الكتاب: كتاب المكاسب
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء: ٥
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الأولى ١٤٢٠
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك: ٩٦٤-٥٦٦٢-١٥-X
ملاحظات: ٩٦٤-٥٦٦٢-١٧-٦ / الدورة الكاملة

كتاب المكاسب
1

كتاب المكاسب
الجزء الخامس
3

أنصاري، مرتضى بن محمد أمين، 1214 - 1281 ق.
المكاسب / المؤلف مرتضى الأنصاري، اعداد لجنه تحقيق تراث الشيخ الأعظم. -
قم: مجمع الفكر الإسلامي، 1420 ق = 1378.
6 ج.
) 6 - 17 - 5662 - ISBN 964 دوره (
) X - 15 - 5662 - ISBN 964 ج 5 (
فهرستنويسى بر أساس اطلاعات فيپا (فهرستنويسى پيش از انتشار).
عربي.
فهرستنويسى بر أساس جلد چهارم، 1419 = 1377.
أين كتاب به مناسبت دويستمين سالگرد تولد شيخ أنصاري منتشر شده است.
كتابنامه.
1. معاملات (فقه). ألف. مجمع الفكر الاسلامي، لجنه تحقيق تراث الشيخ الأعظم.
ب. مجمع الفكر الاسلامي. ج. كنگره جهانى بزرگداشت دويستمين سالگرد تولد شيخ
أنصاري. د. عنوان.
7 م 8 ألف / 1 / BP 1901 372 / 297
ألف ى 1300
كتابخانه ملى إيران 1937 - 78 م
قم - ص. ب 3654 - 37185 - ت: 744810
المكاسب / ج 5
المؤلف: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى / جمادى الأولى 1420 ه‍. ق
تنضيد الحروف: مجمع الفكر الإسلامي
الليتوغراف: نگارش - قم
المطبعة: باقري - قم
الكمية المطبوعة: 4000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي
بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وأهل
بيته الطاهرين.
أما بعد:
فقد تم بعون الله وفضله تحقيق القسم الثالث من كتاب المكاسب
للشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره الذي تضمن مباحث الخيارات والنقد
والنسيئة والقبض، بعد أن أكملنا القسمين الأولين منه، وهما: المكاسب
المحرمة والبيع.
وقد أشرنا في مقدمة الجزء الأول إلى حصولنا على مصورة
النسخة الأصلية لقسم الخيارات من مكتبة الإمام الرضا عليه السلام بمشهد
المقدسة. وذكرنا خصوصياتها وأنا رمزنا لها ب‍ " ق ".
وبناء على ما تقدم كان عملنا في هذا القسم وفقا للآتي:
أولا: اكتفينا في تحقيق هذا القسم - وهو قسم الخيارات ومباحث
النقد والنسيئة والقبض - بالنسخة الأصلية " ق " ونسخة " ش "، أما
سائر النسخ فلم نشر إليها إلا عند الضرورة.
ثانيا: رجحنا نسخة الأصل على غيرها عند الاختلاف إلا إذا
7

ثبت خطؤها فرجحنا غيرها مع الإشارة إلى ذلك في الهامش.
ثالثا: أثبتنا الزيادات الضرورية من نسخة " ش " أو غيرها في
المتن بين معقوفتين، وجعلنا غيرها في الهامش.
رابعا: لم نذكر الزيادات أو الاختلافات التي ثبت كونها مغلوطة
أو كانت خالية من الفائدة.
خامسا: افتقدت نسخة الأصل بعض الصفحات فأبدلناها بنسخة
" ف "، لأنها كانت أقرب النسخ إلى الأصل.
وبذلك جاء هذا القسم من كتاب المكاسب - بحمد الله - أقرب إلى
الأصل، بل مطابقا معه.
وأخيرا نود أن نوجه شكرنا لجميع الإخوة الذين بذلوا جهودهم
في إصدار الكتاب - ضمن مجموعة تراث الشيخ الأعظم قدس سره - جامعا
بين الدقة في التحقيق والجودة في الإخراج، سواء الذين ذكرناهم في
مقدمة الجزء الأول ومن اشتركوا معهم بعد ذلك، سيما حجة الإسلام
والمسلمين الشيخ محمد حسين الأحمدي الشاهرودي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مسؤول لجنة التحقيق
محمد علي الأنصاري
8

القول
في الخيار
وأقسامه وأحكامه
9

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
10

القول
في الخيار
وأقسامه وأحكامه
مقدمتان:
الأولى
الخيار لغة: اسم مصدر من " الاختيار "، غلب في كلمات جماعة
من المتأخرين في " ملك فسخ العقد " (1) على ما فسره به في موضع من
الإيضاح (2)، فيدخل ملك الفسخ في العقود الجائزة وفي عقد الفضولي،
وملك الوارث رد العقد على ما زاد على الثلث، وملك العمة والخالة
لفسخ العقد على بنت الأخ والأخت، وملك الأمة المزوجة من عبد فسخ
العقد إذا أعتقت، وملك كل من الزوجين للفسخ بالعيوب.
ولعل التعبير ب‍ " الملك " للتنبيه على أن الخيار من الحقوق لا من

(1) لم نعثر عليه إلا في كلام فخر المحققين قدس سره في الإيضاح، الذي ذكره
المؤلف رحمه الله.
(2) إيضاح الفوائد 1: 482.
11

الأحكام، فيخرج ما كان من قبيل الإجازة والرد لعقد الفضولي والتسلط
على فسخ العقود الجائزة، فإن ذلك من الأحكام الشرعية لا من الحقوق،
ولذا لا تورث ولا تسقط بالإسقاط.
وقد يعرف بأنه: ملك إقرار العقد وإزالته (1).
ويمكن الخدشة فيه بأنه:
إن أريد من " إقرار العقد " إبقاؤه على حاله بترك الفسخ، فذكره
مستدرك، لأن القدرة على الفسخ عين القدرة على تركه، إذ القدرة
لا تتعلق بأحد الطرفين.
وإن أريد منه إلزام العقد وجعله غير قابل لأن يفسخ، ففيه: أن
مرجعه إلى إسقاط حق الخيار، فلا يؤخذ في تعريف نفس الخيار، مع
أن ظاهر الإلزام في مقابل الفسخ جعله لازما مطلقا، فينتقض بالخيار
المشترك، فإن لكل منهما إلزامه من طرفه لا مطلقا.
ثم إن ما ذكرناه من معنى الخيار هو المتبادر منه (2) عند الإطلاق
في كلمات المتأخرين، وإلا فإطلاقه في الأخبار (3) وكلمات الأصحاب على
سلطنة الإجازة والرد لعقد الفضولي وسلطنة الرجوع في الهبة وغيرهما
من أفراد السلطنة شائع.

(1) عرفه بذلك الفاضل المقداد في التنقيح 2: 43، والسيد الطباطبائي في الرياض
8: 177، وصاحب الجواهر في الجواهر 23: 3.
(2) في " ش " زيادة: " عرفا ".
(3) راجع الوسائل 17: 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1
و 2، و 13: 336، الباب 4 من أبواب أحكام الهبات، الحديث 6.
12

الثانية
ذكر غير واحد (1) تبعا للعلامة في كتبه (2): أن الأصل في البيع
اللزوم. قال في التذكرة: الأصل في البيع اللزوم، لأن الشارع وضعه
[مفيدا] (3) لنقل الملك، والأصل الاستصحاب، والغرض تمكن كل من
المتعاقدين من التصرف فيما صار إليه، وإنما يتم باللزوم ليأمن من نقض
صاحبه عليه (4)، انتهى.
أقول: المستفاد من كلمات جماعة أن الأصل هنا قابل لإرادة معان:
الأول: الراجح، احتمله في جامع المقاصد مستندا في تصحيحه
إلى الغلبة (5).

(1) منهم: الشهيد قدس سره في القواعد والفوائد 2: 242، القاعدة 243، والفاضل
المقداد في التنقيح 2: 44، والمحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 92 - بلفظ:
" الأصل في العقود اللزوم " - وصاحب الجواهر في الجواهر 23: 3.
(2) لم نقف عليه في كتبه، عدا القواعد 2: 64، والتذكرة التي ذكرها المؤلف قدس سره.
(3) من " ش " والمصدر.
(4) التذكرة 1: 515.
(5) جامع المقاصد 4: 282.
13

وفيه: أنه إن أراد غلبة الأفراد، فغالبها ينعقد جائزا لأجل خيار
المجلس أو الحيوان أو الشرط، وإن أراد غلبة الأزمان، فهي لا تنفع في
الأفراد المشكوكة، مع أنه لا يناسب ما في القواعد من قوله: وإنما
يخرج من الأصل لأمرين: ثبوت خيار أو ظهور عيب (1).
الثاني: القاعدة المستفادة من العمومات التي يجب الرجوع إليها
عند الشك في بعض الأفراد أو بعض الأحوال (2).
وهذا حسن، لكن لا يناسب ما ذكره في التذكرة في توجيه الأصل.
الثالث: الاستصحاب (3)، ومرجعه إلى أصالة عدم ارتفاع أثر العقد
بمجرد فسخ أحدهما.
وهذا حسن.
الرابع: المعنى اللغوي، بمعنى أن وضع البيع وبناءه عرفا وشرعا
على اللزوم وصيرورة المالك الأول كالأجنبي، وإنما جعل الخيار فيه
حقا خارجيا لأحدهما أو لهما، يسقط بالإسقاط وبغيره. وليس البيع
كالهبة التي حكم الشارع فيها بجواز رجوع الواهب، بمعنى كونه حكما
شرعيا له أصلا وبالذات بحيث لا يقبل الإسقاط (4).

(1) القواعد 2: 64.
(2) أشار إليه الشهيد الثاني في تمهيد القواعد: 32، وصاحب الجواهر في الجواهر
23: 3 بلفظ: " ويمكن كونه بمعنى القاعدة ".
(3) صرح بذلك العلامة قدس سره في عبارته المتقدمة عن التذكرة.
(4) قال الشهيدي قدس سره: " قد حكي هذا الوجه عن السيد الصدر في مقام
توجيه مراد الشهيد قدس سره من قوله: " الأصل في البيع اللزوم " كي يندفع عنه
إيراد الفاضل التوني عليه بإنكاره الأصل، لأجل خيار المجلس "، (هداية
الطالب: 406)، وراجع شرح الوافية (مخطوط): 323.
14

ومن هنا ظهر: أن ثبوت خيار المجلس في أول أزمنة انعقاد البيع
لا ينافي كونه في حد ذاته مبنيا على اللزوم، لأن الخيار حق خارجي
قابل للانفكاك. نعم، لو كان في أول انعقاده محكوما شرعا بجواز الرجوع
بحيث يكون حكما فيه، لاحقا مجعولا قابلا للسقوط، كان منافيا لبنائه
على اللزوم. فالأصل هنا - كما قيل (1) - نظير قولهم: إن الأصل في الجسم
الاستدارة، فإنه لا ينافي كون أكثر الأجسام على غير الاستدارة لأجل
القاسر الخارجي.
ومما ذكرنا ظهر وجه النظر في كلام صاحب الوافية، حيث أنكر
هذا الأصل لأجل خيار المجلس (2). إلا أن يريد أن الأصل بعد ثبوت
خيار المجلس بقاء عدم اللزوم، وسيأتي ما فيه.
بقي الكلام في معنى قول العلامة في القواعد والتذكرة: " إنه لا يخرج
من هذا الأصل إلا بأمرين: ثبوت خيار، أو ظهور عيب ". فإن ظاهره
أن ظهور العيب سبب لتزلزل البيع في مقابل الخيار، مع أنه من أسباب
الخيار.
وتوجيهه بعطف الخاص على العام - كما في جامع المقاصد (3) -
غير ظاهر، إذ لم يعطف العيب على أسباب الخيار، بل عطف على
نفسه، وهو مباين له لا أعم.
نعم، قد يساعد عليه ما في التذكرة من قوله: وإنما يخرج عن

(1) نسبه الشهيدي إلى شارح الوافية، انظر شرح الوافية (مخطوط): 323.
(2) الوافية: 198.
(3) لم يصرح بذلك، نعم يستفاد من عبارته، انظر جامع المقاصد 4: 282.
15

الأصل بأمرين: أحدهما: ثبوت الخيار لهما أو لأحدهما من غير نقص
في أحد العوضين، بل للتروي خاصة. والثاني: ظهور عيب في أحد
العوضين (1)، انتهى.
وحاصل التوجيه - على هذا -: أن الخروج عن اللزوم لا يكون
إلا بتزلزل العقد لأجل الخيار، والمراد بالخيار في المعطوف عليه ما كان
ثابتا بأصل الشرع أو بجعل المتعاقدين، لا لاقتضاء نقص في أحد
العوضين، وبظهور العيب ما كان الخيار لنقص أحد العوضين.
لكنه - مع عدم تمامه - تكلف في عبارة القواعد، مع أنه في التذكرة
ذكر في الأمر الأول الذي هو الخيار فصولا سبعة بعدد أسباب الخيار،
وجعل السابع منها خيار العيب، وتكلم فيه كثيرا (2). ومقتضى التوجيه:
أن يتكلم في الأمر الأول فيما عدا خيار العيب.
ويمكن توجيه ذلك: بأن العيب سبب مستقل لتزلزل العقد في
مقابل الخيار، فإن نفس ثبوت الأرش بمقتضى العيب وإن لم يثبت خيار
الفسخ، موجب لاسترداد جزء من الثمن، فالعقد بالنسبة إلى جزء من
الثمن متزلزل قابل لإبقائه في ملك البائع وإخراجه عنه، ويكفي في
تزلزل العقد ملك إخراج جزء مما ملكه البائع بالعقد عن ملكه. وإن
شئت قلت: إن مرجع ذلك إلى ملك فسخ العقد الواقع على مجموع
العوضين من حيث المجموع، ونقض مقتضاه من تملك كل من مجموع
العوضين في مقابل الآخر.

(1) التذكرة 1: 515.
(2) انظر التذكرة 1: 515 و 524.
16

لكنه مبني على كون الأرش جزءا حقيقيا من الثمن - كما عن
بعض العامة (1) - ليتحقق انفساخ العقد بالنسبة إليه عند استرداده.
وقد صرح العلامة في كتبه: بأنه لا يعتبر في الأرش كونه جزءا
من الثمن، بل له إبداله، لأن الأرش غرامة (2). وحينئذ فثبوت الأرش
لا يوجب تزلزلا في العقد.
ثم إن " الأصل " بالمعنى الرابع إنما ينفع مع الشك في ثبوت خيار
في خصوص البيع، لأن الخيار حق خارجي يحتاج ثبوته إلى الدليل.
أما لو شك في عقد آخر من حيث اللزوم والجواز فلا يقتضي ذلك
الأصل لزومه، لأن مرجع الشك حينئذ إلى الشك في الحكم الشرعي.
وأما الأصل بالمعنى الأول فقد عرفت عدم تمامه.
وأما بمعنى الاستصحاب فيجري في البيع وغيره إذا شك في لزومه
وجوازه.
وأما بمعنى القاعدة فيجري في البيع وغيره، لأن أكثر العمومات
الدالة على هذا المطلب يعم غير البيع، وقد أشرنا في مسألة المعاطاة
إليها، ونذكرها هنا تسهيلا على الطالب:
فمنها: قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * (3) دل على وجوب الوفاء
بكل عقد. والمراد بالعقد: مطلق العهد - كما فسر به في صحيحة ابن
سنان المروية في تفسير علي بن إبراهيم (4) - أو ما يسمى عقدا لغة

(1) حكاه العلامة في التذكرة 1: 528.
(2) لم نقف عليه في غير التذكرة 1: 528.
(3) المائدة: 1.
(4) تفسير القمي 1: 160.
17

وعرفا. والمراد بوجوب الوفاء: العمل بما اقتضاه العقد في نفسه بحسب
دلالته اللفظية، نظير الوفاء بالنذر، فإذا دل العقد مثلا على تمليك العاقد
ماله من غيره وجب العمل بما يقتضيه التمليك (1) من ترتيب آثار ملكية
ذلك الغير له، فأخذه من يده بغير رضاه والتصرف فيه كذلك نقض
لمقتضى ذلك العهد، فهو حرام.
فإذا حرم بإطلاق الآية جميع ما يكون نقضا لمضمون العقد
- ومنها التصرفات الواقعة بعد فسخ المتصرف من دون رضا صاحبه -
كان هذا لازما مساويا للزوم العقد وعدم انفساخه بمجرد فسخ أحدهما،
فيستدل بالحكم التكليفي على الحكم الوضعي أعني فساد الفسخ من
أحدهما بغير رضا الآخر، وهو معنى اللزوم (2).
ومما ذكرنا ظهر ضعف ما قيل: من أن معنى وجوب الوفاء بالعقد:
العمل بما يقتضيه من لزوم وجواز (3)، فلا يتم الاستدلال به على اللزوم.
توضيح الضعف: أن اللزوم والجواز من الأحكام الشرعية للعقد،
وليسا من مقتضيات العقد في نفسه مع قطع النظر عن حكم الشارع.
نعم، هذا المعنى - أعني: وجوب الوفاء بما يقتضيه العقد في نفسه - يصير
بدلالة الآية حكما شرعيا للعقد، مساويا للزوم.
وأضعف من ذلك: ما نشأ من عدم التفطن لوجه دلالة الآية على

(1) في " ق " كتب على " التمليك ": " العقد ".
(2) في " ش " وهامش " ف " زيادة: " بل قد حقق في الأصول: أن لا معنى
للحكم الوضعي إلا ما انتزع من الحكم التكليفي ".
(3) قاله العلامة قدس سره في المختلف 6: 255.
18

اللزوم - مع الاعتراف بأصل الدلالة لمتابعة المشهور - وهو (1): أن المفهوم
من الآية عرفا حكمان: تكليفي ووضعي (2).
وقد عرفت أن ليس المستفاد منها إلا حكم واحد تكليفي يستلزم
حكما وضعيا (3).
ومن ذلك يظهر لك الوجه في دلالة قوله تعالى: * (أحل الله
البيع) * (4) على اللزوم، فإن حلية البيع التي لا يراد منها إلا حلية جميع
التصرفات المترتبة عليه - التي منها ما يقع بعد فسخ أحد المتبايعين بغير
رضا الآخر - مستلزمة لعدم تأثير ذلك الفسخ وكونه لغوا غير مؤثر.
ومنه يظهر وجه الاستدلال على اللزوم بإطلاق حلية أكل المال
بالتجارة عن تراض (5)، فإنه يدل على أن التجارة سبب لحلية التصرف
بقول مطلق حتى بعد فسخ أحدهما من دون رضا الآخر.
فدلالة الآيات الثلاث على أصالة اللزوم على نهج واحد، لكن
الإنصاف أن في دلالة الآيتين بأنفسهما على اللزوم نظرا (6).

(1) يعني: ما نشأ من عدم التفطن.
(2) لم نقف على قائله.
(3) راجع الصفحة المتقدمة.
(4) البقرة: 275.
(5) المستفاد من قوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن تراض) * النساء: 29.
(6) في " ش " بدل قوله " لكن الإنصاف... الخ " عبارة: " لكن يمكن أن يقال: إنه
إذا كان المفروض الشك في تأثير الفسخ في رفع الآثار الثابتة بإطلاق الآيتين
الأخيرتين لم يمكن التمسك في رفعه إلا بالاستصحاب، ولا ينفع الإطلاق ". وقد
وردت هذه العبارة في " ف " في الهامش.
19

ومنها: قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) * (1) دل
على حرمة الأكل بكل وجه يسمى باطلا عرفا، وموارد ترخيص الشارع
ليس من الباطل، فإن أكل المارة من ثمر (2) الأشجار التي يمر بها باطل
لولا إذن الشارع الكاشف عن عدم بطلانه، وكذلك الأخذ بالشفعة
والخيار، فإن رخصة الشارع في الأخذ بهما (3) يكشف عن ثبوت حق
لذوي الخيار والشفعة، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن أخذ مال الغير
وتملكه من دون إذن صاحبه باطل عرفا.
نعم، لو دل الشارع على جوازه - كما في العقود الجائزة بالذات أو
بالعارض - كشف ذلك عن حق للفاسخ متعلق بالعين.
ومما ذكرنا يظهر وجه الاستدلال بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يحل
مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " (4).
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " الناس مسلطون على أموالهم " (5) فإن
مقتضى السلطنة التي أمضاها الشارع: أن لا يجوز أخذه من يده وتملكه
عليه من دون رضاه، ولذا استدل المحقق في الشرائع على عدم جواز
رجوع المقرض فيما أقرضه: بأن فائدة الملك التسلط (6). ونحوه العلامة

(1) البقرة: 188.
(2) في " ش ": " ثمرة ".
(3) في ظاهر " ق ": " بها "، ولعله من سهو القلم.
(4) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.
(5) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99، و 457، الحديث 198.
(6) الشرائع 2: 68.
20

في بعض كتبه (1).
والحاصل: أن جواز العقد - الراجع إلى تسلط الفاسخ على تملك
ما انتقل عنه وصار مالا لغيره وأخذه منه بغير رضاه - مناف لهذا العموم.
ومنها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " المؤمنون عند شروطهم " (2). وقد
استدل به على اللزوم غير واحد - منهم المحقق الأردبيلي قدس سره (3) - بناء
على أن الشرط مطلق الإلزام والالتزام ولو ابتداء من غير ربط بعقد
آخر، فإن العقد على هذا شرط، فيجب الوقوف عنده ويحرم التعدي
عنه، فيدل على اللزوم بالتقريب المتقدم في * (أوفوا بالعقود) *.
لكن لا يبعد منع صدق الشرط في الالتزامات الابتدائية، بل المتبادر
عرفا هو الإلزام التابع، كما يشهد به موارد استعمال هذا اللفظ حتى في
مثل قوله عليه السلام في دعاء التوبة: " ولك يا رب شرطي أن لا أعود في
مكروهك، وعهدي أن أهجر جميع معاصيك " (4)، وقوله عليه السلام في أول
دعاء الندبة: " بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا " (5)
كما لا يخفى على من تأملها.
مع أن كلام بعض أهل اللغة يساعد على ما ادعينا من الاختصاص،

(1) راجع التذكرة 2: 6، وفيه - بعد الحكم بعدم جواز رجوع المقرض بعد قبض
المستقرض - هكذا: " صيانة لملكه ".
(2) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
(3) مجمع الفائدة 8: 383، ومنهم المحدث البحراني في الحدائق 19: 4.
(4) الصحيفة السجادية: 166، من دعائه عليه السلام في ذكر التوبة وطلبها.
(5) مصباح الزائر: 446، وعنه في البحار 102: 104.
21

ففي القاموس: الشرط إلزام الشئ والتزامه في البيع ونحوه (1).
ومنها: الأخبار المستفيضة في أن " البيعان (2) بالخيار ما لم يفترقا " (3)،
وأنه " إذا افترقا وجب البيع " (4)، وأنه " لا خيار لهما بعد الرضا " (5).
فهذه جملة من العمومات الدالة على لزوم البيع عموما أو خصوصا.
وقد عرفت أن ذلك مقتضى الاستصحاب أيضا (6).
وربما يقال: إن مقتضى الاستصحاب عدم انقطاع علاقة المالك (7)،
فإن الظاهر من كلماتهم عدم انقطاع علاقة المالك عن العين التي له فيها
الرجوع، وهذا الاستصحاب حاكم على الاستصحاب المتقدم المقتضي
للزوم. ورد بأنه:
إن أريد بقاء علاقة الملك أو علاقة تتفرع على الملك، فلا ريب

(1) القاموس 2: 368، مادة (الشرط).
(2) كذا في " ق "، والوجه فيه الحكاية، وفي " ش " ومصححة بعض النسخ " ن ":
" البيعين ".
(3) الوسائل 12: 345 - 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 1، 2
و 3، و 350، الباب 3 من الأبواب، الحديث 6، والمستدرك 13: 297 - 298،
الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 4، 6 و 8، و 299، الباب 2 من
الأبواب، الحديث 3.
(4) الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 4، و 348،
الباب 2 من الأبواب، الحديث 5.
(5) الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 3.
(6) تقدم في الصفحة 14 (المعنى الثالث من معاني الأصل).
(7) في " ش " زيادة: " عن العين ".
22

في زوالها بزوال الملك.
وإن أريد بها سلطنة إعادة العين في ملكه، فهذه علاقة يستحيل
اجتماعها مع الملك، وإنما تحدث بعد زوال الملك لدلالة دليل، فإذا فقد
الدليل فالأصل عدمها.
وإن أريد بها العلاقة التي كانت في مجلس البيع، فإنها تستصحب
عند الشك، فيصير الأصل في البيع بقاء الخيار، كما يقال: الأصل في
الهبة بقاء جوازها بعد التصرف، في مقابل من جعلها لازمة بالتصرف، ففيه
- مع عدم جريانه فيما لا خيار فيه في المجلس، بل مطلقا بناء على أن
الواجب هنا الرجوع في زمان الشك إلى عموم: * (أوفوا) * (1) لا الاستصحاب -:
أنه لا يجدي بعد تواتر الأخبار بانقطاع الخيار مع الافتراق، فيبقى ذلك
الاستصحاب سليما عن الحاكم (2).
ثم إنه يظهر من المختلف - في مسألة أن المسابقة لازمة أو
جائزة -: أن الأصل عدم اللزوم (3)، ولم يرده من تأخر عنه (4) إلا بعموم
قوله تعالى: * (أوفوا بالعقود) * (5)، ولم يعلم (6) وجه صحيح لتقرير هذا
الأصل. نعم، هو حسن في خصوص عقد المسابقة وشبهه مما لا يتضمن

(1) في " ش ": " أوفوا بالعقود ".
(2) في " ش " وهامش " ف " زيادة: " فتأمل ".
(3) المختلف 6: 255.
(4) راجع جامع المقاصد 8: 326، والجواهر 28: 223.
(5) المائدة: 1.
(6) في " ش ": " ولم يكن ".
23

تمليكا أو تسليطا، ليكون الأصل بقاء ذلك الأثر وعدم زواله بدون
رضا الطرفين.
ثم إن ما ذكرنا من العمومات المثبتة لأصالة اللزوم إنما هو في
الشك في حكم الشارع باللزوم، ويجري أيضا فيما إذا شك في عقد
خارجي أنه من مصاديق العقد اللازم أو الجائز (1)، بناء على أن المرجع
في الفرد المردد بين عنواني العام والمخصص إلى العموم. وأما بناء على
خلاف ذلك، فالواجب الرجوع عند الشك في اللزوم إلى الأصل، بمعنى
استصحاب الأثر وعدم زواله بمجرد فسخ أحد المتعاقدين، إلا أن يكون
هنا أصل موضوعي يثبت العقد الجائز، كما إذا شك في أن الواقع هبة
أو صدقة، فإن الأصل عدم قصد القربة، فيحكم بالهبة الجائزة.
لكن الاستصحاب المذكور إنما ينفع في إثبات صفة اللزوم، وأما
تعيين العقد اللازم حتى يترتب عليه سائر آثار العقد اللازم كما إذا
أريد تعيين البيع عند الشك فيه وفي الهبة فلا، بل يرجع في أثر كل
عقد إلى ما يقتضيه الأصل بالنسبة إليه، فإذا شك في اشتغال الذمة
بالعوض حكم بالبراءة التي هي من آثار الهبة، وإذا شك في الضمان مع
فساد العقد حكم بالضمان، لعموم " على اليد " إن كان هو المستند في
الضمان بالعقود الفاسدة، وإن كان المستند دخوله في " ضمان العين " أو
قلنا بأن خروج الهبة من ذلك العموم مانع عن الرجوع إليه فيما احتمل
كونه مصداقا لها، كان الأصل البراءة أيضا.

(1) " أو الجائز " مشطوب عليها في " ق ".
24

في أقسام الخيار
وهي كثيرة إلا أن أكثرها متفرقة، والمجتمع منها في كل كتاب
سبعة، وقد أنهاها بعضهم إلى أزيد من ذلك، حتى أن المذكور في اللمعة
مجتمعا أربعة عشر (1)، مع عدم ذكره لبعضها، ونحن نقتفي أثر المقتصر
على السبعة - كالمحقق (2) والعلامة (3) قدس سرهما - لأن ما عداها لا يستحق
عنوانا مستقلا، إذ ليس له أحكام مغايرة لسائر أنواع الخيار، فنقول
وبالله التوفيق:

(1) اللمعة الدمشقية: 127.
(2) قال في الشرائع (2: 21): " أما أقسامه فخمسة "، وقال في المختصر النافع
(121): " وأقسامه ستة ". ولم نقف على قول له بالسبعة.
(3) القواعد 2: 64، التذكرة 1: 515، والإرشاد 1: 374.
25

الأول
في خيار المجلس
والمراد ب‍ " المجلس " مطلق مكان المتبايعين حين البيع، وإنما عبر
بفرده الغالب، وإضافة الخيار إليه لاختصاصه به وارتفاعه بانقضائه
الذي هو الافتراق.
ولا خلاف بين الإمامية في ثبوت هذا الخيار، والنصوص به
مستفيضة (1).
والموثق الحاكي لقول علي عليه السلام: " إذا صفق الرجل على البيع
فقد وجب " (2) مطروح أو مؤول.
ولا فرق بين أقسام البيع وأنواع المبيع. نعم، سيجئ استثناء
بعض أشخاص المبيع كالمنعتق على المشتري.
وتنقيح مباحث هذا الخيار ومسقطاته يحصل برسم مسائل:

(1) راجع الوسائل 12: 345، الباب الأول من أبواب الخيار.
(2) الوسائل 12: 347، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 7.
27

مسألة
لا إشكال في ثبوته للمتبايعين إذا كانا أصيلين، ولا في ثبوته
للوكيلين في الجملة. وهل يثبت لهما مطلقا؟ خلاف.
قال في التذكرة: لو اشترى الوكيل أو باع أو تعاقد الوكيلان
تعلق الخيار بهما وبالموكلين مع حضورهما في المجلس، وإلا فبالوكيلين،
فلو مات الوكيل في المجلس والموكل غائب انتقل الخيار إليه، لأن ملكه
أقوى من ملك الوارث. وللشافعية قولان: أحدهما: أنه يتعلق بالموكل،
والآخر: أنه يتعلق بالوكيل (1)، انتهى.
أقول: والأولى أن يقال: إن الوكيل إن كان وكيلا في مجرد إجراء
العقد، فالظاهر عدم ثبوت الخيار لهما وفاقا لجماعة - منهم المحقق
والشهيد الثانيان (2) - لأن المتبادر من النص غيرهما وإن عممناه لبعض
أفراد الوكيل (3) ولم نقل بما قيل (4) - تبعا لجامع المقاصد (5) - بانصرافه

(1) التذكرة 1: 518.
(2) جامع المقاصد 4: 285، والمسالك 3: 194 - 195.
(3) المراد بهذا " البعض " هو الوكيل في التصرف المالي، غاية الآمال: 488.
(4) قاله المحقق التستري في مقابس الأنوار: 241.
(5) جامع المقاصد 4: 286.
28

بحكم الغلبة إلى خصوص العاقد المالك،
مضافا إلى أن مفاد أدلة الخيار
إثبات حق وسلطنة لكل من المتعاقدين على ما انتقل إلى الآخر بعد
الفراغ عن تسلطه على ما انتقل إليه، فلا يثبت بها هذا التسلط لو لم
يكن مفروغا عنه في الخارج.
ألا ترى: أنه لو شك المشتري في كون المبيع ممن ينعتق عليه
لقرابة أو يجب صرفه لنفقة أو إعتاقه لنذر، فلا يمكن الحكم بعدم
وجوبه لأدلة الخيار، بزعم إثباتها للخيار المستلزم لجواز رده على البائع
وعدم وجوب عتقه.
هذا مضافا إلى ملاحظة بعض أخبار هذا الخيار المقرون فيه بينه
وبين خيار الحيوان (1)، الذي لا يرضى الفقيه بالتزام ثبوته للوكيل في
إجراء الصيغة، فإن المقام وإن لم يكن من تعارض المطلق والمقيد إلا أن
سياق الجميع يشهد باتحاد المراد من لفظ " المتبايعين "، مع أن ملاحظة
حكمة الخيار تبعد ثبوته للوكيل المذكور، مضافا إلى أدلة سائر الخيارات،
فإن القول بثبوتها لموقع الصيغة لا ينبغي من الفقيه.
والظاهر عدم دخوله في إطلاق العبارة المتقدمة عن التذكرة (2)،
فإن الظاهر من قوله: " اشترى الوكيل أو باع " تصرف الوكيل بالبيع
والشراء، لا مجرد إيقاع الصيغة.
ومن جميع ذلك يظهر ضعف القول بثبوته للوكيلين المذكورين، كما

(1) الوسائل 12: 345، الباب الأول من أبواب الخيار، الأحاديث 1، 5 و 350،
الباب 3 من الأبواب نفسها، الحديث 6.
(2) تقدمت في الصفحة 28.
29

هو ظاهر الحدائق (1).
وأضعف منه تعميم الحكم لصورة منع الموكل من الفسخ بزعم:
أن الخيار حق ثبت للعاقد بمجرد إجرائه للعقد، فلا يبطل بمنع
الموكل.
وعلى المختار، فهل يثبت للموكلين؟ فيه إشكال:
من أن الظاهر من " البيعين " في النص المتعاقدان، فلا يعم الموكلين،
وذكروا: أنه لو حلف على عدم البيع لم يحنث ببيع وكيله.
ومن أن الوكيلين فيما نحن فيه كالآلة للمالكين، ونسبة الفعل إليهما
شائعة، ولذا لا يتبادر من قوله: " باع فلان ملكه الكذائي "
كونه مباشرا للصيغة. وعدم الحنث بمجرد التوكيل في إجراء الصيغة
ممنوع.
فالأقوى ثبوته لهما ولكن مع حضورهما في مجلس العقد، والمراد به
مجلسهما المضاف عرفا إلى العقد، فلو جلس هذا في مكان وذاك في
مكان آخر فاطلعا على عقد الوكيلين، فمجرد ذلك لا يوجب الخيار لهما،
إلا إذا صدق كون مكانيهما مجلسا لذلك العقد، بحيث يكون الوكيلان
ك‍: لساني الموكلين، والعبرة بافتراق الموكلين عن هذا المجلس لا بالوكيلين.
هذا كله إن كان وكيلا في مجرد إيقاع العقد.
وإن كان وكيلا في التصرف المالي كأكثر الوكلاء، فإن كان مستقلا
في التصرف في مال الموكل بحيث يشمل فسخ المعاوضة بعد تحققها
- نظير العامل في القراض وأولياء القاصرين - فالظاهر ثبوت الخيار له،

(1) الحدائق 19: 7.
30

لعموم النص.
ودعوى تبادر المالكين ممنوعة، خصوصا إذا استندت إلى الغلبة،
فإن معاملة الوكلاء والأولياء لا تحصى.
وهل يثبت للموكلين أيضا مع حضورهما كما تقدم عن التذكرة (1)؟
إشكال:
من تبادر المتعاقدين من النص، وقد تقدم عدم حنث الحالف على
ترك البيع ببيع وكيله.
ومن أن المستفاد من أدلة سائر الخيارات وخيار الحيوان المقرون
بهذا الخيار في بعض النصوص (2): كون الخيار حقا لصاحب المال، شرع (3)
إرفاقا له، وأن ثبوته للوكيل لكونه نائبا عنه يستلزم ثبوته للمنوب عنه،
إلا أن يدعى مدخلية المباشرة للعقد، فلا يثبت لغير المباشر.
ولكن الوجه الأخير لا يخلو عن قوة.
وحينئذ فقد يتحقق في عقد واحد الخيار لأشخاص كثيرة من
طرف واحد أو من الطرفين، فكل من سبق من أهل الطرف الواحد
إلى إعماله نفذ وسقط خيار الباقين بلزوم العقد أو بانفساخه، وليس
المقام من تقديم الفاسخ على المجيز (4).

(1) تقدم في الصفحة 28.
(2) راجع الصفحة 29، الهامش الأول.
(3) في " ش ": " شرعا ".
(4) في " ش " زيادة: " فإن تلك المسألة فيما إذا ثبت للجانبين، وهذا فرض من
جانب واحد ".
31

ثم على المختار من ثبوته للموكلين، فهل العبرة فيه بتفرقهما عن
مجلسهما حال العقد، أو عن مجلس العقد، أو بتفرق المتعاقدين، أو
بتفرق الكل، فيكفي بقاء أصيل مع وكيل الآخر (1) في مجلس العقد؟
وجوه، أقواها الأخير.
وإن لم يكن مستقلا في التصرف في مال الموكل قبل العقد وبعده،
بل كان وكيلا في التصرف على وجه المعاوضة - كما إذا قال له:
اشتر لي عبدا -
فالظاهر حينئذ عدم الخيار للوكيل، لا لانصراف الإطلاق
إلى غير ذلك، بل لما ذكرنا في القسم الأول (2): من أن إطلاق أدلة
الخيار مسوق لإفادة سلطنة كل من العاقدين على ما نقله عنه بعد
الفراغ عن تمكنه من رد ما انتقل إليه، فلا تنهض لإثبات هذا
التمكن عند الشك فيه، ولا لتخصيص ما دل على سلطنة الموكل على
ما انتقل إليه المستلزمة لعدم جواز تصرف الوكيل فيه برده إلى مالكه
الأصلي.
وفي ثبوته للموكلين ما تقدم (3).
والأقوى اعتبار الافتراق عن مجلس العقد كما عرفت في سابقه (4).
ثم هل للموكل بناء على ثبوت الخيار له تفويض الأمر إلى
الوكيل بحيث يصير ذا حق خياري؟ الأقوى العدم، لأن المتيقن من

(1) في " ش ": " آخر ".
(2) وهو الوكيل في إجراء لفظ العقد فقط، راجع الصفحة 28 - 29.
(3) راجع الصفحة المتقدمة.
(4) آنفا.
32

الدليل ثبوت الخيار للعاقد في صورة القول به عند العقد لا لحوقه له
بعده. نعم، يمكن توكيله في الفسخ أو في مطلق التصرف فسخا أو
التزاما.
ومما ذكرنا اتضح عدم ثبوت الخيار للفضوليين وإن جعلنا
الإجازة كاشفة، لا لعدم صدق " المتبايعين "، لأن البيع النقل ولا نقل
هنا - كما قيل (1) - لاندفاعه بأن البيع النقل العرفي، وهو موجود هنا.
نعم، ربما كان ظاهر الأخبار حصول الملك شرعا بالبيع، وهذا المعنى
منتف في الفضولي قبل الإجازة.
ويندفع أيضا: بأن مقتضى ذلك عدم الخيار في الصرف والسلم
قبل القبض، مع أن هذا المعنى لا يصح على مذهب الشيخ القائل
بتوقف الملك على انقضاء الخيار (2).
فالوجه في عدم ثبوته للفضوليين فحوى ما تقدم: من عدم
ثبوته للوكيلين الغير المستقلين (3). نعم، في ثبوته للمالكين بعد الإجازة
مع حضورهما في مجلس العقد وجه. واعتبار مجلس الإجازة على
القول بالنقل، له وجه. خصوصا على القول بأن الإجازة عقد مستأنف،
على ما تقدم توضيحه في مسألة عقد الفضولي (4). ويكفي حينئذ
الإنشاء أصالة من أحدهما، والإجازة من الآخر إذا جمعهما مجلس

(1) قاله صاحب الجواهر 23: 9.
(2) الخلاف 3: 22، المسألة 29 من كتاب البيوع.
(3) راجع الصفحة المتقدمة.
(4) راجع الجزء الثالث: 399.
33

عرفا. نعم، يحتمل في أصل [المسألة] (1) أن تكون الإجازة من المجيز
التزاما بالعقد، فلا خيار بعدها خصوصا إذا كانت بلفظ " التزمت "،
فتأمل.
ولا فرق في الفضوليين بين الغاصب وغيره، فلو تبايع غاصبان
ثم تفاسخا لم يزل العقد عن قابلية لحوق الإجازة، بخلاف ما لو
رد الموجب منهما قبل قبول الآخر، لاختلال صورة المعاقدة، والله
العالم.

(1) لم ترد في " ق ".
34

مسألة
لو كان العاقد واحدا لنفسه أو غيره عن نفسه أو غيره ولاية أو
وكالة على وجه يثبت له الخيار مع التعدد - بأن كان وليا أو وكيلا
مستقلا في التصرف - فالمحكي عن ظاهر الخلاف والقاضي والمحقق (1)
والعلامة (2) والشهيدين (3) والمحقق الثاني (4) والمحقق الميسي (5) والصيمري (6)
وغيرهم، ثبوت هذا الخيار له عن الاثنين، لأنه بائع ومشتر، فله
ما لكل منهما كسائر أحكامهما الثابتة لهما من حيث كونهما متبايعين.

(1) حكاه عن ظاهرهم المحقق التستري في المقابس: 240.
(2) التذكرة 1: 515 - 516.
(3) الدروس 3: 265، والمسالك 3: 197 - 198.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 545، والمحقق التستري في
المقابس: 241، وراجع تعليقة المحقق على الإرشاد (مخطوط): 253 - 254.
(5) لا يوجد لدينا كتابه، نعم حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4:
545، والمحقق التستري في المقابس: 241.
(6) حكى عنه ذلك في مفتاح الكرامة 4: 545، والمقابس: 241. وراجع غاية
المرام (مخطوط): 288.
35

واحتمال كون الخيار لكل منهما بشرط انفراده بإنشائه فلا يثبت
مع قيام العنوانين بشخص واحد، مندفع باستقرار سائر أحكام المتبايعين،
وجعل الغاية التفرق المستلزم للتعدد مبني على الغالب.
خلافا للمحكي في التحرير من القول بالعدم (1)، واستقربه فخر
الدين قدس الله سره (2)، ومال إليه المحقق الأردبيلي (3) والفاضل الخراساني (4)
والمحدث البحراني (5)، واستظهره بعض الأفاضل ممن عاصرناهم (6).
ولا يخلو عن قوة بالنظر إلى ظاهر النص، لأن الموضوع فيه
صورة التعدد، والغاية فيه الافتراق المستلزم للتعدد، ولولاها لأمكن
استظهار كون التعدد في الموضوع لبيان حكم كل من البائع والمشتري
كسائر أحكامهما، إذ لا يفرق العرف بين قوله: " المتبايعان كذا " وقوله:
" لكل من البائع والمشتري "، إلا أن التقييد بقوله: " حتى يفترقا " ظاهر
في اختصاص الحكم بصورة إمكان فرض الغاية، ولا يمكن فرض التفرق
في غير المتعدد.
ومنه يظهر سقوط القول بأن كلمة " حتى " تدخل على الممكن
والمستحيل، إلا أن يدعى أن التفرق غاية مختصة بصورة التعدد، لا

(1) التحرير 1: 165.
(2) إيضاح الفوائد 1: 481، وفيه: " والأولى عدم الخيار هنا ".
(3) مجمع الفائدة 8: 389.
(4) كفاية الأحكام: 91، وفيه: " لا يخلو عن قوة ".
(5) الحدائق 19: 13 و 16.
(6) وهو المحقق التستري في المقابس: 241، وفيه: " ولعل القول الثاني أقوى ".
36

مخصصة للحكم بها.
وبالجملة، فحكم المشهور بالنظر إلى ظاهر اللفظ مشكل. نعم،
لا يبعد بعد تنقيح المناط، لكن الإشكال فيه. والأولى التوقف، تبعا
للتحرير وجامع المقاصد (1).
ثم لو قلنا بالخيار، فالظاهر بقاؤه إلى أن يسقط بأحد المسقطات
غير التفرق.

(1) التحرير 1: 165، وجامع المقاصد 4: 287.
37

مسألة
قد يستثنى بعض أشخاص المبيع عن عموم ثبوت هذا الخيار:
منها: من ينعتق على أحد المتبايعين، والمشهور - كما قيل (1) -:
عدم الخيار مطلقا، بل عن ظاهر المسالك أنه محل وفاق (2). واحتمل في
الدروس ثبوت الخيار للبائع (3). والكلام فيه مبني على قول المشهور:
من عدم توقف الملك على انقضاء الخيار، وإلا فلا إشكال في ثبوت
الخيار.
والظاهر أنه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار بالنسبة إلى نفس
العين، لأن مقتضى الأدلة الانعتاق بمجرد الملك، والفسخ بالخيار من حينه
لا من أصله، ولا دليل على زواله بالفسخ مع قيام الدليل على عدم

(1) قاله المحدث البحراني في الحدائق 19: 16.
(2) نسبه إلى ظاهر المسالك المحقق التستري في المقابس: 240، وانظر المسالك
3: 212.
(3) الدروس 3: 266.
38

زوال الحرية بعد تحققها إلا على احتمال - ضعفه في التحرير فيما لو ظهر
من ينعتق عليه معيبا (1) - مبني على تزلزل العتق.
وأما الخيار بالنسبة إلى أخذ القيمة، فقد يقال (2): [إنه] (3) مقتضى
الجمع بين أدلة الخيار ودليل عدم عود الحر إلى الرقية، فيفرض المنعتق
كالتالف، فلمن انتقل إليه أن يدفع القيمة ويسترد الثمن. وما في التذكرة:
من أنه وطن نفسه على الغبن المالي، والمقصود من الخيار أن ينظر
ويتروى لدفع الغبن عن نفسه ممنوع، لأن التوطين على شرائه عالما
بانعتاقه عليه ليس توطينا على الغبن من حيث المعاملة، وكذا لمن انتقل
عنه أن يدفع الثمن ويأخذ القيمة. وما في التذكرة: من تغليب جانب
العتق (4) إنما يجدي مانعا عن دفع العين.
لكن الإنصاف: أنه لا وجه للخيار لمن انتقل إليه، لأن شراءه
إتلاف له في الحقيقة وإخراج له عن المالية، وسيجئ سقوط الخيار
بالإتلاف بل بأدنى تصرف (5)، فعدم ثبوته به أولى. ومنه يظهر عدم
ثبوت الخيار لمن انتقل عنه، لأن بيعه ممن ينعتق عليه إقدام على إتلافه
وإخراجه عن المالية.

(1) لم نعثر فيه إلا على هذه العبارة: " ولو اشترى من يعتق عليه ثم ظهر على
عيب سابق فالوجه أن له الأرش خاصة " انظر التحرير 1: 184.
(2) احتمله الشهيد في الدروس 3: 266.
(3) الزيادة اقتضاها السياق.
(4) التذكرة 1: 516، وفيه: " لكن النظر إلى جانب العتق أقوى ".
(5) يجئ في الصفحة 81 و 97.
39

والحاصل: أنا إذا قلنا: إن الملك في من ينعتق عليه تقديري
لا تحقيقي، فالمعاملة عليه من المتبايعين مواطاة على إخراجه عن المالية،
وسلكه في سلك ما لا يتمول. لكنه حسن مع علمهما، فتأمل.
وقد يقال (1): إن ثبوت الخيار لمن انتقل عنه مبني على أن الخيار
والانعتاق هل يحصلان بمجرد البيع أو بعد ثبوت الملك آنا ما، أو الأول
بالأول والثاني بالثاني، أو العكس؟
فعلى الأولين والأخير يقوى القول بالعدم، لأنصية أخبار العتق
وكون القيمة بدل العين، فيمتنع استحقاقها من دون المبدل، ولسبق تعلقه
على الأخير. ويحتمل قريبا الثبوت، جمعا بين الحقين ودفعا للمنافاة من
البين، وعملا بالنصين وبالإجماع على عدم إمكان زوال يد البائع عن
العوضين، وتنزيلا للفسخ منزلة الأرش مع ظهور عيب في أحدهما،
وللعتق منزلة تلف العين، ولأنهم حكموا بجواز الفسخ والرجوع إلى
القيمة فيما إذا باع بشرط العتق فظهر كونه ممن ينعتق على المشتري، أو
تعيب بما يوجب ذلك. والظاهر عدم الفرق بينه وبين المقام.
وعلى الثالث يتجه الثاني، لما مر، ولسبق تعلق حق الخيار
وعروض العتق.
ثم قال: وحيث كان المختار في الخيار: أنه بمجرد العقد، وفي
العتق: أنه بعد الملك، ودل ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب على أن
أحكام العقود والإيقاعات تتبعها بمجرد حصولها إذا لم يمنع عنها مانع،
من غير فرق بين الخيار وغيره، بل قد صرحوا بأن الخيار يثبت بعد

(1) القائل هو صاحب المقابس قدس سره، كما سيأتي.
40

العقد وأنه علة والمعلول لا يتخلف عن علته، كما أن الانعتاق لا يتخلف
عن الملك، فالأقرب هو الأخير، كما هو ظاهر المختلف والتحرير (1) ومال
إليه الشهيد (2) إن لم يثبت الإجماع على خلافه، ويؤيده إطلاق الأكثر
ودعوى ابن زهرة الإجماع على ثبوت خيار المجلس في جميع ضروب
البيع (3) من غير استثناء (4). انتهى كلامه (5)، رفع مقامه.
أقول: إن قلنا: إنه يعتبر في فسخ العقد بالخيار أو بالتقايل خروج
الملك عن ملك من انتقل إليه إلى ملك من انتقل عنه - نظرا إلى أن
خروج أحد العوضين عن ملك أحدهما يستلزم دخول الآخر فيه ولو
تقديرا - لم يكن وجه للخيار فيما نحن فيه ولو قلنا بكون الخيار بمجرد
العقد والانعتاق عقيب الملك آنا ما، إذ برفع العقد لا يقبل المنعتق عليه
لأن يخرج من ملك المشتري إلى ملك البائع ولو تقديرا، إذ ملكية
المشتري لمن ينعتق عليه ليس على وجه يترتب عليه سوى الانعتاق،
ولا يجوز تقديره بعد الفسخ قبل الانعتاق خارجا عن ملك المشتري
إلى ملك البائع ثم انعتاقه مضمونا على المشتري، كما لو فرض بيع
المشتري للمبيع في زمن الخيار ثم فسخ البائع.
والحاصل: أن الفاسخ يتلقى الملك من المفسوخ عليه، وهذا غير

(1) راجع المختلف 8: 23 - 25، والتحرير 1: 165، و 2: 77.
(2) انظر الدروس 3: 266، والقواعد والفوائد 2: 247، القاعدة 244.
(3) كذا في ظاهر " ق "، ولعل الأصح: " المبيع "، كما في " ش ".
(4) راجع الغنية: 217.
(5) يعني: كلام المحقق التستري في المقابس: 240.
41

حاصل فيما نحن فيه.
وإن قلنا: إن الفسخ لا يقتضي أزيد من رد العين إن كان
موجودا وبدله إن كان تالفا أو كالتالف، ولا يعتبر في صورة التلف
إمكان تقدير تلقي الفاسخ الملك من المفسوخ عليه وتملكه منه، بل يكفي
أن تكون العين المضمونة قبل الفسخ بثمنها مضمونة بعد الفسخ بقيمتها
مع التلف - كما يشهد به الحكم بجواز الفسخ والرجوع إلى القيمة فيما (1)
تقدم من (2) مسألة البيع بشرط العتق ثم ظهور المبيع منعتقا على
المشتري (3)، وحكمهم برجوع الفاسخ إلى القيمة لو وجد العين منتقلة بعقد
لازم مع عدم إمكان تقدير عود الملك قبل الانتقال الذي هو بمنزلة
التلف إلى الفاسخ - كان الأوفق بعمومات الخيار القول به هنا والرجوع
إلى القيمة، إلا مع إقدام المتبايعين على المعاملة مع العلم بكونه ممن
ينعتق عليه، فالأقوى العدم، لأنهما قد تواطأ على إخراجه عن المالية
الذي هو بمنزلة إتلافه.
وبالجملة، فإن الخيار حق في العين، وإنما يتعلق بالبدل بعد تعذره
لا ابتداء، فإذا كان نقل العين إبطالا لماليته وتفويتا لمحل الخيار و (4) كان
كتفويت نفس الخيار باشتراط سقوطه، فلم يحدث حق في العين حتى
يتعلق ببدله.

(1) في ظاهر " ق ": " فما "، ولعله من سهو القلم.
(2) في " ش ": " في ".
(3) تقدم في كلام صاحب المقابس، راجع الصفحة 40.
(4) لم ترد " و " في " ش ".
42

وقد صرح بعضهم بارتفاع خيار البائع بإتلاف المبيع (1) ونقله إلى
من ينعتق عليه كالإتلاف له من حيث المالية، فدفع الخيار به أولى
وأهون من رفعه، فتأمل.
ومنها: العبد المسلم المشترى من الكافر بناء على عدم تملك
الكافر للمسلم اختيارا، فإنه قد يقال بعدم ثبوت الخيار لأحدهما. أما
بالنسبة إلى العين فلفرض عدم جواز تملك الكافر للمسلم وتمليكه إياه،
وأما بالنسبة إلى القيمة فلما تقدم: من أن الفسخ يتوقف على رجوع
العين إلى مالكه الأصلي ولو تقديرا (2) لتكون مضمونة له بقيمته على من
انتقل إليه، ورجوع المسلم إلى الكافر غير جائز، وهذا هو المحكي عن
حواشي الشهيد رحمه الله حيث قال: إنه يباع ولا يثبت له خيار المجلس
ولا الشرط (3).
ويمكن أن يريد بذلك عدم ثبوت الخيار للكافر فقط وإن ثبت
للمشتري، فيوافق مقتضى كلام فخر الدين قدس سره في الإيضاح: من أن
البيع بالنسبة إلى الكافر استنقاذ، وبالنسبة إلى المشتري كالبيع (4)، بناء منه
على عدم تملك السيد الكافر له، لأن الملك سبيل، وإنما له حق استيفاء

(1) لم نظفر على مصرح بذلك بعد التتبع في الكتب الفقهية المتداولة، انظر مفتاح
الكرامة 4: 599.
(2) تقدم في الصفحة 41.
(3) لا يوجد لدينا " حواشي الشهيد " لكن حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح
الكرامة 4: 180.
(4) إيضاح الفوائد 1: 414.
43

ثمنه منه.
لكن الإنصاف: أنه على هذا التقدير لا دليل على ثبوت الخيار
للمشتري أيضا، لأن الظاهر من قوله: " البيعان بالخيار " (1) اختصاص
الخيار بصورة تحقق البيع من الطرفين، مع أنه لا معنى لتحقق العقد
البيعي من طرف واحد، فإن شروط البيع إن كانت موجودة تحقق من
الطرفين وإلا لم يتحقق أصلا، كما اعترف به بعضهم (2) في مسألة بيع
الكافر الحربي من ينعتق عليه.
والأقوى في المسألة - وفاقا لظاهر الأكثر (3) وصريح كثير (4) - ثبوت
الخيار في المقام، وإن تردد في القواعد بين استرداد العين و (5) القيمة (6).
وما ذكرنا: من أن الرجوع بالقيمة مبني على إمكان تقدير الملك
في ملك المالك الأصلي، لو أغمضنا عن منعه - كما تقدم في المسألة
السابقة (7) - غير قادح هنا، لأن تقدير المسلم في ملك الكافر بمقدار يثبت
عليه بدله ليس سبيلا للكافر على المسلم، ولذا جوزنا له شراء من

(1) الوسائل 12: 345، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 1، 2 و 3.
(2) راجع جامع المقاصد 4: 133، ومفتاح الكرامة 4: 319 و 549.
(3) ثبوت الخيار ظاهر من أطلق عليه البيع ولم يصرح بعدم سقوط الخيار.
(4) ممن صرح بثبوت الخيار في المسألة الشهيد في الدروس 3: 199، والمحقق
الثاني في جامع المقاصد 4: 65.
(5) في " ش ": " أو ".
(6) القواعد 2: 18.
(7) تقدم في الصفحة 41.
44

ينعتق عليه. وقد مر بعض الكلام في ذلك في شروط المتعاقدين (1).
ومنها: شراء العبد نفسه - بناء على جوازه - فإن الظاهر عدم
الخيار فيه ولو بالنسبة إلى القيمة، لعدم شمول أدلة الخيار له، واختاره
في التذكرة (2). وفيها أيضا: أنه لو اشترى جمدا في شدة الحر ففي الخيار
إشكال (3). ولعله من جهة احتمال اعتبار قابلية العين للبقاء بعد العقد
ليتعلق بها الخيار، فلا يندفع الإشكال بما في جامع المقاصد: من أن
الخيار لا يسقط بالتلف (4) لأنه لا يسقط به إذا ثبت قبله، فتأمل.

(1) راجع الجزء الثالث: 598.
(2) التذكرة 1: 516.
(3) التذكرة 1: 516.
(4) جامع المقاصد 4: 287.
45

مسألة
لا يثبت خيار المجلس في شئ من العقود سوى البيع عند علمائنا،
كما في التذكرة (1)، وعن تعليق الإرشاد (2) وغيرهما (3). وعن الغنية:
الإجماع عليه (4). وصرح الشيخ في غير موضع من المبسوط بذلك أيضا (5)،
بل عن الخلاف: الإجماع على عدم دخوله في الوكالة والعارية والقراض
والحوالة والوديعة (6). إلا أنه في المبسوط - بعد ذكر جملة من العقود التي
يدخلها الخيار والتي لا يدخلها - قال: وأما الوكالة والوديعة والعارية

(1) التذكرة 1: 516.
(2) حاشية الإرشاد (مخطوط): 254، ذيل قول المصنف: " ويثبت في البيع خاصة ".
(3) مثل مجمع الفائدة 8: 388، بلفظ " عند الأصحاب "، والمسالك 3: 211،
بلفظ " لا خلاف فيه بين علمائنا ".
(4) الغنية: 220.
(5) راجع المبسوط 2: 80 - 82، وفيه - بعد الحكم بعدم دخوله في الحوالة
والإجارة والعتق - هكذا: " لأنه يختص البيع " و " لأنه ليس ببيع " و " لأن
خيار المجلس يختص البيع ".
(6) الخلاف 3: 13 - 14، المسألة 12 من البيوع، وفيه بدل " الحوالة ": الجعالة.
46

والقراض والجعالة فلا يمنع من دخول الخيارين فيها مانع (1)، انتهى.
ومراده خيار المجلس والشرط. وحكي نحوه عن القاضي (2).
ولم يعلم معنى الخيار في هذه العقود (3)، بل جزم في التذكرة: بأنه
لا معنى للخيار فيها، لأن الخيار فيها أبدا (4).
واحتمل في الدروس: أن يراد بذلك عدم جواز التصرف قبل
انقضاء الخيار (5). ولعل مراده التصرف المرخص فيه شرعا للقابل في
هذه العقود، لا الموجب، إذ لا معنى لتوقف جواز تصرف المالك في
هذه العقود على انقضاء الخيار، و (6) لأن أثر هذه العقود تمكن غير المالك
من التصرف، فهو الذي يمكن توقفه على انقضاء الخيار الذي جعل
الشيخ قدس سره أثر البيع متوقفا عليه (7).
لكن الإنصاف: أن تتبع كلام الشيخ في المبسوط في هذا المقام
يشهد بعدم إرادته هذا المعنى، فإنه صرح في مواضع قبل هذا الكلام
وبعده باختصاص خيار المجلس بالبيع (8).

(1) المبسوط 2: 82.
(2) المهذب 1: 356.
(3) يعني العقود المذكورة في كلام الشيخ بقوله: " وأما الوكالة والوديعة و... ".
(4) التذكرة 1: 516.
(5) الدروس 3: 268.
(6) لم ترد " و " في " ش ".
(7) راجع الخلاف 3: 22، المسألة 29 من كتاب البيوع.
(8) انظر المبسوط 2: 80، 81 و 82.
47

والذي يخطر بالبال: أن مراده دخول الخيارين في هذه العقود إذا
وقعت في ضمن عقد البيع، فتنفسخ بفسخه في المجلس، وهذا المعنى وإن
كان بعيدا في نفسه، إلا أن ملاحظة كلام الشيخ في المقام يقربه إلى
الذهن، وقد ذكر نظير ذلك في جريان الخيارين في الرهن والضمان (1) (2).
وكيف كان، فلا إشكال في أصل هذه المسألة.

(1) راجع المبسوط 2: 79 و 80.
(2) في " ش " زيادة: " وصرح في السرائر بدخول الخيارين في هذه العقود، لأنها
جائزة فيجوز الفسخ في كل وقت، وهو محتمل كلام الشيخ، فتأمل ". وقد
وردت هذه الزيادة في " ف " في الهامش. وانظر السرائر 2: 246.
48

مسألة
مبدأ هذا الخيار من حين العقد، لأن ظاهر النص (1) كون البيع
علة تامة، ومقتضاه - كظاهر الفتاوى - شمول الحكم للصرف والسلم قبل
القبض. ولا إشكال فيه لو قلنا بوجوب التقابض في المجلس في الصرف
والسلم وجوبا تكليفيا، إما للزوم الربا - كما صرح به في صرف
التذكرة (2) - وإما لوجوب الوفاء بالعقد وإن لم يكن بنفسه مملكا، لأن
ثمرة الخيار حينئذ جواز الفسخ، فلا يجب التقابض.
أما لو قلنا بعدم وجوب التقابض وجواز تركه إلى التفرق المبطل
للعقد، ففي أثر الخيار خفاء، لأن المفروض بقاء سلطنة كل من المتعاقدين
على ملكه وعدم حق لأحدهما في مال الآخر. ويمكن أن يكون أثر
الخيار خروج العقد بفسخ ذي الخيار عن قابلية لحوق القبض المملك،
فلو فرض اشتراط سقوط الخيار في العقد لم يخرج العقد بفسخ المشروط

(1) يعني: " البيعان بالخيار حتى يفترقا "، الوسائل 12: 345، الباب 1 من
أبواب الخيار، الحديث 1 - 3.
(2) التذكرة 1: 511.
49

عليه عن قابلية التأثير.
قال في التذكرة: لو تقابضا في عقد الصرف ثم أجازا في المجلس
لزم العقد، وإن أجازا قبل التقابض فكذلك، وعليهما التقابض، فإن
تفرقا قبله انفسخ العقد، ثم إن تفرقا عن تراض لم يحكم بعصيانهما،
فإن انفرد أحدهما بالمفارقة عصى (1)، انتهى.
وفي الدروس: يثبت - يعني خيار المجلس - في الصرف، تقابضا أو
لا، فإن التزما به قبل القبض وجب التقابض، فلو هرب أحدهما عصى
وانفسخ العقد، ولو هرب قبل الالتزام فلا معصية. ويحتمل قويا عدم
العصيان مطلقا، لأن للقبض مدخلا في اللزوم فله تركه (2)، انتهى.
وصرح الشيخ أيضا في المبسوط بثبوت التخاير في الصرف قبل
التقابض (3).
ومما ذكرنا يظهر الوجه في كون مبدأ الخيار للمالكين الحاضرين
في مجلس عقد الفضوليين - على القول بثبوت الخيار لهما - من زمان
إجازتهما على القول بالنقل، وكذا على الكشف، مع احتمال كونه من
زمان العقد.

(1) التذكرة 1: 518 - 519.
(2) الدروس 3: 267.
(3) راجع المبسوط 2: 79، ولكن لم يصرح به. وفيه: " وأما الصرف فيدخله
خيار المجلس ".
50

القول
في مسقطات الخيار
وهي أربعة - على ما ذكرها في التذكرة (1) -: اشتراط سقوطه في
ضمن العقد، وإسقاطه بعد العقد، والتفرق، والتصرف.
فيقع الكلام في مسائل:
مسألة
لا خلاف ظاهرا في سقوط هذا الخيار باشتراط سقوطه في ضمن
العقد، وعن الغنية: الإجماع عليه (2). ويدل عليه قبل ذلك عموم
المستفيض: " المؤمنون (3) - أو المسلمون (4) - عند شروطهم ".
وقد يتخيل معارضته لعموم (5) أدلة الخيار، ويرجح على تلك الأدلة

(1) التذكرة 1: 517.
(2) الغنية: 217.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.
(4) الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1، 2 و 5.
(5) في " ش ": " بعموم ".
51

بالمرجحات (1)
وهو ضعيف، لأن الترجيح من حيث الدلالة والسند مفقود،
وموافقة عمل الأصحاب لا يصير مرجحا بعد العلم بانحصار مستندهم
في عموم أدلة الشروط، كما يظهر من كتبهم.
ونحوه في الضعف التمسك بعموم * (أوفوا بالعقود) * (2) بناء على
صيرورة شرط عدم الخيار كالجزء من العقد الذي يجب الوفاء به، إذ
فيه: أن أدلة الخيار أخص، فيخصص بها العموم.
بل الوجه - مع انحصار المستند في عموم دليل الشروط - عدم
نهوض أدلة الخيار للمعارضة، لأنها مسوقة لبيان ثبوت الخيار بأصل
الشرع، فلا ينافي سقوطه بالمسقط الخارجي وهو الشرط، لوجوب العمل
به شرعا. بل التأمل في دليل الشرط يقضي بأن المقصود منه رفع اليد
عن الأحكام الأصلية الثابتة للمشروطات قبل وقوعها في حيز الاشتراط،
فلا تعارضه أدلة تلك الأحكام، فحاله حال أدلة وجوب الوفاء بالنذر
والعهد في عدم مزاحمتها بأدلة أحكام الأفعال المنذورة لولا النذر.
ويشهد لما ذكرنا - من حكومة أدلة الشرط وعدم معارضتها
للأحكام الأصلية حتى يحتاج إلى المرجح - استشهاد الإمام في كثير من
الأخبار بهذا العموم على مخالفة كثير من الأحكام الأصلية.

(1) قال المامقاني قدس سره: " هذا الكلام وما بعده من تضعيف التمسك بعموم:
* (أوفوا بالعقود) * إشارة إلى دفع ما ذكره صاحب الجواهر رحمه الله ". غاية الآمال:
490، وراجع الجواهر 23: 12.
(2) تمسك به صاحب الجواهر، انظر الجواهر 23: 12، والآية من سورة المائدة:
1.
52

منها: صحيحة مالك بن عطية، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل كان له أب مملوك وكان تحت أبيه جارية مكاتبة قد أدت
بعض ما عليها، فقال لها ابن العبد: هل لك أن أعينك في مكاتبتك
حتى تؤدي ما عليك بشرط أن لا يكون لك الخيار (1) على أبي إذا أنت
ملكت نفسك؟ قالت: نعم، فأعطاها في مكاتبتها على أن لا يكون لها
الخيار بعد ذلك. قال عليه السلام: لا يكون لها الخيار، المسلمون عند
شروطهم " (2).
والرواية محمولة - بقرينة الإجماع على عدم لزوم الشروط الابتدائية -
على صورة وقوع الاشتراط في ضمن عقد لازم، أو المصالحة على
إسقاط الخيار المتحقق سببه بالمكاتبة بذلك المال.
وكيف كان، فالاستدلال فيها بقاعدة الشروط على نفي الخيار
الثابت بالعمومات دليل على حكومتها عليها، لا معارضتها المحوجة إلى
التماس المرجح.
نعم، قد يستشكل التمسك بدليل الشروط في المقام من وجوه:
الأول: أن الشرط يجب الوفاء به إذا كان العقد المشروط فيه
لازما، لأن الشرط (3) في ضمن العقد الجائز لا يزيد حكمه على أصل
العقد، بل هو كالوعد، فلزوم الشرط يتوقف على لزوم العقد، فلو ثبت
لزوم العقد بلزوم الشرط لزم الدور.

(1) في " ش " زيادة: " بعد ذلك ".
(2) الوسائل 16: 95، الباب 11 من أبواب المكاتبة، الحديث الأول.
(3) في " ق ": " الشروط ".
53

الثاني: أن هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد على ما هو ظاهر
قوله: " البيعان بالخيار " فاشتراط عدم كونهما بالخيار اشتراط لعدم بعض
مقتضيات العقد.
الثالث: ما استدل به بعض الشافعية على عدم جواز اشتراط
السقوط: من أن إسقاط الخيار في ضمن العقد إسقاط لما لم يجب، لأن
الخيار لا يحدث إلا بعد البيع، فإسقاطه فيه كإسقاطه قبله (1).
هذا، ولكن شئ من هذه الوجوه لا يصلح للاستشكال.
أما الأول، فلأن الخارج من عموم الشروط (2): الشروط الابتدائية،
لأنها كالوعد، والواقعة في ضمن العقود الجائزة بالذات أو بالخيار مع
بقائها على الجواز، لأن الحكم بلزوم الشرط مع فرض جواز العقد
المشروط به مما لا يجتمعان، لأن الشرط تابع وكالتقييد للعقد المشروط
به. أما إذا كان نفس مؤدى الشرط لزوم ذلك العقد المشروط به - كما
فيما نحن فيه - لا التزاما آخر مغايرا لالتزام أصل العقد، فلزومه الثابت
بمقتضى عموم وجوب الوفاء بالشرط عين لزوم العقد، فلا يلزم تفكيك
بين التابع والمتبوع في اللزوم والجواز.
وأما الثاني، فلأن الخيار حق للمتعاقدين اقتضاه العقد لو خلي
ونفسه، فلا ينافي سقوطه بالشرط.
وبعبارة أخرى: المقتضي للخيار العقد بشرط لا، لا طبيعة العقد
من حيث هي حتى لا يوجد بدونه. وقوله: " البيعان بالخيار " وإن كان

(1) حكاه في التذكرة 1: 517، وراجع المغني لابن قدامة 3: 568.
(2) في " ش ": " الشرط ".
54

له ظهور في العلية التامة، إلا أن المتبادر من إطلاقه صورة الخلو عن
شرط السقوط، مع أن مقتضى الجمع بينه وبين دليل الشرط كون العقد
مقتضيا، لا تمام العلة ليكون التخلف ممتنعا شرعا.
نعم، يبقى الكلام في دفع توهم: أنه لو بني على الجمع بهذا الوجه
بين دليل الشرط وعمومات الكتاب والسنة لم يبق شرط مخالف للكتاب
والسنة، بل ولا لمقتضى العقد. ومحل ذلك وإن كان في باب الشروط،
إلا أن مجمل القول في دفع ذلك فيما نحن فيه: أنا حيث علمنا بالنص
والإجماع أن الخيار حق مالي قابل للإسقاط والإرث، لم يكن سقوطه
منافيا للمشروع (1)، فلم يكن اشتراطه اشتراط المنافي، كما لو اشترطا في
هذا العقد سقوط الخيار [في عقد آخر] (2).
و (3) عن الثالث بما عرفت: من أن المتبادر من النص المثبت للخيار
صورة الخلو عن الاشتراط وإقدام المتبايعين على عدم الخيار، ففائدة
الشرط إبطال المقتضي لا إثبات المانع.
ويمكن أن يستأنس لدفع الإشكال من هذا الوجه الثالث ومن
سابقه بصحيحة مالك بن عطية المتقدمة (4).
ثم إن هذا الشرط يتصور على وجوه:
أحدها: أن يشترط عدم الخيار - وهذا هو مراد المشهور من

(1) كذا في " ق "، وفي نسخة بدل " ش ": " للمشروط ".
(2) لم يرد في " ق ".
(3) في " ش " زيادة: " أما ".
(4) تقدمت في الصفحة 53.
55

اشتراط السقوط - فيقول: " بعت بشرط أن لا يثبت بيننا خيار المجلس "
كما مثل به في الخلاف والمبسوط والغنية والتذكرة (1)، لأن المراد بالسقوط
هنا عدم الثبوت، لا الارتفاع.
الثاني: أن يشترط عدم الفسخ فيقول: " بعت بشرط أن لا أفسخ
في المجلس " فيرجع إلى التزام ترك حقه، فلو خالف الشرط وفسخ
فيحتمل قويا عدم نفوذ الفسخ، لأن وجوب الوفاء بالشرط مستلزم
لوجوب إجباره عليه وعدم سلطنته على تركه، كما لو باع منذور
التصدق به - على ما ذهب إليه (2) غير واحد (3) - فمخالفة الشرط وهو
الفسخ غير نافذة في حقه. ويحتمل النفوذ، لعموم دليل الخيار، والالتزام
بترك الفسخ لا يوجب فساد الفسخ على ما قاله بعضهم: من أن بيع
منذور التصدق حنث موجب للكفارة، لا فاسد (4).
وحينئذ فلا فائدة في هذا غير الإثم على مخالفته، إذ ما يترتب

(1) لم نعثر على المثال في الخلاف والتذكرة، راجع الخلاف 3: 9 و 21، والمبسوط
2: 83، والغنية: 217، والتذكرة 1: 516.
(2) الظاهر رجوع الضمير إلى " بطلان البيع " المستفاد من فحوى الكلام.
(3) لم نقف على موضع بحثهم عن المسألة بخصوصها، نعم عد المحقق
التستري قدس سره السبب السادس من منقصات الملك: تعلق حق النذر وشبهه،
ونقل جملة مما وقف عليه من كلمات الأصحاب في كتاب الزكاة والحج والعتق
والنذر والصيد والذباحة وغير ذلك مما يرتبط بالمسألة، لكن لم ينقل عن أحد
القول ببطلان بيع منذور التصدق، راجع المقابس: 190.
(4) حكاه المحقق التستري في المقابس: 194 عن الشهيد الثاني قدس سره في مسألتي
منذور التدبير ومنذور الحرية، ولكن لم نعثر عليه في كتبه قدس سره.
56

على مخالفة الشرط في غير هذا المقام - من تسلط المشروط له على
الفسخ لو خولف الشرط - غير مترتب هنا.
والاحتمال الأول أوفق بعموم وجوب الوفاء بالشرط الدال على
وجوب ترتب آثار الشرط، وهو عدم الفسخ في جميع الأحوال حتى
بعد الفسخ، فيستلزم ذلك كون الفسخ الواقع لغوا، كما تقدم نظيره في
الاستدلال بعموم وجوب الوفاء بالعقد على كون فسخ أحدهما منفردا
لغوا لا يرفع وجوب الوفاء (1).
الثالث: أن يشترط إسقاط الخيار، ومقتضى ظاهره: وجوب
الإسقاط بعد العقد، فلو أخل به وفسخ العقد، ففي تأثير الفسخ الوجهان
المتقدمان، والأقوى عدم التأثير.
وهل للمشروط له الفسخ بمجرد عدم إسقاط المشترط الخيار بعد
العقد وإن لم يفسخ؟ وجهان: من عدم حصول الشرط، ومن أن
المقصود منه إبقاء العقد، فلا يحصل التخلف إلا إذا فسخ.
والأولى: بناء على القول بعدم تأثير الفسخ هو عدم الخيار، لعدم
تخلف الشرط. وعلى القول بتأثيره ثبوت الخيار، لأنه قد يكون الغرض
من الشرط عدم تزلزل العقد ويكون بقاء المشترط على سلطنة الفسخ
مخالفا لمصلحة المشروط له، وقد يموت ذو الخيار وينتقل إلى وارثه.
بقي الكلام في أن المشهور: أن تأثير الشرط إنما هو مع ذكره في
متن العقد، فلو ذكراه قبله لم يفد، لعدم الدليل على وجوب الوفاء به.
وصدق الشرط على غير المذكور في العقد غير ثابت، لأن المتبادر عرفا

(1) راجع الصفحة 18.
57

هو الإلزام والالتزام المرتبط بمطلب آخر، وقد تقدم عن القاموس: أنه
الإلزام والالتزام في البيع ونحوه (1).
وعن الشيخ والقاضي تأثير الشرط المتقدم.
قال في محكي الخلاف: لو شرطا قبل العقد أن لا يثبت بينهما
خيار بعد العقد صح الشرط ولزم العقد بنفس الإيجاب والقبول. ثم نقل
الخلاف عن بعض أصحاب الشافعي. ثم قال: دليلنا: أنه لا مانع من
هذا الشرط والأصل جوازه وعموم الأخبار في جواز الشرط يشمل
هذا الموضع (2)، انتهى. ونحوه المحكي عن جواهر القاضي (3).
وقال في المختلف - على ما حكي عنه - بعد ذلك: وعندي في ذلك
نظر، فإن الشرط إنما يعتبر حكمه لو وقع في متن العقد، نعم لو شرطا
قبل العقد وتبايعا على ذلك الشرط صح ما شرطاه (4)، انتهى.
أقول: التبايع على ذلك الشرط إن كان بالإشارة إليه في العقد
بأن يقول مثلا: " بعت على ما ذكر " فهو من المذكور في متن العقد،
وإن كان بالقصد إليه والبناء عليه عند الإنشاء، فهذا هو ظاهر كلام
الشيخ.
نعم، يحتمل أن يريد الصورة الأولى (5)، وهذا هو المناسب للاستدلال

(1) تقدم في الصفحة 22.
(2) الخلاف 3: 21، المسألة 28 من كتاب البيوع.
(3) جواهر الفقه: 54، المسألة 195.
(4) المختلف 5: 63.
(5) في " ش " زيادة: " وأراد بقوله: قبل العقد، قبل تمامه "، ووردت هذه العبارة
في هامش " ف " بلفظ: " ويراد بقوله... الخ ".
58

له بعدم المانع من هذا الاشتراط. ويؤيده أيضا، بل يعينه: أن بعض
أصحاب الشافعي إنما يخالف في صحة هذا الاشتراط في متن العقد، وقد
صرح في التذكرة بذكر خلاف بعض الشافعية في اشتراط عدم الخيار في
متن العقد، واستدل عنهم بأن الخيار بعد تمام العقد، فلا يصح إسقاطه
قبل تمامه (1).
والحاصل: أن ملاحظة عنوان المسألة في الخلاف والتذكرة واستدلال
الشيخ على الجواز واستدلال (2) بعض الشافعية على المنع يكاد يوجب
القطع بعدم إرادة الشيخ صورة ترك الشرط في متن العقد.
وكيف كان، فالأقوى أن الشرط الغير المذكور في متن العقد غير
مؤثر، لأنه لا يلزم بنفس اشتراطه السابق، لأن المتحقق في السابق إما
وعد بالتزام، أو التزام تبرعي لا يجب الوفاء به، والعقد اللاحق وإن
وقع مبنيا عليه لا يلزمه، لأن الشرط إلزام مستقل لا يرتبط بالتزام
العقد إلا بجعل المتكلم، وإلا فهو بنفسه ليس من متعلقات الكلام
العقدي مثل العوضين وقيودهما حتى يقدر (3) منويا، فيكون كالمحذوف
النحوي بعد نصب القرينة، فإن من باع داره في حال بنائه - في الواقع -
على عدم الخيار له لم يحصل له في ضمن بيعه إنشاء التزام بعدم الخيار
ولم يقيد إنشاءه بشئ. بخلاف قوله: " بعتك على أن لا خيار [لي] (4) "

(1) التذكرة 1: 517، وراجع المغني لابن قدامة 3: 568.
(2) لم ترد " استدلال " في " ش "، وشطب عليها في " ف ".
(3) في " ش " زيادة: " شرطا ".
(4) لم يرد في " ق ".
59

الذي مؤداه بعتك ملتزما على نفسي وبانيا على أن لا خيار لي، فإن
إنشاءه للبيع قد اعتبر مقيدا بإنشائه التزام عدم الخيار.
فحاصل الشرط: إلزام في التزام مع اعتبار تقييد الثاني بالأول،
وتمام الكلام في باب الشروط إن شاء الله تعالى.
فرع:
ذكر العلامة في التذكرة موردا لعدم جواز اشتراط [نفي] (1) خيار
المجلس وغيره في متن العقد، وهو ما إذا نذر المولى أن يعتق عبده إذا
باعه، بأن قال: " لله علي أن أعتقك إذا بعتك "، قال: لو باعه بشرط
نفي الخيار لم يصح البيع، لصحة النذر، فيجب الوفاء به، ولا يتم برفع
الخيار. وعلى قول بعض علمائنا: من صحة البيع مع بطلان الشرط،
يلغو الشرط ويصح [البيع ويعتق] (2)، انتهى (3).
أقول: هذا مبني على أن النذر المعلق بالعين يوجب عدم تسلط
الناذر على التصرفات المنافية له، وقد مر أن الأقوى في الشرط
[أيضا] (4) كونه كذلك (5).

