخالفتها
فلعدم حجيتها - وإن كثرت وتضمنت الصحيح - باعتبار مخالفتها للشهرة بل
الاجماع، وعدم عمل أحد من الأصحاب بها - كما صرح به الصيمري أيضا (7) -
مطروحة.
ثم من هذه الأربع والثلاثين ثمان للظهر قبلها، وثمان للعصر قبلها، وأربع
للمغرب بعدها، والوتيرة ركعتان من جلوس يعد بركعة، وصلاة الليل ثمان
ركعات، وركعتا الشفع، وركعة الوتر، وركعتان للفجر قبلها، على المشهور على

(1) الإنتصار: 50، الخلاف 1: 525.
(2) المختلف: 123.
(3) الذكرى: 112.
(4) الشرائع 1: 60، المختصر النافع: 21.
(5) انظر: الوسائل 4: 45، أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13.
(6) انظر: الوسائل 4: 40 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13، و ص 59
ب 14.
(7) حكاه عنه في الرياض 1: 99.
407

ما قيل (1) وهو صريح الدروس واللمعة والقواعد والنافع والسرائر والبيان (2) وعن
صريح المقنعة والمهذب والايضاح والإشارة (3).
وهو في الشرائع والتذكرة والمنتهى والذكرى: ثمان قبل الظهر وثمان قبل
العصر (4)، وهو ليس بنص بل ولا ظاهر في المشهور.
وفي الهداية وعن ظاهر الجامع: أن الست عشر للظهر (5).
وعن الإسكافي: أن اثنتين منها للعصر والبواقي للظهر (6).
وفي نهاية الشيخ والسرائر: ثمان بعد فريضة الظهر وقبل فريضة العصر (7).
وهو كما ترى لا يفيد أحد الأقوال.
للأول: المروي في العلل: لأي علة أوجب صلاة الزوال ثمان قبل الظهر
وثمان قبل العصر؟ فقال عليه السلام: (لتأكيد الفرائض) (8) الحديث.
وفي العيون: (ثمان ركعات قبل فريضة الظهر وثمان ركعات قبل فريضة
العصر) (9).
ولا دلالة لهما على أن الثمان قبل العصر تطوع لصلاة العصر، وترجيح قبل
العصر على بعد الظهر لعله لاستحباب التأخير إلى أن يقرب وقت العصر ويتصل
بصلاته.

(1) المدارك 3: 11.
(2) الدروس 1: 136، اللمعة (الروضة 1): 169، القواعد 1: 24، المختصر النافع:
21، السرائر 1: 139، البيان: 108.
(3) المقنعة: 91 المهذب 1: 67، الإيضاح 1: 73، الإشارة: 87.
(4) الشرائع 1: 60، التذكرة 1: 70، المنتهى 1: 194، الذكرى: 112.
(5) الهداية: 30، الجامع للشرائع: 58.
(6) حكاه عنه في المختلف: 123.
(7) النهاية: 57، السرائر 1: 193.
(8) العلل: 328 / 3، الوسائل 4: 53 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 21.
(9) عيون أخبار الرضا (ع) 2: 121، الوسائل 4: 54 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 13 ح 23.
408

وعلى ذلك يحتمل حمل ما ورد فيه أربع بعد الظهر وأربع قبل العصر
أيضا (1)، فلا يصير مثله قرينة على إرادة نسبة النافلة إلى الصلاة.
مع أنهما مع الدلالة معارضتان بأكثر منهما وأقوى، كما قي خبر حنان: (كان
النبي صلى الله عليه وآله يصلي ثمان ركعات الزوال، وأربعا الأولى، وثمان بعدها،
وأربعا العصر) (2).
وخبر حماد بن عثمان: عن التطوع بالنهار، فذكر أنه يصلي ثمان ركعات قبل
الظهر وثمان بعدها (3).
وصحيحة حماد بن عثمان وفيها: (ألا أخبرك كيف أصنع أنا؟) فقلت: بلى
فقال: (ثمان ركعات قبل الظهر وثمان بعدها) (4) إلى غير ذلك.
ورواية سليمان بن خالد وفيها: (ست ركعات بعد الظهر وركعتان قبل
العصر) (5).
ولعل غير الأخيرة مما ذكر دليل الهداية والجامع، وهي دليل الإسكافي.
وقد عرفت ضعف الدلالة، فإن البعدية والقبلية غير دالتين على أنها
نافلتها، ووجه نسبة البعض إلى قبل العصر وبعضها إلى بعد الظهر فلعله أمر آخر
كمراعاة الوقت، أو استحباب الاتصال والأقربية بإحدى الصلاتين كما مر.
مع أنه على فرض الدلالة لا يصلح شئ منها للاستناد، للتعارض الخالي
من المرجح رأسا. فالمسألة محل تردد وتوقف جدا.
إلا أن لقول الإسكافي قوة؟ لموثقة عمار: (لكل صلاة مكتوبة ركعتان نافلة

(1) انظر: الوسائل 4: 47، أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 7.
(2) الكافي 3: 443 الصلاة ب 89 ح 5، التهذيب 2: 4 / 4، الإستبصار 1: 218 / 774،
الوسائل 4: 47 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 6.
(3) الكافي 3: 444 الصلاة ب 89 ح 9، التهذيب 2: 9 / 18، الوسائل 4: 48 أبواب
أعداد الفرائض
ونوافلها ب 13 ح 8.
(4) التهذيب 2: 5 / 7، الوسائل 4: 50 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها
ب 13 ح 15.
(5) التهذيب 2: 5 / 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب
13 ح 16.
409

إلا العصر، فإنه تقدم نافلتها وهي الركعتان اللتان تمت بها الثماني بعد الظهر (1).
وإجمال بعض أجزائه لا يوجب ترك ما يدل على المطلوب منها.
ثم إنه ذكر جماعة أنه لا ثمرة مهمة لتحقيق ذلك بعد ثبوت استحباب
الثمان، لعدم لزوم قصد ذلك في النية وعدم ظهور فائدة أخرى.
وما قيل من ظهورها في اعتبار إيقاع الست قبل القدمين أو المثل، وفيما إذا
نذر نافلة العصر (2)، ففيه تأمل:
أما الأول فلأن المستفاد من الروايات ليس إلا استحباب إيقاع الثمان التي
قبل الظهر قبل القدمين أو المثل، والثمان التي بعدها قبل الأربعة أو المثلين من
غير إضافة إلى الظهر أو العصر، فلا يتفاوت الحكم سواء قلنا أنها للظهر أو
العصر.
وأما الثاني فلأن النذر تابع للقصد، فإن قصد الثمان أو الركعتين وجبت
عليه ذلك. إلا أن يقصد ما هو نافلة العصر شرعا مجملا، وحينئذ في انعقاد النذر
إشكال؟ لعدم ظهور اختصاص من الأخبار.
أقول: الظاهر لمزاول الأخبار استفادة اختصاص نافلة بالعصر أيضا، ولو
نوقش فيه أيضا فلا رب في اختصاص صلاة الظهر بالنافلة كما تدل عليه موثقة
عمار وفيها: (وللرجل إذا كان قد صلى من نوافل الأولى شيئا قبل أن يحضر العصر
فله أن يتم نوافل الأولى إلى أن يمضي بعد حضور العصر قدم) (3).
وحينئذ فتظهر الثمرة فيما إذا نذر ما هو نافلة صلاة الظهر.
ويمكن ظهور الفائدة أيضا فيما إذا صلى المسافر الظهر في السفر ثم دخل
الوطن وصلى العصر فيه، أو صلى الظهر في الوطن وسافر قبل صلاة العصر، فإنه
يجوز له إيقاع الثمان التي قبل العصر في الأول ولا يجوز في الثاني على المشهور،

(1) التهذيب 2: 273 / 1086، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 5.
(2) قد ذكر الثمرة الثانية في المختلف: 123.
(3) التهذيب 2: 273 / 1086، الوسائل 5: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.
410

ويعكس الأمر على قول الهداية، وتجوز الركعتان خاصة في الأول ولا تجوز كذلك في
الثاني على قول الإسكافي.
المسألة الثانية: يكره الكلام بين أربع ركعات المغرب، لرواية أبي
الفوارس: نهاني أبو عبد الله أن أتكلم بين أربع ركعات التي بعد المغرب (1).
ورواية أبي العلاء: (من صلى المغرب ثم عقب ولم يتكلم حتى يصلي
ركعتين كتبتا [له] في عليين، فإن صلى أربعا كتبت له حجة مبرورة) (2).
وتدل الأخيرة على كراهة الكلام بينها وبين المغرب بنير التعقيب أيضا، كما
صرح بها الجماعة (3).
وأما التعقيب ففي استحباب تأخيره عنها مطلقا، للمروي عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه لما بشر بالحسن عليه السلام صلى ركعتين بعد المغرب شكرا،
فلما بشر بالحسين عليه السلام صلى ركعتين ولم يعقب حتى فرغ منها (4). فإن
ظاهره عدم الاتيان بشئ من التعقيب إلى الفراغ من الأربع.
والمروي في إرشاد المفيد عن أبي جعفر الثاني عليه السلام: فصلى عليه
السلام بالناس صلاة المغرب، وقام من غير أن يعقب. فصلى النوافل أربع
ركعات، وعقب بعدها، وسجد سجدتي الشكر (5).

