الكتاب: مصباح الفقيه (ط.ق)
المؤلف: آقا رضا الهمداني
الجزء: ٣
الوفاة: ١٣٢٢
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: طبعة حجرية

مصباح الفقيه في الزكاة * والخمس * والصوم * والرهن
بسم الله الرحمن الرحيم
* الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى *
لا يعرف
أهمية اي من المواضيع
الا من وقف عليه من كثب
أو استشف حقيقته على أمم منه ان
كان الناظر مختبرا له ضليعا
في فنه
فعلم الفقه الذي
هي
غاية المسلمين اجمع وبغية العلماء قاطبة ومقصد كل عارف ومرمى المولى سبحانه الوحيد ما كيان العالم ومبتغاه الفذ من الايجار
وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون
قد خرج عن حد
الاحصاء الكتب المؤلفة
فيه غير أن كلا من مؤلفيها وان كان قد
أغرق نزعا في التحبير ولم يأل جهدا في البحث والتنقيب
لكن لكل منهم وجهة هو موليها
وقد عرف فقهاء جيل الأخير ان من جمع فأوعى وأبدع في جميع نواحي الفقاهة فضم إلى
دقة النظر متفاهم أهل العرف والى عمق التفكير بساطة في البيان والى فخامة القصد جودة في السرد والى الخوض
في القواعد والأصول انبساطا إلى أحاديث أهل البيت عليهم السلام والى حرية النظر عطفا على أقوال العلماء ليس الا فقيه
الوقت ونابغة الفقه وعلم العلم ورجل الزهد وبطل الاخلاق الحجة الظاهرة والآية الباهرة الحاج الشيخ آقا رضا الهمداني قده
الذي عكف العلماء والمجتهدون على الاستناد إلى كتابه القيم (مصباح الفقيه) وكانوا يتهالكون على الحصول عليه من قبل ان يطبع
بالاستكتاب بأجور باهضة متخذين له كأستاذ مسدد أو مرشد هاد ومن المؤسف ان المطابع قصرت عن أن تزف
جميع مباحثه إلى انظار العلماء فكانت البهجة بطبع كتاب الطهارة منه والصلاة مشفوعة بالتحسر على عدم
بروز البقية منه إلى عالم المطبوعات هنالك نهض لها سيد الطائفة وعميد العترة الطاهرة
مأثرة الشيعة ومفخرة الشريعة علم الدين الخفاق وطوده الراسي وكهفه الحصين
آية الله في العالمين الحاج آقا حسين الطباطبائي القمي دامت أيام
إفاضاته الذي لم يفتأ قاصرا عمه على نشر ألوية العلم
والدين وصارفا همته إلى إقامة عمود الشريعة
منذ ابتلج به العصر الحاضر و
فخر به الزمن الغابر
وليست
هذه النهضة الكريمة بدعا من سيدنا المعظم فان الفضل لا يعرفه الا ذووه على أنه كان قد تخرج على شيخنا المصنف قده ردحا
من الزمن مستقيا من معينه الصافي مقتنيا زبدة المخض من
علومه فهو اعرف بموارد شيخه ومصادره وابصر باخذه
ورده واخبر بقبوله ونفده فلذلك
كان تقديره لإثارة علمه أكثر
من غيره فأصدر امرا بطبعها امتثله لفيف من رواد الخبر ذوى همم عالية بالاتفاق على الطبع مهما كلفتهم أزمة الورق ورقى أجور الكتابة
والطباعة ولقد عني في ذلك بمشاق جمة من النظر والمقابلة مع التنقيح سيد العلماء الأعلام ملاذ الأنام حجة الاسلام الحاج السيد
صدر الدين الجزائري دامت بركاته فنسدي إليه جزيل الشكر وجميل الثناء واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين حرر ذلك في شهر شعبان سنة 1364
1

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين كتاب الزكاة: الزكاة لغة الطهارة والنمور في عرف أهل
الشرع اسم للحق المعروف عندهم المعلوم ثبوته لديهم بنص الكتاب والسنة المتواترة بل هي كالصلاة والصيام من الضروريات التي يخرج منكره عن
ربقة المسلمين وليس في المال حق واجب بأصل الشرع ابتداء سوى الزكاة والخمس كما يدل عليه مضافا إلى الأصل خبر معمر بن يحيى أنه سمع أبا جعفر عليه السلام
يقول لا يسئل الله عز وجل عبدا عن صلاة بعد الفريضة ولا عن صدقة بعد الزكاة ولا عن صوم بعد شهر رمضان وما قد يترائى من بعض الروايات
الواردة في تفسير قوله تعالى وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم من الوجوب فهي كنفس الآية على خلافه أدل حيث أن المتأمل يراها كالنص في عدم إرادة حق
واجب معلوم متعلق بالمال في أصل الشرع ابتداء كالزكاة والخمس مما يكون المدح في تصفية المال عنه لا في وضعه عليه بل أريد منها تأكد الاستحباب أو
الوجوب ولكن لا من حيث تعلق الحق بالمال من حيث هو ابتداء بل لعروض جهة موجبة له كصلة رحم أو الوفاء بنذر وإعانة مضطر وغير ذلك من التكاليف
التي قد توقف الخروج عن عهدتها بصرف المال كما لا يخفى على المتأمل هذا مع أنه لم ينقل الخلاف في شئ من جزئيات هذه المسألة عدا ما عن الشيخ في الخلاف
من إنه قال يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة وهو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث والحفنة بعد الحفنة يوم الجذاذ واستدل عليه
بإجماع الفرقة وأخبارهم والآية الشريفة وأجيب عن الاجماع بالمنع بل خلافه مظنة الاجماع ولذا قد يغلب على الظن أن يكون مراده بالوجوب غير الوجوب
المصطلح كما يؤيد ذلك ما حكي عنه في تهذيبه من أنه قال الوجوب عندنا على ضربين ضرب على تركه اللوم والعتاب وضرب على تركه العقاب وأما عن الاخبار
فبان ظاهرها الاستحباب كما ستعرف وأما عن الآية الشريفة وهو قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده فأولا باحتمال أن يكون المراد بالحق الزكاة المفروضة
كما ذكره جمع من المفسرين و يؤيده أشعار سوقها بمعهودية الحق ومعلوميته قبل نزول هذه الآية ولكن في المدارك نقل هذا الجواب قبل ولكن
ورد في أخبارنا إنكار ذلك روى المرتضى (ره) في الانتصار عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى وآتوا حقه يوم حصاده قال ليس ذلك الزكاة إلا ترى أنه
قال ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قال المرتضى (ره) وهذه نكتة مليحة لان النهي عن السرف لا يكون إلا في ما ليس بمقدر والزكاة مقدرة و ثانيا يحمل الامر
على الاستحباب بشهادة قول الصادق عليه السلام في خبر معاوية بن شريح في الزرع حقان حق تؤخذ به وحق تعطيه أما الذي تؤخذ به فالعشر ونصف العشر وأما
الذي تعطيه فقول الله عز وجل وآتوا حقه يوم حصاده يعني من حضرك الشئ بعد الشئ ولا أعلمه إلا قال الضغث ثمم الضغث حتى يفرغ فإنه كالنفس في عدم
الوجوب وقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح أو الحسن عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير في قول الله عز وجل وآتوا حقه يوم حصاده هذا من الصدقة يعطى المسكين
القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ إذ المتبادر منه إرادة الصدقة المندوبة هكذا قيل وفيه إنه لا يبعد أن يكون المراد به الصدقة
المعهودة التي أمر الله تعالى نبيه بأن يأخذها من أموالهم أي الزكاة بمعنى أنه يحتسب منها فتكون هذه الرواية حينئذ مؤيدة للمعنى الذي ذكرها المفسرون وكيف كان
فملخص الجواب عن الآية هو أنها مع قطع النظر عن الروايات الواردة في تفسيرها لا يفهم منها ثبوت حق أخر وراء العشر ونصف العشر وبملاحظة الروايات الدالة
عليه فالعبرة بما يظهر لك من تلك الأخبار وهوي لا تدل بظاهرها إلا على الاستحباب هذا مع أن مثل هذا الحق لو كان واجبا لصار من حيث عموم
الابتلاء به من الضروريات كالزكاة مع أن المشهور بين المسلمين خلافه فلا ينبغي الاستشكال فيه كما أنه لا مجال للارتياب في تأكد استحبابه للا ينبغي تركه
وفيه أي في كتاب الزكاة قسمان الأول في زكاة المال والنظر فيمن تجب عليه وما تجب فيه ومن تصرف إليه أما الأول فتجب على البالغ العاقل
2

الحر المالك المتمكن من التصرف أما وجوبها على من ذكر فمما لا كلام فيه لأنه هو القدر المتيقن من مورد ثبوت هذا الحكم وإنما الكلام في اعتبار هذه القيود في
ثبوته مطلقا أو في الجملة فنقول البلوغ يعتبر في الذهب والفضة إجماعا مستفيضا نقله بل متواترا ويدل عليه مضافا إلى ذلك أخبار معتبرة مستفيضة مثل صحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ليس في مال اليتيم زكاة وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن مال اليتيم فقال ليس فيه زكاة وصحيحة الحلبي عن
أبي عبد الله قال قلت له في مال اليتيم عليه زكاة فقال عليه زكاة فقال إذا كان موضوعا فليس عليه زكاة فإذا عملت به فأنت ضامن والربح لليتيم وموثقة يونس بن
يعقوب قال أرسلت إلى أبي عبد الله عليه السلام إن لي أخوة صغار فمتى تجب على أموالهم الزكاة قال إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة قال قلت فما
لم تجب عليهم الصلاة قال إذا اتجر به فزكه أو خبر محمد بن فضيل عن الرضا عليه السلام في صبية صغار لهم قال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم الزكاة فقال
لا يجب على مالهم حتى يعمل به فإذا عمل به وجبت الزكاة وأما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه التي سيأتي التعرض لنقل جملة
منها في الفرع الآتي والمنساق من مثل قوله عليه السلام ليس على مال اليتيم أو في مال اليتيم زكاة عدم تعلق هذا ألحق بهذا العنوان فلا يجري في الحول ما دام
كونه مال اليتيم نظير قوله (ع) لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك فيكون ابتداء الحول بعد البلوغ كما هو المشهور بل لم ينقل
التصريح بالخلاف عن أحد وربما يستشهد له أيضا بخبر أبي بصير المروي في التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه يقول ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه
صلاة
وليس عليه جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة وإن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك فإذا أدرك كانت عليه زكاة
واحدة وكان عليه مثل ما على غيره من الناس وفيه أن هذه الرواية أما صدرها فهو كغيره من الروايات التي اعترفنا بظهورها في المدعى وإما ذيلها الذي
هو محل الاستشهاد أعني قوله (ع) وإن بلغ اليتيم الذي أخره فهو لا يخلو من إجمال فإن من المحتمل بل المظنون كونه تفريعا على خصوص الفقرة السابقة عليه النافية
للزكاة على جميع غلاته من نخيل وزرع وغيرهما فيكون كلمة الموصول فيما مضى وما يستقبل كناية عن نفس الغلات ويكون المراد بالادراك بلوغها حد
الكمال الذي يتعلق بها الزكاة فالرواية على هذا أجنبية عن المدعى وعلى تقدير أن يكون الموصول كناية عن الزمان الماضي والمستقبل ويكون المراد بهذا
الكلام أنه ليس عليه في شئ من ماله وغلاته لما مضى وما يستقبل زكاة حتى يدرك فيحتمل أن يكون المراد بالادراك بلوغه وإن تعلق الحق بماله وهو في
النقدين حلول الحول وفي الغلات ما ستعرفه فيكون حينئذ شاهدا المدعى ويحتمل إن يكون المراد بلوغه حد الرشد الذي يرتفع به الحجر عن ماله فيكون على هذا
التقدير أيضا أجنبيا عن المدعي ولكن ينفي هذا الاحتمال عدم الخلاف ظاهرا في كفاية البلوغ وعدم اعتبار الرشد في ثبوته كما ستعرفه في مال السفيه ويحتمل
أيضا بل قد يدعي أنه الظاهر كون المراد بالموصول الزمان المستقبل في إيجاب الزكاة لولا الصغر لا مطلق الزمان الماضي ولذا يقبح أن يقال ليس عليه
لليوم الماضي وللشهر الماضي زكاة فالمراد الحول الذي هو السبب في إيجاب الزكاة لولا المانع فلا ينافي حينئذ أدراك الحول في المستقبل وكون مبدء الحول فيما
مضى فيكون الرواية حينئذ على عكس المطلوب أدل ولكن في دعوى ظهورها في ذلك نظر بل منع وقياس جملة الزمان على خصوص اليوم والشهر قياس مع الفارق
فليتأمل هذا كله مع ما في الرواية من اضطراب المتن فإنها مروية في الكافي عن أبي بصير هكذا قال سمعت أبا عبد الله يقول ليس على مال اليتيم زكاة وإن بلغ
اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه فيما بقي حتى يدرك فإذا أدرك فأنما عليه زكاة واحدة ثم كان عليه مثل ما على غيره من الناس وهي بهذا المتن أيضا
غير متضح المفاد فالأولى رد علمها إلى أهله وفيما عداها مما عرفت غنى وكفاية مع موافقة الحكم من أصله للأصل وعدم ثبوت خلاف محقق فيه فما عن الكفاية
من الاستشكال في حكم المتأخرين باستيناف الحول عند البلوغ في غير محله وربما يستدل أيضا لعدم وجوب الزكاة على غير البالغ والمجنون بحديث
رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وفيه أن المقصود بالوجوب هاهنا ليس الوجوب التكليفي المعلوم واشتراطه بالبلوغ بل الوجوب الناشي
من سببية بلوغ المال للنصاب لتعلق الزكاة به التي لا ربط لها بفعل الصبي ولا ينافيها عدم كون الصبي ما دام صبيا غير مكلف بإخراجها
فحديث الرفع أجنبي عن ذلك اللهم إلا أن يوجه الاستدلال بأن استفادة تعلق هذا الحق بالمال إن كان منشأها الأوامر المتعلقة بإعطاء الزكاة
وإن الله فرض على عبادة الزكاة كما فرض عليهم الصلاة فهي بحكم حديث الرفع مخصوصة بالبالغين وإن كان الاخبار المسوقة لبيان الحكم الوضعي مثل قوله عليه السلام ففيما
سقته السماء العشر فإطلاقها وارد مورد حكم آخر لا يصح التمسك به فيما نحن فيه فليتأمل ثم إن الاخبار المزبورة النافية للزكاة على مال اليتيم وإن لم
يقع فيها التصريح بخصوص النقدين ولكن حيث أن النقدين من أوضح مصاديق المال يكون تلك الأخبار بمنزلة النص في إرادة زكاتهما من العموم فلا
مجال للارتياب في عدم ثبوت زكاة النقدين في ماله نعم إذا اتجر له من إليه النظر أستحب له إخراج الزكاة من مال الطفل أي زكاة مال التجارة التي ستعرف
استحبابها في غير مال الطفل أيضا وهذا أي استحباب إخراج هذه الزكاة من ماله هو المشهور بين الأصحاب كما صرح به في المدارك وغيره بل عن المعتبر و
المنتهى ونهاية الاحكام وظاهر الغنية دعوى الاجماع عليه وحكى عن المقنعة التعبير بلفظ الوجوب كما ورد كذلك في بعض الروايات الآتية التي هي مستند
هذا الحكم فقال ما لفظه لا زكاة عند آل الرسول صلى الله عليه وآله في صامت أموال الأطفال والمجانين من الدراهم والدنانير إلا أن يتجر الولي لهم أو القيم عليهم بها
فإن اتجر بها وحركها وجب عليه إخراج الزكاة منها ولكن حمله في التهذيب على إرادة الندب وربما يؤيد ذلك ما حكي عنه في التصريح في باب زكاة أمتعته
التجارة بأنها سنة مؤكدة فيها على المأثور عن الصادقين (ع) وعن الحلي في السرائر نفي الوجوب والاستحباب ويظهر من المدارك الميل إليه وكيف كان فمستند
هذا الحكم أخبار مستفيضة منها قوله عليه السلام في موثقة يونس بن يعقوب المتقدمة إذا اتجر به فزكه وفي خبر محمد بن الفضيل المتقدم فإذا عمل به وجبت
الزكاة وحسن محمد بن مسلم أو صحيحه قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل على مال اليتيم زكاة قال لا إلا أن يتجر به أو يعمل به وخبر سعيد السمان
3

قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به فالربح لليتيم وإن وضع فعلى الذي يتجر به وخبر أحمد بن عمر بن أبي شعبة عن أبيه
عن أبي عبد الله عليه السلام إنه سئل عن مال اليتيم فقال لا زكاة عليه إلا أن يعمل به وهذه الأخبار وظاهرها العبارة المحكية عن المقنعة الوجوب ولكن المتعين
أما حملها على التقية أو الاستحباب لا لمجرد أعراض الأصحاب عن ظاهرها حيث لم ينقل القول به إلا عن ظاهر المفيد في عبارته المتقدمة بل لمعارضتها بالروايات
الآتية في مبحث زكاة مال التجارة الصريحة في نفي الوجوب وهذه الأخبار وإن كان موردها أخص من مطلق مال التجارة ولكن قد ورد مثل هذه الأخبار
أخبار كثيرة في مطلق مال التجارة وفي خصوص تجارة البالغين أيضا مما كان ظاهره الوجوب فليس حال هذه الأخبار إلا حال غيرها من الرويات الواردة
في هذا الباب مما كان ظاهره الوجوب فلا بد في الجميع بينها وبين تلك الأخبار إلا بحمل ما كان ظاهره الوجوب على تأكد الاستحباب أو الحمل على التقية
وهذا وإن كان في حد ذاته من أبعد المحامل الذي لا يصار إليه مع إمكان الجمع بين الاخبار بوجه آخر لكونه لدى التحقيق عبارة أخرى عن الطرح ولكن قد
يقر به في خصوص المقام ما في بعض الروايات الواردة في الباب من الإشارة إلى إن القول بثبوت هذا القسم من الزكاة هو مذهب المخالفين ولكن مع ذلك
الحمل على الاستحباب أظهر فإن صدور هذه الأخبار المتضافرة المتكاثرة البالغة فوق حد التواتر لاظهار خلاف الواقع مع مخالفتها للاحتياط خصوصا
في مال اليتيم من غير سبق سؤال ملجئ لاظهار خلاف الواقع كما هو الغالب في مواردها في غاية البعد نعم لا يبعد أن يكون التعبير بلفظ الوجوب أو بصيغة الامر
الظاهرة في ذلك من غير تصريح بجواز مخالفته مراعاة للتقية ومن هنا قد يقال إن حمل هذه الأخبار الدالة بظاهرها على الوجوب على التقية كما نسب إلى
الشيخ ليس منافيا لاستفادة الاستحباب منها فليتأمل وقد ظهر مما ذكر ضعف القول بنفي مشروعيتها مطلقا والله العالم وإن ضمنه الولي باقتراض ونحوه
واتجر لنفسه وكان مليا كان الربح له ويستحب له الزكاة التي ستعرف استحبابها في مطلق ماله الذي يتجر به بلا خلاف في ذلك كما ذكره غير واحد ولا إشكال
بعد فرض جواز اقتراض الولي الملي مال الطفل وهو على إطلاقه لا يخلو من إشكال كما صرح به غير واحد من المتأخرين ولكن أدعى شيخنا المرتضى (ره) إن المعروف
بين الأصحاب جوازه وإن لم يكن فيه مصلحة لليتيم للاخبار الكثيرة منها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل ولي مال يتيم أيستقرض منه قال كان
علي بن الحسين (ع) يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره ورواية أبي الربيع قال سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل ولي مال يتيم فأستقرض منه شيئا فقال إن علي بن
الحسين (ع) قد كان يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره فلا بأس بذلك ورواية منصور الصيقل قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن مال اليتيم يعمل به قال إذا
كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن من للمال وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال ورواية البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام
قال سئلته عن الرجل يكون في يده مال للأيتام فيحتاج إليه فيمد يده ويأخذه وينوي أن يرده فقال لا ينبغي له أن يأكل إلا القصد ولا يسرف فإن كان في نيته
أن لا يرده فهو بالمنزل الذي قال الله تعالى الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية خلافا للمحكى عن الحلي فقال لا يجوز للولي التصرف في مال الطفل إلا
بما يكون فيه صلاح المال ويعود نفعه إلى الطفل دون المتصرف فيه وهذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب وعن المبسوط قال ومن يلي أمر الصغير والمجنون
خمسة الأب والجد ووصي الأب والجد والامام ومن يأمره الامام ثم قال في كل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا على وجه الاحتياط والحظ للصغير لأنهم إنما
نصبوا لذلك فإذا تصرف فيه على وجه لاحظ فيه كان باطلا لأنه خلاف ما نصب إليه إنتهى وقال شيخنا المرتضى (ره) بعد أن أورد الاخبار المزبورة ثم نقل
العبارة المحكية عن الحلي والشيخ في المبسوط ما لفظه ويؤيد ذلك إن نقل المال إلى الذمم معرض للتلف بالاعسار أو الانكار أو الموت أو غير ذلك مما
يغلب على الاحتمالات القائمة في صورة بقاء العين ولذا يظهر من المسالك في باب الرهن التردد في جواز اقتراض الولي مال الطفل وعن التذكرة اشتراط جواز
الاقتراض بالمصلحة مضافا إلى الولاية والملائة وكيف كان فالقول بالمنع وإلحاق اقتراض الولي لنفسه بإقراضه لغيره الذي اتفقوا ظاهرا على أنه لا يجوز إلا
مع المصلحة قوى إلا أن العمل بتلك الأخبار المجوزة المنجبرة بما حكى للعلة أقوى إنتهى وهو جيد ومما يؤيده الجواز أيضا بعض الأخبار الآتية وغيرها مما
يدل على أكل طعامهم وإعطاء عوضه وجواز المخالطة والمعاشرة معهم بالتصرف في أموالهم على وجه لا يترتب عليه مفسدة كما يشعر بذلك ما في بعض الأخبار
من الاستشهاد بقوله تعالى وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ومع ذلك كله فالأحوط ترك الاقتراض بلا مراعاة مصلحة اليتيم ولو بملاحظة
وقوعه عوض ما يستحقه من الأجرة بالقيام بمصالحه وحفظ أمواله وإن كان الأظهر بالنظر إلى ما جوازه للولي إذا كان مليا ولم يترتب عليه ضرر وعلى اليتيم
وأما مع عدم الملائة فلا يجوز لأنه في معرض المخاطرة وإن كان الولي حال الاقتراض واثقا من نفسه بالأداء وعازما على الوفاء ولو ببيع داره مثلا فإن هذا
لا يخرجه عن كونه من حيث هو تغريرا بالمال إذ فقد يبدو له أن لا يبيع مستثنيات الدين ويدل عليه مضافا إلى ذلك خبر سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته
فقلت أخي أمرني أن أسئلك عن مال يتيم في حجره يتجر به قال إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شئ غرمه وإلا فلا يتعرض لمال اليتيم و
صحيح ربعي عنه أيضا في رجل عنده مال اليتيم فقال إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمس ماله وإن هو اتجر فالربح لليتيم وهو ضامن وخبر منصور الصقيل
المتقدم والمراد بالملائة أن يكون واجدا لمقدار من المال يتمكن معه من وفاء دينه على تقدير تلف المال الذي استقرضه من اليتيم وأدنى ما به يتحقق
ذلك أن يكون له مال محفوظ عنده غير محتاج إلى صرفه في مؤنته باقيا عنده ما دام كونه مديونا لليتيم محيطا بمال اليتيم إن تلف كما نبه عليه في خبر سالم المتقدم
فما عن بعض من تفسير الملائة بأن يكون له مقدار الدين زائدا عن المستثنيات في الدين وقوت يومه وليلته لا يخلو من مناقشة لان هذا المقدار من
المال هو بحد ذاته في معرض الزوال شيئا فشيئا فلا يبقى معه التمكن من الوفاء مهما أراد فليتأمل وهل يكفي تمكنه من الوفاء لا من حيث الملائة بل من حيث الوجاهة
والاعتبار أو تمكنه من تحصيل الحقوق ونحوها وجهان أظهرهما العدم لخروجه عن مورد النص والفتوى مع عدم كون مثل هذا التمكن مجديا في خروج
4

التصرف عن كونه تغريرا بالمال وكون تركه أصلح بحال اليتيم كما لا يخفى وهل يعتبر الملائة في الأب والجد أيضا كغيرهما أم لا يعتبر فيهما ذلك أو في خصوص
الأب وجوه وفي المدارك بعد أن ذكر اشتراط الملائة في جواز اقتراض الولي قال واستثنى المتأخر من الولي يعتبر ملائته الأب والجد فسوغوا لهما اقتراض مال الطفل مع العسر واليسر وهو مشكل إنتهى أقول ربما استدلوا عليه ببعض الاخبار التي لو تمت دلالتها فهو في صورة احتياج الأب في صرفه إلى
نفقته فالالتزام بجوازه مطلقا حتى لأجل الاتجار أو اقراض الغير مثلا في غاية الاشكال والله العالم أما لو لم يكن واتجر لنفسه أو لم يكن وليا وأتجر
كذلك كان ضامنا للمال بل وكذا لو اتجر مع انتفاء الولاية حتى مع قصد المصلحة لان هذا لا يخرج يده عن كونها عادية بعد أن لم يكن الولاية
عليه شرعا اللهم إلا أن يقال أن مقتضى ظاهر الكتاب والسنة جواز التصرف في مال اليتيم مع المصلحة لكل أحد وعدم اختصاصه بالولي كما حكى عن ظاهر
الكفاية وبعض من تأخر عنه وفيه كلام مع مخالفته لظاهر كلمات الأصحاب إن لم يكن صريحها ولتمام الكلام فيه مقام أخر وإما ضمان الولي مع عدم الملائة
فيدل عليه مضافا إلى الأصل المستفيضة المتقدمة الناهية عن التصرف في ماله مع عدم الملائة ولليتيم الربح في جميع هذه الصور كما صرح به في المتن و
غيره ودل عليه جملة من الرويات المتقدمة كصحيح الربعي وخبر سعيد السمان المتقدمين لتبعية للمال فهذا مما لا إشكال فيه من هذه الجهة ولكنه قد أستشكل
فيه بأن صيرورة الربح له موقوفة على صحه المعاملة المتعلقة بماله وهي إن كانت صادره من غير الولي تتوقف على إجازة الولي فربما لا يجيزها إذا لا إجازة غير
واجبة عليه وإن كانت صادرة من الولي بقصد وقوعها لنفسه كما هو المفروض فقد وقعت باطلة لعدم كونه مأذونا شرعا في التصرف بهذا الوجه وليست
فضولية حتى يصح أن يلحقها الإجازة منه لليتيم إذ لا معنى لإجازة عمل نفسه ويمكن التفصي عن الاشكال أما في تجارة الولي لنفسه بالالتزام بوقوع المعاملة
من أصلها صحيحة لصدورها من أهلها في محلها حيث إن للولي أن يبيع هذا العين بهذا الثمن فباعه فعليه الوفاء بعقده وأما قصد وقوع البيع لنفسه ولمن هو
ولى عنه فهو خارج عن حقيقة البيع ولا مدخلية في صحته المقتضية لصيرورة الثمن ملكا لمن خرج المثمن من ملكه ولا ينافي ذلك كون تصرفه الواقع بهذا الوجه
حراما موجبا للضمان فإن الأب إذا استولى على مال ابنه الصغير على سبيل الاستقلال لا بعنوان الولاية عن ابنه خرج عن كونه محسنا وصار غاصبا فيستحق بتصرفاته
العقاب ويترتب عليها الضمان ولكنه لا تزول بذلك ولايته وسلطنته على هذا المال فإذا باع شيئا من ماله وكان البيع في الواقع موافقا لمصلحة الابن لم يكن
قصد الطغيان والعصيان المؤثرة في صيرورة يده عادية مانعا عن قدرته على الوفاء بعقده ولا عن قلب يده إلى يد حقه بتغير قصده وجعله للابن فلا مقتضى لبطلانه
وإن كان واقعا على وجه غير مشروع كما لا يخفى على المتأمل وأما إذا صدر من غير الولي وظهر له الربح فلو وجب إمضائه على الولي لان تركه أضرار به عرفا فلا يقاس
بترك الاكتساب له كي يقال الأصل براءة ذمته بل هو بشهادة العرف تضييع للربح الحاصل لملكه بفعل الغير ولعل من أجاز التصرف لكل أحد مع المصلحة أراد
نفوذ تصرفه في مثل الفرض نظرا إلى أنه متى لم يجز للولي رده بعد حصول الربح نفذ التصرف في حقه إذ لا يجوز له أبطاله فلا يبقى لا جازته أثر إلا أن تكون في
حد ذاته شرطا تعبديا وهو لا يخلو من بعد فليتأمل هذا كله مع أن القواعد العامة غير صالحة لمعارضة النص الخاص فلا وقع لأصل الاستشكال بعد الاعتراف
بظهور النص والفتوى في أن الربح لليتيم في الصورتين المفروضتين المستلزم لمضى المعاملات
المتعلقة بماله الموجبة لحصول الربح شرعا من غير توقفها على إجازة
أحد فليتأمل ولتمام الكلام في الفروض المتصورة في مثل هذا المقام مقام آخر ولا زكاة هنا على الظاهر أما على المتجر فواضح لعدم تعلق التجارة بماله ويدل عليه
أيضا موثقة سماعة عن الرجل يكون عنده مال اليتيم يتجر به أيضمنه قال نعم قلت فعليه زكاة قال لا لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان والزكاة وأما على
الصغير فلعدم كونه مقصودا بالتجارة حال حصولها بل وقعت له لا عن قصد أو بإجازة لا حقة من الولي بل ومثله خارج عن منصرف أدلتها مع مخالفتها للاحتياط
ويستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه على ما في المتن وغيره وقيل تجب وفي المدارك نسب هذا القول إلى الشيخين وأتباعهما بل عن السيد في ناصرياته
ذهب أكثر أصحابنا إلى أن الامام يأخذ الصدقة من زرع الطفل وضرعه واستدل للوجوب بعموم أدلة الزكاة في الغلات والمواشي وخصوص صحيحة زرارة ومحمد
بن مسلم عن أبي جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام إنهما قالا مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شئ فأما الغلات فإن عليها الصدقة واجبة والجواب أما عن
العمومات فيوجب تخصيصها بالمستفيضة المصرحة بأنه ليس في مال اليتيم زكاة الحاكمة على تلك العمومات وكون النسبة بين الاخبار النافية وبين
العمومات المثبتة الواردة في كل نوع من الأجناس كالغلات والمواشي وغيرهما العموم وجه غير قادح بعد ما أشرنا إليه من حكومة تلك الأخبار على
الأدلة المثبتة ولذا لا يتوهم أحد ممن سمع بهذه الاخبار المعارضة بينهما هذا مع أنه إن أريد بالعمومات الواردة في الغلات والمواشي الأدلة المسوقة
لبيان الحكم التكليفي الذي يستفاد منها الحكم الوضعي بالالتزام فهي مصروفة إلى البالغين بحكم حديث الرفع وإن أريد بها ما كان من قبيل قوله عليه السلام
فيما سقته السماء العشر وفي كل أربعين شاة شاة وغير ذلك من الرويات المسوقة لبيان الحكم فشمولها لملك الصغير إن كان فبالاطلاق لا بالعموم
ولا يخفى على الناظر فيها إن إطلاقها وارد مورد حكم آخر فلا يصح التمسك به للمدعى هذا مع الغض عن قوله (ع) في موثقة أبي بصير المتقدمة وليس على جميع
غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة فإنه نص في المدعى لا يصلح لمعارضته العمومات كما هو واضح وبهذا يظهر الجواب عن الصحيحة فإنها معارضة بهذه
الموثقة وهى غير صالحة للمكافئة لاعتضاد الموثقة بالشهرة بل عن بعض نسبة القول بعدم الوجوب إلى مذهب الإمامية وبمخالفة العامة مع إمكان الجمع
بينهما بمجمل الوجوب على تأكد الاستحباب بل قد يدعى أنه لا ظهور للفظ الوجوب الواردة في الاخبار على إرادة المعنى المصطلح فإنه كثيرا ما يطلق على مطلق
الثبوت ولكنه لا يخلو من نظر وكيف كان فمقتضى القاعدة الجمع بينهما بحمل الصحيحة على الاستحباب كما لعله المشهور وما عن الشيخ من حمل خبر أبي بصير
على إرادة سلب العموم الغير المنافى لوجوبها في الغلات الأربع ففيه ما لا يخفى بعد وقوع التصريح فيه بذكر النخل والزرع بل قد يشكل الاستحباب أيضا
5

بأن احتمال الاستحباب من الصحيحة ليس بأقوى من احتمال جريها مجرى التقية وإن يكون المراد بقوله عليه السلام أما الغلات فعليها الصدقة واجبة وجوبها في
تلك الأزمنة من باب التقية حيث أن زكاة الغلات وكذا المواشي كانت مما يأخذه منهم بمقتضى العادة عامل السلطان المنصوب من قبله على جباية الصدقات
فدواعي التقية بالنسبة اليهما كانت قوية وهذا بخلاف زكاة النقدين ومال التجارة حيث لا يطلع على مواردها غالبا إلا من بيده المال فمن هنا
تردد بعض متأخري المتأخرين أو رجح القول بعدم الاستحباب أيضا وهو أيضا لا يخلو من إشكال فالحكم موقع تردد وإن كان الحكم الاستحباب جمعا بين
الأدلة كما هو مشهور أشبه بالقواعد ولكن الترك أحوط هذا بالنسبة إلى غلاته وأما مواشيه فلم يدل دليل على وجوب الزكاة فيها عدا العمومات التي عرفت
حالها ولا على استحبابها عدا ما قد يدعى من عدم القول بالفصل بينهما وبين الغلات وهو أيضا غير ثابت ولذا مال جماعة من متأخري المتأخرين على ما
حكى عنهم إلى القول بالعدم والله العالم وكيف ما قلنا من الوجوب أو الاستحباب في الموضع الذي التزمنا بشرعيتها فيه فالتكليف بالإخراج يتناول
الوالي عليه لأنه هو الذي له ولاية التصرف في ماله فعليه الخروج عن عهدة هذا الحق كغيره من الحقوق المتعلقة بماله مضافا إلى دلالة بعض النصوص السابقة
عليه وقيل ربما ينسب إلى الأكثر بل المشهور حكم المجنون حكم الطفل في جميع ما تقدم حتى في استحباب الزكاة في غلاته ومواشيه أو وجوبها على القول به فيهما
ولم نقف على دليل يعتد به على التسوية بل عن المصنف في المعتبر بعد أن نقل عن الشيخين القول بمساواة المجنون للطفل في وجوب الزكاة في غلاته ومواشيه
مطالبتهما بدليل ذلك والتعريض عليهما بكونه قياسا مع الفارق وكيف كان فالأصح كما أعترف به غير واحد من المتأخرين وفاقا للمصنف (ره) أنه لا
زكاة في ماله إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا كما يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام امرأة من أهلنا مختلطة
أعليها زكاة فقال إن كان عمل به فعليها الزكاة وإن كان لم يعمل به فلا وخبر موسى بن بكير قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة مصابة ولها مال في يد
أخيها هل عليه زكاة قال إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة وهذان الخبران وإن كان ظاهرهما الوجوب ولكن يتعين حملهما على الاستحباب جمعا بينهما
وبين غيرهما مما تقدمت الإشارة إليه في مال الطفل ثم أن المنساق من الخير خصوصا ثانيهما ورودهما في المال الصامت فاستفادة نفى الزكاة في
مواشيه وغلاته ما لم يتجر بهما من إطلاق هذين الخبرين لا يخلو من نظر فعمدة المستند لذلك هو الأصل بعد قصور أدلة الزكاة عن شمول مال المجنون
لان ما كان منها مسوقا لبيان الحكم التكليفي الدال على الحكم الوضعي بالالتزام فهو مخصوص بالعاقلين بحكم حديث رفع القلم عن المجنون حتى يفيق و
ما كان من قبيل الخطاب الوضعي من مثل قوله فيما سقته السماء العشر ونظائره فإطلاقه وارد مورد حكم آخر لا يصح التمسك به لا ثباتها على المجنون
كما تقدم التنبيه عليه في الفرع السابق فليتأمل ثم إن ظاهر كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية وكذا المنساق من الخبرين المتقدمين
ان العقل كالبلوغ والحرية والتمكن من التصرف من شرائط تعلق الزكاة بالمال فمال المجنون كمال الصبي والمملوك والمال الغائب والدين والمفقود خارج عن
موضوع هذا الحكم فلا يتفاوت الحال حينئذ بين كون المجنون أطباقيا أو أدواريا فمتى عرضه الجنون خرج ماله عن الموضوع الذي وجبت الزكاة فيه كما يفصح عن
ذلك إطلاق حكمهم بنفي الزكاة في مال المجنون من غير تعرض في كلمات من تقدم على العلامة على ما قيل للمطبق والادواري وتصريح العلامة في
تذكرته ومحكي نهايته بأنه لو كان الجنون بصورة أدوار أشترط الكمال طول الحول فلو جن في أثنائه سقط واستأنف من حين عوده نعم فرق بينهما في
المدارك فقال ما لفظه إنما تسقط الزكاة عن المجنون المطبق وأما ذو الادوار فالأقرب تعلق الوجوب به في حال الإفاقة إذ لا مانع من توجه الخطاب
إليه في تلك الحال ثم نقل قول العلامة في التذكرة كما نقلناه وأورد عليه بأنه مشكل لعدم الظفر بما يدل على مدعاه ثم نقل عنه أيضا أنه قال وتجب
الزكاة على الساهي والنائم والمغفل دون المغمى عليه لأنه تكليف وليس من إهله وأعترض عليه بما لفظه وفي الفرق نظر فإنه إن أراد أن المغمى عليه ليس أهلا
للتكليف في حال الاغماء فمسلم لكن النائم كذلك وإن أراد كون الاغماء مقتضيا لانقطاع الحول وسقوط الزكاة كما ذكره في ذوي الادوار طولب بدليله
وبالجملة فالمتجه مساواة الاغماء للنوم في تحقق التكليف بالزكاة بعد زوالهما كما في غيرها من التكاليف وعدم انقطاع الحول بعروض ذلك في أثنائه
إنتهى أقول إن كان مستند الحكم بنفي الزكاة في مال المجنون عدم أهليته لتوجه الخطاب إليه بأدائها كما هو مقتضى استدلالهم له بحديث رفع القلم لتوجه
عليهم الاعتراض بأن هذا إنما هو في حال جنونه وأما بعد إفاقته فلا مانع من أن يخاطب بتزكية أمواله كما في النائم بعد أن استيقظ ولا يختص هذا
الاعتراض بذي الادوار بل في الاطباقي أيضا إذا أفاق يصح أن يتوجه إليه الخطاب بتزكية أمواله التي مضى عليه الحول فيما مضى وكذلك الصبي بعد بلوغه
فهذا يكشف عن عدم تمامية هذا الدليل ولذا ناقشنا في الاستدلال به على نفي الزكاة في مال الصبي والمجنون وإنما العمدة في ذلك الأخبار الدالة عليه
وعدم الخلاف فيه في الجملة بين الأصحاب وقصور أدلة الزكاة عن إثبات تعلقها بمال غير البالغ و المجنون فلا وجه للتفصيل بين الجنون الاطباقي و
الإدواري إلا أن يدعي خروج الادواري عن منصرف أدلته فعلى هذا لا يتفاوت الحال بين إن يكون وقت جنونه وإن تعلق الزكاة بماله وهو وقت
انعقاد الحب في الزرع واصفرار التمر أو احمراره في النخل مثلا أو في سائر الأوقات وكذا بالنسبة إلى ما يعتبر فيه الحول بين ابتداء الحول وبين انتهائه بل ولا
بين ما لو كانت عادته إن يجن سنة كاملة ويفيق سنة في أنه يجب عليه بعد إفاقته أن يؤدي الزكاة التي تعلقت بماله ولو في حال جنونه إذ المفروض عدم كون
مثل هذا الجنون مانعا عن تعلق الزكاة بماله وإن كان معذورا في أدائها حال جنونه كالنائم وهذا مما لا يلتزم به المفصل المزبور على ما يظهر من دليل
إن قلت إذا كان جنونه مستوعبا لتمام الحول أو حاصلا حال تعلق الوجوب بالمال لا يتناوله عمومات أدلة الزكاة بالتقريب الذي عرفته أنفا قلت
فعلى هذا ليس المدار على كون جنونه إدواريا أو إطباقيا بل على كونه مجنونا حال تعلق الوجوب بماله وهذا بالنسبة إلى مثل الزرع والنخل مما لا يعتبر فيه
6

الحول مما لا كلام فيه وبالنسبة إلى ما يعتبر فيه الحول مرجعه إلى دعوى عدم اعتبار استمرار كمال العقل في تمام الحول بل عند حول الحول فلا يتفاوت حينئذ بين
الإطباقي الإدواري أيضا في أن كلا منهما لو أفاق آخر السنة عند انقضاء الحول وجبت الزكاة في ماله فتلخص مما ذكر أنه لا فرق في الجنون بين الاطباقي
والإدواري في أنه ليس في ماله زكاة وأما أنه بعد إفاقته هل يكفي حول الحول أم يعتبر استينافه فهو كلام آخر والظاهر تسالمهم على اعتبار استيناف الحول
كما سيأتي لذلك مزيد توضيح في مسألة اشتراط التمكن من التصرف وقد ظهر بما ذكر ضعف مقايسة المغمى عليه بالمجنون إذ لا دليل على كون الإغماء
مانعا عن تعلق الزكاة بماله فهو كالنوم غير مانع عن ذلك والله العالم والمملوك لا تجب عليه الزكاة سواء قلنا يملك أو أحلنا ذلك مطلقا أو في
الجملة على الخلاف المذكور في محله أما على القول بعدم الملك كما نسب إلى المشهور فواضح بل يخرج حينئذ عن الموضوع بقيد اعتبار ملكية النصاب كما فعله
في محكي الغنية وأما على القول بأنه يملك كما لعله الأصح فلحسنة عبد الله بن سنان أو صحيحته عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس في مال المملوك شئ ولو
كان له ألف ألف ولو أحتاج لم يعط من الزكاة شيئا وصحيحته الأخرى عنه أيضا قال سئله رجل وأنا حاضر عن مال المملوك عليه زكاة قال لا ولو
كان له ألف ألف درهم ولو احتاج لم يكن له من الزكاة شئ وموثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم
أو أقل أو أكثر فيقول أحللني من ضربي أياك أو من كل ما كان مني إليك أو مما أخفتك وأرهبتك فيحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه ثم أن المولى بعد
أصابة الدراهم التي أعطاها في موضع قد وضعها فيه فأخذها فحلال هي قال لا فقلت أليس العبد وماله لمولاه فقال ليس هذا ذاك ثم قال
فليردها فإنها لا تحل له فإنه افتدى نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة فقلت فعلى العبد أن يزكيها إذا حال الحول قال لا إلا
إن يعمل له بها ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا وغير ذلك مما سيأتي نقله فما عن المعتبر والمنتهى وإيضاح النافع من وجوب الزكاة على تقدير الملك ضعيف
واستدل أيضا لعدم الوجوب على فرض الملكية بعدم تمكنه من التصرف للحجر عليه وبنقص ملكه لان للمولى انتزاعه منه متى شاء إجماعا كما عن المختلف
وغيره نقله وأجيب عن الأول بمنع عدم التمكن من التصرف بل له التصرف كيف شاء على تقدير الملكية كما نص عليه في محكي المعتبر وأورد على هذا الجواب
بأنه إنما يستقيم لو وجد القول بالملكية على هذا الوجه وهو منتف للاجماع على الحجر عليه ولو ملك أقول بعد أن كان جل القائلين بالحجر لولا كلهم
يقولون بعدم الملكية يشكل استكشاف هذا الاجماع التقديري من مقالتهم و الاعتماد عليه في استكشاف رأي الحجة عليه السلام كما لا يخفى مع أنه إن
تم فهو إذا لم يكن مولاه فوض أمره إليه وصرفه فيه وعن الثاني بمنع كون هذا التزلزل مانعا عن وجوب الزكاة كالمبيع في زمن الخيار وساير الأموال
المنتقلة بالعقود الجائرة فعمدة المستند هي الروايات المزبورة الدالة بظاهرها خصوصا أولها على إن مال المملوك من حيث هو كمال الصغير والمجنون ليس
متعلقا للزكاة ومقتضى ذلك إنه لو ملكه سيده مالا وصرفه فيه أيضا لم يجب عليه الزكاة بل هذا هو أظهر أفراد مال المملوك الذي يتناوله عموم النصوص
بل لعله هو المنساق إلى الذهن من مورد الموثقة فما عن المحقق الأردبيلي والقطيفي من وجوب الزكاة عليه في ماله الذي رفع مولاه الحجر عنه وصرفه فيه ضعيف
وأما خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال ليس على المملوك زكاة إلا بأذن مولاه فلا بد من رد علمه إلى إهله فإن ظاهره كون
تعلق الزكاة بماله موقوفا على أذن مواليه وهذا مما لم ينقل القول به عن أحد ويحتمل قويا وروده في العبد المأذون في التجارة إذ ليس فيه تصريح بأنه ليس
في ماله زكاة فلا يبعد أن يكون المراد به نفي الزكاة عليه فيما في يده من أموال مواليه كما هو الغالب المناسب لاعتبار أذنهم في ثبوتها عليه ويحتمل أيضا الاستحباب
كما ذكره في الوسائل وتعليقها على أذن مواليه يصلح أن يكون قرينة لذلك أيضا فإنه لا يخلو من مناسبة بخلاف الوجوب كما لا يخفى وكيف كان
فقد ظهر مما ذكرنا ضعف ما قيل من إن العبد يملك ويجب عليه الزكاة أخذا بعموم أدلتها الغير الناهض لمعارضة النصوص الخاصة المتقدمة
هذا مع شذوذ هذا القول بل عدم معروفية القائل به صريحا على ما أعترف به في الجواهر عدا أنه أستظهر ذلك من الوسيلة حيث لم يذكر الحرية
هنا من الشرائط منضما إلى ما يظهر منها في باب العتق من أنه يملك وقيل بل نسب إلى المشهور أنه لا يملك مطلقا والزكاة على مولاه بل عن المنتهى نسبته
إلى أصحابنا وعن ظاهر بعض القول بوجوب الزكاة على مولاه مطلقا سواء قلنا بأنه يملك أم لا يملك وقيل في توجيهه بأنه مال مملوك لأحدهما فلا
تسقط زكاته عنهما معا ولأنه مال مستجمع لشرائط الزكاة فإذا لم يجب على المملوك وجب على السيد ولان المولى لما كان له انتزاعه من يده متى شاء
كان كمال في يد وكيله وفي الجميع ما لا يخفى فالقول بوجوب الزكاة على مولاه ولو على القول بأنه يملك على تقدير وجود قائل به في غاية السقوط نعم
على القول بأنه لا يملك قد يتجه وجوب الزكاة على مولاه بأنه مال مملوك في يد عبده قادر على التصرف فيه وانتزاعه منه فعليه زكاته بمقتضى
عموم أدلتها وربما يؤيده أيضا خصوص رواية علي بن جعفر المتقدمة المعلقة وجوبها على العبد على أذن مواليه ولكن قد ينافيه ظهور حسنة ابن
سنان المتقدمة في إن مال العبد ليس موردا للزكاة كي يجب عليه أو على مولاه أدائها ومن الواضح عدم إرادة السالبة بانتفاء الموضوع من قوله (ع)
ليس في مال العبد شئ بل المراد به نفي تعلق شئ من الزكاة بالمال المنسوب إلى العبد عرفا مثل المال الذي وهبه مولاه أو أجنبي للعبد على وجه قطع علاقته
عنه بحيث لو سئل في العرف يقال هذا مال هذا العبد ولا دخل له بمولاه فمورد هذه الأخبار وكذا محل كلام الأصحاب في هذا الباب هو هذا
النحو من المال الممتاز عرفا عن ساير أموال المولى التي هي في يد عبده المأذون في التجارة مثلا مما لا يقال عرفا أنه مال العبد فالحسنة دلت بظاهرها
على أنه ليس في هذا القسم من المال الذي يضاف إلى العبد زكاة فلا تجب أدائها بمقتضى هذا الظاهر لا على العبد ولا على سيده ولا يتفاوت الحال في ذلك
بين إن نلتزم بأن أضافة المال إلى العبد حقيقة وإن العبد يملك وبين أن نقول بأنه لا يملك والإضافة مجازية بعد دلالة الدليل على أنه لا زكاة
7

في هذا الشئ الذي يقال عليه إنه مال العبد وأوضح من هذه الرواية دلالة على نفي الزكاة على مولاه صحيحة ثالثة لابن سنان أيضا عن أبي عبد الله (ع)
قال قلت له مملوك في يده مال عليه زكاة قال لا قلت فعلى سيده قال لا لأنه لم يصل إلى السيد وليس هو للمملوك بناء على أن يكون المراد بالمال
الذي في يده ماله الذي يضاف إليه عرفا الذي هو مورد الكلام فعلى هذا يكون ذيل هذه الرواية شاهدا لما هو المشهور من إن لا يملك ولكن لا
صراحته بل ولا ظهور له في إرادة ماله لان المال الذي في يده أعم من ذلك بل ما في يده محكوم في الظاهر بكونه لمولاه وهو مأذون في التصرف فيه فيحتمل
قويا بل قد يستشعر من ألفاظ الراوية سؤالا وجوابا ورودها في العبد المستقل بعمله الحاصل في يده من كسبه أو غير مال محكوم في الظاهر بكونه
ملكا لمولاه فمثل هذا المال لا يجب زكاته على العبد وإن كان مأذونا في أصل الاكتساب و تحصيله لعدم كونه ملكا له ولا على مولاه لعدم وصوله
إليه وكون يد العبد في حد ذاته أضعف من يد الوكيل أو كون المولى متمكنا شرعا من انتزاع ما في يده منه لا يجدي في تمكنه من التصرف فيه بالفعل قبل
إيصاله إليه أو إعلامه به وتمكينه من التصرف فيه كي يجب الزكاة عليه وعلى تقدير أن يكون المراد بالمال الذي في يده هو ماله الذي يضاف إليه عرفا فلا بد
من حمل قوله (ع) لأنه لم يصل إلى سيده على إرادة كونه بمنزلة المال المنقطع عنه الخارج عن تحت تصرفه واختياره لصيرورته بجعله للعبد كالطعام المعد
للضيف الذي لا يسع صاحبه المنع عن أكله لمنافاته المروة ولكن إرادة هذا المعنى من الرواية لا يخلو من بعد إلا أن ما ذكرناه في توجيهها على تقدير أرادته
من كون المال عرفا بحكم المال المنقطع عن سيده الخارج عن تحت تصرفه واختياره إن لم يكن بنفسه صالحا للاستدلال فلا أقل من كونه مؤيدا لما
استظهرناه من الحسنة من عدم وجوب زكاة مال العبد على سيده أيضا وأن قلنا بكونه ملكا له في الواقع دون العبد فالقول بعدم تعلق الزكاة بمال
العبد مطلقا تعويلا على ظاهر الحسنة المعتضد بغيره مما عرفت هو الأشبه خصوصا فيما هو مورد موثقة إسحاق المصرحة بعد حلية التصرف فيه
لمولاه مع ما فيها من الإشارة إلى تعلق زكاة مال التجارة بماله الكاشف عن إن عدم وجوب الزكاة عليه ليس لأجل إنه لا يملك بل لكون ماله كمال الصبي
فليتأمل وأما رواية علي بن جعفر فلا تصلح المعارضة ما عرفت إذ غايته ما يمكن كون تعليق ثبوت الزكاة على العبد على أذن مواليه مشعرا بوجوبها عليهم
كون العبد بمنزلة الوكيل في تأدية الزكاة عنهم وهذا مما لا ينبغي الالتفات إليه في مقابل ما عرفت ولا فرق فيما ذكرناه من عدم وجوب الزكاة على المملوك بين
القن والمدبر وأم الولد وكذا المكاتب المشروط عليه والمطلق الذي لم يؤد شيئا ضرورة صدق المملوك المنفي عنه الزكاة في النصوص السابقة على الجميع و
يدل عليه أيضا في خصوص المكاتب مضافا إلى ما عرفت خبر أبي البختري عن الصادق عليه السلام ليس في مال المكاتب زكاة الظاهر في نفيها حتى عن السيد أيضا بالتقريب
الذي عرفته في الحسنة السابقة وهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه هاهنا حتى لو قلنا في غيره بوجوبها على السيد إذ ليس للمولى التصرف فيما له وانتزاعه منه
ولو على القول بكون ملكا له ولو كان المكاتب مطلقا وتحرر منه شئ ولو جزءا يسيرا وجبت عليه الزكاة في نصيبه إذا بلغ نصابا بلا خلاف فيه على الظاهر
بل ولا إشكال لثبوت المقتضي وانتفاء المانع لأنه مال جامع لشرائط الزكاة فيعمه عموم أدلتها وأدلة نفي الزكاة عن مال المملوك لا تسمله ولذا لا يجري
على هذا النصيب شئ من أحكام المملوك بل في الحدائق أستشكل في أجراء حكم الرق بالنسبة إلى جزئه المملوك أيضا لولا الاتفاق عليه فقال ما لفظه و
لولا الاتفاق على الحكم المذكور لأمكن المناقشة في دخوله تحت العمومات المذكورة يعني العمومات الدالة على سقوط الزكاة عن مملوك مطلقا فإن
تلك العمومات إنما ينصرف أطلاقها إلى الافراد الشايعة المتكثرة وهي من كان رقا بتمامه لا من تبعض بأن صار بعضه حرا فإنه من الفروض النادرة
إنتهى ولكن يتوجه عليه أن الاحكام المعلقة على المملوك جلها لولا كلها من قبيل تعليق الحكم على الوصف المناسب المشعر بالعلية المانع من أن يتطرق
إليها دعوى الانصراف فهي بظاهرها من قبيل القضايا الطبيعية التي لا يتخلف حكمها عن شئ من مصاديقها كما لا يخفى والملك شرط في الأجناس كلها إجماعا
كما ادعاه غير واحد بل هو من الواضحات التي لا مجال للارتياب فيه ضرورة إن الزكاة هي الصدقة المعهودة التي جعلها الله تعالى على صاحبي الأموال في
أموالهم وإنما الكلام فيما ذكره المصنف وغيره من أنه لا بد أن يكون تاما ففي المدارك بعد أن ذكر اشتراط الملك قال وأما إشتراط تمام الملك فقد ذكره
المصنف (ره) في هذا الكتاب وجمع من الأصحاب وهو لا يخلو من إجمال فأنهم إن أرادوا به عدم تزلزل الملك كما ذكره بعض المحققين لم يتفرع عليه جريان
المبيع المشتمل على خيار في الحول من حين العقد ولا جريان الموهوب فيه بعد القبض فإن الهبة قد يلحقها مقتضيات كثيرة توجب فسخها بعد القبض من
قبل الواهب وإن أرادوا به كون المالك متمكنا من التصرف في النصاب كما أومئ إليه في المعتبر لم يستقم أيضا لعدم ملائمته للتفريع ولتصريح المصنف بعد
ذلك باشتراط التمكن من التصرف وإن أرادوا به حصول تام السبب المقتضي للملك كما ذكره بعضهم لم يكن فيه زيادة على اعتبار الملك وكيف كان
فالمعتبر تحقق الملك خاصة وأما التمكن من التصرف فهو شرط آخر وسيجيئ الكلام فيه إنتهى وهو جيد اللهم إلا أن يقال أن المراد به عدم نقص الملك
من حيث هو فإن الملك قد يكون طلقا وقد لا يكون كذلك ولكن لا بسبب العوارض الخارجية المانعة عن التصرف فيه فإن نقص الملك على ثلاثة
أنحاء أحدها أن يكون لقصور ما يقتضيه عن إفادة السلطنة التامة التي ينتزع منها الملكية المطلقة كما في الوقف الخاص بناء على ما هو التحقيق
من أن ماهيته التي يقصدها الواقف بإنشائه ليست إلا تحبيس العين وتسبيل المنفعة كما هو الوقف العام الذي هو من قبيل التحريرات كالمساجد والقناطر
فإذا قال الواقف وقفت هذه الدار على أن يكون هذا الجزء منها مسجد للمسلمين وما عداها لأولادي نسلا بعد نسل مثلا لا يقصد من صيغة
الوقف إلا مفهوما واحدا ولكن ينتزع عرفا من قصر منافع الدار على الموقوف عليهم وانقطاع علاقتها عن الواقف ملكيتها لهم إذ لا معنى للملكية
عرفا إلا علاقة الاختصاص الحاصلة لهم بإنشاء الواقف وإن لم يقصد الواقف بإنشائه مفهوم التمليك بل المفهوم الملازم له ولكن الملكية الحاصلة
8

هذا الانشاء ملكية غير مقتضية للسلطنة المطلقة بل بحسب ما أنشأه الواقف ثانيا أن يكون بواسطة تعلق حق الغير به كما في الرهن بل والوقف الخاص
أيضا بالنسبة إلى حق البطون اللاحقة ثالثها إن يكون لقصور يد المالك عنه لغصب أو غيبة ونحوها فهذا مما لا نقص في ملكيته من حيث هو ولكنه
ليس متمكنا من التصرف فيه فيصح أن يراد بقيد التام الاحتراز عن خصوص القسم الأول أو مع الثاني وبقيد التمكن من التصرف عن الأخير وكيف
كان فالأمر فيه سهل إذ ليس لهذا العنوان أي مفهوم التام بل ولا لفظ التمكن من التصرف من حيث هو اثر فيما عثرنا عليه من النصوص وأنما وقع
ذكرهما في كلماتهم من باب التعبير والمتبع هو الدليل فنقول لو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبض بناء على عدم حصول الملك قبله بل وكذا على
القول بحصول الملك من حين العقد ولكنه مراعى بتحقق القبض على تقدير وجود قائل به كما صرح به في المسالك حيث قال بعد ذكر عبارة المتن
سواء جعلنا القبض ناقلا للملك أم كاشفا عن سبقه بالعقد لمنع من التصرف فيه قبل القبض على التقديرين وأن أعترض عليه في المدارك بما لفظه و
هو غير جيد لان هذا الخلاف غير واقع في الهبة وإنما وقع الخلاف فيها في كون القبض شرطا في الصحة أو اللزوم كما نقله الشارح في بحث الهبة وغيره إنتهى
ولكن حكى عن كاشف الغطاء أنه أدعى أن مراد القائلين بكون القبض شرطا في اللزوم هو الكشف لا اللزوم المصطلح لان الهبة لا تصير بالقبض من
العقود اللازمة إذ بعد القبض يجوز الرجوع في الهبة عند الكل إلا في المواضع الخاصة التي ذكروها وعينوها ولم يجعل أحد ممن له فهم مجرد القبض من
الملزمات وصرح المحققون بأن مرادهم من كون القبض شرطا في اللزوم في الهبة ليس المعنى المعروف بل قالوا إن معناه أن العقد يوجب ملكية مراعاة
بتحقق القبض إنتهى ملخصا وكيف كان فلا إشكال في أصل المسألة على كل تقدير كما أنه لا إشكال في جريانه في الحول بعد القبض بل ولا خلاف فيه على الظاهر
المصرح به في كلام بعض وإن كان متزلزلا من حيث البقاء لاحتمال الرجوع فإن هذا غير مانع عن أن يتناوله عمومات أدلة الزكاة كما لا يخفى نعم لو رجع
الواهب قبل الحول سقطت الزكاة ولو رجع بعد الحول وإمكان الأداء لم تسقط جزما وقدم حق الفقراء لتعلقه بالعين ولا يضمنه المتهب
لان هذا الاستحقاق يجري مجرى الاتلاف بل وكذا لو رجع بعد تعلق الوجوب قبل إمكان الأداء لعين ما مر وإمكان الأداء إنما يجدي في ضمانه للفقراء
مع التفريط لا في أصل الوجوب فما عن بعض من الاستشكال فيه والجزم بعدم وجوب الزكاة حينئذ لا على الواهب ولا على المتهب لعله في غير محله وأما ما لا يعتبر
فيه حلول الحول كالغلات فيشترط في وجوب زكاته على المتهب حصول القبض قبل تعلق الوجوب بالنصاب وعدم رجوع الواهب حتى بلغ محل تعلق الوجوب
عنده كما لا يخفى وكذا لو أوصى له أعتبر الحول بعد الوفاة والقبول لأنه وقت انتقال الموصي به إلى ملك الموصى له بناء على كون القبول ناقلا وأما لو قلنا بأنه
كاشف عن انتقال الملك من حين الوفاة كما حكى عن بعض الأصحاب أعتبر أيضا حصوله لعدم تمكنه من التصرف فيه بعنوان كونه ملكا له قبله ولو اشترى نصابا
من الحيوان جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة لان الانتقال يحصل بالعقد لا بعد الثلاثة وخيار المشتري في الثلاثة لو لم يكن مؤكدا الملكية غير
موجب لنقصها فضلا عن أن يكون مانعا من أن يتناوله عموم أدلة الزكاة نعم على القول بعدم انتقال الملك إليه إلا بعد انقضاء زمان الخيار كما نسب إلى
الشيخ (ره) اتجه عدم جريانه في الحول إلا بعد الثلاثة كما هو واضح ولكن المبنى ضعيف وكذا لو شرط البايع وهما خيارا زائدا على الثلاثة يبنى على جريانه في الحول
على القول بانتقال الملك والوجه أنه من حين العقد كما تقدمت الإشارة إليه في المدارك قال ربما ظهر من العبارة أن الخلاف في وقت الانتقال إنما وقع
في الخيار المختص بالبايع أو المشترك بينه وبين المشتري مع أن الظاهر تحقق الخلاف فيه مطلقا فإن الشيخ (ره) حكم في الخلاف بأن المبيع لا ينتقل إلى ملك المشتري
إلا بانقضاء الخيار سواء كان لهما أو لأحدهما لكنه قال أن الخيار إذا أختص بالمشتري ينتقل المبيع عن ملك البايع بالعقد ولا يدخل في ملك المشتري إلا
بانقضاء الخيار ومقتضى ذلك سقوط زكاته عن البايع والمشتري وهو ضعيف جدا والأصح ما أختاره المصنف (ره) من حصول الملك بالعقد فيجري في الحول من
حينه لكن سيأتي إنشاء الله تعالى أنه متى كان للبايع خيار فإن المشتري يمنع من التصرفات المنافية لخياره كالبيع والهبة والإجارة فإن ثبت أن ذلك مانع من وجوب
الزكاة اتجه انتفاء خيار البايع لذلك لا لعدم انتقال الملك إنتهى وقد تبع في ما أورده على البناء المذكور جده في المسالك حيث قال بعد تفسير عبارة المتن
ما لفظه ويشكل بأن الخيار متى كان للبايع أو لهما منع المشتري من التصرفات المنافية للخيار كالبيع والهبة والرهن والإجارة ونحوها وذلك ينافي في تمامية
الملك فيصير كالوقف ونحوه مما يبيح له التصرف بالانتفاع دون النقل عن الملك إنتهى وربما وافقهما في هذا الاعتراض غير واحد من المتأخرين بل عن فوائد
الشرايع أنه قال ولقائل أن يقول أين تمامية الملك والمشتري ممنوع من كثير من التصرفات إنتهى وهو في محله إن سلمنا كون خيار البايع من حيث هو مانعا عن
سلطنة المشتري على نقل المبيع وإتلافه ولكنه غير مسلم بل هو من حيث هو ليس إلا كخيار المشتري في بيع الحيوان إلى ثلاثة إيام في عدم كونه مقتضيا إلا القدرة
على فسخ العقد من حينه الموجب لعود كل من العوضين إلى ملك مالكه الأول على تقدير بقائه ومثله أو قيمته على تقدير تلفه وكون التصرفات الناقلة المتعلقة به
بحكم التلف أو أن له بعد الفسخ استرجاعه ممن أنتقل إليه فيقع إلى الثالث مراعى بعدم فسخ مالكه الأول فيه كلام مذكور في محله وكيف كان فليس خيار الفسخ
من حيث هو مقتضيا لتعهد من لا خيار له بحفظ ما أنتقل إليه وامتناعه من التصرفات الناقلة له فالتصرفات الناقلة ليست بنفسها منافية لحق صاحب الخيار فإن صاحب الخيار
لا يستحق عليه منعه عن التصرف فيما أنتقل إليه قبل أن يفسخ وإنما حقه السلطنة على فسخ العقد الذي يتبعه استحقاق استرجاع العين مع بقائها ومثلها أو
قيمتها لدى التعذر نعم في مثل خيار الشرط الذي هو بجعل المتعاقدين قد يتعلق غرض المتبايعين من جعل الخيار بأثبات السلطنة لصاحب الخيار على استرداد
شخص العين كما لعله الغالب في خيار البايع بعكس خيار المشتري فيكون ذلك في قوة اشتراط إبقاء العين على المشتري وترك التصرفات المنافية له فهذا
شرط آخر مستفاد من قرائن الأحوال خارج عما يقتضيه مفهوم أصل الخيار مع أن في وجوب الوفاء بمثل هذا الشرط ما لم يقع التصريح به في متن العقد
9

كلاما ليس هاهنا محله وعلى تقدير الالتزام به ولوقوعه صريحا في متن العقد والالتزام بكون منع المشتري عن مثل هذه التصرفات من مقتضيات
خيار البايع مطلقا كما يظهر من الجماعة التي تقدمت كلماتهم وإن كان خلاف التحقيق اتجه عدم تعلق الزكاة به وعدم جريانه في الحول كما في الوقف
ومنذور الصدقة وتوهم قصور ما دل على اعتبار التمكن من التصرف عن شمول مثل المقام حيث أن عمدته على التعميم الاجماع الغير المتناول
لمحل الكلام فيعمه عموم أدلة الزكاة مدفوع بعدم الحاجة لاثبات اعتبار التمكن من التصرف في وجوب الزكاة إلى مطالبة دليل خارجي مخصص
للعموم بل المنساق من أدلة الزكاة من مثل قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة ونحوه ليس إلا إرادة إيجابها في أموالهم الذي كان لهم أن يتصدقوا و
يتصرفوا فيها أي الملك الطلق فأدلة الزكاة بنفسها منصرفة عن المال الذي ليس لمالكه التصرف فيه كما لا يخفى على المتأمل وستعرف إن ما هو
شرط لتعلق الوجوب شرط في جريانه في الحول فيما يعتبر الحول فيه والله العالم كذا لو أستقرض ما لا وعينه باقية جرى في الحول من حين قبضه الذي هو وقت
الانتقال كما هو المشهور ولا التصرف كما نسب إلى الشيخ القول به وهو ضعيف كما يدل عليه وعلى أصل الحكم مضافا إلى وضوحه صحيحة زرارة أو حسنته
بإبراهيم بن هاشم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل دفع إلى رجل ما لا قرضا على من زكاته على المقرض أو على المقترض قال لا بل زكاتها أن كانت موضوعة
عنده حولا على المقترض قال قلت فليس على المقرض زكاتها قال لا لا يزكى المال من وجهين في عام واحد وليس على الدافع شئ لأنه ليس في يده شئ إنما المال في
يد الآخر فمن كان المال في يده زكاة قال قلت أفيزكي مال غيره من ماله فقال أنه ماله ما دام في يده وليس ذلك المال لاحد غيره ثم قال يا زرارة أرأيت وضعية ذلك
المال وربحه لمن هو وعلى من قلت للمقترض قال فله الفضل وعليه النقصان وله أن ينكح و يلبس منه ويأكل منه ولا ينبغي له أن يزكيه بلى يزكيه فإنه عليه وصحيحة
يعقوب بن شعيب قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين والثلاث أو ما شاء الله على من الزكاة على المقرض أو على
المقترض فقال على المقترض لان له نفعه وعليه زكاته ولا يجرى الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة أما على القول بتوقف الملك عليها كما نسب إلى المشهور فواضح
وأما على القول بحصول التملك بالحيازة فلعدم تمامية الملك لعدم استقرار حصة كل منهم قبل القسمة كما صرح به في التذكرة حيث قال ما لفظه فلو
تأخرت قسمة الغنيمة حولا فلا زكاة لعدم استقرار الملك فإن للامام أن يقسم بينهم قسمة تحكم فيعطى كل واحد منهم من أي الأصناف شاء فلم يقسم
ملكه على شئ معين بخلاف ما لو ورثوا ما تجب فيه الزكاة هذا إذا كانت من أجناس مختلفة ولو كان الغنيمة من جنس واحد فالوجه ذلك لان ملكهم
في غاية الضعف ولذا يسقط بالاعراض وفي المدارك بعد نقل عبارة التذكرة قال وجزم جدي في فوائد القواعد بتوقفه على القسمة وإن كانت
الغنيمة تملك بالحيازة لان الغانم قبل القسمة ممنوع من التصرف في الغنيمة والتمكن من التصرف أحد الشرائط في الملك وهو جيد ولكن على هذا
ينبغي الاكتفاء بمجرد التمكن من القسمة وظاهر المصنف في المعتبر جريان الغنيمة في الحول من حين الحيازة لأنها تملك بذلك وهو مشكل على إطلاقه
لان التمكن من التصرف أحد الشرائط كالملك إنتهى وربما نسب إلى ظاهر الخلاف أيضا القول بجريانها في الحول من حين الحيازة وهو إنما يتجه لو
قلنا بدخولها بالحيازة في ملك الغانمين كالمال المشترك بين الورثة ولكنها بحسب الظاهر ليست كذلك وتحقيقه موكول إلى محله ولو عزل الامام قسطا
جرى في الحول إن كان صاحبه حاضرا وإن لم يقبضه بناء على كفاية العزل في تمامية ملكه وعدم اعتبار القبض فيه وأما على القول باشتراطه بالقبض
كما حكى عن غير واحد فيعتبر في جريانه في الحول حصول القبض منه أو من وكيله أيضا كما هو واضح وإن كان غائبا فعند وصوله إليه حقيقة أو حكما أما
قبله فلا يجري في الحول وإن قلنا بصيرورته ملكا له بمجرد العزل أو الاغتنام لما ستعرفه في المال الغائب من أن وصوله إلى صاحبه حقيقة أو حكما بحيث يتمكن
من التصرف فيه شرط في جريانه في الحول ولو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب نذرا مطلقا غير موقت أو غير معلق على شرط أنقطع الحول
بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال لتعينه للصدقة وعدم جواز التصرف فيه بما ينافيه فلا يكون ملكه تاما كي تشمله أدلة الزكاة وأولى بذلك ما
لو جعل متعلق نذره كونه صدقة بناء على صحة هذا النذر وخروج العين بذلك عن ملكه كما صرح به غير واحد بل في المدارك أنه قطع به الأصحاب وإن
كان لنا فيه نظر إنتهى ولعل وجه نظره ما قد يقال من أن ظاهر أدلة الوفاء بالنذر كون متعلقه فعلا اختياريا للمكلف فلا بد من الحكم ببطلان نذر
النتيجة لو أريد نفسها من دون تأويل بإرادة السبب بل يمكن أن يقال إنا لا نعقل لقوله لله على أن يكون هذا المال لزيد أو صدقة معنى إلا الالتزام بأن
يجعله كذلك فلا فرق بينه وبين أن يقول لله على أن أفعله كذلك كما في اليمين ولتمام الكلام فيما يتوجه عليه من النقض و الابرام مقام آخر وكيف كان
فلا إشكال في كون نذر الصدقة في أثناء الحول مانعا عن تعلق الزكاة كما أنه لا إشكال في عدم سقوط الزكاة لو تعلق به النذر بعد حول الحول و
تعلق الوجوب فإن كان متعلق النذر ما عدى المقدار الواجب في الزكاة لزمه الأمران بلا إشكال وإن كان مجموع النصاب وجب إخراج الزكاة أو لا ثم
التصدق بالباقي أخذا بقاعدة ما لا يدرك كله لا يترك كله ويحتمل قويا وجوب ضمان الزكاة من غير النصاب والتصدق بالجميع وفاء بالنذر فإن للمالك
أن يتعهد بالزكاة من غير جنسه فإذا نذر أن يتصدق بالجميع فقد التزم بأداء الزكاة من غير مقدمة للوفاء بنذره ويحتمل كفاية النذر عن الزكاة مع اتحاد
المصرف لو لم ينصرف إطلاقه إلى غيرها وأما لو نذر أن يتصدق به في وقت معين فإن كان الوقت قبل تمام الحول فقد نفى شيخنا المرتضى (ره) الاشكال
عن سقوط الزكاة سواء وفي بالنذر في وقته أم لم يف وسواء قلنا بوجوب القضاء مع فوات الوقت أم لا لرجوع الموقت بعد حضور وقته إلى المطلق
وقد عرفت الحال فيه ثم نقل عن شرح الروضة أنه لا شبهة في وجوب الزكاة هنا لو لم يف بالنذر في وقته ولم نوجب القضاء ثم أورد عليه
بأن مجرد التكليف بالتصدق يوجب انقطاع الحول من غير توقف على الوفاء إنتهى أقول كون مجرد تعلق التكليف بالتصدق به في وقت
10

معين من غير أن يحدث في متعلقه حق للغير قابل للتدارك أو يجب قضائه تعبدا كما هو المفروض أو الامر بشراء دار لنفسه مثلا بهذه الدراهم المكنوزة
عنده فيما لو نذر أن يشتري في هذا اليوم لنفسه دارا بها موجبا لانقطاع الحول لا يخلو من تأمل فإنه ليس إلا كوجوب صرف الدينار والدرهم المكنوز
عنده البالغ حد النصاب في أثناء الحول وقتا ما في وفاء دينه أو نفقة عياله مع أنه لا ينبغي استشكال في عدم كون مثله موجبا لانقطاع الحول ولا
مانعا عن تعلق الزكاة بذلك المال عند مخالفته لذلك الواجب لان هذا لا يجوب نقصا في ملكيته عرفا كي لا يتناوله عمومات أدلة الزكاة و
هذا بخلاف ما لو تعلق نذر مطلق أو قلنا بوجوب قضاء الموقت بعد خروج وقته فإنه يخرج بذلك عن تحت اختياره شرعا وعرفا فهو حينئذ بحكم غير المملوك في
كونه خارجا عن منصرف العمومات وأما ما ستعرفه من اشتراط التمكن من التصرف في النصاب في تمام الحول فهو غير مناف لما ذكر لان التمكن من التصرف
الذي يستفاد اعتباره من الأدلة الآتية إنما هو كون المال تحت يده بحيث يكون ترك التصرف فيه مستندا إلى اختياره في مقابل المال الغائب والمغصوب أو
المرهون الذي تعلق به حق الغير المانع له عن التصرف فيه رأسا فلا ينافي ذلك وجوب صرفه في أثناء الحول إلى مصرف معين فإنه إذا لم يصرفه في ذلك المصرف
ولا في غيره حتى مضى عليه الحول يصدق عليه أنه شئ مملوك له كان متمكنا من التصرف فيه في تمام هذه السنة ولم يتصرف والحاصل أن استفادة اعتبار
التمكن من جميع التصرفات في النصاب في جميع الحول بمعنى جوازها له شرعا بحيث ينافيه التكليف بصرفه وقتا ما في أثناء الحول إلى مصرف خاص من الأداء
في غاية الاشكال فليتأمل وإن كان الوقت بعد تمام الحول فالظاهر كونه كالنذر المطلق مانعا عن تعلق الزكاة به سواء قلنا بوجوب القضاء أم لم نقل
وسواء تعلق النذر بمجموع النصاب أو ببعضه لصيرورته بواسطة النذر ممنوعا عن التصرف فيه شرعا مقدمة للوفاء بنذره الذي هو واجب مطلق وهو
كالمانع العقلي مانع عن تعلق الزكاة به وسيأتي لذلك مزيد توضيح إنشاء الله وتوهم عدم وجوب مقدمة الواجب الموقت إلا بعد حضور وقته فلا
يصلح النذر في مثل الفرض مانعا عن وجوب الزكاة مع ضعفه في حد ذاته كما حققناه في أول كتاب الطهارة مدفوع بأن هذا إن سلم ففي غير النذر
وأما النذر فلا مجال للارتياب في أن زمان تعلق التكليف بإيجاد المنذور في وقته إنما هو وقت حدوث سببه الذي هو إنشاء صيغة النذر
لا زمان حضور الفعل كما يشهد بذلك العرف والعقل وأما النذر المشروط بشرط فإن كان الشرط متيقن الحصول فحكمه حكم الموقت في جميع ما
عرفت وإن كان محتمل الحصول كما لو نذر أن يتصدق بجميع النصاب أو بعضه على تقدير وقوع أمر فإن كان وقوع ذلك الامر فعلا اختياريا له
كدخول دار مثلا فلا شبهة في عدم كونه قاطعا للحول ولا مانعا عن وجوب الزكاة عند حول الحول لعدم خروج النصاب بمثل هذا النذر عن ملكه و
لا عن تحت اختياره وكذا لو جعل نذره معلقا على بقاء النصاب في ملكه إلى حين حصول شرط أو حضور وقت بحيث يكون بقاء الملك إلى ذلك الحين من
قبيل المقدمات الوجوبية للواجبات المشروطة إذ لا يخرج الملك بمثل هذا النذر أيضا عن تحت اختياره وأما إذا لم يكن الشرط اختياريا له ولا بقائه
في ملكه شرطا للوجوب بل مقدمة للواجب فقد يقال بانقطاع الحول بذلك كالموقت لوجوب حفظ هذا المال وترك التصرف فيه مقدمة للوفاء
بالنذر الذي تنجز التكليف به من حين إنشاء صيغته ولكن يتوجه عليه إن الذي وجب بالنذر هو التصدق بهذا المال المعين على تقدير حصول الشرط
وهذا هو المراد بالوفاء الذي وجب عليه بالنذر فحاله حال ساير المقدمات الوجودية للواجبات المشروطة على ما حققناه في المبحث المشار إليه من تعلق التكليف بها
من حين إنشاء الطلب لا بعد حصول الشرط ولكن لا يتنجز التكليف بها إلا بعد أحراز تحقق الشرط في وقته وإلا فينتفي وجوب مقدماته بالأصل حسبما فصلناه
في محله فهكذا الكلام هاهنا ويمكن دفعه بأنه إذا وعد مثلا لزيد أن يدفع هذا المال إليه أن أتاه غدا في داره لزمه عقلا إذا كان عازما على إنجاز وعده
إبقاء ذلك المال وعدم تعجيز نفسه عن دفعه إلى زيد على تقدير مجيئه إليه إذ العزم على دفع هذا المال لزيد على تقدير مجيئه ينافي إتلافه أو جعل نفسه عاجزا
عن ذلك وهكذا الكلام فيما لو ألتزم به بنذر أو عهد وشبههما فإن إتلاف ما تعلق به النذر ينافي التزامه بصرفه إلى المصرف الذي ألتزم به كما هو حقيقة النذر
ولا معنى لامر الشارع بالوفاء به إلا إمضاء عمله وإيجاب الجري على حسب ما يقتضيه هذا الالتزام من حفظ قدرته على إنجاز ما ألتزم به وعدم تعجيز نفسه
عن فعل ما ألتزم به على تقدير تحقق شرطه كما لا يخفى على المتأمل والتمكن من التصرف في النصاب معتبر في الأجناس كلها على ما صرح به في المتن وغيره بل في
المدارك هذا الشرط مقطوع به فلا كلام الأصحاب بل في الحدائق هو مما لا خلاف فيه فيما أعلم فلا تجب الزكاة في المغصوب ولا الغائب الذي ليس في يد وكيله و
نحو ذلك بل عن التذكرة بعد أن ذكر اعتبار عدم المنع من التصرف قال فلا تجب في المغصوب ولا الضال ولا المجحود بغير بينة ولا المسروق ولا المدفون
مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع بل قال شيخنا المرتضى (ره) التمكن من التصرف شرط في وجوب الزكاة إجماعا محققا في الجملة ومستفيضا إنتهى واستدل
عليه بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود قال
قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الرجل تكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة قال إذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكي وموثقة
زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد وإن كان يدعه متعمدا
وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر من السنين وخبر سدير الصيرفي قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في رجل كان له مال فأنطلق به فدفنه في موضع
فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم أنه احتفر الموضع من
جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه قال يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه وإن كان أحتسبه وموثق إسحاق بن عمار قال سئلت أبا إبراهيم عن الرجل
يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو ومات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه قال يعزل حتى يجيئ قلت فعلى ماله زكاة قال لا حتى يجيئ
11

قلت فإذا هو جاء يزكيه قال لا حتى يحول عليه الحول في يده و موثقه الاخر عنه أيضا قال سئلته عن رجل ورث ما لا والرجل غائب هل عليه زكاة قال لا
حتى يقدم قلت أيزكيه حين يقدم قال لا حتى يحول الحول وهو عنده ويدل عليه أيضا خبر عبد الله بن سنان المتقدم سابقا في زكاة مال المملوك المشتمل على
تعليل نفيها عن السيد بعدم الوصول إليه والمستفيضة الآتية الدالة على أن كلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه أقول: أما دلالة الاخبار
المزبورة على اعتبار هذا الشرط في الجملة مما لا خفاء فيه ولكن الاشكال يقع في مواضع الأول: في تشخيص مقدار التمكن من التصرف والذي يظهر
بالتدبر في كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية بقرينة التفريعات الواقعة في كلماتهم أن مرادهم بذكر هذا الشرط الاحتراز عن مثل
المسروق والمجحود والمدفون والغائب و نحوها فلا يتوجه عليهم الاشكال بأنه إن أريد التمكن من جميع التصرفات فلا ريب في انتفاض ذلك بما إذا لم يقدر على
تصرف خاص لأجل التزام شرعي كنذر عدم البيع أو قهر قاهر كإكراهه على عدم البيع بالخصوص بل ومثل التصرف في زمان خيار البايع على القول بأنه لا يمنع من
الزكاة وإن أريد التمكن من التصرف في الجملة فأكثر ما مثلوا به لغير المتمكن منه يدخل فإن المغصوب يمكن نقله إلى الغاصب بل إلى غيره في الجملة وكذا الغائب و
المرهون بل والموقوف قال شيخنا المرتضى (ره) بعد أن ذكر الاستشكال المزبور والتحقيق أن يقال إن المراد بالتمكن من التصرف في معاقد الاجماعات والذي يظهر اعتباره
من النصوص هو كون المال بحيث يتمكن صاحبه عقلا وشرعا من التصرف فيه على وجه الاقباض والتسليم والدفع إلى الغير بحيث يكون من شأنه بعد حول
الحول أن يكلف بدفع حصته منه إلى المستحقين فان قوله (ع) في الصحيح إلى إسحاق بن عمار في المال الموروث لغائب إنه لا يجب عليه حتى يحول عليه الحول في يده أو وهو
عنده وقوله (ع) أيما رجل كان له مال موضوع وحال عليه الحول فإنه يزكيه وقوله في حسنة زرارة في مال القرض إن زكاته إذا كانت موضوعة عنده حولا على المقترض
ونحو ذلك يدل على تعلق الوجوب إذا حال الحول على المال في يده وعنده من غير مدخلية شئ في الوجوب ولا يكون ذلك إلا إذا كان المال في تمام الحول بحيث
يتمكن من الاخراج لان هذا التمكن شرط في آخر الحول الذي هو أول وقت الوجوب قطعا لو لم يكن معتبرا في تمامه لزم توقف الوجوب مضافا إلى كونه في يده
تمام الحول إلى شئ آخر والحاصل أن الشارع جعل مجرد حلول الحول على المال في يد المالك بمعنى أن يكون في يده تمام الحول علة مستقلة لوجوب الزكاة
فإن كان المراد من كونه في يده هو ما ذكرنا من تسلطه على التصرف في العين بالدفع والاقباض ثبت المطلوب وهو اعتبار كونه كذلك تمام الحول وإن كان
المراد منه ما دون ذلك أعني التسلط في الجملة ولو لم يكن مسلطا على الدفع والاقباض لزم توقف الوجوب بعد حلول الحول على المال في يده إلى شئ آخر وهو
كون المال بحيث يتمكن من دفع بعضه إلى المستحق ويلزم منه عدم استقلال ما فرضناه مستقلا في العلية إنتهى أقول أما دعوى أن مراد الأصحاب من التمكن
من التصرف في معاقد إجماعاتهم هو هذا المعنى ففيه ما عرفت من أن مرادهم على ما يظهر من كلماتهم الاحتراز عن المال الخارج عن يده أو يد وكيله أو وليه كالمسروق
والمغصوب ونحوهما مما هو خارج عن تحت سلطنته واختياره وأما الاخبار فدلالتها على اعتبار التمكن من التصرف بهذا المعنى أيضا محل مناقشة فإنها
بظاهرها ليست مسوقة إلا لبيان اشتراط تعلق الزكاة بوصول المال وبقائه تحت يده حتى يحول عليه الحول لا انحصار شرائط الزكاة به وكونه سببا تاما لذلك
ولذ لا تنافي بينها وبين ما دل على اعتبار سائر الشرائط كالبلوغ حد النصاب وكونه من أحد الأجناس التسعة الآتية وغير ذلك مما ستعرف سلمنا ظهورها
في السببية التامة ولا ينافي ذلك كونه ممنوعا عن التصرف فيه بالدفع والاقباض لولا تعلق الزكاة به إذ قد يكون جواز الدفع والاقباض مسببا عن إيجاب
الزكاة عليه كما لو نذر أو حلف أن لا يخرج النصاب عن ملكه اختيارا إلى ما بعد حول الحول أو نذر أو أمره أبوه أن يجمع كل ما يفضل من ربحه في هذه السنة عن مؤنته
ولا يخرج عن ملكه حتى يشتري به بستانا مثلا فإذا تعلق بماله الزكاة أو الخمس أرتفع النهي الناشي من قبل هذه العناوين الطارية لان النذر أو الحلف أو أمر الوالد
إنما يجب الوفاء به ما لم يخالف حكما شرعيا أو يزاحم حقا واجبا فلا يصلح مثل هذه العناوين الطارية مخصصا لما دل على وجوب الزكاة فيما حال عليه الحول أو الخمس
فيما فضل عن مؤنته فليس تمكنه من الدفع والاقباض قبل تعلق الوجوب شرطا في تحققه نعم كونه حال تعلق الوجوب متعلقا لحق آخر مانع عن التصرف كما في الرهن وغيره
مانع عن تعلق وجوب الزكاة به فيكون عدمه شرطا في تمامية السبب وهو أخص من المدعي هذا كله مع أن تمكنه من القبض والاقباض حال تعلق التكليف بالزكاة
شرط في تحقق الضمان بتأخير الدفع لا في تعلق الوجوب إذ قد يكون ممنوعا عن الدفع والاقباض عقلا وشرعا حال تعلق الوجوب ولا يكون ذلك مانعا
عن تعلق الزكاة كما في المال المشترك البالغ سهمه حد النصاب المتعذر في حقه عقلا أو شرعا عند حول الحول تسليمه إلى الفقير والحاصل أن التمكن من الدفع وإلا
قباض حال تعلق الوجوب ليس شرطا في الزكاة فضلا عن اعتباره في تمام الحول فليس هذا المعنى مرادا من النص والفتوى جزما فالذي ينبغي أن يقال إن الذي
يستفاد من هذه الأخبار ليس إلا اعتبار كون المال في يده تمام الحول أي تحت تصرفه بحيث يكون بقائه عنده مستندا إلى اختياره فإن هذه هو المنساق إلى
الذهن من مثل هذه الأخبار ولو بانضمام بعضها إلى بعض فلا يكفي مجرد وصول المال إليه وبقائه عنده بقهر قاهر من غير أن يتحقق له استيلاء عليه بإبقائه و
إتلافه وأما كون تصرفه بكل من الابقاء والاتلاف سائغا شرعا فهو أمر آخر لا يفهم اعتباره من هذه الأخبار وغاية ما يمكن الاستدلال به لذلك ما
سبقت الإشارة إليه عند البحث عن اشتراط كون الملك تاما من أن المنساق إلى الذهن من أدلة الزكاة إنما هو تعلقها بالملك الطلق الذي يكون لمالكه التصرف
فيه والتسلط على دفعه إلى الفقير أو صرفه في ساير مقاصده وهذا بالنسبة إلى حال تعلق الوجوب واضح ولكن الاستدلال به لاعتبار كون المال كذلك في تمام الحول
إنما يتم بانضمامه إلى ما يظهر من كلماتهم من التسالم على إن ما هو شرط لتعلق الزكاة يعتبر استمراره في تمام الحول كما يشعر بذلك أدلة اعتبار الحول حيث يستشعر منها أراد
في المال الذي من شأنه الصرف في مقاصده وإنه إذا تركه حتى حال عليه الحول فإنه يزكيه ويؤيده أيضا ما ورد في كيفية شرع الزكاة مثل ما في الصحيح عن عبد الله بن
سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام لما نزلت آية خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه فنادى في الناس أن
12

الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر و
الزبيب ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفى عما سوى ذلك قال ثم لم يتعرض بشئ من أموالهم حتى حال عليه الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى
في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق ولكن هذا كله بعد تسليم أصل الانصراف المزبور والقدر
المتيقن منه الذي يصح تسليمه إنما هو انصراف أدلة الزكاة عن المال الذي ليس لمالكه من حيث هو التصرف فيه كيف ما شاء وإخراجه عن ملكه بهبة أو بيع ونحوه
لقصور سلطنته بالذات كما في الوقف أو بواسطة تعلق حق الغير به كما في الرهن وشبهه لا مجرد تعلق حكم تكليفي بترك إخراجه عن ملكه أو صرفه في مصرف معين
من غير أن يؤثر ذلك شرعا أو عرفا نقصا في ملكيته كما إذا منعه أبوه عن إخراج النصاب عن ملكه أو نذر بذلك أو حلف عليه فإن هذا النحو من المنع من التصرف
ليس موجبا لانصراف الأدلة عنه جزما بل وكذا لو حلف على صرفه في مصرف معين لمصلحة نفسه مثلا فإن هذا أيضا غير موجب لنقص ملكيته ولا لانصراف
أدلة الزكاة عنه فلا يصلح النذر وشبهه حينئذ مانعا عن تعلق الزكاة به عند حصول شرائطه كما
تقدمت الإشارة إليه وأما نذر الصدقة وشبهها فقد التزمنا
بانقطاع الحول به وما نعيته عن الزكاة لكونه لأجل سببيته للامر بدفعه إلى الفقير على الاطلاق موجبا لنقص ملكيته عرفا وشرعا كما تقدمت الإشارة إليه
أنفا ولذا لم نلتزم بقاطعيته للحول فيما لو كان موقتا ولم يف به ولم نقل بوجوب قضائه فراجع فتلخص مما ذكر إن التمكن من التصرف الذي يمكن إثبات شرطية لتعلق
الزكاة بالأدلة المزبورة عبارة عن كون ما يتعلق به الزكاة تحت يده حقيقة أو حكما أي يكون مستوليا عليه بحيث يكون إبقائه تحت يده في الحول اختياريا له
وإن لا يكون ممنوعا عن التصرف فيه وإخراجه عن ملكه شرعا لنقص في ملكيته أما بالذات كما في الوقف أو لعارض كما في المرهون ومنذور الصدقة الذي صار بواسطة
أمر الشارع بدفعه إلى الفقير بحكم غير المملوك في عدم تناول أدلة الزكاة له وأما مجرد المنع عن التصرف في وقت خاص مثلا الذي لا ينافي تمامية الملك عرفا كالأمثلة
المزبورة فلا دليل على مانعيته عن الزكاة والله العالم * الثاني: مقتضى ظاهر جل الروايات المتقدمة الواردة في المال الغائب والمدفون بل كلها وكذا خبر ابن
سنان المشتمل على تعليل نفي زكاة مال العبد على سيده بعدم وصوله إليه وصحيحة الفضلاء وكلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه وغير ذلك من الروايات
الدالة على اعتبار حول الحول عنده إناطة وجوب الزكاة بوصول المال إليه واستيلائه عليه بالفعل أي كونه بالفعل في يده وتحت تصرفه فلا يكفي مجرد تمكنه من
ذلك ولكن قد يقال بوجوب رفع اليد عن هذا الظاهر بجعل ما في هذه الأخبار من التعبير بالوصول إليه وكونه في يده وعنده كناية عن قوة التسلط والتمكن من التصرف
أو جعل التمكن من إثبات اليد بمنزلة كونه في يده بالفعل بشهادة قوله عليه السلام في موثقة زرارة المتقدمة وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل
ما مر من السنين وعن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عع) أنه قال في الدين يكون للرجل على الرجل إذا كان غير ممنوع يأخذه متى شاء بلا خصومة ولا مدافعة فهو كسائر
ما في يده من ماله يزكيه وإن كان الذي عليه يدافعه ولا يصل إليه إلا بخصومة فزكاته على من في يده وكذلك مال الغائب وكذلك مهر المرأة على زوجها وفيه عدم صلاحية
هذين الخبرين لصرف تلك الروايات عن ظاهرها من اعتبار السلطنة الفعلية أما الموثقة فصدرها كغيرها من الاخبار ظاهر في عدم كفاية مجرد صيرورته قادرا
على إخراجه في وجوب الزكاة بل يعتبر فيه فعلية الاخراج وربما يستشعر من هذه العبارة ورودها في مثل المال المدفون الذي نسي موضعه أو الدين وشبهه مما يصلح أن
يطلق عليه عند استيفائه لفظ الاخراج فليتأمل وكيف كان فلا ظهور لما في ذيلها من قوله (ع) وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه إلى آخره فيما ينافي ذلك أما
إن كان المراد به الدين كما حمله عليه بعض في ظاهر كلامه فهو أجنبي عما نحن فيه وسيأتي الكلام فيه وإن كان المراد به العين فكذلك لأنه بمنزلة التصريح بمفهوم
القيد المذكور في الصدر فمحصل مفاده أنه إن كان المال الغائب لم يكن خارجا عن تحت اختياره بل كان بحيث مهما أراد أن يأخذه أخذه كالمال المستودع و
المذخور تحت الأرض وغير ذلك من الموارد التي لم يؤثر غيبته في الخروج عن تحت سلطنته الفعلية غرفا وهذا النحو من الغيبة غير مانع عن تعلق الزكاة جزما وإنما
الكلام في الغيبة الموجبة لقطع سلطنته والخروج من تحت تصرفه بالفعل عرفا كما في ميراث الغائب والمسروق والمغصوب ونحوها مما هو خارج بالفعل عن تحت تصرفه
ولكنه قادر على إثبات اليد عليه باستنقاذه من الغاصب أو الحضور في بلده والاستيلاء على أمواله التي ورثها من قريبه في حال غيبته والروايات المزبورة دلت بظاهرها
على عدم تعلق الزكاة بهذه الأموال وعدم دخولها في الحول حتى يصل إليها ولا ينافي ذلك تعلقها بالقسم الأول الذي لم ينقطع عنه سلطنته بغيبته وبهذا يظهر
الجواب عن الدعائم أيضا إذا المنساق منه ليس إلا إرادة هذا النحو من الغيبة هذا مع ما فيه من ضعف السند إن قلت مقتضى إطلاق قوله وإن كان يدعه متعمدا
وهو يقدر على أخذه عدم الفرق في المال الغائب الذي يقدر على أخذه بين كونه مسبوقا بالعجز كما هو محل الكلام وعدمه قلت قد أشرنا إلى إن هذه القضية بمنزلة
التصريح بمفهوم القيد المذكور في الصدر فيكون محصل مفاده إن ذلك الموضوع المفروض موضوعا للصدر لو لم يكن له هذا الوصف أي عدم القدرة بل كان
قادرا على أخذه ولكنه لم يفعل متعمدا فعليه زكاته فالمال الذي لم يكن قادرا على أخذه ثم قدر عليه خارج عما هو المفروض موضوعا لهذه القضية كما يفصح عن ذلك
مضافا إلى موافقته لقاعدة أخذ المفاهيم إيجاب الزكاة عليه لكل ما مر من السنين إذ لو لم يكن المفروض موضوعا في هذه القضية متصفا بالقدرة على أخذه من
سنين غيبته لم يكن يثبت له هذا الحكم على الاطلاق كما لا يخفى إن قلت سلمنا خروج ما كان مسبوقا بالعجز عما هو المفروض موضوعا لهذه القضية ولكن يفهم
حكمه منها بتنقيح المناط حيث يستفاد منه إناطة الحكم بالقدرة على الاخذ وهي حاصلة في الفرض وكونها مسبوقة بالعجز غير قادح في ذلك قلت بل المناط على
ما يستفاد من الأخبار المتقدمة هي السلطنة الفعلية وهي منقطعة عرفا فيما هو المفروض موضوعا في القضية المزبورة وأما المال المنقطع عنه بسرقة
ونحوها فلا تعود السلطنة الفعلية عليه عرفا إلا بإثبات يده عليه بالفعل ولا يكفي فيه مجرد قدرته عليه فلا يقاس هذا بذاك فضلا عن أن يفهم حكمه منه
بتنقيح المناط ثم لو سلم ظهور هذه الموثقة في كفاية القدرة على إثبات اليد وعدم اعتبار كونه بالفعل تحت يده فنقول إن رفع اليد عن هذا الظاهر يحمله على
13

الدين والوديعة وشبههما أهون من رفع اليد عن ظواهر تلك الأخبار خصوصا خبر ابن سنان المشتمل على التعليل بأنه لم يصل إلى سيده حيث إن الغالب في مورده كون
سيده قادرا على الاخذ منه فليتأمل * الثالث: مقتضى صريح عبارة المصنف في المتن وظاهر غيره في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية اعتبار التمكن
من التصرف في الأجناس كلها ولكن في المدارك قال في شرح عبارة المصنف الآتية فلا زكاة في المغصوب ما لفظه إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في
المغصوب بين كونه مما يعتبر فيه الحول كالانعام أو لا يعتبر فيه ذلك كالغلات وبهذا التعميم حكم الشارح قه فقال إن الغصب إذا استوعب مدة شرط الوجوب
وهو نموه في الملك بأن لم يرجع إلى مالكه حتى بدا الصلاح لم يجب وهو مشكل جدا لعدم وضوح مأخذه إذ غاية ما يستفاد من الروايات المتقدمة أن المغصوب
إذا كان مما يعتبر فيه الحول وعاد إلى ملكه يكون كالمملوك ابتداء فيجري في الحول من حين عوده ولا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه ولو قيل بوجوب
الزكاة في الغلات متى تمكن المالك من التصرف في النصاب لم يكن بعيدا إنتهى وأجاب شيخنا المرتضى (ره) عن دعوى عدم كونه شرطا في الغلات نظرا إلى
اختصاص أدلته بما يعتبر فيه الحول من الأجناس بأنه خلاف فتاوى الأصحاب بل خلاف ظاهر ما يستفاد من الاخبار بعد التأمل فإن قوله (ع) في رواية سدير المسؤول
فيها عن المال الذي فقد بعد حلول الحول ووجده صاحبه بعد سنين أن يزكيه سنة واحدة يعني السنة الأولى قبل الفقدان لأنه كان غائبا عنه يدل بمقتضى التعليل
على إن كل مال غائب لا يجب عليه الزكاة والمراد من الغائب ما يعم المفقود فيدل على أن الزكاة لا تتعلق بعين المال المفقود ولا شك في عدم القول بالفصل بينه و
بين مطلق غير المتمكن كالمغصوب والمجحود ونحوهما فيدل الخبر على إن الزكاة لا تتعلق بالعين التي لا يتمكن مالكه من التصرف فيها كما إذا فرضنا الزرع حال
انعقاد حبته أو تسميته حنطة أو شعيرا مغصوبا فالزكاة لا تتعلق بعينها بمقتضى الرواية المنضمة إلى عدم القول بالفصل فإذا لم يتعلق به حينئذ زكاة فلا
تتعلق به بعد ذلك لان الزكاة إنما تتعلق بالغلات بمجرد صدق الاسم أو بمجرد انعقاد الحب في ملك المكلف كما يدل عليه جميع ما دل على بيان وقت الوجوب ودعوى
دلالة العمومات على وجوب الزكاة في الغلات خرج صورة عدم التمكن من الاخراج فاسدة جدا إذ تلك العمومات ليست إلا ما دل على تعلق الزكاة في الأجناس الأربعة
فإذا فرض عدم تعلقها بها حتى تحقق عنوان هذه الأجناس في الخارج فلا مقتضى لثبوتها فيها بعد ذلك الا ترى إنه لو دخلت في ملك المكلف بعد ذلك
أو حدث شرط لم يكن قبل ذلك انتفى الزكاة إجماعا ولا يجوز التمسك في وجوبها بعموم ما دل على وجوبها في هذه الأجناس فعلم من ذلك إن لتعلق الزكاة بعين
الغلات وقتا مخصوصا لو لم تتعلق فيه بها لم تتعلق بعد ذلك إنتهى ويمكن الاستدلال له أيضا بسائر الروايات المتقدمة الواردة في المال الغائب إذ
المنساق من قوله عليه السلام لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك نفي تعلق الزكاة بالمال الغائب كالدين حتى يستولي عليه ويدخل تحته
تصرفه فإن هذا هو المراد بالوقوع في اليد لا حقيقته وانصراف المال الغائب عن ثمر الزرع والنخل إن كان فبدري يرتفع بعد التفات الذهن إلى المناسبة
بين الحكم وموضوعه وكون الحكم متعلقا على الوصف المناسب المشعر بالعلية وتوهم عدم التنافي بينه وبين تعلق الزكاة بثمرة النخل والزرع بعد وصولها إليه
مدفوع بما نبه عليه شيخنا المرتضى (ره) في عبارته المتقدمة من أنه إذا لم يكن المال حال تعلق الزكاة بالمال واجدا لشرائطها لم يكن مقتضيا لتعلقها به بعده
وليس المقصود بهذه الرواية بيان الحكم التكليفي المحض أي وجوب دفعها إلى الفقير كي لا ينافيه تعلق الزكاة به قبل وصوله إليه وإلا لقيده ببقائه عنده
بعد وصوله حتى يحول عليه الحول فيما يعتبر ذلك فيه بل المقصود به بيان عدم كون المال الغائب كالدين متعلقا لهذا الحق ما دام غائبا كما هو ظاهر وكذا
ما ورد في ميراث الغائب إذ المقصود بالسؤال في قوله كيف يصنع بميراث الغائب مطلق ما ورثه من أبيه فقوله (ع) في جوابه يعزل حتى يجئ عام لمطلق ما ملكه
بالإرث زكويا كان أم غير زكوي ولما حكم الإمام عليه السلام بأنه يعزل ميراثه حتى يجئ احتمال السائل تعلق الزكاة بماله فسئله عن ذلك فأجابه الإمام عليه السلام
بقوله لا حتى يجئ وهذا الكلام بظاهره كلام تام واف ببيان ما هو المقصود ببيانه من هذا الجواب بحيث لو لم يلحقه سؤال آخر لكان الإمام عليه السلام يقتصر عليه
ولم يكن فيه قصور في إفادة مرامه وهو بيان عدم تعلق الزكاة بحصته المعزولة له حتى يجئ وهذا الجواب بإطلاقه شامل لجميع ما ملكه بالإرث مما من شانان يتعلق
به الزكاة سواء كان مما يعتبر فيه الحول أم لم يكن ولا يصلح أن يكون ما ذكره عليه السلام جوابا عن سؤاله الأخير من قوله (ع) لا حتى يحول عليه الحول قرنية على صرف هذا الكلام
عن ظاهر من الاطلاق كما أنه لا يصلح أن يكون قرنية على إن المراد بقوله عليه السلام في صدر الخبر يعزل حتى يجئ خصوص هذا القسم من المال إذ المقصود بهذا الجواب
بيان عدم تنجز التكليف بالزكاة بمجرد مجيئه بل لا بد فيه بعد ذلك من تحقق شرطها وهو حول الحول في الغائب فتخصيصه بالذكر على الظاهر من باب التمثيل
لنكتة الغلبة لا لإرادته بالخصوص وكيف كان فهذا الجواب لا يصلح أن يكون قرينة تصرف ما وقع عنه السؤال في القضية الأولى أو الثانية عن ظاهرهما من
الاطلاق كما لا يخفى على المتأمل هذا كله مع أن المسألة بحسب الظاهر مما لا خلاف فيه فالتشكيك فيه لعله في غير محله ولكنك عرفت فيما سبق إن التمكن
من التصرف المعتبر في تحقق أصل التكليف بالزكاة إي تعلقها بالمال عبارة عن كون النصاب تحت يده غير محجوب عنه ولا ممنوع عن التصرف فيه ولو لمانع
شرعي حسبما مر الكلام فيه مفصلا وأما إمكان صرفها إلى مستحقها الذي به يحصل القدرة على إداء الواجب فهو معتبر في الضمان لا في الوجوب فضلا عن
كونه شرطا في تعلق الزكاة بالمال الذي هو حكم وضعي سببي لا يدور تحققه مدار صحة التكليف فمتى ملك النصاب وحال عليه الحول وهو في يده تعلقت الزكاة
بماله ووجب صرفها إلى مستحقيها مهما قدر عليه فإمكان الأداء من المقدمات الوجودية للواجب لا من شرائط الوجوب وإما القدرة على الامتثال التي هي شرط عقلي
لصحة الطلب فهي عبارة عن كون المكلف ممن يتمكن في شئ من أزمنة مطلوبية الفعل من إيجاده لا كونه بالفعل قادرا عليه فالقدرة العقلية المعتبرة في صحة التكليف
بالزكاة عبارة عن كون المكلف ممن يقدر على أن يصرفها إلى مستحقها فيما يستقبل ولو بعد سنين فمتى تنجز في حقه هذا التكليف بان تحقق سببه وجب
عليه تحصيل القدرة على الأداء ولو بحفظ المال إلى إن يتمكن منه فيما يستقبل وحيث أنه ليس تكليفا محضا بل حق مالي يبقى المال عند عدم تمكنه من الايصال
14

إلى المستحق في يده كالأمانة لا يضمنه إلا بتعد أو تفريط فلو تمكن من أداء الزكاة بعد إن وجبت عليه فقصر فيه ولم يؤد حتى تلفت ضمنها بخلاف ما لو لم يتمكن من
ذلك حتى تلفت جميعها أو بعضها بلا تفريط وسيأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله وكيف كان فقد ظهر مما قدمناه إنه لا تجب الزكاة في المال المغصوب لا على
على غاصبه لعدم كونه ملكا له ولا على المغصوب منه لعدم كونه في يده بلا خلاف في شئ منهما على الظاهر من غير فرق بين كون المال مما يعتبر فيه الحول كالنقدين
والانعام وبين كونه مما لا يعتبر فيه ذلك كالغلات وما في المدارك من الاستشكال في الأخيرة في غير محله كما عرفت وقد عرفت أيضا إن الأظهر عدم
العبرة بتمكنه من استنقاذ المال من الغاصب وإثبات اليد عليه بل المدار على كونه بالفعل تحت تصرفه فما عن غير واحد من أن الزكاة إنما تسقط في
المغصوب ونحوه إذا لم يمكن تخليصه ولو بدفع بعضه فتجب حينئذ فيما زاد على الفداء ضعيف وكذا لا تجب الزكاة في المال الغائب الخارج عن تحت سلطنته
واختياره إذا لم يكن في يد وكيله أو وليه بلا خلاف فيه على الظاهر للنصوص المستفيضة المتقدمة وإنما ذكر الولي ليندرج في هذا الحكم مال الطفل والمجنون
إن قلنا بثبوت الزكاة فيه وجوبا وإستحبابا كما نبه عليه في المدارك ثم قال ما لفظه ولا يعتبر في وجوب الزكاة في الغائب كونه بيد الوكيل كما قد يوهمه ظاهر
العبارة بل إنما تسقط الزكاة فيه إذا لم يكن مالكه متمكنا منه كما يقتضيه ظاهر التفريع ودلت عليه الأخبار المتقدمة وصرح به جماعة منهم المصنف في
النافع حيث قال فلا تجب في المال الغائب إذا لم يكن صاحبه متمكنا منه ونحوه قال في المعتبر فإنه قال بعد أن أشترط التمكن من التصرف فلا تجب في
المغصوب ولا في المال الضايع ولا في الموروث عن غائب حتى يصل إلى المالك أو وكيله ولا فيما يسقط في البحر حتى يعود إلى مالكه فيستقبل به الحول وقال
الشيخ (ره) في النهاية ولا زكاة على مال غائب إلا إذا كان صاحبه متمكنا منه أي وقت شاء فإذا كان متمكنا منه لزمته الزكاة ونحوه قال في الخلاف وبالجملة
فعبارات الأصحاب ناطقة بوجوب الزكاة في المال الغائب إذا كان صاحبه متمكنا إنتهى ما في المدارك وهو جيد فالمدار حينئذ على كونه تمام الحول تحت سلطنة
المالك واختياره حقيقة أو حكما كما لو دفن ماله في مكان وسافر إلى بلد بعيد فإنه بعد أن بعد من بلده مسافة شهر أو شهرين مثلا لا يتمكن من التصرف
فيه بالفعل ولكن كونه كذلك مستند إلى اختياره فلا يخرج المال بذلك عن كونه تحت تصرفه واختياره فهو بحكم ما لو كان بالفعل عنده وفي يده وكذا
ما لو كان عند وكيله ولكن هذا فيما إذا كان وكيلا عنه في إبقاء المال عنده كما في الودعي أو على الاطلاق بحيث يكون مختارا من قبل المالك في أن يتصرف
في المال أو يتركه حتى يحول عليه الحول وأما إذا كان وكيلا عنه في صرفه إلى مصرف خاص كما لو وكله في قبض أمواله وصرفه إلى غرمائه أو في بناء مسجد مثلا ثم سافر
إلى أن انقطع يده عن الوكيل ولم يتمكن الوكيل من صرفه إلى ذلك المصرف فبقي المال عنده قهرا حتى حال عليه الحول فيشكل حينئذ تعلق الزكاة به فإن هذا النحو
من البقاء عند الوكيل الغائب ليس بمنزلة المال الذي وصل إليه وبقى عنده وفي يده حتى حال عليه الحول لا حقيقة ولا حكما خصوصا فيما لو اطلع المالك على
حاله وأراد صرفه إلى مصرف آخر ولم يتمكن عنه لغيبته فالقول بعدم تعلق الزكاة به حينئذ لا يخلو من قوة كما ربما يؤيده بل يشهد له النصوص الآتية
الواردة في مال تركه لنفقة عياله الدالة على أنه إن كان حاضرا فعليه زكاته وإن كان غائبا فلا زكاة عليه وكذا لا تجب الزكاة في الرهن على الأشبه
لتعلق حق الغير به الموجب لنقص ملكيته وعدم جواز التصرف فيه وقد عرفت في صدر المبحث إن هذا النحو من النقص مانع عن تعلق الزكاة خلافا لما عن الشيخ (ره)
في موضع من المبسوط من أنه قال لو رهن النصاب قبل الحول فحال الحول وهو رهن وجبت الزكاة فإن كان موسرا كلف إخراج الزكاة وإن كان معسرا تعلق
بالمال حق الفقراء يؤخذ منه لان حق المرتهن في الذمة ولكن حكى عن موضع آخر منه موافقة المشهور فقال لو أستقرض ألفا ورهن ألفا لزمه زكاة الألف
القرض دون الرهن لعدم التمكن من التصرف في الرهن وعنه في الخلاف قال لو كان له ألف واستقرض ألفا غيرها ورهن هذه عند المقرض فإنه يلزمه زكاة
الألف التي في يده إذا حال الحول دون الألف التي هي رهن ثم استدل بأن المال الغائب الذي لا يتمكن منه مالكه لا يلزمه زكاته والرهن لا يتمكن منه
ثم قال ولو قلنا أنه يلزم المستقرض زكاة الألفين كان قويا لان الألف القرض لا خلاف بين الطايفة أنه يلزمه زكاتها والألف المرهونة هو قادر
على التصرف فيه بأن يفك رهنها والمال الغائب إذا كان متمكنا منه يلزمه زكاته بلا خلاف إنتهى وحكى عن ظاهر الشهيدين وجملة ممن تأخر عنهما
القول بتعلق الزكاة بالرهن إذا تمكن من فكه كما هو مورد كلام الشيخ معللا بصدق التمكن من التصرف فيه وفيه أن القدرة على فك الرهن لا يخرج
الرهن ما دام كونه رهنا عن كونه متعلقا لحق مانع عن التصرف فيه وقد عرفت أنه مثله مانع عن تعلق الزكاة به فالأقوى عدم تعلق الزكاة به مطلقا سواء
تمكن من فكه أم لا كما هو ظاهر بعض وصريح بعض آخر وكذا لا تجب الزكاة في الوقف بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال لا لمجرد عدم التمكن من التصرف
في عينه وكونه متعلقا لحق الغير بل لنقص ملكيته بالذات وكونها منتزعة من قصره منفعته على الموقوف من غير أن يكون له حق في التصرف في عينه ومثله خارج
عن منصرف أدلة الزكاة جزما نعم لو كان وقفا خاصا لكان في نمائه إذا بلغ نصيب الموقوف عليه النصاب الزكاة لان نماء الوقف ليس بوقف بل هو ملك طلق
للموقوف عليه فيجري عليه أحكامه وكذا لا تجب الزكاة في الحيوان الضال ولا في المال المفقود كما ظهر فيما مر وفي المسالك قال ويعتبر في مدة الضلال
والفقد أطلاق الاسم فلو حصل لحظة أو يوما في الحول لم ينقطع إنتهى وهو جيد كما أعترف به في المدارك إذ المدار على انقطاع يده عن ماله عرفا ولا يتحقق
ذلك بمجرد الضلال والفقد ما لم يطل مدته بمقدار يعتد به فإن من شردت دابته مثلا أو نسي الموضع الذي دفن فيه ماله لا يحصل بمجرد صدق اسم الضياع
والخروج عن اليد ما لم يستقر ذلك ويرجو عثوره عليه ومن هنا قد يفرق بينه وبين المغصوب حيث إن الغاصب إذا كانت يده قاهرة كالعدو الذي ينهب
أمواله أو قاطع الطريق الذي ينزع ثيابه فإنه بمجرد استيلائه على المال ينقطع سلطنة المالك عنه عرفا ويضعف ملكيته كما هو واضح فإن مضى عليه
سنون وعاد زكاه لسنة واحدة استحبابا في المدارك قال هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا وأسنده العلامة في المنتهى إلى علمائنا موذنا بدعوى
15

الاجماع عليه وحكى عن بعض العامة القول بالوجوب و المستند في ذلك ما رواه الشيخ (ره) في الموثق عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال في رجل ماله عنه
غائب لا يقدر على أخذه قال فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد وإن كان يدعه متعمد أو هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر من
السنين وما رواه الكليني بسند صحيح عن العلاء بن رزين عن سدير الصيرفي وهو ممدوح قال قلت لأبي جعفر عليه السلام ما تقول في رجل له مال فأنطلق به فدفنه
في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه عن موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن إن المال فيه مدفون فلم يصبه فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ثم أنه احتفر
الموضع من جوانبه كلها فوقع على المال بعينه كيف يزكيه قال يزكيه لسنة واحدة لأنه كان غائبا عنه وإن كان احتبسه ويدل على إن الامر للاستحباب قوله
عليه السلام في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود في الوديعة التي لا يصل مالكها إليها إذا أخذها ثم يحول عليه الحول يزكي إنتهى ويدل عليه أيضا روايتا إسحاق
بن عمار المتقدمتان الدالتان على اعتبار بقائه عنده بعد وصوله إليه حتى يحول الحول عليه وغير ذلك من الروايات الدالة على اعتبار بقاء النصاب
تحت يده تمام الحول في وجوب الزكاة فما عن بعض متأخري المتأخرين من الميل أو القول بوجوب الزكاة لسنة واحدة ضعيف ثم أن مقتضى ظاهر عبارة المتن
إن التزكية لسنة واحدة إنما تستحب إذا كانت مدة الضلال والفقد ثلاث سنين فصاعدا ولكن في المدارك نقل عن العلامة في المنتهى إنه أطلق
استحباب تزكية المغصوب والضال مع العود لسنة واحدة ثم نفى البأس عنه وهو في محله لأنه أوفق بإطلاق الموثقة المزبورة وأما خبر سدير فيحتمل
قويا بل لعله الظاهر منه أن يكون المراد بالسنة الواحدة الأولى كما وقع التنبيه عليه في عبارة شيخنا المرتضى (ره) المتقدمة أنفا فليتأمل وكذا لا تجب
الزكاة في القرض حتى يرجع إلى صاحبه ويحول الحول عليه في يده لانتقاله إلى ملك المقترض بالقبض فتجب زكاته عليه لا على صاحب القرض كما عرفته فيما سبق ولو
تبرع المقرض بالاخراج عن المقترض ففي المدارك قال الوجه الاجزاء سواء أذن له المقترض في ذلك أم لا وبه قطع في المنتهى قال لأنه بمنزلة أداء الدين و
يدل عليه صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أستقرض ما لا فحال عليه الحول وهو عنده فقال إن كان الذي
أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه وإن كان لا يؤدي أدى المقترض وأعتبر الشهيد في الدروس والبيان في الاجزاء أذن المقترض والرواية مطلقة إنتهى
ما في المدارك. أقول: أما تعليل الاجزاء بأنه بمنزلة أداء الدين كما صدر عن العلامة وغير واحد ممن تأخر عنه فلا يخلو من نظر لان الدين حق مخصوص بمالكه
يسقط بإبراء المالك واستيفائه ذلك الحق من أي شخص يكون سواء رضى به المديون أم لا فإن رضا الدائن بكون ما وصل إليه عوضا عما يستحقه من المديون
كإبراء ذمته كاف في سقوط حقه وفراغ ذمة المديون من غير توقفه على رضاه بل لا يبعد أن يقال بعدم اعتبار رضا الدائن أيضا إذا كان المدفوع إليه من
جنس ما يستحقه فليس له الامتناع من قبوله فيما إن أبذله باذل تبرعا وإن لا يخلو من تأمل وهذا بخلاف الزكاة فإنها ليست ملكا لاحد بالخصوص بل المستحقون
مصرف لها فلا يترتب على قبض واحد منهم وقبوله ورضاه كإبرائه وإسقاطه أثر ما لم يكن ذلك بتعيين من له ولاية التعيين أي المالك أو من قام مقامه خصوصا على
القول بتعلق الزكاة بالعين فلا يقاس التبرع بأداء الزكاة المتعلق بمال زيد على التبرع بوفاء الدين المتعلق بذمته الذي هو حق لخصوص الدائن لا يعقل
بقائه بعد رضا الدائن بكون ما وصل إليه وفاء عنه ولو من غير جنسه أو بأقل من حقه بأي حيلة يكون ولو بفعل الأجنبي اللهم إلا أن يدل عليه دليل تعبدي
هذا مضافا إلى ما قد يقال بأن الزكاة من العبادات المتوقف سقوط التكليف بها على مباشرة المكلف ولو بالاستنابة أو التسبيب وفيه كلام يأتي في محله
إن شاء الله وأما الصحيحة فهي بظاهرها غير قاصرة عن إفادة المدعي ودعوى انصرافها إلى صورة إذن المقترض واشتراطه قابلة للمنع وكذا لا تجب الزكاة
في الدين الذي لم يكن تأخيره من قبل صاحبه حتى يقضيه بلا خلاف فيه على الظاهر ويدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان لا صدقة على الدين ولا على المال
الغائب عنك حتى يقع في يدك وموثقة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له ليس في الدين زكاة قال لا وموثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي إبراهيم (ع)
الدين عليه زكاة قال لا حتى يقبضه قلت فإذا قبضه أيزكيه قال حتى يحول عليه الحول في يده وموثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن رجل يكون
نصف ماله عينا ونصفه دينا فتحل عليه الزكاة قال يزكي العين ويدع الدين قلت فإنه اقتضاه بعد ستة أشهر قال يزكيه حين اقتضاه وصحيحة إبراهيم بن
محمود قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل اليهما ثم يأخذهما متى تجب عليه الزكاة قال إذا أخذهما ثم يحول عليه الحول
يزكي وموثقة سماعة قال سئلته عن الرجل يكون له الدين على الناس تجب فيه الزكاة قال ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه فإذا قبضه فعليه الزكاة وإن هو طال
حبسه على الناس سنون فليس عليه زكاة حتى يخرج فإذا هو خرج زكاه لعامه ذلك الحديث إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه ويؤيده أيضا
الأخبار الدالة على إن كلما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه وربما يستفاد من خبر عبد الحميد بن سعد الاستحباب في المؤجل على الملي الثقة بعد القبض
لكل ما مر به من السنين قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن رجل باع بيعا إلى ثلاث سنين من رجل ملي بحقه وماله في ثقة يزكي ذلك المال في كل سنة تمر به أو يزكيه
إذا أخذه فقال لا بل يزكيه إذا أخذه قلت له لكم يزكيه قال قال الثلاث سنين وهو محمول على الاستحباب بشهادة غيره مما عرفت ويحتمل قويا أن يكون المقصود
بالزكاة في هذه الرواية زكاة مال التجارة لا زكاة النقدين من حيث هي والله العالم فإن كان تأخيره من جهة صاحبه فقيل كما عن السيد والشيخين في المقنعة
والخلاف والمبسوط تجب الزكاة على مالكه وأختار في الحدائق أيضا ذلك وقيل لا وهذا القول على ما ادعاه في الجواهر هو المشهور شهرة عظيمة بل عليه إجماع
المتأخرين وهو الأظهر وإن كان الأول أحوط واستدل في الحدائق للقول بالوجوب بموثقة زرارة عن أبي عبد الله إنه قال في رجل ماله عنه غائب لا يقدر
على أخذه قال فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكاه لعام واحد وأن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة ما مر به من السنين وخبر عمر بن يزيد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقضيه وخبر عبد العزيز قال
16

سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له دين قال كل دين يدعه وهو إذا أراد أخذه فعليه زكاته وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاته وصحيحة
أبي الصباح الكتاني عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل ينسى أو يعير فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته فقال يزكيه ولا يزكي ما عليه من الدين إنما الزكاة على
صاحب المال وعن الفقه الرضوي أنه قال وإن غاب عنك مالك فليس عليك الزكاة إلا أن يرجع إليك ويحول عليه الحول وهو في يدك إلا أن يكون
مالك على رجل متى أردت أخذت منه فعليك زكاته ولا يعارضها الأخبار المتقدمة الدالة على إنه لا صدقة على الدين فإن مقتضى الجمع بينها و
بين تلك الأخبار ارتكاب التقييد في تلك الأخبار بتخصيصها بما إذا لم تكن التأخير من قبل المالك كما هو الغالب ويرد على الاستدلال بموثقة زرارة
أنها بظاهرها أجنبية عن المدعي أما خبر الكتاني فهو بظاهره معارض للمعتبرة المصرحة بأنه لا صدقة على الدين ولا يصح تخصيصه بالدين الذي يكون تأخيره
من قبل صاحبه لان مورده النسبة الظاهرة في المؤجل الذي لا سلطنة للمالك على استيفائه مهما أراد ولا أقل من كون المؤجل من أظهر موارده الذي
يكون صرف الرواية عنه أبعد من حملها على الاستحباب مع أن الغالب على الظن أنه المراد بالزكاة في هذه الرواية ككثير من أخبار الباب هي زكاة مال التجارة
التي سيأتي الكلام فيها إن شاء الله وأما خبرا عمر بن يزيد و عبد العزيز فقد أجيب عنهما بضعف السند كعبارة الرضوي والأولى الجواب عنهما بالحمل على الاستحباب
جمعا بينهما وبين خبر علي بن جعفر المروي عن كتابه وكتاب قرب الإسناد للحميري أنه سئل أخاه عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه وصاحبه هل عليه
زكاة قال لا حتى يقبضه ويحول عليه الحول وهذه الرواية كما تراها نص في عدم الوجوب وقضية الجمع بينها وبين الخبرين المتقدمين وكذا عبارة الرضوي
وغيرها بعد التسليم سندها أو دلالتها إنما هو حمل تلك الأخبار على الاستحباب أو زكاة مال التجارة أو غيرها من المحامل هذا مع أن ارتكاب التأويل
في تلك الأخبار بالحمل على الاستحباب في حد ذاته أهون من ارتكاب التخصيص والتأويل في العمومات النافية للزكاة على الدين وغيرها من الروايات
الظاهرة في اختصاص موجبات الزكاة بالأعيان الخارجية المندرجة تحت مسميات الأجناس الزكوية حقيقة كما لا يخفى على المتأمل وربما يؤيد
الاستحباب أيضا رواية علي بن جعفر الأخرى عن أخيه موسى (ع) قال ليس على الدين زكاة إلا أن يشاء رب الدين أن يزكيه ثم إنا لو أوجبنا الزكاة في الدين
لاتجه تخصيصه بما إذا كان من جنس النقدين دون ما إذا كان الدين نعما لانصراف ما دل على ثبوت الزكاة في الدين عن مثله ولان السوم شرط و
حصوله مما في الذمة لا يصح أن يوصف بكونه سائما كي يتوجه عليه إن السائمة والمعلوفة قسمان من حيوان فكما يجوز أن يثبت نفس الحيوان في الذمة يجوز أن يثبت
كل من قسيمه فيها فإن شرط تعلق الزكاة بالانعام صدور وصف السوم منها في تمام الحول لا اتصافها بكونها سائمة ولو في الذمة كما لا يخفى والكافر يجب
عليه الزكاة كغيرها من التكاليف الفرعية التي استفيض نقل الاجماع في كتب الأصول والفروع على كونه مكلفا بها لعموم أدلتها وخصوص قوله تعالى ويل
للمشركين الذي لا يؤتون الزكاة وغيره وقد تقدم في مبحث غسل الجنابة من كتاب الطهارة مزيد توضيح وتحقيق لذلك فراجع لكن لا يصح منه أدائها لكونها
من العبادات المشترطة بالقربة التي قد يظهر من كلماتهم التسالم على اشتراطها بالايمان كما ربما يشهد له النصوص المستفيضة إن لم تكن متواترة الدالة على
اشتراط قبول الاعمال بالولاية ان لم يوال الأئمة (عل) فيكون أعماله بدلالتهم لم يكن له على الله شئ فيلزمه بطلان عمله والا يلزم استحقاق الاجر عليه
وهو خلاف صريح الاخبار فليتأمل وعلله في محكي المعتبر وغيره بأن نية القربة معتبرة فيها وهي لا تصح من الكافر وفيه أنه إن تم ففي غير مثل النواصب والخوارج
وغيرهم من الفرق المحكوم بكفرهم لانكار بعض الضروريات مع اعترافهم بالله تعالى وبوجوب الزكاة وكيف كان فإذا أسلم الكافر سقطت الزكاة عنه كما
نص عليه غير واحد بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد نعم قد يلوح من المدارك الميل والقول بالخلاف فإنه بعد أن نقل عن المصنف في المعتبر والعلامة
في جملة من كتبه التصريح بأن الزكاة تسقط عن الكافر بالاسلام وإن كان النصاب موجودا لقوله عليه السلام الاسلام يجب ما قبله قال ما لفظه ويجب التوقف في
هذا الحكم لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا ومتنا ولما روي في عدة أخبار صحيحة من أن المخالف إذا أستبصر لا يجب عليه إعادة شئ من العبادات التي
أوقعها في حال ضلالته سوى الزكاة فإنه لابد أن يؤديها ومع ثبوت هذا الفرق في المخالف يكون أجرائه في الكافر وبالجملة فالوجوب على الكافر متحقق
فيجب بقائه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال أو يقوم على السقوط بالاسلام دليل يعتد به على إنه ربما لزم من هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر
كما في قضاء العبادات لامتناع أدائها في حال الكفر وسقوطها بالاسلام إلا أن يقال إن متعلق الوجوب إيصالها إلى الساعي وما في معناه في حال
الكفر وينبغي التأمل في ذلك إنتهى أقول أما المناقشة في سند مثل هذه الرواية المشهورة المتسالم على العمل بها بين الأصحاب فمما لا ينبغي الالتفات
إليها بل وكذا في دلالتها فإن مثل الزكاة والخمس والكفارات وأشباهها من الحقوق الثابتة في الاسلام بمنزلة القدر المتيقن منها كما يؤيد ذلك بل
يدل على أصل المدعى قضاء الضرورة بجريان سيرة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عل) القائمين مقامه على عدم مؤاخذة من دخل في الاسلام بشئ من هذه الحقوق بالنسبة
إلى الأزمنة الماضية وأما المخالف الذي أستبصر فهو خارج عن مورد هذا الحكم فيجب عليه تدارك جميع ما فاته من التكاليف الثابتة في الاسلام مالية كان أم
بدنية لكن ما أتى به منها على وفق مذهبه قبل استبصاره ممضى شرعا منه عليه مما عدى الزكاة المصروفة في غير مصرفها على ما نطق به الاخبار فهذا مما لا ربط
له بالمقام ودعوى أن التفرقة بين الزكاة وغيرها في المخالف إنما هي باعتبار كونها متعلقة لحق الناس كما وقع في الاخبار التصريح به فهذا يكشف عن أن
الزكاة أيضا كسائر الحقوق المالية للغير الثابتة على الكافر التي قد يتأمل أو يمنع عن كونه مشمولة الحديث الجب مدفوعة بأن الحقوق المالية
القابلة للتأمل أو المنع عن كونها مشمولة للنص إنما هي الحقوق الثابتة عليه لا بشرع الاسلام كرد الأمانات والديون المستقرة في ذمته وإلا فقد
أشرنا إلى أن الخمس والزكاة والكفارات ونظائرها من الحقوق المالية الناشئة من التكاليف المقررة في دين الاسلام من أظهر موارد الحديث
17

وأما ما ذكره من استلزام هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر فهو إشكال يتوجه على سائر التكاليف المشروطة التي يتوقف الخروج عن عهدتها على مقدمة
متقدمة على زمان حصول شرطها وحضور وقتها بحيث لو أخل بها أمتنع توجه الخطاب بفعلها بعد حصول شرطه وقد حققنا في أول كتاب الطهارة
لدى البحث عن وجوب الغسل في الليل لصوم الغد ما يندفع به هذا الاشكال وملخصه أن المدار في صحة التكليف وحسن المؤاخذة على مخالفته إنما هو على
تمكن المكلف من الخروج عن عهدته ولو بترتيب مقدماته من قبل عشرين سنة لا القدرة المقيدة بحصولها بعد حضور وقت الفعل أو حصول
شرطه لكن يجب عند توقفه على مقدمة متقدمة أن يوجه إليه التكليف من حين قدرته عليه فيصح أن يكلف كل أحد من أول بلوغه بأن يسلم ويؤدي
زكاة أمواله في كل سنة ما دام حيا وإن يأتي بالفرائض اليومية في أوقاتها ويقضيها في خارج الوقت فإذا كلفه بذلك في أول
بلوغه صحت مؤاخذته على مخالفة الجميع وإن كانت صحة الجميع مشروطة بإسلامه في اليوم الأول من بلوغه ولا ينافي في ذلك سقوطها عنه بحدوث
الاسلام له حين حصول شرطها أو حضور وقتها كما لا يخفى على المتأمل وحيث لا يصح من الكافر أداء الزكاة فإذا تلفت منه لا يجب عليه ضمانها وإن أهمل
على ما صرح به في المتن وغيره لأنه غير متمكن حينئذ من الأداء ولا يكون التلف مع عدم التمكن من الأداء مقتضيا للضمان ولكن قد يشكل ذلك بأن عدم تمكنه
من الأداء إذا كان مسببا عن اختياره بقائه على الكفر لا يصلح أن يكون مانعا عن الضمان الذي هو من مقتضيات اليد ما لم يدل على خلافه فالقول
بتحقق الضمان كما ربما يستشعر من كلمات غير واحد من المتأخرين لعله أقوى ولكن البحث عنه كالبحث عن وجوب أصل الزكاة على الكافر بعد الالتزام بسقوطها
عنه بالإسلام قليل الفائدة وما يقال من أن ثمرة وجوبها تظهر لجواز القهر عليه كما في غيره من الممتنعين من أداء الزكاة فهو لا يخلو من إشكال أما بالنسبة
إلى الذمي والمعاهد فإن كان أخذ الزكاة منهم داخلا فيما شرط عليهم فلا كلام فيه وإلا فإلزامهم بدفعها أو أخذها منهم بمحض ثبوتها في شرع الاسلام
مشكل لأنه ينافي تقريرهم على ما هم عليه لان قضية ذلك عدم مزاحمتهم في ما يرونه ملكا لهم بسبب أو نسب أو معاملة فاسدة بل ترتيب أثر الملكية الصحيحة على
ما يرونه في مذهبهم ملكا لهم كما في ثمن الخمر والخنزير وميراث العصبة وإلا لكان وجوب إخراج الزكاة من أموالهم لدى انتقالها إلى مسلم بهبة أو بيع أو ارث و
نحوه من أظهر الثمرات ولكن الظاهر عدم التزام أحد بها وأما بالنسبة إلى الحربي فإنه وإن جاز أخذ أمواله جميعها منه قهرا ولكن الزامه بدفع الزكاة أو أخذ شئ
منه بهذا العنوان بحيث يترتب عليه أثره بأن يتعين صرفه إلى مصرفها المعين فلا يخلو من إشكال فيتأمل والمسلم إذا لم يتمكن من إخراجها وتلفت لم يضمن
للأصل وغيره ولو تمكن أو فرط ضمن كما يدل عليه روايا ت مستفيضة منها قول أبي جعفر عليه السلام في حسنة محمد بن مسلم إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن
حتى يدفعها وغير ذلك مما تعرفه إن شاء الله والمجنون والطفل لا يضمنان ما يتلف إذا أهمل الولي مع القول بالوجوب في الغلات والمواشي لعدم المقتضى له و
إنما الكلام في ضمان الولي ففي المدارك وغيره لا يبعد تضمينه لأنه مخاطب بالإخراج فيجري مجرى المالك أقول وهو على إطلاقه ما لم يندرج تحت ضمان اليد
أو الاتلاف لا يخلو من إشكال والله العالم. النظر الثاني: في بيان ما تجب فيه وما تستحب. تجب الزكاة في الانعام الإبل والبقر والغنم وفي الذهب والفضة
والغلات الأربع الحنطة والشعير والتمر و الزبيب ولا تجب فيما عدا ذلك أما وجوبها في التسعة المزبورة فمما لا شبهة بل لا خلاف فيه نصا وفتوى قال العلامة
في التذكرة وقد أجمع المسلمون كافة على إيجاب الزكاة في تسعة أشياء الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب واختلفوا فيما عدا
ذلك إنتهى وأما عدم وجوبها فيما عدا ذلك ففي محكي المعتبر أنه مذهب الأصحاب عدا ابن الجنيد ونقل عن ابن الجنيد أنه قال تؤخذ الزكاة في أرض المعشر من كل
ما دخل القفيز من حنطة وشعير وسمسم وأرز ودخن و ذرة وعدس وسلت وساير الحبوبات وفاقا للمحكي عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك و أبي يوسف ويدل على
انحصار وجوب الزكاة في التسعة المزبورة أخبار متضافرة منها: صحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال
وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله في تسعة أشياء وعفى عما سواهن في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر و الزبيب وعفى رسول الله صلى الله عليه وآله عما سوى ذلك
وفي الموثق عن زرارة قال سئلت أبا جعفر عن صدقات الأموال فقال في تسعة أشياء ليس في غيرها شئ من الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم السائمة وهي
الراعية الحديث وفي الموثق عن أيضا زرارة وبكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال ليس
في شئ مما أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمص والعدس وسائر الحبوب والفواكه شئ
غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه إلا أن يصير ما لا يباع بذهب أو فضة تكنزه ثم يحول عليه الحول الحديث وفي الموثق عن عبد الله بن بكير عن محمد بن الطيار
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عما يجب فيه الزكاة فقال في تسعة أشياء الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم وعفى رسول الله صلى الله عليه وآله
عما سوى ذلك فقلت أصلحك الله فإن عندنا حبا كثيرا قال فقال وما هو قلت الأرز قال ما أكثره فقلت فيه الزكاة قال فزبرني ثم قال أقول لك أن رسول
الله صلى الله عليه وآله عفى عما سوى ذلك وتقول لي أن عندنا حبا كثيرا أفيه الزكاة وفي مرسل القماط أنه سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الزكاة فقال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة
على تسعة وعفى عما سوى ذلك الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والبقر والغنم والإبل فقال السائل فالذرة فغضب (ع) ثم قال كان والله على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك فقال إنهم يقولون أنه لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما وضع في تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك فغضب
فقال كذبوا فهل يكون العفو إلا عن شئ قد كان ولا و الله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إلى غير ذلك من النصوص
الكثيرة البالغة حد التواتر الحاصرة للزكاة في التسعة المزبورة لا حاجة إلى استقصائها وبإزاء هذه الأخبار أخبار ظاهرها ثبوت الزكاة في كل شئ يكال
من الحبوب منها خبر أبي مريم عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الحرث ما يزكى منه قال البر والشعير والذرة والأرز والسلت والعدس كل ذلك مما يزكى وقال
كلما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة وصحيحة محمد بن مسلم أو حسنته قال سئلته عن الحب ما يزكى منه فقال البر والشعير والذرة والدخن والأرز
والسلت والعدس والسمسم وكل هذا يزكى وأشباهه وعن زرارة في الصحيح مثله وقال كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة قال وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله
18

الصدقة في كل شئ أنبتت الأرض إلا الخضر والبقول وكل شئ يفسد من يومه وخبره الاخر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام في الذرة شئ قال لي الذرة والعدس والسلت
والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير وكل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة وموثقة أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله (ع)
هل في الأرز شئ فقال نعم ثم قال أن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه ولكنه قد حصل فيه كيف لا تكون فيه وعامة خراج العراق منه و خبر محمد بن
إسماعيل قال قلت لأبي الحسن (ع) إن لنا رطبة وأرزا فما الذي علينا فيها فقال أما الرطبة فليس عليك فيها شئ وأما الأرز فما سقت السماء العشر وما
سقي بالدوالي فنصف العشر في كل ما كلت بالصاع أو قال وكيل بالمكيال وربما يشهد بصدق كلتا الطائفتين وصدورهما عن الامام صحيحة علي بن مهزيار قال قرأت
في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام جعلت فداك روي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة على تسعة أشياء الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والذهب والفضة والغنم والبقر والإبل وعفى رسول الله صلى الله عليه وآله عما سوى ذلك فقال له القائل عندنا شئ كثير أضعاف ذلك فقال وما هو قال الأرز قال
أبو عبد الله عليه السلام أقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وآله وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفى عما سوى ذلك و تقول عندنا أرز وعندنا ذرة فقد كانت الذرة على عهد رسول
الله صلى الله عليه وآله فوقع كذلك هو والزكاة على ما كيل بالصاع وكتب عبد الله وروى غير هذا الرجل عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئله عن الحبوب فقال وما هي فقال السمسم والأرز
والدخن وكل هذا غلة كالحنطة والشعير فقال أبو عبد الله (ع) في الحبوب كلها زكاة وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال كل ما أدخل القفيز فهو يجري مجرى
الحنطة والشعير والتمر والزبيب قال فأخبرني جعلت فداك هل على هذه الأرز وما أشبهه من الحبوب والحمص والعدس زكاة فوقع (ع) صدقوا الزكاة في كل شئ كيل و
هذا الاخبار بظاهرها تناقض الروايات الحاصرة للزكاة في التسعة مع ما في بعض تلك الأخبار من التصريح بالعفو عن ساير الحبوب من العدس والحمص و
الأرز والذرة وغيرها بعكس ما في هذه الأخبار من التصريح بوضع الزكاة في الجميع وقد نسب إلى المشهور والجمع بينها بحمل هذه الأخبار بالنسبة إلى ما عدى
الأجناس الأربعة على الاستحباب وحكي عن السيد حملها على التقية وأختار هذا الحمل في الحدائق وبالغ في تشييده وعن الكليني في الكافي نه نقل عن يونس بن
عبد الرحمن من قدماء أصحابنا أنه حمل الاخبار الحاصرة في التسعة على صدر الاسلام وما دل على ثبوتها في الجميع على ما بعد ذلك ويرد على هذا الجمع الأخير أما
جل الاخبار الحاصرة في التسعة عن هذه الحمل بل بعضها كالنص في أرادتها بالنسبة إلى ساير الاعصار وأما ما نسب إلى المشهور من الحمل على الاستحباب فهو أيضا
لا يخلو من إشكال نظرا إلى ما في الاخبار المزبورة من الإشارة إلى موافقة الاخبار المثبتة للزكاة في ساير الأجناس العامة ومناسبتها للتقية ضرورة إن
مثل هذا الحكم الذي هو عمدة ما يتعلق به سلطنة السلاطين بعد اشتهاره لدى العامة واستقرار سيرة سلاطينهم على أخذ الزكاة من ساير الحبوب لم يكن يسع الإمام عليه السلام
إنكاره بل كان عليه إظهار الموافقة لهم كما وقع الامر كذلك في هذه الأخبار فلا يبقى لهذه الاخبار بعد أن علم بأن ظاهرها الذي هو موافق للعامة
مخالف للواقع ظهور في كونها مسوقة لبيان الحكم الواقعي كي يصلح أن يكون التصريح بنفي الزكاة فيما عدى التسعة في الاخبار الحاصرة للزكاة فيها قرينة
على إرادة الاستحباب من هذه الأخبار وملخص الكلام أن الجمع بين الخبرين المتعارضين بحمل أحدهما على الاستحباب وإن كان في حد ذاته أقرب من الحمل
على التقية الذي هو في الحقيقة بحكم الطرح ولكنه في غير مثل المقام الذي يكون احتمال التقية فيه أقوى فإن الحمل على التقية حينئذ أقرب إلى الواقع من الحمل على
الاستحباب ولكن يتوجه على هذا الكلام أنه لا أثر لأقوائية احتمال التقية ولا لكون المورد مما لا محيص للإمام عليه السلام عن إظهار مخالفة الواقع في باب الترجيح
بناء على ما هو الحق المحقق في محله من عدم اشتراط حجية ظواهر الألفاظ بإفادة الظن بالمراد بل ولا بعدم الظن بالخلاف فغاية ما في الباب أن كون المورد
كذلك يورث الظن القوي بعدم كون الاخبار المثبتة للزكاة في ساير الأجناس مسوقة لبيان الحكم الواقعي بل صادرة للتقية وهذا الظن ليس بحجة
ولذا لو لم يكن لهذه الاخبار معارض لم يكن هذا الظن مانعا عن العمل بها فمع المعارض أيضا لا يصلح للمانعية إذا كان المعارض بنفسه صالحا لصرف هذه الأخبار
إلى الاستحباب أنه إذا أمكن الجمع بين الدليلين المتنافيين في الظاهر بجعل أحدهما قرينة على ارتكاب التأويل في الاخر بشهادة العرف وجب الجمع
بينهما بذلك فإنه مهما أمكن أولى من الطرح ولا يجوز الاعتناء باحتمال التقية أو مظنتها لمخالفتها للأصل وأما ما ذكرناه من أنه لا يبقى في مثل هذا المقام ظهور
الكلام في إرادة الحكم الواقعي فهو لا يخلو من مغالطة إذ لا أثر لذلك في إختلاف مدلول الكلام من حيث هو بل هو موروث للظن بعدم كون المدلول مرادا في
الواقع وهو غير قادح في حجية الظواهر فالذي ينبغي أن يقال هو أن الاخبار المثبتة للزكاة في كل ما يكال ليست جميعها على نسق واحد بل بعضها يعد في العرف
معارضا للروايات الحاصرة للزكاة في التسعة فهذا مما يتعين حمله على التقية مثل قوله (ع) في صحيحة زرارة وجعل رسول صلى الله عليه وآله الصدقة في كل شئ أنبتت
الأرض إلا الخضر والبقول فإنه ينافي تلك الأخبار من التصريح بأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يضع الزكاة على ما عدى الغلات الأربع بل عفي عنها وكذا موثقة
أبي بصير التي وقع فيها السؤال عن أنه هل في الأرز شئ فإن ما تضمنته هذه الموثقة بعينه ما صرح الإمام عليه السلام بكذبه في مرسلة القماط فهذه المرسلة
بمدلولها اللفظي تشهد بان ما تضمنته الموثقة من أقوال العامة والمخالفة للواقع فصدوره من الامام لم تكن الا من علة وبعضها ليس كذلك فإنه قد
يوجد فيها ما لا يراه العرف مناقضا لتلك الأخبار بل يجعل تلك الأخبار قرينة على حمل هذا البعض على إرادة مطلق الثبوت الغير المنافي للاستحباب مثل
ما وقع أبو الحسن (ع) في جواب مكاتبة عبد الله الثانية صدقوا الزكاة في كل شئ كيل فإن مقتضى الجمع بين هذا التوقيع وبين الاخبار الحاصرة حمل
هذا التوقيع على إرادة مطلق الثبوت الذي لا ينافيه العفو عما عدى التسعة كما ربما يؤيد ذلك أشعار لفظ العفو الوارد في تلك الأخبار وبذلك و
من هنا قد يتجه الالتزام بما صرح به في المتن وغيره بل عن بعض نسبته إلى فتوى الأصحاب بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه من أنه تستحب الزكاة في كل ما
تنبت الأرض مما يكال أو يوزن عدى الخضر والبقول كالفت والباذنجان والخيار وما شاكله جمعا بين الاخبار بالتقريب المتقدم ولكن لقائل
19

أن يقول بكون هذا الجمع وجيها لو لم يكن في الاخبار الحاصرة للزكاة في التسعة ما ينافيه بظاهره بحيث يعد في العرف معارضا للاخبار المثبتة لها في ساير
الأجناس وليس كذلك فإن قوله عليه السلام في موثقة زرارة وبكير ليس في شئ مما أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمص والعدس وساير الحبوب والفواكه شئ غير هذه
الأربعة الأصناف يراه العرف مناقضا للروايات الواردة بأن في هذه الأشياء صدقة ففي مثل المقام يجب الترجيح بمخالفة العامة لا الجمع بين المتعارضين
بارتكاب التأويل بحمل أحدهما على إرادة نفي الوجوب والاخر على الاستحباب فإن هذا النحو من الجمع مما لا يسوغ ارتكابه بلا شاهد خارجي كما تقرر في محله و
دعوى أن الاخبار التي وقع فيها التعبير بلفظ العفو شاهد لهذا الجمع قابلة للمنع فالانصاف إن حمل الاخبار المثبتة للزكاة في ساير الأجناس بأسرها
على التقية أشبه اللهم إلا أن يقال إن رجحان الصدقة بالذات وإمكان إرادة استحبابها بعنوان الزكاة من هذه الأخبار ولو على سبيل التورية التي
هي أنسب بحال الإمام عليه السلام في موارد التقية مع اعتضاده بفهم الأصحاب وفتاويهم كاف في إثبات استحبابها من باب المسامحة بل لا يبعد أن يقال إن الروايات
الواردة فيمن بلغه ثواب على عمل التي هي مدرك قاعدة التسامح غير قاصرة عن شمول مثل هذه الأخبار وهو غير مناف لتعين طرحها أو حملها على التقية من
حيث ابتلائها بالمعارض فليتأمل وأما الخضر والبقول فالظاهر عدم الخلاف في أنه لا زكاة فيها كما يدل عليه مضافا إلى الاخبار الحاصرة للزكاة في التسعة
قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة المصرحة بثبوت الصدقة في كل شئ أنبتت الأرض إلا الخضر والبقول وكل شئ يفسد من يومه وخبره الاخر عن أبي جعفر و
أبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا عفى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الخضر قلت وما الخضر قال كل شئ لا يكون له بقاء البقل والبطيخ والفواكه وشبه ذلك مما يكون سريع
الفساد قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام القضب شئ قال لا وفي خبر محمد بن إسماعيل المتقدم أما الرطبة فليس عليك فيها شئ وخبر عبد العزيز
المهتدي قال قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن القطن والزعفران عليهما زكاة قال لا وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام ليس على البقول ولا على البطيخ و
أشباهه زكاة الحديث وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس على الخضر ولا على البطيخ ولا على البقول وأشباهه زكاة الحديث وصحيحة محمد بن
مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن الخضر فيها زكاة وإن بيعت بالمال العظيم فقال لا حتى يحول عليه الحول وصحيحة الحلبي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما في
الخضرة قال (ع) وما هي قلت القضب والبطيخ ومثله من الخضر قال ليس على شئ إلا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة وعن العضاه من الفرسك و
أشباهه فيه زكاة قال لا قلت فثمنه قال ما حال عليه الحول من ثمنه فزكه عن الوافي في العضاه جمع عضه أصلها عضهة فزدت الهاء في الجمع كل شجر له شوك كأنه أراد
بها الأشجار التي تحمل الثمار كائنة ما كانت والفرسك كزبرج الخوخ أو ضرب منه أحمر وهذه الأشياء التي دلت الروايات المزبورة على عدم تعلق الزكاة بها أغلبها
مما جرت العادة بتقديرها بالوزن ولعل ما في أغلب الروايات المثبتة للزكاة في سائر الحبوب من إطلاق قوله (ع) كلما كيل بالصاع أو بالمكيال في مقام أعطاء
الضابط إنما هو للجري مجرى الغالب من عدم تقدير ما عدى الحبوب بالمكائيل وإن كان مما يوزن ثم إن مقتضى ظاهر بعض الأخبار المتقدمة بل صريحة عدم
تعلق الزكاة بالفواكه وشبهها من الثمار التي ليس لها بقاء بل مطلق ثمر الأشجار على ما يظهر من صحيحة الحلبي على ما ذكر في تفسيرها وأوضح منه دلالة على ذلك
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان ما لا هل فيه صدقة قال لا وفي الجواهر بعد ان ذكر دلالة الصحيحة
وغيرها على نفي الزكاة في الثمار قال لكن لم أجد من أفتى به صريحا عدى الأستاذ في كشفه نعم في الدروس والروضة نسبته إلى الرواية انتهى أقول لا يبعد دعوى
خروج ثمر الأشجار عن منصرف اطلاق ما تنبته الأرض المذكورة في كلماتهم والله العالم وفي زكاة مال التجارة قولان أحدهما الوجوب وقد نسب هذا
القول إلى قوم من أصحابنا عن الحسن بن عيسى نسبته إلى طائفة من الشيعة وفي المدارك نقل عن المصنف انه حكى عن بعض علمائنا قولا بالوجوب ثم قال و
هو الظاهر من كلام ابن بابويه فيمن لا يحضره الفقيه والاستحباب أصح واشهر بل في الجواهر هو المشهور نقلا وتحصيلا بل عن الانتصار وظاهر الغنية نسبته إلى
الامامية ومستند القول بالوجوب ظواهر اخبار كثيرة بالغة في الكثرة نهايتها منها المستفيضة المتقدمة في أوائل الكتاب الواردة في مال اليتيم والمجنون
ومنها صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل ان يشتري المتاع متى يزكيه فقال إن
امسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة وان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما امسكه بعد رأس المال قال وسألته عن الرجل توضع
عنده الأموال يعمل بها فقال إذا حال عليه الحول فليزكها ورواية أبي ربيع الشامي عن أبي عبد الله (ع) في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكى ماله
قبل ان يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه فقال إن كان امسكه ليلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة ورواية محمد بن مسلم وفيها قال كل مال عملت
به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيأتي نقل جملة منها لدى البحث عن موضوع هذا الحكم وشرائطه وقد حمل المشهور
هذه الأخبار على الاستحباب جمعا بينها وبين الروايات الدالة بظاهرها أو صريحها على عدم الوجوب منها المستفيضة المتقدمة الحاصرة لما يجب فيه
الزكاة في التسعة وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (ع) أنه قال الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحركه وصحيحته الأخرى قال كنت قاعدا
عند أبي جعفر (ع) وليس عنده غير ابنه جعفر (ع) فقال (ع) يا زرارة ان أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عثمان كل مال من ذهب
أو فضه يدار ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول فقال أبو ذر اما ما اتجر به أو دير أو عمل به فليس فيه زكاة انما الزكاة فيه إذا كان ركازا
أو كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال القول ما قال أبو ذر فقال أبو عبد الله (ع) لأبيه ما تريد الا ان
يخرج مثل هذا فيكف الناس ان يعطوا فقرائهم ومساكينهم فقال أبوه (ع) إليك عني لا أجد منها بدا وموثقة ابن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا قالوا قال أبو
عبد الله (ع) ليس في المال المضطرب زكاة فقال له إسماعيل ابنه يا أبت جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال اي يا بني حق أراد الله ان يخرجه فخرج
20

وموثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي إبراهيم (ع) الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد وهو يريد بيعها أعلى ثمنها زكاة قال لا حتى يبيعها قلت فإذا باعها يزكي
ثمنها قال لا حتى يحول عليه الحول وهو في يده و صحيحة سليمان بن خالد قال سئل أبو عبد الله (ع) عن رجل كان له مال كثير فاشترى به متاعا ثم ومنعه فقال
هذا متاع موضوع فإذا احتاجه فيرجع إلى رأس ماله وأفضل منه هل عليه صدقة وهو متاع قال لا حتى يبيعه قال فهل يؤدي عنه ان باعه لما مضى إذا كان متاعا
قال لا وقد يلوح من عبارة الحدائق الميل إلى حمل الأخبار السابقة الدالة بظاهرها على الوجوب على التقية وقد عرفت لدى التكلم في استحباب اخراج الزكاة
من مال الطفل إذا اتجر له من إليه النظر ان حمل الروايات الدالة بظاهرها على ثبوت هذا القسم من الزكاة على التقية كما يظهر من صاحب الحدائق لا يخلو من وجه الا
ان حملها على الاستحباب كما هو المشهور أوجه فان صدور هذه الأخبار والمتكاثرة البالغة فوق حد التواتر لاظهار خلاف الواقع من غير سبق سؤال ملجئ
لذلك مع مخالفته للاحتياط في كثير من مواردها في غاية البعد ولا يقاس هذا بزكاة ساير الغلات التي لم نستبعد حمل الاخبار الامرة بها بالغة ما بلغت
على التقية حيث إن التقية بدفع زكاة الغلات إلى عامل الصدقات من قبل الجائر واظهار الموافقة لهم في ذلك الزمان كانت واجبة على الشيعة فكان على الإمام (ع)
الامر باخراجها حقنا لدمائهم كامر علي بن يقطين بالوضوء على وفق مذهب العامة حقنا لدمه وهذا بخلاف زكاة مال التجارة التي لا يعلم بتحقق شرائطها
غالبا الا مالكه فلا مقتضى لايجاب دفعها عليهم تقية حيث إن للمالك المندوحة عن دفعها بانكار اجتماع شرايطها ولا للافتاء بوجوبها تقية ما لم يكن
مسبوقا بسؤال خصوصا مع أن الغالب كون السائل مثل محمد بن مسلم وزرارة وأبي بصير ممن لم يكن الإمام (ع) يعطيهم من جراب النورة والله العالم وكذا يستحب
الزكاة في الخيل الإناث كما في المتن وغيره بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عنهما (ع) قالا وضع أمير المؤمنين (ع) على
الخيل العتاق و الراعية في كل فرس في كل عام دينارين وجعل على البراذين دينارا والخيل العتيق على ما صرح به في الحدائق كريم الأصل وهو ما كان أبواه عربيين
والبرذون بكسر الباء خلافه وحسنة زرارة قال قلت لأبي عبد الله (ع) هل في البغال شئ قال لا فقلت كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال فقال لان
البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن وليس على الخيل الذكور شئ قلت فما في الحمير قال ليس فيها شئ قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يزكيها
شئ قال لا ليس على ما يعلف شئ انما الصدقة على السائمة والمرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فاما ما سوى ذلك فليس والمرج بالجيم المرعي
وليس لهذين الخبرين ظهور يعتد به في وجوبها بل في أولهما اشعار بعدمه وعلى تقدير تسليم ظهورهما في ذلك يجب رفع اليد عنه جمعا بينهما وبين خبر زرارة عن
أحدهما ليس في شئ من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم وغيره من الأخبار الكثيرة الحاصرة للزكاة الواجبة فيما عداها مع أنه بحسب الظاهر
مما لا خلاف فيه وتسقط الزكاة وجوبا وندبا عما عدى ذلك الا ما سنذكره فلا زكاة في البغال و الحمير والرقيق كما يدل عليه مضافا إلى الأصل ونصوص
الحصر في خصوص الأولين الخبران المتقدمان وفي الأخير موثق سماعة على الرقيق زكاة الا رقيق يبتغي به التجارة فإنه من المال الذي يزكي واما في الصحيح عن
أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) انهما سئلا عما في الرقيق فقالا ليس في الرأس أكثر من صاع تمر إذا حال عليه الحول وليس في ثمنه شئ حتى يحول عليه الحول فيحتمل قويا ان
يكون المراد به زكاة الفطرة على أن يكون المراد بحول الحول حلول ليلة العيد في كل سنة والله العالم ولو تولد حيوان بين حيوانين أحدهما زكاة روعي في الحاقه بالزكاة
اطلاق اسمه لان الأحكام الشرعية تدور مدار عناوين موضوعاتها التي أنيط بها الحكم ومن هنا يعرف الحال فيما لو تولد حيوان مندرج عرفا في مسمى لزكاة بحيث
اطلق عليه اسمه حقيقة من حيوانين من غير جنسه على خلاف العادة أو عكسه فإنه يلحقه حكمه فما كان مندرجا في مسمى الغنم مثلا بشهادة العرف فهو حلال يتعلق
به الزكاة عند اجتماع شرائط الزكاة وما كان مندرجا في مسمى الخنزير مثلا فهو حرام ونجس سواء كان تولده من جنسه أو من غير جنسه أو كان مما أنشأه الله تعالى
بقدرته من شجر أو حجر أو مدر فما استوجهه في المسالك من الحكم بحرمة اكله إذا كان متولدا من محرمين معللا بكونه فرع محرمين وكذا ما عن غيره من بعض الخاصة
أو العامة من الخلاف في بعض الفروض المتصورة في المسألة بعد فرض كون المتولد مصداقا حقيقة في العرف للحيوان المحلل الذي وجبت الزكاة فيه مما لا ينبغي
الالتفات إليه. القول في زكاة الأنعام: والكلام في الشرائط والفريضة واللواحق اما الشرائط فأربعة الأول اعتبار النصب فلا تجب
قبلها بلا خلاف فيه نصا وفتوى وهي في الإبل اثنى عشر نصابا خمسة كل واحد منها خمس فإذا بلغت ستا وعشرين صارت كلها نصابا ثم ست و ثلاثون ثم ست
وأربعون ثم احدى وستون ثم ست وسبعون ثم احدى وتسعون فإذا بلغت مأة واحدى وعشرين فأربعون أو خمسون أو منهما على المشهور في الجميع بل في المدارك
قال هذا النصب مجمع عليها بين علماء الاسلام كما نقله جماعة منهم المصنف (ره) في المعتبر سوى النصاب السادس فان ابن أبي عقيل وابن الجنيد أسقطاه وأوجبا بنت
المخاض في خمس وعشرين إلى ست وثلاثين وهو قول الجمهور انتهى. أقول: نسبة الخلاف في النصاب السادس إلى ابن الجنيد لعله غفلة منه كما نبه عليه في الحدائق فان
ابن الجنيد على ما نقل عنه العلامة في المختلف لم يخالف المشهور في النصاب السادس بل في فريضة النصاب الخامس ففي المختلف قال المشهور ان في خمس وعشرين من
الإبل خمسة شياه فإذا زادت واحدة وجبت بنت مخاض أو ابن لبون ذكر ذهب إليه الشيخان والسيد المرتضى وابنا بابويه وسلار وأبو الصلاح وابن البراج وباقي علمائنا
الا ابن أبي عقيل وابن الجنيد فإنهما أوجبا في خمس وعشرين بنت مخاض قال ابن أبي عقيل فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة
ففيها بنت لبون وقال ابن الجنيد ثم ليس في زيادتها يعني على العشرين شئ حتى تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغتها ففيها بنت مخاض أنثى فإن لم تكن في الإبل فابن
لبون ذكر فإن لم يكن فخمس شياه فان زاد على الخمس والعشرين واحدة ففيها بنت مخاض أنثى فإن لم توجد فابن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فان زادت واحدة على
خمس وثلاثين ففيها بنت لبون أنثى انتهى فالفرق بين النصابين عنده بدلية الخمس شياه في الأول دون الثاني فكان مستنده في هذا التفصيل كون الخمس و
العشرين بالخصوص موردا لتعارض حسنة الفضلاء الآتية التي هي مستند ابن أبي عقيل وساير الروايات الموافقة للمشهور الدالة على أن فيها خمس شياه فرأى الجمع
21

بينهما بهذا الوجه الغير الخالي من النظر وربما نقل الخلاف أيضا في بعض ما ذكر عن بعض فعن الصدوق في هدايته أنه قال إذا بلغت احدى وستين ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا
زادت واحدة ففيها اثنين إلى تسعين وهو المنقول عن رسالة أبيه والفقه الرضوي أيضا وعن السيد في الانتصار انه ذهب إلى أنه لا يتغير الفرض من احدى وتسعين الا ببلوغ مائة
وثلاثين بل قد يلوح من كلامه اتفاق الامامية عليه مع أنه حكى عنه في الناصرية كالشيخ في الخلاف والحلي في السرائر وغيرهم دعوى الاجماع على خلافه وكيف كان فهو ضعيف
محجوج بما ستعرف ويدل على المشهور اخبار معتبرة مستفيضة منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) قال في خمس قلائص شاة وليس فيما دون الخمس شئ وفي
عشر شاتان وفي خمس عشر ثلاث وفي عشرين اربع وفي خمس وعشرين خمس وفي ست وعشرين ابنه مخاض إلى خمس وثلاثين وقال عبد الرحمن هذا فرق بيننا وبين الناس فإذا
زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين
فإذا زادت واحدة ففيها ابنتها لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومأة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة وصحيحة أبي بصير عن
أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الزكاة قال ليس فيما دون الخمس من الإبل شئ فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر فإذا كانت عشرا ففيها شاتان إلى خمس عشرة فإذا كانت
خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم إلى عشرين فإذا كانت عشرين ففيها اربع إلى خمس وعشرين فإذا كانت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت واحدة
ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين وان لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فإذا زادت واحدة
ففيها حقة إلى ستين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و
مائة فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة الحديث وصحيحة زرارة المروية عن الفقيه عن أبي جعفر (ع) قال ليس فيما دون الخمس من الإبل شئ فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى عشر
فإذا كانت عشرا شاتان فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم فإذا بلغت عشرين ففيها اربع من الغنم فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم فإذا زادت
واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر فان زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين فان زادت
واحدة ففيها حقة وانما سميت حقة لأنها استحقت ان يركب ظهرها إلى ستين فان زادت واحده ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فان زادت واحدة ففيها ابنتا
لبون إلى تسعين فان زادت واحدة فحقتان إلى عشرين ومائة فان زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون وعن الشيخ باسناده عن
زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام نحوه بأدنى اختلاف في اللفظ وفي الحدائق نقل عن المصنف (ره) في المعتبر أنه قال روى أبو بصير وعبد الرحمن بن الحجاج وزرارة عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا إذا زادت عن خمس وعشرين ففيها بنت مخاض فإن لم تكن فأبن لبون ذكر إلى خمس وثلاثين فإن زادت فابنة لبون إلى خمس وأربعين فإن
زادت فحقة إلى ستين فإن زادت فجذعة إلى خمس وسبعين فإن زادت فابنتا لبون إلى تسعين فإن زادت فحقتان إلى عشرين ومأة قال وهذا مذهب علماء الاسلام
فإن زادت ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون قال وبه قال علمائنا ثم نقل أقوال العامة العامة ثم قال صاحب الحدائق وهذه الرواية لم يتعرض لنقلها أحد من
الأصحاب في كتب الاستدلال ولا من المحدثين في كتب الحديث حتى صاحب الوسائل الذي جمع فيه ما زاد على كتب الحديث الأربعة إنتهى. أقول: الذي يغلب على الظن
أنه لم يقصد بهذه الرواية إلا نقل مضمون الروايات التي سمعتها مفصلة فهي على الظاهر ليست رواية مستقلة غير تلك الأخبار فليتأمل احتج ابن أبي عقيل على ما نقل
عنه بما رواه الكليني والشيخ في الحسن أو الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد العجيلي والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا في صدقة الإبل في كل خمس
شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا وثلاثين فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا
وأربعين فإذا بلغت خمسا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستين فإذا بلغت ستين ففيها جذعة ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ خمسا
وسبعين ففيها ابنتا لبون ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين ومأة فإذا بلغت
عشرين ومأة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا زادت واحدة على عشرين ومأة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون ثم ترجع الإبل على أسنانها وليس
على النيف شئ ولا على الكسور شئ ولا على العوامل شئ إنما ذلك على السائمة الراعية الحديث وقد حكى عن السيد المرتضى (ره) أنه أجاب عن هذه الرواية بحمل بنت مخاض
على كونها بالقيمة وأحتمل بعض حمله على الاستحباب وعن الشيخ أنه أجاب عنها بأن قوله (ع) فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض يحتمل أن يكون المراد وزادت واحدة
وإنما لم يذكر في اللفظ لعلمه بفهم المخاطب ذلك قال ولو لم تحتمل ما ذكرناه لجاز لنا أن نحمل هذه الرواية على ضرب من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة وأورد
عليه المصنف في محكي المعتبر فقال وهذان التأويلان ضعيفان أما الاضمار فبعيد في التأويل وإما التقية كيف يحمل على التقية ما صار إليه جماعة من محققي
الأصحاب وما رواه أحمد بن محمد البزنطي وكيف يذهب على مثل ابن أبي عقيل والبزنطي وغيرهما ممن أختار ذلك مذهب الإمامية من غيرهم والأولى أن يقال فيه روايتان
أشهرهما ما اختاره المشايخ الخمسة وأتباعهم إنتهى ولا يخفى عليك إن الأصحاب إنما التجأوا إلى ارتكاب مثل هذه التأويلات وأبدأ مثل هذه الاحتمالات في مقام
التوجيه تفاديا عن طرح مثل هذه الرواية الصحيحة وليس الاشكال المتوجه عليها مخصوصا بهذا الموضع كي يمكن أن يقال فيه روايتان أشهرهما كذا فإنها تدل
بظاهرها على أن النصاب السادس خمس وثلاثون وفيا ابنة لبون والسابع خمس و أربعون وفيها حقة والثامن ستون وفيها جذعة والتاسع خمس وسبعون وفيها ابنتا
لبون والعاشر تسعون وفيها حقتان مع أنه يعتبر في جميع هذه النصب زيادة واحدة باتفاق الخاصة والعامة على ما يظهر من التذكرة وغيرها فمن هنا قد يشكل
توجيهها بالحمل على التقية أيضا لمخالفته في ساير فقراتها لمذهب الجمهور أيضا اللهم إلا أن يقال إن ترك ذكر اعتبار زيادة واحدة على الخمس والعشرين في
إيجاب ابنة مخاض إنما هو للجري مجرى التقية وتركها في ساير النصب مع اعتبارها فيها نصا وفتوى للإشارة إلى كون الزيادة الواحدة على الخمس والعشرين أيضا
معتبرة وإن لم تكن مذكورة في اللفظ كما في غيرها من النصب ومما يؤيد الاضمار الذي ذكره الشيخ ما ذكره في الوسائل فإنه بعد أن روى هذه الرواية عن الكليني كما ذكرناه
22

وعن الشيخ مثله قال ورواه الصدوق في معاني الأخبار عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى مثله إلا أنه قال على ما في بعض النسخ الصحيحة فإذا
بلغت خمسا وعشرين فإن زادت واحدة ففيها بنت مخاض إلى أن قال فإذا بلغت خمسا وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون ثم
قال فإذا بلغت خمسا و أربعين وزادت واحدة ففيها حقة ثم قال فإذا بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة ثم قال فإذا بلغت خمسا وسبعين وزادت
واحدة ففيها ابنتا لبون ثم قال فإذا بلغت تسعين وزادت واحدة ففيها حقتان وذكر بقية الحديث مثله فعلى هذا تكون هذه الصحيحة أيضا دليلا للمشهور
وكيف كان فهذه الصحيحة مما يجب رد علمها إلى أهله لعدم صلاحيتها لمعارضة ما عرفت مع ما فيها من مخالفة الاجماع واختلاف المتن وأن القول المحكي عن الصدوقين
فيمكن أن يكون مستنده الرضوي الذي لم تثبت حجيته لدينا وربما يشهد له أيضا خبر الأعمش المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد في حديث شرايع الدين وتجب على
الإبل الزكاة إذا بلغت خمسة فيكون فيها شاة فإذا بلغت عشرة فشاتان فإذا بلغت خمس عشرة فثلاث شياة فإذا بلغت عشرين فأربع شياة فإذا بلغت خمسا و
عشرين فخمس شياه فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض فإذا بلغت خمسا وثلاثين وزادت واحده ففيها ابنة لبون فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها
حقة فإذا بلغت ستين وزادت واحدة ففيها جذعة إلى ثمانين فإذا زادت واحدة ففيها ثني إلى تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها بنتا لبون فإذا زادت واحدة
إلى عشرين ومأة ففيها حقتان طروقتا الفحل فإذا كثرت الإبل ففي كل أربعين ابنة لبون وفي كل خمسين حقة ويسقط الغنم بعد ذلك ويرجع إلى أسنان الإبل
وفيه ما لا يخفى من عدم صلاحية هذه الرواية مع ما فيها من مخالفة المشهور أو المجمع عليه لمعارضة غيرها مما عرفت وينبغي التنبيه على أمور. الأول: قال في
المسالك في شرح قول المصنف (ره) فأربعون وخمسون أو منهما ما لفظه أشار بذلك إلى أن النصاب بعد بلوغها ذلك يصير أمر كليا لا ينحصر في فرد وإن التقدير
بالأربعين والخمسين ليس على وجه التخيير مطلقا بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب فان أمكن بهما تخير وإن لم يمكن بها وجب اعتبار أكثرهما استيعابا
مراعاة لحق الفقراء ولو لم يكن إلا بهما وجب الجمع فعلى هذا يجب تقدير أول هذا النصاب وهو المأة واحدى وعشرين بالأربعين والمأة وخمسين بالخمسين
والمأة وسبعين بهما ويتخير في المأتين وفي الأربعمأة يتخير بين اعتباره بهما وبكل واحد منهما وعن المحقق الثاني وغيره أيضا التصريح بأن التقدير بالأربعين
والخمسين ليس على وجه التخيير بل على النحو الذي ذكره في المسالك بل ربما نسب ذلك إلى المشهور خلافا للمحكى عن المحقق الأردبيلي والشهيد الثاني في
فوائد القواعد وغير واحد ممن تأخر عنهما كأصحاب المدارك والحدائق والرياض فقالوا بالتخيير ففي المدارك بعد نقل عبارة المسالك المتقدمة قال ما لفظه
وما ذكره (ره) أحوط إلا أن الظاهر التخيير في التقدير بكل من العددين مطلقا كما أختاره (قد) في فوائد القواعد ونسبه إلى ظاهر الأصحاب للاطلاق
قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة فان زادت على العشرين والمأة واحدة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون ويدل عليه صريحا اعتبار
التقدير بالخمسين خاصة في روايتي عبد الرحمن وأبي بصير المتقدمتين ولو كان التقدير بالأربعين متعينا في المائة واحدى وعشرين وما في معناها
لما ساغ ذلك قطعا إنتهى ويتوجه الاستدلال بصحيحة زرارة ونظائرها مما وقع به التعبير بأن في كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون أن المقصود
بذلك بيان أن الإبل إذا كثرت وتجاوزت عن المأة والعشرين لا يتعلق النصاب بخصوص عدد المجموع بل يلاحظ العدد خمسين خمسين وأربعين أربعين
فيخرج الفريضة منه على ما يقتضيه ذلك العدد بهذه الملاحظة فالنصاب حينئذ كل خمسين وكل أربعين فكل جزء يفرض منه بالغا حد الأربعين فهو موجب
لثبوت ابنة لبون فيه للفقير وكل ما يفرض بالغا حد الخمسين فهو سبب لثبوت حقه فيه ولكن لا على سبيل الاجتماع بل على سبيل التبادل إذ المال الواحد
لا يزكى مرتين فالمراد بهذه العبارة أن الزكاة الواجبة في هذا المال هي ما إذا قيست إلى كل أربعين أربعين تقع ابنة لبون في كل أربعين مصداقا لها بمعنى
أنه يحصل بدفعها إلى المستحق الخروج عن عهدة ما في كل أربعين من هذا العدد وإذا قيست إلى كل خمسين خمسين فدفع حقة عن كل منهما كذلك فهو
مخير في إخراج أيهما شاء إذا أمكن الخروج عن عهدة جميع ما ثبت في هذا المال بأي من العددين كما كان كل من العددين عادا للجميع كما في المأتين والأربعمائة
وإلا تعين عليه الاخذ بما يحصل به الاستيعاب أن كان وإلا فالأكثر استيعابا لأنا إذا فرضنا المجموع مأة وخمسين فقد تعلقت الزكاة بمجموعها
لان المجموع ثلاث مصاديق للخمسين وقد دلت الأدلة بأسرها على أن في كل خمسين حقة فلا عفو في هذا العدد فلو عمل فيه بعموم قوله في كل أربعين ابنة
لبون لزم بقاء ثلاثين منه غير مزكى مع كونها جزء من النصاب الاخر لان هذا العموم لا يقتضي إلا كون ثلاث بنات لبون مجزية عما في هذا العدد من الأربعينات
الثلاث وأما كون الثلاثين الزائدة عليها عفوا مع كونها جزء من النصاب الاخر فليس من مقتضيات هذا العموم فيجب في مثل الفرض مقدمة للخروج عن عهدة
الزكاة الثابتة في الجميع احتسابها خمسين خمسين ومن هنا يظهر الحال في الفرض الذي حصل الاستيعاب بهما معا أو كان أحدهما أكثر استيعابا فإن مقتضى
إطلاق سببية كل من الأربعين والخمسين لثبوت موجبه عدم الخروج عن عهدة الزكاة المفروضة في مجموع هذا المال إلا بالاخذ بما يحصل به الاستيعاب مع
الامكان وإلا فالأكثر استيعابا ولعل هذا المعنى هو المقصود بقوله (ع) في ذيل صحيحة الفضلاء بعد أن ذكر النصاب الكلي ثم ترجع الإبل على أسنانها وفي
خبر الأعمش ويرجع إلى أسنان الإبل بمعنى أنه بعد أن كثرت الإبل لا يبقى لفريضتها حد مضبوط بل تجعل الإبل منطبقا على الأسنان التي يتحقق بها تزكية
الجميع وهذا مما يختلف باختلاف الموارد ففي مورد هي ثلاث بنات لبون وفي أخر بنتا لبون وحقة وفي ثالث عكسه وفي رابع ثلاث حقق وهكذا ومما
يؤيده أيضا قوله عليه السلام في الصحيحة المزبورة بعد هذه الفقرة وليس على النيف شئ ولا على الكسور شئ فإنه مشعر باختصاص العفو بالنيف الذي هو اسم لما
بين العقدين دون نفس العقود وهذا إنما يتم لو جعلنا المرجع أسنان الإبل بالمعنى الذي ذكرناه إذ لا عقد من العقود إلا ويطابقه أحد النصابين أو
كل منهما أو كلاهما معا كما لا يخفى على المتأمل والمراد بقوله ليس على النيف شئ على الظاهر إنما هو في النصاب الأخير أي بعد أن كثرت الإبل لا مطلقا كي ينافيه
23

ثبوته في مثل ست وعشرين و غيرها من النصب التي قوع التصريح بحكمها مفصلا قبل هذه الفقرة فلا مقتضى لحمل النيف على إرادة ما بين النصابين كما قيل
ومما يؤيد أيضا اعتبار الاخذ بما يحصل معه الاستيعاب ولو من مجموع النصاب وروده كذلك في زكاة البقر في الصحيحة المزبورة وأجيب عن الاستدلال بروايتي
عبد الرحمن وأبي بصير بأن هاتين الروايتين ظاهرهما انحصار النصاب الأخير في الخمسين والفريضة الأخيرة في الحقة وهذا الظاهر غير مراد جزما لمخالفته
للاجماع والنصوص المتقدمة فيجب حملهما على بيان أحد النصابين وهو وإن استلزم تأخير البيان بالنسبة إلى الموارد التي لا يمكن العد بخمسين ولكن
عن وقت الخطاب لا الحاجة ولا محذور فيه وببيان أو في إن ظهور قوله (ع) في الخبرين فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة في انحصار النصاب الأخير في الخمسين
والفريضة الأخيرة في الحقة ليس إلا من باب السكوت في مقام البيان فهو لا يصلح معارضا للنصوص المصرحة بعدم الانحصار ووجود نصاب أخر وهو كل
أربعين و إن في كل ابنة لبون وقضية سببية كل من النصابين لثبوت مقتضاه على الاطلاق عدم تحقق العفو إلا في النيف الخارج عن موضوع
كل من النصابين كما عرفت وقد اندفع بما أشرنا إليه من أن المقصود بمثل قوله عليه السلام في صحيحة زرارة فإن زادت على العشرين والمأة واحدة ففي كل خمسين
حقة وفي كل أربعين ابنة لبون بيان صيرورة النصاب كليا عند صيرورة العدد كثيرا وتجاوزه عن المأة والعشرين إلا في خصوص ما زادت واحدة ما قد
يقال من أن الأدلة واردة في مقام بيان الحكم عند زيادة واحدة على العشرين والمأة فكيف يمكن الحكم بعدم جواز احتسابها بخمسين في خصوص هذا
المورد توضيح الاندفاع أنه لم يقصد بهذا الكلام بيان الحكم في خصوص هذا المورد بل صيرورة النصاب كليا من هذا الحد مع إنا لم نقل بخروج هذا المورد
عن موضوع هذا الحكم رأسا بل ارتكبنا فيه مخالفة ظاهرة وقلنا بعدم كفاية دفع حقتين في الخروج عن عهدة جميع الزكاة الواجبة في مجموع هذا العدد الثابتة
بعموم قوله (ع) من ساير الاخبار وفي كل أربعين ابنة لبون فلاحظ وتدبر. الثاني: هل التخيير في مثل المأتين والأربعمأة أو مطلقا لو قلنا به فهل هو
للمالك أو الساعي وجهان أوجههما الأول إذ ليس للساعي إلا الزامه بدفع ما ألزمه الشارع بدفعه فإذا كان مفاد حكم الشارع إن ما وجب في ماله ما
يقع في كل أربعين ابنة لبون مصداقا له وفي كل خمسين حقة ولم يعين عليه أحدهما فليس للساعي الامتناع من قبوله فما عن الشافعي من تخيير الساعي نظرا
إلى تحقق سبب الفريضتين فليس للمالك الامتناع عن ضعيف الثالث: هل الواحدة الزائدة على المأة والعشرين شرط في وجوب الفريضة أو جزء
من النصاب الذي هو موردها وجهان من ظهور قوله (ع) في كل أربعين ابنة لبون أن مورد الحق الذي يثبت في المأة وإحدى وعشرين ثلاث أربعينات فالواحدة
خارجة منها ومن أن هذا الكلام مسوق لبيان ما يجب إخراجه في زكاة الإبل المتجاوز عددها عن المأة والعشرين وإلا فمتعلق الحق هو مجموع المال لا
خصوص الأربعينات والأول أوفق بما يقتضيه الجمود على ظاهر كلمة في فليتأمل وربما فرعوا على هذا النزاع احتساب جزء منه على الفقير لو تلف بلا تفريط
وفيه بحث سيأتي تحقيقه في محله إن شاء الله تعالى وفي البقر نصابان ثلاثون وأربعون دائما بالغا ما بلغت وقضية ذلك على ما عرفته أنفا وجوب الرجوع إلى
ما يحصل به الاستيعاب من كل من العددين أو منهما معا ويدل عليه ما رواه الكليني (ره) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد عن حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي
بصير وبريد العجيلي والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام إنهما قالا وفي البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وليس في أقل من ذلك شئ وفي أربعين بقرة
مسنة وليس في ما بين الثلاثين إلى الأربعين شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة وليس فيما بين الأربعين والستين شئ فإذا بلغت
الستين ففيها تبيعان إلى السبعين فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة إلى الثمانين فإذا بلغت الثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين فإذا
بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات فإذا بلغت عشرين ومأة ففي كل أربعين مسنة ثم ترجع البقر على أسنانها وليس على النيف شئ ولا على الكسور
شئ ولا على العوامل شئ إنما الصدقة على السائمة الراعية الحديث وفي خبر الأعمش المروي عن الخصال وتجب على البقر إذا بلغت ثلاثين بقرة تبيعة
حولية فيكن فيها تبيع حولي أن تبلغ أربعين بقرة ثم يكون فيها مسنة إلى ستين ثم يكون فيها مسنتان إلى تسعين ثم يكون فيها ثلاث تبايع ثم
بعد ذلك تكون في كل ثلاثين بقرة تبيع وفي كل أربعين مسنة وفي الغنم خمسة نصب أولها أربعون وفيها شاة ثم مأة وإحدى وعشرون وفيها شاتان ثم
مأتان وواحدة وفيها ثلاث شياه بلا نقل خلاف في شئ من ذلك إلا من الصدوقين في النصاب الأول فاعتبرا فيه زيادة واحدة على الأربعين وهو ضعيف
كما ستعرف ولعله لذلك لم يعتد غير واحد بمخالفتهما وأدعوا صريحا أو ظاهرا على ما حكي عنهم الاجماع على هذه النصب الثلاثة ثم ثلاثمائة وواحدة وهو
النصاب الرابع فإذا بلغت ذلك قيل يؤخذ من كل مأة شاة شاة وقد نسب هذا القول في المدارك وغيره إلى جملة من الاجلاء كالشيخ المفيد والمرتضى والصدوق
وأبن أبي عقيل وسلار وأبن حمزة وأبن إدريس وعلى هذا فتكون النصب أربعة وقيل بل تجب في الثلاثمأة وواحدة أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فحينئذ يصير النصاب
كليا ويسقط هذا الحساب وتعد الغنم مأة مأة فيؤخذ من كل مأة شاة بالغا ما بلغ وهو الأشهر بل المشهور كما في الجواهر بل عن الخلاف وظاهر الغنية
دعوى الاجماع عليه واستدل للقول الأول بصحيحة محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس فيما دون الأربعين من الغنم شئ فإذا كانت أربعين ففيها شاة
إلى عشرين ومأة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمأة فإذا كثرت الغنم ففي كل مأة شاة إذ المنساق
من قوله (ع) فإذا كثرت الغنم بقرينة سابقة إرادة تجاوز عددها عن الحد المذكور وقبله أي الثلاثمأة كما ورد نظيره في نصاب الإبل في عدة روايات و يدل عليه أيضا
خبر الأعمش الآتي بالتقريب المزبور وفي المدارك نقل عن العلامة في المنتهى أنه استدل على هذا القول أيضا بما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن
الباقر (ع) قال فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا كثر الغنم سقط هذا كله وأخرج من كل مأة شاة شاة ثم قال أقول أن هذا المعنى موجود في من
لا يحضره الفقيه بعد رواية زرارة والظاهر أنه ليس من جملة الرواية كما يدل عليه أول الكلام وأخره ولهذا لم ينقلها العلامة في غير هذا الكتاب ولا تعرض لها
24

أحد فيما علم أقول ما في الفقيه على ما نقلها في الحدائق صورته هكذا روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له في الجواميس شئ قال مثل ما في البقر
وليس على الغنم شئ حتى تبلغ أربعين شاة وزادت واحدة ففيها شاة إلى أخر العبارة وسوقها يشهد بكونها من كلام الصدوق كما يؤيد ذلك عدم
ذكره في الكافي بعد تلك الرواية فلاحظ حجة القول المشهور صحيحة الفضلاء ذكر جملة منها في المقامين وفيها وفي الشاة في كل أربعين شاة شاة
وليس فيما دون الأربعين شئ ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين ومائة فإذا بلغت عشرين ومأة ففيها مثل ذلك شاة واحدة فإذا زادت على عشرين
ومأة ففيها شاتان وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مأتين فإذا بلغت مأتين ففيها مثل ذلك فإذا زادت على المأتين شاة واحدة ففيها
ثلاث شياه ثم ليس فيها أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمأة فإذا بلغت ثلاثمأة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمأة
فان تمت أربعمأة كان على كل مأة شاة وسقط الأمر الأول وليس على ما دون المأة بعد ذلك شئ وليس في النيف شئ الحديث وفي المدارك بعد ذكر مستند
القولين قال و المسألة قوية الاشكال لان الروايتين معتبرة الاسناد والجمع بينهما مشكل جدا ومن ثم أوردهما المصنف (ره) في المعتبر من غير ترجيح وأقتصر
في عبارة الكتاب على حكاية القولين ونسبة القول الثاني إلى الشهرة وقال العلامة في المنتهى أن طريق الحديث الأول أوضح من الثاني واعتضد بالأصل
فيتعين العمل به وهو غير بعيد مع أن الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النصاب الثاني وذلك مما يضعف الحديث ولو كانا متكافئين في السند و
المتن لأمكن حمل الرواية الأولى على التقية لموافقتها لمذهب العامة أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمأة ويكون حكم الثلاثمائة وواحدة مهما في
الرواية إنتهى أقول ما ذكره من الرواية الثانية مخالفة لما عليه الأصحاب فهو مبني على لما رواها عن الشيخ من أنه قال وليس فيما دون الأربعين شئ حتى تبلغ
عشرين ومأة ففيها شاتان الحديث وهي بهذا المتن مروي عن التهذيب وهو بحسب الظاهر من سهو قلم النساخ أو الشيخ في هذا الكتاب أما على ما قدمناه وهو
رواية الكليني في الكافي والشيخ في الاستبصار على ما أعترف به في الحدائق فهو موافق لما عليه الأصحاب فلا اعتداد بما نقل عن التهذيب بعد شهادة مضمون
الرواية وسوقها مضافا إلى القرائن الخارجية بوقوع السقط فيه ولعله لذا لم يعتد صاحب الوسائل بهذا الاختلاف فإنه بعد أن رواها عن محمد بن يعقوب
كما قدمناه قال محمد بن الحسن بأسناده عن محمد بن يعقوب مثله فلم يعتد بما في التهذيب لمعلومية وقوع السهو فيه أو كانت النسخة الموجودة عنده مهذبة
عن ذلك وكيف كان فهو لا يصلح لمعارضة الكافي الذي هو الأصل في نقله مع أن مخالفة هذه الفقرة لما عليه الأصحاب لا توهن مثل هذا الحديث الذي هو المعول
عليه في كثير من الفروع التي ستسمعها وأما ما قيل من طريق الحديث الأول أوضح من الثاني فكأنه أشير بذلك إلى ما في طريق الخبر الثاني من اشتماله على إبراهيم
بن هاشم الذي قد يناقش في توصيف حديثه بالصحة حيث أن أهل الرجال لم ينصوا بتوثيقه و هذا مما لا ينبغي الالتفات إليه فإن إبراهيم بن هاشم باعتبار
جلالة شأنه وكثرة رواياته واعتماد ابنه والكليني والشيخ وساير العلماء والمحدثين غني عن التوثيق بل هو أوثق في النفس من أغلب الموثقين الذين لم يثبت
وثاقتهم إلا بظنون اجتهادية غير ثابتة الاعتبار والحاصل أن الخدشة في روايات إبراهيم في غير محلها خصوصا في هذا الحديث الذي هو من أوثق
الروايات المعتبرة لدى الأصحاب المعول بها في جل فقراتها حتى أن مثل السيد الذي لا يعمل بأخبار الآحاد أرتكب البعيد في تأويلها بالنسبة إلى نصب الإبل
التي هي بظاهرها مخالفة للمشهور أو المجمع عليه فالحق مكافئة الخبرين من حيث السند وقصور الأول عن المكافئة من حيث الدلالة وجهه الصدور كما أشير
إليه في عبارة المدارك فإن استفاد حكم ثلاثمأة وواحدة من إطلاق قوله فإذا كثرت الغنم مع أنه لا أثر يعتد به في اتصافها بهذه الصفة لو لم تكن موصوفة
بها قبل هذه الزيادة إنما هي لمناسبة المقام وسوق الكلام لبيان حكم الغنم على الاطلاق الكاشف عن أن المقصود بهذا العموم هو بيان حكم الغنم عند تجاوزه
عن هذا الحد وهذا غايته الظهور فلا يصلح معارضا للنص الصريح بأنه إذا زادت على الثلاثمأة واحدة ففيها أربع شياه خصوصا مع موافقته للتقية فإنه
مذهب فقهاء الأربعة على ما قيل فهو قاصر عن معارضة الخبر الثاني وهي صحيحة الفضلاء من حيث وجه الصدور أيضا فالمتجه هو الاخذ بمضمون هذه الصحيحة
كما هو المشهور حمل الكثرة الواقعة في صحيحة محمد بن مسلم وخبر الأعمش الآتي على بلوغ الأربعمأة فيكون حكم الثلاثمأة وواحدة مسكوتا عنه ولعل الحكمة
في إهمالها مراعاة التقية والله العالم وأما ما حكي عن الصدوقين من اعتبار زيادة الواحدة على الأربعين في النصاب الأول فرده غير واحد بعدم وجود دليل
عليه وأعترض عليهم في الحدائق بما لفظه لا يخفى أن ما ذكره الصدوق في هذا المقام من أوله إلى أخره عين عبارة كتاب الفقه الرضوي ومنه يعلم أنه المستند
له فيما ذكره أقول ويمكن أن يكون مستنده ما رواه في الخصال بأسناده عن الأعمش في حديث شرايع الدين عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال ويجب على الغنم الزكاة
إذا بلغ أربعين شاة وتزيد واحدة فيكون فيها شاة إلى عشرين ومأة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مأتين فإن زادت واحدة ففيها ثلاث شياه
إلى ثلاثمأة وبعد ذلك يكون في كل مأة شاة شاة وكيف كان فهو ضعيف فإن شيئا منهما لا ينهض حجة في مقابل ما عرفت ثم إن هاهنا سؤالا مشهورا وهو أنه
إذا وجب أربع شياه عن بلوغها ثلاثمأة وواحدة ولم يتغير الفريضة حتى تبلغ خمسمأة فأي فائدة يترتب على جعل الأربعمأة نصابا وكذا الكلام بالنسبة
إلى الثلاثمأة وواحدة على القول الآخر حيث لا يجب عندها إلا ما يجب بالنصاب الذي قبلها أي المأتان وواحدة وهي ثلاث شياه ولا يتغير الفريضة على هذا
القول حتى تبلغ أربعمائة فيتوجه حينئذ على هذا القول أيضا السؤال عن فائدة جعل الثلاثمأة وواحدة نصابا مستقلا وأجاب عنه في الجواهر بأنه يمكن أن يكون الوجه
في ذلك متابعة النص وأن الاتحاد في الفريضة مع فرض كون النصاب كليا إذا أفراد متعددة ينفرد عن الأول في غالب أفراده كخمسمأة فصاعدا غير قادح
ولا يخفى عليك أن الجواب الأول اسكاتي محض وأما الثاني فغير حاسم لمادة السؤال فإنه بذلك بيان معقولية أي إمكان جعل النصاب كليا عند بلوغها هذا
الحد والغاء خصوصيات الافراد وإن أتحد مقتضاهما في بعض الموارد فهذا مما لا مجال لانكاره وإنما المقصود بالسؤال الاستفهام عن الثمرة المترتبة على
25

جعل الأربعمأة نصابا كليا وأنه أي فرق بين ذلك وبين ما لو أهمل الأربعمأة وقال فإذا بلغت ثلاثمأة وواحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ خمسمأة فإذا تمت خمسمأة
كان على كل مأة شاة فشئ من الجوابين المذكورين لا يجدي في رفع هذا السؤال وقد أشار المصنف (ره) إلى الجواب عنه بقوله وتظهر الفائدة في الوجوب أي محل الوجوب
وفي الضمان أما الأول فإنه إذا كانت أربعمأة فمحل الوجوب مجموعها إذ المجموع نصاب ومحل الوجوب النصاب ولو نقصت عن الأربعمأة ولو واحدة كان محل الوجوب
الثلاثمأة و واحدة والزائد عفو ويتفرع على هذا جواز تصرف المالك فيه قبل إخراج حق الفقير بناء على المنع عنه قبل الاخراج إلا مع الضمان كما هو المصرح به في
كلماتهم فإن هذا إنما هو فيما يتعلق به الوجوب دون العفو كما هو صريح بعض وسيأتي تحقيقه إن شاء الله وأما الثاني أي الضمان فهو أيضا متفرع على محل الوجوب
فلو تلف من أربعمائة واحدة بعد الحول بغير تفريط سقط من الوجوب جزء من مأة جزء من شاة وإن شئت قلت أربعة أجزاء شاة من أربعمأة جزء ولو كانت ناقصة
من أربعمأة ولو واحدة وتلف منها شئ ما دامت الثلاثمأة باقية لم يسقط من الفريضة شئ وكذلك الكلام على القول الآخر بالنسبة إلى الثلاثمائة وواحدة والمأتين
وواحدة ولكن على هذا القول يتأتي الكلام في أن الواحدة الزائد على الثلاثمأة هل هو شرط الوجوب أو جزء الواجب فإن فيه الوجهين المتقدمين في الواحدة
الزائدة على المأة والعشرين في نصاب الإبل فعلى القول بالشرطية لا يترتب على تلفه نقص في الواجب بخلاف الجزئية وفي المدارك بعد شرح عبارة المتن قال ما
لفظه لكن يمكن المناقشة في عدم سقوط شئ من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمأة لان مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقين وإن كان الزائد على
النصاب عفوا إذ لا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمل إنتهى وتبعه في هذه المناقشة بعض من تأخر عنه وملخص هذه المناقشة أن الزكاة تتعلق بالعين فهي حصة متاعه
في مجموع هذا الغنم فكون الزائد عفوا معناه عدم كونه مؤثرا في إيجاب شئ زائدا على ما يوجبه النصاب لا كونه ممتازا عما تعلق به حق الفقير وأجاب عنها في الحدائق بأنه
إن أريد بتعلق الزكاة بالعين تعلقها بالمجموع المشتمل على النصاب والزائد الذي هو عفو فهو ممنوع وإن أأيد بعين النصاب فيكون حقا شايعا في مجموع النصاب
فهو مسلم لكن لا يلزم منه ما ذكروه ثم أطال الكلام في إيضاحه بما لا يهمنا نقله وقد يتخيل إن ما ذكره في الجواب كلام صوري لا يكاد يرجع إلى محصل نظرا إلى ما تقدمت
الإشارة إليه من إنه ليس للنصاب وجود ممتاز عما عداه كي يكون حصة الفقراء شايعة في خصوصه بل كل فرد من أفراد هذا المجموع إذا لوحظ منضما إلى ما عداه مما يكمل به
العدد البالغ حد النصاب يقع مصداقا له فنسبة حق الفقير إلى جميع هذه الغنم على حد سواء فهو يستحق من مجموع هذه الغنم أربع شياه وإن كان المقتضى لايجابه في
المجموع اشتماله على النصاب ويدفعه إن إشاعة حق الفقير في عين النصاب دون العفو لا تتوقف على تشخص النصاب وتميزه عما زاد عليه في الخارج بل على تحققه في الواقع
فلو باع زيدا مثلا صاع من صبره وشرط عليه أن يكون ربعه لعمرو فقد جعل لعمرو في هذه الصبرة ربعا مشاعا من صاع كلي مملوك لزيد متصادق على أي صاع فرض من هذه
الصبرة فبقاء ملك عمرو الذي هو ربع مشاع من الصاع لذي ملكه زيد تابع لبقاء ملك زيد الذي هو صاع من هذه الصبة على سبيل الكلية بحيث لا يرد على نقض بتلف
شئ من الصبرة ما دام بقاء صاع منها كما تقرر في مسألة بيع الصاع من الصبرة فإن أردت مثالا مطابقا لما نحن فيه فهو فيما لو نرد أنه إن رزقه الله عشرين شاة لا بشرط
عدم الزيادة وبقيت عنده سنة فنصفها صدقة لأرحامه فرزقه الله تعالى ثلاثين وبقيت الثلاثون عنده إلى سنة فقد تحقق موضوع نذره وصار نصف العشرين الموجود في
ضمن هذا المجموع بعنوانه الاجمالي ملكا لأرحامه فما دامت الثلاثون باقية عنده ليس للعشرين الذي تعلق النذر بصدقة بعضه تشخص يمتاز به عما زاد عليه بل كل
فرد من أفراد هذه الغنم الموجودة عنده إذا أنضم إلى ما عداه مما يكمل به هذا العدد يقع مصداقا له كما فيما نحن فيه فلو تلف منها شئ قبل تعلق الوجوب أم بعده ما لم ينقص
العدد عن العشرين لا يرد نقص على ما ثبت للأرحام بالنذر فلو تلف منها عشرة وبقيت عشرون تعين الحق فيه ولم ينقص منه فإنه يصدق على ما بقي إن هذه العشرين غنما
قد ملكها في أول السنة وبقيت عنده سنة فصار نصفها للأرحام بمقتضى نذره فكذلك الكلام فيما نحن فيه ثم لا يخفى عليك أن ما ذكرناه كله مبني على تعلق
الزكاة بالعين لا بالذمة وكون الفريضة شايعة في النصاب شياع الكسر في العدد التام لا شياع الفرد المنتشر في أفراد الكلي وإلا فلا وجه لسقوط شئ من الفريضة بتلف
شئ من النصاب على تأمل في الأخير كما سيتضح لك وجهه عند التكلم في تعلق الزكاة بالعين فليتأمل والفريضة تجب في كل مصاب من نصب هذه الأجناس وما بين
النصابين لا يجب فيه شئ كما هو ظاهر النصوص المزبورة وكلمات الأصحاب أو صريحها وقد عرفت أنفا أنه أمر معقول وليس فيه منافاة لما يقتضيه قواعد الشركة بعد
مساعدة الدليل نعم قد يظهر من مثل قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن قيس فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومأة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المأتين فإذا
زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة إن بلوغ النصاب سبب لثبوت الفريضة في الغنم البالغ هذا الحد فما زاد حتى تبلغ النصاب الاخر وكذا قوله عليه السلام وفيها مثل ذلك
الواردة في صحيحة الفضلاء في كل عدد ينتقل منه بزيادة واحدة عليه إلى نصاب أخر من نصب الغنم كالعشرين ومأة والمأتين والثلاثمائة فإن ظاهره كون مجموع هذه الاعداد
مورد للفريضة التي هي مثل الفريضة الثابتة بالنصب السابقة ولكن قد ينافي في هذا الظاهر ما في نفس هذه الصحيحة فضلا عن غيرها من التصريح عند ذكر فريضة كل
نصاب ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ النصاب الاخر فإن ظاهر هذه العبارة كون ما بين النصابين خارجا عن محل الوجوب ويؤكد ذلك ما ورد فيها بعد بيان كل من نصب
الإبل والبقر وليس على النيف شئ ولا على الكسور شئ وبعد بيان نصب الغنم أيضا قال وليس على ما دون المأة بعد ذلك شئ وليس في النيف شئ وارتكاب
التأويل في هذه الفقرات بحملها على ما لا ينافي الأول ممكن ولكن العكس أقرب مع اعتضاده بفتوى الأصحاب وإرسالهم له إرسال المسلمات وقد جرت العادة أي
عادة الفقهاء بتسمية ما لا تتعلق به الفريضة من الإبل شنقا ولا البقر وقصا ومن الغنم عفوا ومعناه في الكل واحد فإنه أريد بالجميع ما لا تتعلق به الفريضة
مما قبل النصاب وما بين النصابين وفي المدارك قال في شرح العبارة هذه العادة من مصطلحات الفقهاء والمستفاد من كلام أهل اللغة أن الشنق بفتح
الشين المعجمة و النون والوقص بفتح الواو لفظان مترادفان قال في القاموس الشنق محركة ما بين الفريضتين في الزكاة ففي الغنم ما بين الأربعين والمأة وعشرين
وقس في غيرها و قال أيضا الوقص بالتحريك واحد الأوقاص في الصدقة وهو ما بين الفريضتين ونحوه قال الجوهري في الصحاح وقال ابن أثير في النهاية الشنق
26

بالتحريك ما بين الفريضتين من كل ما يجب فيه الزكاة إنتهى فالتسع من الإبل نصاب وشنق فالنصاب خمس والشنق أربع بمعنى أنه لا يسقط من الفريضة شئ ولم
تلفت الأربع سواء كان قبل تعلق الوجوب أم بعده أما الأول فواضح لحصول النصاب الذي هو سبب الوجوب بدونها بل وكذا الثاني إذ لا وجه لسقوط شئ
من الفريضة بعد تحقق الوجوب ما دام محله باقيا إلا على تقدير أن يقال إن بلوغ النصاب سبب لثبوت الفريضة في جميع المال البالغ حد النصاب فما فوق حتى
تبلغ نصابا أخر على سبيل الإشاعة والشركة في الجميع لا في خصوص النصاب ولكنك عرفت ضعف هذا القول ومخالفته لظاهر النصوص وصريح الفتاوى وسيأتي
لذلك مزيد توضيح لدى التكلم في كيفية تعلقها بالعين إن شاء الله وكذا التسعة والثلاثون من البقر نصاب ووقص فالفريضة في الثلاثين والزائد عفو حتى
يبلغ الأربعين وكذا مأة وعشرون من الغنم فإن نصابها أربعون والفرضية فيه وعفوها ما زاد حتى تبلغ مأة واحدى وعشرين وكذا ما بين النصب التي عددناها
وقد عرفت أنفا إن فائدة الأربعمائة نصابا مع أن الفريضة التي تثبت بها هي الفريضة التي تثبت بالنصاب السابق أي الثلاثمائة وواحدة تظهر هاهنا
أي محل الوجوب وعدم العفو المترتب عليه الضمان فإنه لو لم يكن الأربعمائة نصابا لكان ما بين الثلاثمأة والخمسمائة جميعه عفوا لم يكن يترتب على تلف شئ منه نقص
في الفريضة بخلاف ما إذا كانت الأربعمأة نصابا فإن مقتضاه سقوط جزء من مأة جزء بتلف واحدة من أربعمأة بعد تعلق الوجوب وأما قبله فلا أثر له لقيام النصاب
السابق مقامه في إيجاب الأربع شياه وإن أختلف محلها حيث أن الأربعمائة سبب لايجاب كل من الأربع في كل مأة من المأت الأربع وأما الثلاثمأة وواحدة
فهي سبب لايجابها في مجموع هذا العدد الخاص وما يقال من أن المتجه عدم سقوط شئ بتلف الواحدة من الأربعمائة مطلقا ولو بعد تعلق الوجوب لكفاية
الثلاثمأة وواحدة في إيجابها ففيه أن الثلاثمأة وواحدة المندرجة في ضمن الأربعمأة المؤثرة في إيجاب الأربع ساقطة عن الاعتبار وإلا لزم تأثيرها في
إيجاب أربع أخرى غير ما وجبت بالأربعمائة إذ لا يعقل إيجاب تلك الفريضة التي أوجبتها الأربعمأة بعينها بسبب أخر في غير عين هذا المحل فقياس تلف واحدة من
الأربعمائة بعد تعلق الوجوب وتحقق الأربعمائة بشرائط التأثير على تلفها قبله قياس مع الفارق كما لا يخفى ولا يضم مال إنسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط
الخلطة وكانا في مكان واحد فيه تعريض على ما حكي عن بعض العامة من أن الخلطة بكسر الخاء وهي العشرة بجعل المالين ما لا واحدا فيجب زكاته على مالكيها
سواء كانت خلطة أعيان كأربعين بين شريكين أو خلطة أو صاف كالاتحاد في المرعي و المشرب والمراح والفحل والحالب والمحلب مع تميز المالين وهو عندنا
باطل لانتفاء ما يدل عليه بل قضاء جميع ما دل على اشتراط الملكية والنصاب بخلافه فإن مفادها ليس إلا اشتراط بلوغ ما ملكه من الأجناس الزكوية حد النصاب
في وجوب الزكاة عليه كما هو واضح ويدل عليه أيضا خبر زرارة المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال قلت له مأتي درهم بين خمسة أناس أو عشرة وحال
عليها الحول وهي عندهم أيجب عليهم زكاتها قال لا بمنزلة تلك يعني جوابه في الحرث ليس عليهم شئ حتى يتم لكل إنسان منهم مأتا درهم قلت وكذلك في الشاة
والإبل والبقر والذهب والفضة وجميع الأموال قال نعم واستدل له أيضا بقوله (ع) في صحيحة محمد بن قيس المتقدمة ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق
وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج أن محمد بن خالد سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الصدقة فقال مر مصدقك ن لا يحشر من ماء إلى ماء ولا يجمع بين المتفرق ولا يفرق
بين المجتمع بالحمل على الاجتماع في الملك وفيه أن هذه كلمة متشابهة قد رواها المخالفون عن النبي صلى الله عليه وآله واستدلوا بها أيضا لمذهبهم بحملها على إرادة الاجتماع
في المكان كما ذكره العلامة في التذكرة وأجاب عن استدلالهم بأنا نحمله على أنه لا يجمع بين متفرق في الملك ليؤخذ منه الزكاة زكاة رجل واحد ولا يفرق بين
مجتمع في الملك فإن الزكاة تجب على الواحد وإن تفرقت أمواله فالحق أن هذه العبارة بنفسها مجملة قابلة لمعان عديدة لا تنهض بنفسها شهادة لشئ من
المذهبين ولعل الحكمة في أجمالها التقية وكيف كان فلا شبهة بل لا خلاف بيننا في أنه لا يضم مال إنسان إلى غيره بل يعتبر في مال كل واحد منهما بلوغ
النصاب ولا يفرق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد مكانهما بلا خلاف فيه بيننا كما صرح به في الجواهر وغيره إذ المدار على ما يستفاد من الاخبار على كونه
مالكا للنصاب من غير فرق بين كونه مجتمعا أو متفرقا وربما يستدل له بالخبر المتقدم وفيه ما عرفت ونسب إلى بعض العامة القول بأنه إن كان بينهما مسافة القصر
لو حظ كل منهما بانفراده وهو محجوج بما عرفت والله العالم. الشرط الثاني السوم: وهو لغة الرعي فلا تجب الزكاة في المعلوفة بلا خلاف فيه بيننا
بل عن المعتبر أنه قول العلماء كافة إلا مالكا بل عن المنتهى لا خلاف فيه بين المسلمين ويدل عليه من الاخبار قوله عليه السلام في صحيحة الفضلاء أو حسنتهم المروية
عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في حديث زكاة الإبل وليس على العوامل شئ إنما ذلك على السائمة الراعية وفي حديث زكاة البقر ليس على النيف شئ ولا على
الكسور شئ ولا على العوامل شئ وإنما الصدقة على السائمة الراعية وصحيحتهم الأخرى عنهما أيضا قالا ليس على العوامل من الإبل والبقر شئ وإنما الصدقات على السائمة
الراعية الحديث وصحيحة زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل على الفرس والبعير يكون للرجل يركبها شئ فقال لا ليس على ما يعلف شئ إنما الصدقة على السائمة
المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل فأما ما سوى ذلك فليس فيه شئ وموثقة زرارة قال سئلت أبا جعفر عن صدقات الأموال فقال في تسعة أشياء
ليس في غيرها شئ في الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم السائمة وهي الراعية وليس في شئ من الحيوان غير هذه الثلاثة
الأصناف شئ الحديث وحيث يعتبر في وجوب الزكاة السوم وهو لا يتحقق بالنسبة إلى السخال من حين النتاج التزم غير واحد كالمصنف في الكتاب والفاضل
في جملة من كتبه والشهيد في اللمعة والمحقق الكركي والقطيفي والصيمري على ما حكي عنهم بأنه لا تجب الزكاة في السخال أي لا تجري في الحول إلا إذ استغنت
عن الأمهات بالرعي لانتفاء صدق السائمة قبلها خلافا لصريح آخرين فأوجبوا فيها من حين النتاج بل ربما نسب هذا القول إلى المشهور بل عن ظاهر
الخلاف الاجماع عليه واستدل له بإطلاق الأدلة أو عمومها كما في قوله عليه السلام في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وفي كل أربعين شاة شاة مع ما في بعضها كما في ذيل
صحيحة أبي بصير من التصريح بأنه يعد صغيرها وكبيرها ولولا هذا التصريح لكان دعوى انصراف إطلاق الإبل والبقر والغنم عن السخال غير بعيدة وخصوص
27

قوله عليه السلام في ذيل موثقة زرارة المتقدمة أنفا وكل شئ من هذه الثلاثة الأصناف فليس فيها شئ حتى يحول عليه الحول منذ يوم ينتج وفي صحيحته عن أبي جعفر عليه السلام قال
ليس في صغار الإبل شئ حتى يحول عليه الحول من يوم تنتج وفي موثقته الأخرى عن أحدهما (ع) في حديث ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها
شئ حتى يحول عليه الحول من يوم ينتج هذا مع أن المنساق من أدلة اعتبار السوم أرادته فيما من شأنه العلف والسوم فالحصر المستفاد من قوله عليه السلام إنما
الصدقة على السائمة الراعية حصر إضافي بالنسبة إلى المعلوفة التي من شأنها أن تسوم الصغار في أول النتاج ليس من شأنها السوم ولا الاعتلاف فهذه الأخبار
لا تصلح مقيدة لاطلاقات الأدلة لو سلم لها إطلاق من هذه الجهة فضلا عن صلاحيتها لمعارضة الأخبار الخاصة الظاهرة والصريحة في العموم
فما ذهب إليه المشهور هو الأقوى وأما ما ذهب إليه بعض من الفرق بين ما لو ارتضعت بلبن المعلوفة أو السائمة فيلحق كل بما أرتضع منه في الحكم كما عن الشهيد
في البيان فلعل وجهه دعوى أن مغروسية عدم زيادة حكم الفرع عن الأصل في الذهن مانعة عن استفادة إرادة الصغار التي لا يتعلق الزكاة بأمهاتها من
إطلاقات أدلتها مع أن أخبار الباب بأسرها واردة مورد حكم أخر لا يمكن التمسك بإطلاقها لاثبات الوجوب في نتاج المعلوفة التي لا زكاة في أمهاتها أما
إطلاقات أدلة الزكاة التي هي مثل قوله ليس فيما دون الخمس من الإبل شئ فإذا بلغت خمسا ففيها شاة فواضح وأما ما كان منها بصيغة العموم مثل قوله في
ثلاثين كذا وفي كل خمسين وأربعين كذا فعمومها إنما هو بالنسبة أفراد النصب فكما أن تقييدها بكونها سائمة ليس تخصيصا في تلك العمومات فكذلك
تقييدها بكونها مستغنية عن الأمهات بالرعي ليس تخصيصا فيها وبهذا ينقدح الخدشة في الاستدلال بهذه الاطلاقات والعمومات لاثبات أصل الحكم
وإنما العمدة في ذلك هي الأخبار الخاصة وهي أيضا لا تدل على ثبوت الزكاة في صغار الانعام ككبارها من حين النتاج على سبيل الاجمال فلا ينافيه اشتراط
كون الصغار من توابع السائمة وكونها بحيث لو استغنت عن الأمهات لكان استغنائها بمقتضى شأنها بالسوم لا بالعلف كاشتراط الكبار بكونها سائمة
فالالتزام بهذا التفضيل لا يخلو من وجه والله العالم ولا بد من استمرار السوم جملة من الحول كما يدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة انما الصدقة على السائمة
المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل والمرج بالجيم مرعى الدواب والمراد بالمرسلة في مرجها عامها كونها مرسلة فيها وقت الرعي فلا ينافيه الرجوع
إلى أهلها للمبيت ونحوه كما أن المراد باستمرار السوم جملة الحول اتصافها في تمام الحول بكونها سائمة وإلا فقد تنام أو تسكن أو تشرب أو تمرض يوما أو يومين
فلا يأكل شيئا ولا ينافي شئ من ذلك اتصافها عرفا بكونها سائمة في مقابل المعلوفة وقد أختلف كلماتهم فيما يتحقق به السوم وما ينقطع به فذهب
المصنف وجملة ممن تأخر عنه على ما حكي عنهم إلى أنه لو علفها بعضا ولو يوما أستأنف الحول عند استيناف السوم ولكنهم اعترفوا بأنه لا اعتبار باللحظة عادة
وعن العلامة في التذكرة والشهيد والمحقق الثانيين وبعض من تأخر عنهم أحالته إلى العرف بل في الحدائق الظاهر أن هذا هو المشهور بين المتأخرين وأختاره صريحا
شيخنا المرتضى (ره) مصرحا بعدم كون العلف يوما أو يومين لعارض على خلاف العادة ومنافياته وقيل يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب وفي المدارك
نسب هذا القول إلى الشيخ في المبسوط والخلاف ثم قال واستدل المصنف في المعتبر لهذا القول بأن اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير وبأنه لو أعتبر السوم
في جميع الحول لما وجبت الزكاة إلا في الأقل وبأن الأغلب يعتبر في سقي الغلات فكذا السوم ثم رجح ما أختاره هنا من انقطاع السوم بالعلف اليسير و استدل
عليه بأن السوم شرط الوجوب فكأن كالنصاب ثم قال وقولهم العلف اليسير لا يقطع ممنوع فإنه لا يقال للمعلوفة سائمة في حال علفها ثم قال في
المدارك وفي الأدلة من الجانبين نظر أما الأول مما استدل به للشيخ فلان عدم زوال اسم السوم بالعلف اليسير لا يقتضي اعتبار الأغلب فإن غيره قد
لا يكون يكون يسيرا وأما الثاني فلمنع الملازمة وبطلان اللازم وأما الثالث فلانه قياس محض وأما قوله أن السوم شرط الوجوب فكان كالنصاب فيتوجه
عليه أن النصاب قد وقع التنصيص على اعتبار ملكه طول الحول فينقطع بخروجه عن الملك في أثنائه بخلاف السوم لعدم التصريح باعتبار دوامه يعني دوام
نفس الفعل فيرجع في صدق اسم الوصف إلى العرف وقوله لا يقال للمعلوفة سائمة في حال علفها غير جيد إذ الظاهر عدم خروجها بالعلف اليسير عن كونها سائمة عرفا
كما لا يخرج القصيدة العربية عن كونها عربية باشتمالها على بعض الألفاظ الأعجمية ومن هنا يظهر أن الأصح الرجوع في ذلك إلى العرف كما أختاره العلامة ومن
تأخر عنه إنتهى ما في المدارك والذي يظهر من العبارة المنقولة عن المعتبر أن ما ذكره المتأخرون من أن الأصح الرجوع في ذلك إلى العرف هذا مما لا ينكره أحد وإنما
الخلاف في تحقيق الصدق العرفي على سبيل الحقيقة من دون مسامحة فالمصنف منع ذلك وقال لا يقال للمعلوفة سائمة في حال علفها أي لا يقال عليها ذلك عرفا
واستدل للقول برعاية الأغلب بأن اسم السوم لا يزول بالعلف اليسير يعني عرفا فالشأن إنما هو في تحقيق ذلك فأقول قد يطلق السائمة وكذا المعلوفة بمقتضى
وضعهما اللغوي فيراد منهما ما تلبس بالمبدء بالفعل فإذا أمسكت السائمة عن المرعى ونامت وتلبست بالعلف يصح أن يقال أنها بالفعل ليست بسائمة بل نائمة أو
معلوفة أو غير ذلك من الأوصاف المتلبسة بها فعلا وهكذا الكلام في المعلوفة وقد تطلقان ويراد منهما الاتصاف بحسب ما جرت عادتهما عليه من السوم والرعي
وهذا المعنى هو المتبادر من إطلاق لفظ السائمة أو المعلوفة على الاطلاق فإذا قيل أن فلانا عنده خمسون أبلا سائمة لا يتبادر منه إلا أرادتها بهذا المعنى وهذا
مما لا ينافيه الامساك عن السوم ولا التلبس بضده من مثل النوم والشرب وغيرهما بل ولا العلف اليسير لعارض فإنه لو علف هذه الإبل في يوم أو بعض يوم
لعارض ثم سئل عن أن هذه الإبل التي عندك هل هي سائمة أو معلوفة لأجاب بأنها سائمة ولكن علفتها في هذا اليوم أو في الأمس ولا يخرج بذلك عرفا عن
مصداق السائمة بالمعنى الذي يراد من أطلاقها لا يقال أن مقتضى ذلك عدم انقطاع السوم بالشهر والشهرين أيضا إذا كان لعارض مستمر فإنه يصح أن يقال
أنها بالذات سائمة ولكن علفتها في هذا الشهر لكذا إلا إنا نقول فرق بين العلف في زمان يعتد به كالأسبوع والأسبوعين فضلا عن الشهر والشهرين وبين
العلف وما فإنه لا يصح في الأول الجواب بأنها سائمة على الاطلاق بلا استدراك بخلاف الثاني لا لأجل أن العلف اليسير يلحق بالعدم عرفا كي يكون إطلاق
28

السائمة معه مبنيا على المسامحة العرفية بل لأجل أن حصوله في خلال السوم كحصول الرعي اليسير في مدة كونها معلوفة ليس منافيا لما يفهم عرفا من إطلاق اسم السائمة
فالسائمة عرفا تطلق على الدابة التي تكون أكلها بالرعي على النهج المتعارف لدى أهلها وليس العلف اليسير في خلال الرعي خلاف المتعارف كي يحتاج إلى الاستدراك
إن قلت سلمنا أن العلف اليسير غير مناف لاطلاق اسم السائمة ولكن هذا إنما يجدي أن جعلنا شرط تعلق الزكاة بالانعام اتصافها بكونها سائمة حتى يحول عليها
الحول كما هو مفاد أغلب أدلتها كصحيحة الفضلاء وموثقة زرارة وغيرهما مما دل على اشتراط الا بل والبقر والغنم التي تجب فيها الصدقة بكونها سائمة وإنه لا يجب في شئ
من هذه الأصناف الثلاثة حتى يحول عليه الحول عند صاحبه ولكن قد يظهر من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي
يقتنيها فيه الرجل اعتبار كون أكلها بالرعي في تمام حولها فإن قوله المرسلة في مرجها عامها كتابة عن الرعي في تمام السنة وهو أخص من مطلق الاتصاف بكونها سائمة
إذ فرق بين أن يقال أنها سامت تمام هذا الشهر أو تمام هذه السنة وبين أن يقال عليها في تمام هذه السنة أنها سائمة فإن العلف يوما مانع عن الصدق في الأول
دون الثاني قلت الظاهر أنه لم يقصد بقوله المرسلة في مرجها التخصيص بل التوضيح والتأكيد في مقابل المعلوفة والمربوطة عند صاحبها للركوب فالمراد به بحسب الظاهر ليس
الا بيان اعتبار كونها سائمة في تمام عامها بأن يكون أكلها في تمام الحول بالرعي على النهج المتعارف المعهود في رعي الانعام وقد أشرنا إلى أن العلف اليسير خصوصا مثل
لحظة أو لحظتين في خلال السوم ليس أمر خلاف المتعارف بل هو أمر شايع قلما يتفق غنم أو أبل أو بقر لا يتفق ذلك بالنسبة إليها في تمام الحول ولا يخرج بذلك عرفا
عن مصداق كونها سائمة عامها ومن هنا يظهر أن القول بأن العلف اليسير الغير الخارج عما يتعارف حصول مثله كثيرا في خلال الرعي هو الأشبه بأصول المذهب
لا الأول ولو اعتلفت من نفسها بما يعتد به في الخروج عن أن يطلق عليها بالفعل عرفا أنها سائمة بطل حولها لخروجها عن اسم السوم به في الفرض وكذا الحكم
لو منع السائمة مانع كالثلج ونحوه فعلفها المالك أو غيره من ماله أو من مال المالك أو من مال ثالث سواء كان بأذنه أو بغير أذنه للخروج في الجميع عن اسم السائمة خلافا للمحكى
التذكرة والموجز وكشفه فيما لو علفها الغير بغير أذن المالك فتلحق بالسائمة إذ لا مؤنة على المالك فيه وفيه ما لا يخفى من عدم الاعتداد بمثل هذه العلة المستنبطة
في الأحكام الشرعية التعبدية فالحق دوران الحكم مدار صحة إطلاق اسم السائمة عليها في تمام عامها وعدمه فمتى صدق عليها اسم السائمة وجب فيها الزكاة وإن توقف
سومها على صرف مال كثير لمصانعة ظالم أو استيجار راع ونحوه ومتى خرجت عن اسم كونها سائمة أنقطع حولها وإن كان بفعل الغير من ماله نعم قد يشكل في بعض الفروض
تشخيص كونها سائمة أو معلوفة كما لو اشترى أو استأجر أرضا ذات كلاء فرعى غنمه فيها فإنه قد يقال بأن صيرورة علفه ملكا له تجعلها معلوفة وفيه نظر إذ الظاهر
عدم منافاة شراء المرعى واستيجاره لصدق اسم الرعي والله العالم. الشرط الثالث الحول: وهو معتبر في الحيوان والنقدين مما تجب فيه الزكاة وفي مال التجارة
والخيل مما تستحب فيه بلا خلاف في شئ منها نصا وفتوى على الظاهر بل عليه دعوى الاجماع في الجميع كما في المدارك وغيره والنصوص الدالة عليها متضافرة ففي
صحيح الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام إنهما قالا في زكاة الغنم والبقر وكل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه حتى يحول عليه الحول فإذا حال عليه
الحول وجب فيه وفيها أيضا قالا ليس على العوامل من الإبل والبقر شئ وإنما الصدقات على السائمة الراعية وكل ما لا يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه فإذا
حال عليه الحول وجب عليه وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحركه إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة
التي سيمر جلها في طي المباحث الآتية فلا حاجة إلى استقصائها وحده أي حد الحول المعتبر في وجوب الزكاة أن يمضي أحد عشر شهرا ثم يهل الثاني عشر فعندها
تجب ولو لم تكمل أيام الحول بلا خلاف فيه بيننا على الظاهر بل عن المعتبر هذا مذهب علمائنا أجمع وفي التذكرة قال حولان الحول هو مضى أحد عشر شهرا كاملة على المال
فإذا دخل الثاني عشر وجبت الزكاة وإن لم تكمل أيامه بل تجب بدخول الثاني عشر عند علمائنا أجمع و الأصل فيه ما رواه الكليني (ره) عنه عن علي بن إبراهيم عن أبيه
عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له رجل كان له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة فعل ذلك قبل
حلها بشهر فقال إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه فيه الزكاة فهذا على أجماله مما لا خلاف فيه أي لا خلاف في تحقق الوجوب وتنجز التكليف
بأداء الزكاة بمضي أحد عشر شهرا ولكنهم اختلفوا في أنه هل يستقر الوجوب بذلك أو يبقى متزلزلا إلى أن يكمل الثاني عشر فإن بقي المال على الشرائط كشف عن استقرار
الوجوب بالأول وإن اختلست كلا أو بعضا كشف عن عدم كونها واجبة كما لو حاضت المرأة في أثناء اليوم من شهر رمضان ظاهر فتاوى الأصحاب بل صريح كثير منها
الأول ومال الشهيدان والمحقق الكركي والميسي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم إلى الثاني حجة القول الأول ظاهر الصحيحة المزبورة المعتضدة بالاجماعات المنقولة المصرحة
بأنه إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه فيه الزكاة ظاهرها الوجوب المستقر وهي بمدلولها اللفظي حاكمة على مثل قوله صلى الله عليه وآله لا زكاة في
مال حتى يحول عليه الحول فلا تصلح شئ من مثل هذه الرواية لمعارضة حجة القول الثاني إن لفظ الحول وكذا العام والسنة المتكرر ذكرها عند بيان شرائط الزكاة
عرفا ولغة وشرعا عبارة عن تمام السنة فقوله عليه السلام في الصحيحة المزبورة إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال الحول مبني على التوسعة والتجويز بتنزيل التلبس بالجزء
الاخر من الشئ منزلة إتمامه والمتبادر من هذا التنزيل أرادته من حيث شرطيته لتنجيز التكليف بالزكاة وصيرورتها حقا للفقير لا في جميع الآثار فلا ينافيه اعتبار
بقاء المال جامعا لشرايط النصاب إلى تمام الحول في أصل تحقق التكليف بحيث لو أختل شئ منها قبل انقضاء عدد أيامها إلا باختيار المكلف كشف عن عدم تحققه
في الواقع نظير شرطية بقاء المرأة طاهرة عن الحيض إلى الغروب لوجوب الصوم من أول النهار وقد أسلفنا في أول كتاب الطهارة توجيه هذا النحو من الشرائط بحيث
يندفع به ما قد يتوهم من استلزامه تقديم المعلول على علته فراجع وقد يلوح من كلام المحدث الكاشاني المحكي عن وفيه إنكار دلالة الخبر المزبور على أصل الوجوب
أيضا بل على حرمة الفرار من التكليف بالزكاة بعد استقرارها في المال ببلوغ هذا الحد فقال ما لفظه لعل المراد بوجوب الزكاة وحول الحول رؤية الهلال الثاني عشر
الوجوب والحول المريد الفرار بمعنى أنه لا يجوز الفرار حين استقرار الزكاة في المال بذلك كيف والحول معناه معروف و الاخبار بإطلاقه مستفيضة ولو حملناه على
29

استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الذين يمثل هذا الخبر الواحد الذي فيه ما فيه وإنما يستقيم بوجه من التكلف إنتهى وفي الحدائق بعد أن نقل
هذه العبارة قال وهو جيد لولا اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على العمل بمضمونه في الزكاة مطلقا لا بخصوص هذا الفرد الذي زكاه ثم قال ومما يؤيد ما ذكره طاب
ثراه صحيحة عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام لما نزلت أية خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها وأنزلت في شهر رمضان فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله مناديه
فنادى في الناس إن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل والبقر والغنم
ومن الحنطة و الشعير والتمر والزبيب ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفى عما سوى ذلك قال ثم لم يتعرض لشئ من أموالهم حتى حال عليهم الحول من قابل
فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق. أقول: هذه الصحيحة كالنص في
أن المراد بحول الحول حقيقته ولكن لا صراحة بل ولا ظهور يعتد به في أنه أريد بهذا حول الحول الذي هو شرط لوجوب الزكاة فمن الجائز تحقق الوجوب من ابتداء
الشهر الثاني عشر وكون تأخير الامر بدفعها وتوجيه العمال إليهم عن ذلك كتأخيرها عن شهر رمضان لحكمة رآها النبي صلى الله عليه وآله فلا تصلح هذه الصحيحة معارضة للصحيحة
السابقة وقد ظهر بما أشرنا إليه في تقريب الاستدلال للمشهور بالصحيحة المزبورة من حكومتها على سائر الأدلة الدالة على اعتبار حول الحول في الوجوب إن ما ذكره
المحدث الكاشاني من أنا لو حملناه على استقرار الزكاة فلا يجوز تقييد ما ثبت بالضرورة من الدين بمثل هذا الخبر الواحد لا يخلو من نظر لأنه إذا أراد بما ثبت
بالضرورة من الدين اعتبار الحول بمعناه الحقيقي الذي هو عبارة عن أثنى عشر شهرا تاما فهذا مما لم يثبت بالضرورة كيف والمشهور إن لم يكن مجمعا عليه خلافه
وإن أراد اعتباره بالمعنى الذي أريد منه في الاخبار وفي معقد الاجماع والضرورة التي هي مستند هذا الحكم فغاية الامر صيرورة ما دل عليه كاية أو سنة متواترة
وقد تقرر في محله جواز التصرف في ظاهر الكتاب والسنة المتواترة بالخبر المعتبر خصوصا إذا كان بمنزلة التفسير له كما في المقام فالشأن إنما هو في تحقيق مفاد هذه
الصحيحة وتشخيص مقدار حكومتها على سائر الأدلة. فأقول: قوله عليه السلام فإذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال الحول لم يقصد به حقيقته جزما لان حول الحول إنما
يتحقق بتمامه الذي هو عبارة عن أثنى عشر شهرا كاملا فهذا الكلام مبني أما على التصرف في لفظ الحول باستعماله في أحد عشر شهرا فتكون اللام الداخلة عليه
حينئذ للعهد ومعناه حينئذ إن الحول الذي أعتبره الشارع في باب الزكاة قد حال بمعنى أحد عشر شهرا فتدل بالالتزام على إن للحول في باب الزكاة معنى شرعيا وهو أحد عشر
شهرا أو في أضافة الحولان إليه بتنزيل التلبس بالجزء الاخر منزلة تمامه وهذا مجاز شايع وأما الأول فمع بعده في حد ذاته مخالف لسوق الرواية حيث إن المنساق منها
سؤالا وجوابا في سائر فقراتها ليس إلا استعمال الحول في معناه الحقيقي وأن المقصود بهذه الفقرة تنزيل التلبس بالشهر الثاني عشر الذي به يتم الحول منزلة تمامه كما في قول
القائل إذا دخل الساعة الأخيرة من النهار أو إذا زالت الشمس فقد انقضى النهار وإذا دخل العشر الاخر من شهر رمضان فقد انقضى كما ورد في الأدعية المأثورة هذه
أيام شهر رمضان ولياليه قد تصرمت فكون النهار والشهر والحول اسما للمجموع بنفسه قرينة إرادة التجوز من نسبة الانقضاء إليه مع أنه قد ينافيه ما في صدر هذه
الصحيحة من تنظير من وهب ماله بعد دخول الشهر الثاني عشر فرارا من التكليف بالزكاة بمن أفطر في شهر رمضان أول النهار ثم سافر أخره في أنه لا يجديه ذلك في الفرار
عن الكفارة بعكس ما لو وهب ماله قبل أن يدخل الشهر الثاني عشر فإنه بمنزلة من سافر ثم أفطر فأنك أن تأملت فيه تجده شاهد صدق على أن المقصود بقوله (ع) فقد
حال الحول ليس انقضاء نفس الحول حقيقة بحيث يحتسب الشهر الثاني عشر من السنة الثانية كما توهمه غير واحد حيث زعموا دلالة الرواية على أن للحول حقيقة شرعية في
هذا الباب فالتزموا بأن الشهر الثاني عشر يحتسب شرعا من السنة اللاحقة فكان المحدث الكاشاني نظر في عبارته المتقدمة إلى ذلك فرآه مصادمة الضرورة فمنع
جواز إثباته بالخبر الواحد في مقابل السيرة الجارية على بعث عامل الصدقات في كل سنة مرة والروايات الدالة على أنها لا تجب في كل سنة إلا مرة وأنه لا يزكي مال في غابر
من وجهين وأما غير واحد منها كصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة عن إرادة أحد عشر شهرا من الحول وكيف كان فهذا المعنى مع الغض عن سائر المبعدات في حد
ذاته بعيد والمنساق من الصحيحة أنما هو إرادة المعنى الثاني أي التجوز في النسبة بتنزيل دخول الشهر الثاني عشر منزلة انقضاء الحول حكما فالمراد به أما تنزيله
منزلته على الاطلاق أي بالنسبة إلى جميع ما يعتبر وجوده في تمام الحول وقضية ذلك استقرار الوجوب بدخول الثاني عشر كما هو ظاهر المشهور أو في
خصوص تعلق التكليف بالزكاة دون سائر الشرايط المعتبرة في تمام الحول فيثبت حينئذ به الوجوب مراعا بعدم اختلال سائر الشرائط كلا أو بعضا إلى تمام
السنة أو في خصوص الحكم الذي سيقت هذه الفقرة لبيانه أي من حيث حرمة التفويت وإتلاف متعلق الزكاة كما يظهر من المحدث الكاشاني والأول
أقرب إلى معناه الحقيقي والأخير أقرب إلى مفهومه العرفي بالنظر إلى خصوصية المورد وما يقتضيه الجمع بينه وبين غيره مما دل على اعتبار سائر الشرائط في
تمام الحول إذ لا يلزم على تقدير حمله على هذا المعنى التصرف في ظاهر شئ من تلك الأدلة بخلاف سائر المحامل مع أن وقوع السؤال عن جواز الاتلاف
قبل حله بشهر أو بيوم يصلح أن يكون قرينة على أن يكون المنع عنه بخصوصه هي الجهة الملحوظة لديهم التي ينصرف إليه إطلاق التشبيه فعلى هذا يكون قوله
عليه السلام ووجبت الزكاة كقوله فقد حال الحول مبنيا على مجاز المشارفة لكن قد ينافيه ظهور جملة من الفقرات المذكورة في الصحيحة قبل هذه
وبعدها بل صراحتها في إرادة الوجوب الحقيقي وصيرورة الزكاة بدخول الشهر الثاني عشر ملكا للفقير كما لا يخفى على من لاحظها وكفاك شاهدا
عليه ما تقدمت الإشارة إليه من تنظيره بمن أفطر ثم سافر فقوله عليه السلام ووجبت الزكاة لم يستعمل إلا في معناه الحقيقي فذكره بعد قوله عليه السلام
فقد حال الحول تصريح بالحكم المقصود بهذا التنزيل الذي يتفرع عليه حرمة الاتلاف فيبقى الكلام حينئذ في أن المنساق من هذا الكلام هل هو إرادة
عموم المنزلة أي بالنسبة إلى جميع الأمور التي أعتبر تحققه في تمام الحول في تعلق الزكاة أو خصوص الحكم التكليفي في مقام العمل المنافي لكونه مراعا
30

