الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ١٨
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
(في شرح شرائع الاسلام)
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الثامن عشر
قوبل بنسخه الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تيراژ: 2000 جلد
نوبت چاپ: سوم
تاريخ انتشار: 1367
چاپ از: چاپخانه خورشيد
ناشر: دار الكتب الاسلامية - تهران، بازار سلطاني، تلفن 520410
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(المقدمة الثالثة)
(في أقسام الحج)
(وهي ثلاثة: تمتع وقران وإفراد) بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام
بل إجماعهم بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1) المتواترة فيه أو القطعية،
بل قيل إنه من الضروريات، لكن عن عمر (2) متواترا أنه قال: (متعتان
كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنا محرمهما ومعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة
الحج) وظاهره عدم مشروعية المتعة في الحج أصلا بمعنى بقاء الحج عنده كما كان
قبل نزول التمتع ما بين إفراد وقران، وقد أخبره بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في
المروي (3) متواترا عنه في حجة الوداع (أنه جاءه جبرئيل عند فراغه من سعيه

(1) الوسائل - الباب - 1 و 2 - من أبواب أقسام الحج.
(2) الغدير للأميني ج 6 ص 209 إلى 213.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 و 13
و 24 و 32
2

فأمره أن يأمر الناس أن يحلوا إلا سائق هدي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إن هذا جبرئيل وأومأ بيده إلى خلفه يأمرني أن آمر من لم يسق هديا بأن يحل
ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل الذي أمرتكم، ولكن سقت
الهدي ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، قال: فقال له
رجل من القوم - وهو عمر -: لنخرجن حجاجا ورؤوسنا تقطر، فقال له
رسول الله صلى الله عليه وآله: أما إنك لم تؤمن بعدها أبدا، فقال له سراقة بن مالك بن
خثعم الكناني: يا رسول الله علمنا ديننا كأنما خلقنا اليوم، فهذا الذي أمرتنا
به لعامنا هذا أو لما يستقبل وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: بل هو للأبد إلى يوم
القيامة، ثم شبك أصابعه بعضها إلى بعض وقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم
القيامة) ولكن أولياؤه حملوا ذلك منه على إرادة الانتقال من حج الافراد إلى
التمتع، وعلى كل حال هي مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وآله على وجه يقتضي الكفر،
وكم له وكم له، وكفى بالله حاكما.
(أما) حج (التمتع فصورته) المتفق عليها في الجملة على الاجمال (أن
يحرم من الميقات بالعمرة المتمتع بها) إلى الحج ويتوصل بها إليه من قولهم حبل
ماتع أي طويل، ومتع النهار طال وارتفع، أو المنتفع بها بالتحلل بينها وبين
الحج، أو بالاحرام للحج من مكة، وإلا لاحتيج إلى الاحرام له من غير مكة،
أو بفعلها في أشهر الحج لما يقال من أنه لم يكن تفعل في الجاهلية فيها، أو غير
ذلك مما لا يجب التعرض له في النية قطعا، بل يكفي فيها قصد عمرة هذا النوع
من الحج (ثم يدخل مكة فيطوف) لها (سبعا بالبيت، ويصلي ركعتيه بالمقام
ثم يسعى) لها (بين الصفا والمروة سبعا ويقصر) وستعرف أن أركان العمرة
من هذه: الاحرام والطواف والسعي، وأما التلبية ففيها خلاف، كمعروفية الخلاف
في النية أنها شرط أو ركن (ثم ينشئ إحراما للحج من مكة) إلا مع النسيان
3

وتعذر الرجوع (يوم التروية) الثامن من ذي الحجة الذي أمر الله فيه إبراهيم
عليه السلام أن يروي من الماء (على الأفضل، وإلا بقدر ما يعلم أن يدرك
الوقوف) بعرفات (ثم يأتي عرفات) يوم عرفة (فيقف بها) من
الزوال (إلى الغروب) مع الاختيار (ثم يفيض) ويمضي منها (إلى المشعر
ف‍) يبيت فيه و (يقف به) مع الاختيار (بعد طلوع الفجر، ثم يفيض إلى
منى فيحلق بها يوم النحر ويذبح هديه) أو ينحر إلا إذا فقده، ويأكل منه
(ويرمي جمرة العقبة) مراعيا للترتيب بينها، فيرمي أولا ثم يذبح أو ينحر،
ثم يحلق أو يقصر أو يمر الموسى على رأسه إن لم يكن عليه شعر (ثم) يمضي
لكن في المتن هنا (إن شاء أتى مكة ليومه أو لغده) لعذر أو مطلقا على
الخلاف الآتي (فيطوف طواف الحج ويصلي ركعتيه ويسعى سعيه ويطوف
طواف النساء ويصلي ركعتين) ويأتي تأخير الذبح أو الحلق عن الطواف والسعي
ضرورة أو نسيانا، وتقديم الطواف والسعي على الوقوفين ضرورة (ثم عاد إلى
منى لرمي ما تخلف عليه من الجمار) فيبيت بها ليالي التشريق، وهي ليلة الحادي
عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويرمي مع الاختيار في أيامها الجمار الثلاث، ولمن
اتقى النساء والصيد في إحرامه كما ستعرف إن شاء الله أن ينفر في الثاني عشر،
فيسقط عنه رمي الثالث والمبيت ليلته كما أشار إليه المصنف بقوله: (وإن شاء
أقام بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر ومثله يوم الثاني عشر ثم ينفر
بعد الزوال، وإن أقام إلى النفر الثاني) وهو الثالث عشر ولو قبل الزوال لكن
بعد الرمي (جاز أيضا وعاد إلى مكة للطوافين والسعي) وفي المدارك حكمه
بجواز الإقامة بمنى أيام التشريق قبل الطوافين والسعي مناف لما سيذكره في محله
من عدم جواز تأخير ذلك عن غده يوم النحر، وكأنه رجوع عن الفتوى،
وربما جمع بين الكلامين بحمله على الجواز هنا على معنى الاجزاء، وهو لا ينافي
4

حصول الإثم بالتأخير، وهو مقطوع بفساده، والأصح ما اختاره المصنف هنا
من جواز تأخير ذلك إلى انقضاء أيام التشريق، للأخبار الكثيرة (1) الدالة
عليه وسيجئ الكلام في ذلك مفصلا، وقد تبع في ذلك جده، قال: (جواز
الإقامة بمنى أيام التشريق قبل الطوافين والسعي للمتمتع وغيره، هو أصح القولين،
وبه أخبار صحيحة، وما ورد (2) منها مما ظاهره النهي عن التأخير محمول على
الكراهة جمعا بينها، وعلى هذا القول يجوز تأخيرهما طول ذي الحجة، وربما
قيل بجواز تأخير المتمتع عن يوم النحر إلى الغد خاصة، وجمع الشيخ بين الأخبار
بحمل أخبار التأخير على غير المتمتع، وأخبار النهي عليه، وما قدمناه أجود،
واعلم أنه سيأتي في كلام المصنف اختيار المنع عن الغد من غير إشارة إلى خلاف
وهنا اختار الجواز كذلك، وكأنه رجوع) إلى آخره، قلت: ستعرف التحقيق
في ذلك إن شاء الله، كما تعرف أن أركان الحج من هذه: الاحرام والوقوفان
وطواف الحج وسعيه بمعنى البطلان بترك أحدهما عمدا بل الوقوفين ولو سهوا،
إذ قد عرفت أن المراد هنا الذكر على الاجمال.
(و) كيف كان ف‍ (هذا القسم فرض) البعيد عن مكة ممن لم يكن قد
حج مع الاختيار باجماع علمائنا، والمتواتر (3) من نصوصنا الذي منه يظهر وجه
الدلالة في الآية (4) أيضا، بل لعله من ضروريات مذهبنا، نعم في تحديد ذلك

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب زيارة البيت من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب زيارة البيت - الحديث 7 و 8
من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب أقسام الحج
(4) سورة البقرة - الآية 192
5

خلاف بيننا، فعن المبسوط والاقتصاد والتبيان ومجمع البيان وفقه القرآن وروض
الجنان والجمل والعقود والغنية والكافي والوسيلة والسرائر والجامع والاصباح
والإشارة وغيرها
هو (من كان بين منزله وبين مكة اثني عشر ميلا فما زاد من
كل جانب، وقيل) والقائل القمي في تفسيره والصدوقان والمصنف في النافع
والمعتبر والفاضل في المختلف والتذكرة والتحرير والمنتهى والشهيدان والكركي
وغيرهم: (ثمانية وأربعون ميلا) بل في المدارك نسبته إلى أكثر الأصحاب،
وفي غيرها إلى المشهور وإن كنا لم نتحققه، كما أنه لا يخفى عليك ضعف ما عن المصنف
من نسبة القول الأول إلى الندرة، ولعل الأول لنص الآية (1) على أنه فرض
من لم يكن حاضري المسجد الحرام، ومقابل الحاضر هو المسافر، وحد السفر
أربعة فراسخ كما حررناه في محله مؤيدا باطلاق ما دل (2) على وجوب التمتع
خرج منه الحاضر وما ألحق به مما هو دون ذلك قطعا، فيبقى الباقي، ولعل الثاني
لصحيح زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له: قول الله عز وجل في كتابه
ذلك لمن - إلى آخره - فقال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان
أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة فهو ممن
دخل في هذه الآية، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة) وعن القاموس
(عسفان كعثمان موضع على راحلتين من مكة، وذات عرق بالبادية ميقات أهل
العراق) وعن التذكرة (ذات عرق على مرحلتين من مكة) وعن المصباح المنير
(المرحلة المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم، والجمع مراحل) وعن كتاب

(1) سورة البقرة - الآية 192
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب أقسام الحج
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3
6

شمس العلوم (يقال بينهما مرحلة أي مسيرة يوم) مؤيدا أيضا بالصحيح (1)
عن عبد الله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي نصر عن أبي عبد الله عليه السلام (ليس لأهل
مكة ولا لأهل مر ولا لأهل شرف متعة، وذلك لقول الله عز وجل: ذلك لمن
لم يكن أهله حاضري - إلى آخره -) ونحوه خبر سعيد الأعرج (2) بناء على
ما في المعتبر من أنه معلوم كون هذه المواضع أكثر من اثني عشر ميلا، بل عن
القاموس (إن بطن مر موضع من مكة على مرحلة، وشرف ككتف موضع
قريب للتنعيم) لكن عن الواقدي (بين مكة ومر خمسة أميال) وعن النهاية
في حديث تزويج ميمونة بشرف (3) هو بكسر الراء موضع من مكة على عشرة
أميال، وقيل أقل وأكثر، وخبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت
لأهل مكة متعة قال: لا. ولا لأهل بستان ولا لأهل ذات عرق ولا لأهل عسفان
ونحوها) وفي الوافي (البستان بستان ابن عامر قرب مكة مجتمع النخلتين اليمانية
والشامية) وخبر زرارة (5) عن أبي جعفر عليه السلام (سألته عن قول الله عز وجل:
ذلك لمن - إلى آخره - قال: ذلك أهل مكة، ليس لهم متعة ولا عليهم عمرة
قلت: فما حد ذلك؟ قال: ثمانية وأربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان
وذات عرق) وخبر علي بن جعفر (6) (قلت لأخي موسى (عليه السلام): لأهل

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1 وفيه
عن عبيد الله الحلبي وسليمان بن خالد وأبي بصير كلهم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " ليس لأهل مكة ولا لأهل مر ولا لأهل سرف متعة.. الخ " كما في
التهذيب ج 5 ص 32 الرقم 96.
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 12 - 7 - 2
(3) البحار ج 21 ص 46 الطبع الحديث
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 12 - 7 - 2
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 12 - 7 - 2
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 12 - 7 - 2
7

مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج فقال: لا يصلح أن يتمتعوا لقول الله عز وجل:
ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) هذا، ولكن في حسن (1) حريز
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: (ذلك) إلى آخره
قال: (من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها، وثمانية عشر ميلا من
خلفها، وثمانية عشر ميلا عن يمينها، وثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له
مثل مر وأشباهه).
وفي المدارك (يمكن الجمع بينه وبين صحيح زرارة السابق بالحمل علي التخيير
بين التمتع وغيره لمن بعد بثمانية عشر ميلا، والتعيين على من بعد بثمانية وأربعين
ميلا، لكنه كما ترى لا شاهد له، وفي صحيح حماد بن عثمان (2) عنه (عليه السلام)
أيضا في حاضري المسجد الحرام قال: (ما دون المواقيت إلى مكة) وفي صحيح
الحلبي (3) عنه عليه السلام أيضا قال في حاضري المسجد الحرام: (ما دون المواقيت
إلى مكة من حاضري المسجد الحرام، وليس لهم متعة) ولا يخفى عليك ما في
هذه النصوص من التشويش بل والاشكال حتى أن المحدث البحراني مع إطنابه
فيها قد اعترف بذلك، لأن الثمانية والأربعين عبارة عن مسيرة يومين كما صرحوا
به في مسافة القصر، وحينئذ يلزم الاشكال في خبري زرارة وأبي بصير، بل
وكلام الأصحاب الذين صرحوا بأن عسفان وذات عرق من توابع مكة وداخلة
في مسافة الثمانية والأربعين، وقد سمعت التصريح عن القاموس والعلامة في التذكرة
بكونهما على مرحلتين عن مكة، كما أنك قد سمعت كون المراد بالمرحلة مسيرة يوم

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج الحديث 10 - 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج الحديث 10 - 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج الحديث 10 - 5 - 4
8

وحينئذ يكون الموضعان خارجين عن المسافة المزبورة - إلى أن قال - ولا مناص
عن الاشكال إلا بالطعن فيما سمعته من القاموس والتذكرة بكون المكانين ليس على
مرحلتين، أو بالطعن فيما سمعته من المصباح وشمس العلوم من عدم كون المرحلة
مسيرة يوم، والكل مشكل) انتهى.
وحاول ابن إدريس رفع الخلاف بين الأصحاب بتقسيط الثمانية والأربعين
على الجوانب، فقال: (وحده من كان بينه وبين المسجد الحرام ثمانية وأربعون
ميلا من أربع جوانب البيت من كل جانب اثني عشر ميلا) ولعله استشعره مما
في محكي المبسوط، وهو كل من كان بينه وبين المسجد الحرام اثني عشر ميلا
من جوانب البيت، والاقتصاد من كان بينه وبين المسجد من كل جانب اثني عشر
ميلا، وما عن الحلبي (وأما القران والافراد ففرض أهل مكة وحاضريها ومن
كان داره اثني عشر ميلا من أي جهاتها كان) وأصرح من ذلك ما عن التبيان
(ففرض التمتع عندنا هو اللازم لكل من لم يكن من حاضري المسجد الحرام، وهو
من كان على اثني عشر ميلا من كل جانب إلى مكة ثمانية وأربعين ميلا) بل عن
ابن الربيب موافقته على هذا التنزيل، وجعل من الصريح فيه قول الصدوق:
(وحد حاضري المسجد أهل مكة وحواليها على ثمانية وأربعين ميلا) ونحوه
كلامه في الهداية والأمالي، وإن كان فيه ما فيه، ولكن ذلك كله يؤيد ما قلناه
من الرجوع إلى اطلاق ما دل على وجوب التمتع مع الاقتصار على الفرد المتيقن
من الملحق بالحضور، وهو من الاثني عشر ميلا فما دون، بل لعل ذلك هو
المتعارف في التجوز بالحضور والموافق لحواليها، بخلاف الثمانية وأربعين ميلا
المنافية للحضور حقيقة وتجوزا، فلا يصلح تحديدا على وجه يكون تحقيقا في
تقريب على حسب غيره مما جاء التحديد فيه كذلك مثل المسافة والوجه والركوع
ونحوها، واحتمال المراد شرعا وإن لم يكن من افراد مجاز الحضور كما ترى،
9

بل قوله (عليه السلام): (دون عسفان وذات عرق) الذين قد عرفت أنهما على
مرحلتين يؤيد الاثني عشر ميلا، لعدم القائل بغيرها مما هو دون الثمانية وأربعين
ميلا بل يؤيده أيضا خبر الثمانية عشر (1) فإنه أقرب إليها من الثمانية وأربعين
بل لعله من الاثني عشر ميلا التقريبية، كما أنه قد يؤيد ما ذكره ابن إدريس
معلومية عدم كون الثمانية وأربعين ميلا من مجاز الحضور فضلا عن حقيقته،
فلا ريب في أن الأقوى التحديد بالاثني عشر مع احتمال إرادة التقريبية منها التي
يندرج فيها الثمانية عشر فضلا عن كون مبدأ التحديد مكة أو المسجد وإن من
كان على رأسها فهو من الداخل أو الخارج، ضرورة أن ذلك كله إنما يجئ على
التحقيقي لا التقريبي الذي يندرج فيه ذلك كله، فتأمل جيدا فإن منه يمكن الجمع
بين النصوص كلها.
وكيف كان (فإن عدل هؤلاء إلى القران أو الافراد في حجة الاسلام
اختيارا لم يجز) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه (و) لما عرفت
من أنهم مأمورون بغيرهما حاله، كما لا خلاف في أنه (يجوز) لهم ذلك (مع
الاضطرار) كضيق وقت أو حيض، بل الاجماع أيضا بقسميه عليه مضافا إلى
النصوص (2) المستفيضة أو المتواترة في ذلك، وستسمع جملة منها إن شاء الله،
وكذا لا خلاف أيضا في أفضلية التمتع على قسيميه لمن كان الحج مندوبا بالنسبة
إليه لعدم استطاعته، أو لحصول حج الاسلام منه، والنصوص (3) مستفيضة فيه
أو متواترة، بل هو من قطعيات مذهب الشيعة، بل في بعضها (4) عن الصادق

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 10
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أقسام الحج - الحديث - 14
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أقسام الحج - الحديث - 14
10

عليه السلام (لو حججت ألفي عام ما قدمتها إلا متمتعا) ولا فرق في ذلك بين أن يحج
عن نفسه أو عن غيره، ولا بين من اعتمر في رجب أو شهر رمضان وغيره، بل
ولا بين المقيم في مكة منذ عشر سنين وغيره.
(و) لكن (شروطه) أي حج المتمتع سواء كان مندوبا أو واجبا
(أربعة) الأول (النية) التي قد عرفت اعتبارها في كل عبادة، إلا
أنه قيل المراد بها هنا نية الاحرام كما في الدروس، وفيه أن ذكرها فيه حينئذ
مغن عنه هنا، على أنه لا فرق بينه وبين باقي أفعال الحج والعمرة في اعتبار النية
فيها، فلا معنى لتخصيص الاحرام من بينها بذلك وإن قيل إن الوجه في ذلك
كونه معظم الأفعال وكثير الأحكام، لكنه كما ترى، ولعله لذا كان الأولى
إرادة نية حج التمتع بجملته، بل في المدارك عن الشارح أن ظاهر الأصحاب
وصريح سلار ذلك وإن كان المحكي عن الآخر أنه قال: نية الخروج إلى مكة،
بل في كشف اللثام عنه أنه قدمها على الدعاء للخروج من المنزل وركوب الراحلة
والمسير، إلا أن الظاهر منه إرادة نية النوع المخصوص من الحج ولكن أشكله
هو وغيره باقتضائه الجمع بين هذه النية والنية لكل فعل من أفعال الحج على حدة
ولا دليل عليه، بل الأخبار خالية عن ذلك، قلت: يمكن أن يكون مستنده
صحيح زرارة (1) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل
فقال: المتعة، فقلت: وما المتعة؟ فقال: يهل بالحج في أشهر الحج فإذا طاف
بالبيت وصلى الركعتين خلف المقام وسعى بين الصفا والمروة قصر وأحل، فإذا
كان يوم التروية أهل بالحج) إلى آخره، ولا داعي إلى حمله على إرادة العمرة
من الحج، مضافا إلى الأمر به جملة والأمر بكل منها على وجه يظهر منه إرادة

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3
11

اعتبار النية المستقلة، وأنه لا تكفي فيه النية الأولى، ولا تنافي بين وجوب نية
الاجمال ونية التفصيل، ولعل هذا أولى مما في كشف اللثام من أن المراد النية لكل
من العمرة والحج وكل من أفعالهما المتفرقة من الاحرام والطواف والسعي ونحوها
كما يأتي تفصيلها في مواضعها لا نية الاحرام وحده كما في الدروس، وفي الدروس
والمراد بالنية نية الاحرام، ويظهر من سلار أنها نية الخروج إلى مكة، وفي
المبسوط الأفضل أن يقارن بها الاحرام، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل ولعله
أراد نية التمتع في إحرامه لا مطلق نية الاحرام، ويكون هذا التحديد
بناء على جواز الاحرام المطلق كما هو مذهب الشيخ، أو على جواز العدول إلى
التمتع من إحرام الحج أو العمرة المفردة، وهذا يشعر أن النية المعدودة هي نية
النوع المخصوص، قلت: فيكون موافقا لما قلناه.
(و) الثاني (وقوعه في أشهر الحج) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى قول الصادق عليه السلام في خبر عمر بن يزيد (1): (ليس يكون
متعة إلا في أشهر الحج) وغيره، فلا يصح وقوع بعض عمرته في غيرها فضلا
عنه (وهي) على الأصح (شوال وذو القعدة وذو الحجة) كما عن الشيخين
في الأركان والنهاية وابني الجنيد وإدريس والقاضي في شرح الجمل، لظاهر الأشهر
في الآية (2) وصحيح معاوية بن عمار (3) عن الصادق عليه السلام وحسن زرارة (4)
عن الباقر عليه السلام، وإجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجة، بل الطواف والسعي
كما ستعرف (وقيل) كما عن الحسن والتبيان والجواهر وروض الجنان هي

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
(2) سورة البقرة - الآية 193
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1 - 5
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1 - 5
12

شوال وذو القعدة (وعشرة) أيام (من ذي الحجة) بل عن ظاهر الثاني
والرابع اتفاقنا عليه، لأن أفعال الحج بأصل الشرع تنتهي بانتهاء العاشر وإن
رخص في تأخير بعضها وخروج ما بعده من الرمي والمبيت عنها، ولذا لا يفسد
بالاخلال بها، وللخبر عن أبي جعفر عليه السلام (1) كما عن التبيان والروض (وقيل)
كما عن الاقتصاد والجمل والعقود والمهذب الشهران الأولان (وتسعة) أيام
(من ذي الحجة) لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع، بل عن الغنية
وتسع من ذي الحجة أي تسع ليال، فيخرج التاسع إلا أن يكون توسع،
ومن الكافي وثمان منه أي ثمان ليال، فيخرج الثامن إلا أن يكون توسع،
وقد يكون ختمها بالثامن، لأنه آخر ما شرع في أصل الشرع للاحرام بالحج وإن
جاز التأخير رخصة (وقيل) كما عن المبسوط والخلاف والوسيلة والجامع الشهران
و (إلى طلوع الفجر من يوم النحر) لأنه لا يجوز الاحرام بالحج بعده،
لفوات اضطراري عرفة، ولكن يدرك اختياري المشعر إلى طلوع شمسه، ولذا
حكي عن ابن إدريس اختياره في موضع، بل قيل هو ظاهر جمل العلم والعمل
والمصباح ومختصره ومجمع البيان ومتشابه القرآن، لأن فيها أنها شوال وذو القعدة
وعشرة من ذي الحجة بتأنيث العشر المقتضي لكون التمييز أياما لا لياليا ويحتمل التوسع
وكيف كان فالظاهر لفظية الاختلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد، للاتفاق
على أن الاحرام بالحج لا يتأتى بعد عاشر ذي الحجة وكذا عمرة التمتع، وعلى
إجزاء الهدي وبدله طول ذي الحجة وأفعال أيام منى ولياليها، نعم في الدروس أن
الخلاف فيها لعله مبني على الخلاف الآتي في وقت فوات المتعة: وفيه أنه لا يتم
في بعضها، والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 6
13

(و) على كل حال ف‍ (ضابط وقت الانشاء) لحج التمتع وابتدائه في
هذه المدة (ما يعلم أنه يدرك المناسك) فيه كغيره من الواجبات الموقتة.
(و) الثالث (أن يأتي بالحج والعمرة في سنة واحدة) بلا خلاف فيه
بين العلماء كما اعترف به في المدارك وغيرها، وهو الحجة إن تم إجماعا مضافا إلى انسياقه من قوله صلى الله عليه وآله (1): (دخلت العمرة في الحج هكذا وشبك بين أصابعه)
وصحيح حماد أو حسنه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (من دخل مكة متمتعا في أشهر
الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو
إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما ودخل ملبيا بالحج، فلا يزال على
إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس
إلى منى على إحرامه، وإن شاء وجهه ذلك إلى منى، قال: فإن جهل وخرج إلى
المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبان الحج في أشهر الحج يريد الحج
فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال عليه السلام: إن رجع في شهره دخل مكة بغير
إحرام، وإن دخل في غير الشهر دخل محرما، قال: فأي الاحرامين والمتعتين
متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، وهي المحتبس بها التي وصلت
بحجته) وخبر معاوية بن عمار (3) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من أين يفترق المتمتع
والمعتمر؟ فقال: إن المتمتع يرتبط بالحج، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث
شاء، وقد اعتمر الحسين عليه السلام في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 32 و 3
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب العمرة - الحديث 3
14

والناس يروحون إلى منى) وصحيح صفوان (1) عن أبي جعفر عليه السلام (إذا دخل
المعتمر مكة غير متمتع فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وصلى ركعتين خلف
مقام إبراهيم عليه السلام فليلحق بأهله إن شاء، وقال: إنما نزلت العمرة والمتعة لكن
المتعة دخلت في الحج ولم تدخل العمرة في الحج) ومرسل أبان (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام (المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى الحج إلا أن يأبق غلامه
أو تضل راحلته فيخرج محرما، ولا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة)
وصحيح زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام (قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي
الموقف فتلبي إلى أن قال: وليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج) وصحيحه
الآخر (4) عنه عليه السلام أيضا (قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الموقف فتلبي
بالحج، فإذا أتى مكة طاف وسعى وأحل من كل شئ وهو محتبس، وليس له أن
يخرج من مكة حتى يحج) وحسن معاوية (5) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنهم
يقولون في حجة التمتع حجة مكية وعمرته عراقية، قال: كذبوا، أو ليس هو
مرتبط بحجته لا يخرج منها حتى يقضي حجه؟) إذ الظاهر كون المراد بيان
خطئهم في ذلك الذي مآله إلى كون حج التمتع حج افراد، وعمرة كذلك بزعمهم
لحصول التحلل بينهما، فإن الحج إذا كان مرتبطا بالعمرة على وجه لا يجوز له
الاقتصار على العمرة لا تكون العمرة مفردة ولا الحج، فما في كشف اللثام - بعد
أن ذكر الاستدلال بذلك وزاد ما رواه في المعتبر عن سعيد بن المسيب (6)

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب العمرة - الحديث 5 عن صفوان
عن نجية عن أبي جعفر عليه السلام كما في الاستبصار ج 2 ص 325 الرقم 1152
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج الحديث 9 - 1 - 5 - 2 مع اختلاف في لفظ الأخير
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(6) سنن البيهقي ج 4 ص 356
15

(كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يعتمرون في أشهر الحج، فإذا لم يحجوا من
عامهم ذلك لم يهدوا) قال: ودلالة الجميع ظاهرة الضعف، ولكن ظاهر التذكرة
الاتفاق عليه - لا يخلو من نظر، خصوصا بالنسبة إلى بعضها الذي هو كالصريح
في أن عمرة التمتع مع حجه في تلك السنة كالعمل الواحد، بل ظاهرها أنه لا يجوز
له الاقتصار على العمرة وجعلها مفردة بعد أن دخل متمتعا بها، فإنه بذلك يكون
مرتبطا ومحتبسا بحج تلك السنة معها إلا مع الضرورة كما اعترف به في المدارك
حاكيا له عن صريح الشيخ وجمع من الأصحاب، ولولا ظهور هذه النصوص في
ذلك لأشكل: إثبات الشرطية المزبورة، إذ الموجود في التذكرة (الثالث أن يقع
الحج والعمرة في سنة واحدة، فلو اعتمر ثم حج في السنة القابلة فلا دم عليه سواء
أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد، لأن الدم إنما يجب إذا زاحم العمرة حجة في
وقتها وترك الاحرام بحجه من الميقات مع حصوله بها في وقت الامكان، ولم يوجد
وهذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتع) وليس صريحا في الاجماع بل
ولا ظاهرا، على أن في الدروس والاعتبار بالاهلال في أشهر الحج لا بالأفعال أو
الاحلال، ثم قال: ولو أتى بالحج في السنة القابلة فليس بمتمتع، نعم لو بقي على
إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الاجزاء، ولو قلنا إنه صار
معتمرا بمفردة بعد خروج أشهر الحج ولما يحل لم يجز، وإن كان فيه أيضا ما لا
يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة أن ما ذكره من كون الاعتبار بالاهلال
خلاف ظاهر النص والفتوى الدال على اشتراط وقوع العمرة في أشهر الحج، فإنها
اسم لمجموع الأفعال، فيجب وقوعها فيها، ولا يكتفي بالاهلال، كضرورة
منافاة ذلك لما سمعت من خبره الناص على الاتيان بهما في سنة واحدة، إذ من
المعلوم عدم وقوع العمرة بتمامها في سنة الحج في الفرض، لأن من أفعالها الاحرام
16

والفرض وقوعه في السنة الماضية، على أن مقتضى قوله صلى الله عليه وآله: (دخلت العمرة
في الحج) كون حكمها حكم الحج فكما لا يجوز البقاء على إحرام الحج إلى القابل
فكذا العمرة، والله العالم.
(و) الرابع (أن يحرم بالحج له من بطن مكة) مع الاختيار والتذكر
بلا خلاف أجده فيه نصا (1) وفتوى، بل في كشف اللثام الاجماع عليه، لكن
قال إسحاق (2): (سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجئ فيقضي متعته ثم
يبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن قال:
يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة،
وهو مرتهن بالحج قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال: كان أبي
مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق
بالحج، ودخل وهو محرم بالحج) ولا صراحة فيه فيما ينافي ذلك.
(و) لكن (أفضل مواضعه) منها (المسجد) اتفاقا كما في المدارك
لكونه أشرف الأماكن، ولاستحباب الاحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد
أفضل، ولقول الصادق عليه السلام في حسن معاوية (3) (إذا كان يوم التروية إن شاء
الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار، ثم صل
ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل
المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين إحرامك من الشجرة، وأحرم
بالحج) وفي خبر أبي بصير (4) (إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت
حين أردت أن تحرم إلى أن قال: ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث 0 - 4
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث 0 - 4
17

ركعات) إلى آخره.
وعلى كل حال لا يتعين الاحرام منه اتفاقا كما عن التذكرة وإن أوهمته
بعض العبارات، لكن سأل عمرو بن حريث (1) الصادق عليه السلام (من أين أهل
بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك وإن شئت من المسجد وإن شئت من
الطريق) (وأفضله المقام) لقول الصادق عليه السلام في خبر عمر بن يزيد (2):
(إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صل ركعتين خلف المقام،
ثم أهل بالحج، فإن كنت ماشيا فلب عند المقام، وإن كنت راكبا فإذا نهض بك
بعيرك) وعن الصدوق التخيير بينه وبين الحجر، لحسن معاوية (3) السابق،
لكن فيه أن اشتراكهما في الفضل بالنسبة إلى سائر الأماكن لا ينافي الأفضلية
المزبورة المستفادة من الأمر به خاصة في خبر عمر بن يزيد، ومن تعدد الرواية به
ومن موافقته الأمر به في الآية (4) باتخاذه مصلى، نعم عن الكافي والغنية والجامع
والنافع وشرحه والتحرير والمنتهى والتذكرة والدروس التخيير بينه وبين تحت
الميزاب في الأفضلية، وفي كشف اللثام وكأن المعنى واحد، واقتصر في محكي
الإرشاد والتلخيص والتبصرة على فضل ما تحت الميزاب ولم يذكر المقام،
ولم نعثر له على شاهد يقتضي فضله على المقام، والأمر في ذلك سهل بعد عدم تعين
شئ منهما قطعا لما عرفت، مضافا إلى الأصل، وخصوص خبر يونس بن يعقوب (5)
سأل الصادق عليه السلام (من أي المساجد أحرم يوم التروية؟ فقال: من أي مسجد
شئت) وفي كشف اللثام وكأنه إجماع وإن أوهم خلافه بعض العبارات، والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(4) سورة البقرة - الآية 119
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3
18

(ولو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها)
لما عرفته من اشتراط وقوع حج التمتع في أشهر الحج، ولذا قال في المدارك هذا
الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، بل النصوص وافية في الدلالة عليه، كصحيح
عمر بن يزيد (1) السابق وغيره (2) (وكذا لو فعل بعضها في أشهر الحج)
خلافا لبعض العامة وإن كان الأكثر خلافا لأبي حنيفة منهم (و) حينئذ (لم
يلزمه الهدي) الذي هو من توابع التمتع، لكن هل تقع العمرة صحيحة وإن
لم يجز التمتع بها كما تشعر به العبارة، بل عن التذكرة والمنتهى التصريح به، بل
عنهما التصريح بما هو أبلغ من ذلك من أن من أحرم بالحج في غير أشهره لم ينعقد
إحرامه له وانعقد للعمرة مستدلا عليه بخبر الأحول (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
(في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج قال: يجعلها عمرة) أو لا تقع كما اختاره
في المدارك فإنه بعد أن ذكر ما حكيناه قال: (والأصح عدم الصحة مطلقا،
أما عن المنوي فلعدم حصول شرطه، وأما عن غيره فلعدم نيته، ونية المقيد
لا تستلزم نية المطلق كما قررناه مرارا) وتبعه في كشف اللثام، وعن التحرير
التردد في ذلك، وفيه أنه لا ريب في البطلان بمقتضى القواعد العامة، ولكن
لا بأس بالقول به للخبر المزبور مؤيدا بخبر سعيد الأعرج (4) قال أبو عبد الله
عليه السلام: (من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه
شاة، وإن تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم،

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أقسام الحج
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 7
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
19

إنما هي حجة مفردة، إنما الأضحى على أهل الأمصار) ودعوى عدم الدلالة
صريحا - لاحتمال أن يكون المراد منها من أراد فرض الحج في غير أشهره لا يقع
حجه صحيحا، بل ينبغي أن يجعل النسك الذي يريد فعله عمرة - يدفعها أن
ذلك لا ينافي الظهور المعلوم كفايته كما هو واضح، هذا.
وظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الأربعة أو الثلاثة
في حج التمتع، لكن عن بعض الشافعية اشتراط أمر آخر، وهو كون الحج
والعمرة عن شخص واحد، فلو أوقع المتمتع الحج عن شخص والعمرة عن آخر
تبرعا مثلا لم يصح، ويمكن أن يكون عدم ذكر أصحابنا لذلك اتكالا على معلومية
كون التمتع عملا واحدا عندهم، ولا وجه لتبعيض العمل الواحد، فهو في الحقيقة
مستفاد من كون حج التمتع قسما مستقلا، ويمكن أن لا يكون ذلك شرطا عندهم
لعدم الدليل على الوحدة المزبورة التي تكون العمرة معها كالركعة الأولى من
صلاة الصبح، وإلا لم تصح عمرته مثلا مع اتفاق العارض عن فعل الحج إلى أن
مات، بل المراد اتصاله بها وإيجاب إردافه بها مع التمكن، وحينئذ فلا مانع من
التبرع بعمرته عن شخص وبحجه عن آخر لاطلاق الأدلة، بل لعل خبر محمد بن
مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام دال عليه، قال (سألته عن رجل يحج عن أبيه
أيتمتع؟ قال: نعم المتعة له والحج عن أبيه) وأما الوقوع من شخص واحد فلم
أجد في كلام أحد التعرض له بمعنى أنه لو فرض التزامه بحج التمتع بنذر وشبهه
فاعتمر عمرته ومات مثلا فهل يجزي نيابة أحد عنه مثلا بالحج من مكة؟ وإن كان
الذي يقوى عدم الاجزاء إن لم يكن دليل خاص، وربما يأتي في الأبحاث الآتية
نوع تحقيق له، والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 11
20

(و) كيف كان فقد عرفت وتعرف أن (الاحرام) لعمرة كان أو
لحج (من الميقات) الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله (مع الاختيار) وعرفت
أيضا أن مكة ميقات لحج التمتع (و) حينئذ ف‍ (لو أحرم بحج التمتع من غير
مكة لم يجزه ولو دخل مكة باحرامه على الأشبه) بأصول المذهب وقواعده التي
منها اعتبار موافقة الأمر في صحة العبادة وإجزائها (ووجب استئنافه منها)
ليوافق الأمر به، ودخول مكة بالاحرام من غيرها ولو من ميقات العمرة مع عدم
تجديده منها لا يجدي في امتثال الأمر به منها، خصوصا بعد فساد الاحرام
الأول الحاصل من غير الميقات عمدا، واستدامة النية على ذلك الاحرام عند
مروره ليست نية لانشائه، بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بيننا، بل عن
التذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الاجماع عليه عندنا، نعم عن
أحمد أنه يحرم للحج من الميقات، وعن الشافعي جواز ذلك له، وربما أشعرت
عبارة المتن بوجود خلاف فيه بيننا، لكن عن شارح ترددات الكتاب إنكار
ذلك، بل نقل عن شيخه أن المصنف قد يشير في كتابه بنحو ذلك إلى خلاف
الجمهور، أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب
فيظن أن فيه خلافا (و) بالجملة إشكال بل ولا خلاف محقق في فساد الاحرام
لحج التمتع من غير مكة مع الاختيار، فلا يجديه حينئذ المرور فيها ما لم يجدد
الاحرام منها له، كما هو واضح.
نعم (لو تعذر ذلك) ولو لضيق الوقت (قيل) والقائل الشيخ في
المحكي من خلافه (يجزيه) ذلك الاحرام الذي أوقعه في غيرها لعذر من نسيان
أو غيره، وتبعه في كشف اللثام حاكيا له عن التذكرة أيضا للأصل ومساواة
ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة، وفي العذر، لأن النسيان عذر
(والوجه أن يستأنفه حيث أمكن ولو بعرفة إن لم يتعمد ذلك) عالما بالحال،
21

لأن ما أوقعه أولا لم يوافق أمرا به، فهو فاسد، ومن هنا كان مقتضى الأصل
الفساد لا الصحة: وأما دعوى المساواة فلا ريب في أنها قياس والأصل يقتضي
العكس، إذ المصحح للاحرام المستأنف إنما هو الاجماع على الصحة معه، وليس
النسيان مصححا له حتى يتعدى به إلى غيره، وإنما هو مع العذر عذر في عدم
وجوب العود، وهو لا يوجب الاجتزاء بالاحرام معه حيثما وقع، بل إنما يجب
الرجوع إلى الدليل: وليس هنا سوى الاتفاق، ولم ينعقد إلا على الاحرام
المستأنف، وأما السابق فلا دليل عليه، نعم قد يقال بصحة إحرام مصادق العذر
واقعا، كما لو نسي الاحرام منها وأحرم من غيرها في حال عدم تمكنه من الرجوع
إليها لو كان متذكرا، لمصادفته الأمر به واقعا حينئذ، فتأمل.
هذا كله في المعذور، أما العامد فإن أمكنه استئنافه منها استأنفه، وإلا
بطل حجه ولم يفده الاستئناف من غيرها، بل قد يتوهم من نحو إطلاق المتن
عدم الفرق بين جاهل الحكم وغيره، اللهم إلا أن يدعى إرادة العالم من العامد،
ولعله كذلك، لتظافر الأخبار بعذره إذا أخر الاحرام عن سائر المواقيت، قال
زرارة (1) (عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الوقت وهي
لا تصلي فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة وهي
طامث حلال، فسألوا بعض الناس فقالوا: تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه
وكانت إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر (عليه السلام) فقال: تحرم
من مكانها قد علم الله نيتها) وقال ابن عمار (2): (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أعليك

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 4 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 - 4 من كتاب الحج
22

إحرام أم لا وأنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم، فقال: إن كان عليها
مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، وإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت
عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم) وقال سورة بن
كليب (1) (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): خرجت معنا امرأة من أهلنا
فجهلت الاحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة ونسينا أن نأمرها بذلك فقال: فمروها
فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد) وقال عبد الله (2): (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مر على الوقت الذي أحرم الناس منه فنسي
أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج فقال:
يخرج من الحرم فيحرم ويجزيه ذلك) وقال الكناني (3): (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال:
يخرج من الحرم ثم يهل بالحج) بل أطلق في خبر الحلبي (4) على وجه يشمل
العالم العامد وإن لم نجد به قائلا هنا، بل صرح غير واحد بفوات نسكه حينئذ
كما هو مقتضى القواعد، قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ترك
الاحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه
فيحرم، وإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فإن استطاع أن يخرج
من الحرم فليخرج) بل في مرسل جميل (5) عن أحدهما (عليهما السلام) (في
رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى قال: يجزيه
نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه وإن لم يهل) بل في صحيح علي بن
جعفر (6) عن أخيه عليهما السلام - الذي استدل به في المدارك على الحكم المزبور

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 2 - 3 - 7
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 2 - 3 - 7
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 2 - 3 - 7
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 2 - 3 - 7
(5) الوسائل - الباب - 20 من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 20 من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2
23

وإن كان فيه ما فيه - خصوص المتمتع، قال: (سألته عن رجل كان متمتعا
خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده قال: إذا
قضى المناسك كلها فقد تم حجه) إلا أن الاستدلال به موقوف على القول
بمضمونه حتى يستفاد منه حكم المقام بالأولوية، وتسمع إن شاء الله تحقيق القول
في ذلك، واحتمال الفرق بين ميقات إحرام حج المتمتع وغيره بعيد، بل قوله
(عليه السلام) في بعضها: (قد علم الله نيتها) مما هو كالتعليل الشامل للمقام.
(و) على كل حال ف‍ (هل يسقط الدم والحال هذه) أي أحرم بالحج
من غير مكة للعذر بل في ميقات العمرة أو مر عليه وهو محرم بالحج؟ (فيه تردد)
ينشأ من أنه جبران لما فات من إحرام الحج من الميقات كما عن الشافعي، فيتجه
حينئذ سقوطه في الأول المفروض فيه حصوله من الميقات، بل والثاني في وجه
وهو مروره وهو متلبس به عليه، بل قيل هو ظاهر المبسوط، وحينئذ فيسقط
عن الأول بطريق الأولى، ومن أنه نسك مستقل لا مدخلية له في ذلك - كما هو
ظاهر الأصحاب، بل والأدلة بل عن صريح المبسوط وصريح الخلاف أنه نسك
بل عن صريح الثاني منهما عدم سقوطه عنهما - فالتردد فيه حينئذ واضح الضعف.
(ولا يجوز للمتمتع الخروج من مكة حتى يأتي بالحج) وفاقا للمشهور
على ما في المدارك (لأنه صار مرتبطا به) كما سمعت المعتبرة المستفيضة به (إلا
على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة) بأن يخرج محرما بالحج باقيا على إحرامه
حتى يحصل الحج منه، أو يعود للحج قبل مضي شهر كما في القواعد جمعا بين
النصوص السابقة وبين مرسل موسى بن القاسم (1) عن بعض أصحابنا (أنه سأل

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3
24

أبا جعفر (عليه السلام) في عشر من شوال فقال: إني أريد أن أفرد عمرة
هذا الشهر فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: إن المدينة منزلي ومكة
منزلي ولي فيهما أهل وبينهما أموال فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل:
فإن لي ضياعا حول مكة وأريد الخروج إليها فقال: تخرج حلالا وترجع حلالا
إلى الحج، بناء على كون السؤال منه عن إفراد العمرة بعد أن قصد التمتع بها،
وإطلاقه الحل خارجا وراجعا مقيد بما إذا رجع قبل شهر، لخبر إسحاق بن عمار (1)
سأل أبا الحسن (عليه السلام) (عن المتمتع يجئ فيقضي متعته ثم
تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق وإلى بعض المعادن قال: يرجع
إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة،
وهو مرتهن بالحج) ومرسل الصدوق (2) عن الصادق (عليه السلام) (إذا
أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط
بالحج حتى يقضيه إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج، وإن علم وخرج وعاد في
الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخل
محرما) وحسن حماد (3) السابق.
لكن فيه أن المرسل الأخير يقتضي الجواز ولو بعد شهر لكن يعود بعمرة
جديدة، على أن هذه النصوص غير جامعة لشرائط الحجية، ولا شهرة محققة
جابرة لها، بل لم نعرف ذلك إلا للمصنف والفاضل، بل في كشف اللثام أنه
أطلق المنع في الوسيلة والمهذب والاصباح وموضع من النهاية والمبسوط، واستثنى
ابن حمزة الاضطرار وإن قال الشهيد: لعلهم أرادوا بالخروج المحوج إلى عمرة

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج الحديث 108 - 6
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج الحديث 108 - 6
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج الحديث 108 - 6
25

أخرى كما قاله في المبسوط أو الخروج لا بنية العود، لكن فيه أنه لا داعي إلى
ذلك بل يمكن أنه يكون لحرمة الخروج مطلقا عندهم.
وعلى كل حال فالمتجه الاقتصار في الخروج على الضرورة، وأن لا يخرج
معها إلا محرما، لاطلاق النصوص المزبورة، ولاحتمال عدم التمكن بعد ذلك
من العود إلى مكة للاحرام بالحج، أو لصدق الاتصال حينئذ بالحج، ولغير
ذلك، لكن في كشف اللثام إلا أن يتضرر كثيرا بالبقاء على الاحرام لطول
الزمان، فيخرج محلا حينئذ للأصل وانتفاء الحرج، ومرسل موسى بن
القاسم المتقدم على وجه، بل قال: ومرسل الصدوق يحتمله والجهل وفيه أن
الأصل مقطوع باطلاق الأدلة: وعدم الحرج الذي يصلح مقيدا له، كالاحتمال
في المرسلين اللذين لا جابر لهما، ودعوى أن الحرمة إنما هي لفوات الارتباط بين
الحج وعمرته فلا معنى لها مع فرض عدم الافتقار إلى عمرة بالرجوع قبل شهر
يدفعها أنها كالاجتهاد في مقابلة النصوص السابقة بناء على العمل بها، نعم عن
السرائر والنافع والمنتهى والتذكرة وموضع من التحرير وظاهر التهذيب وموضع
من النهاية والمبسوط كراهة الخروج لا حرمته. للأصل والجمع بين النصوص
بشهادة قوله (عليه السلام): (ما أحب) في خبر حفص (1) منها، وهو
لا يخلو من وجه.
(و) كيف كان ف‍ (لو جدد عمرة) بخروجه محلا لرجوعه بعد شهر (تمتع
بالأخيرة) وتصير الأولى مفردة، لحسن حماد السابق، ولارتباط عمرة التمتع
بحجه، وظهور الآية (2) في الاتصال، بل في كشف اللثام ولعله اتفاقي

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 7 وهو خبر
الحلبي
(2) سورة البقرة - الآية 192
26

والظاهر عدم طواف للنساء عليه وإن احتمله بعضهم، لأنه أحل منها بالتقصير
وربما أتى النساء قبل الخروج، ومن البعيد جدا حرمتهن عليه بعده من غير
موجب، ولو رجع قبل شهر دخل مكة محلا، لكن عن التهذيب والتذكرة
إن الأفضل أن يدخل محرما بالحج، لخبر إسحاق بن عمار المتقدم سابقا في
الاحرام من مكة الذي قلنا لا صراحة فيه بذلك أي جواز الاحرام لحج التمتع
من غير مكة، لجواز حج الصادق عليه السلام مفردا أو قارنا، بل في كشف اللثام وكلام
الشيخ يحتمله بعيدا، وإعراض الكاظم (عليه السلام) عن الجواب وجواز
صورة الاحرام تقية، وأمر الكاظم (عليه السلام) أيضا بها تقية
ويمكن القول باستحبابه أو وجوبه تعبدا وإن وجب تجديده بمكة، ويجوز كون
الحج بمعنى عمرة التمتع بل العمرة مطلقا، ويأتي انشاء الله تمام الكلام فيه كما
أنه يأتي الكلام في اعتبار الفصل بالشهر بين العمرتين، وأن ظاهر نصوص المقام
اعتبار كون الرجوع في غير شهر عمرته في العمرة الجديدة، لا فصل شهر كما
هو ظاهر الأصحاب وصريح بعضهم حتى أنهم اختلفوا في مبدأ حساب الشهر
وأنه من إخلاله بالعمرة أو غير ذلك، بل إن لم يكن اجماعا أمكن القول أن
ذلك البحث إنما هو في الفصل بين العمرتين المفردتين لا في مثل الفرض الذي هو
عمرة التمتع التي يجب كمالها بالحج بعدها، وقد دخلت فيه دخول الشئ
بعضه في بعض كما هو مقتضى تشبيك أصابعه (صلى الله عليه وآله)، فهو
حينئذ قبل قضائه في أثناء العمل، فلا وجه لاستئنافه عمرة في أثنائه،
والنصوص المزبورة مع عدم جامعية كثير منها شرائط الحجية يمكن حملها على
التقية، ولعل ما في النصوص من الخروج محرما تعليم للجمع بين قضاء ضرورته
وايصال حجه بعمرته، نعم لو قلنا بفساد عمرة تمتعه بخروجه ورجوعه بعد
شهر أمكن حينئذ القول باستئناف عمرة جديدة، لوجوب الحج عليه بافساده
27

إلا أنه ليس قولا لأحد من الأصحاب والحاصل أن المسألة غير محررة في كلام
الأصحاب، والتحقيق ما ذكرنا، وربما يأتي لذلك إنشاء الله تتمة.
ولعله لذا تردد الشهيد في حواشي الدروس في بعض أحكام المسألة قال:
(وهنا فوائد الأولى هل يحرم بهذه العمرة من خارج الحرم أو من ميقات
عمرة التمتع؟ نظر. الثانية هل هذه عمرة التمتع حقيقة أو لضرورة الدخول
إلى مكة لمكان الاحرام؟ احتمالان، والفائدة في وجوب طواف النساء فيها،
فعلى الثاني يجب، وعلى الأول لا يجب، وفي النية، فعلى الثاني ينوي
عمرة الافراد، وعلى الأول ينوي عمرة التمتع. الثالثة لو عرض في هذه (1)
مانع من الاكمال فهل يعدل إلى حج الافراد أو لا؟ وتصريح الأصحاب بالتمتع بها
يمكن حمله على اتصالها بالحج وإن كانت مفردة، لأن امتثال الأمر حصل
بالأولى، وهو يقتضي الاجزاء) قلت: وكان آخر كلامه صريح في أن عمرة
التمتع الأولى لا الثانية وإن جوزنا العدول منها إلى الحج أيضا باعتبار اتصالها
به، ولعله على هذا يحمل الخبر المزبور لا أن الأولى بطلت متعة بالخروج،
والمتمتع بها الثانية كما هو ظاهر عبارة المصنف وغيره، وبالجملة المسألة غير محررة
حتى بالنسبة إلى اعتبار الشهر، فإنه إن كان لأنه أقل ما يفصل به بين العمرتين
فستعرف تحقيق الحال في ذلك، وأنه تشرع العمرتان بأقل من ذلك، على
أن المسألة خلافية، ولم يشر أحد منهم إلى بناء ذلك على ذلك الخلاف، وإن
كان هو لخصوص هذه الأدلة وإن لم نقل به في غيرها فقد عرفت أن كثيرا

(1) في المخطوطة المبيضة " ولو عرض في هذا " ولكن في المسودة " ولو
عرض في هذه " وهو الصواب لأن " هذه " إشارة إلى العمرة لا الاحرام فإن
الكلام في أحكام العمرة.
28

منها غير جامع لشرائط الحجية، فلا ريب في أن الأولى والأحوط الاقتصار
في الخروج من مكة على الضرورة، وأنه لا يخرج إلا محرما بالحج، هذا. وليس
في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا بعد شهر ولو آثما، فهل له الاحرام بالحج
بانيا على عمرته الأولى أو أنها بطلت للتمتع بالخروج شهرا؟ ولكن الذي يقوى
في النظر الأول، لعدم الدليل على فسادها، بل هذا مؤيد لما ذكرناه فتأمل
وكيف كان فالأولى والأحوط ما سمعت من الاقتصار، والله العالم.
(ولو دخل بعمرة إلى مكة وخشي ضيق الوقت جاز له نقل النية إلى
الافراد وكان عليه عمرة مفردة) بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الاجماع بقسميه
عليه، وإنما الخلاف في حد الضيق، ففي القواعد وعن الحلبيين وابني إدريس
وسعيد يحصل التمتع بادراك مناسك العمرة وتجديد احرام الحج وإن كان بعد
زوال الشمس يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بها، وحينئذ فحد الضيق خوف
فوات اختياري الركن من وقوف عرفة، ولعله يرجع إليه ما عن المبسوط والنهاية
والوسيلة والمهذب من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل اتمام العمرة بناء
على تعذر الوصول غالبا إلى عرفة بعد هذا الوقت لمضي الناس عنه، لا أن المراد
حتى إذا تمكن وأدرك مسمى الوقوف بعد الزوال، وعن علي بن بابويه والمفيد
(إن حد فوات السعة زوال الشمس من يوم التروية) وعن المقنع والمقنعة (أنه
غروب الشمس منه قبل الطواف والسعي) وفي الدروس عن الحلبي أنه قال:
(وقت طواف العمرة إلى غروب الشمس يوم التروية للمختار والمضطر إلى أن
يبقى ما يدرك عرفة آخر وقتها) وعن ظاهر ابن إدريس ومحتمل أبي الصلاح في
حجة الاسلام ونحوها مما تعين فيها المتعة لم يجز العدول ما لم يخف فوات
اضطراري عرفة.
والأصل في هذا الاختلاف اختلاف النصوص، إلا أن الكثير منها ينطبق
29

على الأول، ففي مرسل ابن بكير (1) عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) (عن المتعة متى تكون؟ قال: يتمتع ما ظن أنه يدرك الناس بمنى)
قلت: أي ذاهبين إلى عرفة، وخبر يعقوب بن شعيب الميثمي (2) (سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا بأس للمتمتع إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر
له ما لم يخف فوات الموقفين) وعن بعض النسخ (أن يحرم من ليلة عرفة) مكان
(إن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له) يعني يحرم متى ما تيسر له، وفي
مرفوع سهل (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (في متمتع دخل يوم عرفة قال:
متعته تامة إلى أن يقطع التلبية) قلت: إلى أن يقطع الناس تلبيتهم وهو زوال
الشمس من يوم عرفة، فإنه وقت قطع التلبية أراد عليه السلام أنه إذا دخل مكة قبل زوال
الشمس أمكن إدراك المتعة تامة، وفي المرسل (4) عن أبي بصير (قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها
ليلة عرفة، فقال: إن كانت تعلم أنها تطهر وتطوف بالبيت وتحل من إحرامها
وتلحق بالناس فلتفعل) وفي خبر العقرقوفي (5) قال: (خرجت أنا وحديد
فانتهينا إلى البستان يوم التروية، فتقدمت على حمار فقدمت مكة فطفت وسعيت
وأحللت من تمتعي ثم أحرمت بالحج وقدم حديد من الليل، فكتبت إلى

(1) الوسائل - الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 5 - 7 - 4
(2) الوسائل - الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 5 - 7 - 4
(3) الوسائل - الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 5 - 7 - 4
(4) الوسائل - الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 وهو مسند
إلى أبي بصير على ما في الوسائل وكذلك في التهذيب ج 5 ص 475 ورواه الشيخ
(قدس سره) في الاستبصار ج 2 ص 311 والتهذيب ج 5 ص 391 والكليني
(قده) في الكافي ج 4 ص 447 مرسلا عن أبي بصير.
(5) الوسائل - الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 5 - 7 - 4
30

أبي الحسن عليه السلام استفتيه في أمره فكتب إلي مره يطوف ويسعى ويحل من متعته
ويحرم بالحج ويلحق الناس بمنى ولا يبيتن بمكة) وفي خبر الحلبي (1) عن
الصادق عليه السلام (المتمتع يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ما أدرك الناس
بمنى) وفي خبر مرازم بن حكم (2) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المتمتع يدخل
ليلة عرفة مكة أو المرأة الحائض متى تكون لهما المتعة؟ فقال ما أدركوا الناس
بمنى) وصحيح الحلبي (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهل بالحج
والعمرة جميعا قدم مكة والناس بعرفات فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا
والمروة أن يفوته الموقف فقال: يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة
ولا هدي عليه) وصحيح جميل (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (المتمتع
له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم
النحر) وفي خبر محمد بن سرو أو جزك (5) (كتبت إلى أبي الحسن الثالث

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 14 - 15 والثاني عن مرازم بن حكيم كما في التهذيب ج 5 ص 171 والاستبصار ج 2 ص 247 وهو الصحيح
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الوسائل - الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 6
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) الوسائل - الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 16 عن محمد
ابن مسرور، ولكن في التهذيب ج 5 ص 171 والاستبصار ج 2 ص 247 محمد
ابن سرو، وفي جامع الرواة: محمد بن سرد في نسخة وأخرى سرو، وذكر
أنه الراوي لهذا الحديث، ولكن لم يرد فيه توثيق، وأما محمد بن جزك فهو
من أصحاب الهادي (عليه السلام) ثقة على ما عن الخلاصة ورجال الشيخ (قده)
وقد روى هذا الحديث الشيخ حسن (قده) صاحب المعالم في المنتقى ج 2
ص 521 عن محمد بن مسرور كالوسائل وذكر أنه هو ابن جزك والغلط وقع في
اسم أبيه من الناسخين.
31

(عليه السلام) ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة وخرج
الناس من منى إلى عرفات أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه، إلى أي وقت عمرته قائمة
إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية؟ فكيف
يصنع؟ فوقع (عليه السلام) ساعة يدخل مكة إن شاء يطوف ويصلي ركعتين
ويسعى ويقصر ويحرم بحجته ويمضي إلى الموقف ويفيض مع الإمام) وخبر
زرارة (1) (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يكون في يوم عرفة
وبينه وبين مكة ثلاثة أميال وهو متمتع بالعمرة إلى الحج فقال: يقطع التلبية
تلبية المتعة، يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر، ويمضي إلى عرفات فيقف مع الناس
ويقضي جميع المناسك ويقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم ولا شئ عليه) وهو
كالصريح في خوف فوات اختياري عرفة، إلى غير ذلك من النصوص المتفقة في
الدلالة على مشروعية المتعة في ليلة عرفة ويومها، بل إذا كان المراد مما قيد فيها
بالزوال نحو ما ذكرناه في كلام المبسوط اتفقت جميعا على مختار المصنف الذي
كاد يكون صريحا فيه الخبر الأخير، بل يؤيدها أيضا ما تسمعه في مسألة الحائض
إذ الظاهر عدم الفرق بينها وبين غيرها من ذوي الأعذار، نعم لا يبعد القول
بأن مشروعيتها بعد الزوال من يوم عرفة للمضطر خاصة، لمزاحمتها حينئذ بعض
وقوف عرفة وإن لم يكن الركن منه.
ولا ينافيها خبر العيص بن القاسم (2) (سألت أبا عبد الله (عليه

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب أقسام الحج الحديث 10
32

السلام) عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر تفوته المتعة قال: لا له
ما بينه وبين غروب الشمس، وقال: قد صنع ذلك رسول الله (صلى الله عليه
وآله)) ولا خبر إسحاق بن عبد الله (1) (سألت أبا الحسن موسى
(عليه السلام) عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية فقال: للمتمتع ما بينه وبين
الليل) ولا خبر عمر بن يزيد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إذا قدمت
مكة يوم التروية وأنت متمتع فلك ما بينك وبين الليل أن تطوف بالبيت وتسعى
وتجعلها متعة) ولا المرسل (3) في التهذيب والاستبصار روى لنا الثقة من
أهل البيت عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) أنه قال: (أهل بالمتعة
بالحج يريد يوم التروية إلى زوال الشمس وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء
ما بين ذلك كله واسع) ضرورة عدم دلالة الجميع على عدم مشروعية غير ذلك إلا
بالمفهوم الذي لا يصلح معارضا للنصوص الصريحة التي سمعتها.
نعم ينافيها خبر زكريا بن عمران (4) (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن التمتع إذا دخل يوم عرفة قال: لا متعة له، يجعلها عمرة مفردة) وخبر إسحاق
ابن عبد الله (5) عن أبي الحسن (عليه السلام) (المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليست
له متعة يجعلها حجة مفردة، إنما المتعة إلى يوم التروية) وخبر موسى بن
عبد الله (6) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتمتع يقدم مكة ليلة

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 12 - 13
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 12 - 13
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 12 - 13
(4) الاستبصار ج 2 ص 249 الرقم 874 ورواه في الوسائل في الباب 21
من أبواب أقسام الحج - الحديث 8 عن التهذيب ج 5 ص 173 عن زكريا بن آدم
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 9 - 10
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 9 - 10
33

عرفة قال: لا متعة له، يجعلها حجة مفردة ويطوف بالبيت ويسعى بين الصفا
والمروة ويخرج إلى منى ولا هدي عليه، إنما الهدي على المتمتع) وخبر علي
ابن يقطين (1) (سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل والمرأة
يتمتعان بالعمرة إلى الحج ثم يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال
يجعلانها حجة مفردة، وحد المتعة إلى يوم التروية) وخبر عمر بن يزيد (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا قدمت مكة يوم التروية وقد غربت الشمس فليس لك متعة
امض كما أنت بحجك).
إلا أنها أخبار شاذة نادرة القائل تشبه بعض أخبار المواقيت، بل فيها
ما هو كالموضوع نحو قوله: (عليه السلام) (قد صنع ذلك رسول الله (صلى
الله عليه وآله)) مع أنه لم يتمتع أبدا، اللهم إلا أن يراد صنعه لغيره بأن
أمر صلى الله عليه وآله به أو أنه كان ذلك لحكمة عدم إرادة معروفية الشيعة في ذلك الوقت
بالتخلف عن يوم التروية الذي يخرج الناس فيه إلى منى، بل يلوح من بعضها
آثار ما ذكرنا، خصوصا خبر ابن بزيع (3) منها قال: (سألت أبا الحسن
الرضا (عليه السلام) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل إن تحل متى
تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر (عليه السلام) يقول: زوال الشمس من يوم
التروية، وكان موسى عليه السلام يقول: صلاة الصبح من يوم التروية، فقلت: جعلت
فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية ويطوفون ويسعون ثم يحرمون بالحج،
فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبي صالح فقال: لا، إذا زالت
الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على إحرامها أم تجدد إحرامها للحج؟ فقال:

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 12 - 14
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 12 - 14
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج الحديث 11 - 12 - 14
34

لا هي على إحرامها، فقلت: فعليها هدي قال: لا إلا أن تحب أن تتطوع، ثم
قال: أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة) ضرورة أن
نقله عن جعفر عليه السلام كذا وعن موسى عليه السلام كذا - مع أنه مناف لما سمعته من
نصوص التوسعة في يوم التروية إلى غروب الشمس، بل في بعضها بعد العشاء -
هذا كله دليل علي ما ذكرنا، أو على اختلاف أوقات التمكن إلى الوصول إلى
عرفات باختلاف الناس، أو على أن المراد بيان تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل
بمعنى أن أفضل أنواع التمتع أن تكون عمرته قبل ذي الحجة، ثم يتلوه ما تكون
عمرة قبل يوم التروية، ثم ما يكون قبل ليلة عرفة، ثم ما يمكن معها إدراك
الموقفين، ثم من كانت فريضته التمتع يكتفي بادراك الأخير منها، ومن يتطوع
بالحج ولم يتيسر له العمرة إلا بعد التروية أو عرفة فالمستفاد من بعض الأخبار
أن العدول إلى الافراد أولى له ولو لبعض الأمور التي لا ينافيها أفضلية التمتع
بالذات على الافراد، وربما ظهر من بعض متأخري المتأخرين الجمع بين النصوص
بالتخيير بين التمتع والافراد إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه، وهو جيد إن
أراد ما ذكرناه، لا في صورة وجوب حج التمتع المعلوم من مذهب الشيعة وجوبه
على النائي إذا تمكن منه من غير استثناء حال من الأحوال، ولذا صرح الشيخ
- بعد الجمع بين النصوص المزبورة بإرادة نفي الكمال في المتعة. وبالخيار بينها وبين
الافراد على الوجه المزبور - بأن ذلك إذا كان الحج مندوبا لا فيما إذا كان هو
الفريضة، بل قد سمعت من ابن إدريس الاكتفاء في الوجوب بادراك اضطراري
عرفة وإن كان الأقوى خلافه.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى ما قلناه، وعليه استقر المذهب
بل ما تسمعه في المسألة الآتية مؤيد لذلك، وهي التي أشار إليها المصنف بقوله:
(وكذا الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل وإنشاء الاحرام بالحج
35

لضيق الوقت عن التربص) لقضاء أفعال العمرة على المشهور بين الأصحاب شهرة
عظيمة، بل في المنتهى الاجماع عليه،
قال: (إذا دخلت المرأة مكة متمتعة
طافت وسعت وقصرت ثم أحرمت بالحج كما يفعل الرجل سواء، فإن حاضت قبل
الطواف لم يكن لها أن تطوف بالبيت إجماعا، لأن الطواف صلاة، ولأنها ممنوعة
من الدخول إلى المسجد، وتنتظر إلى وقت الوقوف بالموقفين، فإن طهرت وتمكنت
من الطواف والسعي والتقصير وإنشاء الاحرام بالحج وإدراك عرفة صح لها
التمتع، وإن لم تدرك ذلك وضاق عليها الوقت أو استمر بها الحيض إلى وقت
الوقوف بطلت متعتها وصارت حجتها مفردة، ذهب إليه علماؤنا أجمع) قيل
ونحوه عن التذكرة، وليس فيهما إشارة إلى الخلاف السابق في فوات وقت العمرة
فهو حينئذ شاهد على المختار هناك، إذ الظاهر عدم الفرق بين الأعذار، واحتمال
خروج الحائض من بينها للأدلة الخاصة يدفعه أن من نصوص توقيت المتعة بيوم
التروية ما هو في الحائض.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأصح ما عليه المشهور، لصحيح جميل (1)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية قال:
تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر وتخرج إلى التنعيم
فتحرم فتجعلها عمرة) قال ابن أبي عمير (كما صنعت عائشة) وخبر إسحاق
(2) عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف
بالبيت حتى تخرج إلى عرفات قال: تصير حجة مفردة، قلت: عليها شئ قال:
دم تهريقه وهي أضحيتها) وصحيح ابن بزيع (3) المتقدم سابقا، وخبر الأعرج (4)

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 13 - 14
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 13 - 14
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 13 - 14
(4) الوسائل - الباب - 86 - من أبواب الطواف - الحديث 1
36

الآتي في المسألة الآتية.
خلافا للمحكي عن الإسكافي وعلي بن بابويه وأبي الصلاح من بقائها على
متعتها، فتفعل حينئذ غير الطواف من أفعالها وتقصر ثم تحرم بالحج من مكانها
ثم تقضي ما فاتها من الطواف بعد أن تطهر وحكاه في كشف اللثام عن الحلبيين
وجماعة، كما أنه حكى فيه عن أبي علي التخيير بينهما، وعلى كل حال فالأول لخبر
العلاء بن صبيح والبجلي وابن رئاب و عبد الله بن صالح كلهم (1) يروونه عن
أبي عبد الله عليه السلام (المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين
التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة وإن لم تطهر إلى يوم
التروية اغتسلت واحتشت وسعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى، فإذا
قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج
ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شئ يحل منه المحرم إلا
فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها) وخبر عجلان
أبي صالح (2) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف
تصنع؟ قال: تسعى بين الصفا والمروة وتجلس في بيتها، فإن طهرت طافت بالبيت
وإن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء وأهلت بالحج وخرجت إلى
منى فقضت المناسك كلها، فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شئ ما عدا فراش
زوجها، قال: وكنت أنا و عبد الله بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد فدخل
عبد الله على أبي الحسن عليه السلام فخرج إلي فقال: قد سألت أبا الحسن عليه السلام عن
رواية عجلان فحدثني بنحو ما سمعنا من عجلان) ونحوه خبر درست (3) إلى قوله

(1) الوسائل - الباب - 84 - من أبواب الطواف - الحديث 1 - 6 - 2 والثالث عن درست الواسطي عن عجلان أبي صالح
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
37

عليه السلام (فراش زوجها) إلا أنه قال: (وأهلت بالحج من بيتها) وزاد بعد
قوله عليه السلام: (وقضت المناسك كلها) (فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين
وسعت بين الصفا والمروة) وخبره الآخر (1) أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول:
(إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن تطوف قدمت السعي وشهدت المناسك،
فإذا طهرت وانصرفت من الحج قضت طواف العمرة وطواف الحج وطواف النساء
ثم أحلت من كل شئ) وكان التخيير المزبور وجه جمع بين النصوص، إلا أنه
مع كونه لا شاهد له فرع التكافؤ المفقود في المقام من وجوه.
ومن هنا جمع بعض المتأخرين بينها بطريق آخر، وهو الفرق بين من
أحرمت وهي طاهر فإنها تقضي طوافها بعد ذلك، وبين من أحرمت وهي حائض
فإنها تبطل متعتها وتعدل إلى حج الافراد، والشاهد على ذلك خبر أبي بصير (2)
قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ثم
حاضت قبل أن تقضي متعتها: سمعت ولم تطف حتى تطهر ثم تقضي طوافها وقد
قضت عمرتها، وإن هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر) وهو
- مع أنه قول لم نعرف لأحد من أصحابنا، بل لا يوافق الاعتبار، ضرورة
عدم الفرق بين الحالين بعد عدم اعتبار (عدم ظ) الحيض في السعي والتقصير - لا يتم
في بعض (3) النصوص السابقة الذي هو كالصريح في بطلان متعتها في الأول.
ومن هنا جمع الشيخ بينها بحمل نصوص قضاء الطواف على من طافت أربعا
كما تسمعه في المسألة الآتية ونصوص العدول إلى الافراد على من لم تطف شيئا
منه، وجعل الخبر المزبور شاهدا على ذلك باعتبار أنها لو أحرمت وهي حائض قد

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الطواف - الحديث 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الطواف - الحديث 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 13
38

علم عدم وقوع شئ من الطواف منها، بخلاف من أتاها الحيض بعد الاحرام
الذي هو موضوع نصوص القضاء، ولا بأس به بعد أن عرفت استحقاقها للطرح
باعتبار عدم مقاومتها للأخبار السابقة من وجوه وأما ما يحكى عن بعض الناس
من استنابتها من يطوف عنها فلم نعرف القائل به ولا دليله، بل مقتضى القواعد
فضلا عن الأدلة خلافه، وكذا ما في بعض النصوص (1) من تأخيرها السعي
لو فرض عروض الحيض لها بعد إتمام الطواف لم نعرف قائلا به.
(ولو تجدد العذر وقد طافت أربعا صحت متعتها وأتت بالسعي وبقية
المناسك) التي قد عرفت عدم اشتراط شئ منها بالطهارة (وقضت بعد طهرها
ما بقي من طوافها) قبل طواف الحج، لتقدم سببه كما في كلام بعض، أو بعده
كما في كلام آخر، أو مخيرة كما هو مقتضى إطلاق الأدلة علي المشهور بين الأصحاب
شهرة عظيمة، لعموم ما دل (2) على إحراز الطواف باحراز الأربعة منه،
وخصوص النصوص كخبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا حاضت
المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا والمروة فجازت النصف فعلمت ذلك
الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، وإن هي
قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله) وخبر
أحمد بن عمر الحلال (4) عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن امرأة طافت خمسة
أشواط ثم اعتلت قال: إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بين الصفا
والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها
في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله) والمراد بمجاوزة النصف

(1) الوسائل - الباب - 89 - من أبواب الطواف - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 85 - من أبواب الطواف - الحديث 4 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 85 - من أبواب الطواف - الحديث 4 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 85 - من أبواب الطواف - الحديث 4 - 1 - 2
39

بلوغ الأربع فما زاد بقرينة غيره من النص والفتوى، وذكر الصفا والمروة معه
لا ينافي حجيتهما فيه كما هو واضح، وخبر إسحاق بياع اللؤلؤ (1) عمن سمع
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط
ثم رأت الدم فمتعتها تامة) وزاد في التهذيب والاستبصار (وتقضي ما فاتها من
الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، وتخرج إلى منى قبل أن تطوف الطواف
الأخير) قلت: لعل المراد بالطواف الأخير الطواف المقضي، وصحيح سعيد
الأعرج (2) (سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت أربعة
أشواط وهي معتمرة ثم طمثت قال: تتم طوافها فليس عليها غيره، ومتعتها تامة،
فلها أن تطوف بين الصفا والمروة، وذلك لأنها زادت على النصف وقد قضت
متعتها وتستأنف بعد الحج) وزاد في الفقيه (3) بعد أن رواه مرسلا (وإن
هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج
فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر) بل في خبر محمد (4) الاكتفاء
بثلاثة أشواط أو أقل، قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت
ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت
منه واعتدت بما مضى) بل في الفقيه بهذا الحديث أفتي دون الحديث السابق عليه
لأن إسناده متصل ومضمونه رخصة ورحمة، بخلاف الأول، وفيه - مع ندرة
القول بذلك، بل استقرت الكلمة بعده على خلافه - أن الخبر المزبور هو قد
رواه مرسلا، وإلا ففي التهذيب وغيره مسند، على أن الدليل غير منحصر فيه،

(1) الوسائل - الباب - 86 - من أبواب الطواف - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 86 - من أبواب الطواف - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 85 - من أبواب الطواف - الحديث 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 85 - من أبواب الطواف - الحديث 4 - 3
40

فلا ريب في عدم مقاومة الخبر المزبور لغيره مما سمعت من وجوه، فمن هنا كان
المتجه حمله على طواف النافلة الذي ستعرف فيما سيأتي جواز البناء فيه على الأقل
من الأربع.
وما أبعد ما بينه وبين المحكي عن ابن إدريس من بطلان متعتها بعروض
الحيض في أثناء الطواف ولو بعد الأربع، وكأنه مال إليه في المدارك، لامتناع
إتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل، ولا طلاق صحيح محمد بن إسماعيل (1)
وغيره، إلا أنه كما ترى اجتهاد في مقابلة النصوص الخاصة المعتضدة بالنصوص
العامة التي لا يعارضها الاطلاق المزبور المنزل على عروض الحيض قبل حصول
الطواف، ولقد أطنب في المنتهى في نقل القولين المزبورين ودليلهما، ثم جعل
الانصاف التوسط بين القولين، نعم لا تنقيح في كلامهم أن الحكم المزبور مختص
بحال الضيق أو الأعم منه ومن السعة، فلها حينئذ في الأخير السعي والتقصير
والاحلال ثم قضاء ما عليها من الطواف بعد الاحرام بالحج، أو أنها تنتظر الطهر
مع السعة باقية على إحرامها حتى تقضي طوافها وصلاته ثم تسعى وتقصر؟ قد يلوح
من بعض العبارات خصوصا عبارة القواعد الأول تنزيلا للأربعة منزلة الطواف
كله، ولكن لا ريب في أن الأولى والأحوط الثاني الذي فيه المحافظة على ترتيب
العمرة، بل لعل الأولى ذلك حتى لو عرض لها الحيض بعد قضاء الطواف أجمع
قبل صلاة ركعتيه، فإن متعتها صحيحة، لأولويتها من الصورة الأولى، لصحيح
الكناني (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت في حج
أو عمرة ثم حاضت قبل إن تصلي الركعتين قال: إذا طهرت فلتصل ركعتين عند

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 14
(2) الوسائل - الباب - 88 من أبواب الطواف - الحديث 2
41

مقام إبراهيم (عليه السلام) وقد قضت طوافها) ومضمر زرارة (1) (سألته
عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين فقال: ليس عليها إذا
طهرت إلا الركعتان وقد قضت الطواف) وما في المدارك واتباعها من أن في
الدلالة نظرا وفي الحكم إشكالا واضح الضعف، نعم لا دلالة فيهما على جواز فعل
بقية أفعال العمرة ثم الاحلال فيها ثم قضاء الركعتين بعد ذلك مع السعة،
فالأحوط حينئذ والأولى انتظارها الطهر مع السعة، وربما يأتي فيما بعد لذلك تتمة
إن شاء الله.
(و) على كل حال فلا خلاف ولا اشكال في أنه (إذا صح) حج
(التمتع) الاسلامي (سقطت العمرة المفردة) التي هي عمرة الاسلام، بل
الاجماع بقسميه عليه، قال الصادق (عليه السلام) في الصحيح (2) (إذا
استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة) وقال عليه السلام أيضا في خبر
أبي بصير (3): (العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة
المفروضة) وقال البزنطي (4) (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن العمرة
أواجبة هي؟ قال: نعم قلت: فمن تمتع يجزي عنه قال نعم) وقال: يعقوب
ابن شعيب (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قول الله عز وجل (6):
وأتموا الحج والعمرة لله) يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان العمرة
المفردة قال: كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه).

(1) الوسائل - الباب - 88 - من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب العمرة الحديث 7 - 6 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب العمرة الحديث 7 - 6 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب العمرة الحديث 7 - 6 - 3 - 4
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب العمرة الحديث 7 - 6 - 3 - 4
(6) سورة البقرة - الآية 192
42

هذا كله في حج التمتع
(و) أما (صورة) حج (الافراد) للمختار
فهو (أن يحرم من الميقات) الذي ستعرفه في أشهر الحج إن كان أقرب إلى مكة
من منزله (أو من حيث يسوغ له الاحرام بالحج) وهو منزله إن كان أقرب إلى
مكة أو غيره ولو لعذر من نسيان وغيره على وجه لا يتمكن من الرجوع إلى الميقات
بعد (ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها ثم إلى المشعر فيقف به ثم إلى منى فيقضي
مناسكه بها ثم) يأتي مكة فيه أو بعده إلى آخر ذي الحجة ف‍ (يطوف بالبيت
ويصلي ركعتيه ويسعى بين الصفا والمروة ويطوف طواف النساء ويصلي ركعتيه)
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك نصا وفتوى، نعم ستعرف جواز تقديم
الطواف والسعي على الموقفين على كراهة، كما أنك ستعرف تمام البحث في هذه
الأمور جميعها (وعليه عمرة مفردة بعد الحج والاحلال منه) إن كانت قد
وجبت عليه، وإلا فإن شاء فعلها (ثم يأتي بها من أدنى الحل) الذي هو
الأقرب والألصق بالحرم، أو أحد المواقيت، وبينهما إشكال أقواه الجواز
وأحوطه العدم. وربما أشعرت العبارة ونظائرها بلزوم العمرة المفردة لكل حاج
مفرد، وليس كذلك قطعا في الحج المندوب والمنذور إذا لم يتعلق النذر بالعمرة
كما يدل عليه الأخبار (1) الواردة بكيفية حج الافراد، بل صرح غير واحد
من الأصحاب بأن من استطاع الحج مفردا دون العمرة وجب عليه الحج دونها ثم
يراعي الاستطاعة لها، ومن استطاعها دونه وجبت هي عليه خاصة، وكذا صرح
غير واحد من الأصحاب بأن من نذر الحج لا تجب عليه العمرة إلا أن يكون
حج التمتع، فتجب حينئذ لدخولها فيه، وبالجملة فالمسألة لا إشكال فيها من
هذه الجهة، إنما الكلام فيمن وجبا عليه وكان ممن فرضه الافراد أو القران وحينئذ

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج
43

يتعين عليه فعلها بعد الحج كما هو ظاهر بعض العبارات، بل في الرياض أن ظاهر
الأصحاب الاتفاق عليه، وفي المنتهى وغيره الاجماع عليه، بل في مصابيح
العلامة الطباطبائي التصريح بالاجماع عليه، وفي كشف اللثام في بحث العمرة
الاجماع عليه فعلا وقولا، لكن ستعرف البحث في ذلك كله عن قريب إن شاء الله
(و) كيف كان فلا إشكال بل ولا خلاف في أنه (يجوز وقوعها)
أي العمرة الواجبة (في غير أشهر الحج) لاطلاق الأدلة كتابا وسنة السالم عن
المعارض، وصحيح عبد الرحمان (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
المعتمر بعد الحج قال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن) لا يدل على التوقيت
لكن بمعنى صحتها، وإلا فستعرف البحث في وجوب الفور بها، وعليه يتجه
وجوب المبادرة فيها على من وجبت عليه بعد الفراغ من الحج، نعم جوز
الشهيد في الدروس تأخيرها إلى استقبال المحرم بناء على عدم منافاة ذلك للفورية
واستشكله في المدارك، وهو في محله.
(ولو أحرم بها من دون ذلك ثم خرج إلى أدنى الحل لم يجزه الاحرام
الأول) الذي قد وقع باطلا لوقوعه في الحرم (وافتقر إلى استئنافه)
جديدا، وستعرف تفصيل هذه المباحث في محالها.
(وهذا القسم والقران فرض أهل مكة ومن بينه وبينها دون اثني عشر
ميلا من كل جانب) أو ثمانية وأربعين ميلا على القولين السابقين
(فإن عدل
هؤلاء إلى التمتع اضطرارا) كخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم إمكان
تأخير العمرة إلى أن تطهر أو خوف عدو يصده أو فوات الرفقة (جاز)
العدول حينئذ إليه ولو بعد الشروع حتى في القران بلا خلاف أجده فيه على

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب العمرة - الحديث 2
44

ما اعترف به غير واحد، بل عن بعضهم دعوى الاتفاق عليه، فإن تم ذلك كان
هو الحجة، وإلا كان مشكلا، وخصوصا في القران الذي استفاضت
النصوص (1) بعدم مشروعية العدول فيه، والاستدلال عليه باطلاق ما دل
على جواز العدول بحج الافراد إلى التمتع - كصحيح معاوية بن عمار (2) سأل
الصادق (عليه السلام) (عن رجل لبى بالحج مفردا ثم دخل مكة فطاف بالبيت
وسعى بين الصفا والمروة قال: فليحل وليجعلها متعة إلا أن يكون ساق الهدي
فلا يستطيع أن يحل حتى يبلغ الهدي محله) وغيره - كما ترى، إذ هو - مع
أنه لا يتم في القران - مساق لأصل بيان مشروعية العدول به إلى المتعة دون القران
لا فيمن كان فرضه أحدهما، بل ستعرف عدم مشروعية المتعة له اختيارا، بل
مقتضى إطلاق الأدلة الآتية عدم المشروعية مطلقا، وكذا الاستدلال له
بأولوية الجواز فيهما معها من الجواز في التمتع الذي هو الأفضل بالنسبة إليهما معا
إذ هو - مع أنه قياس لا نقول به بل ومع الفارق، خصوصا بعد ظهور الأدلة في عدم
مشروعيته لهم مطلقا - مدفوع بأن الأمر غير منحصر في ذلك، ضرورة إمكان
العدول في ذلك إلى العمرة المفردة، والاحرام بالحج من منزله أو الميقات إن
تمكن منه، وليس فيه إلا تقديم العمرة على الحج، ولا بأس به مع الضرورة
بل لا دليل على وجوب تأخيرها عنه مع الاختيار، بل سئل الصادق (عليه
السلام) في خبر إبراهيم بن عمر اليماني (3) (عن رجل خرج في أشهر الحج
معتمرا ثم خرج إلى بلاده قال: لا بأس، وإن حج من عامه ذلك وأفرد الحج

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الاحرام - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب العمرة - الحديث 2
45

فليس عليه دم) وظاهره الاتيان بعمرة مفردة ثم حج مفرد، وفي مرسل
الفقيه (1) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) (أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا
بأيهما بدأتم) بل منه يستفاد أيضا الاستدلال باطلاق الأدلة، وفي خبر
سماعة (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (من حج معتمرا في شوال ومن
نيته أن يعتمر ويرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، وإن هو أقام إلى الحج فهو
متمتع، وإن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة، وإن اعتمر في
شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع، وإنما هو مجاور أفرد العمرة
فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج، فليخرج منها حتى يجاوز ذات
عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج فإن هو أحب أن يفرد الحج
فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها) وخبر عمر بن يزيد (3) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) أيضا (من اعتمر عمرة مفردة فله أن يخرج إلى أهله متى شاء إلا
أن يدركه خروج الناس يوم التروية) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على
جواز تقديم العمرة على حج الافراد. وعدم وجوب تأخيرها عنه، وحينئذ
فلا ينحصر الأمر فيهما بالعدول إلى التمتع، ولا يضطرون إليه، ولعله
لذلك كله كان المحكي عن ظاهر التبيان والاقتصاد والغنية والسرائر العدم في حال
الضرورة، بل لعله ظاهر كل من قال إنهما فرضهما من دون استثنائها، ومن
ذلك يعلم ما في الاتفاق ونفي الخلاف المحكيين سابقا، كما أنه يعلم مما سمعته ما في
الرياض من أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على تأخير العمرة في حج الافراد والقران

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب العمرة - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أقسام الحج الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب العمرة - الحديث 9
46

عنهما، وقد مضى عن المنتهى وغيره الاجماع على ذلك، بل في مصابيح
العلامة الطباطبائي التصريح بالاجماع على ذلك، إلا أنه لم نتحققه، ولعله
أخذه من ظاهر العبارات التي تعرض فيها لصورة الافراد والقران، إلا أنها
وإن أوهمت ذلك لكنها في بيان الفرق بينهما وبين التمتع باعتبار تقديم العمرة في
الأخير بخلافهما، لا أن المراد اعتبار تأخير العمرة عن الحج على كل من وجبا
عليه ولو إفرادا أو قرانا فتأمل جيدا، فإنه إن تم الاجماع المزبور فذاك،
وإلا كان للنظر فيه مجال، والله العالم.
(و) كيف كان فمما ذكرنا يعلم الحال فيما ذكره المصنف من أنه (هل
يجوز) لغير النائي أن يؤدي فرضه متمتعا ابتداء أو بعد الشروع (اختيارا
قيل) والقائل الشيخ في أحد قوليه ويحيى بن سعيد فيما حكي عنه: (نعم) يجوز
ذلك (وقيل: لا) يجوز (وهو الأكثر) قائلا، بل هو المشهور، بل لم
نعرف الأول لغير من عرفت، بل عن الغنية الاجماع عليه، لظاهر ذلك)
في الآية (1) المصرح في النصوص (2) بإرادة الإشارة إلى التمتع منه،
وللنصوص (3) الكثيرة المتضمنة أنه ليس لأهل مكة ولا لأهل مر ولا لأهل شرف
متعة التي قد مر جملة منها في التحديد السالمة عن المعارض، عدا ما يقال من
الاستدلال للشيخ بأن المتمتع قد جاء بحج الافراد، ولا ينافيه زيادة العمرة قبله الذي
هو - مع أنه لا يتم في غير أهل مكة ممن إحرامه من دويرة أهله أو من الميقات - كما
ترى، وصحيح عبد الرحمان بن الحجاج و عبد الرحمان بن أعين (4) سألا الكاظم عليه السلام

(1) سورة البقرة - الآية 192
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
47

(عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقيت
التي وقت رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتمتع، فقال: ما أزعم أن ذلك ليس له،
والاهلال بالحج أحب إلي، ورأيت من سأل أبا جعفر (عليه السلام) وذلك أول
ليلة من شهر رمضان فقال له: جعلت فداك إني قد نويت أن أصوم بالمدينة قال:
تصوم انشاء الله، قال وأرجو أن يكون خروجي في عشر من شوال فقال: تخرج
انشاء الله، فقال له: إني نويت أن أحج عنك أو عن أبيك فكيف أصنع فقال له: تمتع
فقال له إن الله تعالى ربما من علي بزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وزيارتك والسلام عليك
وربما حججت عنك وربما حججت عن أبيك وربما حججت عن إخواني أو عن نفسي
فكيف أصنع؟ فقال له: تمتع، فرد عليه القول ثلاث مرات يقول له. إني مقيم
بمكة وأهلي بها فيقول: تمتع) الحديث، وصحيح عبد الرحمان بن الحجاج (1)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض
الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟ قال ما أزعم أن
ذلك ليس له لو فعل، وكان الاهلال أحب إلي) وهما كما ترى في غير ما نحن فيه
ولذا كان خيرة غير واحد ممن صرح بالمنع في الفرض الجواز فيه كما تسمع
الكلام فيه إنشاء الله، على أنهما غير صريحين في حجة الاسلام بل ولا ظاهرين
بل لعل أولهما ظاهر في غيرها.
نعم قيل: لو لم يكونا في حج الاسلام لم يكن معنى لقوله: (وكان الاهلال
بالحج أحب إلي) لمعلومية أفضلية التمتع في الحج المندوب لأهل مكة وغيرهم،
ومن هنا قال في المدارك وغيرها، إن محل الخلاف في حج الاسلام، وأما المندوب

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2
48

فلا إشكال في رجحان التمتع فيه لهم ولغيرهم، ولعله لاطلاق ما دل على أفضليته
لكن إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة بظهور النصوص في عدم أصل المشروعية
لهم، بل ظاهر جملة منها أو صريحها وهي الواردة في مجاوري مكة تناول المندوب أيضا
وحينئذ فلا يتم الاستظهار السابق من الخبرين، ومما ذكرنا يعلم الحال فيما في
الدروس قال: واختلف في جواز التمتع للمكي اختيارا في حج الاسلام باختلاف
الروايات، فجوزه الشيخ وجوز فسخ الافراد إليه محتجا بالاجماع، وتبعه في
المعتبر، إذ لم نقف على الروايات المقتضية للجواز إلا ما عرفت، كما أنا لم نتحقق
ما حكاه من الاجماع، بل لعل المتحقق خلافه.
(و) على كل حال ف‍ (لو قبل بالجواز لم يلزمهم هدي) لعدم فوات
ميقات الاحرام لهم، لكن قد عرفت أنه نسك لا جبران، لاطلاق الأدلة كتابا
وسنة، ولعله لذا قطع المصنف به في باب الهدي من غير خلاف، وستسمع تمام
الكلام فيه إن شاء الله.
(وشروطه) أي حج الافراد (ثلاثة): الأول (النية) التي قد
عرفت البحث فيها سابقا في حج التمتع (و) الثاني (أن يقع) بتمامه (في
أشهر الحج) بلا خلاف فيه بيننا، بل في المعتبر عليه اتفاق العلماء، لقوله تعالى (1):
(الحج أشهر معلومات) لكن عن أبي حنيفة وأحمد والثوري جواز الاحرام به
قبلها، (و) الثالث (أن يعقد إحرامه من ميقاته) الذي يمر عليه إن كان
أقرب من منزله (أو من دويرة أهله إن كان منزله دون الميقات) بلا خلاف فيه
أيضا بيننا، خلافا لمجاهد فإنه قال: يهل من مكة، إنما الكلام في اعتبار الأقربية
إلى مكة كما في أكثر الأخبار (2) أو إلى عرفة، وستعرف الكلام فيه في محله

(1) سورة البقرة - الآية 193
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت
49

إن شاء الله، وعن المبسوط زيادة رابع. وهو الحج من سنته، قال في الدروس:
((وفيه ايماء إلى أنه لو فاته الحج انقلب إلى العمرة، فلا يحتاج إلى قلبه عمرة في
صورة الفوات) قلت: يمكن أن يقول بالبطلان حينئذ، وعلى كل حال فأهل
مكة يحرمون له من مكة قال في التذكرة: (أهل مكة يحرمون للحج من مكة،
وللعمرة من أدنى الحل سواء كان مقيما بمكة أو غير مقيم، لأن كل من أتى على
ميقات كان ميقاتا له، ولا نعلم في ذلك خلافا) والله العالم.
(وأفعال القارن وشروطه كالمفرد غير أنه يتميز عنه بسياق الهدي عند
احرامه) وفاقا للمشهور، لنحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر منصور (1):
(الحاج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع وحاج مفرد للحج وسائق للهدي)
والسائق هو القارن، وفي خبره الآخر (2) عن الصادق (عليه السلام) (لا يكون
القارن قارنا إلا بسياق الهدي، وعليه طوافان بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة
كما يفعل المفرد، وليس بأفضل من المفرد إلا بسياق الهدي) وفي خبر معاوية (3)
(لا يكون قران إلا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت، وركعتان عند مقام
إبراهيم (عليه السلام)، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف بعد الحج وهو
طواف النساء - إلى أن قال -: وأما المفرد للحج فعليه طواف بالبيت، وركعتان
عند مقام إبراهيم (عليه السلام)، وسعي بين الصفا والمروة، وطواف الزيارة،
وهو طواف النساء، وليس عليه هدي ولا أضحية) وفي صحيح الحلبي (4) عن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 مع
اختلاف في اللفظ
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الحج - الحديث 9 - 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الحج - الحديث 9 - 1
(4) ذكر صدره في الباب 2 من أبواب أقسام الحج
الحديث 5، وقطعة منه في الباب 12 منها - الحديث 16 والبقية في الباب 5 منها
الحديث 2 وتمامه في التهذيب ج 5 ص 42 الرقم 124
50

الصادق (عليه السلام) (إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد
ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت، وصلاة ركعتين خلف
المقام، وسعي واحد بين الصفا والمروة، وطواف بالبيت بعد الحج، وقال: أيما
رجل قرن بين الحج والعمرة فلا يصلح إلا أن يسوق الهدي قد أشعره أو قلده،
والاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها، وإن لم يسق الهدي فليجعلها
متعة) وصحيح الفضيل بن يسار (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (القارن
الذي يسوق الهدي عليه طواف بالبيت، وسعي بين الصفا والمروة: وينبغي له
أن يشترط مع ربه إن لم تكن حجة فعمرة) إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة
في اتحاد أفعال القارن والمفرد وعدم الفرق بينهما إلا بسياق الهدي.
خلافا للمحكي عن ابن أبي عقيل من أن القارن معتمر أولا ولا يحل من
العمرة حتى يفرغ من الحج، ونزل عليه أخبار (2) حج النبي صلى الله عليه وآله المشتملة على
طوافه وصلاة الركعتين وسعيه بين الصفا والمروة حين قدومه مكة وكذا أصحابه
ولكن لم يحل هو لأنه سائق وأمر غيره ممن لم يسق بالاحلال، وجعلها عمرة،
وقال (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم، ولكني سقت
الهدي وليس لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله وشبك أصابعه بعضها

(1) الوسائل - الباب - 2 من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 وفيه
" عليه طوافان " كما في التهذيب ج 5 ص 43 الرقم 125
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 و 13
و 24 و 32
51

إلى بعض، وقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة) ويؤيده خلو النصوص
أجمع عن اعتمار النبي صلى الله عليه وآله بعد الحج، بل روى الصدوق في محكي العلل مسندا
إلى فضيل بن عياض (1) أنه سأل الصادق عليه السلام (عن الاختلاف في الحج فبعضهم
يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله مهلا بالحج، وقال بعضهم: مهلا بالعمرة، وقال
بعضهم: خرج قارنا، وقال بعضهم: ينتظر أمر الله عز وجل، فقال أبو عبد الله
عليه السلام: علم الله عز وجل أنها حجة لا يحج بعدها، فجمع الله له ذلك كله في سفرة
واحدة ليكون جميع ذلك سنة لأمته، فلما طاف بالبيت وبالصفا والمروة أمره
جبرئيل أن يجعلها عمرة إلا من كان معه هدي فهو محبوس على هديه لا يحل،
لقوله عز وجل (2): (حتى يبلغ الهدي محله) فجمعت له العمرة والحج، وكان
خرج على خروج العرب الأول لأن العرب كانت لا تعرف إلا الحج، وهو في
ذلك ينتظر أمر الله، وهو صلى الله عليه وآله يقول: الناس على أمر جاهليتهم إلا ما غيره
الاسلام، وكانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج، وهذا الكلام من رسول الله
صلى الله عليه وآله إنما كان في الوقت الذي أمرهم بفسخ الحج، فقال: دخلت العمرة في
الحج إلى يوم القيامة، وشبك بين أصابعه يعني في أشهر الحج، وقال فضيل:
قلت: أفيعتد بشئ من الجاهلية؟ قال: إن أهل الجاهلية ضيعوا كل شئ من دين
إبراهيم عليه السلام إلا الختان والتزويج والحج، فإنهم تمسكوا بها ولم يضيعوها) بل
في المرسل (3) الانكار من عثمان على أمير المؤمنين (عليه السلام) بقرنه بين الحج
والعمرة، وقوله: (لبيك بحجة وعمرة معا).

