الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ١٤
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
(في شرح شرائع الاسلام)
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الرابع عشر
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تأليف: الشيخ محمد حسن نجفي.
ناشر: دار الكتاب الاسلامية
نوبت چاپ: دوم
تاريخ انتشار: پائيز 1365
: چاپخانه خورشيد
ناشر: دار الكتب الاسلامية تهران، بازار سلطاني، تلفن 520410
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الطرف الثالث
في أحكام الجماعة
(وفيه مسائل):
(الأولى: إذا) علم أو (ثبت بعد) الفراغ من (الصلاة أن الإمام فاسق
أو كافر أو على غير طهارة) من الحدث الأصغر أو الأكبر (لم تبطل صلاة المؤتم)
على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا، بل في الرياض عليه عامة
أصحابنا عدا السيد والإسكافي، بل في الخلاف الاجماع على الوسط الملحق به الأول
إجماعا في الرياض مع ظهور الأولوية فيه، كما أنه في التذكرة الاجماع على الأخير،
ونسبة الصحة إلى علمائنا في الثاني، ثم حكى عن المرتضى خاصة الخلاف فيه
لقاعدة الاجزاء وإن كانت هي بالنسبة إلى الأخير لا تخلو من إشكال لا يدفعه أنه
لا طريق له في معرفة ذلك إلا الظاهر، ضرورة لزوم التكليف بما لا يطاق لو أريد
الواقع، إذ قد يقال باجتزائه بالظاهر ما لم ينكشف الواقع، ضرورة تبين كونها حينئذ
ليست بصلاة حتى يجزيه الائتمام بها في إسقاط القراءة وزيادة الأركان مثلا لو اتفق
2

ونحو ذلك، ودعوى أنه يكفي في صحة صلاة المأموم ذلك الظاهر أول الكلام، إذ المتيقن
من إطلاق الأدلة في الفراغ من متيقن الشغل غير محل الفرض، واستصحاب الاجزاء
قبل التبين لما بعد التبين لا يرجع إلى محصل عند التأمل بحيث يقطع الأصل السابق وإن
تمسك به المولى الأكبر في شرحه.
نعم هي واضحة الجريان بالنسبة للأولين، لأن واقعي قوله (عليه السلام) (1):
(صل خلف من تثق بدينه وأمانته) نفس هذا الاطمئنان الذي بتبين كفره وفسقه
لم ينكشف عدم اطمئنان به فيما مضى كي يتجه الفساد، بل هو في هذا الحال يصدق عليه
أنه صلى خلف من وثق بدينه، فيتحقق الامتثال المقتضي للاجزاء، مضافا إلى مرسل
ابن أبي عمير (2) عن الصادق (عليه السلام) (في قوم خرجوا من خراسان أو بعض
الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي، قال: لا يعيدون)
بل عن الفقيه روايته عن كتاب زياد بن مروان القندي ونوادر ابن أبي عمير عن
الصادق (عليه السلام) بتفاوت، وظاهره عدم الارسال، على أن من الواضح عدم
قدح مثل هذا الارسال من مثل هذا المرسل في مثل هذا المقام فيما نحن فيه، وإلى
الصحاح المستفيضة جدا في الثالث، منها صحيح ابن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام)
(سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته، قال: يعيد
ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه على غير طهر) ومنها صحيحة الآخر أيضا (4) عن
الصادق (عليه السلام) (عن الرجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا،
فقال: يعيد هو ولا يعيدون).

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 مع الاختلاف
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 3
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 3
3

والمناقشة فيهما بأن أقصاهما عدم قبول في حق من خلفه، وهو لا يستلزم
الحكم بالصحة حتى فيما لو علم المأمومون بذلك كما هو مفروض المسألة يدفعها مع أن
المتبادر منهما أن عدم وجوب الإعادة لعدم تأثير حدثية الإمام مع عدم علمهم بها في
صحة صلاتهم، كما يومي إلى ذلك التعليل في صحيح زرارة (1) قال: (سألته عن
رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم فإنه
ليس على الإمام ضمان) إذ الظاهر إرادته من نفي الضمان بيان عدم مدخلية صلاة الإمام
في صلاة المأموم، لا لعدم قبول قوله في حقهم وعدم حصول اليقين لهم بخبره، ومع
إطلاق قوله: (أعلمهم) فيهما، إذ من الممكن إخباره إياهم على وجه يستفيدون
القطع بذلك عدم قبول باقي المعتبرة الدالة على الحكم المزبور لها، كصحيح زرارة (2)
عن أبي جعفر (عليه السلام) (سألته عن جماعة صلى بهم إمامهم وهو غير طاهر أتجوز
صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: لا إعادة عليهم تمت صلاتهم، وعليه هو الإعادة، وليس
عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع) بناء على إرادة ظهور حاله عندهم من قوله: (وهو
غير طاهر) ولا ينافيه ما في ذيله من أنه (ليس عليه) إلى آخره، وموثق ابن بكير (3)
قال: (سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أمنا في السفر وهو
جنب وقد علم ونحن لا نعلم، قال: لا بأس) إذا الظاهر إرادته أنا لا نعلم بذلك حال
الصلاة، وإلا فقضية سؤاله عند علمه به بعد ذلك، بل وصحيح الحلبي (4) أيضا عن
الصادق (عليه السلام) (من صلى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة،
وليس عليهم أن يعيدوا، وليس عليه أن يعلمهم، ولو كان ذلك عليه لهلك، قال:
قلت: كيف يصنع بمن قد خرج إلى خراسان؟ وكيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال:

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 5 - 8 - 1
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 5 - 8 - 1
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 5 - 8 - 1
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 5 - 8 - 1
4

هذا عنه موضوع) ضرورة إرادته نفي الإعادة عليهم لو علموا، وإلا فمن الواضح عدم
الإعادة عليهم حال عدم العلم، لقبح تكليف الغافل، وبذلك يظهر دلالة غيره أيضا
لكن ومع ذلك كله فالمحكي عن الإسكافي وعلم الهدى وجوب الإعادة في
المسائل الثلاثة، لكن في الرياض أن الأول أطلقها في الأولين وقيدها في الوقت في
الثالث، وكذا الثاني إلا أنه لم يقيد الثالث بذلك، ولم أعرف حكاية هذا التفصيل
لمن تقدمه، بل في ظاهر الروضة أن القائل بالإعادة قائل بها في الوقت، بل قد يظهر
من المختلف أن خلاف السيد في الأولين خاصة، بل في صريح المنتهى وظاهر التذكرة
أن السيد موافق في المسألة الثالثة.
وكيف كان فلا ريب في ضعفة في القلة (1) لما عرفت، كضعف ما استدل به
له كذلك، من أنها صلاة تبين فسادها لاختلال بعض شرائطها، فيجب إعادتها،
وبأنها صلاة منهي عنها فتكون فاسدة، إذ هو إما مصادرة محضة أو لا يفيد المطلوب،
نعم قد يشهد له في الجملة صحيح معاوية بن وهب (2) قال للصادق (عليه السلام):
(أيضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن، قال: لا يضمن، أي
شئ يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر) وخبر عبد الرحمان العزرمي (3)
عن أبيه عن الصادق (عليه السلام) أيضا (صلى علي (عليه السلام) بالناس على غير طهر
وكانت الظهر، ثم دخل فخرج مناديه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) صلى على غير طهر
فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب) والمروي (4) عن البحار عن نوادر الراوندي بسنده
فيه عن موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام)

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " في الثلاثة " أو " في الغاية "
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 9
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 6 - 9
(4) المستدرك الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
5

(من صلى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد الناس) وعن دعائم الاسلام (1) عن
علي (عليه السلام) قال: (صلى عمر بالناس صلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل عليهم
فقال: يا أيها الناس إن عمر صلى بكم الغداة وهو جنب، فقال له الناس، فماذا ترى؟
فقال: علي الإعادة ولا إعادة عليكم، فقال له علي (عليه السلام): بل عليك الإعادة
وعليهم، إن القوم بإمامهم يركعون ويسجدون، فإذا فسد صلاة الإمام فسد
صلاة المأمومين).
إلا أن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه، بل الثاني منها
مشتمل على ما ينافي العصمة الثابتة عقلا ونقلا كتابا وسنة، كما أن الأول منها مجمل
الدلالة، إذ في الوسائل بعد أن رواه قال: (الحكم بضمان الإمام هنا يدل على وجوب
الإعادة عليه وعدم وجوب الإعادة على المأمومين) إلى آخره. مع احتمال إرادة علم
المأمومين به قبل الائتمام، فتعين إرادة وجوب الإعادة عليهم من ضمان الإمام صلاتهم
حال الجنابة كما هو مستفاد من الاستثناء، لأن المراد بالضمان صيرورة أفعاله الصلاة
عنهم وإن تابعوه هم، لكن التأدية به دونهم كما يومي إليه في الجملة التعليل بعدم الضمان
لعدم الإعادة في صحيح زرارة (2) السابق محل منع، على أنه محتمل كغيره الحمل
على التقية، لأنه حكي عن الشعبي وحماد وابن سيرين وأصحاب الرأي، بل ربما كان
مذهبا لعمر أيضا، ولا ينافي ذلك تعريضه فيه للعامة، إذ قد يكون حضر في المجلس
منهم من لا يعرفه السائل أو غير ذلك، والثالث منها محتمل لإرادة حال علم المأمومين به
قبل الصلاة ولغيره، وبالجملة فالمسألة بوضوحها غنية عن التطويل خصوصا في بيان ضعف
قول المخالف ممن عرفت.

(1) المستدرك الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
6

وأضعف منه ما حكاه الصدوق عن جماعة من مشائخه من التفصيل بين الجهرية
والاخفاتية فيعيد المأمومون في الثانية دون الأولى، ولم أعرف له مستندا بالخصوص
كما اعترف به غير واحد، لكن يحتمل أنه مراعاة لحال القراءة، ولأن نداء
أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في صلاة الظهر، وهما كما ترى قاصران عن إثبات
الحكم في نفسه فضلا عن أن يعارضا تلك الأدلة التي بعضها كمرسل ابن أبي عمير صريح
أو كالصريح في عدم الفرق بين السرية والجهرية.
كما أن منه ومن باقي أدلة المقام يستفاد الحكم في سائر شرائط الصحة من
الاستقبال وغيره، بل والأركان أيضا، ضرورة أولويتها أو مساواتها لفاقد الطهارة
من الحدث وصلاة اليهودي والنصراني، فلو تبين حينئذ بعد الفراغ فساد صلاة الإمام
لاستدباره القبلة أو لعدم إتيانه بالنية أو بركن أو زاد ركنا مثلا سهوا وعلم به بعد
الصلاة لم تبطل المأمومين لما عرفت، بل قيل: ولقول الصادق (عليه السلام) (1):
(في رجل يصلي بالقوم ثم يعلم أنه قد صلى بهم إلى غير القبلة، قال: ليس عليهم إعادة
شئ) وقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي أو حسنه (2): (في الأعمى يؤم القوم وهو
على غير القبلة قال: يعيد ولا يعيدون فإنهم قد تحروا).
لكن قد يناقش في الأول بامكان إرادة ما لا يوجب الإعادة من الانحراف
عن القبلة لا ما نحن فيه من تبين كون الإمام خاصة على غير القبلة، ضرورة ظهوره في
اتحاد قبلة الإمام والمأمومين، فلو فرض الانحراف الموجب للإعادة لوجب أمر الجميع
بذلك، لعدم اختصاص الخطأ حينئذ بالإمام، بل هو مشترك بين الجميع، فيكون كتبين
حدث الإمام ومن ائتم به، وهو غير ما نحن فيه قطعا وفي الثاني بأنه ظاهر في علم
المأمومين بذلك قبل الدخول، ومن المعلوم وجوب الإعادة عليهم فيه، إذا لم يكن

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
7

الاختلاف عن اختلاف في الاجتهاد، فلا بد حينئذ من تأويل الخبر المزبور واحتمال
أن إعادته دونهم للتقصير في الاجتهاد وعدمه وإن كان قد ظهر خطأ الجميع في استقبالهم
بعيد
، إذ فرض الأعمى الرجوع إليهم في القبلة، وعلى كل حال فليس هو بتلك الصراحة
فيما نحن فيه من ظهور خطأ الإمام في القبلة دون المأمومين على وجه يوجب الإعادة عليه
دونهم، فالعمدة حينئذ في الاستدلال عليه وعلى أمثاله فحوى الأخبار السابقة.
نعم قد يستفاد من صحيح زرارة (1) حكم الاخلال بالنية مضافا إليها، قال:
(قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة
وأحدث إمامهم وأخذ بيد ذلك الرجل فصلى بهم أيجزيهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها
صلاة؟ فقال: لا ينبغي له أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة، بل
ينبغي له أن ينويها، وإن كان قد صلى فإن له صلاة أخرى وإلا فلا يدخل معهم،
وقد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها) إذ من الواضح كون الذيل جواب السؤال
دون ما قبله، لكن لا صراحة فيه بعلم المأمومين بذلك بعد الفراغ، إلا أنه قضية
إطلاقه، بل لعله ظاهر لفظ الاجزاء فيه أيضا.
مع أنك في غنية عنه بما عرفت من فحوى الأدلة السابقة المعتضدة بعدم خلاف
صريح معتد به أجده في الفرق بينها وبين ما سمعت من المسائل الثلاثة السابقة سوى
ما يظهر من المحكي عن السرائر من القول بالإعادة على المأمومين أيضا عند تبين الخطأ
في القبلة، قال فيها: (ومن صلى بقوم إلى غير القبلة ثم أعلمهم بذلك كانت عليه الإعادة
دونهم، وقال بعض أصحابنا: إن الإعادة تجب على الجميع ما لم يخرج الوقت، وهذا
هو الصحيح، وبه أقول وأفتي، والأول مذهب السيد المرتضى، والثاني مذهب شيخنا

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
8

أبي جعفر (رحمه الله)، وهو الذي تقتضيه أصول مذهبنا) لكن من المحتمل قويا
بل الظاهر إن لم يكن مقطوعا به إرادته ما لو كان المأمومون تابعين له في ذلك الاستقبال
وحينئذ يتجه وجوب الإعادة عليهم كما ذكره، لوقوعها على غير القبلة لا لخطأ الإمام،
وهو غير ما نحن فيه من المسألة، فتأمل. نعم قد يظهر من المحكي من عبارة المبسوط
الخلاف فيما نحن فيه، ولا ريب في ضعفه.
هذا كله في تبين فساد صلاة الإمام لكفر أو حدث أو فقد نية أو خلل في
قبلة، وقد عرفت أنه لا يقتضي فساد صلاة المأموم إذا علم بعد الفراغ، بل الظاهر أنه
لا فرق بين تعمد الإمام ذلك وعدمه، كما أنه لا بأس لو علم بعدم عدالته بعد ذلك
لفحوى ما دل على الكفر وغيره مما سمعت.
أما لو بان بعد الفراغ من العمل فقدان باقي ما يعتبر في الإمام من العقل وطهارة
المولد والبلوغ والذكورة والحرية بناء على اشتراطها، وعدم الإمامية والمأمومية ونحوها
إلى غير ذلك فلم أجد في النصوص بل ولا في كلام الأصحاب تعرضا لشئ منها عدا
ما في المنتهى من أنه لو صلى خلف من يشك في كونه خنثى فالوجه الصحة، لأن الظاهر
السلامة من كونه خنثى، خصوصا لمن يؤم الرجل، ولو تبين بعد الصلاة أنه كان خنثى
مشكل لم يعد، لأنه بنى على الظاهر فكان لو تبين كفره، وما في التذكرة في أثناء
كلامه في تبين الجنابة من الحكم بصحة الصلاة لو تبين أن الإمام امرأة، ونحوه الموجز
وشرحه، لكن فيهما أيضا لو تبين كون الإمام مأموما أعاد.
وكيف كان فقد يقوى في النظر إطلاق البطلان، ولعله ظاهر اقتصار الأصحاب
على الكفر من صفات الإمام الملحق به الفسق خاصة، كظاهر ذكر هذه الأمور بعنوان
الشرائط المعلوم انصرافها إلى الواقع، للشغل وعدم اليقين بصدق الامتثال كي يحصل
الفراغ يقينا، والقطع والظن طريقان عقلا، لا أن المكلف به الموضوع المتصف بهما،
9

وتخيل الامتثال ليس امتثالا، نعم يحتمل الاجزاء في الموضوع المعلوم عدم بناء الشارع
فيه على الواقع، كطهارة المولد التي يمكن دعوى أنه يستفاد من الأدلة الشرعية الاجتزاء
بظاهر الفراش عن سائر الأحكام المرتبة عليه سيما في المقام بعد خروج الوقت، لعدم
صدق اسم الفوات أو الشك فيه، بل يمكن التفصيل بذلك في غيره من الأمور المذكورة
أيضا، فيعيد لو تبين الخطأ في الوقت، ولا يعيد لو كان في خارجة، كما أنه يمكن الفرق
فيها بين ما كان منها شرطا لصحة الصلاة كالعقل وبين ما هو شرط للإمامة كطهارة
المولد ونحوه، فيلحق الأول بالكفر بخلاف الثاني، بل يمكن إلحاق الجميع بالكفر
بعد حمله في النص والفتوى على المثالية، المساواة أو الأولوية، ولاشعار التعليل في
صحيح زرارة السابق للإعادة (1) بعدم ضمان الإمام بذلك، إذ المراد منه على الظاهر
أن الإمام غير ضامن لصلاة المأموم، وأنه مدخلية لصلاته في صلاته، بل هو مكلف
بها تماما، ولم يفت منه شئ منها بسبب المأمومية عدا القراءة التي تسقط للغفلة والنسيان
ونحوهما، وفساد الائتمام قد لا يورث فسادا في الصلاة كما في الكفر والفسق والحدث
والموت وغيرها مما يحدث في الأثناء أو ينكشف سبقه، لكن الأحوط الأول في
العبادة التوقيفية التي اشتغلت الذمة فيها بيقين، بل لعله من ذلك وغيره مما عرفت
كان هو الأقوى، فتأمل.
(ولو كان) المأموم (عالما) بفساد صلاة الإمام لفقد شرط واقعي مثلا أو
بعدم إحرازه أحد شرائط الإمامة (أعاد) صلاته بلا خلاف ولا إشكال، سواء كان
الإمام عالما بما علم به المأموم أو لا، بل الظاهر أنه كذلك أيضا لو نسي وائتم به حتى
في المسائل السابقة المنصوصة، للأصل وظهور النصوص في غيره، بل وكذا لو كان
ذلك عن اشتباه بأن تخيل أنه العدل أو المؤمن أو المتطهر أو الرجل أو العاقل ونحو ذلك

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " لعدم الإعادة "
10

فظهر أنه الآخر الذي كان يعلم أنه متصف بالضد.
(ولو علم) المأموم بالكفر أو الفسق ونحوهما مما لا يقدح بعد الفراغ (في
أثناء الصلاة قيل) والقائل على الظاهر من قال بالإعادة في السابق: (يستأنف) لتبين
فساد بعض صلاته، بل ربما احتمل أو قيل بدلك وإن لم نقل بوجوب الإعادة
بعد الفراغ، لعدم جوازه المفارقة في الأثناء، إذ الجماعة من مقومات الصلاة المنوية،
ولأن الأصل الفساد، خرج ما بعد الفراغ بالنصوص السابقة، ولما في المنتهى والذكرى
والمحكي عن السرائر من أن في رواية حماد عن الحلبي (1) (يستقبلون صلاتهم لو أخبرهم
الإمام في الأثناء أنه لم يكن على طهارة) وإن كنت لم أجدها فيما حضرني من كتب
الأخبار كما اعترف به أيضا في الحدائق، قال: لم أقف على هذه الرواية فيما حضرني
من كتب الأخبار، ولا سيما ما جمع الكتب الأربعة من الوسائل والبحار، فلاحظ وتأمل.
(وقيل) والقائل على الظاهر من قال بالصحة في السابق: (ينوي الانفراد ويتم)
صلاته (وهو أشبه) لظهور تلك الأدلة فيه بناء على مساواة حكم الجزء للكل أو
أولويته، ولاطلاق بعضها وخصوص آخر كصحيح زرارة (2) السابق المشتمل
على التعليل المتقدم.
مضافا إلى ضعف مستند السابق، إذ الأول منه مصادرة أو غير مفيد، والثاني
ضعيف كما تعرفه فيما يأتي، على أنه يمكن الفرق بين ما نحن فيه وبين ذلك بالاضطرار
إلى الانفراد هنا، فلا مفارقة فيه اختيارا، والثالث تعرف ما فيه كما أنك عرفت ما في
الرابع، فلا ريب حينئذ في كونه أشبه، بل ينبغي القطع به في مسألة تبين الحدث من
المسائل الثلاث بملاحظة الأخبار السابقة في الاستنابة التي يستفاد منها مع ذلك جواز

(1) البحار ج 18 ص 625 و 626 من طبعة الكمباني
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
11

استنابة المأمومين هنا أيضا، وعدم تعين نية الانفراد عليهم، لما عرفت من إرادة المثال
مما ذكر فيها، فيتعدى منه إلى غيره، خلافا للمحدث البحراني فالجمود على خصوص
ما ذكر فيها كما سمعت سابقا، ولا ريب في ضعفه.
بل ويستفاد منها أيضا عدم بطلان الصلاة أيضا لو تجدد الكفر أو الفسق أو
أحدث لا إذا تبين سبقه، على أنه أولى بالحكم المزبور من صورة التبين، بل الظاهر هنا
عدم الفساد لو تجدد خلاف باقي ما يعتبر في الإمام من الجنون أو الخرس أو غيره،
فلا تبطل صلاة المؤتم بل ينفرد أو ينوي الائتمام بالغير، ضرورة أنه كالموت أو الحدث
في الأثناء.
ثم إنه لو تبين الكفر أو الفسق أو الحدث في الأثناء في محل يمكنه القراءة
ونوى الانفراد مثلا فهل يجتزي بالقراءة الواقعة من الإمام أو يجب عليه استئنافها؟
وجهان ينشئان من ظهور الأدلة في جريان أحكام الجماعة عليه إلى حال العلم، ومن بيان
فساد تحمله عنه بتبين فساد صلاته أو إمامته في محل يمكنه القراءة، فيجب فعلها، لا أقل
من الشك في سقوطها عنه في هذا الحال، وهو أحوط إن لم يكن أقوى، وأحوط منه
فعلها بنية القربة المطلقة تخلصا من الزيادة عمدا في الصلاة، فتأمل جيدا، والله أعلم.
المسألة (الثانية إذا دخل) طالب الجماعة مسجدا مثلا (و) رأى أن (الإمام
راكع وخاف فوت الركوع) إن مشى حتى يلحق بالصف نوى وكبر و (ركع) في
مكانه بناء على ما قدمناه سابقا من إدراك الركعة بادراك الركوع (ويجوز) له (أن
يمشي) حينئذ (في ركوعه حتى يلحق بالصف) بلا خلاف صريح أجده في شئ من
ذلك كما اعترف به غير واحد، بل ربما استظهر من التذكرة الاجماع عليه، بل في
الخلاف والمنتهى دعواه صريحا عليه، بل قد يستفاد من نسبته إلى رواية الأصحاب في
12

الذكرى ذلك أيضا، لصحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سئل (عن
الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة، فقال: يركع قبل أن يبلغ القوم
ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم).
كما أني لا أجد خلافا في جواز سجوده مكانه ثم إذا قام إلى الثانية التحق بالصف
بل ظاهر المنتهى الاجماع عليه، لصحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) قال: (سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن
مشيت إليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا
قام فالحق بالصف، فإذا جلس فاجلس مكانك، فإذا قام فالحق بالصف) وخبر إسحاق
ابن عمار (3) قال لأبي عبد الله (عليه السلام): أدخل المسجد وقد ركع الإمام فأركع
بركوعه وأنا وحدي وأسجد إذا رفعت رأسي أي شئ أصنع؟ قال: قم فاذهب إليهم
وإن كانوا جلوسا فاجلس معهم) وصحيح معاوية بن وهب (4) (رأيت أبا عبد الله
(عليه السلام) يوما دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون الصفوف ركعوا
فركع وحده ثم سجد سجدتين ثم قام فمضى حتى لحق الصف).
والمناقشة في الأخير بأنه غير ما نحن فيه، لمعلومية كون الائتمام منه (عليه السلام)
بهم تقية، فهو في الحقيقة منفرد يدفعها أنه وإن كان تقية إلا أن الظاهر مراعاة أحكام
الجماعة كي لا ينكر عليه، على أنه من المحتمل كونه ائتماما حقيقة تقية وإن كان ظاهر
الأدلة السابقة في القراءة خلف من لا يقتدى به ينافيه، لكن على كل حال لا بأس
في الاستدلال بما يقع منه في كيفية الجماعة وإن كان أصل إظهاره الائتمام تقية، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 1 - 3 - 6 - 2
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 1 - 3 - 6 - 2
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 1 - 3 - 6 - 2
(4) الوسائل الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 1 - 3 - 6 - 2
13

بل قد يقال: إنا في غنية عن ذلك كله بما دل (1) على جواز الفصل في الصلاة
إذا كان قليلا، وعلى خصوص المشي (2) فيها أيضا، فحينئذ لا حاجة في إثبات جواز
كل من الأمرين السابقين إلى دليل خاص، لكن ينبغي تقييده حينئذ بما إذا لم يكن
حال الذكر في الركوع، كما في الدروس والروض والمسالك وعن الميسية، وحال القراءة
في القيام، لمنافاته حينئذ الطمأنينة المعتبرة فيهما، وتقييده أيضا بما إذا لم يستلزم الانحراف
عن القبلة كما في الذخيرة وعن المجمع، بل في حواشي الشهيد أنه نقله الفخر عن والده،
فيرجع القهقري حينئذ لو احتاج إلى الاستدبار مثلا، وتقييده أيضا بما إذا لم يكن بعد
ونحوه يمنع من الائتمام كما في التذكرة والذكرى والبيان والروض والمسالك وجامع المقاصد
وتعليق النافع وعن التنقيح والهلالية وفوائد الشرائع والجعفرية وشرحيها والميسية
وغيرها، وإلا لم يجز له الائتمام بل ظاهر مشائخنا اتفاق الأصحاب عليه وأن
مقصودهم هنا بذكر الحكم المزبور الاستثناء من كراهة انفراد الانسان بالصف وحده
لا الاستثناء من التباعد ونحوه مما يمنع من الائتمام، وبالغ في إنكار ذلك حتى شنع على
من تخيله، وربما يؤيده أيضا ما في الخلاف وعن البيان من أنه يمشي إذا لم يقف بجنبه
مأموم آخر، وإلا لم يستحب له الانتقال، بل قيل: إنه ظاهر المبسوط والتحرير
والتذكرة ونهاية الإحكام أيضا، وهو كالصريح في أن بناء المسألة عندهم على استثنائها
من كراهة الانفراد بالصف، بل قد يومي إليه في الجملة الخبران الأخيران، فحينئذ بناء
على ذلك كله نستغني عن دليل بالخصوص لاثبات الحكم المزبور، بل تكفي تلك الأدلة
العامة إلا في رفع كراهة الانفراد بالصف.
ومن هنا قال في المنتهى: لو فعل ذلك من غير ضرورة ولا عذر ولا خوف

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 3
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة
14

فوات فالظاهر الجواز، خلافا لبعض العامة، لأن للمأموم أن يصلي منفردا وأن يتقدم
بين يديه، قيل: وأن يتأخر كما نص عليه جماعة من الأصحاب ونطقت به جملة من
الأخبار (1) والنهي عنه محمول على الكراهة عند عدم الحاجة إليه، لكن قد يناقش
بأن إطلاق الأدلة المزبورة وبعض الفتاوى يقتضي جواز المشي حال الذكر والقراءة،
وتقييده بدليل الطمأنينة ليس بأولى من العكس، بل لعله أولى، لضعف دليلها عن
تناول مثل المقام بحيث يتكل عليه في تقييد إطلاق هذا الحكم هنا الذي أول ما ينساق
منه جوازه وإن فقدها، ولاغتفار أعظم من ذلك للجماعة، كما أنه يقتضي أيضا جواز
الائتمام وإن كان بعيدا يمتنع إئتمامه اختيارا أي إذا لم يخف فوت الركوع لعين ما عرفت
بل لعل الاطلاق هنا أيضا أظهر في التناول، بل ظاهر الأدلة أن هذا حكم ساغ
لادراك الجماعة وخوف فواتها لا أنه تنبيه وإدلال للمكلف على أمر سائغ في نفسه
وإن لم يخف الفوات.
نعم لا وثوق في الاطلاق المزبور بالنسبة للجواز مع الحائل أو السفل أو استدبار
القبلة ونحو ذلك مما لا ينتقل إليه من الاطلاق المذكور، ولا غرابة في ذلك، ضرورة
تفاوت الأفراد والأحوال بالنسبة إلى الاطلاقات، ومثله أو أدنى منه البعد الكثير
جدا المستلزم للمشي الكثير كذلك، بلى قد يستفاد من صحيح عبد الرحمان المتقدم
أنه لو كان كثيرا في الجملة وزعه على الركعات كي لا يحصل مسمى الفعل الكثير،
فيلحق بالصف حينئذ في الجملة عند قيام الإمام للركعة الثانية مثلا، ثم عند قيامه للثالثة
بل الظاهر إرادة المثال من ذلك، وإلا فله الالتحاق في الجملة عند الركوع، ثم عند
الرفع منه، ثم عند الجلوس وهكذا، إذ المراد أنه لا يفعله جميعه دفعة واحدة.
ولعله من ذلك كله توقف في الحكم المشهور في الجملة في الرياض تبعا للحدائق،

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب مكان المصلي
15

بل جزم به في الأخير فجوز المشي حال ذكر الركوع والائتمام مع البعد المانع من الاقتداء
في غير هذه الصورة المنصوصة، وقد يؤيده أيضا مضافا إلى ما سمعت أنه لو كان البعد
بما لا يجوز له اختيارا مانعا شرعيا هنا أيضا وأن المسألة مستثناة من كراهة الانفراد من
الصف خاصة لما كان الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا
يجوز التباعد بما لا يتخطى، مع أنه لم ينقل خلاف عنه هنا، بل قد يؤيده أيضا ظهور
الوجوب من الأمر بالالتحاق وإن كان هو مخيرا فيه بين فعله حال الركوع مثلا وحال
القيام، اللهم إلا أن يقال: إنه هنا لا يراد منه الوجوب قطعا، ضرورة أنه على هذا
التقدير أيضا لم يرد منه خصوص المانع مثلا، بل أقصاه الاطلاق الشامل له ولغير المانع
وهو في الثاني ليس للوجوب قطعا، فلا بد من حمله حينئذ على القدر المشترك بينهما الذي
لا ريب في أولوية الندب منه، واحتمال أنه مختص بالبعد المانع، وغيره يفهم بالأولوية
ونحوها بعيد، لكن ومع ذلك كله فالأحوط ما هو المشهور على الظاهر خصوصا في
مثل ما نحن فيه من العبادة التوقيفية.
ثم إن ظاهر النص والفتوى اختصاص الحكم في موضع يصدق معه الدخول
كالمسجد ونحوه، بل مورد الأول الأول، إلا أن الذي يقوى في النظر شمول الحكم حتى
للصحراء على معنى وصوله إلى موضع يمكنه فيه الائتمام بأن لا يكون بعيدا عادة بناء
على المشهور، أو الأعم منه ومن موضع يسعه الالتحاق في الصفوف في الصلاة بمشي
لا يدخل تحت مسمى الكثير ولو لتوزيعه على أحواله من الركوع والقيام ونحوهما بناء
على غيره، بل ربما قيل بدخول مثله تحت مسمى الدخول، إذ هو الكون في مكان
بعد أن لم يكن فيه، كقوله جل اسمه (1): (ادخلوا الأرض المقدسة) إلا أنه كما ترى

(1) سورة المائدة الآية 24
16

لا يساعد العرف عليه عند الاطلاق، وكذا ظاهر النص والفتوى عدم اعتبار كيفية
خاصة في المشي المأمور به للالتحاق، فينصرف إلى المتعارف، لكن في الدروس والنفلية
والفوائد الملية والروض والذخيرة وعن غيرها صريحا في بعض وظاهرا في آخر أنه
يستحب له أن يجر رجليه، ولا بأس به، كما عن الفقيه من أنه روي (1) (أنه يمشي
في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى) وكأنه أراد ذلك في الذكرى حيث نسيه فيها إليها،
أو ما في النفلية من أنه روى عبد الرحمان بن المغيرة (أنه لا يتخطى وإنما يجر
رجليه) حكاية لفعل الصادق (عليه السلام)، أما الوجوب كما هو ظاهر الموجز وجامع
المقاصد والمسالك أو صريحها، بل في صريح تعليق النافع وعن الغرية وفوائد الشرائع
ذلك فضعفه واضح، إذ دعوى محو غير هذه الكيفية الصلاة ممنوعة والله أعلم.
المسألة (الثالثة إذا اجتمع خنثى) مشكل (وامرأة) وانحصر الائتمام فيهما
سقطت الجماعة بناء على وجوب وقوف الرجل المتحد عن يمين الإمام، لتعذر النظم
المحصل للاحتياط حينئذ، و (وقفت الخنثى خلف الإمام) لاحتمال أنها امرأة (والمرأة
وراءه) أي الخنثى لاحتمال أنه ذكر (وجوبا) كما هو ظاهر المحكي من عبارة المبسوط
بل عن الايضاح أنه حكاه عن ابن حمزة، وهو متجه (على القول بتحريم المحاذاة،
وإلا) كان (على الندب) كما عن علم الهدى فيما نقل عنه وابن إدريس والفاضل
والشهيدين وغيرهم، بناء على غيره من كون ذلك مستحبا، وإلا فيجوز وقوف الذكر
المتحد خلفا، كما أنه يجوز وقوف المتعدد عن اليمين، نعم تسقط الجماعة عليه أيضا إن
أريد نظمها على وجه يجمع الفضيلة والاحتياط لتعذره حينئذ، إذ لعل الخنثى ذكر فينبغي
وقوفه عن اليمين، ولو كان معهما رجل سقطت الجماعة أيضا بناء على وجوب وقوف

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
17

المتعدد من الذكر خلفا، لتعذر الاحتياط أيضا، ووقف الرجل عن اليمين أو خلفا
والخنثى خلفه والمرأة خلف الخنثى بناء على غيره، نعم تسقط عليه أيضا لو أريد النظم
الجامع للفضيلة والاحتياط.
ولو كانوا رجلا وخناثى ونساء وقف الرجال خلف الإمام والخناثى خلفهم
والنساء خلف الخناثى وجوبا أو ندبا على القول بحرمة المحاذاة وعدمها، ولو كان معهم
صبيان ففي تقديمهم على الخناثى وتأخيرهم عنها قولان ينشئان من معلومية ذكورية الصبيان
ومن تكليف الخناثى دونهم، ولو كان معهم خصيان قدموا على من عدا الرجال من
النساء والصبيان والخناثى، وأخروا عن الرجال كما في التحرير وعن السرائر وأبي علي
واستقربه في المختلف واستحسنه في الذكرى، ولا بأس به إن كان المراد الندب وإن
كان دليله محض اعتبار.
هذا كله بناء على مراعاة الواقع في الذكورة والأنوثة جوازا ومنعا وفضلا،
وإلا فلو قيل بأن المدار على العلم جاز محاذاة الخنثى للرجل وللمرأة، ولعله لذا حكي عن
ابن حمزة أنه منع من محاذاة المرأة للرجل وجوز محاذاة الخنثى لكل منهما، وقد تقدم
عند البحث في موقف النساء والرجال شطر صالح مما هنا، فلا نعيده، على أنه واضح بأدنى تأمل في الصور المتصورة في المقام، كوضوح الوجه في الجميع.
بل وتقدم أيضا عند ذكر المصنف عدم جواز الجماعة مع الحائل ما يستفاد منه
تمام البحث في المسألة (الرابعة) التي ذكرها المصنف هنا، وهي أنه (إذا وقف الإمام
في محراب داخل فصلاة من يقابله) ويشاهده (ماضية) لوجود المقتضي وعدم المانع
(دون صلاة من إلى جانبيه) أي الإمام، لحيلولة جدران المحراب حينئذ، إذ الفرض
دخوله، أو جانبي المأموم المقابل لذلك أيضا مع عدم الاكتفاء بمشاهد المشاهد على
اختلاف التفسيرين كما سمعت (إذا لم يشاهده، ويجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف
18

الأول) الذي فيه الإمام (لأنهم يشاهدون من يشاهده) ولو بوسائط ولو بأطراف
العيون، أو المراد بالأول الصف الذي فيه مقابل الإمام، فتختص حينئذ صحة جميع
الصف بمن هو خلف الصف الأول، لكون ذلك المقابل فيه بمنزلة الإمام لهم، ولا حائل
بينهم وبينه بخلاف من كان على جانبي ذلك المقابل، لوجود الحائل بينهم وبين الإمام
ولا دليل على إجزاء مثل هذه المشاهدة التي هي بأطراف العيون مثلا في صحة الجماعة،
وقد تقدم تحقيق ذلك كله هناك، فلاحظ وتأمل وإن أطنب الفاضل المعاصر هنا في
الرياض، وبالغ في نفي الخلاف بين الأصحاب في الاجتزاء بمثل هذه المشاهدة مستشعرا
له من عبارات بعض المتأخرين وإرسالهم له إرسال المسلمات
كما أنه بالغ في أن المراد من عبارات الأصحاب التي هي كعبارة المتن المعنى الأول
حاملا للأول فيها على الأول، قال: ليس في شئ منها ما يأبى ذلك سوى عبارة
القواعد مع أنها قابلة للتأويل أيضا، نعم توقف في إقامة الدليل من جهة النص خاصة
على الاكتفاء بمثل هذه المشاهدة معللا ذلك بأنه ليس إلا الصحيحة (1) المتقدمة في
بحث الشروط، ودلالتها على ذلك غير واضحة، قال: إلا أن تتمم بفهم الطائفة مع
احتمال تتميمها من غير هذه الجهة، ثم قال: هذا وفي الصحيح (2) (لا أرى بين
الأساطين بأسا) وفي آخر (3) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصلي في الطاق
يعني المحراب، فقال: لا بأس إذا كنت تتوسع به) ثم قال: وفي هذا إشعار بل ظهور
تام بصحة صلاة المأمومين من جانبي من يقابل الإمام خلفه في المحراب، إذ معها تحصل
التوسعة الكاملة المتبادرة من الرواية، وإلا فلا يحصل من ولوجه في المحراب إلا التوسعة

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(3) الوسائل الباب 61 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
19

بنفس واحدة، وهي خلاف المتبادر منها كما عرفته، فتأمل، قلت: لقد أجاد بأمره في
التأمل بعد ذلك، إذ دعوى ظهور الخبر المزبور بما ذكره مع ندرة المحراب المفروض
- خصوصا بعد التعبير فيه بالطاق وظهور الخطاب في التوسعة للإمام خاصة - في غاية
الغرابة كما هو واضح.
المسألة (الخامسة لا يجوز المأموم مفارقة الإمام) في الأفعال المشتركة بينهما
(لغير عذر) إذا لم ينو الانفراد، ضرورة وجوب المتابعة عليه التي يقدح فيها المفارقة
إذ هي تتحقق بسبقه في الفعل أو تأخره عنه تأخرا معتدا به، وقد عرفت فيما مضى
حرمتهما على المأموم إجماعا في الأول، وبلا خلاف معتد به في الثاني لما سمعته سابقا،
بل ظاهر المدارك والذخيرة والحدائق هنا الاجماع عليه، بل هو كاد يكون صريح
الرياض، قال في الأول: (أما أنه لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نية الانفراد
لغير عذر فلا ريب فيه للتأسي، وعموم قوله (صلى الله عليه وآله) (1): (إنما جعل
الإمام إماما ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا) ومن العذر ائتمام
المسبوق حيث يكون تشهده في غير موضع تشهد الإمام، فإنه يفارقه ويتشهد ثم يلحقه)
ثم نقل خلاف الأصحاب في نية الانفراد، فنفيه الريب فيه أولا وجعله الخلاف فيما
إذا نوى الانفراد ثانيا ظاهر في قطعية المسألة عنده وعدم خلاف فيها بين الأصحاب،
كما أن قوله: (ومن العذر) إلى آخره، ظاهر في إرادته ما يشمل التأخر في الجملة من
المفارقة لا السبق خاصة ولا خصوص التأخر تمام الصلاة، وقال في الثاني: (الظاهر أنه
لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نية الانفراد لغير عذر عند الأصحاب) واستدل
عليه بالتأسي وبما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) (إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به)
قال: وفي الوجهين نظر، نعم يمكن أن يقال: الصلاة عبادة تحتاج إلى توقيف الشرع

(1) كنز العمال ج 4 ص 250 الرقم 5524
20

وليس هناك ما يدل على شرعيتها بهذا الوجه، ثم ذكر الخلاف بين الأصحاب في نية
الانفراد، ومثله في الحدائق غير أنه زاد التصريح بأن من العذر جلوس المسبوق للتشهد
حال قيام الإمام فيتشهد ثم يلحق به، ثم قال: وكذا من تخلف عنه بركن أو أكثر
لعذر من سهو أو ضيق مكان كما تقدم، فإنه يأتي بما سبقه ويلحق به ولا يضر تأخره
عنه لمكان العذر، وهو صريح فيما سمعت، وقال في الرابع عند رد ما استظهره من عبارة
النافع من عدم جواز تسليم المأموم قبل الإمام بدون نية الانفراد: (إني لم أعرف له
وجها عدا الاتفاق على عدم جواز مفارقة المأموم الإمام في غير المقام من سائر أحوال
الصلاة من غير نيتها، فكذا هنا، وهو كما ترى) إلى آخره، والظاهر أن مراده بقوله:
(كما ترى) الفرق بين المقام ومحل الاجماع بالفعلية التي تجب المتابعة فيها والقولية التي
ليست كذلك، لا منع الاجماع كما يرشد إلى ذلك ملاحظة ما بعد ذلك من كلامه،
إلى غير ذلك من عباراتهم.
بل قد يستفاد أيضا ضرورية الحكم به من شرح المولى الأكبر على المفاتيح كما
لا يخفى على من لاحظ كلامه في المتابعة وفي المقام، فلاحظ وتأمل، هذا، مع أن المتبع
الدليل وقد سمعته سابقا عند البحث في المتابعة، إلا أنا ذكرنا ذلك هنا تأييدا له لما سمعناه
من بعض مشائخنا المعاصرين من الحكم بجواز مفارقة الإمام بمعنى التأخر عنه في الأفعال
اختيارا من دون نية وعذر في الركن والركنين فصاعدا، ولا ريب أنه اشتباه وتوهم
من بعض العبارات التي قدمناها سابقا في تفسير المتابعة وآخر منها المشتمل على التصريح
بالصحة لو تخلف بركن ونحوه، وقد عرفت الوجه في الجميع فيما مضى، خصوصا الثانية
إذ المفارقة بمعنى التأخر وإن منعناها لكنه لا يزيد على منعها بمعنى السبق الذي قلنا
إنه إثم خاصة لا بطلان وإن أوهمته بعض العبارات، منها عبارة الذخيرة السابقة حيث
استوجه الاستدلال بما سمعت المقتضي بظاهره الفساد، ونحوها عبارة الحدائق، بل قد
21

عرفت فيما مضى إنكاره على الذكرى الظاهر في ذلك، ومنها عبارة الرياض وغيره حيث
استوجه حمل عبارة الشيخ الآتية التي هي أطلق فيها بطلان الصلاة مع المفارقة لغير عذر
على إرادة عدم النية، وظاهره تسليمه البطلان حينئذ، بل ظاهره أنه من المسلمات عند
غيره أيضا، ومنها عبارة التذكرة وغيرها السابقة في بحث المتابعة، والأقوى عدم
البطلان كما عرفت فيما مضى وإن كان يأثم، فلاحظ وتأمل.
وأما جواز المفارقة للعذر ففي المدارك والذخيرة والحدائق أنه لا ريب فيه، وفي
المنتهى الاجماع عليه، بل قد يظهر من المتن والفاضل جوازها من دون نية للانفراد،
وهو متجه في العذر الذي لا يذهب القدوة، بل أقصاه التخلف في الجملة، كتشهد
المسبوق ومزاحمة المأموم عن الركوع مع الإمام أو تركه غفلة أو نحوها مما ورد في
النصوص (1) فعلها ثم اللحوق بالإمام، ولذا قال المولى الأكبر في شرح المفاتيح: إن
المراد بالعذر هنا هو خصوص المواضع التي ورد من الشرع جواز مفارقته بالنحو الذي
ورد، بل وكذلك هو متجه أيضا في مثل الأعذار التي تفرد المأموم عن الإمام قهرا
كانتهاء صلاة الإمام قبل المأموم أو تبين عدم قابليته للإمامة بفسق أو كفر أو حدث
أو نحوها، لمعلومية انتفاء المشروط بانتفاء شرط من غير حاجة إلى نية، نعم قد يقدح
بقاؤه على الائتمام بعد علمه بانتفاء الشرط مثلا من العدالة ونحوها للتشريع أو للنهي أو
لغيرهما، وهو غير نية الانفراد.
وأما الأعذار التي تلجأه إلى إتمام صلاته قبل صلاة الإمام كحدوث وجع في
بطنه مثلا أو مزاحمة بول أو غائط ونحوها فالظاهر أنه لا بد فيها من نية الانفراد وإن
كان يكفي فيها قصد المكلف هذه المفارقة وقصد سبق إمامه في الصلاة جمعا بين ما دل
على جواز المفارقة في مثل هذا الحال وبين ما دل على وجوب متابعة المأموم، فحينئذ له

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة والباب 17 من أبواب صلاة الجمعة
22

التخلص من الثاني بنية الانفراد، ولعل عدم الإشارة إليها في الأخبار الدالة على جواز
المفارقة في مثل الفرض لضرورية حصولها لمريد المفارقة بإرادته ذلك، ومعلومية ذهاب
الائتمام بمثل تعمد هذا السبق والتأخر، وبعد احتمال تخيل المكلف بقاء ائتمامه وإن لم
يتابع لمكان العذر أو غفلته عن قصد الانفراد مثلا وعدمه.
فلو ذهب عارضه في الأثناء وأراد الرجوع إلى إمامه بنى، بناء على جواز تجديد
نية الائتمام للمنفرد، بل لعل ما نحن فيه أولى منه، لسبق ائتمامه ببعض هذه الصلاة،
بل ينبغي القطع به إن جوزنا تلك المفارقة للمأموم من غير نية انفراد، بل لمكان العذر
جاز له سبقه له مثلا، وإلا فهو باق على ائتمامه إلى أن تنتهي صلاته، إذ هو حينئذ
مأموم، ولعل من جوز له المفارقة من غير نية كما يقتضيه بعض إطلاقات الفتاوى يريد
هذا المعنى لا أنه يصير منفردا بغير نية كالعذر السابق، إلا أنه ينبغي تقييده بما إذا
كانت مفارقته في غير محل القراءة.
وكيف كان فالظاهر إرادة خصوص العذر المزبور لمن قيد جواز المفارقة مع
العذر بنية الانفراد كما عن بعضهم لا الأعذار السابقة خصوصا الأول، ضرورة بقاء
الاقتداء فيه المنافي لنية الانفراد، فكان من أطلق جواز المفارقة مع العذر بدون نية
أراد مثل ذلك العذر، ومن قيد أراد ما سمعت، والأمر سهل.
لكن ينبغي أن يعرف خصوص الأعذار التي تجوز المفارقة مع بقاء القدوة،
إذ قد عرفت أن مدار أكثرها على النص، وتسمعه إن شاء الله في المسبوق، بل تسمع
أنه هل التخلف لقراءة السورة أو إتمام الفاتحة مثلا منه أو لا؟ إلا أن هذا في خصوص
المفارقة بالتأخر عنه، أما المفارقة بالتقدم على الإمام بمعنى ركوعه مثلا قبل ركوعه مع
بقاء الاقتداء فليس في شئ من النصوص ذكر عذر لها عدا السهو والنسيان وظن فعل
الإمام، ومعها يسقط التكليف بالمتابعة، مع أنه بعد التنبه يجب عليه الرجوع إليها، نعم
23

يمكن تصوره بما إذا حدث للمأموم مرض مثلا ألجأه إلى سبق الإمام في الركوع مثلا
خاصة لا إلى إرادة المفارقة رأسا، ولعله الظاهر من إطلاق بعض الفتاوى أنه لا بأس
به وأنه كالتأخر، فيبقى ائتمامه حينئذ وإن سبقه عمدا، لكنه لا يخلو من إشكال،
لاحتمال وجوب نية الانفراد عليه ثم إتمام صلاته، وهكذا في كل عذر غير منصوص
حتى للتأخر، والله أعلم.
وأما الأعذار التي تصير المأموم منفردا قهرا فليست محتاجة إلى حصر وعد
لوضوحها، إنما الكلام في الأعذار التي تلجأه إلى اختيار الانفراد، فهل المدار فيها على
الضرر أو هو مع فوات النفع أو الأعم منها؟ ليس في شئ من النصوص أيضا تعرض
لها، ولا تعليق فيها على العذر كي يرجع فيها إلى العرف، نعم قد يستفاد من
النصوص (1) الواردة في جواز التسليم قبل الإمام لطوله في التشهد ونحوه تعميم العذر
فيها للأعم مما يمكن تحمله وما لا يمكن، وما يكون فيه ضرر وما لا يكون، فيكون
الخارج حينئذ الانفراد لا لغرض من الأغراض المعتد بها، وما عداه فهو من الانفراد
لعذر، وربما يؤيده إطلاق الأصحاب العذر، إذ الظاهر إرادتهم الغرض والحاجة منه
ولا بأس به.
على أنه لا ثمرة لنا في البحث عن ذلك (ف‍) إن المختار عندنا أنه (إن نوى
الانفراد) في الجماعة المندوبة (جاز) مطلقا لعذر كان أو لا، وفاقا للأكثر، بل
المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في المدارك والحدائق أنه المعروف من كلام
الأصحاب، بل في الرياض نفي ظهور الخلاف فيه إلا من المبسوط، بل في ظاهر المنتهى
أو صريحه والتذكرة وعن صريح نهاية الإحكام وإرشاد الجعفرية الاجماع عليه، بل

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة
24

لعله كما قيل ظاهر الخلاف أو صريحه أيضا، وهو الحجة بعد اعتضاده بالأصل، وباطلاق
ما دل على جواز التسليم قبل الإمام مما مضى ويأتي، وباستصحاب بقاء جواز الانفراد له
وبظهور الأدلة في استحباب الجماعة ابتداء واستدامة، وخروجها عن مهية الصلاة وإلا
كانت معتبرة في صحتها وهو واضح الفساد، فابطالها حينئذ بعدم استدامة نيتها
لا يستلزم إبطال الصلاة. ولا إثم فيه، ضرورة اختصاص النهي عن إبطال العمل لو سلم
إرادة ما يشمل مثل ذلك منه، إذ من المحتمل في الآية (1) إرادة الابطال بنحو
الارتداد وشبهه بالصلاة لا كل عمل، بل الظاهر إرادة الواجبة منها كما حرر في محله،
ولقد أجاد الأردبيلي فيما حكي عنه من الاستدلال على جواز المفارقة قبل التسليم بالأصل
وكون الجماعة مندوبة، ولا تجب المندوبة بالشروع عندهم إلا الحج بالاجماع.
وما عساه يقال - من أن الجماعة وصف لماهية الصلاة كالظهرية والعصرية ونحوهما
لا أنها من الأوصاف الخارجية كالمسجدية ونحوها، ولذا بطلت الصلاة في فقدان أحد
الشرائط السابقة من الحائل والعلو ونحوهما ولو كان لم يعلم بهما المكلف حتى فرغ، فلا
يجوز العدول حينئذ إلا بدليل خاص مثل العدول بالانفراد إلى الائتمام والعدول بالظهر
إلى العصر ونحوهما، لا مثل العدول من إمام إلى آخر، إذ لو سلم جوازه اختيارا أمكن
الفرق بينه وبين المقام بأن خصوص الإمام من مشخصات أفراد الصلاة كالمكان الخاص
والساتر الخاص ونحوهما بخلاف أصل الجماعة التي بسببها تنقسم الصلاة قسمين فرادى
وجماعة - يدفعه أولا ما عرفت من وجوب الدليل على ذلك، كالاجماعات المحكية
المعتضدة بما عرفت من الشهرة ونحوها، وثانيا منع كون الجماعة من الأوصاف المقومة
المنوعة، بل ليست هي إلا كالمسجدية والإمامة ونحوهما، وثبوت بعض الأحكام لها
لا يستلزم كونها كذلك، ومن هنا لم تبطل الصلاة في جملة من المقامات التي انقطعت

(1) سورة محمد صلى الله عليه وآله الآية 35
25

الجماعة فيها بموت الإمام وحدثه ونحوهما، ولم يقتصروا على المنصوص بل تعدوا منها إلى
غيرها كما يفهم من ذلك المقام، وبطلان الصلاة للأمور السابقة بعد التسليم ليس للتقويم
بل لظهور الأدلة في أنها شرائط للصلاة حال كونها جماعة لا أنها شرائط للجماعة، فتأمل.
وبالجملة لا فرق بين الإمامة والمأمومية بالنظر إلى الصلاة، وتمام الكلام محتاج
إلى إطناب تام كما لا يخفى بعد التأمل فيما عرفت، واعتضاده أيضا بما يظهر للفقيه الممارس
العارف بلسان الشارع ومحاوراته من سبره الأدلة الواردة في مفارقة المأموم عند عروض
ضرورة لإمامه، والأدلة الواردة في المسبوق وفي ائتمام المتم بالمقصر، وفي جواز التسليم
قبل الإمام، وفي صلاة ذات الرقاع ونحو ذلك من عدم توقف صحة الصلاة على بقاء
الجماعة، وأنه لا مدخلية لها فيها، واحتمال الإثم خاصة يدفعه ما عرفت سابقا من أن
العمدة في وجوب المتابعة الاجماع ونحوه مما هو معلوم عدم شموله لمثل المقام الذي ينوى
فيه الانفراد، كاحتمال قصر تلك الأماكن على محالها، وعدم استفادة ما ذكرنا منها،
إذ هو كما ترى مناف لمقتضى المفهوم منها لدى كل ممارس لكلماتهم (عليهم السلام) عارف
بإراداتهم (عليهم السلام)، بل الظاهر أن ذلك كله مورد فيها لا شرط، بل قد يدعى
إطلاق بعضها.
ونحوه احتمال عدم تأثير هذه النية في صيرورته منفردا وإن لم نقل بابطالها الصلاة
بل هو أوضح منه فسادا، ضرورة أن الأعمال بالنيات، ولا عمل إلا بنية، ولكل
امرئ ما نوى، كل ذا مضافا إلى الاعتضاد بالشهرة العظيمة، بل عدم الخلاف إلا من
المبسوط، فقال: (من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته، ومن فارقه لعذر وتمم
صحت صلاته) والمحكي عن ناصريات السيد أنه (إن تعمد سبقه إلى التسليم بطلت
صلاته) مع احتمالهما كما قيل حال عدم نية الانفراد وإن كان البطلان المذكور في كلامهما
محل منع على هذا التقدير أيضا، لما عرفت من تعبدية وجوب المتابعة في الأفعال دون
26

الأقوال لا شرطيته، فحكمهما حينئذ بالبطلان خصوصا الأخير كما تعرفه عند تعرض
المصنف له محل منع وإن بالغ في نصرته المولى الأكبر في شرح المفاتيح تبعا لتردد جملة
من متأخري المتأخرين فيه مما عرفت، ومن أن العبادة توقيفية، والمتيقن في الصحة
وإسقاط القراءة واغتفار زيادة الركن مثلا حال استمرار القدوة دون غيره، ومن عدم
تصريح في الأخبار به، بل قد يومي أكثرها كالمأموم فيها بالاستخلاف (1) وبالرجوع
إلى الإمام لو سبقه (2) وغيرها إلى عدمه، وإلا لعولج به في بعض هذه المقامات،
ولا احتيج إلى ذكر العذر من الحاجة ونحوها في جواز المفارقة، ومن غير ذلك من
الأمور التي لا تستأهل ردا لوضوح ضعف إشعارها جميعا، كوضوح ضعف استدلال
بعضهم بالصحيح السابق (3) في الاستخلاف الظاهر في وجوب الاستخلاف الذي قد
عرفت وجوب حمله على الندب للاجماع، وللصحيح الآخر (4) وغيرهما، وبالجملة
فالمسألة من الواضحات.
ثم إن الظاهر إذا نوى الانفراد جريان حكم المنفرد عليه من محل نيته، حتى
لو كان في أثناء قراءة الحمد أو السورة وجب عليه إتمامهما خاصة لا استئنافهما من الأول
ولا سقوطهما من رأس كما صرح به جماعة، بل لعله كذلك في أثناء الكلمة الواحدة
فضلا عن غيرها، إلا أن الانصاف أن للتأمل فيه بل وفيما هو بمنزلة الواحدة مجالا،
لكن في التذكرة بل وتعليق الإرشاد والمسالك وعن نهاية الإحكام والغرية أنه يعيد
السورة التي فارق فيها، بل استوجه في الذكرى استئناف القراءة مطلقا، لأنه نوى
الانفراد في محل القراءة فوجبت عليه، لأصالة عدم سقوطها، والأول أقوى، تحكيما

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 10
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
27

لاطلاق أدلة الضمان وإن كان الأحوط الاستئناف بنية القراءة المطلقة، هذا، وفي
المسالك (أنه بناء على القول بإعادة السورة التي فارق فيها لو كان الإمام قد تجاوز نصف
السورة لم يجز له العدول عنها، وكذا لو كانت مفارقته في الجحد والتوحيد مطلقا في
غير الجمعتين، وعلى القول الآخر له قراءة أي سورة شاء) وفيه بحث.
وكيف كان فالظاهر جواز نية الانفراد في جميع أحوال الصلاة، ولا يشترط
الدخول معه في ركن، فلو أدركه في أثناء القراءة وفارق قبل الركوع صح كما صرح به
في المسالك والروض، واحتمال توقف انعقاد الجماعة على إدراك ركوع الركعة الأولى
بحيث إن لم يركع معه ينكشف أن لا ائتمام واضح الفساد، لمنافاته لاطلاق أدلة الدخول
في الجماعة، وخصوص صحيح ابن الحجاج (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) الوارد في الجمعة المشتمل
على المفارقة في ركوع الأولى للزحام، وما ستسمعه من الاجماع المحكي على إدراك الجماعة
وإدراك الركعة بادراك الإمام قبل الركوع في المسألة التاسعة من مسائل هذا الكتاب،
ولاطلاق الفتاوى في المتابعة وغيرها، والنصوص (2) الدالة على عدم الادراك إذا لم يدرك
الركوع يراد منها كما لا يخفى على من لاحظها ابتداء الائتمام لا من حصل منه ذلك
واتصف بوصف المأمومية وتحمل الإمام القراءة عنه، وللخبر (3) الذي استدل به
الفاضل في المنتهى على أصل جواز نية الانفراد راويا له عن ابن بابويه، قال: (كان
معاذ يصلي في مسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويطيل القراءة وأنه
مر به رجل فافتتح سورة طويلة فقرأ الرجل لنفسه وصلى ثم ركب راحلته، فبلغ ذلك
النبي (صلى الله عليه وآله) فبعث إلى معاذ فقال: يا معاذ إياك أن تكون

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 69 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
28

فتانا، عليك بالشمس وضحاها وذواتها) وإن كان هو لا صراحة فيه بالركعة الأولى
كما أنه لا صراحة فيه على ما استدل به الفاضل عليه من جواز نية الانفراد، لعدم
ثبوت حجية فعل ذلك الرجل، وعدم ثبوت تقرير النبي (صلى الله عليه وآله) له،
اللهم إلا أن يكون هو الذي أبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) كما رواه الجمهور ومع ذا
لم ينكر عليه ولم يأمره بالإعادة.
وعلى كل حال فلا إشكال في عدم اعتبار ركوع اختيارا
بلا إشكال ولا خلاف كما اعترف به بعضهم، لكن إذا كان الوجوب أصليا تتوقف
صحة الصلاة عليه كجماعة الجمعة لا إذا كان عارضيا بنذر ونحوه، فإنه وإن كان لا يجوز
بل يأثم وتجب عليه الكفارة إلا أن الظاهر صحة الصلاة، لعدم صيرورته شرطا بالنذر
مع احتمال الفساد أيضا، ولو كانت مندوبة تتوقف صحة الصلاة عليها كالمعادة ندبا
فالظاهر عدم جوازها أيضا، لتوقف صحة الصلاة على الجماعة، فلو نوى الانفراد حينئذ
وفارق بطلت صلاته، بل وإن لم يفارق أيضا، لصيرورة موافقته بعد نيته الانفراد
موافقة اتفاقية أو قصدية لكن مع عدم قصد الجماعة، ودعوى عدم البطلان بنيته
الانفراد في كل ما لا يجوز فيه ذلك للغوية نيته وهذريتها بعد فرض وجوب الجماعة
29

شرطا أو شطرا وشرعا عليه، فإن لم يفارق حينئذ كان غير آثم مع صحة جماعته، وإلا
كان آثما خاصة لا لنية الانفراد بل لتركه المتابعة ولو مع نيته الإمامة، وجماعته حينئذ
صحيحة، يدفعها وضوح عدم التلازم بين الوجوب وبين عدم الفساد إذا لم تحصل
استدامة النية، لما دل على شرطيتها في سائر الأعمال ابتداء واستدامة، فكون الشئ
واجبا لا يستغني عن النية فضلا عن أن لا يفسده عدمها، وإلا لجاز عدم استدامة النية
في الصلاة وغيرها من الأعمال، وهو واضح البطلان.
ثم إنه قد يستفاد مما اخترناه - من جواز نية الانفراد اختيارا من حيث اقتضائه
تلفيق الصلاة من الجماعة والانفراد، ومن حيث استدلال غير واحد من الأصحاب
على ذلك المقام باستحباب الجماعة، وهو مشترك بينهما - جواز نية الائتمام للمنفرد طلبا
لفضيلة الجماعة أيضا، لعدم الفرق في ذلك بين الأول والأخير، بل في كشف الالتباس
أن ظاهر الشهيد أن نقل الجماعة إلى المنفرد مبني على جواز نقل المنفرد إلى الجماعة وإن
كنا لم نتحققه، بل في الدروس والبيان أن للمأموم الاقتداء في تتمة صلاته بآخر من
المؤتمين، وفي جوازه بإمام آخر أو منفرد وجهان مبنيان على جواز تجديد نية الائتمام
للمنفرد، وهي شئ آخر غير ما استظهره، لكنه في الجملة مؤيد لما قلناه من ارتباط
هذه المسائل بعضها ببعض، لكون المدار فيها جميعا التبعيض، بل لعله من بعض أفراد
ما نحن فيه، لصيرورته منفردا بانتهاء صلاة الإمام، هذا.
مع إمكان دعوى أن ذلك هو قضية أدلة استحباب الجماعة في الصلاة أيضا،
لعدم الفرق بين الجملة والأبعاض، واحتمال اختصار (اختصاص خ ل) الاستحباب
المزبور في الأول خاصة يدفعه - مع عدم مساعدة الأدلة عليه - ما ذكرناه من جواز
نية الانفراد في الأثناء، بل قد ينقدح من ذلك ونحوه جواز نية الائتمام به ببعض
30

الصلاة من أول الأمر كما جاز له حينئذ ذلك في الائتمام بمن يعلم انتهاء صلاته قبله
كالمسافر ونحوه.
ومع ذلك كله فلا ريب في أن سبر الأدلة قاض بتوسعة الأمر في الجماعة،
ولذا جاز فيها نقل الائتمام من شخص إلى آخر في الاستخلاف، بل الظاهر استخلافه
وإن لم يكن مأموما، خلافا لبعضهم، كما أن الظاهر من إطلاق بعض تلك الأدلة
جواز صيرورة الإمام مأموما بالخليفة إذا كان عزله لفسق ونحوه، ومن المعلوم أنه منفرد
بل ربما كان قضية إطلاق بعض أدلة الاستخلاف الجواز وإن تخلل بين الائتمامين نية
الانفراد، بل لعل الاستخلاف في صورة الموت ونحوه إنما هو بعد صيرورة المأموم
منفردا آنا ما، ضرورة أنه لا معنى لكونه مأموما بلا إمام، بل قد ذكرنا هناك قوة
عدم اقتصار الاستخلاف على الصور المنصوصة، وقوة جواز الائتمام بآخر اختيارا وإن
كان كثير من ذلك محل خلاف ونظر، بل ظاهر الأكثر أو صريحهم عدم جواز
الانتقال من إمام إلى إمام آخر في غير صورة الاستخلاف، إلا أنه يقوى في النظر
الجواز، للاستصحاب وظهور الأدلة في الموردية والمثالية، ولغير ذلك وفاقا للتذكرة
وظاهر المحكي عن نهاية الإحكام، بل احتمله في الذكرى أيضا، لكن إذا كان المنتقل
إليه أفضل كما عن إرشاد الجعفرية سواء كان المنتقل إليه إماما أو منفردا أو مأموما
نوى الانفراد.
بل قد يقوى في النظر من ذلك كله جواز تجديد المنفرد نية الائتمام لما عرفت
ولاجماع الفرقة وأخبارهم المحكيين في الخلاف عليه، وفي ظاهر التذكرة أنه ليس بعيدا
من الصواب، بل ظاهر الذكرى هنا كما عن نهاية الإحكام القول به أو الميل إليه وإن
توقف فيه على الظاهر في الدروس والبيان، لكنه مال في الذكرى إلى الجواز هنا،
بل وفي بحث تقدم المأموم على الإمام في الموقف، فلاحظ.
31