(1) لم يرد في " ق ".
(2) من " ش " والمصدر.
(3) التذكرة 1: 495.
(4) لم يرد في " ق ".
(5) مر في الصفحة 56.
60

مسألة
ومن المسقطات: إسقاط هذا الخيار بعد العقد، بل هذا هو المسقط
الحقيقي. ولا خلاف ظاهرا في سقوطه بالإسقاط، ويدل عليه - بعد
الإجماع - فحوى ما سيجئ (1): من النص الدال على سقوط الخيار
بالتصرف، معللا بأنه رضي بالبيع، مضافا إلى القاعدة المسلمة: من أن
لكل ذي حق إسقاط حقه، ولعله لفحوى تسلط الناس على أموالهم،
فهم أولى بالتسلط على حقوقهم المتعلقة بالأموال، ولا معنى لتسلطهم
على مثل هذه الحقوق الغير القابلة للنقل، إلا نفوذ تصرفهم فيها
بما يشمل الإسقاط.
ويمكن الاستدلال له بدليل الشرط لو فرض شموله للالتزام
الابتدائي.
ثم إن الظاهر سقوط الخيار بكل لفظ يدل عليه بإحدى الدلالات
العرفية، للفحوى المتقدمة (2)، وفحوى ما دل على كفاية بعض الأفعال

(1) يجئ في الصفحة 82 و 97.
(2) يعني: ما ذكره آنفا من فحوى سقوط الخيار بالتصرف.
61

في إجازة عقد الفضولي (1)، وصدق " الإسقاط " النافذ بمقتضى ما تقدم
من التسلط على إسقاط الحقوق، وعلى هذا فلو قال أحدهما: " أسقطت
الخيار من الطرفين " فرضي الآخر سقط خيار الراضي أيضا، لكون
رضاه بإسقاط الآخر خياره إسقاطا أيضا.

(1) مثل: ما دل على أن سكوت البكر إجازة لنكاحها الفضولي، وسكوت المولى
إجازة لنكاح العبد، راجع الوسائل 14: 206، الباب 5 من أبواب عقد النكاح
وأولياء العقد، و 525، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
62

مسألة
لو قال أحدهما لصاحبه: " اختر "، فإن اختار المأمور الفسخ،
فلا إشكال في انفساخ العقد.
وإن اختار الإمضاء، ففي سقوط خيار الآمر أيضا مطلقا - كما
عن ظاهر الأكثر (1)، بل عن الخلاف: الإجماع عليه (2) - أو بشرط إرادته
تمليك الخيار لصاحبه، وإلا فهو باق مطلقا (3) كما هو ظاهر التذكرة (4) أو
مع قيد إرادة الاستكشاف دون التفويض ويكون حكم التفويض كالتمليك،
أقوال.
ولو سكت، فخيار الساكت باق إجماعا، ووجهه واضح. وأما

(1) لم نقف على من نسبه إلى ظاهر الأكثر، نعم قال في مفتاح الكرامة 4: 544:
" كما في المبسوط والخلاف والغنية والتحرير والتذكرة والدروس وغيرها، وفي
الغنية وظاهر الخلاف الإجماع عليه ".
(2) حكاه السيد العاملي عن ظاهر الخلاف، وهو الحق، لأن عبارته ليست
صريحة في دعوى الإجماع، انظر الخلاف 3: 21، المسألة 27 من كتاب البيوع.
(3) كتب في " ق " فوق " مطلقا ": " على الإطلاق ".
(4) التذكرة 1: 518.
63

خيار الآمر، ففي بقائه مطلقا، أو بشرط عدم إرادته (1) تمليك الخيار كما
هو ظاهر التذكرة (2)، أو سقوط خياره مطلقا كما عن الشيخ (3)؟ أقوال.
والأولى أن يقال: إن كلمة " اختر " بحسب وضعه لطلب اختيار
المخاطب أحد طرفي العقد من الفسخ والإمضاء، وليس فيه دلالة على
ما ذكروه: من تمليك الخيار أو تفويض الأمر أو استكشاف الحال.
نعم، الظاهر عرفا من حال الآمر أن داعيه استكشاف حال
المخاطب، وكأنه في العرف السابق كان ظاهرا في تمليك المخاطب أمر
الشئ، كما يظهر من باب الطلاق (4)، فإن تم دلالته حينئذ على إسقاط
الآمر خياره بذلك، وإلا فلا مزيل لخياره. وعليه يحمل - على تقدير
الصحة - ما ورد في ذيل بعض أخبار خيار المجلس: " أنهما بالخيار
ما لم يفترقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: [اختر] (5) " (6).

(1) في " ش ": " إرادة ".
(2) التذكرة 1: 518.
(3) قال السيد العاملي قدس سره في هذا المقام: " ومن الغريب! أن المحقق الثاني
والشهيد الثاني نسبا هذا القول إلى الشيخ وتبعهما شيخنا صاحب الرياض، وهو
خلاف ما صرح به في المبسوط والخلاف وخلاف ما حكي عنهما في المختلف
والإيضاح " مفتاح الكرامة 4: 544. ومثله قال المحقق التستري في المقابس:
243، راجع المبسوط 2: 82 - 83، والخلاف 3: 21، المسألة 27 من كتاب
البيوع، وانظر جامع المقاصد 4: 285، والمسالك 3: 197.
(4) انظر الوسائل 15: 335، الباب 41 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(5) لم يرد في " ق ".
(6) المستدرك 13: 299، الباب 2 من أبواب الخيار، الحديث 3.
64

ثم إنه لا إشكال في أن إسقاط أحدهما خياره لا يوجب سقوط
خيار الآخر. ومنه يظهر: أنه لو أجاز أحدهما وفسخ الآخر انفسخ
العقد، لأنه مقتضى ثبوت الخيار، فكان العقد بعد إجازة أحدهما
جائزا من طرف الفاسخ دون المجيز، كما لو جعل الخيار من أول الأمر
لأحدهما. وهذا ليس تعارضا بين الإجازة والفسخ وترجيحا له عليها.
نعم، لو اقتضت الإجازة لزوم العقد من الطرفين - كما لو فرض
ثبوت الخيار من طرف أحد المتعاقدين أو من طرفهما لمتعدد (كالأصيل
والوكيل) فأجاز أحدهما وفسخ الآخر دفعة واحدة، أو تصرف ذو الخيار
في العوضين دفعة واحدة (كما لو باع عبدا بجارية، ثم أعتقهما جميعا،
حيث إن إعتاق العبد فسخ، وإعتاق الجارية إجازة) أو اختلف الورثة
في الفسخ والإجازة - تحقق التعارض. وظاهر العلامة في جميع هذه
الصور تقديم الفسخ (1) ولم يظهر له وجه تام، وسيجئ الإشارة إلى
ذلك في موضعه (2).

(1) انظر التذكرة 1: 518.
(2) انظر الجزء السادس، الصفحة 117 وما بعدها.
65

مسألة
من جملة مسقطات الخيار افتراق المتبايعين، ولا إشكال في سقوط
الخيار به، ولا في عدم اعتبار ظهوره في رضاهما بالبيع، وإن كان
ظاهر بعض الأخبار ذلك، مثل قوله عليه السلام: " فإذا افترقا فلا خيار لهما
بعد الرضا " (1).
ومعنى حدوث افتراقهما المسقط مع كونهما متفرقين حين العقد:
افتراقهما بالنسبة إلى الهيئة الاجتماعية الحاصلة لهما حين العقد، فإذا
حصل الافتراق الإضافي - ولو بمسماه - ارتفع الخيار، فلا يعتبر الخطوة،
ولذا حكي عن جماعة التعبير بأدنى الانتقال (2).
والظاهر: أن ذكره في بعض العبارات لبيان أقل الأفراد، خصوصا
مثل قول الشيخ في الخلاف: " أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة " (3)،

(1) الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 3.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 543) عن التحرير وجامع
المقاصد والمسالك، راجع التحرير 1: 165، وجامع المقاصد 4: 284، والمسالك
3: 196. لكن ليس في الأخيرين تصريح بذلك، نعم فيهما ما يفيده.
(3) الخلاف 3: 21، المسألة 26 من كتاب البيوع.
66

مبني على الغالب في الخارج أو في التمثيل لأقل الافتراق، فلو تبايعا في
سفينتين متلاصقتين كفى مجرد افتراقهما.
ويظهر من بعض (1): اعتبار الخطوة، اغترارا بتمثيل كثير من
الأصحاب. وعن صريح آخر (2): التأمل في كفاية الخطوة، لانصراف
الإطلاق إلى أزيد منها (3)، فيستصحب الخيار. ويؤيده قوله عليه السلام في
بعض الروايات: " فلما استوجبتها قمت فمشيت خطى ليجب البيع حين
افترقنا " (4)، وفيه: منع الانصراف ودلالة الرواية.
ثم اعلم أن الافتراق - على ما عرفت من معناه - يحصل بحركة
أحدهما وبقاء الآخر في مكانه، فلا يعتبر الحركة من الطرفين في صدق
افتراقهما، فالحركة من أحدهما لا يسمى افتراقا حتى يحصل عدم
المصاحبة من الآخر، فذات الافتراق الخارجي (5) من المتحرك، واتصافها
بكونها افتراقا من الساكن. ولو تحرك كل منهما كان حركة كل منهما
افتراقا بملاحظة عدم مصاحبة الآخر.
وكيف كان، فلا يعتبر في الافتراق المسقط حركة كل منهما إلى
غير جانب الآخر، كما تدل عليه الروايات الحاكية لشراء الإمام عليه السلام

(1) ولعل المراد به السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 542 - 543.
(2) وهو السيد الطباطبائي في الرياض كما في الجواهر 23: 13، وراجع الرياض
8: 180.
(3) في " ق ": " منه ".
(4) الوسائل 12: 348، الباب 2 من أبواب خيار المجلس، الحديث 2.
(5) لم ترد " الخارجي " في " ش "، وشطب عليها في " ف ".
67

أرضا وأنه عليه السلام قال: " فلما استوجبتها قمت فمشيت خطى ليجب
البيع حين افترقنا " (1)، فأثبت افتراق الطرفين بمشيه عليه السلام فقط.

(1) تقدم في الصفحة السابقة.
68

مسألة
المعروف أنه لا اعتبار بالافتراق عن إكراه إذا منع من التخاير
أيضا، سواء بلغ حد سلب الاختيار أم لا، لأصالة بقاء الخيار بعد
تبادر الاختيار من الفعل المسند إلى الفاعل المختار، مضافا إلى حديث
" رفع ما استكرهوا عليه " (1)، وقد تقدم في مسألة اشتراط الاختيار في
المتبايعين (2) ما يظهر منه عموم الرفع للحكم الوضعي المحمول على
المكلف، فلا يختص برفع التكليف.
هذا، ولكن يمكن منع التبادر، فإن المتبادر هو الاختياري في
مقابل الاضطراري الذي لم يعد فعلا حقيقيا قائما بنفس الفاعل، بل
يكون صورة فعل قائمة بجسم المضطر، لا في مقابل المكره الفاعل
بالاختيار لدفع الضرر المتوعد على تركه، فإن التبادر ممنوع، فإذا دخل

(1) الوسائل 11: 296، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث 3، و 16:
144، الباب 16 من أبواب الأيمان، الحديث 3 و 5، وفيها: " وضع " بدل
" رفع ".
(2) راجع الجزء الثالث: 308 و 331.
69

الاختياري المكره عليه دخل الاضطراري لعدم القول بالفصل، مع أن
المعروف بين الأصحاب: أن الافتراق ولو اضطرارا مسقط للخيار إذا
كان الشخص متمكنا من الفسخ والإمضاء، مستدلين عليه بحصول
التفرق المسقط للخيار.
قال في المبسوط في تعليل الحكم المذكور: لأنه إذا كان متمكنا
من الإمضاء والفسخ فلم يفعل حتى وقع التفرق، كان ذلك دليلا على
الرضا والإمضاء (1)، انتهى.
وفي جامع المقاصد تعليل الحكم المذكور بقوله: لتحقق الافتراق
مع التمكن من الاختيار (2)، انتهى.
ومنه يظهر: أنه لا وجه للاستدلال بحديث " رفع الحكم عن
المكره "، للاعتراف بدخول المكره والمضطر إذا تمكنا من التخاير.
والحاصل: أن فتوى الأصحاب هي: أن التفرق عن إكراه عليه
وعلى ترك التخاير غير مسقط للخيار، وأنه لو حصل أحدهما باختياره
سقط خياره، وهذه لا يصح الاستدلال عليها (3) باختصاص الأدلة
بالتفرق الاختياري، ولا بأن مقتضى حديث الرفع جعل التفرق المكره
عليه كلا تفرق، لأن المفروض أن التفرق الاضطراري أيضا مسقط مع
وقوعه في حال التمكن من التخاير.
فالأولى الاستدلال عليه - مضافا إلى الشهرة المحققة الجابرة

(1) المبسوط 2: 84.
(2) جامع المقاصد 4: 283.
(3) في " ش ": " وهذا لا يصح الاستدلال عليه ".
70

للإجماع المحكي (1)، وإلى أن المتبادر من التفرق ما كان عن رضا بالعقد،
سواء وقع اختيارا أو اضطرارا - بقوله عليه السلام في صحيحة الفضيل:
" فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما " (2).
دل على أن الشرط في السقوط الافتراق والرضا منهما، ولا ريب
أن الرضا المعتبر ليس إلا المتصل بالتفرق بحيث يكون التفرق عنه، إذ
لا يعتبر الرضا في زمان آخر إجماعا.
أو يقال: إن قوله: " بعد الرضا " إشارة إلى إناطة السقوط بالرضا
بالعقد المستكشف عن افتراقهما (3) فيكون الافتراق مسقطا، لكونه كاشفا
نوعا عن رضاهما بالعقد وإعراضهما عن الفسخ.
وعلى كل تقدير، فيدل على أن المتفرقين - ولو اضطرارا - إذا كانا
متمكنين من الفسخ ولم يفسخا كشف ذلك نوعا عن رضاهما بالعقد
فسقط (4) خيارهما. وهذا هو الذي استفاده الشيخ قدس سره كما صرح به في
عبارة المبسوط المتقدمة (5).

(1) كما في الغنية: 217، وحكاه السيد بحر العلوم في المصابيح عنه وعن تعليق
الشرائع، انظر المصابيح (مخطوط): 121.
(2) الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 3.
(3) كذا في " ق "، وفي " ش ": " المستكشف عنه عن افتراقهما ". والأولى في
العبارة: المستكشف عنه بافتراقهما.
(4) كذا في ظاهر " ق " أيضا، والمناسب: " فيسقط ".
(5) تقدمت في الصفحة المتقدمة.
71

مسألة
لو أكره أحدهما على التفرق ومنع عن التخاير وبقي الآخر في
المجلس، فإن منع من المصاحبة والتخاير لم يسقط خيار أحدهما، لأنهما
مكرهان على الافتراق وترك التخاير، فدخل في المسألة السابقة. وإن لم
يمنع من المصاحبة، ففيه أقوال.
وتوضيح ذلك: أن افتراقهما المستند إلى اختيارهما - كما عرفت -
يحصل بحركة أحدهما اختيارا وعدم مصاحبة الآخر [له] (1) كذلك، وأن
الإكراه على التفرق لا يسقط حكمه ما لم ينضم معه الإكراه على ترك
التخاير.
فحينئذ نقول: تحقق الإكراه المسقط في أحدهما دون الآخر يحصل
تارة بإكراه أحدهما على التفرق وترك التخاير وبقاء الآخر في المجلس
مختارا في المصاحبة أو التخاير. وأخرى بالعكس بإبقاء أحدهما في
المجلس كرها مع المنع عن التخاير وذهاب الآخر اختيارا.
ومحل الكلام هو الأول، وسيتضح به [حكم] (2) الثاني. والأقوال

(1) الزيادة اقتضاها السياق.
(2) لم يرد في " ق "، وكتب في " ف " في الهامش.
72

فيه أربعة:
سقوط خيارهما، كما عن ظاهر المحقق والعلامة وولده السعيد
والسيد العميد وشيخنا الشهيد (1) قدس الله أسرارهم.
وثبوته لهما، كما عن ظاهر المبسوط والمحقق والشهيد الثانيين
ومحتمل الإرشاد (2).
وسقوطه في حق المختار خاصة.
وفصل في التحرير بين بقاء المختار في المجلس فالثبوت لهما، وبين
مفارقته فالسقوط عنهما (3).
ومبنى الأقوال على أن افتراقهما المجعول غاية لخيارهما هل يتوقف
على حصوله عن اختيارهما، أو يكفي فيه حصوله عن اختيار أحدهما؟
وعلى الأول، هل يكون اختيار كل منهما مسقطا لخياره، أو
يتوقف سقوط خيار كل واحد على مجموع اختيارهما؟ فعلى الأول:

(1) حكاه المحقق التستري في المقابس (242) عن العلامة وولده والسيد عميد
الدين وعن ظاهر المحقق والشهيد، انظر الشرائع 2: 21، والقواعد 2: 65،
وإيضاح الفوائد 1: 483، وكنز الفوائد 1: 447، والدروس 3: 266، وحكى
عنهم ذلك في المصابيح (مخطوط): 122، ومفتاح الكرامة 4: 551، أيضا.
(2) حكى عنهم ذلك في المصابيح (مخطوط): 122، ومفتاح الكرامة 4: 551،
والمقابس: 242، مع تفاوت في النسبة من حيث التصريح في بعض والظهور في
آخر، انظر المبسوط 2: 84، وجامع المقاصد 4: 289، والروضة 3: 449،
والمسالك 3: 196، والإرشاد 1: 374.
(3) التحرير 1: 166.
73

يسقط خيار المختار خاصة، كما عن الخلاف (1) وجواهر القاضي (2). وعلى
الثاني يثبت الخياران، كما عن ظاهر المبسوط والمحقق والشهيد الثانيين (3).
وعلى الثاني: فهل يعتبر في المسقط لخيارهما كونه فعلا وجوديا
وحركة صادرة باختيار أحدهما، أو يكفي كونه تركا اختياريا، كالبقاء
في مجلس العقد مختارا؟
فعلى الأول: يتوجه التفصيل المصرح به في التحرير بين بقاء
الآخر في مجلس العقد وذهابه (4).
وعلى الثاني: يسقط الخياران، كما عن ظاهر المحقق والعلامة
وولده السعيد والسيد العميد وشيخنا الشهيد (5).
واعلم أن ظاهر الإيضاح: أن قول التحرير ليس قولا مغايرا
للثبوت لهما، وأن محل الخلاف ما إذا لم يفارق الآخر المجلس اختيارا،
وإلا سقط خيارهما اتفاقا، حيث قال في شرح قول والده قدس سره: " لو
حمل أحدهما ومنع من التخاير لم يسقط خياره على إشكال. وأما
الثابت، فإن منع من المصاحبة والتخاير لم يسقط خياره، وإلا فالأقرب
سقوطه، فيسقط خيار الأول " (6) انتهى، قال: إن هذا مبني على بقاء

(1) الخلاف 3: 26، المسألة 35 من كتاب البيوع.
(2) جواهر الفقه: 55، المسألة 197، وحكاه عن ظاهره وظاهر قبله السيد
العاملي في مفتاح الكرامة 4: 551، والتستري في المقابس: 242.
(3) تقدم عنهم في الصفحة المتقدمة.
(4) تقدم عنه في الصفحة المتقدمة.
(5) تقدم عنهم في الصفحة المتقدمة.
(6) القواعد 2: 65.
74

الأكوان وعدمه وافتقار الباقي إلى المؤثر وعدمه وأن الافتراق ثبوتي أو
عدمي، فعلى عدم البقاء أو افتقار الباقي إلى المؤثر يسقط، لأنه فعل
المفارقة، وعلى القول ببقائها واستغناء الباقي عن المؤثر وثبوتية الافتراق
لم يسقط خياره، لأنه لم يفعل شيئا. وإن قلنا بعدمية الافتراق والعدم
ليس بمعلل فكذلك. وإن قلنا: إنه يعلل سقط أيضا. والأقرب عندي
السقوط، لأنه مختار في المفارقة (1)، انتهى.
وهذا الكلام وإن نوقش فيه بمنع بناء الأحكام على هذه
التدقيقات، إلا أنه على كل حال صريح في أن الباقي لو ذهب اختيارا
فلا خلاف في سقوط خياره، وظاهره - كظاهر عبارة القواعد -: أن
سقوط خياره لا ينفك عن سقوط خيار الآخر، فينتفي القول المحكي
عن الخلاف والجواهر. لكن العبارة المحكية عن الخلاف ظاهرة في هذا
القول، قال: " لو أكرها أو أحدهما على التفرق بالأبدان على وجه
يتمكنان من الفسخ والتخاير فلم يفعلا بطل خيارهما أو خيار من تمكن
من ذلك " (2) ونحوه المحكي عن القاضي (3)، فإنه لولا جواز التفكيك بين
الخيارين لاقتصر على قوله: " بطل خيارهما " فتأمل.
بل حكي هذا القول عن ظاهر التذكرة أو صريحها (4). وفيه تأمل.
وكيف كان، فالأظهر في بادئ النظر ثبوت الخيارين، للأصل

(1) إيضاح الفوائد 1: 482 - 483.
(2) الخلاف 3: 26، المسألة 35 من كتاب البيوع.
(3) جواهر الفقه: 55، المسألة 197.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 551، وراجع التذكرة 1: 518.
75

وما تقدم: من تبادر تفرقهما عن رضا منهما، فإن التفرق وإن لم يعتبر
كونه اختياريا من الطرفين ولا من أحدهما، إلا أن المتبادر رضاهما
بالبيع حين التفرق، فرضا أحدهما في المقام - وهو الماكث - لا دليل على
كفايته في سقوط خيارهما، ولا في سقوط خيار خصوص الراضي، إذ
الغاية غاية للخيارين، فإن تحققت سقطا وإلا ثبتا. ويدل عليه ما تقدم
من صحيحة الفضيل (1) المصرحة بإناطة سقوط الخيار بالرضا منهما المنفي
بانتفاء رضا أحدهما.
ولكن يمكن التفصي عن الأصل بصدق تفرقهما، وتبادر تقيده
بكونه عن رضا كليهما ممنوع، بل المتيقن اعتبار رضا أحدهما.
وظاهر الصحيحة وإن كان اعتبار ذلك، إلا أنه معارض بإطلاق
ما يستفاد من الرواية السابقة الحاكية لفعل الإمام عليه السلام وأنه قال:
" فمشيت خطى ليجب البيع حين افترقنا " (2)، جعل مجرد مشيه عليه السلام
سببا لصدق الافتراق المجعول غاية للخيار، وجعل وجوب البيع علة
غائية له من دون اعتبار رضا الآخر أو شعوره بمشي الإمام عليه السلام.
ودعوى: انصرافه إلى صورة شعور الآخر وتركه المصاحبة اختيارا،
ممنوعة.
وظاهر الصحيحة وإن كان أخص، إلا أن ظهور الرواية في عدم
مدخلية شئ آخر زائدا على مفارقة أحدهما صاحبه مؤيد بالتزام
مقتضاه في غير واحد من المقامات، مثل ما إذا مات أحدهما وفارق

(1) تقدمت في الصفحة 71.
(2) تقدمت في الصفحة 67.
76

الآخر اختيارا، فإن الظاهر منهم عدم الخلاف في سقوط الخيارين، وقد
قطع به في جامع المقاصد مستدلا بأنه قد تحقق الافتراق، فسقط
الخياران (1) مع أن المنسوب إليه ثبوت الخيار لهما فيما نحن فيه (2).
وكذا لو فارق أحدهما في حال نوم الآخر أو غفلته عن مفارقة
صاحبه مع تأيد ذلك بنقل الإجماع عن السيد عميد الدين (3).
وظاهر المبنى المتقدم عن الإيضاح (4) - أيضا -: عدم الخلاف في
عدم اعتبار الرضا من الطرفين، وإنما الخلاف في أن البقاء اختيارا
مفارقة اختيارية أم لا. بل ظاهر القواعد (5) - أيضا -: أن سقوط خيار
المكره متفرع على سقوط خيار الماكث، من غير إشارة إلى وجود
خلاف في هذا التفريع، وهو الذي ينبغي، لأن الغاية إن حصلت سقط
الخياران، وإلا بقيا، فتأمل.
وعبارة الخلاف المتقدمة (6) وإن كانت ظاهرة في التفكيك بين
المتبايعين في الخيار، إلا أنها ليست بتلك الظهور، لاحتمال إرادة سقوط
خيار المتمكن من التخاير من حيث تمكنه مع قطع النظر عن حال

(1) جامع المقاصد 4: 288.
(2) كما تقدم في الصفحة 73.
(3) نقله في المقابس: 242 عن ظاهره، وراجع كنز الفوائد 1: 447، وفيه:
اتفاقا.
(4) تقدم في الصفحة 74 - 75.
(5) تقدمت عبارته في الصفحة 74.
(6) تقدمت في الصفحة 75.
77

الآخر، فلا ينافي سقوط خيار الآخر، [لأجل التلازم بين الخيارين من
حيث اتحادهما في الغاية] (1)، مع أن شمول عبارته لبعض الصور التي
لا يختص بطلان الخيار فيها بالمتمكن مما لا بد منه، كما لا يخفى على
المتأمل. وحملها على ما ذكرنا: من إرادة المتمكن لا بشرط، لا إرادة
خصوصه فقط، أولى من تخصيصها ببعض الصور. ولعل نظر الشيخ
والقاضي (2) إلى أن الافتراق المستند إلى اختيارهما جعل غاية لسقوط
خيار كل منهما، فالمستند إلى اختيار أحدهما مسقط لخياره خاصة. وهو
استنباط حسن. لكن لا يساعد عليه ظاهر النص (3).
ثم إنه يظهر مما ذكرنا حكم عكس المسألة - وهي ما إذا أكره
أحدهما على البقاء ممنوعا من التخاير وفارق الآخر اختيارا -
فإن
مقتضى ما تقدم من الإيضاح من مبنى الخلاف (4) عدم الخلاف في
سقوط الخيارين هنا، ومقتضى ما ذكرنا من مبنى الأقوال (5) جريان
الخلاف هنا أيضا.
وكيف كان، فالحكم بسقوط الخيار، عليهما (6) هنا أقوى كما لا يخفى.

(1) لم يرد ما بين المعقوفتين في " ق "، نعم ورد في هامش " ف ".
(2) وهو سقوط خيار المختار خاصة، راجع الصفحة 74.
(3) يعني قوله صلى الله عليه وآله: " البيعان بالخيار حتى يفترقا ".
(4) تقدم في الصفحة 74 - 75.
(5) تقدم ذكره في الصفحة 73.
(6) كذا في " ق "، وفي " ش ": " عنهما ".
78

مسألة
لو زال الإكراه، فالمحكي عن الشيخ وجماعة: امتداد الخيار
بامتداد مجلس الزوال (1). ولعله لأن الافتراق الحاصل بينهما في حال
الإكراه كالمعدوم، فكأنهما بعد مجتمعان في مجلس العقد، فالخيار باق.
وفيه: أن الهيئة الاجتماعية الحاصلة حين العقد قد ارتفعت حسا،
غاية الأمر عدم ارتفاع حكمها - وهو الخيار - بسبب الإكراه، ولم يجعل
مجلس زوال الإكراه بمنزلة مجلس العقد.
والحاصل: أن الباقي بحكم الشرع هو الخيار، لا مجلس العقد،
فالنص ساكت عن غاية هذا الخيار، فلا بد إما من القول بالفور كما
عن التذكرة (2) - ولعله لأنه المقدار الثابت يقينا لاستدراك حق المتبايعين -

(1) المبسوط 2: 84، ونسبه المحقق التستري قدس سره إلى ظاهر ابن زهرة
والفاضلين في الشرائع والإرشاد وفتوى الأخير في التحرير والشهيد الثاني في
الروضة، انظر المقابس: 243.
(2) حكاه عنها المحقق التستري في المقابس: 243، والموجود في التذكرة هكذا:
" وإذا وجد التمكن، هل هو على الفور؟ فيه ما سبق من الخلاف "، انظر التذكرة
1: 518.
79

وإما من القول بالتراخي إلى أن يحصل المسقطات، لاستصحاب الخيار.
والوجهان جاريان في كل خيار لم يظهر حاله من الأدلة.
80

مسألة
ومن مسقطات هذا الخيار: التصرف - على وجه يأتي في خياري
الحيوان والشرط - ذكره الشيخ في المبسوط في خيار المجلس وفي
الصرف (1)، والعلامة قدس سره في التذكرة (2)، ونسب إلى جميع من تأخر
عنه (3)، بل ربما يدعى إطباقهم (4) عليه، وحكي عن الخلاف والجواهر
والكافي والسرائر (5).
ولعله لدلالة التعليل في بعض أخبار [خيار] (6) الحيوان. وهو

(1) المبسوط 2: 83 - 84 و 96.
(2) التذكرة 1: 517.
(3) لم نعثر عليه، ولعله يستفاد من عبارات المصابيح (المخطوط): 123، ومفتاح
الكرامة 4: 547 - 548، والمقابس: 243، والمناهل: 337 - 338.
(4) راجع مفتاح الكرامة 4: 548.
(5) الخلاف 3: 24، المسألة 31 من كتاب البيوع، وجواهر الفقه: 54 - 55،
المسألة 196، والكافي في الفقه: 353، والسرائر 2: 247 - 248.
(6) لم يرد في " ق ".
81

الوجه أيضا في اتفاقهم على سقوط خيار الشرط، وإلا فلم يرد فيه
نص بالخصوص، بل سقوط خيار المشتري بتصرفه مستفاد من نفس
تلك الرواية المعللة، حيث قال: " فإن أحدث المشتري فيما اشترى
حدثا قبل الثلاثة أيام فذلك رضا منه، فلا شرط " (1)، فإن المنفي يشمل
شرط المجلس والحيوان، فتأمل.
وتفصيل التصرف المسقط سيجئ (2) إن شاء الله تعالى.

(1) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(2) انظر الصفحة 97، الثالث من مسقطات خيار الحيوان.
82

الثاني
خيار الحيوان
لا خلاف بين الإمامية في ثبوت الخيار في الحيوان المشترى (1)،
وظاهر النص (2) والفتوى: العموم لكل ذي حياة، فيشمل مثل الجراد
والزنبور والسمك والعلق ودود القز، ولا يبعد اختصاصه بالحيوان
المقصود حياته في الجملة، فمثل السمك المخرج من الماء والجراد المحرز في
الإناء - وشبه ذلك - خارج، لأنه لا يباع من حيث إنه حيوان، بل من
حيث إنه لحم مثلا (3)، ويشكل فيما صار كذلك لعارض، كالصيد المشرف
على الموت بإصابة السهم أو بجرح الكلب المعلم.
وعلى كل حال، فلا يعد زهاق روحه تلفا من البائع قبل القبض،
أو في زمان الخيار.
وفي منتهى خياره مع عدم بقائه إلى الثلاثة وجوه.
ثم إنه هل يختص هذا الخيار بالبيع المعين - كما هو المنساق في

(1) في " ش ": " للمشتري ".
(2) راجع الوسائل 12: 348، الباب 3 من أبواب الخيار.
(3) لم ترد " مثلا " في " ش ".
83

النظر من الإطلاقات، ومع (1) الاستدلال له في بعض معاقد الإجماع " كما
في التذكرة " (2) بالحكمة الغير الجارية في الكلي الثابت في الذمة - أو يعم
الكلي كما هو المتراءى من النص والفتوى؟
لم أجد مصرحا بأحد الأمرين. نعم، يظهر من بعض المعاصرين قدس سره
الأول. ولعله الأقوى.
وكيف كان، فالكلام في من له هذا الخيار، وفي مدته من حيث
المبدأ والمنتهى، ومسقطاته يتم برسم مسائل:

(1) كذا في " ق "، ولم ترد " و " في " ش "، وشطب على " مع " في " ف ".
(2) التذكرة 1: 519.
84

مسألة
المشهور اختصاص هذا الخيار بالمشتري، حكي (1) عن الشيخين (2)
والصدوقين (3) والإسكافي (4) وابن حمزة (5) والشاميين الخمسة (6) والحليين
الستة (7) ومعظم المتأخرين (8)، وعن الغنية وظاهر الدروس: الإجماع

(1) حكاه في المختلف 5: 64، والرياض 8: 181، ومفتاح الكرامة 4: 553 -
554، والمستند 14: 375 وغيرها.
(2) راجع المقنعة: 592، والمبسوط 2: 78، والنهاية: 386.
(3) المقنع: 365.
(4) حكاه عنه في المختلف 5: 64.
(5) الوسيلة: 248.
(6) راجع الكافي في الفقه: 353، والمهذب 1: 353، والدروس 3: 272،
والروضة 3: 450، وجامع المقاصد 4: 291.
(7) السرائر 2: 243 - 244، والشرائع 2: 22، والجامع للشرائع: 247 و 261،
والنزهة: 86، والمختلف 5: 64، والإيضاح 1: 483، والتنقيح الرائع 2: 45.
(8) لم نعثر عليه بعينه، نعم في الرياض 8: 181، والمستند 14: 375: عليه
عامة المتأخرين.
85

عليه (1)،
لعموم قوله عليه السلام: " إذا افترقا وجب البيع " (2) خرج المشتري
وبقي البائع، بل لعموم * (أوفوا بالعقود) * (3) بالنسبة إلى ما ليس فيه
خيار المجلس بالأصل أو بالاشتراط، ويثبت الباقي بعدم القول بالفصل.
ويدل عليه أيضا ظاهر غير واحد من الأخبار:
منها: صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" قلت له: ما الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام للمشتري. قلت:
وما الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا
افترقا فلا خيار بعد الرضا [منهما] (4) " (5)، وظهوره في اختصاص الخيار
بالمشتري وإطلاق نفي الخيار لهما في بيع غير الحيوان بعد الافتراق
يشمل ما إذا كان الثمن حيوانا.
ويتلوها في الظهور رواية علي بن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: " الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري " (6) فإن ذكر القيد مع
إطلاق الحكم قبيح إلا لنكتة جلية.

(1) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر 23: 24، وراجع الغنية: 219، والدروس
3: 272.
(2) الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 4.
(3) المائدة: 1.
(4) من " ش " والمصدر.
(5) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 5، و 346، الباب
الأول منها، الحديث 3.
(6) الوسائل 12: 346، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث 5.
86

ونحوها صحيحة الحلبي في الفقيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
" في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري " (1)، وصحيحة ابن رئاب
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " الشرط (2) في الحيوانات ثلاثة أيام
للمشتري " (3).
وأظهر من الكل صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد،
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية، لمن الخيار؟
للمشتري أو للبائع أو لهما (4) كليهما؟ قال: الخيار لمن اشترى نظرة ثلاثة
أيام، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء " (5).
وعن سيدنا المرتضى قدس سره وابن طاووس: ثبوته للبائع أيضا (6)،
وحكي عن الانتصار: دعوى الإجماع عليه (7)، لأصالة جواز العقد من
الطرفين بعد ثبوت خيار المجلس، ولصحيحة محمد بن مسلم: " المتبايعان
بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا " (8)،
وبها تخصص عمومات اللزوم مطلقا أو بعد الافتراق، وهي أرجح

(1) الفقيه 3: 201، الحديث 3761، والوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب
الخيار، الحديث الأول.
(2) في " ق ": " الشروط "، والظاهر أنه سهو.
(3) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(4) في " ق " زيادة " أو "، ولعلها من سهو القلم.
(5) الوسائل 12: 350، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 9.
(6) حكاه عنهما الشهيد في غاية المراد 2: 97.
(7) الإنتصار: 433، المسألة 245.
(8) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 3.
87

بحسب السند من صحيحة ابن رئاب المحكية عن قرب الإسناد.
وقد صرحوا بترجيح رواية مثل محمد بن مسلم وزرارة وأضرابهما
على غيرهم من الثقات، مضافا إلى ورودها في الكتب الأربعة المرجحة
على مثل قرب الإسناد من الكتب التي لم يلتفت إليها أكثر أصحابنا مع
بعد غفلتهم عنها أو عن مراجعتها.
وأما الصحاح الأخر المكافئة سندا لصحيحة ابن مسلم، فالإنصاف
أن دلالتها بالمفهوم لا تبلغ في الظهور مرتبة منطوق الصحيحة، فيمكن
حملها على بيان الفرد الشديد الحاجة، لأن الغالب في المعاملة، خصوصا
معاملة الحيوان، كون إرادة الفسخ في طرف المشتري لاطلاعه على
خفايا الحيوان، ولا ريب أن الأظهرية في الدلالة مقدمة (1) في باب
الترجيح على الأكثرية.
وأما ما ذكر في تأويل صحيحة ابن مسلم: من أن خيار الحيوان
للمشتري على البائع فكان بين المجموع (2)، ففي غاية السقوط.
وأما الشهرة المحققة، فلا تصير حجة على السيد، بل مطلقا، بعد
العلم بمستند المشهور وعدم احتمال وجود مرجح لم يذكروه.
وإجماع الغنية لو سلم رجوعه إلى اختصاص الخيار بالمشتري
- لا مجرد ثبوته له - معارض بإجماع الانتصار الصريح في ثبوته للبائع،
ولعله لذا قوى في المسالك (3) قول السيد مع قطع النظر عن الشهرة، بل

(1) في " ش ": " متقدمة ".
(2) ذكره المحقق التستري في المقابس: 244، واحتمله في الجواهر 23: 27.
(3) المسالك 3: 200.
88

الاتفاق، على خلافه. وتبعه على ذلك في المفاتيح (1) وتوقف في غاية
المراد (2) وحواشي القواعد (3) وتبعه في المقتصر (4).
هذا، ولكن الإنصاف: أن أخبار المشهور من حيث المجموع
لا يقصر ظهورها عن الصحيحة مع اشتهارها بين الرواة حتى محمد بن
مسلم الراوي للصحيحة، مع أن المرجع بعد التكافؤ عموم أدلة لزوم
العقد بالافتراق والمتيقن خروج المشتري، فلا ريب في ضعف هذا
القول.
نعم، هنا قول ثالث لعله أقوى منه، وهو ثبوت الخيار لمن انتقل
إليه الحيوان ثمنا أو مثمنا، نسب إلى جماعة من المتأخرين (5)، منهم
الشهيد في المسالك (6)، لعموم صحيحة ابن مسلم " المتبائعان بالخيار ما لم
يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام " (7) ولا ينافيه تقييد الحيوان
ب‍ " المشترى " في موثقة ابن فضال (8)، لاحتمال ورود التقييد مورد الغالب،

(1) مفاتيح الشرائع 3: 68.
(2) غاية المراد 2: 96 - 97.
(3) لا يوجد لدينا، لكن حكاه عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 555.
(4) المقتصر: 168 - 169.
(5) منهم المحقق الأردبيلي 8: 392، والمحدث البحراني في الحدائق 19: 25
و 26، والمحقق النراقي في المستند 14: 377، وقواه الشهيد الثاني في الروضة
3: 450.
(6) المسالك 3: 200.
(7) الوسائل 12: 345، الباب الأول من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(8) الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 2.
89

لأن الغالب كون صاحب الحيوان مشتريا.
ولا ينافي هذه الدعوى التمسك بإطلاق صحيحة ابن مسلم، لأن
الغلبة قد تكون بحيث توجب تنزيل التقييد عليها، ولا توجب تنزيل
الإطلاق.
ولا ينافيها أيضا ما دل على اختصاص الخيار بالمشتري (1)،
لورودها مورد الغالب من كون الثمن غير حيوان. ولا صحيحة محمد بن
مسلم المثبتة للخيار للمتبايعين، لإمكان تقييدها - وإن بعد - بما إذا كان
العوضان حيوانين.
لكن الإشكال في إطلاق الصحيحة الأولى (2) من جهة قوة انصرافه
إلى المشتري، فلا مخصص يعتد به، لعمومات اللزوم مطلقا أو بعد
المجلس، فلا محيص عن المشهور.

(1) راجع الوسائل 12: 349 - 350، الباب 3 من أبواب الخيار، الأحاديث 1،
4، 5، 8 و 9.
(2) وهي صحيحة الفضيل المتقدمة في الصفحة 86.
90

مسألة
لا فرق بين الأمة وغيرها في مدة الخيار، وفي الغنية - كما عن
الحلبي -: أن مدة خيار الأمة مدة استبرائها (1)، بل عن الأول دعوى
الإجماع عليه، وربما ينسب (2) هذا إلى المقنعة (3) والنهاية (4) والمراسم (5) من
جهة حكمهم بضمان البائع لها مدة الاستبراء. ولم أقف لهم على دليل.

(1) الغنية: 219، والكافي في الفقه: 353.
(2) نسبه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 558، وصاحب الجواهر في الجواهر
23: 24 إلى ظاهرها.
(3) المقنعة: 592 - 593.
(4) العبارة ساقطة من النهاية المتداولة بين أيدينا. نعم، هي موجودة في النهاية
المطبوعة مع نكت النهاية 2: 144 - 145، والمطبوعة ضمن الجوامع الفقهية:
336، ونقلها العلامة بلفظها في المختلف 5: 223.
(5) المراسم: 175.
91

مسألة
مبدأ هذا الخيار من حين العقد، فلو لم يفترقا ثلاثة أيام انقضى
خيار الحيوان وبقي خيار المجلس، لظاهر قوله عليه السلام: " إن الشرط في
الحيوان ثلاثة أيام، وفي غيره حتى يتفرقا " (1).
خلافا للمحكي عن ابن زهرة فجعله من حين التفرق (2)، وكذا
الشيخ والحلي في خيار الشرط المتحد مع هذا الخيار في هذا الحكم من
جهة الدليل الذي ذكراه.
قال في المبسوط: الأولى أن يقال: إنه - يعني خيار الشرط -
يثبت من حين التفرق، لأن الخيار يدخل إذا ثبت العقد، والعقد لم
يثبت قبل التفرق (3)، انتهى. ونحوه المحكي عن السرائر (4).

(1) راجع الوسائل 12: 349، الباب 3 من أبواب الخيار، الحديث 5، و 346،
الباب الأول من الأبواب، الحديث 3 و 5.
(2) الغنية: 220.
(3) المبسوط 2: 85.
(4) السرائر 2: 247.
92

وهذه الدعوى لم نعرفها. نعم، ربما يستدل (1) عليه (2) بأصالة عدم
ارتفاعه بانقضاء ثلاثة من حين العقد، بل أصالة عدم حدوثه قبل
انقضاء المجلس، وبلزوم (3) اجتماع السببين على مسبب واحد، وما دل
على أن تلف الحيوان في الثلاثة من البائع (4) مع أن التلف في الخيار
المشترك من المشتري.
ويرد الأصل بظاهر (5) الدليل، مع أنه بالتقرير الثاني، مثبت. وأدلة
" التلف من البايع " محمول (6) على الغالب من كونه بعد المجلس. ويرد
التداخل بأن الخيارين إن اختلفا من حيث الماهية فلا بأس بالتعدد.
وإن اتحدا فكذلك، إما لأن الأسباب معرفات، وإما لأنها علل ومؤثرات
يتوقف استقلال كل واحد [منها] (7) في التأثير على عدم مقارنة الآخر
أو سبقه، فهي علل تامة إلا من هذه الجهة، وهو المراد مما في التذكرة
- في الجواب عن أن الخيارين مثلان فلا يجتمعان -: من أن الخيار واحد
والجهة متعددة (8).

(1) راجع الاستدلال ورده في مفتاح الكرامة 4: 553، والجواهر 23: 28.
(2) كذا، والمناسب: " عليها ".
(3) في " ق ": للزوم، ولعله من سهو القلم.
(4) الوسائل 12: 352، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 2 و 5.
(5) في " ش ": " ظاهر ".
(6) كذا، والمناسب: محمولة.
(7) لم يرد في " ق ".
(8) التذكرة 1: 520.
93

ثم إن المراد بزمان العقد [هل] (1) زمان مجرد الصيغة - كعقد
الفضولي على القول بكون الإجازة ناقلة - أو زمان الملك، عبر بذلك
للغلبة؟ الظاهر هو الثاني، كما استظهره بعض المعاصرين (2)، قال: فعلى
هذا لو أسلم حيوانا في طعام وقلنا بثبوت الخيار لصاحب الحيوان وإن
كان بائعا، كان مبدؤه بعد القبض. وتمثيله بما ذكر مبني على اختصاص (3)
الخيار بالحيوان المعين، وقد تقدم التردد في ذلك (4).
ثم إن ما ذكروه في خيار المجلس من جريانه في الصرف ولو قبل
القبض يدل على أنه لا يعتبر في الخيار الملك، لكن لا بد له من أثر.
وقد تقدم الإشكال في ثبوته في الصرف قبل القبض لو لم نقل بوجوب
التقابض (5).

(1) لم يرد في " ق ".
(2) لم نعثر عليه في ما بأيدينا من كتب معاصريه، نعم في بعض الشروح: أنه
المحقق الشيخ علي كاشف الغطاء قدس سره في تعليقته على اللمعة.
(3) كذا في " ق " أيضا، لكن ذكر الشهيدي - بعد توجيه العبارة بصيغة الإثبات -:
أن في بعض النسخ المصححة " عدم اختصاص "، ووجهه أيضا بتوجيه، راجع
هداية الطالب: 433.
(4) تقدم في الصفحة 83 - 84.
(5) تقدم في الصفحة 49.
94

مسألة
لا إشكال في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة أيام،
لا لدخول الليل في مفهوم اليوم، بل للاستمرار المستفاد من الخارج،
ولا في دخول الليالي الثلاث عند التلفيق مع الانكسار.
ولو عقد في الليل، فالظاهر بقاء الخيار إلى آخر اليوم الثالث،
ويحتمل النقص عن اليوم الثالث بمقدار ما بقي من ليلة العقد. لكن فيه:
أنه يصدق حينئذ الأقل من ثلاثة أيام، والإطلاق على المقدار المساوي
للنهار ولو من الليل خلاف الظاهر.
قيل: والمراد بالأيام الثلاثة ما كانت مع الليالي الثلاث لدخول
الليلتين أصالة، فتدخل الثالثة، وإلا لاختلفت مفردات الجمع في استعمال
واحد (1)، انتهى.
فإن أراد الليلة السابقة على الأيام فهو حسن، إلا أنه لا يعلل
بما ذكر. وإن أراد الليلة الأخيرة فلا يلزم من خروجها اختلاف
مفردات الجمع في استعمال واحد، إذ لا نقول باستعمال اليومين الأولين

(1) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 558.
95

في اليوم والليلة واستعمال اليوم الثالث في خصوص النهار، بل نقول:
إن اليوم مستعمل في خصوص النهار أو مقداره من نهارين، لا في
مجموع النهار والليل أو مقدارهما، ولا في مقدار (1) النهار ولو ملفقا من
الليل. والمراد من " الثلاثة أيام " هي بلياليها أي ليالي مجموعها، لا كل
واحد منها، فالليالي لم ترد من نفس اللفظ، وإنما أريدت من جهة
الإجماع وظهور اللفظ الحاكمين في المقام باستمرار الخيار، فكأنه قال:
الخيار يستمر إلى أن يمضي ست وثلاثون ساعة من النهار.

(1) في " ش " بدل " مقدار ": " باقي ".
96

مسألة
يسقط هذا الخيار بأمور:
أحدها: اشتراط سقوطه في العقد. ولو شرط سقوط بعضه، فقد
صرح بعض (1) بالصحة. ولا بأس به.
والثاني: إسقاطه بعد العقد، وقد تقدم الأمران (2).
[و] (3) الثالث: التصرف ولا خلاف في إسقاطه في الجملة لهذا
الخيار. ويدل عليه قبل الإجماع النصوص:
ففي صحيحة ابن رئاب: " فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا
قبل الثلاثة أيام فذلك رضى منه ولا شرط له، قيل له: وما الحدث؟
قال: إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما كان محرما عليه قبل
الشراء " (4).

(1) صرح به السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 559.
(2) تقدما في الصفحة 51 و 61.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
97

وصحيحة الصفار: " كتبت إلى أبي محمد عليه السلام في الرجل اشترى
دابة من رجل فأحدث فيها [حدثا] (1) من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب
ظهرها فراسخ، أله أن يردها في الثلاثة أيام (2) التي له فيها الخيار بعد
الحدث الذي يحدث فيها (3) أو الركوب الذي ركبها (4) فراسخ؟ فوقع عليه السلام
إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله تعالى " (5).
وفي ذيل الصحيحة المتقدمة عن قرب الإسناد: " قلت [له] (6)
أرأيت إن قبلها المشتري أو لامس؟ فقال: إذا قبل أو لامس أو نظر
منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزم البيع " (7).
واستدل عليه في التذكرة - بعد الإجماع -: بأن التصرف دليل
الرضا (8). وفي موضع آخر منها: أنه دليل الرضا بلزوم العقد (9). وفي
موضع آخر منها - كما في الغنية (10) -: أن التصرف إجازة (11).

(1) لم يرد في " ق ".
(2) كذا في " ق " وفاقا للتهذيب، وفي " ش ": " الثلاثة الأيام "، وفاقا للوسائل.
(3) في " ق ": " يحدثها "، وهو سهو.
(4) في " ش ": يركبها.
(5) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 2.
(6) من " ش " والمصدر.
(7) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 3.
(8) التذكرة 1: 519.
(9) التذكرة 1: 528.
(10) الغنية: 219.
(11) التذكرة 1: 538.
98

أقول: المراد بالحدث إن كان مطلق التصرف الذي لا يجوز لغير
المالك إلا برضاه كما يشير إليه قوله عليه السلام: " أو نظر إلى ما كان يحرم
عليه قبل الشراء "، فلازمه كون مطلق استخدام المملوك، بل مطلق
التصرف فيه مسقطا، كما صرح به في التذكرة - في بيان التصرف
المسقط للرد بالعيب -: من أنه لو استخدمه بشئ خفيف مثل " اسقني "
أو " ناولني الثوب " أو " أغلق الباب " سقط الرد. ثم استضعف قول
بعض الشافعية بعدم السقوط، معللا بأن مثل هذه الأمور قد يؤمر به
غير المملوك: بأن المسقط مطلق التصرف. وقال أيضا: لو كان له على
الدابة سرج أو ركاب فتركهما عليها بطل الرد، لأنه استعمال وانتفاع (1)،
انتهى.
وقال في موضع من التذكرة: عندنا أن الاستخدام بل كل تصرف
يصدر من المشتري قبل علمه بالعيب أو بعده يمنع الرد (2)، انتهى.
وهو في غاية الإشكال، لعدم تبادر ما يعم ذلك من لفظ " الحدث "
وعدم دلالة ذلك على الرضا بلزوم العقد، مع أن من المعلوم عدم انفكاك
المملوك المشترى عن ذلك في أثناء الثلاثة، فيلزم جعل الخيار فيه كاللغو،
مع أنهم ذكروا أن الحكمة في هذا الخيار الاطلاع على أمور خفية في
الحيوان توجب زهادة (3) المشتري، وكيف يطلع الإنسان على ذلك بدون
النظر إلى الجارية ولمسها وأمرها بغلق الباب والسقي وشبه ذلك؟

(1) التذكرة 1: 530.
(2) التذكرة 1: 531.
(3) في " ق ": " زهاد ".
99

وإن كان المراد مطلق التصرف بشرط دلالته على الرضا بلزوم
العقد - كما يرشد إليه وقوعه في معرض التعليل في صحيحة ابن رئاب (1)،
ويظهر من استدلال العلامة وغيره على المسألة بأن التصرف دليل
الرضا بلزوم العقد - فهو لا يناسب إطلاقهم الحكم بإسقاط التصرفات
التي ذكروها.
ودعوى: أن جميعها مما يدل - لو خلي وطبعه - على الالتزام
بالعقد، فيكون إجازة فعلية، كما ترى!
ثم إن قوله عليه السلام في الصحيحة: " فذلك رضى منه " يراد منه
الرضا بالعقد في مقابلة كراهة ضده أعني الفسخ، وإلا فالرضا بأصل
الملك مستمر من زمان العقد إلى حين الفسخ، ويشهد لهذا المعنى رواية
عبد الله بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام عن أبيه عن
جعفر عن أبيه عليهم السلام قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله في رجل اشترى
عبدا بشرط إلى ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط، قال: يستحلف بالله
تعالى ما رضيه، ثم هو برئ من الضمان " (2) فإن المراد بالرضا الالتزام
بالعقد، والاستحلاف في الرواية محمولة على سماع دعوى التهمة أو على
صورة حصول القطع للبائع بذلك.
إذا عرفت هذا فقوله عليه السلام: " فذلك رضى منه ولا شرط [له] " (3)
يحتمل وجوها:

(1) المتقدمة في الصفحة 97.
(2) الوسائل 12: 352، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 4.
(3) لم يرد في " ق ".
100

أحدها: أن تكون الجملة جوابا للشرط، فيكون حكما شرعيا بأن
التصرف التزام بالعقد وإن لم يكن التزاما عرفا.
الثاني: أن تكون توطئة للجواب، وهو قوله: " ولا شرط [له] (1) "
لكنه توطئة لحكمة الحكم وتمهيد لها لا علة حقيقية (2) فيكون إشارة إلى
أن الحكمة في سقوط الخيار بالتصرف دلالته غالبا على الرضا، نظير
كون الرضا حكمة في سقوط خيار المجلس بالتفرق في قوله عليه السلام:
" فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما " فإنه لا يعتبر في الافتراق
دلالته (3) على الرضا.
وعلى هذين المعنيين، فكل تصرف مسقط وإن علم عدم دلالته
على الرضا.
الثالث: أن تكون الجملة إخبارا عن الواقع، نظرا إلى الغالب
وملاحظة نوع التصرف لو خلي وطبعه، ويكون علة للجواب، فيكون
نفي الخيار معللا بكون التصرف غالبا دالا على الرضا بلزوم العقد،
وبعد ملاحظة وجوب تقييد إطلاق الحكم بمؤدى علته - كما في قوله:
" [لا تأكل] (4) الرمان لأنه حامض " - دل على اختصاص الحكم بالتصرف
الذي يكون كذلك، أي: دالا بالنوع غالبا على التزام العقد وإن لم يدل
في شخص المقام، فيكون المسقط من التصرف ما كان له ظهور نوعي

(1) لم يرد في " ق ".
(2) في " ش ": " حقيقة ".
(3) في " ش ": " دلالة ".
(4) في " ق ": " لا تشرب ".
101

في الرضا، نظير ظهور الألفاظ في معانيها مقيدا بعدم قرينة توجب
صرفه عن الدلالة، كما إذا دل الحال أو المقال على وقوع التصرف
للاختبار، أو اشتباها بعين أخرى مملوكة له، ويدخل فيه كل ما يدل
نوعا على الرضا وإن لم يعد تصرفا عرفا كالتعريض للبيع والإذن للبائع
في التصرف فيه.
الرابع: أن تكون إخبارا عن الواقع ويكون العلة هي نفس الرضا
الفعلي الشخصي، ويكون إطلاق الحكم مقيدا بتلك العلة، فيكون
موضوع الحكم في الحقيقة هو نفس الرضا الفعلي، فلو لم يثبت الرضا
الفعلي لم يسقط الخيار.
ثم إن الاحتمالين الأولين وإن كانا موافقين لإطلاق سائر الأخبار
وإطلاقات بعض كلماتهم - مثل ما تقدم من التذكرة: من أن مطلق
التصرف لمصلحة نفسه مسقط (1)، وكذا غيره كالمحقق والشهيد الثانيين (2) -
بل لإطلاق بعض معاقد الإجماع، إلا أنهما بعيدان عن ظاهر الخبر، مع
مخالفتهما لأكثر كلماتهم، فإن الظاهر منها عدم السقوط بالتصرف
للاختبار والحفظ، بل ظاهرها اعتبار الدلالة في الجملة على الرضا، كما
سيجئ (3)، ويؤيده حكم بعضهم بكفاية الدال على الرضا وإن لم يعد
تصرفا، كتقبيل الجارية للمشتري، على ما صرح به في التحرير

(1) تقدم في الصفحة 99.
(2) راجع جامع المقاصد 4: 283 و 291، والمسالك 3: 197 و 201.
(3) يجئ في الصفحة 104 وما بعدها.
102

والدروس (1).
فعلم أن العبرة بالرضا، وإنما اعتبر التصرف للدلالة، وورد النص
أيضا بأن العرض على البيع إجازة (2)، مع أنه ليس حدثا عرفا.
ومما يؤيد عدم إرادة الأصحاب كون التصرف مسقطا إلا من
جهة دلالته على الرضا: حكمهم بأن كل تصرف يكون إجازة من
المشتري في المبيع يكون فسخا من البائع، فلو كان التصرف (3) مسقطا
تعبديا عندهم من جهة النص لم يكن وجه للتعدي عن كونه إجازة إلى
كونه فسخا.
وقد صرح في التذكرة: بأن الفسخ كالإجازة يكون بالقول وبالفعل (4)،
وذكر التصرف [مثالا] (5) للفسخ والإجازة الفعليين (6).
فاندفع ما يقال في تقريب كون التصرف مسقطا لا للدلالة على
الرضا: بأن الأصحاب يعدونه في مقابل الإجازة (7).
وأما المعنى الرابع: فهو وإن كان أظهر الاحتمالات من حيث

(1) التحرير 1: 168، والدروس 3: 272.
(2) راجع الوسائل 12: 359، الباب 12 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(3) في " ق " زيادة: " عندهم "، ولعل التكرار من سهو القلم.
(4) التذكرة 1: 537.
(5) لم يرد في " ق ".
(6) كذا في " ش "، وفي " ق " و " ف ": " فعلا "، لكن شطب عليه في " ف "،
وكتب أعلاه ما أثبتناه.
(7) راجع الجواهر 23: 66.
103

اللفظ، بل جزم به في الدروس (1)، ويؤيده ما تقدم من رواية عبد الله
[بن الحسن] (2) بن زيد، الحاكية للنبوي الدال - كما في الدروس أيضا (3) -
على الاعتبار بنفس الرضا، وظاهر بعض كلماتهم الآتية.
إلا أن المستفاد من تتبع الفتاوى الإجماع على عدم إناطة الحكم
بالرضا الفعلي بلزوم العقد، مع أن أظهريته بالنسبة إلى المعنى الثالث غير
واضحة.
فتعين إرادة المعنى الثالث، ومحصله: دلالة التصرف لو خلي
وطبعه على الالتزام وإن لم يفد في خصوص المقام، فيكون التصرف
إجازة فعلية في مقابل الإجازة القولية، وهذا هو الذي ينبغي أن يعتمد
عليه.
قال في المقنعة: إن هلاك الحيوان في الثلاثة من البائع، إلا أن
يحدث فيه المبتاع حدثا يدل على الرضا بالابتياع (4)، انتهى. ومثل
للتصرف في مقام آخر بأن ينظر من الأمة إلى ما يحرم لغير المالك (5).
وقال في المبسوط في أحكام العيوب: إذا كان المبيع بهيمة
وأصاب بها عيبا فله ردها، وإذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها

(1) الدروس 3: 227.
(2) لم يرد في " ق "، لكنه موجود في " ش " والمصدر، وفيما تقدم في الصفحة
100.
(3) الدروس 3: 227 - 228.
(4) المقنعة: 599، وانظر 592 أيضا.
(5) المقنعة: 593.
104

وسقيها وعلفها وحلبها وأخذ لبنها، وإن نتجت كان له نتاجها. ثم قال:
ولا يسقط الرد، لأنه إنما يسقط بالرضا بالعيب أو بترك الرد بعد العلم
بالعيب أو بأن يحدث فيه عيب عنده، وليس هنا شئ من ذلك (1)،
انتهى.
وفي الغنية: لو هلك المبيع في مدة الخيار فهو من مال بائعه، إلا
أن يكون المبتاع قد أحدث فيه حدثا يدل على الرضا (2)، انتهى.
وقال الحلبي قدس سره - في الكافي في خيار الحيوان -: فإن هلك في
مدة الخيار فهو من مال البائع، إلا أن يحدث فيه حدثا يدل على
الرضا (3)، انتهى.
وفي السرائر - بعد حكمه بالخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيام - قال:
هذا إذا لم يحدث في هذه المدة حدثا يدل على الرضا أو يتصرف فيه
تصرفا ينقص قيمته، أو يكون لمثل ذلك التصرف أجرة، بأن يركب
الدابة أو يستعمل الحمار أو يقبل الجارية أو يلامسها أو يدبرها تدبيرا
ليس له الرجوع فيه كالمنذور (4)، انتهى.
وقال في موضع آخر: إذا لم يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا
في العادة (5).

(1) المبسوط 2: 139.
(2) الغنية: 221.
(3) الكافي في الفقه: 353.
(4) السرائر 2: 280.
(5) السرائر 2: 277.
105

وأما العلامة: فقد عرفت أنه استدل على أصل الحكم بأن التصرف
دليل الرضا باللزوم (1).
وقال في موضع آخر: لو ركب الدابة ليردها - سواء قصرت
المسافة أو طالت - لم يكن ذلك رضا بها. ثم قال: ولو سقاها الماء أو
ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضا منه بإمساكه، ولو حلبها في
طريقه فالأقرب أنه تصرف يؤذن بالرضا (2).
وفي التحرير - في مسألة سقوط رد المعيب بالتصرف - قال: وكذا
لو استعمل المبيع أو تصرف فيه بما يدل على الرضا (3).
وقال في الدروس: استثنى بعضهم من التصرف ركوب
الدابة والطحن عليها وحلبها، إذ بها يعرف حالها ليختبر (4)، وليس
ببعيد (5).
وقال المحقق الكركي: لو تصرف ذو الخيار غير عالم، كأن ظنها
جاريته المختصة فتبينت ذات الخيار أو ذهل عن كونها المشتراة (6) ففي
الحكم تردد، ينشأ: من إطلاق الخبر بسقوط الخيار بالتصرف، ومن أنه
غير قاصد إلى لزوم البيع، إذ لو علم لم يفعل، والتصرف إنما عد

(1) راجع الصفحة 98.
(2) التذكرة: 529.
(3) التحرير 1: 184.
(4) كذا في النسخ، وفي الدروس: " للمختبر ".
(5) الدروس 3: 272.
(6) في المصدر: أو ذهل عن كون المشتراة ذات خيار.
106

مسقطا لدلالته على الرضا باللزوم (1).
وقال في موضع آخر: ولا يعد ركوب الدابة للاستخبار أو لدفع
جموحها أو للخوف من ظالم أو ليردها تصرفا. ثم قال: وهل يعد
حملها للاستخبار تصرفا؟ ليس ببعيد أن لا يعد. وكذا لو أراد ردها
وحلبها لأخذ اللبن، على إشكال ينشأ من أنه ملكه، فله استخلاصه (2)،
انتهى.
وحكي عنه في موضع آخر أنه قال: والمراد بالتصرف المسقط
ما كان المقصود منه التملك، لا الاختبار ولا حفظ المبيع كركوب الدابة
للسقي (3)، انتهى.
ومراده من التملك: البقاء عليه والالتزام به، ويحتمل أن يراد به
الاستعمال للانتفاع بالملك، لا للاختبار أو الحفظ.
هذا ما حضرني من كلماتهم في هذا المقام، الظاهرة في المعنى
الثالث، وحاصله: التصرف على وجه يدل عرفا لو خلي وطبعه على
الالتزام بالعقد، ليكون إسقاطا فعليا للخيار، فيخرج منه ما دلت القرينة
على وقوعه لا عن الالتزام.
لكن يبقى الإشكال المتقدم سابقا (4): من أن أكثر أمثلة

(1) جامع المقاصد 4: 305.
(2) جامع المقاصد 4: 304.
(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 560، وانظر جامع المقاصد 4:
291 و 304.
(4) راجع الصفحة 99.
107

التصرف المذكورة في النصوص والفتاوى ليست كذلك، بل هي واقعة
غالبا مع الغفلة أو التردد أو العزم على الفسخ مطلقا، أو إذا اطلع
على ما يوجب زهده فيه، فهي غير دالة في نفسها عرفا على
الرضا.
ومنه يظهر وجه النظر في دفع الاستبعاد الذي ذكرناه سابقا (1)
- من عدم انفكاك اشتراء الحيوان من التصرف فيه في الثلاثة فيكون
مورد الخيار في غاية الندرة - بأن الغالب في التصرفات وقوعها مع
عدم الرضا باللزوم، فلا يسقط بها الخيار (2)، إذ فيه: أن هذا يوجب
استهجان تعليل السقوط بمطلق الحدث بأنه رضا، لأن المصحح لهذا
التعليل مع العلم بعدم كون بعض أفراده رضا هو ظهوره فيه عرفا من
أجل الغلبة، فإذا فرض أن الغالب في مثل هذه التصرفات وقوعها
لا عن التزام للعقد بل مع العزم على الفسخ أو التردد فيه أو الغفلة،
كان تعليل الحكم على المطلق بهذه العلة الغير الموجودة إلا في قليل من
أفراده مستهجنا.
وأما الاستشهاد لذلك بما سيجئ: من أن تصرف البائع في ثمن
بيع الخيار غير مسقط لخياره اتفاقا، وليس ذلك إلا من جهة صدوره
لا عن التزام بالعقد، بل مع العزم على الفسخ برد مثل الثمن، ففيه:
ما سيجئ.
ومما ذكرنا - من استهجان التعليل على تقدير كون غالب التصرفات

(1) راجع الصفحة 99.
(2) راجع الرياض 8: 202، ومفتاح الكرامة 4: 560.
108

واقعة لا عن التزام - يظهر فساد الجمع بهذا الوجه، يعني حمل الأخبار
المتقدمة (1) على صورة دلالة التصرفات المذكورة على الرضا بلزوم العقد،
جمعا بينها وبين ما دل من الأخبار على عدم سقوطه بمجرد التصرف،
مثل رواية عبد الله بن الحسن المتقدمة (2) التي لم يستفصل في جوابها بين
تصرف المشتري في العبد المتوفى في زمان الخيار وعدمه، وإنما أنيط
سقوط الخيار فيها بالرضا الفعلي، ومثل الخبر المصحح: في رجل اشترى
شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها؟ قال: " إن كان تلك الثلاثة أيام
شرب لبنها يرد معها ثلاثة أمداد، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه
شئ " (3). ونحوه الآخر (4).
وما فيهما من " رد ثلاثة أمداد " لعله محمول على الاستحباب، مع
أن ترك العمل به لا يوجب رد الرواية، فتأمل.
وقد أفتى بذلك في المبسوط فيما لو باع شاة غير مصراة وحلبها
أياما ثم وجد المشتري بها عيبا. ثم قال: وقيل: ليس له ردها، لأنه
تصرف بالحلب (5).
وبالجملة، فالجمع بين النص والفتوى الظاهرين في كون التصرف

(1) المتقدمة في الصفحة 97 - 98.
(2) المتقدمة في الصفحة 100.
(3) الوسائل 12: 360، الباب 13 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(4) التهذيب 7: 25، الحديث 107، وعنه في الوسائل 12: 360، الباب 13
من أبواب الخيار، ذيل الحديث الأول.
(5) المبسوط 2: 125 - 126.
109

مسقطا لدلالته على الرضا بلزوم العقد، وبين ما تقدم من التصرفات
المذكورة في كثير من الفتاوى - خصوصا ما ذكره غير واحد (1) من الجزم
بسقوط الخيار بالركوب في طريق الرد، أو التردد فيه وفي التصرف
للاستخبار مع العلم بعدم اقترانهما بالرضا بلزوم العقد - في غاية الإشكال،
والله العالم بحقيقة الحال.

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 3: 451، وقال السيد المجاهد في المناهل:
340 - بعد نقل القولين في التصرفات المراد منها مجرد الاختبار -: " والمسألة محل
إشكال ". وراجع الأقوال في التصرف للاستخبار، المقابس: 247 أيضا.
110

الثالث
خيار الشرط
أعني الثابت بسبب اشتراطه في العقد، ولا خلاف في صحة هذا
الشرط، ولا في أنه لا يتقدر بحد عندنا، ونقل الإجماع عليه مستفيض (1).
والأصل فيه قبل ذلك: الأخبار العامة المسوغة لاشتراط كل
شرط إلا ما استثني، والأخبار الخاصة الواردة في بعض أفراد المسألة.
فمن الأولى: الخبر المستفيض الذي لا يبعد دعوى تواتره: " إن
المسلمين عند شروطهم " (2) وزيد في صحيحة ابن سنان: " إلا كل شرط
خالف كتاب الله فلا يجوز " (3). وفي موثقة إسحاق بن عمار: " إلا
شرطا حرم حلالا أو حلل حراما " (4).

(1) نقله السيد المرتضى في الانتصار: 434، المسألة 246، والشيخ في الخلاف 3:
11 و 20، ذيل المسألة 7 و 25 من كتاب البيوع، وابن زهرة في الغنية: 218،
وانظر مفتاح الكرامة 4: 560.
(2) راجع الوسائل 12: 353 - 354، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1، 2
و 5، والمستدرك 13: 300، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 3.
(3) الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 2.
(4) الوسائل 12: 354، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 5.
111

نعم، في صحيحة أخرى لابن سنان: " من اشترط شرطا مخالفا
لكتاب الله فلا يجوز على الذي اشترط عليه، والمسلمون عند شروطهم،
فيما وافق كتاب الله " (1).
لكن المراد منه - بقرينة المقابلة - عدم المخالفة، للإجماع على عدم
اعتبار موافقة الشرط لظاهر الكتاب. وتمام الكلام في معنى هذه الأخبار
وتوضيح المراد من الاستثناء الوارد فيها يأتي في باب الشرط في ضمن
العقد إن شاء الله تعالى.
والمقصود هنا بيان أحكام الخيار المشترط في العقد، وهي تظهر
برسم مسائل:

(1) الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
112

مسألة
لا فرق بين كون زمان الخيار متصلا بالعقد أو منفصلا عنه،
لعموم أدلة الشرط.
قال في التذكرة: لو شرط خيار الغد صح عندنا، خلافا
للشافعي (1). واستدل له في موضع آخر بلزوم صيرورة العقد جائزا بعد
اللزوم (2). ورد بعدم المانع من ذلك، مع أنه - كما في التذكرة (3) - منتقض
بخيار التأخير وخيار الرؤية.
نعم، يشترط تعيين المدة، فلو تراضيا على مدة مجهولة - كقدوم
الحاج - بطل بلا خلاف، بل حكي الإجماع عليه صريحا (4)، لصيرورة
المعاملة بذلك غررية. ولا عبرة بمسامحة العرف في بعض المقامات
وإقدام العقلاء عليه أحيانا، فإن المستفاد من تتبع أحكام المعاملات

(1) التذكرة 1: 520.
(2) التذكرة 1: 520.
(3) التذكرة 1: 520.
(4) حكاه في المقابس: 246، وراجع مفتاح الكرامة 4: 561 أيضا.
113

عدم رضا الشارع بذلك، إذ كثيرا ما يتفق التشاح في مثل الساعة
والساعتين من زمان الخيار فضلا عن اليوم واليومين.
وبالجملة، فالغرر لا ينتفي بمسامحة الناس في غير زمان الحاجة إلى
المداقة، وإلا لم يكن بيع الجزاف وما تعذر تسليمه والثمن المحتمل
للتفاوت القليل وغير ذلك من الجهالات غررا، لتسامح الناس في غير
مقام الحاجة إلى المداقة في أكثر الجهالات.
ولعل هذا مراد بعض الأساطين من قوله: " إن دائرة الغرر في
الشرع أضيق من دائرته (1) في العرف " (2) وإلا فالغرر لفظ لا يرجع في
معناه إلا إلى العرف.
نعم الجهالة التي لا يرجع الأمر معها غالبا إلى التشاح بحيث
يكون النادر كالمعدوم لا تعد غررا، كتفاوت المكاييل والموازين.
ويشير إلى ما ذكرنا الأخبار الدالة على اعتبار كون السلم إلى
أجل معلوم (3)، وخصوص موثقة غياث: " لا بأس بالسلم في كيل
معلوم إلى أجل معلوم، لا يسلم إلى دياس أو إلى حصاد " (4) مع أن
التأجيل إلى الدياس والحصاد وشبههما فوق حد الإحصاء بين العقلاء
الجاهلين بالشرع.

(1) في " ق ": " دائرتها "، والمناسب ما أثبتناه، كما في " ش ".
(2) الظاهر أن المراد من " بعض الأساطين " هو كاشف الغطاء قدس سره، ولكن لم
نعثر عليه في شرحه على القواعد.
(3) راجع الوسائل 13: 57، الباب 3 من أبواب السلف.
(4) الوسائل 13: 58، الباب 3 من أبواب السلف، الحديث 5.
114

وربما يستدل (1) على ذلك بأن اشتراط المدة المجهولة مخالف للكتاب
والسنة، لأنه غرر.
وفيه: أن كون البيع بواسطة الشرط مخالفا للكتاب والسنة غير
كون نفس الشرط مخالفا للكتاب والسنة، ففي الثاني يفسد الشرط
ويتبعه البيع، وفي الأول يفسد البيع فيلغو الشرط.
اللهم إلا أن يراد أن نفس الالتزام بخيار في مدة مجهولة غرر وإن
لم يكن بيعا، فيشمله دليل نفي الغرر، فيكون مخالفا للكتاب والسنة.
لكن لا يخفى سراية الغرر إلى البيع، فيكون الاستناد في فساده إلى
فساد شرطه المخالف للكتاب كالأكل من القفا.

(1) استدل به في الجواهر 23: 32، واستدل به في المصابيح (مخطوط): 131
أيضا.
115

مسألة
لا فرق في بطلان العقد بين ذكر المدة المجهولة كقدوم الحاج، وبين
عدم ذكر المدة أصلا، كأن يقول: " بعتك على أن يكون لي الخيار "،
وبين ذكر المدة المطلقة، كأن يقول: " بعتك على أن يكون لي الخيار
مدة "، لاستواء الكل في الغرر.
خلافا للمحكي (1) عن المقنعة والانتصار والخلاف والجواهر
والغنية والحلبي، فجعلوا مدة الخيار في الصورة الأولى (2) ثلاثة أيام.
ويحتمل حمل الثانية عليها، وعن الانتصار والغنية والجواهر: الإجماع
عليه (3).

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 561، وراجع المقنعة: 592،
والانتصار: 438، المسألة 250، والخلاف 3: 20، المسألة 25، والجواهر: 54،
المسألة 194، والغنية: 219، والكافي في الفقه: 353.
(2) في " ش ": " الثانية ".
(3) حكاه أيضا السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 561، وراجع الانتصار:
439 ذيل المسألة 250، والغنية: 219، والجواهر: 54، المسألة 194.
116

وفي محكي الخلاف: وجود أخبار الفرقة به (1).
ولا شك أن هذه الحكاية بمنزلة إرسال أخبار، فيكفي في انجبارها
الإجماعات المنقولة، ولذا مال إليه في محكي الدروس (2). لكن العلامة في
التذكرة لم يحك هذا القول إلا عن الشيخ قدس سره وأوله بإرادة خيار
الحيوان (3).
وعن العلامة الطباطبائي في مصابيحه: الجزم به (4)، وقواه بعض
المعاصرين (5) منتصرا لهم بما في مفتاح الكرامة: من أنه ليس في الأدلة
ما يخالفه، إذ الغرر مندفع بتحديد الشرع وإن لم يعلم به المتعاقدان
كخيار الحيوان الذي لا إشكال في صحة العقد مع الجهل به أو بمدته.
وزاد في مفتاح الكرامة (6): بأن الجهل يؤول إلى العلم الحاصل من الشرع (7).
وفيه: ما تقدم في مسألة تعذر التسليم (8): من أن بيع الغرر

(1) حكاه أيضا السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 561، وراجع الخلاف 3:
20، ذيل المسألة 25.
(2) حكاه السيد الطباطبائي في المصابيح (مخطوط): 132، وصاحب الجواهر في
الجواهر 23: 34، وانظر الدروس 3: 269.
(3) التذكرة 1: 520.
(4) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر 23: 34، وانظر المصابيح (مخطوط):
132، وقال - بعد نقل هذا القول -: " وهو الأقوى ".
(5) قواه في الجواهر 23: 33 - 34.
(6) في " ش " وهامش " ن " زيادة: " التعليل ".
(7) مفتاح الكرامة 4: 562.
(8) راجع الجزء الرابع، الصفحة 189.
117

موضوع عرفي حكم فيه الشارع بالفساد، والتحديد بالثلاثة تعبد شرعي
لم يقصده المتعاقدان، فإن ثبت بالدليل كان مخصصا لعموم نفي الغرر
وكان التحديد تعبديا، نظير التحديد الوارد في بعض الوصايا المبهمة (1)،
أو يكون حكما شرعيا ثبت في موضوع خاص، وهو إهمال مدة
الخيار.
والحاصل: أن الدعوى في تخصيص أدلة نفي الغرر لا في تخصصها.
والإنصاف: أن ما ذكرنا من حكاية الأخبار ونقل الإجماع لا ينهض
لتخصيص قاعدة الغرر، لأن الظاهر بقرينة عدم تعرض الشيخ لذكر شئ
من هذه الأخبار - في كتابيه الموضوعين لإيداع الأخبار - أنه عول في
هذه الدعوى [على] (2) اجتهاده في دلالة الأخبار الواردة في شرط
الحيوان (3). ولا ريب أن الإجماعات المحكية إنما تجبر قصور السند المرسل
المتضح دلالته أو القاصر دلالته، لا المرسل المجهول العين المحتمل لعدم
الدلالة رأسا، فالتعويل حينئذ على نفس الجابر ولا حاجة إلى ضم
المنجبر، إذ نعلم إجمالا أن المجمعين اعتمدوا على دلالات اجتهادية
استنبطوها من الأخبار، ولا ريب أن المستند غالبا في إجماعات القاضي
وابن زهرة إجماع السيد في الانتصار.
نعم، قد روي في كتب العامة: أن حنان بن منقذ كان يخدع في
البيع لشجة أصابته في رأسه، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: " إذا بعت فقل:

(1) راجع الوسائل 13: 443 - 450، الباب 54 و 55 و 56 من أبواب الوصايا.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) راجع الوسائل 12: 348 - 350، الباب 3 من أبواب الخيار.
118

لا خلابة " (1) وجعل له الخيار ثلاثا، وفي رواية: " ولك الخيار ثلاثا " (2).
والخلابة: الخديعة.
وفي دلالته فضلا عن سنده ما لا يخفى. وجبرهما (3) بالإجماعات
كما ترى! إذ التعويل عليها مع ذهاب المتأخرين إلى خلافها (4) في
الخروج عن قاعدة الغرر مشكل، بل غير صحيح، فالقول بالبطلان
لا يخلو عن قوة.
ثم إنه ربما يقال (5) ببطلان الشرط دون العقد، ولعله مبني على أن
فساد الشرط لا يوجب فساد العقد.
وفيه: إن هذا على القول به فيما إذا لم يوجب الشرط فسادا في
أصل البيع كما فيما نحن فيه، حيث إن جهالة الشرط يوجب كون البيع
غرريا، وإلا فالمتجه فساد البيع ولو لم نقل بسراية الفساد من الشرط
إلى المشروط، وسيجئ تمام الكلام في مسألة الشروط (6).