ببقاء سائر الشرائط الخارجة عن تحت اختياره في بقية الحول وقد أشرنا آنفا إلى أن الأول أقرب إلى معناه الحقيقي وأرفق بظاهر قوله عليه السلام ووجبت الزكاة فان ظاهره
الوجوب المتقرر لكن ربما يبعده استلزامه تأخير البيان في الأخبار الكثيرة النافية للزكاة عند اختلال شئ من شرائطها قبل إكمال السنة عن وقت الحاجة في مثل هذا الحكم
العام الابتلاء وهو في غاية البعد إلا أن الالتزام بكون الوجوب المتنجز في حقه بدخول الشهر الثاني عشر مراعا بعدم اختلال شئ من الشرائط المعتبرة في الحول في بقية
الشهر غير مجد في رفع هذا المحذور فإن جل الاخبار المشار إليها أن لم يكن كلها يدل بظاهرها على عدم تعلق التكليف بالزكاة قبل انقضاء السنة فلا يندفع المحذور
المزبور إلا بالالتزام بمقالة المحدث الكاشاني وهو مع مخالفته لظاهر فتاوى الأصحاب وصريح إجماعاتهم المنقولة و استلزامه ارتكاب التأويل في جملة من فقرات
الرواية المعتبرة التي كادت تكون صريحة في خلافه أشكل مع أنه قد يستشعر من بعض الأخبار معهودية كون الشهر الثاني عشر لديهم هو الشهر الذي كان يؤدي فيه الزكاة
فعلى هذا يكون الاخبار المشار إليها منزلة على المعهود وقد تلخص مما ذكر أن ما نسب إلى المشهور من استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر هو الأظهر وإن كانت السنة
التي تكرر الزكاة بتكررها لا تتم إلا بتمامها والله العالم ولو أختل أحد شروطها في أثناء الحول قبل أن يهل الشهر الثاني عشر الذي به يتحقق الوجوب بطل الحول مثل إن
نقصت عن النصاب فأتمها أو عاوضها ولو بجنسها أي نوعها كالغنم بالغنم الشامل للمعز و الضان أو مثلها مما هو مساو لها في الحقيقة والأوصاف المصنفة كما لو بادل
غنما ذكرا سائمة ستة أشهر بمثلها كذلك أو دينارا بدينار أخر من صنفه على الأصح خلافا لما حكى عن الشيخ في المبسوط من أنه قال لو بادل بجنسه بنى على حوله وإن كان
بغير جنسه استأنف الحول وهو شاذ بل عن السرائر أن إجماعنا على خلاف ما ذهب إليه فيه واستدل له بصدق أن ملك أربعين سائمة طول الحول وفيه ما لا يخفى بعد قضاء الأدلة
باشتراط أن يحول عليه الحول وهو عند صاحبه فإن شيئا من البدل و المبدل عنه لم يحل عليه الحول عنده كما هو واضح وربما يظهر من فخر المحققين فيما حكي من شرحه على موافقته
فإنه قال على ما نقل عنه إذا عاوض النصاب بعد انعقاد الحول عليه متجمعا للشرائط بغير جنسه وهو زكوي أيضا كما لو عارض أربعين شاة بثلاثين بقرة مع وجود الشرائط
في الاثنين انقطع الحول وابتدء حول الثاني من حين تملكه وأن عاوضه بجنسه وقد انعقد عليه الحول أيضا مستجمعا للشرائط لم ينقطع الحول بل بني على الحول الأول وهو
قول الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس الله روحه للرواية وإنما شرطنا في المعاوض عليه انعقاد الحول لأنه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة لم تجب الزكاة إجماعا
وكذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر لم تجب الزكاة إجماعا بل ينبغي أن تكون بأربعين سائمة مدة ستة أشهر ومتى أختل أحد الشروط لم
تجب الزكاة إجماعا وكذا لو عاوض نصابا من الذهب بنصاب منه وكان المأخوذ منه طفلا أو مجنونا لم تنعقد الزكاة إجماعا لأنه لم ينعقد عليه حول إجماعا وكذا لو
عاوض ببعض النصاب إنتهى أقول وكان مراده بالرواية التي أرسلها هي عمومات أدلة الزكاة من مثل قوله عليه السلام في كل أربعين شاة شاة وفي الإبل إذا بلغت خمسا
ففيها كذا وهكذا وإلا فمن المستبعد وصول نص خاص جامع لشرائط الحجية إليه مختف على غيره مع أنه لم يشر إلى متنها أو سندها ولو أجمالا فالرواية التي أستشهد بها
بحسب الظاهر ليس إلا كالاجماعات التي استدل بها للفروع المذكورة في كلامه فإن المراد بتلك الاجماعات بحسب الظاهر ليست إلا الاجماعات المحققة على اعتبار جامعية
ما يتعلق به الزكاة لشرائطها من مثل السوم والنصاب وكون النصاب مملوكا للحر العاقل البالغ في تمام الحول وغير ذلك من الشرائط المعتبرة فيه وإلا فليس شئ من هذه
الفروع بهذا التفصيل مذكورا في كلماتهم كي يستدل عليه بالاجماع في خصوصه وكيف كان فيرد عليه إن بقائه في ملك مالكه جامعا للشرائط حتى يحول عليه الحول وهو
في يده أيضا شرط وهو منتف في الفرض كما هو واضح وقيل إذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة وهذا القول منقول عن السيد في انتصاره مدعيا عليه الاجماع وقيل لا
تجب وهو الأظهر الأشهر بل المشهور على ما في الجواهر وغيره لانقطاع الملك به فيعمه ما دل على نفي الزكاة فيما لم يحل الحول عليه وهو عند صاحبه الشامل بإطلاقه لصورتي
الفرار و عدمه وخصوص ما ورد من جواز الفرار من خبر علي بن يقطين عن أبي إبراهيم وحسن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام وحسن زرارة أو صحيحه وحسن هارون بن خارجة
وغير ذلك فيما ستسمعه في زكاة النقدين وبإزاء هذه الأخبار أخبار أخر ظاهرها الوجوب وستعرف في المبحث المشار إليه عدم صلاحيتها لمعارضة هذه الأخبار ولا
تعد السخال مع الأمهات أي إذا كانت الأمهات نصابا فولدت في أثناء الحول لا تتبع السخال أمهاتها في الحول بأن تعد معها عند حول حولها بل لكل منهما حول بانفراد إن
كانت السخال بنفسها نصابا مستقلا أو مكملة النصاب مستقل كما لو كان عنده خمس من الإبل فولدت خمسا أو سبع فولدت ثلاثا أو أربعون من البقر فولدت أربعين أو ثلاثين
فمبدء حول السخال من حين استغنائها بالرعي أو من حين النتاج على خلاف المتقدم فتجب عند انقضاء حول كل منهما فريضة وكذا لو ملك ذلك في الزمان المختلف
بشراء ونحوه ضرورة عدم الفرق في ذلك بين ما تجدد الملك بالولادة وغيرها وما في خبر محمد بن قيس في الغنم يعد صغيرها وكبيرها غير مناف لذلك لان هذا
فيما إذا كان الجميع جامعا للشرايط المعتبرة فيها وأما إذا لم تكن نصابا مستقلا ولا مكملة لنصاب فلا شئ عليه قطعا كما لو كان عنده أربعون شاة فولدت عشرين
أو ثلاثين بل وكذا لو ولدت أربعين لعدم كون الأربعين بعد الأربعين نصابا ولا مكملا لنصاب آخر لان الثمانين من الغنم ليست نصابا بل هي نصاب وعفو كما
عرفت فليس فيها حينئذ إلا شاة عند حول حول الأمهات كما عن غير واحد التصريح بذلك وربما قيل بوجوب شاة لها أيضا لعموم قوله (ع) في كل أربعين شاة شاة
ولأنه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه مع الانفراد فكذا مع الانضمام وفيه أن العموم إنما هو بالنسبة إلى مصاديق النصاب المبتدأ كما دل عليه قوله (ع) بعد أن
ذكر هذا العموم وليس فيما دون الأربعين شئ ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين ومأة فهذا الكلام نص في أن الثمانين ليس مصداقين لهذا العموم فكماله أنه لو
ملك الجميع دفعة كان الزائد على الأربعين عفوا فكذلك لو ملكها في أثناء الحول وأوضح من ذلك دلالة على أنه لا تزيد الفريضة بزيادة أربعين أخرى على
الأربعين الأولى قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن قيس ليس فيما دون الأربعين من الغنم شئ فإذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومأة فإنها كادت تكون صريحة
في أن من ملك أربعين شاة إلى عشرين ومأة لا تزيد فريضته عن شاة وبما ذكرنا ظهر فساد الاستدلال بأنه نصاب كامل مع الانفراد فكذا مع الانضمام إذ قد عرفت
أنه مع الانضمام ليس بنصاب بل عفو فلا يقاس بحاله الانفراد وأما إذا لم تكن بنفسها نصابا مستقلا أو مكملة لنصاب مستقل ولكن كانت مكملة لنصاب أخر للمجموع
31

كما إذا ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر أو ثمانون من الغنم اثنين وأربعين أو ملكها كذلك بغير ولادة ففي سقوط اعتبار الأول وصيرورة الجميع نصابا واحدا أو وجوب
زكاة كل منهما عند انتهاء حوله فيخرج عند انتهاء حول الأول تبيع أو شاة وعند مضي سنة من تلك شاتان أو مسنة أو يجب فريضة الأول عند تمام حوله فإذا جاء
حول الزيادة لوحظ ما يخصها من فريضة نصاب المجموع فإذا جاء حول الثاني للأمهات أخرج ما نقص من تلك الفريضة وهكذا فيخرج في مثال البقر في الحول الأول
للأمهات تبيع وللعشر عند انتهاء حولها ربع مسنة فإذا جاء الحول الاخر للأمهات يخرج ثلاثة أرباع مسنة ويبقى هكذا دائما أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي
حول الأمهات ثم يستأنف حول واحد للجميع أوجه قال في الجواهر أوجهها الأخير وفاقا والشهيدين وأبي العباس والمقداد والكركي والصيمري وسيد المدارك
والخراساني والفاضل البهبهاني والأستاذ في كشفه والمولى في الرياض والمحدث البحراني على ما حكى عن بعضهم لوجوب زكاة الأول عند تمام حوله لوجود المقتضى
وهو اندراجه في الأدلة وانتفاء المانع ومتى وجب إخراج زكاته كونه منفردا امتنع اعتباره منضما إلى غيره في ذلك الحول للأصل وقوله (ع) لا ثنيا في صدقة وقول أبي جعفر (ع)
لا يزكي المال من وجهين في عام واحد لظهور أدلة النصاب المتأخرة في غير المفروض ومنه يعلم أنه لا وجه للقول بتوزيع الفريضة حينئذ فرارا من تثنية الصدقة
إنتهى وهو جيد إن قلت قد اعترفت فيما سبق بأن النصب المندرجة في ضمن نصاب أخر ملغاة من حيث الأثر فإذا كان عنده في ابتداء الحول ست وعشرون
من الإبل فهي سبب لوجوب ابنة مخاض بشرط بقائها بشرائط التأثير حتى يحول عليها الحول فإذا بلغت في أثناء الحول ستا وثلاثين صارت جزء لنصاب فريضتها منه
لبون فمن هنا بتطرق الخدشة في الاستدلال لوجوب زكاة الأول عند تمام حوله بوجود المقتضى إذا النصاب الموجود عنده بالفعل عند تمام حول الأمهات هو مقتض لايجاب
ابنة لبون والذي كان مقتضيا لايجاب ابنة مخاض لم يبق على اقتضائه بعد صيرورته جزء من نصاب آخر بل صار مقتضيا بانضمامه إلى ما عداه لايجاب ابنة لبون فالمتجه
حينئذ أما الالتزام بسقوط حول الأمهات لعدم بقاء نصابها بشرائط التأثير في إيجاب ما يقتضيه وهذا الوجه الأول من الوجوه المزبورة أو الالتزام بأنه إذا كان مبدء
حول السخال من بعد ستة أشهر من حول الأمهات فإذا تم حول الأمهات وجبت ابنة مخاض نصفها وجوبا مستقرا أو نصفها مراعي باختلال شئ من شرائط النصاب الثاني
في أثناء حوله فإن أختل شئ منها قبل أن يتم حول الثاني كشف عن أن الواجب لم يكن في الواقع إلا فريضة النصاب الأول وإلا اندرج في النصف الآخر بحسب النصاب
الثاني الذي فريضته ابنة لبون عند تمام حوله فعليه حينئذ عند تمام حول الأمهات نصف ابنة مخاض وعند تمام حول السخال ابنة لبون وهذا وجه خامس غير الأربعة
المذكورة
قلت لا نعنى بكون النصب المندرجة تحت نصاب ملغاة كونها ساقطة عن الاعتبار رأسا بل هي أسباب ثانية الايجاب فريضتها عند تمام حولها ولكن يمنعها عن الفعلية
أي استقلالها بالأثر جزئيتها للنصاب المشتمل عليها حال كون ذلك النصاب مؤثرا في إيجاب فريضة التي هي فريضة المجموع ويحصل بأدائها الخروج عن عهدة
الحق المتعلق بالجميع وأما إذا لم يكن ذلك النصاب جامعا لشرائط التأثير فلا يصلح مانعا عن تأثير النصاب السابق في إيجاب فريضة فعند تمام حول الأمهات لا يكون
اندراجا تحت نصاب أخر صالحا لمنع نصاب الأمهات عن التأثير في فريضتها إذ لا أثر لذلك النصاب في هذا الحين لاشتراط تأثيره بأن يحول عليه الحول وهو غير حاصل
أن قلت ليس المانع عن تأثير النصاب السابق في فريضة كون النصاب اللاحق بالفعل مؤثرا في فريضته بل كون سببا لايجاب فريضة عند حصول شرطه أي كونه مشمولا
لعمومات أدلة ذلك النصاب فإنه مهما شمله دليل ذلك النصاب امتنع أن يعارضه شئ من أدلة النصب المندرجة تحته لكونها محدودة بما قبل هذا النصاب فلا
يتواردان على مورد واشتراط حول الحول لا يقتضي إلا الغاء هذا النصاب على تقدير عدم بقائه عنده إلى أن يتم حوله و أما على تقدير بقائه فهو مراد بالعموم فيمتنع
أن يتخلف عنه حكمه مثلا إذا كان عنده خمس وثلاثون من الإبل فهو نصاب وشنق فإذا زادت بعد شهر أو شهرين واحدة فما زاد اندرجت من حين حصول الزايدة في موضوع
قوله (ع) فإذا زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون واشتراط حول الحول فيه جعل التكليف بأدائها مشروطا بحول الحول فإذا حال عليه الحول فقد تنجز عليه هذا
التكليف وكشف ذلك عن أن نصاب الأمهات لم يكن موجبا لابنة مخاض لعدم بقائه بشرائط التأثير في تمام سنة حيث أن من شرائط تأثير كل نصاب في فريضته عدم
اندراجه فيما هو سبب لفريضة أخرى قلت قد وقع في جملة من الاخبار والواردة في بيان نصب الانعام وما يجب في كل نصاب كصحيحة الفضلاء وخبري زرارة وغيرهما
التصريح بأن كلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه وفي بعضها التعبير بأن ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شئ حتى يحول
عليها الحول وفي خبر ثالث لزرارة عن أبي جعفر عليه السلام لا يزكى من الإبل والبقر والغنم إلا ما حال عليه الحول وما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن فهذه قرينة على أن المراد بمثل قوله (ع) في كل أربعين
شاة شاة وفي كل ثلاثين بقرة تبيع وفي أربعين مسنة وفي كل خمس من الإبل شاة وغير ذلك مما ورد في النصب إنما هي الإبل والبقر والغنم التي قد حال عليها الحول
وإلا فليس في شئ منها شئ فما ذكرناه في السؤال من إنه إذا زادت في أثناء الحول واحدة على الخمس والثلاثين اندرجت من حين الزيادة في الموضوع الذي وجب فيه
ابنة لبون معلقا على أن يحول عليها الحول لا يخلو من مغالطة فإنها قبل أن يحول عليها الحول حالها حال العوامل والمعلوفة التي ليس فيها شئ لا منجزا ولا معلقا
على حصول شرط وأنما تندرج في الموضوع الذي وضع عليه الزكاة بعد أن حال عليها الحول فإذا كان عنده ثلاثون بقرة مثلا فولدت بعد ستة أشهر إحدى
عشرة فعند تمام حول الأمهات تجب فريضتها وهي تبيع وتبيعة ثم لا يجب فيها شئ حتى يحول عليها حول آخر مستقلة ولا منضمة إلى السخال إذ المال لا يزكى من
وجهين في عام واحد فإذا حال عليها حول آخر تعلقت الزكاة بها وفريضتها في هذه السنة مسنة لأنها بانضمامها إلى السخال قد بلغت أربعين فإذا بلغت
أربعين وقد حال عليها الحول ففيها مسنة وأما السخال فلا استقلال لها بالتأثير في إيجاب شئ أما قبل حول حولها فواضح وأما بعده فلان إحدى عشر بنفسها
لم يوضع عليها زكاة بل على العدد الذي صارت الإحدى عشر مكملة له أي الأربعين فما لم يتم شرط تأثير الأربعين في إيجاب فريضته وهو حول الحول على جميع أجزائه
أمتنع أن يتحقق مسببه وهو وجوب مسنة و ليس لاجزائه استقلال بالتأثير كي يقال عند حول الحول السخال قد وجبت بمقدارها وهي أحد عشر جزء من أربعين
جزء مسنة والباقي عند تمام حول الأمهات وما في كلمات بعض من التعبير بربع مسنة للسخال وثلاثة أرباع للأمهات مسامحة وكيف كان فالقول بتوزيع الفريضة
32

على أجزاء النصاب بالإضافة إلى كل جزء قديم حوله ضعيف لأنه تعد عن ظواهر أدلتها بلا مقتضى بل لعل قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة ليس في النيف شئ حتى تبلغ
ما يجب فيه واحد ولا في الصدقة والزكاة كسور ولا يكون شاة ونصف ولا بعير ونصف ولا خمسة دراهم ونصف ولا دينار ونصف ولكن يؤخذ الواحد ويطرح
ما سوى ذلك حتى تبلغ ما يؤخذ منه واحد فيؤخذ من جميع ماله الحديث سيتولد لدفع مثل هذه التوهمات فليتأمل وقد تلخص مما ذكر أنه إنما يكون للسخال حول بانفرادها
إذا استقلت بالسببية لايجاب فريضة أي إذا كانت بنفسها نصابا مستقلا سواء لوحظت منفردة أو منضمة إلى الأمهات كما لو كان عنده خمس من الإبل فولدت
خمسا أو أربعون من البقر فولدت ثلاثين أو أربعين وكذا لو كان عنده خمس من الإبل فملك بعد ستة أشهر مثلا ستا وعشرين فإن الست والعشرين نصاب
مستقل سواء أنضم إليها النصاب الأول أي الخمس أم لا ولكن النصاب الأول في هذه الصورة لدى ملاحظته منضما إلى الثاني يخرج عن كونه نصابا ويصير
عفوا ولكنك قد عرفت أنفا أن هذا لا يقدح في استقلال الأمهات بحولها حيث أنه يحول قبل أن يندرج السخال فيما وضع عليها زكاة بل كانت كأنها
لم تكن ولكن هذا إنما هو في العام الأول وأما في السنة الثانية فلا أثر لنصاب الأمهات لان الخمس مع ألست والعشرين الجامع لشرائط الزكاة ليست بنصاب
بل عفو وكونه قبل اجتماع شرائط الزكاة في الست والعشرين سببا لا يقتضي بقائه على سببيته بعد انضمامه إلى الست والعشرين التي قد دل الدليل على إن
فيها إلى أن تبلغ ستا وثلاثين ليس إلا ابنة مخاض واستقلاله بالسببية قبل أن يتحقق موضوع هذا الحكم لا يجعله موضوعا مستقلا خارجا عن مصداق
قولنا إن هذا الشخص مالك لإحدى وثلاثين بعيرا قد حال الحول على ست وعشرين منها جامعة لشرائط النصاب وكل من كان كذلك لا تجب عليه إلا
زكاة الست والعشرين وما زاد عليه ما لم يبلغ ستا وثلاثين في حق هذا الشخص ملغى لم يوضع عليه زكاة سواء حال عليه حول أم لا فالقول ببقاء نصاب الأمهات
على استقلاله دائما كما قد يوهمه إطلاق قولهم لكل منهما حول بانفراده في بادي الرأي ضعيف بقي الكلام فيما إذا كان كل من السخال والأمهات مع الانفراد
نصابا ومع الانضمام مكملة لنصاب آخر كما لو كان عنده ست وثلاثون من الإبل فملك بعد ستة أشهر سبعا وعشرين أو إحدى عشر أو سبعا وأربعين إلى
غير ذلك من الأمثلة فهل يستقل حينئذ كل منهما بحوله أو ينعقد للمجموع بعد نصاب الأمهات حول وجهان من أن انضمام كل إلى الاخر إنما يصلح مانعا عن تأثير كل
جزء في إيجاب فريضته لدى جامعية الكل لشرائط التأثير في إيجاب فريضته فإذا حال الحول على جزء بالغ في حد ذاته النصاب فلا يصلح جزئيته لنصاب آخر لم يحل
الحول عليه مانعا عن تأثير هذا الجزء في إيجاب فريضته ومن أنه متى اندرج الكل تحت نصاب آخر انحصر فريضته فيما جعله الشارع فريضة لذلك النصاب فمن ملك
ستا وثلاثين من الإبل فزكاة ماله لدى تمام حوله ابنة لبون ولم يجعل الشارع في هذا العدد ابنة مخاض وشاتين أو سبع شياه أبدا وكذا من ملك ستا وأربعين
لم يجعل فيها ابنة مخاض و أربع شياه أو ابنة لبون وشاة أو شاتين وهكذا في سائر النصب فلم يجعل الشارع لابعاضها فريضة غير فريضة الكل فكما أنه لو ملك
بعد الست والعشرين خمسا يقع الخمس عفوا ولا يؤثر عند حول حولها في إيجاب شاة فكذلك لو ملك عشرا لا يؤثر في إيجاب شاتين بل يقع مكملة لنصاب آخر للأمهات
وهذا هو الأوجه وإنما التزمنا في العام الأول ببقاء حول الأمهات بحاله بدعوى أنه يفهم من قول الشارع بعد بيان النصب وكلما لم يحل عليه الحول فلا شئ عليه إن المراد
بالأعداد التي وضعت الزكاة عليها هي الاعداد التي قد حال الحول عليها فالسخال قبل أن يحول الحول عليها حيث جعلها الشارع كان لم تكن لا تصلح للمانعية
عن تأثير عدد الأمهات في إيجاب فريضتها عند حول حولها وأما عند تمام حول السخال فقد حال الحول على الجميع ولكن لم نلتزم بتأثيره في إيجاب فريضته التي جعلها
الشارع فريضة لهذا العدد لاستلزامه أن يزكي بعض هذا النصاب في عام من وجهين وهذا الدليل لا يقتضى إلا صرف الحكم عن هذا الموضوع حتى يحول عليه حول
آخر بعد حول الأمهات لا التصرف في موضوعه كيف ولو قلنا بسببية أبعاض كل نصاب لايجاب فريضة عند تمام حولها قبل حول المجموع للزم تنزيل إطلاق قوله (ع)
فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون وكذا قوله (ع) في الغنم إذا تمت أربعمأة ففي كل مأة شاة كذا ما ورد في ساير نصب الإبل من أنها إذا بلغت
إحدى وستين فكذا وخمسا وسبعين فكذا وإحدى وتسعين فكذا أو غير ذلك على فروض نادرة التحقق وهي ما لو دخلت الجميع في ملكه دفعة بشرائط النصاب وإلا فلو
ملكها تدريجا كما هو الغالب أستقل كل بعض بفريضته عند تمام حوله فلو ملك في كل يوم أو أسبوع أو شهر خمسا أو ستا أو عشرا إلى خمس وعشرين حتى أجتمع عنده ألف
أو الفان من الإبل لم يكن فريضتها على هذا في تمام عمره إلا شياه يوما فيوما على التدريج وهذا مما يقطع بعدم أرادته من أخبار الباب وبمخالفته لما كان يؤمر باستعمال
عامل كما لا يخفى على من لاحظ أخبارها ولو حال الحول فتلف من النصاب شئ فإن فرط المالك ولو بتأخير الأداء مع التمكن منه لا مسوغ شرع ضمن وإن لم يكن
فرط سقط من الفريضة بنسبة التالف بلا خلاف ولا إشكال في ذلك كله كما صرح به في الجواهر لما ستعرف من تعلق الزكاة بالعين فهي بعد حول الحول بمنزلة الأمانة
عنده فيجري عليها أحكامها ولو تلف النصاب كله بلا تفريط سقط الكل كما يدل عليه مضافا إلى ما عرفت المرسل عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون له أبل أو بقر أو
غنم أو متاع فيحول عليه الحول فتموت الإبل والبقر والغنم ويحترق المتاع قال ليس عليه شئ وإذا ارتد المسلم عن فطرة قبل الحول لم تجب الزكاة لانقطاع الملك و
انتقاله إلى ورثته واستأنف ورثته الحول من حين وصوله إليهم وتمكنهم من التصرف فيه لا مطلقا كما عرفت فيما سبق وإن كان الارتداد بعده وجبت الزكاة في ماله فعلى
من يستولي عليه من الوارث أو غيره إخراجها وإن لم يكن عن فطرة لم ينقطع الحول ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقيا ولكنك قد عرفت فيما سبق أنه لا يصح منه
أدائها ما دام باقيا على كفره على تردد فيما إذا لم يكن مانعا عن قصد التقرب بأدائها فراجع. الشرط الرابع: أن لا تكون عوامل ولو في بعض الحول فإنه ليس في العوامل
زكاة ولو كانت سائمة بلا خلاف فيه على الظاهر بل في المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين العلماء كافة إلا من شذ من العامة ويدل عليه أخبار معتبرة مستفيضة منها قوله (ع)
في صحيحة الفضلاء بعد بيان نصب الإبل وكذا بعد ذكر نصاب البقر ليس على العوامل شئ وفي موثقة زرارة عن أحدهما وكل شئ من هذه الأصناف من الدواجن و
العوامل فليس فيها شئ ولا يعارضها موثقة إسحاق بن عمار المضمرة قال سألته عن الإبل تكون للجمال ويكون في بعض الأمصار أيجري عليها الزكاة كما يجري على السائمة
33

في البرية فقال نعم ونحوها رواية أخرى له مسندة عن أبي عبد الله عليه السلام ورواية ثالثة له قال سئلت أبا إبراهيم (ع) عن الإبل العوامل عليها زكاة فقال نعم عليها زكاة لقصورها
عن المكافئة وفي الوسائل نقل عن الشيخ أنه أجاب عنها بأن الأصل في هذه الأحاديث إسحق بن عمار يعني أنها حديث واحد فلا تتعارض الأحاديث الكثيرة ثم حملها على
الاستحباب ثم قال ويحتمل الحمل على التقية أقول ولكن حملها على الاستحباب أشبه ثم إن الكلام في صدق العوامل على ما صرح به في الجواهر وغيره كالكلام في
السائمة حتى إن خلاف الشيخ هناك في اعتبار الأغلب آت هنا وفي الحدائق نقل عن الشهيد في البيان أنه قال والكلام في اعتبار الأغلب هنا كالكلام في السوم
ثم قال وقد صرح الشيخ في المبسوط على ما نقل عنه باعتبار الأغلب هنا كما ذكره ثمة أقول: أحالة اتصافها بكونها عاملة على العرف هاهنا أوضح من مسألة
السوم التي قيل فيها بكون العلف يوما أو يومين منافيا له ضرورة عدم كون استعمال الإبل يوما أو يومين على إطلاقه ما لم تكن معدة لذلك مصححا لاتصافها
بكونها عاملة على الاطلاق فالمدار على اتصافها بهذا الوصف عرفا فمتى أطلق عليها هذا الاسم خرج عما وضع عليها الزكاة وأنقطع به الحول ثم أن ظاهر المتن وغيره
بل صريح جماعة عدم اعتبار أمر آخر غير ما ذكر خلافا للمحكى عن سلار فأعتبر الأنوثة وهو شاذ بل عن الدروس أنه متروك وما يقال من إن قوله (ع) في خمس من الإبل شاة
يشهد له باعتبار تذكير العدد ففيه إن الإبل مؤنث لفظي قال الله تبارك وتعالى أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وقال ابن هشام في التوضيح بعد أن ذكر إن مميز
الثلاثة والعشرة وما بينهما إن كان اسم جنس أو اسم خفض بمن تقول ثلاثة من التمر أكلتها وعشرة من القوم لقيته ما لفظه ممتزجا بكلام الأزهري في شرحه ويعتبر
التذكير والتأنيث مع أسمي الجنس بحسب حالهما باعتبار عود الضمير عليهما تذكيرا و تأنيثا فيعطي العدد عكس ما يستحقه ضميرها فإن كان ضميرها مذكر أنث العدد وإن كان
مؤنثا ذكر فتقول في اسم الجنس ثلاثة من الغنم عندي بالتاء في ثلاثة لأنك تقول غنم كثير بالتذكير للضمير المستتر في كثير وثلاث من البط بترك التاء لأنك تقول
بط كثيرة بالتأنيث للضمير المستتر في كثيرة وتقول ثلاثة من البقر بالتاء أو ثلاث بتركها لان ضمير البقر يجوز فيه التذكير والتأنيث باعتبارين وذلك لان
في البقر لغتين التذكير والتأنيث قال الله تعالى إن البقر تشابه علينا بتذكير الضمير وقرء تشابهت بتأنيثه إنتهى ومن هنا يظهر إنه لا يصح الاستشهاد للقول
المزبور بما في الاخبار المزبورة من قوله فإذا زادت واحدة حيث وصف مفردها بالواحدة مع أنه لا واحدة للإبل من لفظها فإن مقتضى القاعدة المزبورة أنه إذا كان العدد
واحدا أو اثنين أن يعطى عين ما يستحقه ضميرها من التذكير والتأنيث بأن يقال واحد من القوم لقيته وواحدة من الإبل والبط ذبحتها كما لا يخفى ويمكن الاستشهاد
للقول المزبور بقوله (ع) في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج في خمس قلائص شاة الحديث إذ القلوص على ما صرحوا به لا يطلق إلا على الإناث ولكن يتوجه عليه أن تخصيص القلائص
بالذكر بحسب الظاهر للجري مجرى الغالب من عدم إبقاء الجمال معطلة مرسلة في مرجها عامها كما ربما يشهد لذلك ما عن أبي عمير في الصحيح على الصحيح في حديث كان علي (ع)
لا يأخذ من جمال العمل صدقة وكأنه لم يجب أن يؤخذ من الذكور شئ لأنه ظهر يحمل عليها فإنه من صدرها وذيلها إن علة عدم أخذ الزكاة منها كونها عوامل
لا ذكوريتها مع أنه لا ظهور يعتد به في الصحيحة المزبورة في إرادة الاختصاص فإن أثباتها في القلائص لا يدل على نفيها في الذكور و إلا باعتبار ورودها في مقام إعطاء
الضابط المناسب للتعميم لو كان الحكم عاما وليس هذا الظهور ظهورا يعتد به في مقابل إطلاقات الأخبار المعتبرة المستفيضة المعتضدة بالشهرة وعدم نقل خلاف يعتد به في
المسألة ومفهوم التعليل الواردة في صحيحة عبد الرحمن وغير ذلك من الشواهد والمؤيدات وبهذا يظهر الجواب عن الاستشهاد برواية الأعمش المروية عن الخصال
في حديث شرايع الدين عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال وتجب على البقر الزكاة إذا بلغت ثلاثين بقرة حولية فيكون فيها تبيع مع أن البقرة فرد من البقر الذي يطلق
على الذكر والأنثى وتأنيث التبيعة إنما هو باعتبار لفظها فلا يفهم من ذلك إرادة خصوص المؤنث مع أنه أريد بها خصوص التبعية على وجه الانحصار لوجب رد
علمها إلى أهله إذ لا يشترط في نصاب البقر كونها تبيعة حولية نصا وفتوى بلا شبهة وربما يؤيد المشهور أيضا مضافا إلى ما عرفت ما في غير واحد من الاخبار الآتية
عند بيان فريضة النصاب السادس من أنه إن لم يكن فيها ابنة مخاض فأبن لبون ذكر إذ الظاهر أن المراد به أنه إذا لم تكن فيها ابنة مخاض وكان فيها ابن لبون ذكر أجزء
ذلك فليتأمل. وأما الفريضة: فيقف بيانها على مقاصد. الأول: الفريضة في الغنم قد تقدم ذكرها وفي الإبل شاة في كل خمس حتى تبلغ خمسا وعشرين
فإذا زادت واحدة كان فيها بنت مخاض وقد سمعت حكاية الخلاف في هذا النصاب عن بعض علمائنا مع ما فيه من الضعف فإذا زادت عشرا كان فيها بنت لبون
فإذا زادت عشرا أخرى كان فيها حقة فإذا زادت خمس عشر كان فيها جذعة فإذا زادت خمس عشرة أخرى كان فيها بنتا لبون فإذا زادت خمس عشرة أيضا كان
فيها حقتان فإذا بلغت مأة واحدى وعشرين طرح ذلك وكان في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون وقد تقدم جملة من الرويات الدالة على وجوب هذه
الفرائض وعرفت فيما تقدم أن ما في بعض تلك الأخبار كصحيحتي عبد الرحمن بن حجاج وأبي بصير من الاقتصار في فريضة النصاب الأخير على قوله في كل خمسين حقة لا بد من حمله
على ما لا ينافي غيرهما من المعتبرة المستفيضة التي وقع فيها التصريح بعدم انحصار الفريضة فيها بل هي في كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون وعرفت أيضا إن
مقتضى التدبر في مفادها هو وجوب التقدير في هذا النصاب بما يحصل به الاستيعاب فإن حصل بكل منهما تخير ولو لم يحصل الاستيعاب بشئ منهما تحرى أكثرهما
استيعابا وإن حصل بأحدهما أو بهما معا تعين كما أشار إليه المصنف (ره) بقوله ولو أمكن في عدد فرض كل واحد من الامرين كالمأتين والأربعمائة كان المالك بالخيار
في إخراج أيهما شاء فإن ظاهره اختصاص التخيير بمثل هذا الفرض خلافا لما ذهب إليه غير واحد من متأخري المتأخرين من التخيير مطلقا اغترارا بما ينسبق إلى الذهن
في بادي الامر من الاخبار المزبورة وقد عرفت ان الذي يقتضيه التحقيق خلافه وكيف كان فحيث حكمنا بالتخيير فهو للمالك كما صرح به غير واحد بل عن المنتهى نسبته إلى
علمائنا بل عن التذكرة الاجماع عليه إذ ليس لأحد أن يلزمه بما لم يتعين عليه شرعا مع أن المنساق من الأدلة ليس إلا كون المالك مكلفا بإخراج الفريضة على حسب ما تعلق
بها الطلب شرعا ومقتضاه كون التخيير راجعا إليه فما عن الخلاف والمبسوط من القول بتخيير الساعي على تقدير تحققه ضعيف إذ لا دليل عليه بل الأدلة على خلافه و في
كل اثنين من البقر تبيعة وفي كل أربعين مسنة على المشهور بين الأصحاب بل في المدارك هذا قول العلماء كافة بل عن المنتهى دعوى الاجماع عليه وحكي عن ابن أبي
34

عقيل والصدوقين أنهم اقتصروا على ذكر التبيع فقالوا في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة فلم يخيروا بينه وبين تبيعه كما أنه لم يقع التصريح بكتابة التبيعة في صحيحة
الفضلاء المتقدمة التي هي الأصل في هذا الحكم فإن فيها وقالا في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وليس في أقل من ذلك شئ وفي أربعين بقرة بقرة مسنة و
ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شئ فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان
إلى السبعين فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة إلى الثمانين فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات
حوليات فإذا بلغت عشرين ومأة ففي كل أربعين مسنة ثم ترجع البقر على أسنانها الحديث وعن الفقه الرضوي أيضا تخصيص التبيع بالذكر كعبارة الصدوقين
و كذا في رواية الأعمش المتقدمة ولذا منع في الحدائق التخيير وقال بتعين التبيع حيث لم يقف له على دليل في الاخبار عدى أن المحقق في كتاب المعتبر نقل صحيحة الفضلاء
المذكورة بما يطابق القول المشهور فقال ومن طريق الأصحاب ما رواه زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا في البقر في كل
ثلثين تبيع أو تبيعة وليس في أقل من ذلك شئ حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ ستين ففيه تبيعان أو تبيعتان
ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة ثم في ثمانين مسنتان وفي تسعين ثلث تبايع وقد أجاب في الحدائق عما نقله في المعتبر بأن في النفس منه شئ من حيث عدم
تعرض أحد لنقل هذا الحديث بهذا المتن لا من المحدثين في كتب الاخبار ولا الأصحاب في كتب الاستدلال فلا وثوق بها وهو في محله إذ غايته كونه بالنسبة إلينا رواية
مرسلة قد يغلب على الظن كونه نقلا للصحيحة المروية عن الكافي والتهذيب بالمعنى على حسب ما فهمه الناقل من لفظ الرواية كما لعله الصواب إذ لا يبعد أن يقال إن مغروسية
أولوية التبعية من التبيع في الذهن باعتبار كونها نفعا للفقير مانعة عن فهم إرادة الخصوصية من التبيع الوارد في النصوص بل مطلق ولد البقر الذي دخل في السنة
الثانية كما فهمه الأصحاب وربما يؤيده أيضا قوله (ع) في خبر الأعمش فيما إذا بلغت تسعين ثم يكون فيها ثلث تبايع وكذا في المحكى عن الفقه الرضوي وفي صحيحة الفضلاء أيضا
على ما في نسخة الوسائل نقلا عن الكافي بل في نسخة الكافي التي رأيناها فإذا بلغت تسعين ففيها ثلث تبايع حوليات إذ التبايع جمع تبيعة لا التبيع كما يؤيده أيضا فذكر اسم
العدد فهذا يكشف عن إن خصوصية الذكورة والأنوثة غير مقصودة بالحكم إذ لم يقل أحد حتى صاحب الحدائق بكون التسعين نصابا مستقلا فريضتها خصوص
التبايع بعكس الثلاثين والستين والسبعين بل الحكم بثلث تبايع إنما هو باعتبار اندلاجه في النصاب الكلي الذي هو في كل ثلثين تبيع أو تبيعة ولكن في الحدائق نقل
الصحيحة المزبورة هكذا فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات بصيغة الجمع المؤنث السالم فعلى هذا لا تنهض هذه الفقرة شاهد للمدعي لأنه
يصح أن يقع هذه الصيغة صفة للجمع المذكر من غير ذوي العقول فيجوز أن يراد بها ثلاثة تباع ويكون تذكير العدد باعتبار لفظ الجمع الذي وقع مميز له دون
مفرده وإن كان مراعاة حال المفرد على ما ذكروه أوفق بالقياس فعلى هذا التقدير أيضا لا يخلو من تأييد مع أنه لا وثوق بهذا النقل بعد أن وجدناه
مخالفا لما عثرنا عليه من نسخة الكافي والوسائل بل المعول عليه ما هو الموجود في الكافي وهو شاهد للمدعي كما عرفت مع أن في رواية الأعمش المروية عن الخصال
غنى وكفاية لاثبات مثل هذا الفرع الذي أدعى الاجماع عليه ولم يتحقق الخلاف فيه حتى من الصدوقين وغيرهم ممن نسب إليهم الخلاف حيث أن منشاء النسبة
ليس إلا اقتصارهم على ذكر التبيع مع أنه حكى عن الصدوق أنه ذكر في الستين بأن فيها تبيعان وفي السبعين بأن فيها تبيعة ومسنة وفي التسعين ثلاث تبايع فهذا يكشف
عن أنه كغيره من
الأصحاب لا يرى فرقا بين الذكر والأنثى هذا كله مضافا إلى ما نقل في كلمات كثير منهم من دعوى الأولوية لكون التبيعة أكثر نفعا للفقير ولكن يتوجه على هذه
الدعوى أنها إن سلمت فأنما تجدي في الاجتراء بها بدلا عن الفريضة لا كونها من حيث هي كالتبيع مصداقا للفريضة فربما يظهر أثر ذلك في مكان أو زمان يكون
التبيع لشدة الحاجة إلى استعماله في الحرث ونحوه أعلى قيمة من التبيعة فلا يتم حينئذ الأولوية المزبورة كما لا يخفى. المقصد الثاني في الابدال:
من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده أجزئه ابن لبون ذكر بلا خلاف فيه على الظاهر ويدل عليه رويات منها قوله عليه السلام في خبر زرارة فإن لم يكن فيها بنت
مخاض فأبن لبون ذكر وفي صحيحة أبي بصير فإن لم يكن ابنة مخاض فأبن لبون ذكر وفي صحيحة زرارة الآتية ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكان عنده
ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس يدفع معه شيئا وفي خبر ابن سبيع الآتي فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن
لبون و ليس معه شئ وظاهر عبارة المصنف وغيره كصريح بعض اختصاص ذلك بما إذا لم يكن عنده ابنة مخاض جمورا على ما دلت عليه النصوص المزبورة ولكن عن
القواعد وغيره الاجتزاء به اختيارا بل عن إيضاح النافع نسبته إلى المشهور وقواه في الجواهر معللا بقيام علو السن مقام الأنوثة ولذا لم يكن فيه جبران إجماعا بخلاف
دفع بنت اللبون كما وقع التصريح بهما في الخبر الآتي ولانسياق عدم إرادة الشرط حقيقة من عبارة النص وإلا لاقتضى عدم أجزائها عنه إذا لم تكن موجودة حال
الوجوب وإن وجدت بعد بناء على إن الشرط عدم كونها عنده حينه لا حال الأداء مع معلوميته بل صرح في المدارك بتعين إخراجها حينئذ إنتهى وفيه أن القدر المتيقن
الثابت بالنص والاجماع إنما هو قيام علو السن مقام الأنوثة ما لم يكن عنده أنثى لا مطلقا وأما دعوى انسياق عدم أرادته الشرط حقيقة من عبارة النص ففيه أن
غاية ما يمكن ادعائه عدم انسياق الاشتراط أي عدم ظهور الشرطية في إرادة المفهوم أي الانتفاء عند الانتفاء لا ظهورها في خلافه فيبقى حينئذ إطلاق ما دل على أنها
إذا بلغت ستا وعشرين ففيها ابنة مخاض في غير حال فقدها عنده سليما عن المقيد مع أنه لا شاهد لصرف الشرطية عن ظاهرها وهي إرادة الشرط حقيقة ولكن المنساق من
الخبر أي الرخصة في دفع ابن لبون وعدم لزوم التكليف في تحصيل بنت مخاض لا تعينه بحيث لو تكلف في تحصيلها ودفعها لم تكن مجزية كما هو الشأن في كل مورد علق فيه الجزاء
على عدم القدرة على شئ أو عدم وجوده عنده بل الخبران الأخيران كالنص في ذلك مع أن المنساق من الاخبار المزبورة أرادته حال الأداء لا الوجوب فالقول باختصاص ذلك
بما إذا لم يكن عنده ابنة مخاض أشبه ولو لم يكن عنده ابن لبون أيضا كان مخيرا في ابتياع أيتهما شاء كما صرح به في المتن وغيره بل عن ظاهر المصنف (ره) والعلامة في جملة من كتبه
إذ موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامة وعن المعتبر أنه نقل القول بتعيين شراء بنت المخاض عن مالك وفي الجواهر حكى هذا القول عن البيان ونقل عن المحقق الأردبيلي
35

في مجمع البرهان أيضا الميل إليه واستدل للمشهور بأنه بشراء ابن لبون يكون واجدا له دون بنت المخاض فيجزيه بمقتضى إطلاق النصوص المزبورة ودعوى انصراف النصوص إلى صورة وجود
ابن لبون في أبله التي يتعلق بها الزكاة خصوصا الروايتين الأخيرتين اللتين وقع فيهما تقييد بدليته بكونه عنده فإن المتبادر منها أرادتها في صورة وجود ابن لبون في أبله من قبل
دون ما إذا اشتراه عند إرادة دفعه إلى الفقير أو المصدق مدفوعة أولا بمنع الانصراف خصوصا في الخبرين الأخيرين الواردين في بيان تكليف المصدق وإذ المنساق منهما
ليس إلا إرادة أنه إذا حضر المصدق بلدا ورأى شخصا مالكا لنصاب فإن وجده في ذلك الحين واجدا لفريضة ذلك النصاب أخذها منه وإلا فعليه أن يقبل
منه الابدال التي عينها الشارع على النحو الذي ستعرفه فمن كان فريضته بنت مخاض ولم يكن عنده حال حضور المصدق بنت مخاض فليس للمصدق الزامه بتحصيلها بل عليه أن
يقبل منه ابنة لبون أن دفعها إليه ويرد عليه شاتين أو عشرين درهما أو ابن لبون من غير أن يرد عليه أو يأخذ منه شيئا سواء كان ما يدفعه إليه مملوكا من قبل أو
ملكه في ذلك اليوم أو في ذلك المجلس فالمراد بقوله وكان عنده ابن لبون كما في إحدى الروايتين
وعنده ابن لبون كما في الأخرى على الظاهر هو التوطئة
لقوله فإنه يقبل منه فالمقصود به ما هو مقدمة لهذا الفعل أي الملكية حال الدفع التي يتوقف عليها القبول منه كما لا يخفى على المتأمل ولو سلم انصرافه إلى ما كان
عنده من قبل في جملة أمواله التي تعلق بها الزكاة فهو انصراف بدوي لا يقف عنده الذهن بعد الالتفات إلى عدم اشتراط كون الفريضة أو بدلها من أجزاء ما
تعلق به الزكاة بل كونه ملكا له حال الدفع إلى الفقير أو المصدق فالتشكيك في جواز ابتياع أيهما شاء فيما هو محل الكلام الذي نجده في أنفسنا ليس ناشئا من انصراف النص
إلى ما كان موجودا عنده فيما سبق بل من تنزيل القدرة على تحصيل كل منهما منزلة وجودهما عنده في تقدمها في الرتبة ولكن يدفعه دلالة النص على اشتراط تعين بنت
المخاض بوجودها عنده لا بعدم القدرة على تحصيلها فما لم يكن عنده ابنة مخاض أجزاه ابن لبون سواء كان مملوكا له بالفعل أو اشتراه عند إرادة دفعه إلى الفقير
إن قلت قد اعترفت أن الاجتزاء بابن لبون من باب البدلية فالفريضة الأصلية التي اشتغلت الذمة بدفعها أولا و بالذات هي بنت المخاض ولكنه إذا لم يكن عنده بنت
المخاض وحصل عنده ابنة لبون أو ابن لبون ذكر اجتزى الشارع بدفعه بدلا عما وجب عليه وهذا خارج عن محل البحث إذ الكلام في أنه قبل الشراء مخير في ابتياع أيهما
شاء وأما أنه بعد شرائه يتحقق الاجتزاء به فهو أجنبي عن ذلك قلت ليس ابتياع شئ منهما واجبا نفسيا وإنما وجب بحكم العقل مقدمة لتفريغ الذمة عما اشتغلت
به فإذا جاز شرعا الاجتزاء بابن اللبون في تفريغ ذمته من ولو من باب البدلية ولم يكن هناك مانع عقلي أو شرعي عن شرائه لا يحكم العقل بتعين شراء بنت المخاض بل
بالتخيير بين شرائها وبين شراء ما يقوم مقامها في هذا الحال الذي ليس واجدا البنت المخاض كما لا يخفى واستدل المصنف في محكي المعتبر للقول بتعين شراء بنت المخاض
الذي نقله عن مالك بأنه مع عدمها لا يكون واجدا لابن لبون فيتعين عليه ابتياع ما يلزم الذمة وهو بنت المخاض ولأنهما استويا في العدم فلا يجزي ابن اللبون
كما لو استويا في الوجود وفيهما ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت ومن وجب عليه سن و ليست عنده وعنده أعلا منها بسن دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما وإن
كان ما عنده أخفض بسن دفع معها شاتين أو عشرين درهما في المدارك هذا قول علمائنا أجمع قاله في التذكرة ووافقنا عليه أكثر العامة وعن الغنية والمنتهى
ومجمع البرهان و غيرها أيضا دعوى الاجماع عليه ويدل عليه صحيحة زرارة المروية عن الفقيه عن أبي جعفر عليه السلام في حديث زكاة الإبل قال وكل من وجبت عليه جذعة ولم تكن
عنده وكانت عنده حقة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ومن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده جذعه دفعها وأخذ من المصدق شاتين أو
عشرين درهما ومن وجبت عليه حقة و لم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده
حقة دفعها وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما وممن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض دفعها وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما
ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكان عنده
ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس يدفع معه شيئا وخبر سبيع المروي عن الكافي والتهذيب ومقنعة المفيد عن أبيه عن جده عن جد أبيه أن أمير المؤمنين عليه السلام كتب له في كتابه
الذي كتب له بخطه حين بعثه على الصدقات من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده حقة فإنه يقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين أو عشرين درهما
ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنه يقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده حقة
وعنده ابن لبون فإنه يقبل منه ابنة لبون ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقة فإنه يقبل منه الحقة
ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه يقبل منه ابنة مخاض ويعطى معها شاتين أو
عشرين درهما ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وعنده ابنة لبون فإنه يقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ومن لم تكن
عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس معه شئ الحديث وعن المختلف أنه نقل عن الشيخ علي بن بابويه وأبنه الصدوق في المقنع إنهما جعلا
التفاوت بين بنت المخاض وبنت اللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها في الحدائق قال هذا مأخوذ من كتاب الفقه الرضوي حيث قال (ع) في الكتاب المذكور بعد ذكر خمسة و
ثلثين فإن زادت واحدة ففيها ابنة لبون ومن لم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض أعطى المصدق ابنة مخاض وأعطا معها شاة وإذا وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده
و كانت عنده ابنة لبون دفعها واسترجع من المصدق شاة إنتهى وفيه بعد تسليم حجيته عدم صلاحيته لمعارضة ما عرفت كما لا يخفى ثم أنه قد حكى عن العلامة والشهيدين
و بعض من تأخر عنهم القول بجواز الاكتفاء بشاة وعشرة دراهم وهو ليس بالبعيد إذ ليس الحكم تعبديا محضا كي يتوقف في استفادة مثل ذلك عن أدلته وكيف كان فظاهر
النص والفتوى كون التقديرات المزبورة حدود شرعية لا تتوقف ثبوتها إلا على تحقق موضوعاتها فما عن الموجز وكشفه من اختصاص ذلك بما إذا كان القابض الساعي
أو الامام دون الفقير أو الفقيه لأنه نوع معاوضة ضعيف إذ مع أن الفقيه أيضا كالساعي في جواز أن يتأتى مثل هذه المعاوضة من يتوجه عليه أنه ليس معاوضة حقيقية
بل حكما شرعيا لا يتوقف إمضائه على رضا الفقير أو وليه ومن هنا يعرف أن الخيار في ذلك أي في دفع الاعلى أو الأدنى والجبر بشاتين أو عشرين درهما إليه أي إلى المالك
36

لا إلى العامل كما نسبه في الحدائق إلى الأصحاب إذ ليس للعامل أن يتعدى عن الحدود الشرعية ويوجب عليه ما لم يعينه الشارع عليه نعم لو دفع الاعلى ورد إليه المصدق شاتين أو
عشرين درهما ليس له الامتناع من القبول ومطالبة الفرد الآخر إذ لم يجعل الشارع التخيير في ذلك به بل للمصدق حيث قال يدفع إليه المصدق هذا أو هذا نعم للمالك أن
لا
يقبل منه ذلك حينئذ ويتكلف في تحصيل أصل الفريضة أو بدلها الأدنى ويدفعه إليه مع شاتين أو عشرين درهما ولا يلاحظ في جبر تفاوت الأسنان بدفع شاتين أو عشرين درهما
مع البدل إلى العامل أو أخذهما منه القيمة السوقية بل هذا الحكم ثابت مطلقا سواء كانت القيمة السوقية مساوية لذلك وناقصة عنه أو زائدة عليه كما صرح به غير واحد
بل في الجواهر لا أجد فيه خلافا لاطلاق الدليل نعم أستشكل الفاضل والكركي وثاني الشهيدين وسبطه وبعض من تأخر عنهم فيما إذا أنقصت قيمة ما يدفعه المالك عن
الشاتين أو العشرين درهما الذي يأخذه من العامل أو مساوية له من إطلاق النص ومن أنه كأنه لم يؤد شيئا بل أستوجبه سيد المدارك والمحقق البهبهاني في شرحه عدم الاجزاء
حملا للرواية على ما هو المتعارف والغالب في ذلك الزمان أقول لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة مثل هذا الفرض من إطلاق الدليل لان الزكاة شرعت صلة للفقير
لا إضرارا به فكيف يجوز أن يستحق المالك بدفع الزكاة إلى الفقير ما يساوي قيمة المدفوع أو يزيد عليها بأن يدفع عليها بنت لبون قيمتها خمسة عشر درهما ويستحق العشرين
من مال الفقير تداركا للتفاوت الذي يستحقه المالك بدفع الاعلى فهذه قرينة عقلية صارفة للاطلاق وعن مثله جزما بل قد يشكل شمول النص لما إذا كانت الأدنى أو
الاعلى مساوية في القيمة للفريضة فإن إطلاق النصوص جار مجرى العرف والعادة دون مثل هذه الفروض الاتفاقية الغير المناسبة للاطلاق فالأظهر قصور النص
والفتوى عن شمول مثل هذا الفرض أيضا فيرجع في أخذ البدل إلى القيمة السوقية كما في الفرض الآتي ولو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجة واحدة بأن كان ما عنده من
الإبل فوق الفريضة أو دونها بدرجتين فصاعدا لم يتضاعف التقدير الشرعي ورجع في التقاص إلى القيمة السوقية على الأظهر الأشهر بل المشهور على ما في الجواهر وغيره بل
في المدارك قال وبذلك قطع المصنف (ره) في المعتبر من غير نقل خلاف في ذلك لاحد من الأصحاب اقتصارا في الحكم المخالف للقواعد والعمومات على مورد النص وحكى
عن الشيخ في المبسوط والعلامة في بعض كتبه القول بجواز الانتقال إلى الأدنى والأعلى مع تضاعف الجبران بأن يدفع بنت المخاض مثلا وأربع شياه عن حقة
أو مع ستة عن جذعة أو يدفع الحقة والجذعة عن بنت المخاض ويأخذ أربع شياه أو ست شياه لان كل سن من الأسنان مساو لما قبله مع الجبر بشاتين ومساو
المساوي مساو فتكون بنت المخاض مع أربع شياه أو أربعين درهما مساوية للحقة ومع ست شياه أو ستين درهما مساوية للجذعة وفيه أن قياس مع الفارق
فإن التقدير الشرعي مبني على المسامحة وعدم اعتداد الشارع بالاختلاف اليسير الحاصل غالبا بين قيمة الفريضة وما دونها بمرتبة مع شاتين أو عشرين درهما
وما فوقها بمرتبة مع أخذ شاتين وعشرين درهما لحكمة مقتضية لشرع هذا الحكم فكيف يجوز التعدي عن مورده إلى ما إذا تفاوتت بدرجتين فصاعدا وصار
الاختلاف اليسير كثيرا ولقد أجاد في محكى السرائر حيث أنه بعد أن حكى عن بعض أصحابنا أنه إن كان بينهما درجتان فأربع شياه وإن كانت ثلث درج فست
شياه أو ما في مقابلة ذلك من الدراهم قال وهذا ضرب من الاعتبار و القياس والمنصوص من الأئمة والمتداول من الأقوال والفتيا بين أصحابنا إن هذا
الحكم فيما يلي السن الواجبة من الدرج دون ما بعد عنها وكذا رجع في التقاص إلى القيمة السوقية إذا كان ما عنده ما فوق الجذع من الأسنان كالثني والرباع
فلا يجزي ذلك عن الجذع ولا ما دونه من أخذ الجبران أي الشاتين والعشرين درهما بلا نقل خلاف فيه بل عن البيان الاجماع عليه اقتصارا في أجزاء غير الفرض عنه
على مورد النص وفي أجزاء ما فوق الأسنان عن أحد الأسنان الواجبة من غير جبر وجهان من خروجه عن مورد النص ومن إمكان دعوى استفادته من النص بالفحوى
بدعوى أن المنساق من قوله عليه السلام فإذا بلغت ستا وثلثين ففيها بنت لبون أو ستا وأربعين ففيها حقة إنما هو إرادة ما بلغت هذا السن في مقابل ما لم تبلغ
لا ما تجاوزت عنها فتكون الفريضة المنصوص عليها من باب كونها أدنى ما يجزي لا كونها بخصوصها مرادة من النص أو بدعوى استفادته من النص من باب
الأولوية فإن الاعلى سنا أصلح للفقير لكونه أعلى قيمة وأعظم نفعا وفيه أنه إذا كانت أعلى قيمة وأعظم نفعا فهي مجزية بملاحظة القيمة إن قلنا بجواز الاخراج من
غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية كما أنه إذا فرض كون الأدنى أيضا كذلك ولو باعتبار كونه سمينة كانت أيضا مجزية بهذه الملاحظة وهذا خارج عن محل الكلام
إذ الكلام في كون الاعلى سنا مجزية من حيث كون كذلك تعبدا وإن لم تكن على قيمة وهذا مما لم يعلم أولويته و أما دعوى استفادته من النص بتنزيله على بيان أدنى
ما يجزي فهي قابلة للمنع وكيف لا وإلا لكان الا على بدرجة من أفضل مصاديق الفريضة الواجبة فلم يكن يستحق بدفعه إلى الفقير قيمة التفاوت الذي قدره الشارع
بشاتين أو عشرين درهما فالأوجه عدم أجزاء ما فوق الأسنان عن الفريضة الواجبة إلا بملاحظة القيمة السوقية إن جوزناه نعم قد يتجه الاجزاء بدفع الاعلى بدرجة
بلا جبر في الموارد التي ثبت جوازه مع الجبر كما إذا كانت الفريضة بنت مخاض فدفع بنت لبون من غير أن يأخذ التفاوت للأولوية القطعية ولان أخذ التفاوت حق للمالك
فله أسقاطه وقد حكى عن الشهيد في الدروس والبيان القول بأن فرض كل نصاب أعلى يجزي عن الأدنى وزاد في الأول وفي أجزاء البعير عن الشاة فصاعدا لا بالقيمة وجهان
قلت وقد عرفت أن الأوجه عدمه لخروجه عن المنصوص كما أنك عرفت إن المتجه الاقتصار في الاجزاء بدفع الفريضة الاعلى للأدنى لا بملاحظة القيمة بالموارد التي دل
الدليل على جوازه مع الجبر لا مطلقا فلا يجزي بنت مخاض عن خمس شياه التي هي فريضة خمس وعشرين إلا بالقيمة ودعوى استفادة كفاية الفريضة إلا عن الأدنى من النص
بالأولوية وتنقيح المناط غير مسموعة في الاحكام التعبدية خصوصا بعد الالتفات إلى ما ورد في قضية أبان من الروع عن العمل بمثل هذه الأولوية التي هاهنا حيث استعملها في دية أصابع
المرأة فلم يذعن لأجلها بما بلغه في ديتها من أنها إذا قطعت منها أربعا فديتها عشرون وإذا قطعت ثلاثا فثلاثون فلاحظ وكذا ما عدا أسنان الإبل فلا يجزي في شئ
منها عن فريضتها ما دونها أو ما فوقها مع الجبر أو بدونها إلا بملاحظة القيمة السوقية لخروجها عن مورد النص والله العالم. المقصد الثالث في
أسنان الفرائض: بنت المخاض هي التي لها سنة ودخلت في الثانية أي أمها ماخض بمعنى حامل عن الجوهري المخاض وجع الولادة والمخاض أيضا الحوامل من النوق
واحدتها خلفة ولا واحد لها من لفظها ومنه قيل للفصيل إذا أستكمل الحول ودخل في الثانية ابن مخاض و الأنثى ابنة مخاض لأنه فصل عن أمه وألحقت أمه بالمخالف
37

سواء لقحت أم لم تلقح وبنت اللبون بفتح اللام هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة أي أمهات ذات لبن عن الجوهري وأبن اللبون ولد الناقة إذا أستكمل السنة الثانية ودخل
في الثالثة والأنثى بنت لبون لان أمه وضعت غيره فصار لها لبن وهو نكرة ويعرف بالألف واللام والحقه هي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة فاستحقت
أن يطرقها الفحل ويحمل عليها عن الجوهري الحق بالكسر ما كان من الإبل ثلاث سنين وقد دخل في الرابعة والأنثى حقة وحق أيضا سمي بذلك لاستحقاقه أن
يحمل عليه وإن ينتفع به والجذعة بفتح الجيم والذال المعجمة هي التي لها أربع ودخلت في الخامسة عن الجوهري الجذع قبل الثني والجمع جذعان وجذاع والأنثى جذعة
والجمع جذعات تقول فيه لولد الشاة في السنة الثانية ولولد البقر والحافر في السنة الثالث وللإبل في السنة الخامسة أجذع ثم قال وقد قيل في ولد النعجة أنه
يجذع في ستة أشهر أو تسعة أشهر وهي أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة في المدارك قال لا خلاف في أن الجذعة أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة كما لا خلاف في
أن بنت المخاض أصغر أسنانها وقد تقدم ما يدل على ذلك من النصوص قال ابن بابويه (ره) في كتابه من لا يحضره الفقيه أسنان الإبل من أول ما تطرحه أمه إلى تمام
السنة حوار فإذا دخل في الثانية سمي ابن مخاض لان أمه قد حملت فإذا دخل في الثالثة سمي ابن لبون وذلك لان أمه قد وضعت وألدر ما لبن فإذا دخل في الرابعة
سمي الذكر حقا والأنثى حقة لأنه قد استحق أن يحمل عليه فإذا دخل في الخامسة سمي جذعا فإذا دخل في السادسة سمي ثنيا لأنه قد ألقى ثنيته فإذا دخل في السابعة
ألقى رباعيته وسمي رباعيا فإذا دخل في الثامنة ألقى ألسن التي بعد الرباعية وسمي سديسا فإذا دخل في التاسعة فطر نابه وسمي بازلا فإذا دخل في العاشرة فهو
مخلف وليس له بعد هذا اسم والأسنان التي تؤخذ في الصدقة من ابن المخاض إلى الجذع والتبيع على ما صرح به في المتن وغيره بل عن بعض أنه عند الأصحاب هو الذي
تم له حول ودخل في الثانية ولكن في المدارك قال ذكر الجوهري وغيره إن التبيع ولد البقر في السنة الأولى وإنما أعتبر فيه تمام الحول لقوله عليه السلام في حسنة الفضلاء
في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وعن المبسوط إنه قال قال أبو عبيدة تبيع لا يدل على سن وقال غيره إنما سمي تبيعا لأنه يتبع أمه في الرعي ومنهم من قال لان قرنه يتبع
أذنه حتى صارا سواء فإذا لم يدل اللغة على معنى التبيع والتبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع والنبي صلى الله عليه وآله قد بين وقال تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة وقد فسره أبو جعفر
عليه السلام وأبو عبد الله بالحولى إنتهى وقال في التذكرة وأسنان البقر أولها الجذع والجذعة وهي التي لها حول ويسمى شرعا تبيعا وتبيعة لقوله صلى الله عليه
وآله تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة وكذا قال الباقر والصادق عليهما السلام حيث فسراهما بالحولي فإذا أكمل سنتين ودخل في الثالثة فهو ثني وثنية وهي المسنة شرعا إنتهى
أقول قد ورد في خبر الأعمش أيضا توصيفه بالحولي فهو بحسب الظاهر صفة مخصصة أريد به الاحتراز عما ينصرف إليه إطلاقه عرفا على ما يظهر من كلمات اللغويين وهو
ما كان في السنة الأولى وكيف كان فما ذكره الأصحاب على الظاهر هو المراد بالتبيع في هذا ألباب بشهادة الخبرين المعتضدين بالنبوي المرسل المتقدم مع أنه
مما لا خلاف بحسب الظاهر عندهم بل في الجواهر استدل له أيضا بصحيح ابن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام التبيع ما دخل في الثانية ولكن لم أعثر على هذه الرواية في مظانها
من الوسائل وغيره نعم في المدارك بعد أن ذكر في باب الهدى إن مذهب الأصحاب أنه لا يجزي في الهدي غير الظأن إلا الثني وذكر جملة من الروايات الدالة
عليه ثم ذكر إن المشهور في كلام الأصحاب أن الثني من البقر والغنم ما دخل في الثانية وإن العلامة (ره) في موضع من التذكرة والمنتهى قال الثني من المعز ما دخل
في الثالثة وإن هذا هو المطابق لكلام أهل اللغة وذكر جملة من كلمات اللغويين قال ما لفظه والتعويل على ذلك كله مشكل نعم روى الكليني (ره) في الصحيح عن
محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام قال أسنان البقر تبيعها ومسنها سواء والتبيع ما دخل في الثانية والظاهر أن قوله والتبيع ما دخل في الثانية من كلامه لا من تتمة
الرواية كما يفصح عن ذلك عدم ذكره في الوسائل وغيره من تتمة الرواية بل في الحدائق بعد أن روى في باب الهدى عن الكافي عن محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام
قال أسنان البقر تبيعها ومسنها في الذبح سواء قال أقول والتبيع ما دخل في الثانية فهو صريح في كونه من كلامه لا من تتمة الرواية وكيف كان ففيما عداها غنى
وكفاية وقيل في وجه التسمية إن سمى بذلك لأنه يتبع قرنه أذنه أو تبع أمه في الرعي والمسنة هي الثنية التي كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة وعن المبسوط قالوا هي
التي تم لها سنتان وهو الثني في اللغة فينبغي أن يعمل عليه وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال المسنة هي الثنية فصاعدا أقول وربما يظهر من العبارة المتقدمة عن التذكرة
بل وكذا في عبارة المتن وغيره حيث أرسلوه أرسال المسلمات عدم الخلاف فيه بل عن المنتهى دعوى الاجماع على إن المراد بها ما كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة ولا
يبعد كفاية هذا النحو من الاشتهار المعتضد بما سمعت من نقل الاجماع في إثبات ما أريد منه شرعا ولا أقل من كونه جابرا لضعف المرسلة المزبورة مع أنه يفهم من
مقابلتها بالتبيع والتبعية أن المراد بها ما تم لها سنتان ودخل في الثالثة والظاهر عدم اشتراط عدم تجاوزها عنها كما يدل عليه النبوي المزبور مع موافقته
للأصل والله العالم ويجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية ومن العين أفضل وكذا في سائر الأجناس الزكوية أما جواز إخراج القيمة في غير الانعام فمما
لا شبهة بل لا خلاف يعتد به فيه بل عن صريح المعتبر والتذكرة والمفاتيح وظاهر المبسوط وإيضاح النافع والرياض دعوى الاجماع عليه بل لم ينقل الخلاف فيه إلا عن
الإسكافي مع أنه حكى عن شرح الروضة التصريح بموافقة الإسكافي أيضا للمشهور ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة البرقي قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع) هل يجوز جعلت فداك
أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب والفضة دراهم قيمة ما يسوم أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شئ ما فيه فأجابه (ع) أيما تيسر يخرج وصحيحة علي بن جعفر
عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن الرجل يعطي من زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة أيحل ذلك قال لا بأس به وعن عبد الله في كتاب قرب الإسناد
عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة أشتري لهم منها ثيابا وطعاما وأرى أن ذلك خير لهم قال
لا باس وربما استدل بإطلاق هذه الرواية الجواز إخراج القيمة في الانعام أيضا كما هو المشهور على ما في الحدائق وغيره بل عن صريح الشيخ وأبن زهرة وظاهر السيد
والحلي دعوى الاجماع عليه واستدل لجواز دفع القيمة في الانعام أيضا بالصحيحة الأولى فإنه وقع في السؤال تخصيص ما يجب في الحرث والذهب بالذكر ولكن سوقه يشهد بأن
ذلك من باب التمثيل وإن المقصود بالسؤال هو الاستفهام عن أنه هل يجب أن يخرج من كل شئ يجب فيه الزكاة ما يجب فيه بعينه أم يجوز إخراج قيمتها من الدراهم
38

مثلا بمقدار ما يسوى فيستفاد من قوله عليه السلام أيما تيسر عموم الجواز في الجميع كما ربما يؤيده أيضا جواز احتساب الدين من الزكاة الشامل بإطلاقه لزكاة الانعام وما ورد في
آداب الساعي من الارفاق بالمالك وإنه إذا أخرجها فليقومها فيمن يريد فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها فإنه يستفاد من مثل هذه الأخبار إنه
إذا كانت قيمتها السوقية معلومة فدفعها المالك إلى الساعي فليس للساعي الامتناع من قبولها إذا علم أنه لا يقوم فيمن يريد بأكثر من هذه القيمة كما أنه يستفاد منها إن
المقصود بأخذ الزكاة صرف ثمنها في مصارفها وعدم تعلق الغرض بصرف عينها في تلك المصارف ومن هنا صح للعلامة وغيره الاستدلال له بأن المقصود
بالزكاة رفع الخلة وسد الحاجة وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين وبأن الزكاة إنما شرعت جبرا للفقراء ومعونة لهم وربما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات
فاقتضت الحكمة التسويغ إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات التي لا تخفى على المتتبع المتأمل وحكي عن المفيد في المقنعة أنه قال لا يجوز إخراج القيمة في
زكاة الأنعام إلا إن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة وعن المصنف في المعتبر الميل إليه ووافقها في الميل والقول بالمنع عن إخراج القيمة في زكاة الأنعام
مع وجود الأسنان المخصوصة غير واحد من المتأخرين كصاحبي المدارك والحدائق وغيرهما التطرق الخدشة إلى جميع ما ذكر شاهدا أو مؤيدا للمشهور أما بقصور
السند أو ضعف الدلالة ورجوع لجملة منها إلى الاستحسان والاعتبارات العقلية الظنية التي لا اعتداد بها في الاحكام التعبدية الشرعية وفيه إنا
ولو سلمنا إمكان الخدشة في كل واحد واحد مما ذكروه دليلا أو مؤيدا للمشهور بشئ من المناقشات التي تقدمت الإشارة إليها ولكن المنصف المتأمل في
الجميع لا يكاد يرتاب في صحة ما ذهب إليه المشهور ولا سيما بعد الالتفات إلى عدم نقل خلاف يعتد به فيه وما تقدم من نقل الاجماع عليه الجابرين لضعف ما في الخبرين
المزبورين من ضد أو دلالة إن كان مع أن الحق عدم الحاجة في إثبات جواز إخراج القيمة إلى التشبث بشئ من الأمور المزبورة بل يستفاد جواز أبدالها بالقيمة بل
وجوبه غالبا لمن يتولى صرفها إلى مصارفها من الأصناف الثمانية التي ستعرفها من الكتاب والسنة الامرة بصرفها إلى هذه المصارف بدلالة الاقتضاء حيث
أن الغالب تعذر صرف عين الفريضة أو تعسره من غير تبديل أو تغيير خصوصا إذا كانت من جنس الانعام إلى تلك المصارف إذ كيف يتمكن من صرف بنت المخاض
أو بنت اللبون بعينها في عمارة المساجد وبناء القناطر ومعونة الحاج وغير ذلك من وجوه البر أو في أداء مال الكتابة وفكاك الرقاب ووفاء دين الغارمين الذين
لا يبلغ دينهم هذا المبلغ أولا يرضى صاحبه الا بحقه فليس الامر بصرف الزكاة إلى هذه الوجوه إلا كالوصية بصرف ثلث تركته من المواشي والعقار والغلات إلى
استيجار العبادات وشئ من مثل هذه الوجوه فإن مفادها عرفا ليس إلا إرادة صرف ثلثه إلى هذه المصارف بأي وجه تيسر وستعرف أنه يجوز للمالك أن يتولى
بنفسه صرف الزكاة إلى مصارفها بل هو المكلف بذلك أولا وبالذات وإن جاز له إيكاله إلى الإمام عليه السلام أو الساعي ووجبت عليه ذلك لدى مطالبته وحيثما يجوز له
الصرف يجوز له الابدال بالقيمة بل قد يجب ذلك كما لو انحصر المصرف فيما لا يمكن صرفها إليها إلا بالقيمة ومتى جاز له الابدال لم يتفاوت الحال في ذلك بين إن
يبيعها من شخص أخر ويصرف ثمنها في مصرفها أو يخرج قيمتها ابتداء بدلا عما وجب عليه إذ لا وجه لاعتبار خصوصية البيع والمعاوضة مع الغير في ذلك كمالا
يخفى وقد تلخص مما ذكر إن ما ذهب إليه المشهور وهو الأقوى وهل يجوز الاخراج بالقيمة السوقية من أي جنس يكون أم يختص ذلك بالدراهم والدنانير ظاهر
المتن وغيره بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب تصريحا من بعض وتلويحا من أخر الأول بل عن ظاهر الغنية و الخلاف دعوى الاجماع عليه بل عن البيان أنه قال لو أخرج
في الزكاة منفعة بدلا من العين كسكنى الدار فالأقرب الصحة وتسليمها بتسليم العين ويحتمل المنع لأنها تحصل تدريجا ولو أجر الفقير نفسه أو عقاره ثم
أحتسب مال الإجارة جاز وإن كان معرضا للفسخ ولكن في المدارك قال إن جواز احتساب مال الإجارة جيد وكونه مفروضا للفسخ لا يصلح مانعا أما جواز احتساب
المنفعة فمشكل بل يمكن تطرق الاشكال إلى إخراج القيمة مما عدى النقدين إنتهى وربما يلوح من عبارة الوافي الآتية المنع عن التبديل بغير الدراهم والدنانير
ويدل على المشهور رواية قرب الإسناد المتقدمة و يمكن الاستدلال له أيضا بما استشهدنا به لجواز إخراج القيمة من استفادته من تجويز صرفها إلى المواضع التي
يتعذر أو يتعسر صرف عينها إليها غالبا فإنه يستفاد من تجويز تجهيز موتى المسلمين من الزكاة ووفاء ديونهم وصرفها إلى ساير وجوه البر كبناء المساجد والقناطير
وإعانة الحاج والزائرين فيما يحتاجون بمقدار حاجاتهم جواز إخراج كلما يجوز شرائه من الزكاة لأجل هذه المصارف كالجص والنورة لتعمير المساجد وشراء الكفن
للميت ونحوه يجوز إخراجه بدلا عن الفريضة لاستعماله في هذه الوجوه ويتم القول بالنسبة إلى موارد إمكان صرف عينها إلى مواردها بعدم القول بالفصل مع أن
له أن يختار في مصرفها من وجوه البر ما لا يناسبه إلا الجنس الذي أخرجه بدلا عن الفريضة الواجبة فيما له ولكن قد ينافي ذلك خبر سعيد بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت
له يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق و الدقيق والبطيخ والعنب فيقسمه قال لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله تعالى قال في الوافي هذا الحديث لا ينافي ما قبله
لان التبديل إنما يجوز بالدراهم والدنانير دون غيرهما إنتهى ولكنك قد عرفت ظهور الخبر المروي عن قرب الإسناد المعتضد بالشهرة ومعاقد الاجماعات المحكية
في خلافه مضافا إلى ما ادعيناه من إمكان استفادته مما ورد في بيان المصرف فما ذهب إليه المشهور وهو الأقوى وأما الخبر المزبور فهو بظاهره غير معمول به إذ لا يتعين
إخراج الدراهم حتى فيما إذا كانت الفريضة من جنسها لجواز إخراج قيمتها من الدنانير نصا وإجماعا فلم يقصد بقوله (ع) لا يعطيهم إلا الدراهم خصوص الدراهم بل هي
جارية مجرى التمثيل فأريد بها أما عين الفريضة التي تعلق التكليف بإخراجها أولا وبالذات كما يؤيده قوله عليه السلام كما أمر الله تعالى فيتعين حينئذ حمله على الأفضلية
لما عرفت من جواز إخراج القيمة في الجملة نصا وإجماعا أو النقد الغالب الذي يقدر به القيمة ويقع الثمن غالبا أي الدراهم والدنانير فيصير حينئذ شاهدا للقول المزبور
ولكن لم يتعين إرادة هذا الاحتمال بل الاحتمال الأول أوفق بظاهر قوله عليه السلام كما أمر الله تعالى مع أن مقتضى الجمع بينه وبين رواية قرب الإسناد المتقدمة وغيرها
حمل هذه الرواية على هذا التقدير أيضا على الأفضلية أو على ما إذا كان دفع الثمن أصلح للفقير من شراء شئ له ويحتمل أيضا أن يكون المقصود بهذه الرواية المنع
عن التصرف في الثمن بعد فرض تعين كونه زكاة ولو بجعل نفسه أو كونه مأخوذا من الغير بهذا العنوان فالمنع حينئذ على حقيقته إذ لا ولاية له على الفقير بحيث
39

يتصرف في ماله هذا النحو من التصرف الذي يكون غالبا خلاف مصلحته نعم ما عينه للزكاة إن كان بجعل نفسه في زكاة ماله حيث أن لا يخرج بذلك عن ملكه حتى يصل
إلى الفقير أو وليه جاز له أن يشتري بذلك الشئ شيئا آخر ويقسمه على الفقراء بعنوان تأدية الزكاة بقيمتها من هذا الجنس من ماله ولا ملازمة بين الرخصة في ذلك
وبين الرخصة في أن يشتري من الزكاة ذلك الشئ ويقسمه عليهم وكون الشراء بذلك المعين ما لم يخرج عن ملكه بوصوله إلى الفقير مرجعه إلى ذلك غير مجد في الرخصة
في إيقاعه بهذه الوجه كما لا يخفى أن قلت أن الخبر المروي عن قرب الإسناد قد دل على جواز إيقاعه بهذا الوجه أي بأن يشتري من المال الذي عينه للزكاة ثيابا أو
طعاما ونحوه قلت نعم ولكن في الموارد التي يرى إن ذلك أصلح لهم لا مطلقا فيستفاد منه جواز إخراج القيمة في مثل الفرض بالفحوى وفي غيره بعدم القول بالفصل
فليتأمل وكيف كان فالرواية بعد تطرق هذه الاحتمالات لا تصلح دليلا لاثبات مذهب الخصم في مقابل ما عرفت والله العالم ثم أن المراد بالقيمة القيمة وقت
الاخراج لأنه وقت الانتقال إليها وقال العلامة في التذكرة إنما يعتبر القيمة وقت الاخراج إن لم يقوم الزكاة على نفسه فلو قومها وضمن القيمة ثم زاد السوق
أو انخفض قبل الاخراج فالوجه وجوزنا يضمنه خاصه دون الزائد والناقص وإن كان قد فرط بالتأخير حتى انخفض السوق أو أرتفع أما لو لم يقوم ثم أرتفع السوق
أو انخفض أخرج القيمة وقت الاخراج إنتهى وفي المدارك بعد نقل هذا الكلام قال وفي تعين القيمة بمجرد التقويم نظر إنتهى وهو في محله وما يقال في توجيه مذهب
العلامة من أنه بالضمان يستقر القيمة في الذمة ولذا يجوز للمالك التصرف في مجموع النصاب نعم لو لم يف بالضمان ولم يؤد ما ضمن رجع الساعي إلى العين فسقوطها
متزلزل لا يستقر إلا بالابراء والحاصل أن التقويم إذا كان جائزا والضمان صحيحا فمقتضاه اشتغال الذمة بالقيمة في وقت التقويم والضمان وفيه
أنه لا دليل على جواز التقويم وصحة الضمان بالمعنى المزبور وإنما الثابت بالنص والاجماع جواز تأدية الزكاة بالقيمة السوقية وهذا لا يقتضي إلا جواز
إخراج القيمة حال التأدية وأما الضمان المسوغ للتصرف في مجموع النصاب فليس معناه الالتزام بدفع ما هي قيمة لها في ذلك الوقت بل الالتزام بتأديتها على ما
شرعت أي إخراج الفريضة أو قيمتها من مال آخر وليس معنى تعلق الزكاة بالعين كون شخص معين أو مردد فيما بين النصاب ملكا للفقير كي يصح أن يقال أنه لا معنى
لتعهده بأدائها من مال آخر إلا الالتزام بدفع بدلها وهو في الانعام التي هي من القيميات لا يكون إلا بالالتزام بدفع قيمتها بل هو معنى لا ينافيه وقوع كل
ما يندرج في مسمى فريضة ذلك النصاب إذا دفعه إلى الفقير مصداقا له كما سنوضحه مع إنا لا نسلم اقتضاء الضمان في مثل المقام استقرار القيمة في الذمة إذ المدار
في باب الضمان على مراعاة ما هو الأقرب فالأقرب إلى التالف كما تقرر في محله وحيث أنه لا يستحق الفقير في هذا المال إلا ما يقع مصداقا لابنة مخاض مثلا فما
يقع مصداقا لهذا المفهوم إذا لم نقل بكونه لدى دفعه إلى الفقير عين حقه فلا أقل من كونه أقرب إليه من قيمتها كما هو واضح فتلخص ما ذكر أن الأظهر اعتبار
قيمتها حال الاخراج أي حال صرفها إلى مصرفها أو إيصالها إلى من له الولاية على قبضها ويحكمه العزل لو قلنا بأن له الولاية على ذلك بحيث يصير بالعزل ملكا
لمستحق الزكاة وتبقى تحت يده أمانة من باب الحسية ولكنك ستعرف أن إثبات هذا النحو من الولاية له لا يخلو من إشكال والشاة التي تؤخذ في الزكاة فريضة
في الغنم والإبل أو جبرا لدى تفاوت أسنان الإبل قيل أقلها الجذع من الضأن والثني من المعز بل هذا هو المشهور كما ادعاه غير واحد بل في الرياض ليس فيه مخالف
يعرف بل عن الغنية والخلاف دعوى الاجماع عليه وقيل ما يسمى شاة ولكن في مفتاح الكرامة قال قد أعترف جماعة بعدم معرفة قائله يعني فيما بين القدماء
وإلا فقد حكى عن جماعة من المتأخرين الميل إليه أو القول به بل في الحدائق بعد أن نسب القول الأول إلى المشهور ونقل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه قال وقيل
بأنه ما يسمى شاة وهو الأصح وإليه ذهب جملة من أفاضل متأخري المتأخرين عملا بإطلاق الأخبار المتقدمة في نصب الغنم ثم قال واستدل على المشهور
كما ذكره في المعتبر بما رواه سويد بن غفلة قال أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وقال نهينا أن نأخذ المراضع وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية ثم قال والظاهر
أن الخبر المذكور عامي فإنه غير موجود في أصولنا إنتهى وأجيب عما ذكرناه طعنا في سند الخبر المزبور بأنه وإن لم يكن مرويا في كتب أخبار الامامية ولكن تدوينه في
كتبهم الاستدلالية على وجه الاستناد إليه بمنزلة تدوينه في كتب أخبارهم بل أبلغ في الدلالة على الوثوق والاعتماد عليه وهو كاف في جبر سنده خصوصا في مثل هذا
الفرع الذي قد يحصل من نفس الشهرة والجزم بوصول خبر إليهم بهذا المضمون عن المعصوم ولكن قد يشكل ذلك بأنه لو كان مستند المشهور هذا الخبر لكانوا
يعتبرون الأنوثة مع أنه ليس في الرواية دلالة على أرادته في الغنم فلعل موردها البقر والبعير ولكن في موضع من التذكرة أرسل عن سويد بن غفلة إنه قال
أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن والثني من المعز فلا قصور حينئذ في دلالته واستدل له أيضا بما عن غوالي اللئالي مرسلا أنه صلى الله عليه وآله
أمر عامله بأن يأخذ من الضان الجذغ ومن المعز الثني قال ووجد ذلك في كتاب علي (ع) وضعف سندها مجبور بما عرفت فلا ينبغي الاستشكال بعد اشتهاره
بين الأصحاب وورود مثل هذه الأخبار فيه إذ لا يبقى معها مجال للتشكيك في كونه مأخوذا عن أصل معتمد هذا مع أن إطلاق الشاة على ما دون الجذع محل
تأمل ولا أقل من انصراف أطلاقها عنه وقد ظهر بما ذكر أن القول الأول أظهر مع أنه أحوط ولكن الشأن في تحقيق مفهوم الجذع والثني فقد اختلفت كلمات
الفقهاء واللغويين في تفسيرهما فعن كثير من الفقهاء أن المراد بالجذع من الضأن ما كمل له سبعة أشهر والثني من المعز ما كملت له سنة بل عن غير واحد نسبته
إلى المشهور بل عن بعض محشي الروضة أنه لا يعرف قولا غيره وفي المسالك بعد أن فسر الجذع من الضأن بما كمل سنة سبعة أشهر إلى أن يستكمل سنة قال وقيل
إنما يجذع ابن سبعة أشهر إذا كان أبواه شابين وإذا كانا هرمين لم يجذع حتى يستكمل ثمانية أشهر أقول ويظهر من العلامة في التذكرة في هذا الباب اختيار هذا
القول حيث أنه اقتصر في تفسيره على نقل هذا الكلام عن ابن الاعرابي كما أن ظاهره في هذا الباب أن الثني من المعز ما دخل في الثالثة ولكنه ذكر في باب الهدي أن الثني
من البقر والمعز ماله سنة ودخل في الثانية وقال وجذع الضان ما له ستة أشهر وفي مجمع البحرين نقل عن المغرب أنه قال الجذع من المعز لسنة ومن الضان الثمانية أشهر
وعن حياة الحيوان الجذع من الضأن ما له سنة تامة ثم قال هذا هو الصحيح عند أصحابنا وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم وقيل ماله ستة أشهر وقيل سبعة و
40

قيل ثمانية وقيل ابن عشرة حكاه القاضي عياض إنتهى وأرسل بعضهم على ما في الجواهر عن ابن الاعرابي الأجذاع وقت وليس بسن فالعتاق تجذع لسنة وربما جذعت
قبل تمامها للخصب فتسمن فيسرع إجذاعها فهي جذعة ومن الضان إذا كان ابن شابين أجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر وإذا كان ابن هرمين أجذع من ثمانية
إلى عشرة وفي القاموس أنه يقال لولد الشاة في السنة الثانية وعن النهاية أنه من الضأن ما تمت له سنة وقيل أقل منها وعن الأزهري الجذع من الماعز لسنة أو من
الضان لثمانية أشهر وأما الثني من المعز فالمنقول عن كثير من اللغويين تفسيره بما دخل في السنة الثالثة ونقل عن بعضهم القول بأنه من المعز مما له سنة ودخل في
السنة الثانية كما هو المشهور عند الفقهاء وكيف كان فالكلمات في تفسير اللفظين مختلفة فيشكل الجزم بشئ منها وإن كان الغالب على الظن بالنظر إلى بعض
الشواهد والمناسبات التي يأتي التنبيه عليها إن شاء الله في باب الهدي صحة ما هو المشهور بين الفقهاء من تفسير الجذع من الضأن بما كمل سبعة أشهر والثني
من المعز بما دخل في الثانية ولكن الاعتماد على مثل هذا الظن الغير المستند إلى صحة معتمده لا يخلو من إشكال فالأحوط أن لا يكون الضأن الذي يخرجه في
الزكاة وكذا في باب الهدي أقل من سنة ولا المعز أقل مما دخل في الثالثة وإن كان الاجتزاء بما كمل سبعة أشهر من الضأن ربما دخل في الثانية في البابين كما هو
المشهور أشبه
إن بعد البناء على أجمال مفهوم الجذع والثني وتردده بين المعاني المختلفة التي هي من قبيل الأقل والأكثر وتردد لفظ الجذع بين كونه اسما للسن أو أنه يطلق عليه
بعد أن أجذع وهذا مما يختلف في الموارد وجب الاقتصار في تقييد إطلاق الامر بإخراج الشاة في زكاة الإبل والغنم فريضة أو جبر أو كذا في الهدي على القدر المتيقن
أرادته من الروايات المقيدة له وأما ما عن بعضهم من تفسير الجذع بما له ستة أشهر فهو مما لا ينبغي الالتفات إليه مقابل قول جل الفقهاء واللغويين الذين
فسروه بما له سبعة أشهر فما زاد كما لا يخفى ودعوى ورود الاطلاق مورد حكم أخر وهو بيان مقدار الفريضة على سبيل الاجمال فمقتضى الأصل وجوب إخراج ما
يحصل معه القطع بفراغ الذمة عن التكليف بأداء فريضة الزكاة الواجبة في حقه مدفوعة أو لا بمنع الاهمال في تلك الأدلة وعلى تقدير التسليم فالمرجع في
مثله أصالة البراءة عن الكلفة الزائدة عما علم اشتغال الذمة بها أي اشتراط الفريضة بكونها أعلى سنا من سبعة أشهر كما تقرر في محله وأضعف من ذلك دعوى
انصراف إطلاق اسم الشاة عما لم تستكمل سنة فإن هذه الدعوى بعد بلوغ الشاة حدا يقال فيها إنها عند بلوغها هذا السن ينزو ويلقح كما هو المشهور في
كلمات العلماء واللغويين غير مسموعة ويتلوه في الضعف دعوى إن المنساق مما ورد في زكاة الغنم من أن في كل أربعين شاة شاة إرادة واحدة من النصاب
كما هو مقتضى القول بتعلقها بالعين فيجب في فريضة الغنم أن تكون مما حال عليه الحول فكون الجذع مجزيا بناء على تفسيره بما كان له سبعة أشهر أو ثمانية
أو تسعة تعبد شرعي من باب دفع البدل وهو مخالف للأصل بتوقف إثباته على ثبوت صدق الجذع على ما لم يكمل السنة وهو غير ثابت ويدفعها منع الانصراف
وستعرف ان تعلق الزكاة بالعين وليس على وجه ينافيه إرادة الاطلاق من مثل قوله عليه السلام في كل أربعين شاة شاة وبذلك يندفع ما استشكله غير واحد فيما
ذهب إليه المشهور من تعلق الزكاة بالعين وإن فريضتها الجذع من الضان مع تفسيره له بما كان له سبعة أشهر لما بين الامرين من التدافع حتى إن بعضا منهم
لم يجد مخلصا عن هذا الاشكال بعد التزامه بتعلق الزكاة بالعين إلا بالالتزام بأحد أمرين أما تخصيص الحكم الثاني بما عدى زكاة الغنم أو تفسير الجذع بما
أستكمل سنة مع أن تفسير الجذع بما أستكمل سنة غير مجد في التقصي عن الاشكال إذ لا خلاف في كفاية ما تم له سنة في زكاة أربعين من الغنم مع أن الأربعين
التي تتعلق بها الزكاة قد يكون جميعها ثنية فما فوق فما هو الوجه في الاجتزاء بما له سنة عن زكاة الأربعين التي جميعها ثنية أو رباعية فما فوق هو الوجه
في الاجتزاء بالجذع بأي معنى فسر في زكاة الأربعين شاة مطلقا فلا حظ وتدبر ولا يؤخذ المريضة ولا الهرمة ولا ذات العوار في المدارك الهرم أقصى الكبر
والعوار مثلثة العيب قاله في القاموس ثم قال والحكم بالمنع من أخذ هذه الثلاثة مذهب الأصحاب بل قال في المنتهى أنه لا نعرف فيه خلافا واستدل عليه
بقوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون وما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا يائس إلا أن يشاء المصدق
وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن قيس عن أبي عبد الله عليه السلام قال ولا يؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق ومقتضى الروايتين جواز أخذ ذلك
إذا أراد المصدق إنتهى أقول ولكن ليس في الخبرين دلالة على أنه يجوز للمصدق أن يشاء ذلك على الاطلاق فهو مقصور على ما إذا رأى المصحلة في قبوله
كما إذا كان ذات العوار التي دفعت إليه أسمن أو أعلى قيمة من غيرها أو أرادها لنفسه بدلا عن حقه ولا أقل من عدم كونه مضرا بحال المستحقين فما يستشعر من
كلام بعض من الالتزام بجوازه للمصدق مطلقا لما في الصحيحة من التعليق على مشيته في غير محله وقد ورد في ذيل صحيحة أبي بصير الواردة في زكاة الإبل المتقدمة
في محله أيضا التصريح بأنه لا يؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن يشاء المصدق يعد صغيرها وكبيرها ودلالة هذه الأخبار على المنع عن أخذ المريضة باعتبار اندراجها
في ذات عوار فإن المرض من أظهر مصاديق العيب ولو قلنا بخروجها عن مسمى ذات العوار عرفا فيفهم حكمها منها بالفحوى مع أنه لا خلاف فيها على الظاهر بل لا يبعد
دعوى انصراف إطلاقات الأدلة عنها وورود الصحيحة الأولى في نصاب الغنم والثانية في الإبل غير قادح في الاستدلال بكل منهما لاطراد الحكم في الانعام
حتى في البقر الذي هو خارج عن موردهما بعد وضوح المناط وعدم القول بالفصل وإنما يمنع من أخذ هذه الثلاثة على ما صرح به في المدارك وغيره إذا كان في
النصاب صحيح أو فتى أو سليم من العوار وأما لو كان كله كذلك فقد قطع الأصحاب بجواز الاخذ منه وسيجئ الكلام فيه إن شاء الله وليس للساعي التخيير إذ ليس له إلا
مطالبة المالك بالخروج عن عهدة الزكاة التي أوجبها الله عليه في ماله فإذا دفع إليه المالك شيئا مما يندرج في مسمى الفريضة التي أمره الله بإخراجها من
ماله ليس له الامتناع من قبوله فإن وقعت المشاحة بينهما بأن عين المالك فردا من مصاديق الفريضة التي أوجبها الله عليه ولم يقبل منه الساعي وكلفه
بفرد آخر من مصاديقها فقد تعدى الساعي عن حده وألزمه بما لم يتعين عليه شرعا فلم يجب على المالك الالتزام به بل له الخيار في تعيين أي فرد منها بمقتضى
عمومات الأدلة وخصوص الأخبار الواردة في آداب الساعي فما قيل من أنه لدى المشاحة يقرع حتى يبقى السن التي تجب فيها ضعيف
41

وأما اللواحق: فهي إن الزكاة تجب في العين لا في الذمة على المشهور كما عن المفاتيح وغيره بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد من أصحابنا بل عن غير واحد
دعوى إجماعهم عليه والمراد بوجوبها في العين تعلقها بها لا وجوب إخراجها منها فإنه يجوز الدفع من مال أخر كما ستعرف فمعنى وجوبها في العين كون العين هي مورد
هذا الحق لا الذمة ولذا عبر بعضهم في فتواه ومعقد إجماعه بلفظ التعلق كما في عبارة شيخنا المرتضى (ره) فإنه قال الظاهر أنه لا خلاف بين الامامية في
تعلق الزكاة بالعين وصرح في الايضاح بإجماع الامامية على ذلك وحكى دعوى الوفاق عن غير واحد نعم حكى في البيان عن ابن حمزة أنه حكى عن بعض الأصحاب
تعلقها بالذمة أقول وربما نسب هذا القول في كلماتهم إلى الشافعي عن المعتبر نسبته إلى بعض العامة وفي المدارك قال في شرح عبارة المتن وإطلاق
العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون المال الذي يجب فيه الزكاة حيوانا أو غلة أو أثمانا وبهذا التعميم صرح في المنتهى قال أنه قول علمائنا أجمع
وبه قال أكثر أهل العلم ثم قال واستدل عليه بقوله عليه السلام في أربعين شاة شاة وفي خمس من الإبل شاة وفي ثلاثين من البقر تبيع وفيما سقت السماء العشر
وفي عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال ظاهر هذه الألفاظ وجوب الفرض في العين وبأنها لو وجبت في الذمة لتكررت في النصاب الواحد بتكرر
الحول ولم تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة ولم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط لم يجز للساعي تتبع العين لو باعها المالك و
هذا اللوازم باطلة اتفاقا فكذا الملزوم يدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن ابن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل لم
يزك أبله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال نعم يؤخذ زكاتها ويتبع بها البايع ويؤدي زكاتها البايع وما رواه ابن بابويه عن
أبي المعزاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى شرك بين الفقراء والأغنياء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم والشركة إنما تصدق
بالوجوب في العين ثم قال وحكى الشهيد في البيان عن ابن حمزة أنه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمة وهذا القول حكاه المصنف (ره) في المعتبر عن بعض العامة
محتجا على ذلك بأنها لو وجبت في العين لكان للمستحق الزام المالك بالأداء من العين ولمنع المالك من التصرف في النصاب إلا مع إخراج الفرض ثم أجاب عن
الأول بالمنع من الملازمة فإن الزكاة وجبت جبرا وإرفاقا للفقير فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها قال وكذا الجواب
عن جواز التصرف إذا ضمن الزكاة وهو حسن إنتهى ما في المدارك أقول ما ذكروه وجها للقول بتعلقها بالذمة من أنها لو كانت متعلقة بالعين لكان للمستحق
الزام المالك بالأداء من المعين ولمنع المالك من التصرف في النصاب إلا مع إخراج الفرض ففيه إن هذا إنما يصلح دليلا لنفي تعلقها بالتعين على سبيل الشركة
الحقيقة بطريق الإشاعة لا إثبات تعلقها بالذمة ولا ملازمة بين الامرين فإن تعلق الزكاة بالعين يتصور على أنحاء أحدها إن يكون على سبيل
الشركة الحقيقية بأن يكون للفقير في كل جزء منها بالفعل جزء مشاع يكون مجموعه معادلا للفريضة عينا أو قيمة كما في غير الجنس و مقتضاه على هذا التقدير
عدم جواز التصرف لاحد الشريكين إلا برضا الاخر إلى غير ذلك من أحكام الشركة إلا أن يدل دليل تعبدي على خلافه ثانيها أن يكون حق الفقير
المتعلق بالعين من قبيل الكلي الخارجي أي شئ من مسمى الفرضة الغير الخارج من هذا العين كصاع من هذه الصبرة التي هي أربعين صاعا أو شاة
من أربعين شاة على سبيل الابهام والاجمال من غير تقييده بشئ من عوارضها المشخصة وهذا أيضا نحو من الشركة ولكنها لا تقتضي منع المالك
عن التصرف عما زاد عن مقدار الفريضة ولكن هذا إنما يعقل فيما إذا كان مسمى الفريضة من أجزاء النصاب لا في مثل في خمس من الإبل ثالثها
استحقاق الفقير الفريضة التي سماها الشارع له من هذا العين كاستحقاق غرماء الميت من تركته حقهم وإن لم يكن من جنسه فالعين حينئذ مورد لهذا الحق
من غير أن يكون الحق متقوما بها فإذا دفع المالك بل الأجنبي مسمى الفريضة إليه فهو بمنزلة ما لو وفي الوارث أو المتبرع دين الميت الذي تعلق بعد موته بتركته
فقد أدى إليه عين ما يستحقه لا بد له رابعها أن يكون من قبيل حق الجناية كما سيأتي احتماله في عبارة الشهيد الآتية خامسها أن يكون من قبيل حق الرهانة
كما سيأتي احتماله أيضا في عبارة الشهيد ولكن مرجعه إلى التعلق بالذمة كما لا يخفى سادسها أن يكون حق الفقير المتعلق بالعين من قبيل حق من نذر له أن
يتصدق عليه بشئ من ماله فهو ما لم يدفعه إلى الفقير بقصد التقرب لا يخرج عن ملك مالكه ولا يدخل في ملك الفقير فحق الفقير المتعلق بهذا المال قبل أن
يصرف إليه هو استحقاق صرف شئ منه إليه لا كونه بالفعل مملوكا له وملخص الكلام أن عدم جواز الزام المالك بالأداء من العين ومنعه عن التصرف في النصاب
قبل الاخراج لا يدل على ثبوتها في ذمة المالك فالقول بتعلقها بالذمة مع الغض عن مخالفته للاجماعات المحكية المستفيضة مدفوع بمخالفته للأصل
فإن مقتضاه عدم اشتغال ذمة المالك بشئ عدى ما دل عليه الصدقة وغيرها من أدلة وجوب الزكاة وهي بأسرها ناطقة بأن الله تعالى فرض على عباده
في أموالهم الصدقة وأموالهم عبارة عن الأعيان الخارجية المملوكة لهم وقد خصها رسول الله صلى الله عليه وآله بتسعة أصناف فوضع الصدقة فيها وعفى عما سوى ذلك
وهي كما تراها كادت تكون صريحة في أن الزكاة هي صدقة فرضها الله تعالى على العباد في أموالهم الزكاتية لا في ذممهم فهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه وإنما
الاشكال في كيفية تعلقها بالمال من أنه هل هو من باب الشركة أو غير ذلك من أنحاء التعلق مما تقدمت الإشارة إليه وقد صرح العلامة في التذكرة
بوجوب الزكاة في العين ونسبه في عدة مواضع منها إلى أصحابنا بحيث يظهر منه دعوى إجماعهم عليه ومع ذلك قال الأقرب عندي جواز تصرف المالك
في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة بالبيع والهبة وأنواع التصرفات وليس للساعي فسخ البيع ولا شئ من ذلك لأنه مالك فيجوز له التصرف فيه بجميع أنواعه و
تعلق الزكاة به ليس بمانع سواء قلنا الزكاة تجب في العين أو لا لان تعلقها بالعين تعلق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية
ولان ملك المساكين غير مستقر فيها فإن له أسقاط حقهم منه بدفع القيمة فصار التصرف فيه اختيارا منه لدفع غيره إنتهى قوله ولان ملك المساكين إلى أخره
كأنه مبني على التنزل والمماشاة مع الخصم بالالزام بالملكية كما في بعض كلماته الإشارة إليه وقال في موضع أخر قد بينا أن الزكاة متعلق بالعين لسقوطها
42

بتلف المال بعد الحول قبل إمكان الأداء ولقوله عليه السلام في أربعين شاة شاة وهل يصير أهل السهمين بقدر الزكاة شركاء لرب المال الأقرب المنع وهو أحد قولي
الشافعي وإلا لما جاز الاخراج من غيره ويحتمل ضعيفا الشركة وبه قال مالك والشافعي في الاخر إنتهى وعن الشهيد في البيان أنه بعد أن حكم بوجوب الزكاة
في العين قال وفي كيفية تعلقها بالعين وجهان أحدهما أنه بطريق الاستحقاق فالفقير شريك وثانيهما أنه استيثاق فيحتمل أنه كالرهن ويحتمل أنه
كتعلق أرش الجناية بالعبد ويضعف الشركة بالاجماع على جواز أدائها من مال أخر وهو مرجح للتعلق بالذمة وعورض بالاجماع على تتبع الساعي العين لو باعها
المكلف لو تمخض التعلق بالذمة أمتنع إنتهى وفي المدارك بعد نقل هذه العبارة عن البيان قال أقول إن مقتضى الأدلة الدالة على وجوب الزكاة
في العين كون التعلق على طريق الاستحقاق وهو الظاهر من كلام الأصحاب حيث أطلقوا وجوبها في العين أقول ما أستظهره من كلام حكم الأصحاب
بوجوبها في العين من كون التعلق بطريق الاستحقاق أي الملكية المستلزمة للشركة لا يخلو من نظر فإن معنى وجوبها في العين ليس إلا كون العين هي
متعلق التكليف بالزكاة أي مورد حكم الشارع بصرف شئ منها إلى الفقير مما سماه الله زكاة وهذا لا يقتضي أن يكون ما وجب صرفه إلى الفقير قبل صرفه إليه ملكا
له لجواز أن يصير ملكا له بدفعه إليه الذي هو فعل اختياري يتعلق به التكليف أولا وبالذات ثم بمتعلقه كما لو أمره بأن يهبه أو يبيعه شيئا من ماله المعين ومن هنا
يظهر الخدشة فيما ذكره من أن مقتضى الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في العين كون التعلق بطريق الاستحقاق فإن الأصل في ذلك هي أية الصدقة ومفاد
هذه الآية بشهادة الروايات الواردة في تفسيرها هو أن الله تبارك وتعالى فرض على عبادة في أموالهم الصدقة أي أوجب عليهم أن يعطوا شيئا من أموالهم
في سبيل الله فإن الصدقة كما في القاموس ما أعطيته في ذات الله وفي المجمع ما أعطيى تبرعا بقصد القربة وهذا حكم تكليفي متوجه إلى المالك متعلق بماله أي
بإيجاد فعل في ماله بان يتصدق بشئ منه إلى الفقير أي يعطيه تبرعا بقصد القربة ويتولد من هذا الحكم التكليفي حكم وضعي وهو استحقاق الفقير للمال الذي
أمر الله مالكه بأن يتصدق به عليه كاستحقاقه للمال الذي نذر مالكه ان يتصدق به عليه وهذا مقتضاه أن يكون قبل دفعه إليه ملكا للدافع كما يؤيد ذلك
أضافة الأموال إليهم في الآية الشريفة و إطلاق اسم الصدقة على ما يؤخذ منه في الآية والاخبار والفتاوى واشتراط قصد القربة في صحته إذ لو كان الفقير
شريكا قبل صرف المال إليه لم يكن يتوقف صحته على قصد القربة بل على إيصاله إلى مستحقه كما هو حقه وهو يحصل حتى مع وصف أشاعته بإيصال جميع المال إلى
الشريك أو وليه أي الساعي والحاكم بأي قصد يكون اللهم إلا أن يكون ذلك شرطا تعبديا على إشكال في تعلقه فإنه جاز أن يكلفه الشارع بدفع مال الشريك
إليه بقصد القربة ولكن يمتنع بقاء هذا التكليف بعد وصول حقه إليه واستيلائه عليه ولو بوجه غير سائغ لأنه أمر بتحصيل الحاصل نعم يجوز أن يكلفه لدى وصوله
إليه بلا قصد القربة أن يدفع إليه من ماله مثل ذلك بهذا القصد مقدمة لتحصيل القربة التي كانت مطلوبة في ذلك الفعل فليتأمل واستدل للقول بالشركة
أيضا بظواهر النصوص المشتملة على لفظ في الظاهرة في الظرفية مثل قوله عليه السلام في أربعين شاة شاة وفي كل عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال وفيما
سقت السماء العشر وغير ذلك من الروايات الواردة بلفظ في فإن ظاهرها إرادة الجزء المشاع الحال في الجميع ونوقش فيه بإمكان حمل كلمة في هذه الموارد
على السببية دون الظرفية نظير قولهم في قتل الخطاء الدية وفي العين نصف الدية ونحو ذلك مما هو شايع معروف مؤيدا ذلك بعدم تعقل الظرفية
حقيقة في نحو قوله في خمس من الإبل شاة ونحه مما لا تكون فريضتها من جنسها فإنه لا مجال هنا لاعتبار الظرفية وأجيب بأن استعمال كلمة في الظرفية حقيقة
وفي السببية أقل قليل بل قيل أنه مقصور على السماع فلا يحمل عليه اللفظ لدى إمكان حمله على حقيقته وأما قوله عليه السلام في خمس من الإبل شاة فيحمل على إرادة
جزء مشاع من المجموع مساو لقيمة شاة بل هذا هو المراد بقوله عليه السلام في أربعين شاة شاة إذ لو أريد منها واحدة من الأربعين لا على التعيين فليست الواحدة
حالة في أربعين بل هي بعض منها فيكون كلمة في مستعملة بمعنى من وهو خلاف ظاهر اللفظ اللهم إلا أن يحمل على إرادة فرد من مفهوم الشاة المتحققة في ضمن
هذه الشياه أي الكلي الخارجي كصاع من صبرة على سبيل الابهام والاجمال فيكون كلمة في حينئذ مستعملة في حقيقتها وكيف كان فيرد على أصل الاستدلال إن قوله
عليه السلام فيما سقته السماء العشر و نظائره مما تقدمت الإشارة إليه ليس في شئ منها أشعار فضلا عن الدلالة بملكية شئ للفقير بالفعل حتى يكون مقتضاها الشركة
بل هي بأسرها مسوقة لبيان الصدقة التي فرضها الله تعالى على العباد في الأجناس التسعة الزكوية فهذه الأخبار بأسرها بمنزلة الشرح لذلك فقوله عليه السلام
في خمس من الإبل شاة إلى أخره معناه أن الصدقة التي وضعت على الإبل بهذا التفصيل أنها في خمس منها شاة وفي عشر شاتان وفي الغنم كذا أو في الذهب كذا
وهكذا إلى أخر ما في الأجناس التسعة فلا يستفاد من ذلك إلا شرح ما أستفيد من أية الصدقة والروايات الواردة في تفسيرها الدالة على وجوب الزكاة في
الأموال كما لا يخفى على المتأمل مع أن حمل ما ورد في زكاة الأنعام على المعنى المزبور أي الكسر المشاع في المجموع المساوي لقيمة الفريضة أو عينها تأويل بعيد
لا يكاد يخطر بذهن أحد ممن سمع هذه الأخبار فضلا عن أن تكون ظاهرة فيه وأرادته من مثل قوله فيما سقته السماء العشر على تقدير تحققها لا تصلح قرينة
لذلك والعرف أعدل شاهد بذلك فأنك لا تكاد ترى أحدا ممن سمع مجموع هذه الأخبار ولم يكن ذهنه مشوبا بالشبهات بحكم بإرادة هذا المعنى من مثل قوله
في خمس من الإبل شاة أو في أربعين شاة شاة هذا مع مخالفته لظاهر الفتاوى حتى القائلين بالشركة حيث أن ظاهرهم كون الفريضة الواجبة في كل عين ما يستحق
الفقير بأصل الشرع لا بد له فلا حظ وقد ظهر بما ذكر ضعف الاستدلال له بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله عز وجل فرض للفقراء
في أموال الأغنياء ما يكتفون به ولو علم إن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم بل هذه الصحيحة ونظائرها صالحة لصرف بعض الروايات الظاهرة أو المشعرة بالملكية
الفعلية بحملها على إرادة الملكية الثانية الناشئة من إيجاب دفعه إليهم مثل حسنة عبد الله بن مسكان وغير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله جعل للفقراء
في مال الأغنياء ما يكفيهم ولولا ذلك لزادهم وفي حسن الوشاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قيل لأبي عبد الله عليه السلام لأي شئ جعل الله الزكاة خمسة وعشرين
43

في كل ألف فقال إن الله جعلها خمسة وعشرين أخرج من أموال الأغنياء بقدر ما يكتفي به الفقراء الحديث وأضعف من ذلك الاستدلال له بصحيحة عبد الرحمن أبي عبد الله (ع)
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل لم يزك أبله وشاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال نعم يؤخذ زكاتها ويتبع بها البايع ويؤدي زكاتها
البايع فإن هذه الصحيحة على خلاف مطلوبهم أدل فإن ظاهرها صحة البيع ولزومه على تقدير أن يؤدي البايع زكاته وأن ما يؤديه البايع عين الزكاة لا بدلها
فهذه الصحيحة بظاهرها تدل على أن حق الفقير المتعلق بهذا المال من قبيل حق الجناية المتعلق برقبة الجاني أو حق غرماء الميت المتعلق بتركته لا الشركة
الحقيقية وإلا لكان مقتضاها توقف صحة البيع بالنسبة إلى حصة الشريك على أجازته فلم يكن يجديه أداء الزكاة بعد وقوع البيع لا من البايع ولا من المشتري
ودعوى أن أداء الزكاة يقوم مقام إجازة المالك مع أنها لا تتم إلا إذا كان التأدية إلى الامام أو نائبة الوليين على المال لا إلى الفقير الذي لا يتمخض
الحق له إلا بقبضه مدفوعة بأن مقتضى الإجازة انتقاله حصته من الثمن إليه زادت عن قيمة الفريضة أم نقصت لا ما يدفعه البايع أو المشتري بعنوان
الزكاة ودعوى إن ما يدفعه المالك أو المشتري يقع بدلا عن الثمن قهرا مع مخالفتها الظاهر الصحيحة تحتاج إلى دليل تعبدي كما لا يخفى ويتلوه في الضعف
الاستدلال له بما في حسنة بريد بن معاوية أو صحيحته الواردة في آداب المصدق قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول بعث أمير المؤمنين عليه السلام مصدقا من
الكوفة إلى باديتها فقال يا عبد الله أنطلق عليك بتقوى الله إلى أن قال فإذا أتيت فلا تدخله إلا بأذنه فإن أكثره له إلى آخره وعن نهج البلاغة فيما كان يكتبه لمن يستعمله
على الصدقات فإن كانت له ماشية أو أبل فلا تدخل إلا بإذنه فإن أكثرها له فإن قوله أكثرها له وإن كان ظاهره إن بعضه الذي هو مقابل الأكثر ليس له بل هو
حق الله جعله في أموالهم كما يفصح عن ذلك صدر الكلام وذيله ولكن المراد بحق الله بحسب الظاهر المال الذي أمر بالتصدق به لا إنه تعالى أخرجه بالفعل
عن ملك مالكه وجعله لنفسه أو للفقير كما يشهد بذلك خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (ع) قال كان علي صلوات الله عليه إذا بعث مصدقه قال له
إذا أتيت على رب المال فقل تصدق رحمك الله مما أعطاك فإن ولى عنك فلا تراجعه ولو سلم ظهورهما في المدعى فليس على وجه يصلح لاثبات مثل هذا
الحكم المخالف للأصول والقواعد كما ستعرف وعمدة ما يصح الاستشهاد به للشركة موثقة أبي المعزا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى شرك
بين الأغنياء والفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم وخبر علي بن حمزة عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن الزكاة تجب علي في مواضع
لا يمكنني أن أؤديها قال اعزلها فان اتجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح وإن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شئ فإن
لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح ولا وضيعة عليها وظهور هذين الخبرين خصوصا الأخير منهما في الشركة الحقيقية غير قابل للانكار
ولكن الالتزام بها مع الغض عن مخالفتها لظاهر الآية وغيرها ما عرفت يستلزم ارتكاب التخصيص في جملة من القواعد المتقنة التي ليس ارتكاب التخصيص في شئ منها
بأهون من طرح هذين الخبرين فضلا عن تأويلها فإن الشركة الحقيقية مقتضاها حرمة تصرف كل من الشريكين في المال إلا بإذن صاحبه وعدم
جواز الدفع من غير العين بغير رضاه وتعبية النماء للملك وكون المالك لدى التفريط بالتأخير وغيره ضامنا لمنفعة مال الشريك وإن لم يستوفها وإن
يكون ضمان العين في الانعام بالقيمة لا بالمثل إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على الملكية الحقيقية مما لا يمكن الالتزام بشئ منها هاهنا لمخالفة كل منها
لظاهر كلمات الأصحاب والاخبار أو صريحها إذ لا خلاف نصا وفتوى في أن للمالك إخراج الفريضة من غير النصاب بل دفع قيمتها في الجملة وكذا التصرف
في أجزاء النصاب ما عدى مقدار الزكاة بل في جميعها حتى بإخراجه عن الملك ببيع ونحوه كما يشهد لذلك صحيحة عبد الرحمن المتقدمة الدالة على صحة بيع
الإبل والغنم التي لم يزكها صاحبها عامين وإن بقي لزومه بالنسبة إلى مقدار الزكاة مراعي بأن يؤدي زكاتها البايع من مال آخر بل ظاهر هذه الصحيحة بمقتضى
الاقتصار في السؤال والجواب على إخراج الزكاة من دون تعرض لنمائها مع أن الإبل والغنم في العامين لا تنفك عن النماء من مثل الولد واللبن والصوف
وأجرة الإبل عدم استحقاق الفقير لها مع أن مقتضى الشركة الحقيقية ضمان الجميع وإن لم تكن مستوفاة إذ لا يتوقف الضمان على الاستيفاء كما أن
ظاهر كلمات الأصحاب أيضا ذلك حيث صرحوا بأنه لو مضى عليه أحوال لم يلزمه إلا زكاة حول واحد فإن ظاهرهم الاقتصار على أصل لا زكاة كما أعترف بذلك شيخنا
المرتضى (ره) ثم قال ومن هنا قال في الايضاح وأورد على الشركة عدم ملك الفقير لو نتجت الأربعون قبل أداء الزكاة وبعد الحول وظاهر كلام المورد أن اتفاقي
والحكم وإن لم يثبت بهذا المقدار إلا أنه يصح مؤيدا للنص بعد تأييده بنحو كلمات الأصحاب عن التعرض لضمان النماء والمنافع عند حلول الأحوال على النصاب
مع مساعدة السيرة عليه أقول وكفى شاهدا على عدم استحقاق الفقير من النصاب ما عدى فريضته شيئا من منافعها ونمائها ولو بعد مضي مدة من حين
تعلق الزكاة الأخبار الواردة في بيان تكليف المصدق في كيفية أخذ الصدقات فإنها كالنص في أنه إذا دفع المالك الصدقة المفروضة في ماله وجب على المصدق
قبلوه وليس له أن يطالبه بأكثر من ذلك وإنه إذا كان عنده من الإبل ما بلغت صدقته سنا كابنة لبون ولم يكن عنده ذلك السن وعنده أعلا منها بسن دفعها
إلى المصدق وأخذ منه شاتين أو عشرين درهما مع أن العادة قاضية بأن يوم ورود عام الصدقات في الناحية التي كان يبعثه أمير المؤمنين عليه السلام على
جمع الصدقات وكان يأمره بأن يعامل مع أهلها هذا النحو من المعاملة لم يكن أول زمان حول الحول على ملك الجميع فإن هذا مما يختلف باختلاف الاشخاص
فربما كان زمان حضور الساعي متأخرا عن زمان تعلق الوجوب بالنسبة إلى كثير منهم بشهر أو شهرين أو أكثر بل قد يطول مدة جمع الصدقات شهرا أو شهرين
ومن الواضح إن الإبل والبقر والغنم البالغ حد النصاب لا تخلو في يوم من نماء متصل أو منفصل فلو كان النماء مضمونا على المالك لكان على الساعي مطالبته
مع الفريضة ولم يكن عليه في الغالب عند دفع الا على بسن أن يرد عليه شاتين أو عشرين درهما بل ما يبقى من العشرين درهما أو قيمة شاتين بعد وضع قسط
الفريضة من النماء المتصل أو المنفصل الحاصل من حين تعلق الوجوب إلى يوم الدفع إلى الساعي وهذا مما يقطع بعدم أرادته من شئ من النصوص و
44

الفتاوى ومخالفته للسيرة القطعية ومما يبعد أيضا الشركة الحقيقية اتحاد سياق الروايات الواردة في الزكاة الواجبة والمستحبة كزكاة مال اليتيم وما عدى
الغلات الأربع من المكيلات بل بعض الروايات الواردة في بيان ما ثبت فيه الزكاة مشتملة على الواجب والمستحب مع أنه لا يمكن الالتزام بالشركة الحقيقية في
المستحب فالمقصود بثبوت الزكاة فيها كونها متعلقا لحق الفقير الناشي من إيجاب الشارع أو ندبة التصدق بشئ منها عليه كغيرها من الحقوق الثابتة
للفقراء في أموال الأغنياء مما عدى الزكاة المبينة في الأخبار الواردة في تفسير قوله تعالى وأتوا حقه يوم حصاده وقوله تعالى في أموالهم حق معلوم
للسائل والمحروم والذي يقوى في النظر بالنظر إلى مجموع ما ورد في هذا الباب من الآيات والروايات إن الله تعالى قد جعل للفقراء في أموال الأغنياء
ما يكتفون به بمعنى أنه تعالى أوجب على الأغنياء أن يتصدقوا عليهم من أموالهم التي وضع عليها الزكاة بالفريضة التي عينها لهم فصارت الفريضة المقررة
في أموالهم بذلك حقا لازما لهم على الأغنياء في أموالهم فهو ملك لهم شأنا لا بالفعل ولدى امتناع المالك عن أداء هذا الحق قد جعل الشارع الحاكم و
الساعي بل وساير المؤمنين بل نفس الفقير عند الحاكم والساعي وليا على استفيائه فيؤديه عن المالك من باب الحسبة بقصد القربة وأداء الزكاة الواجبة
في هذا المال كغيرها من الحقوق المتعلقة بالأموال لدى امتناع مالكه عن الخروج عن عهدتها وحيث ثبت بالأدلة الخارجية جواز إخراج الفريضة من مال
أخر بل جواز دفع القيمة كشف ذلك عن أن الحق الذي جعله الشارع للفقير في هذا المال لم يلاحظ فيه خصوصية شخصه ولا نوعه بل كحق غرماء الميت المتعلق
بتركته وإن كان بينهما فرق من حيث تعلق حق الغرماء إذا لم يكن الدين مستوعبا بمجموع التركة بحيث لو تلف منها شئ مما زاد عن الحق لم يرد به نقص على
الغريم وهذا حق متعلق بجميعه حيث أن الشارع جعل الفقير مستحقا لان يستوفي له من جميع هذا المال البالغ حد النصاب الفريضة التي قررها له
عينا أو قيمة كما جعل الزوجة غير ذات الولد مستحقة لان تستوفي من البناء ثمن قيمتها وليس حق الزوجية المتعلق بقيمة البناء دينا ثابتا في ذمة الورثة
بل حقا معلقا بتركته فهذا قسم من الحق مبسوط على جميع المال فلا ينافيه التوزيع ولا جواز إخراج الزكاة من غير العين ولا دفع القيمة ولا يكاد يستفاد من
أدلة الزكاة ولا من إطلاق فتوى القائلين بوجوب الزكاة في العين أزيد من ثبوت هذا النحو من الحق للفقير وهو كاف في صحة إطلاق لفظ الشركة في
قوله عليه السلام في الموثقة المتقدمة إن الله تبارك وتعالى شرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال فهو وإن كان خلاف ظاهر إطلاق لفظ الشركة حيث ظاهرها
الشركة الحقيقية ولكنه يكفي قرينة لصرفها عن هذا الظاهر الجمع بينها وبين قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان إن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال
الأغنياء ما يكتفون فضلا عن غيره مما عرفت حيث أن الصحيحة صالحة لتفسير ما أريد من الشركة في هذه الرواية فإنه إذا لو حظ مجموع الخبرين يصير المجموع
بمنزلة ما لو قال إن الله شرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال بأن فرض على الأغنياء في أموالهم للفقراء بأن يتصدقوا عليهم بقدر كفايتهم مع أنه
لا يمكن إثبات مثل هذا الحكم المخالف للقواعد بمثل هذا الظهور كما هو واضح وأما رواية ابن أبي حمزة القاضية بأنه إذا اتجر بها في جملة المال فلها الربح بقسطها
وليس عليها الوضيعة فهي بنفسها مخالفة لما يقتضيه الشركة الحقيقية فإن نفوذ تصرف أحد الشريكين في المال المشترك الموجب لانتقال حقه إلى الثمن وإباحة
تصرفه فيه واستحقاقه لقسطه من الربح بغير أجازته مخالف للقواعد اللهم إلا أن يقال إن حكم الشارع بأن الربح له بمنزلة الإجازة من الولي حقيقة أو
حكما بالنسبة إلى المعاملات الواقعة على طبق مصلحة الفقير أي المشتملة على الربح وأما ما عداها مما لا فائدة فيه للفقير بالنسبة إلى حق الشريك باقية
على أصالة الفساد فحق الشريك باق في العين وعلى البايع الخروج عن عهدته فلا وضيعة عليه فلا يعارضها صحيحة عبد الرحمن المتقدمة الدالة على تتبع الساعي
المال وعدم لزوم الثمن زاد أم نقص لامكان صرف هذه الصحيحة لو لم نقل بانصرافها من حيث هي إلى صورة عدم زيادة الثمن عن القيمة بحيث يكون استيفاء
حق الشريك من الثمن أصلح بحاله فيجمع بينهما بتخصيص الصحيحة بغير المعاملة المشتملة على الربح التي دلت هذه الرواية على صحتها أو سببيتها لانتقال حق
الفقير إلى الثمن نعم ظاهر تلك الصحيحة صحة مطلق المعاملات المتعلقة بالمال بل لزومها مع بقاء المال على ما كان من كونه متعلقا للزكاة الواجبة فيه
وأنه إن أداها المالك من مال آخر فهو وإلا استوفاها الساعي من العين ورجع المشتري بها على البايع من غير أن يفسخ البيع حتى بالنسبة إلى ما دفعه إلى الساعي
وإلا لم يكن له الرجوع إلا بما قابلها من الثمن سواء زاد عن قيمة ما يقع مصداقا للفريضة الواجبة فيه أم نقص وهذه الأحكام كلها منافية للشركة الحقيقية
حتى تنزيل حكم الشارع بأن الربح له منزلة أجازته وليس الالتزام بشئ منها بعد تسليم جواز العمل بهذه الرواية في موردها أولى من الالتزام بأن الشارع
الحق ربح الزكاة الحاصل بالتجارة بأصله في إيجاب دفعه إلى الفقير أو ندبه رعاية لحق الفقير الذي جعله الشارع له وقصر المالك في أدائه وقد تلخص من جميع ما ذكر أنه لا دليل يعتد
به على الشركة الحقيقية بل هي مخالفة للأصول والقواعد وظواهر الأدلة بل غاية ما يمكن استفادته منها أن الزكاة حق مالي متعلق بالعين فإذا تمكن من
إيصالها إلى مستحقها بعد تنجز التكليف به فلم يفعل فقد فرط أي أهمل في أدائها إلى المستحق فإن تلفت والحال هذه لزمه الضمان بلا خلاف فيه على
الظاهر بل عن التذكرة إنه قول علمائنا أجمع ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل بعث بزكاة ماله
لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها
إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده وكذلك الوصي الذي يوصي إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه وإن لم يجد
فليس عليه ضمان وصحيحة زرارة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت فقال ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان
قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها قال لا ولكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها وكذا لو تمكن من إيصالها
إلى الساعي والإمام عليه السلام لكون الايصال إليهما إيصالا إلى أهلها كما صرح به في الجواهر ثم قال بل الظاهر أن الحكم كذلك في المجتهد ووكيله بالنسبة
45

إلى هذا الزمان لاتحاد المدرك في الجميع إنتهى أقول إيصاله إلى المجتهد أو وكيله بل وإلى الساعي أيضا ليس إيصالا إلى مستحقها حقيقة بل حكما فإذا جاز له أن
يتولاه بنفسه وكان ذلك أوثق في نفسه من حيث الوصول إلى المستحق لا يتحقق معه صدق اسم التعدي والتفريط فيشكل إثبات الضمان حينئذ بالقواعد العامة وأما
الأخبار الخاصة فلا يبعد دعوى انصرافها عن مصل الفرض وإلا فمقتضى أطلاقها عدم الضمان فيه أيضا إذ المنساق من الأهل الوارد فيها إرادة المستحق لا
المتولي كما لا يخفى ولو أمهر امرأة نصابا ملكته بالعقد كما تعرفه في محله إنشاء الله فلو أقبضها إياه وحال عليه الحول في يدها مستجمعا للشروط المعتبرة في الزكاة
وجب عليها الزكاة بلا إشكال لعموم أدلتها وكونه في معرض السقوط أو التشطير غير قادح في ذلك كما في الهبة وغيرها ولو طلقها قبل الدخول وبعد الحول
فإن كان ذلك بعد أن أخرجت الزكاة من العين رجع عليها ونصف الباقي ونصف قيمة المخرج كما أعترف به الشهيد فيما حكي عنه وحكى عن الشيخ في
المبسوط وظاهر المصنف في المعتبر أن عليها أعطاء النصف الذي هو حق الزوج موفرا من الباقي وليس لها أعطاء نصف الباقي وقيمة نصف المخرج لامكان
استيفاء الزوج حقه تمامه من العين فلا مقتضى للعدول إلى القيمة وفيه إن النصف الذي يملكه الزوج بالطلاق على ما يقتضيه أدلته إنما هو نصف جميع
ما فرض أي الكسر المشاع في المجموع فإذا تلف منه شئ أو أخرجه زكاة فليس ما يعادل نصف الجميع من الباقي هو نصف جميعه حقيقة وإن كان الطلاق قبل
الاخراج كان له النصف موفرا وعليها حق الفقراء فيخرجه من نصيبها أو من مال أخر ولا منافاة بين ملك الزوج للنصف من جميعه واستحقاق الفقراء لعشره
بسبب سابق ولو على القول بالشركة الحقيقية في الزكاة إذ لا معارضة بين الحقين فإن كل جزء يفرض منه يمكن أن يكون عشره لشخص ونصفه لاخر والباقي
لثالث كما في باب المواريث وليس للزوجة إخراج الزكاة من العين بعد الطلاق قبل القسمة مع الزوج إلا بإجازته إذ ليس لأحد الشريكين التصرف في المال
المشترك بغير إذن الاخر نعم يصح لها القسمة مع الزوج وإخراج الزكاة من نصيبها أو غيره فإن لها أن تتصرف في متعلق الزكاة مع التعهد بأدائها من مال
أخر حتى بالبيع فضلا عن القسمة مع الشريك نعم لم تخرجها كان للساعي تتبع العين واستيفاء نصف حق الفقير من النصف المنتقل إلى الزوج بالقسمة
فيرجع به على الزوجة فإن القسمة وإن كانت جائزة لكنها لم تكن مؤثرة في خلوص ما أفرز للزوج عن حق الفقير ما لم يؤد زكاتها من مال آخر كما لا يخفى
وقد ظهر أيضا ما قررناه من عدم المعارضة بين الحقين إنه لا فرق في الحكم المزبور بين وقوع الطلاق قبل التمكن من الأداء أو بعده لان النصف الذي
خرج عن ملك الزوجية بالطلاق الذي هو عبارة عن النصف المشاع مغاير للعشر الذي يستحقه الفقير في هذا المال فليس خروجه عن ملك الزوجة قبل التمكن
من أداء الزكاة سببا لتلف شئ من مال الفقير بلا تفريط فإن عشره المشاع الذي هو متعلق حق الفقير بعد باق على حاله نظير ما لو باع مالك عين عشرها
المشاع من شخص ثم باع نصفها كذلك من آخر فإن عليه الوفاء بكلا العقدين وما توهمه غير واحد من نظائر المقام من أنه بعد أن خرج عشرها من ملكه
بالعقد الأول وصار ملكا لمن اشتراه فإذا باع ثانيا نصف الجميع فقد باع نصف ذلك العشر أيضا في ضمن الجميع فيقع العقد بالنسبة إلى نصف العشر فضوليا
موقوفا على إجازة مالكه ضعيف إذ ليس للعشر الذي ملكه المشتري الأول امتياز حتى يتعقل الإشاعة فيه إلا باعتبار أضافته إلى من أنتقل إليه وقد تعلق
العقد الثاني بالنصف المشاع من هذه العين من حيث هي من غير اعتبار أضافتها إلى مالكها والبايع حال بيعه النصف المشاع منها كان مالكا لما هو أعم
من ذلك فلا مانع من أن يعمه الامر بالوفاء بعقده كما لا يخفى على المتأمل وربما علل عدم ورود النقص بعدم كون هذا أي استحقاق الزوج
النصف تلفا لرجوع عوضه أي البضع إليها وهو ليس بشئ إذ البضع ليس هو عوضا عنه حقيقة فالحق ما ذكرناه من أن العشر الذي يستحقه الفقير مغاير
للنصف الذي أستحقه الزوج بالطلاق فلم يتلف من حق الفقير شئ فلا حظ وتدبر هذا مع أن التمكن من الأداء شرط في الضمان لا في الوجوب فحول الحول
سبب لاستحقاق الفقير من النصاب عشره والطلاق إنما يؤثر في استحقاق الزوج لنصف ما فرض على تقدير بقائه في ملك الزوجة إلى حين الطلاق
وإلا فقيمته فإن فرض مزاحمة بين الحقين فهي سبب لانتقال حق الزوج إلى القيمة في مورد المزاحمة لا لتلف شئ من مال الفقير كي يقال إن تلفه قبل التمكن
من الأداء وليس مضمونا على المالك بل حق الفقير باق في النصاب بحاله فلو دفعت نصفها للزوج والحال هذه وجب عليها إخراج الزكاة من النصف الباقي
عندها أو من مال أخر ولو هلك النصف الباقي في يدها بعد القسمة من الزوج بتفريط منها بل مطلقا حتى مع عدم هلاكه أيضا كان للساعي أن يأخذ حقه
المتعلق بالنصف الذي وصل إلى الزوج من العين التي في يده وهو نصف الزكاة لا تمامها كما يستشعر من المتن فإن الزكاة مبسوطة على جميع النصاب وليست
من قبيل الكلي الخارجي الذي يتعين في ضمن ما يبقى من مصاديقه كما تقدمت الإشارة إليه وسيأتي مزيد توضيح لذلك في مسألة ما لو تلف من النصاب شئ
بلا تفريط وكيف كان فما يأخذه الساعي من حقه من الزوج يرجع الزوج عليها به لأنه مضمون عليها لوجوبه في ملكها ولو كان عندها نصاب فحال عليه
أحوال فإن أخرج زكاته في رأس كل سنة من غيره تكررت الزكاة فيه وإن لم يخرج من غيره وجب عليه زكاة حول واحد لعدم بقاء النصاب بعد تعلق
الزكاة به في الحول الأول جامعا للشرائط أما على القول بالشركة الحقيقية فواضح لورود النقص عليه بصيرورة بعضه ملكا للفقير وأما على ما قوينا
من كون حق الفقير المتعلق بالنصاب من قبيل حق المنذور له التصدق بعين بعد تنجز التكليف بدفعها إليه فلخروج ما تعلق به هذا الحق عن الطلقية
التي قد عرفت اعتبارها في النصاب نعم لو قيل بتعلقها بالذمة المحضة كالدين من غير أن يكون لها تعلق بالعين ولو من قبيل حق الرهانة اتجه الالتزام
بتكرر السنين ولكن لم يتحقق وجود قائل بذلك بيننا وعلى تقدير وجوده فهو فاسد كما عرفت ولو كان عنده أكثر من نصاب كانت الفريضة في
النصاب ويجبر في الحول الثاني من الزائد وكذا في كل سنة حتى ينقص المال عن النصاب فلو كان عنده ست وعشرون من الإبل ومضى عليه حولان وجب
عليه للحول الأول بنت مخاض فينقص النصاب ويرجع في ألسنة الثانية إلى نصاب الخمس والعشرين فيجب للثاني خمس شياه فإن مضى عليه ثلاثة أحوال وجب
46

للأول بنت مخاض وللثاني والثالث تسع شياه خمس منها للسنة الثانية وأربع منها للسنة الثالثة التي رجعت الإبل فيها إلى نصاب العشرين وفي المسالك
قال في شرح العبارة إنما يتم ذلك لو كان النصاب بنات مخاض ومشتملا على بنت المخاض أو على ما قيمته بنت مخاض حتى يسلم للحول الثاني خمس وعشرون تامة من
غير زيادة أما لو فرض كونها زائدة عليها في السن والقيمة أمكن أن يفرض خروج بنت المخاض عن الحول الأول من جزء واحدة من النصاب ويبقى من المخرج منه
قيمة خمس شياه فيجب في الحول الثالث خمس أخرى بل يمكن ما يساوي عشر شياه وأزيد فيتعدد الخمس أيضا ولو فرض كون النصاب بأجمعه ناقصا عن بنت
المخاض كما لو كانوا ذكرانا ينقص قيمة كل واحد عن بنت المخاض نقص من الحول الأول عن خمس وعشرين فيجب في الحول الثاني أربع شياه لا غير وذلك كله
مستثنى مما أطلقه إنتهى وقد تبعه فيما أفاده سبطه في المدارك واستجوده بعض من تأخر عنهما وهو لا يخلو من جودة وإن كان بالنسبة إلى ما لو زادت قيمة
الفريضة عن كل واحد منها كما لو كانت الجميع ذكرانا ولم يبلغ قيمة على أفرادها قيمة بنت مخاض لا يخلو من تأمل لامكان أن يدع القطع بالتدبر في أدلة الزكاة
وما وضعه الشارع في كل نصاب بأن الشارع لم يوجب على من ملك ستا وعشرين من الإبل أزيد من واحدة منها حتى من أعلى أفرادها بل جعل فريضة هذا
النصاب بنت مخاض بملاحظة كونها أدنى الأسنان وأقلها قيمة ففرض كون الجميع ذكرانا وكون قيمة كل منها دون قيمة بنت مخاض نادر وقلنا يتفق
حصوله في الخارج وعلى تقدير حصوله فما دل على أن فريضة هذا النصاب والنصاب المجتمع من الضأن والمعز وكذا من البقر والجاموس وكذا من الإبل العراب و
النجاتي تجب فيه الزكاة بلا خلاف فيه على الظاهر بل في الجواهر الاجماع بقسميه عليه لكون الجميع من جنس واحد هنا ولتعليق الزكاة على اسم الإبل والبقر والغنم
الشامل للجميع وانصراف إطلاق اسم البقر عن الجاموس عرفا غير قادح بعد شهادة النص والفتوى بثبوت الزكاة في الجواميس وإنه ليس في شئ من صنوف الحيوان
زكاة مما عدى الإبل والبقر والغنم فإنه يستفاد من مجموع ذلك إن المراد بالإبل والغنم والبقر التي وضع عليها الزكاة جنسها الشامل للجميع لا خصوص ما ينصرف
إليه أطلاقها عرفا والمالك بالخيار في إخراج الفريضة من أي الصنفين شاء في المدارك قال في شرحه إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في جواز الاخراج
من أحد الصنفين بين ما إذا تساوت قيمتهما أو اختلفت وبهذا التعميم جزم المصنف في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه وهو متجه لصدق الامتثال بإخراج
مسمى الفريضة وانتفاء ما يدل على اعتبار ملاحظة القيمة مطلقا كما أعترف به الأصحاب في النوع المتحد إنتهى وحكي عن الشهيدين والفاضل في بعض كتبه وغير واحد
من القدماء والمتأخرين القول بوجوب إخراج فريضة قيمتها مقسطة على الصنفين لأنه هو الذي تقتضيه قاعدة الشركة فعلى هذا لو كان عنده عشرون بقرة
وعشرون جاموسة وقيمة المسنة من أحدهما أثنى عشر ومن الاخر خمسة عشر أخرج مسنة من أي الصنفين شاء قيمتها ثلاثة عشر ونصف وأحتمل الشهيد في البيان
على ما حكي عنه أنه يجب في كل صنف نصف مسنة أو قيمته كما عن بعض العامة ثم قال ورد بأن عدول الشرع في الناقص عن ستة وعشرين من الإبل إلى غير العين إنما
هو لئلا يؤدي الاخراج من العين إلى التشقيق وهو هنا حاصل نعم لو لم يؤد إلى التشقيق كان حسنا كما لو كان عنده من كل نصاب إنتهى أقول إما الاحتمال
الأخير فهو فاسد إذ ليس لابعاض النصاب من حيث هي اقتضاء في ايجاب شئ إذ المؤثر في إيجاب الزكاة إنما هو مجموع النصاب من حيث المجموع وهو سبب لايجاب
فرد من المسنة وليس نصف من هذا ونصف من ذاك فردا من المسنة ولا العشرون من البقر والعشرون من الجاموس من حيث هما سببان لايجاب نصفي مسنة بل
مجموعها سبب واحد لايجاب مسنة وقضية إطلاق المسنة كفاية إخراج مسماها من أي الصنفين شاء كما قواه في المدارك وغيره ودعوى انصرافها في مثل الفرض
بواسطة المناسبة المغروسة في الذهن إلى فريضة قيمتها مقسطة على الصنفين غير مسموعة خصوصا بعد أن علم بأن الشارع لم يلاحظ القيمة في هذا الباب بل لاحظ
العدد فوضع في خمس من الإبل شاة وفي أربعين شاة شاة وفي ثلاثين بقرة تبيع حولي وهكذا من غير فرق بين كون الجميع من أعلى الأسنان وأغلاها قيمة أو أدناها
أو مختلفة وأما ما قيل من إن هذا هو الذي تقتضيه قاعدة الشركة ففيه بعد الغض عما حققناه من ضعف القول بالشركة الحقيقية أنه ليس لما يستحقه الفقير في
كل نصاب حد مضبوط سوى ما قدره الشارع فريضة لذلك النصاب فالعبرة في تشخيص حق الفقير المتعلق بجنس البقر بما يتبادر من إطلاق قوله في كل ثلاثين بقرة
تبيع حولي وفي أربعين بقرة مسنة وهذا ما لا يختلف فيه الحال بين أن نقول بأن حق الفقير الذي وضعه الشارع على هذا النصاب هو عين الفريضة التي قدرها
له أو بان حقه كسر شايع في النصاب محدود شرعا بوقوع الفريضة قيمة له كما هو مقتضى القول بالشركة فإخراج مسمى الفريضة على ما يقتضيه إطلاق دليلها مجز
على كل تقدير غاية الأمر أنه على القول بالشركة ليس إخراجا لعين ما يستحقه الفقير بل قيمته نعم لا يبعد أن يدع انصراف إطلاق الفريضة فيما إذا لم تكن من غير
الجنس إلى واحدة من صنف النصاب الموجود عنده المتعلق به الزكاة فإن كان جميع النصاب من الجاموس فتبيع منه وإن كان الجميع من البقر فتبيع منه وكذا إن كان
الجميع من الضأن فواحدة منه أو من المعز فكذلك وهكذا بالنسبة إلى ساير الأصناف التي يتفاوت بها الرغبات ككون الجميع عرابا أو بخاتيا أو نجديا أو
عراقيا وإذا كان مجتمعا من صنفين فواحدة منهما من أيهما تكون إلا من صنف ثالث خارج من النصاب فليتأمل ولو قال رب المال لم يحل على مالي الحول أو قد
أخرجت ما وجب علي أو تلف ما ينقص بتلفه النصاب أو أختل بعض الشرائط في أثناء الحول أو نحو ذلك ولو بان يقول أجمالا لا حق بالفعل علي في مالي قبل منه ما
لم يعلم كذبه بلا خلاف يظهر منا كما أعترف به في الجواهر ويدل عليه قول أمير المؤمنين عليه السلام لمصدقه في صحيحة بريد بن معاوية أو حسنته بإبراهيم بن هاشم
عن الصادق ثم
قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لاخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه فإن قال لك قائل لا فلا تراجعه وإن أنعم لك
منهم منعم فأنطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيرا الحديث وخبر غياث بن جعفر عن أبيه (ع) قال كان علي صلوات الله عليه إذا بعث مصدقه قال إذا أتيت
رب المال فقل تصدق رحمك الله مما أعطاك الله فإن ولى عنك فلا تراجعه وفي نهج البلاغة فيما كان يكتبه أمير المؤمنين عليه السلام لم يستعمله على الصدقات ثم تقول
عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته لاخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه فإن قال قايل لا فلا تراجعه وإن أنعم لك منعم
47

فأنطلق معه إلى أخره ولم يكن عليه بينة ولا يمين في شئ من ذلك كما يدل عليه الروايات المزبورة مضافا إلى أن الزكاة حق متعلق بما في يده وتحت سلطنته وله الولاية على
إخراجه وتبديله بالقيمة وصرفه إلى وتخصيصه ببعض دون بعض وليس لاحد معارضته في شئ من ذلك فليس لهذا الحق مستحق خاص كي يسوغ له معارضته
في شئ من ذلك ويرفع أمره إلى الحاكم كي يطالبه بالبينة أو اليمين نعم لو علم كذبه وبقاء الحق في ماله كان على الحاكم وغيره الزامه بإخراجه من باب الأمر بالمعروف كإلزامه
بفعل الصلاة وغيرها من العبادات أو استيفائه من ماله لدى امتناعه من الاخراج من باب الحسنة وعن الدروس بعد أن حكم بتصديقه في عدم الحول بغير اليمين
قال يصدق المالك في تلفها بظالم وغيره بيمينه قيل ولعله لكون الأولى على وفق الأصل دون الثانية ومقتضاه ثبوت اليمين في كل ما كان من هذا القبيل حتى الاخراج
وكيف كان فهو ضعيف فإنه لو أمتنع عن اليمين ليس لأحد أن يخرج الزكاة من ماله بعد كون المال في يده وتحت تصرفه وهو يدعي ملكيته وخلوصه عن حق الغير
من غير أن يكون في مقابله خصم يدعي كون يده عارية هذا مع أنه لم ينقل الخلاف فيه صريحا من أحد ولو شهد عليه شاهدان بأنه قد حال عليه الحول أو إن المال
موجود غير تالف أو أنه لم يخرجها في الوقت الذي يدعيه بحيث تخرج الشهادة عن كونها شهادة على النفي قبلا لعموم حجية البينة حسبما تقرر في محله فهي بمنزلة
العلم والرويات المزبورة منصرفة عن مثل الفرض ولكن لا يخفى عليك إن قبول البينة في حول الحول وعدم الاخراج ونحوهما إنما يجدي في جواز الزامه بإخراج
الزكاة واستيفائه من ماله إذا علم أو أعترف بثبوت الحق في ماله بالفعل على تقدير كونه كاذبا في دعوى الاخراج أو اختلال شئ من الشروط وإلا فليست البينة أوضح
حالا من العلم بكونه كاذبا فيما يدعيه من الاخراج ونحوه وهذا بنفسه لا يسوغ الزامه بدفع الزكاة واستيفائها من ماله ما لم يعترف بثبوت الحق فيه بالفعل أو يعلم من
الخارج بكونه كذلك ولا يكفي في ذلك العلم إجمالا بتعلق الزكاة بماله وكونه كاذبا فيما يدعيه من الاخراج أو عدم حول الحول لامكان سقوطها عنه بتلف أو
احتسابها من دين أو غير ذلك من الأسباب التي لم يرد أظهارها فاستند إلى دعوى كاذبة تخلصا عن كلفة الجواب وكون ذلك كله مخالفا للأصول غير قادح بعد
كون يده حجة شرعين للحكم بكون ما في يده بالفعل ملكا طلقا له وعدم جواز الزامه بدفع شئ منه إلى الغير ما لم يقم بينة على خلافه أو يكون في مقابلة خصم ينكر انتقاله
إليه وإذا كان للمالك أموال متفرقة في أماكن متباعدة من أحد الأجناس الزكاتية كان له إخراج الزكاة من أيها شاء كما هو واضح ولعل وجه تخصيصه بالذكر
مع استفادته من المباحث السابقة وقوع الخلاف فيه من بعض أهل الخلاف بناء منه على منع إخراج الزكاة عن البلد التي حصلت فيه مع وجود المستحق وفيه إن
هذا ليس إخراجا للزكاة التي حصلت فيه مع أن في كبراه نظرا بل منعا كما ستعرفه إن شاء الله ولو كان السن الواجبة في النصاب كبنت المخاض والحقة و
التبيع مثلا مريضة أو هرمة أو ذات عوار وباقي النصاب صحيحا فتيا سليما لم يجب على الساعي أخذها بل لا يجوز إلا أن يرى من المصلحة في قبوله كما عرفته فيما سبق
وأخذ غيرها مما هي أعلى سنا أو أدنى على التفصيل الذي مر شرحه في مبحث الابدال وقد أشرنا فيما مر إلى أنه لا يتعين على المالك إخراج الفريضة أو بدلها من عين
النصاب بل له إخراجها عينا أو قيمة من مال آخر وأما الساعي فليس له استيفائها عينا أو بدلا حتى مع امتناع المالك من أداء الزكاة إلا من النصاب ومن هنا
يظهر أنه لو كان ما بلغ النصاب كله مراضا أو هرمة أو ذات عوار لم يكلف شراء صحيحة بل على الساعي أن يقبل منه ما يدفعه إليه من النصاب بالذي تعلق به مما يندرج
في مسمى فريضته عينا أو بدلا كما يدل عليه الروايات الواردة في آداب المصدق وما ورد فيها من النهي عن أخذ الهرمة وذات العوار منصرف عما إذا كان النصاب كله
كذلك كما أن خروج المريضة والهرمة وذات العوار عن منصرف إطلاق لفظ الفريضة الثابتة في النصاب مثل قوله في كل أربعين شاة شاة أو أربعين بقرة مسنة
إن سلمت فهي فيما إذا لم يكن جميع النصاب كذلك وإلا فدعوى انصراف الاطلاقات عن مثل هذا النصاب أولى من دعوى انصراف فريضتها إلى الصحيحة السليمة
عن العيب هذا مع أن الحكم في حد ذاته بحسب الظاهر مما لا خلاف فيه بيننا بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب بل عن العلامة في المنتهى نسبته
إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه ثم حكى عن بعض العامة قولا بوجوب شراء الصحيحة لاطلاق قوله عليه السلام لا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار وأجاب
عنه بالحمل على ما إذا كان النصاب صحاحا لأنه المتعارف وهو جيد واستدل أيضا للمدعى بأنه هو الذي يقتضيه قاعدة تعلق الزكاة بالعين وكونها على
وجه الشركة الحقيقية كما نسب إلى المشهور حيث إن الفقير على هذا لا يستحق إلا كسرا مشاعا في الجميع فإذا كان الجميع مراضا لم يتسحق الفقير إلا جزء منها فكيف
يصح إن يكلف المالك بشراء الصحيحة وربما فرعوا على هذا وجوب ملاحظة النسبة بحسب القيمة فميا لو كان نصفه أو ثلثه أو أقل أو أكثر بل واحدة منها مريضة و
الباقي صحيحة أو بالعكس وفيه ما عرفت أنفا من أنه ليس لما يستحقه الفقير حد مضبوط وإنما يعرف مقدار ما يستحقه الفقير في النصاب بما فرضه الشارع للفقير
في ماله بقوله في أربعين شاة شاة وفي ثلاثين بقرة تبيع حولي وفي ست وعشرين من الإبل بنت مخاض وهكذا فإن قلنا بأن المنساق من هذه الأدلة إنما هو الفرد
الصحيح السوي مطلقا فكون النصاب كلها مراضا غير مجد في الاجتزاء بغير الصحيح إذا لا امتناع في إيجاب الشارع في هذا المال حصة شايعة تعادل فردا صحيحا من
الفريضة على القول بالشركة كما أنه لا امتناع فيه أيضا على القول بأن الفريضة عين ما يستحقه الفقير وإن إيجابها في النصاب من قبيل استحقاق غرماء الميت حقهم
من تركته فالحق ما عرفت من منع الانسياق المذكور بل قد أشرنا فيما سبق من إمكان دعوى القطع في مثل هذه الفروض الخارجة عن المتعارف التي يكون دعوى خروجها
عن منصرف إطلاقات النصوص بأن الشارع لم يجعل الزكاة فيها بأكثر من فريضة من صنفها نعم يجب إن لا يكون ما يدفعه صدقة من أدنى الافراد وأشدها مرضا أو
أكثرها عوارا بحيث في موضوع النهي الواردة في قوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولا يؤخذ الربى وهي الوالد إلى خمسة عشر يوما على ما في المتن وغيره بل عن
بعض نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالاجماع عليه ولكن كثير منهم بعد أن فسروها بذلك قالوا وقيل إلى خمسين يوما ولكنهم لم يسموا قائلة وأما ما ذكروه من التحديد
بالخمسة عشر فهو وإن كان معروفا بين الفقهاء ولكنه غير معروف في كلمات اللغويين قال الجوهري على ما حكي عنه الربي على فعلى بالضم التي وضعت حديثا وجمعها
رباب بالضم والمصدر رباب بالكسر وهو قرب العهد بالولادة تقول شاة ربي بنية الرباب وأعنز رباب وفي الحدائق بعد أن نسب إلى ظاهر أصحاب الاتفاق على إنه لا يؤخذ
48

الربى ولا الأكولة ولا فحل الضراب واستدل عليه بموثقة سماعة الآتية قال والأصحاب قد عللوا المنع في الربى بالاضرار بولدها وجعلوا الحد في المنع من أخذها
إلى خمسة عشر يوما وقيل إلى خمسين يوما ولم نجد لهذين الحدين مستندا والذي يفهم من كلام أهل اللغة أن الربي هي التي ولدت حديثا كما في الصحاح
وفي النهاية أنها قريبة العهد بالولادة إنتهى وقد تعرض في مفتاح الكرامة لنقل كلمات جملة من اللغويين فقال فقال في القاموس الربي كحبلى الشاة إذا
ولدت وإذا مات ولدها أيضا والحديثة النتاج وفي الصحاح هي التي ولدت حديثا وفي النهاية قريبة العهد بالولادة وعن جامع اللغة هي الشاة إذا
ولدت وأتى عليها من ولادتها عشرة أيام أو بضعة عشر وعن الأزهري هي ربي ما بينها وبن شهر وعن أبي عبيدة الربي من المعز والضان وربما جاء في الإبل
أيضا وفي مجمع البحرين قال هي الشاة تربي في البيت من الغنم لأجل اللبن وقيل الشاة القريبة العهد بالولادة وقيل هي الوالد ما بينها وبين خمسة عشر يوما
وقيل ما بينهما وبين عشرين وقيل ما بينها وبين شهرين وخصها بعضهم بالمعز وبعضهم بالضأن وانتهى والذي يغلب على الظن إنها لغة وعرفا ما كانت
قريبة العهد بالولادة وهذا معنى مقول بالتشكيك ومن هنا نشأ الاختلاف في تحديده فكان ما ذكره الأصحاب من التحديد بالخمسة عشر هو القدر المتيقن
مما يطلق عليها أنها ولدت حديثا وكيف كان فمما يدل على المنع عن أخذ الربى بالمعنى المزبور موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تؤخذ الأكولة والأكول
الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ولا والدة ولا الكبش للفحل إذ الظاهر أن المراد بالوالد عن قرب وربما علل المنع عن أخذها بكونه أضرارا بالمالك
أو بولدها ويؤيده ما في مجمع البحرين قال وفي حديث المصدق دع الربي والماخض والأكولة أمر المصدق أن يعد هذه الثلاثة ولا يأخذها لأنها خيار المال و
لكن الظاهر كون الحديث عاميا بل في الجواهر نقله عن النهاية من حديث عمر بأدنى اختلاف في اللفظ ناش من تحريف الناسخ وكيف كان فلا باس بإيراده في مقام
التأييد واستوجه في المسالك كون العلة في المنع المرض لأنها بمنزلة النفساء والنفساء مريضة ولذا لا يقام عليها الحد قال وعلى هذا لا يجزي إخراجها وإن
رضي المالك انتهى أقول لا يعد هذا مرضا في العرف وعلى تقدير صدق كونها مريضة عرفا فلا دليل على منع مطلق المرض بحيث يتناول مثل ذلك عن قبولها
صدقة كما لا يخفى والأولى الالتزام به من باب التعبد بظاهر الموثقة المزبورة دون مثل هذه التعليلات الغير المطردة نعم سوق الرواية يشهد بأن ذلك من باب
الارفاق بالمالك فتجزي مع رضاه كما عن جماعة التصريح به بل عن ظاهر المحكي نفي الخلاف فيه خلافا لظاهر من علله بالمرض وقد عرفت ما فيه وقد
ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام تفسير الربي بالتي تربي اثنين قال ليس في الأكيلة ولا في الربي والربى التي تربي اثنين ولا شاة لبن ولا
فحل الغنم صدقة هكذا نقله في الجواهر وأحتمل كون التفسير من الراوي إلا أنه قال لكن عن الفقيه روايته ولا في الربي التي تربي اثنين فتعين كونه من لفظ الإمام عليه السلام
وكيف كان فظاهر هذه الصحيحة عدم عد الربي بهذا المعنى من النصاب كما أن ظاهرها ذلك أيضا بالنسبة إلى الأكولة وفحل الضراب لا أنها تعد منه و
لكنها لا تؤخذ في الصدقة وهو خلاف المشهور وسيأتي البحث عنه إن شاء الله وكذا لا تؤخذ الأكولة وهي السمينة المعدة للاكل ولا فحل الضراب كما يدق
عليها الموثقة المتقدمة وما في الموثقة من تفسير الأكولة بالكبيرة من الشاة غير مناف لما سمعته من تفسيرها بالسمينة المعدة للاكل إذا الظاهر أن هذا
المعنى هو المراد بالكبيرة المذكورة في الرواية لا الكبيرة من حيث السن كما يشهد لذلك كونها مفسرة بذلك في اللغة فعن الصحاح الأكولة الشاة التي تعزل
للاكل وتسمن وفي القاموس الأكولة العاقر من الشياه والشاة تعزل للاكل وعن العلامة في المنتهى أنه علل المنع عن أخذهما بأن في تسلط الساعي على أخذهما
أضرارا بالمالك فكان منفيا وبقوله عليه السلام لمصدقة إياك وكرائم أموالهم والفحل المعد للضراب من كرائم الأموال إذ لا يعد للضراب في الغالب إلا الجيد من
الغنم ثم قال ولو تطوع المالك بإخراج ذلك جاز بلا خلاف لان النهي عن ذلك ينصرف إلى الساعي لتفويت المالك النفع وللارفاق به لا لعدم أجزائهما
إنتهى أقول قد أشرنا أنفا إلى أن المنساق من الموثقة المزبورة الناهية عن أخذ الأكولة والوالدة وفحل الضراب بواسطة المناسبة المغروسة في الذهن إنما
هو رعاية حال المالك والارفاق به كما فهمه الأصحاب فما ذكروه من أنه لو تطوع المالك بإخراجها جاز متجه لا يقال فعلى هذا لا وجه لتخصيص هذه الثلاثة
بالمنع بعد ما بينا فيما سبق من أن الخيار للمالك في إخراج أيهما شاء لأنا نقول المقصود بمثل هذه النواهي بيان ما يستحقه الساعي بحيث لو أمتنع المالك عن
أداء الزكاة أو كان غائبا مثلا أو أوكل الامر إليه بأن يقول له خذ ما تستحقه من غير زيادة فيستفاد من مثل هذه النواهي أنه ليس للساعي عند كون الامر موكولا
إليه شرعا أو برخصة المالك أن يأخذ مثل المذكورات التي هي كرائم أموالهم فلا ينافيه كون المالك مخيرا في دفع أيها شاء ثم أنهم اختلفوا في عد الأكولة
وفحل الضراب من النصاب فظاهر الأكثر كما في المدارك بل المشهور كما في الحدائق عدهما وحكي عن جمع منهم المحقق في النافع والشهيد في اللمعة والعلامة
في الارشاد عدم عدهما وأختاره صريحا في الحدائق وعن المحقق الأردبيلي نفي البعد عنه لقوله عليه السلام في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة ليس في الأكيلة ولا
في الربي التي تربي اثنين ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة فإن ظاهرها عدم تعلق الزكاة بهذه الأصناف كما تقدمت الإشارة إليه وفي المدارك بعد أن
استدل للقول المزبور بهذه الصحيحة قال وهي غير صريحة في المطلوب لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة لا عد تعلق
الزكاة بها بل ربما تعين المصير إلى هذا الحمل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عد شاة اللبن والربي واستقرب الشهيد (ره) في البيان عدم عد الفحل خاصة إلا
أن يكون كلها فحولا أو معظمها فيعد والمسألة محل إشكال ولا ريب في عد الجميع أولى وأحوط إنتهى واعترضه في الحدائق بأن الصحيحة وإن لم تكن صريحة كما
ذكره إلا أنها ظاهرة في ذلك تمام الظهور والاستدلال لا يختص بالصريح بل كما يقع به يقع بالظاهر إلى أن قال وما أيد به هذا الحمل من قوله بعد العبارة
المتقدمة بل ربما تعين المعير إلى هذا الحمل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على عد شاة اللبن والربي ففيه أن ما ذكره من الاتفاق غير معلوم ولا مدعي في المسألة
ومع فرض دعواه فأي مانع من العمل بظاهر الخبر وترجيحه على الاجماع المذكور ومع تسليم العمل به وترجيحه على الخبر فأي مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي
49

مما لم يقم إجماع ولا دليل على ما ينافيه إنتهى ملخصا أقول ما ذكره من ظهور الصحيحة نفي تعلق الزكاة بالمذكورات وصحة الاستدلال بالظاهر وعدم صلاحية
نقل الاجماع بعد ثبوته لمعارضتها وجيه ولكن الغالب في المذكورات عدم كونها مرسلة في مرجها عامها إذ المراد بشاة اللبن على الظاهر ما يعزلها صاحب الغنم عن
قطيعه التي يرسلها في مرجها عامها ويتركها في بيته للانتفاع بلبنها في مؤنة عياله والواردين عليه من الضيف ونحوه وهي لا تكون غالبا إلا معلوفة كما أن الأكيلة
التي تعزل للاكل وتسمن لا تكون غالبا إلا كذلك بل فحل الضراب أيضا في الغالب ليس إلا كذلك وكذلك الربي التي تربى اثنين فلا محالة قد يرعيها المالك
في الغالب ولو بعلفها في الليل فيمكن كون الصحيحة واردة مورد الغالب من عدم تحقق شرط الزكاة أي السوم محضا من غير كونه مشوبا بالعلف في المذكورات
فيشكل حينئذ رفع اليد عن عمومات أدلة الزكاة بمثل هذا الاطلاق خصوصا بعد الالتفات إلى أن ثبوت الزكاة في مثل هذه الأصناف على تقدير كونها جامعة للشرائط
أولى لكونها من خيار أمواله وأكثرها نفعا فكونها كذلك موجب لصرف الاطلاق إلى غيرها مما لا تكون جامعة للشرائط لو لم نقل بانصرافها في حد ذاتها إليه
من حيث الغلبة فما ذهب إليه المشهور ومع أنه أحوط هو الأقوى ويجوز أن يدفع من غير غنم البلد وإن كان أدون قيمة سواء كان في زكاة الإبل أو الغنم لاطلاق
أدلتها وفصل بينهما في المسالك فقال في شرح عبارة المصنف هذا أي جواز الاخراج من غير غنم البلد مع التساوي في القيمة أو كونها زكاة الإبل وإلا لم يجز
إلا بالقيمة ولعل مبناه دعوى أن المنساق من قوله عليه السلام في أربعين شاة شاة إرادة واحدة من النصاب وإن الاجتزاء بدفع شاة من غير غنم البلد إنما هو من باب
القيمة ولكن مقتضى ذلك اعتبار التساوي في القيمة حتى في غنم البلد إذا كانت خارجة من النصاب ولعله ملتزم بذلك وتخصيص الكلام بما إذا كان من غير
البلد للجري مجرى الغالب من عدم زيادة قيمة جميع أجزاء النصاب من قيمة الافراد المتعارفة من سائر غنم البلد وكيف كان فهو ضعيف لما عرفت فيما سبق من إن
ظاهر النصوص والفتاوى وقوع مطلق الشاة التي يأخذها المصدق مصداقا للفريضة الواجبة عليه لا خصوص ما هي أجزاء النصاب وكيف لا مع ذهاب المشهور
إلى كفاية الجذع من الضأن في زكاة الغنم مع أنه يمتنع كونه من أجزاء النصاب بناء على المشهور من تفسيره بما كمل له سبعة أشهر ويجزي الذكر والأنثى
سواء كان النصاب فحولا أو إناثا أو ملفقا لتناول الاسم أي اسم الشاة التي جعلت فريضة لهما على الاطلاق بمقتضى إطلاق دليلها فما عن الخلاف من أن من
كان عنده أربعون شاة أنثى أخذ منه أنثى وفي الذكر يتخير وعن جامع المقاصد من أنه يتخير في الذكران أو في شاة الإبل لا مطلقا وعن المختلف من أنه يجوز
دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة منها دون غيره ضعيف ودعوى أنه هو مقتضى قاعدة الشركة في العين قد عرفت ما فيها فيما مر كما أنك عرفت آنفا اندفاع
ما قد يتوهم من أنه إذا كانت الجميع أنثى فلا يكون دفع الذكر إلا من باب القيمة فلا يكون مجزيا إلا إذا كان بقيمة واحدة منها فلا حظ. القول في زكاة
الذهب والفضة: ولا تجب في الذهب حتى تبلغ عشرين دينارا أي مثقالا شرعيا في الجواهر بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى بل الاجماع
بقسميه عليه والنصوص متواترة فيه فإذا بلغ عشرين ففيه نصف دينار وهو كما في المتن وغيره عشرة قراريط في القاموس القيراط والقراط بكسرهما يختلف
وزنه بحسب البلاد فبمكة ربع سدس دينار وبالعراق نصف عشره فما في المتن وغيره بل الشايع في عرف الفقهاء من التعبير عن نصف دينار بعشرة قراريط
وعن عشره بقيراطين منزل على ما بالعراق ثم ليس في الزائد شئ حتى تبلغ أربعة دنانير ففيها قيراطان ولا زكاة فيما دون عشرين مثقالا ولا فيما دون أربعة
دنانير ثم كلما زاد المال أربعة ففيه قيراطان بالغا ما بلغ وقيل لا زكاة في العين أي المذكورة حتى تبلغ أربعين دينارا ففيه دينار وقد نسب في المعتبر على
ما حكى عنه هذا القول إلى ابني بابويه وجماعة وعن الخلاف نسبته إلى قوم من أصحابنا والقول الأول أشهر فتوى ورواية بل هو المشهور كما ادعاه غير واحد
بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه أو نفي الخلاف ويدل عليه أخبار كثيرة منها ما عن الكليني في الصحيح عن الحسين بن يسار قال سئلت أبا الحسن عليه السلام
في كم وضع رسول الله صلى الله عليه وآله الزكاة فقال في كل مأتي درهم خمسة دراهم فان نقصت فلا زكاة فيها وفي الذهب في كل عشرين دينارا نصف دينار فان نقص فلا زكاة
فيها وفي الموثق عن علي بن عقبة وعدة من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ فإذا كملت عشرين مثقالا
ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين وإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة
وعنهم بأسناده عن أبي عيينة عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا جازت الزكاة العشرين دينارا ففي كل أربعة دنانير عشر دينار وعن الشيخ في الصحيح عن أحمد بن محمد
بن أبي نصر قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عما أخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شئ قال ليس فيه شئ حتى يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا وعنه
في الموثق عن يحيى بن أبي العلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال في عشرين دينارا نصف دينار وعنه أيضا في الموثق عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال في الذهب إذا
بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار وليس فيما دون العشرين شئ وفي الفضة إذا بلغت مأتي درهم خمسة دراهم وليس فيما دون المأتين شئ فإذا زادت تسعة
وثلاثون على المأتين فليس فيها شئ حتى تبلغ الأربعين وليس في شئ من الكسور شئ حتى تبلغ الأربعين وكذلك الدنانير على هذا الحساب وعنه أيضا في الموثق
عن زرارة وبكير إنهما سمعا أبا جعفر عليه السلام يقول في الزكاة أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شئ فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار وليس
في أقل من مأتي درهم شئ فإذا بلغ مأتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك وليس في مأتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلا خمسة دراهم فإذا
بلغت أربعين ومأتي درهم ففيها ستة دراهم فإذا بلغت ثمانين ومأتي درهم ففيها سبعة دراهم وما زاد فعلى هذا الحساب وكذلك الذهب الحديث ويدل عليه أيضا
صحيحة الحلبي قال وسئل أبو عبد الله عليه السلام عن الذهب والفضة ما أقل ما يكون فيه الزكاة قال مأتا درهم وعدلها من الذهب وصحيحة محمد بن مسلم أو حسنته
قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الذهب كم من الزكاة فقال إذا بلغ قيمته مأتي درهم فعليه الزكاة فإن قيمة مأتي درهم في صدر الشريعة عشرون دينارا على ما نص
عليه الأصحاب وشهدت به الآثار ولذلك خير الشارع في باب الديات والجنايات بينهما وجعلهما على حد سواء إلى غير ذلك ويدل عليه أيضا غير ذلك من
50

الروايات التي لا حاجة إلى استقصائها وستمر عليك جملة منها في طي المباحث الآتية إن شاء الله واستدل للقول الاخر بموثقة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام أنهما قالا في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال وفي الورق في كل مايتن خمسة دراهم وليس في أقل من أربعين مثقالا شئ ولا في أقل من مأتي
درهم شئ وليس في النيف شئ حتى يتم أربعون فيكون فيه واحد واستدل له أيضا بصحيحة زرارة المروية عن التهذيب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عنده مأة
درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا أيزكيها قال لا ليس عليه شئ من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى تتم أربعين والدراهم مأتي
درهم وقال قلت فرجل عنده أربعة أنيق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرين بقرة أيزكيهن قال لا يزكي شيئا منها لأنه ليس شئ منهن قد تم فليس
تجب فيه الزكاة وفي الحدائق بعد أن نقل الاستدلال له بهذه الرواية قال ما لفظه ويشكل بأن هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه بما هذه صورته
قال زرارة قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عنده مأة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أيزكيهما فقال لا وليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير
حتى تتم قال زرارة وكذلك هو في جميع الأشياء وقال قلت إلى آخر ما تقدم وبذلك يضعف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور ولهذا أن المحدث الكاشاني
في الوافي إنما نقل الخبر برواية الصدوق ثم نبه على رواية الشيخ وقال إن ما في الفقيه هو الصواب إنتهى ما في الحدائق ومما يؤيد وقوع التحريف في رواية الشيخ
ولكن من النساخ لا منه إن الشيخ أورد هذه الرواية كما سمعت ولم يتعرض لتوجيهها كما تعرض لتوجيه الرواية الأولى بما ستسمعه فهذا ينبئ عن إن تلك الرواية
لم تكن مخالفة لمذهبه وإنما وقع الاشتباه في نقلها وكيف كان ففي المدارك بعد أن نقل احتجاج ابن بابويه لمذهبه برواية الفضلاء قال وهذه الرواية مروية
في التهذيب والاستبصار بطريق فيه علي بن الحسن بن فضال وقيل أنه فطحي لكن روى الشيخ في الصحيح عن زرارة نحو ذلك فإنه قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
رجل عنده مأة درهم وتسعة وتسعون درهما ثم ساق الحديث إلى مأتي درهم ثم قال وأجاب الشيخ في التهذيب عن الرواية الأولى بأن قوله عليه السلام ليس في أقل من
أربعين مثقالا شئ يجوز أن يكون أراد به دينارا واحدا لان قوله شئ يحتمل الدينار ولما يزيد عليه ولما ينقص عنه وهو يجري مجرى المجمل الذي يحتاج إلى
التفصيل قال وإذا كنا قد روينا الأحاديث المفصلة في أن في كل عشرين دينارا نصف دينار وفيما يزيد عليه في كل أربعة دنانير عشر دينار وحملنا قوله عليه السلام
وليس فيما دون الأربعين دينارا شئ أنه أراد به دينارا واحدا لأنه متى نقص عن الأربعين إنما يجب فيه دون الدينار فأما قوله في أول الخبر في كل أربعين مثقالا
مثقال ليس فيه تناقض لما قلناه لان عندنا أنه يجب فيه دينار وإن كان هذا ليس بأول نصاب وإذا حملنا هذا الخبر على ما قلناه كنا قد جمعنا بين هذه الأخبار
على وجه لا تنافي بينها هذا كلامه رحمه الله تعالى ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ويمكن حمل هذه الرواية على التقية لأنها
موافقة لمذهب بعض العامة وإن كان أكثرهم على الأول إنتهى ما في المدارك أقول لولا مخالفة الاجماع وأعراض المشهور عن هذه الرواية لكان الجمع
بينها وبين غيرها من الروايات المزبورة بحمل الزكاة فيما دون الأربعين على الاستحباب أولى من ارتكاب هذا النحو من التكلفات وإن كان هذا أيضا لا
يخلو من إشكال فإن الاخبار بظاهرها متعارضة والمقام مقام الترجيح لا الجمع من الواضح قصور هذه الرواية عن معارضة الروايات المشهورة بين الأصحاب
فتوى ورواية من جميع الوجوه فالأولى رد علمها إلى أهله ولا زكاة في الفضة حتى تبلغ مأتي درهم ففيها خمسة دراهم ثم كلما زاد أربعين كان فيها درهم في الجواهر
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك نصا وفتوى بل الاجماع بقسميه عليه والنصوص يمكن دعوى تواترها فيه أقول وقد تقدم جملة من النصوص الدالة عليها ولا حاجة
إلى استقصائها وليس فيما نقص عن الأربعين زكاة كما ليس فيما ينقص عن المأتين شئ ولو يسيرا كالحبة ونحوها وإن تسومح فيه في المعاملات العرفية لان
المسامحة العرفية لا يبتني عليها الأحكام الشرعية إذ الحقيقية في التقدير كونه على التحقيق دون التقريب كما أعترف به في الجواهر ولكن لا يخفى عليك أن
المسامحة العرفية قد تكون في الصدق كإطلاق المثقال أو الرطل أو المن أو غير ذلك من أسماء المقادير على ما نقص عنها بمقدار غير معتد به مسامحة كإطلاق
المن على ما نقص عنه بمثقال والمثقال على ما نقص عنه نصف حبة مثلا وهذا إطلاق مسامحي مبنى على ضرب من التجوز فهذا مما لا اعتداد به في التقديرات الشرعية
الواردة في مقام التحديد كما في قوله عليه السلام ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شئ فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال فإن مقتضى حمله على
حقيقته نفي الزكاة فيما نقص عن العشرين كائنا ما كان ولو أقل قليل وقد تكون في المصداق كاطلاق الذهب على الذهب الردي الغير الخالص عن الاجرام
الموجبة لردائته وإطلاق الحنطة على الحنطة الغير النقية على الاجزاء الأرضية وشبهها المستهلكة فيها وهذا النحو من المسامحة موجبة لاندراج الموضوعات
تحت مسمياتها عرفا فيكون إطلاق العرف أساميها عليها أطلاقا حقيقيا فيترتب عليها أحكامها وقد تقدم في كتاب الطهارة في مبحث المياه وكذا في
التيمم بالتراب مزيد توضيح لذلك فلا حظ ثم إن الظاهر أن أسماء المقادير أسام لأصول مضبوطة محدودة في الواقع بحدود غير قابلة للزيادة والنقيصة
فكان جميعها مأخوذة من أصل واحد مثل إن الذراع الجديد الذي وضعه العباسيون لتحديد المسافات أصله ذراع خاص عينه المأمون مثلا لتقدير المساحة
وحقة إسلامبول المتعارفة في هذه الاعصار أصلها الحقة التي أرسلوها من إسلامبول إلى ساير البلاد وهكذا ساير المقادير فالعشرون مثقالا الذي
هو نصاب الذهب اسم لمقدار خاص لا يصدق حقيقة على ما نقص عن ذلك المقدار ولو بمقدار شعرة وكل فرد من أفراد الذهب أو غيره أما بالغ وزنه هذا
الحد أوليس ببالغه وطريق معرفته موازنته بالموازين المتعارفة في البلاد اللاتي يعتمد عليها العرف والعقلاء في تشخيص مقادير الأشياء فلو أختلف الموازين فبلغ
ببعضها حد النصاب دون الاخر سقطت الموازين على الاعتبار حيث علم أجمالا بمخالفة أحدهما للواقع ولدى تعذر تحقيق ما هو الحق منهما يجب الرجوع في حكمه إلى ما
يقتضيه الأصل وهو براءة الذمة عن التكليف بالزكاة كما حكي القول بذلك عن خلاف الشيخ وتذكرة الفاضل خلافا لما عن غير واحد من الحكم بالوجوب ففي
المسالك بعد أن أعترف بأنه لو نقص عن النصاب ولو حبة في كل الموازين لم تجب الزكاة قال وأما لو نقص في بعضها وكمل في بعض أخر وجبت لاغتفار مثل ذلك في
51

المعاملة وفيه إن اغتفاره في المعاملة مبني على المسامحة ولذا يتسامحون لدى اختلاف الموازين في الفضة بما لا يتسامحون بمثله في الذهب وفي الحنطة والشعير بما لا يتسامحون
في النقدين وفي أيام الرخاء بما لا يتسامحون في أيام الغلاء والحاصل أن المدار على بلوغ النصاب حقيقة لا مسامحة واختلاف في الموازين واتفاقها لا يؤثر
في تغيير الحكم واستدل له أيضا بصدق بلوغ النصاب بهذا الميزان وهو كاف في وجوب الزكاة إذ لا يعتبر بلوغه بالجميع لعدم إمكان تحققه وفيه ما عرفت من أن
موضوع الحكم كونه في حد ذاته بالغا حد النصاب سواء وجد في العالم ميزان أم لم يوجد والرجوع إلى الموازين المتعارفة في البلد لكونها طريقا لمعرفة مقادير الأشياء
فإذا بلغ النصاب شئ منها يجب التعويل عليه من باب أصالة الصحة والسلامة ما لم يعلم نقصه كما جرت عليه سيرة العرف والعقلاء في معاملاتهم ولدى معارضة
بعضها ببعض سقطت الجميع عن الاعتبار فيصير الأصول مرجعا حتى عند العرف والعقلاء كما لا يخفى على من راجعهم في أبواب معاملاتهم من مثل بيع السلم وشبهه ما لم
يكن بنائهم على المسامحة فلا حظ والدرهم ستة دوانيق والدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير في الجواهر بلا خلاف أجده بل عن ظاهر بعض وصريح غيره دعوى اتفاق
الخاصة والعامة عليه وتصريح اللغويين به وفي المدارك بعد أن ذكر أن الواجب حمل الدرهم الواقع في النصوص الواردة عن الأئمة عليهم السلام على ما هو المتعارف في زمانهم
عليهم السلام قال وقد نقل الخاصة والعامة إن قدر الدرهم في ذلك الزمان ستة دوانيق ونص عليه جماعة من أهل اللغة وقال العلامة في القواعد والدرهم ستة دوانيق
والدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير والمثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام أما الدارهم فإنها مختلفة الأوزان وأستقر الامر في الاسلام على أن وزن الدرهم
ستة دوانيق كل عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب وفي مفتاح الكرامة قال في شرح هذه العبارة أما كون الدرهم ستة دوانيق فقد صرح به في المقنعة و
النهاية والمبسوط والخلاف وما تأخر عنها بل ظاهر الخلاف إن عليه إجماع الأمة وظاهر المنتهى في الفطرة الاجماع وفي المدارك أنه نقله الخاصة والعامة ونص
عليه جماعة من أهل اللغة وفي المفاتيح أنه وفاقي عند الخاصة والعامة وفي الرياض أنه لم يجد فيه خلافا بين الأصحاب وأنه عزاه جماعة منهم إلى الخاصة والعامة و
علمائهم مؤذنين بكونه مجمعا عليه عندهم وأما كون وزن الدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير فقد صرح به المفيد وجمهور من تأخر عنه وفي المفاتيح إنه
لا خلاف فيه منا وقال العلامة المجلسي في رسالته على ما حكي عنه في تحقيق الأوزان إنه متفق عليه بينهم وإنه صرح به علماء الفريقين ومثله قال صاحب الحدائق
وفي المدارك قطع به الأصحاب وفي المنتهى نسبته إلى علمائنا وأما كون كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل فظاهر الخلاف إجماع الأمة عليه وفي رسالة المجلسي إنه مما لا شك فيه ومما
اتفقت عليه الخاصة والعامة وقال أيضا إن مما لا شك فيه إن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي فالصيرفي مثقال وثلث من الشرعي ثم قال وأما كون المثاقيل
لم تختلف في جاهلية ولا إسلام عما هي عليه الآن ففي الحدائق إنه صرح به علماء الطرفين وقد نقل عن الرافعي في شرح الوجيز ثم قال قلت وهو الموجود في
شرحه الآخر لليمني وبه صرح المصنف في النهاية والمحقق الثاني على ما حكي يستفاد ذلك من قولهم الدرهم ستة دوانيق والدانق ثماني حبات من أوسط حب الشعير
فيحث علم الدرهم وعلم نسبته إلى المثقال علم المثقال إنتهى ما في مفتاح الكرامة وفي الحدائق قال لا خلاف بين الأصحاب رضوان الله عليهم وغيرهم أيضا إن الدنانير
لم يتغير وزنها عما هي عليه الان في جاهلية ولا إسلام صرح بذلك جملة من علماء الطرفين قال شيخنا العلامة أجزل الله إكرامه في النهاية والدنانير لم يختلف
المثقال منها في جاهلية ولا إسلام وكذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز إنه قال المثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام والدينار مثقال شرعي فهما متحدان
وزنا فإذا يعبر في أخبار الزكاة تارة بالدينار وتارة بالمثقال وأما الدراهم فقد ذكر علماء الفريقين أيضا إنها كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله سابقا كما كانت قبل زمانه
بغلية وكان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق طبرية وزن الدرهم منها أربعة دوانيق هكذا بعده إلى زمن بني أمية فجمعوا الدرهمين وقسموها نصفين
كل درهم ستة دوانيق وأستقر أمر الاسلام على ذلك قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقل عن ابن دريد إن الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين منسوب
إلى رأس البغل ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية وزنه ثمانية دوانيق قال إن البغلية كانت تسمى قبل الاسلام بالكسروية فحدث لها هذا الاسم في الاسلام
والوزن بحاله وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانيق ولما كان في زمن عبد الملك جمعهما واتخذ الدرهم منهما وأستقر أمر الاسلام على ستة دوانيق
إنتهى ما في الحدائق ولقد أطلنا الكلام في نقل الكلمات حيث إنها هي العمدة في تشخيص مثل هذه الموضوعات وإن كانت العادة قاضية بأن ما أشتهر بين المسلمين
في ضبط مقدار الدينار والدرهم الذين بني عليهما أحكام شرعية كثيرة عامة الابتلاء من كون المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي وكون الدرهم نصف
المثقال وخمسه مأخوذا من أسلافهم يدا بيد خصوصا بعد الالتفات إلى قضاء العادة ببقاء عين الدراهم والدنانير المتعارفة في تلك الاعصار إلى الأعصار المتأخرة
بل قد يوجد في هذه الاعصار من الدنانير القديمة ولعله منها الدنانير التي يقال لها أبو لعيبة فمثل هذه الأشياء لا يختفى وزنها على العلماء المتصدين لضبطه
وأما ما ذكره من تحديد الدرهم بستة دوانيق والدانق بثمان حبات من أوسط حب الشعير كتحديدهم للذراع الأسود الذي وضعه العباسيون بعدة أصابع وتحديد كل
أصبع بسبع شعيرات أو ست وتحديد كل شعير بسبع شعرات فهو تحديد تقريبي ذكروه لشدة الاحتياط في ضبطه بما لا يسلم عن اختلاف كثير حتى بالنسبة إلى صنف
واحد من شعير مكان خاص في سنة واحدة فضلا عن البلاد المختلفة في الأقاليم المتشتتة كما لا يخفى على من أختبره بمكيال كبير إذ قلما يتفق مساواة مكيالين منه في
العدد وفي الحدائق بعد أن نقل عن علماء الفريقين التصريح بأن الدرهم ستة دوانيق وأن كل دانق ثمان حبات قال إلا أنا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في
زماننا لأجل استعلام كمية صاع الفطرة بصنج البحرين فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعية وهي الدنانير والظاهر أن حبات
الشعير المتعارفة سابقا كان أعظم حجما وأثقل وزنا من الموجود في زماننا إنتهى ولعل هذا هو الوجه فيما ورد من تحديد الدانق باثني عشرة حبة من أوسط حب
الشعير في خبر سليمان بن حفص المروي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال الدرهم ستة دوانيق والدانق وزن ست حبات والحبة وزن حبتي شعير ومن أوساط الحب لا من
صغاره ولا من كباره والحاصل إن تحديد المثقال أو الذراع وشبههما بالشعيرات أو الشعرات إحالة على أمر غير مضبوط مع أن الدينار بنفسه شئ معين وزنه مضبوط لم يتغير
52

في جاهلية ولا إسلام إلى هذه الأعصار المتأخرة في كثير من بلاد المسلمين وهو ثلاثة أرباع الصيرفي وهذا مما لا شبهة فيه وقد سمعت عن جملة منهم التصريح
بأن الدرهم وزنه نصف مثقال شرعي و خمسة فعلى هذا يكون مقدار العشرة دراهم سبعة مثاقيل فالمأتا ردهم التي هي أول نصب الفضة وزن مأة وأربعين
مثقالا ومن شرط وجوب الزكاة فيهما مضافا إلى بلوغ النصاب كونهما مضروبين دنانير ودراهم منقوشين بسكة المعاملة بلا خلاف فيه على الظاهر فيما
عدى ما فر به عن الزكاة كما ستعرفه بل في المدارك هذا قول علمائنا أجمع وخالف فيه العامة وأوجبوا الزكاة في غير المنقوش إذا كان نقارا بل عن الغنية والانتصار
والتذكرة أيضا دعوى الاجماع عليه ويدل على اعتبار هذا الشرط جملة من الاخبار منها صحيحة علي بن يقطين أو حسنته بإبراهيم بن هاشم عن أبي إبراهيم عليه السلام
قال قلت له إنه يجتمع عندي الشئ الكثير قيمته فيبقى نحوا من سنة أنزكيه فقال لا كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك
فيه شئ قال قلت وما الركاز قال الصامت المنقوش ثم قال إذا أردت ذلك فأسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة شئ من الزكاة وعن الشيخ
في الموثق عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام إنهما قالا ليس في التبر زكاة إنما هي على الدنانير والدراهم وعن الصدوق إنه رواها عن جميل
بن دراج بسند فيه إرسال وإضمار نحوهما وربما يدل عليه أيضا بعض الروايات الآتية الدالة على نفيها عن السبائك والحلي والنقار فهذا أي اعتبار كونهما
مسكوكين بسكة المعاملة بحيث اندرجا في مسمى الدنانير والدراهم أي النقدين الذين يتعامل بهما على أجماله مما لا شبهة فيه في عدم اعتبار حوصل المعاملة بهما
بالفعل بل يكفي كونهما كذلك سابقا كما صرح به المصنف وغيره فقالوا أو ما كان يتعامل بها إذ العبرة نصا وفتوى باندراجهما في مسمى الدينار والدرهم
وهذا مما لا يختلف فيه الحال بين بقائهما على ما كانا عليه من المعاملة بهما وبين هجرهما وسقوط سكتهما عن الاعتبار كما أنه لا يتفاوت الحال فيه بين كون
السكة بالكتابة وبين غيرها من الاشكال ولا بين كونها سكة الاسلام أو الكفر ولا بين عموم رواجهما في ساير البلاد أو في خصوص بلد ولو من البلاد النائية
بلا خلاف في شئ منها على الظاهر بل ولا بين سكة السلطان وغيرها إذا جرت في المعاملة كما صرح به بعض ويدل عليه مضافا إلى عموم الأدلة خصوص خبر
زيد الصائغ الآتي في مسألة الدراهم المنقوشة فلا حظ. فرع: لو أتخذ المضروب بالسكة للزينة كالحلي أو غيرها فعن الروضة وشرحها للفاضل الأصفهاني
لم يتغير الحكم زاده الاتخاذ أو نقصه في القيمة ما دامت المعاملة به على وجه ممكنة لاطلاق الأدلة والاستصحاب الذي به يرجح الاطلاق المزبور على ما دل
على نفيها عن الحلي وإن كان التعارض بينهما لعموم من وجه بل يحكم عليه لان الخاص وإن كان استصحابا يحكم على العام وإن كان كتابا هكذا قيل وفيه نظر إذ لا
مقتضى لتحكيم إطلاق وجوب الزكاة في النقدين على عموم ما دل على نفيها عن الحلي بل العكس أولى بالاذعان خصوصا بالنسبة إلى بعض الروايات النافية فيه المشتملة
على التعليل المقتضي للاطراد المشعر باختصاص شرع الزكاة بالمال الذي من شأنه الصرف في النفقة والصدقة ونحوها إلا مثل الحلي الذي وضع للبقاء كما
في خبر يعقوب بن شعيب المروي عن الكافي قال سئلت أبا عبد الله عن الحلي أيزكي فقال إذا لا يبقى منه شئ وخبر علي بن جعفر عن أخيه قال سئلته عن الزكاة
في الحلي قال إذا لا يبقى إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي لها قوة ظهور في العموم مع أشعار جملة منها بأن لعنوان كونه حليا من حيث هو مدخليته
في وضع الزكاة عنه وإن زكاته أعارته كما يؤيد ذلك ما ستسمعه عن العلامة من ذهاب أكثر العامة الذين لا يعتبرون السكة على نفيها في الحلي المحلل و ملخص
الكلام أن الروايات الواردة في الحلي في غاية الظهور وقوة الدلالة على شمولها لمثل القلادة المعلق بها الدنانير وشبهها من الحلي التي أستعمل فيها أعيان
النقدين ولا يصلح لمعارضتها شئ من العمومات الدالة على ثبوت الزكاة في مطلق الذهب والفضة فهذه الروايات أخص مطلقا منها وما عموم
ما دل على ثبوتها في الدينار والدرهم فيمكن منع شموله له لما هو محل الكلام فإن عمدته صحيحة علي بن يقطين وموثقة جميل المتقدمتان وهما قابلتان للمناقشة
في دلالتهما على العموم الأحوالي بحيث يتناولان الدينار والدرهم الذي جعلا حليا فإن شمولهما إن كان فبالاطلاق ويمكن الخدشة في إطلاقهما من هذه
الجهة بورودهما مورد حكم آخر كما لا يخفى على المتأمل وهكذا الكلام في بعض الروايات الواردة في بيان حد النصاب التي وقع فيها التعبير بالدينار والدرهم ولو
سلم ظهورها في العموم الأحوالي فليس تخصيصات العمومات الكثيرة الواردة في الحلي المعتضدة بما عرفت بأهون من تقييد الدنانير والدراهم بما إذا لم تتخذا حليا بل
التقييد أهون لا يقال إنه يفهم من صحيحة علي بن يقطين وموثقة عمار بن جميل وغيرهما مما دل على انحصار ما تجب فيه الزكاة بالدنانير والدراهم إن المراد من الذهب و
الفضة الواردة فيهما أخبار مطلقة خصوص الدنانير والدراهم فيكون تلك المطلقات بمنزلة روايات مطلقة واردة في خصوص الدينار والدرهم في كون النسبة
بينها وبين ما دل على نفيها عن الحلي العموم على وجه لأنا نقول النسبة بين الاخبار المتنافية تلا حظ قبل تخصيص العموم بشئ من الاخبار المخصصة له لا بعده فكما
يجب تقييد المطلقات بما دل على نفي الزكاة عما عدى النقدين كذلك يجب تقييدها بما دل على نفيها عن الحلي فاطلاق الاخبار النافية عن الحلي حاكم على إطلاق
المطلقات والمفروض إنه ليس للعقد الاثباتي المستفاد من الحصر إطلاق أحوالي والا لتحققت المعارضة بينه وبين إطلاق نفي الباس عن الحلي في مورد اجتماعي
لا غير كما لا يخفى عن المتأمل وقد تلخص مما ذكر ان القول بنفي الزكاة عند صيرورتهما حليا هو الأشبه وأما ما قيل من أن الخاص وان كان استصحابا يحكم على
العام وان كان كتابا فمما لا ينبغي الاصغاء إليه فإن الأصول العملية لا تصلح معارضة للأدلة اللفظية بوجه كما تقرر في محله وكذا من شرط وجوب الزكاة فيهما
حول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع فلو نقص في أثنائه أو تبدلت أعيان النصاب بغير جنسه وبجنسه لم تجب الزكاة كما عرفت ذلك كله لدى البحث
عن شرائط زكاة الأنعام وكذا عرفت فيما سبق عند بيان شرائط من تجب عليه الزكاة أن من شرط وجوب الزكاة التمكن من التصرف في النصاب وأنه لو منع من
التصرف فيه سواء كان المنع شرعيا كالوقف والرهن أو قهريا كالغصب لم تجب الزكاة فراجع ولا تجب الزكاة في الحلي محللا كان كالسوار للمرأة وحلية السيف
للرجل أو محرما كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة وكالأواني المتخذة من الذهب والفضة وآلات اللهو لو عملت منها في المدارك قال أما سقوط الزكاة في الحلي
53

المحلل فقال العلامة (ره) في التذكرة انه قول علمائنا أجمع وأكثر أهل العلم واما المحرم فقال في التذكرة أيضا انه لا زكاة فيها عند علمائنا لعموم قوله (ع) لا زكاة
في الحلي وأطبق الجمهور كافة على إيجاب الزكاة فيه لان المحظور شرعا كالمعدوم حسا ولا حجة فيه لأن عدم الصنعة غير مقتض لايجاب الزكاة فان المناط كونهما
مضروبين بسكة المعاملة وهو جيد انتهى ما في المدارك وفي الجواهر بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بيننا إذا لم يكن بقصد الفرار بل الاجماع بقسميه عليه انتهى
ويدل على نفي الزكاة في الحلي أيضا روايات كثيرة منها صحيحة محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الحلي فيه زكاة قال لا وحسنة رفاعة قال سمعت أبا عبد الله
وسأله بعضهم عن الحلي فيه زكاة فقال لا وأن بلغ مأة ألف وخبر هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس على الحلي زكاة وخبر مروان بن مسلم عن أبي
الحسن قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الحلي عليه زكاة قال إنه ليس فيه زكاة وان بلغ مأة ألف درهم كان أبي يخالف الناس في هذا وخبر العلاء قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
هل على الحلي زكاة فقال لا ومرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام قال زكاة الحلي عاريته إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي تقدم بعضها وسيأتي جملة
منها
في المسألة الآتية وقيل يستحب فيه اي في الحلي المحرم الزكاة وهذا القول منقول عن الشيخ (ره) ولم يعرف مستنده نعم يستحب في الحلى المحلل إنه إذا استعاره
مؤمن ان يعيره فإنه زكاته كما يدل عليه مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة وعن الصدوق في الفقيه أيضا التصريح بذلك فقال ليس على الحلي زكاة وان بلغ مأة ألف
ولكن تعيره مؤمنا إذا استعاره منك فهذه زكاته وهو محمول على الاستحباب بشهادة المعتبرة المستفيضة المصرحة بأنه ليس في الحلي زكاة مضافا إلى عدم الخلاف
فيه بل قصور دليله من حيث هو عن إفادة الوجوب وكذا لا زكاة في السبائك المتخذة من الذهب والنقار التي هي كما في الجواهر وغيره قطع الفضة غير المضروبة
والتبر الذي هو غير المضروب من الذهب كما عن الجوهري أو تراب الذهب كما عن بعضهم تفسيره به بلا خلاف على الظاهر في شئ من ذلك بيننا نصا وفتوى ما لم يكن بقصد
الفرار من الزكاة بل في الجواهر ادعى الاجماع بقسميه عليه ويدل عليه مضافا إلى الاجماع والاخبار الحاصرة لها بالدينار والدرهم النصوص المستفيضة التي
سيأتي نقلها ويدل عليه أيضا بعض الأخبار المتقدمة هذا إذا لم يكن بقصد الفرار من الزكاة وإلا فقد اختلفت الروايات فيه وكذا فتاوى الأصحاب فربما
نسب إلى المشهور بين المتأخرين سقوط الزكاة بل عن الرياض نسبته إلى عامتهم وقيل والقائل الصدوقان و المرتضى (ره) والشيخ وابنا زهرة وحمزة والحلبي في إشارة
السبق إذا عملهما أي النقدين كذلك فرار أوجبت الزكاة ولو كان ذلك قبل حول الحول واستدل له بموثقة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الحلي
فيه الزكاة قال لا إلا ما فر به من الزكاة وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يجعل لأهله الحلي من مأة والمأتي دينار وأداني ثلث له
ثلاثمأة فعليه الزكاة قال ليس فيه زكاة قال قلت فإنه قد فر به من الزكاة فقال إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة وموثقة
إسحاق بن عمار قال سئلت أبا إبراهيم عن رجل له مأة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة فقال أن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة وبإزاء هذه الأخبار وأخبار مستفيضة
تدل على القول الأول منها قوله (ع) في ذيل صحيحة ابن يقطين المتقدمة الحاصرة لما يجب فيه الزكاة بالصامت المنقوش إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك
الذهب ونقار الفضة زكاة وهذه الرواية كالنص في المدعى لكونه إرشادا إلى ما يتحقق به الفرار من الزكاة وأوضح من ذلك دلالة عليه رواية هارون بن خارجة قال
قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن أخي يوسف ولي لهؤلاء اعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة وأنه جعل ذلك المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أعليه زكاة قال ليس على
الحلي زكاة وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة وصحيحة عمر بن يزيد قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل فر بماله من الزكاة فاشترى
به أرضا أو دارا أعليه فيه شئ فقال لا ولو جعله حليا أو نقرا فلا شئ عليه فيه وما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله الذي يكون فيه ورواية علي بن يقطين المروية
عن العلل عن أبي إبراهيم (ع) قال لا تجب الزكاة فيما سبك قلت فإن كان سبكه فرارا من الزكاة قال الا ترى أن المنفعة قد ذهبت منه لذلك لا يجب عليه الزكاة
وقد حكى عن الشيخ في كتابي الاخبار وانه وجه الروايات الدالة على الوجوب تارة بالحمل على الاستحباب وأخرى بالحمل على الفرار بعد حول الحول أي دخول الشهر الثاني
عشر واستدل على الثاني بما رواه في الموثق عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن أباك قال لي من فر بها من الزكاة فعليه ان يؤديها قال صدق أبي ان عليه أن يؤدي ما
وجب عليه وما لم يجب عليه فلا شئ عليه فيه ثم قال لي أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤيدها قلت لا قال الا أن يكون أفاق
من يومه ثم قال لي أرأيت لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه قلت لا قال وكذلك الرجل يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول وهذه الموثقة
رواها في الكافي في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن زرارة في جملة حديث طويل مشتمل على فقرات قد تدل بعض تلك الفقرات أيضا على المدعى كما لا يخفى على من
راجعها ولكن يتوجه على التوجيه المزبور إنه وأن شهد به الموثقة المزبورة إلا أن بعض تلك الأخبار أي الروايات المثبتة الزكاة غير قابل لهذا الحمل كخبر معاوية بن عمار
فإنه كالنص في إرادة الزكاة في المورد الذي لو كان فعله لا بقصد الفرار بل لان يتجمل به لم يكن عليه زكاة وكيف كان فالجمع بين الاخبار بحمل الزكاة على الاستحباب
أشبه بأصول المذهب وقواعده إذ ليس لتلك الأخبار قوة دلالة على الوجوب فضلا عن صلاحيته المكافئة للأخبار النافية التي هي نص في عدم الوجوب مع حكومة بعضها
أي الموثقة المزبورة على ما كان من تلك الأخبار قابلا للحمل على الفرار بعد حول الحول اي دخول الشهر الثاني عشر لكونها بمدلولها اللفظي متعرضا لتفسيرها فلا تصلح
تلك الأخبار لمعارضتها وما عداها مما هو صالح للمعارضة من هذه الجهة كخبر معاوية بن عمار قاصر عن المكافئة من جهات أخر كما هو واضح أما لو جعل الدراهم
والدنانير كذلك أي سبائك أو نقارا أو حليا بعد حول الحول الذي قد عرفت أنه يتحقق بدخول الشهر الثاني عشر وجبت الزكاة اجماعا ولم تسقط عنه مع إمكان
الأداء وأن خرج النصاب عن ملكه قهرا فضلا عما لو غير صورته باختياره كما عرفته فيما سبق وقضية الأصل الاجتزاء بمسمى الفريضة الواجبة فيه أو قيمتها من مال اخر
من غير اعتداد بزيادة القيمة الحاصلة بالصياغة فلو بلغ الحلي وزنه عشرين مثقالا فعليه نصف مثقال من الذهب أو قيمته من مال اخر من غير اعتداد بزيادة القيمة
الحاصلة في عين النصاب بالصياغة لما عرفت في زكاة الأنعام من أنه لا يجب على المالك في باب الزكاة الا دفع مسمى الفريضة المقدرة في ماله أو قيمتها من أي مال يكون
54

ولا يتعين عليه الاخراج من عين النصاب ولو أراد الدفع من العين لم يجز الاجتزاء بأقل من نصف مثقال وأن كانت قيمته أكثر إلا من باب دفع القيمة إن جوزناه في
نظائره من مثل ما لو دفع ربع دينار مسكوك بسكة يساوي قيمته قيمة نصف دينار يصح أن يقع مصداقا للفريضة الواجبة عليه في زكاة العشرين من باب دفع القيمة
وستعرف في المسألة الآتية وكذا في مبحث زكاة الفطرة انه لا يخلو من إشكال فالأحوط عدم الاجتزاء فيما لو أخرج الزكاة من جنس ما تعلق به الحق بأقل مما يقع
مصداقا للفريضة الواجبة عليه أي أقل من نصف مثقال من الذهب وأن كانت قيمته باعتبار سكتة أو الصنعة الحاصلة فيه أكثر بمراتب والله العالم
وأما أحكامها: أي زكاة النقدين فمسائل الأولى لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين في صدق الاسم وأن اختلفت القيمة والأوصاف
بذلك بل يضم بعضها إلى بعض بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن بعضهم نسبة إلى الأصحاب مشعرا بالاجماع عليه لاطلاق الأدلة الغير القاصر عن شمول مثل
المورد وفي الاخراج إن تطوع المالك بالأرغب ونحوه من الافراد الكاملة فقد أحسن وأنفق مما أحب والا كان له الاخراج من كل جنس بقسطه كما هو مقتضى
العدل والانصاف ومشاركة الفقراء مع الأغنياء في الأموال ولا يجزيه الدفع من الأدنى لمنافاته لقاعدة الشركة ولكنك عرفت فيما سبق منع كون ما يستحقه
الفقير من العين على سبيل الشركة الحقيقية فالمتجه حينئذ ما حكى عن الشيخ من أنه قال أن ذلك أي التقسيط على الأفضل فلو أخرج من الأدنى جاز لحصول الامتثال
وعن العلامة في جملة من كتبه أيضا موافقته وقد تقدم لدى البحث عن كيفية تعلق الزكاة بالعين ما يوجب مزيد إذعان بذلك ولو كان الجميع من الأعلى
هل يجوز أن يدفع من الأدنى من ماله الاخر وجهان من إطلاق النص ومن إمكان دعوى انصرافه إلى فريضة من نوع ما يتعلق به الزكاة وقد عرفت في زكاة الأنعام
ان دعوى انصراف اطلاق الفريضة إلى ما يناسب الجنس الذي يتعلق به الزكاة ليس كل البعيد فراجع وفي المدارك بعد أن حكى عن الشيخ القول بجواز
دفع الأدنى قال وأولى بالجواز ما لو أخرج الأدنى بالقيمة أي أخرج منها قدر قيمة الاعلى أو الوسط ولو اخرج من الأعلى بقدر قيمة الأدون مثل ان يخرج ثلث
دينار جيد قيمة عن نصف دينارا دون لم يجزه لان الواجب اخراج نصف دينار من العشرين فلا يجزي الناقص عنه واحتمل العلامة في التذكرة الاجزاء اعتبارا
بالقيمة وهو ضعيف انتهى وهو جيد كما سيأتي مزيد توضيح لذلك في مبحث زكاة الفطرة إن شاء الله. المسألة الثانية: الدراهم المغشوشة بما يخرجها عن اسم الفضة
الخالصة أي عن كونه مصداقا لما يقال عليه في العرف إنه فضة لا على جهة المسامحة والتغليب بل على سبيل الحقيقة عرفا وكذا الدنانير المغشوشة كذلك لا زكاة فيها
حتى يبلغ خالصها النصاب بلا خلاف فيه على الظاهر لان الزكاة انما تجب في الذهب والفضة لا في غيرهما من المعادن وإذا بلغ خالصها النصاب تجب الزكاة فيه
بلا خلاف في ذلك أيضا على الظاهر بل عن غير واحد نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالاجماع عليه وربما أستشكل في هذا الحكم بان الأدلة قد دلت على وجوب الزكاة
في الذهب والفضة المسكوكين دراهم ودنانير والمركب منهما أو من كل منهما مع غيره خارج عن الاسم فلا يتعلق به الزكاة بل قد يمنع صدق اسم الدراهم والدنانير
حقيقة على المغشوش وفيه أن المراد بالدراهم والدنانير الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة ولو مع الغش كما يفصح عن ذلك مضافا إلى عدم الخلاف
فيه وإمكان منع عدم صدق الاسم أو انصراف الذهب والفضة المسكوكين إلى الخالص منهما خبر زيد الصائغ المروي عن الكافي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام اني كنت
في قرية من قرى خراسان يقال لها بخاري فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة وثلث مس وثلث رصاص وكانت تجوز عندهم وكنت أعملها وأنفقها قال فقال أبو عبد الله
عليه السلام لا باس بذلك إذا كانت تجوز عندهم فقلت أرأيت إن حال عليها الحول وهي عندي وفيها ما تجب على فيه الزكاة أزكيها قال نعم إنما هو مالك قلت فان أخرجتها
إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها فبقيت عندي حتى حال عليها الحول أزكيها قال إن كنت تعرف ان فيها من الفضة الخالصة ما تجب عليك فيه الزكاة قال فاسبكها
حتى تخلص الفضة ويحترق الخبيث ثم يزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة قوله عليه السلام لسنة واحدة أي السنة التي بقيت عنده حتى حال عليها الحول قبل ان يسبكها
دون ما بعدها مما جعل سبائك نعم يعتبر في تنجيز التكليف بالزكاة العلم ببلوغ الخالص نصابا فلو شك فهي نفاه بالأصل ولم يجب عليه الفحص بتصفية ونحوها على
المشهور كما نسب إليهم بل في المسالك لا قائل بوجوب التصفية مع الشك في النصاب كما في غيره من الشبهات الموضوعية الوجوبية أو التحريمية ولكن قد يقال في مثل
هذه الموارد التي يحصل كثيرا أما من الرجوع إلى الأصول النافية للتكليف ممن غير فحص الوقوع في مخالفة التكليف كتأخير الحج عن أول عام استطاعته عند ترك المحاسبة
وتضييع حق السادة والفقراء عند ترك الفحص عن حصول الربح في تجارته وبلوغ ماله حد النصاب ويدفعه ان كون أجزاء الأصول في مجاريها موجبا لحصول المخالفة
كثيرا غير مؤثرة في إيجاب الاحتياط على من لا يعلم بتنجيز التكليف عليه في خصوص المورد الذي هو محل ابتلائه واضعف من ذلك الاستدلال له بأنه ليس المراد بمثل
هذه
التكاليف أي الزكاة والحج و نظائرهما وجوبها لدى العلم بوجود شرائطها كي لا يجب الحج مثلا على من أحتمل في نفسها الاستطاعة أو ظنها ولم يعلم بذلك وفيه انا لا
ننكر وجوب الحج عليه في الواقع على تقدير كونه مستطيعا ولكن كونه كذلك لا يكفي في تنجيزه إلزام العقل بالخروج عن عهدته ما لم يعلم بتحققه لان العلم بالتكليف شرط
في تنجزه عقلا و إيجاب الاحتياط أو الفحص مع الشك فيه يحتاج إلى دليل وراء إطلاقات أدلة هذه التكاليف لدى حصول شرائطها ولتمام الكلام فيما يتعلق بالمقام
مقام آخر ثم لا يخرج المغشوشة عن الجياد لان الواجب إخراج الخالص فلا يكون إخراج المغشوش مجزيا الا إذا علم باشتماله على ما يلزمه من الخالص كما هو واضح ولو ملك
النصاب أي عشرين دينارا مثلا ولم يعلم هل فيه غش أم لا فعن التذكرة إنه تجب الزكاة لأصالة الصحة والسلامة أقول هذا إنما يتجه فيما إذا كان الغش الذي يحتمله
عيبا في الدنانير بحيث لو ظهر لم يقع به المعاملة إلا على سبيل المسامحة واما إذا كانت من صنف الدنانير الرائجة في البلد ولكنه لم يعلم بأن هذا الصنف من الدنانير
هل هي معمولة من خصوص الذهب أو انها مركبة من الذهب وغيره فليس كونها مركبة من جنسين أو أزيد منافيا لصحتها وسلامتها بعد ان كانت هي في أصل وضعها
كذلك فلا مسرح حينئذ للأصلين المزبورين بل المرجع في مثله أصالة براءة الذمة عن الزكاة و لا يخفى عليك ان مورد هذا الكلام إنما هو فيما إذا كان الغش الذي
55

يحتلمه بمقدار لو علم بتحققه لاثر في خروج الدنانير عن كونها مستحقة لاطلاق اسم الذهب عليها على الاطلاق والا فلا أثر مع استهلاكه كما في سائر الموضوعات
التي يدور احكامها مدار صدق عناوين موضوعاتها عرفا والله العالم ولو كان الغش بأحدهما كالدراهم بالذهب وبالعكس وبلغ كل من الغش والمغشوش نصابا
وجبت الزكاة فيهما ويجب الاخراج من كل جنس بحسابه فان علمه وإلا توسل إليه بالسبك ونحوه مقدمة للقطع بالخروج عن عهدة التكليف الذي علمه
بالاجمال فان تعذر عليه تشخيص مقدار ما يجب عليه من كل منهما احتاط باخراج الأكثر مرتين مثلا لو علم بان قدر أحد النقدين ستمأة والاخر
أربعمائة الا إنه لم يشخص الأكثر اخرج ستمأة ذهبا وستمأة فضة ويجزي ستمأة من الأكثر من الأقل بل وكذا لو احتمل أكثرية أحدهما وتعذر عليه
تحقيقه احتاط بالجمع في تزكية المقدار الذي يحتمله من كل منهما أو بهذا المقدار مما هو أعلى قيمة منهما من باب إخراج القيمة والمعيار في هذا الباب و نظائره هو أنه
مهما رجع الشك في شئ من هذه الموارد إلى الشك في أصل التكليف نفاه بأصل البراءة وإذا كان الشك في المكلف به عمل بقاعدة الشغل فإذا فرض الغش
بأحدهما وكان المجموع ألف مثقال وتردد الامر بين كون ما فيه من الذهب ستمأة أو بالعكس أو احتمل ذلك وان احتمل التساوي أيضا أو الاختلاف
بما دون هذا المقدار فهو يعلم اجمالا بثبوت الزكاة في مجمع هذا المال والقدر المتيقن مما يجب عليه فيه من زكاة الذهب أربعمائة ومن زكاة الفضة أيضا
كذلك فيبقى مائتان من هذا المجموع مرددا امره بين كونه ذهبا أو فضة وعلى أي التقديرين هو مال قد علم بتعلق التكليف باخراج الزكاة منه عينا أو قيمة
فعليه الاحتياط بالنسبة إلى المأتين بإخراج زكاته ذهبا مرة فيكون بانضمامه إلى الأربعمأة التي هي القدر المتيقن ستمأة وفضة أخرى كذلك أو بإخراج قيمة يقطع
بكونها مجزية عن الفريضة الواجبة عليه على أي التقديرين أو إخراج الاعلى قيمة منهما بقصد حصول البراءة بدفع القيمة على تقدير المخالفة والعين على تقدير
الموافقة وليست القيمة بنفسها أولا وبالذات هي متعلق التكليف كي يكون ترددها بين الأقل والأكثر مصححا للرجوع بالنسبة إلى الأكثر إلى البراءة كما
هو واضح ومن هنا ظهر الحال فيما لو كان مجموع الألف مرددا بين كونه ذهبا مسكوكا أو فضة كذلك من أنه يجب العمل بما يقتضيه قاعدة الاشتغال بخلاف
ما لو كان مرددا بين كونه من أحد النقدين وغيرهما من المعادن التي لا يتعلق بها الزكاة واما إذا كان الغش بأحدهما ولكن لم يعلم ببلوغ الغش حد النصاب
كما لو كان عنده ألف دينار وعلم إجمالا بأنه مغشوش بالفضة ولكن لم يعلم ببلوغ الغش مقدار النصاب أو كان عنده ألف درهم وعلم بأنه مغشوش بالذهب
في الجملة من غير أن يعلم مقدار الغش وبلوغه حد النصاب وأن احتمله بل احتمل كونه أكثر من النصاب أيضا بكثير فهو لا يعلم بتعلق الزكاة بالمجموع حيث يحتمل ان ما فيه من الغش
لم يكن بالغا حد النصاب فهو بالنسبة إلى ما يقرب من نصاب الفضة كمأتي درهم الا دانقا مثلا في المثال الأول وما يقرب من نصاب الذهب كعشرين مثقالا الا
جزء مثقال في المثال الثاني شاك في أصل التكليف فينفيه بأصل البراءة وبالنسبة إلى ما زاد على هذا المقدار يعمل على حسب ما يقتضيه قاعدة الاشتغال وهكذا الكلام
في نظائر المقام فليتأمل. المسألة الثالثة: إذا كان معه دراهم مغشوشة مثلا وقد بلغ خالصها النصاب فان عرف قدر الفضة أخرج الزكاة عنها
فضة خالصة إن شاء وإن شاء أخرج عن الجملة منها مراعيا للنسبة فلو كان معه ثلاثمأة درهم والغش ثلثها في كل درهم تخير بين إخراج خمسة دراهم خالصة وإخراج سبعة
ونصف عن الجملة وإن جهل ذلك أي قدر ما فيها من نصاب الفضة مع علمه إجمالي لا بأصل النصاب فإن كانت الدراهم جميعها متساوية في مقدار الغش وإن لم يعلمه
بالتفصيل جاز له الاجتزاء بإخراج ربع العشر من الجميع كما هو واضح وإن لم يكن جميعها على نسق واحد بل كانت مختلفة فان تطوع المالك و أخرج عن جملتها من
الجياد أو مما كان منها أقل غشا مما عداه احتياطا جاز أيضا بل هذا هو الأولى لما فيه من الاستظهار في براءة وكذا لو أخرج من الخالصة أو المغشوشة ما
يحصل معه اليقين بالبراءة وان لم يبلغ قدر زكاة الجملة كما هو واضح وان ماكس وامتنع عن إخراج مقدار الواجب ألزم تصفيتها ليعرف قدر الواجب الذي
يحصل بإخراجه القطع بفراغ الذمة عن الواجب الذي علمه بالاجمال على ما في المتن وغيره بل ربما نسب إلى الأكثر بل المشهور واستوجه غير واحد من المتأخرين
الاكتفاء بإخراج ما تيقن اشتغال الذمة به وطرح المشكوك فيه عملا بأصالة البراءة ففي المدارك بعد أن حكى عن الشيخ القول بلزوم التصفية مقدمة للقطع بفراغ
الذمة قال واستوجه المصنف في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه الاكتفاء بإخراج مما تيقن اشتغال الذمة به وطرح المشكوك فيه عملا بأصالة البراءة وبأن
الزيادة كالأصل فكما تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ النصاب فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصابا أخر وهو حسن انتهى وقد أشرنا انفا إلى أن
هذا أي العمل بالبراءة فيما زاد عن المتيقن هو الأوجه وقد تقدم بعض الكلام فيما يتوجه على ما هو من نظائر المقام من النقص والابرام في مسألة من فاتته فرائض
لا يحصى عددها من كتاب الصلاة فراجع. المسألة الرابعة: مال القرض الزكوي إن تركه المقترض بحاله حتى حال عليه الحول جامعا للشرائط فقال إن كان
الذي اقرضه يؤدى زكاته فلا زكاة عليه وان كان لا يؤدى أدى المستقرض وأجيب أما عن عموم المؤمنون ونحوه بان مورده الشروط السائغة في نفسه الغير المخالفة
للكتاب والسنة فلا يصح أن يكون الشرط مؤثرا في رفع التكليف بالزكاة عن المالك وإثباته على غير المالك وأما عن الصحيحة فبأن أقصى ما تدل عليه جواز تبرع المقرض
للاخراج وهو لا يستلزم جواز إشتراط تعلق الوجوب به وفي المدارك بعد أن أجاب عن الصحيحة المزبورة بما ذكر قال واستقرب الشارح قدس سره لزوم الشرط لا
بمعنى تعلق الوجوب بالمقرض ابتداء وسقوطه عن المقترض فإنه غير مشروع بل بمعنى تحمل المشروط عليه لها عن المديون وإخراجها من ماله عنه مع كون الوجوب
متعلقا بالمقترض لان المقرض لو تبرع بالاخراج لجاز على ما تضمنته الرواية فيجوز اشتراطه ثم إن وفي المفرض بالشرط سقطت عن المقترض وإلا تعين عليه
56

الاخراج وهو حسن انتهى ما في المدارك وربما يلوح من غير واحد من المتأخرين الالتزام بلزوم الشرط بالمعنى المزبور والعبارة المحكية عن الشيخ أيضا غير أبيه عن الحمل
عليه إذ ليس فيها تصريح بسقوطها عن المقترض نعم ظاهرها ذلك وكيف كان فربما يستدل له أيضا بصحيحة عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله يقول
باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا كذا وكذا ألف دينار وأشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين إنما فعل ذلك لان هشاما كان هو الوالي وصحيحة الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال فاشترط في بيعه ان يزكي هذا المال من عنده لست سنين وفيه إن هاتين
الروايتين لا تخلو ان من الاجمال فان المستبعد جدا تعلق غرض الإمام عليه السلام بابقاء ذلك المال بعينه مكنوزا عنده حتى يحول عليه أحوال وصرف زكاته عن
نفسه بوضعها على هشام المعلوم من حاله انه على تقدير أن يؤديها لا يضعها في موضعها فكان المقصود بهذا الشرط دفع شره عن نفسه بالتزامه بأن لا يأخذ منه
شيئا لما جرت عادتهم على أخذه من أموال المسلمين باسم الزكاة من غير ملاحظة شئ من شرائطها كالذي يأخذ العشار من أموالهم مع إمكان أن يكون اشتراط الزكاة
عليه الراجع إلى التزامه بعدم أخذها منه كالتزامه بعدم أخذ الخراج و المقاسمة من أرض أقطعها له موجبا لسقوطها فلا يقاس عليه اشتراطها على ساير الناس الذين
ليس لهم الولاية على الصدقات كما ربما يشعر به قوله عليه السلام إنما فعل ذلك لان هشاما كان هو الوالي ويحتمل أيضا أن يكون المراد بزكاة ذلك المال عشر سنين
أو ست سنين زكاته لما مضى من السنين التي كان ذلك المال مكنوزا عنده استظهارا في خلوص الثمن عن حق الفقراء وكيف كان فهاتان الصحيحتان من
الاخبار المتشابهة التي يجب رد علمها إلى أهله فالذي يقتضيه التحقيق هو ان أراد القائل بلزوم الشرط ثبوت الزكاة على المقرض وسقوطها عن المقترض فهو فاسد
لمخالفته المشروع وان أراد به المعنى الذي ذكره في المسالك أي وجوب تحمل المشروط عليه عن الديون بمقتضى شرطه فلا يبعد الالتزام بصحته في الجملة كما اعترف
به في المسالك وغيره أخذا بعموم المؤمنون عند شروطهم وغيره فليتأمل. المسألة الخامسة: من دفن ما لا وجهل موضعه أو ورث ما لا ولم يصل إليه
ومضى عليه أحوال ثم وصل إليه زكاة لسنة واحدة استحبابا وغيره فليتأمل. المسألة السادسة: إذا ترك نفقة لأهله نفقة سنتين أو ثلاث فما زاد فهي
معرضة للاتلاف بالانفاق فإذا غاب عنها وأوكل امرها إلى أهله والحال هذه خرجت عرفا عن تحت سلطنته فقد ضعفت علاقة ملكيته بحيث لا يعد عرفا من أمواله
الباقية تحت تصرفه بل يراها العرف بحكم التالف ولعله لذا تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك وتجب لو كان حاضرا كما هو المشهور ويدل عليه أخبار مستفيضة
وقيل والقائل ابن إدريس تجب فيها على التقديرين وقد أشرنا إلى إن الأول مع كونه مشهور مروي في عدة أخبار ففي موثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن الماضي (ع)
قال قلت له رجل خلف عند أهله نفقة الفين لسنتين عليها زكاة قال إن كان شاهدا فعليه زكاة وإن كان غائبا فليس عليه زكاة وموثقة أبي بصير
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يخلف لأهله نفقة ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة قال إن كان شاهدا فعليها زكاة و إن كان
غائبا فليس فيها شئ وفي الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول قال إن كان مقيما زكاه
وإن كان غائبا لم يزكه وفي المدارك بعد أن استدل للمشهور بموثقة إسحاق وأبي بصير قال وفي الروايتين قصور من حيث السند فيشكل التعلق بهما في اثبات
حكم مخالف لمقتضى العمومات المتضمنة لوجوب الزكاة في ذلك في حالتي الغيبة والحضور من ثم ذهب ابن إدريس (ره) في سرائره إلى وجوب الزكاة فيه إذا كان
مالكه متمكنا من التصرف فيه متى رامه كالمودع والمكنوز والواجب المصير إليه إن لم نعمل بالرواية الموثقة المؤيدة بعمل الأصحاب انتهى وحيث تقرر لدينا حجية مثل
هذه الأخبار خصوصا بعد اعتضادها بعمل الأصحاب فلا يبقى مجال للاستشكال في الحكم المزبور وقد جعل العلامة في التذكرة كونها معرضة للاتلاف بنفسه هو
الدليل عليه فكان وجهه ما تقدمت الإشارة إليه من أنه بعد ان دفع المال إلى الغير لينفقه في نفقته وغاب عنه خرج عرفا عن مصداق كونه عنده وفي يده بالمعنى
الذي اعتبرناه في تعلق الزكاة به وهو لا يخلو من وجه والله العالم. المسألة السابعة: لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس من الزكاة بعينه نصابا كما
يدل عليه الأدلة الدالة على اعتبار النصاب في كل جنس فلو ملك جميع الأجناس وقصر كل جنس منها أو بعضها عن النصاب لم يجبر بالجنس الاخر بلا خلاف فيه
بيننا على الظاهر بل في المدارك هذا قول علمائنا أجمع حكاه في المنتهى ووافقنا عليه أكثر العامة وقال بعضهم يضم الذهب والفضة لأنهما متفقان في كونهما
أثمانا وقال آخرون يضم الحنطة والشعير لاشتراكهما في كونهما قوتا انتهى ويدل عليه مضافا إلى عموم الأدلة الدالة على اعتبار بلوغ النصاب في كل جنس
خصوص صحيحة زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عنده مأة وتسعة وتسعون درهما و تسعة عشر دينارا أيزكيها فقال لا ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في
الدنانير حتى تتم قال زرارة وكذلك هو في جميع الأشياء وقال قلت لأبي عبد الله (ع) رجل كن عنده أربع أينق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة أيزكيهن
قال لا يزكي شيئا منهن لأنه ليس شئ منهن تاما فليس تجب فيه الزكاة ولا يعارضها موثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) قال قلت له تسعون ومأة درهم وتسعة عشر
دينارا أعليها في الزكاة شئ فقال إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مأتي درهم ففيها الزكاة لان عين المال الدراهم وكل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع
فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات لقصورها عن المكافئة من وجوه هذا مع أنه لم ينقل القول بمضمونها عن أحد منا فيحتمل جريها مجرى التقية أو يكون
المراد بها زكاة مال التجارة كما يناسبه ألفاظها واحتمل بعض كونها خاصا بمن جعل ماله أجناسا مختلفة كل واحد منها أقل من النصاب فرارا عن الزكاة مستشهدا لذلك
بموثقته الأخرى عن أبي إبراهيم أيضا عن رجل له مأة درهم وعشرة دنانير أعليها زكاة فقال إن فربها من الزكاة فعليه الزكاة الحديث وفيه ما لا يخفى من البعد بل إباء
ألفاظ الرواية عنه واما خبر الفرار فمحمول على الندب أو غيره من المحامل كما عرفته فيما سبق فراجع. القول في زكاة الغلات: والنظر في الجنس والشرط واللواحق
أما الأول: فقد عرفت فيما سبق إنه لا تجب الزكاة فيما يخرج من الأرض إلا في الأجناس الأربعة الحنطة والشعير والتمر والزبيب لكن تستحب فيما عدا ذلك من الحبوب بما
يدخل في المكيال والميزان كالذرة والأرز والعدس والماش وكذا السلت والعلس بناء على خروجهما عن مسمى الشعير والحنطة وقيل السلت كالشعير و العلس كالحنطة
57

في الوجوب والقائل بذلك الشيخ وجمع من الأصحاب كالحلي والفاضل في بعض كتبه والشهيدين والمحقق الثاني والميسي على ما حكي عنهم واستدل عليه بنص أهل اللغة
على إن العلس نوع من الحنطة والسلت نوع من الشعير ففي القاموس السلت بالضم الشعير أو ضرب منه وفيه أيضا العلس محركة القرار وضرب من البر يكون حبتان
في قشر وهو طعام صنعاء وفي المجمع السلت بالضم فالسكون ضرب من الشعير لا قشر فيه كأنه الحنطة تكون في الحجاز ثم نقل عن الأزهري أنه قال هو كالحنطة في
ملاسته وكالشعير في طبعه إنتهى وعن الصحاح قال العلس ضرب من الحنطة حبتان في قشر وهو طعام أهل صنعاء وقال أيضا السلت بالضم ضرب من الشعير ليس له
قشر كأنه الحنطة وعن ابن الأثير في النهاية إنه قال السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له وقيل هو نوع من الحنطة والأول أصح لأنه سئل عن بيع البيضاء بالسلت
فكرهه والبيضاء الحنطة وعن الأزهري العلس صنف من الحنطة يكون عنه في الكمام الحبتان وثلاثة وعن العين السلت شعير لا قشر عليه بالحجاز والغور يتبردون
بالسويق منه في الصيف وعن المغرب شعير لا قشر له يكون بالغور والحجاز وعن المقاييس السلت ضرب من الشعير لا يكاد يكون له قشر والعرب تسميه العريان ولكن مع
ذلك كله لم يتحقق اندراجها في مسمى الطبيعتين حقيقة ولذا ذهب المصنف و غيره إلى إن الأول أشبه بل عن كشف الالتباس والمفاتيح نسبته إلى المشهور بل عن
الغنية الاجماع عليه فإن كلمات اللغويين لا تخلو من إختلاف فقد حكى عن ابن دريد إنه قال السلت حب يشبه الشعير أو هو بعينه والعلس حبة سوداء تخبز في
الجدب أو تطبخ وعن المغرب العلس بفتحتين عن السوري والجوهري حبة سوداء إذا أجدب الناس طبخوها وأكلوها وقيل هو مثل البر إلا إنه عسر الاستنقاء تكون في الكمامة
حبتان وهو طعام أهل صنعاء وعن المحيط العلس شجرة كالبر إلا إنه مقترن الحب حبتين وعن الفائق السلت حب بين الحنطة والشعير لا قشر له وربما يظهر
من جملة من الروايات الدالة على استحباب الزكاة في ساير الحبوب التي تقدم ذكرها فيما سبق مغايرة السلت للشعير هذا مع أن الاعتماد على قول اللغويين في مثل
المقام لا يخلو من الاشكال فإنه إنما يرجع إلى اللغة في تفسير مداليل الألفاظ لا في تحقيق ماهيتها وليس الاشكال هاهنا في تفسير مفهوم السلت والعلس ولا
في مفهوم الحنطة والعشير إذ لا شبهة في أن الحنطة موضوعة لجنس هذا الذي يخبز ويؤكل وكذا الشعير موضوع لجنس هذا الذي يخبز ويؤكل ويعطي للدواب وهو مما
يعرفه أهل كل لغة بلغته فليس الاشكال هاهنا في شرح الاسم الذي بيانها وظيفة أهل اللغة بل الاشكال في أن الماهيتين المسميتين بذلك الاسمين في العرف
هل هما متحدان بالنوع مع ما يسمى في العرف حنطة أو شعيرا أم مغايرتان لهما بالذات وإن تشابهتا في الصورة و بعض الخواص ولذا تردد العلامة في قواعده في الحاق
السلت بالشعير أو الحنطة أو عدم الالحاق بشئ منهما فقال العلس حنطة حبتان منه في كمام واحد على رأي والسلت يضم إلى الشعير لصورته ويحتمل إلى الحنطة
لاتفاقهما طبعا وعدم الانضمام إنتهى وهذا مباين لما نقل عن الشيخ في الخلاف من إنه قال السلت نوع من الشعير يقال أنه بلون الحنطة وطعمه طعم الشعير
بارد مثله فإذا كان كذلك ضم إليه وحكم فيه بحكمه إنتهى ومرجع هذا النحو من الاستدلال إلى استكشاف وحدة الطبيعة بوجود خاصيتها دون القياس وشبهه كما قد يتوهم
وكيف كان فلم يحصل الوثوق من شئ مما ذكر بكون شئ منهما مصداقا حقيقيا لمفهوم الحنطة والشعير بحيث يتناوله إطلاق اسمه على الاطلاق فمقتضى الأصل
براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيهما ولكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه خصوصا بالنسبة إلى السلت الذي قد يغلب على الظن بالنظر إلى كلمات اللغويين وغيرها من
المؤيدات التي منها تسميته في العرف شعير النبي كونه قسما من الشعير والله العالم أما الشرط فالنصاب وهذا مما لا شبهة فيه و النصوص الدالة عليه متواترة
وهو خمسة أوسق بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه والوسق ستون صاعا بلا خلاف فيه أيضا نصا وفتوى ومما يدل على ما ذكر
مضافا إلى عدم الخلاف في شئ منه صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق والوسق ستون
صاعا فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي النواضح ففيه نصف العشر وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما وليس
فيما دون الثلاثمائة صاع شئ وليس فيما أنبتت الأرض شئ إلا في هذه الأربعة أشياء وصحيحة سعد بن سعد الأشعري قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن أقل ما
تجب فيه الزكاة من البر والشعير والتمر والزبيب فقال خمسة أو ساق بوسق النبي صلى الله عليه وآله فقلت وكم الوسق قال ستون صاعا قلت وهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه
إذا صيره زبيبا قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس فيما دون خمسة أو ساق شئ و الوسق ستون صاعا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة
التي سيأتي نقل جملة منها في طي المباحث الآتية التي وقع فيها التصريح بأنه ليس فيما دون الخمسة أو ساق زكاة وفي جملة منها أيضا التصريح بأن الوسق
ستون صاعا وأما ما ورد في شواذ الاخبار من أن النصاب وسق كما في بعض منها كمرسلة ابن سنان قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الزكاة في كم تجب في الحنطة والشعير فقال
في وسق وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته في كم تجب الزكاة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر قال في ستين صاعا وفي بعض وسقان كخبر أبي بصير قال قال
أبو عبد الله عليه السلام لا تجب الصدقة إلا في وسقتين والوسق ستون صاعا وخبره الاخر عنه أيضا قال لا يكون في الحب ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين
و الوسق ستون صاعا وفي بعض منها لم يعتبر نصابا كموثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال سئلته عن الحنطة والتمر عن زكاتهما فقال العشر ونصف العشر
العشر مما سقت السماء ونصف العشر مما سقي بالسواقي فقلت ليس عن هذا أسئلك إنما أسئلك عما خرج منه قليلا كان أو كثيرا أله حد يزكي ما خرج منه فقال زك
ما خرج منه قليلا كان أو كثيرا من كل عشر واحد ومن كل عشر نصف واحد قلت فالحنطة والتمر سواء قال نعم فالأولى رد علمه إلى أهله بعد مخالفة هذه الأخبار
بظاهرها للاجماع والنصوص المعتبرة المستفيضة إن لم تكن متواترة وقد حكي عن الشيخ وغيره حملها على الاستحباب ولا باس به في مقام التوجيه فإنه أولى من
الطرح وأنسب بما يقتضيه قاعدة المسامحة في أدلة السنن فيحمل ما فيها من الاختلاف على اختلاف المراتب والله العالم والصاع تسعة أرطال بالعراقي وستة
بالمدني كما يدل عليه صريحا خبر جعفر بن محمد إبراهيم الهمداني قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام على يدي أبي جعلت فداك إن أصحابنا اختلفوا في الصاع بعضهم يقول
الفطرة بصاع المدني وبعضهم يقول بصاع العراقي قال فكتب إلي الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي قال واخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومأة
58

وسبعين وزنه وما رواه في الوسائل عن الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا عليه السلام في كتابه قال والعشر من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما يخرج
من الأرض من الحبوب إذا بلغت خمسة أوسق إلى أن قال والوسق ستون صاعا والصاع تسعة أرطال وهو أربعة أمداد والمد رطلان وربع بالرطل العراقي قال
وقال الصادق عليه السلام هو تسعة أرطال بالعراقي وستة بالمدني وخبر علي بن بلال قال كتبت إلى الرجل أسئله عن الفطرة وكم تدفع قال فكتب (ع) ستة أرطال من تمر بالمدني
وذلك تسعة أرطال بالبغدادي إذ الأرطال بحسب الظاهر عبارة عن الصاع لأنه الواجب في الفطرة كما ستعرف وهو أي الصاع أربعة امداد بلا نقل خلاف في ذلك
من أحد بل عن المنتهى أنه قول العلماء كافة وعن الغنية والخلاف وظاهر التذكرة أيضا دعوى الاجماع عليه وعن المعتبر والمنتهى أن المد ربع الصاع بإجماع العلماء
ويدل عليه مضافا إلى ذلك جملة من لاخبار منها صحيحة عبد الله بن سنان الواردة في الفطرة حيث قال فيها صاع من تمر أو صاع من شعير والصاع أربعة امداد
ونحوها صحيحة الحلبي وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه و آله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع والمد رطل ونصف والصاع ستة أرطال وفي المدارك وكذا في
الوسائل بعد نقل هذه الصحيحة قال قال الشيخ (ره) يعني أرطال المدينة فيكون تسعة أرطال بالعراقي وفي مفتاح الكرامة بعد أن نقل هذه الرواية وما ذكره الشيخ في تفسير
الرطل الواقع فيها قال والظاهر من جماعة إن التفسير من تتمة الرواية ويشهد له قوله في التذكرة ما نصه وقول الباقر عليه السلام والمد رطل و نصف والصاع ستة
أرطال
المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي وعن المحقق أنه نقل الخبر من كتاب الحسين بن سعد هكذا والصاع ستة أرطال بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي
انتهى وكيف كان فهذه الصحيحة أيضا مقتضاها كون المد ربع الصاع وقضية ذلك ان المد رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف بالمدني كما هو واضح و
لكن نقل عن البزنطي الذي هو من قدماء أصحابنا القول بأن المد رطل وربع وهو شاذ لم يعرف له موافق ولا مستند ومقتضاه الالتزام بأن الصاع خمسة
أرطال لو سلم كونه أربعة امداد وأما ان ذهب إلى كونه خمسة امداد كما ورد ذلك في خبر المروري وموثقة سماعة الآتيتين اللتين قد قيل إن ثانيتهما هي
دليل هذا القول فمقتضاه الالتزام بكون الصاع ستة أرطال وربع وهذا أيضا مخالف لما تطابقت عليه النصوص و الفتاوى والخبران الذان أشير
اليهما على تقدير صحة الاستدلال بهما غير وافيين بالدلالة عليه كما لا يخفى وكيف كان فهو في غاية الضعف وأما ما في بعض الأخبار من إن الصاع خمسة
امداد كموثقة سماعة المضمرة قال سئلته عن الماء الذي يجزي للغسل فقال أغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله بصاع وتوضأ بمد وكان الصاع على عهده خمسة امداد وكان المد
قدر رطل وثلث أواق وهذه الرواية مشعرة بل ظاهرة في مغايرة الصاع الذي كان على عهده صلى الله عليه وآله للصاع المتعارف في عصر صدور الأخبار المتقدمة المحددة له بأربعة
امداد فلا يتحقق على هذا معارضة بينهما و ربما يؤيد ذلك أيضا خبر سليمان بن حفص المروزي المروي عن الفقيه والتهذيب قال قال أبو الحسن موسى بن جعفر (ع)
الغسل بصاع من ماء والوضوء بمد من ماء وصاع النبي صلى الله عليه وآله خمسة امداد والمد وزن مأتين وثمانين درهما والدرهم ستة دوانيق والدانق وزن ست
حبات والحبة وزن حبتي شعير من أوساط الحب لا من صغاره ولا من كباره ولكن يبعد هذا التوجيه ان المتدبر في الأخبار الواردة في تحديد الصاع بأربعة
أمداد أو ستة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي لا يكاد يرتاب في أن المراد بالصاع فيها ليس إلا الصاع الذي جرى عليه الاحكام وهو صاع النبي كما وقع التعبير
بذلك في جملة من الروايات الواردة في الفطرة مع أن صحيحة زرارة المتقدمة كادت تكون صريحة في أن المدد الذي كان رسول الله (ص) يتوضأ به كان رطلا و
نصفا والصاع الذي كان يغتسل به كان ستة أرطال هذا مع أن الرواية الأخيرة مشتملة على مخالفات آخر لما تطابقت عليه كلمة الأصحاب ودلت عليه ساير
أخبار أهل البيت كتحديد المد بمأتين وثمانين درهما مع أنك ستعرف أن الصاع نصا وفتوى ألف درهم ومأة وسبعون درهما فلا ينطبق العدد المزبور
لا ربع هذا العدد ولا على خمسه وكذا ما فيها من تحديد الدانق بست حبات والحبة بالشعرتين فإنه أيضا مخالف للنص والفتوى كما عرفته فيما سبق
وقد تكلف بعض لتوجيه بعض فقراتها بما لا يهمنا تحقيقه بعد مخالفة ظاهرها للنص والاجماع ووضوح عدم صلاحيته مثل هذه الأخبار الشاذة لمعارضة
الروايات المعتبرة المعمول بها بين الأصحاب فالأولى رد علم الخبرين المزبورين إلى أهله فظهر ما ذكر أن الصاع الذي عليه مدار الاحكام أربعة أمداد والمد
رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف بالمدني فيكون ألفين وسبعمأة رطل بالعراقي حاصلة من ضرب الخمسة في الستين فتبلغ ثلاثمأة صاع فتضرب الثلاثمأة
في التسعة أرطال فتبلغ المقدار المزبور وثمان مأة رطل بالمدني حاصلة من ضرب الثلاثمائة في الستة والصاع ألف ومأة وسبعون درهما بلا نقل خلاف
يعتد به ويدل عليه مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني قال اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (ع) أسئله عن ذلك فكتب إن الفطرة
صاع من قوت بلدك إلى أن قال تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة والرطل مأة وخمسة وتسعون درهما تكون الفطرة ألفا ومأة وسبعين درهما و
يدل عليه أيضا قوله في مكاتبة جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني المتقدمة أخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومأة وسبعين وزنه إذ الظاهر أن المراد بالوزنة الدرهم
بشهادة الخبر السابق مع أنه قد يؤيده أيضا ما في الحدائق من أنه روي هذا الخبر في كتاب عيون الأخبار وذكر الدرهم عوض الوزنة فيكون الرطل العراقي الذي هو تسع
الصاع مأة وثلاثين درهما كما هو المشهور بل لم ينقل الخلاف فيه إلا عن الفاضل في التحرير وموضع من المنتهى فجعل الرطل العراقي مأة وثمانية وعشرين درهما وأربعة
أسباع درهم أي تسعين مثقالا و كان مستنده تصريح بعض اللغويين بذلك قال في المجمع حاكيا عن المصباح الرطل معيار يوزن به كسره أكثر من فتحه وهو
بالبغدادي اثنتي عشرة أوقية والرطل تسعون مثقالا وهي مأة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع الدرهم وقد أشرنا في مبحث الكر من كتاب الطهارة إلى أنه لا
يجوز رد شهادة جل الفقهاء لأجل تصريح بعض اللغويين بذلك خصوصا فيما لا اختصاص للغوي بمعرفته مع إمكان صيرورته في زمان ذلك اللغوي الذي فسره بذلك
كذلك وكيف كان فلا ينبغي الالتفات إلى هذا التفسير في مقابل ما عرفت فالحق ما هو المشهور من إن الرطل العراقي في مأة و ثلاثون درهما وقد عرفت في نصاب التقدير ان
كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية فهو واحد وتسعون مثقالا بالمثقال الشرعي وهو ثلاثة أرباع الصيرفي فوزن الصاع الذي هو تسعة أرطال بالعراقي بالمثقال الصيرفي
59