خلافا لجماعة منهم الفاضل والمحقق الثاني فمنعوا من ذلك، لتوقيفية العبادة مع
حرمة القياس، ولأنه لو جاز تهديد الائتمام لو يؤمر المصلي بقطع صلاته أو نقلها إلى
النقل ثم إدراك الجماعة، ولما قيل من أن ذلك كله كان في بدء الاسلام فكان يصلي
المسبوق ما فاته ويأتم بالباقي ثم نسخ، وفيه أن ظن الفقيه من الأدلة السابقة كاف في
إثبات التوقيفي ومخرج عن القياس، واحتمال أن الأمر بالقطع أو النقل لتحصيل كمال
فضيلة الجماعة بادراكها من أولها كما اعترف به في الذكرى، بل ربما يومي هذا إلى
المطلوب في الجملة، ضرورة أولوية النقل إلى الائتمام منها كما أشار إليه في الذكرى،
وأن النسخ غير ثابت، لكن في الذكرى الجواب عنه تبعا للتذكرة بأنه غير محل النزاع
وظاهره تسليم ذلك، والفرق بين نقل المنفرد لا لسبق الإمام له وبينه للسبق، إلا أنه
كما ترى، هذا كله، والانصاف عدم ترك الاحتياط في مثل ذلك.
المسألة (السادسة الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي سفن عدة سواء اتصلت)
بشد بعضها ببعض ونحوه (أو انفصلت) بلا خلاف ولا إشكال مع الجمع للشرائط
المعتبرة في الجماعة، لاطلاق الأدلة، وخصوص صحيحة يعقوب بن شعيب (1) عن
الصادق (عليه السلام) قال: (لا بأس بالصلاة جماعة في السفينة) وصحيحة علي
ابن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليه السلام) (سألته عن قوم صلوا جماعة في سفينة
أين يقوم الإمام؟ وإن كان معهم نساء كيف يصنعون أقياما يصلون أم جلوسا؟ قال:
يصلون قياما، فإن لم يقدروا على القيام صلوا جلوسا، وهم يقوم الإمام أمامهم والنساء
خلفهم، وإن ضاقت السفينة قعدن النساء وصلى الرجال، ولا بأس أن يكون النساء
بحيالهم) خلافا للمحكي عن بعض العامة من المنع للجماعة في السفن المتعددة مع الانفصال

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 73 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 3
32

ولا ريب في ضعفه، نعم في المدارك وغيرها أنه يعتبر الأمن من فوات بعض شرائط
الجماعة، ولعله لعدم تحقق النية إن لم يثق بذلك، لكن لا يخفى أنه محل للنظر، بل له
الائتمام حينئذ وإن لم يثق، ضرورة عدم اشتراط صحة الائتمام باحراز ما يعتبر فيه في
تمام الصلاة، إذ له حينئذ نية الانفراد أو الاستخلاف أو غير ذلك.
كما أنه يتعين البطلان لو استصحب نية الائتمام مع فوات بعض شرائطه كما صرح
به في التذكرة والقواعد والذكرى والمسالك وظاهر البيان في تقدم سفينة المأموم على
سفينة الإمام خلافا للخلاف، فقال: لا تبطل لو تقدمت معللا له بعدم الدليل، بل
ظاهره فيه عدم البطلان أيضا لو حصل البعد المفرط ما لم يمنع المشاهدة لذلك أيضا، كما
سمعته سابقا في الشرائط، وفيه أنه يكفي ما دل على اعتبار مثل ذلك في الجماعة الشاملة
للفرض من غير حاجة إلى دليل بالخصوص، كما هو واضح، ومن هنا احتمل في
الذكرى أن الشيخ يريد في صورة التقدم إذا انفرد أو استدرك التأخر لصحتها حينئذ
كما صرح بها فيها، بل وفي التذكرة والبيان والمسالك أيضا، لكن مع نية الانفراد
خاصة، وفيه أنه يمكن دعوى البطلان بمجرد حصول التقدم ولو آنا ما، فلا تجديه نية
الانفراد إلا إذا سبقت على التقدم، وقد تقدم لنا بعض البحث في ذلك مع الشهيد في
الذكرى في بحث الموقف، حيث أنه قد صرح فيها بأنه لو تقدم المأموم في أثناء الصلاة
متعمدا فالظاهر أنه يصير منفردا لاخلاله بالشرط، ويحتمل أن يراعى باستمراره أو
عوده إلى موقفه، فإن عاد أعاد نية الاقتداء، ولو تقدم غلطا أو سهوا ثم عاد إلى موقفه
فالظاهر بقاء القدوة، ولو جدد نية الاقتداء كان حسنا، فلاحظه وتأمل.
ثم لا فرق على الظاهر بين كون الجميع في السفينة أو السفن أو البعض على
الأرض والباقي فيها في الإمام والمأموم لاطلاق الأدلة، كما هو واضح.
المسألة (السابعة إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف) كما
33

في الخلاف والنافع والتذكرة والمنتهى والدروس والبيان واللمعة وغيرها، ولعله إليه
يرجع ما في الإرشاد (إذ دخل الإمام في الصلاة) ضرورة كون الاحرام هو أول
الدخول في الصلاة، بل وما عن الحسين بن بابويه والقاضي والنهاية والسرائر (إذا
أقيمت الصلاة) لتعارف إحرام الإمام عندها بلا فصل معتد به.
نعم هل هو (إن خشي الفوات، وإلا أتم ركعتين استحبابا) كما قيده به
غير واحد من الأصحاب، بل نسبه في الرياض إلى الأكثر، أو أنه يستحب مطلقا
وإن لم يخش الفوات كما هو قضية إطلاق الشهيدين وغيرهما؟ الظاهر الأول، خصوصا
إذا كان الباقي منها قليلا جدا، لما فيه من الجمع بين الوظيفتين، وعدم إبطال العمل،
بل ينبغي القطع به بناء على حرمة قطع النافلة اقتصارا حينئذ على المتيقن نصا وفتوى،
ولا تسامح مع معارضة الاستحباب الحرمة، بل قد يتوقف في التسامح هنا على التقدير
الأول، لمعارضته باستحباب الاتمام الذي يتسامح فيه أيضا، على أنه لا دليل معتد به
على أصل استحباب القطع سوى ما قيل من أهمية الجماعة في نظر الشارع من النافلة،
ومن الأمر بنقل نية الفريضة إلى النافلة وإتمامها ركعتين الذي هو بمعنى القطع لها،
فيكون النافلة أولى بذلك، والرضوي (1) (وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة
فاقطعها وصل الفريضة مع الإمام) وصحيح عمر بن يزيد (2) المتقدم سابقا المشتمل
على السؤال عن الرواية المتضمنة أنه لا ينبغي أن تتطوع في وقت فريضة ما حد هذا
الوقت؟ قال: (إذا أخذ المقيم في الإقامة) بناء على إرادة الأعم من الابتداء
والاستدامة من التطوع.
لكن الجميع لولا ظهور اتفاق الأصحاب عليه كما اعترف به في الرياض ومفتاح

(1) المستدرك الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب الأذان والإقامة الحديث 1
34

الكرامة محل للمناقشة، خصوصا الأخير، لظهوره في إرادة الابتداء، ولذا خص
الأصحاب الاستدلال به على كراهة الشروع في نافلة بعد الإقامة، وإن كان هو مع
ذلك فيه إيماء في الجملة إلى رجحان مراعاة الجماعة على النافلة، بل وسابقه بناء على عدم
حجيته عندنا، بل وسابق السابق، إذ الأولوية تجدي بعد اتحاد الكيفية، أما مع
الاختلاف بأن كان قطع الفريضة بنقلها إلى النافلة ثم إتمامها وقطع النافلة برفع اليد منها
رأسا فلا، بل قد يومي الأمر باتمامها (1) مع النقل المزبور إلى عدم القطع
في النافلة، وإلا لكان المتجه قطع الفريضة بعد النقل المذكور، وأما الأول فهو اعتبار
محض، بل يمكن منعه بالفرق بين التلبس بالعمل وعدمه، ونقضه باقتضائه استحباب
القطع لكل ما هو أفضل من قضاء حاجة أو دعاء أو قراءة قرآن أو غير ذلك، إلا
أنه يجب رفع اليد عن ذلك كله بعد الاتفاق المزبور واستحبابية الحكم المذكور وعدم
حرمة قطع النافلة اختيارا، كما لعله المشهور، لكن ينبغي الاقتصار على المتيقن،
وهو ما سمعت.
نعم الظاهر المنساق من الفتاوى إرادة فوات آخر ما يجزي في انعقاد أول
الجماعة بأن يخشى عدم إدراك ركوع الركعة الأولى لا أن المراد خوف فوات تمام
الجماعة، وإلا فلو علم إدراك الركعة الأخيرة منها مثلا لم يستحب له القطع وإن احتمله
في المدارك تبعا للمسالك، بل قد يتوهم من عبارة الخلاف أيضا، بل مال إليه المقدس
الأردبيلي في المحكي عن مجمعه، إذ ليس المدار على حصول ثواب الجماعة ولو في الجملة،
وإلا لاكتفى بادراك السجدة أو جزء من الصلاة بناء على تحصيل فضيلة الجماعة بذلك
كما ستسمعه، مع أنه من المقطوع بعدمه، بل المدار على حصول معظم ثوابها، وهو
يحصل بما ذكرناه، ولا أن المراد خوف فوات القراءة مثلا في الركعة الأولى حتى يكون

(1) الوسائل الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة
35

يستحب له القطع وإن علم إدراكها بعد القراءة أو بعضها كما عن بعضهم احتماله أيضا،
بل لعله إليه أو إلى ما يقرب منه أومأ من ذكر استحباب القطع إذا أقيمت الصلاة كي
يتأهب المأموم للواجب وينتظر تكبير الإمام معه ليكبر من غير فصل، وكأنه مال إليه
في المسالك، بل جزم به في الفوائد الملية، بل عن فوائد الشرائع القطع به إذا دخل
الإمام موضع الصلاة كالمسجد مثلا، ولعله لموثق سماعة (1) الآتي في الفريضة، إذ قد
عرفت أن العمدة في الحكم المزبور معقد أكثر الفتاوى، والمنساق منه ما سمعت فلا
يستحب القطع حينئذ إلا إذا خشي الفوات بالاتمام، فيقطع حينئذ ولو عند إقامة الصلاة
بل وقبلها، إذ احتمال تشاغله إلى وقت الضيق مما لا دليل عليه، ولعل هذا مراد
القائل بالقطع عند الإقامة أو قبلها، فلا يكون مخالفا حينئذ، مع احتمال أنه لا يقطع
إلا إذا أحرم الإمام، لاحتمال عدم انعقاد الجماعة أو تأخرها أو غير ذلك، ومن هنا
قيد الجماعة الحكم المزبور باحرام الإمام وخوف الفوات لما عرفت، ولما تسمعه من جواز
العدول في الفريضة إلى النافلة إذا أخذ المؤذن بالأذان والإقامة.
ثم إن الظاهر رجوع قيد الاستحباب في المتن إلى القطع أو إليه وإلى الاتمام
ضرورة أنه لم يقل أحد بوجوب القطع، بل هو واضح، لكون الجماعة من المندوبات
كما أنه لم يقل أحد بإباحة القطع الخالية عن الرجحان وإن أوهمه ما حكي عن النهاية
وغيره من التعبير بالجواز، كما هو واضح.
(وإن كانت) التي شرع فيها المأموم (فريضة نقل نيته إلى النفل على الأفضل
وأتم ركعتين) على المشهور بين الأصحاب، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، كالمدارك
والذخيرة أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، بل لا خلاف فيه صريحا كما اعترف به
في الرياض، نعم ربما يوهمه المحكي من عبارة السرائر، فلم يجوز القطع إلا أنه في غير

(1) الوسائل الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
36

محله بعد وضوح الدليل عليه من السنة المعتبرة المعتضدة بما سمعت، كصحيح سليمان بن
خالد (1) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) (عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما
هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة، قال: فليصل ركعتين ثم يستأنف الصلاة
مع الإمام، ولتكن الركعتان تطوعا) وموثق سماعة (2) (سألته عن رجل كان يصلي
فخرج الإمام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة فقال: إن كان إماما عدلا فليصل
أخرى ولينصرف ويجعلها تطوعا، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، وإن لم يكن
إمام عدل فليبن علي صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى معه، ويجلس قدر ما يقول:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم ليتم
صلاته معه على ما استطاع، فإن التقية واسعة، وليس شئ من التقية إلا وصاحبها
مأجور عليها إن شاء الله تعالى).
مضافا إلى ما عن الفقه الرضوي (3) أيضا (وإن كنت في فريضتك وأقيمت
الصلاة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في الركعتين ثم صل مع الإمام، وإن كان ممن
لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك ولا تجعلها نافلة ولكن أخط إلى الصف وصل معه،
وإذا صليت أربع ركعات وقال الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهد من قيام وسلم عن
قيام) والمناقشة في الأفضلية المذكورة في المتن وغيره هنا وفي النافلة - بل الظاهر
الاتفاق عليه كما اعترف به بعضهم بعدم الدليل، لورود الأمر بذلك عقيب توهم الحظر
لا يصغى إليها، كما هو واضح.
نعم ظاهر الجميع بل هو كصريح البعض اختصاص الإذن في في قطع الفريضة
بالطريق المخصوص، فليس له حينئذ قطعا بغيره، وإن خاف الفوت، لاطلاق دليل
.

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1 - 2
(3) المستدرك - الباب - 44 - من أ بواب صلاة الجماعة - الحديث 1
37

الحرمة أو استصحابا لها حتى لو قلنا إن مدركها الاجماع، بناء على المختار من استصحاب
الحكم الثابت به أيضا، فما في البيان - من أن الفريضة كالنافلة، وفي الدروس والموجز
من أنه إن يمكنه النقل إلى النفل نقل، وإن خاف الفوت قطعها، وقواه في الذكري
تبعا للمحكي عن القاضي وموضعين من المبسوط واستحسنه في المدارك والذخيرة والحدائق
استدراكا لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان، ولأن العدول إلى النفل
قطع لها أيضا، ومستلزم لجوازه، بل اختاره في الروض والمسالك والفوائد الملية إذا
خاف فوات الائتمام بأول الصلاة فضلا عن غير لكن بعد النقل إلى النفل معللا له
بأن الظاهر أفضلية إدراك الائتمام من أول الصلاة من أفضلية إتمامها ركعتين، ولأن
الفريضة تقطع لما هو أدون من ذلك، ولأنها بعد العدول صارت نافلة، وحكمها ذلك
كما عرفت، فيحمل الخبران حينئذ على من لم يخف الفوات جمعا بينهما وبين ما دل على
قطع النافلة - محل للنظر والتأمل لحرمة القياس، على أن القطع للأذان له محل مخصوص
اللهم أن يتمم بعدم القول بالفصل، وهو كما ترى، بل لعله يقتضي عدم التقييد بخوف
الفوت كما هو صريح الروض، وجواز القطع بالاتمام نافلة لا يستلزم الجواز مطلقا،
ضرورة وضوح الفرق بينهما، بل لعل الأول لا يندرج في النهي عن الابطال، لأنه
ليس إبطالا، كما أن صيرورتها بعد العدول نافلة أيضا لا يستلزم جريان حكم النافلة
ابتداء عليها، على أنه لا نص في تلك بالخصوص كما عرفت كي يشمل ما نحن فيه إطلاقه
أو يحتاج إلى الجمع بينه وبين الخبرين المزبورين، ويبنى (ومبني خ ل) أيضا على كون العدول
في الأثناء قبل الاتمام ركعتين كما هو ظاهر جماعة وصريح آخرين، لكنه محتمل لأن
يكون بعد الانصراف والاتمام نحو ما ورد (1) من جعل العصر الأولى بعد الفراغ،
بل عن مجمع البرهان نفي البعد عنه، بل لعله المنساق من الخبرين، بل لعله متعين بناء

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب المواقيت الحديث 1 من كتاب الصلاة
38

على أن الواو للترتيب.
وتظهر الثمرة فيما لو أراد البقاء على الفريضة قبل الاتمام ركعتين، وفي جواز
القطع اختيارا بناء على جوازه في مثل هذه النافلة، وفي غير ذلك، ولعله من ذلك كله
توقف الشهيد في ظاهر اللمعة، بل ربما كان ظاهره الميل إلى المشهور، بل اختاره
في ظاهره النفلية.
نعم الظاهر أن له القطع المزبور بالعدول المذكور وإن أمكنه إتمام الفريضة
وإدراك الجماعة في الإعادة استحبابا، لاطلاق الخبرين المزبورين، فما في ظاهر المحكي
عن مجمع البرهان من إتمام الفريضة ثم الإعادة استحبابا ضعيف، ضرورة كون المدار في
المقام تحصيل فضيلة تلك الصلاة جماعة لا إدراك الجماعة كيف كان حتى أنه إذا تيسر له
الجمع راعاه، وبذلك ظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين النافلة، ونحوه المحكي عن فوائد
الشرائع من أنه إن دلت القرائن على اتساع الزمان بحيث يكملها عند تحريم الإمام لم
يقطعها ولم ينقلها إلى النفل، لما عرفت من الاطلاق، نعم لو علم أنه لا يدرك الجماعة
وإن نقل نيته إلى النفل وأتم بركعتين لم يجز له القطع بناء على المختار كما عرفت، خلافا
لمن سمعت، فيقطع بعد النقل إلى النفل أو مطلقا ويأتم.
ولو عدل إلى النفل بناء على أن محل العدول الأثناء لا التمام فبان له أنه لا يدرك
الجماعة وقلنا بعدم جواز القطع كما عرفت أيضا فهل يتمها نافلة أو يرجع عن نيته إلى
النية السابقة؟ وجهان أو قولان، إذ عن ظاهر الروض الأول، والمحكي عن مجمع
البرهان الثاني ينشئان من عدم الدليل على العدول الثاني، ومن عدم مصادفة النية محلها،
وعدم منافاة نية النفل في الأثناء للفرض، بل هي في الحقيقة كالعزم على إرادة التسليم
على الركعتين.
ثم إن ظاهر النص جواز النقل المزبور إذا أذن المؤذن وأقام، بل عند تبين
39

انعقاد الجماعة خلف إمام عادل كما يومي إليه الموثق، لا أنه مخصوص بما إذا أحرم
الإمام كما عساه يوهمه المتن وغيره، وكذا ظاهر النص أيضا أن محل العدول قبل تجاوز
المأموم الركعتين، أما بعده فلا دلالة فيه عليه، وقضية الاحتياط والاقتصار فيما خالف
الأصل على المتيقن عدم التعدي منه إلى غيره حتى لو كان في قيام الثالثة قبل أن يركع
ضرورة أصالة عدم جواز العدول، فيستمر حينئذ على إتمام فرضه وفاقا للتذكرة والرياض
وعن النهاية ومجمع البرهان، وكأنه تردد فيه في الروضة والروض، بل ربما مال إلى
القطع في الأول، كما أنه احتمل فيهما العدول إلى النافلة مع هدم الزائد والتسليم، وهما
ضعيفان لا دليل معتد بن علي شئ منهما.
(و) كذا لا دليل معتد به أيضا على ما ذكره غير واحد من الأصحاب،
بل في الروض أنه المشهور، بل في البيان نفي الخلاف فيه من أنه (لو كان) الإمام
الذي يراد الائتمام به (إمام الأصل عليه السلام قطع) المأموم الفريضة على كل حال (واستأنف)
الصلاة (معه) وإن كان قد يقال: إنه لمزيد المزية له في الائتمام به (عليه السلام)،
بل هي أعظم من مزية أصل الجماعة التي قطعت النافلة وعدل لها بالفريضة إلى النافلة
بمراتب قطعا، لكنه كما ترى لا يصلح حجة في نفسه فضلا عن أن يعارض الأدلة،
ومن هنا حكي عن المعتبر أنه تردد فيه، بل استقرب في المنتهى والمختلف مساواته لغير
إمام الأصل (عليه السلام) في الاتمام ركعتين، إلا أن الأمر سهل، لقلة الجدوى في المسألة،
فالتشاغل فيها في غير محله.
هذا كله لو كان الإمام ممن يقتدى به، أما إذا كان ممن لا يقتدى به استمر
المأموم على حاله في النافلة والفريضة، للأصل والموثق السابق المعتضد بالرضوي المتقدم
إلا أني لم أجد من أفتى بتمام مضمون الرضوي عدا ما يحكى عن ابن بابويه، بل وعن
40

الشيخ وجماعة أنه يتشهد جالسا ويسلم إيماء ثم يقوم مع الإمام، ولعله لا بأس به بعد
انحصار استطاعته بذلك كما سمعته في الموثق، واختاره في المختلف وبه يجمع حينئذ بينهما
كما في الحدائق، والله أعلم.
المسألة (الثامنة إذا فاته مع الإمام شئ) من الركعات لم ينقطع استحباب
الجماعة باجماع المسلمين، بل (صلى ما يدركه وجعله أول صلاته) وإن كان آخر صلاة
الإمام (وأتم ما بقي عليه) بلا خلاف معتد به فيه بيننا، بل في الغنية والمنتهى والتذكرة
وعن المعتبر وغيره الاجماع عليه، فما عن أبي علي - من الخلاف في ذلك، ولعله يوافق
أبا حنيفة وبعض العامة من تبعية صلاة المأموم للإمام في ذلك، فيستقبل الأول حينئذ
لو كان قد أدرك في الآخر - لا ينبغي أن يصغى إليه، إذ هو مع أن الاجماع بقسميه
على خلافه قد استفاضت المعتبرة (1) أو تواترت في الأمر بما ذكرنا، والنهي عن ذلك
بل في بعضها التعريض بهم ووصفهم بالحمقى، ففي خبر طلحة بن زيد (2) عن جعفر عن
أبيه عن علي (عليه السلام) قال: (يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته،
قال جعفر (عليه السلام): وليس يقول كما يقول الحمقى) ومرسل ابن النضر (3) عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال: (قال لي: أي شئ يقول هؤلاء في الرجل إذا فاته مع الإمام
ركعتان؟ قال: يقولون يقرأ في الركعتين الحمد وسورة فقال: هذا يقلب صلاته
فيجعل أولها آخرها، فقلت: فكيف يصنع؟ فقال: يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة).
كما أنه قد استفاضت أيضا أو تواترت في الأمر بقراءة المأموم في الأولتين له
والأخيرتين للإمام معللا في صحيح ابن الحجاج (4) عن الصادق (عليه السلام) بأنهما
له الأولتان، قال فيه: (وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 6 - 7 - 2
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 6 - 7 - 2
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 6 - 7 - 2
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 6 - 7 - 2
41

الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ قال: اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان، ولا تجعل أول
صلاتك آخرها) وهو حقيقة في الوجوب، فمنه - مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط في
التوقيفيات، إذ الحرمة لم يصرح أحد بها في المقام، بل الظاهر الاتفاق بين من تعرض
لذلك على الرجحان في الجملة وإن اختلفوا في وجوبه وندبه، وبما دل على أصل القراءة
في الصلاة المعلوم أو المظنون أو المحتمل عدم معارضته أدلة سقوط القراءة عن المأموم
وضمان الإمام لها، ضرورة عدم شمولها لما نحن فيه، على أنه يجب الخروج عنها بأخبار
المقام المعتضدة بعضها ببعض السالمة على كثرتها من اختلاف بينها بالنسبة إلى ذلك - ينقدح
قوة القول بالوجوب، وفاقا للمحكي عن علم الهدى والشيخ في التهذيبين وظاهر النهاية
والمبسوط والغنية وأبي الصلاح، بل لعله ظاهر الكليني والصدوق أيضا، واختاره بعض
الأساطين من متأخري المتأخرين كالمحدث البحراني والمولى الأكبر في شرح المفاتيح
والسيد في الرياض وغيرهم، وكأنه مال إليه في الذخيرة كما عن الأردبيلي، وخلافا
للمنتهى والتذكرة والمختلف والنفلية والفوائد الملية وعن السرائر فالاستحباب، وربما
مال إليه أو اختاره بعض متأخري المتأخرين، للأصل الذي يكفي في قطعه بعض ما
عرفت فضلا عن الجميع بعد تسليم جريانه في نحو المقام.
والجمع بين دليل الضمان ونحوه وبين ما هنا بحمل هذا الأمر على الاستحباب
خصوصا بعد اشتمال صحيح ابن الحجاج الآمر بذلك منها على ما علم ندبيته كالآمر
بالتجافي فيه وعدم التمكن من القعود حيث يتشهد الإمام، وصحيح زرارة (1) الآمر
فيه بذلك أيضا على نهي المأموم عن القراءة في أخيرتيه المعلوم إرادة الكراهة منه،
ضرورة بقاء التخيير له، وخصوصا بعد شيوع الأمر في الندب حتى قيل فيه ما قيل،
سيما وهو في هذا الصحيح وغيره بالجملة الخبرية، كما أنه هو فيه أيضا بالقراءة في النفس

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
42

الظاهر في إرادة غير التلفظ بها أو غير الصريح في ذلك، مع أنه حذف التحميد في
بيان ذكر الأخيرتين فيه أيضا، بل قال: (لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل
ودعاء، ليس فيهما قراءة) وهو غير المشهور على ما قيل، بل قيل: إنه ترك فيه ذكر
السورة على رواية الفقيه له، وهو خلاف المشهور، بل خلاف الاجماع المحكي من
جماعة - في محله، بل قد يؤيد ذلك كله استمرار السيرة في الأعصار والأمصار على
الدخول في الجماعة من غير سؤال أن الإمام في الأولتين أو الأخيرتين كي يقرأ ولا
يقرأ معتضدة بخلو الفتاوى والنصوص، وسيما أخبار الباب وأخبار (1) التقدم إلى
الصف والتأخر عنه، وأخبار (2) الحث على الدخول في الجماعة وغيرها عن التعرض
لوجوب هذا السؤال، بل في الصحيح (3) أنه إذا لم يدر المستناب المسبوق كم صلى
الإمام ذكره من خلفه، اللهم إلا أن يحمل على النسيان ونحوه مما لا ينافي ذلك، كاستمرار
السيرة على الدخول في الجماعة من غير اختبار حاله من تمكن قراءة الحمد وعدمه، مع
أنه إذا لم يعلم أو علم العدم لا يجوز له الدخول، ومعتضدة أيضا بخلو النصوص عن
التعرض لذلك، كخلوها عن التعرض لحكمه إذا لم يمهله الإمام عن إتمام قراءة الحمد،
فهل يتابع ويقطع القراءة كما أنه يترك السورة لذلك أو أنه يقرأ ويتخلف عن الإمام
ثم يلحقه كما تخلف عنه للتشهد؟ بل قد يؤيده أيضا النصوص (4) الدالة على إدراك
الجماعة بادراك الإمام راكعا أو قبل الركوع بآن ما الظاهرة في عدم قراءة المأموم هناك
بل هو كصريح الأمر فيها بالمشي حال الركوع لدخوله المسجد ورؤيته الإمام راكعا.

(1) الوسائل الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(4) الوسائل الباب 44 و 45 من أبواب صلاة الجماعة
43

واحتمال خروج ذلك عن محل النزاع - لاتفاق الجميع حينئذ على سقوط القراءة
من رأس، إنما البحث إن كان ففيما قبل ركوع الإمام وتمكن المأموم من الشروع في
قراءة الفاتحة كما يرشد إلى ذلك ما في الحدائق والرياض، حيث قالا بعد أن حكما
بوجوب القراءة إن الأحوط للمأموم الذي لا يعلم التمكن من القراءة أن لا يدخل مع
الإمام إلا عند تكبيرة الركوع، فإنه لا قراءة حينئذ، كما أن الأحوط له إن دخل قبل
ذلك قراءة ما يتمكن من الفاتحة ثم يتابع ويتم الصلاة ثم يستأنفها من رأس - يدفعه أنه
لا دليل على هذا التفصيل نصا وفتوى، بل إطلاقهما القراءة في الأولتين للمأموم
الأخيرتين للإمام يقتضي خلافه، بل ظاهر بعضها وصريح آخر أنه لا فرق في ذلك
بين الركعة الأولى التي يدركها مع الإمام وغيرها، فيقرأ في كل منهما المأموم، بل
يؤيده أيضا ما في المدارك وغيرها من أن أكثر الأصحاب لم يتعرضوا لحكم القراءة في
المسبوق، وكأنه لأنهم أوكلوه إلى حكم المأموم غير المسبوق، وما قيل أيضا من أن
معظم من تعرض للمسألة على الاستحباب، فإن السرائر وما تأخر عنها صرحوا به،
وما تقدم عليها بين من لم يتعرض وبين من عبر بمضمون الأخبار، فيحمل على إرادة
الندب مثلها.
ومن هنا قيل: إن من تأخر عن الشيخ فهم منه الندب، ولم ينسب في المختلف
القول بالوجوب لأحد إلا علم الهدى، بل قال: إن أصحابنا وإن ذكروا القراءة لكنهم
لم يذكروا الوجوب، على أن المحكي عن المرتضى لم يذكر فيه إلا وجوب الفاتحة مع أنه
ممن قال بوجوب السورة حتى حكى عليه الاجماع في الانتصار كما قيل، واحتمال وجوبها
عنده في غير المقام وأما فيه فالفاتحة خاصة يدفعه أنه لم نعرف أحدا قال هنا بهذا التفصيل
وإن كان ظاهر المحكي عن السرائر نسبته إلى بعض أصحابنا، حيث أنه نسب فيها
هنا إلى بعض أصحابنا إيجاب السورتين معا، ثم قال: ومنهم من قال: قراءة الحمد
44

وحدها، فلا يبعد إرادة الندب من الوجوب في عبارة السيد، إلى غير ذلك من
المؤيدات الكثيرة.
لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة تلك الأخبار الكثيرة جدا التي فيها
الصحيح وغيره ومروية في الكتب الأربعة وغيرها كما جمعها في الحدائق، وربما سمع
بعضها في أثناء البحث، وقد اشتمل بعضها على التأكيد والتعليل والنهي عن خلافه، بل
قد ينضم إليها الأخبار (1) الآمرة بجعل ما يدركه أول صلاته لا آخرها على إرادة القراءة
فيه كما يفعله لو كان منفردا بقرينة المرسل (2) السابق، خصوصا وكثير من هذه
المؤيدات من اللغو الذي لا ينبغي أن يسطر، كما هو محرر في محله، إذ من الواضح عدم
قدح اشتمال الخبر على الأمر المراد منه الندب والنهي المراد منه الكراهة بقرائن
خارجية في دلالة الأمر الآخر فيه على الوجوب، خصوصا إذا كان في سؤال آخر
مستقل، وإلا لزم رفع اليد عن أكثر الأخبار، على أنه - مع إمكان معارضته
أيضا هنا باشتمال الخبر المزبور على ما علم وجوبه، كاللبث متأخرا عن الإمام للتشهد -
يمكن منع ندبية التجافي المذكور وإن كان هو ظاهر الأكثر، حيث أطلقوا الجلوس
بل ظاهر هذا المعترض أنه مفروغ منه.
لكن قيل في الذكرى عن الصدوق وجوبه، وربما كان ظاهرا المحكي عن السرائر
أيضا، بل والغنية والتقي وابن حمزة وإن عبر هؤلاء الثلاثة بأنه يجلس مستوفزا، بل
قواه في الرياض، ولعله كذلك لهذا الصحيح (3) المعتضد بالاحتياط، وبالصحيح
الآخر (4) عن الصادق (عليه السلام) في حديث (من أجلسه الإمام في موضع يجب

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 7
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 0 - 7
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
(4) الوسائل الباب 67 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
45

أن يقوم فيه تجافي وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا) وبالمروي عن معاني الأخبار (1)
عنه (عليه السلام) أيضا (إذا جلس الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى)
السالم عن معارض معتد به، إذ الأصل غير صالح لذلك، كخلو النصوص غير ما عرفت
بل والتعبير بالقعود في بعضها مما هو لا يقاوم ذلك سندا ولا عددا بل ولا دلالة، إذ
هو مطلق يجب حمله عليه، بل لعله متعين، ضرورة أنه أولى من إخراج الأمر بالقعود
فيه عن حقيقته وإرادة الإباحة منه، إذ لم يقل أحد بوجوبه أو ندبه، ولا شيوع في
الأمر بالندب بحيث استغنى عن القرينة أو زاحم الحقيقة كما هو محقق في محله.
على أنه ينبغي القطع بعدم إرادة الندب منه هنا، إذ الفرض كما اعترف به
الخصم أنه ارتكب ذلك جمعا بين هذه الأوامر وبين ما دل على سقوط القراءة، وقد
عرفت هناك إرادة حرمة القراءة منها في أكثر الأحوال التي لا تجامعها الندب، وإرادة
التخصيص ليس بأولى من إبقاء الأمر على حقيقته وارتكابه، بل هو أولى قطعا، لما
فيه من المجاز الواحد بخلافه، وقد تعارف التعبير عن الاخفات بالقراءة في النفس في
الأخبار، منها أخبار الصلاة (2) خلف من لا يقتدي به، على أنه مشترك الالزام
على تقديري الوجوب والندب، إذ الفرض ندبية القراءة الملفوظة عندهم، وحذف
التحميد - مع أن المقام ليس مساقا لبيانه - غير قادح في المطلوب، كحذف السورة
على رواية الفقيه بعد دلالة غيره من الأخبار عليها، بل المحكي عن الفقيه فيما حضرني
من الوسائل إثبات السورة فيه، واستمرار السيرة بعد التسليم على عدم السؤال مع جهل
الحال إن لم نقل إنه للاعتماد على أصالة عدم دخول الإمام في الثالثة مثلا لمعارضته بأصالة
عدم سقوط القراءة لا دلالة فيه على نفي الوجوب إذا علم كون الإمام في الثالثة أو الرابعة

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السجود الحديث 6
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة
46

الذي هو محل البحث ومورد الأخبار، كخلو النصوص عن التعرض لذلك مع أنها غير
مساقة لبيان مثله، بل لا أجد بعدا في التزامه وإن خلت النصوص عن التعرض له،
إذ لعله اتكالا على باب المقدمة المعلوم وجوبها بالعقل ككثير من الأمور المتروك
بيانها فيها لها.
وأما استمرار السيرة على الدخول من دون اختبار حاله في التمكن وعدمه ففيه
بعد التسليم أنه لعله لاستصحاب بقاء الإمام على الحال الذي أدركه إلى حين الفراغ،
أو لأنه له ذلك وإن لم يعلم بل وإن علم العدم، لجعل الشارع له حينئذ تكليفا آخر من
ترك القراءة واللحوق أو إتمامها ثم اللحوق، بناء على عدم اشتراط صحة الجماعة بادراك
الركوع إذا أدرك الإمام وهو قائم، خصوصا إذا كان التخلف لعذر ونحوه، وليست
النصوص خالية عن التعرض لذلك بالكلية، بل في بعضها الايماء إلى ترجيح مراعاة
المتابعة على إتمام الفاتحة وإن كانت هي بالنسبة إلى ترك السورة أصرح، ففي صحيح
معاوية بن وهب (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدرك آخر صلاة
الإمام وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته، قال:
نعم) وعن دعائم الاسلام (2) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (إذا سبق
الإمام أحدكم بشئ من الصلاة فليجعل ما يدركه مع الإمام أول صلاته وليقرأ فيما بينه
وبين نفسه إن أمهله الإمام) وعنه أيضا (3) عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)
قال: (إذا أدركت الإمام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك
فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة إن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ فاجعلها
أول صلاتك).

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5
(2) المستدرك الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 4
(3) المستدرك الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 4
47

مضافا إلى الاستئناس بالنصوص (1) الواردة في الائتمام بمن لا يقتدى به
الآمرة بالقراءة خلفه لكن بمقدار الممكن من الفاتحة والسورة، إذ الظاهر معاملته معاملة
الجماعة الصحيحة وإن لم تكن كذلك، ومضافا إلى ما دل من النصوص (2) على الأمر
بالجماعة حال ركوع الإمام أو نحوه من الأحوال التي يعلم عدم تمكن المأموم فيها من
القراءة أصلا.
ومن ذلك كله ينقدح لك قوة القول بمراعاة وجوب المتابعة وترجيحها على
وجوب القراءة وإن كانت الفاتحة، وإلا فالسورة لا اشكال في تقديم المتابعة عليها،
إذ هي وإن أطلق الأمر بها في بعض النصوص لكن في آخر منها التصريح بسقوطها
إذا لم يمهله الإمام، كصحيح زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) (إذا أدرك
الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل ما أدرك أول
صلاته، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ
في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة
تامة أجزأته أم الكتاب، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما، لأن الصلاة
إنما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة، وفي الأخيرتين لا يقرأ
فيهما إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة، وإن أدرك ركعة قرأ فيها
خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ثم قعد وتشهد، ثم قام فصلى
ركعتين ليس فيهما قراءة).

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4
48

إنما البحث في الفاتحة مطلقا أو إذا تلبس المأموم في قراءتها ولم يمهله الإمام
لا تمامها، لظهور قوله (عليه السلام) في الصحيح (1): (أجزأته أم الكتاب) في أنها أقل المجزي
ولقوله (صلى الله عليه وآله) (2): (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) وعليه يمكن (3) حينئذ خلوها عنها
إلا أنك قد عرفت أن الأقوى في النظر ترجيح مراعاة المتابعة في الركن على القراءة
لما سمعت ولأنها الجزء الأعظم في الجماعة، ولذا اغتفر لها زيادة الركن ونحوه، ولا يرد
التخلف للتشهد - الذي هو أهون من القراءة، بل لا كلام في جواز المفارقة للعذر،
ولا ريب في أن تأدية الواجب منه كالتشهد - للفرق بينهما أولا بالنص، وثانيا بأنه
ليس في التخلف للتشهد فوات ركن، على أنه محتاج لزمان قليل، بل لعله لا يعد من
المفارقة في مثل هذا التأخر، كما أومأ إليه الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمان
ابن أبي عبد الله (4) (إذا سبقك الإمام بركعة جلست في الثانية لك والثالثة له حتى
يعتدل الصفوف قياما) كقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن الحجاج (5) (فإذا
كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر ما يتشهد ثم يلحق
بالإمام) إلى آخره، وكونه عذرا في التأخر موقوف على ثبوت الوجوب في المقام،
فتأمل وإن توقف فيه أولا في الرياض تبعا للحدائق.
ومن هنا يعلم الجواب عن التأييد بأخبار الدخول في الجماعة حال ركوع الإمام
ضرورة أنه لا قراءة عندنا في هذا الحال كما اعترف به في الرياض والحدائق على ما سمعت
سابقا، لكن من العجيب توقفهما هناك وجزمهما هنا على وجه لا إشكال فيه من أحد
كما عرفت، إذ ليس في الأخبار تفصيل بين شروع المأموم في القراءة وعدمه، فحيث

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 3 - 2
(2) المستدرك الباب 1 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 5
(3) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " لا يمكن "
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 3 - 2
(5) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 3 - 2
49

لا شروع لأن لا وقت له لا إشكال فيه بخلاف الأول، فيأتي احتمال وجوب الاتمام
ثم اللحوق للإمام ولو في السجود، واحتمال وجوب المتابعة وسقوط القراءة، وظني أنه
من متفرداتهما، وأنه وهم محض، نعم لا بأس بذكر ما دل على الدخول في الجماعة حال
ركوع الإمام أو تكبيره له على وجه يعلم أن لا قراءة فيه للمأموم مؤيدا لسقوط القراءة
ورجحان مراعاة المتابعة عليها، كما سمعته منا، على أنه إن لم يظهر ترجيح لأحدهما على
الآخر لتصادم المرجحات أو لغير ذلك كان المتجه التخيير بين الأمرين حينئذ
لا التوقف والتردد، فتأمل جيدا.
وعدم تعرض أكثر الأصحاب لو سلم محتمل لوجوه، منها معلومية وجوب القراءة
عليه، وإطلاقهم السقوط هنا منزل على غير محل الفرض، وكون معظم المتعرضين على
الندب يدفعه التتبع، بل لم نعرفه لأحد قبل ابن إدريس على ما حكي عنه، بل قبل
العلامة كما يومي إليه عدم نسبته إلى أحد في المنتهى، بل ظاهره أنه من متفرداته بخلاف
الوجوب، فإنه هو حكاه عن بعض أصحابنا، وابن إدريس أيضا كذلك وإن حكى
الخلاف بينهم بالنسبة إلى الفاتحة والسورة، فلا ريب في معلومية قدمه على الاستحباب
نعم هو ليس صريح كلامهم، لكنه ظاهر كالصريح، وقد عرفت فيما تقدم القائل به
ومن نسب إليه ذلك، على أن العمدة الدليل، وقد علمته، كما أنك علمت أنه لا إجماع
ولا شهرة على خلافه، بل لعل الشهرة بالعكس خصوصا مع ملاحظة المصنفين لا التصانيف.
وبالجملة لا محيص عن القول بالوجوب، كما أنه لا محيص عن القول بوجوب
ما تيسر له من الفاتحة والسورة، وإلا فيترك ويتابع كما تبين ذلك مفصلا.
ومنه يعلم أنه إن لم يتيسر له التسبيحات مثلا في الركعات الأخيرة أو الأذكار
في الركوع والسجود تركها وتابع، وكذا تبين الكلام أيضا في التجافي وأن وجوبه
لا يخلو من قوة من غير فرق فيه بين تشهد الإمام أو تسليمة، لعموم الصحيح السابق
50

ويستحب له التشهد حينئذ تبعا للإمام وفاقا للمنتهى والذكرى وإن عبر فيها بالجواز،
والبيان والرياض وغيرها، بل لعله ظاهر المنتهى أيضا للمعتبرين، ففي أحدهما (1)
(سئل عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام فأدرك الثنتين هي الأولى له
والثانية للقوم يتشهد فيها، قال: نعم، قلت: والثانية أيضا: قال نعم، قلت: كلهن
قال: نعم، وإنما هي بركة " وفي الآخر (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام ": جعلت
فداك يسبقني الإمام فتكون لي واحدة وله ثنتان فأتشهد كلما قعدت؟ قال: نعم، فإنما
التشهد بركة ".
خلافا للغنية وعن النهاية وأبي الصلاح وابن حمزة، ولعله ظاهر التحرير أيضا
حيث قال: " قعد وسبح من غير تشهد " بل والمحكي عن المبسوط أيضا حيث قال:
لا يعتد به ويحمد الله ويسبحه " وإن كان المحكي عن نهايته أصرح في المنع، فإنه وإن
أثبت التسبيح بدله أيضا لكنه قال: " لا يتشهد " بخلافه في المبسوط، ولم نعرف لهم
شاهدا على ذلك وإن كان هو أحوط، إذا لم نعرف قائلا بالوجوب، للأصل وإشعار
التعليل بالبركة وغير ذلك، إلا أن الأحوط منه الاتيان بالتشهد بقصد القربة المطلقة
لا بقصد الأمر الموظف، تخلصا من احتمال الوجوب وإن لم نعرف قائلا صريحا به،
ولا ينافيه اشتماله على الاقرار بعبودية النبي (صلى الله عليه وآله) ورسالته بتقريب أنهما
ليسا من الذكر أو الدعاء بعد قوله (عليه السلام): إنه بركة، بل يمكن منع إنكار ذكريته
أيضا، لرجوعه إلى الثناء على واجب الوجوب أيضا.
وكيف كان ففي الذخيرة وعن الأردبيلي أنه قد تجتمع حينئذ خمس تشهدات في
الرباعية، وأربعة في الثلاثية، وثلاثة في الثنائية، وفي الحدائق الظاهر أنه سهو من
القلم أو القائل، بل أربعة في الرباعية، وثلاثة في الثلاثية، واثنان في الثنائية، وهو

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 66 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
51

كذلك إلا أن يلاحظ دخول المأموم مع الإمام إذا أدركه حال التشهد كما ستعرف،
واستنابة المسبوق أيضا، بل قد يتصور أكثر من ذلك إذا لوحظ مع ذلك ترامي العدول
والائتمام بناء على جوازه، ولعله إلى ذلك أومأ الأردبيلي فيما حكي عنه من أنه يتصور
أكثر من الخمس، والأمر سهل.
وكذا ينبغي للمأموم متابعة الإمام أيضا في القنوت وإن لم يكن محل قنوته كما
نص عليه جماعة للموثق أو الصحيح (1) عن الصادق (عليه السلام) (في الرجل يدخل
في الركعة الأخيرة من الغداة مع الإمام فقنت الإمام أيقنت معه؟ فقال: نعم)
الحديث. لكن لا يجزيه ذلك عن القنوت لنفسه في ثانيته للعموم (2)
كما نص عليه في الرياض، نعم لو اقتضى فوات المتابعة يسقط قطعا، خصوصا بناء على
ما تقدم من العلامة من تحريم جلسة الاستراحة على المأموم إذا لم يجلس الإمام وإن كان
هو واضح الفساد بالسيرة وغيرها، وما في الصحيح المزبور محمول على الرخصة كما يشعر
به لفظ الاجزاء على ما ذكرناه في بحث القنوت لا على فوات المتابعة، لأن مفروض
سؤال الصحيح الغداة ولا متابعة بعد إدراك الثانية منها فقط.
ومن جميع ما سمعت ظهر لك الحال في قول المصنف: (ولو أدركه) أي الإمام
(في الرابعة دخل معه، فإذا سلم قام فصلى ما بقي عليه ويقرأ في الثانية له بالحمد والسورة)
قطعا، لأنه منفرد (و) لذا كان (في الاثنتين الأخيرتين) له أن يقرأ (بالحمد،
وإن شاء سبح) بلا إشكال ولا خلاف كما اعترف به في المدارك، إنما الخلاف فيما إذا
أدرك معه الركعتين الأخيرتين وسبح الإمام فيهما، فالمشهور كما في الروض والذخيرة
على بقاء التخيير له أيضا وإن سبح الإمام فيهما ولم يقرأ، بل في المنتهى نسبته إلى

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب القنوت الحديث 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب القنوت
52

علمائنا، وهو الأقوى لاطلاق أدلته، وصحيح زرارة السابق (1) وغيره، خلافا
لما أرسله غير واحد عن بعض من وجوب القراءة عليه معللين ذلك بأنه لئلا تخلو الصلاة
عن فاتحة الكتاب التي لا صلاة بدونها، وهو مشعر باختصاص الخلاف فيما إذا لم يقرأ
المأموم إما لعدم وجوبها عليه أو لعدم تيسرها له، ومال إليه في الحدائق، لصحيح
معاوية بن وهب (2) ومرسل ابن النضر (3) المتقدمين سابقا، قال: وبهما يخص إطلاق
أدلة التخيير كما خصصت بأخبار (4) ناسي القراءة في الأولتين كما قدمنا التحقيق فيه
سابقا، وهو كما ترى ضعيف جدا، لقصورهما عن ذلك من وجوه لا تخفى.
ثم إنه قد يشعر ما في المتن بعدم جواز قيام المسبوق قبل التسليم كما هو ظاهر
المحكي عن السرائر، ولعله لظاهر صحيح زرارة السابق وغيره مما تقدم ويأتي،
ولا ريب في أنه أحوط وأولى وإن كان الجواز أقوى حتى قبل التشهد فضلا عن التسليم
إذا نوى الانفراد بناء على جوازه اختيارا، إذ احتمال عدم مشروعيته في خصوص
المقام لهذه الأخبار التي لم تسق لبيان ذلك ما ترى، بل قيل وإن لم ينو الانفراد بناء
على عدم وجوب المتابعة في الأقوال، أو على ندبية التسليم وإن اختص الجواز حينئذ
على الأخير بما بعد التشهد، لكن فيه أن عدم وجوب المتابعة أو الندبية لا يخرجانه
عن حكم الائتمام، وإلا لم يجز له الانتظار وإن طال، وهو معلوم الفساد، فالأقرب
حينئذ وجوب نية الانفراد لو أراد مفارقته قبل التشهد أو بعده قبل التسليم كما صرح به
في الروض سواء قلنا بوجوب المتابعة أولا، واستحباب التسليم أولا، نعم لا يجب
لو انتظره حتى سلم، لانقطاع حكم المأمومية حينئذ به، فلو قام حينئذ غافلا عنها لم يكن به
بأس بخلاف الأول، فإنه يرجع أو ينوي الانفراد حينئذ، وإلا أثم وإن كانت صلاته

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 5 - 7
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 5 - 7
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 5 - 7
(4) الوسائل الباب 30 من أبواب القراءة في الصلاة
53

صحيحة، لعدم شرطية المتابعة كما عرفت، فتأمل جيدا، والله أعلم.
المسألة (التاسعة إذا أدرك) المأموم (الإمام بعد رفعه) رأسه (من) الركوع
في الركعة (الأخيرة) أو غيرها فلا خلاف في فوات الركعة حينئذ كما اعترف به في
المدارك، بل هو إجماعي، والنصوص (1) واضحة الدلالة عليه، إذ هي تدرك بادراك
الإمام قبل الركوع إجماعا محصلا ومنقولا في التذكرة والمدارك وغيرهما أو بادراكه راكعا
بحيث يجتمع معه فيه على الأصح كما تقدم البحث فيه سابقا، نعم إذا أراد إدراك
الدخول معه لتحصيل فضيلة الجماعة نوى و (كبر وسجد معه) السجدتين وفاقا للأكثر
كما اعترف به في المدارك والذخيرة، بل المشهور كما في الكفاية، بل لا خلاف فيه إلا
من الفاضل في المختلف فتوقف كما في الرياض والحدائق، لاطلاق أدلة الجماعة والحث
عليها المقتضية بظاهرها جواز الائتمام حال تلبس الإمام بأي جزء من أجزاء الصلاة
وإن لم تحتسب له ركعة إلا بادراك الركوع كما صرح بهذا التعميم الشهيدان في البيان
والفوائد الملية وغيرهما، بل هو ظاهر غيرهما أو صريحه، ولخبر المعلي بن خنيس (2)
عن الصادق (عليه السلام) (إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد
معه ولا تعتد بها) وصحيح معاوية بن شريح (3) المروي في الفقيه عنه (عليه السلام)
أيضا (إذا جاء الرجل مبادرا والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة
والركوع، ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها، ومن أدرك
الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدركه وقد رفع رأسه
من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة، وليس عليه أذان ولا إقامة،
ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة) بناء على أن قوله أولا: (ومن

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 6
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 6
54

أدرك) إلى آخره، من كلام الصادق (عليه السلام) كما في الوسائل، بل لعله الأظهر
كما اعترف به في الحدائق لا على ما عن الكاشاني في الوافي من احتمال كونه
من كلام الصدوق.
والمروي عن مجالس الحسن بن محمد الطوسي بسند متصل إلى أبي هريرة (1)
قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا جئتم إلى الصلاة ونحن في سجود
فاسجدوا ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة) بل وصحيح ابن
مسلم (2) قال (قلت له: متى يكون يدرك الصلاة مع الإمام؟ قال: إذا أدرك الإمام
وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الإمام) بناء على
ظهوره في إرادة السؤال عن أقصى الأحوال التي تدرك بها الجماعة، واحتمال إرادة
الحضور والإمام في هذا الحال من لفظ الادراك فيه وفي غيره لا أنه ينوي ويكبر
ويدخل معه كما ترى في غاية الضعف، بل لا ينبغي الاصغاء إليه مع ملاحظة خبري
المعلي بن خنيس ومعاوية بن شريح وغيرهما المعتضدة بالفتاوى، كاحتمال إرادة المتابعة
للإمام فيما يجده متلبسا به من السجود ونحوه منه ويكبر للهوي له حينئذ لا أنه ينوي
الصلاة ويكبر للاحرام ويدخل في الصلاة ثم يتابعه في السجود، إذ هو وإن لم يكن
بتلك المكانة من الضعف بل قد يؤيده استبعاد نية الصلاة التي يعلم إبطالها بمتابعة
الإمام في السجدتين، أو امتناعها بناء على المشهور من وجوب الاستئناف عليه إذا قام
كما ستعرف، بل ربما كان هو ظاهر أحد موضعي تذكرة الفاضل وعن نهايته أيضا حيث قال:
لو أدركه بعد رفعه من الركوع استحب له أن يكبر للهوي إلى السجود ويسجد معه،
فإذا قام الإمام إلى اللاحقة قام ونوى وكبر للافتتاح - إلا أنه مناف لمقتضى الاطلاق
الذي أشرنا إليه سابقا، وللمنساق من النصوص المتقدمة، خصوصا المشتمل على لفظ

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 1
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7 - 1
55

التكبير منها، وظاهر لفظ الاستئناف في الفتاوى والاستدلال فيها على البطلان بزيادة
ركن ونحوه مما ستسمعه حتى في التذكرة وعن نهاية الإحكام، بل في موضع آخر من
الأولى التصريح بتكبيرة الاحرام، وغير ذلك مما ستعرف من النصوص بناء على اتحاد
هذه الصور بالنسبة إلى ذلك.
ولا استبعاد في نيته وإن علم بعد الأدلة الشرعية أولا، وبعد عدم وجوب
هذه المتابعة عليه المقتضية بطلان صلاته ثانيا، إذ له الانتظار من غير سجود إلى أن
يقوم الإمام إن لم يكن في الركعة الأخيرة، وإلى أن يفرغ من الصلاة إن كان فيها كما
صرح به وبأن الأفضل له المتابعة الشهيدان في البيان والروض والمسالك والروضة
والفوائد الملية، بل ربما كان ظاهر المحكي من عبارة المبسوط التي ستسمعها أيضا، ولعله
للجمع بين الأخبار السابقة وبين خبر عبد الرحمان (1) عن الصادق (عليه السلام)
في حديث (إذا وجدت الإمام ساجدا فأثبت مكانك حتى يرفع رأسه، وإن كان
قاعدا قعدت، وإن كان قائما قمت) والموثق (2) عنه (عليه السلام) أيضا (عن رجل
أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين قال: يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الإمام حتى
يقوم) فيحمل هذان على الإذن والجواز ورفع الايجاب وما قبلهما على الفضل
والاستحباب، ولا بأس به.
لكن في الرياض أني لم أجد عاملا بهما قبل الشهيد، فلا تكافئا تلك الأخبار
الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الاجماع، وبغير ذلك، فهي أرجح منهما
من وجوه، وتنزيلهما على ما سمعت مع ظهورهما في حرمة المتابعة فرع الحجية المتوقفة
على المكافأة، وهي مفقودة، وفيه أنه مبني على فهم وجوب المتابعة في المقام بعد الدخول

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 4
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 5 - 4
56

مع الإمام من عبارات الأصحاب على وجه يتحقق به شهرة معتد بها أو إجماع، وهو
في محل المنع وإن أوهمه ظاهر بعض كلماتهم، كمنع شمول ما دل على وجوبها من معقد
إجماع أو غيره لمثل ما نحن فيه، فلا يبعد حينئذ أن له التخيير المزبور، بل قد يقال
إن له نية الانفراد أيضا وإتمام صلاته لادراكه الجماعة بمجرد إدراك الإمام في جزء من
أجزاء الصلاة وإن لم يدرك الركعة معه.
هذا كله لو أدركه واقفا، أما لو أدركه راكعا فنوى وهو يريد الاجتماع معه
فلم يتسير له ذلك فإن كان بحيث يتحقق منه مسمى الركوع اتجه القول بالبطلان على
رأي المشهور، لحصول زيادة ركن حينئذ منه، إذ لا اعتداد بهذا الركوع منه بعد أن
لم يجتمع مع الإمام فيه، فليس له حينئذ متابعة الإمام بالسجدتين إلا أن يستأنف نية،
وإن كان قبل أن يتحقق منه مسمى الركوع رفع رأسه حينئذ مع الإمام ثم تابعه
بالسجدتين وأبطل صلاته بهما، وليس له إبطال العمل في المقام أو في غيره من الصور
بغير المتابعة كما نص عليه الشهيد الثاني في روضته، اقتصارا على المتيقن خروجه من
إطلاق النهي، هذا كله بناء على المشهور، وإلا فعلى ما سمعته من الشيخ يتجه الصحة
في ذلك كله.
وكيف كان فما في المختلف - من التوقف في الحكم المزبور من أصله أي جواز
الدخول في الجماعة حال رفع الإمام رأسه ثم متابعته، حيث قال بعد أن حكى عن الشيخ:
(إنه لو أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين
ولا يعتد بهما، وإن وقف حتى يقوم إلى الثانية كان له ذلك) وعندي في ذلك إشكال
من حيث أنه قد زاد في الصلاة ركنا هو السجدتان، مع أنه (عليه السلام) نهى عن
الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها في رواية محمد بن مسلم (1) الصحيحة عن الباقر

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2
57

(عليه السلام)، مع احتمال أن يكون إشكاله فيما يستفاد من الشيخ من عدم وجوب
استئناف الصلاة، بل يكتفي بتلك النية والتكبير كما ستسمعه فيما يأتي لا في أصل الدخول
إلا أن الذي فهمه منه غير واحد من الأصحاب التوقف والاشكال في ذلك كما يومي إليه
تعليله الثاني، بل في المدارك والذخيرة أنه في محله، ولعله لعدم ثبوت التعبد بالكيفية
المذكورة، وللنهي كما سمعته من المختلف في صحيح محمد بن مسلم (1) عن الصادق (عليه السلام)
عن الدخول في الركعة التي لم يدرك تكبير ركوعها، وآخر له أيضا (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) قال: (قال لي: إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا
تدخل معهم في تلك الركعة) وفي ثالث (3) عنه (عليه السلام) أيضا (إذا أدركت التكبير قبل أن
يركع الإمام فقد أدركت الصلاة) - ضعيف جدا، ضرورة الاكتفاء في ثبوت التعبد
هنا خصوصا لو قلنا بأنه من المستحب الذي يتسامح فيه بمثل ما سمعت من الأخبار
التي فيها الصحيح وغيره المعتضدة بما عرفت من عدم خلاف أحد فيه قبله، وقد عرفت
الحال في هذه الأخبار عند البحث في إدراك الصلاة بادراك الإمام راكعا، وأن
الأصحاب عدا الشيخ في بعض كتبه وبعض أتباعه أعرضوا عن ظاهرها حتى حكى
الاجماع هو فضلا عن غيره في بعض آخر من كتبه على خلافه، وبعد التسليم محتملة
احتمالا قويا إرادة النهي عن الدخول ونحوه معتدا بتلك الركعة لا لادراك فضل
الجماعة كما يومي إليه إبدال النهي عن الدخول في صحيح ابن مسلم (4) الآخر أيضا عن
أبي جعفر (عليه السلام) بالنهي عن الاعتداد بها، فقال: (لا تعتد بالركعة التي لم
تشهد تكبيرها مع الإمام) بل ينبغي القطع به بملاحظة أخبار المشهور هناك، وصحيح

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 4 - 2 - 1 - 3
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 4 - 2 - 1 - 3
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 4 - 2 - 1 - 3
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 4 - 2 - 1 - 3
58

ابن مسلم (1) هنا الذي سمعته سابقا فضلا عن غيره من الأخبار الدال على ما نحن فيه
بطريق أولى، كما هو واضح.
نعم لا يعتد المأموم بتلك النية والتكبيرة وذلك السجود عند الأكثر كما في
المدارك والذخيرة، بل في الرياض لا خلاف فيه إلا من ظاهر الشيخ والحلي (فإذا
سلم) الإمام حينئذ لو كان المفروض أنه أدركه في الركعة الأخيرة (قام واستأنف)
الصلاة (ب‍) نية جديدة و (تكبير مستأنف وقيل) والقائل الشيخ في ظاهر المحكي عن
مبسوطه بل ونهايته والحلي في ظاهر المحكي من سرائره أنه (يبني على) نيته و (التكبير
الأول) ويتم الصلاة، وربما مال إليه الأردبيلي، ولم يرجح في الذكرى في المقام
(والأول أشبه) عند المصنف والفاضل والشهيدين وغيرهم، لبطلان الصلاة بزيادة
الركن التي لا دليل على اغتفارها هنا من نص أو إجماع، أما الثاني فواضح، وأما
الأول فقد عرفت أنه لا دلالة في النصوص على أزيد من جواز الدخول معه، بل لعل
قوله (عليه السلام): (ولا تعتد بها) في خبر المعلي بن خنيس (2) وغيره دال على
المطلوب بناء على إرادة الصلاة من الضمير لا الركعة (3) لكن (قد يناقش باغتفار هذه
الزيادة للمتابعة، للأمر بها هنا الذي لا إشكال في استفادة عدم ترتب الفساد بالامتثال
عن ظاهره نحو اغتفارها فيمن سبق الإمام سهوا، خصوصا إذا قلنا إن الذي يفعله
المأموم مع الإمام في حال السهو إنما هو غير الركوع الصلاتي مثلا، بل هو واجب
للمتابعة خاصة، وإلا فالركوع الواقع منه أولا هو الركوع الصلاتي، إذ عليه حينئذ
ينحصر اغتفار هذه الزيادة بمراعاة المتابعة، واحتمال خروج ذلك بالدليل دون المقام
كما ترى، إذ مع قطع النظر عن أدلة المقام يمكن دعوى وضوح عدم الفرق بين المقامين

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 2
(3) في النسخة الأصلية " لا إلى الركعة " ولكن الصواب ما أثبتناه
59

سيما إذا لوحظ خبر حفص (1) الوارد في صلاة الجمعة المشتمل على زيادة السجدتين
للمتابعة في غير السهو، وقد اعترف الشهيد في الذكرى هناك بأنه لا يبعد العمل به لشهرته
بين الأصحاب، وعدم وجود ما ينافيه، واغتفاره الزيادة للمتابعة، واعتراف الشيخ
باعتماد أصله، فلاحظ.
مضافا إلى استصحاب الصحة في المقام معتضدا بترك الأمر بالاستئناف في مقام
البيان في جميع الأخبار السابقة، خصوصا مع ظهورها في الصحة أو إيهامها، ضرورة
أنه إذا قال له: انو الصلاة وكبر للافتتاح ثم اسجد مع الإمام ينساق إلى ذهن كل
أحد منها أن ذلك لا فساد فيه للصلاة، واحتمال الاتكال في ذلك على قوله: (ولا
تعتد بها) يدفعه أولا أن إرجاع الضمير إلى الصلاة ليس بأولى من إرجاعه إلى الركعة
أو إلى جنس السجدة، بل لعله هو الظاهر، وثانيا أن الموجود فيما حضرني من نسخة
الوسائل تثنية الضمير، فيتعين رجوعه حينئذ إلى السجدتين، ويؤيده أنه رواه في
الذكرى كذلك، ثم قال: فهذا يحتمل عدم الاعتداد بهما من الصلاة وإن كانت النية
صحيحة، ويحتمل عدم الاعتداد بهما ولا بالصلاة، وعبارة المبسوط كالرواية.
قلت: لا ريب في ظهور الاحتمال الأول من الخبر المزبور على التقدير المذكور دفعا لما يتوهم من إطلاقهم (عليهم السلام) الأمر بالدخول في الجماعة، والأمر بجعل
ما يدركه المأموم مع الإمام أول صلاته، ويؤيد أن الأصحاب فهموا من عبارة المبسوط
الخلاف في المقام، ونسبوا له القول بالصحة وعدم الاستئناف مع أن عبارته كما سمعته
من الذكرى كالرواية، فالمتجه حينئذ دلالتها على الصحة أيضا ولو لاشعار النهي عن
خصوص الاعتداد بهما فيما هنا بذلك أو لغيره.
بل قد يشهد للصحة أيضا استبعاد أو امتناع أمرهم (عليهم السلام) بنية العمل

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة الحديث 2
60

قائما والتقرب به إلى الله تعالى ثم إيجابهم إفساده بهذه المتابعة أو ندبهم إليه على اختلاف
القولين كما عرفت، خصوصا بعد نهي الله تعالى عن إبطال العمل، كاستبعاد حصول
فضيلة الجماعة بذلك وبالصلاة المستأنفة جديدا، ضرورة خروجها عنه حينئذ، اللهم إلا
أن يقال بحصول فضيلة الجماعة له بذلك لا بصلاته المستأنفة، وهو أبعد، ولعله لذا
توقف في القواعد في حصول الفضيلة بذلك، وكأنه جعله مستحبا خارجيا، بل استقرب
في التذكرة العدم في نحو المقام كما عن نهاية الإحكام والايضاح فيه، وإن كان هو ضعيفا
منافيا لظاهر النصوص والفتاوى، بل قد يؤيدها أيضا أن المتجه على هذا التقدير
الفساد بأول مسمى السجود لتحقق الزيادة عمدا كما ستسمعه فيما يأتي، فلا معنى لمتابعته
حينئذ بعد في السجدة الأخرى وغيرها، بل ربما يؤيدها أيضا ما ستعرف في بعض
الصور الآتية.
واحتمال دفع ذلك كله بالشهرة يدفعه أنه لا شهرة محققة، إذ أقصاه أنه خيرة
الفاضلين والشهيدين وبعض أتباعهم، وإن كان ذلك منهم في كتبهم المتعددة فهي شهرة
فتاوى لا مفتين، بل قد عرفت أن الشهيد في الذكرى لم يرجح في المقام، بل قد يمكن
بالتتبع تحصيل القول بالصحة لغير الشيخ والحلي كالصدوقين والكليني وغيرهم، بل لعله
ظاهر النافع أو محتمله كما ستعرف، ومن هنا ظهر أن قول الشيخ لا يخلو من قوة،
إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه، وهو إنما يحصل إذا دخل في هذا الحال باتمام الصلاة
ثم الاستئناف من رأس، والله أعلم، هذا.
وفي المدارك أنه (إن قلنا باستحباب المتابعة وعدم وجوب استئناف النية كانت
التكبيرة المأتي بها تكبية الاحرام ووجب إيقاع النية قبلها، وإن قلنا بوجب استئناف
النية كان التكبير المأتي به أولا مستحبا كما هو ظاهر) وظاهره يعطي أن التكبير على
التقدير الثاني ليس تكبير الاحرام، لكنه مخالف للمستفاد من الفتاوى والنصوص،
61

كما هو واضح.
ولو أدرك المأموم الإمام وقد سجد إحدى السجدتين في الركعة الأخيرة أو
غيرها نوى وكبر ودخل معه في الأخرى لكثير من الأدلة السابقة حتى صحيح ابن
مسلم (1) المتقدم، إذ الظاهر من إرادة إدراكه في السجدة الأخيرة هو الدخول معه
فيها كما اعترف به غير واحد من الأصحاب، فما في المدارك - من أنه لا دلالة فيه على
حكم المتابعة في السجدة والظاهر أن الاقتصار على الجلوس أولى - في غير محله، كما هو
واضح، وفي الاعتداد بهما أو الاستئناف القولان السابقان، بل الصحة هنا أولى، لعدم
كون الزيادة ركنا، ولذا قال بالصحة من لم يقل بها هناك كالشهيد الثاني في روضته،
إذ جعل الضابط في الاستئناف - بعد أن جوز للمأموم أن يدخل مع الإمام في سائر
الأحوال - أنه إن زاد معه ركنا استأنف، وإلا فلا، لكن فيه أن الزيادة في الصلاة
عمدا مبطلة للصلاة أيضا وإن لم تكن ركنا، ولا دليل عل اغتفارها للمتابعة دون الركن
ومن هنا لم يفرق غيره بين المسألتين، إلا أنك قد عرفت هناك قوة الصحة سابقا،
فهنا بطريق أولى.
بل قد يؤيد هنا باطلاق ما دل (2) على النهي عن إعادة الصلاة من سجدة،
وبأن المعلوم من إفساد الزيادة العمدية ما لا يشمل نحو المقام، بل قد يشك في
اندراج ما نحن فيه فيه بعد فرض قصد المكلف أنها فعل خارج عن الصلاة فعلها متابعة
للإمام، نعم هي فعل في أثناء الصلاة، ولا دليل على أن مطلقه وإن لم يكن كثيرا بحث
يشمل ما نحن فيه مفسد للصلاة، بل لعل الثابت عدمه، ولعل من ذلك أو نحوه فرق
الشهيد بين المقامين.