(1) علل الشرائع ج 2 ص 100 الطبع الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ
(2) سورة البقرة - الآية 192
(3) سنن البيهقي ج 4 ص 352
52

وقد سمعت ما في صحيح الحلبي (1) السابق الذي منه كان المحكي عن
أبي علي أنه قال: (القارن يجمع بين النسكين بنية واحدة، فإن ساق الهدي
طاف وسعى قبل الخروج إلى عرفات ولا يتحلل، وإن لم يسق جدد الاحرام بعد
الطواف، ولا تحل له النساء وإن قصر) وهو كابن أبي عقيل في جعل القارن
معتمرا أيضا، بل ظاهر الدروس أن غيره أيضا، كذلك وبسياق الهدي يتميز
عنه القارن في المشهور، وقال الحسن: القارن من ساق وجمع بين الحج والعمرة
فلا يتحلل منها حتى يحل من الحج، فهو عنده بمثابة المتمتع إلا في سوق الهدي
وتأخير التحلل وتعدد السعي، فإن القارن عنده يكفيه سعيه الأول عن سعيه في
طواف الزيارة، وظاهره وظاهر الصدوقين الجمع بين النسكين بنية واحدة، وصرح
ابن الجنيد بأنه يجمع بينهما، فإن ساق وجب عليه الطواف والسعي قبل الخروج
إلى عرفات، ولا يتحلل، وإن لم يسق جدد الاحرام بعد الطواف، ولا تحل له
النساء وإن قصر، وقال الجعفي: (القارن كالمتمتع غير أنه لا يحل حتى يأتي بالحج
للسياق) وفي الخلاف إنما يتحلل من أتم أفعال العمرة إذا لم يكن ساق، فلو كان
قد ساق لم يصح له التمتع ويكون قارنا عندنا، وظاهره أن المتمتع السائق قارن،
وحكاه الفاضلان عنه ساكتين عليه.
قلت: لكن لا يخفى عليك ضعفه وإن تعدد القائل به، إذ في خبر ابن
عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) الوارد في حجة الوداع (أنه صلى الله عليه وآله لبى
بالحج مفردا وساق الهدي) وفي صحيح الحلبي (3) عنه (عليه السلام) أيضا
الوارد فيها (أهل بالحج وساق مائة بدنة، وأحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون

(1) المتقدم في ص 50
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 - 13
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 - 13
53

عمرة، ولا يدرون ما المتعة) وهما كالصريحين خصوصا أولهما في أنه لبى بالحج مفردا
له عن العمرة، ولا ينافي ذلك ظهور نصوص حجه صلى الله عليه وآله في عدم اعتماره
في تلك الحجة، فإنه صلى الله عليه وآله كان يعتمر عمرا متفرقة، وحينئذ فما فعله
من الطواف والسعي حين قدومه ليس هو إلا للحج إلا أنه أمر غيره بالاحلال
وجعل ما فعلوه للحج عمرة، وبقي هو على إحرامه، لأنه لم يكن يسوغ له الاحلال
حتى يبلغ الهدي محله.
وأما خبر العلل (1) فهو - بعد الغض عن بعض ما في متنه مما يدل على
كونه من غير الإمام - يمكن حمله على إرادة جمع الله الحج والعمرة ولو لأمته لا له
نفسه، ضرورة صراحة النصوص الواردة في حجه أنه صلى الله عليه وآله لم يطف في البيت
طوافين غير طواف النساء كما هو مقتضى الجمع بين الحج والعمرة، بل لعل التأمل
في مجموع الخبر المزبور يقتضي ظهوره فيما ذكرناه أو صراحته، وأما المرسل المزبور
فالمراد منه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أهل بحج التمتع الذي هو في الحقيقة
حجة وعمرة، وأنكر عليه عثمان باعتبار مخالفته لرأي عمر، وليس المراد أنه (عليه
السلام) أحرم لهما كما يصنعه العامة، وأما صحيح الحلبي فقد أطنبوا فيه فحمله
الشيخ على إرادة اشتراط إن لم يكن حجة فعمرة من القران مستشهدا عليه
بصحيح الفضيل السابق وغيره على غير ذلك، ولكن أحسن ما يقال فيه أن
(بين) الأولى فيه متعلقة بنسك، فيكون المعنى أن الذي يقرن بحجه نسكه بين
الصفا والمروة وغيرهما نسك المفرد لا يفضل عليه إلا بسياق الهدي، فيكون حينئذ
كالأخبار السابقة عليه، وقوله (عليه السلام) فيه بعد: (أيما رجل) إلى
آخره يراد به أنه لا يصلح القران بجمع الحج والعمرة، إذ ليس القران إلا أن

(1) العلل ج 2 ص 100 الطبع الحديث
54

يسوق الهدي لا كما يصنعه العامة من القران الذي هو الجمع بينهما باحرام واحد
كما حكاه العلامة في التذكرة عن العامة وعن ابن أبي عقيل منا، بل لعل ذلك من
معلومات مذهب الإمامية، ومن هنا قيل إن مراد ابن أبي عقيل كغيره ممن سمعت
بجمعهما العزم على فعلهما وإن كان الاحرام بالعمرة، وإن كان هو أيضا كما ترى
مناف لما سمعته من النصوص الدالة على اختصاص جواز ذلك بالتمتع دون القسمين
الأخيرين والله العالم.
وعلى كل حال فيتخير القارن في عقد إحرامه بالتلبية والاشعار والتقليد
وفاقا للمحكي عن الأكثر، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية (1):
(يوجب الاحرام ثلاثة أشياء: التلبية والاشعار والتقليد، فإذا فعل شيئا من
هذه الثلاثة فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير) وفي خبر جميل (2) (ولا
يشعر أبدا حتى يتهيأ للاحرام، لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه الاحرام،
وهي بمنزلة التلبية) ونحوه صحيح حريز (3) عنه (عليه السلام) أيضا، وفي
صحيح عمر بن يزيد (4) عنه (عليه السلام) أيضا (من أشعر بدنته فقد أحرم
وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير) خلافا للمحكي عن السيد وابن إدريس فلم يعقد الاحرام
إلا بالتلبية للاحتياط للاجماع عليها دون غيرها والتأسي، فإنه صلى الله عليه وآله لبى بالاتفاق
مع قوله صلى الله عليه وآله (5): (خذوا عني مناسككم) ولكنه يعطي الوجوب لا توقف

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 20 وليس
فيه " وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير " وإنما هو مذكور في صحيح عمر بن يزيد
كما ذكره في الجواهر
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 7 - 19 - 21
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 7 - 19 - 21
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 7 - 19 - 21
(5) تيسير الوصول ج 1 ص 312
55

العقد عليها، وللمحكي عن الشيخ في الجمل والمبسوط وابني حمزة والبراج فاشترطوا
العقد بهما بالعجز عن التلبية جمعا بين النصوص إلا أنه بلا شاهد.
(و) كيف كان ف‍ (إذا لبى استحب له إشعار ما يسوقه من البدن)
لقول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل بن يسار (1): (إذا انتهى إلى
الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلدها) الحديث. وقال له عليه السلام يونس بن يعقوب (2):
(إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد
الشجرة فأفض عليك من الماء والبس ثوبيك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل
المسجد فصل ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن
من سنامها) الحديث، ونحوه غيره، وفي خبر جابر (3) (إنما استحسنوا إشعار
البدن لأن أول قطرة تقطر من دمها يغفر الله عز وجل له) هذا، وفي القواعد
(لو جمع بين التلبية أو أحدهما كان الثاني مستحبا) لكن في كشف اللثام في
شرح ذلك بعد أن نسبه إلى الشرائع مع أن الفرق بين عبارتيهما واضح، قال:
(والأقوى الوجوب، لاطلاق الأوامر والتأسي، وهو ظاهر من قبلهما، أما
السيد وبنو حمزة وإدريس والبراج والشيخ في المبسوط والجمل فحالهم ظاهر مما
عرفت) وفي المدارك (وأما استحباب الاشعار أو التقليد بعد التلبية فلم نقف له
على نص بالخصوص، ولعل إطلاق الأمر بهما كاف في ذلك) قلت: خصوصا بعد
خبر ابن عمار (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل ساق هديا ولم يقلده

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج الحديث 13 - 2 - 15 - 10 لكن روى الأول عن الفضل بن يسار وهو سهو فإن الموجود في الفقيه ج 2 ص 209 الرقم 954 أيضا الفضيل
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
56

ولم يشعره قال: قد أجزأ عنه ما أكثر ما لا يشعر ولا يقلد ولا يجلل) إنما الكلام
في المستفاد من عبارة القواعد من استحباب التلبية بعد عقد الاحرام بالاشعار
والتقليد، ولعل وجهه الاحتياط، وإطلاق الأمر بها في عقده ونحو ذلك مما يكفي في
مثله، وأما احتمال الوجوب تعبدا وإن انعقد الاحرام بغيرها كما هو مقتضى
ما سمعته من كشف اللثام بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار والتقليد بعدها أيضا
فهو في غاية البعد، خصوصا الأخير، فتأمل جيدا.
وكيفية الاشعار وما يستحب فيه على ما يستفاد (من) مجموع النصوص
(أن) يقوم الرجل من الجانب الأيسر و (يشق) ويطعن (سنامه) بحديدة
(من الجانب الأيمن) باركا معقولا مستقبلا بها القبلة (ويلطخ صفحته بدمه)
ليعرف أنه هدي، هذا إن لم تكن البدن كثيرة (وإن كان معه بدن) كثيرة
(دخل) فيما (بين) اثنين من‍ (ها وأشعرها يمينا) أولا (وشمالا) ثانيا،
قال الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (1): (إذا كانت البدن كثيرة قام
فيما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم اشعر اليسرى) الحديث، وقال أيضا في صحيح
حريز (2) (إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين
فيشعر هذه من الشق الأيمن وهذه من الشق الأيسر) إلى آخره (و) يستحب له
أيضا (التقليد) وهو (أن يعلق في رقبة المسوق نعلا) خلقا (قد صلى فيها)
قال الصادق (عليه السلام) (3): (ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها) والظاهر
البناء للمعلوم من فعل الصلاة فيها.
(و) كيف كان ف‍ (الاشعار والتقليد للبدن ويختص البقر والغنم بالتقليد)

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 19 - 4
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 19 - 4
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 19 - 4
57

لضعفها عن الاشعار، وفي صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) (كان
الناس يقلدون البقر والغنم، وإنما تركه الناس حديثا، ويقلدون بخيط أو بسير)
وعن ابن زهرة يعلق عليه نعلا أو مزادة، وعن المنتهى والتذكرة نعلا صلى فيها
أو خيطا أو سيرا أو ما أشبههما، ولعله للخبر المزبور، ولكن في الدلالة نظر،
والأمر سهل بعد كون التقليد من أصله مندوبا كالاشعار للاتفاق كما في كشف
اللثام على عدم وجوب شئ منهما، والله العالم.
(ولو دخل القارن أو المفرد مكة وأراد الطواف) المندوب قبل الوقوف
بعرفات (جاز) لهما بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الظاهر الاتفاق
على جوازه كما في الإيضاح، بل فيه أيضا، ولعله مثله الواجب بنذر وشبهه،
قلت: وكان الوجه في ذلك إطلاق ما دل (2) على رجحانه وقوله صلى الله عليه وآله (3):
(الطواف بالبيت صلاة) وغيره، وهو المراد مما في المدارك من الاستدلال عليه
بالأصل السالم عن المعارض، وفي الحدائق الاستدلال عليه أيضا بحسن معاوية بن
عمار (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) سأله (عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت
بعد طواف الفريضة؟ قال: نعم ما شاء، ويجدد التلبية بعد الركعتين، والقارن
بتلك المنزلة، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية) ولا بأس به وإن كان خاصا
ببعض صور المدعى.
بل لا يبعد ذلك أيضا في المتمتع إذا أحرم بالحج، وإن قيل إن الأشهر

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الطواف
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 87 وكنز العمال ج 3 ص 10 - الرقم 206
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2
58

المنع، لحسن الحلبي (1) (سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام فيطوف بالبيت
قال: نعم ما لم يحرم) لكن الأولى حمله على الكراهة، لقوة إطلاق ما دل على
جوازه، بل في موثق إسحاق بن عمار (2) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يحرم
بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف قبل أن يخرج عليه شئ فقال: لا)
بناء على ظهوره في إرادة نفي أن يكون عليه شئ، لا النهي عن الطواف،
خصوصا بعد خبر عبد الحميد بن سعد (3) عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن رجل
أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد إحرامه وهو لا يرى
أن ذلك لا ينبغي، أينقض طوافه بالبيت إحرامه؟ فقال: لا، ولكن يمضي
على إحرامه) هذا.
وأما جواز تقديم الطواف الواجب للقارن والمفرد فعن المعتبر أن عليه
فتوى أصحابنا، بل عن الغنية الاجماع عليه، لاطلاق الأدلة، وخصوص نصوص
حجة الوداع (4) وخبر زرارة (5) سأل أبا جعفر عليه السلام (عن المفرد للحج يقدم

(1) الوسائل - الباب - 83 - من أبواب الطواف - الحديث 4 مع الاختلاف
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الطواف - الحديث 2 والباب 13
من أبواب أقسام الحج - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 83 - من أبواب الطواف - الحديث 6 عن عبد الحميد
ابن سعيد كما في التهذيب ج 5 ص 169 - الرقم 564
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 و 13
و 24 و 32
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 وفيه
" فقال: سواء " كما في التهذيب ج 5 ص 45 و 131 والكافي ج 4 ص 459
59

طوافه أو يؤخره فقال: هو والله سواء عجله أو أخره) وصحيح حماد بن عثمان (1)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مفرد الحج أيعجل طوافه أو يؤخره؟ قال: هو والله
سواء عجله أو أخره) وإن احتملا إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء
أيام التشريق وبعده إلا أن خبر أبي بصير (2) عن الصادق عليه السلام لا يحتمل ذلك،
قال: (إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة لك، فاجعلها حجة
مفردة تطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة ثم تخرج إلى منى ولا هدي عليك)
وكذا خبر إسحاق بن عمار (3) سأل الكاظم عليه السلام (عن المفرد للحج إذا طاف
بالبيت وبالصفا والمروة أيعجل طواف النساء؟ قال: لا، إنما طواف النساء بعد أن
يأتي من منى) وخبر موسى بن عبد الله (4) سأل الصادق عليه السلام عن مثل ذلك إلا
أنه ذكر أنه قدم ليلة عرفة، بل قد يتوقف فيما يأتي للمصنف والفاضل من
الكراهة وإن استدل لها بخبر زرارة (5) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن مفرد الحج
يقدم طوافه أو يؤخره فقال: يقدمه، فقال رجل إلى جنبه لكن شيخي لم يفعل
ذلك كان إذا قدم أقام بفخ حتى إذا راح الناس إلى منى راح معهم، فقلت له:
من شيخك؟ فقال: علي بن الحسين عليه السلام، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي
ابن الحسين عليه السلام لأمه) لكنه كما ترى دلالته على عدمها أظهر، خصوصا مع
التأييد بحجة الوداع التي عليها بناء المناسك، وفيها قال النبي صلى الله عليه وآله (6): (خذوا

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أقسام الحج الحديث 1 - 4 - 3
(2) لم نعثر على هذا الخبر حتى الآن نعم روى ذلك عبد الله بن موسى عن
الصادق عليه السلام كما أشار إليه صاحب الجواهر (قده) (أيضا
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أقسام الحج الحديث 1 - 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 10
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أقسام الحج الحديث 1 - 4 - 3
(6) تيسير الوصول ج 1 ص 312
60

عني مناسككم) ولعله لذا كان المحكي عن الخلاف والنهاية أن لهما التأخير إلى أي
وقت شاء، والتعجيل أفضل، وهو باطلاقه يتناول التقديم على الموقفين.
وعلى كل حال فمن ذلك كله يظهر لك ضعف المحكي عن ابن إدريس من عدم
جواز التقديم للأصل الذي هو غير أصيل كما قرر في محله، وللاحتياط للاجماع
على الصحة مع التأخير الذي هو غير واجب مع إطلاق الأدلة، فضلا عما عرفت
من خصوصها، قيل: وللاجماع على وجوب التأخير، ورد بأن الشيخ ادعى
الاجماع على الجواز، وهو أدرى منه بذلك، لكن في كشف اللثام أنه لم يحك
الاجماع على ذلك وإنما حكى الاجماع المزبور، ولا الشيخ حكى الاجماع على الجواز
وقد يستدل لابن إدريس بصحيح ابن أذينة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
(في هؤلاء الذين يفردون الحج إذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلوا وإذا لبوا
أحرموا، فلا يزال يحل ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج ولا عمرة) وصحيح
زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) (قلت له: ما أفضل ما حج الناس؟
فقال: عمرة في رجب وحجة مفردة في عامها، فقلت: فالذي يلي هذا قال: المتعة
قلت: وكيف يتمتع؟ فقال: يأتي الوقت فيلبي بالحج فإذا أتى مكة طاف وسعى
وأحل من كل شئ وهو محتبس وليس له أن يخرج من مكة حتى يحج، قلت:
فما الذي يلي هذا؟ قال: القران، والقران أن يسوق الهدي، قلت: فما الذي يلي
هذا؟ قال: عمرة مفردة ويذهب حيث شاء، فإن أقام بمكة إلى الحج فعمرته تامة
وحجته ناقصة مكية، قلت: فما الذي يلي هذا؟ قال: ما يفعل الناس اليوم يفردون

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 18
(2) ذكر صدره وذيله في الوسائل في الباب 4 من أبواب أقسام الحج
الحديث 23 وقطعة منه في الباب 5 منها - الحديث 1
61

الحج، فإذا قدموا مكة وطافوا بالبيت أحلوا، وإذا لبوا أحرموا، فلا يزال يحل
ويعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج ولا عمرة) بناء على إرادة بيان بطلان حجهم
فيهما بتقديم طوافه المقتضي للتحلل المزبور وإن كان فيه منع كما ستعرف
إن شاء الله.
نعم لا يجوز تقديمه في حج التمتع لغير عذر بلا خلاف محقق أجده فيه
كما اعترف به غير واحد، بل عن المعتبر والمنتهى والتذكرة إجماع العلماء كافة عليه
لخبر أبي بصير (1) (قلت: رجل كان متمتعا فأهل بالحج قال: لا يطوف بالبيت
حتى يأتي عرفات، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك
الطواف) المنجبر بما سمعت، وبمفهوم خبر صفوان بن يحيى الأزرق (2) سأل
أبا الحسن (عليه السلام) (عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف
العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر يصلح لها أن تعجل طوافها طواف الحج قبل
أن تأتي منى، قال: إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت) وخبر إسحاق بن
عمار (3) سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة
تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى فقال: نعم، من كان هكذا
فليعجل) بل وحسن الحلبي ومعاوية بن عمار (4) (لا بأس بتعجيل الطواف
للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض، قبل إن تخرج إلى منى) بل وخبر إسماعيل

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب الطواف - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 7 - 4
لكن روى الثاني عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وحماد عن الحلبي جميعا
عن أبي عبد الله عليه السلام
(4) تقدم آنفا
62

ابن عبد الخالق (1) (لا بأس أن يعجل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول
طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى) وغير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى
حصول القطع منها باعتبار العذر في جواز التقديم.
فمن الغريب وسوسة المحقق الشيخ حسن في المحكي من منتقاه والسيد في
مداركه في الحكم المزبور لاطلاق نصوص صحيحة في جوازه محمولة على التفصيل
المزبور، وما أبعد ما بينهما وبين الحلي فلم يجوزه حتى للضرورة إطراحا للأخبار
المزبورة، ولا يخفى ضعفهما معا، وكذا ما يحكى عنه من عدم جواز تقديم طواف
النساء ولو للضرورة، إذ هو مع أنه مخالف للمشهور أيضا مناف لقول الكاظم
عليه السلام في صحيح ابن يقطين (2): (لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء
قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك لا بأس لمن خاف أمرا
لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت ثم يمر كما هو من منى
إذا كان خائفا) نعم في خبر علي بن أبي حمزة (3) (سألت أبا الحسن (عليه
السلام) عن رجل يدخل مكة ومعه نساء وقد أمرهن فتمتعن قبل التروية بيوم
أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن الحيض فقال: إذا فرغن من متعتهن
وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهل بالحج من مكانها
ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن حدث بها شئ قضت بقية المناسك وهي
طامث، قال: فقلت: أليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلى قلت: فهي مرتهنة
حتى تفرغ منه قال: نعم، قلت: فلم لا يتركها حتى تقضي مناسكها؟ قال: يبقى
عليها نسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب الطواف - الحديث 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب الطواف - الحديث 1 - 5
63

قلت: أبي الجمال أن يقيم عليها والرفقة قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى
يقيموا عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها) وهو مع شدة ضعفه ومخالفة ذيله قواعد
المذهب قيل: ليس لابن إدريس الاستدلال به لتجويزه تقديم طواف الحج،
ويمكن حمله على إرادة أفضلية التأخير مع العذر أيضا كما حمل عليه قول الشيخ في
محكي الخلاف: (روى أصحابنا رخصة في جواز تقديم الطواف والسعي قبل
الخروج إلى منى وعرفات، والأفضل أن لا يطوف طواف الحج إلا يوم النحر إن
كان متمتعا) وإن كان ظاهره الجواز مطلقا اختيارا، كما أن ظاهر المحكي من
موضع من التذكرة احتمال الجواز وأنه قال به الشافعي، قال: (وردت رخصة
في جواز تقديم الطواف والسعي على الخروج إلى منى وعرفات، وبه قال الشافعي
لما رواه العامة (1) عن النبي صلى الله عليه وآله (من قدم شيئا قبل شئ فلا حرج) ومن
طريق الخاصة خبر صفوان بن يحيى الأزرق الذي سمعته) إلى آخره، ثم قال: إذا
ثبت هذا فالأولى تقييد الجواز بالعذر، وأما عموم قوله (عليه السلام) لإسحاق
ابن عمار: (إنما طواف النساء بعد أن تأتي منى) فمخصوص بما عرفت، فلا ريب
في أن الأقوى الجواز مع العذر، وربما يأتي لذلك كله تتمة إن شاء الله.
وكيف كان فقد ظهر لك أن للقارن والمفرد الطواف مندوبا وواجبا
(لكن يجددان التلبية عند كل طواف لئلا يحلا على قول) محكي عن الشيخ
في المبسوط والخلاف والنهاية والشهيدين في حاشية الإرشاد والمسالك والروضة،
بل قال الشهيد (إن الفتوى به مشهورة، ودليله ظاهر، والمعارض منتف).
(وقيل) والقائل الشيخ في محكي التهذيب: (إنما يحل المفرد دون السائق)

(1) كنز العمال ج 3 ص 59 الرقم 1075
64

واختاره في الرياض حاكيا عن الذخيرة أنه استظهره، وقيل كما عن المرتضى
والمفيد عكس ذلك وإن كنا لم نتحققه.
(والحق) عند الحلي والمصنف والفاضل وولده (أنه لا يحل أحدهما إلا
بالنية لكن الأولى تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف) بل في التنقيح نسبته إلى
المتأخرين، فتكون الأقوال حينئذ أربعة، لكن يظهر من محكي التذكرة
الاجماع على خلاف الشيخ، حيث قال بعد أن حكى قوله المزبور: وأنكر ابن
إدريس وكافة العلماء ذلك، كما أن ظاهره الاجماع ممن عدا الشيخ على موافقة
ابن إدريس، وكيف كان فالذي عثرنا عليه من النصوص في المقام - مضافا إلى
ما تقدم سابقا مما لا يخفى عليك دلالته كحسن معاوية بن عمار (1) وغيره، بل
ونصوص حجة الوداع (2) - صحيح ابن الحجاج (3) (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): إني أريد جوار مكة كيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال
هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج، فقلت له: كيف
أصنع إذا دخلت مكة أقيم بها إلى يوم التروية ولا أطوف بالبيت؟ قال: تقيم عشرة
لا تأتي البيت، إن عشرا لكثير، إن البيت ليس بمهجور ولكن إذا دخلت
فطف بالبيت واسع بين الصفا والمروة، فقلت: أليس كل من طاف بالبيت وسعى
بين الصفا والمروة فقد أحل؟ قال: إنك تعقد بالتلبية، ثم قال: كلما طفت طوافا

(1) الوسائل - الباب 16 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 1 مع
الاختلاف في الثاني إلا أن ما في الجواهر مطابق للكافي ج 4 ص 300 والتهذيب
ج 5 ص 46.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 و 13
و 24 و 32.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
65

وصليت ركعتين فاعقد على طوافك بالتلبية) وخبر أبي بصير (1) (قلت لأبي
عبد الله (عليه السلام): رجل يفرد فيطوف للحج بالبيت ويسعى بين الصفا
والمروة ثم يبدو له أن يجعلها عمرة قال: إن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر
فلا متعة له) وصحيح معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(سألته عن رجل أفرد الحج فلما دخل مكة طاف بالبيت ثم أتى أصحابه وهم
يقصرون فقصر معهم ثم ذكر بعد ما قصر أنه مفرد قال ليس عليه شئ إذا صلى
فليجدد التلبية) وخبر إبراهيم بن ميمون (3) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن
أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون، قال: قل
لهم: إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا وليطوفوا بالبيت
وبين الصفا والمروة، ثم يطوفوا فيعقدوا التلبية عند كل طواف) الحديث
وموثق زرارة (4) (سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من طاف بالبيت
وبالصفا والمروة أحل، أحب أو كره) ومرسل يونس بن يعقوب (5) عن
أبي الحسن (عليه السلام) (ما طاف بين هذين الحجرين الصفا والمروة أحد إلا
حل إلا سائق الهدي) وصحيح زرارة (6) (جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام
وهو خلف المقام فقال: إني قرنت بين حج وعمرة، فقال له: هل طفت بالبيت
قال نعم، فقال هل سقت الهدي؟ قال: لا، قال: فأخذ أبو جعفر عليه السلام بشعره

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التقصير - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 9 من أبواب أقسام الحج - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 6 - 7
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 6 - 7
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 6 - 7
66

وقال: أحللت والله) وحسن معاوية بن عمار (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل لبى بالحج مفردا فقدم مكة وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام
إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة فقال: فليحل وليجعلها متعة إلا أن
يكون ساق الهدي) وموثق زرارة (2) (سمعت أبا جعفر (عليه السلام)
يقول: من طاف بالبيت والصفا والمروة أحل، أحب أو كره إلا من اعتمر في
عامه ذلك أو ساق الهدي وأشعره وقلده) وخبر الفضل (3) المروي في محكي
العلل عن الرضا (عليه السلام) (إنهم أمروا بالتمتع إلى الحج لأنه تخفيف - إلى
أن قال - وأن لا يكون الطواف محظورا لأن المحرم إذا طاف بالبيت أحل،
فلولا التمتع لم يكن للحاج أن يطوف، لأنه إن طاف أحل وأفسد احرامه،
وخرج منه قبل أداء الحج) وخبر صفوان (4) (قلت لأبي الحسن علي بن
موسى (عليه السلام) أن ابن السراج: روى عنك أنه سألك عن الرجل يهل
بالحج ثم يدخل مكة وطاف بالبيت سبعا وسعى بين الصفا والمروة فيفسخ ذلك
ويجعلها متعة، فقلت له: لا، فقال: قد سألني عن ذلك وقلت له: لا، وله أن
يحل ويجعلها متعة، وآخر عهدي بأبي أنه دخل على الفضل بن الربيع وعليه
ثوبان وساج فقال له الفضل: يا أبا الحسن لنا بك أسوة، أنت مفرد للحج وأنا مفرد
للحج، فقال له أبي: لا ما أنا مفرد أنا متمتع، فقال له الفضل بن الربيع: فلي الآن
أن أتمتع فقد طفت بالبيت؟ فقال له أبي: نعم فذهب بها محمد بن جعفر إلى سفيان بن
عيينة وأصحابه فقال لهم: إن موسى بن جعفر عليه السلام قال للفضل بن الربيع كذا وكذا
يشنع بها على أبي).

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج الحديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 26
(4) الوسائل - الباب - 22 من أبواب الاحرام - الحديث 6
67

ولا يخفى عليك دلالة كل من هذه النصوص بالنسبة إلى الأقوال السابقة حتى
قول المصنف، ضرورة ظهور الخبر الأخير في أن ذلك له إن شاء، بل لعل
قوله (عليه السلام) في حسن معاوية السابق (فليحل وليجعلها متعة) كذلك
أيضا، بل قد يرشد إليه أيضا مرسل يونس (1) وصحيح زرارة (2)
وموثقه (3) وغيرها من النصوص التي هي كالصريحة في أن القارن لا يحل حتى
يبلغ الهدي محله وإن طاف ولم يلب، ولا معارض لها إلا الاطلاق المقيد بها
وخصوص حسن ابن عمار السابق الذي جعل فيه القارن بمنزلة المفرد، ويمكن
إرادة العازم على الحج والعمرة من القارن فيه كما سمعت التصريح به في صحيح
زرارة، مع أنه متحد لا يعارض المتعدد المعتضد بالأصل وبغيره.
ومن هنا ظهر لك وجه القول الثاني الذي اختاره في الرياض، قلت: إلا
أن المتجه حمل الحسن المزبور على الندب، ومنه يظهر رجحان قول المصنف،
ضرورة حصول الظن بإرادة الندب فيهما، لظهور الخبر المزبور في اتحاد حكمها
وعدم الفرق بينهما، ولذا جمعها بأمر واحد، فقال: (يعقدان ما أحلا من
الطواف بالتلبية) كل ذلك مع شدة استبعاد الاحلال قهرا واستبعاد الانقلاب
عمرة كذلك، خصوصا في الطواف المندوب الذي قد عرفت جوازه من القارن
والمفرد، وخصوصا فيمن كان فرضه ذلك، لأن انقلاب طواف حجه أو زيارته
إلى عمرة تمتع قهرا عليه بمجرد ترك التلبية مما لا تصلح لاثباته الأدلة المزبورة،
خصوصا بعد معلومية توقف الاحلال على التقصير نصا وفتوى، واحتمال
تخصيص ذلك بما هنا ليس بأولى من العكس على معنى أن له الاحلال به إن شاء

(1) الوسائل - الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 7 - 5
(2) الوسائل - الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 7 - 5
(3) الوسائل - الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 7 - 5
68

في مقام يجوز له العدول إلى العمرة، وهو عين مختار المصنف، إذ الظاهر كما
اعترف به في المدارك أن مراده ومن قال بمقالته بالنية أنه لا يحل الحاج المقدم
طوافه وسعيه إلا بنية العدول بذلك إلى العمرة حيث يسوغ له ذلك، كما إذا
كان الحج إفرادا غير متعين عليه، ومن ذلك يعلم النظر فيما ذكره المحقق الثاني
معترضا به على المصنف بعد أن جعل مراده بالنية نية التحلل بالطواف، قال: (إن
اعتبار النية لا يكاد يتحقق، لأن الطواف منهي عنه إذا قصد به التحلل،
فيكون فاسدا فلا يعتد به في كونه محللا، لعدم صدق الطواف الشرعي حينئذ
والرواية الواردة بالفرق بين القارن والمفرد ضعيفة، فالأصح عدم الفرق - إلى أن
قال: - فعلى هذا هل يحتاج إلى طواف للعمرة أم لا؟ فيه وجهان، كل منهما
مشكل، أما الأول فلأنه إذا احتيج إليه لم يكن لهذا الطواف تأثير في الاحلال،
وهو باطل، وأما الثاني فلأن إجزاءه عن طواف العمرة بغير نية أيضا معلوم
البطلان) إذ هو كما ترى، ضرورة أنك قد عرفت إرادة القائل بالنية أن له
العدول حيث يجوز له لا مطلقا، فلا يرد شئ مما ذكره، كما لا إشكال فيما
فرعه مما هو مبني على أصل فاسد، إذ مرجع كلام المصنف أن الحكم في هذه
المسألة هو حكم المسألة الآتية، وهي جواز العدول للمفرد إلى التمتع حيث يجوز
له، وأنه لا انقلاب قهري، وربما يؤيده أنه لا وجه لعقد احرامه بالتلبية
من دون قصد لذلك بعد فرضنا تحقق الاحلال بالطواف كما هو ظاهر النصوص
المزبورة، وبه جزم في الحدائق، بل في المدارك أنه توهمه بعض المتأخرين،
ومن هنا جعل بعضهم المراد من النصوص توقف بقاء الاحرام السابق على التلبية
لا أن التحليل حصل بالطواف والتلبية عاقدة له، لكنه كما ترى مناف لظاهرها
وليس بأولى حينئذ من القول بكون المراد بذلك الكناية عن جواز العدول له
وعدمه، فإن اختار الأول ترك التلبية وقصر وجعل تلك الأفعال عمرة، وإن
69

شاء بقي ملبيا بحجه ولا يعدل عنه.
وربما يؤيد قول المصنف أيضا ما ذكروه في توجيه القول بوجوب
تجديد التلبية للقارن دون المفرد بأن انقلاب حج المفرد إلى العمرة جائز دون
حج القارن، فالمفرد لا بأس عليه إن لم يجددها، فإن غاية أمره انقلاب حجته
عمرة، وهو جائز بخلاف القارن، فإنه إن لم يجددها لزم انقلاب حجته عمرة
وهو لا يجوز، إذ هو كما ترى لا يتم إلا على إرادة ما ذكرناه، وإلا فمع
فرض كون الانقلاب قهريا لا فرق بين المفرد والقارن، على أنه قد يكون
الافراد متعينا عليه، بل قد يكون التمتع غير مشروع له، كما أنه لا وجه
للوجوب الذي هو مقتضى إطلاق المحكي عن الشيخ على المفرد إذا لم يتعين عليه
الافراد، إذ أقصاه الانقلاب، ولا بأس به إلى غير ذلك مما يظهر بالتأمل على
وجه يمكن القطع بفساد دعوى اقتضاء عدم التلبية بعد الطواف الاحلال قهرا
وذكرها العقد كذلك، من غير فرق بين المندوب منه - الذي هو طواف زيارة
ويحتاج إلى سعي في جعله عمرة - والواجب، وبين حج الافراد والقران، بل
والتمتع إذا فرض تقديم طواف حجه للضرورة.
كما أنه يظهر لك مما ذكرنا النظر في كثير من كلماتهم في المقام المشوشة غاية التشويش
حتى بالنسبة إلى الانقلاب عمرة بعد التحلل بترك التلبية كما عن المبسوط والنهاية
التصريح به، بل نسب إلى جماعة، بل ربما ظهر من بعضهم عدم خلاف فيه،
كما يظهر من آخر عدم الخلاف في كون الاحرام لا يحل منه إلا بحج أو عمرة،
لكن في المدارك ليس في الروايات دلالة على صيرورة الحج مع التحلل عمرة كما
ذكره الشيخ وأتباعه، نعم ورد في روايات العامة التصريح بذلك، فإنهم رووا
عن النبي صلى الله عليه وآله (1) (إذا أهل الرجل بالحج ثم قدم مكة وطاف بالبيت وبين

(1) سنن البيهقي - ج 4 ص 356 مع الاختلاف في اللفظ
70

الصفا والمروة فقد أحل وهي عمرة) وفي الرياض بعد أن حكى عن المدارك ذلك قال:
(وهو كذلك، نعم في الموثق (1) السابق (إن كان لبى بعد ما سعى قبل إن
يقصر فلا متعة له) ومفهومه أنه إن لم يكن لبى له متعة، وهو نص في
أن له المتعة مع النية، أما بدونها بحيث يحصل الانقلاب إلى العمرة قهرا كما هو
ظاهر الجماعة فغير مفهوم من الرواية) قلت. لكن ربما لا تكون المتعة مشروعة
له، وعلى كل حال فهو اعتراف منه بما يؤيد المختار، كما أنه يؤيده أيضا
ما سمعته من سيد المدارك من روايات العامة فإن منه يقوى الظن حينئذ
بصدور جملة من الروايات المزبورة على وفقها للتقية، وربما يرشد إليه أيضا
اختلافها في ذكر التلبية العاقدة للاحرام بعد الطواف أو صلاته أو بعد السعي
على وجه يشعر بكون ذلك للندب أو للتقية، بل الأخذ باطلاق النصوص المزبورة
يقتضي إثبات أحكام غريبة يقطع الفقيه بخروجها عن مذاق الفقه وبعد التزام
الأصحاب بها فتأمل جيدا.
ومما ذكرنا يظهر لك أن الأصح رجوع حكم هذه المسألة إلى المسألة الأخرى
(و) هي أنه (يجوز) بل يرجح (للمفرد) الذي تجوز له المتعة
(إذا دخل مكة أن يعدل إلى التمتع) اختيارا فضلا عن الاضطرار بلا خلاف
أجده، بل الاجماع محكي صريحا وظاهرا عليه في جملة من الكتب كالخلاف
والمعتبر والمنتهى والمدارك وغيرها، كما أن النصوص متظافرة أو متواترة فيه
وخصوصا أخبار حجة الوداع التي أمر النبي صلى الله عليه وآله فيها من لم يسق هديا من
أصحابه بذلك حتى قال: (إنه لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق
هديا) وإشكالها بأن الظاهر منها أن هذا العدول على سبيل الوجوب - حيث إنه

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب أقسام الحج الحديث 1
71

نزل جبرئيل عليه السلام بوجوب التمتع على أهل الآفاق، ومبدأ النزول كان حين
فراغه من السعي، ونزلت الآية في ذلك المقام بذلك، فأمرهم بجعل ما طافوا
وسعوا عمرة، حيث إن جملة من كان معه من أهل الآفاق، وأن يحلوا ويتمتعوا
بها إلى الحج، فهو ليس مما نحن فيه من جواز العدول وعدمه في شئ - يدفعه
أن أمره صلى الله عليه وآله جميع أصحابه بذلك مع القطع بأن منهم من أدى حجة الاسلام
أوضح شئ في الدلالة على المطلوب، ولا ينافيه شموله أيضا لمن وجب عليه الحج
نعم الظاهر اختصاص الحكم المزبور بمن جازت المتعة في حقه،
أما من
تعين عليه غيرها بأصل الشرع أو بعارضه فلا يجوز له العدول. للأصل بعد
قصور أدلة العدول عن تناول مثل ذلك، وتناول أمره صلى الله عليه وآله بالعدول لمن وجب
عليه الحج في ذلك العام لا يقتضي جوازه لمن لم تشرع المتعة في حقه كحاضري
مكة، بل أقصاه العدول إلى التمتع الذي هو فرضهم عند نزول الآية وكان
ممكنا لهم لمشروعية العدول، وهو غير جواز العدول في الأثناء لمن لم يشرع التمتع
له في الابتداء، كما هو واضح، وحينئذ فلا حاجة إلى ما أطنب به في الرياض
من الجواب عن ذلك بدعوى كون التعارض بين هذه النصوص وبين ما دل على
كون الافراد فرض حاضري مكة من وجه، ولا ترجيح، فالأخذ بالمتيقن
واجب، وهو عدم جواز العدول، وحينئذ فما عن المسالك من أن التخصيص
بذلك بعيد عن ظاهر النص في غير محله، هذا وفي المدارك (لا يخفى أن العدول
إنما يتحقق إذا لم يكن ذلك في نية المفرد ابتداء، وإلا لم يقع الحج صحيحا من
أصله، لعدم تعلق النية بحج الافراد، فلا يتحقق العدول عنه، كما هو
واضح) وفيه منع توقف تحقق العدول على ذلك أولا، ومنع انحصار عنوان
72

الحكم في العدول ثانيا، على أن في الموثق والصحيح (1) المروي عن الكشي عن
عبيد بن زرارة (وعليك بالحج أن تهل بالافراد وتنوي الفسخ إذا قدمت مكة
وطفت وسعيت فسخت وأهللت به وقلبت الحج عمرة وأحللت إلى يوم التروية،
ثم استأنفت الاهلال بالحج مفردا إلى منى - إلى أن قال - فكذلك حج
رسول الله صلى الله عليه وآله، وهكذا أمر أصحابه أن يفعلوا أن يفسخوا ما أهلوا به
ويقلبوا الحج عمرة).
وعلى كل حال فقد عرفت أنه لا إشكال ولا خلاف في أصل جواز العدول
نصا وفتوى، لكن عن أبي علي اشتراط العدول بالجهل بوجوب العمرة، وهو
واضح الضعف، نعم قد يقال باشتراطه بعدم وقوع التلبية بعد طوافه كما عنه أيضا
بل وعن غيره، للموثق (2) المتقدم في المسألة السابقة المؤيد بما يظهر من غيره
من أنها عاقدة للاحرام، إلا أنك قد عرفت حمل تلك النصوص على ضرب من
التقية أو غيرها، وأن الاعتبار بالنية والقصد كما سمعته من ابن إدريس، وإلا
فلا مدخل للتلبية وجودا وعدما إلا أن يراد بها الكناية عن اختيار عدم العدول
أما مع فرض عدم قصده ذلك بذكرها فلا يبعد جواز العدول له بعدها، لاطلاق
الأدلة السابقة السالمة عن معارضة الموثق المزبور بعد تنزيله على ما عرفت، فلا
تقدح حينئذ لو وقعت بعد الطواف المنوي به العدول بطريق أولى. لسبق النية
التي يدور العمل عليها، إذ لو سلم العمل بالموثق المزبور فأقصاه عدم جواز العدول
لمن لبى، لا إبطال التلبية للعدول، مع أنك قد عرفت تنزيله على ما سمعت،

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 11 عن
عبد الله بن زرارة
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
73

فيبقى إطلاق الأدلة حينئذ سالما عن المعارض، حتى أمر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه
بالعدول بعد تمام السعي مقتصرا في الاستثناء على سوق الهدي. وفي الرياض
أنه عزاه بعض الأصحاب إلى الأكثر. قال: خلافا لظاهر التحرير والمنتهى وتردد
الشهيد، وبذلك يظهر لك ما في كتب غير واحد من الأصحاب، فلاحظ وتأمل.
هذا كله في العدول إلى عمرة التمتع،
وهل له العدول إلى عمرة مفردة
اختيارا؟ احتمال لا يخلو من قوة وإن كان الأحوط عدمه كما في كشف اللثام،
وفي بعض النصوص جواز العدول بالعمرة المفردة في أشهر الحج إلى التمتع، كما أن
منه يظهر لك الوجه فيما في الدروس، قال: وكما يجوز فسخ الحج إلى العمرة يجوز
نقل العمرة المفردة إلى المتعة إذا أحل بها في أشهر الحج إلا لمن لبى بعد طوافه
وسعيه، فإن لبى فلا، وفي التلبية بعد النقل تردد، وابن إدريس لم يعتبر التلبية
بل النية، وكذا حكم تلبية فاسخ الحج إلى العمرة، وابن الجنيد جوز العدولين،
وشرط في العدول من الحج إلى المتعة أن يكون جاهلا بوجوب العمرة وأن لا
يكون قد ساق، ولا لبي بعد طوافه وسعيه، ولا يخفى عليك الحال بعد الإحاطة
بما ذكرنا والله العالم.
(ولا يجوز ذلك) أي العدول المزبور اختيارا (للقارن) بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص (1) يمكن دعوى تواترها فيه،
بل مقتضى إطلاقها كالفتاوى عدم الفرق بين من تعيين عليه القران قبل الاحرام به
أم لا، لتعينه عليه بالسياق، نعم إذا عطب هديه قبل مكة ولم يجب عليه الابدال
فهل يصير كالمفرد في جواز العدول؟ قد احتمل بعضهم ذلك، لتعليل المنع عنه في
الأخبار (2) بأنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، ولا يخلو من نظر، وقد سمعت

(1) الوسائل - الباب - 2 و 5 - من أبواب أقسام الحج
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج
74

القول بانتقاله قهرا إلى العمرة مع ترك التلبية بعد الطواف وإن أثم بذلك، لكن
قد عرفت ضعفه ولو لأدلة المقام الظاهرة في ذلك أيضا.
وبذلك وما تقدم سابقا وغيره، مما يأتي يظهر لك أن حج التمتع يمتاز عن
قسيميه بأمور:
منها أن العمرة والحج في التمتع بجميع أفراده مرتبطان لا ينفك أحدهما
عن الآخر إجماعا ونصا، بخلافهما فإنه يجوز الاتيان بأحد النسكين دون الآخر
في التطوع وفي الواجب مع اختصاص السبب الموجب بأحدهما، كما لو استطاع
أحدهما دون الآخر، أو نذر أو استؤجر كذلك.
ومنها تقدم العمرة على الحج في التمتع وتأخرها عنه في الآخرين بالاجماع
فيهما، والنصوص المستفيضة في القران، فما عن ظاهر الصدوق - من جواز التقديم
فيهما أيضا للخبر (1) (أمرتم بالحج والعمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم) ثم قال:
يعني في العمرة المفردة الضعيف سندا بل القاصر دلالة، بل قيل الظاهر أن المراد
منه التخيير بين أنواع الحج للمتطوع - واضح الضعف.
ومنها اشتراط وقوع عمرته في أشهر الحج بخلافهما وإن وجب الاتيان بها
فورا بعد الفراغ من الحج، لكن الفورية غير التوقيت.
ومنها اعتبار كون النسكين في عام واحد في التمتع كما عرفت الكلام فيه
مفصلا، بخلافهما فإنه لا يشترط ذلك إلا من قبل المكلف، لاطلاق الأدلة، وثبوت
الفورية فيما يجب منهما بالأصل لا يقتضي التوقيت، ولا فساد الحج بتأخير العمرة
عنه، ووقوع الاحلال منه على الوجه الصحيح، قال الشهيدان في اللمعتين:
(يشترط في التمتع جمع الحج والعمرة لعام واحد، فلو أخر الحج عن سنتها صارت

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب العمرة - الحديث 6
75

مفردة فيتبعها بطواف النساء، أما قسيماه فلا يشترط إيقاعهما في سنة واحدة في
المشهور، خلافا للشيخ حيث اعتبرها في القران كالتمتع) وفي المدارك (لم نقف
في هذه المسألة على رواية معتبرة تقتضي التوقيت، لكن مقتضى وجوب الفورية
التأثيم بالتأخير، وهو لا ينافي وقوعهما في جميع أيام السنة كما قطع به الأصحاب،
نعم روى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المعتمر بعد الحج قال إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن)
وهي لا تدل على التوقيت، إلا أن العمل بمضمونها أولى) وفي الدروس (وقت
العمرة المفردة الواجبة بأصل الشرع عند الفراغ من الحج وانقضاء أيام التشريق
لرواية معاوية بن عمار (2) السالفة أو في استقبال المحرم، وليس هذا القدر منافيا
للفورية، وقيل يؤخرها عن الحج حتى يمكن الموسى من الرأس ووقت الواجبة
بالسبب عند حصوله، ووقت المندوبة جميع السنة) وهذا الكلام وإن أوهم بظاهره
التوقيت لكن قوله (وليس هذا القدر) إلى آخره، وتصريحه بما ينافي ذلك
في موضع آخر يقتضي الحمل على التوقيت اللازم من الفورية، وليس ذلك توقيتا
حقيقيا، ومن الغريب إشكال ثاني الشهيدين له بوجوب إيقاع الحج والعمرة في
عام واحد، قال: (إلا أن يريد بالعام اثني عشر شهرا) واعترضه سبطه بامكان
المناقشة في اعتبار هذا الشرط، لعدم وضوح دليله، وقد سمعت التصريح في
كلاميهما بعدم اشتراط ذلك عند الأصحاب جميعهم أو بعضهم، وأغرب من ذلك
ما عن صاحب المفاتيح من دعوى عدم الخلاف في الشرط المذكور، وربما أجيب
عن ثاني الشهيدين بأن نفى اشتراط الجمع لا ينافي إيجابه له، وعن سبطه بأن
مراده المناقشة في الشرط المفهوم من كلام جده، ولكن يبعد الأول قوله:

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب العمرة - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب العمرة - الحديث 2 - 1
76

(في عام واحد) والثاني فحوى الكلام، وبالجملة فجملة من العبارات لا تخلو من
تشويش واضطراب، ولعل منشأه التباس الفورية بالتوقيت كما يلوح من بعضها.
هذا كله في العمرة الواجبة بالأصل، وهي عمرة الاسلام، فأما غيرها فالحكم
فيها ظاهر، ضرورة جواز ترك المندوبة، وتبعية المنذورة لقصد الناذر، وعدم
وجوب أحد النسكين بالشروع في الآخر إلا في التمتع حيث يجب فيه الحج
بالشروع في العمرة، لكونهما فيه بمنزلة العبادة الواحدة، قال في الدروس:
وفي كلامهم وفي الروايات دلالة على وجوب حج التمتع بالشروع في العمرة وإن
كانت ندبا، والظاهر أنه لا خلاف في ذلك عندهم، ولا في اختصاص الحكم
المذكور بالتمتع.
ومنها أنه لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة إلا محرما إلا إذا رجع قبل
شهر كما في النصوص (1) وقيل بالكراهة، ويجوز لغيره الخروج منها متى شاء
من غير تحريم ولا كراهة كما صنع أبو عبد الله عليه السلام (2) حيث خرج من مكة إلى
العراق يوم التروية والناس يخرجون إلى منى.
منها أن محل الاحرام للحج للمتمتع بطن مكة، وللمفرد والقارن أحد
المواقيت أو منزلهما إن كان دون الميقات، نعم لو كان من أهل مكة أحرم منها
كالمتمتع، لأنها أقرب إلى عرفات من الميقات، وهي مقصد الحاج، كمكة للمعتمر
ولأنها ميقات، ومن أتى على ميقات لزمه الاحرام منه، بل عن التذكرة لا نعلم
في ذلك خلافا.
ومنها أن محل الاحرام بالعمرة للمتمتع من الميقات أو ما في حكمه مطلقا،

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب العمرة - الحديث 3
77

بخلاف المفرد فإنه إنما يجب عليه ذلك لو مر عليها، أما لو كان في الحرم أحرم من
أدنى الحل وإن لم يكن من أهله، ولم يجب عليه الخروج إلى الميقات إجماعا
على ما قبل.
ومنها أن المتمتع يقطع التلبية في العمرة إذا شاهد بيوت مكة، بخلاف
المفرد فإنه إنما يقطعها إذا شاهد الكعبة إن كان قد خرج من مكة للاحرام،
وإلا فإذا دخل الحرم، وقيل بالتخيير في الأخير، وتعريف الكلام فيه إن شاء الله.
ومنها أن طواف النساء لا يتكرر في التمتع بل إنما يجب في الحج خاصة دون
العمرة كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله، ويتكرر في القران والافراد في كل من النسكين
على المشهور، وقيل هما كالمتمتع، وحينئذ لا فرق، وكذا لو قيل بثبوته في عمرة التمتع
مثلهما، نعم لو قيل بثبوته في المتمتع بها دون المفردة انعكس الفرق، ولكنه غريب
ومنها أن المفرد والقارن يجوز لهما تقديم طواف الحج وسعيه على الوقوفين
اختيارا على المشهور، ولا يجوز ذلك للمتمتع بلا خلاف يعرف، نعم قيل بالمنع
فيهما، وهو شاذ:
ومنها أنه يجوز للمفرد والقارن تأخير الطوافين والسعي بينهما عن يومي
النحر والنفر فيأتي بهما طول ذي الحجة من غير كراهة، بخلاف المتمتع الذي ورد
النهي (1) فيه وإن كان في كونه تحريما أو تنزيها قولان.
ومنها أنه يجوز للمفرد والقارن إذا دخلا مكة أن يطوفا ندبا، وفي جوازه
للمتمتع بعد الاحرام بالحج قولان، بل قيل إن أشهرهما التحريم.
ومنها أن عقد الاحرام بالتمتع لا ينعقد إلا بالتلبية، وغيره ينعقد بها
وبالاشعار والتقليد مخيرا بينهما على المشهور، فإن عقد بأحدهما أو بها وساقا الهدي

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب زيارة البيت
78

كان قارنا، وإلا فمفردا.
ومنها وجوب الهدي على المتمتع دون غيره وإن كان قارنا، لأن هدي
القران لا يجب بالأصل وإن تعين للذبح بالاشعار أو التقليد، ثم إنه يعتبر فيه
السياق ولا يجوز فيه الابدال، ولا يجب فيه الأكل ولا القسمة، ويجزي عن
صاحبه لو ضل اتفاقا على ما قيل، وهدي التمتع ليس كذلك.
ومنها أن التمتع يعدل إليه ولا يعدل عنه اختيارا عكس الافراد فإنه يعدل
عنه ولا يعدل إليه، وأما القران فلا يعدل عنه ولا إليه، هذا، ومما سمعت ظهر
لك الفرق بين القران والافراد في عقد الاحرام والهدي والعدول وبين نوعي
العمرة في محل الاحرام وقطع التلبية وفي طواف النساء.
(و) كيف كان ف‍ (المكي إذا بعد عن أهله وحج حجة الاسلام على
ميقات أحرم منه وجوبا) بلا خلاف ولا إشكال، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وقت
المواقيت لأهلها ولمن أتى عليها من غير أهلها، وفيها رخصة لمن كانت به علة،
فلا يجاوز الميقات إلا من علة، بل عن الشيخ والفاضلين جواز التمتع له حينئذ،
بل في المدارك نسبته إلى الأكثر، بل في غيرها إلى المشهور، لصحيح عبد الرحمان
ابن الحجاج (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض
الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟ قال: ما أزعم أن
ذلك ليس له لو فعل، وكان الاهلال أحب إلي) وصحيحه الآخر مع عبد الرحمان
ابن أعين (2) قالا: (سألنا أبا الحسن عليه السلام عن رجل من أهل مكة خرج إلى
بعض الأمصار ثم رجع في بعض المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، أله أن
يتمتع؟ فقال ما أزعم أن ذلك ليس له، والاهلال بالحج أحب إلي، ورأيت

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 - 1
79

من سأل أبا جعفر عليه السلام وذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال له: جعلت فداك
إني نويت أن أصوم بالمدينة، قال: تصوم إن شاء الله، فقال: وأرجو أن يكون
خروجي في عشر من شوال قال: تخرج إن شاء الله، فقال له: إني قد نويت
أن أحج عنك أو عن أبيك فكيف أصنع؟ فقال له: تمتع، فقال له: إن الله
ربما من علي بزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وزيارتك والسلام عليك وربما حججت
عنك وربما حججت عن أبيك وربما حججت عن بعض إخواني أو عن نفسي
فكيف أصنع؟ فقال له: تمتع، فرد عليه القول ثلاث مرات يقول له: إني مقيم
بمكة وأهلي بها فيقول: تمتع، وسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال: إني
أريد أن أفرد عمرة هذا الشهر يعني شوال فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له
الرجل: إن أهلي ومنزلي بالمدينة ولي بمكة أهل ومنزل ولي بينهما أهل ومنازل
فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: إن لي ضياعا حول مكة وأريد أن
أخرج حلالا فإذا كان أبان الحج حججت) إلا أنهما كما ترى لا صراحة فيهما
بحج الاسلام، خصوصا مع بعد عدمه من المكي إلى حال الخروج المزبور، بل
لعل ظاهر الثاني منهما الذي هو خبر آخر أورد على أثر الخبر الأول الندب، بل
عن المحقق الشيخ حسن في المنتقى الجزم بصراحته في ذلك، قال: ومنه يظهر كون
المراد بالخبر الأول ذلك أيضا، لبعد عدم حج الاسلام من المكي، اللهم إلا أن
يقال إنهما لو لم يكونا فيه لم يكن الاهلال بالحج أحب إليه، لفضل التمتع في التطوع
مطلقا، لكن قد عرفت المناقشة في ذلك منا، بل في كشف اللثام احتمال كون
ذلك للتقية قال: بل يجوز أن يهل بالحج تقية وينوي العمرة كما قال أبو الحسن
عليه السلام للبزنطي في الصحيح (1): (ينوي العمرة ويحرم بالحج) ولعله لذا كان

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
80

المحكي عن ابن أبي عقيل عدم الجواز، لاطلاق ما دل على أنه لا متعة لأهل مكة من
الكتاب (1) والسنة (2) وعن المختلف احتمال الجمع بين القولين بحمل الأول على
من خرج من مكة يريد استيطان غيرها، والثاني على غيره، لكنه كما ترى
لا دليل عليه، بل ظاهر الدليل خلافه.
وفي المدارك بعد أن حكى قول الحسن ودليله قال: وهو جيد لولا ورود
الرواية الصحيحة بالجواز، قلت: لكن قد عرفت عدم دلالتها على حج الاسلام
ودعوى انقلاب فرض المكي بخروجه كانقلاب فرض المجاور بمكة سنتين يدفعها
حرمة القياس عندنا، مع أن القائل بذلك يقول به على التخيير المنافي لظاهر
الأدلة السابقة المقتضي للتعيين في الفرض، وهو التمتع للنائي والقران والافراد
لغيره، وهو مؤيد آخر لابن أبي عقيل، بل في الرياض الميل إليه بناء على عدم
صراحة الرواية في الفريضة، قال: القرينة المشعرة بإرادتها مع ضعفها معارضة
بمثلها، بل أظهر منها حينئذ، فيكون التعارض بينها وبين الأدلة المانعة تعارض
العموم والخصوص من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر والترجيح للمانعة
بموافقة الكتاب والكثرة، وعلى تقدير التساوي يجب الرجوع إلى الأصل،
ومقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينية التي لا تتحقق إلا بغير التمتع، للاتفاق
على جوازه فتوى ورواية دونه، فتركه هنا أولى، وقد صرحت به الرواية أيضا
كما مضى وإن كان قد يناقش بأن الترجيح للعكس بالشهرة، وانسياق غير الفرض
من أدلة المنع وبأن التخيير على تقدير التساوي هو الموافق للأصل، ولاطلاق أدلة
وجوب الحج، ومن ذلك يعلم قوة قول المشهور، لأنه بعد تسليم قصور

(1) سورة البقرة - الآية 192
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب أقسام الحج
81

الخبرين عن الدلالة على كونه حج الاسلام، وقصور تناول ما دل على حكم
المكي المشكوك في تناوله ولو للشهرة المزبورة أو الظاهر في غير الفرض وقصور
أدلة النائي عن تناوله أيضا، فلا مفزع حينئذ لمعرفة حكم هذا الموضوع إلا
الاطلاق الذي قد عرفت اقتضاءه التخيير، ومن هذا يعلم ما في المدارك وغيرها.
(ولو أقام من فرضه التمتع) وقد وجب عليه (بمكة) أو حواليها مما
هو دون الحد المزبور (سنة أو سنين) أو أزيد من ذلك ولو بقصد الدوام
(لم ينتقل فرضه) الذي قد خوطب به بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى، بل
لعله اجماعي، بل قيل إنه كذلك للأصل وغيره فما في المدارك من التأمل
فيه في غير محله، وكذا لا خلاف أيضا نصا وفتوى في عدم انتقاله عن فرض
النائي بمجرد المجاورة وإن لم يكن قد وجب عليه سابقا، بل لعله إجماعي أيضا
(وكان عليه) حينئذ (الخروج إلى الميقات إذا أراد حجة الاسلام، ولو لم
يتمكن من ذلك خرج إلى خارج الحرم، فإن تعذر أحرم من موضعه) إنما
الكلام في تعيين ميقاته الذي يحرم منه، فعن الشيخ وأبي الصلاح ويحيى بن
سعيد والمصنف في النافع والفاضل في جملة من كتبه أنه ميقات أهل أرضه،
لاندراجه فيما دل على حكمهم، إذ لم يخرج بالمجاورة المجردة عن نية الوطن عنهم
عرفا، ولخبر سماعة (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) (سألت عن المجاور أله
أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم يخرج إلى مهل أرضه فليلب إن شاء)
مؤيدا بما دل على وجوب رجوع الناسي والجاهل إليه بناء على أن ذلك لمكان
وجوب الاهلال منه لا للعذر المخصوص، وبما دل على توقيت المواقيت المخصوصة
لكل قوم أو من مر عليها من غيرهم، ضرورة عدم خروجه بالمجاورة عنهم.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
82

وظاهر إطلاق المصنف وغيره كالنهاية والمقنع والمبسوط والإرشاد والقواعد
على ما حكي عن بعضها وصريح الدروس والمسالك والروضة الخروج إلى أي ميقات
للمرسل (1) عن أبي جعفر عليه السلام (من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو
مكي، فإن أراد أن يحج عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له
أن يحرم من مكة لكن يخرج إلى الوقت، وكلما حول رجع إلى الوقت) وموثق
سماعة (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (من حج معتمرا في شوال وفي نيته
أن يعتمر ورجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، وإن هو أقام إلى الحج فهو حج
تمتع، لأن أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة، فمن اعتمر فيهن وأقام
إلى الحج فهي متعة، وإن رجع إلى بلاده ولم يقم إلى الحج فهي عمرة، ومن
اعتمر في شهر رمضان أو قبله وأقام إلى الحج فليس بمتمتع، وإنما هو مجاور
أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج
منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج، فإن
هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها) الخبر، وخبر إسحاق بن
عبد الله (3) (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المقيم بمكة يجرد الحج أو
يتمتع مرة أخرى قال: يتمتع أحب إلي، وليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو
ليلتين) مؤيدا بأنه لا خلاف نصا وفتوى في الاحرام من الميقات لمن مر عليه
وإن لم يكن من أهله، ضرورة صدق ذلك على المجاور إذا أتى ميقاتا غير ميقاته
وعن الحلبي الخروج إلى أدنى الحل، واحتمله في المدارك بل عن شيخه أنه

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 20
83

استظهره لصحيح الحلبي (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) لأهل مكة
أن يتمتعوا قال: لا ليس لأهل مكة أن يتمتعوا، قال: قلت فالقاطنون؟ قال: إذا
أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإن أقاموا شهرا كان لهم أن
يتمتعوا، قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم، قلت: من أين يهلون
بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقول الناس) وخبر حماد (2) سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن أهل مكة أيتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطنون
بها قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع كما يصنع أهل مكة، قلت: فإن مكث
شهرا قال: يتمتع، قلت: من أين؟ قال: يخرج من الحرم، قلت من
أين يهل بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقول الناس) وصحيح عمر بن
يزيد (3) عنه عليه السلام أيضا (من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة
أو الحديبية وما أشبههما).
وقد يناقش في الجميع بضعف الخبر الأول سندا بمعلى، ودلالة بقوله:
(إن شاء) مع احتمال كون المراد الاحتراز عن مكة، وبنحوه يجاب عن الصحاح
مع أن التعدي عنها قياس، وعدم تعقل الفرق غير تعقل عدم الفرق، وهو
المعتبر فيه دون الآخر، وشمول أخبار المواقيت لنحو ما نحن فيه محل مناقشة
لعدم تبادره منها بلا شبهة، وبأن المرسل كالخبر في الضعف سندا بل ودلالة
لاجمال الوقت فيه المحتمل لإرادة مهل أهل الأرض باحتمال اللام للعهد، ومن
ذلك يعلم المناقشة في الموثق والخبر اللذين أقصاهما الاطلاق المنزل على التقييد،
وعدم الخلاف في إجزاء الاحرام من غيره بعد المرور به غير المفروض من حكم

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج الحديث - 3 - 7
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج الحديث - 3 - 7
(3) الوسائل - الباب - 22 من أبواب المواقيت - الحديث 1
84

المرور، وبأن الصحيح والخبر نادران، مع أن خارج الحرم فيهما مطلق
يحتمل التقييد بمهل الأرض أو مطلق الوقت، أو صورة تعذر المصير إليهما،
للاتفاق على الجواز حينئذ كما ستعرف، فيتعين، حملا للمطلق على المقيد ولو
قصر السند، للانجبار هنا بالعمل، لاتفاق من عدا الحلي على اعتبار الوقت
وإن اختلفوا في اطلاقه وتقييده، وأما الصحيح الأخير فمحمول على العمرة المفردة
كما وردت به المستفيضة (1) مع أنه معارض بصريح الموثق المزبور.
ومن هنا قال بعض أفاضل متأخري المتأخرين: (إن الواجب حينئذ الرجوع
في المسألة إلى ما تقتضيه الأصول الشرعية، لضعف أدلة الأقوال جميعها، وهو
هنا البراءة من تعين ميقات عليه إن اتفق على الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه
ووجوب الأخذ بالمبرئ للذمة منها يقينا إن كان ما يوجب عليه شرطا، فالذي
ينبغي تحصيله تشخيص محل النزاع من تعيين الوقت أهو أمر تكليفي خاصة أو
شرطي؟ والظاهر الثاني، لما مر من عدم الخلاف في صحة الاحرام من كل
وقت يتفق المرور عليه وتصريح بعض من صار إلى اعتبار أدنى الحل بجوازه
وصحة إحرامه من غيره من المواقيت البعيدة، وعليه فيعود النزاع إلى وجوب
الخروج إلى مهل أهل الأرض أم لا بل يجوز إلى أي وقت كان ولو أدنى الحل
والحق الثاني إلا بالنسبة إلى أدنى الحل، فلا يجوز الخروج إليه اختيارا لدلالة
الروايات المعتبرة ولو بالشهرة على وجوب الخروج على غيره، فيتعين، وأما وجوب
الخروج إلى مهل الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله وإن كان
أحوط، للاتفاق على جوازه).
وفيه بعد الاغضاء عما ذكره دليلا للثاني الذي استظهره أنه لا ريب في

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب العمرة
85

رجحان القول الأول من الأقوال، إذ ضعف دليله منجبر بالشهرة المحكية في
الحدائق إن لم تكن محصلة، ولا معارض له إلا الاطلاق المنزل عليه، وقوله فيه:
(إن شاء) ظاهر في إرادة التخيير له بين التمتع وغيره، لعدم كونه حج
الاسلام، ولا ينافي الاستدلال به عليه ضرورة اقتضاء شرطيته بالنسبة إلى
المندوب اشتراطه في الواجب بطريق أولى، أو كون ذلك كيفية مخصوصة لأصل
المشروعية التي لا تفاوت فيها بين الواجب والمندوب، (1) ونصوص الناسي والجاهل
بل والعامد ظاهرة في أن السبب في ذلك مراعاة تكليفه الأصلي على وجه يقتضي
عدم الفرق بين الفرض وغيره، ومع الاغضاء عن ذلك كله فلا شبهة في اندراجه
في أدلة حكم أهل أرضه، إذ لم يخرج بالمجاورة عنهم عرفا قطعا مع عدم نية
الاستيطان ومقتضاه الاحرام من مهلهم، أو يكون مارا علي غيره قاصدا إلى
مكة، لا إذا كان قصده الخروج منها إلى الاحرام منه، فإنه حينئذ لا يندرج
في تلك الأدلة الآمرة بالاحرام لأهل قطر إذا مر على ميقات غيره قاصدا إلى مكة
وأنه لا يتجاوزه غير محرم.
ومن ذلك حينئذ يظهر وجه الشرطية في الاحرام من مهل أرضه على وجه
لا يجزيه الاحرام من غيره مع فرض كونه في حال لا يصدق عليه أنه مر عليه قاصدا
الدخول إلى مكة، كما أن منه يظهر النظر فيما في الحدائق والرياض من الحكم بجواز
ذلك له مطلقا، بل لعل منه يظهر أن إطلاق المصنف وغيره منزل على القول المزبور
لحكمهم بالبقاء على فرضه الأول الذي هو ما عرفت، لا أن المراد به الاحرام
من أي ميقات وإن لم يكن على الوجه المزبور، فيختص القول الثاني حينئذ
بالمصرح به توهما له من هذه الاطلاقات، وأما القول الثالث فلم نتحققه لأحد وإن

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت
86

حكي عن الحلي، وإنما استظهره الأردبيلي واحتمله تلميذه تبعا له. لكنه واضح
الضعف، خصوصا بعد وضوح ضعف دليله كما عرفت، فلا ريب حينئذ في
أن الأقوى الأول، هذا.
وفي المدارك هنا عن الشارح أنه اعتبر في وجوب الحج الاستطاعة
من البلد إلا مع انتقال الفرض فتنتقل الاستطاعة ثم قال: ولو قيل إن الاستطاعة
تنتقل مع نية الدوام من ابتداء الإقامة أمكن لفقد النص المنافي هنا، وناقشه
بأنه لا دليل على اعتبار نية الدوام، إذ المستفاد من الآية الشريفة وجوب الحج
على كل متمكن منه، والأخبار غير منافية لذلك. بل مؤكدة له، إذ غاية
ما يستفاد منها اعتبار الزاد والراحلة مع الحاجة إليهما لا مطلقا، بل قد ورد في
عدة أخبار (1) أن حجة الاسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين وروى
معاوية بن عمار (2) في الصحيح قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام).
الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان وطريقه بمكة فيدرك الناس وثم
يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد، أيجزيه ذلك عن حجة الاسلام؟
قال: (نعم) وفيه ما قدمناه من اعتبار أمر شرعي في الاستطاعة، وهو ملك
الزاد والراحلة من بلد، وعرفي كما أوضحنا ذلك في محله، وإلا لزم الاجتزاء بحج
المتسكع إذا كان له استطاعة على أداء قدر المناسك مع الرجوع إلى بلاده، أو
مطلقا بناء على عدم اعتباره في الاستطاعة، وهو معلوم البطلان، والله العالم.
وكيف كان (فإن دخل في الثالثة مقيما ثم حج انتقل فرضه إلى
القران أو الافراد) كما صرح به جماعة، بل نسبه غير واحد إلى المشهور، بل

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب وجوب الحج
(2) الوسائل - الباب - 22 من أبواب وجوب الحج - الحديث 2
87

ربما عزي إلى علمائنا عدا الشيخ، لصحيح زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام
(من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة ولا متعة له، فقلت: لأبي جعفر
(عليه السلام): أرأيت إن كان له أهل بالعراق وأهل بمكة؟ قال: فلينظر أيهما
الغالب عليه فهو من أهله) وصحيح عمر بن يزيد (2) عن الصادق (عليه السلام)
(المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين، فإذا جاور سنتين كان قاطنا
وليس له أن يتمتع) وفي بعض النسخ (جاوز) بالزاء المعجمة، خلافا للمحكي
عن الإسكافي والنهاية والمبسوط والحلي فاشترطوا ثلاث سنين، وقد اعترف غير
واحد بعدم الوقوف لهم على مستند عدا الأصل الذي لم يعين القدر المزبور، على
أنه مقطوع بما عرفت، إلا أن المحكي في الدروس عن النهاية والمبسوط انتقال
الفرض بالدخول في الثالثة، قال: (ولو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها
في الثالثة كما في المبسوط والنهاية، ويظهر من أكثر الروايات أنه في الثانية)
قلت: الموجود في النهاية (ومن جاور بمكة سنة أو سنتين جاز له أن يتمتع
فيخرج إلى الميقات ويحرم بالحج متمتعا، فإن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له
التمتع، وكان حكمه حكم أهل مكة وحاضريها) ولم تحضرني عبارة المبسوط
ولعلها مثلها، ولا ريب في ظهورها فيما ذكره الشهيد على أن يكون المراد
بالمجاورة بها ثلاث سنين الدخول في الثالثة بقرينة قوله أولا: سنة أو سنتين، وإلا
لقال: أو ثلاث.
بل من ذلك يظهر أن المصنف قصد بتعبيره كما ذكر تفسير عبارة الشيخ

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج الحديث - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج الحديث - 1 - 2
88

وأن مراده بالمجاورة ثلاثا الدخول في الثالثة، فلا يرد عليه ما اعترضه به في
المدارك من أن حكمه بانتقال الفرض بالدخول في الثالثة مناف لما حكم به أولا من
أن إقامة السنتين لا توجب انتقال الفرض، فإن إقامة سنتين إنما يتحقق بالدخول
في الثالثة، وأظهر منه في ذلك عبارة القواعد، وحينئذ يتجه الاستدلال له
بالصحيحين المزبورين، كما أنه يتجه الاستدلال للقول المقابل له وهو الانتقال
بالدخول في الثانية الذي يظهر من الشهيد والفاضل الإصبهاني الميل إليه بخبر عبد الله
ابن سنان (1) (المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة - قال الراوي: يعني يفرد
الحج مع أهل مكة - وما كان دون السنة فله أن يتمتع) ومرسل حريز (2)
(من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي) بل وبخبري الحلبي (3)
وحماد (4) السابقين المشتملين على مجاورة السنة أو السنتين بناء على أنه لا معنى
لذلك إلا على إرادة الدخول في الثانية.
ومن هنا بان لك صحة استظهار الشهيد له من أكثر الروايات، بل يمكن
تنزيل الصحيحين المزبورين عليه ولو بقرينة هذه النصوص التي تصلح مرجحة
لإحدى النسختين في أحدهما على الأخرى أيضا التي قيل إنها لا تقبل التنزيل
المزبور، بل في كشف اللثام احتمالهما أيضا لسنتي الحج بمضي زمان يسع حجتين،
وهو سنة كما أن شهر الحيض ثلاثة عشر يوما، وعلى كل حال فتجتمع نصوص
السنة والسنتين والسنة أو السنتين حينئذ على معنى واحد.
نعم تبقى نصوص الستة أشهر أو أكثر، كصحيح حفص بن البختري (5)

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 9 - 3 - 7
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 9 - 3 - 7
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 9 - 3 - 7
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج الحديث 8 - 9 - 3 - 7
(5) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3
89

عن أبي عبد الله عليه السلام (في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع إلى مكة بأي
شئ يدخل؟ فقال: إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع، وإن
كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع) ومرسل الحسين بن عثمان (2) وغيره عن
أبي عبد الله عليه السلام (من أقام بمكة ستة أشهر فليس له أن يتمتع) وفي بعض النسخ
(خمسة أشهر) وخبر ابن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما السلام) (من أقام بمكة
ستة أشهر فهو بمنزلة أهل مكة) ويمكن حملها على التقية بناء على اكتفاء العامة
في صيرورته من حاضري المسجد الحرام بالاستيطان ستة أشهر، أو الدخول في
الشهر السادس، أو على اعتبار مضي ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطن
وفي كشف اللثام أو على إرادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى قيام الستة أشهر
أو أقل أو أكثر، أو غير ذلك، وبذلك بان لك قوة القول المزبور وإن قل
القائل به صريحا، بل لم نعثر عليه، كما أنه بان لك النظر فيما في المدارك
والرياض وغيرهما.
وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في صيرورة المجاور بعد المدة المزبورة
وإن لم تكن بقصد التوطن كالمكي في نوع الحج، نعم عن بعض الحواشي تقييد
ذلك بما إذا أراد المقام بها أبدا، لكن عن المسالك أنه مخالف للنص والاجماع
أما بالنسبة إلى غير ذلك من أحكام الحج فقد احتمله بعضهم، فلا يشترط في
وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروطة له ولو إلى الرجوع من بلده بل يكفي فيه
استطاعة أهل مكة، لاطلاق الآية وكثير من الأخبار، بل ربما احتمل جريان

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 4 وفيه
" من أقام بمكة سنة " كما في التهذيب ج 5 ص 476 الرقم 1680
90

غير أحكام الحج من أحكام أهل مكة حتى الوقوف والنذور ونحوهما، لما سمعته
مما في النصوص (1) (هو من أهل مكة) و (هو مكي) و (بمنزلة أهل مكة)
إلا أن الجميع كما ترى مع عدم قصد التوطن، ضرورة انسياق إرادة نوع الحج
خاصة من الجميع، فيبقى عموم أدلة استطاعة النائي بحاله، وكذا استصحابها بل
وأصل البراءة، ودعوى أن تلك الاستطاعة شرط للتمتع ولا تمتع هنا يدفعها أنها
شرط وجوب الحج على النائي مطلقا، وتعيين المتعة أمر آخر، مع أنه قد يجب
عليه الافراد أو القران، نعم الظاهر أنه كذلك مع قصد التوطن، لصدق كونه
حينئذ من أهلها وإن وجب عليه التمتع قبل السنة أو السنتين للأدلة الشرعية،
ومن ذلك يظهر ضعف القول بتقييد إطلاق الحكم المزبور في النص والفتوى بما
إذا أراد المفارقة أما مع إرادة المقام أبدا فينتقل فرضه بأول سنة، لصدق كونه
حينئذ من أهلها، لكن في الرياض أن كلا من القولين ضعيف، لأن بين إطلاقيهما
عموما وخصوصا من وجه، لنواردهما في المجاور سنتين مثلا بنية الدوام، وافتراق
الأول عن الثاني في المجاور سنتين بغير النية، والعكس في المجاور دون السنتين مع
النية المزبورة، فترجيح أحدهما على الآخر وجعله المقيد له غير ظاهر الوجه،
ولكن مقتضى الأصل وهو استصحاب عدم انتقال الفرض يرجح الأول، قلت:
مضافا إلى تصريح البعض به، وبأنه المراد من إطلاق الفتوى، بل قد يقال بظهوره
من صحيح زرارة (2) ولو بقرينة سؤاله بعد ذلك عن ذي المنزلين، بل ومن
غيره، فتكون مقيدة لتلك النصوص التي قد يدعى ظهورها في غير متجددي

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1 و 9
والباب 8 منها - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
91

الاستيطان، ولو انعكس الفرض بأن أقام المكي في غيرها لم ينتقل فرضه ولو سنين
للأصل وغيره بعد حرمة القياس، إلا أن يكون بنية الاستيطان فينتقل من أول
سنة، لصدق النائي عليه حينئذ، كما هو واضح.
(ولو كان له منزلان) ووطنان منزل (بمكة) أو حواليها مما هو دون
الحد (و) منزل في (غيرها من البلاد) التي هي خارج الحد من غير فرق بين
أفرادها (لزمه فرض أغلبهما عليه) بلا خلاف أجده فيه، لصحيح زرارة (1)
السابق الذي يمكن استفادة ترجيح أحدهما على الآخر بالغلبة منه، أو أن المراد
الغلبة التي يكون معها وطنه عرفا الغالب عليه، ومن الأخير ينقدح احتمال عدم
اختصاص الحكم بالحج، بل يجري في القصر والتمام وإن كان لم أجد من احتمله هنا.
وعلى كل حال فإن كان الأغلب مكة قبل استطاعة الحج كان عليه الافراد
أو القران وإن لم يقم بها سنة أو أقل، وإن كان غيرها فعليه التمتع إلا أن يجاور
بمكة المدة المتقدمة متصلة بالاستطاعة. فإنه يكون حينئذ حكمه حكم أهل مكة وإن
كان الغالب عليه الآخر كما صرح به في المدارك وكشف اللثام وغيرهما، بل في
بعضها أن ذلك أولى بالحكم المزبور من ذي المنزل الواحد، لكن في الحدائق
(ولقائل أن يقول: إن هاهنا عمومين قد تعارضا أحدهما ما دل على أن ذا المنزلين
متى غلب عليه الإقامة في أحدهما وجب عليه الأخذ بفرضه أعم من أن يكون أقام
بمكة سنتين أو لم يقم، فلو فرضنا أنه في كل مرة يقيم في المنزل الآفاقي خمس سنين
وفي المنزل المكي سنتين أو ثلاثا فإنه يجب عليه فرض الآفاقي بمقتضى الخبر المذكور
وإن كان قد أقام بمكة سنتين، وثانيهما ما دل على أن المقيم بمكة سنتين ينتقل فرضه
إلى أهل مكة أعم من أن يكون له منزل ثان أم لا، زادت إقامته فيه أم لا،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
92

وتخصيص أحد العمومين بالآخر يحتاج إلى دليل، وما ادعاه هذا القائل من
الأولوية في حيز المنع) وفيه أن المستفاد من الأدلة السابقة كون مجاورة المدة
المزبورة جهة مستقلة لانتقال الفرض، وليست هي من أفراد أحد العمومين،
فعدم إجراء حكم المنزل عليه من حيث غلبة نزوله في الآخر لا يقتضي انتفاء جريان
حكم أهل مكة من حيث المجاورة المزبورة، اللهم إلا أن يدعى اختصاص حكمها
بذي المنزل الواحد، لكنه كما ترى مناف لاطلاق النص والفتوى، خصوصا بعد
فرض جعل الغالب هو المنزل شرعا أو وعرفا، فهو في الحقيقة ذو منزل واحد.
ثم إن الظاهر إرادة الوطن من المنزل في الفتاوى ومن الأهل في النص،
فما في المدارك من أنه يستفاد من الصحيح المزبور أن الاعتبار بالأهل لا المنزل
وتبعه عليه في الحدائق كما ترى، هذا، وفي كشف اللثام - بعد أن ذكر في تفسير
ذي المنزلين أنهما اللذان يراد استيطانهما معا اختيارا أو اضطرارا إليهما أو إلى
أحدهما لخوف مثلا - قال (وكذا إذا لم يرد استيطان شئ من المنزلين ولا
اضطرارا، بل كان أبدا مترددا أو محبوسا فيهما) ولو كان محبوسا في أحدهما
من دون إرادة استيطانه مستوطنا للآخر ولو اضطرارا فالظاهر أنه من أهل
الآخر، وصحيح زرارة (1) إنما يتناول بظاهره الاستيطان الاضطراري بل
الاختياري) إلى آخره، وفيه ما لا يخفى، إذ لا ريب في أن المتردد والمحبوس
فيهما بعد فرض كون وطنه غيرهما حكمه حكم أهل وطنه، ولا يجري عليه حكم أغلبهما
بل وكذا لو نزل على من لم يكن له وطن بل كان أبدا مترددا بينهما أو محبوسا فيهما
فإن إجراء حكم الأغلب قياسا على ذي المنزلين المراد منهما الوطنان واضح المنع،
بل المتجه فيه التخيير أو التمتع بناء على أنه الأصل.

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
93

(و) كيف كان ف‍ (إن تساويا) واستطاع من كل منهما (كان له
الحج بأي الأنواع شاء) بلا خلاف أجده فيه أيضا سواء كان في أحدهما أو في
غيرهما، لعدم المرجح حينئذ، ولاندارجه في إطلاق ما دل على وجوب الحج
بعد خروجه عن المقيدين، ولو لظهورهما في غير ذي المنزلين، بل لو سلم اندراجه
فيهما كان المتجه التخيير أيضا بعد العلم بانتفاء وجوب الجمع عليه في سنتين، كالعلم
بعدم سقوط الحج عنه، لكن مع ذلك كله والأولى له اختيار التمتع لاستفاضة
النصوص بل تواترها في الأمر به على وجه يقتضي رجحانه على غيره، أو أنه
الأصل في أنواع الحج، ولعله لذا حكي عن ثاني الشهيدين احتمال تعيينه على من
اشتبه حاله فلم يعلم هل هناك أغلب أو لا، مع مساواته للأول فيما قدمناه مما يقتضي
التخيير ولو لأصالة عدم غلبة أحدهما على الآخر بناء على عدم انتفاء التساوي
بالأصل كما في نظائره، ولذا أفتى به هو وغيره، ولكن مع ذلك فالأولى له التمتع
أيضا لما عرفت، بل على القول بجوازه لأهل مكة هو الأحوط.
هذا كله مع الاستطاعة من كل منهما ولو كان في غيرهما، أما لو استطاع
في أحدهما لزمه فرضه كما في كشف اللثام، لعموم الآية والأخبار، وعن بعض
الحواشي حصر التخيير فيما لو استطاع في غيرهما، وفيه ما لا يخفى، ومن ذلك
بان لك الحال فيما يحكى عن ثاني الشهيدين من الاشكال في حكم استطاعته، من
أصالة براءة الذمة من الوجوب حيث لا يتحقق الزائد، ومن أن جواز النوع
الخاص يقتضي الحكم باستطاعته، ويتوجه على تقدير التخيير أن يكون إيجاب
الحج باختيار المكلف لو فرض استطاعته من مكة خاصة، إذ هو كما ترى، بل
وكذا ما في المدارك من أن هذا الاشكال منتف بناء على ما قررناه من عدم
اعتبار الاستطاعة من البلد، وتحققها بمجرد التمكن من موضع الإقامة على الوجه
المعتبر، إذ الذي قرره سابقا اعتبار استطاعة الرجوع أيضا.
94

ثم لا فرق في المنزلين بين أن يسكن فيهما أو في أحدهما مغصوبا أم
لا حتى لو كان جميع الصقع الذي يريد استيطانه مغصوبا، لصدق الاستيطان
عرفا وإن احتمل في كشف اللثام عدم اعتبار كونه فيه، لكنه كما ترى،
ولا بين أن يكون بينهما مسافة القصر أو أقل، نعم يقوى عدم العبرة بأيام عدم
التكليف، لعدم صدق الاستيطان عليها عرفا وإن استظهر احتسابها في كشف
اللثام، قال: (وإرادة الاستيطان حينئذ تتعلق بالولي قبل التمييز، وبه أو بنفسه
بعده) لكنه كما ترى، ولا يقاس ذلك على تبعية استيطان الزوجة والمملوك،
وكذا لا يخفى عليك حال ما فيه أيضا من الوجهين في طرح أيام السفر بينهما من
البين، أو احتساب أيام التوجه إلى كل من الإقامة فيه، ثم قال: ويجوز أن
يكون لأحدهما، قال أحدهما (عليهما السلام) (1): (من أقام بمكة ستة أشهر
فهو بمنزلة أهل مكة) إذ هو كما ترى، بل وكذا قوله أيضا: (وإن كان المجاور
الذي ينتقل فرضه بالمجاورة يعم من يريد الاستيطان بمكة أبدا كما قيل أو يخص
به لم يناف ما هنا، لأنه لما كان أولا يريد الاستيطان بغير مكة أبدا جاز أن لا
ينتقل فرضه ما لم يقم بمكة سنتين وإن لم يكن أقام بغيرها إلا أياما قلائل، ولما
كان أخيرا يريد الاستيطان بمكة أبدا جاز أن ينتقل فرضه إذا أقام بها سنتين وإن
كان أقام بغيرها سنين، ولما كان هذا من أول الأمر يريد الاستيطان تارة بمكة
وتارة بغيرها أو مترددا اعتبر الأغلب مع استثناء المجاورة الناقلة كما نقلناه إلا على
اختصاصها بمن يريد استيطان مكة أبدا، فلا استثناء، فإن قلت على المختار من
اختصاص هذه المسألة بمن ذكر وما تقدمها بمن لم يرد استيطان مكة ما حكم من

(1) الوسائل - 8 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 4 وفيه
" من أقام بمكة سنة " كما تقدمت الإشارة إلى ذلك أيضا.
95

يريد استيطانها أبدا بعد أن كان متوطنا لغيرها أو لم يكن مستوطنا لمكان؟
قلت: كأنه بإرادة استيطانها أبدا يجب عليه فرض أهل مكة في العام الأول،
ويحتمل أن يكون معنى هذه المسألة من كان مستوطنا بغير مكة أبدا فبدا له
استيطانها أبدا لحق بالأغلب وتخير مع التساوي وإن تحقق الغلبة أو التساوي
قبل سنتين والاستطاعة بعدهما، ولكنه خلاف ظاهر صحيح زرارة) إذ هو
كما ترى قليل المحصول، وما أدري ما الذي خالجه مع وضوح الفرق بين موضوعي
المسألتين حتى احتمل في المقام الاحتمال الأخير المقطوع بعدمه نصا وفتوى، كما أن من المقطوع به إرادة الأعلم مما ذكره من موضوع مسألة المقام، ضرورة
اندراج من كان مستوطنا لغير مكة أبدا أو لها كذلك ثم بدا له استيطانها أو
استيطان غيرها معها فيه قطعا، كما هو واضح، والغلبة والتساوي إنما هما في حال
قصد استيطانهما، ولا عبرة بما مضى سابقا، والله العالم.
(ويسقط الهدي) أي هدي التمتع (عن القارن والمفرد وجوبا)
بلا خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1) منطوقا
ومفهوما (نعم لا تسقط) عنهما (الأضحية استحبابا) كغيرهما كما ستعرف
تفصيل ذلك كله إن شاء الله
(ولا يجوز القران بين الحج والعمرة بنية واحدة)
بلا خلاف أجده في غير القران، بل وفيه بناء على ما سمعته سابقا من إمكان
تأويل كلام ابن أبي عقيل وغيره بما لا يرجع إلى ذلك، إلا أن المشهور هنا عده
وابن الجنيد مخالفين في مقابلة المشهور القائلين بالمنع، وقد سمعت المراد من
النصوص الموهمة للجواز، ومن هنا كان الكلام في المقام مبنيا على الكلام السابق

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الذبح - من كتاب الحج
96

في تفسير القران، ولذا أحال بعضهم الكلام فيه على الكلام السابق، بل هو ظاهر
جميع من تعرض للمسألتين أو صريحه، لكن في الرياض - بعد أن حكى عن
بعضهم اتحاد المسألتين - قال: (وهو كما ترى، فإن مورد هذه المسألة حرمة
القران أو جوازه كما عليه الإسكافي والعماني، وتلك أن الفارق بين المفرد والقارن
ما هو من غير نظر إلى جواز القران بهذا المعنى وعدمه) قلت: هو كذلك إلا
أن لازم تفسير القران بما سمعته منهما - مع معلومية جوازه نصا وفتوى وأنه هو
أحد أقسام الحج - جواز القران بالمعنى المزبور، ضرورة أنه لا معنى لتفسير
القران المعلوم جوازه بالقران بالنية بناء على عدم جوازه، وعلى كل حال فدليل
الجواز حينئذ تلك النصوص (1) المستفاد منها تفسير القران بذلك، لاقتضائها
جوازه بمعنى الجمع بينهما بنية واحدة مع عدم الاحلال منهما إلا بعد الفراغ من
أفعال الحج من دون تجديد إحرام للحج، إلا أنك قد عرفت تفصيل الكلام في
ذلك، ومقتضاه عدم الفرق بين الافراد والقران إلا بسوق الهدي وعدمه،
وحينئذ فالقران بمعنى الجمع بين الحج والعمرة بنية واحدة خارج عن المراد بحج
القران المعلوم شرعيته، فالنظر إلى جوازه وعدمه وإفساده وعدمه إلى ما تقتضيه
القواعد الشرعية، ولا ريب في أنه - بعد معلومية كونهما نسكين مستقلين لا مدخلية
لأحدهما في الآخر حتى في حج التمتع الذي قد ورد فيه دخول العمرة في الحج
نحو دخول الأصابع بعضها في بعض عند التشبيك، لكن قد عرفت تفسير
المراد منه بما لا يرجع إلى جزئية العمرة من الحج وصيرورتهما فعلا واحدا، كما
هو واضح - لا يجوز الجمع بينهما نية على وجه التشريع والابداع كما في غيرهما

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2
والباب 18 منها
97

من العبادات التي قد تقدم البحث في حرمة ذلك فيها، وفي اقتضائه بطلان العبادة
المشرع في نيتها، وإن خالف فيهما معا بعض المتأخرين، بل جزم بعدم البطلان
على تقدير الإثم بذلك، لكنه واضح الضعف، ضرورة معلومية حرمة التشريع
كضرورة اقتضائه فقد العبادة النية المعلوم اعتبارها فيها.
ولعله إلى ذلك يرجع استدلال بعضهم على الحكم في المقام بأنهما عبادتان
متباينتان لا يجوز الاتيان بإحداهما إلا مع الفراغ من الأخرى، ولا بد في النية
من مقارنتها المنوي، فهو كنية صلاة الظهر والعصر دفعة واحدة، وإلا كان محلا
للنظر، وعدم الاجتزاء بهذه النية للآخر ما لم يكن فيها التشريع المزبور إنما
يقتضي فساد الأخير لافسادهما معا، كما هو ظاهر كل من حكم بعدم جواز القران
على ما اعترف به في محكي المختلف وغيره، وفي المسالك (وعلى المشهور لو قرن
بينهما بنية واحدة بطلا، للنهي المفسد للعبادة، كما لو نوى صلاتين) والظاهر
إرادته النهي التشريعي من النهي المذكور في كلامه كما يشعر به التشبيه بنية
الصلاتين، مضافا إلى أنا لم نعثر هنا على نهي بالخصوص إلا ما سمعته من بعض
النصوص التي استدل بها الخصم في تفسير القران، وقد مر الكلام فيها، وكأن
الوجه في اقتضائه الفساد هنا اقتضاءه بطلان النية المقتضي لفساد العبادة
كما أومأنا إليه.
وبذلك كله ظهر لك أن مدار البطلان وعدمه على التشريع في النية على
وجه يقتضي الفساد كغيرها من العبادات، ضرورة عدم خصوصية للمقام،
وقد ذكرنا شطرا من ذلك في الوضوء والغسل والصلاة والصوم وغيرها من
العبادات، هذا.
ولكن في كشف اللثام - بعد أن ذكر تعليل البطلان بفساد النية لكونها
غير مشروعة، وهو يستلزم فساد العمل، وخصوصا الاحرام الذي عمدته النية
98

قال: (والتحقيق أنه إن جمع في النية على أنه محرم بهما الآن وأن ما يفعله من
الأفعال فعال لهما، أو على أنه محرم بهما الآن ولكن الأفعال متمايزة إلا أنه
لا يحل إلا بعد إتمام مناسكهما جميعا، أو على أنه محرم بالعمرة أولا مثلا ثم بالحج
بعد إتمام أفعالها من غير إحلال في البين فهو فاسد، مع احتمال صحة الأخير بناء
على أن عدم تخلل التحلل غير مبطل، بل يقبل العمرة حجا، وإن جمع بمعنى أنه
قصد من أول الأمر الاتيان بالعمرة ثم الاهلال بالحج أو بالعكس فلا شبهة في
صحة النية وأول النسكين إلا من جهة مقارنة النية للتلبية إن كانت كتكبيرة
الاحرام في الصلاة، فإن جدد للنسك الآخر نية صح أيضا، وإلا فلا، وفي
الخلاف إذا قرن بين العمرة والحج في إحرامه لم ينعقد إحرامه إلا بالحج، فإن
أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة ويحل ويجعلها
متعة جاز ذلك، ويلزمه الدم، وبمعناه ما في المبسوط من أنه متى أحرم بهما يمضي
في أيهما شاء، وما في الجامع من أنه من كان فرضه المتعة قضى العمرة ثم حج
وعليه دم، وإن كان فرضه الحج فعله ولا دم عليه، وكأنهما أراد المعنى الأخير،
وأن قصده إلى ثاني النسكين عزم لا نية، ولا ينافي صحة الأول ونيته، وإن أرادا
أحد المعنيين الأولين - بناء على أن الاحرام بهما إحرام بأحدهما وزيادة فغاية
الأمر إلغاء الزائد لا إبطالهما جميعا - فيرد عليهما أنه حينئذ نوى عبادة مبتدعة،
كما إذا نوى بركعة من صلاته إنها من صلاتي الظهر والعصر جميعا، وإن أرادا
المعنى الباقي احتمل البطلان، لأن الذي قصده من عدم التحلل في البين مخالف
للشرع والصحة بناء على أنه أمر خارج عن النسك، والواجب إنما هو نيته،
ولا ينافيها نية خارج مخالف للشرع، بل غايتها اللغو، مع أن عدم التحلل في
البين مشروع في الجملة، ولأنه لا يبطل العمرة بل يقلبها حجة) وهو على طوله
وجعله له تحقيقا مقابلا لما سمعت لا يخرج عما ذكرناه، على أن بعضه لا يخلو من
99

نظر، خصوصا الأخير، ضرورة عدم مدخلية للدخول والخروج في المعنى
الابداعي والتشريعي المقتضي لفساد النية الذي هو محل البحث من غير مدخلية
لوقوع ذلك منه بعد وعدمه، وفرض جوازه خروج عن محل البحث الذي هو نية
التشريع والابداع، وما وقع من الشيخ ويحيى بن سعيد يمكن أن يكون مبنيا
على بحث آخر، وهو وجوب تعيين العمرة والحج في الاحرام، أو يجزي إيقاعه
لهما بمعنى عدم تعيين أحدهما، وفي بعض النصوص (1) دلالة على جوازه، وربما
تسمع الكلام فيه إن شاء الله، وهو غير ما نحن فيه، ويؤيده ما عن الشيخ في
الخلاف من الاجماع على عدم جواز القران الظاهر في إرادة الفساد فيهما،
والله العالم.
(و) كذا (لا) يجوز (إدخال أحدهما على الآخر) بأن ينوي
الاحرام بالحج قبل التحلل من العمرة، أو بالعمرة قبل الفراغ من أفعال الحج،
أتم الأفعال بعد ذلك أم لا، لأنه بدعة، وإن جاز نقل النية من أحدهما إلى
الآخر اضطرارا أو اختيارا، وحكمنا بانقلاب العمرة حجة مفردة إن أحرم بالحج
قبل التقصير، ولعل العمدة في ذلك ما قيل من أن الحكم المزبور كأنه إجماعي،
بل عن الخلاف والسرائر دعواه صريحا، وإلا فلا دليل على بطلانهما معا أو
أحدهما بذلك مع فرض إتمام الأفعال، وعدم صدور غير النية منه، بل لعل
إطلاق الأدلة يقتضي الصحة، والقياس على إحرام العصر مثلا في أثناء الظهر ليس
من مذهبنا، على أن البحث في فساد الظهر حينئذ معروف وإن كبر للاحرام للعصر
في أثنائها، لعدم كون ذلك زيادة ركن فيها، وتوقيفية العبادة لا ينافي الاستدلال
على صحتها بالأصل والاطلاق بناء على الأعمية، وقوله تعالى (2): (وأتموا

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
(2) سورة البقرة - الآية 192
100

الحج والعمرة) لا يقتضي الفساد بالنية المزبورة، كما أن صحيح عبد الله بن
سنان (1) عن الصادق عليه السلام أنه سأله (عن رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم
بالحج قال: يستغفر الله تعالى) لا دلالة فيه على ذلك أيضا، خصوصا بعد ما في
المدارك في المسألة من أنه متى امتنع الادخال وقع الثاني فاسدا إلا إذا وقع الاحرام
بالحج بعد السعي وقبل التقصير من العمرة فإنه يصح في المشهور، وتصير الحجة مفردة
ومن الغريب استدلاله بالصحيح الوارد في النسيان المعلوم إرادة الندب من
الاستغفار فيه، مع ذكره الحكم المزبور في العمد فضلا عنه، ولكن مما ذكره
يعلم كون المراد بعدم الجواز الذي هو معقد الاجماع المذكور الفساد في الداخل
لا فيهما معا، فينبغي الاقتصار في الحكم المخالف للاطلاق المتقدم عليه، بل يمكن
الاستدلال عليه حينئذ بظهور الأدلة في عدم مشروعية الاحرام جديدا مثل
الاحلال من الاحرام الأول إلا في الصورة المزبورة التي ستعرف البحث فيها
إن شاء الله، ولعله لما ذكرنا حكي عن الجمهور أجمع جواز إدخال الحج على
العمرة، واختلفوا في العكس، لكن قد عرفت الاجماع منا على عدم الجواز
مطلقا، وكفى به دليلا للحكم على الوجه المزبور، والله العالم.
(و) كذا (لا) يجوز (نية حجتين ولا عمرتين) فيه فصاعدا،
لأنه بدعة كالقران بين الحج والعمرة الذي قد عرفت انحصار دليل البطلان فيه
بالتشريع المشترك بين الجميع (و) حينئذ ف‍ (لو فعل) ذلك على وجه يقتضي
التشريع في النية بطلا معا كما عن الفاضل التصريح به، ولكن (قيل) هنا
والقائل الشيخ فيما حكي من خلافه (تنعقد واحدة) منهما مدعيا الاجماع عليه،
وبه قال الشافعي، وصححهما أبو حنيفة، وأوجب عليه قضاء إحداهما، لأنه

(1) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
101

أحرم بها ولم يتمها، إلا أن الجميع كما ترى (و) إن قال المصنف هنا: (فيه تردد)
إلا أنه في غير محله مع فرض كون النية على جهة التشريع، وإلا فلا تردد أيضا
في صحة الأولى التي قارنتها نيتها، وأما الثانية فإن جمعت شرائطها التي منها مقارنة
النية لأول أفعالها صحت أيضا، وإلا فلا، كما هو واضح، ومنه يظهر لك النظر
فيما ذكره في المسالك من وجهي التردد، والله العالم.
(المقدمة الرابعة في المواقيت)
جمع ميقات، والمراد به هنا حقيقة أو توسعا مكان الاحرام (و) على كل
حال ف‍ (الكلام) الآن (في أقسامها وأحكامها) وتعدادها، فنقول:
(المواقيت) خمسة كما عن المنتهى والتحرير أو (ستة) كما في القواعد وغيرها
بل قيل هو المشهور، أو سبعة كما هو مقتضى بعض العبارات أيضا، أو عشرة
كما في الدروس، إذ لكل اعتبار، أما الأول فباعتبار تعيين الأمكنة المخصوصة،
كما قال الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (1): (الاحرام من مواقيت خمسة وقتها
رسول الله صلى الله عليه وآله، لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها، وقت
لأهل المدينة ذا الحليفة، وهو مسجد الشجرة، يصلى فيه ويفرض الحج، ووقت
لأهل الشام الجحفة، ووقت لأهل نجد العقيق، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل
ووقت لأهل اليمين يلملم، ولا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول الله
صلى الله عليه وآله) والثاني باعتبار ذكره في التوقيت وإن لم يكن مكانا مخصوصا، كما في
صحيح معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (من تمام الحج والعمرة أن
تحرم من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله، لا تجاوزها إلا وأنت محرم،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 2
102

فإنه وقت لأهل العراق - ولم يكن يومئذ عراق - بطن العقيق من قبل العراق، ووقت
لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل الطائف قرن المنازل، ووقت لأهل المغرب الجحفة
وهي مهيعة، ووقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ومن كان منزله خلف هذه المواقيت
مما يلي مكة فوقته منزله) والثالث باعتبار زيادة الاحرام من مكة، والرابع زيادة
فخ لحج الصبيان، ومحاذاة الميقات لمن لم يمر به، وأدنى الحل أو مساواة أقرب
المواقيت إلى مكة لمن لم يحاذ ميقاتا، بل يمكن جعلها أحد عشر بنوع من الاعتبار
أيضا إذا جعل الأخير مغايرا لأدنى الحل، والأمر في ذلك سهل كسهولة الاختلاف
في التعبير عن السادس بدويرة الأهل أو بمكة لحج التمتع، بل في بعض العبارات
كالنافع والقواعد ذكرهما معا مع فرضها ستة، فيحتمل كون الزائد عليها منهما
دويرة الأهل كما يفهم من بعض، لأن المنزل الأقرب غير محدود، ويفهم من
عبارة المصنف كونه الآخر حيث عد من الستة الدويرة بدله، إلى غير ذلك من
الكلمات التي لا يترتب عليها ثمرة يعتد بها.
نعم لم أجد من ذكر التنعيم والجعرانة والحديبية من المواقيت مع تصريح
النصوص بالاحرام للعمرة منها، ولعلها هي أماكن مخصوصة على أدنى الحل، إلا
أنه يفهم من بعض اختلافها في القرب والبعد.
وكيف كان فلا خلاف بيننا في الخمسة بل والستة بل عن جماعة الاجماع عليه
بل قيل إنه كذلك عند العلماء كافة إلا من مجاهد في دويرة الأهل، فجعل بدلها
مكة، وأحمد في إحدى الروايتين في مكة لحج التمتع، يخرج من الميقات
ويحرم منه، ونصوصنا (1) مستفيضة أو متواترة في خلافهما، كاستفاضتها في
توقيت الستة من رسول الله صلى الله عليه وآله، وما عن بعض العامة من أن العقيق منها لم

(1) الوسائل - الباب - 17 - و 21 - من أبواب المواقيت
103

يكن بتوقيت رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه لم يكن يومئذ مسلم في العراق واضح الفساد
وقد سمعت التصريح من الصادق عليه السلام بأنه صلى الله عليه وآله وقته ولم يكن يومئذ عراق،
ولعله لعلمه صلى الله عليه وآله بصيرورتهم مسلمين، أو لمن يمر منهم عليه.
وعلى كل حال ف‍ (لأهل العراق) ومن يمر عليه من غيرهم (العقيق)
إجماعا ونصا، وهو في اللغة كل واد عقه السيل أي شقه فأنهره ووسعه، وسمي
به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدهما الميقات، وهو وادي يندفق سيله في
غوري تهامة كما عن تهذيب اللغة (و) المشهور أن (أفضله المسلخ) وهو
أوله، كما في خبري أبي بصير أحدهما (1) عن الصادق عليه السلام والآخر عن
أحدهما (عليهما السلام)، وهو بالسين والحاء المهملتين واحد المسالح، وهي
المواضع العالية، أو بالخاء المعجمة، وهو موضع النزع، لأنه ينزع فيه الثياب
للاحرام، فتكون التسمية حينئذ متأخرة عن وضعه ميقاتا، ودليل الأفضلية
الأخبار (3) والاجماع كما في كشف اللثام، لكن ستسمع من النصوص
ما يقتضي كون أوله ما دون المسلخ بستة أميال، وفي النصوص (5) أن أوله
الأفضل، ولعل الاحتياط في التأخير هذا المقدار جمعا بين النصوص والاحتمالات
وتحصيلا ليقين البراءة، ولذا قطع به الأصحاب (ويليه) في الفضل أوسطه
(غمرة) بالغين المعجمة والراء المهملة والميم الساكنة، منهل من مناهل مكة،
وهو فصل ما بين نجد وتهامة كما عن الأزهري، وعن فخر الاسلام أنها سميت بها

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت الحديث 7 - 5 - 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت الحديث 7 - 5 - 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت الحديث 7 - 5 - 2
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب المواقيت
104

لزحمة الناس فيها، وعلى كل حال فلم أجد في النصوص ما يقتضي كونها تلي المسلخ
في الفضل، بل ستسمع في النصوص ما يقتضي خروجها عن العقيق وإن كان
المعروف بين الأصحاب أنها أوسطه، نعم في كشف اللثام يمكن حمل صحيح عمر
ابن يزيد (1) وخبر أبي بصير (2) عن أحدهما (عليهما السلام) الآتيين على شدة
كراهية تأخير الاحرام عن غمرة، والأمر سهل.
(وآخره ذات عرق) جبل صغير، أو قليل من الماء، أو قرية خربت
ويجوز الاحرام من جميع مواضعه اختيارا كما هو ظاهر النص والفتوى، بل عن
الناصرية والخلاف والغنية الاجماع عليه، قال الصادق (عليه السلام) في مرسل
الصدوق (3): (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل العراق العقيق، وأوله المسلخ
ووسطه غمرة، وآخره ذات عرق، وأوله أفضل) ونحوه عن كتاب فقه
الرضا (عليه السلام) (4) وقال أيضا في خبر أبي بصير (5): (حد العقيق أوله
المسلخ، وآخره ذات عرق) وكتب يونس بن عبد الرحمان (6) إلى أبي
الحسن (عليه السلام) (إنا نحرم من طريق البصرة ولسنا نعرف حد عرض
العقيق فكتب (عليه السلام) أحرم من وجرة) وعن الأصمعي وجرة بين مكة
والبصرة، وهي أربعون ميلا ليس فيها منزل، وقال الكاظم (عليه السلام)
لإسحاق بن عمار (7) (كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 9
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 - 9
(4) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 4
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 7 - 4
(7) الوسائل - الباب - 22 من أبواب أقسام الحج - الحديث 8
105

رجع وبلغ ذات عرق أحرم بالحج)
لكن عن ظاهر الصدوقين والشيخ في النهاية عدم جواز الاحرام من ذات
عرق منه إلا لتقية أو مرض ولعله للجمع بين ما سمعته وبين صحيح عمر بن يزيد (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد
ما بين بريد البعث إلى غمرة) الحديث، وصحيح معاوية بن عمار (2) عنه عليه السلام
أيضا (أول العقيق بريد البعث، وهو دون المسلخ بستة أميال مما يلي العراق
وبينه وبين غمرة أربعة وعشرون ميلا بريدان) وفي حسنه الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا
(آخر العقيق بريد أوطاس وقال بريد البعث دون غمرة ببريدين) وفي
مرسل ابن فضال (4) عنه (عليه السلام) أيضا (أوطاس ليس من العقيق) وخبر
أبي بصير (5) (حد العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة) بل قد يرشد إلى حمل
الخبرين الأولين على التقية خبر الحميري (6) المروي عن الاحتجاج فيما كتبه إلى
صاحب الزمان عجل الله فرجه يسأله (عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون
متصلا بهم بحج ويأخذ عن الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا
الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيؤخر إحرامه لما يخاف من الشهرة أم
لا يجوز أن يحرم إلا من المسلخ؟ فكتب إليه في الجواب يحرم من ميقاته ثم
يلبس الثياب ويلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره) وفي كشف اللثام
لا ريب أنه أحوط.
قلت: لعل الوجه في الجمع بين النصوص المزبورة بعد تعارف إحرام العامة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت الحديث 2 - 1 - 6 - 5 - 10
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت الحديث 2 - 1 - 6 - 5 - 10
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت الحديث 2 - 1 - 6 - 5 - 10
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت الحديث 2 - 1 - 6 - 5 - 10
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت الحديث 2 - 1 - 6 - 5 - 10
106

من ذات عرق ما عن ابن إدريس من أنه وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل العراق
العقيق، فمن أي جهاته وبقاعه أحرم فيعقد الاحرام منها، إلا أن له ثلاثة
أوقات أولها المسلخ، وهو أفضلها عند ارتفاع التقية، وأوسطها غمرة، وهو
يلي المسلخ في الفضل عند ارتفاع التقية، وأوسطها غمرة، وهو
يلي المسلخ في الفضل عند ارتفاع التقية، وآخرها ذات عرق، وهي أدونها في
الفضل إلا عند التقية والشناعة والخوف، فذات عرق هي أفضلها في هذا الحال
وحينئذ فما في مكاتبة الحميري تعليم للجمع بين مراعاة الفضل والتقية، على أن
بعض النصوص المزبورة لا دلالة فيه على خروج ذات عرق من العقيق الذي قد
عرفت إطلاق النصوص كونه ميقاتا لأهل العراق.
ثم لا يخفى عليك وجوب حصول العلم أو ما يقوم مقامه شرعا في معرفة
الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله لكن ذكر غير واحد من الأصحاب هنا
الاكتفاء في معرفة هذه المواقيت بالشياع المفيد للظن الغالب، ولعله لصحيح
معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (يجزيك إذا لم تعرف العقيق
أن تسأل الناس والأعراب عن ذلك)
(ولأهل المدينة مسجد الشجرة) كما في النافع والقواعد ومحكي الجامع
والمقنعة والناصريات وجمل العلم والعمل والكافي والإشارة، وفيها أنه ذو الحليفة
بل عن الناصريات الاجماع على ذلك، وعن المعتبر والمهذب وكتب الشيخ
والصدوق و القاضي وسلار وابني إدريس وزهرة والتذكرة والمنتهى والتحرير
أن ميقاتهم ذو الحليفة، وأنه مسجد الشجرة كما في حسن الحلبي (2) السابق، بل عن
بن زهرة منهم الاجماع على ذلك، وفي صحيح ابن رئاب (3) المروي عن

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 7
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 3 - 7
107

قرب الإسناد عنه (عليه السلام): (وقت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة)
وفي خبر قرب الإسناد عن علي بن جعفر (1) عن أخيه عليه السلام المروي عنه أيضا
(وقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل المدينة ذا الحليفة، وهي الشجرة) وفي صحيح
ابن سنان (2) عن الصادق (عليه السلام) (من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد
الحج ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه
من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء) وفي المروي (3)
عن العلل أنه سئل الصادق (عليه السلام) (لأي علة أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من
مسجد الشجرة ولم يحرم من موضع دونه؟ فقال: إنه لما أسري به إلى السماء
وصار بحذاء الشجرة نودي يا محمد فقال صلى الله عليه وآله: لبيك، قال: ألم أجدك يتيما
فآويتك ولم أجدك ضالا فهديتك، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن الحمد والنعمة والملك
لك لا شريك لك، فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلها) بل عن شرح
الإرشاد للفخر (ويقال لمسجد الشجرة ذو الحليفة وكان قبل الاسلام اجتمع فيه
أناس وتحالفوا) ونحوه عن التنقيح، ولعله يرجع إلى ما عرفت ما في اللمعة
ومحكي الوسيلة من أن الميقات ذو الحليفة كما في جملة من النصوص بناء على
ما عرفت أنه مسجد الشجرة، نعم في الدروس أنه ذو الحليفة، وأفضله مسجد
الشجرة، والأحوط الاحرام منه، بل عن الكركي أن جواز الاحرام من
الموضع المسمى بذي الحليفة وإن كان خارجا من المسجد لا يكاد يدفع، ولعله

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 9 وفيه
" ولأهل المدينة ومن يليها من الشجرة. الخ "
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 13 مع الاختلاف
108

لاطلاق أكثر النصوص.
ولكن فيه ما عرفت من أن مقتضى الجمع بينها تعين المسجد. وحينئذ
فلو كان المحرم جنبا أو حائضا فقد صرح جملة من الأصحاب بالاحرام به مجتازين
فإن تعذر الاجتياز أحرما من خارجه، ولعله لأن ذلك ليس من افراد الضرورة
التي يسوغ معها تأخير الاحرام إلى الجحفة، لأنها المشقة لمرض أو ضعف كما
ستعرف، كما أن قول الصادق (عليه السلام) في خبر يونس (1): (ولا تدخل
المسجد وتهل بالحج بغير صلاة) الوارد في كيفية إحرام الحائض يراد منه عدم
اللبث به للاحرام.
نعم قد يقال بمشروعية التيمم حينئذ للجنب والحائض بعد انقطاع دمها وتعذر
الغسل مع فرض تعين الاحرام منه، لعموم ما دل على قيام الصعيد مقام الماء، ولعل
مراد القائل بالاحرام من خارج مع فرض تعذر أصل الدخول فيه لغير حدث الجنابة
مثلا، كما أنه قد يقال بوجوب تأخير الاحرام مع فرض سعة الوقت إلى حين
الطهارة، تحصيلا للاحرام من ميقاته، اللهم إلا أن يقال بعدم وجوب
الاحرام من نفس المسجد، وإنما الواجب منه أو مما يحاذيه لا دونه ولا متجاوزا
عنه كما ستسمع احتماله إن شاء الله.
وعلى كل حال فقد ظهر لك على المختار أن المدار البقعة الخاصة من ذي
الحليفة، أو هو ذو الحليفة، وهي معلومة معروفة على وجه لا شك فيها إلى
زماننا هذا، فإن مسجد الشجرة معلوم عند المترددين، فالاطناب في البحث
حينئذ عن ذي الحليفة - وأنه موضع على ستة أميال عن المدينة، وهو ماء لبني جشم
كما عن القاموس، وعن تحرير الندوى (النووي خ ل) على نحو ستة أميال عن

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
109

المدينة، وقيل سبعة وقيل أربعة، ومن مكة نحو عشر مراحل، ونحو منه
عن تهذيبه، وعن المصباح المنير هو ماء من مياه بني جشم ثم سمي به الموضع،
وميقات أهل المدينة نحو مرحلة منها، ويقال على ستة أميال ويقال على
ثلاثة، ويقال على خمسة ونصف، وعن المبسوط والتذكرة أنه مسجد الشجرة
وأنه على عشر مراحل من مكة، وعن المدينة ميل، ووجه بأنه ميل إلى منتهى
العمارات في وادي العقيق التي ألحقت بالمدينة، وفي صحيح ابن سنان (1) عن
الصادق (عليه السلام) (من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم بدا له أن
يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة
أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء) وعن معاني الأخبار (2) قال
أبو جعفر (عليه السلام) لعبد الله بن عطاء (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان من
أهل المدينة، ووقته من ذي الحليفة، وإنما كان بينهما ستة أميال) وعن
السمهودي في خلاصة الوفاء (قد اختبرت فكان من عتبة باب المسجد النبوي
المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع
وسبعمائة ذراع واثنان وثلاثون ذراعا ونصف ذراع) - لا فائدة فيه الآن لما
عرفته من معلومية مسجد الشجرة الآن، والله العالم.
وكيف كان فهذا ميقاتهم (مع الاختيار و) أما (عند الضرورة)
التي هي المرض والضعف ف‍ (الجحفة) كما صرح به غير واحد، بل لا أجد في جوازه
معها خلافا، وهي موضع علي سبع مراحل من المدينة، وثلاث عن مكة،
وبينها وبين البحر ستة أميال، وقيل ميلان، ولعله لاختلاف البحر باختلاف

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب المواقيت - الحديث 5
110

الأزمنة، وقيل إنها كانت قرية جامعة على اثنين وثلاثين ميلا من مكة، وعن
المصباح المنير منزل بين مكة والمدينة قريب من رابغ بين بدر وخليص.
وعلى كل حال فهي كما في جملة من النصوص المهيعة وإنما سميت الجحفة
لاجحاف السيل بها وبأهلها. وكيف كان فجواز الاحرام منها في الحال المزبور مع
أنه لا خلاف فيه كما عرفت يدل عليه النصوص، كخبر أبي بكر الحضرمي (1)
عن الصادق (عليه السلام) (إني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة
وقد كنت شاكيا، فجعل أهل المدينة يسألون مني فيقولون لقيناه وعليه ثيابه
وهم لا يعلمون وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وآله لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم
من الجحفة) وخبر أبي بصير (2) عنه (عليه السلام) أيضا (قلت له: خصال
عابها عليك أهل مكة قال: وما هي؟ قلت قالوا: أحرم من الجحفة ورسول الله
صلى الله عليه وآله أحرم من الشجرة، فقال: الجحفة أحد الوقتين، وأخذت بأدناهما
وكنت عليلا) وصحيح الحلبي (3) عنه عليه السلام أيضا (من أين يحرم الرجل إذا
جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة ولا يجاوز الجحفة إلا محرما) بل قد يظهر من
الخبرين المزبورين جوازه اختيارا كما عن ظاهر الجعفي وابن حمزة، بل هو
مقتضى إطلاق نفي البأس عن الاحرام منها في صحيح آخر (4) وكونها ميقاتا
لأهل المدينة في خبر آخر (5) أيضا.
إلا أن الذي يقتضيه الجمع بين ذلك وبين ما يفهم منه الرخصة في خبر أبي بكر
الحضرمي بل وقوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير: (وكنت عليلا) المؤيدين

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 4 - 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 4 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 4 - 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب المواقيت الحديث 5 - 4 - 3 - 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 5
111

بفتوى المعظم هو اختصاص ذلك بالحال المزبور الموافق لقاعدة الاحتياط، بل
قد يقوى الظن بإرادة بيان أصل مشروعية الاحرام منها وأنها أحد المواقيت في
الجملة في النصوص المزبورة، فلا معارضة حينئذ،
نعم قد يقال بالتخيير في
الحال المزبور بين تأخير الاحرام إليها وبين الاحرام من المسجد مع فعل ما يضطر
إليه والفداء عنه كما نص عليه في المسالك.
ثم لا يخفى عليك أن الاختصاص بالضرورة مع المرور على الميقات الأول
وإلا فلو عدل عن طريقه ولو من المدينة في الابتداء جاز وأحرم منها اختيارا
لأنها أحد الوقتين، وما في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (1) سأل الكاظم عليه السلام
(عن قوم قدموا المدينة فخاف أكثرهم البرد وكثرة الأيام وأرادوا أن يأخذوا
منها إلى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا - وهو مغضب - من دخل المدينة فليس
له أن يحرم إلا من المدينة) محمول على ضرب من الكراهة.
بل الظاهر جواز الاحرام منها أيضا لو أخر عنه بعد المرور عليه إلى
ميقات آخر اختيارا وإن أثم بذلك، للنهي عن مجاوزة الميقات بلا إحرام من
غير علة، وفاقا لصريح جماعة، لصدق الاحرام من الميقات الذي هو وقت لكل
من يمر عليه، وإن كان آثما بعدم إحرامه أولا عند المرور على الأول، إلا أن
ذلك لا يخرجه عن صدق اسم المرور على الثاني، مضافا إلى إطلاق نفي البأس
عن الاحرام منه، وتقييد الحكم التكليفي لا يقتضي تقييد الحكم الوضعي المستفاد
من ظاهر النصوص، ومن هنا قال بعض الناس أنه ينبغي القطع بذلك، فما وقع
من بعض المتأخرين من احتمال عدم المشروعية له بل ظاهر آخر الميل إلى العدم
في غير محله.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
112

(ولأهل الشام) ومصر والمغرب (الجحفة) أيضا اختيارا إن لم يمروا
بذي الحليفة بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى.
(و) كذا (لأهل اليمن) جبل أو واد يقال له (يلملم) وألملم
ويرمرم، وهو على مرحلتين من مكة.
(ولأهل الطائف قرن المنازل) بفتح القاف وسكون الراء المهملة، خلافا
للمحكي عن الجوهري ففتحها، وزعم أن أويس القرني منسوب إليه، وفي
كشف اللثام اتفق العلماء على تغليطه فيهما، وإنما أويس من بني قرن بطن من
مراد بخلاف ما نحن فيه، فإنه جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكة
ويقال له قرن الثعالب وقرن بلا إضافة، وعن بعض أن قرن الثعالب غيره،
وأنه جبل مشرف على أسفل منى، بينه وبين مسجدها ألف وخمسمائة ذراع،
والأمر في ذلك سهل بعد معلومية المكان المخصوص لدى المترددين، وفي بعض
رواياتنا (1) وروايات العامة (2) أنه وقت أيضا لأهل نجد، إلا أن المعروف
في نصوصنا (3) أن وقتهم العقيق، ويجوز أن يكون لنجد طريقان، فلا
تنافي حينئذ، والأمر سهل.
(وميقات من منزله أقرب من الميقات منزله) بلا خلاف أجده فيه،
بل الاجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى أنه قول أهل العلم كافة إلا مجاهدا، ويدل
عليه مضافا إلى ذلك النصوص المستفيضة، كصحيح معاوية بن عمار (4) عن
أبي عبد الله عليه السلام (من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله) وعن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 -.
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 26 إلى 29
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 6 -.
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
113

التهذيب أنه في حديث آخر (1) (إذا كان دون الميقات إلى مكة فليحرم
من دويرة أهله) وبمعناه صحيح مسمع (2) عن عبد الله عليه السلام (إذا كان
منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله) بناء على أن لا ميقات
دونها، وكذا صحيح عبد الله بن مسكان (3) حدثني أبو سعيد قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة قال: يحرم منه) إلى غير
ذلك من النصوص المتفقة في الدلالة على اعتبار القرب من مكة كما صرح به غير
واحد من الأصحاب.
خلافا للمصنف عن موضع من المعتبر فاعتبر القرب إلى عرفات، ولم نقف
له على دليل، وإن كان قد يؤيده الاعتبار فيما إذا كان الاحرام بالحج الذي
لا يتوقف على الدخول إلى مكة، بخلاف ما إذا كان للعمرة التي لا مدخلية لها
بعرفات، ولعله لذا قال في المسالك لولا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة
بمكة، وفي الحج بعرفة، إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت
بل جزم أول الشهيدين في اللمعة باعتبار القرب إلى عرفات في حج الافراد لغير
النائي، فقال: (يحج من منزله، لأنه أقرب إليها من الميقات مطلقا، إذ أقرب
المواقيت إلى مكة مرحلتان هي ثمانية وأربعون ميلا، وهي منتهى مسافة حاضري
مكة) وأشكله في الروضة بامكان زيادة منزله بالنسبة إلى عرفات والمساواة، فيتعين
الميقات فيهما، والجميع كما ترى، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص المصرح فيه
باعتبار القرب إلى مكة
نعم يبقى الكلام في أهل مكة من حيث عدم اندراجهم في اللفظ المزبور
المقتضي للمغايرة، لكن عن صريح ابني حمزة وسعيد وظاهر الأكثر الاحرام منها