ستمأة مثقال وأربعة عشر مثقالا كما لا يخفى على المتأمل والمدار في بلوغ النصاب على التحقيق عندنا دون التقريب فلو نقص منه ولو يسيرا لم تجب الزكاة
للأصل وقول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة وليس فيما دون الثلاثمأة صاع شئ وفي صحيحة زرارة وبكير فإن كان من كل صنف خمسة أو ساق غير شئ وإن قل فليس
فيه شئ وإن نقص البر والشعير والتمر والزبيب أو نقص من خمسة أو ساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شئ ولا عبرة بالمسامحات العرفية لدى النقص القليل في
الأحكام الشرعية المبنية على التحقيق وإن كان ذلك المقدار مغتفرا لدى تعرف في معاملاتهم غالبا وقد تقدم في النقدين تفصيل القول في ذلك وتحقيق ما يقتضيه
التحقيق لدى حصول النقص اليسير من إختلاف الموازين فراجع وحكي عن بعض العامة القول بأن التقدير بالأوساق تقريبي لا تحقيقي بحيث يؤثر فيه النقص اليسير
لان الوسق حمل وهو يزيد وينقص وفيه ان الوسق وإن كان كذلك ولكن الحكم لم يعلق على مطلقه بل ما كان منه ستين صاعا كما كشف عن ذلك الروايات من
طرق الخاصة والعامة المفسر له بذلك وانه ليس فيما نقص منه شئ المدار حينئذ على هذا الوزن لا على إطلاق لفظ الوسق كما هو واضح و العبرة ببلوغ حد النصاب
وقت الجفاف وصيرورته تمرا أو زبيبا فلو كان بالغا هذا الحد قبل جفافه لم تجب الزكاة فيه كما حكي عن العلامة في المنتهى والتذكرة التصريح بذلك بل ودعوى
الاجماع عليه فقال في محكي المنتهى انه لو جف تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا فنقص فلا زكاة إجماعا وإن كان وقت تعلق الوجوب نصابا و قال في التذكرة و
النصاب المعتبر وهي خمسة أوسق إنما يعتبر وقت جفاف التمر ويبس العنب والغلة فلو كان الرطب خمسة أوسق والعنب والغلة ولو جفت تمرا أو زبيبا أو حنطة
أو شعيرا نقص فلا زكاة إجماعا وإن كان وقت تعلق الوجوب نصابا أما ما لا يجف مثله وإنما يؤكل رطبا كالهبات والبربين وشبههما من الدقل والرقيق الثمرة
فإنه تجب فيه الزكاة أيضا لقوله عليه السلام فيما سقت السماء العشر وإنما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه الأقرب الأول وإن كان
تمره يقل كغيره وللشافعي وجهان هذا أحدهما والثاني يعتبر بغيره فإذا كان مما يجف فيبلغ خمسة أوسق تمرا وكان هذا مثله رطبا وجبت فيه الزكاة فيعتبر بأقرب
الارطاب إليه مما يجف انتهى وفي المدارك بعد نقل هذه العبارة عن التذكرة قال ولو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم التمر أو الزبيب اتجه سقوط
الزكاة فيه مطلقا انتهى وهو جيد ولكن الظاهر صدق اسم التمر والزبيب على اليابس منهما من أي نوع يكون غاية الأمر أنه يوصف بالردائة كأم جعرور ومعافارة
فكان الزبيب والتمر وصفا لليابس من الثمرتين ولكن جملة من أنواع العنب والرطب حيث يقل فائدتها بالتجفيف بحيث يعد تجفيفها بمنزلة الاتلاف لم يجر العادة
بتجفيفها لا إنه لا يطلق عليها الاسمان بعد الجفاف فليتأمل وقد ظهر بما مر ان ما نقص عن التقدير المزبور ولو يسيرا فلا زكاة فيه وإما ما زاد ففيه الزكاة
إن قل بلا خلاف وفيه على الظاهر بل عن المنتهى التصريح بنفي الخلاف فيه بين العلماء ويدل عليها إطلاق الروايات الدالة على إن ما أنبتت الأرض من الغلات
الأربع إذا بلغ خمسة أوسق ففيما سقته السماء منه العشر وفيما كان منه يسقى بالدوالي إلى نصف العشر والحد الذي يتعلق به الزكاة من الأجناس الأربعة لدى المصنف
وابن الجنيد على ما حكي عنه أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا وعن العلامة في جملة من كتبه حكايته عن بعض أصحابنا وفي منتهاه حكايته عن والده وفي مفتاح
الكرامة قال وقد يفوح ذلك أعني مذهب المحقق عن المقنع والهداية وكتاب الاشراف والمقنعة والغنية والإشارة وغيرها لمكان حصرهم الزكاة في التسعة التي
منها التمر والزبيب والحنطة والشعير فيكون المعتبر عندهم صدق تلك الأسامي ولا تصدق حقيقة إلا عند الجفاف انتهى وربما أستظهر هذا القول عن الشيخ
في نهايته حيث قال في باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة بعد أن ذكر وقت الوجوب في النقدين وأما الحنطة والشعير والتمر والزبيب فوقت الزكاة فيها حين حصولها
بعد الحصاد والجذاذ والصرام وقد حكى عن صاحب كشف الرموز أنه حملها على وقت الاخراج لا وقت الوجوب وهو خلاف الظاهر وحكي عن الشهيد في البيان أنه
نسب إلى أبي علي والمحقق انهما اعتبرا في الثمرة التسمية تمرا وعنبا لا زبيبا وتبعه في هذه النسبة بعض من تأخر عنه ويظهر من المدارك الميل إليه بل القول به ولكن
في مفتاح الكرامة أنكر هذه النسبة وقال هذا النقل بالنسبة إلى أبي علي مخالف لما نقله الأكثر عنه كما عرفت وأشار بذلك إلى ما نقله عن غير واحد من أنهم نسبوا إلى
أبي علي القول باعتبار تسمية الثمر تمرا وزبيبا كما في المتن ثم قال وأما بالنسبة إلى المحقق فهو خلاف ما هو شاهد بالعيان انتهى وقيل بل إذا اشتد الحب
في الحنطة والشعير واحمر ثمر النخل أو أصفر أو أنعقد الحصرم وربما نسب هذا القول إلى المشهور بل عن التنقيح لم نعلم قائلا بمذهب المحقق قبله وعن المقتصر ان
عليه الأصحاب ونسب إلى جماعة التوقف في القولين والأشبه بظواهر النصوص والفتاوى المعلقة للزكاة على الأجناس الأربعة الأول فإن الأحكام الشرعية
تدور مدار عناوين موضوعاتها فإذا دل الدليل على انحصار الزكاة مما أنبتته الأرض في الحنطة والشعير والتمر والزبيب وجب الحاق البسر والحصرم وشبههما من
ثمر النخل والكرم مما هو خارج عن مسميات هذه الأسامي بما عداها من الثمار مما لا زكاة فيه وإلا لم يكن الحصر حاصرا اللهم إلا أن يدل دليل خاص من نص أو إجماع على
إن المراد بالتمر والزبيب ثمرة النخل والكرم عند بدو صلاحها فالشأن في إثبات ذلك واستدل للمشهور بأمور منها صدق الحنطة والشعير بمجرد اشتداد الحب فيتعلق
بهما الزكاة بالعمومات فيثبت في البسر والحصرم بالاجماع المركب مضافا إلى ما عن بعض اللغويين من التصريح بأن البسر وكذا الرطب نوع من التمر ولا قائل بالفرق بينهما و
بين الحصرم والعنب وفيه بعد تسليم صدق اسم الحنطة والشعير على الحب بمجرد اشتداده وكذا اسم التمر على البسر والرطب فلا شبهة في انصراف إطلاق أساميها في المحاورات
العرفية ومعاملاتهم ووقوع شئ منها في حيز التكليف بصرفه إلى الغير اليابس منها فلا يتبادر من الامر بالتصدق بشئ من هذه الأجناس إلا إرادة يابسها ولذا لم يقع
الخلاف في عدم وجوب إخراج الزكاة من الأخضر وعدم جواز الزام الساعي بالدفع منه وعدم العبرة ببلوغها حد النصاب قبل الجفاف إذا نقص عنده وليس شئ من
ذلك لدليل تعبدي بل لعدم انسباق غير اليابس من أدلتها كما لا يخفى على المتأمل هذا كله مع أن ما حكي عن بعض اللغويين من كون البسر والرطب نوعا من التمر مع
معارضته بقول من عداه مما يشهد العرف بخطائه خصوصا في البسر نعم صحة إطلاق اسم الحنطة والشعير على الحب بعد اشتداده بل قبله أيضا ليس بالبعيد فلو قلنا
بكفايته في تعلق الزكاة به وعدم انصراف إطلاق اسمها الوارد في أدلة الزكاة عنه اتجه القول بالتفصيل بينهما وبين التمر والزبيب ومخالفته للاجماع المركب غير
60

معلومة بل قد يستشعر أو يستظهر من المتن التفصيل حيث جعل محل الخلاف التمر والزبيب دون الحنطة والشعير فهو مشعر بالمفروغية عن صدق الاسم فيهما الذي هو مناط الوجوب
عنده ومنها عمومات وجوب الزكاة خرج ما خرج وبقي الباقي وقد يقال في تعريب هذا الدليل أن مقتضى العمومات وجوب الزكاة فيما سقته السماء مطلقا أو أدلة تعلق
الزكاة بالحنطة والشعير والتمر والزبيب أي الاخبار الحاصرة للزكاة في هذه الأجناس لا تنهض لتقييدها لان المتبادر منها إرادة الأجناس الأربعة في مقابل الأجناس
الاخر دون العنب والرطب مثلا وفيه أنه ان أريد بالعمومات ما كان من قبيل آية الصدقة وأشباهها فهي أحكام مجملة لا مصرح للاخذ بعمومها بعد ورود
الأخبار المستفيضة أو المتواترة المبينة لما تجب فيه الزكاة وحصرها في الأجناس التسعة الزكوية وإن أريد بها ما كان من قبيل ما سقته السماء ففيه العشر وما
سقي بالدوالي ففيه نصف العشر ففيه أنه لم يقصد بالموصول في مثل هذه الأخبار العموم أو الاطلاق بل هي إشارة إلى الأجناس الزكوية المعهودة أي الغلات
الأربع كما أفصح عن ذلك قوله (ع) في صحيحة زرارة ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أو ساق ففيه العشر وما كان منه يسقى بالرشاء
والدوالي والنواضح فنصف العشر والحاصل ان دعوى استفادة وجوب الزكاة في الحصرم والعنب والبسر والرطب من مثل هذه الأدلة مجاز فيه بل هي ناشئة من
متابعة المشهور فلو كانت الشهرة بخلافه لم يكن يتوهم أحد كون هذه الأدلة منافية له ومنها صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام ليس في النخل صدقة
حتى يبلغ خمسة أو ساق والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أو ساق زبيبا وهذه الصحيحة تدل على ثبوت الزكاة في العنب إذا بلغ خمسة أوسق لو قدر زبيبا
فيتم فيما عداه بعدم القول بالفصل وأورد عليه في محكى الذخيرة بأن لمفهوم الصحيحة احتمالين أحدهما إناطة الوجوب بحاله ثبت له البلوغ فيها خمسة أوسق
حال كونه زبيبا وثانيهما إناطته بحالة بقدر له هذا الوصف والاستدلال بها إنما يتم على ظهور الثاني وهو في موضع المنع بل لا يبعد ادعاء ظهور الأول إذ اعتبار
التقدير خلاف الظاهر انتهى وأجاب عنه في مفتاح الكرامة بما لفظه وفيه ان حاصل الوجه الأول انها تجب في العنب إذا كان زبيبا ومن المعلوم زوال وصف
العنبية عن كونه زبيبا كما تقول تجب صلاة الفريضة على الصغير إذا كان كبيرا وأنت خبير بسقوط مثل هذا التعبير عن درجة الاعتبار فلا بد من المصير إلى التقدير
إذا ورد مثله في الاخبار والاعتذار بأنه تساهل في التعبير باعتبار ما يؤل إليه كما في الاسناد إلى النخل مما لا يعول عليه ولا يصغى إليه كما هو واضح لمن وجه النظر إليه
وفي الاسناد إلى النخل دلالة أخرى هي أولى بالاعتبار وأحرى إذ الظاهر من الاسناد إليه إرادة ثمرة إذ هو أقرب المجازات وأشهرها بل المشهور منها
بل لم يعهد إطلاقه على خصوص التمر بحيث لم يرد غيره مما تقدمه من البسر والرطب إلى أن قال على أنه لو كان المراد منه التمر وحده لا ما قبله لا وجه للعدول عن التمر إلى
النخل لأنه لا يسوغ إلا للأخصرية والأظهرية أو حكمة أخرى هي بالمراعاة أحرى ولا شئ من ذلك بموجود في المقام انتهى أقول الحق إن العبارة المذكورة في الرواية
قابلة للمعنيين كما ذكره في الذخيرة ولكن الظاهر كون كلمة زبيبا تميزا لا حالا عن اسم يكون وعلى أي حال فأما أن يكون المراد بكونه خمسة أوسق زبيبا كونه
كذلك بالفعل أي خمسة أوسق من الزبيب أو بالقوة بان يكون بمقدار لو جف لكان خمسة أوسق والأول أي إرادة الفعلية أوفق بظاهر اللفظ ولكن لا يناسبها
لفظ العنب الذي أخذ موضوعا لهذا الحكم لزوال وصف العنبية عند اتصافه بصفة الزبيبية فلا يصح الحمل الا بإرادة معنى الصيرورة من لفظ يكون وهو مخالف
للأصل كما أن إرادة الثانية من قوله حتى يكون خمسة أوسق زبيبا أيضا كذلك فيتعارض الاحتمالان ويشكل ترجيح أحدهما على الاخر وأما ما قيل من أن في الاسناد
إلى النخل دلالة على إرادة ثمرته مطلقا فيدل على ثبوتها في البسر والرطب ففيه أن قوله حتى يبلغ خمسة أو ساق الذي هو شاهد على هذا التقدير يجعله كالنص
في إرادة خصوص التمر الذي هو معظم ثمرته ولعل النكتة في العدول عن التمر إلى النخل التنبيه على اعتبار النماء في الملك في ثبوت الصدقة فيه لا مطلق تملكه ثم لو سلم دلالة
هذه الصحيحة على ثبوت الزكاة في العنب قبل جفافه فتمامية الاستدلال بها لمذهب المشهور موقوف على عدم القول بالفصل بينه وبين غيره من ثمرة النخل والكرم
ولم يتحقق ذلك بل قد سمعت نسبة القول بالتفصيل إلى ابن الجنيد وفي المدارك اختياره ومن هنا يظهر الخدشة في الاستدلال له بخبر أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام قال لا يكون في الحب ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتى يبلغ وسقين و الوسق ستون صاعا مع اشتماله على ما لا نقول به من كون الوسقين نصابا واستدل
له أيضا بصحيحة سعد بن سعد قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن أقل ما يجب فيه الزكاة من البر والشعير والتمر والزبيب فقال خمسة أو ساق بوسق النبي صلى الله عليه وآله فقلت كم
الوسق قال ستون صاعا قلت فهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا قال نعم إذا خرصه أخرج زكاته وهذه الصحيحة صريحة في تعلقها بالعنب و
ظاهرها ثبوت الوجوب من حين الخرص وقد صرح الأصحاب بأن زمان الخرص من حين بدو الصلاح وأوضح من ذلك دلالة على ثبوت الزكاة من حين الخرص
صحيحة
سعد الأخرى عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد فقال متى حلت أخرجها وعن
الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها قال إذا ما صرم وإذا كان خرص ونوقش في الاستدلال بهاتين الصحيحتين بإمكان كون الخرص الوارد
فيهما بالحاء المهملة من حرص المرعى إذا لم يترك منه شيئا بل لعل هذا هو المتعين في الصحيحة الثانية إذ لا معنى لجعل الوقت الصرام والخرص بالمعجمة لاختلافهما
جدا ومن هنا قيل على تقدير كونه بالمعجمة يراد منه وقت الصرام أيضا أقول أما احتمال كون الحصر بالحاء المهملة فمما لا ينبغي الالتفات إليه بعد كونه من الكتب
المعتبرة مرسوما بالمعجمة ولكن الجمع بينه وبين الصرام في الصحيحة الثانية في جعلهما شرطا للوجوب أوجب الاجمال فيما أريد من الشرطين حيث لم يعلم بأن العبرة
بتحقق كل من الفعلين في جميع الغلات الأربع أو بكل منهما على سبيل البدل بأن يكون الشرط حصول أحد الامرين فتكون الواو للترديد أو بحصول كل منهما
في بعض منها على سبيل التوزيع أو أن المقصود بهما بيان زمان تنجز التكليف بالزكاة الذي تمكنه من معرفة مقدار الغلة وبلوغه حد النصاب بالاعتبار
بالكل المتوقف على الصرام أو بالخرص فكأنه قال متى صرمها أو عرف مقدارها بالخرص تنجز في حقه التكليف بتزكيتها فعلى هذا يتجه الاستدلال بها
للمشهور حيث أن تنجز التكليف بالاخراج يتوقف على تعلق الزكاة بها من حيث هي من أول زمان إمكان معرفة مقدارها بالخرص وأن لم يتنجز
61

التكليف بها لدى الجهل بمقدارها ولو بالخرص ولكن لا وثوق بإرادة هذا المعنى من الصحيحة فليتأمل وأما صحيحته الأولى فالظاهر أنه لم يقصد بقوله عليه السلام
إذا خرصه أخرج زكاته الخرص المعهود الذي وقته من حين بدو الصلاح وليس هو من شأن كل أحد بل وظيفة الخارص بل المقصود به بحسب الظاهر بيان ثبوت
الزكاة في العنب أيضا وعدم اشتراطه بأن يصيره زبيبا فإذا خرصه أي علم ببلوغ يابسه خمسة أوسق بالخرص والتخمين وجب إخراج الزكاة منه فلا تدل هذه
الصحيحة إلا على ثبوتها في العنب فإن تم الاجماع على مشاركته مع الحصرم والرطب وغيره مما يقوله المشهور فهو ولكنك عرفت أنه في محل نظر بل منع وعمدة ما يطمح
الاستشهاد به لمذهب المشهور ما علم بالتدبر في الآثار والاخبار وكلمات الأصحاب من أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يبعث من يخرص على أصحاب النخل ثمرتها
ليتميز بذلك مقدار الصدقة المفروضة فيها وكان صلى الله عليه وآله يأمر عامله بأن يترك للحارس العذق والعذقين وأن لا يخرص أم جعرور ومعافارة كما ستعرف
تفصيله عند التعرض لبيان فائدة الخرص فلو لم يكن حق الفقير متعلقا بها من حين بدو صلاحها الذي هو وقت الخرص لم يكن يترتب على الخرص قبل صيرورتها
تمرا فائدة يعتد بها بل كان تعديا وتضييقا على المالك لا عن استحقاق إذ قد لا يجب أن يطلع أحد على مقدار ماله وما صدر عنه من المصارف قبل جفافه
كما أنه قد يحب أن يجعل للحارس أكثر من عذقين ولغيره أيضا كذلك أو ينفق جميعها على أهله وعياله وأصدقائه حال كونه رطبا بغير أن يطلع عليه أحد فلو لم
يكن المقصود بالخرص تمييز حق الفقير وتضمين المالك به على تقدير صدور مثل هذه التصرفات منه الذي هو فرع ثبوت الحق له بالفعل لوقع الخرص لغوا
وما قيل من إمكان أن يكون فائدته الحفظ من الخيانة عند تعلق الحق به أي بعد صيرورته تمرا وزبيبا ففيه بعد الغض عن منافاته لما علم من طريقة الشارع
من رعاية حال المالك والارفاق به وقبول قوله في دعوى التلف ونحوه خصوصا بالنسبة إلى ما قبل تعلق الحق بماله إن غاية ما يمكن معرفته بالخرص هو مقدار ما
يبلغ ثمرة النخل الموجودة بالفعل على تقدير بقائها سليمة عن الآفات تمرا أو زبيبا عند جفافها و أما أن ثمرتها تبقى ولا يأكلها صاحبها أو يبيعها أو منفقها
على غيره حال كونها بسرا أو رطبا فهو شئ لا يمكن معرفته بالتخمين فإنه يختلف باختلاف الاشخاص و الأحوال والأمكنة اختلافا فاحشا غير قابل للانضباط
كي يمكن الإحاطة به بالخرص و يسوغ نسبة الخيانة إلى أحاد المالكين لدى تخلف ما يوجد عندهم عما خرص والحاصل أن جواز الخرص الذي ستعرف مساميته
عند الفريقين في الجملة من أقوى الأدلة على صحة ما ذهب إليه المشهور من تعلق حق الفقراء بالغلات من حين بدو صلاحها فالقول به مع أنه أوفق بالاحتياط
لا يخلو من قوة ووقت الاخراج الذي هو بحيث يسوغ للساعي مطالبة المالك به وإذا أخرها عنه مع التمكن ضمن في الغلة إذا صفت وفي التمر بعد اخترافه
وفي الزبيب بعد اقتطافه اختراف التمر بالخاء المعجمة اجتنائه ومثله الاقتطاف للعنب قال في المدارك تبعا للمسالك وفي جعل ذلك وقت الاخراج تجوز وإنما
وقته عند يبس التمر وصيرورتها تمر أو زبيبا وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب بل قال في المنتهى أتفق العلماء كافة على أنه لا يجب الاخراج في الحبوب
إلا بعد التصفية وفي التمر إلا بعد التشميس والجفاف ونحوه قال في التذكرة انتهى ما في المدارك وهو جيد ولكن هذا أي كون وقت الاخراج بعد التشميس
التجفيف إنما هو فيما إذا تعلق غرض المالك بتجفيف الثمرة وأما لو تعلق غرضه بصرفها في مقاصده حال كونها رطبا وعنبا أو حصر ما ولم نعتبر التسمية
في تعلق الزكاة بها كما هو المشهور فوقت الاخراج حينئذ بعد الاختراف والاقتطاف حقيقة إذ لا تجفيف في الفرض وليس اعتبار مضي مقداره شرطا تعبديا لوجوب
الاخراج كما ستعرف وكيف كان فقد أشرنا إلى أن المراد بوقت الاخراج هو الوقت الذي يجوز للساعي مطالبته وليس للمالك الامتناع من الدفع إليه لدى المطالبة وأنه لو أخرج
الزكاة عنه مع التمكن من إيصالها إلى المستحق ضمن وهذا متأخر عن وقت الوجوب سواء قلنا بتعلق الوجوب من حين بدو الصلاح أو قلنا بدورانه مدار التسمية
أما على الأول فواضح بل وكذا على الثاني فإن التسمية تحقق في الزرع قبل الحصاد فضلا عن التصفية وفي النخل قد تتحقق قبل الاجتذاذ مع أنه لا يجب
الاخراج حينئذ كما هو ظاهر المتن وغيره وما عن بعض الأمور من اتحاد زمانها على القول بدورانه مدار التسمية وأن الحصاد والتصفية في الزرع والاجتذاذ في النخل
من مقدمات الامتثال لا من شرائط وجوب الاخراج فهي من المقدمات الوجودية للواجب المطلق ضعيف إذ المنساق من الامر بصرف العشر أو الخمس من حاصل زرعه
أو ثمرة بستانه في هذه السنة إلى زيد مثلا إنما هو إرادة إيصال الحصة المقررة له إليه بعد تصفية الحاصل وصرم البستان على حسب ما جرت العادة في تقسيم حاصل
الزراعات و ثمرة الأشجار بين شركائهم فليس للفقير أولوية مطالبة المالك بالحصة المقررة له قبل استكمال الحاصل أو بلوغ أو إن قسمتها بين مستحقيها في العرف و
العادة ومن المعلوم أن جفاف التمر وكذا الزبيب بل وكذا الغلة تدريجي فقد يكون ما يندرج تحت المسمى في هذا اليوم بالغا حد النصاب وهو يتزايد يوما فوما
فما لم يستكمل الجميع ولم يبلغ أو إن حصادها وجمع التمر والعنب المنشورين للتشميس و التجفيف ليس للساعي مطالبة حق الفقير لما أشرنا إليه من أن المنساق من أدلة
الزكاة إيجاب صرف الحصة المفروضة للفقير في ثمرة النخل والكرم وحاصل الزراعات عند بلوغ حدها ووصول أو أن تقسيمها بين الشركاء عادة وربما يشهد له
أيضا مضافا إلى ما ذكر خبر أبي مريم المروي عن الكافي عن أبي عبد الله عليه في قول الله عز وجل وآتوا حقه يوم حصاده قال تعطى المساكين يوم حصادك الضغث ثم
إذا وقع في البيدر ثم إذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر فان قوله (ع) إذا وقع في الصاع إلى آخره كناية عن بلوغ أو ان قسمة الحاصل الذي هو بعد التصفية وتجفيف
الثمرة نعم لو وصل وقت التصفية في العرف والعادة وتسامح المالك فيها وأخرها عن وقتها المعتاد لا لعذر اتجه الالتزام بتحقق الضمان وجواز الزامه بالتصفية
خروجا عن عهدة ألحق الواجب في ماله وإطلاق كلمات الاعلام القائلين بأن وقته بعد التصفية في فتاويهم في معاقد إجماعاتهم المحكية منزل على المتعارف
فهي غير منافية لذلك و لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلا إذا ملكت بالزراعة لا بغيره أي بغير هذا السبب من الأسباب كالابتياع والهبة والاتهاب ونحوهما و
تخصيص الزراعة بالذكر من باب التمثيل فكأنه أريد بذلك الكناية عن اشتراط تعلق الزكاة بالغلات بتكونها في ملكه بأن لا يكون مملوكيتها له محتاجة إلى سبب
آخر وراء المعدات المؤثرة في تكونها كما هو الشان في حاصل زراعة أو ثمرة بستانه والحصة المقررة له من الثمرة بإزاء عمله كما في عامل المزارعة والمساقات وكيف كان
62

فالمقصود بهذا الشرط بيان اعتبار كون ما يتعلق به الزكاة حاصلا في ملكه وقد عبر كثير منهم عن ذلك بأن يكون نموها في ملكه فعن المصنف في المعتبر قال لا تجب
الزكاة في الغلات الا إذا نمت في الملك فلا تثبت فيما يبتاع ولا ما يستوهب وعليه اتفاق العلماء وعن المنتهى أنه قال لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلا إذا نمت
في ملكه فلو ابتاع غلة أو استوهب أو ورث بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة و هو قول العلماء كافة ولكن في المدارك ناقش في هذا التعبير بأنه غير جيد أما على ما ذهب
إليه المصنف من عدم وجوب الزكاة في الغلات إلا بعد تسميتها حنطة أو شعير أو تمرا أو زبيبا فظاهر لان تملكها قبل ذلك كاف في تعلق الزكاة بالتملك
كما سيصرح به المصنف (ره) وإن لم ينم في ملكه وأما على القول بتعلق الوجوب بيد والصلاح فلان الثمرة إذا انتقلت بعد ذلك يكون زكاتها على الناقل قطعا
وإن نمت في ملك المنتقل إليه وكان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة وقت بلوغها الحد الذي يتعلق به الزكاة كما اقتضاه صريح كلام الفريقين انتهى أقول
الظاهر عدم الخلاف في اشتراط تعلق الزكاة في الغلات بنموها في ملكه وعدم كفاية ملكيتها حال التجفيف بحيث لو اشترى عنبا أو رطبا من السوق وجففهما
فصار خمسة أو ساق زبيبا أو تمرا لوجب عليه زكاته فإن هذا مما لا يظن بأحد الالتزام به خصوصا فيما إذا لم يكن العنب أو الرطب الذي اشتراه على تقدير بقائه
على ملك مالكه متعلقا للزكاة بأن كان العنب الذي اشتراه ملكا لصغير أو مملوكا لأشخاص لم يكن يبلغ نصيب كل منهم حد النصاب وليس في عبارة المصنف
الآتية تصريح بل ولا ظهور في كفاية تملكها قبل الاتصاف بالزبيبية والتمرية في تعلق الزكاة بالمتملك وإنما صرح بنفيها على المالك لو أخرجها عن ملكه قبل
ذلك حيث قال في مسألة ما لو اشترى نخلا أو ثمرته بعد بدو صلاحها بعد أن حكم أولا بأن زكاتها على البايع كما هو المشهور ما لفظه والأولى الاعتبار بكونه
تمرا لتعلق الزكاة بما يسمى تمرا لا بما يسمى بسرا ولا دلالة في هذا الكلام إلا على نفي وجوبها على المالك لو لم تبق في ملكه إلى زمان صيرورتها تمر لا على ثبوتها
على من ملكها في هذا الحين ثم أن المراد بنموها في ملكه هو نموها إلى إن يندرج في الموضوع الذي يتعلق به الزكاة لا مطلق النمو في الملك بحيث يعم النمو الحاصل
له بعد زمان تعلق الوجوب حتى يتوجه بذلك الاشكال على المشهور وكيف كان فمنشأ اعتبار هذا الشرط مع الغض عن الاجماع ظهور ما دل على وجوب
الزكاة في الغلات في إيجابها على ما نمت الغلات في ملكه وليس في شئ من أدلتها إطلاق أو عموم بحيث يتناول ما لو ملك شيئا منها بسبب آخر غير التنمية
كما لا يخفى على من لاحظها بل لو لم يكن الاجماع لاشكل استفادة كفاية ملكية الثمرة من حيث بدو صلاحها الذي فسروه بالاصفرار والاحمرار في تعلق الزكاة
بها على من انتقلت إليه في هذا الحين حيث أن معظم نمائها قد حصل في ملك الغير فيخرج بذلك عن منصرف أدلتها فليتأمل وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في
اشتراط النماء في الملك وعدم كفاية الملكية حال التجفيف الذي يتحقق به التسمية ولو قلنا بعدم تعلق الوجوب إلا بعد الجفاف والله العالم ويزكي حاصل الزرع
أي الغلات في ملك من حصلت في ملكه على تقدير جامعيتها للشرائط ثم لا يجب بعد ذلك فيه زكاة ولو بقي أحوالا إجماعا ونصوصا كما في الجواهر وغيره ومن
جملة الروايات المصرحة بذلك ما عن الكليني والشيخ في الصحيح أو الحسن عن زرارة وعبيد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال أيما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدقها
فليس عليه فيه شئ وإن حال عليه الحول عنده إلا إن يحول ما لا فإن فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكيه وإلا فلا شئ عليه وإن ثبت ذلك ألف عام
إذا كان بعينه قائما وإنما عليه فيها صدقة العشر فإذا أداها مرة واحدة فلا شئ عليه فيها حتى يحول مالا ويحول عليه الحول وهو عنده ولا تجب الزكاة إلا بعد
إخراج حصة السلطان بلا نقل خلاف فيه بل عن الخلاف وغيره دعوى الاجماع عليه وعن المصنف في المعتبر إنه قال إخراج الأرض يخرج وسطا ويؤدي زكاة ما بقي
إذا بلغ نصابا إذا كان لمسلم وعليه فقهائنا وأكثر علماء الاسلام وقال أبو حنيفة لا عشر في الأرض الخراجية انتهى والمراد بحصة السلطان هاهنا بحسب الظاهر
مطلق الخراج الذي وضعها السلطان على الأرض سواء كان بحصة من حاصلها التي يسمى في عرف الفقهاء بالمقاسمة أم بغيرها كما حكي عن غير واحد التصريح
بذلك ففي الحدائق قال لا خلاف بين الأصحاب رضوان الله عليهم في استثناء حصة السلطان والمراد بها ما يجعله على الأرض الخراجية من الدراهم ويسمى خراجا
أو حصة من الحاصل ويسمى مقاسمة وفي المسالك قال المراد بحصة السلطان ما يأخذه على الأرض على وجه الخراج أو الأجرة ولو بالمقاسمة وعن جامع المقاصد
المراد بحصة السلطان خراج الأرض و قسمتها أو ربما يؤيد ذلك ما عن بعض الأصحاب أنه غير هاهنا بالخراج بدل الحصة وعن آخر انه عبر بهما فقال بعد الخراج
وحصة السلطان إلى غير ذلك من كلماتهم المفصحة عن ذلك ولكن في التذكرة قال لو ضرب الامام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة
في الجميع لأنه كالدين انتهى وفي الجواهر بعد نقل هذه العبارة عن التذكرة أورد عليها بقوله وهو كما ترى محجوج بظاهر النص والفتوى ولا أقل من أن
يكون الخراج كأجرة الأرض التي لا كلام عندهم في أنها من المؤن انتهى واستدل للمدعي مضافا إلى الاجماع المستفيض نقله بصحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام أنهما قالا له هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها فقال كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك فيما أخرج الله منها
الذي قاطعك عليه وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما عليك العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك وفي بعض النسخ فتاجرته بدل فما حرثته
وخبر صفوان والبزنطي قالا ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر مما سقت السماء
و الأنهار ونصف العشر مما كان بالرشاء فيما عمروه منها وما لم يعمروه منها أخذه الامام فقبله ممن يعمره وكان للمسلمين وعلى المتقبلين في حصصهم العشر ونصف
العشر وليس في أقل من خمسة أو ساق شئ من الزكاة وما أخذ بالسيف فذلك إلى الامام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر قبل سوادها و بياضها يعني
أرضها ونخلها والناس يقولون لا يصلح قبالة الأرض والنخل وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم ثم
قال إن أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر و إن أهل مكة دخلها رسول الله صلى الله عليه وآله عنوة وكانوا أسراء في يده فأعتقهم فقال اذهبوا فأنتم
الطلقاء وهاتان الروايتان صريحتان في إخراج الخراج قبل الزكاة ولكن قد يستشعر من ألفاظ الخبرين كقوله (ع) في الخبر الأول بعد مقاسمته لك وقوع التعبير
63

في السؤال بلفظ المزارعة وفي الخبر الثاني والعشر ونصف العشر في حصصهم كون المفروض فيهما وقوع القبالة بحصة من حاصل الزرع والنخل وهذا مما يسمى في عرف
الفقهاء بالمقاسمة ولا شبهة في أن حصة السلطان المأخوذة بعنوان المقاسمة لا يجب زكاتها على المتقبل لأنها كالحصة من المزارعة التي يستحقها مالك
الأرض فلا تدخل ذلك في ملك المتقبل كي يتوهم وجوب زكاتها عليه وهذا بخلاف ما يأخذه السلطان بعنوان الخراج الذي هو لدى التحقيق عبارة عن أجرة
الأرض المتعلقة بذمة المستأجر فيكون حاصل نمائها جميعه للمتقبل وما يدفع منه إلى السلطان يقع بدلا عن حقه لا عينه فلو قلنا بانصراف الخبرين
بواسطة الألفاظ المزبورة إلى إرادة الحكم في صورة وقوع القبالة على سبيل المقاسمة أشكل الاستدلال بها لعموم المدعى من عدم وجوب الزكاة إلا
بعد إخراج حصة السلطان بمعناها الشامل لكلا القسمين لما عرفت من الفرق بينهما فيما هو مناط الحكم فلا يصح مقايسة الخراج بالمقاسمة ولكن دعوى الانصراف
قابلة للمنع فليتأمل واستدل له أيضا بما عن الفقه الرضوي وليس في الحنطة والشعير شئ إلا أن يبلغ خمسة أوسق والوسق ستون صاعا والصاع أربعة
أمداد والمد مأتان واثنان و تسعون درهما ونصف فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤنة العمارة والقرية أخرج منه العشر إن كان
سقي بماء المطر أو كان بعلا وإن كان سقي بالدلاء ففيه نصف العشر وفي التمر والزبيب مثل ما في الحنطة والشعير وفي الحدائق بعد أن نقل هذه العبارة
دليلا للقول باستثناء المؤنة مطلقا قال وبهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه ومنه يظهر إن مستنده في الحكم المذكور إنما هو هذا الكتاب أقول وحكي
عن الهداية والمقنع والمقنعة أيضا التعبير بنحو ما في الفقيه من استثناء خراج السلطان ومؤنة القرية فكأنه أريد بمؤنة القرية ما له دخل في تحصيل الغلة
أي مؤنة الزرع الحاصل في القرية من حيث حصوله فيها فإن أرباب القرى يعاملون غالبا مع من يزرع في قريتهم بمعاملة السلطان مع رعاياه في وضع الخراج
عليهم وافراد بمؤنة العمارة بحسب الظاهر ما كان من قبيل كري الأنهار ونحوه مما يجعل الأرض عامرة وكيف كان فالعبارة المزبورة كالنص في عدم وجوب
الزكاة إلا بعد خراج السلطان مطلقا وإن كان من جنس الدراهم ولو باعتبار اندراج هذا القسم منه في المؤنة التي تدل هذه العبارة على استثنائها بالفحوى
ولكن لم يثبت لدينا حجية الرضوي فيشكل الاعتماد عليه اللهم إلا أن يجعل الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحققة جابرة لضعف سنده وهو لا يخلو
من الاشكال ولكن قد أشرنا في غير موضع إلى أنه وإن لم يثبت عندنا كون الفقه الرضوي من الإمام (ع) ولكنه لا مجال للارتياب في كونه كفتاوى علي بن بابويه التي كانت
مرجعا للشيعة عند اعواز النصوص تعبيرا عن مضامين أخبار معتبرة لدى مصنفه فوقوع هذه العبارة في عبارة الرضوي المعتضدة بورودها في الفقيه والهداية والمقنع
والمقنعة التي من شأنها التعبير بمتون الاخبار خصوصا مع ما فيها من استثناء مؤنة القرية التي يمتنع صدور مثله من مثل الصدوق ولولا متابعة النص يورث
الجزم بوصول رواية بهذا المضمون إليهم معتبرة لديهم وكفى باستكشاف وجود مثل هذه الرواية من مثل هذه العبارة لاثبات مثل هذا الفرع الذي استفيض نقل
الاجماع عليه معتضدا بالشهرة المحققة التي قد يدعى كونها بنفسها كافية في الكشف عن وصول دليل معتبر إليهم مع اعتضاد ذلك كله بالمؤيدات التي
سنذكرها في استثناء المؤنة فلا ينبغي الاستشكال في استثناء خراج السلطان مطلقا ولو لم نقل به في ساير المؤن أيضا والله العالم ثم لا يخفى عليك أن ليس المراد
بالسلطان خصوص سلطان العادل بل أعم منه ومن المخالفين الذين كانوا يدعون الخلافة والولاية على المسلمين لا عن استحقاق كما هو الشأن بالنسبة إلى
الموجودين حال صدور الاخبار وهل يعم سلاطين الشيعة الذين لا يدعون الإمامة الظاهر ذلك فإن المنساقين من إطلاق السلطان أريد مطلقة بل كل متقلبة
مسؤول على جباية الخراج والصدقات من غير التفات إلى مذهبه كما يؤيد ذلك ما جرى عليه سيرة المسلمين في عصر الرضا عليه السلام من المعاملة مع المأثور معاملة غيره ممن مد
مضى قبله من سلاطين الجور المدعين للخلافة عن استحقاق ولو أخذ الجائر زائدا عن الخراج ظلما ففي المسالك قال لا يستثنى الزائد إلا أن يأخذ قهرا بحيث لا يتمكن
من منعه سرا وجهرا فلا يضمن حصة الفقراء. أقول: ما ذكره من عدم استثناء الزائد لدى تمكنه من عدم الدفع إليه وعدم ضمانه حصة الفقراء لدى الاخذ منه قهرا
مما لا ينبغي الاستشكال فيه ولكن الاشكال في أنه لدى عدم قدرته على الامتناع هل يعتبر النصاب بعده كما في مقدار الخراج المعتاد قبله كما لو غصب منه في الزيادة غاصب
بعد بدو صلاحه الذي يقوى في النظر الأول خصوصا إذا أخذت الزيادة من نفس الغلة إذ المنساق من قوله عليه السلام إنما العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته
العموم خصوصا بعد الالتفات إلى إن التعدي في حصة الجائر غير عزيز وهل يلحق بحصة السلطان يأخذه الجائر من الأراضي الغير الخراجية كالموات و أرض الصلح
والأنفال الظاهر ذلك لجريان السيرة من صدور الاسلام على المعاملة مع الجائر معاملة السلطان العادل في ترتيب أثر الخراج على ما يأخذه بهذا العنوان و لو
من غير الأرض الخراجية ولو منعنا هذا السيرة أو صحتها أي كشفها عن إمضاء المعصوم فهو من المؤنة التي سيأتي الكلام فيها وإن كان الغالب على الظن أن
مراد الأصحاب بحصة السلطان في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية ما يعمه والله العالم وأما وجوب الزكاة فيما بقي في يده بعد إخراج الخراج إذا كان بالغا
للنصاب فلا خلاف فيه بيننا بل عن جملة من الأصحاب منهم المصنف في المعتبر و العلامة في التذكرة دعوى الاجماع عليه بل في الحدائق بعد أن ادعى إجماع الأصحاب
عليه قال وهو المشهور بين الجمهور أيضا ثم قال ولم ينقل الخلاف هنا إلا عن أبي حنيفة فإنه ذهب إلى أنه لا زكاة فيها بعد أخذ الخراج ويدل عليه صريحا مضافا
إلى الاجماع صحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم ورواية صفوان والبزنطي والرضوي المتقدمات ولكن قد ورد في عدة روايات ما ينافي ذلك منها صحيحة رفاعة قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيها عشر قال لا وروايته الأخرى عنه أيضا قال سئلته عن الرجل يرث الأرض ويعمرها
فيؤدي خراجها إلى السلطان هل عليه عشر قال لا ورواية أبي كميش عن أبي عبد الله عليه السلام قال من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه ورواية سهيل اليسع
أنه حيث إنشاء سهل أباد سئل أبا الحسن عليه السلام عما يخرج منها ما عليه فقال إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شئ وإن لم يأخذ السلطان منك شيئا
فعليك إخراج عشر ما يكون فيها وهذه الروايات بعد شذوذها وموافقتها للمحكى عن أبي حنيفة لا تصلح معارضة لما عرفت وفي الحدائق بعد أن ذكر رواية أبي كهمش
64

قال و حملها الشيخ على الأرضين الخراجية فيفهم منه حينئذ القول بعدم وجوب الزكاة فيها كما هو المنقول عن أبي حنيفة ثم ذكر ساير الروايات المزبورة وقال و
المنقول عن الشيخ حمل هذه الأخبار على نفي الزكاة في الحصة التي يأخذها السلطان بعنوان الخراج فيصير حاصل المعنى أن العشر لا يثبت في غلة الضيعة بكمالها
. أقول: وكأنه لم يكن عند صاحب الحدائق وغيره ممن فهم من كلام الشيخ موافقة أبي حنيفة من نفي الزكاة في الأرضين الخراجية كتاب التهذيب أو لم يلاحظوا منه إلا ما
جرى ذكره في كلام الشيخ توطئوا الجواب عن الاخبار النافية للزكاة على من أخذ السلطان منه الخراج ببيان مورد هذه الأخبار فإنه بعد أن استدل لما
ذكره المفيد من أنه لا زكاة على غلة حتى تبلغ حدها ما يجب فيه الزكاة بعد الخرص والجذاذ وخروج مؤنتها وخراج السلطان بصحيحة أبي بصير ومحمد بن مسلم
المتقدمة التي وقع فيها التصريح بأن كل أرض دفعها إليك السلطان ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما العشر فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك
أجاب عن الاخبار المنافية له الدالة بظاهرها على نفي الزكاة مطلقا بما ملخصه أن هذه الأخبار موردها الأرضون الخراجية والأرضون الخراجية لا تثبت
الزكاة في جميع ما أخرج الله منها بل فيما يبقى له في يده فيكون قوله (ع) لا زكاة على من أخذ السلطان الخراج منه يعني لا زكاة عليه لجميع ما أخرجته الأرض
وإن كان يلزمه فيما يبقى في يده انتهى ملخصا وهو توجيه وجيه ولكن قد يأبى عنه بعض الأخبار إن لم يكن جميعها ولكنه قدس سره وقد تصدى التوجيه ما
لا يقبل هذا الحمل بوجه آخر ذكره جوابا عما في مرسلة ابن بكير من بعض الفقرات الغير القابل لهذا الحمل فقال ما لفظه فأما ما رواه على ابن الحسن بن فضال عن أخوية
عن أبيهما عن عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام قال في زكاة الأرض إذا قبلها النبي صلى الله عليه وآله أو الامام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه وليس
على المتقبل زكاة إلا أن يشترط صاحب الأرض أن الزكاة على المتقبل فإن اشترط فإن الزكاة عليهم وليس على أهل الأرض اليوم زكاة إلا على من كان في يده شئ
مما أقطعه الرسول صلى الله عليه و آله فليس هذا الخبر منافيا لما ذكرناه لان المراد بقوله وليس على المتقبل زكاة أنه ليس عليه زكاة جميع ما خرج من الأرض وإن كان يلزمه زكاة
ما يحصل في يده بعد المقاسمة والذي يدل على ما قلناه الخبر الذي قدمنا عن محمد بن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في حديثه وليس على جميع ما أخرج الله
منها العشر وإنما العشر عليك فيما يحصل فيدك بعد مقاسمته لك فكان هذا الخبر مفصلا والخبر الأول مجملا والحكم بالمفصل على المجمل أولى من الحكم بالمجمل
على المفصل فأما ما تضمن هذا الحديث من قوله (ع) وليس على أهل الأرضين اليوم زكاة فإنه قد رخص اليوم لمن وجبت عليه الزكاة وأخذ منه ذلك السلطان الجائر
أن يحتسب به من الزكاة وإن كان الأفضل إخراجه ثانيا لان ذلك ظلم ظلم به انتهى أقول يدل على جواز احتساب ما يأخذه الجائر من الزكاة أخبار كثيرة سيأتي
التعرض لنقل بعضها إن شاء الله ولكن المراد بتلك الأخبار بحسب الظاهر ما يأخذه بعنوان الزكاة لا مطلقا فيشكل توجيه هذه الأخبار بالحمل على احتساب
ما يأخذه الجائر من الزكاة فإن هذه الأخبار كالنص في إرادة نفي الزكاة على من أخذ منه الجائر الخراج بعنوان كونه خراجا لا صدقة نعم يحتمل قويا أن يكون نفي الزكاة
عليه بملاحظة أن الظاهر من حال السلطان الذي يقبل الأرض على النصف أو الثلث مثلا إرادة المعاملة مع الزارع على أن يدفع إليه هذا المقدار عن جميع ما
يستحقه من الزرع الحاصل في هذه الأرض أعم من الخراج والزكاة فيكون تقبيله بهذا المقدار في قوة الاشتراط بأن يكون زكاته عليه أي يكون العشر أيضا داخلا
في جملة ما يأخذه إلا أن يصرح بخلافه بأن يشترط زكاته على المتقبل كما يومي إلى ذلك الموثقة المزبورة وكيف كان فلو لم يكن الاخبار المزبورة جارية مجرى
التقية لكان ما ذكرناه في توجيهها من أوجه المحامل إن قلنا بصحة احتساب ما يأخذه الجائر من الزكاة كما هو الأظهر وسيأتي تحقيقه في المسألة الأولى من مسائل
القسم الرابع إن شاء الله وكما لا تجب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان كذا لا تجب إلا بعد إخراج المؤن كلها على الأظهر لدى المصنف وغيره بل المشهور
كما ادعاه غير واحد بل في مفتاح الكرامة بعد أن نقل القول به عن كثير من كتب القدماء والمتأخرين وعن جملة منها نسبته إلى المشهور قال بل لو أدعى مدعي الاجماع
لكان في محله كما هو ظاهر الغنية أو صريحها انتهى خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف وموضع من المبسوط وأبن سعيد في جامعه فقال فيما حكي عن خلافه كل مؤنة تلحق
الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على رب المال قال جميع الفقهاء الاعطاء فإنه قال المؤنة على رب المال والمساكين بالحصة دليلنا قوله عليه السلام فيما سقت السماء
العشر أو نصف العشر فلو ألزمناه المؤنة لبقي أقل من نصف العشر إنتهى وعن موضع من مبسوطه إنه قال كل مؤنة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على رب
المال دون المساكين ولكن حكي عن نهايته وموضع آخر من مبسوطه التصريح بموافقة المشهور وعن جامع ابن سعيد إنه قال والمؤنة على رب المال دون المساكين إجماعا
إلا من عطاء انتهى وفي مفتاح الكرامة بعد نقل عبارة الخلاف وما ادعاه من الاجماع قال ما لفظه ولم يدع بذلك إجماع الأصحاب كما نقلوا عنه وأراد بجميع الفقهاء
فقهاء العامة ولم يرد فقهائنا كما هو المعروف من طريقته لمن مارس كلامه فيه و كيف يدعي إجماع أصحابنا والفقيه والهداية والمقنعة وجمل العلم نصب عينيه
بل قد سمعت كلامه في النهاية والمبسوط في موضع منه وقد شرح في التهذيب عبارة المقنعة ومنه يظهر وهن إجماع جامع الشرايع انتهى وكيف كان ففي
المسألة قولان أحدهما استثناء المؤن كلها وهو المشهور والاخر عدمه وهو المنقول عن الشيخ في الخلاف وأبن سعيد في الجامع كما سمعت وعن جماعة من المتأخرين
منهم الشهيد الثاني في فوائد القواعد وسبطه في المدارك ونجله في شرح الاستبصار وصاحب الذخيرة موافقتهما وقال شيخنا المرتضى (ره) وهذا القول لا يخلو
من قوة ولكنه في ذيل كلامه نفى البعد عما ذهب إليه المشهور أحتج القائلون بعدم الاستثناء بأخبار العشر ونصف العشر ففي المدارك بعد أن اختار هذا القول
قال لنا قوله عليه السلام في عدة أخبار صحيحة ما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما و
لفظ ما من صيغ العموم فليتناول ما قابل المؤنة وغيره وأظهر من ذلك دلالة ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام لأنهما قالا له هذه الأرض
التي يزارع أهلها ما ترى فيها فقال كل أرض دفعها إليك السلطان فما حرثته فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه وليس على جميع ما أخرج الله منها
العشر إنما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك وهذه الرواية كالصريحة في عدم استثناء شئ مما يخرج من الأرض سوى المقاسمة إذ المقام مقام
البيان واستثناء ما عسى أن يتوهم اندراجه في العموم انتهى وأجيب عن الأخبار الواردة في العشر ونصف العشر بكونها مسوقة لبيان مقدار الصدقة الواجبة في الغلات
65

دون شرائط وجوبها فهي نظير قوله عليه السلام في كل أربعين شاة شاة وفي كل ثلاثين بقرة تبيع حولي وفي أربعين بقرة مسنة وفيه أن هذا إن سلم فالنسبة إلى الروايات التي
لم يقع فيها التعرض لاعتبار النصاب كما في كثير منها وأما بعض تلك الأخبار مما وقع فيه التصريح بيان موضوع الحكم واعتبار بلوغ النصاب فيه من ثمل قوله في صحيحة
زرارة ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر فانكار
ظهوره في سببية بلوغ النصاب لثبوت العشر ونصف العشر فيما أنبتته الأرض الذي هو اسم لجميعه لا للزائد عن مؤنته مجازفة وأما حسنة أبي بصير ومحمد بن مسلم
أو صحيحتهما فربما استدل بعض بها لمذهب المشهور وأما بدعوى أن المنساق من قوله فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته إرادة ما يستفيده من عمله بعد أن إندار مؤنته خصوصا
على تقدير أن يكون متن الرواية بلفظ فتاجرته بدل فما حرثته كما في بعض السنخ فإنه لا يقال عرفا قد حصل في يده من زراعته أو تجارته أو صناعته كذا وكذا
من الحنطة أو غيرها إلا على الفائدة التي استفادها من عمله وفيه أن هذا في غير مثل المقام الذي قيده بما بعد مقاسمته فإنه إذا قيل لاحد الشريكين في زراعته في ذلك
الذي حصل في يده مما أخرجه الله من الأرض بعد مقاسمته مع الاخر كذا لا يتبادر منه إلا جميع حصته من الزراعة لا الباقي له بعد إندار مؤنته كما لا يخفى و
أضعف من ذلك دعوى إن المقاسمة في العادة إنما تقع بعد إخراج المؤنة من الوسط ضرورة إن المؤنة غالبا تحصل قبل حصول الثمرة من مال الزراع أو في ذمته
ودعوى كون العادة جارية بإخراجها من الحاصل قبل مقاسمته مما لا ينبغي الاصغاء إليها بل لو أدعى مدع جرى العادة على عكسه لكان أولى بالقبول حيث
إن الغالب كون المنصوبين لمباشرة القسمة واستيفاء حصة السلطان على رأي سلطانهم وسلطانهم على رأي الفقهاء الذين لا يقولون باستثناء المؤنة و الحاصل إنه لا
ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الدعاوى الحدسية الحاصلة من الطرفين العارية عن البينة ربما يستدل له أيضا برواية على أن شجاع النيشابوري إنه سئل
أبا الحسن عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مأة كر مما يزكي فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه لسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقى في يده ستون ما
الذي يجب لك من ذلك وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شئ فوقع لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته فإنها صريحة في أخذ العشر من جميع ما حصل من الأرض وإن المؤنة
خرجت بعد ذلك وهو وإن كان في كلام السائل إلا إن الإمام عليه السلام قرره على ذلك ولم ينكره وتقريره حجة وفيه إن الظاهر كون لفظ أخذ بالبناء للمجهول وكون
الاخذ هو عامل السلطان الذي قد أشرنا إلى أن بنائهم بحسب الظاهر لم يكن على استثناء المؤنة فليس ترك تعرض الإمام عليه السلام لبيان حاله كاشفا عن مشروعيته فعله
وصحة عمله ومما يؤيده كونه بالبناء للمجهول وكونه من فعل العامل مضافا إلى انسياقه في حد ذاته من سوق الكلام سؤاله ثانيا عن إنه هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شئ
فإنه مشعر بعدم جزمه بكون ما أخذه منه حيث لم يكن واصلا لأصحابه موجبا لبرائة ذمته كما لا يخفى على المتأمل واستدل له أيضا بوضع الشارع العشر فيما سقته السماء
أو سقي سيحا ونصف العشر فيما سقي بالدوالي ونحوهما مما فيه مؤنة زائدة بدعوى أن هذا يكشف عن كونه المؤنة ملحوظة لدى الشارع في أصل شرع الزكاة وإن سقوط
النصف عما سقى بالدوالي إلى بلحاظ مؤنته ولذا طرد في محكى الفقيه و الوسيلة والمنتهى والدروس نصف العشر إلى كل ما فيه مؤنة زائدة فلو بني على احتساب المؤنة مطلقا
لم يكن في ذلك فرق بين الامرين بل كيف يحتسب مؤنة السقي الموجبة لاسقاط نصف العشر من جملة المؤنة ويخرج نصف العشر بعد إخراجها وحيث إن هذا امر
مستبعد أحتمل في محكي البيان أسقاط مؤنة السقي فيما فيه نصف العشر واحتساب ما عداها من المؤن وفيه أنه لا إحاطة للعقول بمناطات الاحكام التعبدية فمن
الجائز أن يكون سقوط النصف عما سقي بالدوالي وشبهها بملاحظة ما فيه من زيادة التعب وقلة الثمرة نوعا وإلا فالمؤنة المالية مما لا ضابطة لها فكثيرا ما
يتوقف تحصيل الماء وتعمير الأرض فيما سقي سيحا بالنسبة إلى الأماكن البعيدة عن الماء خصوصا في السنين المجدبة على صرف مال أكثر بمراتب مما يحتاج إليه السقي
بالدوالي في الأماكن القريبة من الشطوط ونحوها وإلحاق هذه الموارد بما سقي بالدلاء في إسقاط النصف بإزاء المؤنة كما حكى عن الفقيه وغيره قياس
مستنبطة العلة مع وجود الفارق إذ ليس للمؤن الاتفاقية للزرع الذي يسقى سيحا حد معروف بل يختلف غاية الاختلاف فلا يصح مقايستها بما يسقى
بالدوالي والحاصل أن المتبع في مثل المقام ظواهر الأدلة التعبدية فإن قلنا بدلالتها على ثبوت العشر و نصف العشر في جميع ما أنبتته الأرض فهو إلا فمقتضى
الأصل براءة الذمة عن الزائد على المتيقن واستدل للقول باستثنائه المؤنة بالأصل بعد الخدشة في أدلة النافين بما تقدمت الإشارة إليه مع
ما فيه وبقوله تعالى خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فإن عفو المال على ما عن الصحاح ما يفضل عن النفقة وفي كلمات بعض ما يفضل عن مؤنة
السنة وكيف كان فما يقابل المؤنة لا يسمى عفوا جزما وبأن النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال
المشتركة ومخالفته لغيره من الأموال المشتركة في غالب أحكامه لدليل لا تقتضي رفع اليد عما يقتضيه قاعدة الشركة فيما لا دليل عليه وبأن الزكاة في الغلات
تجب في النماء والفائدة وهو لا يتناول المؤنة وبقوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته بابن هاشم ويترك للحارس العذق والعذقان والثلاث لحفظة
إياه ودعوى أخصيته من المدعي مدفوعة بعموم التعليل مع أنه لا قائل بالفرق بين مؤنة الحارس وغيره وبما عن الفقه الرضوي فعن بعض نسخه بعد خراج
السلطان ومؤنة العمارة والقرية وعن بعض آخر بعد خراج السلطان ومؤنة القرية وقد أشرنا آنفا إلى أن المراد بمؤنة القرية ما له دخل في الزرع لا مؤنتها
من حيث هي وفي الجميع نظر أما الأصل فمقطوع بما عرفت من ظهور الأدلة في سببية بلوغ النصاب لثبوت العشر ونصف العشر في جميع ما أنبتته الأرض وأما
الآية فمفادها بعد تسليم المقدمات المزبورة استثناء مؤنة المالك لا الزرع كما هو المطلوب ودعوى استفادة استثناء مؤنة الزرع من ذلك أيضا
أما لكونها داخلة في مؤنته أو بالأولوية مدفوعة أولا بأن العمل بالفحوى أو الأولوية فرع جواز العمل بأصلها وهو غير جائز إذ لم ينقل عن أحد القول
باختصاص من الزكاة بفاضل المؤنة وثانيا أنه إذا زاد العشر أو نصف العشر عن نفقته فأخذ الساعي مجموع الزائد فقد أخذ العفو من ماله فلا منافاة حينئذ
بينه وبين احتساب المؤنة إذا فضل بمقدار حق الفقير وأما ما قيل من أن النصاب مشترك بين المالك والفقراء فلا يختص أحدهم بالخسارة
66

ففيه بعد الغض عما عرف من عدم كونه شركة حقيقية أنه إن تم فهو بالنسبة إلى المؤن المتأخرة عن تعلق حق الفقراء به ودعوى عدم القول بالفصل أي الاجماع المركب
غير ثابتة ومن هنا يظهر الخدشة في الاستدلال بقوله عليه السلام ويترك للحارس العذق والعذقان والثلاثة فإنه لا يدل إلا على استثناء المؤنة المتأخرة من
زمان الخرص الذي هو بعد تعلق الوجوب ولم يثبت الاجتماع على عدم الفرق بينها وبين المؤن السابقة عليه وربما يناقش فيه أيضا بأنه على خلاف المطلوب أدل
فإن تخصيص الاستثناء في أخبار الخرص بالعذق والعذقين والثلاثة للحارس من أقوى الشواهد على عدم احتساب ساير المؤن وإن ترك العذق والعذقين كعدم
احتساب بأم جعرور ومعافارة من باب التخفيف المستحب للحارس وإلا لكان ينبغي أن يحتسب جميع المؤن وأما ما يؤخر ذلك كله إلى ما بعد الجذاذ ويدفعه إن
ظاهره بمقتضى ما فيه من التعليل من باب الاستحقاق لا التخفيف وأوضح من ذلك دلالة على استثناء ما يستحقه الحارس ما في صدر هذا الحديث من التصريح بإعطاء
أجر الحارس ففي الكافي بإسناده عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل وأتوا حقه يوم حصاده فقالوا جميعا قال أبو جعفر عليه السلام هذا
من الصدقة يعطي المسكين القبضة بعد القبضة ومن الجذاذ الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ ويعطي الحارس أجرا معلوما ويترك من النخل معافارة وأم جعرور ويترك
للحارس يكون في الحائط العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إياه ورواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن يعقوب نحوه إلا أنه قال ويترك للحارس أجرا معلوما يدل يعطي
وكيف كان فهذه الصحيحة هي عمدة ما يصح الاستدلال به لمذهب المشهور ولكنها غير وافية بعموم المدعى إلا بضميمة الاجماع كما أدعى وهو غير ثابت فيشكل التعويل
عليه وأما ما قيل من أن الزكاة في الغلات تجب في النماء والفائدة ففيه إن هذا هو عين الدعوى وأما الرضوي فليس بحجة ولكن هاهنا شئ وهو أن هذه المسألة
من الفروع العامة البلوى التي يجب معرفتها والفحص عنها على كل من يجب عليه الزكاة فيمتنع عادة غفلة أصحاب الأئمة عليهم السلام عن ذلك وعدم الفصح عن حكمها
مع شدة حاجتهم إلى معرفته كما أنه يستحيل عادة أن يشتهر لديهم استثناء المؤنة مع مخالفته لما هو المشهور بين العامة من غير وصوله إليهم من أئمتهم عليهم السلام
وعلى تقدير عدم اشتهار الاستثناء عندهم بكون الحكم لديهم لا محالة على حسب ما يراه العامة من عدم الاستثناء إذ المفروض من عدم غفلتهم عن هذا
الحكم مع عموم ابتلائهم به فهم أما كانوا قائلين بالاستثناء أو بعدمه وعلى الأول لم يكن ذلك إلا لوصوله إليهم من الإمام عليه السلام لقضاء العادة باستحالة
صدور مثل هذا الحكم المخالف لما عليه العامة عن اجتهاد ورأي من غير مراجعة الامام على تقدير كونهم قائلين بعدم الاستثناء كما عليه العامة أمتنع عادة
أن يشتهر خلافه في الأعصار المتأخرة عنهم تعويلا على الوجوه الضعيفة التي ذكروها في مقابل إطلاقات الأدلة بل أنما يعول المتأخرون على مثل هذه
الأدلة ويعدونه دليلا بعد أن وجدوا الحكم معروفا في المذهب ولم يجدوا نصا خاصا يدل عليه والحاصل أنه يصح أن يدعي في مثل المقام استكشاف رأي
الإمام عليه السلام بطريق الحدس من رأي الباعة فالانصاف إنه لو جاز استكشاف رأي المعصوم (ع) من فتوى الأصحاب فشئ من الموارد فهذا من أظهر مصاديقه فإذا
أنضم إلى ذلك ما في الصحيحة المتقدمة من استثناء ما يستحقه الحارس من الاجر والعذق والعذقين مع ما سمعته من دعوى عدم القول بالفصل بينه وبين
سائر المؤن ووقوع التصريح بخروج مؤنة القرية وخراج السلطان في عبارة الرضوي والهداية والمقنع وغيرها مما يغلب على الظن كونه تعبيرا عن صون الاخبار
لا يبقى مجال للتشكيك فيه والله العالم بحقايق أحكامه ثم أنه هل يعتبر النصاب بعد المؤنة فلا زكاة فيما لو نقص باستثنائها عن النصاب أم قبلها فيزكي الباقي
وإن قل إذا كان المجموع نصابا أم يفصل بين ما سبق على الوجوب كالسقي والحرث فيعتبر النصاب بعده وما تأخر عنه كالجذاذ والحصاد وأجر الناطور ونحوها
فيعتبر قبله وجوه بل أقوال أشهرها بل المشهور على ما صرح في الجواهر الأول وهو الأشبه لأصالة براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيما نقص بعد إخراج المؤنة عن النصاب
وربما يشهد له أيضا عبارة الفقه الرضوي بناء على حجيته فإن المنساق من قوله بعد بيان مقدار النصاب فإذا بلغ ذلك وحصل بعد خراج السلطان ومؤنة العمارة
والقرية أخرج منه العشر إلى آخره كون الظرف أي لفظ بعد متعلقا بالفعل الواقع قبله لا بكلمة أخرج الواقعة بعده فلا قصور في دلالته ولكن الشأن في حجيته فليتأمل
واستدل له أيضا بأن ظاهر أدلة اعتبار النصاب ثبوت العشر ونصف العشر في مجموع النصاب فيكون الواجب عشر النصاب فما دل على استثناء المؤن لا بد
وأن يجعل مقيدا الأدلة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن إبقاء اللفظ العشر ونصف العشر على ظاهره من الاطلاق توضيح ذلك إن المنساق من قوله عليه السلام في
صحيحة زرارة ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أو ساق والوسق ستون صاعا فذلك ثلاثمأة صاع ففيه العشر إرادة عشر مجموع
الثلاثمأة صاع وهو ثلاثون صاعا فهذه الصحيحة ظاهرها إنه إذا بلغ ما أنبتته الأرض ثلاثمأة صاع ثبت فيه ثلاثون صاعا وقد علم بما دل على استثناء المؤنة
أجمالا إنه إذا كان جميع ما أنبتته الأرض بالغا ثلاثمأة صاع لم يجب عشر جميعه أي ثلاثون صاعا فيحتمل أن يكون المراد بقوله ففيه العشر أي فيما يبقى منه بعد اندراج
المؤنة فيكون إطلاقه منزلا على الغالب من عدم استيعاب المؤنة للجميع وأن يكون المراد بقوله ما بلغ خمسة أو ساق ما بلغ هذا المقدار بعد وضع المؤن كلها
ولكن الاحتمال الثاني أوفق بظاهر قوله ففيه العشر حيث إن ظاهره إرادة عشر مجموع الخمسة أوسق لا ما يبقى منه بعد إخراج المؤن فهذا هو الأولى و
مقتضاه جعل ما دل على استثناء المؤنة مقيدا لأدلة اعتبار النصاب بما بعد وضع المؤن ويرد عليه إن هذا ليس بأولى من العكس يجعل ما دل على
استثناء المؤنة مقيدا لاطلاق فيه العشر بما بعد وضع المؤن إبقاء الظاهر ما دل على اعتبار النصاب على ظاهره من الاطلاق حيث إن ظاهره إذا بلغ
مجموع ما أنبتت الأرض خمسة أوسق لا الباقي منه بعد إخراج المؤن فليس ارتكاب أحد التقييدين بأهون من الآخر فالاحتمالان متكافئان والمرجع حينئذ الأصول
العملية و هي براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيما نقص عن خمسة أوسق بعد إخراج المؤنة عنه وكفى بهذا دليلا على المطلوب لا يقال إن مقتضى عمومات ثبوت الزكاة
في الغلات من مثل قوله عليه السلام فيما سقته السماء العشر ثبوت الزكاة في مطلق ما أنبتت الأرض قليلا كان أو كثيرا وقد تخصص ذلك بما دل على اعتبار النصاب
ولكنه لم يعلم المراد من أدلة النصاب من أنه هل أريد اعتباره بعد إخراج المؤنة أم قبله فهو من قبيل المخصص بالمجمل المردد بين الأقل والأكثر فمقتضى
67

القاعدة في مثل المقام الاقتصار في رفع اليد عن العموم على القدر المعلوم أرادته من المخصص وهو ما يبلغ مجموعه خمسة أوسق وأما ما بلغ مجموعه بعد استثناء المؤنة ذلك
الحد فلم يعلم أرادته من المخصص فالمرجع فيه إصالة العموم لا الأصول العملية لأنا نقول أن المقام ليس من قبيل التخصيص بالمجمل للتردد بين الأقل و
الأكثر فإن ما دل على استثناء المؤنة بنفسه مخصص لتلك العمومات سواء كان هناك دليل آخر يدل على اعتبار النصاب فيما يجب فيه الزكاة أم لم يكن فإنه
يدل على أنه ليس فيما سقته السماء مما قابل المؤنة العشر وإنما مورد هذا الحكم بعد وضع المؤنة وقد علم بدليل اعتبار النصاب إنه لا يجب عشر ما زاد على المؤنة على
الاطلاق بل بشرط بلوغ النصاب ولكنه لم يعلم من دليل الاشتراط أنه هل أعتبر هذا الشرط أي بلوغ النصاب في نفس ما يجب فيه العشر أي ما بقي بعد المؤنة أو
بانضمامه إلى ما قابل المؤنة أي مجموع ما أنبتت الأرض إذ المفروض كون لفظ الدليل محتملا للامرين من غير مرجح لأحدهما على الاخر فلا بد في مورد الاجمال
من الرجوع إلى الأصول العملية لا العموم الذي عمل إجمالا بعدم إرادة ظاهره منه فالفرق بين ما نحن فيه و بين العام المخصص بالمجمل المردد بين الأقل و
الأكثر هو إن العام له ظهور في إرادة كل فرد فرد فلا يرفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى المشكوك لرجوع الشك فيه لدى التحليل إلى الثلث في أصل التخصيص
بالنسبة إلى هذا الفرد واما فيما نحن فيه فقد علم في مورد الشك أيضا بعدم كون العام باقيا على ظاهر من الاطلاق أي عدم كون الوجوب المتعلق
به وجوبا مطلقا بل مشروطا بشرط غير معلوم التحقق فلا مسرح للرجوع إلى أصالة العموم أو الاطلاق بعد العلم بعدم كون العموم أو الاطلاق مرادا
بالنسبة إلى فاقد هذا الشرط الذي لم يعلم بتحققه بل الأصول العملية وهي براءة الذمة عن التكليف من غير فرق في ذلك بين كون الشك ناشئا عن أجمال
مفهوم الشرط أو أشباه مصاديقه أو غير ذلك من أسباب الأشباه كما لا يخفى على المتأمل وربما يؤيد أيضا اعتبار النصاب فليتأمل واستدل للقول
الدال على استثناء أجرة الحارس والعذق والعذقين له كترك المعافارة وأم جعرور قبل الخرص وعدم ملاحظتها في النصاب فليتأمل واستدل القول
الثاني بظهور الأدلة في سببية بلوغ ما أنبتت الأرض خمسة أوسق في وجوب العشر بالنسبة إلى كل جزء من أجزاء النصاب وقد علم بما دل على استثناء المؤنة
عدم وجوبه في جميع أجزاء النصاب فيرفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى ما يقابل المؤنة ويعمل فيما بقي على حسب ما يقتضيه سببية النصاب للوجوب وفيه ما عرفت
من معارضة هذا الظاهر بظهور قوله (ع) ففيه العشر في إرادة عشر مجموع الخمسة أوسق لا في الجملة أي خصوص ما يبقى بعد المؤنة فلاحظ واستدل للقول بالتفصيل
بين المؤن السابقة على الوجوب والمتأخرة عنه بإطلاق الحكم بوجوب العشر فيما بلغ خمسة أوسق حيث إن ظاهر قوله عليه السلام ففيه العشر إرادة عشر جميع الخمسة أوسق
فإن مقتضاه الحكم بسببية بلوغ النصاب لوجوب إخراج عشره مطلقا وحيث علم إنه لا يجب الزكاة فيما قابل المؤنة اقتضى إبقاء ذلك الحكم على ظاهره تقييد
بلوغ النصاب بكونه بعد إخراج مثل البذر وأجرة الحرث وغيرهما من المؤمن السابقة على الوجوب وأما المؤن اللاحقة كالحصار ونحوه فليس إخراجه من الوسط
منافيا لاعتبار النصاب قبله بل هو من مقتضيات قاعدة الشركة التي اقتضاها إطلاق قوله ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر كما لا يخفى على المتأمل وفيه ما عرفت
فيما سبق من ضعف القول بالشركة الحقيقة وعدم الالتزام بشئ من لوازمها فلا يصح الالتزام بأن الحق الثابت للفقير في هذا المال عند تعلق الوجوب
هو ثلاثون صاعا ولكنه صرف في حفظه وإصلاحه كذا فلا يجب إلا دفع ما بقي منه بعد مؤنته إلى الفقير فالحق ما هو المشهور من عدم الفرق بين المؤن السابقة و
اللاحقة في اعتبار النصاب بعدها كما ربما يؤيده بل بشهد له أخبار الخرص بالتقريب الذي تقدمت الإشارة إليه ثم إن المراد بالمؤنة هو معناها العرفي وهو ما يغرمه
المالك في نفقة هذه الثمرة من مثل البذر وأجرة الأرض والحرث وشبهها قال في المسالك والمراد بالمؤنة ما يغرمه المالك على الغلة مما يتكرر كل سنة عادة
وإن كان قبل عامه كأجرة الفلاحة والحرث والسقي وأجرة الأرض وإن كانت غصبا ولم ينو إعطائه مالكها أجرتها ومؤنة الأجير وما نقص بسببه من الآلات والعوامل حتى
ثياب المالك ونحوها ولو كان النقص مشتركا بينها وبين غيرها وزع عين البذر وان كان ماله المزكى ولو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه وعينه وكذا مؤنة العامل
المثلية وأما القيمية فقيمتها يوم التلف ولو عمل معه متبرع لم يتحسب أجرته إذ لا تعد المنة مؤنة عرفا ولو زرع مع الزكوي غيره قسط ذلك عليها ولو زاد في
الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي لم يحتسب الزائد ولو كانا مقصودين ابتداء وزع عليهما ما يقصد لهما وأختص أحدهما بما يقصد له ولو كان المقصود بالذات
غير الزكوي ثم عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحتسب من المؤن ولو اشترى الزرع أحتسب ثمنه وما يغرمه بعد ذلك دون ما سبق على ملكه وحصة السلطان
من المؤن اللاحقة لبدو الصلاح فاعتبار النصاب قبلها انتهى فكأنه أراد بهذا الكلام التنبيه على مصاديقها العرفية فالأولى إيكالها إلى العرف فإن ما ذكره
بعضه لا يخلو من تأمل فما يعد عرفا من مصارف هذه الزراعة بحيث لو سئل عن مقدار ما صرفه في تحصيلها لأجاب بكذا وكذا فهو مؤنتها وما في صدر العبارة
من تقييد موضوع المؤنة بما يتكرر في كل سنة لعله للاحتراز عن مثل حفر الابار وكري الأنهار ونحوها مما يعد عرفا من أسباب عمارة الأرض وهي كثمن الأرض
التي يشتريها لا يعد عرفا من مؤنة أشخاص الزراعات الحاصلة فيها وإن كان لدى التحليل لم يقصد بأصل شراء الأرض أو أجراء النهر إلا الانتفاع
بالزرع الحاصل كما لا يخفى على من راجع العرف ما في كلمات بعض من بسط مثل هذه المؤن على السنين المتكررة بمقدار قابليتها للبقاء لا يخلو
من مناقشة نعم لو دعاه إلى حفر بئر أو قناة خصوص زراعة لعدت عرفا من مؤنتها كما أنه لو اشترى أرضا لذلك لكان ذلك أيضا كذلك فليتأمل ولكن
هذا بالنسبة إلى زراعة هذه السنة التي بملاحظتها حفر هذه البئر أو كري هذا النهر دون ساير السنين الآتية التي يكون حال البئر والقناة بالمقايسة إليها حال
الأرض التي ملكها في السنين السابقة بشراء ونحوه في عدم كون ما صرفه في تحصيلها معدودا من مؤنتها وكيف كان فقد عرفت أنه لم يرد في شئ من النصوص والواصلة
الينا التصريح باستثناء المؤنة عدا ما وقع في عبارة الفقه الرضوي من التعبير بلفظ المؤنة من غير أضافتها إلى الزرع والغلة كما هو المدعي بل إلى القرية وإنما التزمنا
باستثنائها بدعوى استكشافه من الشهرة المعتضدة بالاجماعات المحكية وعدم القول بالفصل بين بعض المؤن التي دلت الأدلة على استثنائه كأجر الحارس
68

والعذق والعذقين له فإن بيننا على إن ما استكشفناه بهذا الدليل هو كون لفظ المؤنة الواقعة في كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية بمنزلة
كونها واردة في نص معتبر في وجوب الرجوع إلى العرف في تشخيص مفهومها كما ليس بالعبيد فنقول إن هذه الكلمة وكذا لفظ النفقة وشبهها من الألفاظ التي يؤدي
مؤديها لا تخلو من إجمال والقدر المتيقن من ذلك ما ينفقه على نفس هذه الزراعة من مثل البذر وأجرة الحرث وإجارة الأرض في تلك المدة وتسطيح الأرض و
تنقية النهر مما لا يبقى له بإزائه مال بعد استيفاء الحاصل وأما مثل ثمن الأرض أو العوامل التي يشتريها للزراعة أو الآلات التي يستعملها فيها مما يبقى عينها في ملكه بعد
استيفاء الحاصل فهي خارجة عن ذل كبل لا يعد شئ من مثل ذلك نفقة الزراعة بل الزراعة تعد عرفا من فوائد تكل الأشياء التي تملكها التحصيل الزرع والحاصل
إن نفقة الشئ ما يصرف فيه لا ما ينفق في تحصيل الأشياء التي يتوقف الزرع على تحصيلها نعم لاحتساب ما يرد على الآلات والأدوات أو ثياب العامل أو الأرض
التي حصل فيها الزرع من النقص من المؤن وجه ولكن لا وجه انصراف إطلاق المؤنة عنها ولا أقل من خروج مثلها عن القدر المتيقن الذي يمكن الالتزام
باستثنائه ففي مواضع الشك يجب الاخذ بعمومات أدلة الزكاة نعم بناء على ما صرح به غير واحد من موافقة القول باستثناء المؤنة للأصل وإنه ليس في الأدلة
السمعية ما يدل بإطلاقه أو عمومه على ثبوت الزكاة فيما يقابل المؤنة اتجه الرجوع في موارد الشك إلى أصالة البراءة ولكن المبني ضعيف كما عرفت وأما اللواحق
فمسائل الأولى كلما سقى سيحا أو بعلا أو عذبا فيه العشر وما سقي بالدوالي والنواضح فيه نصف العشر بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع
عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك أخبار مستفيضة إن لم تكن متواترة منها صحيحة زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام قال في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدلاء
والنضح ففيه نصف العشر وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي قد تقدم بعضها في طي المباحث
السابقة وسيأتي أيضا بعض آخر ولا حاجة إلى استقصائها بعد وضوح الحكم وكونه مورد اتفاق النص والفتوى والمدار في وجوب العشر ونصف العشر على ما يظهر
من النصوص والفتاوى كما صرح به في الجواهر على احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ونحوه وعدمه فلا عبرة بغير ذلك من الاعمال كحفر الأنهار والسواقي
وإن كثرت مؤنتها والتعبير بالترقية للجري مجرى الغالب وإلا فربما يكون الماء في مكان عال ولكن يحتاج إيصاله إلى الزرع إلى نقله من ذلك المكان بآلة من دلو
وشبهه ولذا جعل بعض المعيار في ذلك احتياج أصل إيصال الماء إلى الزرع إلى العلاج واستغنائه عنه بل عن المناهل إن ظاهرهم الاتفاق على هذا الضابط
وإن اختلفت عباراتهم بل عن المنتهى بعد جعل المعيار افتقار السقي إلى المؤنة وعدمه إن عليه فقهاء الاسلام ولكنك خبير بقصور هذه العبائر جميعها عن
إفادة المراد إذ المراد بها على الظاهر هو بيان إناطة العشر بجري الماء ووصوله إلى الزرع على حسب ما يقتضيه طبع الماء عند تخلية سبيله بعد جعله معد للجري على
تلك المزرعة ولو بسد سبيله المتعارف الموجب لترقيته واستعلائه عليها وأعداد المحل لوصول الماء إليه وإصلاح مجراه وإزالة موانعه وسد ثغوره وغير ذلك
من الشرائط المعتبرة في تحقق الايصال وحصول السقي مما يتوقف في العادة على المؤنة والعلاج ويمتنع حصول السقي بدونه وإناطة نصف العشر بعدم كون وصوله
إليه بمقتضى طبعه بل بنقله إليه بآلة من دولاب وشبهه فمرادهم بافتقار السقي أو الايصال إلى المؤمنة ما كان من القسم الأخير وإن صدق على الأول أيضا إنه مفتقر
إلى المؤنة لامتناع حصوله بدونها وكيف كان فلا مشاحة في التعبير بعد وضوح المراد ولكن قد يشكل الامر في بعض الموارد من إنه هل هو ملحق بالقسم الأول
أو الثاني كما لو حصر ماء البئر بوضع شئ ثقيل عليه وأنبوبة في وسطه بحيث أثر الثقل في فوران ماء البئر من الأنبوبة وجريه على الأرض فهل هو يعد من السقي بالسيح
أو يلحق بالنواضح والدوالي أم يفصل بين ما لو كان أحداث هذا العلاج موجبا لجري مائها على وجه الأرض دائما من غير حاجة إلى أعمال عمل آخر حال السقي وبين
ما إذا لم يكن ذلك بأن كان خروج الماء منها لدى السقي محتاجا إلى استعمال معالجات أخر كتحريك الأنبوبة أو النفخ فيها وشبهه فيلحق الأول بالأول
والثاني بالثاني وجوه ولعل الأخير أوجهها وعلى تقدير الشك فالمرجع إصالة براءة الذمة عما زاد عن نصف العشر والله العالم وإن اجتمع الأمران في مورده
كان الحكم للأكبر بلا نقل خلاف فيه بل عن الغنية وظاهر التذكرة وغيرها دعوى الاجماع عليه وإن تساويا أخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العشر بلا
نقل خلاف فيه أيضا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه وعلى سابقه مضافا إلى الاجماع حسنة معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال فيما سقت السماء
والأنهار أو كان بعلا العشر وأما ما سقت السواني السانية هي الناضحة وهى الناقة التي يسقى عليها والدوالي فنصف العشر فقلت له فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى سيحا فقال إن ذا
ليكون عندكم كذلك قلت نعم قال النصف والنصف نصف بنصف العشر ونصف بالعشر فقلت الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا
قال وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا قلت في ثلاثين ليلة أربعين ليلة وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر قال نصف العشر وهل الاعتبار في
الأكثرية بالأكثرية عددا أو زمانا أو نموا أو نفعا وجوه بل أقوال واستدل للأول بأنه هو المنساق إلى الذهن من النص والفتوى ولا ينافيه في الرواية من أنه (ع)
استفصل عن زمان تحقق السقية والسقيتين لا عن عدد السقيات بالدوالي لامكان جريه مجرى العادة من كون أكثرية الزمان علامة أكثرية العدد فاستفصاله
في الحقيقة يؤل إلى الاستفصال عن عدد السقيات بالدوالي ويحتمل أن يكون المقصود بالاستفصال استكشاف حال السقية والسقيتين من حيث
الكيفية ووفور الماء إذ رب سقية كاملة تحصل بالسيح تقوم مقام عدة سقيات بالدوالي وهذا يستكشف من طول مدة السقية والسقيتين وقصره فيكون المدار
على هذا أيضا على أكثرية العدد ولكن أعم من الحقيقية والحكمية لا الزمان من حيث هو ولعل القائل باعتبار الأكثرية نموا أو نفعا أراد هذا المعنى وهو لا يخلو من قوة
إذ لا اعتداد بعدد السقيات من حيث هو ولا بطول مدتها من حيث هو في ما ينسبق إلى الذهن من إطلاق قول القائل ما سقي بالسيح ففيه كذا وما سقي بالدوالي ففيه كذا بل
المنساق منه إرادة السقي الذي يتقوم به تعيش الزرع وحياته وإلا فرب سقي لا فائدة فيه للزرع بل قد يكون مضرا كما أنه قد لا يحتاج الزرع في أوقات برودة الهواء
إلى السقي مدة شهر أو شهرين فالعبرة بالسقي المفيد للزرع في أوقات حاجته إليه في تعيشه وحياته فقد يحصل في أوان شدة حاجة الزرع إلى الماء زيادة الماء
زيادة مفرطة يبقى أثرها إلى أن يستغني الزرع عن الماء ويبلغ أو ان حصاده بحيث لولا هذه الزيادة لكان في كل يوم أو يومين أو ثلاثة محتاجا إلى السقي
69

بالدوالي فكان الإمام عليه السلام أراد بالاستفصال استكشاف هذا المعنى وإلا فسوق كلام السائل يشهد بأن السقي بالدوالي كان أكثر بمراتب من سقية
أو سقيتين والحاصل إن إناطة الحكم بأكثرية طبيعة السقي الذي يحتاج إليه الزرع في حياته ونمائه أولى بالاعتبار وأقرب إلى الذهن بعد التدبر في النص والفتوى
وقد أشرنا إلى أن هذا بحسب الظاهر هو مراد من جعل المدار على الأكثرية زمانا كما يشعر بذلك ما ذكروه دليلا له من أن السقية بالسيح قد تساوى عشرا
بالناضح وقد حكي القول به عن التذكرة والقواعد والايضاح والدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس وتعليق النافع وجامع المقاصد ويحتمل
قويا رجوع القول باعتبار الأكثرية زمانا أيضا إلى ما قويناه وإلا فهو ضعيف ودعوى استفادته من الاستفصال الوراد في الخبر المزبور مدفوعة بما عرفت
وهل يكفي في الأكثرية المعتبرة في المقام مطلقها أي الأكثرية الحقيقية الحاصلة بزيادة واحدة بناء على اعتبار العدد فلو كان السقي بأحدهما ثلثين و
بالأخرى إحدى وثلاثين سقية لكان الحكم تابعا للثاني أم الا كثيرة العرفية بأن كان التفاوت بينهما بمقدار يعتد به عرفا بحيث لو سئل عن إنه هل يسقي هذه
الزراعة بالدوالي أو سيحا لقيل بهما ولكن السيح مثلا أغلب أم لا يكفي ذلك أيضا بل الغلبة الملحقة للنادر بالمعدوم بأن يكون غير الأكثر بمقدار لا يعتد
به عرفا كالسقي والسقيتين بالنسبة إلى الزرع المحتاج إلى سقيات كثيرة مما لا يمنعه عرفا عن إطلاق اتصاف سقيه بكونه بما هو الغالب فيه وجوه من صدق
الأكثر حقيقة بمطلق الزيادة ومن انصراف الفتاوى ومعاقد الاجماعات إلى الكثرة العرفية ومن أن عمدة الدليل هو النص والقدر المتيقن منه الأكثرية
بالمعنى الأخير بل هذا هو المنساق من إطلاق الجواب عن سؤاله الأول من غير استفصال حيث إن المنساق من سؤاله الأول إن المفروض في مورد معا
إذا حصل السقي بكل منهما بمقدار يعتد به بحيث يصح أن يقال إنه أجتمع فيه الأمران سواء تساويا أم كان أحدهما أكثر وتنزيل إطلاقه على صورة التساوي
عددا أو زمانا أو نفعا تنزيل على فرض نادر الحصول وعلى تقدير حصوله نادر الاطلاع عليه فالمنساق من سؤاله وجوابه إن الأرض التي
تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى سيحا يجب في نصف محصولها نصف العشر وفي نصفه العشر ولما كان إطلاق هذا السؤال وجوابه منصرفا عما إذا كان
السقي بالسيح بمقدار غير معتد به سئله ثانيا عن ذلك فقال تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا فأجابه (ع) بأن فيه نصف العشر
واحتمال أن يكون المراد بالجواب خصوص صورة التساوي بأن يكون قوله النصف والنصف مبتدأ خبر نصف بنصف العشر ونصف بالعشر فيكون قوله (ع)
النصف والنصف مجموعة بمنزلة كلمة واحدة قائمة مقام لفظ المتساوي في السقي بهما فكأنه قال في الجواب المتساوي في السقي بهما نصفه بنصف العشر
ونصفه بالعشر خلاف ما يتبادر منه ولذا رجح في الجواهر هذا الوجه ووجه كلمات الأصحاب أيضا بما لا ينافيه بتنزيل قولهم فإن تساويا على إرادة
التسوية في النسية بحيث يطلق عليه أنه سقي بهذا وبهذا وحمل الأكثرية الواقعة في كلماتهم على الأكثرية المنافية لهذا الصدق بإرادة الكثير الملحقة
للنادر بالمعدوم وهو في حد ذاته وجيه ولكن تنزيل كلمات الأصحاب عليه في غاية البعد إلا أن إقامة الدليل على ما هو المشهور لو لم يؤل كلماتهم
بما يرجع إلى ما أختاره في الجواهر مشكل إلا بمؤنة الاجماع على تقدير تحققه إذ غاية ما يدل عليه الخبر المزبور هو أنه إذا كانت الأرض تسقى بالدوالي لا
يؤثر السقية والسقيتين سيحا في تغيير حكمها بإيجاب أكثر من نصف العشر الذي يقتضيه السقي بالدوالي وأما ما زاد على ذلك كالثلاث والأربع و
الخمس وكذا حكم صورة العكس وهو ما إذا كان السقي بالدوالي مرة أو مرتين يمكن استفادته من الخبر المزبور وقياسه على عكسه كقياس ما زاد على السقيتين
على ما دونه قياس مع الفارق كما لا يخفى وقد تلخص مما ذكر أن الأشبه هو أنه إذا كانت السقية والسقيتان فما زاد سيحا أو بالدوالي إلى حالها حال
الأمطار بالمقايسة إلى ما يسقى سيحا أو بالدوالي في عدم كونها مؤثرة في تغيير الزرع عما كان يوصف به عرفا من كونه سقى سيحا أو بالدوالي فيلحقه حكم
الاسم الذي يطلق عليه في العرف وإن كانت موجبة لسلب توصيفه بأحدهما على الاطلاق بل بهما معا ففي نصفه العشر وفي نصفه نصف العشر والله العالم
المسألة الثانية: إذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ضممنا الجميع وكان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد
في وجوب الزكاة فيها لدى اجتماع شرائطه بلا خلاف فيه على الظاهر بل في التذكرة دعوى إجماع المسلمين عليه كما ستسمعه في عبارته الآتية وعن المنتهى أنه
قال لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة والبطؤ فإنه يضم الثمرتان إذا كان العام واحد وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر ولا نعرف في هذا خلافا
إنتهى ويدل عليه مضافا إلى الاجماع عموم أدلتها الغير القاصر عن شمول مثل هذه الفروض فما أدرك وبلغ نصابا أخذ منه ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر
وإن سيق ما لا يبلغ نصابا تربصنا في وجوب الزكاة أدراك ما يكمل نصابا سواء أطلع الجميع دفعة أو اختلف الأمران كما في ثمرة بستان
واحد ولكن في الجواهر بعد نقل عبارة المصنف (ره) أستدرك فقال نعم يعتبر بقاء الناقص عن النصاب على اجتماع شرائط الزكاة من الملكية ونحوها
إلى أن يدرك ما يكمله كذلك كما هو واضح
أقول استفادة اعتبار بقاء الناقص في ملكه وعدم إتلافه إلى أن يدرك ما يكمل به النصاب في وجوب الزكاة
من النصوص والفتاوى لا يخلو من خفاء بل قد يقال إن مقتضى إطلاقهما أنه متى بلغ نماء زروعه وثمره نخليه وكرومه بعد إخراج حصة السلطان واندراج
مؤنتها خمسة أوسق فما زاد يجب فيها الزكاة سواء أدرك الجميع دفعة أو تدريجا وسواء بقي ما أدرك تدريجا في ملكه حتى يكمل النصاب أو باعه شيئا فشيئا
أو أكله كذلك أو غير ذلك من التصرفات الناشئة عن اختياره الغير المنافية لصدق أنه بلغ ما حصل في يده في هذه السنة من نماء زرعه أو ثمرة نخيله خمسة
أوسق فما زاد ودعوى انسياق إرادة المجتمع في الملكية إلى الذهن من إطلاق مثل قوله (ع) ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير و التمر والزبيب ما بلغ خمسة
أو ساق ففيه العشر ممنوعة نعم لا يبعد أن يقال إن ظاهر قوله (ع) ففيه العشر إرادة الكسر المشاع الساري في مجموع النصاب المتوقف على وجوده حال تعلق
التكليف ويمكن دفعه بأن المنساق من هذه العبارة إرادة الحكم الوضعي وبيان سببية بلوغ ما أنبتته الأرض من هذه الأجناس إلى هذا الحد لتعلق حق
70

الفقير بعشره نظير ما لو نذر أن يتصدق بعشر ما يحصل له من ثمرة الأشجار المملوكة له في هذه السنة على تقدير بلوغها بعد إخراج مؤنتها إلى هذا الحد
فإن مفادها عرفا ليس إلا بلوغ مجموع ثمرتها من أول حصولها إلى آخره إلى هذا الحد لا بوصف الاجماع وقضيته ذلك التربص في الحكم بوجوب العشر من حين
الاخذ في الادراك إلى أن يكمل النصاب فإذا كمل النصاب وجب التصدق بعشره مع بقاء عينه وعلى تقدير الاتلاف فمثله أو قيمته كما في مسألة النذر وما
ذكرناه فيما سبق من اشتراط وجوب الزكاة بالتمكن من التصرف في مجموع النصاب فليس منافيا لذلك إذ قد عرفت في محله أن المقصود بذلك الاحتراز عن
الملك الغير التام الذي ليس للمالك الاستقلال بالتصرف فيه من مثل المغصوب والغائب الذي لا يدله عليه لا مثل المقام الذي جرى عليه يده و
تصرف فيه تصرفا اختياريا نعم لو خرج عن ملكه قهرا على التدريج بأن غصب شيئا فشيئا أو تلف بآفة سماوية كذلك اتجه القول بنفي الزكاة لنقص ملكيته
حال تعلق الوجوب وأما الأول وإن خرج بعض النصاب عن ملكه قبل تعلق الوجوب ولكن حيث كان خروجه باختياره فهو بحكم الباقي عنده في كونه
مشمولا لعمومات أدلة الزكاة وعدم خروجه عنها بما دل على اعتبار التمكن من التصرف فليتأمل وكيف كان فالقول بعدم اعتبار اجتماع مجموع
النصاب في ملكه بالفعل حال تعلق الوجوب بحيث ينافيه البيع أو الاكل شيئا فشيئا مع أنه أحوط أوفق بظواهر النصوص والفتاوى وعلى تقدير الالتزام
باعتباره فالمتجه عدم الفرق بالنسبة إلى ما أدرك أخيرا بعد إخراج السابق عن ملكه في نفي تعلق الزكاة به بين كون ما أدرك سابقا وأتلفه نصابا أو أقل
من النصاب لان الزكاة وضعت على ما بلغ خمسة أوسق فما زاد فهذا الأخير إن لوحظ بنفسه فهو أقل من الثلاثمأة صاع التي هي النصاب فلا شئ فيه
إذ ليس فيما دون الثلاثمأة صاع شئ وإن لوحظ منضما إلى ما أدرك سابقا اندرج في موضوع الحكم المزبور في كلا الفرضين ولا مدخلية لكون الأول
بالغا حد النصاب لصحة هذه الملاحظة كما لا يخفى على المتأمل وكون الأول بنفسه نصابا موجب لتنجز التكليف بإخراج عشره لا عشر ما لم يوجد بعد
فعشر ما لم يوجد إنما يتنجز التكليف بإخراجه بعد تحقق موضوعه وجامعيته لشرائط الوجوب التي منها صدق كونه جزء مما أنبتت الأرض في هذه السنة البالغ
خمسة أوسق فلا حظ المسألة الثالثة: إذا كان له نخل يطلع مرة وآخر يطلع مرتين قيل لا يضم الثاني إلى الأول لأنه في حكم ثمرة سنتين وقد
حكى هذا القول عن المبسوط والوسيلة وقيل يضم وقد نسب هذا القول إلى الأكثر أو الأشهر بل عن المصابيح إلى المشهور لاطلاق الأدلة وكونه باعتبار
اتحاد العام كالبساتين المختلف أدراك ثمرتها وطلوعها و في الجواهر بعد أن ذكر دليل المشهور وأجاب عن دليل الخصم بالمنع قال ولكن الانصاف عدم
خلو المسألة عن إشكال ضرورة عدم تعليق الحكم في شئ من النصوص على اتحاد المال بمجرد كونه في عام واحد وأهل العرف لا يشكون في صدق التعدد عليها
خصوصا إذا حصل فصل بين الثمرتين بزمان معتد به وما حال ذلك إلا كحال الثمرة التي أخرجت معجزة في تلك السنة ولعله لذا اقتصر في محكى البيان
والدروس والمفاتيح على نقل القولين من دون ترجيح إنتهى أقول لا مدخلية لصدق وحدة المال أو تعدده عرفا في هذا الباب وإلا فصدق التعدد
على ثمرة نخلين أحدهما بالعراق و الآخر بالحجاز خصوصا مع اختلاف صنفيهما أوضح من صدقه على ثمرة نخلة واحدة حاصلة في زمانين ما لم يجمع بين الثمرتين
في مكان واحد وإذا أجمع بينهما واختلط بعضها ببعض صدق على المجموع مال واحد سواء حصل من نخلة واحدة أو من نخيل متفرقة في أزمنة متباعدة
وهذا مما لا مدخلية له في تعلق الزكاة إذ المدار في هذا الباب على صدق بلوغ ما أنبتت الأرض من التمر والزبيب والحنطة والشعير خمسة أوسق وهو حاصل
في محل الكلام بل قد يقال بأنه لولا قيام دليل خارجي على إرادة الثمرة في كل سنة لكان مقتضى إطلاق النص سببية بلوغ ما أنبتته الأرض لوجوب
الزكاة ولو في سنتين أو أزيد وإنما قيدناه بكونه في عام واحد لذلك وكيف كان فما ذهب إليه المشهور هو الأشبه. المسألة الرابعة:
لا يجزي أخذ الرطب عن التمر ولا العنب عن الزبيب أي إذا كان النصاب تمرا أو زبيبا لا يجوز أخذ ذلك إصالة وإن بلغ قدر الواجب عند الجفاف
لان حق الفقير بمقتضى ظواهر أدلته متعلق أولا وبالذات بعشر العين الموجودة عنده البالغة حد النصاب والرطب والعنب ليست شئ منهما عين ما
تعلق به حقه ولا مثله فلا يكون مجزيا نعم إن أخذه بالقيمة السوقية جاز أن سوغنا إخراج القيمة من غير النقدين كما أعترف به في المدارك وغيره فما عن المنتهى
من أجزائه عنه فريضة إذا كان بحيث لو جف لكان بقدر الواجب من التمر لتسمية تمرا لغة محل نظر إذ على تقدير تسليم الصدق يتوجه عليه إنه لا دليل على
الاجتزاء بمطلق ما يسمى تمرا إذا لم يكن من جنس ما تعلق الحق به بحيث يعد في العرف مثله كي يستفاد جواز الاجتزاء به من أدلته ولو أخرج الرطب والعنب عن
مثله جاز بلا إشكال كما نص عليه غير واحد لأنه هو الذي يقتضيه تعلق حق الفقير بالعين ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام في صحيحة سعد بن سعد في العنب إذا
خرصه أخرج زكاته وقد ظهر عما ذكرنا إنه لو أخذه الساعي أي أخذ الرطب والعنب عن التمر والزبيب لا من باب القيمة وجف ثم نقص رجع بالنقصان لما
عرفت من أن الحق أولا وبالذات متعلق بعشر العين الموجودة عنده البالغة حد النصاب أو نصف عشره وقضية ذلك عدم تحقق الخروج عن العهدة إلا
بإخراجه من عين النصاب ولكن ثبت بالنص والاجماع عدم ابتناء امر الزكاة على التضييق بل التوسعة والارفاق بالمالك بالرخصة في دفع المثل أو القيمة فلا
يتحقق البراءة إلا بإخراج عشر العين البالغة حد النصاب أو مثله من جنسه أو قيمته فلا يجوز الاجتزاء بأقل من العشر أو نصف العشر إذا كان من جنسه إلا من باب
القيمة إن جوزناه مطلقا ولو من جنسه ومن هنا يعلم أنه لو زاد بعد الجفاف عن مقدار الفريضة جاز للمالك المطالبة بزيادته إذ لا يجب عليه دفع أزيد مما
وجب عليه كما هو واضح وقد ظهر أيضا إنه لو أراد إخراج الزكاة من غير النصاب ليس له الاجتزاء بما هو أدون من حقه بأن أخرج مقدار العشر من تمر آخر أدرء
نعم لو كان النصاب بنفسه رديا جاز إخراج العشر منه أو من تمر آخر مثله في الرداءة ولو كان مجتمعا من أجناس مختلفة لم يجب إخراج زكاة المجموع من أجودها
وهل يجوز الاخراج من الأردء أم يجب الاخراج من كل جنس بحسبه أو من الوسط وجوه أوجهها الثاني إن قلنا بالشركة الحقيقية كما أختاره في التذكرة
71

ونسبه إلى عامة أهل العلم فقال ما لفظه لو تعددت الأنواع أخذ من كل نوع بحصته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيد وعن الفقراء بأخذ الردي وهو قول
عامة أهل العلم وقال مالك والشافعي إذا تعددت الأنواع أخذ من الوسط والأولى أخذ عشر كل واحد لان الفقراء بمنزلة الشركاء إنتهى أقول هذا ما قلناه
بالشركة الحقيقية على سبيل الإشاعة كما لعله المنسبق إلى الذهب من قوله عليه السلام فيما سقته السماء العشر وأما بناء على ما قويناه من منع الشركة الحقيقية وأن المراد
بالخبر المزبور بيان مقدار الحق الذي جعله الله تعالى للفقير في هذا المال بأن أمر مالكه بأن يتصدق به عليه فالمنساق منه إرادة مطلق عشره المقتضي لحصول الاجزاء
بأي عشر يكون لان إرادة الكسر المشاع من لفظ العشر الواقع في حيز الامر بالتصدق به بعيد فالمتجه على هذا جواز إخراج الجميع من الأردء فضلا عن الوسط
اللهم إلا أن يدعي انصراف إطلاقات الأدلة عنه كما ليس بالبعيد وربما يستدل للمنع عنه بقوله تعالى ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون والأخبار الواردة
من طرق الخاصة والعامة الناهية عن إخراج بعض الأنواع الذي هو من ردي التمر كالمعافارة وأم جعرور وفيه إن هذا أخص من المدعي إذ قد يكون الجميع
من الجيد ولكنها مختلفة في الجودة فبعض أصنافه أجود من بعض فلا يطلق على شئ منها الخبيث كي يتناوله الآية والروايات المشار إليها مع أنه داخل في محل الكلام ويكف كان
فعدم الاجتزاء بالأردء مطلقا إن لم يكن أقوى فلا ريب في إنه أحوط والله العالم. المسألة الخامسة: إذا مات المالك وعليه دين فظهرت الثمرة بعد موته
وبلغت الحد الذي يجب فيه الزكاة قبل قضاء الدين لم يجب على الوارث زكاتها بناء على إن التركة قبل الوفاء بحكم مال الميت في وجوب صرفها إلى ما يعود نفعه إليه
من وفاء دينه وعدم استحقاق الوارث للتصرف في شئ منها عينا أو منفعة إلا بعد الوفاء فلا يجب عليه حينئذ زكاته لانتفاء ملكيته فضلا عن عدم تمكنه
من التصرف فيه ولو قضى الدين بعده وفضل منها النصاب لم تجب الزكاة لأنها حين بدو صلاحها الذي هو وقت تعلق الوجوب كانت على حكم مال الميت الذي
هو خارج عن متعلق الخطاب بالزكاة ولكن الالتزام بأن التركة مع الدين بحكم مال الميت مطلقا ولو مع عدم استيعاب الدين كما هو مقتضى ظاهر العبارة
خصوصا ملاحظة الفرع الذي ذكره أخيرا مما لم يعرف عن أحد كما أشار إليه في مفتاح الكرامة فإنه بعد أن نقل عن عدة من الكتب موافقة المتن في أن ظاهرها إنه
لا زكاة على الوارث ولو فضل النصاب بعد الدين منهم العلامة في المنتهى حيث قال لو مات المالك وعليه دين فظهرت الثمرة وبلغت لم تجب الزكاة على الوارث
لتعلق الدين بها ولو قضى الدين وفضل النصاب لم تجب الزكاة لأنها على حكم مال الميت قال ما لفظه قلت وعلى هذا لو مات المالك وعليه درهم واحد وخلف
نخيلا فظهرت ثمرتها ألف وسق لم يكن فيها زكاة قضى الدين أولا ولو لم يقض الدين أبدا لم يكن في نخيله زكاة أبدا لأنها على حكم مال الميت وهذا لا أظن
أحدا يقول به إنتهى وحيث لا يظن بأحد الالتزام بذلك حمل غير واحد من الشراح عبارة المتن على إرادة الدين المستوعب ونزلوا ما ذكره أخيرا على ما إذا حصلت
الزيادة بزيادة القيمة السوقية ففي المدارك قال في شرح العبارة إن قول المصنف (ره) إذا مات المالك وعليه دين يقتضي بإطلاقه عدم الفرق بين الدين المستوعب
للتركة وغيره إلا إن الظاهر حمله على المستوعب كما ذكره في المعتبر لان الدين إذا لم يستوعب التركة ينتقل إلى الوارث ما فضل منها عن الدين عند المص نف (ره)
وغيره أيضا ممن وصل إلينا كلامه من الأصحاب وعلى هذا فيجب زكاته على الوارث مع اجتماع شرائط الوجوب خصوصا إن قلنا إن الوارث إنما يمنع التصرف فيما
قابل الدين من التركة خاصة كما أختاره الشارح وجمع من الأصحاب وقوله ولو قضى الدين وفضل منها النصاب لم يجب الزكاة تنبيه على الفرد الاخفى والمراد
أنه لو أتفق زيادة قيمته أعيان التركة بحيث قضى منها الدين وفضل للوارث نصاب بعد أن كان الدين محيطا بها وقت بلوغ الحد الذي يتعلق به الزكاة
لم تجب على الوارث لان التركة كانت وقت تعلق الوجوب بها على حكم مال الميت وإذا انتفى وجوب الزكاة مع قضاء الدين وبلوغ الفاضل لنصاب وجب
انتفائه بدون ذلك بطريق أولى إنتهى وكيف كان فالذي ينبغي أن يقال هو أما إن بينا على إن تركة الميت ينتقل جميعها بموته إلى وارثه وإن حق الديان
المتعلق بها من قبيل حق الرهانة أو الجناية أو غير ذلك من أنواع الحقوق فإن قلنا بأن هذا الحق متعلق بنفس التركة لا بنمائها المتجدد في ملك الوارث
فالنماء على هذا التقدير ملك طلق للوارث يتصرف فيه كيف يشاء وسواء كانت التركة بقدر الدين أم أقل أم أكثر ولكن المبني ضعيف إذ الظاهر أن الثمرة
تابعة لأصلها في وجوب صرفها في دين الميت على تقدير قصور التركة عن وفائها فهي كأصلها متعلقة لحق الديان فلا فرق حينئذ بين كون ما يتعلق به
الزكاة من جنس الثمار المتجددة بعد موته أو من جنس الانعام المملوكة له حال موته فيشكل تعلق الزكاة بها بعد كونها متعلقة لحق الغير كما في الرهن
اللهم إلا أن يقال إن مثل هذا الحق حيث لا يؤثر نقصا في ملكية ما فضل عن الدين ولا يكون مانعا عن التمكن من التصرف فيه بوفاء الدين من غيره
لا يصلح مانعا عن تعلق الزكاة به كما سنشير إليه فليتأمل وإن بنينا على إن التركة لا ينتقل جميعها إلى الوارث إلا بعد وفاء الدين وأنها على حكم
مال الميت حيى يستوفى منها دينه فإن أريد من الحكم بكونها على حكم مال الميت عدم صيرورة شئ منها ملكا للوارث وإن فضلت عن الدين فهذا مما
لا يمكن الالتزام به إذ لا معنى للملكية إلا اختصاص المال بشخص وعود منافعه إليه وعدم تعلقه بمن عداه وهذه العلاقة تحدث بين الوارث وما زاد
عن الدين بموت مورثه بنص الكتاب والسنة بل الاجماع والضرورة القاضية بانقطاعه عن الميت وخلوصه لوارثه فلو دل دليل لفظي بظاهره على أن
الوارث لا يملكه إلا بعد وفاء الدين وجب حمله على إرادة نفي السلطنة الفعلية لإباحة التصرف لا نفي الاختصاص الذي هو من مقومات مفهوم
الملكية وادعينا الضرورة عليه فغاية ما يمكن الالتزام به بعد مساعدة الدليل هو حجره عن التصرف فيه لا عدم اختصاصه به الذي هو معنى الملكية
ومثل هذا الحجر على تقدير تحققه حيث إنه قادر على إزالته بوفاء الدين من عين التركة أو من مال آخر كما أنه ليس منافيا لأصل الملكية كذلك ليس
منافيا لطلقيتها أيضا فما يفضل عن الدين بالفعل ملك طلق للوارث قادر على التصرف فيه بجميع أنواع التصرف بتخليصه من حق الديان وصرفه
فيما يشاء فليس مثل هذا الحجر مانعا عن تعلق الزكاة به ولا عن تنجز شئ من التكاليف الشرعية أو العرفية الثابتة للشخص الملي من مثل وجوب
72

الحج ووفاء الدين والانفاق على القريب لدى إجماع سائر شرائطها ومن هنا يعلم إنه لو أريد من الحكم بكونها على حكم مال الميت كونها كذلك في وجوب صرف
كل جزء منها على البدل في وفاء دينه أو غير ذلك مما لا ينافي المعنى المزبور أي كون ما يفضل عن الدين على إبهامه مخصوصا بالوارث أي مملوكا له حقيقة فهو على
تقدير صحته ليس بمانع عن تعلق الزكاة به ولكن لقائل أن يقول إن كون ما يفضل عن الدين ملكا طلقا للوارث على إجماله لا يكفي في إيجاب الزكاة
عليه إذا كان نصابا على إطلاقه ولو على القول بجواز تصرفه فيما يفضل عن الدين فضلا عن القول بالمنع عنه لأنا إن بنينا على إن الميت أحق بتركته فيما
يفي بدينه من وريثته من غير فرق بين عين التركة أو نمائها كما هو الأظهر فما يقابل الدين على إجماله بحكم مال الميت لا ينتقل إلى الوارث إلا أن يعطى
بدله بأن يوفي الدين من مال آخر فإذا كانت التركة أكثر من الدين يكون ما زاد عما يفي بالدين ملكا للوارث ولكن لا يتشخص ملك الوارث
ما لم يتميز حق الميت إن ما يستحقه الميت من هذا المال أمر كلي يصح أن يقع كل جزء مصداقا له فالنصاب الباقي بعد وفاء الدين إنما تمحض للوارث
بوفاء الدين من غيره فلو كان يصرف هذا النصاب في الدين لكان يفضل من الدين غيره فشئ من أعيان التركة لا يصير بخصوصه ملكا للوارث إلا بتشخيص
ما يستحقه الميت في غيره فليس النصاب بخصوصه حاصلا في ملكه كي يجب عليه زكاته نعم لو فرض كون النصاب بعينه مما يفضل عن الدين على كل تقدير
كما لو خلف أموالا كثيرة وعليه دين يسير بحيث لو وفي دينه من أي أنواع من تركته لو من خصوص النخل والزرع الذي يتعلق بثمرته الزكاة لزاد عليه
ما يبلغ النصاب لم يصلح الدين في مثل الفرض مانعا عن وجوبها على الوارث ويدفعه أن الاجمال والابهام إنما هو فيما يستحقه الديان من التركة
المحكومة ببقائها على ملك الميت حكما لا فيما يملكه الوارث فإن ما تركه الميت جميعه ينتقل إلى وارثه عدى ما يقابل دينه على إجماله حتى ولاية تعيين هذا
المجمل فحال الوارث بالنسبة إلى التركة حال من جعل لزيد في أمواله بعهد أو يمين ما يعادل عشرين دينارا من غير اعتبار شئ من العوارض المشخصة سوى
مقدار ماليته أو باع صاعا من صبرة على سبيل الابهام أو نحوه ففي مثل هذه الموارد لا يؤثر ما يستحقه الغير من ماله حيث لا تعين له نقصا في ملكية شئ من
أعيان أمواله بالخصوص بحيث يمنعه عن التصرف فيه ما لم ينحصر حقه في شخص إلا أن يدل دليل تعبدي على الحجر عن التصرف قبل التشخيص فمقتضى الأصل في
مثل هذه الموارد لولا دليل على الحجر عن التصرف قبل تشخيص ما يستحقه الغير جواز تصرفه في كل شئ منها بخصوصه إلى أن يعرضه التعين بأن ينحصر في فرد فلو
كان شئ من أعيان أمواله زكويا لا يمنع مثل هذا الحق عن تعلق الزكاة بها كما لا يمنع عن بيعها وساير أنحاء التصرفات الموقوفة على الملك فكذلك فيما
نحن فيه ولكن هذا فيما إذا كانت التركة أكثر من الدين وفضل النصاب وأما مع استيعاب الدين فالحق عدم تعلق الزكاة بها سواء قلنا ببقائها على حكم
مال الميت أو قلنا بانتقالها إلى الوراث وكون الحق المتعلق بها من قبيل حق الرهانة وشبهه أما على الأول فواضح وعلى الثاني فلان الزكاة لم توضع على
ملك لم يكن لمالكه التصرف فيه إلا بإعطاء قيمته إذ قد عرفت في محله أنه يشترط فيما يتعلق به الزكاة أن يكون ملكا تاما ولا نقص في الملكية بأعظم من أن
لا يكون لمالكه التصرف فيه إلا ببذل قيمته وقد تلخص مما ذكر أن الأشبه إنه إذا بدت الثمرة بعد موت المالك حالها حال أصلها في وجوب صرفها
في الدين مع الاستيعاب ولا تجب زكاتها على الوارث سواء قلنا بانتقال التركة إليه بالموت أو ببقائها على حكم قال الميت ومع علم الاستيعاب إذا
كان الفاضل نصابا وجبت زكاته على الوارث مطلقا والله العالم ولو بدا صلاحها على المشهور أو صارت تمرا لدى المصنف (ره) والمالك حتى ثم
مات وجبت الزكاة في ماله ولو كان دينه يستغرق تركته لان الزكاة أيضا كسائر ديونه من الحقوق المتعلقة بأصل التركة كما يدل عليه مضافا إلى عمومات
أدلة الزكاة خصوص مرسلة عباد بن صهيب عن أبي عبد الله (ع) في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما كان فرط فيه مما لزمه من
الزكاة ثم أوصى أن يخرج ذلك فيدفع إلى من تجب له قال جائز يخرج ذلك من جميع المال إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ليس للورثة شئ حتى يؤدوا ما أوصى به من
الزكاة ولو ضاقت التركة عن الدين قيل يقع التحاص من أرباب الزكاة والديان وقد حكى هذا القول عن الشيخ في المبسوط و قيل يقدم الزكاة كما لعله هو
المشهور لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها الذي هو بعد موت المالك كما تقدم تحقيقه فيما مر فلا يصلح تعلق الدين بها لمزاحمة الحق السابق عليه سواء قلنا
بأن تعلق الزكاة بها على سبيل الشركة الحقيقة أو من قبيل تعلق حق الرهانة أو الجناية أو غير ذلك من أنواع الحقوق فهو مقدم على حق الديان على كل تقدير
ومن هنا يعرف إن هذا القول هو الأقوى وإن لم نقل بالشركة حقيقة نعم لو عدم متعلق الزكاة قبل الموت وصارت في ذمته صار حالها حال ساير الديون
في وجوب التحاص مع الغرماء كما لا يخفى المسألة السادسة: إذا ملك نخلا مثلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه مع بقاء الثمرة على ملكه إلى
حين تعلق الوجوب وكذا إذا اشترى ثمرة على الوجه الذي يصح شرائها مما هو مذكور في محله فإن ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المالك الأول بناء على ما هو
المشهور من إن وقت تعلق الزكاة هو حين بدو صلاحها وإما على مختار المصنف (ره) من أن وقته حين التسمية فالأولى بل المتجه الاعتبار بكونه تمرا
لتعلق الزكاة بما يسمى تمرا لا بما يسمى بسرا وقد تقدم تحقيق الحال في ذلك واتضح فيما تقدم شرح مثل هذه المسائل فلا حظ. المسألة السابعة:
حكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه الزكاة الأجناس الأربعة في قدر النصاب وكيفية ما يخرج منه واعتبار السقي سيحا أو بالدوالي وأمر المؤمنة
وغير ذلك مما عرفته بلا خلاف في شئ منها على الظاهر بل في الجواهر الاجماع بقسميه عليه فإن هذا هو المنساق من أدلتها كما لا يخفى على المتأمل
تذنيب قال العلامة في التذكرة يجوز الخرص على أرباب الغلات والثمار بأن يبعث الامام ساعيا إذا بدا صلاح الثمرة واشتد الحب ليخرصها ويعرف قدر
الزكاة ويعرف المالك ذلك وبه قال الحسن وعطاء الزهري ومالك والشافعي وأحمد وأبو عبيد وأبو ثور وأكثر العلماء لان النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث إلى الناس
من يخرص عليهم كرمهم وثمارهم وقال الشعبي الخرص بدعة وقال أصحاب الرأي أنه ظن وتخمين لا يلزم به حكم وإنما كان الخرص تخويفا للاكرة لئلا يخوفوا
73

فأما أن يلزم به حكم فلا إنتهى أقول أما جوازه في ثمرة النخل والكرم فلا خلاف فيه على الظاهر بين أصحابنا بل عن المصنف في المعتبر وغيره دعوى اتفاق علمائنا و أكثر
العامة على جواز الخرص على أصحاب النخيل والكروم وتضمينهم حصة الفقراء وأما في الزرع فقد اختلفوا فيه كما صرح به غير واحد ففي المدارك بعد أن نقل
عن المصنف وغيره دعوى اتفاق الأصحاب عليه في ثمرة النخل والكرم قال وأختلف الأصحاب في جواز الخرص في الزرع أثبته الشيخ وجماعة لوجود المقتضي وهو
الاحتياج إلى الاكل منه قبل يبسه وتصفيته ونفاه ابن الجنيد (ره) والمصنف (ره) والعلامة في المنتهى والتحرير لأنه نوع تخمين وعمل بالظن فلا يثبت
إلا في موضع الدلالة ولان الزرع قد يخفى خرصه لاشعار بعضه وتبدده بخلاف النخل والكرم فإن ثمرتها ظاهرة فيتمكن الخارص من إدراكها والإحاطة
بها ولان الحاجة في النخل والكرم ماسة إلى الخرص لاحتياج أربابها إلى تناولها غالبا رطبة قبل الجذاذ والاقتطاف بخلاف الزرع فإن الحاجة إلى تناول
الفريك قليلة جدا انتهى واستدل في محكي المعتبر على جوازه في ثمرة النخل والكرم بما روى من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعبث إلى الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم و
لان أرباب الثمار يحتاجون إلى الاكل والتصرف في ثمارهم فلو لم يشرع الخرص لزم الضرر أقول إنما يلزم من عدم شرع الخرص أي عدم تجويز الشارع العمل
بالخرص والتخمين في تعيين مقدار حق الفقير والحرج على المالك لو قيل بتعلق الزكاة بماله من حين بدو الصلاح وعدم جواز إخراج حق الفقير حتى
يجففه ويجعله تمرا أو زبيبا وهذا مما لا يساعد عليه دليل بل الأصول والأدلة بأسرها قاضية بخلافه وأنه متى وجب عليه الزكاة في ماله جاز له إخراجها وإيصالها
إلى مستحقها وله الولاية على ذلك نفينا الاشكال من إخراج الرطب والعنب عن مثله فلا يلزم حينئذ من عدم جعل الخرص والتخمين حجة في حقه خرج أو
ضرر عليه فإن له ما لم يعلم ببلوغ الثمرة سد النصاب الرجوع إلى البراءة والتصرف في جميعها ولدى علمه بالنصاب يجوز له إخراج عشر كل ما يحتاج إلى التصرف
فيه للاكل أو غيره من مقاصده بالوزن أو الكيل من غير اعتماده في شئ من ذلك على الخرص والتخمين فالاستدلال لجواز الخرص بلزوم الضرر والحرج لا يخلو
من مناقشة خصوصا مع عدم مناسبة لمذهبه من أن وقت الوجوب وقت التسمية كما لا يخفى وكيف كان فما يدل على مشروعية الخرص مضافا إلى المرسل المتقدم
في عبارة المعتبر المنجبر ضعفه باشتهاره بين الخاصة والعامة قول أبي الحسن عليه السلام في صحيحة سعد بن سعد الأشعري في العنب إذا خرصه أخرج زكاته وهذه الرواية
يدل على جوازه ولو من غير الساعي وصحيحته الأخرى عن الرضا عليه السلام قال سئلته عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها قال إذا
صرم وإذا خرص وفي خبر رفاعة المروي عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى إلا أن تغمضوا فيه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث عبد الله بن رواحة
فقال لا تخرصوا أم جعرور ولا معافارة وكان أناس يجيئون بتمر أسود فأنزل ولستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه وذكروا إن عبد الله خرص عليهم تمرا أسود
فقال النبي صلى الله عليه وآله يا عبد الله لا تخرص أم جعرور ولا معافارة وفي خبر إسحاق بن عمار المروي عنه أيضا قال كان أهل المدينة يأتون بصدقة الفطرة إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله
وفيه عذوق يسمى الجعرور وعذق معافارة عظيم نواهما دقيق لحاهما في طعمهما مرارة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله للخارص لا تخرص عليهم هذين اللونين لعلهم يستحيون
لا يأتون بهما فأنزل الله تعالى يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتهم إلى قوله تنفقون وفي خبر أبي بصير المروي عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل
يا أيها الذين إلى آخره قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أمر بالنخل أن يزكي يجيئ قوم بألوان من التمر وهو من أردأ التمر يؤدونه عن زكاتهم تمرا يقال له الجعرور
والمعافارة قليل اللحم عظيم النوى وكان بعضهم يجيئ بهما عن التمر الجيد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تخرصوا هاتين التمرتين ولا تجيئوا منهما بشئ وفي ذلك
نزل ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيها والاغماض فيه أن يأخذ هذين التمرين ويستفاد من صحيحة سعد بن سعد الثانية مشروعيته
في جميع الغلات الأربع كما أنه يستفاد من صحيحته الأولى جوازه في ثمرة الكروم ومما عداهما من الاخبار في النخل فالقول بعدم جوازه في غير ثمرة النخل والكرم ضعيف
اللهم إلا أن يناقش في دلالة الصحيحة الثانية بإبداء بعض الاحتمالات التي تقدم ذكرها عند التعرض لبيان وقت الوجوب مع الإشارة إلى ما فيها من
المخالفة للظاهر فليتأمل. تنبيهات الأول: وقت الخرص حين بدو الصلاح على ما صرح به غير واحد بل عن المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح دعوى ظهور
الاجماع عليه ومما يؤيد هذه الدعوى أن المصنف (ره) مع أن مختاره أن حد تعلق الزكاة التسمية لا بدو الصلاح صرح في محكي المعتبر بأن وقت الخرص بدو الصلاح
مستدلا عليه بأنه وقت الامن على الثمرة من الجائحة غالبا وبما روي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث عبد الله بن رواحة خارصا للنخل حين يطيب وإن كان قد يتوجه
عليه الاشكال فيما جعله فائدة للخرص من أن الخارص يخير أرباب الثمرة بين تضمينهم حق الفقراء وبين تركه أمانة في يدهم فإن اختاروا الضمان كان لهم التصرف
كيف شاؤوا وإن أبوا جعله أمانه لم يجز لهم التصرف بالاكل والبيع والهبة لان فيها حق المساكين إلى غير ذلك من الفروع التي أوردها فيما حكي عن معتبره مما لا
يناسب مذهبه ولذا أعترض عليه في الحدائق وغيره بذلك وكيف كان فالظاهر عدم الخلاف في أن وقت الخرص هو بدو الصلاح وأما إن ثمرته جواز تصرف
المالك مع الضمان وعدمه بدون الخرص أو دون الضمان فقد عرفت ما فيه حتى على القول بتعلق الوجوب من حين بدو الصلاح فضلا عن القول بعدم
تعلق الحق به إلا بعد التسمية. الثاني: صفة الخرص على ما صرح به في الجواهر وغيره أن يدور الخارص بكل نخلة أو شجرة وينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا ثم يقدر ما
يجيئ منه تمرا أو زبيبا ويعتبر في نفوذه على المالك رضاه بذلك وإلا فله ترك الاعتماد على قول الخارص والعمل بالكيل والوزن في إخراج حصة الفقراء بل هذا
هو الأحوط فإن غاية ما يمكن إثباته إنما هو جواز التعويل على ما أدى إليه نظر الخارص في تفريغ ذمته عن حق الفقراء لا لزومه بحيث لم يجز له ترك الاعتماد عليه و
الرجوع إلى سائر الطرق المفيدة للعلم بمقداره كما هو واضح. الثالث: قال في محكى المعتبر لو زاد الخرص كان للمالك ويستحب له بذل الزيادة وبه قال ابن الجنيد (ره)
ولو نقص فعليه تحقيقا لفائدة الخرص وفيه تردد لان الحصة في يده أمانة ولا يستقر ضمان الأمانة كالوديعة انتهى أقول الظاهر أن المقصود بهذا الفرع
بيان ما لو أنكشف زيادة الثمرة عما أدى إليه نظر الخارص أو عكسه لا ما إذا أتفق حصول النقص بآفة سماوية فإنه قد تعرض لحكم هذه الصورة في الفرع الذي
74

ذكره قبل هذا الفرع فلا يناسبه تعليل نفي الضمان بأن الحصة في يده أمانة فالأولى الاستدلال له بأن التعويل على الخرص إنما يصح لدى عدم انكشاف مخالفته
للواقع وإما بعد الانكشاف فالحكم يدور مدار واقعة كما هو الشأن في سائر الطرق الظنية التي دل الدليل على اعتبارها ومن هنا يظهر النظر فيما ذكروه في
صورة العكس أيضا من إن له الزيادة فإن مقتضى عموم قوله عليه السلام فيما سقته السماء العشر وجوب إيصال عشر الحاصل إلى مستحقه والخرص فما شرع لتعيين مقدار
العشر لا لرفع هذا الحكم عن موضوعه فإذا أنكشف خطائه فيما زعمه عشرا بأن ظهر كونه ناقصا وجب على المالك إكماله وإن كان زائدا لم يجب عليه دفع الزائد
اللهم إلا أن يلتزم باعتبار الخرص على جهة الموضوعية والسببية لانقلاب التكليف إلى ما أدى إليه نظر الخارص أو يقال بأن مرجع تضمينهم حصة الفقراء بما أدى
إليه نظره إلى المصالحة معهم عما يستحقه الفقير بكذا فيتجه على هذا ما حكى عن مالك من القول بأنه لو تلفت الثمرة بآفة سماوية بغير تفريط من المالك لم يسقط ضمانه
لان الحكم أنتقل ما قال الخارص وشئ منهما مما لا يساعد عليه دليل بل الأصول والأدلة جميعها قاضية بخلافه أن لم يعلم مما دل على أن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث
من يخرص عليهم كرومهم ونخيلهم ولا من غيره مما دل على شرعية الخرص في باب الزكاة أزيد من إرادة معرفة حق الفقير بطريق التخمين وجواز التعويل على هذا
الطريق في مقام مطالبة المالك بحق الفقير وإلزامه بالخروج عن عهدته أو الاخراج من تركته لدى موته أو تعويل المال عليه في مقام تصرفه في الثمرة بالبيع والشراء
وغيره ما لم ينكشف خطائه أو غلطه كما لو قامت بينة بعد حصاد الزرع على أن ثمرته بالوزن أو الكيل بلغت كذا مقدارا فإنه يجوز التعويل عليها في ترتيب جميع هذه
الآثار ما لم ينكشف الخلاف وإلا عمل على ما يقتضيه حكمها في الواقع فما في كلماتهم من التعبير تضمينهم حصة الفقراء يراد منه الزامهم بالعمل بمقتضى خرصه على جهة
الطريقية أي التعويل عليه ما لم يتبين خلافه لا على جهة الموضوعية بأن يكون الحكم منتقلا إليه إذ لا دليل على أن للخارص هذا النحو من التصرف في مال
الفقير ضرورة قصور أخبار الخرص عن أفادته القول في زكاة مال التجارة والبعث يقع فيه أي في موضوع الحكم وفي شروطه وفي أحكامه أما الأول فهو المال
الذي ملك بعقد معاوضة وقصد به الاكتساب عند التملك قال شيخنا المرتضى (ره) قيل أن هذا اصطلاح فقهي وفيه نظر فإن الظاهر أنه معنى عرفي مستفاد
من الأخبار الدالة على رجحان الزكاة في المال إذا اتجر فيه فإن الظاهر من التجارة بالمال المعاوضة عليه بقصد الاسترباح أقول إما التجارة بالمال فلا مجال
للارتياب في أن معناه عرفا هو أن يستعمل المال في التجارة بأن ينقله إلى مال أخر حقيقة أو حكما بقصد الاسترباح وهذا مما لا كلام فيه على الظاهر ولكن قد
يقع البحث في أنه هل يشترط في موضوع هذا الحكم أي زكاة مال التجارة صيرورة المال بالفعل متعلقا للعمل الذي يعد في العرف تجارة بأن يقع المعاملة عليه
بإبداله بمال أخر بقصد الاسترباح كما هو ظاهر المتن وصريح غيره بل ربما نسب إلى المشهور بل إلى علمائنا أم يكفي مجرد أعداد المال لذلك بجعل السلعة المملوكة له في
معرض البيع بقصد الاتجار فإنه يكفي ذلك في صحة إطلاق مال التجارة عليه وفي المدارك بعد أن ذكر أنه يشترط في تعلق الزكاة بالمال نية الاكتساب به بلا خلاف
فيه بين العلماء وأنه يعتبر استمرار نية الاكتساب طول الحول ليتحقق كونه مال التجارة فيه قال وإنما الكلام في اعتبار مقارنة هذه النية للتملك وقد ذهب علمائنا
وأكثر العامة في اعتبار ذلك أيضا لان التجارة عمل لا يتحقق إلا بالنية وحكي المصنف (ره) في المعتبر عن بعض العامة قولا بأن مال القينة إذا قصد به التجارة يتعلق
به الزكاة ويظهر منه الميل إليه نظرا إلى أن المال بإعداده للربح يصدق عليه أنه مال التجارة فيتناوله الروايات المتضمنة لاستحباب زكاة التجارة وإن نية القينة
تقطع التجارة فكذا العكس قال وقولهم التجارة عمل قلنا لأنهم إن الزكاة تتعلق بالفعل الذي هو الابتياع بل لم لا يكفي أعداد السلعة لطلب الربح وذلك بتحقق
بالنية والى هذا القول ذهب الشهيد (ره) في الدروس والشارح في جملة من كتبه ولا باس به انتهى ما في المدارك أقول قد أشرنا إلى كفاية جعل المال معدا
للاسترباح والاتجار به في صحة إطلاق اسم مال التجارة عليه ولكن لا يبعد أن يدعي أن المنساق من إطلاقه عرفا المال المستعمل في عمل التجارة لا مطلق ما وضع
لذلك بحيث يقم مثل الفرض ولو سلم الشمول وعدم انصراف إطلاق هذا الاسم عنه فدعوى أنه يتناوله الروايات المتضمنة لاستحباب زكاة التجارة غير مسلمة
إذ لا يكاد يستفاد من تلك الروايات ثبوت الزكاة في كل ما يصح أن يقع عليه اسم مال التجارة على الاطلاق بل في المال الذي اتجر فيه كما أشار إليه شيخنا المرتضى (ره) في
كلامه المتقدم فما ذكره المصنف (ره) في رد من قال بأن التجارة عمل فلا يتحقق بمجرد النية من أنه لم لا يكفي أعداد السلعة لطلب الربح وذلك يتحقق بالنية ففيه
إن كفايته لتعلق الزكاة به تحتاج إلى الديل إذ الحكم مخالف للأصل والرويات الدالة عليه غير وافية بذلك فإنها ما بين ما هو وارد في الموضوع الذي تعلقت التجارة
به بالفعل كالمستفيضة الواردة فيمن كسد عليه متاعه التي سيأتي نقلها في مسألة اشتراط طلب رأس المال وزيادة وبين ما هو ظاهر في اعتبار الاتجار به بالفعل
مثل رواية محمد بن مسلم المقطوعة أنه قال كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول وخبر خالد بن الحجاج الكرخي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الزكاة
فقال ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس بمنعك من بيعها الا لتزداد فضلا على فضلك فزكه وما كانت من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شئ آخر
والرويات المستفيضة الواردة في مال اليتيم والمجنون المتقدمة في أوائل الكتاب ففي بعضها إذا حركته فعليك زكاته وفي بعضها لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل
به فإذا علم به وجبت الزكاة فأما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه وفي بعضها ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر به ففيه الزكاة والربح لليتيم
الحديث فالموضوع الذي يستفاد من هذه الأخبار تعلق الزكاة به هو المال المستعمل في التجارة الذي وقع عنه التعبير في بعض هذه الأخبار بقوله إذا حركته فعليك
زكاته فإن تحريك المال كناية عن أبداله بمال آخر وهكذا الاسترباح كما هو معنى الاتجار بالمال فلا يتحقق شئ من العناوين المأخوذة في هذه الأخبار إلا بجعل
المال متحركا أي منتقلا ماليته لهذا الشخص إلى فرد آخر من المال بإبداله به فالأولى تفسير مال التجارة بأنه المال الذي عوض بمال آخر وقصد به الاكتساب عند
المعاوضة أي المال المتجر به لان هذا هو الذي أخذ موضوعا للحكم في الاخبار دون المال الذي وقع عوضا فتفسيره بالمال الذي ملك بعقد معاوضة إلى آخره كما
في المتن وغيره لا يخلو من مسامحة فكان منشأها أن مرجع إيجاب الزكاة في المال المضطرب الذي هو مفهوم مبهم بتقويم في ضمن الاشخاص التي يقع المعاوضة
75

بينها وبين رأس المال لدى التحليل إلى إيجاب الزكاة في الشخص الخارجي الباقي عنده حين حول الحول الذي ملكه بعقد معاوضة بقصد الاكتساب عند التملك
فهذا التعريف وإن لا يخلو من المسامحة بالنظر إلى ما يترائى من النصوص ولكنه لدى التحليل تعريف تحقيقي فليتأمل وربما يستدل أيضا للقول بكفاية النية بعموم
رواية شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال كل شئ جر عليك المال فزكه وكل شئ ورثته أو وهب لك فأستقبل به وفيه ما لا يخفى فإنه لا يتحقق جر المال إلا بعد
تحقق المعاملة وحصول الفعل فهو أخص من المال الذي تعلق به عمل التجارة هذا مع أن هذه الرواية لا تخلو من أجمال فيحتمل قويا أن يكون لفظ المال
الوارد فيها بالرفع فيكون المقصود به بيان عدم اعتبار الحول في الشئ الذي يجر المال في الزائد على أصل المال الذي يعتبر فيه الحول كما ستعرف وموثقة
سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال ليس على الرقيق زكاة يبتغي به التجارة فإنه من المال الذي يزكى وفيه أن المنساق من الرواية إرادة العبد المقصود
بتملكه الاتجار لا الخدمة مثل ما يشتريه النخاس الذي عمله الاتجار بالرقيق مع أن سوق الرواية يشهد بكون أطلاقها مسوقا لبيان العقد السلبي فلا ظهور لها
في إرادة الاطلاق بالنسبة إلى العقد الاثباتي كما لا يخفى على المتأمل وربما استدل له أيضا بالنبوي العامي الذي رواه أحمد بن سمرة أنه قال أمرنا رسول الله
صلى الله عليه وآله أن يخرج الصدقة مما يعد للبيع إذ بالنية يصير معدا للبيع هكذا قيل في تقريب الاستدلال وأجاب عنه في التذكرة بأنه ليس بجيد فإن
النزاع وقع في أن المنوي هل هو معد للبيع أم لا والعجب من عبارة المعتبر المنقولة في الجواهر حيث أورد فيها هذه الرواية بجعل لفظ بالنية المذكور في كلام
أحمد لدى تقريب الاستدلال من تتمة الرواية وجعله محلا للاستشهاد فنقلها هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يخرج الصدقة مما نعده للبيع بالنية وهو
بحسب الظاهر اشتباه في النقل وكيف كان ففي الاستدلال به ما لا يخفى وقد تلخص مما ذكر أن المتجه اختصاص زكاة التجارة بالمال الذي تعلقت التجارة به بالفعل
بأن بدل بما آخر بقصد الاكتساب فيكون المكلف بتزكية مالك ذلك المال المستعمل في التجارة والشئ المأمور بإخراج الزكاة منه لدى التحقيق هو بدل
ذلك المال الذي صار مملوكا له بالتجارة فشرط تعلق الزكاة بما هو انتقاله إليه بمعاملة قصد بها الاكتساب فلو أنتقل إليه بميراث أو هبة أو نحوها ما لم يتجر
به لم يزكه وأن نوى به الاكتساب من حين تملكه حتى فيما إذا كان ذلك المال متعلقا للتجارة عند المنتقل عنه كما إذا ورث ابن التاجر أموال تجارة أبيه ونوى
الاتجار به إذ قد عرفت أنه لا يكفي فيه نية الاتجار به بل يعتبر فيه الفعلية وهذا الشخص لم تحرك هذا المال حتى يتنجز عليه التكليف بتزكيته وكذا لو ملكه
للقنية أو الاهداء إلى الغير أو الصرف في مؤنته أو غير ذلك مما لا يتحقق معه قصد الاكتساب الذي يتوقف عليه مفهوم التجارة عرفا بل وكذا لو اشتراه للتجارة
ثم نوى القنية قبل حول الحول ستعرف اشتراطها به وإما الشروط فثلاثة الأول النصاب وقد أدعى عليه إجماع المسلمين ويدل عليه مضافا إلى الاجماع
الروايات الدالة على شرعية هذه الزكاة حيث أنها هي زكاة المال المتحرك في التجارة والمحفوظ ماليته في ضمن أبداله الذي يكون في الغالب من جنس
النقدين فلا ينسبق إلى الذهن إلا إرادة زكاة الدينار أو الدرهم المستعمل في التجارة على حسب ما هي معهودة في الشريعة كما قد يؤمي إلى ذلك بل يشهد له
خبر إسحاق عن عمار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال قلت له تسعون ومأة درهم وتسعة عشر دينار أعليها في الزكاة شئ فقال إذا أجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك
مأتي درهم ففيها الزكاة لان عين المال الدراهم وكل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات وعدم
كون صدر الرواية معمولا به غير قادح في حجيته مع إمكان أن يكون المراد بالدينار والدرهم الذي وقع عنهما السؤال الدينار والدرهم الدائرين في المعاملة
وكيف كان فما في ذيل الرواية من قوله عليه السلام وكل ما خلا الدراهم إلى آخره واضح الدلالة على المدعى فما في الحدائق من الاستشكال في اعتبار النصاب هنا
مع اعترافه باتفاق الخاصة والعامة عليه نظرا إلى إطلاق الروايات الامرة بها في غير محله كما أن ما عن الشهيد الثاني في حواشي القواعد من الاستشكال
في اعتبار النصاب الثاني حيث ذكر أنه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني هنا وأن العامة صرحوا باعتبار الأول خاصة أيضا في غير محله ولنا
جاد سبطه في المدارك في الجواب عن ذلك بأن الدليل على اعتبار الأول هو بعينه الدليل على اعتبار الثاني والجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا لعدم
اعتبارهم له في زكاة النقدين كما ذكره في التذكرة إنتهى ولاجل ما ذكرناه من دلالة الاخبار على إن هذه الزكاة هي زكاة النقدين لم يستشكل أحد في مقدارهما
من أنه ربع العشر وإلا فليس في رواياتها تصريح بذلك أيضا كما لا يخفى وقد ظهر بما ذكرناه من أن هذه الزكاة على ما يظهر من أدلتها هي زكاة المال
المستعمل في التجارة باعتبار ماليته المتقومة بإبداله بشرائطها المقررة في الشريعة التي منها بلوغ النصاب أنه يعتبر وجودها أي النصاب في الحول كله فلو نقص
عن النصاب في أثناء الحول ولو يوما سقط الاستحباب كما سقط الوجوب في زكاة النقدين وغيرهما مما أعتبر فيه النصاب والحول بلا خلاف فيه بيننا على
الظاهر ولا إشكال بل عن ظاهر غير واحد الاجماع عليه قال في التذكرة تفريعا على اعتبار النصاب فلو نقص في الابتداء بأن يشتريه بأقل من نصاب ثم
زاد السعر في أثناء الحول حتى بلغ نصابا أو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن يشتري بنصاب
ثم ينقص السعر في أثناء الحول ثم يرتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا أجمع انتهى وقد نسب الخلاف فيه إلى بعض العامة فمن بعض منهم أنه أعتبر النصاب
في أول الحول وآخره لا في وسطه وعن بعض آخر منهم أنه ينعقد الحول على ما دون النصاب فإن تم الحول وقد كمل النصاب وجبت الزكاة وقد ظهر ضعفهما
بما مر ولو مضى عليه مدة يطلب فيها برأس المال البالغ نصابا ثم زاد زيادة تبلغ النصاب الثاني أو كان في الأول عفو تكملة كان حول الأصل من
حين الابتياع وحول الزيادة من حين ظهورها والأولى ذكر هذه المسألة في فروع الشرط الثالث الذي هو مضي الحول وكيف كان فقد ذكر المصنف
وغيره أن حول الزيادة من حين ظهورها ولا يبنى حولها على حول الأصل بل في الجواهر بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا لمنافاته لما دل على اعتبار
الحول ضرورة أن الزيادة مال مستقل بشمله ما دل على اعتبار الحول وإلغاء لما مضى من حول الأصل واستينافه للجميع من حين ظهور الربح مناف
76

بحق الفقراء وتكرار الزكاة للأصل عند تمام حوله وحول الزيادة مناف لمراعاة حق المالك ولما دل عليه أن المال لا يزكى في عام مرتين فلم يبق إلا مراعاة الحول
لكل منهما كما سمعت نحوه في السخال هكذا قيل ويتوجه عليه أن الزيادة الحاصلة في أثناء الحول إن عدت عرفا ما لا مستقلا أجنبيا عن ماله الأصلي
الذي تحرك وتقلب بالتجارة كما قد يتوهم ذلك في مثل الثمرة والنتاج دون الزيادة القيمية التي هي كسمن الدابة فلا دليل على تعلق الزكاة بها ما لم
يكن هي بنفسها من الأجناس الزكوية لأنها مال ملكه لا بعقد معاوضة بل بالنماء والولادة والتكون في ملكه ولا ينطبق عليه ما ذكروه شرطا لتعلق الزكاة
من طلب رأس المال وزيادة في الحول إذ ليس له رأس مال حتى يتحقق فيه هذا الشرط وأن عدت تابعة لما أنتقل إليه بعقد معاوضة في احتسابها جزء من المال
التي تحول ما له إليه كما هو الحق فإنه لو سئل مثلا عن مال اليتيم الذي كان تحت يده يقال أنه أستعمله في التجارة الفلانية حتى بلغ كذا وكذا مبلغا فيعد مجموع
ما ملكه اليتيم باستعماله في التجارة من الابدال وثمراتها هو الذي دار إليه ما له فمقتضاه عدم استقلال أبعاضه بالحول ودوران تعلق الزكاة بالمجموع مدار
حول المال الذي دار إليه الذي دلت الأدلة على ثبوت الزكاة فيه إذا حال عليه الحول وقد أشار الشهيد (ره) فيما حكي من بيانه إلى ما ذكرناه بقوله ونتاج مال التجارة
منها على الأقرب لأنه جزء منها ووجه العدم أنه ليس باسترباح فلو نقصت الام ففي جبرانه نظر من أنه إكمال آخر ومن تولده منها ويمكن القول بأن
الجبر يتفرع على احتسابه من مال التجارة فإن قلنا به جبر وإلا فلا انتهى وفي الجواهر بعد أن وجه ما ذكره المصنف وغيره من أن حول الزيادة من حين ظهورها
بما سمعت وذكر بعض الفروع المناسبة له قال هذا كله مما شاة للأصحاب وإلا فقد يتوقف في أصل الحكم باعتبار ظهور النصوص في زكاة المال المطلوب برأس
المال أو بالربح الشامل للزيادة فلا تحتاج هي إلى حول مستقل خصوصا خبر شعيب منها عن الصادق عليه السلام كل شئ جر عليك المال فزكاته وما ورثته أو اتهبته
فأستقبل به بل روى عبد الحميد عنه عليه السلام أيضا إذا ملك ما لا آخر في أثناء الحول الأول زكاهما عند الحول الأول وقد أعترف في الدروس بدلالتهما على ذلك
إنتهى وهو جيد وإما رواية عبد الحميد التي أشار إليها فهي ما رواه الكليني بسنده عن عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل يكون عنده المال
فيحول عليه الحول ثم يصيب ما لا آخر قبل أن يحول على المال الأول الحول إذا حال على المال الأول الحول زكاهما جميعا وهو بظاهره أجنبي عما نحن فيه فإن ظاهره
إرادة مال آخر أجنبي عن المال الأول وقد حمله في الوسائل على الاستحباب أو التقية أو مضى أحد عشر شهرا على المال الثاني وتمام الحول على الأول والأولى رد
علمها إلى أهله الشرط الثاني أن يطلب برأس المال أو بزيادة في الجواهر بلا خلاف أجده فيه كما أعترف به بعضهم بل عن صريح المعتبر والمنتهى وظاهر الغنية والتذكرة
الاجماع عليه إنتهى والمراد بطلب رأس المال أن لا ينقص قيمته السوقية عن رأس ماله وإلا فقد لا يوجد بالفعل راغب في يوم أو يومين أو أيام لهذا المال وإن زيدت
قيمته السوقية أو بوجود من يطلبه بنصف قيمته السوقية المتعارفة وهذا لا يقدح في تعلق الزكاة به ما لم ينقص ماليته وكان بحيث لو وجد المشتري له لشراه في العرف
والعادة برأس ماله فما زاد وإلا فقلما يوجد مال يكون مطلوبا برأس ماله أو بزيادة بالفعل في تمام الحول ويدل على اعتبار هذا الشرط أخبار مستفيضة كصحيحة محمد بن
مسلم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه فقال إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله
فليس عليه زكاة وأن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق قد سئله سعيد الأعرج
وأنا حاضر أسمع فقال أنا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة والسنتين هل عليه زكاة قال فقال إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد
رأس مالك فعليك زكاته وإن كنت أنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي
اتجرت فيها وخبر أبي ربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى
يبيعه فقال أن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة وخبر خالد بن الحجاج الكرخي المتقدم في صدر المبحث ومفهوم رواية أبي بصير عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث قال أن كان عندك متاع في البيت موضوع فأعطيت به رأس مالك فرغبت عنه فعليك زكاته فلو كان رأس ماله مأة دينار
فطلب بنقيصة أي نقصت قيمته السوقية ولو حبة من قيراط لم تستحب الزكاة وروي إذا مضى وهو على النقيصة أحوال زكاة لسنة واحدة استحبابا وقد
أشير بذلك إلى ما رواه الشيخ بأسناده عن العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له المتاع لا أصيب به رأس المال علي فيه الزكاة قال لا قلت أمسكه سنين ثم
أبيعه ماذا علي قال سنة واحدة وما رواه الكليني بإسناده عن سماعة قال سئلته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة والسنتين أو
أكثر من ذلك قال ليس عليه زكاة حتى يبيعه إلا أن يكون أعطى به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة وإن لم
يكن أعطى به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه وإن حبسه ما حبسه فإذا هو باعه فعليه زكاة سنة واحدة وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر المروي عن
قرب الإسناد قال سئلت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يكون في يده المتاع قد بار عليه وليس يعطي به إلا أقل من رأس ماله عليه زكاة قال لا قلت
فإنه مكث عنده عشر سنين ثم باعه كم يزكي سنة قال سنة واحدة وقوله عليه السلام في ذيل صحيحة إسماعيل المتقدمة فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة
التي اتجرت فيها بناء على أن يكون المقصود به السنة التي باع فيها المتاع كما يؤيد ذلك ما عن قرب الإسناد أنه روى هذا الحديث بأدنى تغيير في لفظه وقال
في آخره فزكه للسنة التي يخرج فيها ولكن لو كان هذه العبارة هي متن الرواية لاحتمل قويا أن يكون المراد به زكاة النقد بعد صيرورته ذهبا أو فضة
كما أنه بناء على الأول أيضا يحتمل قويا إرادة السنة التي يتجر به فيها بعد صيرورته نقدا فيكون المقصود به أنه ليس عليه لما مر من السنين التي كان يطلب
فيها بنقيصة زكاة فإذا باعه وصار نقدا يصير رأس ماله بالفعل هذا النقد فإذا اتجر به أدى زكاته في السنة التي يتجر به بعد صيرورته نقدا ويؤيد
إرادة هذا المعنى ما عن المفيد في المقنعة أنه رواه مثل ما عن قرب الإسناد وقال في آخره فزكه للسنة التي تتجر فيها بصيغة المضارع و
77

كيف كان فهذه الرواية لا تخلو من تشابه وفيما عداها غنى وكفاية ولكن ليس في شئ من هذه الأخبار تصريح بالاستحباب كما يوهمه ظاهر عبارة المصنف رحمه الله
الشرط الثالث مضي الحول من حين التجارة أو قصدها على الخلاف المتقدم بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن المعتبر المنتهى إن عليه علماء الاسلام بل عن التذكرة
دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما رواه الكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال وسئلته عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل
بها فقال إذا حال الحول فليزكها وروى أيضا في الصحيح عن محمد بن مسلم قال كل ما عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال الحول و يحتمل قويا أن يكون متن هذا
الخبر هو قول محمد بن مسلم الذي فهمه من كلام الصادق عليه السلام في صحيحته الأولى فإنه على ما رواه في الكافي لم ينسبه في هذه الرواية إلى الامام وكيف كان فهذه الرواية
إن لم تكن بنفسها من الامام فهي مؤكدة لصحة روايته الأولى سندا ودلالة كما لا يخفى ولا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من الشرائط المزبورة هاهنا وغيرها
مما عرفته في صدر الكتاب من الشرائط المعتبرة في مطلق الزكاة كالملكية والتمكن من التصرف من أول الحول إلى آخره فلو نقص رأس ماله في أثناء الحول ولو يوما
أو نوى به القنية كذلك أو خرج عن ملكه أو منع من التصرف فيه بغصب ونحوه مثلا أنقطع الحول بلا خلاف يعتد به في شئ من ذلك على الظاهر ولا إشكال
عدى مسألة بقاء رأس المال في تمام الحول فإنه وإن لم ينقل الخلاف فيه أيضا إلا عن بعض متأخري المتأخرين بل نسبه العلامة في التذكرة إلى علمائنا أجمع
فقال ما لفظه يشترط وجود رأس المال من أول الحول إلى آخره فلو نقص رأس المال ولو حبة في أثناء الحول أو بعضه لم تتعلق الزكاة به وإن عادت القيمة أستقبل الحول
من حين العود عند علمائنا أجمع خلافا للجمهور كافة لان الزكاة شرعت إرفاقا بالمساكين فلا يكون سببا لا ضرار المالك فلا يشرع مع الخسران ولأنها تابعة للنماء
عندهم وهو منفي مع الخسران ولقول الصادق عليه السلام أن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة وإن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه
بعد رأس ماله إنتهى ولكن عمدة الدليل على اعتبار هذا الشرط هو الخبر المزبور وغيره من الأخبار المتقدمة وأما ما دعى ذلك من الوجهين الذين ذكرهما
العلامة فمجرد اعتبار ذكرهما في مقابل العامة مع أنك ستعرف قصورهما عن إفادة المدعي وأما الاخبار فقد اعترفنا بدلالتها على اعتبار أن يطلب
برأس المال أو بزيادة لا بنقيصة في أن يجب فيه الزكاة وأما دلالتها على اعتبار ذلك في تمام الحول فمحل نظر ولذا منعه غير واحد من متأخري المتأخرين
فعن الذخيرة بعد أن ذكر إنه لو نقص رأس ماله في أثناء الحول أو طلب بنقيصة سقط الاستحباب وإن كان ثمنه أضعاف النصاب قال قال المحقق في المعتبر
وعلى ذلك فقهائنا أجمع واستدل عليه بحسنة محمد بن مسلم ورواية أبي ربيع السابقتين وهما إنما تدلان على اشتراط الطلب برأس المال أو الربح لا على
اشتراط اعتبار ذلك طول الحول وكذا ما رواه الشيخ في الموثق عن العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت المتاع لا أصيب به رأس المال الحديث أقول وكذا
غير ذلك أيضا من الروايات المتقدمة فإن شيئا منها لا يدل على اعتبار هذا الشرط إذ ليس في شئ من تلك الأخبار تعرض لاشتراط حول الحول في تعلق
الزكاة بالمال الذي طولب برأس ماله أو بزيادة كما أنه ليس للروايتين الدالتين على اعتبار حول الحول تعرض لاعتبار هذا الشرط فهما شرطان مستقلان
لتعلق الزكاة بالمال الذي اتجر به مستفادان من دليلين مستقلين موضوعهما مطلق المال المستعمل في التجارة وقضية الجمع بين دليليهما تقييد سببية
كل من الشرطين لوجوب الجزاء بحصول الشرط الآخر بأن يقال المال الذي اتجر به إذا حال عليه الحول وطلب رأس ماله لا بنقيصة ففيه الزكاة وإذا انتفى أحد
الشرطين أو كلامهما فلا زكاة لا تقييد موضوع أحدهما بالآخر بحيث يكون الطلب برأس المال قيدا في الموضوع الذي أعتبر فيه حول الحول كي يثبت به
المدعي فليتأمل ولو كان بيده نصابا فاشترى به متاعا للتجارة فهاهنا مسئلتان أحداهما فيما إذا كان ما بيده أيضا هي بنفسه مال التجارة وهذه
المسألة مرجعها إلى أنه هل يعتبر بقاء عين السلعة طول الحول أم قيمتها وسيأتي التكلم فيها إن شاء الله تعالى الثانية أنه إذا كان نصاب من النقد فمضى بعض حوله
ثم اشترى به متاعا للتجارة فهل ينقطع حول الأصل الذي كان زكاته زكاة النقدين قيل والقائل الشيخ فيما حكي عن مبسوطه وخلافه كان حول العرض
حول الأصل محتجا عليه بقول الصادق عليه السلام كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير وهو بظاهره احتجاج ضعيف فأنك قد عرفت في مسألة اعتبار
الحول في النقدين والانعام إن المعتبر بقاء النصاب بشخصه في تمام الحول وكون العرض مردودا إلى الدراهم ليس معناه بقاء عين تلك الدراهم في ملكه
حقيقة كي لا ينقطع حولها فكان استدلال الشيخ بهذه الرواية مبني على مختاره في تلك المسألة من عدم العبرة بخصوصية الأعيان وإنه لو بادل نصابا
بجنسه في أثناء الحول لم ينقطع حوله ويمكن أن يجعل بنائه على أن زكاة التجارة إذا كان رأس ماله الدينار أو الدرهم هي لدى التحقيق زكاة عين الدراهم
والدنانير المستعملة فيها وأنه لا يشترط في زكاة النقدين بقاء عينهما بل وضع الزكاة عليهما عند بلوغهما النصاب إذا حال عليهما الحول سواء بقي
عينهما أو استعملهما في التجارة سنة أو بقيا في بعض السنة وأتجر بهما في الباقي ولا ينافي ذلك الالتزام باستحباب زكاة التجارة فإن بقاء العين على
هذا التقدير يكون شرطا للوجوب لا لأصل الزكاة وربما يومي إلى بنائه على هذا المبنى عبارته المحكية عن خلافه حيث قال ما لفظه إذا اشترى عرضا للتجارة
ففيه ثلاث مسائل أولاها أن يكون ثمنها نصابا من الدراهم والدنانير فعلى مذهب من قال من أصحابنا إن مال التجارة ليس فيه زكاة ينقطع حول الأصل
وعلى مذهب من أوجب فإن حول العرض حول الأصل وبه قال الشافعي قولا واحدا إنتهى فإنه مشعر بكون الحكم مبنيا على القاعدة لا لأجل التعبد وكيف
كان فهو ضعيف والأشبه بالقواعد هو استيناف الحول حين الشراء إذ قد عرفت في محله أنه يعتبر في الأجناس الزكوية بقاء عينها طول الحول وإن متعلق
الزكاة فيها هي عين تلك الماهيات من حيث هي من غير أن يكون لمقدار ماليتها مدخلية في ذلك بعكس زكاة التجارة فمناط الحكمين مختلف لا دخل لأحدهما
بالآخر فإذا اشترى بالدينار متاعا فقد انتفى موضوع زكاة الأصل فكيف يصح البناء على حوله ولو كان رأس المال دون النصاب أستأنف الحول عند
بلوغه نصابا فصاعدا ولو بارتفاع قيمة المتاع بلا خلاف فيه كما في الجواهر ولا إشكال وأما أحكامه أي أحكام مال التجارة فمسائل الأولى زكاة
78

التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه على المشهور كما في الجواهر بل عن المفاتيح نسبته إلى أصحابنا فإن أرادوا بذلك الاحتراز عن تعلقها بالعين على سبيل الشركة
كما هو مقتضى ما ذكروه تفريعا له من جواز تصرف المالك في العين بغير إذن الفقير وغير ذلك من الأمور المنافية لتعلقها بالعين على جهة الشركة فقد عرفت
في محله أن الأظهر في الأعيان الزكوية أيضا عدم تعلقها بالعين على هذا الوجه وإن أرادوا تعلقها بمفهوم كلي متصادق على النقد المتساوي لمقدار مالية
المتاع متعلق بذمة المكلف كما هو مقتضى كلمات بعضهم ففيه إن هذا خلاف المنساق من أدلتها فإن ظاهر قوله كل ما عملت به إذا حال عليه الحول
ففيه الزكاة وكذا غيره من الروايات الدالة عليه إنما هو تعلق الزكاة بنفس الأعيان الخارجية المستعملة في التجارة ولكن لا من حيث ذواتها بل من حيث
اندراجها في موضوع المال المستعمل في التجارة الذي أنيط به هذا الحكم فإن أريد من الحكم بتعلق الزكاة بقيمة المتاع لا عينه بيان أن الملحوظ في هذه الزكاة
هي جهة مالية المتاع لا خصوص شخصه فلا حظ ربع العشر الذي يجب إخراجه في الزكاة بالمقايسة إليها لا إلى شخصه فهو حق صريح لا مجال لاحد إنكاره ولكنه
لا يجدي في تفريع بعض الفروع التي جعلوها ثمرة لتعلقها بالقيمة ولا يهمنا التعرض للفروع بعد أن حققنا عدم الفرق بين زكاة التجارة وغيرها من حيث
ظهور أدلتها تعلقها بالعين الذي مقتضاه سقوط التكليف عن المالك بتلف العين بعد الحول بلا تعد منه أو تفريط كما في سائر الأجناس الزكوية عدى
إن تعلق هذه الزكاة بالعين باعتبار اندراجها في موضوع المال فالملحوظ فيها جهة ماليتها بخلاف ساير الأجناس فالمكلف به في هذه الزكاة هو إخراج
الفريضة المقررة فيها التي هي ربع عشر هذا المال تقريبا بملاحظة ماليته وفي ما عداها بملاحظة نفس الأجناس الزكوية من حيث كونها مندرجة في مسميات
أساميها فللفقير في مال التجارة ربع العشر قيمته بخلاف ساير الأجناس التي لا مدخلية لقيمها في تعلق الزكاة بها والله العالم ويقوم المتاع لمعرفة مقدار
ماليته التي بملاحظتها أعتبر فيه النصاب ومقدار ما يتعلق به من الزكاة بالدراهم والدنانير لأنهما هما الأصل المحض في المالية الذي بالمقايسة إليه يعرف
مقدار مالية الأشياء في باب الغرامات وغيرها من موارد الحاجة إلى التقويم وهذا أي التقويم بكل منهما مع تساوي نصابيهما في مقدار المالية بأن
يكون كل دينار مساويا لعشر دراهم كما لعله كان كذلك في صدر الاسلام مما لا إشكال ولا كلام فيه إذ لا يختلف الحال حينئذ بين تقويمه بالدراهم أو الدنانير
وأما مع الاختلاف فيشكل الامر حيث أنه قد يبلغ بأحدهما النصاب حينئذ دون الاخر فهل المدار حينئذ على التقويم بأدناهما أو أعلاهما أو خصوص الدراهم
سواء كانت أدنى أو أعلى أو التفصيل بين ما كان رأس ماله نقدا فبالنقد الذي اشترى به وبين غيره فبالأدنى أو الاعلى وجوه ذهب غير واحد إلى الأول
كالمصنف (ره) في المقام حيث قال تفريع إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الاخر تعلقت بها الزكاة لحصول ما يسمى نصابا و فهي إنه ليس
لنا في هذا الباب دليل لفظي واف بإثبات هذا العموم فمقتضى الأصل براءة الذمة عن التكليف بالزكاة فيما عدى المتيقن وهو ما إذا لم ينقص المال
قيمته عن مأتي درهم ولا عن عشرين دينارا إلا أن يقال إن المرجع في مثل المقام هو عموم ما دل على زكاة مال التجارة المقتصر في الخارج منه على المتيقن وهو
الناقص عنهما وفيه أن العمومات الواردة في هذا الباب بظاهرها مسوقة لبيان أصل المشروعية فليس لها إطلاق أحوالي بالنسبة إلى مصاديقها
ولذا لم يقع التعرض فيها لشرطية النصاب وغيره فليتأمل وأما التقويم بخصوص الدراهم فيدل عليه قوله (ع) في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة في صدر
المبحث وكل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات ولكن قد يشكل الاعتماد على هذا الحديث بعد أن لم يكن
معمولا بظاهره في خصوص مورده ولو بعد ارتكاب التأويل فيه بجمله على إرادة زكاة التجارة إذ لم ينقل عن أحد القول باعتبار التقويم بخصوص الدراهم ولكن
الذي يهون الخطب أن نصاب الدراهم بمقتضى العادة هو الأدنى فيكون القول باعتباره بالخصوص موافقا في مقام العمل عادة مع ما قواه في المتن من العبرة
بالأدنى كما لعله هو المشهور خصوصا إذا لم يكن رأس ماله من النقدين وأما إذا كان رأس ماله من النقدين فالمشهور بين المتأخرين الاعتبار بما اشترى به فيقوم
به لا بغيره وإذا اشترى بكليهما أعتبر التقويم بهما بالنسبة كما صرح به غير واحد نظرا إلى أن هذا هو المنساق مما دل على وجوب الزكاة في المال الذي يدار
في التجارة إذ لا يتبادر منه إلا إرادة زكاة ذلك المال المحفوظ ماليته في تقلباته وهو لا يخلو من قوة وإن كان الأول أي الاكتفاء ببلوغ النصاب
من أحدهما مطلقا وإن كان رأس ماله نقدا مخالفا له فضلا عما لو كان عروضا أحوط خصوصا إذا كان النقد البالغ نصابه هو النقد الغالب الذي قد يقال
بتعين الرجوع إليه مطلقا فميا إذا كان رأس المال عروضا وهو لا يخلو من وجه والله العالم ثم إن ما ذكرناه من التقويم بالنقد الأدنى أو النقد
الغالب أو النقد الذي اشترى به إذا كان رأس ماله نقدا إنما هو بالنظر إلى معرفة مقدار ماليته لتشخيص بلوغه حد النصاب وتمييز مقدار ما يجب الاخراج
منه وأما معرفة بقاء رأس ماله فالمتعين تقويمه بالنقد الذي اشترى به إن كان نقدا سواء كان من النقد الغالب أم لا وإلا امتنع معرفة بقاء رأس ماله
وإن كان عروضا فقد يقال بأن المدار على تقويمه بعين ذلك العرض بأن يكون مقدار مالية هذا المتاع بالفعل مساويا لمقدار مالية ذلك العرض أو يزيد
عليه بنظر العرف وإن لم يعرف مقدار ماليتها بالمقايسة إلى الدراهم والدنانير تفصيل فلو كان قيمة ذلك العرض وقت المعاوضة مأة دينار مثلا فزادت قيمته
فصارت ألفا فرأس ماله هو ذلك العرض الذي قيمته السوقية بالفعل ألف دينار كما لو كان ثمنه عين الدينار فزادت قيمة الدينار فصارت قيمة كل دينار
ضعف ما كانت قيمته حال الشراء ويحتمل قويا أن يكون المدار على قيمته حال الشراء لا بالفعل نظرا إلى أنه إذا اشترى متاعا للتجارة يكون قيمته مأة درهم
بعرض يسوي في ذلك الوقت مأة درهم ثم ترقت قيمة ذلك المتاع خمسمأة شهد العرف بكون تجارته رابحة وحصول النماء في ماله بالتكسب من غير
التفات إلى قيمة ذلك العرض وإن تضاعفت وصارت بحيث لولا هذه المعاملة وكان العرض بنفسه باقيا في ملكه لكان ربحه أكثر إذ لا عبرة بذلك في مسألة
الربح والخسران في باب التجارات بل المدار في ذلك بقيمة ذلك العرض في وقت المعاملة فيلا حظ ذلك الشئ بحكم ما لو باعه بالنقد ثم اشترى بقيمته هذا
79

المتاع كما لا يخفى على من راجع العرف في معاملاتهم بل قد يقال بمثل ذلك فيما لو اشتراه بنقد ثم زادت قيمة ذلك النقد كما في المثال المتقدم فالانصاف إن
المسألة مطلقا موقع تردد وسبيل الاحتياط غير خفي والذي يهون الخطب كون الحكم من أصله استحبابيا قابلا للمسامحة فيه وفي دليله والله العالم. المسألة الثانية:
إذا ملك أحد النصب الزكوية للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين دينارا أو نحو ذلك سقطت زكاة التجارة المستحبة ووجبت زكاة المال
الواجبة ولا يجتمع الزكاتان في الجواهر بلا خلاف كما في الخلاف بل في الدروس ومحكي التذكرة والمعتبر والمنتهى الاجماع عليه والأصل فيه النبوي المشهور ولا شئ في
الصدقة في القاموس لا شئ في الصدقة كالى أي لا تؤخذ مرتين في عام وقول الصادق عليه السلام في حسنة زرارة لا يزكى المال من وجهين في عام واحد ويشكل ذلك
على القول بوجوب زكاة التجارة إذ لا دليل حينئذ على تعيين هذه للسقوط بل قد يستشكل فيه على القول بالاستحباب أيضا إن لم يكن إجماعيا كما ستعرف وقيل يجتمع الزكاتان
هذه وجوبا وهذا استحبابا في المدارك هذا القول مجهول القائل وقد نقل المصنف (ره) في المعتبر الاجماع على خلافه فقال ولا يجتمع زكاة العين والتجارة في مال
واحد اتفاقا ونحوه قال العلامة (ره) في التذكرة والمنتهى أقول فهذا القول مع شذوذه وعدم معروفية القائل به محجوج بالخبرين المعتضدين بعمل الأصحاب واجماعاتهم
المنقولة المستفيضة ولولا كونه كذلك لكان أشبه بالقواعد فإن مقتضى عمومات زكاة التجارة في مثل قوله عليه السلام كل ما عملت به إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة
سببية حول الحول على هذا المال من حيث كونه ما لا معمولا لثبوت الزكوية فيه أي التصديق بربع عشره من حيث المالية وقضية إطلاق ما دل على سببية حول الحول
على الأجناس الزكوية لوجوب فريضتها وجوب إخراج شاة من الأربعين شاة التي حال عليها الحول مطلقا للتجارة أو غيرها ولا معارضة بين دليليهما إذ لا تنافي
بين الامرين لولا دليل تعبدي على إنه لا يزكي مال من وجهين في عام وقد ظهر بما أشرنا إليه من إختلاف ماهية الزكاتين ذاتا وإنها في الأولى هي ربع عشر المال
من حيث ماليته وفي الثانية فريضتها المسماة باسمها إنه لا دخل لهذه المسألة بمسألة تداخل الأسباب التي أختلف الآراء فيها في أن الأصل فيها التداخل
أو عدمه نعم يتفق في مثل المقام تصادق عنوان كل من المسببين الذين تعلق التكليف فيهما عند حصول سببيهما على فرد خارجي جامع للعنوانين كما لو وجد في
الأربعين شاة التي ملكها بقصد التجارة شاة قيمتها ربع عشر قيمة المجموع فقد يقال في مثل الفرض بجواز الاجتزاء بذلك الفرد في الخروج عن عهدة
كلا التكليفين وهو كلام خارج عن محل البحث وقد تقدم تحقيقه في مبحث تداخل الاغتسال من كتاب الطهارة ولا دخل له بالمقام إذ الكلام هاهنا في أصل
الاجتماع لا في جواز الاكتفاء بزكاة واحدة جامعة للعنوانين في الخروج عن عهدة التكليف بهما بعد تسليم أصل الاجتماع فمقتضى الأصل فيما نحن فيه أي
إطلاق دليل كل من الزكاتين أو عمومه اجتماعهما في المقام ولكن الخبرين الدالين على إنه لا يزكي من وجهين في عام واحد حاكمان على هذا الأصل
ولكن يبقى الاشكال فيما جزم به المصنف وغيره بل يظهر من تصريحاتهم وتلويحاتهم المفروغية عنه من تعين زكاة التجارة للسقوط بناء على استحبابها كما
هو المعروف عندهم وعللوه بأن الواجب مقدم على الندب وأورد عليه في الجواهر بأن ذلك عند التزاحم في الأداء بعد معلومية وجوب الواجب وندبية
المندوب لا في مثل المقام الذي اقتضى دليل كل من التكليفين ثبوته من غير أن يعارضه دليل الآخر عدى أنه علم من دليل خارجي إن أحد هذين التكليفين
المعين في الواقع المبهم عندنا مرفوع عن المكلف فلا بد من دليل معتبر بعينه ولا يكفي الظن الناشي من اعتبارات ونحوها ثم قال ما لفظه فالمتجه إن لم
يثبت إجماع التوقف حينئذ في الحكم بسقوط أحدهما على التعيين كما أن المتجه الرجوع في العمل إلى أصل البراءة لكن الاحتياط لا ينبغي تركه إنتهى أقول أما
المناقشة فيما ذكروه دليلا لسقوط زكاة التجارة بما ذكر ففي محلها ولكن الدليل الخارجي الدال على إنه لا ثني في الصدقة لم يدل إلا على نفي مشروعية تكريم
الصدقة وإن يزكي المال في عام واحد من هذه الجهة وهذه الجهة بأن يزكي مرتين ولا ملازمة بين هذا المعنى وبين سقوط إحدى الزكاتين وعدم
مشروعيتها من أصلها عينا أو تخييرا لامكان أن يكون ذلك من باب تداخل المسببات بأن يكون المقصود بالأصالة من شرع كل من الزكاتين إيصال
شئ من هذا المال المفروض كونه أربعين سائمة إلى الفقير بأي وجه من الوجهين الذين تعلق الطلب بهما فإذا دفع ربع عشره إلى الفقير بقصد زكاة التجارة
فقد حصل الغرض من الامر المتعلق بزكاة العين وإن لم يكن عين ما تعلق به طلبها بل مثلها من حيث المالية أو مع اختلاف بينهما في القيمة غير مقتض لبقاء
الطلب بعد حصول معظم ما تعلق به الغرض منه أو دفع شاة من الأربعين شاة بقصد زكاة العين فقد أجزء عن زكاة التجارة بحصول الغرض أو مع اختلاف
بسير غير مناف للاجزاء فيكون على هذا التقدير حال تزكية المال حال تطهر الثوب والبدن عن القذرات الشرعية التي تجب إزالة بعضها ويندب إزالة بعض
كبول الحمار وبول الانسان في كون الغسل المزيل لأحدهما مزيلا للاخر وعدم مشروعية تكريره أو كحال الاغتسال المتداخلة المجتمعة من الواجبة والمندوبة
التي قد عرفت في محلها أنه يجزيه غسل واحد بنية الجميع من غير أن يستلزم ذلك ارتكاب تخصيص أو تقييد في شئ من أدلتهما وليس معنى قوله عليه السلام لا يزكي
المال من وجهين في عام أنه لا يجوز أن يقصد بزكاته كونها زكاة تجارة عين مثلا كي يلزمه عدم كون كل من العنوانين المتصادقين على المورد
متعلقا للطلب بل معناه أنه إذا زكى مال من جهة ككونه مال تجارة أو كونه مملوكا لهذا الشخص لا يزكي هذا المال مرة أخرى من جهة أخرى ككونه أربعين
سائمة أو كونه في ذمة شخص آخر كما لا يخفى على من تدبر فيه وفي مورده والحاصل أنه لا يستفاد من قوله عليه السلام لا يزكي من وجهين في عام ولا من قوله
صلى الله عليه وآله لا ثنى في الصدقة ورد تخصيص أو تقييد على عموم قوله (ع) كل مال عملت به إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة وقوله عليه السلام في كل أربعين
شاة شاة بالنسبة إلى مثل الفرض الذي تصادق عليه العنوانان إذ لا مانع عن إرادة العموم من كل منهما وكون تصادق العنوانين على المورد موجبا
لتأكد مطلوبية الزكاة فيه كتأكد مطلوبية غسل الثوب الذي أصابه بول إنسان وبول الحمار مقدمة
لازالتهما الواجبة في أحدهما والمندوبة في الآخر
فما ذكره قدس سره في ذيل كلامه من أن المتجه الرجوع في العمل إلى أصل البراءة لا يخلو من نظر فليتأمل ثم إن ما ذكرناه من أن مقتضى عموم أدلة كل من الزكاتين
80

بعد دلالة الدليل الخارجي على عدم قابلية ماهية الزكاة التي هي عبارة عن تطهير المال كتطهير الثوب والبدن للتكرر تأكد مطلوبية هذه الماهية
في مورد اجتماع السببين إنما هو فيما إذا أتحد حول الزكاتين وأما مع اختلافهما كما لو لم نعتبر فحول التجارة بقاء عين السلعة وكان مبدئه أول هذا الشهر
ثم اشترى برأس ماله بعد مضي ستة أشهر مثلا أربعين سائمة للتجارة فعند انقضاء حول التجارة يتنجز في حقه التكليف بزكاتها المستحبة قبل أن يتحقق
سبب الوجوب كما أنه لو كان الامر بالعكس بأن كان مبدء حول المالية أول هذا الشهر كما لو ملك ألف شاة سائمة للقنية مثلا ثم نوي بعد ستة أشهر
التجارة وقلنا بكفاية القصد في صيرورتها مال التجارة أو عاوضها بمثلها بهذا القصد وقلنا بكفاية بقاء الجنس وعدم كون المعاوضة بالمثل موجبة
لانقطاع حولها ينعكس فيتحقق سبب الوجوب قبل أن يوجد سبب الاستحباب فإذا أخرج زكاتها التي تنجز التكليف بها بالسبب السابق ثم بقي هذا المال
إلى أن حال حول الثانية فهل يثبت بذلك زكاة أخرى حيث لم يتحد عامهما وإن اشتركا في بعضه وجهان بل قولان على ما صرح به في الجواهر أقربهما العدم
فإن إختلاف حولهما بداية ونهاية لا يجعل العام الذي هو اسم لاثني عشر شهرا عامين فإن زكى هذا المال في هذا الشهر من جهة التجارة ثم زكاه بعد
ستة أشهر مثلا من جهة العينية فقد صدق إنه زكى هذا المال من وجهين في ستة أشهر فضلا عن صدق كونه في عام واحد فقضية قوله (ع) لا يزكى المال من
وجهين في عام واحد أنه مهما زكى مال من وجه لم يتعلق به زكاة أخرى حتى يحول عليه حول آخر غير الحول الذي أوجب عليه هذه الزكاة ولكن ليس مجرد دخول حول
السبب الأول الموجب لتنجز التكليف بمسببه قاطعا لحول الاخر بل هو مراعي عن عهدته فلو لم يزك المال بالسبب الأول إلى أن يتحقق السبب اللاحق لم
ينقطع حوله ولكن لا يترتب على حوله بعد تحققه إلا ما تأكد المطلوبية كصورة اتحاد عاميهما لا تعدد المطلوب فلو مكث عنده هذه الشياه التي إشتراها في
أثناء حول التجارة عشر سنين لطلب الفضل على رأس المال وكان مبدء حول التجارة أول شهر محرم ومبدء شراء الشياه أول صفر يتنجز الامر بزكاة التجارة
في حقه ندبا عند حول حولها في كل سنة وبزكاة المالية وجوبا كذلك فمجموع الأوامر المتوجهة إليه في مجموع هذه المدة عشرة وعشرة منها وجوبية وعشرة
ندبية ولكن الفعل المطلوب منه بمجموع هذه الأوامر عشرة أفراد من الزكاة لكل سنة فردا من أفرد زكاة التجارة أو زكاة العين والتخيير بينهما عقلي
ينشأ من العلم بأن المال الواحد لا يزكي في عام مرتين من وجهين وإنه إذا زكى من وجه سقط الاخر فيكون سقوط الاخر الغير الموافق له من باب دفع البدل
لا إخراج الفريضة بعينها كما لا يخفى على المتأمل. المسألة الثالثة: لو عاوض أربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية والتجارة
أي انقطع حولهما الذي هو سبب الوجوب وأستأنف الحول فيهما فإن مضي شرائط كل منهما مجتمعة اندرج في موضوع المسألة السابقة التي استقصينا الكلام
فيها وإن أختل الشرائط في أحديهما كما لو صارت السائمة معلوفة أو نوى بمال التجارة القنية أثرت الأخرى أثرها ويظهر من تعبير المصنف (ره) بلفظ السقوط
واستيناف الحول فيهما أن مراده بالأربعين الأولى أيضا مال التجارة فيفهم من ذلك إن المصنف (ره) يعتبر في زكاة التجارة أيضا كالمالية بقاء عين السلعة في الحول ولكن أدعى العلامة في التذكرة وولده في الايضاح
والشهيدان وغيرهم على ما حكي عنهم الاجماع على خلافه وأنه لا يشترط بقاء عين السلعة طول الحول بل قيمتها وبلوغ قيمتها النصاب ولذا تكلف الشهيد الثاني في توجيه العبارة ربما لا ينافي الاجماع فحمل الأربعين الأولى على إنها للقنية
وحمل سقوط التجارة على الارتفاع الأصلي قال وغايته أن يكون مجازا وهو أولى من اختلال المعنى مع الحقيقة انتهى وهو جيد وعن المحقق الثاني أنه
وجه في حاشية الكتاب سقوط زكاة التجارة هنا بما لا يخالف الاجماع أيضا فقال إن ما مضى ينقطع بالنسبة إلى المالية والتجارة معها أما المالية فلتبدل
العين في أثناء الحول وأما التجارة فلان حول المالية يبتدء من حين دخول الثانية في ملكه فيمتنع اعتبار بعضه في حول التجارة لان الحول الواحد كما
لا يمكن اعتباره للزكاتين فكذا يعضه وفيه ما لا يخفى إذ بعد الغض عما حققناه
آنفا من عدم المانع عن مشاركتهما في بعض الحول بل ولا في تمامه طنه قد
يختل شرط الثانية قبل تمام حولها فإن كان مجرد كون المال الذي أنتقل إليه زكويا مانعا عن اعتبار حول التجارة فيه لم تكن الأربعين الأولى المفروض
كونها للتجارة أيضا كالثانية متعلقة لزكاة التجارة حتى يصح بالنسبة إليها إطلاق اسم السقوط والاستيناف بل كانت زكاة التجارة ساقطة من حين
صيرورة متعلقها زكويا إلى أن ينتقل بمال غير زكوي فيستأنف لها حولا من هذا الحين وإن لم يكن مانعا إلا على تقدير جامعية الأربعين زكاة
العين بها فيكون عدم تعلق زكاة التجارة بها مراعى بعدم اختلال شئ من شرائط العين فالأربعين الأولى حيث تبدلت كشف ذلك عن اعتبار حول
تجارتها بحيث لو كان بدلها جنسا غير زكوي لتنجز في حقه التكليف بزكاة التجارة بعد تمام حولها ولكن لما كانت الثانية أيضا زكاته لا يتعلق بها
زكاة التجارة لو بقيت جامعة للشرائط الا أن يحول عليها الحول وأما لو أختل شرطها فليست مانعة عن زكاة التجارة كالأولى فلا معنى لاستيناف
حول التجارة من حين دخول الثانية في ملكه لأنه إن كان لحول التجارة أثر في المال الزكوي ولو مع التبدل فمبدئه من حين الاخذ في التجارة لا من
حين المعاوضة و إلا فلا معنى لاستيناف حول لها وكيف كان فظاهر عبارة المتن بملاحظة ما وقع فيه من التعبير بالسقوط والاستيناف إن
حول التجارة أيضا ينقطع بالتبدل فالبحث يقع في مقامين الأول في انقطاع حول المالية بذلك وهذا هو المشهور وقيل لا ينقطع بلى يثبت زكاة
المال مع تمام الحول دون زكاة التجارة التي تسالموا على عدم اجتماعها مع المالية لان إختلاف العين لا يقدح في الوجوب مع تحقق النصاب
في الملك وهذا القول منقول عن الشيخ في مبسوطه وقد تقدم تحقيق الحال فيه لدى البحث عما يعتبر فيه الحول من الأجناس الزكوية وقد عرفت فيما تقدم
إن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده وأما الثاني أي انقطاع حول التجارة بالتبدل كما استظهر من المتن فهو بحسب الظاهر خلاف المشهور بل قد
سمعت عن غير واحد دعوى الاجماع على خلافه حتى إن الشهيد والمحقق الثانيين تكلفا في توجيه عبارة المتن بما لا يخالف الاجماع قال فخر المحققين
في محكي الايضاح لا خلاف بين الكل في بناء حول التجارة على حول الأولى وإنما النزاع في بناء العينية فعند والدي المصنف (ره) وجماعة أنه يستأنف
81

حول العينية على الثانية عند الشيخ إنه يبنى حول العينية على الأولى فإذا تم للثانية ستة أشهر أخذت العينية فعند الشيخ يتساوق الحولان من المبدء
فينتهيان معا فإذا أختل بعض شرائط إحدى الزكاتين قبل نهاية الحول تثبت الأخرى وإن تساوق الشرطان واستمرت الأمور المعتبرة في كل واحد منهما
إلى نهاية الحول قدمت العينية لوجوبها وندبية تلك إنتهى ولكن في المدارك بعد أن أستظهر من كلام الشيخ المفيد (ره) في المقنعة وأبن بابويه (ره) في
الفقيه اعتبار بقاء السلعة حيث اقتصرا في الحكم بزكاة التجارة على صورة بقاء العين فقالا وكل متاع طلب من مالكه بربح أو برأس ماله فلم يبعه طلبا للفضل
فيه فحال عليه الحول ففيه الزكاة بحساب قيمته سنة مؤكدة قال ما لفظه وهو ظاهر أخبار المصنف (ره) في هذا الكتاب وبه قطع في المعتبر واستدل عليه بأنه مال
يثبت فيه الزكاة فيعتبر بقائه كغيره وبأنه مع التبدل تكون الثانية غير الأولى فلا تجب فيها الزكاة لأنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول وهو جيد إنتهى ما
في المدارك وتبعه جل من تأخر عنه في نسبة هذا القول إلى ظاهر الشيخين والمحقق في الشرائع وصريحه في المعتبر وربما مال جملة منهم أو قال بهذا القول كأصحاب
المصابيح والحدائق والرياض على ما حكي عنهم ولا يخفى على من لاحظ عبائر مثل المفيد والصدوق وشيخه من القدماء الذين كانت عادتهم التعبير في فتاويهم
بمضامين الاخبار إنه لا يصح استظهار اشتراط بقاء العين في زكاة التجارة من الاقتصار في الحكم بها على المورد الذي وردت فيها أخبار خاصة فحال عبائرهم
حال الأخبار الواردة في المال الذي مكث عند صاحبه يطلب به الزيادة على رأس ماله الدالة على ثبوت الزكاة فيه وستعرف عدم دلالة الاخبار على الاشتراط
وأما ما نسبوه إلى صريح المعتبر فقد تصفحت عبارة المعتبر في زكاة التجارة فلم أجد ما يدل على اعتبار بقاء عين السلعة في زكاة التجارة بل بعض كلماته المذكورة
في فروعها كالصريح في خلافه نعم في عدة مواضع من كلماته ما يوهم ذلك ولكن المتأمل فيها يريها أجنبية عن ذلك منها ما ذكره في مسألة ما لو بادل أحد
النقدين بجنسه أو بالنقد الاخر الذي قد يغلب على الظن إنه هو منشأ هذه النسبة إذ لم أجد في ذلك الباب ما يناسب العبائر التي نقلها عنه في المدارك عدى
ما ذكره في هذه المسألة فقال ما لفظه قال الشيخ لو بادل ذهبا بذهب أو فضة بفضة لم ينقطع الحول وينقطع لو بادل بغير جنسها لقولهم الزكاة في الدنانير
ولم يفرقوا بين ما تبدل الأعيان وبقائها فتحل عليهما وقال الشافعي يستأنف وقال أبو حنيفة يبنى في المبادلة بالأثمان جنسا كان أو جنسين ويستأنف
في الماشية ولو أتفق الجنس والأشبه عندي انقطاع الحول بالمبادلة لأنه مال تجب الزكاة في عينه فيعتبر بقائه ولان الثاني مال غير الأول فلا يجب فيه الزكاة لأنه
لا زكاة في مال لم يحل عليه الحول وحجة الشيخ ضعيفة لان الزكاة وإن وجبت في الدراهم والدنانير فإنها لا تجب مطلقا بل الحول معتبر فيها إجماعا إنتهى
وأنت خبير بأن الكلام في هذه المسألة إنما هو في زكاة العين والأقوال التي نقلها إنما هي في هذه الزكاة لا في زكاة التجارة وذكرها في باب زكاة التجارة
من باب المناسبة بلحاظ ما فيها من فرض المبادلة ومنها ما ذكره في مسألة أنه لو باع مال التجارة البالغ قيمته النصاب في أثناء الحول بالنقد البالغ حد النصاب
هل يبني في زكاة الثمن على حول الأصل أو يستأنف للثمن حولا فقال ما لفظه إذا ملك سلعة للتجارة قيمتها نصاب فصاعدا ثم باعها في أثناء الحول قال
الشيخ في الخلاف أستأنف حول الثمن عند من لا يوجب زكاة التجارة وبني على قول من يوجب وبه قال الشافعي لان الزكاة تجب في القيمة فكان مالا واحدا
والوجه الاستيناف على التقديرين لان الحول معتبر في السلعة وإذا نض الثمن كان غيرا لها فلا يكون حول أحدهما حول الاخر ولأنهما زكاتان متغايرتان فلم
يكن حول أحدهما حول الأخرى كما لو كان الأصل ماشية إنتهى وهذه العبارة وأن وقع فيها التعبير باعتبار الحول في السلعة ولكن الظاهر أنه لم يقصد بالسلعة
خصوص شخصها بل غرضه بيان إن من كان عنده سلعة مملوكة للتجارة فباعها بأحد النقدين لا يبني حول الثمن على حول السلعة لأنهما مالان متغايران
تتعلق الزكاة في أحدهما بعينه وفي الآخر بلحاظ ماليته فيكون ثمن المتاع بمنزلة ما لو كان الثمن في الأصل ما لا زكويا آخر كالماشية فلا حظ وأما بعض كلماته
التي هي كالصريح في عدم اعتبار بقاء عين السلعة في تمام الحول فهو مثل ما ذكره في مسألة ما لو كان عنده قيمته نصاب فزاد في أثناء الحول فإنه بعد أن ذكر
إنه يجب عليه عند تمام الحول الزكاة في الأصل دون الزيادة أو نسب الخلاف فيه إلى أبي حنيفة والشافعي وأحمد أنهم قالوا يزكي الجميع قال ما لفظه وكذا لو باع
السلعة بعد الحول بزيادة وهنا أولى يعني بعدم انضمام الفائدة إلى الأصل في وجوب الزكاة واعتبار حول مستقل لها ثم قال وكذا لو مضى عليها أي على السلعة
نصف الحول وقيمتها نصاب ثم باعها بزيادة مأة لم تضم إلى الأصل فكان ما نص له حكم نفسه خلافا للشافعي إنتهى فإنه لو كان الحول معتبرا في نفس السلعة لا يبقى
موقع للتكلم في ضم الزيادة إلى الأصل بعد فرض بيع المتاع قبل تمام حوله كما لا يخفى على المتأمل وكيف كان فالحق ما هو المشهور من عدم اعتبار الحول
في نفس السلعة بل في المال الذي يتجر به باعتبار ماليته وإن تبدلت أشخاصه لأن أخبار الباب قد دلت على ثبوت الزكاة في المال الذي يتجر به ويعمل به وفيما يضطرب
من الأموال كما عرفته لدى التكلم في موضوع مال التجارة الذي تتعلق الزكاة به ولا ريب إن ما يعمل به ليس المراد شخصه لأنه يدفعه التاجر إلى صاحبه الذي يتعامل
معه فالمراد الأعم منه ومن بدله فالزكاة في الحقيقة تتعلق بالمال المتقلب في التجارة لا بشخص ما اشتراه للتجارة كما تقدم تحقيقه لدى التكلم في موضوع مال التجارة الذي
تتعلق به الزكاة وما دل على اعتبار الحول كخبري محمد بن مسلم المذكورين في محله قد دل على اعتباره في المال الذي يعمل به التجارة لا في خصوص ما يشترى به نعم قد ورد
في بعض الروايات الواردة في المتاع الذي يمكث عند صاحبه إنه إن طلب برأس ماله أو بزيادة ففيه الزكاة وظاهر إن الاختصاص سيما لأجل مورد السؤال
لا يوجب تخصيص العمومات. المسألة الرابعة: إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل على رب المال لانفراده بملكه وهذا مما لا إشكال فيه وإنما
الاشكال في ما جزم به المصنف (ره) بالنسبة إلى زكاة الربح من أنها بينهما أي بين رب المال والساعي إذ لا دليل على وجوب زكاة التجارة على العامل فيما يستحقه من
الربح أما على القول بأنه من قبيل أجرة المثل ولا يملكه إلا بعد القسمة فواضح وأما على القول بأنه يملكه من حين الظهور فيصير الربح من حين ظهوره مشتركا
بينهما فإن قلنا بأن كونه وقاية لرأس المال يمنعه عن التصرف فيه كيف يشاء ويخرجه عن الطلقية كالعين المرهونة فكذلك وإن منعنا ذلك وقلنا بأنه
82

يجوز له القسمة مهما أراد ولو قبل الانضاض فهو ملك طلق له وإن لم يجز له بالفعل الاستقلال بالتصرف فيه كغيره من الأموال المشتركة وكونه وقاية
لرأس المال غير مناف لطلقية بعد كون القسمة بالفعل جائزة له فهو بعد تسليم هذه المقدمات وإن صدق عليه أنه مال ملكه بالتجارة ولكنه لا يصدق
عليه أنه مال ملك بعقد المعاوضة بقصد الاسترباح بل هو بنفسه ربح التجارة المتعلقة بمال الغير وقد ملكه العامل بعقد المضاربة لا بعقد المعاوضة
مثل ما ملكه الأجير بعقد الإجارة وإن شئت قلت إن الربح من حيث هو ليس مندرجا في موضوع أدلة زكاة التجارة إذ لا يصدق على حصة العامل أنه
مال اتجر به أو عمل به أو غير ذلك من العناوين الواردة في الاخبار التي قد عرفتها في أول الباب وأما حصة المالك فهي أيضا وإن كانت كذلك
لو لوحظت بنفسها ولكنك قد عرفت فيما سبق إن الأشبه عدم ملحوظية النماء مستقلا وتبعيته للأصل في الحول وفي تعلق الزكاة به وإلا فهو بنفسه
غير مندرج في عناوين أدلتها وإنما يندرج فيها بالنظر إلى كونه جزء من الجملة التي دير رأس المال إليها ففيما نحن فيه أيضا كذلك يتعلق الزكاة بالجملة
التي دار إليها رأس مال المالك وقضية ذلك إن تضم حصة المالك إلى رأس ماله وتخرج منه الزكاة لان رأس ماله نصاب كما هو المفروض فيزكي الجميع
مع بلوغ الربح ولو بضميمة ما في رأس المال من العفو النصاب الثاني وإن لم يحل الحول على الربح بنفسه على ما حققناه فيما نحن فيه وأما حصة الساعي
فلا يصح أن يتعلق بها الزكاة بهذه الملاحظة لان شرط تعلق الزكاة بذلك المال في تقلباته التي حال عليها الحول بقائه على ملك مالكه فلو خرج
بعض ما دار إليه قبل حول الحول عليه عن ملك مالك الأصل فقد صار رأس مال المالك عند حول الحول مقصورا على ما أجتمع له من حصة من الربح
منضمة إلى الأصل وأما ما ملكه الغير في أثناء الحول من أصل هذا المال أو من ربحه لم يجب زكاته على مالك الأصل لخروجه عن ملكه قبل حول الحول عليه و
لا على ذلك الغير إلا أن يجتمع فيه بنفسه حال كونه مملوكا له شرائط تعلق الزكاة به ولا يكفي في ذلك مجرد كونه منفعة حاصلة له بالتجارة في مال الغير
كما لا يخفى على المتأمل وقد ظهر بما أشرنا إليه من استقلال حصة العامل بالملاحظة وعدم صحة جعلها تابعة لرأس المال في تعلق الزكاة بها إنا لو
سلمنا ثبوت الزكاة فيها فلا بد من فرض اعتبارها من حيث هي جامعة للشرائط فلا يستحب في حصة الساعي الزكاة إلا أن يحول عليها الحول وتكون
هي بنفسها نصابا كما هو واضح ثم لا يخفى عليك أن القول بثبوت الزكاة في حصة العامل مبني على القول بصحة عقد المضاربة وشرعيتها وإن العامل
يملك الحصة من حين ظهور الربح وأما على القول بأنها معاملة فاسدة لجهالة العوض وإنما هي مجرد وعد لا يجب الوفاء به فلا يستحق العامل شيئا
من هذا المال ولا من ربحه بل أجرة مثل عمله على المالك كما حكى القول به عن بعض فزكاتها على رب المال كما صرح به الشيخ وغيره وأما إن قلنا بصحتها
ولكن لا يملك العامل الحصة إلا بعد الانضاض أو القسمة فحال الحول قبله فالمتجه أيضا عدم تعلق الزكاة بها لا على العامل لانتفاء الملكية فضلا عن
غيرها من الشرائط ولا على رب المال لعدم الطلقية كما هو واضح وكيف كان فالأشبه بناء على صحة عقد المضاربة كما هو الأصح عدم ثبوت الزكاة في
غيرها من الشرائط ولا على رب المال سواء قلنا بأن العامل يملكها من حين ظهور الربح أو بعد الانضاض أو القسمة وعلى تقدير القول بالثبوت
هل يجوز للعامل أن يخرج الزكاة قبل أن ينض المال ويتحول عينا ويقسم مع المالك أو يفسخ قيل لا يجوز لأنه وقاية لرأس المال وهذا القول منقول
عن جملة من القدماء والمتأخرين وقيل نعم لان استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية وقد أدعى المصنف (ره) إن هذا هو أشبه بالقواعد وهو لا يخلو
من نظر لان خروجه عن كونه وقاية مناف لما يقتضيه المضاربة فإن مقتضاها كون ملكية العامل للحصة مراعاة بعدم ورود خسارة على رأس المال قبل إتمام
العمل وهذا معنى كونه وقاية لرأس المال فكيف يصح أن يملك الفقير في ملكه أزيد مما يملكه نفسه مع أن ملكية الفقير للزكاة متفرعة عن ملكيته فأدلة
الزكاة على تقدير تسليم شمولها له لا تقتضي إلا استحقاق الفقير جزء مما يملكه العامل على النهج الذي يملكه فإذا كان ملك العامل بمقتضى أصل جعله ملكية
متزلزلة لا يؤثر تعلق حق الفقير به انقلابه عما هو عليه فيكون حق الفقير أيضا مراعى بسلامة رأس المال عن أن يطرء عليه نقصان قبل الانضاض كما
لا يخفى على المتأمل. المسألة الخامسة: الدين لا يمنع من زكاة مال التجارة ولو لم يكن للمالك وفاء إلا منه بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال بل
عن التذكرة وظاهر الخلاف الاجماع عليه وكذا القول في زكاة المال غير التجارة لأنها تتعلق بالعين ولكن العين التي هي متعلق الزكاة في التجارة إنما هي بلحاظ
ماليتها كما عرفت وكيف كان فلا منافاة بينه و بين اشتغال ذمة المالك بأضعاف أضعافه من الدين من غير فرق في ذلك بين كون حق الفقير المتعلق
بالمال وجوبيا كزكاة المال أو استحبابيا كزكاة التجارة إذ لا معارضة بينهما قال العلامة في محكي المنتهى الدين لا يمنع الزكاة سواء كان للمالك مال سوى
النصاب أو لم يكن وسواء أستوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه وسواء كان أموال الزكاة ظاهرة كالنعم والحرث أو باطنة كالذهب والفضة وعليه علماؤنا
أجمع إنتهى نعم بناء على تعلق زكاة التجارة أو مطلقها بذمة المالك وكونها كسائر الديون الواجبة عليه قد يتحقق المزاحمة في صورة قصور المال عن
الوفاء بالجميع لدى موت المالك أو بعجزه عن التصرف في ماله وتقسيمه على الغرماء فيكون مستحق الزكاة حينئذ كأحدهم في الخاصة كما أن المتجه على هذا التقدير
سقوط زكاة التجارة المستحبة لعدم صلاحيتها لمزاحمة الحقوق الواجبة المتعلقة بالمال ولكن المبنى فاسد كما عرفته في محله ويدل أيضا على عدم مانعية الدين
عن الزكاة مطلقا مضافا إلى ما عرفت إطلاق النصوص المتقدمة الدالة على إن زكاة القرض على المستقرض ويدل عليه أيضا في خصوص زكاة المال
ما عن الكليني في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر وعن ضريس عن أبي عبد الله عليهما السلام إنهما قالا أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكيه وإن
كان عليه من الدين مثله وأكثر منه فليزك ما في يده ولكن الأولى بل الأفضل لمن قصر ماله عن وفاء ديونه ترك زكاة التجارة وصرف جميع ما يملك مما زاد عن نفقته
في تفريغ ذمته عن الحقوق الواجبة عليه كما أومى إليه الشهيد فيما حكي عن بيانه حيث قال والدين لا يمنع من زكاة التجارة كما مر في العينية وإن لم يمكن الوفاء من
83

غيره لأنها وإن تعلقت بالقيمة فالأعيان مراده إلى أن قال نعم يمكن أن يقال لا يتأكد إخراج زكاة التجارة للمديون لأنه نفل يضر بالفرض وفي الجعفريات
عن أمير المؤمنين عليه السلام من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما عليه فإن كان له الفضل مأتي درهم فليعط خمسة وهذا نص في منع الدين الزكاة والشيخ في
الخلاف ما تمسك على عدم منع الدين إلا بإطلاق الاخبار الموجبة للزكاة انتهى كلامه (ره) وكان غرضه من الاستشهاد بالرواية الاستدلال لنفي تأكد
الاستحباب في خصوص محل الكلام أي زكاة التجارة كما لعله هو المنساق من ألفاظها إلا مانعية الدين عن الزكاة مطلقا حتى في زكاة المال كما فهمه في المدارك و
أورد عليه بعد نقل كلامه بما لفظه ونحن قد بينا وجود النص الدال على ذلك صريحا يعني خبر زرارة وضريس المتقدم ثم قال وما نقله عن الجعفريات مجهول
الاسناد مع إعراض الأصحاب عنه وإطباقهم على ترك العمل به إنتهى وقد أشرنا إلى أن خبر الجعفريات بحسب الظاهر وارد في مال التجارة لا خصوص النقد الموضوع
الذي حال الحول كما هو مورد خبر زرارة وضريس فلا معارضة بينهما وما في خبر الجعفريات من الامر بإعطاء خمسة التي هي زكاة المأتين محمول على تأكد
الاستحباب فيفهم منه أنه لا تأكد بالنسبة إلى ما يساوي الدين وقد أشرنا إلى أن هذا مما يشهد به العقل والنقل فلا داعي لطرح الرواية وإن كانت ضعيفة
بعد صحة مضمونها وكون موردها قابلا للمسامحة فليتأمل ثم يلحق بهذا الفصل مسئلتان الأولى العقار المتخذ للنماء يستحب الزكاة في حاصلة في
المسالك العقار المتخذ للنماء كالدكان والخان والحمام يلحق بالتجارة غير إن مال التجارة معد للانتقال والتبدل وإن لم يتبدل وهذا قار وفي الحاقه
به في اعتبار الحول والنصاب قولان وعدم اشتراطهما متوجه وهو خيرة العلامة (ره) في التذكرة وفي المدارك قال العقار لغة الأرض والمراد به هنا
ما يعم البساتين والخانات والحمامات ونحو ذلك على ما مصرح به الأصحاب واستحباب الزكاة في حاصلها مقطوع به في كلامهم ولم أقف له على مستند وقد ذكره
العلامة في التذكرة والمنتهى مجردا عن الدليل ثم قال في التذكرة ولا يشترط فيه الحول ولا النصاب للعموم واستقرب الشهيد (ره) في البيان اعتبارهما ولا
بأس به اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق ثم إن تم إنتهى ما في المدارك واستوجه في الجواهر تعلق الزكاة به بادراجه في مال التجارة فقال ما لفظه قد
يقوي في الذهن إنه من مال التجارة بمعنى التكسب عرفا إذ هي أعم من التكسب بنقل العين واستنمائها فإن الاسترباح له طريقان عرفا أحدهما بنقل
الأعيان والثاني باستنمائها مع بقائها ولذا تعلق فيه الخمس كغيره من أفراد الاسترباح ومن ذلك يتجه اعتبار الشرائط السابقة فيه إنتهى وفيه إنه إن أراد
جعل نفس العقار المتخذ للنماء مندرجة في موضوع مال التجارة بملاحظة أنها مال ملك بعقد معاوضة بقصد الاكتساب فله وجه ولكن مقتضاه تعلق
الزكاة بعينها لأنها هي المال الذي اتجر به وهذا مما لم يقل أحد بتعلق الزكاة به وأما حاصلها الذي هو محل الكلام فلا مناسبة بينه وبين مال التجارة أصلا
فضلا عن استفادة تعلق الزكاة به من الروايات الواردة في المال المستعمل في التجارة كما لا يخفى على المتأمل وأما العموم الذي استدل به العلامة في عبارته
المتقدمة فلم نعرفه فلعل مراده ما كان من قبيل ما دل على أن للفقراء حقا في أموال الأغنياء وإن الله تعالى شرك بينهم في الأموال كما أحتمله بعض وفيه ما لا
يخفى ويمكن أن يكون المقصود به عموم قوله عليه السلام في خبر شعيب كل شئ جر عليك المال فزكه وكل شئ ورثته أو وهب لك فأستقبل به بناء على أن يكون المال
بالرفع حيث إن ظاهره حينئذ ثبوت الزكاة في مطلق الأرباح المكتسبة بالأموال خصوصا إذا كانت الأموال في الأصل متخذة بقصد الاسترباح كما في
العقار المتخذ للنماء فإنه من أظهر مصاديق هذا العموم وفيه ما عرفته فيما سبق من عدم خلوها في الرواية عن التشابه مع أنه لم ينقل القول بهذا
العموم عن أحد فالأولى الاعتراف بعدم العثور على مستند لهذا الحكم عدا أنه معروف بين الأصحاب ولعل هذا كاف في إثبات مثله من باب المسامحة و
قضية إطلاق كلماتهم كصريح جملة منهم عدم اعتبار الحول والنصاب فيه وهو أنسب بما يقتضيه قاعدة المسامحة ووافق بظاهر الرواية المزبورة لو
سلمنا دلالتها عليه وأما لو كان نقدا وبلغ نصابا أو زكاة آخر كذلك كأربعين شاة سائمة وحال عليه الحول فقد وجبت الزكاة وأمتنع أن يوصف
معه بالاستحباب وحيث لم يثبت لدينا استحباب هذه الزكاة إلا بقاعدة المسامحة فإن لم نعتبر الحول فيها كما هو الأشبه فأخرج زكاة الحاصل المفروض كونه زكويا
بالغا حد النصاب ثم حال الحول عليه أشكل الاجتزاء به عن الزكاة الواجبة فإن شمول ما دل على أنه لا يزكى مال من وجهين في عام لمثل المقام الذي لم يثبت
شرعيتها من ذلك الوجه إلا بقاعدة المسامحة محل نظر فليتأمل ولا تستحب الزكاة في المساكن ولا في الثياب والآلات والأمتعة المتخذة للقنية بلا نقل خلاف فيه
بل عن التذكرة دعوى الاجماع عليه للأصل. المسألة الثانية: الخيل إذا كانت إناثا سائمة وحال عليها الحول ففي العتاق جميع عتيق وهو على ما في الجواهر وغيره
الذي أبواه عربيان كريمان عن كل فرس منها في كل عام ديناران وفي البراذين جمع برذون وهو بكسر ألباء خلافه عن كل فرس دينار واستحبابا بلا نقل
خلاف فيه بل في التذكرة وقد أجمع علمائنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة السوم والأنوثة والحول والأصل فيه ما رواه الكليني والشيخ في
الصحيح والحسن عن محمد بن مسلم وزرارة عنهما (ع) جميعا ما لا وضع أمير المؤمنين (ع) على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين وجعل على
البراذين دينارا ويدل أيضا على إشتراط السوم والحول مضافا إلى استفادتهما من الصحيحة المزبورة وكذا على إشتراط الأنوثة صحيحة زرارة الأخرى
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل في البغال شئ فقال لا فقلت فكيف صار على الخيل ولم يصر على البغال فقال لان البغال لا تلقح والخيل الإناث
ينتجن وليس على الخيل الذكور شئ قال قلت فما في الحمير قال ليس فيها شئ قال قلت هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شئ فقال لا ليس على
ما يعلف شئ إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ويدل على نفي الوجوب مضافا إلى الاجماع الذي ادعاه العلاء
وغيره الأصل إذ الصحيح المزبور قاصر عن إفادة الوجوب بحسب أصل الشرع فلا يكاد يفهم منه أزيد من الرجحان المجامع للاستحباب ولو سلم ظهوره في الوجوب
صرفه عن ذلك شهادة الاجماع والنص الوارد في أنه ليس في شئ من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم إلى غير ذلك من الاخبار
84

الحاصرة للزكاة في الأجناس التسعة التي عرفتها في صدر الكتاب. النظر الثالث: مما يتعلق بزكاة المال فيمن نصرف إليه ووقت التسليم والنية
القول فيمن تصرف إليه ويحصره أقسام القسم الأول أصناف المستحقين للزكاة في الواقع سبعة وإن كان المترائي من الآية الشريفة وبعض الروايات
الواردة عن أهل البيت عليهم السلام المفسرة لها وكذا من كلمات الأصحاب المصرحين بعدد الأصناف إنها ثمانية أصناف الفقراء والمساكين وهم الذين تقصر
أموالهم عن مؤنة سنتهم ولو بانتفاء أصل المال بأن لم يكن لهم مال أصلا فإن هذا من أوضح مصاديق العنوانين ولكن الأظهر الأشهر بل المشهور نصا وفتوى
إن المسكين أسوء حالا من الفقير لا بمعنى إن بين مفهوميهما المباينة بحيث يصير كل منهما صنفا مغايرا للاخبار بل الفقر الذي هو في الأصل بمعنى الحاجة و
يطلق عرفا في الحاجة الخاصة أي الاحتياج إلى المال الذي يصرفه في نفقته قد يشتد إلى أن يوقعه في مذلة السؤال وشبهه فيقال له المسكين من المسكنة بمعنى
الذلة ولا يطلق في العرف على كل ذليل من أي وجه يكون لفظ المسكين بل على الذليل الذي أصابه الذل من فقره فالمسكين أخص موردا في العرف من الفقير إذ
لا يقال على الفقير المتعفف الذي يحسبه الجاهل من تعففه وتعززه غنيا منه لفظ المسكين وكذا على الفقير الذي يتكفل غيره نفقته بعز كأولاد الأغنياء وحواشي
الملوك والسلاطين و أتباعهم الذين لا مال لهم من أنفسهم أصلا فضلا عن إن يكفي بمؤنتهم ويؤيد ما ذكرناه من كون المسكين أسوء حالا من مطلق الفقير مضافا
إلى ما عرفت ما عن جماعة من القدماء وجمهور المتأخرين من التصريح به ويدل عليه أيضا صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) إنه سئله عن الفقير والمسكين فقال
الفقير الذي لا يسئل الناس والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسئل وخبر أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول الله عز وجل إنما الصدقات للفقراء والمساكين
قال الفقير الذي لا يسئل الناس والمسكين أجهد منه والبائس أجهدهم ولا يخفى عليك إن المقصود بمثل هذه الأخبار وكذا في كلمات الأصحاب المصرحين بأن
المسكين أسوء حالا من الفقير بيان المائز بين اللفظين بأخصية المسكين من الفقير الموجبة لإرادة مورد الافتراق من الأخير لدى اجتماعه مع الأول في اللفظ
ولذا قالوا إذا اجتمعا افترقا وإلا فمن الواضح عدم صحة سلب اسم الفقير عمن لا يملك شيئا أصلا والتجأ إلى تحمل ذل السؤال ويكف كان فقد حكى عن جماعة القول
بالعكس وإن الفقير أسوء حالا من المسكين مستدلين على ذلك بما لا ينهض حجة خصوصا في مقابل ما عرفت ثم إن الظاهر المصرح به في كلام غير واحد عدم ترتب
ثمرة مهمة على هذا الخلاف كما سنوضحه إن شاء الله وقيل الفقراء والمساكين من يقصر ماله عن أحد النصب الزكوية وهو ضعيف كما ستعرف ثم من الناس من جعل
اللفظين أي الفقراء والمساكين بمعنى واحد أي متساويين في الصدق وإلا فلا ينبغي الارتياب في عدم كونهما مترادفين كما يوهمه بعض عبائرهم ومنهم من فرق
بينهما في الآية ونظائرها مما أجتمع فيه الكلمتان ففي العبارة إشارة إلى أنه لا خلاف بينهم في تساويهما في الصدق لدى انفراد كل منهما عن الاخر في اللفظ بمعنى
إنه مهما أطلق لفظ المساكين وحدها في كلام لا يراد منه إلا ما يراد من إطلاق لفظ الفقراء كما صرح به غير واحد وأدعوا الاجماع عليه ففي المسالك قال في شرح
العبارة ما لفظه وأعلم أن الفقراء والمساكين متى ذكر أحدهما خاصة دخل فيه الاخر بغير خلاف نص على ذلك جماعة منهم الشيخ والعلامة (ره) كما في أية الكفارة
المخصوصة بالمسكين فيدخل فيه الفقير وإنما الخلاف فيما لو جمعا كما في أية الزكاة لا غير والأصح إنهما حينئذ متغايران لنص أهل اللغة وصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
قال الفقير الذي لا يسئل الناس والمسكين أجهد منه ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك لاتفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكر أو دخول أحدهما تحت الاخر حيث
بذكر أحدهما وإنما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو أوصى لأسوئهما حالا فإن الاخر لا يدخل فيه بخلاف العكس إنتهى واستشكل غير واحد فيما ذكروه
من أنه متى ذكر أحدهما دخل فيه الاخر بغير خلاف بأن هذا بعد ثبوت التغاير بين اللفظين مشكل لان إطلاق لفظ أحدهما وإرادة ما يعم الاخر مجاز لا يصار
إليه إلا مع القرينة ومع انتفائها يجب حمل اللفظ على حقيقته ومن هنا أستشكل في كفارات القواعد على ما حكي عنه في أجزاء إطعام الفقراء عن المساكين إذا
لم يقل بأن الفقير أسوء حالا من المسكين وكذا في الوصية للمساكين أختار في محكي الايضاح وجامع المقاصد عدم الدخول في الوصية ولم يرجح في وصية الدروس
على ما حكي عنه شيئا والذي ينبغي أن يقال في حل هذا الاشكال هوما تقدمت الإشارة إليه من أن إطلاق لفظ المسكين على الاسوء حالا وكذا الفقير إن قلنا
به ليس لأجل كون هذه الخصوصية مأخوذة في مفهوم لفظه بل هما وصفان كليان أخذ أحدهما من الفقر الذي هو بمعنى الحاجة والاخر من المسكنة التي هي بمعنى القدرة
وهما وصفان متلازمان لذات الممكن من حيث هي قال الله تبارك وتعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد وقال تعالى وأما السفينة فكانت
لمساكين يعملون في البحر ومن الواضح أنه لم يقصد بالمساكين في الآية الذين يسئلون الناس بل الأذلاء فإطلاق المسكين في العرف على من يسئل بملاحظة ظهور
وصف المسكنة والالتجاء إلى الغير فيه لا كونه بالخصوص موضوعا له هذه الكلمة فالفقير المتعفف الذي يعد في العرف من الأعزة والاشراف هو في نفسه مسكين وإن
لم يظهر عليه أثره إذ الفقر في حد ذاته من أقوى أسباب الذلة فكل من يحتاج في نفقته إلى الاستعانة بغيره هو في نفسه مسكين وإن أنصرف منه إطلاق لفظه في المحاورات
العرفية ما لم يظهر عليه أثره ولكن هذا أي الانصراف العرفي فيما إذا لم يكن المقام مناسبا لإرادة الأعم كما في موارد الامر بالتصدق على المساكين حيث أن المناسبة
مقتضية لان يكون نفس الفقر والحاجة بنفسها هي الملحوظة بهذا التكليف لا خصوصية وصف المسكنة من حيث هو كي يكون عدم بروزه في مورد موجب بالانصراف
إطلاق اللفظ عنه فمتى أجتمع الفقراء والمساكين في كلام واحد كما لو أمر المولى عبده بأن يفرق هذا المال على الفقراء والمساكين لا يتبادر من لفظ المساكين إلا إرادة
أهل السؤال ونحوهم ممن ظهر عليه أثار المذلة بخلاف ما لو انفردت المساكين بالذكر بأن أمره بالتصدق به على المساكين كما في أية الخمس ونظائرها فإن المتبادر
من إطلاق المسكين في هذه الموارد وليس ما يتبادر من إطلاق الفقير ولذا لم يقع الخلاف في ذلك على ما أعترف به غير واحد عدى ما صدر من بعض من تقدمت
الإشارة إليه من التردد فيه ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في باب الوصية والكفارات ونظائرها مما لا شاهد على إرادة مطلق الفقير من لفظ المسكين
بالاقتصار على الاسوء حالا من مطلقه والله العالم وكيف كان فلما لم يجب البسط على أصناف المستحقين كما ستعرف لا يترتب على تحقيق أن الفقراء والمساكين
85

صنف واحد أو صنفان وإن أحدهما أسوء حالا من الاخر ثمرة مهمة في هذا الباب وإنما المهم بيان الحد المسوغ لتناول الزكاة في هذين الصنفين وهو عدم الغنى
وهذا على إجماله مما لا خلاف فيه كما عن غير واحد التصريح به قال العلامة في التذكرة قد وقع الاجماع على أن الغنى لا يأخذ شيئا من الزكاة من نصيب الفقراء للآية
ولقوله (ع) لا تحل الصدقة الغني ولكن اختلفوا في الغني المانع من الاخذ فللشيخ قولان أحدهما حصول الكفاية حولا له ولعياله وبه قال الشافعي ومالك وهو الوجه
عندي إلى أن قال والقول الثاني للشيخ أن الضابط من يملك نصابا من الأثمان أو قيمته فاضلا عن مسكنه وخادمه وبه قال أبو حنيفة إنتهى وحكى عن
المفاتيح أنه اختار قولا ثالثا حاكيا له عن الشيخ في المبسوط وهو أن الفقير من لم يقدر على كفايته وكفاية من يلزمه من عياله عادة على الدوام و المعتمد هو
القول الأول وهو أن الفقير من يقصر ماله عن مؤنة سنة له ولعياله كما هو المشهور بين المتأخرين أو مطلقا على ما ادعاه بعض بل ربما نسب إلى عامة أصحابنا
والمراد بماله أعم من المال المملوك له بالفعل أو بالقوة فصاحب الحرفة والصنعة اللائقة بحاله الوافية بمؤنته غنى لم يجز له تناول الزكاة كما أن المراد بالمال
الوافي بمؤنته هو المال الذي من شأنه الصرف في نفقته لا مثل أثاث بيته أو رأس مال تجارته المحتاج إليه في تكسبه أو البستان والضيعة التي يتعيش بنمائها
كما ستعرف أما جواز تناول الزكاة لمن لا يملك فعلا أو قوة مؤنة سنة فيدل عليه صحيحة أبي بصير قال سمعت الصادق عليه السلام يقول يأخذ الزكاة صاحب
السبعمائة إذا لم يجد غيره قلت فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة قال زكاته صدقة على عياله ولا يأخذها إلا أن يكون إذا أعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل
من سنة فهذا يأخذها ولا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة وصحيحة علي بن إسماعيل الدغشي المروية عن العلل قال سألت
أبا الحسن عليه السلام عن السائل وعنده قوت يوم أيحل له أن يسئل وإن أعطي شيئا من قبل أن يسئل يحل له أن يقبله قال يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة
لأنها إنما هي من سنة إلى سنة هكذا رواها في الوسائل عن العلل ولكن في نسخة العلل المطبوعة الموجودة عندنا نحوه إلا أن فيها قال يأخذه وعنده قوت شهر
وما يكفيه لستة أشهر من الزكاة وفي البحار رواها نقلا عن العلل نحوه وكيف كان فظاهرها إن العلة في جواز إخذ مقدار كفاية السنة أنه لو منع من ذلك
لقى محتاجا في بعض السنة ومقتضاه جواز الاخذ لمن تقصر ماله عن مؤنة السنة مطلقا ولو بمقدار شهر فما دون ويدل عليه أيضا فحوى ما سيجئ من الروايات
الدالة على جواز الاخذ لمن له رأس مال لا يحصل منه ما يفي بمؤنته ومفهوم رواية يونس بن عمار قال سمعت الصادق عليه السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده قوت
السنة وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة والمناقشة فيه بعدم الاعتداد بمفهوم الوصف مدفوعة بوروده بظاهره في مقام التحديد المناسب لإرادة
الانتفاء عند الانتفاء كما لا يخفى والمنساق من لفظ القوت في مثل هذه الموارد إرادة مطلق المؤنة لا خصوص القوت ولعل في بعض الأخبار الآتية إشارة إليه مع أنه لم ينقل القول بالتفصيل بين القوت وغيره عن أحد وإما عدم جواز تناولها لمن ملك مؤنة سنة وإن لم يملك أزيد من ذلك فيدل عليه منطوق رواية يونس
المتقدمة ومفهوم التعليل الوراد في صحيحة علي بن إسماعيل المتقدمة مضافا إلى إن من كان بالفعل مالكا لمقدار من المال الصالح للصرف في نفقته واف بمؤنة
سنة له ولعياله لا يعد في العرف فقيرا بل لولا دلالة النصوص والفتاوي على اندراج من يقصر ماله عن مؤنة سنته لا شكل الجزم بذلك بالنسبة إلى من كان
بالفعل مالكا لمقدار معتد به من المال واف بمؤنة ستة أشهر وسبعة مثلا وإن كان لمؤنة السنة من حيث هو نوع اعتبار وملحوظية لدى العرف بحيث يرون
الشخص محتاجا إلى تحصيلها كما يرونه محتاجا إلى مؤنة يومه وليله أو مؤنة سفره الذي يتلبس به من حين تلبسه به خصوصا بالنسبة إلى الأقوات التي من شأنها
الادخار من سنة إلى سنة ولكن يشكل الاعتماد على مثل هذه الملاحظات والاعتبارات على وجه يورث الجزم بجواز صرف المال الذي جعله الله للفقراء
والمساكين إلى من كان بالفعل مالكا لمقدار ومعتد به من المال واف بمؤنته عدة أشهر فإنه من أخفى مصاديق الفقير الذي لا يبعد دعوى انصراف إطلاق
اسمه عنه لولا دلالة النصوص والفتاوى على عمومه ودعوى أن من لم يكن له حرفة أو ممر معيشة واف بمؤنته عادة على سبيل الاستمرار لا يعد في العرف غنيا
وإن كان بالفعل مالكا لما يفي بمؤنة سنة أو سنتين بل يرونه محتاجا إلى تحصيل مال كذلك وعنده قصور يد عنه يرونه فقيرا مدفوعة بعدم كون الاحتياج
إلى تحصيل مثل هذا المال مصححا لاطلاق اسم الفقير عليه على الاطلاق بل هو بالفعل غني لدى العرف حال كونه واجدا لمؤنة سنته فالقول بأن الفقير
من لم يقدر على كفايته وكفاية من يلزمه من عياله عادة على الدوام كما هو المحكى عن الشيخ في مبسوطه وصريح المحكي عن المفاتيح ضعيف وأما القول بأن الفقير من
لم يملك نصابا من الأثمان أو قيمته فقد استدل له بالنبوي أنه صلى الله عليه وآله قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن إنك مأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن
لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم
أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم إذ ليس لخصوصية النصاب ولا لجامعية شرائط الزكاة كحول الحول عليه إن كان مما يعتبر فيه
الحول مدخلية في تسميته بالفعل غنيا فيكشف ذلك عن إن من كان مالكا لهذا المقدار من المال فاضلا عن مسكنه وخادمه الذي يحتاج إليه في
تعيشه مثلا من أي جنس يكون هو غني وإن لم يجب عليه الزكاة بالفعل لاختلال شئ من شرائطها أو عدم كون المال زكويا أو كون المالك صغيرا
واستدل له أيضا بالتنافي بين وجوب دفع الزكاة عليه وجواز خذها له وفيه منع التنافي بين لامرين وأما الخبر المزبور فهو جار مجرى الغالب وإلا فقد عرفت
في محله أن الدين لا يمنع من وجوب الزكاة فقد يكون مالك النصاب مشغول الذمة بثمنه أو أضعاف أضعافه من الدين مع كونه بالفعل محتاجا إلى
نفقة أكثر من قيمة النصاب كما إذا ملك زرعا أو ثمرة نخل بالغة حد النصاب قبل بدو صلاحها بثمن في ذمته مع كونه بالفعل محتاجا إلى مسكن ولباس و
طعام لا يفي بحاجته الفعلية أضعاف قيمة ذلك النصاب وهذا مما لا شبهة في فقره وعدم كونه من أغنيائهم لا عرفا ولا شرعا مع أن الرواية عامية
فلا تعويل عليها وعلى تقدير تسليم سندها وتمامية دلالتها فلا يتفاوت الحال بين كون النصاب من الأثمان أو غيرها مع أن القائل بالقول المزبور
86

على ما نقل العلامة في عبارته المتقدمة قيده بالأول فلا تصلح الرواية حينئذ مستندة له كما أنه لا يصح أن يستند إلى قول الصادق عليه السلام في صحيحة زرارة لا تحل لمن
كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول أن يأخذها وأن أخذها حراما فإن أربعين درهما بنفسه ليس نصابا يجب فيه الزكاة فالظاهر
كونه كناية عن الغنى أي عنده أربعون درهما غير محتاج إليها وقد حال عليها الحول كقوله (ع) في ذيل خبر أبي بصير لا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه
الزكاة أن يأخذ الزكاة وكيف كان فلا مجال للارتياب في عدم كون مالكية مقدار النصاب موجبا لخروج مالكه عن مصداق الفقير على الاطلاق ولا
لاندارجه في مسمى الغنى كذلك كما يدل عليه مضافا إلى شهادة العرف به النصوص المعتبرة التي تقدم بعضها المصرحة باستحقاق صاحب السبعمائة أو
الثلثمأة للزكاة عند قصور ما ملكه عن مؤنة سنة فالقول المزبور مع شذوذه في غاية الضعف والله العالم. تنبيه: قد ناقش جملة من متأخري المتأخرين
كصاحبي المدارك والحدائق فيما ذكره المشهور في تحديد الفقر المسوغ لتناول الزكاة من أن الفقير من قصر ماله عن مؤنة سنته ففي المدارك بعد أن نقل
عن ابن إدريس أنه عرف الغنى بمن ملك من الأموال ما يكون قدر الكفاية لمؤنة سنته قال والى هذا القول ذهب المصنف (ره) وعامة المتأخرين وحكاه في
المعتبر عن الشيخ في باب قسم الصدقات لكن لا يخفى أن هذا الاطلاق مناف لما صرح به الأصحاب كالشيخ والمصنف في النافع والعلامة وغيرهم من جواز
تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به أو ضيعة يستغلها إذا كان بحيث يعجز عن استنماء الكفاية إذ مقتضاه أن من كان كذلك كان فقيرا وإن كان
بحيث لو أنفق رأس المال المملوك له لكفاه طول سنته ثم قال والمعتمد أن من كان له مال يتجر به أو ضيعة يستغلها فإن كفاه الربح أو الغلة له ولعياله
لم يجز له أخذ الزكاة وإن لم يكفه جاز له ذلك ولا يكلف الانفاق من رأس المال ولا من ثمن الضيعة ومن لم يكن له ذلك أعتبر فيه قصور أمواله عن مؤنة
السنة له ولعياله إنتهى أقول قد أشرنا أنفا إلى أن المراد بالمال الوافي بمؤنته هو المال الذي لا يتوقف تعيشه في العرف والعادة على حفظ هذا المال
والتعيش بنمائه وإلا فهو بمنزلة الآلة لحرفته وصنعته التي هي ممر معيشته ويشهد لإرادتهم هذا المعنى تصريحهم بجواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش
بنمائه أو ضيعة يستغلها إذا لم يكن نمائها بقدر الكفاية وكيف كان فهذا هو المشهور على ما نسب إليهم ويدل عليه مضافا إلى عدم كفاية وجود مثل هذا
المال المتوقف عليه نظم معاشه ما لم يكن ربحه وافيا بمؤنته في خروجه عن مسمى الفقير عرفا جملة من الاخبار منها صحيحة معاوية بن وهب قال سئلت أبا عبد
الله عليه السلام عن الرجل يكون له ثلاثمأة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال وهو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أيكب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة أو يأخذ
الزكاة قال لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه ومن وسعة ذلك من عياله ويأخذ البقية من الزكاة ويتصرف بهذه لا ينفقها ورواية هارون بن حمزة
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يروون عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لا تحل الصدقة للغني ولا لذي مرة سوى فقال لا يصلح الغني قال فقلت له الرجل يكون له ثلاثمأة
درهم في بضاعة وله عيال فإن أقبل عليها أكلها عياله ولم يكتفوا بربحها قال فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو ومن وسعه ذلك وليأخذ لمن لم يسعه من عياله
ويمكن الخدشة في دلالة هذين الخبرين خصوصا الأخير منهما بإمكان أن يكون المراد بهما أخذ الزكاة لنفس الاشخاص الذين لم يسعهم ذلك إن كان بأنفسهم
فقراء لا لنفسه وصرفه في نفقتهم كي ينافيه كونه غنيا فليتأمل وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الزكاة هل يصلح لصاحب الدار والخادم
فقال نعم إلا أن يكون دراه دار غلة فيخرج له من غلتها ما يكفيه وعياله فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد
حلت له الزكاة وإن كانت غلتها تكفيهم فلا وخبر أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له ثمانمأة درهم وهو رجل خفاف وله عيال كثير ماله أن يأخذ
من الزكاة فقال يا أبا محمد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل قال قلت نعم قال كم يفضل قال لا أدري قال إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف
القوت فلا يأخذ الزكاة وإن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة قال قلت فعليه في ماله زكاة تلزمه قال بلى قال قلت كيف يصنع قال يوسع بها على عياله
في طعامهم وكسوتهم ويبقى منها شيئا يناوله غيرهم وما أخذ من الزكاة فضه على عياله حتى يلحقهم بالناس ولعل اعتبار زيادة نصف القوت بملاحظة بعض المخارج
الغير المعلومة الاتفاقية الطارية في أثناء الحول أو التوسعة على عياله حتى يلحقهم بالناس كما يومي إليه ذيل الحديث أو بملاحظة مثل اللباس ونحوه مما لا يدخل في
مسمى القوت إلا على سبيل التوسع والزكاة التي أثبتها في ماله هي زكاة التجارة المستحبة التي لا محذور في الامر بصرفها في التوسعة على عياله وإيصال شئ
منه إلى غيرهم وخبر إسماعيل بن عبد العزيز عن أبيه قال دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير أن لنا صديقا وهو رجل صدوق يدين
الله بما ندين به فقال من هذا يا أبا محمد الذي تزكيه فقال العباس بن الوليد بن صبيح فقال رحم الله الوليد بن صبيح ما له يا أبا محمد قال جعلت فداك له دار
تساوي أربعة آلاف درهم وله جارية وله غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل وله عيال له أن يأخذ من الزكاة قال
نعم قال وله هذه العروض فقال يا أبا محمد فتأمرني أن أمره ببيع دراه وهي عزه ومسقط رأسه أو يبيع خادمه الذي يقيه الحر والبرد ويصون وجهه ووجه عياله
أو أمره أن يبيع غلامه وجمله وهو معيشته وقوته بل يأخذ الزكاة فهي له حلال ولا يبيع دراه ولا غلامه ولا جملة وسوق هذه الأخبار مع ما فيها من ترك إلا
استفصال يجعلها كالنص في عدم الفرق بين ما لو كانت قيمة الضيعة أو بضاعته التي يتجر بها لو أكب عليها و صرفها في نفقته كانت وافية بمؤنته وعدمه فتنافي صحيحة
أبي بصير المتقدمة ممن تقييد جواز الاخذ لصاحب السبعمأة بما إذا كان لو أعتمد عليها أنفدها في أقل من سنة إنما هو لغير المحترف الذي يستعملها في حرفته التي هي ممر معيشته
بشهادة الروايات المزبورة لو لم نقل بانصرافه في حد ذاته إليه ثم أن المدار في استثناء رأس المال مما يحصل به الكفاية كما صرح به بعض الاستنماء الفعلي أي
استعماله بالفعل في تجارته كما هو مساق الروايات لا مجرد شأنيته لذلك وإن لم يعمل به بالفعل فإن هذا بمجرده لا يجعله كدار سكناه مستثنى عما يحصل به الكفاية
كما أن المدار على كونه محتاجا في مؤنته إلى الاكتساب بهذا المال بحيث لولاه لاختل نظم معاشه وهكذا في الضيعة ونحوها مما التزمنا باستثنائه ولا يتقارب الحال
87

في جواز تناول الزكاة عند قصور حاصل الضيعة أو ربح التجارة عن مؤنته في كل سنة أو حصوله في بعض السنين من باب الانفاق فإنه في السنة التي ينقص فيها ربحه يجوز
له أن يتناول من الزكاة بمقدار الكفاية ولا يبيع ضيعته أو يتصرف في رأس ماله إلا أن يكون فيه زيادة عن المقدار الذي يتوقف عليه تكسبه والله العالم ومن
يقدر على اكتساب ما يمؤن نفسه وعياله على وجه يليق بحاله لا تحل له الزكاة لأنه كالغني وكذا ذو الصنعة اللائقة بحاله التي تقوم بكفايته كالصياغة والحياكة
والخياطة وأما القدرة على التكسب والصنعة الغير اللايقين بحاله فليست مانعة عن تناولها جزما فلا يكلف الرفيع ببيع الحطب والكنس وخدمة
من دونه في الشرف وأشباه ذلك مما فيه مذلته في العرف والعادة فإن ذلك أصعب من بيع خادمه وداره الذي قد سمعت في خبر إسماعيل المتقدم التصريح بعدم لزومه مع
ما فيه من الحرج المنفي بأدلتها ومنه يعلم عدم مانعية القدرة على الحرف والصنايع الشاقة التي لا تتحمل في العادة وأن لم تكن منافية لشأنه مضافا إلى أن القدرة على مثل
هذه الأمور لا تجعله كالغني وإلا فقلما يوجد فقير في العالم بل في الجواهر أستشكل في كون القدرة على الكسب اللائق بحاله الوافي بمؤنته ما لم يكن بالفعل مشغولا بحرفته
وكسبه مانعا عن جواز تناول الزكاة بل قوى عدمه نظرا إلى عدم خروجه بذلك عرفا عن حد الفقير الذي وضع له الزكاة بل عن الخلاف أنه حكى عن بعض أصحابنا جواز الدفع
للمكتسب من غير اشتراطه بقصور كسبه واستدل له في محكي المختلف بأنه غير مالك للنصاب ولا بقدر الكفاية فجاز له الاخذ من الصدقة كالفقير ثم أجاب عنه بالفرق
فإن الفقير محتاج إليها بخلاف صورة النزاع أقول وربما يؤيد القول المزبور قوله عليه السلام في صحيحة أبي بصير المتقدمة ولا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه
الزكاة أن يأخذ الزكاة فإنه مشعر بحليته للمحترف الذي لا يملك النصاب وإن كان كسبه وافيا بمؤنته ولكنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذا الاشعار في مقابل ما
ستعرف خصوصا بعد الالتفات إلى أن من كان له حرفة تفي بمؤنته لائقة بحاله على سبيل الاستمرار لا يعد في العرف فقيرا بل هو لدى العرف أغنى من المحترف المالك
لمؤنة سنة أو سنتين من غير أن يكون له ممر معيشة على الدوام وقد ورد التصريح بحرمة الزكاة على صاحب الخمسين إذا كان له حرفة كافية بمؤنته في موثقة سماعة
عن أبي عبد الله عليه السلام قال قد تحل الزكاة لصاحب السبعمأة وتحرم على صاحب الخمسين درهما فقلت له وكيف يكون هذا قال إذا كان صاحب السبعمأة له عيال كثير
فلو قسمها بينهم لم يكفه فليعف عنها نفسه وليأخذ لعياله وأما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها وهو يصيب منها ما يكفيه إن شاء الله
وكذا في الموثق عن محمد بن مسلم وغيره عن أبي عبد الله (ع) قال تحل الزكاة لمن له سبعمأة درهم إذا لم يكن له حرفة ويخرج زكاتها منها ويشتري منها بالبعض قوتا لعياله
ويعطي البقية لأصحابه ولا تحل الزكاة لمن له خمسون درهما وله حرفة يقوت بها عياله ومن المعلوم أن الخمسين درهما ليس نصابا يجب فيه الزكاة فهذا القول مع
شذوذه بل عدم معروفية قائله في غاية الضعف وأما القول بكفاية مجرد القدرة على صنعة أو كسب لائق بحاله كما هو مقتضى ظاهر المتن وغيره بل المشهور على ما
نسب إليهم فمستنده صحيحة زرارة أو حسنته عن أبي جعفر عليه السلام قال سمعته يقول إن الصدقة لا تحل لمحترف ولا لذي مرة سوى قوى فتنزهوا عنها وخبر أبي البختري
المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه كان يقول لا تحل الصدقة الغني ولا الذي مرة سوى وعن الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن زرارة
عن أبي جعفر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تحل الصدقة الغني ولا مرة سوى ولا لمحترف ولا لقوي قلنا ما معنى هذا قال ما معنى هذا قال لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على أن
يكف نفسه عنها ولكن بعد أن روي هذه الرواية قال وفي حديث آخر عن الصادق انه قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الصدقة لا تحل لغني ولم يقل ولا لذي مرة
سوى وعنه في الفقيه قال وقيل للصادق (ع) إن الناس يروون عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوى فقال قد قال الغني ولم يقل
لذي مرة سوي واستظهر في الجواهر من إنكار أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال ذلك جواز تناولها لذي القوة وفيه بعد تسليم هذا الظهور والغض عن معارضته بما قبله أنه
لا وثوق بهذا الحديث المرسل بل الغالب على الظن كما أعترف به في الجواهر كونه إشارة إلى صحيحة معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام يروون عن النبي صلى الله عليه وآله
أن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي فقال أبو عبد الله عليه السلام لا تصلح لغني ورواية هارون بن حمزة المتقدمة في المسألة السابقة التي هي نحوها مع أنه لا دلالة
لهذه العبارة على نفي صدور ذلك الكلام من رسول الله صلى الله عليه وآله بل هي إشارة إلى إناطة الحكم بحصول الغني وأنه لم يقصد بذي مرة سوي معنى مغاير لذلك بل هو جار مجرى
الغالب من كونه قادرا على أن يكف نفسه عنها الذي هو معنى الغنى وإن أنصرف عنه إطلاق لفظه لدى عدم كونه بالفعل ذا مال فكأنه أريد بالجواب شرح ما روى
عن النبي صلى الله عليه وآله لدي التحليل كما في رواية زرارة الثانية من تفسير مجموع الفقرات المروية عنه صلى الله عليه وآله بأنه لا يحل له أن يأخذ الزكاة وهو يقدر على أن يكف نفسه عنها فيستفاد من
هذه الرواية بل وكذا من صحيحة معاوية ورواية هارون بن حمزة إن المراد بالمحترف والقوي وذي مرة الواردة في ساير الاخبار النافية لحل الصدقة لهم ليس مطلقها
بل من يقدر على أن يمون نفسه وعياله مضافا لأي شهادة غيرها من القرائن بذلك فيتم الاستدلال بها للمشهور ولكن قد يشكل ذلك بأن مجرد القدرة على ذلك
ما لم يتلبس بحرفة كسب لائق واف بمؤنة لا يجعله غنيا بل لا يخرجه عرفا عن موضوع الفقير فيشكل الالتزام بعدم جواز تناوله للزكاة مع احتياجه إليها بالفعل
واندراجه في زمرة الفقراء عرفا ولغة لاباء أدلة شرع الزكاة للفقراء عن الصرف عن مثله اللهم إلا أن يقال إن هذا إنما هو بالنظر إلى حال احتياجه وعدم قدرته
على أن يكف نفسه عنها ولا كلام في جواز تناوله منها وإنما الكلام في إباحتها حال قدرته على تحصيل مقدار حاجته بكسبه وهو في هذا الحال بحكم الغني في العرف
ولا يعد فقيرا ولكن جعل شيخنا المرتضى محل الاشكال حال عجزه عن الاكتساب فقال ما لفظه ولو ترك المحترف الحرفة فأحتاج في زمان لا يقدر عليها كما لو ترك
العمل نهارا وأحتاج ليلا وكما لو ترك البناء عمل البناء في الصيف فأحتاج في الشتاء مع عدم حصول ذلك العمل له فيه إشكال من صدق الفقير عليه وأنه لا يقدر في الحال
على ما يكف به نفسه عن الزكاة فيعمه أدلة جواز الاخذ ومن صدق المحترف وذوي المرة السوي عليه فيشمله أدلة المنع وهو الأقوى لعدم معلومية صدق الفقير عليه
وإلا لصدق على المحبوس الغني ولم يجعل ابن السبيل قسيما للفقير في الكتاب والسنة نعم لا بأس بالصرف إليه من سهم سبيل الله ولكن الانصاف أنه لو لم ينعقد الاجماع على
الخلاف قوي الفقير بجواز الدفع إلى كل محتاج في إن حاجته وإن كان عرض له في زمان يسير ولو بسوء اختياره إنتهى أقول قد ظهر لك فيما مر أنه لا عبرة بصدق
88