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الركوع الحديث 2 و 3
62

لكن قد يناقش في كون زيادة السجدتين بهذا العنوان من زيادة الركن المفسد
للصلاة أيضا، بناء على أن المعتبر في ركنية الزيادة كونها بعنوان أنه من الصلاة ولو سهوا
أو وقع منه ذلك مع الغفلة أصلا لا بعنوان أنه ليس من الصلاة، وقد سبق نظيره في
أحكام الخلل فيمن زعم إتمام صلاته ثم افتتح صلاة جديدة ثم تبين له نقصانها، إذ
احتمل الفاضل هناك عدم فساد الصلاة بزيادة تكبيرة الاحرام معللا له بنحو ما سمعت
فيأتي حينئذ بالركعة ويتم صلاته، فلاحظ وتأمل.
(ولو أدركه) أي المأموم الإمام (بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة كبر
وجلس معه) لاطلاق أدلة الرخصة في الدخول وخبر معاوية بن شريح (1) بناء على
أن التتمة من الصادق (عليه السلام) لا الصدوق، وخبر عبد الرحمان (2) المتقدم أيضا
وموثق عمار (3) عن الصادق (عليه السلام) سأله (عن الرجل يدرك الإمام وهو قاعد
يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه، قال: لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل
ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتم صلاته).
فما في المدارك - من حصر أقصى إدراك الجماعة بادراك الإمام في السجدة
الأخيرة لظاهر صحيح ابن مسلم (4) السابق ضعيف جدا مخالف للاجماع المحكي إن
لم يكن المحصل، فيجب الخروج عن إشعار هذا الصحيح أو مفهومه أو تنزيله على ما لا
ينافي المطلوب من تفاوت مراتب فضيلة الادراك أو غيره، وكان الأولى له تعليله
بانتهاء محل القدوة بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال كما هو الأقوى، وإن كان
هو أيضا ضعيفا لا يعارض ما عرفت من الأدلة السابقة، على أنه لو قلنا لا يجب المتابعة
فيها بل ولا يندب لكن الجلوس فعل من الأفعال التي يتابع المأموم الإمام فيها، كما

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 6 - 5 - 3 - 1
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 6 - 5 - 3 - 1
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 6 - 5 - 3 - 1
(4) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث - 6 - 5 - 3 - 1
63

هو واضح، وكذا ما في الحدائق من التوقف في الحكم المزبور أيضا لمعارضة ما هنا
بخبر عمار (1) الآخر المتقدم سابقا المشتمل على النهي عن القعود مع الإمام إذا أدركه
جالسا بعد الركعتين بل ينتظره حتى يقوم، إذ قد عرفت أنه يجب طرحه في مقابلة
غيره أو الجمع بينهما بالتخيير وأفضلية المتابعة، على أن موضوعه التشهد الأول في الصلاة
ذات التشهدين، ويبقى حينئذ محل للجماعة إن لم يتابعه في ذلك الجلوس بخلاف
ما هنا، فتأمل.
وكيف كان (فإذا سلم) الإمام لو فرض أنه كان في الركعة الأخيرة (قام
فاستقبل) تمام (صلاته ولا يحتاج) هنا (إلى استئناف تكبير) بلا خلاف أجده في
شئ من ذلك بين أساطين الأصحاب، بل في الذكرى والروض القطع به، بل في
مفتاح الكرامة وعن المهذب البارع الاجماع عليه، وهو الحجة بعد ظهور قوله (عليه السلام)
في موثق عمار (2) المتقدم آنفا (أتم صلاته) في ذلك أيضا، بل هو ظاهر غيره أيضا
من الأدلة، خصوصا بعد ما سمعته منا في ترجيح كلام الشيخ في المسألة الأولى، مضافا
إلى اقتضاء القاعدة ذلك، ضرورة عدم مقتض للفساد، إذ الجلوس والتشهد الذي مر
في المعتبرة (3) أنه بركة غير قادحين قطعا.
ومن هنا لم يخالف أحد بالصحة في المقام وإن خالفوا فيما عرفت عدا ما عساه
يظهر من المصنف في المنافع من الاستئناف هنا أيضا، إلا أني لم أجد أحدا ممن تأخر
عنه أو تقدمه وافقه عليه كما اعترف به شارحه في الرياض، وإن كان قد يستدل له
بأنه زيادة أيضا في الصلاة لم يعلم اغتفارها في المقام، لقصور الأدلة عن إفادة عدم

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 3
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 3
(3) الوسائل الباب 66 من أبواب صلاة الجماعة
64

الاستئناف هنا أيضا كما في باقي الصور، وبما عن الفقيه عن عبد الله بن المغيرة (1) قال:
(كان منصور بن حازم يقول: إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلى ركعتين فكبر
ثم اجلس، فإذا قمت فكبر) إذ الظاهر إرادة تكبيرة الاحرام منه، لأنه لا تكبير
للجلوس أو للقيام، ورده في الرياض بأنه إن تشهد فهو بركة كما مر في المعتبرة، وليس
من الزيادة المبطلة. وإلا فليس إلا القعود خاصة، وهو غير مبطل بلا شبهة كما يفصح
عنه أمر المسبوق به (2) حيث لم يكن له محل للتشهد، وبأن قطع الخبر المزبور يمنع جواز
العمل به، مع أني لا أجد قائلا به ولا أعرفه، ومعارض بموثق عمار المذكور الظاهر
أو الصريح في عدم لزوم الاتيان بالتكبير، وهو جيد.
لكن ظاهره عدم قدح مثل ذلك في الصلاة لو وقع اختيارا من غير متابعة
الإمام، وأنه ليس من الزيادة المبطلة، لعدم وقوعه بنية أنه من الصلاة، ولبركة التشهد
وقلة فعل الجلوس، وإلا لو كان مدار اغتفاره المتابعة عنده لاتجه عليه أنه لم لم يغتفر
لها زيادة السجدتين أو السجدة الواحدة، ضرورة اتحاد مقتضاها في الجميع.
وقد يناقش بامكان التخلص عن شبهة زيادة السجدة بنحو ذلك أيضا كما سمعت
وباشتمال التشهد على ما يتوقف في كونه ذكرا كالاقرار بالعبودية والرسالة، فيمكن
دعوى عدم جوازه لولا المتابعة، وبأنه إن لم يتشهد كان له السكوت كما صرح به الفاضلان
على ما حكي عن أولهما، إذ لا يتعين عليه الذكر قطعا، وربما كان طويلا مبطلا للصلاة
خصوصا إذا أطال الإمام في التشهد والتسليم، فلولا أنه مغتفر للمتابعة لاتجه البطلان.
ومن ذلك كله يظهر لك زيادة تأييد للصحة في الصور السابقة وإن تابع فيما تابع
من السجدة أو السجدتين، إلا أنه على كل حال لا ريب في ضعف ظاهر النافع من

(1) الفقيه ج 1 ص 260 الرقم 1184 من طبعة النجف
(2) الوسائل الباب 47 و 66 من أبواب صلاة الجماعة
65

البطلان، ويمكن إرادته مجرد استحباب الدخول من التشبيه، فلا مخالفة، أو الاتمام
من الاستقبال لا الاستئناف فيكون حينئذ موافقا للشيخ في الصحة في الصور السابقة،
والله أعلم.
المسألة (العاشرة يجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام وينصرف لضرورة)
كوجع أو أخذ بول أو خوف فوات شئ أو نسيان (وغيرها) كما صرح به غير واحد
من الأصحاب، بل في المدارك والذخيرة أنه مقطوع به في كلام الأصحاب حتى في
كلام القائلين بوجوب التسليم، كمعقد إجماع الحدائق على ذلك، للأصل وعدم وجوب
المتابعة في الأقوال على الأصح، وصحيح أبي المعزا (1) عن الصادق (عليه السلام)
(في الرجل يصلي خلف إمام فيسلم قبل الإمام؟ قال: ليس بذلك بأس) كصحيحه
الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا إلا أنه زاد في سؤاله (فيسهو) قبل قوله: (فيسلم)
وصحيح الحلبي (3) عنه (عليه السلام) أيضا (في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل
الإمام التشهد، فقال: يسلم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحب) وصحيح علي بن
جعفر (4) عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: (سألته عن الرجل يكون خلف إمام
فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شئ أن يفوت أو يعرض له وجع كيف
يصنع؟ قال: يسلم وينصرف ويدع الإمام).
بل الظاهر الجواز وإن لم ينو الانفراد مع عدم العذر فضلا عنه، كما هو قضية
الأدلة المزبورة وإطلاق المتن وغيره ومحتمل المسالك وصريح الروض بناء على عدم
وجوب المتابعة في الأقوال والذخيرة والرياض، بل لعله ظاهر غيرهم من الأصحاب
أيضا كما اعترف به في الذخيرة تبعا للروض لافرادهم هذه المسألة عن مسألة المفارقة،

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 5 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 5 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 5 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 4 - 5 - 3 - 2
66

ولو اعتبروا فيها النية لم يكن لهذا الافراد فائدة معتد بها، بل ينبغي الجزم بذلك بناء
على عدم وجوب المتابعة في الأقوال، إذ احتمال خروج خصوص هذا القول من بينها
لاقتضائه الخروج عن الصلاة الذي هو كالفعل أو كالافتتاح بالتكبير الذي أوجبنا
المتابعة فيه ضعيف، فما في ظاهر النافع والمنتهى من الافتقار إلى نية الانفراد حال عدم
العذر لحرمة المفارقة في غير المقام بدونها محجوج بما عرفت، وأولى منه بذلك ما في
الذكرى والبيان وعن غيرهما من الافتقار إليها مع العذر أيضا، ولعله للجمع بين دليلي
حرمة المفارقة وجوازها مع العذر، وانصراف إطلاق نصوص المقام إلى النية، بل هي
في الحقيقة قصد السبق الواقع من المأموم، وفيه أنه لا شمول في دليل حرمة المفارقة لمثل
المقام كي يعارض إطلاق الأدلة، وأنه من الواضح الفرق بين نية الانفراد وبين إرادة
سبق المأموم الإمام، وأقصى ما يمكن تسليمه انصراف الاطلاق إلى الثاني دون الأول
على أن صحيح السهو لا يقبل ذلك وإن كانت دلالته على المطلوب إنما هي بعدم أمره
بتلافي ما سها فيه، أو باطلاق نفي البأس كما هو واضح.
ثم إنه لو قلنا بوجوب نية الانفراد فلو فارق بدونها عمدا أثم خاصة لا أنه فسدت
صلاته كما صرح به هنا في الذكرى، وسمعته مكررا منا غير مرة في باقي أفراد ترك
المتابعة، نعم ينبغي استثناء خصوص المتابعة في تكبيرة الاحرام من ذلك، لظهور الفساد
هنا بتعمد تركها، لعدم تحقق الائتمام حينئذ بمصل، كما هو واضح.
المسألة (الحادية عشرة إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال) للصلاة
جماعة (وجب) في صحة صلاتهم (أن يتأخرن) عنهم (إذا لم يكن للرجال موقف
أمامهن) بناء على حرمة المحاذاة والتقدم في الصلاة فرادى، أو على اعتبار ذلك في
خصوص الجماعة وإن قلنا بالكراهة هناك، كما لعله ظاهر المتن هنا كالمنتهى وإن قال
بالكراهة فيما تقدم، وقد تقدم تمام البحث في ذلك في بيان الموقف من فصل الجماعة
67

فلاحظ وتأمل، وكيف كان فلا ريب في إرادة الوجوب الشرطي مما في المتن لا التعبدي
خصوصا إذا كانت الأرض مباحة أو ملكا للنساء، كما هو واضح.
المسألة (الثانية عشرة إذا استنيب المسبوق) بركعة أو ركعتين (فإذا انتهت
صلاة المأمومين أومأ إليهم ليساموا ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه) من الصلاة للصحيح (1)
عن الصادق (عليه السلام) (في إمام قدم مسبوقا بركعة، قال: إذا أتم صلاة القوم
فليؤم إليهم يمينا وشمالا فلينصرفوا، ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته) والآخر (2)
عنه (عليه السلام) أيضا (عن الرجل يأتي المسجد وهو في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة
أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدمه، قال: يتم صلاة
القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال، وكان
الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم، وأتم هو ما فاته أو بقي عليه) لكن
من المعلوم إرادة الندب من ذلك، للأصل وإطلاق باقي أدلة المقام وغيره مما هو نظيره
كائتمام المسافر بالحاضر ونحوه، كما أن الظاهر ذلك أيضا بالنسبة إلى جلوسه إلى فراغهم
من التشهد إذا لم يكن عليه تشهد وإن تضمنه الصحيح الثاني.
بل الظاهر أنه لا بأس بتقديم واحد منهم ليسلم بهم، لخبر طلحة بن زيد (3)
عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: (سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد
ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان، قال: يتم بهم
الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم، ويقوم هو فيتم بقية صلاته) بل عن الشيخ في التهذيب
أنه أحوط، بل قد يستفاد مما قدمنا في ائتمام المسافر بالحاضر - من أن له الانتظار
حتى يفرغ الإمام فيسلم معه - جواز ذلك هنا أيضا، كما لم يستعبده في المنتهى معللا له
بأنه قد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف، وتبعه في المدارك وإن أنكر عليه في الرياض

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 5
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1 - 3 - 5
68

تبعا للحدائق بأنه قياس وليس بحجة، لكنه كما ترى، والأمر سهل.
والظاهر أنه لا حاجة في تشهد المأمومين وسلامهم هنا إلى نية الانفراد وإن
فارقهم بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة، لاطلاق الأدلة وكون التخلف للعذر،
بل الظاهر بقاؤهم على المأمومية حتى يسلموا، فلا يجوز الاقتداء حينئذ ببعضهم لثبوت
جميع أحكام المأمومين لهم بناء على ذلك، فتأمل جيدا، والله أعلم، والحمد لله رب العالمين
والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين ببركاتهم وفقنا الله تعالى لاتمام أحكام
الجماعة، ونرجو منه جل شأنه بهم التوفيق لغيرها، وهو عند ظن عبده به الحسن.
(خاتمة فيما يتعلق بالمساجد)
يناسب ذكرها في المقام لغلبة انعقاد الجماعات فيها وإن ذكرها بعضهم في المكان
ملاحظة لكون المسجد أفضل أماكن المصلي، والأمر سهل، والمراد بالمسجد شرعا
المكان الموقوف على كافة المسلمين للصلاة، فلو خص بعضا منهم به لم يكن مسجدا،
اقتصار على المتيقن، بل هو ظاهر الأدلة أيضا، ضرورة منافاة الخصوصية للمسجدية
إذ هو كالتحرير، فلا يجوز، بل لا يتصور فيه التخصيص، فيبطل الوقف حينئذ من
أصله كما عن فخر المحققين والمحقق الثاني التصريح به، بل هو قضية غيرهما أيضا، إذ
احتمال بطلان التخصيص وصحة الوقف قهرا على الواقف وإن لم يكن ذلك مقصودا له
لا دليل عليه، بل هو مناف لأصول المذهب وقواعده، خلافا لظاهر العلامة في القواعد
في أحكام المساجد بل هو خيرته فيها في باب الوقف، فصحح الوقف وأبطل التخصيص
69

وله عن التذكرة أيضا من قوة صحة الوقف والتخصيص معا، وتردد في الدروس في
صحة التخصيص وعدمها ثم على البطلان ففي صحة الوقف وعدمها، والأقوى ما سمعت.
وهل يعتبر في تحقق المسجدية صيغة الوقف وشبهها ولو بأن يقول: جعلته مسجدا
لله، ويأذن في الصلاة فيه فيصلي فيه ولو واحدا، ويقبضه الحاكم الذي له الولاية العامة
أو يكفي مجرد قصده ذلك وإن لم يتلفظ؟ وجهان بل قولان قد استقرب في الذكرى
كما عن مجمع البرهان ثانيهما مستظهرا له من عبارة المبسوط، لكنه اعتبر فيه على الظاهر
الصلاة فيه ولو من الواقف، لأنه قال فيها أي الذكرى قبيل ذلك: ولو بناه بنية المسجد
لم يصر مسجدا، نعم لو أذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته
مسجدا، لأن معظم المساجد في الاسلام على هذه الصورة، ويقوى في النظر الأول،
للأصل وظهور إطباقهم في باب الوقف على الافتقار فيه إلى اللفظ، بل حكي عن المبسوط
نفسه هناك التصريح بأنه لا بد من التلفظ بالوقف في خصوص ما نحن فيه من غير تردد
ولا ذكر خلاف إلا من أبي حنيفة، ولم يعلم كون معظم المساجد في الاسلام بدون تلفظ
ويكفينا في جواز الصلاة فيها اشتهارها في المسجدية، ولا حاجة إلى الفحص عن كيفية
الوقف كما في غيره من العقود من النكاح وغيره، إلا أنه مع ذلك فالانصاف أن
النصوص غير خالية عن الايماء إلى الاكتفاء بالبناء ونحوه مع نية المسجدية من غير حاجة
إلى صيغة خاصة، خصوصا ما ورد (1) منها في تسوية المساجد بالأحجار في البراري
والطرق، وربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله في باب الوقف
كما أنه يأتي البحث في اعتبار القربة في صحة الوقف هنا أيضا، لكن يمكن
دعوى اعتبارها في خصوص المسجدية كما عن جماعة التصريح بها وإن لم نقل بها في مطلق
الوقف، لظهور جهة العبادية فيها، بل هي عبادة محضة، إلا أنه بناء على ذلك يتجه فساد

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
70

الصلاة في نحو مساجد المخالفين، لعدم صحة عباداتهم، فتكون حينئذ ملكا لأربابها،
بل لو قلنا بصحة ذلك منهم باعتبار أن الوقف وإن كان عبادة لكنه وإن كان مسجدا
فيه جهة المعاملة، لاحتياجه إلى الصيغة ونحوها، فيصح منهم، ولا ينافيه اعتبار نية
القربة لامكانها منهم، لكن هو فاسد من جهة أخرى، وهي قصدهم المسجدية لصلاة
أهل مذهبهم، وهو مع ما عرفت من منافاة التخصيص للمسجدية قاض بالفساد، لأن
لا صلاة لأحد من أهل مذهبهم كي يصح الوقف لها مسجدا، وفيه أن مجرد زعمه ذلك
وإن لم يكن صرح به بعد أن جعل الوقف للمصلين الذين هم حقيقة أهل الحق لا أهل
مذهبه لا يقتضي الفساد، بل الوقف في نفس الأمر لهم لا لغيرهم، فيحرم صلاتهم فيه
دونهم، ضرورة صحة وقفهم وفساد ظنهم، نعم لو صرح بالوقف مسجدا على أهل
مذهبه اتجه الفساد، مع أنه ربما حكي عن العلامة الطباطبائي في حلقة درسه إمكان القول
بصحة وقفهم أيضا وبطلان شرطهم المبتني على ظنهم الفاسد، وهو لا يخلو من وجه،
لكن الأقوى خلافه، خصوصا بعد ما سمعت سابقا.
نعم قد يقال بجواز الصلاة في مساجدهم وإن كانت كذلك، لمكان الاعراض
عن هذه البقعة، ولاستفاضة النصوص بأن الأرض كلها للإمام وأنه إذا ظهر الحق
أخرجها من أيديهم (1) ولأمر الأئمة (عليهم السلام) بالتردد إليها والصلاة معهم فيها (2)
وفعلهم (عليهم السلام) ذلك (3) وتقريرهم (عليهم السلام) أصحابهم عليه (4) مع
أنه قد يناقش فيه بأنه لم يعلم شئ من ذلك فيما شرطوا فيه الاختصاص بأهل مذهبهم

(1) أصول الكافي ج 1 ص 407 و 408 و 409 من الطبعة الحديثة " باب أن
الأرض كلها للإمام عليه السلام "
(2) الوسائل الباب 75 من أبواب صلاة الجماعة
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 9 و 10
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 7
71

ولا إطلاق في الفعل والتقرير كي يستند إليه، وإطلاق الأمر بالتردد إليها غير منصرف
إلى ذلك قطعا لندرته، سيما بعد كونه غير مساق لتناول مثله، وملكية الأرض للإمام
(عليه السلام) يراد منهما أمر آخر، ولذا لم يجز الصلاة في دورهم ونحوها بغير إذنهم قطعا.
ثم لا يخفى عليك جريان كثير مما سمعته في البيع والكنائس التي هي معابد اليهود
والنصارى، ضرورة اشتراكها مع مساجد العامة في جميع ذلك حتى في ورود النصوص
من أئمتنا (عليهم السلام) في الرخصة لنا في الصلاة بها المشعرة بصحة وقفهم لها أو غيرها
مما تقدم ويأتي، هذا.
وقد يطلق المسجد على المكان المتخذ في الدار ونحوها لصلاة أهلها فيه من غير
قصد وقفية أو عموم، وبالجملة المصلى، والظاهر أنه لم يكن بهذا الاتخاذ مسجدا كما
صرح به غير واحد، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه وإن كان قد يظهر من الأدلة
- كخبر حريز (1) عن الصادق (عليه السلام) وعبيد بن زرارة (2) عنه (عليه السلام)
أيضا المروي عن محاسن البرقي، وعبد الله بن بكير (3) عنه (عليه السلام) أيضا المروي
عن قرب الإسناد وغيرها - استحباب اتخاذ مثل هذا المكان في الدار، وربما يزيد في
ثواب الصلاة، بل ربما يظهر من المحكي عن مجمع البرهان حصول ثواب المسجدية، لكنه
لا يخلو من نظر بل منع، لعدم الدليل، ولذا صرح في جامع المقاصد بأنه لا يتعلق به
ثواب المسجد، أما باقي أحكام المساجد فلا أجد خلافا في عدم جريان شئ منها عليه،
فله حينئذ توسيعه وتضييقه وتحويله وتغييره وجعله كنيفا فضلا عن غيره، كما في خبر
علي بن جعفر (4) عن أخيه موسى (عليه السلام) المروي عن قرب الإسناد (سألته

(1) الوسائل الباب 69 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 4 - 3
(2) الوسائل الباب 69 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 4 - 3
(3) الوسائل الباب 69 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 4 - 3
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام المساجد الحديث 6
72

عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح أن يجعله كنيفا؟ قال:
لا بأس) ونحوه المروي عن مستطرفات السرائر عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر (1)
صاحب الرضا (عليه السلام)، وخبر مسعدة بن صدقة (2) المروي عن قرب الإسناد
أيضا، قال: (سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) وسئل عن الدار والبيت قد يكون
فيه مسجد فيبدو لأصحابه أن يتوسعوا بطائفة منه ويبنوا مكانه ويهدموا البنية، قال:
لا بأس بذلك) وخبر عبد الله بن سنان (3) سأل الصادق (عليه السلام) (عن المسجد
يكون في الدار وفي البيت فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه إلى غير مكانه
فقال: لا بأس بهذا كله) ونحوه خبر الحلبي (4) وأبي الجارود (5) عنه وعن الباقر
(عليهما السلام).
وكيف كان فلا ريب في أنه (يستحب اتخاذ المساجد) إذ هو مجمع عليه بين
المسلمين، بل ضروري من ضروريات الدين، وفي النبوي (6) المروي عن كتاب
الأعمال (من بنى مسجدا في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه أو قال بكل ذراع منه
مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد وزبرجد ولؤلؤ)
الحديث. ويكفي في ذلك أقل ما يصدق عليه مسماه، وقال أبو عبيدة الحذاء في الحسن
كالصحيح (7): (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من بنى مسجدا بنى الله
له بيتا في الجنة، قال: فمر بي أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة وقد سويت
بأحجار مسجدا فقلت له: جعلت فداك، نرجو أن يكون هذا من ذاك، فقال: نعم)
وفي خبره الآخر (8) عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: (من بنى مسجدا

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 5 - 3 - 1 - 2
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 5 - 3 - 1 - 2
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 5 - 3 - 1 - 2
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 5 - 3 - 1 - 2
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 5 - 3 - 1 - 2
(6) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 1 - 2
(7) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 1 - 2
(8) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 1 - 2
73

كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة، قال: ومر بي وأنا بين مكة والمدينة أضع
الأحجار فقلت: هذا من ذاك فقال: نعم) وعن محاسن البرقي مسندا إلى هاشم
الحلال (1) قال: (دخلت أنا وأبو الصباح على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له
أبو الصباح: ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة؟ فقال: بخ بخ
تيك أفضل المساجد، من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة)
إلى غير ذلك.
والظاهر أن المراد من هذه الأخبار ببناء المسجد هنا إنشاء المسجدية لا عمارة
المسجد السابقة مسجديته وإن كانت هي أيضا لا إشكال في استحبابها، بل لعلها هي
مورد الآية (2) بل هي مقتضى ما يقال من ظهور المشتق في تحقق مبدئه قبل زمان
النسبة إليه، كقوله: (اسقني ماء باردا) ونحوه، لكن المراد هنا ما عرفت بالقرائن
كما أن الظاهر إرادة الكناية عن المبالغة في الصغر من التشبيه بمفحص القطاة، إذ هو
كمعقد الموضع الذي تكشفه القطاة في الأرض وتلينه بجؤجئها تتبيض فيه، فيكون المراد
أنه يستحب وإن كان صغيرا نسبته إلى الصلاة كنسبة المفحص إلى القطاة، وربما كان
فيه حينئذ إيماء إلى عدم اعتبار اشتمال المكان على تمام المصلي في جميع أحوال صلاته في
تحقق المسجدية، اللهم إلا أن يراد من التشبيه المزبور المبالغة في الصغر بحيث لا يسع
إلا المصلي نفسه خاصة، ويحتمل أن يكون المراد من التشبيه عدم الاحتياج في حصول
المسجدية إلى بناء الجدران بل يكفي رسمه كما يومي إليه فعل أبي عبيدة ونحوه المشار إليه
في الأخبار السابقة، بل قد يظهر منها عدم اعتبار الملكية للأرض المباحة مثلا في جعلها
مسجدا بل يكفي تحجيرها في ذلك، بل لا يشترط سبقه على المسجدية فيجزي قصده

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام المساجد الحديث 6
(2) سورة التوبة الآية 18
74

بنية المسجدية ويحصلان معا.
ويستحب أن تكون المساجد (مكشوفة غير مسقفة) ولا مظللة مع عدم الحاجة
تأسيا بالمحكي عن فعل النبي (صلى الله عليه وآله) في الحسن كالصحيح (1) عن الصادق
(عليه السلام) قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بنى مسجده بالسميط،
ثم إن المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه، فقال نعم
فزيد فيه وبناه بالسعيدة ثم إن المسلمين كثروا فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد
فزيد فيه، فقال: نعم، فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالأنثى والذكر ثم اشتد عليهم الحر
فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل، فقال: نعم فأمر به فأقيمت سواري
من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم
الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا: يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال
لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): لا، عريش كعريش موسى (عليه السلام) فلم
يزل كذلك حتى قبض (صلى الله عليه وآله)) الحديث. مؤيدا بما دل على أن من
أسباب قبول الصلاة وإجابة الدعاء عدم الحائل بين المصلي والسماء، وبامكان استفادة
رجحان المكشوفية هنا مما دل على كراهة التسقيف والتظليل مما تسمعه وإن لم نقل بأن
ترك المكروه مستحب، لكن الذي نص عليه بعض الأصحاب كراهة التظليل
لا استحباب الكشف، ولعله لعدم صلاحية ما تقدم لثبوته بعد البناء على أن ترك
المكروه ليس بمستحب، إلا أن المحكي عن مجمع البرهان أنه لا كلام في استحباب كونها
مكشوفة مع كراهة المسقوفة إلا أن تسقف بالحصر والبواري من غير طين، ولعل
مستنده في الاستحباب المزبور ما عرفت، كما أن مستنده ومستند غيره من الأصحاب
- حتى نسبه في مفتاح الكرامة إلى الشيخ ومن تأخر عنه في كراهة التظليل وفي الذخيرة

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
75

إلى الأصحاب - حسن الحلبي أو صحيحه (1) الذي رواه المشايخ الثلاثة على اختلاف في
متنه بل وسنده غير قادح في المطلوب (سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن المساجد
المظللة أتكره الصلاة فيها؟ فقال: نعم، ولكن لا يضركم اليوم، ولو قد كان العدل
لرأيتم كيف يصنع في ذلك) إلا أنه قد يشكل بما في الحسن السابق من تظليل النبي
(صلى الله عليه وآله) مسجده، وبأن الحاجة ماسة إليه لدفع الحر والبرد.
ومن هنا قال في الذكرى: (لعل المراد كراهة تظليل جميع المسجد أو تظليل
خاص أو في بعض البلدان) وحكاه بعضهم عنه ساكتا عليه، كما أنه قد اختار آخر
أولها، وثالث ثانيهما، فقال: (المراد كراهة السقف لا التظليل بغيره) مؤيدا له
بأنه به تندفع سورة الحر والبرد، ومع المطر لا يتأكد استحباب التردد إلى المساجد كما
يدل عليه إطلاق النهي (2) عن التسقيف، وما اشتهر من قوله (صلى الله عليه وآله) (3):
(إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال)) قال: والنعال وجه الأرض الصلبة قاله الهروي
في الغريبين، وقال الجوهري: النعل الأرض الغليظة تبرق حصاؤها لا تنبت شيئا،
انتهى، وهو جيد.
ولكن الأولى كراهة مطلق التظليل حتى العرش لغير الحاجة ولا بأس بما
كان عرشا مع وجودها، وأما غير العرش فيكره وإن مست الحاجة إليه، كما يدل عليه
الحسن السابق، وبه يجمع بين الأخبار حتى ما أرسله في الفقيه (4) عن أبي جعفر
(عليه السلام) (أول ما يبدأ به قائمنا (عليه السلام) سقوف المساجد فيكسرها ويأمر
بها فتجعل عريشا كعريش موسى (عليه السلام)) وما رواه في كشف اللثام عن كتاب

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 - 4
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 - 4
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 - 4
76

الغيبة للشيخ أسنده عن أبي بصير (1) قال: (إذا قام القائم (عليه السلام) دخل
الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشا كعريش موسى
(عليه السلام)) إلى آخره، نعم ظاهر الحسن السابق عدم الكراهة في الصلاة الآن
في المساجد التي ظللها أهل الخلاف لعدم قيام العدل، وإفضائها إلى ترك المساجد رأسا
وكأنه (عليه السلام) لمعروفية المساجد في ذلك الزمان لهم وأنه ليس للشيعة مسجد
يعرفون به أطلق الحكم المزبور، أما في مثل زماننا هذا الذي قام فيه بحمد الله في الجملة
دين الشيعة وكانت لهم مساجد لا يعارضهم بها أحد خصوصا بلاد الأعاجم فالظاهر
كراهة تظليلها بغير العريش، وكراهة الصلاة فيها أيضا تحت الظل كما عن الأستاذ
الأكبر التصريح به في الثاني، بل ربما احتمل كراهة الصلاة فيها وإن لم (2) يكن في
موضع الظل، لظاهر خبر الحلبي (3) السابق، لكنه ضعيف، لانسياق ما تحت الظل
منه، بل لولا التسامح في الكراهة لأمكن المناقشة في كراهة الصلاة تحت الظل أيضا،
لاقتصار الأصحاب على ذكر كراهة التظليل، بل قد يدعى ظهور الاختصاص بذلك
من كلماتهم، ومن الواضح عدم اقتضائه كراهة الصلاة كحرمة التصوير مثل على القول
بها، اللهم إلا أن يدعى أن كراهة التظليل هنا لمكان الحجب والحيلولة بين المصلي
والسماء الذي ربما دلت النصوص في صلاة العيد (4) والصلوات المندوبة على أنه لا ينبغي
والله أعلم.
(و) كذا يستحب (أن تكون الميضاة) خارجة عن المساجد (على) جهة

(1) المستدرك الباب 7 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(2) في النسخة الأصلية " وإن يكن " والصحيح ما أثبتناه
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة العيد
77

القرب من (أبوابها) بلا خلاف كما في الرياض، لخبر إبراهيم بن عبد الحميد (1)
عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): جنبوا
مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشرائكم، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم)
مؤيدا بما فيه من المصلحة للمترددين، والتجنب عن أذية رائحتها المصلين، وعن احتمال
السراية إلى المسجد، وعن منافاة احترام المسجد ونزاهته، ونحو ذلك.
والمراد بالميضاة المطهرة للحدث والخبث كما في الرياض تبعا للروض والذخيرة،
وفي مجمع البحرين (وفي الحديث (2) (فدعا بالميضاة) بالقصر وكسر الميم وقد تمد
مطهرة كبيرة يتوضأ منها، ووزنها مفعلة ومفعالة، والميم زائدة، والمتوضأ بفتح الضاد
الكنيف والمستراح والحش والخلاء) انتهى، وهو ظاهر بل صريح في غير المعنى المزبور
كظهور العرف الآن في إرادة موضع الخلاء خاصة منها، ولعله هو المراد للأصحاب،
ومن المطهرة في الخبر المزبور، إذ هو الذي يتعارف اتخاذ موضع له، ومن هنا قال في
المدارك: إنه لم يتعرض المصنف لحكم الوضوء في المسجد، ضرورة ابتنائه على إرادة
المصنف موضع الخلاء خاصة من الميضاة، ويؤيده أيضا تعبير العلامة الطباطبائي في
منظومته عما نحن فيه بما سمعت، فقال:
وأخرج المخرج عنه واجعل * فيما يلي المسجد قرب المدخل
إذ لا ريب في إرادة ذلك من المخرج، نعم يكره الوضوء من حدث الغائط
والبول في المسجد كما صرح به بعضهم، بل في المدارك أنه قطع به العلامة ومن تأخر
عنه، للصحيح عن رفاعة (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الوضوء في المسجد

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 27 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
وذيله في الباب 25 منها الحديث 3 لكن رواه عن عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه السلام
(2) سنن البيهقي ج 1 ص 49 وفيه " فدعا بماء فأتى بالميضاة "
(3) الوسائل الباب 57 من أبواب الوضوء الحديث 1 من كتاب الطهارة
78

فكرهه من الغائط والبول) وهو غير ما نحن فيه من استحباب خروج الميضاة قطعا،
مع أنه قال في المدارك: إنه يمكن حمل الوضوء فيها على الاستنجاء أو على ما يتناوله كما
أومأ إليه في المعتبر، وعن نهاية الشيخ منع الوضوء من ذلك لا كراهته لكنه ضعيف
وإن وافقه عليه العجلي كما قيل، ونحوه المحكي عن المبسوط من منع الاستنجاء من البول
والغائط في المسجد وإن لم يتنجس المسجد، وكأنه فهم من الخبر المزبور الاستنجاء
ومن الكراهة فيه الحرمة، ولا ريب في ضعفه، للأصل والعمومات المعتضدة بغيرهما
مع عدم الدليل المعتبر على المنع، هذا.
وقضية ذكر المصنف وغيره استحباب خروج الميضاة جواز كونها فيه، وهو
كذلك مع سبقها على المسجدية، فيصير المسجد حينئذ ما عداها، وعن السرائر منع
جعل الميضاة في وسط المسجد، وهو جيد إن سبقت مسجدية محلها أو يستلزم منه نجاسة
غير محلها من المسجد أو نحو ذلك، كما هو واضح.
(و) كذا يستحب عند الأكثر في الذخيرة، والمشهور في الرياض (أن
تكون المنارة) في المساجد (مع الحائط لا في وسطها) لما فيه من التوسعة ورفع الحجاب
بين المصلين، بل عن النهاية أنه لا يجوز كونها في الوسط واستحسنه جماعة ممن تأخر عنه
إن تقدمت المسجدية علي بنائها، ولعله لمنافاته مقتضى المسجدية الذي هو استعداد
كل مكان منه للصلاة فيه، لكن قد يناقش باقتضاء ذلك الحرمة أيضا وإن لم يكن في
الوسط أولا، وثانيا بمنع اقتضاء منافاة الاستعداد الحرمة، بل مدارها على الضرر
بالمصلي فعلا، فلعل الأولى إناطة الحكم بذلك كما أناطه به في الروضة بالنسبة للمطهرة
الحديثة المتأخرة عن المسجدية ونحوه حرمة غرس الشجر مثلا فيها الذي لم ينص الأصحاب
عليه هنا، ولعله لذكرهم له في باب الوقف، ويأتي البحث فيه هناك إن شاء الله، هذا.
وقد يشعر قول المصنف كغيره من الأصحاب مع الحائط باستحباب مساواة المنارة
79

للحائط في العلو، إذ هو مع علوها عنه لا يصدق تمام المصاحبة، وقد صرح غير واحد
بكراهة ارتفاعها عليه، لافضائه إلى تأذي الجيران بالاشراف عليهم، ولخبر السكوني (1)
عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (أن عليا (عليه السلام) مر على منارة طويلة
فأمر بهدمها، ثم قال: لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد) وكان الاستثناء المزبور
فيه إيماء إلى الاشعار المذكور، وفي كشف اللثام عن كتاب الغيبة للشيخ عن سعد عن
أبي هاشم الجعفري (2) عن أبي محمد (عليه السلام) قال: (إذا خرج القائم (عليه السلام)
أمر بهدم المناير والمقاصير) ولعل المراد الطوال منها إن لم يكن هو الظاهر، وفي المنتهى
الاستدلال بخبر السكوني على ذلك وعلى الحكم الأول، وتبعه في كشف اللثام، ونظر
فيه في الرياض، كما أنه نظر فيما سمعته من التعليل أولا له، وقضيته التوقف فيه،
لكنك خبير بأن الحكم استحبابي يتسامح فيه.
(و) كذا يستحب (أن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى، والخارج رجله
اليسرى) عكس المكان الخسيس، ولشرفية اليمنى واستحباب الله البدأة بها فناسب
الابتداء بها في الدخول إلى المكان الشريف، وبعكسه الخروج، وللخبر عن يونس (3)
عنهم (عليهم السلام) (الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت،
وباليسرى إذا خرجت).
(و) يستحب أيضا (أن يتعاهد نعله) ويستعلم حاله بأن يجدد به عهدا قبل
الدخول إلى المسجد استظهارا للطهارة، والمروي عن مكارم الأخلاق للطبرسي (4)

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
(2) المستدرك الباب 33 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
(4) الوسائل الباب 24 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3
80

عن النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى (1): (خذوا زينتكم عند كل مسجد)
قال: (تعاهدوا نعالكم عند أبواب المساجد) وخبر القداح (2) عن جعفر عن أبيه
(عليهما السلام) (إن عليا (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله):
تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم) وقد تبع المصنف الخبر في التعبير بالتعاهد،
وإلا فالمحكي عن الصحاح أن التعهد أفصح، لأن التعاهد إنما يكون بين اثنين.
(وأن يدعو) لنفسه وللنبي وآله بالصلاة والسلام (عند دخوله) المسجد
(وعند خروجه) منه لأنها مظنة الإجابة، وللتأسي بفعل النبي (صلى الله عليه وآله)
المحكي في خبر عبد الله بن الحسن (3) عن أمه فاطمة عن جدته فاطمة المروي عن مجالس
الطوسي (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل المسجد صلى على النبي (صلى الله عليه وآله)
وقال: اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: كذلك)
وخبر عبد الله بن سنان (4) عن الصادق (عليه السلام) (إذا دخلت المسجد فصل على
النبي (صلى الله عليه وآله)، وإذا خرجت فافعل ذلك) ولموثق سماعة (5) (إذا دخلت
المسجد فقل: بسم الله والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الله وملائكته
يصلون على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته رب اغفر لي ذنوبي،
وافتح لي أبواب فضلك، وإذا خرجت فقل مثل ذلك).
ومنه يستفاد استحباب التسمية، كما أنه يستفاد التحميد لله والثناء عليه مما رواه

(1) سورة الأعراف الآية 9؟
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(3) الوسائل - الباب 41 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(5) الوسائل - الباب 39 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
81

أبو بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) (إذا دخلت المسجد فاحمد الله واثن عليه
وصل على النبي وآله (عليهم الصلاة والسلام)) ومما رواه زرارة (2) أيضا عن
أبي جعفر (عليه السلام) (إذا دخلته فاستقبل القبلة ثم ادع وسله وسم حين تدخل
واحمد الله وصل على النبي (صلى الله عليه وآله)).
بل منه يستفاد استحباب الاستقبال أيضا، بل فيه إيماء إلى كون الدعاء بعد
الدخول، وهو المناسب للتعليل بكون المساجد مظنة الإجابة، بل لعل دعاء الخروج
كذلك أيضا على معنى إرادة الدعاء عند الاشراف عليه، نعم روى أبو حفص
العطار (3) قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قال رسول الله (صلى الله
عليه وآله): إذا صلى أحدكم المكتوبة وخرج من المسجد فليقف بباب المسجد ثم ليقل:
اللهم دعوتني فأجبت دعوتك وصليت مكتوبتك وانتشرت في أرضك كما أمرتني
فأسألك من فضلك العمل بطاعتك واجتناب سخطك والكفاف من الرزق برحمتك)
والأمر سهل.
(و) لا ريب في أنه (يجوز نقض ما استهدم) وأشرف على الانهدام (دون
غيره) وإن لم يعزم الهادم أو غيره على الإعادة، إذ تلك سنة أخرى لا مدخلية لها في
الجواز المزبور للمصلحة، بل في المدارك أنه قد يجب إذا خيف من انهدامه على أحد
من المترددين، وقضيته الجواز أولا وإن لم يخش من وقوعه على أحد، ولا بأس به
إذا كانت هناك مصلحة أخرى كإرادة تعميره ونحوها أو دفع مفسدة كذلك، أما
بدون شئ منهما ففيه نوع توقف كالتوقف في جواز إحداث باب في المسجد لمصلحة

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 2
لكن الثاني خبر علاء بن الفضيل عمن رواه عن أبي جعفر عليه السلام
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
82

خصوص بعض المصلين، وإلا فمتى كانت المصلحة عامة فلا ريب في الجواز وإن كان
لم يبعد جوازه في الأول أيضا مع انتفاء الضرر وفاقا للمدارك وأحد وجهي الروض
لما فيه من الإعانة على القربة وفعل الخير، وكذا الكلام في الروزنة والشباك ونحوهما.
بل لا ريب في جواز النقض أيضا للتوسعة وإن كان ظاهر الشهيدين التوقف
فيه، بل أطلق المصنف عدم الجواز إلا أنه في غير محله بعد ظهور أنه من الاحسان
والمصلحة باحداث مسجد وانضمامه إليه، وما قيل من استقرار قول الصحابة في
توسعة مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) ومنهم علي والحسن (عليهما السلام)
المتقدم في أول المساجد المشتمل على فعل النبي (صلى الله عليه وآله)، نعم قد يقال
بأنه لا ينقض إلا مع الظن الغالب بالعمارة، بل في الذكرى والروض أنه لو أخر إلى
تمام المجدد كان أولى إلا أن يحتاج إلى آلاته، مع احتمال القول بالجواز مطلقا خصوصا
مع ظن عمارة لا كالعمارة السابقة كما وكيفا، إلا أن الأحوط أو الأقوى الأول،
وهل يلحق بالنقض للتوسعة النقض لتغيير الهيئة؟ وجهان أقواهما ذلك مع المصلحة أو
حصول المفسدة في الهيئة، ولا مدخلية لرضا الواقف هنا، لأنه بوقفه خرج عنه وصار
أمره إلى الله يتصرف به ولي الله على ما يراه.
(و) كيف كان فلا ريب في أنه (يستحب إعادته) أي المستهدم لأنه بمعنى
عمارتها المعلوم استحبابها بالضرورة من الدين (ويجوز استعمال آلته) ونحوها (في
غيره) من المساجد مع استغنائه عنها أو تعذر استعمالها فيه، لاستيلاء الخراب عليه،
للأصل ولأنه لله، وكل ما كان له فهو لوليه كما نطق به بعض الأخبار (2) الواردة في

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب قسمة الخمس والباب 1 من أبواب
الأنفال من كتاب الخمس
83

باب الخمس، فله التصرف فيه حينئذ على حسب المصلحة كباقي ما كان له، ولأن المساجد
جميعا لله فهي في الحقيقة كمسجد واحد كما يومي إليه في الجملة الأمر (1) برد الحصى
المخرج من المسجد إليه أو إلى غيره، فلا بأس باصلاح بعضها ببعض للمصلحة ونحوها،
ولأن الغرض من المساجد وما يجعل فيها إقامة شعار الدين وفعل العبادات فيها، وهو
لا يختلف فيه المساجد، ولأنه من الاحسان، ومما يعلم برضى المالك فيه، خصوصا إذا
خيف عليها التلف في بقائها، وخصوصا بعد فتوى غير واحد من الأصحاب به، بل
لا أجد فيه خلافا بينهم.
بل في مفتاح الكرامة أن الكلمة متفقة في هذا الباب وباب الوقف على جواز
صرف الفاضل إلى غيره، وفي وقف جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل ظاهر
المصنف والمحكي عن النهاية والمبسوط الجواز مطلقا، كظاهر الفاضل في المنتهى، وعن
النهاية قال: (وإذا استهدم مسجد جاز أخذ آلته لعمارة غيره من المساجد، لأن المالك
واحد هو الله تعالى) وقال في موضع من الذكرى: (لا بأس باستعمال آلته في إعادته
أو في بناء غيره من المساجد) نعم قيده في آخر كالكركي والشهيد الثاني، فقال:
(ولا يجوز استعمال آلته في غيره إلا لمسجد آخر لمكان الوقف، وإنما يجوز في غيره
من المساجد عند تعذر وضعها فيه أو لكون المسجد الآخر أحوج إليها منه لكثرة
المصلين، أو لاستيلاء الخراب عليه) وعن السرائر (أنه إذا استهدم مسجد ينبغي أن
يعاد مع التمكن من ذلك، وإذا لم يتمكن من إعادته فلا بأس باستعماله في بناء غيره من
المساجد) وعن المهذب (إذا استهدم المسجد وصار مما لا يرجى فيه الصلاة بخراب
ما حوله وانقطاع الطريق إليه جاز استعمال آلته في مسجد آخر).
لكن ومع ذلك كله ففي الذخيرة التأمل في هذا الحكم من أصله، قال: (نعم

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
84

لو تعذر صرفه فيه أو حصل الاستغناء بالكلية في الحال والمال لم يبعد جواز ذلك)
وكأنه مال إليه في الرياض، وهو كما ترى مرجعه إلى عدم اعتبار أحوجية الغير التي
اكتفى بها الشهيدان، وعدم اعتبار الاستغناء في الحال، بل لا بد منه ومن المآل، لا إلى
أصل الحكم كما يومي إليه ما سمعته من المهذب، لكن فيه من الاجمال ما لا يخفى، ولعلنا
نوافقه في بعض الأفراد، كما أن تأمله في الأول أي أحوجية الغير في محله.
وكيف كان فأولى بالجواز كما اعترف به في الروض صرف غلة وقفه ونذره
على غيره بالشروط السابقة، لشدة مدخلية الأولى في المسجد بخلاف الثانية، لكن في
المدارك والذخيرة التأمل فيه أيضا، بل قالا: (إن المتجه عدم جواز صرف مال
المسجد إلى غيره مطلقا، لتعلق الوقف والنذر بذلك المحل المعين، فيجب الاقتصار
عليه، نعم لو تعذر صرفه فيه أو علم استغناؤه عنه في الحال والمال أمكن القول بجواز
صرفه في غيره من المساجد والمشاهد، بل لا يبعد جواز صرفه في مطلق القرب، لأن
ذلك أولى من بقائه إلى أن يعرض له التلف، فيكون صرفه في هذا الوجه إحسانا
محضا، وما على المحسنين من سبيل) (1) وكأنه يرجع إلى التأمل في خصوص نحو ما
سمعته من الذخيرة قبل ذلك، واستحسنه في الرياض، لكنه نظر فيما احتملاه من
جواز صرفه في سائر القرب حيثما يتعذر استعماله في المسجد أو المشهد المعين معللا له
بأن الاقتصار على المتيقن يقتضي صرفه في مثله، مع أنه أقرب إلى مقصود الواقف
ونظره، وهو جيد أيضا كجودة التأمل فيما ذكره الشهيد في المسالك من الفرق بين
المشاهد والمساجد في الحكم المزبور، قال: (وليس كذلك المشهد، فلا يجوز صرف
ماله إلى مشهد آخر ولا مسجد ولا صرف مال مسجد إليه مطلقا) ضرورة عدم الفرق
في ذلك بينها وبين المشاهد، اللهم إلا أن يفرق بزيادة تعلق الأغراض والرغبات في

(1) سورة التوبة الآية 92
85

خصوص بعض المشاهد دون آخر بخلاف المساجد غالبا.
والمراد بالآلات كما هو صريح بعضهم وظاهر آخر ما يشمل أجزاء بنائه من
أحجار وأخشاب وجذوع وفرش وغيرها، بل كأن ذلك من المقطوع به عند التأمل
في كلماتهم، خصوصا بملاحظة ذكرهم ذلك بعد مسألة نقض المستهدم، لكن في حاشية
الإرشاد للمحقق الثاني (أن المراد بها نحو الفرش والسرج لا آلات البناء، فإنه لا يجوز
نقضها على حال وإن خرب ما حولها ويئس من عوده، ولو انهدمت لم يجز بناء مسجد
آخر بها إلا مع اليأس من عود الأول) وهو مخالف لظاهر ما عرفت من
كلمات الأصحاب.
نعم لا يجوز نقض غير المستهدم منها على حال كما ذكره الشهيد في الذكرى وغيره
لقوله تعالى (1): (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها)
واستصحاب الحرمة وغيرهما، مع أن للتأمل في بعض الأفراد منه مجالا، كما أن للتأمل
مجالا أيضا في صرف بعض الآلات من الفرش ونحوها في غيره إذا كانت مبذولة له
من غير جريان صيغة وقف كي تخرج به عن ملك المالك ويكون أمرها لله ولوليه، إذ
مقتضى الضوابط أنه إذا بطل الجهة المبذول لها ترجع إلى المالك، لعدم زوال ملكه
عنها بالاعراض، إذ الفرض بذلها لأمر خاص لا الاعراض عنها رأسا، وكأنه إلى
نحو ذلك أشار في كشف اللثام في بيع آلات المسجد حيث خصها بما جرى عليها الوقف
منها، فلاحظ، اللهم إلا أن يقال: إنه من المعلوم عدم إرادة الخصوصية من هذا البذل
وإن مقصوده الاخراج عن ملكه والاعراض، لكن لما فات خصوص المبذول له
انتقل إلى الأقرب إليه من أفراد صنفه ثم نوعه وهكذا، وليس لأحد تملكه بعد بطلان
الجهة المبذول لها باعتبار حصول الاعراض عنه وبطلان المبذول له، إذ المملك من

(1) سورة البقرة الآية 108
86

الاعراض ما يبذله صاحبه لتملك كل أحد له لا مثل ما نحن فيه، أما إذا لم يعلم منه عدم
إرادة الخصوصية ولا كان ظاهر فعله ذلك فيشكل جواز صرفه في غيره من المساجد
فضلا عن غيره من التصرفات، إلا أن السيرة والطريقة على معاملة هذه الآلات
المبذولة من الفرش والسرج ونحوها معاملة غيرها من أجزاء بناء المساجد ونحوها،
ولعله لظهور الفعل فيما ذكرنا لا في نحو الفرض، بل كان ذلك سبب الفرق بين المشاهد
والمساجد، فتأمل جيدا، فإن المسألة بل وغيرها من مسائل المقام محتاجة إلى نظر تام
وتطويل في الكلام، وربما يوفقنا الله له فيما يأتي، فإنه المؤمل لنيل المرام، وهو العالم
بحقائق الأحكام.
وهل التصرفات المزبورة مختصة بالحاكم ثم بعدول المؤمنين أو أنها جائزة بعد
حصول الشرائط المزبورة لكل أحد؟ وجهان أحوطهما إن لم يكن أقواهما الأول،
لكن مع عدم وجوب الناظر الخاص، وإلا وجب استئذانه في بعض ما تقدم.
(ويستحب كنس المساجد) قطعا بمعنى جمع كناستها بضم الكاف وإخراجها
لما فيه من تعظيم الشعائر وترغيب المترددين المفضي إلى عدم خرابه، وخبر سلام بن
عاصم (1) المروي عن أمالي الصدوق ومحاسن البرقي عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام)
(إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من قم مسجدا كتب الله له عتق رقبة
ومن أخرج منه ما يقذي عينا كتب الله له عز وجل كفلين من رحمته) ويتأكد في
يوم الخميس وليلة الجمعة، لخبر عبد الحميد (2) عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال:
(قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من كنس المسجد يوم الميس وليلة الجمعة
فأخرج منه من التراب ما يذر في العين غفر الله له) والموجود فيما حضرني من نسخة

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 لكن روى الأول عن سلام بن غانم
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 لكن روى الأول عن سلام بن غانم
87

الوسائل حذف الواو، فيكون المراد الكنس في أحد الوقتين، ورواه في الروض
والمدارك بالواو، ويرجع إلى ما قلنا بجعلها بمعنى (أو) كما صرحا به فيهما، ويؤيده
بعد انقسام ذلك المقدار عليهما لو أريد الجمع وكون المقصود الحث على أصل الفعل
لا على تكريره، إلا أنه احتمل في الأول كونها للجمع، فيتوقف حصول الثواب المعين
عليهما وإن كان مطلق الكنس له ثواب في الجملة لكنه كما ترى، والتقدير بما يذر في
العين مبالغة في المحافظة على كنسها وإن كانت نظيفة، أو على فعل ما تيسر من ذلك،
ولعل الثاني أظهر، وربما كان في الخبر الأول إيماء إليه.
(و) كذا يستحب (الاسراج فيها) رفعا لحاجة المصلين ووحشة الظلمة،
ولما رواه الشيخ عن أنس (1) غيره مرسلا، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون
له ما دام في ذلك المسجد ضوء من ذلك السراج) بل ظاهره عدم اشتراط تردد أحد
من المصلين إليه ولا إمكانه في مشروعية الاسراج كما صرح به في الروض وغيره،
ولا ينافيه النهي عن الاسراف بعد التسامح في المستحب، وعدم اشتراط إذن الناظر
إذا كان ما يسرج به ليس من مال المسجد، نعم لو كان منه اعتبر ذلك، ولو لم يكن
للمسجد ناظر معين وتعذر استئذان الحاكم لم يبعد جواز تعاطي ذلك لعدول المسلمين،
وكذا لا يشترط كون المسرج به زيتا، للاطلاق، ومحل الاسراج الليل أجمع كما عن
الميسي التصريح به، لكن الظاهر عدم حصول الاستحباب باسراج المسرج من
المساجد إلا أن يكون محتاجا باعتبار سعته، والله أعلم.
(ويحرم زخرفتها) وفاقا للفاضل والشهيد وعن الشيخ والحلي وغيرهما، بل هو

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
88

المشهور نقلا في كشف اللثام والكفاية إن لم يكن تحصيلا إلا أني لم أجد له دليلا صالحا
لاثبات ذلك في خصوص ما نحن فيه من المساجد، وإن كان قد يعلل بالاسراف،
خصوصا على ما ستسمعه من أن الزخرف الذهب، وبأنه بدعة، لأنه لم يعهد في زمن
النبي (صلى الله عليه وآله)، وبما في وصية ابن مسعود المروية (1) عن المكارم للطبرسي
في مقام الذم (يبنون الدور ويشيدون القصور ويزخرفون المساجد) وما روته العامة (2)
(أن من أشراط الساعة أن تتباهى الناس في المساجد) وعن ابن عباس (3)
(لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى) وعن الخدري (إياك أن تحمر
وتصفر فتفتن الناس)) وفي الغريبين للهروي إن في الحديث (4) (لم يدخل النبي
(صلى الله عليه وآله) الكعبة حتى أمر بالزخرف فنحي) ثم قال: (قيل: الزخرف
ها هنا نقوش وتصاوير زين بها الكعبة وكانت بالذهب فأمر بها حتى حتت)
وخبر عمر بن جمع (5) الذي ستسمعه في التصاوير بناء على استفادة المنع عنها فيه من
حيث النقش لا التصوير، وما عساه يستفاد من سبر أخبار المساجد، خصوصا مثل
قوله (6) (صلى الله عليه وآله): (لا، عريش كعريش موسى (عليه السلام)) والنهي (7)
عن الشرف لها وتعليتها ونحو ذلك من عدم ابتنائها على زخرف الدنيا وزبرجها،

(1) مكارم الأخلاق ص 526 الفصل الرابع من الباب الثاني عشر
(2) سنن البيهقي ج 2 ص 439 والجامع الصغير ج 2 ص 56.
(3) سنن البيهقي ج 2 ص 439
(4) سنن البيهقي ج 5 ص 158
(5) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 لكن رواه
عن عمرو بن جميع
(6) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(7) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
89

ضرورة أنها محل العبادة والزهادة لها أنها كقصور اللهو والغرور والطرب والأنس،
بل قد يخدش ذلك نية المترددين إليها وقصدهم إياها.
لكن الجميع كما ترى، خصوصا الأول، إذ الاسراف مع أنه لا يخص المساجد
يمكن منعه باعتبار حصول الغرض المعتد به من التحسين أو قصد تعظيم الشعائر كما
يصنعونه في المشاهد المشرفة أو نحو ذلك مما يمتنع معه اندراجه في الاسراف المنهي عنه
كما هو واضح، بل والثاني، إذ لا ريب في عدم حرمة البدعة اللغوية التي هي بمعنى عدم
الوقوع من النبي (صلى الله عليه وآله)، فكم وكم مما هو في زماننا مما نعلم بعدم وقوعه
وأما ما بعد الثاني فهو مع الاغضاء عن دلالة بعضه أو جميعه من الواضح عدم صلاحيته
لاثبات الحرمة، كوضوح فساد دعوى الجبر سندا ودلالة بالشهرة، إذ لو سلم صلاحية
خبر الشهرة لمثل ذلك مما ورد من طرقهم يمكن منع حصول شهرة معتد بها هنا،
كما لا يخفى على المتتبع.
ومن هنا كان خيرة جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في الدروس الكراهة،
كما هو ظاهر أخرى، بل حكاه في الذكرى عن الجعفي أيضا، وفي كشف اللثام عن
المهذب والجامع سواء فسر الزخرفة بالتزيين والنقش بالزخرف - وهو الذهب كما في
جملة من كتب الأصحاب، بل قيل واللغة كالصحاح والقاموس والمجمل والعين
والمقاييس، وفي المجمع الزخرف الذهب، ثم جعلوا كل مزين زخرفا، وفي الغريبين
ويقال للذهب زخرف ومنه قوله (1): (أو يكون لك بيت من زخرف) جاء من التفسير
من ذهب - أو فسر بمطلق التزيين كما في الغريبين وعن الجمهرة وتهذيب اللغة والمحيط
وعن الأزهري أنه حكاه عن أبي عبيدة وإن قال ويقال الزخرف الذهب، كما أن
الهروي بعد أن ذكر أنه كمال حسن الشئ، قال: ويقال للذهب زخرف، ونحوه

(1) سورة الإسراء الآية 95
90

ما عن الراغب من أن الزخرف الزينة المروقية، ومنه قيل للذهب زخرف، لعدم
الدليل على كل منهما، خصوصا الثاني، إذ قضيته حرمة مطلق التزيين بالذهب وغيره
كما هو خيرة المعتبر وعن غيره، بل لعله خيرة القواعد وغيرها أيضا مما عطف فيها
النقش بالذهب على الزخرف في الحرمة، وإن كان هو على هذا التقدير من عطف
الخاص على العام، ولذا قيل: إن المراد بالزخرف التذهيب بلا نقش كي يصح عطف
النقش به حينئذ عليه، لكن فيه أن النقش استخراج الشئ واستيعابه حتى لا يترك
منه شئ كما عن ابن فارس، قال: ومنه نقش الشعر بالمنقاش، ومنه المناقشة والاستقصاء
بالحساب إلى أن قال: ومن الباب نقش الشئ تحسينه، فإنه ينقشه أي ينفي عنه معايبه
وفي كشف اللثام عن الأزهري عن المنذر عن أبي الهيثم أنه الأثر، فيكون معناه
المصدري التأثير، وفي المجمع وعن القاموس أنه تلوين الشئ بلونين أو ألوان، وعلى
كل حال فهو راجع إلى الزخرف، كما أن في حرمة مطلق النقش وإن لم يكن بالذهب
منعا واضحا، بل فيما رووه (1) عن عثمان (أن عثمان عمر المسجد فزاد فيه زيادة كثيرة
وبنى جداره بحجارة منقوشة وجعل عمده حجارة منقوشة) شهادة على العدم بملاحظة
عدم الانكار بذلك عليه، خصوصا من أمير المؤمنين (عليه السلام) وعدم عد مثله من
بدعه، بل خبر علي بن جعفر (2) المروي عن قرب الإسناد صريح أو كالصريح بذلك
سأل أخاه (عليه السلام) (عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو أصباغ فقال:
لا بأس به).
(و) كذا الاشكال فيما ذكره المصنف وغيره أيضا، بل في كشف اللثام أنه
المشهور من حرمة (نقشها بالصور) ذوات الأرواح وغيرها، إذ لا دليل عليه