(1) راجع السنن الكبرى للبيهقي 5: 273، وكنز العمال 4: 59، الحديث
9499، والصفحة 91، الحديث 9682.
(2) راجع السنن الكبرى للبيهقي 5: 273، وكنز العمال 4: 59، الحديث
9499، والصفحة 91، الحديث 9682.
(3) في " ش ": " جبرها ".
(4) ذهب إليه العلامة في التحرير 1: 166، والمختلف 5: 66، والشهيد الثاني في
المسالك 3: 201، والسبزواري في الكفاية: 91، والسيد الطباطبائي في الرياض
8: 188، وقال السيد الطباطبائي في المصابيح (مخطوط): 132: " وربما لاح
ذلك من ظاهر الوسيلة والسرائر والشرائع والنافع والجامع واللمعة، لتضمنها
اعتبار التعيين في المدة ".
(5) نقله الشهيد في المسالك 3: 202، بلفظ: " قيل "، ولكن لم نعثر على القائل.
(6) انظر الجزء السادس، الصفحة 89 - 90.
119

مسألة
مبدأ هذا الخيار عند الإطلاق (1) من حين العقد، لأنه المتبادر من
الإطلاق.
ولو كان زمان الخيار منفصلا كان مبدؤه أول جزء من ذلك
الزمان، فلو شرط خيار الغد كان مبدؤه من طلوع فجر الغد.
فيجوز جعل مبدئه من انقضاء خيار الحيوان، بناء على أن مبدأه
من حين العقد، ولو جعل مبدؤه من حين التفرق بطل، لأدائه إلى
جهالة مدة الخيار.
وعن الشيخ والحلي: أن مبدأه من حين التفرق (2). وقد تقدم عن
الشيخ وجهه (3) مع عدم تمامه (4).

(1) لم ترد " عند الإطلاق " في غير " ق ".
(2) حكى عنهما ذلك الشهيد في الدروس 3: 269، وراجع الخلاف 3: 33،
المسألة 44 من كتاب البيوع، والمبسوط 2: 85، والسرائر 2: 247.
(3) تقدم في الصفحة 92 - 93.
(4) كذا في " ق "، والأصح: " عدم تماميته "، كما في " ش ".
120

نعم، يمكن أن يقال هنا: إن المتبادر من جعل الخيار جعله في
زمان لولا الخيار لزم العقد، كما أشار إليه في السرائر، لكن لو تم هذا
لاقتضى كونه في الحيوان من حين انقضاء الثلاثة، مع أن هذا إنما يتم
مع العلم بثبوت خيار المجلس، وإلا فمع الجهل به لا يقصد إلا الجعل
من حين العقد، بل الحكم بثبوته من حين التفرق حكم على المتعاقدين
بخلاف قصدهما.
121

مسألة
يصح جعل الخيار لأجنبي.
قال في التذكرة: لو باع العبد وشرط الخيار للعبد صح البيع
والشرط عندنا (1) (2). وحكي عنه الإجماع في الأجنبي (3)، قال: لأن العبد
بمنزلة الأجنبي (4).
ولو جعل الخيار لمتعدد، كان كل منهم ذا خيار، فإن اختلفوا في
الفسخ والإجازة قدم الفاسخ، لأن مرجع الإجازة إلى إسقاط خيار
المجيز، بخلاف ما لو وكل جماعة في الخيار، فإن النافذ هو التصرف (5)
السابق، لفوات محل الوكالة بعد ذلك.
وعن الوسيلة: أنه إذا كان الخيار لهما واجتمعا على فسخ أو

(1) في " ش " زيادة: " معا ".
(2) راجع التذكرة 1: 521.
(3) حكى عنه ذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 562، وراجع التذكرة
1: 521، وفيه: " عندنا ".
(4) راجع التذكرة 1: 521.
(5) في " ش ": " تصرف ".
122

إمضاء نفذ، وإن لم يجتمعا بطل. وإن كان لغيرهما ورضي نفذ البيع، وإن
لم يرض كان المبتاع بالخيار بين الفسخ والإمضاء (1)، انتهى.
وفي الدروس: يجوز اشتراطه لأجنبي منفردا ولا اعتراض عليه،
ومعهما أو مع أحدهما، ولو خولف أمكن اعتبار فعله، وإلا لم يكن
لذكره فائدة (2)، انتهى.
أقول (3): لو لم يمض فسخ الأجنبي مع إجازته والمفروض عدم
مضي إجازته مع فسخه، لم يكن لذكر الأجنبي فائدة.
ثم إنه ذكر غير واحد: أن الأجنبي يراعي المصلحة للجاعل (4).
ولعله لتبادره من الإطلاق، وإلا فمقتضى التحكيم نفوذ حكمه على
الجاعل من دون ملاحظة [مصلحة] (5)، فتعليل وجوب مراعاة الأصلح
بكونه أمينا لا يخلو عن نظر.
ثم إنه ربما يتخيل: أن اشتراط الخيار للأجنبي مخالف للمشروع،
نظرا إلى أن الثابت في الشرع صحة الفسخ بالتفاسخ، أو بدخول الخيار
بالأصل كخياري المجلس والشرط، أو بالعارض كخيار الفسخ برد الثمن
لنفس المتعاقدين.

(1) حكاه في الجواهر 23: 34، وراجع الوسيلة: 238.
(2) الدروس 3: 268.
(3) في " ش " زيادة: " و ".
(4) منهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 562، وصاحب الجواهر في الجواهر
23: 35.
(5) لم يرد في " ق ".
123

وهو ضعيف بمنع (1) اعتبار كون الفسخ من أحد المتعاقدين شرعا
ولا عقلا، بل المعتبر فيه تعلق حق الفاسخ بالعقد أو بالعين وإن كان
أجنبيا، فحينئذ يجوز للمتبايعين اشتراط حق للأجنبي في العقد، وسيجئ
نظيره في إرث الزوجة للخيار مع عدم إرثها من العين (2).

(1) في " ش ": " لمنع ".
(2) انظر الجزء السادس، الصفحة 111 - 114.
124

مسألة
يجوز لهما اشتراط الاستئمار، بأن يستأمر المشروط عليه الأجنبي
في أمر العقد فيأتمر بأمره، أو بأن يأتمره إذا أمره ابتداء.
وعلى الأول: فإن فسخ المشروط عليه من دون استئمار لم ينفذ.
ولو استأمره، فإن أمره بالإجازة لم يكن له الفسخ قطعا، إذ الغرض
من الشرط ليس مجرد الاستئمار، بل الالتزام بأمره، مع أنه لو كان
الغرض مجرد ذلك لم يوجب ذلك أيضا ملك الفسخ. وإن أمره بالفسخ
لم يجب عليه الفسخ، بل غاية الأمر ملك الفسخ حينئذ، إذ لا معنى
لوجوب الفسخ عليه، أما مع عدم رضا الآخر بالفسخ فواضح، إذ
المفروض أن الثالث لا سلطنة له على الفسخ والمتعاقدان لا يريدانه،
وأما مع طلب الآخر للفسخ فلأن وجوب الفسخ حينئذ على المستأمر
- بالكسر - راجع إلى حق لصاحبه عليه، فإن اقتضى اشتراط الاستئمار
ذلك الحق [على صاحبه] (1) عرفا، فمعناه سلطنة صاحبه على الفسخ،
فيرجع اشتراط الاستئمار إلى شرط لكل منهما على صاحبه.

(1) لم يرد في " ق ".
125

والحاصل: أن اشتراط الاستئمار من واحد منهما على صاحبه إنما
يقتضي ملكه للفسخ إذا أذن له الثالث المستأمر، واشتراطه لكل منهما
على صاحبه يقتضي ملك كل واحد منهما للفسخ عند الإذن.
ومما ذكرنا يتضح حكم الشق الثاني، وهو الائتمار بأمره الابتدائي،
فإنه إن كان شرطا لأحدهما ملك الفسخ لو أمره به، وإن كان لكل
منهما ملكا كذلك.
ثم في اعتبار مراعاة المستأمر للمصلحة وعدمه وجهان، [أوجههما] (1)
العدم إن لم يستفد الاعتبار من إطلاق العقد بقرينة حالية أو مقالية.

(1) لم يرد في " ق ".
126

مسألة
من أفراد خيار الشرط: ما يضاف البيع إليه، ويقال له: " بيع
الخيار "، وهو جائز عندنا كما في التذكرة (1)، وعن غيرها: الإجماع
عليه (2).
وهو: أن يبيع شيئا ويشترط الخيار لنفسه مدة بأن يرد الثمن فيها
ويرتجع المبيع.
والأصل فيه - بعد العمومات المتقدمة في الشرط (3) - النصوص
المستفيضة.
منها: موثقة إسحاق بن عمار قال: " سمعت من يسأل أبا عبد الله عليه السلام
يقول، وقد سأله: رجل مسلم احتاج إلى بيع داره، فمشى إلى أخيه
فقال له: أبيعك داري هذه ويكون لك أحب إلي من أن يكون لغيرك،

(1) التذكرة 1: 521.
(2) كما في جامع المقاصد 4: 293، والمسالك 3: 202، ومفتاح الكرامة 4:
565.
(3) تقدمت في الصفحة 111 - 112 وغيرها.
127

على أن تشترط لي أني إذا جئتك بثمنها إلى سنة تردها علي؟ قال:
لا بأس بهذا، إن جاء بثمنها ردها عليه. قلت: أرأيت لو كان للدار
غلة لمن تكون؟ قال: للمشتري، ألا ترى أنها لو احترقت كانت من
ماله " (1).
ورواية معاوية بن ميسرة، قال: " سمعت أبا الجارود يسأل
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع دارا [له] (2) من رجل، وكان بينه
وبين الذي اشترى [منه] (3) الدار خلطة، فشرط: أنك إن أتيتني بمالي
ما بين ثلاث سنين فالدار دارك، فأتاه بماله؟ قال: له شرطه. قال له
أبو الجارود: فإن هذا الرجل قد أصاب في هذا المال في ثلاث سنين؟
قال: هو ماله، وقال عليه السلام: أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من
كانت؟ تكون الدار دار المشتري " (4).
وعن سعيد بن يسار في الصحيح، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إنا نخالط أناسا من أهل السواد وغيرهم فنبيعهم ونربح عليهم في
العشرة اثنى عشر وثلاثة عشر، ونؤخر ذلك فيما بيننا وبينهم السنة
ونحوها، ويكتب لنا رجل منهم على داره أو أرضه بذلك المال الذي
فيه الفضل الذي أخذ منا شراء بأنه باع وقبض الثمن منه، فنعده إن هو
جاء بالمال إلى وقت بيننا وبينهم أن نرد عليه الشراء، فإن جاء الوقت

(1) الوسائل 12: 355، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) لم يرد في " ق ".
(4) الوسائل 12: 355 - 356، الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث 3.
128

ولم يأتنا بالدراهم فهو لنا، فما ترى في هذا الشراء؟ قال: أرى أنه لك
إن لم يفعله، وإن جاء بالمال (1) فرد عليه " (2).
وعن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إن بعت رجلا
على شرط، فإن أتاك بمالك، وإلا فالبيع لك " (3).
إذا عرفت هذا فتوضيح المسألة يتحقق بالكلام في أمور:
الأول
أن اعتبار رد الثمن في هذا الخيار يتصور على وجوه:
أحدها: أن يؤخذ قيدا للخيار على وجه التعليق أو التوقيت،
فلا خيار قبله، ويكون مدة الخيار منفصلة دائما عن العقد ولو بقليل،
ولا خيار قبل الرد. والمراد برد الثمن: فعل ما له دخل في القبض من
طرفه وإن أبى المشتري.
الثاني: أن يؤخذ قيدا للفسخ بمعنى أن له الخيار في كل جزء من
المدة المضروبة والتسلط على الفسخ على وجه مقارنته لرد الثمن أو
تأخره عنه.
الثالث: أن يكون رد الثمن فسخا فعليا، بأن يراد منه تمليك الثمن
ليتملك منه المبيع.
وعليه حمل في الرياض ظاهر الأخبار الدالة على عود المبيع

(1) في " ش " زيادة: " المؤقت "، والموجود في المصادر الحديثية: " للوقت ".
(2) الوسائل 12: 354، الباب 7 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(3) نفس المصدر، الحديث 2.
129

بمجرد رد الثمن (1).
الرابع: أن يؤخذ رد الثمن قيدا لانفساخ العقد، فمرجع ثبوت
الخيار له إلى كونه مسلطا على سبب الانفساخ لا على مباشرة الفسخ.
وهذا هو الظاهر من رواية معاوية بن ميسرة (2)، ويحتمل الثالث،
كما هو ظاهر روايتي سعيد بن يسار وموثقة إسحاق بن عمار (3).
وعنوان المسألة بهذا الوجه هو الظاهر من الغنية حيث لم يذكر
هذا القسم من البيع في الخيار أصلا، وإنما ذكره في أمثلة الشروط
الجائزة في متن العقد، قال: أن يبيع ويشترط على المشتري إن رد الثمن
عليه في وقت كذا كان المبيع له (4)، انتهى.
الخامس: أن يكون رد الثمن شرطا لوجوب الإقالة على المشتري،
بأن يلتزم المشتري على نفسه أن يقيله إذا جاء بالثمن واستقاله. وهو
ظاهر الوسيلة، حيث قال: إذا باع شيئا على أن يقيله في وقت كذا بمثل الثمن
الذي باعه منه لزمته الإقالة إذا جاءه بمثل الثمن في المدة (5)، انتهى.
وحينئذ (6) فإن أبى أجبره الحاكم أو أقال عنه، وإلا استقل بالفسخ.
وهو محتمل روايتي سعيد بن يسار وإسحاق بن عمار على أن

(1) الرياض 8: 189.
(2) المتقدمة في الصفحة 128.
(3) تقدمتا في الصفحة 127 - 128.
(4) الغنية: 215.
(5) الوسيلة: 249.
(6) لم ترد " وحينئذ " في " ش ".
130

يكون " رد المبيع إلى البائع " فيهما كناية عن ملزومه وهي الإقالة،
لا أن يكون وجوب الرد كناية عن تملك البائع للمبيع بمجرد فسخه بعد
رد الثمن على ما فهمه الأصحاب (1)، ومرجعه إلى أحد الأولين.
والأظهر في كثير من العبارات - مثل الشرائع والقواعد والتذكرة (2) -
هو الثاني.
لكن الظاهر صحة الاشتراط بكل من الوجوه الخمسة عدا الرابع،
فإن فيه إشكالا من جهة أن انفساخ البيع بنفسه بدون إنشاء فعلي أو قولي
يشبه انعقاده بنفسه في مخالفة المشروع من توقف المسببات على أسبابها
الشرعية، وسيجئ في باب الشروط ما يتضح به صحة ذلك وسقمه (3).
الثاني (4)
الثمن المشروط رده: إما أن يكون في الذمة، وإما أن يكون
معينا. وعلى كل تقدير: إما أن يكون قد قبضه، وإما أن (5) لم يقبضه.
فإن لم يقبضه فله الخيار وإن لم يتحقق رد الثمن، لأنه شرط على
تقدير قبضه. وإن لم يفسخ حتى انقضت المدة لزم البيع. ويحتمل العدم،
بناء على أن اشتراط الرد بمنزلة اشتراط القبض [قبله] (6).

(1) راجع المقابس: 248، والمصابيح (مخطوط): 137.
(2) راجع الشرائع 2: 22، والقواعد 2: 66، والتذكرة 1: 521.
(3) انظر الجزء السادس، الصفحة 59 - 60.
(4) في " ش " وهامش " ف ": " الأمر الثاني "، وكذا في الموارد الآتية.
(5) لم ترد " أن " في " ش ".
(6) لم يرد في " ق ".
131

وإن قبض الثمن المعين:
فإما أن يشترط رد عينه.
أو يشترط رد ما يعم بدله مع عدم التمكن من العين بسبب
لا منه، أو مطلقا، أو ولو مع التمكن منه، على إشكال في الأخير من
حيث اقتضاء الفسخ شرعا - بل لغة - رد العين مع الإمكان. وفي جواز
اشتراط رد القيمة في المثلي والعكس (1) وجهان.
وإما أن يطلق.
فعلى الأول، لا خيار إلا برد العين، فلو تلف لا من البائع فالظاهر
عدم الخيار، إلا أن يكون إطلاق اشتراط رد العين في الخيار لإفادة
سقوطه بإتلاف البائع، فيبقى الخيار في إتلاف غيره على حاله. وفيه نظر.
وعلى الثاني، فله رد البدل في موضع صحة الاشتراط.
وأما الثالث، فمقتضى ظاهر الشرط فيه رد العين. ويظهر من
إطلاق محكي الدروس وحاشية الشرائع: أن الإطلاق لا يحمل على
العين (2). ويحتمل حمله على الثمن الكلي، وسيأتي (3).

(1) كذا في " ق "، وفي غيره: " بالعكس ".
(2) راجع الدروس 3: 269، ولم نعثر عليه في حاشية الشرائع للمحقق الكركي
- لأن الموجود عندنا ناقص - ولا على الحاكي عنه، نعم جاء في مفتاح الكرامة
4: 565 هكذا: " ولا يحمل إطلاقه على العين كما صرح به الشهيد والمحقق
الثاني في حاشيته "، والظاهر أن المراد حاشيته على الإرشاد، لأنه جاء فيها:
" ولا يحمل الإطلاق على عين الثمن " حاشية الإرشاد (مخطوط): 257.
(3) في الصفحة الآتية.
132

وإن كان الثمن كليا، فإن كان في ذمة البائع - كما هو مضمون
رواية سعيد بن يسار المتقدمة (1) - فرده بأداء ما في الذمة، سواء
قلنا: إنه عين الثمن أو بدله، من حيث إن ما في ذمة البائع سقط
عنه بصيرورته ملكا له، فكأنه تلف، فالمراد برده المشترط: رد
بدله.
وإن لم يكن الثمن في ذمة البائع وقبضه، فإن شرط رد ذلك الفرد
المقبوض أو رد مثله - بأحد الوجوه المتقدمة (2) - فالحكم على مقتضى
الشرط. وإن أطلق فالمتبادر بحكم الغلبة في هذا القسم من البيع
- المشتهر ببيع الخيار - هو رد ما يعم البدل، إما مطلقا، أو مع فقد
العين.
ويدل عليه صريح (3) بعض الأخبار المتقدمة (4) إلا أن المتيقن منها
صورة فقد العين.
الثالث
قيل (5): ظاهر الأصحاب - بناء على ما تقدم: من أن رد الثمن في
هذا البيع عندهم مقدمة لفسخ البائع - أنه لا يكفي مجرد الرد في الفسخ.

(1) تقدمت في الصفحة 128.
(2) راجع الصفحة المتقدمة.
(3) في " ش ": " صريحا ".
(4) كما في رواية ابن ميسرة المتقدمة في الصفحة 128.
(5) راجع مفتاح الكرامة 4: 565، والمقابس: 248، والمناهل: 333.
133

وصرح به في الدروس (1) وغيره (2).
ولعل منشأ الظهور: أن هذا القسم فرد من خيار الشرط مع
اعتبار شئ زائد فيه، وهو رد الثمن. وعللوا ذلك أيضا: بأن الرد من
حيث هو لا يدل على الفسخ أصلا (3). وهو حسن مع عدم الدلالة، أما
لو فرض الدلالة عرفا - إما بأن يفهم منه كونه تمليكا للثمن من
المشتري ليتملك منه المبيع على وجه المعاطاة، وإما بأن يدل الرد بنفسه
على الرضا بكون المبيع ملكا له والثمن ملكا للمشتري - فلا وجه لعدم
الكفاية مع اعترافهم بتحقق الفسخ فيما هو أخفى من ذلك دلالة.
وما قيل: من أن الرد يدل على إرادة الفسخ والإرادة غير المراد (4).
ففيه: أن المدعى دلالته على إرادة كون المبيع ملكا له والثمن ملكا
للمشتري، ولا يعتبر في الفسخ الفعلي أزيد من هذا، مع أن ظاهر الأخبار
كفاية الرد في وجوب رد المبيع بل قد عرفت في رواية معاوية بن ميسرة
حصول تملك المبيع برد الثمن (5)، فيحمل على تحقق الفسخ الفعلي به.

(1) الدروس 3: 269.
(2) مثل المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 292، والشهيد الثاني في المسالك 3:
202.
(3) علله بذلك المحقق الكركي في جامع المقاصد 4: 292، والسيد العاملي في
مفتاح الكرامة 4: 565، والسيد المجاهد في المناهل: 333، والمحقق التستري في
المقابس: 248.
(4) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 565، والسيد المجاهد في المناهل:
333.
(5) راجع الرواية في الصفحة 128.
134

الرابع
يسقط هذا الخيار بإسقاطه بعد العقد على الوجه الثاني من
الوجهين الأولين، بل وعلى الوجه الأول، بناء على أن تحقق السبب
- وهو العقد - كاف في صحة إسقاط الحق. لكن مقتضى ما صرح به في
التذكرة: من أنه لا يجوز إسقاط خيار الشرط أو الحيوان بعد العقد (1)
- بناء على حدوثهما من زمان التفرق - عدم الجواز أيضا. إلا أن يفرق
هنا: بأن المشروط له مالك للخيار قبل الرد - ولو من حيث تملكه للرد
الموجب له - فله إسقاطه، بخلاف ما في التذكرة.
ويسقط أيضا بانقضاء المدة وعدم رد الثمن أو بدله مع الشرط أو
مطلقا، على التفصيل المتقدم.
ولو تبين المردود من غير الجنس فلا رد. ولو ظهر معيبا كفى في
الرد، وله الاستبدال.
ويسقط أيضا بالتصرف في الثمن المعين مع اشتراط رد العين أو
حمل الإطلاق عليه، وكذا الفرد المدفوع من الثمن الكلي إذا حمل
الإطلاق على اعتبار رد عين المدفوع. كل ذلك لإطلاق ما دل (2) على
أن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه رضا بالعقد ولا خيار. وقد عمل

(1) لم نعثر عليه بعينه، نعم جاء فيها: " لو قلنا: بأن مبدأ المدة العقد وأسقطا
الخيار مطلقا قبل التفرق سقط الخياران: خيار المجلس والشرط، وإن قلنا بالتفرق
سقط خيار المجلس دون خيار الشرط، لأنه غير ثابت " التذكرة 1: 520.
(2) يدل عليه ما في الوسائل 12: 351، الباب 4 وغيره من أبواب الخيار.
135

الأصحاب بذلك في غير مورد النص كخياري المجلس والشرط.
وظاهر المحكي (1) عن المحقق الأردبيلي وصاحب الكفاية: (2) عدم
سقوط هذا الخيار بالتصرف في الثمن، لأن المدار في هذا الخيار عليه،
لأنه شرع لانتفاع البائع بالثمن، فلو سقط الخيار سقطت الفائدة،
وللموثق المتقدم (3) المفروض في مورده تصرف البائع في الثمن وبيع الدار
لأجل ذلك (4).
والمحكي عن العلامة الطباطبائي في مصابيحه الرد على ذلك - بعد
الطعن عليه بمخالفته لما عليه الأصحاب - بما محصله: أن التصرف
المسقط ما وقع في زمان الخيار ولا خيار إلا بعد الرد، ولا ينافي شئ
مما ذكر لزومه بالتصرف بعد الرد، لأن ذلك منه بعده لا قبله وإن كان
قادرا على إيجاد سببه فيه، إذ المدار على الفعل لا على القوة، على أنه
لا يتم فيما اشترط فيه الرد في وقت منفصل عن العقد كيوم بعد سنة
مثلا (5)، انتهى محصل كلامه.

(1) حكاه السيد المجاهد في المناهل: 340، وراجع مجمع الفائدة 8: 402 و 413،
وكفاية الأحكام: 92.
(2) في " ش " زيادة: " أن الظاهر ".
(3) المتقدم في الصفحة 127 - 128.
(4) ذكر التعليل في مجمع الفائدة 8: 413، مع تفاوت في الألفاظ، نعم حكاه
عنه السيد المجاهد في المناهل: 340 بالألفاظ المذكورة.
(5) حكاه عنه السيد المجاهد في المناهل: 341، والعبارة المحكية موجودة في
المصابيح (مخطوط): 139، وقد نقل الشيخ حاصلها، كما قال.
136

وناقش بعض من تأخر عنه فيما ذكره قدس سره - من كون حدوث
الخيار بعد الرد لا قبله -: بأن ذلك يقتضي جهالة مبدأ الخيار، وبأن
الظاهر من إطلاق العرف وتضعيف كثير من الأصحاب قول الشيخ (1)
بتوقف الملك على انقضاء الخيار ببعض الأخبار - المتقدمة في هذه المسألة
الدالة على أن غلة المبيع للمشتري - هو كون مجموع المدة زمان
الخيار (2)، انتهى.
أقول: في أصل الاستظهار المتقدم والرد المذكور عن المصابيح
والمناقشة على الرد نظر.
أما الأول: فلأنه لا مخصص لدليل سقوط الخيار بالتصرف
المنسحب في غير مورد النص عليه باتفاق الأصحاب.
وأما بناء هذا العقد على التصرف فهو من جهة أن الغالب
المتعارف البيع بالثمن الكلي، وظاهر الحال فيه كفاية رد مثل الثمن،
ولذا قوينا (3) حمل الإطلاق في هذه الصورة على ما يعم البدل، وحينئذ
فلا يكون التصرف في عين الفرد المدفوع دليلا على الرضا بلزوم العقد،
إذ لا منافاة بين فسخ العقد وصحة هذا التصرف واستمراره، وهو
مورد الموثق المتقدم أو منصرف إطلاقه.
أو من جهة تواطؤ المتعاقدين على ثبوت الخيار مع التصرف
أيضا، أو للعلم بعدم الالتزام بالعقد بمجرد التصرف في الثمن، وقد مر (4)

(1) يأتي قول الشيخ في أحكام الخيار، في مسألة: أن المبيع يملك بالعقد.
(2) الجواهر 23: 40، مع تفاوت في بعض الألفاظ.
(3) راجع الصفحة 133.
(4) مر في الصفحة 103.
137

أن السقوط بالتصرف ليس تعبدا شرعيا مطلقا حتى المقرون منه بعدم
الرضا بلزوم العقد.
وأما الثاني: فلأن المستفاد من النص والفتوى - كما عرفت (1) -
كون التصرف مسقطا فعليا كالقولي يسقط الخيار في كل مقام يصح
إسقاطه بالقول: والظاهر عدم الإشكال في جواز إسقاط الخيار قولا
قبل الرد.
هذا، مع أن حدوث الخيار بعد الرد مبني على الوجه الأول
- المتقدم (2) - من الوجوه الخمسة في مدخلية الرد في الخيار، ولا دليل
على تعيينه (3) في بيع الخيار المتعارف بين الناس، بل الظاهر من عبارة
غير واحد هو الوجه الثاني.
أو نقول: إن المتبع مدلول الجملة الشرطية الواقعة في متن العقد،
فقد يؤخذ الرد فيها قيدا للخيار وقد يؤخذ قيدا للفسخ.
نعم، لو جعل الخيار والرد في جزء معين من المدة - كيوم بعد
السنة - كان التصرف قبله تصرفا مع لزوم العقد، وجاء فيه الإشكال
في صحة الإسقاط هنا: (4) من عدم تحقق الخيار، ومن تحقق سببه.
وأما المناقشة في تحديد مبدأ الخيار بالرد بلزوم جهالة مدة الخيار،
ففيه: أنها لا تقدح مع تحديد زمان التسلط على الرد والفسخ بعده إن

(1) راجع الصفحة 104 و 107.
(2) تقدم في الصفحة 129.
(3) في " ش ": " تعينه ".
(4) في " ش " زيادة: " ولو قولا ".
138

شاء. نعم، ذكر في التذكرة: أنه لا يجوز اشتراط الخيار من حين التفرق
إذا جعلنا مبدأه عند الإطلاق من حين العقد (1). لكن الفرق يظهر
بالتأمل.
وأما الاستشهاد عليه بحكم العرف، ففيه: أن زمان الخيار عرفا
لا يراد به إلا ما كان الخيار متحققا فيه شرعا أو بجعل المتعاقدين،
والمفروض أن الخيار هنا جعلي، فالشك (2) في تحقق الخيار قبل الرد
بجعل المتعاقدين.
وأما ما ذكره بعض الأصحاب (3) في رد الشيخ من بعض أخبار
المسألة، فلعلهم فهموا من مذهبه توقف الملك على انقضاء زمان الخيار
مطلقا حتى المنفصل، كما لا يبعد عن إطلاق كلامه وإطلاق ما استدل
له به من الأخبار (4).
الخامس
لو تلف المبيع كان من المشتري، سواء كان قبل الرد أو بعده،
ونماؤه أيضا له مطلقا. والظاهر عدم سقوط خيار البائع، فيسترد المثل

(1) التذكرة 1: 520.
(2) في " ف ": " فالشأن ".
(3) كما ذكره السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 594، وصاحب الجواهر في
الجواهر 23: 80.
(4) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 5: 595: " وقد يحتج له برواية الحلبي
" فإذا افترقا فقد وجب البيع " "، وأخبار أخر أشار إليها في الجواهر 23: 81.
139

أو القيمة برد الثمن أو بدله. ويحتمل عدم الخيار، بناء على أن مورد
هذا الخيار هو إلزام أن له رد الثمن وارتجاع البيع (1)، وظاهره اعتبار
بقاء المبيع في ذلك، فلا خيار مع تلفه.
ثم إنه لا تنافي بين شرطية البقاء وعدم جواز تفويت الشرط،
فلا يجوز للمشتري إتلاف المبيع - كما سيجئ في أحكام الخيار (2) - لأن
غرض البائع من الخيار استرداد عين ماله، ولا يتم إلا بالتزام إبقائه
للبائع (3).
ولو تلف الثمن:
فإن كان بعد الرد وقبل الفسخ، فمقتضى ما سيجئ: من " أن
التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له " (4) كونه من المشتري وإن كان
ملكا للبائع، إلا أن يمنع شمول تلك القاعدة للثمن ويدعى اختصاصها
بالمبيع، كما ذكره بعض المعاصرين (5) واستظهره من رواية معاوية بن
ميسرة المتقدمة (6). ولم أعرف وجه الاستظهار، إذ ليس فيها إلا أن نماء
الثمن للبائع وتلف المبيع من المشتري، وهما إجماعيان حتى في مورد
كون التلف ممن لا خيار له، فلا حاجة لهما إلى تلك الرواية، ولا تكون

(1) كذا، والظاهر: " المبيع ".
(2) يجئ في الجزء السادس، الصفحة 144.
(3) في " ف ": " على البائع ".
(4) يجئ في الجزء السادس، الصفحة 176.
(5) ذكره صاحب الجواهر في الجواهر 23: 88.
(6) تقدمت في الصفحة 128.
140

الرواية مخالفة للقاعدة، وإنما المخالف لها هي قاعدة " أن الخراج بالضمان "
إذا انضمت إلى الإجماع على كون النماء للمالك. نعم، الإشكال في عموم
تلك القاعدة للثمن كعمومها لجميع أفراد الخيار. لكن الظاهر من إطلاق
غير واحد عموم القاعدة للثمن واختصاصها بالخيارات الثلاثة - أعني
خيار المجلس والشرط والحيوان - وسيجئ الكلام في أحكام الخيار (1).
وإن كان التلف قبل الرد فمن البائع (2)، بناء على عدم ثبوت الخيار
قبل الرد.
وفيه - مع ما عرفت من منع المبنى -: منع البناء، فإن دليل
ضمان من لا خيار له مال صاحبه هو تزلزل البيع سواء كان بخيار
متصل أم بمنفصل، كما يقتضيه أخبار تلك المسألة، كما سيجئ (3).
ثم إن قلنا: بأن تلف الثمن من المشتري انفسخ البيع، وإن قلنا:
بأنه من البائع فالظاهر بقاء الخيار، فيرد البدل ويرتجع المبيع.
السادس
لا إشكال في القدرة على الفسخ برد الثمن على نفس المشتري،
أو برده على وكيله المطلق أو الحاكم أو العدول مع التصريح بذلك

(1) سيجئ في الجزء السادس، الصفحة 178 - 181.
(2) كذا في " ش "، ولكن في " ق " و " ف " بدل " البائع ": " المشتري "، والظاهر
أنه من سهو القلم.
(3) انظر الجزء السادس، الصفحة 175، مسألة أن المبيع في ضمان من ليس له
الخيار.
141

في العقد.
وإن كان المشروط هو رده إلى المشتري مع عدم التصريح ببدله،
فامتنع رده إليه عقلا لغيبة ونحوها، أو شرعا لجنون ونحوه، ففي حصول
الشرط برده إلى الحاكم، كما اختاره المحقق القمي - في بعض أجوبة
مسائله (1) - وعدمه، كما اختاره سيد مشايخنا في مناهله (2)، قولان.
وربما يظهر من صاحب الحدائق الاتفاق على عدم لزوم رد الثمن
إلى المشتري مع غيبته، حيث إنه بعد [نقل] (3) قول المشهور بعدم
اعتبار حضور الخصم في فسخ ذي الخيار، وأنه لا اعتبار بالإشهاد
- خلافا لبعض علمائنا - قال: إن ظاهر الرواية اعتبار حضور المشتري
ليفسخ البائع بعد دفع الثمن إليه، فما ذكروه: من جواز الفسخ مع عدم
حضور المشتري وجعل الثمن أمانة إلى أن يجئ المشتري، وإن كان
ظاهرهم الاتفاق عليه، إلا أنه بعيد عن مساق الأخبار المذكورة (4)،
انتهى.
أقول: لم أجد فيما رأيت من تعرض لحكم رد الثمن مع غيبة
المشتري في هذا الخيار، ولم يظهر منهم جواز الفسخ بجعل الثمن أمانة
عند البائع حتى يحضر المشتري. وذكرهم لعدم اعتبار حضور الخصم في
فسخ ذي الخيار إنما هو لبيان حال الفسخ من حيث هو في مقابل

(1) جامع الشتات 2: 141، المسألة 99.
(2) المناهل: 334.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) الحدائق 19: 35 - 36.
142

العامة وبعض الخاصة (1)، حيث اشترطوا في الفسخ بالخيار حضور
الخصم، ولا تنافي بينه وبين اعتبار حضوره لتحقق شرط آخر للفسخ،
وهو رد الثمن إلى المشتري، مع أن ما ذكره من أخبار المسألة لا يدل
على اعتبار حضور الخصم في الفسخ وإن كان موردها صورة حضوره
لأجل تحقق الرد، إلا أن الفسخ قد يتأخر عن الرد بزمان، بناء على
مغايرة الفسخ للرد وعدم الاكتفاء به عنه.
نعم، لو قلنا بحصول الفسخ بالرد اختص موردها بحضور الخصم.
لكن الأصحاب لم ينكروا اعتبار الحضور في هذا الخيار، خصوصا لو
فرض قولهم بحصول الفسخ برد (2) الثمن، فافهم.
وكيف كان، فالأقوى فيما لم يصرح باشتراط الرد إلى خصوص
المشتري هو قيام الولي مقامه، لأن الظاهر من " الرد إلى المشتري "
حصوله عنده وتملكه له حتى لا يبقى الثمن في ذمة البائع بعد الفسخ،
ولذا لو دفع إلى وارث المشتري كفى. وكذا لو رد وارث البائع مع أن
المصرح به في العقد رد البائع، وليس ذلك لأجل إرثه للخيار، لأن
ذلك متفرع على عدم مدخلية خصوص البائع في الرد، وكذا الكلام في
وليه.
ودعوى: أن الحاكم إنما يتصرف في مال الغائب على وجه الحفظ

(1) أما بعض الخاصة فهو ابن الجنيد كما نقله العلامة في المختلف 5: 76، وأما
العامة فنسبه في التذكرة 1: 522، إلى أبي حنيفة ومحمد، ومثله في الخلاف 3:
35، ذيل المسألة 47، من كتاب البيوع، وراجع الفتاوى الهندية 3: 43.
(2) في " ش ": " بمجرد رد ".
143

أو (1) المصلحة، والثمن قبل رده باق على ملك البائع، وقبضه عنه
الموجب لسلطنة البائع على الفسخ قد لا يكون مصلحة للغائب أو
شبهه، فلا يكون وليا في القبض، فلا يحصل ملك المشتري المدفوع بعد
الفسخ.
مدفوعة: بأن هذا ليس تصرفا اختياريا من قبل الولي حتى
يناط بالمصلحة، بل البائع حيث وجد من هو منصوب شرعا لحفظ مال
الغائب صح له الفسخ، إذ لا يعتبر فيه قبول المشتري أو وليه للثمن
حتى يقال: إن ولايته في القبول متوقفة على المصلحة، بل المعتبر تمكين
المشتري أو وليه منه إذا حصل الفسخ.
ومما ذكرنا يظهر جواز الفسخ برد الثمن إلى عدول المؤمنين
ليحفظوها حسبة عن الغائب وشبهه.
ولو اشترى الأب للطفل بخيار البائع، فهل يصح له الفسخ مع رد
الثمن إلى الولي الآخر - أعني الجد - مطلقا، أو مع عدم التمكن من الرد
إلى الأب، أو لا؟ وجوه.
ويجري مثلها فيما لو اشترى الحاكم للصغير، فرد البائع إلى حاكم
آخر، وليس في قبول الحاكم الآخر مزاحمة للأول حتى لا يجوز قبوله
للثمن، ولا يجري ولايته بالنسبة إلى هذه المعاملة بناء على عدم جواز
مزاحمة الحاكم (2) لحاكم آخر في مثل هذه الأمور، لما عرفت: من أن
أخذ الثمن من البائع ليس تصرفا اختياريا، بل البائع إذا وجد من

(1) في " ش " بدل " أو ": " و ".
(2) في " ش ": " حاكم ".
144

يجوز أن يتملك الثمن عن المشتري عند فسخه جاز له الفسخ. وليس
في مجرد تملك الحاكم الثاني الثمن عن المشتري مزاحمة للحاكم الأول،
غاية الأمر وجوب دفعه إليه، مع احتمال عدم الوجوب، لأن هذا ملك
جديد للصغير لم يتصرف فيه الحاكم الأول، فلا مزاحمة. لكن الأظهر
أنها مزاحمة عرفا.
السابع
إذا أطلق اشتراط الفسخ برد الثمن لم يكن له ذلك إلا برد
الجميع، فلو رد بعضه لم يكن له الفسخ. وليس للمشتري التصرف في
المدفوع إليه، لبقائه على ملك البائع.
والظاهر أنه ضامن له لو تلف إذا دفعه إليه على وجه الثمنية، إلا
أن يصرح بكونها أمانة عنده إلى أن يجتمع قدر الثمن فيفسخ البائع.
ولو شرط البائع الفسخ في كل جزء برد ما يخصه من الثمن جاز
الفسخ فيما قابل المدفوع، وللمشتري خيار التبعيض إذا لم يفسخ البائع
بقية المبيع وخرجت المدة. وهل له ذلك قبل خروجها؟ الوجه ذلك.
ويجوز اشتراط الفسخ في الكل برد جزء معين من الثمن في المدة،
بل بجزء غير معين، فيبقى الباقي في ذمة البائع بعد الفسخ.
الثامن
كما يجوز للبائع اشتراط الفسخ برد الثمن، كذا يجوز للمشتري
اشتراط الفسخ برد المثمن. ولا إشكال في انصراف الإطلاق إلى العين،
ولا في جواز التصريح برد بدله مع تلفه، لأن مرجعه إلى اشتراط الخيار
145

برد المبيع مع وجوده وبدله مع تلفه وعدم بقاء مال البائع عند المشتري
بعد الفسخ.
وفي جواز اشتراط رد بدله ولو مع التمكن من العين إشكال: من
أنه خلاف مقتضى الفسخ، لأن مقتضاه رجوع كل من العوضين إلى
صاحبه، فاشتراط البدل اشتراط للفسخ على وجه غير مشروع، بل
ليس فسخا في الحقيقة (1).
نعم، لو اشترط رد التالف بالمثل في القيمي وبالقيمة في المثلي
أمكن الجواز، لأنه بمنزلة اشتراط إيفاء ما في الذمة بغير جنسه،
لا اشتراط ضمان التالف المثلي بالقيمة والقيمي بالمثل، ولا اشتراط
رجوع غير ما اقتضاه العقد إلى البائع، فتأمل.
ويجوز اشتراط الفسخ لكل منهما برد ما انتقل إليه أو بدله، والله
العالم.

(1) لم يذكر المؤلف قدس سره الشق الآخر للإشكال، اتكالا على وضوحه، وهو
عموم: " المؤمنون عند شروطهم ".
146

مسألة
لا إشكال ولا خلاف في عدم اختصاص خيار الشرط بالبيع
وجريانه في كل معاوضة لازمة - كالإجارة والصلح والمزارعة والمساقاة -
بل قال في التذكرة: الأقرب عندي دخول خيار الشرط في كل عقد
معاوضة، خلافا للجمهور (1). ومراده ما يكون لازما، لأنه صرح بعدم
دخوله في الوكالة والجعالة والقراض والعارية والوديعة، لأن الخيار لكل
منهما دائما، فلا معنى لدخول خيار الشرط فيه (2).
والأصل فيما ذكر عموم " المؤمنون عند شروطهم " (3)، بل الظاهر
المصرح به في كلمات جماعة (4) دخوله في غير المعاوضات من العقود
اللازمة ولو من طرف واحد، بل إطلاقها يشمل العقود الجائزة، إلا أن

(1) التذكرة 1: 522.
(2) نفس المصدر.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.
(4) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 304 في الضمان والهبة وغيرهما،
والسيد المجاهد في المناهل: 336، والمحقق التستري في المقابس: 248، وراجع
مفتاح الكرامة 4: 569 أيضا.
147

يدعى من الخارج عدم معنى للخيار في العقد الجائز ولو من الطرف الواحد.
فعن الشرائع والإرشاد والدروس وتعليق الإرشاد ومجمع البرهان
والكفاية (1): دخول خيار الشرط في كل عقد سوى النكاح والوقف
والإبراء والطلاق والعتق. وظاهرها ما عدا الجائز، ولذا ذكر نحو هذه
العبارة في التحرير (2) بعدما منع الخيار في العقود الجائزة.
وكيف كان: فالظاهر عدم الخلاف بينهم في أن مقتضى عموم أدلة
الشرط الصحة في الكل وإنما الإخراج لمانع، ولذا قال في الدروس
- بعد حكاية المنع من دخول خيار الشرط في الصرف عن الشيخ قدس سره -:
إنه لم يعلم وجهه مع عموم صحيحة ابن سنان: " المؤمنون عند
شروطهم " (3)، فالمهم هنا بيان ما خرج عن هذا العموم.
فنقول: أما الإيقاعات، فالظاهر عدم الخلاف في عدم دخول
الخيار فيها، كما يرشد إليه استدلال الحلي في السرائر على عدم دخوله
في الطلاق بخروجه عن العقود (4).
قيل: لأن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين - كما ينبه عليه

(1) حكاه عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 568، راجع الشرائع 2:
23، والإرشاد 1: 375، والدروس 3: 268، وحاشية الإرشاد (مخطوط):
260، ومجمع الفائدة 8: 411، وكفاية الأحكام: 92.
(2) التحرير 1: 168.
(3) الدروس 3: 268، وفيه: " المسلمون " بدل " المؤمنون "، وهو مطابق
للمصدر، وراجع الحديث في الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب الخيار،
الحديثان 1 و 2.
(4) السرائر 2: 246.
148

جملة من الأخبار - والإيقاع إنما يقوم بواحد (1).
وفيه: أن المستفاد من الأخبار كون الشرط قائما بشخصين:
المشروط له، والمشروط عليه، لا كونه متوقفا على الإيجاب والقبول،
ألا ترى أنهم جوزوا أن يشترط في إعتاق العبد خدمة مدة (2) تمسكا
بعموم: " المؤمنون عند شروطهم "، غاية الأمر توقف لزومه - كاشتراط
مال على العبد - على قبول العبد على قول بعض (3). لكن هذا غير
اشتراط وقوع الشرط بين الإيجاب والقبول.
فالأولى الاستدلال عليه - مضافا إلى إمكان منع صدق الشرط،
أو (4) انصرافه، خصوصا على ما تقدم عن القاموس (5) -: بعدم مشروعية
الفسخ في الإيقاعات حتى تقبل لاشتراط التسلط على الفسخ فيها.
والرجوع في العدة ليس فسخا للطلاق، بل هو حكم شرعي في بعض
أقسامه لا يقبل (6) الثبوت في غير مورده، بل ولا السقوط في مورده.
ومرجع هذا إلى أن مشروعية الفسخ لا بد لها من دليل، وقد وجد في

(1) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 568، وصاحب الجواهر في الجواهر
23: 64، واللفظ للأول، وراجع الوسائل 12: 353، الباب 6 من أبواب
الخيار، الحديثان 1 و 4 وغيرهما في غير الباب.
(2) راجع المسالك 10: 292، ونهاية المرام 2: 251، وكشف اللثام (الطبعة
الحجرية) 2: 185.
(3) كما قاله العلامة في التحرير 2: 79.
(4) في " ش " بدل " أو ": " و ".
(5) تقدم في الصفحة 22.
(6) في " ق ": " لا تقبل ".
149

العقود من جهة مشروعية الإقالة وثبوت خيار المجلس والحيوان
وغيرهما في بعضها، بخلاف الإيقاعات، فإنه لم يعهد من الشارع تجويز
نقض أثرها بعد وقوعها حتى يصح اشتراط ذلك فيها.
وبالجملة، فالشرط لا يجعل غير السبب الشرعي سببا، فإذا لم
يعلم كون الفسخ سببا لارتفاع الإيقاع أو علم عدمه - بناء على أن
اللزوم في الإيقاعات حكم شرعي كالجواز في العقود الجائزة - فلا يصير
سببا باشتراط التسلط عليه في متن الإيقاع.
هذا كله، مضافا إلى الإجماع عن المبسوط ونفي الخلاف عن
السرائر على عدم دخوله في العتق والطلاق (1)، وإجماع المسالك على
عدم دخوله في العتق والإبراء (2).
ومما ذكرنا في الإيقاع يمكن أن يمنع دخول الخيار فيما تضمن
الإيقاع ولو كان عقدا، كالصلح المفيد فائدة الإبراء، كما في التحرير
وجامع المقاصد (3).
وفي غاية المرام: أن الصلح إن وقع معاوضة دخله خيار الشرط،
وإن وقع عما في الذمة مع جهالته أو على إسقاط الدعوى قبل ثبوتها
لم يدخله، لأن مشروعيته لقطع المنازعة فقط، واشتراط الخيار لعود
الخصومة ينافي مشروعيته، وكل شرط ينافي مشروعية العقد غير لازم (4)،
انتهى.

(1) المبسوط 2: 81، والسرائر 2: 246.
(2) المسالك 3: 212، وفيه: " محل وفاق ".
(3) التحرير 1: 167، وجامع المقاصد 4: 304.
(4) غاية المرام (مخطوط) 1: 295، وفيه: " غير جائز ".
150

والكبرى المذكورة في كلامه راجعة إلى ما ذكرنا في وجه المنع
عن الإيقاعات، ولا أقل من الشك في ذلك الراجع إلى الشك في سببية
الفسخ لرفع الإيقاع.
وأما العقود: فمنها ما لا يدخله اتفاقا، ومنها ما اختلف فيه،
ومنها ما يدخله اتفاقا.
فالأول: النكاح، فإنه لا يدخله اتفاقا، كما عن الخلاف والمبسوط
والسرائر وجامع المقاصد والمسالك: الإجماع عليه (1). ولعله لتوقف ارتفاعه
شرعا على الطلاق وعدم مشروعية التقايل فيه.
ومن الثاني:
الوقف، فإن المشهور عدم دخوله فيه، وعن المسالك:
أنه موضع وفاق (2). ويظهر من محكي السرائر والدروس وجود الخلاف
فيه (3). وربما علل باشتراط القربة فيه وأنه فك ملك بغير عوض (4)،
والكبرى في الصغريين ممنوعة.

(1) حكى الإجماع عنها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 568، وراجع
الخلاف 3: 16، المسألة 17 من كتاب البيوع، وفيه: "... بلا خلاف "، وتعرض
للمسألة في النكاح وحكم هناك أيضا بالبطلان، ولكن لم يتعرض للإجماع، راجع
الخلاف 4: 292، المسألة 59 من كتاب النكاح، والمبسوط 2: 81، والسرائر
2: 246، وجامع المقاصد 4: 303، والمسالك 3: 212، وفيه: "... محل وفاق ".
(2) المسالك 3: 212، وحكاه السيد المجاهد في المناهل: 336.
(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 568، وراجع السرائر 2: 245،
والدروس 3: 268.
(4) كما علله بذلك في جامع المقاصد 4: 303، ومفتاح الكرامة 4: 568 -
569.
151

ويمكن الاستدلال له بالموثقة المذكورة في مسألة شرط الواقف
كونه أحق بالوقف عند الحاجة، وهي قوله عليه السلام: " من أوقف أرضا
ثم قال: إن احتجت إليها فأنا أحق بها، ثم مات الرجل فإنها ترجع
في الميراث " (1) وقريب منها غيرها (2). وفي دلالتهما (3) على المدعى تأمل.
ويظهر من المحكي عن المشايخ الثلاثة في تلك المسألة (4) تجويز
اشتراط الخيار في الوقف (5)، ولعله (6) المخالف الذي أشير إليه في محكي
السرائر والدروس (7).
وأما حكم الصدقة فالظاهر أنه حكم الوقف، قال في التذكرة في
باب الوقف: إنه يشترط في الوقف الإلزام فلا يقع لو شرط الخيار فيه
لنفسه، ويكون الوقف باطلا كالعتق والصدقة (8)، انتهى.
لكن قال في باب خيار الشرط: أما الهبة المقبوضة، فإن كانت
لأجنبي غير معوض عنها ولا قصد بها القربة ولا تصرف [المتهب] (9)،

(1) التهذيب 9: 150، الحديث 612.
(2) راجع الوسائل 13: 297، الباب 3 من أبواب الوقوف، الحديث 3.
(3) في " ش ": " دلالتها ".
(4) في " ق " زيادة: " ما يظهر منه "، والظاهر أنها من سهو القلم.
(5) راجع المقنعة: 652، والانتصار: 468، المسألة 264، والنهاية: 595.
(6) كذا في النسخ، ولعل وجه إفراد الضمير باعتبار تقدير " كل واحد " قبل
" المشايخ الثلاثة ".
(7) تقدمت الحكاية عنهما في الصفحة السابقة.
(8) التذكرة 2: 434.
(9) في " ق " بدل " المتهب ": " الواهب "، وهو سهو من القلم.
152

يجوز للواهب الرجوع فيها، وإن اختل أحد القيود لزمت. وهل يدخلها
خيار الشرط؟ الأقرب ذلك (1)، انتهى.
وظاهره دخول الخيار في الهبة اللازمة حتى الصدقة.
وكيف كان، فالأقوى عدم دخوله فيها، لعموم ما دل على أنه
لا يرجع فيما كان لله (2)، بناء على أن المستفاد منه كون اللزوم حكما
شرعيا لماهية الصدقة، نظير الجواز للعقود الجائزة.
ولو شك في ذلك كفى في عدم سببية الفسخ التي يتوقف صحة
اشتراط الخيار عليها. وتوهم إمكان إثبات السببية بنفس دليل الشرط
واضح الاندفاع.
ومنه (3): الصلح، فإن الظاهر المصرح به في كلام جماعة - كالعلامة
في التذكرة (4) -: دخول الخيار فيه مطلقا، بل عن المهذب البارع في باب
الصلح: الإجماع على دخوله فيه بقول مطلق (5).
وظاهر المبسوط - كالمحكي عن الخلاف (6) -: عدم دخوله فيه مطلقا.
وقد تقدم التفصيل عن التحرير وجامع المقاصد وغاية المرام (7)

(1) التذكرة 1: 522.
(2) يدل عليه ما في الوسائل 13: 315، الباب 11 من أبواب الوقوف
والصدقات، وغيره من الأبواب.
(3) أي: من أقسام ما اختلف فيه.
(4) التذكرة 1: 522.
(5) المهذب البارع 2: 538.
(6) راجع المبسوط 2: 80، والخلاف 3: 12، المسألة 10 من كتاب البيوع.
(7) تقدم في الصفحة 150.
153

ولا يخلو عن قرب، لما تقدم من الشك في سببية الفسخ لرفع الإبراء أو
ما يفيد فائدته.
ومنه: الضمان، فإن المحكي عن ضمان التذكرة والقواعد (1): عدم
دخول خيار الشرط [فيه] (2)، وهو ظاهر المبسوط (3).
والأقوى دخوله فيه لو قلنا بالتقايل فيه.
ومنه: الرهن، فإن المصرح به في غاية المرام عدم ثبوت الخيار
للراهن (4)، لأن الرهن وثيقة للدين، والخيار ينافي الاستيثاق، ولعله
لذا استشكل في التحرير (5) وهو ظاهر المبسوط (6)، ومرجعه إلى أن
مقتضى طبيعة الرهن شرعا بل عرفا كونها وثيقة، والخيار مناف
لذلك.
وفيه: أن غاية الأمر كون وضعه على اللزوم، فلا ينافي جواز
جعل الخيار بتراضي الطرفين.
ومنه: الصرف، فإن صريح المبسوط والغنية والسرائر عدم دخول

(1) حكاه عنهما في مفتاح الكرامة 4: 569، وراجع التذكرة 2: 86، وفيه:
" وكذا لو شرط الضامن الخيار لنفسه كان باطلا "، والقواعد 2: 155.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) راجع المبسوط 2: 80.
(4) غاية المرام (مخطوط) 1: 295، وفيه: " وفي الراهن إشكال من أصالة
الجواز...، ومن منافاته لعقد الرهن، لأنه وثيقة لدين المرتهن، ومع حصول
الخيار ينفى الفائدة ".
(5) التحرير 1: 167، وفيه: " وفي الراهن إشكال ".
(6) راجع المبسوط 2: 79.
154

خيار الشرط فيه (1)، مدعين على ذلك الإجماع. ولعله لما ذكره في
التذكرة للشافعي - المانع عن دخوله في الصرف والسلم -: بأن (2)
المقصود من اعتبار التقابض فيهما أن يفترقا ولم يبق (3) بينهما علقة، ولو
أثبتنا الخيار بقيت العلقة (4).
والملازمة ممنوعة - كما في التذكرة -، ولذا جزم فيها بدخوله في
الصرف وإن استشكله أولا كما في القواعد (5).
ومن الثالث (6): أقسام البيع ما عدا الصرف ومطلق الإجارة
والمزارعة والمساقاة وغير ما ذكر من موارد الخلاف، فإن الظاهر عدم
الخلاف [فيها] (7).
واعلم أنه ذكر في التذكرة - تبعا للمبسوط (8) -: دخول خيار
الشرط في القسمة وإن لم يكن فيها رد (9). ولا يتصور إلا بأن يشترط
الخيار في التراضي القولي بالسهام، وأما التراضي الفعلي فلا يتصور
دخول خيار الشرط فيه، بناء على وجوب ذكر الشرط في متن العقد.

(1) المبسوط 2: 79، والغنية: 220، والسرائر 2: 244.
(2) كذا في " ق "، والمناسب: " من أن "، كما في " ش ".
(3) كذا في " ق "، وفي " ش ": " لا يبقى ".
(4) التذكرة 1: 522.
(5) القواعد 2: 67.
(6) وهو ما يدخله الخيار قطعا.
(7) لم يرد في " ق ".
(8) المبسوط 2: 82.
(9) التذكرة 1: 522.
155

ومنه يظهر عدم جريان هذا الخيار في المعاطاة وإن قلنا بلزومها
من أول الأمر أو بعد التلف، والسر في ذلك: أن الشرط القولي لا يمكن
ارتباطه بالإنشاء الفعلي.
وذكر فيهما أيضا دخول الخيار في الصداق (1). ولعله لمشروعية
الفسخ فيه في بعض المقامات، كما إذا زوجها الولي بدون مهر المثل.
وفيه نظر.
وذكر في المبسوط أيضا دخول هذا الخيار في السبق والرماية،
للعموم (2).
أقول: والأظهر بحسب القواعد إناطة دخول خيار الشرط بصحة
التقايل في العقد، فمتى شرع التقايل مع التراضي بعد العقد جاز تراضيهما
حين العقد على سلطنة أحدهما أو كليهما على الفسخ، فإن إقدامه على
ذلك حين العقد كاف في ذلك بعدما وجب عليه شرعا القيام والوفاء
بما شرطه على نفسه، فيكون أمر الشارع إياه بعد العقد بالرضا بما يفعله
صاحبه من الفسخ والالتزام وعدم الاعتراض عليه قائما مقام رضاه
الفعلي بفعل صاحبه، وإن لم يرض فعلا.
وأما إذا لم يصح التقايل فيه لم يصح اشتراط الخيار فيه، لأنه إذا
لم يثبت تأثير الفسخ بعد العقد عن تراض منهما، فالالتزام حين العقد
لسلطنة أحدهما عليه لا يحدث له أثرا، لما عرفت: من أن الالتزام
حين العقد لا يفيد إلا فائدة الرضا الفعلي بعد العقد بفسخ صاحبه،
ولا يجعل الفسخ مؤثرا شرعيا، والله العالم.

(1) المبسوط 2: 81، والتذكرة 1: 522.
(2) المبسوط 2: 81.
156

الرابع
خيار الغبن
وأصله الخديعة، قال في الصحاح: هو بالتسكين في البيع،
و (1) بالتحريك في الرأي (2).
وهو في اصطلاح الفقهاء: تمليك ماله بما يزيد على قيمته مع
جهل الآخر. وتسمية المملك غابنا والآخر مغبونا، مع أنه قد لا يكون
خدع أصلا - كما لو كانا جاهلين - لأجل غلبة صدور هذه المعاوضة
على وجه الخدع.
والمراد بما يزيد أو ينقص: العوض مع ملاحظة ما انضم إليه من
الشرط، فلو باع ما يسوي (3) مئة دينار بأقل منه مع اشتراط الخيار
للبائع، فلا غبن، لأن المبيع ببيع الخيار ينقص ثمنه عن المبيع بالبيع
اللازم، وهكذا غيره من الشروط.
والظاهر أن كون الزيادة مما لا يتسامح به شرط خارج عن

(1) في " ش " زيادة: " الغبن ".
(2) الصحاح 6: 2172، مادة " غبن ".
(3) كذا في " ق "، وفي " ش ": " ما يساوي ".
157

مفهومه، بخلاف الجهل بقيمته.
ثم إن ثبوت الخيار به مع الشرط المذكور هو المعروف بين
الأصحاب، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا (1)، وعن نهج الحق نسبته إلى
الإمامية (2)، وعن الغنية والمختلف الإجماع عليه صريحا (3). نعم، المحكي
عن المحقق قدس سره في درسه إنكاره (4). ولا يعد ذلك خلافا في المسألة،
كسكوت جماعة عن التعرض له.
نعم، حكي عن الإسكافي منعه (5). وهو شاذ.
واستدل في التذكرة على هذا الخيار بقوله تعالى: * (إلا أن تكون
تجارة عن تراض منكم) * (6) قال: ومعلوم أن المغبون لو عرف الحال لم
يرض (7). وتوجيهه: أن رضا المغبون بكون ما يأخذه عوضا عما يدفعه
مبني على عنوان مفقود، وهو عدم نقصه عنه في المالية، فكأنه قال:
" اشتريت هذا الذي يسوي (8) درهما بدرهم " فإذا تبين أنه لا يسوي (9)
درهما تبين أنه لم يكن راضيا به عوضا، لكن لما كان المفقود صفة

(1) التذكرة 1: 522.
(2) نهج الحق وكشف الصدق: 481.
(3) الغنية: 224، والمختلف 5: 44.
(4) حكاه الشهيد في الدروس 3: 275.
(5) حكاه عنه الشهيد في الدروس 3: 275، بهذه العبارة: " ويظهر من كلام ابن
الجنيد ".
(6) النساء: 29.
(7) التذكرة 1: 522.
(8) في " ش ": " يساوي ".
(9) في " ش ": " يساوي ".
158

من صفات المبيع لم يكن تبين فقده كاشفا عن بطلان البيع، بل كان
كسائر الصفات المقصودة التي لا يوجب تبين فقدها إلا الخيار، فرارا
عن استلزام لزوم المعاملة إلزامه بما لم يلتزم ولم يرض به، فالآية إنما
تدل على عدم لزوم العقد، فإذا حصل التراضي بالعوض الغير المساوي
كان كالرضا السابق، لفحوى حكم الفضولي والمكره.
ويضعف بمنع كون الوصف المذكور عنوانا، بل ليس إلا من قبيل
الداعي الذي لا يوجب تخلفه شيئا، بل قد لا يكون داعيا أيضا. كما
إذا كان المقصود ذات المبيع من دون ملاحظة مقدار ماليته، فقد يقدم
على أخذ الشئ وإن كان ثمنه أضعاف قيمته والتفت إلى احتمال ذلك،
مع أن أخذه على وجه التقييد لا يوجب خيارا إذا لم يذكر في متن
العقد.
ولو أبدل قدس سره هذه الآية بقوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل) * (1) كان أولى، بناء على أن أكل المال على وجه الخدع ببيع
ما يسوي درهما بعشرة مع عدم تسلط المخدوع بعد تبين خدعه على
رد المعاملة وعدم نفوذ رده أكل المال بالباطل، أما مع رضاه بعد التبين
بذلك فلا يعد أكلا بالباطل.
ومقتضى الآية وإن كان حرمة الأكل حتى قبل تبين الخدع، إلا
أنه خرج بالإجماع وبقي ما بعد اطلاع المغبون ورده للمعاملة.
لكن يعارض الآية ظاهر قوله تعالى: * (إلا أن تكون تجارة عن
تراض) * بناء على ما ذكرنا: من عدم خروج ذلك عن موضوع التراضي،

(1) البقرة: 188.
159

فمع التكافؤ يرجع إلى أصالة اللزوم. إلا أن يقال: إن التراضي مع
الجهل بالحال لا يخرج (1) عن كون أكل الغابن لمال المغبون الجاهل أكلا
بالباطل.
ويمكن أن يقال: إن آية التراضي يشمل غير صورة الخدع، كما
إذا أقدم المغبون على شراء العين محتملا لكونه بأضعاف قيمته، فيدل
على نفي الخيار في هذه الصورة من دون معارض (2)، فيثبت عدم الخيار
في الباقي بعدم القول بالفصل، فتعارض مع آية النهي، المختصة بصورة
الخدع، الشاملة غيرها بعدم القول بالفصل، فيرجع بعد تعارضهما
بضميمة عدم القول بالفصل وتكافئهما إلى أصالة اللزوم.
واستدل أيضا في التذكرة: بأن النبي صلى الله عليه وآله أثبت الخيار في
تلقي الركبان وإنما أثبته للغبن (3). ويمكن أن يمنع صحة حكاية إثبات
الخيار، لعدم (4) وجودها في الكتب المعروفة بين الإمامية ليقبل ضعفه
الانجبار بالعمل.

(1) كذا في " ق "، لكن قال الشهيدي قدس سره - بعد أن ذكر العبارة بصيغة الإثبات
وبيان الغرض منها -: " فما استشكل به سيدنا الأستاذ قدس سره على العبارة ناش
عن الغلط في نسخته من حيث اشتمالها على كلمة " لا " قبل " يخرج " "، هداية
الطالب: 454، وراجع حاشية السيد اليزدي في مبحث الخيارات: 35، ذيل
قول المؤلف: إلا أن يقال...
(2) في " ش ": " معارضة ".
(3) التذكرة 1: 522.
(4) كذا في " ش " ومصححة " ف "، وفي " ق ": " وعدم ".
160

وأقوى ما استدل به على ذلك في التذكرة (1) وغيرها (2) قوله صلى الله عليه وآله:
" لا ضرر ولا ضرار في الإسلام " (3)، وكأن وجه الاستدلال: أن لزوم
مثل هذا البيع وعدم تسلط المغبون على فسخه ضرر عليه وإضرار به
فيكون منفيا، فحاصل الرواية: أن الشارع لم يحكم بحكم يكون فيه
الضرر ولم يسوغ إضرار المسلمين بعضهم بعضا، ولم يمض لهم من
التصرفات ما فيه ضرر على الممضى عليه.
ومنه يظهر صحة التمسك لتزلزل كل عقد يكون لزومه ضررا على
الممضى عليه، سواء كان من جهة الغبن أم لا، وسواء كان في البيع أم في
غيره، كالصلح الغير المبني على المسامحة والإجارة وغيرها من المعاوضات.
هذا، ولكن يمكن الخدشة في ذلك: بأن انتفاء اللزوم وثبوت التزلزل
في العقد لا يستلزم ثبوت الخيار للمغبون بين الرد والإمضاء بكل الثمن،
إذ يحتمل أن يتخير بين إمضاء العقد بكل الثمن ورده في المقدار الزائد،
غاية الأمر ثبوت الخيار للغابن، لتبعض المال عليه، فيكون حال المغبون
حال المريض إذا اشترى بأزيد من ثمن المثل، وحاله بعد العلم بالقيمة
حال الوارث إذا مات ذلك المريض المشتري، في أن له استرداد الزيادة
من دون رد جزء من العوض، كما عليه الأكثر في معاوضات المريض
المشتملة على المحاباة (4) وإن اعترض عليهم العلامة بما حاصله: أن

(1) التذكرة 1: 522.
(2) كما استدل به في الغنية: 224، والتنقيح الرائع 2: 47، والرياض 8: 190 وغيرها.
(3) الوسائل 17: 376، الباب الأول من أبواب موانع الإرث، الحديث 10.
(4) راجع جامع المقاصد 11: 141، والجواهر 28: 473 - 474.
161

استرداد بعض أحد العوضين من دون رد بعض الآخر ينافي مقتضى
المعاوضة (1).
ويحتمل أيضا أن يكون نفي اللزوم بتسلط المغبون على إلزام
الغابن بأحد الأمرين: من الفسخ في الكل، ومن تدارك ما فات على
المغبون برد القدر الزائد أو بدله، ومرجعه إلى أن للمغبون الفسخ إذا لم
يبذل الغابن التفاوت، فالمبذول غرامة لما فات على المغبون على تقدير
إمضاء البيع، لا هبة مستقلة كما في الإيضاح وجامع المقاصد، حيث
انتصرا للمشهور - القائلين بعدم سقوط الخيار ببذل الغابن للتفاوت -:
بأن الهبة المستقلة لا تخرج المعاملة عن الغبن الموجب للخيار (2)،
وسيجئ ذلك (3).
وما ذكرنا نظير ما اختاره العلامة في التذكرة واحتمله في القواعد:
من أنه إذا ظهر كذب البائع مرابحة في إخباره برأس المال فبذل المقدار
الزائد مع ربحه، فلا خيار للمشتري (4)، فإن مرجع هذا إلى تخيير البائع
بين رد التفاوت وبين الالتزام بفسخ المشتري.
وحاصل الاحتمالين: عدم الخيار للمغبون مع بذل الغابن للتفاوت،
فالمتيقن من ثبوت الخيار له صورة امتناع الغابن من البذل. ولعل هذا

(1) راجع القواعد 2: 536، والمختلف 6: 427.
(2) الإيضاح 1: 485، وجامع المقاصد 4: 294.
(3) سيجئ في الصفحة الآتية.
(4) التذكرة 1: 544، ولم نعثر عليه في القواعد، راجع مبحث المرابحة في القواعد
2: 56.
162

هو الوجه في استشكال العلامة في التذكرة في ثبوت الخيار مع البذل (1)،
بل قول بعض بعدمه (2) كما يظهر من الرياض (3).
ثم إن المبذول ليس هبة مستقلة حتى يقال: إنها لا تخرج المعاملة
المشتملة على الغبن عن كونها مشتملة عليه، ولا جزء من أحد العوضين
حتى يكون استرداده مع العوض الآخر جمعا بين جزء العوض وتمام
المعوض (4) منافيا لمقتضى المعاوضة، بل هي غرامة لما أتلفه الغابن عليه
من الزيادة بالمعاملة الغبنية، فلا يعتبر كونه من عين الثمن، نظير الأرش
في المعيب.
ومن هنا ظهر الخدشة فيما في الإيضاح والجامع، من الاستدلال
على عدم السقوط مع البذل - بعد الاستصحاب -: بأن بذل التفاوت
لا يخرج المعاملة عن كونها غبنية، لأنها هبة مستقلة، حتى أنه لو دفعه
على وجه الاستحقاق لم يحل أخذه، إذ لا ريب [في] (5) أن من قبل
هبة الغابن لا يسقط خياره (6)، انتهى بمعناه.

(1) التذكرة 1: 523، وفيه: " ولو دفع الغابن التفاوت احتمل سقوط خيار
المغبون "، نعم في القواعد (2: 67): " ولو دفع الغابن التفاوت فلا خيار على
إشكال ".
(2) قال المحقق النراقي في المستند (14: 391) - بعد نسبته ذلك إلى " قيل " وأنه
احتمله بعض المتأخرين -: " وهو الأقوى ".
(3) راجع الرياض 1: 525.
(4) كذا في " ق "، وفي " ش ": " جزء المعوض وتمام العوض ".
(5) لم يرد في " ق ".
(6) إيضاح الفوائد 1: 485، وجامع المقاصد 4: 294 - 295.
163

وجه الخدشة: ما تقدم (1)، من احتمال كون المبذول غرامة لما أتلفه
الغابن على المغبون قد دل عليه نفي الضرر.
وأما الاستصحاب، ففيه: أن الشك في اندفاع الخيار بالبذل لا في
ارتفاعه به، إذ (2) المحتمل ثبوت الخيار على الممتنع دون الباذل.
ثم إن الظاهر أن تدارك ضرر المغبون بأحد الاحتمالين المذكورين
أولى من إثبات الخيار له، لأن إلزام الغابن بالفسخ ضرر، لتعلق غرض
الناس بما ينتقل إليهم من أعواض أموالهم خصوصا النقود، ونقض
الغرض ضرر وإن لم يبلغ حد المعارضة لضرر المغبون، إلا أنه يصلح
مرجحا لأحد الاحتمالين المذكورين على ما اشتهر من تخييره بين الرد
والإمضاء بكل الثمن، إلا أن يعارض ذلك بأن غرض المغبون قد يتعلق
بتملك عين ذات قيمة، لكون المقصود اقتناءها للتجمل، وقد يستنكف
عن اقتناء ذات القيمة اليسيرة للتجمل، فتأمل.
وقد يستدل على الخيار بأخبار واردة في حكم الغبن:
فعن الكافي بسنده إلى إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: " غبن المسترسل سحت " (3). وعن ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: " غبن المؤمن حرام " (4)، وفي رواية أخرى: " لا تغبن المسترسل،

(1) تقدم آنفا.
(2) في " ش " زيادة: " من ".
(3) الكافي 5: 153، الحديث 14، وعنه في الوسائل 12: 363، الباب 17 من
أبواب الخيار، الحديث الأول.
(4) الكافي 5: 153، الحديث 15، والوسائل 12: 364، الباب 17 من أبواب
الخيار، الحديث 2.
164

فإن غبنه لا يحل " (1).
وعن مجمع البحرين: أن الاسترسال الاستئناس والطمأنينة إلى
الإنسان والثقة به فيما يحدثه، وأصله السكون والثبات، ومنه الحديث:
" أيما مسلم استرسل إلى مسلم فغبنه فهو كذا "، ومنه: " غبن المسترسل
سحت " (2)، انتهى. ويظهر منه أن ما ذكره أولا حديث رابع.
والإنصاف: عدم دلالتها على المدعى، فإن ما عدا الرواية الأولى
ظاهرة في حرمة الخيانة في المشاورة، فيحتمل كون الغبن بفتح الباء.
وأما الرواية الأولى، فهي وإن كانت ظاهرة فيما يتعلق بالأموال،
لكن يحتمل حينئذ أن يراد كون الغابن بمنزلة آكل السحت في استحقاق
العقاب على أصل العمل والخديعة في أخذ المال. ويحتمل أن يراد كون
المقدار الذي يأخذه زائدا على ما يستحقه بمنزلة السحت في الحرمة
والضمان. ويحتمل إرادة كون مجموع العوض المشتمل على الزيادة بمنزلة
السحت في تحريم الأكل في صورة خاصة، وهي اطلاع المغبون ورده
للمعاملة المغبون فيها. ولا ريب أن الحمل على أحد الأولين أولى،
ولا أقل من المساواة للثالث، فلا دلالة.
فالعمدة في المسألة الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحققة،
وحديث نفي الضرر بالنسبة إلى خصوص الممتنع عن بذل التفاوت.
ثم إن تنقيح هذا المطلب يتم برسم مسائل:

(1) الوسائل 12: 285، الباب 2 من أبواب الخيار، الحديث 7.
(2) مجمع البحرين 5: 383، مادة " رسل ".
165

مسألة
يشترط في هذا الخيار أمران:
الأول: عدم علم المغبون بالقيمة، فلو علم بالقيمة فلا خيار، بل
لا غبن - كما عرفت - بلا خلاف ولا إشكال، لأنه أقدم على الضرر.
ثم إن الظاهر عدم الفرق بين كونه غافلا من القيمة بالمرة أو
ملتفتا إليها، ولا بين كونه مسبوقا بالعلم وعدمه، ولا بين الجهل المركب
والبسيط مع الظن بعدم الزيادة والنقيصة أو الظن بهما أو الشك.
ويشكل في الأخيرين إذا أقدم على المعاملة بانيا على المسامحة
على تقدير الزيادة أو (1) النقيصة فهو كالعالم، بل الشاك في الشئ إذا
أقدم عليه بانيا على تحمله فهو في حكم العالم من حيث استحقاق المدح
عليه أو الذم، ومن حيث عدم معذوريته لو كان ذلك الشئ مما يعذر
الغافل فيه، والحاصل: أن الشاك الملتفت إلى الضرر مقدم عليه.
ومن أن مقتضى عموم نفي الضرر وإطلاق الإجماع المحكي ثبوته
بمجرد تحقق الضرر، خرج المقدم عليه عن علم، بل مطلق الشاك ليس

(1) في " ش ": " و ".
166

مقدما على الضرر، بل قد يقدم برجاء عدمه، ومساواته للعالم في الآثار
ممنوعة حتى في استحقاق المدح والذم لو كان المشكوك مما يترتب
عليه ذلك عند الإقدام عليه، ولذا قد يحصل للشاك بعد اطلاعه على
الغبن حالة أخرى لو حصلت له قبل العقد لم يقدم عليه. نعم، لو
صرح في العقد بالالتزام به ولو على تقدير ظهور الغبن كان ذلك راجعا
إلى إسقاط الغبن.
ومما ذكرنا يظهر ثبوت الخيار للجاهل وإن كان قادرا على
السؤال، كما صرح به في التحرير والتذكرة (1).
ولو أقدم عالما على غبن يتسامح به فبان أزيد بما لا يتسامح
بالمجموع منه ومن المعلوم، فلا يبعد الخيار. ولو أقدم على ما لا يتسامح
فبان أزيد بما يتسامح به منفردا أو بما لا يتسامح، ففي الخيار وجه.
ثم إن المعتبر القيمة حال العقد، فلو زادت بعده ولو قبل اطلاع
المغبون على النقصان حين العقد لم ينفع، لأن الزيادة إنما حصلت في
ملكه والمعاملة وقعت على الغبن. ويحتمل عدم الخيار حينئذ، لأن
التدارك حصل قبل الرد، فلا يثبت الرد المشروع لتدارك الضرر، كما لو
برئ المعيوب قبل الاطلاع على عيبه، بل في التذكرة: أنه مهما زال
العيب قبل العلم أو بعده قبل الرد سقط حق الرد (2).
وأشكل منه ما لو توقف الملك على القبض فارتفع الغبن قبله،
لأن الملك قد انتقل إليه حينئذ من دون نقص في قيمته.