المحترف وذي المرة السوي عليه بعد ورود تفسيرهما في رواية زرارة المتقدمة بمن يقدر على أن يكف نفسه عنها ودلالة صحيحة معاوية وخبر هارون على إناطة نفي
الجواز بكونه غنيا لا بكونه ذي مرة فالعبرة بذلك لا يصدق اللفظين كي يكون صدقهما عليه بعد الاعتراف باندراجه في موضوع ما دل على جواز الاخذ لمن
لا يقدر في الحال على أن يكف نفسه عنها فنشأ للاشكال فالأقوى ما قواه في ذيل كلامه من جواز الدفع إلى كل محتاج في أن حاجته وانعقاد الاجماع على خلافه غير
معلوم بل ولا مظنون بل قد يغلب على الظن عدم إرادة المشهور القائلين بعدم جواز الدفع إلى من يقدر على كسب كاف بمؤنته إلا المنع عنه في حال قدرته
فهذا مما لا ينبغي الاستشكال فيه وإنما الاشكال فيمن يقدر على كسب لائق بحاله واف بمؤنته ولكنه لم يتعود على الاكتساب ككثير من البطالين وأهل
السؤال وأشباههم ممن لهم القدرة وقوة على كثير من الصنايع والحرف اللائقة بحالهم ولكنهم تعودوا على التعيش بأخذ الصدقات والصبر على الفقر والفاقة
وتحمل ذل السؤال وتناول وجوه الخيرات والصدقات وترك الاكتساب فإنه يصدق عليهم عرفا اسم الفقير ولكنه في الواقع غنى أي قادر على أن يكف نفسه
عنها وقد أشرنا أنفا إلى أن هذا المعنى هو المراد بالغني في هذا الباب في مقابل المحتاج الذي هو معنى الفقير فالقول بعدم الجواز كما نسب إلى المشهور وهو الأقوى
وما في الجواهر من دعوى السيرة على دفعها على مثل هذه الاشخاص محل نظر بل منع والله العالم. تنبيه: صرح غير واحد بأنه يجوز للقادر على الاكتساب
ترك الكسب والاخذ من الزكاة للاشتغال بأمر واجب ولو كفاية كالتفقه في الدين قال شيخنا المرتضى (ره) ويحتمل تعين الواجب الكفائي على من لا يحتاج إلى الكسب لان
المحتاج إليه مشغول الذمة بواجب عيني ثم أشار إلى ما ذهب إليه جملة منهم من جوازه للاشتغال بطلب العلم المستحب لامر به المستلزم لطلب ترك الاكتساب المستلزم
لجواز أخذ الزكاة ورده بأنه بعد عمومات تحريم الزكاة على القادر على التكسب يصير التكسب واجبا لأجل حفظ نفسه وعياله فلا يزاحمه استحباب ذلك لان المستحب
لا يزاحم الواجب إجماعا ثم قال ودعوى أن تسليم حرمة الاخذ المستلزم لوجوب التكسب مبني على تقديم أدلتها على أدلة ذلك المستحب لم لا يجوز العكس مدفوعة
إجمالا بأن المقرر في محله إن استحباب المستحب لعموم دليله لا يزاحم عموم وجوب الواجبات إنتهى أقول لا يخفى عليك إن حفظ النفس لا يتوقف على خصوص
الاكتساب فضلا عن كونه بمقدار يخرجه عن حد الفقر فإنه يكفي في حفظ النفس تحصيل قوت يسد به رمقه لدى احتياجه إليه بنحو من الانحاء سواء كان
بالاكتساب أو بالاستدانة أو الاستعطاء من أصدقائه أقاربه أو ساير المسلمين أو الالتقاط من حشيش الأرض أو بيع داره أو شئ من مستثنيات الدين
أو غير ذلك من طرق التحصيل وقد حققنا لدى التكلم في حرمة إراقة الماء قبل الوقت أو بعده في مبحث التميم من كتاب الطهارة أنه لا يتنجز التكليف بشئ
من المقدمات الوجودية للواجبات المطلقة أو المشروطة إلا بعد إحراز توقف الواجب على خصوص هذا الشئ وأنه لو أخل يتعذر عليه الخروج عن عهدة
ذلك التكليف فلا يتنجز عليه التكليف بالاكتساب مقدمة لحفظ نفسه إلا إذا علم بكون الاخلال به موجبا لتلفها ولا أقل من الظن بذلك ومتى أحرز ذلك
لم يجز له الاشتغال عنه بالواجبات العينية أيضا فضلا عن الكفائية وأما من لم يحرز ذلك بأن كان عنده في هذا اليوم بمقدار ما يسد به رمقه في يومه و
ليلته وأحتمل أن يرزقه الله تعالى في الغد أيضا مثل ما رزقه في هذا اليوم من حيث لا يحتسب جاز له ترك التكسب والاشتغال بالأعمال المباحة فضلا عن
المستحبة ولا سيما مثل تحصيل العلوم الدينية فلا مجال للارتياب في عدم اختصاص وجوب النفقة أو استحبابه بخصوص الأغنياء أو الفقراء العاجزين
عن الاكتساب الذين يحل لهم الصدقات بل هو عام لسائر المكلفين فإذا ترك القادر على الاكتساب كسبه وقنع بأقل قوت يقيم صلبه من حشيش وغيره وصبره
على الفقر والفاقة أو أشتغل بتهذيب أخلاقه بالرياضات والمجاهدات وتحصيل العلوم الدينية والعمل بالآداب الشرعية فقد زهد في دنياه وفاز في آخرته
فوزا عظيما فهذا مما لا مجال للارتياب في رجحانه فضلا عن جوازه ولكن لا ملازمة بينه وبين جواز أخذ الزكاة له إذ بعد فرض دلالة الدليل على عدم
حلية الصدقة لمن يقدر على اكتساب مؤنته على الاطلاق نلتزم بحرمتها عليه وإن أستحب له الاشتغال بطلب العلم وساير الاعمال المستحبة المستلزمة
لترك التكسب وحيث لا يجب عليه فعل المستحبات لا عقلا ولا شرعا لا ينفي ذلك قدرته على الاكتساب كي يحل له أخذ الصدقة فيصير حاله في تعيشه في الدنيا
كحال كثير من الفقراء المشغولين بطلب العلم الذين لا يعطيهم أحد من الزكاة وساير وجوه الصدقات شيئا ولا يموت أحد منهم من الجوع ولكن لمانع
أن يمنع إطلاق مانعية القدرة على التكسب عن أخذ الزكاة على وجه تناول مثل المقام فإن عمدة ما يصح الاستدلال به لذلك قوله عليه السلام في رواية
زرارة المتقدمة الواردة في تفسير الخبر النافي لحل الصدقة على المحترف والقوي وذي مرة سوي لا يحل له أن يأخذها وهو يقدر على أن يكف نفسه عنها
وهذا وإن كان بظاهره موهما لذلك ولكن الظاهر عدم إرادة مطلق القدرة منه بل كونه بالفعل لدى العرف متمكنا من القيام بنفقته ونفقة من يعوله
بحيث يراه العرف بحكم صاحب المال في كفايته بمؤنته كما يفصح عن ذلك صحيحة معاوية ورواية هارون بن حمزة المتقدمتان الدالتان على إناطة نفي الحلية
بالغني بالتقريب المتقدم فمثل طلبة العلم الذين جعلوا شغلهم التحصيل إذا قصروا لهم عن مؤنتهم غير مندرج في موضوع تلك القضية عرفا وقدرتهم على
أن يكفوا أنفسهم عن الزكاة باشتغالهم بالتكسب بعد أن اتخذوا تحصيل العلم حرفة لهم كقدرة أرباب الحرف والصنايع الذين يقصر ربحهم عن مؤنتهم على
كسب آخر واف بمؤنتهم غير ملحوظة لدى العرف فيما هو ملاك الفقر والغنى وليس للشارع اصطلاح خاص في هذا الباب والروايات النافية لحل الصدقة على
المحترف وذي مرة سوي مسوقة على الظاهر لبيان عدم الفرق في الغنى المانع عن حلية الصدقة بين كونه بالفعل أو بالقوة القريبة منه مثل أرباب الصنايع الذين
وظيفتهم التعيش بكسبهم لا مثل طلبة العلم الذين لا يراهم العرف كذلك فالأشبه جواز أخذ الزكاة لهم والله العالم ولو قصرت الحرفة أو الصنعة اللائقة
بحاله عن كفايته جاز له أن يتناولها بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن التذكرة إنه موضع وفاق بين العلماء وإنما الخلاف في تقدير الاخذ للقاصر فقيل
يعطي ما يتم كفايته لا أزيد وقيل ليس ذلك شرطا بل يجوز أن يعطي ما يغنيه ويزيد على غناه وقد نسب هذا القول إلى المشهور ومستنده إطلاق
89

الروايات الامرة بالأغنياء كصحيحة سعيد بن غزوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته كم يعطي الرجل الواحد من الزكاة قال أعطه حتى تغنيه وموثقة عمار
الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل كم يعطي الرجل من الزكاة فقال قال أبو جعفر عليه السلام إذا أعطيت فأعنه وموثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي
الحسن موسى (ع) أعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهما قال نعم وزده قلت أعطيه مأة قال نعم وأغنه إن قدرت على أن تغنيه وموثقته الأخرى قال قلت لأبي
عبد الله عليه السلام أعطي الرجل من الزكاة مأة درهم قال نعم قلت مأتين قال نعم قلت ثلاثمأة قال نعم قلت أربعمأة قال نعم قلت خمسمأة قال نعم حتى تغنيه وما
رواه الكليني بإسناده عن عاصم بن حميد عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن شيخا من أصحابنا يقال له عمر سئل عيسى بن أعين وهو محتاج فقال
له عيسى بن أعين أما إن عندي من الزكاة ولكن لا أعطيك منها فقال له ولم فقال لأني رأيتك اشتريت لحما وتمرا فقال إنما ربحت درهما فاشتريت بدانقين
لحما وبدانقين تمرا ثم رجعت بدانقين لحاجة قال فوضع أبو عبد الله عليه السلام يده على جبهته ساعة ثم رفع رأسه ثم قال إن الله تبارك وتعالى نظر في أموال
الأغنياء ثم نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به ولو لم يكفهم لزادهم بل يعطيه ما يأكل ويشرب ويكتسي ويزوج ويتصدق ويحج
إلى غير ذلك من النصوص المرخصة في الاغناء وأما القول الآخر فعمدة ما يصح الاستناد إليه هي إن الزكاة شرعت لسد فاقة الفقراء ورفع لحاجتهم و
هذا لا يقتضي استحقاق الفقير منها أزيد من مقدار كفايته بل يقتضي عدمه كما يؤيد ذلك بل يشهد له ما دل على أن الله فرض للفقراء في أموال الأغنياء
ما يكتفون به ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم فإنه يستفاد من مثل هذه الأخبار إن الله تعالى لم يجعل لهم أزيد من مقدار حاجتهم ويؤيده
أيضا الروايات الواردة في ذي الكسب القاصر مثل قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن وهب ويأخذ البقية من الزكاة وخبر هارون بن حمزة قال (ع) فلينظر ما
يفضل منها فيأكل هو ومن يسعه ذلك وليأخذ لمن لم يسعه من عياله وكذا قوله (ع) في موثقة سماعة إذا كان صاحب السبعمأة له عيال كثير فلو قسمها
بينهم لم تكفه فليعف عنها نفسه وليأخذها لعياله فإنه يستشعر من مثل هذه الأخبار بل قد يستظهر منها قصر الرخصة على أخذ البقية خاصة ويؤيده
أيضا ما دل حتى على إن الفقير الذي عنده قوت شهر أو شهرين له أن يأخذ قوت سنة معللا ذلك بأنها من سنة إلى سنة فإنه يفهم من التعليل المزبور نفي
استحقاق ما زاد عن سنة ويتوجه على جميع ما ذكر إنه لا ينبغي الالتفات إلى شئ من مثل هذه الاشعارات الغير البالغة مرتبة الدلالة في مقابل المعتبرة
المستفيضة المتقدمة ولو سلمت دلالتها على المدعي فغايتها الظهور الغير الناهض لمكافئة تلك الأخبار التي كادت تكون صريحة في جواز جمع الزائد
عن مؤنته كما ستعرف وقد يجاب عما ذكر بأنه لا منافاة بين هذه الروايات الظاهرة أو المشعرة بعدم جواز أخذ ما يزيد عن الكفاية وبين الروايات
المتقدمة التي جعل فيها الاغناء غاية للرخصة بل هي أيضا مؤيدة للمطلوب إذ الغنى يتحقق بدفع ما يكفي لمؤنته ولذا لا يجوز دفع ما زاد على هذا المقدار
ثانيا بعد أن دفع إليه أولا بمقدار كفايته فما زاد على هذا المقدار زائد عن حد الاغناء فلا تدل الروايات المزبورة على جوازه بل تدل على عدمه لزيادته
عن الحد المرخوص فيه ويدفعه أن المنساق من الاغناء المأمور به في تلك الأخبار هو الاغناء العرفي الرافع لحاجته عن تناول الصدقات مثل أن يعطيه
ضيعة أو عقارا أو مقدارا من المال الذي يتمكن معه من شراء مثل ذلك أو الاكتساب به على وجه يعد في العرف من الأغنياء الغير المحتاجين في مؤنتهم
إلى الغير لا الغنى المقابل للاحتياج الفعلي المانع عن أخذ الصدقات المقصود مدته على ما قبل أن يصرف شيئا من المال الموجب لغناء في نفقته إذ لا غنى
بمثل هذا الغنى الذي هو في معرض الزوال بمضي يوم أو يومين أو شهر أو شهرين عن الاحتياج إلى تناول الزكاة فلو سلم صحة إطلاق اسم الغنى عليه في
العرف فهو خارج عن منصرف إطلاقه جزما مع أن بعض الأخبار المزبورة كرواية أبي بصير نص في جواز أخذ الفقير من الزكاة زائدا عما يحتاج إليه في أكله
وشربه وكسوته بمقدار ما يتمكن من التزويج والصدقة والحج وذكر هذه الأمور في الرواية جار مجرى التمثيل أريد به بيان جواز تناول الفقير من الزكاة زائدا
عن ضروريات معاشه بمقدار ما يتمكن معه من القيام بمثل هذه المصارف العظيمة من غير ضرورة عرفية ملجأة إليها وكذا موثقة إسحاق المرخصة في
إعطاء الأربعمأة والخمسمائة فإنها تدل على إن المراد بالاغناء هو الاغناء العرفي الذي لا يتحقق عادة بإعطاء الخمسمأة لا مقدار الكفاية لمؤنة سنة الذي
كان الغالب حصوله في تلك الاعصار بأقل من ذلك خصوصا بالنسبة إلى ذي الكسب القاصر أو الواجد لبعض مؤنته هذا مع أن إطلاق الرخصة في إعطاء الخمسمأة
لرجل من غير استفصال عن زيادتها عن مؤنته بنفسه كاف في إفادة المدعى فلا ينبغي الاستشكال فيه خصوصا بعد اعتضاد ظواهر النصوص المزبورة بفهم
المشهور وفتواهم بل ربما يظهر من كلماتهم عدم الخلاف في جواز إعطاء الزائد عن كفاية سنة بالنسبة إلى الفقير الذي ليس له حرفة أو صنعة لائقة بحاله
وإنما الخلاف في ذي الكسب القاصر كما يشعر به عبارة المتن وغيره وقد حكي عن الشهيد في البيان أنه استحسن القول بالاقتصار على ما يتم كفايته ثم قال
وما ورد في الحديث من الاغناء بالصدقة محمول على غير المكتسب وأورد عليه في المدارك بأن هذا الحمل ممكن إلا إنه يتوقف على وجود المعارض و
لم نقف على نص يقتضيه نعم ربما أشعر به مفهوم قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن وهب ويأخذ البقية من الزكاة لكنها غير صريحة في المنع من الزائد
إنتهى أقول بل ولا ظاهرة فيه أيضا وإنما هو مجرد إشعار غير بالغ حد الدلالة وكذا رواية هارون بن حمزة المتقدمة كما تقدمت الإشارة إليه فلا
تنهضان شاهدا لارتكاب التقييد أو التخصيص في أخبار الاغناء مع ما فيها من قوة الدلالة على العموم بملاحظة ما فيها من ترك الاستفصال بل الظاهر كون
خبر أبي بصير واردا في ذي الكسب القاصر فإن قوله إنما ربحت درهما مشعر بكونه من أهل الكسب وكيف كان فالأظهر ما هو المشهور من عدم لزوم الاقتصار
على التهمة ولكن الاحتياط مما لا ينبغي تركه كما أن الأحوط إن لم يكن أقوى ترك الافراط في الاغناء بأن يعطي لواحد ما لا خطيرا زائدا عما يحتاج إليه
عادة في تعيشه فإنه خارج عن منصرف النصوص والفتاوى بل مناف لحكمة شرع الزكاة والله العالم ومن فروع هذا الباب إنه قد تحل الزكاة لصاحب الثلاثمأة
90

بل السبعمأة بل الثمانمائة بل الأزيد من ذلك إذا كان أصلها أو ربحها لا يقوم بمؤنته وتحرم على صاحب الخمسين فما دون إذا كان قادرا على الاكتساب
بها بمقدار كفايته اعتبارا بعجز الأول عن تحصيل الكافية وتمكن الثاني كما وقع التصريح بذلك في أخبار الباب كموثقة سماعة وغيرها من الروايات المتقدمة
ويعطى الفقير من الزكاة ولو كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه إذا كان لا غنى به عنهما بلا خلاف فيه على الظاهر بل الظاهر أن ذكر الدار أو الخادم
في المتن وغيره جار مجرى التمثيل لكل ما يحتاج إليه كأثاث البيت وثياب التجميل وفرس الركوب وكتب العلم وغير ذلك مما تمس الحاجة إليه ولا يخرج بملكه
عرفا عن حد الفقر إلى الغنى كما نص عليه في الجواهر وغيره ويدل عليه خبر عبد العزيز المتقدم في أوائل البحث لدى شرح حال الفقير والمسكين الذي وقع فيه التصريح بحمل
الزكاة للعباس بن الوليد الذي كان له دار تساوي أربعة آلاف درهم وجارية وغلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة فلا حظ ويشهد له
ما رواه الكليني في الصحيح عن عمر بن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما سئلا عن الرجل له دار أو خادم أو عبد أيقبل الزكاة قال نعم إن
الدار والخادم ليسا بمال إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه مضافا إلى ما أشرنا إليه من عدم الخروج بملك هذه الأشياء لدى احتياجه إليها
عن حد الفقر ما لم يكن زائدا عن مقدار حاجته ولو بملاحظة عزه وشرفه كما أشير إليه في خبر عبد العزيز المتقدم هذا وفي المدارك قال لو كانت دار السكنى
تزيد عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة حولا وأمكنه بيعها منفردة فالأظهر خروجه بذلك عن حد الفقر أما لو كانت حاجته تندفع بأقل منها قيمة
فالأظهر أنه لا يكلف بيعها وشراء الأدون لاطلاق النص ولما في التكليف به من العسر والمشقة وبه قطع العلامة في التذكرة ثم قال وكذا الكلام في
العبد والفرس ولو فقدت هذه المذكورات استثنى له أثمانها مع الحاجة إليها ولا يبعد الحاق ما يحتاج إليه في التزويج بذلك مع حاجته إليه إنتهى وهو
جيد ولكن ما ذكره في صورة زيادة دار سكناه عن حاجته إنما يتجه فيما إذا كان الزائد عن حاجته بحكم مال مستقل خارج عن محل سكناه وإلا فالغالب عدم احتياج
صاحب الدار إلى مساكنها وبيوتاتها وتمكنه من الاقتصار في تعيشه على نصف هذه الدار وبيع نصفها الاخر ولكن العرف يرى مجموعها دار سكناه التي
لا غنى به عنها ودلت النصوص والفتاوى على استثنائها كما أن ما ذكره من استثناء أثمان الدار وغيرها مما يحتاج إليه إنما يتجه فيما إذا لم ترتفع حاجته
إلا بالشراء وإلا فلو قدر على الاستيجار مثلا ولم يكن ذلك منافيا لعزه وشرفه وكان واجدا لما يفي بمؤنة سنة وأجرة ما يحتاج إليه من المسكن والخادم ونحوهما
فهو غني لا يحل له الصدقة وقياس ثمن الدار التي لا ينحصر رفع الحاجة في شرائها على دار سكناه التي هي بالفعل محل حاجته قياس مع الفارق كما يعرف ذلك بالالتفات
إلى ما ذكروه في باب الاستطاعة من الحج فلا حظ ولو أدعى الفقر فان عرف صدقة أو كذبه عومل بما عرف منه كما هو واضح ولو جهل الامر إن أعطي من غير يمين سواء
كان قويا أو ضعيفا على المشهور بل في الجواهر بلا خلاف معتد به أجده بل في المدارك هو المعروف من مذهب الأصحاب بل عن ظاهر المصنف في المعتبر والعلامة
في كتبه الثلاثة إنه موضع وفاق ولكن حكي عن الشيخ في المبسوط إنه قال لو ادعى القوي الحاجة إلى الصدقة لأجل عياله ففيه قولان أحدهما يقبل قوله بلا بينة
لأنه لا يتعذر وهذا هو الأحوط قال العلامة في محكي المختلف الظاهر أن مراد الشيخ بالقائل من الجمهور وكيف كان فقد استدل المصنف (ره) لقبول قوله في المعتبر
على ما حكي عنه بأنه مسلم أدعى أمرا ممكنا ولم يظهر ما ينافي دعواه فكان قوله مقبولا ومرجع هذا الدليل إلى دعوى حجية قول المدعي بلا معارض وهو على إطلاقه
بحيث يتناول مثل المقام ونظائره من الأمانات التي هي بالفعل في يد من هو مكلف بإيصاله إلى صاحبه محل نظر بل منع ومن هنا يظهر ضعف الاستشهاد للمدعي
بخبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت عشر كانوا جلوسا وفي وسطهم كيس فيه ألف درهم فسئل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس فقالوا كلهم لا
وقال واحد هو لي فلمن هو قال للذي ادعاه إذ لا يقاس ما نحن فيه بمسألة الكيس الذي لا يد لاحد عليه بالفعل ولا هو مضمون على أحد وعن العلامة في المنتهى إنه
استدل عليه بأنه أدعى ما يوافق الأصل وهو عدم المال وبأن الأصل عدالة المسلم فكأن قوله مقبولا وفيه أن كون ما يدعيه موافقا للأصل مع أنه غير مطرد
إنما يجدي في مقام الترافع لا في حجية قوله بحيث يصح الاعتماد عليه في الخروج عن عهدة حق الفقير الذي هو ملتزم بإيصاله إليه وأما ما قيل من أن الأصل عدالة
المسلم ففيه ما لا يخفى بعد ما تقرر في محله من أن العدالة صفة وجودية تحتاج إلى سبب ولا يكفي في تحققها مجرد ظهور الاسلام مع عدم تبين الفسق نعم
لو ادعى إن الأصل قبول قول المسلم وأريد منه القاعدة المستفادة من بعض الروايات الامرة بحمل فعل المسلم على أحسنه وعدم اتهامه بسوء وتصديقه فيما
يقول فله وجه وإن كان الأوجه قصور مثل هذه الأخبار عن إفادة المدعى كما تقرر في الأصول وعمدة ما يصح الاعتماد عليه في إثبات المدعى هي أن أخبار
الشخص بفقره أو غناه كأخباره بسائر حالاته من الصحة والمرض معتبر عرفا وشرعا وإلا فلا طريق لتعرف حاجة المحاجين في الغالب سوى إخبارهم فلو لم يقبل دعوى
الفقر من أهله لتعذر عليه غالبا إقامة البينة عليه أو إثباته بطريق آخر غيرها إذ الاطلاع على فقر الغير وعدم كونه مالكا لما يفي بمؤنته من غير استكشافه من ظاهر
حال مدعيه أو مقاله في الغالب من قبيل علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله فلو بني على الاقتصار في صرف الزكاة وساير الحقوق التي جعلها الله للفقراء على من
ثبت فقره بطريق علمي أو ما قام مقامه من بينة وشبهها لبقى جل الفقراء والمساكين الذين شرع لهم الزكاة محرومين عن حقوقهم وهو مناف لما هو المقصور
من شرعها بل لا ينسبق عرفا من الامر بصرف المال إلى الفقراء في باب الأوقاف والنذور ونظائرها الا إرادة صرفه فيمن يظهر من حاله أو مقاله دعوى الفقر
كأرباب السؤال ونظائرهم لا على أن يكون لدعوى الفقر من حيث هي اعتبار في أصل الاستحقاق بحيث لو كانت مخالفة للواقع لكان المال حلالا له بل من
حيث الطريقية ولذا استقرت السيرة خلفا عن سلف على صرف الصدقات فيمن يدعي الاستحقاق من غير مطالبته بالبينة وكفاك شاهدا على ذلك
الآثار الحاكية للقضايا الصادرة عن الأئمة عليهم السلام في صدقاتهم مثل خبر عبد الرحمن العرزمي المروي عن الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال جاء رجل إلى الحسن و
الحسين عليهما السلام وهما جالسان على الضفاف فسألهما فقالا إن الصدقة لا تحل الا في دين موجع أو غرم مقطع أو فقر مدقع ففيك شئ من هذا قال نعم فأعطياه وقد
91

كان الرجل سئل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه ولم يسئلا عن شئ فرجع إليهما فقال لهما مالكما لم تسئلاني عن حالي كما سئلني الحسن والحسين
عليهما السلام وأخبرهما بما قالا فقالا إنهما غذيا بالعلم غذاء والمستفيضة الواردة فيمن أهدى جارية البيت حيث ورد فيها أنها تباع ويؤخذ ثمنها وينادى
على الحجر الأهل من منقطع ومن نفدت نفقته أو قطع عليه فليأت فلانا وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفذ ثمن الجارية وما في بعضها من الامر بالسؤال عنهم
بعد أن أتوه لعله لتحقيق أنهم من الزوار دون المجاورين والخدمة الذين دلت الرواية على عدم استحقاقهم منها شيئا إلى غير ذلك من الروايات التي يقف عليها
المتتبع فهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه فما في المدارك من الاستشكال فيه فقال ما لفظه و المسألة محل إشكال من اتفاق الأصحاب ظاهرا على جواز الدفع إلى
مدعي الفقر إذا لم يعلم له أصل مال من غير تكليف له ببينة ولا يمين وورود بعض الأخبار بذلك وإن ضعف سندها وكون موافقة الدعوى للأصل و
استلزام التكليف بإقامة البينة على الفقير الحرج والعسر في أكثر الموارد مع خلو الاخبار من ذلك بل ورود الامر بإعطاء السائل ولو كان على ظهر فرس ومن إن
الشرط اتصاف المدفوع بأحد الأوصاف الثمانية فلا بد من تحقيق الشرط كما في نظائره والاحتياط يقتضي عدم الاكتفاء بمجرد الدعوى إلا مع عدالة المدعي أو
الظن بصدقه إنتهى لعله في غير محله وإلا فعدالة المدعي أو الظن بصدقه لا يجدي في تصديقه إذ لا شاهد عليه كما في غيره من الموارد وكذا لو كان له أصل مال وأدعى تلفه
أعطي من غير يمين كما هو المعروف أيضا بين الأصحاب على ما أعترف به في الجواهر لما عرفته في غيره وقيل بل يحلف على تلفه لأصالة بقائه وهذا القول منقول عن الشيخ
وهو ضعيف إذ لم يثبت اعتبار اليمين في غير الموارد التي يتوقف عليها قطع الخصومات وعن المصنف في المعتبر إنه حكى عن الشيخ أنه لم يكتف باليمين بل قال إنه يكلف
بالبينة وفيه ما عرفت من استلزامه حرمان جل المستحقين وغير ذلك مما عرفت ولا يجب إعلام الفقير إن المدفوع إليه زكاة لحصول إطاعة الامر بالزكاة بإيصالها
إلى مستحقها سواء عرف المستحق وجه أم لا فلو كان ممن يترفع ويستحى من قبولها بأسم الزكاة وهو مستحق جاز صرفها إليه على وجه الصلة ظاهر أو الزكاة
واقعا بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى الأصل خبر أبي بصير المروي عن الكافي قال قلت لأبي جعفر الرجل
من أصحابنا يستحيي أن يأخذ الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا أسمى له أنها من الزكاة فقال أعطه ولا تسم ولا تذل المؤمن ولكن قد ينافيه ما في الصحيح أو
الحسن عن محمد بن مسلم قال قلت لأبي جعفر عليه السلام الرجل يكون محتاجا فنبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض
أفنعطيها إياه على غير ذلك الوجه وهي منا صدقة فقال لا إذا كانت زكاة فله أن يقبلها فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه وما ينبغي له أن يستحيي مما
فرض الله عز وجل إنما هي فريضة الله فلا يستحيي منه وقد حمل صاحب المدارك وغيره هذه الرواية على الكراهة وأعترف في الجواهر بعدم وجدان عامل به بظاهره
أقول هذه الرواية بظاهرها واردة فيمن يترفع ويستنكف عن قبول الصدقة ويردها إذا علم بكونها صدقة وحيث إن له الخيار في قبول الصدقة وعدمه
وهو يردها ولا يرضى بقبولها أشكل الالتزام بصحة الصدقة وحصول الاجزاء بإيصالها إليه بوجه آخر على سبيل التلبيس مع عدم طيب نفسه بقبولها على ما
هي عليه فيمكن إبقاء النهي حينئذ على حقيقته والجمع بينها وبين رواية أبي بصير بصرف تلك الرواية إلى غير هذه الصورة لو لم نقل بانصرافها في حد ذاتها عنها كما
أن كلمات الأصحاب المصرحين باستحباب إيصالها بصورة الصلة إلى المستحي من أخذها بصورة الزكاة أيضا كذلك نعم إن قلنا بعدم كون الكراهة
التقديرية الحاصلة في مثل المقام مانعة عن صيرورتها بالفعل ملكا بقبضها والاستيلاء عليها على جهة الملكية جهلا بحقيقتها اتجه حمل النهي
على الكراهة والارشاد إلى أولوية إعطائها لمن تطيب نفسه بقبولها ويشكر الله على ما فرضه في أموال الأغنياء إذ الالتزام بحرمته تعبدا مع مخالفته
للأصل وإطلاقات أدلة الزكاة وعدم معروفية القول به من أحد لا يخلو من إشكال ولو دفعها على إنه فقير فبان غنيا ارتجعت مع التمكن مع بقاء
العين أو تلفها إن علم القابض بكونها زكاة لحرمتها على الغني فيجب عليه رد عينها مع البقاء ومثلها أو قيمتها مع التلف كما هو مقتضى قاعدة اليد سواء
علم بحكمه التكليفي أي حرمة الزكاة عليه أم جهله إذ لا أثر للجهل بالحكم الشرعي في رفع الضمان وإن كان جاهلا بكونها زكاة فإن كانت العين باقية ارتجعت
أيضا كما في صورة العلم بكونها زكاة سواء صرفها إليه على وجه الصلة أو الصدقة المندوبة التي لا يشترط فيها الفقراء أو أجمل وجهها أو بينه
وصرح بكونه زكاة ولكن خفى ذلك على القابض لعدم صيرورتها ملكا له في الواقع بعد إن كان الدافع ناويا بفعله الزكاة وإظهار خلاف وجهها الواقعي
ككونها هبة أو صدقة يجعله معذورا في التصرف وإتلافها لا في صيرورتها ملكا له في الواقع كي لا يجوز لمالكها الارتجاع ولذا لو اطلع على ما في ضميره لم
يحل له التصرف فما عن المصنف في المعتبر من القطع بعدم جواز ارتجاع العين معللا بأن الظاهر كونها صدقة أي مندوبة وعن المنتهى أيضا ذلك معللا
بأن الدفع محتمل للوجوب والتطوع محل نظر إذ التعويل على الظاهر فضلا عن الاحتمال إنما هو في مرحلة الظاهر ما لم يعلم بمخالفته للواقع والكلام إنما هو في
تكليف الدافع الذي صرف زكاته إلى من زعم أنه فقير فبان غنيا فكون فعله في الظاهر صدقة أو هبة غير موجب لصيرورة ما دفعه إليه بقصد الزكاة ملكا له
في الواقع حتى لا يجوز له الارتجاع بعد أن انكشف له فساد الدفع نعم قد يقال فيما لو دفعها إليه على وجه الصلة ثم ادعى كونها زكاة وأنكره القابض يتقدم
قول القابض أما لكونه مدعيا للصحة أو لموافقته للظاهر وهذا على تقدير صحته أجنبي عن المقام ويمكن أن يكون حكم المصنف (ره) بعدم جواز الارتجاع
بملاحظة تكليفه في مرحلة الظاهر بعد فرض كون خصمه ممتنعا عن الرد أخذا بظاهر فعله فليتأمل وإن كانت العين تالفة وكان الايصال إليه على وجه
الصلة ونحوها لم يضمنها لكونه مغرورا بفعل الدافع فليس له تغريمه بخلاف ما لو لم يكن له وجه ظاهر بل كان محتملا للزكاة وغيره فترك الفحص عن حالها و
أتلفها إذ المتجه حينئذ الحكم بالضمان لانتفاء الغرور من قبل الدافع المانع عما يقتضيه قاعدة الاتلاف وإن تعذر ارتجاعها كانت ثابتة في ذمة الاخذ
ولم يلزم الدافع ضمانها سواء كان الدافع المالك أو الإمام (ع) أو الساعي أما إن كان الدافع هو الإمام عليه السلام أو الساعي وشبهه من نائبه الخاص أو العام فما
92

لا إشكال بل لا خلاف فيه على الظاهر المصرح به في محكى المنتهى لان يده يد أمانة وإحسان فلا يتعقبه ضمان ما لم يكن هناك تعدا أو تفريط وقد رخص شرعا في دفعها
إلى من ثبت لديه فقره بطريق ظاهري وقد عمل على وفق تكليفه فإن كان ذلك الشخص فقيرا في الواقع فقد وصل الحق إلى مستحقه وإلا فقد صار مال الفقير
لديه بأمر الشارع الذي هو أقوى من إذن المالك فهو المطالب به بالفعل دون من كان في يده سابقا و خرج منها بلا تعد وتفريط فلا مقتضى هاهنا لضمان
الدافع بعد أن لم يكن يده يد ضمان ولم يصدر منه تعد أو تفريط فما يستشعر من كلام شيخنا المرتضى (ره) حيث إنه بعد أن علل الحكم ببضع الوجوه القابلة
للمناقشة قال والأجود الاعتماد على الاجماع من أنه لولا الاجماع لكان محلا للتأمل لا يخلو من نظر فليتأمل وأما إن كان الدافع هو المالك ففي
أجزائه أقوال ثالثها التفصيل بين ما إذا اجتهد فأعطى فلا ضمان وبين ما إذا أعطى اعتمادا على مجرد دعوى الفقر أو أصالة عدم المال فيضمن ولا منافاة
بين الضمان وكونها مأذونا في الدفع كما في ساير موارد تخلف الطرق الظاهرية عن الواقع في الموضوعات الخارجية مثل ما لو كان عليه دين أزيد وهو
لا يعرف شخصه فشهدت البينة بأن هذا أزيد فدفع إليه المال ثم انكشف الخلاف حجة القول بالاجزاء مطلقا أنه فعل المأمور به وهو الدفع إلى من يظهر
منه الفقر إذ الاطلاع على الباطن متعذر وأمثال الامر الاجزاء ومنه أن المأمور إنما هو أيضا شئ من ما له إلى الفقراء والمساكين ولم يحصل وتعذر
الاطلاع على الباطن أوجب صحة التعويل على هذا الظاهر ورضى الشارع به إي الرخصة في ترتيب إثر الواقع على هذا الظاهر ما لم ينكشف الخلاف كما هو
الشأن في سائر الامارات المنصوبة شرعا لتشخيص الموضوعات الخارجية كالبينة وأخبار صاحب اليد ونحوهما ولدى انكشاف مخالفتها للواقع يؤثر
الواقع أثره كما في المثال المتقدم والفرق بين دفع الامام والمالك حيث التزمنا في الأول بعدم الضمان دون الثاني ما تقدمت الإشارة إليه من أن
حق الفقراء بصرفه إلى الإمام عليه السلام أو نائبه يتشخص فيما صرف إليه لولايته عليهم فلو غصبه ثالث ينتقل ما يستحقه الفقير بعينه عند ذلك الثالث فلو
صدر من النائب تعد أو تفريط بحيث صارت يده عادية كما لو دفعه عمدا إلى غير المستحق وجب عليه ما دام بقاء العين أن يدفع عنها بدل الحيلولة وهذا
بخلاف ما إذا كان الدافع هو المالك فإن ما دفعه إلى الغني بأسم الزكاة لم يخرج عن ملكه بل هو باق على ما كان عليه وقد كانت يده عليه يد مالكيته فإن
تمكن من ارتجاعه لم يجب عليه ذلك بل يجوز له إخراج الفريضة من الباقي إصالة لا بدلا عما دفعه إلى الغني نعم لو قيل إنه متى عين المالك زكاة ماله في عين
صرفها إلى مستحقه أو مطلقا يتعين زكاته فيما عنيه فتبقى العين في يده أمانة حتى يوصلها إلى مستحقها اتجه القول بنفي ضمان المالك أيضا كما هو مختار
المصنف وغيره لعين ما مر ولكن المبنى ضعيف لانتفاء ما يدل عليه كما سيأتي لذلك مزيد توضيح وتحقيق في مسألة ما لو عزلها فتلفت بلا تعد أو تفريط فالأقوى
ما قواه في الجواهر وشيخنا المرتضى (ره) في مصنفاته وفاقا للمحكي عن المفيد وأبي الصلاح الحلبي من القول بعدم الاجزاء مطلقا ويدل عليه أيضا مضافا إلى
الأصل وعموم ما دل على إنها بمنزلة الدين وإن الموضوع من الزكاة في غير موضعها بمنزلة العدم ومفهوم العلة الواردة لوجوب إعادة المخالف زكاته
بأنه لم يضعها في موضعها خصوص مرسلة الحسين بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل يعطي زكاة ماله رجلا وهو يرى إنه معسر فوجده موسرا قال لا يجزي
عنه واستدل للقول بالتفصيل بين صورة الاجتهاد وعدمه المنسوب إلى جماعة بل في الجواهر لعله المشهور بين المتأخرين بأنه أمين فيجب عليه الاستظهار
وفحوى أو إطلاق الحسن أو الصحيح عن عبيد بن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل عارف أدى الزكاة إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤيدها ثانية
إلى أهلها إذا علمهم قال نعم قال قلت فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها أو لم يعلم إنها عليه فعلم بعد ذلك قال يؤديها إلى أهلها لما مضى قال قلت فإن
لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو بأهل وقد كان طلب وأجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع قال ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى وعن الشيخ في التهذيب إنه
قال وعن زرارة مثله غير إنه قال إن اجتهد فقد برء وإن قصر في الاجتهاد والطلب فلا وأورد عليه في المدارك بما لفظه ويتوجه على الأول إنه إن أريد
بالاجتهاد القدر المسوغ لجواز الدفع ولو بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلا أن مثل ذلك لا يسمى اجتهادا ومع ذلك فيرجع هذا التفصيل
بهذا الاعتبار إلى ما أطلقه الشيخ في المبسوط من انتفاء الضمان مطلقا وإن أريد به البحث عن حال المستحق زيادة على ذلك كما هو المتبادر من لفظ
الاجتهاد فهو غير واجب إجماعا على ما نقله جماعة وعلى الروايتين إن موردهما خلاف محل النزاع لكنها تدلان بالفحوى على انتفاء الضمان مع الاجتهاد
في محل النزاع وأما الضمان مع انتفاء الاجتهاد فلا دلالة هما عليه في المتنازع بوجه إنتهى وهو جيد عدى إن ما أعترف به من دلالة الروايتين على
انتفاء الضمان مع الاجتهاد في محل النزاع لا يخلو من نظر لان المراد بغير الأهل بحسب الظاهر الغير العارف فالروايتان بظاهرهما تدلان على إن
من دفع زكاته إلى غير العارف عند عدم وجدان العارف مع الطلب والاجتهاد لا بدونه أجزئه ذلك ولا إعادة عليه فإن جوزنا العمل بهذا الظاهر
كما سيأتي التكلم فيه فهي مسألة أخرى لا ربط لها بصورة الخطاء في تشخيص المستحق الذي هو محل الكلام كما لا يخفى ويحتمل أن يكون المراد بقوله فإن لم
يعلم أهلها الشبهة الموضوعية أي لم يعرف أهلها فدفعها إلى من ليس بأهل اشتباها بزعم كونه أهلا فيتناول على هذا بإطلاقه محل النزاع لو لم نقل
بانصرافه بشهادة السياق إلى إرادة الاشتباه من حيث كونه عارفا فالذي كان إحرازه في تلك الاعصار محتاجا إلى الفحص والاجتهاد لا من حيث الفقر الذي
يسمع دعواه من مدعيه فيتحقق حينئذ المعارضة بينه وبين مرسلة الحسين في مادة اجتماعهما وهو الاشتباه في الأهلية من حيث الفقر مع الاجتهاد ولا يخفى
عليك إن شمول المرسلة لهذا المورد أوضح من شمول الحسنة له بعد تسليم أصله والغض عما أشير إليه وعلى تقدير التكافؤ بحسب الرجوع إلى الأصول والقواعد
القاضية بعدم تحقق الفراغ عن عهدة التكليف بالزكاة إلا بوضعها في موضعها فالقول بعدم الاجزاء مطلقا ولو مع الاجتهاد هو الأشبه وكذا
الكلام فيما لو بان إن المدفوع إليه كافرا أو فاسق بناء على إشتراط العدالة فيه أو ممن تجب عليه نفقته أو هاشمي وكان الدافع من غير قبيلة لاتحاد
93

الجميع فيما تقدم من الأدلة كما أعترف به في الجواهر لكن عن ظاهر بعض متأخر المتأخرين إطباق الأصحاب هنا على عدم الضمان فإن تم الاجماع فهو وإلا فالقول
بالضمان مطلقا عند انكشاف عدم وصول الحق إلى مستحقيه سواء كان لأجل تخلف وصف الفقراء أو غير ذلك من الأوصاف المعتبرة فيه من الايمان وغيره هو
الأشبه اللهم إلا أن يقال إن المنساق من الامر بصرف الزكاة إلى أهل الولاية أو العدالة بل وكذا إلى الفقراء والمساكين أو غير ذلك من المتصفين بأوصاف
لا طريق للمكلف إلى العلم بواقعها إرادة الموصوفين بها في الظاهر لا على أن يكون للموصوفين بها موضوعية لهذا بحيث يجوز الصرف إليهم ولو مع العلم
بمخالفته الظاهر للواقع بل من باب الطريقية لواقعة كما تقدمت الإشارة إليه في أوائل المبحث ولكن انحصار الطريق فيه لدى العرف والعقلاء وتعذر التكليف
بالمتصفين بها في الواقع لا من هذا الطريق أوجب صرف أدلة التكاليف إلى إرادة الموصوفين بها في الظاهر ولذا ينسبق من الامر بإحضار الفقراء أو المؤمنين
أو العدول أو بني هاشم مثلا أو الامر بإكرامهم أو صرف ثلث ما له فيهم من باب الوصايا والنذور وإرادة من كان في الظاهر مندرجا تحت هذه العناوين بالطرق
الظاهرية المقررة لدى العرف والعقلاء في تشخيص مثل هذه العناوين ومقتضاه حصول الاجزاء في الواقع بموافقة ما أدى إليه الطرق الظاهرية التي يعول عليها
عرفا وشرعا في تشخيصهم ولا ينافي ما تقرر في محله من إن الامر الظاهري لا يقتضي الاجتزاء بموافقته عن الواقع لدى التخلف عنه بل المعذورية في امتثال الواقع
ما لم ينكشف الخلاف لان هذا فيما إذا كان هناك أمر واقعي وراء هذا الذي تحققت إطاعته والمفروض هنا إن المنساق من الامر الواقعي المتعلق بمثل هذه
العناوين التي لا طريق إلى إحرازها إلا بالطرق الظاهرية إنما هو إرادة الخروج عن عهدته بهذا الوجه أي المتبادر من الامر بدفع الزكاة إلى أهل الايمان والخمس إلى
بني هاشم التكليف بإيصالهما إلى الموصوفين بهذين العنوانين في الظاهر أصاب أم أخطأ وقد أتى بما كلف به فيكون مجزيا إلا أن يدل دليل تعبدي على خلافه
ولا ينافي ذلك الالتزام بوجوب ارتجاع العين مع الامكان لان ذلك بحكم العقل بعد الالتفات إلى تخلف الطريق عن الواقع وكونه قادرا على تداركه بارتجاع
الحق وايصاله إلى مستحقه والانصاف أن الدعوة المزبورة لا تخلو من وجاهة ولكن مقتضاها التفصيل في أوصاف المستحق بين ما كان من قبيل الايمان و
العدالة وغير ذلك من الأمور الخفية التي يتعذر الاطلاع على واقعها غالبا إلا بمقتضى الظاهر وبين ما كان من قبيل الاشتراط بالحرية وعدم كونه ممن تجب
نفقته عليه وغير ذلك مما لا مانع عن تعلق التكليف بواقعه كجل الموضوعات الخارجية التي أنيط بها أحكام واقعية اللهم إلا أن يتحقق الاجماع على عدم
الفرق كما يظهر من كلماتهم التسالم على الاجزاء في الجميع عدا إنهم استثنوا من ذلك ما لو دفعها إليه بزعم كونه حرا فبأن إنه عبده معللا ذلك بعدم تحقق
الاخراج عن الملك المعتبر في إعطاء الزكاة وهو لا يخلو من مناقشة ولكن الحكم موافق للأصل ثم إن مقتضى ما قررناه الالتزام في المسألة الأولى أيضا
أي فيما لو بان إن المدفوع إليه غني بعدم الضمان لولا النص الخاص الدال عليه وهي مرسلة الحسين المتقدمة ولكن بعد البناء على مخالفة الضمان القاعدة
الاجزاء يشكل إثباته بمثل هذه المرسلة القابلة للصرف إلى صورة الاعتماد على الظن الناشئ من الحدس والتخمين الغير المستند إلى دعوى مدعية أو بينة وشبهها
كما ربما يستشعر ذلك من سوق السؤال فالقول بنفي الضمان في غير مثل الفرض في تلك المسألة أيضا لعله أشبه والله العالم ومن الأصناف المستحقين للزكاة
العاملون عليها بنص الكتاب وهم عمال الصدقات أي الساعون في تحصيلها وتحصينها بأخذ وكتابة وحساب وحفظ ونحو ذلك المنصوبون من قبل
الامام وقد صرح المصنف (ره) وغيره بأنه يجب أن يستكمل فيهم أربع صفات التكليف والايمان والعدالة والفقه ولكن لو اقتصر في الأخير على ما يحتاج
إليه منه جاز في المدارك قال لا ريب في اعتبار واستجماع العامل لهذه الصفات لان العمالة تتضمن بالاستيمان على مال الغير ولا أمانة لغير العدل ولقول
أمير المؤمنين عليه السلام في الخبر المتقدم يعني صحيحة معاوية الطويلة الواردة في آداب المصدق المنقولة عن الكافي فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا
أمينا حفيظا وإنما يعتبر الفقه فيمن يتولاه ما يفتقر إليه والمراد منه معرفته بما يفتقر إليه من قدر الواجب وصفته ومصرفه ويختلف ذلك باختلاف حال
العامل بالنسبة إلى ما يتولاه من الاعمال ويظهر من المصنف في المعتبر الميل إلى عدم اعتبار الفقه في العامل والاكتفاء فيه بسؤال العلماء وأستحسنه في البيان
ولا بأس به إنتهى أقول قد يظهر من كلماتهم التسالم على اعتبار هذه الشرائط فإن تم الاجتماع عليه كما أدعى فيما عدى الأخير منها فهو وإلا فالأظهر إناطته منظر الوالي
فإن كان الامام الأصل فهو أعرف بتكليفه ولا مجال لنا في البحث عن ذلك وإن كان غيره كالفقيه في زمان الغيبة إذا رأى صبيا أو فاسقا بصيرا
بالأمور حاذقا بأمر السياسة والرياسة وجزم بكونه ناصحا أنيقا أمينا حفيظا وإن كان فاسقا غير متحرز عن جملة من المعاصي الغير المتعلقة بعمله فلا مانع
عن نصبه لجباية الصدقات وضبطها وكتابتها وغير ذلك مما يتعلق بذلك إذا رأى المصلحة في ذلك ويعتبر في العامل الذي يستحق من الزكاة إذا لم يكن الزكاة
من الهاشميين أن لا يكون هاشميا لان زكاة غير الهاشميين محرمة على بني هاشم كما يدل عليه مضافا إلى العمومات التي ستعرفها في محلها خصوص صحيحة العيص بن
القسم عن أبي عبد الله (عليه السلام قال إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله
عز وجل للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكن قد وعدت الشفاعة وعن الشيخ في
المبسوط إنه حكى عن قوم جواز كون العامل هاشميا لأنه يأخذها على وجه الأجرة كسائر الإجارات وهو ضعيف محجوج بما عرفت مع أن ما ذكره
من إن ما يأخذه العامل يأخذه من باب الأجرة ممنوع بل من باب أن الله تعالى جعل للعاملين عليها سهما من الصدقة باعتبار عمله فعمله شرط في صيرورته مستحقا
لهذا السهم نظير استحقاق المقاتلين سهامهم من الغنيمة وهي ليست بأجرة بل حقا ناشئا من عملهم متعلقا بالمال الذي حصل بأيديهم من فعلهم هذا
مضافا إلى شذوذ هذا القول بل لا يعرف لون قائله منا بل عن العلامة في المختلف إنه قال والظاهر أن القوم الذي نقل الشيخ عنهم من الجمهور إذ لا
اعرف قولا لعلمائنا في ذلك وفي اعتبار الحرية تردد في المدارك قال أختلف الأصحاب في اعتبار هذا الشرط فذهب الشيخ إلى اعتباره واستدل له في المعتبر
94

بأن العامل يستحق نصيبا من الزكاة والعبد لا يملك ومولاه لم يعمل ثم أجاب عنه بأن عمل العبد كعمل المولى وقوى العلامة في المختلف عدم اعتبار هذا الشرط
لحصول الغرض بعمله ولان العمالة نوع إجارة والعبد صالح لذلك مع إذن سيده ويظهر من المصنف (ره) في المعتبر الميل إليه ولا بأس به إنتهى وهو جيد
خصوصا على ما نفيا البعد عنه من جواز ملك العبد إذا كان بأذن سيده اللهم إلا أن يتمسك لعدم جواز صرف سهم العاملين عليها إليه بإطلاق قوله عليه السلام في
حديث إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا ويمكن الخدشة فيه بأن المنساق منه الاعطاء مجانا من حيث الفقر كما يومي
إليه قوله عليه السلام في خبر عبد الله بن سنان الواردة في المملوك ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا فليتأمل والامام مخير بين أن يقرر لهم جعالة مقدرة أو أجرة
عن مدة مقدرة وبين أن لا يجعل لهم شيئا من ذلك فيعطيهم ما يراه ولعل الأخير أولى كما يدل عليه ما عن الكليني في الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال قلت ما يعطى للمصدق قال ما يرى الامام و لا يقدر له شئ ويحتمل ان يكون المراد بقوله (ع) ولا يقدر له شئ إنه لم يجعل له في الشرع حد مضبوط والله العالم
والثالث من الأصناف أو الرابع المؤلفة قلوبهم وقد أختلف الكلمات في شرح المؤلفة قلوبهم وإن التأليف الموجب لاستحقاق هذا السهم هل
هو مخصوص بالكفار أم شامل للمسلمين أيضا ففي المتن فقال وهم الكفار الذين يستمالون إلى الجهاد ولا نعرف مؤلفة غيرهم وعن الشيخ في المبسوط نحوه بأدنى
إختلاف في التعبير قال فيما حكي عنه والمؤلفة قلوبهم عندنا هم الكفار الذين يستمالون بشئ من مال الصدقات إلى الاسلام ويتألفون ليستعان بهم
على قتال أهل الشرك ولا نعرف لأصحابنا مؤلفة أهل الاسلام وقد حكى عن كثير من الأصحاب بل ربما نسب إلى المشهور وتفسيره بالذين يستمالون من الكفار
استعانة منهم على قتال أهل الحرب وحكى عن المفيد (ره) إنه قال المؤلفة قلوبهم من أظهر الدين بلسانه وأعان المسلمين وإمامهم بيده وكان معهم إلا قلبه وأختاره في الحدائق اختصاصه
بمن ظاهره الاسلام استنادا إلى ما يترائى من الأخبار الواردة في هذه الباب فقد عقد في الكافي لذلك بابا فقال باب المؤلفة قلوبهم وأورد فيها جملة من
الاخبار منها ما رواه في الصحيح أو الحسن عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن قوله الله عز وجل والمؤلفة قلوبهم قال هم قوم وحدوا الله عز وجل
وخلعوا عبادة من يعبد من دون الله وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وهم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله
أن يتألفهم بالمال والعطاء لكي يحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه وأقروا به فإن رسول الله صلى الله عليه وآله يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش و
مضر منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فأنطلق بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
بالجعرانة فقال يا رسول الله أتأذن لي في الكلام فقال نعم فقال إن كان هذا الامر في هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزل الله رضينا وإن كان
غير ذلك لم نرض قال زرارة وسمعت أبا جعفر عليه يقول فقال رسول الله صلى الله عليه وآله يا معشر الأنصار أكلكم على قول سيدكم سعد فقالوا سيدنا الله ورسوله ثم
قال في
الثالثة نحن على مثل قوله ورأيه قال زرارة وسمعت أبا جعفر يقول فحط الله نورهم وفرض للمؤلفة قلوبهم سهما في القران وما رواه أيضا عن زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ولم تدخل المعرفة في قلوبهم إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم و
يعرفهم كيما يعرفوا ويعلمهم وعنه أيضا عن أبي جعفر عليه السلام قال المؤلفة قلوبهم لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم وما رواه عن موسى بن بكير عن رجل قال قال أبو جعفر (ع)
ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم وهم قوم وحدوا الله تعالى وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمد صلى الله عليه وآله قلوبهم وما جاء به فتألفهم رسول الله صلى الله عليه وآله
وتألفهم المؤمنون بعد رسول الله صلى الله عليه وآله لكي ما يعرفوا وعن علي بن إبراهيم في تفسيره نقلا عن العالم في المؤلفة قلوبهم قال هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة
من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتألفهم ويعلمهم ويعرفهم كي ما يعرفوا فجعل لهم نصيب في الصدقات لكي يعرفوا
ويرغبوا في الحدائق بعد نقل الاخبار المزبورة قال وهذه الأخبار كما تراها ظاهرة في إن المؤلفة قلوبهم قوم مسلمون قد أقروا بالإسلام ودخلوا فيه لكنه
لم يستقر في قلوبهم ولم يثبت ثبوتا راسخا فأمر الله تعالى نبيه بتألفهم بالمال لكي تقوى عزائمهم وتشتد قلوبهم على البقاء على هذا الدين فالتأليف إنما هو لأجل
البقاء على الدين والثبات عليه لا لما زعموا من الجهاد كفارا كانوا أو مسلمين وأنهم يتألفون بهذا السهم للجهاد إنتهى أقول الذي يظهر بالتدبر في الآثار
والاخبار وكلمات الأصحاب أن المؤلفة قلوبهم الذين جعل لهم نصيبا من الصدقات أعم من الجميع بل يتناول أيضا الكفار الذين يقصد بتأليف قلوبهم
دخولهم الاسلام ولكن لا يترتب على تحقيق ذلك ثمرة مهمة بعد ما تقرر من إنه يجوز للوالي أن يصرف من الزكاة إلى مثل هذه الوجوه التي فيها تشييد للدين
وإنه لا يجب التوزيع والبسط على الأصناف غاية ما في الباب إنه لو لم يكن الكافر الذي يتألف قلبه إلى الاسلام أو إلى الجهاد مندرجا في موضوع المؤلفة قلوبهم
الذين جعل لهم هذا السهم كما زعمه صاحب الحدائق اندرج ما يصرف إليه بهذا الوجه في سهم سبيل الله كما ستعرف وكذا البحث عن سقوط هذا السهم بعد
النبي صلى الله عليه وآله بناء على اختصاصه بالكفار الذين يستمالون إلى الجهاد كما لا يخفى ومن جملة مصارف الزكاة الصرف في الرقاب وتغيير الأسلوب
بإقحام كلمة في باعتبار إن هذا الصنف لا يستحقون ملك الزكاة بل الصرف في فكاك رقابهم وهم عند المصنف (ره) وغيره بل لعله الأشهر أو المشهور ثلاثة المكاتبون
والعبيد الذين تحت الشدة والعبد يشترى ويعتق وأن لم يكن في شدة ولكن بشرط عدم المستحق في المدارك قال أما جواز الدفع من هذا السهم إلى المكاتبين و
العبيد أكانوا في ضرر وشدة فهو قول علمائنا وأكثر العامة لظاهر قوله تعالى وفي الرقاب والمراد إزالة رقها فيتناول الجميع قال في المعتبر وإنما شرطنا الشدة و
الضرر لما رواه الأصحاب عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام في الرجل يجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة ويعتقها فقال إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم ثم قال إلا
أن يكون عبدا مسلما في ضرورة يشتريه ويعتقه وهذه الرواية أوردها الشيخ في الصحيح عن عمرو بن أبي نصر عن أبي عبد الله عليه السلام إنتهى ما في المدارك أقول
95

الظاهر أن روايتها عن عمرو بن أبي نصر اشتباه فنشأ من تحريف النساخ كم نبه عليه في الحدائق حيث ذكر إن هذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب عن الكافي
عن عمرو بن أبي نصر مع أن الموجودة في الكافي عن عمرو بن أبي بصير وقد أغتر صاحب المدارك بفعل صاحب التهذيب لها بهذه الكيفية فنظمها في الصحيح أقول أما
متن الرواية ففي الكافي أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن عمرو عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمأة والستمأة
يشتري بها نسمة ويعتقها فقال إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم ثم مكث مليا ثم قال إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه ويظهر من
الوسائل إن الشيخ في التهذيب رواها عن الكافي هكذا وكيف كان فقضية الجمع بين هذه الرواية وبين الآية الشريفة وغيرها من الروايات التي دلت بظاهرها
على جواز صرف الزكاة في فك الرقاب تقييد الرقاب بالإسلام والضرورة التي عبر عنها الأصحاب بكونها تحت الشدة إن قلت إن هذه الرواية بمقتضى
التعليل الوارد فيها إنما تقتضي المنع عن صرف الجميع في فك رقبة واحدة فلا تدل على المنع عن صرف سهم الرقاب فيه من غير اشتراطه بالضرورة مع توزيع الباقي
على مستحقيه بل مشعرة بخلافه قلت ستعرف إن الأصناف المذكورين في الآية مصارف للزكاة لا إن لكل صنف منهم سهما مخصوصا به وإلا لم يكن صيرورة بعض
من صنف في شدة مسوغا لصرف الحق المخصوص بمن عداه فيه فليتأمل وأما جواز شراء العبد من الزكاة وعتقه وإن لم يكن في شدة بشرط عدم المستحق فقال
في محكي المعتبر أيضا إن عليه فقهاء الأصحاب ويدل عليه ما عن الكليني والشيخ في الموثق عن عبيد بن زرارة قال سئلت أبا عبد الله عليه عن رجل أخرج زكاة
ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده فأشتراه بتلك الألف الدرهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك
قال نعم لا بأس بذلك قلت فإنه لما أن أعتق فصار حرا اتجر واحترف فأصاب ما لا ثم مات وليس له وارث فيمن يرثه إذا لم يكن له وارث فقال يرثه الفقراء
المؤمنون الذين يستحقون الزكاة لأنه إنما أشتري بمالهم هذا مع أنه لا منافاة بينه وبين الرواية السابقة الدالة على إشتراط الضرورة فيه لأنها إنما دلت عليه
مع وجود المستحق لا مطلقا فيتجه حينئذ الاستدلال له أيضا بالاطلاقات المقتصرة في تقييدها على صورة وجود المستحق وأما جواز صرفها في المكاتب فالظاهر عدم
الخلاف فيه في الجملة بل ربما أدعى استفاضة نقل الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما عن الشيخ في التهذيب مسندا عن أبي إسحاق عن بعض أصحابنا عن الصادق
عليه السلام وعن ابن بابويه في الفقيه مرسلا عن الصادق عليه السلام قال سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها قال يؤدي عنه من مال الصدقة إن الله تعالى
يقول في كتابه العزيز وفي الرقاب ومورد الخبر من عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها فلا منافاة حينئذ بينه وبين خبر أبي بصير الدال على إشتراط الضرورة فيه إذ المراد
بالضرورة الواردة فيه بحسب الظاهر الضرورة العرفية المتحققة في مثل الفرض فالأشبه اعتبار العجز عن إداء مال الكتابة وعدم كفاية مجرد عدم كونه بالفعل
مالكا له وإن قدر على تحصيله كما صرح بعض خلافا لصريح العلامة في محكي النهاية وظاهر غيره ممن أطلق كالمصنف وغيره لو لم نقل بانصراف إطلاقهم إلى
صورة العجز كما ليس بالبعيد وحيث إنك عرفت أن قضية الجمع بين الآية ورواية أبي بصير تقييد إطلاق الآية بالرواية علمت إن اعتبار العجز ليس منافيا لعموم
مفهوم العلة المنصوصة نعم مقتضى هذا العموم إلغاء خصوصية المورد من حيث كونه مؤديا بعض مال الكتابة كما لا يخفى وحكى عن المفيد والعلامة وولده وغير واحد
من المتأخرين القول بعدم اختصاص الرقاب بما ذكر بل جواز صرف الزكاة في فكها ولو في غير تلك الموارد واستدل له بإطلاق الآية وخبر أيوب بن الحر أخ أديم بن
الحر المروي عن العلل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام مملوك عرف هذا الامر الذي نحن عليه اشتريه من الزكاة وأعتقه قال فقال أشتره وأعتقه قلت فإن هو مات
وترك ما لا فقال ميراثه لأهل الزكاة لأنه اشترى بسهمهم قال وفي حديث آخر بمالهم وخبر أبي محمد الواشي المروي عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئله
بعض أصحابنا عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ما له قال اشترى خير رقبة لا بأس بذلك ويدل عليه أيضا مفهوم التعليل الوارد في رواية إسحاق المتقدمة
وارتكاب التقييد في هذه المطلقات بتخصيصها بما إذا كان العبد في ضرورة جمعا بينها وبين رواية أبي بصير ليس بأهون عن حمل النهي المستفاد من تلك الرواية
على الكراهة كما يناسبه التعليل بقوله إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم فإن حقوق القوم الآخرين في هذا الباب من حيث هي غير مقتضيه إلا الاستحباب بسط الزكاة
عليهم وكراهة قصورها على من عداهم ما لم هناك مزية مقتضية له من شدة حاجة أو قرابة رحم أو غير ذلك من المرجحات المقتضية لتفضيل بعض المستحقين على
بعض كما يشعر به نفس هذه الرواية وأما الحرمة إن قلنا بها فلا بد وإن تكون مستندة إلى عدم المقتضى أي عدم كون العبد الذي لا يكون تحت الشدة مصرفا
للزكاة وإلا لم يكن هذه العلة علة إلا للمنع عن صرف الجميع فيه كما في مورده فلا بد من حمله على الكراهة وملخص الكلام إن العبد الذي لا يكون تحت الشدة إن كان
في حد ذاته مستحقا لصرف الزكاة فيه مزاحمة حق الآخرين ليست مانعة من أصل الجواز كما هو الشأن في حق كل واحد من أشخاص القوم بالمقايسة إلى من عداه
فليتأمل وقد تخلص مما ذكر إن القول بعدم الاختصاص هو الأشبه. تنبيه: نية الزكاة في العبد الذي اشترى من الزكاة وقت دفع الثمن إلى البايع لأنه وقت صرف
الزكاة وربما يشهد له أيضا التعليل الوارد في موثقة عبيد وخبر أيوب المتقدمتين فإن ظاهره حصول الشراء في ملك أرباب الزكاة وعن الروضة والمسالك وحواشي
القواعد القول باعتبارها حال العتق وهو محجوج بما عرفت وروى قسم رابع للرقاب المستحقين لان تصرف فيهم الزكاة وهو من وجب عليه كفارة ولم يجد فإنه
يعتق عنه في المدارك قال هذه الرواية أوردها علي بن إبراهيم في كتاب التفسير عن العالم عليه السلام قال في الرقاب قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ وفي الظاهر وفي
الايمان وفي قتل الصيد في الحرم وليس عندهم ما يكفرون به وهم مؤمنون فجعل الله تعالى لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم ومقتضى الرواية جواز إخراج الكفارة
من الزكاة وإن لم يكن عتقا لكنها غير واضحة الاسناد لان علي بن إبراهيم أوردها مرسلة ولذا تردد المصنف في العمل بها وهو في محله إنتهى أقول فعلى هذا التفسير
يكون المراد بالرقاب فك رقبة الاشخاص الذين لزمتهم الكفارات عن الكفارات اللازمة عليهم سواء حصل الفك بتحرير رقبة أو غيره ولكن الذي يظهر من كلمات
الأصحاب إنهم فهموا الرواية إرادة صرف الزكاة في تحرير الرقاب عمن لزمتهم وكيف كان فيشكل إثبات مثل هذا المصرف للزكاة بمثل هذه الرواية
96

مع ما فيها من الارسال ولذا قال المصنف رحمه الله وفيه تردد نعم يجوز دفع الزكاة لمن لزمته كفارة وليس عنده ما يكفر به من باب فقره وعن المصنف في المعتبر إنه جوز
إعطائه من سهم الغارمين أيضا لان القصد بذلك إبراء ذمته عما في عهدته وهو على إجماله لا يخلو من وجه غير خال من التأمل مع أن الدفع إليه من حيث الفقراء ومن باب
كونه غارما أجنبي عن المدعى ولا مدخلية له بمدلول الرواية المزبورة كما لا يخفى والمكاتب إنما يعطى من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته أما على القول
باختصاص الرقاب بالأصناف الثلاثة أو الأربعة المذكورة في المتن التي ورد فيها بالخصوص فواضح بل قد عرفت إن المتجه الاقتصار على صورة عجز المكاتب عن إداء
مال الكتابة وعدم كفاية مجرد عدم كونه بالفعل واجدا للمال وأما على ما نفينا البعد عنه من عدم اختصاص الرقاب بما ذكر فلا انصراف إطلاق الرقاب إلى الرقاب
المحاجين في فكاكها إلى الزكاة لأجل المناسبة المغروسة في الذهن من أدلة شرع الزكاة وإنها لدفع الضرورة وحاجة المحتاجين مضافا إلى إطلاق قوله صلى الله عليه وآله
لا يحل الصدقة الغني الغير القاصر عن مثل الفرض وقياسه على المؤلفة قلوبهم والعاملين عليها في عدم اعتبار الفقير فيهم حيث جعلا في الآية قسيما للفقراء والمساكين
قياس
مع الفارق فإن مناط جواز الصرف في هذين الصنفين التأليف والعمل لا الفقر والاحتياج وكونه كذلك موجب لانصراف قوله (ع) لا يحل الصدقة لغني عنهما بخلاف
من عداهما من الأصناف ومن هنا قد يتجه ما عن الشهيد في البيان من اعتبار قصور كسبه عن مال الكتابة لأنه عند وفاء كسبه لحاجته يندرج في المحترف الذي
لا يحل الصدقة له والأظهر عدم توقف الاعطاء على حلول النجم وقيل لا يجوز قبله لانتفاء الحاجة في الحال وهو ضعيف إذ لا يعتبر في صدق الاحتياج وعدم
الغنى عن الشئ حلول وقت الحاجة إلى استعماله كما لا يخفى. تنبيه: في المدارك نقل عن المنتهى إنه قال ويجوز الدفع إلى السيد بإذن المكاتب والى المكاتب بأذن
السيد وبغير إذنه واستحسنه ثم قال بل لا يبعد جواز الدفع إلى السيد بغير إذن المكاتب أيضا لعموم الآية إنتهى وهو جيد بل لعله هو المنساق من قوله صلى الله عليه وآله في المرسل
المتقدم يؤدي عنه من مال الصدقة ثم إن مقتضى ظاهر النص والفتوى إن الزكاة التي تصرف في إداء مال الكتابة يتعين صرفها في هذا الوجه سواء أعطيت
بيد المولى أو بيد العبد ليفك بها رقبته ولا يملكها العبد بقبضها ملكا مطلقا بحيث لو فرض حصول العتق بدونه لبقي المال في ملكه بل ترتجع منه في مثل الفرض
على الأشبه لأنها لم تصرف في الرقاب والعبد لا يعطى من الزكاة شيئا إلا في فكاك رقبته نعم لو بقي عنده أو في ذمته وكان فقيرا بعد الانعتاق جاز احتسابه
عليه حينئذ من سهم الفقراء كما هو واضح وقد ظهر بما ذكر إنه لو صرفه في غيره والحال هذه أي دفع إليه من هذا السهم ولم يكن معه ما يصرفه في الكتابة ولكن لم يصرفه فيها
بل صرفه في غيرها جاز ارتجاعه لأنه لم يوضع في موضعه وقيل لا يجوز وهذا القول منقول عن الشيخ بناء منه على إنه يملكه بالقبض فله التصرف فيه كيف يشاء و
هو محجوج بما عرفت مضافا إلى ما عن المصنف وغيره من إن للمالك الخيار في صرف الزكاة في الأصناف وقد رخصه في الصرف إلى جهة خاصة فليس له التخطي عنه
وفي معنى أدائه في مال الكتابة صرفه فيما يستعان به على الأداء لأنه صرف في فك الرقبة فلو تعذر الفك ارتجع ممن وصل إليه كما صرح به شيخنا المرتضى (ره) لانكشاف
إن وصوله إليه كان وضعا للزكاة في غير موضعها اللهم إلا إن يقال إنه يكفي في صدق الصرف في الرقاب المنساق من الآية الصرف فيما يتوصل به على فكاكها
بقصد التوصل به إليه وإن تخلف ذلك عن حصول المقصود فليتأمل ولو دفع إليه من سهم الفقراء أي باعتبار كونه فقيرا لم يرتجع إذ الفقير يملك ما يصرف إليه
من الزكاة وله إن يتصرف فيه كيف يشاء ولا يحتكم عليه فيما يأخذه من الزكاة إجماعا كما ادعاه غير واحد فهذا مما لا شبهة فيه بناء على جواز صرف الزكاة
إليه بهذا الوجه وجواز تصرف المكاتب فيما يملكه كيف يشاء وفي كلتا المقدمتين نظر أما الأخيرة فلمنافاته لما ذكروه في أحكام المكاتب من عدم جواز
الاستبداد بالصرف فيما يملكه فيما عدى الصرف في مال كتابته فما يملكه المكاتب لا يصير ملكا مطلقا بل مربوطا بسيده ومن كان هذا شأنه يشكل دفع حق
الفقير إليه حيث إنه لا يقدر على صرفه فيما يفتقر إليه وإما الأولى فلمخالفته لما يقتضيه إطلاق قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ليس في مال
المملوك شئ ولو كان له ألف ألف ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا وقوله عليه السلام في ذيل موثقة إسحاق المتقدمة في أوائل مسألة إشتراط الحرية في وجوب الزكاة ولا
يعطى العبد من الزكاة شيئا وهو بإطلاقه شامل للمكاتب ولذا لم نقل بوجوب الزكاة عليه في كسبه نعم يجوز الانفاق عليه لدى اضطراره إليه من سهم في سبيل الله
بناء على شموله لمطلق القربات كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى إذ المنساق من النهي من إعطائه من الزكاة شيئا إرادته على سبيل التمليك لا مطلقا بحيث يتناول
الصرف فيه من باب الحسبة فليتأمل ولو ادعى إنه كوتب فإن علم صدقه أو أقام بينة فلا بحث وإلا فإن كذبه سيده لم يقبل قوله بدونهما كما صرح به في الجواهر وغيره
للأصل وإن لم يعلم حال السيد من تصديق أو تكذيب قيل يقبل قوله وقيل لا يقبل إلا بالبينة أو يحلف وهذا القول لم نعرف قائله نعم في المدارك نقل
عن بعض العامة القول بعدم قبوله إلا بالبينة من غير تعرض للحلف وقواه ووافقه في ذلك بعض من تأخر عنه وأما القول الأول فقد نسبه في المدارك إلى
الأكثر وأختاره المصنف صريحا في الكتاب وغيره فقال والأول أشبه وعلله في محكي المعتبر ومثله العلامة في التذكرة والمنتهى على ما حكي عنهما بأنه مسلم أخبر عن أمر ممكن
فيقبل قوله بأصالة العدالة الثابتة للمسلم وفيهما ما عرفته في مسألة مدعي الفقر فالقول بعدم القبول إلا بالبينة كما قواه في المدارك وغيره أشبه بالقواعد
ولو صدقه مولاه قبل قوله بلا خلاف كما في الجواهر بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب وربما علل ذلك بأن الحق له فيقبل إقراره فيه وفيه إن هذا لا يقتضي
إلا نفوذ إقراره في حق نفسه لا حجية قوله بالنسبة إلى ما يتعلق بعمل الغير أو فيما يعود إلى مصلحته كعدم استحقاقه للنفقة منه أو استحقاقه الاخذ من الزكاة
إلى غير ذلك مما هو من أثار الحجية كما لا يخفى وأنما العمدة في ذلك إن أخبار المالك بالتصرفات المتعلقة بملكه المنوط باختياره من مثل البيع والإجارة
والكتابة ونظائرها مقبول في الشرع والعرف لا المحض كونه إقرارا في حق نفسه بل من حيث كونه أخبارا ممن له الولاية على شئ عما يتعلق بولايته ويدخل
تحت سلطنته وهي قاعدة مطردة ما لم يعارضها إنكار كما لا يخفى على من لاحظ سيرة أهل العرف والشرع في مواردها فما عن الشافعي من منع القبول
لامكان تواطئهما على ذلك ضعيف وحكي عن الشيخ القول بأن الأول أي القبول أولى فيمن عرف أن له عبدا والثاني أي عدم القبول أحوط فيمن لم يعلم
97

منه ذلك وهو حسن كما في المدارك وغيره فإن تصديق المالك في كتابة هذا العبد أو بيعه أو غير ذلك من التصرفات فرع إحراز مالكيته فمجرد صدور تصديق
لمدعي الكتابة من شخص لم يعرف كونه مالكه لا يجدي في ثبوت دعواه فليتأمل ومن جملة المستحقين للزكاة الغارمون وهم لغة المديونون والمراد بهم هنا على ما
صرح به المصنف وغيره الذين علتهم الديون في غير معصية أما جواز صرف الزكاة في الغارمين في الجملة فمما لا شبهة ولا خلاف فيه لكون الكاتب ناطقا
به ولكن يقع الكلام في مواضع الأول لا خلاف على الظاهر في إشتراط عجز الغارم عن أداء دينه فلو كان متمكنا من ذلك عرفا بأن كان عنده ما يفي
بديونه ومؤنته لم يقض عنه لمنافاته لأدلة شرع الزكاة وكونها موضوعة لسد خلة المحتاجين لا لصلة الأغنياء ويشهد له أيضا قوله صلى الله عليه وآله لا يحل الصدقة
لغني مضافا إلى الاجماعات المستفيضة على إشتراط العجز في الغار ولكن عبائرهم المسوقة لبيان هذا الشرط في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية
مختلفة فعن جماعة منهم التصريح باعتبار العجز عن أداء الدين وعن آخرين منهم اعتبار الفقر وبين هذين العنوانين عموم من وجه إذ الفقير في عرفهم من
لا يملك مؤنة سنته فعلا أو قوة فرب شخص له كسب أو ضيعة أو مال واف بمؤنته ولكن عليه ديون أو أرش جنايات يعجز عن أدائها ولا يطلق على مثل هذا
الشخص في العرف ولا في اصطلاحهم اسم الفقير خصوصا إذا كان ما عليه من الديون من قبيل الغرامات والديات والكفارات التي ستعرف جواز الصرف من سهم
الغارمين الهيم فلا يصدق على مثل هذا الشخص اسم الفقير ولكن يصدق عليه إنه عاجز عن وفاء ما عليه من الدين وقد يكون الامر بالعكس كما لو كان متمكنا من وفاء دينه
بالمال المحتاج إليه في نفقته وحيث علم من فحاوي كلماتهم عدم الخلاف في جواز صرف هذا السهم من الزكاة في أداء دين من عجز عن أدائه وإن كان له مال أو كسب واف بمؤنته
كشف ذلك عن إن مرادهم بالفقر الذي اعتبروه في هذا الباب مجرد الحاجة إلى إداء دينه وإن لم يكن فقيرا من حيث المؤنة فالشخص الغير المتمكن من أداء دينه إذا
كان قادرا على مؤنته يجوز أداء دينه من سهم الغارمين لا من سهم الفقراء وربما يظهر من بعض منهم جواز الدفع إليه من سهم الفقراء بناء منه على إن القدرة
على المؤنة المعتبرة في الغنى المقابل للفقر الموجب لاستحقاق الزكاة هي القدرة على المصارف اللازمة عليه التي من أهمها تفريغ ذمته عن الحقوق الواجبة عليه
فما جرى ذكره في كلماتهم في تفسير الفقر بقصور ماله عن نفقته ونفقة من يجب نفقته عليه جار مجرى التمثيل أريد به مطلق المؤنة اللازمة عليه الشاملة لمثل الفرض
فيكون الغارم على هذا أخص مطلقا من الفقير ومقابلته في الآية الشريفة يمكن أن يكون باعتبار أن أداء دين الفقير بنفسه من المصارف التي لا يتوقف صرف
الزكاة فيه على قبول الفقير بل ولا على وجوده فإنه قد يكون الغارم ميتا فعلى هذا يجوز أن يدفع إلى الغارم القادر على مؤنته من سهم الفقراء أزيد من
حاجته لما عرفت فيما سبق من أنه يجوز أن يعطى الفقير من الزكاة ما يزيد على غناه وهو لا يخلو من الاشكال ولكن لمانع أن يمنع إطلاق هذا الحكم بالنسبة
إلى الفقير الذي ينحصر جهة فقره في جهة معينة لقصور ما دل على جواز إعطاء الزائد عن مؤنته عن شمول مثل الفرض كما لا يخفى على المتأمل ثم إنا إن قبلنا بأن النسبة
بين الفقير والغارم العموم من وجه وإن الفقير هو من قصر ماله عن نفقة نفسه وعياله والغارم هو من كان عليه دين لا يتمكن من أدائه فمقتضاه أن من كان
بالفعل مالكا لمؤنة سنته وكان عليه دين يتمكن من أدائه من هذا المال المحتاج إليه في نفقته ما لم يصرف ما عنده في وفاء دينه عدم جواز تناوله من الزكاة لا من
سهم الغارمين لعدم كونه عاجزا عن أداء دينه ولا من سهم الفقراء لعدم كونه فقيرا بالفعل وقد حكى عن الحلي القول بذلك وربما يستشهد له أيضا بما عن مستطرفات
سرائره نقلا عن كتاب المشيخة لابن محبوب عن أبي أيوب عن سماعة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل منا يكون عنده الشئ يتبلغ به وعليه دين أيطعمه عياله حتى يأتيه
الله بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في جدب الزمان وشدة المكاسب أو يقضي بما عنده دينه ويقبل الصدقة قال يقضي بما عنده ويقبل الصدقة و
استقرب العلامة في النهاية على ما حكي عنه جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا لانتفاء الفائدة في أن يدفع
ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر في تعليله ما لا يخفى نعم قد يوجه جواز الدفع من سهم الغارمين في مثل الفرض بأن المراد بعجزه عن أداء دينه هو العجز العرفي
بأن لم يكن عنده زائدا عما يحتاج إليه في نفقته اللازمة عليه ما يصرفه في دينه فهذا الشخص غير متمكن من أداء دينه عرفا كما أومى إليه في المدارك فإنه بعد أن ذكر ما
حكيناه عن العلامة قال ومقتضى كلامه إن الاخذ والحال هذه يكون من سهم الغارمين وهو غير بعيد لاطلاق الآية وصدق عدم التمكن من أداء الدين
عرفا بذلك إنتهى وهو جيد إذ غاية ما يمكن إدعائه انصراف إطلاق الآية بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن أو صرفه بإجماع ونحوه إلى الغارمين العاجزين
عن القيام بنفقتهم وأداء ديونهم لا غير المتمكن مطلقا ولو بصرف ما يحتاج إليه في نفقته وأما الرواية فهي غير دالة على المدعي إذ الظاهر أن محط النظر في السؤال
هو إن من عنده مال محتاج إليه في نفقته وعليه دين فهل هذا المال كقوت يومه وليلته مستثنى عما يجب صرفه في أداء دينه أم لا وعلى تقدير العدم فهل هو بعد
الصرف يندرج في موضوع الفقراء والمساكين الذين يحل لهم قبول الصدقة أم عليه تحصيل نفقته بالاستقراض والمكاسب الشديدة فلا دخل له بمسألة إنه هل
يجوز له قبل صرف هذا المال في نفقته أو بعده أداء دينه من سهم الغارمين كما لا يخفى على المتأمل الثاني إذا لم يملك المديون شيئا إلا إنه رجل كسوب يتمكن من قضاء
دينه من كسبه فعن نهاية الاحكام احتمال الاعطاء بخلاف الفقير والمسكين لان حاجتهما تتحقق يوما فيوما والكسوب يحصل في كل يوم ما يكفيه في ذلك
اليوم وحاجة الغارم حاصلة في الحال لثبوت الدين في ذمته وإنما يقدر على ما يقضي به الدين على التدريج واحتمال المنع تنزيلا للقدرة على التكسب
منزلة القدرة على المال أقول احتمال المنع أقوى فإن حال الكسوب الوافي كسبه بمؤنته ودينه على التدريج لدى العرف ليس إلا كحال الملي الغير المتمكن من
وفاء ديونه إلا على سبيل التدريج ولا يرى العرف مثل هذه الاشخاص مندرجا في موضوع الغارمين الذين وضع لهم الزكاة فإن العرف لا يرى مثل
هذه الاشخاص محتاجا إلى تناول الصدقات لأداء ديونهم وإن رئيهم عاجزين بالفعل عن أدائه فإن العجز عن تعجيل الأداء غير العجز عن أصله والمنساق من أية
الصدقة فضلا عن غيرهما من الأدلة إنما هو جواز صرفها في أداء دين الغارمين الذين ليس لهم بالفعل أو بالقوة مال يفي بغرمهم فالمحترف المتمكن من أداء دينه
98

بحرفته كالملي المتمكن من أدائه تدريجا خارج عن منصرفه جزما اللهم إلا أن يكون دينه كثيرا يحتاج أدائه من كسبه إلى مدة طويلة بحيث يعد القدرة على الأداء
معها لدى العرف بمنزلة العدم في كونه لديهم معدودا ممن عليه دين لا يتمكن من أدائه الثالث إشتراط الأصحاب في الغارم أن يكون دينه في غير معصية فلو كان
في معصية لم يقض عنه بلا نقل خلاف فيه أجده بل عن الخلاف والتذكرة والمنتهى دعوى الاجماع عليه واستدل عليه بأن الزكاة شرعت إرفاقا بالفقراء
فلا تناسب المعصية بل في وفاء دينها منها إغراء بالقبيح وهو قبيح وكأنه أريد بهذا الاستدلال دعوى انصراف إطلاق الآية والرويات الدالة على جواز
صرف الزكاة في دين الغارمين عن الدين المصروف في معصية فلا يتوجه عليه الاعتراض بأنه إنما يكون إغراء بالقبيح إذا حصل الأداء قبل التوبة لا بعدها فليتأمل
واستدل له أيضا بما عن تفسير علي بن إبراهيم في تفسير الآية عن العالم عليه السلام في حديث والغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير
إسراف فيجب على الإمام عليه السلام أن يقضي عنهم ويفكهم من مال الصدقات وخبر الحسين بن علوان المروي عن قرب الإسناد عن جعفر عليه السلام عن أبيه إن عليا عليه السلام كان
يقول يعطى المستدينون من الصدقة والزكاة دينهم كله ما بلغ إذا استدانوا في غير إسراف وخبر محمد بن سليمان المروي في الكافي في باب الديون عن رجل من أهل
الجزيرة يكنى أبا محمد قال سئل الرضا عليه السلام رجل وأنا أسمع فقال له جعلت فداك إن الله عز وجل يقول فإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة أخبرني عن هذا النظرة
التي ذكرها الله عز وجل في كتابه لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد من أن ينظر وقد أخذ مال هذا الرجل وأنفقه على عياله وليس له غلة ينتظر إدراكها و
لا دين ينتظر محله ولا مال غائب ينتظر قدومه قال نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام (ع) فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة
الله عز وجل فإن كان قد أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الامام قلت فما لهذا الرجل الذي أئتمنه وهو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله عز وجل أم في معصيته
قال يسعى له فيما له فيرده عليه وهو صاغر وخبر صباح بن سيابه عن الصادق عليه السلام المروي فيه أيضا قال قال رسول الله (ص) أيما مؤمن أو مسلم مات وترك دينا لم يكن في
فساد ولا إسراف فعلى الامام أن يقضيه فإن لم يقضه فعليه أثم ذلك إن الله تبارك وتعالى يقول إنما الصدقات للفقراء والمساكين الآية فهو من الغارمين وله سهم
عند الامام فإن حبسه عنه فإثمه عليه إلى غير ذلك من الروايات المشعرة به أو الدالة عليه ولا فرق على الظاهر بين كون الدين مصروفا في المعصية بأن صرفه في الملاهي وشرب
الخمور مثلا كما هو المنساق من الروايات المزبورة وبين كونه حاصلا بنفس المعصية كأكل أموال الناس ظلما وعدوانا الموجب لاستقرار مثله أو قيمته في ذمته لهم
أو إثبات جنايات عمدية موجبة لثبوت ديتها عليهم فإن هذا القسم من الدين أولى بعدم جواز صرف الزكاة فيه من القسم الأول ويدل عليه أيضا مضافا إلى
ذلك ما عن ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا عن كتاب محمد بن علي بن محبوب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج إن محمد بن الخالد قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن الصدقات قال أقسمها فيمن قال الله عز وجل ولا تعطين من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئا قلت وما نداء الجاهلية قال هو الرجل
يقول يا بني فلان فيقع بينهم القتل والدماء فلا يؤدوا ذلك من سهم الغارمين ولا الذين يغرمون من مهور النساء ولا أعمله إلا قال ولا الذين لا يبالون
ما صنعوا في أموال الناس وفي المدارك بعد أن نسب إلى الأصحاب أنهم اشترطوا في جواز الدفع إلى الغارم إن لا يكون استدانته في معصية ونقل استدلالهم عليه
بأن في قضاء دين المعصية حملا للغريم على المعصية بما روى عن الرضا عليه السلام إنه قال يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز وجل
وإذا كان أنفقه في معصية الله فلا شئ له على الإمام قال ما لفظه ويمكن المناقشة في الأول بأن إعانة المستدين في المعصية إنما يقبح مع عدم التوبة لا مطلقا
وفي الرواية بالطعن في السند فإنا لم نقف عليها مسندة في شئ من الأصول ومن ثم ذهب المصنف في المعتبر إلى جواز إعطائه مع التوبة من سهم الغارمين وهو حسن
إنتهى أقول أما المناقشة في الدليل الأول بما ذكر ففي محلها وأما الرواية التي أشار إليها فهي مروية في الكافي في كتاب الديون فحيث لم تكن في كتاب الزكاة كأنه
لم يطلع عليها وإلا فليس لنا أصل أوثق من الكافي نعم هي ضعيفة السند ولكن لا ينبغي الالتفات إلى ضعف سندها بعد انجباره بالعمل واعتضادها بغيرها مما عرفت
فلا ينبغي الارتياب في أن الدين المصروف في المعصية أو الحاصل بالمعصية نفسها ليس بنفسه من مصارف الزكاة نعم لو تاب وكان فقيرا صرف إليه من سهم الفقراء وجاز
له حينئذ أن يقضي هو دينه منه كما يجوز له صرفه في سائر مقاصده المباحة فضلا عن الحقوق الواجبة عليه واشتراط التوبة في الاعطاء من سهم الفقراء مبني على إشتراط العدالة
واجتناب الكبائر فيه وسيأتي البحث عنه إن شاء الله وأما على القول بعدمه فيجوز صرف الزكاة إليه من حيث فقره وإن لم يتب وعليه بعد قبضها وصيرورتها ملكا له الخروج
عن عهدة ما عليه من الدين من أي وجه حصل كما هو واضح ولو جهل فيما ذا أنفقه قيل والقائل الشيخ في المحكي عن نهايته يمنع ونسب إلى المشهور أيضا الميل إليه
وقيل لا يمنع وقد نسب هذا القول إلى الأكثر بل المشهور واستدل للأول بما في خبر محمد بن سليمان المتقدم من قوله قلت فما لهذا الذي أئتمنه وهو لا يعلم في
طاعة الله أنفقه أو في معصيته فاجابه (ع) يسعى له فيما له فيرده عليه وهو صاغر وأجيب عنه بأن الرواية ضعيفة السند فلا يمكن التعويل عليها في إثبات حكم مخالف
للأصل لان الأصل في تصرفات المسلم وقوعها على الوجه المشروع والأولى الجواب عنها بمنع الدلالة كما نبه عليه في الحدائق إذ لم يقع السؤال عن تكليف الدافع عند
جهله بالحال من حيث الجواز وعدمه بل عما يستحقه صاحب الدين فإنه بعد أن سمع من الإمام عليه السلام أنه لو كان أنفقه في معصية الله لا شئ له على الامام تحير في حق
صاحب الدين من أنه هل عليه أن يجوز عن حقه بعد أن علم أنه ليس له غلة ينتظر إدراكها ولا دين ينتظر محله ولا مال غائب ينتظر قدومه فسئل الإمام عليه السلام
عن ذلك فأجابه بأن على المديون السعي في ماله وروده إليه وهو صاغر فما في كلام السائل من فرض علمه بأن المديون فيما ذا أنفقه للمبالغة في نفي صدور
فعل من الدائن يناسب حرمانه عن ماله وكونه بريئا عن المعصية المصروف فيها المال وكيف كان فهذا السؤال أجنبي عن محل الكلام فلا يصح الاستشهاد به للمدعي
واستدل له أيضا بظهور الاخبار في إشتراط جواز الدفع من هذا السهم بكون الاستدانة في طاعة الله فما لم يحرز الشرط لم يجز الدفع لأصالة عدمه وفيه أنه وإن جعل
شرط جواز الدفع من سهم الغارمين في خبر محمد بن سليمان وغيره كون الدين مصروفا في طاعة الله ولكن المراد بقرينة المقابلة وغيرها من القرائن الداخلية والخارجية أن لا
99

يكون مصروفا في المعصية فيكون الصرف في المعصية لدى التحليل مانعا عن الاستحقاق ولذا وقع التعبير عن هذا الشرط في خبر الحسين بن علوان المتقدم بقوله عليه السلام
إذا استدانوا في غير إسراف وفي خبر الكتاني قيد الدين بأن لم يكن في فساد ولا إسراف وفي الخبر المروي عن تفسير علي بن إبراهيم أيضا شهادة بذلك كما لا يخفى على المتأمل
وربما يؤيده أيضا ما عن الكافي مرسلا عن أبي عبد الله قال الامام يقضي عن المؤمنين سائر الديون ما خلا مهور النساء في غير إسراف وعنه أيضا في الصحيح عن عبد
الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن رجل عارف فاضل توفي وترك دينا لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة
الألف والألفان قال نعم إلى غير ذلك من الروايات المشعرة به فلا ينبغي الارتياب في أن الشرط هو عدم كونه مصروفا في المعصية وهو موافق للأصل والظاهر
كما هو ظاهر وقد ظهر بما ذكر إن ما ذهب إليه المشهور من جواز الدفع إلى من لم يعلم فيما ذا أنفقه هو الأشبه كما يؤيده أيضا بل بشهد له الأخبار الواردة في جواز قضاء
ديون أبيه أو غيره من المؤمنين الأموات والاحياء من الزكاة من غير تقييد بالعلم بكونها في طاعة أو عدم كونها في معصية مع قضاء العادة بالجهل بمصرف ديون
الغير في الغالب خصوصا الديون المتخلفة عن الميت فلو كان العلم بحالها شرطا في جواز الصرف لم يجز الرخصة في قضائها من الزكاة على الاطلاق كما لا يخفى على
المتأمل. تنبيه: في المدارك نقل عن العلامة (ره) أنه ذكر في التذكرة والمنتهى إن الغارمين قسمان أحدهما المديون لمصلحة نفسه وحكمه ما سبق والثاني المديون
لاصلاح ذات البين بين شخصين أو قبيلتين بسبب تشاجر بينهما أما لقتيل لم يظهر قاتله أو إتلاف مال كذلك وحكم بجواز الدفع إلى من هذا شأنه مع الغنى أو الفقر
ولم ينقل في ذلك خلافا واستدل عليه بعموم الآية الشريفة السالم من المخصص وبما روي عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال لا تحل الصدقة لغني إلا لخمس وذكر رجلا
تحمل حمالة وبان تحمله وضمانه إنما يقبل إذا كان غنيا فأخذه في الحقيقة إنما هو لحاجتنا إليه فلم يعتبر فيه الفقر كالمؤلفة ويجوز الشهيد في البيان صرف الزكاة
في إصلاح ذات البين ابتداء وهو حسن إلا أنه يكون من سهم سبيل الله لا من سهم الغارمين إنتهى ربما نسب القول بجوز الصرف من سهم الغارمين إلى من تحمل دية
لاصلاح ذات البين وإن كان غنيا إذ لم يؤدها من ماله سواء استدان فأداها أم لم يؤدها بعد إلى الشيخ ومن تأخر عنه أقول أما جوز صرفها ابتداء في إصلاح
ذات البين من سهم سبيل الله بناء على شموله مطلق القربات فمما لا إشكال فيه وأما من سهم الغارمين فهو بحسب الظاهر مما لا وجه له لانتفاء موضوعه إذ لا غرم هاهنا
في الفرض وأما جواز صرفها إلى الغني الذي تحمل دية أو ما لا تالفا لاصلاح ذات البين ففي غاية الاشكال اللهم إلا أن يكون توليه لهذا الفعل بقصد
استيفاء المال من وجوه الصدقات وقلنا بأن له الولاية على ذلك من باب الحسبة كما ليس بالبعيد فيجوز حينئذ استفائه من سهم سبيل الله بناء على شموله لمطلق
القربات وأما لو كان غرضه من أول الأمر الأداء من ما له تبرعا فالتزم بذلك فلم يؤدها بعد أو استدان فأداها إشكال إدراجه في الأصناف المستحقين للزكاة و
الاستدلال بعموم الآية الشريفة بعد تسليم صدق الغارم عرفا ولغة على مطلق المديون وإن كان غنيا متمكنا من أداء دينه لا خصوص من علاه الدين أي
صار غالبا عليه مدفوع بما تقدمت الإشارة إليه من أن المتعين صرف إطلاقه لو لم نقل بانصرافه في حد ذاته لأجل المناسبات المغروسة في الذهن إلى المحتاجين
في أداء دينهم إلى تناول الصدقات ولذا لم يقع الخلاف فيه فيما إذا كان الدين لمصلحة نفسه وكونه لمصلحة عامة إن كان فارقا فمن حيث كونه مصروفا في القربات
لا من حيث كونه غارما وأما الرواية المزبورة فهي غير ثابتة من طرقنا والذي ورد من طرقنا أنه لا تحل الصدقة لغني ولا لمتحرف سوى من غير استثناء فلا حظ
ولو كان للمالك دين على الفقير جاز أن يقاصه به من الزكاة وهو مما لا خلاف فيه كما أعترف به في الحدائق و غيره ويدل عليه مضافا إلى القواعد العامة أخبار خاصة
منها ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا الحسن الأول عليه السلام عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه
وهم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه وأحتسب به عليهم من الزكاة قال نعم وعن عقبة بن خالد قال دخلت أنا و المعلى وعثمان بن عمران على أبي عبد الله عليه السلام
فلما رآنا قال مرحبا بكم وجوه تحبنا ونحبها جعلكم الله معنا في الدنيا والآخرة فقال له عثمان جعلت فداك فقال له أبو عبد الله عليه السلام نعم فمه قال أني رجل
موسر فقال له بارك الله لك في يسارك قال ويجيئ الرجل فيسألني الشئ وليس هو أبان زكاتي فقال له أبو عبد الله عليه السلام القرض عندنا بثمانية عشر والصدقة بعشر وما
ذا عليك إذا كنت كما تقول موسرا أعطيته فإذا كان أبان زكاتك أحتسب بها من الزكاة يا عثمان لا ترده فإن رده عند الله عظيم الحديث وفي الموثق عن
سماعة عن أبي عبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة فقال إن كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض من
دار أو متاع من متاع البيت أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه فهو يرجوا أن يأخذ منه ما له عنده فلا بأس إن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب
بها فإن لم يكن عند الفقير وفاء ولا يرجوا أن يأخذ منه شيئا فليعطه من زكاته ولا يقاصه بشئ من الزكاة وما في هذه الرواية من التفصيل كالأمر بالاعطاء
من زكاته لخصوص هذا الشخص الذي بلغ فقره إلى حد اليأس من قدرته على الأداء محمول على الاستحباب والمراد بمقاصته به من الزكاة على ما فسره في المدارك و
غيره هو احتسابه عليه من الزكاة الواجبة عليه وعن الشهيدين تفسير المقاصة باحتسابها على الفقير أي عدها ملكه ثم أخذها مقاصة من دينه وهذا المعنى أوفق
بظاهر اللفظ إن استبعده بعضهم وكيف كان فلا بأس بها بكلا المعنيين كما يومي إليه قوله عليه السلام في الخبر الأخير فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من
الزكاة أو يحتسب بها وكذا لو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه وأن يقاص به من الزكاة بلا خلاف فيه على الظاهر بل في المدارك قال أتفق علمائنا وأكثر
العامة على إنه يجوز للمزكي قضاء الدين عن الغارم من الزكاة بأن يدفعه إلى مستحقه ومقاصته بما عليه من الزكاة ويدل عليه ما عن الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن
ابن الحجاج قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن رجل عالم فاضل توفي وترك عليه دينا لم يكن بمفسد ولا مسرف ولا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة ألف
وألفان قال نعم وعن يونس بن عمار وقال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول قرض المؤمن غنيمة وتعجيل أجر إن أيسر قضاك وإن مات قبل ذلك أحتسب به
من الزكاة وفي الحسن أو الصحيح عن زرارة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل حلت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين أيؤدي زكاته في دين أبيه وللابن مال
100

كثير فقال إن كان أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه عنه من جميع الميراث ولم يقضه من زكاته وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد
أحق بزكاته من دين أبيه فإذا أداها في دين أبيه على هذا الحال أجزأت عنه في المدارك بعد نقل هذه الرواية قال ويستفاد من هذه الرواية اعتبار قصور التركة
عن الدين كالحي وبه صرح ابن الجنيد والشيخ في المبسوط وقال في المختلف لا يعتبر ذلك لعموم الامر باحتساب الدين على الميت من الزكاة ولأنه بموته انتقلت
التركة إلى ورثته فصار في الحقيقة عاجزا ويرد على الأول إن العموم مخصوص بحسنة زرارة فإنها صريحة في اعتبار هذا الشرط وعلى الثاني إن انتقال التركة إلى
الوارث إنما يتحقق بعد الدين والوصية كما هو منطوق الآية الشريفة واستثنى الشارح قدس سره من ذلك ما لو تعذر استيفاء الدين من التركة أما
لعدم إمكان إثباته أو لغير ذلك فجوز الاحتساب عليه حينئذ وإن كان غنيا وللنظر فيه مجال إنتهى أقول لا يستفاد من الحسنة إلا أنه ليس للوارث صرف زكاته
في دين أبيه إذا كان لمورثه تركة يمكن قضاء دينه منها سواء ظهر الدين قبل تقسيم التركة أم بعده بل يجب عليه إخراج الدين من أصل التركة المتقدمة على الإرث
وهذا مما لا شبهة فيه فإن صرف الوارث زكاته في يدن أبيه في مثل الفرض مرجعه إلى صرفها في مصلحة نفسه حيث يكون موجبا لصيرورة التركة ملكا طلقا له من
دون أن يترتب عليه فائدة للميت أو لغرمائه إذ لا يتفاوت الحال بالنسبة إليهما بين أن يؤدي الدين من التركة أو من غيرها هذا مع أن الحاجة إلى الزكاة
في فضاء الدين شرط في الغارمين والأدلة الدالة على جواز قضاء دين الميت من الزكاة لم تدل عليه حتى في مثل الفرض لكي يكون مثل هذه الرواية مخصصة
لها ضرورة قصورها عن شمول ما لو ترك الميت ما يفي بدينه ولم يكن هناك مانع شرعي أو عرفي عن صرف تركته في دينه كما لا يخفى على من لاحظها نعم
لو تعذر استيفاء الدين من تركته كما لو أمتنع الوارث من أدائه أو غصبها ثالث أو لم يتمكن الدائن من إثباته أو غير ذلك من الموانع قد يقال بجواز قضائه
من الزكاة لحاجته إليها كما تقدم نقله من المسالك ولكنه بالنسبة إلى من كان موسرا قبل موته لا يخلو من إشكال فإن ما دل على جواز صرف الزكاة في قضاء
دين الغارمين كالآية الشريفة ونظائرها منصرف إلى الاحياء وما دل عليه في الأموات كالاخبار المزبورة لا تدل عليه في الموسر أما الخبر الأول والأخير فواضح
حيث إنهما لا يدلان على الجواز إلا فيمن قصرت تركته عن دينه والرواية الثانية أيضا لم تدل عليه في الموسر نعم مقتضى إطلاق قوله (ع) وإن مات قبل ذلك أحتسب
من الزكاة شموله لما إذا مات قبل ذلك وخلف دارا ونحوها من المستثنيات الوافية بدينه ولكن قد أشرنا إلى انصرافه عن صورة استيفاء دينه من تركته وكيف
كان فصورة كونه موسرا حال حياته ومات مديونا خارج عن موضوع هذه الرواية سواء تمكن من استيفاء دينه من تركته عبد موته أو تعذر اللهم إلا أن يقال إنه
يستفاد من هذه الأخبار إنه لا فرق في الغارم الذي جعل في الآية الشريفة مصرفا للزكاة بين كونه حيا أو ميتا ومناط الجواز في الجميع الحاجة إلى قضاء دينه من
الزكاة سواء لم يكن له مال أصلا أو كان ولكن تعذر صرفه في دينه كالمغصوب والله العالم وكذا لو كان الدين على من تجب نفقته جاز أن يقضى عنه حيا وميتا
وأن يقاص بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال ويدل عليه مضافا إلى العمومات خصوص حسنة زرارة المتقدمة وموثقة إسحاق بن عمار قال سئلت أبا عبد الله (ع)
عن رجل على أبيه دين ولابنه مؤنة أيعطي أباه من زكاته يقضي دينه قال نعم ومن أحق من أبيه ولا ينافي ذلك الروايات الدالة على عدم جواز إعطاء الزكاة لأبيه وأمه وغيرهما
ممن وجبت نفقته عليه كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الأب والام والولد والمملوك والزوجة وذلك إنهم عياله
لازمون له لان المراد إعطائهم من حيث الفقر والحاجة إلى النفقة كما يدل عليه قوله (ع) وذلك إلى آخره فإن قضاء الدين لا يلزمه اتفاقا كما ادعاه في الجواهر ولو صرف
الغارم ما دفع إليه من سهم الغارمين بأن عينه المالك لهذا المصرف في غير القضاء ارتجع على الأشبه لان للمالك الولاية على صرفه في الأصناف وقد عينه للصرف
في قضاء دينه ولم يفعل ولم يجعله ملكا طلقا له كي يجوز له التصرف فيه كيف ما يشاء وحكي عن الشيخ في المبسوط وجمله القول بأنه لا يرتجع لحصول الملك بقبضه وفيه ما
عرفت من منع صيرورته ملكا طلقا له بعد أن لم يرخصه المالك لا في التصرف فيه على جهة خاصة ولو أدعى أن عليه دينا قبل قوله إذا صدقه الغريم فإنه لو لم يقبل
قوله ولو مع تصديق الغريم لأدى ذلك إلى حرمان جل أهل الاستحقاق من هذا السهم وهو مناف لما يقتضي شرعيته فهذا مما لا ينبغي الاستشكال فيه
وكذا يقبل قوله لو تجردت دعواه عن التصديق والانكار وقيل لا يقبل في المدارك قال يحتمل أن يكون المراد به عدم القبول بدون البينة أو اليمين ولم أقف
على مصرح بذلك من الأصحاب نعم حكي العلامة في التذكرة عن الشافعي إنه قال لا يقبل دعوى الغرم إلا بالبينة لأنه مدع ولا يخلو من قوة إنتهى وهو جيد
وقياس مدعى الغرم على مدعي الفقر قياس مع الفارق إذ الفقر مما لا يعرف غالبا إلا من قبله وهذا بخلاف الغرم إذ الغالب علم الغريم به وتيسر إقامة البينة عليه
ومن هنا يظهر إن القول بعدم القبول لدى تجرده عن تصديق الغريم لا الأول أشبه بالقواعد ومن جملة المصارف في سبيل الله وهو على ما عن المقنعة والنهاية
والمراسم و غيرها الجهاد خاصة وقيل يدخل فيه المصالح كبناء القناطر والحج ومساعدة الزائرين وبناء المساجد وغير ذلك من سبل الخير وقد نسب هذا القول
إلى الأكثر بل المشهور بل إلى عامة المتأخرين بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه وهو الأشبه بعموم لفظ الكتاب والروايات الواردة في هذا الباب مثل ما رواه علي بن إبراهيم
في تفسيره عن العالم عليه قال وفي سبيل الله قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به أو في جميع سبل الخير
فعلى الإمام عليه السلام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج والجهاد وصحيحة علي بن يقطين المروية عن الفقيه إنه قال لأبي الحسن عليه السلام يكون عندي المال
من الزكاة فأحج به موالي وأقاربي قال نعم وصحيحة محمد بن مسلم المروية عن الكافي وعن مستطرفات السرائر نقلا عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل عن أبي عبد الله
عليه السلام قال سئلته عن الصرورة أيحجه الرجل من الزكاة قال نعم ويدل عليه أيضا خبر الحسين بن عمر قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أن رجلا أوصى إلي بشئ في سبيل الله
فقال لي أصرفه في الحج فأني لا أعلم شيئا في سبيل الله أفضل من الحج وخبر الحسن بن راشد قال سئلت أبا الحسن العسكري عليه السلام بالمدينة عن رجل أوصى بمال في
سبيل الله فقال سبيل الله شيعتنا فالمراد بمثل هذه الرواية بحسب الظاهر بيان أفضل مصاديق سبيل الله وأوضحه لا انحصار سبيل الله فيما يصرف إلى الشيعة
101

وإلا لعارضه غيره من الاخبار كما لا يخفى وربما نسب تفسير سبيل الله بخصوص الجهاد إلى مذهب العامة الاخبار وإيماء إليه مثل خبر يونس بن يعقوب المروي عن الكافي
قال إن رجلا كان بهمدان ذكر إن أباه مات وكان لا يعرف هذا الامر فأوصى بوصية عند الموت وأوصى أن يعطي شئ في سبيل الله فسئل عنه أبو عبد الله عليه السلام كيف
يفعل به فأخبرناه بأنه كان لا يعرف هذا الامر فقالوا إن رجلا أوصى إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما إن الله عز وجل يقول فمن بدله من بعد ما سمعه فإنما
أثمه على الذين يبدلونه فأنظر ما يخرج إلى هذا الوجه يعني بعض الثغور فابعثوا به إليه إذ المتبع في باب الوصية هو عرف الموصي وقصده مع إمكان أن يكون
تخصيص هذا
الوجه بالذكر لكونه أحد المصاديق وأفضلها إلا لتعينه بالخصوص ولو عند الموصى وكيف كان فلم نقف على ما يصلح مستندا لتفسيره بخصوص الجهاد ودعوى أن
المتبادر منه خصوص الجهاد غير مسموعة فالقول بانحصاره فيه ضعيف بل هو عام لكل فعل يكون وسبيله إلى رضوان الله وثوابه أي جميع سبل الخير كما وقع التصريح
به فيما روى عن العالم في تفسيره ولكن في المدارك بعد أن اختار ما قويناه من عمومه لكل ما فيه وسيلة إلى الثواب قال وأعلم إن العلامة قال في التذكرة بعد أن
ذكر إنه يدخل في سهم سبيل الله معونة الزوار والحجيج وهل يشترط حاجتهم إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهمان ومن اندراج إعانة الغني تحت
سبيل الخير وجزم الشارح باعتبار الحاجة بل باعتبار الفقر فقال ويجب تقييد المصالح بما لا يكون فيه معونة الغني مطلق بحيث لا يدخل في شئ من الأصناف الباقية
فيشترط في الحاج والزائر الفقر وكونه ابن سبيل أو ضيفا والفرق بينهما حينئذ وبين الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيرا ويعطى لكونه في سبيل الله
وهو مشكل لان فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل والمعتمد جواز صرف هذا السهم في كل قربة لا يتمكن فاعلها من الاتيان بها بدونه وإنما صرنا إلى
هذا التقييد لان الزكاة إنما شرعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها ومع ذلك فاعتباره محل تردد إنتهى ما في المدارك
أقول ومما يؤيد أيضا اعتبار الحاجة فيمن ينصرف إليه هذا السهم مضافا إلى الأدلة الدالة على أن الزكاة في الأصل موضوعة لرفع حاجة المحتاجين وسد خلتهم
وإن الله تعالى شرك بين الأغنياء والفقراء في أموالهم فليس لهم أن يصرفوها في غير شركائهم عموم قوله صلى الله عليه وآله لا تحل الصدقة لغني وقد أشرنا مرارا إلى أن
المراد بالغني في مثل هذه الرواية هو غير المحتاج لا ما يقابل الفقير الذي لا يملك قوت سنته وخصوص مرسلة علي بن إبراهيم المتقدمة الواردة في تفسير الآية
فإنها تدل على اعتبار الحاجة فيمن يخرج إلى الجهاد أو يريد الحج ولكن مع ذلك الالتزام بهذا التقييد لا يخلو من إشكال بعد أن جعل في سبيل الله في الكتاب العزيز
بنفسه مصرفا مستقلا للصدقات في مقابل الفقراء والمساكين وأما قوله صلى الله عليه وآله لا يحل الصدقة لغني فالمنساق منه نفي حليتها له على حسب حليتها للفقير بأن يتناولها
ويصرفها في مقاصده كيف يشاء فلا ينافيه جواز دفعها إلى الغني ليصرفها إلى جهة معينة من وجوه البر فليتأمل وأما الرواية الواردة في تفسيره فمن الغض عن
سندها يمكن الخدشة في دلالتها بأن الظاهر أن مؤنة الجهاد والحج المذكورتين من باب التمثيل بالفرد الواضح وإلا فقد وقع في ذيل الرواية عطف جميع سبل
الخير عليهما من غير تقييده بشئ مع أن اعتبار العجز في المجاهد مما لم ينقل الالتزام به عن أحد وقد صرح المصنف (ره) وغيره بل أدعى غير واحد الاتفاق على أن الغازي
يعطى من هذا السهم وإن كان غنيا قدر كفايته على حسب حاله أي شرفا وضعة وقرب المسافة وبعدها وغير ذلك بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب وربما
عللوه مضافا إلى عموم الآية بالنبوي لا تحل الصدقة لغني الا لثلاثة وعد منها الغازي ولكن يحتمل قويا أن يكون المراد بالغني في المتن وغيره ما يقابل الفقير الذي
هو أحد الأصناف أي كونه مالكا لقوت سنته فلا ينافيه اعتبار الحاجة إلى نفقة الحج والجهاد في جواز الصرف من الزكاة كما ربما يومي إليه تقديره بقدر كفايته
على حسب حاله فإن هذا إنما يناسب اعتبار احتياجه إلى ما يصرف إليه وإلا لكان الأولى مراعاة حاله من حيث القوة والشوكة وكونه فارسا أو راجلا أو غير ذلك
مما له دخل في أمر الجهاد فالانصاف إن الالتزام بجواز صرفه إلى ما كان معونة لغني وإن كان أوفق بما يقتضيه إطلاق سبيل الله ولكنه في غاية الاشكال ولكن لا يخفى
عليك إن صرف الزكاة في معونة الزوار والحجيج والغزاة يتصور على أنحاء أحدها أن يكون ما يصرفه إليهم بمنزلة الأجرة على علمهم كما لو لم يكن لمن يباشر العمل
بنفسه داع إلى فعل الحج أو الجهاد ونحوه ولكن رأي المتولي المصرف المصلحة في إيجاد هذه الأفعال من باب تشييد الدين أو تعظيم الشعائر أو غير ذلك من المصالح
فبعثهم على الفعل يجعل الأجرة لهم أو بذل النفقة عليهم من الصدقات على أن يعملوا هذا العمل الثاني أن يصرفه فيمن يريد بنفسه الحج والجهاد فيعينه ببذل الزاد
والراحلة والسلاح ونحوها الثالثة ما يصرفه في التسبيلات العامة من مثل المضايف والسقايات الواقعة في الطرف التي يأكل ويشرب منها عامة المستطرفين
أما القسم الأول والثالث فلا ينبغي الاستشكال في عدم إشتراط الفقر والجاجة فيمن يتناوله فإن مصرف الزكاة في هذين القسمين في الحقيقة هي نفس تلك
المصالح التي صرف الزكاة فيها لا خصوص الاشخاص الذين وصل إليهم شئ منها وأما القسم الثاني الذي هو في الحقيقة صرف إلى من يعمل الخيرات لا في نفس علم الخير و
إن كان هذا الصرف أيضا باعتبار كونه إعانة على البر والتقوى يعد من السبيل فهذا هو الذي وقع فيه الاشكال على تقدير عدم كون المصروف إليه محتاجا إلى
تناوله والاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه بل لا يبعد الالتزام بشمول لا تحل الصدقة لغني لمثله والله العالم وكيف كان فلا خلاف على ما أعترف به في الجواهر في أنه
إذا غزى لم يرتجع ما بقي منه عنده بل عن التذكرة أنه موضع وفاق بين العلماء لان المتولي للصرف أما أن يدفعه إليه على أن يعمل هذا الفعل فيكون بمنزلة الأجرة
على عمله فلا مقتضى حينئذ لرده بعد أن عمل العمل الذي شرط عليه وأما أن يدفعه إليه على أن يكون نفقته في سفره والعادة قاضية بأن من يقصد إعانة الحجيج والزوار يبذل
الزاد والمصرف لا يقيد إعطائه بالصرف في نفقته بحيث لو زاد منه شئ لرده إليه نعم لو دفعه إليه بهذا القيد وجب عليه رد الزائد حيث أن من له الولاية على الصرف
لم يرخصه في الصرف إلا مقيدا بهذا القيد وأن لم يغز أستعيد لأنه إنما دفعه إليه باعتبار كونه غازيا فما لم يندرج في الموضوع الذي قصده لا يستحقه وإذا كان الإمام (ع)
مفقودا كما في زمان التقية أو الغيبة سقط نصيب الجهاد إذ لا يشرع بلا إذنه صرف سهم سبيل الله في سائر المصالح أما على ما اخترناه من عموم سبيل الله للمصالح
فواضح وأما على القول باختصاصه بالجهاد فينبغي سقوطه رأسا ولكن قد يمكن وجوب الجهاد مع عدم حضوره أيضا كما إذا هجم الكفار على المسلمين وخيف على بيضة
102

الاسلام فيكون النصيب باقيا مع وقوع ذلك التقدير وكذا يسقط سهم السعاة بناء على انحصارهم فيمن نصبهم الامام وكذا سهم المؤلفة بناء على
اختصاصهم بالكفار الذين يستمالون إلى الجهاد لا على التقدير الذي أشير إليه ويقتصر بالزكاة على بقية الأصناف أو المصالح التي لا يتوقف شرعيتها
على إذن الإمام كما هو واضح ومن جملة الأصناف ابن السبيل وهو على ما في المتن وغيره المنقطع به في سفره بذهاب نفقته أو نفاذها أو تلف راحلته أو نحو
ذلك بل هذا هو المنساق عرفا من إطلاقه عند الامر بصرف الصدقات فيه ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم (ع) قال وأبن
السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الاسفار في طاعة الله فيقطع عليهم ويذهب ما لهم فعلى الامام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات والمراد
بكون السفر في طاعة الله على الظاهر ما يقابل سفر المعصية فيعم المباح أيضا نظير ما ورد في تفسير الغارمين من أن يكون دينهم في طاعة الله فما في الحدائق
من الاستشكال في السفر المباح نظرا إلى ظهور الرواية في كونه طاعة مع اعترافه بمخالفته للمشهور بل عدم وجدانه القائل به عدى ما نقل عن ابن الجنيد من
أنه قيد الدفع بالمسافرين في طاعة الله لعله في غير محله بل قد يغلب على الظن أن ابن الجنيد أيضا لم يقصد بهذا التقييد إلا الاحتراز عن سفر المعصية و
كيف كان فلا ينبغي الارتياب في عدم اعتبار هذا الشرط في مفهوم ابن السبيل وفي حكمه أي جواز صرف الصدقة فيه لمنافاته لما يقضيه أدلة شرع الزكاة من
كونها موضوعة لسد خلة الفقراء ورفع حاجة المحتاجين بل لولا أنه جعل ابن السبيل في الآية قسيما للفقراء لكنا نلتزم باندراج المنقطعين في سفرهم في
الفقراء وإن انصرف عنهم إطلاق اسم الفقير ضرورة أن مناط استحقاق الصدقات على ما يستفاد من أدلتها هو الفقر والاحتياج لا كونه مندرجا في مسمى اسم
الفقير عرفا هذا مع أنه لم يتحقق الخلاف فيه من أحد فلا ينبغي الاستشكال فيه ثم أنه قد نقل عن ابن الجنيد والشهيد في الدروس واللمعة القول باندراج
مريد السفر الذي ليس له نفقة السفر في ابن السبيل وفيه منع صدق ابن السبيل عرفا على من لم يتلبس بعد بالسفر نعم من لم يكن عنده مؤنة السفر لو تكلف
وسافر اندرج بعد مسافرته في موضوع ابن السبيل الذي وضع له السهم من الزكاة إذ لا يشترط في صحة هذا الاطلاق حدوث الفقر والاحتياج بعد تلبسه
بالسفر بل ثبوته فيه ولو من حين تلبسه بالسير وكيف كان فالقول بجواز الصرف من هذا السهم في مريد السفر الذي ليس له نفقته ضعيف وقياس مريد السفر
من وطنه على مريد الخروج من موضع الإقامة حيث أنه يجوز إعطائه من سهم ابن السبيل مع انقطاع سفره بإقامة العشرة قياس مع الفارق فإن كون الإقامة
أو البقاء ثلاثين يوما في مكان مترددا قاطعة للسفر شرعا لا يوجب صيرورة محل الإقامة وطنه حقيقة حتى يخرج بذلك المسافر الذي عزمه الرجوع إلى وطنه
عند بقائه في بلد شهرا أو شهرين فما زاد عن موضوع ابن السبيل خصوصا إذا كان توقفه في ذلك المكان مسببا عن نفاذ زاده وراحلته وعدم تمكنه من المسافرة
عنه فإن هذا يؤكد كونه ابن السبيل عرفا ومن هنا يظهر أيضا ضعف ما حكي عن غير واحد من الحاق موضع الإقامة ببلده في عدم كونه ابن ما لم يسافر عنه
إذ العرف أعدل شاهد بالفرق بينهما وإن إقامة العشرة فما زاد غير منافية لصدق اسم ابن السبيل بل ربما تكون مؤكدة له كما تقدمت الإشارة إليه وكيف
كان فالمدار في استحقاقه من هذا السهم احتياجه في غربته ولو كان غنيا في بلده وعلى هذا التقدير هل يشترط عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع شئ من
أمواله مثلا كما صرح به في الجواهر أم يعتبر عجزه عن التصرف في أمواله ببيع ونحوه دون الاستدانة كما قواه في المدارك أم لا يعتبر العجز عن شئ منهما كما حكاه في
المسالك عن المعتبر ونفي عنه البعد فقال في المسالك وهل يشترط عجزه عن الاستدانة على ما في بلده أو عن بيع شئ من ما له فيه ونحوه الظاهر ذلك ليتحقق
العجز ولم يعتبره المصنف في المعتبر وليس ببعيد عملا بإطلاق النص والذي ينبغي أن يقال أنه إن كانت الاستدانة أو التصرف في أمواله بالبيع ونحوه أمرا ميسورا له
كأغلب التجار المعروفين في البلاد النائية فمثل هذا الشخص لا يعد من أرباب الحاجة إلى الصدقة بل ولا ابن سبيل في العرف وبحكمه القوي السوي المتمكن من
الاكتساب في الطريق بما يناسب حاله وشأنه أما لو كانت الاستدانة أو البيع ونحوه أمرا حرجيا بحيث لا يتحمله إلا عن الجاء واضطرار فلا يكون القدرة عليهما مانعة
عن الاستحقاق إذ لا يؤثر مثل هذه القدرة في خروجه عن حد الفقر عرفا وكذا الضيف إذا كان في سفره وكان محتاجا إلى الضيافة فيجوز أن يطعمه من هذا
السهم وتخصيصه بالذكر مع أنه من أفراد ابن السبيل الذي يشترط فيه الفقر والحاجة لوقوع التعرض له في كلمات الأصحاب ونسبته في كلماتهم إلى رواية والأصل
فيه ما عن المفيد في المقنعة قال وأبن السبيل وهم المنقطع بهم في الاسفار وقد جاءت رواية أنهم الأضياف يراد به من أضيف لحاجة إلى ذلك وأن كان له في موضع
آخر غنى ويسار وذلك راجع إلى ما قدمناه ولكن أطلق غير واحد منهم لفظ الضيف وقيده بعضهم بالحاجة دون السفر وكيف كان فلا دليل على دخول الضيف
من حيث هو في ابن السبيل والرواية المزبورة مع ما فيها من الارسال مجهولة المتن فلعل في متنها ما يشهد بإرادة المنقطع في السفر المحتاج إلى الضيافة كما يفهمه
المفيد (ره) فهي على تقدير حجيتها أيضا لا تثبت أزيد من ذلك والله العالم ولا بد أن يكون سفرهما مباحا فلو كان معصية لم يعط في المدارك قال لا خلاف بين
العلماء في عدم جواز الدفع إلى المسافر من سهم ابن السبيل إذا كان سفره معصية لما في ذلك من الإعانة على الاثم والعدوان إنتهى يدل عليه مرسلة علي
ابن إبراهيم المتقدمة بالتقريب المتقدم وأما الاستدلال عليه بما فيه من الإعانة على الاثم والعدوان كما في المدارك وغيره فأنما يتجه لو قلنا باختصاص المنع
في السفر إلى غاية محرمة بما لو دفعه إليه في ذهابه لا في إيابه الذي بنفسه ليس بحرام مع أن مقتضى إطلاق النص وفتاوى الأصحاب عدم جواز الدفع في الاياب أيضا
إذا عد عرفا من تتمة سفره الذي قصد به الغاية المحرمة مع أنه ليس فيه إعانة على الاثم والعدوان اللهم إلا أن يقال بأن فيه أيضا تشييدا للظالم وتقريرا له على
ظلمه وفسقه وهو مناف لما بني عليه شرع الزكاة من كونها عونا للفقراء والمساكين دون الظلمة وقطاع الطريق ونظائرهم ممن يسعون في الأرض للفساد فلا
ينصرف إليهم إطلاقات أدلتها وهو لا يخلو من وجه فيتأمل وكيف كان فلو أستقل رجوعه بالملاحظة عرفا كما لو أرتدع عن قصده في أثناء الطريق فرجع أو
ندم على عمله وتاب جاز الدفع إليه حينئذ لعدم كونه بالفعل متلبسا بسفر المعصية عرفا ولا يشترط التلبس بالضرب فلو تاب ورجع عن قصد المعصية إلى الطاعة
103

جاز الدفع إليه ولو لم يضرب في الأرض بعد توبته إذ المدار في صدق كونه ابن سبيل على كونه نائيا عن أهله وما له محتاجا في الوصول إليهما إلى مؤنة سواء كان بالفعل متلبسا
بقطع المسافة أم لم يكن كما هو واضح ويدفع إليه من الزكاة إذا كان غنيا في بلده قدر الكفاية اللائقة بحاله إلى بلده بعد قضاء الوطر من سفره أو يصل إلى مكان يمكنه
فيه الاعتياض ونحوه مما يغنيه عن تناول الصدقات ولو فضل منه شئ ولو بالتضييق على نفسه كما نص عليه في الجواهر أعاده وفاقا للأكثر بل المشهور على ما ادعاه
في الجواهر لان الصدقة لا تحل لغني وقد أبيحت لابن السبيل الذي هو غنى في بلده لمكان حاجته الفعلية العارضة له في أثناء الطريق وهي لا تقتضي أباحتها له إلا
بمقدار حاجته في وقت احتياجه فلو دفع إليه أزيد من مقدار حاجته أو بمقدار حاجته ولكنه لم يصرفه في حاجته حتى وصل إلى بلده فقد صار إلى حال لا تحل
الصدقة له فعليه إيصال ما بقي عنده من الصدقة إلى مستحقها وقيل لا يعيد وقد حكى هذا القول عن الشيخ في الخلاف بناء منه على أنه يملكه بالقبض فما يفضل منه
بعد الوصول إلى بلده ليس إلا كما يفضل في يد الفقير من مال الصدقة بعد صيرورته غنيا وفيه أن ما يستحقه الفقير لا يتقدر بقدر فما يصل إليه من الزكاة يملكه
بقبضه ملكا مستقرا وأما ابن السبيل الذي هو غني في بلده لا يستحق من الزكاة إلا نفقته إلى أن يصل إلى بلده فما يدفع إليه ملكيته مراعا بصرفه في وقت فقره وحاجته
الفعلية أي قبل استيلائه على أمواله فلو فضل منه شئ عاد على ما هو عليه من كونه صدقة من غير فرق في ذلك بين النقدين وغيرهما كما صرح به في المسالك وفي الجواهر
بعد أن نقل عن المسالك قال لا فرق أي في وجوب الرد بين النقدين والدابة والمتاع قال ما لفظه وكأنه أشار إلى ما عن نهاية الفاضل من أنه لا يسترد منه
الدابة لأنه ملكها بالاعطاء بل عن بعض الحواشي إلحاق الثياب والآلات بها ولعل ذلك لان المزكي يملك المستحق عين ما دفعه إليه والمنافع تابعة والواجب
على المستحق رد ما زاد من العين ولا زيادة في هذه الأشياء إلا في المنافع ولا أثر لها مع ملكية تمام العين اللهم إلا أن يلتزم انفساخ ملكه من العين بمجرد
الاستغناء لان ملكه متزلزل فهو كالزيادة التي تجدد الاستغناء عنها إنتهى وقد أشرنا إلى أنه على تقدير كونه غنيا في بلده ليس للمزكي أن يملكه إلا متزلزلا حيث
أنه لا يستحقه إلا كذلك فما ذكره في ذيل كلامه من الالتزام بانفساخ ملكه مما لا بد منه وكيف كان فالتفصيل بين النقدين وغيرهما مما لا وجه له فليتأمل القسم
الثاني في أوصاف المستحقين للزكاة وهي أمور الأول الايمان يعني الاسلام مع الولاية للأئمة الاثني عشر عليهم السلام فلا يعطى الكافر بجميع أقسامه بل ولا معتقد
لغير الحق من سائر فرق المسلمين بلا خلاف فيه على الظاهر بيننا والنصوص الدالة عليه فوق حد الاحصاء مثل ما عن الكليني وأبن بابويه في الصحيح عن زرارة وبكير
والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية
ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أوليس عليه إعادة شئ من ذلك قال ليس عليه إعادة شئ من ذلك غير
الزكاة لا بد أن يؤيدها لأنه وضع الزكاة في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية وصحيحة بريد بن معاوية العجلي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حج
وهو لا يعرف هذا الامر إلى أن قال وقال كل عمل عمله وهو في حال نصبه وضلاله ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة فإنه يعيدها لأنه
وضعها في غير موضعها وخبر إبراهيم الأوسي عن الرضا عليه السلام قال سمعت أبي يقول كنت عند أبي يوما فأتاه رجل فقال أني رجل من أهل الري ولي زكاة فإلى من
أدفعها فقال إلينا فقال الصدقة محرمة عليكم حرام فقال بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا فقال أني لا أعرف لهذا أحدا فقال فانتظر بها سنة قال
فإن لم أصب لها أحدا قال أنتظر بها سنتين حتى بلغ أربع سنين ثم قال له أن لم تصب لها أحدا فصرها صررا وأطرحها في البحر فإن الله عز وجل حرم أموالنا وأموال
شيعتنا على عدونا إلى غير ذلك من الروايات التي لا حاجة إلى استقصائها ثم أن مقتضى ظاهر النصوص والفتاوى كون الايمان شرطا في الاستحقاق لا الكفر مانعا
عن الدفع كي يجوز البناء على عدمه لدى الشك تعويلا على أصالة عدم حدوث ما يوجبه فلا يجوز الدفع إلى مجهول الحال ما لم يكن هناك أصل أو طريق شرعي لاثباته
كادعائه أو اعترافه بالأمور المعتبرة في الايمان أو غير ذلك من الطرق المعتبرة شرعا وهل يثبت بكونه في بلد المؤمنين أو أرض يكون الغالب فيها أهل الايمان
كالاسلام فيه تردد بل منع لانتفاء ما يدل على اعتبار الغلبة هاهنا وتنظيره على الاسلام قياس لا نقول به وقضية إطلاق المتن وغيره اشتراط الايمان
في جميع أصناف المستحقين وفي المدارك قال في شرح العبارة بعد أن استدل له بجملة من الاخبار ما لفظه ويجب أن يستثنى من ذلك المؤلفة وبعض أفراد
سبيل الله وإنما أطلق العبارة اعتمادا على الظهور وفي المسالك قال إنما يشترط الايمان في بعض الأصناف لا جميعهم فإن المؤلفة وبعض أفراد سبيل الله
لا يعتبر فيهما ذلك إنتهى وكأنهما أرادا من بعض أفراد سبيل الله مثل الغازي يصح استثنائه من عبارة المتن لا المصالح التي يتعلق الصرف فيها بالجهات
لا بالاشخاص كبناء المساجد والقناطر إذ لا معنى لاشتراط الايمان في ذلك كي يكون قابلا للاستثناء وربما الحق بعض مطلق سبيل الله بالمؤلفة فلم
يشترط الايمان فيه أصلا والذي يقتضيه التحقيق هو أنه لا شبهة في خروج المؤلفة قلوبهم عن المستحقين الذين يشترط فيهم الايمان وقد صرح المصنف
في تفسير المؤلفة قلوبهم بأنهم هو الكفار الذي يستمالون إلى الجهاد فمراده بالمستحقين هاهنا من عداهم ممن يستحق صرفها إليه لرفع حاجته وسد ختله
وكذا الروايات الدالة على اشتراط الايمان لا تدل الا على اشتراطه فيمن يستحقها لحاجة والحصر الوراد فيها من أن موضعها أهل الولاية إضافي لم يقصد
به الاحتراز عن المؤلفة والعاملين وغيرهم ممن يصرف إليهم لا من هذا الوجه بل المقصود بها على ما يتبادر منها بيان انحصار من يستحق صرف الزكاة في
قضاء حوائجه بالمؤمنين في مقابل أرباب الحاجة من سائر الفرق وما دل على وجوب إعادة المخالف زكاته على الاطلاق معللا بأنه وضعها في غير موضعها
فهو جار مجرى الغالب من صرفها إلى فقرائهم أو دفعها إلى عامل الصدقات المنصوب من قبل الجائر فكما لا يعم هذا الحكم بمقتضى هذه العلة ما لو صرفها
إلى فقراء المؤمنين فكذلك بالنسبة إلى ما لو صرفها إلى سائر المصالح التي هي من مصارف الزكاة مما لا يعقل اتصافه بالايمان وملخص الكلام أن المنساق
من الأخبار المانعة عن صرف الزكاة إلى غير أهل الولاية هو النهي عن صرفها في سد خلة غير الموالي مطلقا سواء كان من سهم الفقراء أو المساكين أو الغارمين أو
104

في الرقاب أو ابن السبيل إذ جعل السبيل نفس أعانته من حيث احتياجه بملاحظة أن لكل كبد حراء أجرا و أما المؤلفة فلا ريب في عدم اعتبار
الاسلام فيهم فضلا عن الايمان لان إعطائهم ليس من باب الإعانة وسد الخلة لذا لا يعتبر فيهم الفقر أيضا وأما من سهم العاملين فلا يجوز أيضا
بناء على اشتراط العدالة فيهم كما أدعى عليه الاجماع وإلا فالظاهر أنه لا بأس بإعطائه ليس من باب الإعانة وسد الخلة بل بإزاء العمل الذي
يعود نفعه إلى أهل الصدقات فهو في الحقيقة صرف في مصالح المستحقين لا في العاملين من حيث أنفسهم فهو نظير ما لو دفع إلى المخالف من باب الإعانة و
سد الخلة بل لقيامه بمصلحة من المصالح كالغزو وحفظ الطرق وسد الثغور ونحوها فهذا مما لا شبهة في جوازه وخروجه عن منصرف الأخبار الناهية عن صرفها
إلى غير الموالين كما لا يخفى على المتأمل ومع عدم المؤمن وتعذر صرفه في مصرف آخر مما يجوز صرف الزكاة فيه كبناء مسجدا أو قنطرة ونحوهما تحفظ إلى حال التمكن
منه ولا تعطى المخالف فضلا عمن عداهم من الكفار على المشهور بل في الجواهر بلا خلاف أجده بل يمكن تحصيل الاجماع عليه لاطلاق الروايات الحاصرة موضعها
في أهل الولاية والناهية عن صرفها إلى من عداهم وخصوص خبر الأوسي المتقدم الذي ورد فيه الامر بالانتظار إلى أربع سنين وإلقائه في البحر أن لم يصب لها
أحدا يعني من الشيعة ولعل ما في ذيله من الامر بالقائها في البحر على تقدير أن لا يصيب لها أحدا من الشيعة في تلك المدة الذي هو مجرد فرض لا يكاد يتفق
حصوله في الخارج للتنبيه على أن إلقائها في البحر وإتلافها لدى تعذر إيصالها إلى الشيعة أولى من إيصالها إلى المخالفين الذين حرمها الله عليهم على سبيل
الكناية وكيف كان فهذه الرواية صريحة في عدم جواز صرفها إلى المخالفين حتى مع اليأس عن التمكن من إيصالها إلى الشيعة وقد حكى في الحدائق عن
بعض أفاضل متأخري المتأخرين أنه نقل قولا بجواز إعطاء المستضعف عند عدم المؤمن من غير تصريح بقائله كما في زكاة الفطر لدى المصنف و
غيره ممن سيأتي الإشارة إليه واستدل له بخبر يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح (ع) قال قلت له الرجل منا يكون في أرض منقطعة كيف يصنع بزكاة
ما له قال يضعها في إخوانه وأهل ولايته فقلت فإن لم يحضره منهم فيها أحد قال يبعث بها لهم قلت فإن لم يجد من يحملها إليهم قال يدفعها إلى من لا ينصب
قلت فغيرهم قال ما لغيرهم إلا الحجر وأجاب المصنف (ره) عن هذه الرواية في محكى المعتبر بضعف السند والعلامة في محكي المنتهى بالشذوذ أقول فيشكل حينئذ دفع اليد
بواسطتها عن ظواهر النصوص الدالة بظاهرها على اختصاصها بأهل الولاية وإلا فلو أغمض عن ذلك لأمكن تقييد ساير الاخبار بالحمل على ما لا ينافي هذه
الرواية خصوصا خبر الأوسي بواسطة ما فيه من التعليل كما لا يخفى على المتأمل ونسب إلى الشيخ واتباعه بأنه يجوز صرف الفطرة خاصة مع عدم المؤمن
إلى المستضعفين من المخالفين كما هو مختار المصنف في الكتاب لموثق الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان جدي يعطي فطرته الضعفاء ومن لا يجد ومن
لا يتولى قال وقال أبو عبد الله هي لأهلها الا ان لا تجدهم فإن لم تجدهم فلمن لا ينصب ولا تنقل من ارض إلى ارض وقال الامام اعلم يضعها حيث يشاء و
يصنع فيها ما يرى وصحيحة علي بن يقطين انه سئل أبا الحسن الأول عن زكاة الفطرة أيصلح ان تعطى الجيران والظؤرة ممن لا يعرف ولا ينصب فقال لا باس
بذلك إذا كان محتاجا وخبر مالك الجهني قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن زكاة الفطرة فقال تعطيها المسلمين فإن لم تجد مسلما فمستضعفا واعط ذا
قرابتك منها ان شئت وخبر علي بن بلال قال كتبت إليه هل يجوز ان يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من اخوانه في بلدة أخرى محتاج ان يوجه له فطرة أم لا
فكتب يقسم الفطرة على من حضر ولا يوجه ذلك إلى بلدة أخرى وان لم يجد موافقا وموثقة إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (ع) قال سئلته عن صدقة الفطرة أعطيها
غير أهل ولايتي من فقراء جيراني قال نعم الجيران أحق بها لمكان الشهرة وحكي عن الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وجمع من الأصحاب المنع مطلقا
بل ربما نسب هذا القول إلى المشهور بل عن الانتصار والغنية دعوى الاجماع عليه اخذا باطلاق الأخبار الناهية عن دفعها إلى غير المؤمن واطلاق صحيحة
إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا عليه السلام قال سئلته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف قال لا ولا زكاة الفطرة وخبر الفضيل بن شاذان المروي عن
العيون عن الرضا عليه السلام انه كتب إلى المأمون وزكاة الفطر فريضة إلى أن قال ولا يجوز دفعها الا إلى أهل الولاية وحكي عن المصنف في المعتبر انه بعد نقل
اخبار
الطرفين قال والرواية المانعة أشبه بالمذهب لما قررته الامامية من تضليل مخالفيها في الاعتقاد وذلك يمنع الاستحقاق انتهى وفيه ان مانعيته عن الاستحقاق
ليس امرا عقليا بل حكم شرعي مستفاد من الاخبار الحاصرة للمستحق باهل الولاية والناهية عن دفعها إلى غيرهم وهي غير أبية الحمل على ما لا ينافي هذه الأخبار
كما تقدمت الإشارة إليه انفا فمقتضى القاعدة الجمع بينها بتقييد المطلقات بحال وجود المؤمن ولكن قد يشكل ذلك بما في بعض هذه الأخبار من أفادت
التقية اما موثقة إسحاق فظاهرها على ما يقتضيه اطلاق الجواب من غير استفصال وما فيها من التعليل المناسب للعموم ارادته على الاطلاق من اشتراطه بعدم
المؤمن ولا بعدم النصب فهي واردة مورد التقية كما يفصح عن ذلك التعليل بمكان الشهرة إذ المراد به على الظاهر بيان ان الامر باعطاء غير الموالي من جيرانه لأجل
التقية والتحرز عن أن يشتهر بينهم كونه رافضيا ومن هنا قد يغلب على الظن ان الامر بقسمته الفطرة على من حضر وعدم نقلها إلى بلد اخر وان لم يجد موافقا
من غير تقييد الدفع إلى غير الموافق بعدم النصب ولا بعدم المؤمن من لم يكن الا للعلة المذكورة في الموثقة اي مراعاة التقية وكذلك الكلام في صحيحة محمد بن مسلم
فان ظاهرها إرادة الاطلاق وليس تقييده بصورة تعذر الايصال إلى المؤمن التي هي فرض نادر جمعا بينها وبين غيرها من الأدلة بأهون من ابقائها على
ظاهرها من إرادة الاطلاق رعاية للتقية المناسبة لحال السائل بل هذا أولى واما خبر مالك فلا يمكن الالتزام بظاهره اللهم الا ان يحمل على إرادة خصوص
المؤمن من المسلم وهو غير عزيز في الاخبار وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه للقيل بالجواز هي موثقة الفضيل والاعتماد على خصوص هذه الموثقة في
مقابل العمومات والاطلاقات الكثيرة المعتضدة بنقل الشهرة والاجماع مشكل ولكن دفع اليد عن النص الخاص بمثل هذه الاطلاقات القابلة للصرف لو لم نقل
بانصرافها بنفسها إلى صورة وجود المؤمن أشكل فيما ذهب إليه المصنف (ره) من القول بالجواز أشبه وقد ظهر بما ذكرناه في توجيه موثقة إسحاق وغيرها مما دل بظاهره
105

على جواز دفع الفطرة إلى المخالف من غير اشتراطه بعدم المؤمن ولا بعدم النصب من كونها واردة مورد للتقية ان الأظهر جواز دفع الفطرة إلى فقراء المخالفين في
مقام التقية والاجتزاء به وهل زكاة المالية أيضا كذلك أم يجب اعادتها إذا دفعها إلى المخالف تقية وجهان أوجههما الأول ولكن بشرط عدم المندوحة ولو بلغنا
المال وتأخير الدفع إلى زمان التمكن من الايصال إلى المستحق كما سيأتي تحقيقه لدى البحث عن حصول البراءة بالدفع إلى العامل المنصوب من قبل الجائر والله العالم
وتعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون غيرهم بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه اخبار مستفيضة منها رواية أبي بصير
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يموت ويترك العيال أيعطون من الزكاة قال نعم حتى ينشأوا ويبلغوا ويسئلوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم
فقلت انهم لا يعرفون فقال يحفظ فيهم ميتهم ويحبب إليهم دين أبيهم فلا يلبثون ان يهتموا بدين أبيهم وإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم ورواية
أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال ذرية الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة والفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا فإذا بلغوا وعرفوا ما كان أبوهم
يعرف أعطوا وان نصبوا لم يعطوا ورواية عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي الحسن عليه السلام رجل مسلم مملوك ومولاه مسلم وله مال يزكيه وللمملوك
ولد حر صغير أيجزي مولاه ان يعطي ابن عبده من الزكاة قال لا باس (وخبر يونس بن يعقوب المروي عن قرب الإسناد عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له
عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فاشتري لهم منها ثيابا وطعاما وارى ان ذلك خيرا لهم قال فقال لا باس) وقضية اطلاق النص والفتوى جواز الدفع إلى أطفال المؤمنين ولو مع فسق ابائهم
كما هو صريح جملة منهم اشتراط العدالة في المستحق ان سلمناه ففي المحل القابل لا في الأطفال وتبعية الأطفال لابائهم في ذلك مما لا دليل عليه فما عن
بعض من بناء المسألة على شرطية العدالة ومانعية الفسق ليس على ما ينبغي نعم قد يستشعر من رواية أبي خديجة بل وكذا من قوله (ع) في رواية أبي بصير يحفظ فيهم ميتهم
تبعية الأطفال لابائهم في الاستحقاق ولكن لا ينبغي الاعتناء بمثل هذا الاشعار في تقييد الاطلاقات كما لا يخفى على المتأمل ثم إن المنساق من
أولاد الرجل المسلم وذريته من يلتحق به بنسب صحيح فولد الزنا خارج عن مورد هذا الحكم والطفل المتولد بين المؤمن والمخالف يتبع أباه فإن كان أبوه مؤمنا
وأمه مخالفة جاز اعطائه لصدق أولاد المؤمن عليه عرفا وشرعا دون العكس والمتولد بين الكافر والمسلم إذا كان أبوه مسلما يتبعه بلا اشكال واما
إذا كان أبوه كافرا وأمه مسلمة فهل يتبع أمه في هذا الحكم أيضا كسائر احكامه وجهان من خروجه عن مورد الروايات الدالة على جواز اعطاء أطفال المؤمنين
ومن امكان دعوى كفاية العمومات بعد اندراجه في موضوع الفقير عرفا ولحوقه بأمه في الاسلام شرعا فليتأمل. تنبيه: قال شيخنا المرتضى (ره) هل يجوز للمالك
صرف الزكاة للطفل ولو مع وجود الولي كان يطعمه في حال جوعه وان لم يعلم بذلك أبوه الظاهر عدم الجواز من سهم الفقراء لأن الظاهر من أدلة الصرف في هذا
الصنف هو تمليكهم إياه نعم يجوز في سبيل الله ويحتمل الجواز من سهم الفقراء بدعوى ان الظاهر من تلك الأدلة استحقاقهم للزكاة لا تمليكهم لها فالمقصود هو
الايصال انتهى أقول وهذه الدعوى قريبة جدا وربما يؤيدها أيضا خبر يونس المتقدم مع أن ما يظهر منهم من التسالم عليه من عدم حصول الملكية للطفل
الا بقبض الولي قابل للمنع فان ما دلت على سلب افعال الصبي وأقواله انما يدل عليه في عقوده وايقاعاته ونظائرها مما فيه الزام والتزام بشئ على وجه
يترتب على مخالفته مؤاخذة لا مطلق اعماله ولذا قوينا شرعية عباراته فكذا معاملاته التي لم يكن فيها الزام والتزام بل مجرد اكتساب كحيازة المباحات
وتناول الصدقات ونظائرها الا ترى قضاء الضرورة بعدم جواز السرقة مما حازه الصبي من المباحات الأصلية وغيرها مما يجوز حيازتها بقصد
الاكتساب فكذا الشان فيما يتناوله من وجوه الصدقات نعم ليس للمالك الاجتزاء بدفعها إليه في تفريغ ذمته لامكان ان يقال بكون الملكية الحاصلة
بقبضه مراعاة بعدم اتلافها وصرفها فيما يجوز لوليه الصرف فيه ويقال بأنها وان دخلت في ملكه بقبضه كالحطب الذي يحوزه للاكتساب ولكنها مضمونة
على المالك حتى يصرفها في حاجته وفي المدارك نقل عن العلامة (ره) انه صرح في التذكرة بأنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الصغير وان كان مميزا واستدل عليه
بأنه ليس محلا لاستيفاء ما له من الغرماء فكذا هنا ثم قال اي العلامة ولا فرق بين ان يكون يتيما أو غيره فان الدفع إلى الولي فإن لم يكن له ولي جاز ان يدفع
إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله ثم قال صاحب المدارك و مقتضى كلامه (ره) جواز الدفع إلى غير ولي الطفل إذا لم يكن له ولي ولا باس به إذا كان مأمونا بل
لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث يصرف في وجه يسوغ للولي صرفها فيه انتهى ما في المدارك وهو لا يخلو من وجوه والله العالم ولو اعطى مخالف
زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعاد في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ويدل عليه اخبار مستفيضة قد تقدم نقل جملة منها في صدر المبحث
ففي صحيحة الفضلاء ليس عليه إعادة شئ من ذلك يعني من عباداته التي اتى بها في حال ضلالته غير الزكاة فإنه لا بد ان يؤيدها لأنه وضع الزكاة في غير
موضعها وانما موضعها أهل الولاية وفي صحيحة بريد بن معاوية كل عمل عمله في حال نصبه وضلاله ثم من الله عليه وعرفه الولاية فإنه يوجر عليه الا الزكاة فإنه
يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها لأنها لأهل الولاية وفي خبر ابن أذينة كل عمل عمله الناصب في حال ضلاله أو حال نصبه ثم من الله عليه وعرفه هذا الامر فإنه يوجر
عليه ويكتب له الا الزكاة فإنه يعيدها لأنه وضعها في غير موضعها وانما موضعها أهل الولاية فاما الصلاة والصوم فليس عليه قضائهما ويفهم من التعليل الوارد
في النصوص المزبورة انه لو أعطاها فقراء الشيعة أو صرفها إلى جهة من الجهات التي يجوز صرف الزكاة فيها لم يجب عليه اعادتها كما ربما يستشعر ذلك أيضا من عبارة
المتن حيث قيد موضوع الإعادة بما لو أعطاها أهل نحلته الوصف الثاني العدالة وقد اعتبرها كثير واعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر والزنا دون الصغائر
وان دخل بها في جملة الفساق وهذا القول منسوب إلى ابن الجنيد ولكن العبارة المحكية هي أنه قال لا تعطي شارب الخمر ولا المقيم على كبيرة وهي مشعرة بإرادة المنع
عن اعطاء من يطلق عليه في العرف والقول الأول منقول عن المشايخ الثلاثة واتباعهم بل ربما نسب إلى المشهور بين القدماء شهرة عظيمة بل عن ظاهر السيدين أو صريحهما
دعوى الاجماع عليه ونسب إلى جمهور المتأخرين أو عامتهم القول بعدم اعتبار شئ منهما وهو المحكي عن ابني بابويه وسلار حيث لم يتعرضوا في مقام بيان الشرائط
أزيد من الايمان وعن الخلاف انه مذهب قوم من الأصحاب وهو الأقوى للاطلاقات بل العمومات الكثيرة الواردة في مقام البيان التي أصلها اية الصدقة
106

المسوقة لبيان مصرفها التي يجب الاقتصار في تقييدها على القدر الثابت من اختصاصها باهل الولاية ويؤيدها الروايات الواردة في حكمة شرع الزكاة
وانها وضعت لسد خلة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وغيرهم من ذوي الحاجات على وجه لو لم يكن تقصير في أدائها لاستغنى الجميع بها ومن الواضح
انه لو كانت العدالة شرطا في المستحق لتعذر غالبا على أبناء السبيل في مقام الحاجة اثباتها مع أن الغالب فيهم بل في مطلق الفقراء والمساكين عدم اتصافهم
بالعدالة إذ الفقر كاد يكون كفرا الا ترى ان الغالب فيهم من يا مرك بالصدقات فان أعطوا منها رضوا وان لم يعطوا منها إذا هم يسخطون والحاصل
انه لو كانت العدالة شرطا في الاستحقاق للزم منه حرمان جل أبناء السبيل ومعظم الفقراء عن ذلك وهو مناف لأدلة شرع الزكاة وربما يشهد له أيضا
شواهد ومؤيدات مما لا حاجة إلى استقصائها احتج السيد (ره) لما ذهب إليه من القول بالاشتراط على ما نقل عنه اجماع الطائفة والاحتياط وكل ظاهر
من سنة أو قران تضمن المنع عن معونة الفاسق والجواب اما عن الاجماع فبعدم تحققه وعدم الاعتناء بنقله خصوصا مع معروفية الخلاف من عظماء الأصحاب
واما الاحتياط فليس بدليل شرعي في مقابل اطلاق ألفاظ الكتاب والسنة واما الظواهر المتضمنة للنهي عن معونة الفاسق أو الظالم فهي لا تدل الا على
المنع عن معونته في فسقه وظلمه ولو فرض ظهور شئ منها في إرادة الاطلاق أو صراحته في ذلك لتعين طرحه أو تأويله بما يرجع إلى ذلك لقضاء الضرورة
بجواز إعانة الظالم على فعل المباحات فضلا عن اعانته على أداء الواجبات وفعل المستحبات كوفاء ديونه والانفاق على زوجته وأقاربه وغير ذلك مما
يعد الإعانة عليه إعانة على البر والتقوى من غير فرق في ذلك بين ان يكون ذلك بصرف المال إليه وبين ساير المقدمات التي يستعين بها على قضاء حوائجه
الضرورية وانما المرجوح اعانته فيما يعود إلى جهة ظلمه وفسقه نعم إذا كان من شانه الاقتحام في المعاصي قد تكون التوسعة عليه موجبا لصرف ما زاد عن نفقته
في المعصية فيكون حينئذ من قبيل بيع العنب ممن يعلم أو يظن بأنه يعمله خمرا فيكون الدفع إليه حينئذ زائدا عن مقدار حاجته الفعلية مرجوحا كما أشير إلى ذلك في خبر بشر بن
بشار المروي في العلل قال قلت للرجل يعني أبا الحسن عليه السلام ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة قال يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثم قال أو عشرة آلاف ويعطى الفاجر
بقدر لان المؤمن ينفقها في طاعة الله والفاجر في معصية الله وهذه الرواية كما تراها نص في عدم كون الفسق من حيث هو مانعا عن الاستحقاق وظاهرها
حرمة اعطاء الزيادة على ما يحتاج إليه في حوائجه اللازمة لا لأجل كونه فاسقا من حيث هو بل لأجل انه يصرفها في المعصية وقضية تعليل الرخصة في اعطاء
المؤمن ثلاثة آلاف أو عشرة آلاف بأنه ينفقها في طاعة الله والمنع من اعطاء الفاجر هذا المقدار بأنه ينفقها في معصية الله ينعكس الامر فيما لو علم من
باب الاتفاق بان هذا الفاسق لو دفع إليه عشرة آلاف يصرفها في حوائجه الضرورية وساير وجوه الطاعات من إعانة الفقراء والمساكين ومواصلة
أرحامه والحج والزيارات إذ رب فاجر من أعوان الظلمة وغير هم له شدة اهتمام بمثل هذه الخيرات بل قد يكون تقحمه في الفسق والفجور مسببا عن فقره
بحيث لو تكفل واحد بمعاشه لكان من أشد الناس مواظبة على الطاعات وان هذا المؤمن الثقة العدل لو صرف إليه هذا المبلغ الخطير يصرفه إلى السلطان
الجائر مثلا لتحصيل جاه أو وظيفة أو رياسة كمنصب الإمامة والقضاء أو نحو هما إذ لا يشترط في العدالة ملكة العصمة فكثيرا ما يصدر عنه مثل هذه الأمور
وملخص الكلام انه يستفاد من هذه الرواية بمقتضى التعليل الوارد فيها انه لا يجوز دفع الزكاة إلى من يصرفها في المعصية مطلقا سواء كان المدفوع
إليه فاجرا أم عادلا وهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه ولو مع قطع النظر عن هذه الرواية لأولويته بعدم الجواز من الغارم في معصية الله والعاصي بسفره
جزما مع ما فيه من الإعانة على الاثم فاطلاق الرخصة في الرواية في اعطاء العشرة آلاف للمؤمن والمنع عن اعطاء الفاسق زائدا عن مقدار الضرورة جار
مجرى العادة من الوثوق بالنظر إلى حال الفاسق وشأنه بأنه يصرفه في المعصية بخلاف العادل واستدل للقول باعتبار مجانبة الكبائر بخبر داود الصير في المروي
عن الكافي قال سئلته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا قال لا بدعوى عدم القول بالفصل بينه وبين غيره من الكبائر وأجيب عنه بضعف الرواية
بالاضمار وجهالة حال السائل مع أن المنساق من اطلاق شارب الخمر المدمن في شربها لا مطلق من شربها فلعل الوجه في المنع عن اعطائه شهادة حاله بأنه
يصرفه في المعصية مع أن عدم القول بالفصل بينه وبين كل من يرتكب كبيرة غير معلوم بل قد يستشعر من العبارة المحكية عن الإسكافي الذي نسب إليه
هذا القول انه لا يقول بالمنع من اعطاء كل من ارتكب كبيرة بل كل من يدوام على ارتكاب كبيرة بحيث يطلق عليه في العرف شارب
الخمر والزاني والسارق والفاجر ونحوها فإنه قال على ما حكى عنه ولا تعطى شارب الخمر ولا المقيم على كبيرة فعلى هذا
يمكن الاستشهاد له بالنسبة إلى شارب الخمر بالرواية المزبورة وبالنسبة إلى ما عداه ببعض الوجوه
الاعتبارية الغير الخالية من المناقشة خصوصا في مقابل اطلاقات الكتاب والسنة وقد
تلخص مما ذكر ان القول بعدم اشتراط شئ منهما في استحقاق
الزكاة هو الأقوى وان كان القول الأول
اي اعتبار العدالة أحوط
والله العالم
بحقائق احكامه الوصف الثالث هذا اخر ما صدر من المصنف قدس سره الشريف في كتاب الزكاة والحمد لله أولا واخرا
قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق الشريفة بيد أقل العباد طاهر ابن المرحوم الحاج عبد الرحمن غفر ذنوبهما سنة
107

هذا كتاب الخمس منه قدس سره الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
كتاب الخمس وهو حق مالي فرضه الله تعالى على عباده فقال تبارك وتعالى في محكم كتابه واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم امنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على
كل شئ قدير وقال الصادق عليه السلام في ما رواه في الوسائل عن الصدوق في الفقيه مرسلا وفي الخصال مسنده ان الله لا إله إلا هو لما حرم علينا الصدقة
انزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام والخمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال فهو على اجماله مما لا ريب فيه بل هو من الضروريات التي يخرج منكرها عن زمرة
المسلمين وتفصيله يتوقف على شرح ما به يتعلق هذا الحق ومستحقيه ففيه فصلان وينبغي قبل الخوض في المقصد التنبيه على امر وهو انه يظهر من جملة من
الاخبار ان الدنيا بأسرها ملك لرسول الله وأوصيائه عليه وعليهم السلام ولهم التصرف فيها بما يريدون من الاخذ والعطاء منها رواية أبي بصير عن
الصادق عليه السلام قال قلت له اما على الامام زكاة فقال أحلت يا أبا محمد اما علمت أن الدنيا والآخرة للامام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء جائز
له ذلك من الله ان الامام لا يبيت ليلة ابدا ولله في عنقه حق يسئله عنه وخبر ابن ريان قال كتبت إلى العسكري عليه السلام روى لنا ان ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله من الدنيا
الا الخمس فجاء الجواب ان الدنيا وما عليها لرسول الله صلى الله عليه وآله وفي مرسل محمد بن عبد الله المضمر الدنيا وما فيها لله ولرسوله ولنا فمن غلب على شئ منها فليتق
الله وليؤد حق الله وليبر اخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن براء منه وفي خبر اخر عن الباقر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله خلق الله تعالى ادم واقطعه الدنيا
قطيعة فما كان لادم فلرسول الله وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمد صلى الله عليه وآله وفي خبر أبي سيار قال أبو عبد الله عليه السلام أو ما لنا من الأرض وما اخرج الله منها
الا الخمس يا ابا سيار الأرض كلها لنا فما اخرج الله منها من شئ فهو لنا الحديث وفي خبر أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام قال وجدنا فكتاب علي عليه السلام ان الأرض
لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين انا وأهل بيتي أورثنا الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤت
خراجها إلى الامام من أهل بيتي وله ما اكل منها الحديث إلى غير ذلك من الاخبار وربما يؤيده قوله صلى الله عليه وآله في خطبة الغدير الست أولى بكم من أنفسكم
واعترف المخاطبين به ثم اثباته لعلى عليه السلام فان كونه أولى بهم من أنفسهم يستلزم كونه أحق منهم بالتصرف في أموالهم ولا نعنى بالملكية الا هذا ولكن
قد يقال بعدم امكان الالتزام بهذا الظاهر فإنه كاد ان يكون مخالفا للضرورة ولم ينقل عن أحد من الأصحاب التعبد بهذا الظاهر عدى ابن أبي عمير فيما
حكاه عنه السندي ابن الربيع حيث قال على ما نقل عنه انه أي ابن أبي عمير لم يكن يعدل بهشام بن الحكم شيئا وكان لا يغتب اتيانه ثم انقطع عنه وخالفه وكان
سبب ذلك ان أبا مالك الحضرمي كان أحد رجال هشام وقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة في شئ من الإمامة قال ابن أبي عمير ان الدنيا كلها للامام على
جهة الملك وانه أولى بها من الذين في أيديهم وقال أبو مالك املاك الناس لهم الا ما حكم الله به للامام من الفئ والخمس والمغنم فذلك له وذلك أيضا
قد بين الله للإمام عليه السلام أين يضعه وكيف يصنع به فتراضيا بهشام بن الحكم وصار إليه فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير فغضب ابن أبي عمير وهجر
هشاما بعد ذلك ولكنك خبير بان الملكية التي قصدت بهذه الروايات ليست ملكية منافية لمالكية ساير الناس لما جعلهم الله لهم كسهمهم من الخمس
بالملكية من سنخ ملكية الله تبارك وتعالى لما في أيديهم فقضية التعبد بظاهر هذه الروايات هو الالتزام بان حال سائر الناس بالنسبة إلى ما
بأيديهم من أموالهم بالمقايسة إلى النبي صلى الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام حال العبد الذي وهبه مولاه شيئا من أمواله ورخصه في أن يتصرف فيه كيف يشاء فذلك الشئ
يصير ملكا للعبد حقيقة بناء على أن العبد يملك ولكن لا على وجه ينقطع علاقته عن السيد فان مال العبد لا يزيد عن رقبته فهو مع ما له من المال ملك
لسيده ومتى شاء سيده ان ينتزع منه ما له جاز له ذلك فيصح إضافة المال إلى سيده أيضا بل سيده أحق به من نفسه وأولى بإضافة الما إليه فمن الجائز
ان يكون ما في أيدي الناس بالإضافة إلى ساداتهم كذلك فان الدنيا وما فيها أهون على الله من أن يجعلها ملكا لأوليائه ولا يمكن استكشاف عدمه
من اجماع أو ضرورة فان غاية ما يمكن معرفته بمثل هذه الأدلة هي ان الأئمة عليهم السلام كانوا ملتزمين في مقام العمل بالتجنب عما في أيدي الناس وعدم استباحة
شئ منها الا بشئ من الأسباب الظاهرية المقررة في الشريعة وهذا لا يدل على أنه لم يكن لهم في الواقع الا هذا فلا مانع عن التعبد بظواهر النصوص المزبورة المعتضدة
بغيرها من المؤيدات العقلية والنقلية نعم لو كان مفادها الملكية الغير المجامعة لملكية سائر الناس كحصتهم من الخمس لكانت مصادمة للضرورة
ولكنك عرفت انه ليس كذلك ويظهر من مخاصمة أبى مالك مع ابن أبي عمير في القضية المزبورة انه زعم أن ابن أبي عمير أراد هذا المعنى من الملكية فأنكره عليه و
صدقه هشام في ذلك وهو في محله على تقدير كونه كما زعم ولكن لا يظن بابن أبى عمير ارادته والله العالم الفصل الأول فيما يجب فيه وهو سبعة على الأصح
الأول غنائم دار الحرب وهذا القسم على اجماله هو القدر المتيقن مما يفهم حكمه بنص الكتاب ويدل عليه كثير من الاخبار وقضية عموم الكتاب وبعض الأخبار
الدالة عليه كخبر أبي بصير عن الباقر عليه السلام أنه قال كل شئ قوتل عليه على شهادة ان الله لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله فان لنا خمسه ولا يحل لاحد ان يشتري
من الخمس شيئا حتى يصل الينا حقنا بل وكذا اطلاق كثير من معاقد اجماعاتهم المحكية كصريح المتن وغيره ان الغنائم التي يجب فيها الخمس أعم مما حواه العسكر
وما لم يحوه من ارض وغيرها ما لم يكن مغصوبا من مسلم أو معاهد نحو هما من محترمى المال فلا ينبغي الاستشكال فيه كما أنه لا ينبغي التأمل في وجوب رد المغصوب
108

على مالكه وكونه مضمونا على من اخذه ولو بوسائط واستيلاء الكافر عليه عدوانا لا ينفى حرمته كما هو واضح وحكى عن صاحب الحدائق انه انكر التعميم على الأصحاب وقصر
الخمس على ما يحول وينقل من الغنائم دون غيره من الأراضي والمساكن مستظهرا ذلك من الأخبار المشتملة على قسمة الغنائم أخماسا وأسداسا عليهم وعلى الغانمين
حيث إن موردها ما عدى الأراضي فإنها لا تقسم على الغانمين بل هي ملك لجميع المسلمين إلى يوم القيمة كما نطق به الاخبار وكذا الأخبار الواردة في احكام الأراضي
الخراجية فإنه لا تعرض في شئ منها لحال الخمس فيه ان تقسيم المنقول على الأقسام الخمسة أو الستة لا يشعر بان مورد الخمس مقصور على ما فيه هذه الاقسام
واما ما دل على أن الأراضي المفتوحة عنوة ملك للمسلمين فهي غير أبيه عن التقيد بالآية الشريفة وغيرها مما عرفت واما ما ورد في بيان احكامها فالانصاف
انه يظهر منها انه ليس على من تقبل منها شئ عدى الخراج الذي يأخذه السلطان ولكن هذا لا ينفى استحقاق بني هاشم منها الخمس بل ربما يستشعر من الأخبار الواردة
في تحليل حقهم لشيعتهم ثبوت الخمس فيها ولكنه عليه السلام جعل شيعته في حل من ذلك ليطيب ولادتهم مع امكان ان يكون هذا من باب امضاء عمل المجائر ارفاقا بالشيعة
كما هو الشان بالنسبة إلى حقوق سائر المسلمين فيكون الاجتزاء بما يأخذه الجائر باسم الخراج بدلا عن اجرة الأرض من قبيل الاجتزاء بما يأخذه باسم الزكاة
والخمس فالأظهر ثبوت الخمس فيها ولكن لا يجب على من تقبلها سوى خراجها ويتفرع على هذا جواز الحكم بملكية رقبة الأرض المفتوحة عنوة فيما لو وجد شئ منها
تحت يد ومسلم وان علم بكونه عامرا حال الفتح إذا احتمل انتقاله إليه من سهم الخمس بوجه سائغ بان كان بامضاء الإمام عليه السلام أو نوابه ولا فرق في وجوب الخمس فيما
يغتنم من دار الحرب بين كونه قليلا أو كثيرا لاطلاق أدلته السالم عما يصلح لتقييده فما عن ظاهر غرية المفيد (ره) من اشتراط بلوغ عشرين دينارا مع شذوذه وعدم
معروفية موافق له محجوج بما عرفت وينبغي ان يستثنى من الغنائم التي يتعلق بها الخمس ما ورد فيه دليل بالخصوص على أنه ملك لأشخاص خاصة كصفوة المال
التي منها قطائع الملوك التي ورد في الاخبار انها للامام خاصة وسلب المقتول الوارد فيه انه لقاتله ونحو ذلك فان ظهور الأخبار الخاصة في إرادة ملكية المجموع
أقوى من ارادته من الآية والروايات الواردة في الخمس كما لا يخفى وكذا ينبغي استثناء المؤنة المصروفة في ضبط الغنيمة ونقلها مما كان ومعه على الغنائم من
ما له اضرارا به ومنافيا للعدل والانصاف خصوصا فيما لو كان سهمه أقل من مصرفه والله العالم بقي الكلام في تفسير الغنيمة الواردة في الكتاب فأقول
ربما يظهر من كلمات غير واحد ان الغنيمة في اللغة اسم لكل ما استفيد واكتسب كما يلوح بذلك ما في مجمع البحرين فإنه قال الغنيمة في الأصل هي الفائدة المكتسبة
ولكن اصطلح جماعة على أن ما اخذ من الكفار ان كان من غير قتال فهو فئ وان كان مع القتال فهو غنيمة واليه ذهب الامامية وهو مروى انتهى أقول فكان
ما اصطلحوا عليه عرف خاص ربما ينزل عليه اطلاق الآية بشهادة السياق كما حكى ذلك عن كثير من المفسرين والا فكثير من الأصحاب يستدلون باطلاق الآية
لا ثبات الخمس في سائر الأنواع الآتية بل ربما نسب الاستدلال به إلى الأصحاب عدى شاذ منهم بل عن الرياض دعوى الاجماع على عموم الآية وعن المفيد (ره) في المقنعة أنه قال
الغنائم كلما استفيد بالحرب من الأموال وما استفيد من المعادن والغوص والكنوز والعنبر وكلما أفضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات
من المؤنة والكفاية طول السنة على الاقتصار ونحوه فسرها الشهيد في الدروس ومحكى البيان وعن الطبرسي في مجمع البيان أيضا نحوه بل ادعى ان اسم الغنيمة
في عرف اللغة يطلق على جميع ذلك أقول الظاهر أن هؤلاء الاعلام أيضا أرادوا بما ذكروه معنى الغنيمة التي يتعلق بها الخمس وينزل عليها اطلاق الآية والا
فهي بحسب الظاهر اسم لكل ما استفيد فينبغي ان يحمل عليه اطلاق الآية الا ان يدل دليل من نص أو اجماع على خلافه كما يشهد لذلك مضافا إلى ذلك خبر
حكيم عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قوله تعالى واعلموا انما غنمتم من شئ الآية هي والله الإفادة يوما بيوم الا ان أبى جعل شيعته في حل ليزكوا ويؤيده أيضا موثقة
سماعة قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير وصحيحة ابن سنان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ليس الخمس الا في
الغنائم خاصة فان مقتضى ابقاء الحصر على حقيقته حمل الغنائم على مطلق الاستفادة والتكسب إلى غير ذلك من الاخبار المشعرة به أو الدالة عليه ولكن ربما يستشكل
في ذلك باستلزامه تخصيص الأكثر وفيه أولا المنع إذ لا يسمى كل ما يدخل في الملك ولو بسبب قهري من ارث ونحوه الاستفادة والاكتساب وعلى تقدير تسليم
الصدق وعدم انصراف اطلاق اللفظ عنه فنقول ان مقتضى عموم الكتاب والسنة ثبوت الخمس في الجميع ولكن يستكشف بواسطة الاجماع والسيرة وغيرها
من الأدلة الآتية ان أولياء الخمس قد زهدوا عنه ورفعوا اليد عن حقهم في كثير من الموارد التي لم يدل عليه دليل خاص منه على رعاياهم وارفاقا بشيعتهم كما
يؤيد قوله عليه السلام في بعض الأخبار الآتية في تحليل الخمس الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الا انا أحللنا شيعتنا من ذلك ويؤيده أيضا جملة من الأخبار المعتبرة
الدالة على ثبوت الخمس في بعض الأشياء كالميراث والهبة ونحو هما مما يشكل الالتزام به في مقام العمل كما سنوضحه فان توجيه تلك الأخبار بما ذكر من أحسن محاملها
بعد عدم امكان العمل بظاهرها والله العالم الثاني مما يجب فيه الخمس المعادن بلا خلاف فيه بل اجماعا كما عن غير واحد نقله ويدل عليه مضافا إلى الاجماع
وعموم الكتاب وبعض الأخبار المتقدمة خصوص جملة من الاخبار منها ما رواه في الوسائل عن الصدوق باسناده عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام
قال الخمس على خمسة أشياء على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس وفي الخصال باسناده عن عمار بن مروان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس وعن الشيخ والكليني في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام
قال سئلته عن معادن الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص فقال عليها الخمس جميعا وعن الحلبي في الصحيح في حديث قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن الكنز كم فيه قال الخمس وعن المعادن كم فيها قال الخمس وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان في المعادن كم فيها قال يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن
الذهب والفضة وعن الصدوق أيضا نحوه وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن المعادن ما فيها نقال كل ما كان ركازا نفسه الخمس وقال ما
عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس وفي صحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة فقال وما الملاحة فقال ارض
109

سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا فقال هذا المعدن فيه الخمس فقلت والكبريت والنفط يخرج من الأرض فقال هذا وأشباهه فيه الخمس وعن الصدوق في
الفقيه نحوه الا ان فيه فقال مثل المعدن في الخمس إلى غير ذلك من الاخبار التي سيأتي ذكرها انشاء الله فلا اشكال في أصل الحكم وانما الاشكال في تحديد موضوعه
فإنه قد اختلف في ذلك كلمات الأصحاب واللغويين اما اللغويون فظاهرهم الاتفاق على أن المعدن اسم مكان كما هو مقتضى وضعه بحسب الهيئة ويساعد
عليه العرف في موارد استعمالاته ففي القاموس المعدن كمجلس منبت الجواهر من ذهب ونحوه لا قامة أهله فيه دائما أولا نبات الله تعالى إياه فيه ومكان كلى شئ فيه
أصله وفي الصحاح عدنت البلد توطنته وعدنت الإبل بمكان كذا ألزمته فلم تبرح منه جنات عدن أي جنات إقامة ومنه سمى المعدن بكسر الدال لان الناس
يقيمون فيه صيفا وشتاء ومركز كل شئ معدنه وفي النهاية الأثيرية في حديث بلال بن الحرث انه اقطعه معادن القبيلة المعادن التي يستخرج منها جواهر
الأرض كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك واحدها المعدن والعدن الإقامة والمعدن مركز كل شئ ومنه الحديث وفي مجمع البحرين جنات عدن أي
جنات إقامة إلى أن قال ومنه سمى المعدن كمجلس لان الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء ومركز كل شئ معدنه والمعدن مستقر الجوهر وهذه الكلمات
كما تراها لا اختلاف فيها من حيث المفاد وهى بأسرها متفقة الدلالة على أن المعدن اسم للمحل لا للحال كما انها متفقة الدلالة على أن المعدن له
معنيان عام وخاص وظاهر الجميع انه متى اطلق اسم المعدن من غير اضافته إلى شئ يراد به معناه الخاص وهو المكان الذي يستخرج منه جواهر الأرض كما في عبارة
النهاية أو منبت الجواهر كما في عبارة القاموس أو مستقرها كما في الجميع واما الصحاح فلم يصرح بمعنى مطلقه بل أو كله إلى وضوحه واما مع الإضافة فيصح اطلاقه
على مركز كل شئ أي مكانه الذي خلق فيه بالطبع لا مطلق ما ركز فيه ولو بالعرض فيطلق على الأرض المشتملة على نوع خاص من التراب والحجر أو الرمل ونحوه انه
معدن هذا لشئ ولكنه لا ينسبق إلى الذهن من اطلاق اسم المعدن مثل هذه الأشياء بل ينصرف إلى المعنى الأول وهل هو لشيوع ارادته من مطلقه أو لكونه
أكمل افراد المطلق أو لصيرورته حقيقة فيه كما ربما يستشعر من كلمات اللغويين احتمالات لا يخلوا ولها عن قوة واما الأصحاب فظاهر هم الاتفاق على أنه اسم
للحال لا للمحل فإنهم عرفوه بما استخرج من الأرض وقد اختلفوا من حيث التعميم والتخصيص ففي المسالك قال المعادن جمع معدن بكسر الدال وهو هنا
كلما استخرج من الأرض مما كان منها بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها ومنها الملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحى والمغرة واشتقاقها من
عدن بالمكان إذا قام به لاقامتها في الأرض انتهى وفي الروضة المعدن بكسر الدال و هو ما استخرج من الأرض مما كانت أصله ثم اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع
بها كالملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحى والجواهر من الزبرجد والعقيق والفيروزج وغيرها وفي الدروس لم يفسر المعدن ولكن صرح بان منها المغرة
والجص النورة وطين الغسل والعلاج وحجارة الرحى وتوقف غير واحد في صدق اسم المعدن عرفا على مثل هذه الأشياء التي ليست بخارجة من مسمى الأرض
عرفا بل ربما منعه بعضهم مستشهدا لذلك بكلام العلامة وابن الأثير الآتيين في عبارة المدارك وفي المدارك بعدان نقل في تفسير المعدن عبارة القاموس
كما قدمنا نقلها قال وقال ابن الأثير في النهاية المعدن كلما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة وقال العلامة في التذكرة المعادن كلما خرج من
الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة سواء كان منطبعا بانفراده كالرصاص والصفر والنحاس والحديد أو مع غيره كالزيبق أو لم يكن منطبعا كالياقوت و
الفيروزج والبلخش والعقيق والبلور والشبح والكحل والزرنيق والمغرة والملح أو كان مايعا كالقير والنفط والكبريت عند علمائنا أجمع ونحوه قال في المنتهى وقد
يحصل التوقف في مثل المغرة ونحوها للشك في اطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة وانتفاء ما يدل على وجوب الخمس فيها على الخصوص وجزم الشهيدان
بأنه يندرج في المعادن المغرة والجص والنورة وطين الغسل وحجارة الرحى وفي الكل توقف انتهى كلام صاحب المدارك وفي الرياض بعدان نقل عن الشهيدين
الجزم بدخول الأمثلة المزبورة في المعادن قال وتوقف فيه جماعة من متأخرين قالوا للشك في اطلاق اسم المعدن عليها على سبيل الحقيقة وانتفاء ما يدل
على وجوب الخمس فيها على الخصوص وهو في محله انتهى والعجب من صاحب المدارك وجميع من تأخر عنه ممن عثرنا على كلماتهم انهم نقلوا عن ابن الأثير في تفسير المعدن
العبارة التي نقلها في المدارك وجعلوا كلامه معارضا لكلام صاحب القاموس ورجحه بعضهم على كلام صاحب القاموس بان المثبت مقدم على النافي مع أن عبارة النهاية
ليست الا كما قدمنا نقلها وهى ليست مخالفة لما في القاموس الا في مجرد التعبير فلعل لابن الأثير نهاية أخرى غير ما رأيناها أو ان النهاية التي نقل عنها في المدارك كانت
مشتملة على هذا الزيادة أو انه ذكر ابن الأثير هذه العبارة التي نسبوها إليه في مقام اخر لم نطلع عليه وكيف كان فقد عرفت انه لا اختلاف بين اللغويين في تفسير
المعدن وانه اسم للمحل واما الفقهاء فقد جعله بأسرهم اسما للحال فكان منشأه ان غرضهم لم يتعلق به الحكم الشرعي وهو ما استخرج من المعدن
لا نفسه فسموه معدنا تسمية للحال باسم المحل واختلافهم في مثل حجر الرحى وطين الغسل ونحوه نشأ من الخلاف في صدق اسم المعدن عرفا على مركز مثل هذه الأشياء كما
يقتضيه اطلاق كلمات اللغويين عند تفسيرهم لمعناه الأعم أم يشترط في صدق اسمه عرفا كون ما يستخرج منه من غير جنس الأرض عرفا كما ربما يستشعر من تفسير صاحب
القاموس حيث قال مكان كل شئ فيه أصله فإنه مشعر باشتراط المغايرة واعتبار الفرعية بل لا يبعدان يدعى ان هذا هو منصرف كلام من عداه أيضا ممن قال بان
مركز كل شئ معدنه حيث إن المتبادر منه إرادة الأشياء الخارجة عن مسمى الأرض وكيف كان فاستفادة ثبوت الخمس في مطلق المعارف بهذا المعنى من الاخبار مشكلة
فان المتبادر منها مما عدى صحيحة محمد بن مسلم خصوصا من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة التي وقع فيها السؤال عما في المعادن كل ما كان ركازا ففيه الخمس وما عالجته بمالك
ففيه ما اخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس انما هو ارادتها بالمعنى الأخص الذي ادعينا انصراف اسم المعدن إليه ولا أقل من اجمالها وعدم ظهورها في إرادة الأعم
واما صحيحة محمد بن مسلم التي وقع فيها السؤال عن الملاحة وان كانت صريحة في إرادة الأعم بناء على ما رواه الشيخ من قوله عليه السلام في الجواب هذا المعدن فيه الخمس و
لكنك عرفت انه عليه السلام على ما رواه الصدوق قال هذا مثل المعدن فلا تدل حينئذ على المدعى بل على خلافه أدل ولذا استدل في الرياض بهذه الرواية لا ثبات ان
110

المتبادر منها المعنى الأخص نعم يفهم منها على هذا التقدير أيضا كون الملح والنفط والكبريت ونحوها من الأمور المتكونة في الأرض من غير جنسها مما يعد في العرف من أشباه
المذكورات ملحقة بالمعادن في وجوب الخمس فيها دون مثل حجارة الرحى وطين الغسل والجص مما لم يعلم اندراجه في عموم وأشباهه الوارد في الصحيحة وان قلنا بصدق
اسم المعدن عليه عرفا بمعناه الأعم اللهم الا ان يقال بان ثبوت الخمس في هذه الأشياء والحاقها بالمعادن في هذه الصحيحة كاشف عن أن المراد بالمعادن في الاخبار
الحاصرة للخمس في خمسة معناه الأعم والا لم يكن الحصر حاصرا بل يكشف عن أن المراد في نفس هذه الرواية التي فرع الخمس عليه مطلقا فان الأرض السبخة التي
يجتمع فيها الماء فيصير ملحا لدى العرف أيضا لا يسمى معدن الملح بل مثله فالمشبه به على ما ينسبق إلى الذهن معدنه لا معدن الذهب هذا مع اعتضاده بفهم
الأصحاب وظهور كلماتهم بل صراحة جملة منها في دوران الحكم مدار صدق اسم المعدن في العرف واختلافهم في بعض الموارد انما هو في تشخيص المصداق لا في عموم
الحكم فالأظهر ثبوت الخمس في جميع ما يستخرج من الأرض مما يسمى في العرف معدنا بمعناه الأعم ولكن قد يختفى الصدق العرفي على بعض الأشياء كأرض الجص والنورة
وما يتخذ منه حجارة الرحى ونحوه فإنه ليس بنظر العرف غالبا الا كسائر قطع الأرض المشتملة على خصوصية يعظم الانتفاع بها اللبناء واتخاذ الأواني الخزفية
ونحوها بل قد لا يشك في عدم الصدق وصحة سلب الاسم عنه كما لو كان ما يتخذ منه حجر الرحى مثلا جبلا عظيما أو مكانا واسعا من الأرض قابلا حجارته لمثل هذه
الأشياء كما أنه قد يعكس الامر كما لو كان نوع خاص من الحجر ممتاز عن سائر أنواعه بأوصاف خاصة مخلوقا في موضع معين من الأرض ككنز مدفون فيها فإنه لو
سئل في العرف عن ماخذ هذه الحجارة يقال إن لها معدن خاص وكيف كان فالمدار على التسمية في العرف لا على نحو المسامحة والتجوز ففي الموارد التي يصح اطلاق
اسم المعدن عليها حقيقة ولا يصح سلبه عنها عرفا يجب الخمس فيما يستخرج منها سواء كانت منطبعة كالذهب والفضة والرصاص أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجد والكحل
أو مايعة كالقير والنفط والكبريت واما الموارد التي يشك في صحة اطلاق الاسم عليه على سبيل الحقيقة فينفي وجوبه من هذه الجهة بالأصل ولكن ربما يتعلق به
الوجوب من حيث اندراجه في أرباح المكاسب فيراعى فيه شرائطه من زيادته على مؤنة السنة وقصد التكسب ان اعتبرناه وغير ذلك مما ستعرف وهل يعتبر
النصاب فيما يجب الخمس فيه من المعادن فيه وفي قدره خلاف ففي صريح السرائر ومحكى الخلاف وظاهر غيرهما ممن اطلق لقول بالوجوب ولم يصرح بالاشتراط انه
يجب فيه الخمس مطلقا قليلا كان أو كثيرا بعد وضع مقدار المؤنة أي مؤنة الاخراج والتصفية بل في الدروس نسبة إلى الأكثر وفي السرائر قال في رد الشيخ القائل
باعتبار النصاب اجماع الأصحاب منعقد على وجوب اخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها قليلا كان المعدن أو كثيرا ذهبا كان أو فضة من غير
اعتبار مقدار انتهى واما مقدار المؤنة فيظهر من كلماتهم تصريحا وتلويحا انه لا خلاف بينهم في عدم وجوب خمسه كما سيأتي تحقيقه عند تعرض المصنف (ره) له
انشاء الله وحكى عن أبي الصلاح الحلبي انه اعتبر بلوغ قيمته دينارا واحدا وقيل لا يجب حتى يبلغ عشرين دينارا كما عن الشيخ في النهاية والمبسوط وابن حمزة في
وسيلته ووافقهما غير واحد من المتأخرين بل في المدارك نسبته إلى عامتهم وهذا هو المروى صحيحا في التهذيب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال سئلت أبا الحسن
عليه السلام عما اخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شئ قال لا شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا ولكن مع ذلك القول الأول أكثر قائلا
من القدماء كما سمعت عن الدروس نسبته إلى الأكثر بل عن الشيخ في الخلاف دعوى الاجماع عليه كما أنه هو ظاهر عبارة السرائر المتقدمة انفا الا ان غرض الحلى
على ما يعطيه سوق عبارته دعوى الاجماع على أصل وجوب الخمس في المعادن من غير اشتراطه بشئ كما في الغوص لا على نفى الاشتراط كما لا يخفى على من لاحظ مجموع
كلامه وكيف كان فمستندهم بحسب الظاهر ليس الا اطلاقات الأدلة ولا يخفى عليك ان اشتهار هذا القول بين القدماء اخذا باطلاق النصوص
المتضمنة لوجوب الخمس في المعادن من غير تفصيل واعراضهم عن النص المزبور مع صحته وصراحته في نفى وجوب شئ عليه ما لم يبلغ النصاب ووضوح عدم
صلاحية مثل هذه المطلقات التي يمكن الخدشة في اطلاق كثير منها من حيث هو بورودها في مقام بيان أصل التشريع لمعارضة النص الخاص مما يوهن
التعويل عليه ولذا لم ير حجه المصنف (ره) مما يزيدها وهنا ما حكى عن الشافعي في أحد قوليه وعن غيره أيضا من العامة القول بوجوب الزكاة في معدن الذهب والفضة
واشعار الرواية بإرادتها فيحتمل ان يكون غرض السائل بقوله هل فيه شئ الزكاة فاجابه عليه السلام بأنه ليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة يعنى ليس فيه زكاة
حتى يبلغ نصابها فتكون الرواية على هذا التقدير جارية مجرى التقية كما يؤيد هذا الاحتمال انه لو كان المقصود انه بعد بلوغ النصاب يكون فيه الخمس لكان
محتاجا إلى بيان زائد بخلاف ما لو كان المراد به الزكاة فإنه يفهم من سوق التعبير ويؤكد وهنها أيضا بعد ارتكاب التقييد ببلوغ العشرين في صحيحة محمد بن مسلم
المصرحة بوجوب الخمس في الملح المتخذ من الأرض السبخة المالحة التي يجتمع فيها الماء فيصير ملحا فان هذه الصحيحة وان لم تكن مسوقه لبيان الاطلاق من هذه الجهة
الا ان تنزيلها على إرادة ما لو كان الملح المتخذ من مثل هذه الأرض بعد وضع المؤنة بالغاء هذا الحد لا يخلو عن بعد إذا قلنا يتفق حصول مثل الفرض هذا ولكن ربما
يغلب على الظن ان أحمد بن محمد بن أبي نصر كان عارفا بأنه ليس في المعدن زكاة وانه لو كان فيه شئ لكان هو الخمس أما بواسطة سماعه خبر الدينار الآتي الذي رواه
محمد بن علي بن أبي عبد الله أو غير ذلك من الروايات الواصلة إليه ولا أقل من أنه كان يحتمل ذلك لأنه على ما عن التذكرة مذهب أبي حنيفة الذي هو بحسب الظاهر
اشهر المذاهب في زمانه فمن المستبعد ان لا يحتمله أصلا ويقصد من اطلاق الشئ خصوص الزكاة فالظاهر أن مراده بقوله هل فيه شئ اما خصوص الخمس أو الأعم كما
هو مقتضى اطلاق السؤال ومما يؤيد احتمال إرادة خصوص الخمس قوة احتمال وقوع هذه الصحيحة بعد صحيحته الأخرى الواردة في الكنز عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال سئلته عما يجب فيه الخمس من الكنز قال ما يجب في مثله الزكاة ففيه الخمس فالمراد بابى الحسن في هذه الصحيحة أيضا على هذا الرضا عليه السلام فأريد بها بيان اتحاد حكم
المعدن مع الكنز وإنه ليس في المعدن أيضا شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة كما في الكنز وكيف كان فالصحيحة كادت تكون صريحة في أنه لا شئ فيه ما لم
يبلغ النصاب واحتمال إرادة خصوص الزكاة وجريها مجرى التقية مع مخالفته للأصل والظاهر مما لا ينبغي الاعتناء به وما اثرنا إليه من بعد التقييد في مثل معدن
111

الملح فهو استبعاد لغير البعيد بل الغالب فيمن اتخذ الملاحة مكسبا له بلوغ ما يتخذه من معدنه حد النصاب في زمان قليل خصوصا في الأماكن التي يعز وجود الملح فيها
ويختص معادنه باشخاص خاصة فعمدة ما يوهن الاعتماد على الرواية هو ما عرفت من اعراض أكثر القدماء عنها ولكن طرح الخبر الصحيح الذي اعتمد عليه بعض القدماء
كالشيخ وابن حمزة وكثير من المتأخرين بل عامتهم كما ادعاه في المدارك من غير معارض مكافؤ مشكل فالالتزام بمضمونه أشبه بالقواعد وان كان القول الأول
أحوط حجة القول باعتبار الدينار المحكى عن أبي الصلاح الحلبي ما رواه الشيخ باسناده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام
قال سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبر جد وعن معادن الذهب والفضة هل فيه زكاة فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس وعن الصدوق
مرسلا عن الكاظم عليه السلام نحوه وهذه الرواية قاصرة عن مكافئة الصحيحة المزبورة سندا ودلالة وعملا اما من حيث السند فهو مطعون بجهالة الراوي كما في المدارك
وغيره ومن حيث العمل فلم ينقل القول بمضمونه الا عن أبي الصلاح وهو لا يخرجها عن الشذوذ فالصحيحة بالإضافة إليها من قبيل الرواية المشهور التي ورد في
بعض الأخبار العلاجية الامر بالاخذ بها في مقام المعارضة واما من حيث الدلالة فمن وجوه اما أولا فلان الجواب ليس نصا في إرادة حكم الذهب والفضة
فإنه وان وقع التصريح بهما في طي السؤال الا ان تعدد الأمثلة التي وقع السؤال عن حكمها خصوصا بعد فرض السائل مجموعها من واد واحد فيما هو مناط الحكم
يجعل الجواب بمنزلة العمومات القابلة للتخصيص فيحتمل ان يكون المقصود بالجواب ثبوت الحكم فيما وقع عنه السؤال على سبيل الاجمال ولذا أجاب عنه الشيخ (ره)
في التهذيب على ما حكى عنه بأنه انما يتناول حكم ما يخرج من البحر لا المعادن وفي المدارك بعدان نقل هذا الجواب عن الشيخ قال وهو بعيد وفيه ان كونه بعيدا
لا ينفى احتماله حتى يصلح معارضا للنص الخاص الوارد في المعدن و كون الصحيحة أيضا لها جهة عموم حيث إنها تتناول ساير المعادن غير قادح فإنه لا يمكن تخصيصها
بما عدى معدن الذهب والفضة اما لكون معدنهما بمنزلة القدر المتيقن الذي ينسبق إلى الذهن من اطلاق السؤال فترك التفصيل في الجواب يجعله كالنص في ارادته
واما لعدم القول بالفصل وثانيا فلانه ليس نصا في الجواب لان ثبوت الخمس فيه عند بلوغ قيمته دينارا أعم من أن يكون على جهة الندب كثبوت الزكاة في مال التجارة
عند تحقق شرائطها غاية الأمران ظاهره ذلك فيرفع اليد عنه في بعض موارده أي معادن الذهب والفضة بالنص ولا محذور وفيه بل هو أهون التصرفات
وأقرب المحتملات في مقام التوجيه وثالثا فلما أشرنا إليه في صدر المبحث من أن الاخبار المثبتة للخمس في مورد من موارده لا تصلح معارضة للأخبار النافية
له عن ذلك المورد لجواز ان يكون نفيه عنه من قبل ولى الخمس ارفاقا برعاياه فلا ينافي ذلك ثبوته في أصل الشرع كما ستعرف له شواهد في هذا الباب فيمكن
ان يكون الدينار في الواقع سببا لثبوت الخمس ولكن الإمام عليه السلام وسع على الناس وجعلهم في حل من ذلك ولم يكلفهم بشئ ما لم يبلغ عشرين دينارا
فليتأمل وقد تلخص مما ذكران القول باعتبار بلوغ قيمته عشرين دينارا تعويلا على الصحيحة المزبورة لا يخلو عن قوة ولكن العمل باطلاق أدلة
الخمس أحوط ثم إن المدار على ما يتبادر من النص انما هو بقيمة النصاب أي العشرين دينارا وقت الاخراج كما صرح به غير واحد وعن الشهيد الاجتزاء
بقيمته القديمة وكان مراده القيمة التي كانت لعشرين دينارا في صدر الاسلام وهى ماتا درهم كما يظهر من تتبع الآثار واما الشئ المستخرج من المعادن فلا طريق إلى معرفة
قيمته القديمة مع أنه لا وجه يعتد به للاجتزاء به واما القيمة القديمة للعشرين دينارا فيمكن ان يوجه اعتبارها بظهور الخبر في كون المعيار بلوغ نصاب الزكاة
فلا يبعدان يكون ذكر العشرين دينارا من باب اتحاده مع مأتي درهم في ذلك الزمان لأنه هو الأصل في زكاة النقدين على ما ذكره شيخنا المرتضى رحمه الله
مستظهرا من اخبارها فالعبرة على هذا التقدير انما هو ببلوغ مأتي درهم التي هي قيمة العشرين دينارا في ذلك الزمان من حيث هي وفيه ان حمل العشرين
دينارا على إرادة مقدار ماليته الخاصة الثابتة له في ذلك الزمان باعتبار مساواته لمأتي درهم خلاف الظاهر بل الظاهر كونه بنفسه ملحوظا في
الحكم والا لعبر بمأتي درهم مع أن ما قيل من أن الأصل في نصاب النقدين ماتا درهم ان سلم فهو من قبيل الحكم والمناسبات المقتضية لتعلق الحكم به في أصل الشرع
والا فالعشرون دينارا أيضا كمأتي درهم في حد ذاته أصل مستقل في زكاة النقدين هذا مع أنه لم يعلم مساواتهما في القيمة حين صدور الرواية وكيف كان
فالقول بكفاية القمية القديمة ضعيف ثم إن المتبادر من سؤال السائل في الصحيحة المزبور وكذا من جواب الإمام عليه السلام اعتبار النصاب فيما اخرج من
المعدن دفعة أو دفعات في حكم الواحد بان لا يتحقق بينهما الاعراض كما صرح به شيخنا المرتضى (ره) وفاقا لما حكاه عن العلامة في المنتهى والتحرير وحاشية
الشرايع وشرح المفاتيح والرياض خلافا للمحكى عن الشهيدين في الدروس والمسالك والأردبيلي وصاحبي المدارك والذخيرة تمسكا بالعمومات المتضمنة
لوجوب الخمس في هذا النوع وفيه ان العبرة بظاهر النص الخاص الدال على اعتبار النصاب اللهم الا ان يمنع ظهور النص الخاص في ذلك أو يقال بان ظهوره
في ذلك ليس على وجه يعتد به في رفع اليد عن اطلاق الأدلة والأوجه ان يقال إن الاعراض المتخلل في البين ان كان على وجه عدا العود إليه في العرف عملا ابتدائيا
مستأنفا بحيث يكون فعله بعد الاعراض وقبله بمنزلة دفعات واقعة في أزمنة متباعدة من باب الاتفاق من غير ارتباط بعضها ببعض لو حظ كل فعل
من افعاله بحياله موضوعا مستقلا واما ان لم يكن كذلك بل كان عوده إليه بمنزلة اعراضه عن اعراضه السابق والرجوع إلى عمله فهو بحكم ما لو لم يتحقق بينهما
اعراض في استفادة وجوب الخمس فيه عند بلوغ مجموعه النصاب من الخبر الخاص فضلا عن العمومات الدالة عليه هذا مع امكان ان يقال إن انصرافه عن
الدفعات المتبانية المستقلة أيضا بدوي منشأه انس الذهن وانسباقه إلى الشيخ المستخرج من المعدن المجتمع عنده حتى بلغ النصاب فانصرافه عن الدفعات
انما هو من حيث عدم اجتماع محصلها ندبه والا فلو فرض اجتماعه لديه وانضمام بعضه إلى بعض يشكل دعوى انصراف النص عنه كما أنه يشكل دعوى انصرافه إلى ما
استخرجه بالدفعات المتوالية الغير المتخللة بالاعراض عند عدم اجتماع ما حصله بها لديه كما لو اتخذ الملاحة مكسبا فاستخرج من معدن الملح يوما فيوما
على التدريج بمقدار ما يكفيه في مؤنته وصرفه كذلك فان قوله عليه السلام ليس فيه شئ حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا منصرف عن مثل ذلك
112

في بادي الرأي ولكن انصرافه عنه بحسب الظاهر بدوي ولذلك لم يلتفت إليه أحد من الأصحاب ولم يعتبر الاجتماع شرطا في وجوب الخمس فالقول بكفاية بلوغ المجموع
النصاب مطلقا ان لم يكن أقوى فهو أحوط وهل يعتبر اتحاد المعدن قولان اظهر هما الأول كما صرح به شيخنا المرتضى (ره) وقواه في الجواهر ظهور الصحيحة المتقدمة
في المعدن الواحد وعن ظاهر غير واحد التوقف في المسألة وعن صريح كاشف الغطاء وظاهر الدروس عدم اعتبار هذا الشرط وانضمام ما اخرجه من معدن إلى
الاخر في اعتبار النصاب نعم لا يعتبر اتحاد ما اخرجه من معدن واحد بالنوع فلو كان ما استخرج منه مشتملا على الذهب الفضة والنحاس والرصاص مثلا
لو حظ قيمة المجموع بلا خلاف فيه على الظاهر عند القائلين باعتبار النصاب بل في الجواهر احتمل رجوع قول من لم يعتبر اتحاد المعدن إلى هذا عدى كاشف الغطاء
المصرح بخلافه كما يحتمل ان يكون مرادهم فيما إذا كانت المعادن متقاربة في ارض واحدة على وجه عد المجموع بمنزلة الواحد والله العالم ولو اشترك جماعة
في الاستخراج بحيث صار المحصل مشتركا بينهم إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب فلا شبهة في وجوب الخمس عليهم وأما إذا لم يبلغ ففي الجواهر حكى عن غير واحد
التصريح بعدم الوجوب وقال بل لا اعرف من صرح بخلافه لكن قد يقال بظهور صحيح ابن أبي نصر السابق بل وغيره من الاخبار بخلافه كما اعترف به الشهيدين
بيانه وهو أحوط ان لم يكن أولى بل قد يدعى ظهور الصحيح المذكور في عدم اعتبار ذلك في المتعددين غير الشركاء أيضا وان كان بعيدا جدا ان لم يكن ممتنعا
انتهى وقال شيخنا المرتضى (ره) ولو اشترك جماعة في الاستخراج بحيث صار المخرج مشتركا بينهم فصرح بعض باعتبار بلوغ نصيب كل منهم النصاب وظاهر
الصحيحة عدم اعتبار ذلك انتهى أقول دعوى ظهور الصحيحة في عدم اعتبار ذلك متجهة لو لم نعتبر خصوصية الفاعل وقلنا بان الاعتبار ببلوغ ما اخرج من
المعدن من حيث هو عشرين دينارا من أي شخص حصل وباي كيفية تحقق فلا يتفاوت الحال حينئذ بين ان يكون المتعددون شركاء أم غير شركاء بل ولا بين
كون فعلهم في زمان واحدا وفي أزمنة مختلفة فإنه يصدق على كل تقدير على ما اخرج من المعدن انه بلغ حد النصاب وقد سمعت عن الجواهر إن إرادة
هذا المعنى من الصحيحة بعيدة جدا بل ممتنعة أي مقطوع العدم وكون عمل المجموع في صورة الشركة يعد عملا واحدا في العرف بخلاف صورة استقلال
كل منهم بعلمه لا يصلح فارقا بين المقامين فان وحدة العمل لو سلمنا انسباقها إلى الذهن من النص فمنشأه انصراف الذهن إلى قيامه بفاعل واحد والا
فلا انصراف جزما عند إرادة الأعم كما لو وقع السؤال عما اخرجه ال فلان من المعدن فأجيب بأنه إذا كان ما أخرجوه بالغا حد النصاب فالأظهر اعتبار
بلوغ نصيب كل منهم النصاب فان المتبادر من الصحيحة سؤالا وجوابا بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن ليس الا إرادة حكم ما يستفيده الشخص من
المعدن مباشرة أو تسبيبا فهي بمنزلة ما لو قال سئلته عما يستفيده الشخص من المعدن ولولا انسباق هذا المعنى إلى الذهن من النص لا يكاد يسلم شئ من
الفروع المذكورة في المقام من النصوص الواردة عليه طردا أو عكسا مما لا يلتزم به أحد كما لا يخفى على المتأمل فليتأمل وهل الاستخراج من المعدن شرط في
تعلق الخمس بما اخرج منه فلو اخرجه حيوان وطرحه في مكان اخر أو كان ذلك بجرى السيل ونحوه فاغتنمه أحد من ذلك المكان فلا خمس عليه أم لا يعتبر ذلك
بل العبرة بخروجه من المعدن ولو بفعل الحيوان ونحوه وجهان ربما يؤيد الأخير تصريحهم بأنه لو وجد شخص المعدن في ملك غيره فأخرجه فهو للمالك وعليه
الخمس فان مقتضاه ان لا يكون لخصوصية المخرج مدخلية في ذلك وان الاعتبار بكون الشئ مأخوذا من المعدن ولو بسبب غير اختياري حاصل من
غير المغتنم المكلف باعطاء الخمس ويؤيده أيضا ما عن الأكثر من أن العنبر المأخوذ من وجه الماء أو من الساحل معدن مع أن وجه الماء والساحل بحسب الظاهر
ليس معدنا للعنبر ولكن عن المحقق الأردبيلي المناقشة في هذا لحكم بان المتبادر من الأدلة ما استخرج من معدنه لا مثل ذلك الا ان يكون معدن العنبر
وجه الماء وعن كاشف الغطاء التصريح بأنه لو وجد شيئا من المعدن مطروحا في الصحراء فاخذه فلا خمس وهذا أوفق بما يقتضيه الجمود على ما ينسبق
إلى الذهن من ظواهر أدلته ويمكن التفصيل بين ما لو كان بفعل غير المالك أو بهبوب الرياح وجرى السيل ونحوه بدعوى ان المتبادر من أدلته انما هو وجوب
الخمس فيما يستخرج من المعادن سواء ملكه المخرج أم لا بان كان أجيرا أو وكيلا أو فضوليا أو غاصبا غاية الأمر ان قراره على من دخل في ملكه بمقتضى المناسبة
مخصوصية الفاعل ملغاة لدى العرف فيما يفهمون من أدلته ولكن لا على وجه يتعدى إلى مثل السيل وهبوب الريح ونحوه الا ترى انك أو راجعت وجدانك
تجد الفرق بين ما استخرجه غير المالك اما فضوليا أو غصبا أو بزعم انه ملك فانكشف خلافه فدفع الحاصل إلى المالك في استفادة حكمه من الأدلة بشهادة
العرف وقضائهم بعدم مدخلية خصوصية المالك في ذلك وكون وجوب الخمس في مثل الفرض أولى وبين ما لو اخذ أسيل من المعدن شيئا فطرحه في مكان اخر
فإنه موضوع اخر لدى العرف أجنبي عما ينسبق إلى الذهن من أدلته ودعوى انه لا فرق بين الصورتين لدى التأمل يمكن دفعها بان العبرة في مثل هذه الموارد
بما يتفاهم عرفا من أدلته لا على التحقيق الناشئ من التأمل في الغاء الخصوصيات التي يحتمل مدخليتها في الحكم ونحن نرى بالوجدان الفرق بين الصورتين في كون
استفادة حكم إحديهما من الأدلة أقرب من الأخرى فالتفصيل بين الصورتين غير بعيد بل يمكن الفرق بين مثل العنبر الذي جرت العادة باتخاذه من وجه الماء
أو من الساحل وبين غيره مما يوجد على وجه الأرض من باب الاتفاق بواسطة سيل ونحوه بدعوى ان الأول بحكم المعدن في كون الاخذ منه لدى العرف مصداقا
للاخذ من معدنه بخلاف الثاني ولكنك ستسمع الكلام في أن العنبر في حد ذاته هل هو من المعادن أم لاثم انه صرح في المدارك وغيره انه لو اخرج خمس
تراب المعدن لم يجز به لجواز اختلافه في الجوهر ولو علم التساوي جاز انتهى واشكله في الجواهر بظهور ذيل صحيحة زرارة السابقة في أول البحث في تعلق الخمس
بعد التصفية وظهور الجوهر انتهى وفي الكتاب المنسوب إلى شيخنا المرتضى (ره) والظاهر أن أول وقته بعد التصفية فيما يحتاج إليها لظاهر صحيحة
زرارة ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس أقول فعلى هذا لو نقله إلى اخر ببيع أو صلح ونحوه قبل التصفية لا يجب الخمس
113

على أحدهما اما على الأول فلاخراجه عن ملكه قبل تعلق الخمس به واما على الثاني فلانتقاله إليه بسائر الأسباب الغير الموجبة للخمس كما ربما يشهد لعدم وجوبه على الثاني
مضافا إلى ظهور الأدلة في تعلق الوجوب بالمستفيد من المعدن دون غيره خصوص ما رواه في الوسائل عن الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه
عمن حدثه عن عمرو بن أبي المقدام عن الحرث بن حصيرة الأزدي قال وجد رجل ركازا على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فابتاعه أبى منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة مع
فلامته أمي وقالت اخذت هذه بثلاثمائة شاء أولادها مائة وأنفسها مائة وما في بطونها مائة قال فندم أبى فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل فقال خذ
منى عشر شياة خذ منى عشرين شاة فأعياه فاخذ أبى الزكاة واخرج منه قيمة ألف شاة فاتاه الاخر فقال خذ غنمك واتنى ما شئت فأبى فعالجه فأعياه فقال
لاضرن بك فاستعدى أمير المؤمنين عليه السلام على أبى فلما قص أبى على أمير المؤمنين عليه السلام امره قال لصاحب الركاز اد خمس ما اخذت فان الخمس عليك فإنك أنت
الذي وجدت الركاز وليس على الاخر شئ لأنه انما اخذ ثمن غنمه وعن الشيخ انه رواه باسناده عن أحمد بن أبي عبد الله والمراد بالركاز الذي باعه الرجل بحسب
الظاهر هو تراب المعدن قبل التصفية والا لم يكن يشتبه امره كما يشهد لذلك مضافا إلى ذلك ما عن العلامة في التذكرة والمنتهى من نقل هذه القصة
عن الجمهور انهم رووا عن أبي الحرث المزني انه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة فقال له البايع رد على البيع فقال لا افعل فقال لاتين
عليا عليه السلام فلأسعين بك فاتى علي بن أبي طالب عليه ا لسلم فقال إن أبا الحارث أصاب معدنا فاتاه علي عليه السلام فقال أين الركاز الذي أصبت قال ما أصبت ركازا إنما أصابه
هذا فاشتريت منه بمائة شاة متبع فقال له علي عليه السلام ما أرى الخمس الا عليك أقول الضمير راجع إلى البايع بشهادة ما عرفت وكيف كان فالخبر المزبور كما يدل
على عدم وجوب الخمس على المشترى كذلك يدل على وجوبه على البايع وان اخرجه عن ملكه قبل التصفية كما يدل على ذلك أيضا جميع ما دل على تعلق الخمس بالمعادن
فان مفادها ثبوت الخمس في كل ما يغتنمه من المعادن سواء صفاه المغتنم أم اخرجه عن ملكه قبل ان يصفيه واما قوله عليه السلام في صحيحة زرارة ما عالجته بمالك ففيه
ما اخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى الخمس ما يخرج من حجارته مصفى الخمس فهو سوق لبيان ان فيه خمس ما يخرج من حجارته مصفى لا ان أول وقته بعد التصفية فكأنه أريد بالمصفى ما يصفو
له بعد وضع مقدار ما صرفه فيه من ماله وكيف كان فلا ظهور له في إرادة أول وقت تعلق الخمس كي يكون مفاده اشتراط وجوب الخمس بالتصفية وعلى
تقدير تسليم ظهوره في ذلك فلى على وجه يصلح لتقييد ساير الاخبار كما لا يخفى فظهر بما ذكرناه ان ما ذكره في المدارك و غيره من أنه لو علم بتساويه في الجوهر
جاز له اخراج خمس التراب مما لا ينبغي الاستشكال فيه وقال أيضا في المدارك قال الشيخ (ره) يمنع الذمي من العمل في المعدن لنفسه فان خالف واخرج شيئا
ملكه واخرج خمسه ولم يدل دليل على منع الذمي من ذلك انتهى وفي الجواهر بعد نقل كلام صاحب المدارك قال وهو كذلك بالنسبة إلى غير ما كان في ملك الإمام
من الأراضي الميتة ونحوها أو المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة واما فيهما فقد يقال بعدم ملكه أصلا فضلا عن منعه فقط لعدم العلم
بتحقق الاذن من الامام لهم في الأول وعدم كونه من المسلمين في الثاني كما أنه قد يقال ببقاء المعادن على الإباحة الأصلية لسائر بنى ادم نحو الحطب والماء
وان كانت في الأراضي المذكورة أو يقال بالفرق بين ما كان للامام أو المسلمين فيلتزم بعدم الملك في الثاني دون الأول لعموم اذنه الحاصل من وقوله
من أحيى أرضا ميتة فهي له أو يفرق بين الذمي وغيره بامكان التزام معاملة الذمي لذمته معاملة المسلمين في نحو ذلك دون غيره لكن يتجه على الأول
يعنى لقول بالإباحة الأصلية الذي هو أول الأقوال المذكورة في مقام توجيه ملكيتهم بل وعلى الأخير أيضا استثناء ذلك من اطلاق الحكم بملكية
المعدن لمالك الأرض بل لعله من اللازم في الجملة للقطع بملك المحيز له من المسلمين إذا كان في الأرض المفتوحة عنوة مع أنها ملك لسائر المسلمين ولعل
لأنه بنفسه في حكم الموات وان كان في ارض معمورة منها بغرس أو زرع ولتمام الكلام محل اخر انتهى أقول عدم العلم باذن الإمام عليه السلام للذمي ان كان موجبا
للحكم بعدم صيرورة ما يستفيده من المعادن الواقعة في الأراضي الميتة ونحوها ملكا لكان حال المخالف أيضا حاله بل أسوء فإنه وان شمله بعض الأخبار النبوية
كقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما ارسل عنه صلى الله عليه وآله موتان الأرض ورسوله ثم هي لكم منى أيها المسلمون ولكن الأخبار المستفيضة الصادرة عن الأئمة عليهم السلام الواردة في مقام التعريض
على المخالفين كالنص في قصر الرخصة وإباحة ما يتعلق بهم من الأراضي وغيرها على شيعتهم وعموم قوله عليه السلام من أحيا أرضا ميتة فهي له انما يجدى فيما لو أحيى أرضا
مشتملة على معدن يتبعها في الملكية لا مطلقا كما أنه لو كان ملكية الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين مانعة عن ذلك لاقتضى ذلك عدم دخوله في ملك المحيز
مطلقا وان كان هو أحدهم كما نبه عليه في الجواهر فالحق الذي لا مجال للارتياب فيه ان المعادن الواقعة في الأرض الموات وكذا في الأراضي المفتوحة عنوة مما ليس
مخصوصا باشخاص خاصة سواء قلنا بأنها من الأنفال أم لا في حال غيبة الامام عجل الله فرجه وعدم استيلائه على أمواله حالها حال الماء والكلاء الواقعين
فيها في جواز الانتفاع بها والاخذ منها على حسب ما جرت سيرة كافة الناس عليه في سائر الأعصار والأمصار من غيران يحوم لها شائبة انكار كما أشار إليه في
الجواهر في مبحث المعادن من كتاب احياء الموات حيث قال المشهور نقلا وتحصيلا على أن الناس فيها شرع سواء بل قيل قد يلوح من محكى المبسوط والسرائر نفى
الخلاف فيه مضافا إلى السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار في زمان تسلطهم وغيره على الاخذ منها بلا اذن حتى ما كان منها في الموات الذي قد عرفت
انه لهم أو في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين فإنه وان كان ينبغي ان يتبعهما فيكون ملكا للامام في الأول وللمسلمين في الثاني لكونه من اجزاء الأرض المفروض
كونه ملكا لهما بل لو تجدد فيها فكذلك أيضا الا ان السيرة المزبورة العاضدة للشهرة المذكورة ولقوله تعالى خلق لكم ما في بالأرض ولشدة حاجة الناس
إلى بعضها على وجه يتوقف عليه معاشهم نحو الماء والنار والكلاء وفي خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام لا يحل منع الملح والنار وغير ذلك مما
لا يخفى على السارد لاخبارهم يوجب الخروج عن ذلك انتهى أقول وربما يؤيده أيضا الخبر العامي الذي يستدل به الأصحاب كثيرا ما في باب احياء الموات
من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له وعن بعض كتب الأصحاب روايته فهو أحق به إذا المراد به بحسب الظاهر ما يعم المقام والله العالم الثالث مما يجب
114

فيه الخمس الكنوز بلا خلاف فيه ولا اشكال بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى الاجماع وعموم الآية الشريفة وبعض الروايات الواردة
في تفسيرها المتقدمة في صدر المبحث ولا سيما في خصوص المقام الذي ورد في بعض الأخبار انه مورد لنزول الآية مثل ما عن الصدوق باسناده عن حماد بن
عمرو انس بن محمد عن أبيه جميعا عن الصادق عن ابائه في وصية النبي لعلى عليهما السلام قال يا علي أن عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله في الاسلام
إلى أن قال ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتتصدق به فانزل الله واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه خصوص اخبار مستفيضة تقدمت جملة منها في
المعادن وسيأتي بعضها في طي المبحث إنشاء الله ثم إنه ربما يطلق على الكنز اسم الركاز كما في عبارات كثير من الأصحاب كالدروس ومحكى التذكرة والمنتهى
ولكن صدق اسم الركاز على بعض المصاديق التي قد يشك في صدق اسم الكنز عليه مما سيأتي الكلام فيه أوضح بل هو باطلاقه قد يتناول المعدن ونحوه مما لا
يشك في خروجه عن مسمى الكنز كما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال سألته عن المعادن ما فيها فقال كل ما كان ركازا ففيه الخمس الحديث وهو أي
الكنز على ما عرفه جماعة كالمصنف وغيره كل مال مذخور تحت الأرض والمتبادر منه إرادة كونه عن قصد فلا يتناول المال المستتر بالأرض لا عن قصد أو
بقصد غير الادخار كحفظه في مدة قليلة مثلا كما صرح بذلك الشهيد الثاني في المسالك والروضة ففي الأول قال يعتبر في الادخار كونه مقصودا لتحقق الكنز
فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع بل يلحق باللقطة ويعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء وقال في الروضة في تعريف الكنز هو المال المذخور
تحت الأرض قصدا انتهى ولكن حكى عن كاشف الغطاء انه لم يعتبر القصد فيه بل فسر الكنز الذي يجب فيه الخمس بما كان من النقدين مذخورا بنفسه أو بفعل
فاعل ولكنك خبير بان اطلاق المذخور على العاري عن القصد مبنى على ضرب من التوسع فلا يبعد ان يكون اطلاق اسم الكنز عليه أيضا من هذا
الباب فالانصاف ان صدق اسم الكنز حقيقة على المال المستتر بالأرض بنفسه لا بفعل فاعل لا يخلو عن تأمل وان كان ربما يساعد عليه العرف في بعض
موارد استعمالاتهم كقولهم عثر فلان على كنز فإنهم لا يلتفتون في مثل هذا الاطلاق إلى كون ذلك الشئ الذي عثر عليه مما كنزه انسان لفاقته كما فسر
الكنز به في مجمع البحرين أو كونه مستترا في الأرض بنفسه ولكن لا يبعدان يكون هذا الاطلاق مبنيا على التوسع وعدم الالتفات إلى جهة قيامه بالفاعل
وكيف كان فان سلمنا صدق اسم الكنز على مثل الفرض حقيقة فهو والا فهو بحكمه في تعلق الخمس به كما يدل عليه الصحيحة المتقدمة المصرحة بان كل ما كان
ركازا الخ إذا لا يتوقف صدق اسم الركاز على القصد والا لما صدق على المعادن ثم إن المراد بتحت الأرض بحسب الظاهر ما يعم جوف الابنية والسقوف إذ
لاخفاء في صدق اسم الكنز عليه بمقتضى وضعه واستعماله في المحاورات العرفية ولذا لا ينسبق إلى الذهن من مثل قول القائل ان فلانا وجد كنزا الا
انه وجد ما لا مذخورا في الأرض أعم من أن يكون تحت الأرض أو في بناء ونحوه فما عن كاشف الغطاء من منع جريان الحكم في مثله لا يخلو عن نظر نعم هو
متجه في مثل المذخور تحت حطب أو بطن شجرا وخشبة ونحوها فإنه لا يطلق اسم الكنز على مثله عرفا ولا أقل من انصراف اطلاقه عنه فما عن غير واحد من
ايجاب الخمس في مثل هذه الفروض بل فيما يوجد في جوف الدابة وبطن السمكة محل نظر بل منع إذ لا وجه يعتد به له عدى ادعاء تنقيح المناط الذي عهدته على
مدعيه والله العالم ثم إن ظاهر المتن وغيره ان لم يكن صريحه غير واحد من العلماء واللغويين ممن تعرض لتفسير الكنز صدقه على كل مال مذخور
في الأرض فيثبت الحكم في الجميع لعموم أدلته ودعوى انصراف اطلاق الكنز الوارد في النصوص إلى خصوص من النقدين محل نظر بل منع خصوصا ولو أريد بهما
المسكوك فما عن كاشف الغطاء من تخصيصه موضوعا أو حكما بالنقدين وان ما عداهما بتبع حكم اللقطة وفاقا للمحكى عن ظاهر جماعة من القدماء حيث
لم يذكروا غيرهما ضعيف اللهم الا ان يتمسك لذلك بدليل خاص كما في المستند حيث استدل للاختصاص بمفهوم صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال سئلته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال ما يجب في مثله الزكاة ففيه الخمس فقال ما لفظه ظاهر اطلاق جماعة وصريح المحكى عن الاقتصاد والوسيلة والتحرير
والمنتهى والتذكرة وبيان ودروس عدم الفرق في وجوب الخمس بين أنواع الكنز من ذهب وفضة ونحاس وغيرها لعموم الأدلة وظاهر الشيخ في النهاية والمبسوط
والجمل والحلي في السرائر وابن سعيد في الجامع الاختصاص بكنوز الذهب والفضة ونسبه بعض من تأخر إلى ظاهر الأكثر وهو الأظهر لمفهوم صحيحة البزنطي المتقدمة
وحمل مثله فيها على الأعم من العين والقمية تجوز لا دليل عليه وبه يخصص عموم الاخبار مع أنه قد يتأمل في اطلاق الكنز على غير الذهب والفضة أيضا انتهى
وأجيب عنه بان ظاهرها إرادة المقدار كما اعترف به في الرياض بل ادعى الاتفاق على إرادة المقدار منه لا النوع ويؤيد ذلك ورود مرسلة بمضمونها صريحة
في المقدار وهى ما عن المفيد في المقنعة قال سئل الرضا على السلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس فقال ما يجب فيه الزكاة من ذلك ففيه الخمس وما لم يبلغ حد
ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه أقول المتبادر من اطلاق المثل إرادة المماثلة على الاطلاق أي في ساير الجهات التي لها دخل في موضوعية المثل لحكمه
لا مقدار ماليته الذي هو امر اعتباري لا دخل في حقيقة المثل ولا في حكمه كما هو مراد المجيب نعم ظاهره كون المماثلة في المقدار أيضا مقصودا بالتشبيه ولكن
مقدار نفس المثل الذي هو من مقومات موضوعيته لوجوب الزكاة اعني كونه عشرين مثقالا ان كان ذهبا ومأتي درهم ان كان فضة فإنه من اظهر
الجهات التي ينسبق إلى الذهن من اطلاق المثل لا مقدار قيمته فإنه خارج عن منصرف التشبيه كغيره من الجهات الاعتبارية التي لها دخل في تعلق حكمه
كحلول الحول وكون مالكه متمكنا من التصرف فيه ونحوه اللهم الا ان يدعى ظهور السؤال في تعلقه به من هذه الجهة فيكون اطلاق المثل في الجواب حينئذ منزلا عليه و
لكنه لا يخلو عن تأمل بل منع إذا المتبادر من السؤال ليس الا تعلقه بنفس ما يجب فيه الخمس من حيث هي المن حيث القيمة فيكون الجواب بمنزلة ان يقال الخمس
انما يجب في الكنز المماثل للموضوع الذي يتعلق به وجوب الزكاة وهذا ظاهر في إرادة المماثلة من سائر الجهات لا المساواة في القمية واما ما في الرياض من دعوى
اتفاق الأصحاب على فهم المقدار منه لا النوع فهو انما يجدى فيما لو كان فهمهم لذلك كاشفا عن قرينة داخلية أو خارجية أرشدتهم إليه وما لم
115

يحصل الجزم بذلك لا يكون فهمهم حجة على من لم يفهم منه ذلك هذا مع أن منشاء هذه النسبة بحسب الظاهر ليس الا ان الأصحاب فهموا منه اعتبار النصاب فزعم
التنافي بينه وبين فهم المماثلة من حيث النوع وقد أشرنا إلى عدم التنافي وان ظاهره المماثلة في المقدار ولكن المقدار المتقوم بعين المثل لا بقيمته واما المرسلة
فمع ان الغالب على الظن كونها نقلا لمضمون هذه الصحيحة على حسب ما فهمه المفيد فلا تصلح صارفة لها عن ظاهرها انه لا منافاة بينها وبين اعتبار
المماثلة من حيث النوع إذ لا دلالة فيها على ثبوت الخمس في كل كنز بلغ هذا الحد من أي نوع يكون كي يكون عمومه شاهدا على ارادته من حيث المالية
لا من حيث الوزن الذي يبعد ارادته في سائر أنواع الكنوز فالانصاف ان القول بالاختصاص أوفق بظاهر الصحيحة ولكن قد يشكل
ذلك بان قضية اطلاق المثل اعتبار المماثلة مطلقا حتى في اعتبار كونه مسكوكا فان كونه كذلك كبلوغه حد النصاب من الجهات الداخلية
المعتبرة في الموضوع الذي فيه الزكاة مع أن الالتزام به في ما يجب الخمس فيه لا يخلو عن اشكال حيث إن القائلين بالاختصاص ظاهرهم بل صريح بعضهم
كالحلي في السرائر عدم الفرق بين المسكوك وغيره فيشكل الالتزام باعتباره بعد عدم معروفية قائل به أو ندرته وهذا وان لم يكن مانعا عن ظهورها
في إرادة المماثلة من حيث النوع والقدر فإنهما في حد ذاتهما من اظهر الجهات التي يمكن ارادتهما من اطلاق المثل بخلاف مقدار المالية التي هي صفة
اعتبارية ولكنه يوهن الاعتماد عليه في رفع اليد عما يقتضيه اطلاقات الأدلة الواردة في الكنز المعتضدة بالشهرة وبعموم الغنيمة والفائدة الواردتين
في الكتاب والسنة خصوصا بعد الالتفات إلى إرادة مقدار المالية من مثل هذا التعبير الواقع في هذه الصحيحة في صحيحته الأخرى الواردة في المعدن التي قد
أشرنا فيما سبق إلى أن الغالب على الظن ورودها مع هذه الصحيحة في مجلس واحد فيظن بذلك ان الملحوظ لديهم في هذا التشبيه لم يكن الا
جهة المالية هذا كله مع امكان ان يدعى ان المراد بالوجوب في قوله عليه السلام ما يجب في مثله الزكاة ففيه الخمس ليس الوجوب بمعناه المصطلح كي يختص مورده
بالنقدين بل مطلق الثبوت ولو على سبيل الاستحباب فيعم ساير أنواع الكنوز إذا بلغت حد النصاب حيث يتعلق بمثله الزكاة في الجملة فيما لو كان متخذا
للتكسب وليس حمل الوجوب على إرادة هذا المعنى بأبعد من صرف المثل عن ظاهره بحمله على مجرد المماثلة في المالية أو بحمله على المماثلة من حيث النوع
والقدر المستلزم لارتكاب التخصيص في عمومات أدلة الكنوز اللهم الا ان يدعى انصراف ما يجب في مثله الزكاة عن مثل مال التجارة ولو على القول بوجوب
الزكاة فيها حيث إنها لا تتعلق به من حيث هو بل بشرط اتخاذه للتكسب فينصرف عنه اطلاق اللفظ ولكنه لا يخلو عن تأمل وكيف كان فالقول
بوجوب الخمس في سائر أنواع الكنوز كما هو المشهور ان لم يكن اقومي فهو أحوط والله العالم ويعتبر فيه النصاب بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير
واحد دعوى الاجماع عليه كما أنه لا خلاف على الظاهر في أن نصابه بلوغه حدا يجب في مثله الزكاة وما حكاه في الجواهر عن الغنية من القول بان نصابه
بلوغ قيمة دينارا مدعيا عليه الاجماع بحسب الظاهر اشتباه نشأ من غلط النسخة المحكى عنها هذا القول وإلا فعبارة الغنية صريحة في خلافه
فان صورتها هكذا ويعتبر في الكنوز بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة وفي المأخوذ بالخوض بلوغ قيمته دينارا فصاعدا بدليل الاجماع المتكرر
انتهى فكان النسخة التي عثر عليها صاحب الجواهر قدس سره كانت مشتملة على السقط وكيف كان فالأصل في هذا الحكم هو الصحيحة المزبورة و
يشهد له أيضا مرسلة المفيد المتقدمة التي هي نص في ذلك ولكن قد أشرنا إلى غلبة الظن بكونها نقلا لمضمون الصحيحة لا رواية أخرى مستقلة فالعمدة
هي تلك الصحيحة وهى غير قاصرة عن إفادة المدعى أي اشتراط بلوغ النصاب كما تقدمت الإشارة إليه ويؤيده أيضا فهم الأصحاب وفتويهم و
نقل اجماعهم عليه فهذا اجمالا مما لا شبهة فيه ولكن الشان في تشخيص ما أريد بالمثل في الرواية فإنه مما يختلف به الحد المزبور لأنه ان أريد بمثله
ما يماثله على الاطلاق فان قيل باختصاصه بالنقدين ابقاء اللفظ المثل والوجوب على ظاهرهما فنصاب كل منهما ما هو نصابه في باب الزكاة كما هو
واضح وان قيل بالتعميم وصرف الوجوب عن ظاهره وحمله على مطلق الثبوت مع ابقاء لفظ المثل على ظاهره من المماثلة الحقيقية من جميع الجهات كما
نفينا البعد عنه فيتجه ما حكى عن غير واحد بل لعله اشهر الأقوال التفصيل بين ما إذا كان من أحد النقدين فيعتبر فيه بلوغ عينه نصابهما وان كان من غيرهما
فبلوغ قيمته اما عشرين دينارا أو مأتى درهم كما هو الشان في مثله على تقدير تعلق الزكاة به كما تقرر في زكاة مال التجارة وان أريد بمثله قيمته أي النقد
الذي يقدر به مقدار ماليته ويقع عوضا عنه غالبا في المعاملات ويعد مثلا له في باب الغرامات من الدراهم والدنانير المساوية له في مقدار المالية
فاطلاق المثل عليه اما لمماثلتهما في المالية أو لوقوعه تداركا له وبد لا عنه فهو مثل حكمي له كما أن ما يشاركه ذاتا مثل حقيقي له وكيف كان فمقتضى اطلاق
النص على هذا التقدير بلوغ قيمته نصاب أحد النقدين من غير فرق بين كونه بنفسه من أحدهما أم لا فلو كان سبعة دنانير أو ثمانية أو تسعة قيمتها ماتا درهم
كما في هذه الاعصار أو كان مائة درهم في زمان أو مكان قيمتها عشرون دينارا وجب فيه الخمس فإنه يصدق انه يجب في مثله الزكاة بالمعنى المزبور ودعوى
ان الظاهر من المماثلة هو ان يبلغ ما كان من أحد النقدين نصابه وان كان من غيرهما فيكفي قيمة أحدهما فيصدق على عشرة دنانير انه لا يجب في مثله الزكاة
بخلاف مقدار من الحديد يسوى عشرة دنانير وماتي درهم مدفوعة بأنه ان أريد بالمثل مثله الذي هو عبارة عن النقد المساوي في المالية فلكل شئ مثلان
بهذا المعنى أحدهما من جنس الدراهم والاخر من جنس الدنانير ففي العشرة دنانير لا يجب في أحد مثليه الزكاة وتجب في الاخر وكذا الحديد المفروض انه يسوى عشرة
دنانير كما أنه لو فرض العشرة الدنانير مسكوكة بسكة قديمة مرغوبة عند الناس بحيث بلغت قيمتها اما لجودة جوهرها أو لمرغوبية سكتها عشرين دينارا
يصدق انه يجب في مثلها الزكاة مطلقا سواء قدر مثلها بالدراهم أو الدنانير كما أنه ينعكس الامر لو فرض عكسه بان وجد كنزا مشتملا على عشرين دينارا
ولكن لرواية جوهره لا يسوى في هذا الزمان بهذه القيمة ولا بمأتي درهم مثلا يصدق عليه انه ليس في مثله الزكاة وان أريد مثله الحقيقي ففي الحديد أيضا
116

لا يصدق وبعبارة أخرى ان لفظ المثل من الألفاظ المبهمة المحتاجة إلى التمييز فقوله ما يجب في مثله الزكاة اما ان يراد منه مثله عينا أو في الجملة أي مماثله اما من
احدى الجهتين أو مطلقا أي من كلتا الجهتين واما ارادته عينا في بعض مصاديق الكنز قيمة في بعضها الاخر كما هو مال الاستظهار المزبور فهو استعمال
للفظ المثل في معينين اللهم الا ان يكون الكلام في مقام الابهام والاجمال بان يكون المقصود بيان انه يجب الخمس في الكنز الذي يجب الزكاة في شئ
من أمثاله الأعم من الحقيقية والحكمية على سبيل الاجمال فلا ينافيه حينئذ التفصيل في المصاديق ولا يلزم منه استعمال اللفظ في معنيين ولكن ينافيه
الاستظهار المزبور كما لا يخفى وغاية ما يمكن ان يقال في تقريب الاستظهار المزبور هو ان المثل مطلق شامل للحقيقي والحكمي بمعنى انه استعمل لفظ المثل في مطلق
ما يشابهه ولو من جهة المالية ولكن الانصراف إلى الحقيقي في الدينار والدرهم والحكمي فيما عداهما ينشأ من قبل الحكم أعني وجوب الزكاة فيه فإنه يكشف عن أن
المراد بالمثل هو مثله الذي يتعلق به الزكاة فينحصر مصداقه فيما عدى الدينار والدرهم في المثل الحكمي وهو قيمته واما في الدينار والدرهم حيث يتعلق الزكاة
بمثله الحقيقي لا يقدر الذهن له مثلا اعتباريا أي لا يلتفت إلى مثله الاعتبار كي يفهم ارادته من الاطلاق وفيه ان المناسبة بين الحكم والموضوع كاشفة
عن أن المراد بالمثل في كل مورد هي مصاديقه القابلة لان يتعلق بها الزكاة لا ما ينصرف إلى الذهن من مفهوم المثل المقيد بقبوله للزكوة توضيحه انه
فرق بين ما لو قال ما يجب الزكاة في مثله القابل لان يتعلق به الزكاة سواء كان حقيقيا أو حكميا ففيه الخمس أو قال ما يجب الزكاة في مثله حقيقيا كان أو
حكمها ففيه الخمس فإنه لا يبعد في الأول دعوى انصرافه عن المثل الاعتباري فيما كان له مثل حقيقي بالتقريب المزبور واما في الثاني فلا فإنه وان لم يكن المراد
منه أيضا في الواقع الا مصاديقه القابلة لان يتعلق به الزكاة ولكن هذا التقييد انما هو من قبل العقل الحاكم بعدم معقولية إرادة الافراد الغير المقابلة حكم
فلا يعقل فيه الانصراف بعد فرض كون الحكم معلقا على طبيعة مرسلة فالانصاف ان الاستظهار المزبور بعد فرض إرادة القيمة من مثله في غير محله
اللهم الا ان يقال إن المراد بمثله ليس قيمته كي يتمسك باطلاقه فإنه تأويل بعيد بل المراد به مثله حقيقة ولكن وجوب الزكاة فيه مبنى على التوسع وتنزيل
ما لا يتعلق بعينه الزكاة منزلة قيمته التي يتعلق بها الزكاة التفاتا إلى مقدار ماليته التي هي عمدة ما يتعلق به العرض في أمثال المقام فليتأمل ثم لو سلم
ان المراد بالمثل هو خصوص المثل الاعتباري اعني القيمة فقد يغلب على الظن ان المقصود به ليس مطلقه سواء كان من جنس الدينار أو الدرهم
بل خصوص الدينار لما أشرنا إليه انفا من أن المظنون انه لم يرد بالمثل في هذه الصحيحة الا ما أريد منه في صحيحته الواردة في المعدن التي هي كالنص في ذلك
فيتجه حينئذ ما يظهر من المتن وغيره من أنه انما يجب الخمس فيه ان بلغ عشرين دينارا بحسب القيمة من أي جنس يكون كما في المعدن الا ان التعويل على مثل هذا الظن
الناشئ من الحدس والتخمين في صرف النص عن ظاهره مشكل فالأظهر ثبوت الخمس فيه إذا كان من غير النقدين ببلوغ قيمته نصاب أحدهما مطلقا لاطلاق
النص واما في النقدين فببلوغ كل منهما نصابه دون نصاب الاخر لما فرعت من تطرق احتمالات في النص مقتضية لهذا التفصيل فالأصل براءة الذمة
عن الخمس عند عدم بلوغه نصابه وان بلغ قيمته نصاب الاخر بخلاف العكس فان اطلاق النص حينئذ يقتضى ثبوته سواء أريد بالمثل الحقيقي كما هو مال سائر
الاحتمالات أو المثل الاعتباري اعني القيمة والله العالم ثم إن وظيفة هذا الباب انما هو بيان تعلق الخمس بالكنز المفروغ عن تملك الواجد له كما في نظائر
ولكن جرت عادة الأصحاب على شرح موضوعه أي بيان ما يملكه الواجد منه وما لا يملكه في هذا الباب وتفصيل القول فيه ان الكنز اما ان يكون في دار الحرب
أو دار الاسلام وعلى التقديرين اما ان يكون عليه اثر الاسلام أم لا فإن كان في ارض دار الحرب سواء كان عليه اثر الاسلام أم لم يكن وسواء كانت الأرض ملكا
لواحد خاص منهم أم لا أو في دار الاسلام وليس عليه اثره وكانت الأرض مباحة أو مملوكة للإمام عليه السلام أو لقاطبة المسلمين فهو لو أجده ووجب عليه فيه الخمس بلا
خلاف فيهما على الظاهر بل عن جماعة من الأصحاب التصريح في الأول بان الأصحاب قطعوا به وعن الخلاف نفى الخلاف فيه وعن ظاهر الغنيمة الاجماع عليه
واستظهر غير واحد عدم الخلاف فيه في القسم الثاني أيضا لأصالة عدم جريان يد محترمة عليه فيجوز تملكه بحكم قوله عليه السلام من سبق إلى من لم يسبق إليه مسلم
فهو له وغير ذلك من أدلة حيازة المباحات واحتمال تبعية ما يوجد في ارض المسلمين لملكهم في عدم جواز تملكه كنفس الأرض قد عرفت ضعفه في المعدن
ويشهد له أيضا مضافا إلى ذلك بعض الأخبار الآتية وان وجده في دار الاسلام وكان عليه اثره فعن الفاضلين والشهيدين وغيرهم بل عن بعض نسبته إلى
أكثر المتأخرين وعن جامع المقاصد انه الأشهر انه لقطة لأصالة عدم التملك بمجرد الوجدان وبقائه على ملك مالكه ولأنه مال ضايع في دار الاسلام عليه اثر
الاسلام فيكون لقطة كغيره مما يوجد في بلد المسلمين مما جرى عليه يد مسلم ولو بحكم الغلبة ولان اشتماله على يأثر الاسلام مع كونه في دار الاسلام امارة
قوية على كونه ملكا لمسلم فلا يحل التصرف فيه كسائر ما يوجد في بلدهم ولموثقة محمد بن قيس عن الباقر عليه السلام قال قضى علي عليه السلام في رجل وجد ورقا في خربة ان يعرفها فان وجد
من يعرفها والا تمتع بها وأجيب عن الأصول باندفاعها بأصالة عدم جريان يد محترمة عليه فيجوز تملكه كما فيما يوجد في دار الحرب ووجود اثر الاسلام مع كونه
في دار الاسلام لا يوجبان العلم بكونه لمسلم بل غايتهما الظن بذلك فلا يعول عليه في مقابل الأصول المعتبرة كما لا يعول على الظن الحاصل من أحدهما اتفاقا
واعتضاد أحد الامارتين بالأخرى لدى الاجتماع غير مجد بعد ان لم يدل دليل على اعتبارهما ودعوى كونه لقطة مدفوعة بعدم صدقها على المكنوز قصدا
وعن الموثقة بحملها تارة على الخربة المعروفة المالك فالمراد تعريف الورق مالك الخربة وأخرى بحملها على الورق الغير المكنوز وثالثة بأنها قضية في واقعة و
نوقش في الأخير بان محمد بن قيس له كتاب عن الباقر عليه السلام في نقل قضايا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وظاهره إرادة بيان الحكم لا مجرد حكاية وفي الأولين
بما فيهما من البعد والانصاف ان حملها على إرادة تعريف مالك الخربة عند معروفيته ولو على سبيل الاجمال غير بعيد بل لا ينسبق إلى الذهن من الامر بتعريف
الكنز الذي يوجد في الخربة الا إرادة تعريف ساكنيها دون الأجانب هذا مع معارضة الموثقة بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال سئلته عن الدار يوجده
117