(1) سنن البيهقي ج 2 ص 438
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3
91

بالخصوص عدا التعليل بالبدعة الذي عرفت ما فيه مما يمنع من الاستدلال به على الحرمة
بل أقصاه الكراهة كما عللها بذلك في المنظومة، فقال:
لا تصطنع فيه للقاصير ودع * تصويره فإنه شر البدع
وعدا ضعيف عمر بن جمع (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة
في المساجد المصورة، فقال: أكره ذلك، ولكن لا يضركم اليوم، ولو قام العدل لرأيتم
كيف يصنع في ذلك) مؤيدا بما يستفاد من سبر نصوص التصوير في غير المساجد من
شدة المرجوحية والمبغوضية، إذ هو مع ضعفه سندا ولا شهرة محققة تجبره غير صريح
بل ولا ظاهر الدلالة على الحرمة ولو بملاحظة التأييد السابق، ولذا اختار جماعة منهم
الشهيد في بعض كتبه والعلامة الطباطبائي الكراهة.
نعم لو قلنا بحرمة مطلق التصوير في غير المساجد أو ذوات الأرواح اتجه القول
بها فيها، ولعله لذا خص الحرمة بعضهم بتصوير ذوات الأرواح بناء منه على حرمة
ذلك في غير المساجد، أو على أنها المتبادر من التصوير، لكن ومع ذلك كله فالاحتياط
لا ينبغي تركه بحال خصوصا في الأخير، لامكان دعوى استفادة الحرمة من الخبر
المزبور، وجبره بالشهرة.
فمن الغريب حكمه بالكراهة فيه في الذكرى مع حكمه بالحرمة في الزخرفة والنقش
إذ لو أغضينا النظر عن دليله المختص به أمكن اندراجه في النقش والزخرف، فلا جهة
لحرمة ذلك دونه، بل ربما يقال: إن حكم من عرفت من الأصحاب بحرمة الزخرف
والنقش مأخذه خبر التصوير باعتبار فهمهم منه حيثية النقش لا التصوير، كما يومي إليه
استدلالهم به عليه مع التأييد بما سمعته سابقا مما ذكرنا مما يشهد للحرمة في الجملة أيضا،

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 لكن رواه
عن عمرو بن جميع
92

ومن هنا كان الاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك أيضا، خصوصا بعد أن عرفت أنه فتوى
من تقدم، وفيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات، ومن علم من حاله عدم التسامح في مدارك الأحكام الشرعية مع شدة حسن اقتناصه لها كالفاضل والشهيد وغيرهما، على أنه محكي
عن نهاية الشيخ التي هي متون أخبار غالبا، إلى غير ذلك.
وليست كتابة القرآن على جدرانها من النقش على الظاهر، وكأنه خيرة الحر
في الوسائل، ولعله لما يومي إليه خبر أبي خديجة (1) المروي عن محاسن البرقي (رأيت
مكتوبا في بيت أبي عبد الله (عليه السلام) آية الكرسي قد أديرت بالبيت، ورأيت في
قبلة مسجده مكتوبا آية الكرسي) لكن يحتمل إرادة ما يسجد عليه من المسجد فيه،
كما يؤيده عدم معروفية مسجد له (عليه السلام) في ذلك الزمان، وكذا يحتمل إرادة
بيان الجواز من خبر علي بن جعفر (2) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (عليه السلام)
(عن المسجد يكتب في قبلته القرآن أو الشئ من ذكر الله، قال: لا بأس) بقرينة
ما فيه متصلا بذلك (وسألته عن المسجد ينقش في قبلته بجص أو أصباغ فقال:
لا بأس).
ثم إن الحرمة والكراهة في الصلاة أيضا في المساجد الموصوفة بتلك الصفة أو
أنهما مختصان بالفعل ظاهر عبارات الأصحاب هنا الثاني، بل حكي التصريح به عن مجمع
البرهان، وعن العلامة الطباطبائي الكراهة في المصورة ولو إلى غير الصورة، ولعله
لظاهر الخبر السابق وإن قال فيه: (إنه لا يضركم اليوم) لظهور إرادة ارتفاع ذلك
من حيث التقية، فلا ينافي الحكم في نفس الأمر، والله أعلم.
(و) كذا يحرم (بيع آلتها) كما في التحرير والقواعد والإرشاد وعن

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام المساكن الحديث 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3
93

الاصباح والجامع والمبسوط، وظاهرهم عدم الجواز مطلقا، بل في الأول كما عن الأخير
أنه لا يجوز بحال، وهو كالصريح في الاطلاق المزبور مع المصلحة وبدونها، فتكون
حينئذ كالعرصة، لأصالة حرمة التصرف في الوقف، إذ الوقوف على حسب
ما يقفها أهلها، لكن في كشف اللثام يعنون حرمة ما جرى عليه الوقف من الآلات
إلا أن تقتضيه المصلحة كسائر الوقوف، وفي المختلف وجامع المقاصد والروض والمسالك
وعن نهاية الإحكام وحاشية الميسي التصريح بالجواز في عمارتها أو عمارة غيرها من
المساجد مع عدم الانتفاع بها، واستحسنه في الذكرى، بل صرح الثانيان في كتبهما
الثلاثة بالجواز أيضا مع المصلحة، كما لو خيف عليها التلف أو صارت رثة لا ينتفع بها
فيه أو نحو ذلك، بل صرح في الجامع منها بأنه لو كان بيعها أعود مع الحاجة إليها
للتصرف في مرمة المسجد فالظاهر جوازه المصلحة، وربما يؤيده في الجملة ما يأتي
إن شاء الله من جواز بيع الأرض الموقوفة لرفع الخلف بن أربابها مثلا، وفي المدارك
(أن التحريم إنما يثبت مع انتفاء المصلحة، وإلا جاز قطعا، بل قد يجب، ويتولاه
الناظر) قلت: لا ريب في أصالة الحرمة ولا دليل على كفاية مطلق المصلحة.
نعم لا يبعد الجواز إذا تعذر استعمالها والانتفاع بها فيما قصده الواقف أو قرب
منه، ضرورة أولويته من التلف، أما مع إمكان أحدهما فلا، وربما يشهد له في الجملة
كلامهم السابق في صرف آلات المسجد في مسجد آخر، اللهم إلا أن يحمل ذلك منهم
على الجواز، أو يحمل هذا على تعذر الصرف مطلقا أو نحو ذلك، فلاحظ وتأمل فإنه
قد تقدم في ذلك المقام ماله دخل تام هنا في الدليل والحكم والموضوع أي الآلات،
فإنه قد يظهر من جامع المقاصد هنا أيضا أن الآلات عبارة عن الفرش والسرج خاصة
وفيه ما عرفت، ويأتي إن شاء الله في باب الوقف أو غيره تمام البحث في ذلك وغيره.
ثم إنه إذا بيعت مع المصلحة يجوز صرفها في عمارة مسجد آخر مع تعذر صرفها في
94

الأول أو استيلاء الخراب عليه أو كون الثاني أحوج لكثرة المصلين على إشكال في
الأخير، وقد تقدم الإشارة إليه، كما أنه تقدم ما يستفاد منه البحث هنا، فلاحظ.
(و) كذا يحرم (أن يؤخذ منها في الطريق والأملاك) قطعا فضلا عن أن
تؤخذ جميعا بمعنى جعل بعضها طريقا أو ملكا بحيث تنمحي عنه آثار المسجدية، أو
يبطل استعماله فيما أعد له كما صرح به غير واحد من الأصحاب بل في الروض نسبته
إليهم، بل هو كأنه من القطعيات إن لم يكن من الضروريات، إذ هو تخريب لها
وتبديل لوضعها، ومناف لمقتضى تأييدها للعبادة المخصوصة، بل لا فرق بين الطريق
والملك وغيرهما ولو وقفا آخر إذا كان مستلزما لتغيير هيئة المسجد وإبطال آثاره.
وعلى كل حال فلا ريب في غصبية الاتخاذ المزبور وكون الآخذ غصبا غاصبا،
(فمن أخذ منها شيئا وجب) عليه (أن يعيده إليها أو إلى مسجد آخر) مع تعذر
الإعادة إلى الأول، أما بدونه فمشكل، خصوصا إذا حصل بسببه الضيق في المسجد
وتغيير الهيئة وقلة الرغبات ونحو ذلك، وإن كان ربما يؤيده ما تسمعه نصا (1) وفتوى
من التخيير بين إرجاع الحصى إلى مسجده وبين إرجاعه إلى غيره، إذ هو كما ستعرف
بعض أجزاء المسجد أيضا.
وكيف كان فلا يختص الوجوب بالمغير بل يعمه وغيره كما صرح به في المدارك
ولا بأس به إن كان المراد حسبة، لكن لا يبعد وجوب المؤونة لو احتيج إليها من
المتخذ، فيجبر عليها وتؤخذ من ماله قهرا كغيره من مؤن رد المغصوب، وفي حرمة
باقي التصرفات على المتخذ بعد الاتخاذ كاستطراقه ونحوه مما كان يجوز له فيه وهو بهيئة
المسجد وعدمها وجهان، بل قد يحتمل التفصيل بين الصلاة ونحوها وغيرها، فيجوز
ما كان المسجد معدا له دون غيره، خصوصا الأفعال التي هي سبب التغيير، وصار

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
95

معدا لها بعده كالاستطراق في المتخذ طريقا ونحوه، ثم إنه بناء على حرمة سائر
التصرفات فهل تختص بالمتخذ خاصة أو بكل مستعمل له في خلاف ما عدله من
الاستطراق ونحوه لا الصلاة ونحوها مما هي من تصرفات المساجد أو الأعم؟ الظاهر
الأول، للأصل واستصحاب بقاء الإذن في سائر هذه التصرفات قبل زوال هيئة المسجد
نعم قد يحرم من جهة العارض كما إذا كان هذه التصرفات سببا أو جزء سبب
لاضمحلال المسجدية وزوال آثارها، فيكون إعانة على الإثم والعدوان، وهو أمر آخر
ولا عبرة وبالمصلحة هنا بل ولا بالمفسدة، فلا يجوز بيع عرصة المسجد على حال من
الأحوال، للأصل وظهور الأدلة من الكتاب والسنة والفتاوى والسيرة في أن المسجدية
من الأمور الأبدية التي لا يجوز تغييرها إلى غيرها أو نقلها بأحد النواقل بحال من
الأحوال، نعم غير المسجد من الأوقاف العامة يمكن دعوى جواز تغيير هيئاتها إذا
قضت به المصلحة، بل يجوز بيعها في بعض الأحوال.
لكن الانصاف أن كثيرا من هذه المسائل غير منقحة، لعدم وضوح أدلتها
من الكتاب والسنة بل والفتاوى، لما فيها من الاجمال الذي لا يجسر معه على الفتوى
بشئ منها، إذا بعضها يومي إلى أن المدار على المصلحة، وآخر على الأصلح، وثالث
على المفسدة، ورابع على تعذر الجهة الموقوف عليها أو الاستغناء عنها، وغير ذلك،
فالاحتياط لا ينبغي تركه في بعض الأفراد.
وكما أنه لا يجوز اتخاذ المسجد طريقا أو ملكا بأن يغير إليهما لا يجوز جعل شئ
منهما مسجدا، إذ الأول ملك للمسلمين المستطرقين، والثاني ملك آحادهم، نعم
لو رجعت الطريق إلى الإباحة بأن بطل استطراق الناس أمكن حيازتها لها وإحياؤها
بجعلها مسجدا، وكذا لو كانت الطريق زائدة على المقدار الشرعي أمكن أيضا جعل
96

الزائد كذلك كما عن التحرير وغيره النص على الأخير، مع أنه لا يخلو من
إشكال، لاحتمال تعلق حق الاستطراق به وإن كان زائدا على ما ستعرف في إحياء
الموات إن شاء الله.
ومثل الطريق والملك غيرهما من الأوقاف العامة والخاصة، فلا يجوز تغييرها
وجعلها مسجدا، لكن قد تدعو المصلحة إلى تغيير هيئة بعض الأفراد الأولى إليه،
فيجوز حينئذ للحاكم الذي هو الولي مع عدم الناظر الخاص ذلك على تأمل ونظر،
والله أعلم، ونسأله التوفيق للوقوف على حقائق هذه المسائل.
(و) كيف كان فمما سمعت ظهر لك أنه (إذا زالت آثار المسجدية لم يحل)
لأحد (تملكه) أو فعل مناف المسجدية فيه، لعدم بطلان وقفه بذلك ضرورة، كما
أنه مما قدمناه في كتاب الطهارة ظهر لك الحال في قول المصنف: (ولا يجوز إدخال
النجاسة إليها) ولا إبقاؤها فيها وإن لم يكن هو المدخل مثلا، وأن المدار على الملوثة
منها أو الأعم، بل وقوله: (ولا إزالة النجاسة فيها) إذ الظاهر كون مرجعها الأولى
كما يومي إليه تعليله في المعتبر والمنتهى بأن ذلك يعود إليها بالتنجيس، أما إذا فرض
كون النجاسة غير ملوثة وكان إزالتها على وجه لا ينجس المسجد إما لطهارة الغسالة أو
لكون المزال به ماء كثيرا أو أزيلت في إناء جاز بناء على حرمة الملوث من النجاسة
خاصة، ولم يجز بناء على الاطلاق، واحتمال حرمة الإزالة هنا تعبدا لما فيه من الامتهان
لا دليل عليه، وإن مال إليه المحقق الثاني، وربما أوهمه ظاهر المتن وغيره مما أطلق فيه
هذا الحكم بعد الحكم الأول، إلا أنه لا أعرف له دليلا معتدا به يختص به من حيث
الإزالة، نعم في الذكرى - بعد ذكر الحكم المزبور والذي قبله - قال: قاله الأصحاب
ثم قال: والظاهر أن المسألة إجماعية، فإن تم ذلك مع إرادته الإزالة من حيث هي لا من
حيث التلويث كان هو الحجة، خصوصا مع إمكان تأيده بالكراهة في الوضوء من
97

البول والغائط، بل هي دليل آخر بناء على إرادة الاستنجاء منه والحرمة من الكراهة
ضرورة طهارة غسالته مع أنه أطلق فيه النهي، بل قد استدل بذلك في المعتبر على
المطلوب، لكنك تعرف ما فيه مما تقدم، وإلا كان ممنوعا كما هو واضح، فتأمل هذا.
ولا فرق على الظاهر بين ظاهر المسجد وباطنه، ولا بين سبق النجاسة المسجدية
وسبقها لها، وإن كان قد يشعر بخلاف ذلك إطلاق النصوص الواردة في جواز اتخاذ
الكنيف مسجدا إذا طم بالتراب، منها خبر الحلبي (1) قال لأبي عبد الله (عليه السلام):
(يصلح المكان الذي كان حشا زمانا طويلا أن ينظف ويتخذ مسجدا، فقال: نعم
إذا ألقي عليه من التراب ما يواريه، فإن ذلك ينظفه ويطهره) وصحيح عبد الله بن
سنان (2) سأل الصادق (عليه السلام) (عن المكان يكون حشا زمانا فينظف ويتخذ
مسجدا، فقال: ألق عليه من التراب حتى يتوارى، فإن ذلك يطهره إن شاء الله)
وخبر أبي الجارود (3) سأله أيضا (عن المكان يكون خبيثا ثم ينظف ويجعل مسجدا
فقال: يطرح عليه من التراب حتى يواريه فهو أطهر) والمرسل (4) عن أبي الحسن
الأول (عليه السلام) (عن بيت قد كان حشا زمانا هل يصلح أن يجعل مسجدا، فقال:
إذا نظف وأصلح فلا بأس) ونحوه خبر علي بن جعفر (5) عن أخيه (عليه السلام)
المروي عن قرب الإسناد، وخبر مسعدة بن صدقة (6) عن جعفر بن محمد (عليهما
السلام) أنه سئل (أيصلح مكان حش أن يتخذ مسجدا؟ فقال: إذا ألقي عليه من
التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس، لأن التراب يطهره، وبه مضت السنة)
بل قال الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن مضارب (7): (لا بأس بأن يجعل
على العذرة مسجدا).

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 4 - 3 - 2 - 7 - 5 - 6
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 4 - 3 - 2 - 7 - 5 - 6
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 4 - 3 - 2 - 7 - 5 - 6
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 4 - 3 - 2 - 7 - 5 - 6
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 4 - 3 - 2 - 7 - 5 - 6
(6) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 4 - 3 - 2 - 7 - 5 - 6
(7) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 4 - 3 - 2 - 7 - 5 - 6
98

بل وإطلاق بعض الفتاوى كالقواعد والذكرى وغيرهما، بل في جامع المقاصد
أن ما وقفت عليه من العبارات هنا مطلق، لكن قال فيه: إنه ينبغي أن يراد بانقطاع
الرائحة في عبارة القواعد ذهاب النجاسة، لأنه مع بقاء عينها وصيرورة البقعة مسجدا
يلزم كون المسجد ملطخا بالنجاسة، بل عن فوائد القواعد أن ظاهر صحيح عبد الله بن
سنان تحقق استحالة عذرته ترابا، وحينئذ لا إشكال بلزوم نجاسة المسجد، فالأولى
حمل الحكم على ذلك، أو على ما إذا كان الموقوف الظاهر خاصة، أو على ما يمكن
تطهيره، وفي المنتهى بعد أن ذكر أنه لا بأس بوضع المسجد على بئر غائط أو بالوعة
إذا طم وانقطعت رائحته معللا له بأن المؤذي يزول فتزول الكراهة، قال: (لا يقال:
روى الشيخ عن عبيد بن زرارة (1) عن الصادق (عليه السلام) (الأرض كلها مسجد
إلا بئر غائط أو مقبرة) لأنا نقول: نحن نقول بموجبه إنما يتخذ مسجدا مع الطم
وانقطاع الرائحة) وأوضح منه في رفع المنافاة ما في كشف اللثام من التعليل بزوال
الاسم والصفات.
لكن ومع ذلك كله فالانصاف أنه لا صراحة في النصوص السابقة، بل ولا
ظهور في اعتبار تطهير ذلك الموضع في وقفه مسجدا ولو باستحالته ترابا، وإن اشتمل
بعض أسئلتها على التنظيف والاصلاح وأجوبتها على الطهارة، إلا أن المراد منها المعنى
اللغوي قطعا، على أنه من المستبعد أو الممتنع طهارته بالمواراة المزبورة، ضرورة نجاسة
الأجزاء الترابية منه التي لا يجدي مزجها بالتراب، إذ لا استحالة فيها، كما أنه لا ظهور
فيها أيضا بوجوب التطهير بعد الوقف مسجدا أو كون المسجد الظاهر دون الباطن كما
سمعته من الفوائد، بل ظاهرها جميعا أو صريحها عدم ذلك كله، وأنه يكفي هذه
المواراة وانقطاع الرائحة بالطم المزبور في جعلها مسجدا، ولا يجب التطهير بعد ذلك،

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام المساجد الحديث 8
99

ولا بأس بالفتوى به بعد ما سمعته من النصوص المعتضدة باطلاق بعض الفتاوى إن لم يكن
أكثرها، إلا أنه ينبغي الاقتصار على ذلك بالخصوص لا أنه يتعدى إلى غير ذلك،
كما مال إليه المقدس الأردبيلي في المحكي من مجمعه، حيث قال: وردت أخبار كثيرة
في اتخاذ الحش مسجدا صحيحة وغير صحيحة، ومنها يعلم عدم اشتراط الطهارة في المسجد
بحيث يكون التحت أيضا طاهرا وكذا الفوق، إذ هو كما ترى بعيد جدا، بل كأنه
مخالف للاجماع، ضرورة عدم الفرق بين تحت المسجد أو فوقه قطعا، نعم ينبغي استثناء
خصوص موارد تلك النصوص للعسر والحرج في الإزالة على وجه التطهير، بل قد
يتعدى إلى كل أرض تعسر إزالة النجاسة منها، أو تعذر وأريد وقفها مسجدا، فلا
يجب انتظار طهارتها إن أمكنت في صيرورتها مسجدا، وإلا امتنع وقفها مسجدا،
بل لا يبعد القول بعدم اعتبار سبق إزالة النجاسة الممكنة في المسجدية، فله وقفها حينئذ
مسجدا، ثم يزيل بعد ذلك النجاسة، لأصالة عدم الاشتراط، إذ الإزالة من أحكام
المساجد لا من شرائطها، كما هو واضح.
فما في البيان - من أنه لا تبنى المساجد على النجاسة إلا مع الإزالة، ولو طمت
قبل الوقف ثم بنى جاز - محل للنظر إن أراد ما يخالف ما ذكرنا، ولعله يريد الإشارة
إلى ما عساه يظهر من النصوص السابقة من اعتبار سبق الطم أو المواراة على المسجدية،
وهو - مع إمكان منعه عليه وإن كان ربما يوهمه بعضها في بادئ النظر - لا ينافي
ما ذكرناه من عدم اشتراط التطهير السابق في الصحة، اللهم إلا أن يقال: إن التطهير
فيما يمكن تطهيره كالطم والمواراة فيما لا يمكن، فكما وجب سبق الثاني على المسجدية
فكذا الأول، وفيه تأمل.
ولعله بالتدبر فيما ذكرنا يستفاد الوجه فيما صرح به في القواعد والمنتهى والتذكرة
والذكرى والدروس والبيان والنفلية والموجز الحاوي وجامع المقاصد وكشف الالتباس
100

من حرمة الدفن فيها، بل هو ظاهر النهي عنه في التحرير والمحكي عن المبسوط، بل هو
المنقول عن نهايتي الشيخ والفاضل والسرائر والجامع والاصباح، إذ لعله من جهة عدم
انفكاك الميت بعد دفنه عن تنجيس القبر، وقد عرفت مساواة الباطن للظاهر، لكن
فيه أنه يمكن وضعه على شئ يمنع عن تلويثه المسجد، بل يكفي الشك، ويدفع بأنه إنما
يتم بناء على أن مدار الحرمة التلويث، وإلا فيكفي في المنع خروج النجاسة منه ولو على
بدنه، إلا أن قضية ذلك دوران حرمة الدفن حينئذ على المذهبين، ولم أعرف من ناطها
بشئ منهما، بل ظاهر الجميع الاتفاق على المنع، ولعله لدليل خاص عندهم وإن لم نجده
في كلمات من تعرض منهم للاستدلال، بل الموجود في الذكرى وجامع المقاصد والتذكرة
تعليله بأن فيه شغلا للمسجد بما لم يوضع له، قال في الأول: ودفن فاطمة (عليها السلام)
في الروضة إن صح فهو من خصوصياتها بما تقدم من نص النبي (صلى الله عليه وآله)
وقد روى البزنطي (1) قال: (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قبر فاطمة (عليها
السلام) فقال: دفنت في بيتها، فلما زادت بنوا أمية في المسجد صارت في المسجد)
انتهى، وفي المحكي عن نهاية الإحكام بأن فيه تضييقا على المصلين، وفي المنتهى بأنها
جعلت للعبادة.
وكأن هذه التعليلات منهم تؤمي إلى كون الحكم من المسلمات عندهم، ولولاه
لأمكن مناقشتهم بأنه إنما تتم المنافاة والتضييق لو حرمت الصلاة على القبر أو عنده،
بل وكان مع ذلك مزاحما للمصلين، وإلا كان كوضع المنارة فيه وحفر حفيرة لحاجة
بعض الصنائع أو للوضوء ونحوه فيه وغير ذلك مما لا يمتنع إلا إذا نافى المصلين وزاحمهم
وبأن دفن فاطمة (عليها السلام) لم يثبت كونه لخصوصية، والأصل الاشتراك، وبما
يظهر من سبر الأخبار المتفرقة من دفن كثير من الأنبياء السابقين في المساجد، منها

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب المزار الحديث 3 من كتاب الحج
101

قول الباقر (عليه السلام) (1) بعد أن ذكر أنه صلى في مسجد الخيف سبعمائة نبي: (وإن
ما بين الركن والمقام لمشحون من قبور الأنبياء، وأن آدم لفي حرم الله) بل يمكن
المناقشة في الاجماع أيضا لعدم بلوغ المتعرضين إلى ذلك قطعا، خصوصا مع ملاحظة
المصنفين لا التصانيف، بل ظاهر العلامة في المنتهى الميل إلى الكراهة.
بل قد يظهر منه ومن غيره ذلك أيضا في مسألة اتخاذ المسجد على القبر، ولا فرق
على الظاهر بين سبق المسجدية على الدفن وبين سبقه عليها، بل لعله أولى بالمنع، لخبر
سماعة بن مهران (2) سأله (عن زيارة القبور وبناء المساجد فيها، فقال: أما زيارة
القبور فلا بأس، ولا يبنى عندها مساجد) وإن كان يحتمل إرادة المقابر منه التي هي
كالشوارع والمشارع والطرق ونحوها من الأراضي التي تعلق بها الحقوق العامة المانعة
عن اتخاذها مساجد، وذلك غير ما نحن فيه، كبعض النصوص الأخر حتى الخبر المشهور
(إن الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط ومقبرة) المحتمل أيضا غير ما نحن فيه من المساجد
لكن ومع ذلك كله فالأحوط في البراءة عن التكليف بالدفن إن لم يكن الأقوى
المنع، وفاقا لمن عرفت، وفيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات، على أنك قد عرفت حكايته
عن النهاية التي هي متون أخبار، بل قد يظهر من حاشية على هامش ما حضرني من
نسخة الوسائل كتب تحتها أنها منه الاجماع عليه حيث نسبه فيها إلى الفقهاء، بل لعله
كذلك لو لوحظ عدم التردد فيه من كثير من المتعرضين له، بل قد عرفت أن المستند
فيه عدم الانفكاك عن النجاسة خصوصا بناء على عدم الفرق بين الملوثة وغيرها
لا تلك التعليلات.
مع أنه يمكن تسديدها بالفرق بين الدفن وبين الأمور السابقة التي قيس عليها

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
(2) الوسائل الباب 65 من أبواب الدفن الحديث 1 من كتاب الطهارة
102

باعتبار كون الدفن مقتضيا للتعطيل عن الاستعداد للانتفاع بالمسجد لو فرض حدوث
حاجة في تغييره مثلا، لحرمة النبش، بخلاف الأمور السابقة مع ما فيه من تنفير
المترددين وامتناع صلاتهم أو كراهتها التي هي نوع ضرر أيضا في مثل الأماكن المتخذة
لمضاعفة ثواب العبادة، ودفن فاطمة (عليها السلام) لم يثبت أنه في المسجد، بل ظاهر
خبر البزنطي عدمه كما سمعت، بل ربما يشم منه بسبب ذكر اعتذاره فيه عن كونها في
المسجد بفعل بني أمية لعنهم الله معلومية امتناع الدفن في المسجد، ودفن الأنبياء
السابقين لم يثبت تعبدنا به في شرعنا، بل ولم يثبت كونه سابقا على المسجدية المعتبرة
بل لم يثبت صيرورة نفس قبورهم مسجدا، بل قد يظهر من جملة من النصوص
الواردة في أن إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) دفنا حذاء المسجد امتناع الدفن فيه
حتى في ذلك الزمان، وإلا لم يدفنا حذاءه، على أنه يمكن اختصاص ذلك بالمعصومين
المنزهين عن سائر الأدناس، ولا كراهة في الصلاة عندهم، بل لعل قوله (عليه السلام) (1):
(إنه ما من مسجد إلا وبني على قبر نبي أو وصي نبي) إلى آخر، شاهد على ذلك
وإن كان المراد منه على الظاهر بيان حكمة سماوية وعلة ربانية لا أنه قبر معروف جعل
مسجدا، ولعل نصوص دفن الأنبياء من هذا القبيل، كما أن الظاهر إرادة بعض
الأصحاب من كراهة بناء المسجد على القبر اتخاذ المسجد وهو فيه، لا صيرورة نفس
القبر مسجدا إن لم نقل بالفرق بين السبق واللحوق، مع احتماله قويا جدا وإن ترك
الاستفصال في خبر سماعة (2)، لكن لعله لظهوره فيما سمعت من المعتبرة، على أنه
لا يكفي سندا للمنع لوجوه، منها قوة مقتضي الجواز من أدلة ندب اتخاذ المسجد مع
حرمة النبش، فتأمل جيدا، والله أعلم.

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(2) الوسائل الباب 65 من أبواب الدفن الحديث 1 من كتاب الطهارة
103

(و) كذا (لا) يجوز (إخراج الحصى منها، وإن فعل أعاده إليها) كما في
النافع والإرشاد واللمعة والنفلية وحاشية الإرشاد وعن التلخيص والتبصرة، لخبر وهب
ابن وهب (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (إذا أخرج أحدكم الحصاة من
المسجد فليردها مكانها أو في مسجد آخر، فإنها تسبح) إذ لو لم يحرم الاخراج لم يجب
الرد كما هو مقتضى الأمر به، بل لا قائل به دونه كما اعترف به في الرياض، وبه
تظهر دلالة خبر الشحام (2) أيضا على ما رواه عنه الشيخ، قال للصادق (عليه السلام):
(أخرج من المسجد حصاة، قال: فردها أو اطرحها في مسجد) بل وعلى رواية
الكليني له أيضا، إذ ليس فيها سوى (وفي ثوبي حصاة) وقد عرفت أن محل
الاستدلال فيه الأمر بالرد، مضافا إلى خبر محمد بن مسلم (3) ومعاوية بن عمار (4)
أو صحيحهما عن الصادق (عليه السلام) سمعه في أولهما يقول: (لا ينبغي لأحد أن
يأخذ من تربة ما حول الكعبة، وإن أخذ من ذلك شيئا رده) وقال له في ثانيهما:
(أخذت سكا من سكك المقام وترابا من تراب البيت وسبع حصيات، فقال: بئس
ما صنعت، أما التراب والحصى فرده).
لكن قد يشكل التحريم بضعف سند الأول واشتماله على التعليل بالتسبيح
المناسب لكراهة الاخراج المقتضي عدم تسبيحها مطلقا أو في المكان الشريف، بل
قد يومي قوله (عليه السلام) فيه: (إذا أخرج) إلى آخره، إلى جوازه وإن كان مرجوحا، كما أنه
يومي الأمر فيه وفي غيره من النصوص والفتوى، بل قد يظهر من مفتاح الكرامة
الاتفاق عليه بالرد إلى مسجد آخر إلى عدم دخولها في الوقف، وإلا لوجب الرد إليه،

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 4 - 3 - 1 - 2
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 4 - 3 - 1 - 2
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 4 - 3 - 1 - 2
(4) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 4 - 3 - 1 - 2
104

ونحوه في الايماء إلى عدم الحرمة التعبير بلا ينبغي في خبر ابن مسلم، والتعليل بجعل
الحصى في المسجد للنخامة في مرفوع ابن العسل (1) المروي عن محاسن البرقي، قال:
(إنما جعل الحصى في المسجد للنخامة).
ومن ذلك كله وغيره مع الأصل قال في المعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير
والقواعد والذكرى والدروس والبيان والموجز وعن غيرها: بالكراهة أو استحباب
ترك الاخراج، لكن في كشف اللثام (لعل المحرم إخراج ما هي من أجزاء أرض
المسجد التي جرت عليها المسجدية، والمكروه إخراج ما خص به المسجد بعد المسجدية،
فلا خلاف، وأما الحصى الخارجة عن القسمين فينبغي قمها وإخراجها مع القمامة) وكأنه
أخذ ذلك من تقييد جماعة منهم الثانيان الحرمة بما إذا كانت جزء من المسجد، وفيه
مع أنه تقييد لاطلاق النصوص والفتاوى المنصرف إلى غير المقيد من دون شاهد
أنه لا معنى للحكم بالكراهة في الثانية أيضا بعد فرض تخصيصها بالمسجد، إذ هي حينئذ
كسائر فرشه وآلاته المعلوم حرمة إخراجها من المسجد.
ومن هنا ألحق في الروضة بالحصى الذي هو جزء في الحرمة الحصى المتخذ فرشا
بل في حاشية الإرشاد أنه ربما يخص التحريم به، نعم لا يندرج في التحريم والكراهة
ما كان منه قمامة بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، بل في حاشية الإرشاد للمحقق
الثاني القطع به الذي هو منه بمنزلة الاجماع، لانصراف إطلاق النص والفتوى إلى
غيره، ولما عرفت من استحباب كنس المساجد، ولأن الحصى كالتراب كما يومي إليه
صحيح معاوية السابق (2) ولا ريب في رجحان إخراج ما كان قمامة منه، فما في
الرياض - بعد اختياره القول بالكراهة معللا له بضعف خبر وهب عن إثبات الحرمة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
105

(أن إطلاق النص والفتوى يقتضي عدم الفرق بين ما كان جزء من المسجد أو آلاته
أو قمامة، خلافا لجماعة فقيدوه بالأول، ولعله للجمع بين النص هنا وما مر في استحباب
الكنس، وفيه نظر، لاحتمال العكس بتقيد الثاني بغير الحصى، فتأمل جيدا) - محل
منع، ولعله لذلك أمر بالتأمل، إذ لو أغضينا النظر عن بعض ما سمعت لكان الترجيح
للأول قطعا من وجوه، كما أن في ترجيحه الكراهة على الحرمة ذلك أيضا، لما عرفت
من عدم انحصار الدليل في خبر وهب بن وهب، بل لعلها هي مقتضى الأصل فيما كان
جزء من المسجد، إذ لا مدخلية لانفصالها وقلتها واستغناء المسجد عنها في ذلك، وإلا
لجاز إفساد المسجد جميعه بأخذ القليل من أجزائه فالقليل، وهو معلوم البطلان، بل
وكذا ما جعل فراشا فيها بعد المسجدية، لصيرورته حينئذ كسائر آلات المسجد،
ولا إشعار في التعليل بالتسبيح بعدم الحرمة، بل فيه إيماء إلى صيرورتها مسجدا، كما
أنه لا إيماء بالرد إلى مسجد آخر إلى ذلك أيضا، إذ لا يزيد هو على ما سمعته سابقا
من التخيير بين إرجاع بعض المسجد المتخذ في طريق أو ملك إلى ذلك المسجد أو غيره
بلا خلاف أجده فيه بينهم هناك، وإن تأملنا فيه فيما تقدم، ولا على آلات المسجد
التي قد سمعت جواز استعمالها في مسجد آخر. نعم ينبغي تقييده إن كان الحصى من الثاني بما سمعته سابقا من الاستغناء عنه
كما صرح به في الروضة، مع إمكان منعه هنا تمسكا باطلاق النصوص، اللهم إلا أن
ينزل على الاستغناء ونحوه، أو يدعى انصرافه إلى ذلك، ضرورة كون المورد فيه
حصاة ونحوها، أو إلى التعذر والتعسر كالحصيات التي أخذت من الكعبة، على أنه
لا استبعاد في التخيير المزبور مع قطع النظر عن ذلك كله بعد النصوص والتعليل في
المرفوع السابق، مع أنه يمكن منع إشعاره بذلك، لظهور إرادة أن حكمته التغطية
لا يصلح كونه مستندا للحكم المزبور بعد ما سمعت، فلا ريب في أن الأقوى الحرمة
106

إلا فيما كان قمامة منه، ونحوه التراب وشبهه.
نعم قد يستثنى بعض الأجزاء الجزئية التي تتعلق بثوب المصلي أو هي من لوازم
الكنس أو نحو ذلك مما جرت السيرة به وعلم طريقة الشرع عدم حرمته، كما أنه
ينبغي الاقتصار في الحرمة على ما ثبت كونه جزء أو فرشا ولو بالظهور المعتد به شرعا
أما المحتمل كونه كذلك وقمامة فلا حرمة باخراجه، ولا يجب إرجاعه للأصل، نعم
لا ينبغي ترك الاحتياط سيما مع قيام بعض الأمارات التي ليست بحجة شرعية، والله أعلم.
(ويكره تعليتها) كما نص على غير واحد من الأصحاب، لأنه مخالف للسنة
الفعلية، إذ حائط مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) قامة: والمحكي من حال السلف في
جامع المقاصد، ولما فيه من الاطلاع على عورات الناس لو رقي عليها أو على المنارة
المساوية لها، ولما ورد (1) من النهي عن رفع البناء لأزيد من سبعة أذرع أو ثمانية،
وأن الزائد مسكن الجن والشياطين، بل تبنى وسطا مرجعه إلى العرف، كما في الروضة
بل لا يبعد القول بأنها تبنى دونه كي لا تساوي المساكن التي تعليتها وسطا، فتأمل،
وعلو جدار مسجد الكوفة لم يعلم أنه من فعل من فعله حجة على العباد.
(و) كذا يكره (أن يعمل لها شرف) كما نص عليه جماعة، لخبر طلحة
ابن زيد (2) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (أنه رأى مسجدا
بالكوفة وقد شرف، فقال: كأنه بيعة، وقال: إن المساجد لا تشرف بل تبنى جما) وخبر أبي بصير (3) المروي عن إرشاد المفيد عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث
طويل، قال: (إذا قام القائم (عليه السلام) لم يبق مسجدا على وجه الأرض له
شرف إلا هدمها ويجعلها جما) والمرسل عن المجازات النبوية للسيد الرضي (4) قال: قال
(عليه السلام): (ابنوا المساجد واجعلوها جما) وعن النهاية التعبير بلا يجوز، ولا ريب في ضعفه

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام المساكن
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 4 - 5
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 4 - 5
107

إن أراد الحرمة، لقصور ما سمعت عن إثباتها، خصوصا بعد عمل غيره من الأصحاب
بها على الكراهة.
والشرف بضم الشين وفتح الراء جمع شرفة بسكونها ما يبنى في أعلى الجدران.
ولا ترفع الكراهة بالحاجة إليها في عدم الاطلاع على دور الناس إذا كان بناؤها
عاليا، لما عرفت من النهي عن التعلية المقتضية لذلك، فلا ترتفع الكراهة له، نعم لو
احتيج إليها مع عدم المخالفة في العلو أمكن القول بارتفاعها، مع احتمال العدم، وتكليف
الغير يدفع ضرره بأن يستر عن نفسه، والله أعلم.
ثم إن المصنف ذكر أيضا كراهة اتخاذ المحاريب في المساجد عاطفا لها على ما قبلها
بأو مريدا منها معنى الواو قطعا، فقال: (أو محاريب داخلة) كما في النافع والإرشاد
والبيان والدروس والنفلية، بل في الذكرى قاله الأصحاب، ولعل مرادهم (في الحائط)
كما في المعتبر وعن المبسوط والنهاية والسرائر، بل في المدارك نسبته إلى الشيخ وجمع
من الأصحاب، وكان المراد كثيرا كما في جامع المقاصد وفوائد الشرائع وحاشية
الإرشاد والروض والمسالك وعن غيرها، لخبر طلحة بن زيد (1) عن جعفر عن أبيه
عن علي (عليه السلام) (أنه كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد، ويقول كأنها
مذابح اليهود) لكن قد يشكل بظهوره كما اعترف به الثانيان في المحاريب المتخذة مستقلة
في المساجد لا الداخلة في حائطه مثلا، ضرورة أنها هي القابلة للكسر لا تلك، بل لعل
المراد بها المقاصير التي أحدثها الجبارون كما في المروي (2) آنفا عن الكتاب الغيبة،
وصحيح زرارة (3) عن الباقر (عليه السلام) المتقدم في أحكام الجماعة، قال: (إذا

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(2) المستدرك الباب 33 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 1
108

صلى قوم وبينهم وبين الإمام سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال
الباب، قال: وقال: هذه المقاصير إنما أحدثها الجبارون، وليس لمن يصلي خلفها مقتديا
بصلاة من فيها صلاة) ولعله لذا اقتصر عليها هنا العلامة الطباطبائي في منظومته، فقال:
لا تصطنع فيه المقاصير ودع * تصويره فإنه شر البدع
بل لعل مراد من عبر من الأصحاب بكراهة اتخاذ المحاريب في المساجد كالمنتهى
وعن غيره ذلك أيضا لا الداخلة في الحائط، نعم قد يقال مراد من عبر بالداخلة في
الحائط الداخلة فيه كثيرا كما سمعته من الثانيين بحيث يحصل معها الحيلولة بين المأمومين
في الجانبين وبين الإمام، فتكون حينئذ كالمقاصير لا ما كان مجرد أثر في الحائط أو
دخول قليل كما يؤيده في الجملة ملاحظة تعبيرهم بالمحراب الداخل في باب الجماعة، وحكمهم
هناك ببطلان صلاة من كان على الجانبين، فيكون المكروه حينئذ المقاصير وما أشبهها
من المحاريب الداخلة في الحائط كثيرا التي يحصل معها الحيلولة، وكونها غير قابلة للكسر
فلا يشملها الخبر المزبور يدفعه أولا عدم انحصار دليل الكراهة فيه، لامكان استنباطها
من صحيح المقاصير، وثانيا منع عدم قبولها للانكسار، إذ المتعارف في ذلك الزمان
عدم كون الحائط عريضا بحيث يتخذ في وسطه محراب يستر جانباه المأمومين، بل قيل
إنهم كانوا في بدء الاسلام ولا سيما أهل البوادي يبنون جدران المساجد من القصب
والخشب والجذوع، فمتى فرض دخول المحراب في مثل ذلك لا بد أن يكون له هيئة
بارزة عن جدار المسجد ولو من خلفه، فيتحقق الكسر حينئذ، وثالثا احتمال أو ظهور
إرادة مطلق التخريب من الكسر، فما في المدارك من التوقف في كراهة مثل هذه
المحاريب في غير محله.
نعم قد يقال: إن حمل خبر طلحة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) على المقاصير
يمنعه ما سمعته في صحيح المقاصير من أنها إنما أحدثها الجبارون، ولم تكن في الزمان
109

السابق، والظاهر أن سبب إحداثهم إياها هو قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) وغيره
في المسجد في أثناء الصلاة، أو إظهار الكبرياء والجبروت بالتستر عن الناس، فأحدثوا
هذه المقاصير كي يدخلوا إليها وقت الصلاة ويحتجبوا بها، فمن هنا يقوى الظن بعدم
إرادة المقاصير من المحاريب في خبر طلحة، ولكن لا بأس بالحكم بكراهتها أيضا.
فيكون المكروه أحد أمور ثلاثة: المقاصير والمحاريب الداخلة في الحائط كثيرا
المشابهة للمقاصير والمحاريب المتخذة مستقلة في المسجد التي هي كمذابح اليهود، وإن كان
المستفاد من خبر طلحة الأخير خاصة، أما المحاريب التي هي مجرد أثر في الجدار ضبطا
للقبلة أو داخلة فيه قليلا فلا كراهة في شئ منها كما يؤيده السيرة الآن على اتخاذها من
غير نكير، بل لا مسجد غالبا إلا وفيه ذلك، هذا، وفي كشف اللثام مازجا لعبارة
القواعد (أنه يكره بناء المحاريب الداخلة في داخل حائط المسجد لا في نفس الحائط
وهي كما أحدثتها العامة في المسجد الحرام، واحد للحنفية، وآخر للمالكية، وثالث
للحنابلة، للأخبار، والأمر بكسرها، أو إحداثها بعد المسجدية محرم، لشغلها مواضع
الصلاة) والظاهر بقرينة تعليله الحرمة بما سمعت إرادته تفسير الدخول في المتن
بالدخول في المسجد لا الدخول في نفس الحائط، لأنه القابل للكسر، فيكون المكروه
عنده الأول والثالث مما ذكرنا، لكن قد سمعت أن الذي فهمه غير واحد من الأصحاب
إرادة الدخول في نفس الحائط كما هو المتبادر خصوصا من المتن ونحوه، نعم قيدوه
بالدخول الكثير لا الدخول في الجملة، ووجهه ما تقدم، فإذن الأصح ما عرفت، وأما
ما ذكره من حرمه الأحداث بالمعنى الذي ذكره فواضحة مع الاضرار بالمصلين كما سمعت
نظيره في المنارة المحدثة بعد المسجدية، والله أعلم.
(و) كذا يكره (أن يجعل) المسجد (طريقا) كما نص عليه الفاضلان
والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم، بل حكي عن الشيخ والحلي، لمنافاته احترامها المستفاد
110

من النصوص فحوى وصريحا، إذ في خبر يونس (1) (ملعون ملعون من لم يوقر
المسجد) وخبر أبي بصير (2) سأل الصادق (عليه السلام) (عن العلة في تعظيم المساجد
فقال: إنما أمر بتعظيم المساجد لأنها بيوت الله في الأرض) ولقول النبي (صلى الله
عليه وآله)
في خبر المناهي (3): (لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين)
لكن ظاهره ارتفاع الكراهة بالصلاة ركعتين، ولم أجد من نص عليه، ولا ثبت
اعتبار الخبر، فالحكم به حينئذ مشكل، والتسامح في الكراهة لا يقتضي التسامح في رافعها
وما في التحرير من تقييد الحكم بالكراهة بالاختيار لا مدخلية له في ذلك قطعا، بل
لا وجه له في نفسه عند التأمل، نعم في كشف اللثام وعن السرائر أن المراد بجعلها
طريقا المضي فيها إلى غيرها لقرب ممر ونحوه لا للتعبد فيها، فلعل مبنى الخبر المزبور
ذلك، إذ دخولها مع الصلاة ركعتين فيها كأنه يرفع تمحض إرادة الاستطراق، ومن
ذلك كله ظهر لك أن المراد بجعلها طريقا استطراقها مع بقاء هيئة المسجدية لا تغييرها
طريقا، لما عرفت من حرمة ذلك، كما هو واضح.
(ويستحب أن يجتنب البيع والشراء) فيها (و) تجنيبها (المجانين وإنفاذ
الأحكام وتعرف الضوال وإقامة الحدود وإنشاد الشعر ورفع الصوت وعمل الصنايع)
للمرسل (4) عن الصادق (عليه السلام) (جنبوا مساجدكم البيع والشراء والمجانين
والصبيان والأحكام والضالة والحدود ورفع الصوت) وخبر عبد الحميد (5) عن
أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): جنبوا

(1) المستدرك الباب 53 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(2) الوسائل الباب 70 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 67 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(4) الوسائل الباب 27 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 2
(5) الوسائل الباب 27 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 2
111

مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم) وعن المجالس باسناده إلى أبي ذر (1)
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصيته له (يا أبا ذر الكلمة الطيبة صدقة،
وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة، يا أبا ذر من أجاب داعي الله وأحسن عمارة
مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة، فقلت: كيف يعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع
فيها الأصوات، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، واترك اللغو
ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك) والمرسل (2) في الفقيه
(جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وشرائكم وبيعكم والضالة والحدود
والأحكام) والمضمر المرفوع (3) عن العلل قال: (رفع الصوت في المساجد يكره)
والمرسل (4) في الفقيه وعن العلل أيضا (أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله) رجلا
ينشد ضالة في المسجد، فقال: قالوا: لا رد الله عليك، فإنها لغير هذا بنيت) وخبر
الحسين بن يزيد (5) عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي (نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ينشد الشعر أو ينشد الضالة في المسجد) والصحيح
عن جعفر بن إبراهيم (6) عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: (قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): من سمعتموه ينشد الشعر في المساجد فقولوا: فض الله فاك،
إنما نصبت المساجد للقرآن).
ومن التعليل هنا والضالة والأمر بتوقير المساجد يستفاد الحكم في غيرهما أيضا
من الصنايع مثلا غير المضرة بالمصلين والمسجد التي نص عليها غير واحد من الأصحاب

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 4 - 5
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 4 - 5
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 3 لكن روى الثاني عن الحسين بن زيد
(5) الوسائل الباب 28 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 3 لكن روى الثاني عن الحسين بن زيد
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
112

بل في الذكرى نسبته إليهم، ولعله كذلك فيه وفي سائر ما سمعته في المتن عدا ما ستعرف
وإن كان لم يتفقوا على التعبير بما في المتن من استحباب الاجتناب، بل عبر بعضهم أو
أكثرهم بالكراهة، لكن لعلها مرادة للمصنف أيضا باعتبار لزومها لاستحباب التجنب
وإن لم نقل بكراهة ترك المستحب في نفسه، فيكون تغيير النظم في المتن باعتبار تعلق
كراهة الأمور السابقة في المسجد نفسه بخلاف هذه، فإنها فيما يتعلق في فعل المكلف فيه.
واحتمال منع لزومها لاستحباب التجنب - إذ هو كغيره من المستحبات التي
لا نقول بكراهة تركها في الأصح، وتغيير النظم من المصنف لأن الوارد في النصوص
الأمر بالتجنيب المحمول على الاستحباب لا النهي عن الفعل كي يحكم بالكراهة يدفعه
أولا أنه يمكن دعوى تبادر النهي عن الفعل من الأمر بالاجتناب، إذ هو حقيقة
كالأمر بالترك الذي هو بمعنى النهي عن الفعل، وثانيا أنك قد عرفت وجود النهي
عن بعضها في بعض النصوص (1) وظهور إرادة الكراهة في آخر.
فالأولى الحكم بكراهة الجميع للنصوص السابقة المشتملة على الأمر بتجنيب الصبيان
زيادة على ما ذكره المصنف هنا، إلا أنه ذكره هو في المعتبر وغيره من الأصحاب
مطلقين للحكم فيهم كالنصوص، وقيده بعضهم بمن يخاف منهم التلويث دون غيرهم ممن
يوثق بهم، فإنه يستحب تمرينهم على إتيانها، ولا بأس به، إلا أنه ينبغي إضافة مخافة
ما ينافي توقير المسجد من اللعب ونحوه، أو أذية المصلين ونحو ذلك إلى التلويث،
ووجهه واضح، والمشتملة أيضا زيادة على ما ذكره المصنف على السؤال عن الضالة بناء
على عدم اندراجه في تعريفها المذكور في المتن، والنهي عن الخوض في الباطل فيها،
والأمر بترك اللغو فيها أيضا.

(1) الوسائل الباب 14 و 27 و 28 من أبواب أحكام المساجد
113

ولعل منه ذكر الدنيا كما أشير إليه في المرسل (1) عن علي (عليه السلام) المروي
عن كتاب ورام بن أبي فارس (يأتي في آخر الزمان قوم يأتون المساجد فيقعدون حلقا
ذكرهم الدنيا وحب الدنيا، لا تجالسوهم، فليس لله فيهم حاجة) وإلا كان مكروها
آخر أيضا يومي إليه مضافا إلى ذلك التعليل بأنها لغير ذلك بنيت، والأمر بتوقير المسجد.
كما أن سل السيف ورطانة الأعاجم فيها مكروهان آخران نص عليهما الشهيد
في البيان دون المصنف، بل نسب أولهما في مفتاح الكرامة إلى نص كثير من الأصحاب
لخبر مسمع أبي ستار (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عن رطانة الأعاجم في المساجد) وخبر السكوني (3) عن جعفر عن أبيه عن آبائه
(عليهم السلام) (قال: (نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن رطانة الأعاجم في المساجد)
وصحيح ابن مسلم (4) عن أحدهما (عليهما السلام) قال: (نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
عن سل السيف وعن بري النبل في المسجد، وقال: إنما بني لغير ذلك) بل هو كما ترى
مشتمل على بري النبل الذي ذكره غير الشهيد من الأصحاب أيضا، ودل عليه غير
هذا الصحيح أيضا كمرفوع محمد بن أحمد (5) المروي عن العلل، قال: (إن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) مر برجل يبري مشاقص له في المسجد فنهاه، وقال: (إنها لغير
هذا بنيت) وخبر الحلبي (6) عن الصادق (عليه السلام) (إن جدي نهى رجلا
يبري مشقصا في المسجد) ومع ذلك تركه المصنف إلا أنه يحتمل الاكتفاء عنه بنصه
على الصنايع الشاملة له، والأمر سهل.

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 3
(5) الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 3
(6) الوسائل الباب 13 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
114

وقد يلحق بالبيع والشراء سائر عقود المعاوضة، بل لعلها المرادة من البيع
والشراء في النصوص على إرادة مطلق النقل والانتقال بعوض منهما، أما ما أشبه
المعاوضة كالنكاح فوجهان كمطلق العقود والايقاعات إلا ما يندرج منها في القربات
نحو النذر والوقف والعتق، ولعل النكاح منها، وفي شمول المجانبين للأدواريين منهم هنا
وجه، فيجنبون عن المساجد ولو حال إفاقتهم مخافة أن يحدث فيه الجنون الذي قد تحصل
معه النجاسة وغيره، لكنه بعيدا جدا أو ممتنع للقطع باندراجهم في الأوامر الكثيرة
بالسعي إلى المساجد والصلاة فيها وحضور الجماعة ونحو ذلك.
والمراد بانفاذ الأحكام الذي عبر به المصنف والفاضل والشهيد وغيرهم كما يومي
إليه تعليل المعتبر نفس الحكم بمعنى التسجيل ونحوه الواقع من الحاكم لقطع الخصومات
ونحوها، لا مطلق بيان الأحكام الشرعية للتعليم ونحوه، إذ لم يحتمله أحد من
الأصحاب هنا، فيكون هو حينئذ عين التعبير بالأحكام المعبر به في المنتهى والدروس
والمنظومة وعن المبسوط تبعا للنص السابق الذي هو مستند المطلوب مؤيدا - مضافا
إلى التعليل بأنه إنما نصبت المساجد للقرآن - بما في الحكم من التحاكم المفضي
غالبا إلى التشاجر ورفع الأصوات والتكاذب وارتكاب الباطل ونحو ذلك مما لا ينبغي
وقوعه في المساجد.
لكن قد يشكل ذلك بأن الحكم من الطاعات والعبادات التي محلها المساجد،
وبمعروفية القضاء من أمير المؤمنين (عليه السلام) في جامع الكوفة حتى أن دكة القضاء
معروفة إلى يومنا هذا، كما عن الشيخ والحلي الاعتراف به، بل ظاهر الأول وصريح
الثاني نفي الخلاف فيه، قال الشيخ في المحكي عنه: لا خلاف في أن النبي (صلى الله عليه وآله)
كان يقضي في المسجد الجامع، ولو كان مكروها ما فعله، وكذلك كان أمير المؤمنين
(عليه السلام) يقضي بالكوفة في الجامع، ودكة القضاء معروفة إلى يومنا هذا، وهو
115

إجماع الصحابة، وبأن تشاجر المتحاكمين وتكاذبهم ورفع أصواتهم ونحو ذلك مع نهيهم
عنه وتكليفهم بتركه لا يقتضي مرجوحية إنفاذ الحاكم في نفسه الذي هو مستحب أو
واجب، وفعله النبي وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام)، بل كأنه في بالي أن
الحكومة المعروفة من داود كانت في المسجد، وبما في كشف اللثام من أن في بعض الكتب
(أنه بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) أن شريحا يقضي في بيته، فقال: يا شريح
اجلس في المسجد فإنه أعدل بين الناس وأنه وهن بالقاضي أن يجلس في بيته).
ولا مخلص عن ذلك بالقول بكراهة المداومة دون النادر كما اختاره المصنف على
الظاهر في كتاب القضاء، وتبعه بعض من تأخر عنه، لظهور ما سمعت في التكرار والمداومة
إذ لو سلم احتمال ندرة قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وأن الإضافة في دكة القضاء
لعلها لوقوع قضية غريبة من قضاياه نحو دكة المعراج فإنها لم تتشرف إلا مرة واحدة
كما في كشف اللثام فلا يسلم ذلك بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله) لمعروفية مواظبته
(صلى الله عليه وآله) على إنفاذ الأحكام في المسجد.
ومن هنا مال بعض متأخري المتأخرين إلى عدم الكراهة في ذلك تبعا للمحكي
عن الشيخين وسلار والحلي وغيرهم من المتقدمين، بل ربما كان ظاهرهم الاستحباب،
بل لعل عدم الكراهة خيرة الأكثر حتى من عبر بالانفاذ، لاحتمال إرادة الاجراء،
والعمل على مقتضاها من الحبس والحد والتعزير ونحوها، ولا ينافيه ذكر الحدود حينئذ

(1) البحار ج 40 ص 277 و 278 و 279 المطبوعة عام 1381 و ج 9 من
طبعة الكمباني الباب 97 والباب 5 من أبواب كرائم خصال أمير المؤمنين عليه السلام
ومحاسن أخلاقه الحديث 42
116

مستقلة تبعا للنص، ولأنها أفحش، وعلى ذلك يحمل النص المتقدم الذي لا يصلح
لمعارضة ما عرفت مما يقضي بعدم الكراهة أو الاستحباب، أو يحلم كالفتوى بمضمونه
على إرادة الحكومات الجدلية خاصة لا مطلق الحكم، لكن فيهما أنه لا دليل حينئذ على
كراهة الأول أيضا، ومجرد احتمال النص له لا يجدي، اللهم إلا أن يكون من جهة
التسامح، سيما مع تأيده بمساواته لإقامة الحدود، واقتضاء الثاني الكراهة في بعض
الأفراد، وما سمعته قاض بعدمها مطلقا، وعدم تكليف المتحاكمين الجدل، فلعل
الأقوى في النظر عدم الكراهة مطلقا، والنص وإما مطرح أو محمول على إرادة الأحكام
الصادرة من قضاة العامة، لأنها باطل محض، فيكون إطلاقهم (عليهم السلام) الأحكام
وسيلة إلى التعريض بذلك، أو على ما لا نعلمه، والتسامح في المكروه لعله حيث لا معارض
لكن ومع ذلك فالاحتياط باجتناب الحكم في المساجد فضلا عن إجرائها والعمل على
مقتضاها تخلصا من الوقوع في المكروه لا ينبغي تركه، حتى على احتمال استحباب الحكم
لا إباحته خاصة، خصوصا مع وضوح الفرق بين النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين
(عليه السلام) ونحوهما ممن هم مأمومون عن الخطأ في الواقع وعن احتمال كون الحكم منهم
بغير ما أنزل الله لتقصير في مقدمات أو اتباع للشهوات وبيننا الذين لا نأمن من
شئ من ذلك، بل نحن إليه أقرب من غيره، ونسأل الله العصمة، فإنه المفزع والملجأ
في الأمور كلها.
والمتبادر من تعريف الضالة الذي عبر به الفاضل أيضا إنشادها لانشدانها كما
فهمه الشهيد الثاني وسبطه تبعا للمحقق الثاني في الجامع والفوائد، فينحصر دليله حينئذ
في التعليل في مرسل (1) الفقيه الثاني وفي مرسله (2) الأول نفسه وخبر الحسين بن

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
117

يزيد (1) بناء على إرادة ذلك من الضالة في الأول، و (تنشد) في الثاني لظهور اشتقاقه
من الانشاد الذي هو بمعنى التعريف لا النشدان الذي هو معنى طلبها كما عن الصحاح
التصريح بهما معا، ويكون تركهما النشدان كالمحكي عن الحلي، لعدم كراهته عندهما،
أو لاستفادة حكمه بالمساواة أو الأولوية من التعريف، أو أنهما لم يذكرا حكمه، لكن
الثلاثة كما ترى، إذا لا مجال لانكار كراهته بعد صراحة المرسل الثاني به، ودلالة التعليل
في خبر جعفر بن إبراهيم (2) وصحيح ابن مسلم (3) عليه، والمساواة أو الأولوية
المزبورتين، واحتمال المرسل الأول وخبر الحسين له مستقلا أو مع الانشاد، خصوصا
المرسل باعتبار امتناع ترجيح إضمار الأول عليه، بل المرسل الثاني شاهد على إضماره،
كشهادته على الاشتقاق من النشدان لا الانشاد في خبر الحسين، ولعله لذا ربما ظهر من
بعضهم اختصاصه بالكراهة دونه، خصوصا على ما ستسمعه من المناقشة في شمول التعليل
له، وكذا لا وجه لاتكالهما على المساواة أو الأولوية بعد ما عرفت من نص الخبر،
كما أنه لا وجه لسكوتهما عن بيانه، فمن هنا فهم المحقق الثاني والشهيد الثاني في بعض
كتبهما إرادة الانشاد والنشدان من التعريف، والأمر سهل بعد ما عرفت من وضوح
الدليل على كراهتهما معا.
والمناقشة في كراهة الأول منهما بأن الانشاد من أعظم العبادات، والأولى به
الجامع، وأعظمها المساجد، فلا يشمله التعليل، وفي كراهته أيضا أو الثاني أو فيهما
بخبر علي بن جعفر (4) سأل أخاه (عليه السلام) (عن الضالة أيصلح له أن تنشد في

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 1 لكن روى الأول عن الحسين بن زيد
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 1 لكن روى الأول عن الحسين بن زيد
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
118

المسجد؟ فقال: لا بأس) يدفعها أن المساجد ليست لمطلق ما يحصل به الثواب، وإلا
فكثير من الأمور السابقة المكروه فعلها فيها حتى البيع والشراء إذا كانا لتحصيل المؤنة
الواجبة أو المندوبة قد تقترن بما يقتضي استحبابها، وأنه يمكن الجمع بين الحقين بالانشاد
على أبوابها كما ذكره الأصحاب في باب اللقطة على ما حكاه في الروض عنهم، وأنه
لا تنافي بين نفي البأس والكراهة، لا أقل من أن يكون كالعام والخاص.
وإقامة الحدود لا اشكال في كراهتها، بل عن قضاء الخلاف دعوى الاجماع
عليها منا ومن جميع الفقهاء إلا أبا حنيفة، للمرسلين، ومخافة خروج الحدث والخبث
ونحوهما في المسجد، واشتمالها غالبا على رفع الصوت والكلام الهذر ونحوهما، وليست
بمحرمة للأصل وإطلاق الأدلة وضعف الخبرين مع قطع النظر عن وهنهما باعراض
الأصحاب، نعم ينبغي القول بها في مثل الحد المستلزم إخراج النجاسة كالقتل والقطع
ونحوهما وإن لم تلوث بناء على عدم دوران الحرمة مداره، وإلا ففي الملوثة خاصة، لكن
في الذكرى الاستدلال على عدم حرمة غير الملوثة بذكر الأصحاب جواز القصاص في
المساجد للمصلحة مع فرش ما يمنع من التلويث، وقضيته أنهم صرحوا بذلك هناك كما
حكاه عنهم أيضا في مفتاح الكرامة، وفيه أنه بعد ثبوت أنه إجماع منهم لعله استثناء
من الحكم المزبور، فلا جهة للاستدلال به على ذلك، على أن المحكي في كشف اللثام
عن الشيخ التصريح باستثناء القتل ونحوه في المسجد من الحكم بالجواز، وأنه قال: ولا
يفيد فرش النطع، لحرمة تحصيل النجاسة في المسجد، ولا ينافيه إطلاقهم هنا إقامة
الحدود التي منها القتل، ضرورة إرادتهم الحدود من حيث أنها حدود لا مع مانع
خارجي، وإلا فأهل التلويث أيضا لم ينصوا على استثناء ما لوث منها، كالقائلين بالحرمة
مطلقا وإن لم تلوث، فتأمل جيدا.
وإنشاد الشعر وإن أطلق في المتن كالنص وكثير من الكتب، بل نسبه الكركي
119

إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، بل في الروض التصريح بالعموم، لكن
لا يبعد في النظر عدم الكراهية فيما قل منه ويكثر نفعه، كبيت حكمة، أو شاهد على لغة
مثلا في كتاب الله أو سنة نبيه (صلى الله عليه وآله) ومراثي الحسين (عليه السلام)
ومدح الأئمة (عليهم السلام) وهجاء أعدائهم، بل سائر ما كان حقا منه ورشادا ويعد
عبادة، كما مال إلى ذلك الشهيدان في بعض كتبهما والكركي وسيد المدارك والفاضل
الإصبهاني والمحدث الكاشاني، وإن لم يصرح بعضهم بجميع ما ذكرنا، بل جزم به
العلامة الطباطبائي، فقال:
والحد والأحكام والانشاد * للشعر إلا الحق والرشاد
لا لاستبعاد الكراهة في ذلك، إذ قد ورد عنهم (عليهم السلام) النهي (1)
عن قراءة الشعر في شهر رمضان وإن كان فيهم (عليهم السلام) بل لصحيح ابن يقطين (2)
سأل أبا الحسن (عليه السلام) (عن إنشاد الشعر في الطواف، فقال: ما كان من الشعر
لا بأس به فلا بأس به) إذ الظاهر إرادة نفي الكراهة فيما لا بأس به من الشعر لا الحرمة
ولعله عليه يحمل نفي البأس أيضا في خبر علي بن جعفر (3) سأل أخاه (عليه السلام)
(أيصلح أن ينشد الشعر في المسجد؟ فقال: لا بأس) لا على نفي الحرمة سيما ملاحظة
ظهور سؤال السائل في إرادة الصلاحية بمعنى عدم الكراهة، بل علو رتبته في العلم قد
يأبى سؤاله عن الحرمة، بل قد يرجح ما ذكرنا بأن حمله على نفي الحرمة يقتضي التقييد
في أفراد البأس بناء على أن الكراهة منه، وهي نكرة في سياق النفي كالنص في العموم

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب آداب الصائم الحديث 2
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 1 من كتاب الحج
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
120

بخلاف ما قلناه فإنه تقييد للفظ الشعر الذي إرادة العموم منه معركة للآراء، والحق
أنه ليس له وإن أفاده هنا بتعليق النهي على الطبيعة.
ومن هنا ينقدح لك المناقشة في دليل الكراهة من النص السابق المشتمل على
لفظ الشعر الذي سمعت الكلام فيه، وعموم (من) في المرسل الأخير لا يقتضي العموم
في لفظ الشعر الواقع في سياقه، بل هو على إطلاقه، نعم استفادة العموم فيه من التعليق
على الطبيعة، وهذا يكفي في تقييده إمكان دعوى انصرافه إلى إرادة غير ما سمعته من
الشعر كالغزل ونحوه، والصحيح السابق والسيرة التي اعترف بها الكركي في غير واحد
من كتبه، وما في الذكرى من أنه من المعلوم أنه كان ينشد بين يدي النبي (صلى الله
عليه وآله) البيت والأبيات من الشعر في المسجد ولم ينكر ذلك، بل كأنه في بالي أنه
ربما أمر (صلى الله عليه وآله) بذلك بل ربما طرق مسمعي جملة من الأخبار المشتملة على إنشاد الشعر
بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) في المسجد، بل ربما كان المنشد في بعضها أمير المؤمنين
(عليه السلام) والظاهر أنه أنشده (وأبيض يستسقى الغمام بوجهه) إلى آخره (1)،
لما استسقاه الأعرابي، فلاحظ، كل ذلك مع شهادة الاعتبار ببعض ما ذكرنا إن لم
يكن جميعه.
والمراد بالانشاد القراءة لا رفع الصوت وإن فسره به في تهذيب اللغة والغريبين
والمقاييس وظاهر الأساس على ما حكي عنها، للتبادر، ولأن رفع الصوت في نفسه مكروه
وإن لم يكن بالشعر، كما هو قضية إطلاق المتن وغيره من كتب الأصحاب التي عبرت
بما في النص الذي هو مستند الحكم مؤيدا بما في الرفع من الشغل عن العبادات ومنافاة
السكينة والوقار والخشوع المطلوب في المساجد، وأذية المصلين ونحو ذلك، بل مقتضى
الاطلاق المزبور عدم الفرق بين القرآن وغيره، بل نص على التعميم المذكور الثانيان،

(1) البحار ج 18 ص 955 من طبعة الكمباني
121

لكن مع التقييد بما إذا تجاوز المعتاد، كما أنه قيد أصل رفع الصوت به في المدارك
والمفاتيح والكفاية، ولا بأس به، لانصراف الاطلاق إليه.
كما أنه لا بأس التعميم المزبور للاطلاق أيضا، إلا أنه ينبغي استثناء ما ثبت
وجوب الجهر فيه أو استحبابه على وجه يشمل على وجه يشمل ما فيه رفع الصوت من الجهر، كبعض
القراءة والأذكار للإمام مثلا المستحب له أن يسمع من خلفه كل ما يقول والأذان
والإقامة ونحو ذلك، ولعل ذا هو مراد ابني الجنيد وإدريس في المحكي عنهما من استثناء
ذكر الله من كراهة رفع الصوت، وإلا فالنص والفتوى مطلقان، أقصى ما يمكن تنزيلهما
على إرادة ما تجاوز المعتاد، والمراد الاعتياد في نفس الرفع للصوت من غير فرق بين
القرآن وغيره، لكن في كشف اللثام احتمال إرادة الاعتياد لكل شئ بحسبه، فيختلف
باختلاف الأنواع في العادة، إذ هي في الأذان غيرها في القراءة، وفيه أنه لا عادة
مضبوطة في ذلك كي يرجع إليها، على أن أذان الاعلام كلما كان أرفع كان أولى،
وارتفاع صوت الإمام يتبع كثرة المأمومين وقلتهم، والأمر سهل، ورفع الصوت في
التدريس في المساجد لم أعرف استثناءه من أحد، فيشمله النص والفتوى.
(و) أما (النوم) في المساجد فقد نص على كراهته وشدتها في المسجدين
الشيخ والحلي على ما حكي عنهما، والفاضل والشهيد والمحقق الثاني والعلامة الطباطبائي،
بل في المدارك نسبة الكراهة إلى قطع أكثر الأصحاب، وعن حاشيتها إلى المشهور،
وفي الذكرى إلى الجماعة، لمنافاته التوقير، ومخافة خروج الخبث منه فضلا عن الريح من
الحدث كالصبيان والمجانين، إذ هو حال النوم مثلهم أو أسوأ، والتعليل بأنها إنما بنيت
للقرآن أو لغير هذا، وخبر زيد الشحام (1) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 1
122

(قول الله عز وجل: ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى (1) قال: سكر النوم) بناء
على أن المراد مواضع الصلاة التي هي المساجد.
والشدة في المسجدين لشدة احترامهما، ولاختصاصهما بالنهي، ففي صحيح
زرارة (2) (قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في النوم في المساجد؟ فقال: لا بأس
إلا في المسجدين: مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) والمسجد الحرام، قال: وكان
يأخذ بيدي في بعض الليل فيتنحى ناحية ثم يجلس فيحدث في المسجد الحرام، فربما
نام، فقلت له في ذلك، فقال: إنما يكره أن ينام في المسجد الحرام الذي كان على عهد
رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأما في هذا الموضع فليس به بأس) وفي خبر محمد
ابن حمران (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: (وروى أصحابنا أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا ينام في مسجدي أحد) الحديث.
وربما يتم منه أشدية الكراهة فيه من المسجد الحرام، كما هو ظاهر خبر علي
ابن جعفر (4) المروي عن قرب الإسناد (سألته عن النوم في المسجد الحرام، فقال:
لا بأس، وسألته عن النوم في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا يصلح)
كما أن ظاهر صحيح زرارة (5) السابق عدم الكراهة فيما عدا المسجدين، بل كاد يكون
صريح الاستثناء فيه فضلا عما في ذيله من الصراحة، ومن هنا استجود في المدارك وتبعه
الكاشاني قصرها عليهما مؤيدا له مع ذلك بضعف سند دليل إطلاقها ودلالته، وهو
جيد لولا أن الكراهة مما يتسامح فيها، وقد عرفت فتوى الجماعة بها وما يشعر بها،
فاتجه حمله حينئذ على إرادة الشدة.