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 3 - 4
114

بالحج، لاطلاقهم الاحرام من المنزل لمن كان منزله دون الميقات أو وراءه، بل في
الرياض بعد نسبته إلى الشهرة حاكيا لها عن جماعة من الأصحاب قال: بل زاد
بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم مشعرا بدعوى الاجماع عليه، كما حكاه في الذخيرة
عن التذكرة، قلت: ويؤيده النبوي (1) (فمن كان دونهن فمهله من أهله) بل
والمرسل (2) (عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: من منزله)
لكن قد سمعت سابقا في الصحيحين (3) الواردين في المجاور أمره بالاحرام بالحج
من الجعرانة، وهو باطلاقه شامل لمن أنتقل فرضه إلى فرض أهل مكة أم لا،
ويمكن أن يقيد بالأخير، أو يجعل ذلك من خصائص المجاور كما في الحدائق،
أو يحمل على الأفضل لبعد المسافة، وحينئذ فالمراد بالاحرام من المنزل رخصة
لا عزيمة، ولذا كان المحكي عن الكافي والغنية والاصباح أن الأفضل لمن منزله
أقرب الاحرام من الميقات، وفي كشف اللثام وجهه ظاهر، لبعد المسافة
وطول الزمان.
(وكل من حج على ميقات لزمه الاحرام منه) وهو واضح خ ل).
(ولو حج على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت قيل) والقائل جمع من
الأصحاب كما في المدارك
(يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى
مكة) لأصل البراءة من المسير إلى الميقات والاحرام من محاذاة الأبعد،
واختصاص نصوص المواقيت في غير أهلها بمن أتاها، ولصحيح ابن سنان (4)

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 29
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب المواقيت - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5
والباب 10 - منها - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب المواقيت - الحديث 3
115

عن أبي عبد الله عليه السلام (من أقام بالمدينة وهو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له
أن يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم
منها) إلا أن الجميع كما ترى لا دلالة فيه على الاحرام من محاذاة الأقرب إلى مكة
ولعله لذا فسر ثاني الشهيدين العبارة بغير ذلك، قال في شرحها: (موضع الخلاف
ما لو لم يحاذ ميقاتا فإنه يحرم عند محاذاته علما أو ظنا، لصحيحة عبد الله بن
سنان عن الصادق عليه السلام، ومعنى غلبة الظن بمحاذاة أقرب المواقيت حينئذ بلوغ
محل بينه وبين مكة بقدر ما بين مكة وأقرب المواقيت إليها، وهو مرحلتان علما
أو ظنا، ووجه هذا القول أن هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلا محرما من
أي جهة دخل، وإنما الاختلاف يقع فيما زاد عليها، فهي قدر متفق عليه،
والوجه الآخر أنه يحرم من أدنى الحل عملا بأصل البراءة من الزائد، والأول
أقوى) وفي المدارك (وهذا المعنى بعيد من اللفظ، فإن الظاهر من اعتبار
محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة أنه مع تعدد المواقيت التي يتحقق محاذاتها في
الطريق يجب الاحرام من محاذاة أقربها إلى مكة دون الأبعد، وما ذكره قدس
سرة خلاف معنى المحاذاة، فتأمل).
قلت: لكن إقامة الدليل عليه حينئذ في غاية الصعوبة، إذ لم نعثر إلا على
صحيح ابن سنان، وهو يقتضي خلافه، بل لم نتحقق القائل الذي حكاه حينئذ في
ذلك، إذ المحكي عن ابن إدريس أنه أطلق إذا حاذى أحد المواقيت أحرم من
المحاذاة، وابن سعيد أن من قطع بين الميقاتين أحرم بحذاء الميقات، بل عن
المبسوط التصريح باعتبار أقرب المواقيت إليه، وهو خيرة الفاضل في المحكي من
منتهاه، بل قال: (والأولى أن يكون إحرامه بحذاء الأبعد من المواقيت من
مكة، فإن كان بين ميقاتين متساويين في القرب إليه أحرم من حذو أيهما شاء)
وفي المدارك بعد أن حكى عن الفاضل ما سمعت قال: (وما ذكره المصنف أجود
116

اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق) قلت: لا ريب أن مقتضى الصحيح
وجوب الاحرام من محاذاة أول المواقيت، بل لعل الظاهر منه بعد إلغاء
خصوصية مسجد الشجرة خصوصا علي ما رواه في كشف اللثام أن المحاذاة المزبورة
لكل ميقات من المواقيت، فيراد حينئذ بالميقات هو تحديد أول الاحرام من ذلك
المكان أو ما يحاذيه لا خصوصيته.
ومن هنا اتجه للأصحاب إطلاقهم عدم إيجابهم المرور به وإن كان متمكنا
من ذلك، إذ لو كان هو شرطا في صحة الاحرام وجب المرور به تحصيلا للاحرام
الصحيح، وبذلك ظهر لك أنه لا وجه للمناقشة في الحكم المزبور في المدارك
وأتباعها، حتى قال: المسألة قوية الاشكال، والاحتياط للدين يقتضي المرور على
الميقات والاحرام منه تبعا للمنقول، وتخلصا من الخلاف، بل قيل خصوصا
وقال الكليني بعد أن روى الصحيح المزبور: وفي رواية (1) (يحرم من الشجرة
ثم يأخذ أي طريق كان) قلت: لكنها رواية مرسلة فلا تعارض الصحيح
الموافق لظاهر الأصحاب، إذ لم أجد من أفتى بظاهرها، ونسبة الحكم إلى القيل
يمكن أن يكون لاعتبار أقرب المواقيت إلى مكة أو لغير ذلك، لا لاعتبار
وجوب المرور بالميقات، ورواه في كشف اللثام (ثم بدا له أن يخرج في غير
طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون
بحذاء الشجرة من البيداء) نعم قد يقال إن المتجه اعتبار العلم بالمحاذاة، لكن
صرحوا بكفاية الظن، ولعله للحرج والأصل وانسياق إرادة الظن في أمثال ذلك
بل لا يبعد الاجتزاء به لو تبين فساد ظنه لقاعدة الاجزاء، نعم لو تبين فساد ظنه
بتقدم الاحرام على محل المحاذاة وكان لم يتجاوزه أعاد حينئذ، لكن أطلق في

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب المواقيت - الحديث 2
117

الدروس والمسالك الإعادة لو ظهر التقدم، وعدمها لو ظهر التأخر، وهو مشكل
إن لم ينزل على ما ذكرناه، لاطلاق قاعدة الاجزاء.
ولو لم يعرف حذو الميقات لا علما ولا ظنا فعن المنتهى والتحرير احتاط
وأحرم من بعد بحيث يتيقن أنه لم يجاوز الميقات إلا محرما، وأشكل بأنه كما
يمتنع تأخير الاحرام عن الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه، وتجديد الاحرام في
كل مكان يحتمل فيه المحاذاة مشكل، لأنه تكليف شاق لا يمكن إيجابه بغير دليل
ويدفع بأن ذلك لا ينافي كونه طريق احتياط عليه، بل قد لا ينافيه على الوجوب
أيضا بناء على أن النية هي الداعي، إذ لا مشقة في استمرارها في أماكن الاحتمال
فتأمل جيدا.
وكيف كان فمن التأمل فيما ذكرناه يستفاد سقوط فرض ما ذكر من أنه لو
سلك طريقا لم يكن فيه محاذاة لميقات من المواقيت، وإن كان قد عرفت أن فيه
الاحتمالين بل القولين: الاحرام من مقدار أقرب المواقيت أو من أدنى الحل،
ضرورة أنه بناء على اعتبار الجهة المزبورة لا يخلو طريق منها بالنسبة إلى محاذاة
ميقات منها، لأنها محيطة بالحرم.
ولعله على ذلك ينزل ما عن ابن إدريس من أن ميقات أهل مصر ومن صعد
البحر جدة، بناء على أنها تحاذي أحدها لا أنها ميقات بخصوصها، وإن كان
المصنف قد أشار إلى خلافه بقوله: (وكذا من حج في البحر) في اعتبار المحاذاة
المزبورة (وكل من حج) أو اعتمر (على ميقات لزمه الاحرام منه) بلا خلاف
أجده فيه نصا وفتوى
(و) حينئذ ف‍ (الحج) قرانا أو إفرادا (والعمرة)
تمتعا وإفرادا (يتساويان في ذلك) أي في الاحرام من هذه المواقيت لمن قدم
مكة حاجا أو معتمرا، وقد عرفت أن مكة ميقات حج التمتع لساكنيها وغيرهم،
بل هي ميقات لحج ساكنيها تمتعا كان أو غيره، بل قد عرفت أن ميقات الاحرام
118

لمن كان منزله أقرب من الميقات منزله سواء كان بعمرة تمتع أو إفراد أو حج
لاطلاق الأدلة، نعم قد ذكر غير واحد من الأصحاب اعتبار الخروج إلى أدنى
الحل في العمرة المفردة للقارن والمفرد بعد الحج، بل في كشف اللثام لا نعلم في
ذلك خلافا، بل حكي عن المنتهى نفي الخلاف في ذلك أيضا، ولكن يستحب
أن يكون من الجعرانة أو من الحديبية أو من التنعيم منه، للنصوص (1) السابقة
وعن التذكرة ينبغي الاحرام من الجعرانة، فإن النبي صلى الله عليه وآله اعتمر منها،
فمن فاتته فمن التنعيم، لأنه صلى الله عليه وآله أمر عائشة (3) بالاحرام منه، فمن فاته فمن
الحديبية، والأمر سهل وإن كان استفادة الترتيب المزبور من النصوص لا تخلو
من إشكال.
وعلى كل حال لا يجب من واحد منها بلا خلاف أجده ولا من أحد
المواقيت كما عساه يتوهم من محكي المراسم وإن كان الظاهر الجواز، بل لعله أفضل
لطول المسافة والزمان، وحينئذ فأدنى الحل رخصة لا عزيمة، نعم لا يجوز
الاحرام بها من مكة أو الحرم، بل لولا الاجماع ظاهرا على اختصاص العمرة
المزبورة بذلك لأمكن القول باعتبار ذلك في كل عمرة، لاطلاق بعض النصوص (4)
(وتجرد الصبيان من فخ) وهو بئر معروف على فرسخ من مكة، وما

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 والباب 21
منها - الحديث 2 والباب 22 من أبواب المواقيت
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب العمرة
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 وسنن
النسائي ج 5 ص 178 وسنن البيهقي ج 5 ص 6
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 9
119

عن القاموس من أنه موضع بمكة دفن فيه ابن عمر يمكن إرجاعه إلى ذلك، نحو ما
عن النهاية الأثيرية من أنه موضع عند مكة، وعن السرائر أنه موضع على رأس
فرسخ من مكة قتل فيه الحسين بن علي بن أمير المؤمنين عليه السلام يعني الحسين بن علي
ابن الحسن بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين عليه السلام.
وعلى كل حال فدليله صحيح ابن الحر (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الصبيان من أين نجردهم؟ فقال كان أبي يجردهم من فخ) ونحوه صحيح
علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليه السلام)، إنما الكلام في أن ذلك كناية
عن جواز إحرامهم منه كما صرح به بعضهم، بل ربما نسبت إلى الأكثر، بل في
الرياض يظهر من آخر عدم الخلاف فيه، أو أن إحرامهم من الميقات، ولكن
رخص لهم في لبس المخيط إلى فخ، فيجردون منه كما عن السرائر والمقداد
والكركي قولان، أقواهما الثاني، لعموم نصوص المواقيت والنهي عن تأخير
الاحرام عنها، وعبادة الصبي شرعية أو تمرينية إذا جاء بها على نحو ما يجئ به
المكلف، وليس في الخبرين إلا التجريد الذي لا ينافي ذلك على أن فخ إنما هو
على طريق المدينة، أما لو كان غيره فلا رخصة لهم في تجاوز الميقات بلا إحرام
الذي صرح في النص (3) بأن الاحرام من غيره كالصلاة أربعا في السفر، واحتمال
حمل أدنى الحل من سائر الطرق على فخ الذي هو أدناه في طريقها بل قيل إنه يعطيه
كلام التذكرة واضح الضعف، وتخصيص أدلة لزوم الكفارة على الولي بما دل على
الرخصة في اللبس إلى فخ متحقق على القولين، إذ لا كلام ولا خلاف في جواز

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب المواقيت - الحديث 3
120

الاحرام بهم من الميقات.
وأما الصحيح (1) عن الصادق عليه السلام (قدموا من كان معكم من الصبيان
إلى الجحفة أو إلى بطن مر ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويسعى
بهم) فقد استدل به بعضهم على المختار بناء على أن بطن مر غير خارج عن
لميقات، لكن في الرياض أنه على خلافه أظهر، ولعله لخروج بطن مر عن
الميقات، ثم قال: والمسألة قوية الاشكال، وحيث أن المستفاد من جماعة عدم
إشكال في جواز الاحرام بهم من الميقات بل وأفضليته وأن التأخير إلى فخ إنما
هو على سبيل الجواز كان الاحرام بهم من الميقات أولى وأحوط، قلت مضافا
إلى معلومية كون الحكمة في التأخير إلى فخ ضعف الأطفال عن البرد والحر
ونحوهما، وستعرف أنه متى كان ذلك في المكلف أحرم من الميقات، وجاز له
اللبس للضرورة، فالمتجه حينئذ هنا ذلك أيضا، وفي خبر يعقوب (2) (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: إن معي صبية صغارا وأنا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون؟
فقال: إئت بهم العرج فليحرموا منها فإنك إذا أتيت العرج وقعت في تهامة ثم
قال: فإن خفت عليهم فائت بهم الجحفة) وهو ظاهر في مراعاة الميقات ولو ميقات
الاضطرار، ولعل التخيير بين الجحفة وبطن مر وغيرهما لاختلاف الأزمنة
واختلاف حال الصبيان، كما أنه قد يطلق الاحرام بهم من غير الميقات على إرادة
التجريد مجازا، والله العالم.
(وأما أحكامها ففيه مسائل: الأولى) لا خلاف بيننا بل الاجماع منا

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 مع
الاختلاف، وليس فيه " ويسعى بهم " كما تقدم في ج 17 ص 235
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 7
121

بقسميه عليه
والنصوص (1) به مستفيضة في أن (من أحرم قبل هذه المواقيت
لم ينعقد إحرامه) قال ميسرة (2): (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا متغير
اللون فقال لي: من أين أحرمت بالحج؟ فقلت: من موضع كذا وكذا فقال:
رب طالب خير يزل قدمه، ثم قال: أيسرك إن صليت الظهر في السفر أربعا؟
قلت: لا، قال: فهو والله ذاك) فما عن العامة من جواز ذلك معلوم الفساد
(إلا لناذر) الاحرام قبل الميقات، فإن عليه الاحرام منه حينئذ كما صرح به
كثير، بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا للمعتبرة ولو بالشهرة، كصحيح
الحلبي (3) المروي عن الاستبصار (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل جعل لله
عليه شكرا أن يحرم من الكوفة، قال: فليحرم من الكوفة وليف لله تعالى
بما قال) وخبر علي بن أبي حمزة (4) (كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن
رجل جعل الله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال: يحرم من الكوفة) وخبر
أبي بصير (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (سمعته يقول: لو أن عبدا أنعم
الله تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم
من خراسان كان عليه أن يتم) والمناقشة في السند لو سلمت في الجميع مدفوعة
بالشهرة، وفي الدلالة باحتمال إرادة المسير للاحرام من الكوفة أو خراسان أو
نحو ذلك كما ترى، على أنها لا تنافي الظهور الذي هو المدار في الأحكام،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب المواقيت
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب المواقيت - الحديث 5 عن ميسر
إلا أن الموجود في الكافي ج 4 ث 322 ميسرة
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 3
122

خصوصا مع عدم المعارض سوى قاعدة اعتبار مشروعية متعلق النذر في نفسه
التي يجب الخروج عنها بما عرفت، سيما مع وجود النظير الذي قد مر في الصوم،
فالاستناد إليها كما عن الحلي والفاضل في المختلف بل عن المصنف الميل إليه في المعتبر
بل في كشف اللثام أنه الأقوى كالاجتهاد في مقابلة النص.
نعم الظاهر صحة النذر (بشرط أن يقع الحج) وعمرة التمتع له (في
أشهره) أي الحج إن كان نذر الاحرام لهما، لما عرفته من الاجماع على عدم
جواز وقوعهما في غيرها، مضافا إلى قوله تعالى (1): (الحج أشهر معلومات)
والنصوص المزبورة إنما جوزت الايقاع قبل الوقت المكاني، وذلك لا يقتضي
وقوعهما في غير الوقت الزماني، وحينئذ فلو بعدت المسافة بحيث لو أحرم في
أشهر الحج لم يمكنه إتمام النسك لم ينعقد النذر بالنسبة إلى المهل إن نذر الحج
في ذلك العام.
أما لو كان النذر للاحرام للعمرة المفردة مثلا صح وإن لم يكن في أشهر
الحج، لاطلاق الأدلة المزبورة، ولكن مع ذلك كله والاحتياط بالاحرام أيضا
من الميقات لا ينبغي تركه، خصوصا في مثل الحج الواجب والعمرة الواجبة،
كما هو واضح، هذا.
وفي إلحاق العهد واليمين بالنذر وجه استظهره في المسالك، لشمول النصوص
لهما، لكن لا يخفى عليك أن معقد الفتاوى النذر، بل قد يدعى أنه المنساق
من النص، بل الظاهر عدم دخول اليمين فيه، كل ذا مع مخالفة المسألة للقواعد،
وينبغي الاقتصار فيها على المتيقن، والله العالم.
(أو) إلا (لمن أراد العمرة المفردة في رجب وخشي تقضيه) إن أخر

(1) سورة البقرة - الآية 193
123

الاحرام إلى الميقات، فإنه يحرم حينئذ قبله لادراك إحرامها في رجب وإن وقع
بقية أفعالها في شعبان بلا خلاف أجده فيه، بل عن المعتبر (عليه اتفاق علمائنا)
والمنتهى (وعلى ذلك فتوى علمائنا) وفي المسالك (هو موضع نص ووفاق)
مضافا إلى صحيحة معاوية بن عمار (1) (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أن يخاف
فوت الشهر في العمرة) وصحيح إسحاق بن عمار (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل يجئ معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق
أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب، أو يؤخر الاحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟
قال: يحرم قبل الوقت لرجب، فإن لرجب فضلا) ولكن الاحتياط المزبور
لا ينبغي تركه أيضا، لما قبل من أنه لم يتعرض له كثير من الأصحاب، كما أنه
ينبغي له تأخير الاحرام إلى آخر الشهر اقتصارا في تخصيص العمومات على
موضع الضرورة وإن كان الأقوى الجواز فيه مطلقا مع خوف الفوات، لما سمعته
من الأدلة، لكن الظاهر اختصاص الحكم المزبور في عمرة رجب، والصحيح
الأول وإن كان مطلقا إلا أنه لم أجد به عاملا في غير رجب، ولعله للعلة التي
أشار الإمام عليه السلام إليها في الصحيح الآخر، مضافا إلى ما روي (3) من أن العمرة
الرجبية تلي الحج في الفضل، ويكفي في إدراكها إدراك إحرامها فيه كما دل
عليه الصحيح.
وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الحال في المسألة (الثانية) وهي (إذا
أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه) بلا خلاف أجده فيه، والنصوص (4)

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب المواقيت - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب العمرة - الحديث 16
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب المواقيت
124

وافية في الدلالة عليه (و) حينئذ ف‍ (لا يكفي مروره فيه ما لم يجدد الاحرام)
فيه (من رأس) بانشاء نيته وعقده بالتلبية وغير ذلك مما تسمعه في كيفية ابتداء
الاحرام، كما هو واضح.
(و) كذا لا يجوز تأخير الاحرام اختيارا إجماعا بقسميه ونصوصا (1)
نعم (لو أخره عن الميقات لمانع) من مرض ونحوه جاز على ما صرح به الشيخ
في محكي النهاية، قال فيها: إن من عرض له مانع من الاحرام جاز له أن يؤخر عن
الميقات، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه، ولعله للحرج وقول
أحدهما (عليهما السلام) في مرسل المحاملي (2): (إذا خاف الرجل على نفسه
أخر إحرامه إلى الحرم) وما مر من قول الرضا (عليه السلام) في الصحيح
لصفوان بن يحيى (3): (فلا يجاوز الميقات إلا من علة) لكن عن ابن إدريس
أن المراد من ذلك تأخير الصورة الظاهرة للاحرام من التعري ولبس الثوبين دون
غيرهما، فإن المرض والتقية ونحوهما لا تمنع النية والتلبية، وإن منعت التلبية كان
كالأخرس، وإن أغمي عليه لم يكن هو المتأخر، قال: وإن أراد وقصد شيخنا
غير ذلك فهذا يكون قد ترك الاحرام متعمدا من موضعه، فيؤدي إلى إبطال
حجه بغير خلاف، وارتضاه الفاضل في التحرير والمختلف والمنتهى على ما حكي
عنه، ولعله لحديث (4) (الميسور لا يسقط بالمعسور) والخبر (5) المتقدم سابقا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 و 3 و 9
والباب 16 منها
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب المواقيت - الحديث 1
(4) المروي في غوالي اللئالي
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب المواقيت - الحديث 10
125

فيمن مر على المسلخ مع العامة ولم يمكنه إظهار الاحرام تقية المتضمن للاحرام
من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه، وإذا بلغ ميقاتهم أظهره، ونفى عنه
البأس في الرياض: قال: لقوة دليله مع قصور الخبرين بعد إرسال أحدهما عن
التصريح بخلافه، وفي المدارك بعد أن حكى ذلك عن الشيخ والحلي قال: وفصل
المصنف (رحمه الله) في المعتبر تفصيلا حسنا، فقال: ومن منعه مانع عند الميقات
فإن كان عقله ثابتا عقد الاحرام بقلبه، ولو زال عقله باغماء وشبهه سقط عنه
الحج، ولو أحرم عنه رجل جاز، ولو أخر وزال المانع عاد إلى الميقات إن تمكن
وإلا أحرم من موضعه.
قلت: لا يخفى عليك ظهور كلامه أولا في موافقة ابن إدريس إلا أنه
قد ينافيه ما ذكره أخيرا موافقا لما هنا من أنه لو أخره لمانع (ثم زال المانع
عاد إلى الميقات، فإن تعذر جدد الاحرام حيث زال، ولو دخل مكة خرج إلى
الميقات، فإن تعذر خرج إلى خارج الحرم، ولو تعذر أحرم من مكة) بل ذكر
ذلك غير واحد أيضا مرسلين له ارسال المسلمات، بل في المدارك أما وجوب
العود إلى الميقات مع المكنة فلا ريب فيه، لتوقف الواجب عليه، وأما الاكتفاء
بتجديد الاحرام من محل زوال العذر مع تعذر العود إلى الميقات فلأن تأخيره
لم يكن محرما، فكان كالناسي، وسيأتي أن الناسي يحرم من موضع الذكر مع
تعذر العود إلى الميقات، إلى غير ذلك من كلماتهم، إذ لا يخفى عليك عدم انطباق
الحكم المزبور على ما سمعته من ابن إدريس من كون المتأخر الصورة الظاهرة،
ضرورة وقوع الاحرام من الميقات، والأمر يقتضي الاجزاء، اللهم إلا أن يقال
أنه مراعى بعدم زواله مع التمكن من الرجوع، وإلا لم يجزه، لكنه لا يخلو
من نظر، ولو فرض أنه تعمد التأخير حتى للنية والتلبية أشكل الاجتزاء باحرامه
من زوال العذر بما ستعرفه من عدم الاجتزاء بذلك للعامد، وإن كان الحكم
126

المزبور مبنيا على ما سمعته من الشيخ من تأخير الاحرام نفسه للعذر فقد عرفت
أن ظاهر الشيخ بل ودليله أي الخبرين المزبورين الاجتزاء بالاحرام من كل زوال
العذر وإن تمكن من الرجوع إلى الميقات الذي لا دليل على توقف الواجب عليه
في الحال المزبور وإن تمكن، والقياس على الجاهل والناسي ليس من مذهبنا
ومن ذلك يظهر لك النظر في جملة من الكلمات، ولعل الأقوى ما سمعته من ابن
إدريس وأنه لا عود عليه إلى الميقات بعد زوال العذر، وإنما عليه أن يأتي
بما تركه من التعري ونحوه.
هذا كله إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر، وإلا لم يجب عليه الرجوع أيضا
على كل حال بناء على ما تقدم من الاجتزاء بالاحرام منه مع الاختيار فضلا عن
العذر، ثم لو وجب العود عليه فتعذر ففي المدارك في وجوب العود إلى ما أمكن
من الطريق وجهان، أظهرهما العدم للأصل وظاهر الروايات (1) المتضمنة لحكم
الناسي، قلت: قد يشهد للآخر صحيح معاوية بن عمار (2) (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فقالوا: لا ندري أعليك
إحرام وأنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم فقال: إن كان عليها مهلة فلترجع
إلى الوقت فلتحرم منه، وإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما
تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم).
بقي الكلام فيمن كان عذره الاغماء ونحوه ممن لا نية له ولا تلبية، وقد
سمعت ما عن المعتبر من جواز إحرام رجل عنه مستدلا له بمرسل جميل (3) عن

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت - الحديث - 4
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت - الحديث - 4
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 والباب 55
من أبواب الاحرام - الحديث 2
127

أحدهما (عليهما السلام) (في مريض أغمي عليه فلم يفق حتى أتى الموقف قال:
يحرم عنه رجل) ثم قال: (والذي يقتضيه الأصل أن إحرام الولي جائز لكن
لا يجزي عن حجة الاسلام، لسقوط الفرض بزوال عقله، نعم إذا زال العارض
قبل الوقوف أجزأه) وفي القواعد (ولو لم يتمكن من نية الاحرام لمرض أو غيره
أحرم عنه وليه وجنبه ما يجتنبه المحرم) بل حكاه في كشف اللثام عن الأحمدي
والنهاية والمبسوط والمهذب والجامع ثم قال: وهل يجديه هذا الاحرام شيئا؟
ففي النهاية والجامع تم إحرامه، وفي المبسوط ينعقد، وظاهرها أنه يصير بذلك
محرما، ونص المعتبر والمختلف والتحرير والتذكرة والمنتهى أنه إن لم يفق حتى
فاته الموقفان انكشف أنه لم يكن وجب عليه، وإن أفاق قبل الوقوف أجزأ عن
حجة الاسلام، لأنه يقبل النيابة وتعذر عنه بنفسه، ثم قال: وفيه أن النيابة
خلاف الأصل، وإنما تثبت في موضع اليقين، وقد مر أن النيابة عن الحي
إنما تصح بإذنه، على أن هذا ليس نيابة إلا في النية، والاحرام بالغير إنما ثبت في
الصبي، وهذا الخبر واحد مرسل، وغايته مشروعية هذا الاحرام، أما الاجزاء
فكلا، على أنه إنما تضمن الاحرام عنه، وهو يحتمل النيابة عنه، كما يحرم عن الميت
وهو غير الاحرام به، وأنكر ابن إدريس هذا الاحرام، لأن الاغماء أسقط عنه
النسك، واستحسن تجنبه المحرمات، والأولى عندي أن يحرم به ويجتنب به
المحرمات، فإن أفاق في الحج قبل الوقوف وأمكنه الرجوع إلى الميقات رجع
فأحرم منه، وإلا فمن أدنى الحل إن أمكنه، وإلا فمن موضعه، وإن كان ميقات
حجه مكة رجع إليها إن أمكنه، وإلا فمن موضعه، كل ذلك إن كان وجب عليه
وإلا فوجوبه بالمرور على الميقات وخصوصا مع الاغماء غير معلوم، وكذا بهذا
الاحرام، وإن أحرم به في العمرة فإن كانت مفردة انتظر به حتى يفيق، فإذا أفاق
128

وقد أدخل الحرم رجع إلى أدنى الحل أو الميقات إن أمكنه، فأحرم إن كانت
وجبت عليه وأمكنه الرجوع، ومن موضعه إن لم يمكنه وضاق وقته بأن اضطر
إلى الخروج، وإن كانت عمرة التمتع فأفاق حيث يمكنه إدراكها مع الحج فعلها
باحرام نفسه، وإلا حج مفردا باحرام نفسه كما قلنا إن كان وجب عليه حج
الاسلام أو غيره، ثم اعتمر إن وجبت عليه، وإن لم يكن وجب عليه شئ منهما
تخير بينه وبين إفراد العمرة كذلك، وفي كشف اللثام (وظاهر كلامهم أنه إن
كان ممن عليه حج التمتع حج الاسلام فلم يفق من الميقات إلى الموقف أحرم به
وجنب المحرمات وطيف به وسعي به، ثم بعد التقصير أحرم به للحج وأجزأه
ذلك ولم يجب عليه بعد الإفاقة عمرة، كما ليس عليه إحرام بنفسه، وقد مر الكلام
فيمن بلغ أو أعتق قبل الوقوف، ويمكن تنزيل كلامهم على أنه ليس عليه شئ
فيما فاته من الاحرام من الميقات وإن وجب عليه بعد الإفاقة الاحرام بنفسه - ثم
قال -: وعلى ما عرفت سابقا من أن الفرض إيقاع المناسك والاجتناب عن
المحرمات وأن النية في الاحرام إنما وجبت بدليل فيقتصر على ما دل عليه فيه من
التجنب، ثم إيقاعه المناسك بنفسه إذا أفاق، فيتجه ظاهر كلامهم إلا ما يعطيه
ظاهر كلام الفاضلين من إيقاع أفعال عمرة التمتع به وإجزائه عنه) قلت: قد
تقدم في مسألة من بلغ أو أعتق قبل الوقوفين ما يستفاد منه تحقيق الحال في ذلك
كله، فلاحظ وتأمل، ومنه يعلم عدم انحصار الدليل في المرسل المزبور، كما أن
منه يعلم محال النظر في كلام الفاضل المذكور، والله العالم.
هذا كله في التأخير لعذر من مرض ونحوه (وكذا) الكلام (لو
ترك الاحرام ناسيا) فإنه يجب عليه العود إلى الميقات مع المكنة، فإن تعذر
جدده حيث زال العذر إلا أن يكون قد تجاوز الحرم، فيجب عليه الخروج
إلى خارجه مع الامكان، وإلا أحرم من مكانه بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى
129

ففي صحيح الحلبي (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي الاحرام حتى دخل
الحرم قال: يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من
مكانه، فإن استطاع أن يخرج فليخرج) وفي صحيح عبد الله بن سنان (2)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مر على الوقت الذي يحرم منه الناس فنسي
أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج قال:
يخرج من الحرم، ويحرم ويجزيه ذلك) وهو وإن كان مطلقا كغيره إلا أنه
يجب تقييده بما دل عليه غيره من الرجوع إلى الميقات مع الامكان، وبذلك
تتفق النصوص حينئذ على المعنى المزبور، بل صريح صحيح المذكور وغيره إلحاق
الجاهل بالناسي في الحكم المزبور، ولا بأس به، بل لا أجد فيه خلافا، نعم عن
بعض الأخبار (3) المنقولة عن قرب الإسناد الوارد في الجاهل (إن كان جاهلا
فليبين مكانه وليقض، فإن ذلك يجزيه إن شاء الله، وإن رجع إلى الميقات الذي
يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل) وهو وإن كان كالصريح بل صريح في جواز
الاحرام من غير الميقات مع التمكن من الرجوع إليه إلا أن سنده غير واضح،
وقاصر عن معارضة غيره من وجوه، خصوصا مع عدم القائل به، هذا.
وعن الفاضل في التذكرة والمنتهى أن من نسي الاحرام يوم التروية بالحج حتى
حصل بعرفات فليحرم من هناك، مستدلا عليه بصحيح علي بن جعفر (4) عن
أخيه موسى عليه السلام ((سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر وهو بعرفات
ما حاله؟ قال: يقول اللهم على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله فقد تم إحرامه)
ولا بأس به، بل لعل اقتصاره على عرفات موافقة للصحيح المزبور، وإلا فله

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 10 - 8 مع الاختلاف في الأول
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 10 - 8 مع الاختلاف في الأول
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 10 - 8 مع الاختلاف في الأول
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت الحديث 1 - 2 - 10 - 8 مع الاختلاف في الأول
130

تجديد الاحرام بالمشعر كما عن الشهيدين الجزم به لفحوى النصوص المزبورة
وإن كان خلاف ما تشعر به بعض العبارات، سيما عبارة المصنف السابقة في
الكافر إذا أسلم، إلا أن الأقوى ما ذكرنا،
بل في صحيح علي بن جعفر (1)
عن أخيه موسى عليه السلام الاجتزاء مع تركه يوم التروية أصلا جهلا، قال: (سألته
عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى
رجع إلى بلاده ما حاله؟ قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه) بل قد
يؤيده أيضا مرسل جميل (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل نسي أن
يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى قال: تجزيه نيته، إذا كان
قد نوى ذلك فقد تم حجه وإن لم يهل)) بناء على أن المراد نية الحج بجميع أجزائه
جملة لا نية الاحرام لتعذرها من الجاهل، وستسمع تمام الكلام في ذلك أن شاء
الله، هذا. وربما ظهر من المحكي عن الشيخ في النهاية اعتبار العزم السابق على محل
الاحرام، لأنه قال: فإن لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تم
حجه ولا شئ عليه إذا كان قد سبق في عزمه الاحرام، ولعله فرض المسألة
في خصوص الناسي.
وعلى كل حال فما ذكرنا ظهر لك أن الحكم المزبور إذا ترك الاحرام جاهلا
أو ناسيا بل (أو لم يرد النسك) وإن مر على الميقات، لعدم وجوب الاحرام
عليه لدخولها، كالحطاب ونحوه ممن يتكرر دخوله، أو دخلها لقتال ثم أراد
النسك، أو لعدم إرادة دخولها بل أراد حاجة فيما سواها، فإنه لا يجب عليه
الاحرام حينئذ بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك اجماع العلماء عليه، وقد
أتى النبي صلى الله عليه وآله بدرا مرتين، ومر على ذي الحليفة وهو محل، وبالجملة فالمراد

(1) الوسائل - الباب - 20 من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 20 من أبواب المواقيت - الحديث 2 - 1
131

من كان غير مريد النسك ممن لا يجب عليه الاحرام بالمرور على الميقات ممن عرفت
بخلاف من وجب عليه ذلك، فإنه متعمد الترك، فلا يجزيه إلا الرجوع إلى
الميقات كما ستعرف، أما الأول فلا خلاف أجده في مساواته للناسي في الحكم
المزبور، لفحوى النصوص الواردة فيه وفي الجاهل، بل هو أعذر من الناسي
وأنسب بالتخفيف، مضافا إلى صحيح الحلبي (1) (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل ترك الاحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع إلى ميقات أهل
بلده الذي يحرمون منه، وإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فإن
استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم) المندرج فيه محل البحث، فما
عن بعض العامة من القول بالاحرام من موضعه مطلقا واضح الضعف، ضرورة
وجوب العود عليه مع التمكن منه، لاطلاق ما دل على اعتبارها في صحة
الاحرام، والفرض تمكنه من اتيان المأمور به على وجهه كما هو ظاهر.
هذا كله في الناسي والجاهل وغير مريد النسك (وكذا المقيم بمكة إذا كان
فرضه التمتع) كما عرفت الكلام فيه مفصلا سابقا
(أما لو أخره عامدا) مريدا
للنسك (لم يصح احرامه) للحج (حتى يعود إلى الميقات و) حينئذ ف‍ (لو
تعذر لم يصح احرامه) وفاقا للأكثر بل المشهور، بل ربما يفهم من غير واحد
عدم خلاف فيه بيننا، مؤاخذة له بسوء فعله، ولا طلاق ما دل على اعتبار
الوقت في صحة الاحرام المقتصر في تقييده على من عرفت، بخلاف الفرض،
واطلاق صحيح الحلبي غير معلوم الشمول له كما اعترف به بعضهم، ودعوى
تنزيل اطلاق دليل الشرطية على غير صورة التعذر ليس بأولى من تنزيل اطلاق
صحيح الحلبي على غير الفرض، بل هو أولى من وجوه، فحينئذ لا يصح احرامه
132

من غيره حتى لو كان الحج واجبا عليه مضيقا، لما عرفت، خلافا للمحكي عن جماعة
من المتأخرين، بل قيل إنه يحتمله اطلاق المبسوط والمصباح ومختصره.
وعلى كل حال فلو جاء بالمناسك من دون إحرام أو معه دون الميقات كان
حجه فاسدا ووجب عليه قضاؤه، بل في المسالك حيث يتعذر رجوعه مع التعمد
يبطل نسكه ويجب عليه قضاؤه وإن لم يكن مستطيعا للنسك، بل كان وجوبه
بسبب إرادة دخول الحرم، فإن ذلك موجب للاحرام، فإن لم يأت به وجب
قضاؤه كالمنذور، نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات ولم يدخل الحرم فلا قضاء
عليه وإن أثم بتأخير الاحرام، وادعى العلامة في التذكرة الاجماع عليه، لكن
في المدارك هو غير جيد، لأن القضاء فرض مستأنف، فيتوقف على الدليل،
وهو منتف هنا، والأصح سقوط القضاء كما اختاره في المنتهى مستدلا عليه
بالأصل، وأن الاحرام مشروع لتحية البقعة، فإذا لم يأت به سقط كتحية
المسجد وهو حسن، قلت: يمكن أن يريد الشهيد وجوب القضاء على تارك
الاحرام من الميقات، ومع ذلك قد دخل الحرم حاجا ولو باحرام من دونه،
والأمر سهل.
ثم إن ظاهر المتن والقواعد وغيرهما بطلان الاحرام منه ولو للعمرة المفردة
وحينئذ فلا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات، بل عن بعض الأصحاب
التصريح بذلك، لكن قد يقال أن المراد بطلانه للاحرام للحج لا العمرة المفردة
التي أدنى الحل ميقات لها اختياري وإن أثم بتركه الاحرام عند مروره بالميقات،
بل قيل إن الأصحاب إنما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا، ويمكن صرف ظاهر
المتن وغيره إليه، ولعله الأقوى، والله العالم.
المسألة (الثالثة لو نسي الاحرام ولم يذكر حتى أكمل مناسكه قيل)
والقائل ابن إدريس: (يقضي) أي يؤدي ما كان يريد الاحرام له من حج أو
133

عمرة (إن كان واجبا، وقيل) والقائل المشهور شهرة عظيمة، بل في الدروس
نسبته إلى الأصحاب عدا الحلي: (يجزيه وهو المروي) في مرسل جميل (1) عن
أحدهما (عليهما السلام) السابق المنجبر سنده بما عرفت، بل وفي صحيح جميل (2)
بناء على إرادة ما يعم النسيان من الجهل فيه، أو أنه ملحق به في الحكم، وعلى
عدم الفرق بين احرام الحج وغيره، مؤيدا ذلك كله بالعسر والحرج في وجوب
القضاء بالنسيان الذي هو كالطبيعة الثانية للانسان، ويكون الاحرام كباقي
الأركان التي لا يبطل الحج بفواتها سهوا اجماعا عدا نسيان الموقفين كما صرح به
في المسالك، وبذلك يخرج عما يقتضي البطلان من اطلاق ما دل على اعتبار الاحرام
أو عمومه على وجه يقتضي عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه مع عدمه، نعم قد
سمعت التقييد في المرسل المزبور بما إذا كان قد نوى ذلك. وقد يقال إن المراد
به نية الحج بجميع أجزائه، وقد سمعت أيضا عبارة النهاية.
إنما الكلام في المراد بالاحرام، فعن الشهيد أنه حكي عن ابن إدريس أنه
عبارة عن النية والتلبية ولا مدخل للتجرد ولبس الثوبين فيه، وعن ظاهر
المبسوط والجمل أنه أمر واحد بسيط، وهو النية، ثم قال: (وكنت قد ذكرت
في رسالة أن الاحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى أن يأتي
بالمناسك، والتلبية هي الرابطة لذلك التوطين، نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى
الصلاة - إلى أن قال - فعلى هذا يتحقق نسيان الاحرام بنسيان النية وبنسيان
التلبية) وعن الفاضل في المختلف أنه ماهية مركبة من النية والتلبية ولبس الثوبين،
وحينئذ فينتفي بأحد أجزائه، وعن المحقق الثاني أن المنسي إن كان نية الاحرام

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب المواقيت الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب المواقيت - الحديث 2 وهو صحيح
علي بن جعفر.
134

لم يجز، وإن كان المنسي التلبيات أجزأ، وربما قيل إنه المستفاد من المرسل
المتقدم، وأنه الموافق لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل الآتي على المتيقن من
النص والفتوى، وهو ما عدا النية وإن كان قد يستفاد من المرسل وغيره من
الأخبار الصحيحة المراد بالاحرام هو التلبية كما ستعرف ذلك في بحثها، بل
ولقاعدة الاحتياط في الجمل، إذ قد عرفت الاختلاف في معناه، وحينئذ يتجه
الفساد بترك كل ما يحتمل كونه إحراما خرج منه ما عدا النية فتوى ورواية،
لاتفاقهما على الصحة في تركه، ويبقى تركها على مقتضى الفساد، إلا أن
الجميع كما ترى، ضرورة أن مقتضى الرواية صحة الحج مع ترك الاحرام جهلا
أو نسيانا، والظاهر من حال الجاهل بوجوب الاحرام والناسي له إن لم يأت
بالنية ولا التلبية ولا التجرد ولا لبس الثوبين، وإذا ثبت صحة الحج مع الاخلال
بذلك كله فمع البعض أولى بل الظاهر دخول النية في الاحرام على جميع الأقوال
وإنما الكلام في الزيادة، فلا اشكال حينئذ في دخول تركها في الصحيح، والتقييد
بما في المرسل كما ترى، إذ هو لا جابر له هنا، لخلو فتوى الأكثر عن ذلك،
وإنما ذكره الشيخ في النهاية، مع أن ظاهره إرادة العزم السابق لا النية المقارنة
للعمل، وقد بان لك من ذلك كله تحقيق الحال، وتسمع له إن شاء الله زيادة
كما أنه قد بان لك ضعف المحكي عن الحلي ودليله، خصوصا ما حكي عنه من
استدلال بأنه لا عمل إلا بنية فكيف يصح الاحرام بدونها، وهو كما ترى
لا يكاد يظهر له وجه، ضرورة أن مفروض المقام عدم الاحرام رأسا لا صحته
بلا نية، بل إن كان المراد التعريض بما سمعته من الشيخ ففيه أنك قد عرفت أن المحكي
عن الشيخ أنه نية بلا عمل لا عمل بلا نية، كما أنه لو أراد عدم نية بقية المناسك
ففيه كون المفروض حصولها أجمع بنية، ولكن بدون إحرام. ودعوى فساد
نياتها من دونه واضحه المنع بعد ما عرفت والله العالم.
135

(الركن الثاني في أفعال الحج)
و (الواجب) منها (اثنا عشر: الاحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف
بالمشعر، ونزول منى والرمي والذبح والحلق بها أو التقصير، والطواف، وركعتاه،
والسعي وطواف النساء وركعتاه) على الأصح في الرمي والحلق أو التقصير كما تعرفه
في محله إن شاء الله إلا أن منها ما هو ركن يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا إلا
الوقوفين معا، فإن تركهما معا ولو سهوا مبطل، ومنها ما هو واجب غير ركن،
وقد ذكر المصنف أن الركن منها خمسة الاحرام بالحج، والوقوف بعرفة، والوقوف
بالمشعر، وطواف الحج وسعيه، والشهيد في الدروس ثمانية بإضافة النية والتلبية
والترتيب مصرحا بإرادة نية الاحرام من النية، وفيه أنه ينبغي أن يكون نية كل
ركن لعدم الفرق، على أن البطلان حينئذ جاء من قبل فوات الركن لا منها.
وكذا الكلام في الترتيب والتلبية، بل في المسالك (وأيضا فقد تقدم أن الاحرام
ليس أمرا زائدا على النية مطلقا، أو على التوطين الملزوم لها. وفي ركنية
التلبية خلاف ويقوى ركنيتها إن أوجبنا مقارنتها للنية وجعلنا الانعقاد
موقوفا عليها كتكبيرة الاحرام، والتقريب ما تقدم في نية الاحرام، وصحيحة
معاوية بن عمار (1) مشعرة بركنيتها حيث جعل تحقق الاحرام موقوفا عليها أو
على الاشعار أو التقليد، وتعليق الحكم على الوصف يقتضي عدمه عند عدمه،
والاخلال بالاحرام مبطل اجماعا) قلت: ستعرف الكلام في ذلك كله مفصلا
إن شاء الله بل وفيما قيل هنا أيضا من الفرق بين الركن والفعل في الحج بأنه إذا ترك
الركن ناسيا وجب أن يعود له بنفسه، فإن تعذر استناب، وفسر التعذر هنا

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 20
136

بمعنيين: أحدهما المشقة الكثيرة وثانيهما بنقيض الاستطاعة المعهودة، والفعل
إذا ترك نسيانا جاز أن يستنيب فيه وإن تمكن من العود، وترك الركن عمدا
يبطل، وترك الفعل عمدا لا يبطل إذا لم يترتب عليه غيره من الأركان، فيبطل
الحج من حيث ترك الركن المترتب على غيره مع ترك ذلك الغير عمدا، وإن لم
يترتب على الفعل المذكور ركن لا يبطل الحج بتركه عمدا كرمي الجمار وطواف
النساء، ولكن في هذا يحرم عليه النساء حتى يأتي به بنفسه، ولو كان الترك
نسيانا جاز أن يستنيب اختيارا، ويحرم عليه النساء حتى يأتي به النائب.
(و) على كل حال فينبغي أن يعلم أولا أنه (يستحب أمام التوجه)
إلى سفر الحج بل كل سفر الاستخارة من الله تعالى في عافية على الكيفية المذكورة
في محلها، والوصية، لما في السفر من الخطر، ولقول الصادق عليه السلام في مرسل ابن
أبي عمير (1): (من ركب راحلته فليوص) وينبغي له حينئذ قطع العلائق
بينه وبين معامليه، قيل ويستحب له الغسل أيضا، وقد تقدم في الأغسال المندوبة
ما يعلم منه ذلك.
ويستحب له أيضا (الصدقة) فقد (كان علي بن الحسين عليه السلام
إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من الله عز وجل بما يتيسر له،
ويكون ذلك إذا وضع رجله في الركاب، وإذا سلمه الله تعالى فانصرف حمد الله
عز وجل وشكره وتصدق بما تيسر له) (2) بل في الحدائق يستحب أن يقول عند
التصدق: (اللهم إني اشتريت بهذه الصدقة سلامتي وسلامة ما معي اللهم
احفظني واحفظ ما معي، وسلمني وسلم ما معي، وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك
الحسن الجميل).

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب آداب السفر - الحديث 5
137

بل هي تدفع نحوسة السفر في الأيام المكروهة، قال الصادق عليه السلام (1):
(تصدق واخرج أي يوم شئت) وقال له (عليه السلام) حماد بن عثمان (2):
(أيكره السفر في شئ من الأيام المكروهة مثل الأربعاء وغيره؟ فقال عليه السلام:
افتح سفرك بالصدقة واخرج إذا بدا لك واقرأ آية الكرسي واحتجم إذا بدا
لك) وعن أحدهما (عليهما السلام) (3) (كان أبي إذا خرج يوم الأربعاء من
آخر الشهر وفي يوم يكرهه الناس من محاق وغيره تصدق ثم خرج).
بل هي تدفع نحوسة اليوم في الحضر أيضا، قال الصادق عليه السلام (4): (من
تصدق بصدقة إذا أصبح رفع الله عنه نحس ذلك اليوم) وقال ابن أبي عمير (5):
(كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فيدخلني من ذلك شئ، فشكوت
ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقال: إذا وقع في نفسك
شئ فتصدق على أول مسكين، ثم امض فإن الله تعالى يدفع عنك).
بل قد ورد (6) في الصدقة أنها تدفع البلاء وقد أبرم إبراما.
بل هي كذلك بعد الموت فضلا عن حال الحياة.
وربما استفيد مما سمعت استحبابها مرتين: إحداهما عند إنشاء السفر،
والأخرى عند وضع رجله في الركاب مثلا، ويمكن أن يكون المراد صدقة
واحدة، ولا ريب في أن تكثيرها أولى، وقد تعارف الآن الصدقة عند
الخروج من باب الدار، وأخرى عند وضع رجله في الركاب، بل مقتضى الخبر
الأول استحبابها بعد المجئ سالما أيضا، ولا بأس به، والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2 - 7 - 6 - 3
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2 - 7 - 6 - 3
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2 - 7 - 6 - 3
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2 - 7 - 6 - 3
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2 - 7 - 6 - 3
(6) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة
138

(و) يستحب أيضا (صلاة ركعتين) فعن أبي عبد الله (1) عن آبائه
(عليهم السلام) عن رسول الله صلى الله عليه وآله (ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل
من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر، ويقول: اللهم إني أستودعك
نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي إلا أعطاه الله
ما سأل) وأفضل من ذلك ما عن أمان الأخطار (2) لابن طاووس رحمه الله عن
النبي صلى الله عليه وآله (ما استخلف العبد في أهله من خليفة إذا هو شد ثياب سفره خيرا
من أربع ركعات يصليهن في بيته، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وقل هو الله
أحد ويقول: اللهم إني أتقرب إليك بهن فاجعلهن خليفتي في أهلي ومالي) بل في
صحيح الحلبي (3) (كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا أراد سفرا جمع عياله في
بيت ثم قال: اللهم إني أستودعك الغداة نفسي ومالي وأهلي وولدي الشاهد منا
والغائب، اللهم احفظنا واحفظ علينا، اللهم اجعلنا في جوارك، اللهم لا تسلبنا
نعمتك، ولا تغير ما بنا من عافيتك وفضلك).
(و) كذا يستحب (أن يقف على باب داره) إن كان، وإلا فعلي
الجهة التي يريد أن يتوجه منها (ويقرأ فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله
وآية الكرسي كذلك) قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر الحذاء (4) المروي
في الفقيه وموضع من الكافي: (لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب
داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله وآية

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب آداب السفر - الحديث 2 عن
بريد بن معاوية العجلي
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
139

الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله ثم قال: اللهم احفظني واحفظ ما معي،
وسلمني وسلم ما معي وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل حفظه الله وحفظ
ما معه وبلغه وبلغ ما معه، وسلمه وسلم ما معه، أما رأيت الرجل يحفظ ولا
يحفظ ما معه، ويسلم ولا يسلم ما معه، ويبلغ ولا يبلغ ما معه؟) ورواه في الكافي
في موضع آخر بزيادة قراءة المعوذتين والتوحيد أيضا أمامه وعن يمينه وعن شماله
كل ذلك مضافا إلى ما ورد في آية الكرسي، ومنه (1) (إن لكل شئ ذروة
وهي ذروة القرآن، ومن قرأها مرة صرف الله عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا
وألف مكروه من مكاره الآخرة، أيسر مكاره الدنيا الفقر، وأيسر مكاره الآخرة
عذاب القبر، وإني لأستعين بها على صعود الدرجة).
وإلى ما ورد أيضا في (إنا أنزلناه) ومنه (2) (لو أن رجلا حج ماشيا
فقرأ إنا أنزلنا ما وجد ألم المشي، وأنه ما قرأ أحد إنا أنزلناه حين يركب دابته
إلا نزل منها سالما مغفورا له، ولقارئها أثقل على الدواب من الحديد) و (لو
كان شئ يسبق القدر لقلت قارئ إنا أنزلناه حين يسافر ويخرج من منزله (3))
وغير ذلك مما يتعذر أو يتعسر احصاؤه، والله العالم.
(و) كذا يستحب (أن يدعو بكلمات الفرج) قال الصادق عليه السلام
في صحيح معاوية (4): (إذا خرجت من بيتك تريد الحج والعمرة إن شاء الله
فادع دعاء الفرج، وهو لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب آداب السفر - الحديث 4 وفيه
" من منزله سيرجع "
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب آداب السفر - الحديث 5
140

سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن ورب
العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين).
(وبالأدعية المأثورة) عنهم (عليهم السلام) التي منها ما في الصحيح
المزبور قال فيه بعد ما سمعت: (ثم قل: اللهم كن لي جارا من كل جبار
عنيد ومن كل شيطان رجيم، ثم قال: بسم الله دخلت، وبسم الله
خرجت، وفي سبيل الله، اللهم إني أقدم بين يدي نسياني وعجلتي بسم الله ما شاء
في سفري هذا ذكرته أو نسيته، اللهم أنت المستعان على الأمور كلها، وأنت
الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم هون علينا سفرنا، واطو لنا الأرض
وسيرنا فيها بطاعتك وطاعة رسولك، اللهم أصلح لنا ظهرنا، وبارك لنا فيما رزقتنا
وقنا عذاب النار، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء
المنظر في الأهل والمال والولد، اللهم أنت عضدي وناصري، بك أحل وبك أسير
اللهم إني أسألك في سفري هذا السرور والعمل لما يرضيك عني، اللهم اقطع بعده
ومشقته، وأحجني فيه، واخلفني في أهلي بخير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم، اللهم إني عبدك، وهذا حملاؤك، والوجه وجهك، والسفر إليك، وقد
اطلعت على ما لم يطلع عليه أحد غيرك، فاجعل سفري هذا كفارة لما قبله من
الذنوب، وكن عونا لي عليه، واكفني دعته ومشقته، ولقني من القول والعمل
رضاك، فإنما أنا عبدك وبك ولك، فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل: بسم الله
الرحمان الرحيم بسم الله والله أكبر، فإذا استويت على راحلتك أو استوى بك
محملك فقل: الحمد الله الذي هدانا للاسلام، ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وآله، سبحان
الله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون،
والحمد الله رب العالمين، اللهم أنت الحامل على الظهر، والمستعان على الأمر، اللهم
بلغنا ما نبلغ به إلى مغفرتك ورضوانك، اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا
141

خيرك، ولا حافظ غيرك) وقال عليه السلام أيضا في خبر أبي حمزة (1): (إن الانسان
إذا خرج وقال حين يخرج: الله أكبر الله أكبر ثلاثا، بالله أخرج وبالله أدخل
وعلى الله أتوكل ثلاث مرات، اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير، واختم لي
بخير، وقني شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم لم يزل
في ضمان الله عز وجل حتى يرده إلى المكان الذي كان فيه) وفي المرسل (2) (كان
الصادق (عليه السلام) إذا أراد سفرا قال اللهم خل سبيلنا، وأحسن سيرنا،
وأعظم عافيتنا).
بل يستحب له الدعاء بالمأثور عند الخروج من المنزل وإن لم يكن في سفر،
قال علي بن الحسين عليه السلام في خبر أبي حمزه (3): (إن العبد إذا خرج من منزله
عرض له الشيطان، فإذا قال: بسم الله تعالى قال له الملكان: كفيت، فإذا قال:
آمنت بالله قالا له: هديت، فإذا قال: توكلت على الله تعالى قالا له: وقيت،
فتتنحى الشياطين فيقول بعضهم لبعض: كيف لنا بمن هدي ووقي وكفي، ثم قال:
يا أبا حمزة إن تركت الناس لم يتركوك، وإن رفضتهم لم يرفضوك، قلت: فما
أصنع؟ قال: اعطهم من عرضك ليوم فقرك وفاقتك) وقال الصادق عليه السلام في خبر
معاوية (4): (إذا خرجت من منزلك فقل: بسم الله توكلت على الله لا حول
ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك خير ما خرجت له، وأعوذ بك من شر
ما خرجت له، اللهم أوسع علي من فضلك، وأتمم علي نعمتك، واستعملني في
طاعتك، واجعل رغبتي فيما عندك، وتوفني على ملتك وملة رسولك صلى الله عليه وآله)
وقال الرضا عليه السلام لابن أسباط (5): (إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 - 8 - 3 - 4 - 6
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 - 8 - 3 - 4 - 6
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 - 8 - 3 - 4 - 6
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 - 8 - 3 - 4 - 6
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 - 8 - 3 - 4 - 6
142

فقل: بسم الله آمنت بالله توكلت على الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله،
فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوهها وتقول: ما سبيلكم عليه وقد سمى الله
تعالى وآمن به وتوكل على الله تعالى وقال: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله)
وقال أبو جعفر عليه السلام في خبر أبي بصير (1) المروي في الفقيه: من قال حين يخرج
من باب داره: أعوذ بالله مما عاذت منه ملائكة الله من شر هذا اليوم ومن شر
الشياطين ومن شر من نصب لأولياء الله ومن شر الجن والإنس ومن شر السباع
والهوام ومن ركوب المحارم كلها أجير نفسي بالله من كل شر غفر الله له وتاب
عليه، وكفاه اللمم، وحجزه عن السوء وعصمه من الشر) ونحوه في الكافي عنه
(عليه السلام) أيضا إلا أنه قال: (من شر هذا اليوم الجديد الذي إذا غابت
شمسه لم يعد من شر نفسي ومن شر غيري ومن شر الشياطين) إلى غير ذلك مما
ورد من نحو ذلك.
(و) كيف كان فقد ظهر مما سمعته في صحيح معاوية وجه استحباب
(أن يقول إذا جعل رجله في الركاب: بسم الله الرحمان الرحيم بسم الله وبالله
والله أكبر، فإذا استوى على راحلته دعا بالدعاء المأثور) وقال أبو الحسن (عليه
السلام) في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (2): (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا
ركب الرجل الدابة فسمى ردفه ملك يحفظه حتى ينزل، وإن ركب ولم يسم ردفه
شيطان فيقول له: تغن، فإن قال له لا أحسن قال: تمن، فلا يزال يتمنى حتى
ينزل وقال: من قال إذا ركب الدابة: بسم الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، الحمد
لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله - الآية (3) - سبحان الذي

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب آداب السفر - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب آداب السفر - الحديث 2
(3) سورة الأعراف - الآية 41
143

سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين (1) حفظت له نفسه ودابته حتى ينزل) وفي
خبر علي بن ربيعة (2) المروي عن مجالس محمد بن الشيخ الطوسي (ركب علي بن
أبي طالب (عليه السلام) فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى
على الدابة قال: الحمد الله الذي أكرمنا، وحملنا في البر والبحر، ورزقنا من
الطيبات، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، سبحان الذي سخر لنا هذا وما
كنا له مقرنين، ثم سبح الله ثلاثا وحمده ثلاثا، ثم قال: رب اغفر لي فإنه لا يغفر
الذنوب إلا أنت، ثم قال: كذا فعل رسول الله صلى الله عليه وآله) لكن في خبر الأصبغ
ابن نباتة (3) قال: (أمسكت لأمير المؤمنين (عليه السلام) الركاب وهو يريد
أن يركب فرفع رأسه فتبسم (عليه السلام)، فقلت له: يا أمير المؤمنين رأيتك
رفعت رأسك وتبسمت فقال: نعم يا اصبغ أمسكت لرسول الله صلى الله عليه وآله كما
أمسكت لي، فرفع رأسه وتبسم فسألته كما سألتني، وسأخبرك كما أخبرني،
أمسكت لرسول الله صلى الله عليه وآله الشهباء فرفع رأسه وتبسم فقلت: يا رسول الله رفعت
رأسك وتبسمت فقال: يا علي ليس من أحد يركب الدابة مما أنعم الله به عليه
ثم يقرأ آية السخرة (4) ثم يقول: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم
وأتوب إليه، اللهم اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إلا قال السيد
الكريم: يا ملائكتي عبدي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري، اشهدوا أني قد
غفرت له ذنوبه). وفي مرسل الصدوق (5) (كان الصادق (عليه السلام) إذا

(1) سورة الزخرف - الآية 12
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب آداب السفر الحديث 6 - 3 - 5 والأول عن مجالس الحسن بن محمد الطوسي وهو الصحيح
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) سورة الزخرف - الآية 12
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
144

وضع رجله في الركاب يقول: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين
ويسبح الله سبعا ويحمده سبعا ويهلله سبعا) وفي خبر عبد الله بن عطاء (1) (قدم
لأبي جعفر (عليه السلام) حمارا وأمسك له بالركاب فركب فقال: الحمد لله الذي
هدانا بالاسلام وعلمنا القرآن ومن علينا بمحمد صلى الله عليه وآله، الحمد لله الذي سخر لنا
هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، والحمد لله رب العالمين) وقال
أبو الحسن (عليه السلام) في خبر أسباط (2): (فإن خرجت برا فقل: الذي
قال الله سبحانه: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا
لمنقلبون، فإنه ليس من عبد يقوله عند ركوبه فيقع من بعير أو دابة فيضره شئ
بإذن الله، وإذا خرجت من منزلك فقل: بسم الله آمنت بالله توكلت على الله
لا حول ولا قوة إلا بالله) إلى غير ذلك من النصوص التي لا ريب في رجحان
قول جميع ما فيها، بل لعله أولى من الاقتصار على بعضه.
ومن المأثور أيضا إذا خرجت في السفر التأسي بما يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله في
سفره من التسبيح في الهبوط، والتكبير والتهليل في الصعود (3) بل قال صلى الله عليه وآله (4):
(والذي نفس أبي القاسم بيده ما هلل مهلل ولا كبر مكبر على شرف من
الاشراف إلا هلل الله ما خلفه وكبر ما بين يديه بتهليله وتكبيره حتى يبلغ
مقطع التراب).

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب آداب السفر - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب آداب السفر - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 وليس
فيه (التهليل ".
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب آداب السفر - الحديث 3
145

ويستحب له أيضا (1) أن يقول عند ذروة كل جسر بسم الله ليرحل
الشيطان الذي عليها.
وأن يقول (2) إذا دخل مدخلا يخافه: رب أدخلني مدخل صدق
وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا، وإذا عاين ما
يخافه قرأ آية الكرسي.
وأن يقول لدفع ضرر الأسد (3): أعوذ برب دانيال والجب من شر هذا
الأسد ثلاث مرات.
وأن يسبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) وأن يقرأ آية الكرسي بعد العشاء
الآخرة عند وضع جنبه على الفراش (4).
ومن المأثور أيضا ما في خبر أبي سعيد المكاري (5) عن الصادق (عليه السلام)
(اللهم إني خرجت في وجهي هذا بلا ثقة مني بغيرك، ولا رجاء آوي إليه إلا
إليك، ولا قوة أتكل عليها ولا حيلة ألجأ إليها إلا طلب فضلك وابتغاء رزقك،
وتعرضا لرحمتك، وسكونا إلى حسن عادتك، وأنت أعلم بما سبق لي في علمك
في سفري هذا مما أحب وأكره، فإن ما أوقعت علي يا رب من قدرك فمحمود
فيه بلاؤك، ومتضح عندي فيه قضاؤك، وأنت تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك
أم الكتاب اللهم فاصرف عني مقادير كل بلاء، ومقتضى كل لأواء، وابسط علي
كنفا من رحمتك ولطفا من عفوك، وسعة من رزقك، وتماما من نعمتك،
وجماعا من معافاتك، وأوقع علي فيه جميع قضائك علي موافقة جميع هواي في

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب آداب السفر - الحديث 3
146

حقيقة أحسن أملي ودفع ما أحذر فيه وما لا أحذر على نفسي وديني ومالي
مما أنت أعلم به مني، واجعل ذلك لآخرتي ودنياي مع ما أسألك يا رب أن
تحفظني فيما خلفت ورائي من أهلي وولدي ومالي وتعبيتي وحزانتي وقرابتي وإخواني
بأحسن ما خلفت به غائبا من المؤمنين، وفي تحصين كل عورة، وحفظ كل مضيعة،
وتمام كل نعمة، وكفاية كل مكروه، وشر كل سيئة، وصرف كل محذور،
وكمال كل ما يجمع لي الرضاء والسرور في جميع أموري، وافعل ذلك بي بحق محمد
وآل محمد صلى الله على محمد وآل محمد، والسلام عليك وعليهم ورحمة الله وبركاته)
وقال عليه السلام أيضا في خبر عيسى بن عبد الله القمي (1) قل: (اللهم إني أسألك لنفسي
اليقين والعفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم أنت ثقتي، وأنت رجائي،
وأنت عضدي، وأنت ناصري، بك أحل وبك أسير) إلى غير ذلك من
النصوص الدالة زيادة على ما سمعته من آداب السفر الذي لا ينبغي أن يقع من
عاقل إلا في ثلاث: تزود لمعاد، ومرمة لمعاش أو لذة في غير محرم.
نعم لا يصلح للمسلم أن يسيح في الأرض، أو يترهب في بيت لا يخرج منه
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (2): (ليس في أمتي رهبانية ولا سياحة ولا رم يعني
سكوت) (يا علي سر سنتين بر والديك، سر سنة صل رحمك، سر ميلا عد
مريضا، سر ميلين شيع جنازة، وسر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال
زر أخا في الله تعالى، سر خمسة أميال أجب الملهوف، سر ستة أميال انصر المظلوم
وعليك بالاستغفار) (3) و (سافروا تصحوا وجاهدوا تغنموا وحجوا تستغنوا)

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 من أبواب آداب السفر الحديث 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 1 من أبواب آداب السفر الحديث 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
147

ولا بأس في السفر للرزق فإن الله إذا سببه للعبد في أرض جعل له فيها
حاجة (1) و (ما من مؤمن يموت في أرض غربة يغيب عنها بواكيه إلا بكته بقاع
الأرض التي كان يعبد الله عز وجل عليها، وبكته أثوابه، وبكته أبواب السماء
التي كان يصعد فيها عمله، وبكاه الملكان الموكلان به) (2) و (موت الغربة
شهادة) (3) و (الغريب إذا حضره الموت التفت يمنة ويسرة ولم ير أحدا رفع
رأسه فيقول الله عز وجل: إلى من تلتفت؟ إلى من هو خير لك مني؟ وعزتي
وجلالي لئن أطلقتك من عقدتك لأصيرنك إلى طاعتي، ولئن قبضتك لأصيرنك
إلى كرامتي) (4) وضمن أمير المؤمنين عليه السلام لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات،
ورجل خرج يعود مريضا فمات، ورجل خرج مجاهدا في سبيل الله فمات،
ورجل خرج حاجا فمات، ورجل خرج إلى الجمعة فمات، ورجل خرج في
جنازة فمات (5).
وينبغي اختيار يوم السبت من الأسبوع للسفر قال الله عز وجل (6):
(فإذا قضيت الصلاة) إلى آخره (الصلاة يوم الجمعة، والانتشار يوم السبت) (7)
و (من أراد سفرا فليسافر فيه، فلو أن حجرا زال عن جبل فيه لرده الله عز وجل
إلى مكانه) (8) وقال الصادق عليه السلام (9): (أف للرجل المسلم لا يفرغ نفسه
في الأسبوع يوم الجمعة لأمر دينه فيسأل عنه) وقال (عليه السلام) (10) أيضا:

(1) الوسائل - الباب 2 من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 3 - 6 - 4 - 7
(2) الوسائل - الباب 2 من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 3 - 6 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب 2 من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 3 - 6 - 4 - 7
(4) الوسائل - الباب 2 من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 3 - 6 - 4 - 7
(5) الوسائل - الباب 2 من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 3 - 6 - 4 - 7
(6) سورة الجمعة - الآية 10
(7) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 3 - 4.
(8) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 3 - 4.
(9) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 عن الخصال
(10) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 3 - 4.
148

(لا تخرج في يوم الجمعة في حاجة، فإذا كان يوم السبت وقد طلعت الشمس
فاخرج في حاجتك) وفي النبوي (1) (اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها)
وفي غير واحد من النصوص (2) (السبت لنا، والأحد لبني أمية)
لكن عن الصادق (عليه السلام) (3) (أنه قال لرجل من مواليه: يا فلان
مالك لم تخرج؟ قال قلت: جعلت فداك اليوم يوم الأحد، قال: وما للأحد؟
قال الرجل: للحديث الذي جاء من النبي صلى الله عليه وآله احذروا حد الأحد فإن له حدا
مثل حد السيف، قال: كذبوا كذبوا، ما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، كان
الأحد اسما من أسماء الله عز وجل) ولعل المراد كذبهم في التفسير المذكور،
أو محمول على التقية، أو على بيان الجواز، أو غير ذلك من أنه ليس هو غير
مبارك على الاطلاق، فإنه قد ورد فيه (4) أنه لشيعتنا، وأنه يوم غرس وبناء
وغيرك ذلك.
ولا تسافر يوم الاثنين الذي هو يوم بني أمية ويوم قتل الحسين (عليه
السلام) ولا تطلب فيه الحوائج، وأي يوم أعظم شؤما منه، فقدنا فيه نبينا
صلى الله عليه وآله وارتفع الوحي عنا وظلمنا فيه حقنا، وكذب من قال ولد فيه رسول الله
صلى الله عليه وآله، ولكن قد ورد (5) فيه أنه يوم سفر وأنه يستسقى فيه كما ذكرنا ذلك

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب السفر - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 3 من أبواب آداب السفر - الحديث 2 و 5
والباب 52 من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب 3 - من أبواب آداب السفر - الحديث 7
(4) الوسائل - الباب 6 - من أبواب آداب السفر
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 و 4
والباب 2 من أبواب صلاة الاستسقاء من كتاب الصلاة.
149

في صلاة الاستسقاء، فلاحظ.
ومن تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء فإنه اليوم الذي
ألان الله تعالى فيه الحديد لداود (عليه السلام) (1) وهو يوم سهل، وقد أمر
فيه بالخروج في غير واحد من النصوص (2) وعن أبي الحسن العسكري (عليه
السلام) (3) (من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين يقرأ في أول ركعة من الغداة
هل أتى على الانسان، ثم قرأ أبو الحسن (عليه السلام) فوقاهم الله شر ذلك
اليوم ولقاهم نضرة وسرورا).
كما أنه قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الله بن سنان (4): (يكره
السفر والسعي في الحوائج يوم الجمعة من أجل الصلاة، فأما بعد الصلاة فجائز
يتبرك به) وقال (عليه السلام) أيضا: في خبر إبراهيم بن يحيى المدائني (5)
(لا بأس بالخروج في السفر ليلة الجمعة).
وأما يوم الأربعاء فيوم نحس مستمر، وهو يوم بني العباس وفتحهم،
من احتجم فيه خيف عليه أن تحضر محاجمه ومن تنور فيه خيف عليه البرص (6)
وخصوصا آخر أربعاء من الشهر، وفي خبر العلل والعيون والخصال مسندا إلى
الرضا (عليه السلام) (7) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث (أن رجلا
قام إليه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن يوم الأربعاء وتطيرنا منه وأي أربعاء هو؟
فقال: آخر أربعاء في الشهر، وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 - 0 - 4.
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 - 0 - 4.
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 - 0 - 4.
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب السفر - الحديث 4 - 3
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب السفر - الحديث 4 - 3
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب آداب السفر - الحديث 4 - 1
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب آداب السفر - الحديث 4 - 1
150

الأربعاء ألقي إبراهيم (عليه السلام) في النار، ويوم الأربعاء وضعوه في المنجنيق
ويوم الأربعاء أغرق فرعون، ويوم الأربعاء جعل الله قرية لوط عاليها سافلها،
ويوم الأربعاء أرسل الريح على قوم عاد، ويوم الأربعاء أصبحت كالصريم،
ويوم الأربعاء سلط الله على نمرود البقة، ويوم الأربعاء طلب فرعون موسى
ليقتله، ويوم الأربعاء خر عليهم السقف من فوقهم، ويوم الأربعاء أمر
فرعون بذبح الغلمان، ويوم الأربعاء خرب بيت المقدس، ويوم الأربعاء أحرق
مسجد سليمان بن داود (عليه السلام) بإصطخر من كورة فارس، ويوم الأربعاء
قتل فيه يحيى بن زكريا، ويوم الأربعاء أخذ قوم فرعون أول العذاب، ويوم
الأربعاء خسف الله بقارون، ويوم الأربعاء ابتلى الله أيوب بذهاب ماله وولده
ويوم الأربعاء دخل يوسف السجن، ويوم الأربعاء قال الله تعالى (1): (إنا
دمرناهم وقومهم أجمعين) ويوم الأربعاء أخذتهم الصيحة، ويوم الأربعاء عقروا
الناقة، ويوم الأربعاء أمطر عليهم حجارة من سجيل، ويوم الأربعاء شج
النبي صلى الله عليه وآله وكسرت رباعيته، ويوم الأربعاء أخذت العمالقة التابوت)).
والظاهر إرادة ما عدا الأول في مطلق الأربعاء لا خصوص الاحيرة مع
احتماله، نعم عن الصدوق (2) (إنه كتب بعض البغداديين إلى أبي الحسن الثاني
(عليه السلام) يسأله عن الخروج يوم الأربعاء لا يدور فكتب (عليه السلام)
من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة وقي من كل آفة، وعوفي
من كل عاهة، وقضى الله له حاجته) وعن الصادق (عليه السلام) (3) عن
رسول الله صلى الله عليه وآله (لا طيرة) و (كفارة الطيرة التوكل) (4) بل في

(1) سورة النمل الآية 52
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب السفر - الحديث 4 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب السفر - الحديث 4 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب السفر - الحديث 4 - 2 - 3
151

النبوي (1) أيضا (إذا تطيرت فامض) ولعل ذلك ونحوه محمول على من بلغ
حقيقة التوكل المشار إليه بقوله (2): (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) أو على
غير ما ورد النهي عنهم فيه بالخصوص كالتطير من بعض ما هي متعارف عند الناس
الذي ذكره أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في صحيح سليمان بن
جعفر الجعفري (3) (الشؤم للمسافر في طريقه سبعة الغراب الناعق عن يمينه،
والكلب الناشر لذنبه، والذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل وهو مقع على
ذنبه ثم يعوي ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا، والظبي السانح من يمين إلى شمال،
والبوم الصارخة، والمرأة الشمطاء تلقى فرجها، والإتان العضباء يعني الجدعاء،
فمن أوجد في نفسه منهن شيئا فليقل: اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في
نفسي فاعصمني من ذلك، قال فيعصم من ذلك) بناء على أن المراد منه كون
الشؤم عند الناس ذلك لا الشرع، بل قيل إن الأدعية في ذلك كثيرة، منها (اللهم
لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك) إلى آخره، ومنها (حسبنا الله ونعم
الوكيل) وغير ذلك، لكن هذا لا يتم فيما سمعته من الخبر الوارد في خصوص
الأربعاء لا يدور الذي سبب التطير فيه مما ورد من الشرع لا تطير العامة فتأمل جيدا
وأما يوم الخميس فهو يوم يحبه الله تعالى وملائكته ورسوله، و (كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يسافر فيه ويقول: فيه ترفع الأعمال وتعقد فيه الألوية) (4) وقال صلى الله عليه وآله
أيضا (5): (اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس) وفي آخر (6) (يوم سبتها

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب آداب السفر - الحديث 5
(2) سورة الطلاق الآية 3
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب السفر - الحديث 8 - 6 - 5
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب السفر - الحديث 8 - 6 - 5
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب السفر - الحديث 8 - 6 - 5
152

وخميسها) وفي ثالث (1) (بورك لأمتي في بكورها يوم سبتها خميسها) بل
ورد (2) فيه أنه ألان الله فيه الحديد لداود (عليه السلام) وإن كان المشهور
أنه يوم الثلاثاء، ولعله لا تنافي، نعم قد سمعنا من بعض مشائخنا أنه سمع
من غيره كراهة السفر فيه إذا كان عند معصوم، وأن الملائكة ترميه بالحجارة،
هذا كله من حيث الأسبوع.
أما من حيث الشهر فعن الصادق عليه السلام (3) (اتق الخروج إلى السفر يوم
الثالث من الشهر والرابع منه، والحادي والعشرين منه والخامس والعشرين منه)
وكان أمير المؤمنين عليه السلام (4) يكره أن يسافر الرجل أو يتزوج والقمر في المحاق، ولعل
ما عد الرابع لأنها من السبعة المشهورة بالنحوسة للسفر وغيره المروي فيها عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) المسماة بالكوامل، وهي الثالث، والخامس،
والثالث عشر، والسادس عشر، والحادي والعشرون، والرابع والعشرون،
والخامس والعشرون، بل في خبر يونس بن حنان (5) المروي مسندا في المحكي
عن الدروع الواقية للسيد رضي الدين بن طاووس، والمرسل (6) عن مكارم الأخلاق للحسن بن الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، والزوائد (7) لولد
السيد علي بن طاووس عن الصادق (عليه السلام) أيضا المشتمل على تفصيل أيام الشهر
ما يؤكد ذلك (8).

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب السفر - الحديث 7 - 11
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب آداب السفر - الحديث 7 - 11
(3) مكارم الأخلاق ص 276 - 277 المطبوعة بطهران عام 1376
(4) مكارم الأخلاق ص 276 - 277 المطبوعة بطهران عام 1376
(5) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 1 والأول عن يونس بن ظبيان
(6) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب آداب السفر - الحديث 2 - 1 والأول عن يونس بن ظبيان
(7) المستدرك - الباب - 21 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(8) روى ذلك بالطرق الثلاثة في البحار ج 59 ص 56 الطبع الحديث
153

ففي الأول (إن اليوم الأول يوم مبارك خلق الله فيه آدم، وهو محمود
لطلب الحوائج وطلب العلم والتزويج والسفر والبيع والشراء والدخول على السلطان
واتخاذ الماشية) وفي الثاني (سعد يصلح لطلب الحوائج والشراء والبيع والزراعة
والسفر) وفي الثالث (يوم مبارك محمود سعيد لطلب الحوائج والبيع والشراء)
وفي الأول عنه عليه السلام أيضا (إن اليوم الثاني يصلح للتزويج والسفر وطلب الحوائج
وفيه خلقت حواء من آدم وزوجه الله تعالى بها، ويصلح لبناء المنازل وكتب
العهد والاختيارات) وفي الثاني عنه (عليه السلام) (يصلح للسفر وطلب الحوائج)
وفي الثالث عنه عليه السلام أيضا (يوم محمود يصلح للتزويج والتحويل والشراء والبيع
وطلب الحوائج).
واليوم الثالث في الأول (يوم نحس مستمر فاتق فيه البيع والشراء وطلب
الحوائج والمعاملة، وفيه سلب آدم عليه السلام وحواء لباسهما، وأخرجا من الجنة،
واجعل شغلك صلاح أمر منزلك، وإن أمكن أن لا تخرج من دارك فافعل)
وفي الثاني (روي لا يصلح لشئ جملة) وفي الثالث (يوم نحس فيه قتل هابيل
لا تسافر فيه، ولا تعمل عملا، ولا تلق أحدا).
الرابع في الأول (يوم صالح للزرع والصيد والبناء، ويكره فيه السفر،
فمن سافر فيه خيف عليه القتل والسلب أو بلاء يصيبه، وفيه ولد هابيل، ويستحب
فيه اتخاذ البناء والماشية، ومن هرب فيه عسر تطلبه ولجأ إلى من يحصنه) وفي
الثاني (يوم صالح للتزويج، ويكره فيه السفر) وفي الثالث (يوم متوسط صالح
لقضاء الحوائج، ولا تسافر فيه فإنه مكروه).
الخامس في الأول (يوم نحس مستمر، فلا تعمل فيه عملا، ولا تخرج
من منزلك وتعاهد من في منزلك، وانظر إصلاح الماشية، وفيه ولد قابيل
الشقي، وفيه قتل أخاه) وفي الثاني (ردي نحس) وفي الثالث (يوم نحس،
154

وهو يوم نكد عسير لا خير فيه، فاستعذ بالله من شره).
السادس في الأول (يوم صالح للتزويج، ومن سافر فيه في بر أو بحر يرجع
إلى أهله بما يحسبه، وهو جيد لشراء الماشية) وفي الثاني (يصلح للتزويج وطلب
الحوائج) وفي الثالث (يوم صالح يصلح للحوائج والسفر والبيع والشراء).
السابع في الأول (يوم صالح لجميع الأمور، فاعمل فيه ما شئت، وعالج
ما تريد من عمل الكتابة، ومن بدأ فيه بالعمارة والغرس والنخل حمد أمره في
ذلك) وفي الثاني (مبارك مختار يصلح لكل ما يراد ويسعى فيه) وفي الثالث
(يوم سعيد مبارك فيه ركب نوح السفينة، فاركب البحر وسافر في البر واعمل
ما شئت، فإنه يوم عظيم البركة، محمود لطلب الحوائج والسعي فيها).
والثامن في الأول (يوم صالح لكل حاجة من بيع أو شراء، ويكره فيه
ركوب البحر والنظر (والسفر خ ل) في البر، ويكره فيه ركوب السفن في الماء،
ويكره فيه أيضا السفر والخروج إلى الحرب وكتب العهود، ومن هرب فيه لم
يقدر عليه إلا بتعب) وفي الثاني (يصلح لكل حاجة سوى السفر، فإنه يكره
فيه) وفي الثالث (يوم صالح للشراء والبيع، ولا تعرض فيه للسفر، فإنه يكره
فيه سفر البر والبحر).
التاسع في الأول (يوم خفيف صالح لكل أمر تريده، فابدأ فيه بالعمل،
ومن سافر فيه رزق مالا ورأي خيرا، فابدأ فيه بالعمل، واقترض فيه، وازرع
واغرس، ومن حارب فيه غلب، ومن هرب فيه لجأ إلى سلطان يمنع منه) وفي
الثاني (يصلح لكل ما يريده الانسان، ومن سافر فيه رزق مالا ويرى في سفره
كل خير) وفي الثالث (يوم صالح محمود مبارك يصلح للحوائج وجميع الأعمال)
وفي رواية أخرى (ومن سافر فيه رزق ولقي خيرا).
العاشر في الأول (ولد فيه نوح، يصلح للبيع والشراء والسفر، ويستحب
155

للمريض فيه أن يوصي ويكتب العهود، ومن هرب منه ظفر به وحبس) وفي الثاني
(يوم صالح لكل حاجة سوى الدخول على السلطان، وهو جيد للشراء والبيع)
وفي الثالث (صالح لابتداء العمل، يوم محمود، رفع الله تعالى فيه إدريس مكانا
عليا) وفي رواية أخرى (يصلح للبيع والشراء).
والحادي عشر في الأول (صالح لابتداء العمل في البيع والشراء والسفر،
ولد فيه شيت، وتجنب فيه الدخول على السلطان) وفي الثاني (يصلح للشراء والبيع
ولجميع الحوائج وللسفر ما خلا الدخول على السلطان) وفي الثالث (يوم صالح للشراء
والبيع والمعاملة والقرض).
الثاني عشر في الأول (صالح للتزويج وفتح الجوائز وركوب البحر،
ويتجنب فيه الوساطة بين الناس) وفي الثاني (يوم صالح مبارك فاطلبوا فيه
حوائجكم واسعوا فيها، فإنها تقضى) وفي الثالث (يوم مبارك فيه قضى موسى
الأجل، وهو يوم التزويج والبيع والشراء).
الثالث عشر في الأول (يوم نحسن فاتق فيه المنازعة والخصومة ولقاء
السلطان وغيره وكل أمر، ولا يدهن فيه الرأس، ولا يحلق فيه الشعر، ومن
ظل أو هرب فيه سلم) وفي رواية أخرى (يوم نحس لا تطلب فيه حاجة) وفي
الثاني (يوم نحس فاتق فيه جميع الأعمال) وفي الثالث (يوم نحس، وهو يوم
مذموم في كل حاجة، فاستعذ بالله من شره).
الرابع عشر في الأول (يوم صالح لكل شئ، وهو جيد لطلب العلم والبيع
والشراء والسفر وركوب البحر والاستقراض والقرض، ومن هرب فيه يؤخذ)
وفي الثاني (جيد للحوائج ولكل عمل) وفي الثالث (يوم صالح لما تريده من
قضاء الحوائج وطلب العلم، ويصلح للبيع والشراء وركوب البحر).
الخامس عشر في الأول على ما في الحدائق نقلا عن البحار (يوم صالح
156

لكل الأمور إلا من أراد أن يستقرض أو يقرض) لكن فيما عندنا من الوسائل
نقلا عن الدروع (يوم محذور في كل الأمور إلا من أراد أن يستقرض ويقرض
أو يشاهد ما يشتري، ومن هرب فيه ظفر به) وفي الثاني (صالح لكل حاجة
تريدها، فاطلبوا فيه حوائجكم، فإنها تقضى) وفي الثالث (يوم صالح لكل عمل
وحاجة، فاعمل فيه ما بدا لك، فإنه يوم سعيد) وعن روضة الواعظين (أنه يوم
صالح لكل عمل وحاجة ولقاء الأشراف والعظماء والرؤساء، فاطلب فيه حوائجك،
والق سلطانك، واعمل ما بدا لك، فإنه يوم سعد).
السادس عشر في الأول (يوم نحس لا يصلح لشئ سوى الأبنية، ومن
سافر فيه هلك) وفي الوسائل عنه (يوم نحس، من سافر فيه هلك، ويكره فيه
لقاء السلطان، ويصلح للتجارة والبيع والخروج إلى البحر، ويصلح للأبنية
ووضع الأساس) وفي الثاني (ردي مذموم لكل شئ) وفي الثالث (يوم نحس
ردي مذموم لا خير فيه، فلا تسافر فيه، ولا تطلب حاجة، وتوق ما استطعت
وتعوذ بالله من شره).
السابع عشر في الأول (يوم متوسط، واحذر فيه المنازعة، وهو يوم
ثقيل، فلا تلتمس فيه حاجة) وفي رواية أخرى (يوم صالح) وفي الوسائل عنه
(متوسط الحال يحذر فيه المنازعة، ومن أقرض فيه شيئا لم يرده إليه، وإن
رده فبجهد، ومن استقرض فيه لم يرده) وفي الثاني (صاف مختار، فاطلبوا
فيه ما شئتم، وتزوجوا وبيعوا واشتروا وازرعوا) وفي الثالث (يوم صالح
مختار محمود لكل عمل وحاجة، فاطلب فيه الحوائج واشتر وبع) وفي رواية أخرى
(متوسط تحذر فيه المنازعة والقرض).
الثامن عشر في الأول (أنه يوم سعيد صالح لكل شئ من بيع أو شراء أو
زرع أو سفر) وفي الوسائل عنه (ومن خاصم فيه عدوه خصمه وظفر به، ومن
157

اقترض قرضا رده إلى من اقترضه منه) وفي الثاني (مختار صالح للسفر وطلب
الحوائج) وفي الثالث (يوم مختار للسفر والتزويج ولطلب الحوائج).
التاسع عشر في الأول (أنه يوم سعيد، وهو صالح للسفر والمعاش
والحوائج) وفي الوسائل عنه (يوم سعيد ولد فيه إسحاق بن إبراهيم (عليهما
السلام) وهو صالح للسفر والمعاش والحوائج وتعلم العلم وشراء الرقيق والماشية،
ومن ضل أو هرب فيه قدر عليه) وفي الثاني (مختار صالح لكل عمل) وفي
الثالث (يوم مختار مبارك صالح لكل عمل تريد) وفي رواية أخرى (يصلح
للسفر والمعاش ولطلب العلم).
العشرون في الأول (أنه يوم متوسط صالح للسفر وقضاء الحوائج) وفي
الوسائل عنه (متوسط الحال، صالح للسفر والحوائج والبناء ووضع الأساس
وحصاد الزرع وغرس الشجر والكرم واتخاذ الماشية، ومن هرب فيه كان بعيد
الدرك) وفي الثاني (جيد مختار للحوائج والسفر) وفي الثالث (يوم جيد صالح
مسعود مبارك لما يؤتى) وفي رواية أخرى (يوم متوسط يصلح للسفر والحوائج).
الحادي والعشرون في الأول (أنه يوم نحس ردي، فلا تطلب فيه حاجة
ومن سافر فيه خيف عليه) وفي الوسائل عنه (يوم نحس لا تطلب فيه حاجة،
ويتقى فيه السلطان، ومن سافر فيه لم يرجع، وخيف عليه، وهو يوم ردي
لسائر الأمور) وفي الثاني (يوم نحس مستمر) وفي الثالث (يوم نحس مذموم
فاحذره ولا تطلب فيه حاجة، ولا تعمل فيه عملا، واقعد في منزلك، واستعذ
بالله من شره).
الثاني والعشرون في الأول (أنه يوم صالح لقضاء الحوائج والبيع والشراء
والمريض فيه يبرأ سريعا، والمسافر فيه يرجع معافى) وزاد في الوسائل (إن
الصدقة فيه مقبولة، ومن دخل فيه على سلطان يصيب حاجته) وفي الثاني (مختار
158

صالح للشراء والبيع والسفر والصدقة) وفي الثالث (يوم سعيد مبارك مختار لما
تريد من الأعمال، فاعمل ما شئت فإنه مبارك).
الثالث والعشرون في الأول (أنه يوم صالح لطلب الحوائج والتجارة
والتزويج، ومن يسافر فيه غنم وأصاب خيرا) وزاد في الوسائل (أنه ولد فيه
يوسف عليه السلام، ويوم خفيف يدخل فيه على السلطان) وفي الثاني (مختار جيد
خاصة للتزويج والتجارات كلها) وفي الثالث (يوم سعيد مبارك لكل ما تريد،
للسفر والتحويل من مكان إلى مكان وهو جيد للحوائج).
الرابع والعشرون في الأول (أنه يوم نحس ولد فيه فرعون فلا يطلب فيه
أمر من الأمور) وفي الثاني (يوم مشوم) وفي الثالث (يوم نحس مستمر،
مكروه لكل حال وعمل، فاحذره، ولا تعمل فيه عملا، ولا تلق فيه أحدا،
واقعد في منزلك، واستعذ بالله من شره)
الخامس والعشرون في الأول (أنه يوم نحس ردي، فاحفظ نفسك فيه،
ولا تطلب فيه حاجة، فإنه يوم شديد البلاء) وفي الثاني (ردي مذموم تحذر
فيه من كل شر) وفي الثالث (يوم نحس مكروه ثقيل نكد، فلا تطلب فيه حاجة
ولا تسافر فيه، واقعد في منزلك، واستعذ بالله من شره).
السادس والعشرون في الأول (أنه يوم صالح للسفر ولكل أمر يراد إلا
التزويج) وفي الوسائل عنه (ضرب فيه موسى البحر بعصاه فانفلق، وصالح للسفر
ولكل أمر يراد إلا التزويج، فإن من تزوج فيه فرق بينهما، ولا تدخل إذا وردت
من سفرك فيه إلى أهلك) وفي الثاني (صالح لكل حاجة سوى التزويج والسفر
وعليكم بالصدقة فيه) وفي الثالث (يوم صالح، متوسط للشراء والبيع والسفر
وقضاء الحوائج).
السابع والعشرون في الأول (أنه يوم صالح لكل أمر) وفي الثاني (جيد
159

مختار للحوائج وفي كل ما يراد) وفي الثالث (يوم صاف مبارك من النحوس،
صالح للحوائج إلى السلطان وإلى الاخوان وللسفر إلى البلدان، فاتق فيه من
شئت، وسافر فيه إلى حيث ما أردت).
الثامن والعشرون في الأول (أنه يوم صالح لكل أمر) وفي الثاني
(ممزوج) وفي الثالث (يوم مبارك سعيد).
التاسع والعشرون في الأول (أنه يوم صالح لكل أمر، ومن سافر فيه
أصاب مالا جزيلا) وفي الوسائل عنه (صالح خفيف لسائر الأمور والحوائج
والأعمال، ومن سافر فيه يصيب مالا كثيرا، ولا يكتب فيه وصية فإنه يكره
ذلك) وفي الثاني (مختار جيد لكل حاجة) وفي الثالث (يوم مبارك سعيد
قريب الأمر، يصلح للحوائج والتصرف فيها) وفي رواية أخرى (المسافر فيه
يصيب مالا كثيرا).
الثلاثون في الأول (يوم جيد للبيع والشراء والتزويج) وفي رواية أخرى
(يوم سعيد مبارك يصلح لكل حاجة تلتمس) وفي الوسائل عنه (جيد للبيع
والشراء والتزويج، ولا تسافر فيه، ولا تتعرض لغيره إلا المعاملة، ومن هرب
فيه أخذ، ومن اقترض فيه شيئا رده سريعا) وفي الثاني (مختار جيد لكل شئ
ولكل حاجة) وفي الثالث (يوم مبارك ميمون مسعود مفلح منجح مفرح،
فاعمل فيه ما شئت، والق فيه من أردت، وخذ واعط وسافر وانتقل وبع واشتر
فإنه صالح لكل ما تريد، موافق لكل ما تعمل).
ولا ريب في أن المنساق من ذلك ونحوه الأشهر العربية، ولذا جعل العنوان
في محكي البحار باب سعادة أيام الشهور العربية ونحوستها، ثم نقل الأخبار المزبورة
فما عن الكاشاني في رسالته تقويم المحسنين من أنها من الشهور الفارسية بل ربما
160

حكي عن العلامة الطباطبائي وإن كنا لم نتحققه خلاف الظاهر بلا داع.
كما أنه لا ريب في عدم المنافاة بين ما سمعته من أيام الأسبوع وأيام الشهر
بعد انسياق تعدد الجهة من ذلك ونحوه على معنى أنه جيد من حيث الأسبوع
ردي من حيث الشهر كما هو واضح.
ومن هنا ينبغي أيضا اجتناب أيام السنة المروية عن أمير المؤمنين عليه السلام (1)
(أن في السنة أربعة وعشرين يوما نحسات، في كل شهر منها يومان: ففي المحرم
الحادي عشر والرابع عشر، وفي صفر الأول منه والعشرون، وفي ربيع الأول
العاشر والعشرون، وفي ربيع الثاني الأول والحادي عشر، وفي جمادى الأولى
العاشر والحادي عشر، وفي جمادى الثانية الأول والحادي عشر، وفي رجب الحادي
عشر والثالث عشر، وفي شعبان الرابع، والعشرون، وفي شهر رمضان الثالث،
والعشرون، وفي شوال السادس والثامن، وفي ذي القعدة السادس والعاشر،
وفي ذي الحجة الثامن، والعشرون) بل عن الصادق عليه السلام (2) (إن في السنة اثني
عشر يوما من اجتنبها نجا، ومن وقع فيها هوى، فاحفظوها، في كل شهر منها
يوم: ففي المحرم الثاني والعشرون، وفي صفر العاشر، وفي ربيع الأول الرابع،
وفي ربيع الثاني الثامن والعشرون، وفي جمادى الأولى الثاني والعشرون، وفي
جمادى الثانية الثاني عشر، وفي رجب الثاني عشر، وفي شعبان السادس والعشرون
وفي شهر رمضان الرابع والعشرون، وفي شوال الثاني، وفي ذي القعدة الثامن
والعشرون، وفي ذي الحجة الثامن).