(1) التحرير 1: 166، والتذكرة 1: 523.
(2) التذكرة 1: 541.
167

نعم، لو قلنا بوجوب التقابض بمجرد العقد - كما صرح به العلامة
في الصرف (1) - يثبت الخيار، لثبوت الضرر بوجوب إقباض الزائد في
مقابلة الناقص. لكن ظاهر المشهور عدم وجوب التقابض.
ولو ثبت الزيادة أو النقيصة بعد العقد، فإنه لا عبرة بهما إجماعا
كما في التذكرة (2).
ثم إنه لا عبرة بعلم الوكيل في مجرد العقد، بل العبرة بعلم الموكل
وجهله. نعم، لو كان وكيلا في المعاملة والمساومة، فمع علمه وفرض
صحة المعاملة حينئذ لا خيار للموكل، ومع جهله يثبت الخيار للموكل،
إلا أن يكون عالما بالقيمة وبأن موكله (3) يعقد على أزيد منها ويقرره له.
وإذا ثبت الخيار في عقد الوكيل فهو للموكل خاصة، إلا أن يكون
وكيلا مطلقا بحيث يشمل مثل الفسخ، فإنه كالولي حينئذ (4).
ثم إن الجهل إنما يثبت باعتراف الغابن، وبالبينة إن تحققت، وبقول
مدعيه مع اليمين، لأصالة عدم العلم الحاكمة على أصالة اللزوم، مع أنه
قد يتعسر إقامة البينة على الجهل، ولا يمكن للغابن الحلف على علمه،
لجهله بالحال، فتأمل.
هذا كله إذا لم يكن المغبون من أهل الخبرة بحيث لا يخفى عليه
القيمة إلا لعارض من غفلة أو غيرها، وإلا فلا يقبل قوله كما في

(1) التذكرة 1: 510، والتحرير 1: 171.
(2) التذكرة 1: 523.
(3) في " ش ": " وكيله ".
(4) في " ش " زيادة: " وقد مر ذلك مشروحا في خيار المجلس ".
168

الجامع (1) والمسالك (2).
وقد يشكل بأن هذا إنما يوجب عدم قبول قوله من حيث تقديم
الظاهر على الأصل، فغاية الأمر أن يصير مدعيا من جهة مخالفة قوله
للظاهر، لكن المدعي لما تعسر إقامة البينة عليه ولا يعرف إلا من قبله
يقبل قوله مع اليمين، فليكن هذا من هذا القبيل.
إلا أن يقال: إن معنى (3) تقديم الظاهر جعل مدعيه مقبول القول
بيمينه، لا جعل مخالفه مدعيا يجري عليه جميع أحكام المدعي حتى في
قبول قوله إذا تعسر عليه إقامة البينة، ألا ترى أنهم لم يحكموا بقبول
قول مدعي فساد العقد إذا تعسر عليه إقامة البينة على سبب الفساد؟
مع أن عموم تلك القاعدة ثم اندراج المسألة فيها محل تأمل.
ولو اختلفا في القيمة وقت العقد أو في القيمة بعده مع تعذر
الاستعلام، فالقول قول منكر سبب الغبن، لأصالة عدم التغير، وأصالة
اللزوم.
ومنه يظهر حكم ما لو اتفقا على التغير واختلفا في تأريخ العقد.
ولو علم تأريخ التغير فالأصل وإن اقتضى تأخر العقد الواقع على الزائد
عن القيمة، إلا أنه لا يثبت به وقوع العقد على الزائد حتى يثبت الغبن.
الشرط الثاني (4): كون التفاوت فاحشا، فالواحد بل الاثنان في

(1) جامع المقاصد 4: 294.
(2) المسالك 3: 204.
(3) في " ش ": " إن مقتضى ".
(4) في " ش ": " الأمر الثاني ".
169

العشرين لا يوجب الغبن.
وحده عندنا - كما في التذكرة -: ما لا يتغابن الناس بمثله.
وحكى فيها عن مالك: أن التفاوت بالثلث لا يوجب الخيار وإن
كان بأكثر من الثلث أوجبه. ورده: بأنه تخمين لم يشهد له أصل في
الشرع (1)، انتهى.
والظاهر أنه لا إشكال في كون التفاوت بالثلث بل الربع فاحشا.
نعم، الإشكال في الخمس، ولا يبعد دعوى عدم مسامحة الناس فيه، كما
سيجئ التصريح به من المحقق القمي في تصويره لغبن كلا المتبايعين (2).
ثم الظاهر أن المرجع عند الشك في ذلك هو أصالة ثبوت الخيار،
لأنه ضرر لم يعلم تسامح الناس فيه. ويحتمل الرجوع إلى أصالة اللزوم،
لأن الخارج هو الضرر الذي يناقش فيه، لا مطلق الضرر.
بقي هنا شئ، وهو: أن ظاهر الأصحاب وغيرهم أن المناط في
الضرر الموجب للخيار كون المعاملة ضررية مع قطع النظر عن ملاحظة
حال أشخاص المتبايعين، ولذا حدوه بما لا يتغابن به الناس أو بالزائد
على الثلث، كما عرفت عن بعض العامة (3).
وظاهر حديث نفي الضرر (4) ملاحظة الضرر بالنسبة إلى شخص
الواقعة، ولذا استدلوا به على عدم وجوب شراء ماء الوضوء بمبلغ كثير

(1) التذكرة 1: 523.
(2) سيجئ في الصفحة 173.
(3) وهو مالك، كما تقدم عن التذكرة آنفا، ولكن المحكي عنه في المغني (3:
584): التحديد بالثلث.
(4) في " ش " زيادة: " المستدل عليه في أبواب الفقه ".
170

إذا أضر بالمكلف ووجوب شرائه بذلك المبلغ على من لا يضر به
ذلك (1)، مع أن أصل شراء الماء بأضعاف قيمته معاملة ضررية في حق
الكل.
والحاصل: أن العبرة إن كان بالضرر المالي لم يجب شراء ماء
الوضوء بأضعاف قيمته، وإن كانت بالضرر الحالي تعين التفصيل في
خيار الغبن بين ما يضر بحال المغبون وغيره.
والأظهر اعتبار الضرر المالي، لأنه ضرر في نفسه من غير
مدخلية لحال الشخص. وتحمله في بعض المقامات - كالتيمم (2) - إنما خرج
بالنص، ولذا أجاب في المعتبر عن الشافعي - المنكر لوجوب الوضوء في
الفرض المذكور -: بأن الضرر لا يعتبر مع معارضة النص (3).
ويمكن أيضا أن يلتزم الضرر المالي في مقام التكليف، لا لتخصيص
عموم نفي الضرر بالنص، بل لعدم كونه ضررا بملاحظة ما بإزائه من
الأجر، كما يشير إليه قوله عليه السلام - بعد شرائه صلوات الله عليه ماء وضوئه
بأضعاف قيمته: - " إن ما يشترى به مال كثير " (4).
نعم، لو كان الضرر مجحفا بالمكلف انتفى بأدلة نفي الحرج، لا دليل

(1) كما استدل به الفاضل المقداد في التنقيح 1: 132، والسيد الطباطبائي في
الرياض 2: 293.
(2) لا يخفى ما في المثال، ولذا أسقطه مصحح " ش ".
(3) المعتبر 1: 369 - 370.
(4) التهذيب 1: 406، الحديث 1276، وعنه في الوسائل 2: 998، الباب 26
من أبواب التيمم، ذيل الحديث الأول.
171

نفي الضرر، فنفي (1) الضرر المالي في التكاليف لا يتحقق (2) إلا إذا كان
تحمله حرجا.
إشكال:
ذكر في الروضة والمسالك - تبعا لجامع المقاصد - في أقسام الغبن:
أن المغبون إما أن يكون هو البائع أو المشتري أو هما (3)، انتهى.
فيقع الإشكال في تصور غبن كل من المتبايعين معا. والمحكي عن
بعض (4) الفضلاء في تعليقه على الروضة ما حاصله استحالة ذلك، حيث
قال: قد عرفت أن الغبن في طرف البائع إنما هو إذا باع بأقل من
القيمة السوقية، وفي طرف المشتري إذا اشترى بأزيد منها، ولا يتفاوت
الحال بكون الثمن والمثمن من الأثمان أو العروض أو مختلفين، وحينئذ
فلا يعقل كونهما معا مغبونين، وإلا لزم كون الثمن أقل من القيمة
السوقية وأكثر، وهو محال، فتأمل، انتهى.
وقد تعرض غير واحد ممن قارب عصرنا لتصوير ذلك في بعض
الفروض:
منها: ما ذكره المحقق القمي صاحب القوانين - في جواب من سأله

(1) في " ق " بدل " فنفي ": " فيبقى "، لكنه لا يلائم السياق.
(2) في " ش " بدل " لا يتحقق ": " لا يكون ".
(3) الروضة 3: 467، والمسالك 3: 205، وجامع المقاصد 4: 295.
(4) وهو المولى أحمد بن محمد التوني أخو المولى عبد الله التوني صاحب الوافية،
ذكره في تعليقه على الروضة ذيل قول الشارح: " والمغبون إما البائع أو
المشتري "، راجع الروضة البهية (الطبعة الحجرية) 1: 378.
172

عن هذه العبارة من الروضة - قال: إنها تفرض فيما إذا باع متاعه
بأربعة توأمين من الفلوس على أن يعطيه عنها ثمانية دنانير معتقدا أنها
تسوي أربعة توأمين، ثم تبين أن المتاع يسوي خمسة توأمين وأن
الدنانير تسوي خمسة توأمين إلا خمسا، فصار البائع مغبونا من كون
الثمن أقل من القيمة السوقية بخمس تومان، والمشتري مغبونا من جهة
زيادة الدنانير على أربعة توأمين، فالبائع مغبون في أصل البيع،
والمشتري مغبون فيما التزمه من إعطاء الدنانير عن الثمن وإن لم يكن
مغبونا في أصل البيع (1)، انتهى.
أقول: الظاهر أن مثل هذا البيع المشروط بهذا الشرط يلاحظ فيه
حاصل ما يصل إلى البائع بسبب مجموع العقد والشرط، كما لو باع
شيئا يسوي خمسة دراهم بدرهمين على أن يخيط له ثوبا مع فرض
كون أجرة الخياطة ثلاثة دراهم، ومن هنا يقال: إن للشروط قسطا
من العوض. وإن أبيت إلا عن أن الشرط معاملة مستقلة فلا (2) مدخل
له في زيادة الثمن، خرج ذلك عن فرض غبن كل من المتبايعين في
معاملة واحدة. لكن الحق ما ذكرنا: من وحدة المعاملة وكون الغبن من
طرف واحد.
ومنها: ما ذكره بعض المعاصرين، من فرض المسألة فيما إذا باع
شيئين في عقد واحد بثمنين، فغبن البائع في أحدهما والمشتري في الآخر (3).

(1) جامع الشتات 2: 59 - 60، المسألة 48.
(2) في " ش ": " ولا ".
(3) ذكره صاحب الجواهر في الجواهر 23: 44.
173

وهذا الجواب قريب من سابقه في الضعف، لأنه إن جاز التفكيك
بينهما عند فرض ثبوت الغبن لأحدهما خاصة حتى يجوز له الفسخ في
العين المغبون فيها خاصة، فهما معاملتان مستقلتان كان الغبن في كل
واحدة منهما (1) لأحدهما خاصة، فلا وجه لجعل هذا قسما ثالثا لقسمي
غبن البائع خاصة والمشتري خاصة. وإن لم يجز التفكيك بينهما لم يكن
غبن أصلا مع تساوي الزيادة في أحدهما للنقيصة في الآخر، ومع عدم
المساواة فالغبن من طرف واحد.
ومنها: أن يراد بالغبن في المقسم معناه الأعم الشامل لصورة
خروج العين المشاهدة سابقا على خلاف ما شاهده أو خروج ما أخبر
البائع بوزنه على خلاف خبره، وقد أطلق الغبن على هذا المعنى الأعم
العلامة في القواعد (2) والشهيد في اللمعة (3)، وعلى هذا المعنى الأعم تحقق
الغبن في كل منهما.
وهذا حسن، لكن ظاهر عبارة الشهيد (4) والمحقق (5) الثانيين إرادة
ما عنون به هذا الخيار وهو الغبن بالمعنى الأخص على ما فسروه به.
ومنها: ما ذكره بعض: من أنه يحصل بفرض المتبايعين وقت العقد
في مكانين، كما إذا حصر العسكر البلد وفرض قيمة الطعام خارج البلد

(1) في " ش ": " منها ".
(2) القواعد 2: 22.
(3) اللمعة الدمشقية: 113.
(4) المسالك 3: 203.
(5) جامع المقاصد 4: 294.
174

ضعف قيمته في البلد، فاشترى بعض أهل البلد من وراء سور البلد
طعاما من العسكر بثمن متوسط بين القيمتين، فالمشتري مغبون لزيادة
الثمن على قيمة الطعام في مكانه، والبائع مغبون لنقصانه عن القيمة في
مكانه (1).
ويمكن رده بأن المبيع بعد العقد باق على قيمته حين العقد،
ولا غبن فيه للمشتري ما دام في محل العقد، وإنما نزلت قيمته بقبض
المشتري ونقله إياه إلى مكان الرخص. وبالجملة، الطعام عند العقد
لا يكون إلا في محل واحد له قيمة واحدة.
ومنها: ما ذكره في مفتاح الكرامة: من فرضه فيما إذا ادعى كل
من المتبايعين الغبن، كما إذا بيع ثوب بفرس بظن المساواة، ثم ادعى كل
منهما نقص ما في يده عما في يد الآخر، ولم يوجد المقوم ليرجع إليه،
فتحالفا، فيثبت الغبن لكل منهما في ما وصل إليه، قال: ويتصور غبنهما
في أحد العوضين، كما لو تبايعا شيئا بمائة درهم، ثم ادعى البائع كونه
يسوي بمأتين والمشتري كونه لا يسوي إلا بخمسين، ولا مقوم يرجع
إليه فتحالفا، ويثبت الفسخ لكل منهما (2)، انتهى.
وفيه: أن الظاهر أن لازم التحالف عدم الغبن لأحدهما (3)، مع أن
الكلام في الغبن الواقعي دون الظاهري.
والأولى من هذه الوجوه هو الوجه الثالث، والله العالم.

(1) لم نعثر على هذا البعض.
(2) مفتاح الكرامة 4: 574.
(3) في " ش " بدل " لأحدهما ": " في المعاملة أصلا ".
175

مسألة
ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار، أو كاشف عقلي عن
ثبوته حين العقد؟ وجهان، منشؤهما اختلاف كلمات العلماء في فتاويهم
ومعاقد إجماعهم واستدلالاتهم.
فظاهر عبارة المبسوط والغنية والشرائع (1) وغيرها هو الأول، وفي
الغنية: الإجماع على أن ظهور الغبن سبب للخيار.
وظاهر كلمات آخرين (2) الثاني. وفي التذكرة: أن الغبن سبب
لثبوت الخيار عند علمائنا (3). وقولهم: " لا يسقط هذا الخيار بالتصرف " (4)
فإن المراد التصرف قبل العلم بالغبن، وعدم السقوط (5) ظاهر في ثبوته.

(1) راجع المبسوط 2: 87، والغنية: 224، والشرائع 2: 22.
(2) مثل ظاهر المختصر 1: 121، والرياض 8: 190.
(3) التذكرة 1: 522.
(4) كما في الشرائع 2: 22، والإرشاد 1: 374، والقواعد 2: 67، وغاية المراد
2: 99، وراجع مفتاح الكرامة 4: 572.
(5) في " ش ": " عدم سقوطه ".
176

ومما يؤيد الأول: أنهم اختلفوا (1) في صحة التصرفات الناقلة في
زمان الخيار ولم يحكموا ببطلان التصرفات الواقعة من الغابن حين جهل
المغبون، بل صرح بعضهم (2) بنفوذها وانتقال المغبون بعد ظهور غبنه إلى
البدل.
ويؤيده أيضا: الاستدلال في التذكرة (3) والغنية (4) على هذا الخيار
بقوله صلى الله عليه وآله في حديث تلقي الركبان: " إنهم بالخيار إذا دخلوا
السوق " (5) فإن ظاهره حدوث الخيار بعد الدخول الموجب لظهور الغبن.
هذا، ولكن لا يخفى إمكان إرجاع الكلمات إلى أحد الوجهين
بتوجيه ما كان منها ظاهرا في المعنى الآخر.
وتوضيح ذلك (6): أنه إن أريد بالخيار السلطنة الفعلية التي يقتدر
بها على الفسخ والإمضاء قولا أو فعلا، فلا يحدث إلا بعد ظهور الغبن.
وإن أريد به ثبوت حق للمغبون لو علم به لقام بمقتضاه، فهو
ثابت قبل العلم، وإنما يتوقف على العلم إعمال هذا الحق، فيكون حال

(1) راجع تفصيل الأقوال في جامع المقاصد 4: 295، والروضة 3: 466،
والرياض 1: 525، ومفتاح الكرامة 4: 572.
(2) لم نعثر على من صرح بذلك، نعم صرح في المسالك 3: 206 و 207،
والجواهر 23: 50، وغيرهما: بعدم سقوط خيار المغبون بتصرف الغابن، بل
يفسخ ويرجع إلى المثل أو القيمة.
(3) التذكرة 1: 522، ولكن لم يذكر فيه لفظ الحديث.
(4) الغنية: 224.
(5) راجع السنن الكبرى للبيهقي 5: 348، باب النهي عن تلقي السلع.
(6) شطب في " ف " على هذه العبارة، وكتب بدلها في الهامش: " فالأولى أن يقال ".
177

الجاهل بموضوع الغبن كالجاهل بحكمه أو بحكم خياري المجلس أو الحيوان
أو غيرهما (1).
ثم إن الآثار المجعولة للخيار:
بين ما يترتب على (2) السلطنة الفعلية، كالسقوط بالتصرف، فإنه
لا يكون إلا بعد ظهور الغبن، فلا يسقط قبله كما سيجئ، ومنه التلف،
فإن الظاهر أنه قبل ظهور الغبن من المغبون اتفاقا ولو قلنا بعموم
قاعدة " كون التلف في زمان الخيار ممن لا خيار له " لمثل خيار الغبن،
كما جزم به بعض (3) وتردد فيه آخر (4).
وبين ما يترتب على المعنى الثاني كإسقاطه بعد العقد قبل ظهوره.
وبين ما يتردد بين الأمرين كالتصرفات الناقلة، فإن تعليلهم المنع
عنها بكونها مفوتة لحق ذي الخيار من الغبن ظاهر في ترتب المنع على
وجود نفس الحق وإن لم يعلم به.
وحكم بعض (5) من منع من التصرف في زمان الخيار بمضي
التصرفات الواقعة من الغابن قبل علم المغبون، يظهر منه أن المنع لأجل
التسلط الفعلي.
والمتبع دليل كل واحد من تلك الآثار، فقد يظهر منه ترتب الأثر

(1) كذا في " ش "، وفي " ق ": " غيرها ".
(2) في " ش " زيادة: " تلك ".
(3) لم نعثر عليه.
(4) تردد فيه المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 297 و 318.
(5) لم نقف عليه.
178

على نفس الحق الواقعي ولو كان مجهولا لصاحبه، وقد يظهر منه ترتبه
على السلطنة الفعلية.
وتظهر ثمرة الوجهين أيضا فيما لو فسخ المغبون الجاهل اقتراحا أو
بظن وجود سبب معدوم في الواقع فصادف الغبن.
ثم إن ما ذكرناه في الغبن من الوجهين جار في العيب.
وقد يستظهر من عبارة القواعد في باب التدليس الوجه الأول،
قال: وكذا - يعني لا رد - لو تعيبت الأمة المدلسة [عنده] (1) قبل علمه
بالتدليس (2) (انتهى)، فإنه ذكر في جامع المقاصد: أنه لا فرق بين تعيبها
قبل العلم وبعده، لأن العيب مضمون على المشتري. ثم قال: إلا أن
يقال: إن العيب بعد العلم غير مضمون على المشتري لثبوت الخيار (3).
وظاهره عدم ثبوت الخيار قبل العلم بالعيب، لكون العيب في
زمان الخيار مضمونا على من لا خيار له. لكن الاستظهار المذكور مبني
على شمول قاعدة التلف ممن لا خيار له لخيار العيب، وسيجئ عدم
العموم (4) إن شاء الله تعالى.
وأما خيار الرؤية: فسيأتي أن ظاهر التذكرة حدوثه بالرؤية،
فلا يجوز إسقاطه قبلها (5).

(1) " عنده " من " ش " والمصدر.
(2) القواعد 2: 77.
(3) راجع جامع المقاصد 4: 354.
(4) انظر الجزء السادس، الصفحة 179 - 181.
(5) انظر الصفحة 258.
179

مسألة
يسقط هذا الخيار بأمور:
أحدها: إسقاطه بعد العقد، وهو قد يكون بعد العلم بالغبن، ولا (1)
إشكال في صحة إسقاطه بلا عوض مع العلم بمرتبة الغبن، ولا (2) مع
الجهل بها إذا أسقط الغبن المسبب عن أي مرتبة كان، فاحشا كان أو
أفحش.
ولو أسقطه بزعم كون التفاوت عشرة فظهر مئة، ففي السقوط
إشكال (3): من عدم طيب نفسه بسقوط هذا المقدار من الحق، كما لو
أسقط حق عرض بزعم أنه شتم لا يبلغ القذف، فتبين كونه قذفا. ومن
أن الخيار أمر واحد مسبب عن مطلق التفاوت الذي لا يتسامح به
ولا تعدد فيه، فيسقط بمجرد الإسقاط، والقذف وما دونه من الشتم
حقان مختلفان.

(1) في " ش ": " فلا ".
(2) في " ن " شطب على " لا ".
(3) في " ش ": " وجهان ".
180

وأما الإسقاط بعوض بمعنى المصالحة عنه به، فلا إشكال فيه مع
العلم بمرتبة الغبن أو التصريح بعموم المراتب.
ولو أطلق وكان للإطلاق منصرف، كما لو صالح عن الغبن المحقق
في المتاع المشترى بعشرين بدرهم، فإن المتعارف من الغبن المحتمل في
مثل هذه المعاملة هو كون التفاوت أربعة أو خمسة في العشرين، فيصالح
عن هذا المحتمل بدرهم.
فلو ظهر كون التفاوت ثمانية عشر، وأن المبيع يسوي درهمين،
ففي بطلان الصلح، لأنه لم يقع على الحق الموجود.
أو صحته مع لزومه، لما ذكرنا: من أن الخيار حق واحد له سبب
واحد وهو التفاوت الذي له أفراد متعددة فإذا أسقطه سقط.
أو صحته متزلزلا، لأن الخيار الذي صالح عنه باعتقاد أن عوضه
المتعارف درهم تبين كونه مما يبذل في مقابله أزيد من الدرهم،
ضرورة أنه كلما كان التفاوت المحتمل أزيد يبذل في مقابله أزيد مما
يبذل في مقابله لو كان أقل [فيحصل الغبن في المصالحة] (1)، ولا (2) فرق
في الغبن بين كونه للجهل بمقدار ماليته مع العلم بعينه، وبين كونه لأجل
الجهل بعينه.
[وجوه] (3)، وهذا هو الأقوى [فتأمل] (4).
وأما إسقاط هذا الخيار بعد العقد قبل ظهور الغبن، فالظاهر أيضا

(1) لم يرد في " ق ".
(2) في " ش ": " إذ لا ".
(3) لم يرد في " ق ".
(4) لم يرد في " ق ".
181

جوازه، ولا يقدح عدم تحقق شرطه بناء على كون ظهور الغبن شرطا
لحدوث الخيار، إذ يكفي في ذلك تحقق السبب المقتضي للخيار، وهو
الغبن الواقعي وإن لم يعلم به. وهذا كاف في جواز إسقاط المسبب قبل
حصول شرطه، كإبراء المالك الودعي المفرط عن الضمان، وكبراءة البائع
من العيوب الراجعة إلى إسقاط الحق المسبب عن وجودها قبل العلم بها.
ولا يقدح في المقام أيضا كونه إسقاطا لما لم يتحقق، إذ لا مانع
من ذلك إلا التعليق وعدم الجزم الممنوع عنه في العقود فضلا عن
الإيقاعات، وهو غير قادح هنا، فإن الممنوع منه هو التعليق على
ما لا يتوقف تحقق مفهوم الإنشاء عليه، وأما ما نحن فيه وشبهه - مثل
طلاق مشكوك الزوجية، وإعتاق مشكوك الرقية منجزا، والإبراء عما
احتمل الاشتغال به - فقد تقدم في شرائط الصيغة (1): أنه لا مانع منه (2)،
ومنه البراءة عن العيوب المحتملة في المبيع وضمان درك المبيع عند ظهوره
مستحقا للغير.
نعم، قد يشكل الأمر من حيث العوض المصالح به، فإنه لا بد
من وقوع شئ بإزائه وهو غير معلوم، فالأولى ضم شئ إلى المصالح
عنه المجهول التحقق، أو ضم سائر الخيارات إليه بأن يقول: " صالحتك
عن كل خيار لي بكذا "، ولو تبين عدم الغبن لم يقسط العوض عليه،
لأن المعدوم إنما دخل على تقدير وجوده، لا منجزا باعتقاد الوجود.

(1) تقدم في الجزء الثالث: 172 - 173.
(2) في " ش " زيادة: " لأن مفهوم العقد معلق عليها في الواقع من دون تعليق
المتكلم ".
182

الثاني من المسقطات: اشتراط سقوط الخيار في متن العقد،
والإشكال فيه من الجهات المذكورة هنا، أو المتقدمة في إسقاط الخيارات
المتقدمة قد علم التفصي عنها.
نعم، هنا وجه آخر للمنع مختص (1) بهذا الخيار وخيار الرؤية،
وهو لزوم الغرر من اشتراط إسقاطه.
قال في الدروس في هذا المقام ما لفظه: ولو اشترطا رفعه أو رفع
خيار الرؤية، فالظاهر بطلان العقد للغرر (2)، انتهى. ثم احتمل الفرق بين
الخيارين: بأن الغرر في الغبن سهل الإزالة.
وجزم الصيمري في غاية المرام ببطلان العقد والشرط (3)، وتردد
فيه المحقق الثاني، إلا أنه استظهر الصحة (4).
ولعل توجيه كلام الشهيد هو: أن الغرر باعتبار الجهل بمقدار
مالية المبيع كالجهل بصفاته، لأن وجه كون الجهل بالصفات غررا هو
رجوعه إلى الجهل بمقدار ماليته، ولذا لا غرر مع الجهل بالصفات التي
لا مدخل لها في القيمة.
لكن الأقوى الصحة، لأن مجرد الجهل بمقدار المالية لو كان غررا

(1) في " ش ": " يختص ".
(2) الدروس 3: 276، مع تقديم وتأخير في بعض الألفاظ.
(3) غاية المرام (مخطوط) 1: 288، وفيه: " ولو شرط في العقد سقوط هذه
الثلاثة (أي خيار العيب والغبن والرؤية) بطل الشرط والعقد على الخلاف ".
(4) جامع المقاصد 4: 302 - 303.
183

لم يصح البيع مع الشك في القيمة، وأيضا فإن ارتفاع الغرر عن هذا
البيع ليس لأجل الخيار حتى يكون إسقاطه موجبا لثبوته، وإلا لم يصح
البيع، إذ لا يجدي في الإخراج عن الغرر ثبوت الخيار، لأنه حكم
شرعي لا يرتفع به موضوع الغرر، وإلا لصح كل بيع غرري على وجه
التزلزل وثبوت الخيار، كبيع المجهول وجوده والمتعذر تسليمه.
وأما خيار الرؤية، فاشتراط سقوطه راجع إلى إسقاط اعتبار
ما اشترطاه من الأوصاف في العين الغير المرئية، فكأنهما تبايعا سواء
وجد فيها تلك الأوصاف أم لا، فصحة البيع موقوفة على اشتراط تلك
الأوصاف، وإسقاط الخيار في معنى إلغائها الموجب للبطلان.
مع احتمال الصحة هناك أيضا، لأن مرجع إسقاط خيار الرؤية إلى
التزام عدم تأثير تخلف تلك الشروط، لا إلى عدم التزام ما اشترطاه
من الأوصاف، ولا تنافي بين أن يقدم على اشتراء العين بانيا على
وجود تلك الأوصاف، وبين الالتزام بعدم الفسخ لو تخلفت، فتأمل.
وسيجئ تمام الكلام في خيار الرؤية (1).
وكيف كان، فلا أرى إشكالا في اشتراط سقوط خيار الغبن [من
حيث لزوم الغرر] (2)، إذ لو لم يشرع الخيار في الغبن أصلا لم يلزم منه
غرر.
الثالث: تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيارات المتقدمة
بعد علمه بالغبن.

(1) سيجئ في الصفحة 258 وما بعدها.
(2) لم يرد في " ق ".
184

ويدل عليه ما دل على سقوط خياري المجلس والشرط به - مع
عدم ورود نص فيهما واختصاص النص بخيار الحيوان - وهو: إطلاق
بعض معاقد الإجماع بأن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه إجازة وفيما
انتقل عنه فسخ (1)، و (2) العلة المستفادة من النص في خيار الحيوان
المستدل بها في كلمات العلماء على السقوط، وهي الرضا بلزوم العقد.
مع أن الدليل هنا إما نفي الضرر وإما الإجماع، والأول منتف،
فإنه كما لا يجري مع الإقدام عليه كذلك (3) لا يجري مع الرضا به بعده.
وأما الإجماع فهو غير ثابت مع الرضا.
إلا أن يقال: إن الشك في الرفع لا الدفع، فيستصحب، فتأمل. أو
ندعي أن ظاهر قولهم فيما نحن فيه: " إن هذا الخيار لا يسقط
بالتصرف " شموله للتصرف بعد العلم بالغبن واختصاص هذا الخيار من
بين الخيارات بذلك.
لكن الإنصاف عدم شمول التصرف في كلماتهم لما بعد العلم بالغبن،
وغرضهم من تخصيص الحكم بهذا الخيار أن التصرف مسقط لكل خيار
ولو وقع قبل العلم بالخيار - كما في العيب والتدليس - سوى هذا الخيار.
ويؤيد ذلك ما اشتهر بينهم: من أن التصرف قبل العلم بالعيب والتدليس
ملزم، لدلالته على الرضا بالبيع فيسقط الرد، وإنما يثبت الأرش في
خصوص العيب لعدم دلالة التصرف على الرضا بالعيب.

(1) كما ادعاه في الجواهر 23: 68، وراجع مفتاح الكرامة 4: 588 و 600.
(2) في " ش " زيادة: " عموم ".
(3) في " ش ": " فكذلك ".
185

وكيف كان، فاختصاص التصرف الغير المسقط في كلامهم بما قبل
العلم لا يكاد يخفى على المتتبع في كلماتهم.
نعم، لم أجد لهم تصريحا بذلك عدا ما حكي عن صاحب
المسالك (1) وتبعه جماعة (2)، مع أنه إذا اقتضى الدليل للسقوط فلا ينبغي
الاستشكال من جهة ترك التصريح (3). بل ربما يستشكل في حكمهم بعدم
السقوط بالتصرف قبل العلم مع حكمهم بسقوط خيار التدليس والعيب
بالتصرف قبل العلم. والاعتذار بالنص إنما يتم في العيب دون التدليس،
فإنه مشترك مع خيار الغبن في عدم النص، ومقتضى القاعدة في حكم
التصرف قبل العلم فيهما واحد.
والتحقيق أن يقال: إن مقتضى القاعدة عدم السقوط، لبقاء الضرر،
وعدم دلالة التصرف مع الجهل على الرضا بلزوم العقد وتحمل الضرر.
نعم، قد ورد النص في العيب على السقوط (4)، وادعي عليه الإجماع (5)،
مع أن ضرر السقوط فيه متدارك بالأرش وإن كان نفس إمساك

(1) المسالك 3: 207.
(2) صرح به النراقي في المستند 14: 395، ولم نعثر على غيره، نعم جاء في
مجمع الفائدة 8: 404: " وأما تصرف المغبون في مال الغابن فيحتمل ذلك
أيضا، لأن الجهل عذر "، ونحوه ما ورد في الرياض 1: 525.
(3) كذا وردت العبارة في " ق "، ووردت في " ش " هكذا: " لكن الاستشكال
من جهة ترك التصريح مع وجود الدليل مما لا ينبغي ".
(4) الوسائل 12: 362، الباب 16 من أبواب الخيار.
(5) ادعاه في الغنية: 222، والمختلف 5: 183، وراجع مفتاح الكرامة 4: 626.
186

المعيب (1) قد يكون ضررا، فإن تم دليل في التدليس أيضا قلنا به، وإلا
وجب الرجوع إلى دليل خياره.
ثم إن الحكم بسقوط الخيار بالتصرف بعد العلم بالغبن مبني على
ما تقدم في الخيارات السابقة: من تسليم كون التصرف دليلا على
الرضا بلزوم العقد، وإلا كان اللازم في غير ما دل فعلا على الالتزام
بالعقد من أفراد التصرف، الرجوع إلى أصالة بقاء الخيار.
الرابع من المسقطات: تصرف المشتري المغبون - قبل العلم بالغبن -
تصرفا مخرجا عن الملك على وجه اللزوم كالبيع والعتق. فإن المصرح به
في كلام المحقق (2) ومن تأخر عنه (3) هو سقوط خياره حينئذ، وقيل: إنه
المشهور (4). وهو كذلك بين المتأخرين.
نعم، ذكر الشيخ في خيار المشتري مرابحة عند كذب البائع: أنه
لو هلك السلعة أو تصرف فيها، سقط الرد (5).
والظاهر اتحاد هذا الخيار مع خيار الغبن، كما يظهر من جامع

(1) في " ش ": " العين ".
(2) الشرائع 2: 22.
(3) مثل العلامة في التذكرة 1: 523، والشهيد في غاية المراد 2: 99، والفاضل
المقداد في التنقيح 2: 48، وابن فهد الحلي في المهذب البارع 2: 376، وانظر
مفتاح الكرامة 4: 572.
(4) قاله الشهيد الثاني في الروضة 3: 465، والمحدث الكاشاني في المفاتيح 3:
74، والسيد الطباطبائي في الرياض 1: 525.
(5) المبسوط 2: 143.
187

المقاصد في شرح قول الماتن: " ولا يسقط (1) الخيار بتلف العين " فراجع (2).
واستدل على هذا الحكم في التذكرة (3) بعدم إمكان استدراكه مع
الخروج عن الملك. وهو بظاهره مشكل، لأن الخيار غير مشروط
عندهم بإمكان رد العين.
ويمكن أن يوجه بأن حديث " نفي الضرر " لم يدل على الخيار،
بل المتيقن منه جواز رد العين المغبون فيها، فإذا امتنع ردها، فلا دليل
على جواز فسخ العقد، وتضرر المغبون من جهة زيادة الثمن معارض
بتضرر الغابن بقبول البدل، فإن دفع الضرر من الطرفين إنما يكون
بتسلط المغبون على رد العين، فيكون حاله من حيث إن له القبول
والرد حال العالم بالغبن قبل المعاملة في أن له أن يشتري وأن يترك،
وليس هكذا بعد خروج العين عن ملكه، مع أن إخراج المغبون العين
عن ملكه التزام بالضرر، ولو جهلا منه به.
هذا، ولكن اعترض عليهم شيخنا الشهيد - قدس روحه السعيدة -
في اللمعة (4) بما توضيحه: أن الضرر الموجب للخيار قبل التصرف ثابت
مع التصرف، والتصرف مع الجهل بالضرر ليس إقداما عليه، لما عرفت
من أن الخارج عن عموم نفي الضرر ليس إلا صورة الإقدام عليه عالما
به، فيجب تدارك الضرر باسترداد ما دفعه من الثمن الزائد برد نفس
العين مع بقائها على ملكه وبدلها مع عدمه، وفوات خصوصية العين

(1) في " ش ": " ولا يبطل ".
(2) جامع المقاصد 4: 318.
(3) التذكرة 1: 523.
(4) راجع اللمعة الدمشقية: 128.
188

على الغابن ليس ضررا، لأن العين (1) إن كانت مثلية فلا ضرر بتبدلها
بمثلها، وإن كانت قيمية فتعريضها للبيع يدل على إرادة قيمتها، فلا ضرر
أصلا، فضلا عن أن يعارض به ضرر زيادة الثمن على القيمة، خصوصا
مع الإفراط في الزيادة.
والإنصاف أن هذا حسن جدا، لكن قال في الروضة: إن لم يكن
الحكم إجماعا (2).
أقول: والظاهر عدمه، لأنك عرفت عدم عنوان المسألة في كلام
من تقدم على المحقق فيما تتبعت.
ثم إن مقتضى دليل المشهور عدم الفرق في المغبون المتصرف بين
البائع والمشتري.
قال في التحرير - بعد أن صرح بثبوت الخيار للمغبون بائعا كان
أو مشتريا -: " ولا يسقط الخيار بالتصرف مع إمكان الرد " (3)، ومقتضى
إطلاقه عدم الفرق بين الناقل اللازم، وبين فك الملك كالعتق والوقف،
وبين المانع عن الرد مع البقاء على الملك كالاستيلاد، بل ويعم التلف.
وعن جماعة: تخصيص العبارة بالمشتري (4). فإن أرادوا قصر

(1) في " ش " زيادة: " المبيعة ".
(2) راجع الروضة البهية 3: 466، ولكن لم نعثر فيه على دعوى الإجماع، ولعلها
تستفاد من عبارة: " لكن لم أقف على قائل به ".
(3) التحرير 1: 166.
(4) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 572: " وقد صرح الأكثر بأن
المراد به المشتري "، ولم نعثر على غيره، وراجع الشرائع 2: 22، والمهذب
البارع 2: 376، واللمعة: 128، والرياض 8: 192.
189

الحكم عليه فلا يعرف له وجه، إلا أن يبنى على مخالفته لعموم دليل
الخيار، أعني نفي الضرر، فيقتصر على مورد الإجماع.
ثم إن ظاهر التقييد بصورة امتناع الرد، وظاهر التعليل بعدم
إمكان الاستدراك ما صرح به جماعة (1): من أن الناقل الجائز لا يمنع
الرد بالخيار إذا فسخه، فضلا عن مثل التدبير والوصية من التصرفات
الغير الموجبة للخروج عن الملك فعلا. وهو حسن، لعموم نفي الضرر،
ومجرد الخروج عن الملك لا يسقط تدارك ضرر الغبن.
ولو اتفق زوال المانع - كموت ولد أم الولد وفسخ العقد اللازم
لعيب أو غبن - ففي جواز الرد وجهان: من أنه متمكن حينئذ، ومن
استقرار البيع. وربما يبنيان على أن الزائل العائد كالذي لم يزل أو
كالذي لم يعد. وكذا الوجهان فيما لو عاد إليه بناقل جديد، وعدم الخيار
هنا أولى، لأن العود هنا بسبب جديد، وفي الفسخ برفع السبب السابق.
وفي لحوق الإجارة بالبيع قولان:
من امتناع الرد، وهو مختار الصيمري (2) وأبي العباس (3).
ومن أن مورد الاستثناء هو التصرف المخرج عن الملك، وهو
المحكي عن ظاهر الأكثر (4).

(1) منهم: ابن فهد الحلي في المهذب البارع 2: 376، والشهيد الثاني في الروضة
3: 471 - 472، والصيمري في غاية المرام (مخطوط) 1: 291 - 292.
(2) اختاره في غاية المرام (مخطوط) 1: 291، وفيه: " سواء كان واردا على
العين... أو على المنافع كالإجارة ".
(3) اختاره في المهذب البارع 2: 377.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 575.
190

ولو لم يعلم بالغبن إلا بعد انقضاء الإجارة توجه الرد، وكذا لو لم
يعلم به حتى انفسخ البيع.
وفي لحوق الامتزاج مطلقا أو في الجملة بالخروج عن الملك وجوه،
أقواها اللحوق، لحصول الشركة، فيمتنع رد العين الذي هو مورد
الاستثناء، وكذا لو تغيرت العين بالنقيصة، ولو تغيرت بالزيادة العينية
أو الحكمية أو من الجهتين، فالأقوى الرد في الوسطى بناء على حصول
الشركة في غيرها المانعة عن رد العين (1). هذا كله في تصرف المغبون.
وأما تصرف الغابن، فالظاهر أنه لا وجه لسقوط خيار المغبون
به،
وحينئذ فإن فسخ ووجد العين خارجة عن ملكه لزوما بالعتق أو
الوقف أو البيع اللازم، ففي تسلطه على إبطال ذلك من حينها (2) أو من
أصلها - كالمرتهن والشفيع - أو رجوعه إلى البدل، وجوه:
من وقوع العقد في متعلق حق الغير، فإن حق المغبون ثابت
بأصل المعاملة الغبنية، وإنما يظهر له بظهور السبب، فله الخيار في
استرداد العين إذا ظهر السبب، وحيث وقع العقد في ملك الغابن،
فلا وجه لبطلانه من رأس.
ومن أن وقوع العقد في متعلق حق الغير يوجب تزلزله من رأس
- كما في بيع الرهن - ومقتضى فسخ البيع الأول تلقي الملك من الغابن
الذي وقع البيع معه، لا من المشتري الثاني.
ومن أنه لا وجه للتزلزل، إما لأن التصرف في زمان خيار

(1) في " ش " زيادة: " فتأمل ".
(2) في " ش ": " حينه ".
191

غير (1) المتصرف صحيح لازم - كما سيجئ في أحكام الخيار (2) - فيسترد
الفاسخ البدل، وإما لعدم تحقق الخيار قبل ظهور الغبن فعلا على وجه
يمنع من تصرف من عليه الخيار، كما هو ظاهر الجماعة هنا وفي خيار
العيب قبل ظهوره، فإن غير واحد ممن منع من تصرف غير ذي الخيار
بدون إذنه أو استشكاله (3) فيه حكم بلزوم العقود الواقعة قبل ظهور
الغبن والعيب (4). وهذا هو الأقوى، وستأتي تتمة لذلك في أحكام
الخيار (5).
وكذا الحكم لو حصل مانع من رده كالاستيلاد، ويحتمل هنا
تقديم حق الخيار، لسبق سببه على الاستيلاد.
ثم إن مقتضى ما ذكرنا جريان الحكم في خروج المبيع عن ملك
الغابن بالعقد الجائز، لأن معنى جوازه تسلط أحد المتعاقدين على فسخه،
أما تسلط الأجنبي وهو المغبون، فلا دليل عليه بعد فرض وقوع العقد
صحيحا.
وفي المسالك: لو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار ألزم

(1) في " ش ": الغير، وفي " ف " شطب على " المتصرف ".
(2) انظر الجزء السادس، الصفحة 144 - 150.
(3) في " ش ": " استشكل ".
(4) لم نعثر على قائل به صراحة، نعم يظهر ممن حكم بعدم سقوط خيار المغبون
بتصرف الغابن وأنه يلزمه المثل أو القيمة بعد الفسخ، كما في المهذب البارع 2:
377، وجامع المقاصد 4: 295، والمسالك 3: 206 وغيرها.
(5) انظر الجزء السادس، الصفحة 154.
192

بالفسخ، فإن امتنع فسخه الحاكم، فإن امتنع (1) فسخه المغبون (2).
ويمكن النظر فيه: بأن فسخ المغبون إما بدخول العين في ملكه،
وإما بدخول بدلها، فعلى الأول لا حاجة إلى الفسخ حتى يتكلم في
الفاسخ، وعلى الثاني فلا وجه للعدول عما استحقه بالفسخ إلى غيره.
اللهم إلا أن يقال: إنه لا منافاة، لأن البدل المستحق بالفسخ إنما
هو للحيلولة، فإذا أمكن رد العين وجب على الغابن تحصيلها، لكن
ذلك إنما يتم مع كون العين (3) على ملك المغبون، وأما مع عدمه وتملك
المغبون للبدل فلا دليل على وجوب تحصيل العين.
ثم على القول بعدم وجوب الفسخ في الجائز، لو اتفق عود الملك
إليه لفسخ - في العقد الجائز أو اللازم (4) - فإن كان ذلك قبل فسخ
المغبون فالظاهر وجوب رد العين. وإن كان بعده، فالظاهر عدم وجوب
رده، لعدم الدليل بعد تملك البدل.
ولو كان العود بعقد جديد فالأقوى عدم وجوب الرد مطلقا،
لأنه ملك جديد تلقاه من مالكه، والفاسخ إنما يملك بسبب ملكه السابق
بعد ارتفاع السبب الناقل.
ولو تصرف الغابن تصرفا مغيرا للعين، فإما أن يكون بالنقيصة
أو بالزيادة أو بالامتزاج.

(1) في " ش ": " وإن تعذر ".
(2) المسالك 3: 206، مع تفاوت في بعض الألفاظ.
(3) في " ش " زيادة: " باقية ".
(4) لم ترد عبارة " في العقد الجائز أو اللازم " في " ش ".
193

فإن كان بالنقيصة: فإما أن يكون نقصا يوجب الأرش، وإما أن
يكون مما لا يوجبه.
فإن أوجب الأرش أخذه مع الأرش، كما هو مقتضى الفسخ، لأن
الفائت مضمون بجزء من العوض، فإذا رد تمام العوض وجب رد مجموع
المعوض، فيتدارك الفائت [منه] (1) ببدله، ومثل ذلك ما لو تلف بعض
العين.
وإن كان مما لا يوجب شيئا، رده بلا شئ. ومنه ما لو وجد
العين مستأجرة، فإن على الفاسخ الصبر إلى أن ينقضي مدة الإجارة،
ولا يجب على الغابن بذل [عوض] (2) المنفعة المستوفاة بالنسبة إلى بقية
المدة بعد الفسخ، لأن المنفعة من الزوائد المنفصلة المتخللة بين العقد
والفسخ، فهي ملك للمفسوخ عليه، فالمنفعة الدائمة تابعة للملك المطلق،
فإذا تحقق في زمان ملك منفعة العين بأسرها. ويحتمل انفساخ الإجارة
في بقية المدة، لأن ملك منفعة الملك المتزلزل متزلزل، وهو الذي جزم به
المحقق القمي فيما إذا فسخ البائع بخياره المشروط له في البيع (3). وفيه
نظر، لمنع تزلزل ملك المنفعة.
نعم، ذكر العلامة في القواعد فيما إذا وقع التفاسخ لأجل اختلاف
المتبايعين: أنه إذا وجد البائع العين مستأجرة كانت الأجرة للمشتري
المؤجر ووجب عليه للبائع أجرة المثل للمدة الباقية بعد الفسخ (4)، وقرره

(1) لم يرد في " ق ".
(2) لم يرد في " ق ".
(3) راجع جامع الشتات 3: 431 - 432، المسألة 203.
(4) القواعد 2: 96.
194

على ذلك شراح الكتاب (1)، وسيجئ ما يمكن أن يكون فارقا بين
المقامين.
وإن كان التغيير بالزيادة: فإن كانت حكمية محضة كقصارة الثوب
وتعليم الصنعة، فالظاهر ثبوت الشركة فيه بنسبة تلك الزيادة، بأن تقوم
العين معها ولا معها وتؤخذ النسبة. ولو لم يكن للزيادة مدخل في
زيادة القيمة، فالظاهر عدم شئ لمحدثها، لأنه إنما عمل في ماله، وعمله
لنفسه غير مضمون على غيره، ولم يحصل منه في الخارج ما يقابل المال
ولو في ضمن العين.
ولو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس:
ففي تسلط المغبون على القلع بلا أرش، كما اختاره في المختلف في
الشفعة (2).
أو عدم تسلطه عليه مطلقا، كما عليه المشهور، فيما إذا رجع بائع
الأرض المغروسة بعد تفليس المشتري.
أو تسلطه عليه مع الأرش كما اختاره في المسالك هنا (3) وقيل به
في الشفعة والعارية (4)، وجوه:
من أن صفة كونه منصوبا المستلزمة لزيادة قيمته إنما هي عبارة

(1) راجع إيضاح الفوائد 1: 521، وجامع المقاصد 4: 446، ومفتاح الكرامة
4: 760.
(2) راجع المختلف 5: 356.
(3) لم نعثر عليه في المسالك، نعم صرح به في الروضة 3: 469.
(4) راجع الشرائع 2: 173، و 3: 260، ومفتاح الكرامة 6: 61 و 383.
195

عن كونه في مكان صار ملكا للغير، فلا حق للغرس، كما إذا باع
أرضا مشغولة بماله وكان ماله في تلك الأرض أزيد قيمة، مضافا إلى
ما في المختلف في مسألة الشفعة: من أن الفائت لما حدث في محل
معرض للزوال لم يجب تداركه (1).
ومن أن الغرس المنصوب الذي هو مال للمشتري مال مغاير
للمقلوع عرفا، وليس كالمتاع الموضوع في بيت بحيث يكون تفاوت
قيمته باعتبار المكان، مضافا إلى مفهوم قوله صلى الله عليه وآله: " ليس لعرق
ظالم (2) حق " (3) فيكون كما لو باع الأرض المغروسة.
ومن أن الغرس إنما وقع في ملك متزلزل، ولا دليل على
استحقاق الغرس على الأرض البقاء: وقياس الأرض المغروسة على

(1) راجع المختلف 5: 356.
(2) قال ابن الأثير في النهاية: " وفي حديث إحياء الموات: " ليس لعرق ظالم
حق " هو أن يجئ الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسا
غصبا ليستوجب به الأرض.
والرواية " لعرق " بالتنوين، وهو على حذف المضاف: أي لذي عرق ظالم،
فجعل العرق نفسه ظالما، والحق لصاحبه، أو يكون الظالم من صفة صاحب
العرق، وإن روي " عرق " بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق، والحق للعرق،
وهو أحد عروق الشجرة ".
انظر النهاية لابن الأثير: مادة " عرق "، وانظر مجمع البحرين: المادة
نفسها.
(3) عوالي اللآلي 2: 257، الحديث 6، ورواه في الوسائل 17: 311، الباب 3
من أبواب الغصب، الحديث الأول عن الصادق عليه السلام.
196

الأرض المستأجرة حيث لا يفسخ إجارتها ولا تغرم لها أجرة المثل
فاسد، للفرق بتملك المنفعة في تمام المدة قبل استحقاق الفاسخ هناك
بخلاف ما نحن فيه، فإن المستحق هو الغرس المنصوب من دون
استحقاق مكان في الأرض.
فالتحقيق: أن كلا من المالكين يملك ماله لا بشرط حق له على
الآخر ولا عليه له، فلكل منهما تخليص ماله عن مال صاحبه. فإن
أراد مالك الغرس قلعه فعليه أرش طم الحفر، وإن أراد مالك الأرض
تخليصها فعليه أرش الغرس، أعني تفاوت ما بين كونه منصوبا دائما
وكونه مقلوعا. وكونه مالا للمالك على صفة النصب دائما ليس اعترافا
على عدم (1) تسلطه على قلعه، لأن المال هو الغرس المنصوب، ومرجع
دوامه إلى دوام ثبوت هذا المال الخاص له، فليس هذا من باب
استحقاق الغرس للمكان، فافهم.
ويبقى الفرق بين ما نحن فيه وبين مسألة التفليس، حيث ذهب
الأكثر إلى أن ليس للبائع الفاسخ قلع الغرس ولو مع الأرش. ويمكن
الفرق بكون حدوث ملك الغرس في ملك متزلزل فيما نحن فيه، فحق
المغبون إنما تعلق بالأرض قبل الغرس، بخلاف مسألة التفليس، لأن
سبب التزلزل هناك بعد الغرس، فيشبه بيع الأرض المغروسة وليس
للمشتري قلعه ولو مع الأرش بلا خلاف، بل عرفت أن العلامة قدس سره
في المختلف جعل التزلزل موجبا لعدم استحقاق أرش الغرس.
ثم إذا جاز القلع، فهل يجوز للمغبون مباشرة القلع، أم له مطالبة

(1) في " ش ": " بعدم ".
197

المالك بالقلع، ومع امتناعه يجبره الحاكم أو يقلعه؟ وجوه، ذكروها (1) فيما
لو دخلت أغصان شجر الجار إلى داره. ويحتمل الفرق بين المقامين من
جهة كون الدخول هناك بغير فعل المالك، ولذا قيل فيه بعدم وجوب
إجابة المالك الجار إلى القلع وإن جاز للجار قلعها بعد الامتناع أو قبله.
هذا كله حكم القلع (2).
وأما لو اختار المغبون الإبقاء، فمقتضى ما ذكرنا - من عدم ثبوت
حق لأحد المالكين على الآخر - استحقاقه الأجرة على البقاء، لأن
انتقال الأرض إلى المغبون بحق سابق على الغرس، لا بسبب لاحق له.
هذا كله حكم الشجر.
وأما الزرع: ففي المسالك: أنه يتعين إبقاؤه بالأجرة (3)، لأن له
أمدا ينتظر. ولعله لإمكان الجمع بين الحقين على وجه لا ضرر فيه على
الطرفين، بخلاف مسألة الشجر، فإن في تعيين إبقائه بالأجرة ضررا على
مالك الأرض، لطول مدة البقاء، فتأمل.
ولو طلب مالك الغرس القلع، فهل لمالك الأرض منعه لاستلزام
نقص أرضه، فإن كلا منهما مسلط على ماله ولا يجوز تصرفه في مال
غيره إلا بإذنه، أم لا، لأن التسلط على المال لا يوجب منع مالك آخر
عن التصرف في ماله؟ وجهان: أقواهما الثاني.

(1) راجع تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة 5: 504، والمناهل: 388 - 389،
والجواهر 26: 277.
(2) في " ش ": " التخليص ".
(3) لم نعثر عليه في المسالك، نعم هو موجود في الروضة 3: 469.
198

ولو كان التغير بالامتزاج: فإما أن يكون بغير جنسه، وإما أن
يكون بجنسه.
فإن كان بغير الجنس، فإن كان على وجه الاستهلاك عرفا بحيث
لا يحكم في مثله بالشركة - كامتزاج ماء الورد المبيع بالزيت - فهو في
حكم التالف يرجع إلى قيمته. وإن كان لا على وجه يعد تالفا - كالخل
الممتزج مع الأنجبين - ففي كونه شريكا أو كونه كالمعدوم (1)، وجهان (2).
وإن كان الامتزاج بالجنس، فإن كان بالمساوي يثبت الشركة،
وإن كان بالأردأ فكذلك، وفي استحقاقه لأرش النقص أو تفاوت
الرداءة من الجنس الممتزج أو من ثمنه، وجوه. ولو كان بالأجود
احتمل الشركة في الثمن، بأن يباع ويعطى من الثمن بنسبة قيمته،
ويحتمل الشركة بنسبة القيمة، فإذا كان الأجود يساوي قيمتي الردئ
كان المجموع بينهما أثلاثا، ورده الشيخ - في مسألة رجوع البائع على
المفلس بعين ماله - بأنه يستلزم الربا (3). قيل: وهو حسن مع عموم
الربا لكل معاوضة (4).
بقي الكلام في حكم تلف العوضين مع الغبن:

(1) في " ق ": " كالمعدومة ".
(2) في " ش " زيادة: " من حصول الاشتراك قهرا لو كانا لمالكين، ومن تغير
حقيقته، فيكون كالتلف الرافع للخيار ".
(3) المبسوط 2: 263.
(4) قاله الشهيد الثاني في المسالك 4: 113، بلفظ: " وهو يتم على القول بثبوته
في كل معاوضة ".
199

وتفصيله: أن التلف إما أن يكون فيما وصل إلى الغابن، أو
فيما وصل إلى المغبون. والتلف، إما بآفة أو بإتلاف أحدهما أو بإتلاف
الأجنبي.
وحكمها: أنه لو تلف ما في يد المغبون، فإن كان بآفة فمقتضى
ما تقدم من التذكرة (1) في الإخراج عن الملك - من تعليل السقوط بعدم
إمكان الاستدراك - سقوط الخيار. لكنك قد عرفت الكلام في مورد
التعليل فضلا عن غيره، ولذا اختار غير واحد بقاء الخيار (2)، فإذا فسخ
غرم قيمة (3) يوم التلف أو يوم الفسخ وأخذ ما عند الغابن أو بدله.
وكذا لو كان بإتلافه.
ولو كان بإتلاف الأجنبي ففسخ المغبون، أخذ الثمن ورجع الغابن
إلى المتلف إن لم يرجع المغبون عليه. وإن رجع عليه بالبدل ثم ظهر
الغبن ففسخ رد على الغابن القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ.
ولو كان بإتلاف الغابن فإن لم يفسخ المغبون أخذ القيمة من
الغابن. وإن فسخ أخذ الثمن. ولو كان إتلافه قبل ظهور الغبن فأبرأه
المغبون من الغرامة ثم ظهر الغبن ففسخ وجب عليه رد القيمة، لأن
ما أبرأه بمنزلة المقبوض.
ولو تلف ما في يد الغابن بآفة أو بإتلافه ففسخ المغبون أخذ

(1) تقدم في الصفحة 188.
(2) كالشهيد الثاني في الروضة 3: 473، والسيد الطباطبائي في الرياض 8:
192، وراجع مفتاح الكرامة 4: 607.
(3) في " ش " و " ف ": " قيمته ".
200

البدل. وفي اعتبار القيمة يوم التلف أو يوم الفسخ قولان، ظاهر الأكثر
الأول.
ولكن صرح في الدروس (1) والمسالك (2) ومحكي حاشية الشرائع (3)
للمحقق الثاني وصاحب الحدائق (4) وبعض آخر (5): أنه لو اشترى عينا
بعين فقبض أحدهما دون الأخرى فباع المقبوض ثم تلف غير المقبوض:
أن البيع الأول ينفسخ بتلف متعلقه قبل القبض بخلاف البيع الثاني،
فيغرم البائع الثاني قيمة ما باعه يوم تلف غير المقبوض.
وهذا ظاهر بل صريح في أن العبرة بقيمة يوم الانفساخ دون
تلف العين. والفرق بين المسألتين مشكل، وتمام الكلام في باب الإقالة
إن شاء الله تعالى.
ولو تلف بإتلاف الأجنبي رجع المغبون بعد الفسخ إلى الغابن،
لأنه الذي يرد إليه العوض فيؤخذ منه المعوض أو بدله، ولأنه ملك
القيمة على المتلف. ويحتمل الرجوع إلى المتلف، لأن المال في ضمانه
وما لم يدفع العوض فنفس المال في عهدته، ولذا صرح في الشرائع (6)

(1) الدروس 3: 211.
(2) المسالك 3: 257.
(3) لم نعثر على الحاكي، ولا توجد لدينا حاشية الشرائع في هذا الموضوع.
(4) الحدائق 19: 189 - 190.
(5) كالمحقق في الشرائع 2: 32، والعلامة في القواعد 2: 87، والإرشاد 1: 381،
وراجع مفتاح الكرامة 4: 718.
(6) راجع الشرائع 2: 122.
201

بجواز المصالحة على ذلك المتلف بما لو صالح به على قيمته لزم الربا،
وصرح العلامة (1) بأنه لو صالحه على نفس المتلف بأقل من قيمته لم
يلزم الربا، وإن صالحه على قيمته بالأقل لزم الربا، بناء على جريانه في
الصلح. ويحتمل التخيير أما الغابن فلأنه ملك البدل، وأما المتلف فلأن
المال المتلف في عهدته قبل أداء القيمة.
وإن كان بإتلاف المغبون فإن لم يفسخ غرم بدله، ولو أبرأه الغابن
من بدل المتلف فظهر الغبن ففسخ، رد الثمن وأخذ قيمة المتلف، لأن
المبرأ منه كالمقبوض.
هذا قليل من كثير ما يكون هذا المقام قابلا له من الكلام،
وينبغي إحالة الزائد على ما ذكروه في غير هذا المقام، والله العالم
بالأحكام ورسوله وخلفاؤه الكرام صلوات الله عليه وعليهم إلى يوم
القيام.

(1) راجع التحرير 1: 229 - 230.
202

مسألة
الظاهر ثبوت خيار الغبن في كل معاوضة مالية، بناء على الاستناد
في ثبوته في البيع إلى نفي الضرر. نعم، لو استند إلى الإجماعات المنقولة
أمكن الرجوع في غير البيع إلى أصالة اللزوم.
وممن حكي عنه التصريح بالعموم فخر الدين قدس سره في شرح
الإرشاد (1) وصاحب التنقيح (2) وصاحب إيضاح النافع (3)، وعن إجارة
جامع المقاصد: جريانه فيها مستندا إلى أنه من توابع المعاوضات (4).
نعم، حكي عن المهذب البارع عدم جريانه في الصلح (5). ولعله
لكون الغرض الأصلي فيه قطع المنازعة، فلا يشرع فيه الفسخ. وفيه
ما لا يخفى.

(1) حكاه عنه وعمن بعده السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 570 - 571.
(2) التنقيح الرائع 2: 47.
(3) إيضاح النافع (مخطوط) لا يوجد لدينا.
(4) جامع المقاصد 7: 86.
(5) المهذب البارع 2: 538.
203

وفي غاية المرام: التفصيل بين الصلح الواقع على وجه المعاوضة
فيجري فيه، وبين الواقع على إسقاط دعوى قبل ثبوتها ثم ظهر حقية
ما يدعيه وكان مغبونا فيما صالح به، والواقع على ما في الذمم وكان
مجهولا ثم ظهر بعد عقد الصلح وظهر غبن أحدهما على تأمل (1). ولعله
للإقدام في هذين على رفع اليد عما صالح عنه كائنا ما كان، فقد أقدم
على الضرر.
وحكي عن بعض (2) التفصيل بين كل عقد وقع شخصه على وجه
المسامحة وكان الإقدام على المعاملة فيه مبنيا على عدم الالتفات إلى
النقص والزيادة - بيعا كان أو صلحا أو غيرهما - فإنه لا يصدق فيه
اسم الغبن، وبين غيره.
وفيه - مع أن منع صدق الغبن محل نظر -: أن الحكم بالخيار لم
يعلق في دليل على مفهوم لفظ " الغبن " حتى يتبع مصاديقه، فإن
الفتاوى مختصة بغبن البيع، وحديث نفي الضرر عام لم يخرج منه إلا
ما استثني في الفتاوى من صورة الإقدام على الضرر عالما به. نعم، لو
استدل بآية التجارة عن تراض أو النهي عن أكل المال بالباطل أمكن
اختصاصهما بما إذا أقدم على المعاملة محتملا للضرر مسامحا في دفع ذلك
الاحتمال.
والحاصل: أن المسألة لا تخلو عن إشكال:

(1) انظر غاية المرام (مخطوط) 1: 296، وفيه تصريح بعدم ثبوت الخيار في
الفرضين الأخيرين.
(2) لم نعثر عليه.
204

من جهة أصالة اللزوم، واختصاص معقد الإجماع والشهرة بالبيع،
وعدم تعرض الأكثر لدخول هذا الخيار في غير البيع كما تعرضوا
لجريان خيار الشرط (1)، وتعرضهم لعدم جريان خيار المجلس في غير
البيع لكونه محل خلاف لبعض العامة في بعض أفراد ما عدا البيع (2)،
فلا يدل على عموم غيره لما عدا البيع.
ومن دلالة حديث نفي الضرر على عدم لزوم المعاملة المغبون فيها
ولو في صورة امتناع الغابن عن بذل التفاوت (3)، وقد استدل به
الأصحاب على إثبات كثير من الخيارات، فدخوله فيما عدا البيع لا يخلو
عن قوة.
نعم، يبقى الإشكال في شموله للصورة المتقدمة، وهي ما إذا علم
من الخارج بناء شخص تلك المعاملة - بيعا كان أو غيره - على عدم
المغابنة والمكايسة من حيث المالية، كما إذا احتاج المشتري إلى قليل
من شئ مبتذل لحاجة عظيمة دينية أو دنيوية، فإنه لا يلاحظ في
شرائه مساواته للثمن المدفوع بإزائه، فإن في شمول الأدلة لمثل هذا
خفاء، بل منعا (4)، والله العالم.

(1) كما تقدم عنهم في الصفحة 147 - 148.
(2) راجع الشرح الكبير (المطبوع ضمن المغني لابن قدامة) 4: 61، وفيه:
" أحدها خيار المجلس ويثبت في البيع والصلح بمعناه والإجارة ويثبت في الصرف
والسلم "، وراجع الخلاف 3: 14، المسألة 14 من كتاب البيوع.
(3) في " ش " زيادة: " بعد إلحاق غيرها بظهور عدم الفصل عند الأصحاب ".
(4) في " ش " زيادة: " إلا أن يتم بعدم القول بالفصل ".
205

مسألة
اختلف أصحابنا في كون هذا الخيار على الفور أو على التراخي
على قولين:
واستند للقول الأول - وهو المشهور ظاهرا - إلى كون الخيار على
خلاف الأصل (1)، فيقتصر فيه على المتيقن. وقرره في جامع المقاصد بأن
العموم في أفراد العقود يستتبع عموم الأزمنة، وإلا لم ينتفع بعمومه (2)،
انتهى.
وللقول الثاني [إلى] (3) الاستصحاب. وذكر في الرياض ما حاصله:
أن المستند في هذا الخيار إن كان الإجماع المنقول اتجه التمسك
بالاستصحاب، وإن كان نفي الضرر وجب الاقتصار على الزمان الأول،
إذ به يندفع الضرر (4).

(1) راجع الحدائق 19: 43، ومفتاح الكرامة 4: 104، والمناهل: 327.
(2) جامع المقاصد 4: 38.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) راجع الرياض 1: 525.
206

أقول: ويمكن الخدشة في جميع الوجوه المذكورة.
أما في وجوب الاقتصار على المتيقن، فلأنه غير متجه مع
الاستصحاب.
وأما ما ذكره في جامع المقاصد - من عموم الأزمنة - فإن أراد به
عمومها المستفاد من إطلاق الحكم بالنسبة إلى زمانه الراجع بدليل
الحكمة إلى استمراره في جميع الأزمنة، فلا يخفى أن هذا العموم في كل
فرد من موضوع الحكم تابع لدخوله تحت العموم، فإذا فرض خروج
فرد منه، فلا يفرق فيه بين خروجه عن حكم العام دائما أو في زمان
ما، إذ ليس في خروجه دائما زيادة تخصيص في العام حتى يقتصر عند
الشك فيه على المتيقن، نظير ما إذا ورد تحريم فعل بعنوان العموم
وخرج منه فرد خاص من ذلك الفعل، لكن وقع الشك في أن ارتفاع
الحرمة عن ذلك الفرد مختص ببعض الأزمنة أو عام لجميعها، فإن اللازم
هنا استصحاب حكم الخاص - أعني الحلية - لا الرجوع فيما بعد الزمان
المتيقن إلى عموم التحريم، وليس هذا من معارضة العموم للاستصحاب،
والسر فيه ما عرفت: من تبعية العموم الزماني للعموم الأفرادي، فإذا
فرض خروج بعضها فلا مقتضى للعموم الزماني فيه حتى يقتصر فيه
من حيث الزمان على المتيقن، بل الفرد الخارج واحد، دام زمان
خروجه أو انقطع.
نعم، لو فرض إفادة الكلام للعموم الزماني على وجه يكون
الزمان مكثرا لأفراد العام، بحيث يكون الفرد في كل زمان مغايرا له
في زمان آخر، كان اللازم بعد العلم بخروج فرد في زمان ما [الاقتصار] (1)

(1) لم يرد في " ق ".
207

على المتيقن، لأن خروج غيره من الزمان مستلزم لخروج فرد آخر من
العام غير ما علم خروجه، كما إذا قال المولى لعبده: " أكرم العلماء في
كل يوم " بحيث كان إكرام كل عالم في كل يوم واجبا مستقلا غير إكرام
ذلك العالم في اليوم الآخر، فإذا علم بخروج زيد العالم وشك في
خروجه عن العموم يوما أو أزيد، وجب الرجوع في ما بعد اليوم
الأول إلى عموم وجوب الإكرام، لا إلى استصحاب عدم وجوبه، بل لو
فرضنا عدم وجود ذلك العموم لم يجز التمسك بالاستصحاب، بل يجب
الرجوع إلى أصل آخر، كما أن في الصورة الأولى لو فرضنا عدم حجية
الاستصحاب لم يجز الرجوع إلى العموم، فما أوضح الفرق بين الصورتين!
ثم لا يخفى أن مناط هذا الفرق ليس كون عموم الزمان في
الصورة الأولى من الإطلاق المحمول على العموم بدليل الحكمة وكونه في
الصورة الثانية عموما لغويا، بل المناط كون الزمان في الأولى ظرفا
للحكم وإن فرض عمومه لغويا، فيكون الحكم فيه حكما واحدا
مستمرا لموضوع واحد، فيكون مرجع الشك فيه إلى الشك في استمرار
حكم واحد وانقطاعه فيستصحب. والزمان في الثانية مكثر لأفراد
موضوع الحكم، فمرجع الشك في وجود الحكم في الآن الثاني إلى ثبوت
حكم الخاص لفرد من العام مغاير للفرد الأول، ومعلوم أن المرجع فيه
إلى أصالة العموم، فافهم واغتنم.
وبذلك يظهر فساد دفع كلام جامع المقاصد: بأن آية * (أوفوا...) *
وغيرها مطلقة لا عامة، فلا تنافي الاستصحاب (1) إلا أن يدعى أن

(1) الدافع هو صاحب الجواهر في الجواهر 23: 44.
208

العموم الإطلاقي لا يرجع إلا إلى العموم الزماني على الوجه الأول.
وقد (1) ظهر أيضا مما ذكرنا - من تغاير موردي الرجوع إلى
الاستصحاب والرجوع إلى العموم -: فساد ما قيل في الأصول: من أن
الاستصحاب قد يخصص العموم، ومثل له بالصورة الأولى، زعما منه
أن الاستصحاب قد خصص العموم (2). وقد عرفت أن مقام جريان
الاستصحاب لا يجوز فيه الرجوع إلى العموم ولو على فرض عدم
الاستصحاب، ومقام جريان العموم لا يجوز فيه الرجوع إلى الاستصحاب
ولو على فرض عدم العموم، فليس شئ منهما ممنوعا بالآخر في شئ
من المقامين.
إذا عرفت هذا فما نحن فيه من قبيل الأول، لأن العقد المغبون فيه
إذا خرج عن عموم وجوب الوفاء فلا فرق بين عدم وجوب الوفاء به
في زمان واحد وبين عدم وجوبه رأسا، نظير العقد الجائز دائما، فليس
الأمر دائرا بين قلة التخصيص وكثرته حتى يتمسك بالعموم فيما عدا
المتيقن، فلو فرض عدم جريان الاستصحاب في الخيار - على ما سنشير
إليه - لم يجز التمسك بالعموم أيضا. نعم، يتمسك فيه حينئذ بأصالة
اللزوم الثابتة بغير العمومات.
وأما استناد القول بالتراخي إلى الاستصحاب، فهو حسن على
ما اشتهر من المسامحة في تشخيص الموضوع في استصحاب الحكم
الشرعي الثابت بغير الأدلة اللفظية المشخصة للموضوع، مع كون الشك

(1) في " ش ": " فقد ".
(2) راجع فرائد الأصول 3: 273، التنبيه العاشر من تنبيهات الاستصحاب.
209

من حيث استعداد الحكم للبقاء. وأما على التحقيق من عدم إحراز
الموضوع في مثل ذلك على وجه التحقيق، فلا يجري فيما نحن فيه
الاستصحاب، فإن المتيقن سابقا ثبوت الخيار لمن لم يتمكن من تدارك
ضرره بالفسخ، فإذا فرضنا ثبوت (1) الحكم من الشرع على هذا الوجه (2)
فلا معنى لانسحابه في الآن اللاحق مع كون الشخص قد تمكن من
التدارك ولم يفعل، لأن هذا موضوع آخر يكون إثبات الحكم له من
القياس المحرم.
نعم، لو أحرز الموضوع من دليل لفظي على المستصحب أو كان
الشك في رافع الحكم حتى لا يحتمل أن يكون الشك لأجل تغير
الموضوع اتجه التمسك بالاستصحاب.
وأما ما ذكره في الرياض (3)، ففيه: أنه إن بنى الأمر على
التدقيق في موضوع الاستصحاب - كما أشرنا هنا وحققناه في الأصول -
فلا يجري الاستصحاب وإن كان المدرك للخيار الإجماع. وإن بنى
على المسامحة فيه - كما اشتهر - جرى الاستصحاب وإن استند في الخيار
إلى قاعدة الضرر، كما اعترف به ولده قدس سرهما في المناهل (4) مستندا

(1) في " ش " زيادة: " هذا ".
(2) لم ترد " على هذا الوجه " في " ش ".
(3) المتقدم عنه في الصفحة 206.
(4) قاله فيما لو بذل الغابن التفاوت، في تقوية ما اختاره من عدم سقوط الخيار
بالبذل وتعرض لمسألة الفور والتراخي، لكن لم يتعرض لهذا المستند، راجع
المناهل: 327.
210

إلى احتمال أن يكون الضرر علة محدثة يكفي في بقاء الحكم وإن ارتفع.
إلا أن يدعى أنه إذا استند الحكم إلى الضرر فالموضوع للخيار هو
المتضرر العاجز عن تدارك ضرره وهو غير محقق في الزمان اللاحق،
كما أشرنا.
ثم إنه بنى المسألة بعض المعاصرين (1) على ما لا محصل له، فقال
ما لفظه: إن المسألة مبتنية على أن لزوم العقد معناه: أن أثر العقد
مستمر إلى يوم القيامة وأن عموم الوفاء بالعقود عموم زماني، للقطع
بأن ليس المراد بالآية الوفاء بالعقود آنا ما، بل على الدوام، وقد فهم
المشهور منها ذلك، و (2) باعتبار أن الوفاء بها العمل بمقتضاها ولا ريب
أن مفاده عرفا وبحسب قصد المتعاقدين الدوام، فإذا دل دليل على
ثبوت خيار: من ضرر، أو إجماع، أو نص في ثبوته في الماضي أو
مطلقا - بناء على الإهمال لا الإطلاق في الأخبار - فيكون استثناء من
ذلك العام ويبقى العام على عمومه، كاستثناء أيام الإقامة والثلاثين
ووقت المعصية ونحوها من حكم السفر.
أو أن اللزوم ليس كالعموم وإنما يثبت ملكا سابقا ويبقى حكمه
مستصحبا إلى المزيل، فتكون المعارضة بين استصحابين، والثاني وارد
على الأول، فيقدم عليه، والأول أقوى، لأن حدوث الحادث مع زوال
علته السابقة يقضي بعدم اعتبار السابق، أما مع بقائها فلا يلغو اعتبار

(1) وهو الشيخ علي آل كاشف الغطاء في تعليقته على اللمعة (مخطوط)، مبحث
خيار التأخير.
(2) لم ترد " و " في " ش ".
211

السابق، انتهى.
ولا يخفى أن ما ذكره من المبنى للرجوع إلى العموم - وهو
استمرار اللزوم - مبني لطرح العموم والرجوع إلى الاستصحاب.
وأما ما ذكره أخيرا لمبنى الرجوع إلى الاستصحاب، وحاصله:
أن اللزوم إنما يثبت بالاستصحاب، فإذا ورد عليه استصحاب الخيار
قدم عليه.
ففيه: أن الكل متفقون على الاستناد في أصالة اللزوم إلى عموم
آية الوفاء وإن أمكن الاستناد فيه إلى الاستصحاب أيضا، فلا وجه
للإغماض عن الآية وملاحظة الاستصحاب المقتضي للزوم مع استصحاب
الخيار.
ثم إنه قد علم من تضاعيف ما أوردناه على كلمات الجماعة: أن
الأقوى كون الخيار هنا على الفور، لأنه لما لم يجز التمسك في الزمان
الثاني بالعموم - لما عرفت سابقا: من أن مرجع العموم الزماني في هذا
المقام إلى استمرار الحكم في الأفراد فإذا انقطع الاستمرار فلا دليل على
العود إليه، كما في جميع الأحكام المستمرة إذا طرأ عليها الانقطاع -
ولا باستصحاب الخيار - لما عرفت: من أن الموضوع غير محرز، لاحتمال
كون موضوع الحكم عند الشارع هو من لم يتمكن من تدارك ضرره
بالفسخ، فلا يشمل الشخص المتمكن منه التارك له، بل قد يستظهر
ذلك من حديث نفي الضرر - تعين (1) الرجوع إلى أصالة فساد فسخ
المغبون وعدم ترتب الأثر عليه وبقاء آثار العقد، فيثبت اللزوم من

(1) جواب لقوله: " لما لم يجز ".
212

هذه الجهة. وهذا ليس كاستصحاب الخيار، لأن الشك هنا في الرافع،
فالموضوع محرز كما في استصحاب الطهارة بعد خروج المذي، فافهم
واغتنم، والحمد لله.
هذا، مضافا إلى ما قد يقال هنا وفيما يشبهه - من إجازة عقد
الفضولي ونكاحه وغيرهما -: من أن تجويز التأخير فيها ضرر على من
عليه الخيار، وفيه تأمل.
ثم إن مقتضى ما استند إليه للفورية - عدا هذا المؤيد الأخير -
هي الفورية العرفية، لأن الاقتصار على الحقيقية حرج على ذي الخيار،
فلا ينبغي تدارك الضرر به، والزائد عليها لا دليل عليه عدا الاستصحاب
المتسالم على رده بين أهل هذا القول.
لكن الذي يظهر من التذكرة في خيار العيب على القول بفوريته
ما هو أوسع من الفور العرفي، قال: خيار العيب ليس على الفور على
ما تقدم، خلافا للشافعي، فإنه اشترط الفورية والمبادرة بالعادة،
فلا يؤمر بالعدو ولا الركض ليرد، وإن كان مشغولا بصلاة أو أكل أو
قضاء حاجة فله الخيار إلى أن يفرغ، وكذا لو اطلع حين دخل وقت
هذه الأمور فاشتغل بها فلا بأس إجماعا، وكذا لو لبس ثوبا أو أغلق
بابا. ولو اطلع على العيب ليلا فله التأخير إلى أن يصبح وإن لم يكن
عذر (1)، انتهى.
وقد صرح في الشفعة على القول بفوريتها بما يقرب من ذلك
وجعلها من الأعذار. وصرح في الشفعة بأنه لا يجب المبادرة على

(1) التذكرة 1: 529.
213

خلاف العادة، ورجع (1) في ذلك كله إلى العرف، فكل ما لا يعد تقصيرا
لا يبطل به الشفعة، وكل ما يعد تقصيرا وتوانيا في الطلب فإنه مسقط
لها (2)، انتهى.
والمسألة لا تخلو عن إشكال، لأن جعل حضور وقت الصلاة
أو دخول الليل عذرا في ترك الفسخ المتحقق بمجرد قوله: " فسخت "
لا دليل عليه. نعم، لو توقف الفسخ على الحضور عند الخصم أو
القاضي أو على الإشهاد، توجه ما ذكر في الجملة، مع أن قيام الدليل
عليه مشكل، إلا أن يجعل الدليل على الفورية لزوم الإضرار لمن عليه
الخيار، فدفع (3) ذلك بلزوم المبادرة العرفية بحيث لا يعد متوانيا فيه،
فإن هذا هو الذي يضر بحال من عليه الخيار من جهة عدم استقرار
ملكه وكون تصرفاته فيه في معرض النقض (4). لكنك عرفت التأمل في
هذا الدليل.
فالإنصاف: أنه إن تم الإجماع الذي تقدم (5) عن العلامة على عدم
البأس بالأمور المذكورة وعدم قدح أمثالها في الفورية، فهو، وإلا وجب
الاقتصار على أول مراتب إمكان إنشاء الفسخ، والله العالم.
ثم إن الظاهر أنه لا خلاف في معذورية الجاهل بالخيار في ترك

(1) كذا في النسخ، والصواب: " يرجع "، كما في المصدر.
(2) التذكرة 1: 604.
(3) في " ش ": " فيدفع ".
(4) في " ش ": " النقص ".
(5) المتقدم عنه في الصفحة الماضية.
214

المبادرة، لعموم نفي الضرر، إذ لا فرق بين الجاهل بالغبن والجاهل
بحكمه، وليس ترك الفحص عن الحكم الشرعي منافيا لمعذوريته، كترك
الفحص عن الغبن وعدمه.
ولو جهل الفورية فظاهر بعض الوفاق على المعذورية. ويشكل
بعدم جريان نفي الضرر هنا، لتمكنه من الفسخ وتدارك الضرر، فيرجع
إلى ما تقدم من أصالة بقاء آثار العقد وعدم صحة فسخ المغبون بعد
الزمان الأول. وقد حكي عن بعض الأساطين عدم المعذورية في خيار
التأخير (1)، والمناط واحد.
ولو ادعى الجهل بالخيار فالأقوى القبول، إلا أن يكون مما
لا يخفى عليه هذا الحكم الشرعي إلا لعارض، ففيه نظر.
وقال في التذكرة في باب الشفعة: إنه لو قال: " لم أعلم ثبوت
حق الشفعة " أو قال: " أخرت لأني لم أعلم أن الشفعة على الفور "
فإن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ في برية لا يعرفون الأحكام قبل
قوله وله الأخذ بالشفعة، وإلا فلا (2)، انتهى.
فإن أراد بالتقييد المذكور تخصيص السماع بمن يحتمل في حقه
الجهل، فلا حاجة إليه، لأن أكثر العوام وكثيرا من الخواص لا يعلمون
مثل هذه الأحكام. وإن أراد تخصيص السماع بمن يكون الظاهر في حقه
عدم العلم، ففيه: أنه لا داعي إلى اعتبار الظهور، مع أن الأصل العدم.
والأقوى: أن الناسي في حكم الجاهل. وفي سماع دعواه النسيان

(1) لم نعثر عليه، ولا على الحاكي.
(2) التذكرة 1: 605، مع تقديم وتأخير في بعض العبارات.
215

نظر: من أنه مدع، ومن تعسر إقامة البينة عليه وأنه لا يعرف إلا من
قبله.
وأما الشاك في ثبوت الخيار فالظاهر معذوريته. ويحتمل عدم
معذوريته، لتمكنه من الفسخ بعد الاطلاع على الغبن ثم السؤال عن
صحته شرعا، فهو متمكن من الفسخ العرفي، إذ الجهل بالصحة لا يمنع
عن الإنشاء، فهو مقصر بترك الفسخ لا لعذر، فافهم، والله العالم.
216

الخامس
خيار التأخير
قال في التذكرة: من باع شيئا ولم يسلمه إلى المشتري ولا قبض
الثمن ولا شرط تأخيره ولو ساعة لزم البيع ثلاثة أيام، فإن جاء
المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو أحق بالعين. وإن مضت الثلاثة ولم
يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد والصبر والمطالبة بالثمن عند
علمائنا أجمع (1).
والأصل في ذلك - قبل الإجماع المحكي (2) عن الانتصار والخلاف
والجواهر وغيرها (3) المعتضد بدعوى الاتفاق المصرح بها في التذكرة (4)

(1) التذكرة 1: 523.
(2) حكاه عنهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 576، وراجع الانتصار:
437، المسألة 249، والخلاف 3: 20، المسألة 24، وجواهر الفقه: 54، المسألة
193.
(3) مثل: الحدائق 19: 44، والرياض 1: 525، ومستند الشيعة 14: 397،
والجواهر 23: 51.
(4) تقدم التخريج عنها آنفا، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 4: 576 -
577.
217

والظاهرة من غيرها، وبما ذكره في التذكرة: من أن الصبر أبدا مظنة
الضرر المنفي بالخبر (1)، بل الضرر هنا أشد من الضرر في الغبن، حيث
إن المبيع هنا في ضمانه وتلفه منه وملك لغيره لا يجوز له التصرف فيه -
الأخبار المستفيضة، منها:
رواية علي بن يقطين، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل
يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن، قال: الأجل بينهما ثلاثة
أيام، فإن قبض (2) بيعه، وإلا فلا بيع بينهما " (3).
ورواية إسحاق بن عمار عن العبد الصالح، قال: " من اشترى
بيعا فمضت ثلاثة أيام ولم يجئ، فلا بيع له " (4).
ورواية ابن الحجاج قال: " اشتريت محملا وأعطيت بعض الثمن
وتركته عند صاحبه، ثم احتبست أياما، ثم جئت إلى بائع المحمل
لآخذه، فقال: قد بعته، فضحكت، ثم قلت: لا والله! لا أدعك أو
أقاضيك، فقال: أترضى بأبي بكر بن عياش؟ قلت: نعم، فأتيناه
فقصصنا عليه قصتنا، فقال أبو بكر: بقول من تحب أن يقضى (5) بينكما،
بقول صاحبك أو غيره؟ قلت: بقول صاحبي، قال: سمعته يقول: من
اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له " (6).