(1) سورة النساء الآية 46
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 3 - 6 - 2
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 3 - 6 - 2
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 3 - 6 - 2
(5) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 3 - 6 - 2
123

وأما احتمال حمله على إرادة بيان عدم جريان أحكام المساجد على مثل هذه
الزيادة التي حدثت بعد زمانه (صلى الله عليه وآله) - كما توهم المحدث البحراني في حدائقه، مع اعترافه
بظهور غير واحد من النصوص (1) في أنها من المسجد القديم الذي خطه إبراهيم (عليه السلام)
لكنه ارتكب تخصيص جريان الأحكام على ما كان مسجدا في الشريعة المحمدية
لا الزمن السابق، قال: (ولهذا جاز نقض البيع والكنائس لأهل الملل المتقدمة وتغييرها
التي كان يراعى فيها ما يراعى للمساجد من التوقير والاحترام، فتجعل مساجد إسلامية
تحترم كما تحترم) بل بذلك تخلص عن الاشكال الناشئ من ورود بعض النصوص (2)
في كون مسجد الكوفة أوسع من هذا الموجود وأن بعضه في طاق الرواسين، مع أن
أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يأمر بارجاعه، ولا نهى عن استعماله في غير المسجد،
كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يأمر برد زيادة المسجد الحرام التي كانت في زمن
إبراهيم (عليه السلام) على ما نطقت به تلك النصوص - فهو وهم في وهم، ضرورة
عدم الفرق عند الأصحاب بين المساجد القديمة والحادثة، وكلامهم في البيع والكنائس
شاهد بخلاف ما ادعاه كما لا يخفى على ما لاحظه، ولذا لم يجوزوا نقضها ولا تغييرها
لغير بنائها مساجد، بل اقتصروا على ما لا بد منه، كتغيير المحراب ونحوه مما هو تعمير
لها لا تخريب، وإلا فقد أجروا عليها أحكام المساجد، وأما نصوص الزيادة فبعد
تسليمها وتسليم تمكن أمير المؤمنين (عليه السلام) من ذلك فمعرض عنها عندهم.
نعم لا يبعد عدم جريان بعض الأحكام المختصة بمسجد الحرام على الزيادة الحادثة
لظهور كون موردها الموجود منه في زمانه (صلى الله عليه وآله)، ومن العجب استظهاره
من صحيح زرارة السابق ما عرفت، مع أن هذه الزيادة صارت مسجدا إسلاميا

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب أحكام المساجد
(2) المستدرك الباب 35 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
124

مندرجا في الموضوع الذي أثبته واعترف به وإن كان الفاعلون لذلك الجبارين،
كما هو واضح.
وكيف كان فلا إشكال في عدم الحرمة في النوم في شئ من المساجد، للأصل
المعتضد بفتوى الأصحاب، بل في كشف اللثام أنه مجمع عليه قولا وفعلا،
وبالنصوص (1) الأخر الدالة على الجواز.
بل قد يستفاد من بعضها عدم الكراهة في مثل نوم المساكين ونحوهم ممن لا مأوى
له في المسجدين فضلا عن غيرهما، ففي خبر معاوية (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن النوم في المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) قال: نعم فأين ينام
الناس) وفي خبر أبي البختري (3) عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) المروي
عن قرب الإسناد (أن المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله (صلى الله
عليه وآله)) وفي خبر إسماعيل بن عبد الخالق (4) المروي عنه أيضا (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن النوم في المسجد الحرام، فقال: هل للناس بد أن يناموا
في المسجد الحرام؟ لا بأس به، قلت: الريح تخرج من الانسان، قال: لا بأس به)
ولعله لذا استثنى الشهيد النوم لضرورة من الكراهة.
(و) كذا (يكره دخول من في فمه رائحة بصل أو ثوم) أو غيرهما من الروايح
المؤذية للمجاور كالكراث ونحوه في المساجد على ما صرح به جماعة من الأصحاب،
للنصوص (5) المشتمل بعضها على شدة المبالغة في الأول (6) كخبر الزيات (7) قال:

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 0 - 1 - 5 - 4
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 0 - 1 - 5 - 4
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 0 - 1 - 5 - 4
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 0 - 1 - 5 - 4
(5) الوسائل 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث 0 - 3
(6) الصواب " في الثاني " بدل " في الأول "
(7) الوسائل 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث 0 - 3
125

(قصدت أبا جعفر (عليه السلام) إلى ينبع فقال: يا حسن أتيتني إلى هنا، قلت:
نعم، قال: إني أكلت من هذه البقلة يعني الثوم، فأردت أن أتنحى عن مسجد
رسول الله (صلى الله عليه وآله)) واقتصار المصنف كالفاضل في بعض كتبه على الأولين
محمول على المثال قطعا، لظهور النصوص في كل ذي رائحة مؤذية، ففي صحيح ابن
مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام) (سألته عن أكل الثوم فقال: إنما نهى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) لريحه، فقال: من أكل هذه البقلة الخبيثة وعن العلل (المنتنة)
فلا يقرب مسجدنا، فأما من أكله ولم يأت المسجد فلا بأس) وفي خبر أبي بصير (2)
عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) (من أكل شيئا من المؤذيات ريحها فلا
يقربن المسجد) بل في جملة منها النص عل الكراث أيضا، كخبر ابن سنان (3) المروي
عن المحاسن (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكراث، فقال لا بأس بأكله
مطبوخا وغير مطبوخ، ولكن إن أكل منه شيئا له أذى فلا يخرج إلى المسجد كراهية
أذاه أن يجالس) وغيره، نعم وصفه الشئ بما له أذى كالتعليل في ذيله، وصحيح
ابن مسلم (4) السابق ظاهر في ارتفاع الكراهة بمعالجة ذهاب رائحته بطبخ ونحوه،
كما يومي إليه مضافا إلى ما سمعت المرسل (5) المروي عن المجازات النبوية للرضي
(قدس سره)، قال: (قال (صلى الله عليه وآله): من أكل هاتين البقلتين فلا يقربن مسجدنا
يعني الثوم والكراث، فمن أراد أكلهما فليمتهما طبخا) وفي رواية (6) (فليمثهما طبخا).
فما عساه يقال من احتمال الكراهة بأكل ذوات هذه القول وإن ذهبت الرائحة
لاطلاق بعض الأدلة التي عرفت تنزيله بشهادة صحيح ابن مسلم المتقدم والتبادر على
ذي الرائحة، ولاحتمال أو ظهور خبر أبي بصير (7) عن الصادق (عليه السلام) في

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 1 - 9 - 4 - 1 - 7 - 8 - 2
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 1 - 9 - 4 - 1 - 7 - 8 - 2
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 1 - 9 - 4 - 1 - 7 - 8 - 2
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 1 - 9 - 4 - 1 - 7 - 8 - 2
(5) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 1 - 9 - 4 - 1 - 7 - 8 - 2
(6) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 1 - 9 - 4 - 1 - 7 - 8 - 2
(7) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 1 - 9 - 4 - 1 - 7 - 8 - 2
126

التعميم المزبور، قال: (سئل عن أكل الثوم والبصل والكراث، فقال: لا بأس بأكله
نيا وفي القدور، ولا بأس بأن يتداوى بالثوم، ولكن إذا أكل أحدكم ذلك فلا يخرج
إلى المسجد) الواجب بعد ما سمعت تنزيل الإشارة فيه على غير المطبوخ أو عليه أيضا
إذا لم يذهب الطبخ رائحته - لا يلتفت إليه.
نعم ظاهر بعض النصوص استحباب إعادة الصلاة مع أكل الثوم ذي الرائحة
فضلا عن كراهة دخول المسجد، كخبر زرارة (1) قال: (حدثني من أصدق أصحابنا
سألت أحدهما (عليهما السلام) عن الثوم، فقال: أعد كل صلاة صليتها ما دمت تأكله)
إذ من المعلوم عدم إرادة الوجوب للنصوص الأخر والاجماع محصلا ومحكيا عن
الاستبصار على أن أكل هذه الأشياء لا يوجب إعادة الصلاة، كما هو واضح.
(و) يكره (التنخم والبصاق) فيها أيضا كما ذكره غير واحد من الأصحاب بل
نسب إلى الشيخ ومن تأخر عنه ممن تعرض لأحكام المساجد عدا العجلي، للأمر بتوقير
المسجد الذي قد لعن تاركه، وبالتعظيم المعلل بأنها بيوت الله في أرضه، ولا ريب في
حصولهما بتركهما، بل لا ريب في هتكهما حرمته، وللتعليل في وجه بأنها إنما نصبت
للقرآن أو لغير هذا، ولما فيه من تنفير المترددين بل أذيتهم، ولخبر الحسين بن يزيد (2)
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) في حديث المناهي، قال: (نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن التنخع في المساجد) وهو التنخم، إذ النخاعة
النخامة كما في المجمع، والمرسل (3) عن النبي (صلى الله عليه وآله) المروي عن المجازات

(1) الوسائل الباب 128 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 8 من كتاب
الأطعمة والأشربة
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 5 لكن روى الأول عن الحسن بن زيد
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 5 لكن روى الأول عن الحسن بن زيد
127

النبوية للرضي (أن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار إذا انقبضت
واجتمعت) والمرسل (1) أيضا في مجمع البحرين (النخاعة في المسجد خطيئة) وإشعار
خبر إسماعيل بن مسلم الشعيري (2) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) (من
وقر بنخامته المسجد لقي الله تعالى يوم القيامة ضاحكا قد أعطى كتابه بيمينه) بل وخبر
عبد الله بن سنان عن (3) الصادق (عليه السلام) (من تنخع في المسجد ثم ردها في جوفه
لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته).
ومنه يستفاد أن المراد بالتنخع في حديث المناهي إخراج النخاعة إلى أرض
المسجد لا مجرد خروجها إلى فمه وهو في المسجد، إذا لا كراهة في ذاك، بل لعله
مستحب إذا كان بقصد التقدمة للابتلاع، وخبر غياث بن إبراهيم (4) عن جعفر عن
أبيه (عليهما السلام) (إن عليا (عليه السلام) قال: البزاق في المسجد خطيئة وكفارته
دفنه) ولاشعار خبر طلحة بن زيد (5) المروي عن ثواب الأعمال عن جعفر عن أبيه
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) (من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ريقه
صحة في بدنه وعوفي من بلوى في جسده) وخبر السكوني (6) المروي عن محاسن البرقي
عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ذلك
قوة في بدنه، وكتب له بها حسنة وحط عنه بها سيئة، وقال: لا تمر بداء في جوفه
إلا أبرأته).
وليسا بحرام قطعا، للأصل وظاهر باقي النصوص الدالة على الجواز، وأرجحية

(1) كنز العمال ج 4 ص 141 الرقم 3113
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة الحديث 2 - 1
(4) الوسائل الباب 19 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 6 - 7
(5) الوسائل الباب 19 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 6 - 7
(6) الوسائل الباب 19 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 6 - 7
128

البزاق على جهة اليسار على غيره إن كانت في الصلاة، ومنها خبر عبد الله بن سنان (1)
(قلت للصادق (عليه السلام): الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد أن يبزق،
فقال: عن يساره، وإن كان في غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة ويبزق عن يمينه
ويساره) منه يستفاد كراهة مطلق البزاق على جهة القبلة تعظيما لها، إذ النهي محمول
عليها قطعا لا على الحرمة، كما أن الأمر بالبزاق على اليسار حال الصلاة على الندب
لا الوجوب، لخبر عبيد بن زرارة (2) (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان
أبو جعفر (عليه السلام) يصلي في المسجد فيبصق أمامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه
على الحصى ولا يغطيه) ومنه يستفاد الجواز في المسجد أيضا كخبر بان مهزيار (3)
(رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يتفل في المسجد الحرام فيما بين الركن والحجر الأسود
ولم يدفنه) واحتمال استفادة عدم الكراهة أصلا منهما لتنزهه (عليه السلام) عن فعل
المرجوح يدفعه أنه لعله لبيان الجواز، فيكون بالنسبة إليه مندوبا وإن كان مكروها في
حد ذاته وبالنسبة إلى غيره، كما هو واضح.
(و) أما كراهة (قتل القمل) فيه فهي وإن نص عليها غير واحد من
الأصحاب مع إبدال القتل بالقصع، بل في الذكرى أنه قاله الجماعة، لكن قد اعترف
بعضهم بعدم الوقوف على نص دال عليه، ولعله لذا تركها العلامة الطباطبائي في منظومته
إلا أنه حيث كان الحكم مما يتسامح فيه أمكن القول بها لمكان فتوى الجماعة، والتعليل
السابق أو التحرز عن أذية شئ في المسجد، وما فيه من التنفير وعدم التوقير، وما
يشعر به صحيح ابن مسلم (4) (كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا وجد قملة في المسجد
دفنها في الحصى

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 2 - 3 - 1
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 2 - 3 - 1
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 2 - 3 - 1
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 4
129

ومنه يستفاد ما أشار إليه المصنف بقوله: (فإن فعل ستره بالتراب) بناء على
كون الضمير في كلامه راجعا إلى كل واحد من هذه الثلاثة، إذ من المعلوم أن التغطية
المزبورة فيه لدفع الاستقذار النفسي المشترك بين الثلاثة، مضافا إلى ما سمعته من خبر
غياث (1) الدال على دفن البزاق، وإلى المضمر المرفوع (2) المروي عن محاسن البرقي
(إنما جعل الحصى في المسجد للنخامة) بل قد يشم من خبري ابني مسلم ومهزيار
المتقدمين معروفية الدفن في ذلك، وأن غرضهما من نقل فعله استفادة عدم كون ذلك على
الوجوب، فتأمل، ويحتمل عود الضمير في المتن إلى الأولين، لأنهما المتعارف دفنهما
دون القمل بعد قتله، بل قلما يبقى منه شئ بعد قتله كي يرى فيستقذر، نعم دفنه قبل
قتله كما دل عليه الصحيح المتقدم في محله، والأمر سهل.
(و) كذا يكره (كشف العورة) في المسجد مع الأمن من المطلع بلا خلاف
أجده بين من تعرض له، للتعليل السابق، ولمنافاته التوقير، وإشعار خبر السكوني (3)
عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) إن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (كشف السرة
والفخذ والركبة في المسجد من العورة) المستفاد منه زيادة على المطلوب استحباب ستر
الثلاثة أو كراهة كشفها المصرح به جماعة من الأصحاب، بل في الروض يمكن أن يراد
من العورة من يتأكد استحباب ستره في الصلاة، لأنه أحد معانيها، فتدخل حينئذ
الثلاثة في العورة في المتن ونحوه ممن اقتصر عليها.
وكيف كان فلا حرمة في كشف شئ منها قطعا للأصل السالم عن معارض
صالح لاثباتها، فما عن النهاية من التعبير بلا يجوز فيها جميعها ضعيف جدا إن أراد منه

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
(3) الوسائل الباب 37 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
130

الحرمة، كما هو واضح.
(والرمي بالحصى) فيه كما صرح به الفاضل والشهيد وغيرهما، لكن عبروا
بالحذف تبعا لخبر السكوني (1) عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) (إن النبي (صلى الله
عليه وآله) أبصر رجلا يحذف بحصاة في المسجد، فقال: ما زالت تلعنه حتى وقعت،
ثم قال: الحذف في النادي من أخلاق قوم لوط، ثم تلا (عليه السلام) (وتأتون في
ناديكم المنكر) (2) قال: هو الحذف) وخبر زياد بن المنذر (3) عن أبي جعفر (عليه السلام)
في حديث (الحذف بالحصى ومضغ الكندر في المجالس وعلى ظهر الطريق من عمل
قول لوط) ولا ريب أنه أخص منه، إذ هو بالحاء المهملة الرمي بأطراف الأصابع كما في
المجمع، وبالمعجمة وضع الحصاة على بطن إبهام يد اليميني ودفعها بظفر السبابة كما هو
المشهور على ما في المجمع، أو الرمي بأطراف الأصابع كما عن الخلاف، فيكون رديفا
حينئذ للأول، أو الرمي بين إصبعين كما أرسله في مفتاح الكرامة عن المجمل والمفصل
قال: (أو من بين السبابتين) كما عن العين والمقاييس والغريبين والنهاية الأثيرية،
وفي الأخيرين (أو تتخذ محذفة من خشب ترمي بها بين إبهامك والسبابة) وفي المقنعة
والمبسوط والنهاية والمراسم والكافي والغنية والسرائر والتحرير والتذكرة والمنتهى
(أن يضعها على باطن الابهام ويرميها بظفر السبابة) وفي الانتصار (أن يضعها على
بطن الابهام ويدفعها بظفر الوسطى) وعن القاضي (على ظفر إبهامه ويدفعها بالمسبحة)
انتهى، ويأتي تحقيقه إن شاء الله في باب الحج.
وعلى كل حال فليس هو مطلق الرمي، فيشكل حينئذ إثبات كراهته على الاطلاق
وإن كان هو ظاهر المحكي عن المبسوط أيضا، حيث قال: (لا يرمى الحصى ولا حذفا)

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 2
(3) سورة العنكبوت الآية 28
131

اللهم إلا أن يقال: إنه أطلقه لاشتراك أنواعه في العبث والأذى، ولأن الحذف يطلق
على رميها بالأصابع كيف اتفق وإن لم يكن على الوجه المذكور في الجمار، قال في الصحاح
على ما حكي عنه: (الحذف الرمي بالأصابع) نعم يستفاد من الخبرين المزبورين كراهة
الحذف مطلقا وإن لم يكن في المسجد، بل ظاهرهما أنه كان من الملاهي، ولعله الذي
هو الآن بيد أهل الرساتيق مما يسمى بلعب القلة، فكان على المصنف حينئذ تركه،
لذكره ما يختص بالمساجد، وإلا كان عليه أن يذكر كراهة التنعل قائما في المسجد وغيره
التي ذكرها هنا الفاضل والشهيد والإصبهاني محتجا عليه الأخير بالأخبار، نعم لعل
محل الكراهة ما يحتاج إلى معونة اليد ونحوها كما استظهره في فوائد القواعد على ما حكي
عنها، والأمر سهل.
(مسائل ثلاث: الأولى إذا انهدمت الكنائس والبيع فإن كان لأهلها ذمة)
ولم يبيدوا (لم يجز التعرض لها) بحال أرضها وآلاتها وفاقا للإرشاد والروض والمدارك
والذخيرة وإن لم يكن قد شرعوا في إعادتها، بل وإن لم يريدوه فعلا، بل وإن يئس
من تجديدهم إياها في الحال والمال في وجه، لاطلاق ما دل على احترام ما في أيديهم
حال الذمة المتناول لذلك وغيره الذي لا دليل على تقييده بأموالهم وأنفسهم ونحوهما،
لاما خرج عن أيديهم بوقفهم له وصارت ولايته بيد الحاكم كغيره من مساجد المسلمين
التي قد سمعت فيما تقدم جواز استعمال آلاتها بعد الانهدام في غيرها من المساجد
بالشرائط السابقة، على أن خروجه من أيديهم كان على على جهة المعبدية لهم، فيجب
إقرارهم عليها قضاء لحق الذمة، ولذا لم يجز ردعهم عن تجديدها، ولا إخراجهم من
العامر منها، ولا التعرض له بحال كما صرح به الفاضل والشهيدان وغيرهم، بل عن
مجمع البرهان لعل صحيح العيص (1) محمول على الشرط المذكور إجماعا مريدا بالشرط

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
132

اعتبار اندراس أهلها أو كونها في دار الحرب في جواز التعرض لها، ولا ينافي ذلك
جواز صلاتنا معهم فيها للنصوص (1) أو لاشتراكنا معهم في الحق بمجرد وقفها معبدا
قهرا عليهم.
(وإن كانت في أرض الحرب) أو في بلاد الاسلام (وباد أهلها جاز استعمالها)
كما صرح به الفاضل والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم، للأصل وإطلاق ما دل على جواز
التصرف في هذين النوعين، والصحيح (2) العيص سأل الصادق (عليه السلام) (عن
البيع والكنائس هل يصلح نقضها لبناء المساجد؟ فقال: نعم) وغير ذلك، لكن
(في المساجد) خاصة لا غيرها كما في المسالك وفوائد الشرائع بناء على صحة وقفهم،
لعدم اشتراط القربة فيه، أو مع الشرط وصحتها منهم، أو استثناء خصوص البيع
والكناس من ذلك، لظهور النصوص حتى صحيح العيص بذلك، أو كانت لليهود
قبل ظهور عيسى (عليه السلام) وللنصارى قبل ظهور محمد (صلى الله عليه وآله)،
وبالجملة حيث يصح الوقف منهم.
فمن هنا كان المتجه حينئذ اعتبار الشرائط السابقة في استعمال آلات المسجد في
مسجد آخر في المقام أيضا كما أومأ إليه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد، حيث قال:
(لا ريب في جواز استعمال فرشها في المساجد، وكذا آلات البناء إذا انهدمت ويئس
من إعادتها مسجدا) وفي نسخة (مجددا) ولعل الأولى أصح، إذ الفرض أنها في
أرض الحرب التي افتتحت أو بائدة الأهل، ومن المعلوم ظهوره في عدم جواز الاستعمال
لو أريد إعادتها بنفسها مسجدا، لحاجتها حينئذ إليها، كما أنه من المعلوم ظهوره في أن
جواز ذلك لو اتفق الانهدام لا أنه يجوز النقض لذلك نحو غيرها من المساجد المحترمة.

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب مكان المصلي
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
133

نعم يجوز نقض ما لا بد منه في إرادة تغييرها مسجدا كالمحراب ونحوه كما صرح
بجميع ذلك بعضهم وظاهر آخر، بل في جامع المقاصد ما يظهر منه أنه لا خلاف في ذلك
بل لعله المراد من المتن ونحوه على معنى جاز استعمالها لنا مساجد لا أن المراد استعمال
آلاتها في مساجد أخر، إذ هي بعد ما عرفت من صحة الوقف محترمة على حسب الجهة
الموضوعة عليها أي العبادة، فيشملها ما دل على حرمة التخريب.
لكن قد يشكل باطلاق صحيح العيص المؤيد باطلاق بعض الفتاوى كالفاضل
في المنتهى، اللهم إلا أن يحمل على إرادة نقض المستهدم منها أو على إرادة نقض ما لا بد
منه في بناءها نفسها مساجد أو غير ذلك ترجيحا لتلك العمومات المعتضدة بتصريح كثير
ممن تعرض لذلك هنا به كظاهر آخر عليه، بل وبتصريح الفاضل والشهيدين وأبي العباس
والمحقق الثاني وغيرهم بعدم جواز اتخاذها في طريق أو ملك، وما ذاك إلا لاحترامها
وكونها كالمساجد، ولا ينافيه جواز نقض ما لا بد منه في بنائها مساجد من المحراب
ونحوه، لأنه في الحقيقة تعمير لها لا تخريب، وللصحيح المزبور.
كما أنه لا ينافي اتخاذها مسجدا لنا احتمال استعمالهم إياه برطوبة، لأصالة عدمه
كما يومي إليه صحيح العيص الآخر (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البيع
والكنائس يصلى فيها؟ قال: نعم، وسألته هل يصلح بعضها مسجدا؟ فقال: نعم)
بناء على إرادة ما يسجد عليه من المسجد فيه لا محل العبادة، وإن كان يشهد له في
الجملة صحيحه السابق، بل لا ينافيه اليقين فضلا عن الاحتمال، لوجوب تطهيرها حينئذ
مع الامكان، لاطلاق أدلة الإزالة أو عمومها، بل الظاهر وجوبه وإن لم نتخذها
مساجد لنا، لما عرفت من صحة وقفهم إياها وصيرورتها به محلا للعبادة كباقي محلها.
نعم لا يجب تطهيرها علينا حال استعمالهم إياها وتعبدهم فيها، لظهور الأدلة في

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
134

إقرارنا لهم حال الذمة على معتقدهم، أما بعد الاندراس مثلا كما هو الفرض أو كانت
في أرض الحرب وقد فتحها المسلمون وبالجملة آل أمرها إلينا فالظاهر جريان حكم المساجد
عليها حينئذ، بل قد يقال بحرمة تنجيسنا لها حال استعمالهم إياها أيضا، وبوجوب إزالة
النجاسة التي ليست من توابع استعمالاتهم علينا، لكن قد يقال: إن خلو الأدلة عن
الأمر بتطهيرها بعد اتخاذها مسجدا - مؤيدا بالعسر والحرج، وبابتنائها على عدم
الاحترام مع حصول العلم العادي باستعمالهم إياها برطوبة بحث يستبعد بعد جريان
الأصل أو يمتنع، كاستبعاد احتمال طهارتها بالشمس أو إرادة اتخاذها مسجدا ثم تطهيرها
أو بعده - ينافي بعض ما ذكرنا، ومن هنا حكي عن الأردبيلي التأمل في الحكم المزبور
أي اتخاذها مسجدا، وإن كان هو في غير محله، إذ قضية ما سمعته جواز اتخاذها مسجدا
وعدم وجوب التطهير للعسر والحرج وغيرهما، فيكون مستثنى من أدلة وجوب الإزالة
نحو ما عرفته في اتخاذه على الكنيف، بل لعل فحوى تلك الأدلة شاهدة على ما نحن فيه
لا أن قضيته التوقف في المسجدية، كما هو واضح، على أنه قد يقال خلو الأدلة عن
الأمر بالتطهير إنما هو للتسامح في أمر الطهارة شرعا، وأنه يكفي في ثبوتها الاحتمال ولو
وهميا، كما يرشد إليه إعارة الثوب للمجوسي وغيره، أو لأنه إن كان هناك علم باستعمالهم
برطوبة مثلا فهو في موضع ما منها لا جميعها قطعا، ولعله من الشبهة الغير المحصورة
باعتبار عسر الاجتناب، أو لأنه كما يعلم بالتنجيس في الجملة منهم يعلم بورود ما هو
صالح للتطهير قطعا كالمطر والجفاف بالشمس ونحوهما، والأصل مع هذا الحال الطهارة،
إذ ليس هو على اليقين بنجاسة موضع منها كي يجب علينا اجتنابها جميعا أو تطهيرها،
أو لأن الأمر بالرش لها حال الصلاة فيها معهم الوارد في جملة من النصوص (1)
لتطهيرها عن النجاسة.

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب مكان المصلي
135

لكن فيه أنه لم يعد أحد ذا من المطهرات العامة أو الخاصة بموضع خاص
كالكنائس والبيع، ولا هو من أفراد خبر الذنوب (1) الذي قد عرفت حاله في
كتاب الطهارة، وأنه قد ورد في مقامات عديدة غير هذا مما هو مظنة النجاسة كبيت
المجوسي ونحوه إلا بالرش المعلوم أو الظاهر إرادة دفع الوسوسة والشك الحاصل بسبب
اتهام المكان أو الثوب بالنجاسة باستعماله رطبا منه كي ييأس الشيطان بعد من إدخاله
الشك والتشكيك في نفسه، لما رآه من بنائه على الطهارة وعمله بمقتضاها بمباشرة الرطب
وكأنه وجداني، ومنه يعلم أن الرش في المقام لذلك أيضا، فهو مؤيد حينئذ للحكم
بطهارتها شرعا، وربما احتمل أن ذلك رفع للنجاسة المتوهمة، فيكون المحققة حينئذ
طهارتها مثلا الغسل، والمتوهمة الرش، وعليه وإن كان ضعيفا يتم المطلوب أيضا، والله أعلم
والمراد ببواد الأهل واندراسهم هلاكهم بحيث لم يبق منهم أحد في بلاد الاسلام
أو انقطاع ذمتهم من بلاده، فلا يكفي في إباحة تغييرنا لها هلاكهم في البلاد الخاصة
من بلاد الاسلام، ولا هلاك خصوص أولئك المتخذين مع احتماله إذا بقيت معطلة
كما يومي إليه عبارة الموجز، بل لا بأس به إذا فرض تعطيلها حتى من المترددين،
لكنه لا يخلو من نظر.
نعم لا يكفي قطعا في بقاء احترامها وجود الصنف ولو في بلاد الحرب، بل لعله
كذلك وإن تجددت لهم الذمة، ضرورة اقتضائها احترام المستقبل لا ما مضى.
والبيع بكسر الموحدة وفتح المثناة جمع بيعة كسدرة وسدر: معابد اليهود كما عن
التبيان والمجمع، بل قيل: إنه حكي عن مجاهد وأبي العالية، وعليه خبر زرارة (2)

(1) المتقدم في ج 6 من الجواهر ص 326
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب لباس المصلي الحديث 3
136

في سدل الرداء لكن لا يعلم المفسر، وفي مجمع البحرين والروض وجامع المقاصد وعن
العين ومفردات الراغب وفقه اللغة والصحاح معبد النصارى، بل عن الأخير أن
الكنيسة لهم أيضا كما عن الديوان، لكن في جامع المقاصد والروض وعن تهذيب
الأزهري وفقه اللغة أنها لليهود، وقال المطرزي فيما حكي عنه: وأما كنيسة اليهود
والنصارى لتعبدهم فتعريب (كنشت) عن الأزهري، وهي تقع على بيعة النصارى،
وفي مجمع البحرين (الكنيسة متعبد اليهود والنصارى والكفار) وعن تهذيب النوري
(الكنيسة المتعبد للكفار) وعن الفيومي في مصباحه (الكنيسة متعبد اليهود، ويطلق
على متعبد النصارى) والأمر سهل بعد ما عرفت من جريان الحكم السابق على معبد
الفريقين وإن كان تحقيق ذلك لا يخلو من ثمرة ما تترتب عليه.
(الثانية) فعل (صلاة المكتوبة) للرجال (في المسجد أفضل من) فعلها في
(المنزل) ونحوه بلا خلاف بين المسلمين، بل هو مجمع عليه بينهم، بل لعله من ضروريات
الدين، إذ هي بيوت الله في الأرض، فطوبى لعبد تطهر ثم زاره في بيته لينال حق إكرام
المزور للزائر (1) وهي أحب البقاع إلى الله، وأحب أهلها أولهم دخولا فيها وآخرهم
خروجا منها (2) وأن الجلسة في الجامع منها خير من الجلسة في الجنة، لأن في الأولى
رضا الرب، وفي الثانية رضا النفس (3) وأن المؤمن مجلسه مسجده وبيته صومعته (4)
وأن من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى الله له بيتا في الجنة (5) وأن الساعي إليها
لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة (6) وله

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساجد الحديث 5 - 6 - 2
(2) الوسائل الباب 68 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساجد الحديث 5 - 6 - 2
(4) الوسائل الباب 29 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساجد الحديث 5 - 6 - 2
(6) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
137

بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله عشر حسنات، ومحي عشر سيئات عنه،
ورفع له عشر درجات (1) ولا يرجع بأقل من إحدى ثلاث خصال: إما دعاء يدعو به
يدخله الله به الجنة، وإما دعاء يدعو به فيصرف الله به عنه بلاء الدنيا، وإما أخ
يستفيده في الله (2) وأنه ما عبد الله بشئ مثل الصمت والمشي إلى بيته (3) وأنه لا يخلو
المختلف إليها من أن يصيب إحدى الثمان: أخا مستفادا في الله، أو علما مستطرفا،
أو آية محكمة، أو كلمة تدل على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة ترده عن ردى،
أو ترك ذنب خشية أو حياء (4).
بل ظاهر ذكر غير واحد من الأصحاب هنا النصوص (5) المشتملة على توعد
النبي وأمير المؤمنين (عليهما الصلاة والسلام) المتخلفين عن حضور الصلاة في المسجد
بحرق بيوتهم عليهم أن ذلك للتخلف عن المسجد لا عن الجماعة، فيتجه حينئذ استفادة
الكراهة من ذلك، وإن لم أعرف من أفتى بها هنا، نعم صرح بها الحر في وسائله
في خصوص جيران المسجد لأنه لا صلاة لجار مسجد إلا في مسجده (6) (وأن المساجد
شكت إلى الله الذين لا يشهدونها من جيرانها فأوحى الله عز وجل إليها وعزتي وجلالي
لا قبلت لهم صلاة واحدة، ولا أظهرت لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي، ولا
جاوروني في جنتي) (7) لا غيرهم ممن لم يكن جار المسجد، ولعل الأولى حمل تلك
النصوص كما لا يخفى على من لاحظها سيما المشتمل منها على النهي عن مواكلتهم ومشاربتهم
ومناكحتهم ومجاورتهم (8) ونحو ذلك على إرادة المتخلفين عن حضور جماعة المسلمين في

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 2
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 2
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام المساجد الحديث 0 - 1 - 8 - 9
(6) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام المساجد الحديث 0 - 1 - 8 - 9
(7) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام المساجد الحديث 0 - 1 - 8 - 9
(8) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام المساجد الحديث 0 - 1 - 8 - 9
138

جوامعهم رغبة عن ذلك، ونفاقا أضمروه في صدورهم، ومحبة للاعتزال عن أمر
المسلمين في جوامعهم كي لا يشاركوهم فيما يقع لهم وعليهم، إلى غير ذلك من المقاصد
الدنيوية الشيطانية.
ثم إنه لا فرق في فضل الصلاة في المسجد بين المساجد جميعها جامعها وغيره
وحديثها وقديمها، لاطلاق الأدلة وعمومها وإن كانت مختلفة في مراتب الفضل كما تسمعه
إن شاء الله.
نعم قد يستثنى من ذلك بعض المساجد التي وردت النصوص (1) بالنهي عن
الصلاة فيها ولعنها وبأن بعضها جدد لقتل الحسين (عليه السلام) كمسجد ثقيف ومسجد
الأشعث ومسجد سماك بن مخرمة أو خرشة ومسجد شبث بن ربعي ومسجد حريز بن
عبد الله البجلي ومسجد التيم أو الهيثم ومسجد بالحمراء بني على قبر فرعون من الفراعنة،
وعن الكليني أن في رواية أبي بصير (2) ومسجد بني السيد ومسجد بني عبد الله بن
دارم، بل قد يقال بعدم جريان أحكام المساجد عليها أيضا، واندراسها الآن،
والحمد لله الذي كفانا عن التعرض لأحكامها.
أما غيرها فلا ريب في فضل الصلاة فيها سيما ما وردت النصوص بمدحها
والثناء عليها وأنها مباركة كمسجد الكوفة الذي هو نعم المسجد، وأنه خصوصا وسطه
لروضة من رياض الجنة (3) وصرة بابل، ومجمع الأنبياء (4) وأنه لو علم الناس ما فيه
لأتوه حبوا (5) وصلى فيه ألف وسبعون نبيا (6) وألف وصي (7) بل ما من عبد
صالح ولا نبي إلا وقد صلى فيه، حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما أسري به

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب أحكام المساجد - الحديث 0 - 5
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب أحكام المساجد - الحديث 0 - 5
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 - 3 - 1 - 2
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 - 3 - 1 - 2
(5) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 - 3 - 1 - 2
(6) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 - 3 - 1 - 2
(7) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 - 1 - 3 - 1 - 2
139

قال له جبرائيل (عليه السلام): أتدري أين أنت يا رسول الله الساعة؟ أنت مقابل مسجد
كوفان، قال: فاستأذن لي ربي حتى آتيه فأصلي فيه ركعتين، فاستأذن الله عز وجل
فأذن له (1) وميمنته رحمة الله ورضوانه ويمنه، وفيه عصا موسى (عليه السلام) وخاتم
سليمان (عليه السلام) وشجرة يقطين، ومنه فار التنور وجرت السفينة وفيه نجرت (2) وفي وسطه
عين من دهن، وعين من لبن، وعين من ماء شراب للمؤمنين، وعين من ماء طاهر،
وما دعا فيه مكروب بمسألة في حاجة من الحوائج إلا أجابه الله وفرج عنه كربته (3)
خصوصا إذا فعل المروي عن مصباح الزائر لابن طاووس عن الصادق (عليه السلام) (4)
من الصلاة ركعتين قارئا في كل ركعة منها الحمد والمعوذتين والاخلاص والكافرون
والنصر والقدر وسبح اسم ربك الأعلى، ومسبحا بعد التسليم تسبيح الزهراء، فإنه
ما يسأل الله حينئذ حاجة إلا قضاها الرب، قيل: قال الراوي: (سألت الله بعد هذه سعة
الرزق فاتسع رزقي وحسن حالي، وعلمته رجلا مقترا فوسع الله عليه) وأنه هو والمسجد
الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي تشد إليه الرحال (5) وقد قصده
علي بن الحسين (عليهما السلام) وصلى فيه ركعتين أو أزيد ورجع (6) وورد في غير
واحد من النصوص (7) (أن يمينه يمن ذكر، وميسرته مكر).
ولعل المراد من يمينه الغربي الذي فيه قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) كما يومي

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 1
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 - 1
(3) الوسائل الباب 45 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(4) الوسائل الباب 48 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(5) الوسائل الباب 46 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(6) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 6 و 7
(7) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 و 2 والباب 45
منها الحديث 1 والمستدرك الباب 36 منها الحديث 1
140

إليه ما في أحدهما (1) (أنه يحشر منه سبعون ألفا ليس عليهم حساب ولا عذاب)
المعلوم إرادة من جانبه كما وردت به النصوص (2) وأما أن يساره مكر فقد فسر بمنازل
السلطان في الخبر (3) والشيطان في آخر (4) لكن قيل: إن الظاهر أنه من كلام
الصدوق، ولعلهما بمعنى لما قيل: إنه كان في جانبه الأيسر الأسواق وقصر الأمارة
الذين هما معا منازل الشيطان، لكن لا يلائمه ذكر ذلك في أثناء مدحه، ولعل المراد
بالسلطان سلطان الحق عند ظهوره، وغيرها بعض النساخ بالشيطان، وبالمكر ما كان
أيضا بحق كقوله (5): (ومكروا ومكر الله) أو غير ذلك.
وكيف كان ففي الفقيه بسنده إلى الأصبغ بن نباتة (6) (أن أمير المؤمنين (عليه السلام)
قال: يا أهل الكوفة لقد حباكم الله بما لم يحب به أحدا، من فضل مصلاكم بيت آدم
وبيت نوح، وبيت إدريس، ومصلى إبراهيم الخليل، ومصلى أخي الخضر، ومصلاي
وإن مسجدكم هذا لأحد المساجد الأربعة التي اختارها الله عز وجل لأهلها، وكان
قد أتي به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه المحرم، ويشفع لأهله ولمن يصلي فيه،
فلا ترد شفاعته، ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه، وليأتين
عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي، ومصلى كل مؤمن، ولا يبقى على الأرض
مؤمن إلا كان به أو حن قلبه إليه، فلا تهجروه، وتقربوا إلى الله عز وجل بالصلاة

(1) المستدرك الباب 36 من أبواب أحكام المساجد الحديث
(2) البحار ج 22 ص 35 و 36 و 37 من طبعة الكمباني باب فضل النجف
وماء الفرات
(3) فروع الكافي ج 1 ص 492 المطبوعة عام 1377
(4) الفقيه ج 1 ص 150 الرقم 694 من طبعة النجف
(5) سورة آل عمران الآية 47
(6) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 18
141

فيه، وارغبوا إليه في قضاء حوائجكم، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة أتوه من أقطار
الأرض ولو حبوا على الثلج).
وكمسجد سهيل المسمى عندهم بمسجد الثرى الذي ما من مكروب يأتيه فيصلي
فيه ركعتين بين العشاءين ويدعوا الله عز وجل إلا فرج الله كربه (1) وما صلى فيه أحد
ركعتين ثم استجار به واستعاذ إلا أجاره الله وأعاذه حول الاستجارة (2) بل في
خبر عبد الرحمان بن سعيد الخراز (3) عن الصادق (عليه السلام) ((لو أن عمي زيدا
أتاه وصلى فيه واستجار الله لأجاره عشرين سنة) الحديث (4) وفيه بيت إبراهيم الذي
كان يخرج منه إلى العمالقة، ومنه سار داود إلى جالوت، وفيه بيت إدريس الذي كان
يخيط فيه، وفيه صخرة خضراء عظيمة من زبرجد فيه صورة جميع النبيين، وتحت
الصخرة الطينة التي خلق الله منها النبيين، وفيها المعراج، وهو الفارق موضع منه،
وهو ممر الناس، وهو من كوفان، وفيه ينفخ في الصور، وإليه المحشر، ويحشر من
جانبه سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب، وهو مناخ الراكب أي الخضر (عليه السلام)،
ومنزل الصاحب إذا قام بأهله، ولم يبعث الله نبيا إلا وقد صلى فيه (5).
وكمسجد الخيف أي مسجد منى سمي بذلك لأنه مرتفع عن الوادي، وما ارتفع
عن الوادي سمي خيفا فإنه صلى فيه سبعمائة أو ألف نبي وأن ما بين الركن والمقام منه

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 5
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 و 3
(3) وسيما إذا كان ذلك ليلة الأربعاء لما في بالي من بعض الروايات التي لم تحضرني
الآن (منه رحمه الله)
(4) الوسائل الباب 49 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2 5
(5) الوسائل الباب 49 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 و 3 و 4
والباب 44 منها الحديث 10
142

لمشحون من قبور الأنبياء (1) وصلاة مائة ركعة فيه تعدل عبادة سبعين عاما، ومن
سبح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة، ومن هلله فيه مائة تهليلة
عدلت أجر إحياء نسمة، ومن حمد الله فيه مائة تحميدة عدلت خراج العراقين يتصدق
به في سبيل الله عز وجل (2).
وكمسجد الحرام الذي فضله من ضروريات دين الاسلام، وأن من صلى فيه
صلاة مكتوبة قبل الله منه كل صلاة صلاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة وكل صلاة
يصليها إلى أن يموت (3) بل الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)
الذي الصلاة فيه كألف صلاة في غيره (4) وفي خبر موسى بن سلام (5) عن أبي الحسن
الرضا (عليه السلام) المروي عن العيون (أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في غيره
بستين سنة أو شهرا)
وكمسجد النبي (صلى الله عليه وآله) في المدينة الذي منبره فيه على ترعة من ترع الجنة،
وما بينه وبين بيته روضة من رياضها وهو أفضل المساجد عدا مسجد الحرام (6).
وكمسجد قبا الذي (أسس على التقوى من أيوم يوم) (7) ومن صلى فيه
ركعتين رجع بعمرة (8).
وكمسجد الغدير (9) الذي أظهر الله عز وجل فيه الحق وأكمل الدين بنصب

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب أحكام المساجد
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 3 - 6
(4) الوسائل الباب 51 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 3 - 6
(5) الوسائل الباب 51 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 3 - 6
(6) الوسائل الباب 57 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4
(7) سورة التوبة الآية 109
(8) الوسائل الباب 60 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3
(9) الوسائل الباب 61 من أبواب أحكام المساجد
143

سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
وكمسجد براثا الذي صلى فيه عيسى وأمه والخليل وعلي بن أبي طالب (عليهم
السلام) (1) يوم أظهر الله له فيه المعجزة الواضحة، والحمد لله الذي وفقنا للصلاة فيه.
وكمسجد بيت المقدس الذي هو أحد المساجد الأربعة (2) التي هي قصور
الجنة في الدنيا، إلى غير ذلك من الأماكن المشرفة والمساجد المعظمة زادها الله شرفا
وعظمة، منها بيوت قبور الأئمة (عليهم السلام) التي أذن الله بان ترفع ويذكر فيها
اسمه، إذ هي خير البقاع وأفضلها، ولذلك اختيرت لهم (عليهم السلام) ثم ازدادت
فضلا وشرفا بهم (عليهم السلام)، بل قد يومي مرسل ابن أبي عمير (3) إلى أفضليتها
على المساجد، قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إني لأكره الصلاة في مساجدهم
فقال: لا تكره، فما من مسجد بني إلا على قبر نبي أو وصي نبي قتل، فأصاب تلك
البقعة رشة من دمه، فأحب الله أن يذكر فيها، فأد فيها الفريضة والنوافل، واقض
فيها ما فاتك) ضرورة ظهوره في أن سر فضل المسجد ذلك، فقبور المعصومين (عليهم
السلام) خصوصا النبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) منهم أولى وأولى، ومنه ومن
غيره يستفاد جريان أحكام المساجد عليها أيضا، ولا بأس به فيما كان مبناه التعظيم منها
ضرورة أولويتها بذلك من المساجد، ولتفصيل الكلام بالفرق بين قبورهم (عليهم السلام)
وقبور غيرهم ونقل الأخبار الدالة على فضل الصلاة فيها خصوصا كربلا والغري منها
وكيفية الصلاة فبها إمام القبر أو خلفه أو إلى جانبيه مقام آخر، وإن كان الظاهر الآن

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب أحكام المساجد الحديث 14
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
144

أن الفضل في الصلاة خلف القبر على جهة الرأس مراعيا للقرب منه، والله أعلم.
هذا كله في فضل صلاة المكتوبة في المساجد (و) أما (النافلة) فالمشهور بين
الأصحاب نقلا في الكفاية وعن غيرها وتحصيلا أنها (بالعكس) من الفريضة، بمعنى
أفضلية صلاتها في البيت مثلا من المسجد، بل في المعتبر والمنتهى نسبته إلى فتوى
علمائنا مشعرين بدعوى الاجماع عليه، للنبوي (1) (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته
إلا المكتوبة) ولأنها أبلغ في الاخلاص، وأبعد من الرياء ووساوس الشيطان، ولقول
الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل (2): (إن البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة
القرآن تضئ لأهل السماء كما تضئ نجوم السماء لأهل الأرض) ولقول النبي (صلى الله عليه وآله)
في وصيته (3) المروية عن المجالس باسناده بعد ما ذكر فضل الصلاة في المسجد الحرام
ومسجده (صلى الله عليه وآله): (وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته
حيث لا يراه إلا الله عز وجل يطلب بها وجه الله - إلى أن قال -: يا أبا ذر إن الصلاة
النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة على النافلة) إذ لا ريب في أنها في
البيت أخفى منها في المسجد الذي هو محل المترددين.
ومنه حينئذ ينقدح الاستدلال بكل ما دل على استحباب التستر بها والتخفي
الذي يشهد له في الجملة مضافا إلى الاعتبار آية السر في الصدقة (4) ونصوصها (5)
وللأمر باتخاذ المسجد في البيت والحث عليه، بل في خبر ابن بكير (6) عن الصادق

(1) كنز العمال ج 4 ص 165 الرقم؟ 365
(2) الوسائل الباب 69 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 7
(3) الوسائل الباب 69 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 - 7
(4) سورة البقرة الآية 273
(5) الوسائل الباب 13 من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة
(6) الوسائل الباب 69 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3
145

(عليه السلام) (كان علي (عليه السلام) قد اتخذ بيتا في داره ليس بالكبير ولا بالصغير
فكان إذا أراد أن يصلي من آخر الليل أخذ معه صبيا لا يحتشم منه، ثم يذهب إلى
ذلك البيت فيصلي) ولخبر زيد بن ثابت (1) (إنه جاء رجال يصلون بصلاة رسول الله
(صلى الله عليه وآله)
فخرج مغضبا وأمرهم أن يصلوا النوافل في بيوتهم) ولأن الاجتماع
للنوافل في المساجد من فعل العامة التي جعل الله الرشد في خلافها.
لكن قد يشكل ذلك كله بما دل (2) على فضل المساجد وبركتها، وأنها محل
الإجابة والقبول، وبيوت الله في الأرض، وأحب البقاع إليه، بل وباطلاق ما دل
على فضل الصلاة فيها الشامل للفرض والنفل، بل في سياق بعضها ما يؤكد إرادة ذلك
وبخصوص مرسل ابن أبي عمير (3) السابق قريبا، وصحيح معاوية بن وهب (4) عن
الصادق (عليه السلام) (إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يصلي صلاة الليل في المسجد)
الظاهر في ذلك عادته وديدنه، ولا قائل بالفصل بين صلاة الليل وغيرها في
المرجوحية، بل المحكي عن ابن إدريس أن صلاة الليل خاصة في البيت أفضل من المسجد
ولا دليل واضح عليه، نعم الذي صرح به الفاضل والشهيدان والمحقق الثاني وحكي عن
غيرهم أن جهة الرجحان فيها آكد، ولعله لما سمعته من فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)
وغيره، لكن هذا الصحيح شاهد بخلافهم باعتبار ظهوره في اعتياده (صلى الله عليه وآله)
فعلها في المسجد، بل لعل الظاهر كون عادته صلاة نوافل الفرائض فيه أيضا، بل قد
يقال باندراجها المكتوبة في النبوي (5) السابق باعتبار كونها من مقدماتها ومسنوناتها

(1) سنن البيهقي ج 2 ص 93 الرقم 1447
(2) المشار إليه في ص 137
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(4) الوسائل الباب 53 من أبواب المواقيت الحديث 1
(5) كنز العمال ج 4 ص 165 الرقم 3652
146

وخبر هارون بن خارجة (1) عنه (عليه السلام) (إن النافلة في مسجد الكوفة لتعدل خمسمائة صلاة)
بل في خبر عبد الله بن يحيى الكاهلي (2) عنه (عليه السلام) أيضا (أنها فيه تعدل عمرة مبرورة
ونحوه غيره، بل في خبر أبي حمزة الثمالي (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) (أنها في
المساجد الأربعة المسجد الحرام ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) ومسجد بيت
المقدس ومسجد الكوفة تعدل عمرة) ولا قائل بالفصل.
بل قد يشعر صحيح ابن عمار (4) بكون النافلة كالفريضة في التضاعف في
المسجد الحرام، قال: (سألت الصادق (عليه السلام) كم أصلي؟ فقال: صل ثمان
ركعات عند زوال الشمس، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الصلاة في
مسجدي كألف في غيره إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف
صلاة في مسجدي) ومن هنا مال في المدارك كما عن مجمع البرهان إلى مساواتها الفريضة
في رجحان فعلها في المسجد بعد أن حكاه عن جده في بعض تحقيقاته، وتبعه بعض من
تأخر عنه، وربما يؤيده زيادة على ما سمعت قصور أدلة المشهور عن إفادة المطلوب، إذ هي
بين غير معتبر السند - وكون الحكم استحبابيا يتسامح فيه لا يجدي فيما نحن فيه مما كان
المقابل أيضا حكما استحبابيا، فإنه يكون حينئذ معارضا بمثله - وبين غير دال على
المطلوب كالنصوص (5) الدالة على استحباب التستر بها، إذ هي - مع أنها من المعلوم
كون الحكمة فيها التخلص عن الرياء ونحوه من وساوس الشيطان - خارجة عن المطلب
ضرورة كون البحث في رجحانها في المسجد وعدمه من حيث المسجدية وغيرها مع قطع

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
(4) الوسائل الباب 57 من أبواب أحكام المساجد الحديث 6
(5) الوسائل الباب 17 من أبواب مقدمة العبادات
147

النظر عن الجهات الخارجية التي هي ليست بمستحيلة الانفكاك عقلا وعرفا.
ويمكن معارضتها أيضا بما في الطرف المقابل من رجاء اقتداء الناس به ورغبتهم
في الفعل كما يومي إليه استحباب الجهر (1) بها في الليل، والأمر (2) بأخبار أخيك المؤمن
وقول قد رزق الله ذلك إذا سألك هل قمت الليلة أو صمت، على أنه ربما تكون في
المسجد أستر من غيره.
وبالجملة الجهات والاعتبارات في البيوت والمساجد مختلفة أشد اختلاف بملاحظة
اختلاف الأشخاص والمساجد والبيوت والنوافل والأزمنة، ولعله لذا كان المستفاد من
بعض الأخبار (3) استحبابها في المنزل، ومن آخر (4) في المسجد، إذ لكل
خصوصية أو مزية داخلية أي لاحقة له بالذات غير مستقلة، كرجحان كون البيت
مما يصلى فيه في الليل، وخارجية أي ممكنة الاستقلال وإن اجتمعت معه في الوجود
الخارجي ككونها سرا مثلا وأبعد من الرياء، وإن كان بمعونة فتوى الأصحاب
وظاهر الاجماعين السابقين وظهور بعض النصوص السابقة في شدة محبة الله إرادة الذكر
في المنزل سرا وغير ذلك يمكن ترجيح مراعاة مزية الأول على الثاني إن لم تعاضده
مزية أخرى خارجة عن المسجدية أو داخلية كمسجدية خاصة ونحوها، وإلا فمعها قد ترجح
مراعاة جهة المسجدية على المنزل بمراتب، بل ربما كان نفس الإحاطة بجميع المندوبات
فاضلها ومفضولها جهة مرجحة، ضرورة إرادة الله فعل الجميع، ولذا أمر بالفاضل
والمفضول، وفعلوهما (عليهم السلام) معا ولم يصروا على فعل الأفضل منها خاصة،

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب القراءة في الصلاة
(2) المستدرك الباب 14 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 3
(3) الوسائل الباب 69 من أبواب أحكام المساجد
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 3 و 14 و 15 وغيرها
148

ولعل الله قد جعل مصالح كامنة في الأشياء تختلف باختلاف العباد كما جعل في المآكل
والمشارب والعقاقير ونحوها خواص كذلك تختلف باختلاف الأمزجة، ومن كشف
الله بصيرته وعلم حسن سيرته وكان هو المؤيد والمسدد له والهادي يوفقه لما يحبه ويرضاه
له، قال الله تعالى (1): (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) إلا أنه على كل حال
ليست النافلة في الاهتمام بالنسبة إلى المسجد كالفريضة في سائر الأحوال أو أكثرها
قطعا، خصوصا مثل نافلة الليل والصلوات الأخر التي تفعل فيه.
وهل المراد بالمسجد في الفتاوى ما يشمل مثل الحضرات المشرفة ونحوها مما هي
أيضا كالمساجد في عدم السر والخفاء أو خصوص المساجد المتعارفة، وبالمنزل خصوص
المسكن أو ما يشمل كل موضع فيه ستر وخفاء؟ ظاهر اللفظ الثاني في الأول والأول
في الثاني، لكن يحتمل التعميم، والأولى مراعاة الميزان التي أشرنا إليها سابقا.
وكيف كان فأفضلية المكتوبة في المساجد إنما هي للرجال دون النساء وإن
أطلق بعض الأصحاب، بل ربما كان هو مقتضى أصالة الاشتراك في الأحكام، لكن
لا نعرف خلافا بينهم، بل ظاهرهم الاتفاق عليه في أفضلية صلاتها في المنزل من صلاتها
فيها رعاية للستر المطلوب منهن، وحذرا عن الافتتان بهن، والفتنة بسببهن لو خرجن
إليها مجتمعة مع الرجال، وعن توصلهن إلى كثير من القبائح التي هن مظنتها باعتبار
نقص عقولهن وغلبة شهواتهن، مضاف إلى قول الصادق (عليه السلام) في خبر يونس
ابن ظبيان (2) (خير مساجد نسائكم البيوت) بل عنه (عليه السلام) (3) أيضا (أن صلاة المرأة
في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار)

(1) سورة العنكبوت الآية 69
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 1
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب أحكام المساجد الحديث 4 - 1
149

وفي خبر آخر كما عبر به في النفلية والمفاتيح (أن صلاتها في بيتها أفضل منها في
صفتها، وفي صفتها أفضل منها في صحن دارها، وفي صحن دارها أفضل منها
في سطح بيتها).
بل قد يقال لا فضل ولا استحباب في إتيانها المساجد أصلا، لعدم الدليل
بعد تنزيل إطلاقات المساجد على الرجال، ولعله الظاهر من عبارة لمعة الشهد حيث قال:
والأفضل المسجد، ثم قال: ومسجد المرأة بيتها، ضرورة ظهورها في كون المرأة عكس
الرجل، فالبيت بالنسبة إليها كالمسجد مطلقا أو خصوص ما أرادت الخروج إليه من
المساجد، والمسجد بالنسبة إليها بيت، بل لعله الظاهر أيضا من المحكي عن مجمع البرهان
حيث قال خبر يونس بن ظبيان يدل على اختصاص فضيلة المسجد بالرجال كما هو
المذكور في الكتب والمشهور بينهم، بل عن كشف الالتباس ونهاية الإحكام هذا الحكم
أي إتيان المساجد مختص بالرجال دون النساء، ونحوه المحكي عن حاشية الميسي إنما
يستحب الفريضة في المسجد في حق الرجال، أما النساء فبيوتهن مطلقا، اللهم إلا أن
تحمل هذه العبارات منهم على إرادة الأفضلية، كما أن أخبار المساجد تبقى على إطلاقها في
ثبوت الفضل والاستحباب للرجال والنساء إلا أن الأفضل منها في النساء البيوت، ولا
تنافي بينهما، نعم لو كان مدلولها أنها أفضل الأماكن بالنسبة للصلاة أمكن أن يتحقق
التنافي بينها وبين ما دل على أفضلية البيت للمرأة، كما أنه يمكن أن يقال: لو فرض
اختصاص مدلولها بالرجال لم يثبت الاستحباب هنا للنساء، إذ لا مقتضي له إلا الأصل
المعلوم انقطاعه هنا، مع احتمال كون انقطاعه بالنظر إلى الأفضلية لا الفضل، بل لعل
خبر يونس المتقدم شاهد على ثبوته باعتبار اقتضاء اسم التفضيل ذلك، ولعله من هنا
قال في الدروس: (يستحب للنساء الاختلاف إليها كالرجال وإن كان البيت أفضل)
150

ونحوه في الذكرى، وربما يؤيده تتبع مباحث الجماعة والحيض والاستحاضة والأوقات
ومعلومية صلاة النساء مع النبي (صلى الله عليه وآله) من غير إنكار منه عليهن، إلا أن
يقال: إن ذلك منه لبيان أصل الجواز أو لتحصيل فضيلة الجماعة معه التي هي أفضل
الفضائل، أو لغير ذلك، وكيف كان فلا ريب في أن الأولى لهن خصوصا ذوات
الهيئات منهن الصلاة في البيوت سيما بعد حكم العلامة في التذكرة بكراهة إتيانهن المساجد.
المسألة (الثالثة الصلاة في الجامع) الأعظم الذي يكثر اختلاف عامة أهل البلد
إليه (بمائة) صلاة (وفي مسجد القبيلة) أي المعروف بقبيلة خاصة كما في جامع المقاصد
أو أنه الذي لا يأتيه غالبا إلا طائفة من الناس كمساجد القرى والبدو عند قبيلة قبيلة
والتي في بعض أطراف البلد بحيث لا يأتيه غالبا إلا من قرب منها كما عن كشف اللثام،
ولعله أولى وإن كان الأول أنسب بظاهر اللفظ (بخمس وعشرين) صلاة (وفي)
مسجد (السوق) الذي لا يأتيه غالبا إلا أهل السوق (باثنتي عشرة صلاة) بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك، لخبر السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام)
المروي مرسلا في الفقيه عنه ومسندا في ثواب الأعمال كما حكاه عنهما في الوسائل،
بل فيها أن الشيخ في النهاية رواه عن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم
السلام) (صلاة في بيت المقدس ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأعظم مائة صلاة،
وصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة، وصلاة في مسجد السوق اثنتا عشرة
صلاة، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة) وفي الحدائق عن أكثر نسخ الفقيه
وكتاب ثواب الأعمال (مائة ألف) فيكون المراد بالأعظم المسجد الحرام لا جامع
البلد كما في الذخيرة، وعن بعض نسخ الفقيه التصريح به، وظني أنه وهم من بعض
النساخ أو الرواة.