(1) الكافي 3: 443، الصلاة ب 89 ح 7، التهذيب 2: 114 / 425، الوسائل
6: 488 أبواب التعقيب ب 30 ح 1.
(2) الفقيه 1: 143 / 664، التهذيب 2: 113 / 422، الوسائل 6: 488
أبواب التعقيب ب 30 ح 2.
(3) كما في التذكرة 1: 72، والذكرى: 113، والمدارك 3: 14.
(4) الفقيه 1: 289 / 1319، التهذيب 2: 113 / 424، الوسائل 4: 488 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 24 ح 6. ولا يخفى أن فقرة: ولم يعقب حتى فرغ منها، غير مذكورة في المصادر ولا
إشعار بها فيها. ولكن ذكرها المفيد في المقنعة ص 117، حيث استدل على تأخير التعقيب عن نافلة المغرب بهذه الرواية.
(5) الإرشاد 2: 288، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 4.
411

أو تأخير غير التسبيح بتخصيص ما مر بغيره، لصحيحة ابن سنان: (من
سبح تسبيح فاطمة عليها السلام قبل أن يثني رجليه من صلاة الفريضة غفر
له) (1).
أو تأخر بعض وتقديم بعض، جمعا بين ما مر وبين ما يأتي، وللمروي في
العيون عن الرضا عليه السلام أنه كان يصلي المغرب ثلاثا، فإذا سلم جلس في
مصلاه يسبح الله وبحمده ويكبره ويهلله ما شاء الله، ثم يسجد سجدة الشكر، ثم
يرفع رأسه ولم يتكلم حتى يقوم، فيصلي أربع ركعات بتسليمتين، ثم جلس بعد
التسليم في التعقيب ما شاء الله (2).
أو تقديمه مطلقا، كما عن شيخنا البهائي، لرواية أبي العلاء المتقدمة،
والتوقيع المروي في الاحتجاج: كتب إليه يسأله عن سجدة الشكر في صلاة
المغرب بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟ فأجاب عليه السلام: (إن
فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعد النوافل كفضل الفرائض
على النوافل، والسجدة دعاء وتسبيح، والأفضل أن تكون بعد الفرض فإن
جعلت بعد النوافل أيضا جاز) (3).
وتؤيده رواية سعيد بن زيد: (إذا صليت المغرب فلا تبسط رجلك ولا تكلم
أحدا حتى تقول مائة مرة: بسم الله الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم) (4).
ورواية الحسين بن خالد: (من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني
رجليه: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ذو الجلال والاكرام، ثلاث

(1) الكافي 3: 342 الصلاة ب 89 ح 6، التهذيب 2: 105 / 395، الوسائل
6: 439 أبواب التعقيب ب 7 ح 1.
(2) العيون 2: 179، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 24.
(3) الإحتجاج: 486، الوسائل 6: 490 أبواب التعقيب ب 31 ح 3.
(4) الكافي 2: 531 الدعاء ب 48 ح 29، الوسائل 6: 479 التعقيب ب 25 ح 12.
412

مرات، غفر الله له ذنوبه) (1).
وما ورد من استحباب التكبيرات الثلاث ودعائها بعد التسليم (2).
أقوال (3)، أقواها الأخير، لما ذكر، مع ضعف الاحتجاج بما احتج به على
خلافه:
أما حديث البشارة فلعدم ثبوته. ولا يفيد التسامح في أدلة السنن، لأنه إنما
كان يفيد إذا ثبتت الملازمة بين فعله عليه السلام وبين استحبابه لنا، وهي غير
ثابتة، بل الثابت - لو سلم - هو الملازمة بين علمنا بفعله أو ثبوته بظن ثابت
الحجية وبين استحبابه لنا، وهو هنا غير متحقق، مع أن ثبوت الاستحباب بثبوت
فعله مطلقا أيضا ممنوع.
وأما البواقي فلعدم ثبوت الاستحباب في حقنا في فعل غير النبي من
المعصوم إذا لم يعلم وجهه مطلقا، مع معارضتها بما روي في العيون عن الرضا
عليه السلام أنه كان يسجد بعد تعقيب المغرب قبل النافلة (4).
ومنه ومن التوقيع المذكور تظهر أفضلية تقديم سجدتي الشكر على النافلة
أيضا، كما يظهر مما ذكرنا ضعف دلالة ما يستند إليه في أفضلية تأخير ما عنها.
المسألة الثالثة: قد عرفت أن من النوافل ركعتين بعد العشاء، وهما من
جلوس تعدان ركعة من قيام، كما صرح به المستفيضة بل المتواترة، كحسنة
الفضيل: (الفريضة والنافلة إحدى وخمسون ركعة، منها ركعتان بعد العتمة
جالسا تعدان بركعة وهو قائم) (5).

(1) الكافي 2: 521 الدعاء ب 47 ح 1، الوسائل 6: 470 أبواب التعقيب
ب 24 ح 4، وفيهما عن الحسين بن حماد.
(2) انظر الوسائل 6: 452 أبواب. التعقيب ب 14.
(3) أي: في استحباب تأخير التعقيب عن نوافل المغرب مطلقا، أو تأخير غير
التسبيح، أو تأخير بعض أو تقديمه مطلقا أقوال.
(4) راجع ص 412 الرقم 2.
(5) الكافي 3: 443 الصلاة ب 89 ح 2، التهذيب 2: 4 / 2، الإستبصار 1: 218 / 772،
الوسائل 4: 46 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 3.
413

ورواية البزنطي: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن أصحابنا يختلفون
في التطوع فبعضهم يصلي أربعا وأربعين، وبعضهم يصلي خمسين، فأخبرني
بالذي تعمل به كيف هو حتى أعمل بمثله؟ فقال: (أصلي واحدة وخمسين ركعة)
وعدها إلى أن قال: (وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام) (1).
ورواية الحجال، عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه كان يصلي ركعتين بعد
العشاء يقرأ فيهما بمائة آية ولا يحتسب بهما، وركعتين وهو جالس يقرأ فيهما
بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون (2) الحديث.
والمروي في الخصال بعد عد صلاة الفريضة (والسنة أربع وثلاثون ركعة)
إلى أن قال: (وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة) (3).
ومثله في العيون وتحف العقول (4).
وفي دعائم الاسلام: (وبعد العشاء ركعتان من جلوس تعدان بركعة، لأن
صلاة الجالس لغير علة على النصف من صلاة القائم) (5).
وفي فقه الرضا: (وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس يحسب ركعة من
قيام) (6).
وفي العلل: لأي علة يصلي الركعتان بعد العشاء الآخرة من قعود؟ فقال:
(لأن الله فرض سبع عشرة ركعة فأضاف إليها رسول الله صلى الله عليه وآله مثليها
،

(1) الكافي 3: 444 الصلاة ب 89 ح 8، التهذيب 2: 8 / 14 الوسائل 4: 47 أبواب
أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 7.
(2) التهذيب 2: 341 / 1410، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 15.
(3) الخصال: 603، الوسائل 4: 57 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 25.
(4) العيون 2: 120 / 1، تحف العقول: 312، الوسائل 4: 54 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 13 ح 23.
(5) دعائم الاسلام 1: 208، مستدرك الوسائل 3: 49 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 13 ح 25.
(6) فقه الرضا (ع): 99، مستدرك الوسائل 3: 50 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 13 ح 4.
414

فصارت إحدى وخمسين ركعة، فتعد هاتان الركعتان من جلوس بركعة) (1).
وفي رجال الكشي عن الرضا عليه السلام قال: (إن أهل البصرة سألوني
فقالوا: إن يونس يقول: من السنة أن يصلي الانسان ركعتين وهو جالس بعد
العتمة، فقلت: صدق يونس) (2) إلى غير ذلك.
وتدل عليه المستفيضة المصرحة بأن الفرائض والنوافل إحدى وخمسون
ركعة (3) والمستفيضة الدالة على أن التطوع مثلا الفريضة (4).
وفي أفضلية الجلوس فيهما من القيام وعكسها قولان:
الأول صريح روض الجنان (5) وظاهر الأكثر إن لم نقل بأن ظاهرهم تعين
الجلوس، لما مر وللمستفيضة الدالة على استحباب البيتوتة على وتر، وأنه هو هاتان
الركعتان.
فمن الأولى صحيحة زرارة: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا
بوتر) (6) ومثله في العلل (7).
وفيه أيضا: (ولا يبيتن الرجل وعليه وتر) (8).
ومن الثانية المروي فيه أيضا: قلت: أصلي العشاء الآخرة فإذا صليت
صليت ركعتين وأنا جالس، فقال: (أمانها واحدة ولو بت بت على وتر) (9).
وفيه أيضا: قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتن إلا بوتر)

(1) علل الشرائع: 330 / 1، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض ب 29 ح 6.
(2) رجال الكشي 2: 784 / 934، الوسائل 4: 97 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 29 ح 9.
(3) انظر الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13.
(4) انظر الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13.
(5) روض الجنان: 175.
(6) التهذيب 2: 341 / 1412، الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 29 ح 1.
(7) علل الشرائع: 330 / 4، الوسائل 4: 95 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 29 ح 4.
(8) علل الشرائع: 330 / 3، الوسائل 4: 95 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها
ب 29 ح 5.
(9) علل الشرائع: 330 / 2، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 29 ح 7 وفيهما:
(ولو مت مت على وتر). وفي البحار 84: 105 نقلا عن العلل مثل ما في المتن.
415