(1) التذكرة 1: 523.
(2) كذا في " ش "، وفي " ق ": " قبضه "، وهو من سهو القلم.
(3) الوسائل 12: 357، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 3.
(4) نفس المصدر، الحديث 4.
(5) كذا في " ق "، وفي " ش " والمصدر: " أن أقضي ".
(6) الوسائل 12: 356 - 357، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 2.
218

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: " قلت له: الرجل يشتري
من الرجل المتاع ثم يدعه عنده، فيقول: آتيك بثمنه؟ قال: إن جاء
ما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له " (1).
وظاهر هذه الأخبار بطلان البيع، كما فهمه في المبسوط حيث
قال: روى أصحابنا أنه إذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم وقال للبائع
أجيئك بالثمن ومضى، فإن جاء في مدة الثلاثة كان البيع له، وإن لم
يرتجع بطل البيع (2)، انتهى.
وربما يحكى (3) عن ظاهر الإسكافي (4) المعبر بلفظ الروايات،
وتوقف فيه المحقق الأردبيلي (5)، وقواه صاحب الكفاية (6)، وجزم به في
الحدائق طاعنا على العلامة في المختلف، حيث إنه اعترف بظهور الأخبار
في خلاف المشهور ثم اختار المشهور مستدلا بأن الأصل بقاء صحة
العقد، وحمل الأخبار على نفي اللزوم (7).
أقول: ظهور الأخبار في الفساد في محله، إلا أن فهم العلماء

(1) الوسائل 12: 356، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(2) المبسوط 2: 87، وفيه بدل " وإن لم يرتجع ": " وإن لم يجئ ".
(3) في " ش " وهامش " ف " زيادة: " هذا ".
(4) حكاه الشهيد في الدروس 3: 274، وراجع المختلف 5: 70.
(5) راجع مجمع الفائدة 8: 405 - 406.
(6) الكفاية: 92، وفيه - بعد نقل الخيار عن جماعة -: " وعن ظاهر ابن الجنيد
والشيخ بطلان البيع، ولعل الأقرب الثاني ".
(7) الحدائق 19: 47 - 48، وراجع المختلف 5: 71.
219

وحملة الأخبار نفي اللزوم (1) مما يقرب هذا المعنى، مضافا إلى ما يقال:
من أن قوله عليه السلام في أكثر تلك الأخبار: " لا بيع له " ظاهر في انتفاء
البيع بالنسبة إلى المشتري فقط، ولا يكون إلا نفي اللزوم من طرف
البائع، إلا أن في رواية ابن يقطين: " فلا بيع بينهما ".
وكيف كان، فلا أقل من الشك فيرجع إلى استصحاب الآثار
المترتبة على البيع.
وتوهم: كون الصحة سابقا في ضمن اللزوم، فترتفع بارتفاعه،
مندفع: بأن اللزوم ليس من قبيل الفصل للصحة، وإنما هو حكم مقارن
له في خصوص البيع الخالي من الخيار.
ثم إنه يشترط في هذا الخيار أمور:
أحدها: عدم قبض المبيع، ولا خلاف في اشتراطه ظاهرا، ويدل
عليه من الروايات المتقدمة قوله عليه السلام في صحيحة علي بن يقطين
المتقدمة: " فإن قبض بيعه، وإلا فلا بيع بينهما " (2) بناء على أن " البيع "
هنا بمعنى المبيع.
لكن في الرياض: إنكار دلالة الأخبار على هذا الشرط (3)، وتبعه
بعض المعاصرين (4). ولا أعلم له وجها غير سقوط هذه الفقرة عن

(1) في " ش ": " وحملهم الأخبار على نفي اللزوم ".
(2) تقدمت في الصفحة 218.
(3) راجع الرياض 1: 525.
(4) وهو صاحب الجواهر، انظر الجواهر 23: 53، وجاء في المستند 14: 398:
" وأكثر تلك الأخبار وإن كانت مطلقة بالنسبة إلى إقباض المبيع وعدمه... ".
220

النسخة المأخوذ منها الرواية، أو احتمال قراءة " قبض " بالتخفيف،
و " بيعه " بالتشديد، يعني: قبض بائعه الثمن. ولا يخفى ضعف هذا
الاحتمال، لأن استعمال " البيع " بالتشديد مفردا نادر، بل لم يوجد، مع
إمكان إجراء أصالة عدم التشديد، نظير ما ذكره في الروضة: من
أصالة عدم المد في لفظ " البكاء " الوارد في قواطع الصلاة (1).
ثم إنه لو كان عدم قبض المشتري لعدوان البائع - بأن بذله (2)
الثمن فامتنع من أخذه وإقباض المبيع - فالظاهر عدم الخيار، لأن ظاهر
النص والفتوى كون هذا الخيار إرفاقا للبائع ودفعا لتضرره، فلا يجري
فيما إذا كان الامتناع من قبله.
ولو قبضه المشتري على وجه يكون للبائع استرداده - كما إذا
كان بدون إذنه مع عدم إقباض الثمن - ففي كونه ك‍ " لا قبض " مطلقا،
أو مع استرداده، أو كونه قبضا، وجوه، رابعها: ابتناء المسألة على
ما سيجئ في أحكام القبض، من ارتفاع الضمان عن البائع بهذا القبض
وعدمه (3).
ولعله الأقوى، إذ مع ارتفاع الضمان بهذا القبض لا ضرر على
البائع إلا من جهة وجوب حفظ المبيع لمالكه وتضرره بعدم وصول ثمنه
إليه، وكلاهما ممكن الاندفاع بأخذ المبيع مقاصة. وأما مع عدم ارتفاع
الضمان بذلك فيجري دليل الضرر بالتقريب المتقدم وإن ادعي انصراف

(1) الروضة البهية 1: 565.
(2) في " ش ": " بذل له ".
(3) انظر الجزء السادس، الصفحة 274 - 275.
221

الأخبار إلى غير هذه الصورة (1).
ولو مكن المشتري من القبض فلم يقبض، فالأقوى أيضا ابتناء
المسألة على ارتفاع الضمان وعدمه.
وربما يستظهر من قول السائل في بعض الروايات: " ثم يدعه
عنده " (2) عدم كفاية التمكين. وفيه نظر. والأقوى عدم الخيار، لعدم
الضمان.
وفي كون قبض بعض المبيع ك‍ " لا قبض " لظاهر الأخبار، أو
كالقبض، لدعوى انصرافها إلى صورة عدم قبض شئ منه، أو تبعيض
الخيار بالنسبة إلى المقبوض وغيره استنادا - مع تسليم الانصراف
المذكور - إلى تحقق الضرر بالنسبة إلى غير المقبوض لا غير، وجوه.
الشرط الثاني: عدم قبض مجموع الثمن، واشتراطه مجمع عليه نصا
وفتوى.
وقبض البعض ك‍ " لا قبض "، لظاهر الأخبار المعتضد بفهم أبي بكر
ابن عياش في رواية ابن الحجاج المتقدمة (3)، وربما يستدل بها (4) تبعا
للتذكرة (5). وفيه نظر.
والقبض بدون الإذن كعدمه، لظهور الأخبار في اشتراط وقوعه

(1) في " ش " زيادة: " لكنه مشكل، كدعوى شمولها ولو قلنا بارتفاع الضمان ".
(2) الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة 219.
(3) تقدمت في الصفحة 218.
(4) في " ش " بدل " بها ": " بتلك الرواية "، واستدل بها في الجواهر 23: 53.
(5) التذكرة 1: 523.
222

بالإذن في بقاء البيع على اللزوم، مع أن ضرر ضمان المبيع مع عدم
وصول الثمن إليه على وجه يجوز له التصرف فيه باق. نعم، لو كان
القبض بدون الإذن حقا - كما إذا عرض المبيع على المشتري فلم يقبضه -
فالظاهر عدم الخيار، لعدم دخوله في منصرف الأخبار وعدم تضرر
البائع بالتأخير.
وربما يقال بكفاية القبض هنا مطلقا مع الاعتراف باعتبار الإذن
في الشرط السابق - أعني قبض المبيع - نظرا إلى أنهم شرطوا في
عناوين المسألة في طرف المبيع عدم إقباض المبيع إياه، وفي طرف الثمن
عدم قبضه. وفيه نظر، لأن هذا النحو من التعبير من مناسبات عنوان
المسألة باسم البائع، فيعبر في طرف الثمن والمثمن بما هو فعل له، وهو
القبض في الأول والإقباض في الثاني، فتأمل.
ولو أجاز المشتري قبض الثمن - بناء على اعتبار الإذن - كانت في
حكم الإذن. وهل هي كاشفة أو مثبتة؟ أقواهما الثاني. ويترتب عليه
ما لو قبض قبل الثلاثة فأجاز المشتري بعدها.
الشرط الثالث: عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين، لأن
المتبادر من النص غير ذلك، فيقتصر في مخالفة الأصل على منصرف
النص، مع أنه في الجملة إجماعي.
الشرط الرابع: أن يكون المبيع عينا أو شبهه، كصاع من صبرة.
نص عليه الشيخ في عبارته المتقدمة (1) في نقل مضمون روايات
أصحابنا. وظاهره كونه مفتى به عندهم، وصرح به في التحرير (2)

(1) المتقدمة في الصفحة 219.
(2) التحرير 1: 167.
223

والمهذب البارع (1) وغاية المرام (2)، وهو ظاهر جامع المقاصد، حيث قال:
لا فرق في الثمن بين كونه عينا أو في الذمة (3).
وقال في الغنية: وروى أصحابنا أن المشتري إذا لم يقبض المبيع
وقال: " أجيئك بالثمن " ومضى، فعلى البائع الصبر عليه ثلاثا، ثم هو
بالخيار بين فسخ البيع ومطالبته بالثمن. هذا إذا كان المبيع مما يصح
بقاؤه، فإن لم يكن كذلك - كالخضروات - فعليه الصبر يوما واحدا ثم
هو بالخيار. ثم ذكر أن تلف المبيع قبل الثلاثة من مال المشتري وبعده
من مال البائع. ثم قال: ويدل على ذلك كله إجماع الطائفة (4)، انتهى.
وفي معقد إجماع الانتصار والخلاف وما وجدته في نسخة (5) جواهر
القاضي: " لو باع شيئا معينا بثمن معين " (6) لكن في بعض نسخ
الجواهر: " لو باع شيئا غير معين "، وقد أخذ عنه في مفتاح الكرامة
وغيره (7) ونسب إلى القاضي دعوى الإجماع على غير المعين، وأظن

(1) المهذب البارع 2: 382.
(2) غاية المرام (مخطوط) 1: 292.
(3) جامع المقاصد 4: 298.
(4) الغنية: 219 - 220.
(5) لم ترد " ما وجدته في نسخة " في " ش ".
(6) راجع الانتصار: 437، المسألة 249، والخلاف 3: 20، المسألة 24 من
البيوع، ولم نعثر على نسخة جواهر الفقه المشار إليها في كلام المؤلف، نعم كتب
في المطبوعة ضمن الجوامع الفقهية: 420 فوق كلمة " غير ": ز ظ.
(7) جواهر الفقه: 54، المسألة 193، وراجع مفتاح الكرامة 4: 579، ولم نعثر
على العبارة في غيره.
224

الغلط في تلك النسخة.
والظاهر أن المراد ب‍ " الثمن المعين " (1) هو المعلوم في مقابل المجهول،
لأن تشخص الثمن غير معتبر إجماعا، ولذا وصف في التحرير (2) تبعا
للمبسوط (3) المبيع ب‍ " المعين " والثمن ب‍ " المعلوم "، ومن البعيد اختلاف
عنوان ما نسبه في الخلاف (4) إلى إجماع الفرقة وأخبارهم مع ما نسبه في
المبسوط إلى روايات أصحابنا.
مع أنا نقول: إن ظاهر " المعين " في معاقد الإجماعات التشخص
العيني، لا مجرد المعلوم في مقابل المجهول ولو كان كليا، خرجنا عن هذا
الظاهر بالنسبة إلى الثمن، للإجماع على عدم اعتبار التعيين فيه، مع أنه
فرق بين " الثمن المعين " و " الشئ المعين "، فإن الثاني ظاهر في
الشخصي بخلاف الأول.
وأما معقد إجماع التذكرة - المتقدم في عنوان المسألة (5) - فهو مختص
بالشخصي، لأنه ذكر في معقد الإجماع " أن المشتري لو جاء بالثمن في
الثلاثة فهو أحق بالعين " ولا يخفى أن " العين " ظاهر في الشخصي. هذه
حال معاقد الإجماعات.
وأما حديث نفي الضرر، فهو مختص بالشخصي، لأنه المضمون

(1) في " ش " وهامش " ف " زيادة: " في معقد إجماعهم ".
(2) التحرير 1: 167.
(3) المبسوط 2: 87، وتقدم في الصفحة 219 أيضا.
(4) تقدم عنه في الصفحة 224.
(5) المتقدمة في الصفحة 217.
225

على البائع قبل القبض، فيتضرر بضمانه وعدم جواز التصرف فيه وعدم
وصول بدله إليه، بخلاف الكلي.
وأما النصوص، فروايتا ابن يقطين (1) وابن عمار (2) مشتملتان على
لفظ " البيع " المراد به المبيع الذي يطلق قبل البيع على العين المعرضة
للبيع، ولا مناسبة في إطلاقه على الكلي، كما لا يخفى.
ورواية زرارة (3) ظاهرة أيضا في الشخصي من جهة لفظ " المتاع "
وقوله: " يدعه عنده "، فلم يبق إلا قوله عليه السلام في رواية أبي بكر بن
عياش: " من اشترى شيئا " (4) فإن إطلاقه وإن شمل المعين والكلي، إلا
أن الظاهر من لفظ " الشئ " الموجود الخارجي، كما في قول القائل:
" اشتريت شيئا " (5). والكلي المبيع ليس موجودا خارجيا، إذ ليس المراد
من الكلي هنا الكلي الطبيعي الموجود في الخارج، لأن المبيع قد يكون
معدوما عند العقد، والموجود منه قد لا يملكه البائع المملك له (6)، بل هو
أمر اعتباري يعامل (7) العرف والشرع معه معاملة الأملاك، وهذه
المعاملة وإن اقتضت صحة إطلاق لفظ " الشئ " عليه أو على ما يعمه،
إلا أنه ليس بحيث لو أريد من اللفظ خصوص ما عداه من الموجود

(1) المتقدمة في الصفحة 218.
(2) المتقدمة في الصفحة 218.
(3) المتقدمة في الصفحة 219.
(4) المتقدمة في الصفحة 218.
(5) في " ش " زيادة: " ولو في ضمن أمور متعددة، كصاع من صبرة ".
(6) في " ش " بدل " المملك له ": " حتى يملكه ".
(7) في " ش " زيادة: " في ".
226

الخارجي الشخصي احتيج إلى قرينة على التقييد، فهو نظير المجاز
المشهور والمطلق المنصرف إلى بعض أفراده انصرافا لا يحوج إرادة
المطلق إلى القرينة.
فلا يمكن هنا دفع احتمال إرادة خصوص الموجود الخارجي
بأصالة عدم القرينة، فافهم.
فقد ظهر مما ذكرنا: أن ليس في أدلة المسألة من النصوص
والإجماعات المنقولة ودليل الضرر ما يجري في المبيع الكلي.
وربما ينسب التعميم إلى ظاهر الأكثر (1)، لعدم تقييدهم البيع
بالشخصي.
وفيه: أن التأمل في عباراتهم، مع الإنصاف يعطي الاختصاص
بالمعين، أو الشك في التعميم، مع أنه معارض بعدم تصريح أحد بكون
المسألة محل الخلاف من حيث التعميم والتخصيص. نعم (2)، إلا الشهيد في
الدروس، حيث قال: " إن الشيخ قدس سره قيد في المبسوط هذا الخيار
بشراء المعين " (3) فإنه ظاهر في عدم فهم هذا التقييد من كلمات باقي
الأصحاب، لكنك عرفت أن الشيخ قدس سره قد أخذ هذا التقييد في
مضمون روايات أصحابنا (4).

(1) لم نعثر على النسبة، نعم نسب في مفتاح الكرامة 4: 579، والجواهر 23:
55 الإطلاق إلى الأكثر.
(2) لم ترد " نعم " في " ش ".
(3) الدروس 3: 273.
(4) راجع الصفحة 223.
227

وكيف كان، فالتأمل في أدلة المسألة وفتاوي الأصحاب يشرف
الفقيه على القطع باختصاص الحكم بالمعين.
ثم إن هنا أمورا قيل باعتبارها في هذا الخيار:
منها: عدم الخيار لأحدهما أو لهما، قال في التحرير: " ولا خيار
للبائع لو كان في المبيع خيار لأحدهما " (1) وفي السرائر قيد الحكم في
عنوان المسألة بقوله: " ولم يشترطا خيارا لهما أو لأحدهما " (2) وظاهره
الاختصاص بخيار الشرط. ويحتمل أن يكون الاقتصار عليه لعنوان
المسألة في كلامه بغير الحيوان وهو المتاع.
وكيف كان، فلا أعرف وجها معتمدا في اشتراط هذا الشرط
سواء أريد (3) ما يعم خيار الحيوان أم خصوص خيار الشرط، وسواء
أريد مطلق الخيار - ولو اختص بما قبل انقضاء الثلاثة - أم أريد
خصوص الخيار المحقق فيما بعد الثلاثة، سواء حدث (4) فيها أم بعدها.
وأوجه ما يقال (5) في توجيه هذا القول - مضافا إلى دعوى
انصراف النصوص إلى غير هذا الفرض -: أن شرط الخيار في قوة
اشتراط التأخير، وتأخير المشتري بحق الخيار ينفي خيار البائع.
وتوضيح ذلك ما ذكره في التذكرة في أحكام الخيار: من أنه

(1) التحرير 1: 167.
(2) السرائر 2: 277.
(3) في " ش ": " أراد ".
(4) في " ش ": " أحدث ".
(5) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 579 - 580.
228

لا يجب على البائع تسليم المبيع ولا على المشتري تسليم الثمن في زمان
الخيار، ولو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره ولا يجبر الآخر على
تسليم ما في يده (1) وله استرداد المدفوع قضية للخيار. وقال بعض
الشافعية: ليس له استرداده، وله أخذ ما عند صاحبه بدون رضاه،
كما لو كان التسليم بعد لزوم البيع (2)، انتهى.
وحينئذ فوجه هذا الاشتراط: أن ظاهر الأخبار كون عدم مجئ
المشتري بالثمن بغير حق التأخير، وذو الخيار له حق التأخير، وظاهرها
أيضا كون عدم إقباض البائع لعدم قبض الثمن لا لحق له في عدم
الإقباض. والحاصل: أن الخيار بمنزلة تأجيل أحد العوضين.
وفيه - بعد تسليم الحكم في الخيار وتسليم انصراف الأخبار
إلى كون التأخير بغير حق -: أنه ينبغي على هذا القول كون مبدأ
الثلاثة من حين التفرق وكون هذا الخيار مختصا بغير الحيوان، مع
اتفاقهم على ثبوته فيه كما يظهر من المختلف (3)، وإن (4) ذهب الصدوق
إلى كون الخيار في الجارية بعد شهر (5). إلا أن يراد بما في التحرير:
عدم ثبوت خيار التأخير ما دام الخيار ثابتا لأحدهما (6)، فلا ينافي

(1) في " ش " زيادة: " الآخر ".
(2) التذكرة 1: 537.
(3) راجع المختلف 5: 68 - 71.
(4) لم ترد " إن " في " ش ".
(5) راجع المقنع: 365.
(6) التحرير 1: 167.
229

ثبوته في الحيوان بعد الثلاثة.
وقد يفصل (1) بين ثبوت الخيار للبائع من جهة أخرى فيسقط معه
هذا الخيار - لأن خيار التأخير شرع لدفع ضرره وقد اندفع بغيره،
ولدلالة النص والفتوى على لزوم البيع في الثلاثة فيختص بغير صورة
ثبوت الخيار له، قال: ودعوى أن المراد من الأخبار اللزوم من هذه
الجهة، مدفوعة بأن التأخير سبب الخيار (2) ولا يتقيد الحكم بالسبب -
وبين ما إذا كان الخيار للمشتري فلا وجه لسقوطه، مع أن اللازم منه
عدم ثبوت هذا الخيار في الحيوان (3).
ووجه ضعف هذا التفصيل: أن ضرر الصبر بعد الثلاثة لا يندفع
بالخيار في الثلاثة. وأما ما ذكره من عدم تقييد الحكم بالسبب، فلا يمنع
من كون نفي الخيار في الثلاثة من جهة التضرر بالتأخير، ولذا لا ينافي
هذا الخيار خيار المجلس.
ومنها (4): تعدد المتعاقدين، لأن النص مختص بصورة التعدد، ولأن
هذا الخيار ثبت بعد خيار المجلس، وخيار المجلس باق مع اتحاد العاقد
إلا مع إسقاطه.
وفيه: أن المناط عدم الإقباض والقبض، ولا إشكال في تصوره

(1) فصله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 579 - 580.
(2) في " ش ": " للخيار ".
(3) انتهى ما قاله المفصل نقلا بالمعنى.
(4) أي من الأمور التي قيل باعتبارها في هذا الخيار، وقد تقدم أولها في الصفحة
230.
230

من المالكين مع اتحاد العاقد من قبلهما. وأما خيار المجلس، فقد عرفت
أنه غير ثابت للوكيل في مجرد العقد، وعلى تقديره فيمكن إسقاطه أو
اشتراط عدمه. نعم، لو كان العاقد وليا بيده العوضان لم يتحقق
الشرطان الأولان - أعني عدم الإقباض والقبض - وليس ذلك من جهة
اشتراط التعدد.
ومنها: أن لا يكون المبيع حيوانا أو خصوص الجارية، فإن
المحكي عن الصدوق في المقنع أنه إذا اشترى [جارية] (1) فقال: أجيئك
بالثمن، فإن جاء بالثمن فيما بينه وبين شهر، وإلا فلا بيع له (2).
وظاهر المختلف نسبة الخلاف إلى الصدوق في مطلق الحيوان (3).
والمستند فيه رواية ابن يقطين عن رجل اشترى جارية فقال: أجيئك
بالثمن، فقال: " إن جاء فيما بينه وبين شهر، وإلا فلا بيع له " (4).
ولا دلالة فيها (5) على صورة عدم إقباض الجارية ولا قرينة على
حملها عليها، فيحتمل الحمل على اشتراط المجئ بالثمن إلى شهر في متن
العقد، فيثبت الخيار عند تخلف الشرط، ويحتمل الحمل على استحباب
صبر البائع وعدم فسخه إلى شهر. وكيف كان، فالرواية مخالفة لعمل
المعظم، فلا بد من حملها على بعض الوجوه.

(1) لم يرد في " ق ".
(2) راجع المختلف 5: 70، والمقنع: 365.
(3) انظر المختلف 5: 70.
(4) الوسائل 12: 357، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 6.
(5) في " ق ": " فيه ".
231

ثم إن مبدأ الثلاثة من حين التفرق أو من حين العقد؟ وجهان:
من ظهور قوله: " فإن جاء بالثمن بينه وبين ثلاثة أيام " في كون مدة
الغيبة ثلاثة، ومن كون ذلك كناية عن عدم التقابض ثلاثة أيام، كما هو
ظاهر قوله عليه السلام في رواية ابن يقطين: " الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن
قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما " (1) وهذا هو الأقوى.

(1) الوسائل 12: 357، الباب 9 من أبواب الخيار، الحديث 3.
232

مسألة
يسقط هذا الخيار بأمور:
أحدها: إسقاطه بعد الثلاثة بلا إشكال ولا خلاف، وفي سقوطه
بالإسقاط في الثلاثة وجهان: من أن السبب فيه الضرر الحاصل
بالتأخير، فلا يتحقق إلا بعد الثلاثة، ولذا صرح في التذكرة بعدم جواز
إسقاط خيار الشرط قبل التفرق إذا قلنا بكون مبدئه بعده (1) مع أنه
أولى بالجواز، ومن أن العقد سبب الخيار، فيكفي وجوده في إسقاطه،
مضافا إلى فحوى جواز اشتراط سقوطه في متن العقد (2).
الثاني: اشتراط سقوطه في متن العقد، حكي عن الدروس وجامع
المقاصد وتعليق الإرشاد (3)، ولعله لعموم أدلة الشروط.

(1) التذكرة 1: 520.
(2) في " ش ": " ضمن العقد ".
(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 581، وراجع الدروس 3: 276،
وجامع المقاصد 4: 302 - 303، وفيه - بعد احتمال الصحة -: " أنه أظهر "،
وحاشية الإرشاد (مخطوط)، الصفحة 260.
233

ويشكل على عدم جواز إسقاطه في الثلاثة بناء على أن السبب
في هذا الخيار هو الضرر الحادث بالتأخير دون العقد، فإن الشرط إنما
يسقط به ما يقبل الإسقاط بدون الشرط، ولا يوجب شرعية سقوط
ما لا يشرع إسقاطه بدون شرط، فإن كان إجماع على السقوط بالشرط
- كما حكاه بعض (1) - قلنا به، بل بصحة الإسقاط بعد العقد، لفحواه،
وإلا فللنظر فيه مجال.
الثالث: بذل المشتري للثمن بعد الثلاثة، فإن المصرح به في
التذكرة سقوط الخيار حينئذ (2). وقيل بعدم السقوط بذلك استصحابا (3).
وهو حسن لو استند في الخيار إلى الأخبار، وأما إذا استند فيه إلى
الضرر، فلا شك في عدم الضرر حال بذل الثمن، فلا ضرر ليتدارك
بالخيار، ولو فرض تضرره سابقا بالتأخير فالخيار لا يوجب تدارك
ذلك، وإنما يتدارك به الضرر المستقبل.
ودعوى: أن حدوث الضرر قبل البذل يكفي في بقاء الخيار،
مدفوع بأن الأحكام المترتبة على نفي الضرر تابعة للضرر الفعلي،
لا مجرد حدوث الضرر في زمان، ولا يبعد دعوى انصراف الأخبار إلى

(1) لم نعثر على حكاية الإجماع.
(2) التذكرة 1: 523.
(3) قاله السيد الطباطبائي في المصابيح (مخطوط): 131، وفيه: " ولا يسقط
بإسقاطه فيها ولا بإحضار الثمن بعدها - إلى أن قال: - وإن حصل الشك به
فيستصحب " وجعله في الرياض 8: 195، ومستند الشيعة 14: 400 أظهر
الوجهين.
234

صورة التضرر فعلا بلزوم العقد، بأن يقال: بأن عدم حضور المشتري
علة لانتفاء اللزوم يدور معها وجودا وعدما.
وكيف كان، فمختار التذكرة لا يخلو عن قوة.
الرابع: أخذ الثمن من المشتري بناء على عدم سقوطه بالبذل،
وإلا لم يحتج إلى الأخذ به والسقوط به، لأنه التزام فعلي بالبيع ورضا
بلزومه. وهل يشترط إفادة العلم بكونه لأجل الالتزام أو يكفي الظن،
فلو احتمل كون الأخذ بعنوان العارية أو غيرها لم ينفع، أم لا يعتبر
الظن أيضا؟ وجوه: من عدم تحقق موضوع الالتزام إلا بالعلم، ومن
كون الفعل مع إفادة الظن أمارة عرفية على الالتزام كالقول، ومما تقدم
من سقوط خيار الحيوان أو الشرط بما كان رضا نوعيا بالعقد وهذا من
أوضح أفراده، وقد بينا (1) عدم اعتبار الظن الشخصي في دلالة التصرف
على الرضا. وخير الوجوه أوسطها، لكن الأقوى الأخير.
وهل يسقط الخيار بمطالبة الثمن؟ المصرح به في التذكرة (2)
وغيرها (3) العدم، للأصل وعدم الدليل.
ويحتمل السقوط، لدلالته على الرضا بالبيع.
وفيه: أن سبب الخيار هو التضرر في المستقبل، لما عرفت: من
أن الخيار لا يتدارك به ما مضى من ضرر الصبر، ومطالبة الثمن
لا تدل على التزام الضرر المستقبل حتى يكون التزاما بالبيع، بل مطالبة

(1) بينه في الصفحة 104، ذيل البحث عن مسقطية خيار الحيوان بالتصرف.
(2) التذكرة 1: 523.
(3) كالدروس 3: 274، وجامع المقاصد 4: 298، والمسالك 3: 208.
235

الثمن إنما هو استدفاع للضرر المستقبل كالفسخ، لا التزام بذلك الضرر
ليسقط الخيار. وليس الضرر هنا من قبيل الضرر في بيع الغبن ونحوه
مما كان الضرر حاصلا بنفس العقد، حتى يكون الرضا به بعد العقد
والعلم بالضرر التزاما بالضرر الذي هو سبب الخيار.
وبالجملة، فالمسقط لهذا الخيار ليس إلا دفع الضرر المستقبل ببذل
الثمن، أو التزامه بإسقاطه، أو اشتراط سقوطه، وما تقدم من سقوط
الخيارات المتقدمة بما يدل على الرضا فإنما هو حيث يكون نفس العقد
سببا للخيار ولو من جهة التضرر بلزومه، وما نحن فيه ليس من هذا
القبيل، مع أن سقوط تلك الخيارات بمجرد مطالبة الثمن أيضا محل نظر،
لعدم كونه تصرفا، والله العالم.
236

مسألة
في كون هذا الخيار على الفور أو التراخي قولان، وقد تقدم
ما يصلح أن يستند إليه لكل من القولين في مطلق الخيار مع قطع النظر
عن خصوصيات الموارد، وقد عرفت أن الأقوى الفور (1).
ويمكن أن يقال في خصوص ما نحن فيه: إن ظاهر قوله عليه السلام:
" لا بيع له " (2) نفي البيع رأسا، والأنسب بنفي الحقيقة - بعد عدم إرادة
نفي الصحة - هو نفي لزومه رأسا، بأن لا يعود لازما أبدا، فتأمل.
ثم على تقدير إهمال النص وعدم ظهوره في العموم يمكن التمسك
بالاستصحاب هنا، لأن اللزوم إذا ارتفع عن البيع في زمان، فعوده يحتاج
إلى دليل. وليس الشك هنا في موضوع المستصحب - نظير ما تقدم في
استصحاب الخيار - لأن الموضوع مستفاد من النص، فراجع.
وكيف كان، فالقول بالتراخي لا يخلو عن قوة، إما لظهور النص
وإما للاستصحاب.

(1) راجع الصفحة 212.
(2) في رواية ابن عمار المتقدمة في الصفحة 218.
237

مسألة
لو تلف المبيع بعد الثلاثة كان من البائع إجماعا مستفيضا، بل
متواترا كما في الرياض (1). ويدل عليه النبوي المشهور - وإن كان في
كتب روايات أصحابنا غير مسطور -: " كل مبيع تلف قبل قبضه فهو
من مال بائعه " (2)، وإطلاقه كمعاقد الإجماعات [يعم] (3) ما لو تلف في
حال الخيار أم تلف بعد بطلانه، كما لو قلنا بكونه على الفور فبطل
بالتأخير، أو بذل المشتري الثمن فتلف العين في هذا الحال.
وقد يعارض النبوي بقاعدة " الملازمة بين النماء والدرك " المستفادة
من النص (4) والاستقراء والقاعدة المجمع عليها: " بأن (5) التلف في زمان
الخيار ممن لا خيار له ".

(1) الرياض 8: 195.
(2) عوالي اللآلي 3: 212، الحديث 591.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) مثل " الخراج بالضمان " الوارد في عوالي اللآلي 1: 219، الحديث 89.
(5) في " ش ": " من أن ".
238

لكن النبوي أخص من القاعدة الأولى فلا معارضة، والقاعدة
الثانية لا عموم فيها يشمل جميع أفراد الخيار ولا جميع أحوال البيع
حتى قبل القبض، بل التحقيق فيها - كما سيجئ (1) إن شاء الله -
اختصاصها بخيار المجلس والشرط والحيوان مع كون التلف بعد القبض.
ولو تلف في الثلاثة، فالمشهور كونه من مال البائع أيضا، وعن
الخلاف: الإجماع عليه (2).
خلافا لجماعة من القدماء - منهم المفيد (3) والسيدان (4) - مدعين عليه
الإجماع، وهو مع قاعدة " ضمان المالك لماله " يصح حجة لهذا القول.
لكن الإجماع معارض بل موهون. والقاعدة مخصصة بالنبوي
المذكور (5) المنجبر من حيث الصدور، مضافا إلى رواية عقبة بن خالد:
" في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده
ولم يقبضه، قال: آتيك غدا إن شاء الله، فسرق المتاع، من مال من
يكون؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض

(1) انظر الجزء السادس، الصفحة 179 - 181.
(2) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 1: 526، والسيد بحر العلوم في المصابيح
(مخطوط): 130، وصاحب الجواهر في الجواهر 23: 58، لكن الموجود في
الخلاف الذي بأيدينا: " أن التلف في الثلاثة من المبتاع " راجع الخلاف 3: 20،
المسألة 24 من البيوع.
(3) المقنعة: 592.
(4) الإنتصار: 437، المسألة 249، والغنية: 219 - 220.
(5) المذكور في الصفحة السابقة.
239

المال ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى
يرد إليه حقه (1).
ولو مكنه من القبض فلم يتسلم، فضمان البائع مبني على ارتفاع
الضمان بذلك، وهو الأقوى.
قال الشيخ في النهاية: إذا باع الإنسان شيئا ولم يقبض المتاع
ولا قبض الثمن ومضى المبتاع، فإن العقد موقوف ثلاثة أيام، فإن جاء
المبتاع في مدة ثلاثة أيام كان المبيع له، وإن مضت ثلاثة أيام كان البائع
أولى بالمتاع، فإن هلك المتاع في هذه الثلاثة أيام ولم يكن قبضه إياه
كان من مال البائع دون المبتاع، وإن كان قبضه إياه ثم هلك في مدة
الثلاثة أيام كان من مال المبتاع، وإن هلك بعد الثلاثة أيام كان من
مال البائع على كل حال (2)، انتهى المحكي في المختلف، وقال بعد الحكاية:
وفيه نظر، إذ مع القبض يلزم البيع (3)، انتهى.
أقول: كأنه جعل الفقرة الثالثة مقابلة للفقرتين، فيشمل ما بعد
القبض وما قبله، خصوصا مع قوله: " على كل حال " لكن التعميم - مع
أنه خلاف الإجماع - مناف لتعليل الحكم بعد ذلك بقوله: " لأن الخيار
له بعد الثلاثة أيام " فإن من المعلوم أن الخيار إنما يكون له مع عدم
القبض، فيدل ذلك على أن الحكم المعلل مفروض فيما قبل القبض.

(1) الوسائل 12: 358، الباب 10 من أبواب الخيار، وفيه حديث واحد.
(2) النهاية: 385 - 386. وفي " ش " والمصدر زيادة: " لأن الخيار له بعدها ".
(3) المختلف 5: 69 - 70.
240

مسألة
لو اشترى ما يفسد من يومه، فإن جاء بالثمن ما بينه وبين
الليل، وإلا فلا بيع له، كما في مرسلة محمد بن أبي حمزة (1). والمراد من
نفي البيع نفي لزومه. ويدل عليه قاعدة " نفي الضرر "، فإن البائع ضامن
للمبيع ممنوع عن التصرف فيه محروم عن الثمن.
ومن هنا يمكن تعدية الحكم إلى كل مورد يتحقق فيه هذا
الضرر، وإن خرج عن مورد النص، كما إذا كان المبيع مما يفسد في
نصف يوم أو في يومين، فيثبت فيه الخيار في زمان يكون التأخير عنه
ضررا على البائع.
لكن ظاهر النص يوهم خلاف ما ذكرنا، لأن الموضوع فيه
" ما يفسد من يومه " والحكم فيه بثبوت الخيار من أول الليل، فيكون
الخيار في أول أزمنة الفساد، ومن المعلوم أن الخيار حينئذ لا يجدي
للبائع شيئا،
لكن المراد من " اليوم ": اليوم وليله، فالمعنى: أنه لا يبقى
على صفة الصلاح أزيد من يوم بليلته (2)، فيكون المفسد له المبيت

(1) الوسائل 12: 359، الباب 11 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(2) في " ش ": " بليله ".
241

لا مجرد دخول الليل، فإذا فسخ البائع أول الليل أمكن له الانتفاع به
وببدله،
ولأجل ذلك عبر في الدروس عن هذا الخيار ب‍ " خيار
ما يفسده المبيت " وأنه ثابت عند دخول الليل (1)، وفي معقد إجماع
الغنية: أن على البائع الصبر يوما (2) ثم هو بالخيار (3). وفي محكي
الوسيلة: أن خيار الفواكه للبائع، فإذا مر على المبيع يوم ولم يقبض
المبتاع كان البائع بالخيار (4). ونحوها عبارة جامع الشرائع (5).
نعم، عبارات جماعة من الأصحاب لا يخلو عن اختلال في
التعبير، لكن الإجماع على عدم الخيار للبائع في النهار يوجب تأويلها
إلى ما يوافق الدروس. وأحسن تلك العبارات عبارة الصدوق في الفقيه
التي أسندها في الوسائل إلى رواية زرارة، قال: " العهدة فيما يفسد من
يومه - مثل البقول والبطيخ والفواكه - يوم إلى الليل " (6) فإن المراد
بالعهدة عهدة البائع.
وقال في النهاية: وإذا باع الإنسان ما لا يصح عليه البقاء من
الخضر وغيرها ولم يقبض المبتاع ولا قبض الثمن كان الخيار فيه يوما،

(1) الدروس 3: 274، وفيه: " وهو ثابت للبائع عند انقضاء النهار ".
(2) في " ش " زيادة: " واحدا ".
(3) الغنية: 219.
(4) الوسيلة: 238.
(5) الجامع للشرائع: 247.
(6) الفقيه 3: 203، ذيل الحديث 3767، وراجع الوسائل 12: 359، الباب 11
من أبواب الخيار، الحديث 2.
242

فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم، وإلا فلا بيع له (1)، انتهى. ونحوها
عبارة السرائر (2).
والظاهر أن المراد بالخيار اختيار المشتري في تأخير القبض
والإقباض مع بقاء البيع على حاله من اللزوم.
وأما المتأخرون، فظاهر أكثرهم يوهم كون الليل غاية للخيار،
وإن اختلفوا بين من عبر بكون الخيار يوما (3) ومن عبر بأن الخيار إلى
الليل (4). ولم يعلم وجه صحيح لهذه التعبيرات مع وضوح المقصد إلا
متابعة عبارة الشيخ في النهاية، لكنك عرفت أن المراد بالخيار فيه
اختيار المشتري، وأن له تأخير القبض والإقباض. وهذا الاستعمال في
كلام المتأخرين خلاف ما اصطلحوا عليه لفظ " الخيار " فلا يحسن
المتابعة هنا في التعبير، والأولى تعبير الدروس كما عرفت (5).
ثم الظاهر أن شروط هذا الخيار شروط خيار التأخير، لأنه فرد
من أفراده، كما هو صريح عنوان الغنية (6) وغيرها (7)، فيشترط فيه جميع

(1) سقطت العبارة المذكورة من كتاب النهاية المطبوع مستقلا، نعم وردت في
المطبوع ضمن الجوامع الفقهية: 336، والمطبوع مع نكت النهاية (للمحقق الحلي)
2: 142، ومحلها باب الشرط في العقود من كتاب المتاجر.
(2) السرائر 2: 282.
(3) مثل العلامة في التحرير 1: 167.
(4) كما في الجامع للشرائع: 247، والقواعد 2: 67، والإرشاد 1: 374.
(5) في الصفحة السابقة.
(6) الغنية: 219.
(7) راجع الشرائع 2: 23، والقواعد 2: 67، والإرشاد 1: 374 وغيرها.
243

ما سبق من الشروط. نعم، لا ينبغي التأمل هنا في اختصاص الحكم
بالمبيع (1) الشخصي أو ما في حكمه كالصاع من الصبرة، وقد عرفت
هناك (2) أن التأمل في الأدلة والفتاوى يشرف (3) على القطع بالاختصاص
أيضا.
وحكم الهلاك في اليوم هنا وفيما بعده حكم المبيع هناك في كونه
من البائع في الحالين. ولازم القول الآخر هناك جريانه هنا، كما صرح
به في الغنية حيث جعله قبل الليل من المشتري (4).
ثم إن المراد بالفساد في النص والفتوى ليس الفساد الحقيقي، لأن
موردهما هو الخضر والفواكه والبقول، وهذه لا تضيع بالمبيت ولا تهلك،
بل المراد ما يشمل تغير العين نظير التغير الحادث في هذه الأمور
بسبب المبيت.
ولو لم يحدث في البيع إلا فوات السوق، ففي إلحاقه بتغير العين
وجهان: من كونه ضررا، ومن إمكان منع ذلك لكونه فوت نفع
لا ضررا (5).

(1) في " ش ": " بالبيع ".
(2) راجع الصفحة 228.
(3) في " ش " زيادة: " الفقيه ".
(4) الغنية: 219 - 220.
(5) في " ق ": " لا دفع ضرر "، وشطب عليها في " ف "، وصححت في " ن " بما
أثبتناه.
244

السادس
خيار الرؤية
والمراد به الخيار المسبب عن رؤية المبيع على خلاف ما اشترطه
فيه المتبايعان.
ويدل عليه - قبل الإجماع المحقق والمستفيض -: حديث نفي
الضرر. واستدل عليه أيضا بأخبار:
منها: صحيحة جميل بن دراج قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها، فلما أن نقد
المال صار إلى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه، فلم يقله، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: إنه لو قلب منها ونظر إلى تسع وتسعين قطعة ثم
بقي منها قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية " (1). ولا بد من حملها
على صورة يصح معها بيع الضيعة، إما بوصف القطعة الغير المرئية، أو
بدلالة ما رآه منها على ما لم يره.
وقد يستدل أيضا بصحيحة زيد الشحام قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل اشترى سهام القصابين من قبل أن يخرج السهم، فقال عليه السلام:

(1) الوسائل 12: 361، الباب 15 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
245

لا يشتر شيئا حتى يعلم أين يخرج السهم، فإن اشترى شيئا فهو بالخيار
إذا خرج " (1).
قال في الحدائق (2): وتوضيح معنى هذا الخبر ما رواه في الكافي
والتهذيب في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج عن منهال القصاب
- وهو مجهول - قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشتري الغنم أو
يشتري الغنم جماعة، ثم تدخل دارا، ثم يقوم رجل على الباب فيعد
واحدا واثنين وثلاثة وأربعة وخمسة ثم يخرج السهم؟ قال: لا يصلح
هذا، إنما تصلح السهام إذا عدلت القسمة... الخبر " (3).
أقول: لم يعلم وجه الاستشهاد به لما نحن فيه، لأن المشتري
لسهم القصاب إن اشتراه مشاعا فلا مورد لخيار الرؤية، وإن اشترى
سهمه المعين الذي يخرج فهو شراء فرد غير معين، وهو باطل، وعلى
الصحة فلا خيار فيه للرؤية كالمشاع.
ويمكن حمله على شراء عدد معين نظير الصاع من الصبرة،
ويكون له خيار الحيوان إذا خرج السهم.
ثم إن صحيحة جميل مختصة بالمشتري، والظاهر الاتفاق على أن
هذا الخيار يثبت للبائع أيضا إذا لم ير المبيع وباعه بوصف غيره فتبين
كونه زائدا على ما وصف.

(1) الوسائل 12: 362، الباب 15 من أبواب الخيار، الحديث 2.
(2) راجع الحدائق 19: 57.
(3) راجع الكافي 5: 223، الحديث 2، والتهذيب 7: 79، الحديث 339، وعنهما
في الوسائل 12: 265، الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 8.
246

وحكي عن بعض (1): أنه يحتمل في صحيحة جميل أن يكون
التفتيش من البائع بأن يكون البائع باعه بوصف المشتري، وحينئذ
فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما على تقدير هذا الاحتمال. ولا يخفى
بعده، وأبعد منه دعوى عموم الجواب حينئذ (2)، والله العالم.

(1) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 19: 58.
(2) لم ترد " حينئذ " في " ش ".
247

مسألة
مورد هذا الخيار بيع العين الشخصية الغائبة.
والمعروف أنه يشترط في صحته ذكر أوصاف المبيع التي يرتفع
بها الجهالة الموجبة للغرر، إذ لولاها لكان غررا.
وعبر بعضهم عن هذه
الأوصاف بما يختلف الثمن باختلافه، كما في الوسيلة (1) وجامع المقاصد (2)
وغيرهما (3). وآخر بما يعتبر في صحة السلم (4). وآخرون - كالشيخين (5)
والحلي (6) - اقتصروا على اعتبار ذكر الصفة.
والظاهر أن مرجع الجميع واحد، ولذا ادعي الإجماع على كل

(1) الوسيلة: 240.
(2) جامع المقاصد 4: 301.
(3) مثل المسالك 3: 219، ومجمع الفائدة 8: 410، والحدائق 19: 58.
(4) كما في التذكرة 1: 467 و 524، والنهاية 2: 499 - 500، ومفتاح الكرامة
4: 290 - 291.
(5) راجع المقنعة: 594 و 609، والمبسوط 2: 76.
(6) السرائر 2: 241.
248

واحد منها.
ففي موضع من التذكرة: يشترط في بيع خيار الرؤية وصف المبيع
وصفا يكفي في السلم عندنا. وعنه في موضع آخر من التذكرة: أن
شرط صحة بيع الغائبة وصفها بما يرفع الجهالة عند علمائنا أجمع، ويجب
ذكر اللفظ الدال على الجنس. ثم ذكر أنه يجب ذكر اللفظ الدال على
التميز، وذلك بذكر جميع الصفات التي يختلف الأثمان باختلافها ويتطرق
الجهالة بترك بعضها (1)، انتهى.
وفي جامع المقاصد: ضابط ذلك أن كل وصف تتفاوت الرغبات
بثبوته وانتفائه وتتفاوت به القيمة تفاوتا ظاهرا لا يتسامح به يجب
ذكره، فلا بد من استقصاء أوصاف السلم، انتهى (2).
وربما يتراءى التنافي بين اعتبار ما يختلف الثمن باختلافه وكفاية
ذكر أوصاف السلم من جهة أنه قد يتسامح في السلم [في] (3) ذكر بعض
الأوصاف، لإفضائه إلى عزة الوجود أو لتعذر الاستقصاء على التحقيق.
وهذا المانع مفقود فيما نحن فيه.
قال في التذكرة في باب السلم: لا يشترط وصف كل عضو من
الحيوان بأوصافه المقصودة وإن تفاوت به الغرض والقيمة، لإفضائه إلى
عزة الوجود (4)، انتهى.

(1) راجع التذكرة 1: 467 و 523.
(2) جامع المقاصد 4: 301.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) التذكرة 1: 552.
249

وقال في السلم في الأحجار المتخذة للبناء: إنه يذكر نوعها ولونها
ويصف عظمها، فيقول: ما يحمل البعير منها اثنتين أو ثلاثا أو أربعا
على سبيل التقريب دون التحقيق، لتعذر التحقيق (1).
ويمكن أن يقال: إن المراد ما يعتبر في السلم في حد ذاته مع
قطع النظر عن العذر الموجب للمسامحة في بعض أفراد السلم، وإن كان
يمكن أن يورد على مسامحتهم هناك: أن الاستقصاء في الأوصاف شرط
في السلم غير مقيد بحال التمكن، فتعذره يوجب فساد السلم لا الحكم
بعدم اشتراطه، كما حكموا بعدم جواز السلم فيما لا يمكن ضبط أوصافه،
وتمام الكلام في محله.
ثم إن الأوصاف التي يختلف الثمن من أجلها غير محصورة،
خصوصا في العبيد والإماء، فإن مراتبهم الكمالية التي تختلف بها
أثمانهم غير محصورة جدا، والاقتصار على ما يرفع به معظم الغرر
إحالة على مجهول، بل يوجب الاكتفاء على ما دون صفات السلم،
لانتفاء الغرر عرفا بذلك، مع أنا علمنا أن الغرر العرفي أخص من
الشرعي.
وكيف كان، فالمسألة لا تخلو عن إشكال. وأشكل من ذلك أن
الظاهر أن الوصف يقوم مقام الرؤية المتحققة في بيع العين الحاضرة،
وعلى هذا فيجب أن يعتبر في الرؤية أن يحصل بها الاطلاع على جميع
الصفات المعتبرة في العين الغائبة مما يختلف الثمن باختلافه.
قال في التذكرة: يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل

(1) التذكرة 1: 553.
250

الثوب، فلو باع ثوبا مطويا أو عينا حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف
الثمن لأجله كان كبيع الغائب، يبطل إن لم يوصف وصفا يرفع الجهالة (1)،
انتهى.
وحاصل هذا الكلام اعتبار وقوع المشاهدة على ما يعتبر في
صحة السلم وبيع الغائب. ومن المعلوم من السيرة عدم اعتبار الاطلاع
بالرؤية على جميع الصفات المعتبرة في السلم وبيع العين الغائبة، فإنه
قد لا يحصل الاطلاع بالمشاهدة على سن الجارية، بل ولا على نوعها
ولا غيرها من الأمور التي لا يعرفها إلا أهل المعرفة بها، فضلا عن
مرتبة كمالها الإنساني المطلوبة في الجواري المبذول بإزائها الأموال،
ويبعد كل البعد التزام ذلك أو ما دون ذلك في المشاهدة، بل يلزم من
ذلك عدم صحة شراء غير العارف بأوصاف المبيع الراجعة إلى نوعه أو
صنفه أو شخصه، بل هو بالنسبة إلى الأوصاف التي اعتبروها كالأعمى،
لا بد من مراجعته لبصير عارف بها.
ولا أجد في المسألة أوثق من أن يقال: إن المعتبر هو الغرر
العرفي في العين الحاضرة والغائبة الموصوفة، فإن دل على اعتبار أزيد
من ذلك حجة معتبرة أخذ به.
وليس فيما ادعاه العلامة في التذكرة من الإجماع حجة، مع استناده
في ذلك إلى كونه غررا عرفا، حيث قال في أول مسألة اشتراط العلم
بالعوضين: إنه أجمع علماؤنا على اشتراط العلم بالعوضين ليعرف ما الذي
ملك بإزاء ما بذل فينتفي الغرر، فلا يصح بيع العين الغائبة ما لم يتقدم

(1) التذكرة 1: 467.
251

رؤية أو يوصف وصفا يرفع الجهالة (1)، انتهى.
ولا ريب أن المراد بمعرفة ما ملك معرفته على وجه وسط بين
طرفي الإجمال والتفصيل.
ثم إنه يمكن الاستشكال في صحة هذا العقد بأن ذكر الأوصاف
لا يخرج البيع عن كونه غررا، لأن الغرر بدون أخذ الصفات من حيث
الجهل بصفات المبيع، فإذا أخذت فيه مقيدا بها صار مشكوك الوجود،
لأن العبد المتصف بتلك الصفات مثلا لا يعلم وجوده في الخارج والغرر
فيه أعظم.
ويمكن أن يقال: إن أخذ الأوصاف في معنى الاشتراط لا التقييد،
فيبيع العبد مثلا ملتزما بكونه كذا وكذا، ولا غرر فيه حينئذ عرفا. وقد
صرح في النهاية والمسالك - في مسألة ما لو رأى المبيع ثم تغير عما
رآه -: أن الرؤية بمنزلة الاشتراط (2). ولازمه كون الوصف القائم مقام
الرؤية اشتراطا (3).
ويمكن أن يقال ببناء هذا البيع على تصديق البائع أو غيره في
إخباره باتصاف المبيع بالصفات المذكورة، كما يجوز الاعتماد عليه في
الكيل والوزن، ولذا ذكروا أنه يجوز مع جهل المتبايعين بصفة العين
الغائبة المبايعة بوصف ثالث لهما (4).

(1) التذكرة 1: 467.
(2) نهاية الإحكام 2: 501.
(3) المسالك 3: 178.
(4) كما في الشرائع 2: 25، والقواعد 2: 26، والدروس 3: 276، والروضة 3:
462.
252

وكيف كان، فلا غرر عرفا في بيع العين الغائبة مع اعتبار الصفات
الرافعة للجهالة، ولا دليل شرعا أيضا على المنع من حيث عدم العلم
بوجود تلك الصفات، فيتعين الحكم بجوازه، مضافا إلى الإجماع عليه
ممن عدا بعض العامة (1).
ثم إن الخيار بين الرد والإمساك مجانا هو المشهور بين الأصحاب.
وصريح السرائر: تخييره بين الرد والإمساك بالأرش وأنه لا يجبر على
أحدهما (2). ويضعف بأنه لا دليل على الأرش.
نعم لو كان للوصف المفقود دخل في الصحة توجه أخذ الأرش،
لكن بخيار العيب، لا خيار رؤية المبيع على خلاف ما وصفه، إذ لولا
الوصف ثبت خيار العيب أيضا. وسيجئ عدم اشتراط ذكر الأوصاف
الراجعة إلى وصف الصحة.
وأضعف من هذا ما ينسب إلى ظاهر المقنعة والنهاية والمراسم (3):
من بطلان البيع إذا وجد على خلاف ما وصف. لكن الموجود في المقنعة
والنهاية أنه: " إن لم يكن على الوصف كان البيع مردودا " ولا يبعد
كون المراد بالمردود القابل للرد، لا الباطل فعلا. وقد عبر في النهاية
عن خيار الغبن بذلك فقال: ولا بأس بأن يبيع الإنسان متاعا بأكثر

(1) حكاه في التذكرة 1: 467 عن أحمد والشافعي في أحد الوجهين، وراجع
مفتاح الكرامة 4: 586.
(2) السرائر 2: 242.
(3) نسب إليها صريحا في مفتاح الكرامة 4: 586، والجواهر 23: 94. انظر
المقنعة: 594، والنهاية: 391، والمراسم: 180.
253

مما يسوي إذا كان المبتاع من أهل المعرفة، فإن لم يكن كذلك كان
البيع مردودا (1).
وعلى تقدير وجود القول بالبطلان، فلا يخفى ضعفه، لعدم الدليل
على البطلان بعد انعقاده صحيحا، عدا ما في مجمع البرهان، وحاصله:
وقوع العقد على شئ مغاير للموجود، فالمعقود عليه غير موجود
والموجود غير معقود عليه (2).
ويضعف: بأن محل الكلام في تخلف الأوصاف التي لا توجب
مغايرة الموصوف للموجود عرفا، بأن يقال: إن المبيع فاقد للأوصاف
المأخوذة فيه، لا أنه مغاير للموجود. نعم، لو كان ظهور الخلاف فيما له
دخل في حقيقة المبيع عرفا، فالظاهر عدم الخلاف في البطلان ولو أخذ
في عبارة العقد على وجه الاشتراط كأن يقول: بعتك ما في البيت على
أنه عبد حبشي فبان حمارا وحشيا.
إلا أن يقال: إن الموجود وإن لم يعد مغايرا للمعقود عليه عرفا،
إلا أن اشتراط اتصافه بالأوصاف في معنى كون القصد إلى بيعه بانيا
على تلك الأوصاف، فإذا فقد ما بني عليه العقد، فالمقصود غير
حاصل، فينبغي بطلان البيع، ولذا التزم أكثر المتأخرين بفساد العقد
بفساد شرطه (3)، فإن قصد الشرط إن كان مؤثرا في المعقود عليه

(1) النهاية: 391.
(2) مجمع الفائدة 8: 183.
(3) منهم: العلامة في القواعد 2: 93، والشهيد في الدروس 3: 214 - 215،
والشهيد الثاني في المسالك 3: 273، وراجع تفصيل القائلين بالبطلان في مفتاح
الكرامة 4: 732.
254

فالواجب كون تخلفه موجبا لبطلان العقد، وإلا لم يوجب فساده فساد
العقد، بل غاية الأمر ثبوت الخيار.
ومن هنا يظهر: أن دفع ما ذكر (1) في وجه البطلان - الذي جعله
المحقق الأردبيلي موافقا للقاعدة (2)، واحتمله العلامة رحمه الله في النهاية (3) فيما
إذا ظهر ما رآه سابقا على خلاف ما رآه، بأنه اشتباه ناشئ عن عدم
الفرق بين الوصف المعين للكليات والوصف المعين في (4) الشخصيات وبين
الوصف الذاتي والعرضي، وأن أقصى ما هناك كونه من باب تعارض
الإشارة والوصف والإشارة أقوى - مجازفة لا محصل لها.
وأما كون الإشارة أقوى من الوصف عند التعارض، فلو جرى
فيما نحن فيه لم يكن اعتبار بالوصف، فينبغي لزوم العقد وإثبات الخيار
من جهة كونه وصفا لشخص لا مشخصا لكلي حتى يتقوم به، وكونه
عرضيا لا ذاتيا إعادة للكلام السابق.
ويمكن أن يقال: إن المستفاد من النصوص والإجماعات في الموارد

(1) قال الشهيدي: " وأما الدافع، ففي بعض الحواشي: أنه صاحب الجواهر،
والظاهر أنه اشتباه من المحشي، لأن الموجود فيه خال عن قوله: " وإن أقصى
ما هناك كونه من باب تعارض الإشارة والوصف " - إلى أن قال: - والظاهر أن
الدافع هو الشيخ علي آل كاشف الغطاء قدس سره في محكي تعليقه على خيارات
اللمعة، فإنه عين عبارته المحكية عنه "، هداية الطالب: 494، وراجع الجواهر
23: 94 أيضا.
(2) مجمع الفائدة 8: 183.
(3) نهاية الإحكام 2: 501.
(4) في ظاهر " ق " بدل " في ": " من ".
255

المتفرقة عدم بطلان البيع بمخالفة الصفة المقصودة الغير المقومة للمبيع،
سواء علم القصد إليها من الخارج أم اشترطت في العقد، كالحكم بمضي
العقد على المعيب مع عدم القصد إلا إلى الصحيح، ومنه المصراة.
وكالحكم في النص والفتوى بتبعض (1) الصفقة إذا باع ما يملك وما لم يملك
وغير ذلك، فتأمل (2).
نعم هنا إشكال آخر من جهة تشخيص الوصف الداخل في
الحقيقة عرفا الموجب ظهور خلافه لبطلان البيع، والخارج عنها الموجب
ظهور خلافه للخيار، فإن الظاهر دخول الذكورة والأنوثة في المماليك في
حقيقة المبيع لا في مثل الغنم، وكذا الرومي والزنجي حقيقتان عرفا،
وربما يتغاير الحقيقتان مع كونه فيما نحن فيه من قبيل الأوصاف، كما إذا
باعه الدهن أو الجبن أو اللبن على أنه من الغنم فبان من الجاموس،
وكذا لو باعه خل الزبيب فبان من التمر. ويمكن إحالة اتحاد الجنس
ومغايرته على العرف وإن خالف ضابطة التغاير المذكورة في باب الربا،
فتأمل.

(1) في " ش ": " بتبعيض ".
(2) في " ش " زيادة: " وسيجئ بعض الكلام في مسألة الشرط الفاسد إن شاء
الله " وراجع تفصيل المسألة في الجزء الثالث من المكاسب: 513 و 531.
256

مسألة
الأكثر على أن الخيار عند الرؤية فوري، بل نسب إلى ظاهر الأصحاب (1)،
بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين إلا من أحمد، حيث جعله ممتدا
بامتداد المجلس الذي وقعت فيه الرؤية (2)، واحتمله في نهاية الإحكام (3).
ولم أجد لهم دليلا صالحا على ذلك، إلا وجوب الاقتصار في مخالفة
لزوم العقد على المتيقن، ويبقى على القائلين بالتراخي في مثل خيار الغبن والعيب
سؤال الفرق بين المقامين، مع أن صحيحة جميل - المتقدمة في صدر المسألة (4) -
مطلقة يمكن التمسك بعدم بيان مدة الخيار فيها على عدم الفورية وإن
كان خلاف التحقيق، كما نبهنا عليه في بعض الخيارات المستندة إلى النص.
وقد بينا سابقا (5) ضعف التمسك بالاستصحاب في إثبات التراخي
وإن استندوا إليه في بعض الخيارات السابقة.

(1) نسبه في الحدائق 19: 59 إلى ظاهر كلام أكثر الأصحاب، ولم نعثر على غيره.
(2) التذكرة 1: 467.
(3) نهاية الإحكام 2: 508.
(4) تقدمت في الصفحة 245.
(5) بينه في خيار الغبن، راجع الصفحة 209 - 212.
257

مسألة
يسقط هذا الخيار بترك المبادرة عرفا على الوجه المتقدم في خيار
الغبن (1)، وبإسقاطه بعد الرؤية، وبالتصرف بعدها، ولو تصرف قبلها ففي
سقوط الخيار وجوه، ثالثها: ابتناء ذلك على جواز إسقاط الخيار قولا
قبل الرؤية، بناء على أن التصرف إسقاط فعلي.
وفي جواز إسقاطه قبل الرؤية وجهان مبنيان على أن الرؤية
سبب أو كاشف.
قال في التذكرة: لو اختار إمضاء العقد قبل الرؤية لم يلزم، لتعلق
الخيار بالرؤية (2)، انتهى. وحكي ذلك عن غيرها أيضا (3).
وظاهره: أن الخيار يحدث بالرؤية، لا أنه يظهر بها، ولو جعلت
الرؤية شرطا لا سببا أمكن جواز الإسقاط بمجرد تحقق السبب وهو

(1) راجع الصفحة 213 وما بعدها.
(2) التذكرة 1: 467 و 533.
(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 586 بلفظ " وفي التذكرة وغيرها "
ولكن لم نعثر على غير التذكرة.
258

العقد. ولا يخلو عن قوة.
ولو شرط سقوط هذا الخيار، ففي فساده وإفساده للعقد، كما عن
العلامة (1) وجماعة (2)، أو عدمهما، كما عن النهاية (3) وبعض (4)، أو الفساد
دون الإفساد (5)، وجوه، بل أقوال:
من كونه موجبا لكون العقد غررا، كما في جامع المقاصد: من أن
الوصف قام مقام الرؤية، فإذا شرط عدم الاعتداد به كان المبيع غير
مرئي ولا موصوف (6).
ومن أن دفع الغرر عن هذا البيع ليس بالخيار حتى يثبت
بارتفاعه، فإن الخيار حكم شرعي لو أثر في دفع الغرر جاز بيع
كل مجهول متزلزلا، والعلم بالمبيع لا يرتفع بالتزام عدم الفسخ عند
تبين المخالفة، فإن الغرر هو الإقدام على شراء العين الغائبة على
أي صفة كانت، ولو كان الالتزام المذكور مؤديا إلى الغرر لكان
اشتراط البراءة من العيوب أيضا مؤديا إليه، لأنه بمنزلة بيع الشئ

(1) راجع التذكرة 1: 467.
(2) كالشهيد في الدروس 3: 276، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 303،
والمحقق النراقي في المستند 14: 408، وراجع مفتاح الكرامة 4: 292.
(3) نهاية الإحكام 2: 507.
(4) وهو المحدث الكاشاني في المفاتيح 3: 72.
(5) لم نعثر على القائل به في هذا المبحث، نعم قال به جماعة في مبحث الشرط
الفاسد، منهم الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 474، بعد نقله عن الشيخ في
المبسوط، راجع مفتاح الكرامة 4: 732.
(6) جامع المقاصد 4: 303.
259

صحيحا أو معيبا بأي عيب كان، ولا شك أنه غرر، وإنما جاز بيع
الشئ غير مشروط بالصحة اعتمادا على أصالة الصحة، لا من جهة
عدم اشتراط ملاحظة الصحة والعيب في المبيع، لأن تخالف أفراد
الصحيح والمعيب أفحش من تخالف أفراد الصحيح، واقتصارهم في بيان
الأوصاف المعتبرة في بيع العين الغائبة على ما عدا الصفات الراجعة إلى
العيب إنما هو للاستغناء عن تلك الأوصاف بأصالة الصحة، لا لجواز
إهمالها عند البيع.
فحينئذ، فإذا شرط البراءة من العيوب، كان ذلك راجعا إلى عدم
الاعتداد بوجود تلك الأوصاف وعدمها، فيلزم الغرر، خصوصا على ما
حكاه في الدروس عن ظاهر الشيخ وأتباعه (1): من جواز اشتراط
البراءة من العيوب فيما لا قيمة لمكسوره كالبيض والجوز الفاسدين
كذلك، حيث إن مرجعه - على ما ذكروه هنا في اشتراط سقوط خيار
الرؤية - إلى اشتراط عدم الاعتداد بمالية المبيع، ولذا اعترض عليهم
الشهيد وأتباعه بفساد البيع مع هذا الشرط (2).
لكن مقتضى اعتراضهم فساد اشتراط البراءة من سائر العيوب
ولو كان للمعيب قيمة، لأن مرجعه إلى عدم الاعتداد بكون المبيع
صحيحا أو معيبا بأي عيب، والغرر فيه أفحش من البيع مع عدم
الاعتداد بكون المبيع الغائب متصفا بأي وصف كان.

(1) الدروس 3: 198، وراجع المبسوط 2: 138، والوسيلة: 247 و 255،
وإصباح الشيعة: 224، والمهذب 1: 392.
(2) راجع المبسوط 3: 198.
260

ثم إنه قد يثبت فساد هذا الشرط لا من جهة لزوم الغرر في
البيع حتى يلزم فساد البيع ولو على القول بعدم استلزام فساد الشرط
لفساد العقد، بل من جهة أنه إسقاط لما لم يتحقق، بناء على
ما عرفت: من أن الخيار إنما يتحقق بالرؤية، فلا يجوز إسقاطه قبلها،
فاشتراط الإسقاط لغو، وفساده من هذه الجهة لا يؤثر في فساد العقد،
فيتعين المصير إلى ثالث الأقوال المتقدمة.
لكن الإنصاف: ضعف وجه هذا القول.
وأقوى الأقوال أولها، لأن دفع الغرر عن هذه المعاملة وإن لم
يكن لثبوت (1) الخيار، لأن الخيار حكم شرعي لا دخل له في الغرر
العرفي المتحقق في البيع، إلا أنه لأجل سبب الخيار، وهو اشتراط تلك
الأوصاف المنحل إلى ارتباط الالتزام العقدي بوجود هذه الصفات،
لأنها إما شروط للبيع وإما قيود للمبيع - كما تقدم سابقا - واشتراط
سقوط الخيار راجع إلى الالتزام بالعقد على تقديري وجود تلك
الصفات وعدمها، والتنافي بين الأمرين واضح.
وأما قياس هذا الاشتراط باشتراط البراءة، فيدفعه الفرق بينهما:
بأن نفي العيوب ليس مأخوذا في البيع على وجه الاشتراط أو التقييد،
وإنما اعتمد المشتري فيهما على أصالة الصحة، لا على تعهد البائع
لانتفائها حتى ينافي ذلك اشتراط براءة البائع عن عهدة انتفائها، بخلاف
الصفات فيما نحن فيه، فإن البائع يتعهد لوجودها في المبيع والمشتري
يعتمد على هذا التعهد، فاشتراط البائع على المشتري عدم تعهده لها

(1) في ظاهر " ق " أو محتمله: " بثبوت ".
261

والتزام العقد عليه بدونها ظاهر المنافاة لذلك.
نعم، لو شاهده المشتري واشتراه معتمدا على أصالة بقاء تلك
الصفات فاشترط البائع لزوم العقد عليه وعدم الفسخ لو ظهرت المخالفة،
كان نظير اشتراط البراءة من العيوب. كما أنه لو أخبر بكيله أو وزنه
فصدقه المشتري فاشترط عدم الخيار لو ظهر النقص، كان مثل ما نحن
فيه، كما يظهر من التحرير في بعض فروع الإخبار بالكيل (1).
والضابط في ذلك: أن كل وصف تعهده البائع وكان رفع الغرر
بذلك لم يجز اشتراط سقوط خيار فقده، وكل وصف اعتمد المشتري في
رفع الغرر على أمارة أخرى جاز اشتراط سقوط خيار فقده، كالأصل
أو غلبة مساواة باطن الصبرة لظاهرها أو نحو ذلك.
ومما ذكرنا ظهر وجه فرق الشهيد (2) وغيره (3) في المنع والجواز
بين اشتراط البراءة من الصفات المأخوذة في بيع العين الغائبة وبين
اشتراط البراءة من العيوب في العين المشكوك في صحته وفساده (4).
وظهر أيضا أنه لو تيقن المشتري بوجود الصفات المذكورة في
العقد في المبيع، فالظاهر جواز اشتراط عدم الخيار على تقدير فقدها،

(1) راجع التحرير 1: 177.
(2) راجع الدروس 3: 198 و 276، حيث حكم ببطلان العقد لو تبرأ البائع أو
شرط رفع الخيار في خيار الرؤية، والصفحة 282 حيث حكم بأن من مسقطات
خيار العيب التبري من العيب.
(3) راجع مفتاح الكرامة 4: 292 و 624.
(4) كذا في النسخ، والمناسب: " صحتها وفسادها ".
262

لأن دفع (1) الغرر ليس بالتزام تلك الصفات، بل لعلمه بها، وكذا لو
اطمأن بوجودها ولم يتيقن. والضابط كون اندفاع الغرر باشتراط الصفات
وتعهدها من البائع وعدمه (2).
وظهر أيضا ضعف ما يقال: من أن الأقوى في محل الكلام
الصحة، لصدق تعلق البيع بمعلوم غير مجهول، ولو أن الغرر ثابت في
البيع نفسه لم يجد في الصحة ثبوت الخيار، وإلا لصح ما فيه الغرر من
البيع مع اشتراط الخيار، وهو معلوم العدم. وإقدامه (3) بالبيع المشترط
فيه السقوط مع عدم الاطمئنان بالوصف إدخال الغرر عليه من قبل
نفسه (4)، انتهى.
توضيح الضعف: أن المجدي في الصحة ما هو سبب الخيار، وهو
التزام البائع وجود الوصف لا نفس الخيار. وأما كون الإقدام من قبل
نفسه فلا يوجب الرخصة في البيع الغرري. والمسألة موضع إشكال.

(1) في " ش ": " رفع ".
(2) في " ش " زيادة: " هذا مع إمكان التزام فساد اشتراط عدم الخيار، على
تقدير فقد الصفات المعتبر علمها في البيع، خرج اشتراط التبري من العيوب
بالنص والإجماع، لأن قاعدة " نفي الغرر " قابلة للتخصيص، كما أشرنا إليه
سابقا ".
(3) في " ش " والمصدر زيادة: " على الرضا ".
(4) الجواهر 23: 96.
263

مسألة
لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت ولا بإبدال العين، لأن العقد
إنما وقع على الشخصي، فتملك غيره يحتاج إلى معاوضة جديدة.
ولو شرط في متن العقد الإبدال لو ظهر على خلاف الوصف، ففي
الدروس: أن الأقرب الفساد (1). ولعله لأن البدل المستحق عليه بمقتضى
الشرط:
إن كان بإزاء الثمن فمرجعه إلى معاوضة جديدة على تقدير ظهور
المخالفة، بأن ينفسخ البيع بنفسه عند المخالفة، وينعقد بيع آخر، فيحصل
بالشرط انفساخ عقد وانعقاد عقد آخر، كل منهما معلق على ظهور
المخالفة، ومن المعلوم عدم نهوض الشرط لإثبات ذلك.
وإن كان بإزاء المبيع الذي ظهر على خلاف الوصف، فمرجعه
أيضا إلى انعقاد معاوضة تعليقية غررية، لأن المفروض جهالة المبدل.
وعلى أي تقدير، فالظاهر عدم مشروعية الشرط المذكور، فيفسد ويفسد
العقد.

(1) الدروس 3: 276.
264

وبذلك ظهر ضعف ما في الحدائق: من الاعتراض على الشهيد قدس سره،
حيث قال - بعد نقل عبارة الدروس وحكمه بالفساد - ما لفظه:
إن ظاهر كلامه أن الحكم بالفساد أعم من أن يظهر على الوصف
أو لا.
وفيه: أنه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط،
ومجرد شرط البائع الإبدال مع عدم ظهور (1) الوصف لا يصلح سببا
للفساد، لعموم الأخبار المتقدمة. نعم، لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا
من حيث المخالفة، ولا يجبره هذا الشرط، لإطلاق الأخبار في الخيار.
والأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط المذكور حيث
لا تأثير له مع الظهور وعدمه. وبالجملة، فإني لا أعرف للحكم بفساد
العقد في الصورة المذكورة على الإطلاق وجها يحمل عليه (2)، انتهى (3).

(1) في " ش ": " عدم الظهور على الوصف ".
(2) الحدائق 19: 59.
(3) في " ق " - بعد كلمات شطب عليها - زيادة: " ولا يخفى ضعفه ".
265

مسألة
الظاهر ثبوت خيار الرؤية في كل عقد واقع على عين شخصية
موصوفة كالصلح والإجارة، لأنه لو لم يحكم بالخيار مع تبين المخالفة،
فإما أن يحكم ببطلان العقد، لما تقدم (1) عن الأردبيلي في بطلان بيع
العين الغائبة. وإما أن يحكم بلزومه من دون خيار.
والأول مخالف لطريقة الفقهاء في تخلف الأوصاف المشروطة في
المعقود عليه.
والثاني فاسد من جهة أن دليل اللزوم هو وجوب الوفاء بالعقد
وحرمة النقض، ومعلوم أن عدم الالتزام بترتب آثار العقد على العين
الفاقدة للصفات المشترطة فيها ليس نقضا للعقد، بل قد تقدم عن بعض
أن ترتيب آثار العقد عليها ليس وفاء وعملا بالعقد حتى يجوز، بل هو
تصرف لم يدل عليه العقد، فيبطل.
والحاصل: أن الأمر في ذلك دائر بين فساد العقد وثبوته مع
الخيار، والأول مناف لطريقة الأصحاب في غير باب، فتعين الثاني.

(1) تقدم في الصفحة 254.
266

مسألة
لو اختلفا، فقال البائع: لم يختلف صفته (1)، وقال المشتري: قد
اختلفت، ففي التذكرة: قدم قول المشتري، لأصالة براءة ذمته من الثمن،
فلا يلزمه ما لم يقر به أو يثبت بالبينة (2). ورده في المختلف - في نظير
المسألة - بأن إقراره بالشراء إقرار بالاشتغال بالثمن (3). ويمكن أن يكون
مراده ببراءة الذمة عدم وجوب تسليمه إلى البائع، بناء على ما ذكره
في أحكام الخيار من التذكرة: من عدم وجوب تسليم الثمن ولا المثمن
في مدة الخيار وإن تسلم الآخر (4).
وكيف كان، فيمكن أن يخدش بأن المشتري قد أقر باشتغال ذمته
بالثمن سواء اختلف صفة المبيع أم لم يختلف، غاية الأمر سلطنته على
الفسخ لو ثبت أن البائع التزم على نفسه اتصاف البيع (5) بأوصاف

(1) في " ش ": " صفة ".
(2) التذكرة 1: 467.
(3) المختلف 5: 297.
(4) التذكرة 1: 537.
(5) كذا في النسخ، والظاهر: " المبيع ".
267

مفقودة، كما لو اختلفا في اشتراط كون العبد كاتبا، وحيث لم يثبت ذلك
فالأصل عدمه، فيبقى الاشتغال لازما غير قابل للإزالة بفسخ العقد.
هذا، ويمكن دفع ذلك بأن أخذ الصفات في المبيع وإن كان في
معنى الاشتراط، إلا أنه بعنوان التقييد، فمرجع الاختلاف إلى الشك في
تعلق البيع بالعين الملحوظ فيها صفات مفقودة، أو تعلقه بعين لوحظ
فيها الصفات الموجودة أو ما يعمها (1)، واللزوم من أحكام البيع المتعلق
بالعين على الوجه الثاني، والأصل عدمه.
ومنه يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين الاختلاف في اشتراط
كتابة العبد، وقد تقدم توضيح ذلك وبيان ما قيل أو يمكن أن يقال في
هذا المجال في مسألة ما إذا اختلفا في تغير (2) ما شاهداه قبل البيع.