فيها الورق قال إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم وان كانت خربة قد جلى عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به ونحوها صحيحته الأخرى عن أحدهما قال وسئلته
عن الورق يوجد في دار فقال إن كانت معمورة فهي لأهلها وان كانت خربة فأنت أحق بما وجدت وحملها على التملك بعد التعريف سنة أو على ما لم يكن عليه اثر الاسلام
ابعد من حمل الموثقة على بعض المحامل التي تقدمت الإشارة إليها ولو سلم التكافؤ فيرجع إلى اصالة الإباحة وعدم عروض الاحترام لهذا المال الدافعة لأصالة
عدم انتقاله من مالكه هكذا قيل ولكن يتوجه عليه ان المرجع في تعارض الخبرين بعد تسليم التكافؤ هو التخيير لا التساقط والرجوع إلى الأصول العملية فالحق
انه لا مكافئة بينهما لا سند أو لا دلالة وأما إصالة عدم عروض الاحترام فلا تجرى فيما يوجد في ارض المسلمين مطلقا سواء كان عليه اثر الاسلام أم لم يكن
الا إذا احتمل دفنه قبل صيرورة الأرض للمسلمين والا فيحكم بكونه مملوكا لدافنه بمقتضى اليد وكون دافنه محترم المال بحكم الغلبة ضرورة ان كل من يوجد
في ارض المسلمين وبلدهم محقون ماله ودمه ما لم يعلم تفصيلا بخلافه ولذا لو علم حياته واطلاعه وعدم اعراضه عته لا يجوز التصرف فيه بالضرورة الا إذا
علم تفصيلا بكون ماله فيئا للمسلمين بل الانصاف عدم جواز التعويل على هذا الأصل ولو مع احتمال سبق الدفن على انتقال الأرض إلى المسلمين
فلو وجد ما لا مذخورا في الأرض التي استولى عليها المسلمون في هذه الاعصار وعلم بحيوة مالكه أو ورثته وعلمهم به لا يجوز التصرف فيه وتملكه بمجرد
احتمال كونه حربيا باقيا في دار الحرب بلا شبهة بل الحق الذي لا مجال للارتياب فيه ان الأصل في مال الغير مطلقا الاحترام وعدم جواز التصرف فيه الا ان
يدل دليل على خلافه فلو وجد شخص مجهول الحال في ارض خارجة عن ارض المسلمين والكفار لا يجوز اخذ ماله مع احتمال اسلامه جزما بل وكذا لو
وجد في دار الحرب الا ان يقال بان الغلبة هناك امارة معتبرة وهو محل نظر وليس مبنى هذا الأصل عموم الناس مسلطون على أموالهم أو قوله عليه السلام في
التوقيع المروى عن صاحب الزمان عجل الله فرجه لا يجوز لاحد ان يتصرف في مال غيره الا باذنه ونحوه حتى يقال إن هذه العمومات مخصصة بالنسبة إلى
الحربي فلا يجوز التمسك بها في الشبهات المصداقية ضرورة عدم ابتناء اعتبار مثل هذا الأصل الذي هو من الضروريات على مثل هذه المراسيل التي قد
لا يقول بحجيتها أكثر العلماء بل هو أصل عقلائي ممضى في الشريعة كقاعدة اليد وسلطنة الناس على أموالهم وغيرها من القواعد العقلائية فما في المدارك
من الاستدلال على جواز تملك ما يوجد في دار الحرب بل مطلقا بان الأصل في الأشياء الإباحة والتصرف في مال الغير إنما يثبت تحريمه إذا ثبت كون المال لمحترم
أو تعلق به نهى خصوصا أو عموما والكل هنا منتف انتهى ضعيف فان أصل الإباحة انما هو في غير مال الغير واما مال الغير فالأصل فيه الحرمة واما قوله والتصرف
في مال الغير انما يثبت تحريمه الخ ففيه ان كونه مال الغير بنفسه دليل على حرمة التصرف فيه من غير رضا مالكه عقلا ونقلا فان معنى الملكية كون المال له و
اختصاصه به فإباحة تصرف الغير فيه واستيلائه عليه على الاطلاق من غير استناد إلى طيب نفس مالكه حقيقة أو حكما ينافي حقيقته فيمتنع ثبوتها شرعا الا بتصرف
من الشارع اما في موضوعه بان ينفى ملكية موضوعه كما في مال العبد بناء على أنه لا يملك أو يجعل للمتصرف هذا الحق كحق المارة والمولى على العبد بناء على أنه
يملك والمسلمين على الكفار حيث جعلهم وما في أيديهم فيئا للمسلمين أو يرخصه فيه من باب الولاية على المالك والا فالتصرف فيه ظلم وعدوان إذ لا معنى للظلم
والعدوان الذي قضى ضرورة العقل والشرع بحرمته الا مزاحمة الغير فيما هو ل لا عن استحقاق واحتمال استحقاقه له كما في المارة أو عدم استحقاق مالكه للتصرف فيه
وكون ملكية صورية في الواقع وفي نظر الشارع كما في مال العبد كاحتمال كونه مأذونا من قبل المالك أو الشارع من باب الولاية مما لا يلتفت إليه في مقابل الأصول
والقواعد المعتبرة في الشريعة والحاصل ان ما جرى عليه يد الغير يحكم بملكية له بمقتضى اليد وقضية ملكيته له حرمة تصرف غيره فيه حتى يثبت جوازه فلا يبقى حينئذ مجال
لجريان اصالة عدم الاحترام في المال المذخور قصدا الا ان الملكية علاقة اعتبارية عرفية يدور احكامها مدار بقاء تلك العلاقة عرفا كما في النسب فعند انقطاعها
عن صاحبها اما اختيارا كما في صورة الاعراض أو قهرا كما فيما يوجد في البلاد الخربة في الاعصار القديمة مما لا يحفظ اضافته إلى مالك مخصوص اما لهلاكه أو ضياع النسبة
بحيث لو وجده مالكه لا يرى اختصاصه به ولا يحفظ نسبته إليه بواسطة الاضمحلال لا اشتباهه عليه فحينئذ يعامل مع ذلك المال في العرف والعادة معاملة المباحات
الأصلية كما يقضى بذلك استقرار سيرة العقلاء قاطبة عليه فضلا عن المتشرعة ولذا استقرت السيرة على حيازة الآثار الباقية في البلاد القديمة المعلوم كونها
للمسلمين مثل الكوفة ونحوها مما يوجد فيها من اثار بنى أمية وبنى العباس ونظرائهم ممن يحكم ظاهرا باسلامهم فان أحدا من المتشرعة لا يتوقف في تملك
ما بقي من اثارهم من الأحجار والأخشاب والكنوز وغيرها ويؤيده أيضا بل يشهد له الأخبار الواردة في الكنز ونحوه فإنها وان لم تكن مسوقه لبيان
الحكم من هذه الجهة ولكنه يفهم منها مفروغية صيرورة الكنز ملكا لواجده عند حيازته على حسب ما جرت العادة في تملكه ويشهد له أيضا عموم ما دل
على حيازة المباحات مثل من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له إذ ليس المقصود به عدم سبقه إليه أصلا والا لم يجز التمسك به في كثير من الموارد التي
استدل به الأصحاب بل المقصود به كونه بالفعل بلا مالك عرفا فيعم مثل المقام وكون مثل هذه الأشياء في الواقع ملكا للامام على القول به غير ضائر
فان مثل هذه العمومات اما اذن من الإمام عليه السلام أو امضاء لما في أيدي الناس من معاملة المباحات في مثل هذه الأمور ولو من باب الارفاق والتوسعة
على شيعته والحاصل ان الأموال التي ليس لها مالك معروف على قسمين قسم يعد في العرف بلا مالك بحيث لو سئل عن مالكه يقال بأنه لا مالك له كالأمثلة
المزبورة وقسم لا يسلب عرفا اضافته إلى مالك بل يقال إن مالكه غير معروف فهذا القسم اما لقطة ان كان المال ضايعا على مالكه وإلا فمجهول
المالك وحكمها وجوب التعريف كما تقرر في محله وأما القسم الأول فمقتضى الأصل جواز التصرف وتملكه بالحيازة التي هي من الأسباب المملكة للمباحات شرعا
وعرفا ولا يجرى فيه اصالة الاحترام أي استصحاب الحرمة الثابتة له حال استيلاء اليد عليه لمن لم يثبت له اباحته فان مستند تلك الحرمة ان كان العقل
أو بناء العقلاء فموردهما حال عدم قصور يد المالك وتمكنه من استيفاء حقه منه لا مطلقا وان كان الأدلة السمعية الدالة على عدم جواز التصرف
118

في مال الغير الا عن طيب نفسه فقد تبدل الموضوع لان وصف المملوكية للغير من مقوماته وقد انتفى في الفرض بشهادة العرف واحتمال عروض ملكية جديدة
مقتضية لحرمة التصرف فيه منفى بالأصل هذا مضافا إلى ما تقدمت الإشارة إليه من شهادة السيرة وقضاء الأدلة بالجواز وفي خصوص الكنز أيضا الصحيحتين
المتقدمتين فلا ينبغي الاستشكال في أن من وجد كنزا هو من هذا القبيل كما هو منصرف كلمات الأصحاب والاخبار سواء كان في ارض الكفار والمسلمين
مما ليس له مالك مخصوص عدى الإمام عليه السلام ولو مع العلم بجريان يد مسلم عليه في الاعصار القديمة فضلا عما لو كان عليه مجرد اثر الاسلام الذي هو أعم من
ذلك يملكه الواجد ويخرج خمسه وكذا لو وجده في ارض مملوكة له باحياء ونحوه كما هو واضح واما لو وجده في ملك له مبتاع مثلا إلى منتقل إليه من غيره ببيع ونحوه
ففي محكى المنتهى والتذكرة و المسالك وغيرها عرفه البايع فان عرفه فهو أحق به والا فالمالك الذي قبله وهكذا بل في الجواهر لا أجد فيه خلافا بيننا واستدل عليه في
محكيى المنتهى تارة بان يد المالك الأول على الدار يد على ما فيها واليد قاضية بالملك وأخرى بوجوب الحكم له لو ادعاه اجماعا قضاء لظاهر يده ونوقش فيه بأنه
لو تم لدل كصحيحي محمد بن مسلم السابقتين على كونه له من غير تعريف بل وجب الحكم به ولو لم يكن قابلا للادعاء كالصبي والمجنون والميت فيدفع إلى ورثته
ان عرفوا والا فإلى الإمام عليه السلام مع أنهم لا يقولون به ويمكن دفعه بان هذا النحو من اليد التبعية الغير المستقلة لا يتم ظهورها في الملكية لصاحب اليد الا
بضميمة الادعاء خصوصا مع ظهور فعله وهو نقل الدار في عدم اطلاعه بما هو مدفون فيه وليس اعتبار اليد تعبديا محضا كي يقال إنها ان كانت معتبرة
فمقتضاها ما ذكروا لا فلا عبرة بها بل عمدة مستندها بناء العقلاء وامضاء الشارع على حسب ما جرت سيرتهم عليه وهم لا يرون لليد السابقة الغير الباقية
بالفعل بالنسبة إلى مثل هذه الأموال التي لم يحرز استيلاء صاحب اليد عليها الا بمحض حصولها في ملكه وسلطنته عليها بالتبع لا على سبيل الاستقلال
خصوصا مع ظهور فعله فيما ينافي ملكيته لها اعتبارا أزيد من قبول ادعائه للملكية وتقديم قوله على قول خصمه في مقام التداعي وعدم جواز التعويل على اصالة
عدم مملوكيتها له الملحقة لها بالمباحات الأصلية واللقطة أو مجهول المالك على الخلاف الآتي الا بعد الفحص والسؤال عنه هذا مع أن الالتزام بوجوب الحكم
بكونه له من غير تعريف إلى اخر ما ذكر امر هين ولم يعلم عدم التزامهم به فان مرادهم بوجوب تعريف المالك الوجوب الشرطي أي اشتراط جواز تملكه أو غير ذلك مما
ذكروه به ولا ينافيه حكمهم بأنه ان لم يعرفه المالك فهو لو أجده أو لقطة أو غير ذلك فإنه جار مجرى العادة من الملازمة بين جهلهم به وعدم كونه ملكا لهم في العادة
وفرض ثبوت المالك وانتقاله إلى ورثته الذين يمكن جهلهم به عادة خارج عن منصرف كلماتهم وكيف كان فالالتزام بما ذكر ليس بمستنكر كي يناقش في الدليل
المزبور بذلك ولذا قال في الجواهر بعدان استدل بهذا الدليل للمدعى بل قد يدعى انه محكوم بملكيته له ما لم ينفه عن نفسه من غير حاجة إلى دعواه إياه كما عساه
يؤمى إليه صحيحتا ابن مسلم السابقتان انتهى وان كان الأظهر خلافه لما أشرنا إليه من عدم مساعدة الأدلة على اعتبار مثل هذه اليد في أزيد مما ذكر نعم قد
يتجه الحكم بكونه مملوكا لصاحب اليد ما لم ينفه عن نفسه فيما لو كانت يده فعلية كما لو وجده في دار الغير فان الأظهر وجوب دفعه إليه ما لم ينفه عن نفسه بل وان نفاه
أيضا ما لم يعرف له مالك غيره بالفعل على أحد الوجهين الآتيين في مسألة ما لو وجد كنزا في ملك الغير وصحيحتا محمد بن مسلم السابقتان انما وردتا في هذا
الفرض حيث قال عليه السلام في إحديهما ان كانت أي الدار التي وجد فيها الورق معمورة فيها أهلها فهي لهم الحديث وفي الأخرى ان كانت معمورة فهي لأهلها الحديث
فالاستيناس بهما لما نحن فيه فضلا عن الاستشهاد بهما له في غير محله وسنشير إلى ما يصلح فارقا بين المقامين في المسألة الآتية إنشاء الله تعالى وقد يناقش في
اقتضاء الدليل المزبور الترتيب المذكور للتعريف بالنسبة إلى الايادي السابقة نظرا إلى تساوى الجميع في عدم اليد لهم وقت التعريف كمساواتهم فيها
قبله وقرب زمان يد أحدهم من يد المعرف لا يقتضى ترجيحه على غيره ويدفعه ان قضية اعتبار اليد هو ترجيح اليد السابقة على القديمة وكون حال كل يد
بالنسبة إلى سابقتها حال الأصل بالنسبة إلى الدليل ومن هنا يتجه تقديم قوله في مقام التداعي وسره ان من كان يده على شئ بالفعل مهما الغى يده ونفى
عن نفسه ملكية ذلك الشئ فقد أحيى يد من تلقاه منه وجعل يده بمنزلة إدامة تلك اليد كما لو أقر بان استيلائه على بعض الدار التي تلقاه من زيد وهو
من عمرو وهو من خالد أو جميعها ليس عن استحقاق فإنه يحكم كونه بالفعل لزيد كما أنه لو اعترف زيد أيضا بذلك يحكم بكونه لعمرو وهكذا كما لا يخفى واستدل
شيخنا المرتضى (ره) لوجوب تعريف البايع بعدان نفى الخلاف عنه ظاهرا بما دل على وجوب تعريف ما وجد في بعض بيوت مكة وما وجد في جوف الدابة وهو
موثقة إسحاق بن عمار الواردة في الأول قال سئلت إبراهيم أبا عليه السلام عن رجل نزل بعض بيوت مكة فوجد نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم
يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع قال يسئل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها قلت فإن لم يعرفوها قال يتصدق بها وصحيحة عبد الله بن جعفر الواردة
في الثاني قال كتبت إلى الرجل عليه السلام اسئله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة دراهم أو دنانير أو جواهر لمن يكون
ذلك فوقع عليه السلام عرفها البايع فإن لم يكن يعرفها فالشئ لك رزقك الله إياه وفيه ما أشرنا إليه من أن موضوع البحث في هذا المقام على ما ينصرف إليه اطلاق
النصوص والفتاوى ويومى إليه تفصيلهم بين ما لو كان عليه اثر الاسلام وعدمه انما هو الكنوز التي توجد تحت الأرض مما لا يرى العرف اختصاصه بشخص بل
يقال لها مال بلا مالك فالخبران أجنبيان عما نحن فيه فان موردهما من قبيل مجهول المالك اما الأخير فواضح ضرورة عدم الفرق في ذلك بين ما لو وجد
الصرة في جوف الدابة أو في حلقها أو على ظهرها أو في الأرض في كونها في العرف قال لا يعرف صاحبه فحكمه لولا النص الخاص وجوب التعريف مطلقا كنظائره
ثم التصدق أو التملك بشرط الضمان أو غير ذلك مما فصل في محله ولكن نلتزم في مورد النص بمفاده للنص واما الأول فكذلك ضرورة ان الدراهم
التي يجدها النازل ببعض بيوت مكة في أوقات الحج ونحوها ليست بحسب العادة من قبيل الكنز الذي هو محل الكلام فان العادة قاضية بان مثل هذا
الشخص لا يفحص عن عروق الأرض ومواضعها التي يمكن ان يوجد فيها مثل هذا الكنز بل يجدها مدفونة في زاوية البيت ونحوها من المواضع التي
119

يعلم عادة بأنها اما للنازلين بهذا البيت أو لأهل المنزل على ابعد الاحتمالين في مثل هذه المنازل المعدة لنزول الحجاج وغيرهم وكيف كان فلا ينبغي
التأمل في كون مورد النص من قبيل المال المجهول المالك الذي حكمه بمقتضى الأصل الذي قررناه في صدر الكلام حرمة التصرف فيه الا على الوجه المقرر في الشريعة
وهو حفظه مع التعريف والفحص عن صاحبه ومع الياس عنه أما التصدق أو غير ذلك مما ذكر في محله كما يفصح عن ذلك امر الإمام عليه السلام بالتصدق بعد التعريف
ولا ينافيه قصر التعريف على أهل المنزل فان في قوله عليه السلام لعلهم يعرفونها اشعارا بل دلالة على وجوب تعريف كل من يحتمل معرفته ممن يمكن السؤال عنه
الا ان ما يوجد مدفونا في بيوت مكة لو لم يعرفه أهل المنزل الذي قد يراد منه الأعم من مالكه والاشخاص النازلين فيه معه ممن يعرفهم لحصل غالبا
الياس عن الاطلاع على صاحبه فعليه حينئذ أما التصدق أو غير ذلك مما هو مدون في محله وقد يستدل أيضا لوجوب التعريف بالاجماع وقضية ذلك
قصره على القدر المتيقن من مقعده وهو خصوص من انتقل الملك عنه إليه بلا واسطة إذ لم يتحقق الاجماع بالنسبة إلى من عداه لامكان ان يكون مراد
المصنف وغيره ممن عبر كعبارته خصوص من ابتاع منه بلا واسطة بل هذا هو منصرف لفظه وحمل لفظ البايع الواقع في كلامهم على إرادة الجنس تأويل
بلا داعى بعد فرض انحصار مدرك الحكم في الاجماع كما انا لو عولنا في ثبوته على الخبرين السابقين لكان مقتضاه ذلك الا ان يستشعر من الخبر الثاني وجوب
تعريف كل من يحتمل ملكيته له بالتقريب المتقدم فلا يختص حينئذ بخصوص من جرى يده على الدار بل كل من أمكن ان يكون ذلك مملو كاله و ان كان أجنبيا
الا ان ينفى وجوبه بالنسبة إلى من عداهم بالاجماع وكيف كان فالعمدة ما عرفت وملخصه بتقريب اخر اسلم من الخدشة ان مقتضى الأصل فيما جرت عليه يد
الغير التي لم يعلم عدم احترامها شرعا حرمة التصرف فيه حتى يعلم انقطاع علاقته عنه وعدم اختصاصه به بالفعل كما في الآثار الباقية في البلاد الخربة من أهل الاعصار
القديمة مما ليس لأحد علاقة اختصاص بها بحيث تعد عرفا مال بلا مالك ويعامل معها في العرف والعادة معاملة المباحات واما في مثل هذه الآثار فمقتضى
الأصل وغيره مما تقدمت الإشارة إليه جواز التصرف فيه وتملكه بالحيازة فالكنز الذي يوجد تحت الأرض ان علم كونه من تلك الآثار ولم يتجدد عليه يد لم
ينقطع علاقتها ولو بحكم الأصل هو من هذا القبيل يجوز تملكه بالحيازة سواء كان عليه اثر الاسلام أم لم يكن من غير فرق بين ان يجده في الأراضي الغير
المملوكة لشخص خاص أو في ارضه التي ملكها بالاحياء أو الشراء أو غير ذلك بل وفي ملك الغير أيضا على أحد الاحتمالين الآتيين واما ان لم يعلم ذلك بان احتمل
حدوثه أو حدوث يد مستقلة عليها في هذه الاعصار وكان في الأراضي المباحة ونحوها مما لا يد لاحد عليها بالفعل ولم يكن الكنز محفوفا بامارات الحدوث
من حيث السكة ونحوها بحيث يعد عرفا من قبيل المال المجهول المالك فهو أيضا كذلك إذ لا يعتنى بشئ من الاحتمالين لدى العرف والعقلاء اما الأخير فواضح
لمخالفته للأصل واما الأول فالأصل فيه وان كان معارضا بأصالة عدم حدوثه في الاعصار المتقدمة مع أنه لا يجدى في اثبات كونه من أهل الاعصار السابقة
ممن انقطعت علاقته عنه كي يرفع اليد بواسطته عن استصحاب بقاء علاقة واضعه إذ لا اعتماد على الأصول المثبتة ولكن لأجل مخالفة هذا الاحتمال للظاهر حيث إن
كونه مذخورا في مثل هذه الأراضي التي لا يد لاحد من أهل العصر عليها بالفعل امارة عدم اختصاصه بهم فلا يراه العرف بالفعل مملوكا لشخص بل يرونه
بلا مالك ولا يعتنون بهذا الاحتمال وقد أشرنا إلى أن هذا هو الملاك في جواز حيازته بل هذا هو القدر المتيقن من الكنز الذي فهم اجمالا من الأدلة الشرعية جواز
حيازته إذ قلما يوجد كنز لا يتطرق فيه هذا الاحتمال ولو بعيدا كما لا يخفى واما لو وجد في مكان تواردت عليه أيادي اشخاص خاصة محصورة فحاله
بالنسبة إلى من عدى هذه الاشخاص ممن احتمل كونه ملكا له وكونه موضوعا في هذا المكان بوضعه كما عرفت من عدم اعتبار العرف والعقلاء باحتماله
واما بالنسبة إلى هذه الاشخاص فلا يساعد العرف على الغاء احتمال حصوله بفعلهم بل ولا على الغاء احتمال حدوث استيلائهم عليه كي يرونه ما لا بلا مالك لان
كونه كذلك موقوف على سلب اضافتهم عن هذه الاشخاص وهو مخالف لقواعد اليد لان مقتضاها الحكم بكون المال الموضوع في موضع ملكا لمالك بهذا
الموضع ولو بضميمة ادعائه فلا يصح للأجنبي وضع يده عليه ما لم يعلم بانقطاعه عنهم فما في المدارك من أنه يمكن المناقشة في وجوب تعريفه لذي اليد السابقة
إذا احتمل عدم جريان يده عليه لا صالة البراءة من هذا التكليف مضافا إلى اصالة عدم التقدم ضعيف لما أشرنا إليه غير مرة من أن مقتضى الأصل العلم بجريان
يد عليه حرمة التصرف حتى يعلم انقطاع علاقتها عنه وأما إصالة عدم التقدم فهي مجدية فيما لو وقعت الخصومة بين صاحب الايادي المترتبة لا فيما إذا أراد الأجنبي
ان يضع يده عليه فان عليه الحكم اجمالا بكونه ملكا لصاحب الايادي ولو بضميمة ادعائهم على الترتيب الذي تقتضيه قاعدة اليد كما تقدمت الإشارة إليه فتلخص
مما ذكر انه يجب عليه ان يعرف البايع بل كل من جرت يده عليه في ما سبق فان عرفه فهو له وان جهله فهو للمشترى لما أشرنا إليه انفا من أن حاله حينئذ حال غيره مما يوجد في
ارض مباحة وقد عرفت ان الأظهر صيرورته ملكا لو أجده وعليه الخمس والقول بكونه لقطة على تقدير ان يكون عليه اثر الاسلام من مكة ونحوها كما ربما يظهر من غير
واحد بل لعله المشهور ضعيف واما لو وجده في ملك الغير فقال شيخنا المرتضى (ره) الظاهران حكمه بعد الاخذ كما تقدم فيما لو وجده فيما انتقل إليه بالبيع من وجوب تعريف
المالك فإن لم يعرفه فهو له وربما يظهر ذلك من غيره أيضا وحكى عن الخلاف أنه قال إذا وجد ركازا في ملك مسلم أو ذمي فلا يتعرض له اجماعا انتهى وقد حمله
شيخنا المرتضى (ره) على إرادة الحكم التكليفي المحض وقال وحينئذ فيمكن ان يكون ما ذكروه من الحكم بوجوب التعريف بعد حصوله بيد الواجد اما معصيته أو اتفاقا
ولكنك خبير بان حمل كلام الشيخ المحكى عن الخلاف على إرادة محض التكليف بعيد عما ينسبق إلى الذهن من كلماتهم في نظائر المقام اللهم الا ان يكون
في كلماته شواهد عليه أو يكون هو أيضا ممن ذكر الحكم بوجوب التعريف في المقام كي يكون شاهدا على التأويل والا فظاهر هذه العبارة المحكية عنه عدم جواز
تملكه بمعنى عدم نفوذه مدعيا عليه الاجماع وكيف كان فلا شبهة في أنه يحرم عليه اخذه من مالك الغير ما لم يكن راضيا بتصرفه فيه كما أنه لا شبهة في أنه بعد
الاخذ أيضا لا يجوز له تملكه من غير أن يعرف من وجده في يملكه وانه لو ادعاه يجب دفعه إليه وانما الاشكال في أنه يجب على الواجد دفعه إلى مالك الأرض مطلقا ما لم
120

يعلم بسلبه عنه أم له حيازته لدى جهل المالك بحاله وكذلك في تكليف المالك من أنه هل يجوز له اخذه من الواجد لدى جهله بحاله أم لا اما حكم المالك فإنه اما عارف
بحال الكنز وانه بالفعل ملك له وانه حاصل بوضعه أو وضع غيره ممن انتقل إليه بإرث ونحوه فحكمه حينئذ واضح و اما انه جاهل بحاله ولكنه يحتمل حصوله بفعله وعروض
النسيان له واما انه لا يحتمل ذلك بل يعلم بأنه لم يحصل بفعله أو فعل غيره ممن انتقل إليه بإرث ونحوه ولكنه لا يعلم بأنه هل هو حادث في ملكه بفعل الغير أو انه من الكنوز
القديمة الباقية في ملكه مما هو ملحق بالمباحات الأصلية وقد أشرنا فيما سبق إلى أن احتمال حدوث مثل هذا الكنز بفعل الغير ما لم يكن عليه اثر الحدوث والموجب لالحاقه
بمجهول المالك غير معتنا به شرعا وعرفا فحكم هذه الصورة أيضا حكم ما لو علم بأنه من الكنوز القديمة التي لم يجر عليها يد استقلالية حادثة فالكلام حينئذ يقع في أن
مثل هذا الكنز ونظائره مما هو بالفعل من المباحات الغير المملوكة لاحد هل هو كاجزاء الأرض وتوابعها يدخل في ملك من ملك الأرض باحياء أو شراء ونحوه أو انه
باق على اباحته فيجوز لكل أحد تملكه بالحيازة وسنشير في مسألة ما لو وجد درة في جوف سمكة ان القول بالتبعية المانعة عن جواز حيازة الأجنبي لا يخلو عن وجه
كما ربما يؤيده اطلاق قوله عليه السلام في صحيحتي محمد بن مسلم المتقدمتين ان كانت أي الدار معمورة فيها أهلها فهي لهم فعلى هذا لا اشكال في أنه يجب على الواجد دفعه
إلى المالك مطلقا الا ان يعلم بأنه بالفعل ملك لغيره فيجب صرفه حينئذ إلى ذلك الغير وليس له تملكه على أي تقدير واما ان نفينا التبعية وقلنا ببقائه على اباحته فيتضح
حكم هذه الصورة من أنه ليس للمالك اخذه من الواجد بعدان وجده وحازه ناويا به التملك فيبقى الاشكال حينئذ فيما لو كان جاهلا بحاله واحتمل حصوله بفعله
وعروض النسيان له فيندرج في موضوعه المسألة الباحثة عما لو وجد في داره شيئا لم يعلم بأنه له فهل يحكم بكونه له بمقتضى يده على الدار أم بعدمه كما يقتضيه
الأصل ويشهد به أيضا رواية واردة فيه أو التفصيل بين ما لو احتمل كونه بوضعه اختيارا وعرض له النسيان وبين غيره مما كان حصوله في هذا المكان
على تقدير كونه له بغير اختياره كما لعله مورد النص وجوه تحقيقها موكول إلى محله من كتاب اللقطة واما الواجد فان قلنا بأنه يجوز له تملكه على تقدير كونه
من الكنوز القديمة التي لم يجر عليها يد حادثة استقلالية فهل يجب عليه ما لم يحرز كونه كذلك الحكم بكونه ملكا لصاحب الدار حتى يتبين خلافه كسائر
ما يجده تحت يده من أثاث بيته ونحوه أو ان حاله حال ما لو وجده في ملك مبتاع له في أن يده لضعفها لا دلالة لها على الملكية في مثل هذه الأشياء
الا بضميمة الادعاء وجهان لا يخلو أولهما عن وجه إذا الظاهر أن اعتبار اليد الفعلية ليس من باب محض الكاشفية والظهور النوعي كما في اليد القديمة
المنقطعة بل هي كاصالة الصحة في عمل الغير وفي افعاله الماضية قاعدة عقلائية مقررة في الشريعة مبناها ايكال امر ما هو تحت تصرف الغير إلى ذلك
الغير وحمل تصرفه على كونه صحيحا ناشئا عن استحقاقه له وعدم الفحص والتفتيش عنه حتى يتبين خلافه فليتأمل وكذا يجب تعريف البايع لو اشترى دابة
ووجد في جوفها شيئا له قيمة فان عرفه فهو له والا فهو للمشترى وعليه الخمس اما وجوب تعريف البايع وانه ان لم يعرفه فهو للمشترى فيدل عليه صحيحة
عبد الله بن جعفر قال كتبت إلى الرجل اسئله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة دراهم أو دنانير أو جواهر لمن يكون ذلك
فوقع عليه السلام عرفها البايع فإن لم يكن يعرفها فالشئ لك رزقك الله إياه وقد أشرنا فيما سبق إلى أن هذا القسم من المال من قبيل المال المجهول المالك الذي حكمه
لولا النص الخاص وجوب التعريف مطلقا حتى يحصل الياس من صاحبه ثم التصدق أو غير ذلك مما هو مذكور في محله ولكن نلتزم في المقام بكفاية تعريف
البايع وانه عند جهله به للمشترى للنص الخاص الوارد فيه والظاهر أن تخصيص البايع بالتعريف من باب خصوصية المورد والا فالعبرة بكونه صاحب اليد عليها
قبل انتقالها إلى الواجد من غير فرق بين ان يكون انتقالها إليه ببيع أو ارث أو هبة أو غير ذلك بل ولا بين ان يكون اليد السابقة حقة أو عارية فلو كانت الدابة
مملوكة له ولكن غصبها شخص مدة طويلة ثم رده فوجد في جوفها صرة وجب ان يعرف ذلك الغاصب لدى احتمال كونها له كما هو مقتضى الأصل وأما وجوب
الخمس عليه ففي المدارك قد قطع الأصحاب به ولم ينقلوا دليلا عليه وظاهرهم اندراجه في مفهوم الكنز وهو بعيد نعم يمكن دخوله في قسم الأرباح انتهى
أقول لا شبهة في عدم اندراجه في مفهوم الكنز لا عرفا ولا لغة بل قد عرفت فيما سبق ان الكنز الذي هو من هذا القبيل مما يعد بالفعل عرفا مال مجهول
المالك ليس له هذا الحكم فثبوت الخمس فيه انما يتجه لو قلنا به في مطلق الفوائد والغنائم أو قلنا بدخوله في أرباح المكاسب كما يظهر من الحلى في السرائر حيث
قال في باب اللقطة وكلك إذا ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة وذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا أقل من مقدار الدرهم أو أكثر عرفه من ابتاع ذلك
الحيوان منه فان عرفه أعطاه إياه وان لم يعرفه اخرج منه الخمس بعد مؤنة طول سنته لأنه من جملة الغنائم والفوائد وكان له الباقي وكذلك حكم من ابتاع
سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة وما أشبه ذلك لان البايع باع هذه الأشياء ولم يبع ما وجد المشترى فلذلك وجب تعريف البايع وشيخنا أبو جعفر الطوسي (ره)
لم يعرف بايع السمكة الدرة بل ملكها المشترى من دون تعريف البايع ولم يرد بهذا خبر من أصحابنا ولا رواه عن الأئمة أحد منهم والفقيه سلار في رسالته يذهب
إلى ما اخترناه وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا انتهى ولكنك ستعرف ان الا التزام بثبوته في مطلق الفائدة لا يخلو عن اشكال وادراج مثل الفرض على اطلاقه في قسم
الأرباح أشكل نعم لا يبعد اندراجه فيه لو كان التكسب مقصودا بأصل الشراء والله العالم ولو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا اخر خمسة وكان له الباقي و لا يعرف
اما عدم وجوب تعريف غير البايع وان كان ذلك الشئ مثل الدراهم والدنانير التي عليها اثر الاسلام فضلا عن غيرها مما ليس عليه اثر الاسلام أو يتكون في
البحر مثل الدرة ونحوها فيدل عليه الصحيحة المتقدمة الواردة في ما يوجد في جوف الدابة بالفحوى واما بايع السمكة فليس له خصوصية مقتضية لاختصاصه بالتعريف
إذا العادة قاضية بعدم دخوله في جوفها بعد دخولها في ملك البايع فلا يتطرق احتمال كونه من أمواله بمقتضى العادة الا إذا احتمل كونه كغيره من آحاد الناس ممن
عبر ذلك الماء واحتمل وقوع هذا الشئ منه قبل حيازة السمكة ومن الواضح ان هذا الاحتمال مع كونه في حد ذاته بالنسبة إلى كل واحد واحد من آحاد الناس
احتمالا غير معتنا به لدى العقلاء مما لا يقتضى اختصاص البايع بتعريفه وفرض كون السمكة في ماء محصور في ملك البايع خلاف ما ينصرف إليه اطلاق فتاوى
121

الأصحاب فحكمه في مثل الفرض حكم ما يوجد في جوف الدابة كما أن حكم ما يوجد في جوف الدابة عند فرض كونها كالسمكة كما لو اصطاد غز الا فباعه ووجد المشترى
في جوفه شيئا علم بتقدمه على الاصطياد حكم السمكة في عدم وجوب تعريفه كما أشار اليهما في الجواهر وحكى عن العلامة في التذكرة الميل إلى الحاق السمكة بالدابة
في تعريف البايع مطلقا لان القصد إلى حيازتها يستلزم القصد إلى حيازة جميع اجزائها وما يتعلق بها وفيه ان البايع أيضا لم يقصد بالبيع الا شراء هذه
الجملة التي ملكها الحائز بالحيازة وعرضها للبيع فإن كان هذا القصد التبعي مقتضيا لدخوله في ملك المحيز بالحيازة كما هو الحق فكذلك يقتضى خروجه عن ملكه
وانتقاله إلى المشترى بالبيع فليست الملكية الناشئة من هذا السبب ما لم يستقل ذلك الشئ بالملاحظة والقصد الا ملكية تبعية غير مؤثرة الا في اجراء احكام
المتبوع عليه كصيرورته جزء من المبيع عند إرادة نقله بالبيع وتعيين وزنه وجعل الثمن في مقابل المجموع وحرمة استيلاء الا جنبي عليه عدوانا كسائر
اجزاء المبيع وغير ذلك كما في التراب المستهلك في الحنطة أو الموجود في عروق الحشيش والحطب الذي يحوزه وينقله إلى الغير يبيع ونحوه فليس حال هذا النحو
من الأموال التي منها المعادن المتكونة في باطن الأرض المملوكة لشخص خاص ما لم تكن بعنوانها الخاص معروضة للملكية كي تستقل بالموضوعية لاحكامها
الخاصة التي منها سببيتها للغرور الغبن وعدم تبعيتها للمبيع في الانتقال إلى المشترى الا حال المعاني الحرفية لا استقلال لها بالملاحظة الا تبعا لمتعلقاتها
والحاصل ان هذه الملكية التبعية ان سلمناها كما هو الحق غير مقتضية لتعريف البايع وانما المقتضى له احتمال كونه بخصوصه مملو كاله لا بالتبع وهذا الاحتمال غير
معتنى به فيما يوجد في جوف السمكة كما تقدمت الإشارة إليه فلا يوجب ذلك الحاق السمكة بالدابة في تعريف البايع اللهم الا ان يقال بان جريان
يده عليها وصيرورة ما في جوفها ملكا له بالتبع موجب لقبول قوله على تقدير ادعائه أو ادعاء علمه بوجود شئ في جوفه وعدم قصده بالبيع وان كان بعيدا
فيجب تعريفه لدى احتمال معرفته الموجبة لاستقلاله بالملكية وخروجه عن مرتبة التبعية ودعوى ان هذا الاحتمال احتمال غير عقلائي بالنسبة إلى ما يوجد
في جوف السمكة مدفوعه بان معنى الحاقه بما يوجد في جوف الدابة وجوب تعريف البايع لدى احتمال معرفته إياه احتمالا عقلائيا كما في الدابة غاية الأمران
احتمال المعرفة في الثاني غالبا احتمال عقلائي وفي الأول بالعكس وهذا غير ضائر باتحادهما في هذا الحكم فليتأمل وقد ظهر بما ذكران ما أورده في
الجواهر على كلام العلامة بعد نقله بما لفظه وفيه ان المتجه حينئذ الحكم بملكية الصياد لما في جوفها لا تعريفه إياها والظاهر أن لم يكن المقطوع به خلافه بل
قد يظهر ذلك من الاخبار أيضا كخبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام ان رجلا عابدا من بني إسرائيل كان عارفا إلى أن قال فاخذ غزلا فاشترى به سمكة فوجد
في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم فجاء سائل فدق الباب فقال له الرجل ادخل فقال له خذ أحدا الكيسين فاخذ أحدهما فانطلق فلم يكن اسرع
من أن دق السائل الباب فقال له الرجل ادخل فوضع الكيس مكانه ثم قال كل هنيئا مريئا انما انا ملك من ملائكة ربك أراد ربك ان يبلوك
فوجدك عبدا شاكرا ثم ذهب وخبر حفص بن غياث عن الصادق عليه السلام المروى عن الراوندي في قصص الأنبياء قال كان في بني إسرائيل رجل وكان محتاجا
فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق فرأى في النوم أيما أحب إليك درهمان من حل أو الفان من حرام فقال درهمان من حل فانتبه فرأى
الدرهمين تحت رأسه فاخذهما واشترى بدرهم سمكة وا قبل إلى منزله فلما رأته امرأته أقبلت عليه كاللائمة وأقسمت ان لا تمسها فقام الرجل إليها فلما
شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم والمروى عن أمالي الصدوق عن علي بن الحسين عليهما السلام حديثا يشتمل على أن رجلا شكى إليه الحاجة فدفع إليه
قرصتين قال له خذهما فليس عندنا غيرهما فان الله يكشف بهما عنك إلى أن قال فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين فباع اللؤلؤتين
بمال عظيم فقضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله قيل ونحوه المروى في تفسير العسكري عليه السلام انتهى لا يخلو عن نظر واما الحكم بوجوب الخمس فيه فيظهر
ما فيه مما مر تفريع إذا وجد كنزا في ارض موات من دار الاسلام فإن لم يكن عليه سكة أو كان عليه سكة عادية أي قديمة سابقة على زمن الاسلام كأنه
نسبة إلى عاد قوم هودا خرج خمسه وكان له الباقي وان كان عليه سكة الاسلام قيل يعرف كاللقطة وقيل يملكه الواجد وعليه الخمس وقد تقدم شرح
حاله فيما سبق وظهران الأول ضعيف والثاني أشبه الا ان يكون ما وجده محفوفا بامارة الحدوث ككونه مصرورا في صرة ونحوها بحيث عد عرفا من المال
المجهول المالك فيلحقه حينئذ حكم هذا العنوان ويخرج عما ينصرف إليه اطلاق كلماتهم في هذا الباب فراجع الرابع مما يجب فيه الخمس كلما يخرج من البحر بالغوص
كالجواهر والدرر ونحوهما بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى عموم الآية بالتقريب المتقدم في صدر المبحث خصوص
صحيحة الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال عليه الخمس وخبر عمار بن مروان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول فيما يخرج من المعادن والكنز
والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس ومرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله قال الخمس على خمسة أقسام على الكنوز والمعادن
والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس ومرسلة حماد بن عيسى عن العبد الصالح عليه السلام قال الخمس من خمسة أشياء من الغنائم والغوص والكنوز والمعادن والملاحة
وخبر محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبر جد وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة
فقال إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس وعن الصدوق مرسلا نحوه فلا ينبغي الارتياب في أصل الحكم ولا في عمومه بالنسبة إلى سائر أنواع ما يخرج من البحر بالغوص فما في
المدارك من الاقتصار على ذكر صحيحة الحلبي والخدشة فيها بقصورها عن إفادة عموم المدعى مما لا ينبغي الالتفات إليه وان لا يخلو عن وجه بناء على أصله من
عدم التعويل الا على الاخبار الموصوفة بالصحة ولكن المبنى عندنا فاسد لأنا لا نرى جواز طرح مثل هذه الأخبار المعتبرة المعمول بها لدى الأصحاب خصوصا مع
استفاضتها وكون بعضها بحكم الصحيح ولكن الاشكال في أنه وقع في اغابها التعبير عما يتعلق به الخمس بالغوص و في بعضها كخبري عمار بن مروان ومحمد بن علي
بما يخرج من البحر وبين العنوانين بحسب الظاهر عموم من وجه فان الأول يصدق على ما يستخرج بالآلة من غير غوص في الماء بل خبر عمار قد يشمل مثل صيد السمك
122

ونحوه بشبكة ونحوها الا ان يدعى انصرافه إلى جواهر البحر كما ليس بالبعيد والثاني يشمل ما يخرج من الشطوط بالغوص فهل العبرة بصدق عنوان الاخراج
من البحر أو عنوان الغوص ولو في الشطوط أو العبرة بصدق كل من العنوانين أو بصدق كليهما كما هو ظاهر المتن أو بالعنوان المشترك بين الامرين
الصادق على كل منهما أي اخراج شئ من الماء مطلقا سواء كان بالغوص أم بآلة ونحوها وسواء كان من البحر أم الشط ونحوه وجوه من امكان دعوى
ان التعبير بالغوص الواقع في جملة من الاخبار للجرى مجرى الغالب حيث إن الغوص الذي من شانه الاستفادة لا يكون غالبا الا في البحر كما أن الاخراج
من جواهر البحر لا يكون غالبا الا بالغوص ومن امكان دعوى العكس من أن العبرة بعنوان الغوص والتعبير عنه بما يخرج من البحر جار مجرى الغالب بالتقريب
المذكور كما أنه يمكن دعوى جرى كل من الخصوصيتين أي البحرية والغوصية مجرى الغالب وان المدار على مطلق اخراج شئ من الماء ومقتضاه الالتزام بالوجه
الأخير ومن أن كلا منهما عنوان مستقل يتعلق به الخمس بمقتضى ظاهر دليله ولا مقتضى لارجاع أحدهما إلى الاخر إذ لا تنافى بينهما فيتجه حينئذ الوجه الثالث
ولكن يتوجه عليه ان مقتضى ظواهر كلمات الأصحاب بل صريحها كظواهر النصوص خصوصا الاخبار الحاصرة للخمس في خمسة عدم كون كل من العنوانين
بحياله موضوعا مستقلا يناط به الحكم فيجب ارجاع بعضها إلى بعض بشئ من الدعاوى المزبورة أو بتقييد كل من العنوانين بالاخر والالتزام بان الخمس
لا يجب الا فيما اخرج من البحر بالغوص وهذا أشبه بالقواعد لا لان التقييد من أهون التصرفات كي يتوجه عليه انه ليس بأهون من اهمال القيد الوارد مورد
الغالب بل لان مقتضى القاعدة عند دوران الامر بين كون الاطلاق جاريا مجرى الغالب أو القيد كذلك اهمال الاطلاق لا الغاء الخصوصية المعلق عليها
الحكم في عنوان دليله الأخص هذا مع أن مقتضى الأصل بعد فرض تكافؤ الاحتمالات وعدم امكان الالتزام باستقلال كل من العنوانين بالموضوعية
كما تقدمت الإشارة إليه هو الرجوع فيما عدى القدر المتيقن وهو مورد تصادق العنوانين إلى اصالة البراءة عن وجوب الخمس هذا كله بعد الاغماض عن
امكان دعوى انصراف كل من الاطلاقين خصوصا اطلاق الغوص إلى الافراد المعارفة الشايعة التي هي مورد الاجماع فالأظهر ما يظهر من المتن وغيره من
اختصاص وجوب الخمس بما يخرج من البحر بالغوص بشرط ان يبلغ قيمته دينارا فصاعدا على المشهور شهرة كادت تبلغ الاجماع كما في الجواهر بل عن غير واحد من
الأصحاب دعوى الاجماع عليه ويشهد له خبر محمد بن علي المتقدم فما عن غرية المفيد من اعتبار عشرين دينارا ضعيف لم نعرف له مأخذا كما اعترف في الجواهر ومما
تقدم سابقا في المعدن يظهر لك البحث هنا في اعتبار اتحاد الاخراج والمخرج والنوع ونحو ذلك وكذلك الكلام في الكنز لاتحاد مناط البحث في الجمع من
هذه الجهات كما لا يخفى وقد ظهر مما ذكر انه لو اخذ منه شئ سواء كان على وجه الماء أو على الساحل أو بالآلات من غير غوص لم يجب الخمس من هذه الجهة
وان وجب باعتبار كونه من الأرباح عند حصول شرائطه وحكى عن الشهيدين انهما استقربا مساواة ما يؤخذ من غير غوص لما يؤخذ بالغوص وفيه ما عرفت
نعم قد يقوى تعلق الخمس فيما لو غاص وشده بالة مثلا ثم اخرج فإنه يصدق عليه انه اخرجه بالغوص كما اعترف به في الجواهر وانصراف لفظ ما اخرج بالغوص
عنه ان سلم فبدوى لا يلتفت إليه ولو فرض تحت الماء معدن فأخرج منه شيئا بالغوص بلغ نصاب الغوص دون المعدن وجب فيه خمس الغوص لاطلاق دليله كما هو
واضح ثم إن المتبادر مما اخرج بالغوص إرادة الأموال الأصلية التي يستخرج من البحر بالغوص دون الأموال الغارقة في البحر وكذا الحيوانات التي توجد في البحر
من السمك ونحوه فما عن بعض من جعله من قبيل الغوص ضعيف وهل يعتبر ان يكون الاستفادة مقصورة بالغوص فلو غاص لا بقصد الاغتنام بل لغرض آخر كالغسل
مثلا فصادف شيئا فلا خمس فيه تردد من اطلاق النصوص والفتاوى ومن امكان دعوى انصرافهما إلى الأول كما ليس بالبعيد تفريع لا خلاف بين الأصحاب
على الظاهر في أنه يجب الخمس في العنبر بل في المدارك وغيره دعوى الاجماع عليه ويشهد له صحيحة الحلبي المتقدمة ولكنهم اختلفوا في نصابه على أقوال فقيل بل ربما
نسب إلى الأكثر ان العنبر ان اخرج بالغوص روعى فيه مقدار دينار وان جنى من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن وعن المفيد في الغرية القول
بان نصابه عشرون دينارا مطلقا وعن ظاهر جماعة انه لا نصاب له بل يجب الخمس في قليله وكثيره وقواه في المدارك فإنه قال في شرح عبارة الكتاب ما لفظه و
يشكل بانتفاء ما يدل على اعتبار الدينار في مطلق المخرج بالغوص وبالمنع من اطلاق اسم المعدن على ما يجنى من وجه الماء وأطلق المفيد في المسائل الغرية ان
نصابه عشرون دينارا كالكنز والمعدن وهو ضعيف ولو قيل بوجوب الخمس فيه مطلقا كما هو ظاهر اختيار الشيخ في النهاية كان قويا انتهى أقول اما
المناقشة في اطلاق اعتبار الدينار فيما يخرج بالغوص فلعله في غير محلها إذا الظاهر أن ما وقع في كلام السائل بعد من البيانية حيث سئل عما يخرج من البحر من
اللؤلؤ والياقوت والزبرجد أريد به التمثيل ولذا فهم الأصحاب منه اعتبار النصاب في سائر ما يخرج من البحر لا في خصوص ما ورد في هذا الخبر واما مناقشته في
اطلاق اسم المعدن على من يجنى من وجه الماء فهي بحسب الظاهر في محلها بناء على كونه روث دابة بجرية كما هو أحد محتملاته الآتية فإنه على هذا التقدير لا يعد
من المعادن عرفا ولكن من الحقه بها نظر إلى دلالة النص والاجماع على ثبوت الخمس فيه وظاهرهما تعلق الخمس به لا من حيث اندراجه في الأرباح ولذ لم يشترط
فيه الزيادة عن مؤنة السنة فيجب ان يكون العنبر اما بنفسه موضوعا مستقلا خارجا عن الاقسام السبعة التي يجب فيها الخمس أو ملحقا ببعض هذه السبعة
والأول باطل لظهور كلماتهم في التسالم على انحصار ما يجب فيه في السبعة فتعين الثاني وحينئذ الحاقة بالمعادن أولى لشباهته بها حيث إن له مكانا مخصوصا
ولا يوجد في غير ذلك المكان وكل ما كان كذلك يطلق على المكان الذي يوجد ذلك الشئ فيه انه معدنه ويقال لدى اخذه منه انه اخذ من معدنه توسعا
مع أنه بناء على كونه في الأصل نبع عين في البحر كما هو أحد محتملاته التي ستسمعها من المعادن حقيقة واخذه من وجه الماء والساحل القريب من معدنه الذي
جرت العادة بانتقاله من معدنه إليه لا ينافي صدق اخذه من معدنه كما تقدم تحقيقه في محله مع أن مقتضى الأصل براءة الذمة عن الخمس فيما دون ذلك
الا ان يدفع ذلك باطلاق الصحيحة ولكن قضية اطلاقها كونه قسما ثامنا لا يعتبر فيه النصاب ولا الزيادة عن مؤنة السنة وقد عرفت ان الالتزام به
123

لا يخلو عن اشكال هذا مع امكان الخدشة في اطلاقها من هذه الجهة ولذا لم يشترط النصاب في الغوص أيضا مع أنه شرط فيه كما عرفت فليتأمل فالانصاف ان
الالتزام بما في المتن من مراعاة مقدار الديناران اخرج بالغوص وحكم المعادن ان جنى من وجه الماء أو الساحل لا يخلو عن قوة ولكن بشرط ان لا يكون وجه
الماء أو الساحل أجنبيا عن المكان الذي يتكون فيه العنبر بل قريبا منه بحيث صدق على الاخذ منه عرفا أخذ من معدنه بخلاف ما لو قذفه البحر إلى البلاد
النائية التي لا يصدق على الاخذ منها اخذه من معدنه فهو حينئذ من قسم الأرباح و لعل هذا الفرض خارج عن منصرف النص واطلاق كلماتهم ولكن
القول بأنه لا نصاب له بناء على عدم كونه حقيقة من المعادن ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط وأما ما حكي عن المفيد من أن نصابه مطلقا عشرون دينارا
فهو ضعيف وان قلنا بأنه من المعادن لما عرفت من أنه لو اخرج شئ من المعادن بالغوص روعى فيه نصاب الغوص واضعف منه ما حكى عن ظاهر كاشف
الغطاء من أن نصابه دينار مطلقا لشهادة سوق صحيحة الحلبي باتحاد حكمه مع ما يخرج بالغوص وفيه ما لا يخفى إذا الصحيحة ان كان لها اطلاق يجب الاقتصار
في تقييدها على مقدار دلالة الدليل وهو في خصوص الغوص والا فلا دلالة فيها على النصاب لا نفيا ولا اثباتا فيرجع فيما عدى القدر المتيقن و هو ما لم يبلغ
قيمته دينارا إلى حكم الأصل كما تقدمت الإشارة إليه واما العنبر فعن المبسوط والاقتصاد انه نبات في البحر وفي المدارك قال اختلف كلام أهل اللغة في حقيقة
العنبر فقال في القاموس العنبر من الطيب روث دابة بحرية أو نبع عين فيه ونقل ابن إدريس في سرائره عن الجاحظ في كتاب الحيوان أنه قال يقذفه البحر إلى جزيرة
فلا يأكل منه شئ الا مات ولا ينقره طائر بمنقاره الا نصل فيه منقاره وإذا وضع رجليه فيه نصلت أظفاره وحكى الشهيد في البيان عن أهل الطب انهم
قالوا جماجم تخرج من عين في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال انتهى وفي مجمع البحرين العنبر هو ضرب من الطيب معروف وفي حيوة الحيوان ان العنبر سمكة بحربة
يتخذ من جلدها التراس والعنبر المشموم قيل إنه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعا فيطفو على الماء فتلقيه الريح إلى الساحل انتهى
أقول قضية ما قيل من أنه يخرج من قعر البحر الخ عدم التنافي بين تفسيره بأنه روث دابة بحرية وبين غيره من التفاسير الا انه ربما يستشعر من قوله انه يخرج من
قعر البحر يأكله بعض دوابه كونه في الأصل نباتا وكيف كان فهذا الاختلاف غير قادح فيما نحن فيه من تعلق الخمس به الا انه على تقدير كونه في الأصل نبع
عين في البحر أو خروجه من قعر البحر لو لم يندرج عرفا في مسمى النبات يكون من المعادن فيقوى القول بأنه ان جنى من وجه الماء أو الساحل كان له حكم
المعادن والا فيشكل الحاقه بها بعد فرض كونه نباتا أو روث دابة بحرية الا ان عدم ثبوت كونه كذلك يكفي في الحاقه بالمعادن بواسطة الأصل
الا ان يناقش فيه باطلاق الدليل وان لا يخلو عن تأمل كما تقدمت الإشارة إليه الخامس مما يجب الخمس فيه ما يفضل عن مؤنة السنة له ولعياله من
أرباح التجارات والصناعات والزراعات على المعروف بين الأصحاب بل عن الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى وغيرهم دعوى الاجماع عليه وادعى
غير واحد تواتر الاخبار به ولعله كذلك كما ستعرفه وفي الجواهر هو الذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا هذا بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن
دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة انتهى وحكى عن ابن الجنيد في مختصره الأحمدي أنه قال فاما ما استفيد من ميراث اوكد يد اوصلة أخ أو ربح
تجارة أو نحو ذلك فالأحوط اخراجه لاختلاف الرواية في ذلك ولو لم يخرجه الانسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها انتهى وربما استظهر من
كلامه العفو عن هذا النوع وكونه محلا للخلاف ولكن لا يبعدان يكون مراده بالخلاف من حيث الرواية لا من حيث الفتوى واما استظهار القول
بالعفو من كلامه مع امكان ان يكون تردده في أصل ثبوته لا في العفو عنه فلانه جعل اخراجه مورد الاختلاف الرواية لا أصل ثبوته كما أن الامر كذلك
في الواقع كما ستعرفه وعن الشهيد في البيان انه نسب القول بالعفو إلى ابن أبي عقيل أيضا فقال وظاهرا بن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع وانه
لا خمس فيه والأكثر على وجوبه وهو المعتمد لانعقاد الاجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما واشتهار الروايات فيه انتهى أقول ثبوت الخمس بحسب
أصل الشرع في هذا القسم مما لا مجال للارتياب فيه والأخبار الدالة عليه فوق حد التواتر كما ستسمع جملة منها ويدل عليه أيضا عموم الآية الشريعة
بالتقريب الذي عرفته في صدر المبحث ولكن الاشكال يقع في مواقع الأول في أنه هل أبيح ذلك للشيعة باذن صاحب امره ومن له الولاية عليه أي
الإمام عليه السلام كما يظهر من جملة من الاخبار الآتية فلا يجب عليهم بالفعل صرفه إلى مستحقيه كما حكى عن ظاهر القديمين ومال إليه بعض المتأخرين بل عن
المنتهى الجزم بسقوط خمس المكاسب في زمن الغيبة من هذه الجهة أم لا كما يدل عليه اخبار اخر معتضدة بالشهرة والاجماعات العقلية والنقلية التي سنشير إليها وتحقيق المقام يتوقف على نقل الروايات الدالة على وجوبه بالفعل وعدم جواز منعه عن مستحقيه كما هو مقتضى
الأصل بعد ثوبت شرعيته ثم التكلم فيما يقتضيه الجمع بينها وبين الاخبار المنافية لها فالقول مستعينا بالله ومما يدل على الوجوب ما رواه الشيخ باسناده
عن محمد بن الحسن الأشعري قال كتب بعض أصحابنا إلى أبى جعفر الثاني عليه السلام أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب و
على الضياع وكيف ذلك فكتب بخطه الخمس بعد المؤنة ولا يخفى عليك ان المنساق إلى الذهن من السؤال والجواب في مثل هذه الرواية انما هو إرادة الحكم
الفعلي المنجز على شيعتهم العاملين باحكامهم عليهم السلام لا مجرد ثبوته في أصل الشرع كي تكون الثمرة علمية وأوضح منه دلالة عليه ما رواه أيضا باسناده
عن علي بن محمد بن شجاع النيشابوري انه سئل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته مأة كر من الحنطة ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة اكرار
وذهب منه بسبب عماره الضيعة ثلاثون كرا وبقى فيده ستون كرا ما الذي يجب لك من ذلك وهل يجب لأصحابه من ذلك شئ فوقع لي منه الخمس مما يفضل
من مؤنته وعن علي بن مهزيار قال قال لي أبو علي بن راشد قلت له امرتني بالقيام بأمرك واخذ حقك فأعلمت مواليك بذلك فقال بعضهم واي شئ
حقه فلم ادر ما أجيبه فقال يجب عليهم الخمس فقلت ففي أي شئ فقال في أمتعتهم وصنايعهم قلت والتاجر عليه والصانع بيده فقال إذا أمكنهم بعد مؤنتهم
124

وعن محمد بن عيسى عن يزيد قال كتبت جعلت لك الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها رأيك أبقاك الله ان تمن على ببيان ذلك لكيلا أكون مقيما على حرام
لا صلاة لي ولا صوم فكتب الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام وجائزة وعن محمد بن يزيد الطبري قال كتب رجل من تجار فارس
من بعض موالي أبى الحسن الرضا عليه السلام يسئله الاذن في الخمس فكتب بسم الله الرحمن الرحيم ان الله واسع كريم ضمن على العلم الثواب وعلى الخلاف العذاب
لا يحل مال الا من وجه أحله الله ان الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتى به اعراضنا ممن نخاف سطوته فلا تزووه عنا ولا
تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه فان اخراجه مفتاح رزقكم وتمحيص ذنوبكم وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم والمسلم من يفي الله بما عهد إليه وليس
المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب والسلام وباسناده أيضا عن محمد بن يزيد قال قدم قوم من خراسان إلى أبى الحسن الرضا عليه السلام فسألوه بان
يجعلهم في حل من الخمس فقال ما امحل هذا تمحضونا المودة بألسنتكم وتزوون حقا جعله الله لنا وجعلنا له وهو الخمس لا نجعل أحدكم في حل وما رواه
الكليني (رضي الله عنه) عن علي بن إبراهيم عن أبيه قال كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم فقال يا سيدي اجعلني
من عشرة آلاف درهم في حل فانى قد أنفقتها فقال له أنت في حل فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه السلام أحدهم يثب على أموال آل محمد وأيتامهم ومساكينهم
وأبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجئ فيقول اجعلني في حل أتراه ظن انى أقول لا افعل والله ليسألنهم الله يوم القيمة عن ذلك سؤالا حثيثا وعدم وضوح كون
مورده من هذا لقسم من الخمس غير قادح في المدعى فإنه صريح في عدم كونه راضيا بمنع آل محمد حقوقهم وخبر الريان بن الصلت المصححة قال كتبت إلى
أبى محمد عليه السلام ما الذي يجب عليه يا مولاي في غلة رحى في ارض قطيعة لي وفي ثمن سمك وردى قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة فكتب يجب عليك فيه الخمس إنشاء الله
وحمل الخمس في الرواية على الخمس الثابت في أرض الخراج لكونها من الغنائم لا الخمس المتعلق بالأرباح كما حكى عن المحقق جمال الدين في حاشية الروضة يدفعه مضافا
إلى ما أشرنا إليه في صدر الكتاب من أن خمس أرض الخراج لا يجب على من تقبلها اما لكونها بالنسبة إليهم بحكم الأنفال التي أبيح لهم التصرف فيها أو غير ذلك من
المحامل التي تقدمت الإشارة إليها انه ينافي الحكم باخراج خمس غلة الرحى المبنية على تلك الأرض فان أرض الخراج لا يجب تخميس الغلة الحاصلة من
الابنية الموجودة فيها غاية الأمر وجوب تخميس طسق الأرض كما نبه على ذلك شيخنا المرتضى (ره) فتأمل وصحيحة علي بن مهزيار قال كتب إليه أبو جعفر عليه السلام وقرات
انا كتابه إليه في طريق مكة قال إن الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومأتين فقط لمعنى من المعاني اكره تفسير المعنى كله خوفا من الانتشار وسأفسر
لك بعضه إنشاء الله ان موالي اسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك فأجبت ان أطهرهم وأزكيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي
هذا قال الله تعالى خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها وصل عليهم ان صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ألم يعلموا ان الله هو يقبل التوبة
عن عباده ويأخذ الصدقات وان الله هو التواب الرحيم وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة
فينبئكم بما كنتم تعلمون ولم أوجب عليهم ذلك في كل عام ولا أوجب عليهم الا الزكاة التي فرضها الله عليهم وانما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب
والفضة التي قد حال عليهما الحول ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة الا في ضيعة سأفسر لك امرها
تخفيفا منى عن موالي ومنا منى عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم فاما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام قال الله تعالى واعلموا
إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم امنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان
يوم التقى الجمعان والله على كل شئ قدير والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الانسان للانسان التي
لها خطر والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال يوجد ولا يعرف له صاحب ومن ضرب ما صار إلى موالي من أموال
الخرمية الفسقة فقد علمت أن أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي فمن كان عنده شئ من ذلك فليوصله إلى وكيلي ومن كان نائيا بعيد الشقة فليتعمد لايصاله
ولو بعد حين فان نية المؤمن خير من عمله فاما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤنته ومن كانت ضيعته
لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك وناقش صاحب المدارك في هذه الرواية بما لفظه وأما رواية علي بن مهزيار فهي معتبرة السند ولكنها متروكة
الظاهر من حيث اقتضائها وجوب الخمس فيما حال عليه الحول من الذهب والفضة ومع ذلك فمقتضاها اندراج الجائزة الخطيرة والميراث ممن لا يحتسب والمال الذي
لا يعرف صاحبه وما يحل تناوله من مال العدو في اسم الغنائم فيكون مصرف الخمس فيها مصرف خمس الغنائم وأما مصرف السهم المذكورة في اخر الرواية وهو نصف السدس في
الضياع والغلات فغير مذكور صريحا مع انا لا نعلم بوجوب ذلك على الخصوص قائلا انتهى أقول صدر الرواية صريحة في أن ما صنعه عليه السلام في تلك السنة من وضع الخمس على
بعض الأشياء ورفعه عن بعض كان مخصوص بتلك السنة لمعنى من المعاني الذي كره تفسيره كله وفسر بعضه وهوان مواليه جميعهم أو بعضهم قصروا في تأدية الحقوق
الواجبة عليهم فشدد عليهم بعض التشديد ليطهرهم و يزكيهم فأوجب عليهم في الذهب والفضة ولم يوجب فيما عداهما تخفيفا ومنا منه عليهم وقد أشرنا في صدر الكتاب
إلى أن للإمام عليه السلام ان يتصرف هذا النحو من التصرفات خصوصا إذا رأى صلاح مواليه في ذلك فلا اشكال في الرواية من هذه الجهة واما اندراج الجائزة
الخطيرة وغيرها من المذكورات في اسم الغنائم فمما لا تأمل فيه بل من اظهر مصاديقها بناء على تفسيرها بمطلق الاستفادة لا خصوص غنائم دار الحرب كما شهد
بذلك الاخبار والمستفيضة وغيرها مما تقدم في صدر الكتاب فمن لا يلتزم بوجوب الخمس فيها يجب عليه ان يتفصى عن هذا الاشكال بوجه من الوجوه التي
ستشير إليها انشاء الله عند التكلم في حكم سائر أقسام الفوائد الخارجة عن الاقسام السبعة فهذا الاشكال غير موهن للرواية فضلا عن أن يسقطها عن الحجية
بالنسبة إلى ما هو خارج عن موقع الاشكال نعم ظاهر الرواية عدم اندراج أرباح التجارات والزراعات في الغنائم التي أوجب الله تعالى فيها الخمس في كتابه وان
125

خمس الغنائم ثابت في كل عام فمن هنا يستشعر اختصاص هذا الخمس بالامام عليه السلام وانه هو السبب في تصرفه فيه رفعا وتخفيفا ولكنه لا يلتفت إلى هذا الظاهر بعد ورود
التصريح في بعض الأخبار الآتية بأنه منها فلعل جعله قسيما لها في هذه الرواية لخروجه عن منصرفها عرفا لا لعدم كونه مرادا بها في الواقع وكيف كان فهذا الاشكال
أيضا غير قادح فيما نحن بصدده من اثبات وجوب الخمس في هذا لقسم فإنها صريحة في ثبوته فيما يفضل عن مؤنته من حاصل الزراعات واما ايجابه نصف السدس فهو
من
قبله تخفيفا على رعيته كما هو صريح الخبر فلا ينافي ذلك وجوب الخمس عليهم لولا هذا التخفيف وقوله عليه السلام في كل عام أريد به بحسب الظاهر السنين التي يتولى فيها أمرهم
لا السنين التي يرجع الامر فيها إلى امام اخر كما يفصح عن ذلك مضافا إلى وضوحه مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني التي أشير فيها بحسب الظاهر إلى الكتاب المزبور وان
عليا قراها عليه وهى ما رواها الشيخ باسناده عن علي بن مهزيار قال كتب إليه إبراهيم بن محمد بالهمداني أقرأني على كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع انه أوجب
عليهم نصف السدس بعد المؤنة وانه ليس على من لم يقم ضيعته بمؤنته نصف السدس ولا غير ذلك فاختلف من قبلنا في ذلك فقالوا يجب على الضياع الخمس بعد
المؤنة مؤنة الضيعة وخراجها لا مؤنة الرجل وعياله فكتب وقراه علي بن مهزيار عليه الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وبعد خراج السلطان ورواه الكليني باسناده
عن إبراهيم بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام نحوه إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي ستمر عليك في طي المباحث الآتية وعند التكلم في حكم سهم الإمام عليه السلام مثل التوقيعات
المروية عن صاحب الامر عجل الله فرجه التي وقع فيها التصريح بالمنع عن التصرف فيما يتعلق بهم عليهم السلام الا بأمرهم ثم إن مستحق الخمس في هذا القسم هو من يستحقه من
سائر أقسام الغنيمة كما هو صريح كلمات الأصحاب وظاهر جملة من الاخبار بل صريح بعضها مثل خبر حكيم مؤذن بنى عيس عن الصادق عليه السلام قال قلت سئلته له واعلموا
انما غنمتم الخ قال هي والله الإفادة يوما بيوم الا ان أبى جعل شيعتنا في حل من ذلك ليزكوا وما في بعض الروايات من الاشعار باختصاصه بالامام عليه السلام و
انه حقه بالخصوص فليس الا لكونه ولى امره وكون سائر الأصناف المستحقين له امرهم املا إليه وكونهم عيالا له وقد ورد في كثير من الاخبار ما يستشعرا ويستظهر منه
اختصاص مطلق الخمس من أي قسم يكون بالأئمة عليهم السلام وانه حقهم خاصة مع أنه لم يقصد بها ما ينافي استحقاق سائر الأصناف المذكورين في الآية قطعا كخبر عبد الله بن
سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام على كل امرء غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام ولمن يلي امرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذلك لهم خاصة
يضعونه حيث شاؤ أو حرم عليهم الصدقة حتى الخياط ليخيط ثوبا بخمسة دوانيق فلنامنه دانق الامن أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة انه ليس من شئ عند
الله يوم القيمة أعظم من الزنا انه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب سل هؤلاء بما نكحوا فإنه كالنص في عدم الفرق بين خمس الأرباح والغنيمة وان جميعه مخصوص فاطمة
ومن يلي امرها من ذريتها الحجج عليها وعليهم السلام فتخصيص الجميع بهم مع أشعار نفس هذا لخبر فضلا عن غيره بل ظهوره في أن مناط الحكم هو حرمة الصدقة عليهم التي لا
اختصاص لها بهم بل لجميع بني هاشم لعله لكونهم هم الأصل فيه وكون استحقاق من عداهم تبعا لهم وكرامة عليهم إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع فلا مجال للارتياب
في أن مصرف هذا القسم من الخمس أيضا هو مصرف خمس الغنيمة واما الأخبار الواردة في اباحته للشيعة فهي أيضا كثيرة بل أكثر منها رواية حكيم وعبد الله بن سنان المتقدمتان
وصحيحة الحرث بن المغيرة النصرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له ان لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمنا أن لك فيها حقا قال فلم أحللنا إذا
لشيعتنا الا لتطيب ولادتهم وكل من والى ابائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب وخبر يونس بن يعقوب قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل
عليه رجل من القماطين فقال جعلت فداك تقع في أيدينا الأموال ولا أرباح وتجارات نعلم أن حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون فقال ما أنصفناكم ان كلفناكم
ذلك اليوم ورواية أبى خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال له رجل وانا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه السلام فقال له رجل ليس يسئلك ان يعترض الطريق
انما يسئلك خادمة يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه فقال هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحي وما
توالد منهم إلى يوم القيمة فهو لهم حلال اما والله لا يحل الا لمن أحللنا له ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة ولا لاحد عندنا ميثاق وصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه السلام
قال قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤدوا الينا حقنا الا وان شيعتنا من ذلك وابائهم في حل وخبر ضريس الكناسي
قال قال أبو عبد الله عليه السلام أتدري من أين يدخل على الناس الزنا فقلت لا ادرى فقال من قبل خمسنا أهل البيت الا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم ورواية
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال إن أشد ما فيه الناس يوم القيمة ان يقوم صاحب الخمس فيقول يا رب خمسي وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم وليزكوا أولادهم
وما روى عن كتاب اكمال الدين عن محمد بن محمد بن عصام الكليني بن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب فيما ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان
عجل الله فرجه اما ما سئلت عنه من امر المنكرين لي إلى أن قال واما الخمس فقدا بيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث إلى غير ذلك
من الاخبار التي سيأتي نقلها عند التعرض لحكم سهم الإمام عليه السلام ولا يخفى عليك ان هذه الروايات وان كثرت ولكن لا يصلح شئ منها مما عدى الخبر الأخير أي
التوقيع المروى عن صاحب الامر عجل الله فرجه لمعارضة الأخبار المتقدمة النافية لها فان ظاهر جلها إباحة مطلق الخمس وهذا مما يمتنع ارادته إلى اخر الا بد
لمخالفته للحكمة المقتضية لشرعه من استغناء بني هاشم به عن وجوه الصدقات فالمراد بها اما تحليل قسم خاص منه وهو ما يتعلق بطيب الولادة كأمهات
الأولاد ونحوهما كما يشعر بذلك التعليل الواقع في جملة منها ويومي إليه قول أبي عبد الله عليه السلام في رواية الفضيل انا أحللنا أمهات شيعتنا لابائهم لتطيبوا
أو تحليل مطلقه في عصر صدور الروايات لحكمة مقتضية له وهى شدة التقية فان اخبار التحليل جلها لولا كلها صدرت عن الصادقين عليهما السلام وقد كانت
التقية في زمانهما مقتضية لا خفاء امر الخمس واغماض مستحقيه عن حقهم والألم يكونوا مأمونين على أنفسهم ولا على شيعتهم الذين يؤدون إليهم حقوقهم
فابائو لهم كي لا يقيموا على حرام ويطيب ما كلهم ومشربهم ومولودهم ومن هنا يظهر قصور تلك الأخبار في حد ذاتها عن إفادة اباحته على الاطلاق حتى بالنسبة إلى مثل
هذه الاعصار التي لا مانع عن ايصاله إلى مستحقيه ولا مقتضى لاخفاء امره كما لا يخفى بل بعضها ظاهر في إرادة العفو عنه في خصوص تلك الأزمنة لبعض العوارض
126

المقتضية له وراء الجهة المزبورة كقوله عليه السلام في خبر يونس ما أنصفناكم ان كلفناكم ذلك اليوم والحاصل ان من تدبر في تلك الأخبار والتفت إلى العوارض المقتضية للعفو
عن الخمس الموجودة في عصر صدورها الرأي قصورا غلبها عن إفادة الإباحة المطلقة نعم بعضها كرواية أبى خديجة نص في ذلك ولكن لا عموم لها من حيث المورد بل
هي واردة في المناكح والمتاجر والمواريث والعطايا وستعرف استثناء هذه الأمور عما يجب فيه الخمس كما أن جملة من الأخبار الواردة في تحليل أمهات الأولاد
أيضا ظاهرة في ذلك وهو مما نلتزم به كما ستعرف ثم لو سلم ظهور الاخبار في العفو عن مطلق الخمس أو خصوص الأرباح مطلقا لوجب رفع اليد عنه بالاخبار المتقدمة
الصادرة عن أبي الحسن الرضا ومن بعده من الأئمة المعصومين صلوات عليهم أجمعين الصريحة في عدم رضاهم بالمسامحة في أمر الخمس ووجوب ايصاله إلى
مستحقيه مضافا إلى ما علم من حالهم من نصب الوكلاء لقبض حقوقهم من الأخماس وغيرها واما التوقيع المروى عن صاحب الامر عجل الله فرجه فلعله وقع جوابا عن
السؤال عن قسم خاص من الخمس فأشير بقوله عليه السلام واما الخمس إلى ذلك القسم لا جنسه كما ربما يستشعر ذلك من تعليل حله بطيب الولادة وعدم خبثها فإنه لا
يقتضى الا تحليل ما يتعلق بالمناكح وعلى تقدير إرادة الجنس فهو معارض باخبار اخر مروية عنه عليه السلام مثل ما رواه سعيد بن هبة الله الراوندي في الخرائج و
الجرائح عن أبي الحسن المسترق عن الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة عن عمه الحسين في حديث عن صاحب الامر عليه السلام انه رآه وتحته عليه السلام بغلة شهبا
وهو متعمم بعمامة خضراء يرى منه سواد عينيه وفي رجله خفان حمراوان فقال يا حسين كم ترزا على الناحية ولم تمنع أصحابي عن خمس مالك ثم قال إذا مضيت
إلى الموضع الذي تريده تدخله عفوا وكسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه قال فقلت السمع والطاعة ثم ذكر في اخره ان العمرى اتاه واخذ خمس ماله بعد
ما اخبره بما كان وغير ذلك مما سيأتي نقله عند التكلم في حكم سهم الإمام عليه السلام مضافا إلى عدم صلاحية مثل هذه الأخبار الغير المدونة في الكتب الأربعة
لا ثبات حكم شرعي ما لم يعتضد بعمل الأصحاب فضلا عما لو كان موهونا بمخالفة المشهور أو المجمع عليه خصوصا في مثل هذا الحكم المنافى بظاهره لحكمة شرع
الخمس المنصوص عليها في الأخبار المستفيضة وغيرها من القواعد الشرعية كسلطنة الناس على أمواله وحرمة التصرف فيها من غير رضاهم مع عدم
كون هذا الحكم في حد ذاته من الأحكام الشرعية التي قد يقال فيها بجواز العمل بمطلق الظن أو الظن الخاص من مثل هذه الروايات لدليل الانسداد أو غيره
مما ذكروه في الأصول بل من قبيل الموضوعات الخارجية التي يتوقف ثبوتها على العلم أو ما قام مقامه من البينة ونحوها فليس هذا التوقيع الا بمنزلة ما لو
كان بهذا السند مرويا عن زيد انه وهب جميع ما ملكه لعمرو فكما لم يكن يثبت ذلك على وارثه بمثل هذا الخبر فكذا فيما نحن فيه وكيف كان فلا ينبغي الارتياب
في أنه لا يصح التعويل على مثل هذه الأخبار الشاذة الغير المعمول بها في منع بني هاشم زاد الله شرفهم عن حقهم الذي جعله الله لهم بنص الكتاب والسنة
المتواترة الموقع الثاني مما أشكل الامر فيه في هذا المبحث في متعلق الخمس من هذا القسم فان النصوص وكلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم
المحكية لا تخلو عن نوع اختلاف واجمال فعن الخلاف أنه قال يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار على اختلاف أجناسها
إلى أن قال دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم وعن الغنية يجب الخمس أيضا في الفاضل عن مؤنة الحول على الاقتصاد من كل مستفاد بتجارة أو صناعة أو
زراعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة أي وجه كان بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط انتهى وعن النهاية جميع ما يغنمه الانسان من
أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك وفي السرائر ويجب الخمس أيضا في أرباح التجارات والمكاسب وفيما يفضل من الغلات والزراعات على اختلاف أجناسها
عن مؤنة السنة له ولعياله ثم قال بعد جملة من كلماته وقال بعض أصحابنا ان الميراث والهدية والهبة في الخمس ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي
الذي صنفه ولم يذكره أحد من أصحابنا الا المشار إليه ولو كان صحيحا لنقل نقل أمثاله متواترا والأصل براءة الذمة ونشغلها ونعلق عليها شيئا الا
بدليل انتهى وفي مجمع البحرين في تفسير الغنيمة نسب إلى فقهاء الإمامية انهم عمموا مسألة الخمس وذكروا ان جميع ما يستفاد من أرباح التجارات الزراعات
والصناعات زائدا عن مؤنة السنة ثم عدد بقية الاقسام إلى أن قال يخرج منه الخمس وفي المدارك المشهور بين الأصحاب وجوب الخمس في جميع أنواع التكسب من
تجارة وصناعة وزراعة وغير ذلك عدى الميراث والصداق والهبة انتهى ولا يخفى ما في هذا الاستثناء إلى غير ذلك من كلماتهم التي ربما يظهر من
بعضها إناطة الحكم بصدق عنوان الاستفادة ومن أغلبها بصدق عنوان التكسب وكان مراد الجميع أو الأغلب على ما يظهر بالتدبر في كلماتهم هو الفوائد
الحاصلة من وجوه المعاملات أو من كد يمينه أو من أمواله المعدة للاستفادة بأجرتها أو نمائها من عقارا وحيوان أو غير ذلك فإنها بأسرها من وجوه التكسب
وان لا يطلق في بعضها على فاعلها عرفا اسم الكاسب دون ما يدخل في ملكه بغير هذه الأسباب كالإرث والصدقة والصداق والعطية ونحوها فإنه خارج عن
موضوع كلماتهم جزما واحتمل شيخنا المرتضى (ره) ارادتهم بالاستفادة والتكسب مطلق ما يملكه ولو بإرث ونحوه مع اعترافه بمخالفته لظاهر عناوينهم
نظرا إلى ما في كلمات جملة منهم مما يستشعر منه إرادة الأعم وفيه انه يمتنع عادة إرادة ثبوت الخمس في مثل الإرث والهبة مع عموم الابتلاء بهما وكونهما
من اشيع ما يملكه الانسان من غير تصريح به فضلا عن تأديته بمثل هذه العبارة الظاهرة في خلافه كيف ولو كان هذا مرادهم لم يكن وجه يعتد به
لحصرهم الخمس في فتاويهم ومعاقدا جماعاتهم المحكية في اقسام معدودة كي يوهم ذلك خلاف مقصودهم بل كيف يحتمل كون كل الأصحاب أو جلهم أو كثير
منهم قائلين بثبوت الخمس في الإرث ونحوه ولم يشتهر ذلك بين العوام اشتهار الشمس في أربعة النهار مع عموم الابتلاء به مضافا إلى ما يظهر من الحلى
وغيره بل من كل من تعرض له مخالفة القول بثبوت الخمس في الإرث والهبة والصدقة للمشهور بل اختصاص القول به في القدماء بالحلبى نعم ربما مال إليه بعض
المتأخرين وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أن كل من كان في مقام بيان متعلق الخمس ولم يصحر بثبوته في الإرث ونحوه هو ممن لا يقول به فلا تغتر
بما يوهمه بعض العبائر المشعرة أو الظاهرة في تعلقه بكل ما يستفيده الانسان من أي وجه يكون كعبارة الغنية المتقدمة من إرادة ما يعم الإرث و نحوه
127

فإنه لو لم نقل بانصرافه في حد ذاته إلى إرادة التعميم بالنسبة إلى وجوه التكسب يتعين صرفه إلى ذلك بواسطة جملة من القرائن الداخلية والخارجية التي تقدمت
الإشارة إلى بعضها والغرض من إطالة الكلام نفى احتمال اشتهار القول بوجوب الخمس في كل ما يحصل للانسان من أي سبب يكون ولو بالإرث كي يجعل
الشهرة جابرة لضعف بعض الأخبار الآتية الدالة بظاهره على ذلك واما الاخبار فربما يظهر من جملة منها تعلقه بكل ما يملكه الانسان ويستفيده من أي
سبب يكون منها ما روى عن الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول عن الرضا عليه السلام في كتابه للمأمون قال والخمس من جميع المال مرة واحدة وما روى عن بصائر
الدرجات عن عمران بن موسى عن موسى بن جعفر عليه السلام قال قرأت عليه اية الخمس فقال ما كان لله فهو لرسوله وما كان لرسوله فهو لنا ثم قال والله لقد يسر الله على المؤمنين
ارزاقهم بخمسة دراهم جعلوا لربهم واحدا واكلوا أربعة ثم قال هذا من حديثنا صعب مستصعب لا يعمل به ولا يصبر عليه الا مؤمن ممتحن وما حكى عن ابن طاوس قدس
الله روحه بسنده عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السلام ان رسول الله قال لأبي ذر وسلمان والمقداد اشهدوني على أنفسكم بشهادة ان لا إله إلا الله
إلى أن قال وان علي بن أبي طالب وصى محمد وأمير المؤمنين وان طاعته طاعة الله و رسوله والأئمة من ولده وان مودة أهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن و
مؤمنة مع أقام الصلاة لوقتها واخراج الزكاة من حلها ووضعها في أهلها واخراج الخمس من كل ما يملكه أحد من الناس حتى يرفعه إلى ولى المؤمنين وأميرهم
ومن بعده من الأئمة من ولده فمن عجز ولم يقدر الا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم
ممن لا يكل بهم الناس ولا يريد بهم الا الله فهذه شروط الاسلام وما بقي الكثر رواية محمد بن الحسن الأشعري قال كتب بعض أصحابنا إلى أبى جعفر الثاني عليه السلام
أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الضياع وكيف ذلك فكتب عليه السلام بخطه الخمس بعد المؤنة وظاهره تقرير السائل
من حيث عموم المتعلق وخبر سماعة المروى عن الكافي قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس فقال في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير وربما يستدل له أيضا بعموم الآية
الشريفة بناء على تفسير الغنيمة بمطلق الفائدة كما يؤيد ذلك استدلال المشهور على ما نسب إليهم بعمومها لا ثبات الخمس في سائر الموارد وقوله عليه السلام في خبر حكيم
الوارد في تفسيرها هي والله الإفادة يوما بيوم الا ان أبى جعل شيعتنا في حل من ذلك بل هذه الرواية بنفسها شاهدة للعموم وما في ذيلها من التصريح
بتحليله للشيعة غير ضائر لما عرفت فيما سبق من لزوم حمله كسائر اخبار التحليل على بعض المحامل التي لا ينافيها وجوبه في هذه الأزمنة ولكن قد ينافيه ما عن
العلامة في المنتهى والفاضل المقداد كما في مجمع البحرين من تفسير الغنيمة بالفائدة المكتسبة فلا تشمل حينئذ مثل الإرث بل الصدقة والهبة أيضا بل لعل هذا هو
أيضا منصرف خبر حكيم فان الإفادة والاستفادة بمعنى والمنساق منها إرادة التكسب كما يومى إلى ذلك سوق الخبر وتمثيله بمسألة الخياط فالانصاف انه
لا يظهر من هذه الرواية إرادة الأعم من أرباح المكاسب من الإفادة يوما بيوم بل لا يبعد دعوى انصراف لفظ الإفادة والاستفادة الواردتين في مكاتبة
الأشعري وخبر سماعة أيضا إلى الأرباح فاستظهار العموم من مثل هذه الروايات لا يخلو عن نظر بل وكذا غيرها من الاخبار المزبورة عدى الخبر المحكى عن
ابن طاوس قدس سره مع ما في جميع تلك الأخبار من ضعف السند ونحوها في قصور الدلالة خبر علي بن راشد الذي رواه عنه علي بن مهزيار وهو أوضح ما في هذا
الباب من حيث كونه مسوقا لبيان ما يتعلق به الخمس من هذا القسم قال علي بن مهزيار قال لي أبو علي بن راشد قلت له امرتني بالقيام بأمرك واخذ حقك
فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم واي شئ حقه فلم ادر ما أجيبه فقال يجب عليهم الخمس فقلت ففي أي شئ فقال في أمتعتهم وصنايعهم وفي بعض
النسخ وضياعهم قلت فالتاجر عليه والصانع بيده فقال ذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم بل ظاهر هذه الرواية عدم تعلقه بمطلق ما يملكه الانسان
فان المتاع كما في القاموس المنفعة والسلعة والأداة وكل ما تمتعت به من الحوائج جمعه أمتعة وفي المجمع المتاع المنفعة وكل ما ينتفع به كالطعام والبر
وأثاث البيت إلى أن قال والجمع أمتعة والأنسب بالمقام اما إرادة المعنى الأول أي المنفعة أو السلعة وعلى الثاني أيضا لا يبعد انصرافها إلى اراده الخمس
فيما يستفيد بها لا في زوالها ولعل السائل أيضا لم يفهم من كلامه عليه السلام الا ذلك فأراد بقوله فالتاجر عليه والصانع بيده التفريع على ما فهمه من كلامه عليه السلام
من اقتضائه انحصار الخمس في التاجر ومن يكتسب شيئا بكد يمينه لاكل من ملك شيئا ولو بإرث ونحوه فنبهه الإمام عليه السلام على أن ذلك أيضا ليس على اطلاقه
بل انما ذلك إذا أمكنهم بعد مؤنتهم وعلى تقدير صحة نسخة وضياعهم يكون التفريع بملاحظة الأغلب من عدم كونهم صاحب الضيعة فليتأمل ولكن في بعض
النسخ والتاجر بالواو ولعله من سهو القلم وعلى تقدير صحته فهو لا يخلو عن اجمال وكيف كان فالرواية وان لا تخلو عن تشابه الا ان ظاهرها لأجل كونها
مسوقة لبيان ما يتعلق به الخمس عدم تعلقه بأموالهم التي لا تعد عرفا من الأمتعة والضياع كالنقد المنتقل إليه بإرث ونحوه أو غير ذلك مما لا يطلق عليه
في العرف اسم المتاع سواء فسر بالمنفعة أو السلعة أو غير ذلك من معانيه المذكورة في اللغة الا على نحو من التوسع ولكن مر بما يظهر من بعض الأخبار تعلقه
بمطلق الفائدة وانها هي المرادة بالغنيمة مع وقوع التمثيل فيها بالإرث والجائزة كقوله عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار فاما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم
في كل عام قال الله تعالى واعلموا انما غنمتم من شئ إلى اخرها إلى أن قال والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة
من الانسان للانسان التي لها خطر والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال يوجد ولا يعرف له صاحب ومن ضرب
ما صار إلى موالى من أموال الخرمية الفسقة الحديث وعن الفقه الرضوي بعد ذكر الآية قال وكل ما أفاد الناس غنيمة ولا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص إلى أن
قال وربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد و المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها لان الجميع غنيمة وفائدة وخبر يزيد قال كتبت جعلت لك
الفداء تعلمني ما الفائدة وما حدها رأيك أبقاك الله ان تمن على ببيان ذلك لكي لا كون مقيما على حرام لا صلاة لي ولا صوم فكتب الفائدة مما يفيد إليك في
تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة ويدل على ثبوته في خصوص الهبة مضافا إلى ما ذكر خبر أبي بصير المروى عن مستطر فات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن
128

محبوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال كتبت إليه في الرجل يهدى إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ الفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس فكتب عليه السلام الخمس في ذلك وعن
الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال انما يبيع منه الشئ بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس فكتب اما ما اكل فلا واما البيع فنعم هو كسائر
الضياع وخبر علي بن الحسين بن عبد ربه قال سرح الرضا عليه السلام بصلة إلى أبى فكتب إليه أبى هل على فيما سرحت إلى خمس فكتب إليه لا خمس عليك فيما سرح
به صاحب الخمس فان ظاهره ان وجه عدم الخمس هو كون المسرح به صاحب الخمس لا لكونه تسريحا ويدل أيضا على ثبوته في مثل الهبة والإرث في أصل الشرع رواية
أبى خديجة المتقدمة في اخبار التحليل التي وقع فيها السؤال عن تحليل خادمة يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراث يصيبه أو تجارة أو شئ أعطيه فقال له عليه السلام
هذا لشيعتنا حلال إلى أن قال اما والله لا يحل الا لمن أحللنا له الا ان يناقش في دلالتها على المدعى بأنه لا يكاد يظهر من هذا الخبر أزيد من أن لهم في كل شئ
في الدنيا نصيبا فلا يحل ذلك لمن جرت يده عليه الا بتحليلهم له كما في الأمة التي يشتريها واما انه بعد ان حللوه و؟؟ وملكا له أو دفع ذلك الشخص إليه
خمسه ثم انتقل منه إلى ثالث ببيع أو هبة أو ارث يحدث لهم بهذا النقل أيضا من حيث هو حق فلا يحل للثالث أيضا الا بتحليلهم كما هو المدعى فلا يفهم من هذا
الخبر وكيف كان فعمدة ما يصح الاستشهاد به لاثباته في مثل الإرث والهبة هي صحيحة علي بن مهزيار وما بعدها من الروايات وقد قيد الميراث في الصحيحة
يكونه ممن لا يحتسب من غير أب ولا ابن وكذا الجائزة بكونها خطيرة ولا يبعد مساعدة العرف أيضا على اعتبارهما في اطلاق لفظ الغنيمة فقضية الجمع
بينها وبين الأخبار المطلقة على تقدير تجويز العمل بهذه الاخبار انما هو تقييد اطلاقها بهذه الصحيحة ولكن لم ينقل الالتزام به عن أحد فان من حكى عنه
القول بثبوت الخمس في الهبة والمواريث لم يفصل بين مصاديقهما فمن هنا قد يضعف القول بثبوته في الإرث بان عمدة مستنده هذه الصحيحة وهى موهونة
بالنسبة إلى هذه الفقرة بل وكذا بعض فقراتها الاخر بمخالفتها للاجماع بل قد يتسرى الضعف منه إلى القول بثبوته في الهبة أيضا لعدم القول بالفصل
على ما قيل وان لا يخلو عن تأمل وكيف كان فيتوجه على الاستدلال بجميع ما ذكر بعد تسليم تمامية الاستدلال بالجميع لاثبات عموم متعلق الخمس بحيث
يعم مثل الميراث والهبة ونحوها انه لا ينبغي الارتياب في عدم تعارفه بين المسلمين في زمان النبي صلى الله عليه وآله ولا بين الشيعة في عصر أحد من الأئمة عليهم السلام و
الا امتنع عادة اختفاء مثل هذا الحكم اعني وجوب صرف خمس المواريث بل وكذلك العطايا مع عموم الابتلاء به على النساء والصبيان من المسلمين فضلا
عن صيرورته خلافيا بين العلماء أو صيرورة خلافه مشهورا لو لم يكن مجمعا عليه فوقوع الخلاف في مثل المقام امارة قطعية على عدم معروفيته في عصر
الأئمة عليهم السلام بل ولا في زمان الغيبة الصغرى والا لقضت العادة بصيرورته من ضروريات الدين لو كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو المذهب لو كان
في اعصار الأئمة عليهم السلام كما أشار إليه الحلى في عبارته المتقدمة حيث نبه على أن ما ذهب إليه الحلبي من ثبوته في الميراث والهبة والهدية لو كان صحيحا لنقل
كنقل أمثاله متواترا فلو كان ثابتا في أصل الشرع وداخلا في عموم ما أريد بالغنيمة والاستفادة الواردة في الكتاب والسنة كما ليس بالبعيد لوجب الجزم
باندراج مثل هذه الأشياء التي لم يتعارف بين المسلمين تخميسها في موضوع اخبار التحليل فإنها هي القدر المتيقن مما أريد بتلك الأخبار بشهادة
الامارات فليس حال الروايات الدالة على عموم متعلق الخمس بعد تسليم دلالتها الا حال المستفيضة المتقدمة في صدر الكتاب الدالة على أن الأرض
وما اخرجه الله منها كلها للامام وما ورد من أن كل شئ في الدنيا فان لهم أي للأئمة عليهم السلام فيه نصيبا في عدم كونه مناطا للتكيف الفعلي كما يؤيد ذلك
اقتران أغلب ما يدل على عموم متعلق الخمس بالاذن والتحليل للشيعة ويشهد له خبر أبي خديجة المتقدم الذي اعترفنا فيما تقدم بصراحته في التحليل الا بدى
بالنسبة إلى بعض اقسام الخمس التي منها المواريث والجوائز وكفى بمثل هذا الخبر شاهدا لاثبات التحليل في مثل هذه الأشياء على تقدير تسليم ثبوته في أصل
الشرع بعد اعتضاده بالسيرة وغيرها مما عرفت كما أنه يكفي في عدم جواز التعويل على مثل هذه العمومات المثبتة للخمس في كل فائدة اعراض المشهور عنها ومخالفتها
للنصوص المستفيضة الحاصرة للخمس في خمسة أو في أربعة وفي بعضها ليس ا لخمس الا في الغنائم خاصة فإنه على تقدير تعلق الخمس بكل شئ لا يكاد يظهر للحصر وجه
سواء أريد به الحصر الحقيقي أو الإضافي اللهم الا ان ينزل الحصر على ارادته في زمان خاص تخفيفا من الإمام عليه السلام بالنسبة إلى ما عداه وهو كما ترى أو بحمله على التقية
وهو أيضا بعيد لا يصار إليه الا لمعارض أقوى نعم بناء على شمول الغنيمة لكل فائدة يستفيدها ولو بإرث ونحوه يمكن ان يكون المراد بحصر الخمس فيها بالإضافة
إلى ما يملكه بالعوض فليتأمل والحاصل انه لا يصح التعويل على ظواهر الأدلة الاجتهادية في مثل هذا الحكم الذي يعم به الابتلاء ما لم يعتضد بعمل الأصحاب و
يشتهر مضمونها بين المتشرعة خصوصا بعد الالتفات إلى الأخبار الكثيرة الواردة في التحليل فانا وان ناقشنا في دلالة كل واحد واحد منها اما من حيث دلالته
على أبدية الحكم أو من حيث عموم متعلقه أو غير ذلك مما عرفت ولكنها تورث مزيد الوهن في الاخبار التي لم يشتهر العمل بها والجرأة على طرحها أو الاخذ بالظواهر
والأصول المنافية لها كما لا يخفى فتلخص مما ذكران الالتزام بثبوت الخمس فيما عدى ما اشتهر بين العلماء وهو أرباح التجارات والصناعات وساير أنواع التكسبات
مشكل ثم إن من جملة التكسبات التي يتعلق الخمس بفوائدها إجارة الانسان نفسه أو خادمه أو دابته أو داره أو خيمته أو غر ذلك من انحاء الإجارات
والمعاملات فما في مكاتبة ابن مهزيار قال كتبت إليه يا سيدي رجل دفع إليه مال يحج به هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج
فكتب عليه السلام عليه الخمس مطروح أو محمول على ما لو كان الدفع من باب الصلة وصرف المال في سبيل الله والتسبيب لعمل الخير كما لعله الظاهر من السؤال
لا الأجرة حتى يدخل في أرباح المكاسب أو على ما إذا لم يفضل ما يبقى في يده بعد الحج عن مؤنة سنة أو غير ذلك واما نماء الإرث والهبة ونحوها فالأشبه انه كأصله
لا يتعلق به الخمس ما لم يقصد بابقائه الاسترباح والتكسب كما صرح به بعض خلافا لآخرين فكلما اتخذه للاكتساب فظهر فيه ربح بنماء أو أثمار أو انتاج
تعلق به الخمس ولو أراد الاكتساب والاسترباح بفوائده لا بأصله دخلت فوائده دون زيادة أعيانه كما صرح بهما كاشف الغطاء ولا عبرة بزيادة القيمة
129

السوقية لأنها امر اعتباري لا يعد ربحا بالفعل ولذا يقال عرفا انه لو باعه بتلك القيمة كان يربح فمتى باعه بأكثر من رأس ماله دخلت حينئذ في الأرباح فلو حصلت
زيادة القمية السوقية في السنة الماضية ولم يبعه طلبا لزيادة الربح وباعه في هذه السنة عدت الزيادة من أرباح هذه السنة ولو نقصت قيمته حال البيع أو باعه
بقيمة أقل لا يعتنى بزيادته السابقة ولعل من جعل زيادة القيمة السوقية أيضا من الأرباح كما في عبائر غير واحد منهم أراد ما لا ينافي ما ذكروا لا فيظهر ضعفه بمراجعة
العرف تنبيه قال شيخنا المرتضى (ره) وقد يتخيل وجود الخلاف فيما يفضل من الغلات التي اشتراها وادخرها للقوت وان لم يكن أصله مما يتعلق به
الخمس بل دعوى والوفاق عليه لعبارة وقعت للعلامة في المنتهى حيث قال فيما حكى عنه يجب الخمس في أرباح التجارات والزراعات والصنايع وجميع الاكتسابات و
فواضل الأقوات من الغلات والزراعات عن مؤنة السنة على الاقتصاد عند علمائنا أجمع وتبعه على هذا التعبير في الرياض ولا يخفى ما في هذا التخيل ومنشاءه
اما فساد تخيل وجود الخلاف فلان ما يفضل مما اشترى للقوت ان كان أصله من المؤنة المستثناة من المال الذي يجب فيه الخمس كما إذا وضع مائة دينا من ربح
تجارته فاشترى به الطعام لسنة الاكتساب فلا تأمل لاحد في وجوب الخمس في الفاضل لكونه فاضلا عن مؤنة السنة وان كان أصله من المال الذي لا يتعلق به الخمس
أو اعطى خمسه فلا تأمل أيضا في عدم وجوب الخمس والحاصل انه لا خلاف لاحد في أن الفاضل حكمه حكم أصل المال فإن كان مما يجب تخميسه فلا خلاف في وجوب
تخميس الفاضل والا فلا خلاف في عدمه وأما عبارة المنتهى فهي وان طعن عليها المحقق الأردبيلي في شرح الارشاد والمدقق الخونساري في حاشيته منه على
حاشية اللمعتين بوقوع التكرار فيها الا ان الظاهر أنه أراد بما يفضل من الغلات والزراعات ما يفضل من غلة البساتين والزراعات التي أحدثها لقوت
عياله وصرفها فيهم من البساتين الصغار والخضريات لا المعدة للاسترباح والاكتساب حتى يكون مكررا لما قبله فيكون إشارة إلى نحو ما تضمنته رواية
السرائر المتقدمة من وجوب الخمس فيما يفضل عن اكل العيال من حاصل البستان الموجود في الدار فلا دخل عليه بفاضل ما اشترى وادخر للقوت فان حكمه حكم أصله
اجماعا انتهى كلامه بأدنى تغيير في التعبير وهو جيد الموقع الثالث في شرح المؤنة الخارجة عما يتعلق به الخمس من هذا القسم فنقول لا اشكال ولا خلاف في أن
الخمس انما يجب في الأرباح المذكورة بعد وضع المؤنة منها ولذا عبر كثير منهم كما في المتن بما يفضل عن المؤنة من الأرباح والمراد من المؤنة غير مؤنة التحصيل التي لا
يختص استثنائها بهذا القسم بل لا يعد الربح ربحا الا بعد وضعها بل هي مؤنة الشخص وما يصرفه في حوائجه طول السنة وقد حكى دعوى الاجماع على
استثنائها عن جملة من الأصحاب وعن شرح المفاتيح انه اجماعي بل ضروري المذهب ويدل عليه مضافا إلى الاجماع جملة من الأخبار المتقدمة منها قوله عليه السلام في
رواية علي بن شجاع النيسابوري الواردة في الحنطة الباقية بعد مؤنة الضيعة ودفع العشر لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته فان ظاهره بل كاد يكون صريحه إرادة
مؤنة الرجل المفروض في السؤال من حيث هو لا مؤنته التي صرفها في تحصيل الحنطة وعمارة الضيعة وقوله عليه السلام في خبر الأشعري الذي وقع فيه السؤال عن أن
الخمس هل يتعلق بجميع ما يستفيد الرجل من جميع ضروب الاستفادة والصنايع الخمس بعد المؤنة فان ملاحظة السؤال تدل على إرادة مؤنة الشخص لا مؤنة التحصيل
حيث إن كثيرا من الاستفادات والصنايع لا يحتاج تحصيلها إلى أزيد من مؤنة الشخص و أوضح منه دلالة عليه قوله عليه السلام في خبر علي بن راشد المتقدم إذا
أمكنهم بعد مؤنتهم وقوله عليه السلام في مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني التي قراها ابن مهزيار الواردة في خمس الضياع الخمس بعد مؤنته ومؤنة عياله وخراج السلطان
وقوله عليه السلام في مكاتبة ابن مهزيار الطويلة فاما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمؤنته ومن كانت
ضيعته لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك وقد أشرنا فيما سبق إلى توجبه ما في الخبر من الاشكال والاقتصار على نصف السدس وكيف كان
فيستفاد من هذه الأخبار ان الخمس انما يجب في هذا القسم في الفاضل عن مؤنته فيقيد به اطلاق ما في غيرها من الروايات ولكن ليس في شي منها تصريح بإرادة
مؤنته طول سنته بل ظاهرها إرادة مؤنته من حيث من غير تقييدها بيوم أو شهر أو سنة ومؤنة الشخص مهما أطلقت يراد بها ما يحتاج إليه في تعيشه على الاطلاق
بحسب حاله فالمتبادر من قول القائل فلان يفي كسبه أو ضيعته بمؤنته هو ان ما يستفيده منه لا يقصر عما يحتاج إليه في معاشه ما دام له هذا الكسب أو الضيعة وان
عاش ما عاش من السنين ولكن مؤنة الشخص لدى العرف تقدر بالسنين لا بالأيام والشهور أو الفصول إذ لا انضباط لها بالنسبة إلى مثل هذه الأوقات فإنها تختلف
فيها غاية الاختلاف في ساير ما يحتاج إليه من المأكل والملبس وغيرها بخلاف السينين فيلا حظ العرف اجمالا حين إرادة المقايسة بين ربحه ومصارفه جميع ما
يصرفه بحسب حاله في السنة ومجموع ما يربحه فيها من كسبه أو ضيعته فإن كان ربحه الذي يستفيده منه في أثناء السنة وافيا بمؤنة سنته يقال ربحه يفي بمؤنته و
ان كان أقل أو أكثر يقال لا يفي بها أو يفضل عنها وكذا لو سئل في العرف عن مؤنة شخص يقال إن مؤنته في كل سنة كذا فمؤنة السنة هي التي تحدبها مؤنة الشخص
ويطلق وفاء كسبه أو ضيعته بمؤنته بملاحظتها فالعبرة بها في تشخيص الزيادة والنقصان لدى العرف فكان هذا هو السر فيما فهمه الأصحاب من مثل هذه الأخبار
واجمعوا عليه من تقييد المؤنة بالسنة ولكن قد يشكل ذلك فيما لو كان له ضيعة تفيده في سنة دون سنة كما يتفق كثيرا ما في المزارع التي تزرع سنة وتعطل سنة
لان يكمل استعدادها للزارعة فان مثل هذا الفرض لو قيل إنها تفي بمؤنته لا يراد منه مؤنة السنة بل سنتين لما أشرنا إليه من أن معنى وفائها بمؤنته
استغنائه بفائدتها في معاشه على الاطلاق فلو لم يف ربحها الا السنة يقال عرفا انها لا تفي بمؤنته بل بنصفها فيتجه حينئذ اعتبار مؤنة السنتين بمقتضى ظواهر الاخبار
اللهم الا ان ينعقد الاجماع على خلافه وهو محل تأمل لانصراف كلمات المجمعين عن مثل الفرض وكذا يشكل اعتبار المؤنة في مثل الهبة والإرث ونحوه من
الأمور الاتفاقية التي ليس من شانها الاستمرار والتجدد في كل سنة ان قلنا بثبوت الخمس فيه فإنه لا يطلق عليه انه يفي بمؤنته الا مع تقييدها بحد معين
كشهر أو شهرين أو سنة أو سنتين وهكذا الا ان يتمسك فيه بعدم القول بالفضل وكيف كان فقد ظهر بما ذكرنا وجه تقييد المؤنة بالسنة مع عدم
وقوع التصريح به في الاخبار وإن أبيت عن امكان استفادته من الاخبار بالتقريب المزبور فكفاك دليلا عليه اجماع الأصحاب فهو مما لا اشكال فيه ولكن
130

الاشكال في تفسير المؤنة وتحديدها وتحقيق مبدء حولها اما تفسير المؤنة فقد صرح غير واحد بان المراد بها كلما ينفقه على نفسه وعلى عياله وعلى غيرهم للاكل و
الشرب واللباس والمسكن والتزويج والخادم وأثاث البيت والكتب وغير ذلك مما يعد مؤنة عرفا فتعم مثل الهبة والصلة والصدقات والنذر وغيرها من
الأفعال الواجبة أو المندوبة كزيارة المشاهد أو بناء المساجد والضيافة اللائقة بحاله وما يدفعه إلى الظالم للأمن من ضرره إلى غير ذلك من المقاصد
العقلائية التي تصرف فيها الأموال لغرض ديني أو دنيوي وعن الغنائم أنه قال الظاهر أن تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المؤنة كاشتراء الضيعة
والظاهر أنه لا يشترط التمكن من تحصيل الربح منه بالفعل فيجوز صرف شئ من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرها ولو بعد سنين وكذلك اقتناء إناث
أولاد الانعام لذلك انتهى أقول مساعدة العرف على عد مثل هذه الأشياء من مؤنته مشكلة بل لا فرق عرفا بين ادخار عين الفائدة التي اكتسبها لان
يصرفها في المستقبل في نفقته أو شراء ضيعة أو دار ونحوها مما يحتاج إليه في ذلك الوقت أو يشترى الضيعة ونحوها في هذه السنة لان ينتفع بثمرها أو
يعيش بها أولاده في المستقبل إذ لا يكفي في اطلاق اسم المؤنة مجرد صرف الربح في مصرف حتى مع بقاء مقابله وعدم احتياجه إليه بالفعل بل هو من قبيل مبادلة
مال بمال اصلح بحاله وأعظم فائدة فيما يستقبل فالمقابل بعينه حينئذ يندرج فيما استفاده هذه السنة ولم يصرفه في مؤنتها نعم ما يحتاج إلى الانتفاع به
بالفعل في تعيشه من بستان أو غنم ونحوهما لا يبعدان يعد عرفا من المؤنة وكذا ما يحتاج إليه أرباب الصنايع في صنايعهم من الآلات والأدوات
وكيف كان فالمدار على كونه لدى العرف من المؤنة ومع الشك في اندراجه فيها عرفا يرجع إلى عمومات أدلة الخمس في الغنائم والفوائد المكتسبة من الآية و
غيرها مقتصرا في تخصيصها على القدر المتيقن وكون المخصص مجملا لأجل تردده بين الأقل والأكثر لا يقدح في الرجوع إلى العموم في موارد الشك
إذا كان في كلام منفصل كما لا يخفى وجهه ثم إنه قد قيد غير واحد في فتاويهم ومعاقدا جماعاتهم المحكية المؤنة بالاقتصاد قال شيخنا المرتضى (ره) فان أريد
به ما يقابل الاسراف فلا مضايقة وان أريد به التوسط نفى اعتباره نظر بل يمكن التأمل في بعض افراد الاسراف إذا لم يصدق عرفا معه إضاعة المال وان
كان شرعا كذلك لدخوله عرفا في المؤنة لكن الأقوى خلافه انتهى أقول في قوته تأمل فان المتبادر من مثل قوله عليه السلام الخمس بعد المؤنة ارادته فيما يفضل
عما ينفقه في معاشه بالفعل نظير مؤنة التحصيل في الأرباح والمعادن وغيرها فالعبرة على الظاهر بما يتفق حصوله في الخارج كيفما اتفق ودعوى ان المتبادر من
الروايات انما هو إرادة ما ينفقه في مقاصده العقلائية على النهج المتعارف لا على سبيل الاسراف قابلة للمنع الا انه ربما يظهر من كلماتهم دعوى الاجماع عليه
وكيف كان فقد حكى عن غير واحد كالعلامة والشهيدين والمحقق الثاني التصريح بأنه لوقت حسب له بل عن المناهل انه استظهر عدم الخلاف فيه فكان محط
نظرهم ان مفاد النصوص والفتاوى انما هو تعلق الخمس بما عدا مقدار المؤنة فمقدار المؤنة مستثنى عما يتعلق به الخمس سواء انفقه أم لا وهو لا يخلو
عن نطر لما أشرنا إليه من أن المتبادر من الاخبار انما هو استثناء ما ينفقه بالفعل كمؤنة المعدن ونحوها لا استثناء مقدارها فلو تبرع متبرع
بنفقته فالظاهر أنه لا يحسب له ما يقابله من الربح فضلا عما لو قتر فيه كما صرح به غير واحد من مشايخنا رضوان الله عليهم بل لا يبعدان يقال إنه لو قصر
في أداء بعض التكاليف المتوقفة على صرف المال كالحج ونحوه في عام استطاعته فزاد ربحه عن مؤنته وجب عليه الخمس فيما زاد وان لم يكن يزيد عنه شئ
على تقدير الحج وكون الحج واجبا عليه في هذه السنة أو كون تداركه فيما يستقبل واجبا عليه لا يوجب ان يعد عرفا ما يجب صرفه فيه من مؤنة هذه
السنة كي يستثنى من ربحها بل في كل سنة يصدر منه فعل الحج يعد مؤنته من مؤنة تلك السنة فيستثنى من ربحها بالخصوص وان حصلت الاستطاعة
أو بعضها فيما سبق نعم لو لم يتمكن فيما بعد من أن يحج الا بحفظ هذا الربح لمؤنته لا يبعد ان يعد حينئذ من مؤنته في هذه السنة حيث يجب عليه حفظه لتفريغ
ذمته عن الواجب كما لو وجب عليه امر بنذر وشبهه ولم يتمكن من الخروج عن عهدته الا بجميع ما يفضل عن مؤنته من الأرباح في سنين متعددة فإنه
على الظاهر يعد حينئذ من المؤنة بل من أهمها كما أن من جملة المؤنة بل من أصله تفريغ ذمته عما عليه من الديون وأروش الجنايات والديات وقيم المتلفات
نعم مع بقاء مقابل الدين حاله حال ما لو اشترى ذلك المقابل من ربح هذه السنة فان احتاج إلى صرفه في مؤنته احتسب من مؤنته والا فلو اشترى
طعاما أو متاعا أو دابة أو غير ذلك في السنين السابقة على ذمته أو على ثمن استقرضه من ثالث ولم يخرج عن عهدته إلى هذه السنة اما لعدم تمكنه من
الوفاء أو العدم حلول اجله أو مسامحة فأداه في هذه السنة مع بقاء المقابل فان احتاج إليه بالفعل بحيث لو لاه لكان شرائه بالفعل من مؤنته احتسب
من مؤنته والا فمن الفاضل فاحتساب وفاء الدين من المؤنة مشروط بعدم بقاء المقابل أو احتياجه إليه بالفعل لا مطلقا كما يشهد به العرف ولا يعد على الظاهر
جبر الخسارات أو تدارك النقص الوارد عليه بسرقة أو غصب ونحوه ولو في هذه السنة فضلا عن السنين السابقة من المؤنة عرفا نعم قد يتجه الجبر والتدارك
فيما يتعلق بتجارة واحدة لا لكونه معدودا من المؤنة بل لعدم صدق الاستفادة والربح في تجارة الا إذا حصل له منها أزيد مما استعمله فيها ولا يلاحظ
في اطلاق الربح والخسران كل جزئي جزئي من المعاملات بحياله تجارة مستقلة بل لا يبعدان يدعى ان المنساق إلى الذهن من مثل قوله عليه السلام إذا أمكنهم
بعد مؤنتهم ارادته في الزيادة لا حاصلة في أموالهم بالتجارة والصناعة مما لا يحتاجون إلى صرفه في معيشتهم في عامهم فيتجه حينئذ جبر الخسارة والنقصان
الواردة عليه في هذه السنة ولو في غير هذه التجارة ولكنه لا يخلو عن تأمل فلا شبه ما عرفت ولو كان للشخص مال لا يتعلق به الخمس ففي وجوب اخراج
المؤنة منه أو من الربح أو منهما أوجه بل قيل أقوال خيرها أوسطها رفاقا لما حكى عن الشهيد والمحقق الثانيين وصاحبي المدارك والذخيرة وشارح
المفاتيح بل أغلب من تعرض له بل هو مقتضى ظاهر كل من عبر عن عنوان هذا القسم في فتواه ومعقد اجماعه بما يفضل من الأرباح عن مؤنة السنة لأنه هو
الظاهر من الأخبار الدالة على أن الخمس بعد المؤنة كخبر البزنطي قال كتبت إلى أبى جعفر عليه السلام الخمس اخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة فكتب بعد المؤنة فان
131

ظاهر إرادة المؤنة من المال الذي لولا استثنائها لتعلق به الخمس ونحوه قوله عليه السلام في خبر الهمداني الخمس بعد المؤنة وقوله عليه السلام في رواية النيسابوري المتقدمة الواردة
فيما بقي من اكرار الحنطة بعد اخراج العشر ومؤنة الضيعة لي منه الخمس مما يفضل من مؤنته ان الظاهر أن قوله عليه السلام مما بيان لقوله منه وقوله عليه السلام في
مكاتبة ابن مهزيار
الطويلة ومن كانت ضيعة لا تقوم بمؤنته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك إلى غير وذلك من الأخبار الدالة عليه خلافا لما حكى عن المحقق الأردبيلي في
مجمع البرهان والمحقق القمي في الغنائم فأوجبا اخراجها من المال الاخر لاطلاق أدلة الخمس المقتصر في تخصيصها بالنسبة إلى المؤنة على صورة الحاجة وفيه ان
اطلاق ما دل على استثناء المؤنة حاكم على تلك المطلقات ودعوى جرى هذه المطلقات مجرى الغالب من الاحتياج إلى اخذ المؤنة من الربح فالتمسك بها في الخروج
عن اطلاقات الخمس في مثل الفرض مشكل ممنوعة بل الغالب وجود مال اخر يمكن الاستغناء به سنة أو سنتين وأزيد عن صرف الربح في المؤنة عند التجار وأرباب
الصنايع بل كثيرا ما يفضل عندهم من ربح السنة السابقة ما يفي بمؤنة السنة الجديدة بعد تخميسه وعلى تقدير التسليم فهو من باب غلبته الوجود فلا يوجب
انصراف النص عنه لا يقال إن مقتضى الجمود على ظاهر النص هو الا التزام بعدم تعلق الخمس على من كان عنده ضيعة وتجارة أو صناعة لا يفضل ربح كل
منهما عن مؤنته ولكنه يفضل ربح المجموع فإنه يصدق ان ربح ضيعته لا يفضل عن مؤنته وكذا ربح تجارته مع أنه يجب عليه الخمس بلا شبهة فهذا يكشف عن
جرى الاخبار مجرى الغالب من انحصار ماخذ المؤنة فيما وقع السؤال عنه في الروايات لأنا نقول التعدي عن مورد النص بتنقيح المناط والعلم بعدم مدخليته
خصوصية المورد في الحكم وكون موضوع الحكم هو مطلق الربح المستفاد سواء كان من الضيعة أو التجارة أو غيرهما لا يقتضى الغاء ظاهر النص من حيث الدلالة
على اعتبار كون المؤنة من الربح هذا مع أن المؤنة لا تتعدد فإذ أدل الدليل على أنه يجب على التاجر الخمس فيما يفضل من ربح تجارته عن مؤنته وورد
نص أيضا كذلك فيمن له ضيعة وتصادق العنوانان على مورد كما هو المفروض ان اعتبر مؤنته في ربح تجارته يفضل الاخر عن مؤنته له بعدوان
اعتبرها فيما استفاده من ضيعته يفضل ربح تجارته وان اعتبرها في المجموع يفضل بعض من كل منهما فما يفضل عنده يندرج في الموضوع الذي يتعلق به الخمس
على أي تقدير وهذا بخلاف ما لو كان عنده مال اخر لا يتعلق به الخمس كما لا يخفى فتلخص مما ذكر ان القول بوجوب اعتبار المؤنة من المال الاخر ضعيف مخالف
لظواهر النصوص ولكن العبارة المحكية عن الأردبيلي (ره) غير مطلقة بالنسبة إلى المال الاخر بل قال فيما حكى عنه الظاهر أن اعتبار المؤنة عن الأرباح انما هو
على تقدير عدم غيرها فلو كان عنده ما يمؤن به من الأموال التي تصرف في المؤنة عادة فالظاهر عدم اعتبارها فيما فيه الخمس بل وكذا عن المحقق القمي التصريح
باختصاص الاشكال بالمال الاخر المستعد للصرف دون مثل رأس المال فيحتمل ان يكون محط نظرهم ما كان من قبيل فواضل الأقوات أو الأطعمة الثياب
المنتقلة إليه بإرث ونحوه وانه ما دام عنده من هذا القبيل من المال المعد للصرف في المؤنة ليس له اعتبار مؤنته فيما فيه الخمس لا بمعنى ان عليه ان يجعل جميع
مؤنته منه ولو كانت من غير جنسها بل بمعنى ان عليه ان يستغنى بما عنده عن صرف الربح في مثله فإذا كان عنده مثلا حنطة معدة للاكل للتجارة ليس له ان
يضع من الربح بمقدار ما يصرفه منها في مؤنته أو يدع هذه الحنطة ويشترى حنطة أخرى من الربح لا انه يجعل سائر مؤنته منها فعلى هذا لا يخلو كلامهما
عن وجه لامكان ان يقال إن حاله حينئذ حال من كان عنده دار سكنى منتقلة إليه بإرث ونحوه في أنه لا يعد معها صرف الربح في شراء دار اخر أو إجارتها من مؤنته
فليتأمل وأما القول باعتبارها من المجموع فلم يتحقق قائله ولم يعرف له وجه عدى مجرد الاستحسان الذي لا ينبغي الالتفات إليه خصوصا في مقابل اطلاقات أدلة
الخمس كما هو مستند القول الأول أو ظواهر ما دل على أنه بعد المؤنة كما هو مدرك القول الثاني والله العالم بقي الكلام في بيان مبدء حول المؤنة وزنا ان تعلق
التكليف بالخمس وسيأتي تحقيقهما عند تعرض المصنف (ره) لنفى اعتبار الحول في الخمس إنشاء الله السادس مما يجب فيه الخمس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم
وجب فيها الخمس عندا بنى حمزة وزهرة وأكثر المتأخرين من أصحابنا كما في الجواهر بل في الروضة نسبته إلى الشيخ والمتأخرين اجمع بل عن التذكرة والمنتهى وكنز العرفان
نسبته إلى علمائنا كما عن بعضهم أو إلى أصحابنا كما عن بعض اخر منهم بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه والأصل في هذا الحكم صحيحة أبى عبيدة الحذاء قال سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فان عليه الخمس وعن المفيد في باب الزيادات من المقنعة مرسلا عن الصادق عليه السلام أنه قال الذمي إذا
اشترى ما مسلم الأرض فعليه فيها الخمس وفي المدارك بعد ان نسب هذا الحكم إلى الشيخ واتباعه واستدل عليه بالصحيحة المزبورة قال وحكى العلامة في
المختلف عن كثير من المتقدمين كابن الجنيد والمفيد وابن أبي عقيل وسلار وأبى الصلاح انهم لم يذكروا هذا القسم وظاهرهم سقوط الخمس فيه ومال إليه
جدي قدس سره في فوائد القواعد استضعافا للرواية الواردة بذلك وذكر في الروضة تبعا للعلامة في المختلف انها من الموثق وهو غير جيد لان ما
أوردناه من السند من أعلى مراتب الصحة فالعمل بها متعين لكنها خالية من ذكر متعلق الخمس صريحا ومصرفه وقال بعض العامة ان الذمي إذا اشترى أرضا
من مسلم وكانت عشرية ضوعف عليه العشر واخذ منه الخمس ولعل ذلك هو المراد من النص انتهى أقول والانصاف ان هذا الاحتمال هو في حد ذاته بعد الالتفات
إلى خصوصيات المورد من عدم اندراج موضوع الحكم في الغنائم والفوائد التي تعلق بها هذا الحكم في الشريعة واختصاصه بشرا الأرض دون غيرها وكون
المقصود بهذا الحكم بيان ما هو وظيفة الحاكم من مؤاخذته به كسائر الحقوق المتعلقة بالأراضي الخراجية لا وجوبه عليه على حد وجوب الزكاة وخمس الغنائم وغيره
من التكاليف التي يلتزم فيها بكون الكفار مكلفين بها ومعاقبين عليها ولكنهم غير ملتزمين بها ما داموا كفارا في غاية القوة الا ان الالتفات إليه مع
مخالفته لاطلاق النص خصوصا مع استلزامه لحمل الرواية على التقية مخالف للأصول والقواعد الشرعية من التعبد بظواهر النصوص ما لم يثبت خلافها
نعم لو علم معروفية الفتوى التي نقلها عن بعض العامة في زمان الباقر عليه السلام لا يبعد ان يدعى صلاحيتها الصرف النص عن ظاهره بالحمل على ما قيل ولو تقية و
لكنه لم يثبت فالالتزام بظاهر النص عليه ما يقتضيه اطلاقه كما هو المعروف بين المتأخرين أشبه بالقواعد ثم إن متعلق الخمس على ما يظهر من النص خصوصا
132

مما ارسله المفيد (ره) هو نفس ما اشتراه الذمي اعني رقبة الأرض لا حاصلها أو قيمتها على ذمته وأما مصرفه فالمعروف بين من أثبته هو مصرف خمس الغنيمة بل
لم ينقل الخلاف فيه عن أحد بل صرح بعض باجماعهم عليه لانصراف اطلاق الخمس إلى إرادة الخمس المعهود اما بدعوى صيرورته حقيقة فيه في عصر الصادقين
عليهما السلام كالزكاة وغيرها من أسامي العبادات أو المعهودية الموجبة لصرف الاطلاق إليه حيث إنه لو كان غيره مرادا لوجب بيانه فعدم البيان في مثل
المقام كاشف عن إرادة المعهود وما تجده في النفس من الوسوسة فيه فليس ذلك الا لتطرق الاحتمال المزبور من تشريع هذا الحكم لاستيفاء الحق المتعلق
بالأراضي العشرية من الزكاة أو الخراج والا فلو علم بإرادته من نفس الأرض التي يشتريها الذمي أو قيمتها ولو لم تكن من أرض الخراج بل ولان المزارع
كما يقتضيه اطلاق النص فلا يكاد يتوهم منه الا إرادة خمسها لأصحاب الخمس المعروفين في الشريعة زاد الله شرفهم كما يؤيد ذلك فهم الأصحاب وعدم
نقل خلاف فيه من أحد والله العالم ثم إن مقتضى الجمود على ظاهر النص والفتوى قصر الحكم المزبور على خصوص ما لو اشتريها الذمي من مسلم ولكن صرح
كاشف الغطاء بعمومه لما تملكها منه بعقد معاوضة كائنة ما كانت دون الانتقال المجاني وعن ظاهر الشهيدين عمومه حتى في الانتقال المجاني قال
شيخنا المرتضى (ره) وهل الحكم المذكور يختص بالشراء كما هو ظاهر المشهور أو يعم مطلق المعاوضة كما اختاره كاشف الغطاء أو مطلق الانتقال ولو مجانا
كما هو ظاهر الشهيدين فيه اشكال من اختصاص النص والفتوى بالشراء ومن عمومه عرفا لسائر المعاوضات ومن أن المناط هو الانتقال كما يستفاد
من نقل أقوال العامة والخاصة في المعتبر والمنتهى والتذكرة حيث إن ظاهر الأقوال المذكورة عن العامة في مقابل الامامية هو مطلق الانتقال مضافا
إلى الاستدلال على مذهب الإمامية في المنتهى بقوله لنا ان في اسقاط العشر اضرارا بالفقراء فان تعرضوا لذلك ضوعف عليهم بالخمس ويؤيده ما رواه
الشيخ عن أبي عبيدة الحذاء فذكر الرواية المتقدمة وهذا الاستدلال وان كان في غاية الضعف من وجوه لا تخفى الا انه لا يخرج بذلك عن
الدلالة على أن المراد المستدل بل غيره من القائلين الذين استدل لهم بذلك هو مطلق الانتقال ولاجل ما ذكرنا عنون المسألة في المفاتيح بالأرض
المنتقلة إلى الذمي ونسب الحكم فيها إلى الأكثر والمسألة لا تخلو عن اشكال انتهى أقول فالاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورد النص أشبه
بالقواعد مع أن دعوى ان المناط هو مطلق الانتقال انما تتجه لو علم أن المقصود بشرع هذا الحكم هو استيفاء الحق المتعلق بالأرض المنتقلة إليه من
عشر أو خراج كما يلوح به الاستدلال المحكى عن المنتهى وهو لا يناسب ثبوته لأرباب الخمس ولا تعلقه بمطلق الأرض التي يشتريها الذمي كما تقدمت الإشارة
إليه فهو حكم تعبدي محض يشكل التخطي عن مورده اللهم الا ان يصرف النص عن ظاهره بحمله على إرادة تضعيف العشر في الأراضي العشرية فيتجه حينئذ التعدي
عن مورده بتنقيح المناط ولكنه هدم للأساس كما لا يخفى ثم إن مقتضى اطلاق النص والفتوى عدم اختصاص الحكم بأرض الزراعة بل مطلق الأرض التي
اشتريها الذمي من مسلم ولو ارض المسكن والبساتين ونحوهما كما هو صريح جماعة خلافا لما حكى عن الفاضلين في المعتبر والمنتهى فخصاه بأرض الزراعة
واستجوده في المدارك نظرا إلى شيوع اطلاق اسم الأرض على ارض الزراعة وعدم تعارف التعبير عن الدار والمسكن والبساتين ونحوها الا بأساميها
الخاصة فلو سئل عما يملكه فلان فقيل له شئ من الأرض أوامر عبده بشراء شئ من الأرض لا يتبادر منه الا إرادة المزرع وفيه ان هذا انما هو لأجل
المناسبات المغروسة في الذهن المقتضية للصرف في خصوصيات الموارد ولذا لا ينصرف إليها في مثل قولهم الأرض تطهر باطن النعل وقوله صلى الله عليه وآله
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا إلى غير ذلك من الموارد والحاصل ان نفس الأرض من حيث هي مهما أطلقت لا ينسبق إلى الذهن منها الا نفسها
من حيث هي وانما ينسبق إلى الذهن بعض أنواعها في بعض الموارد لقرائن حالية ونحوها وفيما نحن فيه لا مقتضى للصرف عن الأرض البياض التي اشتريها
لان يعمرها دارا أو مسكنا أو بستانا ونحوه وان لم تكن بالفعل قابلة المزرع ولا معدودة لدى العرف من ارض الزراعة نعم ربما تنصرف عن الأراضي
المشغولة بالفعل بالعمارة والأشجار ونحوها مما يطلق عليه بالفعل اسم الدار والحمام والبستان ونحوه لا لانصراف اسم الأرض عن ارضها بل لان دخول
الأرض في المبيع في مثل هذه الأشياء انما هو بالتبع فهي بعنوان أرضيتها غير متعلقة للشراء بل بعنوان جزئيتها للحمام مثلا ولذا لا يقال عرفا اشترى
الأرض بل يقال اشترى الحمام فان أراد الفاضلان بأرض الزراعة خصوصها فدعوى الانصراف ممنوعة وان أرادا بها ما يقابل الأرض المشغولة التي
لا يطلق على شرائها اسم شراء الأرض فهو لا يخلو عن وجه وان كان دعوى الانصراف عن ارض الدار والحمام ونحوها أيضا إذا كانت بعنوان أرضيتها
متعلقة للشراء كما لو كانت عمارتها مثلا لشخص وأرضها لشخص اخر فاشترى ارضها من صاحبها دون عمارتها أو اشترى مجموعهما من صاحبهما على وجه
تكون ارضها بهذا العنوان ملحوظة بالشراء لا تخلو عن تأمل بل منع فيتجه حينئذ التفصيل بين ما لو اشترى ذمي أرضا من مسلم ولو ارض دار وحمام أو دكان
و نحوه أو اشترى نفس الدار والحمام والدكان فعليه الخمس في الأول حيث يصدق عليه انه اشترى أرضا بخلاف الثاني لا يقال إنه إذا ثبت في الأول يثبت
في الثاني أيضا لعدم القول بالفصل لأنا نقول كثير من الأصحاب لم يعبروا الا بمثل ما ورد في النص فكلامهم أيضا كالنص ينصرف عن مثل الفرض فمن أين
يعلم الزامهم بثبوت الخمس فيه كي يمكن ادعاء عدم القول بالفصل واشكل منه دعوى تنقيح المناط لما أشرنا إليه انفا من كون الحكم تعبديا محضا ولذا أشكل التخطي
عن مورد النص إلى ساير انحاء الانتقال فكيف يمكن القطع بالمناط فالانصاف ان القول بوجوب الخمس في مثل الفرض لا يخلو عن اشكال لا تدعو كون
شراء الأرض في مثل هذه الموارد ضمنيا وهو خلاف ما يتبادر من النص فإنها ممنوعة إذ لا فرق بين الشراء الضمني و الاستقلالي في صدق شراء الأرض بل لكونه
تبعيا كغيرها من اجزاء الدار من الجص والاجر والأحجار والأخشاب ونحوها مما لا يكون بعناوينها الخاصة مقصودة بالشراء هذا ولكن قد يغلب على
الظن ان كل من قال بثبوت الخمس في ارض الدار ونحوها لو اشتريها مستقلة قال به لو انتقلت إليه تبعا لشراء الدار الا ان التعويل على مثل هذا الظن
133

في استكشاف رأى المعصوم من فتاوى الأصحاب مشكل فالمسألة موقع تردد والأشبه بالقواعد هو الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مقدار دلالة الدليل
وهو كل مورد يصح ان يطلق عليه في العرف انه اشترى الأرض من غير مسامحة أو تأول سواء كانت مما فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة حيث يصح بيعها كما لو
باعها الامام في مصالح المسلمين أو باعها أهل الخمس من سهمهم الذي وصل إليهم أو غير ذلك من الموارد التي يصح بيعها بل قد يقال في المبيع منها تبعا للآثار بناء
على حصول الملك للمتصرف بذلك وان كان يزول بزوال تلك الآثار وكما عن جمع من المتأخرين التصريح به وفيه تأمل بل منع فانا ان سلمنا صدق اسم الملكية
على مثل هذا الحق فنقول ان المتبادر من النص انما هو الشراء الموجب لانتقال الأرض إليه على الاطلاق خصوصا لو لم نقل بجواز تعلق الشراء بنفس الأرض من حيث
هي الا بالتبع لا بعنوان كونه شراء الأرض كما يظهر وجهه مما مر انفا فما ذكره شيخنا المرتضى (ره) بعد ان نفى الاشكال عن ثبوته على تقدير الملكية تبعا للآثار
ما لفظه وان قلنا بان المملوك نفس الآثار وانما يصح بيع العين في ضمن الآثار فيقع الاشكال في تعلق الخمس من أن الذمي لا يملك أرضا حتى يخرج
خمسها ومن صدق انه اشترى أرضا ولو تبعا وان لم يملكها حقيقة ولذا يقال إنه اشترى الأرض المفتوحة عنوة فعليه الخمس باعتبار استحقاق الأرض تبعا للآثار
فتقابل الأرض من حيث إنها مستحقة غير مملوكة بمال فعليه خمس ذلك المال انتهى لا يخلو عن نظر واطلاق شراء الأرض عرفا في مثل المقام ان كان فهو اما من
باب المسامحة أو من حيث إنه يرونها ملكا حقيقيا للمتصرف وما يؤخذ منهم من الخراج انما يؤخذ منهم ظلما وعدوانا ولذا لا يستنكرون سرقته أو انكاره
أو انهم يرونه من قبيل الحقوق المتعلقة بأموالهم من حيث الحراسة ونحوها والحاصل ان من يرى من العرف ان ما يؤخذ منه الخراج بمنزلة اجرت الأرض لا يقول إنه
اشترى الأرض الا تجوزا فلا ينبغي التأمل في خروجه عن موضوع النص فضلا عن منصرفه أو كانت مما ليس فيه الخمس كالأرض التي اسلم عليها أهلها لاطلاق
الدليل فما عن المحقق الأردبيلي وبعض من تبعه من المناقشة في الأول بعدم جواز بيع الأرض المفتوحة عنوة لعدم ملك أحد بالخصوص لها ولزم تكرار
الخمس فيها فكأنه في غر محله لما أشرنا إليه من صحة بيعها في بعض الصور واما تكرار الخمس فلا محذور فيه بعد اختلاف جهتي الوجوب خصوصا لو تعلق الشراء بها
بعد تخميسها ونظيره في الضعف توهم اختصاصه بالأول بحمل النص على إرادة الخمس المتعلق بها في الأصل وانه يجب استيفائه من الذمي وليس حالها حال سائر
ما يملكه الذمي ابتداء مما يتعلق به الخمس من المعادن ونحوها مما يقرر على مذهبه لظهور النص في كونه حكما تعبديا مسببا عن شراء الذمي لها من مسلم مطلقا
فلا دخل له بخمس أصلها كي يتوهم اختصاصه بمورد ثبوته ولا يسقط هذا الخمس ببيعها ثانيا لمسلم وان كان الأول بل وكذا لا يسقط لوردها إليه
بالإقالة لأنها فسخ من حينها فلا يؤثر في اسقاط الحق الثابت بسبب سابق عليه بل قد يقال بعدم سقوطه أيضا فيما لو ردها بخيار كان له بشرط أو غيره لاطلاق
النص لكنه لا يخلو عن تأمل خصوصا في مثل خيار المجلس لامكان دعوى ان المتبادر من النص الشراء الغير المتزلزل ثم لو قلنا بثبوته فيشكل رده بناء على تعلقه
بالعين كما هو الأظهر الا برضا البايع بقبول ما عداه أو بارضاء أرباب الخمس بقبول قيمته على اشكال ينشأ من أن صيرورة بعضه مستحقا للغير بمنزلة
التصرفات المسقط للخيار ولكنه لا يخلو عن بحث وكذا لا يسقط باسلامه بعد صيرورة الأرض ملكه بخلاف ما لو اسلم قبل تمام العقد أو حصول القبض
فيما لو كان القبض شرطا في تأثيره ولو تملك ذمي من مثله فاسلم البايع قبل الاقباض اخذ من الذمي الخمس على ما صرح به بعض ولكنه لا يخلو عن نظر لخروجه
عن متصرف النص ثم إن وجوب الخمس على الذمي حكم تعبدي شرعي ليس جهل المشترى به موجبا لخياره في فسخ البيع من حيث تضرره فان نفس المعاملة من
حيث هي ليست ضررية كي يثبت فيها الخيار كما لا يخفى ويتخير من إليه أمر الخمس بين اخذ رقبة الأرض وبين ارتفاعها من إجارة وحصة مزارعة ونحوهما
كما صرح به غير واحد ولكن ينبغي تقييده عند إرادة الأجرة ونحوها برضا الذمي فان له الخروج عن عهدة الخمس بدفعه من العين فلا يجب عليه الالتزام
بالأجرة لو أرادها أرباب الخمس وعن الحدائق أنه قال الأقرب التخيير إذا لم يكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء والا تعين الاخذ من الارتفاع وطريقة
ان تقوم الأرض مع ما فيها بالأجرة وتقوم الأجرة على ما للمالك وعلى خمس الأرض فيأخذ مستحق الخمس ما يخص الخمس من الأجرة انتهى وهو جيد ان
ليس لأهل الخمس الزامه بقلع الغرس أو البناء بعد كونه موضوعا بحق فليس لهم الا الرضا ببقائه بالأجرة ولا حاجة حينئذ إلى تقويم نفس الأرض الا إذا توقف
معرفة اجرتها على معرفة قيمتها إذا الأجرة قد تختلف اختلاف القيمة وليس للذمي دفع القيمة عوضا عن خمس الأرض الا برضا مستحقه وعليه فهل
هو بمنزلة شرائه منه ثانيا حتى يثبت فيه أيضا الخمس وجهان وجههما العدم فان هذا لا يعد في العرف شراء الخمس الذي هو من الأرض بل هو لديهم خروج
عن عهدة الخمس المتعلق بالأرض التي اشترها بدفع قيمته فلا يندرج عرفا في المعاوضات فضلا عن أن يطلق عليه اسم الشراء والله العالم السابع مما يجب
فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام ولا يتميز أحدهما ولا يعرف صاحبه ولو اجمالا في قوم محصورين ولا قدره ولو اجمالا بأنه أقل من الخمس أو أكثر بل كان مرددا
بينهما وجب فيه الخمس فهيهنا صور أربع الأولى ان يكون قدر الحرام المختلط بالحلال وصاحبه كلاهما مجهولين ففي هذه الصورة قال في المدارك قد قطع
الشيخ وجماعة بوجوب اخراج الخمس وحل الباقي بذلك بل عن بعض نسبته إلى المشهور بل عن ظاهر الغنية أو صريحها دعوى الاجماع عليه واستدل له بجملة
من الاخبار منها ما عن الصدوق في الخصال بسنده الصحيح إلى الحسن بن محبوب عن عمار بن مروان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول فيما يخرج من المعادن
والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس ومنها خبر الحسن بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن رجلا اتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال
يا أمير المؤمنين انى أصبت مالا لا اعرف حلاله من حرامه فقال اخرج الخمس من ذلك المال فان الله عز وجل قد رضى من ذلك المال بالخمس واجتنب ما كان صاحبه
يعلم وفي دلالة هذه الرواية على المدعى تأمل فإنه يظهر من ذيلها انها وردت فيمن اصابه مال من شخص اخر لم يكن ذلك الشخص مباليا في كسبه بالحلال والحرام
وكانت أمواله مجتمعة من الحلال والحرام فيحتمل ان يكون المراد بالخمس هو الخمس المعروف الذي قدر الله تعالى في كل مال استفاده من حيث كونه غنيمة لا من حيث كونه
134

مما لا يعرف حلاله من حرامه واما من هذه الجهة فله المهنا ووزره على الاخر كما يناسبه التعليل ضرورة ان الله تعالى رضى من المال الذي اكتسبه بالخمس لا من
مال الغير الذي استولى عليه عدوانا فعلى هذا التقدير يمكن تطبيق ما في الخبر على القواعد بتنزيله على الغالب من عدم إصابة مال ذلك الشخص كله إليه و
احتمال كون ما وصل إليه من حلاله ولو بعيدا كما هو الشان فيما يؤخذ من السارق والعامل ويحتمل وروده فيما كان حلاله وحرامه باعتبار اشتماله عليه الربا
ونحوه مما ورد في كثير من الاخبار العفو عنه في مثل الفرض كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال اتى رجل أبى فقال إني ورثت ما لا وقد علمت أن صاحبه
الذي ورثته منه قد كان يربى وقد اعرف ان فيه ربا واستيقن ذلك وليس يطيب لي حلاله لحال علمي به وقد سئلت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا
لا يحل لك اكله فقال أبو جعفر عليه السلام ان كنت تعلم بان فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى ذلك وان كان مختلطا فكله هنيئا
فان المال مالك واجتنب ما كان صاحبه يصنع الحديث إلى غير ذلك من الاخبار التي سنشير إلى بعضها هذا مع امكان ان يكون الحكم في الواقع فيما يؤخذ من
مثل العامل والسارق اباحته للاخذ ما لم يعلم حرمته بالتفصيل وان علم اجمالا بعدم خلوصه من حرام لم يتميز عينه ولا يعرف صاحبه وصيرورته مضمونا على
خصوص الغاصب الذي صيره ممتنع الايصال إلى صاحبه كما سيأتي الإشارة إلى كونه قولا في المسألة الا ان الالتزام به لأجل مخالفته للقواعد لا يخلو عن اشكال
وان كان قد يعضده بعض الأخبار الواردة في الربا وغيره والحاصل ان استفادة المدعى من هذه الرواية من حيث هي مع قيام هذا الاحتمال لا تخلو عن
اشكال ومنها ما عن الفقيه مرسلا قال جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه افلى توبة قال ايتني بخمسه فاتاه
بخمسه فقال هولك ان الرجل إذا تاب تاب ماله معه وفيه انه لا دلالة فيه على أن ما اخذه منه من الخمس من حيث اختلاطه بالحرام بل ظاهر ذيله ان توبته سبب
حلية ماله لا تخميسه فيحتمل وروده فيمن لم يكن محترزا في معاملاته عن مثل الربا كما ورد في عدة من الاخبار زوال اثره بالتوبة كرواية أبى المعزا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال كل ربا اكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم التوبة وقال لو أن رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف ان في ذلك المال ربا ولكن قد اختلط في التجارة
بغيره حلالا كان حلالا طيبا فليأكله وان عرف منه شيئا انه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا وأيما رجل أفاد مالا كثيرا قد أكثر فيه من الربا فجهل ذلك ثم عرفه
بعد فأراد ان ينزعه فما مضى فله ويدعه فيما يستأنف وعن الحلبي في الصحيح نحوه إلى قوله فليأخذ رأس ماله وصحيحة محمد بن مسلم قال دخل رجل على أبى جعفر عليه السلام
من أهل خراسان قد عمل الربا حتى كثر ماله ثم سئل الفقهاء فقالوا ليس يقبل منك شئ الا ان ترده على أصحابه فجاء إلى أبى جعفر عليه السلام فقص عليه قصته فقال أبو
جعفر عليه السلام مخرجك من كتاب الله فمن جائه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله والموعظة التوبة إلى غير ذلك من الروايات التي ورد فيها تفسير
الموعظة الواقعة في اية الربا بالتوبة وهذه الروايات وان لا يخلو الالتزام بمفادها عن اشكال كما يأتي تحقيقه في محله الا ان الخبر المزبور أيضا بظاهره
ليس الا كإحدى هذه الروايات فلا يفهم منه ان ما اخذه منه من الخمس لم يكن الا لأجل اجتماع ماله من الحرام والحلال بل قضيته تعليل حليته بالتوبة خلافه
فليتأمل ومنها خبر السكوني الذي رواه المشايخ الثلاثة مسندا والمفيد في المقنعة مرسلا عن أبي عبد الله عليه السلام قال اتى رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال إني
اكتسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا ادرى الحلال منه والحرام وقد اختلط على فقال أمير المؤمنين عليه السلام تصدق بخمس مالك
فان الله رضى من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلا ونوقش فيه بما أشار إليه والى جوابه شيخنا المرتضى (ره) بعد ان ادعى ثبوت الحقيقة الشرعية أو المتشرعة
للخمس في عصر الصادق عليه السلام بقوله نعم الظاهر من الرواية الثالثة يعنى الخبر المزبور إرادة المعنى اللغوي سيما بملاحظة الامر بالتصدق به فان الصدقة وان اطلق
في كثير من الاخبار على الخمس كما قيل الا ان ظهوره في غيره أقوى من ظهور لفظ الخمس في المعنى المعهود بل امره بالتصدق من دون طلب نصفه المختص قرينة على عدم إرادة
الحق الخاص واحتمال اذنه في صرف حقه المختص إلى شركائه مدفوع مضافا إلى ظهور الكلام في الفتوى دون الاذن بان التعليل ظاهر في كون الحكم من باب الفتوى
لا الاذن لخصوص السائل الا ان ذلك كله مندفع بظهور قوله عليه السلام في ذيل الرواية فان الله قد رضى من الأشياء بالخمس ومن المعلوم ان خمسا آخر غير
الخمس المصطلح لم يعهد من الشارع في شئ فضلا عن الأشياء انتهى أقول في اندفاع ذلك كله بما ذكره نظر خصوصا مع معهودية الصدقة اجمالا في الشريعة فيما
لا يعرف صاحبه فان الخمس المصطلح ليس مفهوما مباينا لمفهوم الخمس فالمقصود بذيل الخبر الإشارة إلى أن الخمس المعهود أيضا كالصدقة مندرج تحت هذه الكلية و
هي ان الله تعالى رضى من عباده فيما سلطهم عليه من ماله بدفع خمسه على حسب ما امرهم به في موارده ففي سائر الموارد امرهم بصرفه إلى السادة وفي هذا المورد
إلى الفقراء بمقتضى
ظاهرا العتدر فلا منافاة نعم لا يبعد ان يقال إن ظهور سائر الأخبار خصوصا خبر ابن مروان في بالخمس المعهود أقوى من ظهور هذه الرواية في الصدقة المشهورة فيحمل
هذه الرواية أيضا عليه بعد العلم بوحدة التكليف لو لم نقل بان التخيير أولى منه في مقام الجمع كما سيأتي التنبيه عليه عند التكلم فيما يقتضيه الجمع بين شتات الاخبار
وارجاع بعضها إلى بعض فليتأمل ومنها ما عن المفيد في الزيادات انه ارسل عن الصادق عليه السلام عن رجل اكتسب مالا من حلال وحرام ثم أراد التوبة من ذلك ولم
يتميز له الحلال بعينه من الحرام فقال يخرج منه الخمس وقد طاب ان الله طهر الأموال بالخمس وهذه الرواية لا قصور في دلالتها فان ظاهرها إرادة الخمس المعروف
وانه هو السبب لطهارته ولكنها ضعيفة السند بالارسال ويؤكد ومنها عدم التزام المفيد (ره) بمضمونها حيث نسب إليه انه لم يوجب هذا الخمس فعمدة ما يصح الاستناد
إليه لا ثبات الخمس في المال المختلط بالحرام من حيث كونه كذلك هو خبر عمار بن مروان وهو كالصريح في إرادة أخمس المعروف ولكنه رواه في المستند عن الخصال
بسنده إلى ابن أبي عمر ثم قال بعد ذكر اخبار الباب لفظه أقول أما الخمس بالمعنى المعهود فالظاهر عدم ثبوته فيه لان الأصل ينفيه والروايات المذكورة غير
ناهضة لا ثباته اما رواية الخصال فلان الرواية على النحو المذكور انما هو ما نقله عنه بعض المتأخرين وقال بعض مشايخنا المحققين وذكر الصدوق في
الخصال في باب ما يجب فيه الخمس رواية كالصحيحة إلى ابن أبي عمير عن غير واحد عن الصادق عليه السلام قال الخمس على خمسة أشياء على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة و
135

نسي ابن أبي عمير الخامس وقال مصنف هذا الكتاب الخامس الذي نسيه مال يرثه الرجل وهو يعلم أن فيه من الحلال والحرام ولا يعرف أصحابه فيؤديه إليهم ولا يعرف
الحرام بجنسه فيخرج منه الخمس انتهى وانا تفحصت عن الخصال فوجدت الرواية فيه في باب ما فيه الخمس من بعض نسخه هكذا الخمس في المعادن والبحر والكنوز ولم أجد
الرواية بالطريقين المذكورين فيه مع التفحص عن أكثر أبوابه وفي بعض اخر كما نقله عنه بعض مشايخنا ولعل نسخ الكتاب مختلفة ومع ذلك لا يبقى فيه حجة
مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب انتهى كلام صاحب المستند أقول في الوسائل روى عن الصدوق في الخصال عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن
الحسن بن محبوب عن عمار بن مروان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذ لم يعرف صاحبه
الكنوز الخمس وعن أحمد بن زياد عن جعفر الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه السلام قال الخمس على خمسة أشياء على الكنوز
والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس انتهى وفي الحدائق روى أيضا خبر ابن مروان عن الخصال موصوفا سنده بالقوة فما نقله في المستند عن بعض
مشايخنا انما ذكره الصدوق في خبر ابن أبي عمير فلا دخل له بما رواه عن ابن مروان بل لعل هذه الرواية هي مستنده فيما ذكره في تفسير الخامس الذي نسيه ابن أبي عمير فقوله مال
يرثه الرجل من أبيه الخ من باب التمثيل والا فلا يظن بالصدوق ان يقول بهذه التفسير باجتهاده فإنه رجم بالغيب ومن المستبعد ان يكون له مستند اخر غير ما أورده
في كتابه وكيف كان فيما نقله عن مشائخه لا يوجب وهنا فيما رواه عنه في الوسائل وغيره عن ابن مروان الا انه يظهر من قوله وانا تفحصت إلى اخره انه لم يجد خبر ابن مروان
بهذا المتن في النسخ التي تصفحها مع فحصه عنه في مظانه وهذا أيضا غير قادح بنقل من نقله عنه فان عدم وجدانه ليس امارة قطعية على عدم وجوده مع احتمال
سقطه عن تلك النسخ فإنه أقوى من احتمال الزيادة والدس في النسخ التي روى عنها في الوسائل وغيره والحاصل انه لا ينبغي الاستشكال في الرواية من هذه الجهة
فهذه الرواية هي عمدة ما يصح الاستناد إليه في هذا الباب ويكشف بها وجه الخمس المأمور به في خبر الحسن وغيره من الأخبار المتقدمة التي ناقشنا في دلالتها
على ارادته من حيث الاختلاط باجمال وجهه بل اشعار بعضها أو ظهوره في خلافه لصراحة هذه الرواية في أن الحلال المختلط بالحرام أحد الاقسام
التي يتعلق بها الخمس فيرتفع بها الاجمال عن تلك الأخبار ثم إن المراد بثبوت الخمس في الحلال المختلط بالحرام هو ان الشارع جعل تخميسه بمنزلة
تشخيص الحرام وايصاله إلى صاحبه في كونه موجبا لحل الباقي وجواز التصرف فيه فليس ثبوت الخمس فيه كثبوته في الكنز ونحوه في كونه بالفعل مملوكا لبنى هاشم و
ان كان قد يوهمه خبر ابن مروان في بادي الرأي حيث جعله في عداد ما فيه الخمس ولكنه غير مراد منه على الظاهر فإنه لا يستقيم الا على تقدير الالتزام بصيرورة
ما فيه من الحرام عند الجهل بمالكه ملكا لمالك الحلال على حسب ما يملكه من سائر ما يغتنمه مما يتعلق به الخمس فتسميته حراما على هذا التقدير انما هي بعلاقة
ما كان والا فهو بالفعل حلال كسائر ما يستفيده مما يجب فيه الخمس وهذا كما تراه خلاف ظاهر هذه الرواية فضلا عن مخالفته للأصول والقواعد التي
يشكل مخالفتها بمثل هذه الرواية مضافا إلى ظهور خبر السكوني والمرسل المتقدمين فيما ذكر من أن الشارع جعل اخراج خمسه خمسا كان أو صدقة هو السبب
في حلية الباقي فالذي يتحصل من مجموع النصوص والفتاوى بعد ارجاع بعضها إلى بعض انما هو شرعية الخمس لتحليل المال الممتزج بالحرام لا كون المال
مشتركا بينه وبين أرباب الخمس فمن هنا قد يقوى في النظر عدم التنافي بين هذه الأخبار وبين ما ورد في جملة من الاخبار من الامر بالتصدق فيما لا يعرف
صاحبه لا لما قيل من أن تلك الأخبار وردت في المال المتميز دون الممتزج حتى يتحقق المعارضة لما ستعرف في حكم الصورة الآتية من ضعف هذا القول و
كونه جمودا محضا بل لان مفاد تلك الأخبار ليس الا جواز التصدق بعين المال الذي لا يعرف صاحبه أو بثمنه وهذا شئ لا ينافيه اخبار الخمس فان مفاد اخبار
الخمس ليس الا ان صرف خمس مجموع ذلك المال المختلط بالحرام إلى أرباب الخمس كتمييز عين الحرام وايصاله إلى صاحبه مبرء للذمة وموجب لحلية الباقي ولا منافاة
بينهما فان من الجائز ان يكون التصدق بعين مال الغير أيضا لدى امكانه مبرء لذمته كما لو تصدق بجميعه على الفقير من باب الاحتياط أو دفع جميعه إليه
على أن يكون ما فيه من مال الغير صدقة ثم صالحه عما فيه من حقه بشئ كتخميسه موجبا للخروج عن عهدة ما فيه من مال الغير وليس الامر بالخمس والصدقة في مثل
المقام ظاهرا في الوجوب العيني كي يكون وجوب كل منهما منافيا للاخر بل هو مسوق لبيان ما به يتحقق براءة الذمة من مال الغير ويباح له التصرف فيما عداه
فالامر باخراج خمس ذلك المال خصوصا مع اقترانه بما في الاخبار من التعليل بان الله قد رضى من الأشياء بالخمس ليس الا بمنزلة ما لو قال لو أخرجت خمس ذلك
المال يحل لك الباقي لا انه يجب عينا عليك اخراج خمسه تعبدا وقد عرفت ان المراد بثبوت الخمس في الحلال المختلط بالحرام في خبر ابن مروان أيضا بحسب الظاهر
ليس الا إرادة هذا المعنى فلا ينافيه جواز التصدق بجميع ذلك المال أو بجميع ما فيه من الحرام في ضمن المجموع كما أن ما ورد فيه الامر بالتصدق بما عنده من المال
الذي لا يعرف صاحبه غير مناف لذلك فإنه لا يفهم أيضا الوجوب العيني لوروده في مقام توهم الحظر فلا يفهم منه أزيد من الجواز ولكن يفهم وجوبه من
خصوصية المورد حيث إن مقتضى الأصل حرمة التصرف في مال الغير الا بالوجه المرخوص فيه لا من دلالة لفظ الامر فلا منافاة حينئذ بين اخبار الخمس واخبار الصدقة و
مقتضاهما الالتزام بإباحته اما بصرف خمسه إلى أرباب الخمس أو التصدق بجميع ما فيه من الحرام بأي وجه أمكن كما انا لو قلنا بظهور خبر السكوني في التصدق بالخمس
لا الخمس المصطلح كما يقتضيه الانصاف لكان مقتضى الجمع بينه وبين غيره مما ظاهره إرادة الخمس المعروف كخبر ابن مروان هو الالتزام بجواز كل منهما وكون المكلف
مخيرا بين التصدق بخمسه أو صرفه في مصرف الخمس المصطلح فالقول به غير بعيدان لم ينعقد الاجماع على خلافه فليتأمل وكيف كان فالأحوط كما صرح به غير واحد
صرفه في فقراء بني هاشم وان قلنا بانحصار مصرفه في الصدقة إذا الظاهر عدم حرمة هذه الصدقة عليهم بل في خبر السكوني الذي هو مستندا هذا القول ايماء إليه كما
تقدمت الإشارة إليه وقد ظهر بما أشرنا إليه من أن الخمس في هذا القسم ليس من قبيل خمس الكنوز وسائر اقسام الغنيمة في كونه حقا فعليا ثابتا لبنى هاشم انه لا منافاة
بين هذه الخمس وبين الاخبار الخاصرة للخمس فيما عداه إذ ليس في الحلال المختلط بالحرام من حيث هو الخمس ولكن الشارع جعل صرف خمسه إلى أرباب الخمس بمنزلة
136

ايصال مال الغير إليه في كونه مطهرا لهذا المال وكفى بكونه كذلك مصححا لان يعد في عداد ما فيه الخمس كما في خبر ابن مروان والا فهو في الحقيقة ليس منها وكون عدده
في هذا الخبر مع اشتماله على هذا القسم خمسة لا ينافي ما في بعض الأخبار الحاصرة له فيما عداه من ثبوته أيضا في خمسة مع خلوه عن هذا القسم فان أحد الخمسة التي
أريد من تلك الأخبار الملاحة وهى في هذه الرواية مندرجة في المعادن فلا منافاة فليتأمل تنبيهان الأول قال شيخنا المرتضى رحمه الله لو ظهر المالك
بعد اخراج الخمس فهل يضمن الدافع كما صرح به الشهيدان في الروضة والبيان أم لا كما عن الرياض والمدارك والذخيرة قولان من قائدة اليد وكون الاذن
في التخميس في مقام بيان سبب إباحة التصرف في الباقي فلا يفيد رفع الضمان نعم غايته رفع الاثم مضافا إلى النص الضمان في أمثاله من التصدق بمجهول المالك و
اللقطة ومن ظاهر التعليل في قوله عليه السلام ان الله رضى من الأموال بالخمس ان ولاية الخليط المجهول مالكه انتقل مع جهل المالك إلى الله سبحانه وقد رضى عن
الخليط بالخمس فاخراجه مطهر للمال ومبرء للذمة بحكم المراضاة الحاصلة بين مالك الحلال وبين الشارع تقدس ذكره وهذا بخلاف مسألة التصدق بمجهول
المالك واللقطة فان الظاهر أن التصدق بهما انما هو عن صاحبه اذن الشارع في ايقاع هذا العمل للمالك شبه الفضولي وأين هو من ايصال المال إلى ولى تملكه
كما يستفاد من تعليل اخبار الباب مع أن التصدق بمجهول مالك جائز لجواز بقائه أمانة تسليمه إلى الحاكم فلا ينافي في الضمان بخلاف دفع هذا الخمس فإنه واجب
ويبعد معه الضمان انتهى كلامه قدس سره وهو جيد الا ان ما ذكره في ذيل عبارته من أن هذا الخمس واجب ويبعد معه الضمان ينافيه ما ذكره في وجه الضمان
من أن الاذن في التخميس في مقام بيان سبب إباحة التصرف في الباقي لان وجوبه على هذا التقدير شرطي لا شرعي وثبوت الضمان معه أقرب من ثبوته مع الصدقة
الصادرة عن اذن الشارع خصوصا مع عدم كون يده في الموارد التي ورد فيها الامر بالصدقة يد ضمان بخلاف المقام مع انا قد أشرنا انفا إلى امكان الالتزام بعدم
تعينه بل كونه مخيرا بين التصدق وصرف خمسه في بنى الهاشم ابن لم ينعقد الاجماع على خلافه فعمدة ما يصح الاستناد إليه لرفع الضمان هو ما ادعاه من استفادته من
الاخبار بالتقريب الذي ذكره فليتأمل الثاني قال شيخنا المرتضى (ره) وفاقا لغير واحد ما لفظه لو كان الحلال مما فيه الخمس لم يسقط باخراج هذا الخمس لعدم الدليل
على سقوطه فيجب حينئذ أولا هذا الخمس فإذا حل لمالكه وطهر عن الحرام اخرج خمسه ولو عكس صح لكن تظهر لفائدة فيما لو جعلنا مصرف هذا الخمس غير الهاشمي وحينئذ فليس له
العكس وكيف كان فالقول بوحدة الخمس كما يحكى ضعيف جدا ولعله لاطلاق قوله عليه السلام وسائر المال لك حلال ولا يخفى انه من حيث اختلاط الحرام لا من كل جهة
ولذا لو كان زكويا لم يسقط زكاته انتهى أقول تعدد الخمس بتعدد أسبابه هو الذي يقضيه اطلاقات أدلته ولكن قد يشكل ذلك بناء على إرادة الخمس المصطلح من خبر
السكوني الذي ورد فيه الامر بالتصدق بخمس ماله فان خمسه على ارادته من حيث الاختلاط مع وروده في المال المجتمع بالكسب في الأزمنة السابقة الذي يتعلق به خمس
الاكتساب أيضا غالبا لا يخلو عن بعد خصوصا مع ما فيه من التعليل بان الله رضى من الأشياء بالخمس وقياسه على سائر الحقوق المتعلقة بماله مما يختلف معه نوعا ومستحقا
قياس مع الفارق نعم هذا متجه فيما لو أريد به الصدقة لا الخمس المصطلح كما نفينا البعد عنه وكيف كان فالأظهر ما ذكروه من عدم سقوط خمس الاكتساب ونحوه بهذا
الخمس وان قلنا بظهور الخبر المزبور في الاكتفاء به بناء على إرادة الخمس منه إذ لم يثبت إرادة هذا المعنى منه كما تقدمت الإشارة إليه والله العالم الصورة الثانية
ما إذا علم مقدار الحرام ولم يعرف صاحبه فقد صرح غير واحد بأنه يتصدق به سواء كانت بقدر الخمس أو أقل أو أكثر بل ربما يظهر عدم الخلاف فيه واستدل له بجمله
من الاخبار كرواية على ابن أبي حمزة قال كان لي صديق من كتاب بنى أمية فقال لي استأذن لي على أبي عبد الله عليه السلام فاستأذنت عليه فاذن له فلما ان دخل سلم و
جلس ثم قال جعلت فداك انى كنت في ديوان هؤلاء القوم فأصبت من دنياهم مالا كثيرا أغمضت في مطالبه فقال أبو عبد الله عليه السلام لولا أن بنى أمية وجدوا لهم
من يكتب ويجى لهم الفئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم لما سلبوا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا قال فقال الفتى جعلت فداك فهل لي مخرج منه قال إن
قلت لك تفعل قال افعل قال له فأخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ما له ومن لم تعرف تصدقت به وانا اضمن لك على الله عز وجل
الجنة فاطرق الفتى طويلا ثم قال له لقد فعلت جعلت فداك قال ابن أبي حمزة فرجع الفتى معنا إلى الكوفة فما ترك شيئا على وجه الأرض الا خرج منه حتى ثيابه التي
كانت على بدنه قال فقسمت له قسمة واشترينا له ثيابا وبعثنا إليه ينفقه قال فما اتى عليه الا اشهر قلائل حتى مرض فكنا نعوده قال فدخلت يوما وهو في السوق قال
ففتح عينيه ثم قال لي يا علي وفي لي والله صاحبك قال ثم مات فتولينا الامره فخرجت حتى دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فلما نظر إلي قال لي يا علي وفينا والله لصاحبك
قال فقلت جعلت فداك والله هكذا قال والله لي عند موته وصحيحة يونس بن عبد الرحمن المروية عن الكافي والتهذيب قال سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام وانا حاضر
فقال له السائل جعلت فداك رفيق كان لنا بمكة فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى منازلنا فلما ان صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأي شئ نضع
به قال تحملونه حتى تحملوه إلى الكوفة قال لنا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع قال إذا كان كذا فبعه وتصدق بثمنه قال له على من جعلت فداك
قال على أهل الولاية ورواية فيض بن حبيب صاحب الخان قال كتبت إلى العبد الصالح عليه السلام قد وقعت عندي ماتا درهم وأربعة دراهم وأنا صاحب فندق ومات صاحبها
ولم اعرف له ورثة ورأيك في اعلامي حالها وما اصنع بها وقد ضقت بها ذرعا فكتب اعمل لها واخرجها صدقة قليلا قليلا حتى يخرج ولعل امره بالعمل بها
واخراجها قليلا قليلا لعلمه بحاجته فأمره بالعمل لينتفع به ويحتمل ان يكون من قبيل ميراث من لا وارث له مما هو ملك للإمام عليه السلام فيكون امره بهذا النحو من التصدق
ترخيصا له بهذا النحو من التصرف كما يؤيد هذا الاحتمال رواية محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار عن أبي الحسن عليه السلام عن رجل صار في يده مال لرجل ميت لا يعرف
له وارثا كيف يصنع بالمال قال ما أعرفك لمن هو يعنى لنفسه وقد ورد أيضا في بعض الأخبار الواردة في ميراث من لا وارث له الامر بالتصدق فيحتمل ان يكون هذه
الرواية أيضا منها ويؤيد المطلوب أيضا بعض الروايات الواردة في بيع تراب الصياغة والتصدق بثمنه مثل خبر علي بن ميمون الصائغ المروى عن الكافي قال سألت أبا
عبد الله عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما اصنع به قال تصدق به فاما لك واما لأهله الحديث وعن الشيخ باسناده عن علي الصائغ قال سئلته عن تراب الصواغين وانا
137

نبيعه قال اما تستطيع ان تستحله من صاحبه قال قلت لا إذا أخبرته اتهمني قال بعه قلت باي شئ قال بطعام قلت فأي شئ اصنع به قال تصدق به اما لك واما لأهله الحديث
وربما يستشعر من بعض الأخبار كون الصدقة بالمال الذي يتعذر ايصاله إلى صاحبه من الأمور المعروفة لدى السائلين مثل ما رواه الشيخ باسناده عن معاوية بن وهب
قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كان له على رجل حق ففقد ولا يدرى احي هو أم ميت ولا يعرف له وارث ولا نسب ولا بلد قال اطلبه قال إن ذلك قد طال فاصدق به قال
اطلبه فإنه يستشعر منه ان امره بالطلب لرجاء ايصاله إليه والا لكان يرخصه في التصدق ويؤيده أيضا الأخبار الكثيرة الواردة في التصدق باللقطة وما هو بمنزلتها
منها رواية حفص بن غياث قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم أيرده عليه قال لا يرده فان
أمكنه
ان يرده على أصحابه فعل والا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فان أصاب صاحبها ردها عليه والا تصدق بها فان جاء طالبها بعد ذلك خيره بين الاجر
والغرم فان اختار الاجر فله الاجر وان اختار الغرم غرم له وكان الاجر له إلى غير ذلك من الاخبار المشعرة أو الظاهرة في أن حكم المال المجهول مالكه الصدقة مما يقف عليه
المتتبع ولكن ربما يظهر من صحيحة ابن مهزيار الطويلة ان المال الذي لا يعرف صاحبه يجوز تملكه حيث عده من جملة الغنائم و الفوائد التي يجب فيها الخمس فقال فيها
والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها والجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا
ابن ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ومثل مال يوجد ولا يعرف له صاحب الحديث كما أنه قد يستشعر ذلك من بعض الأخبار المتقدمة التي ورد فيها الامر بتخميس المال
الذي اغمض في مطالبه كما تقدمت الإشارة إليه فعلى هذا يكون حاله بعد الياس عن صاحبه كما هو مورد الاخبار حال اللقطة التي ورد فيها أيضا اخبار مستفيضة
دالة على جواز تملكها بعد التعريف متعهدا بالخروج عن عهدتها على تقدير مجئ صاحبها ولكن قد يشكل التعويل على هذا الظاهر بعد مخالفته للمشهور أو المجمع عليه
إذ لم ينقل القول بإباحة مال الغير عند تعذر ايصاله إلى صاحبه عدى ما حكى عن المحقق الأردبيلي في كتاب الصيد والذباحة من شرحه من نسبته القول بإباحة
الحرام المختلط بالحلال الغير المتميز عينه ولا المعروف صاحبه إلى القيل وهو مع أنه خارج عن مورد الصحيحة لا يخرجها عن الشذوذ هذا مع أن الصحيحة بنفسها
منصرفة عما لو استولى على مال الغير عدوانا ثم جهل صاحبه فلا يبعدان يكون المراد بالمال الذي يوجد ولا يعرف له صاحب ما كان مثل اللقطة والكنز ونحوه
مما لا يبعد الالتزام بإباحته بعد الياس عن صاحبه والأولى رد علمها إلى أهله والرجوع في حكم ما لا يعرف صاحبه إلى اخبار الصدقة كما هو المشهور ولكن قد يناقش
في تناولها للمقام بان موردها المال المتميز فالحاق الممتزج به قياس ففي الحدائق بعدان نقل القول بوجوب الصدقة بمقدار الحرام في هذه الصورة أي صورة العلم بقدره
سواء كان أقل من الخمس أو أكثر وحكى عن المدارك اختياره قال ما لفظه وقيل بوجوب اخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد في صورة الزيادة والظاهر أن مستند القول
الأول هو الأخبار الدالة على الامر بالتصدق بالمال المجهول المالك ومن اجل ذلك اخرجوا هذه الصورة من عموم النصوص المتقدمة ولقائل ان يقول إن مورد
تلك الأخبار الدالة على التصدق انما هو المال المتميز في حد ذاته لمالك مفقود الخبر والحاق المال المشترك به مع كونه لا دليل عليه قياس مع الفارق لأنه
لا يخفى ان الاشتراك في المال سار في كل درهم درهم وجزء جزء منه فعزل هذا القدر المعلوم للمالك المجهول مع كون الشركة شايعة في اجزائه
كما انها شايعة في اجزاء الباقي لا يوجب استحقاق المالك المجهول له حتى يتصدق به عنه فهذا العزل لا ثمرة له بل الاشتراك باق مثله قبل العزل فان قيل إنه
متى كان المال مشتركا بين شريكين فان لهما قسمته ويزول الاشتراك ويتميز حصة كل منهما عن الاخر قلنا صحة القسمة في الصورة المذكورة وزوال
الاشتراك من حيث حصول التراضي من الطرفين على ما يستحقه أحدهما في مال شريكه بما يستحقه الاخر في حصته كما صرح به الأصحاب فهو في قوة الصلح بل هو
صلح موجب لنقل حصة كل منهما للاخر وهذا غير ممكن فيما نحن فيه فقياس أحدهما على الاخر قياس مع الفارق كما لا يخفى وأما القول الآخر وهو اخراج الخمس ثم الصدقة
بالزائدة في صورة الزيادة ففيه ما في سابقه بالنسبة إلى الصدقة بالزائد في الصورة المذكورة وبما ذكرنا يظهر ان الأظهر دخول هذه الصورة تحت اطلاق الأخبار المتقدمة
وانه لا دليل على اخراجها انتهى وفيه أولا ان ورود تلك الأخبار في المال المتميز لا ينافي دلالتها على حكم ذلك المال من حيث هو فان خصوصية كونه متميزا ليست الا
كسائر الخصوصيات التي لا مدخلية لها في الحكم نعم قد يتخيل مانعية الامتزاج عن الاجتزاء بالصدقة بمقدار الحرام للوجه الذي ذكره في أثناء كلامه ولكنك ستعرف فساده
خصوصا بعد الالتفات إلى ورود الامر في بعض الأخبار المتقدمة ببيعه والتصدق بثمنه فإنه لا يبقى معه مجال لهذا التوهم هذا مع أن رواية ابن أبي حمزة موردها على
الظاهر هو المال الممتزج ولو بمال غير المالك المجهول إذا العادة قاضية بان مثل هذا الشخص الذي وردت الرواية فيه لو لم يكن اصابه مال حلال خلطه بغيره في تلك
المدة فلا أقل من خلط بعض ما اكتسبه من الحرام ببعض بحيث لم يبق أعيان أموال من يعرفه منهم متميزة عما لا يعرف صاحبه فيأتي حينئذ اشكال التعيين كما لا يخفى
بل مقتضى اطلاق ما ورد في المتميز عدم الفرق بين بقائه على صفة التميز أو امتزاجه أو اشتباهه بغيره من أمواله غاية الأمران عليه حينئذ الاحتياط في مقام العمل لو لم؟؟
قاعدة نفى الحرج ونحوه كما لا يخفى لا يقال اطلاق تلك الأخبار إنما يقتضى جواز التصدق بعينه أو ثمنه لو عرضه الاختلاط بعدان جهل صاحبه دون ما
إذا امتزج أولا ثم جهل صاحبه كما هو الغالب فيما ورد فيه اخبار الخمس فيمكن الفرق بينهما بصيرورة الأول بواسطة تنجز التكليف بالتصدق به لدى الجهل بصاحبه
بمنزلة معلوم الصاحب كمال الزكاة والخمس بخلاف الثاني لأنا نقول الامر تعلق بالتصدق به بعنوان كونه مال الغير مع أنه ليس الامن باب الترخيص كما تقدمت
الإشارة إليه انفا في كلام شيخنا المرتضى (ره) فلا يجعله بالفعل ملكا للفقراء كالزكاة والخمس حتى يصير بمنزلة معلوم الصاحب وثانيا سلمنا ان اخبار التصدق
قاصرة عن افادته بالنسبة إلى صورة الامتزاج ولكن اخبار الخمس أيضا كذلك بالنسبة إلى مثل الفرض فان صورة العلم بمقدار الحرام تفصيلا خارجة عن منصرفها
جزما نعم خبر ابن مروان مطلق ولكن اطلاقه وارد مورد حكم آخر فلا يفهم منه الا ثبوت الخمس في الحلال المختلط بالحرام على سبيل الاجمال والقدر المتيقن من
مورده صورة الجهل بمقدار الحرام هذا مع ما في ايجاب الخمس فيما لو كان الحرام المختلط أقل قليل كواحد من الألف أو الاكتفاء بالخمس في عكسه ما لا يخفى
138

من البعد المانع من صرف الروايات إليه فصورة العلم بالمقدار خارجة عن مورد كلا الحكمين فيرجع في حكمها إلى الأصل وهو حرمة التصرف وملك الغير من غير رضاه
ولكن له تخليص ماله بالقيمة برفع امره إلى الحاكم ان كان والا فعدول المؤمنين وان تعذر يتولاه بنفسه لقاعدة نفى الضرر كما لو امتزج ماله بمال شخص غائب أو
صغير أو مجنون أو مجهول يرجى معرفته فان وجوب الخمس أو الصدقة أو غير ذلك انما هو بعد الياس عن صاحبه فقبله خصوصا مع غلبة الظن بوجدان صاحبه ليس
له صرفه في الخمس أو الصدقة بلا شبهة بل عليه حفظه والفحص عن صاحبه وحيث إن ابقائه كذلك مانع عن التصرف في ماله وهو ضرر منفى في الشريعة له ان يرفع امره إلى
الحاكم ومطالبته بالتقسيم وتعيين مال الغائب المجهول ثم الفحص عن صاحبه فان وجده فهو والا فيندرج في موضوع اخبار الصدقة أو يفهم حكمه منها بتنقيح المناط فما
ذكره في طي كلامه من توقف تقسيمه على رضا الشريكين وبدونه يمتنع فلا يجدى التصدق بمقدار الحرام في حلية الباقي ضعيف فان الحاكم يقوم مقام شريكه
مع أن صحته القسمة لا تنوط برضا كل من الشريكين بل لكل منهما الزام صاحبه به فان امتنع يتولاه الحاكم الذي هو ولى الممتنع فتلخص لك ان القول بوجوب الخمس في هذه الصورة
أي صورة العلم بمقدار الحرام تفصيلا سواء كان أقل من الخمس أو أكثر في غاية الضعف مع أنه بحسب الظاهر مخالف للاجماع وان أوهمه اطلاق بعضهم الخمس في الحلال
المختلط بالحرام ولكنه لا يظن بأحد منهم الالتزام به ولذا خص غير واحد من أساطين الأصحاب عنوان المسألة بصورة عدم تميز المقدار والمستحق ويتلوه في الضعف
القول بوجوب دفع ذلك المقدار خمسا لا صدقة قل أو كثر ولعلمه لدعوى استفادته من الاخبار التي ورد الامر فيها بالخمس بتنقيح المناط نظرا إلى أن الجهل بالمقدار انما يناسب
تحديد مقداره بالخمس لا تخصيص مصرفه بأرباب الخمس فيستكشف من ذلك ان قصره عليهم دون سائر الفقراء منشأ عدم تميز عينه لا الجهل بقدره وفيه ان كون الخمس
الثابت في الحلال المختلط بالحرام تحديدا لمقدار الحرام المختلط لا كونه حكما تعبديا أمر حدسي غير مقطوع به كما تقدمت الإشارة إليه مرارا فضلا عن أن القطع
ان مناط أصل الاستحقاق محض الاختلاط والجهل بمالكه من غير أن يكون للجهل بمقداره دخلا فيه واضعف منه القول بأنه على تقدير زيادته على الخمس يصرف
خمسه في مصرف الخمس والزائد صدقة إذ لا مقتضى لهذا التفصيل فإنه اما ان يتناوله اخبار الصدقة ولو بتنقيح المناط أو اخبار الخمس كذلك أولا يتناوله شئ منهما ويرجع
في حكمه إلى الأصول وعلى أي التقادير لا يتجه هذا التفصيل كما لا يخفى ولو كان مقدار الحرام مجهولا تفصيلا ولكنه يعلم اجمالا بأنه أقل من الخمس أو أكثر فالظاهر
كونه بحكم ما لو علم كونه كذلك تفضيلا في كونه خارجا عن مورد اخبار الخمس اما صورة العلم بكونه أقل فلظهور التعليل الوارد في الاخبار بان الله رضى من الأشياء
بالخمس في ارادته في غير هذه الصورة لان سوقه يشهد بوروده في مقام بيان التوسعة و التخفيف لا يناسبه الالزام بالأكثر اللهم الا ان يحمل الخمس على التعبد المحض
من غير أن يكون مربوطا بقدر الحرام ومنزلا منزلة ايصاله إلى صاحبه كي ينافيه العلم بكونه أقل ولكنك عرفت ان الالتزام بكونه كذلك في غاية الاشكال مع مخالفته
لظاهر المشهور أو المجمع عليه فما استقر به في المناهل على ما حكى عنه من وجوب الخمس في هذه الصورة لاطلاق الاخبار والفتاوى ضعيف ويستكشف من عدم
شمول النصوص والفتاوى لهذه الصورة ان صورة العلم بكون الحرام أكثر من الخمس أيضا كصورة العلم بأنه أقل غير مقصودة بالروايات إذ التفكيك بين الصورتين في
ارادتهما من الروايات لا يخلو عن بعد بل المقصود بها بحسب الظاهر هو صورة الجهل الذي يناسبه التحديد بالخمس شرعا أي ما كان حرامه مرددا بين الأقل من الخمس و
الأكثر كما لعله الغالب في موارد النصوص دون ما إذا علم أنه أقل أو أكثر هذا مع ما في إرادة صورة العلم بكونه أكثر كصورة العلم بكونه أقل من البعد حيث إن مقتضاها تحليل
مال الغير مجانا وهو كالزامه بدفع الأكثر في صورة العلم بكونه أقل بعيد فلا يكاد ينسبق إلى الذهن ارادتها من مثل هذه النصوص فالأظهر خروج كل من الصورتين عن
مورد النصوص فيتجه فيهما ما عرفته في صورة العلم التفصيلي بمقدار الحرام من الصدقة ثم لو قلنا بشمول اخبار الخمس لصورة العلم بالزيادة فمقتضاه الاقتصار على
اخراج خمسه لما في الاخبار من التصريح بان سائر المال لك حلال فاحتمال وجوب دفع الجميع خمسا أو صرف خمسه في مصرف الخمس والزائد صدقة ضعيف وعلى المختار من
وجوب الصدقة فهل يقتصر على القدر المتيقن أو يتصدق بما تيقن معه بالبراءة وجهان قضية الأصل والاقتصار في رفع اليد عما تقتضيه اليد على المتيقن هو الأول و
لكن الاعتماد على الأصول والقواعد بعدان علم اجمالا بامتزاج ما في يده بالحرام مشكل وما يقال من أن العلم الاجمالي بامتزاج ما في يده بالحرام ينحل إلى علم تفصيلي وشك
بدوي فيرجع في المشكوك إلى الأصول والقواعد على اطلاقه لا يخلو عن نظر كما أوضحناه في الأصول فالأحوط ان لم يكن أقوى هو التصدق بما يحصل معه اليقين
بالبراءة
والله العالم الصورة الثالثة ان يعرف قدر الحرام وصاحبه وحكمه الشركة في العين بنسبة المالين فهذا مما لا اشكال فيه إذا كان صاحبه معروفا بعينه واما إذا كان
مرددا بين اشخاص محصورة فقد يشكل الامر حيث إن مقتضى قاعدة اليد وجوب ايصال مقدار الحرام إلى صاحبه ولا يحصل الجزم به الا بدفع مثله إلى كل منهم وهو ضرر
عظيم ولذا قد يقال بل قيل فيه بالقرعة لأنها لكل امر مشكل وقيل بالقسمة بينهم اخذا من بعض الأخبار الواردة في الوديعة المرددة بين شخصين والأوجه الالتزام
بوجوب الاحتياط وتحصيل الجزم بتفريغ ذمته بصلح ونحوه ولو بدفع أمثال المال إلى الجميع لدى الامكان كما صرح به بعض بل لعله المشهور حيث إن تضرره بذلك
نشأ من سوء اختياره وتفريطه في مال الغير فيشكل ان يعارض ضرره ضرر ذلك الغير وان كان أكثر فمقتضى قاعدة اليد المعتضدة بقاعدة نفى ضرر المالك وجوب
ايصال ماله إليه فيجب تحصيل مقدماته الوجودية والعلمية بحكم العقل وان توقف على بذل المال الا ان ينفيه قاعدة نفى الحرج والضرر وهو مشكل في مثال المقام
الذي نشأ التكليف به من سوء اختياره وكون رفعه مستلزما لتضرر الغير على تقدير عدم وصول ما له إليه كما تقدمت الإشارة إليه فان شمول القاعدة لمثل هذا الضرر
لا يخلو عن تأمل نعم لو لم يكن استيلائه عليه على سبيل العدوان بل كان مال الغير عنده وديعة أو عارية فامتزج بماله من غير تعد أو تفريط أو كان استيلائه عليه
لا على وجه يستند العدوان إليه بان حصل بفعل الغير كما لو غصبه ثالث فخلطه بماله فيتجه حينئذ نفى وجوب مقدماته الوجودية والعلمية بالقاعدة فلا يجب عليه حينئذ بذل الأزيد
من مقدار الحرام ويرجع في تشخيص مالكه إلى القرعة أو انه يقسمه بين محتملاته على الخلاف فيما هو من نظائر المقام واحتمل شيخنا المرتضى (ره) في هذه الصورة أي صورة اشتباه
صاحبه في قوم محصور ين القول بأنه يدفع إلى الحاكم لهم من المال المذكور ما تيقن معه بخلو ما في يده من الحرام فيكون المال في يد الحاكم مرددا بين قوم محصورين ثم قال
139

ما لفظه وعليه فيرتفع ما ذكره بعضهم من حصول الاشكال حينئذ من جهة لزوم ان يدفع إلى كل واحد منهم ما يجب منه عليه مع الاتحاد وهو خسران عظيم ثم قال
واضعف من ذلك ما دفع به الاشكال من أنه لا بعد في لزوم ذلك عليه عقوب لما صنع من الخلط بالحرام انتهى أقول وجه الاضعفية انه لا يكفي مجرد نفى البعد عن ايقاع
الغاصب والمشقة والضرر من باب العقوبة في جواز الالتزام به ورفع اليد عما يقتضيه عمومات أدلة نفى الحرج والضرر بالنسبة إليه كما هو واضح واما ما ذكره
رافعا للاشكال من دفعه إلى الحاكم ففيه انه أشكل من أصله إذ لا ولاية للحاكم على صاحب المال مع حضوره وعدم امتناعه عن الحق فكيف يسوغ له دفع مال الغير
إلى الحاكم وللحاكم قبوله مع حضور صاحبه في ضمن هذه الاشخاص المحصورة خصوصا مع تصريح كل منهم بعدم رضاه بهذا التصرف وعدم امتناعه عن التعبد بحكم
الشارع في حقه نعم لو قيل بأنه لا يجب على من اختلط ماله بالحرام الا دفع مقدار الحرام وايصاله إليهم على سبيل التوزيع أو القرعة فامتنعوا عن قبوله يقبله
الحاكم ولاية عنهم لأنه ولى الممتنع وهذا لا مدخلية له في دفع الاشكال بل الاشكال اندفع بتحكيم أدلة نفى الحرج الضرر على قاعدة الشغل والحاصل انه ان كان
الدفع إلى الحاكم بعد الافتاء بأنه لا يجب عليه تحصيل القطع باصال الحرام إلى صاحبه بل يكفيه ايصاله إلى الجميع على سبيل التوزيع أو الموافقة الاحتمالية الحاصلة
بالقرعة فلا دخل له في رفع الاشكال إذ لم يبق بعد اشكال كي يندفع بهذا وان كان قبله فلا يجوز إذ لا ولاية للحاكم على صاحب الحق الذي لا يرضى الا بحقه
فليتأمل الصورة الرابعة ان يكون قدر الحرام مجهولا وصاحبه معلوما فهل يقتصر على القدر المتيقن اقتصارا في رفع اليد عما يقتضيه ظاهر يده على ما
علم خلافه ولأصالة براءة الذمة عن التكليف بدفع أزيد مما علم التكليف به أو يدفع ما تيقن معه البراءة تحصيلا للجزم بالخروج عن عهدة ما علم تنجز
التكليف به على سبيل الاجمال فيه ترددا حولهما الثاني وحكى عن التذكرة القول بدفع الخمس فكان مستنده دعوى دلالة الاخبار المزبورة الواردة في مجهول
المالك على أن الخمس تحديد شرعي لمقدار الحرام الممتزج الذي لا يعرف مقداره من غير مدخلية للجهل بمالكه فيه وفيه نظر بل منع وقد يقال بأنه يدفع إلى الغير ما يعلم
بكونه له ويأخذ لنفسه أيضا المقدار الذي يعلم بكونه له ويعامل في المشكوك معاملة المال المردد بين شخصين من الرجوع إلى القرعة والتنصيف على الخلاف فيه
ومبناه تسليم عدم اقتضاء العلم الاجمالي وجوب الاحتياط بالنسبة إلى المشكوك بل يعمل فيه البراءة فيبقى التكليف بدفعه إلى الغير بالأصل ولكن لا يحدث
ذلك في الحكم بكونه مملوكا له إذ لا تعويل على الأصول المثبتة وجريان يده عليه غير مجد بعد ان علم بشيوع الحرام في المجموع وكون يده على المجموع عادية ولعله
إلى هذا يرجع ما عن كشف الغطاء من أنه قالوا لو عرف المالك دون المقدار وجب صلح الاجبار انتهى ويتوجه عليه انا ان بنينا على أن العلم الاجمالي باشتماله
على الحرام لا يصلح مانعا عن الرجوع إلى البراءة فيما زاد على المتيقن فعدم مما نعته عن الاخذ بما يقتضيه اليد من الحكم بملكية المشكوك ما لم يعلم خلافه أولى إذ لا
يبعد ان يقال إن حال اليد حال الأصول اللفظية وسائر الامارات التعبدية التي قد تقرره في محله انه لورود عليها التخصيص بمجمل مردد بين الأقل والأكثر
يقتصر في رفع اليد عما يقتضيها على الأقل فما نحن فيه ليس الا من هذا القبيل فمن هنا قد يتجه الالتزام بملكية المشكوك في المقام وان أوجبنا عليه الاحتياط
في نظائره مما علم اجمالا باشتغال ذمته بتكليف مردد بين الأقل والأكثر كقضاء فوائت لا يعلم عددها ونظائره ولكنه لا يخلو عن تأمل فالوجه ان يقال انا
ان بنينا على أن العلم الاجمالي في مثل هذا الموارد يوجب تنجز التكليف بمتعلقه على اجماله فلا محيص عن الالتزام بالاحتياط بدفع مقدار يعلم بعدم زيادة
الحرام بمنه وان قلنا بان العلم الاجمالي مآله لدى التحليل إلى علم تفصيلي وشك بدوي بالمتجه الرجوع إلى البراءة والاخذ بمقتضى اليد بالنسبة إلى المشكوك دون
سائر الاحتمالات التي تقدمت الإشارة إليها وقد أشرنا آنفا إلى أن دعوى الانحلال على اطلاقه أي فيما إذا لم يحصل بعد التأمل انحلال حقيقي بحيث لم يبق معه
العلم على اجماله لا تخلو عن تأمل فرفع اليد بالنسبة إليه عما يقتضيه قاعدة الشغل مشكل والله العالم تنبيه صرح شيخنا المرتضى ره وغيره بأنه لو تصرف
في المال المختلط بالحرام بحيث صار في ذمته تعلق الخمس بذمته ولو تصرف في الحرام المعلوم فصار في ذمته وجب دفعه صدقة ويشكل ذلك بما عرفت فيما
سبق من أن تعلق الخمس بهذا القسم ليس على حسب تعلقه بسائر ما يتعلق به الخمس في كونه حقا فعليا لبنى هاشم بل الحرام الممتزج به ملك لصاحبه ولكن الشارع
جعل تخميس المال بمنزل ايصال ما فيه من الحرام إلى أهله في الخروج عن عهدته وسببيته لحل الباقي وقضية ذلك اشتغال ذمته لدى التصرف فيه واتلافه بما
فيه من مال الغير لمالكه فيشكل الفرق حينئذ بينه وبين الحرام المتميز الذي اتلفه وجهل مقداره مع أنه في هذا الفرض يجب عليه التصدق اللهم الا ان يراد بتعلق
الخمس بذمته كونه مبرء لها وان كان الحرام في الواقع أكثر من ذلك بدعوى استفادته مما دل عليه مع وجود العين بتنقيح المناط فليتأمل فروع الأول الخمس
يجب في الكنز مطلقا سواء كان الواجد له حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا وكذا المعادن والغوص لاطلاق الاخبار المتضمنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع بل ظهورها
في ثبوته فيها من حيث هي كما لا يخفى على من لاحظها فلا يختلف الحلال حينئذ بين انحاء الواجدين والمكلف باخراج الخمس على تقدير قصور الواجد لصغر أو جنون و
نحوه هو الولي كما هو واضح وفي المدارك بعد شرح العبارة قال وربما لاح من العبارة اعتبار التكليف والحرية في غير هذه الأنواع الثلاثة وهو مشكل على
اطلاقه فان مال المملوك لمولاه فيتعلق به خمسه نعم اعتبار التكليف في الجميع متجه انتهى أقول لا يبعد ابتناء الكلام على أن العبد يملك ضرورة ان المراد
بالواجد ليس ما يترائى من لفظه بل المستفيد فكان مبنى قصر وجوب الخمس فيما عدى هذه الأنواع الثلاثة على غير المملوك كما يلوح من العبارة دعوى اعتبار الاستقلال
بالتصرف في تعلق الخمس بما له كالزكاة وفيه انه لا دليل على اعتبار هذا الشرط بل قضية اطلاقات الأدلة خلافه فالمتجه عدم الفرق بين العبد وغيره في هذا الباب
واما ما استوجهه من اعتبار التكليف في الجميع يعنى فيما عدى الثلاثة المذكورة وهى الغنيمة والأرباح والمال المختلط بالحرام والأرض التي اشتريها الذمي من
مسلم فهو أيضا في غاية الاشكال خصوصا بالنسبة إلى المال المختلط بالحرام الذي شرع الخمس فيه لحليله فمن هنا قد يتجه القول بتعلق الخمس به في مال الطفل أيضا ولو لم
نقل به فيما عداه من الاقسام بل وكذا غنائمه لظهور جل ما دل على الخمس في الغيمة حتى الآية الشريفة التي هي الأصل في هذا الباب في تعلقه بالمال المغتنم
140

من حيث هو كما يفصح عن ذلك مضافا إلى وضوحه ما ذكروه في كيفية تقسيم الغنيمة من أنها تقسم خمسة أخماس فيؤخذ خمسه للامام وقبيله ثم يقسم الباقي بين
من حضر القتال ولو كان طفلا بل وكذلك الكلام في أرباح تجارته فان بعض ما دل على ثبوت الخمس في الأرباح ظاهره تعلقه بها مطلقا وانها مندرجة في
الغنائم التي دلت الآية الشريفة على ثبوت الخمس فيها من حيث هي فالأظهر عدم الفرق في شئ من هذه الأنواع بين أصناف الناس نعم ثبوته في الأرض المشتراة لطفل
الذمي لا يخلو عن تردد لانحصار مستنده في الرواية المشتملة على لفظة على الظاهرة في التكليف مع أن اطلاق الذمي عليه مبنى على التوسع ولكنه
مع ذلك لعله الأظهر إذ الغالب في مثل هذه الموارد استعمال لفظة على في مجرد الثبوت والاستقرار كما في قوله عليه دين وعلى اليد ما اخذت كما أن
المنساق إلى الذهن من اطلاق الذمي في مثل المقام إرادة ما يعم أطفالهم والله العالم الفرع الثاني لا يعتبر الحول في شئ من أنواع الخمس بلا اشكال
ولا خلاف في شئ منها مما عدى الأرباح لاطلاقات أدلتها كتابا وسنة واما خمس الأرباح فهو أيضا كذلك وان لم يتضيق التكيف به الا بعد مضى الحول
على المشهور بل لم ينقل التصريح بخلافه عن أحد عدي الحلى في السرائر فإنه بعد ان حكم بوجوب اخراج الخمس من المعادن والكنوز على الفور قال ما لفظه واما
ما عدى الكنوز المعادن من سائر الاستفادات والأرباح المكاسب والزراعات فلا يجب فيها الخمس بعد اخذها وحصولها بل بعد مؤنة المستفيد
ومؤنة من يجب عليه مؤنته سنة هلالية على جهة الاقتصاد فإذا فضل بعد نفقته طول سنة شئ اخرج منه الخمس قليلا كان الفاضل أو كثيرا ولا يجب
عليه ان يخرج منه الخمس بعد حصوله واخراج ما يكون بقدر نفقته لان الأصل براءة الذمة واخراجه على الفور أو وجوبه ذلك الوقت يحتاج إلى دليل شرعي و
الشرع خال منه بل اجماعنا منعقد بغير خلاف انه لا يجب الا بعد مؤنة الرجل طول سنة فإذا فضل بعد ذلك شئ اخرج منه الخمس من قليله وكثيره وأيضا
فالمؤنة لا يعلمها ولا يعلم كميتها الا بعد مضى سنة لأنه ربما ولد الأولاد وتزوج الزوجات أو انهدمت داره ومسكنه أو ماتت دابته التي يحتاج إليها أو
اشترى خادما يحتاج إليه أو دابة يحتاج إليها إلى غير ذلك مما يطول تعداده وذكره والقديم تعالى ما كلفه الا بعد هذا جميعه ولا أوجب عليه شيئا
الا فيما يفضل عن هذا جميعه طول سنة انتهى ويتوجه على الوجه الذي ذكره أولا ان ليس المراد بما بعد المؤنة الواردة في النصوص والفتاوى التأخر الزمان
حتى يكون مفاده توقيت وجوب اخراج الخمس بما بعد زمان صرف المؤنة والا لم يكن فيه دلالة على متعلقه بل التأخر الرتبى وبيان عدم وجوب الخمس الا في الزائد
عما يصرفه في المؤنة فلا يفهم منه الا تخصيص عموم ما دل على ثبوت الخمس في الأرباح بما عدى المؤنة لا تقييد اطلاقه بما بعد زمانها ولكن الذي يقتضيه الانصاف
انه لا يبعد ان يدعى ان المتبادر من بعض اخبار المؤنة كقوله عليه السلام في خبر النيسابوري الوارد فيما بقي من اكرار الحنطة لي منه الخمس مما يفضل عن مؤنته وقوله عليه السلام
بعد المؤنة الواقع جوابا عن السؤال في مكاتبة البزنطي عن أن الخمس اخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة انما هو ارادته في الباقي عنده بعد صرف المؤنة الا انه لوروده
في مقام بيان ما يجب فيه الخمس وعدم وجوبه في جميع الربح بل في الزائد عن مؤنته لا يفهم منه الا انه يجب اخراج خمسه بعد صرف المؤنة وانه يجوز له التأخير إليه
واما انه
مبدء حدوث التكليف بحيث لو اخرجه قبله لم يجز فلا ينهض مثل هذه الأخبار مقيد الاطلاقات الأدلة من هذه الجهة كما أن الوجه الذي ذكره ثانيا لا يصلح وجها
الا لجواز التأخير من باب الاحتياط فالأقوى ما هو المشهور من أنه لا يعتبر الحول في شئ من الخمس ولكن يؤخر جوازا ما يجب في الأرباح كما صرح به في المتن وغيره بل في الجواهر
لا أجد فيه خلافا بل الظاهر الاجماع عليه اما احتياطا للمكتسب كما يقتضيه الوجه الذي ذكره الحلى ثانيا أو لاستفادته من الاخبار المزبورة بالتقريب المتقدم المعتضد
بالسيرة فلا ينبغي الاستشكال فيه من هذه الجهة الا انه قد يشكل ذلك بان قضية تعلق الخمس بما يفضل عن المؤنة من حين ظهور الربح كما هو المشهور عدم جواز التصرف
فيه والاكتساب به بناء على تعلق الخمس بالعين كما هو الظاهر لدى العلم اجمالا بتحقق الزيادة والحكم ببطلان المعاملات المتعلقة به ولو مع الجهل بثبوته بعد انقضاء
السنة واستكشاف الزيادة وهذا خصوصا الأخير منهما مما لا يمكن الالتزام به ويمكن التفصي عن ذلك بدعوى دلالة الاخبار التي اعترفنا بدلالتها على جواز التأخير
بالملازمة العادية على جواز التصرف فيه مطلقا وان له الولاية عليه ما لم يتضيق التكليف بأدائه كما يؤيده السيرة وقاعدة نفى الحرج ضرورة ان منعه عن
التصرف في الربح والمعاملة معه معاملة المال المشترك خصوصا فيما كان تدريجي الحصول حرج شديد لا ينبغي الارتياب في كون الامر في الخمس أوسع من ذلك ولذا لم
ينقل القول به عن أحد ولكن الاشكال في تعيين مبدء الحول وانه من حين حصول الربح أو ظهوره أو من حين الشروع في التكسب وانه يلاحظ بالنسبة إلى كل ربح ربح أو
بالنسبة إلى المجموع فقد اضطربت كلمات الاعلام في ذلك ففي الجواهر قال ما لفظه ومبدئه كما في المسالك والروضة ظهور الربح بل فيهما انه لو حصل له ربح في أثناء
الحول لو حظ له حول اخر بانفراده نعم كانت مؤنة بقية الحول الأول معتبرة منهما ويختص هو بالباقي إلى زمان حصوله كما أنه اختص الأول بالمدة السابقة عليه و
هكذا ونحوهما في ذلك كشف الأستاذ حيث قال ولكل ربح عام مستقل والقدر المشترك بينهما يوزع عليهما وعليه يتجه حينئذ سقوط الخمس عمن كان له ربح قام
ببعض مؤنة سنته نصفها مثلا ثم حل له ربح اخر عند انقضاء مؤنة الأول قام بالنصف الاخر من سنته وزاد لكن لا يحملها إلى زمان أول حصوله وهكذا وان كان قد
حصل له تمام مؤنة سنته من الربح وزاد بل وعمن يحل له في كل يوم ربح ككثير من أرباح الصنايع والحرف لكن لا يقوم كل واحد منها بمؤنته إلى أول حصوله ولو مع ملاحظة
توزيع المشترك بينهما من المدة عليهما سواء أريد باخراج مؤنة المشترك منهما التوزيع على حسب النسبة أو غيره وهو وان كان قد يوافقه ظاهر الفتاوى لكن كأنه
معلوم العدم من السيرة والعمل بل واطلاق الاخبار بل خبر عبد الله بن سنان المتقدم سابقا المشتمل على قوله حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق كالتصريح
بخلافه وان كان هو مقيدا باخبار المؤنة ولعله لذا قال في الدروس والحدائق ولا يعتبر الحول في كل تكسب بل يبتدء الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه فإذا تم
خمس ما فضل وهو جيد لا يرد عليه ما سمعت موافق للاحتياط بل وللاقتصار على المتيقن خروجه عن اطلاق الأدلة بل قد يدعى القطع به في نحو الصنايع المبنى ربحها
على التجدد يوما فيوما أو ساعة بعد أخرى تنزيلا لها باعتبار احرازها قوة منزلة الربح الواحد الحاصل في أول السنة ولذا كان يعد صاحبها بها غنيا بل لعل
141

بعض الحرف مثلها فيما ذكرنا أيضا فتأمل لكن قد يناقش بأنه لا دليل على احتساب المؤنة السابقة على حصول الربح مع فرض تأخر حصوله عن أول زمان التكسب ان هو
حينئذ كالزمان السابق على التكسب بل المنساق من النصوص والفتاوى احتساب مؤنة السنة من أول حصول الربح إذ ذلك وقت الخطاب بالخمس ومن هنا
مال في المدارك والكفاية لما في الدروس ولكن جعل أول السنة ظهور الربح في أولهما فقال بعد ان نظر في استفادة ما سمعته عن جده من الاخبار ولو قيل
باعتبار الحول من حين ظهور شئ من الربح ثم احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول واخراج الخمس من الفاضل عن مؤنة ذلك الحول كان حسنا
انتهى ما في الجواهر واختار شيخنا المرتضى (ره) القول المحكى عن الدروس من كون مبدء الحول من حين الشروع في التكسب فقال ما لفظه ثم إن الأظهر في الروايات
والفتاوى ان المراد بالعام هو العام هو العام الذي يضاف إليه الربح عرفا ويلاحظ المؤنة بالنسبة إليه واما مبدء حول المؤنة فيما يحصل بالاكتساب هو زمان الشروع في
التكسب وفيما لا يحصل بقصد واختيار لو قلنا به زمان حصوله خلافا للأول فجعلوه زمان ظهور الربح بل جعله بعضهم زمان حصوله واما الأول فلان المتعارف
وضع مؤنة زمان الشروع في الاكتساب من الربح المكتسب فالزارع عام زراعته الشتوية من أول الشتاء وهو زمان الشروع في الزرع ويلاحظ المؤنة و
يأخذ من فائدة الزرع مؤنة أول أزمنة الاشتغال به إلى اخر الحول واما الثاني يعنى ما لا يحصل بقصد فلان نسبة الأزمنة السابقة إليه على السواء فلا
وجه لعد بعضها من سنة من حين ظهوره إلى أن قال وبالجملة فالمراد بالحول حول الربح وهو مختلف فقد يكون زمان ظهور الربح أول الحول
وقد يكون وسطه وقد يكون اخره نعم لو لم يكن تعارف فمدة الحول من حين وجود الفائدة لان نسبة الأزمنة السابقة إليه على السواء فلا وجه لعد بعضها
من حوله كما لا يخفى فاطلاق عبارة الدروس ان مبدأ الحول الشروع في التكسب مختص بالمكاسب المتعارفة مثل الأمثلة المتقدمة انتهى وحاصله دعوى
ان المتبادر من أدلة استثناء المؤنة انما هو مؤنة العام الذي يضاف إليه الربح لا مؤنة سنة بعد حصول الربح والمرجع في تشخيص عام الربح العرف وهو يختلف
في الموارد فرب ربح حاصل في اخر السنة يكون مبدء حوله أولها وهو جيد الا ان يمنع التبادر المزبور وهو خلاف الانصاف أو يناقش في كون مبدء عام الربح
عرفا من حين الشروع في التكسب بل من حين حصول شئ من الربح وكان من عبر بظهور الربح لم يقصد به الا حصوله والاختلاف في التعبير وكيف كان فالذي
ينبغي ان يقال هو ان المتبادر عرفا من ايجاب الخمس على المغتنم فيما يفضل عن غنيمته عن مؤنته انما هو إرادة مؤنته التي من شانها استيفائها من الغنيمة أي المؤنة
المتأخرة عن حصولها التي جرت العادة بصرف الربح فيها فالمؤنة السابقة عليه من حين الاخذ في التكسب أو الاشتغال بالزراعة ان عدت عرفا من مقدمات
التحصيل استثنيت من الربح لا لخصوص المقام بل العموم استثنائها من مطلق الغنائم وان كان من قبيل الدين الذي يؤديه من الربح بعد حصوله فهو من مؤنته
اللاحقة ودعوى ان المتبادر عرفا من اطلاق المؤنة الواردة في النصوص والفتاوى إرادة مؤنة سنة التي اشتغل فيها بالكسب أو الزرع ممنوعة بل قد منعنا
في محله انصراف اطلاق المؤنة الواردة في النصوص إلى مؤنة السنة فضلا عن تعيين مبدئة ولو سلم الانصراف فإنما هو من حين حصول الربح لا غير ولا يصح استظهاره
من معاقد الاجماعات المحكية التي هي عمدة مستند تقييد المؤنة بالسنة بعد تصريح كثير من الاعلام بخلافه والحاصل ان المتبادر من المؤنة التي دلت النصوص
على استثنائها انما هي المؤنة التي تصرف فيها الربح ولو شانا لا ما يوضع الربح في مقابلة مما مضى وحيث إن المؤنة فسرت اجماعا بمؤنة السنة اقتضى ذلك
اعتبار الحول في كل ربح ربح فإنه هو الذي يقتضيه الجمع بين عموم الآية المفسرة في خبر حكيم بقوله عليه السلام هي والله الإفادة يوما بيوم وغيرهما من الروايات
الدالة على تعلق الخمس بجميع ما يستفيده من قليل أو كثير وانه لو خاظ الخياط ثوبا بخمسة دوانيق يكون لأرباب الخمس فيها دانق وبين ما دل على اشتراط
زيادته عن المؤنة ولا يصح التفكيك في المؤنة بحملها بالنسبة إلى الربح الأول على مؤنة السنة وبالنسبة إلى ما عداه مما يحصل شيئا فشيئا على تتمتها الا
بالتوجيه الآتي ولكن قد يشكل الالتزام بذلك لتعذر ضبطه وعدم امكان معرفة مقدار ما يفضل من كل منهما عند انقضاء سنة غالبا فيمتنع تعلق
التكليف بتخميس كل منهما على سبيل التدريج وفرض كون المجموع ربحا واحدا مع مخالفته للواقع وعدم مساعدة العرف عليه غالبا خصوصا في الأرباح المستقلة
المباينة بالنوع غير مجد بعد سببية الخمسة دوانيق التي اكتسبها في اليوم الأول لوجوب الخمس مشروطا بزيادتها عن المؤنة كما أنه يصدق عليه في اليوم الثاني
أيضا انه خاط في هذا اليوم ثوبا بخمسة دوانيق فيجب أيضا كذلك بنص الرواية اللهم الا ان يقال إن المقصود بالآية والروايات الدالة على تعلق الخمس
بالغنائم والأرباح انما هو تعلقه بها من حيث هي لا بلحاظ اشخاصها فالمراد بلفظة ما في الآية الشريفة الجنس لا العموم فإنه مشعر بإرادتها على الاطلاق أي
مطلق الإفادة لاكل إفادة إفادة على سبيل العموم فالجمع بينها وبين ما دل على اختصاصه بما زاد عن مؤنة السنة بتقييد طبيعة الغنيمة بزيادتها عن المؤنة
لا اشخاصها وقضية ذلك اعتبار الحول من حين حصول طبيعة من غير التفات إلى اشخاصها وهو أول ظهور الربح ان قلت تحقق الطبيعة في ضمن الفرد
الأول من الربح كالخمسة دوانيق التي اكتسبها الخياط في اليوم الأول في المثال المفروض سبب تام لوجوب خمسه مشروطا بذلك الشرط وهكذا فحدوث كل
فرد من الربح سبب مستقل لوجوب خمسه بشرط زيادته عن مؤنة السنة فكيف يجعل مبدء السنة التي اعتبرت زيادة مؤنتها شرطا في الوجوب بالنسبة إلى الأسباب
اللاحقة من حين حصول الفرد الأول نعم تعلق الحكم بالطبيعة دون الافراد انما يجدى في الافراد المجتمعة دون المتعاقبة حيث إن مجموعها على تقدير الاجتماع سبب
واحد لتنجز التكليف بخمس المجموع مشروطا بكذا الا الافراد المتعاقبة التي يكون كل واحد منها بمقتضى تعلق الحكم بالطبيعة من حيث هي سببا لحدوث تكليف
كذلك فلا يتفاوت الحال حينئذ بين جعل متعلق الحكم الطبيعة أو الافراد قلت الطبيعة من حيث هي لا تتكرر وانما المتكرر اشخاصها والقيد اعتبر قيد الطبيعة
لا لأشخاصها فالعبرة بزيادة مطلق الربح عن مؤنة السنة لاكل ربح ربح فسببية الفرد الأول لتنجز التكليف بخمسه بخصوصه مشروطا بزيادته عن المؤنة لا
لمدخلية خصوصية فيه بل لانحصار الطبيعة فيه في ذلك الوقت فإذا وجد ربح اخر فقد ازداد متعلق ذلك الحكم لا انه تنجز في حقه حكم اخر وراء ذلك الحكم
142

إذ المفروض من أنه لا مدخلية لخصوصيات الاشخاص في الموضوعية كي يكون لكل فرد فرد حكم مقيد بما بعد المؤنة بل الحكم ثابت المطلق ربحه الذي يفضل عن مؤنة
سنته ان قلت مقتضى ذلك عدم اعتبار حول اخر بعد انقضاء سنته الأولى لما يكسبه في السنة الثانية فان طبيعة الربح كما لا تتكرر بتكرر اشخاصها كذلك
لا تتكرر بتكرر السنين والمفروض انها لم تتقيد الا بزيادتها عن مؤنة السنة فمقتضاه تعلق الخمس بمطلق الربح الزائد عن مؤنة سنته التي مبدئها من حين حصول
شئ من الربح وان كان الربح الزائد حاصلا بعد انقضاء هذه السنة قلت المتبادر من النصوص والفتاوى الدالة على استثناء مؤنة السنة انما هو ارادتها
من ربحه الحاصل في تلك السنة هذا ولكن الانصاف ان المتبادر من قوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه انما هو إرادة العموم ولذا لو فرض
وجود دليل على اعتبار النصاب في الغنيمة لم يكن يتوهم أحد اعتباره في جنسها فليس استثناء المؤنة من الربح الا كاستثناء ما دون النصاب من الغوص و
الكنز ونحوه مما اعترفنا بعدم انضمام بعض افراده المستقلة إلى بعض في اعتبار النصاب ولكن لقائل ان يقول إنه ليس للأدلة الدالة على استثناء المؤنة اطلاق
أو عموم يقتضى اعتبارها على نسق واحد في كل فرد فرد من افراد الربح بل هي أدلة مجملة من هذه الجهة والقدر المتيقن الذي يمكن دعوى الاجماع عليه انما هو استثناء
مؤنته في كل سنة من ربحه الذي يكتسبه في تلك السنة بل هو ظاهر قوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار إذا أمكنهم بعد مؤنتهم وقضية ذلك تقييد موضوع ما يجب فيه
الخمس بما يفضل من ربحه في كل سنة عما يصرفه في تلك السنة فتلخص من مجموع ما ذكر ان المتبادر من النصوص والفتاوى انما هو استثناء مؤنته التي من شانها صرف
الربح فيها أي المتأخرة من حين حصول الربح لا المتقدمة عليه وان الربح المستثنى منه مؤنة السنة هي طبيعة الربح الذي اكتسبه فيها لافراده كي يعتبر لكل ربح
ربح حول مستقل ولكن تقول ليس في شئ من الأدلة ما يوجب عليه الالتزام بسنة خاصة معينة بحيث يتعين عليه استثناء مؤنتها بالخصوص من الربح الذي اكتسبه
فيها بل الذي يقتضيه اطلاقات الأدلة وفتاوى المعظم الذين لم يحدد والسنة حدا معينا ويساعد عليه عمل العرف وسيرة المتشرعة ان له الخيار في أن يحصل
مؤنته في أي سنة تفرض من ربحه الذي اكتسبه في تلك السنة مفهوم كلى صادق على أي وقت يفرض من الزمان إلى أن يحل مثل ذلك الزمان من عامه
المقبل فمن أول محرم إلى أول محرم سنة ومن نصفه إلى نصفه كذلك ومن أول صفر إلى أول صفر كذلك وهكذا وقد دل الدليل على أن عليه في كل سنة فيما
يفضل من ربحه عن مؤنتها الخمس فإذا حصل له الربح في أي سنة تفرض من هذه السنين اندرج في موضوع هذا الحكم فلو كان الربح الحاصل له في زمان يصح
اضافته إلى عدة منها فلزوم التزامه بإضافته إلى خصوص شئ منها يحتاج إلى دليل مثلا لو اشتغل بالكسب فحصل له الربح من أول محرم شيئا فشيئا على سبيل
التدريج أو دفعات ثم بدا له في شهر رجب ان يجعل هذا الشهر مبدء لسنة الربح الذي ظهر له في هذا الشهر ويستثنى مؤنة عامه المقبل من ربحه جاز له ذلك فان
من أول رجب إلى أول وجب سنة حقيقة ويصدق على الربح الذي اكتسبه فيها انه ربح هذه السنة فله استثناء مؤنتها منه وتخميس الفاضل بمقتضى اطلاق قوله الخمس
بعد المؤنة ولا يجب علينا الالتزام بان لكل ربح حولا مع أنه يصح ان يفرض لكل منه سنة تخصه وهى من حين حصوله إلى حين حصوله من عامه المقبل إذ فرق بين
ما لو قيل بأنه يجب الخمس في كل ربح يفضل عن مؤنة السنة وبين ما لو قيل بأنه يجب عليه في كل سنة فيما يفضل من ربحها عن مؤنته الخمس كما استظهرناه من أدلته
ففي الأول العموم بالنسبة إلى افراد الربح ومقتضاه ان يكون لكل ربح حول وفي الثاني بالنسبة إلى افراد السنة وقد نبهنا على أن السنة مفهوم كلى يصدق على
افراد لا تتناهى فإذا حصل له ربح في زمان صحت اضافته إلى عدة آحادها التي بينها العموم من وجه كما في الفرض يكون مخيرا في تعيين أيها شاء بحكم العقل و
كونه مسبوقا بربح موجب لتعلق التكليف نخمس ما يفضل عن مؤنة سنته من ربحها لا يعين عليه احتساب هذا الربح من ربح السنة التي أضيف إليها الربح السابق
بعد ان لا يكون ذلك مانعا عن صحة اضافته إلى عامه المقبل كي يخرجه عن موضوع الأدلة وهو ربح هذه السنة ولا منافيا لحكمها وهو جواز استيفاء
مؤنتها من ربحه وتخميس الفاضل كي يكون شموله للفرد الأول مانعا عن شموله لهذا الفرد كي يلزمه ارتكاب التخصيص بالنسبة إليه إذ لا مانع عقلاء من أن يرخصه
الشارع في أن يستوفى مؤنته في كل سنة من ربحه في تلك السنة من غير تقييده بقيد ومقتضاه ان يكون له في السنين المتداخلة التي حصل فيها هذا الربح الخيار
في تعيين سنته فان اختار لنفسه سنة مستأنفة وجعل مؤنته من ربح هذه السنة المستأنفة لم يبق له بعد مؤنة بالنسبة إلى الأزمنة المكملة لحول أرباحه السابقة
إذا لمؤنة لا تتعدد فيقع ما فضل في يده من تلك الأرباح متعلقا للخمس والحاصل ان له في أي وقت شاء وعند حصول أي ربح أراد ان يجعله مبدء لحوله ويستوفى
مؤنته من ربحه الجديد وعليه ان يراعى حينئذ تكليفه بالنسبة إلى ما مضى فان فضل عنده شئ من أرباحه السابقة ولم يعرضه الحاجة إلى صرفها في المؤنة قبل انقضاء
حولها ولو لأجل استغنائه عنها بالربح الجديد أدى خمسها والا فلا شئ عليه والله العالم الفرع الثالث إذا اختلف المالك للدار مثلا والمستأجر لها في
الكنز فان اختلفا في ملكه فالقول قول المؤجر مع يمينه لأصالة يده وفرعية يد المستأجر عنها واختار في المسالك خلافه فإنه بعد ان ذكر عبارة المتن قال
بل الأصح تقديم قول المستأجر لأنه صاحب اليد حقيقة ولدعوى المؤجر خلاف الظاهر وهو ايجار دار فيها كنز ولا يقدح في ذلك كون يده فرعية على يد المؤجر
كما في اختلاف البايع والمشترى وكذا يقدم قول كل ذي يد كالمعير والمستعير مع الاختلاف نعم لو شهدت الحال بتقدمه على زمان ذي اليد كالبناء المتقادم عليه
وقرب عهد ذي اليد ونحو ذلك عمل بها مع اليمين كما اختاره في البيان ولو شهدت الحال لذي اليد زال الاشكال انتهى وهو لا يخلو عن جودة ولكن قد أشرنا
في محله ان المتبادر من اطلاق الكنز المبحوث عنه في هذا المبحث الذي يلحقه الأحكام المذكورة له ما شهدت الحال بقدمه ولا أقل من كونه بحسب الظاهر كتوابع الدار
لا كسائر أثاث البيت ونحوها مما يكون يدا المستأجر عليها لفعليتها أقوى من يد المالك وقياسه على المشترى مع الفارق إذ لا يد للبايع على المبيع بالفعل
ومعنى فرعيتها هناك تلقيها منه وفي المقام فرعية حقيقة كيد الموكل والوكيل بل هي هي بالنسبة إلى رقبة العين المستأجرة وتوابعها التي من جملتها الكنوز
المذخورة تحت الأرض فما قواه في المتن بحسب الظاهر هو الأقوى وان اختلفا في قدره فالقول قول المستأجر المنكر للزيادة لأصالة براءة ذمته عن الزيادة
143

الفرع الرابع الخمس يجب بعد اخراج المؤنة التي يفتقر إليها اخراج الكنز والمعدن والغوص وغير ذلك من الاستفادات من حفر وسبك وغير ذلك بلا خلاف فيه على
الظاهر بل في المدارك انه المقطوع به في كلام الأصحاب بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى ذلك ان الذي يظهر بالتدبر في النصوص الدالة
على تعلق الخمس بسائر أنواع الاستفادات ان مناط تعلق الخمس بها انما هو اندراجها في الغنائم والفوائد ولا يعد ذلك كذلك في العرف الا بعد استثناء ما
يصرف في تحصيلها وقد أشرنا في صدر الكتاب إلى أن مؤنة التحصيل في غنائم دار الحرب أيضا بحسب الظاهر خارجة عما يتعلق به الخمس فهذا مما لا ينبغي الاستشكال
فيه وانما الاشكال في أنه هل يعتبر النصاب فيما اعتبر فيه من أنواع ما يتعلق به الخمس من الكنز والمعادن والغوص قبلها أو بعدها فإنه موقع تتردد وفي المدارك بعد
ان ذكر ان فيه وجهين قال اظهر هما الثاني في الجواهر بعد ان نقل اختيار المدارك علله بما لفظه للأصل وظاهر المنساق إلى الذهن من مجموع الأدلة وفاقا
للمنتهى والتذكرة والبيان والدروس بل ظاهر الأولين كونه مجمعا عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعي واحمد بل في المسالك نسبته إلى تصريح
الأصحاب أيضا بل قال إنهم لم يتعرضوا فيه لخلاف كما ذكروه في مؤنة زكاة الغلات انتهى ما في الجواهر أقول إن تم اجماعهم عليه فهو والا فاستظهاره من الأدلة الدالة
على اعتبار النصاب وهى صحيحتا البزنطي الواردتان في الكنز والمعادن ورواية محمد بن علي المتضمنة لنصاب الغوص لا يخلو عن تأمل فيشكل ارتكاب التخصيص في
عمومات الخمس في الزائد عن المتيقن فليتأمل الفصل الثاني من فصلى كتاب الخمس في قسمته والمشهور بين أصحابنا رضوان الله عليهم شهرة كادت تكون اجماعا كما
الجواهر بل عن صريح الانتصار وظاهر الغنية وكشف الرموز أو صريحهما دعوى الاجماع عليه وعن مجمع البيان وكنز العرفان انه مذهب أصحابنا وعن الأمالي انه من دين الإمامية
انه يقسم ستة أقسام لظاهر قوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شئ فان الله خمسه وللرسول الآية ويدل عليه أيضا اخبار مستفيضة كموثقة ابن بكير عن
بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام في قوله تعالى واعلموا إنما غنمتم من شئ فان الله خمسه الآية قال خمس الله للامام وخمس الرسول للامام وخمس ذوى القربى لقرابة
الرسول الامام واليتامى يتامى الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم فلا يخرج منهم إلى غيرهم ومرفوعة أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا قال الخمس من خمسة
أشياء إلى أن قال فاما الخمس فيقسم على ستة أسهم سهم الله وسهم للرسول صلى الله عليه وآله لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم المساكين وسهم لأبناء السبيل فالذي
لله فرسوله أحق به فهو له خاصة والذي للرسول هو لذي القربى والحجة في زمانه فالنصف له خاصه والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد عليهم السلام
الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة عوضهم الله مكان ذلك بالخمس فهو يعطيهم على قدر كفايتهم فان فضل منهم شئ فهو له وان نقص عنهم ولم يكفيهم
أتمه لهم من عنده كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان ومرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه السلام قال الخمس من خمسة أشياء من الغنائم
والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة يؤخذ من كل هذه الصنوف الخمس فيجعل لمن جعله الله له ويقسم الأربعة الأخماس بين من قاتل عليه وولى ذلك ويقسم
بينهم الخمس على ستة أسهم سهم لله وسهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل فسهم الله وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله لأولي
الامر من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وراثة وله ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله فله نصف الخمس كملا ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم و
سهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب والسنة إلى أن قال فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيرهم في موضع الذل والمسكنة
ولا باس بصدقات بعضهم على بعض وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله الذين ذكرهم الله فقال وأنذر عشير تك الأقربين وهو بنو عبد المطلب
أنفسهم الذكر منهم والأنثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد ولا فيهم ولا منهم في هذا لخمس من مواليهم وقد تحت صدقات الناس لمواليهم و
هم والناس سواء ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له وليس له من الخمس شئ لان الله تعالى يقول ادعوهم لآبائهم إلى أن
قال وليس في مال الخمس زكاة لان فقراء الناس جعل ارزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد وجعل للفقراء قرابة الرسول صلى الله عليه وآله نصف الخمس
فأغناهم عن صدقات الناس وصدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولى الامر الحديث وما عن تفسير النعماني باسناده عن علي عليه السلام قال الخمس يجرى من أربعة وجوه من الغنائم التي
يصيبها المسلمون من المشركين ومن المعادن ومن الكنوز ومن الغوص ويجرى هذا الخمس على ستة اجزاء فيأخذ الامام منها سهم الله وسهم الرسول وسهم
ذي القربى ثم يقسم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم ويدل عليه أيضا بعض الأخبار الآتية كما أنه يدل على أن لله تعالى و
لرسوله ولذي القربى ثلاثة أسهم كما هو محط النظر في الاستدلال غير ذلك من الروايات فما حكى عن شاذ من أصحابنا من أنه اسقط سهم رسول الله صلى الله عليه وآله ضعيف بل لم يعرف
قائله وقد حكى عن بعض استظهار كونه ابن الجنيد واعتراضه شيخنا المرتضى (ره) بان المحكى عن ابن الجنيد في المختلف موافقة المشايخ الثلاثة وباقي علمائنا وربما يظهر من
عبارة المدارك ان هذا القائل اسقط سهم الله تعالى ففي المدارك قال وحكى المصنف والعلامة عن بعض الأصحاب قولا بأنه يقسم خمسة أقسام سهم لرسوله وسهم
ذي القربى لهم والثلاثة الباقية لليتامى والمساكين وأبناء السبيل والى هذا القول ذهب أكثر العامة واختلفوا في سهم النبي صلى الله عليه وآله بعد وفاته فقال قومه انه يصرف في
المصالح كبناء القناطر وعمارة المساجد ونحو ذلك وقال آخرون انه يسقط بموته عليه السلام وقال بعضهم أنه يكون لولى الامر بعده انتهى وكيف كان فلا
ريب في ضعف القول المزبور بل فساده وان كان قد توهمه صحيحة ربعي بن عبد الله بن جارود عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اتاه المغنم
اخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي منه خمسة أخماس ويأخذ خمسه ثم يقسم الأربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ثم يقسم الخمس الذي اخذه خمسة
أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يعطى كل واحد منهم حقا وكذلك الامام
يأخذ كما يأخذ الرسول صلى الله عليه وآله ولكنك خبير بأنه لا ظهور في هذه الصحيحة في أنه ليس لرسول الله صلى الله عليه وآله سهم فضلا عن صلاحية المعارضة للنصوص المستفيضة
المعتضدة بظاهر الكتاب بل هي بنفسها مشعرة أو ظاهرة في أن الأسهم انما هي على ما فرضه الله تعالى في كتابه ولكنه صلى الله عليه وآله كان يكتفى في مقام القسمة بسم الله
144

فيأخذه لنفسه ويقسم الباقي وان شئت قلت في الجواب عن هذه الصحيحة تبعا للعلامة وغير واحد ممن تبعه على ما حكى عنهم بأنه حكاية فعل فلعله صلى الله عليه وآله اخذ دون حقه
توفيرا للباقي على باقي المستحقين وما عن جماعة منهم صاحب المدارك من استبعاده بمنافاة ذلك لقوله صلى الله عليه وآله في ذيل الرواية وكذلك الامام يأخذ كما اخذ الرسول صلى الله عليه وآله
استبعاد لغير البعيد مع أن المنساق إلى الذهن من قوله عليه السلام وكذلك الامام الخ بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن ان الامام أيضا كان كرسول الله صلى الله عليه وآله كان
يستوفى سائر السهام ما عدى سهمه لا سهم الرسول صلى الله عليه وآله وكيف كان فهذا مما لا شبهة فيه ثم إنه صرح غير واحد بل عن مجمع البيان وكنز العرفان وغيرهما دعوى الاجماع على أنه
في حيوة النبي صلى الله عليه وآله ثلاثة من تلك الأقسام الستة للنبي عليه واله والسلام وهى سهم الله تعالى وسهم رسوله وسهم ذي القربى اما اختصاص سهم الله برسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيدل
عليه جملة من الاخبار التي تقدم بعضها مما وقع فيه التصريح بان ما كان لله فلرسوله وان رسوله به أحق وظاهرها الاختصاص ما في بعضها
من التصريح بانتقاله بعد النبي إلى الامام وراثة فما يوهمه خبر زكريا الآتي من أن الرسول يتولى امره ويضعه في سبيل الله لا بد من تأويله أو رد علمه إلى أهله مع
انا سنشير إلى أن هذه الرواية يلوح منها اثر التقية واما اختصاص سهم ذوى القربى بالرسول صلى الله عليه وآله في حياته فلا يهمنا تحقيقه فضلا عن معرفة وجهه وكيف كان فالمشهور
بين أصحابنا ان المراد بذى القربى في هذا الباب هو الإمام عليه السلام بل عن الانتصار ومجمع البيان دعوى الاجماع عليه وعن كنز العرفان انه قول أصحابنا ويدل عليه مضافا
إلى عدم خلاف يعتد به فيه جملة من الاخبار التي تقدم بعضها كموثقة ابن بكير ومرفوعة أحمد بن محمد ومرسلة حماد وغير ذلك من الروايات التي يمكن استفادته منها
مما لا يخفى على المتتبع وربما يؤيده أيضا وقوع التعبير في الكتاب العزيز عنه بلفظ الفرد ومقابلته مع اليتامى والمساكين وابن السبيل مع أنه المراد منهم أيضا أقرباء
النبي صلى الله عليه وآله فلا يناسبها إرادة مطلق أقربائه من ذي القربى الذي جعل له سهم مخصوص هذا مع أن العمدة في الباب هي الاخبار المفسرة له المعتضدة بما عرفت فما حكى عن
ابن الجنيد من أنه لم يجعل هذا السهم لخصوص والامام بل لمطلق أقارب النبي صلى الله عليه وآله من بني هاشم كما حكى هذا القول عن الشافعي بزيادة المطلب مع هاشم ضعيف وان كان
قد يوهمه بعض الأخبار كخبر زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن قول الله عز وجل واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فقال اما خمس الله عز وجل فللرسول يضعه في سبيل الله واما خمس الرسول فلا قاربه وخمس ذوى القربى فهم
أقربائه وحدها واليتامى يتامى أهل بيته فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم واما المساكين وابن السبيل فقد عرفت انا لأنا كل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء
السبيل وخبر محمد بن مسلم المروى عن تفسير العياشي عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن قول الله عز وجل واعلموا انما غنمتم من شئ فان الله خمسه وللرسول ولذي
القربى قال هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله فسألته منهم اليتامى والمساكين وابن السبيل قال نعم وغير ذلك من الروايات التي فسر فيها ذي القربى بقرابة النبي صلى الله عليه وآله على الاطلاق
مع وقوع التعبير في بعضها بصيغة الجمع الظاهرة في المتعدد ولكن المتعين صرف ما كان من هذا النحو من الاخبار إلى ما لا ينافي الأخبار المتقدمة المعتضدة بما عرفت
المصرحة بان نصف الخمس كملا للامام والحجة مع أن الذي يغلب على الظن ان الاخبار الموهمة للخلاف مشوبة بالتقية فان المقام من أوضح ما يناسبه ذلك فان
من الواضح انه لم يكن للحجج الذين صدرت منهم هذه الأخبار والتظاهر بدعوى الاختصاص فلم يكن لهم بد في الموارد التي لم يحصل لهم الا من من إذاعة سرهم الا
بالقاء كلمات متشابهة اما ترى ان امارات التقية والتورية من خبر زكريا بن مالك لائحة فكأنه أريد بقوله فقد عرفت انا لا نأكل الصدقة إلى اخره تنبيه أولى
الألباب بالقاء هذه العبارة المشبهة لمن لا يعقل على أن المراد بالمساكين وأبناء السبيل مساكينهم وأبناء سبيلهم الذين لا يحل لهم الصدقة التي هي قسيم الخمس
الذي أكرم الله به بني هاشم وجعل منه لنفسه سهما اعظاما لبنى هاشم وجبرا لقلوبهم فسوق التعبير وان كان يوهم الخلاف ولكنه عليه السلام علله بعلة تهدى
العارفين إلى الصواب وكذا قوله عليه السلام في صدر الحديث اما خمس الله عز وجل فللرسول يضعه في سبيل الله لا يبعدان يكون تورية أريد صرفه في مؤنته التي هي من
أوضح سبل الله تعالى ويظهر بالتدبر فيما أسلفناه في مبحث المواقيت عند التكلم في الغروب انه في مثل هذه الموارد لا يصلح الاخبار المناسبة لمذهب العامة وان كانت
صحيحة صريحة مستفيضة بل متواترة لمعارضته ما ينافيها فضلا عن مثل هذه الأخبار القابلة للتأويل فلا ينبغي الاستشكال فيما ذكر اغترارا بما يوهمه اطلاق
الآية والاخبار المنافية له في الظاهر وكذا لا ينبغي الارتياب في أن ما كان للنبي صلى الله عليه وآله من سهمه وسهم الله تعالى بعده للامام القائم مقامه كما هو صريح جملة من الأخبار المتقدمة
فنصف الخمس كملا في هذه الاعصار لامام العصر عجل الله فرجه سهمان له بالوراثة وسهم مقسوم له من الله تعالى كما وقع التعبير بذلك في بعض تلك الأخبار
فما عن الشافعي من انتقال سهم رسول الله بعد موته إلى المصالح كبناء القناطر وعمارة المساجد وأهل العلم والقضاة وأشباه ذلك وعن أبي حنيفة من السقوط أصلا
انما يتجه على قواعدهم لا على أصولنا واما ما حكى عن ثانيهما خاصة من سقوط سهم ذي القربى بموت النبي صلى الله عليه وآله فهو بحسب الظاهر مما لا يتجه ولو على قواعدهم
فليتأمل ثم إن الأسهم الثلاثة التي دلت الأدلة على أنه بالفعل سهم امام العصر عليه السلام من حيث إمامته انما هي الأسهم الثلاثة الثابت في الخمس من حيث هو فلا تتمشى
في الخمس الذي قبضه النبي صلى الله عليه وآله أو الأئمة الماضية عليهم السلام فإنه يقبضهم صار ملكا لهم في عرض سائر املاكهم وخرج عن موضوع السهام الثابتة في الخمس واندرج في موضوع
اية المواريث ومن هنا يعلم أن ما كان قد قبضه النبي صلى الله عليه وآله أو الامام الماضي عليه السلام حاله من الأسهم الثلاثة كغيره مما تركه بعد وفاته ينتقل إلى وارثه على حسب ما
يقتضيه اية المواريث لا اية الخمس والله ورسوله وأهل بيته اعلم وثلاثة من الأسهم الستة وهى نصف الخمس للأيتام والمساكين وأبناء السبيل من أقارب النبي صلى الله عليه وآله ممن حرم
عليهم الصدقة بلا خلاف فيه على الظاهر بيننا كما يدل عليه النصوص الكثيرة التي تقدم جملة منها نعم حكى عن ابن الجنيد انه جعلها مع استغناء ذوى القربى لمطلق
الأيتام والمساكين وأبناء السبيل وفيه ما لا يخفى فإنه ان استند في ذلك إلى اطلاق الكتاب واغمض عما ورد في تفسيره فلا وجه لتقيده باستغناء ذوى القربى وان
استند إلى الاخبار المفسرة له فمقتضاها قصر الخمس على بني هاشم وعدم التعدي عنهم خصوصا بعد الالتفات إلى ما وقع في بعضها من التصريح بان الزائد عما
يحتاجون إليه للإمام عليه السلام وعلى الامام تكميل ما نقص كقوله عليه السلام في مرسلة حماد المتقدمة وله يعنى للامام نصف الخمس كملا ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته فهم
145

ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب والسنة ما يستغنون به في سنتهم فان فضل عنهم شئ فهو للوالي وان عجز أو نقص عن
استغنائهم كان على الوالي ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به و انما صار عليه ان بمؤنهم لان له ما فضل عنهم الحديث وقيل يقسم الخمس خمسة أقسام كما
نبهنا عليه انفا وأشرنا إلى أنه لم يعرف قائله منا كما اعترف به غير واحد نعم هو محكى عن الشافعي وأبي حنيفة وكيف كان فقد ظهر مما سبق ان القول الأول مع كونه
اشهر بل المشهور بيننا لو لم يكن مجمعا عليه هو الأصح ويعتبر في الطوائف الثلث انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة فلو انتسبوا بالام خاصة لم يعطوا شيئا من
الخمس على الأظهر الأشهر بل المشهور بل لم يتحقق الخلاف فيه الا من السيد حيث ذهب إلى استحقاق المنتسبين بالام أيضا وربما نسب هذا القول إلى ابن حمزة
أيضا وعن الحدائق صريحا اختياره ونسبته إلى كثير من الأصحاب مصرحا بأسمائهم فكأنه بنى الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في صحة اطلاق اسم الولد على ولد
البنت حقيقة فنسب القول بالاستحقاق إلى كل من استظهر من كلماته في باب الوقف أو المواريث أو الوصية ونحوها التزامه بالصدق الحقيقي كالأشخاص
الذين عدد أسمائهم وليس الامر كذلك فان بعض من اختار صدق الاسم حقيقة صرح بعدم استحقاقهم من الخمس شيئا فلا ملازمة بين القولين والأقوى
عدم استحقاقهم للخمس سواء قلنا بكون اطلاق الابن أو الولد على ابن البنت على سبيل الحقيقة أو التجوز ولا يهمنا البحث عن أن الاطلاق حقيقي أو مجازى
بل نقول ظاهر النصوص والفتاوى بل صريحهما المباينة بين مستحقي الخمس والصدقة الواجبة وان الله تعالى حرم الزكاة والصدقة على بني هاشم وجعل لهم
الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس فالعبرة باستحقاق للخمس اندراجه عرفا في عنوان بني هاشم وبنى عبد المطلب كما وقع التعبير بهذين في غير واحد من النصوص
والمتبادر من اطلاق بني هاشم أو بنى عبد المطلب ما لم يكن المقصود به أبنائه بلا واسطة كما في المقام ليس الا إرادة اشخاص المنتسبين إليه كبني تميم وبنى سعد وبنى
كنانة وغير ذلك من أسماء القبائل المنتسبين إلى ابائهم ولا يدور ذلك في العرف مدار صدق اسم الولد وعدمه بل يدور مدار اضافته إلى هاشم بحيث يطلق عليه اسم
الهاشمي في العرف كما وقع التعبير عنه بهذا الاسم في بعض الأخبار مثل ما رواه الشيخ باسناده عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال لو كان العدل ما احتاج
هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ان الله عز وجل جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ثم قال إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة والصدقة ولا تحل لاحد
منهم الا ان لا يجد شيئا ويكون ممن يحل له الميتة ومن الواضح ان النسبة من طرف الام غير محفوظة ولا ملحوظة في العرف فمن كانت أمه من بنى تيميم وأبوه
من بنى سعد يعد عرفا من بنى سعد لا من بنى تميم ولا أقل من انصراف اطلاق اسم بنى تميم أو تميمي عنه فلا يتناول مثل الفرض اطلاقات الأدلة الدالة على
حرمة الصدقة على بني هاشم وحلية الخمس لهم نعم لو فرض شخص مثل عيسى عليه السلام لم يكن له النسبة إلى أحد الا من قبل أمه لا يبعد ان يعد عرفا من قبيلها والحاصل
ان المدار في هذا الباب على اندراجه في منصرف اطلاق اسم الهاشمي أو بني هاشم ولا يكفي في ذلك مجرد تولده منه وكونه من ذريته كما يشهد لذلك مضافا
إلى مساعدة العرف عليه في مرسلة حماد المتقدمة ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له وليس له من الخمس شئ
لان الله تعالى يقول ادعوهم لآبائهم وضعف سنده بالارسال مجبور بالشهرة المعتضدة بعدم خلاف يعتد به في المسألة مع أن المرسل من أصحاب الاجماع
ويؤيده أيضا بل يشهد له انه لو كان الانتساب إلى بني هاشم من قبل الام موجبا لحرمه الصدقة وإباحة الخمس لاشتهر ذلك من الصدر الأول واستقرت السيرة
على ضبط النسبة وحفظها مع أنه ليس كذلك فعدم اشتهار مثل هذا الحكم مع عموم الابتلاء به فضلا عن اشتهار خلافه وكذا عدم جريان عادة المتشرعة
على حفظ هذه النسبة وضبطها كجريان عادتهم على حفظها من طرف الأب من أقوى الشواهد على أنه ليس لها هذا الأثر في الشريعة وكيف كان فلا ينبغي
الاستشكال في الحكم وربما يورد أيضا على السيد ومن تبعه بأنه لو كان انتسابه بالام موجبا لاندارجه في موضوع الهاشمي الموجب لاستحقاقه للخمس لكان انتسابه
بأبيه أيضا موجبا لاندراجه في موضوع التميمي أو الأموي أو غير ذلك ممن تحل له الصدقة وهما متنافيان لتطابق النصوص والفتاوى على أن الله عز وجل أحل الخمس
لمن حرم عليه الصدقة فلا يتصادقان في مورد ويدفعه ان مناط حلية الخمس وحرمة الصدقة إنما هو صدق اسم الهاشمي عليه لاختصاصه بهذا الاسم وليس استحقاقه
للزكوة والصدقة منوطا باندراجه تحت عنوان خاص حتى يتحقق المعارضة فاستحقاقه الزكاة والصدقة موقوف على عدم اندراجه في موضوع الهاشمي الذي
جعل له الخمس فلو سلمنا اندراجه في منصرف الهاشمي الذي دلت الأدلة على استحقاقه للخمس فلا يتوجه الاشكال عليه من هذه الجهة كما لا يخفى ثم إن المدار على
ما يظهر بالتدبير في النصوص والفتاوى على انتسابه إلى هاشم لكن بني هاشم بحسب الظاهر على ما صرح به بعض ويظهر من آخرين محصورون في بنى عبد المطلب ولذا
خصهم المصنف بالذكر كما سيأتي الإشارة إليه والى توجيه بعض الأخبار الموهمة لاختصاص الخمس باهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ولد على وفاطمة عليهما السلام
ولا يجب استيعاب اشخاص كل طائفة من الطوائف الثلث بلا شبهة بل بلا خلاف فيه في الجملة على الظاهر كما يظهر من كلماتهم ففي المدارك قال في شرح العبارة
ما لفظه هذا هو المعروف من مذهب الأصحاب لان المراد من اليتامى والمساكين في الآية الشريفة الجنس كابن السبيل كما في اية الزكاة لا العموم اما لتعذر
الاستيعاب أو لان الخطاب للجميع بمعنى ان الجميع يجب عليهم الدفع إلى جميع المساكين بان يعطى كل بعض بعضا ويدل عليه أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن أحمد
بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن عليه السلام عن قوله تعالى واعلموا انما غنمتم من شئ فأن لله خمسه قال فما كان لله فللرسول وما كان للرسول فهو
للامام قيل أرأيت ان كان صنف أكثر من صنف كيف يصنع فقال ذلك إلى الامام أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله كيف صنع انما كان يعطى على ما يرى وكذلك الامام
وقال الشهيد في الدروس بعد ان تنظر في اعتبار تعميم الأصناف اما الاشخاص فيعم الحاضر ولا يجوز النقل إلى بلد اخر الا مع عدم المستحق وهذا كلام يقتضى
بظاهره وجوب التعميم في الاشخاص الحاضرين وهو بعيد انتهى ما في المدارك أقول بل يظهر من الخبر المزبور عدم إرادة الملكية والاختصاص من اللام في
الآية الشريفة بحيث يلزمه تخصيص كل سهم بصنفه فضلا عن ملكية لكل شخص شخص من كل صنف كي يلزمه استيعاب الاشخاص كما سيأتي توضيحه في مسألة
146