قلت: يعني الركعتين بعد العشاء الآخرة؟ قال: (نعم إنهما ركعة، فمن صلاهما ثم
حدث به حدث مات على وتر، فإن لم يحدث حدث الموت صلى الوتر في آخر
الليل) فقلت له: هل يصلي رسول الله هاتين الركعتين؟ قال: (لا) قلت: ولم؟
قال: (لأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأتيه الوحي، وكان يعلم أنه هل
يموت في هذه الليلة أولا، وغيره لا يعلم، فمن أجل ذلك لم يصلهما وأمر بهما) (1).
ورد دلالة الأحاديث المتقدمة: بأن غاية ما تدل عليه أن ما هو المقصود من
شرعية النافلة يتحقق مع الجلوس وهو غير منات - لأفضلية غيره. والحاصل أنها لا
تدل على أزيد من ثبوت فضيلة للجلوس لا أفضليته، ولعل ذكره لأن هذا القدر من
الفضيلة كاف في المقصود من النافلة والزائد فضل آخر.
والبواقي: بأنه إذا كانت الركعتان من قيام بدل الركعتين من جلوس
المحسوبتين بركعة يصح اطلاق الركعة والوتر عليهما مجازا.
ويجاب عن الأول: بأنه إنما يفيد لو ثبت أفضلية الغير بل توقيفه.
والثاني: بأن صحة التجوز لا تدل على وقوعه.
والثاني صريح الروضة (2)، ووالدي في المعتمد، ونفى المحقق الأردبيلي عنه،
البعد (3)، ومال إليه في الحدائق (4)، لصحيحة الحارث النصري علي ما في
التهذيب: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (صلاة النهار ست عشرة
ركعة: ثمان إذا زالت الشمس وثمان بعد الظهر، وأربع ركعات بعد المغرب. يا
حارث، لا تدعهن في سفر ولا في حضر، وركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي
يصليهما وهو قاعد، وأنا أصليهما وأنا قائم) (5).

(1) علل الشرائع: 330 / 1، الوسائل 4: 96 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 29 ح 8 مع تفاوت
يسير.
(2) الروضة 1: 169.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 2: 6.
(4) الحدائق 6: 62.
(5) التهذيب 2: 4 / 5 و 9 / 16، الوسائل 4: 48 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 13 ح 9.
416

دلت على مواظبة الإمام عليه السلام على القيام وهي آية الأفضلية. ولا
يعارضه فعل أبيه، لأنه كان يصلي جميع النوافل جالسا، كما نطقت به الأخبار (1).
ولموثقة سليمان بن خالد: (صلاة النافلة ثماني ركعات حين تزول الشمس)
إلى أن قال: وركعتان بعد العشاء الآخرة يقرأ فيهما مائة آية قائما أو قاعدا،
والقيام أفضل، ولا تعدهما من الخمسين) (2).
ولعمومات أفضلية القيام في الصلاة على القعود (3).
ويضعف الأول: بأنه معارض مع رواية البزنطي المتقدمة الدالة على مواظبة
أبي الحسن عليه السلام على القعود فيهما (4). بل هذه بالتمسك بها على أفضلية
الجلوس أحرى، لمعارضة الأولى مع رواية الحجال السابقة الدالة على مواظبة أي
عبد الله عليه السلام أيضا على الجلوس (5)، الموجبة لتساقطهما، وخلو فعل أبي
الحسن عليه السلام عن المعارض.
بل هنا كلام آخر وهو أن المستفاد من رواية الحجال أن أبا عبد الله عليه
السلام كان يصلي بعد العشاء، ركعتين أخريين غير الوتيرة أيضا، وتصرح به
صحيحة ابن سنان: رأيته - يعني أبا عبد الله - يصلي بعد العتمة أربع
ركعات (6).
فلعل هاتين الركعتين أيضا اللتين كان يصليهما من قيام كانتا غير الوتيرة،
وهو وجه الجمع بين صحيحة الحارث ورواية الحجال.

(1) منها خبر حنان بن سدير. انظر: الوسائل 5: 491 أبواب القيام ب 4 ح 1.
(2) التهذيب 2: 5 / 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها
ب 13 ح 16.
(3) انظر: الوسائل 5: 492 أبواب القيام ب 4 ح 3، ورواها في الفقيه 1:
342 / 1513.
(4) راجع ص 414.
(5) راجع ص 415.
(6) التهذيب 2: 6 / 9، الإستبصار 1: 219 / 775، الوسائل 4: 60
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 4.
417

ومنه يظهر ضعف التمسك بالموثقة أيضا، بل اتحاد الركعتين اللتين جعل
القيام فيهما أفضل فيها مع ما كان يضمهما مع الركعتين من جلوس أظهر، بقرينة
قراءة مائة آية فيهما وعدم احتسابهما من الركعتين - كما صرح به في الموثقة
وفي رواية الحجال - ولا أقل من الاحتمال المساوي فيسقط الاستدلال.
ومن ذلك يظهر القدح في تجويز القيام فيهما أيضا، إذ لا مجوز له إلا
الصحيحة والموثقة، وبعد ما عرفت من عدم دلالتهما يبقى جواز القيام بلا دليل.
ولتوقيفية العبادة وعدم توقيف الركعتين إلا جالسا لا يكون القيام فيهما جائزا.
وهو الأقوى، كما هو ظاهر الأكثر أيضا حيث قيدهما بالجلوس من غير تجويز القيام،
خلافا للجامع والشهيد (1)، فصرحا بجواز القيام لبعض ما عرفت ضعفه.
وأما ما ذكر أخرا من عمومات أفضلية القيام في الصلاة ففيه: منع ما دل
بعمومه على أن القيام في كل صلاة أفضل، بل غاية ما ثبت من الأخبار أن صلاة
القائم أفضل من صلاة القاعد، وهو لا يدل على جواز القيام أو أفضليته في كل
صلاة.
ثم الأفضل تأخر هاتين الركعتين عن التعقيب، للتوقيع المتقدم (2). بل عن
كل تنفل يتنفل به بعد العشاء، لتصريح جماعة من العلماء به (3)، وهو كاف في
مقام الاستحباب.
ويستحب أن يقرأ فيهما بالواقعة والتوحيد، لصحيحة ابن أيي عمير (4)
لرواية عبد الخالق (5).
وفي فلاح السائل عن أبي جعفر الثاني: (من قرأ سورة الملك في ليلته فقد

(1) الجامع للشرائع: 111، الشهيد في الدروس 1: 136،
(2) في ص 412 الرقم 3.
(3) كالمفيد في المقنعة: 118، والشهيد الثاني في الروضة 7: 170.
(4) التهذيب 2: 116 / 433، الوسائل 6: 112 أبواب القراءة في الصلاة
ب 45 ح 1.
(5) التهذيب 2: 295 / 1190، الوسائل 6: 112 أبواب القراءة في
الصلاة ب 45 ح 2.
418

أكثر وأطاب ولم يكن من الغافلين، وإني لأركع بها بعد العشاء وأنا جالس) (1)
ويستشم منها أنه كان يقرأ فيها في الوتيرة.
المسألة الرابعة: لا خلاف بيننا في جواز فصل واحدة الوتر عن ركعتي
الشفع، وحكاية الاجماع عليه متكررة (2)، ورواياتنا عليه مستفيضة كصحيحتي
الحناط (3)، وروايتي علي بن أبي حمزة (4)، وغيرهما.
ومنها ما يدل على رجحانه كموثقة سليمان بن خالد: (الوتر ثلاث ركعات
تفصل بينهن وتقرأ فيهن جميعا بقل هو الله أحد) (6).
بل منها ما يدل على تعينه، كصحاح أبي بصير، وسعد وابن عمار، الأولى:
(الوتر ثلاث ركعات ثنتين مفصولة وواحدة) (6).
والثانية: عن الوتر أفصل أم وصل؟ قال: (فصل) (7).