(1) في ظاهر " ق ": " يعمهما ".
(2) في " ش ": " تغيير ".
268

مسألة
لو نسج بعض الثوب، فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول بطل،
كما عن المبسوط (1) والقاضي (2) وابن سعيد (3) قدس سرهما والعلامة في كتبه (4)
وجامع المقاصد (5). واستدل عليه في التذكرة وجامع المقاصد: بأن بعضه
عين حاضرة وبعضه في الذمة مجهول.
وعن المختلف: صحته (6). ولا يحضرني الآن حتى أتأمل في دليله،
والذي ذكر للمنع لا ينهض مانعا.
فالذي يقوى في النظر: أنه إذا باع البعض المنسوج المنضم إلى
غزل معين على أن ينسجه على ذلك المنوال فلا مانع منه، وكذا إذا ضم

(1) المبسوط 2: 77.
(2) المهذب 1: 352.
(3) الجامع للشرائع: 256 - 257.
(4) القواعد 2: 68، والتحرير 1: 167، والتذكرة 1: 524.
(5) جامع المقاصد 4: 302.
(6) المختلف 5: 73.
269

معه مقدارا معينا كليا من الغزل الموصوف على أن ينسجه كذلك، إذ
لا مانع من ضم الكلي إلى الشخصي، وإليه ينظر بعض كلمات المختلف
في هذا المقام، حيث جعل اشتراط نسج الباقي كاشتراط الخياطة
والصبغ. وكذا إذا باعه أذرعا معلومة منسوجة مع هذا المنسوج بهذا
المنوال.
ولو لم ينسجه في الصورتين الأوليين على ذلك المنوال ثبت
الخيار، لتخلف الشرط. ولو لم ينسجه كذلك في الصورة الأخيرة لم يلزم
القبول، وبقي على مال البائع، وكان للمشتري الخيار في المنسوج،
لتبعض الصفقة عليه، والله العالم.
270

[السابع] (1)
في خيار العيب
إطلاق العقد يقتضي وقوعه مبنيا على سلامة العين من العيب،
وإنما ترك اشتراطه صريحا اعتمادا على أصالة السلامة، وإلا لم يصح
العقد من جهة الجهل بصفة العين الغائبة، وهي صحتها التي هي من أهم
ما يتعلق به الأغراض.
ولذا اتفقوا في بيع العين الغائبة على اشتراط ذكر الصفات التي
يختلف الثمن باختلافها، ولم يذكروا اشتراط صفة الصحة، فليس ذلك إلا
من حيث الاعتماد في وجودها على الأصل، فإن من يشتري عبدا
لا يعلم أنه صحيح سوي أم فالج مقعد، لا يعتمد في صحته إلا على
أصالة السلامة، كما يعتمد من شاهد المبيع سابقا على بقائه على ما شاهده،
فلا يحتاج إلى ذكر تلك الصفات في العقد، وكما يعتمد على إخبار البائع
بالوزن.
قال في التذكرة: الأصل في المبيع من الأعيان والأشخاص
السلامة من العيوب والصحة، فإذا أقدم المشتري على بذل ماله في

(1) لم يرد في " ق ".
271

مقابلة تلك العين، فإنما بنى إقدامه على غالب ظنه المستند إلى أصالة
السلامة (1)، انتهى.
وقال في موضع آخر: إطلاق العقد واشتراط السلامة يقتضيان
السلامة على ما مر: من أن القضاء العرفي يقتضي (2) أن المشتري إنما
بذل ماله بناء على أصالة السلامة، فكأنها مشترطة في نفس العقد (3)،
انتهى.
ومما ذكرنا يظهر: أن الانصراف ليس من باب انصراف المطلق
إلى الفرد الصحيح ليرد عليه:
أولا: منع الانصراف، ولذا لا يجري في الأيمان والنذور.
وثانيا: عدم جريانه فيما نحن فيه، لعدم كون المبيع مطلقا، بل هو
جزئي حقيقي خارجي.
وثالثا: بأن مقتضاه عدم وقوع العقد رأسا على المعيب، فلا معنى
لإمضاء العقد الواقع عليه أو فسخه حتى يثبت التخيير بينهما.
ودفع جميع هذا: بأن وصف الصحة قد أخذ شرطا في العين
الخارجية نظير معرفة الكتابة أو غيرها من الصفات المشروطة في العين
الخارجية، وإنما استغني عن ذكر وصف الصحة لاعتماد المشتري في
وجودها على الأصل، كالعين المرئية سابقا حيث يعتمد في وجود أصلها
وصفاتها على الأصل.

(1) التذكرة 1: 524.
(2) في " ق ": " أن يقضي ".
(3) التذكرة 1: 538.
272

ولقد أجاد في الكفاية حيث قال: إن المعروف بين الأصحاب أن
إطلاق العقد يقتضي لزوم السلامة (1).
ولو باع كليا حالا أو سلما كان الانصراف [إلى الصحيح] (2) من
جهة ظاهر الإقدام أيضا (3). ويحتمل [كونه] (4) من جهة الإطلاق
المنصرف إلى الصحيح في مقام الاشتراء، وإن لم ينصرف إليه في غير
هذا المقام (5).
ثم إن المصرح به في كلمات جماعة (6): أن اشتراط الصحة في متن
العقد يفيد التأكيد، لأنه تصريح بما يكون الإطلاق منزلا عليه، وإنما ترك
لاعتماد المشتري على أصالة السلامة، فلا يحصل من أجل هذا الاشتراط
خيار آخر غير خيار العيب، كما لو اشترط كون الصبرة كذا وكذا
صاعا، فإنه لا يزيد على ما إذا ترك الاشتراط واعتمد على إخبار
البائع بالكيل، أو اشترط بقاء الشئ على الصفة السابقة المرئية فإنه في
حكم ما لو ترك ذلك اعتمادا على أصالة بقائها.

(1) كفاية الأحكام: 93، ولكن فيه: " لا أعرف خلافا بينهم في أن إطلاق... ".
(2) لم يرد في " ق ".
(3) في " ق " زيادة كلمة غير مقروة، ولعلها " لا الإطلاق ".
(4) لم يرد في " ق ".
(5) في " ش " زيادة: " فتأمل ".
(6) منهم: الشهيد الثاني في المسالك 3: 282، والمحدث البحراني في الحدائق
19: 79، وفي الجواهر 23: 235 - بعد نسبته إلى صريح جماعة - قال: " بل لم
أجد قائلا بغيره ".
273

وبالجملة، فالخيار خيار العيب اشترط الصحة أم لم يشترط.
ويؤيده ما ورد من رواية يونس " في رجل اشترى جارية على أنها
عذراء فلم يجدها عذراء؟ قال: يرد عليه فضل القيمة " (1) فإن اقتصاره عليه السلام
على أخذ الأرش الظاهر في عدم جواز الرد يدل على أن الخيار خيار
العيب، ولو كان هنا خيار تخلف الاشتراط لم يسقط الرد بالتصرف في
الجارية بالوطء أو مقدماته. ومنه يظهر ضعف ما حكاه في المسالك:
من ثبوت خيار الاشتراط هنا، فلا يسقط الرد بالتصرف (2).
ودعوى: عدم دلالة الرواية على التصرف أو عدم دلالته على
اشتراط البكارة في متن العقد، ممنوعة (3).

(1) الوسائل 12: 418، الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث الأول.
(2) المسالك 3: 282.
(3) في " ش " بدل " ممنوعة ": " كما ترى ".
274

مسألة
ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الرد وأخذ
الأرش بلا خلاف، ويدل على الرد الأخبار المستفيضة الآتية (1).
وأما الأرش فلم يوجد في الأخبار ما يدل على التخيير بينه
وبين الرد، بل ما دل على الأرش يختص بصورة التصرف المانع من
الرد (2)، فيجوز أن يكون الأرش في هذه الصورة لتدارك ضرر المشتري،
لا لتعيين أحد طرفي التخيير بتعذر الآخر.
نعم، في الفقه الرضوي: " فإن خرج السلعة معيبا (3) وعلم المشتري،
فالخيار إليه إن شاء رده وإن شاء أخذه أو رد عليه بالقيمة أرش
العيب " (4)، وظاهره - كما في الحدائق (5) - التخيير بين الرد وأخذه بتمام

(1) انظر الصفحة 280 و 293 وما بعدها.
(2) راجع الوسائل 12: 362، الباب 16 من أبواب الخيار، والصفحة 413،
الباب 4 من أبواب أحكام العيوب.
(3) كذا، والمناسب: " معيبة "، وفي المصدر: " فإن خرج في السلعة عيب ".
(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام: 253.
(5) الحدائق 19: 64.
275

الثمن وأخذ الأرش. ويحتمل زيادة الهمزة في لفظة " أو " ويكون " واو "
العطف، فيدل على التخيير بين الرد والأرش.
وقد يتكلف لاستنباط هذا الحكم من سائر الأخبار، وهو صعب
جدا. وأصعب منه جعله مقتضى القاعدة، بناء على أن الصحة وإن
كانت وصفا، فهي بمنزلة الجزء، فيتدارك فائته باسترداد ما قابله من
الثمن، ويكون الخيار حينئذ لتبعض الصفقة.
وفيه: منع المنزلة عرفا ولا (1) شرعا، ولذا لم يبطل البيع فيما قابله
من الثمن، بل كان الثابت بفواته مجرد استحقاق المطالبة، بل لا يستحق
المطالبة بعين ما قابله على ما صرح به العلامة (2) وغيره (3). ثم منع كون
الجزء الفائت يقابل بجزء من الثمن إذا أخذ وجوده في المبيع الشخصي
على وجه الشرطية، كما في بيع الأرض على أنها جربان معينة،
وما نحن فيه من هذا القبيل.
وبالجملة، فالظاهر عدم الخلاف في المسألة بل الإجماع على
التخيير بين الرد والأرش. نعم، يظهر من الشيخ في غير موضع من
المبسوط: أن أخذ الأرش مشروط باليأس عن الرد (4)، لكنه - مع
مخالفته لظاهر كلامه في النهاية (5) وبعض مواضع المبسوط (6) - ينافيه

(1) كذا في النسخ، والأولى حذف " لا ".
(2) التذكرة 1: 528.
(3) كصاحب الجواهر في الجواهر 23: 294.
(4) راجع المبسوط 2: 131 - 132.
(5) راجع النهاية: 393.
(6) راجع المبسوط 2: 126 - 140.
276

إطلاق الأخبار بجواز أخذ الأرش (1)، فافهم.
ثم إن في كون ظهور العيب مثبتا للخيار أو كاشفا عنه ما تقدم
في خيار الغبن. وقد عرفت أن الأظهر ثبوت الخيار بمجرد العيب والغبن
واقعا، وإن كان ظاهر كثير من كلماتهم يوهم حدوثه بظهور العيب،
خصوصا بعد كون ظهور العيب بمنزلة رؤية المبيع على خلاف
ما اشترط.
وقد صرح العلامة بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية قبلها، معللا
بأن الخيار إنما يثبت بالرؤية (2). لكن المتفق عليه هنا نصا وفتوى جواز
التبري وإسقاط خيار العيب.
ويؤيد ثبوت الخيار هنا بنفس العيب: أن استحقاق المطالبة
بالأرش الذي هو أحد طرفي الخيار لا معنى لثبوته بظهور العيب، بل
هو ثابت بنفس انتفاء وصف الصحة.
هذا، مضافا إلى أن الظاهر من بعض أخبار المسألة أن السبب
هو نفس العيب. لكنها لا تدل على العلية التامة، فلعل الظهور شرط.
وكيف كان، فالتحقيق ما ذكرنا في خيار الغبن: من وجوب
الرجوع في كل حكم من أحكام هذا الخيار إلى دليله وأنه يفيد ثبوته
بمجرد العيب أو بظهوره، والمرجع فيما لا يستفاد من دليله أحد الأمرين

(1) لم نعثر على الأخبار المطلقة، بل الأخبار كما ذكره الشيخ في الصفحة 275
مخصوصة بالأرش في صورة التصرف المانع عن الرد، نعم نقل في الموضع المذكور
عن الفقه الرضوي ما يدل على التخيير.
(2) راجع التذكرة 1: 467 و 533.
277

هي القواعد، فافهم.
ثم إنه لا فرق في هذا الخيار بين الثمن والمثمن، كما صرح به
العلامة (1) وغيره (2)، هنا وفي باب الصرف فيما إذا ظهر أحد عوضي
الصرف معيبا (3). والظاهر أنه مما لا خلاف فيه وإن كان مورد
الأخبار ظهور العيب في المبيع، لأن الغالب كون الثمن نقدا غالبا والمثمن
متاعا فيكثر فيه العيب، بخلاف النقد.

(1) راجع التذكرة 1: 532، والمختلف 5: 188.
(2) كالشهيد الثاني في المسالك 3: 286، وصاحب الجواهر في الجواهر 23:
237.
(3) راجع الشرائع 2: 49، والتذكرة 1: 513، والقواعد 2: 39، والمختلف 5:
119 - 120.
278

القول في مسقطات هذا الخيار
بطرفيه أو أحدهما.
مسألة
يسقط الرد خاصة بأمور:
أحدها: التصريح بالتزام العقد وإسقاط الرد واختيار الأرش،
ولو أطلق الالتزام بالعقد فالظاهر عدم سقوط الأرش، ولو أسقط الخيار
فلا يبعد سقوطه.
الثاني: التصرف في المعيب عند علمائنا كما في التذكرة (1)، وفي
السرائر: الإجماع على أن التصرف يسقط الرد بغير خلاف منهم (2)،
ونحوه المسالك (3)، وسيأتي الخلاف في الجملة من الإسكافي والشيخين

(1) التذكرة 1: 525.
(2) السرائر 2: 302.
(3) راجع المسالك 3: 283، ولكن ليس فيه دعوى الإجماع أو نفي الخلاف، نعم
قال في الصفحة 201 في خيار الحيوان: " لا خلاف في سقوطه بالتصرف ".
279

وابن زهرة وظاهر المحقق، بل المحقق الثاني (1).
واستدل [عليه] (2) في التذكرة أيضا - تبعا للغنية (3) -: بأن تصرفه
فيه رضا منه به على الإطلاق، ولولا ذلك كان ينبغي له الصبر والثبات
حتى يعلم حال صحته وعدمها، وبقول أبي جعفر عليه السلام في الصحيح:
" أيما رجل اشترى شيئا وبه عيب أو عوار ولم يتبرأ إليه ولم يبينه (4)
فأحدث فيه بعدما قبضه شيئا و (5) علم بذلك العوار وبذلك العيب، فإنه
يمضي عليه البيع، ويرد عليه بقدر ما ينقص من ذلك الداء والعيب من
ثمن ذلك لو لم يكن به " (6).
ويدل عليه مرسلة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل
يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيبا؟ قال: إن كان الثوب قائما بعينه
رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو
صبغ رجع بنقصان العيب " (7).
هذا، ولكن الحكم بسقوط الرد بمطلق التصرف، حتى مثل قول

(1) انظر الصفحة 286 - 289.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) راجع الغنية: 222.
(4) في " ش ": " ولم يتبين له "، واختلفت المصادر الحديثية فيها.
(5) في " ش " بدل " و ": " ثم ".
(6) التذكرة 1: 525، والرواية أوردها في الوسائل 12: 362، الباب 16 من
أبواب الخيار، الحديث 2.
(7) الوسائل 12: 363، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 3.
280

المشتري للعبد المشترى " ناولني الثوب " أو " أغلق الباب " - على
ما صرح به العلامة في التذكرة (1) - في غاية الإشكال، لإطلاق قوله عليه السلام:
" إن كان الثوب قائما بعينه رده " المعتضد بإطلاق الأخبار في الرد
- خصوصا ما ورد في رد الجارية بعدما لم تحض ستة أشهر عند
المشتري (2) (3) ونحو ذلك مما يبعد التزام التقييد فيه بصورة عدم
التصرف فيه بمثل " أغلق الباب " ونحوه - وعدم (4) ما يصلح للتقييد مما
استدل به للسقوط، فإن مطلق التصرف لا يدل على الرضا، خصوصا
مع الجهل بالعيب.
وأما المرسلة (5) فقد عرفت إطلاقها لما يشمل لبس الثوب واستخدام
العبد، بل وطء الجارية لولا النص المسقط للخيار به.
وأما الصحيحة (6) فلا يعلم المراد من " إحداث شئ في المبيع "
لكن الظاهر - بل المقطوع - عدم شموله لغة ولا عرفا لمثل استخدام العبد
وشبهه مما مر من الأمثلة، فلا يدل على أزيد مما دل عليه ذيل
المرسلة: من أن العبرة بتغير العين وعدم قيامها بعينها. اللهم إلا أن

(1) التذكرة 1: 530.
(2) راجع الوسائل 12: 413، الباب 3 من أبواب أحكام العيوب، وفيه حديث
واحد.
(3) في " ش " زيادة: " ورد المملوك في أحداث السنة ".
(4) عطف على قوله: " لإطلاق ".
(5) يعني مرسلة جميل المتقدمة في الصفحة السابقة.
(6) يعني صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة السابقة أيضا.
281

يستظهر بمعونة ما تقدم في خيار الحيوان: من النص الدال على أن
المراد بإحداث الحدث في المبيع هو: أن ينظر إلى ما حرم النظر إليه
قبل الشراء (1)، فإذا كان مجرد النظر المختص بالمالك حدثا دل على
سقوط الخيار هنا وفي الحيوان (2) بكل تصرف، فيكون ذلك النص دليلا
على المراد بالحدث هنا. وهذا حسن، لكن إقامة البينة على اتحاد معنى
الحدث في المقامين مع عدم مساعدة العرف على ظهور الحدث في هذا
المعنى مشكلة (3).
ثم إنه إذا قلنا بعموم الحدث في هذا المقام لمطلق التصرف،
فلا دليل على كونه من حيث الرضا بالعقد (4) وإن كان النص في خيار
الحيوان دالا على ذلك، بقرينة التعليل المذكور فيه على الوجوه المتقدمة (5)
في المراد من التعليل (6). لكن كلمات كثير منهم في هذا المقام أيضا تدل
على سقوط هذا الخيار بالتصرف من حيث الرضا، بل عرفت من
التذكرة والغنية: أن علة السقوط دلالة التصرف نوعا على الرضا (7).

(1) الوسائل 12: 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث 1 - 3، وراجع
الصفحة 97 - 98.
(2) لم ترد " وفي الحيوان " في " ش ".
(3) في " ق ": " مشكل ".
(4) في " ش " زيادة: " فلا يتقيد بالتصرف الدال عليه ".
(5) في " ش " زيادة: " هناك ".
(6) تقدمت في الصفحة 100 - 102.
(7) راجع الصفحة 280.
282

ونحوه في الدلالة على كون السقوط بالتصرف من حيث دلالته
على الرضا كلمات جماعة ممن تقدم عليه ومن تأخر عنه.
قال في المقنعة: فإن لم يعلم المبتاع بالعيب حتى أحدث فيه حدثا
لم يكن له الرد، وكان له أرش العيب خاصة، وكذلك حكمه إذا أحدث
فيه حدثا بعد العلم، ولا يكون إحداثه الحدث بعد المعرفة بالعيب رضا
به منه (1)، انتهى.
فإن تعليله عدم سقوط الأرش بعدم دلالة الإحداث على الرضا
بالعيب ظاهر - خصوصا بملاحظة ما يأتي من كلام غيره - في أن سقوط
الرد بالحدث لدلالته على الرضا بأصل البيع، ومثلها عبارة النهاية من
غير تفاوت (2).
وقال في المبسوط: إذا كان المبيع بهيمة فأصاب بها عيبا كان له
ردها، فإذا كان في طريق الرد جاز له ركوبها وعلفها وسقيها وحلبها
وأخذ لبنها، وإن نتجت كان له نتاجها، كل هذا لأنه ملكه وله فائدته
وعليه مؤونته، والرد لا يسقط، لأنه إنما يسقط الرد بالرضا بالمعيب أو
ترك الرد بعد العلم به أو بأن يحدث فيه عيب عنده، وليس هنا شئ
من ذلك (3)، انتهى.
وقال في الغنية: ولا يسقط بالتصرف بعد العلم بالعيب حق
المطالبة بالأرش، لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب (4)، انتهى.

(1) المقنعة: 597.
(2) راجع النهاية: 393، لكن مع تفاوت في الألفاظ.
(3) المبسوط 2: 139.
(4) الغنية: 222.
283

وفي السرائر، قال في حكم من ظهر على عيب فيما اشتراه:
ولا يجبر على أحد الأمرين - يعني الرد والأرش - قال: هذا إذا لم
يتصرف فيه تصرفا يؤذن بالرضا في العادة، أو ينقص قيمته بتصرفه (1)،
انتهى.
وفي الوسيلة: ويسقط الرد بأحد ثلاثة أشياء: بالرضا، وبترك
الرد بعد العلم به والمعرفة (2) إذا عرف أن له الخيار (3)، وبحدوث عيب
آخر عنده (4)، انتهى.
وهي بعينه - كعبارة المبسوط المتقدمة - ظاهرة في أن التصرف
ليس بنفسه مسقطا إلا إذا دل على الرضا.
وقال في التذكرة: لو ركبها ليسقيها ثم يردها لم يكن ذلك رضا
منه بإمساكها، ولو حلبها في طريق الرد فالأقوى أنه تصرف يؤذن
بالرضا بها. وقال بعض الشافعية: لا يكون رضا بإمساكه، لأن اللبن
ماله قد استوفاه في حال الرد (5)، انتهى.
وفي جامع المقاصد والمسالك - في رد ابن حمزة القائل بأن
التصرف بعد العلم يسقط الأرش أيضا -: أن التصرف لا يدل على
إسقاط الأرش، نعم يدل على الالتزام بالعقد (6).

(1) السرائر 2: 277.
(2) لم ترد " والمعرفة " في " ش " والمصدر.
(3) في " ش " والمصدر: " الرد ".
(4) الوسيلة: 256.
(5) التذكرة 1: 529.
(6) جامع المقاصد 4: 332، والمسالك 3: 283 - 284.
284

وفي التحرير: لو نقل المبيع أو عرضه للبيع أو تصرف فيه
بما يدل على الرضا قبل علمه بالعيب وبعده سقط الرد (1)، انتهى.
وقد ظهر من جميع ذلك: أن التصرف من حيث هو ليس
مسقطا، وإنما هو التزام ورضا بالعقد فعلا، فكل تصرف يدل على ذلك
عادة فهو مسقط، وما ليس كذلك فلا دليل على الإسقاط به، كما لو
وقع نسيانا أو للاختبار،
ومقتضى ذلك: أنه لو وقع التصرف قبل العلم
بالعيب لم يسقط، خصوصا إذا كان مما يتوقف العلم بالعيب عليه
وحصل بقصد الاختبار، إلا أن المعروف - خصوصا بين العلامة ومن
تأخر عنه (2) -: عدم الفرق في السقوط بالتصرف بين وقوعه قبل العلم
بالعيب أو بعده.
والذي ينبغي أن يقال - وإن كان ظاهر المشهور خلافه -: إن
التصرف بعد العلم مسقط للرد إذا كان دالا بنوعه على الرضا كدلالة
اللفظ على معناه، لا مطلق التصرف، والدليل على إسقاطه - مضافا إلى
أنه التزام فعلي فيدل عليه ما يدل على اعتبار الالتزام إذا دل عليه
باللفظ -: ما تقدم في خيار الحيوان (3) من تعليل السقوط بالحدث بكونه
رضا بالبيع، ولذا تعدينا إلى خيار المجلس والشرط وحكمنا بسقوطهما
بالتصرف، فكذلك خيار العيب.
وأما التصرف قبل العلم بالعيب، فإن كان مغيرا للعين بزيادة أو

(1) التحرير 1: 184.
(2) راجع التحرير 1: 183، والقواعد 2: 74، والدروس 3: 283.
(3) تقدم في الصفحة 97.
285

نقيصة أو تغير هيئة أو ناقلا لها بنقل لازم أو جائز
- وبالجملة صار
بحيث لا يصدق معه قيام الشئ بعينه - فهو مسقط أيضا، لمرسلة جميل
المتقدمة (1).
ويلحق بذلك تعذر الرد بموت أو عتق أو إجارة أو شبه ذلك.
وظاهر المحقق في الشرائع الاقتصار على ذلك، حيث قال في أول
المسألة: ويسقط الرد بإحداثه فيه حدثا - كالعتق وقطع الثوب - سواء
كان قبل العلم بالعيب أو بعده (2). وفي مسألة رد المملوك من أحداث
السنة: فلو أحدث ما يغير عينه أو صفته ثبت الأرش (3)، انتهى.
وهو الظاهر من المحكي عن الإسكافي، حيث قال: فإن وجد
بالسلعة عيبا وقد أحدث فيه ما لا يمكن [معه] (4) ردها إلى ما كانت
عليه قبله، كالوطء للأمة والقطع للثوب أو تعذر الرد بموت أو نحوه،
كان له فضل ما بين الصحة والعيب (5)، انتهى.
وهذا هو الذي ينبغي أن يقتصر عليه من التصرف قبل العلم،
وأما ما عدا ذلك من التصرف قبل العلم - كحلب الدابة وركوبها وشبه
ذلك - فلا دليل على السقوط به بحيث تطمئن به النفس، أقصى (6)

(1) تقدمت في الصفحة 280.
(2) الشرائع 2: 36.
(3) الشرائع 2: 40.
(4) لم يرد في " ق ".
(5) حكاه العلامة في المختلف 5: 178 - 179.
(6) في " ش ": " وأقصى ".
286

ما يوجد لذلك صحيحة زرارة المتقدمة (1) بضميمة ما تقدم (2) في خيار
الحيوان من التمثيل للحدث بالنظر واللمس، وقيام النص (3) والإجماع على
سقوط رد الجارية بوطئها قبل العلم، مع عدم دلالته على الالتزام بالبيع
وعدم تغييره للعين، وإطلاق معقد الإجماع المدعى في كثير من العبائر،
كالتذكرة والسرائر والغنية وغيرها (4).
وفي نهوض ذلك كله لتقييد إطلاق أخبار الرد - خصوصا ما كان
هذا التقييد فيه في غاية البعد، كالنص برد الجارية بعد ستة أشهر (5)،
ورد الجارية إذا لم يطأها (6) ورد المملوك من أحداث السنة (7) - نظر، بل
منع، خصوصا معاقد الإجماع، فإن نقلة الإجماع كالعلامة والحلي
وابن زهرة قد صرحوا في كلماتهم المتقدمة بأن العبرة بالرضا بالعقد،
فكأن دعوى الإجماع وقعت من هؤلاء على السقوط بما يدل على
الرضا من التصرف، خصوصا ابن زهرة في الغنية حيث إنه اختار

(1) تقدمت في الصفحة 280 ضمن كلام العلامة.
(2) راجع الصفحة 97 - 98.
(3) راجع الوسائل 12: 414 - 415، الباب 3 من أبواب أحكام العيوب.
(4) تقدم عن التذكرة والسرائر في الصفحة 279، وراجع الغنية: 222، ومفتاح
الكرامة 4: 626.
(5) الوسائل 12: 413، الباب 3 من أبواب العيوب، وفيه حديث واحد.
(6) لم نعثر على هذا النص، نعم يستفاد مما ورد باشتراط رد الجارية
بعدم الوطء، راجع الوسائل 12: 414 - 415، الباب 4 من أبواب أحكام
العيوب.
(7) راجع الوسائل 12: 411، الباب 2 من أبواب العيوب.
287

ما قويناه من التفصيل بين صورتي العلم والجهل والمغير وغيره (1).
قال قدس سره: وخامسها - يعني مسقطات الرد - التصرف في المبيع
الذي لا يجوز مثله إلا بملكه أو الإذن الحاصل له بعد العلم بالعيب،
فإنه يمنع من الرد لشئ من العيوب، ولا يسقط حق المطالبة بالأرش،
لأن التصرف دلالة الرضا بالبيع لا بالعيب، وكذا حكمه لو (2) كان قبل
العلم بالعيب وكان مغيرا للعين بزيادة فيه مثل الصبغ للثوب أو نقصان
فيه كالقطع (3). وإن لم يكن كذلك فله الرد بالعيب إذا علم ما لم يكن
أمة فيطأها (4) فإنه يمنع من ردها لشئ من العيوب إلا الحبل (5)، انتهى
كلامه. وقد أجاد قدس سره فيما استفاده من الأدلة.
وحكي من المبسوط أيضا: أن التصرف قبل العلم لا يسقط به
الخيار (6). لكن صرح بأن الصبغ وقطع الثوب يمنع من الرد (7). فإطلاق
التصرف قبل العلم محمول على غير المغير.
وظاهر المقنعة والمبسوط (8): أنه إذا وجد العيب بعد عتق العبد

(1) في " ش " زيادة: " حيث ".
(2) في " ش " والمصدر بدل " لو ": " إن ".
(3) في " ش " زيادة: " للثوب ".
(4) العبارة في " ش " هكذا: " إذا علمه ما لم يكن وطء الجارية ".
(5) الغنية: 222.
(6) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 626، ولم نعثر عليه في المبسوط.
(7) المبسوط 2: 139.
(8) صرح به في المقنعة: 597 - 598، ولم نعثر على جميع ما ذكر في المبسوط،
نعم ذكر فيه حكم العيب بعد العتق، راجع المبسوط 2: 132، ولكن ذكره
تماما وصريحا في النهاية: 393 - 394.
288

والأمة لم يكن له ردهما، وإذا وجده بعد تدبيرهما أو هبتهما كان مخيرا
بين الرد و (1) أرش العيب، وفرقا بينهما وبين العتق بجواز الرجوع فيهما
دون العتق.
ويرده - مع أن مثلهما تصرف يؤذن بالرضا - مرسلة جميل (2)، فإن
العين مع الهبة والتدبير غير قائمة، وجواز الرجوع وعدمه لا دخل له
في ذلك، ولذا اعترض عليهما الحلي بالنقض بما لو باعه بخيار مع أنه لم
يقل أحد من الأمة بجواز الرد حينئذ (3) بعد ما ذكر: أن الذي يقتضيه
أصول المذهب أن المشتري إذا تصرف في المبيع فإنه لا يجوز له رده،
ولا خلاف [في] (4) أن الهبة والتدبير تصرف (5).
وبالجملة، فتعميم الأكثر لأفراد التصرف مع التعميم لما بعد العلم
وما قبله مشكل. والعجب من المحقق الثاني أنه تنظر في سقوط الخيار
بالهبة الجائزة، مع تصريحه في مقام آخر بما عليه الأكثر (6).
الثالث: تلف العين أو صيرورته كالتالف، فإنه يسقط الخيار هنا،
بخلاف الخيارات المتقدمة الغير الساقطة بتلف العين.
والمستند فيه - بعد ظهور الإجماع - إناطة الرد في المرسلة السابقة (7)

(1) في " ش " زيادة: " أخذ ".
(2) المتقدمة في الصفحة 280.
(3) في " ش " زيادة: " وقال ".
(4) من " ش ".
(5) السرائر 2: 299.
(6) راجع جامع المقاصد 4: 342 و 291.
(7) وهي مرسلة جميل المتقدمة في الصفحة 280.
289

بقيام العين، فإن الظاهر منه اعتبار بقائها في ملكه، فلو تلف أو انتقل
إلى ملك الغير أو استؤجر أو رهن أو أبق العبد أو انعتق العبد على
المشتري، فلا رد.
ومما ذكرنا ظهر أن عد انعتاق العبد على المشتري مسقطا برأسه
- كما في الدروس (1) - لا يخلو عن شئ. نعم، ذكر أنه يمكن إرجاع هذا
الوجه إلى التصرف، وهو أيضا لا يخلو عن شئ، والأولى ما ذكرناه.
ثم إنه لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز رده، للأصل، خلافا
للشيخ (2)، بل المفيد (3) قدس سرهما.
" فرع ":
لا خلاف نصا (4) وفتوى في أن وطء الجارية يمنع عن ردها بالعيب،
سواء قلنا بأن مطلق التصرف مانع أم قلنا باختصاصه بالتصرف
الموجب لعدم كون الشئ قائما بعينه، غاية الأمر كون الوطء على هذا
القول مستثنى عن التصرف الغير المغير للعين - كما عرفت (5) من عبارة
الغنية - مع أن العلامة قدس سره علل المنع في موضع من التذكرة بأن الوطء
جناية، ولهذا يوجب غرامة جزء من القيمة كسائر جنايات المملوك (6).

(1) الدروس 3: 286.
(2) المبسوط 2: 131.
(3) لم نعثر عليه.
(4) راجع الوسائل 12: 414 - 415، الباب 4 من أبواب العيوب.
(5) راجع الصفحة 288.
(6) التذكرة 1: 526.
290

وقد تقدم (1) في كلام الإسكافي أيضا: أن الوطء مما لا يمكن معه
رد المبيع إلى ما كان عليه قبله، ويشير إليه ما سيجئ في غير واحد
من الروايات من قوله: " معاذ الله أن يجعل لها أجرا! " (2) فإن فيه
إشارة إلى أنه لو ردها لا بد أن يرد معها شيئا تداركا للجناية، إذ لو
كان الوطء مجرد استيفاء منفعة لم يتوقف ردها على رد عوض المنفعة،
فإطلاق الأجر عليه في الرواية على طبق ما يتراءى في نظر العرف
[من كون هذه الغرامة كأنها أجرة للوطء] (3).
وحاصل معناه: أنه إذا حكمت بالرد مع أرش جنايتها كان ذلك
في الأنظار بمنزلة الأجرة وهي ممنوعة شرعا، لأن إجارة الفروج غير
جائزة. وهذا إنما وقع من أمير المؤمنين عليه السلام مبنيا على تقرير رعيته
على ما فعله الثاني من تحريم العقد المنقطع، فلا يقال: إن المتعة
مشروعة، وقد ورد " أن المنقطعات مستأجرات " (4) فلا وجه للاستعاذة
بالله من جعل الأجرة للفروج. هذا ما يخطر عاجلا بالبال في معنى هذه
الفقرة، والله العالم.
وكيف كان، ففي النصوص المستفيضة الواردة في المسألة كفاية:
ففي صحيحة ابن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل
اشترى جارية فوقع عليها؟ قال: إن وجد فيها عيبا فليس له أن

(1) تقدم في الصفحة 286.
(2) يجئ في الصفحة الآتية، في صحيحة ابن مسلم ورواية ميسر.
(3) لم يرد في " ق ".
(4) راجع الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.
291

يردها، ولكن يرد عليه بقيمة ما نقصها العيب. قلت: هذا قول أمير
المؤمنين عليه السلام؟ قال: نعم " (1).
وصحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: " أنه سئل عن الرجل
يبتاع الجارية فيقع عليها، فيجد بها عيبا بعد ذلك؟ قال: لا يردها
على صاحبها، ولكن يقوم ما بين العيب والصحة، ويرد على المبتاع،
معاذ الله أن يجعل لها أجرا! " (2).
ورواية ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كان علي لا يرد
الجارية بعيب إذا وطئت، ولكن يرجع بقيمة العيب، وكان يقول: معاذ
الله! أن أجعل لها أجرا... الخبر " (3).
وفي رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قضى
أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطأها، ثم رأى فيها
عيبا، قال: تقوم وهي صحيحة، وتقوم وبها الداء، ثم يرد البائع على
المبتاع فضل ما بين القيمتين (4) " (5).
وما عن حماد في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام، يقول: " قال
علي بن الحسين عليه السلام: كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة
فوطأها، ثم ظهر على عيب: أن البيع لازم، وله أرش العيب " (6) إلى

(1) الوسائل 12: 414، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 3.
(2) الوسائل 12: 414، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 4.
(3) الوسائل 12: 415، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 8.
(4) في " ش " والمصدر: " ما بين الصحة والداء ".
(5) الوسائل 12: 414، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 2.
(6) الوسائل 12: 415، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 7.
292

غير ذلك مما سيجئ.
ثم إن المشهور استثنوا من عموم هذه الأخبار لجميع أفراد العيب
الحمل، فإنه عيب إجماعا، كما في المسالك (1). إلا أن الوطء لا يمنع من
الرد به، بل يردها ويرد معها العشر أو نصفه على المشهور بينهم.
واستندوا في ذلك إلى نصوص مستفيضة:
منها: صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: " عن رجل
اشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها، فوطأها؟ قال: يردها على الذي
ابتاعها منه، ويرد عليها (2) نصف عشر قيمتها لنكاحه إياها، وقد قال
علي عليه السلام: لا ترد التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها، ويوضع عنه
من ثمنها بقدر العيب إن كان فيها " (3).
ورواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا ترد
التي ليست بحبلى إذا وطأها صاحبها وله أرش العيب، وترد الحبلى ويرد
معها نصف عشر قيمتها " (4). وزاد في الكافي، قال: وفي رواية أخرى:
" إن كانت بكرا فعشر قيمتها، وإن كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها " (5).

(1) المسالك 3: 287 - 288، وفيه - بعد بيان المقدمة الخامسة من مقدمات تحرير
المسألة التي منها: أن الحمل في الأمة عيب -: " وهذه المقدمات كلها إجماعية ".
(2) كذا، وفي الوسائل: " معها "، وفي الكافي والتهذيب والاستبصار: عليه.
(3) الوسائل 12: 416، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، الحديث الأول،
والصفحة 414، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث الأول أيضا.
(4) الوسائل 12: 416، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 3.
(5) الكافي 5: 214، ذيل الحديث 3، وعنه في الوسائل 12: 416، الباب 5
من أبواب أحكام العيوب، الحديث 4.
293

ومرسلة ابن أبي عمير عن سعيد بن يسار، قال: " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم فنكحها
الذي اشترى؟ قال: يردها ويرد نصف عشر قيمتها " (1).
ورواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يشتري الجارية، فيقع عليها فيجدها حبلى؟ قال: ترد ويرد
معها شيئا " (2).
وصحيحة ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: " في الرجل يشتري
الجارية الحبلى فينكحها؟ قال: يردها ويكسوها " (3).
ورواية عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل
يشتري الجارية وهي حبلى فيطأها؟ قال: يردها ويرد عشر قيمتها " (4).
هذه جملة ما وقفت عليها من الروايات، وقد عمل بها المشهور،
بل ادعي على ظاهرها الإجماع في الغنية (5) كما عن الانتصار (6)، وعدم
الخلاف في السرائر (7).

(1) الوسائل 12: 417، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 9.
(2) الوسائل 12: 416، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 5.
(3) الوسائل 12: 417، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 6.
(4) الوسائل 12: 417، الباب 5 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 7.
(5) الغنية: 222.
(6) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 634، وراجع الانتصار: 439،
المسألة 251.
(7) السرائر 2: 298.
294

خلافا للمحكي عن الإسكافي فحكم بالرد مع كون الحمل من
المولى، لبطلان بيع أم الولد، حيث قال: فإن وجد في السلعة عيبا كان
عند البائع وقد أحدث المشتري في السلعة ما لا يمكن ردها إلى
ما كانت عليه قبله - كالوطء للأمة أو القطع للثوب أو تلف السلعة
بموت أو غيره - كان للمشتري فضل ما بين الصحة والعيب دون ردها،
فإن كان العيب ظهور حمل من البائع وقد وطأها المشتري من غير
علم بذلك، كان عليه ردها ونصف عشر قيمتها (1)، انتهى.
واختاره في المختلف (2): وهو ظاهر الشيخ في النهاية حيث قال:
فإن وجد بها عيبا بعد أن وطأها لم يكن له ردها وكان له أرش
العيب خاصة، [اللهم] (3) إلا أن يكون العيب من حبل فيلزمه ردها
على كل حال وطأها أو لم يطأها ويرد معها إذا وطأها نصف عشر
قيمتها (4)، انتهى.
ويمكن استفادة هذا من إطلاق المبسوط القول بمنع الوطء من
الرد (5)، فإن من البعيد عدم استثناء وطء الحامل وعدم تعرضه لحكمه
مع اشتهار المسألة في الروايات وألسنة القدماء.
وقال في الوسيلة: إذا وطأ الأمة ثم علم بها عيبا لم يكن له

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 178 - 179.
(2) المختلف 5: 179.
(3) من " ش " والمصدر.
(4) النهاية: 393.
(5) المبسوط 2: 127.
295

ردها، إلا إذا كان العيب حملا وكان حرا، فإنه وجب عليه ردها ويرد
معها نصف عشر قيمتها، وإن كان الحمل مملوكا لم يجب ذلك (1)، انتهى.
وظاهر الرياض (2) اختيار هذا القول (3).
أقول (4): ظاهر الأخبار المتقدمة في بادئ النظر وإن كان ما ذكره
المشهور، إلا أن العمل على هذا الظهور يستلزم مخالفة الظاهر من
وجوه (5):
أحدها: من حيث مخالفة ظهورها في وجوب رد الجارية أو تقييد
الحمل بكونه من غير المولى، حتى تكون الجملة الخبرية واردة في مقام
دفع توهم الحظر الناشئ من الأخبار المتقدمة المانعة من رد الجارية بعد
الوطء، إذ لو بقي الحمل على إطلاقه لم يستقم دعوى وقوع الجملة
الخبرية في مقام دفع توهم الحظر، إذ لا منشأ لتوهم حظر رد الحامل
حتى أم الولد، فلا بد إما من التقييد، أو من مخالفة ظاهر الجملة
الخبرية.
الثاني: مخالفة لزوم العقر على المشتري لقاعدة: " عدم العقر في
وطء الملك "، أو قاعدة: " كون الرد بالعيب فسخا من حينه "، لا من
أصله.

(1) الوسيلة: 256.
(2) في " ش " زيادة: " أيضا ".
(3) الرياض 8: 264 - 265.
(4) في " ش " بدل " أقول ": " والإنصاف أن ".
(5) في " ش " زيادة: " أخر ".
296

الثالث: مخالفته لما دل على كون التصرف عموما (1) والوطء
بالخصوص (2) مانعا من الرد.
الرابع: أن الظاهر من قول السائل في مرسلة ابن أبي عمير
المتقدمة: " رجل باع جارية حبلى وهو لا يعلم " (3) وقوع السؤال عن
بيع أم الولد، وإلا لم يكن لذكر جهل البائع في السؤال فائدة. ويشير
إليه ما في بعض الروايات المتقدمة من قوله: " يكسوها " (4)، فإن في
ذلك إشارة إلى تشبثها بالحرية للاستيلاد، فنسب الكسوة إليها تشبيها (5)
بالحرائر، ولم يصرح ب‍ " العقر " الذي هو جزء من القيمة.
الخامس: ظهور هذه الأخبار في كون الرد بعد تصرف المشتري
في الجارية بغير الوطء من نحو " اسقني ماء " أو " أغلق الباب "
وغيرهما مما قل أن تنفك عنه الجارية، وتقييدها بصورة عدم هذه
التصرفات تقييد بالفرض النادر، وإنما دعى إلى هذا التقييد في غير هذه
الأخبار - مما دل على رد الجارية بعد مدة طويلة (6) - الدليل الدال على
اللزوم بالتصرف (7). لكن لا داعي هنا لهذا التقييد، إذ يمكن تقييد الحمل
بكونه من المولى لتسلم الأخبار عن جميع ذلك، وغاية الأمر تعارض

(1) راجع الوسائل 12: 362، الباب 16 من أبواب أحكام الخيار.
(2) راجع الوسائل 12: 414 - 415، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب.
(3) المتقدمة في الصفحة 294.
(4) الوارد في صحيحة ابن مسلم المتقدمة في الصفحة 294.
(5) في " ش ": " تشبها ".
(6) راجع الوسائل 12: 411، الباب 2 من أبواب العيوب.
(7) راجع الوسائل 12: 362، الباب 16 من أبواب أحكام الخيار.
297

هذه الأخبار مع ما دل على منع الوطء عن الرد (1) بالعموم من وجه،
فيبقى ما عدا الوجه الثالث مرجحا لتقييد هذه الأخبار.
ولو فرض التكافؤ بين جميع ما تقدم وبين إطلاق الحمل في هذه
الأخبار أو ظهور اختصاصه بما لم يكن من المولى، وجب الرجوع إلى
عموم ما دل على أن إحداث الحدث مسقط، لكونه رضا بالبيع (2)،
ويمكن الرجوع إلى ما دل على جواز الرد مع قيام العين (3).
نعم، لو خدش في عموم ما دل على المنع عن (4) الرد بمطلق
التصرف وجب الرجوع إلى أصالة جواز الرد الثابت قبل الوطء لكن
يبقى لزوم العقر مما لا دليل عليه إلا الإجماع المركب وعدم الفصل بين
الرد والعقر، فافهم.
ثم إن المحكي عن المشهور إطلاق الحكم بوجوب رد نصف
العشر (5)، بل عن الانتصار والغنية: الإجماع عليه (6). إلا أن يدعى
انصراف إطلاق الفتاوى ومعقد الإجماع - كالنصوص - إلى الغالب: من
كون الحامل ثيبا، فلا يشمل فرض حمل البكر بالسحق أو بوطء الدبر،
ولذا ادعى عدم الخلاف في السرائر على اختصاص نصف العشر بالثيب

(1) راجع الوسائل 12: 413، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب.
(2) راجع الوسائل 12: 350 - 351، الباب 4 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(3) راجع الوسائل 12: 363، الباب 16 من أبواب الخيار، الحديث 3.
(4) في " ش ": " من ".
(5) حكاه المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 337.
(6) تقدم عنهما في الصفحة 294.
298

وثبوت العشر في البكر (1).
بل معقد إجماع الغنية بعد التأمل موافق للسرائر أيضا، حيث ذكر
في الحامل: أنه يرد معها نصف عشر قيمتها على ما مضى بدليل إجماع
الطائفة (2). ومراده بما مضى - كما يظهر لمن راجع كلامه - ما ذكره سابقا
مدعيا عليه الإجماع: من أنه إذا وطأ المشتري في مدة خيار البائع
ففسخ يرد معها العشر إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا (3).
وأما الانتصار فلا يحضرني حتى أراجعه، وقد عرفت إمكان تنزيل
الجميع على الغالب.
وحينئذ فتكون مرسلة الكافي - المتقدمة (4) - بعد انجبارها بما عرفت
من السرائر والغنية دليلا على التفصيل في المسألة، كما اختاره جماعة
من المتأخرين (5)، مضافا إلى ورود العشر في بعض الروايات المتقدمة
المحمولة على البكر، إلا أنه بعيد، ولذا نسبه الشيخ قدس سره إلى سهو
الراوي في إسقاط لفظ " النصف " (6)، وفي الدروس: أن الصدوق ذكرها
بلفظ " النصف " (7).

(1) السرائر 2: 298.
(2) الغنية: 222.
(3) الغنية: 221.
(4) المتقدمة في الصفحة 293.
(5) منهم: المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 337، والشهيد الثاني في المسالك
3: 288.
(6) راجع التهذيب 7: 63، ذيل الحديث 272.
(7) الدروس 3: 280، وراجع الفقيه 3: 131، الحديث 3820.
299

وأما ما تقدم مما دل على أنه يرد معها شيئا (1)، فهو بإطلاقه
خلاف الإجماع، فلا بد من جعله واردا في مقام ثبوت أصل العقر
لا مقداره.
وأما ما دل على أنه يكسوها (2)، فقد حمل على كسوة تساوي
العشر أو نصفه، ولا بأس به في مقام الجمع.
ثم إن مقتضى الإطلاق جواز الرد ولو مع الوطء في الدبر، ويمكن
دعوى انصرافه إلى غيره، فيقتصر في مخالفة العمومات على منصرف اللفظ.
وفي لحوق التقبيل واللمس بالوطء وجهان: من الخروج عن مورد
النص، ومن الأولوية.
ولو انضم إلى الحمل عيب آخر، فقد استشكل في سقوط الرد
بالوطء: من صدق كونها معيبة بالحمل، وكونها معيبة بغيره.
وفيه: أن كونها معيبة بغير الحمل لا يقتضي إلا عدم تأثير ذلك
العيب في الرد مع التصرف، لا نفي تأثير عيب الحمل.
ثم إن صريح بعض (3) النصوص والفتاوى (4) وظاهر باقيها اختصاص
الحكم بالوطء مع الجهل بالعيب، فلو وطأ عالما به سقط الرد. لكن
إطلاق كثير من الروايات يشمل العالم.

(1) وهي رواية عبد الرحمن المتقدمة في الصفحة 294.
(2) تدل عليه صحيحة ابن مسلم المتقدمة في الصفحة 294.
(3) وهو صريح صحيحة ابن سنان المتقدمة في الصفحة 293.
(4) وهو صريح الانتصار: 439، المسألة 251، والغنية: 222، والدروس 3:
279، وراجع مفتاح الكرامة 4: 634.
300

الرابع (1) من المسقطات: حدوث عيب عند المشتري.
وتفصيل ذلك: أنه إذا حدث العيب بعد العقد على المعيب، فإما
أن يحدث قبل القبض، وإما أن يحدث بعده في زمان خيار يضمن فيه
البائع المبيع - أعني خيار المجلس والحيوان والشرط - وإما أن يحدث بعد
مضي الخيار. والمراد بالعيب الحادث هنا هو الأخير.
وأما الأول: فلا خلاف ظاهرا في أنه لا يمنع الرد، بل في أنه (2)
هو كالموجود قبل العقد حتى في ثبوت الأرش فيه، على الخلاف
الآتي (3) في أحكام القبض.
وأما الحادث في زمن الخيار: فكذلك لا خلاف في أنه غير مانع
عن الرد، بل هو سبب مستقل موجب للرد، بل الأرش - على الخلاف
الآتي (4) فيما قبل القبض - بناء على اتحاد المسألتين، كما يظهر من بعض.

(1) من هنا إلى قوله: " واستدل العلامة في التذكرة على أصل الحكم " في
الصفحة 304، مفقود من نسخة " ق ".
(2) قال الشهيدي قدس سره: " الظاهر أن قوله: " في أنه " في الموضع الثاني غلط في
العبارة، إذ قضيته عدم الخلاف في ثبوت الأرش فيه، وهو مناف لقوله: " على
الخلاف " الآتي في أحكام القبض "، هداية الطالب: 513.
(3) في غير " ش ": " المتقدم "، إلا أنه صحح في " ن " بما أثبتناه. والمظنون: أن
ما في الأصل مطابق لما في أكثر النسخ. ولعل المؤلف قدس سره كتب " أحكام
القبض " قبل " القول في الخيارات "، ثم نضدت الأوراق كذلك.
(4) في غير " ش ": " السابق "، والكلام فيه وفيما يأتي أيضا نفس الكلام المتقدم
في الهامش السابق.
301

ويدل على ذلك ما يأتي (1): من أن الحدث في زمان الخيار مضمون على
البائع ومن ماله، ومعناه: ضمانه على الوجه الذي يضمنه قبل القبض بل
قبل العقد، إلا أن المحكي عن المحقق في درسه - فيما لو حدث في المبيع
عيب -: أن تأثير العيب الحادث في زمن الخيار وكذا عدم تأثيره في
الرد بالعيب القديم إنما هو ما دام الخيار، فإذا انقضى الخيار كان حكمه
حكم العيب المضمون على المشتري (2).
قال في الدروس: لو حدث في المبيع عيب غير مضمون على
المشتري لم يمنع من الرد إن كان قبل القبض أو في مدة خيار المشتري
المشترط أو بالأصل، فله الرد ما دام الخيار، فإن خرج الخيار ففي الرد
خلاف بين ابن نما وتلميذه المحقق قدس سرهما، فجوزه ابن نما لأنه من ضمان
البائع، ومنعه المحقق قدس سره، لأن الرد لمكان الخيار، وقد زال. ولو كان
حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار فالباب واحد (3)، انتهى.
لكن الذي حكاه في اللمعة عن المحقق هو الفرع الثاني، وهو

(1) في غير " ش ": " ما تقدم ".
(2) المراد من الحكاية ما سينقله عن الدروس، وليس فيه النقل عن المحقق في
درسه، بل فيه الخلاف بين ابن نما وتلميذه المحقق في المسألة، ويبدو أن منشأ
هذه النسبة ما نقله صاحب الحدائق (19: 110) حيث قال: " المنقول عن
المحقق في الدرس على ما نقله في الدروس... "، نعم قال الشهيد في غاية المراد
(2: 63) - بعد أن نقل قول المحقق -: " ونقل عن شيخه ابن نما في الدرس،
الثاني... ".
(3) الدروس 3: 289.
302

حدوث العيب في مبيع صحيح (1). ولعل الفرع الأول مترتب عليه، لأن
العيب الحادث إذا لم يكن مضمونا على البائع حتى يكون سببا للخيار
- غاية الأمر كونه غير مانع عن الرد كخيار (2) الثلاثة - كان مانعا عن
الرد بالعيب السابق، إذ لا يجوز الرد بالعيب مع حدوث عيب مضمون
على المشتري، فيكون الرد في زمان الخيار بالخيار، لا بالعيب السابق.
فمنشأ هذا القول عدم ضمان البائع للعيب الحادث، ولذا ذكر في
اللمعة: أن هذا من المحقق مناف لما ذكره في الشرائع: من أن العيب
الحادث في الحيوان مضمون على البائع، مع حكمه بعدم الأرش (3).
ثم إنه ربما يجعل (4) قول المحقق عكسا لقول شيخه، ويضعف كلاهما
بأن الظاهر تعدد الخيار، وفيه: أن قول ابن نما رحمه الله لا يأبى عن
التعدد، كما لا يخفى.
وأما الثالث - أعني العيب الحادث في يد المشتري بعد القبض
والخيار - فالمشهور أنه مانع عن الرد بالعيب السابق، بل عن شرح
الإرشاد لفخر الإسلام (5) وفي ظاهر الغنية (6) الإجماع عليه.

(1) اللمعة الدمشقية: 118 - 119.
(2) في " ش ": " بالخيارات "، وفي مصححة " ن ": " بخيار عيب ".
(3) اللمعة: 119، وراجع الشرائع 2: 57، وفيه: " ولو حدث فيه من غير جهة
المشتري لم يكن ذلك العيب مانعا من الرد بأصل الخيار، وهل يلزم البائع
أرشه؟ فيه تردد، والظاهر لا ".
(4) جعله صاحب الجواهر في الجواهر 23: 242.
(5) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 626.
(6) الغنية: 222.
303

والمراد بالعيب هنا مجرد النقص، لا خصوص ما يوجب الأرش،
فيعم عيب الشركة وتبعض الصفقة إذا اشترى اثنان شيئا فأراد أحدهما
رده بالعيب، أو اشترى واحد صفقة وظهر العيب في بعضه فأراد رد
المعيب خاصة، ونحوه نسيان العبد الكتابة كما صرح به في القواعد (1)
وغيره (2)، ونسيان الدابة للطحن كما صرح به في جامع المقاصد (3).
ويمكن الاستدلال على الحكم في المسألة بمرسلة جميل المتقدمة (4)،
فإن " قيام العين " وإن لم يناف بظاهره مجرد (5) نقص الأوصاف، كما
اعترف به بعضهم (6) في مسألة تقديم قول البائع في قدر الثمن مع قيام
العين، إلا أن الظاهر منه - بقرينة التمثيل لمقابله بمثل قطع الثوب
وخياطته وصبغه - ما يقابل تغير الأوصاف والنقص الحاصل ولو لم
يوجب أرشا، كصبغ الثوب وخياطته.
نعم، قد يتوهم شموله لما يقابل الزيادة، كالسمن وتعلم الصنعة.
لكنه يندفع: بأن الظاهر من قيام العين بقاؤه بمعنى أن لا ينقص ماليته،
لا بمعنى أن لا يزيد ولا ينقص، كما لا يخفى على المتأمل.
واستدل العلامة في التذكرة على أصل الحكم - قبل المرسلة (7) -:

(1) القواعد 2: 75.
(2) مثل جامع المقاصد 4: 341، ومفتاح الكرامة 4: 640.
(3) جامع المقاصد 4: 342.
(4) تقدمت في الصفحة 280.
(5) في " ف ": " لمجرد ".
(6) اعترف به الشهيد الثاني في المسالك 3: 262.
(7) يعني مرسلة جميل المشار إليها آنفا.
304

بأن العيب الحادث يقتضي إتلاف جزء من المبيع، فيكون مضمونا على
المشتري، فيسقط رده، للنقص الحاصل في يده، فإنه ليس تحمل البائع
له بالعيب السابق أولى من تحمل المشتري به للعيب الحادث (1).
والمرسلة (2) لا تشمل جميع أفراد النقص، مثل نسيان الدابة للطحن
وشبهه.
والوجه المذكور بعدها (3) قاصر عن إفادة المدعى، لأن المرجع بعد
عدم الأولوية من أحد الطرفين إلى أصالة ثبوت الخيار وعدم ما يدل
على سقوطه، غاية الأمر أنه لو كان الحادث عيبا كان عليه الأرش
للبائع إذا رده، كما لو تقايلا أو فسخ أحدهما بخياره بعد تعيب العين.
أما مثل نسيان الصنعة وشبهه فلا يوجب أرشا بل يرده، لأن النقص
حدث في ملكه وإنما يضمن وصف الصحة لكونه كالجزء التالف،
فيرجع (4) بعد الفسخ ببدله.
نعم، لو علل الرد بالعيب القديم بكون الصبر على المعيب ضررا،
أمكن أن يقال: إن تدارك ضرر المشتري بجواز الرد مع تضرر البائع
بالصبر على العيب الحادث مما لا يقتضيه قاعدة نفي الضرر. لكن
العمدة في دليل الرد هو النص والإجماع، فاستصحاب الخيار عند الشك
في المسقط لا بأس به.

(1) التذكرة 1: 530.
(2) في " ش ": " هذا "، ولكن المرسلة.
(3) في " ش " بدل " بعدها ": " في التذكرة ".
(4) في " ش " زيادة: " البائع ".
305

إلا أن الإنصاف أن المستفاد من التمثيل في الرواية بالصبغ
والخياطة هو إناطة الحكم بمطلق النقص.
توضيح ذلك: أن المراد ب‍ " قيام العين " هو ما يقابل الأعم من
تلفها وتغيرها، على ما عرفت من دلالة ذكر الأمثلة على ذلك. لكن
المراد من التغير هو الموجب للنقص لا الزيادة، لأن مثل السمن لا يمنع
الرد قطعا، والمراد بالنقص هو الأعم من العيب الموجب للأرش، فإن
النقص الحاصل بالصبغ والخياطة إنما هو لتعلق حق المشتري بالثوب من
جهة الصبغ والخياطة، وهذا ليس عيبا اصطلاحيا.
ودعوى: اختصاصه بالتغير الخارجي الذي هو مورد الأمثلة
فلا يعم مثل نسيان الدابة للطحن.
يدفعه: أن المقصود مجرد النقص، مع أنه إذا ثبت الحكم في
النقص الحادث وإن لم يكن عيبا اصطلاحيا، ثبت في المغير وغيره،
للقطع بعدم الفرق، فإن المحتمل هو ثبوت الفرق في النقص الحادث بين
كونه عيبا اصطلاحيا لا يجوز رد العين إلا مع أرشه، وكونه مجرد نقص
لا يوجب أرشا كنسيان الكتابة والطحن. أما الفرق في (1) أفراد النقص
الغير الموجب للأرش بين مغير العين حسا وغيره فلا مجال لاحتماله.
ثم إن ظاهر المفيد في المقنعة المخالفة في أصل المسألة، وأن حدوث
العيب لا يمنع عن الرد (2). لكنه شاذ على الظاهر.
ثم مقتضى الأصل عدم الفرق في سقوط الخيار بين بقاء العيب

(1) في " ق " بدل " في ": " بين "، والظاهر أنه من سهو القلم.
(2) راجع المقنعة: 597.
306

الحادث وزواله، فلا يثبت بعد زواله، لعدم الدليل على الثبوت بعد
السقوط.
قال في التذكرة: عندنا أن العيب المتجدد مانع عن الرد بالعيب
السابق، سواء زال أم لا (1).
لكن في التحرير: لو زال العيب الحادث عند المشتري ولم يكن
بسببه كان له الرد ولا أرش عليه (2)، انتهى.
ولعل وجهه: أن الممنوع هو رده معيوبا لأجل تضرر البائع
وضمان المشتري لما يحدث، وقد انتفى الأمران.
ولو رضي البائع برده مجبورا بالأرش أو غير مجبور جاز الرد،
كما في الدروس (3) وغيره (4)، لأن عدم الجواز لحق البائع، وإلا فمقتضى
قاعدة خيار الفسخ عدم سقوطه بحدوث العيب، غاية الأمر ثبوت قيمة
العيب، وإنما منع من الرد هنا للنص (5) والإجماع، أو للضرر.
ومما ذكرنا يعلم: أن المراد بالأرش الذي يغرمه المشتري عند
الرد قيمة العيب، لا الأرش الذي يغرمه البائع للمشتري عند عدم
الرد، لأن العيب القديم مضمون بضمان المعاوضة والحادث مضمون بضمان
اليد.

(1) التذكرة 1: 530.
(2) التحرير 1: 183.
(3) الدروس 3: 284.
(4) الروضة البهية 3: 496، وراجع مفتاح الكرامة 4: 627.
(5) وهو مرسلة جميل المتقدمة في الصفحة 280.
307

ثم إن صريح المبسوط: أنه لو رضي البائع بأخذه معيوبا لم يجز
مطالبته بالأرش (1). وهذا أحد المواضع التي أشرنا (2) في أول المسألة إلى
تصريح الشيخ فيها بأن الأرش مشروط باليأس من الرد، وينافيه
إطلاق الأخبار في أخذ (3) الأرش (4).
تنبيه:
ظاهر التذكرة (5) والدروس (6): أن من العيب المانع من الرد بالعيب
القديم تبعض الصفقة على البائع.
وتوضيح الكلام في فروع هذه المسألة: أن التعدد المتصور فيه
التبعض إما في العوض (7) - ثمنا كان أو مثمنا - وإما في البائع، وإما في
المشتري.
فالأول: كما إذا اشترى شيئا واحدا أو شيئين بثمن واحد من
مشتر (8) واحد فظهر بعضه معيبا، وكذا [لو] (9) باع شيئا بثمن، فظهر
بعض الثمن معيبا.

(1) المبسوط 2: 132.
(2) أشار إليه في الصفحة 276.
(3) في " ش ": " بأخذ ".
(4) راجع الوسائل 12: 414 - 415، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب.
(5) راجع التذكرة 1: 536.
(6) الدروس 3: 284.
(7) في " ش ": " في أحد العوضين ".
(8) كذا في " ق "، والظاهر: " من بائع "، كما في " ش ".
(9) لم يرد في " ق ".
308

والثاني: كما إذا باع اثنان من واحد شيئا واحدا فظهر معيبا،
وأراد المشتري أن يرد على أحدهما نصيبه دون الآخر.
والثالث: كما إذا اشترى اثنان من واحد شيئا فظهر معيبا،
فاختار أحدهما الرد دون الآخر، وألحق بذلك الوارثان لمشتر واحد
للمعيب.
وأما التعدد في الثمن: بأن يشتري شيئا واحدا بعضه بثمن وبعضه
الآخر بثمن آخر، فلا إشكال في كون هذا عقدين، ولا إشكال في
جواز التفريق بينهما.
أما الأول: فالمعروف أنه لا يجوز التبعيض فيه من حيث الرد،
بل الظاهر المصرح به في كلمات بعض الإجماع عليه (1)، لأن المردود إن
كان جزءا مشاعا من المبيع الواحد فهو ناقص من حيث حدوث
الشركة، وإن كان معينا فهو ناقص من حيث حدوث التفريق فيه، وكل
منهما نقص يوجب الخيار لو حدث في المبيع الصحيح، فهو أولى بالمنع
عن الرد من نسيان الدابة الطحن.
وهذا الضرر وإن أمكن جبره بخيار البائع - نظير ما إذا كان
بعض الصفقة حيوانا فرده المشتري بخيار الثلاثة - إلا أنه يوجب الضرر
على المشتري، إذ قد يتعلق غرضه بإمساك الجزء الصحيح. ويدل عليه
النص المانع عن الرد بخياطة الثوب والصبغ (2)، فإن المانع فيهما ليس

(1) صرح به الشيخ في الخلاف 3: 110، المسألة 180 من كتاب البيوع، والسيد
ابن زهرة الحلبي في الغنية: 223، وراجع مفتاح الكرامة 4: 629 - 630.
(2) تدل عليه مرسلة جميل المتقدمة في الصفحة 280.
309

إلا حصول الشركة [في الثوب] (1) بنسبة الصبغ والخياطة لا مجرد تغير
الهيئة، ولذا لو تغير بما يوجب الزيادة - كالسمن - لم يمنع عن الرد قطعا.
وقد يستدل (2) - بعد رد الاستدلال بتبعض الصفقة بما ذكرناه مع
دفعه (3) - بظهور الأدلة في تعلق حق الخيار بمجموع المبيع لا كل جزء
منه، لا أقل من الشك، لعدم إطلاق موثوق به، والأصل اللزوم.
وفيه - مضافا إلى أن اللازم من ذلك عدم جواز رد المعيب
منفردا وإن رضي البائع، لأن المنع حينئذ لعدم المقتضي للخيار في الجزء
لا لوجود المانع عنه وهو لزوم الضرر على البائع حتى ينتفي برضا
البائع -: أنه لا يشك أحد في أن دليل هذا الخيار كغيره من أدلة جميع
الخيارات صريح (4) في ثبوت حق الخيار لمجموع المبيع لا كل جزء، ولذا
لم يجوز أحد تبعيض ذي خيار بين (5) أجزاء ما له فيه الخيار، ولم
يحتمل هنا أحد رد الصحيح دون المعيب، وإنما وقع الإشكال في أن
محل الخيار هو هذا الشئ المعيوب - غاية الأمر أنه يجوز رد الجزء
الصحيح معه إما لئلا يتبعض الصفقة عليه، وإما لقيام الإجماع على
جواز رده، وإما لصدق المعيوب على المجموع كما تقدم - أو أن محل
الخيار هو مجموع ما وقع عليه العقد لكونه معيوبا ولو من حيث بعضه؟

(1) لم يرد في " ق ".
(2) استدل به صاحب الجواهر في الجواهر 23: 248.
(3) في " ش ": " مع جوابه ".
(4) في " ق ": " صريحة ".
(5) في " ش " بدل " ذي خيار بين ": " ذي الخيار أجزاء ".
310

وبعبارة أخرى: الخيار المسبب عن وجود الشئ المعيوب في
الصفقة نظير الخيار المسبب عن وجود الحيوان في الصفقة في اختصاصه
بالجزء المعنون بما هو سبب الخيار (1) أم لا؟ بل غاية الأمر ظهور
النصوص الواردة في الرد (2) في رد المبيع (3) الظاهر في تمام ما وقع عليه
العقد، لكن موردها المبيع الواحد العرفي المتصف بالعيب، نظير أخبار
خيار الحيوان، وهذا المقدار لا يدل على حكم ما لو انضم المعيب إلى
غيره، بل قد يدل - كأخبار خيار الحيوان - على اختصاص الخيار
بخصوص ما هو متصف بالعيب عرفا باعتبار نفسه أو جزئه الحقيقي
كبعض الثوب، لا جزئه الاعتباري كأحد الشيئين الذي هو محل الكلام.
ومنه يظهر عدم جواز التشبث في المقام بقوله في مرسلة جميل:
" إذا كان الشئ قائما بعينه " (4) لأن المراد ب‍ " الشئ " هو المعيب،
ولا شك في قيامه هنا بعينه.
وبالجملة، فالعمدة في المسألة - مضافا إلى ظهور الإجماع -
ما تقدم (5): من أن مرجع جواز الرد منفردا إلى إثبات سلطنة للمشتري

(1) في " ش ": " للخيار ".
(2) راجع النصوص الواردة في الرد، الوسائل 12: 411 - 419، الباب 2 و 3
و 7، وغيرها من أبواب أحكام العيوب.
(3) كذا في ظاهر " ق "، وفي " ش ": البيع.
(4) تقدمت المرسلة في الصفحة 280.
(5) قال الشهيدي قدس سره: " لم يتقدم لهذا ذكر في السابق، ولعل في النسخة تقديما
وتأخيرا وكان العبارة في الأصل هكذا: فالعمدة في المسألة مضافا إلى ما تقدم
من ظهور الإجماع أن مرجع... الخ "، هداية الطالب: 520.
311

على الجزء الصحيح من حيث إمساكه ثم سلب سلطنته عنه بخيار البائع،
ومنع سلطنته على الرد أولا أولى، ولا أقل من التساوي، فيرجع إلى
أصالة اللزوم. والفرق بينه وبين خيار الحيوان الإجماع، كما أن للشفيع
أن يأخذ بالشفعة في بعض الصفقة. وبالجملة، فالأصل كاف في المسألة.
ثم إن مقتضى ما ذكروه: من إلحاق تبعض الصفقة بالعيب الحادث:
أنه لو رضي البائع بتبعض الصفقة جاز الرد، كما في التذكرة معللا بأن الحق
لا يعدوهما (1). وهذا مما يدل على أن محل الخيار هو الجزء المعيب، إلا أنه
منع من رده نقصه بالانفراد عن باقي المبيع، إذ لو كان محله المجموع لم
يجز رد المعيب وحده إلا بالتفاسخ المجوز لرد (2) الصحيح منفردا أيضا.
وأما الثاني: وهو تعدد المشتري (3) بأن اشتريا شيئا واحدا فظهر
فيه عيب،
فإن الأقوى فيه عدم جواز انفراد أحدهما على المشهور كما
عن جماعة (4). واستدل عليه في التذكرة (5) وغيرها (6) بأن التشقيص عيب

(1) التذكرة 1: 536.
(2) في " ش " بدل " المجوز لرد ": " ومعه يجوز رد ".
(3) كذا في " ق "، ولا يخفى أن الصورة الثانية بحسب التقسيم المتقدم في أول البحث إنما
كانت صورة تعدد البائع، لكن المؤلف قدس سره عكس الترتيب، وأما مصحح " ش "
فقد عكس العدد فكتب هنا: " وأما الثالث "، وفي الصورة الآتية: " وأما الثاني ".
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 630) عن المختلف وإيضاح
النافع والمسالك والمفاتيح. راجع المختلف 5: 186، والمسالك 3: 286،
والمفاتيح 3: 71، وإيضاح النافع (مخطوط) لا يوجد لدينا.
(5) راجع التذكرة 1: 536.
(6) المسالك 3: 286.
312

مانع من الرد. خلافا للمحكي عن الشيخ في باب الشركة (1) والإسكافي (2)
والقاضي (3) والحلي (4) وصاحب البشرى (5)، فجوزوا الافتراق.
وفي التذكرة: ليس عندي فيه بعد، إذ البائع أخرج العبد إليهما
مشقصا، فالشركة حصلت بإيجابه (6). وقواه في الإيضاح (7) لما تقدم من
التذكرة.
وظاهر هذا الوجه اختصاص جواز التفريق بصورة علم البائع
بتعدد المشتري. واستجوده في التحرير (8) وقواه جامع المقاصد (9)
وصاحب المسالك (10).
وقال في المبسوط: إذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة، ثم

(1) راجع الخلاف 3: 333، المسألة 10 من كتاب الشركة، والمبسوط 2: 351.
(2) حكاه عنه العلامة في المختلف 5: 187، والشهيد في الدروس 3: 285.
(3) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه، نعم حكاه عنه العلامة في المختلف 5:
187، والشهيد في الدروس 3: 285.
(4) السرائر 2: 345.
(5) وهو جمال الدين أحمد بن موسى بن جعفر، أخو السيد ابن طاووس، وأما
كتابه البشرى فلا يوجد لدينا، نعم حكاه عنه الفاضل الآبي في كشف الرموز
1: 477.
(6) التذكرة 1: 536.
(7) الإيضاح 1: 494.
(8) التحرير 1: 274.
(9) جامع المقاصد 4: 334، وفيه: " لا يبعد الفرق بين... ".
(10) المسالك 3: 286.
313

أصابا به عيبا كان لهما أن يرداه وكان لهما أن يمسكاه، فإن أراد
أحدهما الرد والآخر الإمساك كان لهما ذلك.
ثم قال: ولو اشترى أحد الشريكين للشركة ثم أصابا به عيبا
كان لهما أن يردا وأن يمسكا، فإن أراد أحدهما الرد والآخر الإمساك
نظر: فإن أطلق العقد ولم يخبر البائع أنه قد اشترى للشركة لم يكن له
الرد، لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه، فإذا ادعى أنه اشتراه له ولشريكه،
فقد ادعى خلاف الظاهر، فلم يقبل قوله وكان القول قول البائع مع
يمينه.
إلى أن قال: وإن أخبر البائع بذلك، قيل: فيه وجهان: أحدهما
- وهو الصحيح - أن له الرد، لأن الملك بالعقد وقع لاثنين، فقد علم
البائع أنه يبيعه من اثنين وكان لأحدهما أن ينفرد بالرد دون الآخر،
وقيل: فيه وجه آخر، وهو أنه ليس له الرد، لأن القبول في العقد كان
واحدا (1)، انتهى.
وظاهر هذه العبارة اختصاص النزاع بما إذا كان القبول في العقد
واحدا عن اثنين، أما إذا تحقق القبول من الشريكين، فلا كلام في
جواز الافتراق. ثم الظاهر منه مع اتحاد القبول التفصيل بين علم البائع
وجهله.
لكن التأمل في تمام كلامه قد يعطي التفصيل بين كون القبول في
الواقع لاثنين أو لواحد، فإنه قدس سره علل عدم جواز الرد في صورة عدم
إخبار المشتري بالاشتراك: بأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه، لا بعدم علم

(1) المبسوط 2: 351.
314

البائع بالتعدد. وكذا حكمه قدس سره بتقدم قول البائع بيمينه - المستلزم
لقبول البينة من المشتري على أن الشراء بالاشتراك - دليل على أنه
يجوز التفريق بمجرد ثبوت التعدد في الواقع بالبينة وإن لم يعلم به
البائع، إلا أن يحمل " اليمين " على يمين البائع على نفي العلم، ويراد من
" البينة " البينة على إعلام المشتري للبائع بالتعدد. وكيف كان، فمبنى
المسألة - على ما يظهر من كلام الشيخ - على تعدد العقد بتعدد المشتري
ووحدته.
والأقوى في المسألة: عدم جواز الافتراق مطلقا، لأن الثابت من
الدليل هنا خيار واحد متقوم باثنين، فليس لكل منهما الاستقلال،
ولا دليل على تعدد الخيار هنا إلا إطلاق الفتاوى والنصوص: من أن
" من اشترى معيبا فهو بالخيار " (1) الشامل لمن اشترى جزءا من المعيب.
لكن الظاهر بعد التأمل انصرافه إلى غير المقام، ولو سلمنا الظهور لكن
لا ريب في أن رد هذا المبيع منفردا عن المبيع الآخر نقص حدث فيه،
بل ليس قائما بعينه ولو بفعل الممسك لحصته، وهو مانع من الرد. ومن
ذلك يعلم قوة المنع وإن قلنا بتعدد العقد.
وما ذكروه - تبعا للتذكرة (2) -: من أن التشقيص حصل بإيجاب
البائع (3)، فيه: أنه أخرجه غير مبعض وإنما تبعض بالإخراج، والمقصود

(1) لم ترد العبارة بعينها في النصوص، بل هي مستفادة من الروايات، راجع
الوسائل 12: 362، الباب 16 من أبواب الخيار، وغيره من أبواب أحكام
العيوب.
(2) التذكرة 1: 536.
(3) الإيضاح 1: 494، ومجمع الفائدة 8: 436، والمسالك 3: 286.
315

حصوله في يد البائع كما كان قبل الخروج، وخلاف ذلك ضرر عليه،
وعلم البائع بذلك ليس فيه إقدام على الضرر إلا على تقدير كون حكم
المسألة جواز التبعيض، وهو محل الكلام.
والحاصل: أن الفرق بين هذه المسألة والمسألة الأولى غير وجيه.
وأما الثالث (1): وهو تعدد البائع، فالظاهر عدم الخلاف في جواز
التفريق، إذ لا ضرر على البائع بالتفريق.
ولو اشترى اثنان من اثنين عبدا واحدا فقد اشترى كل من كل
ربعا، فإن أراد أحدهما رد ربع إلى أحد البائعين دخل في المسألة
الثانية (2) ولذا لا يجوز، لأن المعيار تبعض الصفقة على بائع الواحد.

(1) في " ش ": " الثاني "، وقد تقدم الكلام في وجه ذلك في الهامش (3) من
الصفحة 312.
(2) في " ش ": " الثالثة ".
316

مسألة
يسقط الأرش دون الرد في موضعين:
أحدهما: إذا اشترى ربويا بجنسه فظهر عيب في أحدهما، فلا أرش
حذرا من الربا.
ويحتمل جواز أخذ الأرش، نفى (1) عنه البأس في التذكرة بعد أن
حكاه وجها ثالثا لبعض الشافعية، موجها له بأن المماثلة في مال الربا
إنما يشترط في ابتداء العقد وقد حصلت، والأرش حق ثبت بعد ذلك
لا يقدح في العقد السابق (2)، انتهى.
ثم ذكر أن الأقرب أنه يجوز أخذ الأرش من جنس العوضين،
لأن الجنس لو امتنع أخذه لامتنع أخذ غير الجنس، لأنه يكون بيع
مال الربا بجنسه مع شئ آخر (3)، انتهى.
وعن جامع الشرائع حكاية هذا الوجه عن بعض أصحابنا (4)

(1) في " ش ": " ونفى ".
(2) التذكرة 1: 531.
(3) التذكرة 1: 531.
(4) الجامع للشرائع: 268.
317

المتقدم على العلامة، وحاصل وجهه: أن صفة الصحة لم تقابل بشئ
من الثمن حتى يكون المقابل للمعيب الفاقد للصحة أنقص منه قدرا، بل
لم تقابل بشئ أصلا ولو من غير الثمن وإلا لثبت في ذمة البائع وإن لم
يختر المشتري الأرش، بل الصحة وصف التزمه البائع في المبيع من دون
مقابلته بشئ من المال كسائر الصفات المشترطة في المبيع، إلا أن
الشارع جوز للمشتري مع تبين فقده أخذ ما يخصه بنسبة المعاوضة من
الثمن أو غيره. وهذه غرامة شرعية حكم بها الشارع عند اختيار
المشتري لتغريم البائع.
هذا، ولكن يمكن أن يدعى: أن المستفاد من أدلة تحريم الربا
وحرمة المعاوضة إلا مثلا بمثل - بعد ملاحظة أن الصحيح والمعيب جنس
واحد - أن وصف الصحة في أحد الجنسين كالمعدوم لا يترتب على فقده
استحقاق عوض، ومن المعلوم: أن الأرش عوض وصف الصحة عرفا
وشرعا، فالعقد على المتجانسين لا يجوز أن يصير سببا لاستحقاق
أحدهما على الآخر زائدا على ما يساوي الجنس الآخر. وبالجملة،
فبناء معاوضة المتجانسين على عدم وقوع مال في مقابل الصحة المفقودة
في أحدهما.
والمسألة في غاية الإشكال، ولا بد من مراجعة أدلة الربا وفهم
حقيقة الأرش، وسيجئ بعض الكلام فيه إن شاء الله.
الثاني: ما لو لم يوجب العيب نقصا في القيمة، فإنه لا يتصور
هنا أرش حتى يحكم بثبوته، وقد مثلوا لذلك بالخصاء في العبيد (1).

(1) كما مثل به في الدروس 3: 288، والمسالك 3: 284، والجواهر 23: 243.
318

وقد يناقش في ذلك: بأن الخصاء موجب في نفسه لنقص القيمة
لفوات بعض المنافع عنه كالفحولة، وإنما يرغب في الخصي قليل من
الناس لبعض الأغراض الفاسدة، أعني: عدم تستر النساء منه (1) فيكون
واسطة في الخدمات بين المرء وزوجته، وهذا المقدار لا يوجب زيادة
في أصل المالية، فهو كعنب معيوب يرغب فيه لجودة خمره.
لكن الإنصاف: أن الراغب فيه لهذا الغرض حيث يكون كثيرا
لا نادرا بحيث لا يقدح في قيمته المتعارفة لولا هذا الغرض، صح أن
يجعل الثمن المبذول من الراغبين مقدارا لمالية الخصي، فكأن هذا الغرض
صار غرضا مقصودا متعارفا، وصحة الغرض وفساده شرعا لا دخل
لها في المالية العرفية، كما لا يخفى.
وبالجملة، فالعبرة في مقدار المالية برغبة الناس في بذل ذلك
المقدار من المال بإزائه، سواء كان من جهة أغراض أنفسهم أم من
جهة بيعه على من له غرض فيه مع كثرة ذلك المشتري وعدم ندرته
بحيث يلحق بالاتفاقيات.