(1) تقويم المحسنين للفيض الكاشاني قدس سره ص 32 و 33
(2) تقويم المحسنين للفيض الكاشاني قدس سره ص 34 وفيه " وفي جمادى
الأولى الثامن والعشرين "
161

وحينئذ فالذي ينبغي لمن أراد أن يخرج اليوم الذي يريده لسفر أو غيره
ملاحظة حاله في الأسبوع وفي مطلق الشهر وفي خصوص كل شهر ملاحظا
للروايتين المزبورتين، بل ينبغي أيضا ملاحظة الأشهر الفارسية تخلصا مما سمعته
من الكاشاني.
بل ينبغي مع ذلك ملاحظة عدم كون القمر في المحاق كما أشير إليه في
بعض النصوص (1).
بل والعقرب (2) الذي إن سافر أو تزوج والقمر فيه لم ير الحسنى.
وينبغي للمسافر وغيره استصحاب شئ من تربة الحسين عليه السلام التي هي أمان
من كل خوف وشفاء من كل داء (3) وخصوصا (4) إذا أخذ السبحة من تربته
ودعا بدعاء الميت على الفراش ثلاث مرات ثم قبلها ووضعها على عينه، وقال:
(اللهم إني أسألك بحق هذه التربة وبحق صاحبها وبحق جده وأبيه وأمه وأخيه
وبحق ولده الطاهرين اجعلها شفاء من كل داء، وأمانا من كل خوف، وحفظا
من كل سوء) ثم وضعها في جيبه، فإنه من فعل ذلك في الغداة فإنه لا يزال في
أمان الله حتى العشاء، وإن فعل ذلك في العشاء فلا يزال في أمان الله حتى الغداة
وإن خاف من سلطان أو غيره وخرج من منزله واستعمل ذلك كان حرزا له.
واستصحاب خاتم من عقيق أصفر (5) على أحد جانبيه (ما شاء الله لا قوة

(1) مكارم الأخلاق ص 277 المطبوعة بطهران عام 1376
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب المزار - من كتاب الحج
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب آداب السفر
(5) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
162

إلا بالله أستغفر الله) وعلى الجانب الآخر (محمد وعلي) فإنه أمان من النطع،
وأتم للسلامة، وأصوب للدين.
وخاتم فيروزج (1) نقشه في أحد جانبيه (الله الملك) وعلى الجانب الآخر
(الملك لله الواحد القهار) فإنه أمان من السباع، وظفر في الحروب.
واستصحاب عصا من لوز مر، ففي الفقيه (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: (من خرج في سفر ومعه عصا من لوز مر وتلا هذه الآية (3)
(ولما توجه تلقاء مدين) إلى قوله تعالى (والله على ما نقول وكيل) آمنه الله من
كل سبع ضار، ومن كل لص عاد، ومن كل ذات حمة حتى يرجع إلى أهله ومنزله
وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع ويضعها) قال (4):
(وقال عليه السلام: من أراد أن تطوى له الأرض فليتخذ النقد من العصا والنقد عصا
لوز مر) ورواه في ثواب الأعمال مسندا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وكذا الذي قبله
قال (5): وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إنه ينفي الفقر ولا يجاوره شيطان
قال (6): وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (مرض آدم عليه السلام مرضا شديدا فأصابته
وحشة فشكا ذلك إلى جبرئيل عليه السلام فقال له: اقطع واحدة منه وضمها إلى صدرك
ففعل ذلك فأذهب عنه الوحشة) الحديث، والأولى أن يكتب (7) في رق (سلهملس
(سلمهلمس خ ل) و 5 برلهو يا 5 الله يا وبر صاف 5 معسارر بره) ويحفر رأس العصا

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب آداب السفر الحديث 1 - 2 - 3 - 4
(3) سورة القصص - الآية 21 - 29
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب آداب السفر الحديث 1 - 2 - 3 - 4
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب آداب السفر الحديث 1 - 2 - 3 - 4
(6) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب آداب السفر الحديث 1 - 2 - 3 - 4
(7) البحار - المجلد 22 ص 4 الطبعة الكمباني مع الاختلاف
163

ويضعه فيه، وفي الدروس ويستحب استصحاب العصا وخصوصا اللوز المر،
ونحوه عن المنتهى، وظاهرهما حصول الاستحباب بمطلق العصا وإن تأكد باللوز
المر، ولكن لم أجد ما يدل عليه في خصوص المسافر، نعم في الفقيه (1) باسناده
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حمل العصا ينفي الفقر ولا يجاوره شيطان، وقال:
تعصوا فإنها من سنن إخواني النبيين، وكانت بنو إسرائيل الصغار والكبار يمشون
على العصا حتى لا يختالوا في مشيهم) ولعلهما أخذاه من ذلك، كما أن ما فيها أيضا
من تخصيص بعض ما سمعته في خصوص سفر الحج كذلك أيضا، قال: (درس
يستحب لمن أراد الحج أن يقطع العلائق بينه وبين معامليه، ويوصي بما يهمه،
وأن يجمع أهله، ويصلي ركعتين، ويسأل الله الخيرة في عافية، ويدعو بالمأثور،
فإذا خرج وقف على باب داره تلقاء وجهه وقرأ الفاتحة ثم يقرؤها عن يمينه
ويساره وكذا آية الكرسي، ويدعو بالمنقول، ويتصدق بشئ وليقل بحول
الله وقوته أخرج، ثم يدعو عند وضع رجله في الركاب، وعند الاستواء على
الراحلة، ويكثر من ذكر الله تعالى في سفره، ويستحب الخروج يوم السبت أو
الثلاثاء، واستصحاب العصا، وخصوصا اللوز المر) إلى آخره، ولا يخفى عليك
بعد الإحاطة بما ذكرناه ما يدل على ما ذكره وغيره.
ويستحب له أيضا التحنك، فإن الكاظم عليه السلام (2) قال: (أنا ضامن ثلاثا
لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه أن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق)
بل قال الصادق (عليه السلام) (3): (من خرج في سفر ولم يدر العمامة تحت حنكه

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
من كتاب الصلاة.
164

فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه) و (من خرج من منزله معتما تحت حنكه
يريد سفرا لم يصبه في سفره سرق ولا حرق ولا مكروه (1)) بل عن الرضا
عليه السلام (2) قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لو أن رجلا خرج من منزله يوم السبت معتما
بعمامة بيضاء قد حنكها تحت حنكه ثم أتى إلى جبل ليزيله من مكانه لأزاله).
وفي المرسل (3) عنه صلى الله عليه وآله أيضا (من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا
خرج في سفر) وعن الصادق (عليه السلام) (4) أيضا (إذا سافرتم فاتخذوا سفرة
وتنوقوا فيها) و (ما من نفقة أحب إلى الله من نفقة قصد، ويبغض الله الاسراف
إلا في حج أو عمرة (5) وفي الفقيه (6) (كان علي بن الحسين (عليهما السلام)
إذا سافر إلى مكة للحج تزود من أطيب الزاد من اللوز والسكر والسويق المحمص
والمحلى).
وينبغي أن يكون حلقة السفرة من حديد لا صفر ونحوه حتى لا يقرب
شيئا مما فيها شئ من الهوام.
نعم ينبغي استثناء زيارة الحسين (عليه السلام) من ذلك، لما عن الصادق
(عليه السلام) (7) (بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين (عليه السلام) حملوا معهم

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 59 من أبواب آداب السفر - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب آداب السفر - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 2
(7) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
165

السفرة فيها الجداء والاخبضة وأشباهه، ولو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم
هذا) وفي آخر (1) قال لبعض أصحابه: (أتأتون قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام؟
فقال له: نعم، قال: تتخذون لذلك سفرة قال: نعم، قال: أما لو أتيتم قبور
آبائكم وأمهاتكم لم تفعلوا ذلك، فقلت فأي شئ نأكل؟ قال: الخبز واللبن،
وفي الحدائق لا يبعد اختصاص ذلك بأهل البلدان القريبة كبغداد والحلة والمشهد
ونحوها، دون أصفهان وخراسان ونحوهما.
وعن النبي صلى الله عليه وآله (2) (الرفيق ثم الطريق) أي السفر، بل قال (3):
ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من سافر وحده ومنع
رفده وضرب عبده) وقال صلى الله عليه وآله (4): (يا علي لا تخرج في سفر وحدك، فإن
الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، يا علي إن الرجل إذا سافر وحده
فهو غاو، والاثنان غاويان، والثلاثة نفر) بل عنه صلى الله عليه وآله (5) أيضا (أنه لمن
الآكل زاده وحده، والنائم في البيت وحده، والراكب في الفلاة وحده) وفي
المرسل (6) عنه صلى الله عليه وآله أيضا (لا تسافروا حتى تصيبوا لمة) أي رفقة، قال
إسماعيل بن جابر (7): (كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة إذا جاء رجل
من أهل المدينة فقال: من صحبك؟ فقال: ما صحبت أحدا، فقال أبا عبد الله
(عليه السلام): أما لو كنت تقدمت إليك لأحسنت أدبك، ثم قال: واحد
شيطان، واثنان شيطانان، وثلاثة صحب، وأربعة رفقاء) ولو اتفق الاضطرار

(1) المستدرك - الباب - 60 - من أبواب المزار - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 4 - 5 - 7 - 8
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 4 - 5 - 7 - 8
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 4 - 5 - 7 - 8
(5) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 4 - 5 - 7 - 8
(6) نهاية ابن الأثير: مادة " لمه "
(7) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 - 4 - 5 - 7 - 8
166

إلى السفر وحده فليقل: (ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم آنس وحشتي
وأعني على وحدتي وأد غيبتي) (1).
وينبغي أن تصحب من تتزين به ولا تصحب من يتزين بك فإنه ما اصطحب
اثنان إلا كان أعظمهما أجرا وأحبهما إلى الله أرفقهما بصاحبه (2) بل عن
أمير المؤمنين (عليه السلام) (3) (لا تصحبن في سفر من لا يرى لك من الفضل
عليه كما ترى له عليك).
وليصحب الانسان نظيره حتى لا يذل ولا يذل غيره إلا مع طيب نفس
المبذول له بذلك (4) و (من السنة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم
فإن ذلك أطيب لأنفسهم وأحسن لأخلاقهم) (5).
ويستحب أيضا تشييع المسافر وتوديعه كما فعله أمير المؤمنين (عليه السلام)
بأبي ذر (6) وأن يقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله (7) إذا ودع المؤمنين:
(زودكم الله التقوى، ووجهكم إلى كل خير، وقضى لكم كل حاجة، وسلم لكم
دينكم ودنياكم، وردكم سالمين إلي سالمين) وفي آخر (8) عن أبي جعفر (عليه السلام)
(كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا ودع مسافرا أخذ بيده ثم قال: أحسن الله لك
الصحابة، وأكمل لك المعونة، وسهل لك الحزونة، وقرب لك البعيد، وكفاك

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب آداب السفر - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب آداب السفر
(5) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب آداب أسفر - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 و 2
(8) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 و 2
167

المهم، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك، ووجهك لكل خير، عليك
بتقوى الله استودع الله نفسك، سر على بركة الله عز وجل) وقد تقدم في
الأذان ما يعلم منه حكم الأذان خلفه.
وينبغي أن يخلف في أهله وماله، وخصوصا إذا كان في سفر الحج، فقد
قال علي بن الحسين (عليهما السلام) (1): (من خلف حاجا في أهله وماله كان له
كأجره حتى كأنه يستلم الحجر).
وينبغي للمسافر المحافظة على ما حكاه الصادق (عليه السلام) في خبر حماد
ابن عيسى (2) من وصية لقمان لابنه (يا بني إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم
في أمرك وأمورهم، وأكثر التبسم في وجوههم، وكن كريما على زادك، وإذا
دعوك فأجبهم، وإذا استعانوا بك فأعنهم، واستعمل طول الصمت وكثرة
الصلاة وسخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد، وإذا استشهدوك على
الحق فاشهد لهم، واجهد رأيك إذا استشاروك، ثم لا تعزم حتى تثبت وتنظر،
ولا تجب في مشورة حتى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل
فكرتك وحكمتك في مشورتك، فإن من لم يمحض النصح لمن استشاره سلبه الله
رأيه، ونزع منه الأمانة، وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا
رأيتهم يعملون فاعمل معهم، وإذا تصدقوا وأعطوا قرضا فاعط معهم، واسمع
لمن هو أكبر منك سنا، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئا فقل: نعم، ولا تقل لا

(1) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب آداب السفر - الحديث 1 وذكر
ذيله في الباب 43 منها - الحديث 1
168

فإن لا عي ولؤم، وإذا تحيرتم في الطريق فانزلوا، وإذا شككتم في القصد فقفوا
وتآمروا، وإذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم ولا تسترشدوه، فإن
الشخص الواحد مريب لعله يكون عين اللصوص، أو يكون هو الشيطان الذي
حيركم، واحذروا الشخصين أيضا إلا أن تروا ما لا أرى، فإن العاقل إذا أبصر
بعينه شيئا عرف الحق منه، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني إذا جاء
وقت الصلاة فلا تؤخرها لشئ، صلها واسترح منها، فإنها دين، وصل في جماعة
ولو على رأس زج، ولا تنامن على دابتك فإن ذلك سريع في دبرها، وليس
ذلك من فعل الحكماء إلا أن تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل، وإذا
قربت من المنزل فأنزل عن دابتك، وابدأ بعلفها، فإنها نفسك، وإذا أردتم
النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا، وألينها تربة، وأكثرها عشبا،
فإذا نزلت فصل ركعتين قبل إن تجلس، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب
في الأرض، وإذا ارتحلت فصل ركعتين، ثم ودع الأرض التي حللت بها وسلم
عليها وعلى أهلها، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة، وإن استطعت أن لا تأكل
طعاما حتى تبدأ فتصدق منه فافعل، وعليك بقراءة كتاب الله ما دمت راكبا،
وعليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا وعليك بالدعاء ما دمت خاليا، وإياك والسير
من أول الليل، وسر في آخره وإياك ورفع الصوت في سيرك يا بني سافر بسيفك
وخفك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك، وتزود معك من الأدوية
ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لأصحابك موافقا إلا في معصية الله عز وجل)
وقال الصادق عليه السلام أيضا في خبر صفوان (1): (كان أبي عليه السلام يقول: ما يعبأ
بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال، خلق يخالق به من صحبه، وحلم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 5
169

يملك به غضبه، وورع يحجزه عن محارم الله) وهو معنى ما رواه محمد بن مسلم (1)
عنه عليه السلام (قل ما يعبأ بمن يسلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع
يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الصحبة لمن صحبه) وقال
الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (2): (وطن نفسك علي حسن الصحابة لمن
صحبت وفي حسن خلقك، وكف لسانك، واكظم غيضك، وأقل لغوك، وتفرش
عفوك، وتسخي نفسك) إلى غير ذلك مما يستفاد من رواياتهم من مكارم الأخلاق
وغيرها في السفر والحضر وخصوص سفر الحج التي يتعذر أو يتعسر استقصاؤها
خصوصا مع ملاحظة ما فيها من تعليل البركة بولادة أحد الأنبياء أو وقوع نعمة
عظيمة فيه، والشؤم بوقوع أمر سئ فيه من موت نبي أو وصي أو نوع من
غضب الله تعالى أو نحو ذلك، وقد تكفل ابن طاووس والمجلسي والكاشاني والحر
في الوسائل بجمعها أو أكثرها.
وكيف كان ف‍ (القول) الأول (في الاحرام) منها (و) يقع
(النظر في مقدماته وكيفيته وأحكامه و) خاتمته، أما (المقدمات) ف‍ (كلها
مستحبة، وهي) أمور، منها (توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة إذا أراد
التمتع، ويتأكد عند هلال ذي الحجة علي الأشبه) وفاقا للمشهور شهرة عظيمة
وخصوصا بين المتأخرين، بل لعل كافتهم عليه، إذ ابن إدريس وإن حكي عنه
الخلاف لظهور أول كلامه فيه لكن كما قيل صرح بعد ذلك بالندب، بل لم أجد
فيه خلافا من غيرهم أيضا إلا من الشيخين في المقنعة والنهاية والاستبصار، مع أن الأول منهما إنما قال: (إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة
فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه) والثاني في الأول (إذا أراد الانسان

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 4 - 2
170

أن يحج متمتعا فعليه أن يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة، ولا يمس
شيئا منها) ونحوه في الثاني، ولا صراحة بذلك في الوجوب، خصوصا بعد
معلومية التسامح من مثلهم باطلاق لفظه وإرادة الندب، فضلا عن التعبير المزبور
وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه، فإن النصوص وإن كان ظاهر الأمر ونحوه فيها
ذلك - قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن مسكان (1): (لا تأخذ من شعرك وأنت
تريد الحج من ذي القعدة ولا في الشهر الذي تريد الخروج فيه للعمرة) وفي
صحيح معاوية بن عمار (2) (الحج أشهر معلومات: شوال وذو القعدة وذو الحجة
فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة ومن أراد العمرة وفر
شهرا) وفي صحيح عبد الله بن سنان (3) (اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال
ذي القعدة، وللعمرة شهرا) وفي خبر سعيد الأعرج (4) (لا يأخذ الرجل إذا
رأى هلال ذي القعدة وأراد الخروج من رأسه ولا من لحيته) وفي موثق ابن
مسلم (5) (خذ من شعرك إذا أزمعت الحج شوال كله إلى غرة ذي القعدة)
وأبو جعفر عليه السلام في خبر أبي حمزة (6) (لا تأخذ من رأسك وأنت تريد الحج
في ذي القعدة، ولا في الشهر الذي تريد الخروج فيه للعمرة) وسأل الصادق عليه السلام
أيضا الحسين بن أبي العلاء في الحسن (7) (عن الرجل يريد الحج أيأخذ من
شعر رأسه في شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال: لا بأس ما لم ير الهلال) ويزيد
الكناسي (8) (عن الرجل يريد الحج أيأخذ من شعره في أشهر الحج؟ قال:

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 2 - 7
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 2 - 7
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 2 - 7
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 2 - 7
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 2 - 7
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 2 - 7
(7) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4 والثاني عن أبي الصباح الكناني
(8) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4 والثاني عن أبي الصباح الكناني
171

لا ولا من لحيته، ولكن يأخذ من شاربه وأظفاره، وليطل إن شاء)
إلا أن روائح الندب منه ظاهرة، خصوصا بعد ملاحظة الشهرة المزبورة،
وصحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه عليه السلام (سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ
من شعر رأسه ولحيته وشاربه ما لم يحرم قال: لا بأس) وموثق سماعة (2) عنه
عليه السلام أيضا (سألته عن الحجامة وحلق القفا في أشهر الحج قال: لا بأس والسواك
والنورة) واحتمال إرادة خصوص شوال من أشهر الحج كما ترى، وخبر محمد بن
خالد الخزاز (3) (سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: أما أنا فآخذ من
شعري حين أريد الخروج إلى مكة للاحرام) بل وخبر إسماعيل بن جابر (4)
(قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كم أوفر شعري؟ قال: إذا أردت هذا
السفر اعفه شهرا) بناء على إرادة الأعم من العمرة من السفر فيه، إذ هو حينئذ
أقل من التوفير من أول ذي القعدة، بل لعل الاعفاء فيه وفي غيره من النصوص
السابقة مشعر بالندب أيضا، وفي خبر جميل بن دراج (5) (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة قال: إذا كان جاهلا فليس عليه شئ،
وإن تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شئ، وإن تعمد
بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فإن عليه دما يهريقه) ونحوه
مرسله (6) الآخر إلا أنه ذكر الناسي مع الجاهل في المعذورية، وبمضمونها
ما حكي من عبارة الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام) (7) وظاهره

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحرام - الحديث 6 - 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحرام - الحديث 6 - 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحرام - الحديث 6 - 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الاحرام الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التقصير - الحديث 5 - 1
(6) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التقصير - الحديث 5 - 1
(7) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
172

معروفية الثلاثين في التوفير لا غرة ذي القعدة.
ومنه تقوى دلالة الخبر السابق عليه، فيجب الجمع بينهما بتفاوت مراتب
الندب، كما فهمه المشهور الذي قد يؤيده أيضا خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه
المروي عن قرب الإسناد (من أراد الحج فلا يأخذ من شعره إذا مضت عشرة
من شوال) المعلوم عدم إرادة الحرمة منه، بل لم أعثر على مفت فيه بالكراهة
عد الحر في الوسائل.
وعلى كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور عملا
بالأمر والنهي المزبورين في النصوص السابقة مقتصرا على ذكر موثق سماعة في
المعارضة طاعنا فيه في السند بل والدلالة باعتبار إمكان إرادة ذي القعدة من أشهر
الحج فيه في غير محلها، لما عرفت من الشهرة العظيمة وصحيح علي بن جعفر وغير ذلك
ثم إنه يمكن إرادة ما يشمل اللحية من الرأس في المتن ونحوه كما عن الشيخ
وبني إدريس وسعيد والبراج والفاضل في جملة من كتبه التصريح به، لخصوص
خبر سعيد الأعرج بل واطلاق شعرك وشعر رأسه في النصوص المزبورة بناء
على ما في كشف اللثام من أن الرأس قد يشمل الوجه، فشعره يشمل شعره،
وإن كان الظاهر انسياق غيرها منه، وأما ما سمعته من المفيد فلم أجد ما يدل
عليه سوى خبر جميل (2) السابق المطعون في سنده بعلي بن حديد، وحمله بعضهم
على الندب، وآخر على وقوع ذلك بعد الاحرام، لتقييد السؤال بكونه بمكة
مع تقييد الجواب به، لعود الضمير فيه إلى المسؤول عنه، ومن هنا قيل إنه
ساقط، لكونه ضعيف السند، متهافت المتن، فلا يصلح لاثبات حكم شرعي،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب التقصير - الحديث 5
173

لكن في كشف اللثام قد استدل به على تأكد الندب عند هلال ذي الحجة الذي
ذكره المصنف وتبعه الفاضل، ثم قال: ويحتمل اختصاصه بمتمتع دخل مكة،
وهو حينئذ محرم، وألزمه المفيد الدم بالحلق بعد هلال ذي القعدة، وهو الذي
أوجب نسبة وجوب التوفير إليه، لكن ابن سعيد وافقه فيه مع أنه قال: ينبغي
لمن أراد الحج توفير شعر رأسه ولحيته، قلت: ومن هنا لا صراحة في كلامه
بالمخالفة وإن قلنا بوجوب الدم، مع امكان إرادته الندب منه أيضا، نعم لا يخفى
عليك عدم دلالته على التأكد المزبور، بل في الرياض في كل من الاستدلال به
على ذلك والاحتمال المذكور نظر، وإن كان في النظر في الأخير نظر، ضرورة
احتمال الخبر المزبور لذلك على أن يكون المراد بيان حكم التمتع الذي دخل مكة في
شوال وفي غيره، فلا بأس بالحلق فيه بعد الاحلال من عمرة التمتع لبقاء زمان توفير
الشعر فيه للحج، بخلاف ما إذا كان في ذي القعدة مثلا، وحينئذ يراد من
الثلاثين فيه الثانية الكناية عن شوال التي بمضيها تحل الثلاثون التي يوفر فيها
الشعر للحج، فقوله (عليه السلام): (التي يوفر فيها الشعر للحج) كالوصف
للأيام المستفادة من قوله (عليهما السلام): (بعد) وهي أيام ذي القعدة، ولعل
هذا أولى مما في الحدائق من تقدير بعد دخول الثلاثين لا مضيها ردا علي صاحب
المدارك، ضرورة كون المنساق من قوله (بعد) معنى المضي لا الدخول، لكن
ما ذكرناه أحسن وعلى التقديرين تصلح دلالة الخبر المزبور، إلا أن الانصاف
مع ذلك كله عدم وضوح دلالة الخبر على وجه يصلح لاثبات الوجوب كما سمعته
من المفيد، نعم لا بأس بالقول باستحباب إهراق الدم بذلك.
ثم لا يخفى عليك إطلاق النصوص المزبورة، إلا أن المصنف تبعا للشيخ
وابن حمزة قيده بالتمتع، وتبعه الفاضل في كثير من كتبه، ولا ريب أن الأول
أولى، وأولى منه ذكر استحباب توفيره للعمرة المفردة شهرا، كما صرح به في
174

الدروس، لما سمعته من النص (1) بل والتحرير وإن قال من أول الشهر الذي يريد
العمرة فيه، لما سمعته من النص (2) أيضا، وجعل في الوسائل المستحب أحدهما،
ويمكن كون المراد بأحدهما عين الآخر، وعلى كل حال لم يذكر أحد منهم الخلاف
فيها، لاقتصار عبارة الشيخين على الحج لكن فيه أن النصوص متحدة الدلالة
فيهما معا، وبذلك يظهر لك أيضا قوة الندب، فالتحقيق حينئذ الندب فيهما معا
كما عرفت، والله العالم.
(و) منها (أن ينظف جسده) من الأوساخ (ويقص أظفاره ويأخذ
من شاربه ويزيل الشعر من جسده وإبطيه مطليا) بلا خلاف أجده في شئ من
ذلك، بل النصوص فيما عدا الأول مستفيضة، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح
معاوية بن عمار (3): (إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من
هذه المواقيت وأنت تريد الاحرام إن شاء الله فانتف إبطيك، وقلم أظفارك،
وأطل عانتك، وخذ من شاربك، ولا يضرك بأي ذلك بدأت، ثم استك
واغتسل والبس ثوبيك، وليكن فراغك من ذلك إن شاء الله عند زوال الشمس،
فإن لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك) وفي صحيحه الآخر (4): (إذا
انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقت رسول الله صلى الله عليه وآله فانتف إبطيك، واحلق
عانتك، وقلم أظفارك، وقص شاربك، ولا يضرك بأي ذلك بدأت) وفي حسن
حريز (5) (السنة في الاحرام تقليم الأظفار، وأخذ الشارب، وحلق العانة)
وسأله في صحيحه الآخر (6) (عن التهيؤ للاحرام فقال: تقليم الأظفار، وأخذ

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الاحرام
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الاحرام - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 5 - 1
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 5 - 1
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 5 - 1
175

الشارب، وحلق العانة)) وأما الأول فقد يومي إليه - مضافا إلى استحباب الطهور
للمؤمن مطلقا، ولذا علل التنوير به في النصوص (1) وإلى طول منعه منه -
اختصاص الاحرام بالغسل له المرشد إليه، بل قد يومي النص على الأمور المزبورة
إلى كونه كالجمعة المستحب فيها ذلك، بل ينبغي غير ذلك من قطع الرائحة
الكريهة عن إبطيه مثلا وغيره مما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، فما في اللمعة
والدروس من إبدال الواو بالباء لعدم دليل عليه بالخصوص في غير محله، لما عرفت
من رجحان التنظيف بنفسه لا أنه بخصوص قص الأظفار ونحوه، نعم الظاهر
إلحاق حلق العانة وغيرها بطليها، لما سمعته من النص وإن صرح في الدروس
بكونه أفضل.
(ولو كان قد أطلى) مثلا (أجزأه ما لم يمض خمسة عشر يوما)
لعموم (2) تحديد ما بين الطليتين بها، وخصوص خبر علي بن أبي حمزة (3) قال:
(سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر فقال: إذا أطليت للاحرام
الأول فكيف أصنع بالطلية الأخيرة؟ وكم بينهما؟ قال: إذا كان بينهما جمعتان
خمسة عشر يوما فاطل) ولكن في خبرة الآخر (4) (لا بأس أن يطلي قبل
الاحرام بخمسة عشر يوما) وهو دال على الاجتزاء به ولو مضت خمسة عشر يوما
ويمكن حمله على إرادة بين أصل الجواز، أو يراد منها التقريبية لا التحقيقية،
أو غير ذلك، وسأله (عليه السلام) معاوية بن عمار (5) أيضا (عن الرجل يطلي

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب آداب الحمام من كتاب الطهارة
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الحمام من كتاب الطهارة
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 5 - 6
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 5 - 6
176

قبل أن يأتي الوقت بست ليال قال: لا بأس، وسأله عن الرجل يطلي قبل أن
يأتي مكة بسبع أو ثمان ليال قال: لا بأس) إلا أن الجميع حتى المفهوم من الأول
منها المحمول على إرادة عدم التأكد كما ترى لا ينافي استحباب إعادة الاطلاء
وإن مضى له أقل من ذلك كما عن الشيخ والفاضل التصريح به، لاطلاق الأدلة
السابقة، وخصوص خبر ابن أبي يعفور (1) قال: (كما بالمدينة فلاحاني زرارة
في نتف الإبط وحلقه، قلت حلقه أفضل، وقال زرارة نتفه أفضل، فاستأذنا
على أبي عبد الله عليه السلام فأذن لنا وهو بالحمام يطلي قد طلي إبطيه فقلت لزرارة
يكفيك فقال: لا لعله فعل هذا لما لا يجوز لي أن أفعله، فقال: فيم أنتما،
فقلت: إن زرارة لاحاني في نتف الإبط وحلقه، فقلت: حلقه أفضل وقال
زرارة: نتفه أفضل، فقال: أصبت السنة وأخطأها زرارة، حلقه أفضل
من نتفه، وطليه أفضل من حلقه، ثم قال لنا اطليا، فقلنا فعلنا منذ ثلاث،
فقال: أعيدا فإن الاطلاء طهور) بل قال عليه السلام في خبر آخر لأبي بصير (2): (تنور
فقال: إنما تنورت أول من أمس واليوم الثالث، فقال: أما علمت أنها طهور
فتنور) بل لعله ليس في عبارة المصنف ما ينافي ذلك، لعدم المنافاة بين الاجزاء
والفضل، بل قد يناقش في دلالة النصوص السابقة على إجزائه عن إعادته

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 85 من أبواب آداب الحمام الحديث
4 وذيله في الباب 32 منها الحديث 5 إلا أنه قال عند ذكره الذيل عن عبد الله بن
أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام - في حديث أنه قال له ولأبي بصير. اطليا. الخ
وهو سهو فإن الموجود في الكافي ج 4 ص 327 والتهذيب ج 5 ص 62 كالجواهر
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 4 من
كتاب الطهارة
177

للاحرام مع مضي الأقل بيسير، وخصوصا ما عد الأول منها، بل والأول
المراد منه أن ذلك نهاية الفصل بينهما، فلا ينافي استحباب الإعادة قبل ذلك،
خصوصا للاحرام الذي إذا وقع مثلا قبل مضيها بيوم مثلا قد يستمر إلى غيره
أياما نريد على مدة الفصل، ومنه ينقدح أن للاحرام خصوصية أخرى، وخبر
أبي بصير الدال علي الاجزاء له وإن مضي خمسة عشر يوما قد عرفت أنه محمول
على إرادة بيان الجواز لا الاجزاء في الفضل، والله العالم.
(و) منها (الغسل للاحرام) للأمر به في النصوص (1) المستفيضة أو المتواترة
المحمول عليه إجماعا محكيا عن التذكرة والتحرير إن لم يكن محصلا، بل عن
المنتهى لا نعرف فيه خلافا، وكأنه لم يعتد بما حكاه في المختلف عن الحسن من
الوجوب، وقد تقدم الكلام فيه في الأغسال المسنونة.
(وقيل) والقائل الشيخ وابن البراج في محكي المبسوط والمهذب، بل في المسالك
حكايته عن الشيخ وجماعة، بل قال بعد ذلك أنه اختاره جماعة من الأعيان: (إن
لم يجد ماء تيمم له) لاطلاق ما دل (2) على تنزيل التراب منزلة الماء، وأنه يكفيك
عشر سنين، من غير فرق بين الطهارة وغيرها، كما أنه لا فرق بين عدم الوجدان
وبين غيره من الأعذار، وهو معنى ما عن التذكرة من تعليله بأنه غسل مشروع
فناب عنه التيمم كالواجب لكن في كشف اللثام هنا (وضعفه ظاهر) وفي المدارك
(هو ضعيف جدا) قلت: وربما أشعر بضعفه أيضا نسبة المصنف له إلى القيل،
وقد تقدم تحقيق الحال في ذلك في كتاب الطهارة.
(ولو اغتسل وأكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم أكله ولا لبسه أعاد الغسل

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب التيمم من كتاب الطهارة
178

استحبابا) لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (1) (إذا لبست ثوبا لا ينبغي
لك لبسه، أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل) وفي صحيح عمر
ابن يزيد (2) (إذا اغتسلت للاحرام فلا تقنع ولا تطيب ولا تأكل طعاما فيه طيب
فتعيد الغسل) وأبي جعفر عليه السلام في خبر محمد بن مسلم (3) (إذا اغتسل الرجل
وهو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبي فعليه الغسل) بل خبر علي بن
أبي حمزة (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اغتسل للاحرام ثم لبس قميصا
قبل أن يحرم قال: قد انتقض غسله) وإن كان الظاهر إرادة استحباب الإعادة
من النقض لا البطلان من رأس، وإن كان ربما يقال به مؤيدا بدعوى إشعار الإعادة
في النص به، لكنه خلاف ظاهر الفتوى، بل مقتضى صحيح عمر استحباب إعادته
للتطيب أيضا كما في الدروس، نعم لا دلالة في شئ منها على استحباب إعادته بفعل
ما عدا ذلك من تروك الاحرام، اللهم إلا أن يجعل ما فيها مثالا لغيره، لكن في
مرسل جميل (5) عن الصادق عليه السلام (في رجل اغتسل للاحرام ثم قلم أظفاره قال:
يمسحها بالماء ولا يعيد الغسل) وسأله ابن أبي يعفور (6) (ما تقول في دهنه بعد
الغسل فقال: قبل وبعد ومعه ليس به بأس) وإن أمكن إرادة بيان عدم التأكد
(ويجوز له) أي المحرم (تقديمه) أي الغسل (على الميقات إذا
خاف عوز الماء فيه) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الذخيرة والرياض

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 وهو مرسل
جميل عن أبي جعفر عليه السلام كما في الكافي ج 4 ص 328 والتهذيب ج 5 ص 66
(6) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 6
179

وغيرهما، بل في المدارك الاجماع عليه لكن في النافع (وقيل يجوز تقديم
الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء، ويعيد لو وجده) مشعرا بتمريضه،
وفيه أن النصوص دالة عليه، ففي صحيح هشام بن سالم (1) (أرسلنا إلى
أبي عبد الله (عليه السلام) ونحن جماعة بالمدينة إنا نريد أن نودعك، فأرسل إلينا
أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف أن يعز عليكم الماء بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة
والبسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني - إلى أن قال - فلما
أردنا أن نخرج قال: لا عليكم أن تغتسلوا إذا وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة)
وقال أبو بصير (2) (سألته عن الرجل يغتسل بالمدينة لاحرامه أيجزيه ذلك عن
غسل ذي الحليفة؟ قال: نعم) ونحوه صحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام
وفي صحيح معاوية بن وهب (4) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ونحن بالمدينة
عن التهيؤ للاحرام فقال: أطل بالمدينة وتجهز بكل ما تريد واغتسل، وإن
شئت اشتملت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة) إلى غير ذلك من النصوص
التي ظاهرها عدا الأول منها جواز التقديم مع عدم خوف إعواز الماء كما مال إليه
سيد المدارك والفاضل الإصبهاني وصاحب الذخيرة، مضافا إلى إطلاق أدلة
الغسل، لكن في التنقيح بعد أن اعترف باقتضاء الاطلاق ذلك قال: (والشيخ
قيده بالخوف وهو جيد، إذ العمل بالاطلاق لم يقل به قائل) وفيه أن عدم
القائل لا ينافي وجوب العمل بالخبر الجامع لشرائط الحجية، إلا أن يكون ذلك
عن إجماع على العدم، وفي دعواه هنا منع، والتنظير بغسل الجمعة الذي يقدم يوم

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
180

الخميس للخوف لا يقتضي ذلك، فمن الغريب ما في الرياض من جعل ما في التنقيح
اجماعا منقولا وقيد به النصوص بل تردد في تناول إطلاق النصوص لصورة
عدم الخوف، إذ لا يخفى عليك ما فيه، نعم قد يقال إن التعليل في الصحيح
الأول مؤيدا بذلك يقتضي التقييد المزبور، إلا أن الانصاف قصوره عن ذلك
على وجه يقتضي عدم المشروعية لزيادة التنظيف، فالجزم بذلك كما في الرياض
لا يخلو من منع.
بل ربما احتمل في عبارة المصنف في النافع أن يكون التمريض الذي اشعر
به لفظ القيل راجعا إلى التقييد بالخوف الذي مقتضى النصوص عدمه، لا لمطلق
التقديم المصرح به في النص والفتوى، أو يكون راجعا إلى الحكم الأخير
(و) هو
(لو وجده) في الميقات (استحب له الإعادة) لعدم دليل واضح عليه عدا
قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيح السابق (ولا عليكم) إلى آخره الذي لا
دلالة فيه على الندب الذي هو أخص من نفي البأس، ولكن فيه معلومية اعتبار
الرجحان في العبادة متى شرعت، كما هو واضح، بل لا فرق في استحباب الإعادة
معه بين لبس ثوبي الاحرام حين الغسل وعدمه.
ثم لا يخفى عليك أن الصحيح الأول (1) ظاهر في استحباب لبس ثوبي
الاحرام عند الغسل وإن تأخر الاحرام لوقته، فيجوز حينئذ له عدم اللبس كما
في صحيح ابن وهب (2) وحكي التصريح به عن النهاية والمبسوط، هذا، وعن
التحرير والمنتهى والتذكرة تقييد جواز التقديم بأن لا يمضي عليه يوم وليلة،
ونفى عنه البأس في كشف اللثام، ولعله لما تسمعه عن قريب إن شاء الله.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
181

(و) كيف كان فلا خلاف أجده في أنه (يجزي الغسل في أول النهار ليومه)
إذا أراد الاحرام فيه (وفي أول الليل لليلته ما لم ينم) بل قيل إنه مقطوع به
في كلام الأصحاب لخبر أبي بصير (1) (أتاه رجل وأنا عنده، فقال: اغتسل
بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى فقال: يعيد الغسل، يغتسل نهارا
ليومه ذلك، وليلا لليلته) وصحيح عمر بن يزيد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
(من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل
ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر) وخبر سماعة بن مهران (3) عنه عليه السلام
أيضا (من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه
أجزأه غسله، ومن اغتسل في أول الليل ثم أحرم في آخر الليل أجزأه غسله)
بناء على أن المراد عند طلوع الفجر من قوله قبله فيه، وفي وافي الكاشاني كان
المراد بالاستحمام تنظيف البدن، بل في صحيح جميل (4) عنه عليه السلام أيضا أنه قال:
(غسل يومك يجزيك لليلتك وغسل ليلتك يجزيك ليومك) ونحوه خبر حسين
الخراساني (5) عن أحدهما (عليهما السلام) المروي عن مستطرفات السرائر وأفتى
به جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن المقنع، ونفى عنه البأس في
الرياض، قال: (ولكن الأفضل الإعادة لصريح بعض الأخبار السابقة المؤيد بلفظ
الاجزاء في هذه الرواية) قلت: قد يشعر لفظ الاجزاء في عبارة المشهور بأن
ذلك أقل المجزي، ولولاه لأمكن الجمع بين النصوص بما ذكره على معنى تفاوت
مراتب الاجزاء مؤيدا باستبعاد عدم إجزائه مثلا لليل أو للنهار مع فرض وقوعه

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 4 - 5 - 1 - 6 والثاني عن عثمان بن يزيد كما في التهذيب ج 5 ص 64 إلا أن الموجود في الطبع الحديث من الوسائل عن عثمان (عمر) بن يزيد.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
182

في آخر جزء منهما، اللهم إلا أن يراد تقدير زمان الليل أو النهار من كل منهما،
وربما يومي إلى ما ذكرناه في الجملة ما سمعته في خبر سماعة الذي لا يخفى بعد حمل
ما قبل الفجر فيه على ما بعده، كبعد حمل اللام في الخبرين على معنى (إلى)
ليوافق النصوص السابقة المعتضدة بشهرة الأصحاب، ولعل الفاضل فيما مضى من
تقييد التقديم بما سمعت نظر إلى الخبرين المزبورين، ولكن عليه كان الأولى
التقييد بما سمعته من المشهور، بل الظاهر أن هذه المسألة غير تلك المسألة التي
يراد فيها التقديم لخائف الاعواز وإن تأخر أياما، فتأمل جيدا، كما أن
الانصاف عدم خلو القول بمضمون الخبرين المزبورين وإن كان هو دون ذلك في
الفضل من وجه.
بقي الكلام في تقييد ذلك بعدم النوم، ويدل عليه صحيح النضر بن
سويد (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) (سألته عن الرجل يغتسل للاحرام ثم
ينام قبل أن يحرم قال: عليه إعادة الغسل) وخبر علي بن أبي حمزة (2) (سألت
أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اغتسل للاحرام ثم ينام قبل أن يحرم قال:
عليه إعادة الغسل)) مؤيدا ذلك بما دل عليه فيمن اغتسل لدخول مكة أو الطواف
كالصحيح (3) (عن الرجل يغتسل لدخول مكة ينام فيتوضأ قبل أن يدخل
أيجزيه ذلك أم يعيد؟ قال: لا يجزيه ذلك، لأنه إنما دخل بوضوء) ولكن
مقتضى الجمع بينهما وبين صحيح العيص بن القاسم - (4) (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الاحرام الحديث 1 - 2 - 3
183

قال: ليس عليه غسل) - استحباب الإعادة لا انتقاض الغسل، واحتمال كون المراد
من صحيح العيص عدم مشروعية الإعادة كما عن ابن إدريس مقتض لطرح
ما سمعته من النص المؤيد بأنها مبالغة في التنظيف، فالأولى حمله على إرادة عدم
النقض على معنى أن ليس عليه ذلك كمن لم يغتسل، ولعله أولى من حمله على عدم
التأكد كما في المدارك ومما حمله الشيخ عليه من نفي الوجوب المنافي لمقتضى سوقه
من أن سقوطه للاعتداد بالغسل المتقدم لا لكونه غير واجب، هذا.
وفي القواعد (ولو أحدث بغير النوم فاشكال ينشأ من التنبيه بالأدنى علي
الأعلى، ومن عدم النص) بل وفي الدروس (الأقرب أن الحدث كذلك) ونفى
عنه في المسالك البأس، ولعله لكونه مساويا له أو أقوى باعتبار تلويثه للبدن،
بل في كشف اللثام الظاهر أن النوم إنما صار حدثا لأن معه مظنة الأحداث
فحقائقها حينئذ أولى، بل في المختلف تعليل الإعادة للنوم بأنه يبطل الطهارة الحقيقية
فالوهمية أولى، بل في المسالك (الاتفاق على نقض الحدث غيره مطلقا والخلاف فيه
علي بعض الوجوه) إلا أن ذلك كله كما ترى لا يصلح دليلا وإن قلنا بالتسامح
على أن دعوى الاتفاق المزبور لا تخلو من نظر أو منع.
نعم في الموثق (1) (عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار ويزور بالليل بغسل
واحد قال: يجزيه إن لم يحدث، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله) ولا
صراحة فيه بانتقاضه بذلك وإن ادعاها في الرياض، كدعواه دلالة صحيح
مكة (2) على مشاركة النوم غيره من الأحداث في نقض الغسل، مع أنه على

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب زيارة أبيت - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 1
184

ما سمعته لا إشعار فيه بذلك، فالتحقيق عدم النقض هنا بالنوم فضلا عن غيره
بل الظاهر قصر استحباب الإعادة في الاحرام عليه دون غيره، لحرمة القياس،
بل لعل إطلاق الاجتزاء بالغسل في أول اليوم والليلة مع غلبة تخلل الحدث مما
يقتضي عدمه، بل لعله بملاحظة الغلبة المزبورة في الليل يتقوى عدم الانتقاض
بالنوم أيضا كما ذكرناه، ولعله لذا كان خيرة الفخر والكركي وسيد المدارك
والإصبهاني قصر الحكم على النوم، وقد تقدم في الأغسال المندوبة بعض الكلام
في ذلك، والظاهر مساواة غسل الزيارة وغيره من أغسال الأفعال لغسل الاحرام
في الاجتزاء به من أول اليوم والليل لبقيتهما، بل قد سمعت الموثق الدال على
الاجتزاء به لليل أيضا، وأما انتقاضه بالنوم وغيره من مطلق الحدث أو
استحباب إعادته فقد سمعت دعوى الاتفاق هنا، لكن لم نتحققه، وقد تقدم
في كتاب الطهارة تحقيق الحال.
(ولو أحرم بغير غسل أو صلاة) يأتي استحباب الايقاع عقيبها ناسيا
(ثم ذكر) أو عامدا عالما أو جاهلا (تدارك ما تركه وأعاد الاحرام)
استحبابا على المشهور بين الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا بناء على استحبابهما
بل ولا وجها، ضرورة عدم تعقل وجوب الإعادة مع كون المتروك مندوبا،
وقول الشيخ في النهاية (من أحرم من غير صلاة وغير غسل كان عليه إعادة
الاحرام بصلاة وغسل) لا صراحة فيه بالوجوب، خصوصا بعد قوله في المبسوط
(كان إحرامه منعقدا غير أنه يستحب له إعادة الاحرام بصلاة وغسل) نعم
ما يحكي عن أبي علي (ثم اغتسل وليس ثوبي الاحرام وصلى لاحرامه لا يجزيه
غير ذلك إلا الحائض، فإنها تحرم بغير صلاة - قال ولا ينعقد الاحرام إلا في
الميقات بعد الغسل والتجرد والصلاة) ظاهر في وجوب الغسل والصلاة وحينئذ
يتجه وجوب الإعادة.
185

وعلى كل حال فالأصل في ذلك صحيح الحسن بن سعيد (1) (كتبت إلى
العبد الصالح أبي الحسن عليه السلام رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما
ما عليه في ذلك؟ وكيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب (عليه السلام) يعيده)
بعد حمل الأمر فيه على الندب لما عرفت. مؤيدا بما قيل من إشعار قوله في
السؤال (وكيف ينبغي له أن يصنع) الذي يقتضي مطابقة الجواب له به وإن
نوقش فيه، ولكن العمدة ما ذكرناه، بل الظاهر المفروغية منه بين الأصحاب،
نعم قال ابن إدريس على ما في المختلف بعد أن حكى ذلك عن الشيخ إن أراد أنه
نوى الاحرام وأحرم ولبى من دون صلاة وغسل فقد انعقد إحرامه، فأي إعادة
تكون عليه، وكيف يتقدر ذلك، وإن أراد أنه أحرم بالكيفية الظاهرة من
دون النية والتلبية فيصح ذلك ويكون لقوله وجه، ورده في المختلف بأنه إنما
قصد الشيخ أنه إذا عقد احرامه بالتلبية والنية ولبس الثوبين التي هي أركان
الاحرام وأجزاؤه من غير غسل ولا صلاة استحب له إعادة التلبية ولبس الثوبين
والنية، عملا برواية الحسن بن سعيد الصحيحة، ولا استبعاد في استحباب إعادة
الفرض لأجل النفل كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل المصلي فيها متعمدا بعير أذان
ولا إقامة، فإنه يستحب له إعادتها، وقد استظهر منه في المسالك الحكم ببطلان
الأول، وتبعه في المدارك ثم أورد عليه في الأول بما حاصله وضوح الفرق بين
المقامين، فإن الصلاة تقبل الابطال بفعل منافياتها ولو نية الابطال، بخلاف
الاحرام الذي لا يقبله إلا بالاتمام أو ما يقوم مقامه إذا صد أو أحصر.
قلت لعل ابن إدريس فهم من عبارة الشيخ في النهاية وجوب الإعادة
المقتضية لبطلان الأول بترك ما لا يقتضيه من المستحب، فأنكر عليه ذلك ورده

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
186

الفاضل بأنه لا مانع من الإعادة بترك المستحب للدليل كما في الصلاة بترك الأذان والإقامة، وليس مقصوده من التشبيه البطلان أيضا كما عساه يتوهم، بل المراد
أن إعادة الصحيح تكون بترك المستحب وإن لم يكن الأول باطلا، وكان الأولى
تشبيهه بإعادة الصلاة جماعة بعد أن صليت فرادى، ويقع له خيرهما من غير بطلان
في الأولى، ولعله لذا قال في الدروس: ولو نسي الغسل أو النافلة أعاد الاحرام
بعدهما مستحبا خلافا لابن إدريس، إذ نفى الإعادة مع صحة الاحرام، والمعتبر
هو الأول، ثم كتب في الحاشية التي كتب تحتها أنها منه المعتبر في الاجزاء
الأول، وفي الكمال الثاني، ومن ذلك أخذ الإصبهاني ما في كشفه حيث إنه
بعد أن ذكر استحباب الإعادة ودليلها قال: (وأنكره ابن إدريس إلا أن
يراد صورة الاحرام من التجرد وليس الثوبين من غير نية، فإنه إذا نواه انعقد
ولم يمكنه الاحلال إلا بالاتمام أو ما يقوم مقامه إذا صد أو أحصر، وليس
كالصلاة التي تبطل بمنافياتها وبالنية، فلا يتجه ما في المختلف من أنه كالصلاة
التي يستحب إعادتها إذا نسي الأذان والإقامة، والجواب أن الإعادة لا تفتقر
إلى الابطال، لم لا يجوز أن يستحب تجديد النية وتأكيدها للخبر، وقد ينزل عليه
ما في المختلف) انتهى.
وعلى كل حال فإن كان مراد ابن إدريس الرد على الشيخ في الوجوب
المقتضي لبطلان الأول أو تعبدا كان في محله، وإلا كان محلا للنظر إلا أن
يكون مبناه عدم العمل بخبر الواحد وإن كان صحيحا، وقد عرفت ضعفه في
محله، هذا، وفي الرياض بعد أن حكى ما سمعته من كشف اللثام قال: (وهو
حسن إن تم منع افتقار الإعادة إلى الابطال، وفيه نظر لتبادره منها عرفا، وقد
صرح في الأصول بأنها عبار ة عن الاتيان بالشئ ثانيا بعد الاتيان به أولا،
لوقوعه علي نوع خلل، قالوا كتجرده عن شرط معتبر، أو اقترانه بأمر مبطل،
187

فتدبر ولعله لذا لم يجب عن الحلي أحد من المتأخرين إلا بابتناء مذهبه هنا على
مذهبه في أخبار الآحاد من عدم حجيتها، وهو ضعيف، وعلى هذا فالمعتبر
من الاحرامين ثانيهما كما هو ظاهر المختلف والمنتهى وغيرهما، خلافا للشهيدين
فأولهما، قال ثانيهما: (إذ لا وجه لابطال الاحرام بعد انعقاده، فلا وجه
لاستئناف النية، بل ينبغي أن يكون المعاد هو التلبية واللبس خاصة) انتهى
وفيه ما عرفت من ظهور النص في الابطال من جهة لفظ الإعادة المفهوم منه ذلك
عرفا وعادة، هذا مضافا إلى ما ذكره بعض المحدثين في الجواب عنه بأن النية
الأولى إنما كانت معتبرة بمقارنة اللبس والتلبية مثل نية الصلاة المقارنة للتكبير،
فإذا بطل تكبيرة الاحرام بطلت النية الأولى، فكذا هنا).
قلت لا يخفى عليك ما فيه، بل هو من غرائب الكلام، ضرورة أن
ما ذكره من الإعادة اصطلاح لأهل الأصول لا يحمل عليه ما في النصوص، على
أن قولهم: (كاخلال بشرط) إلى آخره قاض بخلافه هنا، ضرورة عدمه، على
أنه بعد حمل الأمر بالإعادة على الندب لا يتم ما ذكره من الظهور المزبور،
الفرض أنه قد اعترف أولا بالاستحباب، على أن مقتضاه حصوله بالإعادة نفسها
ولم يسمع من أحد كونه من مبطلات الاحرام، وما حكاه عن بعض المحدثين
لا نعرف له حاصلا، إذ لم يقل أحد ببطلان اللبس والتلبية المستلزمين لبطلان النية
قياسا على تكبيرة الاحرام، وإنما ذكر ثاني الشهيدين بعد الحكم بصحة الاحرام
الأول أن الإعادة التي لا تقتضي بطلانه تتحقق بابتداء التلبية واللبس من غير
حاجة إلى تجديد نية، فأقصى ما فيه إمكان تحقق الإعادة التامة بدونها لا أنه
يقول ببطلان التلبية واللبس دونها، وبالجملة هذا الكلام كله لا يسطر.
بقي الكلام في قول الفاضل في القواعد بعد أن حكم بالإعادة أي ندبا:
(وأيهما المعتبر إشكال، وتجب الكفارة بالمتخلل بينهما) فإن ظاهره المفروغية من
188

الكفارة التي مقتضاها صحة الأول، فلا يناسبه الاشكال في المعتبر منهما، وفي
كشف اللثام لعل استشكاله هنا لاحتمال الاحلال هنا بخصوصه للنص، والوجوب
الكفارة بالمتخلل فلاعتبار الأول ما لم يحل، وفي الرياض بعد أن ذكر الخلاف
ورجح البطلان بما سمعت قال: (وتظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للمتخلل
بين الاحرامين، واحتساب الشهر بين العمرتين، والعدول إلى عمرة التمتع لو وقع
الثاني في أشهر الحج، لكن ظاهر القواعد خروج الأول من البين، ووجوب
الكفارة على القولين، فإن تم اجماعا وإلا فهو منفي على المختار قطعا، وكذا
مع التردد بينه وبين مقابله عملا بالأصل السالم عن المعارض، إلا أن يمنع
باستصحاب بقاء الاحرام الأول الموجب للكفارة بالجناية فيه، والإعادة لا تقطعه
بناء على الفرض، وفيه نظر).
قلت لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه المقتضي لعدم
الاشكال في وجوب الكفارة للمتخلل، لبقاء صحة الاحرام الأول وإن استحب
الإعادة التي لا تبطله، بل هو حكم تعبدي شرعي لتدارك الفضيلة نحو إعادة
الصلاة جماعة ويحسب له في الواقع أفضلهما نحو ما ورد في الصلاة جماعة، وأن
بقيت الأحكام الظاهرية على الأول المحكوم بصحته ظاهرا، ولعل اشكال الفاضل
في المعتبر منهما بالنسبة إلى الكمال بمعنى أنه الأول وإن لحقه ما يقتضي كماله، أو
أنه الثاني وإن بقيت الأحكام للأول، فتأمل جيدا.
ثم إن ظاهر قول المصنف (ثم ذكر) فرض المسألة في الناسي كما صرح به
بعضهم، لكن فيه أن الصحيح (1) المزبور في الجاهل والعالم من دون تعرض
للناسي، اللهم إلا أن يفهم لحوقه بالفحوى، كما أن المفروض فيه ترك الغسل أو

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
189

الصلاة فيكفي فيه ترك أحدهما، فما سمعته من النهاية من اعتبار تركهما معا في غير
محله، كالمحكي عن بعضهم من الاقتصار على الأول منهما، فتأمل جيدا، والله العالم
(و) منها - كما ذكره المصنف وغيره (أن يحرم عقيب فريضة الظهر أو
فريضة غيرها وإن لم يتفق صلى للاحرام ست ركعات) وأوسطه أربع ركعات
(وأقله ركعتان يقرأ في الأول الحمد وقل يا أيها الكافرون وفي الثانية الحمد وقل هو الله
أحد وفيه رواية أخرى) (1) بالعكس، والمراد بقرينة قوله بعد ذلك: (ويوقع)
إلى آخره أنه مع حضور الفريضة يصلي نافلة الاحرام ثم الفريضة ثم يحرم عقيبها،
ومع عدم الفريضة يحرم عقيب النافلة لا أنه مع الفريضة تسقط نافلة الاحرام كما
ادعى في المسالك أنه ظاهر العبارة، قال: (وليس كذلك، وإنما السنة أن يصلي
ستة الاحرام أولا) إلى آخر ما ذكرناه: ثم قال: (وقد اتفق أكثر العبارات
على القصور عن تأدية المراد هنا) وقد سبقه إلى ذلك الكركي في حاشيته على
الكتاب لكن قد يقال لا قصور في نحو عبارة المتن بعد ملاحظة القرينة التي
ذكرناها كالمحكي من عبارة المبسوط. قال (وأفضل الأوقات التي يحرم فيها عند
الزوال ويكون ذلك بعد فريضة الظهر، فإن اتفق أن يكون في غير هذا الوقت جاز،
والأفضل أن يكون عقيب فريضة، فإن لم يكن فريضة صلى ست ركعات من
النوافل وأحرم في دبرها، فإن لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان - إلى أن قال -
ويجوز أن تصلى صلاة الاحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت
فريضة قد تضيق، فإن تضيق الوقت بدأ بالفرض ثم الاحرام، وإن كان أول
الوقت بدأ بصلاة الاحرام ثم بصلاة الفرض) ونحوه عبارة النهاية، ولا ريب
أن التدبر فيهما يقتضي ما قلناه.

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القراءة في الصلاة - الحديث 2
من كتاب الصلاة
190

ومن هنا قال ابن إدريس في المحكي من سرائره: (أفضل الأوقات التي يحرم
فيها الانسان بعد الزوال، ويكون ذلك بعد فريضة الظهر، فعلى هذا تكون ركعتا
الاحرام المندوبة (المندوبتان ظ) قبل فريضة الظهر بحيث يكون الاحرام عقيب صلاة
الظهر) ثم ساق الكلام على نحو ما ذكره الشيخ، وهو صريح فيما ذكرناه، وقال
في المقنعة: (وإن كان وقت فريضة وكان متسعا قدم نوافل الاحرام، وهي ست
ركعات، ويجزي منها ركعتان، ثم صلى الفريضة وأحرم في دبرها فهو أفضل،
وإن لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات) وقال في التحرير (يستحب له أن
يحرم بعد الزوال عقيب صلاة الظهر، يبدأ بصلاة الاحرام، وهي ست ركعات،
فإن لم يتمكن فركعتان، ثم يصلي الظهر ثم يحرم عقيب صلاة الظهر، وإن لم يتفق
وقت الزوال استحب أن يكون عقيب فريضة، فإن لم تتفق صلى ست ركعات
ثم أحرم عقيبها، فإن لم يتمكن من ذلك صلى ركعتين يقرأ في الأولى الحمد وقل
يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد والتوحيد مستحبا) ومثله قال في التذكرة إلا
أنه عكس القراءة في الركعتين، ثم قال: (فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما - إلى أن
قال - فإذا ثبت هذا فإن صلاة الاحرام تفعل في كل وقت وإن كان أحد
الأوقات المكروهة، وأصح الوجهين عند الشافعية الكراهة في الأوقات المكروهة
وهل تكفي الفريضة عن ركعتي الاحرام؟ يحتمل ذلك، وهو قول الشافعي،
ولكن المشهور تقديم نافلة الاحرام على الفريضة ما لم يتضيق وقت الفريضة،
وذلك يدل على عدم الاكتفاء بالفريضة في الاستحباب) وكذلك صرح في القواعد
بتقديم نافلة الاحرام على الفريضة، ونحوه عن المنتهى، وقال في الدروس:
(ويستحب صلاة سنة الاحرام، وهي ست ركعات أو أربع أو ركعتان، نعم
الفريضة، والأفضل احرامه عقيب الظهر، ثم الفريضة مطلقا، ولو لم يكن وقت
فريضة، فالظاهر أن الاحرام عقيب فريضة مقضية أفضل، فإن لم يكن فعقيب
191

النافلة، ويقرأ في الركعتين الجحد في الأولى والتوحيد في الثانية) وقال ابن
الجنيد: (لا ينعقد الاحرام بدون الغسل والتجرد والصلاة) إلى غير ذلك من
عباراتهم التي لا قصور فيها.
نعم استشعر الفاضل مما حكاه عن الإسكافي تقديم الفريضة على نافلة الاحرام
ثم الاحرام بعدها، كما أنه حكي عنه وجوب صلاة الاحرام والغسل واللبس،
وعلى كل حال هو أمر آخر غير ما نحن فيه، لكن مع ذلك كله قال في المدارك
أن مقتضى العبارة عدم الاحتياج إلى نافلة الاحرام مع صلاة الفريضة وأنها إنما
تكون إذا لم يتفق وقوع الاحرام عقيب الظهر أو نافلة أو فريضة، وعلى ذلك
دلت الأخبار الصحيحة ثم ذكر صحيحتي معاوية بن عمار الآتيتين إلى أن قال:
ومن هنا يظهر أن ما ذكره الشارح من أن المراد أن السنة أن يصلي سنة الاحرام
إلى آخره غير جيد، ومن العجب قوله: وقد اتفق أكثر العبارات على القصور
عن تأدية المراد هنا، إذ لا وجه لحمل عبارات الأصحاب على المعنى الذي ذكره فإن
الأخبار ناطقة بخلافه كما بيناه، وقد ظهر لك مما ذكرناه تصريح كلمات الأصحاب
بذلك وحكاية الشهرة من الفاضل وكشف اللثام وغيرهما عليه، بل لم أعرف أحدا
من الأصحاب أفتى بذلك، وإنما ذكره الفاضل احتمالا بعد أن حكاه عن الشافعي.
إنما الكلام فيما يدل عليه من النصوص وأظهره ما عن الفقه المنسوب (1)
إلى مولانا الرضا عليه السلام (فإن كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل
الفريضة ثم صل الفريضة وروي أن أفضل ما يحرم الانسان في دبر صلاة الفريضة
ثم أحرم في دبرها ليكون أفضل) وربما يدل عليه أيضا قول الصادق عليه السلام في

(1) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
192

صحيح معاوية بن عمار (1): (خمس صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت،
وإذا أردت أن تحرم) وفي خبر أبي بصير (2) أيضا (خمس صلوات يصليها في
كل وقت، منها صلاة الاحرام) بل لعل إطلاق إطلاق قوله عليه السلام أيضا في
خبره الآخر (3) (يصلي للاحرام ست ركعات يحرم في دبرها) دال على ذلك
أيضا، فإنه شامل لمن صلاهن في وقت الفريضة وأحرم بعدهن قبل الفريضة،
كقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح عمر بن يزيد (4) (واعلم أنه واسع لك
أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار) بل قد يستفاد من التدبر
في صحيح الحلبي (5) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله
ليلا أم نهارا؟ فقال: بل نهارا، فقلت: أي ساعة؟ قال: صلاة الظهر
فسألته متى ترى أن نحرم؟ قال: سواء عليكم، إنما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله
صلاة الظهر لأن الماء كان قليلا، كان في رؤوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل
ذلك من الغد ولا يكادون يقدرون على الماء وإنما أحدثت هذه المياه حديثا)
منضما إلى المرسل (6) عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (إنهما قالا إذا
صلى الرجل الركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حج أو عمرة في مقامه ذلك
فإنه إنما فرض على نفسه الحج وعقد عقدة الحج، وقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
حيث صلى في مسجد الشجرة صلى وعقد الحج ولم يقولا صلى وعقد الاحرام)
بناء على إرادة صلاة الركعتين من صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله لا صلاة الظهر،

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب احرام - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب احرام - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 3
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الاحرام - الحديث 5
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام - الحديث 4
193

خصوصا بعد المرسل (1) في التذكرة أنه روى العامة (أن النبي صلى الله عليه وآله صلى
بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم) فتأمل جيدا.
وكان المراد من قوله عليه السلام: (سواء عليكم) بيان الجواز، وإلا فلا ريب
في كون الفضل عند الزوال، لقول الصادق عليه السلام (2): (لا يضرك بليل أحرمت
أو نهار. إلا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس) ولعله لأنه قد فعله رسول الله
صلى الله عليه وآله وإن كان لقلة الماء.
وعلى كل حال فليس في قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار (3):
(صلى المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة) دلالة على سقوط نافلة الاحرام،
وكذا قوله في صحيحه الآخر (4) (لا يكون الاحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة
أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة
صليت ركعتين وأحرمت في دبرهما) إلى آخره، بل لعل الأصحاب أخذوا
التأليف المزبور الذي هو صلاة نافلة الاحرام ثم الفريضة ثم الاحرام من الأمر
به عقيب المكتوبة في الصحيح المزبور مع إطلاق الأمر بنافلة الاحرام، مضافا
إلى ما يشعر به قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (5) أيضا (إذا أردت
الاحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرهما) بناء على
كون المراد من مفهومه ولو بقرينة الشهرة وغيرها مما عرفت أنه وإن كان في وقت
فريضة صليت الركعتين ثم الفريضة وأحرمت عقيبها، لا أن المراد سقوطها

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 37
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 5
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 5
194

بالفريضة إذا كان وقت فريضة والاجتزاء بفعل الفريضة.
بل لعل التأمل في خبر إدريس بن عبد الله (1) يقضي بذلك أيضا، قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر
كيف يصنع؟ قال: يقيم إلى المغرب، قلت فإن أبي جماله أن يقيم عليه قال:
ليس له أن يخالف السنة، قلت: أله أن يتطوع بعد العصر؟ قال: لا بأس به،
ولكن أكره للشهرة، وتأخير ذلك أحب إلى قلت: كم أصلي إذا تطوعت؟
قال: أربع ركعات) بناء على كون المراد أن تأخير التطوع للاحرام بعد
ذلك أحب إلي، لا أن المراد تأخير الاحرام عقيب المغرب حتى يسقط التطوع
للاحرام أحب إلي، والظاهر اتحاد المراد من الخبر المزبور مع خبر ابن فضال (2)
عن أبي الحسن المروي في الفقيه (في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض
الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة قال: ينتظر حتى تكون الساعة
التي يصلي فيها) وإنما قال ذلك مخافة الشهرة، إذ الظاهر أن قوله (وإنما) إلى
آخره من كلام الصدوق أو الراوي.
وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا كراهة في نافلة الاحرام في
جميع الأوقات للنصوص السابقة، ولأنها ليست من النوافل المبتدأة، بل هي
من ذوات الأسباب، كما أنه ظهر لك عدم حرمتها في وقت فريضة، لاطلاق
النصوص المعتضدة بالفتوى، بل مقتضى ما دل على كون الاحرام في وقت الفريضة
ذلك، ضرورة فهم تبعية النافلة له في ذلك، إلا أن ذلك كله على طريق الندب،
خلافا لما سمعته من الإسكافي المقتضي لوجوب نافلة الاحرام إذا لم تتفق في وقت
فريضة، بل وللمحكي عن الجمل والعقود والمهذب والإشارة والغنية والوسيلة من

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 4
195

تقديم الفريضة على النافلة، بل في كشف اللثام أنه يشعر به كلام الحسن، قال
وهو أظهر، لأن الفرائض تقدم على النوافل إلا الرواتب قبلها، إذ لا نافلة في
وقت فريضة، ولم أظفر بما يدل على استحباب نافلة الاحرام مع إيقاعه بعد فريضة
إلا الذي سمعته الآن عن الرضا عليه السلام، ولذا قال في التذكرة وهل تكفي الفريضة
عن ركعتي الاحرام؟ يحتمل ذلك، وهو قول الشافعي، لكن لا يخفى
عليك مجال النظر في كلامه بعد الإحاطة بما ذكرناه خصوصا بعد أن كان المختار
جواز التطوع في وقت الفريضة كما ذكرناه في محله.
وأما كيفية القراءة فلم أقف فيها إلا على خبر معاذ بن مسلم (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام (لا يدع أن يقرأ قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون في
سبعة مواطن: في الركعتين قبل الفجر وركعتي الزوال، وركعتين بعد المغرب،
وركعتين في أول صلاة الليل، وركعتي الاحرام، والفجر إذا أصبحت بها،
وركعتي الطواف) لكن في التهذيب بعد أن أورد ذلك قال: وفي رواية
أخرى (2) (أنه يقرأ في هذا كله بقل هو الله أحد، وفي الركعة الثانية بقل
يا أيها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر، فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون،
ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو الله أحد)) والأمر في ذلك سهل بعد كون
الحكم ندبيا.
بل ظهر لك أيضا الوجه في قول المصنف: (ويوقع نافلة الاحرام تبعا له
ولو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم تتضيق الحاضرة) بل قوله (تبعا)
مشعر بأن دليل ذلك ما أشرنا سابقا من فهم تبعية النافلة للاحرام في المشروعية

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 - 2
196

التي مقتضى النصوص كونها كذلك في ليل أو في نهار في وقت فريضة أو غيرها
من الأوقات المكروهة وغيرها، ومن الغريب ما عن شارح الترددات من جعل
الضمير في قوله (له) عائدا إلى الغسل أي يوقع النافلة تبعا للغسل لا يتراخى
عنه، إذ هو - مع أنه كما ترى - لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه قائم كما
سمعته من النصوص السابقة.
بقي الكلام فيما ذكره غير واحد من استحباب الاحرام عقيب الفريضة ولو
مقضية، إذ قد عرفت أن المستفاد من النصوص السابقة استحبابه عقيب الظهر،
وإلا فمطلق المكتوبة المنساق منها الحاضرة، نعم في بعض النصوص (1) السابقة
الفريضة لكن لا دلالة فيه على الندب، فتأمل.
وقد ظهر لك مما ذكرناه من النصوص أن مقتضى العمل بها صلاة الست،
ودونه الأربع، ودونه الركعتان، وضعف خبر الست بعد الانجبار، بعمل
الأصحاب كما في كشف اللثام، وكون الحكم ندبيا غير قادح، كما أنه لا يقدح
في ذلك عدم ذكر الست في محكي الهداية والمقنع وجمل السيد.
هذا كله في مقدمات الاحرام (وأما كيفيته فتشتمل على واجب ومندوب)
لكن ينبغي أن يعلم أولا أنه ذكر بعض الأفاضل مقدمة قبل ذلك، قال: ما حاصله
الاحرام هنا كالاحرام في الصلاة، ومن المعلوم أن معنى الاحرام فيها الدخول
فيها على وجه يحرم معه الكلام والضحك ونحوهما مما هو مبطل للصلاة، أو
الدخول فيها على وجه يكون مصليا وإن لزمه الأول، كما أن الأول يستلزم الثاني
وعلى كل حال يتحقق ذلك بتكبيرة الاحرام، بل سميت بذلك لذلك وإن لم تكن
هي السبب في الاحرام بل التكبيرة المقارنة للنية السبب فيه، إلا أنه لما كانت
الجزء الأخير من العلة نسب إليها الاحرام، وحينئذ فالاحرام بالعمرة والحج هو

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
197

الدخول فيهما وصيرورة الشخص معتمرا أو حاجا، أو دخوله في حالة يحرم عليه
معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلل، وذلك إما هو ايقاع التلبية المقارنة لنية
العمرة أو الحج ولو حكمية، أو غيره من النية الفعلية لأحدهما الواقعة في الموضع
المعين، أو هي مع لبس الثوبين: أي اللبس المقارن لها، وأما مجموع التلبية والنية
واللبس فهو راجع إلى الأول، لأن المعلول ينسب إلى الجزء الأخير من العلة،
والأول هو الذي صرح به الشيخ في التهذيبين، بل هو ظاهر كلام الأكثر المصرحين
بعدم انعقاد الاحرام إلا بالتلبية، بل عليه الاجماع عن الإنتصار والخلاف والجواهر
والتذكرة والمنتهى وغيرها، مضافا إلى المعتبرة (1) المستفيضة المصرحة بجواز
فعل كل ما يحرم على المحرم قبل التلبية وإن نوى، بل هو أيضا ظاهر المعتبرة (2)
المستفيضة المصرحة بأن الاحرام بعد فرض الحج في المسجد والصلاة ونحوها من
المقدمات، منها صحيح معاوية بن وهب (3) (عن التهيؤ للاحرام فقال في
مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد ترى أناسا يحرمون فلا
تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول:
لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك
لك لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج).
ولكن ينافي ذلك نصوص أخر (4) مستفيضة مصرحة بمغايرة الاحرام

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 والباب 34
منها الحديث 3 والباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 4.
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 34 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
وذيله في الباب 40 منها الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحرام
198

للتلبية وأنه قبلها، بل وما صرحوا به من وجوب الاحرام من الميقات وعدم
جواز تأخيره عنه مع تصريح تلك النصوص بجواز تأخير التلبية عنه، بل وقولهم
ولو عقد الاحرام ولم يلب لم يلزمه كفارة لما فعل، بل وكذا عدهم التلبية من
واجبات الاحرام بل وكذا حكمهم بوجوب النية للاحرام المعلوم عدم وجوبها
للتلبية كعدم وجوبها لتكبيرة الصلاة، ومن هنا كان الثاني هو ظاهر الأكثر
المستفاد من جميع ما مر من منافيات كون التلبية وحدها الاحرام، وإن كان
ينافيه ما سمعته سابقا مما دل عليها، وربما رجح الأول بالجمع بينه وبين منافياته
بأن ما يجوز تأخيره من التلبية هو الاجهار بها ورفع الصوت بها، كما أنه يمكن
ترجيح الثاني بالجمع بينه وبين منافياته بأن المراد عدم انعقاد الاحرام إلا بالتلبية،
بل لذلك أطلق الاحرام عليها، بمعنى أنه لا كفارة على المحرم قبلها لو تناول
محرمات الاحرام من النساء وغيرها إلى آخر ما أطنب به إلا أنه كما ترى لا حاصل
معتد به له، بل لا وجه لاحتمال كون الاحرام نفس ايقاع التلبية ضرورة
كون الاحرام عبارة عن النسك المخصوص، وأغرب من ذلك نسبته إلى الشيخ
وظاهر الأكثر، بل لا يخفى عليك وضوح الفرق بين إحرام الصلاة وبين المقام
الذي معظمه تروك، وليس له أول يتلبس به نحو التكبير الذي هو أول أفعال
الصلاة، كما أنه لا يخفى عليك عدم فائدة معتد بها لما ذكره بعد اتفاق الجميع على
وجوب النية واللبس في الميقات وعدم التجاوز عنه بدونها وأنه لا تحرم المحرمات
إلا بالتلبية التي ستعرف الكلام في جواز تأخيرها عن الميقات وعدمه.
وكيف كان (فالواجبات ثلاثة: الأول النية) بلا خلاف محقق فيه، بل
الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض، مضافا إلى عموم الأدلة وخصوصها
كما ستمر عليك، نعم عن الشافعي وجهان، وفي محكي المبسوط (الأفضل أن تكون
مقارنة للاحرام، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل) وفي المختلف (فيه
199

نظر فإن الأولى إبطال ما لم يقع بنية لفوات الشرط) وعن الشهيد حمل ذلك على
نية خصوص التمتع بعد نية الاحرام المطلق بناء على ما يأتي، أو الاحرام بعمرة مفردة
أو حج مفرد بناء على جواز العدول عنهما إلى التمتع، قال: وعقل بعضهم من قوله
ذلك تأخير النية عن التلبية، وفي كشف اللثام قلت: وقد يكون نظر إلى
ما أمضيناه من أن التروك لا تفتقر إلى النية، ولما أجمع على اشتراط الاحرام
بها كالصوم قلنا بها في الجملة ولو قبل التحلل بلحظة إذ لا دليل على أزيد من ذلك
ولو لم يكن في الصوم نحو قوله صلى الله عليه وآله (1) (لا صيام لمن لم يبيت الصيام) قلنا
فيه بمثل ذلك، وإنما كان الأفضل المقارنة لأن النية شرط في ترتب الثواب على
الترك، وفيه أن الدليل من إجماع أو غيره على اعتبارها فيه على نحو اعتبارها في
غيره من العبادات المعلوم اعتبار المقارنة فيها، فلا بد من حمل العبارة المزبورة
على الخلاف. أو على إرادة جواز تأخيرها عن إنشاء الاحرام على الوجه الذي
تسمعه، والمراد بقوله (فإن فاتت) بيان حكم اتفاق فواتها لا العمد إلى تركها.
(و) كيف كان فقد ذكر غير واحد أنها (هي أن يقصد بقلبه إلى أمور
أربعة ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا) إلى الله تعالى شأنه (ونوعه
من تمتع أو قران أو افراد وصفته من وجوب أو ندب، وما يحرم له من حجه
الاسلام أو غيرها) ولكن قد عرفت في كتاب الطهارة والصلاة حقيقة النية،
وأنها الداعي، وأنه لا يجب فيها أزيد من قصد القربة بمعنى امتثال الأمر،
والتعيين مع التعدد في المأمور به، ومنه يعلم ما في المسالك من أنه لا ريب في

(1) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب وجوب الصوم - الحديث 1 - من
كتاب الصوم
200

اعتبار إحضار الفعل الموصوف بالصفات الأربعة بالبال ليتحقق القصد إليه، بل
ويعلم أيضا أنه لا شئ من الأربعة بداخل في النية، وإنما هي مشخصات المنوي،
إذ النية عبارة عن القصد، وهو شئ واحد لا يقع التعدد إلا في معروضه،
فيحتاج إلى التعيين حينئذ، لتوقف الامتثال عليه كما حققناه في محله.
وربما كان في نصوص المقام دلالة عليه كصحيح معاوية بن عمار (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام (لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة ونافلة، فإن
كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة صليت ركعتين
وأحرمت في دبرها، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله تعالى واثن عليه وصل
على النبي صلى الله عليه وآله، وقل اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك، وآمن
بوعدك، واتبع أمرك، فإني عبدك وفي قبضتك، لا أوقى إلا ما وقيت،
ولا آخذ إلا ما أعطيت، وقد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك
وسنة نبيك، وتقويني على ما ضعفت، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية،
واجعلني من وفدك الذي رضيت وارتضيت وسميت وكتبت، اللهم إني خرجت
من شقة بعيدة، وأنفقت مالي ابتغاء مرضاتك، اللهم فتمم لي حجتي وعمرتي،
اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك، فإن عرض لي
شئ يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن لم تكن
حجة فعمرة، أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من
النساء والطيب والثياب، أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة، قال: ويجزيك
أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم، ثم قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك
الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب) وصحيح حماد بن عثمان (2) عنه عليه السلام أيضا

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
201

(قلت له: إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج كيف أقول؟ قال تقول:
اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله، وإن
شئت أضمرت الذي تريد) وصحيح عبد الله بن سنان (1) عنه (عليه السلام):
أيضا (إذا أردت الاحرام والتمتع فقل: اللهم إني أريد ما أمرت من التمتع
بالعمرة إلى الحج فيسر لي ذلك، وتقبله مني، وأعني عليه، وحلني حيث حبستني
لقدرك الذي قدرت علي أحرم لك شعري وبشري من النساء والطيب والثياب،
وإن شئت فلب حين تنهض، وإن شئت فأخره حتى تركب بعيرك وتستقبل القبلة
فافعل)) وخبر إسحاق بن عمار (2) (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: إن أصحابنا
يختلفون في وجهين من الحج، فيقول بعض أحرم بالحج مفردا فإذا طفت بالبيت
وسعيت بين الصفا والمروة فاحل واجعلها عمرة، وبعضهم يقول: أحرم وانو
المتعة بالعمرة إلى الحج، أي هذين أحب إليك؟ قال انو المتعة) وصحيح
البزنطي (3) عن أبي الحسن عليه السلام: (سألته عن رجل تمتع كيف يصنع؟ قال:
ينوي العمرة ويحرم بالحج) إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة ذكر التعيين الذي
يؤكده مع ذلك ما سمعته من مسألة العدول، ضرورة أنه لو لم يعتبر التعيين
لم يحتج إلى العدول المعتبر فيه ما عرفت، لأن الفرض مشروعية النية على الاطلاق
بل كان هو الأحوط لئلا يفتقر إلى العدول إذا اضطر إليه، ولا يحتاج إلى
اشتراط إن لم تكن حجة فعمرة.
لكن عن المنتهى والتذكرة مع اعتبار نية الأمور الأربعة (ولو نوى
الاحرام مطلقا ولم ينو حجا ولا عمرة انعقد احرامه، وكان له صرفه إلى أيهما شاء)

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2
202

ولا يخفى عليك التدافع بين الكلامين كما اعترف به غير واحد، نعم عن المبسوط
والمهذب والوسيلة الصحة والتخيير بين الحج والعمرة في أشهر الحج، والانصراف
إلى عمرة مفردة في غيرها، بل مال جماعة من متأخري المتأخرين إلى عدم اعتبار
التعيين، بل في كشف اللثام هو الأقوى، لأن النسكين في الحقيقة غايتان
للاحرام غير داخلين في حقيقته، ولا تختلف حقيقة الاحرام نوعا ولا صنفا
باختلاف غاياته كالوضوء والغسل، فالأصل عدم وجوب التعيين بعد حمل أخباره
على الغالب أو الفضل، وكذا أخبار (1) العدول والاشتراط، ولأن الاحرام
بالحج يخالف غيره من احرام سائر العبادات، لأنه لا يخرج منه بالفساد، وإذا
عقد عن غيره أو تطوعا وقع عن فرضه، فجاز أن ينعقد مطلقا، ولما يأتي (2)
من أن أمير المؤمنين عليه السلام أهل اهلاله كاهلال النبي صلى الله عليه وآله ولم يكن يعرف
إهلاله، ولما روته العامة (3) من أنه صلى الله عليه وآله خرج من المدينة لا يسمي حجا
ولا عمرة ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء بين الصفا والمروة).
إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة إمكان منع كون النسكين غايتين للاحرام
بل هو جزء من كل منهما كما هو ظاهر النصوص والفتاوى أو صريحهما، وإن كان
المتجه بناء على ذلك الاكتفاء بنية كل منهما عن نيته كما في غيره من أجزاء العبادات
إلا أنه يمكن القول باعتبارها لظاهر النص والفتوى، ولا ينافي ذلك جزئيته
كالطواف وركعتيه والسعي والوقوفين وغيرها، وربما قيل إن المراد من نية

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج والباب 23 من
أبواب الاحرام.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 6
203

تعيينه نية النسك، بل يمكن حمل النص والفتوى عليه إن لم يكن ظاهرهما، وإن
كان هو واضح الفساد، ضرورة صراحة الفتاوى باعتبار نية مخصوصة للاحرام
كغيره من أجزاء النسك.
وعلى كل حال فلا داعي حينئذ إلى حمل أخبار التعيين والعدول والاشتراط
على ما عرفت، بل لعل الداعي إلى خلافه متحقق، ومن الواضح حينئذ اعتباره
لتوقف صدق الامتثال عليه، ومخالفة الاحرام لغيره من إحرام العبادات لا تقتضي
صحة وقوعه مطلقا، ودعوى أنه إذا عقده عن غيره أو تطوعا وقع عن فرضه
لم يحضرني دليل لها الآن وإن أرسلها هذا المستدل ارسال المسلمات، نعم قد
ذكرنا سابقا أن من تعين عليه الحج لا يجوز له الحج عن غيره تبرعا لا أنه إن
أوقعه عن غيره مثلا يقع عن فرضه قهرا، فإنه لا دليل عليه، وإن حكي عن الشيخ
ولكن الذي يقتضيه الدليل بطلانه عن كل منهما، فلاحظ وتأمل.
وخبر علي بن جعفر (1) المروي عن قرب الإسناد مع أنه غير جامع لشرائط
الحجية غير صريح ولا ظاهر في ذلك، بل ربما كان ظاهره الغلط اللفظي لا
القصدي، ولذا استدل به عليه، وما عن أمير المؤمنين عليه السلام - بعد تسليم كونه
كذلك، ولذا منع في المختلف عدم معرفة أمير المؤمنين عليه السلام - بعد تسليم كونه
كذلك، ولذا منع في المختلف عدم معرفة أمير المؤمنين عليه السلام ما أهل به النبي
صلى الله عليه وآله، ولعله لما في صحيح معاوية بن عمار (2) من (أن عليا عليه السلام قد جاء بأربعة
وثلاثين بدنة أو ستا وثلاثين) فيكون المراد حينئذ بقوله عليه السلام: (إهلالا كاهلال
رسول الله صلى الله عليه وآله) الحج قارنا - يمكن حمله على اختصاصه بالحكم المزبور، كما
عساه يشعر به افتخاره به على غيره، على أنه غير ما نحن فيه من كون الاحرام

(1) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3
204

مطلقا، ضرورة كونه معينا، إلا أنه لا يعلم خصوصه، وما روته العامة غير
ثابت، بل الثابت خلافه، ودعوى أن الأصل عدم اعتبار التعيين وكذا إطلاق
الأدلة واضحة المنع، بل الأصل يقتضي خلافه بعد ما عرفت من توقف الامتثال
عليه، لكون الاحرام جزء النسك المفروض تعلق (تعدد خ ل) الخطاب به،
وليس في الأدلة إطلاق يقتضي ذلك، بل قد عرفت ظهور الأدلة في خلافه،
فالتحقيق حينئذ اعتبار التعيين كغيره من العبادات كما صرح به الفاضل في
القواعد وغيره بل لا يبعد اعتبار التعيين في حال تعين النسك على المكلف كما هو
ظاهر النصوص والفتاوى، وإن استقرب الانصراف إليه في محكي التذكرة والمنتهى
لكن فيه أنه لا تصرفه إلا النية مع فرض عدم الصارف شرعا كما في صوم يوم
شعبان فبان أنه من شهر رمضان، وكونه متعينا عليه لا يقتضي الانصراف مع
فرض عدم ملاحظته من هذه الحيثية، وإلا كان ضربا من التعيين، أما مع عدمه
فالمتجه البطلان، لعدم صدق الامتثال بعدم موافقة الأمر على ما هو عليه،
ضرورة الاكتفاء في التعدد بالخطأ والغلط وتعمد الغير ونحو ذلك، ويمكن حمل كلام
القائل بالاكتفاء على صورة وقوعه ملاحظا كونه المكلف به، فإنه حينئذ تعيين
وإن لم يشخصه في ذلك الحال لجهل أو غيره. والله العالم.
(ولو نوى نوعا ونطق بغيره) عمدا أو سهوا (عمل على نيته) بلا
خلاف بل ولا اشكال، ضرورة كون المدار في الأعمال على النيات، بل في بعض
النصوص (1) السابقة التصريح بذلك مضافا إلى خبر علي بن جعفر (2) المروي
عن قرب الإسناد (سأل أخاه عن رجل أحرم قبل التروية فأراد الاحرام بالحج يوم
التروية فأخطأ فذكر العمرة فقال (عليه السلام): ليس عليه شئ فليعتد بالاحرام

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 8
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 8
205

بالحج) ولو لم ينطق بشئ صحت وصح الاحرام ولم يكن عليه شئ كما نص عليه
نحو صحيح حماد بن عثمان (1) عن الصادق (عليه السلام) المتقدم سابقا،
بل ستعرف أن الاضمار أفضل (ولو أخل بالنية) أي لم يأت بها أصلا (عمدا أو
سهوا لم يصح إحرامه) بلا خلاف فيه كما في المدارك لكونها جزءا منه أو
شرطا فيه، ففواتها على كل حال مخل به وسأل الحلبي (2) في الحسن الصادق
(عليه السلام): (عن رجل لبى بحجة وعمرة وليس يريد الحج، قال: ليس
بشئ، ولا ينبغي له أن يفعل) ولا يشكل ذلك بعدم اعتبار النية في الاحرام
بناء على أنه جزء من النسك الذي يكفي نيته عن نية خصوص الاحرام ضرورة
بناء الحكم هنا على اعتبار النية فيه وإن قلنا بجزئيته كما عرفت الكلام فيه،
أو على أن المراد فوات نية النسك نفسه الذي يبطل معه الاحرام، وإن كان هو
خلاف ظاهر الأصحاب أو صريحهم من اعتبار نية للاحرام بخصوصه كباقي
أجزاء الحج، ولا يكفي نية العمرة أو الحج عن نيته له، فالأولى حينئذ الجمع بين
نية النسك وبين التفصيل للاجزاء ولا تكفي الأولى عن الثانية، نعم يمكن
الاكتفاء بالعكس مع فرض الاتيان بالأجزاء على أنها أجزاء النسك المخصوص،
والأولى الجمع.
ثم لا يخفى أن الحكم ببطلان الاحرام بفوات نيته عمدا أو جهلا أو
سهوا لا يقتضي بطلان الحج بفواته كما عرفت الكلام فيه مفصلا في مسألة نسيان
الاحرام أصلا، أو تركه جهلا فضلا عن نيته خاصة، نعم ظاهر العبارة وغيرها
عدم كون الاحرام هو النية، ضرورة مغايرة النية للمنوي، وقد تقدم الكلام
فيه أيضا سابقا.

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 4
206

(ولو أحرم بالحج والعمرة) لم يقع لهما، لأنهما لا يقعان بنية واحدة وفي
احرام واحد، بل عن الشيخ في الخلاف الاجماع على عدم جواز القران بينهما
باحرام واحد، ولكن هل هي فاسدة لفساد المنوي وإن كان في أشهر الحج كما
قربه الفاضل، أو أنه متى فعل ذلك (وكان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج
والعمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما) وإلا كان للمتعين (وإن كان في غير أشهر الحج
تعين للعمرة) المفردة كما عن الخلاف والمبسوط، بل في كشف اللثام (هو قوي
على ما ذكرناه، فإنهما إذا لم يدخلا في حقيقته الاحرام فكأنه نوى أن يحرم
ليوقع بعد ذلك النسكين، وليس فيه شئ وإن عزم على ايقاعهما في هذا الاحرام
وإن لم يكن في أشهر الحج) وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل
لا ينبغي التأمل في البطلان مع فرض ملاحظة المعية التي لا أمر بها.
(و) من هنا قال المصنف: (لو قيل بالبطلان في الأول ولزوم تجديد
النية كان أشبه) بأصول المذهب وقواعده، إلا أن ظاهره الصحة في الثاني، ولعله
لأن الحج لما لم يمكن في غيرها لم يكن التعرض له إلا لغوا محضا بل خطأ، وفيه أن
اللغوية أو الخطائية لا تنافي حصول البطلان باعتبار عدم الاتيان بالمأمور به على
وجهه، اللهم إلا أن يفرض ملاحظة امتثال أمر كل منهما من غير ملاحظة الاجتماع،
فيتجه الصحة في الثاني باعتبار عدم منافاة الضم لصحة المضموم إليه، بخلاف
الأول الفاقد للتعيين باعتبار صلاحية الوقت لكل منهما، هذا، وفي المسالك نسبة
القول بالصحة في الأول إلى ابن أبي عقيل وجماعة تبعا للكركي، وفيه أن ابن
أبي عقيل وإن قال بصحة الاحرام بالحج والعمرة في نية واحدة بشرط سياق الهدي
لكن لا يقول بالتخيير، بل يقول بوجوب العمرة أولا ثم الحج، وأنه لا يحل
من العمرة بعد الاتيان بأفعالها وإنما يحل بعد الاتيان بأفعال الحج.
وعلى كل حال فليس في خبر يعقوب بن شعيب (1) دلالة علي جواز

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
207

الاحرام بهما، قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت كيف ترى لي
إن أهل؟ فقال: إن شئت سميت، وإن شئت لم تسم شيئا، فقلت: كيف تصنع
أنت؟ قال: أجمعهما فأقول لبيك بحجة وعمرة معا، ثم قال: أما إني قلت
لأصحابك غير هذا) لأن الظاهر إرادة حج التمتع الذي دخلت العمرة فيه إلى
يوم القيامة، وظاهر آخره أنه قال لأصحابه ما يوافق التقية، وأوضح منه صحيح
الحلبي (1) عنه عليه السلام أيضا قال: (إن عثمان خرج حاجا فلما خرج إلى الأبواء
أمر مناديا ينادي في الناس اجعلوها حجة ولا تتمتعوا، فنادى المنادي فمر
المنادي بالمقداد بن الأسود فقال: أما لتجدن عند القلائص رجلا ينكر ما تقول
فلما انتهى المنادي إلى علي (عليه السلام) وكان عند ركائبه يلقمها خبطا
ودقيقا، فلما سمع النداء تركها ومضى إلى عثمان، وقال: ما هذا الذي أمرت به؟
فقال: رأي رأيته، فقال: والله لقد أمرت بخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله ثم أدبر
موليا رافعا صوته لبيك بحجة وعمرة معا لبيك، وكان مروان بن الحكم يقول
بعد ذلك: فكأني أنظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه) وقد
سمعت قول الرضا عليه السلام في صحيح ابن أبي نصر (2) في المتمتع أنه ينوي العمرة
ويحرم بالحج، وفي خبر إسماعيل الجعفي (3) قال: (خرجت أنا وميسر وأناس
من أصحابنا فقال لنا زرارة: لبوا بالحج، فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام فقلنا له:
أصلحك الله إنا نريد الحج ونحن قوم صرورة أو كلنا صرورة فكيف نصنع؟
فقال: لبوا بالعمرة، فلما خرجنا قدم عبد الملك بن أعين فقلنا له ألا تعجب من
زرارة قال لنا: لبوا بالحج وأن أبا جعفر (عليه السلام) قال لنا: لبوا بالعمرة

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 7 - 3
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 7 - 3
208

فدخل عبد الملك بن أعين فقال له: إن أناسا من مواليك أمرهم زرارة أن يلبوا
بالحج عنك وأنهم دخلوا عليك وأمرتهم أن يلبوا بالعمرة فقال أبو جعفر عليه السلام:
يريد كل إنسان منهم أن يسمع على حدة، أعدهم علي، فدخلنا فقال: لبوا
بالحج، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله لبى بالحج) وفي خبر أبان بن تغلب (1) (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام بأي شئ أهل؟ قال: لا تسم حجا ولا عمرة وأضمر في
نفسك المتعة. فإن أدركت كنت متمتعا، وإلا كنت حاجا) وفي خبر حمران
ابن أعين (2) قال: (دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي: بم أهللت؟ فقلت:
بالعمرة، فقال: أفلا أهللت بالحج ونويت المتعة فصارت عمرتك كوفية وحجتك
مكية، ولو كنت نويت المتعة وأهللت بالحج كانت حجتك وعمرتك كوفيتين)
وكأنه عليه السلام فهم منه العمرة المفردة، وحينئذ فالمراد أن ما صنعه يكون عمرة
كوفية باعتبار الاهلال، وحجة مكية باعتبار الاحرام بها من مكة، بخلاف ما لو
نوى المتعة، فإنهما معا يكونان كوفيتين، لأن حج التمتع الذي هو كوفي
مركب منهما.
وعلى كل حال فإلى بعض ذلك أشار الشهيد في الدروس قال: وروى
زرارة (3) (إن المتمتع يهل بالحج، فإذا طاف وسعى وقصر أهل بالحج) وفي
صحيح الحلبي (4) عن الصادق عليه السلام (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)
وروى (5) إسحاق بن عمار نيته المتعة، 1 الحلبي (6) (إن عليا عليه السلام قال:

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 5 - 7
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 5 - 7
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3
(4) الباب - 3 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 9
(6) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 5 - 7
209

لبيك بحجة وعمرة معا) وليس يبعد إجزاء الجميع، إذ الحج المنوي هو الذي
دخلت فيه العمرة، فهو دال عليها بالتضمن، ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها
والشيخ بالغ في الاقتصار على نية المتعة والاهلال بها، وتأويل الأخبار المعارضة
لها، قلت: لا ريب في أن المتجه جواز الجميع عملا بجميع النصوص المراد منها
جميعا الإشارة إلى نية حج التمتع، ولكن بعبارات متعددة، منها الاهلال بالحج
مضمرا التمتع ومنها الاهلال بعمرة التمتع، ومنها الاهلال بحجة وعمرة معا،
ولعل الاضمار أفضل، قال منصور بن حازم (1): (أمرنا أبو عبد الله عليه السلام أن
نلبي ولا نسمي شيئا، وقال: أصحاب الاضمار أحب إلي) وسأل إسحاق بن
عمار (2) أبا الحسن موسى عليه السلام فقال: (أصحاب الاضمار أحب إلي، فلب
ولا تسم شيئا).
بقي الكلام في شئ، وهو ما لو نوى نسيانا غير المتعين عليه فهل يصح
للمتعين أو يقع باطلا لهما ويحتاج إلى تجديد النية؟ الأقوى الثاني بناء على ما عرفت
من عدم الليل على الصرف شرعا قهرا كما ذكرنا الكلام فيه، والله العالم.
(ولو قال) ناويا أحرم (كاحرام فلان وكان عالما) حين النية (بماذا
أحرم صح) بلا خلاف ولا إشكال، لوجود المقتضي من النية والتعيين وعدم
المانع (وإن كان جاهلا قيل) والقائل الشيخ والفاضل في محكي المنتهى والتذكرة
يصح، إما بناء على أن الابهام لا يبطله فضلا عن مثل الفرض، أو لصحيح الحلبي
وحسنه (3) عن الصادق عليه السلام في حجة الوداع (أنه صلى الله عليه وآله قال: يا علي بأي شئ
أهللت؟ فقال: أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وآله) وصحيح معاوية بن عمار (4)

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 13 - 3
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 13 - 3
210

عنه عليه السلام (أنه قال: قلت: إهلالا كاهلال النبي صلى الله عليه وآله) لكن قد عرفت
الكلام في الابهام، بل قد عرفت أنهما غير صريحين بل ولا ظاهرين في جهله بما
أحرم به النبي صلى الله عليه وآله، ولا في أنه نوى كذلك، لاحتمالهما أن يكون نوى حج
القران كما نواه النبي صلى الله عليه وآله، بل لعل (قلت) في الأخير بمعنى لفظت أو نويت،
بل ربما قيل: الظاهر أن (إهلالا) مفعوله، بل قد سمعت ما في بعض
النصوص (1) من أنه عليه السلام قد كان سائقا أربعا أو ستا وثلاثين بدنة، نعم عن
أعلام الورى (2) للطبرسي (رحمه الله) (أنه قال: يا رسول الله لم تكتب إلي
باهلالك، فقلت: إهلالا كاهلال نبيك) ونحوه عن روض الجنان للرازي
بل في خبري الحلبي (3) (إن النبي صلى الله عليه وآله كان ساق مائة بدنة، فأشركه في الهدي
وجعل له سبعا وثلاثين بدنة) وهو ظاهر في عدم سوقه المانع من نية القران،
بل في الفقيه (4) (وكان النبي صلى الله عليه وآله ساق معه مائة بدنة، فجعل لعلي عليه السلام منها
أربعا وثلاثين، ولنفسه ستا وستين، ونحرها كلها بيده - إلى أن قال - وكان
علي عليه السلام يفتخر علي الصحابة ويقول: من فيكم مثلي وأنا شريك رسول الله
صلى الله عليه وآله في هديه، من فيكم مثلي وأنا الذي ذبح رسول الله صلى الله عليه وآله هديي بيده)
إلا أن اختلاف النصوص فيما سمعت - واحتمال اختصاصه عليه السلام كما يومي إليه
افتخاره به، خصوصا مع احتماله عليه السلام نزول حكم جديد وكان متعذرا عليه حصول

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 - 31 - 13
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 - 31 - 13
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 - 31 - 13
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 24 - ي إ، إلا أنه
لم يذكر ذيله وذكره في الفقيه ج 2 ص 153 الرقم 665
211

اليقين بما هو مكلف به، بخلاف من يعلم شغل ذمته بنوع - كاف في عدم الخروج
فيها عملا يقتضي اليقين، خصوصا بعد ملاحظة عدم صدق القران في الفرض إذا
فرض كون زيد مثلا قارنا، اللهم إلا أن يقرن حينئذ ولو في مكة، وعد مثله
حج قران كما ترى، ومن هنا كان الأقوى البطلان وفاقا لجماعة، ولكن على
الصحة فإن بان له الحال قبل الطواف كما اتفق لعلي عليه السلام عمل على مقتضاه وقرن
حينئذ، وفيه ما عرفت.
وإن استمر الاشتباه لموت أو غيبة قال الشيخ: (يتمتع احتياطا) للحج
والعمرة، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق، وإن كان غيره فالعدول منه جائز،
وفيه أن العدول إنما يسوغ في حج الافراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه، على
أن العدول على خلاف القواعد، والثابت منه حال معلومية المعدول عنه
لا مشكوكيته، ولعله لذا حكي عن بعض البطلان في الفرض، لتعذر معرفة
ما أحرم به، فيكون من المجمل الذي لا يجوز الخطاب به مع عدم طريق لامتثاله
وربما احتمل التخيير كما في حالة الاطلاق ونسيان ما أحرم به، والجميع كما ترى
شك في شك.
ولكن على كل حال قول المصنف: (وإن كان جاهلا قيل: يتمتع احتياطا)
ليس بجيد، لما عرفت من أن القول بالتمتع مع استمرار الاشتباه لا مطلقا.
ولو بان أن فلانا لم يحرم انعقد مطلقا وكان مخيرا بين الحج والعمرة كما عن
الشيخ والفاضل التصريح به.
ولو لم يعلم هل أحرم أم لا كان بحكم من لم يحرم.
ولو طاف قبل التعين لم يعتد بطوافه، لأنه لم يطف في حج أو عمرة، ولا
يخفى عليك ما في الجميع بعد فرض أن دليل الصحة في المفروض ما وقع من علي
عليه السلام، ضرورة كون المتجه حينئذ الاقتصار عليه فيما خالف قاعدة وجوب التعيين
212

ولا ريب في عدم تناوله لأمثال ذلك، كما هو واضح.
(ولو نسي بماذا أحرم كان مخيرا بين الحج والعمرة إذا لم يلزمه أحدهما)
وإلا صرف إليه كما صرح به الفاضل والشهيدان وغيرهم، لأنه كان له الاحرام
بأيهما شاء إذا لم يتعين عليه أحدهما، فله صرف إحرامه إلى أيهما شاء، لعدم
الرجحان، وعدم جواز الاحلال بدون النسك إلا إذا صد أو أحصر، ولا جمع
بين النسكين في إحرام، أما إذا تعين عليه أحدهما صرف إليه، لأن الظاهر من
حال المكلف الاتيان بما هو فرضه، خصوصا مع العزم المتقدم على الاتيان بذلك
الواجب، وفيه أن التخيير في الابتداء لا يقتضي ثبوته بعد التعيين، ضرورة
تغير الموضوع المانع من جريان الاستصحاب، وكذا عدم الرجحان، وعدم
جواز الاحلال بدون النسك، ودعوى اقتضاء العقل التخيير لاجمال المكلف به
وعدم طريق إلى امتثاله يدفعها أن المتجه حينئذ ارتفاع الخطاب به فيبطل، لا التخيير
ولو فرض توقف التحليل على اختيار أحدهما ليحصل به الطواف المقتضي للتحليل
وإلا كان محرما أبدا فهو ليس من التخير على نحو الابتداء، ضرورة عدم تحقق
خطاب به، بل هو طريق لتحليله وافق أو خالف، كما أنه لا دليل على اعتبار
الظهور المزبور مع تعين أحدهما عليه، وأصالة الصحة لا تقتضي التشخيص في وجه
كما عساه يرشد إلى ذلك في الجملة ما ذكروه من البطلان في مسألة الشك في أنه هل
نوى ظهرا أو عصرا إذا لم يكن قد حفظ ما قام إليه، وإلا عمل عليه للنص (1)
على أن الصحة أعم من الانصراف إلى ما تعين عليه، إذ الظاهر حصولها مع الجهل
أو النسيان أو الغفلة أو غير ذلك، نعم هو متجه بناء على الصرف شرعا نحو الصوم
في شهر رمضان، ولكن لا دليل عليه هنا كما أسلفناه وإن ادعاه بعضهم، بل

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النية من كتاب الصلاة
213

أرسله إرسال المسلمات، نعم قد يقال بتشخيص أصل الصحة إذا كان الفعل
لا يصح إلا للمعين وإن وقع غفلة لغيره، بل وإن صح مع الغفلة أيضا في وجه
قوي باعتبار أن الأصل عدم الغفلة، ومسألة الشك في الظهر والعصر مع فرض
مخالفتها لذلك فهي للنصوص (1) فتأمل جيدا، هذا.
وعن الشيخ في الخلاف (يجعله عمرة، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق،
وإن كان غيره فالعدول منه إلى غيره جائز - قال -: وإذا أحرم بالعمرة لا يمكنه
أن يجعلها حجة مع القدرة على أفعال العمرة، فلهذا قلنا يجعلها عمرة على كل
حال) وعن المنتهى والتحرير أنه حسن، وهو المحكي عن أحمد، وعن الشافعي
في القديم (يتحرى لأنه اشتباه في شرط العبادة كالإناءين المشتبهين) ولا يخفى
عليك ما في الأصل وفرعه، نعم ما ذكره الشيخ قوي بناء على أن له ذلك على كل
حال وأن حكم العدول يشمله، وإلا كان المتجه البطلان بمعنى سقوط الخطاب به
بعد عدم الطريق إلى امتثاله ولو بالاحتياط بفعل كل محتمل، فإنه وإن كان ليس
هذا جمعا بين النسكين بل هو مقدمة ليقين البراءة إلا أن فعل أحدهما يقتضي
التحليل لاشتماله على الطواف، ولعل مرادهم بالتخيير هذا المعنى، لا أن خطابه
ينقلب إلى التخيير كما في الابتداء.
ومن ذلك يعلم لك الحال فيما ذكروه من الفروع في المقام، منها لو تجدد
الشك بعد الطواف ففي التذكرة والتحرير جعلها عمرة متمتعا بها، وفي الدروس
هو حسن إن لم يتعين عليه غيره، وإلا صرف إليه، ومنها لو شك هل أحرم بهما
أو بأحدهما معينا انصرف إلى ما عليه إن كان معينا، وإلا تخير بينهما ولزمه
أحدهما وإن كان الأصل البراءة وكان الاحرام بهما فاسدا، فإن الأصل الصحة،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب النية من كتاب الصلاة
214

وكذا لو شك هل أحرم بهما أو بأحدهما مبهما أو معينا، أما إذا علم أنه إما أحرم
بهما أو بأحدهما مبهما فهو باطل بناء على اشتراط التعيين، وعن المبسوط (إن شك
هل أحرم بهما أو بأحدهما فعل أيهما شاء) وهو أعم على مختاره من أحدهما معينا
ومبهما فتأمل جيدا فإن المقام غير منقح في كلامهم، ولعل التحقيق ما عرفت من
البطلان، أو التخيير على الوجه الذي ذكرناه، والانصراف إلى المعين إن كان
خصوصا مع عدم صحة غيره ولو غفلة لما عرفت، والله العالم.
(الثاني) من واجباته (التلبيات الأربع) بلا خلاف في أصل وجوبها
في الجملة، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1) التي سيمر عليك
بعضها، بل عن المنتهى والتذكرة الاجماع على عدم وجوب الزائد، بل عن الأول
منهما أنه إجماع أهل العلم، لكن عن الاقتصاد (تلبي فرضا واجبا، فتقول:
لبيك اللهم لبيك، لبيك، إن الحمد والنعمة لك، والملك، لا شريك لك، لبيك
بحجة وعمرة، أو بحجة مفردة، تمامها عليك، لبيك، وإن أضاف إلى ذلك
ألفاظا مروية من التلبيات كان أفضل) وظاهره وجوب الخمس، بل عن المهذب
البارع (أن فيها قولا آخر، وهو الست) وإن كنا لم نتحققه، كما أنه لم نتحقق
القول بالخمس إلا لمن عرفت، مع أنه محجوج بما سمعت من الاجماع بقسميه وما
تسمعه من النصوص، نعم في بعض النصوص (2) الزيادة على ذلك إلا أنها محمولة
بقرينة ما عرفت على ضرب من الندب كما صرح به في بعضها (3) نعم لهم خلاف
في صورتها، وستعرف البحث فيه إن شاء الله.
وكيف كان (ف‍) لا خلاف في أنه (لا ينعقد الاحرام لمتمتع) بعمرة

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 0 - 0 - 2
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 0 - 0 - 2
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 0 - 0 - 2
215

أو حجة (ولا لمفرد) معتمر ولا حاج (إلا بها) بل الاجماع محصلا ومحكيا
في الانتصار والغنية والخلاف والجواهر والتذكرة والمنتهى وغيرها على ما حكي
عن بعضها عليه بمعنى عدم الإثم والكفارة في ارتكاب المحرمات عليه قبلها، قال
الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار (1): (لا بأس أن يصلي الرجل في
مسجد الشجرة ويقول الذي يريد أن يقوله، ولا يلبي ثم يخرج فيصيب من الصيد
وغيره فليس عليه فيه شئ) وفي صحيح ابن الحجاج (2) (في الرجل يقع على
أهله بعد ما يعقد الاحرام ولم يلب قال: ليس عليه شئ) وفي صحيحه مع حفص
ابن البختري (3) (إن الصادق عليه السلام صلى ركعتين في مسجد الشجرة وعقد
الاحرام فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه) وقال أحدهما (عليهما السلام) في
مرسل جميل (4) (في رجل صلى في مسجد الشجرة وعقد الاحرام وأهل بالحج
ثم مس الطيب وأصاب طيرا أو وقع على أهله قال عليه السلام: ليس بشئ حتى يلبي) وفي
مرسله الآخر (5) عن أحدهما (عليهما السلام) أيضا: (في رجل صلى الظهر في
مسجد الشجرة وعقد الاحرام ثم مس طيبا أو صاد صيدا أو واقع أهله قال عليه السلام:
ليس عليه شئ ما لم يلب) وفي خبر ابن سنان (6) المروي عن مستطرفات السرائر
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاهلال بالحج وعقدته قال: هو التلبية، إذا لبى
وهو متوجه فقد وجب عليه ما يجب على المحرم) وفي صحيح حريز (7) عن
أبي عبد الله عليه أيضا (في الرجل إذا تهيأ للاحرام فله أن يأتي النساء ما لم يعقد
التلبية أو يلب) وفي خبر زياد بن مروان (8) (قلت لأبي الحسن عليه السلام: ما تقول

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2 - 3 - 6 - 9 - 15 - 8 - 10
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
216

في رجل تهيأ للاحرام وفرغ من كل شئ الصلاة وجميع الشروط إلا أنه لم يلب؟
أله أن ينقض ذلك ويواقع النساء؟ قال: نعم) وفي خبر الحسين بن سويد (1)
عن بعض أصحابه، قال: (كتبت إلى أبي إبراهيم عليه السلام رجل دخل مسجد الشجرة
فصلى وأحرم وخرج من المسجد فبدا له قبل إن يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء
أله ذلك؟ فكتب عليه السلام نعم ولا بأس به) وفي صحيح حفص بن البختري (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام (فيمن عقد الاحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله
قبل أن يلبي قال: ليس عليه شئ) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.
بل في التهذيب (المعنى في هذه الأحاديث أن من اغتسل للاحرام وصلى
وقال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرما، وإنما يكون عاقدا
للحج والعمرة، وإنما يدخل في أن يكون محرما إذا لبي والذي يدل على هذا
المعنى ما رواه موسى بن القاسم (3) عن صفوان عن معاوية بن عمار وغير معاوية
ممن روى صفوان عنه هذه الأحاديث يعني الأحاديث المتقدمة، وقال: هي عندنا
مستفيضة عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا إذا صلى الرجل
ركعتين وقال الذي يريد أن يقول من حج أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام - الحديث 12 - 13 والأول عن النضر بن سويد.
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام - الحديث 12 - 13 والأول عن النضر بن سويد.
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 و 5 وفي
الوسائل جعل هذا الخبر روايتين حيث إنه أضاف حرف الواو بعد قوله مستفيضة
فقال: " وعن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) " إلا أن الموجود في
الاستبصار ج 2 ص 189 - الرقم 634 - وكذلك في التهذيب ج 5 ص 83 كما ذكر
في الجواهر.
217

على نفسه الحج وعقد عقد الحج، وقالا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله حيث صلى في
مسجد الشجرة صلى وعقد الحج، ولم يقل صلى وعقد الاحرام، فلذلك صار عندنا
أن لا يكون عليه فيما أكل مما يحرم على المحرم، ولأنه قد جاء في الرجل يأكل
الصيد قبل أن يلبي وقد صلى وقد قال الذي يريد أن يقول ولكن لم يلب،
وقالوا: قال أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام: يأكل الصيد وغيره، فإنما فرض
على نفسه الذي قال فليس له عندنا أن يرجع حتى يتم إحرامه فإنما فرضه عندنا
عزيمة حين فعل ما فعل لا يكون له أن يرجع إلى أهله حتى يمضي، وهو مباح له
قبل ذلك، وله أن يرجع متى شاء، وإذا فرض على نفسه الحج ثم أتم بالتلبية
فقد حرم عليه الصيد وغيره، ووجب عليه في فعله ما يجب على المحرم، لأنه قد
يوجب الاحرام أشياء ثلاثة: الاشعار والتلبية والتقليد، فإذا فعل شيئا من هذه
الثلاثة فقد أحرم، وإذا فعل الوجه الآخر قبل أن يلبي فلبى فقد فرض) ولا يخفى
عليك ما فيه، ضرورة صراحة النصوص في عقد الاحرام لا الحج المراد منه ولو
بالقرينة إنشاء نيته وغيره مما ذكر فيه إلا أنه لم يلب، كما أنها ظاهرة أو صريحة
في أن له نقض الاحرام ورفع اليد منه وإن كان قد نواه ما لم يلب، لعدم انعقاد
الاحرام على وجه يجب إكماله فيما ذكره، وما حكاه عن أبان فالظاهر أنه اجتهاد
منه لا أنه من قول الصادق عليه السلام، ولا ريب في مخالفته لظاهر النصوص بل
وللفتاوى، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، كما أن من المعلوم شذوذ خبر
أحمد بن محمد (1) قال: (سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه ويتهيأ للاحرام
ثم يواقع أهله قبل إن يهل بالاحرام قال: عليه دم) وعن الاستبصار حمله على
الاستحباب ولا بأس به.