(1) فلاح السائل: 259.
(2) انظر: الخلاف 1: 531، والمنتهى 1: 195، وكشف اللثام 1: 154.
(3) الأولى: الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 29، التهذيب 2: 127 / 487،
الإستبصار 1:
348 / 1313، الوسائل 4: 62 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 1.
الثانية: التهذيب 2: 128 / 489، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 35 ح 8.
(4) الأولى: التهذيب 2: 128 / 490، الوسائل 4: 65 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 15 ح 14.
الثانية: التهذيب 2: 128 / 493، الوسائل 4: 65 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 15 ح 13.
(5) التهذيب 2: 127 / 484، الإستبصار 1: 348 / 1311، الوسائل 4: 64
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 9.
(6) التهذيب 2: 127 / 485، الإستبصار 1: 348 / 1311، الوسائل 4: 64
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 10.
(7) التهذيب 2: 128 / 492، الإستبصار 1: 348 / 1314، الوسائل 4: 65
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 12.
419

والثالثة: (اقرأ في الوتر في ثلاثتهن بقل هو الله أحد وسلم في الركعتين،
توقظ الراقد وتأمر بالصلاة) (1).
كما ذهب إليه جماعة، بل ظاهر التهذيب والمعتبر والتذكرة إجماعنا عليه (2).
خلافا لطائفة من المتأخرين منهم: المدارك والمفاتيح والحدائق والفاضل
الهندي (3)، فجوزوا الوصل أيضا، لصحيحتي يعقوب بن شعيب وابن عمار: في
ركعتي الوتر: (إن شئت سلمت، وإن شئت لم تسلم) (4).
والرضوي: (الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة مثل صلاة المغرب،
وروي أنه واحد ويوتر بركعة ويفصل ما بين الشفع والوتر بسلام) (5).
ورواية كردويه: عن الوتر، فقال: (صله) (6).
ورد الأوليان: بوجوه بعيدة، أقربها حمل التسليم فيهما على التسليم
المستحب يعني: السلام عليكم، لشيوع اطلاقه عليه في الأخبار والفتاوى
اطلاقا شائعا، بحيث يفهم منه كون الاطلاق عليه حقيقيا وعلى غيره مجازيا.
والأخريان: بالضعف.
والأخيرة: باحتمال كون قوله (صله) بتشديد اللام أمرا من الصلاة.
والجميع بالشهود، كما ذكره في المعتبر حيث قال بعد ذكر رواية التخيير:
وهي متروكة عندنا (7).

(1) التهذيب 2: 128 / 488، الوسائل 4: 64 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 15 ح 7.
(2) التهذيب 2: 129، المعتبر 2: 14، التذكرة 1: 71.
(3) المدارك 3: 18، المفاتيح 1: 33، الحدائق 6: 43، الفاضل الهندي في
كشف اللثام 1: 154.
(4) التهذيب 2: 129 / 494 و 495، الإستبصار 1: 348 / 1315 و 1316،
الوسائل 4: 66 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 10 ح 16 و 17.
(6) فقه الرضا (ع): 138.
(5) التهذب 2: 129 / 496، الإستبصار 1: 349 / 1317، الوسائل 4: 66
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 15 ح 18.
(7) المعتبر 14: 2.
420

أقول: ما رد به الأخيرتان وإن كان صحيحا ولكن شذوذ روايات التخيير
عندنا غير معلوم، وثبوته - بقول بعض الآحاد غير واضح.
وصيرورة التسليم حقيقة في السلام عليكم غير ثابت، فحمله على حقيقته
المعلومة متعين، ويلزمه جواز تركه بجميع أفراده لمكان النفي في قوله (وإن شئت
لم تسلم) فيدل على جواز التسليم.
إلا أن هنا احتمالا آخر، وهو وجوب الفصل بقصد الخروج ثم التكبير لمفردة
الوتر على حدة وإن لم يجب التسليم بناء على عدم كونه جزا من الصلاة مطلقا،
بل كونه خارجا واجبا في الفريضة مستحبا في النافلة، فلا يلزم من التخيير فيه
التخيير في الفصل أيضا. وعلى هذا يكون الفصل متعينا، لانحصار التوقيف فيه.
المسألة الخامسة: قد ورد فيما يقرأ في ثلاث ركعات الوتر روايات.
إحداها: التوحيد في الثلاث، كما في صحيحة ابن سنان: عن الوتر ما يقرأ
فيهن جميعا؟ قال: (بقل هو الله أحد) قلت: ثلاثتهن؟ قال: (نعم) (1).
والحارث بن المغيرة: (كان أبي يقول: قل هو الله أحد ثلث القرآن، وكان
يحب أن يجمعها في الوتر ليكون القرآن كله) (2).
والبجلي: (كان بيني وبين أبي باب، فكان إذا صلى يقرأ في الوتر في ثلاثتهن
بقل هو الله أحد) (3).
والحسين عن ابن أبي عمير عن أي مسعود الطائي: (كان رسول الله صلى
الله عليه وآله يجمع قل هو الله أحد في الوتر لكي يجمع القرآن كله) (4).
الثانية: المعوذتين في الأوليين والتوحيد في الثالثة، كما في مرسلة الفقيه:
(من قرأ في الوتر بالمعوذتين وقل هو الله أحد قيل له: أبشر يا عبد الله فقد
قبل الله

(1) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 30، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في
الصلاة ب 56 ح 1.
(2) التهذيب 2: 127 / 482، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في الصلاة ب
56 ح 3.
(3) التهذيب 2: 126 / 481، الوسائل 6: 131 أبواب القراءة في الصلاة
ب 56 ح. 2
(4) التهذيب 2: 124 / 469، الوسائل 6: 129 أبواب القراءة في الصلاة
ب 53 ح 1.
421

وترك) (1).
وصحيحة يعقوب بن يقطين: عن القراءة في الوتر وقلت: إن بعضا روى
قل هو الله أحد في الثلاث، وبعضا روى المعوذتين وفي الثالثة قل هو الله أحد،
فقال: (اعمل بالمعوذتين وقل هو الله أحد) (2) الحديث.
الثالثة: ما رواه أبو الجارود: (كان علي عليه السلام يوتر بتسع سور) (3).
قيل: لعله كان يقرأ في حل من الثلاث بكل من الثلاث، ويحتمل تثليث
التوحيد في كل منها.
الرابعة: ما رواه الشيخ في المصباح: (إن النبي صلى الله عليه وآله كان
يصلي في الثلاث ركعات بتسع سور، في الأولى: ألهاكم التكاثر وإنا أنزلناه وإذا
زلزلت، وفي الثانية: العصر وإذا جاء نصر الله وإنا أعطيناك، وفي المفردة من
الوتر: قل يا أيها الكافرون وتبت وقل هو الله أحد) (4).
ويمكن حمل رواية أبي الجارود على ذلك.
والخامسة: ما ورد في فقه الرضا عليه السلام: (وتقرأ في ركعتي الشفع سبح
اسم ربك، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الوتر قل هو الله أحد) (5).
والسادسة: قراءة التوحيد ثلاثا في كل من الثلاث، والمعوذتين أيضا في
الثالثة، رواه في العيون، كما يأتي في المسألة الآتية (6).
وذكر الشيخ في النهاية، والحلي في السرائر استحباب قراءة الملك وهل أتى
على الانسان في ركعتي الشفع (7).

(1) الفقيه 1: 307 / 1404، الوسائل 6: 132 أبواب القراءة في الصلاة ب 56 ح 8.
(2) التهذيب 2: 127 / 483، الوسائل 6: 132 أبواب القراءة في الصلاة
ب 56 ح 5.
(3) التهذيب 2: 337 / 1390، الوسائل 6: 52 أبواب القراءة في الصلاة ب 8 ح.
(4) مصباح المتهجد: 132، الوسائل 6: 133 أبواب القراءة في الصلاة ب
56 ح 10.
(5) فقه الرضا (ع): 138.
(6) انظر: ص 425.
(7) النهاية: 120، السرائر 1: 308.
422

أقول: لا ريب في جواز العمل بالكل، بل قراءة غير هذه السور، للاجماع
على عدم التعين، وإنما الكلام في الأفضل.
ولا ينبغي الريب في أفضلية الأولى من غير الثانية، لأشهريتها رواية
وفتوى، وأصحية رواياتها، وأصرحيتها، والتصريح في صحيحة الحارث بحب
الإمام لها.
ولا في أفضلية الثانية من الأولى، للتصريح بالأفضلية في صحيحة ابن
يقطين. في أفضل من الجميع، ثم الأولى، ثم البواقي من قراءة غير هذه
السور.
والأفضل الجمع بين الثانية والسادسة، لتضمنه العمل بهما وبالأولى،
ومراعاة الاحتياط فيما يسمى وترا.
ثم المستحب في الأوليين قراءة سورة الناس في الأولى والفلق في الثانية؟
لأن الشيخ نسب ذلك في المصباح إلى الرواية، وذكر في مفتاح الفلاح (1) عكس
ذلك. والعمل بالرواية أولى. ولا يستحب جمعهما في كل من الركعتين بخصوصه،
للأصل. ولا في ركعة واحدة دون الأخرى، له وللاجماع.
المسألة السادسة: الظاهر عدم الخلاف في استحباب القنوت في ثالثة الوتر،
وذكره في كلام الأصحاب مشهور (2)، والروايات به مستفيضة، عموما كصحيحة
البجلي: عن القنوت، فقال: (في كل صلاة فريضة ونافلة) (3).
ورواية محمد: (القنوت في كل صلاة في الفريضة والتطوع) (4).
ومرسلة الفقيه: (القنوت في كل الصلوات) (5).