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2
151

وكيف كان فمنه يستفاد مساواة بيت المقدس لمسجد الكوفة الذي ورد في بعض
النصوص (إن الصلاة فيه تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد) كخبر المفضل بن عمر (1)
عن الصادق (عليه السلام) بل وخبري القلانسي (2) عنه (عليه السلام) أيضا بناء على
إرادة مسجد الكوفة من الكوفة في أحدهما بقرينة الآخر، لكن لم يذكر فيهما بيان
الغير بالمساجد كالمرسل (3) عن مصباح الزائر لابن طاووس، إلا أنها تحمل عليه،
ولا ينافيها خبرا أبي عبيدة (4) وابن سنان (5) عن الباقر والرضا (عليهما السلام) المقدر
ذلك فيهما بسبعين، قال في الأول: (لا تدع يا أبا عبيدة الصلاة في مسجد الكوفة
ولو أتيته حبوا، فإن الصلاة فيه تعدل سبعين صلاة في غيره من المساجد) وقال في
الثاني: (الصلاة في مسجد الكوفة فردا أفضل من سبعين صلاة في غيره جماعة) إذ
العدد الناقص لا يقتضي عدم الزيادة إلا بالمفهوم الذي بعد تسليمه في المقام لا يعارض
المنطوق، على أنه يمكن دعوى أن هذا الاختلاف باعتبار المكلفين من حسن التوجه
والتأدية ونحوهما من العوارض التي تزد الصلاة بسببها فضلا، مثل ما قيل في اختلاف
الثواب الوارد في زيارات الحسين (عليه السلام) والحج وغيرها، أو باعتبار اقتضاء
المقامات لاختلافها، بل واختلاف عقول السائلين وتهيؤهم للطف وإيداع الاسرار بناء
على أن من عمل عملا بقصد ثواب خاص سمعه يؤتاه لا أزيد منه وإن كان هو كذلك
واقعا، فتأمل، هذا.
ويمكن فرض هذا الناقص على وجه يساوي ذلك الزائد أو يقرب منه بيسير

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 19 - 27 - 23 - 24
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 12 و 25
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 19 - 27 - 23 - 24
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 19 - 27 - 23 - 24
(5) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 19 - 27 - 23 - 24
152

يتسامح فيه، إذ المتيقن من الغير في نصوص الألف بعد إرادة المساجد منه أدناها
كمسجد السوق الذي هو باثنتي عشرة صلاة، لعدم الدليل على إرادة الأعلى منه،
فالألف من الصلاة فيه حينئذ باثني عشر ألف صلاة، والسبعون لو فرض وقوعها جميعا
في الجامع تبلغ سبعة آلاف، وبملاحظة الجماعة كما أشير إليه في الخبر الثاني يحصل الخمسة
الباقية، بل بملاحظة زيادة عددها يستغني عن فرض الصلاة في الجامع، وبهذا وإن كان
بعيدا وبما تقدمه يجمع بين ما اختلف من النصوص الواردة في فضل المسجدين المدني
والحرام، إذ في خبر مسعدة بن صدقة (1)
عن الصادق عن آبائه عن رسول الله (عليهم
الصلاة والسلام) (صلاة في مسجدي تعدل عند الله عشرة آلاف في غيره من المساجد
إلا المسجد الحرام، فإن الصلاة فيه تعدل مائة ألف صلاة) ونحوه بالنسبة إلى المسجد
الحرام، وخبر صامت (2) عن الصادق (عليه السلام) بل وخبر الحسين بن خالد (3)
عن أبي الحسن الرضا عن آبائه (عليها السلام) لكن زاد فيه غيره من المساجد، وبالنسبة
إلى المدني خبر القلانسي (4) بناء على إرادة المسجد من المدينة فيه، وفي المروي عن
مجالس الشيخ بإسناده عن أبي ذر (5) (صلاة في مسجدي هذا تعدل مائة ألف صلاة
في غيره) من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في مسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة
في غيره) وفي المرسل النبوي (6) (الصلاة في مسجدي كألف صلاة في غيره إلا المسجد
الحرام، فإن الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي) ونحوه غيره في
تقدير النبوي منه.
والحاصل منها أن فضيلة الأول منهما مائة ألف ألف إذا أريد من الغير بقرينة

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 5 - 8 - 4 - 10 - 3
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 5 - 8 - 4 - 10 - 3
(3) الوسائل الباب 52 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 5 - 8 - 4 - 10 - 3
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام المساجد الحديث 12
(5) الوسائل الباب 52 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 5 - 8 - 4 - 10 - 3
(6) الوسائل الباب 52 من أبواب أحكام المساجد الحديث - 5 - 8 - 4 - 10 - 3
153

استثناء المسجد الحرام ما يشمل مسجد الكوفة وبيت المقدس، وفضيلة الثاني منهما مائة
ألف مائة ألف ألف بناء على إرادة المدني من الغير في خبر أبي ذر، وإلا لساوى المدني
الحرام في الفضل، وهو معلوم البطلان نصوصا بل وإجماعا، وقول الرضا (عليه السلام) (1): (نعم
والصلاة فيما بينهما تعدل ألف صلاة) في سؤال الوشا له (عليه السلام) (عن الصلاة في المسجد الحرام
والصلاة في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) سواء في الفضل) محمول على إرادة
التسوية في أصل الفضل أو في مقداره وإن اختلف المحل، يعني أن ذلك يساوي ألف
صلاة في مسجد الكوفة مثلا، وهو يساوي ألف صلاة فيه، كما أن قوله (عليه السلام) فيه:
(والصلاة فيما بينهما) محتمل لإرادة الصلاة فيهما، ووقع الاشتباه من النساخ، فيكون
حينئذ مؤيدا للسابق الذي به يندفع ما ورد من اقتضاء ظاهر بعض النصوص مساواة
الكوفة للمدني في التقدير بالألف، وهو خلاف النصوص الأخر، والاجماع المحكي في
الروض إذ قد عرفت أنه بعد الاغضاء عن باقي الأخبار يندفع بمراعاة المحل كما هو
واضح، لكن أقصى ما أثبته العلامة الطباطبائي في منظومته للحرام ألف ألف، وللمدني
عشرة آلاف، فقال:
والمسجد الحرام منها الأفضل * فيه الصلاة ألف ألف تعدل
للمدني في الألوف عشر * وعشرها للآخرين أجر
ولا ريب في إرادته الصلاة المجردة عن المضاعفة كما يشهد له التأمل في كلامه أولا
وآخرا، على أنه لا دليل له لو أرادها، وأقصى ما أثبته الخراساني في الذخيرة تبعا
للروض للحرام ألف ألف ألف، والمدني ألف ألف، قال: وإذا اعتبرنا ما دل على أن
الصلاة في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) بعشرة آلاف في غيره زاد عدد المضاعفة
أضعافا مضاعفة، قلت: هي على كل حال لا تنتهي إلى ما سمعته منا، اللهم إلا أن

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب أحكام المساجد الحديث؟
154

يحمل ذلك منهما على عدم نفي الزيادة كالنصوص المشتملة على نحو هذا التقدير، والأمر في
ذلك كله سهل، كسهولة رفع كثير مما ذكره في الروض وتبعه في الذخيرة من السؤالات
السبعة على ظاهر هذه النصوص بعد الإحاطة بما سمعته منا، منها أن ظاهر أخبار المسجد
الحرام ثبوت الفضل في سائر أجزائه حتى الكعبة مع أن الصلاة فيها مكروهة، كما أن
قضية غيرها من أخبار المدني والكوفي تساوي جميع الأجزاء في الفضل المذكورة مع
ثبوت اختلافها، ويدفع الأول التخصيص بدليل الكراهة، والثاني بأن المساواة في ذلك
لا تقتضي عدم زيادة الأجزاء الأخر بثواب زائد على هذا القدر المشترك، ولو سلم
فيمكن التفاوت فيه بفرض الاختلاف في المحل الذي يحصل بسببه التضاعف، كما أشرنا
إليه فيما تقدم، وكذا غيرهما من الأسئلة، فلاحظ وتأمل.
(الفصل الرابع)
(في) كيفية (صلاة الخوف والمطاردة)
وأحكامهما، إذ هي بجميع كيفياتها غير مختصة بالنبي (صلى الله عليه وآله) ومن
كان معه حال الخوف، لظاهر الآية (1) وبعض النصوص (2) والمنقول من فعل
أمير المؤمنين (عليه السلام) لها ليلة الهرير (3) وحذيفة بن اليماني بطبرستان (4)
والاجماع محصلا ومنقولا عنا وعن أكثر الجمهور عدا أبي يوسف فخصها به، والمزني

(1) سورة النساء الآية 102 و 103
(2) فروع الكافي ج 1 ص 456 الطبع الحديث " باب صلاة الخوف " الحديث 2
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 8
(4) سنن أبي داود ج 2 ص 23 الرقم 1246 المطبوعة عام 1369
155

فكذلك أيضا، لكن قال: إن الآية منسوخة بتأخيره (صلى الله عليه وآله) يوم
الخندق أربع صلوات اشتغالا بالقتال ولم يصل صلاة الخوف، وأصالة الاشتراك
التي لا يقطعها كونه (صلى الله عليه وآله) موردا لها في بعض النصوص (1) كما في غير
المقام من موردها ونظائره، بل ولا يقطعها مفهوم قوله تعالى (2): (وإذا كنت
فيهم) إذ هو وإن كان قد يتخيل زيادته على مطلق الموردية لكنه بعد التأمل والتروي
راجع إليها، ضرورة عدم إرادة شرطية كونه بخصوصه فيهم كي يتجه حينئذ اختصاصها
به، بل المراد بيان كيفية الصلاة جماعة معه حال الخوف، فيستفاد حكم الغير حينئذ
من آية التأسي (3) وغيرها مما دل على الاشتراك، لا أن المراد اشتراط مشروعية الحكم
المزبور بما إذا كان معهم كما لا يخفى.
بل قد يقال: إن المنساق من الآية وشبهها إرادة المثالية بذكره (صلى الله عليه وآله)
بخصوصه، وإلا فالمراد بيان كيفيتها جماعة معه ومع غيره، فلا حاجة حينئذ إلى آية
التأسي، ويكون ذكره بخصوصه لعدم انفكاكه عنه غالبا في تلك الأوقات، أو لأنه
حال حضوره (صلى الله عليه وآله) مع أنهم لا يصلون فرادى غالبا، على أنه لو أغضي عن
ذلك كله فأقصاه اختصاص هذه الكيفية به (صلى الله عليه وآله) لا أن أصل صلاة الخوف
ولو فرادى مختصة به، وتأخير النبي (صلى الله عليه وآله) صلاته يوم الخندق غير ثابت
ولو سلم فلعله قبل نزول آية الخوف، فتكون ناسخة له لا هو ناسخ لها، بل ظاهر
الفاضل والشهيد أنه كذلك جزما، ولو سلم فلعله لعدم التمكن من التطهر ونحوه مما يسقط
معه أداء الصلاة.

(1) فروع الكافي ج 1 ص 456 الطبع الحديث " باب صلاة الخوف " الحديث 2
(2) سورة النساء الآية 103
(3) سورة الأحزاب الآية 21
156

وكيف كان ف‍ (صلاة الخوف مقصورة) في الكم (سفرا) جماعة أو فرادى
قولا واحدا وكتابا وسنة (وفي الحضر إذا صليت جماعة) بلا خلاف معتد به أجده
فيه، بل ظاهر المتن أنه إجماعي كالسفر وإن كان قد (هو خ ل) حكى كالشهيد الثاني في
المعتبر عن بعض أصحابنا أنها لا تقصر أيضا إلا في السفر، وقضيته فعلها تماما في الحضر
ولو جماعة، لكنه لعله لضعفه في الغاية لم يعتد به هنا حيث اقتصر على نقل الخلاف في
غير الجماعة، وهو كذلك لما تسمعه من بعض تفاسير ذات الرقاع، ولاطلاق الأدلة
الواردة في فعلها جماعة الشامل لحالتي الحضر والسفر، بل قد يشعر صحيح الحلبي (1)
عن الصادق (عليه السلام) وخبر عبد الله بن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليهما السلام)
المروي عن قرب الإسناد وغيرها بأن المنساق من إطلاق صلاة الخوف فعلها جماعة حيث
سئلا فيهما عنها فأجابا ببيان كيفيتها جماعة، بل ليس في أكثر النصوص تعرض إلا لبيان
كيفيتها جماعة (فإن صليت فرادى قيل تقصر، وقيل لا، والأول أشبه) وأشهر،
بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، لأولويته من السفر في التقصير، ولاطلاق
الصحيح (3) (قلت للباقر (عليه السلام): صلاة الخوف والسفر تقصران جميعا، قال: نعم،
وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه) والمناقشة فيه باحتمال
إرادة قصر الكيفية من القصر فيه واهية جدا، ولا ريب في ظهوره بعدم اعتبار الجماعة
بذلك، بل هو كالصريح فيه باعتبار اشتماله على الأحقية المزبورة، وحسن محمد بن
عذافر (4) عن الصادق (عليه السلام) (إذا جاءت الخيل تضطرب بالسيوف أجزأ

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4 - 5 لكن الثاني خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4 - 5 لكن الثاني خبر علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 1
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 7
157

تكبيرتان) ومن المعلوم بدلية التكبيرة عن الركعة مع بعد الجماعة في ذلك، بل يمكن
القطع بعدمها فيه، ومنه يظهر دلالة خبر عبد الله بن المغيرة (1) عنه (عليه السلام) أيضا
الذي رواه المشايخ الثلاثة (أقل ما يجزي في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل
صلاة إلا المغرب، فإن لها ثلاثا).
بل يمكن استفادة المطلوب أيضا من نصوص الجماعة باعتبار ظهورها في كون
الجماعة المذكورة فيها كغيرها من الجماعات التي هي هيئة لاحقة استحبابا للفرض بحسب
تأديته، لا أن لها دخلا في الكمية قطعا، كما أنه لا دخل للانفراد في ذلك قطعا، فمتى
ثبت كمية الفرض في أحد الحالين على وجه لا ظهور في الدليل باشتراطه بذلك صح فعله
بذلك الكم في الحال الآخر كما هو واضح، بل قيل: تدل الآية عليه أيضا، ولعله بناء
على عدم إرادة السفر الشرعي من الضرب في الأرض فيها، وإلا لم يكن لاشتراط
الخوف وجه مع التتميم بعدم القائل باعتبار غير الشرعي من السفر، أو على أنه أخرج
مخرج الغالب باعتبار أن حصول الخوف غالبا إنما يكون مع السفر أو غير ذلك مما تخرج
به الآية عن ظهور اعتبار السفر في القصر حال الخوف الذي يمكن دعوى منعه في نفسه
أيضا باعتبار أن المنساق للاشتراط في الآية اشتراط جواز القصر في السفر بالخوف فيه
المعلوم بالاجماع عدمه، لا العكس الذي هو المطلوب هنا، إذ التعليق على الضرب
كالتعليق في الآية الثانية بكونه معهم في صلاتها جماعة غير مراد منه الشرطية قطعا،
كما هو واضح عند التأمل.
فالمناقشة حينئذ في الاستدلال بهذه الآية على المطلوب بما لا يخفى عليك مما قدمنا
يمكن دفعها بما سمعت، وإن أطال في الذخيرة في تقريرها وتقرير المناقشة أيضا في
الاستدلال على عدم الفرق بين السفر والحضر وبين الفرادى والجماعة باطلاق الاقتصار

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 3
158

على الركعتين المستفاد من التدبر في الآية الثانية بأنها من متممات الآية الأولى، فيكون
الضمير فيها راجعا إلى أولئك الضاربين في الأرض الخائفين، وبظهورها في الجماعة
لا الفرادى، لكن الأمر في ذلك سهل بعد أن عرفت الاستغناء عن الآيتين في إثبات
كل من المطلوبين بغيرهما مما سمعت، فما عن المبسوط وظاهر جماعة من اشتراط قصرها
في الحضر بوقوعها جماعة دون الفرادى اقتصارا على المتيقن ضعيف جدا، وإن نسب
إلى الحلي، مع أن المحكي عن سرائره كالصريح في موافقة المشهور، والله أعلم.
ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي جواز التقصير في صلاة الخوف وإن تمكن
من الاتمام مع قصر الكيفية وبدونه، بل لعل ذلك كاد يكون صريحهما، بل هو مقطوع
به من التدبر في الأدلة، خصوصا ما تسمعه منها في كيفية تأديتها جماعة، ضرورة التمكن
من الاتمام، بعد أن حرس جمع من المسلمين العدو، لكن في الرياض عن الدروس
تقييد جواز القصر بعدم التمكن من الاتمام نافيا عنه البأس، لانصراف إطلاق الأدلة
إليه، لا أقل من الشك، فيبقى الأصل المقطوع به سليما، وهو كما ترى، بل لا صراحة
في عبارة الدروس بذلك، قال: (الخوف مقتض لنقص كيفية الصلاة مع عدم التمكن
من إتمامها إجماعا، وكذا نقص العدد على الأقوى سواء صليت جماعة أو فرادى)
ومن الجائز إن لم يكن الظاهر إرادته التشبيه في أصل اقتضاء الخوف النقصان لا مع
التقييد بالتمكن، وإلا كان ضعيفا جدا.
كضعف القول بأن المراد من القصر هنا الموجود في الكتاب والسنة والفتاوى
غير القصر المتعارف الذي هو رد الأربعة خاصة إلى الركعتين، بل هو رد الاثنين
إلى واحدة أيضا كما نقل عن ابن الجنيد، قال فيما حكي عنه، فإن كانت الحالة الثانية
وهي مصافة الحرب والموافقة والتبعية والتهيؤ للمناوشة من غير أبدية صلى الإمام بالفرقة
الأولى ركعة وسجد سجدتين، ثم انصرفوا وسلم القوم بعضهم على بعض في مصافهم،
159

وقد روي (1) عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) (أن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) صلى كذلك بعسفان) وروى ذلك (2) أيضا حذيفة بن اليمان وجابر
وابن عباس وغيرهم، وقال بعض الرواة: وكانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
ركعتين، ولكل طائفة ركعة ركعة (3)، وعن ابن بابويه (4) (سمعت شيخنا محمد
ابن الحسن يقول: رويت أنه سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (5):
(وإذا ضربتم في الأرض) إلى آخره، فقال: هذا تقصير ثان، وهو أن يرد الرجل
الركعتين إلى الركعة) ولعله أشار بالرواية إلى صحيح حريز (6) عن الصادق (عليه السلام)
في الآية المزبورة، قال: (في الركعتين ينقص منهما واحدة).
إذ ستسمع النصوص (7) المستفيضة المشتملة على الكيفية المأثورة عن النبي
(صلى الله عليه وآله) الصريحة في أن قصر صلاة الخوف كقصر صلاة السفر، مضافا
إلى ما سمعته سابقا عند البحث عن قصرها في الحضر فرادى مما يستفاد منه ذلك أيضا
خصوصا مع الاعتضاد بالشهرة بين الأصحاب شهرة لا ينكر على دعوى الاجماع معها،
ضرورة عدم قدح مثل الإسكافي فيه، على أنه لا صراحة في كلامه في الخلاف، بل

(1) لم نعثر عليه في كتب الأخبار
(2) سنن أبي داود ج 2 ص 23 الرقم 1246 المطبوعة عام 1369
(3) سنن أبي داود ج 2 ص 23 الرقم 1246 المطبوعة عام 1369
(4) الفقيه ح 1 ص 295 الرقم 1343
(5) سورة النساء الآية 102
(6) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 3 عن
حريز عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
(7) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 1
والمستدرك الباب؟ منها
160

لعل نسبة ما هو صريح في ذلك إلى بعض الرواة في ذيل كلامه مشعر بعدم اختياره له
وقوله أولا: (ثم انصرفوا) إلى آخره يمكن تنزيله كالآية وبعض النصوص على
إرادة الاتمام ركعة فرادى ثم الانصراف، ولو أغضينا عن ذلك كله فلا ظهور في
كلامه قطعا بمضمون الصحيح السابق من رد الركعتين مطلقا إلى ركعة في النبي (صلى الله عليه وآله)
وغيره، بل ظاهره أن النبي (صلى الله عليه وآله) ركع ركعتين، بل هو تكليف
كل إمام جماعة على الظاهر، فيكون ظاهر الصحيح المزبور غير معمول به عند الجميع،
مع ما فيه من الاجماع، إذا لا يعلم أن المراد الرد إلى الركعة في خصوص الفرائض التي
دخلها القصر في نحو السفر أو الأعم منها ومن غيرها كالصبح ونحوه، وعلى الأول
فالمراد بقصرها ثانيا بعد وجوب سبب القصر الأول كالسفر مثلا فاتفق الخوف في
أثنائه أو الأعم من ذلك بمعنى أنها تصلى ركعة واحدة وإن كانت في الحضر، ثم على
الثاني فهل تندرج صلاة المغرب في ذلك أو لا؟ وعلى الأول فلم يعلم كيفية قصرها،
إلى غير ذلك، وإن كان يمكن بمعونة ما سمعته من ابن بابويه رفع هذا الاجمال باعتبار
ظهوره في إرادة ما دخله القصر من الفرائض، كما يومي إليه لفظ ثان فيه، بل هو مع
أنه تفسير للآية الشريفة يومي إلى إرادة تقصيرها بعد وجود ما يقصرها أي القصر
الأول كالسفر، لا أنه يقصرها من أول الأمر كذلك.
وعلى كل حال فلا بد من طرح الصحيح المزبور، لما فيه من القصور عن المقاومة
أي قصور، أو حمله التقية بكما ذكره غير واحد على أنه لما كان كل من الطائفتين يصلي
مع الإمام ركعة فكان صلاته ردت إليها، أو على ما في الحدائق من انتهاء الخوف إلى
حال بحيث يمنع من إتمام الركعتين، فيقتصر حينئذ على الركعة، وفيه أن الخوف
لا يقصر العدد من الركعتين، بل فرضه حينئذ الرجوع إلى البدل من التسبيحة ونحوها
كما ستعرف إن شاء الله.
161

وكيف كان فكيفية صلاة الخوف فرادى ظاهرة من حيث الكم، ضرورة كونها
كالسفر حينئذ، ولا فرق فيها بين النساء والرجال كما في الذكرى، لاطلاق الأدلة،
خلافا للمحكي عن الإسكافي فخص القصر بمن يحمل السلاح من الرجال حرا كان أو عبدا
دون النساء في الحرب، ولعله لعدم مخاطبتهن بالقتال، والخوف إنما يندفع غالبا بالرجال
ولا أثر فيه للنساء قصرن أم أتممن، وهو لا يخلو من وجه إن لم ينعقد الاجماع على
خلافه، لامكان دعوى ظهوره الأدلة في الرجال أو انصرافها إليهم.
(و) أما (إذا صليت جماعة) فلها كيفيات ثلاثة: صلاة بطن النخل، وصلاة
ذات الرقاع، وصلاة عسفان، أما الأولى فهي أول فردي التخيير الذي أشار إليه
المصنف بقوله: (فالإمام بالخيار إن شاء صلى بطائفة ثم بأخرى وكانت الثانية له ندبا
على القول بجواز اقتداء المفترض بالمتنفل) وقد روي (1) أن النبي (صلى الله عليه وآله)
صلاها بأصحابه بالموضع المسمى بذلك إلا أني لم أجد هذه الرواية مسندة من طرقنا
كما اعترف به في المدارك، نعم عن المبسوط أنه روى الحسن (2) عن أبي بكر عن فعل
النبي (صلى الله عليه وآله) لكن يسهل الخطب أنه ليس فيها ما يختص بصلاة الخوف
بل هي جائزة حال الاختيار بناء على جواز الإعادة لمن صلى جماعة كما تقدم البحث فيه
سابقا، ومن هنا جزم العلامة في القواعد بعدم اعتبار الخوف في هذه الصلاة، نعم قد
يقال برجحان فعلها كذلك حال الخوف دون الأمن كما نص عليه في الدروس،
لكن في الذكرى (أن شرطها كون العدو في قوة يخاف هجومه وإمكان افتراق المسلمين
فرقتين لا أزيد، أو كونه أي العدو في خلاف جهة القبلة) وفيه ما لا يخفى إن أراد
اشتراط الصحة بذلك، إذ قد عرفت جواز فعلها حال عدم حصول شئ من هذه

(1) سنن البيهقي ج 3 ص 259
(2) المستدرك الباب 6 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 1
162

الشرائط، ولعله لا يريد الاشتراط حقيقة، بل المراد أنها إنما تختار عند حصول هذه
الأمور، إلا أنه على كل حال لا يتم وجه الشرط الثاني الظاهر في عدم اختيارها لو أمكن
افتراقهم زائدا على الفرقتين، اللهم إلا أن يريد أنه يكفي فيها إمكان افتراق المسلمين
فرقتين، ولا يعتبر فيها الأزيد من ذلك.
وكيف كان فتسمى هذه الصلاة بصلاة بطن النخل بالخاء المعجمة، ويقال نخلة
موضع بين الطائف ومكة كما في الصحاح، وفي المصباح (هما نخلتان إحداهما نخلة اليمانية
(اليمامة خ ل) بواد يؤخذ إلى قرن والطائف، وبها كان ليلة الجن، وبها صلى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) صلاة الخوف لما سار إلى الطائف، وبينها وبين مكة ليلة، والثانية
نخلة الشامية بواد يأخذ إلى ذات عرق، ويقال بينها وبين المدينة ليلتان).
وأما الثانية فهي الفرد الآخر من فردي التخيير الذي ذكره المصنف بقوله أيضا:
(وإن شاء) أن (يصلي كما صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذات الرقاع)
بالراء المهملة والقاف، سميت بذلك لأن النبي (صلى الله عليه وآله) صلاها بموضع على
ثلاثة أميال من المدينة، وهو صفح جبل عند بئر أروما، فيه جدد حمر وصفر وسود
كالرقاع، وقيل: موضع بنجد وهو أرض عطفان، ولعله مشترك، أو لما قيل من أن
بعض الصحابة كان حفاة فلفوا على أرجلهم الجلود والخرق لئلا تحترق، أو لأن بعضهم
تنقبت أرجلهم فلفوا عليها الخرق، أو لما عن صاحب المعجم من أنها سميت بذلك
لرقاع كانت في ألويتهم، والأمر سهل، وهذه الصلاة ثابتة كتابا بناء على أنها هي
المرادة من الآية كما يرشد إليه ملاحظة النصوص والفتاوى، لا صلاة عسفان وبطن
النخل، وسنة وإجماعا محصلا ومنقولا، بل هي المعروفة في النصوص (1) من بين
كيفيات صلاة الخوف كما يومي إليه الجواب بها عند السؤال عن صلاة الخوف، بل

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة
163

لا تعرض في النصوص المعتبرة لغيرها، ومنه ينقدح أولوية فعلها عند الخوف من غيرها
لكن ظاهر المصنف هنا مساواتها لصلاة بطن النخل، بل في الذكرى أنها أرجح منها
إذا كان في المسلمين قوة مانعة بحيث لا تبالي الفرقة الحارسة بطول لبث المصلية، قال:
ويختار ذات الرقاع إذا كان الأمر بالعكس، وفيه تأمل، لما عرفت من ظهور الأدلة
في اختيار ذات الرقاع عند تحقق ما أشار إليه المصنف من شرائطها بقوله:
(ثم تحتاج هذه الصلاة إلى النظر في شروطها وكيفيتها وأحكامها، أما الشروط
ف‍) أحدها على المشهور بين الأصحاب نقلا إن لم يكن تحصيلا، بل عن المدارك أنه
المقطوع به في كلامهم، بل عن ظاهر المنتهى الاجماع عليه، كما أنه نسب الخلاف في
الرياض إلى الشذوذ (أن يكون الخصم في غير جهة القبلة) إما في دبرها أو يمينها أو
شمالها بحيث لا يمكنهم مقابلته وهم يصلون إلا بالانحراف عن القبلة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله)
إنما صلاها والعدو كذلك، ولأنه لو كان العدو في القبلة أمكنهم أن يصلوا بصلاة
عسفان التي تسمعها، وهي مقدمة عليها، إذ هي ليس فيها تفريق ولا مخالفة شديدة لباقي
الصلوات من انفراد المؤتم مع بقاء حكم ائتمامه، ومن انتظار الإمام، وائتمام القائم بالقاعد
فمن هنا وجب الاقتصار فيها على المتيقن الثابت من فعل النبي (صلى الله عليه وآله)
وظاهر الكتاب، لكن ومع ذلك فللتأمل فيه مجال، لاطلاق الأدلة الذي لا يصلح
فعل النبي (صلى الله عليه وآله) - بعد احتمال اتفاقيته لا شرطيته - لتقييده، ولعله
من هنا حكي عن الفاضل في التذكرة القول بالجواز، وجعله في الذكرى وجها، واحتمله
أو مال إليه في المسالك، بل يمكن دعوى جواز الكيفية المزبورة حال الأمن بناء على
ما عرفت سابقا في الجماعة من جواز نية الانفراد اختيارا، وجواز انتظار الإمام المأموم
كالعكس مع اختلاف الصلاتين في القصر والاتمام مثلا، وأنه لا بأس بطول لبثه بعد
اشتغاله بالذكر ونحوه مما هو جائز في أثناء الصلاة، ولا ببقاء قدوة المأمومين به وإن
164

كان قاعدا، لأن الممنوع منها ليس نحو الفرض.
على أن المحكي عن أول الشهيدين فيما عدا اللمعة من كتبه الحكم بانفراد المأمومين
في المقام وإن انتظرهم الإمام للسلام، خلافا لصريح بعض الأصحاب وظاهر آخر من
بقاء حكم الائتمام بهم، كما يومي إليه تسليمه بهم المصرح به في النصوص (1) والفتاوى
إلا أن الأحوط الاقتصار على فعلها حال تحقق الشرط المزبور، ويلحق به كما صرح به
بعضهم ما لو كان العدو في جهة القبلة إلا أنه وجد حائل مثلا بينه وبينهم يمنع من
رؤيتهم لو هجموا، ضرورة مساواته حينئذ لما كان العدو خلف جهتها.
(و) ثانيها (أن يكون فيه قوة لا يؤمن أن يهجم على المسلمين) في أثناء
صلاتهم، وإلا انتفى الخوف المسوغ للكيفية المزبورة بناء على عدم جوازها اختيارا،
نعم يمكن إلحاق خوف الفتك من البعض بالبعض غيلة بخوف الهجوم جهرة.
(و) ثالثها (أن يكون في المسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا طائفتين، متساويتين
في العدد أولا، لعدم اعتباره فيها، إذ الطائفة على ما قيل تصدق على الواحد، فيجوز
أن يكون واحدا مع حصول الغرض به الذي أشار إليه المصنف بقوله: (يكفل كل طائفة
بمقاومة الخصم) إذ من الواضح عدم تحققها مع قصور المسلمين عن ذلك، فيتعين حينئذ
الصلاة فرادى أو صلاة بطن النخل، فلو صلوا بها والحال ذلك بطلت على الظاهر.
(و) رابعها (أن لا يحتاج الإمام إلى تفريقهم أكثر من فرقتين) لتعذر
التوزيع المزبور حينئذ في الثنائية، بل والثلاثية بناء على الاقتصار على خصوص المأثور
منها من صلاة الإمام بالفرقة الأولى ركعتين، وبالثانية ركعة، أو بالعكس كما ستسمع
فلا يجوز حينئذ التفريق ثلاثا لادراك الركعات الثلاثة كما هو أحد القولين، واختاره
المقدس البغدادي، وفيه ما لا يخفى بناء على ما سبق من أن التحقيق جواز نية الانفراد

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4 و 5
165

اختيارا، ومن هنا اعترف في الرياض بجواز الثلاث على هذا التقدير، اللهم إلا أن
يقال: إن مخالفتها غير منحصرة بالانفراد كي يتم ذلك على التقدير المذكور، بل هي
مخالفة أيضا في انتظار الإمام وغيره، فيقتصر منه على المتيقن، لكن قد يدعى القطع
أو الظن المعتبر بعدم اعتبار تثنية التفريق في ذلك، ولذا جزم في الذكرى والمسالك
وظاهر الروضة بجواز التثليث، لحصول الغرض وإلغاء الخصوصية، فيتجه حينئذ ذلك
حتى لو قلنا بعدم جواز الانفراد اختيارا، ضرورة خروج ما نحن فيه حينئذ بالدليل
كحال التثنية، بل صرح في الأولين أيضا بجواز التربيع لو كانت الفريضة رباعية كما لو
قيل باختصاص التقصير في صلاة الخوف بالسفر.
ثم إن الذي يقوى في النظر إرادة عدم التمكن من إتيان الجميع بصلاة الرقاع على
كيفيتها المأثورة مع الحاجة إلى التفريق زائدا على الاثنين، لا أنه شرط في صحتها بحيث
لو أوقعها فرقتان من الثلاث لعدم مشاحة الثالثة لها مثلا وقعت باطلة، لعدم الدليل على
الفساد، بل مقتضى إطلاق الأدلة فضلا عن القواعد الصحة، بل هي متجهة أيضا بناء
على جواز الانفراد اختيارا، وإلغاء خصوصية الانتظار وائتمام القائم بالقاعد لو تعاقبت
الثلاثة على فعلها بأن ينوي كل منهم الانفراد قبل إحراز الركعة له.
(وأما كيفيتها فإن كانت الصلاة ثنائية) فلا خلاف معتد به فتوى ورواية في
أنه (صلى) بالطائفة (الأولى ركعة) تامة (وقام إلى الثانية فينوي من خلفه الانفراد
واجبا) في قول، لعدم جواز المفارقة بدون النية، ولأن الانفراد واجب، وكل واجب
محتاج إليها، ولأنه كالمفارق لعذر الذي ذكرنا فيما سبق وجوب نية الانفراد عليه،
وقيل: لا يجب، واختاره في الذكرى، لأن قضية الائتمام إنما هو في الركعة وقد
انقضت، فيكون كالمسبوق الذي ينفرد في الأخيرة قهرا، والفرق بينهما بامكان استمرار
القدوة هنا وإن كان منهيا عنها بخلاف المسبوق الذي انتهت صلاة إمامه يدفعه أنهما سواء
166

في التشريع المنهي عنه، ضرورة أنه بعد أن لم يشرع له الائتمام بالركعة الثانية كان
كنية الائتمام بعد فراغ الإمام من صلاته، ودعوى الاجماع على أنه ينوي في ابتداء
صلاته الاقتداء على الاطلاق لا الاقتداء بالركعة الأولى خاصة وإن علم أنه يفارق بعدها
مع إمكان منعها لا تجدي في عدم وجوب نية الانفراد عليه، إذ لا تزيد نيته على نية
من لم يدرك من الإمام إلا ركعة واحدة الذي من المعلوم عدم وجوب نية الانفراد عليه
بعد انتهاء صلاة الإمام، وكونه يعطى ثواب المقتدي بتمام الصلاة فضلا وكرما لو سلم
لا يقتضي ببقاء حكم الائتمام كي يحتاج إلى نية الانفراد، وعدم جواز المفارقة بدون
النية إنما هو مع كونه مأموما لا إذا انتهت مأموميته كالفرض، وليس هو كالمفارق
لعذر جوز له فسخ الجماعة وصيرورته منفردا كما هو واضح.
ودعوى وجوب نية كل واجب على وجه يشمل ما نحن فيه واضحة المنع، ولعل
النزاع في المقام لفظي، لامكان إرادة القائل بالعدم صحة الصلاة مع المفارقة، والالتزام
بما على المنفرد وإن لم يكن قاصدا له بالخصوص لغفلة ونحوها، كما أنه يمكن إرادة القائل
بوجوب نيته هنا عدم البقاء على قصد الاقتداء، ومعاملة نفسه معاملة المأموم بترك
القراءة مثلا ونحوها، إذ لا ريب في الفساد حينئذ حتى مع النسيان، لظهور النصوص
والفتاوى في الشرطية المستلزمة للانتفاء عند الانتفاء، وليس الفساد مبنيا على اقتضاء
الأمر بالشئ النهي عن الضد كي تتجه الصحة مع الغفلة والنسيان.
نعم يمكن ابتناء الفساد وعدمه في غير ما نحن فيه مما كان فيه ترك الاحتراس
كما لو صلى الجميع فرادى من غير توزيع على مسألة الضد، أما لو صلوا جميعهم جماعة
فالمتجه الفساد، لظاهر الأدلة وإن لم نقل بمسألة الضد، ومثله لو قصرت الفرقة الحارسة
في الاحتراس مثلا وعلمت الفرقة المصلية بذلك في أثناء الصلاة، ولو علم الإمام ضعف
الطائفة الحارسة عن الحراسة في أثناء صلاته ففي الذكرى أمدهم ببعض من معه أو بجميعهم
167

ثم يبنون على صلاتهم وإن استدبر القبلة للضرورة، فتأمل.
ثم إن ظاهر المتن أن محل المفارقة بعد القيام، ولا ريب في أنه أولى كما صرح
به في الذكرى، لاشتراكهم فيه معه، وعدم الفائدة في الانفراد قبله، بل ظاهر الدروس
تعيينه، ولعله لظاهر قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح (1) الآتي الذي هو
العمدة في بيان الكيفية، لكن الأقوى الجواز بعد تمام السجود، لعدم تبادر الوجوب
من مثل هذا الأمر في مثل هذا المقام، لظهور الأدلة في أن لهم الائتمام بركعة عن صلاة
الإمام، بل لا يبعد أن لهم جواز الانفراد مطلقا قبل السجود فضلا عما بعده وإن
خرجت الهيئة حينئذ عن هيئة ذات الرقاع.
(و) كيف كان فإذا نوى الذين خلفه الانفراد (يتمون) صلاتهم فيأتون
بالركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض (ثم) ينصرفون ويقومون مقام أصحابهم
أي (يستقبلون العدو ويأتي الفرقة الأخرى فيحرمون ويدخلون معه في الثانية له،
وهي أولاهم، فإذا جلس) الإمام (للتشهد أطال) وجوبا (ونهض من خلفه فأتموا)
الركعة الثانية لهم (وجلسوا فتشهد بهم وسلم) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك فتوى
ورواية سوى أن ظاهر ذيل المتن يقضي بانتظار الإمام لهم في التشهد أيضا، وظاهر
الصحيح (2) الانتظار بالتسليم خاصة، قال فيه: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن صلاة الخوف، قال: يقوم الإمام ويجئ طائفة من أصحابه فيقومون خلفه وطائفة
بإزاء العدو فيصلي بهم الإمام ركعة، ثم يقوم ويقومون معه فيمثل قائما ويصلون هم
الركعة الثانية ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون ويقومون في مقام أصحابهم،
ويجئ الآخرون فيقومون خلف الإمام فيصلي الركعة الثانية، ثم يجلس فيقومون هم

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4
168

فيصلون ركعة أخرى، ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه).
لكن قد يقوى في النظر جواز انتظارهم به، كما صرح به بعضهم مع السكوت
فضلا عن الاشتغال بذكر ونحوه، للأصل وعدم صراحة الصحيح في التعجيل، لاحتمال
إرادة التشهد مع التسليم من التسليم فيه، كما يومي الأمر فيه بذلك بعد إتمامهم الركعة
الحاصل بالسجود خاصة، بل ينبغي الجزم به إذا اشتغل بذكر ونحوه، لعدم حصول
السكوت الطويل المنافي للعبادة حينئذ.
وسوى ما في الصحيح الآخر (1) المروي في الكافي عن الصادق (عليه السلام)
أيضا الوارد في كيفية صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأصحابه في غزوة ذات الرقاع
إلى أن قال فيه: (فأقاموا بإزاء العدو وجاء أصحابهم فقاموا خلف رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فصلى بهم ركعة، ثم تشهد وسلم عليهم فقاموا وصلوا لأنفسهم ركعة، ثم
سلم بعضهم على بعض) إلى آخره من حيث ظهوره في عدم الانتظار بتشهد أو تسليم،
كالمحكي عن ابن الجنيد، وظاهر ابن بابويه وإن قال الأول: (إنه إذا سبقهم بالتسليم
لم يبرح من مكانه حتى يسلموا).
وعلى كل حال فالجمع بينه وبين الصحيح السابق وغيره مما دل على الانتظار
كبعض الأخبار (2) الدالة على أن للأولين الافتتاح، وللآخرين التسليم يقضي
بالتخيير للإمام في ذلك، كما صرح به في الذكرى، وبأن الانتظار أشهر، ولعله مقتضى
القواعد أيضا كما أشرنا إليه سابقا في ائتمام المتم بالمسافر، خلافا لظاهر المحكي حيث
عين الانتظار.
كما أن المتجه التخيير أيضا للإمام في الانتظار حال القيام في ثانيته بين القراءة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 2 و 8
169

وعدمها جمعا أيضا بين النصوص، وإن كان الذي يستفاد منها الانتظار في غير الثنائية
لكن عدم الانتظار أنسب بتخفيف الصلاة المطلوب حال الخوف فأما ما عدا ذلك
فلا خلاف فيه نصا وفتوى، بل الاجماع محكي عليه إن لم يكن محصلا.
(وتحصل المخالفة) حينئذ بين هذه الصلاة وصلاة الأمن جماعة (في ثلاثة
أشياء): الأول (انفراد المؤتم) بناء على عدم جوازه اختيارا، أو على أن المراد
وجوب الانفراد، فتأمل (و) الثاني والثالث (توقع الإمام للمأموم حتى يتم، وإمامة
القاعد بالقائم) بناء على عدم جوازهما في مثل ائتمام المتم بالمسافر الذي قد ذكرنا الكلام
فيه في باب الجماعة، بل الأخير منهما مبني أيضا على كون الفرقة الثانية باقية على حكم
الائتمام حال قيامها لاتمام الصلاة، كما هو صريح بعضهم وظاهر الباقين المعبرين بما في
النصوص من التسليم بهم، وأن للأولين التكبير وللآخرين التسليم، بل عد ذلك من
مخالفات هذه الصلاة من مثل المصنف وغيره كالصريح في ذلك، فلا تنوي هذه الفرقة
الانفراد حينئذ، خلافا لابن حمزة فحكم بأنها تنوي الانفراد، واختاره الشهيد في دروسه
وعن باقي كتبه عدا اللمعة، ولعله لعدم صراحة النصوص ببقاء الائتمام كي يخرج بسببها
عما يقتضي عدمه، إذ التسليم بهم أعم من الائتمام به، على أنك قد عرفت التصريح
بتسليمه قبلهم في بعض النصوص (1) وليس هو إلا لانفرادهم، وجعل التسليم بهم
كالتكبير للأولين لعله لحضورهم إياه لا لأنهم مأمومون، كما يومي إليه ورود مثل ذلك
في الخبر (2) المتضمن لعدم انتظار الإمام بالتسليم، ولا ريب في ضعفه، ضرورة
الاكتفاء بظهور الأدلة في ثبوت المطلوب وإن لم تكن صريحة، وبه يقيد حينئذ أو يخص
ما يقتضي خلافه مما دل (3) على ائتمام القائم بالقاعد وغيره لو سلم شموله لنحو المقام،

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 1 و 2 و 8
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 1 و 2 و 8
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة الجماعة
170

كما هو واضح.
(وإن كانت) الفريضة (ثلاثية) كالمغرب فقد اختلفت في كيفيتها الروايات
ففي صحيح الحلبي (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: (يقوم الإمام وتجئ طائفة
فيقومون خلفه ثم يصلي بهم ركعة، ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما فيصلون ركعتين
ويتشهدون ويسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم،
ويجئ الآخرون ويقومون في موقف أصحابهم خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ فيها
ثم يجلس، فيتشهد ثم يقوم ويقومون معه ويصلي بهم ركعة أخرى، ثم يجلس ويقومون
هم فيتمون ركعة أخرى، ثم يسلم عليهم) ونحوه في ذلك صحيح زرارة (2) عنه (عليه السلام)
أيضا (صلاة الخوف المغرب يصلي بالأولين ركعة ويقضون ركعتين، ويصلي بالآخرين
ركعتين ويقضون ركعة) ومثله غيره، بل في الذكرى عن ابن أبي عقيل أنه بذلك
تواترت الأخبار، بل فيها وفي غيرها أنه الذي فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة
الهرير، وفي صحيح زرارة والفضيل ومحمد بن مسلم (3) عن الباقر (عليه السلام) قال:
(إذا كان صلاة المغرب في الخوف فرقهم فرقتين، فيصلي بفرقة ركعتين، ثم جلس
بهم، ثم أشار إليهم بيده فقام كل إنسان منهم فيصلي ركعة، ثم سلموا وقاموا مقام
أصحابهم، وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا ودخلوا في الصلاة وقام الإمام فصلى بهم
ركعة، ثم سلم، ثم قام كل رجل منهم فصلى ركعة فشفعها بالتي صلى مع الإمام، ثم قام
فصلى ركعة ليس فيها قراءة، فتمت للإمام ثلاث ركعات، وللأولين ركعتان في جماعة
وللآخرين وحدانا، فصار للأولين التكبير وافتتاح الصلاة، وللآخرين التسليم).

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث - 4 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث - 4 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث - 4 - 3 - 2
171

والجمع بينهما يقضي أن يكون (هو بالخيار إن شاء صلى بالأولى ركعة وبالثانية
ركعتين، وإن شاء بالعكس) وفاقا لتهذيب الشيخ والغنية والقواعد والذكرى
والدروس والروضة والكفاية وعن المبسوط والخلاف والجمل، بل هو المحكي عن أكثر
المتأخرين وجماعة من القدماء، بل في المحكي عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، بل لعله
بعض معقد إجماع الغنية، بل في المسالك (لا إشكال في التخيير، وإنما اختلفوا
في الأفضل).
وخلافا لظاهر المقنعة والوسيلة وغيرهما ممن اقتصر على الأول، وهم أكثر
الأصحاب على ما في الذكرى والمسالك، وكأنه مال إليه في الرياض في أول كلامه،
لكثرة رواياته حتى ادعى تواترها، وصحة بعضها واعتضادها بفتوى أكثر القدماء،
ولا ريب في أنه أحوط، إذ لم يذهب أحد إلى تعيين الثانية، وإن كان الأول أقوى
لعدم التعارض بين النصوص كي يفزع إلى هذه المرجحات بعد تسليم فقد المقابل لها،
ضرورة أنه لا دلالة في كل منهما على عدم جواز غيره، بل لعل مثل ذلك جاء في
الفتاوى، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين، كما يومي إليه حصر الخلاف في الأفضلية
في المسالك، ونسبة التخيير إلى علمائنا في المنتهى كما سمعت، وتصريح الشيخ في أكثر
كتبه بالتخيير مع اقتصاره في النهاية على الأول.
والذي يقوى في النظر كما في الذكرى والدروس والروضة وغيرها بل هو المحكي
عن الأكثر أن الأفضل الأول، خصوصا بعد مراعاة موافقته للاحتياط، وللمحكي من
فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة الهرير، ومقتضى العدل بين الطائفتين في إدراك
الأركان والقراءة المتعينة إذا لوحظ تكبيرة الاحرام والتقدم، وتكليف الثانية بالجلوس
للتشهد الأول مع بنائها على التخفيف يندفع باستدعائه زمانا على التقديرين، فلا يحصل
بايثار الأولى تخفيف، ولتكليف الثانية بالجلوس للتشهد الأول على التقدير الآخر،
172

فما في القواعد من ترجيح الفرد الثاني تبعا للمنقول عن بعض العامة ضعيف.
ثم لا يخفى علك جريان كثير مما سبق آنفا من التخيير للإمام بين التسليم وعدمه
وغيره هنا.
نعم ينبغي أن يعلم أن المستفاد من سكوت المصنف وأكثر الأصحاب من
التعرض لعدم سقوط القراءة عن المأموم عند قيام الإمام للثالثة كون الحكم هنا كالحكم
في المأموم حال الأمن، وقد عرفت أنه لا يسقط عنه ما تيسر من القراءة، للأدلة
المذكورة السابقة من الاطلاقات وغيرها، وعن المرتضى التصريح به في المقام كبعض
المتأخرين من الشهيد وغيره، خلافا للمحلي فأسقط القراءة مدعيا الاجماع على ذلك،
والتتبع إن لم يشهد عليه لم يشهد له، فالأقوى حينئذ الأول.
والظاهر تخيير الفرقة الثانية مع صلاة الأولى ركعتين بين الدخول مع الإمام
وهو جالس وبينه وهو قائم كما ذكرناه في الأمن، لكن يظهر من بعض علمائنا
المعاصرين تعيين الثاني تخلصا من ائتمام القائم بالقاعد، وأنت خبير بما فيه بعد الإحاطة
بما سبق في باب الجماعة، على أن في صحيح زرارة (1) هنا ما يومي إلى الأول فلاحظ.
(و) من المعلوم أنه لا يعتبر التساوي بين الفرقة الحارسة والمصلية ولا التعدد
بل (يجوز) أن يكونا مختلفين، و (أن يكون كل فرقة) شخصا (واحدا) إذا
حصل به الاحتراس، لحصول الغرض، وكون الواقع من النبي (صلى الله عليه وآله)
التعدد لا يقضي بالاشتراط، كما أن لفظ الطائفة والفرقة ونحوهما الواقعة في النصوص
لا تقضي بذلك بعد معلومية عدم اعتبار ما يفهم منها من التعدد، مع الاغضاء عن
دعوى صدق الطائفة والفرقة على الواحد فصاعدا كما عن ابن عباس التصريح به في
الأولى منهما، ولعل الثانية كذلك، لأنها فسرت بها في الصحاح والمصباح.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 2
173

(وأما أحكامها فمسائل: الأولى كل سهو يلحق المصلين في حال متابعتهم
لا حكم له) بناء على أنه كذلك في الأمن وإلا فلا دليل يخص الخوف دونه (و) أما
(في حال الانفراد يكون الحكم ما قدمناه في باب السهو) إذ الفرض أنهم منفردون،
فهم حينئذ كالمسبوق الذي انفرد عن إمامه لاتمام صلاته، نعم ينبغي جريان حكم الائتمام
هنا على الفرقة الثانية حال قيامها لاتمام صلاتها وبقاء الإمام منتظرا لها بناء على المختار
من بقائها على الائتمام حينئذ، لكن عن الشيخ في المبسوط أنه أوجب عليهم أنفسهم
سجدتي السهو مع حصول سببهما في هذه الركعة بخلاف الركعة التي صلوها مع الإمام،
فلا حكم لسهوهم فيها، ولعل ذلك بناء منه على ما ذهب إليه الشهيد كما عرفت من انفراد
الفرقة الثانية وعدم بقائهم على الائتمام وإن انتظرهم الإمام للتسليم، وكأنه لذا نسب
إلى المبسوط موافقة الشهيد في ذلك، وقد عرفت أن الأقوى خلافه، كما أنك عرفت
في باب الجماعة عدم تحمل الإمام عن المأموم السهو الموجب لسجدتين ونحوهما، وعدم
وجوب متابعة المأموم للإمام إذا اختص السهو به، فليست هذه حينئذ ثمرة تترتب
على مأمومية هذه الفرقة أو انفرادها، بل ولا لشك في الركعات، لأن الظاهر المنساق
من تلك الأدلة اشتراط اشتراكهما في الركعات بالنسبة إلى رجوع أحدهما إلى حفظ
الآخر فيها دون ما ينفرد أحدهما في تأديته، نعم يترتب على ذلك الثواب، وعدم
جواز الائتمام به مثلا، ونحو ذلك مما لا يخفى.
المسألة (الثانية أخذ السلاح) كالسيف والخنجر والسكين ونحوها من آلات
الدفع (واجب) على الفرقة الحارسة قطعا، لتوقف الحراسة الواجبة عليه، ولفحوى
وجوبه على المصلية حال التشاغل (في الصلاة) المعلوم بين من عدا ابن الجنيد من
الأصحاب كما اعترف به في الرياض، لتوقف الحراسة عليه أيضا، ولظاهر الأمر به
في الآية، إذ احتمال صرفه للفرقة الحارسة خاصة مناف للظاهر وإن قيل: إنه روي
174

في التفسير عن ابن عباس أن المأمورين بأخذ السلاح هم الذين بإزاء العدو، كاحتمال
تنزيله على الاستحباب بقرينة سوقه مساق الإرشاد إلى حفظ النفس، إذ يدفعه - مع
أنه لا يرفع ظهور الوجوب، ضرورة عدم منافاة الاحتمال لذلك - إمكان منعه في مثل
الأمر الصادر من المالك الحقيقي للنفس، والذي هو أولى بها من صاحبها الصوري،
ولذا حرم عليه قتلها مثلا، وخصوصا في المقام باعتبار انضمام حفظ الشريعة وبيضة
الاسلام أو حفظ الغير وحراسته إلى ذلك، بل ينبغي القطع بإرادة الوجوب منه هنا
بملاحظة الآية الثانية (1) المتضمنة للإذن في عدم حمل السلاح للضرورة كالمرض ونحوه
فما عن ابن الجنيد من القول بالندب تمسكا بما سمعت ضعيف حينئذ.
نعم يتجه سقوط وجوبه لو كان يمنع من إتيان بعض الواجبات على ما هي عليه
بل المتجه حينئذ وجوب طرحه، وما عن الشيخ وابن البراج من التصريح بالكراهة في
الفرض محمول على مانع الكمال لا أصل الفعل، وإلا كان ضعفه واضحا، ضرورة
استلزام حمله الاخلال بالواجب، اللهم إلا أن يقال إنها واجبان، فالمتجه الترجيح
بينهما، فربما كان الخوف شديدا والعدو قريبا والدافع قليلا ونحو ذلك من الأمور
المقتضية لحمل السلاح فيحمل حينئذ وإن استلزم فوات تلك الواجبات للضرورة، وربما
لم يكن كذلك فيقدم حينئذ واجب الصلاة عليه، وهل الواجب حمل جميع ما عنده
من السلاح أو يكفي البعض؟ صرح بعضهم بالثاني، لصدق الامتثال معه، ويقوى
الأول لاقتضاء الإضافة هنا العموم والعهد، كما أنه يقوى وجوب حمل آلات الدفع
من الدرع والجوشن ونحوهما، لفحوى الأمر بأخذ السلاح والكون على الحذر، وفي
المانع منها لبعض واجبات الصلاة كالركوع والسجود على الجبهة ونحوهما ما تقدم أيضا،
وتصريح الشيخ وابن البراج هنا بالكراهة على ما قيل حمله بعضهم على إرادة المنع من

(1) سورة النساء الآية 103
175

كما لهما لا أصل الفعل، ومثله قيل في السلاح أيضا، وفيه أن المنع من الكمال لا يسقط
الواجب له، إذ الفرض الوجوب، فلا يعارضه إلا الواجب الآخر كما اعترف به في
الذكرى، لكن ينبغي أن يعلم أنه صرح غير واحد بتعبدية هذا الوجوب لا شرطيته
في الصلاة، لكون النهي فيه عن أمر خارج، فلو صلى حينئذ غير حامل للسلاح صحت
صلاته وإن فعل محرما بترك الحمل، وهو جيد لولا ما ينساق من مثل هذا الأمر في
مثل المقام من الشرطية وإن كان أمر خارجا عن الصلاة، كما لا يخفى على المتأمل في
نظائره مما ورد الأمر به في الصلاة، اللهم إلا أن يفرق بين ما وجب في الصلاة لا قبلها
أو بعدها وبين ما وجب فيها وقبلها وبعدها، فيخص ظهور الشرطية أو تبادرها في
الأول دون الثاني، وفيه بحث أيضا، لامكان دعوى ظهورها أيضا من نحو (لا تنظر
إلى الأجنبية في الصلاة) إلا أن يفرق بينهما بعدم ذكر الصلاة في الآية الشريفة،
فلا احتمال حينئذ لمدخلية هذا الواجب في الصلاة، بل هو واجب لنفسه خصوصا مع
التأييد بفتوى من تعرض لذلك.
(ولو كان على السلاح نجاسة لم يجز أخذه على قول) ضعيف لا دليل معتد به
له (والجواز) بمعنى بقاء الوجوب المزبور (أشبه) لاطلاق الأدلة السالمة عن المعارض
إذ هو محمول أولا، ولا تتم الصلاة به منفردا، نعم لو كانت نجاسة متعدية للثياب
ونحوها أو كان مما تتم الصلاة به منفردا كالدرع ونحوه مما ألحق بالسلاح اتجه حينئذ
عدم الجواز إلا للضرورة، ومما سمعت ظهر لك الحال في قوله: (ولو كان ثقيلا يمنع
شيئا من واجبات الصلاة لم يجز) حمله إلا للضرورة التي يرجح مراعاتها على مراعاة
واجب الصلاة، فيصلي حينئذ بحسب الامكان ولو بالايماء، ولو كان السلاح مما يتأذى به
غيره كالرمح ففي المسالك لم يجز حمله إن لم يمكنه الانتقال إلى حاشية الصفوف إلا مع
الضرورة، فتأمل.
176

المسألة (الثالثة إذا سها الإمام سهوا يوجب السجدتين ثم دخلت الثانية معه فإذا
سلم وسجد لم يجب عليها اتباعه) حتى على قول الشيخ، لسبق وقوع سببه على ائتمامهم به
فلا يجب عليهم اتباعه، نعم يتجه وجوبه على الطائفة الأولى كما اعترف به في المسالك،
قال: (ويشير إليهم ليسجدوا بعد فراغهم) وفيه أن وجوبه عليهم للمتابعة له لا لأنفسهم
ومنه ينقدح وجه وجوبه على الفرقة الثانية، اللهم إلا أن يقال: إن وجهه اشتراك الصلاة
بين الإمام والمأموم، فيؤثر حينئذ سهو الإمام وجوب السجدتين وإن اختص به
لا المتابعة، فيتجه حينئذ وجوبهما على الأولى دون الثانية، وحيث تعذر فعلهما منها
معه بسبب انصرافها إلى موقف أصحابها وجب عليها السجود عند الفراغ، والأمر
سهل بعد أن كان المختار عندنا اختصاص كل من الإمام والمأموم سهوه، كما ذكرناه
مفصلا فيما سبق، فلاحظ.
وأما الثالثة - وهي صلاة عسفان على وزن عثمان موضع بينه وبين مكة ثلاث
مراحل كما في المصباح، أو مرحلتين كما عن القاموس وفي الأول أنه سمي في زماننا
مدرج عثمان - فقد أثبتها الشيخ في مبسوطه، وأرسلها عن النبي (صلى الله عليه وآله)
إرسال دراية لا رواية، وتبعه الشهيدان، نعم اشترطها بشروط، فقال: (ومتى كان
العدو في جهة القبلة ويكونون في مستوى الأرض لا يسترهم شئ ولا يمكنهم أمر يخاف
منه ويكون في المسلمين كثرة لا يلزمهم صلاة الخوف، ولا صلاة شدة الخوف، وإن
صلوا كما صلى النبي (صلى الله عليه وآله) بعسفان جاز، فإنه (صلى الله عليه وآله) قام
مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلفه صفا وصف بعد ذلك الصف صفا آخر
فركع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وركعوا جميعا وسجد وسجد الصف الذين يلونه
وقام الآخرون يحرسونه، فلما سجد الأولون السجدتين وقاموا سجد الآخرون الذين
كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذين يلونه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الآخر
177

إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وركعوا جميعا،
ثم سجد وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخرون يحرسونه، فلما جلس رسول الله
(صلى الله عليه وآله) والصف الذي يليه سجد الآخرون ثم جلسوا جميعا وسلم بهم جميعا
وصلى بهم أيضا هذه الصلاة يوم بني سليم) وعن المنتهى رواية ذلك (1) عن أبي عباس
الزرقي، قال: (كنا مع النبي (صلى الله عليه وآله) بعسفان وعلى المشركين خالد بن
الوليد فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة لو حملنا عليهم في الصلاة فنزلت
آية القصر بين الظهر والعصر. فلما حضر العصر قام رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مستقبل القبلة والمشركون أمامه) وساق الحديث كما روى الشيخ، لكنه مع ذلك
قال بعد أن حكى عن الشيخ الفتوى به: (ونحن نتوقف في هذا، لعدم ثبوت النقل
عندنا عن أهل البيت (عليهم السلام) بذلك) ومثله المصنف في المعتبر في التوقف المزبور
بل لعله في المتن والنافع أيضا كذلك حيث لم يذكرها في كيفية صلاة الخوف فيهما،
ككثير من الأصحاب على ما اعترف به في الدروس، وإن كان هو فيها وفي الذكرى
وافق الشيخ عليها معللا ذلك بأنها صلاة مشهورة في النقل، فهي كسائر المشهورات
الثابتة وإن لم تنقل بأسانيد صحيحة، وقد ذكرها الشيخ مرسلا لها غير مسند ولا محيل
على سند، فلو لم تصح عنده لم يتعرض لها حتى ينبه على ضعفها، فلا تقصر فتواه عن
روايته، ثم ليس فيها مخالفة لأفعال الصلاة غير التقدم والتأخر والتخلف بركن، وكل
ذلك غير قادح في صحة الصلاة اختيارا، فكيف عند الضرورة، وأنكر عليه المحدث
البحراني في حدائقه من وجوه إنكارا أساء الأدب فيه، بل هو في غير محله بالنسبة
إلى البعض.
نعم لا بأس بالتوقف في الحكم المزبور بعد فرض المخالفة لصلاة المختار، إذ

(1) تيسير الوصول ج 2 ص 289 عن أبي عياش الزرقي
178

إرسال الشيخ وفتواه بها لو سلم دلالته على وصولها إليه بطريق صحيح للعلم بورعه
وطريقته لم يستلزم الصحة عندنا، ولا يسوغ لنا التعويل عليه من هذه الجهة، وليس
هو كحكاية الاجماع قطعا، وإلا لصح الاعتماد على ما كان مثل ذلك من المراسيل،
وشهرتها في النقل بيننا بعد علمنا بأن مبدأه نقل الشيخ لا يجدي.
والظاهر أنها مخالفة لصلاة المختار لا من جهة التقدم والتأخر - إذ هو إن لم
يستلزم فعلا كثيرا غير مفسد، اللهم إلا أن يقال قضية الاطلاق فعلهما وإن استلزما
ذلك، لكن ومع يهون الخطب إمكان دعوى عدم وجوبهما كما صرح به في
الدروس، لكن قال: (إن التنفل أفضل) وهو المذكور في المبسوط، بل قال أيضا:
(والأقرب جواز حراسة الصف الأول في الركعة الأولى والثاني في الثانية، بل يجوز
تولي الصف الواحد الحراسة في الركعتين) وفيه أنه مخالف للكيفية الثابتة عنه (صلى الله عليه وآله)
بل مخالفتها من جهة التخلف عن الإمام بركن، إذ هو وإن كان لا يفسد الاقتداء ولا
الصلاة في المختار على الأصح إلا أنه لا ريب في الإثم معه المعلوم عدمه في المقام، ودعوى
أن ارتفاعه للضرورة فهو كالمختار المتخلف لعذر من الزحام وغيره يدفعها الفرق بينهما
بحدوث الضرورة في الأثناء في الثاني والعلم بها ابتداء في الأول، فلا يلزم من جواز
التخلف لتلك جوازه هنا، مع إمكان فعل الصلاة خالية عن ذلك، كما لو صلاها بصلاة
بطن النخل أو بغيرها.
وكيف كان فشروطها كما ذكره غير واحد كون العدو على جهة القبلة ليتمكن
من الاحتراس في أثناء الصلاة، وإمكان الافتراق، وإلا لم يحصل الموضوع، وفي
جواز تعدد الصفوف فيترتبون في السجود والحراسة وجهان، قرب أولهما في الدروس،
وهو مخالف للكيفية الثابتة، ومقتض لخلو الزائد عن الصفتين عن متابعة الإمام في
السجود في الركعتين، وأن يكونوا في مكان يتمكنون من الحراسة من المشركين في
179