(1) في " ق ": " منهن "، ولعله من سهو القلم.
319

مسألة
يسقط الرد والأرش معا بأمور:
أحدها: العلم بالعيب قبل العقد بلا خلاف ولا إشكال، لأن
الخيار إنما ثبت مع الجهل.
وقد يستدل بمفهوم صحيحة زرارة المتقدمة (1). وفيه نظر.
وحيث لا يكون العيب المعلوم سببا لخيار، فلو اشترط العالم
ثبوت خيار العيب مريدا به الخيار الخاص الذي له أحكام خاصة فسد
الشرط وأفسد، لكونه مخالفا للشرع. ولو أراد به مجرد الخيار كان من
خيار الشرط ولحقه أحكامه، لا أحكام خيار العيب.
الثاني: تبري البائع عن العيوب إجماعا في الجملة على الظاهر
المصرح به في محكي الخلاف (2) والغنية (3)، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا
أجمع (4).

(1) تقدمت في الصفحة 280، واستدل به في الجواهر 23: 238.
(2) الخلاف 3: 127 - 128، المسألة 213 من كتاب البيوع.
(3) الغنية: 221 - 222.
(4) التذكرة 1: 525.
320

والأصل في الحكم - قبل الإجماع، مضافا إلى ما في التذكرة: من
أن الخيار إنما يثبت لاقتضاء مطلق العقد السلامة، فإذا صرح البائع
بالبراءة فقد ارتفع الإطلاق - صحيحة زرارة المتقدمة (1) ومكاتبة جعفر
ابن عيسى الآتية (2).
ومقتضى إطلاقهما - كمعقد الإجماع المحكي - عدم الفرق بين التبري
تفصيلا وإجمالا، ولا بين العيوب الظاهرة والباطنة، لاشتراك الكل في
عدم المقتضي للخيار مع البراءة.
خلافا للمحكي في السرائر عن بعض أصحابنا: من عدم كفاية
التبري إجمالا (3). وعن المختلف نسبته إلى الإسكافي (4)، بل (5) إلى صريح
آخر كلام القاضي المحكي في المختلف (6)، مع أن المحكي عن كامل القاضي
موافقة المشهور (7)، وفي الدروس نسب المشهور إلى أشهر القولين (8).
ثم إن ظاهر الأدلة هو التبري من العيوب الموجودة حال العقد.

(1) تقدمت في الصفحة 280.
(2) الآتية في الصفحة 349 - 350، وراجع الوسائل 12: 420، الباب 8 من
أبواب أحكام العيوب، وفيه حديث واحد.
(3) السرائر 2: 296 - 297.
(4) المختلف 5: 170.
(5) في " ش " ومصححة " ف ": وقد ينسب إلى.
(6) نسبه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 625، وراجع المختلف 5: 170 - 171.
(7) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 625، وفيه: " مع أن القاضي في
الكامل وافق ".
(8) الدروس 3: 282.
321

وأما التبري من العيوب المتجددة الموجبة للخيار، فيدل على صحته
وسقوط الخيار به عموم " المؤمنون عند شروطهم " (1).
قال في التذكرة - بعد الاستدلال بعموم " المؤمنون " -: لا يقال:
إن التبري مما لم يوجد يستدعي البراءة مما لم يجب، لأنا نقول: التبري
إنما هو من الخيار الثابت بمقتضى العقد، لا من العيب (2)، انتهى.
أقول: المفروض أن الخيار لا يحدث إلا بسبب حدوث العيب،
والعقد ليس سببا لهذا الخيار، فإسناد البراءة إلى الخيار لا ينفع، وقد
اعترف قدس سره في بعض كلماته بعدم جواز إسقاط خيار الرؤية بعد العقد
وقبل الرؤية (3). نعم، ذكر في التذكرة جواز اشتراط نفي خيار الرؤية في
العقد (4)، لكنه مخالف لسائر كلماته وكلمات غيره كالشهيد (5) والمحقق الثاني (6).
وبالجملة، فلا فرق بين البراءة من خيار العيوب والبراءة من
خيار الرؤية، بل الغرر في الأول أعظم، إلا أنه لما قام النص والإجماع
على صحة التبري من العيوب الموجودة فلا مناص عن التزام صحته.
مع إمكان الفرق بين العيوب والصفات المشترطة في العين الغائبة باندفاع
الغرر في الأول بالاعتماد على أصالة السلامة فلا يقدح عدم التزام البائع

(1) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، ذيل الحديث 4.
(2) التذكرة 1: 525.
(3) راجع التذكرة 1: 467 و 533، وتقدم في الصفحة 258 أيضا.
(4) لم نعثر عليه فيها، ونقل عنها سابقا - في خيار الرؤية -: " أنه فاسد
ومفسد "، راجع الصفحة 259.
(5) الدروس 3: 276.
(6) جامع المقاصد 4: 303.
322

بعدمها، بخلاف الثاني فإن الغرر لا يندفع فيه إلا بالتزام البائع بوجودها
فإذا لم يلتزم بها لزم الغرر.
وأما البراءة (1) عن العيوب المتجددة فلا يلزم من اشتراطها غرر
في البيع حتى يحتاج إلى دفع الغرر بأصالة عدمها، لأنها غير موجودة
بالفعل في المبيع حتى يوجب جهالة.
ثم إن البراءة في هذا المقام يحتمل إضافتها إلى أمور:
الأول: عهدة العيوب، ومعناه (2): عدم (3) تعهد سلامته من العيوب،
فيكون مرجعه إلى عدم التزام سلامته، فلا يترتب على ظهور العيب رد
ولا أرش، فكأنه باعه على كل تقدير.
الثاني: ضمان العيب، وهذا أنسب بمعنى البراءة، ومقتضاه عدم
ضمانه بمال، فتصير الصحة - كسائر الأوصاف المشترطة في عقد البيع -
لا توجب إلا تخييرا بين الرد والإمضاء مجانا، ومرجع ذلك إلى إسقاط
أرش العيوب في عقد البيع، لا خيارها.
الثالث: حكم العيب، ومعناه: البراءة من الخيار الثابت بمقتضى
العقد بسبب العيب.

(1) شطب على كلمة " البراءة " في " ق ".
(2) قال الشهيدي قدس سره: " ضمير " معناه " راجع إلى ال‍ - " عهدة "، ويجوز تذكير
الضمير إذا كانت التاء في المرجع مصدرية. وأما ضمير " مرجعه " فهو راجع إلى
" التبري " لا إلى " العهدة "، هذا بناء على كون النسخة: " ومعناه تعهد سلامته
من العيوب "، وأما بناء على كونها: " ومعناه عدم تعهد سلامته من العيوب "
فضمير معناه راجع إلى التبري "، هداية الطالب: 524.
(3) لم ترد " عدم " في " ش ".
323

والأظهر في العرف هو المعنى الأول، والأنسب بمعنى البراءة هو
الثاني.
وقد تقدم عن التذكرة المعنى الثالث (1)، وهو بعيد عن اللفظ، إلا
أن يرجع إلى المعنى الأول. والأمر سهل.
ثم إن تبري البائع عن العيوب مطلقا أو عن عيب خاص إنما
يسقط تأثيره من حيث الخيار. أما سائر أحكامه فلا، فلو تلف بهذا
العيب في أيام خيار المشتري لم يزل ضمان البائع لعموم النص (2).
لكن في الدروس: أنه لو تبرأ من عيب فتلف به في زمن خيار
المشتري فالأقرب عدم ضمان البائع، وكذا لو علم المشتري به قبل العقد
أو رضي به بعده وتلف في زمان خيار المشتري. ويحتمل الضمان، لبقاء
علاقة الخيار المقتضي لضمان العين معه. وأقوى إشكالا ما لو تلف به
وبعيب آخر تجدد في الخيار (3)، انتهى كلامه رفع مقامه.
ثم إن هنا أمورا يظهر من بعض الأصحاب سقوط الرد والأرش
بها:
منها: زوال العيب قبل العلم به، كما صرح به في غير موضع من
التذكرة (4)، ومال إليه في جامع المقاصد (5)، واختاره في المسالك (6).

(1) تقدم في الصفحة 322.
(2) راجع الوسائل 12: 351 و 355، الباب 5 و 8 من أبواب الخيار.
(3) الدروس 3: 283.
(4) التذكرة 1: 527 و 541.
(5) جامع المقاصد 4: 352.
(6) المسالك 3: 293.
324

بل وكذا لو زال بعد العلم به قبل الرد، وهو ظاهر التذكرة حيث
قال في أواخر فصل العيوب: لو كان المبيع معيبا عند البائع ثم أقبضه
وقد زال عيبه فلا رد، لعدم موجبه. وسبق العيب لا يوجب خيارا كما
لو سبق على العقد ثم زال قبله، بل مهما زال العيب قبل العلم أو بعده
قبل الرد سقط حق الرد (1)، انتهى.
وهو صريح في سقوط الرد وظاهر في سقوط الأرش كما لا يخفى
على المتأمل، خصوصا مع تفريعه في موضع آخر قبل ذلك عدم الرد
والأرش معا على زوال العيب، حيث قال: لو اشترى عبدا وحدث في
يد المشتري نكتة بياض في عينه ووجد نكتة قديمة ثم زالت إحداهما،
فقال البائع: الزائلة هي القديمة فلا رد ولا أرش، وقال المشتري: بل الحادثة
ولي الرد، قال الشافعي يتحالفان... إلى آخر ما حكاه عن الشافعي (2).
وكيف كان، ففي سقوط الرد بزوال العيب وجه، لأن ظاهر أدلة
الرد - خصوصا بملاحظة أن الصبر على العيب ضرر - هو رد المعيوب
وهو المتلبس بالعيب، لا ما كان معيوبا في زمان، فلا يتوهم هنا
استصحاب الخيار.
وأما الأرش، فلما ثبت استحقاق المطالبة به لفوات وصف الصحة
عند العقد فقد استقر بالعقد، خصوصا بعد العلم بالعيب، والصحة إنما حدثت
في ملك المشتري، فبراءة ذمة البائع عن عهدة العيب المضمون عليه يحتاج
إلى دليل، فالقول بثبوت الأرش وسقوط الرد قوي لو لم يكن تفصيلا

(1) التذكرة 1: 541.
(2) التذكرة 1: 530.
325

مخالفا للإجماع. ولم أجد من تعرض لهذا الفرع قبل العلامة أو بعده (1).
ومنها: التصرف بعد العلم بالعيب، فإنه مسقط للأمرين عند ابن
حمزة في الوسيلة (2). ولعله لكونه علامة الرضا بالمبيع بوصف العيب،
والنص المثبت للأرش بعد التصرف ظاهر فيما قبل العلم. ورد بأنه دليل
الرضا بالمبيع لا بالعيب.
والأولى أن يقال: إن الرضا بالعيب لا يوجب إسقاط الأرش،
وإنما المسقط له إبراء البائع عن عهدة العيب، وحيث لم يدل التصرف
عليه فالأصل بقاء حق الأرش الثابت قبل التصرف، مع أن اختصاص
النص بصورة التصرف قبل العلم ممنوع، فليراجع.
ومنها: التصرف في المعيب الذي لم ينقص قيمته بالعيب، كالبغل
الخصي بل العبد الخصي على ما عرفت (3)، فإن الأرش منتف لعدم
تفاوت القيمة، والرد لأجل التصرف.
وقد يستشكل فيه من حيث لزوم الضرر على المشتري بصبره
على المعيب (4).

(1) في " ش " زيادة ما يلي:
" نعم، هذا داخل في فروع القاعدة التي اخترعها الشافعي، وهو: أن الزائل
العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد. لكن عرفت مرارا أن المرجع في ذلك
هي الأدلة ولا منشأ لهذه القاعدة ".
(2) الوسيلة: 257.
(3) عرف في الصفحة 318.
(4) استشكل فيه الشهيدان في الدروس 3: 288، والمسالك 3: 284، وراجع
مفتاح الكرامة 4: 613.
326

وفيه: أن العيب في مثله لا يعد ضررا ماليا بالفرض، فلا بأس
بأن [يكون] (1) الخيار فيه كالثابت بالتدليس في سقوطه بالتصرف مع
عدم أرش فيه.
وحله: أن الضرر إما أن يكون من حيث القصد إلى ما هو أزيد
مالية من الموجود، وإما أن يكون من حيث القصد إلى خصوصية
مفقودة في العين مع قطع النظر عن قيمته. والأول مفروض الانتفاء،
والثاني قد رضي به وأقدم عليه المشتري بتصرفه فيه، بناء على أن
التصرف دليل الرضا بالعين الخارجية، كما لو رضي بالعبد المشروط
كتابته مع تبين عدمها فيه.
إلا أن يقال: إن المقدار الثابت من سقوط الرد بالتصرف هو
مورد ثبوت الأرش، وإلا فمقتضى القاعدة عدم سقوط الرد بالتصرف
كما في غير العيب والتدليس من أسباب الخيار، خصوصا بعد تنزيل
الصحة فيما نحن فيه منزلة الأوصاف المشترطة التي لا يوجب فواتها
أرشا، فإن خيار التخلف فيها لا يسقط بالتصرف كما صرح به (2). نعم،
لو اقتصر في التصرف المسقط على ما يدل على الرضا كان مقتضى
عموم ما تقدم سقوط الرد بالتصرف مطلقا.
ومنها: حدوث العيب في المعيب المذكور، والاستشكال هنا بلزوم
الضرر في محله، فيحتمل ثبوت الرد مع قيمة النقص الحادث لو كان

(1) لم يرد في " ق ".
(2) راجع الجواهر 23: 96، وجاء فيه حول خيار تخلف الوصف: " وسقوطه
بالتصرف قبل العلم به نحو ما سمعته في الغبن وبعده يسقط إن دل على الرضا،
وإلا فلا "، ونسبه في مفتاح الكرامة (4: 586) إلى ظاهر الأكثر.
327

موجبا له، لأن الصحة في هذا المبيع كسائر الأوصاف المشترطة في
البيع (1) التي لا يوجب فواتها أرشا، والنص الدال على اشتراط الرد
بقيام العين - وهي المرسلة المتقدمة (2) - مختص بمورد إمكان تدارك ضرر
الصبر على المعيب بالأرش، والإجماع فيما نحن فيه غير متحقق، مع
ما عرفت من مخالفة المفيد في أصل المسألة (3).
هذا كله، مضافا إلى أصالة جواز الرد الثابت قبل حدوث العيب،
وبها يدفع (4). معارضة الضرر المذكور بتضرر البائع بالفسخ ونقل المعيب
إلى ملكه بعد خروجه عن ملكه سليما عن هذا العيب.
وكيف كان، فلو ثبت الإجماع أو استفيض نقله (5) على سقوط الرد
بحدوث العيب والتغيير على وجه يشمل المقام، وإلا فسقوط الرد هنا
محل نظر بل منع.
ومنها: ثبوت أحد مانعي الرد (6) في المعيب الذي لا يجوز أخذ

(1) في " ش ": " المبيع ".
(2) تقدمت في الصفحة 280.
(3) في الصفحة 306.
(4) في " ش " بدل " وبها يدفع ": " وهي المرجع بعد ".
(5) في " ش ": " بنقله ".
(6) قال الشهيدي قدس سره: " يعني بهما: التصرف وحدوث العيب بعد القبض، وإنما
عبر عنهما بمانعي الرد مع أنه جعل المسقطات أربعة، لأن " الإسقاط " الذي هو
أحدها إنما هو من قبيل المسقط لا المانع، و " تلف العين " الذي هو ثالثها لا يبقى
معه موضوع للرد حتى يعد مانعا، وجعل الأول أولا لتقدمه في كلامه، والثاني
ثانيا لتأخره فيه "، هداية الطالب: 526.
328

الأرش فيه لأجل الربا.
أما المانع الأول، فالظاهر أن حكمه كما تقدم في المعيب الذي
لا ينقص ماليته (1)، فإن المشتري لما أقدم على معاوضة أحد الربويين
بالآخر أقدم على عدم مطالبة مال زائد على ما يأخذه بدلا عن ماله
وإن كان المأخوذ معيبا، فيبقى وصف الصحة كسائر الأوصاف التي
لا يوجب اشتراطها إلا جواز الرد بلا أرش، فإذا تصرف فيه - خصوصا
بعد العلم - تصرفا دالا على الرضا بفاقد الوصف المشترط لزم عليه (2)،
كما في خيار التدليس بعد التصرف (3).
وأما المانع الثاني، فظاهر جماعة كونه مانعا فيما نحن فيه من الرد
أيضا، وهو مبني على عموم منع العيب الحادث من الرد حتى في صورة
عدم جواز أخذ الأرش. وقد عرفت النظر فيه (4).
وذكر في التذكرة وجها آخر لامتناع الرد، وهو: أنه لو رد، فإما
أن يكون مع أرش العيب الحادث، وإما أن يرد بدونه، فإن رده بدونه
كان ضررا على البائع، وإن رد مع الأرش لزم الربا، قال: لأن المردود
حينئذ يزيد على وزن عوضه (5).
والظاهر أن مراده من ذلك: أن رد المعيب لما كان بفسخ
المعاوضة، ومقتضى المعاوضة بين الصحيح والمعيب من جنس واحد أن

(1) تقدم في الصفحة 318.
(2) في " ش ": " لزم العقد ".
(3) في " ش " زيادة: " نعم، التصرف قبل العلم لا يسقط خيار الشرط، كما تقدم ".
(4) راجع الصفحة 327 - 328.
(5) التذكرة 1: 531.
329

لا يضمن وصف الصحة بشئ، إذ لو جاز ضمانه لجاز أخذ المشتري
الأرش فيما نحن فيه، فيكون وصف الصحة في كل من العوضين نظير
سائر الأوصاف الغير المضمونة بالمال، فإذا حصل الفسخ وجب تراد
العوضين من غير زيادة ولا نقيصة، ولذا يبطل التقايل مع اشتراط
الزيادة أو النقيصة في أحد العوضين، فإذا استرد المشتري الثمن لم يكن
عليه إلا رد ما قابله لا غير، فإن رد إلى البائع قيمة العيب الحادث
عنده (1) لم يكن ذلك إلا باعتبار كون ذلك العيب مضمونا عليه بجزء من
الثمن، فيلزم وقوع الثمن بإزاء مجموع المثمن ووصف صحته، فينقص
الثمن عن نفس المعيب فيلزم الربا.
فمراد العلامة قدس سره بلزوم الربا: إما لزوم الربا في أصل المعاوضة،
إذ لولا ملاحظة جزء من الثمن في مقابلة صفة الصحة لم يكن وجه
لغرامة بدل الصفة وقيمتها عند استرداد الثمن، وإما لزوم الربا في الفسخ
حيث قوبل فيه الثمن بمقداره من المثمن وزيادة. والأول أولى.
ومما ذكرنا ظهر ما في تصحيح هذا: بأن قيمة العيب الحادث
غرامة لما فات في يده مضمونا عليه نظير المقبوض بالسوم إذا حدث
فيه العيب، فلا ينضم إلى المثمن حتى يصير أزيد من الثمن.
إذ فيه: وضوح الفرق، فإن المقبوض بالسوم إنما يتلف في ملك
مالكه فيضمنه القابض، والعيب الحادث في (2) المبيع لا يتصور ضمان
المشتري له إلا بعد تقدير رجوع العين في ملك البائع وتلف وصف

(1) في " ش " زيادة: " كما هو الحكم في غير الربويين إذا حصل العيب عنده ".
(2) في " ق " زيادة: " ملك "، والظاهر أنها من سهو القلم.
330

الصحة منه في يد المشتري، فإذا فرض أن صفة الصحة لا تقابل بجزء
من المال في عقد المعاوضة (1)، فيكون تلفها في يد المشتري كنسيان العبد
الكتابة، لا يستحق البائع عند الفسخ قيمتها.
والحاصل: أن البائع لا يستحق من المشتري إلا ما وقع مقابلا
بالثمن، وهو نفس المثمن، من دون اعتبار صحته جزء، فكأنه باع عبدا
كاتبا فقبضه المشتري ثم فسخ أو تفاسخا بعد نسيان العبد الكتابة (2).
ثم إن صريح جماعة من الأصحاب عدم الحكم على المشتري
بالصبر على المعيب مجانا فيما نحن فيه (3)، فذكروا في تدارك ضرر
المشتري وجهين، اقتصر في المبسوط على حكايتهما (4).
أحدهما: جواز رد المشتري للمعيب مع غرامة قيمة العيب الحادث،
لما تقدم (5) إليه الإشارة: من أن أرش العيب الحادث في يد المشتري
نظير أرش العيب الحادث في المقبوض بالسوم، في كونها غرامة تالف
مضمون على المشتري لا دخل له في العوضين حتى يلزم الربا.
الثاني: أن يفسخ البيع لتعذر إمضائه، وإلزام المشتري ببدله من

(1) في " ش " زيادة: " الربوية ".
(2) في " ش " زيادة: " نعم هذا يصح في غير الربويين، لأن وصف الصحة فيه
يقابل بجزء من الثمن فيرد المشتري قيمة العيب الحادث عنده ليأخذ الثمن المقابل
لنفس المبيع مع الصحة ".
(3) منهم العلامة في القواعد 2: 79، والتذكرة 1: 531، والمحقق الثاني في جامع
المقاصد 4: 363.
(4) المبسوط 2: 133.
(5) تقدم في الصفحة المتقدمة.
331

غير الجنس معيبا بالعيب القديم وسليما عن الجديد، ويجعل بمثابة
التالف، لامتناع رده بلا أرش ومع الأرش.
واختار في الدروس - تبعا للتحرير (1) - الوجه الأول مشيرا إلى
تضعيف الثاني بقوله: لأن تقدير الموجود معدوما خلاف الأصل (2). وتبعه
المحقق الثاني معللا بأن الربا ممنوعة في المعاوضات لا في الضمانات، وأنه
كأرش عيب العين المقبوضة بالسوم إذا حدث في يد المستام وإن كانت
ربوية، فكما لا يعد هنا ربا فكذا لا يعد في صورة النزاع (3).
أقول: قد عرفت الفرق بين ما نحن فيه وبين أرش عيب المقبوض
بالسوم، فإنه يحدث في ملك مالكه بيد قابضه، والعيب فيما نحن فيه يحدث في
ملك المشتري ولا يقدر في ملك البائع إلا بعد فرض رجوع مقابله من
الثمن إلى المشتري، والمفروض عدم المقابلة بينه وبين جزء من المبيع (4).
ومنها: تأخير الأخذ بمقتضى الخيار، فإن ظاهر الغنية إسقاطه
للرد والأرش كليهما حيث جعل المسقطات خمسة: التبري، والرضا
بالعيب، وترك (5) الرد مع العلم، لأنه على الفور بلا خلاف. ولم يذكر في
هذه الثلاثة ثبوت الأرش. ثم ذكر حدوث العيب وقال: ليس له ها هنا
إلا الأرش. ثم ذكر التصرف وحكم فيه بالأرش (6).

(1) التحرير 1: 183.
(2) الدروس 3: 288.
(3) جامع المقاصد 4: 365.
(4) العبارة في " ش " هكذا: " بين شئ منه وبين صحة البيع ".
(5) في " ش " والمصدر بدل " ترك ": " تأخير ".
(6) الغنية: 221 - 222.
332

فإن في إلحاق الثالث بالأولين في ترك ذكر الأرش فيه ثم ذكره
في الأخيرين وقوله: " ليس (1) هاهنا "، ظهورا في عدم ثبوت الأرش
بالتأخير، مع أن هذا هو القول الآخر في المسألة على ما يظهر، حيث
نسب إلى الشافعي القول بسقوط الرد والأرش بالتأخير (2)، ولعله لأن
التأخير دليل الرضا.
ويرده - بعد تسليم الدلالة -: أن الرضا بمجرده لا يوجب سقوط
الأرش كما عرفت في التصرف. نعم، سقوط الرد وحده له وجه، كما
هو صريح المبسوط والوسيلة على ما تقدم (3) من عبارتهما في التصرف
المسقط، ويحتمله أيضا عبارة الغنية المتقدمة (4)، بناء على ما تقدم في
سائر الخيارات: من لزوم الاقتصار في الخروج عن أصالة اللزوم على
المتيقن السالمة عما يدل على التراخي، عدا ما في الكفاية: من إطلاق
الأخبار وخصوص بعضها (5).
وفيه: أن الإطلاق في مقام بيان أصل الخيار، وأما الخبر الخاص
فلم أقف عليه، وحينئذ فالقول بالفور - وفاقا لمن تقدم - للأصل لا يخلو

(1) في " ش " زيادة: " له "، وشطب عليها في " ق ".
(2) العبارة من قوله: " مع أن... " إلى هنا وردت في " ش " هكذا: " وهذا أحد
القولين منسوب إلى الشافعي "، راجع التذكرة 1: 529 و 530، والمغني 4:
160.
(3) تقدم في الصفحة 283 - 284.
(4) تقدمت في الصفحة 283.
(5) الكفاية: 94، وفيه: " ومستنده عموم أدلة الخيار من غير تقييد، وخصوص
بعض الأخبار ".
333

عن قوة، مع ما تقدم من نفي الخلاف في الغنية في كونه على الفور (1).
ولا يعارضه ما في المسالك والحدائق: من أنه لا نعرف فيه (2) خلافا (3)،
لأنا عرفناه ولذا جعله في التذكرة أقرب (4). وكذا ما في الكفاية: من
عدم الخلاف (5)، لوجود الخلاف، بل نفي الخلاف (6).
نعم (7) ما في الرياض: من (8) أنه ظاهر أصحابنا المتأخرين
كافة (9).
والتحقيق رجوع المسألة إلى اعتبار الاستصحاب في مثل هذا
المقام وعدمه، ولذا لم يتمسك في التذكرة للتراخي إلا به (10)، وإلا
فلا يحصل من فتوى الأصحاب إلا الشهرة بين المتأخرين المستندة إلى
الاستصحاب، ولا اعتبار بمثلها وإن قلنا بحجية الشهرة أو حكاية نفي
الخلاف من باب مطلق الظن، لعدم الظن كما لا يخفى، والله العالم.

(1) تقدم في الصفحة 332.
(2) أي: في عدم سقوط الخيار بالتراخي.
(3) المسالك 3: 302، والحدائق 19: 117.
(4) التذكرة 1: 529، وفيه: " لو علم بالعيب وأهمل المطالبة لحظة هل يسقط
الرد؟ الأقرب أنه لا يسقط ".
(5) كفاية الأحكام: 94.
(6) لم ترد " بل نفي الخلاف " في " ش ".
(7) كذا، والمناسب: " ونعم ".
(8) في " ش ": " نعم في الرياض أنه ".
(9) الرياض 8: 260.
(10) التذكرة 1: 529، وفيه: " لأن الأصل بقاء ما ثبت ".
334

مسألة
قال في المبسوط: من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محظورا
وكان المشتري بالخيار (1)، انتهى. ومثله ما عن الخلاف (2).
وفي موضع آخر من المبسوط: وجب عليه أن يبينه ولا يكتمه
أو يتبرأ إليه من العيوب، والأول أحوط (3). ونحوه عن فقه الراوندي (4).
ومثلهما في التحرير، وزاد الاستدلال عليه بقوله: " لئلا يكون غاشا " (5).
وظاهر ذلك كله عدم الفرق بين العيب الجلي والخفي.
وصريح التذكرة والسرائر (6) كظاهر الشرائع (7): الاستحباب مطلقا،

(1) المبسوط 2: 138.
(2) الخلاف 3: 125، المسألة: 211.
(3) المبسوط 2: 126.
(4) فقه القرآن 2: 56.
(5) التحرير 1: 183.
(6) التذكرة 1: 525 و 538، والسرائر 2: 296.
(7) الشرائع 2: 36.
335

وظاهر جماعة التفصيل بين العيب الخفي والجلي، فيجب في الأول مطلقا
كما هو ظاهر جماعة (1)، أو مع عدم التبري كما في الدروس (2).
فالمحصل من ظواهر كلماتهم خمسة أقوال. والظاهر ابتناء الكل
على دعوى صدق الغش وعدمه.
والذي يظهر من ملاحظة العرف واللغة في معنى الغش: أن كتمان
العيب الخفي - وهو الذي لا يظهر بمجرد الاختبار المتعارف قبل البيع -
غش، فإن الغش - كما يظهر من اللغة - خلاف النصح.
وأما العيب الظاهر، فالظاهر أن ترك إظهاره ليس غشا. نعم، لو
أظهر سلامته عنه على وجه يعتمد عليه - كما إذا فتح قرآنا بين يدي
العبد الأعمى مظهرا أنه بصير يقرأ، فاعتمد المشتري على ذلك وأهمل
اختباره - كان غشا.
قال في التذكرة - في رد استدلال الشافعي على وجوب إظهار
العيب مطلقا بالغش -: إن الغش ممنوع، بل يثبت في كتمان العيب بعد
سؤال المشتري وتبينه، والتقصير في ذلك من المشتري (3)، انتهى.
ويمكن أن يحمل - بقرينة ذكر التقصير - على العيب الظاهر. كما
أنه يمكن حمل عبارة التحرير المتقدمة (4) - المشتملة على لفظ " الكتمان "،

(1) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 4: 333، والشهيد الثاني في المسالك 3:
285، وراجع تفصيله في مفتاح الكرامة 4: 629.
(2) الدروس 3: 287.
(3) التذكرة 1: 538.
(4) تقدمت الإشارة إليها في الصفحة المتقدمة.
336

وعلى الاستدلال بالغش - على العيب الخفي، بل هذا الجمع ممكن في
كلمات الأصحاب مطلقا. ومن أقوى الشواهد على ذلك أنه حكي عن
موضع من السرائر: أن كتمان العيوب مع العلم بها حرام ومحظور بغير
خلاف (1)، مع ما تقدم من نسبة الاستحباب إليه، فلاحظ.
ثم التبري من العيوب هل يسقط وجوب الإعلام في مورده كما
عن المشهور (2)، أم لا؟ فيه إشكال، منشؤه (3): أن لزوم الغش من جهة
ظهور إطلاق العقد في التزام البائع بالصحة، فإذا تبرأ من العيوب ارتفع
الظهور، أو من جهة إدخال البائع للمشتري فيما يكرهه عامدا والتبري
لا يرفع اعتماد المشتري على أصالة الصحة، فالتغرير إنما هو لترك
ما يصرفه عن الاعتماد على الأصل. والأحوط الإعلام مطلقا كما تقدم
عن المبسوط (4).
ثم إن المذكور في جامع المقاصد (5) والمسالك (6) وعن غيرهما (7): أنه

(1) السرائر 2: 297، ولكن ليس فيه نفي الخلاف، ولعل المراد من العبارة
هكذا: " بغير نقل خلاف "، ويؤيده أنه قال بعد الحكم في موضع منها
بالاستحباب: " وقال بعض أصحابنا: بل ذلك واجب ".
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 629.
(3) في " ش " بدل " منشؤه ": " نشأ "، وزيادة: " من دعوى صدق الغش ومن ".
(4) تقدم في الصفحة 335.
(5) جامع المقاصد 4: 333.
(6) المسالك 3: 129 و 285.
(7) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة (4: 629) عن إيضاح النافع
والميسية، وحكم به في الجواهر 23: 246، أيضا.
337

ينبغي بطلان البيع في مثل شوب اللبن بالماء، لأن ما كان من غير
الجنس لا يصح العقد فيه، والآخر مجهول. إلا أن يقال: إن جهالة
الجزء غير مانعة إن كانت الجملة معلومة، كما لو ضم ماله ومال غيره
وباعهما ثم ظهر البعض مستحقا، فإن البيع لا يبطل في ملكه وإن كان
مجهولا قدره وقت العقد (1)، انتهى.
أقول: الكلام في مزج اللبن بمقدار من الماء يستهلك في اللبن
ولا يخرجه عن حقيقته كالملح الزائد في الخبز، فلا وجه للإشكال
المذكور. نعم، لو فرض المزج على وجه يوجب تعيب الشئ من دون
أن يستهلك فيه - بحيث يخرج عن حقيقته إلى حقيقة ذلك الشئ -
توجه ما ذكروه في بعض الموارد.

(1) العبارة من جامع المقاصد.
338

مسائل
في اختلاف المتبايعين
وهو تارة في موجب الخيار، وأخرى في مسقطه، وثالثة في الفسخ.
أما الأول، ففيه مسائل:
الأولى
لو اختلفا في تعيب المبيع وعدمه مع تعذر ملاحظته لتلف أو
نحوه، فالقول قول المنكر بيمينه.
الثانية
لو اختلفا في كون الشئ عيبا وتعذر تبين الحال لفقد أهل الخبرة
كان الحكم كسابقه. نعم، لو علم كونه نقصا كان للمشتري الخيار في
الرد دون الأرش، لأصالة البراءة.
الثالثة
لو اختلفا في حدوث العيب في ضمان البائع أو تأخره عن ذلك
339

بأن حدث بعد القبض وانقضاء الخيار، كان القول قول منكر تقدمه،
للأصل حتى لو علم تاريخ الحدوث وجهل تاريخ العقد، لأن أصالة عدم
العقد حين حدوث العيب لا يثبت وقوع العقد على المعيب.
وعن المختلف: أنه حكى عن ابن الجنيد: أنه إن ادعى البائع
أن العيب حدث عند المشترى حلف المشتري إن كان منكرا (1)،
انتهى (2).
هذا إذا لم تشهد القرينة القطعية مما (3) لا يمكن عادة حصوله
بعد وقت ضمان المشتري أو تقدمه عليه، وإلا عمل عليها من غير
يمين.
قال في التذكرة: ولو أقام أحدهما بينة (4) عمل بها. ثم قال: ولو
أقاما بينة عمل ببينة المشتري، لأن القول قول البائع لأنه منكر، فالبينة
على المشتري (5).
وهذا منه مبني على سقوط اليمين عن المنكر بإقامة البينة، وفيه
كلام في محله وإن كان لا يخلو عن قوة.

(1) المختلف 5: 172.
(2) في " ش " زيادة: " ولعله لأصالة عدم تسليم البائع العين إلى المشتري على
الوجه المقصود، وعدم استحقاقه الثمن كلا وعدم لزوم العقد، نظير ما إذا ادعى
البائع تغير العين عند المشتري وأنكر المشتري، وقد تقدم في محله ".
(3) كذا في النسخ، والظاهر: " بما ".
(4) لم ترد " بينة " في " ق ".
(5) التذكرة 1: 541.
340

وإذا حلف البائع فلا بد من حلفه على عدم تقدم العيب أو نفي
استحقاق الرد أو الأرش إن كان قد اختبر المبيع واطلع على خفايا
أمره، كما يشهد بالإعسار والعدالة وغيرهما مما يكتفى فيه بالاختبار
الظاهر.
ولو لم يختبر، ففي جواز الاستناد في ذلك إلى أصالة عدمه إذا
شك في ذلك وجه، احتمله في جامع المقاصد (1) وحكي عن جماعة (2)،
كما يحلف على طهارة المبيع استنادا إلى الأصل. ويمكن الفرق بين
الطهارة وبين ما نحن فيه: بأن المراد بالطهارة في استعمال المتشرعة
ما يعم غير معلوم النجاسة لا الطاهر الواقعي، كما أن المراد
بالملكية والزوجية ما استند إلى سبب شرعي ظاهري، كما تدل عليه
رواية حفص الواردة في جواز الحلف على ملكية ما أخذ من يد
المسلمين (3).
وفي التذكرة - بعدما حكى عن بعض الشافعية جواز الاعتماد على
أصالة السلامة في هذه الصورة - قال: وعندي فيه نظر، أقربه الاكتفاء
بالحلف على نفي العلم (4). واستحسنه في المسالك، قال: لاعتضاده بأصالة
عدم التقدم، فيحتاج المشتري إلى إثباته (5). وقد سبقه إلى ذلك في

(1) جامع المقاصد 4: 355.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 659.
(3) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 2.
(4) التذكرة 1: 541.
(5) المسالك 3: 299.
341

الميسية (1)، وتبعه في الرياض (2).
أقول: إن كان مراده الاكتفاء بالحلف على نفي العلم في إسقاط
أصل الدعوى بحيث لا تسمع البينة بعد ذلك، ففيه إشكال. نعم، لو
أريد سقوط الدعوى إلى أن تقوم البينة، فله وجه وإن استقرب في
مفتاح الكرامة أن لا يكتفى بذلك منه، فيرد الحاكم اليمين على المشتري،
فيحلف (3). وهذا أوفق بالقواعد.
ثم الظاهر من عبارة التذكرة اختصاص يمين نفي العلم - على
القول به - بما إذا لم يختبر البائع المبيع، بل عن الرياض: لزوم الحلف
مع الاختبار على البت قولا واحدا (4). لكن الظاهر أن المفروض في
التذكرة صورة الحاجة إلى يمين نفي العلم، إذ مع الاختبار يتمكن من
الحلف على البت، فلا حاجة إلى عنوان مسألة اليمين على نفي العلم،
لا أن اليمين على نفي العلم لا يكفي من البائع مع الاختبار، فافهم.
فرع:
لو باع الوكيل، فوجد به المشتري عيبا يوجب الرد رده على
الموكل، لأنه المالك والوكيل نائب عنه بطلت وكالته بفعل ما أمر به،
فلا عهدة عليه.

(1) لا يوجد لدينا، نعم حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 659.
(2) الرياض 8: 274.
(3) مفتاح الكرامة 4: 659.
(4) الرياض 1: 540.
342

ولو اختلف الموكل والمشتري في قدم العيب وحدوثه، فيحلف
الموكل على عدم التقدم كما مر، ولا يقبل إقرار الوكيل بقدمه، لأنه
أجنبي.
وإذا كان المشتري جاهلا بالوكالة ولم يتمكن الوكيل من إقامة
البينة فادعى على الوكيل بقدم العيب، فإن اعترف الوكيل بالتقدم لم
يملك الوكيل رده على الموكل، لأن إقرار الوكيل بالسبق دعوى بالنسبة
إلى الموكل لا تقبل إلا بالبينة، فله إحلاف الموكل على عدم السبق،
لأنه لو اعترف نفع الوكيل بدفع الظلامة عنه، فله عليه مع إنكاره
اليمين. ولو رد اليمين على الوكيل فحلف على السبق ألزم الموكل. ولو
أنكر الوكيل التقدم حلف ليدفع عن نفسه الحق اللازم عليه لو اعترف
ولم يتمكن من الرد على الموكل، لأنه لو أقر رد عليه.
وهل للمشتري تحليف الموكل لأنه مقر بالتوكيل؟ الظاهر لا، لأن
دعواه على الوكيل يستلزم إنكار وكالته، وعلى الموكل يستلزم الاعتراف
به. واحتمل في جامع المقاصد ثبوت ذلك له مؤاخذة له بإقراره (1).
ثم إذا لم يحلف الوكيل ونكل فحلف المشتري اليمين المردودة
ورد العين على الوكيل، فهل للوكيل ردها على الموكل أم لا؟
وجهان، بناهما في القواعد على كون اليمين المردودة كالبينة فينفذ
في حق الموكل، أو كإقرار المنكر، فلا ينفذ (2). ونظر (3) فيه في

(1) جامع المقاصد 4: 359.
(2) القواعد 2: 78 - 79.
(3) في " ش ": " تنظر ".
343

جامع المقاصد: بأن كونها كالبينة لا يوجب نفوذها للوكيل على الموكل،
لأن الوكيل معترف بعدم سبق العيب، فلا تنفعه البينة القائمة على السبق
الكاذبة باعترافه، قال: اللهم إلا أن يكون إنكاره لسبق العيب استنادا
إلى الأصل، بحيث لا ينافي ثبوته ولا دعوى ثبوته، كأن يقول:
" لا حق لك علي في هذه الدعوى " أو " ليس في المبيع عيب يثبت لك
به الرد علي " فإنه لا تمنع حينئذ تخريج المسألة على القولين المذكورين (1)،
انتهى.
وفي مفتاح الكرامة: أن اعتراضه مبني على كون اليمين المردودة
كبينة الراد، والمعروف بينهم أنه كبينة المدعي (2).
أقول: كونه كبينة المدعي لا ينافي عدم نفوذها للوكيل المكذب لها
على الموكل. وتمام الكلام في محله.
الرابعة
لو رد سلعة بالعيب فأنكر البائع أنها سلعته، قدم قول البائع - كما
في التذكرة (3) والدروس (4) وجامع المقاصد (5) - لأصالة عدم حق له عليه،
وأصالة عدم كونها سلعته. وهذا بخلاف ما لو ردها بخيار فأنكر كونها

(1) جامع المقاصد 4: 360.
(2) مفتاح الكرامة 4: 664 - 665.
(3) التذكرة 1: 541.
(4) الدروس 3: 289.
(5) جامع المقاصد 4: 361.
344

له، فاحتمل هنا في التذكرة والقواعد تقديم قول المشتري (1)، ونسبه في
التحرير إلى القيل (2)، لاتفاقهما على استحقاق الفسخ بعد أن احتمل
مساواتها للمسألة الأولى.
أقول: النزاع في كون السلعة سلعة البائع يجتمع مع الخلاف في
الخيار ومع الاتفاق عليه، كما لا يخفى. لكن ظاهر المسألة الأولى كون
الاختلاف في ثبوت خيار العيب ناشئا عن كون السلعة هذه المعيوبة أو
غيرها، والحكم بتقديم (3) قول البائع مع يمينه. وأما إذا اتفقا على الخيار
واختلفا في السلعة، فلذي الخيار حينئذ الفسخ من دون توقف على كون
هذه السلعة هي المبيعة أو غيرها، فإذا فسخ وأراد رد السلعة فأنكرها
البائع، فلا وجه لتقديم قول المشتري مع أصالة عدم كون السلعة هي
التي وقع العقد عليها.
نعم، استدل عليه في الإيضاح - بعدما قواه -: بأن الاتفاق منهما
على عدم لزوم البيع واستحقاق الفسخ، والاختلاف في موضعين:
أحدهما: خيانة المشتري فيدعيها البائع بتغير السلعة والمشتري ينكرها،
والأصل عدمها. الثاني: سقوط حق الخيار الثابت للمشتري، فالبائع
يدعيه والمشتري ينكره والأصل بقاؤه (4).
وتبعه في الدروس، حيث قال: لو أنكر البائع كون المبيع مبيعه

(1) التذكرة 1: 541، والقواعد 2: 79.
(2) التحرير 1: 185.
(3) في " ش ": " تقديم ".
(4) الإيضاح 1: 499.
345

حلف، ولو صدقه على كون المبيع معيوبا وأنكر تعيين المشتري حلف
المشتري (1)، انتهى.
أقول: أما دعوى الخيانة، فلو احتاجت إلى الإثبات ولو كان
معها أصالة عدم كون المال الخاص هو المبيع، لوجب القول بتقديم
[قول] (2) المشتري في المسألة الأولى وإن كانت هناك أصول متعددة
على ما ذكرها في الإيضاح - وهي: أصالة عدم الخيار، وعدم حدوث
العيب، وصحة القبض بمعنى خروج البائع من ضمانه - لأن أصالة عدم
الخيانة مستندها ظهور حال المسلم، وهو وارد على جميع الأصول
العدمية (3)، نظير أصالة الصحة.
وأما ما ذكره: من أصالة صحة القبض، فلم نتحقق معناها وإن
فسرناها من قبله بما ذكرنا، لكن أصالة الصحة لا تنفع لإثبات لزوم
القبض.
وأما دعوى سقوط حق الخيار فهي إنما تجدي إذا كان الخيار
المتفق عليه لأجل العيب - كما فرضه في الدروس - وإلا فأكثر الخيارات
مما أجمع على بقائه مع التلف، مع أن أصالة عدم سقوط الخيار لا تثبت
إلا ثبوته، لا وجوب قبول هذه السلعة إلا من جهة التلازم الواقعي
بينهما. ولعل نظر الدروس إلى ذلك (4).

(1) الدروس 3: 289.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) في " ش ": " العملية ".
(4) في " ش "، وهامش " ف " زيادة: " لكن للنظر في إثبات أحد المتلازمين
بالأصل الجاري في الآخر مجال، كما نبهنا عليه مرارا ".
346

وأما الثاني (1) - وهو الاختلاف في المسقط - ففيه أيضا مسائل:
الأولى
لو اختلفا في علم المشتري بالعيب وعدمه قدم منكر العلم، فيثبت
الخيار.
الثانية
لو اختلفا في زواله قبل علم المشتري أو بعده - على القول بأن
زواله بعد العلم لا يسقط الأرش بل ولا الرد - ففي تقديم مدعي البقاء
فيثبت الخيار لأصالة بقائه وعدم زواله المسقط للخيار، أو تقديم مدعي
عدم ثبوت الخيار، لأن سببه أو شرطه العلم به حال وجوده وهو غير
ثابت فالأصل لزوم العقد وعدم الخيار، وجهان، أقواهما الأول.
والعبارة المتقدمة من التذكرة (2) في سقوط الرد بزوال العيب قبل العلم
أو بعده قبل الرد تومئ إلى الثاني، فراجع.
ولو اختلفا بعد حدوث عيب جديد وزوال أحد العيبين في كون
الزائل هو القديم حتى لا يكون خيار أو الحادث حتى يثبت الخيار،
فمقتضى القاعدة بقاء القديم الموجب للخيار. ولا يعارضه أصالة بقاء
الجديد، لأن بقاء الجديد لا يوجب بنفسه سقوط الخيار إلا من حيث

(1) عدل لقوله: " أما الأول " في الصفحة 339.
(2) تقدمت في الصفحة 340، وراجع الصفحة 325 أيضا.
347

استلزامه لزوال القديم، وقد ثبت في الأصول: أن أصالة عدم أحد
الضدين لا يثبت وجود الضد الآخر ليترتب عليه حكمه (1).
لكن المحكي في التذكرة عن الشافعي في مثله التحالف، قال:
لو اشترى عبدا وحدث في يد المشتري (2) نكتة بياض بعينه، ووجد
نكتة قديمة، ثم زالت إحداهما، فقال البائع: الزائلة القديمة فلا رد
ولا أرش، وقال المشتري: بل الحادثة ولي الرد، قال الشافعي: يحلفان
على ما يقولان، فإذا حلفا استفاد البائع بيمينه دفع الرد واستفاد
المشتري بيمينه أخذ الأرش (3)، انتهى.
الثالثة
لو كان عيب مشاهدا (4) غير المتفق عليه، فادعى البائع حدوثه عند
المشتري والمشتري سبقه، ففي الدروس: أنه كالعيب المنفرد (5)، يعني أنه
يحلف البائع كما لو لم يكن سوى هذا العيب واختلفا في السبق والتأخر.
ولعله لأصالة عدم التقدم.
ويمكن أن يقال: إن عدم التقدم هناك راجع إلى عدم سبب

(1) راجع فرائد الأصول 2: 60 و 338.
(2) كذا في المصدر، وفي " ش ": " في يده "، وفي " ق ": " في يد المشتري في
يده ".
(3) التذكرة 1: 530.
(4) في " ش ": " مشاهد ".
(5) الدروس 3: 289.
348

الخيار، وأما هنا فلا يرجع إلى ثبوت المسقط، بل المسقط هو حدوث
العيب عند المشتري، وقد مر غير مرة: أن أصالة التأخر لا يثبت بها
حدوث الحادث في الزمان المتأخر، وإنما يثبت (1) عدم التقدم الذي
لا يثبت به التأخر.
ثم قال في الدروس: ولو ادعى البائع زيادة العيب عند المشتري
وأنكر احتمل حلف المشتري لأن الخيار متيقن والزيادة موهومة،
ويحتمل حلف البائع إجراء للزيادة مجرى العيب الجديد (2).
أقول: قد عرفت الحكم في العيب الجديد وأن حلف البائع فيه
محل نظر.
ثم لا بد من فرض المسألة فيما لو اختلفا في مقدار من العيب
موجود زائد على المقدار (3) المتفق عليه أنه كان متقدما أو متأخرا. وأما
إذا اختلفا في أصل الزيادة، فلا إشكال في تقديم قول المشتري.
الرابعة
لو اختلفا في البراءة قدم منكرها، فيثبت الخيار، لأصالة عدمها
الحاكمة على أصالة لزوم العقد.
وربما يتراءى من مكاتبة جعفر بن عيسى خلاف ذلك، قال:
" كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك! المتاع يباع في " من

(1) في " ش " زيادة: " بها ".
(2) الدروس 3: 289.
(3) في " ق " كلمة غير واضحة، لعلها: " المتعين "، أو " المعين ".
349

يزيد " فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه: برئ من كل عيب فيه،
فإذا اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق إلا نقد الثمن فربما زهد فيه، فإذا
زهد فيه ادعى عيوبا وأنه لم يعلم بها، فيقول له المنادي: قد برئت
منها، فيقول المشتري: لم أسمع البراءة منها، أيصدق فلا يجب عليه، أم
لا يصدق؟ فكتب عليه السلام أن عليه الثمن... الخبر " (1).
وعن المحقق الأردبيلي: أنه لا يلتفت إلى هذا الخبر لضعفه مع
الكتابة ومخالفة القاعدة (2)، انتهى.
وما أبعد ما بينه وبين ما في الكفاية: من جعل الرواية مؤيدة
لقاعدة " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " (3)، وفي كل منهما نظر.
وفي الحدائق: أن المفهوم من مساق الخبر المذكور: أن إنكار
المشتري إنما وقع مدالسة، لعدم رغبته في المبيع، وإلا فهو عالم بتبري
البائع، والإمام عليه السلام إنما ألزمه بالثمن من هذه الجهة (4).
وفيه: أن مراد السائل ليس حكم العالم بالتبري المنكر له فيما بينه
وبين الله، بل الظاهر من سياق السؤال استعلام من يقدم قوله في ظاهر
الشرع من البائع والمشتري، مع أن حكم العالم بالتبري المنكر له
مكابرة معلوم لكل أحد، خصوصا للسائل، كما يشهد به قوله: " أيصدق
أم لا يصدق؟ " الدال على وضوح حكم صورتي صدقه وكذبه.

(1) الوسائل 12: 420، الباب 8 من أبواب أحكام العيوب.
(2) مجمع الفائدة 8: 437.
(3) كفاية الأحكام: 94.
(4) الحدائق 19: 91.
350

والأولى توجيه الرواية: بأن الحكم بتقديم قول المنادي لجريان
العادة بنداء الدلال عند البيع بالبراءة من العيوب على وجه يسمعه كل
من حضر للشراء، فدعوى المشتري مخالفة للظاهر، نظير دعوى الغبن
والغفلة عن القيمة ممن لا يخفى عليه قيمة المبيع.
بقي في الرواية إشكال آخر، من حيث إن البراءة من العيوب
عند نداء المنادي لا يجدي في سقوط خيار العيب، بل يعتبر وقوعه في
متن العقد.
ويمكن التفصي عنه: إما بالتزام كفاية تقدم الشرط على العقد بعد
وقوع العقد عليه، كما تقدم (1) في باب الشروط. وإما بدعوى أن نداء
الدلال بمنزلة الإيجاب، لأنه لا ينادي إلا بعد أن يرغب فيه أحد
الحضار بقيمته، فينادي الدلال ويقول: بعتك هذا الموجود بكل عيب،
ويكرر ذلك مرارا من دون أن يتم الإيجاب حتى يتمكن من إبطاله
عند زيادة من زاد، والحاصل: جعل نداءه إيجابا للبيع. ولو أبيت إلا
عن أن المتعارف في الدلال كون ندائه قبل إيجاب البيع، أمكن دعوى
كون المتعارف في ذلك الزمان غير ذلك، مع أن الرواية لا تصريح فيها
بكون البراءة في النداء قبل الإيجاب، كما لا يخفى.

(1) كذا في " ق "، وفي " ش ": " كما يأتي "، وهذا هو المناسب للترتيب الموجود
في النسخ، حتى نسخة الأصل وهي " ق " حيث إن " القول في الشروط " يأتي
متأخرا - في الجزء السادس الصفحة 11 -، والظاهر أن المؤلف قدس سره كتب " القول
في الشروط " قبل هذا الموضوع، ثم حصل تقديم وتأخير في تنضيد الأوراق.
ويؤيد هذا الاستظهار بدأ باب الشروط في نسخة " ق " بالتحميد.
351

ثم الحلف هنا على نفي العلم بالبراءة، لأنه الموجب لسقوط الخيار
لا انتفاء البراءة واقعا.
الخامسة
لو ادعى البائع رضا المشتري به بعد العلم أو إسقاط الخيار أو
تصرفه فيه أو حدوث عيب عنده، حلف المشتري، لأصالة عدم هذه
الأمور.
ولو وجد في المعيب عيب اختلفا في حدوثه وقدمه، ففي تقديم
مدعي الحدوث، لأصالة عدم تقدمه - كما تقدم سابقا في دعوى تقدم
العيب وتأخره (1) - أو مدعي عدمه، لأصالة بقاء الخيار الثابت بالعقد
على المعيب والشك في سقوطه بحدوث العيب الآخر في ضمان المشتري،
فالأصل عدم وقوع العقد على السليم من هذا العيب حتى يضمنه
المشتري (2)...
وأما الثالث (3)، ففيه مسائل:
الأولى
لو اختلفا في الفسخ، فإن كان الخيار باقيا فله إنشاؤه. وفي
الدروس:

(1) راجع الصفحة 339 - 340.
(2) كذا في النسخ، ولا يخفى عدم مجئ جواب " لو "، وهو " وجهان ".
(3) وهو الاختلاف في الفسخ، وراجع المقسم في الصفحة 339.
352

أنه يمكن جعل إقراره إنشاء (1). ولعله لما اشتهر: من أن " من
ملك شيئا ملك الإقرار به " كما لو ادعى الزوج الطلاق. ويدل عليه
بعض الأخبار الواردة فيمن أخبر بعتق مملوكه ثم جاء العبد يدعي
النفقة على أيتام الرجل وأنه رق لهم (2). وسيجئ الكلام في (3) هذه
القاعدة.
وإن كان بعد انقضاء زمان الخيار - كما لو تلف العين - افتقر
مدعيه إلى البينة، ومع عدمها حلف الآخر على نفي علمه بالفسخ إن
ادعى عليه علمه بفسخه.
ثم إذا لم يثبت الفسخ فهل يثبت للمشتري المدعي للفسخ الأرش
لئلا يخرج من الحقين، أم لا، لإقراره بالفسخ؟ وزاد في الدروس: أنه
يحتمل أن يأخذ أقل الأمرين من الأرش وما زاد على القيمة من الثمن
إن اتفق، لأنه بزعمه يستحق استرداد الثمن ورد القيمة، فيقع التقاص

(1) الدروس 3: 286.
(2) لم نعثر على الخبر، وقال السيد اليزدي في حاشيته على الكتاب - في
الصفحة 95 ذيل قول المؤلف: " ويدل عليه بعض الأخبار " -: " أقول الظاهر
أن نظره إلى ما ورد بهذا المعنى فيمن أقر ببيع مملوكه ثم جاء وادعى الرقية،
وإلا فلم نر خبرا في العتق على ما وصفه بعد الفحص، فيكون لفظ " العتق "
غلطا من النسخة أو سهوا من القلم بدلا عن لفظ " البيع "، وأما ما أشرنا إليه
فهو الخبر عن محمد بن عبد الله الكاهلي، قال: قلت لأبي عبد الله:
كان... الخ "، راجع الوسائل 13: 53، الباب 26 من أبواب بيع الحيوان، وفيه
حديث واحد.
(3) في " ش " زيادة: " فروع ".
353

في القيمة (1) ويبقى قدر الأرش مستحقا على التقديرين (2)، انتهى.
الثانية
لو اختلفا في تأخر الفسخ عن أول الوقت - بناء على فورية
الخيار - ففي تقديم مدعي التأخر، لأصالة بقاء العقد وعدم حدوث
الفسخ في أول الزمان، أو مدعي عدمه، لأصالة صحة الفسخ، وجهان.
ولو كان منشأ النزاع الاختلاف في زمان وقوع العقد مع الاتفاق
على زمان الفسخ، ففي الحكم بتأخر العقد لتصحيح الفسخ وجه، يضعف
بأن أصالة تأخر العقد الراجعة حقيقة إلى أصالة عدم تقدمه على الزمان
المشكوك وقوعه فيه لا يثبت وقوع الفسخ في أول الزمان.
وهذه المسألة نظير ما لو ادعى الزوج الرجوع في عدة المطلقة
وادعت هي تأخره عنها.
الثالثة
لو ادعى المشتري الجهل بالخيار أو بفوريته - بناء على فوريته -
سمع قوله إن احتمل في حقه الجهل، للأصل. وقد يفصل بين الجهل
بالخيار فلا يعذر إلا إذا نشأ في بلد لا يعرفون الأحكام والجهل
بالفورية فيعذر مطلقا، لأنه مما يخفى على العامة.

(1) في " ش " والمصدر: " قدر القيمة ".
(2) الدروس 3: 287.
354

القول في ماهية العيب
وذكر بعض أفراده
اعلم أن حكم الرد والأرش معلق في الروايات على مفهوم
" العيب " و " العوار ".
أما العوار، ففي الصحاح: أنه العيب (1). وأما العيب، فالظاهر من
اللغة والعرف: أنه النقص عن مرتبة الصحة المتوسطة بينه وبين الكمال.
فالصحة: " ما يقتضيه أصل الماهية المشتركة بين أفراد الشئ لو خلي
وطبعه "، والعيب والكمال يلحقان له لأمر خارج عنه.
ثم مقتضى حقيقة الشئ قد يعلم (2) من الخارج، كمقتضى حقيقة
الحيوان - الأناسي وغيره - فإنه يعلم أن العمى عيب، ومعرفة الكتابة في
العبد والطبخ في الأمة كمال فيهما. وقد يستكشف ذلك بملاحظة أغلب
الأفراد، فإن وجود صفة في أغلب أفراد الشئ يكشف عن كونه
مقتضى الماهية المشتركة بين أفراده، وكون التخلف في النادر لعارض.
وهذا وإن لم يكن مطردا في الواقع، إذ كثيرا ما يكون أغلب

(1) الصحاح 2: 761، مادة " عور ".
(2) في " ش ": " يعرف ".
355

الأفراد متصفة بصفة لأمر عارضي أو لأمور مختلفة،
إلا أن بناء العرف
والعادة على استكشاف حال الحقيقة عن حال أغلب الأفراد، ومن هنا
استمرت العادة على حصول الظن بثبوت صفة لفرد من ملاحظة أغلب
الأفراد، فإن وجود الشئ في أغلب الأفراد لا يمكن (1) الاستدلال به
على وجوده في فرد غيرها، لاستحالة الاستدلال - ولو ظنا - بالجزئي
على الجزئي، إلا أنه يستدل من حال الأغلب على حال القدر المشترك،
ثم يستدل من ذلك على حال الفرد المشكوك.
إذا عرفت هذا تبين لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثير (2)
منهم ب‍ - " الخروج عن المجرى الطبيعي "، وهو ما يقتضيه الخلقة الأصلية.
وأن المراد بالخلقة الأصلية: ما عليه أغلب أفراد ذلك النوع، وأن
ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيب، وما خرج عنه بالمزية فهو كمال،
فالضيعة إذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه أغلب الضياع من مقدار
الخراج هو مقتضى طبيعتها، فزيادة الخراج على ذلك المقدار عيب،
ونقصه عنه كمال، وكذا كونها مورد العساكر.
ثم لو تعارض مقتضى الحقيقة الأصلية وحال أغلب الأفراد التي
يستدل بها على حال الحقيقة عرفا رجح الثاني وحكم للشئ بحقيقة
ثانوية اعتبارية يعتبر الصحة والعيب والكمال بالنسبة إليها. ومن هنا
لا يعد ثبوت الخراج على الضيعة عيبا مع أن حقيقتها لا تقتضي ذلك،

(1) في " ش ": " وإن لم يمكن ".
(2) منهم العلامة في القواعد 2: 72، وراجع جامع المقاصد 4: 322 - 323،
والحدائق 19: 113، ومفتاح الكرامة 4: 610.
356

وإنما هو شئ عرض أغلب الأفراد فصار مقتضى الحقيقة الثانوية،
فالعيب لا يحصل إلا بزيادة الخراج على مقتضى الأغلب. ولعل هذا هو
الوجه في قول كثير منهم (1) - بل عدم الخلاف بينهم - في أن الثيبوبة
ليست عيبا في الإماء.
وقد ينعكس الأمر فيكون العيب في مقتضى الحقيقة الأصلية،
والصحة (2) من مقتضى الحقيقة الثانوية، كالغلفة فإنها عيب في الكبير،
لكونها مخالفة لما عليه الأغلب. إلا أن يقال: إن الغلفة بنفسها ليست
عيبا إنما العيب كون الأغلف موردا للخطر بختانه، ولذا اختص هذا
العيب بالكبير دون الصغير.
ويمكن أن يقال: إن العبرة بالحقيقة الأصلية والنقص عنها عيب
وإن كان على طبق الأغلب، إلا أن حكم العيب لا يثبت مع إطلاق
العقد حينئذ، لأنه إنما يثبت من جهة اقتضاء الإطلاق للالتزام بالسلامة،
فيكون كما لو التزمه صريحا في العقد، فإذا فرض الأغلب على خلاف
مقتضى الحقيقة الأصلية لم يقتض الإطلاق ذلك بل اقتضى عكسه، أعني
التزام البراءة من ذلك النقص. فإطلاق العقد على الجارية بحكم الغلبة
منزل على التزام البراءة من عيب الثيبوبة، وكذا الغلفة في الكبير، فهي

(1) منهم: المحقق في الشرائع 2: 37، والمختصر النافع: 126، والعلامة في القواعد
2: 73، وغيره من كتبه، والفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 480 مع ادعائه
عدم الخلاف بين الأصحاب، راجع تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة 4: 618،
والجواهر 23: 276.
(2) في " ش " زيادة: " بالخروج " مع تبديل " من " ب‍ " إلى ".
357

أيضا عيب في الكبير لكون العبد معها موردا للخطر عند الختان، إلا أن
الغالب في المجلوب من بلاد الشرك لما كان هي الغلفة لم يقتض الإطلاق
التزام سلامته من هذا العيب، بل اقتضى التزام البائع البراءة من هذا
العيب.
فقولهم: " إن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء "، وقول العلامة قدس سره
في القواعد: " إن الغلفة ليست عيبا في الكبير المجلوب " (1) لا يبعد
إرادتهم نفي حكم العيب من الرد والأرش، لا نفي حقيقته. ويدل عليه
نفي الخلاف في التحرير عن كون الثيبوبة ليست عيبا (2)، مع أنه في
التحرير (3) والتذكرة (4) اختار الأرش مع اشتراط البكارة، مع أنه لا أرش
في تخلف الشرط بلا خلاف ظاهر.
وتظهر الثمرة فيما لو شرط (5) المشتري البكارة والختان، فإنه يثبت
على الوجه الثاني حكم العيب من الرد والأرش، لثبوت العيب، غاية
الأمر عدم ثبوت الخيار مع الإطلاق، لتنزله منزلة تبري البائع من هذا
العيب، فإذا زال مقتضى الإطلاق بالاشتراط ثبت حكم العيب. وأما
على الوجه الأول، فإن الاشتراط لا يفيد إلا خيار تخلف الشرط دون
الأرش.

(1) القواعد 2: 73، والعبارة منقولة بالمعنى، فإنه قال - عند عد العيوب -:
" وعدم الختان في الكبير، دون الصغير والأمة والمجلوب من بلاد الشرك ".
(2) التحرير 1: 182.
(3) التحرير 1: 186.
(4) التذكرة 1: 539.
(5) في " ش ": " اشترط ".
358

لكن الوجه السابق أقوى، وعليه فالعيب إنما يوجب الخيار إذا لم
يكن غالبا في أفراد الطبيعة بحسب نوعها أو صنفها، والغلبة الصنفية
مقدمة على النوعية عند التعارض، فالثيبوبة في الصغيرة الغير المجلوبة
عيب، لأنها ليست غالبة في صنفها وإن غلبت في نوعها.
ثم إن مقتضى ما ذكرنا دوران العيب مدار نقص الشئ من حيث
عنوانه مع قطع النظر عن كونه مالا، فإن الإنسان الخصي ناقص في
نفسه وإن فرض زيادته من حيث كونه مالا، وكذا البغل الخصي حيوان
ناقص وإن كان زائدا من حيث المالية على غيره، ولذا ذكر جماعة
ثبوت الرد دون الأرش في مثل ذلك (1).
ويحتمل قويا أن يقال: إن المناط في العيب هو النقص المالي،
فالنقص الخلقي الغير الموجب للنقص - كالخصاء ونحوه - ليس عيبا، إلا
أن الغالب في أفراد الحيوان لما كان عدمه كان إطلاق العقد منزلا على
إقدام المشتري على الشئ (2) مع عدم هذا النقص اعتمادا على الأصل
والغلبة، فكانت السلامة عنه بمنزلة شرط اشترط في العقد، لا يوجب
تخلفه إلا خيار تخلف الشرط.
وتظهر الثمرة في طرو موانع الرد بالعيب بناء على عدم منعها عن
الرد بخيار تخلف الشرط، فتأمل. وفي صورة حصول هذا النقص قبل
القبض أو في مدة الخيار، فإنه مضمون على الأول بناء على إطلاق

(1) كما تقدم عنهم - في الصفحة 318 - في الموضع الثاني من الموضعين اللذين
يسقط فيهما الأرش دون الرد، وراجع مفتاح الكرامة 4: 613 - 614.
(2) في " ش " بدل " الشئ ": " الشراء ".
359

كلماتهم: أن العيب مضمون على البائع، بخلاف الثاني فإنه لا دليل على
أن فقد الصفة المشترطة قبل القبض أو في مدة الخيار مضمون على
البائع، بمعنى كونه سببا للخيار.
وللنظر في كلا شقي الثمرة مجال.
وربما يستدل (1) لكون الخيار هنا خيار العيب بما في مرسلة
السياري الحاكية لقضية (2) ابن أبي ليلى، حيث قدم إليه رجل خصما له،
فقال: إن هذا باعني هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفها (3)
شعرا، وزعمت أنه لم يكن لها قط، فقال له ابن أبي ليلى: إن الناس
ليحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوه، فما الذي كرهت؟ فقال له: أيها
القاضي إن كان عيبا فاقض لي به، قال: (4) حتى أخرج إليك فإني أجد
أذى في بطني، ثم دخل بيته وخرج من باب آخر، فأتى محمد بن
مسلم الثقفي، فقال له: أي شئ تروون عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة
لا يكون على ركبها شعر، أيكون هذا عيبا؟ فقال له محمد بن مسلم:
أما هذا نصا فلا أعرفه، ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه، عن آبائه،
عن النبي صلى الله عليه وآله، قال: " كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص
فهو عيب " فقال له ابن أبي ليلى: حسبك هذا! فرجع إلى القوم فقضى
لهم بالعيب (5).

(1) راجع الجواهر 23: 243.
(2) في " ش ": " لقصة ".
(3) كذا في النسخ، والصواب: " كشفتها "، كما في الوسائل.
(4) في " ش " زيادة: " فاصبر ".
(5) الوسائل 12: 410، الباب الأول من أحكام العيوب، وفيه حديث واحد.
360

فإن ظاهر إطلاق الرواية - المؤيد بفهم ابن مسلم من حيث نفي
نصوصية الرواية في تلك القضية المشعر بظهورها فيها، وفهم ابن
أبي ليلى من حيث قوله وعمله - كون مجرد الخروج عن المجرى الطبيعي
عيبا (1) وإن كان مرغوبا فلا ينقص لأجل ذلك من عوضه، كما يظهر
من قول ابن أبي ليلى: " إن الناس ليحتالون... الخ "، وتقرير المشتري
له في رده.
لكن الإنصاف: عدم دلالة الرواية على ذلك.
أما أولا: فلأن ظاهر الحكاية أن رد المشتري لم يكن لمجرد عدم
الشعر بل لكونها في أصل الخلقة كذلك، الكاشف عن مرض في العضو
أو في أصل المزاج، كما يدل عليه عدم اكتفائه في عذر الرد بقوله: " لم
أجد على ركبها شعرا " حتى ضم إليه دعواه " أنه لم يكن لها قط ".
وقول ابن أبي ليلى: " إن الناس ليحتالون في ذلك حتى يذهبوه "
لا يدل على مخالفة المشتري في كشف ذلك عن المرض، وإنما هي
مغالطة عليه تفصيا عن خصومته، لعجزه عن حكمها، وإلا فالاحتيال
لإذهاب شعر الركب لا يدل على أن عدمه في أصل الخلقة شئ
مرغوب فيه، كما أن احتيالهم لإذهاب شعر الرأس لا يدل على كون
عدمه من أصله لقرع أو شبهه أمرا مرغوبا فيه.
وبالجملة، فالثابت من الرواية هو كون عدم الشعر على الركب مما
يقطع أو يحتمل كونه لأجل مرض عيبا. وقد عد من العيوب الموجبة
للأرش ما (2) هو أدون من ذلك.

(1) في " ق ": " غالبا ".
(2) في " ش " ومحتمل " ق ": " بما ".
361

وأما ثانيا: فلأن قوله عليه السلام: " فهو عيب " إنما يراد به بيان
موضوع العيب توطئة لثبوت أحكام العيب له، والغالب الشائع المتبادر
في الأذهان هو رد المعيوب، ولذا اشتهر: كل معيوب مردود. وأما باقي
أحكام العيب وخياره - مثل عدم جواز رده بطرو موانع الرد بخيار
العيب، وكونه مضمونا على البائع قبل القبض وفي مدة الخيار - فلا يظهر
من الرواية ترتبها على العيب، فتأمل.
وثالثا (1): فلأن (2) الرواية لا تدل على الزائد عما يدل عليه
العرف، لأن المراد بالزيادة والنقيصة على أصل الخلقة ليس مطلق ذلك
قطعا، فإن زيادة شعر رأس الجارية أو حدة بصر العبد أو تعلمهما
للصنعة (3) والطبخ، وكذا نقص العبد بالختان وحلق الرأس ليس عيبا
قطعا، فتعين أن يكون المراد بها الزيادة والنقيصة الموجبتين لنقص في
الشئ من حيث الآثار والخواص المترتبة عليه، ولازم ذلك نقصه من
حيث المالية، لأن المال المبذول في مقابل الأموال بقدر ما يترتب عليها
من الآثار والمنافع.
ورابعا (4): لو سلمنا مخالفة الرواية للعرف في معنى العيب، فلا ينهض
لرفع اليد بها عن العرف المحكم في مثل ذلك لولا النص المعتبر، لا مثل
هذه الرواية الضعيفة بالإرسال والمرسل (5)، فافهم.

(1) في " ش ": " وأما ثالثا ".
(2) في " ف " و " ق " بدل " فلأن ": " أن ".
(3) في " ش " ومحتمل " ق ": " للصيغة ".
(4) في " ش ": " وأما رابعا فلأنا ".
(5) لم ترد " والمرسل " في " ش ".
362

وقد ظهر مما ذكرنا: أن الأولى في تعريف العيب ما في التحرير
والقواعد: من أنه نقص في العين، أو زيادة فيها تقتضي النقيصة المالية
في عادات التجار (1). ولعله المراد بما في الرواية - كما عرفت - ومراد كل
من عبر بمثلها، ولذا قال في التحرير بعد ذلك: " وبالجملة كل ما زاد
أو نقص عن أصل الخلقة ". والقيد الأخير لإدراج النقص الموجب لبذل
الزائد لبعض الأغراض، كما قد يقال ذلك في العبد الخصي.
ولا ينافيه ما ذكره في التحرير: من أن عدم الشعر على العانة
عيب في العبد والأمة (2)، لأنه مبني على ما ذكرنا في الجواب الأول عن
الرواية: من أن ذلك كاشف أو موهم لمرض في العضو أو المزاج،
لا على أنه لا يعتبر في العيب النقيصة المالية.
وفي التذكرة - بعد أخذ نقص المالية في تعريف العيب، وذكر كثير
من العيوب -: والضابط أنه يثبت الرد بكل ما في المعقود عليه من
منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به غرض صحيح بشرط أن يكون
الغالب في أمثال المبيع عدمه (3)، انتهى كلامه.
وما أحسنه! حيث لم يجعل ذلك تعريفا للعيب، بل لما يوجب الرد
فيدخل فيه مثل خصاء العبد، كما صرح به في التذكرة معللا بأن الغرض
قد يتعلق بالفحولية وإن زادت قيمته باعتبار آخر، وقد دخل المشتري
على ظن السلامة، انتهى (4). ويخرج منه مثل الثيبوبة والغلفة في المجلوب.

(1) التحرير 1: 182، والقواعد 2: 72، والعبارة من التحرير.
(2) التحرير 1: 182، وفيه: " عدم الشعر على العانة في الرجل والمرأة عيب ".
(3) التذكرة 1: 540.
(4) التذكرة 1: 538.
363

ولعل من عمم العيب لما لا يوجب نقص المالية - كما في
المسالك (1)، وعن جماعة (2) - أراد به مجرد موجب الرد، لا العيب الذي
يترتب عليه كثير من الأحكام وإن لم يكن فيه أرش (3)، كسقوط
خياره بتصرف أو حدوث عيب وغير ذلك.
وعليه يبتني قول جامع المقاصد، كما عن تعليق الإرشاد، حيث
ذكرا (4): أن اللازم تقييد قول العلامة: " يوجب نقص المالية " بقوله:
" غالبا " ليندرج مثل الخصاء والجب (5)، لأن المستفاد من ذكر بعض
الأمثلة أن الكلام في موجبات الرد، لا خصوص العيب. ويدل على
ذلك أنه قيد " كون عدم الختان في الكبير المجلوب من بلاد الشرك ليس
عيبا " ب‍ " علم المشتري بجلبه "، إذ ظاهره أنه مع عدم العلم عيب،
فلولا أنه أراد بالعيب مطلق ما يوجب الرد لم يكن معنى لدخل علم
المشتري وجهله في ذلك.

(1) المسالك 3: 290.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 611 عن الميسية، وقال: " وهو
قضية إطلاق المقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف والمراسم وفقه القرآن للراوندي
والوسيلة والغنية... ".
(3) لم ترد عبارة " وإن لم يكن فيه أرش " في " ش ".
(4) في " ش ": " ذكر ".
(5) جامع المقاصد 4: 323 وحاشية الإرشاد (مخطوط): 262 والعبارة للأول.
364

الكلام في بعض أفراد العيب
مسألة
لا إشكال ولا خلاف في كون المرض عيبا، وإطلاق كثير وتصريح
بعضهم (1) يشمل حمى يوم، بأن يجده في يوم البيع قد عرض له الحمى
وإن لم يكن نوبة له في الأسبوع.
قال في التذكرة: الجذام والبرص والعمى والعور والعرج والقرن
والفتق والرتق والقرع (2) والصمم والخرس عيوب إجماعا. وكذا أنواع
المرض، سواء استمر كما في الممراض، أو كان عارضا ولو حمى يوم.
والإصبع الزائدة والحول والحوص والسبل واستحقاق القتل في الردة أو
القصاص والقطع بالسرقة أو الجناية والاستسعاء في الدين عيوب إجماعا (3).
ثم إن عد حمى اليوم المعلوم كونها حمى يوم يزول في يومه
ولا يعود مبني على عد موجبات الرد لا العيوب الحقيقية، لأن ذلك
ليس منقصا للقيمة.