استيعاب الأصناف انشاء الله وكيف كان فعمدة المستند في المقام بعد الغض عن السيرة والاجماع وكون الخمس المجعول لفقراء بني هاشم بمنزله الزكاة المجعولة
لغيرهم كما سيأتي توضيحه في المسألة الآتية هو ان عدم امكان إحاطة كل شخص بجميع اشخاص الفقراء والمساكين وأبناء السبيل اما لعدم حصرهم أو انتفاء الطريق غالبا
لمعرفة جميع اشخاصهم قرينة قطيعة على عدم إرادة استيعاب الاشخاص كما أن الامر كذلك في كل مورد خصص ما لا بطائفة معنونة بعنوان يتعذر أو يتعسر عادة
الإحاطة بجميع مصاديقها كما لو أوصى بثلاثة أو وقف شيئا على فقراء ذريته أو مرضاهم فضلا عن فقراء البلد أو مطلق الفقراء فإنه لا يتبادر منه الا
إرادة صرفه فيهم لاجعله لكل واحد واحد منهم على سبيل التشريك بحيث لو صرفه المتولي في المعرفين منهم ثم انكشف وجود فقير غيرهم وجب عليهم رد نصيبه كما
هو واضح ولا يقاس ذلك بما لو وقفه على مطلق ذريته فإنه وان كانت دائرة العموم أوسع ولكنه يمكن الإحاطة بهم ومعرفتهم غالبا بخلاف فقرائهم كما لا يخفى
ولكن قد يقال في مثل الفرض ان عدم امكان الإحاطة بالجميع قرينة صارفة للعموم إلى ما يمكن فالمتبادر من الوقف على فقراء العشيرة مثلا انما هو إرادة صرفه
في جميع من يعرفه سهم أو يتمكن من معرفته لا صرفه مطلقا فيهم ولو بصرفه إلى واحد ممن يعرفه مع جريان الباقين كما هو المدعى فإنه خلاف ما يتبادر من اللفظ ويتعلق
به الغرض غالبا في مثل هذه الموارد عليه يبتنى ما يظهر من ذيل العبارة المتقدمة التي نقلها في المدارك عن الشهيد ولكن يتوجه عليه انه ان سلم فهو فيما إذا
كان المال في حد ذاته قابلا لان يقسط على الجميع والا فهو أيضا قرينة على عدم إرادة الاستيعاب بهذا المعنى أيضا كما لو دفع درهما إلى عبده وأمره بان يصرفه في
فقراء البلد فإنه لا يتبادر منه الا إرادة صرفه فيهم على الاطلاق ودعوى ان هذه القرينة أيضا لا يصرف العموم الا إلى ما يمكن ان يوزع عليه الدرهم مكابرة
للوجدان مع أن رادة الجنس من لفظ الفقراء أقرب من إرادة العموم بهذا المعنى منه بلا شبهة وما نحن فيه من هذا القبيل إذ ليس المقصود باية الغنيمة وغيرها
من النصوص الواردة في هذا الباب الا ايجاب الخمس على كل مكلف في كل فرد فرد من افراد الغنيمة ومن الواضح انه لم يكن في صدر الاسلام فضلا عن هذه الاعصار
التي انتشرت فيها فقراء بني هاشم في جميع البلدان خمس افراد الفوائد المكتسبة لآحاد المكلفين غالبا قابلا للبسط على الجميع كما لا يخفى فما عن الحدائق
من الميل أو القول بوجوب الاستيعاب كما قد يوهمه بعض العبائر المحكية عن غيره أيضا مع شذوذه أو مخالفته للاجماع ضعيف بل الظاهر أنه لو اقتصر
من كل طائفة على واحد فضلا عن جماعة جاز إذ المتبادر من الآية ونظائرها بعد تعذر وحملها على إرادة الاستيعاب بالنسبة إلى كل فرد فرد من الخمس
الذي يتنجز به التكليف على آحاد المكلفين انما هو تكليف كل شخص بصرف خمسه إلى جنس هذه الأصناف كما لا يخفى على من راجع العرف في نظائر المقام
ومقتضاه ما عرفت وهنا مسائل الأولى مستحق الخمس هو كل من ولده عبد المطلب الذي انحصر ذرية هاشم عليه السلام في ولده فالمدار على كونه هاشميا كما
عرفته فيما سبق ولكن الهاشميين على ما صرح به في الجواهر ويظهر من المتن محصورون فيمن ولده عبد المطلب عليه السلام ولعبد المطلب على ما قيل عشرة أولاد ولذا
سمى أبو السادة العشرة وهم عبد الله وأبو طالب والعباس وحمزة والزبير وأبو لهب وضرار والغيداق وربما سمى حجل ومقوم والحارث وهو أسنهم ولكن
ربما قيل إنهم أحد عشر بجعل حجل غير الغيداق بل اثنى عشر بإضافة قثم ولكن نسله منهم قد انحصر فيما نبه عليه المصنف (ره) بقوله وهم بنو أبي طالب والعباس و
الحارث وأبى لهب فهؤلاء هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين أكرمهم الله تعالى بان جعل الخمس عوض الصدقات فهم جميعهم يستحقون الخمس الذكر والأنثى بلا
خلاف فيه ولا اشكال كما يشهد له المعتبرة المستفيضة ان لم تكن متواترة وما في كثير من الاخبار من تخصيصه بال محمد صلى الله عليه وآله أو أهل بيته أو ذريته
أو بولد فاطمة عليها السلام وعليهم السلام اما لكونهم الأصل في هذا الحكم أو لولايتهم على الخمس أو غير ذلك من المحامل الغير المنافية له وفي استحقاق بني المطلب أخي هاشم خلاف
وتردد ينشأ من ظهور جملة من الاخبار في اختصاصه ببني هاشم مع ما في بعضها من التصريح بأنهم هن قرابة النبي الذين جعل لهم الخمس مثل قوله عليه السلام في مرسلة حماد
المتقدم نقلها فيما سبق عن العبد الصالح وهؤلاء الذين جعل لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال وأنذر عشيرتك الأقربين وهم بنو
عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد إلى أن قال واما من كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فان
الصدقات تحل له وليس له من الخمس شئ لان الله يقول ادعوهم لآبائهم الحديث إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الظاهرة أو المشعرة بالاختصاص ومن دلالة
بعض الأخبار على الأعم مثل ما رواه الشيخ باسناده عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ان الله عزو
جل جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ثم قال إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة والصدقة لا تحل لاحد منهم الا ان لا يجد شيئا فيكون ممن يحل له الميتة و
ربما يعضده اندراج بني المطلب أيضا عرفا في قرابة النبي فيحتمل ان يكون تخصيصه ببني هاشم في الخبر الأول ونظائره من قبيل تخصيصه بذرية رسول الله صلى الله عليه وآله في
الأخبار الكثيرة التي تقدمت الإشارة إليها والى تأويلها فالجمع بين الاخبار بحمل الحصر المستفاد من الطائفة الأولى على الحصر الإضافي الغير المنافى لاستحقاق
بني المطلب أيضا من أهون التصرفات ولكن مع ذلك أظهره المنع إذ الخبر المزبور وان كان موثقا ولكنه بظاهره مخالف للمشهور إذ لم ينقل القول باستحقاق بني المطلب
الا عن ابن الجنيد وغرية المفيد وموافق لظاهر الخبر المروى من طرق العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال انا وبنو المطلب لم نفترق في جاهلية ولا اسلام وشبك بين أصابعه وقال
بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد فهو مع شذوذه وموافقته للتقية لا ينهض دليلا لقطع الأصل فضلا عن صرف الأخبار الكثيرة عن ظاهرها مع قو احتمال
ان يكون المراد بالمطلبى النسبة إلى عبد المطلب بحذف أول الخبرين كما هو الشان في النسبة إلى المركبات الإضافية وهذا وان كان مقتضاه جعل العطف تفسيرا لا
تأسيسا وهو خلاف الظاهر الا انه لا يبعد ان يقال إن ارتكاب هذه المخالفة للظاهر جمعا بين الاخبار أهون من رفع اليد عن ظاهر الحصر المستفاد من سائر الروايات
خصوصا بعد الالتفات إلى ما عرفت والله العالم المسألة الثانية اختلف الأصحاب بعد اتفاقهم على اختصاص سهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وذي القربى بالامام عليه السلام
في أنه هل يجوز ان يخص بالخمس الذي هو لغير الامام طائفة من الطوائف الثلث قيل بل في الجواهر هو المشهور نقلا وتحصيلا خصوصا بين المتأخرين بل نسب إلى الفاضلين
147

ومن تأخر عنهما نعم وقيل كما عن ظاهر الشيخ في المبسوط وأبى الصلاح لا وعن جمع من المتأخرين الميل إليه وعن صاحب الحدائق اختياره عملا بظاهر الآية وما
ماثلها من السنة فان اللام للملك والعطف بالوا ويقتضي التشريك وإرادة الجنس من اليتامى والمساكين وابن السبيل بشهادة ما عرفت فيما سبق لا يقتضى
صرف الآية عن ظاهرها من هذه الجهة بحمل اللام على إرادة بيان محض الصرف إذ لا مانع عن إرادة الاختصاص من اللام والتشريك من العطف غاية الأمر انه
لم يلاحظ في التمليك والاختصاص الذي أريد من اللام اشخاص كل صنف بل نوعه فهو بمنزلة ما لو صرح بأنه يقسم الخمس ستة أسهم سهم لليتامى وسهم
للمساكين وهكذا فإرادة الجنس اليتامى والمساكين لا ينافي إرادة الاختصاص الملحوظ فيه النوع ولو قيل بأنه لا معنى للاختصاص وتمليك النوع
الا كون هذا النوع مصرفا للمال فهذا هو مراد القائلين بأنه لم يقصد باللام في الآية الشريفة الا بيان المصرف ومقتضاه جواز ان يخص بالخمس طائفة
قلنا بعد التسليم ان هذا أيضا لا يقتضى رفع اليد عن ظهور العطف في التشريك كما لو قال اصرف هذا المال في أهل هذه البلدة وهذه أو هذه
الطائفة وهذه فان ظاهره إرادة الصرف فيهما لا كون المجموع مصرفا بحيث يجوز الصرف في خصوص احدى الطائفتين أو أهل احدى البلدتين كيف ولو
كان المراد باللام في الآية مجرد بيان المصرف بهذا المعنى لجاز صرف مجموع الخمس حتى سهم الإمام عليه السلام أيضا فيمن عداه من الطوائف الثلث مع أنه لا كلام
في اختصاص سهم الامام به وعدم جواز صرفه في غيره هذا مضافا إلى صراحة المعتبرة المستفيضة الواردة في كيفية تقسيم الخمس المتقدمة فيما سبق كمرسلة
حماد وغيرها بان لليتامى سهما وللمساكين سهما ولا بناء السبيل كذلك المعتضدة ببعض الروايات الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهذا كله بظاهره مناف
لحمل اللام في الآية الشريفة ونحوها على مجرد بيان المصرف مع أن البسط على الأصناف موجب للقطع بالفراغ عما اشتغلت الذمة يقينا وهو ايصال
الخمس إلى مستحقيه دون تخصيصه بطائفة أو طائفتين فيجب تحصيلا للقطع بالفراغ هذا غاية ما يمكن ان يستدل به لهذا القول وكفى في وهنه مع وضوح
مستنده مخالفته للمشهور واستدل للمشهور بما في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي المتقدمة في مسألة عدم وجوب الاستيعاب الواردة في تفسير
الآية قال احمد قيل أرأيت ان كان صنف أكثر من ضعف كيف يصنع فقال يعنى أبا الحسن عليه السلام ذلك إلى الامام أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف صنع كان يعطى على ما يرى
وكذلك الامام فان فيها دلالة وجوب البسط وأجابوا عن استدلال الخصم بالآية الشريفة بأنها مسوقة لبيان المصرف كما في اية الزكاة ونوقش في
هذا الجواب بما تقدم توضيحه حلا ونقضا في تقريب دليل الخصم وبان الالتزام به في اية الزكاة لدليل لا يقتضى الالتزام به في اية الخمس هذا ولكنك ستعرف
شهادة النصوص والفتاوى بكون نصف الخمس المجعول الفقراء بني هاشم بمنزلة الزكاة المجعولة لغيرهم فلا وقع لهذا الاعتراض فليتأمل وأورد على الاستدلال
بالخبر المزبور لمذهبهم بعدم صراحته بل ولا ظهوره في جواز التخصيص أقول ولكنها صريحة في عدم وجوب التسوية بين الأسهم ولا بين الاشخاص وهذا
ينافي إرادة الاختصاص والتمليك من اللام على سبيل التشريك بين المتعاطفات إذ لو كان التشريك ملحوظا بين الأنواع لزمه التسوية بين الأسهم
وصرفه كل سهم إلى صنفه قليلا كان أو كثيرا والرواية صريحة في خلافه وان كان الملحوظ فيه المصاديق لزمه الاستيعاب في الاشخاص وقد عرفت ان
هذا مما لا يمكن الالتزام به بالنسبة إلى كل فرد فرد من افراد الخمس مع أن الرواية أيضا كالنص في خلافه إذ لو كان كذلك لأجابه الإمام عليه السلام بالبسط على
الرؤس والحاصل ان قوله عليه السلام ذلك إلى الامام إلى اخره صريح في أنه ليس لكل شخص أو صنف بخصوصه أو صنف بخصوصه مقدار معين من الخمس مجعول من الله تعالى بحيث لم يجز
للمعطى تغييره بالزيادة والنقصان كما في سهم الإمام عليه السلام فهذا يكشف عن انه لم يقصد من الآية بالنسبة إلى الفقراء اليتامى والمساكين وابن السبيل الا ما قصد
من أي الزكاة بالنسبة إليهم من إرادة صرف الحق فيهم على الاجمال كما يؤيد ذلك أيضا ما سنشير إليه لا يقال إن مفاد الآية والروايات الواردة في تقسيم
الخمس ستة أسهم ليس الا اعتبار قسمته كذلك ولا ينافي ذلك جواز التفاوت بين الأسهم بالقلة والكثرة كما التزم به صريحا بعض المتأخرين ممن أوجب
التعميم بين الأصناف لأنا نقول المتبادر من أدلة الخصم بعد تسليم إرادة المشاركة بين الأصناف في الاختصاص والتمليك انما هو ارادته على حسب ما
يقتضيه قاعدة الشركة من استحقاق كل شخص أو صنف مقدارا من الخمس لا يحتمل الزيادة والنقصان فحمل الأدلة على إرادة اختصاص كل صنف أو شخص بشئ
من الخمس بحيث يجوز للمعطى المكلف بالخمس ان يجعل سهم درهما واخر ألفا وبالعكس خلاف ظواهر الأدلة بل ظاهرها إرادة القسمة المتساوية اما على
الرؤس أو الأصناف مع أن ما ذكر منقوض بسهم الامام الذي لا يتحمل الزيادة والنقصان فحمل الأدلة على إرادة التعميم والبسط على الأصناف على
وجه لا ينافيه جواز التفاوت مع مخالفته لقاعدة الشركة ليس بأولى من حملها على إرادة المصرف بالنسبة إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل بل هذا أولى
فالانصاف عدم قصور الرواية عن اثبات مدعى المشهور لولا أن للإمام عليه السلام الولاية على الخمس وأهله وكون امره مطلقا راجعا إليه في حال حضوره كما
ستعرفه في المسألة الآتية فلا يقاس عليه حال من لا ولاية له على الخمس ولا على أهله ولكنه في خصوص خمس ماله بدفعه إلى الامام لدى التمكن منه وايصاله
إلى مستحقيه لدى العجز عن ايصاله إلى الإمام عليه السلام اللهم الا ان يقال إن الذي يظهر من الصحيحة هو انه ليس لسهم كل صنف في حد ذاته حد معين واقعي غير قابل
للزيادة والنقصان بل امره من هذه الجهة راجع إلى الامام لا من حيث إمامته وان له التصرف في كل سهم بحسب رأيه من باب الولاية وكيف كان فالذي يظهر من
النصوص والفتاوى ويقتضيه حكمة الشرعية الخمس المنصوص عليها في النصوص وينطبق عليه الآية بظاهرها هو ان الله تعالى جعل الخمس ستة أسهم متساوية
سهم لله تعالى وسهم لرسوله وسهم لذي القربى وهذه نصف الخمس كملا وهو بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم للإمام عليه السلام كما عرفته فيما سبق والثلاثة أسهم الباقية جعل سهما
منها ليتامى بني هاشم وسهما لمساكنهم وسهما لأبناء سبيل ولكن لا لخصوص أشخاصهم من حيث هي كي يكون لخصوصية الاشخاص مدخلية في الاستحقاق كما في
الأسهم الثلاثة التي هي للامام ولا لاندراجهم تحت هذه العناوين من حيث هي بحيث يكون لصدق العنوان عليهم دخل في الاستحقاق بل ملاك الاستحقاق
148

في الطوائف الثلث قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وافتقارهم إلى الخمس في مؤنتهم كما نطق بذلك كله مرسلة حماد الطويلة ففيها قال عليه السلام ويقسم بينهم الخمس على
ستة أسهم سهم لله تعالى وسهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسخم لأبناء السبيل فسهم الله وسهم رسول الله لأولي الامر من
بعد رسول الله وراثة وله ثلاثة أسهم سهمان وراثة وسهم مقسوم له من الله تعالى فله نصف الخمس كملا نصف الخمس الباقي بين أهل بيته فسهم ليتاماهم وسهم
لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب والسنة ما يستغنون به في سنتهم فان فضل عنهم شئ فهو للوالي وان عجزا ونقص عن استغنائهم كان
على الوالي ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به وانما صار عليه ان يمؤنهم لان له ما فضل عنهم إلى أن قال فهؤلاء الذين جعل لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
الذين ذكرهم الله فقال وأنذر عشيرتك الأقربين إلى أن قال وليس في مال الخمس زكاة لان فقراء الناس جعل ارزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم
فلم يبق منهم أحد وجعل للفقراء قرابة الرسول الله صلى الله عليه وآله نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس وصدقات النبي وولى الامر فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من
فقراء قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا وقد استغني فلا فقير الحديث إلى غير ذلك من الروايات الدالة على أن الله تعالى حرم على بني هاشم الصدقة وجعل لهم مكانها الخمس ليغنيهم
به عن أن يصير هم في موضع الذل والمسكنة وقضية ذلك أنه لو كان الخمس الواصل بيد من يتولى صرفه إليهم وافيا بمؤنة جميع فقرائهم وجب بسطه على جميعهم
وإذا تعذر ذلك ولم يف الا بمؤنة البعض وجب صرفه في البعض منهم ولا يتفاوت الحال حينئذ بين ان يكون مجموع ذلك البعض من صنف واحد أو من مجموع
الأصناف لاتحاد ملاك الاستحقاق ووجوده في الجميع فيكون المكلف مخيرا في التعيين عند عدم وفائه الا بحاجة البعض فتكون الآية والروايات الواردة
في هذا الباب بمنزلة ما لو أوصى شخص بصرف نماء ثلاثة في كل سنة نصفه في تعزية سيد الشهداء عليه السلام مثلا ونصفه الاخر في فقراء ذريته وكان ذلك النصف بمقتضى
العادة وافيا بمؤنة فقراء ذريته إلى اخر الأبد وكانت ذريته محصورة في ولد زيد وعمرو وبكر فجعل لفقراء ذريته من نسل كل منهم من ذلك النصف ثلاثة ثم
صرح بعد ذلك بان غرضه من هذه الوصية ان لا يبقى أحد من ذريته محتاجا في مؤنته إلى الصدقة وان يصير أحد منهم في موضع الذل والمسكنة فان زاد عن
مؤنتهم شئ صرف أيضا في التعزية كشف ذلك عن أن تثليث السهام لم يكن الا لزعمه كفاية كل سهم لكل صنف فلو فرض احتياج صنف منهم في زمان إلى أكثر
من سهمه بعكس صنف اخر أو انحصر الفقراء من ذريته في هذا الصنف واحتاجوا في معيشتهم إلى صرف جميع الربح صرف الربح فيهم على حسب ما يحتاجون إليه ولو
فرض نقصان الربح وعدم امكان صرفه الا في مؤنة عدة آحاد منهم لا يختلف الحال حينئذ بين ان يكون تلك الآحاد مجموعها من صنف واحدا ومن مجموع الأصناف
كما لا يخفى على المتأمل وربما يؤيده أيضا قوله صلى الله عليه وآله في خبر عيسى بن المستفاد الآتي في مسألة مصرف سهم الإمام عليه السلام فمن عجز أي عن ايصال الخمس إلى ولى
المؤمنين ولم يقدر الا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة الحديث فإنه كاد يكون صريحا في عدم وجوب البسط على
الأصناف هذا كله مع اعتضاده بالسيرة والشهرة فلا ينبغي الاستشكال في عدم وجوب بسطه على الأصناف أيضا وان كان هو أحوط المسألة الثالثة يجب
ايصال جميع الخمس إلى الإمام عليه السلام حال حضوره والتمكن من ايصاله إليه كما يدل عليه كثير من النصوص المتقدمة في طئ المباحث السابقة فهو يتولى امره على
حسب ما يقتضيه تكليفه وقد صرح كثير من الأصحاب بل المشهور بأنه يقسم الإمام عليه السلام نصف الخمس الذي هو سهم الطوائف الثلث على الطوائف كلها قدر
الكفاية مقتصدا فان فضل منه شئ كان له وان أعوذ أتم من نصيبه كما وقع التصريح بذلك في مرسلة حماد المتقدمة انفا ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر المضمرة
وفيها قال فالنصف له خاصة والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة وعوضهم الله مكان ذلك بالخمس فهو
يعطيهم على قدر كفايتهم فان فضل شئ فهو له وان نقص عنهم ولم يكفهم أتمه له من عنده كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان وضعف سند هما غير قادح في
التعويل بعد اعتضاده بما عرفت مع كون المرسل من أصحاب الاجماع ومنع ابن إدريس (ره) كون الفضل له والنقصان عليه لمخالفته للأصول والقواعد الشرعية وهو
متجه على أصله فإنه لا يعمل باخبار الآحاد فضلا عن مثل هذه المراسيل وربما استحسن رأيه أو توقف فيه غير واحد من المتأخرين ممن لا يرى جواز العمل الا بالأخبار الصحيحة
كصاحب المدارك وغيره وكيف كان فلا يترتب على تحقيقه فائدة مهمة وربما يفرع عليه جواز صرف سهم الإمام عليه السلام في فقراء الهاشميين وكون ما فضل
عن حاجتهم ملحقا بسهم الإمام عليه السلام وعدم جواز اعطاء هاشمي أكثر من مؤنة سنته وفي الجميع نظر إذ المفروض في مورد الخبرين صورة بسط يد الامام ونقل كل الخمس
أو معظمه إليه بحيث يسعه القيام بمؤنة جميع فقراء الهاشميين من سهمهم ولو بتتميم النقص من نصيبه كسائر السلاطين القاهرين الذين ينقل إليهم الخراج ويصرفونه
في مصارفه فلا يتناول مثل هذه الاعصار التي لا يصل بيده من يتولى تقسيمه اما ما كان أو غيره أم صاحب المال الا أقل قليل فهل ترى انه يفهم من الخبرين انه كان
على الإمام عليه السلام في مثل هذا الفرض مؤنة جميع فقراء الهاشميين من ما له المختص به والا لكان الإمام عليه السلام عند قصور يده من أفقر الناس ضرورة عدم وفاء ما
في يده أمواله عادة بمؤنة ما يحتاج إليه الهاشميون بالفعل في عصره مع أنه خلاف ما صرح به في بعض الأخبار بل خلاف ما علم بالضرورة من عدم قيامهم في
الظاهر حال قصور يدهم بمؤنة الجميع فلعله لذا وقع التعبير عنه في الخبر الأول بالوالي فكأنه أريد بذلك التنبيه على ترتب هذه الثمرة على الخمس على تقدير سلطنة الامام
وولايته في الظاهر لا مطلقا واما مسألة عود الفاضل إليه فهي ثمرة صحيحة ولكنها مجرد فرض لا يكاد يتحقق عادة لها مورد في مثل هذه الاعصار كما هو واضح واما
عدم جواز اعطاء هاشمي أكثر من مؤنته فلعله أيضا كان من اثار بسط يد الامام وقدرته على استيفاء حقهم في كل سنة وايصاله إليهم فان سهمهم الذي جعله
الله لهم من الغنيمة في كل سنة يغنيهم في تلك السنة فإذا تمكنوا من استيفائه بواسطة بسط يد الامام ينتفى عنهم موضوع الفقر فلا يسوغ لهم تناول الزائد كغير هم
ممن كان له مدخل في كل سنة بقدر ما يعيش به فلا يقاس عليه حال قصور اليد وعدم تمكن السيادة من استنقاذ حقهم فإنهم حينئذ كصاحب ضيعة وافية بمؤنته و
لكنها مغصوبة غير مجدية في غنائه فليتأمل المسألة الرابعة ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر وعدم كونه مالكا لما يفي بمؤنته أصلا حتى في بلده أو سائر البلاد التي
149

انقطعت يده عنها بل يكفي في استحقاقه الخمس الحاجة إليه في بلد التسليم ولو كان غنيا في بلده بلا شبهة بل ولا خلاف فيه على الظاهر بل عن المنتهى دعوى الاجماع
عليه بل في الجواهر انه ربما استظهر من اطلاق بعضهم عدم اعتبار الفقر فيه عدم اعتبار هذه الحاجة فيه أيضا فيعطى وان كان غير محتاج بل لعله كاد يكون صريح السرائر
انتهى أقول ولكنه لا يظن بأحد الالتزام بهذا الظاهر فإنه خلاف ما يتبادر من اطلاق ابن السبيل بل لا يطلق اسمه الا على المسافر المنقطع المحتاج فلا يقال
لأرباب المكنة في سفرهم كحضر هم من التجارة ونظائر هم ابن السبيل هذا مع أنه يكفي في اثبات اعتبار الحاجة في بلد التسليم مرسلة حماد المتقدمة المصرحة
بذلك المعتضدة بما دل على أن الخمس جعل للهاشميين عوض الصدقة التي جعل لسائر الفقراء وتمام الكلام في موضوعه وبعض ما يتعلق به كاشتراطه
بعجزه عن الاستدانة ونحوها وغير ذلك في باب الزكاة وهل يراعى ذلك أي الفقر في اليتيم بمعنى الطفل الذي لا أب له قيل بل في الجواهر هو المشهور نقلا ان لم يكن
تحصيلا نعم وقيل كما عن السرائر والمبسوط لا فيعطى اليتيم وان كان غنيا لا طلاق الأدلة والمقابلة والفقير كتابا وسنة وليس هو من الصدقات حتى يختص
بالفقير بل هو من حق الرياسة والامارة ولذا يأخذه الامام مع غنائه والأول مع أنه أحوط أقوى كما يشهد له مرسلة حماد المتقدمة وغيرها مما يدل على أنه عوض
الصدقة إذ المتبادر منه ان مستحقيه مما عدى الامام هم الذين يستحقون الصدقة لولا سيادتهم ومقابلته بالمساكين لا تقتضي المباينة كما في اية الزكاة فإنه
يكفي في حسن المقابلة كونهم كابن السبيل صنفا مستقلا من الفقير مقتضيا لجعل سهم لهم خصوصا مع امكان دعوى انصراف الفقراء إلى البالغين فليتأمل المسألة الخامسة
لا يحل حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق لدى المصنف وجماعة على ما نسب إليهم لا لأحقية مستحقي بلده من غيرهم إذ لا دليل على ذلك بل الأدلة قاضية بخلافه نعم
ربما يستأنس لذلك بما روى في باب الزكاة من أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقسم صدقة أهل البوادي على أهل البوادي وصدقة أهل الحضر على أهل الحضر وفي خبر اخر
لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب ولا صدقة الاعراب للمهاجرين ولكنه محمول في خصوص مورده على الاستحباب فضلا عن أن يتعدى منه إلى الخمس بل لمنافاته
للفورية التي ربما يظهر من كلمات بعضهم الالتزام بوجوبها ولاستلزامه تأخير الحق مع عدم رضا المستحق بل منعه ولكونه تعزيرا بالمال وتعريضا لتلفه ويرد على
الجميع أولا النقض بما لو حمل الخمس إلى مجلس اخر أو محلة أخرى مع حضور المستحق لديه في مجلسه مع أنه لا شبهة في جوازه خصوصا لطلب الاستيعاب والمساواة بين
المستحقين أو الأشد حاجة فإنه يجوز مع هذا القصد بلا شبهة وان استلزم تأخيره شهرا أو شهرين كما في الزكاة وحله انه لا دليل يعتد به على فورية عدى الوجه
الذي تقدمت الإشارة إليه مع أنه منع للحق مع عدم رضا المستحق بل مطالبته وفيه عدم انحصار المستحق فيمن يطلبه ولا يرضى بتأخيره فان من يحمل إليه أيضا ممن يستحقه
وهو لا يرضى الا بذلك فلا مدخلية لرضا اشخاص المستحقين وعدمه بل الامر في تعيين الاشخاص وايصاله إليهم موكول إلى من يتولى امره والمدار في جواز التأخير وعدمه
على ما يستفاد من أدلته وغاية ما يمكن استفادته منها في المقام وكذا في باب الزكاة انما هو المنع عن تأخيره الناشئ عن الاهمال والمسامحة الموجبة لإضاعة الحق
أو مع مطالبته ولى الامر عليه السلام دون ما إذا كان لغرض راجح شرعا أو عرفا غير موجب للاهمال والإضاعة هذا مع أنه قد لا يتوقف حمله إلى بلد اخر إلى مدة أزيد
مما يتوقف عليه بسطه في بلده خصوصا في مثل هذه الاعصار التي تهيا له أسباب لم تكن متعارفة في الاعصار السابقة على وجه قد يتمكن معها المكلف
من حمله إلى أقصى البلاد في مدة يسيرة واما كونه تعزيرا بالمال وتعريضا لتلفه مع أنه غير مطرد ففيه ان هذا لا يقتضى الاثم بل الضمان فإنه يجوز له
تبديله اختيارا فلا يصلح حينئذ ان يكون خطر الطريق مانعا عن جواز حمله لدى تعهده بدفع بدله على تقدير التلف ولذا قوى الجواز في المسالك ووافقه
غير واحد ممن تأخر عنه فقال في المسالك في شرح العبارة والأصح جواز الحمل مطلقا كما مر في الزكاة خصوصا مع طلب المساواة بين المستحقين وفي المدارك
قال والأصح ما اختاره الشارح يعنى صاحب المسالك (ره) من جواز النقل مع الضمان خصوصا لطلب المساواة بين المستحقين والأشد حاجة كما في الزكاة انتهى
وربما يؤيده المعتبرة الواردة في الزكاة الدالة عليه إذا الظاهر عدم الفرق بينهما في ذلك بل ربما يظهر من الجواهر عدم القول بالفصل بين المسئلتين فالقول
بجواز الحمل فيهما لا يخلو عن قوة وان كان الترك أحوط وكيف كان فلو حمل الخمس والحال هذه ضمن وان لم نقل بترتب الاثم عليه كما في الزكاة على حسب ما تقرر
هناك ويجوز الحمل من غير اثم ولا ضمان مع عدم أي عدم المستحق بلا خلاف فيه على الظاهر ولا اشكال كالزكاة ولكن ينبغي تقييد اطلاق كلماتهم بما إذا لم يكن
الطريق مخوفا كما صرح به بعض في باب الزكاة فلا خط المسألة السادسة الايمان معتبر في المستحق على تردد ينشأ من اطلاق الكتاب والسنة بل عمومها الذي لا
يتطرق فيه الخدشة بما في الجواهر من عدم كونه مسوقا لبيان سائر الشرائط المعتبرة في الاستحقاق بل في مقام بيان شرع أصل الحكم أو مستحقيه على سبيل
الاجمال إذ لا يقدح مثل هذه الخدشة في العموم لان اعتبار شرط للاستحقاق فيمن شمله العموم مخالف للأصل ومن تصريح جماعة باشتراط الايمان
بل في الجواهر لا أجد فيه خلافا محققا بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه و يؤيده كون الخمس اكراما من الله تعالى لبنى هاشم عوضهم الله تعالى عن الزكاة التي لا
يستحقها غير المؤمن اجماعا كما ادعاه غير واحد وحيث إن غير المؤمن لا يستحق الاكرام فلا يناسبه شرع الخمس له فلا يبعد دعوى انصرافه اية الخمس كآية المودة
عنه وكون الخمس اكراما لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يراعى فيه المناسبة بينه وبين خصوص اشخاص مستحقيه كما لا يراعى ذلك في تحريم الصدقة عليهم لا يرفع استبعاد
إرادة غير المؤمن المحاد لله ورسوله من عمومات الأدلة فيشكل استفادة حكمه منها وان شمله اللفظ بظاهره فالقول باعتبار الايمان كما هو مظنة
الاجماع ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط واما العدالة فلا تعتبر فيه على الأظهر الأشهر بل المشهور بل في المدارك نسبه إلى مذهب الأصحاب وقال لا اعلم
فيه مخالفا وقد اعترف بهذا غيره أيضا ولكن ربما يستشعر من عبارة المتن حيث جعله الأظهر ولم يرسله ارسال المسلمات وجود الخلاف فيه ولعله لم يقصد
بهذا التعبير الإشارة إلى الخلاف بل نبه بذلك على استناد الحكم إلى ظواهر الأدلة الاجتهادية المبتنية على اعمال الأصول والقواعد الغير المنافية لاحتمال
الخلاف كاصالة العموم والاطلاق الجاريتين في ألفاظ الكتاب والسنة السليمتين عن ورود مخصص أو مقيد عليهما وكيف كان فكفى بما ذكرنا
150

مستندا للحكم ويؤيده السيرة والشهرة بل عدم معروفيته القائل بالاشتراط فالقول به على تقدير تحققه ضعيف محجوج بما ذكر ويلحق بذلك أي بكتاب الخمس
مقصد ان الأول في الأنفال جمع نفل ساكنا ومحركا بمعنى الغنيمة كما عن المصباح وفي القاموس النفل المحركة الغنيمة والهبة جمع أنفال وعن الأزهري النفل
ما كان زيادة عن الأصل سميت الغنائم بذلك لان المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم يحل لهم الغنائم وسميت صلاة التطوع نافلة لأنها
زائدة عن الفروض وقال الله تعالى ووهبنا له اسحق ويعقوب نافلة أي زيادة على ما سال والمراد بها هنا ما يستحقه الإمام عليه السلام على جهة الخصوص كما كان
للنبي صلى الله عليه وآله زيادة على غيره تفضلا من الله تعالى وهى على ما صرح به في المتن خمسة الأرض التي تملك من الكفار من غير قتال سواء انجلى عنها أهلها أو سلموها
للمسلمين طوعا بلا خلاف فيه على الظاهر ويدل عليه اخبار كثيرة منها رواية ابن أبي عمير عن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال الأنفال ما لم يوجف
عليه بخيل ولا ركاب أو قوما صالحوا أو قوم أعطوا ما بأيديهم وكل ارض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وهو للامام من بعده يضعه حيث شاء
وخبر زرارة المروى عن تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام قال الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وعنه أيضا عن أبي أسامة بن زيد عن أبي عبد الله عليه
السلام
قال سألته عن الأنفال فقال هو كل ارض خربة وكل ارض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ومرسلة حماد بن عيسى المروية عن الكافي والتهذيب عن العبد
الصالح عليه السلام قال في حديث طويل وللامام صفو المال ان يأخذ من هذه الأموال صفوها الجارية الفارهة والدابة الفارهة والثوب والمتاع مما يجب أو
يشتهى فذلك له قبل القسمة وقبل اخراج الخمس إلى أن قال وله بعد الخمس الأنفال والأنفال كل ارض خربة قد باد أهلها وكل ارض لم يوجف عليها بخيل
ولا ركاب ولكن صالحوا صلحا وأعطوا بأيديهم على غير قتال وله رؤس الجبال وبطون الأودية والآجام وكل ارض ميتة لا رب لها وله صوا في الملوك
ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب كله مر دود وهو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له الحديث وموثقة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سمعته يقول إن الأنفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم وما كان من ارض خربة أو بطون أودية فهذا كله من الفئ
والأنفال لله وللرسول فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه التي سيمر بعضها في طي المباحث الآتية انشاء الله
وربما يستظهر من بعضها كمصححة حفص المتقدمة ان كل ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب أرضا كان أو غيرها من الأنفال وربما نسبه بعض المتأخرين
إلى الأصحاب وربما يشهد له صحيحة معاوية بن وهب قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف يقسم قال إن قاتلوا عليها
مع أمير امره الامام اخرج منها الخمس لله وللرسول وقسم بينهم أربعة أخماس وان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للامام يجعله حيث أحب
تنبيه وقع التصريح في موثقة سماعة المضمرة بان البحرين من هذا القسم من الأنفال قال سئلته عن الأنفال فقال كل ارض خربة أو شئ يكون للملوك
فهو خاص للامام وليس للناس فيها سهم قال ومنها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وربما ينافي ذلك ما ذكر في كتاب الاحياء كما نبه عليه شيخنا المرتضى (ره)
قال وفي رواية سماعة ان منها البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب الا ان المذكور في كتاب الاحياء ان البحرين اسلم أهلها طوعا فهي كالمدينة المشرفة
ارضها لأهلها وقد صرح في الروضة بالأول في الخمس وبالثاني في احياء الموات فلعله غفلة انتهى والأرضون الموات عرفا وربما عرفوها بالتي لا ينتفع
بها لعطلتها بانقطاع الماء عنها أو استيجامها أو استيلاء الماء عليها أو التراب أو الرمل أو ظهور السبخ فيها أو غير ذلك من موانع الانتفاع و
ملخصه كل ارض معطلة غير ممكن الانتفاع بها الا بعمارتها واصلاحها سواء ملكت ثم باد أهلها أو لم يجر عليها ملك كالمفاوز وسيف البحار بالكسر
أي ساحلها غالبا واحتمال ارادته قسما مستقلا لا المثال للأرضين الموات التي لم يجر عليها ملك يبعده انه على هذا التقدير تزيد الاقسام عن الخمسة مع أنه
لا دليل عليه بخصوصه بل ظاهره بمقتضى حصره الأنفال في الخمسة جعل الأقسام الثلاثة الآتية أيضا مثالها فيعتبر حينئذ في كونها من الأنفال صدق
كونها من الموات عرفا كما هو الغالب فيها وفيه بحث سيأتي تحقيقه إنشاء الله ويدل على كون الأرضين الموات مطلقا من الأنفال مضافا إلى عدم الخلاف
فيه ظاهرا بل عن كثير من الأصحاب دعوى الاجماع عليه أغلب الأخبار المتقدمة وغيرها من النصوص الكثيرة الآتية ثم إن التقييد بكون الأرض الميتة
المملوكة مما باد أهلها في المتن وغيره بحسب الظاهر للاحتراز عما كان لها ما لك معروف فإنها له بلا خلاف فيه على الظاهر ولا اشكال لو لم يكن ملكه لها
بالاحياء واما لو كانت مملوكة بالاحياء ففي زوال ملكيتها بعروض الخراب لها ورجوعها إلى ملك الإمام كما كان قبل الاحياء وعدمه قولان في باب الاحياء
لا يخلو ثانيهما عن قوة وتحقيقه موكول إلى محله ولو ماتت عمارة المفتوحة عنوة فالظاهر أنه كالملك الخاص المملوك بالنواقل في عدم صيرورتها للامام
كما عن بعض التصريح به بل عن السرائر نفى الخلاف فيه فاطلاق ان الموات له عليه السلام في بعض النصوص والفتاوى محمول على الموات بالأصل أو بالعارض مع بواد
أهلها أو معروفيتهم إذا كان الملك بالاحياء على أحد القولين كما يشهد له جملة من الاخبار المقيدة للأرض الخربة ببوار أهلها كالمرسلة المتقدمة وغيرها
مما ستعرفه وربما يستشعر بل يستظهر من بعض النصوص والفتاوى ان الأرض التي باد أهلها انما تصير نفلا إذا عرضها الخراب مع أن الأظهر انها تصير
نفلا بمجرد بواد أهلها وان بقيت عامرة لا لمجرد اندراجها في ميراث من لا وارث له بل لوقوع التصريح في بعض الأخبار بان كل ارض لا رب لها من الأنفال
وهى للامام كما في خبر أبي بصير الآتي بل في جملة من الاخبار عد من الأنفال كل قرية جلى أهلها أو هلكوا من غير تقييدها بالخراب كخبر حريز المروى عن تفسير العياشي
عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته أو سئل عن الأنفال فقال كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل نصفها يقسم بين الناس ونصفها للرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وعن أبي إبراهيم عليه السلام قال سألته عن الأنفال فقال ما كان من ارض باد أهلها فذلك الأنفال فهو لنا وعن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال لنا الأنفال قلت
وما الا أنفال قال منها المعادن والآجام وكل ارض لا رب لها وكل ارض باد أهلها فهو لنا ولا داعي لتقييد ها بالاخبار التي قيدتها بالخراب إذ
151

لا تنافى بينهما خصوصا مع كون القيد جار مجرى الغالب بل ربما يستشعر من بعض الأخبار ان توصيف الأرض التي باد أهلها بالخراب لكونه لازما عاديا لها لا
لمدخليته في صيرورتها من الأنفال كخبر عبد الله بن سنان المروى عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الأنفال قال هي القرى التي قد جلا أهلها
وهلكوا فخربت فهي الله وللرسول وكيف كان فالذي يقوى في النظر ان كل ارض ليس لها ما لك بالفعل هي نفل سواء كانت ميتة أو محياة وسواء كانت مسبوقة
بملك أحد أم لم تكن كما يؤيد ذلك المستفيضة المتقدمة في صدر الكتاب الناطقة بان الأرض كلها لهم هذا مع أنه لا يترتب على هذا التعميم ثمرة مهمة بالنسبة
إلى الأرض العامرة التي باد أهلها بعد ما ستعرف من أن الإمام عليه السلام وارث من لا وارث اللهم الا ان نلتزم باختلاف العنوانين من حيث المصرف كما
سيأتي التكلم فيه نعم ربما يثمر في المحياة التي لم تدخل في ملك أحد فان مقتضى ما ذكر ناه كونها من الأنفال فيجرى عليها احكامها وان خصصنا الأنفال
بالأرضين الموات كما يظهر من فتاوى الأصحاب فتلحق بالمباحات الأصلية فليتأمل ثم إن ما في اخبار الباب من جعل الأرض التي لا رب لها قسيما للأرض الموات
وكذا الأرض الخراب أو الأرض التي باد أهلها قسما اخر مقابلا لهما انما هو بملاحظة المباينة الجزئية المتحققة بين المفاهيم التي ينصرف إليها إطلاق هذه العناوين
فكأنه أريد بالأرض التي لا رب لها في الروايات التي جعلت قسيما للأرض التي باد أهلها الأراضي التي لم يجر عليها ملك أحد سواء كانت عامرة أو مواتا والله
العالم ومنها رؤس الجبال وما يكون بها من النبات والأشجار والأحجار ونحوها وكذا بطون الأودية والآجام وما يكون فيهما من معدن أو نبات أو غير ذلك
والمرجع في تشخيصها العرف والآجام كما في الروضة وغير ها بكسر الهمزة وفتحها مع المد جمع أجمة بالتحريك وهى الأرض المملوءة من القصب ونحوه والمراد بنحوه سائر
الأشجار لا خصوص ما كان من الأشياء القصب كما هو صريح بعض حيث قال في تفسيرها هي الأراضي المملوءة من القصب وسائر الأشجار ثم قال والمراد منها ما يقال
بالفارسية بيشه وفي شرح القاموس أيضا فسرها بهذه الكلمة فالأرض المملوءة من سائر الأشجار كأنها أظهر مصاديقها كما ربما يؤيد ذلك ما تسمعه من كلمات
اللغويين من تفسيرها بالشجر الملتف وعن المدقق الخوانساري في حاشيته على الروضة قال مشيرا إلى التفسير المذكور انه هو المعروف في معناها وفي القاموس
انها الشجر الكثير الملتف وكأنه سقط منه لفظ ذات انتهى أقول ولكن يبعد احتمال السقط في عبارة القاموس وقوع هذا التفسير في كلام غيره أيضا ففي مجمع
البحرين قال الأجمة كقصبة الشجر الملتف والجمع اجمات كقصبات واجم كقصب والآجام جمع الجمع انتهى وعن المصباح المنير نحوه فلعله من مسامحاتهم في التعبير وكيف
كان فما ذكره الأصحاب في تفسيرها أوثق خصوصا بالنسبة إلى ما أريد بها من اخبار الباب وفتاوى الأصحاب ويدل على كون هذه الثلاثة من الأنفال مضافا
إلى اندراجها غالبا في الأرضين الموات فيعمها أدلتها خصوص قوله عليه السلام في مرسلة حماد المتقدمة وله رؤس الجبال وبطون الأودية والآجام الحديث وخبر داود
بن فرقد المروى عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال قلت وما الأنفال قال بطون الأودية ورؤس الجبال والآجام والمعادن وكل ارض لم يوجف
عليها بخيل ولا ركاب وكل ارض ميتة قد جلى أهلها وقطائع الملوك وعنه أيضا بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال لنا الأنفال قلت وما الأنفال قال منها
المعادن والآجام وكل ارض لا رب لها وكل ارض باد أهلها فهو لنا وعن المفيد في المقنعة عن محمد بن مسلم قال في حديث وسألته عن الأنفال فقال كل ارض
خربه أو شئ كان يكون للملوك وبطون الأودية ورؤس الجبال وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكل ذلك للامام خالصا وفي مرفوعة أحمد بن محمد بعد
ان ذكر اختصاص ما كان من فتح لم يقاتل عليه بالامام عليه السلام قال وبطون الأودية ورؤس الجبال والموات كلها هي له الحديث وفي صحيحة حفص بن البختري المتقدمة
عد منها بطون الأودية وكذا في صحيحة محمد بن مسلم أو حسنة وما في الأخبار المتقدمة من ضعف السند مجبور بما عرفت مع أن بعضها صحيحة واختصاص مورد ها
ببعض الثلاثة وهو بطون الأودية غير ضائر بعد عدم القول بالفصل اللهم الا ان يناقش فيه بما سنشير إليه وفي المدارك قال في شرح العبارة واطلاق النص و
كلام أكثر الأصحاب تقتضي اختصاصه عليه السلام بهذه الأنواع الثلاثة من أي ارض كانت ومنع ابن إدريس من اختصاص الإمام عليه السلام بذلك على الاطلاق بل قيده بما
يكون في موات الأرض أو الأرضين المملوكة للإمام ورده الشهيد (ره) في البيان بأنه يفضى إلى التداخل وعدم الفائدة ذكر اختصاصه بهذين النوعين وهو جيد
لو كانت الاخبار المتضمنة لاختصاصه عليه السلام بذلك على الاطلاق صالحة لاثبات الحكم ولكنها ضعيفة السند فيتجه المصير إلى ما ذكره ابن إدريس قصرا لما
خالف الأصل على موضع الوفاق انتهى أقول القائلون بان هذه الثلاثة للامام وان كانت في ملك الغير ان أراد وانها له وان كانت مسبوقة بملك الغير بان صار
ملكه واديا أو أجمة أو جبلا وان كان الأخير كالمحال عادة فيه ان اطلاقات الأدلة منصرفة عن مثل ذلك جزما بل لا يظن بهم الالتزام بذلك نعم ربما يلتزم به القائلون
بخروج الأرض عن مالك مالكه بمطلق الموت إذا كان ملكه بالاحياء لا لاندراجها تحت هذه العناوين بل لصيرورتها خرابا وقد أشرنا انفا إلى ضعفه أيضا وان
أراد وان الغير لا يملكها وان وقعت في ملكه كالجبال والأودية والآجام الواقعة في ملك الغير أولا أراضي المفتوحة عنوة التي هي ملك المسلمين فهو حق كما صرح
بذلك شيخنا المرتضى (ره) فان هذه الثلاثة لا تدخل في ملك الغير وان وقعت فيها كغير ها من الموات الأصلية الواقعة فيه فهذه الثلاثة كغير ها من الموات الأصلية
أينما وجدت مملوكة للامام لاطلاقات أدلتها سواء اندرجت عرفا في موضوع الموات أم لا الا انها بحسب الظاهر يعد عرفا منها ولكن انفراد ها بالذكر في الفتاوى لتبعية
النصوص وفي النصوص لكونها من الافراد الخفية التي ينصرف عنها اطلاق ارض الموات كما أشار إليه المحقق الأردبيلي (ره) فيما حكى عنه حيث قال إن هذه الثلاثة يعنى رؤس
الجبال وبطون الأودية والآجام داخلة في الموات الا ان ذكرها للتوضيح واحتمال صرف الموات إلى غيرها وفي عبارة المتن أيضا إشارة إليه كما تقدم التنبيه عليه
آنفا والله العالم وإذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع وهى الأراضي المقتطعة له أو صفايا أي المنقولات النفيسة التي تكون للملوك فهي للإمام عليه السلام
وهذا بحسب الظاهر هو ثالث الاقسام التي أرادها المصنف وكيف كان فيشهد له جملة من الاخبار التي تقدم كثير منها كمرسلة حماد وموثقة سماعة وخبر داود بن فرقد
المروى عن تفسير العياشي ورواية محمد بن مسلم المروى عن المقنعة وصحيحة داود بن فرقد قال قال أبو عبد الله عليه السلام قطايع الملوك كلها للامام وليس للناس فيها شئ وخبر الثمالي
152

المروى عن تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام قال ما كان للملوك فهو للامام ولا يخفى ان هذا فيما إذا لم تكن القطايع والصفايا مغصوبة في أيديهم من مسلم
أو معاهد محترم المال لقصور الاطلاقات عن شمول مثل ذلك وقضاء الأصول والقواعد بوجوب رده إلى صاحبه مضافا إلى ما في ذيل المرسلة المتقدمة
من التصريح بذلك حيث قال وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب لأن الغصب كله مردود وكذا له ان يصطفى من الغنيمة ما شاء من
فرس جوادا وثوب مرتفع أو جارية حسناء أو سيف فاخر ماض أو غير ذلك ما لم يحجف ولقد أجاد في المدارك حيث قال هذا القيد مستغنى عنه بل كان
الأولى تركه ويشهد للمدعى مضافا إلى عدم الخلاف فيه بيننا على الظاهر بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا أجمع جملة من الاخبار كصحيحة ربعي عن
أبي عبد الله عليه السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ اتاه المغنم اخذ صفوه وكان ذلك له إلى أن قال وكذلك الإمام عليه السلام يأخذ كما اخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال سئلته عن صفو المال قال الامام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفارة والسيف القاطع والدرع قبل ان تقسم الغنيمة فهذا صفوا المال وموثق أبى الصباح
الكناني قال قال أبو عبد الله عليه السلام نحن قوم فرض الله طاعتنا لنا الأنفال ولنا صفو المال الحديث وكأنه من عطف الخاص على العام تنبيها على مزيد اختصاصه
بذلك ردا على العامة القائلين بسقوط ذلك بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما نبه عليه في الجواهر وفي مرسلة حماد المتقدمة وللامام صفو المال ان يأخذ من هذه الأموال
صفوها الجارية الفارهة والدابة الفارهة والثوب والمتاع مما يشتهى فذلك له قبل القسمة الحديث والبحث عن اشتراط جوازه بما إذا كان هناك مال اخر
للغانمين وأن يكون لذلك المال في حد ذاته شانية الاصطفاء كالأمثلة المذكورة في الروايات وغير ذلك مما يتعلق بالمقام صرف للغمر لا يترتب على تحقيقه
فائدة مهمة كما هو الشان في كل مقام جرى الكلام في بيان تكليف الامام الذي هو والمرجع في بيان الاحكام من غير أن يكون له تعلق بتكليفنا بالفعل كما هو واضح
وما يغنمه المقاتلون في سرية أو جيش بغير اذنه عليه السلام فهو له على المشهور كما في الجواهر وغيره بل عن الروضة والمسالك نفى الخلاف عنه وعن الحلى دعوى الاجماع عليه
والأصل فيه مرسلة العباس الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا
كان للإمام الخمس وضعف سند ها مجبور بما عرفت وقد يستدل له أيضا بمفهوم القيد الوارد في صحيحة معاوية بن وهب أو حسنة بإبراهيم بن هاشم قال قلت
لأبي عبد الله عليه السلام السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف يقسم قال إن قاتلوا عليها مع أمير امره الإمام عليه السلام اخرج منها الخمس لله وللرسول وقسم بينهم أربعة
أخماس وان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للامام يجعله حيث أحب وناقش فيه شيخنا المرتضى (ره) بما لفظه ولا يخفى عدم دلالتها على المطلوب
الا إذا اعتبر مفهوم القيد في قوله مع أمير امره الامام مع تأمل فيه أيضا لأن المفروض ان ضمير قاتلوا راجع إلى السرية التي يبعثها الامام فالقيد لا يكون للتخصيص
قطعا انتهى أقول ولكن ذكر هذا القيد في الجواب مع كونه مفروضا في السؤال مشعر بان له دخلا في الاستحقاق لو لم نقل بكونه ظاهرا في ذلك فالانصاف انه
لا يخلو عن تأييد والعمدة ما عرفت ثم إن صاحب المدارك حكى عن المنتهى تقوية ان هذه الغنيمة تساوى غيرها في أنه ليس فيها الا الخمس واستجوده لا طلاق الآية
وضعف الرواية وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال يؤدى خمسا ويطيب له وأجيب عنه بوجوب
تقييد الاطلاق بما عرفت مع أن في شموله لغير المخاطبين الذين لم يكن جهاد هم الا بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حيث هو بحثا معروفا في الأصول واما الحسنة فلا تصلح
لمعارضته المرسلة المعتضدة بالشهرة مع امكان كون ما تضمنته الحسنة من باب التحليل أو لكون الرجل الذي يكون معهم في لوائهم مأذونا من الإمام عليه السلام
في القتال معهم ولو باستفادته من الاخبار والامرة بالتقية وكذا لا يصلح لمعارضتها ما تطابقت عليه النصوص والفتاوى من المعاملة مع ارض السواد وغيرها
مما فتحت في زمان أهل الجور معاملة الأرض المفتوحة عنوة من الحكم بكونها للمسلمين لامكان حصول القتال فيها بأمر الإمام واجازته كما يؤيد ذلك ما
هو المعلوم من حال بعض أمرائهم من مراجعة الأمير عليه السلام والمشاورة معه في مثل هذه الأمور مع أن الذي يغلب على الظن ان بناء هذه الأحكام في زمان قصور
يد الأئمة عليهم السلام على الاغماض عن حقهم فيما يرجع إليهم من حيث الولاية وترتيب اثر العمل الصحيح على عمل المخالفين الموقوف صحته على اذن ولى الامر واجازته
من باب الارفاق والتوسعة على الشيعة أو غير ذلك من الحكم المقتضية له والحاصل ان مثل هذه الأخبار لا تصلح معارضته للنص الخاص الصريح المعتضد
بالشهرة فما استجوده في المدارك ضعيف واما ما نسبه إلى العلامة في المنتهى فهو المحكي عنه في كتاب الخمس حيث إنه بعد حكاية قول الشافعي بمساواة ما يغنم بغير اذن
الامام لما يغنم باذنه مستدلا بالآية الشريفة والجواب عنها بان الآية تدل على وجوب اخراج الخمس لا بيان المالك قال وان كان قول الشافعي فيه قوة انتهى
لكن المحكى عنه في موضعين من كتاب الجهاد موافقة المشهور بحيث يظهر منه عدم الخلاف فيه بيننا فقال كل من غزا بغير اذن الامام فغنم كانت الغنيمة
للامام عندنا ثم إنه كان على المصنف (ره) ذكر ميراث من لا وارث له غير الامام هنا من الأنفال إذ هو كذلك عند علمائنا أجمع كما عن المنتهى ويدل عليه
صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال من مات وليس له وارث من قبل قرابته ولا مولى عتاقه ولا ضامن جريرته فما له من الأنفال وخبرا بان بن تغلب
قال قال أبو عبد الله عليه السلام من مات ولا مولى له ولا ورثة فهو من أهل هذه الآية يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول والموثقة الآتية
وقوله عليه السلام في مرسل حماد المتقدم وهو وارث من لا وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له إلى غير ذلك من الأخبار الدالة عليه ولعل ترك تعرض المصنف (ره) له هيهنا
اكتفاء بما ذكروه في طبقات الإرث كما أن ترك تعرضه للمعادن هنا بحسب الظاهر بناء منه على عدم كونها من الأنفال بل هي لواجده وعليه الخمس كما يدل
عليه الأخبار المتقدمة في صدر الكتاب ولكن الأصحاب اختلفوا في المعادن فعن الكليني والمفيد والشيخ والديلمي والقاضي والقمي في تفسيره وبعض متأخري
المتأخرين انها من الأنفال مطلقا من غير فرق بين ما كان منها في ارضه أو غيرها وبين الظاهرة والباطنة كما يشهد له جملة من الاخبار منها موثقة
إسحاق بن عمار المروية عن تفسير علي بن إبراهيم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الأنفال فقال هي القرى التي قد خرجت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول
153

وما كان للملوك فهو للإمام عليه السلام وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وكل ارض لا رب لها والمعادن منها ومن مات ولا مولى له فما
له من الأنفال وخبر أبي بصير المروى عن تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام قال لنا الأنفال قلت وما الأنفال قال منها المعادن والآجام وكل ارض لا رب
لها وكل ارض باد أهلها فهو لنا وخبر داود بن فرقد المروى عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال قلت وما الأنفال قال بطون الأودية ورؤس الجبال
والآجام والمعادن وكل ارض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب الخ وعن جملة من الأصحاب بل الأشهر ان الناس فيها شرع سواء فهي باقية على اباحتها
الأصلية سواء كانت في ارض الإمام عليه السلام أوف غيرها نعم الظاهر خروج ما كان في ملك مالك خاص عدى الامام من حيث إمامته عن محل الكلام إذ لا يظن
بأحد الالتزام بكون الناس شرعا سواء في المعدن الواقع في دار زيد مثلا خصوصا إذا لم يكن ملكها في الأصل بسبب الاحياء وكيف كان فقد استدل للقول
المزبور بالأصل بعد تضعيف دليل الخصم بضعف السند في الخبرين الأخيرين واجمال الموثقة واحتمال عود الضمير فيها إلى الأرض التي لا رب لها هذا
مع ما عن بعض النسخ من ابدال منها بفيها فعلى هذا تكون اظهر في إرادة المعنى المزبور فهي لا تصلح دليلا الا للقول المحكى عن الحلى وغيره من التفصيل بين ما كان
في ملك الإمام وعليه السلام وبين غيره وبالسيرة ودلالة أخبار خمس المعادن على صيرورتها ملكا لمن يجوزها وهو ينافي كونها ملكا للامام وحملها على ارادته في خصوص
ما كان في ملكه بعيد والالتزام بكونه من باب التحليل ورضا الإمام عليه السلام بتملكها بالحيازة كتملك الأراضي الموات بالاحياء أيضا لا يخلو عن بعد خصوصا
بالنسبة إلى غير الشيعة أقول لا ينبغي الالتفات إلى ما في هذه الأخبار من القصور سندا أو دلالة بعد استفاضتها واعتضاد بعضها ببعض وبفتوى المشايخ
الثلاثة ونظرائهم من أعاظم الأصحاب وأصحاب الحديث وبالمستفيضة المتقدمة الدالة على أن الأرض وما اخرجه الله تعالى منها كلها للامام فالقول
بأنها من الأنفال هو الأقوى خصوصا ما كان في ارضه فإنه لا ينبغي الارتياب في تبعيته لها خصوصا الظاهرة منها كتبعية ما كان في ملك مالك خاص لملكه كما
تقدمت الإشارة إليه في محله مع أن هذا هو القدر المتيقن مما دلت الموثقة عليه ومن هنا يظهر عدم كون استقرار السيرة على تملكها بالحيازة وكذا ما
يقتضيه الاخبار والواردة في خمس المعادن مانعا عن الالتزام بكونها من الأنفال فإنه يستكشف بالسيرة جواز هذا النحو من الانتفاع في الأرضين الموات
ونحوها مما ليس لمالك مخصوص كما يستكشف بالسيرة جواز سائر الانتفاعات والاخذ من سائر اجزائها وتوابعها من الحجر والشجر والتراب وغير ذلك
وصيرورتها ملكا لاخذها بالحيازة فهذا كاشف اجمالا اما عن رضا ولى الامر عليه السلام بذلك أو كونه حكما الاهيا بحسب أصل الشرع في مثل هذه الأراضي
ما لم يتعلق به نهى خاص عن صاحب الامر عليه السلام نظير جواز بعض التصرفات في الأراضي المتسعة والأنهار العظيمة المملوكة التي يستكشف جوازه بالسيرة القطية
حسب ما عرفته في مكان المصلي من كتاب الصلاة وسيأتي الإشارة إلى أن هذا هو العمدة في جواز التصرف في سائر اقسام الأنفال وان كان اخبار التحليل
الآتية أيضا وافية باثباته في الجميع والله العالم المقصد الثاني في كيفية التصرف في مستحقه من الأنفال والخمس وفيه مسائل الأولى مقتضى
أصول المذهب وقواعده انه لا يجوز التصرف في ذلك أي فيما يستحقه الإمام عليه السلام بغير اذنه ولو تصرف فيه متصرف كان غاصبا ولو حصل له فائدة كانت
للإمام عليه السلام من غير فرق بين زمني الحضور والغيبة كما هو الشان في سائر الاملاك بالإضافة إلى مالكها ولكن وقع الخلاف بين الأصحاب في الأنفال بل في مطلق
ما يستحقه الإمام عليه السلام ولو من الخمس في أنه هل أبيح ذلك للشيعة مطلقا أو في الجملة في زمان الغيبة أو مطلقا على وجوه فعن الشهيدين وجماعة التصريح
بإباحة الأنفال جميعها للشيعة في زمان الغيبة بل نسبه في الروضة والمسالك والذخيرة إلى المشهور استنادا إلى اخبار التحليل الآتية ولكن ناقش
بعض في هذه النسبة بمخالفتها لظواهر كلماتهم بل ستسمع عن الحدائق دعوى الشهرة على خلافه وكيف كان فعن كثير من الأصحاب قصر الإباحة والتحليل
على المناكح والمساكن والمتاجر بل عن الحدائق نسبته إلى ظاهر المشهور قال فيها على ما حكى عنه ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الأنفال بالمناكح
والمساكين والمتاجر خاصة وان ما عدى ذلك يجرى فيه الخلاف الذي في الخمس انتهى وحكى عن المفيد قصر التحليل على المناكح وعن أبي الصلاح في المختلف ما
يظهر منه تحريم الثلاثة أيضا قال فيما حكى عنه ويلزم من تعين عليه شئ من أموال الأنفال ان يصنع فيه ما بيناه من تشطير الخمس لكونه جميعا حقا
للامام فان أخل المكلف بما يجب عليه من الخمس وحق الأنفال كان عاصيا لله سبحانه ومستحقا لعاجل اللعن المتوجه عليه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم واجل
العقاب لكونه مخلا بالواجب عليه لا فضل مستحق ولا رخصته في ذلك بما ورد من الحديث فيها فان فرض الخمس والأنفال ثابت بنص القرآن والاجماع
من الأمة وان اختلف فيمن يستحقه فاجماع آل محمد دال على ثبوته وكيفية استحقاقه وحمله إليهم وقبضهم إياه ومدح مؤديه وذم المخل ولا يجوز الرجوع عن
هذا المعلوم بشاذ الاخبار انتهى أقول ولعل القائلين بالمنع يريدون فيما عدى الأرضين الموات وتوابعها مما لا ينبغي الارتياب في جواز التصرف
فيها بل تملكها بالاحياء والحيازة اتكالا على ما ذكروه في كتاب احياء الموات وكيف كان فالذي يقتضيه التحقيق هو ان ما كان من الأنفال من قبيل الأرضين
الموات والمعادن ورؤس الجبال وبطون الأودية والآجام وتوابعها مما جرت السيرة على المعاملة معها المباحات الأصلية فلا ينبغي الارتياب
في اباحتها للشيعة في زمان الغيبة وقصور اليد عن الاستيذان من الإمام عليه السلام بل مطلق كما يشهد لذلك مضافا إلى السيرة القطعية وعدم الخلاف فيه على الظاهر
وان أوهمه بعض كلماتهم التي تقدمت الإشارة إليها وامكان دعوى استفادته مما دل على ملك الأرض بالاحياء بالفحوى أو بتنقيح المناط وان لا يخلو عن
تأمل جملة من الروايات المعتبرة منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبي سيار مسمع بن عبد الملك في حديث قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انى كنت وليت الغوص فأصبت أربعمأة
ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم وكرهت ان احبسها عنك واعرض لها وهى حقك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا فقال وما لناس من الأرض
وما اخرج الله منها الا الخمس يا أبا سيار الأرض كلها لنا فما اخرج الله منها من شئ فهو لنا قال قلت له انا احمل إليك المال كله فقال لي يا با سيار قد طيبناه
154

لك وأحللناك منه فضم إليك ما لك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا صلى الله عليه وآله فيجبهم طسق ما كان في أيديهم
ويترك الأرض في أيديهم واما ما كان في أيدي غير هم فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا عليه السلام فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة فإنها
صريحة في تحليل الأرض للشيعة إلى أن يقوم القائم عليه السلام ويستفاد منها تحليل ما فيها من المعادن ونحو ها وسائر توابعها بالتبع والفحوى وخبر
يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما لكم من هذه الأرض فتبسم ثم قال إن الله بعث جبرئيل وأمره ان يخرق بابهامه ثمانية
انهار في الأرض منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر الشاس ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات فما سقت أو استقت فهو
لنا وما كان لنا فهو لشيعتنا وليس لعدونا منه شئ الا ما غصب عليه وان ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه يعنى ما بين السماء والأرض ثم تلا هذه الآية
قل هي للذين امنوا في الحياة الدنيا المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيمة بلا غصب وهذا الخبر أيضا كالنص في تحليل الأرض وتوابعها بل ربما
يستظهر منها إباحة جميع ما كان لهم من الخمس والأنفال ونحوها لشيعتهم أخذ بعموم قوله عليه السلام وما كان لنا فهو لشيعتنا وفيه ان المتبادر من سوق الخبر
إرادة العهد من الموصول لا الجنس وعلى تقدير تسليم ظهوره في العموم يتعين صرفه إلى ذلك جمعا بينه وبين الاخبار المنافية له المتقدمة عند التكلم في خمس
الأرباح وخبر داود بن كثير الرقي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا الا انا أحللنا شيعتنا من ذلك وقد
يستدل بهذه الرواية أيضا لتحليل مطلق الأنفال بل كلما يستحقه الإمام عليه السلام ولو من الخمس وفيه انه لا يبعد دعوى انصرافها إلى الاقسام المزبورة من الأنفال
التي يعم الابتلاء بها ويتوقف معيشة عامة الناس عليها أي الأرضين وتوابعها الأمثل خمس الأرباح ونظائرها فضلا عن ميراث من لا وارث له أو صفايا
الملوك ولو سلم ظهورها في العموم يجب صرفها عن ذلك جمعا بينها وبين غيرها مما تقدمت لا إشارة إليه ورواية الحرث بين المغيرة النضري قال دخلت على
أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه فاذن له فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال جعلت فداك انى أريد ان أسئلك عن مسألة والله ما أريد
بها الا فكاك رقبتي من النار فكأنه رق له فاستوى جالسا فقال يا نجية سلني فلا تسئلني اليوم عن شئ الا أخبرتك به قال جعلت فداك ما تقول في
فلان وفلان قال يا نجية ان لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفوا المال وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله وأول من حمل الناس على رقابنا
ودمائنا في أعناقهما إلى يوم القيمة بظلمنا أهل البيت وان الناس يستقلبون في حرام إلى يوم القيمة بظلمنا أهل البيت فقال نجية انا لله وانا إليه راجعون
ثلث مرات هلكنا ورب الكعبة قال فرفع جسده عن الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم افهم منه شيئا الا انا سمعناه في اخر دعائه وهو يقول اللهم
انا قد أحللنا ذلك لشيعتنا ثم اقبل الينا بوجهه فقال يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا والمراد بهذه الرواية بحسب الظاهر تحليل مطلق حقوقهم
من الأنفال والخمس ولكن المتبادر إرادة خمس الغنيمة ونحوه مما استولي عليه أهل الجور لا مطلقا وعلى تقدير ظهورها في الاطلاق يجب صرفه إلى ذلك جمعا
بين الأدلة وقد يستدل بالأخبار الواردة في تحليل الخمس الذي تقدم جملة منها في المبحث المشار إليه حيث يدل غير واحد منها على إباحة حقوقهم مطلقا وما
ورد في خصوص الخمس أيضا يمكن استفادته منه بالأولوية وفيه انه انما يتجه الاستدلال بمثل هذه العمومات الغير القابلة لصرفها عن الخمس فضلا عما ورد
فيه بالخصوص لو قيل بتحليل الخمس وقد عرفت ان الأظهر خلافه وكيف كان ففيما عداها غنى وكفاية ولكن قد أشرنا انفا إلى أن القدر المتيقن الذي يمكن
اثبات اباحته بالأدلة المتقدمة وغيرها من اخبار التحليل التي سيأتي التعرض لها عند التكلم في تحليل المناكح والمساكن والمتاجر خصوصا بعد الالتفات
إلى معارضته عمومات التحليل ببعض الروايات المتقدمة في مبحث الخمس انما هو إباحة التصرف في الاقسام المزبورة من الأنفال التي جرت السيرة على المعاملة
معها معاملة المباحات الأصلية أي الأرضين وتوابعها واما ما عداها من الاقسام وهى الغنيمة بغير الاذن وصفايا الملوك وميراث من لا وارث له
فيشكل استفادة حليتها من تلك الأدلة خصوصا الأخير منها حيث ورد فيه في غير واحدا من الاخبار الامر بالتصدق فمقتضى الأصل بل ظواهر النصوص
الخاصة الواردة فيه عدم جواز التصرف فيه الا بهذا الوجه ولكن هذا فيما لم يجر عليه يد سلطان الجور الذي يرى ولايته عليه والا فالظاهر جواز اخذه
منه بشراء أو هبة أو إجارة ونحوها كغيره من الأموال التي يتولى امره حاكم الجور لشبهة استحقاقه الولاية كما يظهر ذلك مما ورد في حل الخراج وغيره
بل المتدبر في اخبار أهل البيت عليهم السلام يرى أن عمدة ما تعلق به غرض الأئمة عليهم السلام من كثير من الأخبار الواردة في التحليل انما هو تحليل ما ينتقل إلى الشيعة
من المخالفين الذين غصبوا حقهم واستولوا على خمسهم وفيئهم كما هو صريح الخبر الآتي في إباحة المناكح والمساكن المروى عن العسكري عليه السلام ورواية نجية المتقدمة
وغيرهما مما ستسمعه في المبحث الآتي بل استفادة حلية اخذ ما يستحقه الامام خاصة من الأنفال ونحوه من الأدلة الدالة على حلية جوائز الجائز و جواز
المعاملة معهم أوضح من إباحة ما عداه مما يشترك بين المسلمين أو يختص بفقرائهم لكونه أوفق بالقواعد وأقرب إلى الاعتبار وكيف كان فلا ينبغي الارتياب
في أن كل ما كان امره راجعا إلى الإمام عليه السلام ثم صار في أيدي أعدائهم أبيح للشيعة اخذه منهم واجراء أثر الولاية الحقة على ولايتهم كما صرح به في الجواهر
وفاقا لما حكاه عن استناده في كشفه من أنه قال بعد تعداده الأنفال وكل شئ يكون بيد الامام مما اختص أو اشترك بين المسلمين يجوز اخذه من يد
حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات والمعاوضات والإجارات لأنهم أحلوا ذلك للامامية من شيعتهم انتهى ولكن القدر المتيقن انما هو إباحة
اخذه منهم بالأسباب الشرعية بمعنى ترتيب أثر الولاية الحقة على ولايتهم كما تقدمت الإشارة إليه لا استفادة من أيديهم باي نحو يكون ولو بسرقة
ونحوها فان هذا لا يكاد يستفاد من شئ من أدلتها كما لا يخفى وقد ظهر بذلك حال الغنيمة بغير الاذن والصفايا التي استولى عليها المخالفون من أنه
يباح للشيعة اخذها منهم واما إذا كان الغانم هو الشيعة فالذي يقوى في النظر انه بحكم الغنيمة من أنه يودى خمسه ويحل له الباقي كما يدل عليه حسنة
155

الحلبي عن الصادق عليه السلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال يؤدى خمسا ويطيب له فان مقتضى الجمع بينها وبين ما دل على أن
الغنيمة بغير الاذن من الأنفال حمل هذه الرواية على كونه من باب التحليل جمعها على ارادته بالنسب إلى شخص خاص أو في غزوة خاصة صادرة عن الاذن خلاف الظاهر وسيأتي
تتمة للكلام في بيان معنى التحليل في ذيل المسألة الثالثة إنشاء الله المسألة الثانية إذا قاطع الإمام عليه السلام أحدا على شئ من حقوقه حل له أي لمن قاطعه ما فضل
عن القطيعة ووجب عليه الوفاء كما هو واضح المسألة الثالثة صرح جماعة بأنه ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة للشيعة وان كان
ذلك بأجمعه للإمام عليه السلام بان كان نفلا أو بعضه كالأراضي المفتوحة عنوة وغيرها من الغنائم مع الاذن التي يثبت فيها الخمس ولا يجب اخراج حصة
الموجودين من أرباح الخمس منه وقد وقع التصريح بإباحة هذه الثلاثة للشيعة في المرسل المروى غوالي اللئالي عن الصادق عليه السلام قال سئله بعض أصحابه
فقال يا ابن رسول الله ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم فقال عليه السلام ما أنصفناهم ان واخذناهم ولا أجبناهم ان عاقبناهم
نبيح لهم المساكين لتصح عباداتهم ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم ونبيح لهم المتاجر ليزكوا أموالهم ويدل عليها أيضا في الجملة أو مطلقا جملة من الاخبار منها
خبر الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال من وجد برد حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم قلت جعلت فداك ما أول النعم قال طيب الولادة ثم قال أبو عبد الله عليه السلام
قال أمير المؤمنين لفاطمة أحلى نصيبك من الفئ لاباء شيعتنا ليطيبوا ثم قال أبو عبد الله عليه السلام أنا أحللنا أمهات شيعتنا لابائهم ليطيبوا والمروى
عن تفسير العسكري عليه السلام عن ابائه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد علمت يا رسول الله انه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولى على
خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه فلا يحل لمشتريه لان نصيبي فيه فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي لتحل لهم منافعهم من
ما كل ومشرب ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم حرام قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما تصدق أحد أفضل من صدقتك وقد تبعك رسول الله صلى الله عليه وآله
في فعلك أحل الشيعة كل ما كان فيه فيئه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي ولا أحلها انا ولا أنت لغيرهم وخبر ضريس الكناسي قال قال أبو
عبد الله عليه السلام أتدري من أين دخل الناس الزنا قلت لا أدري فقال من قبل خمسنا أهل البيت الا لشيعتنا الأطيبين فإنه محلل لهم ولميلادهم ورواية
أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال إن الله تعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفئ فقال تبارك وتعالى واعلموا انما غنمتم من شئ
فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فنحن أصحاب الخمس والفيئ وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا والله يا
يا حمزة ما من ارض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شئ منه الا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو ما لا الحديث ورواية الحرث المتقدمة الحاكية
لقصة نجية وخبر سالم بن مكرم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رجل وانا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه السلام فقال له رجل ليس يسئلك
ان يعترض الطريق انما يسئلك خادمة يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه فقال هذا لشيعتنا حلال الشاهد
منهم والغائب والميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيمة فهو لهم حلال اما والله لا يحل الا لمن أحللنا له لا والله ما أعطينا أحدا ذمة وما عندنا لاحد
عهد ولا لاحد عندنا ميثاق إلى غير ذلك من الروايات التي لا تخفى على المتتبع والمراد بالمناكح كما صرح به غير واحد السراري المغنومة من أهل الحرب فإنه
يباح للشيعة في زمان الغيبة تملكها بالشراء ونحوه ووطؤها وإن كان جميعها للإمام عليه السلام كما لو كانت الغنيمة بغير اذنه بناء على كونها حينئذ من الأنفال كما هو الأظهر
أو بعضها كما لو كانت الغنيمة مع الاذن أو قلنا بأنه لا يجب فيها مطلقا الا الخمس وربما فسرت المناكح بما يتناول مؤنة التزويج ومهور النساء وثمن الجارية التي
اشتريها من كسبه وفيه ان هذا وشبهه مندرج في المؤنة المستثناة عما يتعلق به الخمس على تقدير حصوله في عام الربح لا مطلقا فهو بمعزل عما أريد من الأخبار الواردة
في حل المناكح فان المقصود بها على ما يظهر منها انما هو تحليل الجواري المسبية بل المتبادر منها بواسطة الغلبة وورود جملة منها في سبايا بنى أمية
وأشباههم انما هو إرادة السبايا المنتقلة إلى الشيعة من أيدي غير المتدينين بالخمس فيشكل تناولها للجارية التي سباها الشيعي المعترف به خصوصا لنفسه فيتأمل
والمراد بالمساكن ما يتخذه منها في الأرض المختصة بالامام عليه السلام كالمملوكة بغير قتال ورؤس الجبال ونحوها أو المشتركة بينه وبين غيره كالمفتوحة عنوة
المنتقلة إلى الشيعة من أيدي المخالفين وربما فسرت بما يعم الدار المشتراة بما يتعلق به الخمس وفيه ما عرفت والمراد بالمتاجر المال المنتقل إليه ممن لا يخمس
والقدر المتيقن منه الذي يمكن دعوى انصراف اخبار التحليل إليه انما هو فيما إذا كان ممن يستحل الخمس كالمخالف وشبهه لا مطلق من لا يخمس وعلى تقدير منع
الانصراف اتجه صرفها إليه جمعا وبين الاخبار الآتية الدالة على أنه لا يحل شراء شئ من الخمس كما سيأتي تحقيقه وبما ذكرنا في تفسير هذه الثلاثة ظهر
لك انه لاوجه لتخصيصها بالتحليل بعد ما حققناه فيما سبق من أنه أبيح للشيعة في زمان الغيبة بل مطلقا التصرف في الأراضي المختصة بالامام
وتوابعها بل تملكها بالاحياء والحيازة كالمباحات الأصلية وكذا أبيح لهم كل ما ينتقل إليهم من الأنفال والخمس وغير ذلك مما كان امره راجعا إلى
الامام من أيدي المستحلين لها المنكرين للولاية من غير اختصاصه بهذه الثلاثة فان أراد الأصحاب من هذه الثلاثة ما ذكرناه في تفسيرها فيتوجه عليه
ما عرفت من عدم الاختصاص وان أرادوا معنى اخر أعم من ذلك فيشكل استفادة اباحتها بذلك المعنى من اخبار التحليل فإنه وان أمكن دعوى ظهور بعضها
في الأعم بل في تحليل مطلق الخمس والنفل ولكن الخصم لا يقول به مع أنك قد عرفت في مبحث خمس الأرباح انه لا بد من حمل عمومات اخبار التحليل اما على
حقوقهم المغصوبة في أيدي المخالفين كما هو منصرف أغلبها أو غير ذلك من المحامل الغير المنافية لوجوب الخمس بالفعل على الشيعة فيما يستفيدوه من أرباح
التجارات وغيرها مما يتعلق به الخمس فراجع ثم إن المقصود بالتحليل والإباحة الواردة في الاخبار وفي كلمات الأصحاب في هذا الباب ليس مجرد جواز
التصرف وحل الانتفاع والألم يجز وطي الأمة التي بعضها للامام بذلك ولا وطي ما كان جميعها له فان تأثير مثل هذا التحليل في جواز الوطي خصوصا
156

بالنسبة إلى غير الموجودين حال الانشاء مشكل وكذا بيعها وعتقها وبيع المسكن ووقفها وغير ذلك من التصرفات المتوقفة على الملك بل القصود بالتحليل
امضاء جميع التصرفات المتعلقة بما يستحقه الإمام عليه السلام من النقل والانتقال والتملك بالحيازة وغير ذلك على النحو المتعارف فيما بين الخاصة والعامة
فلا يجب حينئذ تطبيقها على القواعد الكلية بعد دلالة الأخبار الخاصة عليه وقضاء السيرة به وعدم الخلاف فيه لجواز كونه حكما شرعيا مخصوصا بهذا المورد
فلا يهمنا البحث عن انه هل هو من باب امضاء ولاية الجائر بالنسبة إلى تصرفاتهم المربوطة بالشيعة أو من قبيل اسقاط الحق أو من باب التسبيل
مشروطا بالجري على حسب ما يقتضيه الأسباب الشرعية لولا هذا الحق إلى غير ذلك من التوجهات قال شيخنا المرتضى (ره) بعد ان ذكر رجوها من الاشكال
في تطبيق هذه الإباحة على القواعد ما لفظه والذي يهون الخطب الاجماع على انا نملك بعد التحليل الصادر منهم صلوات الله عليهم كل ما يحصل بأيدينا
تحصيلا أو انتقالا فهذا حكم شرعي لا يجب تطبيقه على القواعد نعم يمكن أن يقال الأصل والمنشأ في ذلك أحد أمرين أحدهما ان يقال إن تملكهم الفعلي
لم يتعلق بهذه الأمور ليلحقه الإباحة والتحليل فيشكل بما ذكر وانما كان حكما شأنيا من الله سبحانه واذنهم ورفع يدهم رافع لذلك الحكم الشان بمعنى
ان الشارع بملاحظة رضاهم بتصرف الشيعة لم يجعل هذه الأمور في زمان قصور يدهم ملكا فعليا لهم بل أبقاها على الحالة الأصلية فهي باقية بواسطة
ما علم الله تعالى منهم من الرضا على اباحتها الأصلية بالنسبة إلى الشيعة وهذا نظير الحرج الدافع للتكليف الشاني كما في نجاسة الحديد ولا مخالفة في ذلك
لاخبار اختصاص هذه الأمور بالامام عليه السلام نظرا إلى أن صيرورتها من المباحات انما نشاء من شفقتهم القديمة على الشيعة قبل شرع الاحكام فجواز التصرف
منوط برضاهم عليه السلام ولا يجوز التصرف بدون رضاهم ومن تصرف بدون رضاهم فهو ظالم لهم غاصب لحقهم ولا معنى للاختصاص أزيد من ذلك الثاني أن
يقال بثبوت ملكهم لها فعلا الا ان معنى ملكيتهم الفعلية ليس امرا ينافي ملكية الشيعة لها بالاحياء والحيازة حتى يكون ملكية الشيعة لها بالانتقال
عن ملك الإمام عليه السلام وان صرح في بعض الأخبار بلفظ الهبة الظاهرة في الانتقال بل هو معنى يشبه في الجملة بملكية الله تعالى سبحانه للأشياء وان
كان ذلك ملكا حقيقتا مساويا لملكية نفس العباد الا ان هذا المعنى كالقريب منه ان الله تعالى سلطهم على هذه الأموال سلطنة مستمرة لهم ان يأذنوا
لغيرهم في التملك ولهم ان يمنعوا وليس الاذن علة محدثة للتملك حتى يحتاجوا في ارجاعه بعد تملك الغير إلى أنفسهم إلى تملك جديد نظير المولى المملك
لعبده انتهى أقول ولعل التوجيه الثاني أوفق بظواهر النصوص والفتاوى و أقرب إلى الاعتبار بالنظر إلى ما يقتضيه الولاية والسلطنة المطلقة التي جعلها
الله تعالى للأئمة عليهم السلام كما نفينا البعد عن إرادة الملكية بهذا المعنى في صدر الكتاب من الأخبار الواردة في أن الأرض وما اخرجه الله منها بأسرها للإمام عليه السلام
والله العالم بحقايق الاحكام المسألة الرابعة ما يجب من الخمس بأحد الأسباب السابقة يجب صرفه إليه مع وجوده فيما بيننا أي ظهوره والتمكن من
ايصاله إليه كما تقدمت الإشارة إليه عند التكلم في كيفية القسمة ومع عدمه فيما بيننا أي في زمان الغيبة قيل يكون جميعه مباحا للشيعة نسب هذا القول
إلى الديلمي وصاحب الذخيرة ولكن حكى عن ابن فهد في شرح النافع انكار نسبته إلى الديلمي وقال إن مذهب الديلمي إباحة نصف الامام خاصة وكيف كان
فعن الحدائق نقل القول بإباحة الجميع أيضا عن شيخه الشيخ عبد الله بن صالح البحراني وجملة من معاصريه ومستنده الأخبار الكثيرة الظاهرة بل الصريحة
في تحليل الجميع المتقدمة في مبحث خمس الأرباح والأنفال وعرفت فيما تقدم ان تلك الأخبار لو لم تكن بنفسها منصرفة إلى إرادة تحليل ما يصل
إلى الشيعة من أيدي المخالفين ونظرائهم من أموالهم المغصوبة في أيديهم لتعين صرفها إلى ذلك أو حملها على ارادته في قسم خاص أو زمان خاص أو
غير ذلك من المحامل التي تقدمت الإشارة إليها عند التكلم في خمس الأرباح واتضح لك في ذلك المبحث عدم صلاحية تلك الأخبار لاثبات إباحة
خصوص سهم الإمام عليه السلام بعد ابتلائها بمعارضات أقوى فضلا عن إباحة الجميع فراجع ولا نطيل بالإعادة هذا مع أن جميع تلك الأخبار ما عدى التوقيع
وردت في حال الحضور والقدر المتيقن من مفادها انما هو إرادة التحليل في عصر صدورها فان أراد القائل بإباحته في زمان الغيبة اباحته مطلقا
وتخصيصه حال الغيبة بالذكر لكونه مورد الابتلاء لا لإرادته بالخصوص أو أراد بزمان الغيبة أعم من حال قصور يد الإمام عليه السلام بحيث يعم مورد الاخبار
لكان لاستشهاده بتلك الأخبار وجه الا لا يصح لنزيل تلك الأخبار على ارادته في خصوص زمان الغيبة كما لا يخفى نعم الذي يدل عليه في خصوص زمان
الغيبة هو خصوص التوقيع المروى عن كتاب الكمال الدين عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب انه ورد عليه من
التوقيعات بخط صاحب الزمان عجل الله فرجه واما ما سالت عنه من امر المنكرين إلى أن قال واما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فاكله فإنما
يأكل النيران واما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل إلى أن يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث ولكنك عرفت فيما سبق انه بعد الغض عن اجمال
الخمس حيث إنه إشارة إلى الخمس الذي وقع عنه السؤال فلعله كان قسما خاصا مما يتعلق بالمناكح كما يشعر به التعليل بطيب الولادة انه لا يثبت اذن الإمام عليه السلام
الذي هو من الموضوعات الخارجية كاذن سائر الناس في التصرف في أموالهم بمثل هذا التوقيع المعارض بغيره من التوقيعات وغيرها مما عرفت مع
منافاته لما هو المعروف من حال وكلائه على ما نسب إليهم من استقرار سيرتهم على قبض الأخماس واستدل لهذا القول أيضا بان تقسيم الخمس بين أربابه
منصب للإمام عليه السلام لأنه هو الذي كان يقسمه وهو غائب ولا دليل على جواز نيابة المالك أو غيره عنه وذلك وفيه ما لا يخفى والذي يغلب على الظن ان عد
هذا الكلام في عداد أدلة القائلين بالإباحة غفلة ممن تصدى لنقل أدلتهم إذ لا مناسبة بين القول بالإباحة بل هو يناسب القول بوجوب الحفظ
وكيف كان ففيه ان كون القسمة منصبا له اما من حيث الإمامة أو من حيث كونه من مقتضيات شركة المال بينه وبين سائر الأصناف لا يقتضى سقوط
حق الباقين عند تعذر قيام الإمام عليه السلام بمنصبه واستيفاء حقه فضلا عن أن يصير مباحا لغير مستحقيه بل عليه اما نصب الغير في القيام بهذا
157

المنصب أو سقوطه لدى التعذر لا سقوط حق الباقين هذا كله مع الاغماض عما سنشير إليه من أن غاية ما ثبت بالأدلة انما هو وجوب ايصال جميع الخمس إلى الإمام عليه السلام
لدى التمكن منه والا فمقتضى الأصول والقواعد انه لا يجب على المالك الا صرف خمس ما يستفيده إلى مستحقيه وحصول براءة ذمته بذلك وعدم توقفه على ايصال
الجميع الامام أو نائبه فليتأمل ونظير هذا الاستدلال في الضعف ما عن الذخيرة من الاستدلال له بالأصل بدعوى انه لا دليل على ثبوت الخمس في
زمن الغيبة لأنه منحصر بالآية والاخبار ولا دلالة لشئ منهما عليه اما الآية فلاختصاصها بغنائم دار الحرب المختصة بحال الحضور دون الغيبة
مع أنها خطاب شفاهي متوجه إلى الحاضرين خاصته والتعدية إلى غيرهم بالاجماع انما يتم مع التوافق في الشرائط جميعا وهو ممنوع في محل البحث فلا
تنهض حجة في زمان الغيبة ولو سلم فلا بد من صرفها إلى خلاف ظاهرها اما بالحمل على بيان المصرف أو بالتخصيص جمعا بينها وبين الأخبار الدالة
على الإباحة واما الاخبار فلأنها مع ضعف أسانيدها غير دالة على تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية أو الاختصاص مطلقا بل دلت على أن
الامام يقسمه كذلك فيجوز ان يكون هذا واجبا عليه من غير أن يكون شئ من الخمس ملكا لهم أو مختصا بهم سلمنا لكنها تدل على ثبوت الحكم في زمان
الحضور لا مطلقا فيجوز اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة سلمنا لكن لا بد من التخصيص فيها وصرفها عن ظاهرها جمعا بين الأدلة انتهى وفيه ما
لا يخفى بعد الإحاطة بالروايات الواردة في باب الخمس وفي تفسير الآية وبيان حكمة مشروعية الخمس لبنى هاشم وكونه بدلا عن الصدقة المحرمة عليهم
إذ لا يبقى للمتتبع فيما ذكر مجال لانكار تأييد هذا الحكم وعدم اختصاصه بزمان دون زمان و حمل الآية على بيان المصرف بعد تسليمه لا ينفى وجوب
الصرف فيهم واخبار التحليل على تقدير تسليم دلالتها على المدعى غير منافية لظاهر الآية والروايات الدالة على ثبوت الخمس في أصل الشرع كي يستلزم الجمع
بينهما ارتكاب التخصيص في عمومات الخمس بل هي مؤكدة لها وحاكمة عليها فعمدة ما يصح الاستناد إليه لهذا القول انما هي تلك الأخبار وقد عرفت
عد صلاحيتها لاثبات الإباحة على الاطلاق فالقول به ضعيف واضعف منه ما قيل من أنه يجب عزله وحفظه ثم يوصى به عند ظهور امارة الموت وهكذا
حتى يصل إلى صاحب الامر عجل الله فرجه وأوضح منه فسادا ما قيل من أنه يدفن جميعه وهذان القولان نقلهما أعاظم الأصحاب في مصنفاتهم على
سبيل الاجمال من غير تصريح بقائلهما نعم ربما يظهر من صدر عبارة الشيخ في التهذيب اختيار القول بوجوب حفظ الجميع ولكن صرح في ذيلها
بخلافه في سهم الأصناف فإنه نقل ما في المقنعة من نقل أقوال الأصحاب في المسألة وان منهم من يسقط فرض اخراج الخمس لغيبة الامام تعويلا على
اخبار الرخصة ومنهم من يذهب إلى كنزه لما روى من أن الأرض يظهر كنوزها عند ظهور الإمام عليه السلام وانه إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذ من كل مكان
ومنهم من يرى صلته الذرية وفقراء الشيعة على وجه الاستحباب ومنهم من يرى عزله لصاحب الامر والوصية به قال ما لفظه المحكى منه هذا القول أي القول بالعزل
عندي أوضح لان الخمس حق لصاحب لم يرسم فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه إلى وقت ايابه والتمكن من ايصاله إليه أو وجود من انتقل
إليه الحق ثم نظرها بالزكاة في عدم سقوطها ووجوب حفظها عند تعذر ايصالها إلى المستحق إلى أن قال وان ذهب ذاهب إلى ما ذكر في شطر
الخمس الذي هو خالص الإمام عليه السلام وجعل الشطر الاخر لا يتام آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأبناء السبيل ومساكينهم على ما في القران لم يبعد اصابته الحق في ذلك بل كان على
الصواب انتهى وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في ضعف هذين القولين على تقدير تحقق قائل بهما بل بطلانهما فان غيبة الإمام عليه السلام لا تقتضي حرمان
الباقين عن حقهم الثابت بالكتاب والسنة القطعية وما يوهمه بعض الأخبار المتقدمة عند بيان مستحقي الخمس من كون جميعه مخصوصا بالإمام عليه السلام
وهو يقوم بمؤنة سائر الأصناف من ماله فقد عرفت في محله انه لا بد من تأويله بما لا ينافي استحقاق الأصناف بل لو قلنا بكون الجميع للإمام عليه السلام
فليس على وجه لم يكن له تعلق بسائر الأصناف والا فلا معنى لذكرهم في الكتاب والسنة فيمن جعل له الخمس فلا أقل من كون نفقتهم ملحوظة في جعل الخمس
للامام بمعنى ان الله تعالى جعل الخمس للامام على أن يقوم بمؤنة أرباب الحاجة من أرحامه فلهم الاستيفاء بقدر حاجتهم منه عند تعذر الوصول إلى
الإمام عليه السلام كغيرهم من مستحقي النفقة عليه والحاصل انه لا شبهة في أنه لا يرضى الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا الأئمة عليهم السلام في أن يدفن الخمس
أو يبقى مهملا مع حاجة أربابه الذين جعل الله لهم نصيبا من الخمس اما على سبيل التمليك والاختصاص كما هو ظاهر الكتاب والسنة والفتاوى أو
على أن يصرف فيهم فإطالة الكلام في تزييف هذين القولين تضييع للعمر وقيل يصرف النصف الذي هو سهم الأصناف إلى مستحقه ويحفظ ما يختص
به وهو النصف الآخر الذي هو سهم الله تعالى وسهم رسول وسهم ذي القربى بالوصاية أو الدفن وهو حسن بالنسبة إلى الشق الأول منه موافق
للمشهور بين الأصحاب قديما وحديثا على ما صرح به في الجواهر وللأصول والكتاب والسنة التي قد عرفت قصور اخبار التحليل عن مقاومتها واما
الشق الثاني ففي الدفن منه الذي هو أحد شقى التخيير ما لا يخفى من أنه تضييع لمال الغير فضلا عن كونه تصرفا فيه بما لم يعلم رضاه به ولذا اقتصر غير
واحد من أعاظم الأصحاب على الفرد الأول أي الحفظ والوصية وهذا وان كان حسنا في بادي الرأي موافقا لما يقتضيه القاعدة في مال الغائب
كما صرح به في السرائر حيث قال إن هذا القول هو الذي يقتضيه الدين وأصول المذهب وأدلة العقول وأدلة الفقه وأدلة الاحتياط واليه نذهب و
عليه يعول جميع محققي أصحابنا المحصلين الباحثين عن ماخذ الشريعة وجها بذا لأدلة ونقاد الآثار بغير خلاف بينهم انتهى ولكنه لدى التأمل
حاله حال الدفن في كونه تعريضا له للإضاعة والتلف وتصرفا في مال الغير بما لم يعلم رضاه به لقضاء العادة بعدم وصوله إلى الإمام عليه السلام ولو
بحصوله في يد من يرى اباحته أو جواز صرفه في بعض المصارف فابقائه عنده وعدم تمكين أرحامه و شيعته ومواليه عن الانتفاع به والتصرف فيه أيضا
نوع من التصرف يحتاج جوازه إلى الرخصة فيه اما من مالكه أو من الشارع وهى غير ثابتة وانما يجوز ذلك في مال الغائب الذي يكون حفظه
158

سببا عاديا لبقائه محفوظا لصاحبه حتى يصل إليه فيكون الحفظ له حينئذ احسانا إليه بخلاف مثل المقام الذي لم يجر العادة بوصوله إليه وكون احتمال
الوصول لدى العرف بمقتضى العادة من قبيل الأماني والآمال البعيدة والحاصل ان حفظ مال الإمام عليه السلام برجاء وصوله إليه بواسطة ضعف
الاحتمال ليس مندرجا في موضوع حفظ مال الغائب الذي قضت الأدلة بجوازه أو وجوبه بل هو كغيره من التصرفات التي لم يعلم جوازها لو لم
ندع القطع بعدمه وقيل يصرف حصته عليه السلام إلى الأصناف الموجودين أيضا لان عليه الاتمام عند عدم الكفاية وكما يجب ذلك مع وجوده
فهو واجب عليه عند غيبته بمعنى انه حق مالي لا يسقط بالغيبة فيجب على من استولى على أمواله من باب التولية أو الحسبة الخروج عن عهدته مع الامكان
وهذا أي القول بصرفه إلى الأصناف هو الأشبه بل المتعين وان كان في خصوصيتهم بمعنى انحصار المصرف فيهم تأمل وما ذكروه وجها له من وجوب
الاتمام عليه قد عرفت ما فيه عند تعرض المصنف له في مسألة ان الإمام عليه السلام يقسم نصف الخمس على الطوائف قدر الكفاية من أن وجوب الاتمام
عليه ان سلم كما يدل عليه مرسلتا حماد واحمد فهو في حال بسط يد الإمام عليه السلام ونقل كل الخمس أو معظمه إليه بحيث يسعه القيام بمؤنة فقراء
الهاشميين من سهمهم ولو بتتميم النقص من نصيبه كسائر السلاطين القاهرين الذين ينقل إليهم الخراج ويصرفونه في مصارفه لا في مثل
هذه الاعصار التي لا يصل بيد من يتولى تقسيمه اما ما كان أو غيره أم صاحب المال الا أقل قليل ففي مثل هذا الفرض لا يجب عليه الاتمام
قطعا على تقدير حضوره فضلا عن غيبته وقد يستدل لجواز صرفه إلى الأصناف بالعلم الحاصل من شهادة حال الإمام عليه السلام برضاه بصرف
ما له المستغنى عنه المتعذر ايصاله إليه إلى قاربه وأرحامه المحتاجين خصوصا المتعففين منهم المستورين الذين لا حيلة لهم ولا يدرون أين
يتوجهون ولا سيما مع عداوة أكثر الناس لهم وإرادتهم إراقة دمائهم بغضا وحسدا لابائهم بل قد يقطع من ذلك ونحوه بعد رضاه في المنع
فضلا عن رضاه بالصرف وفيه ان دعوى القطع بالرضا وإن كانت في محلها وكفاك شاهدا لذلك التتبع في أحوال الأئمة عليهم السلام وفا صدر
منهم من اخبار التحليل فإنه يستفاد من ذلك استفادة قطعية ان أحب ما يكون لدى الأئمة عليهم السلام التوسعة على شيعتهم ومواليهم والارفاق بهم
والاحسان إليهم في الدنيا والآخرة باي نحو يكون ولو بالتضييق على أنفسهم فكيف فيما لو كانوا من أقاربها وأرحامهم المنتسبين إليهم
المعدودين من عيالهم الا انه بين ما يمكن ادعاء القطع به وبين المدعى عموم من وجه فهل ترى لك ان تدعى القطع برضا الإمام عليه السلام
بصرف ماله إلى بعض أرحامه الذي ليس له شدة احتياج بل قد يتكلف في ادراج نفسه في زمرة المحتاجين بصلح أمواله زوجته وأولاده ونحو ذلك
خصوصا لو لم يكن من أهل الصلاح والتقوى مع وجود أرامل وأيتام وضعفاء في شيعته ومواليه في غاية الفقراء والفاقة وكمال الديانة والتقى
أو حصول بعض المصارف الذي يحصل به تشييد الدين وترويج شريعة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم والحاصل ان ما يمكن دعوى القطع
به انما هو رضاه بصرفه فيما هو الأهم فالأهم ولو بنظر المتصرف لا في خصوص بني هاشم ولا فيهم مطلقا فيشكل حينئذ صرفه إلى هاشمي فقير مع وجود
من هو أحوج وأولى منه في الهاشميين أو في غيرهم أو وجود مصرف أهم مما يتعلق بحفظ الشرع وقوامه كما لا يخفى ومما يدل على جواز صرفه بل وجوبه
إلى فقراء الهاشميين لدى الامكان وضعفاء الشيعة عند تعذره الخبر المروى عن كتاب الطرائف لابن طاوس باسناده عن عيسى بن المستفاد
عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي ذر وسلمان والمقداد اشهدوني على أنفسكم بشهادة ان لا إله إلا الله
إلى أن قال وان علي بن أبي طالب عليه السلام وصى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وان طاعته طاعة الله وطاعة رسوله والأئمة من ولده وان مودة أهل بيته
مفروضة واجبة على كل مؤمن ومؤمنة مع أقام الصلاة لوقتها واخراج الزكاة من حلها ووضعها في أهلها واخراج الخمس من كل ما يملكه
أحد من الناس حتى يرفعه إلى ولى المؤمنين وأميرهم ومن بعده من الأئمة من ولده فمن عجز ولم يقدر الا على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى
الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس ولا يريد بهم الا الله تعالى ان قال فهذه شروط
الاسلام وما بقي أكثر ولكن يشكل الاعتماد على مثل هذا الخبر في اثبات الرخصة الا ان يقال إن وروده في مثل هذا المورد الذي يمكن دعوى
القطع به لولاه مع كون مضامينه مما يلوح منه امارات الصدق يورث القطع برضا الإمام عليه السلام بالاخذ به والاعتماد عليه من باب التسليم والانقياد
كما في اخبار السنن وربما يقوى في النظر جواز التصدق به وصرفه إلى الفقراء مطلقا ولو إلى غير بني هاشم لاندراجه عرفا في موضوع مال الغائب
الذي تعذر ايصاله إلى صاحبه والأقوى فيه بعد الياس من التمكن من ايصاله إلى صاحبه بوجه من الوجوه جواز التصدق به أو وجوبه كالمال الذي
لا يعرف صاحبه إذ المتدبر في كلمات الأصحاب والنصوص الواردة في ذلك الباب لا يكاد يرتاب في أن حكم الشارع بالصدقة فيما لا يعرف صاحبه انما
هو لتعذر ايصاله إليه لا لعدم معرفته بشخصه بل بعض النصوص الواردة فيه التي تقدم نقلها في مسألة الحلال المختلط بالحرام انما ورد فيما تعذر
ايصاله إلى صاحبه مع معرفته بشخصه مثل ما عن الشيخ باسناده عن علي الصائغ قال سئلته عن تراب الصواغين وانا نبيعه قال أما تستطيع ان تستحله
من صاحبه قال قلت لا إذا أخبرته اتهمني قال بعه قلت باي شئ قال بطعام قلت فأي شئ اصنع به قال تصدق به اما لك واما لأهله والظاهر أن
هذه الرواية وإرادة فيما لا يعلم السائل بكون المال لذلك الشخص حتى يتعين عليه ايصاله إليه ولكنه يحتمل ذلك ويريد تفريغ ذمته في الواقع على
تقدير كونه كذلك من دون ان يترتب عليه مفسدة الاتهام أو يتضرر بدفع ماله إليه على تقدير العدم فلا يتوجه عليها الاشكال بان خوف
التهمة لا يسقط التكليف بايصال مال الغير إليه ولو بدسه في أمواله أو غير ذلك من انحاء الايصال مما يسلم معها من التهمة وكيف كان
159

فالرواية كادت تكون صريحة في المدعى بل وكذا صحيحة يونس بن عبد الرحمن الواردة فيمن وجد في رحله بعض متاع رفيقه الذي كان معه بمكة وفارقه في
الطريق أيضا من هذا القبيل مجهول المالك لأنه كان يعلم بان هذا المال لذلك الشخص الخاص المعهود الذي كان معه بمكة ولكنه لم يكن
يعرف بلده ولا شخصه ببعض عناوينه المعروفة فيما بين الناس على وجه يمكنه الوصول إليه بالفحص والسؤال وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في جواز التصدق
بمال الغائب الذي امتنع ايصاله إلى صاحبه وما نحن فيه بمقتضى العادة مندرج في مصاديق هذا الحكم مع امكان دعوى القطع برضا الإمام عليه السلام بالتصدق
بماله الذي تعذر ايصاله إليه كما يؤيد ذلك امره بذلك في جملة من الأخبار الواردة في ميراث من لا وارث له الذي هو من الأنفال وغيره من الموارد التي
لا تخفى على المتتبع فالانصاف ان القول بجواز صرفه إلى الفقراء مطلقا بل وكذا إلى سائر المصارف التي يحصل بها تشييد الدين واعلاء
كلمة الحق مما يكون القيام به من وظائف الإمام عليه السلام لا يخلو عن قوة خصوصا مع ملاحظة لا أهم فالأهم الا ان الأحوط ان لم يكن الأقوى الاقتصار
على فقراء الهاشميين مع الامكان كما يظهر من خبر عيسى بن المستفاد المتقدم بل قد يشكل التخطي عن مضمون هذا الخبر لامكان ان يقال إنه وان لم
يكن بنفسه جامعا لشرائط الحجية ولكنه يتعين الاخذ به في خصوص المقام لانسداد باب العلم فيه وعدم المناص عن التصرف فيما يحصل بيد المكلف
من سهم الإمام عليه السلام ولو بحفظه وامساكه ولا يمكن الاحتياط فيه فيتعين الاخذ بما روى فيه من الأئمة عليهم السلام وان لم يكن في حد ذاته
جامعا لشرائط الحجية ولا يجوز العدول عنه إلى سائر الظنون المتنية على الحدس والتخمين الناشئة من القياسات والاستحسانات ونظائرها
وان كانت أقوى من الظن الحاصل من تلك الرواية فان للخبر من حيث هو نوع اعتبار لدى العرف والعقلاء عند تعذر تحصيل العلم وعدم المناص
عن العمل وتعذر الاحتياط ليس ذلك الاعتبار لسائر الظنون المتنية على الحدس والتخمين ولكن هذا بعد تسليمه انما يتم لو لم ندع القطع برضا
الإمام عليه السلام بالصدقة أو صرفه إلى قسم خاص أو استفادة حكمه مما ورد فيما تعذر ايصاله إلى صاحبه والا فلا يتم مقدمات هذا الدليل كما
لا يخفى المسألة الخامسة يجب ان يتولى صرف حصة الإمام عليه السلام إلى الأصناف الموجودين من إليه الحكم ممن جمع شرائط الفتوى بحق النيابة بناء على
كونه أداء عما يجب الإمام عليه السلام من الاتمام كما صرح به غير واحد بل ربما نسب إلى أكثر المتأخرين بل في المسالك نسبته إلى كل من أوجب صرفه إلى الأصناف
كما يتولى أداء ما يجب على الغائب غير الامام ولا يتوقف هذا على ادعاء عموم نيابة الفقيه في زمان الغيبة عن الإمام عليه السلام في كل ما يرجع إليه
حتى في جمع أمواله المختصة به وصرفها إلى مصارفها كي يتطرق إليه الخدشة بقصور أدلة النيابة عن اثبات هذا النحو من العموم ولا من باب الولاية على
الغائب كي يدعى فساده ضرورة ان الإمام عليه السلام لم يقصد بارجاع العوام إليه ونصبه قاضيا أو حاكما اثبات الولاية له على نفسه بل من باب قيام الحاكم
مقام كل من امر بمعروف غير مقيد معروفيته بقدرة ذلك الشخص فعجز عن اقامته لغيبته أو قصوره فعلى الحاكم القيام مقامه في أداء ما وجب
عليه لان هذا من أوضح مناصب الفقيه الذي نلتزم بثبوته لعدول المؤمنين على تقدير فقد الحاكم من باب الحسبة فهذا مما لا ينبغي الارتياب
فيه بعد تسليم مقدماته ولكنك عرفت فيما سبق منع الصغرى وانه لم يثبت وجوب الاتمام على الإمام عليه السلام حال حضوره فضلا عن بقاء
التكليف به بعد غيبته حتى يتولى أدائه الحاكم بحق النيابة بل الصرف إلى الأصناف أو غيرهم منشأه اما دعوى القطع برضا الإمام عليه السلام
بذلك تفضلا منه واحسانا على أرحامه وشيعته أو دعوى اندراجه فيما تعذر ايصاله إلى صاحبه الذي حكمه الصدقة أو لأجل الاعتماد على ما
يستفاد من خبر عيسى بن المستفاد المتقدم فان عولنا على هذا الخبر فمفاده كون من بيده شئ من الخمس هو المكلف بايصاله إلى السادة أو الفقراء
عند عجزه عن الايصال إلى الإمام عليه السلام من غير فرق بين سهم الإمام عليه السلام وسهم سائر الأصناف فلا يجب عليه دفعه إلى الحاكم حينئذ بل لا يجوز الا من باب
الاستنابة والتوكل نعم لو قلنا باقتضاء عمومات النصب قيام الحاكم مقام الإمام عليه السلام فيما يرجع إليه ولو فيما يتعلق به بالخصوص من جمع أمواله
من الخمس والأنفال ونحوها لكانت العمومات على هذا التقدير حاكمة على مثل هذا الخبر فإنها تجعل الايصال إليه بمنزلة الايصال إلى الإمام عليه السلام
وان استندنا في جواز الصرف إلى دعاء القطع به فالحكم يدور مداره فان حصل للعامي أيضا القطع برضا الإمام عليه السلام بان يصرف
أمواله إلى جهة جاز له ان يعمل بقطعه كما لو يقطع برضا غيره في التصرف في أمواله باذن الفحوى أو شهادة الحال والا وجب عليه الرجوع إلى المجتهد
فان حصل لمجتهده القطع برضا الإمام عليه السلام بان يتولى صرفه كل من حصل بيده الخمس جاز له الافتاء بذلك والا اقتصر على ما هو المتيقن عنده كما هو
واضح وان منعنا القطع بذلك وقلنا باندراجه في الموضوع الذي حكمه الصدقة فمقتضاه جواز التصدق به لكل من حصل بيده ان لم نقل بنيابة
الفقيه عن الإمام عليه السلام في استيفاء حقه من الخمس والفئ والأنفال ونحوها كنيابة نوابه الأربعة الذين كانوا في الغيبة الصغرى والا فعلى العامي
ايصاله إلى الفقيه إذ بعد فرض النيابة يكون الايصال إليه بمنزلة الايصال إلى الإمام عليه السلام فلا يكون بالنسبة إليه مندرجا في الموضوع الذي
حكمه الصدقة بل هو مكلف بايصاله إلى من اقامه المالك مقامه وعلى النائب ان يرى فيه رأيه ويعمل فيه على حسب ما يقتضيه تكليفه فهذا مما لا إشكال فيه
الا ان استفادة هذا النحو من العموم لنيابة الفقيه من أدلة النصب لا يخلو عن خفاء إذ المتبادر منها في بادي الرأي انما هو النصب للحكومة بين
الناس والترافع عنده لا الاستنابة ولكن الذي يظهر بالتدبر في التوقيع المروى عن امام العصر عجل الله تعالى فرجه الذي هو عمدة دليل النصب انما
هو إقامة الفقيه المتمسك برواياتهم مقامه بارجاع عوام الشيعة إليه في كل ما يكون الامام مرجعا فيه كي لا يبقى شيعته متحيرين في أزمنة الغيبة
وهو ما رواه في الوسائل عن كتاب اكمال الدين واتمام النعمة عن محمد بن محمد بن عصام عن محمد بن يعقوب عن إسحاق بن يعقوب قال سئلت محمد
160

بن عثمان العمرى ان يوصل لي كتابا قد سئلت فيه عن مسائل أشكلت على فور والتوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عجل الله فرجه اما ما سئلت عنه
أرشدك وثبتك إلى أن قال واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا فإنهم حجتي عليكم وانا حجة الله واما محمد بن عثمان
العمرى فرضى الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي ورواه في الوسائل عن الشيخ أيضا من كتاب الغيبة عن جماعة عن جعفر بن محمد بن قولويه
وأبى غالب الرازي وغيرهما كلهم عن محمد بن يعقوب وعن الطبرسي في الاحتجاج نحوه ومن تدبر في هذا التوقيع الشريف يرى أنه عليه السلام قد أراد بهذا
التوقع اتمام الحجة على شيعته في زمان غيبته بجعل الرواة حجة عليهم وجه لا يسع لاحد ان يتخطى عما فرضه الله معتذرا بغيبة الامام لا مجرد حجية
قولهم في نقل الرواية أو الفتوى فان هذا مع أنه لا يناسبه التعبير بحجتي عليكم لا يتفرع عليه مرجعيتهم في الحوادث الواقعة التي هي عبارة عن الجزئيات
الخارجية التي من شانها الايكال إلى الامام كفصل الخصومات وولاية الأوقاف والأيتام وقبالة الأراضي الخراجية التي قصرت عنها أيدي
سلاطين الجور الذين يجوز التقبل منهم وغير ذلك من موارد الحاجة إلى الرجوع إلى الامام فلو رأى مثلا صلاح اليتيم ان يأخذ ماله من هذا
الشخص الذي لا ولاية له عليه شرعا وينصب شخصا اخر قيما عليه في ضبط أمواله وصرفها في حوائجه فليس لمن عنده مال اليتيم ان يمتنع من ذلك
ويستعمل رأيه في التصرف فيه على حسب ما يراه صلاحا لحال اليتيم وكذا في الأوقات ونظائرها وان أفتى له الفقيه عموما بجواز التصرف فيها
بالتي هي أحسن فإنه لو امتنع من دفع المال إلى من نصبه الفقيه قيما عليه بزعمه ان بقائه عنده اصلح بحال اليتيم من دفعه إلى ذلك الشخص فسرق المال
لم يعذر ذلك الشخص فيما رآه بعد ان نصب الإمام عليه السلام الفقيه حجة عليه في الحوادث الواقعة التي منها هذا المورد والحاصل انه يفهم من تفريع
ارجاع العوام إلى الرواة على جعلهم حجة عليهم انه أريد بجعلهم حجة اقامتهم مقامه فيما يرجع فيه إليه لا مجرد حجية قولهم في نقل الرواية والفتوى
فيتم المطلوب ان قلت إن القدر المتيقن الذي يقتضيه هذا التفريع انما هو اقامته مقامه من حيث الولاية بل لا معنى لجعله حجة عليهم الا
وجوب اطاعته ونفوذ تصرفاته فيما يرجع إليه ومقتضاه ثبوت منصب الولاية من قبل الإمام عليه السلام ولكن فيما من شانه الرجوع إلى
الامام كالأمثلة المزبورة كما هو المنساق إلى الذهن من الخبر لا في كل شئ كي يقتضى ذلك الولاية المطلقة وكون الفقيه كالامام أولى بالمؤمنين
من أنفسهم وملخص الكلام ان غاية ما يمكن ادعائه انما هو دلالة هذا التوقيع على ثبوت منصب الرياسة والولاية للفقيه وكون الفقيه في
زمان الغيبة بمنزلة الولاة المنصوبين من قبل السلاطين على رعاياهم في الرجوع إليه واطاعته فيما شانه الرجوع فيه إلى الرئيس وهذا غير مسألة
النيابة والتوكيل في قبض أمواله كما هو المدعى قلت يفهم هذا عرفا من اعطاء هذا المنصب لشخص بالفحوى خصوصا في ضبط أمواله الراجعة إليه
من حيث الرياسة كجمع الفئ والأنفال والأخماس ونحوها مما هو كجمع الخراج من مناصب الرئيس وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في نيابة الفقيه
الجامع لشرائط الفتوى عن الإمام عليه السلام حال الغيبة في مثل هذه الأمور كما يؤيده التتبع في كلمات الأصحاب حيث يظهر منها كونها لديهم
من الأمور المسلمة في كل باب حتى أنه جعل غير واحد عمدة المستند لعموم نيابة الفقيه لمثل هذه الأشياء هو الاجماع هذا مع أنه يكفي في المقام الشك
فان جواز التصدق به للعامي موقوف على احراز كون سهم الإمام عليه السلام بالنسبة إلى العامي من قبيل المال الذي يتعذر ايصاله إلى صاحبه
أو نائبه وإلا فمقتضي الأصل حرمة التصرف الذي لم يعلم برضا صاحبه به فعليه الاحتياط اما بدفعه إلى الحاكم واستنابته في الصرف إلى الفقراء
أو الرخصة منه بتوكيله في المباشرة بل هذا هو الأحوط في مطلق الخمس بل ربما نسب إلى بعض القول بوجوب دفع الجميع إلى الحاكم في زمان الغيبة كما كان
يجب دفعه في زمان الحضور إلى الامام نظرا إلى عموم نيابته لمثل هذه الأمور ولكن الأقوى خلافه وان له ان يتولى بنفسه صرف حصة الأصناف
إليهم فان مقتضى الأصل حصول فراغ الذمة بايصال الحق إلى مستحقيه ووجوب دفعه إلى الامام أو نائبه لان يتولى القسمة تكليف زائد يحتاج
إلى الدليل وهو منفى في الفرض إذ غاية ما يمكن اثباته ببعض الأدلة تقدمت الإشارة إليها في محله انما هو وجوب ايصاله
إلى الإمام عليه السلام على تقدير ظهوره والتمكن من ايصاله إليه اما مطلقا أو بشرط مطالبته كما في الزكاة
واما مع العجز عن الايصال إلى الامام أي في حال غيبته فلم يثبت التكليف بأزيد مما
يقتضيه تعلق حق الغير بماله من وجوب الخروج عن عهدته بايصاله إلى
مستحقيه والله العالم
قد فرغ من كتابة كتاب الخمس مؤلفه العبد الجاني
محمد رضا بن المرحوم الآقا محمد هادي
الهمداني في ليلة الأربعاء
من العشر الثاني
من شهر ربيع الثاني من السنة العاشرة بعد الثلثمائة والألف
161

كتاب الصوم من مصباح الفقيه
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
كتاب الصوم والنظر في أركانه وأقسامه ولواحقه واما أركانه فأربعة الأول الصوم في اللغة الامساك فعن أبي عبيدة أنه قال كل ممسك
عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم وفي القاموس صام صوما وصياما واصطام امسك عن الطعام و الشراب والكلام والنكاح وعن ابن دريد كل
شئ سكنت حركته فقد صام صوما وهو في عرف المتشرعة واطلاقات الشارع الكف حقيقة أو حكما عن المفطرات أي الأشياء التي أمر الشارع بالكف
عنها من الأكل والشرب وغير ذلك مما ستعرفه مع النية أي قص القربة وعدم تقييده باليوم اما باعتبار ملاحظة الزمان ظرفا للصوم كما في قوله تعالى
ثم أتموا الصيام إلى الليل أو بلحاظ وضوح اعتباره فلا حاجة إلى التصريح ويكفى في حصول النية المعتبرة في صحة الصوم العزم اجمالا على ترك المفطرات
وان لم يعرف جميعها تفصيلا كما لو عزم على الاجتناب عن عدة أشياء يعلم بعدم خروج المفطرات عنها أو على الاجتناب عن كل شئ عدى ما يعلم أنه ليس منافيا
للصوم بل يكفي عزمه على الصوم الصحيح المشروع الذي تصوره اجمالا وان لم يعرف القى أو الاحتقان أو الجناية مما ينافيه فلم يعزم على ترك مثل هذه
الأشياء ولكنه نا واجمالا الخروج عن عهدة التكليف بالصوم كان زعم مثلا ان الصوم بالواجب عليه في شهر رمضان عبارة عن الامساك عن الأكل والشرب
لا غير فنوى الخروج عن عهدة هذا التكليف بترك الأكل والشرب فتركهما بهذا العزم وترك ساير المنافيات أيضا من باب الاتفاق صح صومه لان عزمه
على الصوم المشروع يجعل مثل هذه التروك ملحقا بالترك مع العزم وكيف كان فلا دليل على اعتبار أزيد من مثل هذا القصد في صحة الصوم بل الدليل
على عدمه إذ لولا كفايته للزم بطلان صوم أغلب العوام الذين لا يعلمون بمفطرية بعض المفطرات وهو مما لا يمكن الالتزام به كما لا يخفى على من تدبر في النصوص
والفتاوى المتكفلة لبيان حكمها نعم لو رجع قصده إلى العزم على الامساك عن خصوص ما يعرفه كما لو جعل معرفته طريقا لتشخيص الامر الشرعي فنوى امتثال
الامر الشرعي المتعلق بالامساك عن خصوص هذا الشئ لا غير لم يصح وهى أي النية في الصوم كالصلاة وغيرها من العبادات التي اعتبر فيها قصد
القربة اما ركن واما شرط لصحته ولا يترتب على تحقيق كونها جزا أو شرطا ثمرة مهمة وان كانت هي بالشرط أشبه كما حققناه في كتاب الصلاة وبينا هناك
وكذا في نية الوضوء ان العبرة في صحة العبادات المشروطة بالنية انما هي بحصولها بعنوان الإطاعة والتقرب بان يكون الباعث على ايجادها العزم
على الخروج عن عهدة التكليف المتعلق بها لا غير ولا يتوقف ذلك على حصول إرادة تفصيلية مقارنة لأول انات الاخذ في الإطاعة بل على كونها مسبوقة
بإرادة تفصيلية مؤثرة في حصولها بهذا العنوان كغيرها من الأفعال الاختيارية الصادرة من العقلاء لسائر أغراضهم المتصفة لديهم بكونها
صادرة عن عزم وإرادة فليس جواز تقديم النية في الصوم مخالفا للأصل ثابتا باجماع ونحوه كي يقتصر فيه على مقدار دلالة الدليل كما قد يتوهم و
لا يعتبر في الصوم ان يكون التروك المعتبرة فيه صادرة عن عزمه كما يعتبر ذلك في الأفعال الاختيارية الوجودية لان للتروك أسبابا لا تتناهى
فربما يجتمع مع العزم على الترك عدم المقتضى للفعل فيكون الترك حينئذ مستندا في العرف إلى عدم المقتضى لا العزم على الترك الذي هو من قبيل الموانع فالذي
يجب على من امر بترك فعل في مقام إطاعة هذا الامر ان يعزم على ترك ذلك الشئ ولا يفعله بان يجعل قصد الإطاعة مانعا عن ارتكابه بحيث لو
حصل سائر اجزاء علة وجوده لاثر ذلك العزم في تركه لا ان يجعل سبب الترك منحصرا في هذا العزم بان يكون الترك دائما ناشيا منه فان هذا قد
لا يكون مقدورا للمكلف إذا الذي يقدر عليه المكلف ان يختار ترك الفعل الذي يقدر على ايجاده لا ان يجعل سبب الترك منحصرا في عزمه عليه كما لا
يخفى فالذي يعتبر في الصوم هو الكف عن المفردات أي تركها مع النية كما عبر به في المتن لا الترك الناشئ من النية كما قد يتوهم قياسا على العبادات التي
تعلق التكليف فيها بالفعل بل لا يعتبر فيه بقاء داعيه في النفس حقيقة حال التلبس به كما اعتبرنا ذلك في الافعال الوجودية التي اعتبر وقوعها
بعنوان الإطاعة فان عزمه في الليل على أن لا يأكل في الغد كاف في حصول مقتضاه وهو ترك الأكل في الغد ما لم ينقضه بنية خلافه فلو نام عقيب
هذه النية أو غفل عن الاكل إلى أن ينقضي اليوم يكون نومه وغفلته مؤكدا التحقق ما يقتضيه هذه النية لا منافيا له وهذا بخلاف ما لو عزم على
فعل الاكل في اليوم فإنه لا اثر لإرادته السابقة في تحقق الفعل الذي نواه ما لم يرسخ منها في النفس شئ يبعثها على ايجاده فيما يستقبل ولا حاجة إلى ذلك
عند إرادة تركه لان الترك لا يحتاج إلى سبب محقق بل أسبابه اعدام مضافة منتزعة عن فقد كل جزء أو شرط من اجزاء علة الوجود وشرائطها فمتى
عزم على ترك فعل فيما يستقبل يكون عزمه مقتضيا لحصول ذلك الترك في وقته واختيارا له من هذا لحين ولا ينتقض اثر هذا العزم الابنية الخلاف
دون النوم والغفلة بل النوم أو الغفلة عن الاكل أيضا قد يكون من اثار هذه النية بحيث لولاها لم يكن ينام أو يغفل فصحة صوم النائم و
وقوعه عبادة ليست مخالفة للقواعد وكيف كان فالذي يعتبر في صحة الصوم وغيره من العبادات انما هو فعله بقصد الإطاعة والتقرب إلى الله
تعالى ولا يتوقف ذلك الا على تشخيص ماهية المأمور به وتمييزها عما يشاركها في الجنس حتى يتأتى القصد إلى ايجادها بداعي الإطاعة والتقرب فلا
يجب معرفة وجه الفعل الذي تعلق به الطلب من كونه واجبا أو مندوبا أداء أو قضاء أو غير ذلك من التفاصيل التي التزم كثير من الأصحاب بوجوب
معرفتها والقصد إليها في سائر العبادات الا إذا تعذر تعيين ما تعلق به الطلب الا بشئ من هذه الوجوه فيجب حينئذ لذلك كما تقدم تحقيق ذلك كله
162

في نية الوضوء والصلاة فلا نطيل بالإعادة فلو انحصر جنس الفعل الذي تعلق به التكليف في نوع بان لم يعتبر في ذلك الفعل عنوان زائد على ما يتحقق به مسماه
كما لو أمره بضرب زيد من حيث هو لم يجب عليه في مقام الإطاعة الا القصد إلى ماهية الضرب من حيث هي وايجادها بداعي امرها واما لو قيده بقيد كان
أوجب عليه الضرب بالعصا أو الضرب بعنوان التأديب أو غير ذلك من القيود والعناوين المقيدة له وجب القصد إلى خصوص ذلك القسم الذي تعلق
به التكليف ولا يكفي حينئذ القصد إلى ايجاد فرد من جنسه ضرورة ان إطاعة الامر باحضار عالم أو طبيب لا يحصل الا بالقصد إلى احضار رجل معنون بهذا
العنوان لا مطلقه ولا يتفاوت الحال في ذلك بين ان كان هناك امر اخر متعلق باحضار شخص اخر من مطلق الرجل أو من نوع اخر منه فما يوهمه بعض كلماتهم
في باب الصوم والصلاة وسائر العبادات من نفى الحاجة إلى التعيين فيما لو كان المكلف به متعينا في الواقع بان لم يكن مكلفا في الواقع الا بقسم خاص منه
كما لصوم في رمضان حيث لا يشرع فيه الا صومه فكونه كذلك يغنيه عن قصد التعيين ليس على ما ينبغي إذ الحاجة إلى التعيين ليست لأجل تمييز الطلب الذي
يقصد اطاعته عما عداه حتى يكون وحدته موجبة لتعينه بل لأجل تمييز المهية التي تعلق بها الطلب عما عداها واستحضارها في الذهن حتى يتأتى القصد
إليها بدعوة امره فلا يتفاوت الحال حينئذ بين وحدة الطلب وتعدده نعم مع وحدة الطلب قد يقال إن القصد إلى ايقاع الفعل الذي تعلق التكليف بنوع
خاص منه كالصلاة والصوم ونحوه خروجا عن عهدة طلبه مرجعه لدى التحليل إلى العزم على ايقاع ذلك الفعل على الوجه الذي يتحقق به امتثال امره فهو
تعيين له بمنزلة ما لو وصفه بالصلاة أو الصوم المأمور به بالفعل وقد يوجه بذلك ما ذكره المصنف وغيره بل المشهور بل عن الغنية والتنقيح دعوى الاجماع
عليه من أنه يكفي في شهر رمضان ان ينوى انه يصوم غدا متقربا إلى الله تعالى إذا لا يعقل ان يتقرب بصوم الغد الا بعدان يراه طاعة وعبادة فالذي
يتعلق قصده به في الحقيقة هو الصوم المأمور به في الغد وهو في رمضان منحصر بصومه فهو المقصود لدى التحليل لا غير ولكن الذي يقتضيه التحقيق انه لا
يحتاج تصحيح هذه النية في صوم رمضان إلى هذا التكلف إذا لحق الذي ينطبق عليه ظواهر الأدلة السمعية ان مهية الصوم الذي اخترعه الشارع و
جعله من أفضل العبادات مهية واحدة وهى الكف عن المفطرات من طلوع الفجر إلى الغروب مع النية ولكن تعرضها احكام مختلفة باختلاف أزمنة
وقوعها فهي في رمضان واجبة وفي العيدين محرمة وفي سائر الأوقات مندوبة على اختلاف مراتب محبوبيتها باختلاف الأوقات التي ندب فيها
وقضية ذلك ان يكون لازمنة وقوعه من حيث هي دخل في قوام مطلوبيته فصوم كل يوم ما عدى العيدين من حيث هو لا بوصف زائد عليه مطلوب
شرعا اما بأمر وجوبي أو ندبي وقضية ذلك عدم الفرق بين رمضان وغيره ففي أي وقت نوى ان يصوم غدا وصام صح صومه ووقع امتثالا
للامر المتعلق بصوم ذلك الوقت من حيث هو وهو الامر الوجوبي في شهر رمضان والندبى في غيره كما حكى القول به عن بعض سيأتي الإشارة إليه ويمتنع ان
يتوارد عليه من حيث هو في وقت واحد أمران أو أكثر حتى يحتاج في مقام الإطاعة إلى تعيين الامر الذي يقصده بالإطاعة نعم يجوز ان يتعلق به طلب
اخر لا من حيث هو بل من جهة أخرى زائدة على ذاته كوقوعه كفارة أو وفاء بالنذر أو بدلا عما فاته من رمضان بناء على كون عنوان البدلية قيدا
فيه كما سيأتي البحث عنه عند التكلم في عدم جواز الصوم ندبا لمن عليه القضاء والا فهذا أيضا من القسم الأول كما سنوضحه أو نيابة عن غيره أو مقدمة
لعمل من اعتكاف أو استفتاح ونحوه إلى غير ذلك من العناوين الطارية عليه المقتضية لان يتعلق به طلب اخر غير الطلب المتعلق بذاته من حيث هي وحينئذ
يجب عليه في مقام إطاعة مثل هذه الأوامر ايقاعه بعنوانه الواقع في حيز الطلب والا امتنع وقوعه إطاعة لتلك الأوامر بل يقع إطاعة للامر المتعلق بذاته
من حيث هي بعد فرض حصوله بقصد القربة لو لم يكن عروض هذه الجهات مانعة عن بقاء ذاته من حيث هي بصفة المطلوبية كما قد يقال به في النذر المعين
وشبهه وان لا يخلو عن نظر كما سيأتي التكلم فيه انشاء الله تعالى نعم قد يكون الامر المتعلق به من بعض هذه الجهات توصليا محضا ولا تكون نفس تلك
الجهة أيضا من حيث هي كعنوان البدلية والنيابة عن الغير أو الوفاء بالنذر وشبهه موقوفة على القصد بل يتحقق مفهومه بلا قصد أيضا كمقدمية
لعمل الاستفتاح مثلا لو قلنا بان هذا العمل يتوقف الا على أن يصوم ثلاثة أيام صوما صحيحا وان
لم يقصد به إطاعة هذا الامر بل غيره كما هو الشان في سائر التكاليف التوصلية فحينئذ يكفي في سقوط امره حصول الصوم صحيحا وان لم يقصد به إطاعة هذا الامر بل غيره كما هو الشان في ساير
التكاليف التوصلية وان أبيت الا عن اختلاف حقيقة الصوم وكون صوم التطوع أيضا كصوم الكفارة والنذر قسما خاصا منه وقلت بان صوم الغد من حيث هو طبيعة مشتركة لا يقع امتثالا لشئ أو امره ما لم يضم إليه ما يميزه بالقصد
من غير فرق في ذلك بين صوم التطوع وغيره كطبيعة الصلاة المشتركة من حيث هي بين الفرائض والنوافل قلنا إن سلم ذلك ففيما عدى صوم رمضان و
اما صوم رمضان حيث لا يشاركه غيره في زمانه لا يحتاج إلى فصل اخر يميزه عن سائر الأنواع وراء اضافته إلى زمانه فالزمان بالنسبة إلى سائر انحاء الصوم
ظرف لتحققها وبالنسبة إلى صوم رمضان مقوم لمفهومه فإنه يميزه عما عداه فإذا نوى صوم الغد وكان الغد من رمضان فقد عزم على ايجاد المهية المأمور
بها بعينها بداعي القربة والإطاعة وجهله بكون الغد من رمضان أو بخصوصية امره غير قادح إذا لعبرة بنفس ذلك الزمان الذي وجب صومه بعينه لا
بمعرفته عنوانه كما أن العبرة بصحته ووقوعه عبادة حصوله بداعي التقرب وإطاعة امره الواقعي وان لم يعرفه تفصيلا أو أخطأ في تشخيصه فلا مانع عن
صحة صومه في الفرض بعد فرض كونه عين الماهية المأمور بها وقد اتى به بداعي التقرب ان قلت عدم صحة صوم اخر في رمضان لا يكشف عن أن القيد
الذي اعتبره الشارع عنوانا له في الواقع ليس إلا اختصاصه بهذا الوقت حتى يكفي في وقوعه على وجهه القصد إلى أن يصوم غدا قربة إلى الله فمن الجائز
ان يكون وجه وجوبه احترام هذا الشهر وتعظيمه أو غير ذلك من العناوين الموقوفة على القصد إلى صومه بعينه لا مجرد حصول الصوم فيه وان لم يكن
بعنوان المخصوص به مقصودا له قلت لم يثبت علينا الا وجوب صوم رمضان قربة إلى الله واحتمال كون الغرض الباعث على ايجابه ايجاده على وجه
163

يحصل به تعظيم هذا الشهر أو غيره من العناوين المتوقفة على ايقاعه بعنوان كونه من رمضان لا يكفي في لزوم ايقاعه بهذا الوجه كما يتضح ذلك بمراجعة ما
حققناه في نية الوضوء حيث بينا هناك ان المرجع لدى الشك في اعتبار شئ من مثل هذه التفاصيل في صحة العبادة هو البراءة نعم لو قلنا بقاعدة الاشتغال
اما في مطلق الشك في الشرطية أو في خصوص ما كان من هذا القبيل مما يكون راجعا إلى كيفية الإطاعة اتجه القول باعتبار التعيين وعدم كفاية
قصد القربة كما حكاه في الذخيرة عن بعض ولكن المبنى ضعيف فالمتجه ما عرفت خصوصا مع ما عرفت من أنه قد يقال بأنه نوع من التعيين وان لا يخلو
ذلك عن تأمل فليتأمل وهل يكفي ذلك في النذر المعين قيل كما عن المرتضى وابن إدريس نعم وعن الفاضل في المنتهى تقويته واعتمد عليه في
المدارك لأنه زمان تعين بالنذر للصوم فكان كشهر رمضان واختلافهما بأصالة التعين وعرضيته لا يقتضى باختلافهما في هذا الحكم ولكنك
عرفت ضعف هذا الدليل وان تعينه بالأصالة فضلا عن كونه بالعرض لا يغنى عن تعيينه بالقصد ولذا لا يكفي قصد القربة في صلاة الفريضة
في وقتها المختص وان قلنا بأنه لا يصح فيه غيرها مطلقا اللهم الا ان يقال برجوعه إلى قصد التعيين كما قيل بذلك في رمضان وهو لا يخلو
عن تأمل وقيل لا وهو الأشبه لأنا لو سلمنا ان العزم على أن يصوم غدا قربة إلى الله مرجعه لدى التحليل إلى العزم على ايجاد القسم الخاص الذي
يصح التقرب به فإنما يجدى ذلك في مثل شهر رمضان الذي يتعين فيه صومه ولا يقع فيه صوم اخر واما في النذر المعين فالزمان في حد ذاته
صالح لسائر انحاء الصوم فلو غفل عن نذره ونوى قسما آخر من الصوم فلا مانع عن صحته بل قد يقال بذلك مع العمد أيضا وان اثم بمخالفته
النذر وهو وان لا يخلو عن تأمل ولكنه لا تأمل في صحته مع الغفلة عن النذر لان تعلق النذر بصوم ذلك اليوم لا يصلح مانعا عن صحة صوم
تطوعا أو نيابة عن ميت أو نحو ذلك لدى الغفلة عن نذره كما تقرر في محله فلا ينحصر الصوم المقرب بالنسبة إليه في خصوص صوم النذر نعم
لو قيل بأنه لا يصح منه صوم اخر أصلا ولو مع الغفلة عن نذره اتجه دعوى رجوعه إلى قصد التعيين ولكن المبنى ضعيف مع ما في أصل الدعوى
من التأمل كما تقدمت الإشارة إليه ولا بد فيما عداهما أي ما عدى شهر رمضان والنذر المعين من نية التعيين وهو القصد إلى الصوم المخصوص
كالقضاء والكفارة والنافلة والنذر ونحوه بلا خلاف فيه كما ادعاه بعض وعن المعتبر ان على ذلك فتوى الأصحاب وعن السرائر دعوى الاجماع
عليه صريحا فلو اقتصر على نية القربة وذهل عن تعينيه لم يصح لأنه فعل مشترك صالح لأن يقع على وجوه فلا ينصرف إلى شئ منها ما لم يعينه بالقصد
ولا امر بالصوم المطلق حتى يقع امتثالا له وعن الشهيد في البيان الخلاف في الندب المعين كأيام البيض فالحقه بالواجب المعين في عدم افتقاره إلى
التعيين بل حكى عنه ثاني الشهيدين في الروضة انه الحق به في بعض تحقيقاته مطلق المندوب لتعينه شرعا في جميع الأيام الا ما استثنى فيكفي فيه نية
القربة واستحسنه هو وتبعه في الذخيرة وفي المدارك بعد نقل ذلك عن الشهيدين قال ولا باس به خصوصا مع براءة ذمة المكلف من الصوم الواجب
أقول قد عرفت انفا ان ما نسب إلى المشهور هو الذي يقتضيه التحقيق ان بنينا على أن صوم التطوع كصوم الكفارة والنذر وغيره قسم خاص من الصوم
وليس جنس الصوم من حيث هو متعلقا الامر شرعي بل هو قدر مشترك بين الأنواع المطلوبة شرعا واما على ما اخترناه من أن طبيعة الصوم من حيث
هي لا بوصف زائد عليها هي التي أوجبها الشارع في شهر رمضان وندبها في سائر الأيام عدى الأوقات التي حرم صومها وان للصوم من حيث هو
أحكاما مختلفة باختلاف أزمنة وقوعه وله احكام أخر متعلقة به لا من حيث هو بل باعتبارات اخر خارجة عن حقيقته كوقوعه نيابة عن ميت أو
كفارة أو وفاء بالنذر وشبهه فالمتجه ما ذكره الشهيد في بعض تحقيقاته كما تقدمت الإشارة إليه وسيأتي لذلك مزيد توضيح في مسألة الصوم
تطوعا لمن عليه القضاء ولا بد من حضورها أي النية عند أول جزء من الصوم أو تبييتها مستمرا على حكمها كغيره من العبادات المشروطة بالنية
حيث يعتبر في صحتها حصولها بجملتها من أولها إلى اخرها بقصد الإطاعة فلا بد فيه وفي غيره مما يعتبر فيه حصوله بعنوان الإطاعة من إرادة
تفصيلية ناشئة من تصور الفعل وغايته باعثة له على اختياره بهذا العنوان مقارنة الأول زمان الاخذ فيه أو متقدمة عليه بشرط بقاء حكمها
أي باعثيتها على اختيار الفعل لغايته المتصورة وقد أشرنا في صدر المبحث إلى أن بقاء اثرها فيما لو كان المنوي فعلا وجوديا يتوقف على بقاء مرتبة من
مراتبها في النفس بنحو من الاجمال صالحة لبعث الفاعل على اختياره وهذا هو الذي نسميه بالداعي واما في الصوم ونحوه مما كان المنوي ترك فعل
فلا حاجة إلى ذلك بل يكفي بقائها في النفس شانا بحيث مهما عرضها الالتفات التفصيلي وجدتها باقية غير مرتدعة عنها فلا ينافيه عروض الغفلة
والنوم بل ربما كان من مقتضياته كما أوضحناه فيما سبق ونبهنا فيما تقدم على أنه ليس للنية زمان شرعي كي نتكلم في وقتها بل على تحققها قبل الفعل
واستمرار حكمها إلى أن يتحقق الفراغ من الفعل كما حققناه في نية الوضوء خلافا لظاهر كلمات أكثر القدماء بل المشهور ان لم يكن مجمعا عليه ففيما بينهم
حيث إنهم اعتبروا في سائر العبادات كونها صادرة عن نية تفصيلية مقارنة لأول اجزائها عدى الصوم فلم يعتبروا فيه هذا الشرط لكونه بالنسبة
إلى الصوم مخالفا للضرورة فضلا عن منافاته لقاعدة نفى الحرج فان تحصيل المقارنة غالبا اما متعذرا ومتعسر فأجاز واتبيتها في أي جزء
من الليل مستمرا على حكمها من باب التوسعة والتسهيل على ما يقتضيه القاعدة في باب العبادات من اشتراط المقارنة وحكى عن بعض العامة تخصيصها
بالنصف الأخير فكان محط نظره كون جواز التقديم لمكان الحرج والضرورة وهى تقدر بقدرها وهو بناء على كون الحكم مخالفا للأصل لا يخلو
عن وجه لولا قضاء ضرورة الشرع بجواز النوم م أول الليل إلى طلوع فجر اليوم الذي وجب صومه من رمضان أو غيره وكيف كان فالحق ما عرفت
من أنه ليس للنية في شئ من العبادات فضلا عن الصوم محل شرعي تعبدي بل محلها عقلا قبل الفعل بشرط تأثيرها في وقوعه منويا فعلى هذا
164

يجوز تقديمها على الليل أيضا بعد فرض استمرار حكمها إلى زمان حصول الفعل ولكن استمرار حكمها من اليوم السابق إلى الغد لا ينفك غالبا عن عروض
التفات تفصيلي في الليل فتصير حينئذ إرادة فعلية لأنه من لوازم بقائها شانا كما تقدمت الإشارة إليه ولاجل ذلك اعتبرنا تبعا للمشهور تبيتها أي
ايقاعها في الليل والا فليس الليل من حيث هو خصوصية في ذلك فلو فرض انه عزم من هذا اليوم هو اخر شعبان مثلا ان يصوم الغد الذي هو
أول رمضان ونام على هذا العزم ولم ينتبه إلى الغد أو انتبه ولم يلتفت تفصيلا إلى أن الغد من رمضان حتى يتجدد عزمه ولكن كان بحيث لو
سئله سائل عما عزمه في صوم الغد لأخبره بذلك كما هو من لوازم استدامتها حكما صح صومه بلا اشكال كما سيأتي التصريح به في كلام غير واحد في
مسألة من نوى صوم رمضان قبل حضوره نعم مقتضى القاعدة عدم جواز تأخير النية عن الجزء الأول والا لوقع بعضه بلا نية وهو ينافي كونه عبادة
لا يقال إن كونه عبادة لا يقتضى الا اختيار فعل المأمور به بقصد إطاعة امره وحيث إن المأمور به في المقام هو ترك المفطرات في اليوم صدق عند
كونه في الجزء الآخر من اليوم اختياريا بهذا العنوان انه امسك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات في هذا اليوم بقصد إطاعة امره لأنا نقول العبرة
في صحة العبادات التي اعتبر فيها قصد الإطاعة كون هذا القصد داعيا إلى اختيار الفعل المأمور به من حين الاخذ به بان يكون جميعه ان كان مركبا
ذا اجزاء ماتيا به بقصد الإطاعة ولا يكفي فيها اختيارية كله أي مجموعه من حيث المجموع الحاصلة باختيار جزئه الأخير المحقق لصدق حصول المجموع من
حيث هو والا لم يختلف الحال في ذلك بين الصوم وغيره من العبادات المركبة المطلوب بها الفعل الوجودي كما لا يخفى والحاصل ان مقتضى القاعدة
اشتراط صحة الصوم ووقوعه عبادة بكونه مسبوقا بالنية من غير فرق في ذلك بين صوم رمضان وغيره ولا بين العامد والساهي ويؤيده قوله عليه السلام
في النبوي المشهور في كتب الفتاوى لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل ولكن ورد اخبار معتبرة مستفيضة بخلاف ما يقتضيه هذا الأصل ومن هنا
وقع الكلام في تحديد اخر وقتها منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يبدو له بعدما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم
ليقضيه من شهر رمضان ولم يكن نوى ذلك من الليل قال نعم ليصمه ويعتد به إذا لم يكن احدث شيئا وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر قال قال علي عليه السلام إذا
لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر الصيام قبل ان يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر فهو بالخيار ان شاء صام وان شاء افطر وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد ان يقضيها متى ينوى الصيام قال هو بالخيار إلى أن تزول الشمس فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم
فليصم وان كان نوى الافطار فليفطر سئل فإن كان نوى الافطار يستقيم ان ينوى الصوم بعد ما زالت الشمس قال لا الحديث وخبر الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث قال قلت له ان رجلا أراد ان يصوم ارتفاع النهار أيصوم قال نعم وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال من أصبح وهو يريد
الصيام ثم بدا له ان يفطر فله ان يفطر ما بينه وبين نصف النهار ثم يقضى ذلك اليوم فان بدا له ان يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم فإنه يحسب له
من الساعة التي نوى فيها وصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يصبح ولا ينوى الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم فقال
إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له يومه وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى وخبر صالح بن عبد الله عن أبي إبراهيم عليه السلام قلت
رجل جعل الله عليه صيام شهر فيصبح وهو ينوى الصوم ثم يبدو له فيفطر ويصبح وهو لا ينوى الصوم فيبدو له فيصوم فقال هذا كله جائز وصحيحة عبد الرحمن
بن الحجاج قال سئلت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم من شهر رمضان اله ان يصوم ذلك اليوم
وقد ذهب عامة النهار وقال نعم له ان يصوم ويعتد به من شهر رمضان ومرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له الرجل يكون
عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى العصر أيجوز ان يجعله قضاء من شهر رمضان قال نعم وخبر ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل
عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى ما مضى من النهار قال يصوم ان شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار وصحيحة
هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يدخل على أهله فيقول عندكم شئ والا صمت فإن كان عندهم شئ اتوه به والا صام
وخبر أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة قال هو بالخيار ما بينه وبين العصر وان مكث حتى العصر ثم بدا له ان
يصوم وان لم يكن نوى ذلك ان شاء وهذه الأخبار كما تريها صريحة الدلالة على بقاء وقت النية وجواز ايقاعها في اليوم في الجملة
فالكلام حينئذ يقع في مواقع الأول في صوم رمضان وشبهه من الواجب المعين بنذر وشبهه والكلام فيه تارة في العامد وأخرى في الناس ومن بحكمه من الجاهل
بالموضوع أو الحكم على اشكال في الأخير كما سيأتي التكلم فيه انشاء الله اما العامد أي العالم الملتفت إلى الحكم وموضوعه فلا يجوز له تأخير النية بل
عليه تبييته من الليل بان يكون الصوم من الأول اليوم منويا له لخروجه عن موضوع الاخبار أو منصرفها واما لو نسيها ليلا بان غفل عن كون الغد
رمضان أو انه يجب عليه صومه أو كان جاهلا بموضوعه بل وكذا بحكمه على الأظهر جددها أي أوقع هانها أو فيما بينه أي الليل وبين الزوال على معنى
انه يجددها حالة الذكر على الفور في هذه المدة لان لا يخلو جزء من النهار من النية اختيارا لا ان له ان يتراخى بها إليه فان هذا مما لا يساعد عليه
دليل واما جواز تجديد النية عند تذكره فمما لم ينقل الخلاف فيه الا عن ظاهر ابن أبي عقيل من أنه لم يفرق بين العامد والناسي في بطلان الصوم مع
الاخلال بالنية من الليل وهو وان كان مقتضى القواعد ولكنه مخالف لما يظهر من كلمات الأصحاب من اتفاقهم في الناس على أنه يجددها إلى
الزوال بل عن الغنية وظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة دعوى الاجماع عليه ويشهد له مضافا إلى ما عرفت ما روى أن ليلة الشك أصبح الناس فجاء اعرابي
إلى النبي صلى الله عليه وآله فشهد برؤية الهلال فامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مناديا ينادى كل من لم يأكل فليصم ومن اكل فليمسك فإنه كما يعم الشاك يعم الغافل والجاهل
165

الذي يزعم عدم انقضاء شعبان فإذا جاز مع الجهل بالموضوع بانحائه جاز مع النسيان أيضا لعدم الفرق بينهما في العذورية بل هو في الناسي أولى منه
في الملتفت الذي يحتمل كونه من رمضان كما هو الغالب في مورد الخبر وضعفه مجبور باشتهاره بين الأصحاب واعتمادهم عليه ويمكن الاستشهاد له أيضا بفحوى
ما دل على صحة صوم المريض والمسافر فإذا صح الصوم ممن لم يتنجز عليه التكليف بالصوم بفقد شرائط التكليف فممن لم يتنجز عليه لغفلته أو الجهل
بموضوعه أولى فليتأمل ويمكن الاستدلال أيضا بالاخبار السابقة بدعوى انه يستفاد منها استفادة قطعية ان مهية الصوم من حيث هي لا تتوقف
على تبييت النية ولكنها منصرفة عن الواجب المعين الذي تنجز التكليف به من الليل ولم يكن للمكلف تركه وتأخير النية عمدا سواء كان تعينه عليه بالأصالة كشهر رمضان أو صوم اليوم الذي نام عن عشاء ليلته ان قلنا بوجوبه أو بالعرض كالنذر المعين أو المطلق الذي تضيق زمانه أو القضاء
الذي ضاق وقته واما ما كان المكلف معذورا في ترك تبييت النية فيه ولو لجهله بالحكم كان لم يعلم بوجوب الصوم على من نام عن العشاء فعلم به بعد
ان أصبح ولم تكن تناول المفطر فلا نسلم انصراف بعض الأخبار المطلقة عنه كما انا لا نسلم انصراف ما ورد في القضاء أو النذر عن النذر المعين
والقضاء المضيق الذي لم يلتفت المكلف إليه الا بعد الصبح ولو سلم الانصراف فهو بدوي منشأه ندرة الوجود و لو سلم ورودها في خصوص
الواجب الموسع فنقول انه يستفاد منها حكم المضيق الذي كان المكلف معذورا في تركه للتبييت بالفحوى وتنقيح المناط ولذا لو قال المجتهد
لمقلديه انه يجوز تجديد نية الصوم في اليوم واحتسابه عما وجب عليه بنذر أو كفارة أو قضاء فهم من ذلك تعينه عليه عند تضييق الوقت وعدم
قدرته عن الخروج عن عهدة التكليف بذلك الواجب الا في هذا اليوم وكيف كان فلا شبهة في الحكم بعد عدم معروفية الخلاف فيه واعتضاده
بما عرفت واما انتهاء وقتها عند الزوال فهو المشهور بين الأصحاب في الصوم الواجب كما يدل عليه موثقة عمار المتقدمة بل وكذا صحيحة هشام
بن سالم فإنها تدل على أن النية بعد الزوال لا تؤثر في احتسابه صوم يوم كامل حتى يصح وقوعه قضاء من رمضان أو أداء الواجب اخر ولهذا يتعين
حملها على النافلة القابلة لان يحسب له من الوقت الذي نوى وكذا قوله عليه السلام في خبر ابن بكير المتقدم هو بالخيار إلى نصف النهار إذ المراد بالصوم
المفروض موضوعا في هذا الخبر اما مطلقة كما هو الظاهر أو خصوص الواجب أو خصوص المندوب اما على الأولين فيدل على المدعى بمنطوقه وعلى
الأخير فبالفحوى وعدم القول بالفصل ولكن تيم الاستدلال به حينئذ ان قلنا به في النافلة والا فلا يصح الاخذ بمفهومه وطرح منطوقه أو ارتكاب التأويل
فيه كما هو واضح ويظهر من ابن الجنيد القول بجواز تجديدها بعد الزوال أيضا حيث حكى عنه أنه قال ويستحب للصائم فرضا ونفلا ان يبيت الصيام
من الليل لما يريده به وجائز ان يبتدء بالنية وقد بقي بعض النهار ويحتسب به من واجب إذا لم يكن احدث ما ينقض الصيام ولو جعله تطوعا كان أحوط
انتهى فإنه باطلاقه يعم ما بعد الزوال أيضا وحكى عن المفاتيح والذخيرة موافقته لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج مرسلة أحمد بن محمد بن أبي نصير البزنطي
المتقدمتين اللتين وقع في أوليهما التصريح في السؤال بذهاب عامة النهار وفي ثانيتهما التصريح بأنه لا يأكل إلى العصر أيجوز ان يجعله قضاء و
احتمال ان يكون المراد بذهاب عامة النهار بصيرورته قريبا من الزوال بملاحظة ان من طلوع الفجر إلى الزوال أو قريبة أكثر مما بعده مع كونه في حد ذاته
في غاية البعد لا يصح تنزيل اطلاق الجواب عليه كما ارتكبه غير واحد في مقام توجيه الخبر وتطبيقه على مذهب المشهور كما أن ما ذكروه في توجيه الخبر الثاني بتنزيله
على من ترك الأكل إلى العصر بنية جنس الصوم ثم بدا له بعد العصر ان يجعله قضاء من شهر رمضان لا يخلو أيضا عن بعد مع أن الالتزام بجواز احتسابه
قضاء بعد العصر بناء على اعتبار قصد عنوانه في سقوط التكليف به ليس بأهون من الالتزام بجواز تجديد النية رأسا فالانصاف ان الخبرين ان لم
نقل بابائهما عن مثل هذه التأويلات فلا أقل من أن التصرف فيهما بارجاعهما إلى ما لا ينافي المشهور ابعد من صرف الاخبار التي أوردناها دليلا
للمشهور إلى ما لا ينافي هذين الخبرين بحمل ما فيهما من التحديد بالزوال حدا للصوم الكامل الذي لا منقصة فيه كما ربما يشهد له قوله عليه السلام في صحيحة
هشام بن سالم وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نواه إذا الظاهر أنه لم يقصد به تبعض الصوم بل عدم استحقاقه الاجر الا بهذا المقدار وقد
ورد هذا المضمون في صحيحة ابن سنان المتقدمة أيضا مع أن المنساق من موردها إرادة ما قبل الزوال الذي لا شبهة في صحته والحاصل ان ارتكاب
التأويل في تلك الأخبار بارجاعها إلى ما لا ينافي الخبرين الأخيرين أهون من عكسه بالنظر إلى نفس الاخبار من حيث هي ولكن يشكل الالتزام به بعد
اعتماد المشهور على ظواهر تلك الأخبار واعراضهم عن هذين الخبرين حتى أن بعضا منهم رموهما بالشذوذ واخرين منهم ارتكبوا تأويلا بعيدا فيهما
فرارا عن طرحهما لأنا لو لم نقل بان اعراض الأصحاب عن خبر يسقطه عن الحجية فلا أقل من أن يورث وسوسة في النفس تمنعها عن تحكيمه على سائر الأدلة
المعتبرة المنافية له هذا مع أن ارتكاب التأويل في موثقة عمار بحملها على الكراهة بالنسبة إلى ما بعد الزوال كما هو محصل الجمع المزبور لا يخلو عن بعد
إذ لا وقع لسؤاله ثانيا عن انه هل يستقيم ان ينوى الصوم بعد ما زالت الشمس بعد ان اجابه الإمام عليه السلام أو لا بتحديد وقت النية إلى الزوال وفرع
عليه قوله فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم وان كان نوى الافطار فليفطر الا بملاحظة احتمال إرادة الكراهة الغير المنافية لصحة الصوم
فسؤاله ثانيا بحسب الظاهر ليس الا عن صحته ولو على سبيل المرجوحية فهذه الموثقة لدى التأمل كالنص فيما ذهب إليه المشهور فالحق ان الاخبار معارضة
والترجيح مع الموثقة المعتضدة بالشهرة وغيرها مما عرفت ولو زالت الشمس فات محلها واجبا كان الصوم كما عرفت أو ندبا على قول وقيل يمتد وقتها
إلى الغروب لصوم النافلة أي إلى قريب منه بان يبقى بعد النية من الزمان ما يمكن صومه لا ان يكون انتهاء النية مع انتهاء النهار والأول على ما
ادعاه المصنف (ره) اشهر وفي المدارك نسبه إلى الأكثر وفي المسالك إلى المشهور ولعل منشاء هذه النسبة اطلاق كلمات كثير منهم والا فقد حكى القول
166

بالامتداد إلى الغروب عن السيد والشيخ في المبسوط والحلي والعلامة والشهيدين بل عن الانتصار والغنية والسرائر الاجماع عليه وعن المنتهى نسبته
إلى الأكثر وكيف كان فهذا هو الأقوى كما صرح به غير واحد من المتأخرين ان لم يكن جميعهم كما يدل عليه صحيحته هشام ورواية أبي بصير المتقدمتان
ففي أوليهما التصريح بأنه ان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى وفي ثانيتهما وان مكث حتى العصر ثم بدا له ان يصوم وان لم يكن نوى ذلك
فله ان يصوم ذلك ان شاء مع ورود الثانية في خصوص النافلة وكون النافلة بالخصوص هي القدر المتيقن من اطلاق أوليهما ويشهد له أيضا اطلاق
صحيحة محمد بن قيس المتقدمة واستدل للقول الاخر بقوله عليه السلام في خبر ابن بكير المتقدم الوارد فيمن طلعت عليه الشمس وهو جنب يصوم ان شاء و
هو بالخيار إلى نصف النهار وفيه ما لا يخفى من عدم صلاحيته لمكافئة ما عرفت لا سندا ولا دلالة خصوصا مع صلاحية صحيحة هشام بمدلولها اللفظي
قرينة الصرف هذه الرواية عن ظاهرها كما هو واضح وربما يستدل له أيضا بالصحيحة المزبورة بجعل قوله عليه السلام حسب له من الوقت الذي نوى كناية عن فساد
الصوم وفيه ما لا يخفى ثم انك قد عرفت عدم اختصاص هذا الحكم أي امتداد وقت النية إلى الزوال أو الغروب بالناسي فيما عدى الواجب المعين فما
يوهمه عبارة المتن من اختصاصه به مطلقا غير مراد جزما بل الاخبار بأسرها واردة اما في خصوص العامد أو انه هو القدر المتيقن من منصرفها كما تقدمت
الإشارة إليه ولو نوى من الليل أو بعد طلوع الفجر صوما غير معين ثم نوى الافطار ولم يفطر كان له تجديد النية ما لم يفت ملحها لأنا ان بنينا على أن
العزم على الافطار مفسد للصوم وان لم يتناول مفطرا كما سيأتي التكلم فيه فليس الا لارتفاع اثر النية السابقة بواسطة العزم على الخلاف
ووقوع الامساك الحاصل في هذه الجزء من الزمان بلا نية وهو غير قادح بعد دلالة الأخبار المتقدمة على عدم اشتراط صحة الصوم بالنية السابقة
وان لم يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر له ان ينوى ما بينه وبين الزوال أو إلى العصر إذ غايته صيرورته كغير العازم على الصوم أو العازم على
عدمه من الليل وتوهم ان الاخبار واردة في غير مثل الفرض فيجب في الحكم المخالف للأصل الاقتصار على مورد النص مدفوع بان انسباق غير هذا الفرض
إلى الذهن من مورد الاخبار أو كونه مفروضا في السؤال الواقع فيها انما هو لانس الذهن به في مقام تصور الموضوع والا فهو ليس من الخصوصيات الملحوظة
قيدا في موضوعيته فلا يتبادر من الاخبار الا إرادة بيان توسعة وقت النية التي هي شرط في صحة الصوم وانه يمتد وقتها إلى الزوال فيفهم من ذلك حكم
مثل الفرض بالفحوى لأن النية السابقة ان كانت مجزية فبها والا فلم يفت ملحها بنص هذه الأخبار واحتمال ان يكون قصد الافطار المسبوق بنية
الصوم بنفسه كالأكل والشرب مع وهنه في حد ذاته لو لم ندع القطع بفساده مدفوع بمخالفته للأصل وظواهر ما دل على حص المبطلات فيما عداه هذا
مع أن كون الحكم في حد ذاته مخالفا للأصل غير مسلم كما سنشير إليه هذا كله مع ظهور موثقة عمار في إرادة التخيير الاستمراري وجواز العدول عما نواه
مطلقا صوما كان أو افطارا إلى أن تزول الشمس وبعده ينقطع الخيار ويتعين عليه المضي فيما نواه كما لا يخفى على المتأمل ويؤيده أيضا انه لم يعرف
الخلاف فيه من أحد نعم ذكره في المدارك وغيره على سبيل الاحتمال مع التصريح بضعفه تنبيه قال في المدارك وفاقا لجده في المسالك لوجد النية
في أثناء النهار فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية أو من ابتداء النهار أو يفرق بين ما إذا وقعت النية بعد الزوال أو قبله أوجه اجوزها
الأخير لقوله عليه السلام في صحيحة هشام بن سالم المتقدمة ان هو نوى الصوم قبل ان تزول الشمس حسب له يومه وان نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى
فيه انتهى أقول الظاهر أن المقصود بالرواية نقصانه من حيث الفضيلة واستحقاق الاجر لا كونه صوما من ذلك الوقت والا لكان عليه ان ينوى
الصوم بامساكه من هذا الحين مع أنه بهذا القصد تشريع وانما المشروع ان ينوى الصوم بترك المفطرات الحاصل من أول اليوم فالنية اللاحقة بالنسبة إلى
الامساك السابق اما من قبيل إجازة الفضولي يجعله بحكم المنوي أو انه يتكشف من اكتفاء الشارع بها ان حقيقة الصوم هي ترك المفطرات في مجموع النهار
مع النية بان يكون مجموعه من حيث المجموع اختياريا له بعنوان الإطاعة لاكل جزء من اجزائه كما تقدم تصويره في صدر المبحث فصوم يوم الجمعة مثلا ليس الا كما
لو نذر ان لا يدخل في يوم الجمعة دار زيد أو لا يتكلم معه فلو غفل عن نذره ولم يلتفت الا بعد الزوال من ذلك اليوم فان حصل منه مخالفة نذره و
هو الدخول في دار زيد في زمان غفلته فقد سقط التكليف بالوفاء بالنذر بحصول مخالفته لا عن قصد والا فعليه تركه فيما بقي من النهار ويتحقق
به عنوان الوفاء ويستحق اجره فكذلك فيما نحن فيه فمن أصبح ولم يتناول شيئا من المفطرات حتى ارتفع النهار أو إلى العصر ثم بدا له رأى في صوم ذلك اليوم
وتركها اختيارا في بقية النهار صدق عليه انه ترك الأكل والشرب في هذا اليوم عمدا بقصد إطاعة الامر به فلنا ان نقول إن امتداد وقت النية في صوم
النافلة إلى العصر على وفق الأصل إذ لا دليل على أنه يعتبر في مهية الصوم من حيث هي أزيد من اختيار ترك المفطرات في اليوم الذي نوى صومه قربة إلى الله
تعالى فما دام باقيا بصفة القدرة على ايجاد شئ من المفطرات في اليوم صح له اختيار تركه بقصد القربة وإطاعة الامر بصوم هذا اليوم ولا يقاس ذلك
بالعبادات المركبة المطلوب بها الفعل كالصلاة والوضوء ونحوه مما يتوقف إطاعة امره عرفا وعقلا على القصد إليه من حين التلبس به إذ الفعل
الوجودي لا يتصف بصدوره عن عمد واختيار الا إذا كان القصد مؤثرا في ايجاد مهيته التي هي عبارة عن هذه الاجزاء المجتمعة ولا فلا يصدق عليه
انه صدر عن قصد بل يفكك عن ابعاضه فيقال بعضه صدر عن قصد واما المجموع من حيث المجموع الذي يتقوم به اسم المركب وان صدق
عليه انه صدر عن قصد ولكن المطلوب بالأوامر المتعلقة بالافعال المركبة الوجودية بمقتضى ظواهر أدلتها انما هي ماهية تلك الأفعال التي قد أشرنا
إلى انها هي اجزائها مجرد صورتها أي الهئ التركيبية المتقومة بها والا فيصير حالها حال ما نحن فيه في أنه يكفي في ا طاعة امرها احداث الهيئة التركيبية و
ان لم يكن حصول شئ من اجزائها اختياريا فضلا عما لو كان بعضها كذلك ولكن ذلك خلاف ظواهر أدلتها كما تقدمت الإشارة إليه واما ترك
167

الاكل ونحوه من الصبح إلى الليل الذي هو معنى الصوم فهو امر عدمي وليس له حقيقة متأصلة ولا اجزاء حقيقة حتى يتوقف اختياريته على اختيارية أجزاه
وانما يتصف بالاختيارية والمقدورية المصححة لتعلق التكليف به ايجابا أو تحريما تبعا لمقدورية ما أضيف إليه هذا العدم فإذا كان المكلف قادرا
على ايجاد مسمى الاكل في يوم الجمعة مثلا ولو في جزء منه صح ان يتعلق به التكليف فعلا أو تركا فإذا تعلق التكليف بفعله يصير فعله واجبا موسعا
من أول الصبح إلى الغروب ونقيضه وهو تركه في مجموع هذه المدة حراما معينا واما تركه في بعض هذه المدة أي بعض فرض فهو من حيث هو ليس بحرام
سواء كان في أول اليوم أواخره ولكن إذا انحصر القدرة على أداء الواجب في زمان خاص من ذلك اليوم كان غفل عنه الا في آخر الوقت أو لم يتمكن من
فعله مثلا الا في أول الزوال وتركه في ذلك الوقت عمدا مع علمه بعدم قدرته عليه الا
في هذا الوقت فقد تحقق موضوع الحرام وهو الترك في مجموع هذا اليوم متصفا بالاختيار والا
لقبح العقاب عليه فكما ان الترك في اخر أزمنة القدرة على الفعل يجعل الترك في مجموع اليوم اختياريا موجبا لاستحقاق العقاب عليه على تقدير حرمته
فكذلك يجعله اختياريا موجبا لاستحقاق الثواب عليه على تقدير وجوبه حصوله بقصد إطاعة الامر بتركه في هذا اليوم فلا حظ وتدبر فإنه لا يخلو
عن دقة وكفاك شاهدا للفرق بين الصوم وغيره من العبادات انه لا يتوهم أحد صحة ساير العبادات الوجودية عند صدور بعضها بلا شعور وقصد
بخلاف الصوم فلو قيل للعامي في يوم الغدير مثلا بعد ارتفاع النهار ان لصوم هذا اليوم كذا وكذا من الاجر ولم يكن قد تناول مفطرا إلى ذلك الوقت
يقع في ذهنه لا محالة احتمال جواز تجديد نيته من ذلك الحين فيسئل عن حكمه ولذا كثر السؤال عن مثله في الاخبار ولم يرد بمثل ذلك في ساير العبادات
وكيف كان فلا يهمنا ابداء الفارق بين الصوم وغيره بعد حرمة القياس وعدم قيام دليل يعتد به على توقف مهية الصوم على أزيد من القصد المزبور
والمرجع في مثله البراءة عن الكلفة الزائد كما حققناه في محله وقدمنا شطرا وافيا لبيانه في نية الوضوء من كتاب الطهارة واما ما دل على أنه لا صيام لمن
لم يبيت الصيام من الليل فمخصوص بالواجب المعين للعامد نصا واجماعا كما عرفت فمقتضى الأصل فيما عداه امتداد وقت نيته إلى الغروب ولكن الزمنا
بعدم جواز تأخيرها عن الزوال في الصوم الواجب لموثقة عمار وغيرها مما عرفت فليتأمل وقيل يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ولو سهى عند
دخوله فصام كانت النية الأولى كافية حكى هذا القول عن الشيخ في خلاف والنهاية والمبسوط وقد عرفت في المبحث السابق صحة هذا القول و
عدم اختصاصه برمضان ولعل ما في كلام الشيخ من تخصيصه برمضان للجرى مجرى العادة من عدم حصول العزم على سبيل الجزم فيما عداه غالبا
قبل حضوره وقته بأيام مع استدامة حكمه على الوجه الذي عرفت اعتباره في تأثير النية السابقة في استناد الفعل إليها واتصافه بوقوعه عن قصد
بخلاف صوم رمضان فان كل مكلف لدى الالتفات إلى قرب الشهر ما لم يضمر في نفسه المعصية ينوى صومه ويشتغل بتهية مقدماته ويبقى هذه النية
مغروسة في نفسه حقيقة أو حكما إلى حين حضوره وقد عرفت انه لا يشترط في صحة العبادة أزيد من ذلك وانه ليس للإرادة التفصيلية التي يتوقف عليها
صحة العبادة واتصافها بحصولها عن نية زمان موقت شرعي فليس جواز تقديم النية في الصوم بهذا المعنى الذي هو محل الكلام مخالفا للأصل
فالتفكيك حينئذ بين الجزء الأول من الليل والجزء الآخر من اليوم السابق المتصل بهذا الجزء فاسد نعم يتجه هذا التفصيل لدى القائلين باشتراط صحة
العبادات بمقارنة هذه الإرادة التفصيلي التي هي شرط عقلي لوقوع الفعل بداعي التقرب لأول زمان التلبس بالفعل وان جواز التقديم
في الصوم على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد الثبوت ولكنك عرفت فساد المبنى كما انك عرفت وجه ما فرعه الشيخ على مختاره من الصحة على
تقدير السهو والغفلة عن تجديها في الليل لا مطلقا حيث قال في ما حكى عن مبسوطه ما لفظه نية القربة يجوز ان يكون متقدمة فإذا كان من نيته صوم
الشهر إذا حضر ثم دخل عليه الشهر ولم يجددها لسهو لحقه أو اغماء كان صومه صحيحا فإن كان ذاكرا فلا بد من تجديدها انتهى حيث ظهر لك ان
شرط تأثير النية السابقة في صحة العمل اللاحق واتصافه بوقوعه منويا استدامتها حكما ولا تكون كذلك الا إذا كانت مغروسة في النفس على وجه لو
التفت المكلف تفصيلا إلى الفعل الذي نواه لوجد نفسه عازمة عليه وليس المراد بتجديدها الا هذا المعنى لا التكيف في احضار صورتها مفصلة في
الذهن وكيف كان فالنية السابقة إذا كانت كذلك فيه مجزية في صحة الصوم سواء كانت في الليل أو قبلها وان لم تكن كذلك فهي غير مجدية مطلقا
ولو كانت حاصلة في الليل بل متصلة بالفجر ما لم تبق بهذه الصفة إلى الغروب وكذا يظهر بالتدبر فيما أسلفناه صحة ما قيل من أنه يجزى نية واحدة
لصيام الشهر كله كما عن الشيخ والسيد وأبى الصلاح وسلار وابن إدريس وغيرهم بل عن المنتهى نسبته إلى الأصحاب من غير نقل خلاف فيه وربما
تكلف بعض في توجيهه بجعل صوم الشهر كله بمنزلة عبادة واحدة ذي اجزاء فالنية الحاصلة في أول الشهر المتعلقة بالمجموع بمنزلة نية الصلاة
المتعلقة باجزائها ولا يخفى ما فيه وكان مثل هذه التوجيهات والتكلفات صدرت من القائلين بالاخطار واما على القول بكفاية الداعي الذي
مرجعه إلى ما حققناه فيما سبق فلا وقع لمثل هذه الكلمات والتعرض لمثل هذه الشرائط إذ العبرة في صحة العبادة حينئذ باقترانها بالداعي المغروس في النفس
حال الفعل حقيقة أو حكما بحيث يصح استناد الفعل إلى اختيار المكلف بعنوان الإطاعة لا بالإرادة التفصيلية الحاصلة قبله القابلة لأن يقع
النزاع في وقتها التي هي شرط عقل لايقاع الفعل بهذا العنوان وقد أشرنا فيما سبق إلى الفرق بين الصوم وغيره من العبادات المطلوب بها الفعل
من أنه يعتبر في سائر العبادات وجود الداعي الذي هو اثر تلك الإرادة التفصيلية الباعثة على اختيار الفعل في وقته فعلا ويكفى في الصوم بقائه
في النفس شأنا بحيث لا ينافيه الغفلة والنوم فلا تغفل ولا يقع في شهر رمضان صوم غيره واجبا كان أو مندوبا من المكلف بصومه وغيره كمسافر
168

ونحوه على المشهور خلافا لما حكى عن الشيخ في المبسوط من أنه قال لو كان مسافرا سفر القصر فصام بنية رمضان لم يجزه وان صام بنية التطوع كان جائزا
وان كان عليه صوم نذر معين ووافق ذلك شهر رمضان فصام عن النذر وهو حاضر وقع من رمضان ولا يلزم القضاء لمكان النذر وان كان
مسافرا وقع عن النذر وكان عليه القضاء لرمضان وكذا ان صام وهو حاضر بنية صوم واجب عليه غير رمضان وقع عن رمضان ولم يجزه عما
نواه وان كان مسافرا وقع عما نواه انتهى أقول ما ذكره بالنسبة إلى الحاضر من أنه لو نوى صوم النذر أو غيره يقع من رمضان انما يتجه بناء على أنه لا
يعتبر في ماهية صوم رمضان عدى ترك المفطرات فيه بنية التقرب ولو بإطاعة امر اخر وهمي غير امره الواقعي المنجز عليه وهذا ينافي الالتزام بحصته من
المسافر إذا نوى به التطوع أو صوما آخر غير صوم رمضان دون ما قصد به صوم رمضان فان ما يقع من المسافر في الحقيقة ليس الا صوم رمضان
فالمسافر إذا قصد اليوم الأول من شهر رمضان ان يوصم تطوعا فان جاز له ذلك فماله إلى أن صوم رمضان يجب على الحاضر ويستحب للمسافر
فيكون جواز تركه للمسافر حينئذ رخصة لا عزيمة كما يزعمه العامة وعلى هذا التقدير يمتنع ان يجب عليه قضائه بعدان اتى به في وقته صحيحا ان قلت إن
الحضور شرط في ماهية صوم رمضان الذي تعلق به امر وجوبي فما يقع من المسافر موضوع اخر متعلق لامر ندبي أو الزامي ناش من الامر بالوفاء
بالنذر أو الكفارة أو غير ذلك لا الامر الوجوبي المتعلق بصوم رمضان قلت الحضور كالبلوغ شرط لوجوب صوم رمضان عليه لا من مقومات
ماهية صومه وكيف كان فالحق انه ان بنينا على اتحاد مهية الصوم من حيث هي وان اختلافها انما هو بالنسبة إلى أحوال المكلف أو أزمنة وقوعها
الموجبة لاختلاف احكامها من حيث الوجوب والحرمة والاستحباب أو بالإضافة إلى العناوين الطارية الخارجة عن حقيقة كما قويناه فيما سبق أو
قلنا بان اقسام الصوم وان كانت أنواعا مختلفة الا ان الفصل الذي يمتاز به صوم رمضان عما عداه انما هو بإضافته إلى زمانه لا بأمر اخر زائد
على مفهوم صومه فلا يعقل ان يقع في رمضان صوم اخر واقعا بصفة المطلوبية ولم يكن عن رمضان بحيث يبقى التكليف بفسائه بعده فان صوم
رمضان على هذا التقدير ذاتي السائر الأنواع الواقعة فيه وإذا فرض كونه بهذا العنوان الذي هو ذاتي له منهيا عنه يكون نقيضه الذي هو ترك
صوم هذا الوقت واجبا فلا يعقل ان يتعلق به تكليف وجوبي أو ندبي بسائر الاعتبارات اللاحقة له فإنه بالنسبة إلى المسافر يصير كصوم العيدين
لسائر المكلفين وصوم أيام التشريق لمن كان بمنى والى هذا يؤل استدلال العلامة في محكى المختلف للمدعى بقوله تعالى فمن كان منكم مريضا
الآية بتقريب ان ايجاب العدة يستلزم ايجاب الافطار وبقوله عليه السلام ليس من البر الصيام في السفر إلى أن قال في الجواب عما ذكر دليلا للجواز من أنه
زمان لا يجب صومه عن رمضان فاجزائه عن غيره كغيره من الأزمنة التي لا يتعين الصوم فيها قال الفرق ان هذا الزمان لا ينفك عن وجوب
الصوم عن رمضان ووجوب الافطار بخلاف غيره من الأزمنة ولا يجب افطاره في السفر فأشبه العيد في عدم صحة صومه انتهى ويشهد لصحة هذا الاستدلال
كما أنه يدل على أصل المدعى مرسلة الحسن بن بسام قال كنت مع أبي عبد الله عليه السلام فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر
رمضان فأفطر فقلت له جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر فقال إن ذلك تطوع ولنا ان نفعل ما شئنا و
هذا فرض وليس لنا ان نفعل الا ما أمرنا وان بنينا على أن صوم رمضان قسم خاص من الصوم ممتاز عما عداه من الأنواع بالذات كفريضة الصبح الممتازة
عن سائر الفرائض والنوافل بالذات فمقتضى الأصل عند عدم تنجز التكليف به ولو لغفلة أو نسيان صحة غيره ووقوعه عما نواه مطلقا ولو في الحصر فضلا
عما كان مسافرا الا ان يدل دليل تعبدي على الاجزاء به من رمضان أو وقوعه فاسدا ولا ينافي صحته ووقوعه عما نواه على هذا التقدير قوله تعالى
فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر لان ايجاب العدة على هذا التقدير لا يقتضى الا ايجاب ترك هذا الصوم لا مطلقة الذي هو عبادة
عن الافطار كما في العيدين ولكنك عرفت في مسألة من نوى صوم الغد بنية القربة ضعف هذا البناء مضافا إلى شهادة الخبر المتقدم بذلك فما
ذهب إليه المشهور من أنه لا يقع في رمضان صوم غيره مطلقا هو الأقوى ولكن لا يبعد الالتزام بأنه لو نوى فيه غيره واجبا كان أو ندبا فإن كان
ممن يصح منه صوم رمضان صح صومه وأجزء عن رمضان دون ما نواه لما عرفت فيما سبق من أنه لا يعتبر في صوم رمضان عدى حصوله بنية التقرب وقد حصل
كذلك وخطا المكلف في تشخيص الامر المتنجز عليه أو زعمه فنوى امتثال امر لا تحقق له دون الامر المتحقق المتوجه إليه لا يقدح في حصول الفعل على الوجه
الذي تعلق به الطلب أي وقوعه قربة إلى الله فيكون مجزيا ولا يتوجه عليه الاشكال بما ذكره في المدارك وغيره ففي المدارك قال في شرح العبارة ما
لفظه واطلاق العبارة يقتضى عدم الفرق في ذلك بين الجاهل بالشهر والعالم به وبهذا التعميم صرح في المعتبر أما الوقوع عن رمضان مع الجهالة
بالشهر فالظاهر أنه موضع وفاق كما اعترف به الأصحاب في صيام يوم الشك بنية الندب وسيجئ الكلام فيه واما مع العلم فهو اختيار الشيخ المرتضى
والمصنف هنا ظاهرا وفي المعتبر صريحا واستدل عليه بان النية المشترطة حاصلة وهى نية القربة وما زاد لغو لا عبرة به فكان الصوم حاصلا بشرطه
فيجزى عنه ويشكل بان من هذا شانه لم ينو المطلق لينصرف إلى رمضان وانما نوى صوما معينا فما نواه لم يقع وغيره ليس بمنوى فيفسد لانتفاء
شرطه ومن ثم ذهب ابن إدريس إلى عدم الاجزاء مع العلم ورجحه في المختلف للتنافي بين نية صوم رمضان ونية غيره ولأنه منهى عن نية غيره والنهى مفسد
ولان مطابقة النية للمنوى واجبة وهو جيد ولا يتوجه مثل ذلك الجهل لخروجه بالاجماع وحديث رفع الخطاء والروايات المتضمنة لاجزاء صيام
يوم الشك بنية الندب عن صيام شهر رمضان وفي بعضها تلويح بان العلة في ذلك العذر فيتعدى إلى غيره كما سيجئ بيانه انشاء الله تعالى انتهى كلامه و
فيه ان صوم رمضان بعد فرض انه لا يعتبر في حقيقته عدى الامساك في هذا الوقت تقربا إلى الله ليس مغايرا لما نواه بل هو عينه ولكنه لم يقصده بهذا
169

الوجه والمفروض عدم مدخلية هذا القصد في صحته والا لم يكن قصد جنس الصوم قربة إلى الله من غير التفات إلى خصوص نوعه مجزيان وكذا قصد غيره مع
الجهل برمضان مع أن الخصم معترف بالصحة فيهما وما زعمه فارقا بين الموارد من أن الحكم بالصحة مع قصد الجنس لأجل انصرافه إلى صوم رمضان
ومع الجهل لأجل النص والاجماع ففيه انه لا معنى للانصراف في الأمور المنوطة بالقصد بعد فرض عدم كون الخصوصية مقصودة للناوي والا
لكان خارجا عن الفرض وأما النص والاجماع فجعلهما كاشفين عن حصول الفرض من الامر بصوم رمضان بالامساك الحاصل فيه بنية التقرب
وان لم يكن خصوص امره مقصودا بالامتثال أولى من الالتزام بقيام الماتى به مقام المأمور به تعبدا واما حديث رفع الخطاء فلا دخل له بمثل المقام كما
لا يخفى على المتأمل وقد ظهر بما ذكرنا الخدشة فيما حكاه من الاستدلال على البطلان بالتنافي بين نية صوم رمضان ونية غيره لما عرفت من أن التنافي انما
هو بين النيتين مع الخصوصيتين والا فلا ينفك نية صوم في شهر رمضان بعد فرض انه لا يعتبر في صوم رمضان عدى الامساك
الحاصل فيه بنية التقرب وان لم يكن ملتفتا إلى عنوانه واما ما قيل من أنه منهى عن نية غيره ففيه ان قصد التقرب وامتثال امر الشارع حسن ذاتا فيمتنع
صيرورته حراما حتى ينافي صحة الصوم المطلوب منه شرعا فمن زعم جواز صوم الكفارة في رمضان فصام بهذا القصد فان صح عقابه فليس الا للاخلال
بصوم رمضان ان قلنا بعدم كونه مجزيا عنه أو لامساكه بهذا القصد مع تقصيره في ترك التعلم أو على ترك التعلم ونحوه والا فلا يعقل ان يكون قصد
الخروج عن عهدة ما زعمه كونه مطلوبا للشارع منشاء للمذمة واستحقاق العقاب حتى يصح ان يتعلق به النهى من حيث هو واما ما ذكره من وجوب
موافقة النية للمنوى ففيه انه أول الكلام وانما المسلم وجوب الامساك في ذلك الوقت قربة الله فليتأمل ولا يجوز ان يردد نية صومه بين الواجب و
الندب ولا بين واجبين كالكفارة والنذر أو ندبين كمقدمة الاستفتاح والاستسقاء مثلا بناء على مغايرتهما بالنوع بل لا بد من قصد أحدهما
معينا لما أشرنا إليه في صدر المبحث من أنه يشترط في صحة العبادة من قصد التعيين فلا يقع القصد إلى أحدهما لا بعينه إطاعة لشئ منهما نعم لو كان
القدر المشترك بينهما في حد ذاته مطلوبا اتجه صحته ووقوعه امتثالا للامر المتعلق بمطلقه كما أن المتجه صحة صومه نافلة لو ردده بين النافلة أو النذر
أو الكفارة ونحوها بناء على أنه لا يعتبر في صوم التطوع عدى قصد التقرب ومصادفته لزمان صالح له كما نفينا البعد عنه في صدر المبحث وعلى جواز التطوع
لمن عليه صوم واجب أو فرض فيما لم يتنجز التكليف بالواجب ولكنه احتمل اشتغال ذمته به فقصد حصول ذلك الصوم على تقدير اشتغال ذمته به والا
فالندب ولو نوى في هذا الفرض امتثال امره الواقعي المنجز عليه بالفعل بعد فرض انحصاره في الواقع في أحدهما صح بلا اشكال وان قلنا بتعددهما
نوعا فان هذا النحو من الترديد غير قادح بعد فرض تعينه في الواقع وتعلق القصد به على ما هو عليه في الواقع وسيأتي مزيد توضيح لذلك في
احكام يوم الشك ولو نوى الوجوب أي الوجوب المعهود وهو وجوب صوم شهر رمضان اخر يوم من شعبان مع الشك لم يجز عن أحدهما على المشهور
وحكى عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد والشيخ في الخلاف القول بأنه يجزيه واستدل للمشهور بان ايقاع المكلف الصوم في الزمان المحكوم بكونه من شعبان
على أنه من شهر رمضان يتضمن ادخال ما ليس من الشرع فيه فيكون حراما لا محالة كالصلاة بغير طهارة فلا يتحقق به الامتثال وبجملة من الاخبار
منها موثقة سماعة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل صام يوما ولا يدرى امن شهر رمضان هو أو من غيره فجاء قوم فشهدوا انه كان من شهر
رمضان فقال بعض الناس عندنا لا يعتد به فقال بلى فقلت انهم قالوا صمت وأنت لا تدرى امن شهر رمضان هذا من غيره فقال بلى فاعتد
به فإنما هو شئ وفقك الله له انما يصام يوم الشك من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان لأنه قد نهى ان ينفرد الانسان بالصيام في يوم الشك
وانما ينوى من الليلة انه يصوم من شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزء عنه بتفضل الله وبما قد وسع على عباده ولولا ذلك لهلك الناس وخبر
الزهري المروى عن التهذيب قال سمعت علي بن الحسين عليه السلام يقول يوم الشك أمرنا بصيامه ونهينا عنه أمرنا ان يصوم الانسان على أنه من شعبان و
نهينا ان يصومه على أنه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال وخبره الاخر أيضا عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث طويل قال وصوم يوم الشك أمرنا به و
نهينا عنه أمرنا به ان نصومه مع صيام شعبان ونهينا عنه ان ينفرد الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس فقلت له جعلت فداك فإن لم يكن
صام من شعبان شيئا كيف يصنع قال ينوى ليلة الشك انه صام من شعبان فإن كان من شهر رمضان أجزء عنه وان كان من شعبان لم يضره
فقلت وكيف يجزى صوم تطوع عن فريضة فقال لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بذلك لاجزء
عنه لان الفرض انما وقع على اليوم يعينه ويستشعر من الخبر الأول ان الاكتفاء به عن صوم رمضان مخالف للأصل ولكن الشارع أمضاه من باب التفضل والتوسعة ولكنه يظهر من هذه الرواية وكذا من غيره من الروايات الآتية انه على وفق الأصل وان المطلوب منه لم يكن الا الصوم في هذا
اليوم وقد حصل كما قويناه فيما سبق وخبر سهل بن سعد قال سمعت الرضا عليه السلام يقول الصوم للرؤية والفطر للرؤية وليس منا من صام قبل
الرؤية للرؤية وافطر قبل الرؤية للرؤية قال قلت له يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما ترى في صوم يوم الشك فقال حدثني أبي عن جدي عن آبائه عليهم السلام
قال قال لي أمير المؤمنين عليه السلام لان أصوم يوما من شعبان أحب إلى من افطر يوما من شهر رمضان ويستكشف من هذه الأخبار ان ما ورد في جملة من
الاخبار من النهى عن صوم يوم الشك على الاطلاق أريد به النهى عنه بعنوان الوجوب وانه من صوم رمضان منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر
عليه السلام في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان فقال عليه قضائه وان كان كذلك ويحتمل كون من رمضان متعلقا بيصوم فعلى هذا
يكون السؤال واقعا عن خصوص الفرض الذي ورد النهى عنه وعلى تقدير تعلقه بيشك أيضا يحمل على ارادته بقرينة ما عرفت وخبر هشام بن سالم
170

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في يوم الشك من صامه قضاه وان كان كذلك يعنى من صامه على أنه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وان كان يوما من شهر
رمضان لان السنة جاءت في صيامه على أنه من شعبان ومن خالفها كان عليه القضاء هكذا حكى عن التهذيب فيحتمل كون التفسير من كلام الشيخ
أو أحد الرواة وخبر الحسين بن زيد عن الصادق عن ابائه عليهم السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن صيام ستة أيام يوم الفطر ويوم الشك ويوم
النحر وأيام التشريق وخبر الأعشى قال قال أبو عبد الله عليه السلام نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم ستة أيام العيدين وأيام التشريق واليوم الذي يشك فيه
من شهر رمضان وخبر عبد الكريم بن عمرو قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انى جعلت على نفسي ان أصوم حتى يقوم القائم فقال لا تصم في السفر
ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه في الوسائل بعد ان رواه عن الشيخ باسناده قال ورواه الصدوق باسناده ورواه
في المقنع أيضا كذلك ورواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن كرام قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام وذكر مثله الا أنه قال ولا اليوم
الذي يشك فيه من شهر رمضان ولكن في نسخ الجواهر المبسومة جعل هذه الرواية من تتمة خبر الأعشى ونسب هذه الزيادة إلى المقنع فإنه بعد ان ذكر
خبر الأعشى قال فقال عبد الكريم انى جعلت الحديث ثم قال وعن المقنع روايته بزيادة شهر رمضان انتهى ولعله من سهو قلم الناسخ وخبر أبي خالد الواسطي
عن أبي جعفر عليه السلام قال من الحق في رمضان يوما من غيره فليس بمؤمن بالله ولأبي وخبر محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في اليوم الذي يشك فيه
إلى أن قال ولا يعجبني ان يتقدم أحد بصيام يوم وعن الصدوق مرسلا قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لان افطر يوما من شهر رمضان أحب إلى
من أن أصوم يوما من شعبان أزيده في شهر رمضان وصرف اطلاق النهى عنه في هذه الروايات خصوصا في الروايات التي عد فيها يوم الشك من الأيام
التي يحرم فيها الصوم إلى إرادة مثل الفرض الذي لا يكاد يتفق حصوله في الخارج حيث إن الآتي بصوم يوم الشك في الغالب اما ينوى امتثال الامر المتنجز
عليه في مرحلة الظاهر المحرز بالاستصحاب أو الامر الواقعي المتعلق بفعله المعلوم لديه على سبيل الاجمال والابهام أو الامر بصوم رمضان على سبيل الاحتمال
من باب الاحتياط وان كان في غاية البعد الا ان الذي يغلب على الظن كون هذه الأخبار بظاهرها جارية مجرى التقية وكون المراد بها المعنى المزبور
على سبيل التورية بل في أغلبها ايماء إلى ذلك وكيف كان فان أمكن تنزيل هذه الروايات على إرادة المعنى المزبور فهو والا وجب حملها على التقية بعد
مخالفتها لاجماع الأصحاب واخبارهم المستفيضة الدالة على نفى الباس عن صوم يوم الشك وانه ان صادف شهر رمضان فيوم وفق له والا فليس الا
كسائر الأيام ولا يصح الجمع بينها بالحمل على الكراهة فإنه مع اباء أغلب اخبار الطرفين عن هذا الحمل مما لم ينقل القول به عن أحد من أصحابنا عدى ما ستسمع
من نسبته إلى الشيخ المفيد على بعض الوجوه الذي لا ينطبق عليه هذه الأخبار وكيف كان فعمدة ما يصح الاستناد إليه للقول المشهور أي بطلان صوم يوم
الشك بنية رمضان سواء كان من شعبان أو من رمضان انما هو تعلق النهى بايقاعه على هذا الوجه في الأخبار السابقة المعتضدة بالشهرة
وعدم نقل خلاف يعتد به فيه والا فيشكل توجيهه بناء على ما نفينا البعد عنه فيما سبق من أنه لا يعتبر في صوم رمضان بل ولا في صوم شعبان وغيره
من الأيام أيضا عدى الامساك الحاصل فيه بقصد القربة وما يقال من أن صوم شعبان غير مقصود له فلا يجزى عنه وان صادفه وصوم رمضان
غير منجز في حقه وكونه مطلوبا منه في الواقع لا يجدى في صحة الامتثال وصدق إطاعة امره ما لم يحرز موضوعه إنما يقتضي البطلان لو اعتبرنا مثل
هذه الخصوصيات في صحته وقد أشرنا في صدر المبحث إلى أن إقامة الدليل على أزيد من اعتبار قصد القربة والاخلاص في صحة الصوم من حيث هو لا
يخلو عن اشكال فالقول بصحته كما حكى عن القديمين لا يخلو عن وجه لو اغمض عن النصوص المزبورة وما قيل من أنه بهذا القصد تشريع محرم فلا
يقع عبادة ففيه انه انما يتجه في حق العالم كما نبه على في المدارك وغيره دون الجاهل المعتقد لشرعية عمله مع أن حصول قصد القربة ممن يعلم بعدم
مشروعية عمله لا يخلو عن اشكال فالبطلان حينئذ يستند إلى فقد نية التقرب لا إلى حصول التشريع بل وقد يستشكل في امكان حصول العزم على الصوم
بنية انه من رمضان حقيقة كما هو حقيقة النية من الشاك في موضوعه الا من باب الاحتياط الذي لا يبعد دعوى خروجه عن منصرف النصوص والفتاوى
اللهم الا ان يعتقد كون حصوله بهذا العنوان وجها ظاهريا معتبرا في صحة صومه فيتأتى حينئذ قصده تعبدا تبعا لقصده الأصلي المتعلق بصوم صحيح في
هذا اليوم أو يعتقد ان يوم الشك شرعا ملحق برمضان ومحسوب منه كما ربما يستشعر من بعض الأخبار الواردة في أن شهر رمضان كسائر الشهود يزيد
وينقص والمدار فيه على الرؤية كون هذا المعني محلا للكلام فيما بين الناس وكيف كان فمتى تحقق الصوم في يوم الشك ممن هو شاك في الرؤية بهذا
القصد بطل للنهي عنه في الاخبار المزبورة واما لو صام من باب الاحتياط واحتمال وجوبه في الواقع وكونه من رمضان فهو خارج عن منصرف النصوص كما
تقدمت الإشارة إليه والأقوى فيه الصحة بناء على ما قويناه في محله من عدم اعتبار معرفة الوجه ولا الجزم في النية في صحة العبادة وان كان مخالفا للمشهور و
ربما يستشعر من عبارة المتن حيث قال ولو نوى الوجوب الخ ان مدار الصحة والفساد في صوم يوم الشك لدى المصنف (ره) على الاخلال بوجهه وعدمه لا على
قصد كونه من شعبان أو رمضان فليتأمل ولو نواه مندوبا على حسب ما يقتضيه تكليفه في مرحلة الظاهر من البناء على كونه من صوم شعبان صح صومه و
أجزء عن رمضان بلا خلاف فيه على الظاهر بل اجماعا كما عن غير واحد ادعائه ويشهد له مضافا إلى الاجماع وموافقة للأصل على ما قررناه فيما سبق اخبار
مستفيضة ان لم تكن متواترة كموثقة سماعة وخبر الزهري ورواية سهل بن سعد المتقدمات وصحيحة معاوية بن وهب أو حسنة قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام
الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك فقال هو شئ وفق له ومضمرة سماعة قال سئلته عن اليوم الذي يشك رمضان
لا يدرى أهو من شعبان أو من رمضان فصامه من شهر رمضان قال هو يوم وفق له ولا قضاء عليه هكذا نقل عن التهذيب وظاهره انه صامه بقصد انه
171

من رمضان فيكون منافيا بظاهره للأخبار المتقدمة الدالة على بطلان الصوم بهذا القصد ولكن عن الكافي نقله هكذا فصامه فكان من شهر مضان وهو أضبط
وأوثق خصوصا في هذا المورد حيث إن الشيخ على ما يظهر من الحدائق رواه عن الكافي فلا عبرة بنقله بعد مخالفته لما في الكافي وما عن الكليني (ره) والشيخ (ره)
في الصحيح عن سعيد الأعرج قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام انى صمت اليوم الذي يشك فيه فكان من شهر رمضان أفأقضيه قال لا هو يوم وفقت
له وعن محمد بن حكيم قال سئلت أبا الحسن عليه السلام عن اليوم الذي يشك فيه فان الناس يزعمون أن من صامه بمنزلة من افطر في شهر رمضان فقال
كذبوا ان كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له وان كان من غيره فهو منزلة ما مضى من الأيام وعن بشير النبال عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلت
عن صوم يوم الشك فقال صمه فان يك من شعبان كان تطوعا وان يك من شهر رمضان فيوم وفقت له وعن الكاهلي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن اليوم الذي يشك فيه من شعبان قال لان أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن افطر يوما من رمضان وعن الصدوق مرسلا قال وسئل أمير المؤمنين عليه السلام
عن اليوم المشكوك فيه فقال لان أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن افطر يوما من شهر رمضان وعن شيخنا المفيد (ره) في المقنعة قال وروى أبو الصلت عبد
السلام بن صالح الهروي قال حدثني علي بن موسى الرضا عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن جده عليه السلام أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من صام يوم الشك قرارا بدينه فكأنما
صام الف يوم من أيام الآخرة غراء زهراء لا يشاكلن أيام الدنيا قال وروى أبو خالد عن زيد بن علي بن الحسين عليه السلام عن ابائه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صوموا سر الله قالوا يا رسول الله وما سر الله قال يوم الشك وعنه أيضا في المقنعة قال ثبت عن الصادقين عليهما السلام انه لو أن
رجلا تطوع شهرا وهو لا يعلم أنه شهر رمضان ثم تبين له بعد صيامه انه كان شهر رمضان لاجزء ذلك عن فرض الصيام وخبر معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام
قال كنت جالسا عنده اخر يوم من شعبان فلم أره صائما فاتوه بمائدة فقال ادن وكان ذلك بعد العصر قلت له جعلت فداك صمت اليوم فقال
لي ولم قلت جاء عن أبي عبد الله عليه السلام في اليوم الذي يشك فيه أنه قال يوم وفق له قال أليس تدرون انما ذلك إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من
شهر رمضان فصامه الرجل فكان من شهر رمضان كان يوما وفق له فاما وليس علية ولا شبهة فلا فقلت افطر الان فقال لا فقلت وكذلك
في النوافل ليس لي ان افطر بعد الظهر قال نعم وربما يوهم هذه الرواية مرجوحية الصوم اخر يوم من شعبان ما لم يكن علة وشبهة تورث الشك بكونه
من شهر رمضان ونحوه رواية هارون بن خارجة قال قال أبو عبد الله عليه السلام عد شعبان تسعة وعشرين فان كانت مغيمة فأصبح صائما وان كانت
ضاحية وتبصرته ولم تر شيئا فأصبح مفطر أو خبر ربيع بن ولاد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا رأيت هلال شعبان فعد تسعة وعشرين يوما فان
أصحت فلم تره فلا تصم وان تغيمت فصم ولعل هذه الروايات هي مستند الشيخ المفيد (ره) فيما نقل عنه من كراهية صوم هذا اليوم كما نقله عنه في
البيان على ما حكى عنه فقال في محكى البيان ولا يكره صوم يوم الشك بنية شعبان وان كانت الموانع من الرؤية منتفية وقال المفيد (ره) ويكره مع
الصحو الا ان كان صائما قبله انتهى وفيه ان المقصود بهذه الاخبار بحسب الظاهر بيان عدم الاعتناء باحتمال كونه من رمضان مع الصحو وان
ما ورد من الحث والترغيب في صوم يوم الشك أريد به ما إذا كان هناك علة مانعة من الروية من غيم ونحوه لا مع الصحو وعدم تبين الهلال فلم
يقصد بالنهي عن صومه أو الامر بالاصباح مفطرا الا الرخصة وبيان انه ليس الا كغيره مما مضى من الأيام التي لم يكن له داع إلى صومه نعم ظاهر الخبرين
الأخيرين وجوب صومه مع الغيم احتياطا في صومه رمضان كما هو وجه الظاهر الذي ينسبق إلى الذهن من الامر بصوم يوم الشك ولكن يجب حملها على
تأكد الاستحباب جمع بينهما وبين غيرهما من الأخبار المتقدمة التي هي صريحة الدلالة في الاستحباب ونفى الوجوب ولا يصح حملها على الأصل الاستحباب
لان التفصيل بينه وبين ما رخص في تركه الذي هو أيضا مستحب بلا منقصة فيه أصلا كما يشهد بذلك سائر الروايات يقطع الشركة وكيف
كان فهذه الأخبار وكذا أغلب النصوص المتقدمة كالنص في رجحان صوم يوم الشك تحرزا عن أن يفطر يوما من شهر رمضان فلو اتى به بهذه القصد
قربة إلى الله كما هو الغالب في صيام يوم الشك صح صومه بلا اشكال والأخبار المتقدمة الدالة على بطلان الصوم بنية انه من شهر رمضان لا تنهض صارفة
لهذه الاخبار عن ظاهرها بالحمل على إرادة صومه بنية انه من شعبان لما أشرنا إليه انفا من أن المتبادر من تلك الأخبار نفى الشرعية الاتيان
به بقصد الوجوب على أنه من صوم رمضان فلا ينافي ذلك جواز الاتيان به من باب الاحتياط قاصدا به امتثال الطلب الندبي المتأكد المتعلق
به في هذه الأخبار وما في تلك الأخبار من الامر بان يصومه على أنه من شعبان لم يقصد به اثبات اعتبار شرط تعبدي في صحة صومه وهو إيقاعه بهذا
العنوان وان لم يكن داعيه في الواقع الا الاحتياط في صوم رمضان كما هو مورد الخبرين الأخيرين الذين ورد فيهما الامر بالافطار مع السحور الصوم
مع الغيم بل المقصود به بيان وجه عمله الذي يقع عليه فعله في مرحلة الظاهر بحيث لا يتحقق معه قصد التشريع ولذا صرح غير واحد بأنه لو نوى القضاء
أو النذر ونحوه كان كما لو نوى به صوم شعبان مجزيا عن صوم رمضان إذ انكشف انه منه فليس قصد كونه من شعبان من الخصوصيات المعتبرة في
صحة صوم هذا اليوم وانما المعتبرة فيه الاتيان به على وجه سائغ غير منهى عنه كما يكشف عن ذلك قوله عليه السلام في خبر الزهري المتقدم بعد ان سئل عن انه كيف
يجزى صوم تطوع عن فريضة لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه من شهر رمضان ثم علم بذلك لاجزء عنه لان الغرض انما
وقد على اليوم بعينه فإنه يدل على أن مهية الواجب التي يسقط بها طلبه انما هي صوم ذلك اليوم بعينه فمتى حصل سقط امره ووقع قصد كونه تطوعا
أو كونه من صوم شعبا لغوا غير مخل في صحة عمله فما في صدر الحديث من الامر بان ينوى ليلة الشك انه صائم من شعبان انما هو لتصحيح قصده لا لاعتبار
هذا القصد بخصوصه في ماهية صوم ذلك اليوم كما لا يخفى على المتأمل هذا مع أن اثبات مثل هذا الشرط تعبدا في ماهية صوم يوم الشك بمثل هذه
172

الاخبار التي قد يغلب على الظن كونها مشوبة بالتقية في مقابل الأخبار المستفيضة الامرة بصوم يوم الشك التي لا ينسبق إلى الذهن منها الا إرادة
اختياره لغايته المرسوخة في النفس الباعثة له على اختيار الفعل وهو قصد إطاعة امره الواقع المعلوم عنده بين كونه استحبابيا لكون اليوم من شعبان
أو وجوبيا لكونه من رمضان أو بداعي الاحتياط في صوم رمضان بعد تسليم ظهورها في ذلك في غاية الاشكال خصوصا بعد البناء على ما قويناه من أن
الأشبه بالقواعد عدم اعتبار شئ في مهية صوم رمضان عدى قصد القربة وهى حاصلة في جميع هذه الفروض وانما التزمنا بالبطلان فيما لو صام يوم الشك
على أنه من رمضان تعبدا بالاخبار الناهية عنه كما عرفت بل ربما يؤيد ذلك ما في نفس تلك الأخبار من تعليل المنع عن ايقاعه بهذا الوجه بأنه قد نهى
الرجل ان ينفرد بصيامه فإنه يدل على أنه لولا هذه الجهة لكان مقتضى الأصل صحته ومن هنا قد يتخيل ان النهى عنه لهذه الجهة غير مقتضية لفساده
لكونها جهة عارضية خارجة عن حقيقة المأمور ولكن يدفعه ان المقصود بذلك هو النهى عن ايقاعه على هذا الوجه في اليوم الذي لا يلتزم فيه سائر الناس
بصومه على أنه من رمضان فتلك الجهة العارضة من عوارضه المشخصة المتحدة معه وجودا فيمتنع استقلالها بالحرمة كما هو واضح نعم لا يبعد ان يدعى
ان المنساق إلى الذهن من هذا النوع من النواهي في اخبار أهل البيت عليهم السلام مع ما فيها من التعليل المناسب للكراهة انما هو إرادة الكراهة وهى
غير مقتضية لبطلان العبادة كما تقرر ذلك في العبادات المكروهة كالوضوء بالماء المسخن بالشمس ونحوه فالانصاف ان الجزم ببطلان الصوم في
هذه الصورة أيضا لا يخلو عن اشكال والله العالم وقد ظهر بما قررناه انه لو صام يوم الشك على أنه ان كان من رمضان كان واجبا والا كان مندوبا
ان الأصح هو ما قيل من أنه يصح صومه ويجزى عن رمضان إذا انكشف انه منه كما نقل عن الشيخ في الخلاف والمبسوط والعماني وابن حمزة والفاضل في المختلف والشهيد
في جملة من كتبه لما أشرنا إليه من أن هذا هو وجهه الواقعي الذي يبعث المكلف غالبا على اختيار صوم هذا اليوم متقربا بإطاعة امره الواقعي المعين عند الله
المردد عنده بين الامرين فيمتنع ان لا يكون مجزيا وما يقال من أن حقيقة صوم رمضان تغاير حقيقة الصوم المندوب كما يكشف عن ذلك اختلاف
احكامهما فإذا لم يعين حقيقة أحدهما في النية التي حقيقتها استحضار حقيقة الفعل المأمور به لم يقع عن أحدهما مدفوع بان ما نحن فيه ليس من قبيل تعلق
القصد بجنس العبادة ناويا به وقوعه امتثالا لشئ من الأوامر المتعلقة بأنواعه على سبيل الترديد كي ينافيه اعتبار استحضار حقيقة الفعل المأمور به في
القصد إذا القصد متعلق بصوم هذا اليوم الذي هو فرد من أحد النوعين الذين تعلق بأحدهما امر وجوبي وبالاخر ندبي فهو كما لو امره باكرام كل عالم دخل داره
وجوبا وكل شاعر ندبا فدخل داره شخص علم اجمالا بأنه اما عالم أو شاعر فأكرمه قاصدا به إطاعة امره الواقعي المردد عنده بين الامرين كما هو واضح وقد
ظهر بذلك ضعف ما قيل بل لعله المشهور من أنه لا يجزى وعليه الإعادة ولكن لو اعتبرنا معرفة الوجه لدى التمكن منه ولو بطريق ظاهري كان هذا هو
الأشبه ولكنك قد عرفت في ملحه انه خلاف التحقيق ولو أصبح في يوم الشك بنية الافطار ثم بان انه من الشهر جدد النية فيما بينه وبين الزوال إذا كان
لم يفعل ما يقتضى الافطار واجتزى به كما تقدم تحقيقه في صدر الكتاب فإن كان ذلك بعد الزوال امسك وجوبا بقية النهار وعليه القضاء اما وجوب القضاء
فلفوات الصوم كما صرح به شيخنا المرتضى (ره) ثم قال وأما وجوب الامساك فهو المشهور بل عن الخلاف الاجماع عليه وعن المنتهى والتذكرة نسبة الخلاف إلى عطاء
واحمد وانه لم يقل به غيرهما ولم أجد عليه دليلا ظاهرا والتمسك بقاعدة الميسور لا يخفى ما فيه انتهى أقول ويمكن الاستدلال له بفحوى ما روى أن ليله
الشك أصبح الناس فجاء اعرابي فشهد برؤية الهلال فامر النبي صلى الله عليه وآله مناديا ينادى كل من لم يأكل فليصم ومن اكل فليمسك المنجبر ضعفه بما عرفت وباشتهاره
في حد ذاته بين الأصحاب واعتمادهم عليه في كتبهم الاستدلالية فليتأمل وفي المسالك قال في شرح العبارة الامساك هنا على سبيل الوجوب ويجب فيه النية
ولو أفطره وجب عليه الكفارة إذ لا منافاة بين وجوبها وعدم صحة الصوم بمعنى اسقاطه القضاء انتهى أقول لا يبعد ان يكون هذه الأحكام بأسرها
لديه مبنية على ما اختاره في مسألة ما لو جدد النية في أثناء النهار وحيث اختار في تلك المسألة انه لو جددها قبل الزوال حكم له بالصوم الصحيح المثاب
عليه من أول النهار ولو جددها بعد الزوال حكم له بالصوم الصحيح الشرعي المثاب عليه من الوقت الذي نواه ولم يفرق في ذلك بين الواجب والمندوب فيدل
حينئذ على وجوبه وعلى وجوب القصد معه والكفارة بافطاره الأدلة الدالة عليها في صيام شهر رمضان وانصراف أدلة الوجوب أو الكفارة عن صوم بعض
اليوم بعد فرض كونه صوما شرعيا ان سلم فبدوى غير مضر ولكن لا يسقط به القضاء لان القضاء وجب على ترك صومه في مجموع اليوم على ما هو المتبادر
من أدلته فلا منافاة بينه وبين صحة صومه في بعض اليوم وترتب سائر احكامه عليه ولكنك عرفت فيما سبق ضعف المبنى فيشكل حينئذ الالتزام بوجوب القصد
معه الا ان نلتزم بان الأصل في الواجب كونه تبعديا الا ان يدل دليل على خلافه وهو خلاف التحقيق واشكل منه الالتزام بوجوب الكفارة بافطاره الا
ان نقول بأنه من آثار إيجاد ذات المفطرات على وجه غير سائغ وان لم يتحقق الافطار بها بالفعل وهو لا يخلو عن تأمل وسيأتي تحقيقه في مسألة انه هل
تتكرر الكفارة بتكرر أسبابها في يوم واحد انشاء الله فروع ثلاثة الأول لو نوى الافطار في يوم من شهر رمضان عصيانا ثم تاب وجدد النية
قبل الزوال قيل لا ينعقد وعليه القضاء بل في المدارك القول بعدم الانعقاد ووجوب القضاء هو المعروف من مذهب الأصحاب حتى أن العلامة (ره)
في المنتهى لم ينقل فيه خلافا ولكن يظهر مما حققناه عند التكلم في مقدار امتداد وقت النية انه لو قيل بانعقاد كان أشبه بالقواعد لولا الدليل
على اعتبار تبيت النية ولكنك عرفت وجود الدليل عليه في العامد فلا يتجه حينئذ هذا القول الا على تقدير كون العزم على الافطار لعذر من نسيان أو
مرض أو سفر ونحوه أو حصل له هذه النية في أثناء النهار مع كونها مسبوقة بالعزم على الصوم من الليل ولكن الفرض الثاني يندرج في موضوع المسألة الآتية
والأول بحسب الظاهر خلاف ما هو المفروض موضوعا في هذه المسألة التي نسب إلى المشهور القول بعدم الانعقاد بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد
173

فموضوع هذه المسألة بحسب الظاهر هو ما لو نوى الافطار عصيانا من الليل فحينئذ ينافي ما اختاره هنا من القول بالانعقاد لما اعتبره سابقا من وجوب
تبييتها مستمرا على حكمها ولا يجدى في رفع هذا التنافي الالتزام بكفاية نية واحدة للشهر كله إذ لا اثر للنية السابقة بعد انتقاضها بنية الخلاف
من الليل في صدق اسم التبييت كما هو واضح فظهر بما ذكرنا ان القول الأول فيما هو محل الكلام هو الأقوى اللهم الا ان يمنع اعتبار التبييت في
الصوم نظرا إلى أن عمدة مستنده الاجماع فيشكل التعويل عليه بعد اختيار المصنف هيهنا القول بالانعقاد واشعار كلامه بكونه قولا معروفا
بين الأصحاب فليتأمل الفرع الثاني لو عقد نية الصوم ثم نوى الافطار ولم يفطر ثم جدد النية كان صحيحا لدى الأكثر منهم السيد والشيخ كما في
الذخيرة والمشهور كما في المدارك وحكى عن السيد في بعض رسائله وأبى الصلاح والعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني القول بالبطلان
لعموم قوله لا عمل الا بنية الظاهر في وجوب تلبس مجموعه بها ومقتضى ذلك وجوب تلبس امساك كل جزء من النهار بنية فعل الصوم امتثالا لامر الله
كما هو الشان في الصلاة والطهارات ونحوها من العبادات المركبة ولكنك عرفت في باب الطهارة والصلاة انه يكفي في اتصاف الفعل المأمور به بوقوعه
بجميع اجزائه عن نية الاستدامة الحكمية بالمعنى الذي عرفته في محله وعرفت في صدر الكتاب انه يكفي في تحقيقها في مثل الصوم ونحوه من العبادات المطلوب
بها الترك بقائها في النفس شانا على وجه لا ينافيه الغفلة والنوم وشبهه ولكن ينافيه رفع اليد عنها ونقضها بنية الخلاف فمتى نوى الافطار
في جزء من النهار فقد أبطل حكم النية السابقة ووقع ذلك الجزء بلا نية فيفسد ذلك الجزء وبفساده الصوم فإنه لا يتبعض وقد ظهر بما ذكر
فساد مقايسته بالنوم أو الغفلة الحاصلة في أثناء النهار وكذا فساد الاستدلال للقول بالصحة بحصر المفطرات في النصوص والفتاوى فيما عداه إذ
الفساد ينشأ من الاخلال بالنية التي هي شرط في صحة الصوم لا من حيث كون نية الافطار من حيث هي كسائر المفطرات مبطلة ينافيه حصر المفطرات
فيما عداها ونظيره في الضعف الاستدلال باستصحاب صحة الصوم لان صحته المحرزة فيما مضى انما هي بالنسبة إلى اجزائه الماضية وهى غير مجدية في نفى اعتبارها
يشك في اعتباره بالنسبة إلى الاجزاء اللاحقة فالاستدلال باستصحاب الصحة لدى الاخلال بما يشك في جزئيته أو شرطيته للعمل الذي يشك للعمل الذي يشك في صحته فاسد
نعم له وجه صحته فيما لو نشاء الشك في قادحية الطواري الحادثة في الأثناء بارجاعه إلى اصالة عدم المانع على اشكال دفعناه في محله وليس ما نحن فيه من هذا
القبيل كما عرفت فظهر بما ذكرناه ان القول بالفساد أشبه بالقواعد على تقدير تسليم كون الصوم كالصلاة والطهارات ونحوها من الافعال الوجودية
المركبة التي يعتبر حصولها بجميع اجزائها عن قصد إطاعة امرها ولكنك عرفت فيما سبق عند التكلم في مقدار امتداد وقت النية انه لم يثبت كون الصوم
كذلك فما ذهب إليه الأكثر من القول بالصحة لو أخل بها في جزء منه ثم جددها بعده هو الأشبه وقد ظهر بما حققناه فيما سبق وجه اعتبار تجديدها
فيما بعد فراجع ثم انا لو قلنا بالبطلان بنية الافطار فلا فرق بين انشاء العزم على ترك الصوم المترتب عليه ارتكاب المفطرات عند مشيته أو العزم
على نقض صومه بتناول المفطرات فيما يستقبل إذا النية المعتبرة في باب العبادات هي القصد إلى فعل تلك العبادة بداعي الخروج عن عهدة التكليف
بها فالقصد الذي يعتبر تحققه حال التلبس باجزاء العبادة حقيقة أو حكما انما هو هذه النية وهذا مما يمتنع اجماعه مع العزم على ابطال العمل
ونقضه حدوثا وبقاء فكما يمتنع ان يجتمع في ابتداء الاخذ في صلاة الظهر مثلا العزم على فعلها على وجه يطابق امرها ويسقط به التكليف المتعلق
بها مع العزم على ابطالها في الركعة الثانية مثلا فكذا يمتنع بقائه بعد حدوث العزم في الأثناء ولا يعقل ان يؤثر تلك الإرادة السابقة المنتقضة
بالعزم على ايجاد المبطل في انبعاث الاجزاء المجامعة مع هذا العزم عن تلك الإرادة كي يتوهم ان المضادة بين القصدين توجب ارتفاع نفس تلك
الإرادة عند حدوث هذا العزم لا اثرها الذي نسميه بالاستدامة الحكمية التي اعتبروها في صحة العبادة فما في الجواهر من التفصيل بين نية القطع
التي هي بمعنى انشاء رفع اليد عما تلتبس به من الصوم وبين نية القطع بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك فجزم بالبطلان في الأول لخلو الزمان المزبور عن النية
فيقع باطلا وقوى الصحة في الثاني استصحابا للصحة السابقة التي لم يحصل ما ينافيها لا يخلو عن نظر وقد تقدم في باب الصلاة أيضا حكاية القول
بهذا التفصيل عن بعض وأشرنا هناك أيضا إلى ضعفه لاستحالة بقاء العزم على فعل عبادة امتثالا لأمرها مع العزم على ابطالها وعدم اتمامها ولكن
منع في الجواهر اعتبار بقاء هذا العزم حال التلبس باجزاء العبادة فقال ودعوى كون المعتبر في الصحة العزم على الامتثال بالصوم في سائر أوقات اليوم
لا نعرف لها مستندا وفيه انه لا يعتبر في صحة شئ من العبادات عدى حصوله بقصد إطاعة الامر به فان توقف صحة الصوم ووقوعه بهذا الوجه على
استدامة هذا القصد حقيقة أو حكما في سائر أوقات اليوم يهو والا فلا يتوقف على قصد اخر ورائه جزما كي يتجه به التفصيل المزبور والحاصل انا ان قلنا بكون
نية الافطار مفسدة فإنما هو لكونها منافية لاستمرار النية التي اعتبروه في سائر العبارات ولا فرق في ذلك بين الفرضين كما عرفت نعم لو فرض حصول
قصد الافطار على وجه لا يناقض تلك النية كما لو كان مبنيا على تقدير ولم نعتبر الجزم في النية أو كان مبنيا على اعتقاد زوال حكم تلك النية لامر اخر
أو على التردد في زواله وبقائه كما لو نوى الافطار لحدوث اعتقادات ان اليوم من شوال أو لحدوث اعتقاد فساد صومه بسبب آخرا وتردد في الافطار لأجل
التردد في صحته من جهة من الجهات ثم انكشف الخلاف لم يقدح شئ من ذلك في صحة صومه اما الأول فواضح واما ما عداه فلانه لدى التحليل لم يرفع اليد
عن عزمه على الصوم بل هو باق على ذلك العزم على تقدير صحة صومه ولكنه حيث برى مخالفة هذا التقدير للواقع ينوى الافطار لذلك أو يتردد فيه لتردده
في الصحة ولا عبرة بهذا العزم الطاري الناشئ عن مبنى مخالف للواقع بل العبرة بالقصد الأولى الباقي في النفس شأنا كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب
الصلاة في توجيه ان الصلاة على ما افتتحت وانها لو نوى الفريضة فزعم في الأثناء كونها تطوعا فأتمها بنية التطوع وقعت فريضة وكذا عكسه فراجع
174

ولو تردد في الافطار ارتفع عزمه على الصوم فان العزم ينافي التردد ولكن لو قيل ببقاء حكمه ما لم يعزم على الافطار لكان وجيها كما يعرف وجهه مما
بيناه فارقا بين الاستدامة الحكمية المعتبرة في الصوم وفي غيره من العبادات الوجودية المتوقفة على علة حقيقية موجدة لها فراجع الفرع الثالث
نية الصبي المميز صحيحة أي غير ملغاة شرعا كي لا يترتب عليها اثرها ويكون فعله الصادر عن قصد ملحقا بفعل البرها ثم والمجانين شرعا وما ورد من أن
عمده خطاء انما هي فيما يترتب عليه المؤاخذة والعقوبة لا مطلقا حتى فيما يعود نفعه إليه ومن هنا قد يقوى في النظر صحة التقاطه وحيازته بل اتهابه وقبضه
للعين الموهوبة وقبوله للوصية ونحوها الا ان ينعقد الاجماع على خلافه وصومه شرعي لا تمريني محض وكذا سائر عباداته إذ لا مقضى لصرف أدلتها
عنه بعد ما أشرنا إليه من صحة نيته وعدم كون افعاله الاختيارية ملحقة بفعل البهائم والمجانين كي يقتضى ذلك صرفها عنه وحديث رفع القلم عن الصبي
حتى يحتلم أيضا غير مقتضى لذلك إذا المتبادر منه ليس الا القلم الذي يصح بالنسبة إليه اطلاق اسم الرفع وهو ليس الا القلم الذي يوقعه في الكلفة لا القلم الذي
ينفعه فلو ورد ان من صلى ركعتين فله كذا وكذا من الاجر أو من صام يوم كذا وجبت له الجنة لا يصدق على تخصيصه بما عدى الصبي انه رفع عنه هذا
القلم بل يصدق عليه انه لم يوضع له فمن هنا يظهر انه لا حكومة لمثل هذا الحديث على أدلة المستحبات أصلا نعم له الحكومة على أدلة التكاليف بمعنى انه
يفهم منه اجمالا عدم تنجزها عليه واما انه غير مراد بها رأسا فيشكل استفادته منه إذا المراد برفع القلم عنه اما فلم المؤاخذة بمعنى ان ما يصدر منه من مخالفة
الأحكام الشرعية من ترك الواجبات وفعل المحرمات لا يكتب عليه نظير ما ورد في شأن بعض الأيام المتبركة انه رفع فيها القلم حيث إن المبادر منها
إرادة ان الناس لا يؤاخذون بما يصدر منهم في هذه الأيام من المعاصي وقضية ذلك كونه مشمولا لأدلة التكاليف ولكنه لا يؤاخذ بمخالفتها فهو
غير ملزم بها شرعا بل يجوز له مخالفتها فتكون الواجبات مستحبة في حقه ولا يلزم من ذلك استعمال الامر بإقامة الصلاة أو الصوم ونحوه في معنيين
كما أوضحناه في كتاب الصلاة في توجيه موثقة ابن بكير الواردة في الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه فراجع أو ان المراد برفع القلم قلم التكاليف التي يترتب
على مخالفتها المؤاخذة فمعنى رفع القلم عنه انه خصصت التكاليف بما عداه ولم يوضع على الصبي واطلاق الرفع عليه بلحاظ ما فيها من شأنية الوضع
على الجميع فعلى هذا يكون الصبي خارجا عن موضوع أدلة التكاليف ولكن يفهم مشروعيتها له واستحباب قيامه بوظيفتها بتنقيح المناط بالروايات
الواردة في بيان فوائدها ومطلوبية ذاتها من حيث هي ومن امر الولي ببعثة على امتثالها بل من نفس حديث الرفع المشعر بقيام المقتضى وكون الرفع من
باب التوسعة والامتنان هذا مع امكان اتمام القول فيه بعدم القول بالفصل بين الواجب والمستحب ان تم فليتأمل الركن الثاني ما يمسك
عن الصائم وفيه مقاصد المقصد الأول يجب الامساك عن كل ما كول معتادا كان كالخبز والفواكه أو غير معتاد كالحصى والبرد وعمن كل مشروب ولو
لم يكن معتادا كمياه الأنوار وعصارة الأشجار اما تحريم المعتاد من كل مأكول ومشروب اجمالا فهو من الضروريات فضلا عن دعوى اجماع العلماء عليه
وشهادة الكتاب والسنة به واما غير المعتاد منهما فكذلك على المشهور بل عن الغنيمة والسرائر وظاهر المنتهى وغيره دعوى الاجماع عليه بل عن الناصرية و
الخلاف دعوى الاجماع من جميع العلماء الا النادر من المخالفين قال السيد فيما حكى عن ناصرياته لا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا
اعتمده فإنه يفطره مثل الحصاة والخرزة وما لا يوكل ولا يشرب وانما خالف في ذلك الحسن بن صالح ونحوه روى عن أبي طلحة والاجماع متقدم ومتأخر
عن هذا الخلاف انتهى وعن الخلاف دعوى اجماع المسلمين على أن اكل البرد مفطر وحكم بانقراض المخالف وعن المنتهى أيضا دعوى اجماع المسلمين الا
الحسن بن صالح وأبا طلحة الأنصاري انه كان يأكل البرد ويقول إنه ليس بطعام ولا شراب وحكى عن السيد في بعض كتبه أنه قال إن ابتلاع غير المعتاد
كالحصاة ونحوها لا يفسد الصوم وعن المختلف حكايته عن ابن الجنيد أيضا واستدل لهما بان تحريم الأكل والشرب انما ينصرف إلى المعتاد لأنه المتعارف
فيبقى الباقي على أصل الإباحة ثم أجاب عنه بالمنع عن تناوله المعتاد خاصة بل يتناول المعتاد وغيره وفي المدارك بعد ان نقل عن المختلف هذا الاستدلال
وجوابه قال ولا باس به إذا صدق على تناوله اسم الأكل والشرب أقول وربما يستشعر من كلامه الميل إلى الجواز بمنع صدق الأكل والشرب على مثله لانصرافهما
عنه وكيف كان فالذي يمكن ان يكون مستندا للقول بالجواز اما منع صدق الأكل والشرب حقيقة على مثله وكونه بمنزلة ايصال شئ إلى الجوف من غير
جهة الفم فلا يختلف الحال حينئذ بين قليله وكثيره وبين كونه من المعتاد أو من غيره وهذا كما تراه كاد ان يكون مصادما للضرورة عرفا وشرعا أو دعوى
انصراف النهى عن الأكل والشرب إلى ما من شانه ان يستعمل في الأكل والشرب في العرف والعادة كما أن المتبادر منهما ذلك فيما لو وقعا في حيز الامر وفيه
منع الانصراف ان أريد بالنسبة إلى متعلق الأكل والشرب لأنه غير مذكور في الكلام حتى يدعى فيه الانصراف بل حذفه يكشف عن عدم ملحوظية شئ بخصوصه
وإناطة الحكم بماهية الأكل والشرب باي شئ حصلت كقولنا زيد يعطى ويمنع وان أريد بالنسبة إلى نفس الأكل والشرب بدعوى ان المتبادر إرادة القسم
المتعارف منهما وهو ما إذا تعلقا بما يتعارف اكله وشربه كانصراف اطلاق الغسل إلى الغسل بالماء يفيد العموم ففيه ان انصرافهما حينئذ عن غير المتعارف منهما
من حيث ذات الأكل والشرب كما وكيفا أولى من انصرافهما عن غير المتعارف منهما من حيث المتعلق مع أن هذا مما لم يقل به أحد من المسلمين فهذا يكشف
عن الحكم بالاجتناب متعلق بطبيعة الأكل والشرب من حيث هي مضافا إلى فحوى ما سيجئ من الافطار بايصال الغبار مطلقا أو خصوص الغليظ منه مع
قضاء سيرة المسلمين لمنافاة مطلق الأكل والشرب للصوم فلا ينبغي الارتياب فيه ولا ينافيه عموم صحيحة محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر يقول لا يضر
الصائم ما صنع إذا اجتنب اربع خصال الطعام والشرب والنساء والارتماس في الماء هكذا روى عن الفقيه وموضع من التهذيب وعن موضعين آخرين منه
بسندين آخرين بلفظ ثلث خصال إذا الظاهر أن المراد بالطعام والشراب مطلق الأكل والشرب لا ما ينصرف إليه اطلاق اسم الطعام والشرب كما يؤيد
175

ذلك ان المقصود بالحصر في مثل هذه الروايات الاحتراز عن سائر الأشياء التي يتوهم منافاته للصوم لا مطلقا بحيث يعم بعض مصاديق الاكل كما يومى إليه
قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير الصيام من الطعام والشراب والانسان ينبغي له ان يحفظ لسانه عن اللغو والباطل في رمضان وغيره والحاصل انه لا
يفهم من مثل هذه الأخبار ما ينافي تعلق الحكم بالاجتناب بطبيعة الأكل والشرب من حيث هي نعم قد يوهمه خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام
عن ابائه ان عليا عليه السلام سئل عن الذباب يدخل حلق الصائم قال ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام حيث إن المتبادر منها إرادة نفى الباس عنه لعدم
كونه مما يؤكل ولكن الظاهر عدم إرادة هذا المعني منه ولذا لا يفهم منه انه لو اكل الذباب اختيارا حتى شيع لا يبطل بذلك صومه بل المراد به انه في مثل الفرض
ليس بطعام يعنى لا يسمى اكلا نظير ما ورد في صحيحة ابن أبي يعفور من تعليل نفى الباس عن الاكتحال بأنه ليس بطعام إذ الظاهر أن المراد به ان الاكتحال ليس
اكلا لا ان الكحل ليس من جنس المأكول والا لفهم منه فساد الصوم فيما لو اكتحل بدقيق ونحوه مما هو مما يؤكل مع أنه لا يفهم منه ذلك بل يفهم عدمه ولو سلم
ظهور مثل هذه الأخبار في نفى الباس عن اكل ما لا يعتاد اكله فلا ينبغي الالتفات إليه بعد شذوذ القول به على تقدير تحققه في مقابل ما عرفت والله العالم
ويجب أيضا الامساك عن الجماع المتحقق بادخال الحشفة أو قدرها من مقطوع الذكر كما تقدم البحث عنه في مبحث غسل الجنابة وان لم ينزل في القبل
للمرأة اجماعا كما صرح به غير واحد ويدل عليه ظاهر الكتاب والسنة اما الكتاب فقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم
لباس لهن علم الله انكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالا ان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين
لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله
الآية فان ظاهرها بل كاد ان يكون صريحها وجوب الامساك في اليوم بعد طلوع الفجر عن جميع المذكورات التي أحلها الله تعالى في الليل وهى مباشرة
النساء والأكل والشرب وفي تفريع قوله تعالى فالآن باشروهن على ما قبله اشعار بكونه محظورا في صدر الاسلام وقد من الله تعالى على المسلمين بان
وضع عنهم هذا التكليف واحله لهم ليلة الصيام وقد وقع التصريح بذلك في بعض الأخبار الواردة في بيان سبب نزول الآية مثل ما عن علي بن إبراهيم في
تفسيره مرفوعا قال قال الصادق عليه السلام كان النكاح والاكل محرمين في شهر رمضان بالليل بعد النوم يعنى كل من صلى العشاء ونام ولم يفطر ثم انتبه
حرم عليه الافطار وكان النكاح حراما بالليل والنهار في شهر رمضان وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقال له خوات بن جبير أخو عبد الله
بن جبير شيخا كبيرا ضعيفا وكان صائما فأبطأت عليه امرأته فنام قبل ان يفطر فلما انتبه قال لأهله قد حرم على الاكل في هذه الليلة فلما أصبح حضر
حفر الخندق فأغمي عليه فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرق له وكان قوم من الشبان ينكحون بالليل سرا في شهر رمضان فأنزل الله أحل لكم ليلة الصيام وعن السيد
المرتضى قد سره سره في رسالة المحكم والمتشابه عن تفسير النعماني بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام ونحوه وعن الكشاف والبيضاوي انه كان في أول فرض الصوم
إذا امسى الرجل حل الأكل والشرب والجماع إلى أن يصلى العشاء الآخرة أو يرقد فإذا صليها أو رقد ولم يفطر حرم عليه ذلك إلى القابلة ثم إن عمر واقع أهله بعد
صلاة العشاء الآخرة فلما اغتسل لام نفسه فاتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم واعتذر إليه من نفسه واخبره بما فعل فقال صلى الله عليه وآله وسلم ما كنت جديرا بذلك يا عمر فقام رجال فاعترفوا
بما كانوا صنعوا بعد العشاء فنزلت الآية وما في هذين التفسيرين من حليته أول الليل قبل النوم والصلاة مخالف لظاهر الخبر المروى عن الإمام عليه السلام
وان كان يوهمه صدره وكيف كان فالآية ولو بمعونة ما ورد في تفسيرها نص في المدعى وأما السنة فمنها صحيحة محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول لا يضر الصائم إذا اجتنب اربع خصال الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي سيمر عليك عند التعرض
لاحكامه إنشاء الله وعن الجماع في دبر المرأة اما مع الانزال فمما لا شبهة فيه بل لا خلاف فيه بنى العلماء كما صرح به بعض ويشهد له فحوى ما سيأتي من الافطار
بالانزال بغير الوطي وأما بدونه فكذلك على الأظهر الأشهر بل المشهور كما في الجواهر بل عن الخلاف والوسيلة الاجماع عليه وعن المعتبر انه اشهر الروايتين وعن
الغنية الاجماع على الفساد بالجنابة عمدا فيدخل فيه الجماع في دبر المرأة كما عرفته في مبحث الجنابة ويدل على المدعى عموم الآية الصحيحة المتقدمة الدالة
على وجوب الاجتناب عن مباشرة النساء التي يكنى بها في مثل هذه المورد عن نكاحهن كلفظ اتيان الأهل ونحوه من الكنايات الواردة في الاخبار
الآتية وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعبث باهله في شهر رمضان حتى يمنى قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي
يجامع وصحيحته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن رجل عبث بامرأته وهو محرم من غير جماع أو فعل ذلك في شهر رمضان فقال عليهما من الكفارة
مثل ما على الذي يجامع ومرسلة حفص بن سوقة عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يلاعب أهله أو جاريته في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل قال عليه من
الكفارة مثل ما على الذي جامع في شهر رمضان ومضمرة سماعة قال سئلته عن رجل اتى أهله في رمضان متعمدا فقال عليه عتق رقبة واطعام ستين مسكينا
وصيام شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم وانى له مثل ذلك اليوم ورواية عبد السلام بن صالح الهروي الآتية إلى غير ذلك من الاخبار التي وقع فيها
الحكم معلقا على عنوان النكاح أو الوطي أو إصابة الأهل ونحوها من العناوين الصادقة على الوطي في الدبر وانصراف مثل هذه الأخبار إلى الوطي الموجب
للانزال أو خصوص الوطي في القبل ان سلم فبدوى يزول بعد الالتفات إلى سببية نفس الجماع من حيث هو للجنابة والافطار في الجملة وان الدبر أحد
المأتيين الذين رتب الشارع عليهما احكام الجماع كما يشهد له مرسلة حفص بن سوقة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي أهله من خلفها قال هو
أحد المأتيين فيه الغسل فإنها كالنص في أن الأحكام الثابتة للجماع تترتب على الوطي في الدبر أيضا لأنه أحد فرديه ومن هنا يعلم أنه يفسد صوم المرأة
أيضا إذ الجماع موجب لفساد صوم الطرفين لا خصوص الرجل بلا خلاف في ذلك ولا اشكال كما سيتضح لك ذلك في مبحث الكفارات ولا يصلح المعارضة
176