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام - الحديث 14
218

وكيف كان فلا إشكال في ظهور النصوص المزبورة في عدم اعتبار مقارنة
النية للتلبية الذي هو مقتضي الأصل أيضا - كما هو مفروع منه في محله - وظاهر
المعظم بل الجميع إلا من ستعرف، مضافا إلى صحيح معاوية بن عمار (1) المتقدم
سابقا في البحث عن النية (اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك
وسنة نبيك - إلى أن قال -: ويجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم،
ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب) وصحيح
عبد الله بن سنان (2) (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يكن يلبي حتى يأتي البيداء) وصحيح حفص بن البختري ومعاوية بن عمار
و عبد الرحمان بن الحجاج (3) جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا صليت في مسجد
الشجرة فقل وأنت قاعد في دبر الصلاة ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ
الميل وتستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلب، وإن أهللت من المسجد الحرام
للحج فإن شئت لبيت خلف المقام، وأفضل من ذلك أن تمضي حتى تأني الرقطاء
وتلبي قبل إن تصير إلى الأبطح) وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله
عليه السلام (إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس
يخسف بالجيش) وصحيح هشام بن الحكم (5) عنه عليه السلام أيضا (إن أحرمت من

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 - 4
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 35 من أبواب الاحرام - الحديث 3
وذيله في الباب 46 منها - الحديث 1 عن حفص بن البختري ومعاوية بن عمار
و عبد الرحمان بن الحجاج والحلبي جميعا
(4) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 - 4
(5) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
219

غمرة أو بريد البعث صليت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك، وإن شئت
لبيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلا حتى تلبي) وحسن معاوية بن
عمار (1) عنه (عليه السلام) أيضا، قال: (صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو
بالمتعة، واخرج بغير تلبية حتى تصعد أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك، فإذا
استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب) وقال زرارة (2) لأبي جعفر
(عليه السلام): (متى ألبي بالحج؟ قال: إذا خرجت إلى منى، ثم قال: إذا
جعلت شعب الدب عن يمينك والعقبة عن يسارك فلب للحج) وصحيح معاوية (3)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيؤ للاحرام فقال في مسجد الشجرة،
فقد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، وقد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي
إلى البيداء حيث الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول: لبيك اللهم لبيك)
الحديث إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تأخير التلبية عن نية الاحرام.
ولعله لذا قال في الدروس: (يظهر من الرواية والفتوى جواز تأخير التلبية
عنها) وفي المدارك صرح كثير منهم بعدمه حتى قال الشيخ في التهذيب: (وقد
رويت رخصة في جواز تقديم التلبية في الموضع الذي يصلى فيه، فإن عمل الانسان
بها لم يكن عليه فيه بأس) وفي الروضة (كثير منهم لم يعتبر المقارنة بينهما مطلقا
والنصوص خالية عن اعتبارها بل بعضها صريح في عدمها) إلى غير ذلك من
كلماتهم المتضمنة للاعتراف بظهور النص والفتوى في عدم اعتبارها، واحتمال
إرادة تأخير النية أيضا من النصوص ويكون الألفاظ ألفاظ العزم على الاحرام
دون نيته في غاية البعد، بل كاد يكون بعضها صريحا في خلافه، نعم قد يقال

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحرام - الحديث 6 - 3
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحرام - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحرام - الحديث 6 - 3
220

في خصوص أخبار البيداء بإرادة تأخير الجهر بها لا أصل التلفظ بها ولو بقرينة
ما دل من النصوص (1) على عدم تجاوز الميقات إلا محرما كما جزم به الفاضل في
المنتهى في الجمع بينهما، إذ الفرض أن بين البيداء وذي الحليفة الذي هو الميقات
ميلا، بل في صحيح عمر بن يزيد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إن كنت
ماشيا فاجهر باهلالك وتلبيتك من المسجد، وإن كنت راكبا فإذا علت راحلتك
البيداء) بل الشيخ قد جعله شاهد جمع بين النصوص على التفصيل بين الماشي
والراكب، فيستحب للأول التلبية من المسجد، والثاني من البيداء، وإن كان
فيه أن ذلك بالنسبة إلى الاظهار لا أصل التلبية، لما فيه من المحذور السابق.
ومن الغريب أن بعض المحدثين مال إلى وجوب تأخير التلبية إلى البيداء
في هذا الميقات عملا بالأوامر المزبورة، ولم أعرفه قولا لأحد، بل يمكن تحصيل
الاجماع على خلافه، مضافا إلى بعض النصوص (3) المصرحة بالتلبية من المسجد،
وظاهر الكليني المفروغية من ذلك، وأغرب منه جمعه بينها وبين ما دل على عدم
تجاوز الميقات إلا محرما بأن المراد من الأخير عدم التهيؤ له والنية وقول ما يقوله
المحرم ونحو ذلك مما لا بعد في إطلاق اسم المحرم عليه، إذ هو كما ترى يقتضي
جواز تأخير التلبية عن المواقيت أجمع مع التهيؤ فيها، ويمكن تحصيل الاجماع
على خلافه إن لم تكن الضرورة، ولو أنه قصر الاحتمال المزبور على خصوص هذا

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب المواقيت والباب 1 منها
الحديث 2 و 9
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 والباب 35
منها - الحديث 2 والباب 40 منها - الحديث 3
221

الميقات لمكان النصوص المزبورة لكان له وجه في الجملة، وإن كان هو أيضا مخالفا
لظاهر الأصحاب بل صريحهم، فليس إلا ما ذكرناه من الوجه المزبور، وهو
وإن كان ينافي الاستدلال بها حينئذ على عدم اعتبار المقارنة إلا أن الدليل غير
منحصر بها كما عرفت.
وعلى كل حال فما في اللمعة والتنقيح ومحكي السرائر وغيرها - من اعتبار
المقارنة نحوها في تكبيرة الاحرام للصلاة، بل حكي عن ابني حمزة وسعيد وإن
كنا لم نتحققه لقول الأول منهما: (إذا نوى ولم يلب أو لبى ولم ينو لم يصح
الاحرام) والثاني (أنه يصير محرما بالنية والتلبية أو ما قام مقامها) وليس في
شئ منهما اعتبار المقارنة - واضح الضعف وإن استدل له بقاعدة الشغل المعلوم
فسادها في محلها، مضافا إلى ما سمعته من الأدلة في خصوص المقام، وبنصوص
عدم تجاوز الميقات إلا محرما التي من الواضح عدم دلالتها، ضرورة عدم اقتضاء
ذلك المقارنة المزبورة، فإن التراخي بينهما في الميقات واضح التصور، ومن
الغريب أن بعض الأفاضل بعد أن ذكر القولين جعل أدلة الطرفين نصوص البيداء
ونصوص عدم تجاوز الميقات إلا محرما، ثم ذكر الجمع بينها بوجهين: أحدهما
ما ذكرناه من الاجهار، ورده بأنه لا يتم في خبر الخبيص ونحوه منها، والثاني
ما سمعته من الشيخ في التهذيب ثم مال إليه، وهو من غرائب الكلام، لما عرفته
من عدم دلالة نصوص عدم تأخير الاحرام عن الميقات على المقارنة المزبورة،
كعدم مدخلية خبر الخبيص في ذلك، إذ ليس فيه إلا جواز فعل المنافي قبل التلبية
ولو في الميقات، وأغرب من ذلك ميله إلى الجمع بما سمعته من الشيخ الذي يمكن
دعوى الضرورة على خلافه كما أوضحناه سابقا، فالمسألة حينئذ بحمد الله خالية من
الاشكال وإن أكثر فيها بعض الناس الكلام، على أن ذلك واضح الثمرة بناء على
أن النية هي الاخطار، أما بناء على الداعي كما هو التحقيق فلا ثمرة غالبا، ضرورة
222

عدم انفكاكه عن التلبية المقصود بها عقد الاحرام، هذا.
وفي الروضة (قد أوجب المصنف (رحمه الله) وغيره النية للتلبية أيضا،
وجعلوها متقدمة على التقرب بنية الاحرام بحيث يجمع النيتين جملة ليتحقق المقارنة
بينهما كتكبيرة الاحرام لنية الصلاة، وإنما وجبت النية للتلبية دون التحريمة،
لأن أفعال الصلاة متصلة حسا وشرعا، فتكفي نية واحدة للجملة كغير التحريمة
من الأجزاء، بخلاف التلبية فإنها من جملة أفعال الحج، وهي منفصلة شرعا وحسا
فلا بد لكل واحد من نية، وعلى هذا فكان إفراد التلبية عن الاحرام وجعلها
من جملة الأفعال أولى كما صنع في غيره، وبعض الأصحاب جعل نية التلبية عين
نية الاحرام وإن حصل بها فصل) ولا يخفى عليك خلو هذا الكلام عن التحصيل
بل هو خلاف ظاهر النص والفتوى، ضرورة اقتصارهما في بيان كيفية الاحرام
على ذكر نيته وأن يقول: لبيك ولبس الثوبين، وإن كان هو سهلا على الداعي
ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بفعل جميع ذلك.
وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا ينعقد إحرام المتمتع والمفرد
إلا بالتلبية (أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها) كما هو المشهور، لقول
أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر السكوني (1) المنجبر بالعمل (إن عليا (عليه
السلام) قال: تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه
وإشارته بإصبعه) ولعل عدم ذكر عقد القلب فيه كما عن الأكثر للاكتفاء عنه
بالإشارة بالأصبع التي لا يتحقق مسماها بدونه، بل الظاهر كون المراد منه بيان
أنها منه على حسب ما يبرز غيرها من مقاصده كما أوضحناه في كتاب الصلاة،
ولذا تركها أبو علي فاقتصر على عقد القلب، قال فيما حكي عنه: (يجزيه تحريك

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
223

لسانه مع عقده إياها بقلبه - ثم قال -: ويلبى عن الصبي والأخرس والمغمى عليه)
واستدل له بخبر زرارة (1) (إن رجلا قدم حاجا لا يحسن أن يلبي فاستفتي له
أبو عبد الله (عليه السلام) فأمر أن يلبي عنه) مؤيدا بقبول أفعال الحج والعمرة
النيابة، وفهم منه في كشف اللثام وجوب الأمرين، قال: (ولا ينافيه قوله أولا
(يجزيه) إذ لعل المراد إجزاؤه عما يلزمه مباشرته من تحريك اللسان ونحوه،
فلا مخالفة حينئذ بين الخبر (2) المعمول به بين الأصحاب وبين خبر زرارة)
ولا يخفى عليك ما فيه، ضرورة إمكان دعوى القطع بكون المراد من النص
والفتوى اجتزاء الأخرس بالإشارة كما في غير المقام من غير حاجة إلى استنابة،
لأن إشارته قائمة مقام النطق من غيره كما هو واضح، نعم قد يقال بمشروعية
النيابة عنه إذا فرض خرسه على وجه يتعذر عليه الإشارة، لعدم فهم معناها
بالصمم ونحوه، إذ هو حينئذ كالصبي ونحوه ممن لا تحصل منه الإشارة.
ولو تعذر على الأعجمي التلبية قال الشهيد ففي ترجمتها نظر، وروي (3)
أن غيره يلبي عنه، وفي كشف اللثام (لا يبعد عندي وجوب الأمرين، فالترجمة
لكونها كإشارة الأخرس وأوضح، والنيابة لمثل ما عرفت) وفيه ما تقدم سابقا
فلا يبعد القول بوجوب ما استطاع منها، وإلا اجتزى بالترجمة التي هي أولى من
إشارة الأخرس، ويحتمل الاستنابة عملا بخبر زرارة، ولعله إلى ذلك أو إلى
سقوطها عنه يرجع ما عن التذكرة والمنتهى من أنها لا تجوز بغير العربية مع
القدرة، خلافا لأبي حنيفة فأجازها بغيرها كتكبيرة الصلاة، بل وإطلاق التحرير

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الحلق والتقصير - الحديث 3
224

عدم الجواز بغير العربية المعلوم تقييده بالقدرة، وعن ابن سعيد من لم يتأت له
التلبية لبى عنه غيره، وهو يشمل الأخرس والأعجمي، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة
بما ذكرناه، والله العالم.
هذا كله في المتمتع والمفرد (و) أما (القارن) فهو (بالخيار إن شاء
عقد إحرامه بها، وإن شاء قلد أو أشعر على الأظهر) الأشهر، بل المشهور،
للمعتبرة المستفيضة، منها قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار (1):
(يوجب الاحرام ثلاثة أشياء: التلبية والاشعار والتقليد، فإذا فعل شيئا من
هذه الثلاثة فقد أحرم) وقوله عليه السلام أيضا في صحيح عمر بن يزيد (2): (من
أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير) وقوله عليه السلام أيضا في صحيح
معاوية الآخر (3): (تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها، والاشعار والتقليد
بمنزلة التلبية) وقوله عليه السلام أيضا في حسن معاوية أو صحيحه (4) في قول الله
عز وجل (5): (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج): (الفرض التلبية
والاشعار والتقليد، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج، ولا يفرض الحج إلا في
هذه الشهور) وقوله عليه السلام أيضا في خبر جميل (6): (وإذا كانت البدن كثيرة
قام بين اثنين منها ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى، ولا يشعر أبدا حتى يتهيأ للاحرام
لأنه إذا أشعر وقلد وجلل وجب عليه الاحرام، وهو بمنزلة التلبية) ونحوه
صحيح حريز (7) إلى غير ذلك من النصوص، فما عن السيد وابن إدريس - من

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 20 - 21 - 11 - 7 - 19
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 20 - 21 - 11 - 7 - 19
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 20 - 21 - 11 - 7 - 19
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2
(5) سورة البقرة - الآية 193
(6) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 20 - 21 - 11 - 7 - 19
(7) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 20 - 21 - 11 - 7 - 19
225

عدم الجواز إلا بالتلبية، لأنها الفرد المتيقن بعد الاعراض عن النصوص المزبورة
بناء على أصلهما المفروغ من فساده في محله، خصوصا مثل المقام الذي يمكن فيه
دعوى القطع بمضمون النصوص المزبورة - واضح الفساد، بل المرتضى منهما غير
محقق الخلاف، وكذا ما عن الشيخ وابني حمزة والبراج من اشتراط الانعقاد
بغيرها بالعجز عنها جمعا بين النصوص التي لا تعارض بينها، كما هو واضح.
وكيف كان ففي القواعد وغيرها (وبأيهما) أي التلبية أو الاشعار
والتقليد (بدأ كان الآخر مستحبا) ولكن قد اعترف غير واحد بعدم العثور
على نص له، وفيما حضرني من نسخة المدارك (ولعل إطلاق الأمر بكفاية كل
من الثلاثة كاف في ذلك) وفيه أنه لا يقتضي استحباب الآخر، ولعل الأولى
الاستدلال بعد التسامح بما دل على أن التلبية شعار المحرم (1) وأنها هي التي أجاب
الناس بها نداء إبراهيم عليه السلام في أصلاب الرجال وأرحام النساء (2) وما دل (3)
على أن الاشعار يغفر الله لفاعله بأول قطرة منه، مضافا إلى ما تسمعه من
النصوص التي يمكن استفادة الندب في جملة من الصور منها، هذا، وفي كشف
اللثام بعد أن ذكر الندب عن الفاضلين قال: والأقوى الوجوب، لاطلاق الأوامر
والتأسي، وهو ظاهر من قبلهما، أما السيد وبنو حمزة وإدريس والبراج والشيخ
في المبسوط والجمل فحالهم ظاهرة مما عرفت، وفي المبسوط أيضا (ولا يجوز لهما
يعني القارن والمفرد قطع التلبية إلا بعد الزوال من يوم عرفة) ونحوه في النهاية
أيضا، وفيها أيضا (فرائض الحج الاحرام من الميقات والتلبيات الأربع والطواف

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 15
226

بالبيت، إن كان متمتعا ثلاثة أطواف: طواف للعمرة وطواف للزيارة وطواف
للنساء، وإن كان قارنا أو مفردا طوافان) وفي المقنعة والمراسم (فأما القران فهو
أن يهل الحاج من الميقات) إلى آخره، والاهلال هو رفع الصوت بالتلبية إلا
أن يريدا به الاحرام، ثم إنهما في باب صفة الاحرام ذكرا الدعاء الذي بعده النية
وعقباها بالتلبيات، ثم قالا: وإن كان يريد الاقران قال: (اللهم إني أريد الحج
قارنا فسلم لي هديي وأعني على مناسكي، أحرم لك جسدي) إلى آخره، وظاهره
دخول التلبيات ووجوبها، ثم ذكر سلار مراسم الحج وأنها فعل وترك وعدد
الأفعال، ثم قال: (وهذه الأفعال على ضربين واجب وندب، فالواجب النية
والمسير والاحرام ولبس ثيابه والطواف والسعي والتلبية وسياق الهدي للمقرن
والمتمتع) وهو صريح في وجوب التلبية على الثلاثة، وفيه أن ذلك كله لا يدل
على أزيد من وجوب التلبية في نفسه الذي يمكن استفادته أيضا من إطلاق الأمر
بها، والمراد هنا عقد الاحرام بمعنى أنه لا يجب عقده بالأخير بعد عقده بأحدهما
فتأمل جيدا.
وفي موثق يونس (1) الأمر بالتلبية بعد الاشعار، قال: (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي
مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء والبس ثوبيك، ثم أنخها مستقبل القبلة،
ثم ادخل المسجد فصل ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب
الأيمن من سنامها، ثم قل: بسم الله اللهم منك ولك، اللهم فتقبل مني، ثم انطلق
حتى تأتي البيداء فلبه) وفي صحيح معاوية بن عمار (2) الأمر بالتقليد بعد
الاشعار، قال: (يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها) وفي

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 - 17
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 - 17
227

خبر السكوني (1) عن جعفر عليه السلام (سألته ما حال البدنة؟ فقال: تقلد وتشعر،
أما النعل نتعرف أنها بدنة ويعرفها صاحبها بنعله، وأما الاشعار فإنه يحرم
ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها، فلا يستطيع الشيطان أن يمسها) وقال
الفضل بن يسار (2) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أحرم من الوقت ومضى
ثم اشترى بعد ذلك بيوم أو يومين بدنة فأشعرها وقلدها، فقال: إن كان ابتاعها قبل
أن يدخل الحرم فلا بأس، قلت: فإنه اشتراها قبل إن ينتهي إلى الوقت الذي
يحرم منه فأشعرها وقلدها أيجب عليه حين فعل ذلك ما يجب على المحرم؟ قال: لا
ولكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ثم يشعرها ويقلدها).
ثم إن (لبيك) نصب على المصدر، وأصله لبا لك أي إقامة أو إخلاصا
من لب بالمكان إذا أقام به، أو من لب الشئ وهو خالصه، وثني تأكيدا أي
إقامة بعد إقامة، أو إخلاصا بعد إخلاص، هذا بحسب الأصل وقد صار
موضوعا للإجابة، وهي هاهنا للنداء الذي أمر الله تعالى به إبراهيم عليه السلام بأن
يؤذن في الناس بالحج فقيل: وأجابه من الناس من هو في أصلاب الرجال وأرحام
النساء، فجعله الله تعالى شعارا لهم، ويجوز كسر (أن) على الاستئناف،
وفتحها بنزع الخافض، وهو لام التعليل، وفي الأول تعميم فكان أولى، وأما
الاشعار والتقليد فقد تقدم الكلام في كيفيتهما في محلهما، فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان فقد اختلف كلام الأصحاب في (صورتها) أي التلبيات
الأربع الواجبة، ففي النافع وبعض نسخ المقنعة (أن يقول لبيك اللهم لبيك لبيك
لا شريك لك لبيك) ولعله ظاهر التحرير ومحكي المنتهى، بل هو خيرة الكركي

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 22 - 13 مع الاختلاف في الأول
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 22 - 13 مع الاختلاف في الأول
228

وسيد المدارك والإصبهاني وغيرهم (وقيل) كما عن رسالة علي بن بابويه وبعض
نسخ المقنعة والقديمين والأمالي والفقيه والمقنع والهداية وظاهر المختلف: (يضيف
إلى ذلك أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) لما تسمعه من صحيح معاوية
ابن عمار (1) وصحيح عاصم بن حميد (2) المروي عن قرب الإسناد للحميري
(إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انتهى إلى البيداء حيث الميل قربت له ناقته فركبها،
فلما انبعثت به لبي بالأربع، فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك
إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، ثم قال: هاهنا يخسف
بالأخابث) الحديث.
(وقيل) كما في القواعد والإرشاد والتبصرة ومحكي الجامع (بل يقول:
لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك
وكذا عن جمل السيد وشرحه والمبسوط والسرائر والكافي والغنية والوسيلة
والمهذب لكن بتقديم (والملك) على (لك) وعن النهاية والاصباح ذكره بعده
وقبله جميعا.
(و) لا ريب في أن (الأول أظهر) لقول الصادق عليه السلام في حصن
معاوية بن عمار وصحيحه (3): والتلبية أن تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك
لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك ذا المعارج
لبيك - إلى قوله -: واعلم أنه لا بد لك من التلبيات الأربع التي كن أول الكلام
وهي الفريضة، وهي التوحيد، وبها لبى المرسلون) فإنه إنما أوجب التلبيات

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الاحرام - الحديث 6 مع
الاختلاف
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
229

الأربع، وهي تتم بلفظ لبيك الرابع، وفي صحيح عمر بن يزيد (1) (إذا أحرمت
من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد، تقول: لبيك
اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج، لبيك لبيك بحجة
تمامها عليك، وأجهر بها كلما ركبت، وكلما نزلت، وكلما هبطت واديا أو علوت
أكمة أو لقيت راكبا وبالأسحار) بضميمة الاجماع السابق علي عدم وجوب
ما زاد على الأربعة، ولعل مبنى القول الثاني جعل الإشارة بالتلبيات الأربع في
حسن معاوية وصحيحه إلى ما قبل الخامسة، وما سمعته من صحيح عاصم بن
حميد (2) مضافا إلى ما عن الفقه المنسوب (3) إلى الرضا (عليه السلام) (ثم تلبي
سرا بالتلبيات الأربع وهي المفترضات، تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك
لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك، هذه الأربعة مفروضات) وإلى
قول الصادق (عليه السلام) في خبر الأعمش (4) المروي عن الخصال (وفرائض
الحج الاحرام والتلبيات الأربع، وهي لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك
لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) إلا أن ذلك كله لا يعارض
صريح صحيح عمر بن يزيد (5) المتقدم المعتضد بالأصل، ولكن الاحتياط الإضافة
إما كذلك كما في هذه النصوص وصحيح ابن سنان (6) عن الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب الاحرام - الحديث 6
(3) ذكر صدره في المستدرك في الباب - 23 من أبواب الاحرام - الحديث 2
وقطعة منه في الباب - 27 - منها - الحديث 5 وتمامه في فقه الرضا عليه السلام ص 27
(4) الخصال - ج 2 ص 153 الطبع القديم
(5) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 3 - 4
(6) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 3 - 4
230

أو بتأخير (لبيك) الثالثة، كما قال (عليه السلام) في خبر يوسف بن محمد بن
زياد وعلي بن محمد بن بشار عن أبويهما (1) عن الحسن العسكري (عليه السلام)
(فنادى ربنا عز وجل يا أمة محمد صلى الله عليه وآله فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم
وأرحام أمهاتهم لبيك اللهم، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك
والملك، لا شريك لك لبيك، قال: فجعل الله تعالى تلك الإجابة شعار الحج)
ومرسل الصدوق (2) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (جاء جبرئيل (عليه
السلام) إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: إن التلبية شعار المحرم، فارفع صوتك بالتلبية
لبيك اللهم لبيك) إلى آخر ما ذكر في ذلك الخبر.
وأما القول الثالث على كثرة القائل به - بل في الدروس أنه أتم الصور
وإن كان الأول مجزيا والإضافة إليه أحسن - فلم أظفر له بخبر كما اعترف به غير
واحد لا من الصحيح ولا من غيره في الكتب الأربعة ولا في غيرها، لا بتقديم
(لك) على (الملك) ولا تأخيره ولا ذكره مرتين قبله وبعده، ولكن مع ذلك
لا ينبغي ترك الاحتياط، وفي الدروس أنه يستحب فيها الطهارة والتتالي بغير تخلل
كلام إلا أن يرد السلام والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عند فراغها، والدعاء بعدها،
ولا بأس به وإن لم يحضرني الآن من النص ما يفيد ذلك كله.
(و) على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا سابقا من النصوص ومعاقد
الاجماعات أنه (لو عقد نية الاحرام ولبس ثوبيه ثم لم يلب وفعل ما لا يحل

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 وفيه علي
ابن محمد بن سيار إلا أن الموجود في الفقيه ج 2 ص 211 الرقم 967 وعلل الشرائع
ج 2 ص 102 علي بن محمد بن يسار مع الاختلاف في لفظه أيضا
(2) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
231

للمحرم فعله لم يلزمه بذلك كفارة إذا كان متمتعا أو مفردا) لعدم انعقاد احرامه
(وكذا لو كان قارنا ولم يشعر ولم يقلد) بل ربما ظهر منها أنه لا يجب عليه
استئناف النية بعد ذلك كما هو مقتضى الأصل بل وإطلاق النص والفتوى، فيكفي
الاتيان بالتلبية من دون تجديد، وحينئذ يكون المنوي عند عقد الاحرام
اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية نحو نية الصوم عن المفطرات
من الفجر، فلا يقدح فعل شئ منها بعدها قبله، لكن عن المرتضى وجوب
الاستئناف، ولعله لانتقاض الاحرام بفعل المنافي، وربما دل عليه مرسل سويد (1)
من النصوص السابقة، وفيه أن فعل المنافي لا يقتضي النقض كما لو فعله بعد التلبية
والخبر مع إرساله يمكن حمل النقض في سؤاله على ضرب من المجاز، نعم لو أراد
إبطال النية الأولى برفع اليد من أصل الاحرام بناء على ما ذكرناه من أن له ذلك
قبل التلبية احتيج إلى تجديدها لانتقاضها.
ثم لا يخفى عليك ظهور عبارة المتن في عدم اعتبار مقارنة النية للتلبية كما
عرفت تحقيقه فيما تقدم، بل ولا لشد الإزار كما حكاه في الدروس عن بعض
الأصحاب، وإن كنا لم نتحققه، للأصل واطلاق الأدلة السابقة، ويمكن حمله
على إرادة عدم جواز عقد الاحرام إلا وهو لابس للثوبين، وإن كان لا يفسد
الاحرام بذلك على الأصح كما ستسمع تحقيقه إن شاء الله، ولكن مع ذلك كله
لا ينبغي ترك الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة، والله العالم.
(الثالث لبس ثوبي الاحرام، وهما واجبان) بلا خلاف أجده فيه كما

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الاحرام - الحديث 12 وهو
مرسل ابن سويد كما تقدم في ص 217
232

اعترف به في المنتهى والمدارك، بل في التحرير الاجماع على ذلك، بل قصر الشيخ
وبنو حمزة والبراج وزهرة وسعيد الاحرام في ثوب على الضرورة، بل عن القاضي
منهم التصريح بعدم جواز الاحرام في ثوب إلا لضرورة، كل ذلك مضافا إلى
الأمر بلبس الثوبين في المعتبرة المستفيضة، كصحيحي ابني عمار (1) ووهب (2)
وصحيح هشام بن الحكم (3) وغيرها وإن كان هو في سياق غيره مما علم ندبه،
خصوصا بعد ملاحظة ما سمعته من الاجماع وإلى التأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى
(عليهم السلام) فإن ثوبي رسول الله صلى الله عليه وآله اللذين أحرم فيهما كانا يمانيين عبري
وأظفار، وفيهما كفن على ما رواه ابن عمار (4) عن الصادق عليه السلام، وفي مرسل
الحسن بن علي عن بعضهم (عليهم السلام) (أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله في ثوبي
كرسف) فما في كشف اللثام - من أن لبس الثوبين إن كان على وجوبه إجماع كان
هو الدليل، وإلا فالأخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندا له، مع أن الأصل
العدم، وكلام التحرير والمنتهى يحتمل الاتفاق على حرمة ما يخالفهما، والتمسك
بالتأسي أيضا ضعيف، فإن اللبس من العادات إلى أن يثبت كونه من العبادات
وفيه الكلام - لا يخفى عليك ما فيه نعم في الدروس بعد أن أوجب لبس الثوبين
فيه قال: (ولو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه وارتدى بالباقي أو توشح أجزأ)
وفيه مضافا إلى منافاته لما ذكره أولا عدم صدق لبس الثوبين عليه، اللهم إلا أن
يراد بهما الكناية عن تغطية المنكبين وما بين السرة إلى الركبة، وهو لا يخلو من

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الاحرام - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 3
233

وجه وإن كان الأولى والأحوط التعدد، والأمر في ذلك سهل.
إنما الكلام في اعتبار ذلك في صحة الاحرام وعدمه، قال في الدروس:
وهل اللبس من شرائط الصحة حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد؟ نظر
وظاهر الأصحاب انعقاده حيث قالوا: لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه، ولو
لبسه بعد الاحرام وجب شقه وإخراجه من تحت كما هو مروي (1) وظاهر ابن
الجنيد اشتراط التجرد، وفي كشف اللثام قلت: كلامهم هذا قد يدل على عدم
الانعقاد، فإن الشق والاخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس، فلعلهم لم يوجبوه
أولا لعدم الانعقاد، نعم الأصل عدم اشتراط الانعقاد به، وقد يفهم من خبري
عبد الصمد بن بشير (2) وخالد بن محمد الأصم (3) الفارقين بين جاهل الحكم وعالمه
إذا لبسه قبل التلبية، وقال أبو علي: (وليس ينعقد الاحرام إلا من الميقات
بعد الغسل والتجرد والصلاة) وفي المدارك (ولو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر جمع
من الأصحاب أنه لا يبطل إحرامه وإن أثم، وهو حسن) ونحوه عن الكركي
وثاني الشهيدين، ولعله الأقوى وفاقا لمن عرفت، بل لا أجد فيه خلافا صريحا
إلا ما سمعته من الإسكافي، ولا ريب في ضعفه، فإن الأمر باللبس بعد إطلاق
ما دل على حصول الاحرام بالنية والتلبية لا يدل على أزيد من الإثم، كالنهي
في صحيح معاوية (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (لا تلبس وأنت تريد
الاحرام ثوبا تزره ولا تدرعه، ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار،
ولا الخفين إلا أن لا يكون لك نعلان) مضافا إلى صحيح معاوية بن عمار وغير

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 0 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 0 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 0 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
234

واحد (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل أحرم وعليه قميصه فقال:
ينزعه ولا يشقه، وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقه وأخرجه مما يلي رجليه) وفي
صحيحه الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا (إذا لبست قميصا وأنت محرم فشقه
وأخرجه من تحت قدميك) ونحوه حسنه الآخر (3) وفي حسنه الآخر (4) عنه
(عليه السلام) أيضا (إذا لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب وأعد
غسلك. وإن لبست قميصا فشقه وأخرجه من تحت قدميك).
وعلى كل حال فلا اشكال في ظهور الأول منها وغيره في صحة الاحرام،
ضرورة أنه لو كان مثل ذلك مانعا لانعقاده كما سمعت احتماله من الإصبهاني بل مال
إليه بعض المحدثين لوجب تجديد النية والتلبية، والنص والفتوى كادا يكونان
صريحين في خلافه، والحسن الآخر محمول على ضرب من الندب، وإلا لما أمره
بالشق للقميص والاخراج من تحت القدمين.
بل ينبغي الجزم به في صورة الجهل، لخبر خالد بن محمد الأصم (5) قال:
(دخل رجل المسجد الحرام وهو محرم فدخل في الطواف وعليه قميص وكساء
فأقبل الناس عليه يشقون قميصه وكان صلبا، فرآه أبو عبد الله (عليه السلام) وهم
يعالجون قميصه يشقونه فقال له: كيف صنعت؟ فقال: أحرمت هكذا في قميصي
وكسائي فقال: انزعه من رأسك، ليس ينزع هذا من رجليه، إنما جهل فأتاه
غير ذلك، فسأله فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال: ينزعه من رأسه)

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
وهو حسن بسند الكليني (ره)
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 5 - 4
(5) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 5 - 4
235

وخبر عبد الصمد بن بشير (1) عنه (عليه السلام) أيضا، قال: ((جاء رجل يلبي
حتى دخل المسجد الحرام وهو يلبي وعليه قميصه فوثب إليه الناس من أصحاب
أبي حنيفة فقالوا: شق قميصك وأخرجه من رجليك، فإنه عليك بدنة، وعليك
الحج من قابل، وحجك فاسد، فطلع أبو عبد الله (عليه السلام) فقام على باب
المسجد فكبر واستقبل الكعبة فدنا الرجل من أبي عبد الله (عليه السلام) وهو
ينتف شعره ويضرب وجهه، فقال: أسكن يا عبد الله، فلما كلمه وكان الرجل
أعجميا فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما تقول؟ قال: كنت رجلا أعمل بيدي
فاجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شئ، فأفتوني هؤلاء أن أشق
قميصي وأنزعه من قبل رجلي، وأن حجي فاسد، وأن علي بدنة، فقال له: متى
لبست قميصك؟ أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال: قبل إن ألبي، قال: فأخرجه من
رأسك، فإنه ليس عليك بدنة، وليس عليك الحج من قابل، أي رجل ركب
أمرا بجهالة فلا شئ عليه، طف بالبيت سبعا، وصل ركعتين عند مقام إبراهيم
(عليه السلام) واسع بين الصفا والمروة، وقصر من شعرك، فإذا كان يوم التروية
فاغتسل وأهل بالحج واصنع كما يصنع الناس) وربما فهم منهما خصوصا الأخير
عدم الانعقاد مع عدم الجهل، إلا أنه لا دلالة فيهما، بل اطلاق الصحيح الأول
يقتضي خلافه.
وأما كيفية لبسهما فظاهر الأصحاب الاتفاق على الاتزار بأحدهما كيف
شاء، بل صرح في الدروس بجواز عقده بخلاف الرداء، لكن في خبر أبي سعيد

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 إلا أنه سقط في الوسائل صدره وقد ذكر الشيخ (قده) تمامه في التهذيب ج 5
ص 72 - الرقم - 239
236

الأعرج (1) عن الصادق (عليه السلام) نهى عن عقده في عنقه، وكذا خبر علي
ابن جعفر (2) المروي عن كتاب مسائله، وعن قرب الإسناد للحميري (3) عن
أخيه (عليه السلام) قال: (المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته، ولكن
يثنيه ولا يعقده) وعن الاحتجاج (4) للطبرسي (إن محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله هل يجوز أن يشد عليه
مكان العقد تكة؟ فأجاب (عليه السلام) لا يجوز شد المئزر بشئ سواه من تكة
أو غيرها، وكتب أيضا يسأله هل يجوز أن يشد المئزر على عنقه بالطول أو يرفع
من طرفيه إلى حقويه ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما ويخرج الطرفين الآخرين بين
رجليه ويرفعهما إلى خاصرته وشد طرفه إلى وركيه، فيكون مثل السراويل يستر
ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله انكشف ما هناك
وهذا أستر، فأجاب (عليه السلام) جائز أن يتزر الانسان كيف شاء إذا لم يحدث
في المئزر حدثا بمقراض ولا أبرة يخرجه عن حد المئزر، وغرزه غرزا ولم يعقده
ولم يشد بعضه ببعض، وإذا غطى السرة والركبة كليهما، فإن السنة المجمع عليها
بغير خلاف تغطية السرة والركبة، والأحب إلينا والأكمل لكل أحد شده على
السبيل المعروفة المألوفة للناس جميعا إن شاء الله تعالى).
وأما الثاني فعن جماعة أنه يتردى به أي يلقيه على عاتقيه جميعا ويسترهما به

(1) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب تروك الاحرام
الحديث 1 - 5 - 5 والأول عن سعيد الأعرج كما في الفقيه ج 2 ص 221 الرقم
10233 وهو الصحيح كما يأتي نقله عنه في ص 238
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 و 3
مع الاختلاف
237

وعن بعض يتوشح به، وعن آخرين أو يتوشح به، أي يدخل طرفه تحت إبطه
الأيمن، ويلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف على ما عن الأزهري وغيره
بل صرح غير واحد منهم بأنه نحو ما يفعله المحرم، إلا أن الظاهر عدم وجوب
شئ من الهيئتين، للأصل، فيجوز حينئذ التوشح بالعكس وغيره من الهيئات
ولعل من اقتصر على الارتداء أو التخيير بينه وبين التوشح يريد التمثيل، وإن
كان التردي أولى الهيئات، للتعبير في النصوص عنه بالرداء المنساق منه التردي به
على حسب المتعارف، ففي صحيح ابن سنان (1) (والتجرد في إزار ورداء أو
عمامة بعضها علي عاتقه لمن لم يكن له رداء) وفي خبر محمد بن مسلم (2) (يلبس
المحرم القباء إذا لم يكن له رداء) بل ربما مال إلى تعينه بعض المحدثين، لكنه
في غير محله، نعم صرح في الدروس بعدم جواز عقده الرداء كالمحكي عن الفاضل
وغيره بخلاف الإزار، ولعله لموثق سعيد الأعرج (3) (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن المحرم يعقد رداءه في عنقه قال: لا).
وأما الإزار فلا بأس به للأصل، وقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر
القداح (4): (إن عليا (عليه السلام) كان لا يرى بأسا بعقد الثوب إذا قصر

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 14 - مع
الاختلاف في اللفظ
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 وفيه
" إزاره " بدل " رداءه " وهو الصحيح كما ذكره في ص 237
(4) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 عن
الصادق عليه السلام كما في الكافي ج 4 ص 347
238

ثم يصلي فيه وإن كان محرما) لكن قد سمعت ما في مكاتبة الحميري، فالأولى
تركه ما أمكن أيضا.
وعلى كل حال فقد ذكر غير واحد أنه يعتبر في الإزار ستر ما بين الركبة
والسرة، وفي الرداء كونه مما يستر المنكبين، بل في الرياض نفي الاشكال عن ذلك
بابدال الستر في الثاني بالوضع، وفيه أنه لا دليل على ذلك، بل مقتضى الأصل
وإطلاق النص والفتوى خلافه، وقوله (عليه السلام) في خبر الاحتجاج: (فإن
السنة) إلى آخره، ظاهر في الندب، ولعله لذا قال في المدارك: ويمكن الرجوع
فيه إلى العرف، ولعله الأقوى، هذا.
وقد ظهر لك مما سمعته من النص والفتوى أن محل اللبس قبل عقد الاحرام
بل هو من جملة الأشياء التي يتهيأ بها للاحرام على وجه يكون حاصلا حال عقده
الاحرام، ومن هنا قال الفاضل في محكي المنتهى: (إذا أراد الاحرام وجب عليه
نزع ثيابه ولبس ثوبي الاحرام بأن يتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر) ونحوه غيره
نعم لا يجب استدامة اللبس ما دام محرما كما قطع به في المدارك للأصل بعد صدق
الامتثال بالطبيعة.
(و) كيف كان ففي المبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والاقتصاد
والمراسم والكافي والغنية والنافع والقواعد وغيرها على ما حكي عن بعضها أنه
(لا يجوز الاحرام فيما لا يجوز لبس جنسه في الصلاة) كالثوب المنسوج كلا أو
بعضا من شعر ما لا يؤكل لحمه فضلا عن جلده الذي هو ليس بثوب عرفا، فلا
يصح في المأكول منه فضلا عن غيره على إشكال، لقول الصادق (عليه السلام)
في حسن حريز وصحيحه (1): (كل ثوب يصلى فيه فلا بأس بالاحرام فيه)

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
239

بناء على إرادة المنع من البأس في مفهومه ولو بقرينة ما سمعته من الفتاوى، بل
عن الكفاية أنه المعروف بين الأصحاب، بل في المفاتيح يشترط فيهما كونهما مما
تجوز به الصلاة بلا خلاف، بل ربما استظهر ذلك من المنتهى وغيره ممن عادته
نقل الخلاف، بل وبقرينة ما دل على رجحانية دوام لبسهما والتكفن بهما والطواف
بهما ونحو ذلك مما يدل على قابليتهما للصلاة التي لا ينفك المكلف عنها فضلا عن
الطواف وصلاته.
بل يستفاد منه حينئذ اعتبار عدم نجاسته بغير المعفو عنه كما صرح به في
الدروس والمسالك وغيرها مؤيدا بما في حسن معاوية بن عمار وصحيحه (1)
أيضا سأله (عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال: لا يلبسه حتى يغسله، واحرامه
تام) بل في كشف اللثام ولنحو هذين الخبرين نص ابن حمزة على عدم جواز
الاحرام في الثوب النجس، وفي المبسوط (ولا ينبغي إلا في ثياب طاهرة نظيفة)
وفي النهاية (ولا يحرم إلا في ثياب طاهرة نظيفة) ونحوه السرائر وغيرها مما
تأخر عنها، ولكن فيه أنهما يدلان على عدم جواز لبس النجس حال الاحرام
مطلقا، إلا أنه قال في المدارك: ويمكن حمله على ابتداء اللبس، إذ من المستبعد
وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن، إلا أن يقال بوجوب إزالتها عن البدن
أيضا للاحرام، ولم أقف على مصرح به، وإن كان الاحتياط يقتضي ذلك، وفيه
أنه غير قابل لإرادة حال الابتداء خاصة منه، نعم هو دال عليها ولو بدعوى ظهوره
في اعتبار طهارتهما حال الاحرام ابتداء واستدامة، فيقتصر على الأول لاعتضاده
بالفتاوى دون غيره الباقي على حكم الأصل، مؤيدا ذلك بحسن معاوية بن عمار

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
240

أو صحيحه (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (سألته عن المحرم يقارن بين
ثيابه وغيرها التي أحرم فيها قال: لا بأس بذلك أن كانت طاهرة) بناء على إرادة
الجمع من المقارنة فيه، فيتم التأييد به على الوجه المزبور، نعم لا يبطل الاحرام
بذلك وإن أثم كغيره مما يعتبر فيهما، لما عرفته من عدم شرطية أصل اللبس فيه
فضلا عن صفات الملبوس.
وعلى كل حال فقد يندرج في المفهوم المزبور بناء على ما ذكرنا عدمه في
الحرير للرجال الذي صرح به غير واحد، بل لا أجد خلافا فيه، مضافا إلى خبر
أبي بصير (2) قال: (لا بأس أن يحرم فيها، إنما يكره الخالص منه) ونحوه
خبر أبي الحسن النهدي (3) لمعلومية إرادة الحرمة من الكراهة فيهما ولو لان
لبسهما محرم، ومن هنا يتجه الاستدلال زيادة على ذلك بأن وجوب اللبس بناء
على ما عرفته لا يجتمع مع النهي عنه.
ومنه يعلم عدم الجواز في المغصوب وفي جلد الميتة وفي المذهب للرجال،
بل لو قلنا بشرطية لبسهما في الاحرام اشترط إباحته أيضا ولو لأن دليل الشرطية
لا يشمل المحرم، فلا يجوز حينئذ في الحرير للرجال، ولا في جلد الميتة
والمغصوب والمذهب، وبذلك كله يظهر لك فساد ما في كشف اللثام من المناقشة
في اعتبار جميع ما يشترط في ثوب الصلاة، إذ لا دليل له إلا الخبران في الطهارة
وظاهرهما مبادرة المحرم إلى التطهير كلما ينجس وجوبا أو استحبابا، ومفهوم خبر
حريز، وهو بعد التسليم لا ينص على الحرمة، ولو سلمت لم يفهم العموم خصوصا

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 3
241

المتنجس الذي عرض له المانع من الصلاة، إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما
ذكرنا، نعم لو لم نقل بوجوب اللبس لا شرطا ولا شرعا فحرمة المغصوب والحرير
والمذهب والميتة عامة للمحرم وغيره لا تفتقر إلى دليل خاص، وما عداها على
الحل، لكن قد عرفت الدليل على الوجوب شرعا، وعدم تعرض الشيخ في الجمل
وابني إدريس وسعيد لاعتبار ما قلناه فيهما لا يقتضي الجواز، كاقتصار السيد في
الجمل على الإبريسم، وابن حمزه على النجس، والمفيد على الديباج والحرير والخز
والمغشوش بوبر الأرانب والثعالب، بل قد يقال للمفهوم السابق المعتضد بما عرفت
باعتبار عدم كون الإزار حاكيا للعورة كما جزم به في الدروس، بل جعل اعتبار
ذلك في الرداء أحوط، وإن قال في المدارك: إطلاق عبارات الأصحاب يقتضي
جواز الاحرام فيهما مطلقا، إذ قد يمنع في نحو عبارة المصنف وما شابهها الذي
هو معقد نفي الخلاف وغيره، بل استحباب التكفن بهما تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله
مشعر بذلك.
(وهل يجوز الاحرام في الحرير للنساء؟ قيل) والقائل المفيد في كتاب
أحكام النساء وابن إدريس في محكي السرائر والفاضل في القواعد وغيرهم، بل نسب
إلى أكثر المتأخرين: (نعم، لجواز لبسهن له في الصلاة) فيندرج في خبري (1)
حريز السابقين، مضافا إلى الأصل، وصحيح يعقوب بن شعيب (2) (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام، المرأة تلبس القميص تزره عليها وتلبس الحرير والخز والديباج
فقال: نعم لا بأس به، وتلبس الخلخالين والمسك) وعن النهاية المسكة بالتحريك
السوار من الذبل، وهي قرون الأوعال، وقيل: جلود دابة بحرية، وعلى كل

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
242

حال فلا ريب في ظهورها في حال الاحرام، فلا وجه للمناقشة فيها من هذه الجهة
وخبر النضر بن سويد (1) عن أبي الحسن عليه السلام (سألته عن المرأة المحرمة أي
شئ تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس،
ولا تلبس القفازين، ولا حليا تتزين به لزوجها، ولا تكتحل إلا من علة، ولا
تمس طيبا، ولا تلبس حليا ولا فرندا، ولا بأس بالعلم في الثوب) والقفاز كرمان
شئ يعمل لليدين ويحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد، أو ضرب من الحلي لليدين
والرجلين، والفرند بكسر الفاء والراء ثوب معروف.
(وقيل) والقائل الشيخ والصدوق: (لا) يجوز، بل هو ظاهر
ما سمعته سابقا من عبارتي المفيد والسيد، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح
العيص: (2) (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين)
وخبر أبي عينية (3) سأله عليه السلام أيضا (ما يحل للمرأة أن تلبس وهي محرمة؟
فقال الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير، قال: أتلبس الخز؟ قال:
نعم، قلت: فإن سداه إبريسم وهو حرير فقال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا
بأس) وخبر إسماعيل بن الفضل (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة هل
يصلح لها أن تلبس ثوبا حريرا وهي محرمة؟ قال: لا، ولها أن تلبسه في غير
إحرامها) وموثق ابن بكير (5) عن بعض أصحابنا عنه عليه السلام أيضا (النساء تلبس

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام - الحديث
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام - الحديث
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام - الحديث
9 - 3 - 10 - والأخير عن إسماعيل بن الفضيل وهو سهو فإن الموجود في الكافي
ج 4 ص 346 أيضا إسماعيل بن الفضل
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
243

الحرير والديباج إلا في الاحرام) وخبر سماعة (1) سأله (عن المحرمة تلبس
الحرير فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خليط فيه، فأما الخز والعلم في
الثوب فلا بأس أن تلبسه وهي محرمة، وإن مر بها رجل استترت منه بثوبها،
ولا تستتر بيدها من الشمس، وتلبس الخز، أما إنهم يقولون: إن في الخز حريرا
وإنما يكره الحرير المبهم) وفي موثقه الآخر (2) عنه عليه السلام أيضا (لا ينبغي للمرأة
أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة، فأما في الحر والبرد فلا بأس) وخبر جميل (3)
المروي عن نوادر البزنطي سأله (عن التمتع كم يجزيه؟ قال: شاة، وعن المرأة
تلبس الحرير قال: لا) وخبر جابر (4) المروي عن الخصال عن أبي جعفر عليه السلام
(ويجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة وإحرام) وخبر أبي بصير (5)
(سألته عن القز تلبسه المرأة في الاحرام قال: لا بأس، إنما يكره الحرير المبهم)
وخبر أبي الحسن الأحمسي (6) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن العمامة السابري
فيها علم حرير تحرم فيها المرأة قال: نعم، إنما كره ذلك إذا كان سداه ولحمته
جميعا حريرا، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: قد سألني أبو سعيد الأعرج عن الخميصة
سداها إبريسم وكان وجدا البرد فأمرته أن يلبسها).
(و) لا ريب في أن الاجتناب (هو الأحوط) وإن كان التدبر في
النصوص ولو بملاحظة (لا ينبغي) و (لا يصلح) ولفظ الكراهة ونحو
ذلك يقتضي الحمل على الكراهة جمعا بين النصوص، بل هي فيه أشد منها في

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام الحديث 7 - 8 - 5 - 11 وفي الأخير: " قد سألني أبو سعيد عن الخميصة " كما أن الموجود في الكافي ج 4 ص 345 كذلك أيضا
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 6
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 6
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
244

الصلاة، وهو أولى من الجمع بينها بحمل نصوص الجواز على الممتزج، ونصوص
المنع على الخالص من وجوه.
وهل يلحق الخنثى في ذلك بالرجل أو بالمرأة؟ نظر كما في المسالك من تعارض
الأصل والاحتياط، بل الاشكال في أصل جواز لبسه لها، وإن كان قد يقوى
الأول، لأن الاحتياط ما لم يكن واجبا للمقدمة لا يعارض الأصل، فتأمل.
ثم إن الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الاحرام للامرأة تحت
ثيابها وإن احتمله بعض الأفاضل، بل جعله أحوط، ولكن الأقوى ما عرفت،
خصوصا بعد عدم شمول النصوص السابقة للإناث إلا بقاعدة الاشتراك التي يخرج
عنها هنا بظاهر النص والفتوى، والله العالم.
(و) لا خلاف، كما لا إشكال في أنه (يجوز أن يلبس المحرم أكثر من
ثوبين) للأصل، وحسن معاوية بن عمار (1) المتقدم المشتمل على السؤال عن
قرن المحرم ثياب غير الاحرام معها، وحسن الحلبي أو صحيحه (2) (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يتردى بالثوبين قال: نعم والثلاثة إن شاء، يتقي بها
الحر والبرد) ونحوه خبره (3) عنه عليه السلام أيضا، وما عن الشيخ وجماعة منهم الفاضل
في المنتهى والتحرير والتذكرة من الاقتصار على مضمونه ليس خلافا محققا،
وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه، للأصل الذي لا ينافيه الخبر المزبور، مضافا
إلى الحسن الأول، ولعله لذا عبر المصنف وغيره بما سمعت.
(و) كذا يجوز له (أن يبدل ثياب إحرامه) للأصل، ولقول

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 1 - 1
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 1 - 1
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 1 - 1
245

الصادق عليه السلام في حسن الحلبي أو صحيحه (1): (لا بأس بأن يحول المحرم ثيابه
قلت: إذا أصابها شئ قال: نعم، وإن احتلم بها فليغسلها) وفي خبره الآخر (2)
عنه عليه السلام أيضا (سألته عن المحرم يحول ثيابه فقال: نعم، وسألته يغسلها إن
أصابها شئ قال: نعم، وإذا احتلم فيها فليغسلها) وقوله عليه السلام أيضا في حسن
معاوية (3): (لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه، ولكن إذا دخل مكة لبس ثوبي
إحرامه اللذين أحرم فيهما، وكره أن يبيعهما) وبحمل الأمر فيه على الندب كما
عن ظاهر المتأخرين قال المصنف وغيره: (فإذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف
فيهما) وإن قيل قد يوهم الوجوب عبارة الشيخ وجماعة، ولا ريب في أنه أحوط
وإن كان الأول أقوى.
(وإذا لم يكن مع الانسان ثوبا الاحرام وكان معه قباء جاز لبسه مقلوبا
بأن يجعل ذيله على كتفيه) بلا خلاف أجده في أصل الحكم، بل عن ظاهر
التذكرة والمنتهى أنه موضع وفاق، بل ادعاه صريحا غير واحد من متأخري
المتأخرين، لقول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (4): (إذا اضطر المحرم إلى
القباء ولم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في يدي القباء) وصحيح
عمر بن يزيد (5) (يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، وإن لم يكن له رداء
طرح قميصه على عنقه أو قباه بعد أن ينكسه) وحسن معاوية بن عمار
وصحيحه (6) (لا تلبس ثوبا له أزرار وأنت محرم إلا أن تنكسه، ولا ثوبا

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 4 مع الاختلاف في الأول
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 4 مع الاختلاف في الأول
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
246

تدرعه ولا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار، ولا خفين إلا أن لا يكون لك
نعلان) وخبر علي بن أبي حمزة (1) (إن اضطر المحرم إلى أن يلبس قباء من برد
ولا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، ولا يدخل يديه في يدي القباء) وخبر مثنى
الحناط (2) (من اضطر إلى ثوب وهو محرم وليس معه إلا قباء فلينكسه،
وليجعل أعلاه أسفله ويلبسه) وفي رواية أخرى (3) (يقلب ظهره بطنه إذا لم
يجد غيره) و (في رجل هلكت نعلاه ولم يقدر على نعلين قال: له أن يلبس
الخفين إذا اضطر إلى ذلك، وليشقه من ظهر القدم، وإن لبس الطيلسان فلا يزره
عليه، وإن اضطر إلى قباء من برد ولم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، ولا يدخل
يديه في يدي القباء (4)) وخبر محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام (في المحرم
يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال: نعم، ولكن يشق ظهر القدم، ويلبس المحرم
القباء إذا لم يكن له رداء، ويقلب ظهره لبطنه).
والظاهر من الأخير وصحيح عمر بن يزيد الاكتفاء في جواز لبسه بفقد
الرداء خاصة كما هو مفاد غير واحد من النصوص، وصريح الدروس وغيرها،
خلافا لما عساه يظهر من المصنف من اعتبار فقدهما، بل في كشف اللثام أنه نص
كثير منهم ومن الأخبار، قال: وزادت الاضطرار إلا ما سمعته من خبري عمر

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 3 - 4
(4) ذكر صدره في الوسائل في الباب 51 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 3 ووسطه في الباب 36 منها الحديث 4 وذيله في الباب 44 منها الحديث 5
(5) ذكر صدره في الوسائل في الباب 51 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 5 وذيله في الباب 44 منها الحديث 7
247

ابن يزيد ومحمد بن مسلم، فليس فيهما اضطرار ولا فقد غير الرداء، ووافقهما الشهيد
وهو غير بعيد على القول بوجوب لبس الثوبين مع الامكان، مع احتمال أن لا
يكون الواجب إلا الثوبين المعهودين، وهما غير المخيطين، إذ لو سلم الاتفاق
فعليهما، والأحوط عندي التجنب لغير ضرورة، ومنها أن لا يكون له ثوب أو
إلا رداء لا يمكنه الاتزار به، فيتزر إما بقباء أو سراويل أو نحوهما، فهذه
المسألة وما يأتي من فقد الإزار مسألة واحدة، ولعله غير مخالف لما قلناه، نعم
قد يظهر من بعض النصوص الاكتفاء به عن الثوبين إذا لم يكن غيره، وعلى كل
حال فالأقوى ما عرفت، بل في المسالك الاكتفاء في جواز لبسه بفقد أحدهما،
ومقتضاه جواز لبسه مع فقد الإزار خاصة، ولا يخلو من تأمل، اللهم إلا أن
يريد الاتزار بالرداء حينئذ، ولبس القباء عوضا عنه، أو ما سمعته من كشف
اللثام من الاتزار بالقباء، ولكن فيه أنه خلاف المستفاد من النصوص المزبورة
إلا مع دعوى استفادة ذلك من نصوص السراويل (1) بناء على أنها مثال لمطلق
المخيط مع فقد الإزار، وهو لا يخلو من وجه.
وكيف كان فالتحقيق جواز لبس القباء مع فقد الرداء، بل الظاهر وجوبه
حينئذ كما صرح به في المسالك وغيرها عملا بظاهر الأمر هنا، مضافا إلى الأمر
بلبس الثوبين اللذين هذا بدل أحدهما، ويمكن حمل الجواز في المتن على ما يشمل
الوجوب، كما أن المراد بالاضطرار حينئذ ما يشمل عدم وجود ثوب غيره أو الحاجة
ونحوه، فاحتاج إلى لبسه ولو مع الإضافة إلى رداء الاحرام.
ثم إن المحكي عن ابن إدريس التصريح بأن المراد من النكس جعل الذيل

(1) الوسائل - الباب - 35 و 50 - من أبواب تروك الاحرام
248

على الكتفين، وتبعه الشهيد والفاضل في القواعد، ويحتمله تعبير جماعة باللبس
مقلوبا، ويشهد له مضافا إلى بعده عن صدق اسم اللبس بعض (1) الأخبار السابقة
وعن آخر تفسيره بجعل الباطن ظاهرا، ويشهد له بعض آخر (2) من النصوص،
ولعله لذا اكتفى الفاضل بكل من الأمرين جمعا بينها بالتخيير كما عن ابن سعيد،
ولعل الأولى منه الجمع بين الأمرين لعدم المنافاة، بل يمكن حمل عبارة المتن عليه،
ولم أجد من صرح بوجوبه، بل في المسالك الاجماع على الاجتزاء بالأول،
ومقتضاه عدم قائل بتعيين الهيئة الأخرى، بل قد يناقش فيما ذكروه من الجمع بأن
ظاهر بعض (3) ما دل عليه ولو بقرينة قوله عليه السلام: (ولا يدخل يده في يده) إرادة
عدم النكس الذي لا يحتاج معه إلى النهي عن ذلك، فيكون الهيئتان حينئذ
متنافيتين، ولهذا جمع بينهما بالتخيير، اللهم إلا أن يراد من النهي المزبور بيان
حكم نفسه لا حكم المقلوب على الهيئة المزبورة، وعلى كل حال فلا إشكال في إجزاء
الجمع بل والنكس خاصة بناء على ما سمعته من الاجماع المزبور.
ثم إن الظاهر عدم الفدية مع اللبس على الوجه المزبور كما صرح به غير
واحد منهم الفاضل في محكي التذكرة والمنتهى والتحرير، بل عن الشيخ نفي الخلاف
فيه إذا توشح به، ولعل الأمر بالقلب والنكس والنهي عن إدخال اليدين لذلك،
نعم هي عليه لو لبسه لا على الوجه المزبور، بل لو أدخل يديه في يديه كان عليه
ذلك وإن كان مقلوبا، هذا، وفي المسالك المشهور اختصاص الحكم بالقباء، وفي
رواية عمر بن يزيد (4) عن الصادق عليه السلام (إن لم يكن معه رداء طرح قميصه على
عنقه أو قباءه بعد أن ينكسه) واختاره في الدروس قلت: وهو الأقوى حملا

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 7 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 7 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 7 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 7 - 1 - 2
249

لما في النص من القباء على المثال، ومنه يظهر قوة ما سمعته من كشف اللثام.
ثم إن صريح النص والفتوى ستر الكتفين به نحو الرداء، لكن في محكي
الخلاف يتوشح به ولا يدخل كتفيه، للاحتياط، خلافا لأبي حنيفة، ولا أعرف
مستنده، بل ظاهر الأدلة خلافه، والله العالم.
(وأما أحكامه فمسائل: الأولى لا يجوز لمن أحرم) بنسك (أن ينشئ
إحراما آخر) بمثله أو بغيره (حتى يكمل أفعال ما أحرم له) بلا خلاف أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1) المشتملة على كيفية حج
التمتع المصرحة بأن إهلال الحج بعد التقصير المحلل لاحرام العمرة، وإلى الأمر
باتمام العمرة والحج الظاهر في عدم جواز ما يقع قبل الاتمام، بل وصحته،
وحينئذ فلو أحرم قبل السعي عامدا أو قبل إكماله للعمرة كان مشرعا، وإحرامه
الثاني باطلا، ويجب عليه إكمال العمرة، بل وكذا لو كان ناسيا وإن لم يكن آثما.
(ف) أما (لو أحرم متمتعا ودخل مكة وأحرم بالحج قبل التقصير ناسيا
لم يكن عليه شئ) من دم أو قضاء التقصير أو غير ذلك، وكان عمرته صحيحة
وإحرامه للحج صحيحا بلا خلاف محقق أجده في صحتهما كما اعترف به غير واحد
بل ربما ظهر من بعضهم الاجماع عليه، بل هو صريح الفاضل في محكي المختلف على
تمامية العمرة، مع أنه حكى فيه وفي محكي التحرير والمنتهى قولا لبعض الأصحاب
ببطلان الاحرام الثاني، والبقاء على الاحرام الأول، قال في الأول: لو أخل
بالتقصير ساهيا وأدخل إحرام الحج على العمرة سهوا لم يكن عليه إعادة الاحرام
وتمت عمرته إجماعا وصح احرامه، ثم نقل الخلاف في وجوب الدم خاصة.
وعلى كل حال فهو الحجة مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المعتضدة بما سمعت

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب أقسام الحج
250

كصحيح ابن سنان (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل متمتع نسي أن
يقصر حتى أحرم بالحج قال: يستغفر الله ولا شئ عليه وتمت عمرته) وصحيح
ابن الحجاج (2) (سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلى
الحج فدخل مكة فطاف وسعى ولبس ثيابه وأحل ونسي أن يقصر حتى خرج
إلى عرفات، قال: لا بأس به يبني على العمرة وطوافها، وطواف الحج على أثره)
وصحيح معاوية بن عمار (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أهل
بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل بالحج قال: يستغفر الله تعالى ولا شئ عليه
وتمت عمرته) إلى غير ذلك من النصوص التي لا معارض لها سوى خبر أبي بصير (4)
الآتي القاصر عن المعارضة من وجوه، فيحمل على صورة العمد أو يطرح.
(و) لكن (قيل) والقائل الشيخ وبنو زهرة والبراج وحمزة والفاضل
في الإرشاد على ما حكي عن بعضهم: (عليه دم) لموثق إسحاق بن عمار
(قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج
قال: عليه دم يهريقه) الذي يخص به ما في الصحاح السابقة بناء على حجيته
(و) لكن (حمله على الاستحباب أظهر) كما عن الصدوق والحلي والديلمي
وكثر المتأخرين، بل هو المشهور بينهم، فيرجح حينئذ على مجاز التخصيص،

(1) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 وليس فيه
" ولا شئ عليه وتمت عمرته " كما ليس ذلك في الكافي ج 4 ص 440 الطبع الحديث
وكذلك الفقيه ج 2 ص 237 - الرقم 1129 والاستبصار ج 2 ص 175
الرقم 577
(2) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 3 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 3 - 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 3 - 5 - 6
(5) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 3 - 5 - 6
251

خصوصا بعد شدة ظهور تلك الصحاح في عدم وجوب شئ عليه، إلا أنه مع
ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، كما لا ينبغي تركه في كون الدم شاة كما عن الغنية
والمهذب والإشارة وإن كان الخبر مطلقا، بل عن ابن حمزة ادراجه فيما فيه دم
مطلقا، اللهم إلا أن يدعى انصرافه فيه وفي الفتاوى إلى الشاة.
هذا كله مع النسيان (وإن فعل ذلك عامدا قيل) والقائل الشيخ وابنا
حمزة وسعيد والفاضل في جملة من كتبه، بل في الدروس والمسالك نسبته إلى
الشهرة: (بطلت عمرته وصارت حجته مبتولة) لموثق أبي بصير (1) بل في
المنتهى والمختلف والمسالك والروضة صحيحه عن أبي عبد الله (عليه السلام) (المتمتع
إذا طاف وسعى ثم لبى قبل أن يقصر فليس له أن يقصر، وليس له متعة) وخبر
محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل (2) (سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل
بالحج قبل إن يقصر قال: بطلت متعته، وهي حجة مبتولة). (وقيل) والقائل ابن إدريس والفاضل في التلخيص والشهيد في الدروس:
(يبقى على احرامه الأول وكان الثاني باطلا) للنهي عنه المقتضي لفساده،
ضرورة عدم جواز ادخال الحج على العمرة قبل اتمام مناسكها والتقصير منها
على الأصح، لظهور النصوص (3) المتضمنة بيان كيفية العمرة في أن التقصير منها
بل هو من معقد اجماع المنتهى فعل من أفعال العمرة، بل هو أيضا ظاهر غيره،
فما في المسالك من خروجه عنها وكونه محللا واضح الضعف، فإن حصول التحليل
به لا ينافي كونه من أفعالها مثل التسليم في الصلاة على الأصح، وحينئذ فالاحرام
قبله كالاحرام قبل السعي من أفعالها منهي عنه أو غير مأمور به، على أنه لو كان

(1) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - وغيره من أبواب التقصير
252

الاحرام صحيحا باعتبار كون التقصير خارجا عن العمرة لاتجه حينئذ صحة العمرة
لا بطلانها وصيرورة الحج مبتولا كما هو مقتضى النص والفتوى فلا محيص حينئذ
عن القول ببطلان الاحرام، مضافا إلى وقوع خلاف ما نواه إن نوى حج التمتع
وعدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره، والخبران قاصران عن اثبات حكم مخالف
للأصل مع عدم الصراحة، لاحتمال الحمل على متمتع عدل عن الافراد ثم لبى بعد
ما سعى كما في الدروس، بل قال: لأنه روي التصريح بذلك في رواية أخرى،
ولعله أراد الموثق (1) (رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا
والمروة ثم يبدو له أن يجعلها عمرة فقال: إن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر
فلا متعة له) الذي مر في مسألة جواز الطواف للمفرد والقارن قبل المضي
إلى عرفات.
ولكن ذلك جميعه كما ترى، ولذا كان ظاهر المصنف الميل إلى غيره بقوله:
(والأول هو المروي) ضرورة كون الخبر من الموثق والصحيح الصالح
للخروج به عن الأصل بناء على أن التقصير من أجزاء العمرة، وإلا فبناء على
خروجه عنها وأنه محلل كما في المسالك يمنع مخالفته حينئذ للأصل، لعدم كونه
حينئذ إدخالا للحج على العمرة، اللهم إلا أن يقال إن ظاهر الأدلة وقوع الحج
بعد التقصير وإن قلنا بخروجه عن العمرة، وعلى كل حال فالخبر المزبور صالح
للخروج به عن ذلك كله، خصوصا بعد الاعتضاد بالشهرة والخبر الآخر، وبعد
احتمال الحمل المزبور أو فساده، ضرورة كون مفروض المسألة في المتمتع الذي هو
حقيقة في المتلبس بالمبدأ، أو الأعم منه والماضي، والعادل عن الافراد إلى التمتع
متمتع مجازا، فالمتجه العمل به، ولكن في الاجتزاء به عن فرضه الذي هو التمتع

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
253

إشكال باعتبار أنه عدول اختياري ولم يأت بالمأمور به على وجهه، ولذا كان
خيرة ثاني الشهيدين وسبطه العدم وإن احتملا الاجزاء أيضا، لخلو الخبر الوارد
في مقام الحاجة عن الأمر بالإعادة، ولا ريب في أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى.
والجاهل كالعامد للاطلاق المقيد بخصوص الناسي لما عرفت، نعم الظاهر
قصر الحكم المزبور على خصوص مضمون الخبر، أما غيره فيبقى على مقتضى الأصل
الذي سمعته من الحلي.
بقي شئ وهو أن الخبرين المزبورين لم يتعرضا لاستئناف إحرام جديد
لحج الافراد، إذا الاجتزاء بالاحرام المزبور بعد أن لم يكن مأمورا به بل منهيا
عنه باعتبار إدخاله على العمرة لا وجه له، كالاجتزاء باحرام العمرة الذي كان
منويا به غيره، مع قوله عليه السلام فيهما: (بطلت متعته) المراد به بطلان عمرة تمتعه
التي من أفعالها الاحرام، إلا أني لم أجد تصريحا بتجديد الاحرام لحج الافراد
من ميقاته في مفروض المسألة، نعم في الذخيرة بعد ذكر الخبرين قال: ومقتضاهما
بطلان المتعة، وليس فيهما خصوصا المعتبرة منهما تصريح بعدم الحاجة إلى تجديد
الاحرام كما هو مذهب الجماعة، وكيف كان فلعل عدم تجديد الاحرام لظهور
الخبرين - ولو من جهة قوله عليه السلام: (مبتولة) والخلو عن ذكره في مقام البيان
وغير ذلك - في انقلاب فعله إلى حج الافراد وإن كان ذلك باختياره بل وإثم فيه
إلا أنه كالانقلاب القهري الذي يجتزى فيه بالاحرام الأول، ودليل ذلك الخبران
ففيهما حينئذ مخالفة للأصول من هذه الجهة أيضا، والله العالم.
المسألة (الثانية) قد تقدم الكلام مفصلا في أنه (لو نوى الافراد ثم
دخل مكة جاز أن يطوف) واجبا للحج (ويسعى ويقصر ويجعلها عمرة)
ف‍ (يتمتع بها ما لم يلب، فإن لبى انعقد إحرامه) وليس له العدول حينئذ
254

(وقيل) كما عن ابن إدريس (لا اعتبار بالتلبية، وإنما هو بالقصد)
فلاحظ وتأمل.
بل وتقدم أيضا الكلام في المسألة (الثالثة) وهي (إذا أحرم الولي
بالصبي جرده من فخ) علي معنى أنه يحرم به من الميقات، ولكن لا يجرده عن
المخيط إلا من فخ، أو أنه لا يحرم به إلا من فخ كما تقدم تحقيق ذلك، ولعل
ظاهر المصنف هنا الأول، ولكن مقتضى قوله: (وفعل به ما يجب على المحرم
جنبه ما يتجنبه) عدم الاقتصار على نزع المخيط، بل غيره من تروك المحرم،
ولم أجد به تصريحا لأحد، بل مقتضى صحيح معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام - (انظروا إلى من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة، أو إلى
بطن مر ويصنع به ما يصنع بالمحرم ويطاف به ويرمى عنهم، ومن لا يجد الهدي
منهم فليصم عنه وليه) وصحيح زرارة (2) عن أحدهما (عليهما السلام)) إذا
حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج، فإن لم يحسن أن
يلبي لبوا عنه ويطاف به ويصلى عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون عنه قال: يذبح
عن الصغار ويصوم الكبار، ويتقى ما يتقي المحرم من الثياب والطيب، فإن قتل
صيدا فعلى أبيه) - خلافه، فالمتجه الاقتصار على خصوص نزع المخيط مع
الاحرام بهم من الميقات دون غيره من تروك المحرم، نعم لو قلنا إن ابتداء الاحرام
بهم من فخ لم يكن إشكال حينئذ في جريان حكم الاحرام حينئذ منه،
كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (لو فعل الصبي ما تجب به الكفارة) أو الفداء على
المكلف (لزم ذلك الولي في ماله) كما في القواعد ومحكي الكافي والنهاية، بل

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3 - 5
255

قيل والتهذيب وإن كان لا صراحة بل ولا ظهور في عبارته، لعدم خطاب الصبي
بالاجتناب، خصوصا غير المميز منه، وإنما الواجب على الولي أن يجنبه، فهو
غرم أدخله هو عليه بالاحرام به كالنفقة الزائدة، ولصحيح زرارة (1) السابق،
لكن فيه قتل الصيد خاصه، مع أن ظاهر المصنف والفاضل في الإرشاد وغيرهما
عدم الفرق بين ما يوجب الكفارة عمدا وسهوا كالصيد وما في معناه وما يوجب
الكفارة عمدا لا سهوا، إلا أن المحكي عن الشيخ وأكثر الأصحاب كما في المدارك
والذخيرة اختصاص الحكم بالأول، قال في المدارك: اقتصارا فيما خالف الأصل
على موضع النص، وهو الصيد، أي وما في معناه مما يوجبها عمدا وسهوا، إذ
لا قائل بالوجوب فيه خاصة، بل لعل الاجماع المركب على خلافه، فيختص الوجوب
بما يوجبها عمدا وسهوا دون ما لا يوجبها إلا عمدا، للقاعدة المزبورة التي
لا يعارضها كون الولي المخاطب، فإن ذلك لا يوجب الكفارة عليه بعد الأصل،
وعدم تناول دليلها له كما اختاره في المدارك، ولكن قد ناقشناه سابقا بأن الولي
هو السبب شرعا في ترتب ذلك، وكون عمد الصبي خطأ إنما هو في الديات،
وخطاب الكفارات والفداء أشبه شئ بخطاب الأسباب، وبظهور كون الصيد
على الأب والذبح عليه والصوم عليه وغير ذلك مما عساه يظهر منه ترتب هذه
الأحكام للاحرام عليه دون الصبي، خصوصا غير المميز.
وبذلك كله يظهر لك شدة ضعف ما عن ابن إدريس من عدم الوجوب
مطلقا، لأن عمد الصبي خطأ، فلا يجب عليه ما يعتبر العمد في وجوبه، كما أن
قاعدة الاقتصار تقتضي عدم وجوبها أيضا فيما يجب على العامد والناسي، لأن

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 5
256

الوجوب على الناسي على خلاف الأصل، وإنما وجب هنا بالنص والاجماع،
والخطاب الشرعي إنما يتوجه على المكلفين، خصوصا دعوى أن عمده خطأ حتى
في المقام، ضرورة كون المسلم منه ما في الديات.
وبذلك ظهر لك أن الأقوال ثلاثة، قيل والرابع والخامس التفصيل بايجاب
الفداء في مال المولى عليه، لأنه مال وجب بجنايته، كما لو أتلف مال غيره،
وهو خيرة التذكرة، ومحتمل المبسوط، والكفارة على الولي، ولا يجب على أحد
والتردد فيهما محكي عن صريح المبسوط وظاهر التذكرة، ولا يخفى عليك ما فيهما
بعد الإحاطة بما ذكرناه خصوصا في الصيد، فالتحقيق حينئذ ما هو ظاهر المصنف
من ترتب الكفارة والفداء على الولي مطلقا.
هذا كله فيهما، وأما بالنسبة إلى غيرهما كما لو عقد له على امرأة كان باطلا
بل عن المختلف إن جامعها حرمت عليه، ولو جامع في الفرج عمدا قبل الوقوف
بعرفات ففي القواعد وجب عليه دون الولي، بل لعله لا خلاف في عدم وجوبه
على الولي للأصل وغيره، وأما الوجوب عليه فلعله لعموم دليله، لكن المحكي
عن المبسوط والخلاف والسرائر والجواهر العدم، أفسد به الحج لتعمده الجماع
كما عن الجواهر نافيا للخلاف فيه، أو لا لكون عمده خطأ، ولأن الخطاب إنما
يتوجه إلى المكلف، ودعوى أن ذلك من باب الأسباب فيخاطب به بعد بلوغه
لا حال صباه وكذا المجنون متوقفة على الدليل، وعليه ففي وجوب مؤونة القضاء
على الولي نظر، أقربه الوجوب عند الشهيد قدس سره، ولعله لأنه السبب في
وجوبه عليه، وفيه أنه حين القضاء كامل وجب عليه كحجة الاسلام، والمباشر
أقوى من السبب، ولذا وجب عليه في صورة البذل دون من بذل.
وكيف كان فإذا قضى لم يجزه القضاء عن حجة الاسلام، فتجب حينئذ عليه
إلا إذا كان قد كمل في الفاسد قبل المشعر، بناء على أنه كالمندوب الذي قد
257

عرفت البحث فيه، ولو وجب القضاء وحج الاسلام أخر القضاء وإن تقدم،
بل قيل: لو نواه بطل وانصرف إلى حجة الاسلام، بل لو جوزنا القضاء له في
الصغر فشرع فيه وبلغ قبل الوقوف انصرف إلى حجة الاسلام، فتأمل، وقد
تقدم جملة من الكلام في هذه المسائل وغيرها، فلاحظ وتأمل.
(وكلما يعجز عنه الصبي يتولاه الولي من تلبية وطواف وسعي وغير ذلك)
لما سمعته من النص، مضافا إلى صحيح ابن الحجاج (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
وكنا تلك السنة مجاورين وأردنا الاحرام يوم التروية فقلت: إن معنا مولودا
صبيا فقال مروا أمه فلتأت حميدة فلتسألها كيف تفعل بصبيانها، قال: فأتتها
فسألتها فقالت لها: إذا كان يوم التروية فجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم، ثم
أحرموا عنه ثم قفوا به في المواقف، وإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا
رأسه، ثم زوروا به البيت، ثم مروا الخادم أن يطوف به بالبيت وبين الصفا
والمروة، وإذا لم يكن الهدي فليصم عنه وليه إذا كان متمتعا) وغيره
من النصوص.
(ويجب على الولي الهدي من ماله أيضا) لأنه كالنفقة الزائدة، أو
الصوم عنه إذا لم يجده كما سمعته في صحيح معاوية (2) وفي خبر عبد الرحمان بن
أبي عبد الله (3) عن الصادق عليه السلام (يصوم عن الصبي وليه إذا لم يجد هديا وكان

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1 عن الكافي
مع الاختلاف اليسير في الألفاظ إلا أنه لم يذكر صدر الحديث في الوسائل وقد
ذكره في التهذيب ج 5 ص 410 الرقم 1425 ومن قوله: " وإذا لم يكن الهدي "
إلى آخره ليس من تتمة الحديث وإنما هو من كلام الشيخ (قده)
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الذبح - الحديث 1 - 2 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الذبح - الحديث 1 - 2 من كتاب الحج
258

متمتعا) كقول الباقر عليه السلام في خبر عبد الرحمان بن أعين (1): (الصبي يصوم
عنه وليه إذا لم يجد هديا) وفي خبره الآخر (2) (تمتعنا فأحرمنا ومعنا صبيان
فأحرموا ولبوا كما لبينا، ولم نقدر على الغم قال: فليصم عن كل صبي وليه)
وفي موثق إسحاق (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلمان لنا دخلوا معنا بعمرة
وخرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام قال: قل لهم: يغتسلون ثم يحرمون،
واذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم) بناء على إرادة الصبيان من الغلمان،
وقد سمعت ما في صحيح زرارة (4) السابق المراد من الكبار فيه على ما صرح
به غير واحد المميزون، ومنه يستفاد الاجتزاء بصوم المميز منهم.
ولعله إليه أشار المصنف بقوله: (وروي إذا كان الصبي مميزا جاز أمره
بالصيام عن الهدي، ولو لم يقدر على الصيام صام عنه وليه مع العجز عن الهدي)
بضميمة ما في غيره من النصوص من صيام الولي عنه، وإلا فهو ليس كما ذكره،
بل لم نعثر على خبر بالمضمون المزبور، نعم استدل له بعضهم على ذلك أيضا بموثق
سماعة (5) سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا قال: عليه
أن يضحي عنهم، قلت: فإنه أعطاهم دراهم فبعضهم ضحى وبعضهم أمسك
الدراهم وصام قال: قد أجزأ عنهم، وهو بالخيار إن شاء تركها، قال: ولو أنه
أمرهم فصاموا أجزأ عنهم) وفيه أن الظاهر إرادة المماليك من الغلمان فيه، على
أنه ليس تمام المضمون المزبور، بل قد يناقش في إرادة المميزين من الكبار في

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الذبح - الحديث 5 - 4 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الذبح - الحديث 5 - 4 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 2 - 5
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الذبح - الحديث 8 من كتاب الحج
259

الخبر المزبور، فيتعين على الولي الذبح أو الصوم إذا لم يجد، ولو سلم فالمتجه التخيير
جمعا بعد تحققنا ما أرسله المصنف فيما وصل إلينا من النصوص من ترتب صوم
الولي على عجز الصبي عن الصوم، بل مقتضى إطلاق الأمر في صحيحي معاوية (1)
وابن الحجاج (2) وغيرهما خلافة، ولعله لذا في كشف اللثام بعد أن ذكر وجوب
الهدي على الولي من ماله قال: فإن فقده صام أو أمر الصبي بالصوم، وقد نطقت
الأخبار بجميع ذلك وإن كنا لم نتحقق غير ما عرفت، فالأولى والأحوط ذبح
الولي، فإن لم يجد صام من غير فرق بين المميز وغيره. وأما ما عساه يظهر من
صحيح معاوية من اعتبار عدم وجدان الصبي الهدي في صوم الولي فلم نجد به
قائلا، بل ظاهر الأصحاب على خلافه، فيجب حمله علي إرادة معنى (عنهم) من
قوله: (منهم) فيه، والله العالم.
المسألة (الرابعة إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر
تحلل) بلا إشكال ولا خلاف نصا وفتوى (و) لكن الكلام في أنه (هل
يسقط الهدي؟ قيل) والقائل المرتضى والحلي والحلبي ويحيى بن سعيد والفاضل
في حصر التحرير والتذكرة والمنتهى وصد القواعد على ما حكي عن بعضهم:
(نعم) يحل بمجرد الاحصار من غير أن يحتاج إلى الهدي، وهو حينئذ فائدة
الشرط، بل في انتصار الأول منهم الاجماع عليه، بل قال فيه: لا فائدة لهذا
الشرط إلا ذلك، وإطلاق الآية (3) محمول على من لم يشترط، وهو الحجة بعد

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 3
(2) التهذيب ج 5 ص 410 الرقم 1425 وقد تقدمت الإشارة إلى أن الذيل
الدال على وجوب الصوم من كلام الشيخ (قده) وليس من تتمة الحديث
(3) سورة البقرة - الآية 192
260

صحيح ذريح المحاربي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (سألته عن رجل تمتع
بالعمرة إلى الحج وأحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال: أو ما اشترط
على ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله تعالى؟
فقلت: بلى قد اشترط ذلك، قال: فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه، إن
الله تعالى أحق من وفى ما اشترط عليه، فقلت: فعليه الحج من قابل قال: لا)
وصحيح البزنطي (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن محرم انكسرت ساقه ما حاله
أي شئ يكون حاله وأي شئ عليه؟ قال: هو حلال من كل شئ، فقلت:
من النساء والثياب والطيب فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم وقال: أو ما
بلغك قول أبي عبد الله عليه السلام: وحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي)
ولو بقاعدة تأخير البيان عن وقت الحاجة لو كان واجبا، بل من الأخير يستفاد
الاستدلال بكل ما دل على مشروعية الشرط المزبور بناء على إفادته ذلك.
(وقيل) والقائل الإسكافي والشيخ في محكي الخلاف والمبسوط والمصنف
في النافع والفاضل في المختلف وغيرهم: (لا) يسقط (وهو الأشبه) بأصول
المذهب وقواعده التي منها الأصل وعموم الآية وغيرها والاحتياط وقول الصادق
عليه السلام في خبر عامر بن عبد الله بن جذاعة المروي عن الجامع من كتاب المشيخة
لابن محبوب (في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطريق وهو محرم قال:
ينحر بدنة ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النساء، فإن لم يقدر صام
ثمانية عشر يوما، فإن برأ من مرضه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 1
261

وإن كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر، ويجب أن يعود
للحج الواجب المستقر وللأداء إن استمرت الاستطاعة في قابل، والعمرة الواجبة
كذلك في الشهر الداخل، وإن كانا متطوعين فهما بالخيار) مؤيدا بما تسمعه من
صحيح معاوية (1) في حصر الحسين عليه السلام.
(و) حينئذ ف‍ (فائدة الاشتراط جواز التحلل) كما عن المبسوط
والخلاف والمهذب في المحصور والوسيلة في المصدود أي (عند الاحصار) كما
عن التحرير والتذكرة والمنتهى بمعنى أنه من غير تربص كما في النافع وكشفه
والمحكي من شرح ترددات الكتاب، لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (2):
(إن الحسين بن علي عليه السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه السلام وهو
بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض، فقال: يا بني ما تشتكي؟ قال:
رأسي، فدعا (عليه السلام) ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة) بناء
على أنه كان قد اشترط باعتبار كونه مستحبا، فلا يتركه الحسين (عليه السلام)
فيدل حينئذ بالتأسي، وبأنه متى شرع النحر تحليلا نافى السقوط، إذ احتمال
سقوط الوجوب خاصة لم نعرفه قولا لأحد، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه
ونحوه صحيح رفاعة (3) عنه (عليه السلام) لكن فيه أنه (عليه السلام) كان
ساق بدنة فنحرها وحلق رأسه، وحينئذ يكون خارجا عما نحن فيه، إذ الظاهر
عدم خلاف معتد به في عدم سقوط الهدي عنه، بل عن الايضاح أن عليه اجماع
الأمة، فيحمل النحر فيه على البعث للنحر في محله، ثم الحلق بعده، وإن كان
بعيدا، بل يمكن دعوى القطع بفساده، وليس هو أولى من حمل سوق البدنة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 2
262

فيه على سوقها لا على كونها حج قران، فيكونان حينئذ معا دالين على المطلوب
نعم لا إشكال في أن حكم القارن البعث وإن اشترط، لصحيحي محمد بن
مسلم (1) ورفاعة (2) عن الباقر والصادق (عليهما السلام) (القارن يحصر وقد
قال واشترط فحلني حيث حبستني يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل؟ قال:
لا، ولكن يدخل في مثل ما خرج عنه) وما عن الفقيه من عدم البعث فيه أيضا
واضح الضعف، أو أنه من تحريف النساخ.
وعلى كل حال فيكون فائدة الشرط تعجيل التحليل في المحصور، وبدونه
لا يجوز ما لم يبلغ الهدي محله كما هو مقتضى الآية المحمول اطلاقها على غير
صورة الشرط، واجماع المرتضى لم نتحققه، بل لعل المتحقق خلافه، والصحيحان
لا صراحة فيهما بعدم الهدي بل ولا ظهور بحيث يعارض خبر عامر وصحيح
معاوية (3) وقاعدة تأخير البيان مع منع تحقق موضوعها في المقام يمكن أن يكون
ترك بيانه للاتكال على الآية وغيرها، نعم هما دالان على التعجيل الذي هو المختار
وإن كان مع الهدي، لما سمعته من دليله، بل قد يقال إن الشرط لا يدل على
أزيد من ذلك، فإن المراد عدم لزوم البقاء على الاحرام بعد الحصر، وأنه يتحلل
من احرامه بمحلله الشرعي، لا أنه يثبت به تحليل خاص لا يحتاج معه إلى هدي
ولا غيره، بل ربما ظهر من بعض العبارات عدم الاحتياج معه إلى النية، ويمكن
القطع بعدمه، فظهر لك من ذلك كله أن الأقوى كون فائدة الشرط التعجيل
المزبور لا سقوط الهدي ولا غيره من الفوائد التي تسمعها.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 3
263

(و) أما ما في المتن من أنه (قيل: يجوز التحلل من غير شرط) فلم
يظهر لي لمن أشار بالقول المزبور، فإن أصل التحليل للمحصور لا إشكال فيه ولا
خلاف للآية والرواية، وإن أراد به جواز التعجيل من غير شرط فلم أعرفه
لأحد من أصحابنا، ويمكن أن يريد به الإشارة إلى أن الشرط وجوده كعدمه
ولا يترتب عليه إلا الثواب كما هو المشهور بين العامة، واختاره ثاني الشهيدين،
وربما كان ظاهر المبسوط والخلاف والمهذب، وإن كان ستعرف ضعفه إن شاء الله
(و) على كل حال فلا ريب في أن (الأول) وهو القول بأن فائدته
التعجيل (أظهر) مما سمعته من المرتضى، بل من القول بأنه لا فائدة فيه أصلا
سوى ترتب الثواب، ومما في الإيضاح، فإنه - بعد أن ذكر قول والده في
القواعد: وفائدة الشرط جواز التحلل على رأي - قال: (إن معنى كلام المصنف
ليس المنع من التحلل إذا لم يشترط، بل معناه أن التحلل ممنوع منه، ومع العذر
وعدم الاشتراط يكون جواز التحلل رخصة، ومع الاشتراط يصير التحلل مباح
الأصل، وسبب إباحته بالأصالة الاشتراط والعذر - قال -: والفائدة تظهر فيما لو
نذر أن يتصدق كلما فعل رخصة بكذا، وفي التعليق) وهو كما ترى مرجعه في
الحقيقة إلى عدم الفائدة للشرط في خصوص المشترط فيه من الحج والعمرة،
فيكون حينئذ تعبدا محضا كما عن أكثر العامة، مضافا إلى عدم الفائدة أيضا في
ذكر خصوص الحصر، اللهم إلا أن يراد منه ما يعم الصد، وإلى ظهور عبارة
الفاضل والمصنف في كون الفائدة نفس التحلل لا كونه أصليا في مقابل الرخصة
وإن أمكن على ضرب من التجوز، لكن لا يخفى عليك بعده.
وكيف كان فقد استدل له بعموم الآية (1) وما يحكى من فعل النبي صلى الله عليه وآله

(1) سورة البقرة - الآية 192
264

في المصدود (1) وبخبر حمزة بن حمران (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذي
يقول حلني حيث حبستني قال: هو حل حيث حبسه قال: أو لم يقل) وحسن
زرارة (3) عنه عليه السلام أيضا (هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط) وفيه أن
الآية - مع أنها مساقة لبيان حكم أصل الحصر لا خصوص المشترط - مقيدة بما
عرفت، وفعل النبي صلى الله عليه وآله بعد أن كان مصدودا لا محصورا خارج عما نحن فيه
وخبرا حمزة وزرارة - مع عدم صحة سند الأول منهما، وموافقتهما للعامة،
واحتمال كونهما في المصدود - لا دلالة فيهما إلا على ثبوت أصل التحلل مع الشرط
وعدمه، وإن اختص الأول بأمر زائد على ذلك كما سمعت التصريح به في النص
مضافا إلى استبعاد الأمر بالشرط المزبور مع عدم فائدة به، ومن الغريب أنه على
ضعفه أو فساده وافقه عليه الشهيد في الدروس والمحقق الثاني في حاشية الكتاب
في تفسير عبارة المصنف وما شابهها، قال في الأول: (وحكمهما أي الممتنع وغيره
في استحباب الاشتراط أيضا واحد، وفائدته جواز أصل التحلل عند العارض
كقول ابن حمزة والشرائع، أو جواز التعجيل للحصر كقول النافع، أو سقوط
الهدي عن الحصر والمصدود غير السائق كقول المرتضى، أو سقوط قضاء الحج
لمتمتع فاته الموقفان كقول الشيخ في التهذيب لرواية ضريس بن عبد الملك
الصحيحة (4)) وقال في الثاني: (قول المصنف: وفائدة الاشتراط إلى آخره،

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الوقوف بالمشعر - الحديث 2
عن ضريس بن أعين كما في التهذيب ج 5 ص 296 - الرقم 1001 وهو الصحيح
كما يشهد لذلك نقل الحديث عنه فيما يأتي في ص 266
265

جواب عن سؤال مقدر يرد على عدم سقوط الهدي عن المشترط، صورته أنه
حينئذ لا فرق بين المشترط وغيره في وجوب الهدي إذا أحصر، فلا فائدة للشرط
حينئذ، وجوابه أن فائدته كون التحليل مستحقا بالأصالة بعد أن كان رخصة،
ومن فوائده أنه عبادة فيترتب عليه الثواب) والجميع كما ترى، فإن العبارة كادت
تكون صريحة، خصوصا بملاحظة كلامه في النافع في أن الفائدة تعجيل التحليل
بخلاف غير المشترط الذي يجب عليه الانتظار حتى يبلغ الهدي محله، بل لعل ذلك
هو مراد كل من عبر بأنه يتحلل مع الشرط كما عن المبسوط والخلاف والمهذب
وغيرها، ضرورة ثبوت أصل التحليل للمحصور من غير شرط، فليس المراد
إلا تعجيله.
ثم لا يخفى عليك أن ما ذكره الشهيد في الدروس أخيرا هو الرابع من
الأقوال في الفائدة، وقد ذكره الشيخ في موضع من التهذيب مستدلا عليه
بصحيح ضريس بن أعين (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل خرج متمتعا
بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال: يقيم على إحرامه ويقطع
التلبية حين يدخل مكة، فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف
إلى أهله إن شاء، قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه، فإن لم يكن
اشترط فإن عليه الحج من قابل) وهو مع احتمال كون القائل ضريسا لا الإمام
عليه السلام يشكل بأن الحج الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في القابل بمجرد
الاشتراط بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في محكي المنتهى، قال: الاشتراط
لا يفيد سقوط الحج في القابل لوفاته، ولا نعلم فيه خلافا بل ولا إشكالا كما
سيذكره المصنف، وإن لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط، فالوجه إرادة

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الوقوف بالمشعر - الحديث 2
266

شدة الندب فيه لمن ترك الاشتراط، كل ذلك مضافا إلى ما فيه من المشقة بناء
على ما قيل من كون المراد منه البقاء على إحرامه إلى قابل ليحج به، وإن كان
فيه منع واضح.
والخامس ما في المسالك فإنه بعد أن ذكر الفوائد المزبورة عدا ما سمعته
من الفخر قال: (وكل واحدة من هذه الفوائد مما لا تأتي على جميع الأفراد التي
يستجب فيها الاشتراط، أما سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق، إذ لو كان
قد ساق هديا لم يسقط، وأما تعجيل التحليل فمخصوص بالحصر دون المصدود،
وأما كلام التهذيب فمخصوص بالمتمتع، وظاهر أن ثبوت التحليل بالأصل والعارض
لا مدخل له في شئ من الأحكام، واستحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحاج
ومن الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب) ولا يخفى
عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من النصوص المصرحة بفائدة الشرط والفتاوى
وغيرهما، على أنه موافق لكثير من العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم،
كطاووس وسعيد بن جبير والزهري ومالك، بل ابن عمر منهم كان ينكر ذلك،
ويقول: حسبكم سنة نبيكم، ولأنه عبادة واجبة بأصل الشرع لا يفيد الاشتراط
فيها كالصوم والصلاة، وهو كما ترى مجرد قياس وافتراء على النبي صلى الله عليه وآله،
فالتحقيق ما عرفت.
وربما احتمل أو قيل كون الفائدة التحلل من كل شئ حتى النساء كما سمعته
في صحيح البزنطي (1) بل ربما احتمل إرادة الفاضل ومن عبر كعبارته ذلك أيضا
ولكن يدفعه صحيح معاوية بن عمار (2) المتقدم في حديث حصر الحسين عليه السلام

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحصار والصد - الحديث 3
267

سأل الصادق عليه السلام (أرأيت حين برئ من وجعه أحل له النساء؟ فقال: لا تحل
له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، قال: فما بال النبي صلى الله عليه وآله
حين رجع إلى المدينة حل له النساء ولم يطف؟ فقال ليس هذا مثل هذا، النبي
صلى الله عليه وآله كان مصدودا والحسين (عليه السلام) كان محصورا) ويمكن قطع النظر
فيه عن الشرط وكون السؤال عن المحصور إذا أحل هل يحل له النساء كالمصدود،
كما يمكن بعيدا تقييد خبر البزنطي بما إذا طيف عنه، وتسمع تحقيق الحال فيه
في محله إن شاء الله، هذا.
وفي الإيضاح حكاية قول سادس أو سابع، وهو أن فائدته سقوط الهدي
عن المصدود وجواز تحلل المحصور، أما الأول فلأنه يجوز له التحلل شرط أو لم
يشترط لخبري زرارة (1) وحمزة بن حمران (2) ولا يراد فيهما المحصور للآية،
فلو لم يسقط الهدي لم يكن له فائدة، وأما الثاني فلما روي (3) (أن النبي صلى الله عليه وآله
دخل على صباغة بنت الزبير، فقال لها: لعلك أردت الحج فقالت: والله ما أجد
في إلا وجعة، فقال لها: حجي واشترطي وقولي: اللهم تحلني حيث حبستني)
وفي رواية (4) (قولي: لبيك اللهم لبيك، وتحلني من الأرض حيث حبستني،
فإن لك على ربك ما استثنيت، ولكن إنما يتحلل بهدي يبعثه ويتوقع بلوغه
المحل للآية، وإن لم يشترط لم يحل حتى يدرك الحج أو العمرة) وفيه - مضافا
إلى عدم معرفة القائل بذلك، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه - أن الآية
مطلقة لم تقيد بالاشتراط بل لعلها ظاهرة في صورة عدم الشرط، وسقوط التربص

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 221
(4) كنز العمال ج 3 ص 19 الرقم 425
268

فائدة ولا بأس بانتفاء الفائدة في الصد، هذا.
وفي المدارك بعد نقل الأقوال قال: (والذي يقتضيه النظر أن فائدته
سقوط التربص عن المحصر كما يستفاد من قوله (عليه السلام): (وحلني حيث
حبستني) وسقوط الهدي عن المصدود لما ذكرناه من الأدلة، مضافا إلى ضعف
دليل وجوبه بدون الشرط كما سنبينه في محله إن شاء الله، بل لا يبعد سقوط
الهدي مع الحصر أيضا كما ذهب إليه المرتضى وابن إدريس (رحمهما الله) ولا ينافي
ذلك قوله (عليه السلام) في حسنه زرارة (1): (هو حل إذا حبسه اشترط أو لم
يشترط) لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين،
ونحن نقول به، ولا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه، فيجوز افتراقهما
بسقوط الدم مع الشرط، ولزومه بدونه) وتبعه على ذلك بعض من تأخر عنه،
ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا مواضع النظر فيه، وما ندري الأدلة التي
ذكرها على سقوط الهدي في المصدود.
والتحقيق عدم سقوط الهدي مطلقا سيما القارن لما عرفت، وسقوط التربص
في المحصور مع الشرط، والمصدود مطلقا، أما في الأول فلما سمعته من النصوص
وأما في المصدود فللاتفاق في المسالك على جواز التعجيل له من غير شرط، ولا
يضر عدم الفائدة للشرط فيه بعد الاتفاق المزبور، كما لا يضر أيضا في القارن
وإن لم يعجل، وبذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن ابن إدريس الذي قد كفانا
مؤونته الفاضل في المختلف حيث قال: (وأما ابن إدريس فلم يزد في الاستدلال
على ما قاله السيد إلا تعجبه من الشيخ واستطراف كلامه في الخلاف، وتوهم لجهله
بالأحكام مناقضة الشيخ نفسه في مسألتين متتاليتين، فقال: إن الشيخ قال: مسألة يجوز

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
269

للمحرم أن يشترط ويكون ذلك صحيحا، ويجوز أن يتحلل إذا عرض له عارض
إلى أن قال: وقال بعض الشافعية: لا تأثير لهذا الشرط، ووجوده كالعدم،
إلى آخره، ثم قال: مسألة إذا شرط على ربه في حال الاحرام ثم حصل الشرط
وأراد التحلل فلا بد من نية التحلل والهدي، وللشافعي قولان، دليلنا عموم
الآية والاحتياط، قال ابن إدريس: الشيخ يناظر ويخاصم في المسألة الأولى،
من قال: إن الشرط لا تأثير له ووجوده كعدمه، وأنه لا يفيد شيئا، ثم يستدل
على صحته وتأثيره، وفي الثانية يذهب إلى أن وجوده كعدمه، ولا بد من
الهدي وإن اشترط، ويستدل بعموم الآية، وهذا عجب طريف فيه ما فيه،
أقول: أي عجب فيما ذكره الشيخ، وأي استطراف فيه، ولعله توهم أن الشيخ
حيث أوجب الهدي جعل وجود الشرط كعدمه، ولم يتفطن أن التحلل إنما يجوز
مع الاشتراط، وأنه لولاه لم يجز التحلل، وهل هذا إلا جهل منه وقلة تأمل
لفتاوى الفقهاء، وعدم مزيد لتحصيل مقاصدهم) قلت: هو كذلك مع فرض
أن مراد الشيخ بالتحليل التعجيل لا أصله.
ثم إن الشرط إنما يصح وتترتب عليه الفائدة التي ذكرناها إذا كان على
وفق ما يثبت شرعا، مثل أن يقول: حيث حبستني أو إن عرض لي شئ أو نحو
ذلك مما جاء في النصوص، نعم الظاهر صحته أيضا مع ذكر التفصيل، كما لو قال:
إن مرضت أو منعني عدو أو قلت نفقتي أو ضاق الوقت أو نحو ذلك كما صرح به
الفاضل وغيره، ولا ينافي ذلك ذكر المحصور في كلامهم، لامكان إرادة الأعم من
المريض، قال في الصحاح: كل من امتنع عن شئ فلم يقدر عليه فقد حصر عنه
ولهذا قيل حصر في القراءة وحصر عن أهله ثم حكى عن أبي عمير الشيباني
إن حصرني الشئ واحصرني أي حبسني، أو أن المراد من الشرط المشروع الأعم
270

من الحصر بمعنى المرض، وقد سمعت ما في صحيح ضريس بن أعين (1) المشتمل
على ضيق الوقت، فلاحظ، أو أن المراد من مشروعية الشرط مطلق المانع الشامل
للمرض وغيره، نعم يختص المصدود بعدم الفرق فيه بين الشرط وغيره، ويمكن
إرادة الأصحاب من الحصر المثال.
وعلى كل حال فلا يصح اشتراط حلني حيث شئت بعد عدم مشروعيته،
فلا تترتب عليه الفائدة المزبورة، ولعل من ذلك اشتراط التحلل بحدوث العذر
أي من غير نية للتحلل ولا هدي، وذلك لأن الاحلال بغير إتمام لما أحرم له
وسقوط الدم خلاف الأصل ولو بالشرط، فيقتصر فيه على محل النص والاجماع،
والمتيقن منهما الاحلال بالنية والهدي على حسب ما عرفت، والله العالم.
المسألة (الخامسة إذا تحلل المحصور) أو المصدود (لا يسقط عنه الحج
في القابل إن كان واجبا) مستقرا في ذمته، أو بقيت استطاعته، وكذا العمرة
بلا خلاف معتد به كما سمعته من المنتهى ولا إشكال، للأصل والعمومات وخبر
المشيخة الذي قد سمعته سابقا (نعم يسقط إن كان ندبا) شرط أو لم
يشترط، إذ هو ليس من الفاسد الذي يوجب الحج من قابل، فيبقى حينئذ على
حكم الندب الذي مقتضى الأصل عدم وجوبه، بل لعل التعبير بالسقوط باعتبار
ما يقال إنه يجب المضي بالنسك إذا أحرم به، مضافا إلى ما سمعته من الخبر
المروي عن كتاب المشيخة، وعموم صحيح ذريح المحاربي (2) نعم يبقى البحث
في حرمة النساء على المحصور إلى أن يطاف عنه مطلقا أو إلا مع الشرط، ويأتي
البحث فيه إن شاء الله.

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الوقوف بالمشعر - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
271

هذا كله في كيفيته الواجبة وأحكامه (و) أما (المندوبات) ف‍ (رفع
الصوت بالتلبية للرجال) كما هو المشهور، بل في كشف اللثام الاجماع في الظاهر
ولعله كذلك، إذ ما في التهذيب من أنه واجب مع القدرة والامكان محمول على
شدة الندب، خصوصا بعد قوله في محكي الخلاف لم أجد من ذكره فرضا،
لكن عن المصباح ومختصره وفي أصحابنا من قال: الاجهار فرض إلا أنا لم
نتحققه وإن مال إليه بعض متأخري المتأخرين، للأمر به في النصوص (1)
المحمول على الندب بقرينة الشهرة وغيرها، وخصوصا في صحيح عمر بن يزيد (2)
(واجهر بها كلما ركبت وكلما نزلت وكلما هبطت واديا أو علوت اكمة أو لقيت
راكبا وبالأسحار) وإلا وجب تكريرها في كل ذلك، وهو مقطوع بعدمه، وفي
مرفوع حريز (3) عن الصادقين (عليهما السلام) (لما أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله
أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: مر أصحابك بالعج والثج، والعج رفع
الصوت بالتلبية، والثج نحر البدن) قال: وقال جابر بن عبد الله: (ما بلغنا
الروحا حتى بحت أصواتنا) إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على الأمر به
المحمول عليه على ما عرفت، نعم في خبر أبي عبد الله (عليه السلام) (4) (وليس
على النساء جهر بالتلبية) وفي مرسل فضالة (5) عنه (عليه السلام) أيضا (أن
الله تعالى وضع عن النساء أربعا: الجهر بالتلبية، والسعي بين الصفا والمروة،
ودخول الكعبة، واستلام الحجر) ومن هنا خصه المصنف بالرجال، مضافا
إلى مناسبته للستر.

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الاحرام - الحديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الاحرام - الحديث 0 - 1
(4) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 1
(5) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 1
272

(و) يستحب (تكرارها) خصوصا (عند نومه واستيقاظه وعند
علو الآكام ونزول الاهضام) وبعد كل صلاة وبالأسحار وملاقاة راكب، لأنها
شعار المحرم، وإجابة لندائه تعالى، وذكر وتذكير للآخرة، وفي مرسل ابن
فضال (1) (من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا واحتسابا أشهد الله تعالى له
ألف ألف ملك ببراءة من النار، وبراءة من النفاق) وفي مرسل الصدوق (2)
(ما من محرم يضحى ملبيا حتى تزول الشمس إلا غابت ذنوبه معها) وللتأسي،
قال جابر بن عبد الله: ما سمعته سابقا، وقد سمعت صحيح عمر بن يزيد (3)
وفي صحيح ابن سنان (4) عنه (عليه السلام) أيضا (كان صلى الله عليه وآله يلبي كلما لقي
راكبا أو علا اكمة أو هبط واديا وفي آخر الليل وفي أدبار الصلوات) وفي صحيح
معاوية بن عمار (5) (تقول هذا في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة، وحين
ينهض بعيرك، وإذا علوت شرفا أو هبطت واديا، أو لقيت راكبا أو استيقظت
من منامك وبالأسحار، وأكثر ما استطعت) إلى غير ذلك من النصوص، بل
عن المنتهى والتذكرة استحباب ذلك باجماع العلماء إلا مالكا، فلا يستحبه عند
اصطدام الرفاق، نعم لم نجد فيما وصل إلينا من النصوص خصوص النوم كما اعترف
به في المدارك، بل في كشف اللثام لم أر لمن قبل الفاضلين التعرض للنوم، ويمكن
أن يكون وجهه ما يظهر من النصوص من استحباب تكريرها عند كل حادث
كالنوم والاستيقاظ وملاقاة غيره، ولعله لذا عبر به الفاضل في القواعد، وجعل
الأحوال المزبورة مثالا، وإن قال في كشف اللثام لم أره لمن قبله، بل لعل من

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 4 - 2
(5) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 4 - 2
273

ذلك أيضا ما عن المقنعة والمقنع والمراسم والفقيه من استحبابها أيضا عند صعود
الدابة والنزول منها، أو لصحيح عمر بن يزيد السابق، خصوصا بعد التسامح
في أدلة السنن، وخصوصا مثل هذه السنة التي هي ذكر في نفسها، والله العالم.
وكيف كان (فإن كان حاجا) مفردا أو قارنا (استمر) على تكرارها
(أي يوم عرفة عند الزوال) لصحيح ابن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام (الحاج
يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس) وصحيح عمر بن يزيد (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام (إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية) ونحوه صحيح معاوية بن
عمار (3) عنه عليه السلام أيضا، وظاهرها الوجوب كما عن نص الخلاف والوسيلة،
وحكي عن علي بن بابويه والشيخ، واستحسنه بعض لظاهر الأمر، ولا ريب في
أنه أحوط.
(وإن كان معتمرا بمتعة فإذا شاهد بيوت مكة) كما صرح به غير واحد
بل قيل إنه مقطوع به في كلام الأصحاب، لقول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (4):
(التمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية) وفي حسن معاوية (5) (إذا
دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية، وحد بيوت مكة
التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، فإن الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن، فاقطع
التلبية، وعليك بالتكبير والتهليل والتحميد والثناء على الله عز وجل ما استطعت)
وقولهما (ع) في خبر سدير (6): (إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية) إلى غير ذلك

(1) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب إحرام الحج - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 5
(4) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 1 - 5
(5) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 1 - 5
(6) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحرام الحديث 2 - 1 - 5
274

من النصوص التي ظاهرها الوجوب، بل عن الخلاف الاجماع عليه، ولا بأس به،
لكن خبر زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته متى يمسك المتمتع عن
التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح) وهو مع ضعفه
يمكن حمله على إرادة الاشراف، كما أنه يمكن حمل ضعيف زيد الشحام (2) عنه
عليه السلام أيضا (سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال: حين يدخل الحرم) على
إرادة الجواز كما عن الفقيه والاستبصار على معنى عدم تأكد استحباب فعلها قبل
(بعد ظ) دخوله، وقال أبان بن تغلب (3) في الحسن: (كنت مع أبي جعفر عليه السلام
في ناحية من المسجد وقوم يلبون حول الكعبة فقال: أترى هؤلاء الذين يلبون
والله لأصواتهم أبغض إلى الله من أصوات الحمير) ولعله لأنهم كانوا من العامة
الذين لا حج لهم.
إنما الكلام فيما سمعته في ذيل حسن معاوية بن عمار من أن حد بيوت
مكة قبل اليوم عقبة المدنيين، وفي خبر الفضيل بن يسار (4) (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) قلت: دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟ قال: حيال العقبة عقبة
المدنيين، قلت: فأين عقبة المدنيين؟ قال: بحيال القصارين) وفي خبر أبي خالد
مولى علي بن يقطين (5) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن أحرم من حوالي
مكة من الجعرانة والشجرة من أين يقطع التلبية قال: يقطع التلبية عند عروش
مكة، وعروش مكة ذو طوى) ويحتمل غير عمرة التمتع، بل لعله ظاهر في ذلك،
وفي صحيح البزنطي (6) عن الرضا (عليه السلام) (أنه سئل عن التمتع متى يقطع

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحرام الحديث 7 - 9 - 3 - 8 - 4
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحرام الحديث 7 - 9 - 3 - 8 - 4
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحرام الحديث 7 - 9 - 3 - 8 - 4
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الاحرام - الحديث 11
(5) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحرام الحديث 7 - 9 - 3 - 8 - 4
(6) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الاحرام الحديث 7 - 9 - 3 - 8 - 4
275

التلبية؟ قال: إذا نظر إلى عراش مكة عقبة ذي طوى، قلت: بيوت مكة قال:
نعم) ولعله لذا قال في الدروس: (وحدها عقبة المدنيين وعقبة ذي طوى)
ونحوه في اللمعة وشرحها، ولكن قيد الأول بما إذا دخلها من أعلاها، والثاني
بما إذا دخلها من أسفلها، وعن السيد والشيخ الجمع بينهما بأن الأول لمن أتى على
طريق المدينة، والثاني لمن أتى على طريق العراق، وتبعهما الحلي والديلمي، وعن
الصدوقين والمفيد تخصيص الثاني بمن أتى على طريق المدينة، وعن ابن أبي عقيل
(وحد بيوت مكة عقبة المدنيين والأبطح) وفي المختلف بعد أن حكى عن الجميع
ما عرفت قال: (ولم تقف لأحدهم على دليل) وعن الغنية والمهذب (حد بيوت
مكة من عقبة المدنيين إلى عقبة ذي طوى) وعن المصباح المنير (وذو طوى واد
بقرب مكة علي نحو فرسخ في طريق التنعيم، ويعرف الآن بالزاهر) ونحو منه
عن تهذيب الأسماء، إلا أنه قال: (موضع بأسفل مكة) ولم يحدد ما بينهما
بفرسخ أو غيره.
قلت: لا يخفى عليك كون الأحوط قطعها في جميع ما هو مظنة ذلك أو
محاذ له مع فرض عدم معلوميته في هذه الأزمنة بالخصوص باعتبار كون التكرار
مستحبا، والقطع واجبا، وإن كان المتجه عدم وجوب القطع إلى حصول اليقين
على أن عقبة المدنيين معروفة في هذا الزمان على ما جزم به بعض المترددين على
طريق المدينة، بل ذكر أن القطع به من شعار الشيعة يعرفه المخالف منهم، فلا
بأس بالعمل حينئذ بما تضمنه من النصوص المعتبرة، وأما وادي طوى فالظاهر
أنه على غير الطريق المعروف في المدينة، ولذا ذكر الشهيدان والسيد ما سمعت
ويمكن أن يكون ما وقع من المفيد والصدوقين بطريق آخر من المدينة غير
المتعارف وعلى كل حال فالأمر في ذلك هين، هذا. وقد سمعت من النص ما يدل
276

على الاكثار من التكبير والتحميد والتهليل والثناء بعد قطع التلبية كما نص
عليه بعضهم.
هذا كله في عمرة التمتع (فإن كان بعمرة مفردة قيل) والقائل الصدوق
وتبعه المصنف في النافع: (كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة
الكعبة) جمعا بين ما سمعته - من خبر الفضيل (1) بناء على أنه في العمرة المفردة
وخبر يونس بن يعقوب (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعتمر
عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال: إذا رأيت بيوت مكة ذي طوى فاقطع
التلبية) ومرسل المفيد (3) (أنه سئل عن الملبي بالعمرة المفردة بعد فراقه من الحج
متى يقطع التلبية؟ قال: إذا رأى البيت) والمرسل (4) في الكافي (روي أنه يقطع
التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة) وخبر ابن أبي نصر (5) المروي عن قرب الإسناد
(سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع
التلبية؟ قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول: يقطع التلبية إذا نظر إلى
بيوت مكة) - وبين صحيح عمر بن يزيد (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (من
دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم) وخبر
معاوية بن عمار (7) عنه (عليه السلام) أيضا (وإن كنت معتمرا فاقطع التلبية
إذا دخلت الحرم) ومرسل زرارة (8) عن أبي جعفر (عليه السلام) (تقطع
تلبية المعتمر إذا دخل الحرم) وحسن مرازم (9) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم).