الصلاة، كما لو كانوا في قنة جبل أو في مستو من الأرض لا يمكن أن يكون فيها كمين
ونحوه، ووجهه واضح، هذا.
وفي الدروس أن لصلاة عسفان كيفية أخرى، وهي أن يصلي كل فريق ركعة
ويسلموا عليها، فيكون له ركعتان، ولكل فريق ركعة واحدة، قال: رواها
الصدوق (1) وابن الجنيد، ورواها حريز أيضا في الصحيح (2) وقد عرفت البحث في
ذلك فيما تقدم عند البحث عن القصر في صلاة الخوف، وأنه على حسب القصر في
السفر لا أنه رد الركعتين إلى ركعة وإن ورد بذلك بعض النصوص، لكنك خبير
أنه ليس في كيفية صلاة عسفان، بل هو في كيفية التقصير في صلاة الخوف فلاحظ وتأمل.
(وأما صلاة المطاردة وتسمى) صلاة (شدة الخوف مثل أن ينتهي الحال إلى)
الموافقة والمنازلة (والمعانقة والمسايفة) والمراماة ونحو ذلك، فهي وإن كانت قسما
أيضا من صلاة الخوف كالصلاة السابقة، ومشاركة لها في قصر الكم، وسببها قسما أيضا
من ذلك السبب، ضرورة كون شدة الخوف من بعض أفراد الخوف لكنها لما خالفتها
في قصر الكيفية أيضا مع الكم - ولذا لم تشرع إلا بعد تعذر الكيفيات السابقة - أفردها
في الذكر عنها، وجعلها كالقسيم لها.
وكيف كان (ف‍) المكلف في هذه الأحوال التي لا يسعه فيها الاتيان بالصلاة
على حسب ما تقدم لا انفرادا ولا اجتماعا (يصلي على حسب إمكانه واقفا أو ماشيا أو
راكبا) أو مضطجعا أو غير ذلك، ضرورة عدم السقوط عنه، لأنها لا تسقط في حال
ولا يسقط الميسور بالمعسور (3) وما لا يدرك كله لا يترك كله (4) وقال الله تعالى (5):

(1) الفقيه ج 1 ص 295 الرقم 1343 من طبعة النجف
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 2
(3) المروي في غوالي اللئالي
(4) المروي في غوالي اللئالي
(5) سورة البقرة الآية 240
180

(فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) (1) (ويريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)
مضافا إلى الاجماع محصلا ومنقولا على ذلك، فينوي الصلاة (ويستقبل القبلة بتكبيرة
الاحرام ثم يستمر إن أمكنه) الاستمرار (وإلا استقبل ما أمكن، وصلى مع التعذر
للاستقبال حتى بالتكبيرة (إلى أي الجهات أمكن) لما عرفت، ولصحيح الفضلاء (2)
عن الباقر (عليه السلام) (في صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة يصلي كل إنسان
منهم بالايماء حيث كان وجهه وإن كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال، فإن
أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة صفين وهي ليلة الهرير لم تكن صلاتهم الظهر والعصر
والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا التكبير والتهليل والتسبيح والتحميد والدعاء،
وكانت تلك صلاتهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة) معتضدا بظاهر الاتفاق، وبالمستفاد من
سبر باقي روايات المقام وإن لم يكن فيها تصريح بذلك، فاحتمال سقوط الصلاة إذا لم
يتمكن من الاستقبال بالتكبيرة للأصل لا يلتفت إليه، كاحتمال وجوب الاستقبال في
خصوص التكبيرة وإن خشي، لظاهر صحيح زرارة (3) عن الباقر (عليه السلام)
(قلت: أرأيت إن لم يكن المواقف على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟
قال: يتيمم من لبده أو سرجه أو معرفة دابته فإن فيها غبارا، ويصلي ويجعل السجود
أخفض من الركوع، ولا يدور إلى القبلة، ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل
القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه) لوجوب حمله على التمكن من الاستقبال في التكبيرة
خاصة كما هو الغالب، وإلا فلا ريب في عدم الوجوب مطلقا مع التعذر، كما أنه لا ريب
في وجوب ما يتمكن منه من الاستقبال، ونحوه الركوع والسجود، فلو فرض إمكان

(1) سورة البقرة الآية 181
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 8
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 8
181

نزوله للركوع أو للسجود حال الركوب وجب، ضرورة تقدير الضرورة بقدرها،
فما دل على وجوبهما على الوجه المخصوص لا معارض له، وكثرة الفعل مغتفرة هنا
كما في باقي الأحوال، وبه صرح في المسالك.
(نعم إذا لم يتمكن من النزول صلى راكبا وسجد على قربوس فرسه) كما هو
من معقد إجماع المنتهى، بل والغنية على الظاهر، فإن تم كان هو الحجة، وإلا فللنظر
فيه مجال، لخلو النصوص عن تعيين السجود على القرابيس، بل ربما كان قضية إطلاقها
خصوصا الصحيح السابق خلافه، واحتمال الاستدلال بعدم سقوط الميسور بالمعسور
ونحوه كما ترى، إلا أنه ومع ذلك كله فلا ريب في أنه أحوط في الفراغ عما اشتغلت
به الذمة بيقين، ومقتضى إطلاق المتن ومعقد الاجماعين عدم الفرق بين كون القربوس
مما يصح السجود عليه أولا، لكن في المسالك (أنه إن كان لا يصح السجود عليه
فإن أمكن وضع شئ منه عليه وجب، وإلا سقط) وهو جيد، وألحق في الذكرى
بالقربوس عرف الدابة، وفيه تأمل.
(وإذا لم يتمكن) من ذلك أيضا لالتحام القتال واختلاف السيوف (أومأ
إيماء) بلا خلاف أجده، بل هو من معقد إجماعي الغنية والمنتهى، للصحيحين السابقين
والموثق (1) عن الصادق (عليه السلام) (إذا التقوا فاقتتلوا فإنما الصلاة حينئذ بالتكبير
فإذا كانوا وقوفا فالصلاة إيماء) وغيره من النصوص التي يمر عليك بعضها إن شاء الله
وينبغي أن يكون الايماء بالرأس لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (2):
(صلاة الزحف على الظهر إيماء برأسك وتكبير، والمسايفة تكبير بغير إيماء، والمطاردة
يصلي كل رجل على حياله) وغيره مما تسمعه إن شاء الله، بل هو المنساق من الاطلاق
خصوصا وقد كان بدلا في المريض ونحوه، ومن هنا قال في المسالك بل والروضة:

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 9 - 2
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 9 - 2
182

(إنه إن تعذر فبالعينين كالمريض) فتأمل.
وكيف كان (فإن خشي) من الايماء المزبور بأن بلغ الحال إلى حد لا يتمكن
منه (صلى بالتسبيح ويسقط الركوع والسجود) حينئذ وأذكارهما والقراءة (و) بالجملة
(يقول بدل كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) لصحيح
الفضلاء السابق المتضمن لفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) كالمرسل (1) (فات الناس
مع علي (عليه السلام) يوم صفين صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأمرهم فكبروا
وهللوا وسبحوا رجالا وركبانا) وخبر البصري (2) عن الصادق (عليه السلام) في صلاة
الزحف، قال: تكبير وتهليل لقول الله عز وجل: (فإنه خفتم فرجلا أو ركبانا)
والموثق السابق (3) ومرسل ابن المغيرة (4) عنه (عليه السلام) أيضا (أقل ما يجزي
في حد المسايفة من التكبير تكبيرتان لكل صلاة إلا المغرب، فإن لها ثلاثا) إلى غير
ذلك مما يفيد تصفحه المطلوب وإن كان هو بعد جمع مضامينها، لعدم منافاة النقصان
الزيادة، أو يحمل التكبير في بعضها على إرادة الكيفية المزبورة تماما تسمية للكل باسم الجزء.
نعم ليس في شئ من النصوص ترتيب إجزاء التكبيرة بالكيفية المزبورة في المتن
وغيره، بل ربما كان قضيتها كفايتها بأي ترتيب كان كما اعترف به بعضهم، إلا أنه
لما كان الاجماع كما في الذكرى على إجزاء الكيفية المزبورة وكانت الذمة مشتغلة بيقين
لم يكن بأس بالقول بتعينها، خصوصا وإطلاق النصوص مساق لبيان كفايتها لا كيفيتها
والفتاوى متظافرة كما قيل بتعينها، وليس اختلاف النصوص هنا وإطلاقها بأعظم منها
في الأخيرتين، مع أن الاجماع منعقد كما في الرياض على وجوب الكيفية فيهما، بل
لعل ذا مما يؤيده تعين الكيفية المخصوصة باعتبار أنها الواجبة في حال الاختيار، وأولى

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 5 - 1 - 9 - 3
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 5 - 1 - 9 - 3
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 5 - 1 - 9 - 3
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 5 - 1 - 9 - 3
183

من غيرها في البدلية عن الركعة، والأولى إضافة الدعاء إلى هذه تأسيا بالمحكي من فعل
أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة الهرير في الصحيح وإن كان في تعينه نظر، كما أنه
ليس في شئ من النصوص الترتيب المذكور في أصل كيفية صلاة المطاردة والمسايفة،
إلا أنه يمكن استفادته بعد الاجماع كما في الرياض من الأصول والقواعد المقتضية وجوب
مراعاة كل ما أمكن من الواجب دون المتعذر الذي علمنا عدم سقوط أصل الصلاة
بسببه، ومن قوله (عليه السلام): (لا يسقط الميسور بالمعسور) (وما لا يدرك كله
لا يترك كله) وكان مقتضى ذلك وجوب مراعاة الممكن من قراءة الركعة وأذكار
ركوعها وسجودها ونحو ذلك عند تعذر الايماء أيضا، كما أنه لم يسقط شئ مما يتمكن
من القراءة والذكر ونحوهما عند تمكنه من الايماء، فلا يكتفي حينئذ بالتكبير المزبور عن
الركعة بمجرد تعذر الايماء وإن تمكن من القراءة مثلا كما هو ظاهر المتن وغيره، إلا أنه
يجب الخروج عن ذلك بمعقد إجماع الغنية الذي يشهد له تتبع الفتاوى، ويعضده إطلاق
بعض النصوص الصحيحة المتقدمة سابقا، فمتى تعذر الايماء حينئذ انتقل إلى التكبير
المزبور بدل كل ركعة، لكن قد يظهر من الروضة عدم سقوط القراءة في الفرض مع
التمكن منها، وهو لا يخلو من وجه.
ولو لم يتمكن من التسبيحة التامة اقتصر على التكبير وما يتمكن من باقي الأذكار
ولم يتعرض له في النصوص لندرته.
ولا يدخل في الركعة تكبيرة الاحرام والتشهد والتسليم كما صرح به بعضهم
كالشهيد في المسالك والروضة وغيره، لعدم دخول شئ منها في مسماها، فيجب حينئذ
عدم ترك شئ منها، لكن مقتضى إطلاق النصوص عدم وجوب شئ غير التسبيح
المزبور، وأنه هو الصلاة، ولعله هو الأقوى وفاقا لصريح رياض الفاضل وظاهر
184

غيره، وإن كان الأول أحوط.
ولو شك في عدد التسبيح بطل كمبدله، وبه صرح في المسالك وإن كان هو لا يخلو
من بحث، سيما والبدلية المزبورة لم تكن صريح شئ من النصوص، وإنما استفيدت من
حيث الاكتفاء بها عوض الركعة، فتأمل.
والظاهر بقاء مشروعية الجماعة في الصلاة المزبورة حتى لو بلغت إلى التسبيح
كما صرح به الشهيدان، وإن أوهم العدم ظاهر الإرشاد، لاطلاق أدلة استحبابها، ولا
يقدح هنا اختلاف الإمام والمأموم في القبلة وإن قلنا بعدم الجواز في المختلفين بالاجتهاد
للفرق بينهما بأنه لا احتمال للخطأ هنا، إذ كل منهم قبلته الحال المتمكن منها، فهم
كالمستديرين حول الكعبة، بخلافه في المجتهدين، نعم يعتبر عدم تقدم المأموم على الإمام
وعدم الحائل ونحوهما من الشرائط الأخر، لعدم الدليل على سقوطها، فقضية شرطيتها
سقوط الجماعة عند عدم التمكن من أحدها كما هو واضح، ولا يتحمل الإمام هنا التسبيح
عن المأموم، إذ هي وإن كانت بدل القراءة التي يتحملها عنه لكنها بدل أمور أخر
أيضا لا يتحملها عنه كالركوع والسجود وأذكارهما ونحو ذلك.
(فروع: الأول إذا صلى موميا) أو مسبحا مثلا (فأمن) أمانا ارتفع به
العذر في الايماء وإن بقي أصل الخوف (أتم صلاته) المقصورة عددا أو الثلاثية
(بالركوع والسجود فيما بقي منها) إذ ما وقع منها كان صحيحا مجزيا لموافقته للأمر
(ولا يستأنف) الصلاة، فلو سبح تسبيحة حينئذ بدل ركعة فأمن بقيت عليه ركعة
إن كانت ثنائية، وركعتان إن كانت ثلاثية، أما إذا ارتفع أصل الخوف أتم ما بقي
غير مقصر في الكمية والكيفية إذا لم يكن مسافرا.
(وقيل) والقائل الشيخ فيما حكي عنه: إنه يتم ما بقي من صلاته عند حدوث
الأمن (ما لم يكن استدبر القبلة في أثناء صلاته) وإلا استأنفها، قال: (لو صلى
185

ركعة مع شدة الخوف ثم أمن نزل وصلى بقية صلاته على الأرض، وإن صلى على
الأرض إما ركعة فلحقته شدة الخوف ركب وصلى بقية صلاته إيماء ما لم يستدبر القبلة
في الحالين، فإن استدبرها بطلت صلاته) إلى آخره. ولا ريب أن الأقوى الصحة
مع الحاجة إلى الاستدبار، لأنه موضع ضرورة وانقلاب تكليف والشرائط معتبرة
مع الاختيار (وكذلك) الحكم (لو صلى بعض صلاته ثم عرض له الخوف أتم صلاته
خائفا) كما وكيفا على حسب ذلك العارض له (ولا يستأنف) الصلاة لعدم المقتضي،
بل قاعدة الاجزاء تقضي بما ذكرنا كما هو واضح.
الفرع (الثاني من رأى سوادا فظنه عدوا فقصر) عددا (أو) عددا وكيفية بأن
(صلى موميا) مثلا (ثم انكشف بطلان خياله) بأن ظهر إبلا (لم يعد) صلاته وإن
بقي الوقت لقاعدة الاجزاء، ضرورة تحقق السبب، وهو الخوف الذي لا يتفاوت في
حصول مسماه الاشتباه في أسبابه، بل هو مبني على ذلك، ومن هنا كان لا وجه لاحتمال
وجوب الإعادة في المقام باعتبار أنه من تخيل الأمر كالصلاة بظن الطهارة لا الأمر
حقيقة، للفرق الواضح بين الخوف وغيره، إذ بانكشاف الخطأ في مسببه لم ينكشف
عدم تحقق مسماه في الواقع بخلاف غيره.
(وكذا) الكلام (لو أقبل العدو فصلى موميا لشدة خوفه ثم بان أن هناك
حائلا يمنع العدو) لم يعلم به، نعم لو قصر وفرط في عدم معرفة الحائل لسهولة الاطلاع
عليه ففي الذكرى أنه لا تصح الصلاة، ومثله الأول أيضا إذا قصر وفرط في النظر إليه
أو كان الخوف من مثل ذلك السواد في ذلك الوقت والمكان من الأوهام السوداوية
وشدة الجبن، مع أن وجوب الإعادة أيضا فيهما معا خصوصا خارج الوقت لا يخلو
من بحث.
الفرع (الثالث إذا خاف من سيل أو سبع) أو حية أو حرق أو غير ذلك
186

(جاز أن يصلي صلاة شدة الخوف) فيقصر حينئذ عددا وكيفية، لعدم الفرق في
أسباب الخوف المسوغة لذلك بعد التعليق بعض النصوص (1) على مسمى الخوف
المشعر بالعلية، مضافا إلى أولوية البعض من خوف العدو، وإلى خصوص الموثق (2)
(سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا)
كيف يصلي؟ وما تقول إن خاف من سبع أو لص كيف يصلي؟ قال: يكبر ويومي
إيماء) لظهور سياقه في اتحاد الصلاتين، والصحيح (3) عن الباقر (عليه السلام)
(الذي يخاف اللصوص والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته) والمرسل (4) عن
الصادق (عليه السلام) (في الذي يخاف السبع أو يخاف عدوا يثب عليه أو يخاف
اللصوص يصلي على دابته إيماء الفريضة) وفي الفقيه (أنه رخص في صلاة الخوف من
السبع إذا خشيه الرجل على نفسه أن يكبر ولا يومي رواه محمد (5) عن أحدهما (عليهما
السلام)) وغير ذلك، والخصوصية فيها يدفعها عدم القول بالفصل فيما عدا خوف العدو
من الأسباب كما اعترف به في الرياض.
والضعف في سند البعض وفي دلالة الجميع باعتبار انسياق التشبيه إلى إرادة قصر
الكيفية المتفق عليه في جميع أسباب الخوف نقلا وتحصيلا تجبره الشهرة العظيمة المحكية
في الرياض على التعميم المزبور إن لم تكن محصلة، بل في المعتبر نسبته إلى فتوى
علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، بل في مجمع البرهان الاجماع على عدم الاختصاص
بالكفار، مع أنه تردد فيه بعد ذلك.
لكن الانصاف أنه مع ذلك كله لا يخلو من نظر وتأمل، خصوصا فيما قيل:
إنه يندرج في إطلاقهم الأسير في يد المشركين، والمعسر العاجز عن البينة إذا هرب

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث - 0 - 1 - 8 - 12 - 5
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث - 0 - 1 - 8 - 12 - 5
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث - 0 - 1 - 8 - 12 - 5
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث - 0 - 1 - 8 - 12 - 5
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث - 0 - 1 - 8 - 12 - 5
187

خشية الحبس، والخائف من الظالم إذا هرب، بل وإذا استتر في بيته مثلا أيضا منه
وخصوصا فيما ذكره في الذكرى من أنه لو كان المحرم يخاف فوت الوقوف باتمام الصلاة
عددا أو أفعالا ويرجو حصوله بقصرهما أو أحدهما فالأقرب جوازهما، لأن أمر الحج
خطير، وقضاءه عسير، إذ أصالة التمام وإطلاق أدلته يجب عدم الخروج عنهما إلا بدليل
معتد به، وليس، والآية (1) إن لم يكن ظاهر المفهومين فيها خلاف ذلك فلا دلالة
فيها على شئ منه.
فما وقع لبعضهم من الاستدلال بمنطوقها على خوف العدو وفحواها على باقي
الأسباب كما ترى، ودعوى الأولوية القطعية أو المساواة في غاية المنع، لأن حكم
الشرع ومصالحه في غاية الخفاء، والتعليق على الخوف مع أن المنساق منه خصوصا مع
ملاحظة باقي النصوص العدو لا ظهور فيه في المطلق سيما مع عدم وضوح التعليق وعدم
سوقه لبيان ذلك، ونصوص السبع ونحوه ظاهرة في قصر الكيفية، والشهرة فضلا عن
الاجماع لم نتحققها، إذ جملة من المحكي من عبارات القدماء محتملة لإرادة قصر الكيفية
كالأخبار، وموثق سماعة المضمر (2) (سألته عن الأسير يأسره المشركون فتحضره
الصلاة فيمنعه الذي أسره منها، قال: يومي إيماء) كموثقه الآخر (3) (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأخذه المشركون فتحضره الصلاة فيخاف منهم
أن يمنعوه فيومي إيماء، قال: يومي إيماء) إنما يدل على قصر الكيفية، ولذا نص الشهيد
في الذكرى - مع أنه عمم أسباب الخوف ذلك التعميم المزبور - على عدم جواز تقصيره
في العدد، وكأنه للفرق بين التقصير خشية استيلاء العدو مثلا لو أتم وبين الخوف من
أدائها بمحضر منه، والأول هو الذي يقصر العدد لأجله، ويسمى بصلاة الخوف

(1) سورة النساء الآية 102
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 2 - 1
188

لا الثاني، ومنه يظهر ضعف القول بتقصير المستتر المختفي في مكان، إذ لا يخشى من
الهجوم عليه لو أتم، فإن الفرض بقاؤه في ذلك المكان بعد الصلاة.
ولعله مما سمعته كله تردد الفاضل كما قيل بل وغيره فيه، بل حكي عن السرائر
وغيرها وجوب مراعاة العدد في جميع هذه الأسباب، والمراد أنه إن لم يتمكن من
الركعات ولو بقصر الكيفية يسقط أداء الصلاة حينئذ لا أنه مكلف بذلك على كل حال
كي يستغرب ذلك، على أنه من الفروض النادرة جدا بناء على جريان صلاة التسبيح
في المقام كما يومي إليه معاقد إجماعاتهم، وخبر الفقيه المتقدم سابقا، بل وغيره من
النصوص السابقة.
نعم قد يقال هنا بوجوب مراعاة الممكن من القراءة وأذكار الركوع والسجود
وإن تعذر الايماء، فلا ينتقل إلى التسبيحات بمجرد تعذر الايماء كما قلناه في صلاة
المسايفة، لاختصاص ذلك الدليل فيها، مع أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في المقامين
في جميع ما تقدم من قصر الكيفية، ويؤيده فحاوي النصوص المعتضدة بالاتفاق ظاهرا.
والاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك كله حتى في الخوف من العدو إذا لم يكن
مخالفا في الدين وإن كان باغيا بالخروج على غير إمام العصر، للشك في شمول الأدلة،
أما لو كان عليه فلا ريب في تقصير العدد حينئذ، كما يدل عليه فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)
في حرب صفين والحسين (عليه السلام) في كربلا.
كالشك في تناول الأدلة لمشروعية صلاة الخوف بالنسبة إلى الباغي نفسه وإن
كان يمكن أن يقال إنه وإن عصى ببغيه إلا أن تكليفه حينئذ صلاة الخوف، إذ لا مانع
من انقلاب تكليفه بعصيانه، كمن أراق الماء عمدا فصار فرضه التيمم، ومن أتلف
الساتر فانقلب تكليفه إلى الصلاة عاريا، فالمسافر حينئذ عاصيا يقصر إن اعتراه الخوف
وإن كان فرضه التمام قبله، اللهم إلا أن يقال: إن الحكمة في مشروعية صلاة الخوف
189

المراعاة لحرمة النفس وأهمية حفظها، ولا حرمة لنفس الباغي.
وكذا الشك في شمول الأدلة للخوف من العدو على غير النفس من تلف المال
أو هلاك العيال أو الخوف على البضع، بل في مجمع البرهان زيادة التردد في الأول،
قال: (لاستبعاد صيرورته سببا لذلك، مع أنه ما صرح به غير الفاضل مترددا في
الأعظم منه كالخوف من السبع وشبهه، إلا أن يقيد بالمال الذي يخاف بهلاكه هلاك
النفس) إلى آخره. لكن الانصاف في خصوص ذلك تناول الأدلة له حتى الآية،
لصدق خوف فتنة الذين كفروا عليه، والله أعلم.
الفرع الرابع لا إشكال على الظاهر في صلاة الجمعة بصلاة عسفان، لوجود
المقتضي وارتفاع المانع، كما أنه لا إشكال في العدم بصلاة بطن النخل، لأنها لا تشرع
نفلا ولا في مكان واحد مرتين، أما بذات الرقاع إذا صليت خطرا فالظاهر الصحة،
ففي الذكرى (فيخطب للأولى خاصة بشرط كونها كمال العدد فصاعدا، ولا يضر
انفراد الإمام حال مفارقة الأولى في أثناء الصلاة، لأنه في حكم الباقي على الإمامة من
حيث انتظاره الثانية، وعدم فعل يعتد به حينئذ، ولا تعدد هنا في صلاة الجمعة، لأن
الإمام لم يتم جمعته مع مفارقة الأولى، فالفرقتان تجريان مجرى المسبوقين في الجماعة الذين
يتمون بعد تسليم الإمام، ولذا لا يحتاجون إلى إعادة الخطبة، نعم لو خطب بالأولى
وانصرفت قبل أن تصلي ثم جاءت الثانية احتاجت إلى إعادة الخطبة، لعدم صلاة
الأولى كي تتصل بها فتستغني عن الخطبة) ولعله مراد الشيخ في المحكي عنه في الذكرى
وغيرها، وإن كان ربما توهم في بادئ النظر اعتبار الخطبة للثانية وإن اتصلت صلاتها
بصلاة الأولى التي خطب بها، حتى عد مخالفا في المقام، فلاحظ وتأمل.
الفرع الخامس الظاهر عدم اعتبار التأخير إلى آخر الوقت في صلاة الخوف إذا
كانت بإحدى الكيفيات الثلاثة السابقة، ضرورة أن عدم النقصان في نفس الصلاة، إنما
190

هو إن كان ففي كيفية الجماعة في خصوص ذات الرقاع وصلاة عسفان، وإطلاق الأدلة
يقتضي جوازه في أول الوقت مع علم التمكن بعد من غيره فضلا عن الياس منه أو رجائه
هذا إن قلنا باختصاص الكيفيتين في الاضطرار، وإلا فلا إشكال أصلا.
إنما البحث في اعتبار التأخير إلى وقت الضيق في صلاة شدة الخوف التي قد
عرفت نقصانها عن صلاة المختار في الأجزاء والشرائط وعدمه، فظاهر جماعة منهم
الشيخ فيما حكي من مبسوطه ونهايته الثاني، بل في الرياض أنه المشهور، لاطلاق الأدلة
كتابا وسنة، بل ظاهر مساواة الخوف للسفر المعلوم عدم اشتراط الضيق فيما يوجبه من
القصر وظاهر سلار وأبي الصلاح فيما حكي من كلامهما الأول، لعدم صدق الاضطرار
مع سعة الوقت، وللاقتصار في سقوط الشرائط والأجزاء على محل اليقين، وظاهر
قوله (عليه السلام) في خبر عبد الرحمان (1): (ومن تعرض له سبع وخاف فوت
الصلاة استقبل القبلة وصلى بالايماء) وصريح المحكي (2) من فقه الرضا (عليه السلام)
في صلاة الخائف من اللص والسبع، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان في تعينه نظر،
خصوصا مع اليأس عن ارتفاع العذر، لتعليق الحكم في النصوص والفتاوى على الخوف
الذي لا يتوقف صدقه على الضيق، لا على الاضطرار كي ينافي صدق التوسعة، على أن
الغالب فيما نحن فيه تحقق الخوف الذي يخشى منه عدم التمكن من أصل الصلاة فيما بعد
من الوقت، فيتحقق التضييق، والله أعلم.
(تتمة الموتحل والغريق) ونحوهما كالحريق وغيره (يصليان بحسب الامكان)
من الكيفية بلا خلاف ولا إشكال، لعدم سقوط الصلاة بحال، وقبح التكليف بما لا
يطاق، فيتركان القراءة إذا لم يتمكنا منها (ويوميان لركوعهما وسجودهما) على حسب

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 4
(2) المستدرك الباب 3 من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث 2
191

ما تقدم سابقا، لأن الظاهر اتحاد جميع ذوي الأعذار في قصر الكيفية، نعم قد
يتوقف في بدلية التسبيح هنا، مع أنه ربما يقوى ذلك أيضا، خصوصا بعد ما عرفته
في مثل الخوف من اللص والسيل والسبع ونحوها، لكن في البدلية على الوجه المتقدم
في صلاة الخوف من الاكتفاء فيها بمجرد تعذر الايماء وإن تمكن من القراءة والأذكار
توقف وتأمل، ومراعاة الأصول تقضي بمراعاة الممكن من القراءة والأذكار
وإن تعذر الايماء.
(و) كيف كان ف‍ (لا يقصر واحد منهما عدد صلاته إلا في سفر أو خوف)
موجبين له كما صرح به جماعة، بل في الرياض نفي الخلاف فيه، لأصالة التمام السالمة
عن معارضة أدلة صلاة الخوف، حتى لو قلنا بالتعميم في أسبابه، ولذا صرح بالتمام هنا
من قال بالتقصير في جميع أسباب الخوف كالمصنف والشهيد وغيرهما، نعم في الذكرى
(لو خاف من إتمام الصلاة استيلاء الغرق ورجا عند قصر العدد السلامة وضاق الوقت
اتجه القصر) واستحسنه في المسالك معللا له بأنه يجوز له الترك، فقصر العدد أولى
قال: (لكن في سقوط القضاء بذلك نظر، لعدم النص على جواز القصر هنا،
فوجوب القضاء أجود) انتهى.
وفيه أنه لا تلازم بين جواز الترك للعجز وجواز قصرها على هذا الوجه، إذ
التمكن من الركعتين بعد انتفاء دليل القصر كالتمكن من الركعة الواحدة خاصة التي من
المعلوم سقوطها مع عدم التمكن من غيرها، وأن المتجه بعد مشروعية القصر له ولو باطلاق
أدلة الخوف سقوط القضاء عنه، لاقتضاء الأمر الاجزاء، ولا حاجة إلى دليل خاص
بعد حجية الاطلاقات عندنا، فاستحسانه القصر مع إيجابه القضاء مما لا يجتمعان،
اللهم إلا أن يريد الاحتياط، فيتجه حينئذ وجوبهما، كما أنه يتجه القصر فيما فرضه
192

في الذكرى بناء على التعميم في أسباب الخوف لمثل السيل والسبع واللص والحرق ونحوها
إلا أنه أطلق هنا عدم القصر في العدد كجماعة من الأصحاب، بل في الرياض أنه
لا خلاف فيه وإن كان يشهد بخلافه التتبع، إذ المحكي عن سلار ظاهر أو صريح في
التقصير فيهما غير مقيد له بما سمعته من الذكرى، وإن كان لا ريب في ضعفه، والله أعلم.
(الفصل الخامس)
(في) البحث عن
(صلاة المسافر)
(و) محل (النظر منها في الشروط والتقصير ولواحقه، أما الشروط فستة:
الأول اعتبار المسافة) فيها بلا خلاف فيه بيننا بل وبين سائر المسلمين، بل هو إن لم
يكن ضروريا عندهم فهو مجمع عليه بينهم، وكتابهم ناطق به، كما أن سنتهم متواترة فيه
وداود الظاهري وإن لم يعتبر مقدارا مخصوصا في المسافة لكن اعتبر الضرب في
الأرض قليلا كان أو كثيرا.
(و) كيف كان ف‍ (هي) تحصل عندنا والأوزاعي من العامة حاكيا له عن
جميع العلماء ب‍ (مسير يوم) تام كيوم الصوم، لقول الباقر (عليه السلام) في صحيح
زرارة ومحمد بن مسلم (1): (قد سافر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى ذي خشب
وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان أربع وعشرون ميلا) والصادق (عليه السلام)
في خبر البجلي (2) (قلت له: كم أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال: جرت السنة ببياض

(1) الفقيه ج 1 ص 278 الرقم 1266
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 15
193

يوم، فقلت له: إن بياض يوم مختلف، فيسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم،
ويسير الآخر أربعة فراسخ وخمسة فراسخ في يوم، فقال: إنه ليس إلى ذلك ينظر،
أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكة والمدينة، ثم أومأ بيده أربعة وعشرين ميلا يكون
ثمانية فراسخ) والصحيح عن أبي بصير (1) قلت له (عليه السلام) أيضا: (في كم
يقصر الرجل؟ قال: في بياض يوم أو بريدين) الحديث، وأبي الحسن (عليه السلام)
في صحيح ابن يقطين (2) (سألته عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم، قال:
يجب عليه التقصير إذا كان مسير يوم وإن كان يدور في عمله) وموثق سماعة (3)
المضمر (سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال: في مسيرة يوم، وذلك بريدان
وهما ثمانية فراسخ) الحديث إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه الظاهرة في إرادة
يوم الصائم منه للتعبير فيها ببياض يوم، وبه صرح بعضهم، بل لم نعثر على خلاف فيه
ولولا ذلك لأمكن إرادة ما بين انتشار الضياء إلى انكسار سورته بانحدار
الشمس إلى الغروب من اليوم مع استثناء القيلولة في القيض وغيرها مما لا يقدح في صدق
السير يوما عرفا، لكن لا بأس بالأول بعد ما عرفت من دلالة النصوص المعتضدة بما
عثرنا عليه من الفتوى عليه، وعلى أن مقداره في الشرع أيضا (بريدان) اللذان أجمع
الأصحاب على وجوب التقصير فيها تحصيلا ونقلا كاد يبلغ التواتر، وكأنه لما كان
سير اليوم مختلفا بحسب الأمكنة والأزمنة والسائرين ودواب السير والجد فيه وعدمه
وغير ذلك - بل ربما حصل فيه اختلاف أيضا في تقديره لو وقع بالليل أو الملفق منه
ومن النهار، إذ لم يعلم أن المقدار يوم تلك الليلة أو يوم آخر - قدره الشارع بالبريدين
دفعا لهذا الاختلاف بعد أن كانا متقاربين في الواقع، ضرورة أن المراد السير العام

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11 - 16 - 8
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11 - 16 - 8
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11 - 16 - 8
194

للإبل، لخبر البجلي (1) السابق، وقول الصادق (عليه السلام) في حسنة الكاهلي (2):
(كان أبي يقول لم يوضع التقصير على البغلة السفواء والدابة الناجية) الحديث.
وأن المراد الاعتدال من الوقت والسير والمكان بمعنى اعتبار الوسط من الثلاثة
كما صرح به بعضهم، وإن ناقش في المدارك في ذلك بالنسبة للأخير، ولعله لاطلاق
النص فيه مع عدم الداعي إلى تقييده في ذلك، بخلاف الأولين، لغلبة السير في الليل
وعدم التواني والجد في السفر، وهو كما ترى.
وعلى كل حال فهو حينئذ تحقيق في تقريب كنظائره، فالترديد بين بياض
اليوم والبريدين في خبر أبي بصير (3) السابق ترديد فيما يسهل على المكلف اعتباره،
وإلا فهما شئ واحد في نظر الشارع لا أنهما أمران مختلفان كي يتجه البحث في أن
مدار المسافة عليهما معا، بمعنى كون المعتبر فيها اجتماعهما كما عساه يوهمه بعض العبارات
فلو فرض قصور مسير اليوم عن البريدين أو بالعكس بأن حصل في بعض اليوم
لم يكن ذلك مسافة.
أو أن المدار على مسير اليوم وإن قصر عن البريدين، لأنه الأصل في المسافة
والتقدير بالبريدين تقدير له، ولأن دلالة النص عليه أقوى، إذا ليس لاعتبارها
بالأذرع على الوجه المذكور نص صريح، بل ربما اختلفت فيه النصوص والفتاوى،
وقد صنف السيد السعيد جمال الدين أحمد بن طاووس كتابا مفردا في تقدير الفراسخ
وحاصله على ما قيل لا يوافق المشهور، لأن الأصل الذي اعتمد عليه الفاضل وغيره
على ما قيل في تقدير الفرسخ يرجع إلى اليوم، إذ قد استدل عليه فيما حكي عن تذكرته
بأن المسافة تعتبر بمسير اليوم للإبل السير العام، وهو يناسب ذلك، قيل وكذا الوضع
اللغوي، وهو مد البصر من الأرض.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 15 - 3 - 11
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 15 - 3 - 11
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 15 - 3 - 11
195

أو أن المدار على التقدير بالبريدين كما عساه يلوح من الذكرى، لأنه تحقيق،
والآخر تقريب، أو أن المدار على حصول أحدهما عملا بكل من الدليلين كما استظهره
في المدارك، ضرورة أن ذلك كله مبني على أنهما تقديران مختلفان للمسافة، أما بناء
على ما ذكرنا من أنهما شئ واحد عند الشارع - فمسير اليوم عنده عبارة عن قطع بريدين
وبالعكس، ومتى تحقق أحدهما تحقق الآخر في نظره فلا يتأتى شئ من ذلك، إذ
فرض مسير البريدين في بعض اليوم أو نقصان مسير اليوم عنهما حينئذ غير قادح في
المراد شرعا، لأن الأول مسير يوم عنده بخلاف الثاني كما هو واضح.
بل كاد يكون صريح بعض الأدلة السابقة كموثق سماعة وخبر البجلي، ونحوهما
حسن الفضل بن شاذان (1) المروي عن الفقيه والعيون والعلل عن الرضا (عليه السلام)
(إنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا أكثر، لأن ثمانية فراسخ
مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال) الحديث. وخبره الآخر (2) عنه (عليه السلام)
أيضا في كتابه إلى المأمون (والتقصير في ثمانية فراسخ وما زاد، وإذا قصرت
أفطرت) وخبر الأعمش (3) عن الصادق (عليه السلام) المروي عن الخصال (التقصير
في ثمانية فراسخ، وهو بريدان، وإذا قصرت أفطرت، ومن لم يقصر في السفر لم
تجز صلاته، لأنه زاد في فرض الله) وخبر ابن مسلم (4) المروي عن كتاب الرجال
للكشي، قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): (التقصير يجب في بريدين) وخبر
محمد (5) عن الباقر (عليه السلام) (سألته عن التقصير، قال في بريد، قال: قلت:

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 6
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 6
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 8
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 17
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9
196

بريد، قال: إنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا اشتغل يومه) وغيرها.
بل قد يومي إليه النصوص (1) الكثيرة الدالة على تحقق المسافة بقصد بريد
معللة له بأنه يتم له شغل يومه بإرادته الرجوع، فيكون بريدا ذاهبا وبريدا جائيا حتى
على ما فهمه الأصحاب منها من إرادة الرجوع ليومه، ضرورة عدم صدق شغل اليوم
حقيقة بالسفر إذا تخلل بين الذهاب والإياب الجلوس لقضاء الحاجة ونحوه، فلا بد
حينئذ من إرادة مقدار ذلك، وهو البريدان، فتأمل.
على أن الاجماع بقسميه متحقق على التقصير في قطع البريدين وإن كان في بعض
اليوم، ولعله إليه يرجع ما سمعته من الذكرى من تقديم التقرير على مسير اليوم،
وإن كان الظاهر أن مدركه غير ما ذكرنا إلا أنه لا بأس به بعد الاتحاد بالعمل.
بل لعله هو مراد الأصحاب كالمصنف وغيره ممن عبر بعبارته عن المسافة من
أنها هي مسير يوم بريدين ثمانية فراسخ حتى قيل: إن ذلك معقد إجماع غير واحد
منهم كالشيخ والسيد والشريف ابن زهرة وابن إدريس والفاضلين وغيرهم.
ومقدار البريدين من غير خلاف يعرف فيه (أربعة وعشرون ميلا) كل واحد
منهما اثني عشر ميلا، وكان البريد في الأصل لدابة الرسول الذي يستعملونه الملوك في
حوائجهم، ثم نقل إلى الرسول نفسه، ثم إلى المسافة المذكورة، ربما ظهر من بعضهم
أن الجميع معان له من غير نقل.
وعلى كل حال فالمراد منه هنا المسافة المزبورة، لموثق سماعة وصحيح زرارة
ومحمد بن مسلم السابقين، وحسنة الكاهلي (2) (سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:
التقصير في الصلاة بريد في بريد أربعة وعشرون ميلا) وغير ذلك، فيتحد حينئذ

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3
197

نصوص البريدين مع ما دل على تقدير المسافة بأربعة وعشرين ميلا، كموثق العيص (1)
عن الصادق (عليه السلام) قال: (في التقصير حده أربعة وعشرون ميلا) وغيره،
بل ومع ما دل على تقديرها بثمانية فراسخ، لأنها بريدان كما هو صريح موثقة سماعة
السابقة، ولأن الفرسخ باجماع العلماء كافة كما في المدارك ثلاثة أميال مضافا إلى تقديره
بذلك أيضا لغة، بل قيل ونصا (2) فما في خبر المروزي (3) عن الفقيه (عليه السلام)
من تقدير البريد بستة أميال، قال: وهو فرسخان شاذ أو محمول بقرينة السائل على
إرادة الفرسخ الخراساني الذي هو كما قيل عبارة عن فرسخين على الضعف مما عندنا،
ونحوه الميل، فتكون الستة عبارة عن اثني عشر ميلا عندنا، كما أن الفرسخين عبارة
عن أربعة، وعليه تتضح دلالة الخبر المزبور على ما هو المعروف المشهور من كون المسافة
ثمانية أو أربعة ذاهبا وأربعة جائيا، نعم لا دلالة فيه على الرجوع لليوم كغيره من
النصوص، وينبغي حمل الأمر فيه بإعادة الصلاة على الندب جمعا، فلاحظ وتأمل.
(و) أما (الميل) ف‍ (أربعة آلاف ذراع بذراع اليد) من لدن المرفق إلى
طرف الإصبع الوسطى من مستوي الخلقة (الذي طوله أربع وعشرون إصبعا تعويلا
على المشهور بين) العلماء من (الناس) بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، كما
عن غيرها أنه لا خلاف فيه بينهم يعرف، وقد نص عليه المسعودي في كتاب مروج
الذهب على ما حكاه عنه في السرائر كما ستسمع (أو مد البصر من الأرض) كما في
المصباح والقاموس والصحاح حاكيا له عن ابن السكيت، ولعلهما بناء على أن المراد
ما يتميز به الفارس من الراجل للبصر المتوسط في الأرض المستوية أو المتوسطة من مد

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14
(2) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 15
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4
198

البصر متقاربان، ولذا كان ظاهر المتن التخيير في الاعتبار بكل منهما، وما في المدارك
من أن ظاهره التوقف في المعنى الأول حيث نسبه إلى الشهرة وذكر الآخر جازما به
ليس في محله، بل ظاهره التخيير بقرينة لفظ التعويل، بل لعل تقديمه مشعر بترجيحه
على الأخير كما اعترف به في التنقيح، لتقدم العرف على اللغة عند التعارض، والشهرة
هنا بناء على أن المراد منها غير الشهرة الفتوائية صالحة لاثبات ما نحن فيه، لكونه من
الموضوعات، فنسبة ذلك إليها لبيان مدرك الحكم لا للتوقف فيه كما حكاه في الرياض
عن بعض مشايخه.
مع أنه ربما يدل عليه مضافا إلى الشهرة وغيرها مما عرفت، ومناسبته للتحديد
اللغوي بمد البصر، ولتقدير المسافة بمسيرة اليوم أيضا - ما حكي عن القاموس (من
أن الميل قدر مد البصر، أو منار يبنى للمسافر، أو مسافة من الأرض متراخية بلا حد
أو مائة ألف إصبع إلا أربعة آلاف إصبع، أو ثلاثة أو أربعة آلاف ذراع بحسب
اختلافهم في الفرسخ هل هو تسعة آلاف بذراع القدماء أو اثني عشر ألفا بذراع
المحدثين) إلى آخره. إذ من الواضح انطباقه على ما ذكره من المائة ألف إصبع إلا
أربعة آلاف، ومنه يظهر أنه لا وجه لذكره الأربعة آلاف ذراع يعني مقابلا للمائة
ألف إصبع إلا أربعة آلاف، بل الظاهر رجوع التقدير بالثلاثة آلاف ذراع إليه أيضا
كما نبه عليه الفيومي في مصباحه، قال هو على ما يقتضيه ما حضرني من نسخته أو حاكيا
له عن الأزهري على ما عن أخرى: (والميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف
ذراع، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع، والخلاف لفظي فإنهم اتفقوا على أن
مقداره ستة وتسعون ألف إصبع، والإصبع ستة شعيرات بضم بطن كل واحدة للأخرى
ولكن القدماء يقولون: الذراع اثنتان وثلاثون إصبعا، والمحدثون أربع وعشرون
إصبعا، فإذا قسم الميل على رأي القدماء كل ذراع اثنتين وثلاثين كان المتحصل
199

ثلاثة آلاف ذراع وإن قسم على رأي المحدثين أربعا وعشرين كان المتحصل أربعة آلاف
ذراع، والفرسخ عند الكل ثلاثة أميال، وإذا قدر الميل بالغلوات وكانت كل غلوة
أربعمائة ذراع كان ثلاثين غلوة، وإن كان كل غلوة مائتي ذراع كان ستين غلوة) إلى آخره.
بل قد يقرب منه أيضا ما عن المهذب من أن الميل الهاشمي أربعة آلاف خطوة
واثني عشر ألف قدم، لأن (وإن خ ل) كل خطوة ثلاثة أقدام منسوب إلى هاشم جد
النبي (صلى الله عليه وآله) بل يقرب منه أيضا مرسل محمد بن يحيى الخزاز (1) عن
بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) قال: (بينما نحن جلوس وأبي عند وال لبني
أمية على المدينة إذ جاء أبي فجلس، فقال: كنت عند هذا قبيل، فسألهم عن التقصير
فقال قائل منهم: في ثلاث، وقال قائل منهم: يوما وليلة، وقال قائل منهم: روحة،
فسألني فقلت لهم: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما نزل عليه جبرائيل بالتقصير
قال له النبي (صلى الله عليه وآله): فيكم ذاك؟ فقال: في بريد، قال: وأي شئ البريد
قال: ما بين ظل عير إلى فئ وعير، قال: ثم عبرنا زمانا ثم رأي بنو أمية يعملون
أعلاما على الطريق، وأنهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر (عليه السلام) فذرعوا ما بين
ظل عير إلى فئ وعير ثم جزوه على اثني عشر ميلا، فكانت ثلاثة آلاف وخمسمائة
ذراع كل ميل، فوضعوا الاعلام، فلما ظهر بنو هاشم غيروا أمر بني أمية غيرة، لأن
الحديث هاشمي، فوضعوا إلى جنب كل علم علما) بناء على أن المراد بالذراع فيه ذراع
الملك الكسروي القديمة التي مقدارها سبع قبضات عبارة عن ثمانية وعشرين إصبعا كما
حكاه في المصباح المنير، إذ عليه حينئذ يزيد على المزبور تقريبا من الفين إصبعا،
أو على أن المراد بالذراع ذراع الحديد المسماة بالسوداء المقدرة بسبع وعشرين إصبعا

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 13
200

على ما حكي عن بعض المتأخرين ممن ألف في ضبط المقادير، فإنه حينئذ ينقص عن
المقدار المزبور ألف وخمسمائة إصبع، إذ مثل هذه النقيصة والزيادة مما يتسامح فيها.
ولعل ذلك أولى مما عن المهذب من طرح الخبر المزبور، قال: (للميل تقديران
مشهوران، شرعي وهو أربعة آلاف ذراع باليد، وفي بعض الروايات ثلاثة آلاف
وخمسمائة، وهي متروكة، ووضعي وهو قدر مد البصر في الأرض المستوية لمستوي
البصر) وأولى مما حكاه في المصابيح عن جماعة من التحديد بذلك، قال: وصححه
ابن عبد البر، وذكر غيره أنه المطابق لتحديد ما بين مكة ومنى والمزدلفة وعرفة،
وما بين مكة والتنعيم والمدينة وقبا، ضرورة مخالفة ذلك للمعروف بين العلماء كما عرفت.
وكيف كان فما ذكرنا ظهر أن الأذرعة أربعة: ذراع القدماء وهي اثنان
وثلاثون إصبعا عبارة وعن ثمان قبضات، وذراع المحدثين وهي ست قبضات أربعة
وعشرون إصبعا، وذراع بعض الأكاسرة وهي سبع قبضات ثمانية وعشرون إصبعا،
والذراع الأسود الذي حدث في الدولة العباسية أو هي والأموية سبع وعشرون إصبعا،
ومنه يظهر وجه مناسبة حمل الخبر المزبور عليه، لكن في السرائر عن المسعودي في
كتاب مروج الذهب أنه قال: (الميل أربعة آلاف دراع بذراع الأسود، وهو الذي
وضعه المأمون لذرع الثياب ومساحة البناء وقسمة المنازل، والذراع أربعة وعشرون
إصبعا) وعليه تكون الأذرعة ثلاثة، وإلا أن الظاهر خلافه إن كان المراد بها ما في
أيدي الناس الآن من الذارع الحديد، إذ هي تزيد على ذلك قطعا.
كما أنه ينبغي القطع بسهو ما في الفقيه من رواية الخبر المزبور (ألف وخمسمائة
ذراع) بدل (ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع) لمخالفته لما عليه العلماء من الفقهاء وأهل
اللغة، بل ولما يشاهد بالوجدان كما قيل بين الجبلين المسميين بعير ووعير.
وعلى كل حال فالمراد بالأصبع عرضه لا طوله، وقدر بسبع شعيرات من وسط
201

الشعير متلاصقات بالسطح الأكبر أي يوضع بطن كل واحدة على ظهر الأخرى،
وربما قيل ست، وكأنه لاختلاف الشعير أو الوضع أو الأصابع، وقدر عرض كل
شعيرة بسبع شعرات من أوسط شعر البرزون.
ثم لا فرق مع ثبوت المسافة بالمساحة بين قطعها في يوم أو أقل وإن كثر،
للصدق، إلا أن يتمادى فيه بما يخرجه عن صدق اسم المسافر، كما إذا قطع في كل يوم
مرمى سهم للتنزه ونحوه وإن كان القصد البلوغ إلى المقصد، فيتم كما في الذكرى،
للشك في شمول الأدلة له، فيبقى استصحاب التمام سالما، نعم لو لم يخرجه ذلك عن اسم
المسافر بأن كان ذلك لصعوبة المسير مثلا كما إذا كان السير في الماء على خلاف مجراه قصر.
ولو قارب المسافر بلده فتعمد ترك الدخول إليها للترخص ولبث في قرى متقاربة
يخرج بها عن اسم المسافر ففي الذكرى أن ظاهر النظر يقتضي عدم الترخص، ولعله
لعدم صدق المسافر عرفا أو الشك فيه، لكن على الثاني يتجه استصحاب القصر، بل
قيل، وعلى الأول أيضا، لانحصار انقطاع السفر في القواطع الثلاثة، وفيه أنه كذلك
مع بقاء صدق اسم المسافر عليه.
ومن ذلك ينقدح الشك في صدق المسافر أيضا في القاطن بنفسه أو بعياله في
مكان واحد لا ملك له فيه سنين متعددة لا بقصد الوطنية، وإن كان هو المأوى له
والمقر حتى يحتاج في إتمام صلاته فيه إلى نية الإقامة فيه أو التردد ثلاثين يوما، وإلا
قصر فيه إذا لم يحصل شئ منهما ولو بلغ ذلك إلى خمسين سنة أو أزيد كما وقع من
بعض علماء العصر من غير إنكار من الباقين عليه، ولعله لانحصار قواطع السفر في
الثلاثة المعلومة، لكن لا ريب في أن الاحتياط خلافه بناء على ما سمعت من اعتبار
صدق المسافر أيضا، فالأولى حينئذ الجمع بين القصر والاتمام في أمثال ذلك.
وكذا لا فرق في المسافة بين البر والبحر، فإذا قصد الثمانية في أحدهما قصر
202

وإن بلغ في الآخر فرسخا أو أقل بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى الاعتراف به،
لاطلاق النصوص والفتاوى.
ومبدأ تقدير المسافة أول آنات صدق اسم المسافر عليه، والظاهر حصوله عرفا
بالخروج عن خطة البلد كحصنه إذا لم يكن خارق المعتاد في السعة وإن كان بين بساتينه
ومزارعه لا قبله، خلافا للمحكي في الدروس عن علي بن بابويه من الاكتفاء بالخروج
من المنزل، فيقصر حتى يعود إليه، ولا عبرة بالأعلام والأسوار، لعدم صدق السفر
بعد حتى تجري عليه أحكامه، إذ أول آنات صدقه ما ذكرناه، واحتمال أن العبرة
بالخروج عن محل الترخص لانقطاع حكم السفر بالدخول فيه فيكون هو مبتدأه كما هو
ظاهر الشهيد يدفعه حرمة القياس بعد اختصاص ذلك بالدليل الذي أخرج بسببه عما
يقتضيه صدق اسم المسافر، وضعف الاشعار المزبور، ودعوى كشف ذلك الدليل عن
عدم صدق اسم المسافر عليه حينئذ لا أنه (1) أخرجه عن الحكم خاصة مع بقاء الصدق عليه
فيكون إطلاق اسم المسافر حينئذ في مثل هذا العرف من اشتباهاته أو تسامحاته عارية
عن البرهان مخالفة للوجدان، ولو سلمت فأقصاها الخروج عن الاسم في منتهى السفر
لا في ابتدائه، كدعوى ملازمة وجوب التقصير عليه الذي لا يكون إلا بالخروج عن
محل الترخص لتقدير المسافة، إذ هي كما ترى لا شاهد عليها أيضا، فإن الخطاب بالتقصير
شئ وتقدير المسافة شئ آخر، فتوقف الأول على الخروج عن محل الترخص الدليل
لا يستلزم الثاني، فتأمل جيدا.
ولو كان خارجا عن البلد أو محل الترخص منها ثم قصد السفر كفاه الضرب
بالأرض،
أما البلاد العظيمة المتسعة فقد صرح غير واحد بأن مبدأ التقدير فيها الخروج
عن المحلة نفسها أو محل الترخص بالنسبة إليها على الوجهين السابقين في البلاد المعتادة،
لأنه به يتحقق اسم السفر والضرب في الأرض وإن كان هو مسيرة بين الدور من غير

(1) وفي النسخة الأصلية " لأنه " والصحيح ما أثبتناه
203

حاجة إلى الخروج عن حصن البلاد، ولا يخلو من تأمل، سيما في مثل البلاد المتصلة
محالا ودورا ولها حصن، لاما كانت كاصبهان على ما قيل من تباعد المحال والدور
وعدم السور، فإن التأمل فيه أضعف، واحتمال كون الجميع كالسفر من منازل الاعراب
المتحقق بمجرد الخروج عن الحي وإن كان أول الاحياء يدفعه - بعد تسليمه في المقيس
عليه، وصحة القياس حصول الصدق فيه دونه، وهو المدار، لعدم النص بالخصوص
كاحتمال توجيهه أنه لما لم يكن مثله متبادرا من الاطلاقات وجب الرجوع فيه إلى المتبادر
المنساق منها، وهو غير المتسع، كالرجوع في وجه غير مستوي الخلقة إلى مستويها،
إذ هو مع أنه كما ترى مقتضاه كون العبرة بالمحلة إذا وافقت آخر البلد المعتدل تقديرا
لا مطلقا كما يوهمه إطلاقهم، اللهم إلا أن يدعى أنه الغالب الذي ينصرف الاطلاق
إليه، وعلى كل حال فالاحتياط ولو بالجمع بين القصر والاتمام الذي هو الأصل لا ينبغي
تركه فيه وفي مثل المنزل المرتفع أو المنخفض أيضا، وإن قال في الدروس: إنه يقدر
فيه التساوي، لعدم مدرك تطمئن النفس له به، إذ ليس إلا إلحاقه بالغالب في البلاد.
ثم لا ريب في توقف القصر على العلم ببلوغ المقصد مسافة ولو بالشياع المفيد
للنفس الاطمئنان الذي يجري مجرى اليقين الخالص عن الاحتمال قريبه وبعيده عند
الناس، ولعله لذا عطفه غير واحد من الأصحاب على العلم، وإلا فاحتمال الاكتفاء به
وإن لم يفد ذلك بل كان مفاده الظن لا دليل عليه، بل ظاهر حصر المواضع المعتبر
فيها الشياع في غيرها خلافه، وما في الروض من احتمال العمل هنا بمطلق الظن القوي
لأنه مناط العمل في كثير من العبادات لا شاهد له، كاستظهاره أيضا أن الشياع المتاخم
للعلم بمنزلة البينة، بل ربما كان أقوى، فيجوز التعويل عليه عند الجهل، إلا أن يريد
ما ذكرناه، نعم تقوم البينة مقام العلم بلا خلاف معتد به أجده فيه، لعدم اشتراط
قبولها بالتداعي بين يدي الحاكم كما لا يخفى على المتتبع لكلمات الأصحاب في المقام وغيره.
204

فما عن الذخيرة من التوقف في ذلك في غير محله، بل في الذكرى والروض
احتمال الاكتفاء بالعدل الواحد، ومال إليه بعض علماء العصر، لاطلاق أدلته، وقبوله
في الأعظم من ذلك، وعدم كون ما نحن فيه من باب الشهادة، وهو لا يخلو من قوة
وإن كان ظاهر اعتبار الأصحاب البينة ينفيه.
ولو تعارض البينتان ففي الذكرى وعن المصنف تقديم بينة الاثبات، لأن شهادة
النفي غير مسموعة، وفيه أن كلا منهما مثبت لو فرض استنادهما إلى الاعتبار مثلا،
كما لو قال أحدهما اعتبرتها فوجدتها ثمانية، والآخر سبعة، فلا يبعد مع فقد الترجيح
التخيير أو الاحتياط أو الرجوع إلى أصل التمام، ولعله الأقوى، إذ هو حينئذ كالشاك
الذي فرضه التمام بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض لا التخيير وإن أوهمه
كلام المقدس البغدادي للأصل.
فلو صلى حينئذ قصرا أعاد وإن ظهر بعد ذلك أنه مسافة، إلا إذا فرض
التقرب منه مع مصادفة الواقع، نعم في وجوب الاعتبار عليه وجهان، من أصل
البراءة، ومن توقف الامتثال عليه، ولعل الأقوى وجوب ما لا عسر ولا حرج فيه
وضرر كالسؤال وغيره عليه
ولو صلى تماما ثم ظهر أنه مسافة ففي المدارك والرياض لم يعد لقاعدة الأجزاء،
وفيه بحث، خصوصا إذا كان في الوقت، للفرق بين الأمر حقيقة وبين تخيل الأمر،
وما نحن فيه من الثاني لا الأول، اللهم إلا أن يدعى أن مقتضى أدلة الاستصحاب
كونه من الأول، ولتحريره مقام آخر.
ولو ظهر في أثناء السير أن المقصد مسافة قصر وإن لم يكن الباقي مسافة، لتحقق
المقتضي من قصد المسافة، وعدم اعتبار سبق العلم بها، فليس هو كالمتردد في السفر
الذي لم يتحقق منه قصد أصلا، وإن احتمله في الروض، لكنه ضعيف جدا كما
205

اعترف به هو، وهل مثله لو سافر الصبي إلى مسافة فبلغ في أثنائها أو المجنون الذي
يتحقق منه قصد لثمان حينئذ؟ جزم في الروض به، ولا يخلو من إشكال، ومع الاختلاف
في المسافة عمل كل منهم بمقتضى عمله، فيتم البعض ويقصر الآخر، بل لبعضهم الائتمام
ببعض، لصحة الصلاة ظاهرا لكن قد يتجه العدم بناء على عدم جواز الاقتداء مع
المخالفة بالفروع، إلا أن الشهيدين هنا صرحا بالجواز، مع أن المحكي عنهما المنع هناك،
والفرق بين المقامين مشكل كما اعترف به في المدارك، بل لعل ما نحن فيه أولى بالمنع
(ولو كانت المسافة أربعة فراسخ) أو خمسة فصاعدا إلى ما دون الثمانية
وقصدها (وأراد العود ليومه فقد كمل مسير يوم) بذهابه ببريد وإيابه ببريد (ووجب
القصر) حينئذ بلا خلاف معتد به أجد فيه، بل عن الأمالي أنه من دين الإمامية،
بل نص عليه أكثر الأعيان من الأصحاب إن لم يكن جميعهم، بل هو ظاهر الجميع عدا
الشيخ في كتابي الأخبار اللذين لم يعد الاستبصار منهما للفتوى فخير بينهما فيهما، وإلا
فقد نص على تعيين القصر في غير موضع من مبسوطه ونهايته، وما في الذكرى - من
حكاية التخيير عن المبسوط وكتاب الصدوق الكبير، ثم قواه هو - لم نتحققه، بل
المتحقق خلافه، كما أن ما في الروضة أيضا من نسبة التخيير إلى جماعة، وفي خصوص
الصلاة إلى آخرين كذلك لم نتحققه أيضا، وقصر أبي المكارم المسافة المسوغة للقصر
في الثمانية لا غير كالمحكي عن أبي الصلاح محتمل، أو ظاهر في إرادة ما يشمل الملفقة
من الذهاب والإياب ليومه، ولذا لم يذكرهما أحد مخالفين هنا، فانحصر الخلاف حينئذ
في كتابي الشيخين مع أنهما ليسا بتلك الصراحة أيضا، لاحتمال إرادة التخيير لمن لم يرد
الرجوع ليومه كما هو المشهور بين قدماء الأصحاب على ما ستعرف.
وإن أبيت ذلك فهما محجوجان بالنصوص المعتبرة سندا ودلالة ولو بملاحظة
206

إطباق الأصحاب على إرادة هذا الفرد منها، كصحيح زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام)
(التقصير في بريد، والبريد أربعة فراسخ) ومرسل الخزاز (2) المتقدم آنفا، وصحيح
الشحام (3) سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا) والصحيح عن الهاشمي (4) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) (عن
التقصير، فقال: في أربعة فراسخ) وخبر أبي الجارود (5) (قلت لأبي جعفر (عليه السلام):
فيكم التقصير؟ فقال: في بريد) وخبر ابن عمار (6) قال لأبي عبد الله (عليه السلام)
أيضا: (فيكم أقصر الصلاة؟ قال: في بريد، ألا ترى أن أهل مكة إذا خرجوا إلى
عرفة كان عليهم التقصير؟) وخبر إسحاق بن عمار (7) أيضا (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
فيكم التقصير؟ فقال: في بريد، ويحهم كأنهم لم يحجوا مع رسول الله (صلى الله عليه
وآله) فقصروا) والصحيح (8) أيضا (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أهل
مكة يتمون الصلاة بعرفات، قال: ويلهم أو ويحهم وأي سفر أشد منه، لا تتم)
والخبر (9) عنه (عليه السلام) أيضا (أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم
أتموا، وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا) وفي آخر (10) عنه (عليه السلام) أيضا
(إن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا، وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم أتموا)
وصحيح زرارة (11) (سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التقصير، فقال: بريد

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 13 - 3 - 5 - 6
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 13 - 3 - 5 - 6
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 13 - 3 - 5 - 6
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 13 - 3 - 5 - 6
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 13 - 3 - 5 - 6
(6) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 6 - 1 - 7 - 8
(7) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 6 - 1 - 7 - 8
(8) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 6 - 1 - 7 - 8
(9) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 6 - 1 - 7 - 8
(10) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 6 - 1 - 7 - 8
(11) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14 وفي الوسائل
عن أبي عبد الله عليه السلام ولكن الصحيح هو ما ذكره في الجواهر فإن المذكور في الفقيه
الذي هو مصدر الحديث كذلك
207

ذاهب وبريد جائي، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أتى ذبابا، قصر
وذباب على بريد، وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ).
وخبر إسحاق بن عمار (1) المروي عن العلل وغيرها (سألت أبا الحسن موسى
ابن جعفر (عليهما السلام) عن قوم خرجوا في سفر لهم فلما انتهوا إلى الموضع الذي
يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلاة، فلما أن صاروا على رأس فرسخين أو
ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلف منهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلا به، فأقاموا ينتظرون
مجيئه إليهم، وهم لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم، وأقاموا على ذلك أياما لا يدرون
هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون هل ينبغي لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على
تقصيرهم؟ فقال (عليه السلام): إن كان بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على
تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا، وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة
ما أقاموا، فإذا مضوا فليقصروا، ثم قال (عليه السلام): هل تدري كيف
صار هكذا؟ قلت: لا أدري، قال: لأن التقصير في بريدين، ولا يكون التقصير في
أقل من ذلك، فلما كانوا قد ساروا بريدا وأرادوا أن ينصرفوا بريدا كانوا قد ساروا
سفر التقصير، وإن كانوا قد ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلا إتمام الصلاة).
وصحيح عمران بن محمد (2) (قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): جعلت
فداك إن لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ، فربما خرجت إليها فأقيم فيها
ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة أم أقصر؟ قال: قصر في الطريق
وأتم في الضيعة) بناء على حمل الأمر فيه بالاتمام في الضيعة على التقية، لعدم إيجابها

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14
208

بنفسها القصر عندنا كما ستعرف، فيكون القصر فيه حينئذ للتلفيق.
وصحيح ابن وهب (1) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدنى ما يقصر
فيه الصلاة، فقال: بريد ذاهبا وبريد جائيا) وموثق محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) (سألته عن التقصير قال: في بريد، قال: قلت: بريد، قال: إنه إذا
ذهب بريدا ورجع بريدا شغل يومه) إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب
الأربعة وغيرها الظاهرة فيما ذكرنا إن لم تكن صريحة، وحملها على التخيير لو سلمنا قبول
بعضها له فلا ريب في عدم قبول الآخر له كأخبار مكة ونحوها.
واحتمال إرادة الويل والويح فيها على التزامهم بالتمام وعدم مشروعية القصر تبعا
لما سنه عثمان وتبعه معاوية - بعد أن التمس على ذلك وباقي الأمراء كما رواه زرارة في
الصحيح (3) عن الباقر (عليه السلام) مفصلا لا على أصل الجواز، ولذا لم يفت أحد
بمضمونها من وجوب التقصير إذا لم يرد الرجوع ليومه، ضرورة كونهم حجاجا إلا
النادر، بل أعرضوا عنها أو حملوها على ما ذكرنا - ممكن في خصوص هذه الأخبار مع
عدم صراحة بعضها في كونهم حجاجا، ودعوى قابلية الجميع عداها للحمل على التخيير
ولو بمخالفة الظاهر ممنوعة كل المنع.
على أنه لا داعي إلى ارتكاب هذه التعسفات، ولا شاهد على هذه التأويلات
سوى معارضتها لأخبار الثمان ومسير يوم المتقدمة سابقا، والجمع بينها بإرادة ما يشمل
الملفقة من الثمان كما شهدت به النصوص التي سمعتها أولى من الحمل على التخيير من
وجوه بعد اشتراكهما في منافاة الظاهر، ضرورة تبادر تعيين كون المسافة ثمانية ذهابية،