المرسلة المعتضدة بغيرها مما عرفت مرفوعة أحمد بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهى صائمة قال لا ينقض صومها وليس عليها غسل ومرسلة
علي بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام إذا اتى الرجل المرأة في الدبر وهى صائمة لم ينقض صومها وليس عليها غسل ومرفوعة إلى في النافية المغسل عليهما ما لم
ينزل ووجوبه عليه دونها مع الانزال لقصورها عن المكافئة بعد شذوذها واعراض الأصحاب عنهما كما تقدمت الإشارة إليه في محله وفي فساد الصوم بوطي
الغلام والدابة تردد وان حرم وكذا القول في فساد صوم الموطئ ينشأ من دعوى الشيخ في الخلاف الاجماع عليه حيث حكى عنه أنه قال إذا ادخل ذكره في دبرا مرأة
أو غلام كان عليه القضاء والكفارة دليلنا اجماع الفرقة وطريقة الاحتياط ثم قال إذا اتى بهيمة فامنى كان عليه القضاء والكفارة فان أولج ولم ينزل
فليس لأصحابنا فيه نص لكن مقتضى المذهب ان عليه القضاء لأنه لا خلاف فيه واما الكفارة فلا نلزمه لان الأصل براءة الذمة وليس في وجوبها دلالة
ولعل مراده بعدم النص فيه لأصحابنا الرواية لا عدم تصريحهم بحكمه والا ينافيه ذيل عبارته من نفى الخلاف فيه كما هو واضح ويؤيده اطلاق لفظ الجماع و
النكاح في بعض الأخبار الدالة على سببيته لفساد الصوم ودعوى انصرافها إلى الجماع في فرج المرأة وان كانت وجيهة في أغلبها ولكنها قابلة للمنع بالنسبة
إلى بعض منها مثل خبر عبد السلام بن صالح الهروي قال قلت للرضا عليه السلام يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد روى عن ابائك عليهم السلام فيمن جامع في شهر رمضان وافطر فيه
ثلث كفارات وروى عنهم أيضا كفارة واحدة فبأي الحديثين نأخذ قال بهما جميعا متى جامع الرجل حراما أو افطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلث
كفارات عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين واطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم وان كان نكح حلالا أو افطر على حلال فعليه كفارة واحدة وان
كان ناسيا فلا شئ عليه ومن عدم حجية نقل الاجماع خصوصا مع عدم صراحة كلام الشيخ فيه بالنسبة إلى وطى البهيمة ولا سيما مع معروفية الخلاف فيه
حتى من الشيخ في مبسوطه حيث حكى عنه التردد في الفساد بالوطي في دبر المرأة فضلا عن غيرها وان جعل الفساد أحوط واما ما دل على حصول الافطار بالجماع
والنكاح فهي اما واردة في خصوص مباشرة النساء أو منصرفة إليها نعم منع الانصراف في الخبر المزبور بالنسبة إلى النكاح المحرم لعله في محله الا ان هذه الرواية
لورودها في مقام بيان التفصيل بين الحلال والحرام ليس لها ظهور في الاطلاق بالنسبة إلى افراد الجماع ولا أحواله بحيث يفهم من هذا الخبر حكم الوطي
المجرد عن الانزال في دبر الغلام أو البهيمة الذي هو في حد ذاته فرض بعيد لا ينسبق إلى الذهن من اطلاق متى جامع الرجل حراما وعموم الموصول وانما هو بالنسبة
إلى أزمنة وقوع الفعل كما أنه لو كان بلفظة من كما وقع في السؤال كان عمومه بالنسبة إلى اشخاص المجامعين لا افراد الجماع أو أحواله كي لا يعتبر فيه هذا الشرط
والأشبه انه يتبع وجوب الغسل فان من تدبر في الروايات الواردة فيمن أجنب متعمدا في شهر رمضان في ليله أو نهاره بمباشرة أهله أو غيرها وفيمن أصبح جنبا
التي سيأتي نقلها في محله مع ما في بعضها من تعليل نفى الباس عن الاصباح جنب ان جنابته كانت في وقت حلال الدال بمفهومه على عدم جواز الجنابة في
اليوم وفساد الصوم بها وغير ذلك من الروايات الواردة في حكم الجنابة في شهر رمضان لا يكاد يرتاب في أن تعمد الجنابة كتعمد الأكل والشرب يناقض
الصوم خصوصا بعد اعتضاده بما تقدمت حكايته عن الغنية من دعوى الاجماع على أن الجنابة عمدا يفسد الصوم مع اعتضادها بعدم نقل الخلاف فيه
عن أحد ومن تردد أو منع فساد الصوم بوطي البهيمة أو الغلام فهو بحسب الظاهر ممن لا يراه موجبا للجنابة والله العالم وكذا يجب الامساك عن
الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليه وعيلهم السلام كما يدل عليه مضافا إلى حرمته في حد ذاته الاخبار الآتية الدالة على مدخليته في الصوم وهل
يفسد الصوم بذلك فيكون كالأكل والشرب وغيرهما مما يكون الامساك عنه مأخوذا في قوام ماهية الصوم قيل نعم كما عن الشيخين والقاضي والتقى و
السيدين في الانتصار والغنية بل عن الأخيرين دعوى الاجماع عليه وعن الرياض نسبته إلى الأكثر وعن الدروس إلى المشهور وقيل لا كما عن العماني والسيد
في جمله والحلي وأكثر المتأخرين ان لم يكن جميعهم كما ادعاه في الجواهر وفي الحدائق نسبته إلى المشهور بين المتأخرين للأصل وحصر المفطر في غيره في
صحيحة محمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلث خصال أو اربع خصال على اختلاف نقلها الطعام
والشراب والنساء والارتماس في الماء واستدل للقول الأول بخبر أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم قال
قلت هلكنا قال ليس حيث تذهب انما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام وخبره الاخر أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الكذب على
الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأئمة عليهم السلام يفطر الصائم وموثقة سماعة قال سئلته عن رجل كذب في شهر رمضان فقال قد افطر وعليه قضائه فقلت وما كذبته
قال يكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وموثقته الأخرى أيضا مضمرة قال سئلته عن رجل كذب في شهر رمضان فقال قد افطر وعليه قضاؤه وهو صائم
يقضى صومه ووضوئه إذا تعمد وخبر أبي بصير المروى عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال من كذب على الله وعلى رسوله وهو صائم نقض
صومه ووضوئه إذا تعمد وما عن الخصال بسند فيه رفع إلى الصادق عليه السلام قال خمسة أشياء تفطر الصائم الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء
والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم السلام وعن الفقه الرضوي أنه قال خمسة أشياء تفطرك الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب
على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأئمة عليهم السلام
أقول قد يغلب على الظن كون موثقتي سماعة في الأصل رواية واحدة وكذا روايات أبي بصير وقد وقع فيها الحكم بنا قضيته
للوضوء أيضا مع أنه لم يقصد به النقض حقيقة لمخالفته للاجماع وغيره من النصوص الحاصرة للنواقض فيما عداه وهذا وان لم يكن مسقطا لظاهر النص
فيما لا معارض له عن الحجية ولكن يوهن ظهوره في إرادة الافطار الحقيقي فيشكل الاعتماد عليه في رفع اليد عن ظاهر الحصر المستفاد من الصحيحة المتقدمة
خصوصا بعد الالتفات إلى ما ورد في اخبار متضافرة من أمر الصائم بحفظ لسانه عن الكذب مطلقا والفحش والغيبة ومطلق الباطل والحكم بابطاله للصوم في
177

كثير منها مع أنه لم يرد بها الا الصوم الكامل الذي لا ينافي بطلانه بقاء حقيقته المسقطة في مقام التكليف كالخبر المروى عن عقاب الأعمال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ومن اغتاب أخاه المسلم بطل صومه ونقض وضوئه فان مات وهو كذلك مات وهو مستحل لما حرم الله وقول الباقر عليه السلام في خبر محمد بن مسلم المروى عن الخصال
والغيبة تفطر الصائم وعليه القضاء هكذا رواه في الجواهر ولكن يظهر من الوسائل كونه مرويا عن أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره بسنده عن محمد بن مسلم
عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام لا عن الخصال فراجع والمرسل المروى عن تحف العقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لعلى عليه السلام قال يا علي احذر الغيبة والنميمة
فان الغيبة تفطر الصائم والنميمة توجب عذاب القبر وعن علي بن موسى بن طاوس في كتاب الاقبال قال رأيت في أصل من كتب أصحابنا قال سمعت
أبا جعفر عليه السلام يقول إن الكذبة لتفطر الصائم والنظرة بعد النظرة والظلم قليله وكثيره وقال أيضا ومن كتاب علي بن عبد الواحد النهدي باسناده إلى
عثمان بن عيسى عن محمد بن عجلان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول ليس الصيام من الطعام والشراب ان لا يأكل الانسان ولا يشرب فقط ولكن
إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك واحفظ يدك وفرجك واحفظ يدك وفرجك وأكثر السكوت الا من خير وارفق بخادمك وفي الوسائل عن الكليني
بسند عن جراح المدايني عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال قالت مريم انى نذرت للرحمن صوما لا صوما
وصمتا وفي نسخة أخرى أي صمتا فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا ابصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا قال وسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرأة تسب جارية
لها وهى صائمة فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطعام فقال لها كلى فقالت انى صائمة فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك ان الصوم ليس من الطعام
والشراب إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة بظاهرها على اشتراط صحة الصوم بحفظ اللسان عن الكذب والغيبة وأشباهما مع أنه لم يقصد بها الا اعتباره
في ماهية الصوم الكامل لا مطلقة المسقط للتكليف الالزامي المتعلق بفعله كما وقعت الإشارة إلى ذلك في بعض تلك الأخبار كما لا يخفى على من راجعها
فلا يبقى حينئذ ظهور يعتد به للاخبار المزبورة في إرادة الافطار الحقيقي بعد ان أردفه بنقض الوضوء الذي لم يقصد به بحسب الظاهر الا مرتبة من المنقصة
المقتضية لحسن اعادته كما ورد نحوه في انشاد الشعر ونحوه نعم ظاهر الخبر المروى عن الخصال كعبارة الفقه الرضوي الافطار الحقيقي كما في الأكل والشرب ولكن
يشكل الاعتماد على هذا الظاهر بعد قصور سنده وامكان صرفه عن هذا الظاهر إلى المعنى الذي أريد من الافطار في نظائره بقرينة غيره مما عرفت
فالانصاف ان الحكم موقع تردد وان كان القول بعدم الافساد هو الأشبه بالقواعد الا ان رفع اليد عما يترائى من تلك الأخبار التي وقع فيها التصريح
بمفطرية مع استفاضتها واعتضاد بعضها ببعض وباشتهار القول بمضمونها بين القدماء من غير معارض مكافؤ لا يخلو عن اشكال فالقول بمفطريته
جمودا على ما يترائى من الاخبار المزبورة ان لم يكن أقوى فهو أحوط ولا يبعد ان يكون المراد بالأئمة عليهم السلام في اخبار الباب ونظائرها مما ورد في كلماتهم أعم
من الزهراء سلام الله عليها فالحاق الكذب بها بالكذب بهم لا يخلو عن وجه واما الكذب على سائر الأنبياء فان رجع إلى الكذب على الله بان اخبر عن
الله على لسان أنبيائه فهو داخل في الكذب على الله والا فلا يتناوله النصوص فيشكل تسرية الحكم إليه ان قلنا بالمفسدية وهل يختص هذا الحكم بالكذب
في امر شرعي بان نسب إلى الله تعالى أو رسوله أو الأئمة عليهم السلام قولا أو فعلا أو تقريرا يستفاد منه حكم شرعي ونحوه أو أعم من ذلك فيعم ما لو اخبر كذبا مثلا
بان الحسين عليه السلام قال في يوم الطف كذا أو فعل كذا أو قتل كذا وجهان من اطلاق النصوص والفتاوى ومن امكان دعوى انصرافها إلى إرادة الكذب في
الأمور الشرعية التي بيانها من خواصهم كما ادعاه بعض ولكنها قابلة للمنع فالقول بالاطلاق كما حكى عن التحرير من أنه صرح بأنه لا فرق بين الدين و
الدنيا بناء على الافطار به ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط والله العالم ثم إن الظاهر تحقق موضوع الكذب عرفا بنسبة حكم غير واقع إليهم مطلقا
سواء كانت بالقول أو بالكتابة أو بالإشارة ونحوها فلو اخبر بشئ كذبا في الليل أو سمع الكذب من شخص فصدقه في اليوم اندرج بحسب الظاهر في موضوع الحكم
ويعتبر في حصول الافطار به على القول به التعمد كما وقع التقييد به في بعض الروايات المتقدمة فلو اعتقد الصدق فبان مخالفته للواقع لم يقدح في صومه
بل وكذا لو اعتقد المخالفة فبانت الموافقة فإنه وان قصد بذلك الكذب ولكنه لم يقع إذ الكذب بحسب الظاهر هو الخبر المخالف للواقع لا للاعتقاد و
اطلاق الكذب عليه في قوله تعالى والله يشهد ان المنافقين لكاذبون تجوز نعم مع الالتفات إلى حكمه يندرج في مسألة قصد المفطر التي تقدم الكلام
فيها فراجع ولو نسب إليهم حكما لا يعلم بصدوره منهم فان صادف الواقع لا يتحقق موضوع الكذب وان خالفه صدق عليه اسم الكذب ولكن قد يقال بأنه
لا يصدق عليه اسم العمد لأنه لم يقصد الاخبار كذبا بل الاخبار بمحتمله وفيه نظر فان احتمال المصادفة ينافي الجزم بكونه كذبا لا انه على تقدير كونه كذبا يجعله
كذبا صادرا لا عن عمد والألم يصح العقاب عليه فمن اخبر بشئ لا يعلم بمطابقته للواقع فقد قصد الكذب على تقدير المخالفة كما أن من شرب أحد الإنائين
الذين يعلم اجمالا بان أحدهما خمر يكون قاصدا الشرب الخمر على تقدير كونه في هذا الاناء ولذا يعامل معه على تقدير المصادفة معاملة العامد كما هو الشان
في سائر التكاليف وكيف كان فالمنساق إلى الذهن من الأخبار الدالة على مفطرية الكذب انما هو الكذب الممنوع منه شرعا فلو وقع على وجه مرخوص
فيه لتقية ونحوها فالظاهر عدم ترتب الفساد عليه ودعوى ان التقية ترفع حكم الاثم دون الافطار مجدية لو لم ندع فيه الانصراف المزبور كما لا يخفى نعم
الظاهر عدم الفرق بين الصبي والبالغ فان عدم مؤاخذة الصبي عليه ليس لإباحته في حقه بل لرفع القلم عنه وعدم مؤاخذته على ارتكاب المحرمات فهو
مكلف بترك الكذب أيضا على حد تكليفه بترك الأكل والشرب في صومه ولكنه غير ملزم شرعا بالخروج عن عهدته فليتأمل وهل يعتبر في الكذب المزبور
توجهه إلى مخاطب قصد افهامه أم يكفي مجرد تكلمه ولو عند نفسه أو موجها إلى من لا يعقله صرح بعض بالأول ولا بأس به لأنه المتبادر من أدلته وكذا يجب
الامساك عن الارتماس على الأشهر كما في الحدائق بل المشهور كما في الجواهر وقيل لا يحرم على الصائم الارتماس حتى يجب عليه الامساك عنه بل يكره وحكى هذا
178

القول عن العماني والسيد في أحد قوليه والحلي ثم إن القائلين بالحرمة اختلفوا على أقوال منهم من ذهب إلى أنه حكم تكليفي محض لا يترتب عليه فساد الصوم كما عن
الشيخ في الاستبصار والمصنف في المعتبرة والعلامة في المختلف والمنتهى والمحقق الثاني في حاشية الارشاد والفخر والشهيد الثاني وسبطه بل نسب إلى أكثر المتأخرين و
قواه أيضا في المتن حيث إنه بعد ان نقل القول بالحرمة والكراهة قال والأول أشبه ثم قال وهل يفسد بفعله الأشبه لا وعن جملة من الأصحاب منهم السيد
في الانتصار والشيخ في النهاية والجمل والاقتصار وابن البراج انه موجب للقضاء والكفارة بل عن ظاهر الدروس نسبته هذا القول إلى المشهور بل عن الغنية
دعوى الاجماع عليه وحكى عن أبي الصلاح انه أوجب القضاء خاصة حجة القائلين بالحرمة اخبار مستفيضة منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال الصائم
يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه وصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال
الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح البور يا تحته ولا يغمس رأسه في الماء وخبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا
يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم ومرسلة مثنى الحناط والحسن الصيقل قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يرتمس في الماء قال لا ولا المحرم قال و
سئلته عن الصائم أيلبس الثوب المبول قال لا وخبر حنان بن سدير انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يستنقع في الماء قال لا بأس ولكن لا ينغمس فيه والمرأة
لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بقبلها والمتبادر من مثل هذه النواهي المتعلقة بكيفيات العبادة إرادة الحكم الوضعي لا محض التكليف كما تقدم
التنبيه عليه في نظائر المقام واظهر منها دلالة على ذلك صحيحة أخرى لمحمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلث خصال
أو اربع خصال كما عن الفقيه وموضع من التذهيب الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء فان ظاهرها إرادة الاضرار به من حيث كونه صائما أي الاضرار
بصومه كما فيما عداه من المذكورات فما عن الشهيد في شرح الارشاد من الجواب عن هذه الصحيحة بأنه يكفي في الاضرار فعل المحرم مدفوع بمخالفته للظاهر واظهر
من هذه الرواية أيضا فيما ذكر قوله عليه السلام في المرفوعة المتقدمة في المسألة السابقة خمسة أشياء تفطر الصائم الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء الحديث
بل هذه الرواية كادت تكون صريحة في المدعى وهكذا عبارة الفقه الرضوي المتقدمة في تلك المسألة أيضا ويمكن الجواب اما عن المرفوعة كالرضوي فبضعف
السند واما عما عداهما من الاخبار المزبورة فبأنها وان كانت ظاهرة فيما ذكر ولكن يتعين صرفها عن هذا الظاهر جمعا بينها وبين موثقة إسحاق بن عمار
قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا أعليه قضاء ذلك اليوم قال ليس عليه قضاء ولا يعودن فإنها نص في عدم كون الارتماس مفسدا
مع كونه منهيا عنه فيتجه حينئذ ما قواه في المتن وغيره من الحرمة دون الافساد ولكن يتوجه عليه ان رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة بهذه القرينة بجعله تنزيهيا أولى
من رفع اليد عن ظهور الاخبار في إرادة الحكم الوضعي أي كونه مضرا بالصوم لا كونه من حيث هو حراما تعبديا محضا بل الصحيحة الأخيرة كادت أن تكون صريحة
في أن مطلوبية تركه لكون فعله مضرا بالصوم ولكن قضية لا جمع بينها وبين الموثقة المصرحة بنفي القضاء حملها على كونه كلبس المبلول الذي تعلق النهى به أيضا
في رواية الحسن المتقدمة واستنقاع المرأة في الماء الذي جمع بين النهى عنه والنهى عن الغماس الرجل فيه في خبر حسان موجبا لنقص الصوم لا فساده كما
ربما يؤيد هذا الجمع أي حمل النهى على الكراهة بل يشهد له خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال يكره للصائم ان يرتمس في الماء وما يقال من أن
الكراهة في كلمات الأئمة كثيرا ما تستعمل بمعنى التحريم ففيه ان هذا إلا ينفى ظهورها في الكراهة المصطلحة كظهور لفظ لا يصلح ولا ينبغي وأشباهها من الألفاظ
التي هي في الأصل موضوعة للأعم ولكنه لا ينسبق إلى الذهن من اطلاقها الا الأخص خصوصا في مثل المقام الذي لو حمل على إرادة الحرمة لتعين صرفها إلى
إرادة محض التكليف الذي هو بعيد عن مساق هذا النحو من لا اخبار كما تقدمت الإشارة إليه إذ لو أريد به الحكم الوضعي لكان بمنزلة ما لو قال يكره للصائم
ان يأكل ويشرب وهو كما تراه مستهجن عرفا وكيف كان فالجمع بين الاخبار بحملها على الكراهة أولى من حملها على الحرمة تعبدا مع اباء بعضها عن ذلك
كالمرفوعة والرضوي المتقدمين واستلزامه التقييد بالواجب المعين فان من المستبعد إرادة الحرمة تعبدا في صوم يجوز للمكلف ابطاله فلا ينسبق
إلى الذهن ارادته من النص على تقدير كونه حراما تعبديا وتنظيره على التكتف في صلاة النافلة قياس مع الفارق إذا التكتف في الصلاة تشريع وهو مقتضى
لحرمته على الاطلاق وهذا بخلاف الارتماس الذي هو في حد ذاته فعل سائغ فيبعد حرمته على الصائم تبعدا من غير أن يكون له ربط بصومه ولذا رجح في الحدائق
القول بالابطال بأنه لا يعقل أن يكون للنهي علة سوى ذلك وإن كان يتوجه على هذا التعليل ان لا إحاطة للعقول بمناطات الأحكام الشرعية
التعبدية كي يدعى فيه عدم المعقولية نعم هو بعيد عن الذهن فينصرف عنه النص وإن كان قد يرفع هذا الاستبعاد أيضا ما عن المصنف في المعتبر
من توجيه بامكان أن يكون حكمة التحريم تبعدا الاحتياط في الصوم حيث لا يامن مع الارتماس من أن لا يصل الماء إلى جوفه من المنافذ وما في
الحدائق من تضعيف هذا التوجيه بأنه انما يصلح وجها للكراهة لا للتحريم مدفوع بأن هذه الحكمة كما انها مناسبة للكراهة كذلك مناسبة للتحريم
كما في سلوك طريق لا يامن معه السلامة ولكن هذا انما يرفع الاستبعاد عنه بالنسبة إلى الصوم الواجب لا المندوب الذي لا يحرم عليه افساده كما لا
يخفى وكيف كان فالقول بحرمته تعبدا لا يخلو عن بعد وأما القول بكراهته فهو غير بعيد بالنظر إلى ما يقتضيه الجمع بين خبري عبد الله بن سنان و
إسحاق بن عمار وبين غيرهما من الاخبار المزبورة ولكن لا اعتماد على هذين الخبرين في صرف سائر النصوص عن ظواهرها بعد شذوذ القول بالكراهة
لا يخلو عن اشكال وإن كان طرحهما أيضا ما لم يتحقق اعراض الأصحاب عنهما أشكل اللهم إلا أن يقال إن ارتكاب التأويل في رواية الخصال التي
وقع فيها التصريح بمفطرية الارتماس في غاية البعد فهي بحسب الظاهر معارضته لهذين الخبرين وضعف سندها مجبور بالشهرة كما أن بها واعتضادها
بظواهر غيرها من الاخبار تترجح على ما يعارضها فيتقوى حينئذ القول بالافساد ولكن المقدمتين لا تخلو ان عن تأمل فالانصاف ان الالتزام بوجوب
179

القضاء مع صراحة الرواية المزبورة في خلافه وصلاحيتها شاهدة لصرف الأخبار الناهية عنه حتى خبر الخصال فضلا عن غيره إلى إرادة الحكم التكليفي أو
الكراهة لا يخلو عن اشكال ولكنه أحوط وعلى القول به فوجوب الكفارة مبنى على دعوى ظهور الأدلة في وجوبها بكل مفسد للصوم وسيأتي تحقيقه إنشاء الله
ثم إن مقتضى اطلاق النهى عن غمس الرأس أو رمسه في الماء المنع عنه ولو مع خروج البدن فما عن الدروس من التردد فيه حيث قال لو غمس رأسه دفعة أو على التعاقب
ففي الحاقه بالارتماس نظر ضعيف اللهم الا ان يدعى انصراف النصوص إلى إرادة الارتماس المطلق كما وقع التعبير به في بعض تلك الأخبار وتقييده بالرأس
في جملة منها لكونه الجزء الأخير الذي يتحقق به الانغماس لا لإرادته بالخصوص وهذه الدعوى غير بعيدة عن مساق الاخبار الا أنها قابلة للمنع فالاخذ
بالاطلاق أوفق بالقواعد والله العالم ويعتبر في تحقق مفهوم ومس الرأس أو البدن ادخال مجموعه تحت الماء وتغطيته به فلو ادخل جميع اجزائه شيئا فشيئا
على سبيل التعاقب لا يتحقق به صدق اسم الارتماس فما وقع في كلماتهم من تقييده بكونه دفعة انما أريد به ماء يقابل الدفعات على سبيل التعاقب لا الدفعة
المقابلة للتدريج ضرورة عدم الفرق في صدق اسم الارتماس بعد حصول التغطية بين كونه حاصلا على التدريج أو الدفعة فمن انكر اعتبار الدفعة
أرادها بالمعنى الثاني ومن اعتبرها فبالمعنى الأول فالنزاع لفظي وكيف كان فالمنساق إلى الذهن من اطلاق الرأس في مثل المقام هو مجموع ما فوق
الرقبة كما صرح به غير واحد وفي المدارك لم يستبعد تعلق التحريم يغمس المنافذ كلها دفعة وان كانت منابت الشعر خارجة من الماء وفيه انه لو كان مناط
الحكم الاحتياط في عدم ادخال الماء المنافذ لكان له وجه ولكن هذا مما لم يدل عليه دليل وإن كان قد يشعر به ما في خبر حنان بن سدير من تعليل نهى المرأة
عن الاستنقاع الذي جعل في هذا الخبر رديفا لنهى الرجل عن الانغماس بأنها تحمل الماء بقبلها ولكنك خبير بأن هذا النحو من التعليل مع الغض عن عدم
تحققه في المورد الا بالاشعار الضعيف من قبيل بيان المناسبات والحكم المقتضية لشرع الحكم لا العلل الحقيقة التي يدور الحكم مدارها وجودا وعدما
مع أن غمس الرأس جميعه في الماء أشد تأثيرا في رسوب الماء في المنافذ فالحاق غمس المنافذ كلها كغمس بعضها برمس الرأس كله قياس مع الفارق ثم إن بعضهم
الحق غير الماء من المايعات به في حكم الارتماس ففي المسالك قال في حكم الماء مطلق المايع وإن كان مضافا كما نبه عليه بعض أهل اللغة والفقهاء انتهى فكأنه
أراد من استشهاده بكلام بعض أهل اللغة والفقهاء اثبات صدق اسم الارتماس عليه وفيه انه غير مجد في المقام إذ بعد تسليم الصدق يتوجه عليه ان
الموجود في النصوص بأسرها انما هو النهى عن الارتماس أو الانغماس في الماء نعم ورد في صحيحة الحلبي المتقدمة ولا يرمس رأسه من غير تقييد ولكن عطفه على قوله
يستنقع في الماء يجعله ظاهرا في إرادة ومس رأسه فيه ولو فرض وجود دليل مطلق أيضا لاتجه دعوى انصرافه إلى الارتماس في الماء الا انه لا يبعد أن يقال إن
انصرافه عن المضاف بدوي وكيف كان فالحاق سائر المايعات به مما لاوجه له وأما الماء المضاف فالحاقه به لا يخلو عن وجه إذ لا نعقل أن يكون
لوصف الاطلاق مدخلية في مثل هذا الحكم الا انه تعد في الحكم الشرعي التعبدي عن مورد النص فلا يجوز الا مع القطع بعدم مدخلية الخصوصية وعهدته على
مدعيه وسبيل الاحتياط غير خفى والله العالم تنبيه لو ارتمس الصائم في الماء بنية الغسل فإن كان سهوا فلا اشكال بل لا خلاف في صحة غسله
وعدم بطلان صومه اما الأول فواضح لعدم تنجز النهى في حقه حال الغفلة حتى يؤثر في فساد الغسل واما الثاني فلاختصاص مفطرية الارتماس على القول
به بالعامد ومن بحكمه أي الجاهل بالحكم أو ناسيه دون ناسي الموضوع كما سيأتي التنبيه عليه واما مع الالتفات إلى الصوم فعلى القول بالكراهة يكون حاله حال
الوضوء أو الغسل بالماء المسخن بالشمس الذي لا شبهة في صحته وشبهة انه كيف يعقل وقوعه عبادة مع كونه منهيا عنه شبهة في مقابل الضرورة قد تعرضنا
لحلها في مسألة الوضوء بالماء المسخن من كتاب الطهارة فراجع وعلى القول بالحرمة تعبدا يفسد غسله سواء نواه بدخوله في الماء أو بخروجه منه إذ المتبادر
من مثل هذه النواهي حرمة فعل الرمس أي كونه مرموس الرأس لا مجرد احداثه بحيث لو ارتمس غفلة جاز له البقاء بعد تذكرة فبقائه كدخوله مبغوض شرعا
يمتنع ان يقع عبادة وتوهم صيرورة الخروج واجبا عليه بعد ايجاد الارتماس فيمتنع بقائه بصفة الحرمة حتى يمتنع وقوعه عبادة مدفوع بما حققناه في مسألة
الصلاة في المكان المغصوب من أن جعل المكلف نفسه مضطرا إلى ارتكاب الحرام لا يؤثر في ارتفاع قبحه ومبغوضيته واستحقاق العقاب عليه وان لم يبق
النهى بعد الاضطرار بصفة التنجز والمانع عن صحة الفعل ووقوعه عبادة انما هو قبحه وصحة العقاب عليه لا كونه بالفعل منهيا عنه وأمره بالخروج
ارشادي من باب الأمر بارتكاب أقل القبيحين في مقام الدوران فلا ينافي مبغوضية فعليه من حيث هو المانعة عن وقوعه عبادة كما تقدم توضيحه في المبحث
المشار إليه فراجع واما على القول بالمفطرية ففي الصوم الذي يجوز ابطاله كالتطوع والواجب الموسع يفسد الصوم ويصح الغسل وفي الصوم الذي يحرم
ابطاله يفسد الغسل أيضا ان نواه بدخوله واما لو نواه بعد الاستقرار أو حال الخروج ان اكتفينا بمثله في الغسل صح لوقوعه بعد انقطاع النهى و
صيرورة الفعل سائغا في حقه اللهم الا ان يعرضه حرمة خارجية كما لو كان في شهر رمضان وقلنا بأنه يجب عليه الامساك عن سائر المفطرات حتى الارتماس
تعبدا بعد افساد الصوم وفي ايصال الغبار إلى الحلق خلاف كما صرح به في الحدائق حيث قال ما لفظه اختلف الأصحاب في ايصال الغبار إلى الحلق فذهب
جمع منهم الشيخ في أكثر كتبه إلى أن ايصال الغبار إلى الحلق متعمدا موجب للقضاء والكفارة واليه مال من أفاضل متأخري المتأخرين المحدث الشيخ
محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل وذهب جمع منهم ابن إدريس والشيخ المفيد على ما نقل عنه وأبو الصلاح وغيرهم والظاهر أنه المشهور إلى وجوب القضاء
خاصة متى كان متعمدا وذهب جمع من متأخري المتأخرين إلى عدم الافساد وعدم وجوب شئ من قضاء أو كفارة وهو الأقرب انتهى ولكن في الجواهر
بعد ان نسب القول بالمفطرية إلى المشهور قال بل لم أجد فيه خلافا بين القائلين بعموم المفطر للمعتاد الا من المصنف في المعتبر فتردد فيه كما اعترف بذلك
الفاضل في الرياض بل ظاهر الغنية والتنقيح وصريح السرائر ومحكى نهج الحق الاجماع عليه انتهى وقال شيخنا المرتضى (ره) بعد نسبته إلى المشهور بل لم يعلم مصرح
180

بخلاف فيه إلى زمان بعض متأخري المتأخرين انتهى ولكن هذا انما هو في الغبار الغليظ والا فظاهر كثير منهم عدم الباس برقيقه واستدل القائلون
بالفساد بأنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم فكان مفسدا له وبما رواه الشيخ عن سليمان المروزي قال سمعته يقول إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان
أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فان ذلك له فطر مثل الأكل والشرب و
النكاح وفي المدارك بعد ان استدل لهم بهذين الدليلين قال ويتوجه على الأول المنع من كون مطلق الايصال مفسدا بل المفسد الأكل والشرب و
ما في معناهما وعلى الرواية أولا بالطعن في السند باشتماله على عدة من المجاهيل مع جهالة القائل وثانيا باشتمالها على ما اجمع الأصحاب على خلافه من
ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الغليظة وثالثا بأنها معارضة بما رواه الشيخ في الموثق عن عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام
قال سئلته عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه قال لا بأس وسئلته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال لا بأس ويظهر
من المصنف (ره) في المعتبر التوقف في هذا الحكم حيث قال بعد ان أورد رواية سليمان المروزي وهذه الرواية فيها ضعف لأنا لا نعلم القائلين وليس الغبار كالأكل
والشرب وإلا كابتلاع الحصى والبرد وهو في محله انتهى ما في المدارك وأجيب عن الخدشة في الرواية بانجبار ضعفها بالشهرة واشتمال الخبر على ما لا يمكن
الالتزام بظاهره لمخالفته لاجماع أو غيره من الأدلة غير موجب لسقوطه عن الحجية رأسا وأورد على هذا الجواب بأن الشهرة انما تصلح جابرة لضعف الرواية
الضعيفة أي الخبر المنسوب إلى المعصوم الذي في طريقه ضعف لكونها نوعا من التبين المصحح للعمل به وأما الخبر الذي لم يثبت نسبته إلى المعصوم فلا يجد به الشهرة
لأنها غير صالحة لاثبات هذه النسبة فالضعف الناشئ من الاضمار غير قابل للانجبار بشهرة ونحوها وأجيب بأن اضماره بعد معلومية عروضه من تقطيع
الاخبار لا من أصل الرواية غير قادح وفيه انه لو كان هذا المعني معلوما لم يكن وجه لعد الأصحاب الاخبار المضمرة من صنف الاضعاف نعم كونها مذكورة
في كتب الاخبار في سلك سائر الأخبار المروية عن المعصومين وعدم الداعي لمصنفيها لنقل كلام غير المعصومين يورث الظن القوى بكونها منها وكيف كان
فالأولى في الجواب عن هذا الايراد بأن الشهرة تصلح جابرة للضعف من جميع الجهات ولكن بشرط استناد المشهور إليه في فتواهم وعملهم به لا مجرد موافقة قولهم
لمضمونه فإنه خارجي غير مجد في جبر ضعف الخبر كما تقرر في محله ومن محله ومن هنا يمكن الخدشة في دعوى انجبار ضعفه بالشهرة بعدم ثبوت استناد المشهور إلى هذه الرواية في هذا
الفتوى بل المظنون عدمه فان من المستعبد التزامهم بخصوص هذه الفقرة وطرحهم لسائر الفقرات التي تضمنتها الرواية بل كيف يمكن أن تكون هذه الرواية مستندة
لهم مع أن أكثرهم بل المشهور فيما بينهم على ما نسبه إليهم في الحدائق على عدم وجوب الكفارة بل القضاء خاصة وهو خلاف ما وقع التصريح به في هذه الرواية فالحق
كون هذه الرواية مع الغض عن سندها ومعارضتها بالموثقة المزبورة والصحيحة الحاصرة لما يضر الصائم فيما عداه من الروايات الشاذة التي يجب رد علمها
إلى أهله وأما ما قيل من أنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم فكان مفسدا له ففيه ما أورده في المدارك وغيره من أن المفسد هو الأكل والشرب وما هو بمعناهما
من البلع والتجرع ونحوهما مما لا يصدق عليه عرفا اسم الأكل والشرب ولكن يفهم المنع عنه من النهى عنهما عرفا وليس ايصال الغبار إلى الحلق على اطلاقه كذلك
نعم لا يبعدان يقال إنه لو كان المقصود بإثارة الغبار التسبيب إلى ادخال الاجزاء التي يثار منها الغبار من طحين أو تراب ونحوه إلى الجوف فهو ملحق عرفا بالاكل
والبلع ونحوه بل هو هو فان تناوله باليد أو بالة أخرى ووضعه في الفم انما يقصد به التوصل إلى ايصاله إلى الجوف فلا يتفاوت الحال حينئذ بين ان يتوصل
إليه بالاستعانة بالهواء أو بغيره من الآلات ولكن مراد الأصحاب القائلين ببطلان الصوم بايصال الغبار إلى الحلق ليس خصوص هذا الفرض بل هذا الفرض
خارج عن منصرف كلماتهم وانما المتبادر من كلماتهم إرادة بيان الحكم في مثل ما لو كنس بيتا أو دخل مكانا مغبرا من غيران يتحفظ عنه حتى يصل إلى جوفه
لا ما كان عنوان الايصال إلى الجوف مقصودا له بفعله ففي مثل هذا الفرض لا ينبغي الارتياب في عدم صدق اسم الأكل والشرب عليه فيتجه الالتزام بعدم
مفطريته اللهم إلا أن يقال انا لو التزمنا ببطلان الصوم في الفرض الأول وهو ما لو كان المقصود بفعله التوصل إلى ايصال ما يثار منه الغبار إلى
جوفه وجب الالتزام به في هذا الفرض أيضا فان حاله حينئذ حال المشي تحت المطر الذي يعلم بدخوله في حلقه لو لم يتحفظ عنه فإنه وان لم يصدق عليه عرفا اسم شرب
ماء المطر ولكنه بحكمه في ابطال الصوم جزما فالأظهر عدم الفرق بين الفرضين وبطلان الصوم في كليهما ولكن بشرط كون ما يصل إلى الجوف من الاجزاء
باقيا على حقيقته عرفا غير مستهلك في الهواء بحيث يصدق عليه عرفا ايصال ذلك الشئ إلى الجوف بالتسبيب كما في المشي تحت المطر في المثال المفروض ولا
يكون ذلك كذلك الا في الغبار الغليظ المشتمل على اجزائه محسوسة معتد بها عرفا وهذا مما لا ينبغي التأمل في مفطريته مع أنه لم ينقل التصريح بعدم
البطلان بالغبار الغليظ بل عن ظاهر غير واحدا وصريحه دعوى الاجماع عليه فلا يبعد أن يقال بكفاية الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة وعدم وجود
مصرح بالخلاف دليلا على فساد الصوم بايصال الغبار الغليظ إلى الحلق مضافا إلى ما أشرنا إليه من كونه عرفا ملحقا بابتلاع ذلك الجسم الذي أثير منه الغبار
وكيف كان فالأظهر في الغبار الغليظ التحريم وفساد الصوم واما الغبار الرقيق الذي حاله في العرف حال البخار والدخان فالأظهر وفاقا لما نسب إلى
الأكثر عدم بطلان الصوم كما أن هذا هو الأقوى في نظيريه أي البخار والدخان للأصل مضافا إلى شهادة موثقة عمرو بن سعيد المتقدمة به مع استقرار
السيرة على عدم التحفظ عن شئ منها مع كون التكليف بالاجتناب عن البخار لمن يدخل في الحمام ونحوه أو الدخان لمن يباشر الطبخ ونحوه أو مطلق الغبار
لمن يرتكب كنس البيت ونحوه من الافعال التي هي مثار الغبار مما قضت الضرورة بجواز ارتكابها للصائم تكليفا حرجيا كما هو واضح فلا ينبغي الارتياب في
جواز شئ من ذلك نعم قد يتأمل في جواز تناول كل من هذه الأشياء وايصاله إلى الجوف بابتلاعه وتجرعه عند ملحوظيته من حيث هو وتعلق القصد إلى
ايصاله إلى الجوف بعنوانه المخصوص به لا من حيث كونه هواء مشوبا باجزاء خارجية مستهلكة فيه كما هو الشان في شرب التتن والتنباك ونظائره
181

بل قد يقوى في النظر الحاقه في مثل الفرض بالطعام والشراب خصوصا بعد تعارفه وهكذا الكلام فيما لو استعمل آلة لجذب البخار أو الغبار من انبيق ونحوه
فعمد إلى ابتلاعه بهذه الآلة وان لا يخلو عن تأمل والله العالم ويجب أيضا الامساك عن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر بل المشهور
شهرة عظيمة كادت تكون اجماعا كما ادعاه في الجواهر بل عن الانتصار والخلاف والوسيلة والغنية والسرائر وظاهر التذكرة والمنتهى دعوى الاجماع عليه فما في
المتن من نسبته إلى الأشهر المشعر بمشهورية خلافه أيضا لعله أراد به الأشهرية من حيث الرواية والا فلم ينقل الخلاف فيه عن أحد عدى انه حكى عن ابن بابويه
في كتاب المقنع أنه قال سئل حماد بن عثمان أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فاخر الغسل إلى أن طلع الفجر فقال له قد كان رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم
يجامع نسائه من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ولا أقول كما يقول هؤلاء الاقشاب يقضى يوما مكانه ومن طريقته (ره) في الكتاب المذكور الافتاء بمضمون
الاخبار التي ينقلها فيه وعن المحقق الأردبيلي في شرح الارشاد التردد فيه والميل إلى الجواز وفي الحدائق نقل عن المولى المحقق مير محمد باقر الداماد في رسالة الرضا عليه السلام
اختياره صريحا وكيف كان فما يدل على المشهور صحيحة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال
يتم صومه ويقضى يوما اخر وان لم يستيقظ حتى أصبح أتم يومه وجاز له وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان
ثم ينام قبل ان يغتسل قال يتم صومه ويقضى ذلك اليوم الا ان يستيقظ قبل ان يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى صومه وصحيحة الحلبي
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح قال يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا افطر من شهر
رمضان ويستغفر ربه وصحيحة أحمد بن محمد عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو اصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا قال يتم
ذلك اليوم وعليه قضائه وموثقة سماعة قال سئلته عن رجل اصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر فقال عليه
ان يقضى يومه ويقضى يوما اخر فقلت إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضى شهر رمضان قال فليأكل يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شئ من الشهور وصحيحة
معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان قال ليس عليه شئ قلت فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح قال
فليقض ذلك اليوم عقوبة أقول وربما يستشعر من تعليل القضاء في هذه الصحيحة بكونه عقوبة كونه تكليفا جديدا غير مسبب عن فساد الصوم بل هو من قبيل
الكفارة ولكن تسميته قضاء يدفع هذا الاشعار فكونه عقوبة لعله بلحاظ تنزيله منزلة العامد ويدل عليه أيضا المستفيضة الآتية الدالة على وجوب القضاء
على من نسي غسل الجنابة حتى خرج الشهر بالفحوى وأوضح منها دلالة عليه موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل
متعمدا حتى أصبح قال يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا قال وقال عليه السلام انه حقيق ان الإرادة يدركه ابدا أو عن المصنف (ره) في المعتبر انه بعد
نقل هذه الرواية قال وبهذا اخذ علمائنا إلا شاذ ففيه شهادة باعتماد العلماء عليه فيتأكد بذلك الوثوق به ورواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السلام
قال إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه ورواية إبراهيم بن عبد الحميد
عن بعض مواليه قال سئلته عن احتلام الصائم قال فقال إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له ان ينام حتى يغتسل فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق
رقبة أو اطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتم صيامه ولن يدركه ابدا واستدل للقول بالجواز بقوله تعالى أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم فان
اطلاقه يقتضى جوازه في كل جزء من اجزاء الليل ولو في الجزء الأخير وبقوله تعالى فالآن باشروهن إلى قوله حتى يتبين لكم الخيط الأبيض فإنه يقتضى جوزا المباشرة
كجواز الأكل والشرب في الجزء الأخير من الليل ويلزمه جواز البقاء على الجنابة إلى الصبح وما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فاخر الغسل حتى يطلع الفجر قال يتم صومه ولا قضاء عليه وما رواه الصدوق في الصحيح عن العيص بن القاسم انه سئل
أبا عبد الله عن رجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام قبل ان يغتسل قال لا بأس وما رواه الشيخ عن جيب الخثعمي في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام
قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلى صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر ورواية سليمان بن أبي زينبة قال كتبت
إلى أبى الحسن موسى بن جعفر عليه السلام أسئله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فاخر الغسل حتى طلع الفجر فكتب إلى بخطه اعرفه مع مصادق يغتسل
من جنابته ويتم صومه ولا شئ عليه ورواية إسماعيل بن عيسى قال سئلت الرضا عليه السلام عن رجل اصابته جنابة في شهر رمضان فنام حتى يصبح أي شئ عليه قال لا يضره
هذا ولا يفطر ولا يبالي فان أبى عليه السلام قال قالت عايشة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبح جنبا من جماع احتلام قال لا يفطر ولا يبالي ورجل اصابته جنابة
فبقي نائما حتى يصبح قال لا بأس يغتسل ويصلى ويصوم وصحيحة أبي سعيد القماط انه سئل أبو عبد الله عليه السلام عمن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح قال لا
شئ عليه وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال ورواية حماد بن عثمان المتقدمة نقلا عن المقنع في أول المبحث وأجيب عن الآية الأولى بورود اطلاقها في مقام
جواز أصل الرفث في الليل في مقابل النهار فلا اطلاق لها من هذه الجهة مع أنها على تقدير الاطلاق يجب تقييده بالاخبار وعن الثانية بمنع شمول الغاية
لغير الجملة الأخيرة وعلى تقدير الشمول يجب ارتكاب التخصيص فيه بالنسبة إلى زمان تحصيل الطهارة جمعا بين الأدلة وعن الاخبار اما عن الرواية الأولى
فبالحمل على التأخير لا عن عمد جمعا بينها وبين الطائفة الأولى من الاخبار أو بالحمل على التقية لموافقتها لمذهب جمهور العامة وعن الثانية فبعدم
اقتضائها جواز التأخير عمدا إلى الفجر بل جواز النومة الأولى ونحن لا ننكر ذلك ولكن نقيده بما إذا كانت مع نية الغسل وعن الثالثة فبالحمل على التقية
لما فيها من الاشعار بمداومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا الفعل واكثاره ومداومته على الفعل المكروه بعيد ويمكن حمله على صورة العذر جمعا بين
الأول ونحوه الجواب عن رواية إسماعيل ورواية حماد بن عثمان بل امارات التقية من هاتين الروايتين خصوصا الأخيرة منهما لائحة كما لا يخفى على
182

العارف بأساليب كلامهم وطرق بيانهم للاحكام الصادرة عن علة وما فيها من الانكار على هؤلاء الاقشاب مبالغة في التقية مع امكان أن يكون قوله عليه السلام
في ذيل الرواية يقضى يوما مكانه هو جواب السائل ويكون ما صدر منه من حكاية فعل رسول الله نقلا لقول هؤلاء الاقشاب مستندا لفتواهم بعدم وجوب
القضاء فكأنه عليه السلام قال على سبيل الانكار والتعريض قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرتكب هذا العمل المكروه الموجب للاخلال بالوتر الواجب عليه
حاشاه عن ذلك ولا أقول كما يقول هؤلاء الاقشاب من صحة صومه استنادا إلى هذه الحكاية بل يقضى يوما مكانه واما عن مكاتبة سليمان فكالصحيحة الأولى
بالحمل على التأخير لا عن عمدا والتقية وعن صحيحة القماط بالحمل على التقية وفي الذخيرة أجاب عنها أيضا باستضعاف السند لما ذكره من أن أبا سعيد
في كتب الرجال لا موثق ولا ممدوح ولكن في الحدائق نسبه إلى السهو وذكر ان أبا سعيد القماط هو خالد بن سعيد ثقة وحديثه صحيح والأولى في الجواب
عنه بالحمل على النوم بنية الغسل وليس في الرواية ما ينفيه والتعليل لا يأبى عن ذلك وعمدة الجواب عن جميع هذه الأخبار هو ان مخالفتها للمشهور أو
الجمع عليه بين أصحابنا وموافقتها للجمهور أخرجها عن صلاحية المكافئة للأخبار المتقدمة وفي الذخيرة بعد ان أورد اخبار الطرفين وأجاب عن كل من الاخبار
المزبورة التي استدلوا بها للجواز بما يقرب مما ذكرناه قال ما لفظه وتحقيق المقام ان التعارض بين الاخبار ثابت ويمكن الجمع بينهما بوجهين أحدهما
حمل اخبار المنع على الأفضلية وثانيهما حمل اخبار الترخيص على التقية والأول وإن كان وجها قريبا بل ليس فيه عدول عن الظاهر في أكثر الاخبار
التي أوردت في جانب المنع لكن لا يبعد أن يقال إن الترجيح للثاني لما في رواية إسماعيل من الاشعار الواضح عليه وكذا في رواية حماد بن عثمان المنقولة
عن المقنع حيث اسند الحكم بالقضاء المتكرر المستفيض في الاخبار إلى الاقشاب ان كان قوله يقضى يوما مقولا لقول هؤلاء وذلك مضاف إلى ترجيح الشهرة
بين الأصحاب ومخالفة جمهور العامة وبعد حمل الكفارة على الاستحباب انتهى وفيه ان حمل اخبار المنع على الأفضلية وان أمكن على بعد فيما ورد
الامر بالكفارة كما أشار إليه في ذيل عبارته ولكن هذا لا يكفي في رفع التنافي بين الروايات فان جملة من اخبار الجواز مما وقع فيها الاستشهاد
بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالنص في أنه ليس البقاء على الجنابة موجبا لهذه المرتبة من المنقصة التي لا يكاد يتدارك نقصه بالقضاء والكفارة كما هو صريح
جملة من اخبار المنع فالحق ان اخبار الجواز مع هذا النوع من الاخبار من قبيل المتعارضين لا يساعد العرف على الجمع بينهما بما ذكر بل يرونهما من
المتناقضين الذين يجب الرجوع فيهما إلى المرجحات وهى مع اخبار المنع كما هو واضح فالقول بالبطلان كما هو المشهور أقوى بل الأقوى وجوب الكفارة
أيضا كما يدل عليه جملة من الاخبار المزبورة واقتصار كثير منها على القضاء لا ينافي وجوبها بالنصوص المزبورة وإن كان قد يستشعر منها من باب السكوت
في مقام البيان خصوصا من الصحيح الذي ورد فيه الامر بالاستغفار عدم وجوبها الا ان هذا لا يصلح معارضا للنصوص المستفيضة التي وقع فيها
التصريح بها وضعف سند مما غير قادح بعد استفاضتها واعتضادها بالشهرة مع ما فيها من الموثق الذي شهد المصنف في العبارة المتقدمة المحكية
عنه باخذ العلماء به عدى شاذ منهم فما في المدارك من أن هذه الروايات كلها ضعيفة السند فيشكل التعويل عليها في اثبات حكم مخالف للأصل
ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن أبي عقيل (ره) والمرتضى من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة انتهى ضعيف ثم إنه نسب إلى ظاهر المشهور
عدم الفرق في الفساد بالبقاء على الجنابة عمدا بين صوم شهر رمضان وغيره من أنواع الصيام ولكن حكى عن المعتبر أنه قال لقائل ان يخص هذا الحكم
برمضان دون غيره من الصيام أقول وجهه ورود النصوص الدالة عليه على كثرتها فيه ولا قياس يقتضى التعدية عنه هكذا قيل في توجيهه وهو لا يخلو
من نظر إذا المتبادر من الصوم في سائر الموارد التي تعلق به امر ندبي أو وجوبي ليس الا إرادة الماهية المعهودة التي أوجبها الشارع في شهر رمضان
فورود النص في خصوص شهر رمضان لا يوجب قصر الحكم عليه بعد ان المتبادر من الامر به في سائر الموارد ليس الا العبادة المخصوصة التي أوجبها الشارع
في شهر رمضان فالتعدي عن مورد النص في مثل هذه الموارد من هذا الباب الا من باب القياس ولكن قد يشكل ذلك في المقام بدلالة بعض النصوص على عدم
كون البقاء على الجنابة عمدا منافيا لصوم غير شهر رمضان في الجملة حيث ستكشف من مثل هذه الأخبار ان البقاء على الجنابة ليس كسائر المفطرات مأخوذا في
مهية الصوم شرعا من حيث هي فيشرح التخطي عن مورد النص منها ما عن الصدوق في الصحيح عن جيب الخثعمي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني عن
التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذ أجنبت من أول الليل فاعلم انى لو جنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الصبح أصوم أم لا أصوم قال صم وموثقة ابن بكير قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح يصوم ذلك اليوم تطوعا فقال أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار وموثقته الأخرى
أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى من النهار وما مضى قال يصوم ان شاء وهو بالخيار
إلى نصف النهار وكيف كان فهذه الروايات صريحة في عدم كون البقاء على الجنابة مانعا عن الصوم تطوعا بل قضية ترك الاستفصال في الموثقة الأخيرة
وكذا مفهوم قوله عليه السلام في الموثقة الأولى أليس هو بالخيار الخ الذي هو بمنزلة التعليل للجواز جوازه في الواجب الغير المعين أيضا ولكن يجب تخصيصه بما عدى
قضاء شهر رمضان لوقوع التصريح بالمنع عنه فيما عن الصدوق والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقضى شهر رمضان
فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى يجئ اخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع قال لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره وعن الكليني أيضا في الصحيح عن ابن
سنان يعنى عبد الله انه كتب إلى أبي عبد الله عليه السلام وكان يقضى شهر رمضان وقال إني قد أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر فاجابه عليه السلام
لا تصم هذا اليوم وصم غدا وفي موثقة سماعة المتقدمة قال فقلت إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضى شهر رمضان قال فليأكل يومه ذلك وليقض
فإنه لا يشبه رمضان شئ من الشهور والمراد بقوله عليه السلام لا يشبه رمضان شئ من الشهور على الظاهر أن القضاء ليس حاله حال صوم شهر رمضان في وجوب الامساك
183

في ذلك اليوم وقضائه ويحتمل أن يكون المقصود به بيان اختصاص هذا الحكم أي عدم جواز البقاء على الجنابة بصوم شهر رمضان أداء وقضاء كما اختار القول
بذلك أي باختصاص المنع بصوم رمضان وقضائه غير واحد من متأخري المتأخرين ولكن الاعتماد على هذا الظاهر لا يخلو عن اشكال إذ التعليل بامتداد
الخيار إلى الزوال انما يناسب هذا الحكم لو كان الصوم قابلا للتبعيض ولم يكن فعل المنافيات في أول اليوم منافيا لاختيار الصوم بعده ولكنك عرفت و
محله ان الصوم لا يتبعض وامتداد خياره مشروط بعدم حصول شئ مما يجب على الصائم الامساك عنه فلا يصلح حينئذ أن يكون توسعة زمان اختيار عنوان
الصوم علة النفي الباس عن الاصباح جنبا اللهم إلا أن يكون شرط صحة الصوم الاجتناب عن البقاء جنبا حين احداث النية المعتبرة في صحته أي حين اندراجه في
موضوع الصائم شرعا فيصح حينئذ التعليل ولكن مقتضاه شرطية الطهارة من الجنابة في المندوب أيضا ولكن زمانها موسع بتوسعة زمان اختيار عنوانه وهذا
بخلاف ظاهر كلمات القائلين بعدم الاشتراط كما أنه خلاف ما يقتضيه اطلاق صحيحة الخثعمي الدالة على جواز الصوم تطوعا لمن أصبح جنبا ويحتمل أن يكون
المقصود بقوله عليه السلام أليس هو بالخيار از التنبيه على أن عدم تعين الصوم عليه يجعله بمنزلة البقاء على الجنابة لعذر وهو ليس منافيا للصوم ويحتمل أيضا
ان لا يكون المقصود به التعليل بل بيان كونه باقيا على ما هو عليه من الخيار إلى الزوال كما في موثقته الأخيرة فيدل بالالتزام على عدم كون البقاء على الجنابة منافيا
ولكنه خلاف سوق التعبير إذ لا يناسبه الاستفهام التقريرى ويحتمل قويا أن يكون هذا الكلام طفرة عن الجواب على سبيل التورية من باب التقية كغيره من الأخبار المتقدمة
الدالة على جواز البقاء على الجنابة في صوم شهر رمضان المحمولة على التقية فالانصاف ان التعليل الواقع في هذه الرواية لا يخلو عن تشابه فلا يجوز
التعدي عن مورده وهو الصوم تطوعا واما الموثقة الأخيرة وإن كان ظاهرها بمقتضى الاطلاق الجواب من غير استفصال عموم الحكم في الصوم الغير المعين واجبا
كان أو مندوبا ولكن بعد ان علم بعدم إرادة قضاء شهر رمضان منه لا يبعد دعوى انصرافه إلى النافلة لو لم نقل بانصراف السؤال في حد ذاته إليها
فالالتزام بجواز البقاء على الجنابة في ما عدى صوم النافلة الذي هو القدر المتيقن من مورد اخبار الجواز كصوم الكفارة ونحوه في غاية الاشكال بل لو لم يكن الصوم
تطوعا محلا للمسامحة لكان للتأمل فيه أيضا مجال لما أشرنا إليه من قوة احتمال كون الأخبار الدالة عليه من قبيل الأخبار الواردة في صوم شهر رمضان جارية
مجرى التقية فيشكل حينئذ رفع اليد عما أشرنا إليه من أن المتبادر من اطلاق الامر بالصوم في أي مورد ورد انما هو إرادة هو إرادة الطبيعة المعهودة التي أوجبها الشارع
في شهر رمضان الا ان رفع اليد عن الأخبار الخاصة بمثل هذا الاحتمال من غير معارض صريح مخالف للقواعد خصوصا في مثل المورد القابل للتسامح فالقول بجوازه
في النافلة دون غيره كما قواه في الجواهر لا يخلو عن قوة نعم الأشبه كون الواجب بالعرض أي الصوم الذي وجب بنذر وشبهه بحكم أصله فان معروض الوجوب ذاته
من حيث هي فلا يختلف بذلك اثرها ثم إنه لو تعذر الغسل للصوم الواجب فهل يجب عليه التيمم بدله فيه خلاف كما نبه عليه شيخنا المرتضى (ره) فقال ولو
لم يتمكن المكلف من الغسل فهل يجب عليه التيمم فيه قولان من عموم المنزلة في صحيحة حماد هو بمنزلة الماء وفي الروايات هو أحد الطهورين وهو مذهب
المحقق والشهيد الثانيين خلافا للمحكى عن المنتهى ولعله للأصل ومن أن المانع هو حدث الجنابة والتيمم لا يرفعه وهو طهور بمنزلة الماء في كل ما يجب فيه
الغسل لا فيما توقف على رفع الجنابة فالتيمم يجب في كل موضع يجب فيه الغسل لا فيما يشترط بعدم الجنابة ويشعر به قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم فان
انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر يقضى صومه حيث إنه لم يأمره بالتيمم ولذلك لم يذكروا في كتاب الطهارة من التيمم الواجب ما كان لصوم واجب
كما عدو الصلاة والطواف الواجبين بل مقتضى ذكرهم وجوب الغسل للصوم ذكر التيمم أيضا له بمقتضى المقابلة نعم ذكروا انه يجب التيمم لكل ما يجب له
المائية ولكن هذا الكلام على فرض الدلالة لم يبلغ حد الاجماع مع مخالفة المصنف يعنى العلامة في المنتهى وتردده في النهاية كما عن الذكرى نعم قال
في المعتبر يجوز التيمم لكل من وجب عليه الطهارة المائية وادعى عليه اجماع المسلمين وكيف كان فالأحوط التيمم وعليه فهل يجب ان يبقى مستيقظا
لئلا يبطل تيممه أم لا أقواهما وأحوطهما الأول انتهى كلامه رفع مقامه أقول اما وجوب التيمم كما لعله المشهور ان لم يكن مجمعا عليه فهو الأقوى لما عرفته
في مبحث التيمم من أن التيمم غسل المضطر ووضوئه كما وقع التعبير به في الرضوي ويؤمى إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر يكفيك الصعيد عشر سنين
وفي صحيحة حماد هو بمنزلة الماء إلى غير ذلك مما عرفته في محله واما البقاء مستيقظا فالأولى تفريعه على مسألة ما إذا تيمم الجنب بدلا من الغسل ثم احدث
بالأصغر فان بنينا في تلك المسألة على أن موجبات الوضوء لا توجب انتقاض تيممه الواقع بدلا من الغسل بل تؤثر في ايجاب ما تقتضيه من الوضوء أو التيمم
كما حكى القول به عن السيد وجملة من متأخري المتأخرين فلا يضره النوم بعد ان تيمم بد لا من الغسل وان قلنا بانتقاضه بمطلق الحدث وعليه ان يتيمم لصلوته
الآتية أيضا بد لا من الغسل وان وجد ماء بقدر ان يتوضأ كما هو المشهور فعليه ان يبقى مستيقظا والا فهو بمنزلة ما لو تيمم وبال وكونه غير مكلف في
حال النوم غير مجد بعد ان كان قبله مكلفا بإزالة اثر الجنابة مقدمة لصوم اليوم فكما ان ذلك اقتضى وجوب الغسل عليه مع التمكن والتيمم بدلا عنه عند
تعذره كذلك اقتضى وجوب ابقاء اثر تيممه أي بقائه مستيقظا والا فنفس التيمم أو الغسل من حيث هو ليس مما يتوقف عليه الصوم بل من حيث توقف إزالة
اثر الجنابة عليه كما لا يخفى فما في المدارك من منع وجوب البقاء مستيقظا معللا بأن انتقاض التيمم بالنوم لا يحصل الا بعد تحققه وبعده يسقط التكليف
لاستحالة تكليف الغافل ضعيف نعم لو غلب عليه النوم اندرج في موضوع غير العامد الذي ستعرف حكمه ولو اخر الغسل عمدا إلى أن ضاق الوقت أو أجنب
عمدا في وقت يعلم بأنه لا يسع الغسل فتيمم وصام فهل يصح صومه فيه تردد ينشأ من التأمل في شمول ما دل على شرعية التيمم ونحوه من التكاليف الاضطرارية
لمن الجاء نفسه إليها بسوء اختياره مع أن كون ضيق الوقت من حيث هو من مسوغات التيمم لا يخلو عن تأمل فليتأمل فالأحوط ان لم يكن أقوى في مثل هذه الموارد
الجمع بين الاتيان بالفعل الاضطراري في الوقت وتداركه في خارجه لعلمه اجمالا بتنجز التكليف عليه بأحد الامرين اما الفعل الاضطراري في الوقت أو
184

الاختياري في خارجه فيجب في مثله الاحتياط كما تقدم التنبيه عليه في مبحث التيمم وفي غير مورد من كتاب الصلاة بل الأحوط في المقام الكفارة أيضا ولكن الأقوى
عدم وجوبها لكونها تكليفا مغايرا لما علمه بالاجمال فينفي وجوبها بالأصل ولتمام الكلام فيما يتوجه عليه من النقض والابرام مقام اخر وهل يلحق بالجنابة
الحيض المشهور نعم بل عن المقاصد العلية نفى الخلاف فيه ويدل عليه خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن طهرت بليل من حيضتها ثم توانت ان
تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم خلافا المحكى عن النهاية والأردبيلي وصاحب المدارك استضعافا للخبر وفيه ان ضعفه
لو كان فهو مجبور بالشهرة وربما علل الابطال بأن الحيض أشد تأثيرا فيه من الجنابة ضرورة بطلان الصوم بمفاجأته قهرا فليس الا للمنافاة بينه
وبين الصوم فالبقاء متعمدا حتى الصبح مبطل للصوم وفيه ما لا يخفى فان ما هو أشد تأثيرا من الجنابة هو نفس الحيض واما انه يبقى منه بعد ارتفاعه اثر مانع عن
الصوم كالصلاة فهو موقوف على دلالة الدليل عليه فمن الجائز كون بطلان الصوم كحرمة الوطي اثار نفس الحيض لا اثره المانع عن الصلاة الموقوف
رفعه على الاغتسال ثم إن النفساء بحكم الحايض بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الوفاق عليه ويظهر وجهه مما حرزناه في محله من اتحادهما
حكما بل موضوعا فراجع واما المستحاضة فقد تقدم الكلام في اشتراط صومها بالغسل مفصلا في كتاب الطهارة وعرفت فيما تقدم ان مدركه منحصر بمضمرة ابن
مهزيار التي يتطرق إليها جهات من الاشكال على وجه لا يمكن استكشاف ما أريد منها من ظاهرها فلا يصح الاعتماد عليها في اثبات الاشتراط ولكنه على
اجماله مظنة الاجماع فيشكل حينئذ الجزم بعدمه ولذا توقف فيه غير واحد من المتأخرين كبعض القدماء على ما حكى عنهم وهو في محله وعلى تقدير التسليم فهل يتوقف
على الأغسال النهارية خاصة أو هي مع الليلة السابقة خاصة أو مع اللاحقة خاصة أو الليلتين أو الفجر خاصة وجوه أوجهها الأول والمدار على ايجاد الأغسال
في وقتها الذي وجب الاتيان بها فيه لولا وجوب الصوم فلا يجب تقديم غسل الغداة على الفجر بل لا يجوز مع فصل يعتد به بينه وبين الصلاة نعم الأحوط
عند حدوث سببه من الليل ايقاع غسل الغداة آخر الليل مقارنا لطلوع الفجر والاتيان بصلاة الغداة في أول وقتها بحيث لم يتحقق بينهما فصل يعتد به
بأكثر من نافلتها أو الجمع بين غسل في اخر الليل لاستباحة الصوم من باب الاحتياط وغسل اخر لصلاتها وقد تقدم تفصيل ذلك كله في المبحث المشار إليه
فراجع ولو أجنب في الليل فنام غيرنا وللغسل فطلع الفجر فسد الصوم كما عن الفاضل وغيره بل عن ظاهر المنتهى دعوى الاجماع عليه وفي المدارك في شرح العبارة
قال ما لفظه الفرق بين هذه المسألة وبين تعمد البقاء على الجنابة فرق ما بين العام والخاص فان تعمدا البقاء عزم على عدم الغسل وعدم نية الغسل أعم
من العزم على عدمه لتحققه مع الذهول عن الغسل وقد قطع المصنف وغيره بأن من نام حتى أصبح على هذا الوجه لزمه القضاء واستدل عليه بأن مع العزم
على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم يعود كالمتعمد للبقاء على الجنابة وهو غير جيد لأن عدم نية الغسل أعم من العزم على ترك الاغتسال انتهى وقد
تبع فيما ذكره فارقا بين المسئلتين جده في المسالك وهو ليس بجيد بل الفرق بين المسئلتين هو ان المقصود بذكر هذا الفرع التنبيه على أن النوم الغير المسبوق
بالعزم على الغسل بحكم البقاء مستيقظا كذلك إلى أن طلع الفجر فلا فرق حينئذ بين العزم على ترك الاغتسال أو ترك العزم على الاغتسال في اتصاف الترك
بكونه اختياريا وكونه مندرجا في موضوع البقاء على الجنابة عمدا حقيقة لو بقي مستيقظا كذلك فطلع الفجر وحكما لو نام إلى أن طلع الفجر فان مع عدم
العزم على الاغتسال يسقط اعتبار النوم بمعنى انه لا يؤثر في اتصاف ترك الغسل أي البقاء على الجنابة اضطراريا كما نبه عليه المصنف (ره) في عبارته
المتقدمة المحكية عن معتبره وما اعترضه عليه غير واحد ممن تأخر عنه بأن هذا الدليل أخص من مدعاه غير متوجه عليه فان ما يسقط اعتبار النوم هو
عدم العزم على الاغتسال لا العزم على عدمه فتعبير المصنف (ره) اما من باب التمثيل بملاحظة ان الحكم مع العزم على الترك أوضح أو انه من باب التوسع بإرادة
الترك الاختياري من قوله مع العزم على ترك الاغتسال لا خصوص الترك المسبوق بالعزم عليه كما أنه بهذا المعنى يصح ان يفسر تعمد البقاء على الجنابة بالعزم على
عدم الغسل كما في عبارة المدارك والا فمن الواضح ان المراد بتعمد البقاء في هذا المبحث هو ترك الغسل اختيارا ولا يتوقف ذلك على العزم على ترك
الغسل بل على عدم إرادة فعله ولا ملازمة بينهما لأن العزم على الترك لا بد أن يكون من سبب فربما لا يكون في نفسه ما يقتضيه ولكنه لا داعى له إلى
فعله بمعنى ان غاياته التي يتصورها كتوقف الصوم عليه ونحوه لا تبعثه على إرادة فعله فلا يحصل له العزم عليه ولكن يجوز ان يشتد شوقه إلى تحصيلها
فيفعله فهو بالفعل ليس بعازم للفعل ولا للترك ولا يصدق عليه اسم المتردد أيضا إذ التردد انما يصدق فيما لو حصلت المعارضة بين دواعي الفعل و
دواعي الترك فيتحير في الترجيح ويحتمل أن يكون عدوله عن التعبير بعدم العزم على الغسل إلى التعبير بالعزم على تركه للتنبيه على خروج الغافل والناسي عن موضوع
الكلام في هذا المقام فان عدم نية الغسل قد يجامع الغفلة والنسيان ومعه أيضا وإن كان يسقط اعتبار النوم إذ مع الغفلة والنسيان لا يتفاوت
الحال بين ان ينام أو يبقى مستيقظا في خروج ترك الغسل الموجب لبقائه جنبا اختياريا له ولكن هذا الفرض يندرج في موضوع المسألة الباحثة عن حكم
الناسي أو الجاهل بالحكم أو الموضوع والمفروض في المقام ما كان الترك لا من حيث الغفلة والنسيان بل من حيث النوم بحيث لولا النوم لكان داخلا
في موضوع متعمد البقاء حقيقة ومن هنا يظهر صحة الاستدلال عليه بما ذكره المصنف (ره) من أن مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم الخ ولكن
بابدال قوله مع العزم على ترك الاغتسال بعدم العزم على الاغتسال فإنه بحكم من بقي مستيقظا كذلك إلى أن فاجأه الصح في صدق كونه باقيا على الجنابة عمدا
فيدل حينئذ على فساد صومه كلما دل عليه في العامد حتى مثل صحيحتي الحلبي وأحمد بن محمد الواردتين فيمن أجنب ثم نام متعمدا حتى أصبح فان مناط الحكم تركه للغسل اختيارا
الذي هو ملازم للنوم إلى الصبح متعمدا فضلا عن مثل رواية سليمان بن حفص المروى عن الفقيه عليه السلام قال إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم
شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ولا يدرك فضل يومه ورواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قال سئلته عن احتلام الصائم قال فقال إذا احتلم نهارا في
185

شهر رمضان فليس له ان ينام حتى يغتسل وان أجنب في شهر رمضان ليلا فلا ينام ساعة حتى يغتسل فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة
أو اطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتم صيامه ولن يدركه ابدا وصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال سئلته عن الرجل تصيبه الجنابة في
شهر رمضان ثم ينام قبل ان يغتسل قال يتم صومه ويقضى ذلك اليوم الا ان يستيقظ قبل ان يطلع الفجر فان انتظر ماء يسخن أو يستقى فطلع الفجر فلا يقضى
وموثقة سماعة قال سئلته عن رجل اصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر فقال عليه ان يقضى يومه ويقضى
يوما اخر الحديث بل ظاهر هذين الخبرين وجوب القضاء عليه مطلقا ولو مع العزم على الاغتسال بل المنساق إلى الذهن من السؤال في الخبر الأخير انما هو
ارادته في هذا الفرض ولكن يجب تقييده بما عدى النومة الأولى جمعا بينه وبين غيره مما ستعرف فاستفادة حكم العامد منه حينئذ انما هي بالفحوى حيث إن المتبادر منه
انه نشا تركه للغسل من أنه لم يستيقظ حتى ادركه الفجر نعم الظاهر خروج صورة الجهل بالموضوع أو نسيانه الذي لا يتنجز عليه التكليف بالغسل على تقدير استيقاظه
عن مورد هذه الروايات فلا يستفاد حكمه منها ولو كان قد نوى الغسل فلم ينتبه إلى أن أصبح صح صومه على المشهور بل عن الخلاف الاجماع عليه لصحيحته معاوية
بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان قال ليس عليه شئ قلت فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح قال
فليقض ذلك اليوم عقوبة وهذه الصحيحة صريحة في أنه ليس عليه شئ لو لم يستيقظ إلى الصبح وان القضاء انما يجب فيما لو استيقظ ثم نام فهي أخص مطه من صحيحة
محمد بن مسلم وموثقة سماعه ونحوهما مما دل بظاهره على وجوب القضاء عليه مطه وليست الموثقة وكذا الصحيحة نصا في إرادة استمرار نومته الأولى حتى يمتنع
تقييدهما بهذه الصحيحة لامكان أن يكون المقصود بقوله عليه السلام في الموثقة لم يستيقظ حتى ادركه الفجر انه لم يستيقظ في الوقت الذي كان من شانه الغسل
فيه لا انه لم يستيقظ أصلا حتى في ابتداء نومه كذا المراد بقوله في الصحيحة انه نام قبل ان يغتسل انه اخر الغسل عن النوم فلا يأبى عن التقييد ولو سلم صراحتهما في إرادة
استمرار نومته الأولى لتعين حملها على ماذا لم يكن عازما على الغسل ان أمكن والا فرد علمهما إلى أهله لعدم صلاحيتهما بعد شذوذ القول بذلك لمعارضة
هذه الصحيحة الصريحة في أنه لا شئ عليه فيما لو استمر نومته الأولى المعتضدة بالشهرة وغيرها مما ستعرف هذا مع أن ظاهر الموثقة ورودها في المحتلم بل و
كذا الصحيحة لا شعارها بل ظهورها في الجنابة الغير العمدية فهي ان لم تكن ظاهرة في إرادة الاحتلام فلا أقل من عدم ابائها عن الحمل عليها وستعرف وجود
القول بالتفصيل بين المحتلم وغيره فلا معارضة حينئذ بينهما وبين الصحيحة أصلا ثم إنه قد يوهم ترك الاستفصال في الصحيحة انه لا شئ عليه فيما إذا لم يستيقظ مطه
وان لم يكن من عزمه الغسل ولكن يتعين صرفه لو لم نقل بانصرافه في حد ذاته إلى صورة العزم على الاغتسال جمعا بينه وبين الأخبار المتقدمة الدالة على
القضاء بترك الغسل إلى الصبح اختيارا التي شمولها لمثل هذا الفرض أوضح من هذه الصحيحة بل يفهم ذلك أي اختصاصها بصورة كونه مريدا للغسل
على تقدير الانتباه من فحوى ذيله لأن الترك الناشئ من عدم اختيار الصوم أولى بالعقوبة من الترك الناشئ من التوانى وتأخير الغسل عن النوم ثانيا
فليتأمل وعن الفقه الرضوي أنه قال وان أصابتك جنابة في أول الليل فلا باس بأن تنام متعمدا وفي نيتك ان تقوم وتغتسل قبل الفجر فان غلبك حتى
تصبح فليس عليك شئ إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت وتوانيت ولم تغتسل وكسلت فعليك صوم ذلك اليوم وإعادة يوم اخر مكانه وان تعمدت
النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة وهى صوم شهرين متتابعين أو عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا وحيث لم يثبت حجية الرضوي لا يصلح؟؟
الا من باب التأييد واستدل له أيضا بصحيحة ابن أبي يعفور قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال يتم صومه
ويقضى يوما اخر وان لم يستيقظ حتى أصبح أتم صومه وجاز له وفيه نظر إذ المنساق إلى الذهن من قوله ثم يستيقظ ورودها في المحتلم لا في الجنب الذي نام ثم
استيقظ فمفاد هذه الرواية بظاهرها انه لو احتلم واستمر نومه الذي وقع فيه الاحتلام إلى الصبح جاز صومه وان استيقظ ثم نام فعليه قضائه فلا تدل على
نفى القضاء فيما لو أجنب ونام اختيارا ولم ينتسبه حتى أصبح بل ربما يشعر بثبوته كون المدار على النوم اختيارا بعد حصول العلم بالجنابة فيتحقق المعارضة حينئذ بينه و
بين الصحيحة المتقدمة الصريحة في نفى القضاء باستمرار نومته الأولى الواقعة بعد حصول الجنابة اللهم الا ان يلتزم بالفرق بين الجنب والمحتلم بالالتزام بأن
نوم المحتلم بعد ان انتبه موجب للقضاء مطلقا ولو كان انتباهه حين عروض الجنابة والفرق بينهما النص أو يقال بأن النومة الأولى التي دلت الصحيحة
على عدم كونها موجبة للقضاء أعم من أن تحصل قهرا أو اختيارا فالمحتلم لو بقي نائما بعد احتلامه ولو في الجملة ثم استيقظ كما هو المنساق إلى الذهن
من مورد الصحيحة الثانية فقد حصلت نومته الأولى فلا منافاة حينئذ بين الصحيحتين وقد حكى عن بعض متأخري المتأخرين للتفرقة بين المحتلم وغيره وربما
يؤيده أيضا صحيحة محمد بن مسلم وموثقة سماعة المتقدمتان الظاهرتان في وجوب القضاء باستمرار النوم الحاصل بعد العلم بالجنابة وظاهرهما إرادة الجنابة
الغير الاختيارية كما تقدمت الإشارة إليه فيتحد مفادهما حينئذ مع هذه الصحيحة وحكى عن جملة من المتأخرين الالتزام بأن النومة التي حصلت الجنابة فيها هي
النوم الأولى ولكن بشرط استمراره إلى ما بعد حصول الجنابة في الجملة وهذه الروايات غير أبية عن ذلك فلا باس بالالتزام جمعا بين الاخبار وكلمات
الأصحاب المصر حين بعدم كون استمرار النومة الأولى موجبا للقضاء الا ان ظاهر كلماتهم كصريح غير واحد منهم إرادة النوم بعد حصول العلم بالجنابة ولكن
يشكل رفع اليد عن ظواهر النصوص المزبورة بذلك فالقول باحتساب النوم الذي حصلت فيه الجنابة النومة الأولى مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة بل الأحوط
القضاء باستمرار النوم الحاصل بعد العلم بالجنابة الواقعة في النوم مطلقا وان حصل الانتباه حين حدوثها بل لا يخلو القول بوجوبه عن وجه وكيف كان فقد
ظهر بما مر انه لو انتبه ثانيا ثم نام ناويا للغسل فأصبح نائما فسد صومه كما يدل عليه صحيحة معاوية وغيرها من الروايات المزبورة وهل يحرم النوم ثانيا أم لا فيه قولان
صرح في المسالك بالأول فإنه ذكر في النومة الأولى بعد الجنابة انها انما تصح مع نية الغسل ليلا والا لم يصح النوم ولا بد مع ذلك من احتماله الانتباه والا
186

كان كمتعمد البقاء وشرط بعض الأصحاب مع ذلك اعتياده الانتباه والا كان كمتعمد البقاء على الجنابة ولا بأس به ثم قال في شرح قول المصنف ولو انتبه ثم نام
الخ قد تقدم ان النومة الأولى انما تصح مع العزم على الغسل وامكان الانتباه واعتياده فإذا نام بالشرط ثم انتبه ليلا حرم عليه النوم ثانيا وان عزم على
الغسل واعتاد الانتباه لكن لو خالف واثم فأصبح نائما وجب عليه القضاء خاصة انتهى وفي المدارك بعد أقل عبارة المسالك قال ويمكن المناقشة في
تحريم النومة الثانية لعدم وضوح ماخذه وربما استدل عليه بقوله عليه السلام فليقض ذلك اليوم عقوبة والعقوبة انما تثبت على فعل المحرم و هو استدلال ضعيف
فان ترتب هذه العقوبة على فعل لا يقتضى تحريمه والا صح إباحة النومة الثانية بل والثالثة أيضا وان ترتب عليهما القضاء كما اختاره العلامة (ره) تمسكا
بمقتضى الأصل السليم عن المعارض انتهى وهو جيد وربما يؤيد ما ذكره في تضعيف الاستدلال وورود نظر فيما لا حرمة فيه جزما كما في موثقة سماعة الواردة
في ناسي النجاسة عن الصادق عليه السلام قال يعيد صلاته كي يهتم بالشئ إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه واضعف منه الاستدلال له بالامر بالاستغفار في
ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة الواردة في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح لوروده بمقتضى ظاهر السؤال فيمن نام
عن قصد إلى الصبح بحيث لو كان يعرضه الانتباه في الأثناء كان يعود إلى نومه كما هو الغالب فيمن ينام بعد العشاء ولا داعي له إلى فعل شئ في الليل من صلاة
أو غسل ونحوه فهو ملازم لعدم كونه مريدا للغسل فمن هنا يحتمل أن يكون ذكره من باب الكناية والتمثيل بأن يكون المقصود بقوله ثم نام متعمدا حتى أصبح
التعبير عن أنه ترك الغسل عمدا لا خصوص النوم من حيث هوا الذي هو ملازم للترك وكيف كان فظاهر السؤال وروده في غير مريد الغسل وهذا ممالا
كلام فيه فإنه ملحق بالعامد كما عرفت ودعوى أنه لا بد من صرفه إلى صورة العزم على الغسل بحمل قوله ثم نام متعمدا الخ على إرادة العمد إلى أصل النوم الغير
المنافى لإرادة الانتباه والغسل في الليل لا العمد إلى النوم حتى يصبح كي يمتنع اجتماعه مع إرادة الغسل إذ لو كان واردا في مريد النوم إلى الصبح لكان
اللازم لكونه في مقام البيان ذكر الكفارة أيضا لأنه كمتعمد البقاء على الجنابة فعدم ذكرها دليل عدم وجوبها وهو يكشف عن إرادة صورة العزم على الغسل
مدفوعة بانا لو سملنا هذا اللزوم لكان اللازم صرف ما دل على الكفارة بالبقاء على الجنابة عمدا إلى الاستحباب فإنه أولى من صرف الجواب في هذه الصحيحة
إلى خصوص مريد الغسل الذي لو لم نقل بظهور السؤال أو صراحته في غيره فلا أقل من عدم ظهوره في ارادته بالخصوص فكيف يصح حمل الجواب مع ما فيه من
ترك الاستفصال على ارادته بالخصوص والحاصل انه لا يمكن حمل هذه الصحيحة على خصوص مريد الغسل الذي لا يجب عليه الكفارة وترك ذكر الكفارة
فيها كتركه في صحيحة أحمد بن محمد التي هي أصرح من هذه الصحيحة في ورودها في متعمد النوم إلى الصبح وإن كان مشعرا بعدم وجوبها أو ظاهرا في ذلك و
لكن لا بالدلالة اللفظية بل من باب السكوت في مقام البيان فيجب رفع اليد عنه بالاخبار المبينة له لحكومتها عليه كما لا يخفى نعم يمكن الاستدلال لحرمة
النوم مطلقا ما لم يغتسل بقوله عليه السلام في مرسلة عبد الحميد إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له ان ينام حتى يغتسل وان أجنب ليلا فلا ينام ساعة
حتى يغتسل ولكن يتوجه عليه ان هذه الرواية مع ما فيها من الارسال والاضمار ومخالفة ظاهرها لظواهر غيرها من النص وفتاوى الأصحاب بل صريحها
لا تصلح دليلا الا للكراهة من باب المسامحة وقد يتخيل اقتضاء قاعدة المقدمية حرمة النوم ما لم يثق من نفسه الانتباه في الليل ويدفعه ان قاعدة المقدمية
لا تقتضي الا ايجاب ما يتوقف عليه فعل الصوم وهو ايجاد غسل في الليل فله اختيار فعله في اخر الوقت كما هو الشان في كل واجب موسع والزام العقل بترك النوم
مقدمة له موقوف على احراز توقفه عليه والا فمقتضى الأصل براءة الذمة عن التكليف به واحتمال صيرورته سببا لفوت الواجب الذي تنجز التكليف به غير موجب
لالزام العقل بالتحرز عنه بعد استقلاله بقبح العقاب على تركه الغير المستند إلى اختياره وكونه قادرا على الخروج عن عهدة الواجب أما بتقديم الغسل
أو ترك النوم لا يجعل الترك الناشئ من اختيار النوم الذي يحتمل معه الانتباه والقدرة على الخروج عن عهدة الواجب بمنزلة الترك الاختياري الذي
يصح العقاب عليه بعد ان ليس له طريق شرعي أو عقلي يلزمه بالاحتياط إذ المفروض عدم دليل شرعي يدل عليه والعقل لا يوجب الاحتياط الا من باب
دفع الضرر المحتمل ولا احتمال بعد استقلال العقل بقبح العقاب من غير بيان وعدم صحة المؤاخذة على الترك الغير الاختياري وتوهم ان قضية
ايجاب شئ موسعا كالصلاة من الزوال إلى الغروب وجوب اختياره في أول زمان التمكن منه الا ان يثق من نفسه ولو بواسطة ظن السلامة ونحوه
التمكن من فعله على تقدير التأخير لأن التوسعة انما هو في حق من قدر على فعله في أي وقت شاء فجواز التأخير له موقوف على احراز كونه ممن يقدر عليه في
اخر الوقت مدفوع بأن قضية التوسعة عدم تعينه عليه في شئ من اجراء الوقت بخصوصه بحسب أصل الشرع فتعينه عليه في جزء موقوف على انحصار قدرته
فيه وعجزه عن الاتيان به في وقت اخر فما لم يحرز ذلك ينفى تعينه عليه بالأصل فوجوبه في خصوص الجزء الأول من الوقت مشروط بعدم القدرة عليه
في الزمان المتأخر لا ان جواز تركه فيه مشترط بالقدرة على الغير كي يحتاج في الجواز إلى احراز شرطه كما لا يخفى على المتأمل فتخلص مما ذكر ان المدار في
جواز النوم على احتمال الانتباه احتمالا يعتد به بحيث يخرجه عن كونه ملحقا بالترك الاختياري كما نبه عليه صاحب المسالك في عبارته المتقدمة
تنبيه قال شيخ المرتضى (ره) بعد ان فرغ من الكلام في وجوب القضاء بالنوم الثاني ما لفظه ثم إن النوم الثالث والرابع في حكم الثاني في وجوب
القضاء لا يهدم العدد بتجديد الجنابة بعد النومة الأولى كما هو واضح وانما الكلام في ثبوت الكفارة بالنوم الثالث فان ظاهر المشهور ثبوتها
بل عن الغنية والوسيلة والخلاف دعوى الاجماع عليه الا انه لا دليل عليه كما اعترض في الروضة وغيرها عدى ما استدل الشيخ من رواية المروزي و
مرسلة عبد الحميد ورواية أبي بصير المتقدمة في مسألة تعمد البقاء على الجنابة ولا يخفى اختصاص الثالثة بمن تركه متعمدا و الأوليين وان كانتا
مطلقتين في النوم الا ان التمسك باطلاقها وارتكاب خروج الأولى والثانية ليس بأولى من تقييدهما بالنوم معرضا عن الغسل وإن كان في النومة
187

الأولى مع أن المرسلة أبية عن الحمل على ما عدى الأولى كما لا يخفى فالقول بعدم الكفارة كما عن المعتبر والمنتهى وجماعة لا يخلو عن قوة انتهى كلامه
رفع مقامه وهو جيد بل لا يبعد دعوى انصراف خبر المروزي بنفسه إلى إرادة ترك الاغتسال اختيارا لا لدعوى ظهور النسبة في الاختيار كي تكون قابلة
للمنع بل لمناسبته للكفارة ولما في ذيل الخبر من قوله ولا يدرك فضل يومه إذ الظاهر أن ذكره من باب اللطف والتحريص على التجنب عن ترك
الاغتسال لا محض الاخبار عن امر واقعي كي لا ينافيه الاضطرار فليتأمل ولو استمنى فحصل الامناء أو لمس امرأة فامنى فسد صومه بلا خلاف فيهما
على الظاهر في الجملة بل في المدارك وغيره دعوى الاجماع صريحا على أن الاستمناء مفسد للصوم وعن المصنف في المعتبر أنه قال ويفطر بانزال الماء
بالاستمناء والملامسة والقبلة اتفاقا وعن التذكرة والمنتهى نحوه ويدل عليه مضافا إلى الاجماع صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال سئلت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يعبث باهله في شهر رمضان حت يمنى قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع ومرسلة حفص بن سوقة عن أبي عبد الله عليه السلام في
الرجل يلاعب أهله أو جاريته وهو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل قال عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان وموثقة
سماعة قال سئلته عن رجل لزق باهله فانزل قال عليه اطعام ستين مسكينا مد لكل مسكين ورواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
وضع يده على شئ من جسد امرأته فادفق قال كفارته ان يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة وعن الصدوق مرسلا قال قال
أمير المؤمنين عليه السلام أما يستحيى أحدكم ان لا يصبر يوما إلى الليل انه كان يقول إن بدو القتال اللطام ولو أن رجلا لصق باهله في شهر رمضان
فادفق كان عليه عتق رقبة ومقتضى اطلاق هذه الأخبار فساد الصوم ووجوب الكفارة بخروج المني بواسطة الملاعبة والتقبيل ونحوهما وان
لم يكن ذلك مقصودا له ولا من عادته ذلك كما هو ظاهر عبارة المتن وغيره ويؤيده أيضا بل يدل عليه المستفيضة الدالة على كراهة القبلة و
الملامسة ونحوهما معللا ذلك بمخافة ان يسبقه المني إذ لولا خروج المني من غير إرادة عقيب الفعل الذي يكون معرضا له مفسد للصوم لما يناسبه
التعليل منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن الرجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقضه فقال إن ذلك ليكره للرجل الشاب
مخافة ان يسبقه المني وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم جميعا عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان قال إني أخاف عليه
فليتنزه من ذلك الا ان يثق الا ان يسبقه منيه وصحيحة منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة فقال
اما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا باس واما الشاب الشبق فلا لأنه لا يؤمن والقبلة احدى الشهوتين قلت فما ترى في مثلي يكون له الجارية فيلاعبها
فقال لي انك لشبق يا با حازم الحديث وموثقة سماعة انه سئل أبا عبد الله عن الرجل يلصق باهله في شهر رمضان فقال ما لم يخف على نفسه فلا باس
ولكن ينبغي صرف اطلاق الروايات المزبورة لو لم نقل بانصرافها في حد ذاتها بل وكذا اطلاق عبارة المتن ونحوه إلى ما لو كان فعله معرضا
لخروج المني بأن يكون على وجه يمكن خروجه منه بمقتضى عادته واما لو كان حال اللمس والتقبيل مطمئنا بعدم كونه مورثا لتهييج المشهورة الموجبة
لخروج المني فسبقه الماء من باب الاتفاق فلا فان من المستبعد ثبوت الكفارة في الاضطراري المحض فيشكل استفادته من مثل هذه الاطلاقات
مع أنه لو كان خروجه مفسدا مطلقا ولو لم يكن ذلك من عادته ولا كان يحتمله احتمالا يعتد به بحيث يخاف منه لكان الأنسب اطلاق النهى عنه في هذه الأخبار
من غير استثناء صورة الا من وعدم الخوف على نفسه ويؤيده أيضا ما عن الصدوق في المقنع مرسلا عن علي عليه السلام قال لو أن رجلا لصق
باهله في شهر رمضان فامنى لم يكن عليه شئ يحمله على ما إذا لم يكن ذلك من عادته ولا من قصده ولكنه حصل من باب الاتفاق جمعا بينه وبين
غيره مما عرفت فليتأمل وكيف كان فما في المدارك من تخصيص الحكم صورة القصد حيث قال والأصح ان ذلك يعنى اللمس ونحوه يفسد الصوم
إذا تعمد الانزال بذلك ضعيف مخالف لظواهر النصوص والفتاوى والله العالم ولو احتلم بعد نية الصوم نهارا لم يفسد صومه اجماعا كما ادعاه
غير واحد ولا يجب عليه البدار إلى الغسل بلا نقل خلاف فيه عن أحد بل في المدارك نقل عن المنتهى أنه قال لو احتلم نهارا في رمضان نائما أو
من غير قصد لم يفسد صومه ويجوز له تأخير الغسل ولا نعلم فيه خلافا انتهى ما في المدارك والظاهر أن قوله ولا نعلم فيه خلافا من تتمة ما حكاه المنتهى
ويحتمل كونه من كلامه وكيف كان فيدل عليه الأصل بعد انتفاء ما يدل على حرمته نعم ربما يستشعر وجوب المبادرة إلى الغسل من قوله عليه السلام في مرسلة
إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة إذا احتلم في شهر رمضان نهارا فليس له ان ينام حتى يغتسل فإنه مشعر بوجوب المبادرة إلى الغسل وظاهر في حرمة
النوم قبل الاغتسال ولكن لقصوره عن الحجية لما فيه من الارسال والاضمار ومخالفة ظاهره لفتاوى الأصحاب لا يصلح دليلا الا للكراهة من باب
المسامحة وكذا لا يفسد صومه لو نظر إلى امرأة حلال أو حرام فامنى على الأظهر أو استمع فامنى أو تخيل فامنى للأصل وحكى عن الشيخ القول بوجوب
القضاء عليه إذا كانت المنظورة لا تحل له بشهوة وعن أبي الصلاح أنه قال لو اصغي إلى حديث أو ضم أو قبل فامنى فعليه القضاء والأصل حجة عليهما
الا ان يريداه مع الاعتياد فيمكن حينئذ استفادته من الأخبار المتقدمة بتنقيح المناط ولكن لا يتجه حينئذ تفصيل الشيخ بين كون النظر حلالا أو حراما
هذا كله فيما لو لم يكن قصده خروج المني والا فهو من الاستمناء الذي لا خلاف في حرمته وكونه موجبا للقضاء والكفارة كما لا يخفى تنبيه
لو انتقل المني عن موضعه الأصلي بسبب غير اختياري كالاحتلام ونحوه وتمكن من امساكه وحفظه عن الخروج إلى الغروب لم يجب عليه ذلك وان امن
من ضرره فضلا عما لو تضرر به أو شق عليه استمساكه إذ لا يصدق عليه اسم الاستمناء ولا الجنابة العمدية الموجبة لفساد الصوم وكونه قادرا على
المنع عن خروجه لا يجعل فعله من حيث هو عمديا بل لو بقي المني بنفسه في المجرى جاز له الاستبراء واخراجه ببول ونحوه فإنه وان صح حينئذ توصيفه بالجنابة
188

العمدية بلحاظ تعمده في الاخراج إلى الظاهر الذي يتم به سببيته للجنابة ولكن لا دليل على أن مطلق الجنابة التي يصح اتصافها بالعمد ولو بهذا الاعتبار
موجبة للبطلان إذ الأخبار الدالة عليه وردت في الملاعبة والتقبيل والجماع ونحوها فلا تتناول مثل الفرض وكلمات الأصحاب أيضا غير شاملة له
فإنهم وان أطلقوا في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المحكية القول بأن الجنابة العمدية مفسدة للصوم ولكن المتبادر من اطلاقها كونها من أصلها عن
عمد كموارد الاخبار لا مثل الفرض نعم لو كان حصولها في الوقت الذي يجب الامساك عنه اختياريا بأن احتلم مثلا في الليل في زمان يسع للغسل و
لكن امسك مائه اختيارا ثم أنزله في اليوم اندرج في موضوع كلماتهم إذ لا فرق حينئذ بينه وبين ما لو حصل ذلك بسبب اختياري كما لو استمنى في الليل
وانزل في اليوم في كونه لدى العرف من المصاديق الواضحة للجنابة العمدية التي يمكن دعوى استفادتها من الاخبار الباب بالفحوى وعدم القول بالفصل بخلاف
مسألة الاستبراء التي لا يلتفت الذهن أصلا إلى اسراء حكم الجنابة العمدية إليها ولذا لا يخطر بذهن المحتلم حين انتباهه من النوم الاستمساك لدى
قدرته عليه ولا الامتناع من الاستبراء قبل الاغتسال ولو مع علمه ببقاء شئ من المني في المجرى كما لا يخفى على من لاحظ ما استقر عليه سيرة المتشرعة
ثم إنه لو قلنا بمفطرية الاستبراء لدى العلم ببقاء المني فليس مشقة الصبر عليه إلى الغروب أو تضرره به موجبا لرفع هذا الحكم كما هو الشان فيما لو تضرر بالامساك
عن الجماع أو غيره من المفطرات والحقنة بالجامد جائزة على المشهور كما نسب إليهم خلافا لما عن المصنف في المعتبر من القول بحرمته تعبدا وقواه في
المدارك وعن العلامة في المختلف القول بأنه مفسد للصوم وعن الصدوق اطلاق القول بأنه لا يجوز للصائم الاحتقان وعن المفيد انه اطلق
القول بأنه مفسد وعن السيد في جملة انه حكى عن قوم من أصحابنا وجوب القضاء والكفارة بالحقنة وعن آخرين القضاء خاصة من غير تفصيل وعن
ابن الجنيد أنه قال يستحب للصائم الامتناع من الحقنة لأنها تصل إلى الجوف ولكن لا يبعد أن يكون مراد من اطلق اسم الاحتقان هو الاحتقان
بالمايع إذ لا يطلق عرفا على استد خال الجامد اسم الحقنة كما صرح به في المسالك وكيف كان فيدل على نفى الباس عن الحقنة بالجامد مضافا إلى الأصل
وحصر ما يضر الصائم في غيره في الصحيح خصوص صحيحة علي بن جعفر انه سئل أخاه عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما ان يستدخلا الدواء وهما صائمان
فقال لا بأس وموثقة الحسن بن فضال المروية عن الكافي عن أبيه قال كتبت إلى أبى الحسن عليه السلام ما تقول في اللطف يستدخله الانسان وهو صائم
فكتب عليه السلام لا بأس بالجامد وعن الشيخ باسناده مثله إلا أنه قال في التلطف من الأشياف وبهذه الموثقة يقيد اطلاق الصحيحة الأولى لو لم نقل
بانصرافها في حد ذاتها إلى الجامد ولا يعارضها صحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام انه سئله عن الرجل يحتقن يكون به العلة في شهر رمضان فقال الصائم
لا يجوز له ان يحتقن لما تقدمت الإشارة إليه من أن الاحتقان لا يطلق عرفا على استد خال الجامد ولو سلم صدق اسمه عليه عرفا وعدم انصرافه عنه
وجب تقييده بالموثقة التي هي حجة كافية كما تقرر في محله وبالمايع محرمة كما يدل عليه الصحيحة المزبورة ومفهوم القيد الوارد في الموثقة ويؤيده أيضا
ما عن الرضوي قال لا يجوز للصائم ان يقطر في اذنه شيئا ولا يسعط ولا يحتقن ويفسد بها الصوم على تردد ينشأ من امكان حمل الاخبار المزبورة
على إرادة محض التكليف فيشكل حينئذ رفع اليد بها عما يقتضيه الأصل والصحيحة الحاصرة لما يضر بالصائم وغيره ومن هنا قوى في المدارك وفاقا لما
حكاه عن الشيخ في جملة من كتبه وابن إدريس والمصنف (ره) في المعتبر القول بحرمته تعبدا ولكن مع ذلك القول بالافساد أقوى إذ المتبادر من النهى في
مثل هذه الموارد إرادة الحكم الوضعي لا محض التكليف بل في الجواهر الأقوى ان لم ينعقد اجماع كما حكاه في المختلف من السيد وجوب الكفارة به أيضا لاندراجه
فيمن افطر متعمدا اللهم الا ان يدعى انسباق غيره منها وفيه بحث أقول دعوى الانسباق في محلها بل لا يقال عرفا على من أفسد صومه بغير الأكل والشرب
بل الاحتقان أو الجماع ونحوه أو بالرياء وقصد غيره انه افطر بل يقال أفسد أو أبطل اللهم الا ان يدعى ظهوره فخصوص المقام أي في مثل قوله من افطر في
شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة كما في مكاتبة المشرقي في إرادة الأعم لمناسبته للحكم ولكنه لا يخلو عن تأمل خصوصا بعد وقوعه جوابا عن السؤال عن رجل
افطر من شهر رمضان أياما كما لا يخفى فالقول بعدم الكفارة على تقدير عدم كونه اجماعيا أيضا أشبه بالقواعد والله العالم وهنا مسئلتان الأولى
كلما ذكرنا انه يفسد الصيام عدى البقاء على الجنابة الذي تقدم بعض الكلام فيه وسيأتي تمامه عند التعرض لحكمه حال الجهل أو النسيان إنما يفسده إذا وقع
عمدا بأن يكون مختارا في فعليه وذاكرا لصومه سواء كان عالما بكونه مفطرا أو جاهلا على الأظهر سواء كان عن تقصير أو قصور كما هو ظاهر المتن وغيره بل
في المدارك نسبة القول بعدم الفرق بين الجاهل والعالم إلى الأكثر فقال بعد ان نفى الريب عن فساد صوم العامد العالم بذلك ما لفظه وانما الخلاف في الجاهل
فذهب الأكثر إلى فساد صومه كالعالم وقال ابن إدريس لو جامع أو افطر جاهلا بالتحريم فلا يجب عليه شئ ونحوه قال الشيخ في موضع من التهذيب واطلاق كلامهما
يقتضى سقوط القضاء والكفارة واحتمله في المنتهى الحاقا للجاهل بالناسي وقال المصنف (ره) في المعتبر والذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون
الكفارة والى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين وهو المعتمد انتهى ما في المدارك وفي الجواهر ذكر التفصيل بين الجاهل المقصر في السؤال فيجب عليه القضاء
والكفارة وبين غير المقصر لعدم تنبهه فلا يجب عليه الكفارة خاصة وقال اختاره بعض مشايخنا قولا رابعا ثم رجح في ذيل كلامه هذا القول واختار
شيخنا المرتضى (ره) هذا التفصيل ولكن لم يوجب على القاصر لا القضاء ولا الكفارة فهو قول خامس في المسألة أقول ما نسبه في المدارك إلى الأكثر من كون
الجاهل بالحكم كالعالم ربما نسبه غيره إلى المشهور واستظهر منهم القول بوجوب القضاء والكفارة وفي الاستظهار نظر إذ لا يظهر مما نسب إليهم
الالتزام بمساوات الجاهل للعالم مطلقا بل في فساد صومه فلا يظهر من ذلك التزامهم بالكفارة وكيف كان فمستند القول بالفساد اطلاق ما دل
على اعتبار الامساك عن الأشياء المزبورة في ماهية الصوم بل لا معنى للصوم الا الامساك عن تلك الأشياء فيمتنع تحقق مفهومه بدونه وتحققه
189

من الناس تعبد شرعي فصوم من اكل وشرب ناسيا صوم حكمي لا حقيقي هذا مع أن تقييد مفطرية المفطرات بالعلم بمفطريتها الراجع إلى اشتراط وجوب
الامساك عنها بالعلم بوجوبه غير معقول نعم قد يعقل ذلك بالنسبة إلى بعضها الغير المقوم لحصول مسمى الصوم عرفا ببعض التقريبات التي تقدمت
الإشارة إليها في كتاب الصلاة في توجيه صحة صلاة من أخل بالجهر والاخفات في مواضعهما ولكن الالتزام به موقوف على مساعدة دليل عليه كما
سنشير إليه والحاصل ان ظواهر الأدلة على وجوب الامساك عن الأشياء المذكورة كون الامساك عنها من حيث هو معتبرا في ماهية الصوم
الشرعي وانه يبطل بارتكاب شئ منها ولا يصح تقييد ذلك بالعلم به الا ان يدل دليل شرعي عليه فيتكلف في توجيهه واستدل له أيضا باطلاقات
الأوامر الواردة بالقضاء والكفارة عند تناول شئ من المفطرات مع ورود بعضها في جاهل الموضوع الذي هو أولى بالمعذورية من جاهل الحكم
بل ظهور كثير من الأسؤلة التي وقع في جوابها الامر بالقضاء أو الكفارة في كون موردها الجاهل كما لا يخفى على المتتبع واستدل للقول بالصحة وانه ليس
عليه قضاء ولا كفارة بالأصل الخالي عن المعارض لانحصاره بعمومات القضاء والكفارة المخصوصين بغير الجاهل اما بحكم التبادر أو لأجل تقييد أكثرها
بمتعمد الافطار الغير الصادق هنا وإن كان متعمدا للفعل لأن تعمد الافطار لا يكون الا مع العلم بكونه مفطرا وبه تقيد المطلقات أيضا لوجوب حملها
على المقيد مع أنه على فرض التعارض يجب التخصيص بغير الجاهل الموثقة زرارة وأبى بصير قالا سئلنا أبا جعفر عليه السلام عن رجل اتى أهله في شهر رمضان أو اتى أهله
وهو محرم وهو لا يرى الا ان ذلك حلال له قال ليس عليه شئ المعتضدة بروايات معذورية الجاهل كصحيحة عبد الصمد الواردة فيمن لبس قميصا حال الاحرام
وفيها واي رجل ارتكب امرا بجهالة فلا شئ عليه وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة لحكم تزويج المرأة في عدتها وفيها قلت فبأي الجهالتين اعذر جهالته
بأن ذلك محرم عليه أم جهالته انها في العدة فقال احدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بأن الله حرم عليه وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت
فهو في الأخرى معذور فقال نعم ويتوجه على الاستدلال بالأصل ما عرفت واما ما قيل من انصراف أدلة القضاء والكفارة بمتعمد الافطار أو وجوب صرفها
إليه جمعا بين الأدلة ففيه انه لا مقتضى للانصراف ولا للصرف بالنسبة إلى أدلة القضاء أصلا وورود بعض اخبارها أو بعض الأسؤلة الواقعة فيها في
متعمد الافطار لا يقتضى صرف ما عداه إليه إذ لا تنافى بينهما كما هو واضح هذا مع أنه لا مجال للارتياب في أن مناط وجوب القضاء على ما يستفاد من النصوص
والفتاوى عدم الخروج عن عهدة التكليف بأدائه فمن أخل بصوم شهر رمضان الذي هو عبارة عن الامساك عن الأشياء المعدودة مع النية سواء لم يمسك عن شئ
منها أو امسك عن بعض دون بعض أو عن الجميع ولكن لا مع النية وجب عليه قضائه جزما وتقييد اعتبار تلك الأشياء في ماهية الصوم بصورة العلم بكونها كذلك
قد عرفت ما فيه ومن هنا يظهر عدم صحة الاستشهاد للمدعى بالروايات الدالة على معذورية الجاهل كالصحيحتين المزبورتين إذ غاية ما يمكن دعوى
استفادته من مثل هذه الأخبار بعد التسليم انما هو معذوريته في ارتكاب ما صدر منه جهلا من مخالفة الأحكام الواقعية المتوجهة إليه حتى بالنسبة إلى اثارها
الوضعية القابلة لأن يعذر فيها أي الآثار الشرعية المجعولة لها القابلة لأن يتخلف عنها وليس فساد الصوم بتناول المفطرات جهلا منها بل هو من
لوازمها العقلية الغير القابلة للتخلف لاستحالة حصول امتثال الامر بالكف عن المفطرات بمخالفته وكون الجاهل معذورا في مخالفته لا لجعل المخالفة موافقة
حتى يوصف فعله بالصحة فكما انه لو جهل بأصل صوم شهر رمضان فلم يصمه لا يفهم من هذه الأخبار انه بمنزلة من صامه في كونه اتيا بما يوافق امره فكذلك لو
جهل ببعض اجزائه وشرائطه المعتبرة فيها ولذا لم يحكم الإمام عليه السلام في الصحيحة الأخيرة بصحة العقد الفاقد لشرائط الصحة الصادر منه جهلا بل بفساده
وكونه معذورا في أن يتزوجها ثانيا بعد انقضاء عدتها فمثل هذه الرواية على خلاف المطلوب أدل والحاصل انه لا يستفاد من هذه الأخبار أزيد من أن
الجاهل لا يؤاخذ على ما صدر منه جهلا ولا يترتب على فعله اثر العمد وهذا لا يجدى في اثبات المدعى بعد ان أشرنا إلى أن فساد الصوم ليس من اثار
تعمد الافطار بل هو على طبق الأصل كفساد تزويج المرأة في عدتها واما الموثقة فموردها الجاهل المعتقد للخلاف وهو في مثل هذه المسألة التي هي من الضروريات
لا يكون غالبا لا عن القصور وعدم تصور الحرمة حتى يتنجزه في حقه التكليف بالفحص والسؤال فان تم الاستدلال بها فإنما يتم في القاصر فلا يصح الاستشهاد
بها للقول بالصحة مطلقا واستدل للقول بعدم القضاء والكفارة على القاصر ووجوبهما على المقصر أما الثاني فلاطلاق أدلتهما واما الأول فللموثقة
المزبورة التي قد أشرنا إلى اختصاص موردها بالقاصر وقاعدة كلما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر الوارد بعض أدلتها في نفى القضاء عن المغمى عليه فبهذه
الملاحظة يندفع توهم اختصاصها بالمعذورية من جهة التكليف دون القضاء فهذه الرواية كالرواية المزبورة حاكمة على اطلاق أدلة القضاء والكفارة
لأن الجهل مع القصور مما غلب الله عليه ويتوجه على الاستدلال بالقاعدة أولا النقض بما لو جهل بأصل التكليف بصوم شهر رمضان أو شئ من الفرائض اليومية
أو بموضوعه بأن غفل عن كونه شهر رمضان أو نسي الفريضة في وقتها فتركه لذلك مع أنه لا خلاف نصا وفتوى في أنه يجب عليه تداركها بعد ان حصل له
العلم والالتفات هذا مع أن شمولها القاعدة للمريض وغيره من أولي الأعذار أوضح من شمولها للجاهل وحله ان التكليف بالقضاء إنما يتنجز على المكلف
بعد ان حصل له الالتفات والعلم بترك الفعل جامعا لشرائط الصحة في وقته وإن كان ذلك الترك موافقا لتكليفه الفعلي الثابت له في ذلك الوقت كما في المريض و
نحوه فضلا عما لو كان تكليفه الفعلي الثابت في حقه في الواقع هو الفعل ولكن لم يحصل موافقته لأجل الجهل به أو بموضوعه أو نسيان شئ منهما فليس ثبوت القضاء
حينئذ منافيا لتلك القاعدة وليس مفاد تلك القاعدة ان الترك الغير المستند إلى اختياره ليس موجبا للقضاء أو ان ترك شئ من الشرائط أو اجزاء المركب الذي
تعلق التكليف به ليس موجبا لفساد ذلك المركب إذ لا مدخلية للقاعدة بالاحكام الوضعية الغير المنوطة بالاختيار فضلا عن مثل الصحة والفساد الذي
هو عقلي محض كما تقدمت الإشارة إليه انفا وأما الخبر النافي للقضاء عن المغمى عليه المعلل بما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر فهو ما رواه الصدوق
190

باسناده عن علي بن مهزيار انه سئله يعنى أبا الحسن الثالث عليه السلام عن مسألة المغمى عليه فقال لا يقضى ولا الصلاة وكلما غلب الله على عباده فهو أولى
بالعذر وقضية العلة المنصوصة في هذه الرواية عدم إناطة القضاء بمطلق الفوت بل بالفوت الذي لم يكن مسببا عن عذر مستند إلى الله تعالى وهذا بعمومه
مخالف لغيره من النصوص والفتاوى ولا يلتزم المستدل أيضا بذلك في غير مورد الرواية وانما غرضه في المقام اثبات انه لو تناول شيئا من المفطرات
جهلا أو نسيانا لا يقدح ذلك في صومه حتى يجب عليه قضائه والا فهو معترف بأنه لو ترك الصوم أو الصلاة نسيانا أو جهلا بحكمهما وجب عليه قضائه
بخلاف المغمى عليه فالقاعدة المزبورة أجنبية عن مدعاه فالتعليل الواقع في الرواية من العلل التعبدية التي يجب فيها الاقتصار على موردها فكأنه أريد
بذلك التنبيه على عدم شأنية المغمى عليه من حيث هو كغير البالغ والمجنون لأن يتوجه إليه التكليف بشئ كي يكون عروض مانع عن أدائه كما في المريض والنائم
مقتضيا لوجوب قضائه والله العالم واما الموثقة فلا يبعد أن يكون محط النظر فيها سوء الا وجوابا هو الكفارة لا صحة الصوم وفساده الذي يترتب عليه
وجوب القضاء نعم مقتضى اطلاق قوله عليه السلام لا شئ عليه هو نفى القضاء أيضا الا ان تقييد ما دل على اعتبار الكف عن مباشرة النساء في ماهية الصوم
من الكتاب والسنة بعدم اعتقاد حليته وكذا تقييد ما دل على كونه موجبا للقضاء بغير مثل الفرض ليس بأهون من صرف هذه الموثقة إلى خصوص الكفارة
خصوصا مع استلزامه ارتكاب هذا النحو من التصرف في سائر أدلة المفطرات والأوامر المطلقة المتعلقة بالقضاء عند تناول شئ منها إذ لا قائل بالفضل
بينهما كما عليه يبتنى الاستدلال فالأقوى عدم الفرق بين العالم والجاهل بالحكم قاصرا كان أم مقصرا في وجوب القضاء واما الكفارة فمقتضى
اطلاقات كثير من أدلتها ترتبها على تناول المفطر مطلقا عالما كان أم جاهلا كالمستفيضة المتقدمة في مسألة الاستمناء والروايات المتقدمة في
مسألة البقاء على الجنابة والأخبار الآتية في قاضى شهر رمضان وغير ذلك مما يقف عليه المتتبع ووقوع السؤال في كثير من الاخبار التي ورد فيها الا
بالكفارة عمن افطر متعمدا كما ستسمعها في محله أنشأ الله تعالى لا يوجب صرف ما عداها من الأخبار المطلقة إليه ولكن الانصاف امكان الخدشة في المطلقات
بورودها مورد حكم اخر كشرعية أصل الكفارة أو مقدارها أو كون بعض المصاديق الخفية مندرجا تحت عنوان معلوم الحكم أو غير ذلك كما لا يخفى
على من أمعن النظر فيها فالتمسك باطلاقها لا ثبات الكفارة على الجاهل لا يخلو عن اشكال هذا مع ظهور بعض الأخبار في اختصاصها بالعامد كرواية
أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الشرقي عن أبي الحسن عليه السلام قال سئلته عن رجل افطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما عليه من الكفارة فكتب عليه السلام من افطر يوما
من شهر رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوم بدل يوم وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن معتكف واقع أهله قال
عليه مثل ما على الذي افطر يوما من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا إذا لو صف الوارد في مثل هذه الموارد
كالقيود الواردة في كلمات العلماء المسوقة لبيان اعطاء الضابط أو تعرف حال الموضوع ونحوه ظاهر في إرادة المفهوم فيفهم من مثل هذين الخبرين
انه لا كفارة على من افطر لا من عمد كما لو تناول جهلا بمفطريته إذ لا عمد مع الجهل فيقيد بذلك سائر الأخبار المطلقة لو لم نقل بانصرافها في حد ذاتها
إلى العامد ولكن هذا فيما إذا كان الجاهل غافلا أو معتقدا عدم مفطريته واما مع الالتفات والتردد واقدامه على الفعل بلا فحص عن حكمه فهو مندرج
في موضوع العامد الذي لا يقصر عن شموله جميع ما ورد في الكفارة حتى الخبرين المزبورين الذين علقاها على الافطار متعمدا إذ لا يعتبر في صدق اسم العمد الجزم بكونه
كذلك فلعل من خصها بالعالم أراد به ما يتناول مثل الفرض أي مطلق العامد والا ففيه ما عرفت اللهم إلا أن يقال إنه وان صدق على فعل المتردد المقصر في الفحص المقدم على
الفعل اسم العمد الموجب لاستحقاق المؤاخذة عليه ولكنه ينصرف عنه اطلاق قوله من افطر فعليه كذا كما هو مناط الحكم على ما يظهر من الخبرين المزبورين ولكن يتوجه عليه انه
ان سلم الانصراف فليس على وجه ينعقد للفظ ظهر فيما عداه حتى يندرج ذلك في الموضوع الذي فهم من التقييد انه لا كفارة عليه فلا يفهم حينئذ حكم هذا الفرد أي المتردد
من هذين الخبرين بل من سائر الروايات المطلقة الغير القاصرة عن شموله فالأقوى في الجاهل الملتفت المتردد المقصر في الفحص والسؤال وجوب الكفارة دون
غير الملتفت أو الجازم بالخلاف ولو كان عن تقصيره في ترك التعلم كما يشهد لذلك مضافا إلى ما ذكر الموثقة المزبورة المصرحة بأنه لا شئ عليه لأنها كالنص بالنسبة
إلى نفى الكفارة ودعوى ان الغالب فيمن لا يرى النكاح في شهر رمضان الا حلالا كونه قاصرا فالرواية منزلة على الغالب فممنوعة بل الغالب ان الجهل بمثل هذه المسألة
التي هي من الضروريات منشاءه المسامحة في الدين مع كون فاعله عالما اجمالا بجهله بكثير من الاحكام المتعلقة بافعاله كما هو واضح ويؤيده أيضا الروايات
المتقدمة الدالة على معذورية الجاهل فليتأمل وأولى بالمعذورية ما الا كان مرخصا في مرحلة الظاهر في الفعل كالمجتهد الذي أدى نظره إلى عدم مفطرية
اكل ما لا يعتاد اكله كالبرد والحصى فلا يجب عليه الكفارة جزما وان قلنا به في القاصر أيضا ضرورة انصراف أدلة الكفارة عما إذا كان صدوره برخصة
شرعية ولو كانت بطريق ظاهري بل قد يقال فيه بنفي القضاء أيضا بناء على أن امتثال الامر الظاهري يقتضى الاجزاء ولكن المبنى ضعيف كما تقرر في محله فعليه
بعد ان انكشف خطائه في اجتهاده السابق قضاء ما مضى وإن كان ذلك بطريق ظني معتبر بأن تبدل اجتهاده فضلا عما لو حصل له القطع بذلك كغيره من
افراد الجاهل والله العالم ولو كان وقوعه سهوا بأن نسي تناول المفطر لم يفسد صومه سواء كان الصوم واجبا أو ندبا بلا خلاف فيه على الظاهر فتوى و
نصا ففي الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن رجل نسي فاكل وشرب ثم ذكر قال لا يفطر انما هو شئ رزقه الله فليتم صومه وصحيحة محمد بن قيس
عن أبي جعفر عليه السلام قال كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول من صام فنسي فاكل وشرب فلا يفطر من اجل انه نسي فإنما هو رزق رزقه الله فليتم صومه وموثقة
عمار انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل نسي وهو صائم فيجامع أهله قال يغتسل ولا شئ عليه وخبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل ينسى
فيأكل في شهر رمضان قال يتم صومه فإنما هو شئ أطعمه الله ورواية أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل صام يوما نافلة فاكل وشرب ناسيا قال
191

يتم ذلك وليس عليه شئ إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه وقضية اطلاق أغلب النصوص وفتوى المعظم بل الكل كما يظهر من بعض عدم الفرق بين انحاء الصوم
مضافا إلى صراحة بعضها كخبر أبي بصير المتقدم في النافلة فما عن العلامة في أجوبة المسائل المهنائية والتذكرة من القول بالفساد في الواجب الغير المعين والمندوب
على تقدير تحقق النسبة ضعيف واستدل له أيضا شيخنا المرتضى (ره) بعموم كلما غلب الله تعالى على عباده فهو أولى بالعذر بالتقريب الذي تقدم في الجاهل مع ما
فيه وكذا أو اكره على الافطار أو رجل في حلقه بلا خلاف على الظاهر في الأخير بل وكذا في الأول إذا بلغ خوفه إلى حد اضطر من الخوف إلى إطاعة امره قبل ان يتصور
الغايات المترتبة على فعله من كونه مفسدا لصومه أو مضرا ببدنه أو مهلكا له أو كون تركه موجبا لوقوعه فيما يخاف منه لخروج الفعل حينئذ كصورة الايجاد في الحلق
عن الاختيار الذي لا شبهة في اعتباره في مفطرية المفطرات كما ارسله الأصحاب في كلماتهم ارسال المسلمات ويؤمى إليه تعليل القضاء على من افطر لظلمة
موهمة بأنه اكل متعمدا في موثقة سماعة قال سئلته عن قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم السحاب السود عند غروب الشمس فروا انه الليل فأفطر بعضهم ثم إن
السحاب انجلى فإذا الشمس فقال على الذي افطر صيام ذلك اليوم ان الله عز وجل يقول وأتموا الصيام إلى الليل فمن اكل قبل ان دخل الليل فعليه قضائه
لأنه اكل متعمدا إذا التعليل كما يقتضى بظاهره تعميم الحكم إلى كل مورد وجدت العلة كذلك يقتضى قصر الموضوع على مورد ثبوته فلو قال لا تأكل الرمان
لأنه حامض كما يفهم منه حرمة اكل كل حامض كذلك يفهم منه جواز اكل غير الحامض من الرمان وأوضح منه دلالة عليه موثقة عمار قال سئلت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم قال ليس عليه شئ إذا لم يتعمد ذلك قلت فان تمضمض الثانية فدخل في حلقه الماء قال ليس عليه
شئ قلت فان تمضمض الثالثة قال فقال قد أساء ليس عليه شئ ولا قضاء والشرطية في الخبر بحسب الظاهر جار مجرى التعليل وخبر مسعدة بن صدقة
عن أبي عبد الله عن ابائه ان عليا عليه السلام سئل عن الذباب يدخل في حلق الصائم قال ليس عليه قضاء لأنه ليس بطعام بناء على إرادة انه ليس بأكل مستند إليه
والا فقد عرفت في محله انه لا مجال للارتياب في أنه لو اكل الذباب متعمدا يبطل صومه ويؤيده الأخبار المتقدمة الواردة في الناسي المشعرة بل الظاهرة
بواسطة ما فيها من التعليل بالنسيان وانه شئ رزقه الله في أن المناط عدم كونه اختياريا له وكيف كان فهذه مما لا شبهة فيه وانما الاشكال والخلاف
فيما إذا تناوله عمدا تحرزا عن الضرر الذي يخاف من ترتبه على مخالفة المكره من قتل أو هتك عرض أو ذهاب مال ونحوه كما هو المتبادر من اطلاق اسم
المكره في النصوص والفتاوى المسوقة لبيان احكامه حيث يظهر من المصنف وغيره بل ربما نسب إلى الأكثر انه أيضا كالناسي والمضطر لا يفسد صومه
وعن الشيخ في المبسوط انه مفسد لصومه واستدل على القول الأول بالأصل وقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطاء والنسيان وما استكرهوا عليه
والمراد رفع حكمها ومن جملته القضاء والكفارة وفي المسالك بعد نقل القولين في المسألة قال وأصحهما وجوب القضاء وان ساغ له الفعل
لصدق تناول المفطر عليه باختياره وقد تقرر في الأصول ان المراد برفع الخطاء وقسيميه في الحديث رفع المؤاخذة عليها لا رفع جميع احكامها و
مثله الافطار في يوم يجب صومه للتقية أو التناول قبل الغروب لها انتهى أقول المراد بصدق تناول المفطر باختياره عليه حصوله عن قصد وإرادة
في مقابل عمل المضطر والناسي لا انه يطلق عليه في العرف انه فعله باختياره إذا العبرة في انتفاء ماهية الصوم بترك الاجتناب عن المفطرات الحاصل
بتناوله إياها عمدا لا باطلاق انه فعله باختياره عرفا كي يمكن الخدشة فيه بانصراف اطلاق اسم الاختيار عنه وبما أشرنا إليه من أن الصوم شرعا
وعرفا هو الامساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات وان المراد بصدق كونه اختياريا هو حصوله عن قصد ظهر ما في كلام صاحب المدارك حيث
قال بعد ان نقل عن الشيخ في المبسوط الاستدلال لفساد صومه بأنه مع التوعد يختار الفعل فيصدق عليه فعل المفطر اختيارا فوجب عليه القضاء
وهو احتجاج ضعيف نعم يمكن الاستدلال عليه بعموم ما دل على كون الاتيان بتلك الأمور المخصوصة مفسدا للصيام لكن في اثبات العموم على وجه
يتناول المكره نظر انتهى فكان من تمسك بالأصل في هذا المقام لا ثبات الصحة أيضا كصاحب المدارك زعم قصور ما دل على أن الاتيان بتلك
الأمور مفسد للصوم عن شمولها لحال الاكراه فيرجع حينئذ إلى حكم الأصل وفيه ما أشرنا إليه من أن مفهوم الصوم الذي أوجبه الله تعالى على من
شهد الشهر وامر باتمامه من طلوع الفجر إلى الليل شرعا وعرفا هو الامساك عن الأكل والشرب ومباشرة النساء وما جرى مجريها من المفطرات فيمتنع
تحقق مفهومه مع تناول الأكل والشرب والمجامعة عمدا الا ان ينزل الشارع فعله المقرون بالعزم على الترك لو خلى ونفسه منزلة العدم بدليل تعبدي
كحديث الرفع ونحوه ان سلمنا دلالته عليه فهو مخالف للأصل محتاج إلى الدليل فان من اكل وشرب في اليوم ولو نسيانا فضلا عما لو صدر منه ذلك
عمدا لا يصح أن يقال إنه صام عن الطعام والشراب الا ان يدل عليه دليل تعبدي كما ورد في الناسي وغير العامد هذا مضافا إلى اطلاقات الأدلة
الدالة على وجوب القضاء عند تناول شئ من المفطرات أو الغير القاصرة عن شمول المقام فعمدة ما يصح الاستدلال به للقول بعدم الفساد هي
حديث الرفع وقد أجيب عنه باختصاصه برفع المؤاخذة كما في عبارة المسالك المتقدمة ويتوجه عليه منع الاختصاص فان ظاهره المعتضد بجملة من
القرائن الداخلية والخارجية رفع مطلق الآثار التي لولا الرفع لوقع المكلف بسببها في كلفة كما تقرر في محله ولكنها مخصوصة بحكم العقل بالآثار
الشرعية القابلة للرفع دون اثارها العقلية التي هي من لوازم ذاتها ولكن ليست موافقة الماتى به للمأمور به التي ينتزع منها وصف الصحة أو
مخالفته له التي ينتزع منها وصف الفساد امرا جعليا قابلا للرفع فلو اكره على ترك ركعة من صلاة الصبح أو ترك الامساك عن الاكل أو الشرب في شهر رمضان
فهو كما لو أكره على ترك الصلاة والصوم رأسا في كونه مكرها على مخالفة الامر المتعلق بالصلاة أو الصوم الذي هو اسم لمجموع الافعال أو التروك
المعتبرة في الصلاة والصوم فكل ما هو اثر شرعي لهذه المخالفة قابل للرفع كالحرمة والكفارة ونظائرهما يرفعه حديث الرفع دون وصف الفساد
192

الذي هو من لوازمه العقلية المنتزعة من مخالفة الماتى به للمأمور به واما القضاء وإن كان أثرا شرعيا ولكن قد أشرنا فيما سبق إلى أنه من اثار عدم تحقق
الخروج عن عهدة التكليف بهما في وقتهما وهو من اللوازم الحاصلة بالمخالفة المتمتع تخلفها عنها وان شئت قلت إنه من اثار بقاء التكليف بأصل الفعل
المستكشف من الامر بالقضاء كونه من قبيل تعدد المطلوب وهو لازم عقلي للمخالفة فليس الاكراه على ترك جزء أو شرط من العبادات الا كما لو أكره
في باب المعاملات على ترك شئ من الاجزاء أو الشرائط المعتبرة في صحتها مثل القبض في المجلس فيما يعتبر فيه القبض أو ترك الايجاب أو القبول أو اشهاد في
الطلاق فكما لا يدل حديث الرفع على نفى اعتبار هذه الأمور في حال الاكراه في صحة المعاملات فكذلك في العبادات ولا ينافي ذلك كون المراد به
رفع مطلق الأثر كما لا يخفى على المتأمل فالأولى في الجواب هو ان الصحة والفساد ليستا من الأمور الجعلية القابلة للرفع حتى يعمهما الحديث وكيف
كان فالأقوى ما قواه في المسالك وغيره من القول بالفساد وربما يشهد له أيضا ذكر القضاء في بعض الأخبار الوارد في جواز الافطار تقية التي
هي في الحقيقة نوع من الاكراه مع أن الامر فيها أو سع مثل ما عن الكافي بسنده عن رفاعة عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال دخلت على أبى العباس بالحيرة
فقال يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم فقلت ذاك إلى الامام ان صمت صمنا وان أفطرت أفطرنا فقال يا غلام على بالمائدة فأكلت معه
وانا اعلم والله انه يوم من شهر رمضان فكان افطاري يوما وقضائه أيسر على من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله ويؤيده أيضا وقوع التعبير بلفظ
الافطار في سائر الروايات الواردة في هذا الباب وقد يتجه التفصيل في موارد التقية بين ما لو تناوله بعنوان الافطار وترك الصوم كما في اليوم الذي
يحكمون بكونه عيد أو بين ما لو تناول المفطر لا بعنوان المفطرية كالافطار عند استتار القرص أو تناول بعض الأشياء الذي لا يراه العامة
مفطرا فيحكم بالبطلان في الأول دون الثاني بناء على دلالة العمومات الواردة في التقية على صحة الاعمال الصادرة تقية على وفق مذهب العامة
ولكن قد حققنا في مبحث الوضوء ضعف المبنى واختصاص الصحة بالموارد التي ورد فيها نص بالخصوص كالوضوء منكوسا ونحوه فراجع ثم إن المدار
في حصول صدق اسم الاكراه المجوز للافطار خوف التضرر بمخالفة المكره بما لا يتحمل في العادة من تلف نفس أو مال أو هتك عرض ونحوهما فما عن
الدروس من أن ذلك انما يسوغ عند خوف التلف لعله أراد به التمثيل والا فلا ينحصر صدق اسم الاكراه بذلك كما هو واضح ثم إنه صرح في
المسالك بأنه متى جاز الافطار للاكراه أو التقية وجب الاقتصار على ماتن دفع به الحاجة فلو زاد عليه كفر ومثله ما لو تأدت بالاكل فشرب معه
وبالعكس واعترضه في المدارك بأنه يمكن المناقشة في وجوب الكفارة بالزائد بناء على ما ذهب إليه من كون التناول على وجه الاكراه مفسدا للصوم
لأن الكفارة تختص بما يحصل به الفطر ويفسد به الصوم وما حصل به الفطر هنا كان مباحا فلا يتعلق به الكفارة وما زاد عليه لم يستند إليه
الفساد فلا يتعلق به الكفارة وإن كان محرما انتهى وهو وجيه اللهم الا ان يلتزم بترتب الكفارة على مطلق الاكل أو الشرب الغير السائغ
وان لم يستند الافطار إليه كما سيأتي التكلم فيه عند المبحث عن تكرر الكفارة بتكرر موجبها ويتضح لك هناك وجه وجوب الامساك بعد طرق
الفساد المسألة الثانية لا بأس بمص الخاتم ومضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق المرق ونحوهما مما لا يتعدى إلى الحلق للأصل وعموم
قوله عليه السلام في صحيح محمد بن مسلم لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال الحديث وخصوص صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن المرأة يكون
لها الصبي وهى صائمة فتمضغ الخبز وتطعمه قال لا بأس والطير ان كان لها وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يعطش في شهر
رمضان قال لا بأس ان يمص الخاتم وصحيح حماد بن عثمان قال سئل عبد الله بن أبي يعفور أبا عبد الله عليه السلام وانا اسمع عن الصائم يصب الدواء
في اذنه قال نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ وموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال لا بأس ان يذوق الرجل الصائم القدر وخبر الحسين بن زياد
عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بالطباخ والطباخة ان يذوق المرق إلى غير ذلك مما يدل عليه ولا يعارضها صحيحة سعيد الأعرج قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يذوق الشئ ولا يبلعه فقال لا للزوم حملها على الكراهة جمعا وعن الشيخ حملها على من لا يكون له حاجة
إليه وخص الأخبار السابقة بصورة الحاجة كما في مواردها والأول أولى وربما يشهد له أيضا خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته
عن الصائم يذوق الشراب والطعام يجد طعمه في حلقه قال لا يفعل قلت فان فعل فما عليه قال لا شئ عليه ولا يعود تنبيه صرح جمع من
الأصحاب بأنه لو مضغ الصائم شيئا فسبق منه شئ إلى الحلق بغير اختياره لا يفسد بذلك صومه للاذن فيه وعدم تعمدا لازدراد وعن العلامة
في المنتهى أنه قال لو ادخل في فمه شيئا فابتلعه سهوا فإن كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه والا وجب القضاء انتهى وفيه تأمل بل منع وكذا
لا بأس بالاستنقاع في الماء للرجال كما يدل عليه مضافا إلى الأصل وعموم الصحيح المتقدم خصوص خبر حسن بن راشد قال قلت لأبي عبد الله
عليه السلام الحائض تقضى الصلاة قال لا قلت تقضى الصوم قال نعم قلت من أين جاء هذا قال أول من قاس إبليس قلت فالصائم يستنقع في الماء
قال نعم قلت فيبل ثوبا على جسده قال لا قلت من أين جاء هذا قال من ذاك وخبر حنان بن سدير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن الصائم
يستنقع في الماء قال لا بأس ولكن لا يغمس رأسه والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها ويستحب السواك للصائم بالرطب واليابس لعموم
استحبابه للصائم وغيره وعدم كونه منافيا للصوم كما يدل عليه مضافا إلى الأصل اخبار مستفيضة منها صحيحة عبد الله بن سنان قال يستاك
الصائم أي ساعة من النهار أحب وصحيحة الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام ايستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه فقال لا بأس به وخبر
الحسين بن علوان المروى عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام قال كان علي عليه السلام وهو صائم في أول النهار وفي اخره في شهر رمضان
193

وعنه أيضا بهذا الاسناد قال قال علي عليه السلام لا بأس بأن يستاك الصائم بالسؤال الرطب في أول النهار واخره فقيل لعلى عليه السلام في رطوبة السواك فقال
المضمضة بالماء أرطب منه فقال علي عليه السلام فان قال قائل لا بد من المضمضة لسنة الوضوء قيل له فإنه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل وخبر
موسى بن أبي الحسن الرازي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال جائز فقال بعضهم ان السواك تدخل
رطوبته في الجوف فقال ما تقول في السواك الرطب تدخل رطوبته في الحلق فقال الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب فان قال قائل لا بد من الماء
للمضمضة من اجل السنة فلا بد من السواك من اجل السنة التي جاء بها جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحكى عن الشيخ وابن أبي عقيل القول بكراهة السواك بالرطب
واستدل له بحسنة الحلبي قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يستاك قال لا بأس به وقال لا يستاك بسواك رطب وحسنة ابن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام انه كره للصائم ان يستاك بسواك رطب وقال لا يضر ان يبل سواكه بالماء ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شئ وموثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في
الصائم بنزع ضرسه قال لا ولا يدي فاه ولا يستاك بعود رطب وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يستاك الصائم بعود رطب وخبر محمد بن مسلم
عن أبي عبد الله عليه السلام قال يستاك الصائم أي النهار شاء ولا يستاك بعود رطب والأولى حمل هذه الأخبار على المرجوحية بالإضافة لصراحة الأخبار السابقة
في تأدية السنة به والله العالم المقصد الثاني فيما يترتب على ذلك أي في تناول المفطرات عمدا وفيه مسائل الأولى يجب مع القضاء الكفارة بسبعة
أشياء الأكل والشرب المعتاد وغيره اما وجوب القضاء والكفارة بأكل المعتاد وشربه فموضع وفاق بين المسلمين كما صرح به صاحب المدارك
ثم قال انما الخلاف في غير المعتاد فذهب الأكثر إلى أنه كذلك وقيل إنه لا يفسد الصوم وقيل إنه موجب للقضاء خاصة أقول قد عرفت فيما
سبق ضعف القول بأنه لا يفسد الصوم وأما القول بأنه موجب للقضاء خاصة فلعله لدعوى انصراف ما دل على الكفارة عنه وهى غير مسموعة
إذ المدار على حصول مسمى الافطار ولا على اطلاق عنوان الأكل والشرب كي يدعى انصرافهما إلى المتعارف كما يدل عليه النصوص المستفيضة الواردة
فيمن افطر متعمدا في شهر رمضان التي سيأتي نقل جملة منها في المسألة الثالثة والجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة وان لم ينزل بلا خلاف
فيه فتوى ونصا أو دبرها على الأصح لما عرفت فيما سبق انه أحد المأتين الذين يتحقق بهما صدق اسم الجماع واتيان الأهل الذي أنيط به
الكافرة في النصوص المستفيضة التي تقدم نقل جملة منها عند البحث عن مفسدية الجماع واما وطى الغلام وكذا البهيمة فان قلنا بمفسديته
للصوم فهو موجب للكفارة أيضا فان ما ذكر وجها للافساد لو تم يدل على الكفارة أيضا كما إلا يخفى على من تدبر فيما أسلفناه في محله وتعمد البقاء
على الجنابة حتى يطلع الفجر وكذا لو نام غيرنا وللغسل حتى يطلع الفجر والاستمناء كما عرفت ذلك كله فيما سبق وكذا ايصال الغبار الغليظ الذي
التزمنا بمفسديته للصوم إلى الحلق كما يظهر وجهه مما مر المسألة الثانية لا تجب الكفارة الا في صوم شهر رمضان وقضائه بعد الزوال والنذر
المعين وفي الاعتكاف إذا وجب اما في هذه المواضع فيدل على وجوبها نصوص مستفيضة واردة في كل منها سليمة عما يصلح لمعارضتها كما ستعرف
تفصيل حالها في محالها وحكى عن ابن أبي عقيل انه لم يوجب الكفارة في قضاء شهر رمضان بل عن الدروس انه نسب إليه القول بأنه لا كفارة في
غير رمضان ثم قال وهو شاذ وما عداه لا تجب فيه الكفارة مثل صوم الكفارة والنذر غير المعين والمندوب وان فسد الصوم بلا خلاف
فيه على الظاهر بل عن المنتهى انه قول العلماء كافة للأصل كما أن مقتضى الأصل جواز الافطار قبل الزوال وبعده بل في المدارك نقل عن
العلامة وغيره التصريح بذلك ثم قال وربما قيل بتحريم قطع كل واجب لعموم النهى عن ابطال العمل وهو ضعيف انتهى وهو جيد لتطرق
الخدشة إلى هذا الدليل من وجوه تقدمت الإشارة إليها في كتاب الصلاة تفريع من اكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه وعليه القضاء بلا خلاف ولا اشكال كما في الجواهر
وفي وجوب الكفارة تردد كما في كل جاهل بالحكم وإن كان الأظهر على ما حققناه فيما مر عدم وجوب الكفارة مع جزمه بالفساد واعتقادا إباحة اكله عدم سببية ما صدر منه نسيانا للفساد ولكن بمحض ظنه اقدم على تناول
المفطر عمدا من غير مبالاة باحتمال حرمته وط والفساد بسببه فالأشبه الوجوب وقد عرفت أيضا فيما سبق انه لو وجر في حلقه أو اكره اكراها يرتفع
معه الاختيار لم يفسد صومه واما لو خوف فأفطر وجب القضاء على تردد ينشأ من احتمال إرادة ما يعمه من حديث رفع السهو والنسيان وما
استكرهوا عليه وإن كان اللفظ قاصرا عن افادته كما عرفت ولا كفارة جزما كما تقدمت الإشارة إليه المسألة الثالثة الكفارة في صوم شهر
رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا مخيرا في ذلك لدى الأكثر كما في المسالك بل المشهور كما في الجواهر بل عن الخلاف
والغنية دعوى الاجماع عليه وقيل بل هي على الترتيب والقائل بذلك ابن أبي عقيل والسيد في أحد قوليه على ما حكى عنهما وقيل يجب بالافطار
بالمحرم ثلاث كفارات أي الجمع بين الكفارات الثلث وقد حكى هذا القول عن الصدوق في الفقيه والشيخ في كتابي الاخبار وابن حمزة و
العلامة في القواعد والارشاد وفخر المحققين في الايضاح والشهيدين في اللمعتين وجماعة من متأخري المتأخرين منهم صاحب الحدائق
وقال شيخنا المرتضى (ره) انه قوى جدا حجة المشهور اخبار مستفيضة منها صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل افطر في شهر
رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال يعتق نسمه أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا فإن لم يقدر تصدق بما يطيق
وخبر أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وضع يده على جسد امرأته فأدفق فقال كفارته ان يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين
مسكينا أو يعتق رقبة وروايته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح قال يعتق
194

رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا وحقيق ان لا أراه يدركه ابدا وموثقة سماعة المروية عن النوادر قال سئلته عن رجل اتى أهله
في شهر رمضان متعمدا قال عليه عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين ولكن هذه الرواية رواها في الوسائل عن الشيخ
باسناده عن سماعة نحوها ولكن بالواو بدل لفظة أو ثم قال المراد بالواو التخيير دون الجمع كقوله تعالى مثنى وثلث ورباع وقال أيضا يحتمل أي يكون
مخصوصا بمن اتى أهله في حال يحرم فيها الوطي كالحيض والظهار قبل الكفارة وعنه أيضا في الصحيح عن سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته
عن معتكف واقع أهله قال عليه ما على الذي افطر يوما من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا وذيل
صحيحة جميل المشتملة قصة الاعرابي الذي وقع عليه أهله في شهر رمضان وأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالتصدق قال جميل فلما خرجنا من عنده أي من عند أبي
عبد الله عليه السلام قال أصحابنا انه بدا بالعتق فقال أعتق أو صم أو تصدق ومرسلة إبراهيم بن عبد الحميد قال سئلته عن احتلام الصائم فأقل إذا
احتلم نهارا في شهر رمضان فلا ينم حتى يغتسل إلى أن قال فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة أو اطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم ويتم صيامه ولن يدركه ابدا وهذه المرسلة تدل على التخيير بين الخصال من وجهين أحدهما عطف الاطعام على العتق باو الظاهرة
في التخيير وثانيهما ترك التعرض للصيام مع كون الاطعام متأخرا عنه في الرتبة على تقدير اعتبار الترتيب فيكشف ذلك عن عدم اعتبار الترتيب
بين الخصال وكون الاطعام أيضا كالعتق مجزيا مطلقا سواء كان متمكنا من غيره أم لا كما أنه يستكشف ذلك أيضا من الروايات التي اقتصر فيها
على الاطعام أو الصيام كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن رجل افطر يوما من شهر رمضان متعمدا قال عليه
خمسة عشر صاعا لكل مسكين مد بمد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل وموثقة سماعة قال سئلته عن رجل لزق باهله فانزل قال عليه اطعام ستين مسكينا مد لكل
مسكين وخبر محمد بن نعمان عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن رجل افطر يوما من شهر رمضان فقال كفارته جريبان من طعام وهو عشرون صاعا
وخبر إدريس بن هلال عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن رجل اتى أهله في شهر رمضان قال عليه عشرون صاعا من تمر فبذلك امر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل
الذي اتاه فسئله عن ذلك وفي رواية المروى عن الفقيه المتقدمة في مسألة البقاء على الجنابة الاقتصار على الصيام فان مقتضى اطلاق الامر بالاطعام
أو الصيام الاجتزاء به مطلقا وقد ورد في بعض الأخبار أيضا الاقتصار على العتق كقوله عليه السلام في رواية المشرقي من افطر يوما من شهر رمضان متعمدا
فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم وظاهر كل من هذه الأخبار الوجوب العيني ولكن يجب رفع اليد عنها بالحمل على الوجوب التخييري
بشهادة غيره مما عرفت مع أنه في حد ذاته من الجمع المقبول الذي لا يحتاج إلى شاهد خارجي واستدل للقول بالترتيب باطلاق خبر المشرقي المتقدم الذي
قد عرفت ان مقتضى الجمع بينه وبين اطلاق الامر بالصوم أو الاطعام في ساير الاخبار الحمل على الجوب التخييري وبما رواه الصدوق في الفقيه عن عبد
المؤمن بن القسم الأنصاري عن أبي جعفر عليه السلام ان رجلا اتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هلكت وأهلكت قال وما أهلكك قال اتيت امرأتي في شهر رمضان وانا صائم
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق رقبة قال لا أجد قال فصم شهرين متتابعين فقال لا أطيق قال تصدق على ستين مسكينا قال لا أجد فاتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعذق في مكتل
فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذها فتصدق بها فقال والذي بعثك ما بين لا بيتها أهل بيت أحوج إليه منا فقال خذه فكله أنت وأهلك
فإنه كفارة لك وأجاب عنه في المدارك ولا بالطعن في السند بجهالة الراوي فلا يعارض الاخبار السليمة وثانيا بأن امر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشئ بعد الشئ
ليس صريحا في الترتيب ولو كان كذلك لوجب تنزيله على الاستحباب فتكون جامعين بين العمل بالروايتين وليس كذلك لو أوجبنا الترتيب بل يلزم
منه سقوط خبر التخيير أقول وحكى عن العلامة في المنتهى انه أجاب بنحو هذا الجواب عن استدلال العامة للترتيب بما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في محكى المنتهى
بعد ان ذكر ان الترتيب مذهب أبي حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي وبه قال ابن أبي عقيل من علمائنا ما لفظه احتج الجمهور بما رواه أبو هريرة ان
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للواقع على أهله هل تجد رقبة تعتقها قال لا قال هل تستطيع ان تصوم شهرين متتابعين قال لا قال هل تجد اطعام ستين مسكينا
فدل على أنها للترتيب ثم أجاب عنها بأن امره بشئ بعد اخر لا يدل على الترتيب إذ ليس تصريح فيه إلى اخر ما نقلناه عن المدارك أقول الأخبار السابقة أيضا
ليست بصريحة في نفيه حتى يسلتزم الالتزام بالترتيب طرحها الا ان ارتكاب التأويل فيها بالحمل على ما لا ينافي الترتيب ابعد من حمل هذه الرواية على الاستحباب
كما لا يخفى وخبر علي بن جعفر المروى عن كتابه عن أخيه موسى عليه السلام قال سئلته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه قال عليه عتق رقبة فإن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين فإن لم يجد فاطعام ستين مسكينا وهذه الرواية صريحة في الترتيب وظاهرها الوجوب ولكن رفع اليد عن هذا الظاهر بالحمل
على الاستحباب أهون من ارتكاب خلاف الظاهر في جميع الروايات السابقة بحملها على الاجمال والاهمال الغير المنافى لاعتبار الترتيب خصوصا المستفيضة
التي اقتصر فيها على الاطعام أو الصيام فان حملها على ارادته في خصوص العاجز عما عداه مع ما فيها من اطلاق السؤال بعيد في الغاية هذا مع اعتضاد
ظواهر تلك الأخبار بموافقة المشهور ومخالفة الجمهور وقد حمل في الحدائق خبر علي بن جعفر على التقية وحملها على الاستحباب أشبه بالقواعد حجة القول
بالتفصيل بين الافطار بالمحرم والمحلل رواية عبد السلام بن صالح الهروي الموصوفة بالصحة في الروضة وغيرها عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قلت له
يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد روى عن ابائك فيمن جامع في شهر رمضان أو افطر فيه ثلاث كفارات وروى عنهم أيضا كفارة واحدة فبأي الحدثين تأخذ
قال بهما جميعا متى جامع الرجل حراما أو افطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات عتق رقبة و صيام شهرين متتابعين واطعام ستين
مسكينا وقضاء ذلك اليوم وإن كان نكح حلالا أو افطر على حلال فعليه كفارة واحدة وقضاء ذلك اليوم وإن كان ناسيا فلا شئ عليه
195

والقضية الجمع بينهما وبين الأخبار المتقدمة تقييد تلك الأخبار بهذه الرواية وربما يؤيده أيضا ما عن الصدوق في الفقيه أنه قال وأما الخبر الذي روى
فيمن افطر يوما من شهر رمضان متعمدا ان عليه ثلاث كفارات فانى أفتى به فيمن افطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك في روايات أبى
الحسين الأسدي رضي الله عنه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمرى انتهى ومن الواضح ان العمرى رضي الله عنه لا يفتى بذلك من قبل
نفسه فالظاهر كونه مأخوذا من صاحب الزمان عجل الله فرجه فالقول به لا يخلو عن قوة وإن كان ارتكاب التقييد في المطلقات الكثيرة الواردة
في مقام البيان المعتضدة بالشهرة بمثل هذه الرواية المسوقة لتوجيه الاخبار المختلفة التي ليس لها قوة ظهور في إرادة الوجوب لا يخلو عن
اشكال خصوصا لو أريد بالحرام ما يعم الحرام بالعرض كالمغصوب ونحوه كما صرح به في الروضة حيث قال في شرح عبارة الشهيد (ره) لو افطر على
محرم مطلقا فتلث كفارات أصليا كان تحريمه كالزنا والاستمناء وتناول مال الغير بغير اذنه وغبار ما لا يجوز تناوله ونخامة الرأس إذا صارت في الفم أو
عارضيا كوطي الزوجة في الحيض واكل ماله النجس انتهى ولكنه لا يخلو عن نظر فانا ان قلنا بهذا التفصيل فالمتجه تخصيص كفارة الجمع بالجماع
المحرم بالذات أو الافطار على حرام ذاتي بمعنى اكله وشربه كما حكى عن ظاهر الصدوق لا الحرام بالعرض كوطي أهله في حال الحيض أو اكل مال الغير بغير اذنه أو الاستمناء لانصراف النص عن الحرام بالعرض وعدم شموله للاستمناء إذ لا يصدق عليه اسم النكاح حقيقة فضلا عن انصرافه عنه ولا يطلق
عرفا انه افطر على الاستمناء خصوصا مع جعل الافطار على الحرام قسيما للنكاح فلا يراد منه في مثل هذا الاطلاق بحسب الظاهر الا الأكل والشرب
وأما نخامة الرأس فلم يثبت حرمتها ما لم يخرج من الفم بل ولا مفسديتها للصوم كما ستعرف إنشاء الله تعالى المسألة الرابعة إذا افطر زمانا نذر
صومه عليه التعيين كان عليه القضاء في الجواهر قال بلا خلاف ولا اشكال نصا وفتوى وفي المدارك قال اما وجوب القضاء فمقطوع به في كلام
الأصحاب ويدل عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن مهزيار انه كتب إلى أبى الحسن عليه السلام يا سيدي رجل نذران يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق
ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفرا أو مرضا هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضائه أو كيف يصنع يا سيدي فكتب
إليه قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوما بدل يوم إنشاء الله تعالى ثم قال ويمكن المناقشة في هذه الرواية من حيث المتن باشتمالها على
ما اجمع الأصحاب على خلافه من تحريم صوم يوم الجمعة فيضعف بذلك عن أن تكون حجة أقول الرواية بهذا المتن مروية عن التهذيب ولكن عن الكافي
نقلها بلا لفظ أو يوم جمعة فلا يتوجه عليها المناقشة المزبورة مع أن وجود هذه الفقرة في الرواية لا يوهنها عن الحجية لوضوح ان وقوعها في كلام السائل
اما من باب سبق اللسان أو أريد به جمعة معهود لديهم عدم صحة الصوم فيها لعوارض خارجية والا فمتعلق النذر هو صوم يوم الجمعة إذ الظاهر أن
قوله من الجمعة بيان لليوم الذي تعلق به النذر وكيف كان فلا يتوجه الاشكال من هذه الجهة ولكن الاستدلال بها للمدعى موقوف على الالتزام
بالقضاء في موردها والحاق ما نحن فيه به بتنقيح المناط فمن لا يقول بالقضاء فيما لو صادف يوم العيد ونحوه كالمصنف في كتاب كما يأتي في كتاب
النذر إنشاء الله تعالى يشكل عليه الاستدلال بهذه الرواية لما نحن فيه مع أن الحاق العامد به قياس ودعوى القطع بالمناط عهدته على مدعيه والأولى الاستدلال
له بما عن الشيخ والكليني باسنادهما عن علي بن مهزيار انه كتب إليه يسئله يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما بعينه فوقع في ذلك اليوم على أهله ما عليه من
الكفارة فكتب عليه السلام يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة والمناقشة فيه بالاضمار بعد وضوح ان علي بن مهزيار لا يستفتى عن غير المعصوم خصوصا بهذه
العبارة التي ليس احتمال إرادة غير المعصوم منه الا كاحتمال ارادته من سائر الكنى والألقاب التي يتعارف لديهم اطلاقها على الأئمة عليهم السلام مما لا
ينبغي الالتفات إليه مع أنه في الجواهر فسره بالهادي عليه السلام وكذا الخدشة في سنده بأن في طريقه محمد بن جعفر الرزاز وهو غير موثق أيضا مما لا ينبغي
الاعتناء به بعد اعتماد الكليني والشيخ عليه واشتهار مضمونه بين الأصحاب من غير نقل خلاف فيه عن أحد ونحوه خبر القاسم بن الفضيل قال كتبت إليه يا سيدي
رجل نذران يصوم يوما لله فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة فأجاب يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة وعن الشيخ باسناده عن الحسين
بن عبده أيضا نحوه ونوقش فيه أيضا بالاضمار وجهالة القاسم وجوابه يظهر مما مر مع اعتضادهما بالرواية الأولى وغيرها مما دل على القضاء فيما لو
فاته بسفر ونحوه كما ستعرف انشاء الله تعالى فلا ينبغي الاستشكال فيه كما أن لا ينبغي الارتياب في وجوب الكفارة عليه بمخالفة النذر وهل هي كفارة كبرى
أي عتق رقبة مؤمنة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا مخيرة كشهر رمضان أو انها كفارة يمين قولان نسب أولهما إلى المشهور
بل عن الغنية والانتصار دعوى الاجماع عليه وقيل كفارة يمين وحكى هذا القول عن الصدوق والمصنف في النافع واختاره بعض المتأخرين
كصاحب المدارك وغيره بل في كتاب النذر من الكتاب نسب القول بكفارة اليمين في مخالفة النذر ومطلقا من غير تفصيل بين نذر الصوم وغيره إلى الأشهر
مشعرا بميله إليه واستدل للمشهور بخبر عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عمن جعل لله ان لا يركب محرما سماه فركبه قال لا و
لا اعلمه الا فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا فيتم فيما عدا مورد النص بعدم القول بالفصل ومكاتبة علي بن
مهزيار والقاسم بن الفضيل المتقدمين اللتين ورد فيهما الامر بعتق الرقبة حجة القول بكفارة اليمين صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال
سئلته عن الرجل يجعل عليه نذر أو لا يسميه قال إن سميت فهو ما سميت وان لم تسم فليس بشئ فان قلت لله على فكفارة يمين وصحيح علي بن مهزيار
قال كتب بندار مولى إدريس يا سيدي انى نذرت ان أصوم كل سبت وان انا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة فكتب وقراءة لا تتركه الا من علة وليس عليك
صوم في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك وان كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين نسئل الله التوفيق لما يجب
196

ويرضى بناء على كون السبعة من سهو النساخ بابدال العشرة بالسبعة كما يؤيده ما عن الصدوق في المقنع الذي من شانه التعبير بمتون الاخبار فيه التعبير
بمضمونه مبدلا للسبعة بالعشرة وخبر حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن كفارة النذر فقال كفارة النذر كفارة اليمين وهو باطلاقه
كالصحيح الأول يعم نذر الصوم وغيره وربما يؤيده أيضا اخبار اخر واردة في مطلق النذر يأتي التعرض لها انشاء الله تعالى في محله وأجيب عن
استدلال المشهور اما عن المكاتبتين فبانهما انما تضمنتا الامر بتحرير الرقبة وهو غير متعين اجماعا فكما يحتمل التخيير بينه وبين نوعي الكبرى يحتمل
التخيير بينه وبين اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم كما تضمنته صحيحة الحلبي واما عن رواية عبد الملك فبعد تسليم سندها بامكان حملها على الاستحباب
ولو في خصوص موردها الذي يناسبه التغليظ في الكفارة فلا تصلح معارضة للنصوص الدالة على أن كفارته كفارة اليمين هذا مع أن اقحام قول
السائل ولا اعلمه الا قال ربما يوهن دلالتها على المدعى لاشعاره أو ظهوره في أنه صدر من الإمام عليه السلام حين مخاطبته في مقام الجواب كلام وراء هذا
الذي حفظه الراوي فلعل ذلك الكلام كان شرطا اخر يترتب عليه هذا الجزاء مثل قوله ان أراد الفضل أو كان في شهر رمضان أو نحو ذلك ودعوى ان المتبادر
من مثل هذا التعبير إرادة المبالغة والتأكيد كقول القائل لا اعلمه الا زبدا أولا اعلمه الا قائلا بهذا القول والا فاسقا أو نحو ذلك لو سلمت ففي غير
المقام فان سبق قوله لا مع أنه بظاهره لا يناسب المقام مما يؤيد كونه ملحوقا بكلمة لم يحفظها الراوي وفي الوسائل نقل في باب الكفارات عن جماعة من الأصحاب
انهم جمعوا بين هذه الأخبار بأن المنذور ان كان صوما وجب بالحنث كفارة شهر رمضان والا فكفارة اليمين ثم قال وهو حسن وفي كتاب الصوم أيضا
صرح بوجاهته وأنت خبير بأنه مجازفة محضة فان عمدة ما يصح الاستدلال به للكفارة الكبرى هي رواية عبد الملك بن عمرو التي موردها النذر على أن
لا يركب محرما فالاستشهاد بهذا الخبر لصوم النذر انما يتم بضميمة عدم القول بالفصل بعد الالتزام به في مورده واما ما ورد في خصوص الصوم
فمنها مكاتبة بندار التي رواها ابن مهزيار وهى صريحة في خلافه واما المكاتبات الاخر التي ورد فيها الامر بتحرير رقبة فقد عرفت انه يجتمع مع كل
من القولين ولا ينافي شيئا منهما ان أريد بها الوجوب التخييري أو الاستحباب باعتبار كونه أفضل الافراد وان أريد به الوجوب العيني فهو مخالف لكليهما
بل مخالف للاجماع كما ادعاه غير واحد نعم حكى عن بعض القول في كفارة النذر مطلقا لا في خصوص نذر الصوم بأنها كفارة الظهار وعليه يتجه ابقاء
الامر بالعتق في المكاتبات على ظاهره من الوجوب العيني ولكن هذا القول مع شذوذه مما لا دليل عليه وهذه المكاتبات لا تفي باثباتها مع أن مقتضى
الجمع بينها وبين سائر الروايات الواردة في كفارة النذر حملها على الوجوب التخييري كما هو واضح فالقول بأن كفارته كفارة اليمين أشبه بالقواعد
الا ان مخالفته للمشهور موافقته للجمهور على ما حكى عنهم قد تضعف الاعتماد على الروايات الدالة عليه ومن هنا قد يقوى في النظر القول الأول
ولكن مع ذلك الأخير اظهر فان طرح النصوص المستفيضة مع صحة بعضها وصراحتها وسلامتها عن معارض مكافؤ لأجل مخالفة المشهور أو موافقة الجمهور
على تقدير تحققهما خلاف ما يقتضيه القواعد المقررة في محلها والله العالم المسألة الخامسة الكذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأئمة عليهم السلام
حرام على الصائم وغيره وان تأكد على الصائم لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة وقيل تجبان به وقد تقدم الكلام فيه مشروحا وعرفت فيما تقدم ان
الأول أشبه بالقواعد المسألة السادسة الارتماس حرام على الأظهر عند المصنف (ره) ولا يجب به قضاء ولا كفارة وقيل تجبان به وقيل يجب القضاء
خاصة وقيل هو مكروه وقد تقدم الكلام فيه مفصلا وعرفت فيما تقدم ان الأخير لا الأول أشبه بالقواعد فراجع المسألة السابعة لا بأس بالحقنة
بالجامد على الأصح ويحرم بالمايع ويجب به القضاء على الأظهر كما عرفته فيما مر المسألة الثامنة من أجنب ونام ناويا للغسل ثم انتبه ثم نام كذلك
ثم انتبه ونام ثالثة ناويا حتى طلع الفجر لزمته الكفارة على قول مشهور بل عن الخلاف والغيبة والوسيلة وجامع المقاصد دعوى الاجماع عليه
وفيه تردد ينشأ من الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة ومن عدم حجية نقل الاجماع وانتفاء دليل اخر صالح لاثباته كما عرفته مشروحا فيما
سبق فالقول بعدمها كما ذهب إليه بعض المتأخرين وفاقا لما حكى عن المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى أشبه والله العالم المسألة التاسعة يجب
القضاء خاصة في الصوم الواجب المتعين بتسعة أشياء في المدارك نقل عن المصنف (ره) في المعتبر أنه قال انما اشترطنا الوجوب والتعيين لأن
ما ليس بمتعين وان فسد صومه فليس الاتيان ببدله قضاء لأن القضاء اسم لفعل مثل المقتضى بعد خروج وقته والا فكل صوم صادفه أحد ما
نذكره فإنه يفسد فإن كان واجبا غير متعين اتى بالبدل ولا يسمى قضاء وإن كان متعينا فالبدل قضاء ثم قال وهو جيد وقد ذكر المصنف (ره)
وغيره ان من اخر صيام الثلاثة الأيام من الشهر استحب له قضائها وعلى هذا يستحب قضائها إذا صادفها أحد هذه الأمور التسعة انتهى
وهو جيد ولكن لا يرد به النقض على المدعى لأن قضائه ليس بواجب الأول فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة عليها ثم ظهر سبق طلوعه
فيجب عليه حينئذ القضاء دون الكفارة واما نفس فعليه قبل المراعاة ما لم يتبين الفجر فسائغ لموافقته للأصل الغير المتوقف جريانه في الشبهات الموضوعية
على الفحص كما تقرر في محله ولا منافاة بينه وبين وجوب القضاء عند انكشاف سبق الطلوع كسائر الشبهات الموضوعية التي يباح له الفعل
في مرحلة الظاهر وربما يستدل له أيضا بظاهر الآية وخبر إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك قال
كل حتى لا تشك وعن الصدوق مرسلا قال سئل رجل عن الصادق عليه السلام فقال آكل في شهر رمضان وانا أشك في الفجر فقال كل حتى لا تشك وعن
العياشي في تفسيره عن سعد عن أصحابه عنهم عليهم السلام في رجل تسحر وهو يشك في الفجر قال لا بأس كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من
الخيط الأسود من الفجر وارى ان يستظهر في رمضان ويتسحر قبل ذلك وغير ذلك من روايات الدالة على جواز تناول المفطر ما لم يتبين
197

الفجر فليتأمل وحكى عن الشيخ في الخلاف انه لم يجوز فعل المفطر مع الشك واستدل له بقاعدة المقدمية وفيه بعد الغض عن مخالفتها الظاهر الآية
والروايات ان استصحاب بقاء الليل حاكم على قاعدة الاحتياط مع أن تمت القاعدة فلا فرق بين الشك والظن الذي لم يدل دليل على اعتباره
كما لا يخفى على المتأمل وأما وجوب القضاء فيدل عليه مضافا إلى الأصل المقرر في صيام شهر رمضان من كونه فرع فوات الصوم الذي هو
عبارة عن الامساك في مجموع النهار جملة من الروايات منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سئل عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد
طلع وتبين قال يتم صومه ذلك ثم ليقضه فان تسحر في غير شهر رمضان بعد الفجر افطر الحديث وموثقة سماعة قال سئلته عن رجل اكل أو شرب بعد
ما طلع الفجر في شهر رمضان فقال إن كان قام فنظر فلم ير الفجر فاكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه وإن كان قام فاكل وشرب
ثم نظر إلى الفجر فرأي انه قد طلع الفجر فليتم صومه ويقضى يوما آخر لأنه بدء بالاكل قبل النظر فعليه الإعادة ورواية علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السلام
قال سئلته عن رجل شرب بعد ما طلع الفجر وهو لا يعلم في شهر رمضان قال يصوم يومه ذلك ويقضى يوما آخر وإن كان قضاء لرمضان في شوال
أو غيره فشرب بعدم اطلع الفجر فليفطر يومه ذلك ويقضى إلى غير ذلك من الاخبار الآتية في المسائل الآتية واما نفى الكفارة فللأصل ثم إن ظاهر
المتن كصريح المدارك وغيره بل المعروف بين الأصحاب كما في الجواهر بل عن الرياض بلا خلاف أجده انه لا قضاء على العاجز عن المراعاة كالمحبوس ونحوه
للأصل واختصاص الروايات المتضمنة لوجوب القضاء بحكم التبادر وغيره بالقادر على المراعاة فيبقى ما عداه على حكم الأصل وفيه ما أشرنا إليه من تفريع
القضاء على فوات الصوم في وقته ولذا لا يظن بأحد ان يلتزم ببطلان صومه وعدم وجوب القضاء عليه بل صرح بعض بالاجماع على الملازمة بنى البطلان
والقضاء واما بطلان الصوم بتناول المفطر بعد طلوع الفجر فهو على وفق القاعدة لانتفاء حقيقة الصوم واقعا ولذا صرح غير واحد بفساد الصوم
بتناول المفطر بعد الفجر في غير شهر رمضان ولو مع المراعاة فلا يجوز رفع اليد عما يقتضيه هذا الأصل الا ان يدل دليل شرعي تعبدي على مضى عمله
كما في الناسي والمراعى للفجر في شهر رمضان وهو منتف في المقام مع أن دعوى اختصاص النصوص الدالة على القضاء قابلة للمنع بل رواية علي بن حمزة ظاهرة في الاطلاق
فالقول بوجوب القضاء عليه مع أنه أحوط لا يخلو عن قوة والثاني الافطار اخلادا إلى من اخبر ان الفجر لم يطلع مع القدرة على عرفانه ويكون طالعا بلا خلاف
فيه في الجملة على الظاهر بل عن الغنية الاجماع عليه لأصالة عدم الكفارة وثبوت القضاء بالتقريب الذي عرفته انفا ويدل عليه مضافا إلى ذلك والى اطلاق
بعض الأخبار المتقدمة خصوص خبر معاوية بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام امر الجارية ان تنظر اطلع الفجر أم لا فتقول لم يطلع بعد فاكل ثم انظر فأجده
قد كان طلع حين نظرت قال تتم يومك ثم تقضيه اما انك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضائه وظاهره كظاهر الموثقة سقوط القضاء مع مراعاته
بنفسه واحتمال إرادة انك لو كنت نظرت لم يكن يصدر منك الخطاء حتى تقع في كلفة القضاء وكذا في الموثقة احتمال انه لم يكن يشتبه عليه الفجر مع المراعاة خلاف
ظاهر الخبرين خصوصا بعد وقوع السؤال في الموثقة عن الأكل والشرب بعد ما طلع الفجر مع أنه بحسب الظاهر مما لا خلاف فيه بل عن صريح الانتصار وظاهر المنتهى
وغيره دعوى الاجماع عليه وقضية اطلاق النص والفتوى سقوط القضاء مع المراعاة التي يباح معها الأكل والشرب أي المراعاة التي لم يتبين له بها الفجر
سواء جزم ببقاء الليل أو ظن به أو تردد فيه أو ظن بخلافه بعد ان رخصه الشارع في الاكل حتى لا يشك كما وقع التصريح به في بعض الأخبار المتقدمة بل الموثقة
المزبورة بملاحظة التعليل الواقع في ذيلها كادت تكون صريحة في ذلك فما في الجواهر من الاستشكال فيه مع الشك أو الظن بالطلوع حيث قال بعد ان اعترف
بظهور النص والفتوى في ذلك ما لفظه ويشكل ذلك باطلاق ما دل على القضاء بتناول المفطر وبانه أولى بذلك من الظان ببقاء الليل باخبار الجارية و
الاستصحاب ومن هنا مال إليه في الروض وهو أحوط ان لم يكن أقوى انتهى كأنه في غير محله لحكومة النص الخاص على اطلاق أدلة القضاء والا لسرى الاشكال إلى
صورة الظن أو الجزم ببقاء الليل أيضا وليس فرض حصول الشك فرضا نادرا حتى يمكن دعوى انصراف النص عنه بل هو الغالب في الموارد التي يتبين الخلاف
نعم لا يبعد ان يدعى ان الغالب ترك الأكل مع الشك أو الظن بالفجر احتياطا وهذا ان سلم فليس موجبا لانصراف النص عنه وعدم استفادة حكمه
منه على تقدير تركه لهذا الاحتياط مع كون المورد من أشبع موارده وليس المدار في هذا الحكم على الظن حتى يدعى أولويته من الظن الحاصل من اخبار
الجارية أو الاستصحاب بل لنفس المراعاة من حيث هي دخل هذا الحكم كما يومى إليه التعليل الواقع في ذيل الموثقة ولا أقل من احتماله المانع عن المقايسة
المزبورة ومن هنا قد يقوى في النظر عدم العرق في ثبوت القضاء لدى الاعتماد على قول الغير بأن الفجر لم يطلع بين كون ذلك الغير فاسقا أو عادلا بل
عدولا خلافا لما عن المحقق والشهيد الثانيين وغيرهما فأسقطوا القضاء بالعدلين لكونهما حجة شرعية بل عن غيرهما الاكتفاء بالعدل الواحد بناء
على حجية قوله في الموضوعات وهو ضعيف إذ ليس المدار في سقوطه على كون التناول بحجة شرعية والا لكفى الأصل كما عرفت بل على مباشرة المراعاة فبدونها
يبقى تحت اطلاق ما دل على القضاء مما عرفت وحجية قول العدلين أو العدل لا تنافى ثبوت القضاء عند انكشاف الخطاء كما في الاخبار برؤية
الهلال ونحوها من الموضوعات الخارجية والثالث ترك العمل بقول المخبر بطلوعه أي الفجر والافطار لظنه كذبه للسخرية ونحوها بلا خلاف فيه
على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويظهر وجهه مما يدل أيضا على ثبوت القضاء رواية عيص بن القسم عن الصادق عليه السلام قال
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت فنظر فناداهم فكف بعضهم وظن بعضهم انه يسخر فاكل
فقال يتم صومه ويقضى وقضية اطلاق المتن وغيره عدم الفرق في نفى الكفارة بين تعد المخبر واتحاده وعدالته خلافا للمحكى عن جماعة فاستقربوا
الكفارة باخبار العدلين بل باخبار العدل الواحد بناء على حجيته في الاخبار بدخول الوقت لعدم جواز التعويل على الأصل حينئذ وصيرورته بحكم
198

العامد وفيه ما عرفت فيما سبق من أن المدار في ثبوت الكفارة على تعمد الافطار وعدم جواز فعله شرعا لا يجعله مندرجا في موضوع قوله عليه السلام من افطر متعمدا
الخ نعم لو احتمل الفجر والتفت تفصيلا إلى حجية قول المخبر وانه يثبت به الفجر شرعا ولا يجوز معه الاعتناء باحتمال السخرية أو تعمد الكذب ونحوه و
اقدم مع ذلك على الاكل اندرج بحسب الظاهر في موضوع الحكم ولكن هذا الفرض خارج عن موضوع كلماتهم لأن كلامهم فيمن هو عازم على
الصوم ولكنه يأكل ولا يعتنى بقول المخبر بناء منه على أن الفجر لا يثبت بقوله والا لا يتأتى منه العزم على الصوم فلا يتفاوت الحال حينئذ في عدم صدق
تعمد الافطار بين كون هذا البناء صحيحا كما لو كان المخبر فاسقا أو فاسدا كما لو كان عدلا أو عدلين بناء على حجية قول العدل أو العدلين في
المقام نعم على تقدير الحجية لا يتوقف ثبوت القضاء على تبين وقوع الاكل بعد الفجر بل يكفي فيه عدم ثبوت خلافه كما لا يخفى هذا كله فيما لو لم يباشر
بنفسه المراعاة واما مع مباشرته للمراعاة وعدم تبين الفجر عنده فلا شبهة في جواز فعله وإن كان المخبر عدلا أو عدولا فضلا عن لزوم الكفارة
عليه لأن حجية خبر العدلين أو العدل الواحد على تقدير تسلميه في مثل المقام انما هو إذا لم يتبين مستنده واما مع تبينه وعدم حصول الاذعان
به كما في الفرض فلا فإنه من قبيل تقليد أحد المجتهدين للاخر الذي يخطأ في اجتهاده وربما يشهد لذلك أيضا مضافا إلى ذلك موثقة سماعة قال
سئلته عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما هوذا وقال الآخر ما أرى شيئا قال فليأكل الذي لم يتبين له الفجر وقد حرم على الذي زعم أنه
رأى الفجر ان الله عز وجل يقول كلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر بل قضية اطلاق موثقة سماعة المتقدمة
النافية للقضاء عمن بدء بالنظر قبل الاكل المعتضد بمفهوم العلة الواقعة في ذيلها كاطلاق فتاوى الأصحاب نفى القضاء أيضا في مثل
الفرض فالأظهر صحة الصوم وسقوط القضاء مع المراعاة مطلقا ولكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بشهر رمضان لمخالفته للأصل واطلاق الروايات
الدالة على فساد الصوم بتناول المفطر بعد طلوع الفجر واختصاص ما دل على الصحة مع المراعاة وهو موثقة سماعة وصحيحة معاوية بن عمار المتقدمتين
بصوم شهر رمضان ان اما الموثقة فواضح لوقوع التصريح في السؤال بوقوعه في شهر رمضان اما الصحيحة فإنه وان لم يقع فيها التصريح بذلك
ولكن يفهم ذلك مما فيها من الامر باتمامه و القضاء كما لا يخفى فما في المدارك بعد ان ذكر ان مقتضى رواية الحلبي فساد الصوم بتناول المفطر بعد
طلوع الفجر مطلقا وحكى عن العلامة وغيره التصريح بهذا الاطلاق من قوله وينبغي تقييده بغير الواجب المعين أما المعين فالأظهر مساواته لصوم
رمضان في الحكم انتهى لا يخلو عن نظر لأنه تقييد بلا دليل وكذا يجب القضاء خاصة بالافطار تقليدا لمن اخر ان الليل دخل ثم تبين فساد
الخبر وان جاز له التقليد لعمى وشبهه أو كان المخبر عدلا أو عدلين وقلنا بحجية قوله فضلا عما لو لم يكن كذلك إذ لا منافاة بين جواز التقليد
وثبوت القضاء وعند انكشاف الخطاء كما تقدمت الإشارة إليه انفا وقد ظهر فيما مر وجه وجوب القضاء ونفى الكفارة في مثل الفرض فلا نطيل
بالإعادة فما عن جملة من الأصحاب من نفى القضاء على تقدير جواز التقليد وارساله ارسال المسلمات محل نظر إلا أن يكون مجمعا عليه وهو غير معلوم
بل مقتضى اطلاق المتن وغيره خلافه بل قد يتجه الالتزام بثبوته على تقدير عدم جواز التقليد ما لم يتبين مصادفته لليل فلا يتوقف حينئذ على تبين فساد
الخبر لحصول الافطار في الوقت الذي يجب عليه ترتيب اثر بقاء اليوم بحكم الأصل اللهم إلا أن يقال إن تنج التكليف بالقضاء فرع احراز فوات
الواجب في وقته لأنه بأمر جديد ومتفرع على الفوت فما لم يحرز موضوعه لا يتنجز التكليف به والأصل لا ينهض باثباته كما تقدم تحقيقه في مسألة
الجلد المشكوك ذكرته في اخر كتاب الطهارة ولكن يتوجه عليه ما مر مرارا من أن القضاء وان قلنا إنه بأمر جديد ولكن الامر الجديد حيثما ورد يكشف
عن عدم اختصاص مطلوبية ما تعلق به الأمر الأول بخصوص وقت بحيث تفوت بفواته بل هو باق بصفة المطلوبية حتى يخرج المكلف عن عهدته فحينئذ لا يتوقف
تنجز التكليف بالقضاء على احراز فوت الواجب بل يكفي فيه عدم احراز حصوله في ذلك الوقت إلا أن يكون هناك أصل حاكم كاصالة الصحة أو قاعدة الشك
بعد الفراغ أو بعد خروج الوقت ونحوه وهو مفقود في الفرض أو يقال بأن التكليف بالقضاء تعلق في عناوين أدلته بايجاد المفطرات في نهار رمضان
فإذا احرز موضوعه بالأصل يترتب عليه حكمه وهو سببية الاكل فيه للقضاء كسائر الموضوعات الخارجية التي جعل الشارع لها أحكاما شرعية تكليفية كانت
أو وضعية كما فيما نحن فيه الذي هو نظير سببية اتلاف مال الغير للضمان الذي يحرز موضوعه بالاستصحاب فليتأمل وقد يقال في صورة عدم جواز التقليد
بوجوب الكفارة أيضا اما بدعوى صدق الافطار متعمدا بعد فرض كونه مكلفا في مرحلة الظاهر بترتيب اثر اليوم شرعا أو بدعوى ترتبها على مطلق الافطار
الغير السائغ شرعا وقد أشرنا في الفرع السابق إلى عدم خلو كل من الدعويين من النظر بل المنع نعم لا يبعد صدقه مع التفاته تفصيلا إلى تكليفه واقدامه على الاكل
بلا مبالاة بمصادفته لليوم ولكن هذا بحسب الظاهر خارج عن مفروض كلماتهم كما أشرنا إليه في الفرع السابق والخامس الافطار الظلمة الموهمة دخول
الليل أي الموقعة له في الغلط والاشتباه ما لم يظن معها بدخول الليل فإنه يوجب القضاء دون الكفارة وقد أشكل على كثير من المتأخرين تصور موضوع
هذا الحكم نظرا إلى أن المراد بالوهم ان كان معناه المصطلح وهو ما يقابل الشك والظن يشكل الالتزام بنفي الكفارة بعد قضاء العرف وضرورة العقل
بعدم جواز الافطار بمجرد احتمال انقضاء اليوم احتمالا موهوما في مقابل الاستصحاب وقاعدة الشغل التي على من الفطريات في مثل المقام الموجبة لاندراجه
في موضوع متعمدا لافطار بحكم العرف وشهادة العقل إذا لجزم بحصول الافطار غير معتبر في صدق اسم العمد كما مرت الإشارة إليه مرارا وان أريد من الوهم
الظن كما هو أحد اطلاقاته ومن غلبة الظن في عبارة المصنف (ره) ونحوها الظن القوى لا مطلقه يشكل الالتزام بهذا التفصيل إذ لا يساعد عليه دليل
كما ستعرف وحكى عن الشهيد في بعض تحقيقاته انه فرق بين الوهم والظن بأن المراد الوهم ترجيح أحد الطرفين لا لامارة شرعية ومن الظن الترجيح
199

لامارة شرعية وقد تعجب منه غير واحد ممن تأخر عنه فإنه مع غرابته غير مستقيم لأن الظن المجوز للافطار الموجب لسقوط القضاء معه لا يفرق فيه بين أسبابه
بل مورد سقوط القضاء مع حصول الظن هو الذي سماه الشهيد وهما والذي ينبغي أن يقال في تحقيق المقام ان تناول المفطر عند عروض ظلمة وشبهها من
الأسباب الموهمة دخول الليل يتصور على انحاء فإنه ربما يكون حال تناول المفطر ملتفتا إلى حالته تفصيلا ويجد نفسه شاكا أو ظانا بدخول الليل أو
بعدمه ومع ذلك يقدم على الافطار ولا مجال للارتياب في فساد صومه في مثل الفرض على تقدير ان يرى نفسه شاكا أو ظانا ببقاء اليوم بل ولا في وجوب
الكفارة عليه ولكن هذا الفرض بحسب الظاهر خارج عن موضوع كلماتهم فان محل الكلام فيمن لم يرتدع عن عزمه على صوم اليوم ولكن تناول المفطر بانيا
على انقضاء اليوم وحصول وقت الافطار وهذا ينافي الظن ببقاء اليوم أو التردد فيه نعم يمكن ان يجتمع مع الظن بدخول الليل تنزيلا له منزلة العلم
كسائر الموارد التي يعول عليه العقلاء في مقاصدهم وهذا بخلاف صورة التردد أو الظن بالخلاف كما لا يخفى على المتأمل ولكن هذا مع الالتفات
التفصيلي إلى حالته وأما بدونه فقد يجتمع تناول المفطر في زمان لا يعتقد بكونه ليلا لا اعتقادا جزميا ولا ظنيا مع بنائه على الخروج عن عهدة
التكليف بالصوم بما صدر منه اما غفلة عن احتمال الخلاف كما لو سمع الاذان أو رأى ظلمة وشبهها فارتسم في مخيلته دخول الليل ولم يخطر
بذهنه خلافه حتى يتردد فيه أو يرجح أحد طرفيه أو يذعن به اذعانا تصديقا ومثله لا يسمى شاكا ولا ظانا ولا معتقدا بالليل بل يطلق عليه في
العرف اسم التوهم والتخيل نظير ما قد يتخيل الانسان أمورا لا واقعية لها إلى أن يستغرق في الفكر ويذهل عن كونها أمورا وهمية فيرتب عليها
أثر الوجود ثم يلتفت إلى حالته فيريها غير متأصلة فهذا النحو من الجزم الناشئ من الوهم ليس من سنخ العلم والاعتقاد ولعله ملحق بالسهو لدى
العرف حكما إن لم يكن مندرجا في موضوعه وقد لا يحصل له الغفلة عن احتمال الخلاف بحيث يلحق بالساهي ولكن لا يعني به من باب المسامحة و
التمحلات العرفية الباعثة لهم على ترتيب أثر الصحة على الأمور التي لا يعلمون بصحتها بل ربما يعلمون إجمالا بفسادها وقد نبهنا في كتاب الصلاة على
عدم المضادة بينه وبين قصد الصوم المسقط للتكليف المعلوم لديهم إنه من طلوع الفجر إلى الغروب فإن أدل دليل على إمكان الشئ وقوعه ونحن نشاهد
أن كثيرا من أهل السواد يصلون ويصومون ويأتون بسائر العبادات الواجبة والمستحبة بقصد القربة والخروج عن عهدة التكليف بها ولا يراعون
شرائطها وأجزائها حق رعايتها بل يتسامحون فيها كمال المسامحة ويعترفون بتقصيرهم فيها وجهلهم بأحكامها بل ربما يذعنون بنقصها وعدم كونها
على ما ينبغي ومع ذلك يتسامحون فيها تنزيلا لها على مقاصدهم العرفية القابلة للمسامحة أما القسم الأول الذي قد أشرنا إلى كونه ملحقا بالسهو فلا شبهة
في عدم كونه موجبا للكفارة بل قد يتأمل في سببيته للقضاء أيضا لما أشرنا إليه من إمكان دعوى كونه من أقسام السهو الذي لا خلاف نصا وفتوى في عدم كونه
موجبا للقضاء أو دعوى اشتراط العمد في المفطرية وهو بهذا العنوان لم يصدر عمدا ولكن لا يخلو كل من الدعويين عن النظر أما الأولى فلانصراف ما
دل على حكم السهو عنه لو سلم اندراجه فيه موضوعا وأما الثانية فلما مر في تفسير العمد المعتبر في المفطرية من أن المراد به ما يقابل السهو والنسيان لا
العمد من حيث مبطليته للصوم فإلحاقه بالجازم بدخول الليل الذي حصل له الجزم بلا تحر الذي ستعرف إن الأشبه فيه وجوب القضاء لو لم نقل بأنه
أيضا من أقسامه إلا أنه جزمه جزم غير مستقر لا يخلو عن قوة وأما القسم الثاني وهو ما كان مبنيا على المسامحة كما هو الغالب في موارده المنصرف إليه أطلاق
المتن ونحوه فلا شبهة في فساد صومه وأما الكفارة فالأشبه عدمها بناء على ما قويناه من اختصاصها بمن أفطر متعمدا فإنه لم يتعمد بفعله الافطار في نهار
رمضان حتى يطلق عليه هذا العنوان وإلا لم يجتمع مع عزمه على الصوم والمفروض خلافه وابتنائه على المسامحة إنما يصحح العقاب عليه لا اندراجه تحت
هذا العنوان عرفا نعم لو بنينا على ترتب الكفارة على مطلق الافطار الغير السائغ شرعا أتجه الالتزام بها في المقام لو لم ينعقد الاجماع على خلافه ولكنك
عرفت فيما سبق ضعف المبنى هذا كله فيما إذا لم يحصل له بواسطة الظلمة ونحوها الظن بدخول الليل وأما لو غلب على ظنه وكان في السماء علة من غيم
أو حجة ونحوها كما هو منصرف كلماتهم في هذا المقام حيث إن الغالب أن الظلمة الموهمة لا تكون إلا عن علة سماوية مانعة عن تحصيل العلم بالغروب
فلا خلاف بين علمائنا ظاهرا كما ادعاه في المدارك في أنه يجوز له الافطار تعويلا على ظنه كما أنه يجوز الدخول في الصلاة حيث ما عرفته في مبحث
المواقيت ولكنهم اختلفوا في أنه لو أنكشف الخلاف هل يجب عليه قضاء الصوم كإعادة الصلاة لو وقع جميعها قبل الوقت على قولين حكى أولهما
أي وجوب قضائه عن المفيد وأبى الصلاح والمصنف في المعتبر بل ربما نسب إلى المشهور نسب القول بنفي القضاء إلى الشذوذ وأستدل له بأنه
تناول ما ينافي الصوم عمدا فلزمه القضاء وما رواه الشيخ عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي بصير وسماعة عن أبي عبد الله عليه السلام في قوم صاموا شهر
رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا أنه الليل فأفطر بعضهم فقال على الذي أفطر صيام ذلك اليوم إن الله عز وجل يقول ثم
أتموا الصيام إلى الليل فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضائه لأنه أكل متعمدا وحكى عن الشيخ في جملة من كتبه وأبن بابويه فيمن لا يحضره
الفقيه وجمع من الأصحاب منهم المصنف (ره) في الكتاب أنه لم يفطر أي لم يفسد صومه فلا يجب عليه قضائه للمعتبرة المستفيضة الدالة عليه كصحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث قال لرجل ظن إن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك فقال ليس عليه قضاء وصحيحته الأخرى قال قال
أبو جعفر وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت قد أصبت
منه شيئا قوله عليه السلام إذا غاب لقرص أي بزعمك وإلا أمتنع الروية بعده كما لا يخفى واحتمال أن يكون المراد بمضي الصوم فساده بعيد في الغاية وخبر أبي
الصباح الكناني قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل صام ثم ظن أن الشمس قد غابت وكان في السماء علة فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس
200

لم تغب فقال قد تم صومه ولا يقضيه ورواية الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صائم ظن أن الليل قد كان وإن الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب
فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب فقال تم صومه ولا يقضيه وأجيب عن دليل القائلين بوجوب القضاء أما عن إنه تناول المفطر فعليه
القضاء فبأن القواعد العامة لا تصلح معارضة للنصوص الخاصة المخصصة للعمومات المنافية لها وعن موثقة سماعة بالقدح في سندها وقبولها
للحمل على التقية لموافقتها لمذهب العامة وللاستحباب أقول أما حملها على الاستحباب مع ما فيها من التعليل ولا استشهاد بالآية ففي غاية البعد وأما
القدح في سندها فلا ينبغي الالتفات إليه بناء على ما حققناه في محله نعم هي قاصرة عن مكافئه المستفيضة النافية للقضاء خصوصا مع موافقتها للعامة
في حملها على التقية لا يخلو عن وجه وإن كان قد يستشكل فيه بموافقتها للشهرة بين الأصحاب كما ادعاه غير واحد وهى مقدمة على سائر المرجحات كما
تقرر في محله ولذا تردد في المسألة بعض وجعل القضاء أحوط وقد يقال في توجيه الموثقة بأن المراد بقوله على الذي أفطر صيام ذلك اليوم الامساك في
بقية النهار دفعا لتوهم بطلان الصوم بذلك وجواز تناول المفطر بعده عمدا كما يؤيده الاستشهاد بقوله تعال ثم أتموا الصيام إلى الليل فقوله (ع)
فمن أكل قبل أن يدخل الليل معناه أنه أكل بعد أن أنكشف له الخطاء كما يؤيده تعليل القضاء بأنه أكل متعمدا إذا المتبادر من قوله أكل متعمدا كونه
بعنوان حصوله في اليوم عمديا لا من حيث هو أكل وإلا لتحقق الاكل عمدا بهذا المعنى في ناسي الصوم أيضا فلا يناسبه التعليل وفيه إن هذا التأويل وإن
لم يكن بعيدا بالنظر إلى ألفاظ الرواية ولكنه بعيد عما يتفاهم منه عرفا إذ المتبادر منه ليس إلا ما فهمه القائلون بوجوب القضاء فلا يحسن إرادة مثل هذا
المعنى من مثل هذه الرواية إلا على سبيل التورية من باب التقية كإرادة المعنى الحقيقي من مثل قولك يدي خالية في جواب من سئلك أن تعطيه شيئا
من الدراهم والدنانير فعلى هذا لا داعى لحمل قوله عليه السلام فمن أكل ألخ على أرادته في خصوص المورد بل معناه العام تفريعا على الآية مشيرا إلى اعتبار العمدية في
المفطرية والانصاف إن إرادة التورية من هذه الرواية غير بعيدة عن مساقها فإن هذا النحو من التعليلات القابلة للتأويل مشعر بصدورها عن
علة وربما جمع أيضا بين الاخبار بحمل الموثقة على الظن الضعيف والروايات النافية للقضاء على الظن القوى وفيه إنه لا شاهد له وفي الجواهر
حمل الموثقة على صورة الجهل بأن في السماء علة وزعمه إن السحاب الذي غشيهم هو الليل أي سواده وسائر الروايات على صورة العلم بذلك وهو أيضا لا
يخلو عن نظر فالأولى رد علم الموثقة إلى أهلها أو حملها على التقية فالقول بعدم وجوب القضاء هو الأظهر ولا اختصاص له بما إذا علم بأن في السماع
علية بل المدار على إن أذعن بدخول الليل إذعانا يبيح له تناول المفطر ولكن عم الفحص والتحري لا بدونه كما لو كان في بيت مظلم فحصل له الجزم بدخول
الليل بواسطة الساعة ونحوها أو أخبار من يعتقد بقوله ثم أنكشف خطائه فإن هذا خارج عن منصرف النصوص والفتاوى فيرجع في حكمه إلى
القاعدة وهى فساد صومه بتناول المفطر ما لم يدل دليل تعبدي على خلافه وأما إذا تفحص ونظر إلى السماء فزعم دخول الليل وأفطر ثم تبين
خطائه اندرج في موضوعها ولكن لا يتفق حصول هذا الفرض في الخارج إلا أن يكون في السماء علة موجبة له من سحاب أو غبار أو دخان أو عجة و
نحوها ولكنه لا يجب علمه بذلك بل قد يشتبه عليه الحال فيريها ظلمة الليل فلو أفطر والحال هذه لم يجب عليه القضاء لا طلاق الروايات المزبورة
خصوصا صحيحة زرارة الثانية التليس فيها أشعار باختصاصه بوجود العلة في السماء فضلا عن العلم بها ولكن قد أشرن إلى إمكان دعوى انصرافها
إلى ما لو باشر بنفسه التحري والفحص ووقع في الخطا لا بدونه فتلخص مما ذكر إن من تناول المفطر لدى الظلمة الموهمة وشبهها أما أن يكون حال التناول
جازما بدخول الليل ومتحريا فلا قضاء عليه ولا كفارة وبدون التحري فعليه القضاء خاصة وكذلك من سبق إلى الافطار لأجل الملازمة
المغروسة في ذهنه قبل أن يتصورها تفصيلا ويذعن بها أو يتردد فيها أو لا يكون بجازم فإقدامه على الافطار حينئذ أما لعدم مبالاته بوقوع الاكل
في اليوم وفساد صومه على تقدير عدم دخول الليل فعليه القضاء والكفارة وأما لبنائه على انقضاء اليوم وحصول وقت الافطار تعويلا على
الامارة الموهمة أما تسامحا أو بزعم حجيتها فعليه القضاء خاصة بل لا قضاء أيضا لو كان متحريا وحصل له الظن بدخول الليل وكان في السماء علة
كالقطع به مع التحري والله العالم والسادس تعمد القئ فإنه يوجب القضاء خاصة كما ذهب إليه الشيخ وأكثر الأصحاب على ما نسب إليهم في المدارك وفي
الجواهر على المشهور شهرة عظيمة بل إجماع من المتأخرين بل في الخلاف وظاهر الغنية والمحكى من المنتهى الاجماع عليه وقال أبن إدريس إنه محرم ولا
يجب به قضاء ولا كفارة وحكى عن السيد المرتضى (ره) إنه حكى عن بعض علمائنا قولا بأنه موجب للقضاء والكفارة وعن بعضهم إنه ينقص الصوم ولا يبطل
ثم قال وهو الأشبه والأصح الأول لنا على وجوب القضاء أخبار مستفيضة منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء
ذلك اليوم وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه وصحيحة الأخرى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا تقيأ الصائم فقد أفطر وإن ذرعه من غير إن
يتقيأ فليتم صومه وموثقة سماعة المروية عن التهذيب قال سئلته عن القئ في شهر رمضان فقال إن كان شئ يبدره فلا بأس وإن كان شئ يكره نفسه عليه
فقد أفطر وعليه القضاء وعن الصدوق بأسناده عن سماعة بن مهران نحوه إلا إنه قال سأل أبا عبد الله وخبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام
أنه قال من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة وإن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له وقال من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء ومرسلة
أبن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال من تقيأ متعمدا وهو صائم قضى يوما مكانه وخبر علي بن جعفر المروى عن كتابه عن أخيه عليه السلام قال
سئلته عن الرجل يستاك وهو صائم فيقئ ما عليه قال إن كان تقيأ متعمدا فعليه قضائه وإن لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شئ ولا يعارضها خبر
عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال ثلاثة لا يفطرن الصائم القئ والاحتلام والحجامة لوجوب حمله على ما لو ذرعه القئ بشهادة غيره
201

من الاخبار المزبورة فالقول بعدم وجوب القضاء كما أختاره السيد في عبارته المحكية عنه بعد أن نسبه إلى بعضهم ضعيف وأضعف منه ما حكى عن ابن
إدريس من القول بحرمته تعبد الانتفاء ما يدل عليه إذ الاخبار المزبورة إنما تدل على فساد الصوم ووجوب القضاء عليه لا حرمته تعبدا كما هو واضح
ويتلوهما في الضعف القول بوجوب الكفارة أيضا لمخالفته للأصل مضافا إلى عدم نقل الخلاف فيه عما عدى البعض الذي أرسل عنه السيد في عبارته
المحكية عنه وإشعار بعض الأخبار المتقدمة وعدم التعرض في شئ منها للكفارة بعدمها وإطلاق اسم الافطار عليه في بعض الأخبار المتقدمة لو
سلم كونه حقيقيا لا يجعله مندرجا في موضوع قوله من أفطر متعمدا فعليه كذا بعد انصراف هذا الاطلاق عرفا إلى الأكل والشرب لو لم نقل بكونه
حقيقة فيهما كما أوضحناه في الاحتقان والمراد بلفظ الافطار في مثل هذه الموارد هو مطلق الافساد لا التشبيه بالاكل والشرب حتى يدعى أن
مقتضى أطلاق التشبيه مساواتهما في الحكم لا في خصوص القضاء مع إمكان أن يقال إنه على تقدير إرادة التشبيه ينصرف إلى خصوص القضاء لأنه
هو الوجه الظاهري الذي ينصرف إليه التشبيه ولو ذرعه القئ وسبقه قهرا لم يفطر كما يدل عليه جميع الروايات المزبورة منطوقا ومفهوما ويشهد له أيضا
خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام في الذي يذرعه القئ وهو صائم قال يتم صومه ولا يقضى وفي حديث الزهري المروى عن الكافي عن علي بن الحسين
عليهما السلام وأما صومه الإباحة فمن أكل أو شرب ناسيا أو قاء من غير تعمد فقد أباح الله له ذلك وأجزء عنه صومه مضافا إلى الأصل والصحيح الحاصر لما
يضر الصائم فيما عداه مع أنه لا خلاف فيه على الظاهر عدى إنه حكى عن ابن الجنيد إنه أوجب القضاء به إذا كان من محرم ولعله مبنى على الحاقه
بالعامد كونه مأمورا بقيئه وفيه أن هذا إن صلح وجها فهو لعدم البطلان بعمده على تقدير حصول تناوله سهوا بحيث لا يخل بصومه أو وقوعه
في الليل ولم نقل بما نعيته عن انعقاد الصوم لا لكون سبق القئ قهرا من حيث هو ملحقا بعمده كما لا يخفى على المتأمل والسابع مما يوجب القضاء
خاصة الحقنة بالمايع كما عرفته فيما سبق والثامن دخول الماء الحلق المتبرد دون التمضمض به للطهارة يعنى من أدخل فمه الماء فدخل حلقه أي
جوفه بغير اختياره فإن كان متبردا فعليه القضاء وإن كان للمضمضة به للطهارة فلا شئ عليه على ما صرح به في المتن وغيره بل عن المنتهى إن
هذا قول علمائنا وحكى عن طائفة من الأصحاب اختصاص حكم المضمضة للطهارة بما إذا كانت لصلاة فريضة دون غيرها وأختاره غير واحد من
المتأخرين والأصل في المسألة أخبار مستفيضة منها ما عن الشيخ في الموثق عن سماعة في حديث قال سئلته عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من عطش
فدخل حلقه قال عليه قضائه وإن كان في وضوء فلا بأس به وعن الصدوق بإسناده عن سماعة بن مهران نحوه إلا إنه قال سئل أبا عبد الله
الحديث وخبر الريان بن الصلت عن يونس قال الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شئ عليه
وإن تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة والأفضل للصائم أن لا يتمضمض وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في
الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه قال أن كان وضوئه لصلاة فريضة فليس عليه شئ وإن كان وضوئه لصلاة نافلة فعليه القضاء
وموثقة عمار قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم قال ليس عليه شئ إذا لم يتعمد ذلك قلت فإن تمضمض
الثانية فدخل في حلقه الماء قال ليس عليه شئ قلت فإن تمضمض الثالثة قال فقال قد أساء ليس عليه شئ ولا قضاء وهذه الروايات بظاهرها
مختلفة المفاد وأما موثقة سماعة فهي بظاهرها مع قطع النظر عما يقتضيه الجمع بينها وبين ما عداها ظاهرة الانطباق على ما نسب إلى المشهور ولكن
لا يبعد أن يكون قوله عليه السلام في وضوء جاريا مجرى التمثيل بأن يكون المراد به مطلق ما كان لحاجة شرعية أو عرفية بحيث يعم ما قصد به التداوي
أو إزالة الدم من فمه ونحوهما في مقابل ما ليس كذلك كما أنه يحتمل أن يكون المقصود به التمثيل للطهارة بحيث يتناول الغسل لا مطلق الحاجة
أو يكون المراد خصوصه لا المثال وعلى أي تقدير فإن قلنا بظهور الشرطية في إرادة التعليق والانتفاء عند الانتفاء فمفهومها أن ما ليس كذلك
موجب للقضاء مطلقا فالمضمضة لا لحاجة من غير عطش هو القدر المتيقن الذي يفهم حكمه منه على أي تقدير وأما إن قلنا بأن الشرطية في مثل
هذه الموارد المسبوقة بحكم موهمة للعموم بمنزلة الاستدارك وليس لها ظهور في إرادة الانتفاء عند الانتفاء كما هو مقتضى الانصاف فلا تدل
الرواية إلا على حكم المضمضة من العطش والمضمضة للوضوء نعم يستفاد منها حكم المضمضة للغسل أيضا بعدم القول بالفصل مع غلبة الظن
بإرادة التمثيل للطهارة من الوضوء لا خصوصه وأما المضمضة للتداوي ونحوه أو عبثا لا للتبرد فلا يمكن استفادة حكمها منها لخروجها عن موضوعها
ولا يصح إلحاقها بالمضمضة من العطش لكونه قياسا مع الفارق لامكان أن يكون للعطش مدخلية في سببتها للقضاء حيث أن له تأثيرا في اقتضاء
الطبع أن يسبق إليه الماء فيكون أشبه بالعمد مما كان للتداوي ونحوه فالوجه حينئذ فيما عدى المضمضة من العطش نفى القضاء مطلقا و لو كانت عبثا فضلا
عما لو كانت للتداوي كما ستسمع أخباره من المصنف في الفرع الآتي لاشتراط العمد في مفطرية الأكل والشرب وهو غير حاصل في الفرض ويؤيده أيضا
بل يدل عليه إطلاق قوله عليه السلام عليه شئ من غير استفصال في جواب السؤال عن إن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء في موثقة عمار المتقدمة
ودعوى انصراف هذه الموثقة إلى إرادة المضمضة للطهارة لمعهودية التثليث فيها فتعريف الثانية والثالثة في كلام السائل قرينة مرشدة إلى
أرادتها مدفوعة بعد تسليم كون معهوديتها على وجه توجب صرف اللام في لفظ الثانية والثالثة إلى إرادة العهد دون الجنس بأن هذا لا يقدح
في الاستدلال بإطلاق الجواب عما سئله أولا إذ ليس في سؤاله الأول إشعار بإرادة خصوص المضمضة للطهارة وقد أجابه عليه السلام بأنه لا شئ عليه
من غير استفصال فدلالة سؤاله ثانيا أو ثالثا على إن مورد السؤال هي المضمضة للطهارة لا يقتضى قصر الجواب الواقع قبله على خصوص مورده إذ لو
202

كان لخصوصيتها مدخلية في الحكم لكان مقتضاها الاستفصال عنه قبل الجواب واحتمال كونها معهودة لديهم في السؤال الأول أيضا مدفوع بالأصل
وإلا لمنع ذلك عن الاستدلال بالاطلاق ولو لم يكن يصدر منه سؤاله الثاني والثالث أيضا كما لا يخفى وأما صحيحة الحلبي فهي صريحة في نفى القضاء في
المضمضة لخصوص صلاة الفريضة وثبوته في الوضوء للنافلة فيفهم منه ثبوته في المضمضة عبثا ونحوه بالأولى ويؤيده أيضا خبر يونس فإنه كاد أن يكون
صريحا في ثبوته في المضمضة لغير الطهارة مطلقا بل ظاهره اختصاص نفى القضاء بالمضمضة للفريضة في وقتها دون ما عداها حتى المقضية والنافلة
فضلا عن المضمضة لغير الطهارة ولكن هذه الرواية لضعف سندها واحتمال كونها كلام يونس لا يصلح إلا للتأييد لما تضمنته صحيحة الحلبي فعمدة ما
يصح الاستناد إليه للقول باختصاص نفى القضاء بالمضمضة لصلاة الفريضة كما قال به أو مال إليه غير واحد من المتأخرين هي هذا الصحيحة ولا يصلح لمعارضتها
شئ مما ذكر من الأصل والاطلاق وقاعدة ترك الاستفصال لوجوب رفع اليد عن جميع ذلك بالنص على ثبوته في وضوء النافلة ولكن استفاضة نقل
الاجماع على نفى القضاء في المضمضة للطهارة مطلقا وشذوذ القول بالتفصيل بين الوضوء للفريضة والنافلة وإمكان ارتكاب التأويل في الصحيحة
بحمل القضاء على الاستحباب أشكل الاعتماد على ظاهرها في مقابل ما عرفت إلا أن رفع اليد عن هذا الظاهر من غير معارض مكافؤ ما لم يتحقق
أعراض المشهور عنها أشكل فالقول بثبوت القضاء في وضؤ النافلة إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط ولكن التعدي إلى غيره كالمضمضة عبثا
أو للتداوي ونحوه موقوف على دعوى الأولوية وتنقيح المناط ونحوه وهى بالنسبة إلى العبث ونحوه غير بعيدة وفيما كان للتداوي قابلة للمنع
والله العالم ثم إن ما ذكرناه من وجوب القضاء بدخول الماء إلى الجوف لا عن عمد بالمضمضة للتبرد وغيره إنما هو فيما لو سبق الماء إلى جوفه قهرا
وأما لو وصل إليه سهوا بأن وضع الماء في فيه للمضمضة أو لغرض أخر ولو عبثا ثم نسي صومه أو وجود الماء في فيه فابتلعه فلا شئ عليه لعموم ما
دل على عدم مفطرية ما صدر سهوا وانصراف النصوص المتقدمة الدالة على القضاء عنه فما عن ظاهر المعتبر أو صريحه من ثبوت القضاء في
السهو أيضا ضعيف ونظيره في الضعف ما عن غير واحد من إلحاق الاستنشاق بالمضمضة في الحكم المزبور إذا لا دليل عليه عدى القياس الذي
لا نقول به واعلم أن المعروف من مذهب الأصحاب جواز المضمضة للصائم مطلقا سواء كانت في الطهارة أو في غيرها ولو للتبرد أو عبثا خلافا
لظاهر كلام الشيخ في محكى الاستبصار حيث أنه بعد أن روى خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام في صائم يتمضمض قال لا يبلع ويقه حتى بزق
ثلاث مرات قال ما لفظه قال محمد بن الحسن هذا الخبر مختص بالمضمضة إذا كانت لأجل الصلاة فأما للتبرد فإنه لا يجوز على حال يدل على ذلك
ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الريان بن الصلت عن يونس قال الصائم في شهر رمضان يستاك متى شاء وإن
تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شئ عليه والأفضل للصائم أن لا يتمضمض إنتهى هكذا نقل كلام الشيخ في نسخة المدارك الموجودة
عندي ولعلما مشملة على السقط فإنه روى في الوسائل هذه الرواية عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن الريان بن الصلت عن
يونس ثم ساق الحديث كما نقلناه سابقا ثم قال محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله فالظاهر إن استدلال الشيخ بهذه الرواية ليس بما
في ذيلها من أن الأفضل للصائم أن لا يتمضمض كما توهم فإنه على خلاف مطلوبه أدل بل بالفقرة السابقة من العبارة المزبورة وهو وأن تمضمض
في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة بناء منه على ما يظهر من كلمات غير واحد منهم من دعوى الملازمة بين الرخصة في المضمضة و
عدم سببية ما وصل إلى الجوف منها قهرا للافساد وإلا لكان مقتضى وجوب الصوم إيجاب الكف عنه بترك مقدمته الاختيار رية وهى المضمضة
وفيه منع الملازمة بعد أن الفعل أي الوصول إلى الجوف لا يخرج عادة بهذه المقدمة عن اختياره بل غاية ما يلزمه الرخصة في المضمضة قبح
المؤاخذة على ما يترتب عليها قهرا لا عدم بطلان الصوم بوصول الماء إلى الجوف قهرا من باب الاتفاق وكيف كان فالاستدلال بالرواية
المزبورة لمدعاه ضعيف دلالة وسندا فالقول بالحرمة مع شذوذه مما لا دليل عليه وأضعف منه ما حكى عنه في التهذيب من القول بأنه لو
تمضمض لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه الكفارة والقضاء إذ لا مقتضى للكفارة حتى في نحو التبرد الذي أوجبنا القضاء فيه لاشتراطها بحصول
الشرب عمدا كما عرفته فيما سبق وهو منتف في الفرض وأما خبر المروزي قال سمعته يقول إذا تمضمض الصائم أو استنشق متعمدا أو كنس بيتا فدخل
في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فإن ذلك له فطر مثل الأكل والشرب والنكاح فلا يصلح أن يكون مستندا له فإنه لا يقول
بظاهره من الاطلاق وباب التأويل واسع فكما يحتمل أن يكون المراد به ما لو تمضمض وأستنشق متعمدا فوصل الماء إلى جوفه قهرا كذلك
يحتمل أن يكون المراد به ما إذا أوصل الماء إلى جوفه بالمضمضة والاستنشاق متعمدا بل حمله على إرادة هذا المعنى أوفق بما يقتضيه الجميع بينه
وبين غيره مما دل على شرطية العمد في سببية الشرب للكفارة بل أنسب بإقحام لفظ متعمدا في البين فإنه لو أريد به تقييد نفس المضمضة
والاستنشاق من حيث هما بالعمد لكان ذكره مستدركا إذ المتبادر من قوله إذا تمضمض وأستنشق ليس إلا صورة العمد ولو أريد به ما يقابل ناسي
الصوم لكان الأنسب ذكره بعد أو كنس بيتا لاشتراك الجميع في ذلك فإقحامه في البين مشعر بإرادته بالنسبة إلى وصوله إلى الجوف الذي هو سبب للبطلان
حيث إن سببية المضمضة والاستنشاق له ليست قهرية حتى يكون عمديتهما كافية في اتصاف الوصول إلى الجوف بالعمد بخلاف كنس البيت
ونحوه هذا كله مضافا إلى ضعف الرواية وعدم صلاحيتها في حد ذاتها لاثبات مثل هذا الحكم كما عرفته في محله والتاسع مما يوجب القضاء خاصة
معاودة الجنب النوم ثانيا حتى يطلع الفجر ناويا للغسل بل وكذا ثالثا فما زاد على الأظهر كما تقدم تحقيقه وشرح حال ما لو أستمر نومته الأولى
203

وإنها لا توجب قضاء ولا كفارة فيما مر فلا نطيل بالإعادة ومن نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى قيل إن عليه القضاء وقيل لا يجب و
هذا هو الأشبه وكذا لو كانت محللة لم يجب كما تقدم شرح ذلك كله فيما سبق وأشرنا فيما تقدم إلى أن هذا فيما إذا لم يكن الامناء مقصودا
له بالنظر أو كان يعرفه من عادته وإلا اندرج في موضوع الاستمناء والجنابة العمدية الموجبة للقضاء والكفارة بل لا يبعد الالتزام بها
مع الاعتياد وإن لم يكن على وجه يجزم بسببيته له حتى يندرج في الجنابة العمدية بدعوى استفادته من الأخبار الواردة في الملاعبة ونحوها
ببعض التقريبات التي تقدمت الإشارة إليه فيما سبق فراجع فروع الأول لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا أو غيره لغرض صحيح
فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه كما ظهر وجهه مما مر آنفا ولو فعل ذلك عبثا قيل عليه القضاء و قيل لا وهو الأشبه لو لم نقل بثبوته في وضوء النافلة
وإلا فلا يخلو القول بوجوبه في المضمضة عبثا عن وجه كما عرفته فيما مر الثاني ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه ولو بمخرج يحرم ابتلاعه
للصائم وإن لم يبرز إلى خارج الفم فإن ابتلعه عمدا وجب عليه القضاء قولا واحدا عندنا خلافا
لأبي حنيفة على ما صرح به في الجواهر وفي
المدارك بعد أن نسب القول بوجوب القضاء من غير تعرض للكفارة إلى الشيخ في الخلاف والمبسوط ووجه وجوبه مع الكفارة بأنه تناول المفطر عامدا
فساوى ما لو ازدرده من خارج قال ما لفظه ويمكن المناقشة في فساد الصوم بذلك لعدم تسميته أكلا ولما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله
بن سنان قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشئ أيفطره ذلك قال لا قلت فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه قال
لا يفطره ذلك إنتهى أقول منع تسميته أكلا مجازفة إلا بلحاظ قلته وعدم الاعتداد به عرفا وهى غير قادحة في مفطرية المفطرات كما عرفته في محله مع
أن المراد بالاكل المبطل عمدا للصوم أعم من الازدراد والبلع والتجرع ونحوه مما لا يسمى باسمه عرفا وتوهم أن لايصاله إلى الجوف من الخارج دخلا
في التسمية أو في انصراف النهى عن الاكل إليه مدفوع بأن هذا إن سلم فهو مجد في عدم قادحية مثل النخامة والجشاء ونحوه مما كان وصوله إلى الفم من
الباطن لا في مثل الطعام الذي وضعه في فيه ولم يبتلع جميعه أو بعضه لمانع إلا بعد مدة كما في المقام فإنه بعد أن ابتلعه صدق عليه إنه أكل جميعه صدقا
حقيقيا بالنسبة إلى كل جزء منه حتى المتخلف بين أسنانه على سبيل التواطؤ كما هو واضح وبما أشرنا إليه من الفرق بين ابتلاع ما وصل إلى الفم من الخارج
أو من الجوف في إمكان منع التسمية أو الانصراف في الثاني دون الأول ظهر فساد الاستدلال لعدم الفساد فيما نحن فيه بصحيحة ابن سنان إذ بعد
تسليم العمل بإطلاق الصحيحة والالتزام بأن ابتلاع ما يتجشأ بعد وصوله إلى فضاء الفم عمدا غير مفسد فهو حكم مخصوص بمورده والتعدى عنه إلى ما نحن
فيه قياس مع الفارق هذا مع أن الالتزام بجواز ابتلاع ما يخرج من الجوف إلى فضاء الفم بالجشاء والقئ ثانيا في غاية الاشكال إذا الظاهر اندراجه
في مسمى الأكل والشرب عرفا والصحيحة المزبورة غير ناهضة بإثباته لقوة احتمال جريها مجرى الغالب من كون الازدراد بغير اختياره إنا؟؟
وصوله إلى فضاء الفم بل إلى أصل اللسان وما دونه أو لسبق رجوعه إلى الجوف لا عن عمد لما فيه بعد وصوله إلى فضاء الفم من النفرة المانعة من تعمد
ابتلاعه خصوصا ممن كان عازما على ترك جنس الأكل والشرب فإن شبهة اندراجه في موضوعهما كافية في الغالب لترك ابتلاعه عمدا فضلا عن شهادة العرف
بذلك هذا مع أنه لم ينقل القول بنفي الباس عنه عن أحد بل ظاهرهم الاتفاق على فساد الصوم يتعمد ابتلاع ما تخلف في الفم من القئ أو القلس وإن اختلفوا
في أنه يوجب القضاء خاصة كما عن صريح الغنية بل عن ظاهره دعوى الاجماع عليه وعن الحلى التصريح بوجوب الكفارة أيضا وهذا هو الأشبه كما أن
الأشبه في ابتلاع الغذاء الخارج من بين الأسنان عمدا القضاء والكفارة لاندراجهما فيما دل عليهما إلى فيمن أفطر متعمدا ودعوى انصراف أدلة
الكفارة عن مثله كما لعله مستند القول بالعدم غير خالية عن النظر والله العالم وفي السهو لا شئ عليه ولو مع تقصيره في التخليل إذ لا ملازمة
بينه وبين الوصول إلى الجوف قهرا كي يدعى اندراجه حينئذ في العامد بإيجاد سببه اختيارا فما عن فوائد الشرايع من أن الأقرب مع التقصير القضاء خاصة
لتعريضه صومه للافطار لا يخول عن نظر مع أنه تعريض لوصوله إلى الجوف سهوا وهو ليس بمفطر ولا دليل على وجوب التحفظ حتى يجعله بحكم العمد اللهم
إلا أن يقال بانصراف ما دل على العفو عن السهو عن مثله فيبقى مندرجا تحت القاعدة الأولية وهى سببية مطلق الاكل ولو سهوا لبطلان الصوم
لولا الدليل الحاكم كما هو المفروض فليتأمل الثالث لا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق عدا ما عرفته فيما سبق من الحقنة بالمايع للأصل بعد انتفاء ما يدل
على وجوب الكف عن مطلق ما يصل إلى الجوف ما لم يندرج في مسمى الاكل و الشرب والاحتقان بل ظهور الصحيح الحاصر لما يضر الصائم في أربع الطعام والشرب
والنساء والارتماس والروايات التي ورد فيها تعليل عدم الفطر بالكحل والذبات الداخل في الحلق بأنه ليس بطعام في خلافه إذا الغالب فيما يصل إلى الجوف
من سائر المنافذ لا يسمى طعاما مع أن المتبادر من الامر باجتناب الطعام والشراب والنساء هو إن لا يطعم ولا يشرب ولا ينكح فوصول شئ إلى الجوف حيث لا
يكون مندرجا في مسميات هذه الأفعال لا يضر بالصوم قضية للحصر الوارد في الصحيح وقيل كما عن الشيخ في المبسوط وجماعة منهم العلامة في المختلف
إن صب الدواء في الا حليل حتى يصل الجوف يفسده وأستدل عليه بأنه قد أوصل إلى جوفه مفطرا بأحد المسلكين فأن المثانة تنفذ إلى الجوف فكان موجبا
للافطار كما في الحقنة وفي المدارك نقل عن المصنف في المعتبر أنه أجاب عن هذا الدليل بأن المثانة ليس موضوعا للاغتذاء وقولهم للمثانة منفذ إلى
الجوف قلنا لا نسلم بل ربما كان ما يرد إليها من الماء على سبيل الترشح ولا يبطل الصوم بالامر المحتمل إنتهى وظاهره كون الكبرى عنده مسلمة وإنما
مناقشة في الصغرى ولعله لذا أي لأجل مناقشة في الصغرى وعدم الجزم بأن ما يصل إلى المثانة على سبيل الترشح دون الكبرى قال هيهنا وفيه تردد
ولا ينافيه تصريحه فيما سبق بأن ما يصل إلى الجوف بغير الحلق غير مفسد لامكان أن يكون تسليمه للكبرى في خصوص الفرض من باب الالحاق بالحقنة بتنقيح
204

المناط غير إن يلتزم به في مطلق ما يصل إلى الجوف أو يكون تسليمه فيما إذا كان وصوله إلى الجوف من المنافذ الموجودة في البدن بمقتضى الخلقة الأصلية
وهى منحصرة في الطرفين الأسفلين وفي منافذ الرأس التي طريقها إلى الجوف من الحلق وهو بحسب الظاهر ملتزم بأن ما يصل إلى الجوف من الحلق عمدا
مفسد للصوم سواء كان من الفم أو غيره من المنافذ كما يفصح عن ذلك تقييد الحكم بكراهة السعوط فيما سيأتي بما إذا لم يصل إلى الحلق حيث يظهر من
ذلك التزامه بالمنع على تقدير وصوله إلى الحلق فمراده فيما سبق بما يصل إلى الجوف بغير الحلق ما كان من قبيل ما لو طعن نفسه فوصل إلى جوفه أو وضع
دواء على جرح في بدنه فوصل إلى الجوف أو نحو ذلك خلافا لما عن الشيخ في المبسوط من القول بفساد الصوم بذلك وعن العلامة في المختلف بعد حكاية
القول به عن المبسوط اختياره ولكن نقل خلاف الشيخ التصريح بموافقة المشهور وعدم الافطار بالتقطير في الذكر ولا بوصول الدواء إلى جو من جر
ولا بوصول الرمح مثلا إليه رطبا كان أو يابسا أستقر في الجوف أولا مقتصرا في حكاية الخلاف في ذلك على العامة ولكن الأظهر عدم ابتناء ترد؟
المصنف في هذا الكتاب على ما ظهر من معتبره من التردد في الوصول إلى الجوف وعدمه لأنه فرض موضوع المسألة هيهنا فيما لو وصل إلى الجوف فلا يبقى
معه مجال للتردد في حكمه بعد تسليم الكبرى لو لم يكن الفرض مبنيا على المسامحة في التعبير فكان منشاء تردده هيهنا عدم كون ما يستدخله إلى الجوف من أسفله
مثل ما يوصله إلى جوفه من حلقه عمدا في إمكان استفادة حرمته مما دل على الأكل والشرب بالتقريب الآتي ومن إمكان الحاق ما يصل إلى الجوف من
الإحليل بالاحتقان بتنقيح المناط وكيف كان فالحق في المقام هو ما عرفت من عدم فساد الصوم بما يصل إلى الجوف بغير الحلق مطلقا عد الحقنة بالمايع
من غير فرق بين أن يكون من الإحليل أو من غيره وإلحاق الأول بالحقنة قياس لأنا نقول به ودعوى إن مناط الحكم هو وصوله إلى الجوف من غير مدخلية
لطريقه مما لا ينبغي الالتفات إليها وأما ما يصل إلى الجوف من الحلق فإن كان من طريق الفم فهو مفسد مطلقا سواء سمى في العرف أكلا وشربا أو
بلعا أو تجزعا أو ازدرادا ونحوه إذ المراد بالاكل والشرب في هذا الباب ما يتناول ذلك كله بلا شبهة ولا نعنى بالاطلاق ما يتناول مثل إد خال أصبعه
أو رمح أو عصا ونحوه في حلقه فإن مثل ذلك أجنبي عن مفهوم الأكل والشرب كما أن إخراجه من الحلق أجنبي عن مفهوم القئ فلا ينبغي الارتياب في عدم
قادحية مثله لا إد خالا ولا إخراجا إذ لا ربط له بماهية المفطرات التي دلت الأدلة على وجوب الكف عنها كما هو واضح وإنما المراد بالتعميم المعنى
الذي لا يتحقق معه عرفا صدق اسم الاجتناب عن الطعام والشراب بل يعد تناولا للمطعوم والمشروب وإن لم يطلق عليه خصوص اسم الأكل والشرب أو أنصرف
عنه إطلاقه ومن هنا قد يقوى في النظر عدم الفرق فيما يصل إلى الجوف من الحل بين كون وصوله إلى الحلق من الفم أو الانف أو غيره من المنافذ الموجودة
في الرأس إصالة أو لعارض إذ لا يقال على من استوفى حظه من الطعام والشراب بتجرعه من أنفه إنه أجتنب عن الطعام والشراب وإن لم يطلق
على فعله إنه أكل أو شرب لا يقال إن المتبادر من الامر باجتناب الصائم عن الطعام والشراب إنما هو إرادة الاجتناب عن أكله وشربه لا مطلق إيصاله
إلى جوفه وإلا لفهم منه حرمة الاحتقان وصب الدواء في الا حليل ونحوه مع أنه ليس كذلك جزما لأنا نقول المتبادر منه إرادة الأكل والشرب بهذا
المعنى العام لا خصوص ما وضع له لفظهما أو أنصرف إليه إطلاق اسمهما بل المتبادر من الامر بالصوم والكف عن الأكل والشرب لأجل المناسبة
بين الحكم وموضوعه ليس إلا إرادتهما بهذا المعنى كما أنه لا يتبادر من نهى الشارع عن شرب الخمر وأكل لحم الخنزير إلا أرادتهما بهذا المعنى ولذا لا يرتاب
أحد من المتشرعة في حرمة الاستنشاق بهما على وجه يوصلهما بذلك إلى جوفه عمدا ولذا لم يظهر من أحد من الأصحاب عدا بعض متأخري المتأخرين التشكيك
في فساد الصوم بإيصال شئ إلى جوفه عمدا من أنفه لو لم ينعقد الاجماع على الفساد لخروجه عن مسمى الأكل والشرب وعدم صحة دعوى القطع بالمناط في الاحكام
التعبدية وهو في غير محله كما عرفت وأما تشكيك كثير منهم أو جزمهم بعدم الافساد فيما يصل إلى الحلق بالاكتحال أو التقطير في الاذن فهو في محله فإن
ما يصل إلى الحلق من طريق العين والاذن لا يصل إليه إلا بعد الاستهلاك والاضمحلال وعدم بقاء حقيقة عرفا فمن أكتحل بالنبات مثلا أو قطر
في إذنه شيئا فوصل إلى جوفه لا يكون ذلك على وجه صدق عليه إنه ابتلع أو ازدرد ذلك الشئ بل يقال إنه أكتحل بالنبات فوجد طعمه في حلقه ولا يقال
وصل عينه إليه إلا تجوزا وما يقال من أن وصول طعمه ملزوم لوصول جرمه الحامل للطعم على تقدير تسليمه غير مجد في المقام لعدم ابتناء الأحكام الشرعية
على التدقيقات الحكمية فالمدار على صدق ازدراد النبات وإيصاله إلى الجوف من الحلق وهو منتف في الفرض نعم لو فرض كون العين والاذن أيضا
كالانف والفم بحيث يجرى ما يصب فيهما إلى الحلق مع بقائه على حقيقته عرفا أو فرض وجود منفذ عارضي كذلك لا ينبغي الارتياب في مفطريته كما أنه لا ينبغي
الارتياب في حرمة تناول سائر المحرمات التي نهى الله تعالى عن أكله وشربه كذلك لحصول معنى الأكل والشرب الذي يناسبه الحكم بذلك وإن لم يندرج
في مسماهما عرفا بل قد يقال باندراجه في مسماهما حقيقة وإنما ينصرف عنه إطلاق اسمهما لعدم تعارفه أو ندرة وجوده وفيه تأمل الرابع لا يفسد الصوم أبتاع النخامة
وفي القاموس النخمة النخامة بالضم النخاعة ونخم كفرح نخما ويحرك وتنخم بشئ من صدره أو أنفه وفي المجمع النخامة بالضم النخاعة يقال تنخم الرجل إذا انتخع
والنخاعة ما يخرجه الانسان من حلقه من مخرج الخاء وعن الصحاح النخامة النخاعة وبالعكس وعن المغرب أنها ما تخرج من الخيشوم عند التنخع فهي على
الظاهر اسم لمطلق ما يخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة سواء نزل في الأصل من الرأس أو خرج من الصدر ولكن المراد بها في المتن على الظاهر
خصوص الأخير حيث جعل ما ينزل من الرأس قسيما لها وكيف كان فما يخرج من الصدر لا يفسد ابتلاعه وكذا البصاق المجتمع في الفم فضلا عن غير المجتمع ولو كان عمدا
قد تم ما صدر عن المصنف قدس سره من كتاب الصوم والحمد الله أولا وآخرا ويتلوه كتاب الرهن
قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق الشريفة بيد أقل العباد طاهر (خوشنويس) أبن المرحوم الحاج عبد الرحمن غفر الله تعالى ذنوبهما في شهر رمضان 1364
205

بسم الله الرحمن الرحمن
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين كتاب الرهن والنظر فيه أي في
الكتاب يستدعي فصولا لبيان ماهية الرهن وشرائطه والحق الذي يجوز أخذ الرهن عليه وما يشترط في الراهن وفي المرتهن وما يستدعيه من اللواحق الفصل الأول في
حقيقة الرهن وهو لغة الثبات والدوام يقال رهن الشئ إذا ثبت والنعمة الراهنة هي الثابتة الدائمة وعن المصباح المنير أو الحبس بأي سبب كان قال الله تعالى
كل نفس بما كسبت رهينته أي محبوسة بما كسبت من المعاصي غير مفكوكة كذا نسب إلى جماعة منهم العلامة (قده) وفي التذكرة ولكنه حكى عن الزمخشري أنه فسره بقوله
كان نفس العبد رهن عند الله بالعمل الصالح الذي هو يطالب به كما يرهن الرجل عبده بدين عليه فإن عمل صالحا فكها وخلصها وإلا أوثقها ولعل التفسير الأول
أوفق بظاهر الآية والاستثناء الواقع عقيبها في سورة المدثر وهو قوله تعالى إلا أصحاب اليمين والله العالم لظهور قوله كسبت في الماضي وكونها صادرة عن أرادته
النفسانية وكذا الاستثناء الواقع عقيبها في سورة المدثر وهو قوله تعالى إلا أصحاب اليمين إذا الظاهر أنها ليست مرهونة لا أنها مفكوكة عن الرهن وحملها على
المنقطع أبعد وكيف كان فقد يظهر عن بعضهم معنى ثالث للرهن وهو المخاطرة كما يقال أرهن أبنه إذا جعل في معرض المخاطرة وظني إن المعنيين الأخيرين تعبير عن
معنى واحد مرتكز في الذهن بملاحظته موارد استعمالاته وما ذكره تفسير لفظي غير منطبق على تمام حقيقته وإلا فمعناه معروف ولذا أعرض بعض المحققين من اللغويين
على ما قيل عن تفسيره وقال الرهن معروف وما هو المعروف عند الفقهاء أيضا قسم خاص منه لا بمعنى أن لهم فيه اصطلاحا خاصا بل بمعنى أنهم يريدون به ما يترتب
عليه الأثر شرعا وليس للشارع ولا للمتشرعة فيه عرف خاص إذا المتبادر منه في كلماتهم ليس إلا معناه المعروف لكن الشارع أعتبر في ترتب الأثر عليه شرائط كسائر
ألفاظ المعاملات مثل البيع والصلح والإجارة وغيرها مما هو اسم للمعاملة الخاصة وقد يستعمل بمعني المرهون كالرهين والرهينة والتاء فيه للمبالغة كما عن
المجمع ويستوى فيه المذكر والمؤنث والحاصل إنه ليس للشارع ولا للمتشرعة اصطلاح خاص في الرهن فما قيل من إنه شرعا وثيقة لدين المرتهن ليس على ما ينبغي
فالأولى ترك التقييد بقوله شرعا كما في المتن وإن كان يتوجه عليه أيضا أن الوثيقة مرهونة لارهن وإطلاق الرهن عليها أحيانا توسع والمقام غير مبني عليه
فنقول الرهن مثل البيع قد يطلق على معناه المصدري وقد يطلق على الأثر الحاصل منه وهو المعاملة الخارجية وهذا هو المراد في كلمات الفقهاء في صدر عناوينهم
غالبا حيث يقولون كتاب البيع كتاب الصلح وغير ذلك ولذا تريهم يقولون في تعريف البيع ونظائره إنه عقد مشتمل على الايجاب والقبول فالرهن أيضا كذلك عقد
يفتقر تحققه إلى الايجاب والقبول هذا إن عممنا الايجاب والقبول بحيث يندرج فيهما غير اللفظ حتى يشمل المعاطاة وإلا فدعوى افتقار تحققه عرفا إلى اللفظ ممنوع
فضلا عن اللفظ الخاص وإن قلنا إنه لا يترتب عليه أثر شرعا أو أنه غير لازم عند الشارع وذلك لما عرفت في كتاب البيع من أن المعاطاة بيع حقيقة وقد أدعى
المحقق الثاني الاتفاق على كونها بيعا حيث قال في مقام الاستدلال على صحتها وقوله تعالى وأحل الله البيع يتناولها لأنها بيع بالاتفاق وحتى من القائلين
بفسادها لأنهم يقولون بيع فاسد وعلى هذا فالتفرقة بين البيع والرهن بدعوى الصدق في البيع دون الرهن مما لا وجه له فالعجب من المحقق المذكور حيث
أستشكل على ما ذكره العلامة أعلى الله مقامه في التذكرة حيث قال إن الخلاف في الاكتفاء فيه بالمعاطاة والاستيجاب والايجاب المذكورة في البيع آت
هيهنا بقوله أن باب البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالاجماع بخلاف ما هنا أما الاستيجاب والايجاب فيعم مع أنك قد عرفت أنه أثبت حكم المعاطاة أعني الصحة
في البيع بالاطلاقات لا بالاجماع والاتفاق الذي ادعاه في كلامه إنما هو في صدق البيع لا في صحته فيتوجه عليه حينئذ سؤال الفرق بين البيع والرهن وحيث يتمسك
في البيع بالاطلاقات دون الرهن هذا ولكنه جمع سيد مشايخنا بين كلاميه بتوجيه ليس بالبعيد في مقام التوجيه بدعوى أن غرضه من حكم المعاطاة هو
نفي اللزوم لا الصحة وحاصل التوجيه إنه ربما يظهر من كلمات غير واحد منهم إن العقود اللازمة لا تتحقق إلا باللفظ بل يظهر من بعضهم أنه مسلم بينهم وأنه
إجماعي فهذا ينتج أن المعاطاة لو صحت في عقد إنما ينعقد جائز لا لازما فعلى هذا يصح أن يقال عدم لزوم بيع المعاطاة إجماعي ولا ينافي نفي اللزوم حقيقة
البيع فلا مانع عن شمول الاطلاقات له وهذا بخلاف الرهن حيث إن الجواز الذي هو من لوازم المعاطاة على ما أدعى عليه الاجماع ينافي حقيقة الرهن حيث
إنه شرع للاستيثاق ولا وثوق مع الجواز بل نسب إلى بعض دعوى الاجماع عليه إنه الجواز ينافي حقيقة الرهن وقد حكى عن المحقق المذكور دعوى الاجماع في
كلا المقامين فعلى هذا يشكل القول بكفاية المعاطاة في الرهن ولكنه يمكن أن يخدش في الاجماعين أما في الأول فبعدم الثبوت وفي الثاني بوجود الخلاف
فإذا الأقوى هو الصحة لاطلاق الأدلة وأصالة اللزوم مؤيدا بالسيرة المستمرة بين المسلمين من عدم تقيدهم بإنشاء قولي رأسا فضلا
عن لفظ خاص بل يكتفون بمجرد المعهودية والمقاولة السابقة ونظائرها مما ليس بإنشاء قولي ثم لو سلمنا انعقاد الاجماع على عدم انعقاد العقود
اللازمة إلا باللفظ فالأقوى عدم اختصاصه بلفظ دون لفظ أو لغة دون أخرى اقتصارا في تقييد الأدلة على القدر الثابت فالايجاب كل لفظ دل على
الارتهان كقوله رهنتك أو هذا وثيقة عندك وما أدى هذا المعنى بأي لغة كانت ولو ملحونة بعد فرض إفادة المعنى ووجهه ظاهر ولو عجز عن النطق بالايجاب
ولو لخرس عارضي كفت الإشارة المفهمة للمقصود ولو كتبه بيده والحال هذه وعرف ذلك من قصده جاز بلا إشكال في شئ منهما لما عرفت من لزوم الاقتصار
في التقييد على القدر الثابت وحيث لا إجماع على الفساد فليحكم بالصحة مضافا إلى نقل عدم وجدان الخلاف في الاكتفاء واستظهار قيامهما مقام اللفظ
فيما يحتاج إلى اللفظ مما ورد في تلبية الأخرس وتشهده فيتأمل وقد بان لك أيضا قوة القول بأن القبول هو الرضا بذلك الايجاب لو اقترن
بكاشف كالقبض مثلا لما عرفت في مبحث المعاطاة من الاشكال بل المنع في صدق العقد بمجرد التراضي من دون كاشف رأسا نعم لا يحتاج في الصدق
إلى خصوص اللفظ فيكفي في القبول ما يدل على الرضا مطلقا وإن قلنا أن إيجابه لا ينعقد إلا باللفظ كما يظهر من عبارة المنصف (ره) ووجهه عدم اقتضاء
206

الدليل المذكور على فرض تسليمه إلا اعتبار اللفظ بالنسبة إلى من يكون العقد لازما من طرفه وأما اعتباره مطلقا حتى بالنسبة إلى من ليس لازما
عليه فلا ولا إشكال بل ولا خلاف ظاهرا عندنا في أنه يصح الارتهان سفرا وحضرا لوجود المقتضي وعدم المانع والشرط في الآية مبني على بيان الغالب
من موارد الحاجة إلى الارتهان كاشتراطه بعدم وجود الكاتب وليس له مفهوم في أمثال المقام كما في قوله تعالى وإن كنتم على سفر إلى قوله ولم تجدوا ماء
فتيمموا واعلم أنهم اختلفوا في أنه هل القبض من المرتهن شرط في صحة الرهن وترتيب آثاره عليه على قولين قيل لا يشترط في الجواهر والقائل الشيخ في أحد
قوليه وأبن إدريس والفاضل وولده والمحقق الثاني والشهيد الثاني بل حكى أيضا عن البشرى والجواهر وتخليص التخليص والمقتصر وغاية المرام وإيضاح
النافع وغيرها بل في السرائر نسبته إلى أكثر المحصلين وفي كنز العرفان إلى المحققين وقيل يشترط وفي الجواهر أيضا والقائل المفيد والشيخ في القول الآخر و
بنو الجنيد وحمزة والبراج والطبرسي وغيرهم على ما حكى عن بعضهم بل عن الطبرسي الاجماع عليه بل ربما ظهر من بعضهم ما هو المحكى عن بعض أهل اللغة
من عدم تحقق مسمى الرهن بدونه أقول وهذا هو الأصح وفاقا للمصنف ولمن عرفت ممن تقدم لا لقوله تعالى فرهان مقبوضة لامكان الخدشة بكونها
مسوقة لبيان تمام الارشاد بذكر الفرد العامل من الرهن بقرينة قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان
ممن ترضون من الشهداء مضافا إلى ظهوره بقرينة التأكيدات المستفادة من الآية في القبض الاستمراري مع أنه لم يقل به أحد فلا يصح حمل الآية
على بيان الشرطية هذا ولكن الانصاف عدم ظهوره في القبض الاستمراري لأن المقبوض أعم وصدقه على ما تحقق فيه المبدء فيه في الجملة مما لا إشكال
فيه وما ذكر من المؤيدات لا يعين إرادة الاستمراري فعلى هذا لا يخلو الاستدلال بها لما نحن فيه عن وجه ولكن العمدة في المقام هي موثقة محمد بن قيس لا رهن إلا
مقبوضا المعتضدة بما رواه العياشي عن محمد بن عيسى عن الباقر عليه السلام كذلك والخدشة فيها ممن لا يرى العمل بالموثق غير ضائرة وظهورها في اعتبار القبض في
ماهية الرهن غير قابل للانكار وبعد تعذر إرادة معناه الحقيقي إن قلنا إن القبض ليس شرطا في تحقق المفهوم عرفا فليحمل على نفى الصحة وعدم ترتب الأثر
لكونه أقرب المجازات من غيره كنفي الكمال ونفي اللزوم مثلا والمناقشة فيها بظهورها في القبض المستمر فيرد عليه ما أورد على الآية في غير محلها حيث إن الوصف
لا يقتضى الاتصاف إلا حال النسبة وهو حال تحقق الرهن لأن معناها على ما هو الظاهر منها أنه لا يتحقق الرهن الصحيح إلا حال كونه مقبوضا في هذه الحالة
يتحقق وأما استدامة اليد فالرواية ساكتة عنها فبهذه الرواية يقيد أطلاق لزوم الوفاء بالعقد ووجوب وفاء المسلمين بشروطهم و نظائرهما وقيل
لا يشترط القبض في الصحة وإنما هو شرط في اللزوم ووجهه غير ظاهر ولعله لحمل الرواية على نفى اللزوم بعد تعذر حملها على نفى حقيقته بدعوى تنزيل غير اللازم
منزلة العدم في عدم الاستيثاق والمعتبر في ماهية الرهن فيه ما عرفت من أن نفي لا صحة أقرب من ذلك وقد ظهر ما ذكرنا إن المسألة ثلاثية الأقوال وإن
النزاع فيها في محلين إلا أن كثيرا منهم صرحوا بأن المسألة ذات قولين وإن النزاع إنما هو في محل واحد ولكن بعضهم يحررون النزاع مثل المصنف حيث
ظهر منه أن الخلاف في كونه شرطا في صحة الرهن وعدمها وبعضهم صرحوا بعد ذكر شروط ستة لصحة الرهن وإذا تكامل هذه الشروط صح الرهن بلا خلاف
وليس على صحته مع اختلال بعضها دليل وأما القبض فهو شرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن ومن أصحابنا من قال يلزم بالايجاب والقبول اه؟؟ فمن هذا
ونظائره يتبين إن النزاع في مقامين إلا أنه اشتبه على كل من الناقلين فظن انحصاره فيم أنسب إليهم فيصير المسألة في الحقيقة ذات أقوال ثلثه هذا هو الذي
يقتضيه الجمود على ظاهر عبارتهم وقد ذكرناه تبعا للشيخ الكبير في جواهره ولكن الانصاف إن وقوع مثل هذا الاشتباه من أساطين الفقهاء الأقدمين من
البعد بمكان ومن المحتمل قريبا مساوقة اللزوم مع الصحة عندهم في الرهن لعدم الوثوق بالرهن الجائز فمن عبر بأنه شرط في لزومه أراد إنه شرط في صيرورته
لازما نافذا وعند الشارع ومن نقاه قال إنه يصح بدون ذلك وصحته لا ينفك عن اللزوم ولذا يعبرون بمثل هذا التعبير وأما قوله فليس شرطا في صحته فمراده إنه
ليس معتبرا في مهية الرهن ومفهومه وذلك نظير قولنا إن عقد الفضولي صحيح ولكنه موقوف في تأثيره على إجازة المالك وإطلاق اللازم على المؤثر خصوصا إذا كانت
ماهية مساوقة الملزوم ليس بمستبعد في كلمات قدماء أصحابنا رضوان الله عليه ولعلك بعد التتبع في كلماتهم خصوصا المبسوط والمختلف في باب الرهن
ونظائره مثل الهبة والقرض والوقف وملاحظة اختلاف فروعاتهم وكيفيات تعبيراتهم تطمئن بهذا التوجيه وإن كان بظاهره بعيدا ولكنه بعد الانس
بكلماتهم وملاحظة تفسيرات بعضهم لكلمات آخرين حيث إنه يسند القول باعتبار القبض في الصحة إلى من عبر بمثل العبارة والمتقدمة مع أنها بظاهرها تنادى
باعتباره في اللزوم دون الصحة وقد ذكر نظير ما ذكرنا في المسالك في الوقف بعد قول المصنف والقبض شرط في صحته الخ (قال ظ)؟؟ لا خلاف عندنا في إشتراط القبض في تمامية
الوقف بحيث يترب عليه أثره بمعنى كون انتقال الملك مشروطا بالايجاب والقبول القبض فيكون العقد جزء السبب الناقل وتمامية القبض فقبله يكون العقد
صحيحا في نفسه لكنه ليس بناقل للملك فيجوز فسخه قبله ويبطل بالموت قبله والنماء المتخلل بين العقد والقبض للواقف وبهذا يظهر إن القبض من شرائط
صحة الوقف كما عبر به المصنف وجماعة ولكن بعضهم عبر بأنه شرط اللزوم ولا يريدون وبه معنى آخر غير ما ذكرناه وإن كان من حيث اللفظ محتملا لكونه عقدا
تاما ناقلا للملك نقلا غير لازم وإنما أراد بكونه شرط في اللزوم إن العقد لا يتم ولا يلزم بحيث يترتب عليه أثره أو إن الانتقال لا يلزم انتهى ما أردنا نقله
وكيف كان فالاعتماد على ظاهر ما ذكرت ونسبة كونهم ذات أقوال ثلاثة في المسألة مشكلة خصوصا بعد ما عرفت من عدم مدرك صحيح للقول الثالث ولكنه
بعد البناء على اعتبار القبض في الصحة لا داعي لنا في التعرض لتحقيق الأقوال والله العالم ثم أنه بعد البناء على اعتبار القبض في الصحة هل يشترط
أن يكون بإذن الراهن فلو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد عقد الراهن أم يكفي مطلقا فيه وجهان أوجههما الأول بل لعله مما لا خلاف فيه بين
القائلين باعتبار القبض إذ لا مقتضى لرفع اليد عن عموم سلطنة الناس على أموالهم واعتبار طيب نفس المالك في نفوذ التصرف قبل تمام السبب و
207