(1) مصباح المتهجد: 132 ومفتاح الفلاح: 252.
(2) كما في الخلاف 1: 532، المعتبر 2: 25، المدارك 3: 19.
(3) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 5، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 8.
(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 15، الوسائل 6: 264 أبواب
القنوت ب 1 ح 12.
(5) الفقيه 1: 208 / 935، الوسائل 6: 261 أبواب القنوت ب 1 ح 1.
423

وخصوصا كصحيحة ابن سنان: (القنوت في المغرب في الركعة الثانية، وفي
العشاء والغداة مثل ذلك، وفي الوتر في الركعة الثالثة) (1).
ولا في استحبابه فيها قبل الركوع بعد القراءة، وهو أيضا مدلول عليه
بالأخبار العامة كصحيحة ابن عمار: (ما أعرف قنوتا إلا قبل الركوع) (2).
وموثقة سماعة: (والقنوت قبل الركوع وبعد القراءة) (3).
والخاصة كصحيحة يعقوب بن يقطين: عن القنوت في الوتر والفجر وما
يجهر فيه قبل الركوع أو بعده، فقال: (قبل الركوع حين تفرغ من قراءتك) (4).
ومرسلة الفقيه: عن القنوت في الوتر، قال: (قبل الركوع) قال: فإن
نسيت أقنت إذا رفعت رأسي؟ فقال: (لا) (5).
وإنما الخلاف في موضعين.
أحدهما: في ثانية الشفع، فالمشهور - كما يستفاد من كلام شيخنا البهائي
في حواشي مفتاح الفلاح وبعض شراح المفاتيح - استحبابه فيها أيضا، للعمومات
الأولى، مضافة إلى صحيحة الحارث بن المغيرة: (اقنت في كل ركعتين فريضة أو
نافلة قبل الركوع) (6).
وزرارة: (القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع) (7).

(1) التهذيب 2: 89 / 332، الإستبصار 1: 338 / 1273، الوسائل 6: 267
أبواب القنوت ب 3 ح 2.
(2) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 13، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت
ب 3 ح 6.
(3) التهذيب 2: 89 / 333، الإستبصار 1: 339 / 1274، الوسائل 6: 267
أبواب القنوت ب 3 ح 3.
(4) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 14، الوسائل 6: 268 أبواب القنوت ب
3 ح 5.
(5) الفقيه 1: 312 / 1421، الوسائل 6: 288 أبواب القنوت ب 18 ح 5.
(6) الكافي 3: 339 الصلاة ب 31 ح 4، الوسائل 6: 263 أبواب القنوت ب 1 ح 9.
(7) الكافي 3: 340 الصلاة ب 31 ح 7، التهذيب 2: 89 / 330،
الإستبصار 1: 338 / 1271، الوسائل 6: 266 أبواب القنوت ب 3 ح 1.
424

وموثقة سماعة: عن القنوت في أي صلاة؟ فقال: (كل شئ يجهر فيه
بالقراءة فيه قنوت) (1).
ومحمد: (القنوت في كل ركعتين في التطوع والفريضة) (2).
والمروي في العيون: (يقوم فيصلي ركعتي الشفع يقرأ في كل ركعة الحمد مرة
وقل هو الله أحد ثلاث مرات، ويقنت في الثانية بعد القراءة، ثم يقوم
فيصلى ركعة الوتر يقرأ فيها الحمد وقل هو الله ثلاث مرات
وقل أعوذ برب الفلق مرة، ويقنت فيها قبل الركوع وبعد القراءة) (3).
وفي بعض النسخ: (والمعوذتان مرة) ولعله الأصح.
وقيل بسقوطه فيها، وهو المصرح به في كلام شيخنا البهائي في حواشي
مفتاح الفلاح، ويظهر من المدارك والذخيرة أيضا (4)، واختاره في الحدائق (5).
لأن القنوت لكونه عبادة يجب توظيفها، والتوظيف في الصحيحة إنما هو في
المفردة.
ولصحيحة ابن سنان المتقدمة، بتقريب أن تعريف المبتدأ يفيد الحصر،
فيستفاد منها أن القنوت منحصر في الأربعة المذكورة فيها، على كون قوله: (في
المغرب وفي العشاء وفي الوتر) خبرا.
أو أن القنوت في المغرب والعشاء منحصر في الثانية، وفي الوتر - الذي هو
اسم للثلاث - في الثالثة، على كون قوله: (في المغرب) وما عطف عليه
ظرفا لغوا، وكون قوله: (في الركعة الثانية وفي الركعة الثالثة) خيرا.
ويؤيده ما ورد في الأخبار المتكثرة من أنه عليه السلام كان يدعو في قنوت

(1) التهذيب 2: 89 / 333، الإستبصار 1: 339 / 1274، الوسائل 6: 267
أبواب القنوت ب س ح 3.
(2) الفقيه 1: 612 / 1416، الوسائل 6: 261 أبواب القنوت ب 1 ح 2.
(3) عيون أخبار الرضا (ع) 2: 180، الوسائل 4: 55 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 13 ح 24.
(4) المدارك 3: 18 و 19، الذخيرة: 184.
(5) الحدائق 6: 39.
425

الوتر بكذا، ويستغفر كذا، ويستحب فيه كذا (1). ولو كان في الثانية قنوت لم
يحسن هذا الاطلاق، لأن الوتر اسم للثلاث، بل كان ينبني التقييد ولو في بعضها
بالقنوت الثاني.
ويرد على الأول: أن عدم التوظيف في الصحيحة بعد التوظيف في غيرها
غير ضائر.
وعلى الثاني بتقريره الأول: أن المفهوم حينئذ يكون عاما فيخصص بما مر
من النوافل، كما خص سائر النوافل والفرائض.
وبتقريره الثاني: أن المفهوم حينئذ وإن كان خاصا، حيث إنه حينئذ أن لا
قنوت في الوتر في غير الثالثة، ولكنه يعارض خبر العيون المنجبر ضعفه لو كان
بالعمل - مع كونه غير ضائر، لمقام التسامح - والترجيح لرواية العيون، لمخالفتها
العامة. ولولاه أيضا لتساقطا ويرجع إلى العمومات المتقدمة.
وأما ما أيده ففيه: أنه يمكن أن يكون استحباب الأمور المذكورة ثابتا في
مطلق قنوت الوتر، فلذا أطلق.
وثانيهما: فيما بعد الركوع من الثالثة، فإنه صرح جماعة منهم: المعتبر،
والمنتهى، والتذكرة، والتحرير، والروضة باستحباب القنوت فيه أيضا (2). وفي
الثاني: لا أعرف فيه خلافا (3).
ولكن يظهر من بعض هذه الكتب (4) أن المراد به الدعاء الله المأثور الذي أوله:
(هذا مقام من حسناته نعمة منك) (5) إلى آخره، وصرح بذلك في الذكرى، قال:
سمى في المعتبر الدعاء بعد الركوع قنوتا (6).

(1) انظر: الوسائل 6: 279 أبواب القنوت ب 10.
(2) المعتبر 2: 241، المنتهى 1: 299، التذكرة 1: 127، التحرير 1: 42، الروضة 1
: 284.
(3) المنتهى 1: 299.
(4) كالمعتبر والمنتهى والتذكرة.
(5) الكافي 3: 325 الصلاة ب 25 ح 16، مستدرك الوسائل 4: 414
أبواب القنوت ب 16 ح 2.
(6) الذكرى: 184
426

وعلى هذا فمن أثبته هناك إن أراد مجرد هذا الدعاء فلا كلام معه. وإن أراد
معه غيره أيضا من رفع اليد إلى حيال الوجه، أو توظيف كل ما ورد في قنوت الوتر
فلا دليل له، فإن المتيقن من الأخبار أن ما قبل الركوع قنوت، فيكون كل ما ورد
في القنوت فيه موظفا، وأما شمول القنوت الوارد في الأخبار لذلك أيضا فغير
ثابت.
المسألة السابعة: قالوا: يستحب في قنوت الوتر الدعاء للإخوان بأسمائهم؟
وأقلهم أربعون. ذكره الشيخ في المصباح (1)، والشهيد في البيان والذكرى (2)،
والكفعمي (3)، والمدارك (4)، غيرهم. ونقل في الذكرى عن ابن حمزة وبعض
المصريين من الشيعة أنه يذكرهم من أصحاب النبي والأئمة ويزيدهم ما شاء (5).
والظاهر كفاية نقل هؤلاء الأعلام في إثبات الاستحباب وإن لم يذكروا عليه
رواية.
ويستحب فيه الاستغفار سبعون مرة، كما في الروايات المعتبرة، منها:
الصحاح الأربع لأبناء حازم (6)، وعمار (7)، ويزيد (8)، وأبي يعفور (9). بل الزائد إلى

(1) مصباح المتهجد: 136.
(2) البيان: 180، الذكرى: 115.
(3) مصباح الكفعمي: 53.
(4) المدارك 3: 20.
(5) الذكرى: 115.
(6) الكافي 3: 450 الصلاة ب 89 ح 33، التهذيب 2: 130 / 500، الوسائل 6: 280
أبواب القنوت ب 10 ح 8.
(7) التهذيب 2: 130 / 498، علل الشرائع: 364 / 1، الوسائل 6: 280
أبواب القنوت ب 10 ح 7.
(8) الفقيه 1: 309 / 1408، المحاسن: 53، الوسائل 6: 279 أبواب
القنوت ب 10 ح 2، 3.
(9) الفقيه 1: 309 / 1409، علل الشرائع: 364 / 2، الوسائل 6: 279 أبواب
القنوت ب 10 ح
427