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الاحرام - الحديث 11 - 3 - 13 - 7 - 12 - 2 - 5 - 6
لكن روى الثامن عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 1.
277

(وقيل) والقائل المشهور على ما في كشف اللثام: (إن كان ممن خرج
مكة للاحرام فإذا شاهد الكعبة، وإن كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل
الحرم) تنزيلا للنصوص المزبورة على ذلك، لقول الصادق (عليه السلام) في
خبر معاوية بن عمار (1): (من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى
المسجد) وفي صحيح عمر بن يزيد (2) (من خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل
معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة) ومن هنا أنكر الشيخ على الصدوق
القول بالتخيير الذي من شرطه التنافي، والفرض عدمه، فإن ما تضمن قطعها عند
عقبة المدنيين محمول على من جاء من طريق المدينة، وما تضمن قطعها عند ذي
طوى محمول على من جاء من طريق العراق، وما تضمن قطعها عند النظر إلى
الكعبة محمول على من خرج من مكة، وفيه مع أنه خلاف المشهور أيضا يمكن
أن يكون مراد الصدوق ما ذكره المصنف بقوله: (والكل جائز) عملا بجميع
النصوص وإن اختلفت أفرادها، ولا بأس به بناء على عدم وجوب القطع، أما
عليه فلا ريب في أن الأولى مراعاة الاحتياط.
(و) يستحب له أيضا أن (يرفع صوته بالتلبية إذا حج على طريق
المدينة إذا علت راحلته البيداء، وإن كان راجلا فحيث يحرم) لما عرفته من أن
ذلك أولى الوجوه المذكورة في الجمع بينها كما سمعت الكلام فيه مفصلا،
فلاحظ وتأمل.
(ويستحب التلفظ بما يعزم عليه) من حج مفرد أو تمتع أو عمرة مفردة
أو متمتع بها، فيقول: لبيك بعمرة أو بحج أو بعمرة إلى الحج أو بحج متعة أو
عمرة متعة أو بحج وعمرة كما صرح به غير واحد، للأمر به في النصوص السابقة

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 8
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 8
278

منها قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية (1) (تقول: لبيك بمتعة
بعمرة إلى الحج) وفي صحيح عمر بن يزيد (2) (تقول: لبيك بحجة تمامها
عليك) ومنها ما سمعته من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (3): (لبيك بحجة
وعمرة) وسأله (عليه السلام) يعقوب بن شعيب (4) في الصحيح (كيف ترى
أن أهل؟ فقال: إن شئت سميت، وإن شئت لم تسم شيئا فقال: كيف تصنع؟
قال: أجمعهما فأقول: لبيك بحجة وعمرة معا) إلى غير ذلك من النصوص التي
يستفاد من الأخير ونحوه منها عدم وجوب ذلك، مضافا إلى الأصل وإن كان
قد يوهمه المحكي عن عبارة المصباح ومختصره بل والاقتصاد إلا أنه في غير محله،
كما أن ما عن الحلبيين والفاضل من النهي عن الاهلال بهما لعدم تعلق الاحرام بهما
معا يشبه أن يكون من الاجتهاد في مقابلة النص، خصوصا بعد معلومية كون
المراد التمتع بالعمرة إلى الحج، وإن اختلفت العبارات في تأديته كما أشرنا إلى
ذلك سابقا، بل وأشرنا سابقا إلى أولوية الاضمار والاسرار بذلك عند التقية،
بل قد يجب كما أومأت إليه النصوص (5) وصرح به الأصحاب، بل هو مقتضى
عمومات التقية أيضا، لكن من المعلوم أن ذلك من حيث الجهر بها كذلك
لا أصل قول ذلك على وجه لا يسمعه المخالف، والأمر في ذلك سهل، هذا.
وربما يستفاد من العبارة ونحوها استحباب التلفظ بها في غير التلبية كما

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الاحرام - الحديث 7
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 5 و 6
والباب 21 منها - الحديث 4
279

يومي إليه ما في بعض النصوص (1) أيضا من الأمر بقول: (اللهم إني أريد
التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله فاقبلها) والله العالم.
(و) يستحب أيضا (اشترط أن يحله حيث حبسه) سواء أحرم بعمرة
مفردة أو تمتع أو غيرهما (و) في خصوص الحج يقول: (إن لم تكن حجة
فعمرة) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك نصا وفتوى، نعم أنكره جماعة من
العامة، بل لعل كثرة ذكره في النصوص المعتبرة للإشارة إلى خلافهم، منها قول
الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل بن يسار (2): (المعتمر عمرة مفردة
يشترط على ربه أن يحله حيث حبسه، ومفرد الحج يشترط على ربه إن لم تكن
حجة فعمرة) وفي صحيح ابن سنان (3) (إذا أردت الاحرام بالتمتع فقل:
اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسر ذلك وتقبله وأعني
عليه، وحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي) وفي صحيح ابن عمار (4)
(تقول: اللهم إني أسألك - إلى قوله -: فإن عرض لي شئ يحبسني فحلني حيث
حبستني لقدرك الذي قدرت علي اللهم إن لم تكن حجة فعمرة) إلى غير ذلك
من النصوص التي تقدم جملة منها، وظاهرها كون الشرط في خلال النية على وجه
يكون انعقاد الاحرام على ذلك، ويمكن الاكتفاء بذكره في التلبيات، وفي
حاشية الكركي المفهوم من الأخبار أن موقع الاشتراط قبيل النية، لأنه مذكور

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 وليس فيه
" فاقبلها "
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1
280

في الدعاء الذي يستحب عند إرادة الاحرام، وفي بعض الأخبار (1) ما يدل على
ذكره في التلبية، وليس من طرقنا، ويمكن ذكره في خلال النية، كما في الشرط في
الاعتكاف المندوب، والظاهر إجزاء الجميع، فإن التلبية هي التي يعقد بها الاحرام
وهو جيد إلا ما ذكره أولا من كون المفهوم، إلى آخره، ضرورة كون ذلك
من النية لا أنه دعاء خارج عنها، وإلا فلو فرض خروجه والفصل بينه وبين النية
أشكل الاكتفاء به للأصل وغيره، فإن المتيقن من النص والفتوى كون الشرط
في الاحرام، بمعنى أنه في خلال نيته أو خلال عاقده لا قبله، اللهم إلا أن يراد
بالنية على حسب ما ذكره، وربما كان المراد من قوله قبيل النية ما يصدق معه
الاتصال عرفا، وكونه شرطا في الاحرام، ولو نوى الاشتراط ولم يتلفظ به
فالظاهر عدم الاعتداد به، لعدم صدقه عليه، وكونه خلاف المأثور، مضافا
إلى أصالة عدم ترتب ما سمعته من الفائدة إلا على الشرط المذكور لفظا، ضرورة
كون الأصل عدم التحليل من الاحرام إلا باتمام فعل ما أحرم به، واحتمال كونه
تابعا للاحرام وهو ينعقد بالنية فتكفي هي حينئذ في اشتراطه كما ترى، خصوصا
بعد ما سمعت انعقاده بالتلبية دونها.
(و) يستحب أيضا (أن يحرم في الثياب القطن) بلا خلاف أجده
فيه، بل نسبه بعض الأفاضل إلى قطع الأصحاب، وكفى بذلك حجة لمثله،
مضافا إلى التأسي به صلى الله عليه وآله، لما عرفت من أنه أحرم صلى الله عليه وآله في ثوبي كرسف (2)
وقد سمعت قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن عمار (3): (كان ثوبا رسول الله
صلى الله عليه وآله اللذان أحرم فيهما يمانين، عبري وأظفار، وبهما كفن) بل قيل وإلى

(1) كنز العمال ج 3 ص 19 الرقم 425
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 2
281

قول أمير المؤمنين عليه السلام (1): (البس القطن فإنه لباس رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو
لباسنا) وفي خبر أبي بصير وابن مسلم (2) المروي عن خصال الصدوق (البسوا
ثياب القطن فإنها لباس رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو لباسنا، ولم يكن يلبس الشعر
والصوف إلا من علة).
(وأفضلها البيض) التي تظافرت الأخبار (3) بالأمر بلبسها، وكونها
خير الثياب وأحسنها وأطيبها وأطهرها، ولكن فيه أيضا الاشكال السابق لولا
ما في خبر الدعائم (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) (يتجرد المحرم في ثوبين نقيين
أبيضين، فإن لم يجد فلا بأس بالصبغ ما لم يكن بزعفران أو ورس أو طيب،
وكذلك الحرمة لا تلبس مثل هذا من الصبغ).
(و) يستحب له أيضا (إذا أحرم بالحج من مكة رفع صوته بالتلبية
إذا أشرف على الأبطح) كما صرح به غير واحد من المتقدمين والمتأخرين،
لقول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن عمار (5): (إذا كان يوم
التروية إن شاء الله فاغتسل ثم اللبس ثوبيك وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 1
من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 4 من
كتاب الصلاة والخصال ج 2 ص 157 الطبع القديم
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة
(4) ذكر صدره في المستدرك في الباب 29 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 2 وذيله في الباب 31 منها الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
282

والوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أو في الحجر، ثم اقعد
حتى تزول الشمس فصل المكتوبة. ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت
من الشجرة، فأحرم بالحج ثم امض وعليك السكينة والوقار، فإذا انتهيت إلى
الرقطاء دون الردم فلب، فإذا انتهيت إلى الردم وأشرفت على الأبطح فارفع
صوتك بالتلبية) الذي يمكن أن يرجع إليه قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح
الحلبي و عبد الرحمان بن الحجاج ومعاوية بن عمار وحفص بن البختري جميعا (1):
(إن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت فلب خلف المقام، وأفضل ذلك
أن تمضي حتى تأتي الرقطاء، وتلبي قبل أن تصير إلى الأبطح) وعبر في محكي
الهداية بمضمون الصحيح الأول، وأورد عليه في الرياض بأنه مناف لما ذكره من
اعتبار مقارنة التلبية للنية، إذ الخبر صريح في خلافها، إلا أن يكون لم يعتبرها
هنا وإن اعتبرها ثمة، كما هو ظاهر المحكي عن السرائر والمنتهى والتذكرة حيث
أنهم عبروا عن المستحب هنا في إحرام الحج بما حكي عن المبسوط والنهاية والجامع
والوسيلة من أنه إن كان ماشيا لبى من موضعه الذي صلى فيه، وإن كان راكبا
لبي إذا نهض به بعيره، فإذا انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته
بالتلبية، وحينئذ فينبغي القطع بعدم اعتبارها هنا، خلافا لشيخنا في المسالك
حيث قال: (والكلام في التلبية التي يعقد بها الاحرام كما مر فيلبي سرا بعد النية
ويؤخر الجهر إلى الأبطح) قلت: لا ينبغي التأمل في اتحاد مسألة المقارنة في
المقام وغيره، ضرورة اتحاد كيفية عقد الاحرام في الجميع، وقد عرفت بناء على
أنها الداعي أن لا دلالة في شئ من هذه النصوص بل ولا الفتاوى على عدم
اعتبارها لحصوله عند إرادة عقد الاحرام بها، كما أنك قد عرفت هناك عدم

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
283

تأخير تلبية العقد عن الميقات الذي لا يجوز تجاوزه غير محرم، ولكن ذلك
لا يقتضي المقارنة على نحو مقارنة نية الصلاة لتكبيرها، ولا صراحة في الخبر
المزبور بتأخير تلبية العقد، إذ يمكن استحباب تلبية أخرى سرا عند الرقطاء.
والجهر بها عند الاشراف على الأبطح، بل مقتضى قوله: (فاحرم بالحج) إلى آخره
الأمر بعقد الاحرام ولو بتلبيته سرا، بل ينبغي الجزم بذلك بناء على أن الرقطاء
خارجة عن مكة، فإنه قيل قد فتشنا تواريخ مكة فلم نجد الرقطاء اسم موضع منها
نعم بناء على أن الرقطاء اسم موضع بمكة جاز تأخير التلبية للعقد إليها، لأنها من
الميقات حينئذ، والفرض عدم اعتبار المقارنة نحو تكبيرة الاحرام، بل المراد عدم
الخروج عن الميقات قبل وقوعها.
وبذلك ومما تقدم سابقا ظهر لك أن الأمر هنا نحو ما سمعته هناك، وعن
شرح القاضي للجمل إذا أحرم بالحج يوم التروية فلا يلبي بعد عقد إحرامه حتى
ينتهي إلى الردم، وهو ظاهر في أنها تلبية أخرى بعد عقد الاحرام، ولعل ذلك
هو مراد الكتب السابقة أيضا، بل في كشف اللثام إضافة التحرير إليها وروض
الجنان، قال: إلا أنه زاد قوله: ويسر بالتلبيات الأربع المفروضة قائما أو قاعدا
على باب المسجد أو خارجه مستقبل الحجر الأسود، وهذه الزيادة صريحة أو ظاهرة
فيما قلناه.
وكيف كان فعن التهذيب والاستبصار الماشي يلبي من الموضع الذي يصلي
فيه، والراكب يلبي عند الرقطاء أو عند شعب الدب، ولا يجهران بالتلبية إلا
عند الاشراف على الأبطح جامعا به بين خبري زرارة (1) (سألت أبا جعفر
(عليه السلام) متى تلبي بالحج؟ قال: إذا خرجت إلى منى - ثم قال -: إذا جعلت

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحرام - الحديث 5
284

شعب الدب عن يمينك والعقبة عن يسارك) وأبي بصير (1) عن الصادق (عليه
السلام) (ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت) مستشهدا لهذا
الجمع بخبر عمر بن يزيد (2) عنه (عليه السلام) (فإن كنت ماشيا فلب عند المقام
وإن كنت راكبا فإذا نهض بك بغيرك) قيل ونحوهما المصباح ومختصره لكن
ليس فيهما شعب الدب، وفيه ما لا يخفى في الشاهد والمشهود عليه كما أنه لا يخفى
عليك ظهور خبر أبي بصير فيما قلناه، بناء على كون المراد حين الاحرام فيه، وعن
الكافي (ثم يلبي مستسرا، فإذا نهض به بعيره أعلن بالتلبية، وإن كان ماشيا
فليجهر بها من عند الحجر الأسود) وفي المقنعة بعد الدعاء ولفظ النية (ثم
ليلب حتى ينهض به بعيره ويستوي به قائما، وإن كان ماشيا فليلب من عند الحجر
الأسود، ويقول: لبيك لبيك بحجة تمامها عليك، ويقول وهو متوجه إلى منى:
اللهم إياك أرجو، وإياك أدعو، فبلغني أملي وأصلح لي عملي، فإذا انتهى إلى
الرقطاء دون الردم وأشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى)
وهو صريح في أنها غير التلبيات الأربع، كما أن ما قبله وجه آخر للجمع بين
النصوص، إلا أن ذلك كله ظاهر في غير تلبية العقد كما لا يخفى على المتأمل،
ولا ريب في أن الأحوط مقارنة التلبية في المسجد، بل إن لم يقارن
بها فلا يؤخرها إلى الرقطاء، لاحتمال خروجها عن الميقات، هذا، والردم موضع
بمكة يرى من الكعبة كما عن تهذيب الأسماء، ومضاف إلى بني جمح، وهو لبني
فزارة كما عن القاموس، وقيل إنه مكان قد يدعو به الجائي من الأبطح قبل الوصول
إلى الكعبة تشريفا لها، وكانت فيه عمارة فردمت وصارت تلا، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (يلحق بذلك تروك) أي متروكات (الاحرام

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 2
285

وهي إما محرمات أو مكروهات، فالمحرمات) عند المصنف هنا (عشرون شيئا)
وفي الدروس ثلاثة وعشرون، وفي الإرشاد ثمانية عشر، وفي النافع والتبصرة
أربعة عشر، ولكل وجه تعرفه إن شاء الله
(مصيد البر) كما في بعض النسخ،
منها نسخة ثاني الشهيدين، وفي أخرى (صيد) بمعنى المصيد لقوله: (اصطيادا
وأكلا ولو صاده محل، وإشارة ودلالة) لصائده المحل والمحرم وإن ضمناه معا
في الثاني على ما في المسالك، بخلاف العكس فإنه يضمنه المحرم وإن دله عليه المحل
لكنه يأثم، بناء على أنه من الإعانة على الإثم، وعلى كل حال لا يجوز الدلالة
بل مطلق الإعانة ولو بإعارة السلاح أو مناولته، بل في المنتهى نسبة تحريمها إلى
العلماء (وإغلاقا عليه) حتى يموت أو يصيده غيره (وذبحا) بلا خلاف أجده
في شئ من ذلك بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، بل عن المنتهى أنه قول كل
من يحفظ عنه العلم وإن كان المحكي عن الثوري وإسحاق الخلاف في الثاني، وعن
الشافعي وأبي حنيفة الخلاف في أكل ما صاده المحل وذبحه من دون أمر ولا دلالة
ولا إعانة، إلا أن خلاف مثل هؤلاء غير قادح، وحينئذ فهو الحجة بعد قوله
تعالى (1): (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) وقوله (2): (حرم عليكم صيد البر
ما دمتم حرما) الدال على حرمة اصطياده وأكله، بل يمكن إرادة مطلق المدخلية
في صيده ولو بمعونة ما سمعته من الاجماع، وقول الصادق (عليه السلام) في
صحيح الحلبي (3): (لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام، ولا وأنت حلال
في الحرم، ولا تدل عليه محلا ولا محرما فيصطاده، ولا تشر إليه فيستحل من
أجلك، فإن فيه الفداء عن تعمده) ضرورة كونه تعليلا شاملا لمطلق المدخلية

(1) سورة المائدة - الآية 96 - 97
(2) سورة المائدة - الآية 96 - 97
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
286

في اصطياده، وفي صحيح منصور بن حازم (1) (المحرم لا يدل على الصيد، فإن
دل عليه فقتل فعليه الفداء) وقال أيضا في خبر عمر بن يزيد (2): واجتنب
في احرامك صيد البر كله، ولا تأكل ما صاده غيرك، ولا تشر إليه فيصيده
غيرك) وفي صحيح معاوية بن عمار (3) (لا تأكل من الصيد وأنت حرام وإن
كان أصابه محل، وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد، فإن عليك الفداء
فيه بجهل كان أو عمد) وحسنه أو صحيحه الآخر (4) (ما وطأته أو وطأه
بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه، وقال: إعلم أنه ليس عليك فداء شئ أتيته
وأنت جاهل به وأنت محرم في حجك، ولا في عمرتك إلا الصيد، فإن عليك فيه
الفداء بجهالة كان أو تعمد) وسأله (عليه السلام) الحلبي (5) (عن لحوم الوحش
تهدى للرجل وهو محرم لم يعلم بصيده ولم يأمر به أيأكله؟ قال: لا) وسأل
البزنطي (6) الرضا (عليه السلام) في الصحيح (عن المحرم يصيب الصيد بجهالة
قال: عليه كفارة، قلت: فإن أصابه خطأ قال: وأي شئ الخطأ عندك؟ قلت:
يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى قال: نعم هذا الخطأ وعليه الكفارة، قلت:
فإن أخذ طيرا متعمدا فذبحه وهو محرم قال: عليه الكفارة، قلت: ألست قلت
إن الخطأ والجهالة والعمد ليسوا سواء، فبأي شئ ينفصل المتعمد عن الخاطئ؟
قال: إنه أثم ولعب بدينه) إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع
بمضمونها إن لم تكن متواترة اصطلاحا.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 4 - 2
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب كفارات الصيد الحديث 1 - 4 - 2
287

نعم الظاهر اختصاص الحكم بما هو المنساق من النص والفتوى من كون
الإشارة والدلالة مسببة للصيد، فلا تحرم دلالة من يرى الصيد بحيث لا يفيده
ذلك شيئا ولا دلالة من لا يريد الصيد كما صرح به غير واحد، للأصل وغيره،
بل قد يمنع كون مثله من الدلالة التي هي على ما قيل أعم من الإشارة باعتبار
تحققها بالكتابة وغيرها، بخلاف الإشارة المختصة بأجزاء البدن، وإن كان
لا يخلو من نظر، ولو ضحك أو تطلع إليه ففطن غيره فصاده فإن تعمد ذلك
للدلالة عليه أثم، وإلا فلا، للأصل في الأخير، بخلاف الأول الذي هو تسبيب
فإن المراد منه هنا مطلق المدخلية في اصطياده أو إتلافه ولو على جهة الشرطية كما
أومي إليه بقوله (عليه السلام): (ولا تشر إليه فيستحل من أجلك).
(و) كيف كان ف‍ (لو ذبحه) أي المحرم (كان ميتة حراما على المحل
والمحرم) كما صرح به الشيخ والحلي والقاضي ويحيى بن سعيد والفاضلان وغيرهم
على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف فيه
بعض من عادته نقله وإن ضعف، بل في المنتهى وعن التذكرة الاجماع عليه،
بل هو المراد أيضا مما في النهاية والمبسوط والتهذيب والوسيلة والجواهر على ما
حكي عن بعضها أنه كالميتة، بل في الأخير الاجماع عليه أيضا، كل ذلك مضافا
إلى خبر وهب بن وهب (1) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) (إذا
ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام والحلال، وهو كالميتة، وإذا ذبح الصيد في الحرم
فهو ميتة، حلال ذبحه أو حرام) وخبر إسحاق (2) عن جعفر (عليه السلام) أيضا
(إن عليا (عليه السلام) كأن يقول: إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5
288

ميتة لا يأكله محل ولا محرم، وإذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة
لا يأكله محل ولا محرم) المنجبرين بما عرفت المؤيدين بأخبار الأمر بدفنه،
كمرسل ابن أبي عمير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت له: المحرم يصيب الصيد
فيفديه أيطعمه أو يطرحه؟ قال: إذا يكون عليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟
قال: يدفنه) وحسنة معاوية بن عمار (2) عنه عليه السلام أيضا (إذا أصاب المحرم
الصيد في الحرم وهو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه ولا يأكله أحد، وإذا أصابه
في الحل فإن الحلال يأكله وعليه هو الفداء) وبأن التذكية إنما تتحقق بذكر الله
على ذبحه، ولا معنى لذكره على ما حرمه، فيكون لغوا، وبأخبار (3) تعارض
الميتة والصيد للمحرم المضطر، سيما ما رجح (4) منها الميتة على الصيد، وإن كان
قد يناقش بايماء الأول إلى جواز إطعامه وإن أوجب فداء آخر، وباشتمال الآخر
على لفظ ينبغي المشعر بالندب وعلى التفصيل المنافي للمطلوب، وبأنه لا منافاة بين
الذكر (5) والحرمة كتذكية المغصوب، وبأن الأظهر ترجيح الصيد على الميتة،
وليس إلا لعدم كونه ميتة، وإلا لكان العكس، ضرورة عدم الحرمة الصيدية
فيه، بل في بعض النصوص (6) المرجحة له التعليل بأنه ماله، لأنه يعطيه فداءه

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد
(4) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد - الحديث
8 و 11 و 12
(5) في المخطوطة المبيضة " الذكاة " ولكن في المسودة " الذكر " وهو
الصواب لأنه جواب عما تقدم من قوله: " لا معنى لذكره على ما حرمه "
(6) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب كفارات الصيد - الحديث 5 و 6 و 7
289

بخلاف الميتة، وهو كالصريح في كونه مذكى، وإلا لم يكن مالا، وستسمع
إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك عند تعرض المصنف له، بل يأتي له تتمة إن شاء الله
في كتاب الأطعمة. وعلى كل حال فلا دلالة فيها على المطلوب، فالعمدة ما عرفته أولا، لكن
عن الفقيه والمقنع والمختصر الأحمدي (أنه إن ذبحه في الحل جاز للمحل أن يأكله)
بل في الأول (أنه لا بأس أن يأكل المحل ما صاده المحرم، وعلى المحرم فداؤه)
نحو المحكي عن المفيد والمرتضى أيضا، لكن يمكن إرادة عدم حرمة عين صيد
المحرم على المحل على معنى أن له تذكيته وأكله، لا أن المراد الأكل مما ذكاه
المحرم بصيده.
وعلى كل حال فقد مال إليه بعض متأخري المتأخرين للطعن في سند الخبرين
الأولين، فلا يصلحان معارضين لما دل على الحل من العموم، وصحيح معاوية
ابن عمار (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب صيدا وهو محرم أيأكل
منه الحلال؟ فقال: لا بأس، إنما الفداء على المحرم) وصحيح حريز (2) ((سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن محرم أصاب صيدا أيأكل منه المحل؟ قال: ليس على المحل
شئ، إنما الفداء على المحرم) وصحيح منصور بن حازم (3) (قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: رجل أصاب صيدا وهو محرم آكل وأنا حلال قال: أما أنا كنت فاعلا
قلت: فرجل أصاب مالا حراما فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك الله) وحسن
الحلبي أو صحيحه (4) عنه عليه السلام أيضا (المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه،

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 6
290

ويتصدق بالصيد على مسكين) وحسن معاوية بن عمار (1) المتقدم سابقا المراد
بالإصابة فيه القتل بقرينة الأمر بالدفن في صدره، فيتعدى إلى الذيل بشهادة
السياق، وهو لا يخلو من قوة، خصوصا بملاحظة ما في بعض النصوص المرجحة
له على الميتة عند الاضطرار التي أشرنا إليها، وحينئذ فيكون المراد من كونه ميتة
بالنسبة للمحرم لا المحل، إلا أن الشهرة العظيمة والاجماعات المحكية الجابرة للخبرين
المزبورين ترجح القول الآخر عليه وإن صحت أخباره، خصوصا بعد عدم
الصراحة في دلالة البعض، لاحتمال إرادة غير القتل من الإصابة، فيكون المحل هو
المذكي له وإن كان الذي رماه المحرم، وكون الباء في (بالصيد) للسببية و (الصيد)
المصدرية أي يتصدق لفعله الصيد على مسكين أو مساكين، خصوصا بعد ضعف
القرينة المزبورة باختلاف النسخة في قوله: (يدفنه) على ما قيل، فإن بدلها في
أخرى (يفديه) أو المراد جزاء الصيد أو غير ذلك، بل عن الشيخ احتمال التفصيل
بين الذبح والتذكية بالرمي، فالأول ميتة، بخلاف الثاني الذي يمكن حمل النصوص
عليه، بل قيل إنه ظاهر اختيار المفيد في المقنعة، لكن يمكن دعوى الاجماع
على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصا وفتوى، هذا.
وقد قيل: إن الظاهر جريان جميع أحكام الميتة عليه، فلا تجوز الصلاة في
جلده ولا غيرها من الاستعمالات وخصوصا المايعات، والفاضل في التحرير وإن
استشكل فيه للاشكال في أنه ميتة أو كالميتة أو لاحتمال أن يكون لحمه كلحم الميتة
لا جلده لكنه استقرب بعد ذلك عدم الجواز، وإن كان لا يخفى عليك أن في
النفس منه شيئا، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من نصوص الترجيح له على الميتة
والتعليل المزبور فيها والعمومات، وعدم معروفية اشتراط كونه محلا في التذكية

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
291

بل ظاهر تلك الأدلة خلافه، فلا بعد في إرادة معنى كالميتة من قوله فيها،
فينصرف إلى حرمة الأكل لا غيره، فتأمل جيدا.
هذا كله في ذبح المحرم، أما ذبح المحل للصيد في الحرم فقد صرح غير
واحد بحرمته أيضا، وكونه كالميتة، بل في الحدائق اتفاق الأصحاب عليه،
وهو الحجة بعد خبري وهب (1) وإسحاق (2) المتقدمين المجبورين بذلك المؤيدين
بصحيح منصور بن حازم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام (في حمام ذبح في الحل قال:
ما يأكله محرم، وإذا أدخل مكة أكله المحل بمكة، وإذا أدخل الحرم حيا ثم ذبح
في الحرم فلا تأكله لأنه ذبح بعد أن دخل مأمنه) وخبر شهاب بن عبد ربه (4)
(قلت له أيضا: إني أتسحر بفراخ أوتي بها من غير مكة، فتذبح في الحرم،
فأتسحر بها، فقال: بئس السحور سحورك، أما علمت أن ما دخلت به الحرم
حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه) وصحيح الحلبي (5) عنه عليه السلام أيضا (أنه
سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم وهي حي، فقال: إذا أدخله
الحرم حرم عليه أكله وإمساكه، فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في
الحل ثم أدخل الحرم، فلا بأس به للحلال) وصحيح معاوية (6) أنه سأل
أبا عبد الله عليه السلام (عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم، فقال: لا يمس، إن الله
عز وجل (1) يقول: ومن دخله كان آمنا) وغير ذلك من النصوص.

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 1 مع الاختلاف في لفظ الثاني
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب كفارات الصيد - الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 1 مع الاختلاف في لفظ الثاني
(6) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب كفارات الصيد - الحديث 1
(7) سورة آل عمران - الآية 91
292

نعم لو ذبحه المحل في الحل جاز أكله في الحرم للمحل حتى لو كان صيده
بدلالة المحرم عليه وإعانته بدفع سلاح ونحوه بلا خلاف ولا اشكال، للأصل
والمعتبرة (1) المستفيضة التي تقدم بعضها، بل لا يبعد جواز أكله مع الجهل بحاله
إذا كان في يد مسلم لقاعدة الحل، لكن في صحيح منصور بن حازم (2) (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: أهدي لنا طير مذبوح فأكله أهلنا، فقال: لا يرى أهل
مكة به بأسا، قلت: فأي شئ تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه) ويمكن حمله على
معلومية ذبحه في الحرم، وسيأتي إن شاء الله التعرض في كلام المصنف لذلك وغيره
من أحكام الحرم وأحكام الصيد والمراد به، وغير ذلك، والله العالم.
(وكذا يحرم فرخه وبيضه) أكلا وإتلافا مباشرة ودلالة وإعانة
بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى أنه قول كل من يحفظ عنه
العلم، مضافا إلى المعتبرة (3) المستفيضة حد الاستفاضة التي تسمعها إن شاء الله
في الكفارات، نعم لا يحرم البيض الذي أخذه المحرم أو كسره على المحل في الحل
للأصل وعدم اشتراط حله بنحو تذكيته أو بشئ فقد هنا، خلافا للمحكي عن
المبسوط، والله العالم.
(والجراد في معنى الصيد البري) عندنا، بل في المنتهى وعن التذكرة
أنه قول علمائنا وأكثر العامة، وفي المسالك لا خلاف فيه عندنا، خلافا
لأبي سعيد الخدري والشافعي وأحمد في رواية، قال الباقر عليه السلام في صحيح ابن
مسلم (4): (مر علي عليه السلام على قوم يأكلون جرادا وهم محرمون فقال: سبحان

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 0 - 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 0 - 5
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب كفارات الصيد
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
293

الله وأنتم محرمون، فقالوا: إنما هو من صيد البحر، فقال: ارمسوه بالماء إذن)
أي لو كان بحريا لعاش فيه، وقال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (1): (الجراد
من البحر، وكل شئ أصله من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم
أن يقتله، فإن قتله فعليه الفداء كما قال الله تعالى) وفي صحيحه الآخر (2)
ليس للمحرم أن يأكل جرادا ولا يقتله، قال: قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة
وهو محرم؟ قال: تمرة خير من جرادة، وهو من البحر، وكل شئ يكون أصله
من البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فإن قتله متعمدا
فعليه الفداء كما قال الله تعالى) وقال له أيضا في الصحيح (3): (الجراد يكون
في الطريق والقوم محرمون كيف يصنعون؟ قال: ينكبونه ما استطاعوا، قال:
فإن قتلوا منه شيئا ما عليهم؟ قال: لا بأس عليهم) أي مع عدم الاستطاعة كما في
خبر حريز (4) عنه (عليه السلام) أيضا (على المحرم أن يتنكب الجراد إذا كان
على طريقه، فإن لم يجد بدا فقتل فلا بأس) وفي خبر أبي بصير (5) (سألته عن
الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله، أو يمرون به في الطريق
فيطؤونه قال: إن وجدت معدلا فاعدل عنه، وإن قتل غير متعمد فلا بأس)
بناء على إرادة المحرمين منه، وفي حسن معاوية (6) عنه (عليه السلام) أيضا
(إعلم أنه ما وطأت من الدبا أو وطأه بعيرك فعليك فداؤه) إلى غير ذلك من

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب كفارات الصيد - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 1 - 8
(4) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 1 - 8
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب كفارات الصيد الحديث 2 - 1 - 8
294

النصوص التي تسمعها إن شاء الله في الكفارات.
لكن في محكي التهذيب أن منه بريا وبحريا (و) مقتضاه حل البحري
منه. لأنه (لا يحرم) على المحرم (صيد البحر) بلا خلاف، بل الاجماع
بقسميه عليه، بل عن المنتهى دعوى إجماع المسلمين عليه، وأنه لا خلاف فيه
بينهم، مضافا إلى قوله تعالى (1): (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم
وللسيارة) وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز (2) ومعاوية (3) في
التهذيب، والمرسل (4) في الكافي والفقيه (لا بأس بصيد المحرم السمك، ويأكل
طريه ومالحه ويتزود، قال الله تعالى: (أحل لكم.. الخ) قال: مالحه الذي
تأكلون، وفصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض ويفرخ في البر فهو من
صيد البر، وما كان من الطير يكون في البحر ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر)
(و) منه يستفاد أن صيد البحر (هو ما يبيض ويفرخ في الماء)
وإن كان هو في البر، بل في المنتهى أنه لا يعلم خلافا إلا من عطاء، وحينئذ
فالميزان لما يعيش من الطيور في البر والبحر البيض والفرخ وإن ارتزق في أحدهما
ومرسل ابن سماعة عن غير واحد عن أبان عن الطيار (5) (لا يأكل المحرم طير
الماء) محمول على المرتزق فيه ولكن يبيض ويفرخ في البر، وربما حمل على المشتبه
وفيه اشكال، خصوصا بعد قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية (6):
(كل شئ يكون أصله في البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله
فإن قتله فعليه الفداء كما قال الله عز وجل) وقد يدفع بأن المحرم صيد البر لا مطلق

(1) سورة المائدة - الآية 97
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 1 - 3 - 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 1 - 3 - 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 1 - 3 - 4 - 2
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 1 - 3 - 4 - 2
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 1 - 3 - 4 - 2
295

الصيد، فيبقى غيره على الإباحة، اللهم إلا أن يقال أن غير الآية المزبورة والرواية
مطلقة في حرمة الصيد المقتصر في الخروج منه على صيد البحر، لا أن المحرم
خصوص صيد البر الذي هو وإن وجد في الآية لكنه موافق للمطلق، فلا يصلح
مقيدا، فتأمل جيدا.
وبذلك يتجه حرمة كل صيد إلا صيد البحر، بل ومنه المتولد بين الصيد
وغيره إذا انتفى عنه الاسمان، أما إذا لحقه أحدهما تبعه في الحكم دون ما إذا انتفى
عنه الاسمان وكان ممتنعا، فإنه صيد محرم بناء على عدم اختصاص التحريم للمحرم
بالستة الأنواع المشهورة، وإلا اعتبر في ذلك الالحاق بأحدها، ولو اختلف جنس
الحيوان كالسلحفاة فإن منها برية ومنها بحرية فلكل حكم نفسه، ومع الاشتباه
فالمتجه الحرمة بناء على ما حررناه في الأصول من أن فائدة العموم دخول
الفرد المشتبه.
ثم إن الظاهر إلحاق حكم التوالد بحكم البيض والفرخ، بل لعله أولى، بل
يمكن إرادة ما يشمله من قوله: (ويفرخ) وحينئذ فالمدار في كونه من صيد
البر والبحر في مثل الطير ونحوه ذلك، كما أن مقتضى قوله (عليه السلام):
(ارمسوه في الماء) أن كل ما لا يعيش في الماء (من البر البتة، وحينئذ يفهم
منه) (2) كون ذلك من البري أيضا، وكذا مقتضى الحقيقة في قوله: (يبيض
ويفرخ في الماء) كون ذلك في نفس الماء لا في حواليه ولا في الآجام ونحوهما،

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) ما بين القوسين ليس في النسخة المسودة ولا حاجة إليه أيضا
وإن كان موجودا في المبيضة
296

وربما يؤيد ذلك تصريح البعض بكون البط من صيد البر، بل في المنتهى أنه
قول عامة أهل العلم مع أنه غالبا يبيض ويفرخ حول الماء لا في الماء نفسه، وحينئذ
فغالب الطيور المائية يكون من صيد البر، لأنا لا نعرف ما يبيض ويفرخ في نفس
الماء، كما أنه بناء على هذا الميزان لا ينبغي الالتفات إلى الحكم بكونه من صيد
البحر عرفا تقديما للاعتبار الشرعي عليه، ولكن لم نجد ذلك منقحا في كلامهم،
إذ من المحتمل كون ذلك ميزانا لغير المحكوم بكونه من صيد البحر عرفا، بل
من المحتمل الاكتفاء في كونه صيد بحر بالبيض والفرخ في حوالي الماء أو في
الآجام التي فيه أو نحو ذلك، إلا أن الاحتياط يقتضي اجتنابه.
والمراد بالبحر ما يعم النهر قطعا بل عن التبيان أن العرب تسمي النهر
بحرا، ومنه قوله تعالى (1): (ظهر الفساد في البر والبحر) والله العالم.
(والنساء وطءا) قبلا ودبرا بلا خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه
مضافا إلى قوله تعالى (2): (فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) والرفث
هو الجماع بالنص الصحيح عن الصادق والكاظم (عليهما السلام) قال الأول عليه السلام في
صحيح ابن عمار (3): (إذا أحرمت فعليك بتقوى الله وذكر الله وقلة الكلام
إلا بخير، فإن إتمام الحج والعمرة أن يحفظ لسانه إلا من خير، كما قال الله تعالى:
(فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) والرفث هو
الجماع، والفسوق الكذب والسباب، والجدال قول الرجل لا والله وبلى والله)
وقال الثاني عليه السلام بعد أن سأله أخوه علي في الصحيح (1) أيضا (عن الرفث

(1) سورة الروم - الآية 40 - (2) سورة البقرة - الآية 193
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(4) ذكر صدره في الوسائل في الباب 32 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 4 وذيله في الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع - الحديث 4
297

والفسوق والجدال ما هو؟ وما على من فعله؟ الرفث جماع النساء، والفسوق
الكذب والمفاخرة، والجدال قول الرجل: لا والله وبلى والله، فمن رفث فعليه
بدنة ينحرها، وإن لم يجد فشاة، وكفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله وهو
محرم) ولعله سقط من الخبر شئ كما احتمله في الوافي، وعن قرب الإسناد
للحميري (1) (وكفارة الجدال والفسوق شئ يتصدق به) فيمكن كون الساقط
هنا (شئ) وعن المنتفى أنه تصحيف يستغفر ربه، وهو كما ترى، وإلى
ما يستفاد من نصوص الدعاء (2) المشتملة على إحرام الفرج.
(و) كذا تحرم عليه النساء (لمسا) بشهوة، لقول الصادق عليه السلام (3) في
حسن أبي سيار الذي ستسمعه: (وإن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة
فعليه دم شاة)) بل (وعقدا لنفسه أو لغيره) بلا خلاف أجده فيه، بل
الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواترا كالنصوص،
منها قول الصادق عليه السلام في صحاح ابن سنان (4): (ليس للمحرم أن يتزوج
ولا يزوج، فإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل) وزاد في أحدها (5) (وإن
رجلا من الأنصار تزوج وهو محرم فأبطل رسول الله صلى الله عليه وآله نكاحه) كما أن
في آخر (6) (ليس ينبغي) المراد به التحريم قطعا، وفي خبر أبي بصير (7)

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب كفارات الاستمتاع - الحديث 16
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 6
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 6
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 6
(7) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 وفيه
" المحرم يطلق ولا يتزوج " كما يأتي نقله كذلك في الجواهر أيضا
298

(للمحرم أن يطلق ولا يزوج، فإن نكاحه باطل) وفي مضمر ابن عمار (1)
(لا يتزوج ولا يزوج، فإن نكاحه باطل) وفي خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر
عليه السلام (2) (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل أن
يحل أن يخلي سبيلها ولم يجعل نكاحه شيئا، فإذا أحل خطبها إن شاء، وإن شاء
أهلها زوجوه، وإن شاؤوا لم يزوجوه).
إلا أنه ظاهر في عدم حرمتها أبدا عليه بالعقد، وهو محمول على الجاهل
جمعا بينه وبين قول الصادق عليه السلام في خبري الخزاعي (3) وإبراهيم بن الحسين (4)
(إن المحرم إذا تزوج وهو محرم فرق بينهما ولا يتعاودان أبدا) بشهادة خبر
زرارة وداود بن سرحان (5) عنه عليه السلام أيضا في حديث (والمحرم إذا تزوج
وهو يعلم أنه حرام لم يحل له أبدا) المعتضد بالنسبة إلى علمائنا في محكي التذكرة
والمنتهى، بل هو مفروغ منه في كتاب النكاح كما تعرفه إن شاء الله، فوسوسة
بعض الناس في غير محلها، كما أن ما عن أبي حنيفة والثوري والحكم من جواز
نكاحه لنفسه فضلا عن غيره من جملة أحداثهم في الدين.
بل الظاهر عدم الفرق في الحرمة في الأول بين المباشرة والتوكيل كما عن
الشيخ وغيره التصريح به، بل لو كان قد وكل حال الحل لم يجز للوكيل العقد له
حال الاحرام، أما لو وكل حال الاحرام محلا على العقد له حال الاحلال صح بناء

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2 - 1 والثالث عن إبراهيم بن الحسن
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2 - 1 والثالث عن إبراهيم بن الحسن
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2 - 1 والثالث عن إبراهيم بن الحسن
(5) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة - الحديث 1
من كتاب النكاح
299

على عدم اعتبار إمكان وقوع الموكل فيه من الموكل حال الوكالة، لأن التوكيل
ليس نكاحا، وستسمع تحقيقه في التفريع الذي ذكره المصنف، وكذا بين الفضولي
والوكالة والولاية في الثاني، بل قد عرفت صراحة النصوص في بطلان العقد كما
هو معقد محكي صريح الاجماع في الخلاف والغنية والتذكرة، وظاهره في غيرها.
نعم في القواعد الأقرب جواز توكيل الجد المحرم محلا أي في تزويج المولى
عليه بل مقتضاه الصحة وإن أوقعه الوكيل والولي محرم، ولعله لأنه والمولى عليه
محلان، والتوكيل ليس من التزويج المحرم بالنص والاجماع، وفيه ما لا يخفى عليك
فيما لو أوقعه الوكيل حال الاحرام، إذ الوكيل نائب الموكل، ولا نيابة فيما ليس له
فعله من التزويج المنهي عنه في النصوص الذي يشمل التوكيل، ولذا قطعوا بحرمة
توكيل المحرم على التزويج لنفسه وبطلان العقد، ولعله من هنا كان خيرة محكي
الخلاف عدم الجواز مدعيا عليه الاجماع، على أنه لا وجه لتخصيص الجد بالذكر.
والظاهر إلحاق المنقطع بالدائم هنا، مع احتمال العدم، وإجازة الفضولي
حال الاحرام كالمباشرة لو وقعت منه حال الاحرام أيضا بل لا تؤثر لو وقعت منه
بعد الحل أي للعقد الواقع فضولا حال الاحرام بناء على الكشف، كما لا تؤثر
إجازة الغير للعقد الصادر من المحرم فضولا، بل لا تؤثر إجازته في حال الاحرام
للعقد الفضولي الواقع حال الحل في وجه من وجهي الكشف، بل يحتمل مطلقا
بناء على أنه نوع تعلق في النكاح ممنوع منه كما تسمع الإشارة إليه في مرسل
أبي شجرة (1) ويحتمل الجواز لأنه ليس تزويجا حال الاحرام بناء على الكشف
والأحوط الأول وإن كان الثاني لا يخلو من قوة.
نعم الظاهر عدم إلحاق التحليل بالنكاح في الحكم المزبور على إشكال،
والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 8
300

(و) كذا تحرم عليه (شهادة على العقد) أي عقد النكاح للمحلين
والمحرمين والمفترقين بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك نسبته إلى قطع
الأصحاب، بل عن محتمل الغنية الاجماع عليه، بل عن الخلاف دعواه صريحا،
لقول الصادق عليه السلام في مرسل ابن فضال (1) المنجبر بما عرفت (المحرم لا ينكح
ولا ينكح ولا يخطب ولا يشهد النكاح، وإن نكح فنكاحه باطل) وفي مرسل
أبي شجرة (2) (في المحرم يشهد نكاح المحلين قال: لا يشهد، ثم قال: يجوز
للمحرم أن يشير بصيد على محل) المراد منه على الظاهر الانكار والتنبيه على أنه
إذا لم يجز ذلك فكذلك لا تجوز الشهادة، كما أنه يستفاد منه الشهادة على غير
المحلين بالأولوية، وعلى كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه لضعف
الخبرين في غير محلها بعد ما عرفت، وخلو المقنع والمقنعة وجمل العلم والعمل والكافي
والاقتصاد والمصباح ومختصره والمراسم عن ذلك لا يقتضي الخلاف فيه، نعم
في المدارك (ينبغي قصر الحكم على حضور العقد لأجل الشهادة، فلو اتفق حضوره
لا لها لم يكن محرما) وفيه أن الشهادة الحضور، فيحرم عليه وإن لم يحضر لها
كما عن الجامع التصريح به.
(و) كذا تحرم عليه (إقامة) أي إقامتها على العقد كما عن المبسوط
والسرائر، بل في الرياض نسب إلى المشهور، بل في الحدائق ظاهرهم الاتفاق عليه
لاحتمال دخولها في الشهادة المنهي عنها في الخبرين والفتاوى، وفيه منع واضح،
لأن شهادته غير الشهادة عليه، ولفحوى الانكار المتقدم في أحد الخبرين، ولكن
في القواعد الاشكال في ذلك، ولعله مما عرفت، ومن عموم أدلة النهي عن الكتمان

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 8
301

وتوقف ثبوت النكاح شرعا عليها، ووقوع مفاسد عظيمة إن لم تثبت بخلاف
إيقاعه، إذ لا يتوقف عليها عندنا، ولذا يصح العقد وإن حضره، قيل ولأنها
إخبار لا إنشاء، والخبر إذا صدق ولم يستلزم ضررا لم يحسن تحريمه، ولأنها أولى
بالإباحة من الرجعة التي هي إيجاد للنكاح في الخارج، على أنه لا جابر للخبرين
المزبورين في إرادة ذلك من الشهادة فيهما، والنسبة إلى الشهرة لم نتحققها، على
أنك قد عرفت ظهور الخبرين في حضور العقد لا الفرض، ومرسل الانكار مع
أنه لا جابر له أيضا لم يعلم إرادة ما يشمل الفرض منه، ولعله أولى وإن كان
الأول أحوط، بل ربما يومي النهي عن شهادته إلى عدم إقامتها.
ثم على التحريم قيل تحريم الإقامة حاله (ولو تحملها محلا) أو كان بين
محلين، لانتفاء المخصص وإن تأكد المنع إذا تحملها محرما، أو كان على محرمين،
بل قيل: لا تسمع، لخروجه به عن العدالة، فلا يثبت بشهادته، وفيه أنه ممنوع
لجواز الجهل والغفلة والتوبة، وسماع العقد اتفاقا، بل يمكن القول بقبولها لو
أداها محرما لغفلة ونحوها، وفي محكي التذكرة (ولو قيل إن التحريم مخصوص
بالعقد الذي أوقعه المحرم كان وجها) بل قال: (إن ذلك معنى كلام الأصحاب)
على ما حكاه عنه ولده، وفي المدارك لا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع
الوفاق إن تم، وإلا اتجه عدم التحريم مطلقا، وفيه أنه يمكن المنع بناء على أنه
نوع تعلق في النكاح.
ولو خاف المحرم من ترك إقامتها وقوع الزنا ففي المدارك وجب عليه تنبيه
الحاكم على أن عنده شهادة، ليوقف الحكم علي إحلاله، ولو لم يندفع إلا بالشهادة
وجب إقامتها قطعا، وفيه أنه لا دليل على وجوب التنبيه المزبور، ولا على
وجوب إقامتها بعد فرض إطلاق دليل المنع.
(و) كيف كان ف‍ (لا بأس به بعد الاحلال) كما صرح به الفاضل
302

وغيره على معنى ثبوت النكاح بإقامتها بعده وإن علم تحملها محرما، لاطلاق الأدلة
وما عرفت من عدم خروجه بذلك عن العدالة، خلافا للمحكي عن المبسوط من
عدم ثبوتها إذا كان التحمل في حال الاحرام، إما لفسقه، وفيه ما عرفت، أو
لأن هذه الشهادة شهادة مرغوب عنها شرعا فلا تعتبر وإن وقعت جهلا أو سهوا
أو اتفاقا، وهو مجرد دعوى لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، والله العالم.
(و) كذا يحرمن عليه (تقبيلا) بشهوة أو لا بها كما هو صريح بعض
وظاهر آخر، لقول الصادق عليه السلام في حسن أبي سيار (1): (يا أبا سيار إن حال
المحرم ضيقة، إن قبل امرأته على شهوة وهو محرم فعليه دم شاة، وإن قبل
امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر الله، وإن مس امرأته وهو محرم
على شهوة فعليه دم شاة، ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه
جزور، وإن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فليس عليه شئ) بناء على
اقتضاء ذلك الحرمة، وخبر علي بن أبي حمزة (2) (سألت أبا الحسن عليه السلام
عن رجل قبل امرأته وهو محرم قال: عليه بدنة وإن لم ينزل، وليس له أن
يأكل منها) وحسن الحلبي أو صحيحه (3) عن الصادق عليه السلام (سألته عن المحرم
يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها ويصلح عليها
ثوبها ومحملها، قلت: أفيمسها وهي محرمة؟ قال: نعم، قلت: المحرم يضع يده
بشهوة قال: يهريق دم شاة، قلت: فإن قبل قال: هذه أشد ينحر بدنة) وخبر

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الاستمتاع - الحديث 4
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 17 من أبواب كفارات الاستمتاع
الحديث 2 وذيله في الباب 18 منها الحديث 1
303

العلاء بن الفضيل (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وامرأة تمتعا جميعا
فقصرت امرأته ولم يقصر فقبلها قال: يهريق دما، وإن كان لم يقصرا جميعا فعلى
كل واحد منهما أن يهريق دما).
وبذلك كله يظهر لك المناقشة فيما في الذخيرة من أن الظاهر تقييد حرمة
التقبيل بالشهوة وإن تبعه في الرياض حاكيا له عن جماعة، للأصل المقطوع بما
سمعت، وخبر الحسين بن حماد (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يقبل أمه
قال: لا بأس به، هذه قبلة رحمة، إنما يكره قبلة الشهوة) المحمول على إرادة
إنما يكره ما يحتمل الشهوة، بخلاف الأم وغيرها من المحارم المستفاد جواز تقبيلها
من التعليل المزبور، والأصل، واختصاص النصوص السابقة بقبلة امرأته وإن
كان الظاهر إرادة الأعم منها ومن الأجنبية كما هو مقتضى الفتاوى، هذا.
ولكن قد يقال أن المنساق من اطلاق تقبيل الامرأة كونه على وجه الاستمتاع
والالتذاذ المقابل لتقبيل الرحمة، وقوله (عليه السلام) في الخبر الأول: (من
غيره شهوة) محمول على إرادة عدم الامناء بقرينة المقابلة، لا كونه تقبيل رحمة
ونحوه مما لم يكن استمتاعا والتذاذا بالامرأة الذي يمكن دعوى ظهور النصوص
في كون المدار عليه في منع المحرم، كما تسمعه في المس والملازمة والحمل ونحوها،
وبذلك يقوى إرجاع القيد في نحو عبارة المتن إليه أيضا، ولكن
الأحوط الاطلاق.
نعم الظاهر تقييد جواز قبلة المحارم بما إذا كان لا عن شهوة، لكونه
أشد حرمة، ولفحوى التعليل المزبور.

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6 - 5
304

(و) كذا يحرمن عليه (نظرا بشهوة) كما صرح به غير واحد،
وإن قيل خلا كتب الشيخ والأكثر عن تحريمه مطلقا، لما سمعته من كون المستفاد
حرمة الالتذاذ بالنساء من النصوص، بل ربما استدل عليه بحسن معاوية بن
عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى وأمذى
وهو محرم قال: لا شئ عليه لكن ليغتسل ويستغفر ربه، وإن حملها من غير
شهوة فأمنى أو أمذى فلا شئ عليه، وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى
فعليه دم، وقال في المحرم: ينظر إلى امرأته وينزلها بشهوة حتى ينزل قال: عليه
بدنة) وخبر أبي سيار (2) السابق، وفيه أنه إنما يدل على حرمة النظر بشهوة
حتى ينزل أو يمذي لا مطلقا، اللهم إلا أن يقال إن من المعلوم عدم مدخلية
الامذاء في الكفارة، فليس إلا النظر بشهوة، فينتظم حينئذ في الدلالة على المطلوب
التي منها فحوى ما دل من النصوص علي حرمة المس والحمل إذا كان بشهوة لا بدونها
كصحيح ابن مسلم (3) وخبره (4) سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن الرجل يحمل امرأته
أو يمسها فأمنى أو أمذى فقال: إن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أو أمذى
أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، وإن حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شئ
أمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ) وغيره من النصوص حتى نصوص الدعاء عند
التهيؤ للاحرام (5) المشتملة على تحريم الاستمتاع عليه بالنساء
بل لعله لا خلاف فيه في الأول كما اعترف به في كشف اللثام، والمصنف

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 6 - 6 - مع الاختلاف في الجميع
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 6 - 6 - مع الاختلاف في الجميع
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 6 - 6 - مع الاختلاف في الجميع
(5) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام
305

وإن تركه هنا لكن ذكر في الكفارات أن كفارته شاة، بل ربما كان مقتضى
إطلاق بعض العبارات حرمته مطلقا، كاقتضاء بعض آخر حرمة النظر كذلك أيضا
وإن كان هو واضح الضعف للأصل وما سمعته من النص، كضعف القول بجواز
النظر إلى امرأته بشهوة المحكي عن الصدوق، بل مال إليه في كشف اللثام للأصل
المقطوع بما عرفت، والموثق (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في محرم نظر إلى امرأته
بشهوة فأمنى قال: ليس عليه شئ) القاصر عن معارضة غيره من وجوه الذي
حمله الشيخ على حال السهو دون العمد، بل نفي الشئ عليه لا يدل على نفي الحرمة
كحسن علي بن يقطين (2) سأل الكاظم عليه السلام (عن رجل قال لامرأته أو جاريته
بعد ما حلق ولم يطف ولم يسع بين الصفا والمروة: اطرحي ثوبك ونظر إلى فرجها
قال: لا شئ عليه إذا لم يكن غير النظر) الخالي عن التقييد بالشهوة مع ذلك
الذي قد عرفت جوازه، بل الظاهر جوازه أيضا في الأمة للسوم والحرة المخطوبة
بل الأجنبية في النظرة الأولى، بناء على جوازها، بخلاف ما إذا كان بشهوة فإنه
يحرم في الجميع، وفي المسالك لا فرق في تحريم النظر بشهوة بين الزوجة والأجنبية
بالنسبة إلى النظرة الأولى إن جوزناها والنظر إلى المخطوبة، وإلا فالحكم مخصوص
بالزوجة، قيل وكان وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبية على هذا
التقدير، وعدم اختصاصه بحالة الشهوة، وتبعه في كشف اللثام، وفيه أن ذلك
لا ينافي اختصاص التحريم الاحرامي بالشهوة، كما هو مقتضى الفتاوى، قال
أبو بصير (3) في الموثق: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل محرم نظر إلى ساق

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7 - 4
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7 - 4
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب كفارات الاستمتاع - الحديث 2
مع الاختلاف
306

امرأة فأمنى قال: إن كان موسرا فعليه بدنة، وإن كان بين ذلك فبقرة، وإن
كان فقيرا فشاة، أما إني لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء لكن من أجل أنه نظر
إلى ما لا يحل له)) وفي حسن معاوية بن عمار (1) (في محرم نظر إلى غير أهله
فأمنى قال: عليه دم، لأنه نظر إلى غير ما يحل له، وإن لم يكن أنزل فليتق الله
ولا يعد، وليس عليه شئ) والله العالم.
(وكذا) في الحرمة على المحرم (الاستمناء) الذي هو استدعاء المني
بلا خلاف أجده فيه، لصحيح ابن الحجاج (2) عن الصادق عليه السلام (سألته عن
الرجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر
رمضان فقال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع) وخبر إسحاق بن
عمار (3) عن أبي الحسن عليه السلام (قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى قال:
أرى عليه مثل ما على من أتى أهله وهو محرم بدنة والحج من قابل) وغيرهما من
النصوص التي تقدم بعضها، ويأتي آخر في الكفارات إن شاء الله.
بل الظاهر عدم الفرق بين أسبابه من الملاعبة والتخيل والخضخضة وغير ذلك
كما صرح به غير واحد حتى السيد في الجمل، قال: على المحرم اجتناب الرفث،
وهو الجماع، وكل ما يؤدي إلى نزول المني من قبلة وملامسة ونظر بشهوة، بناء
على إرادته ما يقصد به الامناء كما في شرحها للقاضي، قال: فأما الواجب فهو
أن لا يجامع ولا يستمني علي أي وجه كان من ملامسة أو نظر بشهوة أو غير ذلك
بل عن بعضهم ادراج اللواط ووطئ الدواب، وإن كان فيه منع واضح، ولذا قال

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب كفارات الاستمتاع - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب كفارات الاستمتاع - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب كفارات الاستمتاع - الحديث 1
307

في كشف اللثام: أنهما يدخلان في الرفث وإن لم ينزل، وإن كان فيه أنه جماع
النساء في الصحيح (1) عن الكاظم عليه السلام الذي يرجع إليه مطلق الجماع في الصحيح
الآخر (2) مع أنه المنساق منه، فلا يبعد القول ببقائه على الحرمة السابقة على
الاحرام، اللهم إلا أن يقال أنه يستفاد من التأمل في النصوص شدة التحريم في
حال الاحرام في كل ما حرم الجائز منه للاحرام، فإن الاستمناء في العبث بالزوجة
كان جائزا ولكنه حرم عليه في الاحرام، ففي الأجنبية أشد، وهكذا بقية
الاستمتاعات كما أومي إليه في النصوص السابقة.
وعلى كل حال فالظاهر أنه لا اشكال في الحرمة من جهة الاحرام في الفرض
مع إرادة الاستمناء بذلك، لكن بشرط خروج المني منه به، كما في غيره من أفراد
الاستمناء المدلول عليه بالصحيح السابق وغيره، وإلا فالمقدمات من دون انزال
لا يترتب عليها كفارة الاستمناء للأصل وغيره، وإن اقتضاه ظاهر التعبير، كما
أن الظاهر عدم شئ عليه فيما لو سبقه المني من غير استمناء منه كما سمعته في
النصوص السابقة، مضافا إلى الأصل وإلى خبر أبي بصير (3) (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط وهو محرم فتشاها حتى أنزل
قال: ليس عليه شئ) ومرسل ابن أبي نصر (4) عنه عليه السلام أيضا (في محرم
استمع على رجل مجامع أهله فأمنى قال: ليس عليه شئ) وخبر سماعة (5)
(في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني قال: ليس عليه شئ) والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 1
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3 - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3 - 2 - 1
(5) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3 - 2 - 1
308

(تفريعان): الأول قد عرفت بطلان عقد النكاح الواقع في حال الاحرام
فيسقط ما اقتضاه من المهر قبل الدخول مع اتفاقها على ذلك، سواء كانا عالمين،
أو جاهلين، أو مختلفين، أما مع الدخول فلما مهر المثل مع جهلها بما استحل من
فرجها، أما مع علمها فلا مهر لها، لأنها بغية حينئذ، هذا كله مع اتفاقهما على
وقوع العقد حال الاحرام،
وأما (إذا اختلفا) أي (الزوجان في العقد فادعى
أحدهما وقوعه في الاحرام، وأنكر الآخر فالقول قول من يدعي الاحلال
ترجيحا لجانب الصحة) المحمول فعل المسلم عليها في صورة النزاع وغيره من
أحوال الشك في العقد المفروض اتفاقهما على وقوعه كما في غير المقام من صور
مدعي الصحة والفساد التي من الواضح كون مدعيها موافقا لأصلها، على أن
مدعي الفساد يدعي وصفا زايدا يقتضي الفساد، وهو وقوع العقد حال الاحرام
فالقول قول المنكر بيمينه لأنه منكر للمفسد كما صرح بذلك الكركي في حاشيته
وثاني الشهيدين في المسالك، لكن في المدارك المناقشة في الأول بأنه إنما يتم إذا
كان المدعي لوقوع الفعل في حال الاحرام عالما بفساد ذلك، أما مع اعترافهما
بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة، وفي الثاني بأن كلا منهما مدع وصفا ينكره
الآخر، فتقديم أحدهما يحتاج إلى دليل وفيه أن أصل الصحة في العقد ونحوه
لا يعتبر فيه العلم، لاطلاق دليله، نعم أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر
فيه العلم، وهو غير أصل الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر كما هو واضح، وأن
مدعي الفساد المعترف بحصول جميع أركان العقد المحمول إقراره على الصحة
يدعي وقوع العقد حال الاحرام، والآخر ينكره وإن كان يلزمه كونه واقعا
حال الاحلال، ولا ريب في أن الأصل عدم مقارنة العقد للحال الزبور، وذلك
كاف في اثبات صحته من غير حاجة إلى إثبات كونه في حال الاحلال، بل يكفي
احتماله، فلا يكون مدعيا كالأول، كل ذلك مضافا إلى ملاحظة كلام الأصحاب
309

وحكمهم بتقديم مدعي الصحة على مدعي الفساد فيما هو أعظم من ذلك، كدعوى
عدم البلوغ: وكون المبيع خنزيرا أو شاة مثلا، وغير ذلك مما يرجع بالآخرة إلى
أوصاف أركان العقد فضلا عن المقام، فما أدري ما الذي اختلجه في خصوص
ما نحن فيه، ثم أنه قال في صورة الجهل: يحتمل تقديم قول من يدعي تأخير
العقد مطلقا، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقدم، ويحتمل تقديم قول من
يدعي الفساد لأصالة عدم تحقق الزوجية إلى أن تثبت شرعا، والمسألة محل تردد،
وفيه أنه خلاف مفروض المسألة الذي هو مجرد دعوى الفساد بوقوعه في الاحرام
ودعوى الصحة بعدم كونه كذلك من غير تعرض للتقديم والتأخير، وأنه
لا وجه لاحتمال تقديم مدعي الفساد فيما فرضه مع فرض كون مدعي الصحة
يدعي تأخيره عن حال الاحرام الذي هو مقتضى الأصل، اللهم إلا أن يكون ذلك
من الأصول المثبتة، ضرورة عدم اقتضائه التأخر عنه، لكن مقتضى ذلك
مجهولية التقديم والتأخر بعد الاتفاق على عدم الاقتران، والمتجه فيه جريان أصل
الصحة لا الفساد، فتأمل جيدا، فإن كلام الأصحاب في المقام وغيره مطلق
بالنسبة إلى الحكم بالصحة من غير التفات إلى مسألة التاريخ.
هذا وفي كشف اللثام - بعد أن حكم بتقديم قول مدعي الصحة في
مفروض المسألة وإن كان المدعي يدعي إحرام نفسه - قال: وكذا إن وجه الدعوى
إلى تاريخ الاحرام مع الاتفاق على تاريخ العقد، فادعى أحدهما تقديم الاحرام عليه
لذلك والأصل التأخر وإن ادعى احرام نفسه إلا أن يتفقا على زمان ومكان يمكن فيهما
الاحرام فيمكن أن يقال القول قوله، لأنه أبصر بأفعال نفسه وأحواله، أما إن اتفقا
على تاريخ الاحرام ووجه الدعوى إلى تاريخ العقد فادعى تأخره أمكن أن يكون
القول قوله للأصل، بل لتعارض أصلي الصحة والتأخر الموجب للفساد وتساقطهما،
فيبقى أصل عدم الزوجية بلا معارض، وفيه أن البصيرة بأفعال نفسه لا يقتضي
310

إثبات حق على الآخر، خصوصا مع امكان الاطلاع على أحواله باقرار وغيره مما
يعلم منه أنه كاذب في دعوى الاحرم، والتعارض إنما هو في افراد وقوعه لا بين
أصالة التأخر وأصل الصحة كي يتجه ما ذكر، بخلاف ما قلناه، فإن المتجه فيه
الصحة لبقاء أصلها بلا معارض، فتأمل جيدا.
وكيف كان فقد ظهر لك أن القول قول مدعي الصحة في مفروض المسألة
ونظائره، و (لكن إن كان المنكر المرأة) ففي محكي المبسوط (كان لها نصف
المهر) إن لم يدخل بها (لاعترافه بما يمنع من الوطئ) فيكون كالطلاق قبل
الدخول، أو لأن العقد إنما يملك نصف المهر، ومملك النصف الآخر هو الوطئ
أو الموت، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة كون الأول قياسا، كضرورة
اقتضاء العقد ملكها تمام المهر، وإنما ينصف بالطلاق لدليله (و) من هنا يظهر
لك أنه (لو قيل لها المهر كله) وإن لم يكن دخل بها بل جزم به كل من تأخر
عنه (كان حسنا) بل ربما احتمل كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق،
وأطلق بناء على الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصا من غرامة الجميع، ولا
يقدح دعواه الفساد المقتضية لكون الطلاق لغوا، إذ هو وإن كان كذلك
لكنه في حقها باعتبار دعواها الصحة مؤثر لسقوط مطالبتها بالجميع إن لم تكن
قد قبضته، وموجب لرد النصف إن كان قد قبضته، ولكن في كشف اللثام
بعد أن حكم بأن لها المهر كاملا دخل بها أم لا - قال: (إلا أن يطلقها قبل
الدخول باستدعائها، فإنه يلزم به حينئذ، وإن كان بزعمه في الظاهر لغوا ويكون
طلاقا صحيحا شرعيا، فإذا بعدم الدخول يتنصف المهر، وأما إذا لم تستدع
الطلاق وصبرت فلها المهر كاملا وإن طلقها قبل الدخول، فإنه بزعمه لغو، والعقد
الصحيح مملك لها المهر كاملا) وفيه أن استدعاءها وعدمه لا مدخلية له في ذلك
إذ الطلاق إن كان صحيحا ممن يدعي الفساد في حق مدعي الصحة يترتب عليه
311

حكمه، وإلا فلا، كما هو واضح، هذا. وفي الدروس (وظاهر الشيخ انفساخ
العقد حينئذ، ووجوب نصف المهر إن كان قبل المسيس، وجميعه بعده) وفيه أن
الاختلاف في الصحة والفساد لا يقتضي الانفساخ في حق مدعي الصحة لا في
المقام ولا في غيره، وعلى تقديره هنا فلا دليل على إلحاقه بالطلاق.
هذا كله إذا كانت هي المنكرة، ولو كان هو المنكر للفساد فليس لها
المطالبة بشئ من المهر قبل الدخول مع عدم القبض، كما أنه ليس له المطالبة برد
شئ منه مع قبضه، أخذا لهما باقرارهما، وأما بعد الدخول وإكرامها أو جهلها
بالفساد أو الاحرام فلها المطالبة بأقل الأمرين من المسمى ومهر المثل، لأنه
المستحق لها عليه ظاهرا قطعا بعد دعواها الفساد التي تقدمت عليها دعوى الصحة
دون غيره، ولعل اطلاق خبر سماعة (1) (لها المهر إن كان دخل بها) منزل
على ذلك.
وعلى كل حال فظاهر الأصحاب في المقام مؤاخذة كل منهما ظاهرا باقراره
في لوازم الزوجية وعدمها، وأما في الواقع فعلى كل منهما حكمه في نفس الأمر
يفعله مع التمكن منه، فعليها أن تخلص نفسها منه مع دعواها الفساد ببذل على
الفراق ونحوه، وعليه أن يخلص نفسه من لوازم الزوجية المستحقة عليه
ظاهرا مع دعواه الفساد بطلان ونحوه، وليس لأحد منهما المخالفة في حق الآخر
في الظاهر بعد الحكم بصحة العقد، ولعل هذا هو مراد ثاني الشهيدين في
المسالك وإن كان في عبارته بعض القصور، فإنه قال: (حيث تكون المرأة
المنكرة للفساد يلزم الزوج حكم البطلان فيما يختص به، فيحكم بتحريمها عليه،

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5
312

لعموم إقرار العقلاء، ولأن الزوج يملك الفرقة، فإذا اعترف بما يتضمنها قبل
ولا يقبل قوله في حقها فلها المطالبة بحق الاستمتاع والنفقة، فما يمكن فعله منه كأداء
النفقة يكلف به، وما لا يمكن كالوطئ فإنه بزعمه محرم يتعارض فيه الحقان فلا يكلف
به، بل ينبغي التخلص من ذلك بايقاع صيغة الطلاق ولو معلقة على شرط، مثل
إن كانت زوجتي فهي طالق - إلى أن قال -: وما يختص بها من الأحكام المترتبة
على دعواها يلزمها قبل الطلاق، فلا يحل لها التزويج بغيره، ولا الأفعال المتوقفة
على إذنه بدونه، ويجوز له التزويج بأختها وخامسة ونحو ذلك من لوازم الفساد،
هذا بحسب الظاهر، وأما فيما بينهما وبين الله تعالى فيلزمهما حكم ما هو الواقع في
نفس الأمر، ولو انعكست الدعوى وحلف الزوج استقر له النكاح ظاهرا وعليه
النفقة والمبيت عندها، ويحرم عليه التزويج بالخامسة والأخت، وليس لها المطالبة
بحقوق الزوجية من النفقة والمبيت عندها، ويجب عليها القيام بحقوق الزوجية
ظاهرا، ويجب عليها فيما بينها وبين الله تعالى أن تعمل ما تعلم أنه الحق بحسب
الامكان ولو بالهرب، أو استدعاء الفرقة - إلى أن قال -: وإنما جمعنا بين هذه
الأحكام المتنافية مع أن اجتماعها في الواقع ممتنع جمعا بين الحقين المبنيين على المضايقة
المحضة، وعملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن) ونحوه في حاشية الكركي،
وفيه أنه إذا كان لا يكلف هو بوطئها لأنه حرام بزعمه في الصورة الأولى ينبغي
أن لا تكلف هي بتمكينه من نفسها في الصورة الثانية، لأنه حرام بزعمها، وأيضا
له التزويج بأختها وبالخامسة إن كان صادقا فيما بينه وبين الله تعالى، ولكن لا يمكن
منه في الظاهر بعد الحكم شرعا بصحة العقد المانع من ذلك، وفي المدارك بعد أن
حكى عن قطع الأصحاب ما سمعت (إن إثبات هذه الأحكام مشكل جدا للتضاد،
خصوصا جواز تزويجه بأختها مع دعواه الفساد، إذ اللازم منه جواز تزويجها
بغيره إذا ادعت ذلك، وهو معلوم البطلان، والذي يقتضيه النظر أنه حكم بصحة
313

العقد شرعا متى ترتبت عليه لوازمه، فيجوز لها المطالبة بحقوق الزوجية ظاهرا
وإن ادعت الفساد، ولا يجوز له التزويج بأختها وإن ادعى ذلك، لحكم الشارع
بصحة العقد ظاهرا، وأما في نفس الأمر فيكلف كل منهما بحسب ما يعلمه من حاله
لكن لو وقع منهما أو من أحدهما حكم مخالف لما ثبت في الظاهر وجب الحكم ببطلانه
كذلك) وهو جيد إلا قوله (فيجوز لها المطالبة) إلى آخره ضرورة كونه
منافيا لاقرارها الذي هو ماض عليها بالنسبة إلى حقها، وغير ماض في حق الغير
فليس لها الامتناع مع طلب الاستمتاع بها، وليس لها مطالبته بذلك، وعلى هذا
يكون المدار فيها وفيه كما عرفت، والله العالم والموفق والمؤيد والمسدد.
(الثاني إذا وكل) محرم (في حال إحرامه) محلا أو محل محلا على عقد
نكاح ثم أحرم الموكل (فأوقع) الوكيل (فإن كان قبل إحلال الموكل بطل)
بلا خلاف بل ولا إشكال بعد ما سمعت من النص والفتوى على أنه لا يتزوج ولا ينكح
الصادق على الفرض، وخصوصا ما في صحيح محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عن
أمير المؤمنين المتقدم المشتمل على ملك المحرم بضع امرأة وإن احتمل فيه أنه
قضية (قضاء خ ل) في واقعة كان الملك له فيها بنفسه لا بالتوكيل، إلا أنه كما ترى
وقال الصادق عليه السلام في خبر سماعة (2): (لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما وهو يعلم
أنه لا يحل له، قال: فإن فعل فدخل بها المحرم فقال: إن كانا عالمين فإن على كل واحد
منهما بدنة، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة، وإن لم تكن محرمة فلا شئ عليها
إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها محرم، فإن كانت علمت ثم تزوجته
فعليها بدنة) بل لا يخفى على المتأمل في النصوص ظهورها في منافاة الاحرام لحصول
النكاح حاله مباشرة أو توكيلا أو ولاية، فليس لولي الطفل والمجنون العقد لها

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10
314

مباشرة وتوكيلا وإن كانا محلين حال إحرامهما، والله العالم.
(وإن كان) قد أوقع العقد (بعده) أي الاحلال (صح) بلا خلاف
أيضا ولا إشكال، لاطلاق أدلة الوكالة (1) وعمومها السالمين عن المعارض حتى لو
كانت الوكالة في حال الاحرام، إذ لا دليل على بطلانها، قيل إلا أن يكون في
حال إحرام الوكيل، ولعله لعدم قابليته لايقاعه حال التوكيل، ولكن لا يخلو
من نظر أو منع، خصوصا بعد أن اعترف بصحة التوكيل محرما على النكاح،
وحينئذ فالصور الأربع صحيحة مع عدم تقييد الايقاع حال الاحرام، وتخلل
عدم الصحة في زمان الاحرام لا ينافي صحة الوكالة على الفعل بعده، فلا أقل من
بقاء الإذن الكافي في صحة النكاح لو سلم بطلان عقد الوكالة، ضرورة كونه
كالبطلان بالشرط الفاسد، وليس هو كالجنون ونحوه الرافع لأصل الإذن باعتبار
انتقال الولاية لغير الموكل كما أوضحناه في محله، وبه جزم هنا في المنتهى في صورة
ما لو وكل المحرم الحلال على التزويج، وإن كان لنا نظر في بطلان الوكالة المزبورة
ضرورة كونه من المانع على نحو المانع في الموكل فيه كالحيض في طلاق الزوجة
ونحوه، والله العالم.
(و) كيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أنه (يجوز) للمحرم حال
إحرامه (مراجعة المطلقة الرجعية) المحرمة فضلا عن غيرها (وشراء الإماء في
حال الاحرام) بلا خلاف كما عن التذكرة والمنتهى الاعتراف به، بل ولا إشكال
بعد عدم تناول النهي المزبور لمثله، فيبقى على الأصل والعموم الذي منه قوله
تعالى (2): (وبعولتهن أحق بردهن) من غير فرق بين المطلقة تبرعا والتي

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب الوكالة والباب 10 من أبواب عقد
النكاح من كتاب النكاح
(2) سورة البقرة - الآية 228
315

رجعت ببذلها، مضافا إلى خبر أبي بصير (1) عن الصادق عليه السلام (المحرم يطلق
ولا يتزوج) وخبر حماد بن عثمان (2) عنه عليه السلام أيضا (سألته عن المحرم يطلق
قال: نعم) وصحيح سعد بن سعد (3) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)
(سألته عن المحرم يشتري الجواري ويبيع قال: نعم) وغيره، بل الظاهر الصحة
حتى لو كان القصد التسري وإن حرم عليه المباشرة لهن حال الاحرام، بل الظاهر
صحة الشراء وإن قصد المباشرة حاله حين الاحرام وإن أتم بالقصد المزبور،
لكنه لا يقتضي فساد العقد وإن احتمله في التذكرة، لحرمة الغرض الذي وقع
العقد له، كمن اشترى العنب لاتخاذه خمرا، لكن فيه أنه إن تم ففيما إذا شرط
ذلك في متن العقد لا في الفرض الذي لم يكن الشراء فيه منهيا عنه بخصوصه،
ولا علة في المحرم أعني المباشرة، فلا يكون تحريمها مستلزما لتحريمه، كما هو واضح.
ويجوز له مفارقة النساء بالطلاق والفسخ أو غيرهما بلا خلاف ولا إشكال
للأصل والنصوص (4) ومحكي الاجماع.
وتكره للمحرم الخطبة كما في القواعد ومحكي المبسوط والوسيلة للنهي عنه في
النبوي (5) (لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يشهد ولا يخطب) والمرسل (6)
السابق المحمول عليها بعد القصور عن إثبات الحرمة مؤيدا بأنها تدعو إلى المحرم
كالصرف الداعي إلى الربا، فما عن ظاهر أبي علي من الحرمة واضح الضعف،

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 16 و 17 - من أبواب تروك الاحرام
(5) سنن البيهقي ج 5 ص 65 وليس فيه " ولا يشهد "
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7
316

بل الظاهر عدم الفرق في الكراهة بين كونها لنفسه أو لغيره من المحلين لاطلاق
الخبرين، هذا.
والظاهر ثبوت الأحكام المزبورة للمرأة المحرمة كالرجل، ضرورة عدم
كونه من خواص الرجل، بل لا يبعد إرادة الجنس من المحرم في نحو قوله صلى الله عليه وآله:
(لا ينكح ولا ينكح) قال في المنتهى: ((لا يجوز للمحرم أن يزوج ولا يتزوج
ولا يكون وليا في النكاح ولا وكيلا فيه، سواء كان رجلا أو امرأة، ذهب
إليه علماؤنا أجمع، وبه قال علي (عليه السلام) (1)) وفي القواعد وكشفها
(ولو كانت المرأة محرمة والرجل محلا فالحكم كما تقدم من حرمة نكاحها وتلذذها
بزوجها تقبيلا أو لمسا أو نظرا أو تمكينا له من وطئها وكراهة خطبتها وجواز
رجعتها وشرائها ومفارقتها) بل في الأخير الاتفاق على ذلك، مضافا إلى عموم
الأدلة الصالح لتناول مثل ذلك، أما غيره فالعمدة فيه الاجماع المزبور، وما يستفاد
من الأدلة من حرمة الاستمتاع للمحرم رجلا وامرأة، وحرمة مباشرة عقد النكاح
له ولغيره، وإلا فقاعدة الاشتراك لا تأتي في مثل ما ورد من النهي عن تقبيل
الرجل امرأته، ولا دليله شامل للمرأة، فليس حينئذ إلا ما عرفت، فيثبت عدم
جواز تقبيلها لزوجها مثلا وهي محرمة وعلى هذا القياس، والله العالم.
(والطيب) إجماعا في الجملة بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل النصوص
متواترة فيه، بل في المتن والقواعد وغيرهما هو (على العموم) وفاقا للمقنعة
وجمل العلم والعمل والمراسم والسرائر والمبسوط والكافي وغيرها على ما حكي عن
بعضها، كما حكي عن الحسن بل والمقنع والاقتصاد وإن كان المحكي عن أولهما أنه
نص على النهي عن مس شئ من الطيب، لكن عقبه بقوله: (وإنما يحرم عليك

(1) كنز العمال ج 3 - ص 56 - الرقم 1032 و 1023
317

من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر والورس والزعفران) فهو إما تفسير
للطيب أو تصريح بأن النهي يعم الكراهة، وعن ثانيهما أنه قال: (وينبغي أن
يجتنب في إحرامه الطيب كله وأكل طعام يكون فيه طيب) بل في الذخيرة نسبته
إلى أكثر المتأخرين، بل في المنتهى إلى الأكثر، بل في الرياض نسبته إلى الشهرة
العظيمة، لقول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1) (من أكل زعفرانا
متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فإن كان ناسيا فلا شئ عليه، ويستغفر الله
ويتوب إليه) والصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية (2): (لا تمس شيئا
من الطيب ولا من الدهن في إحرامك، واتق الطيب في طعامك، وأمسك على
أنفك من الرائحة الطيبة، ولا تمسك عليه من الريح المنتنة، فإنه لا ينبغي للمحرم
أن يتلذذ بريح طيبة، فمن ابتلى بشئ من ذلك فعليه غسله، وليتصدق بقدر
ما صنع، وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر والورس
والزعفران غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح) وصحيح حريز (3) (لا يمس
المحرم شيئا من الطيب ولا من الريحان، ولا يتلذذ به، فمن ابتلى بشئ من ذلك
فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه من الطعام) وفي الكافي بقدر سعته، وحسن
الحلبي (4) (المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة ولا يمسك على أنفه من

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 8 إلا
أن صدره لم يطابق هذا الحديث وإنما يتفق مع الحديث الخامس من هذا الباب
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 11
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
318

الريح الخبيثة) ونحوه في صحيح هشام (1) مع زيادة (لا بأس بالريح الطيبة فيما
بين الصفا والمروة من ريح العطارين، ولا يمسك على أنفه) وقال له (عليه السلام)
أيضا الحسن بن زياد (2): (الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي وأنا محرم قال:
إذا أردتم الاحرام فانظروا مزاودكم واعزلوا الذي لا تحتاجون إليه، وقال:
تصدق بشئ كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك) وفي خبر سدير (3) (قلت
لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الملح فيه زعفران؟ قال: لا ينبغي للمحرم
أن يأكل شيئا فيه زعفران، ولا يطعم شيئا من الطيب) وفي صحيح ابن مسلم (4)
عن أحدهما (عليهما السلام) في قول الله عز وجل (5): (ثم ليقضوا تفثهم)
حفوف الرجل من الطيب) وفي خبر الحسين بن زياد (6) (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): وضأني الغلام ولم أعلم بدستشان فيه طيب، فغسلت يدي وأنا
محرم قال: تصدق بشئ من ذلك) وقال الصدوق (7): (كان علي بن الحسين
(عليهما السلام) إذا تجهز إلى مكة قال لأهله: إياكم أن تجعلوا في زادنا شيئا من

(1) ذكر ذيله في الوسائل - في الباب - 20 - من أبواب تروك الاحرام
الحديث 1 وذكر تمامه في الكافي ج 4 ص 354
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 13 - 18
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 13 - 18
(5) سورة الحج - الآية 3
(6) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 4
وفي الوسائل الحسن بن زياد إلا أن الموجود في الفقيه ج 2 ص 223 الرقم 1047
الحسين بن زياد
(7) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 13 - 18
319

الطيب ولا الزعفران نأكله أو نطعمه) وفي خبر النضر بن سويد (1) عن الكاظم
(عليه السلام) (إن المرأة المحرمة لا تمس طيبا) وسأل الصادق (عليه السلام)
حماد بن عثمان (2) (إنه جعل ثوبا إحرامي مع أثواب جمرت فأخذا من ريحها
فقال: فانشرها في الريح حتى تذهب ريحها) وما نص (3) على أن الميت المحرم
لا يمس شيئا من الطيب، وخصوصا ما روي (4) (إن محرما وقصت به ناقته
فقال النبي صلى الله عليه وآله: لا تقربوه طيبا فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا) الحديث،
والنبوي (5) (الحاج أشعث أغبر) المنافي للتطيب، وتعليل عدم البأس بالفواكه
الطيبة إنها ليست بطيب (6) إلى غير ذلك من النصوص الدالة منطوقا ومفهوما
التي لا يقدح ما في سند بعضها بعد الاعتضاد والانجبار بما عرفت، كما لا يقدح
التعبير بلفظ (لا ينبغي) في بعضها، خصوصا إذا قلنا بأنها للقدر المشترك بين
الحرمة والكراهة، ضرورة توجه الجمع حينئذ بينها وبين غيرها بإرادة الحرمة
المستفادة من النهي في غيره، بل يمكن القول بظهورها في إرادة الحرمة هنا
للاجماع على حرمة الطيب في الجملة المانع عن إرادة الكراهة منه، وخصوصا بعد
التعبير به في الزعفران الذي لا خلاف في حرمته، ودعوى كونها المرادة إلا
ما خرج كما ترى، نحو دعوى إرادة القدر المشترك ولو بقرينة ما تسمعه من

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7 - 4
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7 - 4
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت من كتاب الطهارة
(4) صحيح مسلم ج 1 ص 457
(5) سنن البيهقي ج 5 ص 58
(6) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
320

المعارض، ضرورة توقف ذلك على رجحانه على احتمال منها، وتأويل
المعارض بما ستعرف إن شاء الله بل هو أرجح من وجوه كما تسمع إن شاء الله
واشتمال صحيح حريز على الريحان بعد تسليم كراهته لا ينافي الحرمة في الطيب،
خصوصا بعد استقلاله بنهي آخر بناء على أن قوله (ولا نهي) لا زائدة،
إذ أقصاه كونه كالعام المخصوص حينئذ، فتأمل جيدا.
نعم قد استثنى المصنف وغيره من ذلك فقال: (ما خلا خلوق الكعبة)
وهو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة كما عن المغرب والمعرب، وعن النهاية (أنه
طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، وتغلب عليه الحمرة
والصفرة) وعن ابن جزلة المتطبب في منهاجه (إن صفته زعفران ثلاثة دراهم،
قصب الذريرة خمسة دراهم، أشنه درهمان قرنفل وقرفد من كل واحد درهم، يدق
ناعما وينخل ويعجن بماء ورد ودهن ورد حتى يصير كالرهشي في قوامه، والرهشي
هو السمسم المطحون قبل إن يعصر ويستخرج دهنه) وعلى كل حال فقد استثناه
غير واحد، بل في المنتهى ومحكي الخلاف الاجماع عليه، لنحو صحيح حماد بن
عثمان (1) سأل الصادق (عليه السلام) (عن خلوق الكعبة وخلوق القبر يكون في
ثوب الاحرام قال: لا بأس به، هما طهوران) وسأله أيضا ابن سنان (2) في
الصحيح (عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم قال لا بأس، ولا يغسله فإنه
طهور) ولعله لهما زاد ابن سعيد خلوق القبر، ولا بأس به، بل في التهذيب والنهاية
والسرائر والتحرير والمنتهى والتذكرة زيادة زعفرانها أيضا، لاشتمال الخلوق عليه
ولصحيح يعقوب بن شعيب (3) سأله عليه السلام (عن المحرم يصيب ثوبه الزعفران من

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 وفيه
" عن المحرم يصيب ثوبه الزعفران من الكعبة قال: لا يضره ولا يغسله " وما
ذكر له في الجواهر من الذيل إنما هو من صحيح حماد بن عثمان الذي يرويه في
الوسائل بعد صحيحة يعقوب بن شعيب
321

الكعبة، وخلوق القبر يكون في ثوب الاحرام فقال: لا بأس بهما، هما طهوران)
وخبر سماعة (1) سأله عليه السلام أيضا (عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة وهو محرم
فقال: لا بأس وهو طهور فلا تتقه أن يصيبك) بل في التذكرة والمنتهى جواز
الجلوس عند الكعبة وهي تجمر حملا على الخلوق، ولكن في الدروس عن الشيخ
لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم يكن له الشم، وإن كنا لم نتحققه، بل في
كشف اللثام الذي ظفرت به حكايته له في الخلاف عن الشافعي، ثم قال فيه أيضا:
وأجاد صاحب المسالك حيث حرم غير الخلوق إذا طيبت به الكعبة بالتجمير أو غيره
اقتصارا على المنصوص، قال: لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها وعندها حينئذ،
وإنما يحرم الشم، ولا كذلك الجلوس في سوق العطارين وعند المتطيب، فإنه
يحرم، وفيه أن زعفرانها منصوص، بل يشم منه ومن غيره - خصوصا نفي
البأس عن الريح الطيبة بين الصفا والمروة الذي سمعته - إن مطلق ما يطيب به الكعبة
بالتجمير وغيره لا بأس به، ولعله لعسر تجنبه أو منافاة القبض على الأنف لاحترامها
بل لعل الإذن في ذلك فيها مع عدم الأمر بالاجتناب والامساك على الأنف
والتحفظ عن إصابة الثياب ظاهر في عدم البأس، بل لعل قوله (عليه السلام): هو
طهور مع إشعاره بالتعليل يشم منه أنه من التطهير الذي أمر الله تعالى به إبراهيم
وإسماعيل (عليهما السلام) للطائفين وغيرهم، وليس استثناء الجلوس عندها وفيها
بخلاف الجلوس في سوق العطارين والمتطيب بأولى مما ذكرناه، وما ذكره من

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4
322

حصر التحريم في الشم يقتضي عدم الفرق بينها وبين السوق والمتطيب كما هو واضح
بل يمكن أن يكون ذلك من الضرورة التي لا خلاف في الجواز معها، بل في
كشف اللثام الاتفاق عليه، لنفي العسر والحرج في الدين، وصحيح إسماعيل بن
جابر (1) (وكانت عرضت له ريح في وجهه من علة أصابته وهو محرم قال: فقلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك
فقال: اسعط به) وفي خبره الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا (سألته عن
السعوط للمحرم وفيه طيب فقال: لا بأس) المحمول على حال الضرورة جمعا.
وكيف كان فقد بان لك وجوب اجتناب المحرم الطيب شما وتطيبا وأكلا
(ولو في الطعام) لعموم الأدلة وإطلاقها، مضافا إلى خصوص بعض النصوص
السابقة، بل في التذكرة نسبته إلى إجماع علماء الأمصار، لكن ينبغي اعتبار
عدم استهلاكه فيه على وجه يعد أنه آكل له ومستعمل إياه ولو ببقاء رائحته التي
هي المقصد الأعظم منه، كما أن المقصد الأعظم من الزعفران لونه أيضا، أما إذا
استهلك على وجه لم يبق شئ من صفاته لم يحرم، للأصل بعد عدم صدق أكله
واستعماله، وربما يؤيده في الجملة صحيح عمران الحلبي (3) عن الصادق (عليه
السلام) (إنه سئل عن المحرم يكون به الجرح فيداوي بدواء فيه الزعفران فقال:
إن كان الزعفران الغالب على الدواء فلا، وإن كانت الأدوية الغالبة فلا بأس)
فما عن الخلاف والتحرير والمنتهى وموضع من التذكرة من حرمة أكل ما فيه طيب
وإن زالت أوصافه لعموم النهي عن أكل ما فيه طيب أو زعفران أو مسه واضح
الضعف بعد ما عرفت من منع تناول العموم له، ولم نجد في النصوص المعتبرة

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 69 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
323

ما يدل على حرمة ما فيه طيب على وجه يتناول المستهلك، ومن الغريب دعوى
الاجماع في المنتهى على ذلك مع أنه مظنة العكس، ولا فرق عندنا بين ما مسته
النار وغيره، خلافا لمالك وأصحاب الرأي فأباحوا ما مسته النار بقيت
أوصافه أم لا.
(و) التحقيق ما عرفت من حرمة أكله إذا لم يكن مستهلكا، نعم (لو
اضطر إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب) خاصة (قبض على أنفه) تقديرا
للضرورة بقدرها، وعملا بالنصوص (1) كما أنه لو اضطر إلى شمه خاصة اقتصر
عليه دون أكله، والاستعاط السابق من جملة الضرورة التي لا ينبغي التأمل في
الجواز معها وإن كان قد يشعر به نسبة ذلك في التحرير إلى الصدوق، لكنه في
غير محله، كما لا تأمل في الحرمة بدونها، وإن قال في المنتهى والتذكرة أن
الوجه المنع مشعرا باحتمال الجواز، إلا أنه أيضا في غير محله.
(و) على كل حال فقد (قيل) والقائل الشيخ في النهاية وابن حمزة في
الوسيلة: (إنما يحرم) على المحرم (المسك والعنبر والزعفران والعود والكافور
والورس) بل عن الخلاف الاجماع على أنه لا كفارة في غيرها، وعن الجمل
والعقود والمهذب والاصباح والإشارة حصره في خمسة باسقاط الورس، بل في
الغنيمة نفي الخلاف عن حرمتها (وقد يقتصر بعض) كما سمعته من الصدوق في
المقنع (على أربعة: المسك والعنبر والزعفران والورس) بل هو المحكي عن
التهذيب وابن سعيد لصحيح معاوية (2) السابق، وخبر عبد الغفار (3) عنه عليه السلام

(1) الوسائل - الباب - 24 و 26 - من أبواب تروك الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 16 وليس
فيه " وخلوق الكعبة لا بأس به " وإنما هو من كلام الشيخ (قده) كما يظهر
بمراجعة التهذيب ج 5 ص 299
324

أيضا (الطيب المسك والعنبر والزعفران والورس، وخلوق الكعبة لا بأس به) ومنه
يعلم كون المراد منه ذلك بالنسبة للمحرم، لا أن المراد حصر الطيب في نفسه، بل
في صحيح معاوية (1) الآخر عنه عليه السلام أيضا (الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا
لم يكن فيه مسك ولا عنبر ولا زعفران ولا ورس قبل أن يغتسل للاحرام، غير
أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح) وبذلك يظهر لك أنه لا وجه لاسقاط
الورس ممن سمعت وإن قال الصادق عليه السلام في خبر ابن أبي يعفور (2): (الطيب
المسك والعنبر والزعفران والعود) فإن المتجه في الجمع بينها الحكم بحرمة الخمسة
التي نفي الخلاف فيها في محكي الغنية، بل ينبغي إضافة الكافور إليها، لفحوى
ما دل (3) على منع الميت المحرم منه، فالحي أولى، بل لعل الحصر المزبور في
النصوص المذكورة فيما عداه باعتبار قلة استعمال الأحياء له، كما أنه يجوز كون
ترك العود في نصوص الأربعة لاختصاصه غالبا بالتجمير، وكونها مما يستعمل
لنفسه، وبما ذكرنا ظهر لك حجة القول بالستة والخمسة والأربعة، وعلى كل حال
فيخص أو يقيد ما دل (4) على حرمة مطلق الطيب أو يحمل على الكراهة كما عساه
يشعر بها ما عرفت من قول (ينبغي) ونحوه.

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 إلا
أنه لم يذكر فيه قوله عليه السلام: " غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح " وإنما
ذكر ذلك في ذيل حديثه الآخر المروي في الباب 18 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 14
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 15 - 0
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب غسل الميت من كتاب الطهارة
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 15 - 0
325

(و) لكن مع ذلك (الأول أظهر) من ذلك كله: خصوصا القول
بالأربعة الذي هو في غاية الندرة، حتى أن الشيخ الذي قال به في التهذيب قد
رجع عنه في المبسوط إلى العموم، وفي الخلاف إلى الستة، ومنه يعلم المناقشة في
الحصر في الصحيح بالأربعة المشتمل على ما لا يقول به أحد من الكفارة بأنه لا بد
من صرفه عن ظاهره بالنسبة إلى الكافور والعود لما عرفت، فيكون مجازا بالنسبة
إلى ذلك، وهو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله وحمله على ما هو أغلظ
تحريما أو المختص بالكفارة، بل لعله أولى وإن كان التخصيص بالترجيح أحرى
من المجاز حيث ما تعارضا، فإن ذلك حيث لا يلزم إلا أحدهما، وأما إذا لزم المجاز
على كل تقدير فلا ريب في أن اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم
معه التخصيص كما لا يخفى، والعمدة كثرة النصوص المزبورة مع عمل المشهور
بمضمونها، واشتمال بعضها على التعليل بأنه لا ينبغي للمحرم التلذذ بذلك المناسب
لمعنى الاحرام، ولما ورد (1) في دعائه من إحرام الأنف وغيره، فيكون الظن
بها أقوى، وإجماع الخلاف على نفي الكفارة فيما عدا الستة لا ينافي الحرمة بعد
تسليمه، كما أن إجماع ابن زهرة لا ينافي حرمة غيرها، كل ذلك مضافا إلى معلومية
عدم الحصر المزبور مع فرض إرادة ما يشمل الدهن من الطيب، ضرورة المفروغية
من حرمته، قال في المنتهى (أجمع علماؤنا على أنه يحرم الادهان في حال الاحرام
بالأدهان الطيبة كدهن الورد والبان والزيبق، وهو قول عامة أهل العلم، ويجب
به الفدية إجماعا) ومقتضى ذلك كون النزاع هنا في الطيب غير الادهان الذي
سيتعرض له المصنف، اللهم إلا أن يكون المراد هناك خصوص الادهان دون الشم
والأكل، فإنه من مفروض البحث هنا، ويأتي إن شاء الله تمام الكلام فيه، وإن

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
326

كان قد عرفه في التذكرة بأنه ما تطيب رائحته ويتخذ للشم كالمسك والعنبر
والكافور والزعفران وماء الورد والأدهان الطيبة كدهن البنفسج والورس،
والمعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيب أو يظهر فيه هذا الغرض، وقال الشهيد:
(يعني به كل جسم ذي ريح طيبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة أو إلى مزاج
المستعمل له غير الرياحين) وفي المسالك (هو الجسم ذو الريح الطيبة المتخذة للشم
غالبا غير الرياحين، كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد والكافور) هذا.
وقد قيل: ذكر الفاضل أن أقسام النبات الطيب ثلاثة: الأول ما لا ينبت
للطيب ولا يتخذ منه كالشيح والقيصوم والخزامي والفواكه كلها من الأترج والتفاح
والسفرجل وأشباهها، وهذا كله ليس بمحرم، ولا يتعلق به كفارة إجماعا، قال
الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار (1): (لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم
والخزامي والشيح وأشباهه وأنت محرم) وسأله عليه السلام عمار الساباطي (2) (عن
المحرم يتخلل قال: نعم لا بأس به، قلت له: أيأكل الأترج؟ قال: نعم، قلت:
فإن له ريحة طيبة قال: إن الأترج طعام وليس هو من الطيب) ومنه وغيره
يعلم أن الأمر بالإمساك عنه في مرسل ابن أبي عمير (3) عن بعض أصحابه عنه
عليه السلام أيضا لضرب من الندب، قال: (سألته عن التفاح والأترج والنبق وما
طاب ريحه قال: يمسك عن شمه ويأكله) الثاني ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ
منه طيب كالريحان الفارسي والمرزنجوش والنرجس، وقد اختلف الأصحاب في

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) ذكر صدره في الوسائل - في الباب 92 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 3 وذيله في الباب 26 منها الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
327

حكمه، فقال الشيخ: إنه غير محرم، ولا تتعلق به كفارة، واستقرب العلامة في
التحرير تحريمه، والظاهر كونه من الرياحين التي ستعرف الكلام فيها، الثالث
ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب كالياسمين والورد والنيلوفر، وقد وقع الاختلاف
في حكمه أيضا، واستقرب الفاضل أيضا حرمته، لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه،
فكذا في أصله، وفي محكي المبسوط الطيب على ضربين أحدهما تجب فيه الكفارة
وهي الأجناس الستة التي ذكرناها: المسك والعنبر والكافور والزعفران والعود
والورس، والضرب الآخر على ثلاثة أضرب، أولها ينبت للطيب ويتخذ منه
الطيب مثل الورد والياسمين والجبزي (والخبزي خ ل) والكازي والنيلوفر،
فهذا يكره، ولا يتعلق باستعماله كفارة إلا أن يتخذ منه الأدهان الطيبة، فيدهن
بها، فيتعلق بها كفارة، وثانيها لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه
كالتفاح والسفرجل والنارنج والأترج والدارصيني والمصطكي والزنجبيل والشيح
والقيصوم والإذخر وحبق الماء والسعد ونحو ذلك، وكل ذلك لا تتعلق به كفارة
ولا هو محرم بلا خلاف، وكذلك حكم أنوارها وأورادها، وكذلك ما يعتصر
منها من الماء، والأولى تجنب ذلك للمحرم، الثالث ما ينبت للطيب ولا يتخذ منه
الطيب مثل الريحان الفارسي، ولا تتعلق به كفارة، ويكره استعماله، وفيه
خلاف، وهو نحو ما سمعته عن التذكرة إلا ما عرفت من الحرمة في مثل الورد.
وعلى كل حال فلا يخفى عليك عدم عد شئ منها من الطيب عرفا، كما أن
الرياحين أيضا كذلك وإن كان قد يظهر من استثناء محكي المصباح ومختصره
الفواكه من الطيب وكذا الإرشاد والتلخيص مع زيادة الرياحين دخولها في
الطيب، إلا أنه في غير محله، ويمكن إرادة المنقطع من الاستثناء.
وحينئذ يتخلص من ذلك كله أن ما كان من الطيب من الأدهان لا إشكال
328

في حرمته على المحرم كما عرفت وتعرف، كما أن الأقوى حرمة مطلق الطيب من
غيرها كالمسك والعنبر والعود والزعفران وقصب الذريرة وغيرها مما هو طيب عرفا
ويتطيب به عادة ولو للطعام، كالزعفران الذي يمكن كونه في القديم يتطيب به،
خصوصا الأربعة، وخصوصا العود منها، وخصوصا الكافور، وأما غيره مما هو
طيب الرائحة وليس من الطيب عرفا فقد عرفت إباحة ما كان منه طعاما كالتفاح
والسفرجل والأترج ونحوها، وكذا ما كان نبتا بريا طيب الرائحة كالشيح
والقيصوم ونحوهما، خصوصا بعد اندراجها في الرياحين وقلنا بالجواز فيها، وأما
غير ذلك مما هو طيب الرائحة وليس طعاما ولا ريحانا ولا مثل الشيح والقيصوم
فالظاهر جوازه أيضا للأصل وغيره،
كصحيح العلاء (1) سأل الصادق عليه السلام
(إنه حلق وذبح أيطلي رأسه بالحناء وهو متمتع؟ قال نعم من غير أن يمس شيئا
من الطيب) وسأله عليه السلام ابن سنان (2) في الصحيح (عن الحناء فقال: إن المحرم
ليمسه ويداوي به بعيره وما هو بطيب، وما به بأس) وفي مرسل الصدوق (3)
(إنه يجوز أن يضع الحناء على رأسه، إنما يكره المسك وضربه، إن الحناء ليس
بطيب) بل خبر عمار (4) المتقدم كالصريح في أن المحرم الطيب لا مطلق ذي الرائحة
الطيبة التي قد يعسر اجتنابها أوقات الربيع في الحرم وغيره، وخصوصا الرياحين

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الحلق والتقصير - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الحلق والتقصير - الحديث 5 إلا
أن الموجود في الفقيه ج 2 ص 302 الرقم 1503 " السك " بالضم بدل " المسك "
وهو نوع من الطيب
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
329

منها، بل لعل السيرة القطعية على خلافه، وكذا الفواكه، وإن قال في الدروس:
(إنه اختلف فيها) إلا أنه لم نتحققه، ويمكن أن يريد ما سمعته من الاختلاف
في الرواية، وحينئذ فيحمل الأمر بامساك الأنف عن الرائحة الطيبة على القدر
المشترك إذا كان المراد ما يشمل الطيب وغيره.
وكيف كان فما في كشف اللثام من الوجوه التسعة في الأجسام الطيبة الريح
لا نعرف بها قائلا بل ولا مأخذا لبعضها، فإنه - بعد أن استظهر من المصنف والفاضل
والشهيد خروج الرياحين من الطيب، ومن الشيخ في المصباح دخول الفاكهة فيه
لاستثنائها منه وكذا في الإرشاد والتلخيص مع زيادة استثناء الرياحين - قال: (الأول
حرمتها مطلقا، والثاني حرمتها إلا الفواكه، والثالث حرمتها إلا الرياحين، والرابع
حرمته إلا الفواكه والرياحين، والخامس حرمتها إلا الفواكه والرياحين، وما لا ينبت
للطيب، ولا يتخذ منها الطيب، وهي نبات الصحراء والإذخر والأبازير خلا
الزعفران، والسادس حرمتها إلا الفواكه والأبازير غير الزعفران، وما لا يقصد به
الطيب ولا يتخذ منه، والسابع إباحتها إلا ستة، والثامن إباحتها إلا أربعة، والتاسع
إباحتها إلا خمسة، وفي الأربعة وجهان) ولعله لذلك كتب فيما حضرني من نسخة
كتبها بيده في الحاشية عوضا عن ذلك على الظاهر (وبالجملة فلا كلام في حرمة
الأربعة، والورس منها أظهر من العود، وفيما زاد أقوال، منها حرمة خمسة،
ومنها حرمة ستة، ومنها حرمة الطيب مطلقا، وفي شموله الفواكه وجهان، وكذا
في شموله الرياحين، وفي شموله الأبازير كالقرنقل والدارصيني وكذا في شموله أو
شمول الرياحين لما لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب كالحناء والعصفر ونبات البر
كالإذخر والشيح) ثم ذكر النصوص الدالة على جواز الحناء للمحرم التي ذكرناها
وهو وإن كان في جملة منه نظر واضح أيضا إلا أنه أولى من كلامه السابق، وعلى
كل حال فالتحقيق ما عرفت.
330

ثم إنه لا إشكال في جواز اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب مثلا،
أو يجلس عند متطيب إذا لم يكتسب جسده ولا ثوبه من ريحه وكان قابضا على
أنفه كما صرح به غير واحد، للأصل بعد عدم صدق عنوان النهي من المس والأكل
والاستعمال، وفي صحيح ابن بزيع (1) (رأيت أبا الحسن عليه السلام كشف بين يديه
طيب لينظر إليه وهو محرم فأمسك بيده على أنفه من رائحته) وحينئذ فلا بأس
ببيعه وشرائه وغيرهما مما لا يندرج في عنوان النهي، نعم يجب الامتناع عن شمه
بقبض الأنف ونحوه لحرمة ذلك عليه، وللخبر المزبور المعتضد بالأمر في النصوص
السابقة بذلك عن الرائحة الطيبة، خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط والاستبصار
والسرائر والجامع فلا يجب، للأصل بعد منع اندراج إصابة الرائحة في الطريق
في موضوع النهي، بخلاف الشم والمباشرة والأكل المؤديين له ولما سمعته من خبر
هشام بن الحكم (2) (لا بأس بالريح الطيبة) إلى آخره، وهو كما ترى، ضرورة
انقطاع الأصل بما عرفت، واختصاص الخبر المزبور في المكان المخصوص للضرورة
أو غيرها، بل لعل تعمد الاجتياز في الطريق المزبور مثلا كالمباشرة والتناول
وغيرهما المؤدي إلى الشم.
هذا كله في الرائحة الطيبة، أما الرائحة الكريهة فالمشهور حرمة إمساك
الأنف عن شمها، بل عن ابن زهرة نفي الخلاف فيه للنهي عنه فيما سمعته من
النصوص المعتبرة التي منها صحيح ابن سنان (3) عن الصادق عليه السلام (المحرم إذا
مر على جيفة فلا يمسك على أنفه) فلا وجه للمناقشة باحتمال إرادة نفي الوجوب

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
331

في مقابل ريحة الطيب بعد ما سمعته من نفي الخلاف والشهرة.
ويجب أن يزيل ما أصابه منه فورا كما صرح به الفاضل، لحرمة الاستدامة
كالابتداء، وفي الدروس (أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة) ولكن في محكي
التهذيب والتحرير والمنتهى التصريح بجواز إزالته بنفسه، ولعله لقول أحدهما
(عليهما السلام) في مرسل ابن أبي عمير (1): (في محرم أصابه طيب لا بأس
أن يمسحه بيده أو يغسله) ولأنه مزيل للطيب تارك له لا متطيب، كالغاصب
إذا خرج من الدار المغصوبة بنية تركها، ولظاهر قوله صلى الله عليه وآله (2) لمن رأى عليه
طيبا: (اغسل عنك الطيب) كخبر إسحاق بن عمار (3) (عن المحرم لمس الطيب
وهو نائم لا يعلم قال: يغسله وليس عليه شئ، وعن المحرم يدهنه الحلال بالدهن
الطيب والمحرم لا يعلم ما عليه قال: يغسله أيضا، وليحذر).
لكن لا ريب في أن الأحوط ما سمعته من الدروس، بل يمكن القول
بتعينه بعد معلومية حرمة مسه بالاجماع بقسميه والنصوص (4) ولو بالباطن كباطن
الجرح والاكتحال والاحتقان والاستعاط على وجه لا يخرج عنه بمثل النصوص
المزبورة، ويمكن حملها على حال الضرورة، بل لعل قوله عليه السلام في الأخير: (يغسله
وليحذر) إشارة منه إلى مسه.
ولو كان معه ماء لا يكفيه لغسل الثوب والطهارة ولم يكن قطع رائحة
الطيب بشئ غير الماء ففي المدارك صرفه لغسله، وتيمم للطهارة، قال: ((لأن
للطهارة المائية بدلا، ولا بدل للغسل الواجب) بل في الدروس (وصرف الماء

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 4
(2) صحيح مسلم ج 4 ص 4
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام
332

في غسله أولى من الطهارة وإزالة النجاسة، فيتيمم) وهو صريح في عدم الفرق
بين الحدث والخبث الذي لا بدل له أيضا، واحتمل في المدارك وجوب الطهارة
به، لأن وجوبها قطعي، ووجوب الإزالة والحال هذه مشكوك فيه، لاحتمال
استثنائه للضرورة كما في الكعبة والمسعى، والاحتياط يقتضي تقديم الغسل على
التيمم، لتحقق فقد الماء حالته، قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله، والمتجه
التخيير، هذا.
وقد عرفت سابقا وجوب اجتنابه في مطلق استعماله للتطيب ولو بحمل
ما فيه طيب من غير أن يمس ثوبه ولا بدنه ولكن تظهر رائحته عليه بحمله،
وكذا التبخر أو لبس ثوب مطيب بصبغ فيه أو غمس أو ذر أو غير ذلك مما يكون
به مطيبا، بل عن التذكرة اجماع علماء الأمصار على حرمة ثوب فيه طيب، لخبر
حماد بن عثمان (1) السابق، ومفهوم خبر الحسين بن أبي العلاء (2) (عن ثوب
المحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل قال: لا بأس به إذا ذهب ريحه) وخبر إسماعيل
ابن الفضل (3) (عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب فقال: إذا ذهب ريح
الطيب فلا بأس فليلبسه) وغير ذلك.
وكذا يحرم الجلوس عليه أو في حانوت عطار مثلا فتشبث به الرائحة لذلك
كما أومي إليه في خبر حماد بن عثمان السابق المشتمل على اكتساب ثوبي الاحرام من
الثياب المجمرة الذي أمر فيه بنشرها حتى يذهب ريحها، بل في محكي التذكرة
والمنتهى والتحرير (لو داس بنعله طيبا فعلق أثم وكفر) وما عن الخلاف
من أنه يكره للمحرم أن يجعل الطيب في خرقة ويشمها، فإن فعل فعليه الفداء

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 5
333

يراد به الحرمة بقرينة الفداء، كما أن ما عنه والتذكرة، من كراهة القعود عند
العطار الذي يباشر العطر، فإن جاز عليه أمسك على أنفه، وعن المبسوط زيادة
ويكره الجلوس عند الرجل المتطيب إذا قصد ذلك غير أنه لا يتعلق به فدية،
ونحوه عن الوسيلة في الحكم بكراهة الجلوس إلى متطيب أو مباشر للطيب - محمول
على غير المكتسب لذلك وغير الشام، ولذا قال في محكي التذكرة ولا يجوز الجلوس
عند رجل متطيب ولا في سوق العطارين، لأنه يشم الطيب حينئذ، نعم لو فرش
فوق ثوب مطيب ثوبا يمنع رائحته ثم جلس أو نام عليه لم يأثم، للأصل بعد عدم
اندراجه في موضع النهي، بل يمكن القول بالاكتفاء بثيابه مع عدم العلوق به
خلافا للإصبهاني فقال: لا يكفي حيلولة ثياب بدنه. وفي محكي التذكرة استعمال
الطيب عبارة عن شمه أو إلصاق الطيب بالبدن أو الثوب أو تشبث الرائحة بأحدهما
قصدا للعرف قال (فلو تحقق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطار أو في بيت
يجمره ساكنوه وجبت الفدية إن قصد تعلق الرائحة به، وإلا فلا، والشافعي
أطلق القول بعدم وجوب الفدية، ولو احتوى على مجمرة لزمت الفدية عندنا وعنده
أيضا، وقال أبو حنيفة: لا تجب الفدية، ولو مس جرم العود فلم تتعلق به
رائحته فلا فدية، وللشافعي قولان، ولو حمل مسكا في فأرة مضمومة الرأس
فلا فدية إذا لم يشمها، وبه قال الشافعي، ولو كانت غير مضمومة فللشافعية وجهان
وقال بعضهم: إن حمل الفأرة تطيب) ولا يخفى عليك منافاة بعضه لبعض ما ذكرناه
كما أن ما عن الخلاف من أنه إن كان الطيب يابسا مسحوقا فإن علق ببدنه منه
شئ فعليه الفدية، فإن لم يعلق بحال فلا فدية، وإن كان يابسا غير مسحوق
كالعود والعنبر والكافور فإن علق ببدنه رائحته فعليه الفدية، ونحوه عن المبسوط
إلا أنه ليس فيه ذكر المسحوق، وعن غيره زيادة وإن لم يعلق فلا شئ عليه،
ونحوهما الورس كذلك في الجملة أيضا، والتحقيق ما عرفت، ضرورة كون المدار
334

في المنع على ما يندرج في عنوان النهي من اللمس والتطيب والأكل والشم، وفاقد
حاسة الشم ترتفع عنه حرمة الشم دون غيرها، والله العالم.
(ولبس المخيط للرجال) بلا خلاف أجده فيه كما عن الغنية والمنتهى
والتحرير والتنقيح والمفاتيح وغيرها على ما حكي عن بعضها، بل عن التذكرة
وموضع آخر من المنتهى إجماع العلماء كافة عليه، بل عن الأخير منهما عن ابن
عبد البر أنه لا يجوز لبس شئ من المخيط عند جميع أهل العلم، وفي الأول عن
ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن المحرم يمنع من لبس القميص والعمامة والسراويل
والخف والبرنس، لما روى العامة (1) (أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله ما يلبس
المحرم من الثياب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يلبس القميص ولا العمائم ولا
السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحدا لا يجد النعلين، فليلبس الخفين،
وليقطعهما أسفل من الكعبين) وفي الدروس يجب تركه على الرجال وإن قلت
الخياطة في ظاهر كلام الأصحاب، وربما استدل له بما تسمعه من نزع أزرار
الطيلسان الذي هو كما ستعرف لا خياطة فيه إلا بالأزرار، فليس حينئذ إلا لأن
الخياطة وإن قلت مانعة، ولكن ستسمع ما فيه، نعم ما سمعته من معاقد
الاجماعات كاف في جعل العنوان لبس المخيط وإن لم أجده في شئ مما وصل إلينا
من النصوص الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها كما اعترف به غير واحد حتى
الشهيد في الدروس حيث قال لم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط،
إنما نهي عن القميص والقباء والسراويل، وهو كذلك، فإن النصوص المتقدمة
سابقا في ثوبي الاحرام وفي جواز لبس القباء مقلوبا ولبس السراويل مع الضرورة
وفي المقام إنما تدل على النهي عن ثوب تزره أو تدرعه، وعن لبس السراويل

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 49
335

والخفين والقميص، بل في صحيح زرارة (1) عن أحدهما (عليهما السلام) (سألته
عما يكره للمحرم أن يلبسه فقال: يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه) وفي صحيح
معاوية وحسنه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (لا تلبس وأنت تريد الاحرام ثوبا
تزره، ولا تدرعه ولا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار، ولا خفين إلا
أن لا يكون لك نعلان) وفي صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (في المحرم
يلبس الطيلسان المزرور فقال: نعم في كتاب علي عليه السلام لا تلبس طيلسانا حتى
تنزع أزراره، وقال: إنما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل، فأما الفقيه فلا بأس
بأن يلبسه) وفي صحيح يعقوب بن شعيب (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
المحرم يلبس الطيلسان المزرور قال: نعم، وفي كتاب علي (عليه السلام) لا تلبس
طيلسانا حتى تنزع أزراره، فحدثني أبي أنه إنما كره ذلك مخافة أن يزره
الجاهل) وهي كما ترى ظاهرة في كون المانع الأدراع والزر لا كونه مخيطا،
وربما يرشد إليه ما تقدم سابقا من طرح القميص على العاتق إن لم يكن له رداء،
ولبس القباء منكوسا من غير إدخال اليدين في الكمين، ولعله لذلك لم يذكر في
المقنعة اجتناب المحرم المخيط، وإنما ذكر أنه لا يلبس قميصا.
بل قد ينقدح الشك من صحيحي الطيلسان فيما سمعته من الدروس من
دعوى ظهور كلام الأصحاب في حرمة المخيط وإن قلت الخياطة، ضرورة ظهورهما
في الجواز وإن كان فيه أزرار مخيطة، بل قد يدعى انصراف المخيط إلى غير ذلك

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 3 - 2
336

خصوصا بناء على استفادة حرمته ولو بمعونة الاجماع المزبور مما ورد من الثوب
الذي يدرع والقميص والسراويل والخف ونحو ذلك، بناء على أنها مثال لكل
مخيط نحوها دون الخياطة القليلة في الإزار والرداء،
بل قد يدعى انسياق
الموضوع على الخياطة مما شابه الأشياء المزبورة، بل لعل إطلاق الإزار والرداء
يشمل المخيطين وغيرهما، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في اجتناب
مطلق المخيط.
نعم قد يشك في اندراج ما يستعمل لكف نزول الريح في الأنثيين من
المخيط المسمى في الفارسية بالبادفتح من حيث عدم كونه من اللباس المعتاد المخيط
الذي هو نحو الأشياء المزبورة، بل لعل إلحاقه بالهميان المشدود على الوسط
والمنطقة وعصابة القروح أولى من إلحاقه بالخفين، فالأقوى جوازه اختيارا،
والأحوط تركه.
وكيف كان فلا يعتبر في حرمة المخيط كونه محيطا بالبدن، لاطلاق الأدلة
المزبورة، خلافا للمحكي في الدروس عن ظاهر ابن الجنيد من اشتراطه حيث قيد
المخيط بالضام للبدن، قال في الدروس: فعلى الأول يحرم التوشح بالمخيط والتدثر
وفيه أنه يمكن عدمها عليه أيضا باعتبار عدم صدق اللبس على الثاني، فإنه العنوان
في معقد الاجماع لا حرمة المخيط مطلقا، ولذا صرح هو بجواز افتراشه، وظهور
قوله عليه السلام: (يدرعه) في كون المحرم الادراع به لا التوشح ونحوه، ولعله لذا
نفى الكفارة فيه الفاضل في القواعد على إشكال، فتأمل جيدا فإنه يقال إن
مثله لبس، هذا.
وفي المدارك الحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه كالدرع المنسوج وجبة اللبد
والملصق بعضه ببعض، وقال في التذكرة وقد ألحق أهل العلم بما نص النبي صلى الله عليه وآله
ما في معناه، فالجبة والدراعة وشبههما ملحق بالقميص، والتبان والران وشبههما
337