القول بورود التخصيص عليها بلزوم الوفاء بالعقود فلا يلاحظ دليل اعتبار القبض إلا بالنسبة إلى عمومات الوفاء مدفوع بأن دليل لزوم الوفاء بالعقد ليس
مخصصا لهذه الأدلة بل هذه مقيدة له ولذا اعتبرنا في صحة العقود كونها عن طيب نفس المالك فكما إنها تقتضي اعتبار الرضا في أصل العقد كذلك
تقتضي استمراره إلى أن ينقضي تمام السبب إذ لو لم يكن كذلك لما تحقق الرهن عن طيبه إذ يصح اتصافه بذلك إذا كان الجزء الأخير من السبب مقارنا مع طيب
نفسه مثلا لو باع شيئا ورضي به إلى أن ينقضي تمام السبب أعني الايجاب والقبول لا يكون لزوم هذا البيع منافيا لسلطنته واعتبار رضاه بل يؤكده وهذا
بخلاف ما لو بداله قبل تمامية السبب كما لو رجع قبل تحقق القبول حيث إنه حينئذ باق في ملكه وهو كاره خروجه فلا يقع وكذا فيما نحن فيه لو لم يرض بالقبض
الذي هو جزء السبب ولم يأذن به أو أذن في قبضه ثم بداله فرجع عن إذنه قبل قبضه لا يصح وتوهم تمامية ما ذكر لو تحقق الكراهة قبل تمامية ما هو السبب
عند العرف وهذا بخلاف ما لو أعتبر الشارع في ترتب الأثر أمرا خارجيا تعبديا كطيران في السماء فلا ينافي كونه خارجا عن اختيار المالك في اتصاف
البيع بكونه اختياريا بنظر العرف بعد إيجاد تمام ما هو السبب عندهم باختياره مدفوع بأن اعتبار الشارع كاشف عن مدخليته في النقل وعدم تحقق
النقل بدونه وحكم العرف بكون النقل اختياريا لأجل خطائهم في السبب حيث أنهم يزعمون السبب ما عدى ذلك وإلا فلا فرق في ذلك عند العقل بين
الامر الذي أعتبر العرف أو بينه الشارع وهذا ظاهر وبهذا ظهر لك إن دعوى تخصيص هذه الأدلة بإطلاق قوله (ع) لا رهن إلا مقبوضا كتقييد دليل
وجوب الوفاء بالعقود غير مسموعة إذ بعد تسليم ظهورها في الاطلاق والغض عن عدم كون هذه الرواية ناظرة إلا إلى بيان إشتراط القبض في الجملة وإنه
بالنسبة إلى هذه الجهات مهملة ففيه إن هذه القواعد المتقنة المحكمة المؤيدة بالعقل والنقل لا يجوز رفع اليد عنها بمجرد ظهور اللفظ في الاطلاق
خصوصا في مثل المقام الذي ربما يدعي انصرافها في حد ذاتها إلى المقبوضية التي تحققت بإذن المالك وليس بالبعيد وأضعف من ذلك دعوى الاقتصار
على القدر المتيقن من التقييد وهو مطلق القبض بعد البناء على إهمال دليل المقيد كما لا يخفى فظهر اعتبار الاذن مما لا إشكال فيه مضافا إلى دعوى
نفى القول الثالث بل يمكن دعوى الاجماع التقديري بأن يقال الكل مطبقون على إنه لو أعتبر القبض للزوم أن يكون عن إذن فيثبت الحكم بالاجماع بعد
أثبات المعلق عليه فتدبر وكذا لا يصح الرهن لو نطق بالعقد ثم جن أو أعمى عليه أو مات قبل القرض مثلا على إشكال فيها خصوصا في الأولين منها ولا
سيما في أوسطها خصوصا إذا بنينا على إن القبض معتبر في اللزوم دون الصحة فإن القول بالصحة فيها على هذا التقدير قوى هذا إذا لم ينعقد الاجماع
في المسألة على البطلان من القائلين باعتبار القبض ومن النافين أيضا على تقدير اعتباره حتى يمكن دعوى الاجماع التقديري وعدم القول بالفضل
وإلا فإتمام المسألة بجميع فروضها على القواعد في نهاية الاشكال واستدلوا للبطلان بأدلة منها ما يناسب القول باعتباره في الصحة ومنها ما يناسب
القول باعتباره في اللزوم أما القسم الأول فمنها ظهور ما دل على شرطية الاختيار في اعتباره إلى تمام السبب فيجب أن يكون الاختيار باقيا إلى أن
يتحقق القبض والمفروض انتفائه بأحد هذه الأسباب فيبطل العقد ومنها إصالة الفساد في المعاملات وأما القسم الثاني فهو إنه حينئذ من العقود
الجائزة المعلوم بطلانها بعروض هذه الأشياء كالعارية والوديعة والوكالة ونظائرها ويمكن الخدشة فيها أما في الأول فبأن ما دل على شرطية
الاختيار مثل قوله عليه السلام لا يحل مال امرأ إلا عن طيب نفسه أو الناس مسلطون على أموالهم وكذا الاجماع على اعتبار الاختيار في تأثير الأسباب لا يثبت
بها إلا اعتبار طيب نفس من يتحقق التصرف في متعلق سلطنته وهو في الفرض الوارث أو الولي أو هو بنفسه لو أفاق عن جنونه وإغمائه قبل القبض فلو
رضى من بيده سلطنته المال على تحقق الرهن وإمضائه وإذن بالقبض وفاء للعقد السابق لا بعنوان إنه رهن مستقل معاطاتي يجب الوفاء به لتحقق
العقد والقبض والاذن ممن له ذلك ودعوى عدم شمول دليل وجوب الوفاء للعاقد لعدم تمامية العقد بالنسبة إليه ولا للوارث لعدم صيرورته عقدا له
بالرضا بالقبض مع أنها قاصرة عن أثبات تمام المدعى لعدم الشمول فيما لو أفاق هو بنفسه عن جنونه أو إغمائه غير مسموعة بعد البناء على صحة العقد الفضولي
بمقتضى القواعد إذ لا يقصر ما نحن فيه عنه فليتأمل وما يظهر من بعض في مثل المقام من إن تلفيق السبب مما لم يعلم شرعيته فلا يؤثر ففيه إنه بعد تحقق العقد
عرفا واحتفافه بالشرائط الثابتة بالشرع بطلانه يحتاج إلى دليل إذا الأصول والقواعد في مثل الفرض يكفي في الصحة كما لا يخفى وبهذا ظهر الخدشة في
الدليل الثاني أعني إصالة الفساد أيضا حيث إن دليل وجوب الوفاء بالعقد حاكم عليه وتوهم ورود التخصيص عليه بما قبل القبض فالمقام مما يجب فيه
استصحاب حكم المخصص لا التمسك بالعام كما تقرر في محله مدفوع بأن القبض أعتبر قيدا للرهن الذي يجب الوفاء لا أن ما قبله خارج عن حكم
وجوب الوفاء حتى يكون مخصصا في بعض أحوال الفرد فيستصحب في زمان الشك ويفصح عن ذلك كونه شرطا أو ظهور الدليل في ذلك وأما في
الثالث فبأن المسلم من البطلان في العقود الجائزة بهذا الأشياء إنما هو في العقود الإذنية التي لا تتقوم إلا يتحقق الاذن حقيقة أو حكما كما في
الغافل والنائم مثل الوكالة والوديعة والعارية والإباحة ونظائرها ضرورة سقوط الاذن الذي لا يتقوم هذه العقود إلا به بضنه هذه الأشياء
لخروج صاحبها عن الأهلية فيرتفع ما لا يتقوم إلا بالاذن وأما فيما يؤل إلى اللزوم كالبيع الخياري فلا وما نحن فيه من القسم الثاني لا الأول مبصر
هذا ولكن يمكن أن يدعي انصراف ما دل على اعتبار القبض إلى القبض الذي يكون من قبل المالك نفسه صادرا عن طيب نفسه لا المقبوضية مطلقا ولو كان
من شخص آخر غير العاقد أو لم يكن واقعا عن إذنه وسره إن من الامر المركوز في ذهن العقلاء مع قطع النظر عن الحكم الشرعي إن العقود التي ليست من
قبيل المعارضات بل من قبيل الهبات والصدقات مما لا يقتضي الخسارة إلا من طرف واحد لا يعتنون بمجرد العقد وإنشاء الهبة مثلا لو قال لزيد إن
دارى أو فرسى لك لا يعدون أهل العرف زيدا صاحب دار أو فرس بل لو سئل عن زيدا لك فرس يقول وعدني فلان ولا يقول نعم مع أنه إنشاء
208

الملكية إلا أنه لا يعد ما لا ما لم يقبضه وذلك لأنه يصعب عليهم الوفاء في أمثال هذه المعاملات فلا يترتب عليها آثارها عندهم إلا بعد
تأكد إنشائه بإيجاد أثره في الخارج بمعنى أن يقبضه العين الموهوبة وإلا فإنشائه المجرد عندهم ليس إلا بمنزلة الوعد فعلى هذا لو قال الشارع يعتبر في
الهبة أو القرض أو الرهن مثلا أن يكون مقبوضا ينسبق إلى الذهن القبض المتعارف عندهم في مثل هذه المعاملات وهو ما يكون مؤكدا للانشاء السابق
لأجل كونه وفاء قال فعلى هذا يجب أن يكون القبض من فعل من تحقق الانشاء بفعله فلا يكفي فعل الولي أو الوارث هذا ولك يشكل ذلك بما لو
أفاق هو بنفسه عن جنونه وإغمائه فإن وجوب الوفاء بعد قبضه بعد الإفاقة لا ينافي ما ذكرنا اللهم إلا أن يدعى انسباق استمرار الاختيار ولو حكما
أيضا من الأدلة بالتقريب المتقدم بأن يقال إن من المستقر المركوز في أذهانهم أيضا عدم الاعتناء بأجزاء السبب الذي للاختيار فيه مدخلية لو تخلل في
أثنائه الخروج عن الأهلية رأسا فلو أرادوا ترتب المقتضى بعد ذلك يجددون عن رأس فعلى هذا ينسبق هذا النحو أعني بقائه على أهلية إيجاد السبب
أيضا مستمر إلى أن يتم مستفادا من الدليل ولذا ترى الفقهاء لا يزالون يفتون بفساد العقود التي يعتبر فيها القبض بطرو هذه الطواري من دون نكير
وإن كانوا يتمسكون في مقام الاستدلال بما لا يسلم عن الخدشة إلا أن من المحتمل قريبا أن يكون هذا الامر المركوز في الذهن سببا لانصراف ومنشأ
للفتوى فتدبر هذا كله فيما لو طرء هذه الطواري للراهن وأما لو عرض للمرتهن فإثبات البطلان حينئذ أخفى نعم يمكن فيها أيضا بدعوى الانصراف بالتقريب
الأخير ثم هذا كله فيما لو اعتبرنا القبض في الصحة وأما لو قلنا بأنه شرط في اللزوم فالظاهر إن طرو هذه الطواري لا يوجب البطلان كما ظهر وجهه مما تقدم
ثم لا يذهب عليك إن مقتضى ما ذكرنا من اعتبار القبض ليس إلا اشتراطه في الجملة وأما اعتبار مطلقا فلا لما ذكرنا من أن صدق كونه مقبوضا الذي
يتوقف صحة الرهن عليه لا يقتضى إلا اتصافها بالمبدء في الجملة لا مستمرا فعلى هذا ليس استدامة القبض شرطا بل يكفي تحققه في الجملة للأصل والاجماعات
المنقولة المعتضدة بعدم وجدان الخلاف بين الامامية بل في الجواهر بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه بل لعل المحكى منهما مستفيض ومتواتر
وهو الحجة فلو عاد العين المرهونة بعد القبض إلى الراهن سواء كان بإذن المرتهن أم لا أو تصرف فيه من دون إذن المرتهن أو بإذنه ولكنه لا يكون التصرف
المأذون فيه منافيا لبقاء حقه لم يخرج عن حق الرهانة كما هو مقتضي العقود اللازمة فهذا مما لا إشكال فيه كبعض الفروع المتقدمة وإنما الاشكال في
إطلاق قولهم أنه لو رهن ما في يد المرتهن لزم الرهن ولو كان غصبا لتحقق القبض حيث إنه بظاهره يعم ما لو لم يعلم الراهن بالحال أصلا أو علمه سابقا و
لكنه ذهل عن كونه كذلك حال العقد مع أن هذا ينافي اعتبار الاذن في القبض كما لا يخفى ودعوى انصراف كلامهم إلى صورة علمه بالحال والتفاته حال
العقد مع أنها عارية عن الشاهد لا يثبت بها المدعي إذ لا ملازمة عرفا بين إرهان الشئ والاذن في قبضه بعنوان الرهن بعد فرض كون القبض شرطا
شرعيا للرهن أما في صحته أو لزومه نعم يتم ذلك لو قيل بأنه معتبر في مفهومه عرفا وعلى هذا فلا بد أن يلتزم بصحة القبض لو قبضه بعد العقد من دون إذن
جديد مع أن الظاهر إنه لا يلتزمون به ويمكن الفرق بعد البناء على كونه دالا على الاذن كما نقول به في الهبة بين القبض السابق واللاحق بما ذكرنا في
حكمه اعتبار القبض في أمثال المقام بأن يقال إن الهبة التي يعدونها أهل العرف بمنزلة الوعد ويحتاج في ترتب الأثر عليها بنظرهم إلى الانشاء الخارجي بعد القول
إنما هي فيما لم يكن المستوهب مستوليا عليه من قبل وأما فيما كان كذلك فالانشاء القولي بعد علم الواهب بالحال نافذ لديهم لا لعدم كون القبض شرطا
عندهم في هذا الفرض بل لتحققه على ما هو المفروض لكن إثبات كون الرهن كذلك عرفا لا يخلو عن إشكال ولو بنينا على دلالته على الاذن فلا إشكال
في صحة الرهن لتحقق الشرط أعني القبض ضرورة إن الشرط ليس إلا كونه مقبوضا بإذن الراهن وهو حاصل لا إحداث القبض كما لا يخفى فما أورد في الجواهر
بقوله لا يتحقق القبض الذي هو شرط لوضوح بطلانه في الأخير يعني فيما إذا كان غصبا المنهى عنه فيكون فاسدا لذلك إذ النهى وإن كان لا يقتضى
الفساد في غير العبادة إلا أن القبض ركن وعدم اقتضائه الفساد إنما هو بعد تمام الأركان إلى قوله بل لعدم تناول دليل الشرطية لمثل الفرض ضرورة
ظهور في غير المقبوض أما هو فيبقى على إصالة اللزوم لا يخلو عن نظر أما أولا فما ذكره من فساد القبض لوجود النهى ففيه إن النواهي النفسية التكليفية لو
اتحد مصاديق متعلقها مع العبادة أيضا لا تقتضي الفساد إلا في حال تنجز النهى الذي يمتنع معه تعلق الامر به الذي لا يصح العبادة إلا به فكيف في المعاملات التي
لا يحتاج تحققها إلى الامر بل يجتمع مع كونها حراما بمقتضى الحكم التكليفي كما لا يخفى وأما ثانيا فما ذكره من الانصراف ففيه أن أدلة اعتبار القبض ليس
إلا قوله تعالى فرهان مقبوضة على تقدير دلالته وقوله (ع) لا رهن إلا مقبوضا وشئ منهما لا يدل إلا على اعتبار كون الرهن مقبوضا غاية الأمر إنا أثبتنا اعتبار
كونه بإذن المالك ورضاه بمقتضى الأدلة الآخر لا إيجاده وإحداثه حتى يدعى انصرافه بل لو كان بلفظ ظاهر في كون الايجاد شرطا لأمكن دعوى سبق الذهن
إلى كون نفس القبض الخارجي الذي أثر فعله شرطا وفعله الذي هو عبارة عن إيجاده مقدمة لذلك فعلى هذا لا داعى بل لا وجه لقصر الشرطية على ما عدا
المورد وكونه حاصلا لا يقتضى ذلك كالمتطهر حال الامر بالصلاة فإن شرطية الطهارة للصلاة باقية جزما إلا أنه ليس مأمورا بها لحصولها كما لا يخفى
فظهر مما ذكرنا أن الايراد المتجه عليهم إنما هو منافاة ما ذكروه في هذه المقام مع اعتبارهم الاذن في الفرع السابق وكيف كان فالأقوى اعتبار الاذن في القبض
بعنوان كونه للرهن ولو قلنا باستفادته من نفس الصيغة لو كان الراهن عالما بالحال فلا يتحقق الرهن السابق ولو لم يكن بإذن المالك كاللاحق
إن قلنا باعتباره في الصحة كما هو الأقوى فعلى هذا لا يرتفع به الضمان السابق الحاصل بسبب الغصب بل ولا حرمته بلا إشكال وتأمل وأما لو أذن في استدامة
القبض للرهن فيصح بلا إشكال وإنما الكلام في أنه هل يرتفع الضمان بإذنه في إمساكه كحرمته أم لا وجهان من أن الغصب سبب للضمان ولم يحصل غايته التي
هي الأداء مع أن الأصل يقتضي بقائه أيضا وأما الرهنية فلا تقتضي عدمه وإلا لما ضمنه في صورة التعدي والتفريط مع أن المعلوم خلافه فهي في حد ذاتها لا تقتضي
209

الضمان ولا عدمها فما لم يحدث فيها سبب للضمان فهو باق على مقتضى الأصل من كون تلفه من مال مالكه ومتى عرض فيها سبب كالتعدي والتفريط يضمنه والغصب
السابق مقتض للضمان إلى أن يتحقق له رافع وهو أما معلوم العدم أو مشكوك فيستصحب ومن أن الرهن أمانة والمستفاد من أدلتها أن الاستيمان
مناف للتضمين وأما التعدي أو التفريط اللاحق فإنا نلتزم بأنه موجب لخروج الأمين عن كونه أمينا كما تخيله بعض أو نقول بأن أدلة الأمانات مخصصة
بالنسبة إليها وتوضيح المقام أن الأمانة في هذه المقامات ليس معناها الحقيقي (مرادا ظ) في مقابل غير الأمين أعني من لا ثقة بفعله بل المراد به كل من سلطه على
مالك وألقيت المال تحت يده بحيث يكون تسليطه على مالك بفعلك كما يظهر من الأخبار الواردة في هذه المقامات وهذا هو المعنى به في كلماتهم حيث
يعللون في بعض الموارد مثلا بأن المستأجر أو الودعي أو المستعير أمين وليس عليه إلا اليمين لا العدل الثقة وهذا ظاهر وإطلاق الأمين عليه لعله لأجل
معاملتك التي لا ينبغي أن يعامل مثلها إلا مع الامناء والمستفاد من الأدلة التي تدل على إن الأمين ليس بضامن و إنه لا يجوز اتهامه وتخسيره بمساعدة
فهم العرف بما ارتكز في أذهانهم إنهم بعد أن كان استيلائه بفعلك وأمرك ينافي ذلك تغريمه وورود خسارته عليه ومعلوم إنه لا فرق في ذلك بين أن
يأذن له ابتداء في التصرف أو يرخصه في استدامة اليد فهذه الأدلة كما تقتضي تخصيص قاعدة اليد بما إذا لم يكن بإذن المالك كذلك تقتضي تعميم الأداء
بحيث يعم ذلك بل ليس ذلك بعد الاذن إلا كما أداه إلى وكيله إذ كما أن الأداء إلى الوكيل بحكم الأداء عرفا كذلك استيلائه بعد إذن الملك أيضا
بحكم الأداء بنظر العرف ولذا أستدل في المقام لنفى الضمان بأنه أداء إذ من المعلوم إنه ليس أداء حقيقة بل هو بحكم الأداء عرفا ولا يخفى عليك أن
ما ذكرنا من منافاة الاستيمان للضامن إنما هي إذا كان الاذن مطلقا وأما لو لم يأذن إلا بشرط تحمل الضمان كما في العارية المضمونة فلا وبعبارة
أخرى الضمان إنما ينافي إطلاقها لا ذاتها كما أنه لا مانع عن الالتزام بالضمان بتعدى الأمين أو تفريطه بعد مساعدة دليل التعدي والتفريط على
ذلك وأما دعوى خروجه عن الأمانة بذلك فيمكن منعها بما أشرنا من عدم منافاتها للأمانة بالمعنى المعتبر في المقام فرع لو قلنا بعدم اعتبار القبض في
الصحة ولا في اللزوم وعدم استحقاقه لذلك أيضا فلا إشكال في عدم جواز القبض له من دون إذنه ولو كان مستوليا عليه قبل العقد أيضا يجب رده
عليه لو لم يرض بذلك وأما مجرد إيقاع عقد الرهن عليه فلا يدل على الرضا خصوصا على هذا التقدير كما لا يخفى وكذا لو قلنا باعتباره في اللزوم دون
الصحة فإنه لا يجوز له القبض من دون إذنه وكذلك إبقائه تحت يده من دون رضاه وأما مجرد إيقاع عقد الرهن عليه فدلالته على الرضا بالامساك
قد عرفت المنع عنه فلا يرتفع به الضمان السابق بل استيلائه عليه بعد العقد أيضا من دون إذنه سبب مستقل للضمان وأما استحقاقه للقبض بمجرد العقد
على هذا التقدير بعد فرض أصله جائزا قبل القبض فغير معقول بقي الكلام فيما لو قلنا بلزومه بمجرد العقد واستحقاقه للقبض من حينه فإن بنينا على إنه
يجوز له القبض بعد ذلك بأي وجه أتفق من دون حاجة إلى إذن الراهن في ذلك فالظاهر إنه لو قبضه بعد العقد من دون إذنه وتلف في يده لا يضمنه
لما سنذكره إنشاء الله تعالى من الأدلة التي تدل على إن العين المرهونة لو تلفت في يد المرتهن فهي من مال مالكه ودعوى انصرافها عن الفرض بعد أن كان الاخذ
عن استحقاق غير مسموعة كما أن الظاهر إنه كذلك لو قلنا بعدم جوازه إلا عن إذنه ولكنه أمتنع عن الاذن فقبضه المرتهن بأذن الحاكم أو بنفسه إذا جوزنا
له ذلك وإما لو قبضه من دون إذنه على القرض مع عدم كون الراهن ممتنعا فالظاهر الضمان لعموم القاعدة اليد وعدم معلومية شمول دليل المخصص للفرض
كما أن الظاهر بقاء الضمان لو تحقق سببه سابقا على العقد ولو قلنا باستحقاقه للقبض وعدم الحاجة إلى أذنه أيضا إلى أن يتحقق الأداء أو ما بحكمه كأذنه
في الابقاء وأما الأدلة التي دلت على إن المرتهن ليس بضامن فلا ينافي ذلك لعدم دلالتها إلا على إن الاستيلاء على العين المرهونة لا يقتضى الضمان
لا إنه يقتضى عدم الضمان كما لا يخفى على من لاحظ أدلتها فلا ينافي ذلك اقتضاء سبب آخر للضمان ولا يقاس هذه الأدلة بأدلة الأمانات في دلالتها
على رفع الضمان فعلا بعد تفاوتها في الإفادة واقتران دليل الأمانات بالتقريبات الذهنية التي يؤيد ظهورها في نفى فعلية الضمان فلاحظ وتأمل
ومما يتفرع على اعتبار القبض أيضا إنه لو رهن ما هو غائب عن مجلس العقد لم يصر رهنا صحيحا أو لازما على القولين حتى يحضر المرتهن أو القائم مقامه
عند الرهن ويقبضه ويصح على القول الأول ويلزم على القول الثاني وهذا مما لا إشكال فيه بل لا خفاء فيه بناء على اعتبار القبض ولكنه لا بد من
أن يقتصر فيه بما إذا لم يكن العين الغائبة في تصرف المرتهن وإلا فحكمه ما تقدم في الفرع المتقدم من حصول القبض وكفايته في الصحة لو كانت الاستدامة بإذن
الراهن كما أنه ينبغي أن ينبه في المقام على إنه لو وكل المرتهن من كان العين في تصرفه حال العقد في القبض بتحقق الرهن ولا يتوقف صحته ولا لزومه على
الفرض على الحضور لحصول الشرط إذ لا فرق في ذلك بين أن يباشره هو بنفسه أو بوكيله كما أنه لا فرق بين حضور العين وغيبتها بعد تحقق صدق كونها مقبوضة
إذ ليس المراد بالقبض القبض الحقيقي الذي لا يتحقق إلا بالاخذ باليد حقيقة بل المراد به ما هو منشأ للضمان فيما إذا كان مغصوبا مثلا ومن المعلوم إنه
لا فرق في ذلك أعني في تحقق القبض بهذا المعنى بين أن يكون العين المرهونة في حبرة حاضرة عنده وبين أن يكون في دار مفتاحها عند فعلى هذا يصح الرهن
لتحقق القبض بهذا المعنى نعم قد يتوهم إن الشرط إيجاد القبض لا استمراره وهو في الفرض غير متصور قبل الحضور فيكون موقوفا عليه وفيه أن دليل اعتبار
القبض ليس إلا قوله تعالى فرهان مقبوضة وقوله عليه السلام لا رهن إلا مقبوضا وشئ منهما لا يدل على شرطية أحداث القبض بل غاية مدلولها اعتبار كون المرهون
مقبوضا وهو حاصل في الفرض مع أنه لو سلم ظهورها في شرطية أحداث القبض بل لو ورد دليل يكون نصا في ذلك بالخصوص لكنا نحمله على إرادة اعتباره
من باب المقدمة لا لأنه بنفسه شرط ضرورة معلومية إن الحكمة في تشريع ذلك إنما هو الاستيثاق الذي لا يحصل إلا بكونه مقبوضا من حيث إنه مقبوض وإما نفس القبض الحدثى من حيث إنه فعل من الافعال لا مدخلية له في ذلك الا من حيث كونه مقدمة لحصول ما هو سبب لذلك ويمكن الايراد على ما
210

ذكرنا من كفاية الوكالة في صحة العقد بأن شرط صحة الوكالة قابلية المحل بأن يكون فعلا اختياريا فيوكله في إيجاده وهو في المقام غير محقق إذا الاستيلاء التام
الفعلي غير ممكن إلا بعد زمان يمكن الوصول إليه وأما الاستيلاء الحاصل بفعله السابق الذي صار منشأ لصدق كونه قبضا في الحال فهو أمر حاصل غير قابل
للتغيير نفيا وإثباتا في زمان لا يتمكن من الوصول إليه إلا بعد مضيه فهذا أيضا لوجوبه غير قابل للاستنابة حتى يصير القبض قبضا للمرتهن وفيه أن نفس
القبض وإن كان حاصلا لا يقبل النيابة بعد ذلك من حيث هو إلا أن قصده كون استمرار القبض الحاصل نيابة عن المرتهن فعل ممكن وبه يتغير عنوان القبض
نعم يتوقف على نية النيابة إذ بها يتغير العناوين في مثل المقام فهو في الحقيقة وكيل في هذا الامر الذي به يتحقق الإضافة ويصدق عليه إنه قبضه فهذا كما لو
نوى الولي القبض عن الطفل فيما لو وهبه مما هو في يده والظاهر إنه لا إشكال في كفايته في صحة الهبة مع أنه ليس إلا مجرد تغير العنوان بالقصد فأفهم
وإذا عرفت أن القبض معتبر في حصة الرهن ولزومه فلو أقر الراهن بالاقباض قضى عليه وحكم بصحة الرهن ولزومه لعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائزو
لكنه إذا لم يعلم كذبه ضرورة عدم كون الاقرار من الأسباب الواقعية لتحقق مؤداه واقعيا وإنما هو سبب ظاهري يترتب عليه مؤداه ما لم يتبين خلافه
وأما بعد ظهور الخلاف فلا ولو رجع بعد ذلك عن إقراره لم يقبل رجوعه لكونه إنكار عقيب الاقرار وسماعه ينافي نفوذ الاقرار ومضيه ولكنه قد
يقال إنه تسمع دعواه لو ادعى المواطات على الاقرار لأجل الاشهاد عليه إقامة لرسم الوثيقة وعلى هذا يتوجه له اليمين على المرتهن على الأشبه ولا يخفي عليك
أن هذه الفروع لا يتنقح حق التنقيح إلا بعد تحقيق حقيقة الاقرار ومعرفة حكمه الثابت له من النفوذ وعدم سماع الانكار وبعده فنقول الاقرار لغة كما في
المسالك الاثبات من قولك قر الشئ يقر وقررت الشئ وأقررته إذا أفدته القرار فعلى هذا ما يظهر من بعض اللغويين إنه بمعنى الاعتراف أو الاذعان فإنما
هو تفسير بالمناسب إذ الظاهر أن الاذعان عبارة عن التصديق القلبي من حيث هو وليس الاقرار كذلك بل الاعتراف أيضا مما يعتبر العلم في مفهومه
بخلاف الاقرار فإن الاعتقاد بحسب الظاهر ليس مأخوذا فيه كيف كان فيطلق الاقرار على الاخبار عن حق لازم للغير على المتكلم والظاهر إن إطلاقه
عليه ليس من حيث كونه أخبارا عن الواقع وكونه ثابتا في نفس الامر حتى يكون مساوقا للقسم الخاص من الخبر وإن كان يظهر من عبائر بعضهم ذلك حيث عبروا
بأن صيغته كذا أو لفظه كذا وأما احتمال كونه بملاحظة صدور نفس اللفظ من حيث هو أو بملاحظة اللفظ من حيث كونه مطابقا للنسبة الذهنية
فمما لا ينبغي أن يتوهم بل الظاهر أن تسميته إقرارا إنما هو من جهة استلزام خبره إثبات حق للمقر له على عهدة المقر ونفي استحقاقه له بنفسه بمقتضى اعترافه
فالاقرار اسم للازم المستفاد من الخبر لا لنفس القضية من الموضوع والمحمول فالخبر ما به يتحقق الاقرار لا نفس الاقرار ولعل في تعديته بالباء في قولهم
أقر بكذا إشعارا بذلك إذا عرفت معنى الاقرار فنقول أن حكم الاقرار نفوذه على المقر وقطع النزاع به للنبوي المدعى استفاضته بل تواتره إقرار
العقلاء على أنفسهم جائز ومعنى جوازه بحسب الظاهر نفوذه في حقه وعدم إمكان التفصي له عما التزمه على نفسه بسبب إقراره لا إنه حجة وطريق إلى الواقع
لأجل إن العاقل ليس متهما في إخباره عن ضرر نفسه فيجب تصديقه نظير وجوب تصديق العادل حتى قال إن اعتباره على هذا دائر مدار طريقيته ولو
نوعا فيشكل الامر فيما لو عارضه إقرار آخر كان يقر أولا لزيد بشئ ثم لعمرو بذلك الشئ ضرورة عدم اتصاف المتعارضين بوصف الطريقية
بالنسبة إلى شئ من الخصوصيتين مع أنهم حكموا بنفوذ الاقرار في المثال فيلزم بدفع العين إلى الأول وبدله إلى الثاني وذلك لأن الجواز ليس بمعنى الحجية
كما لا يخفى مع أنه بعد ما عرفت من أن الاقرار لغة بمعنى الاثبات وإن تسمية الخبر إقرارا إنما هو باعتبار لازمه أعني الاثبات والالتزام لا مجال لهذا
التوهم إذ الاثبات والالتزام لا يتصف بالحجية والطريقية نعم إن قلنا بأن الاقرار عبارة عن نفس الخبر لكان للاحتمال المذكور وجه إلا إنه خلاف
الظاهر فلا يضار إليه وأما ما ذكر من أن العاقل لا يتهم في أخباره عن نفسه فالظاهر إنه حكمة لجعل إقراره سببا للنفوذ وجواز الزامه بما ألتزم به والظاهر
إن الاقرار في حد ذاته له نحو اعتبار وسببية ظاهرية عند أرباب السياسة من العقلاء فحكم الشارع على هذا إمضاء لطريقهم وكيف كان فالظاهر
بل المقطوع به أنه سببا واقعيا لثبوت متعلقه كالبيع ونحوه بل هو سبب ظاهري يترتب عليه آثار ثبوته ما لم يعلم خلافه فلو علم كذبه لا يترتب عليه شئ
كما هو الشأن في جميع الأحكام الظاهرية فلو أقر بأن الدار التي تحت تصرفه إنها لزيد نحكم بمقتضى إقراره إنها لزيد وتلزمه بدفعها إليه كما لو رأينا نقلها
إليه بسبب واقعي فلا يسمع بعد ذلك دعواه أنها ليست لزيد إذ إنكاره بعد ذلك مناف لنفوذ إقراره السابق وقد دلت الرواية على نفوذه هذا إذا تعلق
الانكار بنفس ما أقر به أما لو أدعى التأويل والمواطاة على الاشهاد والكذب عمدا أو خطأ والاشتباه في طريق الاقرار كالاتكال على قول الشريك
أو خط الوكيل وغير ذلك من نظائرها فسماع الدعوى فيها ليس منافيا لنفوذ الاقرار مطلقا بيان ذلك أما فيما هو من قبيل دعوى التأويل كالتورية ودعوى
جهله بمدلول كلامه وسبقه إلى لسانه من دون قصد وغير ذلك فدعواها ترجع إلى دعوى خروج الاقرار عن كونه إقرارا ومعلوم إن هذا لا ينافي نفوذ حكم
الاقرار إذا الكلام بعد في تحقق موضوع النفوذ فله إثبات ما ادعاه من عدم كونه إقرارا إلا أنه قبل الاثبات محكوم بالنفوذ لأصالة الحقيقة وإصالة
عدم إرادة خلاف الظاهر مما له ظاهر وأصالة عدم الخطاء والغفلة وغير ذلك من الأصول المعتبرة عند العقلاء في تعيين المرادات من الألفاظ
وأما دعوى المواطاة على الاشهاد والكذب عمدا لغرض أو خطأ فإنه وإن كان يصدق عليه الاقرار إلا إنك قد عرفت إن الاقرار ليس في حد ذاته سببا
واقعيا فمن الممكن أن يكون كلامه كذبا في الواقع فلفظه وإن كان صريحا في كون المال لزيد في الواقع إلا إنه لا يدل بمقتضى مفهومه اللفظي إن المتكلم
لم يكذب في كلامه غاية الأمر إنا نحرز هذا الشرط قبل دعواه بظهور الحال وأصالة عدم كون كلامه مخالفا لمعتقده وإن المتكلم العاقل لا يخبر بخلاف
الواقع المضر بحاله وغيرها من الأصول المعتبر عند العقلاء فإذا أدعى شيئا مما هو مخالف لأصل من الأصول التي يتعين بها مدلول اللفظ يجوز
211

سماعها لعموم البينة على المدعى واليمين على من أنكر ومن هذا ظهر الوجه في سماع دعوى الخطاء في الطريق حيث إن إحراز عدمه إنما هو بأصالة عدم الخطاء
لا بمدلول الاقرار ومعلوم إن كل دعوى على خلاف الأصل مسموع بمعنى إنه يجب على مدعيها الاثبات وما ذكرنا من سماع الدعوى في هذه المقامات لا ينافي
الالتزام بكونه سببا ظاهريا تعبديا بل كونه سببا ظاهريا وعدم كونه ناقلا في الواقع يقتضى ذلك نعم لو بنينا على إن ما هو ظاهر الاقرار نافذ واقعا
فيكون الظاهر سببا واقعيا لم يكن وجه لسماع الدعوى في هذه الموارد ولكنك قد عرفت خلافه وأيضا ما ذكرناه من السماع ليس مطلقا بل هو مقصور على
ما لو شهد على ما يدعيه من خلاف الظاهر شئ من قرائن الأحوال بأن يستند إلى مستند يستند إليه العقلاء في ارتكابهم بمثل ما يدعى ارتكابه ككون الاقرار
على رسم القبالة وغيره من القرائن إذ ليس كل دعوى يسمع ولو كانت بعيدة عادة كدعوى إرادة خلاف الظاهر مما له ظاهر مع عدم مساعدة شئ من القرائن على
صدق دعواه ومن هذا القبيل دعوى المزاح بإقراره مما لا يعتنى العقلاء بمثلها في مقابل الظهورات المعتبرة وذلك لانصراف أدلة سماع الدعاوى إلى
الدعاوى المعتبرة عند العقلاء كيف ولو بنى على سماع كل دعوى لا نفتح باب الدعاوى الباطلة كما لا يخفى وحاصل الكلام في معنى الرواية إن المستفاد منها أن
العاقل ملزم بما ألتزم به على نفسه فهذا حكم تعبدي من الشارع في مرحلة الظاهر فيترتب عليه أحكامه ما لم يعلم خلافه هذا حكم الاقرار وأما تعيين الاقرار وان المقر
به أي شئ فالمتبع في تعيينه هو العرف فلا بد في إحراز المراد والموضوع من أعمال القواعد العرفية مثل أصالة عدم القرينة وأصالة عدم السهو وغيرهما من الأصول
وكل دعوى في مقابل شئ منها مسموعة بمعنى أنه يجب على المدعى أثباتها وإلا فالأصل ينفيه هذا فيما لو أدعى ما ينافي صدق الاقرار أو ما هو المراد من لفظ ما أقر به
مثل دعوى معنى مجازى أو غيرها وأما دعوى الخطاء في طريق الحكم فعموم الحكم بالنفوذ وكونه تعبديا وإن كان يقتضى عدم الاعتناء بها غاية الأمر إنه بعد فرض كونه
حكما ظاهريا لو ظهر بنفسه مخالفته للواقع يرفع اليد عن قضية الاقرار وإلا فيحكم على مقتضى الاقرار ولو مع العلم بخطاء الطريق فضلا عن دعواه إلا
إن الظاهر من الكلام خصوصا بملاحظة إضافة الاقرار إلى العقلاء إن الحكم ليس تعبديا محضا بل لأجل مناسبة بين الحكم وموضوعه وهو كونه التزام العاقل
من حيث إنه عاقل وهذا لا محالة ينصرف إلى الاقرارات الواقعية التي يكون العاقل ملتفتا إلى جميع أطرافه وبعبارة أخرى ينصرف إلى الاقرارات التي يكون
طريق العاقل إليه علما بأن لا يكون مخطأ في كلامه ويكون معتقدا لما يقول اعتقادا واقعيا فإذا أدعى الخطاء في الطريق وكون إقراره من الافراد المنصرف
عنها الاطلاق الخارجة عن موضوع الحكم بالنفوذ ومعلوم أن دعواه هذه الأمور مخالفة للأصول العقلائية مثل إصالة عدم الخطاء وغيره فما لم تثبت
يحكم بنفوذ الاقرار لكون الموضوع محرزا بالأصل حال الشك إلا أن له إثبات ما يدعيه وسماع دعواه في المقام لعدم منافاته نفوذ الاقرار المعتبر ضرورة
أن إثبات كونه من القسم المعتبر من الاقرار إنما هو بالأصل على الفرض وكل دعوى في مقابل الأصل مسموعة إلا أن لا تكون نفس الدعوى عقلائية وكذا ينصرف
الاطلاق عما يعترف به العقلاء كذبا لأغراض آخر فدعوى كون إقراره من هذا القبيل مخالفة لظاهر كلامه من حيث أفادته لازم الخبر وهو كون المخبر عالما
به معتقدا له فدعواه مخالفة للظاهر الذي هو الأصل في مباحث الألفاظ فأفهم بقي الكلام فيما ذكرنا استطرادا من أنهم حكموا في مثل ما لو أقر لزيد بدار
ثم أقربها لعمر ويلزم بدفعها لمن أقر له أولا وبد لها لمن أقر له ثانيا مع أن أحدهما كذب يقينا ووجهه ما ذكرنا من عدم دوران اعتباره مدار الطريقية حتى
يسقط في الفرض كلاهما عن الاعتبار بل اعتباره من باب التعبد فيعمل على وفق مقتضاه ما لم ينكشف خلافه كما هو قضية كونه سببا ظاهريا وأما العلم الاجمالي
في مثل الفرض فلا يسقطه عن الاعتبار لأنه تعلق بواقعتين مستقلتين لا ارتباط لأحدهما بالاخر فلكل منهما إلزامه بما أقر به له وليس كل واقعة منهما
معلوما كذبها فيثبت بإقراره لكل منهما بحسب الظاهر ما أقر له فيدفع العين المقر بها للأول ثم بمقتضى إقراره الثاني يلزم بدفع القيمة للثاني لأن مقتضى
إقراره الثاني أنه أتلف مال عمرو بإقراره السابق فبالنسبة إلى شخص العين لا ينفذ إقراره لصيرورته مال الغير بالاقرار الأول وأما بالنسبة إلى لازم كلامه
وهو ثبوت ضمانه عليه فينفذ في حقه فيلزم بدفع القيمة هذا بالنسبة إلى نفس الشخصين الذين أقر لهما وأما بالنسبة إلى الحاكم الذي يلزمه بدفع العين والبدل
مع علمه بعدم استحقاق واحد منهما فوجهه إن علم الحاكم في مثل المقام لا يؤثر في شئ لأن الحاكم منصوب لفصل الخصومات وإيصال حق كل ذي حق إليه
فبعد حكمه لكل منهما بجواز العمل بظاهر إقراره ما لم يحصل في حقه بالخصوص مخالفة قطعية فلازمه إنهما لو رفعا أمرهما إلى الحاكم أن يلزم المقر بدفع العين والبدل
وليس هذا إلا كفتواه بجواز الصلاة لكل من واجدي المني في الثوب المشترك فلو كانا أجيرين للصلاة عند أحد يستحقان الأجرة كلاهما ولو رفعا أمرهما إلى
الحاكم في أخذ الأجرة فعلى الحاكم إلزام المستأجر بدفع الأجرة إلى كليهما مع علمه بفساد صلاة أحدهما ولتفصيل الكلام في هذا المجال مقام آخر في ما ذكرناه كفاية
لمن تأمل وبما ذكرنا ظهر الوجه في الفروعات المذكورة في المقام من نفوذ الاقرار لو أقر بالقبض ما لم يعلم كذبه وعدم قبول رجوعه وسماع دعواه لو أدعى
المواطاة على الاشهاد فلاحظ وتأمل وأما وجه توجه اليمين على المرتهن فلكونه منكرا وأما اليمين المتوجه إليه فهل هي على نفى العلم أو نفى الواقع فلبيانه وتفصيل
الكلام فيه مقام آخر والله العالم ولا إشكال ظاهرا في أنه لا يجوز تسليم المشاع وإقباضه المعتبر في الرهن المتوقف على تحقق القبض فعلا في الخارج إلا برضا
شريكه سواء كان مما ينقل أولا ينقل على الأشبه وأما فيما ينقل فواضح لعدم تحقق صدق القبض الذي هو من فعل المرتهن إلا بالتصرف في العين المشاعة
وهو محرم لأنه تصرفا في مال الغير من غير إذنه وأما فيما لا ينقل فلمنع كون مجرد التخلية التي ليست تصرفا فعليا من قبل المرتهن قبضا حقيقة وتسليم رفع
الضمان في مسألة البيع بمجرد التخلية التي هي من فعل المالك لا يستلزم الالتزام بصدق القبض الذي هو من فعل المرتهن فيما نحن فيه إذ من الجائز أن يكون
الوجه في رفع الضمان في مسألة البيع هو تمكين المالك وإزاحة المانع من قبل نفسه لا تحقق القبض الحقيقي الفعلي مع أن الالتزام برفع الضمان أيضا مع
عدم استيلائه فعلا للمانعة الشريك بمجرد دفع المفتاح إليه وتخلية سبيله من حيث نفسه قابل للمنع فكيف في المقام الذي يعتبر فيه القبض من المرتهن الذي لا
212

يتحقق عرفا إلا بالتصرف فيه زائدا على الاستيلاء التام فضلا عن مثل هذا الاستيلاء التعليقي هذا بالنسبة إلى حكمه التكليفي وأما لو عصى بالقبض وقبضه فالظاهر
صحة الرهن لزوم لتحقق الشرط لأن الشرط ليس إلا نفس القبض إذا كان بإذن الراهن وقد حصل وكونه محرما لعدم رضا الشريك لا يقتضى فساده لأن
الشرط إنما هو وجوده لا كونه على وجه مباح كما لا يخفي الفصل الثاني في شرائط الرهن أي المرهون ومن شرطه أن يكون عينا خارجية وإن يكون
مملوكا أي متمولا حتى يمكن قبضه ويصح بيعه ليستوفى حقه الذي استوثق به له من ثمنه سواء كان مشاعا أو منفردا أما الوجه في الأول أعني كونه عينا مع أنه مما
لا يوجد فيه خلاف إلا فيما ستسمعه من الخلاف في خدمة المدبر إمكان دعوى اعتباره في مفهوم الرهن لغة وإن لم نقل باعتبار القبض فيه مضافا إلى لزوم
اعتبار كونه قابلا لأن يقبض بنفسه على ما هو المختار من اعتبار القبض في صحته وهو لا يتحقق إلا في الأعيان الخارجية فلو رهن دينا لم ينعقد الرهن
لعدم إمكان قبضه ما دام كونه دينا نعم لو عينه في الخارج يصح رهنه بعد ذلك ولكنه يخرج بذلك عما نحن فيه هذا إذا بنينا على اشتراط القبض وأما
لو قلنا بعدم اشتراط القبض فيشكل الحكم بعدم الصحة وإن تكلف لتصحيحه بعض متأخري المتأخرين اللهم إلا أن يتمسك بالاجماع إن تحقق أو يلتزم بأن
كونه عينا خارجية مأخوذ في مفهومه عرفا وليس بالبعيد وقد يناقش فيما ذكرنا من عدم إمكان القبض في الدين أما أولا فبالنقض ببيع الدين في الصرف
وهبة ما في الذمم وثانيا بأن الدين كلى وقبضه يتحقق بقبض أفراده ويمكن دفع الأول منهما بإبداء الفارق بين المثالين وما نحن فيه بأن يقال أن المستفاد
من أدلة اعتبار القبض في المجلس إن المناط فيه انقضاء الامر في المجلس ووصول حق كل ذي حق إلى صاحبه حتى لا يبقى لأحدهما على الاخر كلام بعد انقضاء
المجلس وهذا المعنى بالنسبة إلى الدين محقق فلا حاجة إلى شئ آخر وبتقرير أوفى إن القبض الذي كان معتبرا في جميع أبواب البيع الذي هو عبارة عن وصول كل
من العوضين إلى الاخر بمقتضى عقد البيع قد أعتبره الشارع في خصوص الصرف بكونه في المجلس لحكم ومصالح مثل كونه غالبا في معرض التشاجر وغير ذلك
من المصالح الخفية ومن المعلوم إن القبض بمعناه الحقيقي لا يعقل تحققه في الدين فالحكم بصحته في المثال لا بد من أن يستند إلى دليل يقتضى تعميم القبض
بحيث يعم الفرض وهو فيما نحن فيه مفقود فيحمل اللفظ على معناه الحقيقي وهو الحسى الخارجي وأما هبة ما في الذمم على من عليه فهو إبراء في الحقيقة ولا
يعقل اعتبار القبض فيه وأما هبته على غيره فتجويزها ما يحتاج إلى مراجعة أدلتها وكيفية استظهار اعتبار القبض فيها ولا ملازمة بين المقامين فبعد قصور
الدليل فيما نحن فيه عن التعميم لا نقول به ولو كان دليل الهبة أيضا كذلك ولم يكن في المسألة إجماع لا نقول به فيها أيضا وكيف كان فالمتبع في
كل باب هو دليله وأما المناقشة الثانية فيدفعها إن الظاهر من قوله تعالى فرهان مقبوضة وقوله عليه السلام لا رهن مقبوضا أن يكون نفس الرهن بنفسها
مقبوضة وظاهر إن قبض الفرد وليس قبض نفس الكلى من حيث هو ولذا يجوز تبديله بفرد آخر ومساعدة العرف على تسميته قبضا له في بعض المقامات مبينة
على المسامحة لا على التحقيق فبما ذكرنا تقرر إن الأقوى عدم جواز رهن الدية لتعذر القبض وأما الكلى الخارجي كما لو رهن منا من صبرة من الحنطة فالظاهر
جوازه كما في المشاع إذا لا امتناع في قبضه والفرق بين الكلى الخارجي والمشاع والفرد المردد قد أوضحنا لك في كتاب البيع فراجع وكما لا يصح رهن الدين كذا
لا يصح رهن المنفعة فلو رهنه منفعة كسكنى الدار وخدمة العبد لم ينعقد الرهن لما عرفت من تعذر القبض مضافا إلى دعوى الاتفاق وعدم وجدان
مخالف في المسألة وما قيل في وجهه من أن الدين إذا كان مؤجلا فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل فلا تحصل فائدة الرهن وإن كان حالا فبقدر ما يتأخر قضاء
الدين يتلف جزء من المرهون فلا يحصل الاستيثاق ففيه مع أنه يمكن فرضه بعد الاجل بحيث لا يرد عليه شئ مما ذكر إن استيفاء الدين من عين الرهن
ليس بشرط بل منه أو عوضه ولو ببيعه قبل الاستيفاء كما لو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبله والمنفعة يمكن جواز ذلك فيها بأن يؤجر العين ويجعل الأجرة
رهنا كما أشار إليه الشهيد (ره) ومعنى كون الأجرة رهنا أن يستوفى منها دينه لا نفسها حتى يقال إن جواز رهن الأجرة مما لا كلام فيه وإنه خارج عن محل
النزاع مع أن لنا نفرض الرهن بالنسبة إلى المنفعة بعد حلول الأجل وعلى هذا فالمرتهن متمكن من استيفاء دينه من نفس العين بالتصرف فيها بمقدار
يعدل حقه وعلى هذا فالعمدة في المقام هو ما ذكرنا من امتناع القبض حقيقة مضافا إلى كون المسألة بحسب الظاهر إجماعية كما يظهر من بعض عبائرهم وأما
المناقشة في ما ذكرنا بأن قبض المنفعة يتحقق بقبض العين كما في الإجارة فمدفوعة بعدم الصدق حقيقة وأنما هو في الإجارة تنزيل مع أن المعتبرة في الإجارة
ليس إلا قبض العين المستأجرة لاستحقاق الأجرة بذلك لأنه يعتبر في ذلك قبض المنفعة حتى يلتزم بذلك ولا يجرى عليه أحكام القبض المنفعة بتمامها بمجرد تسليم
العين وعلى هذا فالمسألة مما لا إشكال فيها نعم يبقى الاشكال فيما استثنوه من مطلق المنفعة وهو رهن خدمة المدبر وينبغي أن يتكلم قبل ذلك
في رهن نفس المدبر من أنه هل هو أبطال لتدبيره أم لا فنقول إن فيه ترددا وخلافا وإن كان الوجه فيه وفاقا للمصنف وغيره من المتأخرين بل
عن المسالك نسبته إلى الأكثر إن رهن رقبته إبطال لتدبيره كبيعه وهبته توضيحه إن ذات الرهن وإن لم يكن كالبيع والهبة منافيا للتدبير حيث إنهما يقتضيان
الخروج عن الملكية فلا يعقل بقاء التدبير معهما وهذا بخلاف الرهن فإنه بنفسه لا يقتضى إلا تسليط الغير على البيع على تقدير عدم الفك فلا ينافي في هذا
بذاته بقاء التدبير خصوصا إذا كان عازما على الفك وكذا ليس كالعرض على البيع في كونه ظاهرا في الرجوع عن التدبير حتى يكون فسخا فعليا بحسب الظاهر
لما أشرنا من جواز عزمه على الفك وبقاء التدبير وليس فعله ظاهرا في خلاف هذا العزم حتى يدل على نقض التدبير وهذا بخلاف العرض على البيع ضرورة الفرق
بين العزم على البيع المستكشف بفعله الذي هو عبارة عن العرض على البيع وتسليط الغير على البيع على تقدير ربما يعتقد عدم تحقق التقدير ولكن نقول إن
إطلاق الرهن يقتضى إحداث حق للمرتهن في العين المرهونة به يستحق استيفاء دينه عنها عند حلول الأجل سواء بقي الراهن حيا أم لا وهذا ينافي التدبير لأنه
يقتضى انعتاق العبد بموت المولى فلو تحقق الموت قبل حلول الأجل ينعتق العبد فلا يبقى للمرتهن سلطنة على استيفاء دينه عنه وهذا ينافي إطلاق الرهن
213

المقتضى لبقاء السلطنة بعد الموت أيضا فيبطل التدبير الذي هو من العقود الجائزة لاطلاق الرهن المنافى له نعم لو قال أرهنتك العبد المدبر أو ما يؤدى مؤداه
بحيث يدل على بقاء تدبيره فالأقوى صحتهما معا إذ ليس على هذا التقدير إطلاق استحقاق ينافي التدبير بل التدبير يقضى قصر الاستحقاق على فرض بقاء
المولى حيا إلى زمان الاستيفاء وليس هذا تعليقا مخلا في العقود ضرورة ثبوت مثل هذا التعليق أعني بقاء المحل على قابلية الاستيفاء منه في جميع الموارد
فليس طرو موت المولى في الأثناء إلا كصيرورة الخل خمرا بل موت نفس العبد قبل انقضاء الأجل فكما إن احتمال طرو هذه الطواري لا ينافي صحة الرهن كذا
احتمال موت المولى في المدبر لا ينافي صحة رهنه كما في العبد الجاني وبما ذكرنا ظهر فساد ما قيل وجها لبطلان التدبير بالرهن من أن التدبير ينافي الاستيثاق
المعتبر في الرهن لاحتمال طرو موت المولى قبل انقضاء الأجل فلا يحصل الوثوق توضيح الفساد إن الوثوق في كل شئ بحسبه فالاستيثاق بالعبد المدبر
وإن لم يكن مثل ما لو لم يكن مدبرا إلا إنه لو قيس إلى عدمه يعلم إنه يحصل به الاستيثاق في الجملة أيضا وكيف لا وليس هذا إلا كما يحتمل التلف في الأثناء
أو الخروج عن المالية كالمثال المتقدم مع أن الظاهر إنه مما لا أشكال في صحة رهنه وتوهم إن مقتضى ما ذكرنا صحة التدبير في الفرض الأول أيضا أعني
في صورة إطلاق الرهن لأن كونه مدبرا صيره كالخل المحتمل لأن يصير خمرا والاطلاق لا يتسرى إلى أزيد من موضعه وهو العبد المدبر فبموت المولى
يصير حرا ويخرج عن المالية فكما إن الاطلاق لا يشمل بعد موت نفسه كذلك لا يشمل بعد موت المولى أيضا لخروجه عن المالية بذلك مدفوع بأن مال
الاطلاق إلى قوله سلطتك على بيع هذا العبد لو لم يؤد دينك في شهر كذا سواء بقيت حيا أم لا ومآل التقييد إلى قوله سلطتك على بيعه في شهر كذا في
حال حياتي وبينهما بون بعيد وبما ذكرنا تبين الحكم فيما لو رهن المدبر نفسه وأما لو صرح برهن خدمته مع بقاء التدبير قيل على ما في المتن إنه يصح التفاتا
إلى الرواية المتضمنة لجواز بيع خدمته فيشمله القاعدة المسلمة عندهم كلما جاز بيعه جاز رهنه وقيل لا يصح لتعذر بيع المنفعة منفردة بل ولا منضمة
مع الغير بل الصحيح إنما هو بيع ماله المنفعة من حيث إنها منفعة لملكه لا إنها جزء المبيع وهو أي عدم الصحة أشبه بقواعد المذهب ولكنك قد عرفت
إن الوجه ليس منحصرا في تعذر البيع حتى يناقض فيه بظهور الاخبار في جوازه بل العمدة فيه تعذر القبض المعتبر في صحته على المختار وأما القبض المعتبر في البيع إما نلتزم
بتحققه في المقام تبعا لقبض العين لما عرفت من إمكان الفرق بين القبض المعتبر في البيع وبين القبض في الرهن وأما نلتزم بتخصيصه بغير هذا المورد لهذه الاخبار
الخاصة كما أن الجهالة أيضا غير مضرة لتلك الأخبار وأما القاعدة فيمنع عمومها بحيث يشمل المورد بل لعل القائلين بجواز بيعه أيضا لا يلتزمون جميعهم
بجواز رهنه فلا يحصل الوثوق بالاجماع التعليقي في المقام فيوهن بذلك عموم القاعدة والحاصل إن الاخبار على فرض تسليم دلالتها على جواز البيع فلا
يدل على جواز الرهن وأما القاعدة فلم يثبت حجيتها عموما بحيث يشمل مورد الكلام والله العالم وأما الشرط الثاني أعني اعتبار كون الرهن مملوكا بمعنى
كونه متمولا فمما لا شبهة فيه إذ بدون ذلك لا يعقل بيعه حتى يستوفى منه الدين فلا يحصل الاستيثاق الذي شرع الرهن لأجله ويشترط مع ذلك كونه
مملوكا للراهن أو مأذونا من قبله حتى يصح البيع ويحصل الاستيثاق وعلى هذا لو رهن ما لا يملكه الراهن بأن كان عينا مملوكة لغير المالك لم يمض الرهن
ووقف على إجازة المالك فإن أجاز جاز لأن الظاهر عدم الفرق بينه وبين البيع فيدل على صحته بالإجازة ما يدل على صحة الفضولي في البيع ولكن هذا إنما
يتم بعد أثبات جواز الإعارة للرهن بمعنى تأثير الإذن السابق على الرهن في صحته إذ لولا ذلك كيف يصححه الاذن اللاحق فينبغي أن نتكلم في جواز الإعارة للرهن
حتى يتضح المسألة فنقول الأقوى جواز رهن مال الغير بأذن مالكه مطلقا سواء كان وثيقة لدين المالك أو الراهن أما الأول فوجهه واضح لكونه وكيلا عن المالك
فلا إشكال فيه وأما الثاني أيضا فمما لا إشكال فيه من حيث الحكم أعني الجواز وإنما الكلام في أنه هل هي عارية أو ضمان أو شئ آخر وأما أصل الجواز فالظاهر
إنه لا خلاف فيه على ما ادعاه غير واحد بين الخاصة والعامة إلا عن ابن شريح منهم وإن لم يعرف نقل الخلاف عنه أيضا صريحا وكيف كان فالظاهر انعقاد إجماع
الخاصة على صحته وهو الحجة مضافا إلى سلطنة الناس على أموالهم إذ ليس هذا إلا كالاذن في بيعه وأداء دينه من ثمنه وأما الكلام في كونه عارية أو غيرها فالظاهر
أنه عارية وفاقا لما نسب إلى علمائنا وقد يناقش في تسميته عارية بوجوه منها إن العارية عبارة عن إباحة المنافع مع بقاء العين والرهن ينافيها ومنها أن
الاستيثاق بها ليس من المنافع وإنما هي فائدة ترتب عليها ولا يعد مثلها منفعة فليس هذا عارية ومنها أن العارية تقتضي عدم الضمان مع أن الراهن
ضامن في المقام ومنها جواز العارية مع أن هذا ليس بجائز مطلقا بل للمرتهن منعه عن التصرف فيه قبل الفك ويمكن دفعها أما الأولى فبان الرهنية لا
تقتضي الخروج عن الملكية حتى تنافى العارية بل ليس الاذن في الرهن إلا ترخيص المستعير على تسليط الغير على بيعه على تقدير فليس هذا إلا كإعارة شخص شيئا وقد
إذن للمستعير أن يبيعه لو أحتاج إلى ثمنه ويرد إليه عوضه وهذا المقدار لا يقتضى الخروج عن كونه عارية قبل البيع ومجرد صيرورته متعلقا لحق المرتهن لا يقتضى
انقلاب النسبة بينه وبين الراهن وأما الثانية فيمنع عدم صدق المنفعة على مثل ذلك كيف وقد صرح غير واحد بجواز استعارة الذهب والفضة للتزيين
بل لا يبعد الجواز فيما لو استعار لأن يكون مليا في أعين الناس وإن أبيت إلا عن إنكار الصدق فنمنع قصر مورد العارية على ذلك بل نقول بجواز العارية
في كل مورد يستفيد منها المستعير بنحو من الانحاء ولا محذور فيه وأما الثالثة أعني عدم الضمان فنقول إن أريد من عدم الضمان ما يعم قيمته بعد استيفاء
الدين منه فنمنع اقتضاء العارية لذلك لأن هذا ليس تلفا سماويا بل هو إتلاف من الراهن ولو فرض إعساره بحيث لا يقدر على فكه فلا يستند إليه الاتلاف
إذ لم يصدر منه إلا مجرد الرهن وقد كان بأذن المالك فلا يورث الضمان عليه فنقول إن الاذن في الرهن ليس إلا ترخيصه في جعل ملكه وثيقة عند الغير
التي يترتب عليها بحكم الشرع أو العرف جواز بيعه عند التعذر واستيفاء الدين منه وهذا بمجرده لا يقتضى صيرورة قيمة العين أداء عما في ذمة المديون
مجانا ضرورة إن الاذن في الرهنية لا يقتضى المجانية فهذا ليس إلا كقوله إذا ضاق عليك الامر فأوف ديونك من هذا المال ولا يستفاد من هذا عرفا ولا شرعا
214

أن يكون هذا مجانا بل لو قيل في المثال باقتضائه ذلك بحسب الظهور العرفي لأمكن المنع في المقام عرفا فلا يقاس ما نحن فيه بإباحة الطعام مثلا ضرورة الفرق
بينهما بحسب الظهور عند العرف والحاصل إن العارية لا تقتضي عدم استحقاقه للقيمة تماما بعد البيع بل بقاء العين على ملكيته وعدم خروجه عن ملكه بالرهن يقتضى
دخول العوض في ملكه تماما وإذنه في كونه رهنا لا يقتضى إلا استحقاق استيفاء المرتهن دينه من ثمنه لا مجانا فحصول فراغ الذمة للراهن بذلك مجانا ليس من
مقتضياتها بل مقتضاه ليس إلا اشتغال ذمة الراهن للمالك بعد أداء دينه عن ثمن ماله وهذا واضح وإن أريد من عدم الضمان الذي هو حكم العارية عدمه ما لو تلف
بتلف سماوي ففيه إنه لا فرق من هذه الجهة بين كونه عارية أو غيرها إذ كما أن قاعدة اليد مخصصة بالعارية كذا مخصصة بمطلق الأمانات وما نحن فيه منها
وإن لم نسمه عارية على ما تقرر في كتاب البيع وقد تقدم في هذا الكتاب أيضا ما يدل على ذلك وعلى أي حال فلا بد من ذكر دليل خاص في المقام لا ثبات الضمان على القول
بثبوته سواء قلنا بأنه عارية أم لا ولعل الوجه فيه أن بذل المال لأن يرهن عرفا تسليط للغير على المال بأن يتصرف فيه ويستولي عليه نحو استيلاء المالك على ماله
بأن يكون تلفه من كيسه بمعنى أن له نحو استقلال في التصرف فيشبه القرض وهذا بخلاف سائر الامناء فأن يدهم يد النيابة فلا يقتضى الضمان وأما فيما نحن فيه فكأنه
ألقى كله عليه وهذا الكلام لو تم يقتضى الضمان من دون فرق بين كونه عادية أو غيرها لأنه على فرض تمامية الظهور العرفي فهو في قوة الاشتراط في متن العقد فيصير
العارية مشروطة بالضمان وهى مضمنة بلا إشكال ولكن فيه ما فيه كدعوى كونه في عرضة التلف والعارية في مثله تقتضي الضمان وفيها أيضا منع صغرى وكبرى لو
لم يرجع في بعض الموارد العرفي بالقرائن الخارجية كما لا يخفى فعلى هذا الأقوى في المسألة عدم الضمان ولو لم نقل بأنها عارية وأما الرابعة فضعفها
ظاهر لأن العارية إنما تقتضي ذلك لو لم يكن لامر لازم وأما لو كان كذلك كالإعارة للبناء عليه أو للغرس أو للدفن مثلا وإن كان للدفن جهة أخرى
أيضا وهى حرمة النبش على المالك أيضا بعد أن كان الدفن بأذنه فلينتظر أمده في هذه الموارد ولا يجوز فيها إلزام المستعير برد العارية مطلقا كما سيتضح
تفصيله إنشاء الله أما فيما نحن فيه فقد أذن المالك بأن يحدث المستعير في ملكه حقا لازما للغير أعني حق الرهانة فلا يجوز له أبطال عقد الرهن لكونه
واقعا عن أهله في محله وهو يقتضى اللزوم فلا سلطنة له على المرتهن بوجه من الوجوه ولازمه حجره عن التصرف في ملكه قبل الفك ولا يقتضى كونه عارية
الرجوع إليه بعد أن كان بإذنه وهل له الرجوع إلى الراهن في رد العين إذا كان قادرا على ذلك بمقتضى كونه عارية أم لا فنقول أما قبل إحداث الحق
للغير فيه بأن يجعله رهنا فلا إشكال في أن له الرجوع ضرورة إن مجرد الإباحة ليس من العقود اللازمة فله الرجوع عن إذنه وأما بعد حلول الأجل أيضا
له الزام الراهن بالفك بمعنى تخليص ماله ودفعه إليه لأن إذنه لا يقتضى حرمانه عنه أبدا بل غايته ترخيصه في استفادته منه بهذه الفائدة الخاصة ودفع عينه
إليه فله المطالبة بالعين نعم لازم أذنه في الرهن أن لا يلزمه بتحصيل شخص العين لو بيع لاستيفاء الدين فله مطالبة القيمة حينئذ وأما قبله فله الزامه بتفريغ
ما له هذا إذا كان بعد حلول الأجل أو كان الدين حالا وأما لو كان مؤجلا فهل له ذلك قبل حول الاجل مع تمكن الراهن من الفك وقبول المرتهن
أم لا فيه وجهان من أن إذنه في جعله رهنا كما أنه يقتضى رفع سلطنته عن ماله لكونه محجورا عنه بالعقد اللازم كذا يقتضى رفع سلطنته عن الراهن قبل
حلول الأجل بإلزامه بالفك توضيحه ان للسلطنة على المال مراتب منها كونه مسلطا على التصرف فيه مطلقا وأخذه من يد من هو مستول عليه فعلا سواء
كان عن إذنه أم لا ومنها تسلطه على الزام من تصرف فيه في السابق برده إليه والخروج عن عهدته وهذه السلطنة إنما تتحقق فيما لو لم يكن تصرفه السابق بإذنه
لقاعدة اليد وأما لو كان عن إذنه فليتبع إذنه فإن أذن له يجعله في مكان مخصوص مثلا إذنا مطلقا فليس له إلزامه برده إليه وإن أذن له في التصرف الخاص
بشرط أن يرده بعد شهر مثلا فله الزامه بذلك بعد مضى الشهر وأما قبل انقضاء الشهر فليس له ذلك لو لم يكن تحت يده فعلا بأن كان عند شخص ثالث مثلا
إذ لم يجعل لنفسه في إذنه السابق حقا بالنسبة إلى ما قبل مضى الشهر وليس هو مستوليا عليه فعلا حتى يمنعه عن التصرف وأما التصرف السابق فالمفروض
إنه وقع بإذنه فكذا فيما نحن فيه فأن المالك قد أذن له أولا في إبقائه رهنا عند المرتهن إلى هذه المدة لا بمعنى أن الرهانة مغياة بالمدة بل الابقاء عنده
مطلق إلى أن يؤدى الدين بل بمعنى أن الاذن في إبقائه رهنا إنما هو إلى هذه المدة بمعنى أن الظاهر من إذنه في جعله رهنا على هذا الدين المؤجل ترخيصه
في إبقائه إلى هذه المدة كذلك وأما بالنسبة إلى ما بعد الاجل فلا تعرض في كلامه عليه فليس له الزام الراهن بالفك قبل حلول الأجل لأن الرهن لم يضعه عند
المرتهن إلا بإذن المالك على ما هو الفرض فلازمه حجره عن التصرف في ماله في هذه المدة بكلا قسميه المذكورين لا يقال بعد انقضاء المدة أيضا كذلك حيث
أنه وضعه تحت يد المرتهن بإذن المالك فليس له إلزامه بالفك لأنا نقول ظهور فعله في عدم رفع اليد عن ماله بالمرة وبقاء علقته في الجملة يقضى بذلك بل
ظاهر أذنه ليس إلا جعله رهنا ورده إليه مهما أراده بأن يفكه ويرده إليه هذا في غير المؤجل أو فيه بالنسبة إلى بعد حلول الأجل وأما في أثناء الاجل فلا ظهور
في ذلك بل الظاهر خلافه فمقتضى أذنه في التصرف فيما أعاره بالوجه المذكور هو التفصيل الذي ذكرنا وأما وجه العدم فهو أن جواز الرجوع من أحكام العارية
فله ذلك مطلقا ولا منافاة بينه وبين لزوم الرهن إذ لا نقول ببطلان الرهن بذلك حتى ينافي لزومه بل نقول بلزوم الفك على الراهن على ما قضية
العارية وببيان آخر نقول إن الاستيثاق بملكه فائدة يستوفيها المستعير فله منعه عن ذلك ولم يصدر منه إلا مجرد إذن في الاستفادة بهذا الفائدة
وله الرجوع عن إذنه إذ ليس الاذن من العقود اللازمة فكما أن له الزامه بعد حلول الأجل فكذا قبله ويضعف هذا أن استيثاق كل جزء من الزمان ليس على الظاهر
فائدة جديدة متقومة بإباحة هذا الزمان حتى يكون له منعه عن الانتفاع بهذه الفائدة في كل جزء من الزمان بل الرهن مثل الإجارة فائدة واحدة
قد استوفاها الراهن بأول زمان وضعه رهنا وليس فوائد متجددة حتى يتجه ما ذكره وأما تنظيره بما بعد الاجل فقد عرفت أنه ليس في محله لما ذكرنا من
الفرق بي المقامين ثم أنه لا يخفى إنه لو سلمنا إن لمالك الزام الراهن بالفك قبل حلول الأجل في كل مورد لا يتضرر بذلك الراهن ولو
215

لصيرورة الدين المؤجل معجلا لوعد مثله ضررا عليه عرفا كما في كثير من الموارد وإلا فلا لقاعدة نفى الضرر والمناقشة فيها بمعارضته بضرر المالك مدفوعة
بإقدامه عليه وما يتوهم إنه إنما يتم لو ثبت لزوم هذه العارية وهو أول الكلام فيدفعه إن عدم ثبوت الجواز يكفي في ذلك لأن مقتضى إذنه تحمل الضرر
فلو ثبت له جواز الرجوع فهو حكم به يرفع الضرر الذي تحمله على نفسه أولا وعلى هذا التقدير يتوجه قلب الدليل بأن يقال ضرر الراهن لا يعارض ضرر
المالك لأنه بنفسه أقدام على الضرر ولكن هذا إنما يصح لو كان جواز الرجوع حكما عرفيا في المقام وأما لو كان حكما شرعيا تعبديا فيحتاج إثباته
إلى دلالة دليل ومعه لا وقع للقلب المذكور كما لا يخفى وبما ذكرنا ظهر ضعف ما التزمه بعض المشايخ في المقام من خروجه عن مسمى العارية حقيقة
كخروجه عن حقية الضمان أيضا لبعض الوجوه المتقدمة التي عرفت ضعفها وعدم صلاحيتها لذلك وأضعف منه دعوى كونه ضمانا لا عارية كما نسب
إلى بعض الشافعية لأنه اصطلاحا أما الانتقال من ذمة إلى أخرى كما نراه أو ضم ذمة إلى أخرى كما يراه بعض العامة ومعلوم أن شيئا من المعنيين
مما لم يقصده المالك في أعارته وتوجيهه بأن المعير أناب المستعير في الضمان عنه ومصرفه في هذا المال الخاص إن قلنا بصحته ومعقولية اشتغال
ذمته وانحصار ما يؤدى به الدين في شئ خاص فهو أيضا مما لا يخطر ببال المالك حال الإعارة بأن يوكله في التضمين ودعوى استفادته من الاذن
في الإعارة مما لم يساعد عليه عرف ولا عقل خصوصا لو لم يكن الدين معينا حال الإعارة و احتمال أن المراد من الضمان هو جعل رقبة العين متعلقا لحقه
كذمة الضامن في الضمان الاصطلاحي الذي لازمه عدم اشتغال ذمة المديون مع أنه بعيد في حد ذاته لكونه خلاف الاصطلاح فاسد لعدم كونه مقصودا
لواحد منهم في الموارد المتعارفة مع أنه ربما لا يرضى المرتهن بذلك لأنه ربما يؤدى إلى ضياع ماله كما لو تلفت العين مضاف إلى بعد الالتزام بفراغ
ذمة كل منهما وعدم صيرورة المال فعلا ملكا له وصيرورته بعد حلول الأجل كذلك كما لا يخفى بقي الكلام فيما فرعوه على النزاع منها ترتب ضمان التلف
على تقدير كونه ضمانا وعدمه على فرض كونه عارية وقد عرفت ما فيه من أن نفى الضمان ليس مقصورا على كونه عارية بل يعم مطلق الأمانات فأن بنينا على
خروج المورد عن الموضوع الذي حكم فيه بنفي الضمان بالتقريب المتقدم فلا إشكال في ثبوته على كلا التقديرين لكونه في قوة اشتراط الضمان كما أشرنا
إليه وإن بنينا على عدم تمامية الوجه المتقدم كما هو الأظهر فالأقوى نفى الضمان على كلا التقديرين أيضا ومنها اعتبار ذكر جنس الدين وأجله وقدره
وغيرها من أوصافه على تقدير كونه ضمانا وعدمه على تقدير كونه عارية وفيه إن العارية في مثل هذه الموارد المودية إلى اللزوم لا بد فيها من بيان يرتفع به الغرر
ككون الدين حالا أو مؤجلا فلا فرق من هذه الجهة بين العارية والضمان ومنها أنه ليس له إجبار الراهن على الفك قبل حلول الأجل على تقدير كونه
ضمانا وجوازه على فرض كونه عارية وفيه ما عرفت من أن الأقوى عدم جواز الاجبار على تقدير كونه عارية أيضا ومنها أنه يرجع بما بيع به وإن كان أقل من
ثمن المثل على فرض كونه ضمانا بخلاف العارية فإنه يرجع بقيمة تامة وكذا إذا بيع بأكثر منه فعلى الضمان إن يرجع بالجميع وعلى العارية بقدر القيمة وفيه ما لا
يخفى أما فيما إذا بيع بأزيد من ثمن المثل فلا وجه للرجوع إلى القيمة أصلا سواء كان ضمانا أو عارية إذ لا معنى لخروج العين عن ملكه وعدم دخول عوضه
في مكانه فاستحقاقه تمام العوض على هذا التقدير مما لا ينبغي الريب فيه نعم لو بيع بأقل من ثمن المثل يرجع بقدر القيمة على تقدير كونه عارية وعلى تقدير كونه
ضمانا فالظاهر عدم جواز بيعه بما دون القيمة حيث إن إذنه في البيع ينصرف إلى البيع بثمن المثل لا إلى ما دونه ولو فرض تعميم الاذن بحيث يعم المورد فلا
إشكال حينئذ أيضا في أنه لا يستحق إلا المقدار الذي بيع به أما على فرض كونه ضمانا فواضح وأما على تقدير كونه عارية أيضا كذلك لأنه بنفسه أذن في هذا البيع
فلا يستحق إلا الثمن الذي بيع به وبالجملة تسميته ضمانا أو عارية لا تؤثر في مثل هذه الأشياء المنوطة بالاذن المستفاد من كلامه فهو المناط في ترتب الاحكام
لا تسميته ضمانا أو عارية تذنيب كما يصح الإعارة للرهن كذا يصح الإعارة للإجارة لأن الاستفادة بثمن المنافع أيضا من منافع العين فلمالكها
تسليط الغير على استيفائها وإباحتها ودعوى أن الإجارة تقتضي سبق الملك بالنسبة إلى المنافع بعد تسليمها فنقول إن نفس المنافع التي توجد شيئا فشيئا
لا يعقل أن تكون مملوكة لاحد قبل وجود ها فكونها مملوكة إنما هو بنحو من الاعتبار عند العقلاء وبهذه الملاحظة إجارتها وأخذ عوضها ويقال أن
الملكية آنا ما تستبعه المنافع إلى آخر الا بد فليس معنى كون المنافع مملوكة مملوكية المنافع التي لم توجد حال الإجارة بل معناه تحقق هذا الاعتبار الذي أو أمر
عقلائي وهذا من توابع الملك وفوائده فالمالك تسليط الغير عليه أما بعقد لازم كالإجارة والصلح أو بإباحته له ومعنى أباحته له إن له استيفائه ومضى
جوازه وعدم لزوم أن له الرجوع عن هذا الاذن فمتى لم يرجع له الاستيفاء بالإجارة وبعد الاستيفاء لم يبق لرجوع المالك عن أذنه مورد لمضى الامر
وكونه أمرا آنيا واقعا عن إذنه فعلى هذا لا إشكال في صحة الإعارة للإجارة وأما الإعارة للبيع الخياري قد يتوهم جوازه نظرا إلى إن الاستفادة بثمنه
نحو من الانتفاع ولا محذور فيه بعد التزامه برد العين أو؟؟ خصوصا مع العزم على الاخذ بالخيار ورد العين ولكن الأقوى المنع وفاقا لما هو المحكى عن
العلامة قده في كتاب الرهن من التذكرة معللا بأن البيع معاوضة فلا يملك الثمن من لا يملك المثمن ولم يحك عن غيره التعرض للمسألة وظني أنه حكى
عنه القول بالجواز في بعض الموارد وكيف كان فالظاهر إنه لا إشكال في عدم الجواز لما تقدم في مبحث البيع الفضولي من أنه يعتبر في البيع أن يكون في ملك البايع
مضافا إلى ما ذكره من التعليل والله العالم إذا عرفت ما ذكرنا من صحة الإعارة للرهن علمت إن الأقوى تأثير الاذن اللاحق في الصحة إذا وقع العقد فضولا
سواء كان الرهن لدين نفس المالك أو الراهن أو شخص أجنبي وأما ما لو رهنه المالك بنفسه لدين الغير من دون إذنه فليس من الفضولي في شئ بل هو عقد
صحيح واقع من أهله في محله فهو لازم أجاز المديون أم لا فهو كالمتبرع في وفاء الدين نعم لو أذن له في وفاء الدين وبيع الرهن وأستوفي منه الدين فله أن
يرجع إلى المديون بما أداه لا بالقيمة كما هو واضح وله أن يرجع عن إذنه أيضا قبل الاستيفاء إذ ليس إذنه إلا بمنزلة التوكيل فله الرجوع عنه ولا يبطل به الرهن
216

لأنه عقد لازم ولا ينوط بإذنه حتى يبطل برجوعه والله العالم وكذا لو رهن ما يملك وما لا يملك مضى في ملكه ووقف في حصة شريكه على إجازته سواء
كان مشتركا بينهما بالإشاعة أم لا والاشكال في أصل رهن المشاع كما عن أبي حنيفة محتجا بعدم إمكان القبض وبأنه قد يصير جميع ما رهن بعضه في حصة
الشريك كما إذا رهن الحصة المشاعة من بعض معين في الدار المشتركة مثلا واضح الدفع إذ لا مانع من القبض بعد إذن الشريك ورضاه كما مر
الإشارة إليه وأما الوجه الثاني مع أنه أخص من مدعاه يرد عليه إنه نلتزم في هذه الصورة بعدم جواز القسمة لو كان مستلزما لا بطال حق المرتهن إلا
أن يرضى المرتهن بذلك أو بأن يستبدل الراهن العين المرهونة على تقدير صيرورته في حصة الشريك بشئ آخر والحاصل إنه كما أن مع جزء مشاع من بعض
معين من الدار المشتركة مانعا عن جعله جزء لتمام الدار في القسمة بأن يكون تابعا لها بل لا بد من أن يلاحظ هو بنفسه ويرد القسمة عليه مستقلا
بين الشريك والمشترى من دون ملاحظة ما عداه كذلك فيما نحن فيه فلا بد للشريك أما الصبر إلى أن ينفك الرهن أما بالبيع أو بالرجوع إلى مالكه
أو يرد القسمة على خصوص الجزء مستقلا كما لو صار ملكا لثالث أو بجعل الحصة التي هذا الجزء منها حصة للراهن لو رضى الراهن به وكيف كان فلا مانع
من رهنه حال الإشاعة وأما سلطنة الشريك على القسمة مطلقا فهي مسألة أخرى دائرة مدار نظر الفقيه ولا يصلح أن يكون مانعا عن الرهن حال الإشاعة
والله العالم ولو رهن المسلم خمرا أو نحوه مما لا يملكه لم يصح ولو كان عند ذمي ولو رهنها الذمي عند مسلم لم يصح أيضا ولو وضعها على يد ذمي على الأشبه
لعدم كونه ملكا حتى يوفى منها دينه أو يستوفى منها حقه وهذا ظاهر ولو رهن أرض الخراج لم يصح رهنها لأنها لم تتعين لواحد من المسلمين نعم يصح رهن ما بها
من أبنية وآلات وشجر لكونها مملوكة لصاحبها بخلاف رقبة الأرض هذا إذا لم نقل بصيرورة رقبة الأرض ملكا للمعمر تبعا للآثار وأما لو بنينا على ذلك كما
تقدم الكلام فيه في كتاب البيع فالظاهر صحة رهنها كالأبنية الثابتة عليها وأما الشرط الثالث وهو إمكان القبض فقد علم وجه اعتباره فيما تقدم من
اشتراط القبض فلو رهن ما لا يصح أي لا يمكن إقباضه عادة كالطير في الهواء غير معتاد العود والمسلك في الماء إذا كان غير محصور لم يصح رهنه هذا إذا
بنينا على اعتبار القبض كما هو الأقوى وأما لو لم نقل بذلك فلا يبعد القول بالصحة كما في المسالك لعدم المانع وتخيل تعذر استيفاء الحق من ثمنه لعدم
صحة بيعه يندفع بإمكان الصلح عليه وكلية ما صح بيعه صح رهنه ليست منعكسة كليا عكسا لغويا وكذا لو كان مما يصح إقباضه ولم يسلمه لا يصح الرهن يعنى
لا يتم بل يقع مراعى إلى أن يحصل ما يقتضى الفسخ وإلا فالظاهر إن المقارنة ليست شرطا كما هو اضح وكذا لو رهن عند الكافر عبدا مسلما أو مصحفا
لنفى السبيل له عليهما وقيل والقائل الشيخ في المحكى عن مبسوطه يصح رهنه ويوضع على يد مسلم وهو أولى لمنع كون مثل ذلك سبيلا بل هو أسهل من أجارة
المسلم نفسه للكافر هذا لو كان الرهن على يد مسلم وأما لو كان تحت يده فقد حكى الاجماع على منعه فأن تم فهو وإلا ففيه أيضا كلام وأما الشرط الرابع
أعني كونه مما يصح استيفاء الدين منه بالبيع ونحو فقد عرفت إن اعتباره مما لا إشكال فيه ويتفرع عليه أنه لو رهن وقفا لم يصح لعدم جواز بيعه بل
مطلق نقله وإن كان مملوكا للموقوف عليه هذا في غير الموارد المستثناة التي يجوز فيها بيعه واضح وأما فيها فربما يشكل في بعض صورها كما إذا كان البيع
المحاجة حيث يجوز له صرف ثمنها فلعل الرهن أصلح بحالهم وبحال الوقف وغرض الموقوف عليهم ودعوى اختصاص دليل الجواز بخصوص البيع قابلة للمنع
وإن كان موردها خاصا إلا أن دعوى استفادة جواز الانتفاع بثمنها مطلقا وجواز التصرف لهم فيها بحيث يرتفع به حاجتهم ليست خالية
عن وجه واحتمال طرو الغناء للراهن المانع عن البيع لا ينافي الوثوق الحاصل له من قبل الرهن حيث إنه أطمئن لأجل الرهن إنه يصل إليه ماله أما لأجل
أداء الراهن لو تيسر له وأما ببيعه لو تعسر عليه وكذا احتمال موت الراهن وانتقاله إلى الطبقة اللاحقة أيضا لا ينافي الوثوق كاحتمال ضياع نفسه الرهن
نعم ليس الوثوق الحاصل منه مثل الوثوق الحاصل من رهن الملك المطلق ولكنه ليس بضائر هذا مع أنه على تقدير كون الراهن متوليا للوقف فالظاهر نفوذ
تصرفه فيه وعدم أبطال الرهن بموته ولكن المسألة تحتاج إلى مزيد فتأمل ويصح الرهن للمشترى في زمن الخيار سواء كان للبايع وللمشتري أو لهما
لانتقال الملك بنفس البيع على الأشبه فيجوز له التصرف بما يشاء كما تقدم الكلام فيه في البيع فلو كان الخيار للراهن ينعقد الرهن ويسقط خياره لأنه
تصرف فيه ولو كان للآخر فهو يبقى بحاله ولا يمنع عن انعقاد الرهن لازما من قبل الراهن كما مر نظيره في ما لو أجره في زمان الخيار وهل ينفسخ بفسخ من له الخيار
أم لا فيه وجهان أظهرهما العدم لطرو المانع الشرعي الذي هو بمنزلة العقلي وقد ظهر وجهه مما تقدم في مبحث البيع مستوفى وعلى هذا فلو بيع فله بدل الحيلولة وهل
يجب عليه الفك مقدمة لاداء شخص ماله مع التمكن فيه وجهان كما تقدم نظيره فيما لو نقله بعقد خياري فراجع وكذا يصح رهن العبد المرتد ولو كان
عن فطرة لوجود المقتضى وانتفاء المانع أما المقتضى فهو كونه عينا مملوكة قابلة للتصرف وما يتوهم كونه مانعا أما في غير الفطري فاحتمال بقائه على كفره وعدم توبته
وهو غير ضائر لعدم خروجه بذلك عن المالية وعدم منافاته لحصول الاستيثاق به لأجل ثمنه لأن بقائه على كفره على تقدير تحققه واقعا ليس إلا بمنزلة مرض
مستمر ومعلوم إن مثل هذه الأمور لا يوجب إلا النقص في ماليته لا خروجه عن كونه ما لا وعدم جواز بيعه وأما المرتد الفطري فالظاهر إنه أيضا كذلك لأن
كونه مستحقا للقتل لا يوجب الخروج عن كونه مملوكا قبل أن يقتل فلا مانع عن بيعه خصوصا في أمثال زماننا المتعذر فيها إقامة الحدود نعم لو كانت الإقامة بالنسبة
إليه محتملا احتمالا قريبا عادة لكان للمنع عن رهنه بدعوى عدم حصول الوثوق بمثله وجه ولكن الأوجه على هذا التقدير أيضا خلافه لكونه على هذا التقدير بمنزلة
المريض الذي يحتمل موته قبل حلول الأجل وكذا غيره من النظائر بل لو قلنا بوجوب قتله على عامة المكلفين الذين منهم الراهن والمرتهن أيضا لا يخلو القول به عن قوة
ولو مع تمكنهم من ذلك وتنجز التكليف عليه بالنسبة إليه لأن وجوب إتلافه تكلفا لا يستلزم الخروج عن المالية فهو مال يجب إتلافه فما دام لم يمتثل
هذا التكليف الوجوبي يبقى على مملوكيته ويترتب عليه آثار الملكية من جواز نقله ورهنه وسائر التصرفات فيه غاية الأمر انهم معاقبون لأجل تركهم
217

واجبا من الواجبات الشرعية فتأمل وكيف كان فالظاهر إنه لا إشكال في جواز رهنه في هذه الأزمنة المتعذر فيها إقامة الحدود فما عن بعض من أطلاق القول
بعدم الجواز في الفطري بل في غيره أيضا ضعيف وكذا يصح رهن الجاني خطأ وفي العمد تردد والأشبه الأظهر الجواز كسابقه لحصول المقتضى الذي هو استجماع شرائط
للرهن إذا الظاهر عدم خروجه بالجناية عن ملك مالكه بل هو باق على ما كان فيجوز لمالكه التصرف فيه بما يشاء إلا أن يمنعه مانع وما يصلح لأن يتوهم كونه مانعا
في المقام ليس إلا تعلق حق المجني عليه به وهو غير مانع عن الرهن كما تقرر في مبحث البيع لعدم المنافاة إذ ليس حقه إلا سلطنته على استرقاقه ولكن بشرط امتناع
المالك عن الفداء في الأول وهذا هو الفارق بين القسمين ولعل هذا تردد المصنف (ره) في القسم الثاني أولا دون الأول نظرا إلى أن حق المجني عليه
تعلقه برقبة العبد فيه أجلى حيث إن اختيار الفداء في العمد له بخلافه في الخطاء فإنه بيد المالك وكيف كان فلا ينافي نفوذ التصرفات الصادرة عن
المال قبل أن يسترقه إذ غاية ما يقتضيه حقه جواز استرقاقه مهما شاء بعد تحقق شرطه من امتناع المالك في القسم الأول سواء كان باقيا على ملك
المالك أو نقله إلى الغير نعم لو باعه ثم استرقه المجني عليه يستعقبه الفروعات المذكورة في محلها من أن خسارته على المشترى والبايع وعلى فرض كونه على البايع
هل يقع العقد مراعى أو ينفسخ من حينه وعلى أي تقدير فلا إشكال في أصل جواز البيع وصحته في مرحلة الظاهر ولو قلنا بكونه مراعى وأنت خبير بأنا إذا
بنينا على صحة البيع ونفوذه فلا يبقى مجال للتردد في تجويز الرهن بل لو قلنا بوقوع البيع مراعى أو إنه ينفسخ من حينه لا نلتزم بمثله في الرهن ضرورة أن
معنى الرهن ليس استيفاء الدين منه أو بقائه إلى زمان الاستيفاء حتى يحكم بارتفاعه بل ليس الرهن إلا أخذ مال يستوثق به وهذا المعنى يتحقق بمجرد
قبض الرهن وبالاسترقاق يرتفع موضوع الرهن كما لو تلف في أثناء الاجل ومعلوم إنه لا يوجب فسخ العقد ولا بطلانه ويمكن دعوى الفرق بين البيع
والرهن بالنظر إلى اعتبار الاستيثاق في الرهن دون البيع فيمنع تحققه في مثلا المقام ويلتزم بصحة البيع دون الرهن ولا ينافيها القاعدة المسلمة من أن
كلما جاز بيعه جاز رهنه لأنه إنما هي بالنظر إلى ذوات المتعلق لا بالنظر إلى الموانع التي تعرضها وتمنعها عن تحقق مفهوم الرهن أو البيع كما لا يخفى ويدفعها
ما عرفته غيره مرة من أن مثل هذه الاحتمالات كاحتمال تلف العين المرهونة لا تنافى الاستيثاق المعتبر في الرهن وتوضيحه أن المعتبر في الرهن ليس إلا
أن يكون تحت يد المرتهن شئ يمكن استيفاء حقه منه فيكون بذلك مثل من كان ماله تحت يده وأما احتمال تلفه وضياعه ليس إلا كقيام هذا الاحتمال
في سائر أمواله وقوة هذا الاحتمال وضعفه لا ينافي أصل الاستيثاق الحاصل من سلطنته على الرهن الذي هو من مال الراهن وإن شئت قلت إنه
يحصل له بأخذ الرهن مرتبة من الوثوق بوفاء الدين الذي لم تكن قبله وإن لم يكن هو في حد ذاته مما يطمئن ببقائه سليما له وهذا المقدار من الوثوق
يكفي في صحة الرهانة والصدق العرفي وهل يتعين على الراهن الفداء في صورة الخطاء فلا يجوز له تركه المقتضى لسلطنة المجني عليه على الاسترقاق أم لا
وجهان قد يقال بالوجوب التعين أحد فردي الواجب التخييري بإيجاد المانع عن الأخرى حيث إنه بالعقد اللازم صار متعلقا لحق الغير فيجب الوفاء
به وترك الفداء نقص له وفيه أن وجوب الوفاء عليه لا يقتضى وجوب حفظ الموضوع ومنع الغير عن الاخذ بحق سابق مع الامكان لأن معنى وجوب الوفاء
عليه ليس إلا أن لا يرفع يده بنفسه عن هذا العقد لا أن يمنع الغير عن التصرف فيه لو كان لهم حق سابق يقتضى ذلك وقد يقال أيضا بأن نفس
الرهانة بنفسها ظاهرة في اختيار الفداء فيجب عليه الفداء لاختياره ذلك ودليله عليه فعله وفيه بعد تسليم الدلالة أنه لا ملزم له بذلك لأن
مجرد الالتزام ولو بالقول لا يعينه فله الرجوع عما ألتزم به وتنظيره بما لو ألتزم بالفداء بعد المطالبة وتلف العبد بعد ذلك في غير محله لظهور الفارق
بين المقامين ويمكن أن يوجه ذلك بما سنذكره في المسألة الآتية من إمكان دعوى استفادة الالتزام من الراهن بحفظ الرهن للمرتهن من عقد الرهن عرفا
فيثبت له حق عليه هو يقتضى ذلك فإن تم ما ذكرنا من الاستفادة فهو وإلا فالأوجه عدم الوجوب ولو رهن ما يسرع إليه إفساد قبل الاجل ولكن
كان مما يمكن إصلاحه بتجفيف ونحوه صح الرهن بلا إشكال لوجود المقتضى وعدم المانع فهل يجب حينئذ على الراهن الاصلاح بمعنى أن المرتهن يستحق مطالبته
منه أم لا بل ليس عليك إلا الحكم التكليفي فيما لو كان الحفظ واجبا مع قطع نظر عن كونه رهنا كنفقة الحيوان مثلا فعلى هذا ليس للمرتهن الزامه بذلك
بل يباشر الاصلاح بنفسه لو أراد استيفاء حقه وإلا فلا فيه وجهان أوجههما الأول بل الظاهر إنه من المسلمات عندهم من دون تردد فيه ووجهه
قضاء العرف بذلك فيما لو رهن ما يتوقف بقائه على النفقة كالحيوان مثلا وكذا ما يحتاج بقائه إلى زمان الاستيفاء إلى مصارف حيث إن المرتكز في
أذهانهم ان ليس المصارف فيما يحتاج إلى المصارف على من يتخذه رهنا بل هو على مالكه كسائر أمواله على النحو المتعارف فمتى أوقعوا العقد عليه يصير
هذا في قوة الاشتراط عليه في متن العقد فيصير المرتهن بذلك ذا حق عليه فله المطالبة بحقه فيما إذا كان بقائه بحسب العادة يتوقف على المخارج مما لا
إشكال فيه وأما فيما لو طرء ما يفسده في أثناء الاجل وكان مما يمكن إصلاحه فجواز إجباره عليه لا يخلو عن إشكال وإن كان ظاهرهم التسالم على ذلك
أيضا ولعله لدلالة الرهن عرفا على التزام الراهن يحفظه بقدر الامكان حتى يتمكن المرتهن من استيفاء دينه منه عند حلول الأجل وليس بالبعيد هذا
فيما أمكن إصلاحه وأما فيما لم يمكن ذلك فإن شرط بيعه وجعل ثمنه مكانه في استيفاء الدين منه جاز لحصول المقصود من الرهن بهذا الشرط فيبيعه
الراهن ويجعل ثمنه بمنزلته فإن أمتنع أجبره الحاكم وإن تعذر باعه المرتهن رفعا للضرر وجمعا بين الحقين وإن لا يشترط ذلك بطل الرهن لفوات
المقصود منه سواء شرط عدم البيع أو أطلق الرهن لو لم نقل بظهوره في إشتراط البيع عند الحاجة صونا لفعله عن اللغو وإلا فيرجع إلى القسم الأول و
احتمال صحة الرهن في الفرض لحكم الشارع بالبيع فيحصل به المقصود من الرهن مدفوع بأن الحكم إنما هو بعد تحقق الموضع المعتبر في ماهية إمكان
استيفاء الدين منه فلا يعقل تصحيح الموضوع بالحكم وقيل يصح الرهن ويجبر على بيعه اتكالا على الاحتمال المذكور وقد عرفت ضعفه واعلم أن
218

ظاهر المصنف ومن عبر كعبارته عدم اعتبار أمر آخر في صحة الرهن عدى الشرائط الأربعة المذكورة لكن عن القواعد لا يصح رهن المجهول بل عن الخلاف نفي الخلاف
عن عدم صحة الرهن فيما في الحق بل قيل ظاهره نفيه بين المسلمين إلى غير ذلك مما يدل على إن اعتبار المعلومية في الجملة مما لا إشكال فيه عندهم وقد عرفت
أن عبارة المصنف (ره) قاصرة عن إفادة اعتبارها ودعوى استفادتها من قوله يصح بيعه لكونها شرطا في صحة البيع ظاهرة الفساد إذ ليس هذا سوقا لبيان
انه يعتبر في صحة الرهن وانعقاده كلما يعتبر في البيع والا لزم أن لا يصح رهن المكيل والموزون إلا بالكيل والوزن مع أنه لا يحتمل إرادة مثل ذلك من العبارة
بل المراد من هذا الشرط أنه يعتبر في صحة الرهن أن يكون قابلا للبيع في حد ذاته حتى يمكن استيفاء الدين منه لا أنه يجب أن يكون شرائط صحة البيع متحققة حال
انعقاد عقد الرهن كما لا يخفي ثم أن الوجه في اعتبار هذا الشرط هو عموم نفى الغرر لأن رهن ما في الحق لو لم يعلم جنسه غرر فيجب معرفتها حتى يصح الرهن ولكن
يمكن أن يناقش في العموم بحيث يعم الرهن الذي ليس من العقود المعاوضية حقيقة كالهبة فعلى هذا يصح رهن المجهول مطلقا نعم يعتبر فيه أن يكون معلوما بوجه
من الوجوه حتى يمكن تعلق القصد به مثلا لو علم بأن في الحق شيئا متمولا في الجملة يصح جعله رهنا مطلقا وهذا المقدار من المعرفة لا يكفي في الصحة لو اعتمدنا
في الاشتراط على عموم نفى الغرر نعم لا يخفي إن اتصاف المعاملة بكونها غررية مما يختلف بالإضافة إلى أنواع المعاملات بنظر العرف مثلا لو بيع ما لا يعلم
كيله ووزنه وكان مما يكال أو يوزن يقال عرفا أن البيع غرري بخلاف ما لو رهنه أو أجره مثلا الفائدة فلا يقال أنها غررية وهذا واضح ولذا وبنينا
على اعتبار العلم بأوصاف العين المرهونة بدليل نفي الغرر لا نلتزم ببطلان الرهن بكل جهالة يبطل لأجلها البيع كما في صورة الجهل بالمقدار وغير ذلك فأفهم.
الفصل الثالث في الحق الذي يجوز أخذ الرهن عليه وهو كل دين ثابت أي متحقق حال انعقاد الرهن في الذمة كالفرض وثمن المبيع والأجرة وغيرها و
يتفرع على ذلك إنه لا يصح الرهن فيما لم يحصل سبب وجوبه كالرهن على ما يستدينه وعلى ثمن ما يشتريه وفي الجواهر بلا خلاف أجده بيننا بل في التذكرة وجامع
المقاصد الاجماع عليه ووجهه أن مفهوم الرهن المعبر عنه بالفارسية " بگر وگرفتن " لا يتحقق في الخارج إلا بأن يكون للمرتهن عند الراهن شئ وما
كان في ذمته أو على عهدته على إشكال في الأخير كما سنوضحه إنشاء الله لا لأن الاستيثاق بمال الراهن عما ليس على عهدته فعلا غير معقول ضرورة
تعقل نحو من الاستيثاق بحبس ماله أو أخذ الكفيل منه لئلا يسرق من أمواله الذي ليس فعلا تحت يد الراهن فيحصل له بذلك مرتبة من الوثوق بالنسبة
إلى أمواله التي تحت يد ولكن من المعلوم ضرورة لمن راجع وجدانه إن المتبادر من الرهن مفهوم آخر يغاير الاستيثاق بهذا النحو بمعنى أنه ليس كل
استيثاق رهنا بل المتبادر منه أن يكون بحذاء حق ثابت إذ لا نعقل من مفهوم الرهن إلا حبس شئ من مال الراهن بدلا عما له عنده حتى يسهل عليه
استيفاء ماله عنده فهو أشبه شئ بالمقاصة فكما لا يعقل التقاص قبل استقرار الحق كذلك الرهن عليه وأما الاطلاقات العرفية في بعض المقامات
كما في المثال المذكور فهي مبينة على ضرب من التأويل والمسامحة وليس على حقيقته وهذا مما لا خفاء فيه بل الظاهر أنه لا يلتزم أحد بتحقق الرهن حقيقة قبل
استقرار الحق على الراهن وإنما ذهب من ذهب إلى الجواز فمسألة الرهن على ما يستقرضه وثمن ما يشتريه كما عن أبي حنيفة وبعض وجوه الشافعية إلى أنه
يصير رهنا بالقرض والبيع فهو مراعى إلى أن يتحقق الحق وكيف كان فالظاهر إن هذا مما لا إشكال فيه وإنما الاشكال في قصر الحق الذي بجواز أخذ الرهن
عليه بالدين كما هو ظاهر المصنف وصريح المحكى عن آخرين بل ربما ينسب إلى الأكثر المقتضى لبطلان الرهن على الأعيان المضمونة مطلقا وهو بإطلاقه
مشكل بل الأقوى في الأعيان المضمونة باليد صحة الرهن عليها دون المضمونة بالعقد أو ضمان درك المبيع توضيح المقام أنك قد عرفت إن ماهية
الرهن يتوقف تحققها على ثبوت شئ يحاذيها فلا يعقل أخذ الرهن على ما هو ثابت تحت يده من الأجنبي باحتمال أنه سيسرقه فحينئذ نقول الشئ الثابت
عند الراهن أما أن يكون كليا على ذمته أعني الدين فلا إشكال في جواز أخذ الرهن عليه بل القدر المتيقن من مشروعيته هو هذه الصورة وأما أن
يكون عينا خارجية تحت يده حقيقة أو حكما بأن يكون ضمانها عليه وأما ضمان العقد أو درك المبيع فعلى فرض الالتزام بجواز أخذ الرهن عليه فلا بد
من إرجاعه إلى أحد هذين القسمين لما ذكرنا من عدم معقولية أخذ الرهن على مالا ارتباط به فعلا بأن لا يكون في ذمته ولا يكون عينه تحت
يده أو يكون خسارته عليه ثم العين الخارجية أما أن تكون مضمونة عليه أم لا أما ما لا يكون ضمانها عليه بأن كانت يده يد أمانة فلا إشكال بل لا خلاف
في عدم صحة أخذ الرهن عليه ضرورة أن يد الأمين يد المالك فكما لا يجوز أخذ الرهن على ما هو تحت يده كذا لا يجوز أخذه على ما وضعه عند غيره وسلطه
في حفظه ومجرد كونه عنده لا يكون منشأ لجواز حبس ماله بحذائه مع أنه لا حق له عليه بسببه وكونه مكلفا بالأداء والرد إليه لا يوجب ثبوت حق له عليه وضعا فليس
في المقام عليه إلا مجرد الحكم التكليفي بفعل الأداء وهو لا يوجب جواز أخذ الرهن عليه وإلا لجاز أخذ الرهن على جميع الأفعال الواجبة كالصلاة والصوم وكون متعلقه مالا لا يوجب
الفرق بعد أن لم يكن عليه إلا الفعل واحتمال التعدي والتفريط لا يوجب ثبوت حق له عليه فعلا حتى يصح أخذ الرهن عليه فليس هذا الاحتمال إلا كاحتمال
السرقة في أمواله هذا كله مع عدم إمكان الاستيفاء الذي هو من مقومات الرهن إذ مع بقاء العين وتمكنه من إيصالها ليس له إلا مطالبة شخص العين
وعند التعذر لا شئ عليه فلا يمكن الاستيفاء من الرهن بوجه من الوجوه وإمكانه على فرض التعدي والتفريط غير مجد لأن الفرض غير حاصل كما هو المفروض
فالرهن عليه حقيقة رهن على ما يحتمل تحقق سبب صحته فيما بعد وأما نفس احتمال التعدي والتفريط فقد عرفت أنه ليس شيئا وإلا لجاز فيما في يده باحتمال
السرقة إذ لا فرق بين المقامين بعد فرض كونه أمينا وكون يده عليه بإذنه ووكالته وأما ما يتراءى من الاطلاقات العرفية فقد ذكرنا أنه مبنى على
نحو من المساحة والتأويل أما الأعيان المضمونة فأما أن يكون ضمانها ثابتة بقاعدة اليد أو بالعقد والضمان العقدي أما ضمان الدرك أو غيره مثل
ضمان المبيع قبل قبضه أو الضمان المتحقق في زمن الخيار على من لا خيار له أما القسم الأول فالأقوى فيه جواز أخذ الرهن عليه ووجهه ان الضمان المستفاد
219

من قوله (ع) على اليد ما أخذت ليس مجرد الحكم التكليفي بأداء العين ما دامت باقية ومثلها أو قيمتها حال تلفها بل المستفاد منه نحو من التعهد والالتزام
المقتضى لخروجه عن عهدة العين بمراتبها فما دامت العين باقية يقتضي ذلك التعهد رد شخص العين وعند تعذره دفع ما هو أقرب إلى التالف فنفس التعهد
والالتزام بنفسه أمر اعتباري له نحو وجود عند العقلاء نظير الذمة بل الذمة في الحقيقة ليست إلا نحو تعهد والتزام فمعنى أن له على ذمة عمر وألفا إن عمرا
ملتزم بأدائه ولا نعنى به اللزوم والشرعي أو الحكم العرفي بل المقصود أن المديون متعهد بالدين الكلى فكأنه تضمنه والصفة على نفسه فعليه عند مطالبة
الدائن أن يدفعه إليه وهذا المعنى وإن كان لا تأصل له في الخارج إلا أن له نحو ثبوت واعتبار لدى العقلاء يتصفون به مالكه ذا مال وهذا النحو
من الثبوت هو المصحح لتحقق مفهوم الرهن بالنسبة إليه وعلى هذا فنقول إن ما هو ملاك صحة الرهن في الدين أعني التعهد متحقق في القمام على نحو أكمل لأنه متعهد
برد المال الخاص بخصوصيته الشخصية وقد عرفت أن معنى التعهد الالتزام برد العين مع التمكن ومع التعذر رد ماليته وما هو أقرب إلى نفس العين وهذا
المعنى مصحح لاخذ الرهن وتحقق مفهومه والحاصل إن ملاك تحقق ماهية الرهن على ما نتعقله من مفهومه هو أن يكون للمرتهن على الراهن مال مرتبط
به منقطع عن المالك بحيث يكون خسارته عليه كما لو كان عينه تحت يده عصبا فإنه على هذا التقدير يصلحه أخذ بدل الحيلولة والمقاصة من ماله ففيما
يأخذه بدلا أن رضيا بأن يكون محبوسا عنده أن رد عينه إليه إلى رأس شهر فهو وإلا فهو مسلط على استيفاء حقه منه يصير رهنا على ما يستفاد من
مفهومه عرفا فيشمله عموم وجوب الوفاء بالعقد مضافا إلى عموم سلطنة الناس على أموالهم وخصوص الأدلة الدالة على جواز أخذ الرهن ولزومه و
هذا بخلاف الأمانات فإن المال فيها ليس مرتبطا بالأمين هذا النحو من الارتباط بل يدهن في الحقيقة يدي المستأمن فليست يده منقطعة عنه فيكف
يحبس ما الغير بحذائه مع أنه في الحقيقة تحت يده كما عرفت وأما الضمان بالعقد أما القسم الثاني منه وهو ضمان التلف قبل القبض ونظائره
فقد يقال بجواز أخذ الرهن عليه كما هو المحكى عن بعض كتب العلامة وغيره نظرا إلى كونه نظير ضمان اليد في الحكم لأن البايع ملتزم بخسارته ومتعهد
بإيصاله إليه مع وجوده وعند التعذر يجب عليه دفع بدله المعين وهو الثمن المسمى ولكن يضعفه أن الضمان في المقام ليس على حقيقته أعني من
قبيل الالتزام والتعهد بإيصال شئ حتى يثبت به له حق عليه بل حكم شرعي تعبدي بانفساخ البيع ووقوع التلف من كيس البايع فيرد الثمن المسمى لكونه
بشخصه ملكا للمشتري لا لكن غرامة عن التالف وإلا لكان الواجب عليه دفع المثل أو القيمة دون المسمى كما يقتضيه قاعدة الضمان ويشير إلى هذا
المعنى ما يستفاد من الاخبار وكلمات علمائنا الأخيار من أن تلف المبيع قبل قبضه من مال بايعه وكذا التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له كما
لا يخفى وأما ضمان الدرك فالظاهر عدم جواز أخذ الرهن عليه لما عرفت من توقف تحققه عرفا على ثبوت شئ يحاذي الرهن للمرتهن على الراهن وهو في
الفرض منتف لانتقال كل من العوضين إلى الآخر في مرحلة الظاهر فلا يجوز للمشتري أخذ الرهن على الثمن لكونه ملكا للبايع فلا يعقل الرهن عليه
ولا على المبيع لوصوله إليه وكونه في يده على ما هو المفروض وأما تعهده بالخروج عن عهدة الثمن لو خرج المبيع مستحقا للغير فهو ليس أمرا ثابتا يصح
أخذ الرهن عليه إذ ليس هذا الالتزام بالرد عند ظهور الاستحقاق المنافي لأصالة الصحة فليس عليه قبل ظهور الاستحقاق تعهد فعلى بالنسبة
إلى مال المشتري حتى يصح أخذ الرهن عليه نعم بعد ظهور الاستحقاق له ذلك إلا أنه يرجع إلى القسم الأول أعني الضمان باليد كما لا يخفي ثم أنه قد يتصور صحة
الرهن التعليقي في الفرض لو قلنا بجواز التعليق في مثل المورد وعدم اعتبار التنجيز في العقود مطلقا بأن رضيا بكونه رهنا على الثمن لو كان المبيع
مستحقا للغير فيتحقق ماهية الرهن حقيقة لو كان التقدير محقا في الواقع ولكن لا يترتب عليه في مرحلة الظاهر أثر الرهانة لكونه منافيا لأصالة
الصحة بل يقع مراعى إلى أن ينكشف الحال فإن ظهر أن المبيع كان مستحقا للغير يعلم إنه كان رهنا من أول الأمر الضمان اليد وإلا فلا ويصح للمرتهن
التصرف فيه بما يشاء قبل ظهور الاستحقاق لعدم كونه رهنا في مرحلة الظاهر كما لا يخفي ثم على تقدير الصحة في الفرض مطلق هل يمتد الرهانة إلى
أن ينكشف الحال ويعلم عدم كونه مستحقا للغير أو يكفي حصول إلا من من الاستحقاق فينفسخ الرهانة ويجوز للبايع والتصرف فيه وجهان وعلى تقدير
كفاية الاطمينان لو عاد الاحتمال يعود الرهانة من دون حاجة إلى عقد جديد إذ لا نعنى بالانفساخ انفساخا حقيقا بل المقصود أنه يعامل معاملة
الانفساخ فإذا عاد الاحتمال يتبين خطاء مستند الأمنية ويعلم أنه الرهانة كان باقيا من أول الأمر من دون انفساخ حقيقي ثم أنه قد ظهرت مما
قررنا أنه يعتبر في تحقق مفهوم الرهن من ثبوت حق فهل يعتبر أن يكون الحق الثابت مقدما على الرهن فلا يكفي ايجادهما دفعة كما لو اقترن سببا هما
بأن يقول البايع مثلا بعتك العبد بألف ورهنت الدار بها أو رهنة بها فيقول المشترى قبلتهما أم لا يعتبر ذلك بل يصح الرهن في المثال فيه وجهان
من توقف تحققه مفهوما على الحق وهو لا يتحقق إلا بتمام سببه ومجرد الايجاب لا يكفي في ثبوت ما يحاذي الرهن فيقع إيجاب الرهن لغو العدم وقوعه في
محل قابل والاجماع المدعى على أن ما هو شرط في العقد شرط في جميع أجزائه ومن أن تحقق الرهن في الخارج ووقوع أثره وإن كان متوقفا على ثبوت شئ
على الراهن واقعا إلا أن إنشائه وإيجاد سببه من حيث إنه سبب لا يتوقف إلا على اعتقاد الثبوت أو جعل الثبوت أولا لا الثبوت الواقعي فإنشائه البيع
أولا يكفي في إنشائه الرهن على الألف الذي أوجبه على الراهن بإنشائه وإن لم يلزم عليه ذلك إلا بالقبول فمتى لحقه القبول كان قال قبلت البيع و
الرهن بل لو قال قبلتهما يؤثر ولا يخفى عليك أن القول بالصحة إنما هو فيما لو تأخر إيجاب الرهن عن إيجاب البيع وكذا قبوله يعتبر أن لا يكون مقدما
على قبول البيع وإلا فيصير من قبول الرهن على ما يستقرضه وقد عرفت الاجماع على بطلانه وأما الاجماع المدعى في المقام فإثبات عمومه بحيث يعم المورد
مع كون المسألة بالخصوص خلافية مشكل فعلى هذا لا يخلو الوجه الأخير عن قوة وتنظيره ببيع الوارث ما يرثه في أثناء الصيغة قبل تمامها وكذا بيع ما
220

لا يملكه ثم ملكه في الأثناء كالخمر إذا صار خلا يمكن منعه بإبداء الفارق أما أولا بثبوت الاجماع في مسألة البيع وعدمه فيما نحن فيه وثانيا فبالفرق بين
الشرائط فمنها ما يستفاد من دليله ونحو اعتباره أنه يعتبر في تأثير العقد المشروط بالشرط الفلاني وقوعه في محل متصف بوصف خاص مثلا يستفاد من
دليل اعتبار الملكية في البيع مثل لا بيع إلا في ملك إنه يجب أن يقع على ما هو مملوك فلا بد من تحقق الملكية قبل البيع ولو آنا ما حتى يقع البيع في الملك
ومنها ما ليس كذلك بل غاية ما يستفاد أنه يتوقف ترتب أثره وتحققه في الخارج على أمر كما نحن فيه فإن ثبوت حق واقعي في الخارج إنما يتوقف عليه
تحقق الرهن في الخارج بمعنى أنه يعتبر في تحقق الرهن في الخارج أن يكون مقترنا بحق يحاذيه وأما تقدم هذا الحق على الرهن وجودا فلا هذا في الرهن
الخارجي الذي هو أثر الرهن الانشائي وأما الرهن الانشائي فلا يتوقف على ثبوت الحق واقعا بل يكفي فيه اعتقاد الثبوت أو جعل الثبوت كما لا يخفي ويتفرع
أيضا على اعتبار ثبوت ما يحاذي الرهن أنه لا يصح الرهن على ما حصل سبب وجوبه ولكن لم يثبت به في الذمة شئ فعلا كالدية قبل استقرار الجناية
ولا يخفي عليك إن الالتزام بعدم ثبوت شئ على الجاني قبل انتهاء حالها وكونها كان لم تكن إلا في مجرد إيجاد السبب مع أن الجناية قد تحققت في الجملة
في غاية الاشكال إن مجرد كونها في عرضة التبدل إلى جناية أخرى أو مما يزداد لا يقتضى وقوع ما وقع لغوا غير مؤثر في شي الا ترى أنه وبما يظهر من
بعض فروعاتهم المذكورة في كتاب الحدود جواز القصاص قبل الانتهاء مع أن الحكم فيه لعله أشكل على ما يتراءى في بادي النظر من الالتزام بجواز أخذ الدية
قبل الانتهاء في الموارد التي تثبت فيها الدية نعم هيهنا إشكال ولعله هو الذي ألجأهم إلى ما ذهبوا إليه من عدم الثبوت قبل الاستقرار من أن الظاهر
من النص والفتوى بل العرف أيضا استناد الدية إلى ما ينتهى إليه الجناية لا ما يحصل به أصل الجناية ولو كانا متماثلين في الدية أيضا كقطع اليدين المنتهي
إلى القتل فإن الظاهر منهما استحقاق دية القتل لا القطع فلو كان القطع مؤثرا في ثبوت الدية لوجب أن يقع القتل لغوا لئلا يلزم توارد علتين مستقلتين
على معلول شخصي أو يثبت بكل منهما دية غير ما ثبت بالاخر وكلاهما فاسد ان على ما هو مقتضى النص والفتوى فتعين أن يكون الدية الخصوص القتل
ووقوع القطع طغى ومراعى حتى ينتهى حاله ويمكن الذب عن الاشكال بأن التأثير شئ والاستناد شئ آخر ولا امتناع في أن يكون كل جزء من الجناية
مؤثرا في ثبوت الديب مقداره فيكون استقرار الدية على عهدة الجاني تابعا لاستقرار الجناية بمعنى أن تحدث في الذمة شيئا فشيئا كأصل الجناية
ومع ذلك لا مانع من استناد مجموع الدية إلى ما تنتهى إليه ففي المثال المذكور ثبوت الدية إنما هو بالقطع وأما استنادها إليه فإنما هو ما لم ينته إلى
القتل وأما بعد الانتهاء فهي مما بعينها تستند إلى القتل وإن شئت قلت إن الاستناد إلى القطع إنما هو ما لم يسر وإذا سرى يكشف عن كونها دية القتل لا
القطع أعني دية منسوبة إلى القتل لا حادثة بسبب القطع وهذا فيما توافقت دية الجناية مع ما تنتهى إليه جنسا مما لا إشكال في تصوره والالتزام به وأما
إذا تخالفتا فيشكل ذلك إلا أن يقال بأن الجناية أثرت في أثبات القدر المشترك بين الخصوصيتين بحسب القيمة والمالية أما خصوصيتها
الشخصية فمقيد ثبوتها بعدم كونها مما سرى إلى غيرها ولا بعد فيه فأفهم وتأمل ويجوز الرهن على قسط كل حول بعد حلول الحول وأما قبله فلا يجوز
في دية الخطاء لعدم تعين المستحق عليه وعدم انضباطه قبله أما الدية في شبه العمد فيصح أخذ الرهن عليها لكونها على الجاني وإن كانت مؤجلة لأنها كأجل
الدين الذي يصح أخذ الرهن عليه والله العالم وكذا لا يجوز الرهن على مال الجعالة قبل الرد لعدم استحقاق المجعول له المال قبل العمل وقد ظهر بما
ذكرنا أنه يجوز الرهن عليه بعده لاستقرار الجعالة على ذمته بفعله وكذا مال الكتابة ولو قيل بالجواز فيه كان أشبه في المسالك الكتابة إن كانت مطلقة
فهي لازمة إجماعا فيجوز الرهن على مالها بغير خلاف وإن كانت مشروطة فعند الشيخ وجماعة إنها جائزة من قبل العبد فيجوز له تعجيز نفسه فلا يصح الرهن
على مالها لانتفاء فائدة الرهن وهي التوثق إذ للعبد إسقاط المال متى شاء ولأنه لا يمكن استيفاء الدين من الرهن لأنه لو عجز صار الرهن للسيد
لأنه من جملة مال المكاتب والأقوى المشهور من لزومها مطلقا كالمطلقة لعموم الامر بالوفاء بالعقود فيتحقق الفائدة ويصح الرهن على مالها ولو قلنا
بجواز ها لا يمتنع الرهن كالثمن في مدة الخيار وعلى ما قررناه فإطلاق المصنف (ره) حكاية للمنع أولا ثم حكمه بالجواز مطلقا ثانيا غير جيد انتهى أقول
ما أفاده (قده) في غاية الجودة والمتانة والقوة وإن كان قد يتأمل في أصل مال الكتابة هل هو حق ثابت في ذمة العبد فكان العبد اشترى نفسه بالعوض
المعين الذي في ذمته فيكون من قبيل المعاوضات أم لا ذمة للعبد ولا تعهد أصلا بل هو الزام من المولى فيكون الكتابة التزاما بحريته بأداء ما ألزمه به وقد أمضاه
الشارع فعلى هذا ليس في ذمة العبد حق ثابت حتى يجوز أخذ الرهن عليه سواء كانت الكتابة مطلقة أو مشروطة ولعل المصنف (ره) لذا أطلق المنع أولا نعم
يعد البناء على كونه من القسم الأول لا إشكال في جواز الرهن عليه بقسميه وما ذكره المانع من الوجهين ضعفه ظاهر خصوصا الأخير لجواز أن يكون الرهن من
غيره بإذنه كما لا يخفي ولا يصح الرهن على ما لا يمكن استيفائه من الرهن كالإجارة المتعلقة بعين المؤجر مثل خدمته شهرا معينا ووجهه ظاهر ويصح فيما هو
ثابت في الذمة كالعمل المطلق لامكان استيفائه من ثمن الرهن عند التعذر ولو رهن على مال رهنا ثم استدان آخر وجعل ذلك الرهن عليهما جاز
وعلله في المسالك بعدم المانع منه مع وجود المقتضى فإن التوثق بشئ لشئ آخر لا ينافي التوثق لاخر به خصوصا مع زيادة قيمته على الأول ولا يشترط
فسخ الرهن الأول ثم تجديده لهما بل يضم الثاني بعقد جديد ويجوز العكس أيضا بأن يرهن على المال الواحد رهنا آخر فصاعدا وإن كانت قيمته
الأول نفى الدين الأول لجواز عروض مانع من استيفائه منه ولزيادة الارتفاق آه؟ أقول أما الحكم في عكس المسألة فالظاهر إنه مما لا إشكال
فيه لما ذكره قده وأما أصل المسألة فالأمر فيه مع عدم فسخ الأول وجعله رهنا لكليهما في غاية الاشكال سواء كان الدين المتجدد لنفس المرتهن
أو لثالث لأن الحق كما حقق في محله مرتبة ضعيفة من الملكية فكما إنه لا يعقل كون جزئ خارجي بتمامه ملكا لشخصين بأن يكون كل منهما مستقلا في
221

ملكية وكذا توارد سببين مستقلين لنقل شئ واحد من شخص واحد كذلك هذا الحق الواحد الشخصي المتحقق لشخص واحد بسبب لا يقبل التكرر بعد ذلك
لذلك الشخص بسب أخر إلا أن ينفسخ الرهن الأول ويجعل رهنا بإزاء المجموع وكذا جعله بسب آخر لشخص أخر أيضا غير معقول وتنظيره بما لو جعله رهنا
لكليهما من أول الأمر بسبب واحد في غير محله لأنه بمنزلة البيع من شخصين من أول الأمر بسبب واحد ولا محذور فيه فيملكانه معا على نحو الإشاعة فكذا ما نحن
فيه إلا أن الإشاعة في نفس الحق غير متصورة ولكن يترتب عليه آثارها بالنسبة إلى ثمنه بعد البيع وأما رهنه لحقين مستقلين فبمنزلة البيع من شخصين
مستقلين على نحو التوارد وهو غير معقول وتوهم إن بقائه بتمامه رهنا حتى يوفي الدين بتمامه سواء كان الدين من شخص أو من شخصين مما يقرب المطلب
بدعوى إن كونه كذلك كاشف عن كونه بتمامه رهنا لكل جزء من الدين على الاستقلال وإلا فلا معنى لكونه كذلك بل القاعدة تقتضي انفكاكه حسب ما يؤدي
من الدين فعدمه حاكم بما ذكرنا وقابليته لوقوعه من المتعدد فحينئذ لا فرق بين أن يكون هذا بعقد واحد أو بعقود متعددة وليس في الحقوق مزاحمة حتى
يمتنع اجتماعها كالملكية إذ ليس قضية كونه محبوسا لشئ استيلاء المرتهن على التصرف فيه تمام الاستيلاء حتى ينافي حبسا آخر فكما إنه يجوز أن يكون
محبوسا لشئ كذلك يجوز أن يكون بتمامه محبوسا لأشياء وهذا المعنى محقق في رهن واحد بالنسبة إلى أجزاء الدين كما عرفت مدفوع بأن كونه باقيا
على رهنيته إلى أن يوفى الدين بتمامه ليس من لوازم كون رهنا على كل جزء بالاستقلال الذي قد منعنا تعقله وإنما هو من آثار جعله رهنا للمجموع
بعد فرض المجموع شيئا واحدا على ما يقتضيه المتفاهم العرفي من إطلاق الرهن على الشئ فمعنى كونه رهنا على العشرة كونه محبوسا العشرة إلى أن يوفى
العشرة ومعلوم أن وفاء العشرة لا يتحقق في الخارج إلا بوفاء تمامها ولا يقتضى هذا انحلاله إلى رهون متعددة بتعدد الاجزاء وهذا ظاهر
نعم لو ظهر من حاله أنه جعله رهنا للمجموع بملاحظة أجزائه بأن ينفك منه بالمقايسة إلى ما يؤدى فيتبع الحكم جعله كما أنه لو جعله رهنا للمجموع بملاحظة أول ما يؤدى منه كان
يكون رهنا لعشرة إلى أن يؤدى منها شيئا فينفك بالدرهم الأول ولا يخفي أن شيئا من هذه المعاني لا يساعد المدعى في أثبات دعويه وأما الكلام في
إن هذه المعاني أيها أظهر من إطلاق الرهن فقد عرفت منا استظهار المعنى الأول بمساعدة أفهام العرف المنبعثة عن أغراضهم الغالب وقوعها في
الخارج في باب الرهن وإلا فلعل المعنى الثاني أوفق بظواهر اللفظ وليس الكلام في شئ منها مجازا حتى يتمسك في نفيها بأصالة الحقيقة وتعيين بعضها بالخصوص
دائر مدار الانصرافات العرفية كما لا يخفى وأما ما ذكره من أن كونه محبوسا لشئ لا يمنع عن كونه محبوسا لاخر ففيه أن هذا هو المعنى الذي لا نتعقله لأنه إن كان
السبب الأول تاما في محبوسيته بتمامه لا يعقل أن يؤثر السبب الثاني في محبوسيته في شئ إلا بأبطال السبب الأول وجعل المسبب مسببا عن نفسه أو عن كليهما
بأن يكون كل منهما جزء السبب وإن لم يكن مستقلا فمع أنه خلاف الفرض لا يجديه إذ لا تمنع إمكان صيرورته رهنا لشيئين لا على نحو الاستقلال فأفهم وتأمل
الفصل الرابع في الراهن ويشترط فيه ما يشترط في البيع من كمال العقل فلا يصح من الصبي والمجنون ولو مع الإجازة وجواز التصرف فلا يصح من السفيه
والمملوك بمعنى أنه يقف على الإجازة والاختيار فلا ينعقد مع الاكراه صحيحا لازما نعم لو تعقبه الرضا يصح لو لم يخرج بالاكراه عن قصد اللفظ وقد عرفت الحكم
في جميع هذه الفروعات مفصلا في باب البيع فلا نطيل بالإعادة ويجوز لو لي الطفل رهن ماله إذا أفتقر إلى الاستدانة نحوها مع مراعاة المصلحة كان
يستهدم عقاره فيروم أي يقصد مرمته وإصلاحه رمه أو يكون له أمول تحتاج إلى الانفاق لحفظها من التلف والانتقاص فيرهن بذلك ما يراه من أمواله إذ كان استبقائها
أعود بحال الطفل فضابط جواز الرهن كونه أعود بحال الطفل من البيع وسائر التصرفات في نظر الولي الفصل الخامس وفي المرتهن ويشترط فيه أيضا ما
يشترط في الراهن من كمال العقل وجواز التصرف والاختيار على حسب ما عرفت لكن الظاهر إنه لا بأس بقبول السفيه والمفلس الارتهان الذي ليس بمستحق
على المديون بشرط ونحوه إذا كان الدين منه قبل الحجر ولعل المراد من العبارة ما لا يشمل هذا الفرض ويجوز لولى اليتيم أخذ الرهن له بل ربما يجب ذلك و
لعل المراد من الجواز في العبارة معناه الأعم ولا يجوز أن يسلف ماله إلا مع ظهور الغبطة له كأن يبيع بزيادة عن الثمن إلى أجل فيجوز حينئذ وضابطه أيضا كونه
أصلح بحال الطفل ولا يجوز له أي للولي إقراض ماله أي الطفل إذ لا غبطة في ذلك نعم قد يتفق الغبطة في الاقراض كما لو خشي على المال من غرق أو حرق أو نهب
وما شاكله جاز له إقراضه وأخذ الرهن عليه ولو تعذر أي الرهن اقتصر على إقراضه من الثقة غالبا ولا يخفي عليك إنه ليس لهذه الفروع حد مضبوط بل الامر
في جميعها منوط ينظر الولي فيما يراه مصلحة للطفل بمقتضى المورد الخاصة الجزئية التي تخلف فيها الحكم والمصالح وليس على الفقيه تعيين مواردها والله العالم
وإذا أشترط المرتهن الوكالة في العقد لنفسه أو لغيره أو وضع الرهن على يد عدل معين في الجواهر صح بلا خلاف بل عن الغنية الاجماع عليه لعموم المؤمنون عند شروطهم
وأوفوا بالعقود وخصوص ما دل على الرهن الشامل لهذا الفرد ولزم فلم يكن للراهن فسخ الوكالة على تردد توضيح المقام إن اشتراط الاذن في البيع مثلا في عقد
الرهن يتصور على وجوه أحدها اشتراط أن يوكله بعقد مستأنف ولا إشكال في صحة هذا الشرط وأما الفروعات المترتبة عليه فسيأتي ثانيها اشتراطه النتيجة
أعني كونه وكيلا عنه من دون حاجة إلى إيجاد سبب آخر وراء عقد الرهن وهذا أيضا لا خفاء في صحته بناء على جواز شرط النتيجة كمال هو الأظهر في غير ما يتوقف حصوله
على أسباب موظفة كالنكاح والطلاق مثلا ثالثها مجرد اشتراط كونه مرخصا ومأذونا في البيع هذا إذا قلنا بأن الوكالة عقد مركب من الايجاب والقبول
مغايرة لمطلق الاذن والترخيص كما هو الأظهر وإلا فلا يكون هذا وجها ثالثا ولا إشكال في جواز هذا الشرط وصحته أيضا رابعها شرط الاستيلاء والولاية
في البيع من دون أن يكون بيعه بعنوان النيابة بل بأن يكون له حق البيع ويكون هو بنفسه مستقلا في ذلك من دون أن يقصد كونه عنه وهذا بحسب
الظاهر أيضا مما لا بأس بالالتزام بصحته وإن لم نقل بجواز جعل الولاية للغير مطلقا ولو في ضمن عقد لازم كما لو جعل له الولاية في تطليق زوجاته والتزويج
له بمن يريد أو التصرف في أمواله بما يشاء إلا أنه في مثل ما نحن فيه مما صار متعلقة متعلقا لحق الغير بحيث ضعف سلطنته عليه لا محذور في الالتزام به بعد
222

قضاء دليل وجوب الوفاء بالعقد والشرط به وكيف كان فلو شرط الوكالة سواء شرطا العقد أو كونه وكيلا فالظاهر إنه لا ينعزل بالعزل إذا الظاهر من حال
المتعاقدين أن ليس مقصود هم مجرد إيجاد وصف الوكالة في الخارج حتى لا ينافيه عزله بعد الايجاد بل غرضهم تحقق الوصف في الخارج مستمرا إلى زمان البيع فالعزل
ينافي المقصود الذي بنوا عليه الامر وبمثل ما ذكر لعله نلتزم بعدم جواز الاخذ بخيار المجلس أو الحيوان مثلا فيما لو شرط في ضمن عقد لازم بيع حيوان مثلا فيجب عليه
البيع ولا يجوز له الفسخ في المجلس لكونه منافيا لما هو مقصود هم وليس معنى عدم الجواز مجرد الحكم التكليفي بل المقصود عدم نفوذه وعدم إمضاء الشارع فسخه ووجه إن
إمضاء الفسخ ينافي إمضاء الشرط الذي مقتضاه عدم وقوع الفسخ على ما هو الظاهر من مراد الشارط والمفروض إن الشرط ممضى شرعا فيه لغو الفسخ بعده هذا ويمكن
أن يفرق بين ما نحن فيه وبين البيع بأن يقال إن شرط عدم الفسخ في البيع أمر مشروع فلا مانع من اشتراطه وهذا بخلاف شرط عدم العزل في الوكالة حيث إنه مخالف
للمشروع لما ثبت بالاجماع وغيره من أن الوكالة عقد جائز وشرط عدم فسخه يؤل إلى شرط اللزوم وهو مخالف للمشروع ويمكن أن يجاب بأن القدر المتيقن من
جواز عقد الوكالة إنما هو فيما إذا كان ابتدائيا وأما إذا كان في ضمن عقد لازم فلا فمقتضى عموم وجوب والوفاء بالشرط بل العقد لزومه مع إنا قد ذكرنا
إن المستفاد من الشرط في مثل المقام إنما هو شرط كونه متصفا بوصف الوكالة سواء شرط حصول الوكالة بمجرد عقد الرهن أو شرط إيجادها بعقد مستأنف
فليس المقصود مجرد حصول الفصل حتى يتحقق الوفاء بالشرط ولو تعقيبه العزل فلا تفاوت بين شرط الفعل والنتيجة فيما هو المقصود من الشرط في المقام
فالمقصود من الشرط إيجاد وصف الوكالة للمرتهن دائما إلى أن يتحقق البيع وهو أمر مقدور سائغ في ذاته فيجب بمقتضى الشرط لا إن الشرط تعلق بإيجاد فعل
الوكالة لازما حتى يقال مخالف للمشروع بل المشروط تحصيل أثر هذا العقد الجائز دائما ولا محذور فيه وهذا أعني عدم انعزال الوكيل بالعزل في شرط النتيجة
أوضح منه في شرط الفعل كما لا يخفي ولو شرط الاذن فالظاهر إنه كالوكالة أيضا إذ ليس المقصود منه أيضا في مثل المقام مجرد صدور الإذن مطلقا بل المقصود
الاذن المستمر الباقي أثره إلى أن يبيع فليس له الرجوع بل لو رجع لا يؤثر رجوعه في شئ بل المؤثر إنما هو الاذن الأول الباقي حكما بمقتضى عموم وجوب الوفاء
بالشرط فيقع الرجوع لغوا ما ذكرنا في النيابة لو شرط الولاية فالأمر فيه أوضح فليس له منعه عن التصرف وعزله عن الولاية كما هو ظاهر وهل يرتفع موضوع
الشرط في الصور المذكورة بموت المرتهن أو الراهن فلا ينتقل إلى الوارث أم لا أما في غير الصورة الأخيرة فلا إشكال في أنه تبطل بموته كما أنه تبطل بموت
الراهن أيضا لأن كونه نائبا الذي هو حقيقة الوكالة يتوقف على تحقق النائب والمنوب عنه وبموت أحدهما لا يعقل بقاء النيابة والاذن في التصرف
من قبله أيضا يتوقف على وجوه فبعد موته لا يعقل بقاء الاذن في التصرف من قبله وكذا بموت المأذون يرتفع الاذن لكونه كالنيابة في تقومه
بالشخص المأذون بالخصوص وأما شرط الولاية فإن قلنا بأنه حق مجعول ولم يكن غرض الشارط متعلقا بثبوته لخصوص شخص المرتهن بحيث تكون
خصوصية الشخصية من مقومات الحق فالظاهر نقله إلى الوارث لعموم ما ترك الميت وإن بنينا على أنه ليس حقا بل هو حكم من الاحكام كما في ولاية الحاكم
والوصي والمتولي للأوقاف وليس حقا ثابتا قابلا للإرث فلا يبقى بعد الموت وكيف كان فيشكل الحال في ظاهر ما ذكره المصنف كغيره بقوله ولو مات
المرتهن لم ينتقل إلى الوارث إلا أن يشترط وكذا لو كان الوكيل غيره ضرورة عدم قابلية الوكالة للانتقال لما ذكرنا فيكون الشرط مخالفا للمشروع
إلا أن يراد من شرط الوكالة جعل الولاية وقيل بأنه حق قابل للانتقال أو يراد من شرط الوكالة إيجاد وصف الوكالة لمن يكون الرهن عنده مثلا
ولو بعقد مستأنف وإلا فإنشاء الوكالة فعلا للوراث المجهول الذي ربما لا يكون موجودا حال الرهن غير صحيح قطعا والوكالة المتحققة للمورث أيضا
قد عرفت أنها غير قابلة لأن يتسرى إليه جزما فإطلاق القول بالسراية بالشرط مشكل كما لا يخفى ولو مات المرتهن ولم يعلم وجود الرهن في تركته لم يحكم
للراهن بشئ في التركة أو في ذمته سواء شك في أصل الرهانة أو علم ولكن لم يعلم بقائه في التركة لأصالة البراءة واستحباب بقائه رهنا في صورة العلم بتحققها
حال حياته لا يثبت وجوده في التركة لعدم الملازمة أولا وعدم الاعتداد بالأصول المثبتة ثانيا فلا مانع عن العمل على ما هو مقتضى اليد من كونها
ملكا للمورث إذ لا علم على خلاف مقتضاها في الفرض لا تفصيلا ولا إجمالا فينتقل جميع التركة إلى الوارث ولو كان فيها في الواقع إذ لا طريق إلى
معرفته فهو حينئذ سبيله كسبيل ما له حتى يعلم بقائه فيها بعينه أي بشخصيه فيعمل فيه حينئذ على ما هو مقتضى الرهانة سواء علم ببقائه بشخصه في التركة إجمالا أو تفصيلا
ضرورة عدم خروج المال بالاشتباه عن ملك صاحبه ولا يخفى عليك إن الذي وجهنا به عبارة المصنف (ره) هو الذي أن يحمل عليه كلامه وإن كان خلاف
ظاهره ضرورة أن الفتوى على ما هو ظاهر منه في غاية الاشكال ولا يساعد عليه شئ من الأدلة وخبر القلانس الذي لا يبعد أن يكون مطح نظره في
تأديته هذه العبارة وهو قوله سئلت أبا لحسن عليه السلام عن رجل هلك وترك صدوقا فيه رهون بعضها عليها أسماء أصحابها وبكم هو بعضها لا يدرى
لمن هو ولا بكم هو رهن فما تريه في هذا الذي لا يعرف صاحبه فقال (ع) هو كماله لا شاهد فيه على ذلك لاختلاف الفرض في الموردين الفرض في الموردين إذا المفروض فيما هو
ظاهر العبارة جهالة نفس الرهن وفي ظاهر الرواية جهالة الراهن ومقدار الدين دون الرهن فالمقامات متغايران وأما الرواية فلا بد من حملها على
عدم معرفة كونه رهنا وإن بعد أو يقال بجواز أخذها مقاصة عن الدين المرهون عليه كما لعله يومى إليه قوله (ع) فهو كماله إلا أنه يشكل باحتمال زيادته
عن الدين لأن المعروض عدم العلم بمقدار الدين وأصالة عدم زيادة قيمته عن الدين مع أنها من الأصول المثبتة محكومة بأصالة براءة ذمة المديون
عن القدر المتيقن من الدين إلا أن يقال بثبوت الحكم فيها تعبدا أو يلتزم بجواز التصرف فيه لأجل كون مجهول المالك لا بعنوان المقاصة
كما يشهد لهذا الحمل ورود أخبار هذا الباب بهذه العبارة وكيف كان فلو علم وجود الرهن في التركة إجمالا ولم يعلم بشخصه فهل يحكم بالاشتراك
واقعا بسبب الاشتباه أو الصلح القهري أو وجوب بيع المجموع من ثالث عند التشاح وتقسيط الثمن عليهما أو القرعة وجوه أظهرها الثاني إذ الاختلاط
223

والاشتباه لا يقتضى الاشتراك والإشاعة واقعا كما أنه لا ملزم لهم بالبيع بعد عدم رضا هما بذلك وأما القرعة فلا جابر لعموماتها في المقام لعدم العمل بها فيه
وقد تقرر في محله أن من شرط العمل بمثل هذه العمومات الموهون بكثرة التخصيص الجبر بعلم الأصحاب فتعين الثاني حسما للنزاع وقضية لما هو العدول الانصاف
في مثل المقام بحكم العقل والعقلاء من أهل العرف فأفهم ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن هذا إذا اشتراه من المالك أو من يقوم مقامه فمما لا إشكال فيه
وإنما الاشكال والاشتباه فيما لو اشتراه لنفسه من نفسه إذا كان وكيلا ومنشأ الاشكال هو الاختلاف فيما يستفاد من إطلاق والتوكيل من أنه هل يعم
نفسه لدلالته على أن غرضه ليس إلا البيع بثمن المثل وخصوصية المشترى ملغاة حيث لم يتعرض لذكرها ومن أن ظاهر الوكالة لا يتناوله وكيف كان فالمسألة
لفظية لا خصوصية لها بما نحن فيه بل الكلام فيها سار في كل وكالة وأما أصل الحكم من أنه يجوز إذا علم رضاه بذلك وعدمه لو لم يعلم ذلك فمما لا تأمل فيه
والمرتهن أحق باستيفاء دينه من غيره من الغرماء سواء كان الراهن حيا وقد حجر عليه للفلس أو ميتا لما دل من النصوص والفتاوى على كون الرهن وثيقة
للدين وفائدتها عرفا وشرعا استيفاء الدين منها وما ورد في بعض الروايات المرمى بالشذوذ من أنه يقسم بين أرباب الديون بالحصص لا يصلح التخصيص
قاعدة سلطنة الناس على أموالهم الثابتة بالعقل والنقل والمقتضية لصحة الرهن وترتب الفائدة المقصودة منه عليه وصيرورة المرتهن مستحقا لاستيفاء
دينه منه مطلقا مع أنه لم يعلم وجود عامل بمضمونها وخلاف الصدوق غير محقق فعلى هذا لا محيص عن تأويلها أو طرحها والله العالم ولو أعوز الرهن عن وفاء
الدين وقصر ضرب المرتهن مع الغرماء بالفاضل بلا إشكال لبقاء دينه في ذمته وعدم انحصاره في ما يستوفى من الرهن كما هو واضح والرهن أمانة في يده
لا يضمنه لو تلف منه بغير تفريط كما أشرنا إلى ذلك في بعض المباحث السابقة مضافا إلى عدم نقل خلاف في المسألة بل نقل الاجماع فيها مستفيض نعم نسب
الخلاف إلى كثير من المخالفين الذين جعل الله الرشد في خلافهم ويدل على المطلوب الأخبار المستفيضة الصريحة الغير القابلة للتصرف فيها ولا
يعارضها ما يستظهر منها خلافها المعلوم طرحها بين الأصحاب وإنها خرجت مخرج التقية مع أنها قابلة للحمل على التفريط أو نحو ذلك وفي بعضها بل جميعها
قرائن على ذلك وكيف كان فلا إشكال في المسألة بحسب الظاهر وعلى هذا لا يسقط من حقه شئ ما لم يتلف في يده بتفريطه كما لا يخفى ولو تصرف المرتهن فيه
أي في الرهن بركوب أو سكنى أو أجارة من دون أذن الراهن ضمن الرهن ولزمه أي الراهن الأجرة أي أجرة المثل في الأولين لكونه تصرفا في ملك الغير بغير
إذنه وحكمه ذلك كما عرفت في كتاب البيع وأما الثالث أعني الإجارة فحكمه أنه لو أجازها صحت وله المسمى ويستحقه من المستأجر وإلا فإن كان قبل
استيلاء المستأجر عليه وتصرفه بما يكون له الأجرة فلا شئ ويقع الإجارة لغوا وإن كان بعد تصرفه فيه فله أن يرجع إلى كل منهما بأجرة المثل وتفصيل هذه
الفروعات وتوضيحها قد تقدم في كتاب البيع مستوفى فراجع وإن كان للرهن مؤنة كالدابة أنفق عليها وتقاصا أي الراهن والمرتهن إن لم يكن لأحدهما
فضل على الاخر بأن كانت الأجرة مساوية للمؤنة وإلا فيرجع ذو الفضل بالفاضل هذا إذا تصرف المرتهن في الرهن بما يستحق عليه الأجرة وإلا فيرجع بتمام
المؤنة على الراهن مع اجتماع شرائطه كأن كان مأذونا من الراهن أو من يقوم مقامه مع الامكان وكان من نيته الرجوع وقيل إذا أنفق عليها كان له
ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق استنادا في ذلك إلى مصححة أبي ولاد سئلت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير رهنا بماله أله أن يركبه
فقال (ع) إن كان يعلفه فله أن يركبه وإن كان الذي رهنه عنده يعلفه فليس له أن يركبه وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله
الظهر يركب إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب نفقته والدر يشرب إذا كان مرهونا وعلى الذي يشرب نفقته أقول ظاهر خبر السكوني ثبوت الانتفاء له ولزوم
النفقة عليه من دون توقفه على شرط هذا إذ استظهرنا منه عود الضمير إلى المرتهن كما هو الظاهر وإن بنينا على أنه أعم من الراهن والمرتهن أو المراد منه خصوص
الراهن فكانت الرواية مسوقة لبيان أنه يجوز للمنفق التصرف فيه سواء كان الراهن أو المرتهن فلا يدل على ما ذكرنا نعم لو كان مرجع الضمير أعم يدل على الجواز
إن أنفق فيوافق مفاده مفاد صحيحة أبى ولاد الذي علق الجواز على الشرط وكيف كان فلا مانع من حمل الروايتين على صورة الاذن من الراهن بدعوى
كون ترك المؤنة قرينة على رضاه بذلك كما هو المتعارف فيما كان له منفعة خصوصا إذا كان ترك الانتفاع به مضرا بالرهن خصوصا مع ظهور حاله في عدم
إلزامه ببيع لبنها يوما فيوما ورد ثمنه إليه أو جمعه له وهذا بخلاف ما لو أنفق هو بنفسه عليها فإنه لا قرينة على هذا التقدير تشهد برضاه بالتصرفات
وكيف كان فما ذكرنا شاهد على كون الروايتين منزلة على ما هو المتعارف من استفادة الاذن فإن تم فهو وإلا فيجب طرحهما لعدم مكافؤتهما لما ينافيهما
من القواعد المتقنة المعتضدة بالعقل والنقل من حرمة التصرف في مال الغير وقاعدة الضمان لما يتلفه المتلف ظهورا لما عرفت وسندا لاعراض معظم الأصحاب
عنهما ويجوز للمرتهن أن يستوفى دينه مما في يده إن خاف جحود الوارث للدين أو الرهانة وكانت التركة قاصرة مع اعترافه بالرهن ويدل عليه مضافا إلى
الاجماعات المحكية المعتضدة بعدم نقل الخلاف مكاتبة المروى لأبي الحسن (ع) في رجل مات وله ورثة فجاء رجل فأدعي عليه مالا وإن عنده رهنا فكتب (ع)
إن كان له عليه الميت مال ولا بينة له فليأخذ ماله مما في يده ويرد الباقي على ورثته ومتي أقر بما عنده أخذ به وطولب بالبينة على دعواه وأوفي حقه
بعد اليمين ومتى لم يقم البينة والورثة ينكرون فله عليهم يمين علم يحلفون بالله ما يعلمون له على ميتهم حقا والمناقشة في سندها بعد الانجبار بما
سمعت لاوجه له أو استفادة اعتبار خوف الجحود من الرواية إنما هي من تعليق الحكم بفقد البينة إذ المستفاد منه أنه لو كان له بينة لا يجوز له ذلك ومن
المعلوم أنه لو لم يكن له ذلك حال وجود البينة مع أن إثبات الحق معها يحتاج إلى اليمين المشقة الزائدة التي ربما يستدل لأجلها بنفي الحرج في المقام
وإن كنا لا نلتزم به فكيف له ذلك مع اطمينانه باعتراف الورثة وإيصال الحق إليه وأما الخوف فهو ألم نفساني في مقابل الامن والوثوق فمتى حصل له مدة
الحالة وهى اضطراب النفس الناشئ عن عدم وجود البينة المقبولة عند الحاكم كما هو المتبادر منها في مثل المقام يجوز له الاستيفاء ولا يعتبر في تحققه الظن بالعدم
224

كما يظهر من غير واحد بل مجرد الاحتمال المعتد به عند الشخص كان في تحقق صدق الخوف فيجتمع الخوف مع الوهم والشك كالظن وهل يلازم الشك والوهم كالظن
ولو لم يكن للشك والوهم منشأ إلا عدم العلم بالواقع فيه تأمل وكيف كان فقد عرفت إنه يتحقق الخوف بمجرد قيام الاحتمال المعتد به عند الشخص وترتب
عليه أحكامه ولكن ينبغي تقييد الخوف فيما أخذ موضوعا لأجل عدم إرادة الشارع وقوع متعلقه في الخارج كخوف الضرر الهلاك في بعض الموارد أن يكون
مسببا من احتمال معتد به عند العقلاء فلا اعتداد بخوف من يخاف سلوك طريق مأمون عند العقلاء في صيرورة السفر حراما عليه وأما لو أخذ موضوعا
لأجل ذاته وإنه صفته في الشخص موجبة لترخيص الشارع عليه بعض الأشياء إزالة لمرضه فلا يلاحظ فيه إلا حال الشخص سواء كان للامر المخوف منه إمارة
عقلائية أم لا ولعل من أعتبر الظن في صدق الخوف لا يقصد به الظن بل غرضه وجود الامارات والمناسبات التي يقوى الاحتمال حتى يكون مما يعتنى به عند العقلاء
وأما لو لم يكن كذلك فلا يترتب عليه الاحكام التي هي من القسم الأول ضرورة انصراف الأدلة عنه وليس المقصود من الامارات ما يورث الظن ولو
شأنا بل الغرض ما يقرب الوقوع ولو احتمالا فرع لو خالف جحود الراهن بنفسه ولا بينة هل له الاستيفاء من الرهن أم لا فيه وجهان ممن كون الحكم على خلاف
الأصل إذ الجواز بمجرد الخوف مناف لسلطنة الناس على أموالهم ومن وجود المناط وعدم مدخلية خصوصية الورثة في الحكم مضافا إلى دعوى الاجماع على اللحوق
وهذا هو الأقوى وأما عموم نفى الضرر بعد تسليم جريانه في مثل المقام كعموم نفى الحرج فيشكل الاعتماد عليه فيما لا جابر له كسائر الموارد التي لم يستند
إليها العلماء نعم لو ظهر من حاله الانكار يجوز له ذلك مقاصة بل لا يبعد الجواز حينئذ ولو كان بينة أيضا لصدق الاعتداء حينئذ وكذا لو ظهر من حال الوارث
أيضا الجحود ولو لجهلهم بالواقع لأنه ليس متوقفا على العلم بل دائر مدار واقعه كما لا يخفي ثم أنه بعد البناء على جواز الاستيفاء لو خاف جحود الراهن مع فقد
البينة كما لعله هو أظهر الوجهين فهل له ذلك لو توقف أثبات دعواه على اليمين كما إذا كان له شاهد واحد أو علم من حال المنكر أن يرد اليمين فيه وجهان
أوجههما العدم لقصور دليل الجواز عن شموله مع كون الحكم على خلاف الأصل مضافا إلى أن اقتضاء تعليق الحكم في الرواية على فقد البينة الدال
بمفهومه على فقد الحكم مع وجود البينة مع أن الحق لا يثبت بمجرد البينة فمورد الرواية بل يحتاج إلى ضم اليمين لكونه ادعاه على الميت كما يفصح عن ذلك
ذيل الرواية عدم كفاية توجه اليمين عليه في ذلك بل لا بد في الجواز من خوف ضياع الحق لا غير والله العالم وأما لو أعترف بالرهن وأدعى دينا لم يحكم له بمجرد وجود
تحت يده بعد اعترافه بأن يده يد أمانة وكلف البينة وله أحلاف الوارث إن أدعى علمه ويظهر الوجه فيه من الرواية المتقدمة مضافا إلى كونه على القواعد نعم
تقييد جواز إحلاف الوارث بدعوى علمه بذلك مناف لظاهر الرواية لأن مقتضاه كفاية عدم العلم في ذلك ويمكن إرادة المنصف (ره) وذلك أيضا من العبارة
ولو وطى المرتهن الأمة المرهونة مكرها لها على ذلك من دون إذن الراهن كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر وقيل عليه مهر أمثالها ولو طاوعته لم يكن عليه
شئ كما تقدم تحقيق ذلك كله وتحقيق أرش البكارة في بيع الحيوان فلاحظ وتأمل إذ لا خصوصية للمورد بالنسبة إلى المذكورات والله العالم وقد تقرر مما
تقدم إنه ليس لأحدهما الاستقلال بالتصرف فيه فإن وضعاه معا على يد عدل مثلا فللعدل رده عليهما معا لعدم لزوم ذلك عليه بمجرد قبول الوديعة كما
هو واضح أو تسليمه إلى من يرتضيانه لكونه حينئذ بمنزلة الوكيل عنهما ولا يجوز تسليمه مع وجودهما إلى الحاكم لو لم يمتنعا عن القبول إذ لا ولاية للحاكم عليهما حينئذ نعم
مع الامتناع له ذلك لأن الحاكم ولي الممتنع ولذا لا يجوز تسليمه إلى أمين غير الحاكم وغيرهما من غير أذنهما لحرمة التصرف في مال الغير من دون إذنه فلو سلمه
إلى من لا يجوز تسليمه إليه ضمن العدل بل المتسلم أيضا ولكنه يرجع إلى العدل لو جهل بالحال للغرور ولو استترا عن قبضه بعد أن طلب ذلك منهما أقبضه الحاكم
لما أشرنا إليه من أنه ولي الممتنع ولو كانا غائبين وأرادا تسليمه إلى الحاكم أو عدل آخر من غير ضرورة عرفية لم يجز وضمن لو سلم وكذا لو كان أحدهما غائبا
أما مع الضرورة العرفية فله ذلك لعموم نفى الضرر بدونها لا يجوز الاقدام عليه وليس معنى كون الوديعة من العقود الجائزة أن له فسخها متى شاء فتصير
أمانة شرعية ويجب المبادرة بعد الفسخ إلى المالك أو الحاكم عند تعذر المالك كما في الفرض بل المقصود إن له الرد والأداء إلى أهلها متى شاء وليس لازما
عليه الامساك إلى أمد معين وهذا ظاهر لا سترة فيه وأما إن كان هناك عذر كسفر ومرض وغيرهما سلمه إلى الحاكم لأنه ولى الغائب ولو دفعه إلى غيره حينئذ
من غير إذن الحاكم ضمن إذ لا ولاية لغيره مع وجوده نعم لو تعذر الحاكم وأفتقر إلى الايداع أودعه إلى يد عدل أمين وأشهد عليه حتى لا يكون مفرطا فيضمن ولو
وضعاه على يد عدلين لم ينفرد به أحدهما ولو أذن له الاخر ولو ظهر من حالهما إرادة الاجتماع في الحفظ فلو دفعه أحدهما إلى الاخر ضمنا نعم لو لم يتسلمه الاخر بأن
يستولى عليه بعنوان الاستقلال بل حفظه بعد اعتزال الآخر نفسه كما كان يحفظه قبل ذلك من دون تفاوت لا يضمن كما هو ظاهر بل الضامن حينئذ هو المعتزل
فقط والله العالم ولو باع المرتهن الرهن حيث يجوز له ذلك أو العدل ودفع الثمن إلى المرتهن وفاء أو وثيقة إذا كان له ذلك كما لو أذن له في البيع بشرط كون
الثمن رهنا ثم ظهر فيه أي المبيع على لم يكن للمشتري الرجوع على المرتهن الذي قبض الثمن وفاء أو وثيقة أما لو أخذه وفاء فوجهه ظاهر لخروجه عن ملك البايع
قبل الفسخ والفسخ إنما يؤثر من حينه لا من أصله وأثره رجوع العوض الخاص إليه مع التمكن وعند التعذر ويتدارك بالمثل أو القيمة وبعد خروج العوض عن ملكه
قبل الفسخ كما هو الفرض يصير العوض بمنزلة التالف فيتدارك بالمثل أو القيمة هذا فيما لو أخذه وفاء وأما لو أخذه وثيقة فهو أيضا كذلك لخروجه عن تحت سلطنته
المالك بعقد لازم ليس للفاتح إلا الصبر إلى أن ينفك الرهن أو أخذ بدل الحيلولة وأما الزامه بالفك فقد مر ضعف احتماله في مبحث الخيارات عند التعرض لبعض
الفروعات المساوية لما نحن فيه في الحكم فراجع نعم لو أذن له المرتهن برد الثمن في الفرض فرده هل ينقلب المبيع رهنا أم لا فيه إشكال لو لم يستفد من إذنه ذلك
وإلا فيصير بمنزلة الاشتراط ولا إشكال حينئذ كنفس الثمن نعم قد يقوى ذلك ولو لم يستفد من أذنه الاشتراط فيما لو بيع الرهن مراعاة لحق المرتهن كما في البيع ما
يتسارع إليه الفساد وسيتضح وجه الفرق بين المقامين في مسألة بيع الرهن بإذن المرتهن إنشاء الله هذا فيما لو خرج المبيع معيبا ولو ظهر الثمن معيبا فليس
225

للبايع الا الأرش لخروجه عن كونه قائما بعينه اما في صورة الوفاء فواضح واما في صورة كونه رهنا فهو أيضا كذلك كما لو آجر المعيب قبل
الفسخ وقد تقدم ان هذا النحو من التصرفات مسقط للخيار ولو منعنا كونه تصرفا مانعا فله الفسخ وتدارك حق المرتهن واما عود المبيع رهنا بمجرد الفسخ
ففيه اشكال ولعل العود لا يخلو عن وجه خصوصا فيما لو كان البيع لمصلحة المرتهن كبيع ما يتسارع إليه الفساد فان الأوجه فيه ذلك اما لو استحق الرهن
لغصب أو نحوه استعاد المشترى الثمن منه أين من المرتهن بل ومن العدل مع بقاء عينه في يده بل من كل من عين ماله في يده من غير فرق بين الراهن وغيره هذا لو كان
عين الثمن في يد المرتهن أو العدل واما لو خرج عن يدهما وقد دفعه اليهما المشتري مع علمه بالوكالة فلا يرجع اليهما بل إلى الراهن فقط لأنهما حينئذ بمنزلة الآلة له
فدفع الثمن إليه اقدام منه على ذلك من دون ضمان لا لأن الوكيل امين لا يضمن حتى يقال ذلك انما هو بالنسبة إلى الموكل دون غيره بل لأجل ان المشترى
بعد علمه بالحال واعتقاده كون الثمن ملكا للبايع يدفعه إليه بعنوان كونه تسليما إلى الموكل لا إلى نفسه فهذا في الحقيقة تضمين للموكل لا للوكيل كما هو في صحيحه
كذلك فهو وان اعتقد ملكية الغير ان هذا الاعتقاد صار موجبا لاقدامه على أن يكون العين في يده من دون ان يرد عليه من حيث نفسه خسارة العين و
الحاصل ان ما هو المناط في عدم ضمان ما لا يضمن بصحيحه كالهبة الفاسدة مثلا موجود هنا أيضا فليس له الرجوع على العدل بل المرتهن بعد تعذر الثمن
عليهما واما التفرقة بين المرتهن والعدل باستقلال يد الثاني في الجملة دون الأول فيجوز له الرجوع اليهما لا يرجع إلى محصل نعم له الرجوع على الراهن
مطلقا تعذر عليه أم لا استولى عليه بالمباشرة أم لا لأن يد الوكيل يد الموكل وبمجرد الاستيلاء على مال الغير ولو بالواسطة لو لم يكن للواسطة استقلال
في اليد يصدق عليه انه تصرف في مال الغير ولا اعتبار بعلم الراهن بالاستحقاق لتحقق الغرور بفعله وإن كان جاهلا كما هو واضح في نظائر المسألة فلاحظ
وتأمل وإذا مات المرتهن كان للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوراث هذا إذا لم نقل باقتضاء عقد الرهانة استحقاق استدامة اليد للمرتهن فواضح والا
فيشكل الامر لو لم يكن في المقام اجماع لعموم ما ترك الميت ولكن الانصاف عدم اقتضاء الرهانة استدامة يد المرتهن بنفسه بالمباشرة بل لو قلنا بالاقتضاء
فهو لا يقتضى أزيد مما يلتزم به في المقام بأن يكون عند عدل مرضى الطرفين بحيث لا ينافي حق الطرفين و اما استدامة يد نفس المرتهن بالاستقلال
والاستحقاق وإن كان آكد في الوثوق إلا أن أثبات اعتباره مطلقا من إطلاق الرهن مشكل فعلى هذا فإن امتنع من التسليم إلى الوارث فإن اتفقا على أمين
سلماه إليه وإلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه حسما لمادة النزاع ولو خان العدل الموضوع عنده نقله الحاكم إلى أمين غيره إن اختلف المرتهن والمالك بل وكذا
لو اتفقا على أن لا يكون عنده نعم لو رضيا بأن يكن عنده ولو كان خائنا فليس للحاكم أخذه حينئذ لأن الحق لهما والله العالم الفصل السادس من
الفصول التي استدعاها كتاب الرهن في اللواحق وفيه مقاصد الأول في أحكام متعلقة بالراهن لا يجوز له التصرف في الرهن باستخدام ولا سكنى ولا إجارة
ولا غير ذلك من التصرفات الناقلة للعين أو المنفعة أو الموجبة لورود نقص على شئ منهما بلا خلاف وإشكال وإنما الخلاف والاشكال في بعض التصرفات
التي لا يستلزم شيئا من ذلك كتقبيل الجارية وسكنى الدار وغيرهما وتوضيح المقام إنما يتوقف على تربيع أنحاء التصرفات والتكلم في كل قسم منها ما ينتفع
به الراهن ويضر بالرهن أما بخروجه عن ملكه كالبيع والصلح أو بإيجاد المانع عن التصرف فيه بما يقتضيه الرهن كالاستيلاد وغير ذلك مما يقلل القيمة والرغبة
كالإجارة بما يزيد عن أجل الدين أو تزويج الأمة ومنها ما ينفع به الراهن ولا يضر بالرهن كالاستيجار في زمان لا يزيد عن أجل الدين إذا لا يضر بالرهن و
منها ما لا يضر بالرهن ولا يعد مثله انتفاعا للراهن أيضا كلمس الجارية وتقليب الرهن من مكان إلى مكان آخر من دون أن يراعى فيه مصلحة الرهن وإلا فيدخل
في القسم الآتي ومنها ما لا ينتفع الراهن وفيه مصلحة الرهن كسقي الدابة وعقلها وما يؤدى إلى حفظها وقد ذكرنا إنه لا ينبغي الاشكال في عدم الجواز في القسم الأول
منها ولعل الاجماع بحيث يقطع بإرادة هذا القسم بأسرها منه مستفيض إن لم يكن متواترا وخلاف بعض في بعض أمثلته كالانزاء مثلا اشتباه في الموضوع لا أنه
مخالف في الحكم كما يظهر من تعليلهم كما أنه لا ينبغي الاشكال في الجواز في القسم الأخير منها فما يظهر من بعض أفاضل المتأخرين من التأمل في هذا القسم في غير محله
وسيتضح لك وجهه إنشاء الله تعالى أما القسم الثاني والثالث فإن بنينا على أن حقيقة الرهن ليس إلا إيجاد حق المرتهن بأن يستوفي منه دينه لا غير فمعنى كونه محبوسا
إن المالك ممنوع عن التصرفات المنافية لحقه فلا يتحقق في المقام إلا حق للمرتهن متعلق بالعين كحق الانتفاع للمستأجر في العين المستأجرة من دون أن يوجب
ذلك قصورا في سلطنة الناس من حيث أنه مالك إلا بمقدار ما يزاحم حق الغير فالأقوى فيهما جواز تصرفه إن لم يثبت إجماع على خلافه مطلقا حتى بيعه
لو شرط بقاء حق المرتهن بأن يكون من قبيل العارية المرهونة ولا نلتزم بحجية النبوية المرسلة المعتمد عليها كما عن بعض الرهن والمرتهن ممنوعان من التصرف إلا
أن الظاهر كما ادعاه سيد مشايخنا انعقاد الاجماع على ممنوعيته من التصرف من حيث إنه تصرف لا من حيث إنه مزاحم المرتهن وإن علل بعض المجمعين تعليلات
لا تسلم عن الفساد واستشكال بعض في بعض الموارد واختياره الجواز استنادا إلى بعض الوجوه الموهمة إلى كون المناط انتفاء الضرر غير ضائر كما أنه لا ضير
في تأمل بعض متأخري المتأخرين في بعض أنحاء التصرف خصوصا ما تضمنه حسن الحلبي سئلت أبا عبد الله (ع) عن رجل رهن جارية عند قوم أيحل له أن يطأها قال إن
الذين ارتهنوها يحيلون بينه وبينها قلت أرأيت أن قدر عليها حاليا قال نعم لا أرى هذا عليه حراما وصحيح محمد بن مسلم الذي هو مثله وكذا ما لا ضرر فيه
على المرتهن من التصرف كتقبيل الجارية والاستخدام وليس الثوب وسكنى الدار وركوب الدابة ونحو ذلك إذا كان بحيث لا ضرر فيه بنقص للمرهون إذ لا يخفى
عليك ما فيه بعد ما عرفت من الاجماع المقطوع به بالنسبة إلى كثير مما ذكره وأما الروايتان فقد حكم عليها غير واحد منا بالشذوذ والهجر فلا تصلح للحجية مضافا
إلى موافقتها للعامة على ما قيل بل لعل فيها تنبيهات على ذلك منها عدم ملائمة الجواب ومنها إشعاره بأن المرتهن حقا في ذلك وإلا فكيف يمنع المالك عن
ملكه لو كان التصرف إنه سائغا ومنها قوله (ع) لا أرى هذا عليه حراما حيث عبر بلفظ الرأي وذكر الحرام القابل لا رادة الحرام الذاتي وغير ذلك مما يقف عليها
226

المتأمل وأما النبوي الوارد في المقام فالظاهر أيضا حجيته لانجبار ضعفه بما عرفت من الاجماع و الاعتماد هذا إذا بنينا على ما ذكر وأما إذا بنينا على أن مفاد
الرهن إنما هو حبس المال عن المالك وقصر يده عنه وقطع سلطنته منه لا مجرد إحداث حق للمرتهن فيكون كالعبد الجاني بل الراهن أعتزل عن المال وجعله
بمنزلة الأجنبي منه حتى يستوفى المرتهن منه حقه ولعل هذا البناء هو الأظهر من مفهوم الرهن وإن لم يظهر لنا موافقة السيد في ذلك وعلى هذا فالمنع متجه
أو لم يثبت إجماع ولا رواية نعم ينبغي استثناء ما لا ينسبق إلى الذهن ولا يعد مثله تصرفا عرفا كما أنه ينبغي استثناء ما يعود نفعه إلى الرهن ووجههما
واضح خصوصا الأخير حيث أن عقد الرهن ربما يقتضى ذلك مقدمة للحفظ فيكف يستفاد منه المنع ممن مثل هذا التصرف و استثناء هاتين الصورتين
على البناء الأول أوضح كما هو واضح ثم لا يخفى عليك إن ما ذكرنا من منافاة الرهن للتصرف سواء كان لأجل الاجماع والرواية أو لاقتضاء مفهوم الرهن
ذلك إنما يمنع عن نفوذ التصرفات المنجزة الواقعة عن المالك على نحو الاستقلال لا ما يكون بمجرد إيقاع العقد عليه مترقبا لإجازة المرتهن أو متوقعا
لانفكاك الرهانة إذ لا يعد مثل ذلك تصرفا ممنوعا منه بالنسبة إلى غير المالك كما ذكرنا في الفضولي فضلا عن المالك فعلى هذا لو باع أو وهب مثلا
وقف على إجازة المرتهن فإن أجاز جاز وإلا فلا إذ هو وإن لم يكن فضوليا إلا أنه مثله في ذلك بعد ثبوت اعتبار أذن المرتهن في نفوذ تصرفاته نعم الحكم بالصحة
فيما نحن فيه بعد لحوق الإجازة أولى منه في الفضولي إذ الوقوف في الفضولي مسبب عن فقد المقتضى رهنا عن وجود المانع وبيان أوفى إن العقد في المقام
صادر عن المالك ولا يحتاج في أضافته إليه إلى شئ آخر نعم يتوقف في تأثيره في الخارج الرفع المزاحم وهو يتحقق بالإجازة وفي الفضولي فالعقد لا يضاف إلى المالك
إلا بالإجازة فكما أن رضاه شرط في تأثير العقد كذلك شرط فقط في أضافة العقد إليه وبدونها لا يتحقق المقتضى لوجوب الوفاء بالنسبة إلى المالك بخلاف المقام
وأما إجازة المرتهن فهل هي كاشفة عن سبق البيع أو ناقلة من حينها فالكلام فيها هو الكلام في الفضولي وقد تقدم في محله أن الأقوى فيها النقل الحقيقي والكشف
الحكمي هذا إذا بنينا على إنما قويناه فيها على مقتضى القواعد كما هو المختار لا لأجل بعض الوجوه التعبدية المذكورة في محلها وإلا فيشكل الحكم بالكشف
في المقام إلا بدعوى الأولوية أو عموم بعض الوجوه لا جل مناطها فلاحظ وتأمل وكيف كان فقد يفرق بينهما بوجوه ضعيفة المقتضى بعضها بطلان
أصل التصرف من الراهن ولو لحقه إجازة المرتهن وبعضها بطلان كاشفيتها بعد النباء على كونها كاشفة في الفضولي منها أنه لا معنى لوقوع تصرف المالك
مراعى بإجازة الأجنبي فإن تصرف المالك أما أنه يقع في محل قابل للتصرف فيمضى أو غير قابل كبيع أم الولد فيقع فاسدا إذ لا واسطة في البين وفيه
ما فيه إذ بعد فرض جعل المالك ملكه باختياره متعلقا لحق الغير يمنع ذلك عن نفوذ تصرفاته الواقعة منه على نحو الاستقلال المزاحمة لحق ذلك
الغير لأجل المزاحمة لا لخروج المتعلق عن قابلية التصرف فإذا اجتمعا في تصرف ورضيا به ينفذ وليست الإجازة اللاحقة إلا كالرضا السابق
في الأثر كما تقرر في الفضولي فلا يقاس هذا بأم الولد الخارجة عن أهلية التصرف تعبدا ولذا لا يؤثر في صحته رضا أحد فظهر لك أنه لا امتناع في تأثير إجازة
الأجنبي في الصحة بعد أن جعله المالك ذا حق ولا يقتضى جعله ذا حق وقوع التصرف لغوا صرفا كتصرفات الصبي إذ ليس الحق آكد من الملك في
المدخلية وقد فرغنا عن صحة عقد الفضولي بمعنى أهليته لتأثير بلحوق الإجازة فكيف الظن بالمالك ومنها ما يستفاد من النبوي إن الراهن والمرتهن
ممنوعان عن التصرف فمقتضاه بطلان بيع الراهن لأنه تصرف وفيه أن المنساق منه استقلال كل منهما بالتصرف لا المجموع ضرورة استبعاد كون
النهى تعبديا محضا بل المقصود منه النهى عن تصرف كل منهما بدون إمضاء الآخر وأما جواز تصرف كل منهما بعد رضا الاخر فالظاهر إنه من المسلمات
وقد تقرر في ما تقدم إن كلما يصححه الرضا السباق بصحة الإجازة اللاحقة فعلى هذا لا مانع عن الصحة بعد إجازة ذي الحق الذي هو المرتهن ومنها أن
الإجازة من المرتهن الذي هو غير المالك ليست إلا على معناه إسقاط حق الرهانة المقتضى لسلطنته على فسخ العقد وهو غير متصور الزمن السابق الذي
قد تحقق فيه الحق لاستحالة انقلاب الشئ عما وقع عليه فإسقاطه لا معنى له بل يختص بالزمن الحال فلا يكون الإجازة فيه كاشفة وأما الرضا بالعقد
السابق الصادر من غير المالك فأمر معقول ومقتضاه تأثير العقد السابق وفيه ما لا يخفى أما أولا فلان الإجازة ليست أسقاطا وإنما هي رضا
بالمسقط وإنما المسقط البيع لكونه منافيا لحقه لا الرضا بالبيع وإلا لما جاز له الرجوع عن إذنه السابق على العقد قبل وقوع العقد وأما عدم جواز
الرجوع عن الإجازة فلاستلزامها انتفاء الحق لخصوصية المقام لا لكونها إسقاطا حقيقة بل لكونها رضا بما أسقط فحاله في عدم جواز الرجوع عن أذنه
بعد الإجازة كحاله بعد وقوع العقد عقيب إذنه وهذا ظاهر وثانيا سلمنا كونها إسقاطا وأنه يمتنع وقوعه قبل إذنه ففيه مع أنه يختص الاشكال بالكشف
الحقيقي لا الحكمي إن هذا الاشكال مشترك الورود على القائلين بالكشف الحقيقي من دون فرق بين أن يجعلوها رضا بالمسقط أو نفس الاسقاط لامتناع
تقديم تأخير المؤثر عن أثره كما مر الكلام فيه مستوفى في مبحث الفضولي وأما ما ذكره من أن الرضا بالعقد السابق معقول ففيه أن تقديم أثر الرضا على نفسه غير معقول
إلا أن يجعل المؤثر نفس المتصف بكونه مما يتعقبه الرضا يمكن أن نلتزم بمثله في المقام أيضا بل الامر في المقام أسهل وأقرب على ما يساعد عليه الطبع
السليم لكونه من قبيل المزاحم لا الشرط ولعل ما نعيته مقصورة على ما لو بقي مستمرا إلى أن ينقضي زمان الوفاء وأما لو أرتفع فيما بعد في زمان قابل للوفاء بالعقد
فليس مانعا من أصله ولذا أفتى الفاضل في قواعده فيما لو أتلف الرهن متلف وأنتقل الرهانة إلى القيمة قال فإن عفى الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال
أي من الجاني لحق المرتهن فإذا أنفك ظهر صحة العفو ومعلوم أنه لا خصوصية للانفكاك بل الاسقاط أيضا كذلك فلازمه إن أراد الكشف الحقيقي
الالتزام بأن استمرار الرهانة وعدم انفكاكه أو أسقاطه رأسا شرط لا عدمه حال العقد فأفهم وهل للمرتهن رد للعقد بمعنى أبطاله وإسقاطه عن قابلية
التأثير أم لا وجهان من أنه أجنبي عن طرفي العقد وليس له إلا حق يزاحم النقل والانتقال فليس له إلا الامساك لحقه أو أسقاطه فإن أسقطه يؤثر
227

العقد لارتفاع المانع وإن أبقاه فلا يؤثر للمزاحمة وليس معنى رده إلا عدم الرضا بسقوط حقه وأما خروج العقد عن أهلية الأثر فلا وعلى هذا فلو أجاز
بعد ذلك يصح لبقاء الأهلية وارتفاع المانع وكذا لو أنفك الرهن على ما سنقول من أن العقد يلزم من أن العقد يلزم بالفك ومن أنه لأجل تعلق حقه بالرهن خرج
عن كونه أجنبيا بل هو بمنزلة الملاك لأن الحق أيضا مرتبة ضعيفة من الملك فله مدخلية في ربط العقد وحله لاقتضاء العقد تصرفا في متعلق حقه
الذي هو بمنزلة الملك ولعل هذا هو الأقوى ويؤيده ظهور كلمات الأصحاب على ما نسب إليهم بل صريح المحكى عن بعض أساطينهم في أن للمرتهن أجارة العقد
وله فسخه وفي الجواهر أن الشارع قد جعل له هذه السلطنة بارتهانه لا أن المنع من التصرف فيه شرعي بحت بحيث لا مدخلية للمرتهن في ذلك وإنما له
أسقاط حقه من الرهانة خاصة وإلا لاقتضى ذلك عدم فسخ العقد له ضرورة عدم السلطنة له على ذلك وإن الشارع قد جعل الارتهان مانعا عن نفوذ
التصرف فمتى أرتفع هذا المانع بإسقاط من المرتهن أو بفك للرهن كما ستعرف أثر المقتضى أثره وليس ذا من التعليق الممنوع بل هو من قبيل اعتبار الشارع
التقابض في تأثير عقد التصرف والقبض في عقد الهبة والقبض في المجلس في عقد السلام مع أن كلامهم صريح في خلافه وإن له الرد كما أن له الإجازة ويرشد
إليه في الجملة اعتبار أذنه في الانتفاع بالرهن على وجه لا تنتقل عينه كركوب الدابة وسكنى الدار ونحوهما مما لا يقتضى الاذن فيه أبطال الرهانة مع أنها
معتبرة ولا يجوز التصرف بدونها وهو يومى إلى أن له سلطنة على ذلك لا أنها مخصوصة بإسقاط حق الرهانة وإلا فالمنع شرعي وإن كان لا يخلو عن وجه
انتهى كلامه رفع مقامه ولو أنفك الرهن بأداء أو اسقاط أو إبراء فالظاهر نفوذ العقد السابق ولزومه لوجود المقتضى وهو العقد وارتفاع المانع
وهو حق المرتهن ولا ينافي هذا ما ذكرنا من مدخلية أذن المرتهن في العقد وأنه ممن له ارتباط بالعقد لأن ارتباطه بالعقد حال استحقاقه لا ينافي
أضافة العقد إلى الراهن حال زوال الحق بل حين وجوده فالعقد كان عقدا للمالك وإنما منع عن وجوب الوفاء به مدخلية المرتهن واعتبار رضاه وبذهاب
حقه أرتفع التوقف ولا يقاس هذا بمن باع شيئا ثم ملكه حيث قوينا فيه البطلان من حيث عدم اندراجه تحت عموم وجوب الوفاء بالعقود المتوجه أمره إلى
الملاك لعدم اندراجه تحت الموضوع حال العقد وعدم صلاحية مجرد التملك لإضافة العقد إليه وإن شئت مزيد توضيح لذلك فراجع إلى ما حققناه
في مبحث الفضولي وليس المقصود من إيراده إلا التعريض لبيان أن ما ذكرناه وجها للمنع فيه لا يصلح مانعا للمقام ضرورة كون العقد واقعا من أهله في محله جامعا
الشرائط التأثير من رضا المالك وغيره عدى رضا من له حق متعلق بالمبيع واعتبار رضاه الناشئ عن حقه لا يتقضى اعتباره من زمان ثبوت الحق واحتمال اعتبار
مدخلية رضاه بوصف كونه مرتهنا في تأثير هذا العقد الممتنع وجوده ذهاب الرهانة تعبدا ينفيه عموم الامر بالوفاء بعد إحراز الصدق في المورد مع
أنه في حد ذاته واضح الفساد كيف ولم يلتزم بالفساد في بيع من ملك شيئا بعد بيعه لأجل هذا الاحتمال مع أنه أقوى بل قلنا أن دليل الوجوب لا يعمه
فلاحظ بل قد يقال إن الراهن كان مكلفا بوجوب الوفاء بعد العقد من أول صدوره بما أمكنه من الوفاء كما في طرف الأصيل في الفضولي والقدر
الممكن حال كونه مرهونا هو إبقاء العهد وعدم رفع اليد عن مقتضاه بفسخه والالتزام بإيصاله عند تمكنه من التسليم وزوال المانع وعلى هذا فلا يبعد
وجوب السعي عليه للفك أو الاستيذان من المرتهن مقدمة للتسليم فتأمل وكيف كان فالمسألة مما لا إشكال فيه وهل الفك كاشف عن سبق الملك أو ناقل
من حينه فيه وجهان أما الكشف الحقيقي فهو ممتنع كما في إجازة الفضولي إلا بجعل الوصف الانتزاعي شرطا كما تقدمت الإشارة إليه وأما الكشف الحكمي الذي
هو المختار في الفضولي فإن بنينا قلنا أنه على وفق القواعد كما نفينا عنه البعد في محله فيجرى الكلام مثله في المقام وإن قلنا أنه خلاف القاعدة ولكنه يثبت في الفضولي بالتعبد
فيشكل الحكم به في المقام بل المتعين الالتزام بالنقل والله العالم ولا يخفى عليك من أن ما حققناه من نفوذ تصرفات الراهن بعد إجازة المرتهن إنما يقتضي
النفوذ فيما لا يتوقف صحته على أمر آخر زائد على رضا المرتهن وأما فيما يتوقف على شرط آخر فلا ولذا قال المصنف وفي صحة العتق أي من الراهن مع الإجازة
أي إجازة المرتهن عقيبه تردد ناش عن أن العتق من الايقاعات فيحتمل أن لا يقع إلا منجزا من دون توقفه في التأثير على أمر مستقبل كالطلاق فلا يقع موقوفا و
لاعتبار نية القربة فيه ولا تحصل مع الترديد ومن عدم صلاحية شئ مما ذكر للمانعية وهذا هو الأقوى ولذا قال المصنف (ره) والوجه الجواز بيانه أنه إن أريد
من التنجيز المعتبر فيه ما يعتبر في العقود أيضا فلا إشكال في تحققه في المقام إذ المنافي له الشرائط الجعلية المذكورة في متن العقد وأما الشرائط الشرعية الواقعية
المقررة للتأثير بحسب أصل العقد فلا ومنها عدم المانع ولذا قلنا بصحة البيع مع أن التنجيز فيه معتبر أيضا كما تقدم في محله وإن أريد منه عدم وقوعه إلا مؤثرا
في الخارج من دون توقفه في التأثير على أمر غير محقق حال إيجاد الصيغة كالطلاق ففيه أن اعتبار هذا الشرط في موارده إنما هو لأجل الاجماع المنتفى في المقام
بل عن أكثر المتأخرين القول بالصحة وأما اعتبار قصد القربة فلا ينافي تحققها عدم الجزم كما ذكرنا في صحة عبادة المحتاط بل مجرد الاحتمال يكفي في تحققها على تقدير
السلامة مع أنه ربما يطمئن حال النية بالإجازة أو الفك هذا كله في الاحكام المتعلقة بالراهن وكذا المرتهن لا يجوز له التصرف في الراهن باستخدام ولا سكنى ولا
أجارة ولا غيرها من أنحاء التصرفات لكونها تصرفا في ملك الغير المعلوم بالعقل والنقل حرمتها وعدم نفوذها إلا بإذن المالك نعم لو تصرف فيه ببيع أو
صلح أو أجارة أو غيرها من أنحاء التصرف وأجازه المالك مضى وصح على ما هو المختار في الفضولي لأنه من مصاديقه هذا إذا لم يتوقف صحتها على أمر آخر سوى
طيب نفس المالك كما تقدم في المسألة السابقة وبذلك ظهر لك أن في عتقه مع إجازة الراهن تردد وسواء كان العتق عن المالك أو عن نفسه ومنشأ التردد
على الأول ما عرفت في المسألة السابقة من عدم وقوع العتق موقوفا واعتبار نية القربة فيه الممتنع تحققها من المرتهن الذي يتصرف في ملك الغير من دون إذنه
مع أنه لو قلنا بإمكان قصد التقرب للمرتهن بفعله لعدم كون مثل هذا التصرف الذي يتوقع فيه إجازة المالك محرما بعد تسليم صدق التصرف عليه فلا مانع
عن قصد التقرب بعد كون الفعل راجحا في حد ذاته ففيه أن المعتبر في الصحة إنما هو التقرب بإطاعة الامر بالعتق الذي لا يمكن توجهه إلا إلى المعتق الأوامر
228

الندبية المتعلقة بغير المعتق مثل محبوبية السعي في طلب مرضاة الله تعالى وتوجيه الأسباب لافتكاك رقبة الرقيق عن الرقية وغير ذلك من الوجوه التي يمكن للمرتهن
قصد التقرب بها هذا ولكنك خبر بعدم صلاحية ما لذكر للمانعية أما الأول أعني وقوع العتق موقوفا فقد عرفت الجواب عنه وأما اعتبار نية القربة فهو أيضا
لا يصلح للمانعية لأن المعتبر منها أما قصد العاقد أعني المجرى للصيغة أو قصد المعتق الحقيقي أعني المالك ولا محذور في شئ منهما إذ بعد البناء على إنه يجب
أن يكون العاقد متقربا بفعله حتى يقع العتق نقول إنه لا شبهة في أن العتق أعني إجراء صيغته مما يقبل النيابة كسائر العقود والايقاعات فبعد كونه وكيلا
عن العاقد كيف ينوى القربة وأي أمر يقصد امتثاله فما يقال في هذا المورد نقول به في الفرض إذا لا فرق بينهما من هذه الجهة أصلا ضرورة كون الأول من
قبيل وقوع العبادات التي تقبل النيابة من النائب وفي الفرض من المعتبر فالمرتهن على الفرض متبرع في العتق عن الراهن وينوى امتثال الامر المتوجه إلى الراهن
بعد تنزيل نفسه منزلته وكيف كان فليس هذا الاشكال مختصا بالمورد بل هو سار في جميع أبواب العبادات التي تقبل النيابة إذا صدرت عن النائب مع أن
وقوع العتق بعقد غير المالك إذا كان نائبا عن المالك مما لا كلام فيه مع أن الاشكال المذكور على فرض تماميته مشترك الورود وأما إذا بنينا على إنه يعتبر أن
يكون الملك حال تحقق العتق منه في الخارج قاصدا للقربة بافتكاك رقبة العبد فلا شبهة أنه إنما يتحقق الإجازة وارتباط العقد به فلو نوى القربة في
إجازته يصح العتق ويمضي نعم لو أجازه رياء على هذا التقدير يفسده كما لا يخفى هذا كله في وقوع العتق عن الرهن عن نفسه فالوجه فيه المنع
لعدم الملك المتوقف صحة العتق كما يدل على شرطية النبوي المشهور لا عتق إلا بعد ملك المنجبر ضعفه بالعمل المعتضد بالعقل والاعتبار ضرورة كونه
أشبه شئ بالمعاوضات فيستبعد وقوعه إلا عمن خرج عن ملكه فلا يتحقق العتق لغير المالك أصلا سواء كان مرتهنا أمر غيره ما لم يسبق الاذن من المالك
في عتقه لانتفاء الملكية التي قد عرفت أنها شرط في العتق حال تحققه إذ من المعلوم عدم حصولها من دون طيب نفس المالك بمجرد صدور العتق عنه و
صيرورته ملكا قبل العتق آنا ما تصحيحا للعتق مما لم يدل دليل عليه بل الأدلة على خلافه لكونه منافيا لسلطنة المالك نعم لو سبقه الاذن يصح بلا خلاف
على الظاهر على ما هو المحكى عن غير واحد ولازمه حصول الملكية قبل العتق آنا ما حتى يتحقق شرط العتق كما يظهر الالتزام به عن غير واحد من العلماء الذين
ظفرنا على كلماتهم ولعل كونه كذلك عند كثير منهم من المسلمات أو الالتزام بتخصيص الرواية بالنسبة إليه لدليل خاص وهو الاجماع ويبعده إباء الرواية
عن التخصيص لما أشرنا إليه من كونها معتضدة بما هو مركوز في العقول وربما يدعى أن صيرورته ملكا للمعتق حتى يقع العتق في ملكه بعد إذن المالك بعتقه عن
نفسه بأن قال أعتق عبدك عني أو بعد استدعاء المعتق من المالك أن يعتقه عنه إنما هو على وفق القواعد إذ بعد العلم بكون الملك شرطا بحسب الشرع ينوى
في إذنه التمليك فهو إيجاب مستكشف عن الاذن ويكشف عن ذلك عد الأصوليين ذلك من المداليل المستفادة من الكلام بدلالة الاقتضاء وصدور
الفعل منه قبول لذلك الايجاب كما أن الاستدعاء في الفرض الثاني قبول والعتق إيجاب للملك وإنشاء للعتق ولكنك خبير بما في هذه الدعوى بهذا التقريب
من المخالفة للقواعد أما أولا فلأنه بعد تسليم كون العتق إيجابا أو قبولا والاغضاء عما يرد عليه لازمه حصوله المكية عقيبه فلا يعقل أن يكون شرطا
للعتق أما على فرض القول باعتبار وقوع تمام السبب في الملك كما هو ظاهر الرواية بل صريحه فواضح وكذا إن بنينا على أنه يعتبر ان يقع الأثر في الملك لا السبب إذ لا
ترتب في الفرض حتى يتقدم الملك على العتق أصلا ولو شأنا لاتحاد سببيهما نعم لو قلنا بأن مجرد الاخذ في الانشاء دال على القبول كما أنه ليس بالعبيد على تقدير
تمامية هذا القول يتوجه هذا الكلام إلا أنه مع كونه خلاف ما يستفاد من الرواية مما لا أظن أحدا يلتزم به في نظائر المقام كما لو أعتق ملك الغير وورثه قبل
انتهاء الصيغة وثانيا أنه كيف ينطبق على القواعد مع أنه لم يراع فيه شئ من شرائط العقود من تعيين العوض واقترانه بالقبول وغيرهما من الشرائط وثالثا
أنه لا يندرج تحت عنوان من العناوين المعهودة في الشرع المجعولة سببا للانتقال مثل البيع والصلح والهبة وغيرها وهذا واضح نعم لو قلنا بكفاية المعاطاة
مطلقا في حصول النقل والانتقال في جميع أبواب المعاوضات وكونها على وفق القواعد لكون المناط فهيا هو رضا المالك المستكشف بمظهر سواء كان المظهر
قولا أو فعلا أو ما يشبههما ولعله هو الأقوى على ما مر تفصيله في مبحث المعاطاة لارتفع كثير من الاشكالات الموردة في المقام ولكن يتوجه على هذا أيضا أنه
يعتبر في المعاطاة أيضا ما يعتبر في غيره من العقود عدى اللفظ فيعتبر فيه كسائر عقود المعاوضات تعيين الثمن وغيره من الشرائط المقررة في كل باب إلا أنه يسهل
الخطب ملاحظة نظائر المقام حيث يراها الفقيه بابا واسعا في الفقه لا يكاد يصححه الفقيه إلا بالتزام حصول الملكية آنا ما قبل الفعل بسبب الرضا كما في باب
الزكاة حيث إن لمالكه التبديل ويلتزمون بحصوله بمجرد النقل المتوقف على الملك كبيعه مثلا فلا بد في الفرض من الالتزام بصيرورته ملكا له بمجرد البناء على
البيع المتعقب بفعل البيع تصحيحا للبيع وكما في باب الفسخ حيث يلتزمون بحصوله بالفعل المنافي كالوطي والبيع المتوقف حصولها على الملك وكما في باب الوكالة في قول
الموكل أشتر لي بكذا فيلتزمون بدخول المثمن في ملك الموكل بمجرد الشراء مع أنه لا يدخل إلا في ملك من خرج عنه الثمن فلا بد فيه من الالتزام دخول الثمن الذي هو ملك
للوكيل في ملك الموكل أو لا بمجرد رضاه المستكشف بالفعل ثم وقوع البيع في ملكه وعلى هذا فليس للفعل أثر في حصول الملكية أبدا حتى إن السبب بتمامه أو الجزء الأول منه
وقع في غير الملك كما هو لازم بل الفعل ليس على هذا التقدير إلا معرفا عن كون الرضا هو الرضا المؤثر إن قلت سلمنا كون الحكم فيما ذكرت منطبقا على القواعد
إلا أنه لا بد لك من أدراجه تحت عناوين من العناوين الموجبة للنقل والانتقال كالبيع والصلح والهبة وغيرها من الأسباب قلت هذا يختلف باختلاف الموارد
ففي بعضها بيع معاطاة كما لو قال أعتق عبدك الفلاني عنى بألف دينار معين مثلا فأعتقه يصير ملكا له أولا بالبيع وفي بعضها هبة مثلا وفي بعضها قرض و
في بعضها إباحة بالعوض إلى غير ذلك من الوجوه وأنت خبير بعد الإحاطة بما أسلفنا لك من النظائر إن الالتزام بمثل هذه الأمور وإن كان فيها أيضا مخالفة
للقواعد هين بالنسبة إلى غيرها من التوجيهات التي لا بد منها في الموارد هذا تمام الكلام في الإذن السابق وأما الكلام في الإجازة اللاحقة فإن بنينا
229

على إنها ناقلة من حينها لا كاشفة فلا إشكال في بطلان العتق لعدم الملك قبله لا حقيقة ولا حكما وإن قلنا أنها كاشفة عن صحة ما وقع حقيقة فالذي يقتضيه القاعدة
في المقام صحة العتق لأن المعتق يدخله أولا في ملكه بهبة أو معاوضة أو صلح أو غيرها تصحيحا للعتق ثم يعتقه فإذا أجاز المالك التمليك الضمني أو المستقل
بهبة سابقة على العتق يصح العتق لوقوعه في الملك وأما توهم عدم قابلية الايقاعات للفضولي ففيه منع واضح لعدم الدليل كما أشرنا إليه غير مرة هذا
ولكنك قد عرفت فيما سبق عدم معقولية الكشف الحقيقي بل غاية ما يعقل الكشف الحكمي وهل هذا يقتضى الصحة كالكشف الحقيقي أم لا كالنقل فيه
وجهان أقواهما العدم لظهور النبوي في اعتبار الملكية الحقيقة في الصحة ووجوب ترتيب آثار الملك بعد الإجازة لا يقتضى رفع اليد عن ظاهر
الدليل نعم لو قلنا بالصحة في مسألة من باع شيئا ثم ملكه أمكن القول بها في المقام أيضا الا إنك قد عرفت في مسألة الفضولي إن الأقوى فيها البطلان فراجع
وتأمل ولو وطأ الراهن الأمة المرهونة سواء أذن المرتهن أم لا فأحبلها صارت أم ولده شرعا بلا خلاف فيه على الظاهر بل يستظهر عن بعض كون المسألة
إجماعية ولا ينافيه القول بجواز بيعها للمرتهن كما عن بعض لعدم انحصار حكمها في المنع عن البيع كما سنتعرض له إنشاء الله ولا يبطل الرهن بذلك مطلقا ووجهه مضافا
إلى دعوى عدم الخلاف فيه ظاهر بل عن التذكرة ما يشعر بالإجماع عليه عدم ما يقتضي البطلان خصوصا لو قلنا بجواز بيعها للمرتهن وعدم مزاحمة الاستيلاد
لحقه لكونه أسبق نعم لو قلنا بعدم الجواز فربما يتخيل منافاته لبقائها رهنا كما أنه يمنعه رهانتها رأسا لمنافاته للاستيثاق الذي هو من مقومات الرهانة
وفيه أنه لو أمكن الاستيفاء منها على بعض التقادير الغير النادرة منع واضح قد عرفت وجهه في أول الكتاب ويثمر ذلك في منع المالك عن التصرف فيها وبيعها
لو ساغ له ذلك ببعض المسوغات كما أنه يثمر له أيضا في جواز بيعه والاستيفاء من ثمنه لو مات ولدها كما لا يخفى وهل تباع لاستيفاء المرتهن حقه من ثمنها
قيل لا ما دام الولد حيا في الجواهر بعد بيان الوجه له قال لكن لم نعرف القائل به قبل المصنف (ره) ولا بعده غير الفاضل في التحرير وثاني الشهيدين في ظاهر الروضة
نعم عن الشهيد في غاية المراد حكايته عن المبسوط وفي جامع المقاصد الظاهر إنه وهم وحكى عنه الجواز مطلقا وقيل والقائل كما عرفت والحلي والفاضل في المختلف والكركي
والشهيدان في اللمعة والمسالك نعم يجوز مطلقا لأن حق المرتهن أسبق وقيل تباع مع إعسار الراهن وتبذل قيمتها رهنا جمعا بين الحقين مع يساره في الجواهر والقائل الشيخ في ف؟؟ وأبن زهرة والفاضل في التذكرة والشهيد في الحواشى على ما حكى عنهم وقيل في الجواهر والقائل
الشهيد في بعض حواشيه يجوز بيعها مع وطيه بغير إذنه ولا يجوز مع الاذن ومال إليه بعض مشايخنا لموافقته للأصول والاعتبار إن لم يكن خرقا للاجماع انتهى ولعل
هذا القول لا يخلو عن قوة وإن ذهب المصنف (ره) إلى أن الأول أشبه بالقواعد وتوضيح المقام يحتاج إلى التأمل التام في الأخبار الدالة على منع بيع أمهات الأولاد
وكيفية جمعها مع ما يدل على جواز بيع الرهن إذ باختلاف الانظار فيها صارت المسألة ذات أقوال أربعة وإلا فليس فيها نص بالخصوص على الظاهر فلا بد أولا من
نقل ما يدل على جواز بيع الرهن والمنع عن بيع أم الولد حتى يتضح ما في دعوى تقديم أدلة الاستيلاد على دليل جواز البيع بتقريبات منها دعوى دلالة أدلة الاستيلاد
على ثبوت حق للأمة به ودلالة دليل الرهن على مجرد جواز البيع على الراهن وقطع سلطنته فلا منافاة بينهما إذ جواز البيع على المالك لا يوجب جوازه على غيره الذي
له حق فيه ومنها إن منع البيع في الاستيلاد يعم كل أحد كان له البيع قبل الاستيلاد والمرتهن كالمالك كان له البيع فيمنع ومنها أن دليل الرهن يثبت السلطنة
للمرتهن يجعل المالك وترخيصه فسلطنته فرع سلطنته وأدلة الاستيلاد رافعة لسلطنة المالك فلا يبقى مورد لسلطنته المرتهن هذا غاية ما يتوهم في المقام وجها
لتقديم أدلة المنع ويدفعها التأمل في أدلة الطرفين فنقول أما ما يدل على جواز البيع للمرتهن بمعنى ثبوت حق له في استيفاء حقه منه ببيع وعو؟؟ مضافا إلى الاجماع
وإمكان استفادته من النصوص المتفرقة في الباب من مقتضيات سلطنة الناس على أمواله لما عرفت فيما سبق إن جواز الاستيفاء أما مأخوذ في ماهية الرهن
أو إنه من أحكامه العرفية وعلى كل من التقديرين يثبت المطلوب كما لا يخفى وأما دليل منع الاستيلاد عن البيع من أخبار كثيرة منها ما يدل على عدم جواز صدوره من
المالك واستهجانه عرفا لصيرورتها بمنزلة زوجته وعيالاته كقول أمير المؤمنين عليه السلام في جواب السائل عن بيع أم الولد خذ بيدها وقل من يشترى أم ولدى ولا
يخفى عليك إن هذا النحو من الاخبار لا يقتضى منعه إلا على المالك فلو كان لآخر حق سابق فلا إذ ليس المالك مختارا في بعه حتى يستند البيع إليه بل البايع في الحقيقة
هو المرتهن لا المالك حتى يستهجن ومنها ما يدل على عدم جواز بيعها إلا في ثمن رقبتها وأما فيما سوى ذلك من وجوه الدين فلا وهذه الرواية أقوى ما يستدل
به على المنع بتقريب أن يقال إن وجوه الدين التي نفى بيعها مما؟؟ يعم الدين الذي جعلت رهنا له فيعارض ما دل على استحقاق المرتهن للاستيفاء منه إلا أنه
مقدم عليه بدعوى حكومته على الأدلة المجوزة بأحد الوجوه المتقدمة بل وروده عليها كما هي قضية بعضها وفيه أولا منع كون الرهن ممنوعا للدين حتى
يعمه بالعموم بل كون الدين مع الرهن أو بلا رهن من أحوال الفرد وليس للرواية إطلاق بالنسبة إلى أحوال الدين بل هي ساكتة عنها فمقتضاها أنها لاتباع في دين
من الديون عدى ثمن رقبتها في الجملة وأما في جميع الأحوال حتى إذا كانت متعلقة لحق الغير بجعل سابق على الاستيلاد فلا وثانيا منع كونه حاكما على دليل الرهن
لضعف التقريبات المتقدمة لامكان منع صيرورة الأمة ذات حق بل الملحوظ في الحكم إنما هو شأن المالك وكونه مستهجنا بالنسبة إليه مع أنه بعد التسليم
لا خفاء في انصراف دليله عن مثل الفرض الذي صارت لأجل تعلق حق الغير بها سابقا على الاستيلاد كملك الغير وكذا دعوى عموم المنع المستفاد من الأدلة
بالنسبة إلى كل من كان له البيع ضرورة منع العموم بحيث يعم غير المالك لو فرض استحقاقه للبيع بحق سابق بل الظاهر منها بقرينة الاستهجان العرفي الذي
جعله (ع) تعليلا للمنع الذي لا يتحقق بالنسبة إلى غير المالك اختصاصه به وأعجب شئ في المقام دعوى وروده على دليل الجواز بالتقريب الأخير ضرورة عدم كون
سلطنة المرتهن متفرعا على السلطنة الفعلية للمالك حال البيع وإنما هو من آثار سلطنته قبل الاستيلاد فلا يمنعه الاستيلاد فعلى هذا الأقوى في المقام
التعارض الناشئ من ظهور كل من الدليلين في فعلية موداه أعني الجواز والمنع ومقتضاه تقديم حق المرتهن لكونه أسبق فيمنع عن فعلية الآخر وعلى هذا
ينطبق ما عن بعض الفحول كالمحقق الثاني من تقديم حق المرتهن للأسبقية اللهم إلا أن يقال إنه بعد فرض التعارف يجب الرجوع إلى المرجحات وليست
230

الأسبقية منها فتأمل ولكن قد يمنع ظهور دليل المنع في الفعلية مطلقا بل هو أما مقصور على المالك دون غيره كما أشرنا إليه فلا يمنع عن بيع المرتهن بإذن الحاكم
أو من قبل نفسه إذا تعذر إليه الاستيذان كما تقدم الكلام فيه مفصلا أو إنه مسبوق لبيان إن شيئا من وجوه الدين لا يصلح لتجويز بيع أم الولد من
حيث هي وأما في الدين الذي تعلق للدائن حق سابق برقبتها فلا وقد يستدل للجواز بما يدل على جواز بيعها في فكاك رقابهن بدعوى ان المراد بعد
معلومية عدم إرادة افتكاك رقبتها عن الرقبة إنما هو افتكاكها عن متعلق حق الغير وثمن الرقبة وإن لم يكن حقا متعلقا بالرقبة إلا أنه بعد
أن لم يؤد ثمنها كأنها لم تمحض للمشترى بل هي مأخوذ بها ورقبتها على عهدتها عرفا ولذا عبر عليه السلام بفكاك رقبتها ومعلوم إن هذا لو كان منشأ
للجواز ففيما نحن فيه محقق على نحو آكد لتعلق الحق عليها حقيقة وفيها منع واضح وقد ظهر مما قررنا إن الجمع بين الأدلة يقتضى تجويز البيع
للمرتهن عند تعذر الأداء لا الراهن فليس له بيعها بمجرد كونها رهنا لأجل الأداء لو لم يلزمه المرتهن بذلك لعدم تصور المنع عن شمول المورد
بالنسبة إلى المالك نعم لو قهره المرتهن على ذلك فعليه الاذن في البيع أو مباشرته بنفسه لخروج المورد عن تحت اختياره بجعل حق سابق للمرتهن على
الاستيلاد هذا كله لو وطئها بغير إذن المرتهن وأما لو وطئها بإذنه فليس للمرتهن البيع أيضا ما دام الولد حيا لاقدامه على إد خال الراهن في موضوع لا
يجوز بيعه شرعا فلم يبق بعد الاقدام حقا يجوب رفع اليد عن الأدلة المانعة لا يقال إن الاقدام إنما يتحقق منه لو كان الحكم عدم جواز البيع له وهو أول
الكلام لأنا نقول عدم جواز بيع أم الولد من حيث هو ثابت محقق فالاستيلاد من حيث هو مقتضى للمنع وإنما المانع عن تأثيره مزاحة حق الغير و
بالاذن يرتفع المزاحمة وليست الرهانة مانعة عن أصل الاقتضاء حتى يتوجه ما توهم لأن هذا خلاف ظواهر الأدلة كما لا يخفى على من لاحظ و
تأمل وعدم ملازمة الوطي للاستيلاد غير ضائر في رفع المزاحمة بعد كونه من الافعال التوليدية التي تخرج عن تحت الاختبار بإيجاد السبب كما لا يضر الاذن
وأن كان مستلزما للاستيلاد أيضا في بقائه رهنا كما عرفت وجهه فيما تقدم فلا يكون ذلك منه إسقاطا لحق رهانته والله العالم قد تحقق فيما تقدم
إن البيع ينافي الرهانة وإنه لا يجوز بيع الرهن مطلقا سواء كان أطلقه أو شرط بقائه رهنا على المشترى فيكون كرهن العارية وعلى هذا فلو أذن المرتهن
له أي للراهن في بيع الرهن فباع بطل الرهن بلا إشكال وتأمل لما ذكرنا من المنافاة وعدم إمكان بقائه رهنا عند المشترى وإنما الاشكال في أن الرهانة
هل تبطل بنفس البيع فيكون كالإجازة والفسخ الفعليين بناء على تحققهما به لا بالرضا المستكشف عنه أو لا بد من حصوله قبل البيع آنا ما حتى يقع البيع
الملك المطلق تصحيحا للبيع أو أن السبب إنما هو الاذن المتعقب بالبيع بوصف كونه كذلك وأما الاذن المجرد من حيث هو فليس إبطالا لجواز الرجوع
عنه قبل البيع ولا ريب إنه على الأخيرين لا يجب جعل الثمن رهنا إذا لم يشترطه المرتهن أي لا يقتضى مجرد كون الشئ رهنا صيرورة ثمنه رهنا بمجرد البيع
لو لم يشترط المرتهن ذلك ووجهه على الوجهين الأخيرين واضح لوقوع البيع على ما هو طلق حال البيع فيكون عوضه أيضا كذلك من دون تعلق حق
أحد به وصيرورته رهنا من دون إيجاد سبب جديد خلاف الأصل ودعوى انسباق الشرط إلى الذهن من إطلاق الاذن في مثل المقام القرائن الأحوال
ممنوعة أشد المنع واحتمال أرادته من دون تقييد إذنه في ظاهر كلامه غير مفيد نعم لو صرح بالاشتراط يجب ذلك لا لعموم وجوب الوفاء بالشرط حتى
يناقش في مثل المقام الذي ليس في ضمن العقود اللازمة إذ الاذن بمجرده ليس عقدا لازما بل هو مجرد ترخيص يجوز له الرجوع عنه بل القصور الاذن
عن شموله للبيع الذي لا يتعقبه ذلك فيفسد البيع عند خوله عن الوصف بأن لا يجعل الثمن رهنا لو قلنا باحتياجه إلى العقد الجديد وعدم كفاية الشرط
في ذلك أو فرض شرط العقد لا النتيجة نعم لو وفي به بعد أن بنى على عدمه حال البيع لا يبعد الحكم بالصحة لكشفه عن كونه واجدا للشرط وإن لم يكن البايع
عالما به هذا لو شرط جعله رهنا مستقلا مثل ما لو شرط جعل شئ أجنبي رهنا وأما لو شرط إبقاء رهانة العين في ضمن القيمة ولعل هذا هو المراد من
لكمات العلماء في مثل المقام فلا إشكال في وجوب الوفاء بهذا الشرط أيضا بالتقريب المتقدم إلا أن في تصوره إشكالا سنوضحه إنشاء الله هذا لو قلنا
بصيرورته طلقا قبل البيع وأما لو قلنا بحصول البطلان بنفس البيع فيشكل الامر لا لأن المالك الطلق أنتقل إلى المشترى من شخصين فيجب أن يكون
البد واصلا إليهما كما هو مقتضى المعاوضة حتى قال إن الحق لا يقابل بالمال إنما المقابل للمال أجزاء المبيع لا أوصافه وأما حق الرهانة
فينعدم حال انتقال المبيع بانتفاء موضوعه ولا ينتقل إلى المشترى كما هو واضح فلا يعقل صيرورة شئ من الثمن عوضا عنه وأما وصف الطلقية فإنما هو
من آثار صحة البيع وانتقال المبيع إلى المشترى لا أنه وصف يتلقاه المشترى من المرتهن بعد تملك المبيع فعلى هذا لا يتوهم صيرورة الثمن رهنا باقتضاء
نفس المعاوضة من حيث أنها معاوضة وإنما الاشكال فيما قد يتخيل من الحكم العرفي باقتضاء العوضية عن ذات المبيع المتصف بكونه مرهونا ذلك فنفس
المعاوضة وإن لا تقتضي إلا المبادلة بين المالين من حيث إنهما ما لأن إلا أن انتقال العوض مكانه يقتضى صيرورة كونه متعلقا لحق المرتهن لخصوصية
المحل بحكم العرف ولذا يجعل بدل التالف رهنا بنفس البدلية لا بجعل جديد وكذا ثمن الوقف بحكم الوقف من دون عقد مستأنف ويمكن الفرق بين
المثالين وبين ما نحن فيه أما التالف فلان ما في ذمة المتلف أولا وبالذات إنما هو نفس العين بخصوصياتها فما يؤديه غرامة عنها وأداء لها
فهي في الحقيقة مرتبة من مراتب وجود العين ولذا قلنا في محله إن المثل في المثلى مقدم على القيمة فكان هذا ذلك بنفس المسامحة والاعتبار فالمتلف
يجب عليه أن يجعل التالف بحكم غير التالف في تمام أوصافه لا في خصوص الملكية بخلاف المعاوضة بالبيع وشبهه فهذا النحو من التنزيل يقتضى
عموم المنزلة في الحكم فإن شئت قلت إن المتلف بتلفه تعهد بشيئين بشخص العين للمالك والرهانة للمرتهن إذ كما أن الملك مما يتدارك كذا
الحقوق المالية ولذا لو أتلفه الراهن يجب عليه تداركه فالمتلف يجب عليه أن يمكن المرتهن بما يمكنه أن يستوفى منه دينه كما أنه يجب أن يؤدى
231

المالك بما يساوى ملكه من المثل أو القيمة وكلا الحقين يؤديان بدفع المثل أو القيمة للمالك على أن يكون رهنا عند المرتهن فصيرورة البلد رهنا إنما
هو من آثار اشتغال ذمته بما هو رهن حال الاشتغال فكان وصف الرهانة أنتقل إليه وعليه تداركه وهذا بخلاف المشتري فإنه لا يملكه إلا طلقا ولا
يشتغل ذمته إلا بثمن رقبة العين فما يؤديه إنما هو عوض الملك لا وصف الرهانة كما أشرنا إليه سابقا وأما ثمن الوقف فلان البطون اللاحقة بحكم
الشريك في العين الموقوفة بمعنى أن لها بالنسبة إليهم وإن كانوا معدومين نحوا من الملاحظة والاعتبار يمنع استقلال الموجودين بالتصرف فيها
فكأنها ملك لهم فعلا بالمقايسة إلى زمانهم وأما بالمقايسة إلى زمان الموجودين فلا تتصف بالملكية الفعلية لهم لانتفاء المضاف إليه وإنما تتصف
بكونها لهم شأنا وهذا الاتصاف الثاني له نحو وجود واعتبار فعلا وله آثار منها منع الموجودين عن التصرف بما ينافي ملكيتهم ومنها جواز بيعه مراعاة
لحقهم في بعض الأوقات وغير ذلك من الاحكام وهذا ليس حقا لهم بالنسبة إليها حتى ينظر على ما نحن فيه ويقال إن الحق لا يقابل بالمال ولا ينتقل إلى المشتري
بل نحو من الملكية الاعتبارية وإلا فالمانع عن تسميته ملكا فعلا يمنع عن تسميته حقا أيضا إذ كما أن الملك يتوقف على وجود مالك فعلا كذا الحق يتوقف
على طرف محقق ولكنك عرفت إن هذا لا يمنع عن اعتبار الوجود في ترتيب الآثار فالمعدومين بمنزلة الموجودين في
الآثار أعني توزيع الثمن عليهم نحو توزيع المثمن بمعنى تقسيطه عليهم طولا بحسب وجوداتهم لا عرضا مثل الشركاء الموجودين في مرتبة واحدة وكيف كان
فالفرق بين الوقف وما نحن فيه واضح بعد أدنى تأمل وعلى هذا فالأقوى ما عليه المشهور بل لم ينقل فيه خلاف إلا عن الشيخ في بعض الصور كما سنوضحه إنشاء الله من عدم
صيرورة الثمن رهنا لبطلان رهانة المثمن بالبيع وعدم ما يقتضى رهانة المثمن بالبيع وعدم ما يقتضى رهانة الثمن وكونه كالمعوض في تمام الاحكام كما في التالف قد عرفت منعه وقضاء العرف
بذلك بعد ملاحظة أن الثمن إنما هو في مقابل رقبة الملك من حيث هي غير مسلم ودعوى إن عقد الرهن يقتضى رهنية العين بمراتبها لكونه من قبيل تعذر المطلوب
ولذا يجعل ثمنها عند خوف الفساد رهنا ومن المعلوم إن الثمن أيضا مرتبة من مراتبها فيجب أن يكون رهنا إلا أن يستظهر من الاذن إسقاط حق الرهانة
وهو خلاف المفروض إذا الفرض عدم بطلانه إلا بالبيع فليس الرهانة متقومة بشخص العين وإلا لما كان الثمن رهنا في المثال مع أن الحق اقتضى بيعه فكيف
يخرج الثمن عن كونه رهنا ففيها بعد تسليم كونه من قبيل تعدد المطلوب منع اقتضائه رهانة الثمن مطلقا إذ ليس الثمن مطلقا مرتبة من مراتب العين بحيث
يشمله حكمها إذ الموارد التي نلتزم فيها بتعدد المطلوب لا نقول فيها بثبوت الحكم للبدل مطلقا بل يثبت له عند تعذر شخص متعلق العقد وفرض التعذر
يخرج ما نحن فيه عن الفرض والسر في اعتبار التعذر إنه عند عدم التعذر يعد أجنبيا عند العرف وأما عند التعذر فهو هو بنحو من المسامحة وإن شئت توضيح
المقام فراجع إلى ما فصلناه في كتاب البيع في مسألة ضمان المثلى والقيمي من أنه لا يجوز التخطي من مرتبة إلى مرتبة أخرى دونها عند التمكن من المرتبة إلا على لعدم
كونه إداء للتالف حينئذ بحكم العرف فأفهم وتأمل هذا كله فيما لو أطلق الاذن وأما لو شرط بقاء الثمن رهنا فقد عرفت إنه لا إشكال في لزوم الوفاء بالشرط
بل قد يظهر من المحكى عن غير واحد الاجماع عليه إلا أن الاشكال في تصوير إمكان التفكيك بين العين ووصف الرهانة مع كون وصف الرهانة متقومة بشخص العين
بخصوصيتها ولذا حكمنا ببطلان الرهانة مطلقا في الصورة المتقدمة فلو أمكن التفكيك إمكان في صورة الاطلاق أيضا ببقاء رهانة الثمن لو لم نقل باستفادة
الاذن في الابطال المطلق من مطلق الاذن للانصراف ويمكن دفعه بما أشرنا إليه من أن العوض الاختياري ليس من مراتب العين التي يقتضى رهانة العين رهانتها
ولو قلنا بكونه من قبيل تعدد المطلوب هذا إذا لم يكن بينهما جعل وتبانى وإلا فلا امتناع في ذلك كما في أداء الدين حيث يصير غير المجانس من مراتب ما في الذمة
بالتراضي فأفهم وتأمل فإن المقام مما يحتاج إلى التأمل وقد تصدى سيد مشايخنا دام ظله لدفع الاشكال بما لعله يقرب مما ذكرنا وإن لم ينطبق عليه كمال
الانطباق وكيف كان فالأظهر ما ذكرناه والله العالم هذا كله في إذن المرتهن وأما لو انعكس الفرض بأن إذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الاجل فالظاهر
كما عليه المشهور على ما حكى عنهم صيرورة الثمن رهنا فلم يجز للمرتهن التصرف في الثمن بأن يستوفى منه حقه قبل الحلول الاجل بل ولا بعده ما لم يأذن نعم يجوز له مقاصته
بعد حلول الأجل لو أجتمع شرائط التقاص وهو خارج عن مفروض المسألة وكذا لا يجوز لراهن أيضا التصرف فيه كما هو قضية الراهنة وهذا مما لا إشكال فيه
وإنما الاشكال في بقاء الثمن رهنا مع أن الرهانة متقيدة بالعين وتبطل بالبيع إلا أن يشترطا كما تحقق فيما تقدم والمفروض عدمه لأن الكلام فيما لو لم
يصدر من الراهن إلا الاذن إلا أن الأظهر الأشهر بل المشهور على ما يظهر من بعض العبائر هو ما ذكرنا من كون الثمن رهنا الظهور الاذن من الراهن في ترخيص
تبديل متعلق الرهن للمرتهن ورفع يده عن سلطنته على خصوص العين ولا يعد هذا عرفا استدعاء من الراهن عن المرتهن في رفع يده عن الرهن وأبطال رهانته بل غاية
ما يستفاد منه مسئلته تبديل العين وتحصيل ثمنها لكونه أعود بحال الراهن فهذا الظهور العرفي بمنزلة التصريح بالاشتراط والتواطي على بقاء الثمن رهنا بمعنى
الغاء خصوصيتها الشخصية وإبقاء الرهانة في ماليتها التي هي العمدة في هذه الأبواب بل هي من مراتب وجوداتها في حال التعذر والتباني كما تقدم الكلام
فيه فيما سبق وبذلك ظهر ما في كلام النافين من أن الحق إنما تعلق بالعين ولازمه ارتفاع الحق بانتقالها فتعلقه بالثمن يحتاج إلى عقد جديد كما أنه قد ظهر لك أيضا ما في إطلاق قول المصنف إلا بعد حلوله مستثنيا من عدم جواز التصرف لما ذكرنا من صيرورته بحكم الرهن في عدم جواز التصرف
إلا بإذن الراهن والحاكم عند التعذر على التفصيل الذي ستسمعه إنشاء الله تعالى ولذا ما في قوله كغيره من الأصحاب ولو كان أي الاذن في البيع بعد حلوله
صح التصرف فيه ضرورة عدم كفاية الاذن في البيع مجردا في جواز التصرف نعم لو أستظهر منه بقرائن الحال والمقام الاذن في الاستيفاء أو أدعى
ظهور الاذن بعد الحلول مطلقا لأجل القرائن في ترخيصه في الاستيفاء كما أنه ليس بالبعيد كان له ذلك ولعل إطلاق الأصحاب ناظر إلى ذلك و
كيف كان فإن أردوا من إطلاقهم ما ذكرناه فله وجه وإلا ففيه منع واضح وإذا حل الاجل وأراد المرتهن حقه طالب الراهن بالوفاء ولو ببيع
232

الرهن أو التوكيل في بيعه ولو تعذر الأداء كان للمرتهن البيع والاستيفاء إن كان وكيلا بل له ذلك من دون مراجعة الراهن مع إطلاق وكالته وإن
كان قد يناقش في ذلك بدعوى انصراف الاطلاق عن مورد الفرض ولكن فيه منع الانصراف وإلا أي وإن لم يكن وكيلا رفع أمره إلى الحاكم وهل للحاكم البيع
من أول الأمر أوليس له ذلك إلا بعد إجبار الراهن وامتناع صدوره منه بنفسه ففيه إشكال سنتعرض له إنشاء الله وأما وجوب الرجوع إليه عند امتناع الراهن
من البيع والأداء فالظاهر إنه مما لا تأمل فيه إذا كانت له بينة يثبت بها حقه بل عن بعض نفى الخلاف عنه إلا عن ظاهر أبى الصلاح فليس للمرتهن بيع
الرهن مع إمكان رجوعه إلى الحاكم وأستدل لأبي الصلاح بوجهين أحدهما إن جواز البيع من مقتضيات الرهانة وإلا فليس بينه وبين سائر أمواله
فرق في جواز المقاصة له بإذن الحاكم أو بيع الحاكم لأداء حقه وفيه منع اقتضاء الرهانة إلا مجرد استحقاقه استيفاء دينه منه فلا يوجب الرهانة إلا
قطع سلطنة المالك بالنسبة إلى نفس البيع أو ما ينزل منزلته من الصلح وغيره وأما خصوصيات البيع ككونه من شخص خاص أو في مكان أو بنقل خاص
مثلا فلا إذ ليس هذا إلا كما لو أستحق على ذمة شخص كليا فكما إن تعيينه إنما هو باختيار المديون كذا فيما نحن فيه وأما ما ذكر من عدم الفرق بينه وبين
سائر أمواله كما لو كانت عنده وديعة مثلا ففيه منع واضح ضرورة تعلق الاستحقاق فيما نحن فيه بخصوص العين إلا أن مجرد الاستحقاق لا يقتضى استقلاله
بالبيع وهذا بخلاف سائر أمواله ولذا يقدم الحق المرتهن على سائر الغرماء ثانيهما ظاهر بعض الأخبار كموثقة أبن عمار قال سئلت أبا إبراهيم عليه السلام
عن الرجل يكون عنده الرهن فلا يدرى لمن هو من الناس فقال لا أحب أن يبيعه حتى يجئ صاحبه فقلت لا يدرى لمن هو من الناس فقال فيه فضل أو نقصان قلت فإن كان فيه فضل أو
نقصان قال إن كان فيه نقصان فهو أهون يبيعه فيوجر فيما نقص من ماله وإن كان فيه فضل فهو أشدهما عليه يبيعه ويمسك فضله حتى يجى صاحبه
والجواب عنه بلزوم حملها على ما إذا لم يمكن إثبات حقه ورهانته عند الحاكم أو على تعذر الرجوع إلى الحاكم أو على إرادة مطلق البيع من حيث هو من دون
بيان الشرائط فتكون مهملة من هذه الجهة بل يمكن تنزيل الرواية على ما لو أستكشف رضا المالك بالبيع فإنه في مثل هذه الموارد ربما يقطع الانسان
بالرضا وكيف كان فيتعين حملها ولا يجوز العلم بإطلاقها لمخالفته للقواعد المتلقاة من الشرع ومذهب الأصحاب بل ربما يقال بمخالفته لبعض
الروايات الناهية عن بيعه مطلقا لا بعد مجيئ صاحبه وفيه تأمل وكيف كان فهل له الاجبار في الأداء قبل رفع أمره إلى الحاكم أم يتعين عليه الرجوع
إليه فيه وجهان نسب إلى ظاهر بعض الأول بل تعينه عليه مع الامكان وعند عدمه يرجع إلى الحاكم وفيه ان الاجبار من مناصب الحاكم ليس لغيره
ذلك نعم يجوز له ما يجوز لغيره من باب الأمر بالمعروف ومعلوم أن هذا ليس مقدما على رفع الامر إلى الحاكم لعدم الترتب بينهما فالأوجه وفاقا
لاطلاق عبارة المتن إنه يتعين عليه أن يرفع أمره إلى الحاكم عند تعذر والأداء ليلزمه البيع للقول أو الفعل بضرب أو حبس أو نحوهما مما يتوقف تحصيل
الحق عليه وإن أمتنع الراهن بعد الزام الحاكم وإجباره عن البيع أيضا كان له حسبة أن يبيع عنه وهذا بحسب الظاهر مما لا إشكال فيه وإنما الكلام
في أنه هل له البيع قبل الاجبار من أول الأمر أم لا بل يتعين الاجبار أولا ثم البيع ظاهر المصنف (ره) والأول حيث قال وله أن يبيع عليه ولكنه
لا يخلو عن إشكال لأن القدر المتيقن من ثبوت ولايته إنما هو بعد الاجبار فليقتصر عليه ويمكن التمسك للاطلاق بإطلاق قوله (ع) السلطان
ولى الممتنع لصدق الموضوع بمجرد الامتناع ولو لم يكن ثمة إجبار ودعوى أن الامتناع في مقابل الامكان وهو ربما يكون ممكنا صدوره عنه
بالاجبار فلا يثبت الولاية له ممنوع بظهوره في عدم التسليم كما لا يخفى نعم لمنع قصوره عن الحجية لعدم الجابر في المقام وجه وكيف كان فلو أكرهه على البيع فباع
عن أكراه يصح البيع ويلزم لأن الاكراه عن حق بمنزلة الرضا ثم أنه لو تعذر الوصول إلى الحاكم أما لفقده أو التعذر إثبات الحق لديه هل له أن يتولى
البيع بنفسه أو يرجع إلى عدول المؤمنين فيه وجهان أوجههما الأول إذ لا ولاية للعدول عليه وإنما يتصرفون في بعض الموارد في أموال الغائبين
إذا أحتاج الغائب إليها حسبة من دون أن يكون لهم عليه ولاية فعلى هذا لا أولية للعدول على نفسه فهو بنفسه يتولى البيع نعم في صورة تعذر الاثبات
عند الحاكم لو أمكن له الاذن في البيع ولو بعنوان العموم لا يبعد اشتراطه والله العالم مسألة ولو شرط المرتهن على الراهن في عقد الرهن إن لم
يؤد الحق أن يكون الرهن مبيعا لم يصح الشرط لوجهين بعد القبض عن الاجماعات المحكية المعتضدة بعدم نقل خلاف يعرف في المقام صريحا أحدها
التعليق في الشرط على أمر غير مضبوط الحصول ثانيهما إنه شرط النتيجة فيما لها سبب خاص إذ حصول البيع بلا سبب مما لم يعهد في الشريعة فيفسد وفي
كليهما تأمل أما الأول فلما سبق في مبحث الخيارات من كتاب البيع من التأمل في اقتضاء التعليق في الشرط فساده ولكن يمكن الالتزام في المقام
لا لمجرد التعليق في الشرط بل لأن المشروط الذي هو البيع غير صالح لأن يقع معلقا فيفسد من هذه الجهة وأما الثاني فلا يصلح وجها
للمسألة الوفاقية مع أنه بنفسه مما وقع فيه الخلاف فمن يقول بصحة شرط النتيجة يلتزم بكون الشرط سببا لحصوله كعقد البيع نعم فيما ثبت من
الشرع عدم حصول مفاده إلا بسبب خاص كالطلاق والنكاح لا يصح وإما في مثل البيع والهبة وغيرهما فلا وكيف كان فلتحقيقها محل آخر والغرض
من إيرادها التنبيه على إنه لا يصلح الوجهان أن يكون محط أنظار العلماء في هذه المسألة ولعل نظرهم إلى ما أشرنا إليه من وقوع البيع من حيث إنه
بيع معلقان لأن هذا مما وقع الاجماع على بطلانه بحسب الظاهر وقد يتوهم ان المتيقن من البطلان الذي وقع الاجماع عليه ما إذا
كان البيع بصيغته الخاصة وأما معناه الحاصل بالشرط فلا ولكنه مدفوع بأن المفهوم من كلماتهم في باب البيع بطلان إنشاء هذا
المعنى معلقا من دون أن يكون في ضمن لفظ خاص مثلا نعم لو لم يكن الانشاء بنحو البيع بل بحيث يفيد الانشاء المطلق من دون أن يكون
بيعا وقلنا بكفاية مثل ذلك في حصول الملك وعدم توقفية الأسباب ومنع ما يستفاد من عموم بطلان التعليق في الأسباب المملكة
233

بحيث يعم الفرض لأمكن القول بعدم البطلان ولكن في جميعها تأمل وهل يوجب فساد الشرط فساد الرهن وجهان من أن الشرط الفاسد مفسد
أم لا قد سبق تحقيقه في محله فراجع ولكن ربما يدعى في المقام الوفاق على فساد الرهن وقد يوجه ذلك باقتضائه توقيت الرهانة المجمع على بطلانه
لمنافاته الاستيثاق المعتبر في الرهن وفيه إن هذا التوقيت لا ينافي استيثاق بل يؤكده إذا شرط أن يكون الثمن عين ما في ذمة الراهن لا
ثمنا آخر لا يكون رهنا ولعل إطلاقهم منزل على الصورة الأولى التي قد عرفت إنه لا ينافي الاستيثاق إلا أن يقال إن التوقيت في الرهن كالتوقيت
في الملك مما أجمعوا على بطلانه وإن لم ينافي الاستيثاق ولكنه بعيد والله العالم مسألة إذا إذن المرتهن للراهن في البيع ورجع ثم اختلفا
فقال المرتهن رجعت قبل البيع وقال الراهن رجعت بعده كان القول قول المرتهن عند المشهور بين الأصحاب بل عن جامع المقاصد نسبته
إليهم مشعرا بدعوى الاجماع خصوصا مع قوله إنه ينبغي الوقوف معهم وإن كان الدليل يقتضي خلافه ترجيحا لجانب الوثيقة المستصحب بقائها
إلى أن يعلم المزيل وليس لأن الاذن في البيع غير مسقط لها وإنما المسقط لها البيع المأذون فيه ولم يثبت إذا الدعويان متكافئان يعنى دعوى
وقوع البيع قبل الرجوع وتحقق الرجوع قبل زمان البيع وكل منهما خلاف الأصل فيتساقطان ويرجع إلى الأصول الأخر مثل استصحاب الرهانة
أو إصالة الفساد في البيع وغيرها ولا يعارضه إصالة الصحة كما سنحققه إن شاء الله تعالى وتوضيح المقام انه يعتبر في الحكم بصحة البيع من إحراز
شرطه الذي هو إذن المرتهن فلا بد من إحراز اقترانه حال وقوعه بإذن المرتهن أما حقيقته كما لو علم ببقاء الاذن إلى زمان البيع وعدم
رجوعه قبل تحقق سبب البيع وأما حكما كما لو أحرز بقاء الاذن بالاستصحاب إلى زمان البيع بحيث يقطع بوقوع البيع في هذا الزمان المحكوم
بكونه مأذونا تعبدا فعلى هذين التقديرين يحكم بصحة البيع للعلم بكونه واجدا للشرط أما حقيقة كما في صورة العلم أو تعبدا كما في صورة الاستصحاب
إذا عرفت ذلك فنقول مقتضى القاعدة إنه لو علم بإذنه سابقا وشك في أصل رجوعه الحكم بصحة البيع لاستصحاب بقاء الاذن وأما أصالة عدم
الرجوع فلا أثر له لأن صحة البيع من آثار بقاء الاذن لا عدم الرجوع وإن كانا متلازمين إلا أن المقرر في مبحث الاستصحاب عدم الاعتداد
باستصحاب الملزومات في إثبات آثار اللوازم وكيف كان فمقتضى استصحاب الاذن جواز البيع والحكم بصحته بعد وقوعه ولا نحتاج في ذلك إلى إحراز
عنوان وقوع البيع عن أذن أعني وصف الاتصاف حتى يقال إن الأصل بالنسبة إليه مثبت ولا اعتداد به بل يكفي مجرد إحراز وقوع البيع في حال
كونه مأذونا بحكم الشارع كما لو صلى حال كونه متطهرا بحكم الاستصحاب فإن صلاته صحيحة ظاهرا لأن جواز الدخول من آثار الطهارة وقد علم
بوجودهما تعبدا ولا حاجة إلى إحراز عنوان الاتصاف أعني كون صلاته متصفة بكون صدورها عن متطهر حتى يقال إن الأصل بالنسبة إليه
مثبت كما لا يخفي ثم إن هذا كله فيما لو شك في أصل الرجوع كما لو شك في أصل تحقق الحدث في المثال وأما لو علم بالرجوع وشك في تقدمه على
البيع أو تأخره عنه كما لو علم بحدوث حدث وفعل صلاة وشك في المتأخر منهما مع قطع النظر عن قاعدة الشك بعد الفراغ فمقتضى القاعدة الحكم
بالفساد لا لأصالة تأخر كل منهما عن الآخر فيتساقطان لأن وصف التأخر كالتقدم أمر حادث مسبوق بالعدم نعم لو كان لأصالة عدم
كل منهما إلى زمان صدور الآخر أثر يتعارضان ولكنك عرفت إن أصالة عدم الرجوع لا يترتب عليه أثر من حيث نفسه بل الأثر أعني صحة البيع
إنما هي من آثار بقاء الاذن الذي هو لازمه لا من آثار نفسه فليس استصحاب عدم الرجوع قبل البيع معارضا لأصالة عدم وقوع البيع قبل
الرجوع أعني في حال الاذن نعم قد يتوهم إنه يعارض هذا الأصل أعني أصالة عدم وقوع البيع في حال الاذن استصحاب نفسه الاذن إلى زمان البيع
وفيه إنه لو كان هذا الأصل جاريا لم يبق بوجه للمعارضة المذكورة لكونه حاكما على أصالة عدم وقوع البيع فيرتفع الشك عنه بهذا الاستصحاب
لكونه مسببا عنه إلا أنه بنفسه في المقام أصل مثبت لا اعتداد به بخلاف ما لو كان الشك في أصل الرجوع وسره ما أشرنا إليه من أنه يجب في الحكم
بالصحة من إحراز كونه واجدا للشرط إحرازا وجدانيا وإن كان نفس الشرط بقائه تعبديا وهذا المعنى فيما نحن فيه متعذر إلا بناء على الأصل
المثبت لأن استصحاب بقاء الاذن إلى أن يتحقق البيع لا يوجب القطع بوقوع البيع حال كونه مأذونا ولو بالاستصحاب لاحتمال الرجوع قبله وكونه
عالما به حال البيع فلا قطع بأنه أوجد البيع في حال كان البيع عنه نافذا في مرحلة الظاهر وهذا بخلاف ما لو شك في أصل الرجوع فإنه يقطع بكون
بيعه واجدا للشرط في مرحلة الظاهر ولذا حكم المشهور بفساد البيع في الفرض مع أنه لا شبهة في الصحة فيما لو شك في أصل الرجوع هذا لو لم نقل
بالأصل المثبت كما هو التحقيق وإلا فأصالة البقاء الاذن إلى زمان البيع يستلزم وقوع البيع عن إذن ولا تتوهم أن هذا التزام بلزوم إحراز
العنوان أعني البيع المأذون فيه إذ فرق بين بين الالتزام بلزوم إحراز الشرط حال وقوع الشئ وبين الالتزام بلزوم إحراز العنوان وما يلزمنا
هو الأول دون الثاني فأفهم وتأمل فإن المقام لا يخلو عن دقة مع أنه من المهمات فتحصل مما ذكرنا ان الأقوى في المسألة ما ذهب إليه المشهور
من فساد البيع وبقاء الرهن وأما فساد البيع فللشك في تحقق شرطه الموجب للشك في المشروط والأصل فيه الفساد بعد سلامته عن أصل
موضوعي حاكم عليه كلما عرفت مضافا إلى أصالة عدم وقوع البيع بل الرجوع السالم عن المعارض كما تبين وجهه نعم قد يتوهم في المقام أصول أخر
هي المرجع في المقام مثل أصالة صحة الاذن وأصالة صحة الرجوع وأصالة صحة البيع وشئ منها لا ينفع في المقام لأن صحة كل شئ بحسبه فصحة
الاذن أنه لو وقع البيع عقيبه قبل الرجوع لاثر وصحة الرجوع عبارة عن تأثيره في رفع الاذن وفساد البيع عقيبه لو كان الاذن باقيا غير
مرتفع محله بالبيع السابق ومعلوم ان القطع بالصحة بهذا المعنى لا يثبت شيئا فضلا عما يثبتها أصالة الصحة وأما أصالة الصحة في البيع قد
234

يقوى في النشر جريانها كأصالة الصحة في الصلاة بعد الفراغ عنها إلا أن الأقوى خلافه لأن صحة بيع الغير ليست منحصرة فيما يؤثر في
الخارج لما عرفت فيما سبق من الحكم بصحة بيع الفضولي ومعناها صلاحية للتأثير بشرط لحقوق الإجازة فكونه أهلا لذلك مرتبة من الصحة
وهى حاصلة فمتى حصل البيع من غير المالك يحكم بمقتضى أصالة الصحة بكونه واجدا لشرائط العقد وصلاحيته للتأثير في الخارج بشرط
إذن المالك وأما إذن المالك فلا يثبت بمجرد ذلك نعم لو لم نقل بصحة الفضولي وقلنا بأنه لا معنى لصحة البيع إلا تأثيره في الخارج كان
التوهم المذكور مجال والله العالم
هذا آخر ما أردنا إيراده من كتاب الرهن والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا قد فرغت عن تسويده في يو م الخمسين من شهر
(جمادى الآخرة 1291)
235