مائة: للمروي في المصباح (1). وذكر العفو ثلاثمائة مرة، لمرسلة الفقيه (2).
وظاهر الشيخين - الطوسي والكفعمي - تقديم الدعاء للإخوان ثم
الاستغفار ثم العفو (3).
ولا بأس بالقول بهذا الترتيب، لقولهما، مع ما ورد في الأول من أن تقديمه
على الدعاء معين على استجابته.
وورد في صحيحة ابن أبي يعفور في الاستغفار نصب اليد اليسرى والعد
باليمنى (4).
وقد يقال بذلك في غيره من الدعاء والعفو أيضا.
وفيه اشكال، سيما مع ما ورد في مطلق القنوت وخصوص قنوت الوتر من
استحباب رفع اليدين. والظاهر أنه الباعث على اقتصار شيخنا البهائي في مفتاح
الفلاح في ذلك بالاستغفار.
ولو فعل ذلك في غيره أيضا لا بقصد استحبابه فلا محذور فيه.
المسألة الثامنة: قد صرح جملة من الأصحاب بترك النافلة لعذر (5)، ومنه
الهم والغم.
وليس مرادهم عدم استحبابها حينئذ، للاجماع على أن فاعلها مع ذلك آت
بالمستحب مثاب. ولا أن بدون العذر لا يجوز تركها للاجماع على الجواز أيضا.
بل المراد نقصان التأكيد الوارد في حقها - حتى إنه جعل تركها معصية،
تأكيدا في فعلها - وأقلية المطلوبية حينئذ.
وهو كذلك، لما في الرواية: (إن للقلوب إقبالا إدبارا، فإذا أقبلت

(1) مصباح المتهجد: 136.
(2) الفقيه 1: 310 / 1411، الوسائل 6: 280 أبواب القنوت ب 10 ح 5.
(3) مصباح المتهجد: 136، مصباح الكفعمي: 53.
(4) راجع الهامش (9) من الصفحة السابقة.
(5) كما في الذكرى: 116، والحدائق 6: 50.
428

فتنفلوا، وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة) (1).
والمروي في النهج: (إن للقلوب إقبالا وإدبارا، فإذا أقبلت فاحملوها على
النوافل، وإذا أدبرت فاقتصروا بها على الفرائض) (2).
وفي رواية علي بن أسباط: إن أبا الحسن عليه السلام إذا اغتم ترك
النافلة (3).
ونحوه روي عن الرضا عليه السلام (4).
المسألة التاسعة: صرح جماعة من الأصحاب (5) باستحباب ركعتين بين
المغرب والعشاء وتسمى ركعتي الغفيلة، يقرأ بعد الحمد في الأولى: (وذا النون)
الآيتين (6)، وفي الثانية: (وعنده مفاتح الغيب) الآية (7)، ويقنت فيها بما يأتي.
ويدل عليه ما رواه الشيخ في المصباح: (من صلى بين العشاءين بركعتين
يقرأ في الأولى الحمد وقوله تعالى: (وذا النون)، إلى: (وكذلك ننجي المؤمنين)،
وفي الثانية الحمد وقوله: (وعنده مفاتح الغيب) - للآية - فإذا فرغ من القراءة
رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك بمفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا أنت أن
تصلي على محمد وآل محمد وإن تفعل بي كذا وكذا، ويقول: اللهم أنت ولي نعمتي
والقادر على طلبتي تعلم حاجتي فأسألك بمحمد وآله عليه وعليهم السلام لما قضيتها لي،
وسأل الله حاجته، أعطاه الله ما سأل) (8).

(1) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 16، الوسائل 4: 69 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 16 ح 58.
(2) نهج البلاغة 3: 228 / 312، الوسائل 4: 70 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 16 ح 11.
(3) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 15، التهذيب 2: 11 / 24، الوسائل 4: 68 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 16 ح 5، وفي الجميع (إذا اهتم).
(4) التهذيب 2: 11 / 23، الوسائل 4: 68 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 16 ح 4.
(5) كالشهيد في الذكرى: 116، وصاحب الحدائق 6: 68.
(6) سورة الأنبياء 21: 87 - 88.
(7) سورة الأنعام 6: 59.
(8) مصباح المتهجد: 94، الوسائل 8: 121 أبواب بقية الصلوات المندوبة
ب 20 ح 2.
429

وروى مثله السيد ابن طاووس في فلاح السائل وزاد: (فإن النبي صلى الله
عليه وآله قال: لا تتركوا ركعتي الغفيلة وهما ما بين العشاءين) (1).
وروي في الفقيه مرسلا، وفي العلل مسندا موثقا أنه (قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: تنفلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين، فإنهما تورثان دار
الكرامة).
قال: وفي خبر آخر: (دار السلام وهي الجنة، وساعة الغفلة ما بين المغرب
والعشاء الآخرة) (2).
ومثله في التهذيب وزاد: (قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وما ساعة
الغفلة؟ قال: ما بين المغرب والعشاء) (3).
ورواها في فلاح السائل أيضا وزاد: (وقيل: يا رسول الله وما معنى
خفيفتين؟ قال: تقرأ فيهما الحمد وحدها، قيل: يا رسول الله متى أصليهما؟ قال:
ما بين المغرب والعشاء) (4).
ولا يخفى أن المستفاد من رواية الفقيه وما بعدها استحباب التنفل في ساعة
الغفلة، وأن فرده الأدنى ما يقتصر فيه على الحمد، ولا يثبت منها استحباب الزائد
عن أربع المغرب. وكما يستفاد من الذكرى جواز الاقتصار في ركعتي الغفيلة على
الحمد أيضا وهو فرده الأدنى (5). وهذا لا خفاء فيه.
وكذا في جواز جعل ركعتي الغفيلة ركعتين من الأربع، لجواز الاتيان
بالأربع بهذه الكيفية إجماعا، ويصدق على الفاعل حينئذ أنه صلى بين العشاءين
كذا.

(1) فلاح السائل: 245، مستدرك الوسائل 6: 303 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 15 ح 3.
(2) الفقيه 1: 357 / 1564، العلل: 343 / 1.
(3) التهذيب 2: 243 / 963، الوسائل 8: 120 أبواب بقية الصلوات
المندوبة ب 20 ح 1.
(4) فلاح السائل: 245، 248، مستدرك الوسائل 6: 302 أبواب بقية الصلوات
المندوبة ب 15 ح 2.
(5) الذكرى: 116.
430

وأما تقييده بالزائد على الأربع فلا دليل عليه، وثبوت نوع من الثواب
لكيفية في الأربع كقراءة التوحيد لا ينافي ثبوت نوع آخر منه لكيفية أخرى، كما في
قراءة السور في فريضة خاصة.
وإنما الخفاء في وجوب جعلهما منها - ولو على القول بجواز الاتيان بغير
الرواتب في وقت الفرائض - بناء على توقيفية العبادة وعدم دلالة على كونهما غير
الأربع، فيقتصر في التوقيف على المتيقن، وعدمه.
والثاني هو الأظهر، لقوله: (من صلى بين العشاءين) إلى آخره، فإنه يشمل
بعمومه من صلى الأربع أيضا، ويجزي في غيره بالاجماع المركب.
المسألة العاشرة: يجوز الجلوس في النوافل كلها ولو اختيارا، بالاجماع
المحقق والمحكي في المعتبر والمنتهى والتذكرة والايضاح والبيان والمدارك (9)،
وغيرها. وهو الحجة في المقام، مضافا إلى الأصل والمستفيضة كروايتي سدير (2)،
وابن ميسرة (3)، وحسنة سهل (4)، وغيرها.
وخلاف الحلي شاذ (5)، وتخصيصه المجوز بالنهاية غريب.
والأفضل أن يصلي قائما، لظواهر المستفيضة وصريح المروي في العلل
والعيون: (صلاة القاعد على نصف صلاة القائم) (6).

(1) المعتبر 2: 23، المنتهى 1: 197، التذكرة 1: 75، الإيضاح 1: 100،
البيان: 152، المدارك 3: 25.
(2) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 1، التهذيب 2: 169 / 674، الوسائل
5: 491 أبواب القيام ب 4 ح 1.
(3) الفقيه 1: 238 / 1050، التهذيب 2: 170 / 678، الوسائل 5: 502 أبواب
القيام ب 11 ح 3.
(4) الفقيه 1: 238 / 1047، التهذيب 3: 232 / 601، الوسائل 5: 491 أبواب
القيام ب 4 ح 2.
(5) السرائر 1: 309.
(6) العلل: 262، العيون 2: 107، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5 ح 2.
431

أو يقوم في آخر السورة ويتمها ويركع، لصحيحتي الحمادين (1)، وموثقة
زرارة (2).
أو يضعف الركعات، فإنه أيضا من المستحب، كما صرح به المفيد (3)،
والفاضلان في المعتبر والتذكرة والقواعد (4)، والشهيد في البيان (5)، لروايتي
الصيقل (6)، ومحمد (7)، والمروي في كتاب علي: عن المروي إذا كان لا يستطيع
القيام كيف يصلي؟ قال: (يصلي النافلة وهو جلس ويحسب كل ركعتين بركعة،
وأما الفريضة فيحسب كل ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لا يستطيع القيام) (8).
وفي قرب الإسناد: عن رجل يصلي نافلة وهو جالس من غير علة كيف
تحسب صلاته؟ قال: (ركعتين بركعة) (9).
ووروده في الأولى وإن كان بالأمر الدال على الوجوب، إلا أن الاجماع على
عدم وجوب الاتيان بتمام العدد في النوافل ينفيه، مضافا إلى صحيحة أبي بصير:
إنا نتحدث نقول: من صلى وهو جالس من غير علة كانت صلاته ركعتين بركعة