(1) مثل المحقق في الشرائع 2: 37، والعلامة في القواعد 2: 72، والشهيد في
الدروس 3: 281.
(2) في محتمل " ق ": " الصرع ".
(3) التذكرة 1: 540.
365

مسألة
الحبل عيب في الإماء كما صرح به جماعة (1)، وفي المسالك (2):
الإجماع عليه، في مسألة رد الجارية الحامل بعد الوطء. ويدل عليه
الأخبار الواردة في تلك المسألة (3). وعلله في التذكرة باشتماله على تغرير
النفس لعدم يقين السلامة بالوضع (4). هذا مع عدم كون الحمل للبائع،
وإلا فالأمر أوضح. ويؤيده عجز الحامل عن كثير من الخدمات وعدم
قابليتها للاستيلاد إلا بعد الوضع.
أما في غير الإماء من الحيوانات، ففي التذكرة: أنه ليس بعيب
ولا يوجب الرد بل [ذلك] (5) زيادة في المبيع إن قلنا بدخول الحمل في

(1) مثل العلامة في التذكرة 1: 540، والشهيد في الدروس 3: 281، والسيد
العاملي في مفتاح الكرامة 4: 622.
(2) المسالك 3: 287 - 288.
(3) راجع الوسائل 12: 415 - 417، الباب 5 من أبواب العيوب.
(4) التذكرة 1: 540.
(5) لم يرد في " ق ".
366

بيع الحامل، كما هو مذهب الشيخ، وقال بعض الشافعية: يرد به، وليس
بشئ (1)، انتهى.
ورجح المحقق [الثاني] (2) كونه عيبا وإن قلنا بدخول الحمل في
بيع الحامل، لأنه وإن كان زيادة من وجه، إلا أنه نقيصة من وجه
آخر، لمنع الانتفاع بها عاجلا، ولأنه لا يؤمن عليها من أداء الوضع
إلى الهلاك (3).
والأقوى - على قول الشيخ (4) - ما اختاره في التذكرة، لعدم النقص
في المالية بعد كونه زيادة من وجه آخر، وأداء الوضع إلى الهلاك نادر
في الحيوانات لا يعبأ به. نعم، عدم التمكن من بعض الانتفاعات نقص
يوجب الخيار دون الأرش، كوجدان العين مستأجرة.
وكيف كان، فمقتضى كون الحمل عيبا في الإماء أنه لو حملت
الجارية المعيبة عند المشتري لم يجز ردها، لحدوث العيب في يده (5) سواء
نقصت بعد الولادة أم لا، لأن العيب الحادث مانع وإن زال، على
ما تقدم من التذكرة (6).
وفي التذكرة: لو كان المبيع جارية (7) فحبلت وولدت في يد

(1) التذكرة 1: 540.
(2) لم يرد في " ق ".
(3) جامع المقاصد 4: 331.
(4) وهو دخول الحمل في بيع الحامل.
(5) في " ق ": " في يدها "، وهو سهو.
(6) تقدم في الصفحة 307.
(7) في " ش " زيادة: " معيبة ".
367

المشتري، فإن نقصت بالولادة سقط الرد بالعيب القديم وكان له الأرش،
وإن لم تنقص فالأولى جواز ردها وحدها من دون الولد - إلى أن
قال: - وكذا حكم الدابة لو حملت وولدت عند المشتري (1)، فإن نقصت
بالولادة فلا رد، وإن لم تنقص ردها [دون ولدها] (2) لأنه للمشتري (3)،
انتهى.
وفي مقام آخر: لو اشترى جارية أو بهيمة حائلا فحبلت عند
المشتري فإن نقصت بالحمل فلا رد (4)، وإن لم تنقص أو كان الحمل في
يد البائع فله الرد (5)، انتهى.
وفي الدروس: لو حملت إحداهما - يعني الجارية والبهيمة - عند
المشتري لا بتصرفه فالحمل له، فإن فسخ رد الأم ما لم تنقص بالحمل
أو الولادة. وظاهر القاضي: أن الحمل عند المشتري يمنع الرد، لأنه إما
بفعله أو إهمال المراعاة حتى ضربها الفحل، وكلاهما تصرف (6)، انتهى.
لكن صرح في المبسوط باستواء البهيمة والجارية في أنه إذا حملت

(1) في " ش ": " لو حملت عند المشتري وولدت ".
(2) من " ش " والمصدر.
(3) التذكرة 1: 532.
(4) العبارة في " ش " والمصدر هكذا: " لو اشترى جارية حائلا أو بهيمة حائلا
فحبلت، ثم اطلع على عيب، فإن نقصت بالحمل فلا رد إن كان الحمل في يد
المشتري، وبه قال الشافعي ".
(5) التذكرة 1: 532.
(6) الدروس 3: 285، وفيه: " وأطلق القاضي ".
368

إحداهما عند المشتري وولدت ولم تنقص بالولادة فوجد فيها عيبا رد
الأم دون الولد (1).
وظاهر ذلك كله - خصوصا نسبة منع الرد إلى خصوص القاضي
وخصوصا مع استدلاله على المنع بالتصرف، لا حدوث العيب - تسالمهم
على أن الحمل الحادث عند المشتري في الأمة ليس في نفسه عيبا بل
العيب هو النقص الحاصل (2) بالولادة. وهذا مخالف للأخبار المتقدمة في
رد الجارية الحامل الموطوءة من عيب الحبل (3)، وللإجماع المتقدم عن
المسالك (4)، وتصريح هؤلاء بكون الحمل (5) عيبا يرد منه لاشتماله على
التغرير بالنفس.
والجمع بين كلماتهم مشكل، خصوصا بملاحظة العبارة الأخيرة
المحكية عن التذكرة: من إطلاق كون الحمل عند البائع عيبا وإن لم
ينقص، وعند المشتري بشرط النقص - فافهم - (6) من غير فرق بين
الجارية والبهيمة، مع أن ظاهر العبارة الأولى - كالتحرير والقواعد -
الفرق، فراجع.
قال في القواعد: لو حملت غير الأمة عند المشتري من غير

(1) المبسوط 2: 127.
(2) في " ش ": " الحادث ".
(3) تقدم في الصفحة 293 - 294.
(4) تقدم في الصفحة 366.
(5) في " ش ": " الحبل ".
(6) لم ترد " فافهم " في " ش ".
369

تصرف فالأقرب أن للمشتري الرد بالعيب السابق، لأن الحمل زيادة (1)،
انتهى. وهذا بناء منه على أن الحمل ليس عيبا في غير الأمة.
وفي الإيضاح: أن هذا (2) على قول الشيخ في كون الحمل تابعا
للحامل في الانتقال ظاهر (3)، وأما عندنا فالأقوى ذلك، لأنه كالثمرة
المتجددة على الشجرة، وكما لو أطارت الريح ثوبا للمشتري في الدار
المبتاعة والخيار له فلا يؤثر، ويحتمل عدمه، لحصول خطر ما، ولنقص
منافعها، فإنها لا تقدر على الحمل العظيم (4)، انتهى.
ومما ذكرنا ظهر الوهم فيما نسب إلى الإيضاح: من أن ما قربه في
القواعد مبني على قول الشيخ: من دخول الحمل في بيع الحامل.
نعم، ذكر في جامع المقاصد: أن ما ذكره المصنف قدس سره إن تم
فإنما يخرج على قول الشيخ: من كون المبيع في زمن الخيار ملكا للبائع
بشرط تجدد الحمل في زمان الخيار (5).
ولعله فهم من العبارة رد الحامل مع حملها على ما يتراءى من
تعليله بقوله: " لأن الحمل زيادة " يعني: أن الحامل ردت إلى البائع مع
الزيادة، لا مع النقيصة. لكن الظاهر من التعليل كونه تعليلا لعدم كون
الحمل عيبا في غير الأمة.

(1) القواعد 2: 75، وراجع التحرير 1: 184 أيضا.
(2) في " ش " زيادة: " بناء ".
(3) في " ق ": " ظاهرا ".
(4) الإيضاح 1: 495.
(5) جامع المقاصد 4: 341.
370

وكيف كان، فالأقوى في مسألة حدوث حمل الأمة عدم جواز الرد
ما دام الحمل، وابتناء حكمها بعد الوضع وعدم النقص على ما تقدم:
من أن زوال العيب الحادث يؤثر في جواز الرد أم لا؟ وأما حمل غير
الأمة فقد عرفت أنه ليس عيبا موجبا للأرش، لعدم الخطر فيه غالبا،
وعجزها عن تحمل بعض المشاق لا يوجب إلا فوات بعض المنافع
الموجب للتخيير في الرد دون الأرش.
لكن لما كان المراد بالعيب الحادث المانع عن الرد ما يعم نقص
الصفات الغير الموجب للأرش، [و] (1) كان متحققا (2) هنا مضافا إلى
نقص آخر - وهو كون المبيع متضمنا لمال الغير، لأن المفروض كون
الحمل للمشتري - اتجه الحكم بعدم جواز الرد حينئذ.

(1) لم يرد في " ق ".
(2) في " ش ": " محققا ".
371

مسألة
الأكثر على أن الثيبوبة ليست عيبا في الإماء، بل في التحرير: لا نعلم
فيه خلافا (1)، ونسبه في المسالك (2) - كما عن غيره (3) - إلى إطلاق الأصحاب،
لغلبتها فيهن، فكانت بمنزلة الخلقة الأصلية. واستدل عليه أيضا برواية
سماعة المنجبرة بعمل الأصحاب - على ما ادعاه المستدل -: " عن رجل
باع جارية على أنها بكر، فلم يجدها كذلك؟ قال: لا ترد عليه، ولا يجب
عليه شئ، إنه قد يكون تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها " (4).
وفي كلا الوجهين نظر:
ففي الأول: ما عرفت سابقا: من أن وجود الصفة في أغلب أفراد
الطبيعة إنما يكشف عن كونها بمقتضى أصل وجودها المعبر عنه بالخلقة
الأصلية إذا لم يكن مقتضى الخلقة معلوما كما (5) نحن فيه، وإلا فمقتضى

(1) التحرير 1: 182.
(2) المسالك 3: 295.
(3) مثل الحدائق 19: 98، وراجع مفتاح الكرامة 4: 618.
(4) الوسائل 12: 418، الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 2.
(5) في " ش ": " فيما ".
372

الغالب لا يقدم على ما علم أنه مقتضى الخلقة الأصلية وعلم كون
النقص عنها موجبا لنقص المالية كما فيما نحن فيه، خصوصا مع ما عرفت
من إطلاق مرسلة السياري (1)، غاية ما يفيد الغلبة المذكورة هنا عدم
تنزيل إطلاق العقد على التزام سلامة المعقود عليه عن تلك الصفة
الغالبة، ولا يثبت الخيار بوجودها وإن كانت نقصا في الخلقة الأصلية.
وأما رواية سماعة فلا دلالة لها على المقصود، لتعليله عليه السلام عدم
الرد مع اشتراط البكارة باحتمال ذهابها بعارض، وقدح هذا الاحتمال
إما لجريانه بعد قبض المشتري فلا يكون مضمونا على البائع، وإما لأن
اشتراط البكارة كناية عن عدم وطء أحد لها، فمجرد ثيبوبتها لا يوجب
تخلف الشرط الموجب للخيار، بل مقتضى تعليل عدم الرد بهذا الاحتمال
أنه لو فرض عدمه لثبت الخيار، فيعلم من ذلك كون البكارة صفة كمال
طبيعي، فعدمها نقص في أصل الطبيعة فيكون عيبا.
وكيف كان، فالأقوى أن الثيبوبة عيب عرفا وشرعا، إلا أنها لما
غلبت على الإماء لم يقتض إطلاق العقد التزام سلامتها عن ذلك.
وتظهر الثمرة فيما لو اشترط في متن العقد سلامة المبيع عن العيوب
مطلقا أو اشترط خصوص البكارة، فإنه يثبت بفقدها التخيير بين الرد
والأرش، لوجود العيب وعدم المانع من تأثيره. ومثله ما لو كان المبيع
صغيرة أو كبيرة لم يكن الغالب على صنفها الثيبوبة، فإنه يثبت حكم
العيب.
والحاصل: أن غلبة الثيبوبة مانعة عن حكم العيب لا موضوعه،

(1) المتقدمة في الصفحة 360.
373

فإذا وجد ما يمنع عن مقتضاها ثبت حكم العيب، ولعل هذا (1) مراد
المشهور أيضا. ويدل على ذلك ما عرفت (2) من العلامة رحمه الله في التحرير:
من نفي الخلاف في عدم كون الثيبوبة عيبا، مع أنه في كتبه (3)، بل المشهور
- كما في الدروس (4) - على ثبوت الأرش إذا اشترط البكارة، فلولا أن
الثيبوبة عيب لم يكن أرش في مجرد تخلف الشرط.
نعم، يمكن أن يقال: إن مستندهم في ثبوت الأرش ورود النص
بذلك فيما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس: " في رجل اشترى
جارية على أنها عذراء، فلم يجدها عذراء؟ قال: يرد عليه فضل القيمة
إذا علم أنه صادق " (5).
ثم إنه نسب في التذكرة إلى أصحابنا عدم الرد بمقتضى رواية
سماعة المتقدمة، وأوله بما وجهنا به تلك الرواية (6). وذكر الشيخ في
النهاية مضمون الرواية (7) مع تعليلها الدال على تأويلها.
ولو شرط الثيبوبة فبانت بكرا كان له الرد، لأنه قد يقصد الثيب
لغرض صحيح.

(1) في " ش " زيادة: " هو ".
(2) في الصفحة 372.
(3) كما في المختلف 5: 174، والتحرير 1: 186، والتذكرة 1: 539.
(4) الدروس 3: 276.
(5) الكافي 5: 216، الحديث 14، والتهذيب 7: 64، الحديث 278، وعنهما في
الوسائل 12: 418، الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث الأول.
(6) التذكرة 1: 539 - 540، وتقدمت الرواية في الصفحة 372.
(7) النهاية: 394 - 395.
374

مسألة
ذكر في التذكرة والقواعد من جملة العيوب عدم الختان في العبد
الكبير، لأنه يخاف عليه من ذلك (1). وهو حسن على تقدير تحقق
الخوف على وجه لا يرغب في بذل ما يبذل لغيره بإزائه. ويلحق بذلك
المملوك الغير المجدر، فإنه يخاف عليه، لكثرة موت المماليك بالجدري.
ومثل هذين وإن لم يكن نقصا في الخلقة الأصلية، إلا أن عروض هذا
النقص - أعني الخوف - مخالف لمقتضى ما عليه الأغلب في النوع أو
الصنف.
ولو كان الكبير مجلوبا من بلاد الشرك، فظاهر القواعد كون عدم
الختان عيبا فيه مع الجهل دون العلم (2). وهو غير مستقيم، لأن العلم
والجهل بكونه مجلوبا لا يؤثر في كونه عيبا. نعم، لما كان الغالب في
المجلوب عدم الختان لم يكن إطلاق العقد الواقع عليه مع العلم بجلبه
التزاما بسلامته من هذا العيب، كما ذكرنا نظيره في الثيب.

(1) التذكرة 1: 539، والقواعد 2: 73.
(2) القواعد 2: 73.
375

وتظهر الثمرة هنا أيضا فيما لو اشترط الختان فظهر أغلف، فيثبت
الرد والأرش.
فإخراج العلامة قدس سره الثيبوبة وعدم الختان في الكبير المجلوب مع
العلم بجلبه من العيوب، لكونه قدس سره في مقام عد العيوب الموجبة فعلا
للخيار.
376

مسألة
عدم الحيض ممن شأنها الحيض - بحسب السن والمكان وغيرهما
من الخصوصيات التي لها مدخل (1) في ذلك - عيب ترد منه (2) الجارية،
لأنه خروج عن المجرى الطبيعي، ولقول الصادق عليه السلام وقد سئل عن
رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى لها ستة أشهر
وليس بها حمل، قال: " إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك من كبر فهذا
عيب ترد منه " (3) وليس التقييد بمضي ستة أشهر إلا في مورد السؤال،
فلا داعي إلى تقييد كونه عيبا بذلك، كما في ظاهر بعض الكلمات (4).
ثم إن حمل الرواية على صورة عدم التصرف في الجارية حتى
بمثل قول المولى لها: " اسقني ماء " و " اغلقي الباب " في غاية البعد.
وظاهر الحلي في السرائر عدم العمل بمضمون الرواية رأسا (5).

(1) في " ش ": " مدخلية ".
(2) في " ش ": " معه ".
(3) الوسائل 12: 413، الباب 3 من أبواب العيوب، وفيه حديث واحد.
(4) مثل الشيخ في النهاية: 395، والمحقق في الشرائع 2: 37، والعلامة في القواعد 2: 72.
(5) راجع السرائر 2: 304 - 305.
377

مسألة
الإباق عيب بلا إشكال ولا خلاف، لأنه من أفحش العيوب.
وتدل عليه صحيحة أبي همام (1) الآتية في عيوب السنة (2). لكن في
رواية محمد بن قيس: أنه " ليس في الإباق عهدة " (3)، ويمكن حملها على
أنه ليس كعيوب السنة يكفي حدوثها بعد العقد، كما يشهد قوله عليه السلام
في رواية يونس: " إن العهدة في الجنون والبرص سنة " (4)، بل لا بد من
ثبوت كونه كذلك عند البائع، وإلا فحدوثه عند المشتري ليس في عهدة
البائع، ولا خلاف إذا ثبت وجوده عند البائع.
وهل يكفي المرة عنده أو يشترط الاعتياد؟ قولان: من الشك
في كونه عيبا. والأقوى ذلك، وفاقا لظاهر الشرائع (5) وصريح

(1) الوسائل 12: 411، الباب 2 من أبواب أحكام العيوب، الحديث 2.
(2) لم نعثر عليها فيما يأتي.
(3) الوسائل 12: 422، الباب 10 من أبواب العيوب، الحديث 2.
(4) الوسائل 12: 412، الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 5.
(5) الشرائع 2: 37.
378

التذكرة (1)، لكون ذلك بنفسه نقصا بحكم العرف.
ولا يشترط إباقه عند المشتري قطعا.

(1) التذكرة 1: 538، وفيه: " والمرة الواحدة في الإباق تكفي... "، وأما القول
بالاعتياد فقد نسبه في المسالك 3: 296 إلى بعض الأصحاب، وقال: " وهو
أقوى "، وقال في الروضة 3: 499: " والأقوى اعتبار اعتياده ".
379

مسألة
الثفل الخارج عن العادة في الزيت والبذر ونحوهما عيب يثبت به
الرد والأرش، لكون ذلك خلاف ما عليه غالب أفراد الشئ.
وفي رواية ميسر بن عبد العزيز، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يشتري زق زيت يجد فيه درديا؟ قال: إن كان يعلم أن
الدردي يكون في الزيت فليس عليه أن يرده، وإن لم يكن يعلم فله
أن يرده " (1).
نعم، في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام: " أن عليا عليه السلام
قضى في رجل اشترى من رجل عكة فيها سمن احتكرها حكرة، فوجد
فيها ربا، فخاصمه إلى علي عليه السلام، فقال له علي عليه السلام: لك بكيل
الرب سمنا، فقال له الرجل: إنما بعته منه حكرة، فقال له علي عليه السلام:
إنما اشترى منك سمنا ولم يشتر منك ربا " (2) قال في الوافي: يقال:

(1) الوسائل 12: 419، الباب 7 من أبواب العيوب، الحديث الأول، نقله عن
الكافي، ولكن الموجود في المتن أقرب وأشبه لما في التهذيب 7: 66، الحديث
283.
(2) الوسائل 12: 419، الباب 7 من أبواب العيوب، الحديث 3.
380

" اشترى المتاع حكرة " أي جملة (1).
وهذه الرواية بظاهرها مناف (2) لحكم العيب من الرد أو الأرش،
وتوجيهها بما يطابق القواعد مشكل، وربما استشكل في أصل الحكم
بصحة البيع لو كان كثيرا وعلم (3)، للجهل بمقدار المبيع. وكفاية معرفة
وزن السمن بظروفه خارجة بالإجماع كما تقدم (4) أو مفروضة في صورة
انضمام الظرف المفقود هنا، لأن الدردي غير متمول.
والأولى أن يقال: إن وجود الدردي إن أفاد نقصا في الزيت من
حيث الوصف وإن أفضى بعد التخليص إلى نقص الكم - نظير الغش في
الذهب - كان الزائد منه على المعتاد عيبا وإن أفرط في الكثرة،
ولا إشكال في صحة البيع حينئذ، لأن المبيع زيت وإن كان معيوبا،
وعليه يحمل ما في التحرير: من أن الدردي في الزيت والبذر عيب
موجب للرد أو الأرش (5).
وإن لم يفد إلا نقصا في الكم، فإن بيع (6) ما في العكة بعد وزنها
مع العكة ومشاهدة شئ منه تكون أمارة على باقيه وقال: " بعتك
ما في هذه العكة من الزيت كل رطل بكذا " فظهر امتزاجه بغيره الغير
الموجب لتعيبه، فالظاهر صحة البيع وعدم ثبوت الخيار أصلا، لأنه

(1) الوافي 18: 739، ذيل الحديث 18202.
(2) كذا، والمناسب: " منافية ".
(3) لم ترد " وعلم " في " ش ".
(4) راجع الجزء الرابع، الصفحة 321 - 322.
(5) التحرير 1: 182.
(6) في " ش ": " باع ".
381

اشترى السمن الموجود في هذه العكة، ولا يقدح الجهل بوزنه، للعلم به
مع الظرف، والمفروض معرفة نوعه بملاحظة شئ منها بفتح رأس العكة،
فلا عيب ولا تبعض صفقة، إلا أن يقال: إن إطلاق شراء ما في العكة
من الزيت في قوة اشتراط كون ما عدا العكة سمنا، فيلحق بما سيجئ
في الصورة الثالثة من اشتراط كونه بمقدار خاص.
وإن باعه بعد معرفة وزن المجموع بقوله: " بعتك ما في هذه العكة "
فتبين بعضه درديا صح البيع في الزيت مع خيار تبعض الصفقة.
قال في التحرير: لو اشترى سمنا فوجد فيه غيره تخير بين الرد
وأخذ ما وجده من السمن بنسبة الثمن (1).
ولو باع (2) ما في العكة من الزيت على أنه كذا وكذا رطلا، فتبين
نقصه عنه لوجود الدردي، صح البيع وكان للمشتري خيار تخلف
الوصف أو الجزء، على الخلاف المتقدم (3) فيما لو باع الصبرة على أنها
كذا وكذا فظهر ناقصا.
ولو باعه مع مشاهدته ممزوجا بما لا يتمول بحيث لا يعلم قدر
خصوص الزيت، فالظاهر عدم صحة البيع وإن عرف وزن المجموع مع
العكة، لأن كفاية معرفة وزن الظرف والمظروف إنما هي من حيث الجهل
الحاصل من اجتماعهما لا من انضمام مجهول آخر غير قابل للبيع، كما لو
علم بوزن مجموع الظرف والمظروف لكن علم بوجود صخرة في الزيت
مجهولة الوزن.

(1) التحرير 1: 182.
(2) في " ق ": " ولو باعه ".
(3) انظر الجزء السادس، الصفحة 81 - 82.
382

مسألة
قد عرفت (1) أن مطلق المرض عيب، خصوصا الجنون والبرص
والجذام والقرن. ولكن تختص هذه الأربعة من بين العيوب بأنها لو حدثت
إلى سنة من يوم العقد يثبت لأجلها التخيير بين الرد والأرش. هذا هو
المشهور، ويدل عليه ما استفيض عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام.
ففي رواية علي بن أسباط عنه في حديث خيار الثلاثة: " إن
أحداث السنة ترد بعد السنة، قلت: وما أحداث السنة؟ قال الجنون
والجذام والبرص والقرن، فمن اشترى فحدث فيه هذه الأحداث فالحكم
أن يرد على صاحبه إلى تمام السنة من يوم اشتراه " (2).
وفي رواية ابن فضال المحكية عن الخصال: " في أربعة أشياء خيار
سنة: الجنون والجذام والقرن والبرص " (3).
وفي رواية أخرى له عنه عليه السلام قال: " ترد الجارية من أربع

(1) في الصفحة 365.
(2) الوسائل 12: 412، الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 4.
(3) الخصال: 245، الحديث 104، وعنه في الوسائل 12: 412، الباب 2 من
أبواب العيوب، الحديث 7.
383

خصال: من الجنون والجذام والبرص والقرن والحدبة " (1) هكذا في
التهذيب. وفي الكافي: " القرن: الحدبة، إلا أنها تكون في الصدر تدخل
الظهر وتخرج الصدر " (2)، انتهى.
ومراده: أن الحدب ليس خامسا لها، لأن القرن يرجع إلى حدب
في الفرج. لكن المعروف أنه عظم في الفرج كالسن يمنع الوطء.
وفي الصحيح عن محمد بن علي - قيل: وهو مجهول (3)، واحتمل
بعض (4) كونه الحلبي - عنه عليه السلام قال: " يرد المملوك من أحداث السنة،
من الجنون والبرص والقرن، قال: قلت وكيف يرد من أحداث؟ فقال:
هذا أول السنة - يعني المحرم - فإذا اشتريت مملوكا فحدث فيه هذه
الخصال ما بينك وبين ذي الحجة رددت على صاحبه " (5)، وهذه الرواية
لم يذكر فيها الجذام (6) مع ورودها في مقام التحديد والضبط لهذه الأمور،

(1) الوسائل 12: 411، الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث الأول، وراجع
التهذيب 7: 64، الحديث 277.
(2) الكافي 5: 216، الحديث 15.
(3) قاله المحدث البحراني في الحدائق 19: 104، والسيد العاملي في مفتاح
الكرامة 4: 661.
(4) وهو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 8: 449، وصاحب الجواهر في الجواهر
23: 298.
(5) التهذيب 7: 64، الحديث 275، وعنه في الوسائل 12: 412 الباب 2 من
أبواب أحكام العيوب، ذيل الحديث 2.
(6) وردت كلمة " الجذام " في الحديث - المنقول في التهذيب وغيره -، بل وردت
في كتب الفروع، مثل الحدائق والجواهر أيضا، نعم ذكر السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 4: 661، الحديث كما ذكره المصنف، وقال: " وقد ترك فيه
الجذام "، والظاهر أن المصنف أخذه منه.
384

فيمكن أن يدعى معارضتها لباقي الأخبار المتقدمة.
ومن هنا استشكل المحقق الأردبيلي في الجذام (1). وليس التعارض
من باب المطلق والمقيد كما ذكره في الحدائق ردا على الأردبيلي رحمه الله (2).
إلا أن يريد أن التعارض يشبه تعارض المطلق والمقيد في وجوب العمل
بما لا يجري فيه احتمال يجري في معارضه، وهو هنا احتمال سهو الراوي
في ترك ذكر الجذام، فإنه أقرب الاحتمالات المتطرقة فيما نحن فيه.
ويمكن أن يكون الوجه في ترك الجذام في هذه الرواية انعتاقها
على المشتري بمجرد حدوث الجذام، فلا معنى للرد، وحينئذ فيشكل
الحكم بالرد في باقي الأخبار.
ووجهه في المسالك: بأن عتقه على المشتري موقوف على ظهور
الجذام بالفعل، ويكفي في العيب الموجب للخيار وجود مادته في نفس
الأمر وإن لم يظهر، فيكون سبب الخيار مقدما على سبب العتق، فإن
فسخ انعتق على البائع، وإن أمضى انعتق على المشتري (3).
وفيه أولا:
أن ظاهر هذه الأخبار: أن سبب الخيار ظهور هذه الأمراض،
لأنه المعني بقوله: " فحدث فيه هذه الخصال ما بينك وبين ذي الحجة "،
ولولا ذلك لكفى وجود موادها في السنة، وإن تأخر ظهورها عنها

(1) لم نعثر عليه في مجمع الفائدة، نعم استشكل في القرن والبرص كما نقل عنه
في الحدائق 19: 105 - 106، وراجع مجمع الفائدة 8: 449 - 450.
(2) راجع الحدائق 19: 105 - 106.
(3) المسالك 3: 305.
385

ولو بقليل بحيث يكشف عن وجود المادة قبل انقضاء السنة. وهذا مما
لا أظن (1) أحدا يلتزمه، مع أنه لو كان الموجب للخيار هي مواد هذه
الأمراض كان ظهورها زيادة في العيب حادثة في يد المشتري، فلتكن
مانعة من الرد، لعدم قيام المال بعينه حينئذ، فيكون في التزام خروج
هذه العيوب عن عموم كون النقص الحادث مانعا عن الرد تخصيص (2)
آخر للعمومات.
وثانيا: أن سبق سبب الخيار لا يوجب عدم الانعتاق بطرو سببه،
بل ينبغي أن يكون الانعتاق القهري بسببه (3) مانعا شرعيا بمنزلة المانع
العقلي عن الرد كالموت، ولذا لو حدث الانعتاق بسبب آخر غير الجذام
فلا أظن أحدا يلتزم عدم الانعتاق إلا بعد لزوم البيع، خصوصا مع بناء
العتق على التغليب.
هذا، ولكن رفع اليد عن هذه الأخبار الكثيرة المعتضدة بالشهرة
المحققة والإجماع المدعى في السرائر (4) والغنية (5) مشكل، فيمكن العمل بها
في موردها، أو الحكم من أجلها بأن تقدم سبب الخيار يوجب توقف
الانعتاق على إمضاء العقد ولو في غير المقام. ثم لو فسخ المشتري
فانعتاقه على البائع موقوف على دلالة الدليل على عدم جواز تملك

(1) في ظاهر " ق ": " يظن ".
(2) في النسخ: " تخصيصا ".
(3) في " ش ": " سببه ".
(4) السرائر 2: 302.
(5) الغنية: 222 - 223.
386

المجذوم، لا أن جذام المملوك يوجب انعتاقه بحيث يظهر اختصاصه
بحدوث الجذام في ملكه.
ثم إن زيادة " القرن " ليس في كلام الأكثر، فيظهر منهم العدم،
فنسبة المسالك الحكم في الأربعة إلى المشهور (1) كأنه لاستظهار ذلك من
ذكره في الدروس ساكتا عن الخلاف فيه (2). وعن التحرير: نسبته إلى
أبي علي (3)، وفي مفتاح الكرامة: أنه لم يظفر بقائل غير الشهيدين
وأبي علي (4)، ومن هنا تأمل المحقق الأردبيلي من عدم صحة الأخبار
وفقد الانجبار (5).
ثم إن ظاهر إطلاق الأخبار - على وجه يبعد التقييد فيها - شمول
الحكم لصورة التصرف. لكن المشهور تقييد الحكم بغيرها، ونسب إليهم
جواز الأرش قبل التصرف وتعينه بعده (6)، والأخبار خالية عنه، وكلا
الحكمين (7) مشكل، إلا أن الظاهر من كلمات بعض عدم الخلاف الصريح
فيهما. لكن كلام المفيد قدس سره مختص بالوطء (8)، والشيخ وابن زهرة لم

(1) المسالك 3: 305.
(2) الدروس 3: 281.
(3) التحرير 1: 185.
(4) راجع مفتاح الكرامة 4: 660 - 661، مع زيادة نقله عن جامع الشرائع.
(5) مجمع الفائدة 8: 449 - 450.
(6) لم نعثر عليه بعينه، نعم في مجمع الفائدة (8: 450): " وثبت عندهم: أن الرد
يسقط مع التصرف في المبيع مطلقا دون الأرش ".
(7) في " ش ": " كلاهما ".
(8) سيأتي في كلامه في الصفحة الآتية.
387

يذكرا التصرف ولا الأرش (1).
نعم، ظاهر الحلي الإجماع على تساويها (2) مع سائر العيوب من
هذه الجهة، وأن هذه العيوب كسائر العيوب في كونها مضمونة، إلا أن
الفارق ضمان هذه إذا حدثت في السنة بعد القبض وانقضاء الخيار (3).
ولو ثبت أن أصل هذه الأمراض تكمن قبل سنة من ظهورها، وثبت
أن أخذ الأرش للعيب الموجود قبل العقد أو القبض مطابق للقاعدة،
ثبت الأرش هنا بملاحظة التعيب بمادة هذه الأمراض الكامنة في المبيع،
لا بهذه الأمراض الظاهرة فيه.
قال في المقنعة: ويرد العبد والأمة من الجنون والجذام والبرص
ما بين ابتياعهما وبين سنة واحدة، ولا يردان بعد سنة، وذلك أن أصل
هذه الأمراض يتقدم ظهورها بسنة ولا يتقدم بأزيد، فإن وطأ المبتاع
الأمة في هذه السنة لم يجز له ردها وكان له قيمة ما بينها صحيحة
وسقيمة (4)، انتهى.
وظاهره: أن نفس هذه الأمراض تتقدم بسنة، ولذا أورد عليه في
السرائر: أن هذا موجب لانعتاق المملوك على البائع فلا يصح البيع (5).
ويمكن أن يريد به ما ذكرنا: من إرادة مواد هذه الأمراض.

(1) راجع النهاية: 394، والغنية: 222.
(2) في " ق ": " تساويه ".
(3) راجع السرائر 2: 301 - 302.
(4) المقنعة: 600.
(5) السرائر 2: 302.
388

خاتمة
في عيوب متفرقة
قال في التذكرة: بأن (1) الكفر ليس عيبا في العبد ولا في الجارية (2).
ثم استحسن قول بعض الشافعية بكونه عيبا في الجارية إذا منع الاستمتاع
كالتمجس والتوثن دون التهود والتنصر. والأقوى كونه موجبا للرد في
غير المجلوب وإن كان أصلا في المماليك، إلا أن الغالب في غير المجلوب
الإسلام، فهو نقص، (3) لتنفر الطباع عنه، خصوصا بملاحظة نجاستهم
المانعة عن كثير من الاستخدامات.
نعم، الظاهر عدم الأرش فيه، لعدم صدق العيب عليه عرفا وعدم
كونه نقصا أو زيادة في أصل الخلقة.
ولو ظهرت الأمة محرمة على المشتري برضاع أو نسب فالظاهر
عدم الرد به، لأنه لا يعد نقصا بالنوع، ولا عبرة بخصوص المشتري.
ولو ظهر (4) ممن ينعتق عليه فكذلك، كما في التذكرة (5) معللا: بأنه

(1) في " ش ": " إن ".
(2) التذكرة 1: 539.
(3) في " ش " زيادة: " موجب ".
(4) أي العبد، كما في التذكرة.
(5) التذكرة 1: 540.
389

ليس نقصا عند كل الناس وعدم نقص ماليته عند غيره.
وفي التذكرة: لو ظهر أن البائع باعه وكالة أو ولاية أو وصاية أو
أمانة، ففي ثبوت الرد لخطر فساد النيابة احتمال (1). أقول: الأقوى عدمه.
وكذا لو اشترى ما عليه أثر الوقف. نعم، لو كان عليه أمارة قوية
عليه لم يبعد كونه موجبا للرد، لقلة رغبة الناس في تملك مثله، وتأثير
ذلك في نقصان قيمته عن قيمة أصل الشئ لو خلي وطبعه أثرا بينا.
وذكر في التذكرة: أن الصيام والإحرام والاعتداد ليست عيوبا (2).
أقول: أما عدم إيجابها الأرش فلا إشكال فيه. وأما عدم إيجابها
الرد ففيه إشكال إذا فات بها الانتفاع بها في مدة طويلة، فإنه لا ينقص
عن ظهور المبيع مستأجرا.
وقال أيضا: إذا كان المملوك نماما أو ساحرا أو قاذفا للمحصنات
أو شاربا للخمر أو مقامرا ففي كون هذه عيوبا إشكال، أقربه العدم (3).
وقال: لو كان الرقيق رطب الكلام أو غليظ الصوت أو سيئ
الأدب أو ولد زنا أو مغنيا أو حجاما أو أكولا أو زهيدا، فلا رد.
ويرد الدابة بالزهادة. وكون الأمة عقيما لا يوجب الرد، لعدم القطع
بتحققه فربما كان من الزوج أو لعارض، انتهى.
ومراده العارض الاتفاقي لا المرض العارضي.
قال في التذكرة في آخر ذكر موجبات الرد: والضابط أن الرد
يثبت بكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين نقصا يفوت به
غرض صحيح بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه (4)، انتهى.

(1) التذكرة 1: 540، والعبارة الثالثة ثبتت في الهامش، وكتب في آخرها " صح ".
(2) التذكرة 1: 540، والعبارة الثالثة ثبتت في الهامش، وكتب في آخرها " صح ".
(3) التذكرة 1: 540، والعبارة الثالثة ثبتت في الهامش، وكتب في آخرها " صح ".
(4) التذكرة 1: 540، والعبارة الثالثة ثبتت في الهامش، وكتب في آخرها " صح ".
390

القول في الأرش
وهو لغة - كما في الصحاح (1) وعن المصباح (2) -: دية الجراحات،
وعن القاموس: أنه الدية (3). ويظهر من الأولين أنه في الأصل اسم
للفساد.
ويطلق في كلام الفقهاء على مال يؤخذ بدلا عن نقص مضمون
في مال أو بدن (4)، لم يقدر له في الشرع مقدر.
وعن حواشي الشهيد قدس سره: أنه يطلق بالاشتراك اللفظي على
معان:
منها: ما نحن فيه.
ومنها: نقص القيمة لجناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدر
الشرعي.

(1) الصحاح 3: 995، مادة " أرش ".
(2) المصباح المنير: 12، مادة " أرش ".
(3) القاموس المحيط 2: 261، مادة " أرش ".
(4) في " ش " زيادة: " و ".
391

ومنها: ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية، كقطع يد العبد.
ومنها: أكثر الأمرين من المقدر الشرعي والأرش، وهو ما تلف
بجناية الغاصب (1)، انتهى.
وفي جعل ذلك من الاشتراك اللفظي إشارة إلى أن هذا اللفظ قد
اصطلح في خصوص كل من هذه المعاني عند الفقهاء بملاحظة مناسبتها
للمعنى اللغوي مع قطع النظر عن ملاحظة العلاقة بين كل منها وبين
الآخر، فلا يكون مشتركا معنويا بينهما، ولا حقيقة ومجازا، فهي كلها
منقولات عن المعنى اللغوي بعلاقة الإطلاق والتقييد. وما ذكرناه في
تعريف الأرش فهو كلي انتزاعي عن تلك المعاني، كما يظهر بالتأمل.
وكيف كان، فقد ظهر من تعريف الأرش: أنه لا يثبت إلا مع
ضمان النقص المذكور.
ثم إن ضمان النقص تابع في الكيفية لضمان المنقوص، وهو الأصل.
فإن كان مضمونا بقيمته كالمغصوب والمستام وشبههما - ويسمى
ضمان اليد - كان النقص مضمونا بما يخصه من القيمة إذا وزعت على
الكل.
وإن كان مضمونا بعوض، بمعنى أن فواته يوجب عدم تملك
عوضه المسمى في المعاوضة - ويسمى ضمانه ضمان المعاوضة - كان النقص
مضمونا بما يخصه من العوض إذا وزع على مجموع الناقص والمنقوص
لا نفس قيمة العيب، لأن الجزء تابع للكل في الضمان، ولذا عرف جماعة
الأرش في عيب المثمن فيما نحن فيه: بأنه جزء من الثمن نسبته إليه

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 632.
392

كنسبة التفاوت بين الصحيح والمعيب إلى الصحيح (1)،
وذلك لأن ضمان
تمام المبيع الصحيح على البائع ضمان المعاوضة، بمعنى أن البائع ضامن
لتسليم المبيع تاما إلى المشتري، فإذا فاته تسليم بعضه ضمنه بمقدار
ما يخصه من الثمن لا بقيمته.
نعم، ظاهر كلام جماعة من القدماء (2) - كأكثر النصوص - يوهم
إرادة قيمة العيب كلها، إلا أنها محمولة على الغالب من مساواة الثمن
للقيمة السوقية للمبيع، بقرينة ما فيها: من أن البائع يرد على المشتري،
وظاهره كون المردود شيئا من الثمن، الظاهر في عدم زيادته عليه بل
في نقصانه. فلو كان اللازم هو نفس التفاوت لزاد على الثمن في بعض
الأوقات، كما إذا اشترى جارية بدينارين وكانت (3) معيبها تسوي مئة
وصحيحها تسوي أزيد، فيلزم استحقاق مئة دينار، فإذا لم يكن مثل
هذا الفرد داخلا - بقرينة عدم صدق الرد والاسترجاع - تعين كون هذا
التعبير لأجل غلبة عدم استيعاب التفاوت للثمن، فإذا بني الأمر [على
ملاحظة الغلبة] (4) فمقتضاها الاختصاص بما هو الغالب من اشتراء
الأشياء من أهلها في أسواقها بقيمتها المتعارفة.

(1) كما في القواعد 2: 74، والإرشاد 1: 376، وجامع المقاصد 4: 192،
وفيه: " لأن المعروف أن الأرش جزء من الثمن... "، ومجمع الفائدة 8: 426.
(2) مثل علي بن بابويه والمفيد كما في الدروس 3: 287، وراجع تفصيل ذلك في
مفتاح الكرامة 4: 631 - 633.
(3) في " ش ": " كان "، وهو الأنسب.
(4) لم يرد في " ق ".
393

وقد توهم بعض من لا تحصيل له: أن العيب إذا كان في الثمن
كان أرشه تمام التفاوت بين الصحيح والمعيب، ومنشؤه ما يرى (1) في
الغالب: من وقوع الثمن في الغالب نقدا غالبا مساويا لقيمة المبيع، فإذا
ظهر معيبا وجب تصحيحه ببذل تمام التفاوت، وإلا فلو فرض أنه
اشترى عبدا بجارية تسوي معيبها أضعاف قيمته، فإنه لا يجب بذل
نفس التفاوت بين صحيحها ومعيبها قطعا.
وكيف كان، فالظاهر أنه لا إشكال ولا خلاف في ذلك وإن كان
المتراءى من الأخبار خلافه، إلا أن التأمل فيها قاض بخلافه.
نعم، يشكل الأمر في المقام من جهة أخرى، وهي: أن مقتضى
ضمان وصف الصحة بمقدار ما يخصه من الثمن لا بقيمته انفساخ العقد في
ذلك المقدار، لعدم مقابل له حين العقد كما هو شأن الجزء المفقود من
المبيع، مع أنه لم يقل به أحد، ويلزم من ذلك أيضا تعين أخذ الأرش
من الثمن، مع أن ظاهر جماعة عدم تعينه منه معللا بأنه غرامة (2).
وتوضيحه: أن الأرش لتتميم المعيب حتى يصير (3) مقابلا للثمن،
لا لنقص (4) الثمن حتى يصير مقابلا للمعيب، ولذا سمي أرشا كسائر
الأروش المتداركة للنقائص، فضمان العيب على هذا الوجه خارج عن

(1) كذا في ظاهر " ق "، وفي " ش ": " ما يتراءى ".
(2) صرح به العلامة في التذكرة 1: 528، وصاحب الجواهر في الجواهر 23:
294.
(3) في " ق ": " يصلح "، والظاهر أنه من سهو القلم.
(4) في " ش ": " لا لتنقيص ".
394

الضمانين المذكورين، لأن ضمان المعاوضة يقتضي انفساخ المعاوضة بالنسبة
إلى الفائت المضمون ومقابله، إذ لا معنى له غير ضمان الشئ وأجزائه
بعوضه المسمى وأجزائه، والضمان الآخر يقتضي ضمان الشئ بقيمته
الواقعية.
فلا أوثق من أن يقال: إن مقتضى المعاوضة عرفا هو عدم مقابلة
وصف الصحة بشئ من الثمن، لأنه أمر معنوي كسائر الأوصاف، ولذا
لو قابل المعيب بما هو أنقص منه قدرا حصل الربا من جهة صدق
الزيادة وعدم عد العيب نقصا يتدارك بشئ من مقابله، إلا أن الدليل
من النص والإجماع دل على ضمان هذا الوصف من بين الأوصاف (1)،
بمعنى وجوب تداركه بمقدار من الثمن منضاف (2) إلى ما يقابل بأصل المبيع
لأجل اتصافه بوصف الصحة، فإن هذا الوصف كسائر الأوصاف وإن لم
يقابله شئ من الثمن، لكن له مدخل في وجود مقدار من الثمن وعدمه،
فإذا تعهده البائع كان للمشتري مطالبته بخروجه عن عهدته بأداء ما كان
يلاحظ من الثمن لأجله، وللمشتري أيضا إسقاط هذا الالتزام عنه.
نعم، يبقى الكلام في كون هذا الضمان المخالف للأصل بعين بعض
الثمن، كما هو ظاهر تعريف الأرش في كلام الأكثر بأنه جزء من
الثمن (3)، أو بمقداره، كما هو مختار العلامة في صريح التذكرة (4) وظاهر

(1) في " ش " زيادة: " وكونه في عهدة البائع ".
(2) في " ش ": " يضاف ".
(3) منهم العلامة والمحقق الثاني وغيرهما، وقد تقدم عنهم في الصفحة 393 - 394.
(4) التذكرة 1: 528، وفيه: والأقرب أنه لا يتعين حق المشتري فيه بل للبائع
إبداله.
395

غيرها والشهيدين في كتبهما (1)؟ وجهان: تردد بينهما في جامع
المقاصد (2).
وأقواهما الثاني، لأصالة عدم تسلط المشتري على شئ من الثمن،
وبراءة ذمة البائع من وجوب دفعه، لأن المتيقن من مخالفة الأصل ضمان
البائع لتدارك الفائت الذي التزم وجوده في المبيع بمقدار وقع الإقدام
من المتعاقدين على زيادته على الثمن لداعي وجود هذه الصفة، لا في
مقابلها، مضافا إلى إطلاق قوله عليه السلام في روايتي حماد وعبد الملك:
إن (3) " له أرش العيب " (4)، ولا دليل على وجوب كون التدارك بجزء من
عين الثمن، عدا ما يتراءى من ظاهر التعبير في روايات الأرش عن
تدارك العيب ب‍ -: " رد التفاوت إلى المشتري " (5) الظاهر في كون المردود
شيئا كان عنده أولا، وهو بعض الثمن.
لكن التأمل التام يقضي بأن هذا التعبير وقع بملاحظة أن الغالب

(1) راجع الدروس 3: 287، والمسالك 3: 299 - 300، والروضة 3: 474.
(2) جامع المقاصد 4: 194.
(3) في " ش ": " إنه ".
(4) راجع الوسائل 12: 415، الباب 4 من أبواب العيوب، الحديث 7، والصفحة
416، الباب 5 من أبواب العيوب، الحديث 3.
(5) لم نعثر على العبارة بلفظها، نعم يدل على مفادها ما ورد في أبواب الخيار
وأبواب أحكام العيوب، منها ما ورد في الوسائل 12: 418، الباب 6 من
أبواب أحكام العيوب، الحديث الأول، وفيه: " يرد عليه فضل القيمة "،
والصفحة 362، الباب 16 من أبواب الخيار، والصفحة 413، الباب 4 من
أبواب أحكام العقود، وغيرهما.
396

وصول الثمن إلى البائع وكونه من النقدين، فالرد باعتبار النوع، لا الشخص.
ومن ذلك يظهر أن قوله عليه السلام في رواية ابن سنان: " ويوضع عنه من
ثمنها بقدر العيب إن كان فيها " (1) محمول على الغالب: من كون الثمن كليا
في ذمة المشتري، فإذا اشتغلت ذمة البائع بالأرش حسب المشتري عند
أداء الثمن ما في ذمته عليه.
ثم على المختار من عدم تعينه من عين الثمن، فالظاهر تعينه من
النقدين، لأنهما الأصل في ضمان المضمونات، إلا أن يتراضى على غيرهما
من باب الوفاء أو المعاوضة.
واستظهر المحقق الثاني من عبارة القواعد والتحرير بل الدروس
عدم تعينه منهما، حيث حكموا (2) في باب الصرف بأنه لو وجد عيب في
أحد العوضين المتخالفين بعد التفرق جاز أخذ الأرش من غير النقدين
ولم يجز منهما، فاستشكل ذلك بأن الحقوق المالية إنما يرجع فيها إلى
النقدين، فكيف الحق الثابت باعتبار نقصان في أحدهما؟ (3).
ويمكن رفع هذا الإشكال: بأن المضمون بالنقدين هي الأموال
المتعينة المستقرة، والثابت هنا ليس مالا في الذمة، وإلا بطل البيع
فيما قابله من الصحيح، لعدم وصول عوضه قبل التفرق، وإنما هو حق
لو أعمله جاز له مطالبة المال، فإذا اختار الأرش من غير النقدين

(1) الوسائل 12: 414، الباب 4 من أبواب أحكام العيوب، الحديث الأول.
(2) في " ش ": " حكما ".
(3) جامع المقاصد 4: 192 - 194، وراجع القواعد 2: 39، والتحرير 1:
172، والدروس 3: 304.
397

ابتداء ورضي به الآخر فالمختار (1) نفس الأرش، لا عوض عنه. نعم،
للآخر الامتناع منه، لعدم تعينه عليه، كما أن لذي الخيار مطالبة النقدين
في غير هذا المقام وإن لم يكن للآخر الامتناع حينئذ.
وبالجملة، فليس هنا شئ معين ثابت في الذمة، إلا أن دفع غير
النقدين يتوقف على رضا ذي الخيار ويكون نفس الأرش، بخلاف دفع
النقدين، فإنه إذا اختير غيرهما لم يتعين (2) للأرشية.
ثم إنه قد تبين مما ذكرنا في معنى الأرش: أنه لا يكون إلا
مقدارا مساويا لبعض الثمن، ولا يعقل أن يكون مستغرقا له، لأن المعيب
إن لم يكن مما يتمول ويبذل في مقابله شئ من المال بطل بيعه، وإلا
فلا بد من أن يبقى له من الثمن قسط.
نعم، ربما يتصور ذلك فيما إذا حدث قبل القبض أو في زمان
الخيار عيب يستغرق للقيمة مع بقاء الشئ على صفة التملك (3)، بناء على
أن مثل ذلك غير ملحق بالتلف في انفساخ العقد به، بل يأخذ المشتري
أرش العيب، وهو هنا مقدار تمام الثمن. لكن عدم إلحاقه بالتلف مشكل،
بناء على أن العيب إذا كان مضمونا على البائع بمقتضى قوله عليه السلام:
" إن حدث بالحيوان حدث فهو من مال البائع حتى ينقضي خياره " (4)

(1) في " ش ": " فمختاره ".
(2) كذا في النسخ، لكن قال الشهيدي قدس سره: " الصواب: فإنه إذا اختير أحدهما
يتعين للأرشية " هداية الطالب: 548.
(3) في محتمل " ق ": " الملك ".
(4) الوسائل 12: 352، الباب 5 من أبواب الخيار، الحديث 5، وليس فيه:
" حتى ينقضي خياره ".
398

كان هذا العيب كأنه حدث في ملك البائع، والمفروض: أنه إذا حدث
مثل هذا في ملك البائع كان بيعه باطلا، لعدم كونه متمولا يبذل بإزائه
شئ من المال، فيجب الحكم بانفساخ العقد إذا حدث (1) بعده مضمونا
على البائع. إلا أن يمنع ذلك وأن ضمانه على البائع موجب (2) الحكم
بكون دركه عليه، فهو بمنزلة الحادث قبل البيع في هذا الحكم لا مطلقا
حتى ينفسخ العقد به، ويرجع هذا الملك الموجود الغير المتمول إلى
البائع. بل لو فرضنا حدوث العيب على وجه أخرجه عن الملك فلا دليل
على إلحاقه بالتلف، بل تبقى العين الغير المملوكة حقا للمشتري وإن لم
يكن ملكا له - كالخمر المتخذ للتخليل - ويأخذ الثمن أو مقداره من
البائع أرشا لا من باب انفساخ العقد.
هذا، إلا أن العلامة قدس سره في القواعد والتذكرة والتحرير (3) ومحكي
النهاية (4) يظهر منه الأرش المستوعب في العيب المتقدم على العقد الذي
ذكرنا أنه لا يعقل فيه استيعاب الأرش للثمن.
قال في القواعد: لو باع العبد الجاني خطأ ضمن أقل الأمرين
على رأي، والأرش على رأي، وصح البيع إن كان موسرا، وإلا تخير
المجني عليه. ولو كان عمدا وقف على إجازة المجني عليه، ويضمن الأقل
من الأرش والقيمة لا الثمن معها، وللمشتري الفسخ مع الجهل، فيرجع

(1) في " ش " زيادة: " مثل هذا ".
(2) في " ش " بدل " موجب ": " بمعنى ".
(3) ستأتي النصوص المنقولة عن هذه المصادر.
(4) نهاية الإحكام 2: 485 - 486.
399

بالثمن أو الأرش. فإن استوعبت الجناية القيمة فالأرش ثمنه أيضا، وإلا
فقدر الأرش. ولا يرجع لو كان عالما، وله أن يفديه كالمالك ولا يرجع
به عليه. ولو اقتص منه فلا رد وله الأرش، وهو نسبة تفاوت ما بين
كونه جانيا وغير جان من الثمن (1)، انتهى.
وذكر في التذكرة هذه العبارة بعينها في باب العيوب (2). وقال في
أوائل البيع من التذكرة في مسألة بيع العبد الجاني: ولو كان المولى
معسرا لم يسقط حق المجني عليه من الرقبة ما لم يجز البيع أولا، فإن
البائع إنما يملك نقل حقه عن رقبته بفدائه، ولا يحصل من ذمة المعسر،
فيبقى حق المجني عليه مقدما على حق المشتري، ويتخير المشتري
الجاهل في الفسخ، فيرجع بالثمن [معه] (3) أو مع الاستيعاب، لأن أرش
مثل هذا جميع ثمنه. وإن لم يستوعب يرجع بقدر أرشه. ولو كان عالما
بتعلق الحق [به] (4) فلا رجوع - إلى أن قال: - وإن أوجبت الجناية
قصاصا تخير المشتري الجاهل بين الرد والأرش، فإن اقتص منه احتمل
تعين الأرش، وهو قسط قيمة ما بينه جانيا وغير جان. ولا يبطل
البيع من أصله (5)، لأنه تلف عند المشتري بالعيب الذي كان فيه، فلم

(1) القواعد 2: 76.
(2) التذكرة 1: 540.
(3) أثبتناه من المصدر، وفي " ش " بعد قوله: " بالثمن " زيادة: " وبه قال أحمد
وبعض الشافعية ".
(4) من " ش " والمصدر.
(5) في المصدر زيادة: " وبه قال أحمد وبعض الشافعية ".
400

يوجب الرجوع بجميع الثمن كالمريض والمرتد. وقال أبو حنيفة والشافعي:
يرجع بجميع [ثمنه] (1)، لأن تلفه لمعنى (2) استحق عليه عند البائع، فجرى
إتلافه (3)، انتهى.
وقال في التحرير في بيع الجاني خطأ: ولو كان السيد معسرا لم
يسقط حق المجني عليه من (4) رقبة العبد، فيتخير المشتري مع عدم علمه،
فإن فسخ يرجع بالثمن، وكذا إن كانت الجناية مستوعبة، وإن لم
يستوعب رجع بالأرش (5)، انتهى.
وقال في أوائل البيع في هذه المسألة: ولو كان السيد معسرا لم
يسقط حق المجني عليه عن رقبة العبد، وللمشتري الفسخ مع عدم
العلم (6)، فإن فسخ رجع بالثمن، وإن لم يفسخ واستوعبت الجناية قيمته
وانتزعت يرجع المشتري بالثمن أيضا، وإن لم يستوعب رجع بقدر
الأرش. ولو علم المشتري بتعلق الحق برقبة العبد لم يرجع بشئ. ولو
اختار المشتري أن يفديه جاز ورجع به على البائع مع الإذن، وإلا
فلا (7)، انتهى.

(1) في المصدر: " الثمن "، والكلمة ساقطة من " ق ".
(2) كذا في ظاهر " ق "، وفي المصدر: " بمعنى "، وفي " ش ": " لأمر ".
(3) التذكرة 1: 465 - 466.
(4) في " ش " والمصدر: " عن ".
(5) التحرير 1: 185 و 165.
(6) في " ش " بدل " فيتخير المشتري - إلى - مع عدم العلم ": " وللمشتري
الفسخ مع عدم علمه ".
(7) التحرير 1: 185 و 165.
401

قوله: " وانتزعت " إما راجع إلى رقبة العبد، أو إلى القيمة إذا
باعه المجني عليه وأخذ قيمته، وهذا القيد غير موجود في باقي عبارات
العلامة في كتبه الثلاثة.
وكيف كان: فالعبد المتعلق برقبته حق للمجني عليه يستوعب
قيمته، إما أن يكون له قيمة تبذل بإزائه، أو لا، وعلى الأول: فلا بد
أن يبقى شئ من الثمن للبائع بإزائه، فلا يرجع بجميع الثمن عليه. وعلى
الثاني: فينبغي بطلان البيع.
ولو قيل: إن انتزاعه عن ملك المشتري لحق كان عليه عند البائع
يوجب غرامته على البائع كان اللازم من ذلك - مع منعه (1) في نفسه -
أن يكون الحكم كذلك فيما لو اقتص من الجاني عمدا.
وقد عرفت من التذكرة والقواعد الحكم بقسط من الثمن فيه.
وبالجملة، فالمسألة محل تأمل، والله العالم.

(1) في " ش ": " مع بعده ".
402

مسألة
يعرف الأرش بمعرفة قيمتي الصحيح والمعيب ليعرف التفاوت بينهما،
فيؤخذ من البائع بنسبة ذلك التفاوت. وإذا لم تكن القيمة معلومة فلا بد
من الرجوع إلى العارف بها.
وهو قد يخبر عن القيمة المتعارفة المعلومة المضبوطة عند أهل البلد
أو أهل الخبرة منهم لهذا المبيع المعين أو لمثله في الصفات المقصودة،
كمن يخبر: بأن هذه الحنطة أو مثلها يباع في السوق بكذا، وهذا داخل
في الشهادة يعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشهادة على سائر المحسوسات:
من العدالة، والإخبار عن الحس، والتعدد.
وقد يخبر عن نظره وحدسه من جهة كثرة ممارسته أشباه هذا
الشئ وإن لم يتفق اطلاعه على مقدار رغبة الناس في أمثاله، وهذا
يحتاج إلى الصفات السابقة وزيادة المعرفة والخبرة بهذا الجنس، ويقال له
بهذا الاعتبار: أهل الخبرة.
وقد يخبر عن قيمته باعتبار خصوصيات في المبيع يعرفها هذا
المخبر مع كون قيمته على تقدير العلم بالخصوصيات واضحة، كالصائغ
العارف بأصناف الذهب والفضة من حيث الجودة والرداءة، مع كون
403

قيمة الجيد والردئ محفوظة عند الناس معروفة بينهم، فقوله: " هذا
قيمته كذا " يريد به أنه من جنس قيمته كذا، وهذا في الحقيقة لا يدخل
في المقوم، وكذا القسم الأول، فمرادهم بالمقوم هو الثاني.
لكن الأظهر عدم التفرقة بين الأقسام من حيث اعتبار شروط
القبول وإن احتمل في غير الأول الاكتفاء بالواحد:
إما للزوم الحرج لو اعتبر التعدد.
وإما لاعتبار الظن في مثل ذلك مما انسد فيه باب العلم ويلزم
من طرح قول العادل الواحد والأخذ بالأقل - لأصالة براءة ذمة البائع -
تضييع حق المشتري في أكثر المقامات.
وإما لعموم ما دل على قبول قول العادل، خرج منه ما كان من
قبيل الشهادة كالقسم الأول، دون ما كان من قبيل الفتوى كالثاني،
لكونه ناشئا عن حدس واجتهاد وتتبع الأشباه والأنظار وقياسه عليها
حتى أنه يحكم لأجل ذلك بأنه ينبغي أن يبذل بإزائه كذا وكذا وإن لم
يوجد راغب يبذل له ذلك.
ثم لو تعذر معرفة القيمة - لفقد أهل الخبرة أو توقفهم - ففي كفاية
الظن أو الأخذ بالأقل وجهان. ويحتمل ضعيفا الأخذ بالأكثر، لعدم
العلم بتدارك العيب المضمون إلا به.
404

مسألة
لو تعارض المقومون، فيحتمل:
تقديم بينة الأقل، للأصل.
وبينة الأكثر، لأنها مثبتة.
والقرعة، لأنها لكل أمر مشتبه.
والرجوع إلى الصلح، لتشبث كل من المتبايعين بحجة شرعية
ظاهرية، والمورد غير قابل للحلف، لجهل كل منهما بالواقع.
وتخيير الحاكم، لامتناع الجمع وفقد المرجح.
لكن الأقوى من الكل ما عليه المعظم (1): من وجوب الجمع بينهما
بقدر الإمكان، لأن كلا منهما حجة شرعية (2)، فإذا تعذر العمل به (3) في

(1) منهم المفيد في المقنعة: 597، والمحقق في الشرائع 2: 38، والعلامة في
القواعد 2: 75 وغيره من كتبه، وراجع تفصيل ذلك في مفتاح الكرامة 4:
632 - 633.
(2) في " ش " زيادة: " يلزم العمل به ".
(3) في " ق ": " بها ".
405

تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه، فإذا قومه أحدهما بعشرة فقد
قوم كلا من نصفه بخمسة، وإذا قومه الآخر (1) بثمانية فقد قوم كلا من
نصفه بأربعة، فيعمل بكل منهما في نصف المبيع. وقولهما (2) وإن كانا
متعارضين في النصف أيضا كالكل، فيلزم مما ذكر طرح كلا القولين في
النصفين، إلا أن طرح قول كل منهما في النصف مع العمل به في النصف
الآخر أولى في مقام امتثال أدلة العمل بكل بينة من طرح كليهما أو
إحداهما رأسا، وهذا معنى قولهم: " إن الجمع بين الدليلين والعمل بكل
منهما - ولو من وجه - أولى من طرح أحدهما رأسا "، ولذا جعل في
تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة: الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت
البينتان في دار في يد رجلين يدعيها كل منهما (3).
بل ما نحن فيه أولى بمراعاة هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين
في أحكام الله تعالى، لأن الأخذ بأحدهما كلية وطرح (4) الآخر كذلك
في التكاليف الشرعية الإلهية لا ينقص عن التبعيض من حيث مراعاة
حق الله سبحانه، لرجوع الكل إلى امتثال أمر الله سبحانه، بخلاف مقام
التكليف بإحقاق حقوق الناس، فإن في التبعيض جمعا بين حقوق الناس
ومراعاة للجميع ولو في الجملة، ولعل هذا هو السر في عدم تخيير الحاكم
عند تعارض أسباب حقوق الناس في شئ من موارد الفقه (5).

(1) في " ق ": " الأخرى ".
(2) في " ش ": " قولاهما ".
(3) تمهيد القواعد: 284.
(4) في " ش ": " ترك ".
(5) في " ش " ومصححة " ف " بدل " موارد الفقه ": " الموارد ".
406

وقد يستشكل ما ذكرنا: تارة بعدم التعارض بينهما عند التحقيق،
لأن مرجع بينة النفي إلى عدم وصول نظرها وحدسها إلى الزيادة، فبينة
الإثبات المدعية للزيادة سليمة.
وأخرى بأن الجمع فرع عدم اعتضاد إحدى البينتين بمرجح،
وأصالة البراءة هنا مرجحة للبينة الحاكمة بالأقل.
وثالثة بأن في الجمع مخالفة قطعية وإن كان فيه موافقة قطعية،
لكن التخيير الذي لا يكون فيه إلا مخالفة احتمالية أولى منه.
ويندفع الأول بأن المفروض أن بينة النفي تشهد بالقطع على نفي
الزيادة واقعا، وأن بذل الزائد في مقابل المبيع سفه.
ويندفع الثاني بما قررناه في الأصول (1): من أن الأصول الظاهرية
لا تصير مرجحة للأدلة الاجتهادية، بل تصلح مرجعا في المسألة
لو تساقط الدليلان من جهة ارتفاع ما هو مناط الدلالة فيهما لأجل
التعارض، كما في الظاهرين المتعارضين كالعامين من وجه المطابق
أحدهما للأصل، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل. والحاصل: أن بينة
الزيادة تثبت أمرا مخالفا للأصل، ومعارضتها بالأخرى النافية لها
لا يوجب سقوطها بالمرة لفقد المرجح، فيجمع بين النفي والإثبات في
النصفين.
ويندفع الثالث بأن ترجيح الموافقة الاحتمالية الغير المشتملة على
المخالفة القطعية على الموافقة القطعية المشتملة عليها إنما هو في مقام
الإطاعة والمعصية الراجعتين إلى الانقياد والتجري، حيث إن ترك

(1) راجع فرائد الأصول 4: 151 - 152.
407

التجري أولى من تحصيل العلم بالانقياد، بخلاف مقام إحقاق حقوق
الناس، فإن مراعاة الجميع (1) أولى من إهمال أحدهما رأسا وإن اشتمل
على إعمال الآخر، إذ ليس الحق فيهما لواحد (2) كما في حقوق الله
سبحانه.
ثم إن قاعدة الجمع حاكمة على دليل القرعة، لأن المأمور به هو
العمل بكل من الدليلين لا بالواقع المردد بينهما، إذ قد يكون كلاهما
مخالفا للواقع، فهما سببان مؤثران بحكم الشارع في حقوق الناس، فيجب
مراعاتها وإعمال أسبابها بقدر الإمكان، إذ لا ينفع توفية حق واحد مع
إهمال حق الآخر رأسا (3).
ثم إن المعروف في الجمع بين البينات الجمع بينها (4) في قيمتي
الصحيح، فيؤخذ من القيمتين للصحيح نصفهما ومن الثلاث ثلثها (5) ومن
الأربع ربعها (6) وهكذا في المعيب، ثم تلاحظ النسبة بين المأخوذ للصحيح
وبين المأخوذ للمعيب ويؤخذ بتلك النسبة. فإذا كان إحدى قيمتي
الصحيح اثني عشر والأخرى ستة، وإحدى قيمتي المعيب أربعة (7)

(1) في محتمل " ق ": " الجمع ".
(2) في " ش " زيادة: " معين ".
(3) في " ش " زيادة: " على النهج الذي ذكرنا من التنصيف في المبيع ".
(4) كذا في ظاهر " ق "، وفي " ش ": " بينهما ".
(5) في " ش ": " ثلثهما ".
(6) في " ش ": " ربعهما ".
(7) في " ق ": " ستة "، وهو سهو.
408

والأخرى اثنين، أخذ للصحيح تسعة وللمعيب ثلاثة، والتفاوت بالثلثين،
فيكون الأرش ثلثي الثمن (1).
ويحتمل الجمع بطريق آخر، وهو: أن يرجع إلى البينة في مقدار
التفاوت ويجمع بين البينات فيه من غير ملاحظة القيم. وهذا منسوب
إلى الشهيد قدس سره على ما في الروضة (2).
وحاصله قد يتحد مع طريق المشهور كما في المثال المذكور، فإن
التفاوت بين الصحيح والمعيب على قول كل من البينتين بالثلثين كما
ذكرنا في الطريق الأول.
وقد يختلفان، كما إذا كانت إحدى قيمتي [الصحيح] (3) اثني عشر
والأخرى ثمانية، وقيمة المعيب على الأول عشرة وعلى الثاني خمسة.
فعلى الأول: يؤخذ نصف مجموع قيمتي الصحيح أعني العشرة، ونصف
قيمتي المعيب وهو سبعة ونصف، فالتفاوت بالربع، فالأرش ربع الثمن،
أعني ثلاثة من اثني عشر لو فرض الثمن اثني عشر. وعلى الثاني:
يؤخذ التفاوت بين الصحيح والمعيب على إحدى البينتين بالسدس وعلى

(1) في " ش " زيادة ما يلي: " ويمكن أيضا على وجه التنصيف فيما به التفاوت بين
القيمتين، بأن تعمل في نصفه بقول المثبت للزيادة، وفي نصفه الآخر بقول النافي،
فإذا قومه إحداهما باثني عشر والآخر بثمانية أخذ في نصف الأربعة بقول المثبت
وفي نصفها الآخر بقول النافي، جمعا بين حقي البائع والمشتري، لكن الأظهر هو
الجمع على النهج الأول ".
(2) الروضة البهية 3: 478.
(3) لم يرد في " ق ".
409

الأخرى ثلاثة أثمان، وينصف المجموع - أعني ستة ونصف (1) من اثني
عشر جزءا - ويؤخذ نصفه وهو ثلاثة وربع، وقد كان في الأول ثلاثة.
وقد ينقص عن الأول، كما إذا اتفقا على أن قيمة المعيب ستة،
وقال إحداهما: قيمة الصحيح ثمانية، وقال الأخرى: عشرة. فعلى
الأول: يجمع القيمتان ويؤخذ نصفهما تسعة، ونسبته إلى الستة بالثلث.
وعلى الثاني: يكون التفاوت على إحدى البينتين ربعا وعلى الأخرى
خمسين فيؤخذ نصف (2) الربع ونصف الخمسين، فيكون ثمنا وخمسا، وهو
ناقص عن الثلث بنصف خمس.
توضيح هذا المقام: أن الاختلاف إما أن يكون في الصحيح فقط
مع اتفاقهما على المعيب، وإما أن يكون في المعيب فقط، وإما أن يكون
فيهما.
فإن كان في الصحيح فقط - كما في المثال الأخير - فالظاهر
التفاوت بين الطريقين دائما، لأنك قد عرفت أن الملحوظ على طريق
المشهور نسبة المعيب إلى مجموع نصفي قيمتي الصحيح المجعول قيمة
منتزعة، وعلى الطريق الآخر نسبة المعيب إلى كل من القيمتين المستلزمة
لملاحظة أخذ نصفه مع نصف الآخر ليجمع بين البينتين في العمل،
والمفروض في هذه الصورة أن نسبة المعيب إلى مجموع نصفي قيمتي
الصحيح - التي هي طريقة المشهور - مخالفة لنسبة نصفه إلى كل من

(1) كذا في " ق "، والمناسب: " نصفا " كما في " ش ".
(2) من هنا إلى قوله: " وتوهم أن حكم شراء شئ... " في الصفحة 414 مفقود
من نسخة الأصل " ق ".
410

النصفين، لأن نسبة الكل إلى الكل تساوي نسبة نصفه إلى كل من
نصفي ذلك الكل، وهو الأربعة والنصف في المثال، لا إلى كل من
النصفين (1) المركب منهما ذلك الكل كالأربعة والخمسة، بل النصف
المنسوب إلى أحد بعضي (2) المنسوب إليه كالأربعة نسبة مغايرة لنسبته
إلى البعض الآخر، أعني الخمسة، وهكذا غيره من الأمثلة.
وإن كان الاختلاف في المعيب فقط فالظاهر عدم التفاوت بين
الطريقين أبدا، لأن نسبة الصحيح إلى نصف مجموع قيمتي المعيب - على
ما هو طريق المشهور - مساوية لنسبة نصفه إلى نصف إحداهما ونصفه
الآخر إلى نصف الأخرى، كما إذا اتفقا (3) على كون الصحيح اثني عشر
وقالت إحداهما: المعيب ثمانية، وقالت الأخرى: ستة، فإن تفاوت
السبعة والاثني عشر - الذي هو طريق المشهور - مساو لنصف مجموع
تفاوتي الثمانية مع الاثني عشر والستة مع الاثني عشر، لأن نسبة
الأولين بالثلث والآخرين بالنصف ونصفهما السدس والربع، وهذا بعينه
تفاوت السبعة والاثني عشر.
وإن اختلفا في الصحيح والمعيب، فإن اتحدت النسبة بين الصحيح
والمعيب على كلتا البينتين (4) فيتحد الطريقان دائما، كما إذا قومه إحداهما
صحيحا باثني عشر ومعيبا بستة، وقومه الأخرى صحيحا بستة ومعيبا

(1) في " ف " بدل " النصفين ": " البعضين ".
(2) في " ش ": " بعض ".
(3) كذا، والمناسب: " اتفقتا "، لرجوع الضمير إلى البينتين.
(4) في نسخة بدل " ن ": " النسبتين ".
411

بثلاثة، فإن نصف الصحيحين - أعني التسعة - تفاوته مع نصف مجموع
المعيبين - وهو الأربعة ونصف - عين نصف تفاوتي الاثني عشر مع الستة
والستة مع الثلاثة.
والحاصل: أن كل صحيح ضعف المعيب، فيلزمه كون نصف الصحيحين
ضعف نصف المعيبين.
وإن اختلفت النسبة، فقد يختلف الطريقان وقد يتحدان، وقد تقدم
مثالهما في أول المسألة (1).
ثم إن الأظهر بل المتعين في المقام هو الطريق الثاني المنسوب إلى
الشهيد قدس سره وفاقا للمحكي عن إيضاح النافع، حيث ذكر أن طريق
المشهور ليس بجيد (2)، ولم يذكر وجهه. ويمكن إرجاع كلام الأكثر إليه،
كما سيجئ (3).
ووجه تعين هذا الطريق: أن أخذ القيمة من القيمتين على طريق
المشهور أو النسبة المتوسطة من النسبتين على الطريق الثاني، إما للجمع
بين البينتين بإعمال كل منهما في نصف العين كما ذكرنا، وإما لأجل أن
ذلك توسط بينهما لأجل الجمع بين الحقين بتنصيف ما به التفاوت نفيا
وإثباتا على النهج الذي ذكرناه أخيرا في الجمع بين البينتين، كما يحكم
بتنصيف الدرهم الباقي من الدرهمين المملوكين لشخصين إذا ضاع
أحدهما المردد بينهما من عند الودعي ولم تكن هنا بينة تشهد لأحدهما

(1) تقدم في الصفحة 409.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 633.
(3) يجئ في الصفحة 416.
412

بالاختصاص، بل ولا ادعى أحدهما اختصاصه بالدرهم الموجود.
فعلى الأول فاللازم وإن كان هو جمع نصفي قيمتي الصحيح
والمعيب - كما فعله المشهور - بأن يجمع الاثنا عشر والثمانية المفروضتان (1)
قيمتين للصحيح في المثال المتقدم، ويؤخذ نصف أحدهما (2) قيمة نصف
المبيع صحيحا، ونصف الأخرى قيمة للنصف الآخر منه، ولازم ذلك
كون تمامه بعشرة، ويجمع قيمتا المعيب - أعني العشرة والخمسة - ويؤخذ
لكل نصف من المبيع المعيوب نصف من أحدهما، ولازم ذلك كون تمام
المبيع بسبعة ونصف (3)، إلا أنه لا ينبغي ملاحظة نسبة المجموع من نصفي
إحدى القيمتين - أعني العشرة - إلى المجموع من نصف (4) الأخرى - أعني
سبعة ونصفا - كما نسب إلى المشهور، لأنه إذا فرض لكل نصف من
المبيع قيمة تغاير قيمة النصف الآخر وجب ملاحظة التفاوت بالنسبة إلى
كل من النصفين صحيحا ومعيبا وأخذ الأرش لكل نصف على حسب
تفاوت صحيحه ومعيبه.
فالعشرة ليست قيمة لمجموع الصحيح إلا باعتبار أن نصفه مقوم،
بستة ونصفه الآخر بأربعة، وكذا السبعة ونصف (5) ليست قيمة لمجموع
المعيب إلا باعتبار أن نصفه مقوم بخمسة ونصفه الآخر باثنين ونصف،

(1) في " ف ": " المفروضتين ".
(2) في " ش ": " إحديهما ".
(3) في " ف " بدل " المبيع بسبعة ونصف ": " المعيب بخمسة عشر ".
(4) في " ف ": " نصفي ".
(5) في " ش ": " والنصف ".
413

فلا وجه لأخذ تفاوت ما بين مجموع العشرة والسبعة ونصف (1)، بل
لا بد من أخذ تفاوت ما بين الأربعة والاثنين ونصف لنصف منه،
وتفاوت ما بين الستة والخمسة للنصف الآخر.
وتوهم: أن حكم شراء شئ تغاير قيمتا نصفيه حكم ما لو
اشترى بالثمن [الواحد] (2) مالين معيبين مختلفين في القيمة صحيحا
ومعيبا، بأن اشترى عبدا وجارية [باثني عشر] (3) فظهرا معيبين، والعبد
يسوي أربعة صحيحا واثنين ونصف (4) معيبا، والجارية يسوي ستة
صحيحة وخمسة معيبة، فإنه لا شك في أن اللازم في هذه الصورة
ملاحظة مجموع قيمتي الصفقة صحيحة ومعيبة - أعني العشرة والسبعة
ونصف (5) - وأخذ التفاوت وهو الربع من الثمن، وهو ثلاثة إذا فرض
الثمن اثني عشر كما هو طريق المشهور فيما نحن فيه.
مدفوع: بأن الثمن في المثال لما كان موزعا على العبد والجارية
بحسب قيمتهما، فإذا أخذ المشتري ربع الثمن أرشا فقد أخذ للعبد ثلاثة
أثمان قيمته وللجارية سدسه (6) كما هو الطريق المختار، لأنه أخذ من
مقابل الجارية - أعني سبعة وخمسا - سدسه وهو واحد وخمس، ومن
مقابل العبد - أعني أربعة وأربعة أخماس - ثلاثة أثمان وهو واحد وأربعة

(1) في " ش ": " والنصف ".
(2) لم يرد في " ق ".
(3) لم يرد في " ق ".
(4) كذا في " ق "، والمناسب: " نصفا "، كما في " ش ".
(5) في " ش ": " النصف ".
(6) كذا في " ق "، والمناسب: " سدسها "، كما في " ش ".
414

أخماس، فالثلاثة التي هي ربع الثمن منطبق على السدس وثلاثة أثمان.
بخلاف ما نحن فيه، فإن المبذول في مقابل كل من النصفين المختلفين
بالقيمة أمر واحد، وهو نصف الثمن.
فالمناسب لما نحن فيه فرض شراء كل من الجارية والعبد في
المثال المفروض بثمن مساو للآخر، بأن اشترى كلا منهما بنصف الاثني
عشر في عقد واحد أو عقدين، فلا يجوز حينئذ أخذ الربع من اثني
عشر، بل المتعين حينئذ أن يؤخذ من ستة الجارية سدس، ومن ستة
العبد اثنان وربع، فيصير مجموع الأرش ثلاثة وربعا (1)، وهو المأخوذ في
المثال المتقدم على الطريق الثاني.
وقد ظهر مما ذكرنا: أنه لا فرق بين شهادة البينات بالقيم أو
شهادتهم بنفس النسبة بين الصحيح والمعيب وإن لم يذكروا القيم.
هذا كله إذا كان مستند المشهور في أخذ القيمة الوسطى إلى (2)
العمل بكل من البينتين في جزء من المبيع.
أما (3) إذا كان المستند مجرد الجمع بين الحقين (4)، بأن تنزل القيمة
الزائدة وترفع (5) الناقصة على حد سواء، فالمتعين الطريق الثاني [أيضا] (6)،

(1) في " ق " بدل " ربعا ": " أربعة "، وهو سهو ظاهرا.
(2) لم ترد " إلى " في " ش ".
(3) في " ش ": " وأما ".
(4) في " ش " زيادة: " على ما ذكرناه أخيرا ".
(5) في " ش ": " يرتفع ".
(6) لم يرد في " ق ".
415

سواء شهدت البينتان بالقيمتين أم شهدتا بنفس النسبة بين الصحيح
والمعيب.
أما إذا شهدتا بنفس التفاوت، فلأنه إذا شهدت إحداهما بأن
التفاوت بين الصحيح والمعيب بالسدس وهو الاثنان من اثني عشر،
وشهدت الأخرى بأنه بثلاثة أثمان وهو الثلاثة من ثمانية، زدنا على
السدس ما تنقص من ثلاثة أثمان صار (1) كل واحد (2) سدسا ونصف سدس
وثمنه، وهو من الثمن المفروض اثني عشر ثلاثة وربع، كما ذكرنا سابقا.
وإن شهدت البينتان بالقيمتين، فمقتضى الجمع بين الحقين في هذا
المقام (3) تعديل قيمتي كل من الصحيح والمعيب بالزيادة والنقصان
بأخذ (4) قيمة نسبته إلى المعيب دون نسبة القيمة الزائدة وفوق نسبة
الناقصة، فيؤخذ من الاثني عشر والعشر (5) ومن الثمانية والخمسة قيمتان
للصحيح والمعيب نسبة إحداهما إلى الأخرى يزيد على السدس بما ينقص
من ثلاثة أثمان، فيؤخذ قيمتان يزيد صحيحهما على المعيب بسدس
ونصف سدس وثمن سدس.
ومن هنا يمكن إرجاع كلام الأكثر إلى الطريق الثاني، بأن يريدوا

(1) في " ش ": " وصار ".
(2) في " ش " زيادة: " من التفاوتين بعد التعديل ".
(3) العبارة في " ش " هكذا: " بين حقي البائع والمشتري في مقام إعطاء الأرش
وأخذه تعديل... ".
(4) في " ق ": " أخذ ".
(5) في " ش ": " العشرة ".
416

من " أوسط القيم المتعددة للصحيح والمعيب " القيمة المتوسطة بين القيم
لكل منهما من حيث نسبتهما إلى قيمة الآخر، فيكون مرادهم من أخذ
قيمتين للصحيح والمعيب [قيمة] (1) متوسطة من حيث نسبة إحداهما إلى
الأخرى بين أقوال جميع البينات المقومين للصحيح والفاسد. وليس في
كلام الأكثر أنه تجمع قيم الصحيح وتنتزع منها قيمة - وكذلك قيم
المعيب - ثم تنسب إحدى القيمتين المنتزعتين إلى الأخرى.
قال في المقنعة: فإن اختلف أهل الخبرة عمل على أوسط القيم (2)
ونحوه في النهاية (3). وفي الشرائع عمل على الأوسط (4).
وبالجملة، فكل من عبر بالأوسط يحتمل أن يريد الوسط من
حيث النسبة لا من حيث العدد (5).

(1) لم يرد في " ق ".
(2) المقنعة: 597.
(3) النهاية: 393.
(4) الشرائع 2: 38.
(5) في " ش " زيادة ما يلي:
" هذا، مع أن المستند في الجميع هو ما ذكرنا: من وجوب العمل بكل من
البينتين في قيمة نصف المبيع. نعم، لو لم يكن بينة أصلا لكن علمنا من الخارج
أن قيمة الصحيح إما هذا وإما ذاك - وكذلك قيمة المعيب - ولم نقل حينئذ
بالقرعة أو الأصل، فاللازم الاستناد في التنصيف إلى الجمع بين الحقين على هذا
الوجه، وقد عرفت أن الجمع بتعديل التفاوت، لأنه الحق، دون خصوص
القيمتين المحتملتين. والله العالم ".
417

تم
الجزء الخامس
ويليه
الجزء السادس
وأوله في
الشروط
418