ملحق بالسراويل والقلنسوة وشبهها مساو للبرنس، والساعدان والقفازان
وشبههما مساو للخفين، قال: (إذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة وغيرها
إذا شابهما كالدرع المنسوج، والمعقود كجبة اللبد، والملصق بعضه ببعض حملا
على المخيط لمشابهته له في المعنى من الترفه والتنعم) وفي المدارك وغيرها أن
الأجود الاستدلال عليه بالنصوص المزبورة المتناولة باطلاقها لهذا النوع، إذ ليس
فيها المخيط حتى يكون إلحاق غيره به خروجا عن المنصوص، وهو جيد في خصوص
المتخذ منها على وجه يصدق عليه الثوب والقباء والسراويل بناء على عدم انصراف
المخيط منها، أما إذا لم تكن كذلك وأراد الاحرام بها فينبغي الجواز، ضرورة
عدم صدق الدرع والقميص والسراويل حينئذ عليها، فإن أراد الملحق المنع في
خصوص الأشياء المزبورة اتجه ذلك، وإلا فلا مناص عن دعوى كون هذا التلبد
وإلصاق البعض بالبعض ملحقا بالخياطة، وحينئذ أنتم إجماعا فذاك، وإلا كان
للمنع فيه مجال، نعم قد يقال بحرمة لبس غير المنسوج منها في الاحرام بناء على
انصراف الأمر بلبس ثوبي الاحرام إلى المنسوج دون غيره، فيمنع حينئذ لذلك
لكن فيه أن المتجه حينئذ جواز لبسه معهما، لعدم المانع وإن لم يكتف بهما في
ثوبي الاحرام، ولعله لا يخلو من قوة ضرورة عدم صدق المخيط على شئ منها
وعدم معلومية الاجماع على إلحاق مطلق التلبيد والالصاق وإن لم تكن على هيئة
المخيط، وإنما المسلم منه ما كان على هيئة المخيط ولكن بالنسج والتلبيد والالصاق
ونحو ذلك على وجه يكون قميصا وقباء وسراويل وجبة وشبهها، لا أن مطلق
التلبيد والالصاق ملحق بالخياطة وإن لم يكن على هيئة شئ مما عرفت، ولكن
مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، فإن عباراتهم لا تخلو من تشويش بالنسبة إلى ذلك.
ثم إنك قد عرفت سابقا تصريح الفاضل والشهيد بحرمة عقد الرداء ودليله
بل عن الأول منهما هنا حرمة زره وتخليله، ويدل على الأول منهما النهي عن زر
338

الثوب الذي يدخل فيه الرداء بالأولوية، كما أنه يدل على الثاني منهما أنه خياطة
أو ملحق بها، بل في المسالك أنه يلحق بالخياطة ما أشبهها من العقد والزر والخلال
للرداء، وإن كان فيه ما لا يخفى، وأما الإزار فقد صرح الفاضل وغيره أيضا
بجواز عقده لما سمعته سابقا من بعض النصوص (1) المعتضد بالأصل، وبالاحتياج
إليه لستر العورة، فيباح كاللباس للمرأة، لكن قد سمعت النهي عنه أيضا في
مكاتبة الحميري (2)
وكذا صرح الفاضل والصدوق وابن حمزة ويحيى بن سعيد
والشهيد وغيرهم بجواز لبس المنطقة وشد الهميان للأصل وإن كانا مخيطين،
لصحيح يعقوب بن شعيب (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يصر الدراهم في
ثوبه قال: نعم، ويلبس المنطقة والهميان) وخبر يعقوب بن سالم (4) (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: تكون معي الدراهم فيها تماثيل وأنا محرم وأجعلها في همياني
وأشده في وسطي فقال: لا بأس، أو ليس هي نفقتك وعليها اعتمادك بعد الله
عز وجل؟) وخبر يونس بن يعقوب (5) (سألت أبا عبد الله عليه السلام المحرم يشد
الهميان في وسطه فقال: نعم، وما خبره بعد نفقته) وصحيح أبي بصير (6)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يشد على بطنه العمامة قال: لا، ثم قال: كان
أبي عليه السلام يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته، يستوثق منها فإنها من تمام حجه)
وخبره الآخر (7) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يشد على بطنه المنطقة التي فيها
نفقته قال: يستوثق منها فإنها تمام حجه) بل في المنتهى والتذكرة أن جواز لبس
الهميان قول جمهور العلماء، وكرهه ابن عمر ونافع، وأنه تشتد الحاجة إليه،

(1) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 3 - 4 - 2 - 6
(4) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 3 - 4 - 2 - 6
(5) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 3 - 4 - 2 - 6
(6) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 3 - 4 - 2 - 6
(7) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 3 - 4 - 2 - 6
339

فلو لم يجز لزم الحرج، نعم في أولهما أيضا (أنه لو أمكن إدخال سيور الهميان
بعضها في بعض وعدم عقدها فعل، لانتفاء الحاجة إلى العقد، ولو لم يثبت بذلك
كان له عقده) وفيه أن النص مطلق، بل قد يمنع اندراجه في لبس المخيط،
هذا، وظاهر صحيح أبي بصير (1) حرمة شد العمامة، لكن في صحيح عمران
الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المحرم يشد على بطنه العمامة، وإن شاء
يعصبها على موضع الإزار، ولا يرفعها إلى صدره) إلا أن الأحوط مع
ذلك اجتنابه.
هذا كله في الرجال (و) أما (في النساء) ففيه (خلاف و) لكن
(الأظهر) والأشهر (الجواز اضطرارا واختيارا) بل هو المشهور شهرة عظيمة
بل لا يبعد دعوى الاجماع معها، لندرة المخالف الذي هو الشيخ في النهاية التي
هي متون أخبار، ومعروفية نسبه، على أنه قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط
في القميص، بل عن موضع آخر منه مطلق المخيط، بل عبارته فيها غير صريحة،
قال: ويحرم على المرأة في حال الاحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل
ويحل لها جميع ما يحل له ثم قال بعد ذلك: وقد وردت رواية (3) بجواز لبس
القميص للنساء، والأفضل ما قدمناه، وأما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل
حال، بل لعل قوله: (والأفضل ما قدمناه) صريح في الجواز، لكن عن بعض
النسخ (والأصل ما قدمناه) كل ذلك مضافا إلى الاجماع صريحا في التذكرة
والمنتهى والسرائر والمختلف والتنقيح على ما حكي عن بعضها فضلا عن ظاهره

(1) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 72 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
340

المستفاد من غير واحد، قال في الأول: (يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا،
لأنها عورة، وليست كالرجال) وكذا المنتهى، بل قال: (لا نعلم فيه خلافا
إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به) وهو كالصريح في انعقاد الاجماع بعد الشيخ
وعن موضع آخر منه أيضا وقال بعض منا شاذ لا تلبس المخيط، وهو خطأ محض
ولعله لذا استدل في المختلف بالاجماع على جوازه مع نقل خلافه، وفي محكي السرائر
الأظهر عند أصحابنا أن لبس الثياب المخيطة غير محرم على النساء، بل عمل الطائفة
وفتواهم وإجماعهم على ذلك، وكذلك عمل المسلمين، إلى غير ذلك من العبارات
الظاهرة والصريحة في معلومية الحكم، كل ذلك مضافا إلى خصوص المعتبرة (1)
المستفيضة المتقدمة في مسألة جواز لبس الحرير لهن، وبذلك تخص قاعدة الاشتراك
والمحرم في بعض النصوص بناء على إرادة الجنس منه الشامل لهن.
نعم في جملة منها (2) فيها الصحيح وغيره النهي لهن عن القفازين الذي
حقيقته الحرمة المحكي عليها الاجماع في صريح الخلاف والغنية وظاهر المنتهى
والتذكرة، فاحتمال بعض متأخري المتأخرين إرادة الكراهة من النهي المزبور
لأنهما إما من جنس الثياب بناء على تفسيرهما بأنهما شئ يعمل لليدين يحشى بقطن
ويكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها، وعن
الأزهري قال شمر: القفازان شئ تلبسه نساء الأعراب في أيديهن يغطي أصابعهن
وأيديهن مع الكف، يعني كما يلبسه حملة الجوارح من البازي ونحوه كما قاله
النعووي وغيرة، وعنه أيضا عن خالد بن جنبة القفازان تقفزهما المرأة إلى كعوب
المرفقين فهو سترة لها، وإذا لبست برقعها وقفازيها وخفها فقد تكننت، والقفاز
يتخذ من القطن فيحشى له بطانة وظهارة من الجلود واللبود، إلى غير ذلك مما

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام
341

يدل على أنه من الثياب التي دلت الأدلة على جوازها لهن، أو من جنس الحلي
لليدين والرجلين كما عن بني دريد وفارس وعباد، فيتحد حكمهما معه وهو جواز
اللبس لغير الزينة - واضح الضعف، ضرورة تقديم الخاص على العام، بل هو
أرجح من الجمع بالكراهة من وجوه كما هو محرر في محله، وخصوصا في المقام،
ولفظ الكراهة بدل النهي في بعض الأخبار (1) لا يصلح قرينة عليها بالمعنى المصطلح
لكونه في الأخبار للأعم منها ومن الحرمة، ولو سلم فيكفي الاجماعات المزبورة
قرينة علي إرادة الحرمة منه، وبقاء النهي على حقيقته، ثم إن في خبر أبي عنبسة (2)
عن الصادق (عليه السلام) النهي لهن عن البرقع مع القفازين وفي خبر يحيي بن
أبي العلاء (3) عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام (إنه كره للمحرمة البرقع
والقفازين) بل أفتي به في التذكرة مستدلا عليه بالخبر الثاني بناء منه على إرادة
الحرمة من الكراهة فيه ولو بقرينة كونها كذلك في القفازين، ولكن لم يحضرني
الآن موافق له على تحريم ذلك، بل لعل ظاهر اقتصار غيره على القفازين خلافه
ولعله للأصل بعد عدم اجتماع شرائط الحجية في الخبرين المزبورين، سيما بعد
ظهور الاقتصاد على القفازين من غير واحد في خلافه، والله العالم.
(وأما الغلالة) بكسر الغين ثوب رقيق يلبس تحت الثياب (للحائض
فجايز) لها أي لبسها (إجماعا) كما اعترف به في التذكرة والمنتهى، ولعله
لأن الشيخ في النهاية وإن منع المخيط لهن كالرجال لكن قال فيها: ويجوز
للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تتقي ثيابها من النجاسات، كل ذلك مضافا

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام - الحديث
6 - 3 - 6 والثاني عن أبي عيينة كما في الكافي ج 4 ص 345
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
342

إلى الأصل، وقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (1): (تلبس المرأة
الحائض تحت ثيابها غلالة).
وكذا لا خلاف أيضا في جواز لبس السراويل لهن كما اعترف به في المنتهى
فإن الشيخ في النهاية صرح بجوازها لهن كما سمعته سابقا في كلامه، وفي الصحيح
عن محمد بن علي الحلبي (2) أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن المرأة إذا أحرمت تلبس
السراويل فقال: نعم، إنما تريد بذلك الستر).
وأما الخنثى المشكل فقد صرح الفاضل وغيره بالجواز لها للأصل بعد عدم
العلم بكونها رجلا وفيه أنه يمكن إرادة الجنس من المحرم في النصوص، فيشمل
الخنثى حينئذ، وتختص المرأة بالخروج، ولكن يمكن منعه، كمنع اقتضاء قاعدة
الشغل بعد القول بالأعم.
(و) كذا لا خلاف أيضا في أنه (يجوز لبس السراويل للرجل إذا
لم يجد إزارا) كما اعترف به في المنتهى والمدارك والذخيرة، بل في التذكرة
إجماع العلماء عليه، لصحيح معاوية بن عمار وحسنه (3) المتقدمين آنفا، وقول
أبي جعفر عليه السلام في خبر حمران (4): (المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار)
وفي محكي الخلاف نفي الفدية عليه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في المنتهى
اتفق عليه العلماء إلا مالكا وأبا حنيفة، وهو الحجة، لا خلو أخبار المقام عنه، ولا
الأصل الذي يمكن قطعه بما دل على وجوبها مع الضرورة، كصحيح ابن مسلم (5)

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 و 2
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 1
343

عن أبي جعفر (عليه السلام) (عن المحرم يحتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها
فقال (عليه السلام): لكل صنف منها فداء) وخبر العيس (1) (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم يلبس القميص متعمدا قال: عليه دم، ومن اضطر إلى
لبس ثوب يحرم عليه مع الاختيار جاز له لبسه، وعليه دم شاة) بل ذيله بناء
على أنه من الصادق (عليه السلام) أوضح من غيره في شمول الفرض، بل وصحيح
زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) (من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق
رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم
ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة)
اللهم إلا أن يقال إنه عند الضرورة ينبغي له لبسه، لكن يضعفه قوله (عليه
السلام): (ففعل ذلك ناسيا) ولعل خلو أخبار المقام للاتكال على وجوده
في غيرها، فما في المدارك - من أنه لا ريب في بطلان القول بوجوب الفدية لأنه
إثبات شئ لا دليل عليه - لا يخفى عليك ما فيه، اللهم إلا أن يمنع تناول النص
للمفروض باعتبار ظهوره في المحرم دون المقام الذي هو من أول الأمر فاقد الإزار
وفيه أنه أعم من ذلك، نعم ظاهر النصوص بل صريحها كالفتاوى ومعقد نفي
الخلاف والاجماع عدم وجوب فتقه، فما عن الغنية والاصباح من أنه عند قوم
من أصحابنا لا يلبس حتى يفتق ويجعل كالمئزر وأنه أحوط واضح الضعف، مع

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 8 - من أبواب بقية كفارات الاحرام
الحديث 2 عن سليمان بن العيص والظاهر أن الذيل ليس من الخبر كما أنه ليس في
التهذيب ج 5 ص 384 الرقم 1339
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 1
344

إنا لم نعرف القوم المزبورين، بل لا حاجة معه حينئذ إلى قيد الاضطرار، ولا إلى
احتمال الفدية، ضرورة خروجه عن كونه مخيطا، اللهم إلا أن يراد فتقه في الجملة
والله العالم.
(وكذا) يجوز له (لبس طيلسان له أزرار) كما صرح به الصدوق
والشيخ والفاضل والشهيد وغيرهم، بل ظاهر الجميع جوازه اختيارا، بل كاد يكون
صريح التذكرة والمنتهى والدروس، وخصوصا الأخير، ولكن في الإرشاد ولا
يزر الطيلسان لو اضطر إليه، وقد يشعر باشتراط الضرورة، وفيه أنه مناف لاطلاق
ما سمعته من النصوص المعتضدة بظاهر الفتاوى، بل ظاهرها وظاهر خبري معاوية
ابن عمار المتقدمين عدم وجوب نزع أزراره و (لكن لا يزره على نفسه)
كما هو ظاهرها أيضا أو صريحها، بل في المسالك ومنه يستفاد بالايماء عدم جواز
عقد ثوب الاحرام الذي يكون على المنكبين، ولو زره أو عقد الثوب فالظاهر أنه
كلبس المخيط، فتجب الفدية ولكن فيه نظر أو منع، وعلى كل حال فهو خارج
عن حكم المخيط بناء على أنه منه ولو لقلة الخياطة فيه، أو عن الثوب الممنوع على
المحرم في النصوص، أو عن حكم الملحق به، وإن كان هو لا خياطة فيه، لأنه
على ما في المسالك (ثوب منسوج محيط بالبدن) وعن مغرب المطرزي ومعربه
وتهذيب الأسماء أنه معرب (تالشان) وعن المطرزي (هو من لباس العجم
مدور أسود) قال: (وعن أبي يوسف في قلب الرداء في الاستسقاء أن يجعل
أسفله أعلاه، فإن كان طيلسانا لا أسفل له أو خميصة أي كساء يثقل قلبها حول
يمينه على شماله) قال: (وفي جمع التفاريق الطيالسة لحمتها قطن وسداها صوف)
وعن مجمع البحرين (هو ثوب محيط بالبدن، ينسج لللبس، خال عن التفصيل
والخياطة، وهو من لباس العجم، والهاء في الجمع للعجمة، لأنه فارسي معرب
تالشان) والله العالم.
345

(والاكتحال بالسواد على قول) للمفيد والشيخ وسلار وبني حمزة
وإدريس وسعيد وغيرهم، للمعتبرة المستفيضة التي منها قول الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية (1): (لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة)
وفي صحيح حريز وحسنه (2) (لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، إن السواد
زينة) وسأله الحلبي (3) في الحسن كالصحيح (عن الكحل للمحرم قال: أما
بالسواد فلا، ولكن بالصبر والحضض) بل ظاهر التعليل المزبور حرمته وإن لم
يقصد الزينة باعتبار كونه زينة في نفسه وإن لم يقصد مؤيدا ذلك بالنبوي (4)
(الحاج أشعث أغبر) لكن في الاقتصاد والجمل والعقود والخلاف والغنية
والنافع على ما حكي عن بعضها أنه مكروه، بل عن الشيخ دعوى إجماع الفرقة عليه
للأصل بعد حمل النهي المزبور عليها، لقول الصادق عليه السلام في خبر هارون بن
حمزة (5): ((لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، وليكحل بكحل فارسي)
بناء على إرادة الأثمد منه، وفيه منع، مع أنه لا مقاومة له لمعارضة النصوص
المزبورة من وجوه، فالتأويل فيه أولى، وأما صحيح (6) فضالة وصفوان عنه
عليه السلام أيضا (لا بأس أن يكتحل وهو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه،
فأما للزينة فلا) فأقصاه العموم اللازم تخصيصه بما سمعت، كما أن أقصاه الحرمة
للزينة، فلا ينافي الحرمة وإن لم يقصدها، مع احتمال إرادة ما يسبب لها وإن لم
يقصدها، فيوافق السابق، وكذا ما في خبر أبي بصير (7) عنه عليه السلام أيضا

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 4 - 7 - 6 - 1 - 13 والخامس عن فضالة وصفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام كما أشار إلى مضمونه في ص 347 بعنوان صحيح معاوية
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) سنن البيهقي ج 5 ص 58
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
346

(تكتحل المرأة المحرمة بالكحل إلا كحل أسود لزينة) كما عن الفقيه والمقنع
بلام واحدة، وإن قيل هو أظهر في التخصيص حينئذ، بل قيل يمكن إرادة الحرمة
من الخلاف فيقل المخالف حينئذ، وعلى كل حال ففي المسالك لا فدية فيه على
القولين، ولعله للأصل كما أنه صرح في محكي المنتهى بجواز الاكتحال بما عدا
الأسود من أنواع الكحل إلا ما فيه طيب بلا خلاف.
قلت: قد يقال بكراهته، لحسن الكاهلي (1) عن الصادق عليه السلام قال:
(سأله رجل وأنا حاضر فقال: اكتحل إذا أحرمت قال: لا، ولم تكتحل؟
قال: إني ضرير البصر فإذا اكتحلت نفعني، وإذا تركته ضرني، قال: اكتحل
قال: فإني أجعل مع الكحل غيره قال: ما هو؟ فقال: آخذ خرقتين فأربعهما
فأجعل على كل عين خرقة، وأعصبهما بعصابة إلى قفاي، فإذا فعلت ذلك نفعني،
وإذا تركته ضرني، قال: فاصنعه) ومنه يستفاد الجواز للضرورة وإن كان
بالأسود، قال الصادق عليه السلام (2): (لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه
مسك ولا كافور إذا اشتكى عينه) والله العالم.
(أو بما فيه طيب) كما هو المشهور، بل في التذكرة والمنتهى الاجماع
عليه، وهو الحجة بعد عموم المنع عن استعمال الطيب، وخصوص المعتبرة المستفيضة
التي منها صحيح معاوية (3) المتقدم، وصحيح عبد الله بن سنان (4) عن الصادق
عليه السلام (يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران) ومرسل أبان (5)
عنه (عليه السلام) أيضا المنجبر بما عرفت (إذا اشتكى المحرم عينه فليكتحل بكحل
ليس فيه مسك ولا طيب) فما عن الإسكافي والشيخ في الجمل والقاضي في المهذب

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 13 - 1 - 5 - 9
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 13 - 1 - 5 - 9
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 13 - 1 - 5 - 9
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 13 - 1 - 5 - 9
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 13 - 1 - 5 - 9
347

وشرح جمل العلم والعمل من الكراهة واضح الضعف وإن احتج له بالأصل بعد
زعم خروجه عن استعمال الطيب عرفا لاختصاصه بالظواهر، إلا أنه كما ترى
ضرورة أنك قد عرفت الاجماع بقسميه على حرمة مسه ولو بالباطن، على أنه
لو سلم فالنص الخاص هنا كاف، فلا إشكال حينئذ في الحكم المزبور، بل قيل قد
تعطي النهاية والمبسوط الحرمة وإن اضطر إليه، ولعله لما سمعته من النصوص الناهية
عنه مع الحاجة منطوقا ومفهوما، وإن كان هو واضح الضعف أيضا، لعموم
ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك، والنصوص المزبورة
محمولة على الاندفاع بغير ذلك، ثم إن فديته فدية الطيب على الظاهر كما صرح به
في المسالك، وهل يعتبر في الحرمة وجود الرائحة في الطيب كما هو مقتضى الحسن
المزبور، بل أفتى به في الذخيرة، بل ربما يؤيده امكان منع صدق اسم الطيب
مع ذهاب الرائحة، أو لا يعتبر لصدق المسك والزعفران على فاقدها؟ وجهان
لا يخلو أولهما من قوة، وقد تقدم نحوه فيما مزجه بالطعام، والله العالم.
(و) على كل حال ف‍ (يستوي في ذلك الرجل والمرأة) بلا خلاف ولا
إشكال، بل في النصوص السابقة (1) ما يدل عليه.
(وكذا) لا يجوز لهما في حال الاحرام (النظر في المرآة على الأشهر)
كما عن الصدوق والشيخ وأبي الصلاح وابني إدريس وسعيد، بل نسبه غير واحد
إلى الأكثر، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد (2): (لا تنظر في
المرآة وأنت محرم فإنه من الزينة) وفي صحيح حريز (3) (لا تنظر في المرآة
وأنت محرم لأنه من الزينة) وفي حسن معاوية (4) ((لا ينظر المحرم في المرآة

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب تروك الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 4
348

لزينة، فإن نظر فليلب) ومنه يستفاد استحباب التلبية بعد الاجماع على عدم
الوجوب، وعلى كل حال فلا إشكال في الحرمة، ولكن عن الجمل والعقود والوسيلة
والمهذب والغنية أنه مكروه كالمصنف في النافع، بل قيل والخلاف، ولكن يحتمل
إرادة الحرمة منها للاستدلال عليها بالاجماع وطريقة الاحتياط، فيكون حجة
أخرى للحرمة، مضافا إلى النصوص المزبورة وغيرها التي لا داعي إلى حمل النهي
فيها على الكراهة، نعم في الذخيرة ينبغي تقييد الحكم بما إذا كان النظر للزينة
جمعا بين الأخبار المطلقة والمقيدة، وفيه أنه لا منافاة كما سمعته في الكحل، ولا بأس
بما يحكي الوجه مثلا من ماء وغيره من الأجسام الصقيلة، بل لا بأس بالنظر في
المرآة في غير المعتاد فعله للزينة، والله العالم.
(ولبس الخفين و) كل (ما يستر ظهر القدم) اختيارا كما في الاقتصاد
والجمل والعقود والوسيلة والمهذب والنافع والقواعد والإرشاد وغيرها على ما حكي
عن بعضها، بل في الذخيرة نسبته إلى قطع المتأخرين، بل في المدارك إلى الأصحاب
بل في الغنية نفي الخلاف، قال فيها: وإن يلبس ما يستر ظاهر القدم من خف أو
غيره بلا خلاف، بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلا عن إرادة الاجماع منه،
للمعتبرة المستفيضة التي منها صحيح معاوية (1) السابق عن الصادق (عليه السلام)
المشتمل على قوله (عليه السلام): (ولا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان)
وصحيح الحلبي (2) (أي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس
الخفين إذا اضطر إلى ذلك، والجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما) والخبر (3)
(عن المحرم يلبس الجوربين قال: نعم، والخفين إذا اضطر إليهما) إلا أنها جميعها

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
349

مختصة بالخف والجورب، ولذا اقتصر عليهما في محكي المقنع والتهذيب، بل في
كشف اللثام وفي النهاية على الخف، وفي المبسوط والخلاف والجامع عليه وعلى
الشمشك، ولم يتعرض لشئ من ذلك في المصباح ومختصره، ولا في الكافي ولا
في جمل العلم والعمل ولا في المقنعة ولا في المراسم ولا في الغنية، لكن قد سمعت
ما في الغنية مع سابقيه الذي أقله الشهرة العظيمة في التعدية عنهما إلى غيرهما مما
يكون لبسه ساترا لظهر القدم، خصوصا مع قوة احتمال خروجهما في النص والفتوى
مخرج الغالب في استعمالهما، وخلو الكتب المزبورة عنه لا ظهور فيه في الخلاف،
نعم الظاهر اختصاص الحرمة بما كان لباسا ساترا لظهر القدم بتمامه، فلا يحرم
الساتر لبعضه، وإلا لم يجز النعل، ودعوى أن حرمة الجميع تقتضي حرمة البعض
ممنوعة بعد أن كان العنوان في الحرمة المجموع الذي لا يصدق على البعض، وحينئذ
فما في الروضة من أن الظاهر أن بعض الظهر كالجميع إلا ما يتوقف عليه لبس النعلين
واضح الفساد، خصوصا بعد ما في كشف اللثام ولا يحرم عندنا إلا ستر ظهر
القدم بتمامه باللبس مشعرا بالاجماع عليه، وهو كذلك بملاحظة فتاوى الأصحاب،
وحينئذ فلا يحرم ستر بعضه كما ذكرنا، ولا ستره جميعه بغير اللبس كالجلوس وإلقاء
طرف الإزار وكونه تحت الغطاء في النوم، للأصل بعد الخروج عن النص
والفتوى، بل إن لم يكن اجماعا أمكن الاختصاص بما شابه الخف والجورب من
لباس القدم ذي الساق دون غيره، لأنه المناسب لكونهما مثالا لغيرهما، بل
يمكن اعتبار ستر الظاهر والباطن فيه، لأن الغالب فيهما ذلك، إلا أني لم أجد
من اعتبر شيئا من ذلك، بل لعل ظاهر الأصحاب خلافه، كما أن ظاهرهم حرمة
ذلك على المحرم بخصوصه خارجا عن مسألة المخيط، ولذا يذكرونه مستقلا عنه،
ولولاه لأمكن القول بأنه منه على معنى كون المحرم الخف لما فيه من الخياطة،
350

ويلحق به ما شابهه وإن لم تكن فيه خياطة كالجورب ونحوه، بل في المنتهى
الاستدلال عليه بذلك.
وحينئذ يتجه اختصاصه بالرجال لما عرفت من جوازه لهن كما جزم به الشهيد
هنا حاكيا له عن الحسن، خلافا لما عن ظاهر النهاية والمبسوط من عموم المنع،
وأظهر منهما الوسيلة لعموم الأخبار والفتاوى وقاعدة الاشتراك، ولكن فيه
ما لا يخفى بناء على ما ذكرناه من كونه من مسألة المخيط التي قد عرفت البحث
فيها مع الشيخ أيضا، بل لعل المنع منه هنا بناء على منعه المخيط على النساء،
مؤيدا ذلك بالأصل، وفحوى تعليل إباحة السراويل بالستر قيل: بل يشمله قوله
في صحيح العيص (1): (تلبس ما شاءت من الثياب) بناء على أنه الخف منه،
مضافا إلى ما دل من النصوص (2) على أن احرامها في وجهها وإن كان فيه أن
ذلك غير مناف نحو قوله (عليه السلام) (3) (احرام الرجل في رأسه)
وعلى كل حال فلا اشكال ولا خلاف كما اعترف به في المنتهى في أنه إذا اضطر
إليه جاز له لبسه، بل الاجماع محصل ومحكي في كشف اللثام ومحكي السرائر والمختلف
عليه، وهو الحجة بعد النصوص (4) المصرحة بذلك في الخف والجورب الملحق
بهما غيرهما كالشمشك ونحوه، بل قيل هو أولى، لكن عن المبسوط والوسيلة
عدم جواز الشمشك مع الضرورة أيضا، وإن كان هو كما ترى، ضرورة قوة
عموم أدلة الضرورة وخصوصها في المقام، وإن قال في كشف اللثام: وكأنهما
يريدان بدون الشق، إذ ذلك لا يجدي في اختصاص الشمشك بذلك، كما هو

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 0 - 1
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب تروك الاحرام
351

واضح، هذا.
وفي المسالك ولا فدية في لبس الخفين عند الضرورة عند علمائنا
نص عليه في التذكرة، ولعله لاطلاق الأدلة، وعدمها في نظائره، ولكن عن
بعضهم وجوبها، ولعله لكون الخف من المخيط الذي تسمع وجوبها في لبسه
ولو للضرورة إلا فيما عرفت من السراويل والقباء، ولا ريب في أنه أحوط وإن
كان الأول أقوى.
(و) كيف كان ف‍ (إن اضطر جاز) بلا خلاف ولا اشكال (و) لكن
(قيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط وابنا حمزة وسعيد في الوسيلة والجامع
والفاضل في محكي المختلف والشهيدان في الدروس والمسالك والكركي في حاشية
الكتاب: يجب عليه أن (يشقهما) حينئذ، ولعله لقول الباقر (عليه السلام) في
خبر محمد بن مسلم (1) (في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال: نعم ولكن
يشق ظهر القدم) والمرسل (2) عن بعض الكتب (لا بأس للمحرم إذا لم يجد نعلا
واحتاج أن يلبس خفا دون الكعبين) والصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (3) (في
رجل هلكت نعلاه فلم يقدر على نعلين قال له أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك
ويشقه من ظهر القدم) والنبوي العامي (4) (فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين
وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين) وللاحتياط، وحرمة لبس ما يستر ظهر
القدم بلا ضرورة، ولا ضرورة إذا أمكن الشق.
(وهو) - مع قول المصنف: إنه قول (متروك) مشعرا بالاجماع

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5 - 3
(2) المستدرك - الباب - 41 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5 - 3
(4) سنن البيهقي ج 5 ص 51
352

على خلافه، بل عن ابن إدريس الاجماع صريحا على ذلك - لا جابر لخبريه الموافقين
لأكثر العامة، ومنهم أبو حنيفة على وجه يصلحان مقيدين لاطلاق النصوص
المزبورة الواردة في مقام البيان المعتضدة باطلاق فتوى المقنع والنهاية والتهذيب
والمهذب على ما حكي عنها وصريح غيرها كالمحكي عن السرائر، وبما رواه
الجمهور عن علي (عليه السلام) من عدم الشق، بل رووا أنه قال: (قطع الخفين
فساد يلبسهما كما هما) بل ربما كان ذلك منه إشارة إلى أنه إتلاف مال وإضاعة له
يدخل به تحت الاسراف والتبذير، ضرورة عدم فائدة في ذلك بعد حرمة اللبس
اختيارا معه أيضا، وبما رووا عن عائشة (2) أيضا من أن النبي صلى الله عليه وآله رخص
للمحرم أن يلبس الخفين ولا يقطعهما، بل عن صفية (2) (كان ابن عمر يفتي
بقطعهما، فلما أخبرته بحديث عائشة رجع) بل عن بعضهم الظاهر أن القطع
منسوخ، وذلك لأن حديث ابن عمر الذي روى فيه القطع كان بالمدينة، والحديث
الآخر قد كان في عرفات، إلى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه، فلا بأس بحمل
النصوص المزبورة على ضرب من الندب.
ثم إن ظاهر المنتهى والتذكرة كون الشق هو القطع حتى يكونا أسفل
من الكعبين الذي رواه العامة وأفتى به الشيخ في محكي الخلاف والإسكافي، بل
عن الفاضل في التحرير وموضع من المنتهى والتذكرة القطع بوجوب هذه القطع،
وعن موضع آخر من المنتهى أنه أولى خروجا من الخلاف وأخذا بالتقية، وقال

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 425 المطبوعة عام 1371 - إلا أن فيه
" رخص للنساء في الخفين "
(2) سنن الدارقطني ج 2 ص 272 - الرقم 170
353

ابن حمزة: شق ظاهر القدمين وإن قطع الساقين كان أفضل، وهو صريح في المغايرة
وقد سمعت المرسل عن الباقر عليه السلام في بعض الكتب، فالمتجه التخيير بينهما، وإن
كان الأحوط الجمع بين القطع المزبور وشق ظهر القدم، ولا إسراف ولا تبذير
ولا إضاعة، مع كون ذلك للاحتياط الذي هو من أغراض العقلاء.
وعلى كل حال فالظاهر أن القطع أو الشق واجب أو مندوب في حال
الضرورة، لا أنه طريق لجواز اللبس باعتبار عدم كونه حينئذ ساترا لتمام الظهر،
فإن اسم الخف والجورب باق معهما، والمراد كونه لباسا ساترا قوة أو من شانه
وإن لم يكن ساترا فعلا، فهما حينئذ نحو قلب القباء ولبسه منكوسا في حال
الضرورة، لا أنه شئ يقتضي الجواز اختيارا.
ومن هنا نص في محكي الخلاف والتذكرة والمنتهى والتحرير على أنه مع
وجود النعلين لا يجوز لبس الخفين، ولا مقطوعين إلى ظهر القدم، لكونه حينئذ
كالجورب والشمشك، وفي كشف اللثام وكذا إذا وجب الشق فوجد نعلين لم يجز
لبس خفين مشقوقين، إذ لم يجز في الشرع لبسهما إلا اضطرارا مع إيجاب الشق
نعم إن لم يجب الشق كان النعل أولى كما في الدروس لا متعينة، والموجود في
الدروس بعد أن أوجب الشق قال: ولو وجد نعلين فهما أولى من الخف المشقوق
والظاهر إرادة الأولوية الواجبة، لتصريح النصوص (1) باشتراط جواز لبس الخفين
- أي ولو مشقوقين - بعدم النعل، بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق في النعل بين
المخيطة وغيرها، ولا بأس باستثناء ذلك من المخيط.
وعلى كل حال فما ذكرنا ظهر لك أنه لا وجه لدعوى وجوب الشق مقدمة
للتخلص من حرمة ستر ظهر القدم، ضرورة كون المراد مما في الفتاوى حرمة لباس

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب تروك الاحرام
354

الساتر شأنا، فلا يجوز لبسه ولو على وجه لا يكون به ساترا، على أنه لا يكفي
شقه عن ظهر القدم في جواز لبسه اختيارا، فتأمل جيدا، والله العالم.
(والفسوق) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي
منهما مستفيض كالنصوص (1) مضافا إلى الكتاب (2) (و) إنما الكلام في المراد
به، ففي المتن وتفسير علي بن إبراهيم والمقنع والنهاية والمبسوط والاقتصاد والسرائر
والجامع والنافع وظاهر المقنعة والكافي ما حكي عن بعضها (هو الكذب)
ورواه الصدوق في معاني الأخبار عن زيد الشحام (3) قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرفث والفسوق والجدال قال: أما الرفث فالجماع، وأما الفسوق فهو
الكذب، ألا تسمع لقوله تعالى (4): (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق
بنبأ) والجدال هو قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وسباب الرجل الرجل)
والعياشي (5) في تفسيره عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله
عز وجل: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا
جدال في الحج (6) فالرفث الجماع، والفسوق الكذب، والجدال قول الرجل:
لا والله وبلى والله) وعن الفقه المنسوب (7) إلى الرضا (عليه السلام) (والفسوق
الكذب، فاستغفر الله منه، وتصدق بكف من طعام) وفي كشف اللثام أنه رواه
العياشي (8) في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام وعن محمد

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 0 - 8 - 9
(2) سورة البقرة - الآية 193
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 0 - 8 - 9
(4) سورة الحجرات - الآية 6
(5) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 0 - 8 - 9
(6) سورة البقرة - الآية 193
(7) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 2
(8) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 10
355

ابن مسلم (1) وفي التبيان ومجمع البيان وروض الجنان أنه رواية أصحابنا، وفي
فقه القرآن للراوندي أنه رواية بعض أصحابنا، وبذلك يجبر السند محتاج إلى
جبر، وفي جمل العلم والعمل والمختلف والدروس أنه الكذب والسباب، وإليه يرجع
ما عن الحسن من أنه الكذب والبذاء واللفظ القبيح، وإن كان قد جعل في ذيل
صحيح معاوية (2) من جملة التفث الكلام القبيح كما ستسمعه، إلا أنه يمكن إرادة
غير السب منه الذي هو فسوق أيضا، لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح
معاوية (3): (إذا أحرمت فعليك بتقوى الله تعالى وذكر الله تعالى وقلة الكلام
إلا بخير، فإن تمام الحج والعمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير، كما قال الله
تعالى، فإن الله تعالى يقول: (فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا
جدال في الحج) فالرفث الجماع، والفسوق الكذب والسباب، والجدال قول
الرجل: لا والله وبلى والله) مؤيدا، بما في الخبر (4) من أن سباب المسلم فسوق،
بل لعل إليه يرجع ما في صحيح علي بن جعفر (5) عن أخيه (عليه السلام) من أنه الكذب والمفاخرة، بناء على أن المفاخرة لا تنفك عن السباب، لأنها إنما تتم
بذكر فضائل لنفسه وسلبها عن خصمه، وسلب رذائل عن نفسه وإثباتها لخصمه،
وهو معنى السباب.
وعن الجمل والعقود أنه الكذب على الله، وعن الغنية والمهذب والاصباح

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 96 الرقم 260
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 1 - 4
(4) الوسائل - الباب - 158 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 3 وفيه
" سباب المؤمن فسوق "
(5) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 1 - 4
356

والإشارة أنه الكذب على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أو أحد الأئمة (عليهم السلام)
بل في الأول منها أنه عندنا كذلك، وهو مع كونه منافيا لما سمعته من النصوص
لم نعثر لهم على دليل سوى إشعار الاجماع المزبور المتحقق خلافه، وكونه المبطل
للصوم لا يقتضي كونه المراد من الفسوق، وكذا ما عن التبيان من أن الأولى
حمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها، وعن الراوندي في فقه القرآن
متابعته، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة والفتاوى، بل عن الشيخ
أنه غلط من خصه بما يحرم على المحرم لاحرامه ويحل له لو لم يكن محرما بأنه
تخصيص بلا دليل، وما أدري ما السبب الداعي إلى الاعراض عن النصوص التي يمكن
الجمع بينها بأنه عبارة عن جميع ما ذكر فيها من الكذب والسباب والمفاخرة على الوجه
المحرم، بناء على أنها غير السباب الذي هو وإن جعل في رواية الصافي (1) من
الجدال، إلا أنه يمكن وقوعه على وجوه، منها أن يجتمع فيه الجدالية، فلا مانع
من أن يكون فسقا وجدالا بل وكذا المفاخرة التي جعلت من التفث في صحيح معاوية
المفسر فيه الفسوق بالكذب والسباب، فإنه بعد ذلك بفاصلة قال: واتق المفاخرة
إلى آخر ما تسمعه إن شاء الله، إذ هي أيضا تارة تكون فسوقا إذا كانت علي
وجه السب، وأخرى لا تكون كذلك، واحتمال تفسير الفسوق بها خاصة - مع
أنه لا قائل به وإن قيل: إنه حكاه الشهيد في بعض حواشيه - لا شاهد له، فإن
الصحيح المزبور لم يشتمل على تفسير الفسوق بها.
ومن الغريب ما في المدارك من أن الجمع بين الصحيحتين يقتضي المصير إلى
أن الفسوق هو الكذب خاصة، لاقتضاء الأولى نفي المفاخرة، والثانية نفي السباب

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 8 وهو
رواية معاني الأخبار كما تقدم
357

ضرورة عدم كون ذلك جمعا، إذ هو طرح لكل منهما، والجمع ما ذكرناه من
تحكيم منطوق كل منهما على مفهوم الأخرى، فيكون الفسوق عبارة عن الكذب
والسباب والمفاخرة، وفيها أيضا بعد أن حكى الاجماع على تحريم الفسوق في الحج
وغيره وأن الأصل فيه الآية قال: ويتحقق الحج بالتلبس باحرامه، بل بالتلبس
باحرام عمرة التمتع لدخولها في الحج، وفيه أن المستفاد من الفتاوى ومعاقد
الاجماعات بل وبعض النصوص (1) كونه من محرمات الاحرام ولو للعمرة المفردة
ولا منافاة بين الحرمة فيه وكونه محرما في نفسه، كما هو واضح.
ثم إن الظاهر كونه كغيره من المحرمات فيه التي لا تقتضي فساده، فما عن
المفيد من كون الكذب مفسدا للاحرام واضح الضعف، وإن كان قد يستأنس
له بملاحظة الصحيح (2) عن قول الله عز وجل (3): (وأتموا الحج والعمرة)
قال: (إتمامهما أن لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ونحوه آخر (4)
إلا أن من المعلوم عدم إرادة الفساد من عدم الاتمام، كما هو واضح.
وعلى كل حال فلا كفارة فيه، لما رواه الحلبي ومحمد بن مسلم في الصحيح (5)
(أنهما قالا لأبي عبد الله (عليه السلام): أرأيت إن ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال:
لم يجعل الله تعالى له حدا، يستغفر الله تعالى) ولكن قد سمعت ما عن فقه الرضا
(عليه السلام) (6) وعن الحسن أنه لا كفارة في الفسوق سوى الكلام الطيب
في الطواف والسعي، وفي ذيل صحيح معاوية بن عمار (7) المشتمل على تفسير

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 6 - 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 6 - 1 - 5
(3) سورة البقرة - الآية 192
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 6 - 1 - 5
(5) الفقيه ج 2 ص 212 الرقم 986
(6) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 6 - 1 - 5
358

الفسوق بالكذب والسباب (واتق المفاخرة، وعليك بورع يحجزك عن المعاصي
فإن الله عز وجل (1) يقول: (ثم ليقضوا تفثهم، وليوفوا نذورهم وليطوفوا
بالبيت العتيق) قال أبو عبد الله (عليه السلام): من التفث أن تتكلم في إحرامك
بكلام قبيح، فإذا دخلت مكة فطفت بالبيت تكلمت بكلام طيب، فإن ذلك كفارة
لذلك) الحديث، وقد سمعت صحيح علي بن جعفر (2) عن أخيه (عليه السلام)
الذي ذكرناه في حرمة وطئ النساء، وكيف كان فلا فائدة مهمة في البحث عن
المراد بالفسوق بعد القطع بتحريمه على جميع التفاسير، وعدم وجوب كفارة فيه
سوى الاستغفار، وعدم بطلان الاحرام به إلا في النذر وأخويه ونحو ذلك من
الأمور النادرة، والله العالم.
(والجدال) كتابا (3) وسنة (4) وإجماعا بقسميه (وهو) على
ما في أكثر كتب الأصحاب أو جميعها وأكثر النصوص التي تقدم جملة منها (قول
لا والله وبلى والله) ومنها صحيح معاوية بن عمار (5) (سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل يقول: لا لعمري وهو محرم فقال: ليس بالجدال، إنما الجدال
قول الرجل: لا والله وبلى والله، وأما قوله: لاها فإنما طلب الاسم، وقوله:
يا هناه فلا بأس به، وأما قوله لا بل شانيك فإنه من قول الجاهلية) وفي صحيحه
الآخر (6) عنه (عليه السلام) أيضا (والجدال هو قول الرجل: لا والله وبلى

(1) سورة الحج - الآية 30
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 0 - 3
(3) سورة البقرة - الآية 193
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 0 - 3
(5) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 0 - 3
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 3
359

والله، واعلم أن الرجل إذا حلف بثلاث أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد
جادل، فعليه دم يهريقه ويتصدق به، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل،
وعليه دم يهريقه ويتصدق به) الحديث. وفي صحيحه الآخر (1) (إن الرجل
إذا حلف بثلاث أيمان ولاء في مقام واحد وهو محرم فقد جادل، وعليه حد الجدال
دم يهريقه ويتصدق به) وفي صحيح ابن مسلم (2) عن الباقر (عليه السلام)
(سألته عن الجدال في الحج فقال: إن زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم،
فقيل له الذي يجادل وهو صادق فقال: عليه شاة، والكاذب عليه بقرة) وفي
صحيحه الآخر (3) وصحيح الحلبي (4) عنه عليه السلام أيضا (من ابتلى
بالجدال ما عليه؟ قال: إذا جادل يوما مرتين فعلى المصيب دم يهريقه شاه، وعلى
المخطئ بقرة) ونحوه غيره، وفي خبر أبان بن عثمان (5) عن أبي بصير على ما في
التهذيب قال: (إذا حلف الرجل ثلاث أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم
يهريقه، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل، فعليه دم يهريقه)
ورواه في الكافي عن أبي بصير (6) عن أحدهما (عليهما السلام) (إذا
حلف ثلاث أيمان متتابعات) إلى آخره، وخبر أبي بصير الآخر (7) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (إذا جادل الرجل وهو محرم فكذب متعمدا فعليه
جزور) وفي خبره (8) الثالث (سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 5 - 6 - 2 - 2 - 7 - 4 - 9 والرابع عن الصادق عليه السلام
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7
360

صاحبه: والله لا تعمله، فيقول: والله لأعملنه، فيحالفه مرارا أيلزمه ما يلزم
صاحب الجدال؟ قال: إنما أراد بهذا اكرام أخيه، إنما ذلك ما كان فيه معصية)
وفي خبر يونس بن يعقوب (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يقول:
لا والله وبلى والله وهو صادق عليه شئ قال: لا) إلى غير ذلك من النصوص
المتفقة كالفتاوى على اعتبار اليمين في الجدال الذي لا ريب في تحققه عرفا بدونه
ضرورة كونه الخصومة لا خصوص المتأكدة باليمين.
ولكن في كشف اللثام وكأنه لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بها،
وحكى السيدان الاجماع عليه، ويؤيده مع ذلك أصالة البراءة من غيره، بل في
الغنية والجدال وهو عندنا قول: لا والله وبلى والله بدليل اجماع الطائفة وطريقة
الاحتياط، وقول المخالف: ليس في لغة العرب أن الجدال هو اليمين ليس بشئ،
لأنه ليس بممتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما ليس في الوضع اللغوي كما تقوله في
لفظ الغائط، بل ظاهر الأخير منها بل وسابقه اعتبار الكذب، أو كونه في معصية
مع ذلك، فلو جادل صادقا لم يكن عليه شئ، مؤيدا ذلك بأصل البراءة وبنفي
الضرر والحرج في الدين، وبأنه ربما وجب عقلا وشرعا، إلا أن عموم النص
والفتوى وخصوص نص (2) الكفارة على الصادق بخلافه، ولعله لذا قال الجعفي
على ما في الدروس: الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية، فإذا قاله مرتين
فعليه شاة بل في القواعد وفي دفع الدعوى الكاذبة أي بالصيغتين اشكال، بل في
كشف اللثام هو - أي عدم الحرمة - الأقوى، ولا ينافيه وجوب الكفارة، وفي
الدروس (لو اضطر إلى اليمين لاثبات حق أو نفي باطل فالأقرب جوازه، وفي

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 8 - 0
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 8 - 0
361

الكفارة تردد، أشبهه الانتفاء) وقال ابن الجنيد: (يعفى عن اليمين في طاعة
الله وصلة الرحم ما لم يدأب في ذلك) وارتضاه الفاضل، وتبعه الكركي وثاني
الشهيدين وسبطه وغيرهم.
والانصاف عدم خلو ذلك عن إشكال أو منع عدم الوصول إلى حد
الضرورة التي يباح لها مثله وخصوصا نفي الكفارة المصرح بخلافه في النصوص
المعتبرة التي منها يستفاد عدم جوازه من حيث الجدال في الاحرام، لأن الأصل
فيها عدم وجوبها فيما لا معصية فيه، نعم قد يشك في ثبوتها مع الضرورة المزبورة
مع احتماله، لأنها من باب الأسباب، ولا ريب في أنه أحوط، وكذا الاشكال فيما
في الدروس أيضا، فإنه بعد أن حكى عن بعض الأصحاب تخصيص الجدال بهاتين
الصيغتين قال: والقول بتعديتها إلى ما يسمى يمينا أشبه، ضرورة كونه بعد حمل
المطلق في النصوص على المقيد كالاجتهاد في مقابلة النص الحاصر للجدال فيهما،
والمصرح بعدم كون قول: لعمر الله ونحوه جدالا، والمعتضد بأصل البراءة
ونحوه وبالفتاوى ومعقد الاجماع المزبور، ويقرب منه ما عن الانتصار وجمل العلم
والعمل من أنه الحلف بالله الذي هو أعم من الصيغتين، بل ربما أيد بعموم لفظ
الجدال لكل ما كان في خصومة، واحتمال الحصر في الأخبار الإضافية والتفسير
باللفظين التخصيص بالرد المؤكد بالحلف بالله لا بغيره، وقول الصادق (عليه السلام)
في حسن معاوية (1) المتقدم ونحوه، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة ظهور النص
والفتوى ومعقد الجماع في اختصاص الجدال بما سمعت، ومجرد الاحتمال لا ينافي
حجية الظهور، والمراد من اطلاق النصوص المزبورة اليمين التي هي جدال، وإنما
أطلقت لأن المقصود فيها بيان ما يوجب الكفارة منها والفصل بين الصادقة والكاذبة

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
362

وبذلك يظهر لك ما في الرياض فإنه بعد أن ذكر عن الأكثر تفسيره بالصيغتين
قال: (وفي الغنية الاجماع عليه، ولكن يحتمل رجوعه إلى تفسير الجدال
بالخصومة المؤكدة باليمين بمثل الصيغتين لا إليهما، وعن المرتضى الاجماع عليه أيضا
وبمثل ذلك يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة وغيرها المفسرة للجدال بهما بإرادة
الرد بذلك على من جعل الجدال مطلق الخصومة لا الخصومة المؤكدة باليمين
ولو مطلقها، وربما يستفاد ذلك من الصحيح (1) (عن المحرم يريد العمل
فيقول له صاحبه: والله لا تعمله) إلى آخره، فإن تعليل نفي الجدال بذلك دون
فقد الصيغتين أوضح شاهد على أنه لولا إرادة الاكرام لثبت الجدال بمطلق والله
كما هو فرض السؤال، وعلى هذا فيقوى القول بأنه مطلق الحلف بالله تعالى وما
يسمى يمينا كما عليه الماتن هنا والشهيد في الدروس) إلى آخره، إذ قد سمعت
عبارة الغنية التي يبعد فيها الاحتمال المزبور إن لم يكن ممتنعا، وعلى تقديره فهو
احتمال لا يصلح للاستدلال على ما ذكره، والتعليل في الصحيح المزبور لا ينافي
وجود علة أخرى، على أنه قد فقد لفظ لا أو بلى، ويمكن عدم اعتبارها، فلا
يثبت به مطلق ما يسمى يمينا، على أنك قد سمعت ما في الغنية من كونه وضعا
شرعيا، فلا يبعد اعتبار خصوصه، نعم لا يعتبر لفظ لا وبلى نحو قوله عليه السلام (2):
(إنما الطلاق أنت طالق) فإن صيغة القسم هو قول والله، وأما لا وبلى فهو
المقسوم عليه، فلا يعتبر خصوص اللفظين في مؤداه ولو بشهادة الصحيح المزبور،
بل يكفي الفارسية ونحوها فيه وإن لم تكف في لفظ الجلالة، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مقدمات الطلاق - الحديث 3
من كتاب الطلاق
363

بل قد يشكل ما عن ظاهر الدروس والمنتهى والتذكرة من العموم لما يكون
خصومة وغيره بعدم صدق الجدال بدونها، بل لعل قوله: لا والله وبلى والله
إشارة إلى ذلك، فإن المراد النفي من واحد والاثبات من آخر، ومن هنا جزم
في الدروس بأنه لا كفارة في اللغو من ذلك، لأنه كالساهي.
ثم إن الظاهر عدم اعتبار وقوع الأمرين في تحقق الجدال، فيكفي أحدهما
وفاقا لجماعة منهم الفاضل الإصبهاني حاكيا له عن المنتهى والتذكرة، بل قال:
وبه قطع في التحرير، ولعله للصدق عرفا بعد معلومية إرادة ما ذكرناه منهما،
لا أن قولهما معا من الواحد أو من الاثنين معتبر في الجدال، فتلخص مما ذكرنا
كون الجدال الحلف بالله بالصيغة المخصوصة لا مطلق اليمين ولا غيرها، ولا مطلق
الحلف بالله وإن لم يكن بالصيغة المزبورة، وبقي الكلام في الكفارة ويأتي البحث
عنها إن شاء الله، والله العالم.
(وقتل هوام الجسد) ودوابه كما في النافع والقواعد وإن كانت على
ثوبه (حتى القمل) الذي على الأكثر النص عليه، والصئبان ونحوها مباشرة أو
تسبيبا بالزيبق ونحوه، وفاقا للمشهور، نقلا في المدارك والذخيرة وإن كنا لم
نتحققها في العنوان المزبور، كما لم نتحققه في شئ مما وصل إلينا من النصوص،
نعم في صحيح حماد بن عيسى (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم
يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: (يطعم مكانها طعاما) ونحوه صحيح ابن
مسلم (2) عنه (عليه السلام أيضا، وستسمع ما في صحيح حريز (3) وغيره في

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 1
364

جواز إزالة الشعر للقمل، وقال هو (عليه السلام) أيضا في حسن ابن أبي العلاء (1):
(في المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمدا، ومن فعل شيئا من
ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده) اللهم إلا أن يقال إن القتل أولى من
الالقاء والنزع، وفي كشف اللثام (وإذا وجبت الكفارة بالقتل خطأ ففي العمد
أولى) وفيه أن الموجود في نسخة معتبرة (وإن فعل) بالعين المهملة، والأمر
سهل أو يستند إلى خبر أبي الجارود (2) المنجبر بالشهرة المزبورة سأل رجل
أبا جعفر (عليه السلام) (عن رجل قتل قملة وهو محرم قال: بئسما صنع، قال:
فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها) متمما بعدم القول بالفصل بينها وبين غيرها،
وأوضح منه صحيح زرارة (3) (سألته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء
قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة، ولا بأس بأن يغتسل بالماء ويصب على
رأسه ما لم يكن ملبدا، فإن كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من الاحتلام)
الظاهر في إرادة القمل ونحوه من الدابة فيه.
ومنه حينئذ يتجه الاستدلال بصحيح معاوية (4) عنه عليه السلام أيضا المحكي
عن المقنع الفتوى بمضمونه، قال: (إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى
والعقرب والفأرة) مؤيدا ذلك كله بمنافاته لعدم الترفه المراد من المحرم الذي هو

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 3 - 8
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 3 - 8
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 73 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 4 وذيله في الباب 75 منها الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 81 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 وفيه
" ثم اتق " إلا أن الموجود في الكافي ج 4 ص 363 الطبع الحديث كما في الجواهر
365

أشعث اغبر، بل لعل ما عن النهاية والسرائر من أنه لا يجوز قتل شئ من الدواب
يشملها أيضا، وكذا ما عن الكافي (إن مما يجتنبه المحرم قتل شئ من الحيوان
عدا الحية والعقرب والفأرة والغراب ما لم يخف شيئا منه) بل عن المبسوط
(لا يجوز له قتل شئ من القمل والبراغيث وما أشبههما) ولكن مع ذلك كله
جوز ابن حمزة قتل القمل إذا كان على البدن مع تحريم إلقائه عنه، ولعله للأصل
وصحيح معاوية (1) سأل الصادق (عليه السلام) (ما تقول في محرم قتل قملة؟
قال: لا شئ عليه في القمل، ولا ينبغي أن يتعمد قتلها) بناء على إرادة الكراهة
من قوله: (لا ينبغي) فيه، مضافا إلى عموم لا شئ فيه للعقاب أيضا، وصحيحه
الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا (لا بأس بقتل القملة في الحرم وغيره) ومرسل
ابن فضال (3) (لا بأس بقتل البرغوث والقملة والبقة في الحرم) بعد منع أولوية
القتل من الالقاء المصرح به في النصوص المزبورة، وعلى تقديرها فهي معارضة
بالنصوص المزبورة التي مقتضاها جواز الالقاء بطريق أولى، خصوصا بعد ما في
خبر مرة مولى خالد (4) أنه سأل الصادق (عليه السلام) (عن المحرم يلقي القملة
فقال: ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة) وظهور الصحيح الأخير في
كون المستثنى منه من جنس المستثنى، فلا يشمل محل النزاع كل ذلك مضافا
إلى موافقة نصوص الحرمة للعامة بخلاف نصوص الجواز.
وفيه أن الأصل مقطوع بظاهر خبر أبي الجارود وصحيح زرارة المنجبر
سند أولهما بما عرفت، بل لهما يتعين حمل (لا ينبغي) في الصحيح الأول على إرادة
الحرمة، وإرادة عدم الكفارة، من لا شئ فيه بناء على استحبابها، كما أن لهما

(1) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 84 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 84 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 6
366

أيضا ينبغي تخصيص الآخر والمرسل بغير المحرم، خصوصا بعد معلومية شذوذ
خلاف ابن حمزة الذي قد سمعت اشتراطه الجواز بما إذا كان على البدن، مع أن
مقتضى النصوص المزبورة الجواز مطلقا فهي أيضا شاذة لا عامل بها على اطلاقها
كما أن قوله: (شاذ) لا مستند له بخصوصه، والأولوية المزبورة واضحة الوجه
ضرورة عدم النهي عن الالقاء إلا للتعريض لتلفها، أو لاقتضائه الترفه أو لنحو
ذلك مما هو متحقق في القتل، ولا ينافيها الفرق في الكفارة إن قلنا به، كوضوح
منع المعارضة المزبورة، خصوصا بعد ظهور اتفاق الأصحاب على حرمة الالقاء،
بل عن ابن زهرة نفي الخلاف عنه، مضافا إلى النصوص السابقة المصرحة بذلك
وبوجوب الفداء، والآتية على وجه لا يعارضها الخبر المزبور المحتمل لصورة
الايذاء، بل قيل يمكن أن يكون ألفوها بالفاء من الألفة أي لا تلقوها وإن كان
بعيدا، ودعوى ظهور كون المستثنى منه بجنس المستثنى على وجه يقتضي تخصيص
العام واضحة المنع أيضا خصوصا بعد ما عرفت من اطلاق الدابة في الصحيح الآخر
على ما يشمل القمل، والخلاف للعامة لا يجدي في مقابلة عمل الخاصة.
وبذلك يظهر لك حرمة قتل القمل وإلقائه، واقتصار جماعة من القدماء على
الثاني لا يقتضي إباحتهم الأول، بل يمكن اكتفاؤهم بذكره عنه، بل الظاهر إلحاق
غيره به لمفهوم صحيح زرارة السابق وغيره في القتل، أما الالقاء فقد يشكل إن
لم يفهم بالفحوى منه بما تسمعه من النص الصريح في جوازه عموما (1) في الدواب
وخصوصا (2) في بعضها، اللهم إلا أن يقال إن حرمة إلقاء القمل لأنها من الجسد
كما تسمع التصريح به في صحيح معاوية (3) وغيره، وغالب هوام الجسد كذلك،

(1) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 79 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5
367

لكن قد يتوقف في الصؤاب الذي هو بيض القمل باعتبار أنه ليس دابة، اللهم
إلا أن يقال إنه من التابع للقمل في كونه من الجسد.
نعم يقوى عدم كون البرغوث منها، خلافا لبعضهم، وعن القاضي حرمة
قتله والبق وما أشبهه ذلك إذا كان في الحرم، وجوزه في غيره، وعن ابن زهرة
يحرم عليه أن يقتل شيئا من الجراد والزنابير مع الاختيار، فأما البق والبراغيث
فلا بأس أن يقتل في غير الحرم، وعن ابن سعيد لا يقتل المحرم البق والبرغوث
في الحرم، ولا بأس به في الحل، مع اطلاقه قبل ذلك حرمة قتل القمل والبرغوث عليه
ولعل الأقوى حل قتله مع قصده إياه أو إيذائه له كما دل عليه خبر زرارة (1)
عن أحدهما (عليهما السلام) (سألته عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا أراده
قال: نعم) وعن نسخة (إذا رآه) والصحيح (2) المروي عن آخر السرائر
(عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا آذاه قال: نعم) أما إذا لم يؤذه فالأحوط
إن لم يكن أقوى عدم قتله، وخصوصا إذا كان في الحرم، للعموم في الصحيح
السابق الذي لا يقاومه المرسل المزبور على وجه يخصص به.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه (يجوز نقله) أي هوام
الجسد من القمل ونحوه (من مكان إلى آخر من جسده) مساو للأول أو أحرز
منه، للأصل وقول الصادق عليه السلام في الصحيح (3): (المحرم يلقي عنه الدواب
كلها إلا القملة فإنها من جسده، فإذا أراد أن يحوله من مكان إلى مكان فلا يضره)
بل مقتضى اطلاقه عدم اشتراط كون المنقول إليه كالمنقول عنه أو أحرز كما صرح

(1) الوسائل - الباب - 79 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7 - 5
(3) الوسائل - الباب - 78 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 7 - 5
368

به بعضهم، وإن كان هو أحوط، نعم قد يقال باعتبار تحويله إلى مكان غير معرض
فيه للسقوط، لأنه في معنى الالقاء، والله العالم.
(و) كذا (يجوز إلقاء القراد والحلم) بفتح الحاء واللام جمع حلمة
كذلك، وهو القراد العظيم كما عن الجوهري، وفي كشف اللثام عن الأصمعي
أول ما يكون القراد يكون قمقاما، ثم جمنانا، ثم قرادا، ثم حلما، ولكن
ستسمع ما في الخبر من المنافاة لذلك.
وعلى كل حال فيجوز إلقاؤهما عن نفسه بلا خلاف ولا إشكال، للأصل
بعد أن لم يكونا من هوام الجسد للصحيح السابق وصحيح ابن سنان (1) سأل
الصادق عليه السلام (أرأيت إن وجدت علي قرادا أو حلمة اطرحهما فقال: نعم وصغار
لهما، أنهما رقيا في غير مرقاهما).
بل وعن بعيره في القراد كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا
للأصل والأخبار الكثيرة التي لا معارض لها،
منها قول الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية (2): (إن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس، ولا يلقي الحلمة) وفي
حسن حريز (3) (إن القراد ليس من البعير، والحلمة من البعير بمنزلة القملة من
جسدك فلا تلقها، والق القراد) وخبر عمر بن يزيد (4) قال: (لا بأس أن
تنزع القراد عن بعيرك ولا ترم الحملة) ومنها يستفاد عدم جواز إلقاء الحلمة
كما عن الشيخ وجماعة، خلافا للمحكي عن الأكثر فيجوز، للأصل المقطوع بما
عرفت، والصحيح الأول الظاهر في النفس، بل قيل ظاهر التعليل فيه يقتضي المنع

(1) الوسائل - الباب - 79 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 80 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 80 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 80 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2 - 4
369

عنه في البعير، بل في الرياض وربما يستفاد منه المنع عن إلقاء كل ما يرقى في الجسد
من نحو البرغوث، ولعله المراد عن هوام الجسد في نحو المتن، فيتضح له المستند
ولا يضر تخالف حكم المتن والنص في الاطراح والقتل، لاحتمال التعدي من أحدهما
إلى الآخر بفحوى الخطاب كما صرح به جمع، وفيه أن المراد من التعليل عدم
اعتياد الجسد لذلك غالبا، بخلاف القمل ونحوه، فلا وجه حينئذ لاستفادة كون
البرغوث أيضا من هوام الجسد باعتبار كونه يرقى، وإلا لكان البق منه أيضا،
فلا ريب في خروج البرغوث عن ذلك كما عرفت الكلام فيه.
نعم قد يظهر من تعليل الفرق بين القراد والحلمة عدم إلقاء ما يتكون من
الجسد وإن كان لم يظهر لنا وجه الحكمة فيه، لكن أبا عبد الرحمن (1) سأل
الصادق عليه السلام (عن المحرم يعالج دبر الجمل فقال: يلقي عنه الدواب ولا يدميه)
ويمكن حمله على صورة المعالجة وخوف الضرر من البقاء، كما يمكن حمل كلام
الأكثر على الحلم الذي هو من القراد، لاطلاق الأدلة، لا المتكون من جسد
البعير الذي قد صرحت به النصوص المزبورة، والله العالم.
(ويحرم لبس الخاتم للزينة) كما قطع به الأكثر على ما في كشف اللثام
بل في الذخيرة في شرح قوله في الإرشاد: (ولبس الخاتم للزينة لا للسنة) قال:
لا أعرف خلافا بين الأصحاب في الحكمين المذكورين وإن كان فيه ما ستعرف،
لخبر مسمع (2) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته أيلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه
للزينة) المنجبر بما عرفت، والمعتضد بالتعليل في صحيحي حماد (3) وحريز (4)

(1) الوسائل - الباب - 80 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4
370

المتقدمين سابقا في الاكتحال بالسواد والنظر في المرآة، وبالمرسل (1) في الكافي
(لا يلبسه للزينة) وبما ورد من كون الحاج أشعث اغبر وغير ذلك مما يدل
على عدم الترفه للحاج المنافي للزينة.
(نعم) لا خلاف أجده في أنه (يجوز لغير الزينة كالسنة) ونحوها
للأصل والمفهوم السابق، واطلاق قول أبي الحسن عليه السلام في خبر نجيح (2):
(لا بأس بلبس الخاتم للمحرم) المقتصر في تقييده على خصوص ما كان للزينة،
بل في صحيح ابن بزيع (3) (رأيت العبد الصالح عليه السلام وهو محرم وعليه خاتم
وهو يطوف طواف الفريضة) الذي ينبغي حمله على غير الزينة، وعلى كل حال
فلا ريب في أن ذلك أولى من احتمال الجمع بين النصوص بالكراهة كما هو خيرة
المصنف في النافع، بل هو المحكي عن الجامع أيضا من وجوه، منها الموافقة للشهرة
بين الأصحاب، هذا، وفي الذخيرة الظاهر أن المرجع في التفرقة بين ما كان للسنة
أو للزينة إلى القصد كما قاله جماعة من الأصحاب، إذ ليس هاهنا هيئة تختص بإحداهما
دون الأخرى، ونحوه في المسالك وحاشية الكركي، ولا بأس به، ولا ينافي ذلك
تعليل الكحل المقتضي حرمة كل زينة وإن لم تكن مقصودة بعد تخصيصه بالمفروض
لقوة دلالته وانجباره بفتوى الأصحاب، نعم يمكن دعوى الحرمة في المشترك مع
قصد الزينة وإن قصد معها غيرها على وجه الضم، بل وعلى وجه الاستقلالية
أيضا، أما إذا كانا معا العلة فقد يقال بالجواز، للأصل بعد عدم صدق اللبس
للزينة، والله العالم.
(ولبس المرأة الحلي) ولو المعتاد (للزينة) كما صرح به غير واحد،

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
371

بل لعله المشهور، بل في المدارك نفي الاشكال فيه. ولعله للمفهوم السابق المعتضد
بما سمعت وبمفهوم صحيح ابن مسلم (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (المحرمة
تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة) وحسن الكاهلي (2) عنه (عليه السلام)
أيضا (تلبس المرأة المحرمة الحلي كله إلا القرط المشهور والقلادة المشهورة) بناء
على أن الزينة لا تكون إلا بالمشهور أي الظاهر، وإلا أشكل الاستدلال بهما على
تمام المقصود، بل الأولى منافية له، ضرورة اقتضائها التقييد للمقيد فيكون
الممنوع خصوص المشهور للزينة لا غيره، إلا أنه يسهل الخطب عدم قائل بذلك،
فوجب حمله على ما لا ينافي ما دل على تحريمه مطلقا للزينة، معتضدا - مضافا إلى
ما عرفت - بخبر النضر بن سويد (3) عن أبي الحسن (عليه السلام) (سألته عن
المرأة المحرمة أي شئ تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة
بالزعفران والورس، ولا تلبس القفازين، ولا حليا تتزين به لزوجها، ولا تكتحل
إلا من علة، ولا تمس طيبا، ولا تلبس حليا ولا فرندا، ولا بأس بالعلم في الثوب)
وبغير ذلك.
(و) أما عدم لبسها (ما لم يعتد لبسه منه) ففي المتن (على الأولى)
ولعله يرجع إلى ما في النافع ومحكي الاقتصاد والاستبصار والتهذيب والجمل والعقود
والجامع من أنه مكروه، وفي القواعد وعن النهاية والمبسوط والسرائر الحرمة،
بل في المسالك أنه المشهور، لمفهوم قول الصادق عليه السلام في صحيح حريز (4):
(إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للاحرام لم ينزع عنها) وقوله (عليه السلام) في
حسن الحلبي (5): (المحرمة لا تلبس الحلي ولا المصبغات إلا صبغا لا يردع)

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 6 - 3 - 9 - 2
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 6 - 3 - 9 - 2
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 6 - 3 - 9 - 2
(4) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 6 - 3 - 9 - 2
(5) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 6 - 3 - 9 - 2
372

كاطلاق قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر النضر: (لا تلبس حليا) وما
عساه يشعر به صحيح ابن الحجاج الآتي (1).
ولعل الكراهة مع فرض عدم قصد الزينة للأصل وإطلاق ما دل على جواز
لبسها الحلي، وخصوص خبر مصدق بن صدقة (2): (تلبس المحرمة الخاتم من
ذهب) وصحيح يعقوب بن شعيب (3) (تلبس المسك والخلخالين) سيما بعد
انسياق قصد الزينة في غير المعتاد من مفهوم الأول وما تسمعه من كراهة المصبغات
في الثاني، ولعل التحقيق حرمته عليها إذا كان زينة عرفا وإن لم تقصده، لما
سمعته من مفهوم تعليل الكحل والمرآة، ولا ينافيه قوله (عليه السلام) (4):
(تتزين به لزوجها) بناء على ظهوره في القصد، إذ هو بعد تسليمه يكون أحد
الافراد، ولا مفهوم له معتد به يصلح للمعارضة، وحينئذ يكون المحرم عليها كلما
قصدت به الزينة حال الاحرام ولو المعتاد، وكلما كان زينة في نفسه وإن لم تقصده.
(و) كيف كان ف‍ (لا بأس بما كان معتادا لها) ولم تقصد به الزينة
بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، وفي صحيح ابن الحجاج (5)
(سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة
والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل
حجها أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال: تحرم فيه وتلبسه من غير أن
تظهره للرجال في مركبها ومسيرها) و (لكن) يدل على أنه (يحرم عليها
إظهاره لزوجها) كما هو صريح الفاضل وظاهر المحكي عن الشيخ والحلي، ولعله

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 5 - 7 - 3 - 1 والثاني عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
373

لما سمعته في خبر النضر، إلا أنه لا ينافي إطلاق الصحيح المزبور الشامل له ولغيره
من الرجال ولو الخادم، ولا بأس به وإن كان هو محرما قبل الاحرام، نعم هو
دال على عدم البأس في احرامها بما كانت لابسة له وإن كان من الزينة، إلا أن
الممنوع بمقتضى صحيح حريز السابق إحداث الزينة في حال الاحرام لا الاحرام
حالها، وكونه كذلك في غيره من الموانع لا يقتضي كونه كذلك هنا بعد
النصوص المزبورة التي لا ينافيها تعليل الكحل أيضا الذي هو إحداث زينة أيضا
بل ولا صحيح ابن مسلم وحسن الكاهلي الذين يمكن إرادة التزين بما تلبسه من الحلي
لزوجها من الشهرة فيهما لا نفس لبس الحلي وإن لم تحصل به زينة، لستره مثلا
بشئ أو غيره، وعلى كل حال يكون الحاصل حرمة إحداث الزينة لها حال الاحرام
وحرمة إظهار ما كانت متزينة به قبل الاحرام للرجال في مركبها ومسيرها، وربما
يرجع إلى ذلك ما في اللمعة، قال: (والتختم للزينة ولبس المرأة ما لم تعتده من
الحلي وإظهار المعتاد منه للزوج) فتأمل جيدا فإن المسألة في غاية التشويش في
كلامهم، والله العالم.
(واستعمال دهن فيه طيب) فإنه (محرم بعد الاحرام) بلا خلاف ولا إشكال
بل في المنتهى أجمع علماؤنا على أنه يحرم الادهان في حال الاحرام بالأدهان الطيبة
كدهن الورد والبان والزيبق، وهو قول عامة أهل العلم، وتجب له الفدية اجماعا
ويمكن حمل كلام المصنف وغيره على إرادة الادهان مما ذكروه من الاستعمال،
خصوصا بعد اقتصار النصوص هنا على الادهان، فيبقى الشم حينئذ خارجا من
البحث هنا، وحينئذ فالبحث فيه على ما عرفت سابقا من عموم الطيب وخصومه
ويحتمل خروج الادهان كما أشرنا إليه سابقا، ولعل الأول أولى.
(و) على كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في حرمة الادهان به بعده
بل أو (قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الاحرام) كما في القواعد ومحكي النهاية والسرائر
374

بل في المدارك نسبته إلى الأكثر، لحرمة الطيب للمحرم ابتداء واستدامة، ولقول
الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي وصحيحه (1): (لا تدهن حين تريد أن
تحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم،
وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك
الدهن حتى تحل) وخبر علي بن أبي حمزة (2) (سألته عن الرجل يدهن بدهن
فيه طيب وهو يريد أن يحرم فقال: لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه
مسك، ولا عنبر يبقى ريحه في رأسك بعد ما تحرم، وادهن بما شئت حين تريد
أن تحرم قبل الغسل وبعده، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل)
خلافا للمحكي عن الجمل والعقود والوسيلة والمهذب من الكراهة، لجوازه ما دام
محلا، غايته وجوب الإزالة فورا بعد الاحرام، وهو كالاجتهاد في مقابلة النص.
نعم لا بأس بغير المطيب قبل الاحرام، بل عن التذكرة الاجماع عليه،
بل ولا به إذا لم تبق رائحته للأصل والنصوص، بل ظاهرها كالفتاوى عدم الفرق
بين ما تبقى عينه وغيره، فما عن بعضهم من احتمال المنع في الأول قياسا على المطيب
واضح الضعف، ثم لا يخفى عليك أن تحريم الادهان بالمطيب الذي يبقى أثره إنما
يتحقق مع وجوب الاحرام وتضيق وقته، وإلا لم يكن الادهان محرما وإن حرم
انشاء الاحرام قبل زوال أثره كما هو واضح.
(وكذا) لا يجوز للمحرم الادهان ب‍ (ما ليس بمطيب) من الدهن
(اختيارا بعد الاحرام) وفاقا للمشهور، بل عن ظاهر الخلاف الاجماع عليه،
لما سمعته من النهي عنه في النصوص المزبورة، مضافا إلى ما تقدم سابقا من قول
الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية (3): (لا تمس شيئا من الطيب وأنت

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 1 - 2
375

محرم ولا من الدهن) وغيره من كون الحاج أشعث اغبر ونحوه خلافا لصريح
المفيد وظاهر المحكي عن الجمل والعقود والكافي والمراسم للأصل المقطوع بما سمعت
وصحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) (سألته عن محرم تشققت يداه
فقال: يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة) وصحيح هشام (2) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) (إذا خرج بالمحرم الجراح أو الدمل فليبطه وليداوه بسمن أو
زيت) الظاهرين في حال الاضطرار الذي أشار إليه المصنف بقوله: (ويجوز
اضطرارا) بل لا أجد فيه خلافا بل الاجماع بقسميه عليه، ولما نص من الأخبار
على جواز الادهان بعد الغسل قبل الاحرام، كصحيح الحسين بن أبي العلاء (3)
سأل الصادق (عليه السلام) (عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل قال: نعم، قال:
فادهنا عنده بسليخة بان، وذكر أن أباه كان يدهن بعد أن يغتسل للاحرام،
وأنه يدهن بالدهن ما لم يكن فيه غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر) وصحيح
هشام (4) سأله (عليه السلام) (عن الدهن بعد الغسل للاحرام فقال: قبل وبعد
ومع ليس به بأس) بناء على كون الظاهر بقاؤه عليه إلى الاحرام وتساوي الابتداء
والاستدامة، وهما ممنوعان، نعم قد تستفاد الكراهة من صحيح ابن مسلم (5)
قال أبو عبد الله (عليه السلام): (لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل
للاحرام وبعده، وكان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى)).
هذا كله في الادهان بغير المطيب، أما أكله فلا إشكال في جوازه اختيارا

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 6 - 3
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 6 - 3
(5) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 6 - 3
376

للأصل، بل الاجماع بقسميه، ولا فدية بالادهان به وإن أثم للأصل، بخلاف
المطيب فتجب وإن اضطر إليه على ما ذكره الفاضل وغيره، بل قد سمعت دعوى
الاجماع منه على أصل وجوبها، لصحيح معاوية (1) (في محرم كانت به قرحة
فداواها بدهن بنفسج قال: إن كان فعله بجهالة فعليه إطعام مسكين، وإن كان
تعمدا فعليه دم شاة) ويأتي إن شاء الله تمام الكلام فيه.
(وإزالة الشعر قليله وكثيره) حتى الشعرة ونصفها عن الرأس واللحية
أو الإبط أو غيرها بالحلق أو القص أو النتف أو النورة أو غيرها بلا خلاف أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل في التذكرة والمنتهى إجماع العلماء، مضافا إلى
كون بعض أفراده ترفها، وإلى قوله تعالى (2): (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى
يبلغ الهدي محله) وإلى مفهوم قوله تعالى (3) أيضا: (فمن كان منكم مريضا أو
به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) وإلى قول أبي جعفر عليه السلام
في صحيح زرارة (4): (من حلق أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا
شئ عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم) ونحوه صحيحه الآخر (5) عنه عليه السلام
أيضا، والصادق عليه السلام في صحيح حريز (6) (إذا نتف الرجل إبطيه بعد الاحرام
فعليه دم) وفي حسن الحلبي (7) (إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئا

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 5
(2) سورة البقرة - الآية 192
(3) سورة البقرة - الآية 192
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث - 6
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث - 6
(6) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 9
377

فعليه أن يطعم مسكينا في يده) بناء على اقتضاء وجوب الفدية الإثم بالفعل،
وفي صحيح معاوية (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟
قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر) وفي صحيح الحلبي (2) (سألته عليه السلام أيضا
عن المحرم يحتجم قال: لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم)
وفي خبر عمر بن يزيد (3) عنه عليه السلام أيضا (لا بأس يحك الرأس واللحية ما لم يلق
الشعر، ويحك الجسد ما لم يدمه).
(و) غير ذلك من النصوص، نعم (مع الضرورة) من أذية قمل أو
قروح أو صداع أو حر أو غير ذلك (لا إثم) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل وعموم أدلتها وإلى نفي العسر والحرج والضرر
والضرار والآية (4) وصحيح حريز (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (مر رسول الله
صلى الله عليه وآله على كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه فقال: أتؤذيك
هوامك؟ فقال: نعم، فنزلت الآية، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله بحلق رأسه
وجعل عليه الصيام ثلاثة أيام، والصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان،
والنسك شاة - وقال أبو عبد الله عليه السلام -: وكل شئ في القرآن (أو) فصاحبه
بالخيار يختار ما شاء، وكل شئ في القرآن فإن لم يجد كذا فعليه كذا فالأول
الخيار) أي هو المختار، وما بعده عوض عنه مع عدم إمكانه، وفي الفقيه (6)

(1) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
(4) سورة البقرة - الآية 192
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1 - 4
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1 - 4
378

(مر النبي صلى الله عليه وآله على كعب بن عجرة الأنصاري وهو محرم وقد أكل القمل رأسه
وحاجبيه وعينيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كنت أرى أن الأمر يبلغ ما أرى
فأمره فنسك عنه نسكا، وحلق رأسه يقول الله تعالى: (فمن كان منكم) الآية
فالصيام ثلاثة أيام، والصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين صاع من تمر،
والنسك شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين) وخبر عمر بن يزيد (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال الله تعالى في كتابه: (فمن كان منكم) الآية،
فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى بما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام
ثلاثة أيام، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام، والنسك شاة يذبحها
فيأكل ويطعم، وإنما عليه واحد من ذلك) إلى غير ذلك من النصوص.
لكن في المنتهى لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير
ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق اجماعا للآية وللأحاديث السابقة، ثم ينظر
فإن كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينيه أو
نزل شعر حاجبيه بحيث يمنعه الابصار، لأن الشعر أضر به، فكان له إزالة ضرره
كالصيد إذا صال عليه، وإن كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من
إزالة الأذى إلا بحلق الشعر كالقمل والقروح برأسه والصداع من الحر بكثرة
الشعر وجبت الفدية، لأنه قطع الشعر لإزالة ضرره عنه، فصار كما لو أكل الصيد
للمخمصة، لا يقال القمل من ضرر الشعر، والحر سببه كثرة الشعر، فكان الضرر
منه أيضا لأنا نقول: ليس القمل من الشعر، وإنما لا يمكنه القيام إلا بالرأس ذي
الشعر، فهو محله لا سبب، وكذلك الحر من الزمان، لأن الشعر يوجد في البرد
ولا يتأذى به، فقد ظهر أن الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر.

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 2
379

وفي الدروس (لو نبت في عينه شعر أو طال حاجبه فغطى عينه فأزاله فلا
فدية، ولو تأذى بكثرة الشعر في الحر فأزاله فدى، والفرق لحوق الضرر من
الشعر في الأول، ومن الزمان في الثاني، وفي إزالته لدفع القمل الفدية، لأنه محل
المؤذي لا مؤذ) وفي كشف اللثام بعد أن ذكر جواز الإزالة للضرورة قال:
ولكن لا يسقط بشئ من ذلك الفدية للنصوص إلا في الشعر الثابت في العين
والحاجب الذي طال فغطى العين، ففي المنتهى والتحرير والتذكرة والدروس أن
لا فدية لازالتهما، لأن الضرر بنفس الشعر، فهو كالصيد الصائل، هذا، ولكن
في المدارك بعد أن حكى ما سمعته من المنتهى قال: وهو غير واضح، والمتجه لزوم
الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقا، لاطلاق
الآية (1) الشريفة دون ما عدا ذلك، لأن الضرورة مسوغة لإزالته، والفدية
منتفية بالأصل، ونوقش بأن مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة إنما
هو التضرر بالقمل أو الصداع كما في رواية المحصر (2) وعليه يحمل اطلاق الآية
ويبقى ما عداه خارجا عن محل البحث، ويدفع بأن أخصية المورد لا توجب تقييد
المطلق، لعدم التعارض بينهما بوجه، وفي الرياض نعم يمكن الجواب عن الاطلاق
بعدم عموم فيه يشمل غير المورد، لعدم انصرافه بحكم الغلبة إليه، فتدبر، ولعله
أشار بالتدبر إلى إمكان منع عدم الانصراف، ضرورة صدق الأذى على الجميع،
بل لعل الظاهر عدم الفرق بين الرأس وغيره من الأعضاء، بل قد سمعت ما في خبر
عمر بن يزيد (3) الشامل للرأس وغيره، إنما الكلام فيما ذكره الفاضل والشهيد

(1) سورة البقرة - الآية 192
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الاحصار والصد
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 2
380

من عدم الفدية بالضرر الناشئ من نفس الشعر، ولعل القول بوجوبها أيضا أقوى
لصدق الأذى، وخصوصا إذا كان حاصلا بنفس نبات الشعر كما يتفق لبعض
الأمزجة، فتأمل جيدا.
ولو قطع عضوا مثلا كان عليه شعر أو ظفر لم يتعلق بزوالهما شئ كما في
التذكرة والمنتهى، لخروجه عن مفهوم إزالتهما عرفا فضلا عن القص والقلم والحلق
والنتف، وما ثبت في القصاص من صدق قطع الإصبع بقطع الكف أو بعضه فلدليله
فما في الدروس - من التردد فيه لقوله: لو قلع جلدة عليها شعر قيل لا يضمن في غير محله.
ثم إن الظاهر عدم الخلاف بل ولا إشكال في عدم جواز إزالة المحرم شعر
محرم غيره بل في المدارك الاجماع عليه، ولعله كذلك، مضافا إلى ما يفهم من
الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من أي مباشر كان، والظاهر أن مثله قتل الهوام
أما شعر المحل فعن الشيخ في الخلاف جوازه، ولا ضمان للأصل، وعن التهذيب
لا يجوز له ذلك، لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (1): (لا يأخذ الحرام
من شعر الحلال) ولعله الأقوى، نعم قد يشك في الفدية التي مقتضى الأصل
عدمها بعد ظهور الأدلة في غير ذلك.
ثم إن الظاهر كون المحرم الإزالة المستفادة من الحلق والنتف ونحوهما،
فلا بأس بالحك الذي لم يعلم ترتبها عليه، ولا قصدها به، ووجوب الفداء على
الشعرة الساقطة بمس اللحية إن قلنا به كوجوبها على الناسي والغافل عند القائل به
ولعل قوله عليه السلام: (لا بأس بالحك ما لم يدم أو يقطع الشعر) ظاهر فيما ذكرنا،

(1) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 وفيه
" لا يأخذ المحرم. الخ "
381

وحينئذ فلا بأس بالتشريح الذي لا طمأنينة بحصول القطع معه وإن اتفق، إلا
أن الأولى والأحوط اجتنابه، خصوصا مع كونه ترفها منافيا للاحرام وغالب
السقوط، فالأولى تمييزه بيده كما ورد (1) في الرأس، ولو سقطت شعرة بمماسة
اللحية مثلا وعلم كونها منسلة فلا شئ، ولو شك في كونها نابتة أو لا ففي الدروس
الأقرب الفدية، وفيه نظر للأصل، هذا، ويأتي إن شاء الله تمام البحث في
أطراف المسألة في الكفارات، والله العالم.
(وتغطية) الرجل (الرأس) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه
عليه، بل عن التذكرة والمنتهى إجماع العلماء عليه، بل النصوص فيه مستفيضة
حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة، منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر
القداح (2): (إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه) والصادق عليه السلام
في حسن عبد الله بن ميمون (3) (المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها
وإحرام الرجل في رأسه) وصحيح ابن الحجاج (4) (سألت أبا الحسن عليه السلام
عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما قال: لا) وصحيح ابن سنان (5) (سمعت
أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي وشكا إليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به وقال:
أترى أن أستتر بطرف ثوبي قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك) وصحيح
زرارة (6) (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي

(1) الوسائل - الباب - 75 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4
(6) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
382

وجهه من الذباب قال: نعم ولا يخمر رأسه، والمرأة المحرمة لا بأس أن تغطي
وجهها كله) وصحيح حريز (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن محرم
غطى رأسه ناسيا قال: يلقي القناع عن رأسه ويلبي ولا شئ عليه) وغير ذلك
من النصوص الظاهر بعضها في عدم الفرق بين الكل والبعض كما صرح به الفاضل
والشهيد وغيرهما، نعم لا بأس بعصام القربة اختيارا كما صرح به غير واحد،
بل لا أجد فيه خلافا، لصحيح ابن مسلم (2) سأل الصادق (عليه السلام) (عن
المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى قال: نعم) وكذا عصابة الصداع
لقول الصادق (عليه السلام) أيضا في صحيح معاوية (3): (لا بأس أن يعصب
المحرم رأسه من الصداع) ونحوه حسن يعقوب بن شعيب (4) بل في كشف اللثام
عمل بهما أي صحيحي العصابتين الأصحاب، ففي المقنع تجويز عصابة القربة،
وفي التهذيب والنهاية والمبسوط والسرائر والجامع والتذكرة والتحرير والمنتهى
تجويز التعصيب لحاجة، وأطلق ابن حمزه التعصيب، وإن كان قد يناقش بعدم
دليل على التعميم المزبور، بل ظاهر قوله (عليه السلام): (لا بأس ما لم يصب
رأسك) خلافه، إلا أن يدعى ذلك في خصوص التعصيب، ولكن إن لم يصل
إلى حد الضرورة فيه منع واضح.
نعم ربما ظهر من التذكرة والمنتهى التردد في الأذنين، لكن في التحرير
الوجه دخولهما، ولعله لصحيح ابن الحجاج السابق إن لم نقل إن الرأس اسم
للعضو المخصوص كاليد، وإن اختص بعد أجزائه باسم آخر، وإلا كان خبر

(1) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 2
383

الإذن (1) مؤكدا للدخول، ودعوى أن المراد به هنا منابت الشعر حقيقة أو
حكما لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، وإن استوجهها ثاني الشهيدين وفرع
عليها خروج الأذنين، بل في المدارك حكايتها عن جمع من الأصحاب، لكن قد
عرفت تصريح النص بخلافها، فلا يقدح حينئذ شهادة قوله (عليه السلام):
(إحرام المرأة في وجهها، والرجل في رأسه) أو العرف أو غير ذلك، فإن جميع
ذلك لا يعارض النص الصريح، نعم يجدي تحقيق ذلك بالنسبة إلى غيرهما مما هو
خارج عن المنبت، ولم يقم دليل على جواز تغطيته، فإن مقتضى الأول حينئذ
وجوبه، بخلافه على الدعوى الثانية، إلا أني لم أجد من ذكر وجوب غير الأذنين
زائدا على المنابت، بل لعل السيرة أيضا على خلافه.
ثم لا فرق في حرمة التغطية بين جميع أفرادها كالثوب والطين والدواء
والحناء وحمل المتاع أو طبق ونحوه كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا
بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، نعم في المدارك هو غير واضح، لأن المنهي عنه
في الروايات المعتبرة تخمير الرأس ووضع القناع عليه والستر بالثوب ونحوه لا مطلق
الستر، مع أن النهي لو تعلق به لوجب حمله على المتعارف منه، وهو الستر بالمعتاد
وتبعه في الذخيرة، وفيه - مضافا إلى قوله (عليه السلام): (إحرام الرجل في
رأسه) وغيره من الاطلاقات، واستثناء عصام القربة وغير ذلك - أن النهي عن
الارتماس في الماء وإدخال الرأس فيه - بناء على أنه من التغطية أو بمعناها ولذا
لا يختص ذلك بالماء - ظاهر في عدم اعتبار المتعارف من الساتر، وكذا ما تسمعه
من منع المحرمة تغطية وجهها بالمروحة، بناء على أنها من غير المتعارف، وعلى

(1) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
384

تساويهما في ذلك وإن اختلف محل إحرامها بالوجه والرأس وغير ذلك، ولعله لذا
ونحوه كان الحكم مفروغا منه عند الأصحاب، بل ظاهر بعضهم الاجماع عليه بيننا.
نعم للعامة خلاف في الخضاب الرقيق، وآخر في الطين، وثالث في العسل
واللبن الثخين، ورابع فيما يحمله على رأسه من متاع ونحوه، وعن المبسوط من
خضب رأسه أو طينه لزمه الفداء كمن غطاه بثوب بلا خلاف، هذا، وفي التحرير
والمنتهى جواز التلبيد بأن يطلي رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر ويتلبد،
فلا يتخلله الغبار، ولا يصيبه الشعث، ولا يقع فيه الدبيب، وقال: روى ابن
عمر (1) قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يهل ملبدا)) وحكاه في التذكرة عن
الحنابلة، قلت: قد يشعر صحيح زرارة (2) بمعروفية ذلك سابقا، سأل الصادق
(عليه السلام) في الصحيح (عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء؟ قال:
يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة، ولا بأس أن يغتسل بالماء ويصب على رأسه ما لم
يكن ملبدا، فإن كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من احتلام)) بل عن
المقنع والدروس الفتوى بمضمونه، وإن كان هو غير صريح في جوازه مطلقا فضلا
عنه اختيارا، ولعل منع اللبد عن الصب احترازا عن سقوط الشعر، وعلى كل
حال فلا ريب في أن الأحوط إن لم يكن أقوى اجتنابه إذا كان بحيث يستر
بعض الرأس.
نعم لا بأس بالتوسد ولو العمامة كما صرح به الفاضل والشهيد وغيرهما،
ولعله لصدق أنه مكشوف الرأس، مع أنه من لوازم النوم الذي هو من الضروريات

(1) صحيح مسلم ج 4 ص 8
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 73 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 4 وذيله في الباب 75 منها - الحديث 3
385

وإن كان الحكم غير مقيد بها، وعن المبسوط وفي المنتهى والتذكرة جواز الستر
باليد ولعله لأن الستر بما هو متصل به لا يثبت له حكم الستر، ولذا لو وضع يديه
على فرجه لم يجزه في الصلاة، ولأنه مأمور بمسح رأسه في الوضوء، ولما سمعته
من النص على جواز حك رأسه بيده، ولقول الصادق (عليه السلام) في صحيح
معاوية (1): (لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، وقال:
لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض) لكن في الدروس وليس صريحا في الدلالة
فالأولى المنع، وفيه أن الظهور كاف، هذا، وفي المسالك والمفهوم من الغطاء
ما كان ملاصقا، فلو رفعه عن الرأس بآلة بحيث يستر عنه الشمس ولم يصبه
فالظاهر جوازه، وفيه أنه يحرم حينئذ من حيث التظليل الذي ستعرف حكمه
لا التغطية، ويمكن أن يريد الجواز من حيث التغطية، لعدم صدقها.
(و) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه (في معناه) أي التغطية
(الارتماس) بالماء بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، لقول
الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز (2): (لا يرتمس المحرم في الماء) وفي
صحيح ابن سنان (3) (لا تمس الريحان وأنت محرم، لا تمس شيئا فيه زعفران
ولا تأكل طعاما فيه زعفران، ولا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك) وغيرهما من
النصوص، بل قد يستفاد من الصحيح الأخير أن المراد هنا بالارتماس ادخال
الرأس في الماء، بل لا فرق بينه وبين غيره من المائعات بعد أن كان المانع التغطية

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 18 - من أبواب تروك الاحرام
الحديث 10 وذيله في الباب 58 مها الحديث 1
386

بل مقتضى ذلك أنه لا يجوز رمس بعض رأسه حينئذ فضلا عن جميعه.
نعم لا إشكال ولا خلاف في جواز غسل رأسه بإفاضة الماء عليه، بل عن
التذكرة الاجماع عليه، لأنه ليس تغطية ولا في معناها، ولقول الصادق عليه السلام في
صحيح حريز (1): (إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء، ويميز
الشعر بأنامله بعضه من بعض)) وسأله عليه السلام أيضا يعقوب بن شعيب (2) في الصحيح
(عن المحرم يغتسل فقال: نعم يفيض الماء على رأسه ولا يدلكه) ولصحيح
زرارة (3) السابق من غير فرق بين الواجب والمندوب، بل يجوز له الغسل بفتح
الغين كذلك لما عرفت.
هذا كله في تغطية الرأس، وأما الوجه فالمشهور جوازه، بل عن الخلاف
والتذكرة والمنتهى الاجماع عليه، للأصل والنصوص السابقة، وتخمير وجه المحرم
إذا مات دون رأسه، ولقطع التفصيل الشركة في قوله عليه السلام: (إحرام الرجل في رأسه
وإحرام المرأة في وجهها) وخبر منصور بن حازم (4) (رأيت أبا عبد الله عليه السلام
وقد توضأ وهو محرم ثم أخذ منديلا فمسح وجهه) وخبر عبد الملك القمي (5)
سأله عليه السلام (عن الرجل المحرم يتوضأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمره كله قال: لا بأس)
وخبر أبي البختري (6) المروي عن قرب الإسناد عن أمير المؤمنين عليه السلام (المحرم

(1) الوسائل - الباب - 75 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 75 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 75 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 وفي
الطبع الحديث من الوسائل " ثم يخلل " وهو سهو فإن الموجود في الكافي ج 4
ص 349 كما في الجواهر
(6) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 8
387

يغطي وجهه عند النوم والغبار إلى طرار شعره) نعم في صحيح معاوية (1) عن
الصادق عليه السلام (يكره للمحرم أن يجوز بثوبه فوق أنفه) وفي صحيح حفص
وهشام (2) عنه عليه السلام أيضا (يكره للمحرم أن يجوز بثوبه أنفه من أسفل، وقال
(عليه السلام): أضح لمن أحرمت له) فما عن ابن أبي عقيل من عدم جوازه
وإن فيه كفارة إطعام مسكين واضح الضعف، وإن كان ربما يشهد له مضمر
الحلبي (3) الآتي بناء على أن الأصل فيما وجبت له الكفارة الحرمة، إلا أنه غير
ناهض بمعارضة ما عرفت من وجوه، بل يمكن القطع ببطلانه إن أراد البعض أيضا
للسيرة القطعية، وعن تهذيب الشيخ الجواز مع الاختيار غير أنه تلزم الكفارة
بل قال: ومتى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك، ولعله لصحيح الحلبي المضمر (4)
(المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده، قال: ولا بأس أن ينام على
وجهه على راحلته) الذي هو مع أنه غير دال على تمام مدعاه حمله غير واحد على
الندب، ولا بأس به بعد خلو تلك النصوص الواردة في مقام البيان عنه، وبعد
الأصل وظاهر الفتاوى.
وعلى كل حال فلا إشكال في اقتضاء النصوص والفتاوى حرمة تغطية المحرم

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 5 - من أبواب بقية كفارات
الاحرام - الحديث 1، إلا أن الموجود في الطبع الجديد " المحرم إذا غطى
رأسه.. الخ " وذيله في الباب 60 من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1،
وقد ذكر صدر الحديث صحيحا في الوسائل في الباب 55 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 4 عن الصادق (عليه السلام) إلا أنه سهو أيضا، حيث أن الحديث
مضمر كما في التهذيب ج 5 ص 308 - الرقم 1054
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
388

رأسه حتى عند النوم، بل صحيح زرارة السابق صريح فيه، فما في خبر زرارة (1)
الذي لم يجمع شرائط الحجية عن أحدهما (عليهما السلام) (في المحرم له أن يغطي
رأسه ووجهه إذا أراد أن ينام) مطرحا ومحمول على حال التضرر بالتكشف،
أو على التغطية التي هي تظليل أو غير ذلك، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لو غطى رأسه ناسيا ألقى الغطاء واجبا) بلا خلاف
ولا إشكال، لما عرفت من حرمة الابتداء والاستدامة (وجدد التلبية استحبابا)
لصحيح حريز (2) السابق، وصحيح الحلبي (3) سأل الصادق (عليه السلام)
(عن المحرم يغطي رأسه نائما أو ناسيا فقال: يلبي إذا ذكر) إلا أنهما كما ترى
مقتضاهما الوجوب الذي به ينقطع الأصل، لكن في المدارك وغيرها لا قائل به،
وإن كان فيه أنه حكي عن ظاهر الشيخ وابني حمزة وسعيد، ولا ريب في أنه
أحوط وإن كان الأول أقوى.
(و) على كل حال فلا خلاف في أنه (يجوز ذلك) أي تغطية الرأس
(للمرأة) بل الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة بعد الأصل والنصوص التي منها
صحيح زرارة (4) السابق الفارق بين الرجل والمرأة بتغطية الوجه كله المستلزم
لستر بعض الرأس،
ومنها قوله (عليه السلام) (5): (إحرام المرأة في وجهها،
وإحرام الرجل في رأسه) و (لكن عليها أن تسفر عن وجهها) فلا يجوز لها
تغطيته بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى أنه قول

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب 55 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 6 - 2
(3) الوسائل - الباب 55 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 6 - 2
(4) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب 55 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 6 - 2
389

علماء الأمصار، وهو الحجة بعد ما سمعت من أن إحرامها في وجهها، وفي حسن
الحلبي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (مر أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة
متنقبة وهي محرمة، فقال: احرمي واسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك،
فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال له رجل: إلى أين ترخيه؟ فقال: تغطي
عينها، قال: قلت: يبلغ فمها قال: نعم) وفي خبر أحمد بن محمد (2) عن
أبي الحسن (عليه السلام) قال: (مر أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة محرمة وقد
استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها) وفي خبر أبي عيينة (3) (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) ما يحل للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال:
الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير) كخبر ابن أبي العلاء (4) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا عن أبيه (عليه السلام) (أنه كره للمحرمة البرقع
والقفازين) بناء على إرادة الحرمة من الكراهة، مثل ما في صحيح العيص (5)
عنه (عليه السلام) أيضا (أنه كره النقاب، وقال: تسدل الثوب على وجهها،
قلت: حد ذلك إلى أين؟ قال: إلى طرف الأنف قدر ما تبصر) إلى غير ذلك
من النصوص المستفاد من أولها وغيره ما ذكره غير واحد من الأصحاب من عدم
الفرق في التحريم بين أن تغطيه بثوب وغيره نحو ما سمعته في رأس الرجل،
ضرورة اتحاد الوجه معه بالنسبة إلى ذلك، لكن في المدارك هو مشكل نحو ما
سمعته منه هناك، وقد عرفت ما فيه.
نعم يجوز لها وضع اليدين عليه كما يجوز لها نومها عليه، نحو ما سمعته في

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 6
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 6
(5) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4 - 2
390

الرجل بالنسبة إلى رأسه، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (1): (ولا
تستتر بيدها من الشمس) محمول على ضرب من الكراهة، وكذا لا فرق في حرمة
التغطية بين الكل والبعض، لما سمعته في الرأس، ولصحيح المنع من النقاب، بل
يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمة لكشف الوجه، كما يجب على الرجل كشف
بعض الوجه مقدمة للرأس.
نعم لو تعارض ذلك في المرأة في الصلاة ففي المنتهى والتذكرة والدروس
قدمت ستر الرأس لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره
السالمة عما يصلح للتخصيص، ضرورة امكان معارضته بمثله، بل لترجيحه بما قيل
من أن الستر أحوط من الكشف لكونها عورة، ولأن المقصود إظهار شعار
الاحرام بكشف الوجه بما تسمى به مكشوفة الوجه، وهو حاصل مع ستر جزء
يسير منه، وإن أمكن المناقشة فيه أيضا بتعارض الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة
والاحرام، وكونها عورة في النظر لا مدخلية له في ذلك، وكما يصدق أنها
مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه يصدق أنها مستورة الرأس مع كشف
الجزء اليسير منه، فالمتجه حينئذ التخيير إن لم ترجح الصلاة بكونها أهم وأسبق
حقا ونحو ذلك، نعم قد يقال إذا جاز السدل وخصوصا إلى الفم أو الذقن أو
النحر فلا تعارض إلا مع وجوب المجافاة، فإنه يتعسر الجمع حينئذ في السجود،
لكن يمكن فرض المسألة في حال تعذر السدل، فالاشكال حينئذ بحاله.
(و) على كل حال ف‍ (لو أسدلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز)
بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به، بل في المدارك نسبته إلى اجماع
الأصحاب وغيرهم نحو ما عن التذكرة من أنه جائز عند علمائنا اجماع، وهو قول

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10
391

عامة أهل العلم، بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها من الأجانب وانحصر
فيه، بل في كشف اللثام بعد أن أوجبه للستر قال: أما جواز السدل بل وجوبه
فمع الاجماع لأنها عورة يلزمها الستر من الرجال الأجانب، وللأخبار كقول الصادق
(عليه السلام) لسماعة (1): (إن مر بها رجل استترت منه بثوبها) وإن كان
هو منافيا للخلاف المعروف في كتاب النكاح في جواز النظر إلى وجه الأجنبية،
بل ربما كان المشهور الجواز وإن كان الأصح خلافه.
وكيف كان فلا اشكال في جواز السدل هنا لما عرفت ولما سمعته من صحيح
زرارة (2) والعيص (3) مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في صحيح
معاوية (4): (تسدل المرأة ثوبها على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت
راكبة) وفي صحيح زرارة (5) (المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها) وفي صحيح
حريز (6) (المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن) وفي المرسل (7) عن
عائشة (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا جاؤونا
سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفنا) أي غير ذلك
من النصوص المستفاد من بعضها جوازه إلى النحر الذي هو الموافق للستر، بل
مقتضى إطلاقها كالمتن ونحوه جوازه اختيارا بدون غرض الستر ونحوه، بل
مقتضاهما جوازه مماسا للوجه، خصوصا مع ملاحظة غلبة ذلك مع عدم إشارة في

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 2 - 8 - 7 - 6
(2) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 2 - 8 - 7 - 6
(4) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 2 - 8 - 7 - 6
(5) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 2 - 8 - 7 - 6
(6) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 10 - 2 - 8 - 7 - 6
(7) سنن البيهقي ج 5 ص 48
392

شئ منها إلى التحرز منه مع أنها في مقام البيان، ولعله لذا كان خيرة الفاضل في
المنتهى ذلك، وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه، خلافا للمحكي عن المبسوط والجامع
من عدم الجواز، فلا بد أن تمنعه بيدها أو بخشبة من أن يباشر وجهها، واختاره
في القواعد بل في الدروس أنه المشهور، بل عن الشيخ وجوب الدم مع تعمد
المباشرة، وظاهره ذلك حتى إذا زال أو أزالته بسرعة، خلافا لبعض العامة فلا
شئ، بل في الدروس وعن غيرها حكايته عن الشيخ أيضا، وإن كنا لم نتحققه
كما أنه لم نتحقق الشهرة المزبورة.
وعلى كل حال فلم نجد له دليلا على شئ من ذلك سوى دعوى الجمع بين
صحاح السدل والنصوص المانعة من التغطية بحمل الأولى على غير المصيبة للبشرة
بخلاف الثانية، بل لعل المرتفعة ليس من التغطية، وفيه مع أن الدليل خال
عن ذكر التغطية وإنما فيه الاحرام بالوجه والأمر بالاسفار عن الوجه أن السدل
بمعنييه تغطية عرفا، وأنها غير سافرة الوجه معه إلا ما خرج عنها إلى حد التظليل
ونحوه، على أن الجمع باخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح
النصوص المزبورة بل والفتوى أولى من وجوه، ولا يقتضي ذلك اختصاص الحرمة
حينئذ بالنقاب كما في المدارك والذخيرة وغيرهما، بل في الأول لا يستفاد من
الأخبار أزيد من ذلك، ضرورة تعدد أفراد التغطية بغير السدل كالشد ونحوه،
وخصوصا مع ملاحظة اللطوخ ونحوه، ومن هنا تردد المصنف فيما يأتي في كراهة
النقاب، بل أفتى به الفاضل في الإرشاد مع الجزم بحرمة التغطية، بل في الدروس
عد النقاب محرما مستقلا عن حرمة التغطية وإن كان قد علله بها، فالتحقيق
استثناء السدل من ذلك بقسميه، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، نعم قد
سمعت ما في صحيح زرارة من جواز تغطية المحرمة وجهها كله في النوم، بخلاف
الرجل فإنه يغطي وجهه ولا يخمر رأسه، لم أقف على راد له كما أني لم أقف على
393

من استثناه من حكم التغطية، ويمكن إرادة التغطية بما يرجع إلى السدل أو ما يقرب
منه، فتدبر هذا.
وفي الدروس والخنثى تغطي ما شاءت من الرأس أو الوجه، ولا كفارة،
ولو جمعت بينهما كفرت، وتبعه في المسالك، وفيه أن المتجه وجوب كشفهما
مقدمة لخصوص اليقين بالامتثال وإن كان لا كفارة إلا مع الجمع، والله العالم.
(وتظليل) الرجل (المحرم عليه سائرا) بأن يجلس في محمل أو قبة أو
كنيسة أو عمارية مظللة أو نحو ذلك على المشهور نقلا في الدروس وغيرها،
وتحصيلا، بل عن الإنتصار والخلاف والمنتهى والتذكرة الاجماع عليه، بل لعله
كذلك إذ لم يحك الخلاف فيه إلا عن الإسكافي، مع أن عبارته ليست بتلك
الصراحة، قال: (يستحب للمحرم أن لا يظلل على نفسه، لأن السنة بذلك
جرت، فإن لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روي عن أهل البيت (عليهم السلام)
جوازه، وروي أيضا أنه يفتدي عن كل يوم بمد، وروي في ذلك أجمع دم،
وروي لا حرام المتعة دم، ولا حرام الحج دم آخر) ويمكن أن يريد بالمستحب
ما لا ينافي الواجب وإن كان يشهد له مضافا إلى الأصل صحيح الحلبي (1) (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يركب في القبة قال: ما يعجبني ذلك إلا أن يكون
مريضا) وصحيح علي بن جعفر (2) (سألت أخي عليه السلام أظل وأنا محرم فقال:
نعم وعليك الكفارة، قال: فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظلل)
وصحيح جميل (3) عنه (عليه السلام) أيضا (لا بأس بالظلال للنساء، وقد رخص
فيه للرجال) إلا أن الأصل مقطوع بما عرفت وتعرف، والأول غير صريح في

(1) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 10
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 10
394

الجواز، كما أن الثاني يحتمل الضرورة التي هي في الثالث أظهر بقرينة لفظ الرخصة
مضافا إلى موافقتها للعامة، وإلى قصورها عن معارضة المعتبرة المستفيضة المعتضدة
بما سمعت، كصحيح ابن المغيرة (1) (قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام):
أظلل وأنا محرم قال: لا، قلت: فأظلل وأكفر قال: لا، قلت: فإن مرضت قال:
ظلل وكفر، ثم قال: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من حاج يضحي
ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها) وصحيح هشام بن سالم (2)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يركب في الكنيسة فقال: لا، هو
للنساء جائز) وصحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما السلام) (سألته عن
المحرم يركب القبة فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة قال: نعم) وصحيح سعد بن
سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (سألته عن المحرم يظلل على
نفسه قال: أمن علة؟ فقلت: يؤذيه حر الشمس وهو محرم فقال: هي علة يظلل
ويفدي) وموثق إسحاق بن عمار (4) عن أبي الحسن (عليه السلام) (سألته
عن المحرم يظلل عليه وهو محرم قال: لا إلا مريضا أو من به علة والذي لا يطيق
الشمس) وصحيح حريز (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام): وموثق عثمان بن عيسى
الكلابي (7) (قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): إن علي بن شهاب يشكو
رأسه والبرد شديد ويريد أن يحرم فقال: إن كان كمن تزعم فليظلل فأما أنت

(1) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 4 - 1 - 7 - 13
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 4 - 1 - 7 - 13
(3) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 4 - 1 - 7 - 13
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 4 - 1 - 7 - 13
(6) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 - 4 - 1 - 7 - 13
395