(1) الأولى: التهذيب 2: 170 / 676، الوسائل 5: 498 أبواب القيام ب 9 ح 3.
الثانية: الفقيه 1: 238 / 1046، التهذيب 2: 295 / 1188، الوسائل 5: 498 أبواب
القيام ب 9 ح 2.
(2) الكافي 3: 411 الصلاة ب 69 ح 8، التهذيب 2: 170 / 675، الوسائل 5: 498
أبواب القيام ب 9 ح 1.
(3) المقنعة: 142.
(4) المعتبر 2: 23، التذكرة 1: 75، القواعد 1: 31.
(5) البيان: 152.
(6) التهذيب 2: 166 / 656، الإستبصار 1: 293 / 1081، الوسائل 5: 493
أبواب القيام ب 5 ح 4.
(7) التهذيب 2: 166 / 655، الإستبصار 1: 293 / 1080، الوسائل 5: 493 أبواب
القيام ب 5 ح 3.
(8) مسائل علي بن جعفر: 171 / 294، الوسائل 5: 493 أبواب القيام ب 5
ح 5.
(9) فرب الاسناد: 209 / 818، الوسائل 5: 494 أبواب القيام ب 5 ح 6.
432

وسجدتين بسجدة، فقال: (ليس هو هكذا، هي تامة لكم) (1).
وظاهرها كون التمام للشيعة تفضليا، فلا ينافي أفضلية القيام - الثابتة مع
النصوص بالاجماع - وكونه أكثر ثوابا بالاستحقاق، ونريد ذلك بالتفضيل.
فرعان:
أ: يستحب التربع للمصلي جالسا حال القراءة، وثني الرجلين حال
الركوع، بالاجماع كما في المنتهى (2)، وتدل عليه أيضا موثقة حمران: (كان أبي إذا
صلى جالسا تربع فإذا ركع ثنى رجليه) (3).
وقد مضى تفسيرهما (4).
ب: لا يجوز الاضطجاع ولا الاستلقاء، على الأصح الأشهر؟
لتوقيفية العبادة، وعدم النقل، ولا معلومية صدق الصلاة عليه حينئذ لأن
صدق في الجملة معه.
خلافا للايضاح (5)، لدليل عليل.
المسألة الحادية عشرة: سقوط نوافل الظهرين في السفر كعدم سقوط نوافل
المغرب والفجر وإحدى عشرة ركعة الليل والوتر إجماعي، مدلول عليه بالمعتبرة
المستفيضة التي يأتي ذكر بعضها.
وفي ركعتي الوتيرة قولان:
السقوط، وهو للأكثر، بل في السرائر، والمنتهى، وعن الغنية: الاجماع

(1) الكافي 3: 410 الصلاة ب 69 ح 2، الفقيه 1: 238 / 1048،
التهذيب 2: 170 / 677، الوسائل 5: 492 أبواب القيام ب 5 ح 1.
(2) المنتهى 1: 197.
(3) الفقيه 1: 238 / 1049، التهذيب 2: 171 / 679، الوسائل 5: 502 أبواب
القيام ب 19 ح 4.
(4) راجع ص 65.
(5) إيضاح الفوائد 1: 100.
433

عليه (1)، للعمومات المستفيضة كصحاح حذيفة، وابن سنان، وأبي بصير:
(الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ) (2).
وزاد في الثانية: (إلا المغرب) (3).
وفي الثالثة مع ذلك: (فإن بعدها أربع ركعات لا تدعهن في حضر ولا
سفر، وليس عليك قضاء صلاة النهار، وصل صلاة الليل واقضه) (4).
وموثقة سماعة: عن الصلاة في السفر، فقال: (ركعتين ليس قبلهما ولا
بعدهما شئ، إلا أنه ينبغي للمسافر أن يصلي بعد المغرب أربع ركعات، وليتطوع
بالليل ما شاء) (5) الحديث.
ورواية التمار: (إنما فرض الله على المسافر ركعتين لا قبلهما ولا بعدهما شئ،
إلا صلاة الليل على بعيرك حيث توجه بك) (6).
وتدل عليه أيضا العلة المصرحة بها في رواية أبي يحيى: عن صلاة النافلة
بالنهار في السفر، فقال: (يا بني لو صلحت النافلة في السفر لتمت الفريضة) (7).
وعدمه، وهو للشيخ في النهاية (8)، وظاهر الصدوق في الفقيه والعلل

(1) السرائر 1: 194، المنتهى 1: 195، الغنية (الجوامع الفقهية): 564.
(2) التهذيب 2: 14 / 34، المحاسن: 371، الوسائل 4: 81 أبواب
أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 2.
(3) التهذيب 2: 13 / 31، الإستبصار 1: 220 / 778، الوسائل 4: 82
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 3. وفي الجميع: (إلا المغرب ثلاث
(4) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 3، التهذيب 2: 14 / 36، الوسائل 4: 83 أبواب
أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 7.
(5) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 1، الوسائل 4: 87 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 24 ح 4.
(6) الفقيه 1: 284 / 1292، التهذيب 2: 16 / 43، الوسائل 4: 84
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 22 ح 3.
(7) الفقيه 1: 293 / 1285، تهذيب 2: 16 / 44، الإستبصار 1: 221 / 780، الوسائل
4: 82 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 4.
(8) النهاية: 57.
434

والأمالي (1)، بل في الأخير أنه من دين الإمامية. وهو صريح الفضل بن شاذان،
كما يظهر من باب الثالث والثلاثين من العيون (2)، وقواه في الذكرى
والروضة (3)،
واستجوده في المدارك (4)، واختاره في الحدائق (5)، وهو الظاهر من بعض مشايخ
والدي رحمه الله (6).
وهو الحق، للأصل، وما رواه في الفقيه والعلل والعيون: (وإنما ترك تطوع
النهار ولم يترك تطوع الليل لأن كل صلاة لا يقصر فيها لا يقصر في تطوعها، وذلك
أن المغرب لا يقصر فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوع، وكذلك الغداة لا يقصر
فيما قبلها من التطوع، وإنما صارت العتمة مقصورة وليس يترك ركعتيها لأن
الركعتين ليستا من الخمسين، وإنما هي زيادة في الخمسين، تطوعا ليتم بها بدل كل
ركعة من الفريضة ركعتين من التطوع، (7).
وفي الفقه الرضوي: (والنوافل في السفر أربع ركعات) إلى أن قال:
(وركعتان بعد العشاء الآخرة من جلوس) (8).
وضعف سند الأولى - كما قيل (9) - ممنوع، إذ ليس فيه من يتوقف فيه إلا
عبد الواحد بن عبدوس وعلي بن محمد بن قتيبة، وهما من مشايخ الإجازة فلا يضر
عدم توثيقهما. ولو سلم فبعد وجوده في الأصول المذكورة غير ضائر.

(1) الفقيه 1: 290، العلل: 267، الأمالي: 514.
(2) العيون 2: 112 قد ذكر علل الفضل بن شاذان في الباب الرابع والثلاثين
من العيون، فراجع.
(3) الذكرى: 113، الروضة 1: 171.
(4) المدارك 3: 27.
(5) الحدائق 6: 46.
(6) الظاهر أنه الوحيد البهبهاني، انظر: حاشية المدارك (المدارك بالطبع
الحجري): 115.
(7) الفقيه 1: 290 / 1320، العلل: 267، العيون 2: 112، الوسائل 4: 87 أبواب
أعداد الفرائض ونوافلها ب 24 ح 5.
(8) فقه الرضا (ع): 100، مستدرك الوسائل 3: 63 أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها ب 22 ح 1.
(9) انظر: المدارك 3: 27
435

ولو قطع النظر عنه أيضا فللتسامح في أدلة السنن لا ضير فيه.
والقول بأنه إنما هو حيث لا يحتمل التحريم - كما في المقام - للزوم التشريع،
وإلا فلا تسامح قولا واحدا (1).
كلام خال عن التحصيل، كيف؟! وجميع أدلة التسامح جارية فيه، ولولاه
لما كان تسامح في شئ من العبادات إذ كلها مما يستلزم التشريع، مع أن هذا مما
أورده النافون للتسامح على مثبتيه، وأجابوا عنه بأن بعد دلالة الأدلة على
التسامح لا يلزم التشريع المحرم. فدعوى الاجماع على عدم التسامح في مثله من أغرب
الدعاوي. كدعوى شذوذ الأخبار الدالة على عدم السقوط لندرة القائل فإن بعد
فتوى مثل الفضل والصدوق والشيخ من قدماء الأصحاب، ودعوى أنه من دين
الإمامية الظاهرة في اشتهاره في الصدر الأول، وذهاب جمع من المتأخرين إليه،
وتردد طائفة منهم في المسألة كالفاضلين في النافع والتحرير (2)، والمقداد (3)،
والصيمري (4)، بل نسب إلى التذكرة والجامع أيضا (5)، كيف ينسب الخبر إلى
الشذوذ؟!
فلا تأمل في حجيته في المقام.
سيما مع تأيده بصحيحة محمد: عن الصلاة تطوعا في السفر، قال: (لا
تصل قبل الركعتين ولا بعدهما شيئا نهارا) (6).
بل هي أيضا تدل على عدم السقوط، لأن الظاهر كون القيد بعد الاطلاق
في السؤال احترازيا.
ويتأيد أيضا بما مر من الأخبار الدالة على كون الوتيرة عوض الوتر يقدم

(1) انظر: الرياض 1: 100.
(2) المختصر النافع: 21، التحرير 1: 26.
(3) التنقيح الرائع 1: 163.
(4) حكاه عنه في الرياض 1: 100.
(5) التذكرة 1: 71، الجامع للشرائع: 59.
(6) التهذيب 2: 14 / 32، الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 21 ح 1.
436

عليها من يخاف فوتها (1)، والوتر لا تترك في السفر فكذا عوضها.
فلم يبق إلا تعارض هذه الأخبار مع ما سبق من أخبار السقوط، ولا شك
في ترجيح هذه، لكونها خاصة وأخبار السقوط عامة.
وترجيح الثانية باعتضادها بالشهرة والاجماع المنقول لا يكافئ الخصوصية،
سيما مع معارضة نقل الاجماع مع مثله، بل أقوى منه، لكونه أقرب إلى المعصوم
وأظهر في الدلالة، واعتضاد الأولى أيضا بالاستصحاب، وبعمومات المستفيضة
المثبتة لهاتين الركعتين مطلقا، مع أنها أيضا بنفسها معارضة لعمومات السقوط
بالعموم من وجه موجبة للرجوع إلى الاستصحاب لولا الترجيح.
هذا كله مع ما في كثير من أخبار السقوط من ضعف الدلالة؟ فإن قوله:
(الصلاة في السفر) في صحيحة أبي بصير وموثقة سماعة (2) وإن كان عاما، إلا أن قوله
في الأولى: (وصل صلاة الليل) الظاهر فيما يقابل صلاة النهار بقرينة قوله:
(وليس عليك قضاء صلاة النهار) وفي الثانية: (وليتطوع بالليل ما شاء)
مما يعارض هذا العموم ويصلح قرينة للتخصيص، والحمل على العموم في مثل ذلك
غير ثابت، وكذا في رواية التمار.
مع أن ها هنا كلاما آخر وهو: أن الظاهر من الأخبار والفتاوي أن الساقط
هو نافلة الصلاة فإن المراد من قوله (ليس قبلهما ولا بعدهما) أنه ليس من نافلتهما
لا من مطلق النافلة، وإلا فقبل العشاء لا تسقط ركعات المغرب، والوتيرة ليست نافلة
لصلاة العشاء - وإن أضيفت إليها في بعض الأحاديث حيث يكفي أدنى ملابسة
فيها - وتدل عليه رواية الفقيه والعلل المتقدمة (3)، وما دل على كونها عوضا للوتر،
وأن النبي صلى الله عليه وآله كان لا يفعلها لذلك، والأخبار المصرحة بأنها لا تعد

(1) انظر: الوسائل 4: 45 و 96 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13
ح 2 و ب 29 ح 8.
(2) المتقدمة ص 434.
(3) في ص 435.
437

من الخمسين (1). وعلى هذا فلا تعارض بين أخبار عدم السقوط وبين ما سبق أيضا.
فروع:
أ: سقوط ما يسقط من النوافل في السفر عزيمة، كما يدل عليه نفي
صلاحيتها في رواية الحناط المرادف للفساد (2)، ونفي أصلها الدال على
انتفاء التوقيف في العمومات (2).
وليس في النصوص الدالة على جواز قضاء النوافل النهارية في الليل (4) - لو
تمت دلالتها عليه - دلالة على مشروعيتها نهارا، حتى يجعل دليلا على أن المراد
بالسقوط الرخصة ورفع (5) تأكد الاستحباب.
ب: من صلى العشاء في وطنه وسافر بعده فهل يجوز له أن يصلي الوتيرة في
السفر على القول بسقوطها أم لا؟ ومن صلاها في السفر ثم دخل الوطن هل يجوز
له الوتيرة في الوطن أم لا؟
وكذا من دخل عليه [الوقت] (6) في الوطن وأراد السفر والاتيان بصلاة
الظهر في السفر هل يجوز له الاتيان بنافلة الظهر في الوطن أم لا؟ ولو أخر المسافر
الذي صلى الظهر. في السفر صلاة عصره إلى دخول الوطن فهل يجوز له أن يصلي
- نوافل العصر في السفر؟.
ظاهر عمومات. لا الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ) (7)
أن كل ما يقصر ليس قبله ولا بعده شئ سواء كان وقت النافلة حاضرا أو مسافرا،

(1) انظر: الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 29.
(2) راجع مر 434، رواية أبي يحيى.
(3) انظر: الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21.
(4) انظر: الوسائل 4: 84 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 22.
(5) في (س) و (ح): دفع.
(6) أضفناه لاستقامة المتن.
(7) انظر: الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21.
438

وأن كل ما لا يقصر يجوز نافلته لأن كان وقت النافلة في السفر.
إلا أن موثقة عمار تدل على غير ذلك وهي أنه: سئل: إذا زالت الشمس
وهو في منزله ثم يخرج في سفر؟ قال: (يصلي بالزوال فيصليها ثم يصلي الأولى بتقصير
ركعتين، لأنه خرج من منزله قبل أن تحضر الأولى) وسئل: فإن خرج بعد ما
حضرت الأولى؟ قال: (يصلي أربع ركعات ثم يصلي بعده النوافل ثماني ركعات،
لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلى العصر
بتقصير) (1).
ومضمونها هو المشهور، بل نسبه بعض مشايخنا إلى الأصحاب، وعليه
الفتوى. فيجوز لمن أدرك وقت النافلة في الحضر فعلها أداء وقضاء ولو أخر
الفريضة إلى السفر أو قدمها في السفر.
ج: ظاهر الأخبار عدم سقوط النوافل في الأماكن الأربعة الشريفة،
لاختصاص قوله: (الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدما شئ) بغيرها
قطعا.
فتبقى عمومات النوافل سليمة عن المعارض، بل معاضدة بغيرها أيضا
كصحيحة علي بن مهزيار: (قد علمت - يرحمك الله - فضل الصلاة في الحرمين
على غيرها، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة) (2).
ورواية علي بن حديد: عن الصلاة في الحرمين، قال: (صل النوافل ما
شئت) (3).
والمروي في كامل الزيارة في المسافر قال: (صل في المسجد الحرام ما شئت

(1) التهذيب 2: 18 / 49، الإستبصار 1: 222 / 785، الوسائل 4: 85
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 23 ح 1.
(2) الكافي 4: 525 الحج ب 95 ح 8، التهذيب 5: 428 / 1487، الإستبصار 2:
333 / 1183، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر 25 ح 4.
(3) التهذيب 5: 426 / 1483، الإستبصار 2: 331 / 1179، الوسائل 8: 533
أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 33.
439

تطوعا، وفي مسجد الرسول ما شئت تطوعا، وعند قبر الحسين عليه السلام، فإني
أصلي ذلك) وعن الصلاة عند قبر الحسين عليه السلام تطوعا، قال: (نعم، ما
قدرت عليه) (1).
وينبه على الجواز أيضا ما مر من قوله: (لو صلحت النافلة لتمت
الفريضة) (2).
المسألة الثانية عشرة: لا بجوز نقص النوافل عن الركعتين ولا زيادتها عنهما
في غير الوتر وصلاة الأعرابي، بل لا بد في كل ركعتين منها عن تسليمة، لأنه
المعروف من صاحب الشريعة، فيجب الاستبصار عليه، لتوقيفية العبادة، ولقوله:
(صلوا كما رأيتموني أصلي) (3).
ولخصوص المستفيضة من طرق الفريتين، ففي النبوي: (صلاة الليل
والنهار مثنى مثنى) (4).
وفي آخر: (بين في ركعتين تسليمة) (5).
وفي المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يصلي النافلة أيصلح له أن يصلي
أربع ركعات لا يسلم بينهن؟ قال: (لا، إلا يسلم بين كل ركعتين) (6).
وفي مستطرفات السرائر: (وافصل بين كل ركعتين من نوافلك
بالتسليم) (7).
وظاهر هذه الأخبار - المنجبر ضعفها بالشهرة وكلها الأصحاب - حرمة

(1) كامل الزيارات: 246، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 1.
(2) راجع ص 434 رواية أبي يحيى.
(3) صحيح البخاري 1: 162.
(4) سنن ابن ماجة 1: 419 / 1322.
(5) سنن ابن ماجة 1: 419 / 1324.
(6) قرب الإسناد: 194 / 736، الوسائل 4: 63 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 15 ح 2.
(7) مستطرفات السرائر: 71 / 1، الوسائل 4: 63 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 15 ح 3.
440

الزيادة والنقص من دون تشهد وتسليم، بل صرح بها جماعة منهم أفي مدعيا
عليه الاجماع (1).
وأما ما تدل عليه عبارة الخلاف والمنتهى أولا من أن ذلك على
الأفضلية (2)، فليس المراد منه ذلك؟ لتصريحهما أخيرا بالتحريم.

(1) السرائر 1: 193.
(2) الخلاف 1: 527، المنتهى 1: 196.
441