فاضح لمن أحرمت له) وخبر عبد الرحمان (1) (سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه وصدع فيستتر منها فقال: هو
أعلم بنفسه، إذا علم أنه لا يستطيع أنه تصيبه الشمس فليستظل منها) وخبر إسماعيل
ابن عبد الخالق (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل يستتر المحرم من
الشمس؟ قال: لا إلا أن يكون شيخا كبيرا أو قال ذا علة) وخبر محمد بن
منصور (3) عنه (عليه السلام) (سألته عن الظلال للمحرم قال: لا يظلل إلا من
علة مرض) وخبر جعفر بن المثنى (4) قال: قال لي محمد: (ألا أسرك؟ قلت:
بلى، فقمت إليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن (عليه السلام)
ثم أقبل عليه فقال: يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحل قال: لا،
قال: فليستظل في الخباء فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه المستهزئ يضحك
يا أبا الحسن فما فرق بين هذين؟ قال: يا أبا يوسف إن الدين ليس بقياس كقياسكم
أنتم تلعبون، إنا صنعنا كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله، كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يركب راحلته فلا يستظل عليها وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض وربما
يستر وجهه بيده، وإذا نزل استظل بالخباء في البيت وبالجدار) وخبر محمد بن
الفضل (5) قال: (كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة وكان أبو الحسن (عليه السلام)
وأبو يوسف فقام إليه أبو يوسف وتربع بين يديه فقال: يا أبا الحسن جعلت
فداك المحرم يظلل قال: لا، قال: فيستظل بالجدار والمحمل ويدخل البيت والخباء

(1) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 9 - 8
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 9 - 8
(3) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 6 - 9 - 8
(4) الوسائل - الباب - 66 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 - 2
والثاني خبر محمد بن الفضيل وهو الصحيح كما يشير إليه في ص 400
(5) تقدم آنفا تحت رقم 4.
396

قال: نعم، قال: فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ، فقال له أبو الحسن عليه السلام:
يا أبا يوسف إن الدين لا يقاس كقياسك وقياس أصحابك، إن الله عز وجل أمر
في كتابه بالطلاق وأكد فيه بشاهدين ولم يرض بهما إلا عدلين، وأمر في كتابه
بالتزويج وأهمل بلا شهود، فأتيتم بشاهدين فيما أبطل، وأبطلتم شاهدين فيما أكد
الله عز وجل، وأجزتم طلاق المجنون والسكران، حج رسول الله صلى الله عليه وآله فأحرم
ولم يظلل ودخل البيت والخباء واستظل بالمحمل والجدار ففعلنا كما فعل رسول الله
صلى الله عليه وآله فسكت) ومرسل عثمان بن عيسى (1) المروي عن العيون (قال أبو يوسف
للمهدي وعنده موسى بن جعفر (عليه السلام): أتأذن لي أن أسأله عن مسائل
ليس عنده فيها شئ؟ فقال: نعم، فقال له: أسألك قال له: اسأل، قال:
ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الأرض
ويدخل البيت قال: نعم، قال: فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن عليه السلام:
ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال: لا، قال: فتقضي الصوم قال: نعم،
قال: ولم؟ قال: هكذا جاء، فقال أبو الحسن (عليه السلام): وهكذا جاء هذا
فقال المهدي لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئا؟ قال: رماني بحجر دامغ)
والأصل في ذلك ما عن أبي حنيفة قال للصادق (عليه السلام): على ما في صحيح
البزنطي (2) المروي عن قرب الإسناد (أيش فرق بين ظلال المحرم والخباء؟
فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن السنة لا تقاس) ومرسل الطبرسي (3) في محكي
الاحتجاج وإرشاد المفيد بتفاوت يسير، قال: واللفظ للأول (سأل محمد بن
الحسن أبا الحسن موسى عليه السلام بمحضر من الرشيد وهم بمكة، فقال له: أيجوز للمحرم

(1) الوسائل - الباب - 66 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 66 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 66 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 5 - 6
397

أن يظلل عليه محمله؟ فقال له موسى (عليه السلام): لا يجوز له ذلك مع الاختيار
فقال محمد بن الحسن أفيجوز له أن يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم،
فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك، فقال له أبو الحسن عليه السلام: أتعجب من سنة
رسول الله صلى الله عليه وآله وتستهزئ بها أن رسول الله صلى الله عليه وآله كشف ظلاله في احرامه
ومشى تحت الظلال وهو محرم، إن أحكام الله يا محمد لا تقاس، فمن قاس بعضها
على بعض فقد ضل سواء السبيل، فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا) وخبر
أبي بصير (1) (سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال وهي محرمة قال: نعم،
قلت: فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم قال نعم إذا كانت به شقيقة يتصدق
بمد لكل يوم) إلى غير ذلك من النصوص المنجبر ضعف بعضها بالشهرة (و) ما
عرفت من الاجماع وغيره.
نعم (لو اضطر لم يحرم) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه
وهو الحجة، مضافا إلى ما سمعته من النصوص التي يظهر من بعضها عدم الاكتفاء
فيها بمطلق الأذية من حر أو برد ما لم تصل إلى حد لا يتحمل مثلها على وجه يسقط
التكليف معها، قال زرارة (2): (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم
أيتغطى؟ فقال: أما من الحر أو البرد فلا) ولعله لذا كان المحكي عن الشيخين
وكذا ابن إدريس اعتبار الضرر العظيم بناء على إرادة ما يسقط معه التكليف
من العظيم كما في غير المقام، إذ لا دليل على اعتبار أزيد منه، كما أنه لا دليل على
الاكتفاء بالأقل منه بعد انسياق النصوص إلى ما ذكرنا واجتماعها عليه، وحينئذ
فاطلاق بعض النصوص الاكتفاء بمطلق الأذية كصحيح سعد بن سعد (3) السابق

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 8 - 4
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 14
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 8 - 4
398

وصحيح ابن بزيع (1) عن الرضا (عليه السلام) (سأله رجل عن الظلال للمحرم
من أذى أو مطر أو شمس وأنا أسمع فأمره أن يفدي شاة ويذبحها بمنى) ورواه
الصدوق بزيادة (أو قال من علة) قبل قوله: (فأمره) وزيادة (وقال: نحن
إذا أردنا ذلك ظللنا وفدينا) وخبر إبراهيم (2) (قلت للرضا (عليه السلام):
المحرم يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضران به، قال: نعم،
قلت: كم الفداء؟ قال: شاة) وخبر علي بن محمد (3) كتب إليه (المحرم هل
يظلل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر أو كان مريضا أم لا، فإن ظلل هل يجب
عليه الفداء أم لا، فكتب (عليه السلام) يظلل على نفسه ويهريق دما إن شاء الله)
محمول على ما ذكرناه، خصوصا بعد استصحاب عدم الجواز الذي لا يكفي في
ارتفاعه التزام الكفارة مع عدم الضرورة كما هو مقتضى اطلاق النص والفتوى،
بل هو صريح صحيح ابن المغيرة السابق (4) فما عن المقنع من أنه لا بأس أن يضرب
على المحرم الظلال ويتصدق بمد لكل يوم بناء على ظهوره في المختار واضح الضعف
وإن قال في الدروس روى علي بن جعفر (5) جوازه مطلقا ويكفر لكن إن كان
مراده ما سمعت من صحيحه السابق فقد عرفت احتماله الضرورة، نعم قد يلوح
ذلك من صحيح ابن بزيع (6) السابق ونحوه، ولكن لا يجترئ بمثله على ذلك
بعد ما عرفت.
هذا كله في التظليل عليه بالقبة ونحوها مما يكون على رأسه، أما الاستتار
سائرا بالثوب ونحوه عن الشمس مثلا على وجه لا يكون على رأسه فعن الخلاف

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 6 - 5 - 1 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 6 - 5 - 1 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 6 - 5 - 1 - 2 - 6
(4) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 6 - 5 - 1 - 2 - 6
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 6 - 5 - 1 - 2 - 6
399

والمنتهى جوازه بلا خلاف، بل في الأخير نسبته إلى جميع أهل العلم، قال:
(وإذا نزل جاز أن يستظل بالسقف والحائط والشجرة والخباء والخيمة، فإن نزل
تحت شجرة طرح عليها ثوبا يستتر به، وأن يمشي تحت الظلال، وأن يستظلل
بثوب ينصبه إذا كان سائرا ونازلا لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة
لضرورة أو غير ضرورة عند جميع أهل العلم) وعن ابن زهرة (يحرم عليه أن
يستظل وهو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه) وتبعهم غير واحد ممن تأخر
ولعله للأصل بعد كون المورد في أكثر النصوص الجلوس في القبة و الكنيسة
والمحمل ونحوها مما لا يشمل الفرض، وصحيح ابن سنان (1) عن الصادق (عليه
السلام) قال: سمعته يقول لأبي: وشكا إليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به
وقال: أترى إن استتر بطرف ثوبي؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك)
ولكن فيه أنه يعارضه عموم نحو قول الصادق (عليه السلام) في خبر المعلى (2):
(لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، ولا بأس أن يستر بعضه ببعض) وخبر
إسماعيل بن عبد الخالق (3) ومحمد بن الفضيل (4) السابقان، بل وخبر عبد الله بن
المغيرة المتقدم (5) ضرورة أنه لو كان الاستتار بما لا يكون فوق الرأس جائزا
لبينه له، وخلو أخبار التكفير (6) مع التظليل للضرورة عما لا يكون فوق الرأس
إذ لو كان جائزا اختيارا وجب الاقتصار عليه إذا اندفعت به الضرورة، ولعل

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 - 2
(3) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 9 - 11
(4) الوسائل - الباب - 66 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 9 - 11
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب بقية كفارات الاحرام
400

المتجه حمل ذلك (كله) على الكراهة كما يومي إليه خبر قاسم الصيقل (1) قال: (ما
رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل من أبي جعفر عليه السلام كان يأمر بقلع القبة
والحاجبين إذا أحرم) فإن التشديد ظاهر في الزيادة على الواجب، وهذا وإن كان
من الراوي إلا أنه ظاهر في معلومية الحكم عندهم سابقا، وهو شاهد على صحة
الاجماع المزبور الذي يقيد به المطلقات المذكورة، وأخبار التكفير إنما جاءت
لبيان ثبوت الكفارة في المحرم من التظليل للمختار إذا اقتضته الضرورة، وهو
ما فوق الرأس.
بل قد يشهد لما ذكرناه ما في خبر سعيد الأعرج (2) سأل الصادق عليه السلام
(عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده قال: لا إلا من علة) لما عرفت من
جواز الاستتار باليد الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وآله على وجه يقصر عن معارضته،
فلا بد من حمله على ضرب من الكراهة، ولكن مع ذلك كله الاحتياط لا ينبغي
تركه، وفي الدروس (فرع هل التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر؟
فيه نظر، لقوله عليه السلام: (اضح لمن أحرمت له) والفائدة فيمن جلس في المحمل
بارزا للشمس، وفيمن تظلل به وليس فيه) وفي كشف اللثام يعني يجوز الأول
على الثاني دون الأول، والثاني بالعكس، ثم قال فيهما، وفي الخلاف لا خلاف أن
للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسه فوق رأسه، وعن نسخة (ما لم يكن)
وقضيته اعتبار المعنى الثاني، قلت: يمكن كون التظليل محرما لنفسه وإن لم يفت
معه الضحى للشمس، أي البروز بما أحرم به لها كما إذا كانت في وجهه، ولذا حرم
حيث لا تكون شمس، وإن أبيت ذلك فليس إلا الاحتمال الأول، ضرورة أن

(1) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 12
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5
401

الستر لا أثر له في النصوص سوى بعض المطلقات في النهي عن الاستتار المحمولة
على الستر المخصوص، وأما الأول - أي الاضحاء - فقد عرفت تكرار الأمر
به في النصوص المزبورة على وجه يظهر منه كون العلة في حرمة التظليل
فوات الاضحاء المراد به كما في المنتهى البروز للشمس، وعن النهاية الأثيرية ضحى
ظله أي مات يقال ضحى الظل أي صار شمسا فإذا صار شمسا فقد بطل،
ومنه حديث الاستسقاء اللهم ضاحت بلادنا واغبرت أرضنا أي برزت للشمس
وظهرت لعدم النبات فيها، إلى أن قال: ومنه أيضا حديث ابن عمر (1) رأى
محرما قد استظل فقال: أضح لمن أحرمت أي أظهر واعتزل ولكن يقال:
ضحيت للشمس وأضحيت أضحى (إضحاء ظ) إذا أبرزت لها وظهرت، ومن هنا
جزم في الحدائق بكونه العلة في التحريم، بل شدد الانكار على احتمال كون العلة في
التحريم الستر، وفرع عليه حرمة التظليل وإن لم يكن فوق الرأس، ولكن فيه
أن الأمر بالاضحاء قد جاء في صحيح حفص وهشام (2) عن الصادق عليه السلام على
نحو التعليل للمكروه، قال: (يكره للمحرم أن يجوز بثوبه أنفه من أسفل،
وقال عليه السلام: اضح لمن أحرمت له) فلا يبعد القول بالكراهة فيما نافى الاضحاء
من التستر بما لا يكون فوق الرأس، والحرمة بما كان فوقه، هذا.
وفي المسالك يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل،
فلا يقدح فيه المشي في ظل المحمل ونحوه عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه وإن
كان قد يطلق عليه التظليل لغة، وإنما يحرم حالة الركوب، فلو مشى تحت الظل

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 70
(2) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
402

كما لو مر تحت الحمل والمحمل جاز، وفي الروضة في شرح قول الشهيد: (والتظليل
للرجل الصحيح سائرا) قال: فلا يحرم نازلا إجماعا ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل
ونحوه، والمعتبر منه ما كان فوق رأسه، فلا يحرم الكون في ظل المحمل عند
ميل الشمس إلى أحد جانبيه، وأطلق في القواعد، وما سمعته من المنتهى جواز المشي
تحت الظلال، كمحكي النهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر والجامع.
وعلى كل حال فصريح ثاني الشهيدين اختصاص حرمة التظليل بحال الركوب
دون المشي، وفيه منع واضح، لاطلاق الأدلة التي لا ينافيها النهي عنه حال
الركوب الذي هو أحد الأفراد، نعم في صحيح ابن بزيع (1) (كتب إلى الرضا
عليه السلام هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب نعم) وفي خبر
الاحتجاج (2) (يجوز له المشي تحت الظلال) إلا أنه يمكن دعوى انسياقه إلى
إرادة المشي في ظله لا الكون تحت الحمل والمحمل، وحينئذ فلا يختص بالماشي،
بل يجوز للراكب ذلك أيضا، على أنه لو سلم كان ينبغي الاقتصار عليه لا تخصيص
الحرمة بحال الركوب على وجه يجوز له المشي مع التظليل بشمسية ونحوها مما
يكون فوق رأسه، بل لعل ما سمعته من إجماع المنتهى دال عليه، فإن السائر أعم
من كونه راكبا، ولا ينافيه ما ذكره قبل ذلك من جواز المشي تحت الظلال
المحمول على حال النزول أو الظلال المستقر لا السائر معه، فإنه قد يقال بجوازه
للأصل بعد قصور النصوص عن تناوله، ضرورة عدم صدق التظليل به، بل ربما
يؤيده دخول المحرمين مكة الذي لا ينفك عن مرورهم تحت ظل من باب ونحوه،
اللهم إلا أن يكون ذلك من الضرورة، وفيه منع بالنسبة إلى بعض الأفراد،

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 66 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 6
403

خصوصا مع عدم إشارة في شئ من النصوص إلى ذلك ولا إلى كونه من حال
النزول الذي لا يتم حال وقوعه للحج من مكة أو من المسجد ولعله لذا حكي عن
فخر الاسلام في شرح الإرشاد القطع بأن المحرم عليه سائرا إنما هو الاستظلال
بما ينتقل معه كالمحمل، أما لو مر تحت سقف أو ظل بيت أو سوق أو شبهه فلا
بأس، بل يمكن حمل ما في خبر الاحتجاج السابق عليه، لكن في كشف اللثام
بعد أن حكى عن الفخر ما سمعت قال: (أكثر هذه تدخل في الضرورة، وأما
جواز المشي في الطريق في ظل المحامل والجمال والأشجار اختيارا ففيه كلام خصوصا
تحتها، ولم يتعرض لذلك الأكثر، ومنهم المصنف في غير الكتاب والمنتهى والشيخ
في غير الكتابين، بل أطلقوا حرمة التظليل أو إلى النزول) قلت: ولا ريب في
ظهوره في غير الفرض كالنصوص، وبذلك كله يظهر لك النظر فيما في المدارك من
وجوه، قال: ويجوز للمحرم المشي تحت الظلال كما نص عليه الشيخ وغيره،
وقال الشارح (رحمه الله) إلى آخره، ويدل على الجواز صريحا ما رواه الشيخ
في الصحيح (1) عن محمد بن إسماعيل بن بزيع إلى آخره، وقال العلامة في المنتهى
إنه يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل وأن يستظل إلى آخره، ومقتضى
ذلك تحريم الاستظلال في حال المشي بالثوب إذا جعله فوق رأسه، وربما كان
مستنده صحيح إسماعيل بن عبد الخالق (2) المتضمن لتحريم الاستتار من الشمس
إلا أن المنساق منه حال الركوب، والمسألة محل تردد وإن كان الاقتصار في المنع
من التظليل على حالة الركوب كما ذكره الشارح لا يخلوا من قرب، فإنك بعد

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 وهو
مروي بطريق الكليني (قده)
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 9
404

الإحاطة بما ذكرناه لا يخفى عليك ما فيه، بل وما في كشف اللثام فإنه بعد أن
حكى جواز المشي تحت الظلال عمن سمعت قال: وهل معنى ذلك أنه إذا نزل المنزل
جاز له ذلك كما جاز جلوسه في الخيمة والبيت وغيرهما لا في سيره، أو جوازه في
السير أيضا حتى أن حرمة الاستظلال يكون مخصوصا بالراكب، كما يظهر من
المسالك، أو المعنى المشي في الظل سائرا لا بحيث يكون ذو الظل فوق رأسه؟
أوجه، ففي المنتهى إذا نزل إلى قوله: وأن يمشي تحت الظلال ثم قال: وهو
يفيد الأول، وهو أحوط، لاطلاق كثير من الأخبار النهي عن التظليل، ثم
الأحوط من الباقين هو الأخير، ثم حكى ما سمعته من الفخر، وهو كما ترى مجرد
تشكيك، بل لعله ترك فيه ما هو الأقوى من ذلك، وهو كون المراد جواز
المشي تحت الظلال الذي لا ينتقل معه، لما عرفته من الأصل بعد ظهور النصوص
في غيره.
هذا كله في الرجل، أما المرأة فيجوز لها التظليل بلا خلاف محقق أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (1) المصرحة
بذلك، وإلى كونها عورة يناسبها الستر، وضعيفة عن مقارفة الحر والبرد ونحوهما
نعم عن نهاية الشيخ أن اجتنابه أفضل، وعن المبسوط أنه يحتمله، قيل وكأنه
لاطلاق المحرم والحاج في كثير من الأخبار وبعض الفتاوى كفتوى المقنعة وجمل
العلم والعمل، بل والشيخ في جملة من كتبه وسلار والقاضي والحلبيين، وإن كان
فيه أن الظاهر إرادة الرجل المحرم منه فيهما.
كما أنه لا خلاف في جوازه للرجل حال النزول، بل الاجماع بقسميه عليه
مضافا إلى النصوص السابقة، وبذلك يقيد إطلاق غيرها، نعم قد يتوقف في

(1) الوسائل - الباب - 64 و 65 و 68 - من أبواب تروك الاحرام
405

تظليل يسير معه راكبا أو ماشيا للتردد في المنزل ونحوه، فالأحوط إن لم يكن
أقوى اجتنابه، وفي كشف اللثام بعد الجزم بجواز التظليل جالسا في المنزل قال:
وهل الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو إصلاح شئ أو انتظار رفيق أو نحوها
كذلك؟ احتمال، ومقتضاه احتمال عدم الجواز أيضا فيه، وإن كان التحقيق
خلافه، إلا أنه الأحوط.
وكذا لا بأس بالتظليل على الصبيان لما سمعته في صحيح حريز (1) السابق
الذي أفتى به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بينهم، ولعله لضعفهم عن مقارفة
الحر والبرد.
(ولو زامل) الصحيح (عليلا أو امرأة اختص العليل والمرأة بجواز
التظليل) بلا خلاف محقق أجده فيه، لاطلاق الأدلة، وخصوص خبر بكر بن
صالح أو صحيحه (2) (كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أن عمتي معي، وهي
زميلتي، ويشتد عليها الحر إذا أحرمت أفترى أن أظلل علي وعليها؟ قال: ظلل
عليها وحدها) ولا يعارضه مرسل العباس بن معروف (3) عن الرضا عليه السلام
(سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه أله أن يستظل؟ قال: نعم)
لقصوره عن ذلك من وجوه، بل عن الشيخ احتمال عود الضمير في قوله: (أله)
إلى المريض، وأولى من ذلك احتمال إرادة الاستظلال بما يحدث من ظلال العليل
الذي قد عرفت جوازه باعتبار عدم كونه على الرأس.
ثم إن الظاهر عدم صدق الاستظلال بالخشب الباقية في المحمل والعمارية
ونحوهما بعد رفع الظلال، ويؤيده التوقيع المروي عن الاحتجاج في جواب محمد

(1) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 2
406

ابن عبد الله بن جعفر الحميري (1) (كتب إلى صاحب الزمان (عليه وعلى آبائه
آلاف التحية والسلام) يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو
الكنيسة ويرفع الجناحين أم لا؟ فكتب عليه السلام في الجواب لا شئ عليه في ترك
رفع الخشب) ولا ينافي ذلك ما تقدم في خبر الصيقل (2) من أن أبا جعفر عليه السلام
كان يأمر بقلع القبة والحاجبين بعد حمله على الندب، والله العالم.
(و) يحرم على المحرم (إخراج الدم) في الجملة (إلا عند الضرورة)
كما في المقنعة وجمل العلم والعمل والنهاية والمبسوط والاستبصار والتهذيب والاقتصاد
والكافي والغنية والمراسم والسرائر والمهذب والجامع على ما حكي عن بعضها، لخبر
الصيقل (3) عن أبي عبد الله عليه السلام سأله (عن المحرم يحتجم قال: لا إلا أن يخاف
التلف ولا يستطيع الصلاة، وقال: إذا آذاه الدم فلا بأس ويحتجم ولا يحلق
الشعر) وحسن الحلبي (4) سأله عليه السلام أيضا (عن المحرم يحتجم فقال: لا إلا
أن لا يجد بدا فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم) وخبر ذريح (5) سأله عليه السلام
أيضا (عن المحرم يحتجم قال: نعم إذا خشي الدم) وخبر زرارة (6) عن أبي جعفر عليه السلام (لا يحتجم المحرم إلا أن يخاف على نفسه أن لا يستطيع الصلاة)
إلى غير ذلك من النصوص.
(وقيل) والقائل الشيخ في محكي الخلاف: (يكره) الاحتجام، وتبعه
المصنف في النافع، وعن المصباح ومختصره كراهيته والقصد، ولعله للجمع بين ما

(1) الوسائل - الباب - 67 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 12
(3) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1 - 8 - 2
(4) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1 - 8 - 2
(5) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1 - 8 - 2
(6) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1 - 8 - 2
407

سمعت وبين صحيح حريز (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (لا بأس بأن يحتجم
المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر) وخبر يونس بن يعقوب (2) (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن المحرم يحتجم قال: لا أحبه) المؤيدين بمرسل الفقيه (3)
(احتجم الحسن (عليه السلام) وهو محرم) وهو لا يخلوا من وجه لولا الشهرة
المزبورة التي ترجح الجمع بين النصوص بالتقييد بالضرورة، على أن الأخيرين غير
جامعين لشرائط الحجية، بل قيل: لا ظهور في قوله: (لا أحبه) في الكراهة
نحو (لا ينبغي).
(وكذا) الكلام على ما (قيل في حك الجلد المفضي إلى إدمائه)
الذي اقتصر عليه في محكي الاقتصاد والكافي لقول الصادق (عليه السلام) في خبر
عمر بن يزيد (4): (ويحك الجسد ما لم يدمه) وصحيح معاوية بن عمار (5)
سأله (عليه السلام) (عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم أو
يقطع الشعر).
(وكذا) الكلام في (السواك المفضي إلى الادماء الذي عن القاضي
الاقتصار عليه وعلى الحك، كما عن النهاية والمبسوط والسرائر والجامع ذكرهما مع
الاحتجام خاصة، وعن المقنعة معه والاقتصار وعن جمل العلم والعمل ذكر الاحتجام
والاقتصاد وحك الجلد حتى يدمي، وفي صحيح الحلبي (6) (سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 4 - 7
(4) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
(5) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
(6) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 1 - 3
408

عليه السلام عن المحرم يستاك قال: نعم ولا يدمي) ولكن في خبر علي بن جعفر (1)
عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك قال: لا بأس
ولا ينبغي أن يدمي) بناء على إشعاره بالكراهة، مضافا إلى صحيح معاوية
ابن عمار (2) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: المحرم يستاك قال: نعم، قلت: فإن
أدمى يستاك قال: نعم هو من السنة) بل وصحيحه الآخر (3) سأله عليه السلام (عن
المحرم يعصر الدمل ويربط عليها الخرقة فقال: لا بأس به) وموثق عمار (4) عنه
عليه السلام أيضا (سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال: يحكه، وإن سال
منه الدم فلا بأس).
(و) لعله لذا مضافا إلى الأصل كانت (الكراهة) فيهما (أظهر
عند المصنف كما عن الجمل والعقود والوسيلة، لكن فيه أن موثق الجرب ظاهر
في الضرورة بناء على انسياقها من الأذية فيه، فيبقى ما دل على حرمة الحك مع
الادماء بلا معارض، وصحيح السواك متروك الظاهر، لدلالته على أنه من السنة
مطلقا حتى في الصورة المفروضة، ولا قائل بها، للاجماع على الكراهة، فينبغي
طرحه أو حمله على صورة عدم العلم بالادماء، وحينئذ يبقى ما دل على المنع بلا
معارض، نعم قد يقال إن مقتضى الأصل جواز إخراج الدم بغير ما عرفت كعصر
الدمل وقلع الضرس وغير ذلك مما لا يدخل في النصوص المزبورة، مضافا إلى خبر
الصيقل (5) أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام (عن المحرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ قال:

(1) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 92 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 95 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
409

نعم لا بأس به) وإن كان يمكن حمله على الضرورة، إلا أنه يكفي في الجواز
الأصل بعد عدم ما يدل على حرمة مطلق الادماء إلا ما تسمعه إن شاء الله،
ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.
وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في الجواز مع الضرورة، بل الاجماع
بقسميه عليه، بل وعلى عدم الفدية معها، مضافا إلى الأصل والنصوص السابقة،
بل الظاهر عدم الفدية مع الاختيار على الحرمة، للأصل بعد خلو النصوص
المذكورة في مقام البيان، لكن في الدروس وفدية إخراج الدم شاة ذكره بعض
أصحاب المناسك، وقال الحلبي في حك الجسم حتى يدمي مد طعام مسكين، قلت:
لا ريب في أنه أحوط وإن لم يحضرني دليله بالخصوص، نعم في المرسل (1) (أن
مسألة وقعت في الموسم ولم يكن عند مواليك فيها شئ، محرم قلع ضرسه فكتب
يهريق دما) وإليه أشار في الدروس قال: الثالث والعشرون قلع الضرس، وفيه
دم، والرواية مقطوعة، وقال ابن الجنيد وابن بابويه: لا بأس مع الحاجة ولم
يوجبا شيئا، وظاهره التردد في الفدية لا في الحرمة، لكن قد عرفت الحال فيه
ولعله بناء على حرمة مطلق إخراج الدم، قال فيها: العشرون الحجامة إلا مع
الحاجة في الأظهر لرواية الحسن الصيقل (2) وقال في المبسوط: (لا يجوز للمحرم
أن يحتجم ويفتصد) وقال في الخلاف وتبعه ابن حمزة: يكره وهو في صحيح
حريز، وفي حكم الحجامة الفصد وإخراج الدم ولو بالسواك أو حك الرأس،
وتبعه عليه في المسالك وغيرها، ولكن قد عرفت عدم دليل على العموم، اللهم
إلا أن يكون قد فهم من ذلك المثال لمطلق الادماء، خصوصا بعد ملاحظة ما في

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3
410

الصحيح (1) السابق المشتمل على الرخصة في علاج دبر الجمل وإلقاء الدواب عنه
ولكن لا يدميه، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان إثبات الحرمة بمثل ذلك كما
ترى، سيما بعد ما عرفت من اختلاف كلام الأصحاب بالنسبة إلى الاقتصار على
بعض دون بعض على وجه يعلم منه عدم إرادة مطلق إخراج الدم، وإلا كان
ينبغي التعبير به، بل قد سمعت تعبير المصنف به أولا ثم اختار الكراهة في
الأخيرين على أحد الوجهين في عبارته، والله العالم.
(و) كذا يحرم عليه (قص الأظفار) بلا خلاف أجده فيه، بل
الاجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى والتذكرة نسبته إلى علماء الأمصار، وهو
الحجة بعد قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (2): (من قلم أظافيره
ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم) وموثق
إسحاق بن عمار (3) (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقلم
أظفاره وهو عند احرامه قال: يدعها، قلت: فإن رجلا من أصحابنا أفتاه بأن
يقلم أظفاره ويعيد احرامه ففعل، فقال: عليه دم يهريقه) بل وموثقه الآخر (4)
عنه (عليه السلام) أيضا (سألته عن رجل أحرم ونسي أن يقلم أظفاره قال:
فقال: يدعها، قال: قلت: طوال قال: وإن كانت، قلت: فإن رجلا أفتاه أن
يقلمها وأن يغتسل ويعيد احرامه ففعل قال: عليه دم).
ومنه يستفاد عدم قدح طولها في الوضوء كما يحكى عن بعض أفاضل العصر

(1) الوسائل - الباب - 80 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 77 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
411

بناء على أنه حاجب لما يجب غسله من السطح المعتاد.
وعلى كل حال فهو دال على المطلوب مضافا إلى غيره من النصوص المستفاد
من القلم فيها الأعم من القص المعبر به في الفتاوى بناء على إرادة خصوص القطع
بالمقص أي المقراض فيكون المدار على مطلق الإزالة.
ولو انكسر ظفره وتأذى ببقائه أذية يسقط معها التكليف بل يكفي تحقق
مسماها فله إزالته، بل عن المنتهى والتذكرة نفي الخلاف فيه، مضافا إلى صحيح
معاوية (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) (سألته عن المحرم تطول أظفاره أو
ينكسر بعضها قال: لا يقص منها شيئا إن استطاع، فإن كانت تؤذيه فليقصها
وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام) إلا أن قوله: (إن استطاع) ظاهر في
بلوغه إلى حد الضرورة، لكن قد يقال إن المراد بالاستطاعة فيه الأذية بقرينة
قوله: (فإن).. الخ، نعم قد يقال: إن المنساق من الأذية فيه وفي معقد نفي
الخلاف الوصول إلى حد الضرورة التي يسقط معها التكليف، خصوصا بعد عدم
معروفية غيرها في سائر المقامات، وموافقته للاحتياط، بل منه يستفاد أيضا عدم
الفرق بين الكل والبعض كما صرح به غير واحد.
كما أنه لا إشكال في جواز قصه لو احتاج إلى مداواة قرحه مثلا ولا يمكن
إلا بقص ظفره، نعم فرق بعض بين ذلك وبين الضرر فيه نفسه فأوجب الفدية في
الأول دون الثاني، ويأتي البحث فيه إن شاء الله في محله.
(و) يحرم على المحرم وغيره (قطع الشجر والحشيش) من الحرم الذي
هو بريد في بريد كما تسمعه في الصحيح (2) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع

(1) الوسائل - الباب - 77 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4
412

بقسميه عليه، بل في المنتهى وعن التذكرة نسبته إلى علماء الأمصار، وهو الحجة
بعد المعتبرة المستفيضة، كصحيح حريز وحسنه (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(كل شئ ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته)
وصحيح معاوية (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شجرة أصلها في الحرم
وفرعها في الحل فقال حرم فرعها لمكان أصلها، قلت: فإن أصلها في الحل وفرعها
في الحرم قال: حرم أصلها لمكان فرعها، وكل شئ ينبت في الحرم فلا يجوز قلعه
على وجه) ومنه يعلم حرمة النابت في غير الحرم إذا كان فرعه فيه كما صرح به
بعضهم وإن لم يعد أنه من نبات الحرم، وحسن سليمان بن خالد (3) سأله (عليه
السلام) أيضا (عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال: عليه ثمنه يتصدق به
ولا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل وشجر الفواكه) ونحوه موثقه (4)
ومرسل عبد الكريم (5) وحسن حريز (6) عنه عليه السلام أيضا، قال: (لما قدم

(1) الوسائل - الباب - 86 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 90 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1 وليس
في ذيله " وكل شئ ينبت. الخ " كما أنه ليس في الفقيه ج 2 ص 165 الرقم
717 والكافي ج 4 ص 231 وإنما ذكر في التهذيب بعد الحديث ج 5 ص 379
الرقم 1321 والظاهر أنه من كلام الشيخ (قده) لا من الحديث
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 9
(6) ذكر ذيله في الوسائل في الباب 88 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 1 وتمامه في الكافي ج 4 ص 225
413

رسول الله صلى الله عليه وآله مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست
ثم أخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده
ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، ماذا تقولون وماذا تظنون؟ قالوا: نظن
خيرا ونقول خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت، قال: فإني أقول كما قال
أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، إلا أن
الله تعالى قد حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام بحرم الله إلى
يوم القيامة، لا ينفر صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يختلى خلاها، ولا تحل
لقطتها إلا لمنشد، فقال العباس: يا رسول الله إلا الإذخر فإنه للقبر والبيوت
وفي آخر (فإنه للقبر ولسقوف بيوتنا) (1) وفي ثالث (لصاغتنا وقبورنا) (2)
وفي رابع (فإنه لقينهم ولبيوتهم) (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إلا الإذخر)
وفي الدعائم (4) روينا عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليه السلام) (إن
رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن ينفر صيد مكة، وأن يقطع شجرها، وأن يختلى
خلاها ورخص في الإذخر وعصا الراعي) وفيها عنه (عليه السلام) أيضا (5) (من
أصبتموه اختلى الخلا أو عضد الشجر أو نفر الصيد يعني في الحرم فقد حل لكم
سلبه وأوجعوا ظهره بما استحل في الحرم) وصحيح زرارة وموثقه (6) عن

(1) الوسائل - الباب - 88 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4
(2) مسند أحمد ج 4 ص 75 الرقم 2279
(3) مسند أحمد ج 4 ص 321 الرقم 2898
(4) ذكر صدره في المستدرك في الباب 68 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 2 وذيله في الباب 69 منها - الحديث 2
(5) المستدرك - الباب - 68 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(6) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 4 و 7
414

أبي جعفر (عليه السلام) (حرم الله حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه،
ويعضد شجره إلا الإذخر أو يصاد طيره، وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله من المدينة
ما بين لابتيها صيدها، وحرم حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها، ويعضد
شجرها إلا عودي الناضح) قال الجوهري: (الخلا مقصورا الحشيش اليابس
تقول: خليت الخلا واختليته أي جززته وقطعته) ولكن في القاموس (الخلا
مقصورا الرطب من النبات أو كل بقلة قلعتها) وعن النهاية (الخلا مقصورا
النبات الرقيق ما دام رطبا، واختلاؤه قطعه) وعن مجمع البحرين (أي لا يجتز
نبتها الرقيق ما دام رطبا، وإذا يبس سمي حشيشا) وصحيح جميل أو المرسل (1)
إليه قال: (رآني علي بن الحسين (عليهما السلام) وأنا أقلع الحشيش من حول
الفساطيط فقال: يا بني إن هذا لا يقلع) وصحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما
(عليهما السلام) (قلت له: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم فقال: نعم،
قلت: فمن الحرم؟ قال: لا) إلى غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك بعضها
أيضا الظاهرة فيما ذكرناه من عدم الفرق بين المحرم والمحل في ذلك.
نعم لا إشكال ولا خلاف في جواز قطعهما ذلك من الحل،
بل وفي عدم
الفرق بين القلع والقطع والنزع وغير ذلك مما اشتملت عليه النصوص التي لا تعارض
فيها بالنسبة إلى ذلك، بل وفي عدم الفرق بين الورق والأغصان والثمر وغير ذلك
بل وفي عدم الفرق بين الرطب واليابس عدا خبري الخلا (3) بناء على أنه الرطب

(1) الوسائل - الباب - 86 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 وفيه
عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: رآني علي بن الحسين
(عليهما السلام).. الخ
(2) الوسائل - الباب - 85 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 و 7
415

وعلى تقديره فهو غير معارض لغيره، لكن عن التذكرة والتحرير وفي الدروس
والمسالك وغيرها جواز قطع اليابس، بل في الأخير منها وإن كان متصلا بالأخضر
لأنه كقطع أعضاء الميتة من الصيد، وهو لا يوافق أصولنا، وعن الأول منها
نعم لا يجوز قلعه، فإن قطعه فعليه الضمان، لأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا، ذكره
بعض الشافعية، ولا بأس به، وظاهره الفرق بين القلع والقطع، لكن عن المنتهى
لا بأس بقلع اليابس من الشجر والحشيش، لأنه ميت، فلم تبق له حرمة، وهو
مناف لما سمعته منه في التذكرة إلا أن يحمل على يابس لا ينبت.
وعلى كل حال لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعته من النصوص التي منها
صحيح حريز وحسنه المشتملان على كل شئ ينبت في الحرم، نعم ما عنهما وفي
غيرهما - من جواز أخذ الكماة والفقع من الحرم للمحرم وغيره في محله في الأول
للأصل بعد عدم تناول النصوص المزبورة له، وتفسير تحريم مكة بتحريم قطع
ما نبت فيها فيما سمعته من النصوص، بخلاف الكماة التي تخلق في الأرض فهي
كالثمرة الملقاة عليها، وأما الثاني فالذي نعرفه شئ ينبت في الأرض ويكون له
ساق فيندرج في صحيحة حريز.
وكذا يجوز الانتفاع بالغصن المكسور والورق الساقط بغير فعل آدمي له
أيضا بعد ظهور النصوص في كون المحرم القطع، بل عن التذكرة القطع بذلك،
بل عنها وعن المنتهى الاجماع عليه، بل الظاهر ذلك حتى إذا كان بفعل آدمي
وإن كان هو الجاني، للأصل المزبور بعد حرمة القياس على الصيد المذبوح في
الحرم مع وضوح الفرق بوجود النص في الصيد وافتقار حله إلى أهلية الذابح
وذبحه بشروط، نعم قد يقال بتناول التحريم في صحيح حريز السابق وحسنه
لمثل الاستعمال المزبور.
416

لكن الذي يظهر ولو بقرينة الفتاوى وغيرهما من النصوص إرادة تحريم
القطع والقلع للنبات والشجر (إلا أن ينبت في ملكه) فإنه يجوز حينئذ قطعه
بل قلعه كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا محققا لو كان في داره أو
منزله، لخبر حماد بن عثمان أو قويه (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (في الشجرة يقلعها
الرجل من منزله في الحرم فقال: إن بنى المنزل والشجرة فيه فليس له أن يقلعها،
وإن كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها) وصحيحه الآخر أو خبره عنه عليه السلام (2)
أيضا (سألته عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه وداره في الحرم فقال: إن
كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها،
وإن كانت طرأت عليه فله قلعها) وخبر إسحاق أو حسنه (3) (قلت لأبي جعفر
عليه السلام: الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها قال: اقطع ما كان داخلا عليك،
ولا تقطع ما لم يدخل منزلك) وفي التهذيب بعد أن روى صحيح حريز الذي
ذكرناه في أول المسألة قال متصلا بقوله: (إلا ما أنبته أو غرسته): وكل ما
دخل على الانسان فلا بأس بقلعه، فإن بنى هو في موضع يكون فيه نبت لا يجوز
له قلعه، فيحتمل أن يكون ذلك من تتمة الصحيح، وإلا كانت فتوى منه
مستظهرا لها من الخبرين الأولين اللذين هما وإن كانا مشتملين على خصوص الشجر
إلا أنه لا قائل بالفرق بينه وبين غيره، بل لعل ظاهر النصوص كون المدار على
النبات سابقا ولاحقا، ولعله لذا ذكر الحشيش في محكي الجمل والعقود، قال:
ولا تقلع شجرا نبت في الحرم إلا شجر الفواكه والإذخر، ولا حشيشا إذا لم
ينبت في ملك الانسان، كما أن الظاهر عدم الفرق بين المنزل وغيره، خصوصا

(1) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 2 - 6
417

بعد قوله عليه السلام في الصحيح (1) (مضربه) بل في الأخير اقطع ما كان داخلا
عليك، وإن ذكر فيه المنزل بعد ذلك، فما في الرياض بعد منع عدم القول
بالفصل قال: فإذا الأجود الاقتصار على مورد الخبرين أن عملنا بهما بزعم انجبار
ضعف سندهما بفتوى الجماعة، وإلا يشكل هذا الاستثناء لا يخلوا من نظر،
خصوصا بعد صحة الخبر الأول، وكذا ما عن التهذيب والتحرير والمنتهى من
الاقتصار على المنزل، بل عن الأول منها الاختصاص بالدار من مدر أو غيره،
وهي المنزل، بل عن النهاية والمهذب والسرائر والجامع والتلخيص والنزهة الاقتصار
عليها إن أرادوا عدم الجواز في غيرها، بل قد يقال بعدم اعتبار الملك الذي
ذكره المصنف وغيره أيضا لما سمعت، بل ظاهر النصوص المزبورة جواز قطع
ما أنبته الله في ذلك كما عن المبسوط والتذكرة النص عليه فضلا عما أنبته هو،
فما عن الغنية والاصباح من الاقتصار على ما غرسه الانسان في ملكه في غير محله
إن أراد عدم جواز غيره، خصوصا بعد ما سمعته من صحيح زرارة (2) الظاهر
في جواز قطع ما أنبته وغرسه وإن لم يكن في ملكه كما عن النهاية والمبسوط
والسرائر والنزهة والمنتهى والتذكرة، فما عن ابني زهرة والبراج والكيدري
من التقييد بملكه في غير محله.
بل الظاهر عدم الفرق بين أن يكون من الجنس الذي من شأنه أن ينبته
الآدميون كشجر الفواكه وعدمه، بل لا يبعد اندراج ما يخرج مع الزرع الذي

(1) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(2) الصواب " صحيح حريز " حيث إنه لم يتقدم في صحيح زرارة ما يدل
على جواز قطع ما أنبته أو غرسه وإنما هو مذكور في صحيح حريز المتقدم
في ص 413
418

بذره بسقيه وعمله وإن لم يكن بذره منه، لصدق أنه أنبته، بل لو غصب بذرا
أو شجرا وغرسه في الحرم كان له قلعه من هذه الحيثية.
وبذلك ظهر لك أن عبارة المصنف وما شابهها لا تفي بما ذكرناه، حتى لو
جعل (ملكه) فيها مصدرا على معنى كون النبات في ملكه، فإنه وإن عمم
الأمرين: ما نبت في أرض مملوكة له، وما أنبته في أرض مباحة، إذ هما مملوكان
له، لكنه لا يشمل المغصوب ونحوه، فالتعبير حينئذ بما في الخبر كما سمعته من
الفتاوى السابقة أولى.
ثم إن الظاهر عدم الفرق بين قلعه نفسه لما أنبته أو غرسه وبين غيره،
لاطلاق الدليل المراد منه عدم الحرمة لذلك باعتبار عدم كونه من نبات الحرم،
والله العالم.
(و) كذا (يجوز قلع شجر الفواكه) من الحرم بلا خلاف أجده
فيه، بل نسبه غير واحد إلى قطع الأصحاب، كما عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه
بل عن الخلاف الاجماع على نفي الضمان عما جرت العادة بغرس الآدمي له نبت
بغرسه أو لا، كل ذلك مضافا إلى ما تقدم من خبر سليمان بن خالد (1) ومرسل
عبد الكريم (2) المنجبرين بذلك.
(و) كذا يجوز قطع (الإذخر والنخل) بلا خلاف أجده فيه كما
اعترف به غير واحد، بل عن المنتهى والتذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة بعد ما
سمعته من النص على الإذخر والنخل، مضافا إلى قول أبي جعفر عليه السلام في خبر
زرارة (3): (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في قطع عودي المحالة، وهي البكرة

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب بقية كفارات الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 9 - 5
(3) الوسائل - الباب - 87 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 9 - 5
419

التي يستقى بها من شجر الحرم والإذخر) وإلى هذه أشار المصنف بقوله:
(وعودي المحالة على رواية) بل في التهذيب وعن الجامع الفتوى بها، بل تبعهما
غير واحد من المتأخرين، لكن فيها جهل وارسال، ولا جابر لها على وجه يعتد
أو يخص بها ما سمعت، بل عن الحلبي اطلاق حرمة قطع شجر الحرم واختلاء
خلاه من غير استثناء، وإن كان فيه ما عرفت، ثم على تقدير الجواز ينبغي
الاقتصار على خصوص البكرة العظيمة المسماة بالمحالة اقتصارا على خصوص المنصوص
وما في صحيح زرارة السابق من عودي الناضح إنما هو في نبات حرم المدينة،
مع احتمال كونه المحالة أيضا، وعلى كل حال يمكن الاستدلال به على أصل المسألة
بناء على عدم القول بالفصل بين حرم المدينة ومكة بالنسبة إلى ذلك، وستعرف
الحال فيه إن شاء الله، وعلى كل حال فلا ريب في أن الأحوط الاجتناب.
وأما استثناء عصا الراعي فلم أجده في نص ولا فتوى إلا في خبر الدعائم (1)
الذي سمعته سابقا،
نعم لا بأس أن يترك المحرم فضلا عن غيره إبله ترعى في
الحشيش مثلا وإن حرم عليه قطعه، للأصل بعد عدم تناول النصوص لذلك،
والسيرة القطعية التي هي فوق الاجماع، وصحيح حريز (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
(يخلي عن البعير يأكل في الحرم ما شاء) بل في المدارك لو قيل بجواز نزع
الحشيش للإبل لم يكن بعيدا، للأصل وصحيح جميل ومحمد بن حمران (3) قالا:

(1) المستدرك - الباب - 69 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 89 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 89 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 وهو
عن جميل و عبد الرحمان بن أبي نجران عن محمد بن حمران قال: " سألت أبا عبد الله
عليه السلام. الخ " كما في التهذيب ج 5 ص 380 الرقم 1328
420

(سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن النبت الذي في أرض الحرم أينزع؟ فقال: أما شئ
تأكله الإبل فليس به بأس أن تنتزعه) ولكن فيه أنهما منافيان لما سمعت من
اطلاق النص والفتوى ومعقد الاجماع، ولعله لذا قال في التهذيب قوله عليه السلام:
(ليس به) إلى آخره يعني الإبل فإنه يخلي عنها ترعى كيف شاءت مستشهدا
عليه بما في الصحيح الأول (1) فلا وجه لايراده عليه في المدارك بأنه لا تنافي بين
الروايتين يقتضي المصير إلى ما ذكره من التأويل، إذ الداعي له إعراض الأصحاب
عنهما، فتأويلهما خير من طرحهما، نعم عن الإسكافي لا اختار الرعي، لأن البعير
ربما جذب النبت من أصله، فأما ما حصده الانسان منه وبقي أصله في الأرض
فلا بأس، وكأنه اجتهاد في مقابلة ما عرفت، هذا. ولا فرق في الشجر بين
المؤذي منه كالشوك وشبهه وغيره كما عن الفاضل التصريح به للاطلاق المزبور،
خلافا للمحكي عن الشافعي وجماعة من الجواز قياسا على الحيوان المؤذي،
والله العالم.
(و) كذا يحرم (تغسيل المحرم لو مات) وتحنيطه (بالكافور)
بلا خلاف أجده فيه، للمعتبرة المستفيضة التي منها صحيح محمد بن مسلم (2) عن
أبي جعفر (عليه السلام) (عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال: يغطى وجهه
ويصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا) بل مقتضاه كغيره حرمة
الطيب عليه مطلقا كافور وغيره في الغسل والحنوط وغيرهما كما هو معقد اجماع
التذكرة، والظاهر أنه غسل تام بالنسبة إليه، فلا يجب بمسه بعده غسل على الماس
وإن احتمل، بل قيل به، والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 89 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 83 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
421

(و) يحرم عليه أيضا (لبس السلاح لغير ضرورة) على المشهور كما في
كشف اللثام وغيره، لصحيح ابن سنان (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
أيحمل السلاح المحرم؟ فقال: إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح)
وصحيحه الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا (المحرم إذا خاف لبس السلاح)
وخبر زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) (لا بأس أن يحرم الرجل وعليه
السلاح إذا خاف العدو) بل في صحيح الحلبي (4) عنه (عليه السلام) أيضا
(المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه) وظاهره ثبوتها عليه إذا
لبسه مع عدم الخوف، إلا أنه لم نجد قائلا به كما اعترف به غير واحد، اللهم إلا
أن يحمل على ما يغطي الرأس كالمغفر، أو يحيط بالبدن كالدرع، ولكن حرمتهما
حينئذ لذلك لا لكونهما من السلاح الذي قد يشك في شمولهما، وإن كانت هي
مع الترس من لامة الحرب، نعم هو شامل لمثل الدبوس ونحوه، بل قد يقال
بشموله لمثل بعض الآلات التي تتخذ للحرب وإن لم يكن فيه نصل ولا محددة
كالعصا ذات الرأس وغيرها، كما عساه يومي إليه ما ذكروه في المحارب الذي هو
من شهر السلاح للإخافة، نعم لا يعد مثله ومثل حمل الرمح وآلة البندق ونحوها
لبسا عرفا، ومن ذلك يعلم كون المراد من اللبس هنا ما يشمل نحو ذلك مما هو
داخل في الحكم قطعا، وربما يشير إليه الجواب عن الحمل في السؤال باللبس المشعر
باتحادهما وأن المراد كون الرجل مسلحا.
(و) على كل حال فقد (قيل) ولكن لم نعرف القائل قبل المصنف:
أنه (يكره) نعم هو خيرة الفاضل في المحكي عن جملة من كتبه والمصنف بقوله:

(1) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 4 - 1
(2) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 4 - 1
(4) الوسائل - الباب - 54 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 2 - 3 - 4 - 1
422

(وهو الأشبه) وتبعهما غيرهما للأصل المقطوع بما عرفت، وضعف دلالة المفهوم
الذي هو مفهوم شرط متفق على حجيته، ودعوى أنه كذلك لكن إذا لم يظهر
للتعليق وجه سوى نفي الحكم عما عدا محل الشرط. وهنا ليس كذلك، إذ لا يبعد
أن يكون باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند عدم الخوف كما ترى
لا تستأهل جوابا، ضرورة عدم اندفاع الظهور بمثل هذا الاحتمال، خصوصا
بعد فهم المشهور، فالأصح حينئذ الحرمة، بل عن الحلبيين تحريم اشتهاره أيضا
وإن لم يكن معه لبس ولا حمل يصدق معه أنه متسلح، بل كان معلقا على دابة
ونحوها، بل عن التقي منهما حمله، ولعله لأنه حينئذ كاللابس له، ولقول
أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأربعمائة المروي (1) عن الخصال: (لا
تخرجوا بالسيوف إلى الحرم) كما أن الأول لقول الصادق (عليه السلام) في حسن
حريز (2): (لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح إلا أن يدخله في جوالق أو يغيبه)
وفي خبر أبي بصير (3) (لا بأس أن يخرج بالسلاح من بلده، ولكن إذا دخل
مكة لم يظهره) ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأقوى عدم الحرمة كما عساه
يشعر به قول: (لا ينبغي) الذي يكون قرينة على المراد في الخبر الثاني،
خصوصا بعد ندرة القول بذلك، كندرة القول بحرمة الحمل على وجه لا يعد به
متسلحا، والخبر المزبور مع ظهوره في الحرم دون المحرم ولم نعرف قائلا به بل
السيرة القطعية على خلافه محمول على ضرب من الكراهة، والله العالم.
هذا كله في المحرمات
(و) أما (المكروهات) ف‍ (عشرة) عند المصنف
(الاحرام في الثياب المصبوغة بالسواد) لموثق الحسين بن المختار (4) (قلت

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
423

لأبي عبد الله (عليه السلام): يحرم الرجل في الثوب الأسود قال: لا يحرم في
الثوب الأسود ولا يكفن به الميت الظاهر في إرادة الكراهة ولو بقرينة التكفين
المجمع على جوازه به، فهو في نفسه حينئذ غير صالح لاثبات الحرمة فضلا عن
أن يخص به ما دل جواز الاحرام في كل ثوب يصلى فيه مع الاجماع بقسميه
على جواز الصلاة في الثياب السود المؤيد بتظافر النصوص بالنهي عن لبس السواد
كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (1): (لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون)
وقول الصادق (2) (عليه السلام): (يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف والعمامة
والكساء) المحمول على الكراهة اجماعا وإن كان لا دلالة في ذلك على كراهة
الاحرام بخصوصه، فما عن المبسوط والنهاية والخلاف والوسيلة لا يجوز الاحرام
فيه واضح الضعف أو محمول على الكراهة، كما عن ابن إدريس حمله على ذلك،
والله العالم.
(أو) ب‍ (العصفر) وهو شئ معروف (وشبهه) مما يفيد الشهرة
ولو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما، لخبر أبان بن تغلب (3) (سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) أخي وأنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه
وأنا محرم فقال: نعم ليس العصفر من الطيب، ولكن أكره أن تلبس ما يشهرك به
الناس) ونحوه خبر عبيد الله بن هلال أو صحيحه (4) عنه (عليه السلام) أيضا،

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 5 - 2 والثاني عن عبد الله بن هلال كما في الكافي ج 4 ص 342
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
424

ولكنهما لا يدلان على مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة إلا بالمشبع منه،
ولعله لذا خص الكراهة به في محكي المنتهى والتذكرة، بل في الأول لا بأس
بالمعصفر من الثياب، ويكره إذا كان مشبعا، وعليه علماؤنا، بل في التذكرة ولا
يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا، ولا ينافي ذلك ما تسمعه من صحيح علي بن
جعفر (1) المحمول على الجواز الذي لا ينافي الكراهة بما يفيد شهرة المؤيدة بما في
خبر عامر بن جذاعة (2) سأل أبا عبد الله عليه السلام أيضا (عن مصبغات الثياب يلبسها
المحرم قال: لا بأس به إلا المقدمة المشهورة) وحسن الحلبي (3) عنه عليه السلام أيضا
(لا تلبس المحرمة الحلي ولا الثياب المصبغات إلا ثوبا لا يردع) وفيما حضرني
من نسخة التهذيب (إلا صبغا لا يردع) وفي القاموس الردع الزعفران أو لطخ
منه أو من الدم أو أثر الطيب في الجسد، وثوب مردوع مزعفر، ورداع ومردع
كمعظم فيه أثر طيب، وفي وافي الكاشاني لا يردع أي لا ينفض أثره على ما يجاوره
يقال به ردع من زعفران أو دم أي لطخ وأثر وردعه فارتدع أي لطخه به فتلطخ
ولعل هذا هو المراد من الخبر المزبور، وصحيح الحسين بن أبي العلاء (4) سأله عليه السلام
أيضا (عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أيحرم فيه؟ قال: لا بأس
إذا ذهب ريحه، ولو كان مصبوغا كله إذا ضرب إلى البياض وغسل فلا بأس)
وعن أبي حنيفة تحريم الاحرام بالمعصفر لزعمه كون العصفر طيبا، ولعل في الخبر
المزبور تعريضا للرد عليه، وفي صحيح علي بن جعفر (5) سأل أخاه عليه السلام (يلبس
المحرم الثوب المشبع بالعصفر فقال: إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس) يمكن أن

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1
(4) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 1
(5) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 4 - 1 - 4
425

يكون المراد من قوله عليه السلام في الخبر الأول: (ما يشهرك) إلى آخره، أي المعرفة
بأنه من الشيعة المخالفين لأبي حنيفة، وعن ابن حمزة كراهة الاحرام بالثياب المقدمة
والمصبوغة بطيب غير محرم عليه أي غير الزعفران والورس والمسك والعنبر والعود
والكافور والأدهان الطيبة ولم نقف على ما يشهد له، كما أن خبر خالد بن
ابن العلاء (1) قال: (رأيت أبا جعفر عليه السلام وعليه رداء أخضر وهو محرم) وخبر
أبي بصير (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: (سمعته وهو يقول: كان علي عليه السلام
محرما ومعه بعض صبيانه وعليه ثوبان مصبوغان، فمر به عمر بن الخطاب فقال:
يا أبا الحسن ما هذان الثوبان؟ فقال له علي عليه السلام: ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة،
إنما هما ثوبان صبغا بالمشق، يعني الطين) أي المقر، ويقال ثوبا ممشق مصبوغ
به يدلان على عدم الكراهة في نحو ذلك، مع أن الممشوق ربما يكون مفدما
بل قد سمعت ما في خبر الحلبي من نهي المحرمة عن لبس كل المصبوغات إلا صبغا
لا يردع، ومقتضاه عدمها في الصبغ غير المردع، وحينئذ فلا دليل على كراهة
مطلق الصبغ، بل مقتضى الأدلة خلافه.
وكيف كان فقول المصنف: (وتتأكد) أي الكراهة (في السواد)
لم نقف على ما يدل عليه، إذ لم يحضرنا إلا ما سمعته من الخبر المزبور الدال على
أصل الكراهة الزائدة على أصل اللبس، كما أن ما في الدروس من الكراهة في
مطلق المصبوغ وتتأكد في الأسود كذلك لما عرفت، إلا أن الحكم مما يتسامح به
وفي خبر الدعائم (3) عن جعفر بن محمد عليهما السلام) أنه قال: (يتجرد المحرم

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(3) ذكر صدره في المستدرك في الباب 29 من أبواب تروك الاحرام
الحديث 1 وذيله في الباب 31 منها الحديث 1
426

في ثوبين أبيضين، فإن لم يجد فلا بأس بالصبغ ما لم يكن بزعفران أو ورس أو
طيب، وكذلك المحرمة لا تلبس مثل هذا من الصبغ) فإنه يفيد البأس مع وجود
الأبيضين، ولا أقل من الكراهة، بل لا قائل باشتراطها بعدم وجود الأبيض،
والله العالم.
(و) كذا يكره (النوم عليها) أي الثياب المزبورة نحو ما عن ابن
حمزة من كراهة النوم على ما يكره الاحرام فيه، وعن النهاية والمبسوط والتهذيب
والجامع والتذكرة والتحرير والمنتهى كراهة النوم على الفرش المصبوغة ولكن
لم نظفر إلا بخبر أبي بصير (1) عن أبي جعفر عليه السلام (يكره للمحرم أن ينام على
الفراش الأصفر والمرفقة الصفراء) أي المخدة، ونحوه خبر المعلى بن خنيس (2)
عن الصادق (عليه السلام) وعن المقنع الاقتصار عليه، وفي المدارك استفادة
السواد بالأولوية، وفيه بحث، على أنه لا يتم في المقدم الذي هو شديد الحمرة
المتقدم كراهة الاحرام فيه، اللهم إلا أن يكون ذلك من الترفه الذي لا يناسب
المحرم الأشعث الأغبر.
(و) يكره أيضا الاحرام (في الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة)
لصحيح ابن مسلم (3) سأل أحدهما (عليهما السلام) (عن الرجل حرم في ثوب
وسخ قال: لا، ولا أقول إنه حرام ولكن تطهيره أحب إلي، وطهوره غسله)
ولو عرض له الوسخ في الأثناء أخر غسله إلى أن يحل، لصحيح ابن مسلم (4) عن
أحدهما (عليهما السلام) أيضا (لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل وإن
توسخ إلا أن تصيبه جنابة أو شئ فيغسله) بل ظاهره المنع عن ذلك كما عن

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
427

ظاهر الدروس إلا أن الأولى الكراهة كما صرح بها غير واحد.
(ولبس الثياب المعلمة) لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (1):
(لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم، وتركه أحب إلي إذا قدر على غيره)
ولعل وجه الكراهة فيه يظهر مما سمعته من صحيح ابن مسلم السابق الذي أجاب فيه
بالنهي أولا ثم ذكر بعد ذلك أن تطهيره أحب، فيفهم منه الكراهة في كل شئ
يكون غيره أحب، لا أن المراد منه ما يراد من أفعل التفضيل المقتضي لكونه
محبوبا أيضا، بل لعل العرف أيضا يساعد على ذلك، ولا ينافيه صحيح الحلبي (2)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يحرم في ثوب له علم فقال: لا بأس
به) إذ أقصاه الجواز، نعم صحيح ليث المرادي (3) سأله عليه السلام أيضا (عن الثوب
المعلم هل يحرم فيه الرجل؟ قال: نعم، إنما يكره الملحم) دال على نفي الكراهة
عنه، ويمكن إرادة شدتها، وعن المبسوط تقييد المعلم بالإبريسم، وفي كشف
اللثام يمكن أن يكون للتنبيه بالأعلى على الأدنى، لامكان توهم حرمة المعلم به،
وفيه أنه يقضي حينئذ بعدم حرمة غيره من المعلم لا كراهته، قيل: والمراد بالمعلمة
بالبناء للمجهول المشتملة على لون يخالف لونها حال عملها كالثوب المحوك من لونين
أو بعده بالطرز والصبغ، والله العالم.
(واستعمال) الرجل (الحناء المزينة) عند الأكثر كما في المدارك
وكشف اللثام وغيرهما، لصحيح ابن سنان (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
وفي الوسائل الطبع الحديث " إنما يحرم الملحم " إلا أن الموجود في الكافي ج 4
ص 324 والفقيه ج 2 ص 216 الرقم 987 كما في الجواهر
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
428

(سألته عن الحناء فقال: إن المحرم ليمسه، ويداوي به بعيره، وما هو بطيب
وما به بأس) ولكن أقصاه الجواز الذي هو مقتضى الأصل في مقابل القول
بالحرمة المحكية عن المقنعة والاقتصاد وهي خيرة الفاضل في المختلف لمفهوم تعليل
المنع عن الكحل بالسواد والنظر في المرآة بأنه زينة، بل مقتضاه الحرمة وإن لم
يقصد الزينة، لما سمعته من عدم توقف صدقها على القصد، ولعله لذا كان خيرته
في المختلف ذلك إلا أن فيه أن مفهوم التعليل يخرج عنه باطلاق نفي البأس بها،
بل وباطلاق المس الذي هو أخص منه أو أرجح بناء على العموم من وجه ولو بالشهرة
المزبورة، وأغلبية الزينة فيها، وعدم العمل بعموم المفهوم في الخاتم والحلي
وغيرهما مما يحصل به الزينة إن لم يقصدها، نعم لم يحضرني نص بالخصوص في
الكراهة إلا خبر الكناني (1) سأل الصادق (عليه السلام) (عن امرأة خافت
الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: ما يعجبني أن
تفعل) بناء على مساواة الرجل والمرأة وما قبل الاحرام لما بعده، وأولوية الزينة
المقصودة من خوف الشقاق المنزل على عدم وصوله إلى حد الضرورة، وإلا لم
يكن مكروها، وحينئذ يكون ظاهرا في كراهة ذلك باعتبار كونه زينة وإن لم
تكن مقصودة، وهو خلاف ما صرح به غير واحد من كون المدار على القصد،
بل هو ظاهر تقييد المتن ومحكي الخلاف والتذكرة، بل لم أجد قائلا صريحا
بالكراهة على الوجه المزبور، نعم ربما كان ظاهر اطلاق القواعد ومحكي النهاية والمبسوط
والسرائر والجامع كراهة استعمالهما الحناء قبل الاحرام على وجه يبقى أثره بعده
إلا أنه غير شامل لباقي الصور، ولعل الأولى التعميم، لما عرفت، مضافا إلى جهة
الحرمة التي يمكن إرادة الكراهة مما سمعت من دليلها بالنسبة إلى ذلك بمعونة فتوى
المشهور مع التسامح.

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
429

وبذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف بقوله: (وكذا للمرأة
ولو قبل الاحرام إذا قارنته) لكن في المدارك بعد أن حكى عن جده في
المسالك عدم الفرق بين الواقع بعد نية الاحرام وبين السابق عليه إذا كان يبقى
بعده، وأنه جزم في الروضة بتحريم الحناء قبل الاحرام إذا بقي أثره إليه قال:
(والرواية قاصرة عن إفادة ذلك، ويستفاد منها أن محل الكراهة استعماله عند
إرادة الاحرام، وعلى هذا فلا يكون استعماله قبل ذلك محرما ولا مكروها) وفيه
أن دليله على الحرمة ما سمعته من تعليل الزينة التي لا فرق فيها بين الاحرام معها
أو فعل الاحرام بعدها كالطيب والمخيط ونحوهما، وإن كان فيه ما عرفت، كما
أن ما عن الشيخ والحلي ويحيى بن سعيد والفاضل في بعض كتبه من اختصاص
الكراهة بالمرأة، لاختصاص النص بها، وغلبة استعمالها، وقوة تهييجه الشهوة
فيها غير واضح بعد قاعدة الاشتراك، فالأقوى عدم الفرق بينهما فيها، وعدم
الفرق بين ما بعد الاحرام وما قبله مع بقاء الأثر الذي يكون زينة بعده قصد
أو لم يقصد، والله العالم.
(والنقاب للمرأة على تردد) من صحيح العيص (1) عن الصادق (عليه
السلام) (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين، وكره
النقاب) بل وقيل وخبر يحيى بن أبي العلاء (2) عنه (عليه السلام) أيضا (أنه
كره للمحرمة البرقع والقفازين) بناء على إرادته من البرقع، وإن كان فيه منع
واضح، ومن النهي عنه في المعتبرة المستفيضة التي منها ما تقدم سابقا في حرمة

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 33 من أبواب الاحرام الحديث 9
وذيله في الباب 48 من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الاحرام - الحديث 6
430

تغطية وجهها (1) بل في بعضها (2) تعليل النهي عنه بأن احرام المرأة في وجهها
ومنه يعلم منافاته لما وجب عليها من الكشف بغير المستثنى، إذ قد سمعت الاجماع
بقسميه بل المحكي منهما في التذكرة والمنتهى عن العلماء كافة على حرمة تغطية
وجهها وتخصيص ذلك كله بما عدا النقاب للخبرين المزبورين الذي قد عرفت
الحال في الثاني منهما مع احتمال إرادة الحرمة من الكراهة فيهما، بل لعله الظاهر
بملاحظة القرائن، بل وفتوى الأصحاب بحرمته التي اعترف في المدارك بعدم
خلاف فيها، وإن كان قد يناقش بأن كراهته ظاهرا المحكي عن المقنع والجمل والعقود
بل صريح الفاضل في القواعد كما ترى، بل لا وجه للتردد فيه من دون ترجيح
ضرورة قصور المخصص عن التخصيص من وجوه، فلا يناسب التردد فيه من ذلك
وفي كشف اللثام احتمال كون المراد منه الذي يسدل على الوجه من غير أن يمسه
بقرينة ما في المقنع من التصريح بكراهة النقاب، ثم فيه بعده بعدة أسطر ولا
يجوز للمرأة أن تتنقب، لأن احرام المرأة في وجهها، واحرام الرجل في رأسه،
وفي التذكرة التردد المزبور مع نقل الاجماع فيها على حرمة تغطية وجهها، بل في
موضع آخر منها القطع بحرمة النقاب عليها، وفيه مضافا إلى عدم صدق النقاب
على ذلك عرفا أنه لا وجه للتردد في الكراهة في الفرض إن أريد بها في مقابل
الحرمة، لما عرفته من الاجماع بقسميه مع النصوص على جوازه، وإن أريد
بالنسبة إلى عدمها فلا دليل أيضا يقتضي الكراهة، وعبارة المقنع يمكن حملها على
إرادة الحرمة، وإنما أعاده لإرادة بيان علته المنصوصة باللفظ الذي ذكره، وأما
التذكرة فهي كثيرة الاشتمال على نحو ذلك، فالتحقيق حينئذ حرمته بلا تردد،
والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 0 - 1
431

(و) كذا يكره للمحرم (دخول الحمام) بلا خلاف أجده فيه لخبر
عقبة بن خالد (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (سألته عن المحرم يدخل الحمام
قال: لا يدخل) المحمول عليها للاجماع بقسميه على عدم الحرمة، ولصحيح
معاوية بن عمار (2) عنه (عليه السلام) أيضا (لا بأس أن يدخل المحرم الحمام
ولكن لا يتدلك).
(و) كذا يكره للمحرم (تدليك الجسد فيه) أي الحمام، وكذا
في غيره لما سمعته من النهي المزبور، ولصحيح يعقوب بن شعيب (3) (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يغتسل قال: نعم يفيض الماء على رأسه ولا
يدلكه) بعد الاجماع على الجواز إذا كان بحيث لا يدمي ولا يسقط شعرا.
(و) كذا يكره له (تلبية من يناديه) لأنه في مقام التلبية لله تعالى
شأنه الذي لا ينبغي أن يشرك غيره معه فيها، ولقول الصادق (عليه السلام) في
صحيح حماد (4): (ليس للمحرم أن يلبي من دعاه حتى يقضي احرامه، قال:
قلت: كيف يقول؟ قال: يقول: يا سعد) والمرسل (5) (إذا نودي المحرم فلا
يقول لبيك، ولكن يقول يا سعد) بعد الشهرة أو الاجماع على الجواز الموافق
للأصل، وللمرسل (6) عن الصادق (عليه السلام) (يكره للرجل أن يجيب

(1) الوسائل - الباب - 76 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 76 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب - 75 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 91 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 2
(5) الوسائل - الباب - 91 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 2
(6) الوسائل - الباب - 91 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 1 - 3 - 2
432

بالتلبية إذا نودي وهو محرم) وفي آخر (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) (لا بأس
أن يلبي المجيب) المنجبر بما عرفت، فما عن ظاهر التهذيب من التحريم واضح
الضعف أو غير مراد، والله العالم.
(و) كذا يكره (استعمال الرياحين) أو شمها كما في النافع والقواعد
وعن الإسكافي والنهاية والوسيلة، بل والحلي وإن كنا لم نتحققه، لأنه ترفه وتلذذ
لا يناسب المحرم الأشعث الأغبر، ولقول الصادق (عليه السلام) في حسن
معاوية (2): (لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة)) وفي صحيح ابن سنان (3)
(لا تمس ريحانا وأنت محرم) المحمول على ما يشعر به الأول جمعا بينه وبين قول
الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (4): (لا بأس أن تشم الإذخر والقيصوم
والخزامي والشيح وأشباهه وأنت محرم) والنصوص (5) الدالة على استحباب
مضغ الإذخر، وما عن الفقيه عن إبراهيم بن أبي سفيان (6) (إنه كتب إلى
أبي الحسن (عليه السلام) المحرم يغسل يده بأشنان فيه اذخر فكتب لا أحبه لك)
مضافا إلى ما عساه يفهم من خبر الساباطي (7) عن الصادق (عليه السلام) (عن

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 وفيه
" لا بأس أن يلبي الجنب " كما في الفقيه ج 2 ص 211 الرقم 963
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 3
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 5 - 3
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب مقدمات الطواف
(6) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 3 عن
إبراهيم بن سفيان كما في الفقيه ج 2 ص 244 الرقم 1048
(7) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
433

المحرم يأكل الأترج قال: نعم، قلت: فإن ريحه طيبة فقال إن الأترج طعام
ليس من الطيب) من كون المحرم الطيب، بل وصحيح ابن سنان (1) السابق
المسؤول فيه عن الحناء، وإلى عسر الاجتناب عنه في أيام الربيع ونحوه، ولذا
استثنى نبت الحرم من حرمة شم الرياحين في المختلف كخلوق الكعبة، وما بين
الصفا والمروة من الاعطار، لكن فيه أنه لا إشارة في شئ من النصوص إلى
استثناء ذلك كما في الخلوق وما بين الصفا والمروة، فليس حينئذ إلا لعدم الحرمة خلافا
للفاضل في المنتهى والتذكرة والتحرير والمختلف فالحرمة، وفي الرياض نسبته إلى المفيد
وجماعة، وفي كشف اللثام أنه تحتمله عبارتا المقنعة والسرائر، لقول الصادق عليه السلام
في صحيح حريز (2): (لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا الريحان، ولا يتلذذ
به، فمن ابتلى بشئ من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه يعني من
الطعام) ونحو منه حسنه (3) مضافا إلى الاحتياط وإلى النهي عن مسه في صحيح
ابن سنان السابق، مع امكان دعوى أنه لا تعارض بين صحيحي معاوية وحريز
لعدم نفي البأس في الأول عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه وبين المانع
تعارضا كليا، ليكون صريحا في الجواز، فيتقدم على النهي الظاهر في التحريم
تقدم النص على الظاهر، وإنما غايته نفي البأس عن أمور معدودة يمكن استثناؤها
من أخبار المنع على تقدير تسليم صدق الريحان عليها حقيقة، ولا مانع من ذلك
فلا موجب للجمع بالكراهة سوى تضمنه لفظ (أشباهه) وهو كما يحتمل المشابهة
في اطلاق اسم الريحان عليه كذا يحتمل ما هو أخص مما يشبهه من نبت البراري،

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 11 - 6 والثاني مرسل حريز
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب تروك الاحرام الحديث 11 - 6 والثاني مرسل حريز
434

بل في المدارك الظاهر أن المراد به مطلق، نبات الصحراء، فيكون المراد بالرياحين
المحرمة ما يستنبته الآدميون من ذلك، ويحتمل أن يراد به ما هو أخص من ذلك.
وعلى كل حال يكون استثناؤه لكونه كما قال في المختلف: إن نبت الحرم
يتعسر الاحتراز عنه، ومعه لا يمكن صرف النهي عن ظاهره، مضافا إلى عدم
امكانه من وجه آخر، وهو أن النهي عن مس الريحان في الصحيح الماضي إنما
هو بلفظ النهي عن الطيب بعينه، وهو للتحريم قطعا، فلا يمكن حمله بالإضافة
إلى الريحان على الكراهة، للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في
الحقيقة والمجاز، وهو خلاف التحقيق، وصرفه إلى المجاز الأعم يعني مطلق
المرجوحية مجاز بعيد، ولا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه،
خصوصا دعوى الالتزام باستثناء الأمور المخصوصة التي يمكن دعوى الاجماع
المركب على خلافها وإن اختاره في المسالك وتبعه بعض من تأخر عنها، وكذا
ما سمعته من احتمال كون المراد بالمشابهة خصوص نبت البراري، بل وكذا دعوى
الاستبعاد في عموم المجاز الغالب الاستعمال في النصوص، خصوصا في المقام المتكرر
فيه لفظ (لا) بناء على أنها غير عاطفة، وبالجملة الأولى الكراهة شما بل واستعمالا.
والمراد بالرياحين ما هو المتعارف منها، وعن العين الريحان اسم جامع
للرياحين الطيبة الريح، قال: (والريحان أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج عليه
أوائل النور) وعن ابن الأثير (هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم)
وعن كتابي المطرزي (عند الفقهاء الريحان ما لساقه رائحة طيبة كما لورده،
والورد ما لورقه رائحة طيبة كالياسمين) وفي القاموس (نبت معروف طيب الرائحة
أو كل نبت كذلك، أو أطرافه أو ورقه، وأصله ذو الرائحة، وخص بذي الرائحة
الطيبة، ثم بالنبت الطيب الرائحة، ثم بما عدا الفواكه والأبازير، ثم بما عداها
ونبات الصحراء، ومن الأبازير الزعفران، وهو المراد هنا، ثم بالمعروف (باسرم)
435

وفي التذكرة (إن النبات الطيب ثلاثة أقسام: الأول ما لا ينبت للطيب ولا يتخذ
منه كنبات الصحراء من الشيح والقيصوم والخزامي والإذخر والدارصيني
والمصطكي والزنجبيل والسعد وحبق الماء بالحاء المفتوحة غير المعجمة والباء المنقطة
تحتها نقطة المفتوحة والقاف، وهو الحندقوقي، وقيل الفودنج، والفواكه كالتفاح
والسفرجل والنارنج والأترج، وهذا كله ليس بمحرم، ولا تتعلق به كفارة
إجماعا، وكذا ما أنبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء والعصفر إلى أن
قال: الثاني ما ينبته الآدميون للطيب ولا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي
والمرزجوش والنرجس والبرم، قال الشيخ: فهذا لا تتعلق به الكفارة، ويكره
استعماله، وبه قال ابن عباس وعثمان بن عفان والحسن ومجاهد وإسحاق ومالك
وأبو حنيفة، لأنه لا يتخذ للطيب فأشبه العصفر، وقال الشافعي في الجديد تجب
به الفدية ويكون محرما، وبه قال جابر وابن عمر وأبو ثور، وفي القديم لا تتعلق
به الفدية، لأنه لا يبقى له رائحة إذا جفت، وعن أحمد روايتان، لأنه يتخذ
للطيب فأشبه الورد، الثالث ما يقصد شمه ويتخذ منه الطيب كالياسمين والورد
والنيلوفر، والظاهر أن هذا يحرم شمه وتجب فيه الفدية، وبه قال الشافعي،
لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه، فكذا في أصله، وقال مالك وأبو حنيفة، لا تجب)
ونحو ذلك في المنتهى إلا أن فيه القطع بعدم الفدية في الثاني، ولم يتعرض فيه
لحرمة أو كراهة، وكذا عن التحرير لكنه استقرب فيه تحريم الثاني أيضا،
ونص على عدم الفدية في الريحان الفارسي، ولا يخفى عليك ما في ذلك كله مما لا
يرجع إلى حاصل، بل وفيما ذكروه من حرمة الثالث إذا لم يكن مندرجا في الطيب
ولا في اسم الريحان فالعمدة حينئذ تحقيق ذلك وتحقيق الحكم فيه، هذا.
وفي الدروس كراهة غسل الرأس بالسدر والخطمي وخطبة النساء والمبالغة
في السواك، وفي ذلك الوجه والرأس في الطهارة، والهذر من الكلام، والاغتسال
436

للتبرد، بل عن الحلبي تحريمه، والاحتباء في المسجد الحرام والمصارعة، ولا بأس به
بل يستفاد من النصوص غير ذلك، بل قال الصادق عليه السلام في خبر حماد بن عثمان (1):
(يكره الاحتباء للمحرم، ويكره في المسجد الحرام) بل في خبره الآخر (2)
عنه عليه السلام أيضا (يكره رواية الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة،
وأن يروي بالليل، قال: قلت: وإن كان شعر حق قال: وإن كان شعر حق)
بل خبر علي بن جعفر (3) عن أخيه عليه السلام (سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له؟
قال: لا يصلح مخافة أن يصيبه جراح أو يقع بعض شعره) دال على كراهة كل
ما يخاف منه ذلك، بل أو غيره مما لا ينبغي وقوعه في الاحرام، والله العالم
والموفق والمؤيد والمسدد.
(خاتمة)
(كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما) بلا خلاف أجده فيه، بل
في المدارك ومحكي الخلاف الاجماع عليه وإن دخل في السنة مرتين أو ثلاثا كما عن
المقنع، وفي خبر علي بن أبي حمزة (4) (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يدخل
مكة في السنة المرة والمرتين والثلاث كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا،
وإذا خرج فليخرج محلا) وفي صحيح ابن مسلم (5) (سألت أبا جعفر (عليه
السلام) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال: لا إلا مريضا أو من به بطن)

(1) الوسائل - الباب - 93 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 96 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 94 - من أبواب تروك الاحرام - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 10 - 4
(5) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 10 - 4
437

وفي صحيحه الآخر (1) عنه (عليه السلام) أيضا (سألته هل يدخل الرجل الحرم
بغير إحرام؟ قال: لا إلا أن يكون مريضا أو به بطن) وصحيح عاصم بن
حميد (2) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيدخل أحد الحرم إلا محرما؟
قال: لا إلا مريض أو مبطون) وظاهرهما عدم جواز دخول الحرم إلا محرما
فضلا عن دخول مكة كما عن التذكرة والجامع، وفي الوسائل التصريح به، ولكن
قد عرفت سابقا عدم وجوب الاحرام على من لم يرد النسك بل أراد حاجة في
خارج مكة، بل في المدارك إجماع العلماء عليه، وحينئذ فيمكن حملهما على داخل
الحرم لإرادة دخول مكة الذي لا إشكال في وجوب الاحرام فيه لما عرفت،
مضافا إلى حسن معاوية بن عمار (3) قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوم فتح
مكة: إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، وهي حرام إلى أن تقوم
الساعة، لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار)
بناء على أن المراد من تحريمها عدم جواز الدخول إليها إلا باحرام، وبه يتضح
حينئذ دلالة صحيح سعيد الأعرج (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) على المطلوب
قال: (إن قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم
يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلا قرأه فإذا فيه أنا الله ذو بكة حرمتها يوم خلقت
السماوات والأرض، ووضعتها بين هذين الجبلين، وحففتها بسبعة أملاك حفا)
وحسن كليب الأسدي (5) عنه (عليه السلام) أيضا (إن رسول الله صلى الله عليه وآله
استأذن الله عز وجل في مكة ثلاث مرات من الدهر، فأذن له فيها ساعة من
النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات والأرض) وخبر بشر النبال (6) عنه

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1 - 7 - 6 - 9 - 12
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1 - 7 - 6 - 9 - 12
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1 - 7 - 6 - 9 - 12
(4) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1 - 7 - 6 - 9 - 12
(5) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1 - 7 - 6 - 9 - 12
(6) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 1 - 7 - 6 - 9 - 12
438

(عليه السلام) أيضا في حديث فتح مكة (إن النبي صلى الله عليه وآله قال: ألا إن مكة
محرمة بتحريم الله، لم تحل لأحد كان قبلي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار إلى أن
تقوم الساعة، لا يختلى خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل
لقطتها إلا لمنشد، قال: ودخل مكة وعليه السلاح، ودخل البيت ولم يدخله في
حج ولا عمرة، ودخل وقت الصلاة فأمر بلالا فصعد الكعبة فأذن إلى غير ذلك
من النصوص.
بل في خبري رفاعة بن موسى (1) عدم جواز ذلك حتى للمريض، قال:
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل به بطن ووجع شديد يدخل مكة
حلالا قال لا يدخلها إلا محرما، وقال: يحرمون عنه) وفي خبره الآخر (2)
عنه (عليه السلام) أيضا (سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل أن يدخل
مكة قال: لا يدخلها إلا محرما) وإن كان الظاهر الحمل على الندب حتى في الاحرام
عنه إذا كان المرض على وجه لا يتمكن من نية الاحرام معه كالجنون ونحوه،
لما عرفت من الرخصة للمريض في الاحلال في المعتبرة التي أفتى بمضمونها الشيخ
ويحيى بن سعيد وغيرهما بل لا أجد فيه خلافا بينهم، هذا.
وفي المدارك (والظاهر أنه إنما يجب الاحرام لدخول مكة إذا كان الدخول
إليها من خارج الحرم، فلو خرج أحد من مكة ولم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد
إليها دخل بغير إحرام) وظاهره المفروغية من ذلك، فإن كان إجماعا أو سيرة
قاطعة فذاك، وإلا كان منافيا لاطلاق النص والفتوى أو عمومهما، ولا ينافي ذلك

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 إلا أن
ذيله لم يذكر في الوسائل وقد ذكر في التهذيب ج 5 ص 165 الرقم 552
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 8
439

كون الميقات أدنى الحل، ضرورة أنه بناء على الوجوب يجب عليه أن يخرج إليه
مع التمكن، وإلا أحرم من مكانه كغيره ممن يجب عليه الاحرام، نعم قد يقال
إن النصوص الدالة على حرمة مكة يراد بها ما يشمل حرمها، ولذا ذكر فيها عدم
تنفير الصيد وغيره مما هو من أحكام الحرم، فمع فرض عدم الخروج عنه لا يجب
عليه إحرام، بخلاف ما لو خرج عنه ثم أراد الدخول بقصد الدخول في مكة،
فإنه يجب عليه الاحرام حينئذ مع فرض مضي الشهر الذي ستعرف الكلام فيه،
ثم قال فيها أيضا: (ويجب على الداخل فيها أن ينوي باحرامه الحج أو العمرة،
لأن الاحرام عبادة ولا يستقل بنفسه، بل إما أن يكون بحج أو عمرة، ويجب
إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الاحرام) وفيه أنه إن كان إجماعا فذاك
وإلا أمكن الاستناد في مشروعيته نفسه إلى إطلاق الأدلة في المقام وغيرها،
وكونه جزء منهما لا ينافي مشروعيته في نفسه، وفي مرسل الفقيه (1) (روي عن
النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) أنه وجب الاحرام لعلة الحرم) وفي مرسل
العباس بن معروف (2) المروي عن العلل أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(حرم المسجد لعلة الكعبة، وحرم الحرم لعلة المسجد، ووجب الاحرام لعلة
الحرم) وفي خبر أبي المعزا (3) عنه (عليه السلام) أيضا (كانت بنو إسرائيل
إذا قربت القربان تخرج نار تأكل قربان من قبل منه، وإن الله جعل الاحرام
مكان القربان) وخبر جابر (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) (أحرم موسى بن
عمران من رملة مصر، قال: ومر بصفاح الروحاء محرما يقود ناقته بخطام من

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 5 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 5 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 5 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الاحرام الحديث 3 - 5 - 1 - 2
440

من ليف عليه عباءتان قطوانيتان يلبي وتجيبه الجبال) إلى غير ذلك مما يمكن
الاستدلال به على مشروعيته في نفسه
لكن قد يقال إن ما دل (1) على عدم حصول الاحلال له إلا باتمام النسك
كاف في عدم ثبوت استقلاله، إذ دعوى أنه يحل بالوصول إلى مكة أو بالتقصير
أو بغير ذلك لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، بل يمكن بعد التأمل في
النصوص استفادة القطع بتوقف الاحلال من الاحرام في غير المصدود ونحوه مما
دل عليه الدليل على إتمام النسك، وليس هو إلا أفعال عمرة أو حجة.
ثم لا يخفى أن الاحرام إنما يوصف بالوجوب إذا وجب الدخول، وإلا
كان شرطا غير واجب كوضوء النافلة.
ولو أخل الداخل بالاحرام أثم ولم يجب عليه قضاؤه كما في التذكرة وحاشية
الكركي والمسالك والمدارك وغيرها حاكيا له في الأول عن الشافعي للأصل،
وقال أبو حنيفة: (عليه أن يأتي بحج أو عمرة فإن أتى في سنته بحج الاسلام
أو منذوره أجزأه ذلك عن عمرة الدخول استحسانا، وإن لم يحج من سنته
استقر القضاء) وفيه أنه لا دليل على القضاء مع فرض عدم وجوبها عليه، ولا
إبطال كي يتجه الوجوب عليه، فإنه إنما يتحقق بفعل المنافي لما تلبس به، بخلاف
الفرض الذي أثم بعدم الاتيان به لا بابطاله، لكن قد تقدم سابقا في مسألة
تارك الاحرام عمدا ما في المسالك من الجزم بالقضاء، بل عن التذكرة الاجماع
عليه، فلاحظ وتأمل.
ثم إن المحكي عن الشيخ وجماعة استثناء العبيد، فجوزوا لهم دخولها من
غير إحرام، وهو مناف لما سمعته من إطلاق الأدلة وعمومها، لكن استدل لها

(1) الوسائل - الباب - 13 و 14 - من أبواب الحلق والتقصير
441

في المنتهى بأن السيد لم يأذن لهم بالتشاغل في النسك عن خدمته، وإذا لم يجب
عليهم حج الاسلام لذلك فعدم وجوب الاحرام لذلك أولى، ونفى البأس عنه في
المدارك، مع أنه كما ترى لا يرجع إلى حاصل صالح لتخصيص الأدلة المزبورة،
كاستثنائه البريد أيضا، لكن قال على إشكال، ولعله لأنه أجير لعمل قد ينافيه
الاحرام مع سبق حق المستأجر، وفيه أن مقتضى العموم استثناؤه كالصلاة
ونحوها من الواجبات الشرعية عليه، وكون العبد لا يقدر على شئ من دون
إذن مولاه إنما هو في غير الواجبات الشرعية، وعلى ذلك فالمتجه صحة إحرامه
للدخول وإن لم يأذن له مولاه، بل وإن كان آبقا، ولا ينافي ذلك ما تقدم من
توقف صحة إحرام العبد على إذن مولاه بعد تنزيله على غير الفرض، وقد يقال
في مثل الآبق الداخل مكة بعدم صحة إحرامه وإن كلف به، لأنه هو الذي
أوقع نفسه في ذلك، وهو غير مفروض البحث الذي هو أمر السيد له بالدخول
محلا، فتأمل جيدا، والله العالم.
وكيف كان ففي المتن والقواعد ومحكي الجامع وجب ذلك (إلا أن
يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضي شهر) قيل أي من عمرته، ولعله لاطلاق
ما دل (1) على اعتبار الفصل بشهر بين العمرتين، ولحسن حماد (2) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) قال: (من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج
حتى يقضي الحج، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق
خرج محرما ودخل ملبيا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع
محرما ولم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى، قلت: فإن جهل فخرج إلى

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب العمرة
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 6
442

المدينة أو نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبان الحج في أشهر الحج يريد الحج
أيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام،
وإن دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت: فأي الاحرامين والمتعتين متعة
الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، وهي المحتبس التي وصلت بحجته)
بناء على إرادة شهر العمرة من قوله: (في شهره) بل وموثق إسحاق (1)
(سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يجيئ فيقضي متعته ثم تبدوا له الحاجة فيخرج
إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن قال: يرجع إلى مكة بعمرة إن
كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة، وهو مرتهن بالحج،
قال: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه، فقال: كان أبي عليه السلام مجاورا ها هنا
فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج،
ودخل وهو محرم بالحج) لأن مفهومه أن لا يرجع بعمرة إن كان في شهر العمرة
وقد عرفت أن الاحرام بحج التمتع إنما يكون بمكة، فلم يبق إلا أن يدخل محلا،
ولا ينافي ذلك السؤال الثاني، لأنه عن الدخول في شهر الخروج الذي قد يشكل
بأن حج التمتع ميقاته من مكة، ولكن قد يدفع بإرادة العمرة من الحج فيه بناء
على جواز عمرتين في شهر، أو بإرادة التعبد هنا بالاحرام به من غيرها ثم تجديده
بها كما أشار إليه في الدروس، قال: ولو رجع في شهره دخلها محلا، فإن أحرم
فيه من الميقات بالحج فالمروي (2) عن الصادق عليه السلام أنه فعله من ذات عرق وكان
قد خرج من مكة إليها، وفي التذكرة (لو خرج من مكة بغير إحرام وعاد في
الشهر الذي خرج فيه استحب له أن يدخلها محرما بالحج، ويجوز له أن يدخلها
بغير إحرام على ما تقدم) إلى آخره، أو بالعدول إلى الافراد أو القران، أو

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 8
443

بجواز أن لا يكون السؤال عن المتمتع، بل عمن خرج فعاد في شهر خروجه على
يعود ضمير (فإنه) إلى الرجل ونحوه، بل قيل يجوز أن يريد بشهر الخروج
شهر العمرة الذي خرج فيه للعمرة أو بعدها، فإما أن يكون (عليه السلام) أعرض
عن الجواب أو أجاب بأن له الاحرام بعمرة بناء على جواز عمرتين في شهر وإن
كان أبوه عليه السلام أحرم بحج أو أحرم (عليه السلام) أيضا بعمرة تمتع أو غيره،
فعبر عنها بالحج أوله الاحرام بحج التمتع وإن كان عليه التجديد بمكة أو العدول
إلى الافراد أو القران، وإن كان هو كما ترى، وكذا احتمال كون المراد السؤال
عن دخول المتمتع في شهر خروجه من مكة إما في غير شهر عمرته أو مطلقا،
فأجاب بأن أباه (عليه السلام) رجع في شهر خروجه محرما، فليرجع هذا أيضا
إذا رجع في شهر خروجه محرما بعمرة، وإن كان (عليه السلام) أحرم بالحج،
وعلى كل حال فالخبر دال بالمفهوم على المطلوب الذي هو جواز الدخول حلالا إذا
كان قد رجع قبل مضي شهر من إحرام عمرته الأولى، وكأن الوجه في تخصيص
ذلك باحرام العمرة ما ذكره في كشف اللثام من أن الذي دلت عليه الدلائل جواز
الدخول محلا مع سبق الاحرام بعمرة قبل مضي شهر، فالصواب القصر عليه كما في
الجامع، فلو كان سبق إحرامه بحج لم يدخل إلا محرما بعمرة، وإن لم يمض شهر
ففي الأخبار العمرة بعد الحج إذا أمكن الموسى من الرأس، واستحسنه في الرياض
قال: ويعضده عموم أخبار النهي عن الدخول محلا مع سلامته عن المعارض كما
مر، وفيه أولا أنه ينبغي حينئذ الاقتصار على إحرام عمرة التمتع أيضا، لأنه
الذي دل عليه الخبران المزبوران، وثانيا أن الدليل غير منحصر فيهما، ففي
مرسل حفص وأبان (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل يخرج في الحاجة

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الاحرام - الحديث 4
444

من الحرم قال: إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل
في غيره دخل باحرام) وفي صحيح جميل (1) عنه (عليه السلام) أيضا (في الرجل
يخرج إلى جدة في الحاجة فقال: يدخل مكة من غير إحرام) وفي مرسله
الآخر (2) عن أحدهما (عليهما السلام) (في الرجل يخرج من الحرم إلى بعض
حاجته ثم رجع من يومه قال: لا بأس بأن يدخل بغير إحرام) وفي خبر ميمون
القداح (3) أنه خرج مع أبي جعفر (عليه السلام) ومعه عمر بن دينار وأناس من
أصحابه إلى أرض بطيبة ثم دخل (عليه السلام) مكة ودخلوا معه بغير إحرام)
وفي موثق ابن بكير (4) عن غير واحد من أصحابنا عنه (عليه السلام) أيضا
(أنه خرج إلى الربذة يشيع أبا جعفر ثم دخل مكة محلا) اللهم إلا أن يقال إنه قد
تقدم منه إحرام في دخول مكة، لكن فيه بعد تسليمه أنه لم يعلم كونه إحرام
حج أو عمرة، بل ظاهر هذه النصوص عدم اعتبار تقدم إحرام في الدخول محلا
لو رجع قبل شهر وإن كان هو ظاهر المتن وغيره، بل لا أجد خلافا فيه، وحينئذ
فقاطنوا مكة مثلا لو خرج منهم أحد إلى خارج الحرم وجب عليه الاحرام للدخول
وإن عاد قبل مضي شهر، بل في يومه كما صرح بذلك في الحدائق، بل هو مقتضى
ظاهر غيرها أيضا، فإن تم إجماعا فذاك وإلا أمكن النظر فيه للنصوص الدالة
باطلاقها على جواز الدخول حلالا إذا رجع قبل شهر، سواء كان محرما سابقا
بعمرة تمتع أو إفراد أو حج أو لم يكن محرما أصلا، نعم قد يقال يكفي الاعراض
عنها في عدم العمل بها، خصوصا بعد عدم الجابر لسندها، فيبقى عموم عدم جواز
الدخول حلالا بحاله.

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام - الحديث 11
(3) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 1 - 5
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 - 1 - 5
445

ثم ظاهرها كون المراد الرجوع في شهر خروجه لا شهر نسكه السابق كي
يستشكل فيه أنه من حين الاهلال أو من حين الاحلال كما عن الأكثر ودل عليه
الموثق، حتى أن الفاضل في القواعد تردد في ذلك وإن قيل إنه من احتمال الأخبار
والفتاوى لهما، واقتضاء أصل البراءة الأول، والاحتياط الثاني، بل ربما أيد
الأول بما في الأخبار من كون العمرة محسوبة لشهر الاهلال دون الاحلال، ولذا
شرع الاحرام بها في رجب قبل الميقات، والثاني بأنه لو بقي على احرامه أزيد من
شهر فخرج وهو محرم ثم عاد لم يجب عليه تجديد إحرام، إلا أن ذلك كله كما
ترى بعد ظهور النصوص المزبورة فيما ذكرناه حتى حسن حماد (1) المتقدم، إذ
دعوى إرادة شهر العمرة من شهره فيه في غاية البعد، ونحوه مرسل الصدوق (2)
الذي فيه النص على شهر الخروج، مضافا إلى النصوص السابقة كما سمعت إلا
الموثق (3) المزبور الذي قد عرفت إجماله، مضافا إلى اجمال قوله فيه أيضا
(وهو مرتهن بالحج) فإنه يحتمل كونه تعليلا للمفهوم بأنه لما كان مرتهنا بالحج
لم يكن عليه احرام بعمرة إلا بعد مضي شهر فيعتمر ويجعل الأخيرة عمرة التمتع،
ويحتمل كونه تعليلا للمنطوق، بأنه لما ارتهن بالحج لزمه البقاء على حكم عمرته
بأن لا يخرج من مكة أو يجددها إذا دخل، بل لعله عند التأمل غير مناف لما ذكرنا
فتأمل جيدا،
وأما الفتاوى فهي وإن كان بعضها مجملا لكن في النافع (ولو خرج بعد
احرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأ عنه، وإن عاد في غيره أحرم ثانيا) وفي
النهاية في المتمتع (فإن خرج من مكة بغير احرام ثم عاد، فإن كان عوده في الشهر

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 10 - 8
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 10 - 8
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 10 - 8
446

الذي خرج فيه لم يضره أن يدخل مكة بغير إحرام، وإن دخل في غير الشهر الذي
خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج، وتكون عمرته الأخيرة) ونحوه ما في
المقنعة والمنتهى والتذكرة، وفي الفقه (1) المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام (فإذا
أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج
حتى يقضيه إلا أن يعلم أنه لا يفوته الحج، فإن علم وخرج ثم رجع في الشهر الذي
خرج فيه دخل مكة محلا، وإن رجع في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما)
وما في الرياض من أن مقتضى الاطلاق المزبور شمول ما إذا كان شهر الخروج
بعد الاحرام المتقدم بأزيد من شهر، ولا أظنهم يقولون به ولا صرح به أحد
وإنما ثمرة النزاع تظهر على ما صرح به بعضهم في صورة العكس، وهي ما لو خرج
آخر شهر ودخل أول آخر فيدخل محرما على هذا القول، ولا حتى يمضي ثلاثون
يوما على قول الأكثر، ولعله الأظهر لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم بدع
بالتزام ذلك الذي هو مقتضى اطلاق ما سمعته من النصوص التي فيها الصحيح وغيره
المعتضدة بفتوى من عرفت، وتصريح بعضهم بكون ذلك ثمرة النزاع بين القولين
الأولين لا ينافي وجود ثمرة أخرى على القول الثالث الذي هو اعتبار الشهر من
يوم الخروج لا الاهلال ولا الاحلال.
وبذلك كله يظهر لك النظر في جملة من الكلمات هنا خصوصا بعد ملاحظة
ما تسمعه إن شاء الله من عدم اعتبار الشهر في الفصل بين العمرتين، وهو مضعف
آخر للموثق المزبور، بل يمكن القطع بعدم بناء المسألة على تلك المسألة، وإلا
لأشار أحد منهم إليها، وبعد ملاحظة ما تقدم لنا سابقا في المتمتع إذا قضى متعته
وأراد الخروج لبعض حوائجه ثم الرجوع للحج، هذا.

(1) المستدرك - الباب - 18 - من أبواب أقسام الحج - الحديث 1
447

والظاهر أن المراد مما في الحسن والموثق بيان طريق لخروج المتمتع المرتهن
بالحج بعد قضاء متعته، وصعوبة الاحرام عليه بالحج والخروج محرما، وصعوبة
البقاء عليه في مكة لتعلق أغراض له باعتبار جواز ذلك لغيره، لا أن الحكم مختص
به، بل ولا بذي العمرة المفردة أو الحج، بل هو حكم لكل من خرج من مكة
وحرمها بعد أن كان محرما ثم أراد الرجوع إليها، فإن كان لم يمض عليه شهر جاز
له الدخول حلالا، وإلا أحرم بالعمرة ودخل.
وكيف كان فلا إشكال في أصل الحكم إلا ما احتمله في كشف اللثام في
عبارة القواعد التي هي (يجب على كل داخل مكة الاحرام إلا المتكرر كالحطاب
ومن سبق له احرام قبل مضي شهر من احرامه أو إحلاله على إشكال) من
رجوع الاشكال إلى استثناء من سبق له احرام، قال: (لما أشرنا إليه من عموم
النهي عن الدخول محلا، فيعارض عموم فصل شهر بين عمرتين، مع معارضته
بأخبار فصل عشرة أيام وغيرها كما يظهر إن شاء الله، واحتمال شهره في خبر حماد
لشهر الخروج، وضعف خبر إسحاق مع كون دلالته بالمفهوم، وخلو كلام أكثر
الأصحاب عنه) ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، على أن الخبر
المزبور من قسم الموثق، والمفهوم فيه من مفهوم الشرط، لا عبرة بخلو كلام
أكثر الأصحاب عنه لو سلم بعد قيام الدليل، ومع الاغضاء عن ذلك كله وفرض
التعارض المفقود فيه الترجيح يجب الرجوع إلى حكم الأصل، وهو عدم حرمة
الدخول محلا، لانتفاء المانع بحكم التعارض المفروض، كما هو واضح، والله العالم
وبالجملة فالخارج الداخل قبل الشهر يدخل بغير احرام (و) كان ممن
(يتكرر) دخوله (كالحطاب والحشاش) فإن له الدخول حلالا أيضا
بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط والسرائر الاتفاق عليه، للحرج
448

ولقول الصادق عليه السلام في صحيح رفاعة (1): (إن الحطابة والمجتلبة أتوا النبي
صلى الله عليه وآله فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالا) بل ظاهر المصنف وغيره أن ذلك مثال
لكل من يتكرر دخوله وإن لم يكن من المجتلبة والحطابة كالحشاش وغيره، كما أن
الظاهر عدم اعتبار تكرر دخولهم قبل انقضاء شهر، فلو فرض أن بعض المجتلبة
يحتاج إلى فصل أزيد من شهر دخل حلالا ولا شئ عليه، ولكن في كشف
اللثام (إلا المتكرر دخوله كل شهر بحيث يدخل في الشهر الذي خرج كالحطاب
والحشاش والراعي وناقل الميرة ومن له ضيعة يتكرر لها دخوله وخروجه إليها،
للحرج وقول الصادق عليه السلام في صحيح رفاعة) إلى آخره. ثم ذكر مرسل حفص
وغيره من النصوص التي ذكرناها سابقا، ولم أجده لغيره، بل لعل ذكر الأصحاب
ذلك مستثنى بخصوصه كالصريح في خلافه، اللهم إلا أن يكون من جهة اعتبار
سبق الاحرام في السابق دونهم.
(و) كيف كان فقد (قيل) والقائل الشيخ وابن إدريس فيما حكي
عنهما، بل في المدارك أنه قول مشهور بين الأصحاب: (من دخلها لقتال)
مباح (جاز أن يدخلها محلا) بل عن المبسوط والسرائر (كما دخل النبي صلى الله عليه وآله
عام الفتح وعليه المغفر) على رأسه بلا خلاف، ولكن في كشف اللثام احتمال
إرادة نفيه عن كونه على رأسه لا الإباحة، بل قال: هو الوجه لخلاف أبي حنيفة
وإن كان هو كما ترى، هذا. وفي التذكرة أن النبي صلى الله عليه وآله دخل وعليه المغفر
وكذا أصحابه كما في بعض النصوص عن أمير المؤمنين عليه السلام كذلك، وعن المنتهى
أن النبي صلى الله عليه وآله دخلها عام الفتح وعليه عمامة سوداء (2) وعلى كل حال فلا يخفى

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب الاحرام - الحديث 2
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 177
449

عليك ما في ذلك بعد ما سمعت من النصوص الدالة على أن مكة حرام لم تحل لأحد
قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما حلت لي ساعة من نهار، وما في المنتهى من
احتمال كون المعنى حلت لي ولمن هو في مثل حالي بقرينة ما سمعته في التذكرة
بعيد، خصوصا بعد عدم إشارة في شئ من النصوص المزبورة إلى أن ذلك قد
كان منه لمكان القتال الذي يمكن مجامعته للاحرام كما عرفته في لبس المحرم السلاح
للضرورة، على أن النبي صلى الله عليه وآله دخل مكة مصالحا لا لقتال، إلا أنه لما كان الصلح
مع أبي سفيان ولم يثق بهم وخلف غدرهم حل له ذلك، اللهم إلا أن يقال إنه إذا
جاز لخوف القتال فله أولى، وفيه أنه على كل حال لا يستفاد منه الجواز لمطلق
القتال، ضرورة احتمال خصوصية فيما وقع من النبي صلى الله عليه وآله باعتبار كونه منه
وجهادا للمشركين وغيره ذلك من الخصوصيات التي لا توجد في غيره، ولعله لذلك
كله والاحتياط نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بضعفه، ضرورة بقاء العموم حينئذ
بلا معارض، بل عن الشيخ في غير المبسوط أنه لم يستثن إلا المرضى والحطابة،
نعم قد يقال بالجواز إذا وصل الأمر إلى حد الضرورة، لعموم أدلتها، وفحوى
نصوص المرض (1) مع احتمال وجوب الاحرام حينئذ وارتفاع بعض أحكامه لها
لا أصل الاحرام، بل هو الوجه، والله العالم.
(وإحرام المرأة كأحرام الرجل إلا فيما استثنيناه) من جواز لبس المخيط
والحرير على الأصح، والتظليل سائرا، وستر الرأس، ووجوب كشف الوجه،
وعدم استحباب رفع الصوت بالتلبية، ونحو ذلك مما خرج عن قاعدة الاشتراك
وغيرها مما يقتضي اتحادهما في كيفية الاحرام كالصحيح (2) الآتي في الحائض ونحوه

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب الاحرام
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحرام - الحديث 4
450

(و) حينئذ ف‍ (لو حضرت) المرأة (الميقات جاز لها أن تحرم ولو
كانت حائضا) و (لكن لا تصلي صلاة الاحرام) بلا خلاف أجده في شئ
من ذلك بل ولا إشكال، ضرورة اقتضاء عموم الأدلة عدم مانعيته عنه وخصوصها
قال معاوية بن عمار (1) في الصحيح: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض
تحرم وهي حائض قال: نعم تغتسل وتحتشي وتصنع كما يصنع المحرم ولا تصلى)
وقال منصور بن حازم (2) في الصحيح (قلت له (عليه السلام) أيضا: المرأة
الحائض تحرم وهي لا تصلي قال: نعم، إذا بلغت الوقت فلتحرم)) وقال العيص
ابن القاسم (3): (سألته (عليه السلام) أيضا أتحرم المرأة وهي طامث فقال:
نعم تغتسل وتلبي) إلى غير ذلك من النصوص، بل صريح الأول والأخير منها عدم
سقوط الغسل عنها، مضافا إلى عموم أدلته خلافا للمحكي عن بعض، ولا ريب
في ضعفه لما عرفت، على أن هذا الغسل ليس طهارة منافية لوجود الحيض، بل
هو مستحب تعبدا، نعم تسقط الصلاة عنها لعموم الأدلة وخصوص الصحيح
المزبور، ولو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه مجتازة مع التمكن، وإلا
أحرمت من خارجه، وعلى ذلك يحمل النهي عن دخول المسجد في الموثق أو على
الدخول مع المكث أو على الكراهة.
(ولو تركت الاحرام ظنا) منها (أنه لا يجوز رجعت إلى الميقات
وأنشأت الاحرام منه) بلا خلاف ولا إشكال، لتوقف صحة الاحرام عليه،
(و) ما في خبر علي بن جعفر المتقدم في مسألة الجاهل من جواز الاحرام من
مكانه وأن الأفضل العود له من الميقات قد عرفت قصوره عن المعارضة من وجوه

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحرام الحديث 4 - 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحرام الحديث 4 - 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب الاحرام الحديث 4 - 1 - 5
451

نعم (لو منعها مانع) من الرجوع (أحرمت من موضعها) إن لم تكن قد
دخلت الحرم (ولو) دخلته أو (دخلت مكة خرجت إلى أدنى الحل، ولو منعها
مانع أحرمت من) موضع الاحرام ولو (مكة) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك
بل ولا إشكال، لنفي الحرج وفحوى ما تقدم في الجاهل والناسي، وخصوص
صحيح معاوية (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة كانت مع قوم
فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري عليك إحرام أم لا وأنت حائض
فتركوها حتى دخلت الحرم فقال: إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم
منه، وإن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم
بقدر ما لا يفوتها) إلا أن مقتضاه وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق مع فرض
تعذر الميقات كما عن الشهيد الفتوى بذلك، وربما يؤيده عدم سقوط الميسور
بالمعسور، وفي المدارك احتمال الحمل على الندب، لعدم وجوب ذلك على الجاهل
والناسي مع الاشتراك في العذر، ولموثق زرارة (2) (عن أناس من أصحابنا
حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الوقت وهي لا تصلي فجهلوا أن مثلها ينبغي أن
تحرم فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة وهي طامث حلال، فسألوا الناس فقالوا:
تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم فيه وكان إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا
أبا جعفر عليه السلام فقال: تحرم من مكانها، وقد علم الله نيتها) وفيه أنها ظاهرة أو
مقيدة بصورة عدم الامكان، خصوصا مع صحة سند الأول دون الثاني،
وموافقته للاحتياط، وعلى كل حال فظاهر الخبرين حال عدم التقصير، أما معه
بترك السؤال مع التنبه له فالظاهر كونها كتارك الاحرام عمدا الذي قد تقدم
الكلام فيه سابقا، كما أنه قد تقدم الحال في الترك لعذر والجاهل والناسي وغير
مريد النسك، فلاحظ وتأمل، والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 6
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب المواقيت - الحديث 4 - 6
452

إلى هنا تم الجزء الثامن عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ومنه
المشتمل على أقسام الحج والمواقيت والاحرام وتروكه، وقد بذلنا
الجهد غايته في تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة
المصححة بقلم المصنف نور الله ضريحه، وقد خرج
بعون الله ولطفه خاليا عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا
زاغ عنه البصر، ويتلوه الجزء التاسع عشر
في الوقوف بعرفات إن شاء الله تعالى
عباس القوچاني
453