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 9
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 9
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9
209

خصوصا مرسل ابن بكير (1) منها عن الصادق (عليه السلام) (في الرجل يخرج من
منزله يريد منزلا آخر أو ضيعة له أخرى قال: إن كان بينه وبين منزله أو ضيعته التي
يؤم بريدان قصر، وإن كان دون ذلك أتم) ولولا إشارة ما سمعته من النصوص
السابقة إلى الجمع بينهما بارجاع المسافة الرباعية للثمانية بإرادة التلفيقية لكان المتجه العمل
بكل منها من دون إرجاع بعضها إلى بعض، فيكون إثبات كون المسافة ثمانية ذهابية
من النصوص الأولة، وتلفيقية على الوجه المفروض من الثانية، ولعلنا نلتزمه فيما لا يقبل
إرادة الملفقة من الثمانية، لظهوره أو صراحته في ذلك، كما أنه ينبغي التزام طرح
ما يدل على عدم جواز القصر والافطار فيما دون الثمانية الذهابية، أو تأويله ولو بعد فيه.
وعلى كل حال هو أولى من التخيير العاري عن الشاهد، بل المخالف للشواهد
كما هو واضح، فميل الشهيدين حينئذ إليه في الذكرى والروض وسيد المدارك في غير
محله، وإن ظن ثانيهم أن القول بالتخيير في مريد الرجوع ليومه وغيره من خواصه،
متخيلا أن الشيخ يخص التخيير بالأول، وإلا فهو يعين التمام في الثاني، وملاحظة
كتابي الشيخ تشهد بفساد زعمه، وأن الشيخ قائل بالتخيير مطلقا، فيتجه حينئذ الرد
على الجميع بما سمعت من عدم الشاهد وغيره، ورفع الجناح في الآية بعد ورود الصحيح (2)
في إرادة الأمر منه لا يصلح شاهدا له، وإلا لاقتضى التخيير في الثمانية الذهابية المجمع
على عدمه عندنا كما ستسمع إن شاء الله.
والمعارضة بأنه لا شاهد للجمع المزبور أيضا، ضرورة خلو نصوص الأربعة عن
التقييد بالرجوع لليوم، بل فيها ما يخالفه كأخبار أهل مكة يدفعها ما ستسمعه إن شاء الله
من المانع للأخذ باطلاقها عند مدعيه، على أن الشاهد عنده على ذلك - بعد تطابق

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
210

الفتاوى، ودعوى الايماء إليه في خبري ابني وهب (1) ومسلم (2) المتقدمين -
الرضوي (3) بناء على حجيته، قال فيه: (فإن كان سفرك بريدا واحدا وأردت أن
ترجع من يومك قصرت، لأن ذهابك ومجيئك بريدان - إلى أن قال -: فإن لم ترد
الرجوع من يومك فأنت بالخيار إن شئت تممت وإن شئت قصرت) مع أنك ستسمع
قوة القول بوجوب التقصير مطلقا من حيث النصوص
ومن ذلك كله يظهر لك فساد احتمال إرادة عدم مشروعية القصر فيما نحن فيه المتوهم
من عبارة أبي المكارم والمحكي عن أبي الصلاح، إذ حمل كلامهما على مثل ذلك الذي هو
ضروري الفساد بين الطائفة، والنصوص به متظافرة إن لم تكن متواترة يأباه جلالة
قدرهما وعظم منزلتهما.
وقد أطلق اليوم في المتن وأكثر عبارات الأصحاب لكن ينبغي القطع بمساواة
الليلة عندهم له أيضا، فمن قصد الأربعة فيها وأراد الرجوع فيها أيضا قصر، لاطلاق
النصوص السابقة وتصريح جماعة من الأصحاب به منهم الشهيدان، بل صرحا أيضا
كغيرهما، بل في ظاهر المصابيح أو صريحها الاجماع عليه بمساواة الملفق من اليوم والليلة
لذلك أيضا، إلا أنهما اعتبرا اتصال السفر لا ما إذا سافر في أول اليوم وأراد الرجوع
في آخر الليل، بل الظاهر أن مرادهم بالرجوع الوصول لا الشروع فيه حسب وإن
بات في الأثناء، إذ هو حينئذ مساو للمبيت في المقصد.
وكأنهما عقلا من هذه النصوص خصوصا خبري ابني وهب ومسلم أن وجه
إلحاق الثمانية الملفقة بالمسافة صدق اسم قطع مقدار بياض يوم، وهو لا يتحقق إلا باتصال

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 9
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 9
(3) ذكر صدره في المستدرك في الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 وذيله
في الباب 3 منها الحديث 2
211

السعي وعدم انفصاله بالمبيت ونحوه من القواطع المقتضية عدم صدق شغل اليوم معها.
وفيه أنه لا ظهور في شئ من النصوص بذلك حتى الخبرين المزبورين، إذ
ليس في أولهما إلا الذهاب بريدا والمجئ بريدا، وهو صادق وإن تأخر المجئ عن
ذلك اليوم، بل هو كصحيح زرارة (1) المشتمل على مثل هذا التعبير مع زيادة حكاية
فعل النبي (صلى الله عليه وآله) إذا سافر إلى ذباب الذي هو كالصريح في عدم الرجوع
ليومه، لظهور لفظ (كان) فيه في أن ذلك عادة للنبي (صلى الله عليه وآله)، ومن
المستبعد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) ليومه في جميع سفره إلى ذباب، ولعدم صحة
التعليل المشتمل عليه الخبر المزبور لو لوحظ الرجوع ليومه، ضرورة عدم مدخلية ذلك
في بلوغ الثمانية، ولذا حكي عن بعض شراح الفقيه دعوى صراحة الخبر المزبور في
عدم الرجوع ليومه، إلا أن يكون قوله فيه: (وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله))
إلى آخره، ليس منه (عليه السلام) بل من كلام الصدوق، ولا يخفى عليك بعد
الاحتمال المزبور أو فساده.
وليس في ثانيهما سوى بيان إرادة أنه لو فعل هذا الذي كان قصده من الذهاب
والمجئ لتحقق صدق شغل بياض يوم الذي هو مدار المسافة، خصوصا وقد عرفت
سابقا أن المعتبر في المسافة قصدها لأقطعها في يوم واحد، فمن كان من قصده السير
بريدين أو مقدار بياض يوم قصر وإن قطع ذلك في أيام، كما أنك عرفت الإشارة
في هذه النصوص إلى إرادة إرجاع التلفيقية إلى الثمانية الذهابية بالطريق الذي سمعته
فالمتجه الاكتفاء فيها بما يكتفى في الثانية من اعتبار مجرد القصد وإن كان القطع في أيام
على أن أخبار أهل مكة كالصريحة في عدم إرادة الرجوع لليوم، لظهور بعضها
وصراحة الآخر في إرادة الخروج إلى عرفة للحج الذي لا يجوز معه الرجوع ليومه

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14
212

فمن الغريب تنزيل بعضهم إياها على الرجوع ليومه أيضا كغيرها من النصوص
كما أنه من الغريب أيضا دعوى انصراف إطلاق جملة من هذه النصوص إلى إرادة
الرجوع لليوم، لأنه الغالب في السفر المفروض في هذه الأخبار، إذ هو إنما يكون إلى
الضياع والزيارة والتقاضي ونحو ذلك، كما يسير الناس من أطراف الكوفة إلى الخيرة
أو من بعض ضياعها إلى مسجدها الأعظم للزيارة والصلاة ثم الرجوع، إذ هي
واضحة المنع.
ومن هنا ذهب ابن أبي عقيل في المحكي عنه إلى وجوب القصر بمطلق قصد
الرجوع قبل عشرة أيام، قال: (كل سفر كان مسافته بريدين وهو ثمانية فراسخ أو
بريد ذاهبا وبريد جائيا وهو أربعة فراسخ في يوم واحد أو ما دون عشرة أيام فعلى
من سافره عند آل الرسول (صلى الله عليه وآله) أن يصلي صلاة المسافر ركعتين) بل
ظاهره أو صريحه دعوى الاجماع على ذلك، وهو الحجة له بعد إطلاق النصوص التي
كاد يكون بعضها صريحا في عدم اعتبار الرجوع ليومه في التقصير، وكأن مراده بما قبل
العشرة أن لا يقطع سفره بقاطع شرعي من الإقامة عشرا، أو البقاء مترددا ثلاثين
يوما، أو المرور بوطن له أو نحو ذلك، ضرورة عدم خصوصية العشرة من بين قواطع
السفر وإن كان لا يساعده صحيح عمران بن محمد المتقدم (1) سابقا، اللهم إلا أن يحمل
الأمر فيه بالاتمام بالضيعة على التقية، لعدم كونها بنفسها عندنا من القواطع من دون
الاستيطان ستة أشهر، بل هو مذهب جماعة من العامة كما قيل.
وكيف كان فقد وافقه على ذلك بعض مشايخنا المعاصرين والكاشاني حاكيا له
في المفاتيح عن الشيخ أيضا وإن كنا لم نتحققه، بل المتحقق خلافه، ومدعيا أنه مما
ألهمه الله، وأنه لم يصل أحد من الأصحاب إليه سواه، بل ربما صدر منه إساءة أدب

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14
213

وزيادة إنكار وعجب من غفلة جميع الأصحاب عن ذلك الذي جميع الأخبار دالة عليه
من غير غبار، ولا تناف بينها من وجه، إذ المستفاد منها كما عرفت أن حد المسير المعتبر
في التقصير ليس إلا ما يعبر عنه تارة ببريدين، وأخرى بثمانية فراسخ، وأخرى
ببياض يوم كما صرح به في جملة من الأخبار السابقة، مع تأكد بعضها بأنه لا أقل من
ذلك ولا أكثر، وبأنه أدنى ما يقصر فيه، لكنه أعم من أن يكون قطع هذا المسير
في حالة الذهاب خاصة أو مع الإياب، وقع الإياب في يومه أو في يوم آخر ما لم ينقطع
سفره بأحد القواطع الآتية، فيصير سفرين يكون كل منهما أقل من الثمانية، وحينئذ
فكما يصح أن يقال إنه ثمانية فراسخ نظرا إلى الفردين معا يصح أن يقال: إنه أربعة
فراسخ نظرا إلى أحد الفردين وهو حالة الذهاب خاصة، ولذا أطلق الأربعة في جملة
من النصوص، فإن من سافر أربعة فراسخ فإنما يسافر في الحقيقة ثمانية، لأنه إذا رجع
صار سفره ثمانية، وقد بين ذلك بيانا شافيا في خبري زرارة ومحمد (1) حيث قيل:
(بريد ذاهب وبريد جائي) وزيد بيانا في خبر زرارة حيث قيل: (وإنما فعل
(صلى الله عليه وآله) ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ) وأما خبر
ابن مسلم حيث تعجب من قوله: (بريد) لما كان قد سمع أنه بياض يوم فأجابه (عليه السلام)
(بأنه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه) فلا دلالة فيه على أنه لا بد له
الرجوع من يومه حتى يتحتم التقصير، بل المراد به أن سفره حينئذ يصير
بمقدار بياض يوم.
وإطلاق الأربعة في جملة من النصوص منزل على التقييد المستفاد من جملة أخرى
كما عرفت، على أن الغالب في السفر المراجعة، فينصرف الاطلاق إليه، قيل: ولهذا
اقتصر صاحب الكافي على أخبار الأربعة ولم يتعرض أصلا لشئ من أخبار الثمانية

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14 و 9
214

لا أن مراده كفاية الأربع في التقصير مطلقا حتى إذا لم يرد الرجوع أصلا لا ليومه
ولا لغير يومه، فإن الظاهر الاتفاق على وجوب التمام في مثل الفرض كما اعترف به
المقدس البغدادي، وصرح به ابن حمزة في وسيلته، لظاهر النصوص، خصوصا
ما اشتمل منها على أن أدنى المسافة بريد ذاهب وبريد جائي، وإطلاق القصر في الأربعة
منزل على الغالب من إرادة الرجوع كما يومي إليه الموثق السابق الذي قد تضمن أن
المسافة بريد، فتعجب الراوي من ذلك فرفع (عليه السلام) عجبه بأنه إذا رجع شغل
يومه، إذ هو ظاهر في أن الأربعة حيث تطلق يراد بها ما يتعقبه الرجوع، وكذا
إطلاق الأكثر التخيير إذا لم يرد الرجوع ليومه يراد منه بقرينة قاعدة توجه النفي إلى
القيد الزائد خصوص عدم إرادة الرجوع لليوم مع إرادة أصل الرجوع، بل في الرياض
أن الرضوي (1) الذي هو مستندهم في التخيير على الظاهر صريح في ذلك، فما عن
الحدائق - من إدراج الفرض في عبارة القائلين بالتخيير بدعوى رجوع النفي إلى المقيد
مع قيده وبدونه - ضعيف جدا، وإن كان ربما يوهمه عبارات بعض من مال إلى
التخيير مطلقا، لكن التحقيق بعد التأمل ما ذكرنا، وعليه يحمل ما سمعته من الكافي
فيكون هو من القائلين بوجوب القصر بقصد الأربعة وإرادة الرجوع وإن لم يكن
ليومه، نعم ينبغي تقييده كتقييد إطلاق القائلين بالتخيير أيضا بما إذا لم ينقطع سفره
بأحد القواطع، للاجماع المحكي إن لم يكن محصلا على وجوب التمام في رجوعه أيضا،
ولصيرورتهما منفردين حينئذ، ولظهور الموثق المزبور في ذلك أيضا حيث أنه تعجب
فيه من جعل المسافة بريدا ورفع (عليه السلام) عجبه بارجاعه إلى الثمانية المعلوم كونها
مسافة التقصير، ولا ريب في أنها تنقطع بحصول أحد القواطع في أثنائها، وكذا غيره
من النصوص التي اعتبرت الإياب في التقصير.

(1) المستدرك الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
215

بل في الرياض أن الرضوي صريح في ذلك، وبه يقيد إطلاق بعض النصوص
لو لم نقل بانصرافه إلى الغالب من الرجوع قبل القاطع، خصوصا في مثل الأسفار إلى
نحو الضياع والقرى ونحوها، كما أنه يجب إرادة ابن أبي عقيل بما ذكره من دون العشرة
سائر القواطع، لعدم خصوصية لها من بينها على ما سمعت سابقا.
نعم لو فرض عدم انقطاع سفره كما لو فرض بقاؤه متنقلا في قرى قريبة لمقصده
قصر وإن بقي سنة فصاعدا، وأولى منه البقاء في المقصد مترددا إلى ما دون الثلاثين
يوما، ودعوى استبعاد التزامه بمثل ذلك لا شاهد لها، بل لعل الشاهد من ظاهر
بعض النصوص السابقة بخلافها قائم.
ولا ريب في قوة هذا القول ومتانته كما اعترف به المولى في الرياض بعد أن
حكى عن جملة من فضلاء متأخري المتأخرين الميل إليه، لما سمعته من النصوص السابقة
المعتضدة بغيرها مما هو ظاهر أو صريح وإن قل المفتي به، حتى أنه لشذوذه ربما لم يحك
عند نقل الخلاف، كما أنه لم يلتفت إليه عند ذكر الاحتياط، بل ربما ادعى الاجماع
غير معتد به على ما ستعرف وإن كان ذلك ليس على ما ينبغي.
نعم المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا بل عن الأمالي أنه من دين الإمامية
التخيير بين القصر والاتمام إذا لم يرد الرجوع ليومه، غير أن الشيخ وابن حمزة منهم
نصا على وجوب الصوم وعدم جواز الافطار، خلافا للمرتضى والحلي فأوجبا التمام،
واختاره الفاضلان في بعض كتبهما، ولم يتعرضا في الآخر منها كغيرهما من متأخري
الأصحاب إلا إلى أن المسافة الموجبة للتقصير ثمانية أو أربعة مع قصد الرجوع ليومه
من غير نص على التخيير أو وجوب التمام.
وفي الأول منهما - بعد الاغضاء عن شبهة التخيير فيه بين الأقل والأكثر
216

أنه لا شاهد له من النصوص المعتبرة، إذ هي بين مطلق للتقصير في الأربعة وبين
ملاحظ فيه الذهاب والإياب من غير تصريح باليوم أو غيره وبين ما هو صريح في عدم
الرجوع ليومه، مع التصريح فيه بالقصر والنهي عن الاتمام والويل والويح عليه، بل هو
مستلزم لطرح بعضها، أو ارتكاب التعسف فيه بصرف النهي في أخبار عرفة إلى التمام
بقصد الوجوب كما عليه الناس يومئذ، وكذا الويل والويح، فحمل بعضها حينئذ على
إرادة الرجوع ليومه فيجب التقصير، والآخر على إرادة الرجوع لغير اليوم فيتخير في
الصلاة دون الصوم، مع تلازمهما في ذلك كما هو ظاهر كل من لم يصرح بالانفكاك،
وهو الأكثر كما اعترف به في الرياض ومال إليه، وطرح الثالث والتعسف في تأويله بما
عرفت من غير شاهد كما ترى، والرضوي بعد عدم حجيته عندنا لا يصلح لذلك
وإن وافق الشهرة، كما أنها هي بنفسها كذلك عندنا، خصوصا في المقام المحتمل إن لم
يكن المظنون خفاء بعض الأدلة ودلالة آخر كما لا يخفى على المتصفح لكلماتهم، وإشعار
الإضافة في خبر ابن مسلم بعد تسليمه ضعيف جدا لا يصلح للحكم على تلك الأخبار
قطعا، والنسبة إلى دين الإمامية لم يثبت إرادة الاجماع منها، إذ من المحتمل إن لم يكن
الظاهر إرادة ثبوته من دينهم وإن كان بطريق ظني، ولو سلم فهي معارضة بنسبة ابن
أبي عقيل وجوب التقصير إلى آل الرسول (صلى الله عليه وآله) التي هي أصرح في دعوى الاجماع.
وما عن التحرير من دعوى الاجماع على جواز التمام وحصول البراءة بلا خلاف
منزل على إرادة الاجماع من المخيرين والملزمين بالتمام، كاستدلاله في المختلف على التمام
بأنه أحوط الذي ربما يوهم الاتفاق عليه باعتبار توقف الاحتياط عليه، ضرورة إرادته
بقرينة ذكره ذلك في ترجيح الاتمام على التخيير الاحتياط بالنسبة إلى هذين القولين،
ولعل من ذلك أو نحوه ما يحكى عن بعض رسائل الشهيد الثاني حيث قال في جملة كلام
له: (ولو كان عدم العود على الطريق الأول موجبا لاتحاد حكم الطريق لزم منه كون
217

قاصد نصف مسافة مع نية العود إلى غير الطريق الأول يخرج مقصرا مع عدم العود
ليومه، وهو باطل إجماعا).
ومن ذلك كله يعرف ما في الثاني منهما أيضا، إذ هو وإن كان يؤيده الأصل
لكنه إما مستلزم لحمل جميع تلك الأخبار على إرادة الرجوع لليوم، وفيها ما لا يقبله في
نفسه فضلا عن احتياجه إلى الشاهد، وإما الطرح للنصوص المعمول بها بين الأصحاب
ولو على التخيير، وكلاهما كما ترى، فالاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام والصوم
وقضائه مما لا ينبغي تركه في المقام، ومع عدم التمكن فلا ريب في أحوطية التمام من
القصر، لاتفاق من عدا العماني ومن تبعه على حصول البراءة به، وإن كان القصر
أحوط نظرا إلى النصوص، إلا أن ملاحظة الفتاوى أولى، هذا.
ولكن قد يقال إنه يكفي في الشاهد لما عليه الأصحاب هنا من التخيير (التقصير خ ل)
لمريد الرجوع في غير يومه أو تعيين الاتمام دلالة بعض النصوص وإن ضعفت حتى
وصلت إلى حد الاشعار لانجبارها بالشهرة العظيمة قديما وحديثا التي كادت تكون إجماعا
فكيف وفي الروايات ما هو نص في ذلك، منها موثق ابن مسلم المتقدم سابقا، لأن
قوله (عليه السلام) فيه: (شغل يومه) يقتضي تحقق شغل اليوم بالفعل، ولا يكون
إلا بالرجوع ليومه، فيكون شرطا في وجوب القصر.
ودعوى أن الفرض رفع استبعاد السائل للقصر في البريد وإزالة تعجبه منه بأنه
راجع إلى مسير اليوم المعلوم إيجابه للقصر بالنصوص السابقة من غير اعتبار الشغل
بالفعل فيه، فيكون قوله (عليه السلام) هذا صغرى قياس كبراه مطوية لا يعتبر فيها
الشغل بالفعل قطعا فتوى ونصا، فالصغرى كذلك أيضا، ضرورة وجوب اتحاد
الوسط في المقدمتين، ويكون المقصود منه المقصود مما في صحيح زرارة المتقدم (إنما
فعل ذلك لأنه إذا رجع بريدا كان سفره بريدين ثمانية فراسخ) من إرادة مجرد
218

اشتراط الرجوع بريدا ليرجع بسببه إلى الحدود المعروفة المقررة للمسافة، فيجب القصر
حينئذ في التشاغل في الفعل وغيره، ولا مدخلية للفعلية في العلية.
يدفعها أصالة تبعية المقدر للموجود، والمحذوف للملفوظ، وإذا كان ظاهرا في
الشغل الفعلي وجب تقدير الكبرى كذلك، ولا ضير فيه، إذ أقصاه اعتبار الفعلية
في المسافة التلفيقية، وهو المقصود، نعم هو غير معتبر في المسافة الابتدائية أي الذهابية
لاطلاق أدلتها التي لا تشمل التلفيقية على الظاهر من مورها كما أشرنا إليه سابقا،
ولا يلزم من عدم اعتباره هناك عدمه هنا، لجواز اختلافهما في الحكم، وبطلان استبعاد
الفرق إذا اقتضته الأدلة، مع إمكان الفرق بظهور تحقق السفر في الامتدادية بنفسها،
فلا يحتاج إلى اشتراط أمر زائد، بخلاف الملفقة فإن المسافة فيها حقيقة هي البريد،
فاعتبر معه شغل اليوم بالفعل ليتصل المسير ويتبين السفر وتظهر فيه المشقة التي هي علة
القصر، فاليوم في الموثق (1) غيره في تلك النصوص المقدرة للمسافة الامتدادية، كما
يؤيده أيضا وقوع المقصد هنا في أثنائه ودخوله في المعنى المراد منه، فهو عبارة عن يوم
يسع الذهاب إلى المقصد والعود منه إلى البلد والمكث فيه مقدارا يفي بالغرض الذي
سافر لأجله، وهو قدر معتد به من الزمان غالبا وإن اختلف طولا وقصرا يحسب
اختلاف الأغراض والمطالب، ولا ريب في أن هذا اليوم غير المعتبر في المسافة
الامتدادية المقصور على قطع المسافة وما يتفق من الأمور المعارضة كالأكل والشرب
ونحوهما من دون تخلل مقصد في البين، بل قد عرفت أنه قدرته النصوص بسير الجمال
والإبل والقطار، ومنه استفاد الأصحاب اعتبار اعتدال السير فيه واعتدال النهار
لينطبق على التحديد بالبريدين والفراسخ.
ولو كان اليوم في السفر الملفق موكولا إلى ذلك لانطبق على أصل المسير وما يحصل

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9
219

معه من الأمور المشتركة بين النوعين، وخرج عنه المكث في المقصد مع أنه داخل فيه
قطعا، فاللازم أحد الأمرين: إرادة ما يتناول الليل من اليوم فيه، أو ترك الاعتدال
المأخوذ هناك، وعلى التقديرين فالاختلاف حاصل بين الموضعين، فلا يكون أحدهما
تابعا للآخر موكولا إليه، بل يكون كل منهما أصلا برأسه ومستقلا في محله، فلا
إشارة في نصوص بياض اليوم ونحوه إلى ما نحن فيه كالعكس، بل تلك بالامتدادية
وهذه بالتلفيقية، هذا.
ولكن الانصاف أن المنساق إلى الذهن من الموثق إرادة رفع استبعاد السائل
بالأمر الثابت المعلوم المعهود المتقرر بغير هذا الحديث، وليس إلا أخبار مسير اليوم
وبياض اليوم، فيكون شغل اليوم هنا أعم من شغله بالفعل بمقتضى الحوالة المقتضية
للتوافق في المعنى، ولا ينافي ذلك اختصاص مورد تلك الأخبار بالسير الممتد، لأن
الاستبعاد يرتفع بالمشاكلة والتنظير، ولا يتوقف على الفردية والدخول ولا التوافق من
كل وجه، بل المراد أنه لا استبعاد في التقصير بالبريد لأنه يشغل بالعود، فيكون كسير
اليوم الواقع في الذهاب وإن لم يكن منه، كما أنه لا ينافيه أيضا تخلل المقصد في أثنائه،
بخلافه يوم المسافة الامتدادية، لأن المراد تقدير السير الواقع منه لو رجع بسير اليوم
بعني البريدين.
ودعوى أن رفع الاستبعاد المقصود في الحديث لا يجب أن يكون بالأمر المتقرر
في غيره بل يكفي فيه حصول شغل اليوم المقتضي لتضعيف المسافة وظهور المشقة التي
هي علة التقصير في السفر، وهذا معلوم من دون إحالة على التحديد ببياض اليوم ونحوه
مما ورد في تلك الأخبار كما ترى واضحة المكابرة، لما يرى بالعيان من سبق ما ذكر إلى
الأذهان، على أنه إن لم يجعل إشارة إلى ذلك اقتضى بناء على عموم المفهوم اعتبار الشغل
بالفعل في القصر بالمسافة الامتدادية، إلا أن يرتكب تخصيصه أو تقييده بأدلة أخر.
220

وأيضا فالرجوع المأخوذ شرطا في قوله (عليه السلام): (ورجع بريدا) مطلق
غير مقيد باليوم، فيكون شغل اليوم المترتب عليه بالجزاء مطلق الشغل سواء كان بالفعل
أو بالقوة، والمعنى أنه إذا ذهب بريدا ورجع ليومه أو بعده بريدا فقد شغل يومه،
أي وجد منه ما يشغل اليوم وما من شأنه ذلك وإن لم يتحقق الشغل بالفعل، فإن شغل
اليوم بالفعل مع تأخر الرجوع عنه مستحيل قطعا، وتأويل الشرط بما يطابق الجزاء
ليس أولى من العكس، فإن في كل منهما موافقة للظاهر من وجه ومخالفة له من وجه
آخر، فلا يصلح التمسك به ما لم يعلم رجحان الأول، وهو ممنوع.
اللهم إلا أن يدفع بأن الرجوع الواقع في الشرط وإن كان مطلقا إلا أنه يجب
تقييده بما كان ليومه بقرينة الجزاء الدال على شغله بالفعل، وحمله على وجود ما يشغل اليوم
ليطابق إطلاق الشرط وإن كان ممكنا إلا أن الترجيح للأول، لقوة الدلالة في جانب
الجزاء، فيكون تحكيمه على الشرط أولى من العكس، ولأن تقييد المطلق كثير شائع،
فهو كالتخصيص خير من المجاز، بل هو في معناه المقدم عليه بالاجماع، بل لعله أولى
منه لعدم وضع المطلق للعموم، فيكون تقييده أهون من تخصيص العام، خصوصا مثل
هذا المطلق الذي قيل، إنه بنفسه ينصرف إلى الرجوع في اليوم لغلبته، وفيه أن
ارتكاب هذا التقييد في المنطوق بل والمفهوم كما سمعت يتوقف على تبادر الفعلية من
هذه الشرطية من دون تردد، حتى يتعين الحمل عليها لحجية المعنى المتبادر من اللفظ
وإن استلزم التقييد في المنطوق والمفهوم من وجوه فضلا عن وجه، وهو في حيز المنع،
بل لعل المتبادر لما عرفت خلافه، على أن أقصى ما يدل عليه بعد تقييد الرجوع باليوم
هو وجوب التقصير في البريد لكونه مسافة إذا رجع فيها المسافر ليومه كان شاغلا له،
وهذا لا يدل على تحقق الرجوع في اليوم، ولا على فعلية الشغل له، لأن صدق الشرطية
لا يتوقف على وجود الشرط والجزاء بل على وجود الجزاء على تقدير وجود الشرط،
221

ومقتضى ذلك تحقق شغل اليوم على تقدير تحقق الرجوع، وأين هذا من القطع
بتحققه في الواقع.
ودعوى أن الشرطية من حيث هي وإن كانت كذلك إلا أنها تختلف
باختلاف أدوات الشرط ووجود القرائن والأدلة المقتضية ليقين الوجود والعدم وانتفائها
ومن المعلوم المصرح به في علم المعاني وغيره أن (إذا) للجزم بالوقوع، كما أن (لو)
للجزم بعدمه، و (أن) للشك، ولا مراد فرض الأمر الواقع وتقديره أو الأمر المجزوم
بعدمه كي يتحقق فيهما معنى الشرط الموضوعين له الذي هو بمعنى الفرض والتقدير
المنافيين للقطع والجزم، فيكون الرجوع المشروط بإذا في الموثق المزبور متحققا على
ما هو الأصل في (إذا) ومن هنا عبر عنه بلفظ الماضي الذي هو أدل على التحقق من
غيره، وعطف على الذهاب المعلوم تحققه ليكون تابعا له في ذلك، بل يؤيده أيضا أنه
أولى في رفع الاستبعاد الواقع للسائل من القصر في بريد من فرض الرجوع بلا تحقق،
بل قد يقال بعدم رفعه الاستبعاد، ومنه يعلم وضوح فساد القول بدلالة هذا الموثق على
الاكتفاء في القصر بالبريد وإن لم يرجع، وإن وقع من بعض الاعلام تمسكا بصدره
وحملا للتعليل فيه على التقريب للأذهان دون التحقيق، إذ هو كما ترى من غرائب
الكلام، لأنه - مع أن الأصل في العلل التحقيقية دون التقريبية - لا فرق بينهما في
اعتبار صلاحية العلة في كل منهما في الجملة وإن افترقا بجواز تخلف الثانية كالمشقة في
القصر ونحوها بخلاف الأولى، أما مع عدم صلاحيتها للتعليل بالمرة فلا تصلح تقريبية
إذ هي كالتعليل بالأمور الباطلة التي لا مدخلية لها أصلا، وكتعليل القصر في الثمانية
بأنها تكون ستة عشر ونحو ذلك، ولا ريب في كونه من الخرافات التي يجل عنها ألفاظ
أرباب الكلمات حتى لو تعسف وقيل: إن المراد من التعليل لازم المذكور في اللفظ أي
المشقة لا نفسه، فيكون التعليل تقريبيا حينئذ.
222

يدفعها - بعد إمكان منع اعتبار ذلك في (إذا) أولا كما يشهد له استعمالها في
العرف وغيره في الأعم من ذلك، واحتمال اختصاصها بعد التسليم في الكلام الملاحظ
فيه النكت البديعية والمحسنات البيانية وسبق بقصد إظهار القدرة على البلاغة والفصاحة
لا الكلام المقصور به مجرد التفهيم، وجار على مقتضى كلام غالب الناس وسوادهم،
بل من المحتمل أنه كلام الراوي ناقلا بالمعنى للفظ المعصوم - أن المنساق من هذا الخطاب
اشتراط الرجوع مطلقا وإن لم يكن ليومه بتقييد إطلاق البريد في الصدر بالتعليل الظاهر
في اشتراط الرجوع، وحمل شغل اليوم فيه على مطلق الشغل دون الشغل بالفعل، لا أن
المفهوم منه الاكتفاء بالبريد من دون الرجوع أصلا، وإن توهم أخذا باطلاقه في الصدر
وحملا للتعليل على التقريب إلى الأفهام بجعل شغل اليوم كناية عن المشقة التي هي علة
تقريبية للقصر، إذ هو كما ترى، ولا أن المفهوم اشتراط الرجوع لليوم بتقييد إطلاق
البريد بظاهر التعليل، وتقييد إطلاق الرجوع فيه بما دل منه على شغل اليوم بالفعل،
وتقييد إطلاق المفهوم بالسير الملفق، واستقامة الفهم واعتداله مع كثرة ممارسته لأخبارهم
ومعاني كلماتهم (عليهم السلام) الشاهد على ما ذكرنا، فتأمل وتدبر.
ومنها موثق زرعة وسماعة (1) (سألته عن المسافر فيكم يقصر الصلاة؟ فقال
له: في مسيرة يوم، وذلك بريدان، وهما ثمانية فراسخ، ومن سافر قصر الصلاة
وأفطر إلا أن يكون مشيعا لسلطان جائر، أو خرج إلى صيد، أو إلى قرية له تكون
مسيرة يوم يبيت إلى أهله لا يقصر ولا يفطر) وعن بعض نسخ الاستبصار (متبعا)
بدل قوله: (مشيعا) كما أنه عن كتابي الصلاة والصوم من التهذيب (إلا أن تكون
رجلا مشيعا) من دون ذكر السلطان، وفي الصوم منه (من سافر فقصر الصلاة

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب صلاة المسافر الحديث 8 وذيله
في الباب 8 منها الحديث 4 لكن رواه عن زرعة عن سماعة
223

أفطر) فجعل الافطار تابعا للقصر، وفيه مكان قوله: (يبيت) (لا يبيت) بزيادة
(لا) وعن بعض النسخ (لا يلبث) باللام موضع (لا يبيت) إذ الظاهر إرادة المسافة
التلفيقية من مسيرة اليوم على أن يكون الأهل الذي يبيت عندهم الذين خرج منهم لا في
القرية، لعدم الاشعار في الرواية بأن له فيها أهلا، ولا هي مظنة ذلك وإن كانت
ملكا له، بخلاف بلده الذي هو وطن، فإن وجود الأهل له فيه كالمعلوم بالعادة،
فيكون في قوة التصريح به في العبارة، وقد يطلق الأهل ويراد الوطن لاتخاذ الأهل به
غالبا، وهو كثير في المحاورات، فلا يتوقف صدقه حينئذ على وجود الأهل بالفعل،
بخلاف الملك والقرية، فإنه لا يطلق ذلك إلا مع العلم بوجود الأهل فيهما بالفعل،
فالمراد ببيتوتته إلى أهله حينئذ في بلده، وهو قرينة واضحة على أن المسافة بينه وبين
القرية دون سير اليوم، إذ لو كان مسيرة يوم لشغلها في الذهاب، فلم يتأت له الرجوع
إلى البلد بحيث يبيت فيه إلى أهله مع قضاء وطره من القرية، خصوصا إذا أريد ببيتوتته
إلى أهله كل الليل كما هو ظاهر اللفظ.
وأيضا لو كان المراد بلوغ المسافة بينهما مسير اليوم لزم اختصاص الحكم بنفي
القصر والافطار بنفس القرية، فلا يتناول الطريق إليها، لبلوغه حد المسافة الموجبة
للقصر والفطر من دون قاطع في الأثناء، ولا ريب أن الظاهر تناول الحكم للطريق،
كما يدل عليه استثناء هذا السفر من السفر الذي يجب فيه الأمران مطلقا، ويشهد له
قصد الطريق فيما قرن به من التشييع والخروج إلى الصيد، بل الظاهر أن قوله:
(لا يقصر ولا يفطر) متوجه إلى الجميع، فيكون الحكم في الكل على نهج واحد، وإلا
لزم التفكيك الركيك، وبالجملة فالرواية مسلطة على فهم دخول الطريق في المستثنيات
كلها، ولا يتأتى ذلك إلا إذا قصد التلفيق في الأخير، لانقطاع المسافة حينئذ بالوصول
224

بالتمام ثم عدل قبل الصلاة فضلا عما قبل الوقت، وذلك لعدم استقرار هذا الخطاب
إلا بمضي تمام الوقت، بخلافه في القضاء، فإنه قد استقر الخطاب فيه، فتأمل.
نعم قد يناقش في الدليل المزبور بظهور النص في فعلية التمام، ولذا كان
ظاهر المدارك وعن الايضاح ومجمع البرهان والذخيرة ومصابيح الأنوار الرجوع إلى
التقصير هنا، وأنه لا مدخلية لاستقرار القضاء تماما، ومنهما معا توقف الفاضل
والشهيدان وغيرهما في الحكم المزبور فبين من اقتصر على ذكر الوجهين وآخر على
الاشكال والنظر، كما أنهم بين من ذكر ذلك في الناسي وبين من ذكره في العامد،
لكن لا يخفى عليك قصور النص عن إفادة كل منهما، ولذا اعترف في جامع المقاصد
على ما حكي عنه بأنه مخالف لظاهر الرواية، وإن قال هو أيضا إن الأصح الاتمام نظرا إلى
ما تقتضيه أصول المذهب، إلا أنك خبير بعدم اقتضاء الأصول لذلك اللهم إلا أن
يريد إطلاق ما دل على الاتمام بمجرد نية المقام، أقصاه خروج الراجع قبل الصلاة في
وقتها، ولعله لا يخلو من قوة، إذ الانصاف أن النص هنا غير ظاهر في شمول ذلك
ولا عدمه، ضرورة كون المفهوم منه بناء حكمي المسألة على ما هو الغالب من عدم فوت
الصلاة من المؤمن الموحد، فيبقى حينئذ ما نحن فيه على مقتضى غيره من الأدلة، وقد
عرفت اقتضاء إطلاقها التمام.
بل لا يبعد جريان ذلك في غير هذا الفرع مما ذكر هنا، كما لو نوى المقام ثم
نسي إلا أنه صلى تماما لشرف البقعة مثلا، وبعد الفراغ ذكر نية الإقامة ثم أراد الخروج
وإن ذكر في الروض أن فيه وجهين كما عن غيره، كذكره نحو ذلك أيضا فيما لو نوى
الإقامة ثم صلى بنية القصر ثم أتم أربعا ناسيا ثم تذكر بعد الصلاة ونوى الخروج، قال
فيه: (فإن كان في الوقت فكمن لم يصل، لوجوب إعادتها، وإن كان قد خرج الوقت
احتمل الاجتزاء بها لأنها صلاة تمام مجزية، وعدمه لأنه لم يقصد التمام).
225

على أهل الكوفة لتقاعدهم عن حرب أهل الشام بأنها كانت قريبة من المصر، فتكون
الرواية مهجورة، على أنه لو سلم كون النخيلة على بريد فصاعدا من الكوفة - كما يومي
إليه بعض الأمارات التي ليس هنا محل ذكرها، إذ هي وإن كانت معسكرها لكنه
لا بأس ببعدها عنها لعظم المصر، بل الظاهر من ملاحظة بعض الأخبار وغيرها
أن النخيلة هي المسماة الآن بذي الكفل أو مكان قريب منه، فتكون على بريد من
المصر - لكن لا دلالة في الخبر على اشتراط ذلك في القصر، بل أقصاه أنه (عليه السلام)
قصر في هذا الحال، وهو مجمع عليه، اللهم إلا أن يستفاد من ذكر الراوي أنه رجع
ليومه اعتبار ذلك، وإلا لم تكن فائدة في ذكره، بل يكون كذكره بعض الأمور التي
لا مدخلية لها من دخول البيت ونحوه، لكن ذلك مبني على حجية فهم الراوي خصوصا
مثل هذا الراوي الذي لم نعلمه، إذ الخبر مرسل، ومثل هذا الفهم الذي هو بمنزلة
الحكم منه إذا لم يرجع إلى تفسير لفظ أو تعين (تعيين خ ل) مراد أو نحوهما مما يكون فهمه
حجة فيه بعد التسليم، فاستفادة هذا الحكم من أمثال ذلك كما ترى.
ومنها ما عن كتاب الصوم من المقنع المرسل (1) قال: (سئل أبو عبد الله (عليه السلام)
عن رجل أتى سوقا يتسوق بها وهي من منزله أربع فراسخ، فإن هو أتاها على الدابة
أتاها في بعض يوم، وإن ركب السفن لم يأتها في يوم، قال: يتم الراكب الذي يرجع
من يومه صومه، ويقصر صاحب السفن) بناء على عدم إمكان صحة ظاهره، إذ هو
دال بمنطوقه على وجوب الصوم لقاصد الأربعة الراجع لليوم، وهو إنما يتمشى على
القول بتخيير الراجع ليومه في الصلاة دون الصوم، أو القول بسقوط اعتبار الأربعة
ولو مع الرجوع لليوم مع إلغاء المفهوم على الأخير، وهما خلاف الأقوال المعتبرة في

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 13
226

المسألة، والقول بهما على تقدير ثبوته مرغوب عنه.
وأيضا مفهوم الخبر يقضي باختصاص الراجع لليوم بوجوب الصوم دون غير
الراجع، وهو خلاف إجماع العلماء كافة، بل خلاف المعلوم بالضرورة من عدم اشتراط
القصر فيهما بانتفاء الرجوع لليوم عكس المشهور من اشتراط الرجوع فيه، كما هو واضح.
وأيضا فالسائل قد سأل عن رجل خرج متسوقا، وظاهر الحال فيه عدم الرجوع
ليومه، فالجواب غير مطابق للسؤال، كما أنه لا يطابقه بالنسبة للصوم، إذ ظاهر سؤال
السائل الصلاة، لأنها الغالب، أو الأعم منها ومن الصوم، ولا مخلص من هذه
الاشكالات إلا بتقدير النفي قبل (يرجع) إما لأنه سقط من النساخ، أو أنه كقوله
تعالى (1): (تالله تفتئوا تذكر يوسف) وقول امرئ القيس: (فقلت يمين الله
أبرح قاعدا)) أو بدعوى أن المراد من (يرجع) التمكن من الرجوع ولما يرجع مجازا
من غير حذف وإسقاط، وحينئذ تتجه دلالته على اعتبار الرجوع لليوم في الافطار،
وفيه أنه حينئذ من المأول الذي ليس بحجة، بل من أخس أفراده، ودعوى أنه ظاهر
في ذلك ولو بملاحظة قرائن تعذر الصحة ومخالفة الاجماع أو لمطابقته للسؤال ونحو
ذلك كما ترى.
ومنها عبارة الفقه الرضوي (2) المتقدمة سابقا التي يبنى الاستدلال بها على
حجيته المفقودة عندنا.
لكن قد يقال: إن جمع هذه الاشعارات التي أشيرت (أشير ظ) إليها مع
ملاحظة الشهرة العظيمة وإجماع الأمالي وغيره مما تقدم سابقا يكفي في حصول الظن
باعتبار الرجوع ليومه، إلا أنه لا يخفى عليك أن المتبع الدليل لا هذه الخرافات، نعم

(1) سورة يوسف (ع) الآية 85
(2) المستدرك الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
227

لا ينبغي ترك ما أوصينا به من الاحتياط الذي جعل الله ساحل بحر الهلكة.
ثم إنه على تقدير اعتبار الرجوع ليومه فالظاهر أن المعتبر منه قصد ذلك حين
الذهاب ليتحقق حينئذ قصد المسافة التلفيقية، ولخبر صفوان (1) عن الرضا (عليه السلام)
المتضمن إرادة الرجل لحوق صاحبه حتى بلغ النهروان، وغيره من النصوص، فلو كان
عازما على العدم أو مترددا لم يقصر وإن اتفق أنه رجع، بخلاف الأول فإن فرضه
التقصير إلى أن يذهب عزمه على الرجوع، ولو لمانع يمنعه قهرا عليه فيتم حينئذ، ولا
يعيد ما وقع منه لقاعدة الاجزاء، وفحوى بعض النصوص (2) نعم لو كان قصده
التلفيقية ثم تغير إلى الامتدادية بقي على التقصير كالعكس المعلوم حكمه من خبر إسحاق
ابن عمار (3) المروي عن العلل المتقدم سابقا، وصحيح أبي ولاد (4) عن الصادق
(عليه السلام) الآتي المشتمل على السؤال عن الخروج في سفينة إلى قصر ابن أبي هبيرة
وغيرهما، ومن صدق قصد المسافة وإن لم تكن شخصية، إذ احتمال اعتبار المشخصة في
التقصير وإن توهمه بعضهم لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، ولعلك تسمع
إن شاء الله زيادة تحقيق له.
(ولو تردد يوما) في أقل من أربعة ك‍ (ثلاثة فراسخ) أو أقل أو أكثر
(ذاهبا وجائيا وعائدا لم يجز) له (القصر) إجماعا (وإن كان ذلك من نيته) إذا
وصل في تردده إلى حيث يسمع الأذان ويرى الجدران، لانقطاع المسافة حينئذ، بل
وإن لم يصل بلا خلاف أجده فيه عدا ما في التحرير من التقصير على إشكال، وقد
رجع عنه لأصالة التمام، وعدم صدق المسافر على كثير من أفراده، وظهور الأدلة في

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 10
228

حصر المسافة بالبريدين، أو خصوص البريد ذاهبا وجائيا، والتعليل بشغل اليوم
لم يرد منه التسرية بحيث يشمل التردد في نصف الميل أو ربعه قطعا، وإلا كان معارضا
بغيره مما دل على أن أقل المسافة بريد من النصوص الكثيرة المعتضدة بالفتاوى.
(ولو كان للبلد طريقان والأبعد منهما مسافة فسلك الأبعد قصر) إجماعا
ونصوصا (1) إن كان لداع غير الترخيص، بل الظاهر ذلك أيضا (وإن كان) سلوكه
له (ميلا إلى الرخصة) بلا خلاف أجده من غير ابن البراج، لعدم حرمته، ولاطلاق
الأدلة أو عمومها، واحتمال أنه كاللاهي بسفره للصيد - إذ قطع هذه الزيادة لا لداع
كقطع تمام المسافة كذلك، وكلاهما لهو، بل قد يشك في صدق المسافر عليه، فإن
الهائم على وجه قاصدا للبريد والرجوع ليومه لا يعد مسافرا - يدفعه عدم اندراجه فيه
عرفا، بل الفرق بينهما عنده من الواضحات، إذ الفرض وجود الداعي له في البلاد
إلا أنه سلك إلا بعد للترخص، على أنا نمنع عدم صدق السفر مع فرض عدم الداعي
إلا الترخص، إذ هو مقصد صحيح عند العقلاء، وربما تمس الحاجة إليه في بعض
الأوقات، وكذا احتمال الشك في شمول الأدلة للفرض، فيبقى على أصل التمام، لمنع
الشك، خصوصا مع ملاحظة اعتضاد الاطلاقات باطلاق جملة من الفتاوى وصريح أخرى.
ولو سلك الأقرب وكان دون الأربعة أو كان ولم يقصد الرجوع ليومه بناء
على اعتباره في القصر لم يقصر، لعدم المسافة بقسميها، فيبقى على أصل التمام، وكذا
لو سلك الأقرب ثم رجع بالأبعد ولو ليومه إلا أنه لم يكن من قصده ذلك من أول
خروجه ولم يكن في نفسه مسافة، نعم هو مع الأقرب يتلفق منه ذلك، كما لو فرض
كون الأبعد سبعة والأقرب فرسخا.
أما لو كان قصده ذلك من أول الأمر فلا يبعد عدم القصر أيضا، اقتصارا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب صلاة المسافر
229

في المعتبر من التلفيق على المتيقن منه، وهو البريد الذهابي دون غيره، فيبقى على أصل
التمام، وإن كان يوهمه التعليل بشغل اليوم، إلا أنك عرفت عدم إرادة التعميم منه.
ولو كان الأبعد مسافة قصر حال سلوكه له، لحصول المقتضي وارتفاع المانع،
إذ احتمال تخصيص المسافة بالذهابية لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، ولو فرض
أن قصده الرجوع به من أول الأمر احتمل ترخصه في حال سلوكه في الأقرب وفي
البلد وفي حال الرجوع به وإن لم يكن ليومه، لتحقق قصد المسافة وزيادة من دون
مراعاة التلفيق، لكن قد يشكل التقصير قبل سلوكه أيضا، بل جزم بالعدم في المسالك
والمدارك، بل في الرياض أنه ظاهر الأكثر وحكى عليه الاجماع بعدم مدخلية الأقرب
في المسافة، وعدم شروعه فيما يتحقق به، ومجرد قصده الرجوع به قبل الضرب فيه
غير مجد في رفع أصالة التمام كما يومي إليه عدم التقصير في قاصد دون المسافة إلى أن
قطعها فقصد دون المسافة مرة أخرى وهكذا حتى بلغ مسافات إلى أن يأخذ في الرجوع
فيقصر، ولو أن ذلك مجد قبل الأخذ فيه وجب عليه التقصير عند قصده الثاني أو
الثالث الذي تتحقق المسافة فيه لو رجع منها، فتأمل، وتسمع فيما يأتي مزيد تحقيق له
إن شاء الله.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الأحوط له الجمع حتى لو قصد الرجوع ليومه،
لظهور عدم فائدته هنا بعد فرض قصور القريب عن البريد، وفي المسالك بعد أن حكم
بعدم الترخص في الفرض قال: ومن هذا الباب ما لو سلك مسافة مستديرة، فإن
الذهاب ينتهي فيها بالمقصد وإن لم يسامت قطر الدائرة بالنسبة إلى محل المسافة، والعود
هو الباقي سواء زاد أم نقص، هذا مع اتحاد المقصد، ولو تعدد كان منتهى الذهاب
آخر المقاصد إن لم يتحقق قبله صورة الرجوع إلى بلده عرفا، وإلا فالسابق عليه وهكذا
ويحتمل كونه آخر المقاصد مطلقا.
230

(الشرط الثاني قصد المسافة) ولو تبعا نصا (1) وإجماعا بقسميه، ولأنه
المتيقن من الأدلة بل المتبادر منها، بل هو معنى اعتبار المسافة هنا بعد الاجماع محصلا
ومحكيا في المدارك على انتفاء إرادة قطعها أجمع (2) وللمرسل (3) الذي لا يقدح ارساله
في المقام عن صفوان (سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل خرج من بغداد يريد أن
يلحق رجلا على رأس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، فقال: لا يقصر ولا يفطر
لأنه خرج من منزله وليس مريدا للسفر ثمانية فراسخ، وإنما خرج يريد أن يلحق
صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه، ولو أنه خرج من منزله
يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والافطار، وإن هو
أصبح ولم ينو السفر وبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك)
والموثق (4) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يخرج في حاجته وهو لا يريد
السفر فيمضي في ذلك يتمادى به المضي حتى يمضي ثمانية فراسخ كيف يصنع في صلاته؟
قال: يقصر ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله) بل قد يظهر بملاحظته دلالة الموثق
الآخر (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا، قال: (سألته عن الرجل يخرج في
حاجته فيسير خمسة أو ستة فراسخ فيأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ
أخرى أو ستة لا يجوز ذلك ثم ينزل في ذلك الموضع قال: لا يكون مسافرا حتى يسير
من منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فليتم الصلاة) إذ الظاهر منه كما عن الشيخ في
التهذيبين إرادة من خرج من بيته من غير نية السفر فتمادى به المسير إلى أن صار مسافرا
من غير نية، وإنما الاعتبار بقصد المسافة لا بقطعها، والمراد إتمام الصلاة في الذهاب.

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 2 - 3
(2) أي بعد الاجماع على عدم اعتبار قطعها أجمع
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 2 - 3
231

(ف‍) ظهر حينئذ من ذلك أن لا يقصر الهائم على وجهه لا يدري أين يذهب
ولا طالب الآبق، وكذا (لو قصد ما دون المسافة ثم تجدد له رأي فقصد أخرى)
مثلها (لم يقصر وإن زاد المجموع على مسافة التقصير) فإن المدار كما عرفت على القصد
لا القطع (نعم إن عاد وقد كمل المسافة فما زاد قصر) بلا خلاف أجده لتحقق القصد
فيندرج حينئذ في إطلاق الأدلة أو عمومها، ولخصوص الموثق (1) السابق وغيرهما،
ودعوى انصراف الذهابية من النصوص دون الرجوع مما لا يصغى إليها، كما أنه لا يصغى
إلى ما سمعته سابقا من احتمال ضم ما بقي من الذهاب مما هو أقل من المسافة إلى الرجوع
إن كان هو وحده بالغ المسافة، للأصل ولاطلاق النصوص والفتاوى في عدم ترخصه
حتى يرجع، بل في الرياض بعد أن نسبه إلى ظاهر الأكثر حكى الاجماع عليه، وأدلة
التلفيق واضحة القصور عن تناوله حتى لو كان الرجوع وحده مسافة.
(وكذا) الحكم (لو طلب دابة شردت أو غريما أو آبقا) في الذهاب
والإياب، لاتحاد الجميع في المدرك.
نعم يكفي قصد المسافة النوعية ولا يعتبر الشخصية، فلو سار حينئذ قاصدا بلدا
مخصوصا به تحقق المسافة فبدا له في الأثناء وأراد المضي إلى بلد آخر يبلغ ما بقي من
الوصول إليه مع ما سلف منه من السير المسافة قصر كما صرح به غير واحد، لتحقق
القصد الذي بسببه يندرج في إطلاق الأدلة المعتضد بالأصل السالم عن معارضة ما دل
من النص والفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة، أو رجع عنها بعد اختصاصه بحكم
التبادر وغيره في غير محل البحث، وهو ما إذا لم يقصد المسافة أصلا أو قصد الرجوع
في أثنائها إلى منزله، فما في الروض من احتمال عدم الترخص اقتصارا على المتيقن

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
232

من المسافة الشخصية ضعيف.
بل الظاهر الترخص وإن انتقل قصده إلى المسافة التلفيقية، كما لو قصد مسافة
خاصة ثم بدا له في الأثناء وأراد الرجوع إلى محله وكان قد بلغ في مسيره بريدا قصر
وإن لم يكن أراد الرجوع ليومه بناء على عدم اعتباره في ذلك، وإلا اشترط ذلك،
لتحقق المقتضي وارتفاع المانع، وعدم قصده الرجوع من أول الأمر غير قادح بعد
ما سمعت من كفاية المسافة النوعية، على أن الرجوع مقصود له ولو بعد بلوغ مقصده
الذي هو مسافة.
بل عن الشيخ في النهاية وجوب القصر على منتظر الرفقة إذا قطع أربعة فراسخ
وإن لم يرد الرجوع ليومه، مع أن مذهبه فيها عدم وجوب القصر إذا قصد في مبدء
السفر التلفيق ثمانية لغير يومه، بل التخيير، ولعله للفرق بين المقامين بعدم ثبوت ما يوجب
القصر من قصد الثمانية ولو مع التلفيق لليوم في الثاني بخلاف الأول فإنه كان قاصد
الثمانية الممتدة الموجبة للقصر وإن عدل عن الجزم بها وانتظر الرفقة على الأربعة التي
تكون ثمانية بالإياب ولو بغير يومه، فيبقى حينئذ على ما وجب عليه من القصر فإنه يكفي فيه في
الفرض الثمانية الملفقة ولو لغير اليوم، ومال إليها هنا في الرياض.
ولعله للنصوص، كصحيح أبي ولاد (1) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)
إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن أبي هبيرة، وهو من الكوفة
على نحو من عشرين فرسخا في الماء، فسرت يومي ذلك أقصر الصلاة ثم بدا لي في الليل
الرجوع إلى الكوفة فلم أدر أصلي في رجوعي بتقصير أم بتمام فكيف كان ينبغي أن أصنع؟
فقال: إن كنت سرت في يومك الذي خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت أن
تصلى بالتقصير، لأنك كنت مسافرا إلى أن تصير في منزلك، قال: وإن كنت

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
233

لم تسر في يومك الذي خرجت فيه بريدا فإن عليك أن تقضي كل صلاة صليتها
في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تريم من مكانك ذلك، لأنك لم تبلغ
الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت، فوجب عليك قضاء ما قصرت، وعليك
إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك).
واشتماله على ما لا نقول به من وجوب قضاء ما صلاه قصرا لمخالفته لقاعدة
الاجزاء، وصحيح زرارة (1) المعمول به بين الأصحاب لا يخرجه عن الحجية في غيره
مع أنه يمكن حمله على ما لا ينافي ذلك، كما أنه يمكن حمل ما فيه من الدلالة على فورية
القضاء على أمر آخر ليس ذا محل ذكره.
وخبر إسحاق بن عمار (2) (سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قوم خرجوا
في سفر فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلاة، فلما
صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو أربعة تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم
إلا به فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم وهم لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه إليهم وأقاموا
على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون، هل ينبغي لهم أن يتموا
الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا
على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا
الصلاة أقاموا أو انصرفوا، فإذا مضوا فليقصروا).
وخبر المروزي (3) قال: قال الفقيه (عليه السلام): (التقصير في الصلاة بريدان
أو بريد ذاهبا وجائيا، والبريد ستة أميال، وهو فرسخان، فالتقصير في أربعة فراسخ

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 10
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4
234

فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا وذلك أربعة فراسخ ثم بلغ فرسخين
ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر، وإن رجع عما نوى عندما بلغ فرسخين وأراد
المقام فعليه التمام، وإن كان قصر ثم رجع عن نيته أعاد الصلاة) بعد حمل الفرسخ
والميل فيه على الخراسانيين بقرينة الراوي اللذين هما عبارة عن اثنين من الفراسخ والأميال
عندنا، وحمل المقام فيه على نية الإقامة، فإنه لم ينفعه حينئذ نية الرجوع بعدها، وما
في ذيله من إعادة الصلاة لا يخرجه عن الحجية كخبر أبي ولاد.
لكن لم يعبأ بذلك كله المقدس البغدادي، فلم يرخصه في التقصير إن بدا له في
الرجوع ليومه فضلا عن غيره بعد ما قطع أربعة متمسكا باطلاق الأصحاب عدم التقصير
فيه وفي المتردد ومنتظر الرفقة، إلا إذا كان ذلك منهم وقد قطعوا مسافة تامة
ثمانية فراسخ، لعدم اعتبار التلفيق من الإياب هنا إذا لم يكن مقصودا من قبل، بل
إنما تعلق به القصد عند إرادة الرجوع، بل هو في المتردد والمنتظر لم يتعلق به القصد
أصلا، وقصد الإياب ولو بعد أيام أو سنين وأعوام غير مجد في تحقق المسافة عند
الأصحاب كي يقال إنه كان قبل رجوعه أو تردده للمسافة سببان قصد الامتدادية و
التلفيقية، فلما بطل السبب الأول بقي الثاني، وفيه أولا أنه غير تام بناء على ما ذهب
إليه ابن أبي عقيل وغيره من الاكتفاء بقصد الإياب ولو بعد السنين ما لم ينقطع سفره
بأحد القواطع، وقد عرفت قوته سابقا، بل هذه النصوص ظاهرة فيه أو صريحة كما
أشرنا إليه سابقا، وثانيا أنه قد سمعت كفاية المسافة النوعية في القصر، ودعوى
إنكار مثل هذا التلفيق بعد أن لم يكن مقصودا من أول الأمر مسافة حتى يثمر العدول
إليه في بقاء التقصير يدفعها ما سمعته من النصوص السالمة عن المعارض هنا، حتى
ما دل على عدم الترخص لغير قاصد المسافة أو المتردد في الأثناء قبل البلوغ بعد انسياق
غير محل البحث منه، كالنصوص الدالة على حصر المسافة في الثمانية المراد منها قصدها
235

لا القطع، ولذا مال إليه في الرياض أو قال به في الفرض مع أنه ممن لم يعين القصر
والتلفيق لغير يوم الذهاب، لا أقل من الشك في شمول أدلة الطرفين له، فيبقى
استصحاب تعين القصر عليه سالما عن المعارض،
نعم لا ينبغي الشك في عدم الترخص له لو نوى الرجوع أو تردد أو انتظر
اتفاق الرفقة قبل بلوغ المسافة ولو التلفيقية، كما لو حصل ذلك قبل الوصول إلى أربعة
فراسخ، للنصوص السابقة وظهور الاتفاق، بل عن بعضهم دعواه صريحا على اعتبار
عدم نقض العزم على المسافة في بقاء الترخص له ولو بالتردد ونحوه، نعم لا يقدح
الجنون والاغماء ونحوهما مما لا يعد نقضا للعزم، ومن ذلك كله ظهر لك الحال في قول
المصنف: (ولو خرج ينتظر رفقة إن تيسروا سافر معهم فإن كان) ما أراد انتظارهم
فيه (على حد مسافة قصر في سفره وموضع توقفه) لتحقق القصد إلى مسافة فيه
(وإن كان دونها أتم حتى يتيسر له الرفقة ويسافر) لكن يجب إرادة الأعم من
التلفيقية من المسافة في المتن لو أردنا تنزيله على المختار، كما أنه ظاهر أو صريح في أن
الحكم المذكور إذا لم يكن جازما بمجئ الرفقة أو عازما على السفر بدونهم، وإلا قصر
بمجرد خروجه عن محل الترخص ما لم ينو إقامة عشرة أيام، أو يمضي له ثلاثون يوما
مترددا، وفي إلحاق الظن بمجيئهم بالجزم به وجهان، أقواهما عدم الترخص للأصل،
كالظن في السفر بدونهم، خلافا للذكرى فجعل غلبة الظن بذلك كالجزم،
ولو تيسر له الرفقة فعزم على السفر اعتبر في جواز الترخص له بلوغ ما بقي من
الذي أراد قطعه مع الرفيق مسافة، لعدم اعتبار ما قطعه أولا حال خلوه عن الجزم بقصد
المسافة، فلا يضم حينئذ إليه، بل هو كقطع طالب الآبق ونحوه،
نعم لو قصد مسافة ثم تردد في أثنائها ولم يقطع بعد التردد شيئا ثم عاد إلى الجزم
رجع إلى الترخص وإن صلى تماما أياما واكتفى ببلوغ ما قطعه وما بقي مسافة، لتناول
236

الأدلة حينئذ له، بل الظاهر عدم احتياجه إلى الضرب في الأرض، لأنه ليس سفرا
جديدا، بل هو رجوع عين القصد الأول،
أما لو قطع حال التردد جملة ثم رجع إلى الجزم احتمل اعتبار بلوغ ما بقي مسافة
في ترخصه، لذهاب حكم ما قطعه أولا بالتردد ولو في بعضه، ويحتمل ولعله الأقوى
الاكتفاء ببلوغ ما قطعه حال الجزم وما بقي مسافة، وإسقاط ما تخلل بينهما مما قطعه حال
التردد، أو العزم على الرجوع، وأما احتمال الاكتفاء ببلوغ المجموع مسافة حتى
ما قطعه حال التردد لرجوع القصد الأول الذي كان سببا في القصر فضعيف جدا كما
هو واضح،
ثم لا فرق في اعتبار قصد المسافة في الترخص بين التابع وغيره، سواء كانت
التبعية لوجوب الطاعة كالزوجة والعبد والولد أو لا، بل كانت اختيارية كالخادم ونحوه
ممن لا ولاية شرعية للمتبوع عليه أو قهرية كالأسير والمكره ونحوهما ممن أخذ ظلما،
لاطلاق الأدلة نصا وفتوى، وما في الدروس وغيرها من أنه يكفي قصد المتبوع
عن قصد التابع يراد منه كفاية ذلك بعد بناء التابع على التبعية وإناطة
مقصده بمقصد متبوعه ومعرفته به، فإنه حينئذ يتحقق قصده المسافة بذلك، لا أنه
يكفي وإن لم يكن التابع قاصدا له كما لو عزم على مفارقة متبوعه، لعدم الدليل بالخصوص،
بل ظاهر الأدلة خلافه، حتى لو كان التابع ممن يجب عليه إطاعة المتبوع كالعبد والزوجة،
فإنهما لو كان من نيتهما الإباق والنشوز قبل بلوغ المسافة لم يترخصا، ونص جماعة من
الأصحاب على التابع ليس لأن له حكما مستقلا ثابتا بدليل مخصوص، بل المراد التنبيه
على اندراج مثله فيما تقدم من القاصد مسافة وإن كان قصده لها إنما هو لقصد متبوعه
لا لغرض متعلق به، لا أن المراد أن له حكما بخصوصه كما لا يخفى على المتأمل لكلماتهم،
فالمدار حينئذ على تحقق قصدهم المسافة بل عن نهاية العلامة (أنهما متى احتملا
237

العتق والطلاق قبل بلوغ المسافة وعزما على الرجوع بحصولهما أتما) وقربه الشهيد إن
حصلت إمارة لذلك وتبعه في مجمع البرهان والرياض، قال في الذكرى (وإلا فالظاهر
البناء على بقاء الاستيلاء وعدم دفعه بالاحتمال البعيد) وإن كان ضعف الأول واضحا،
ضرورة عدم منافاة مثل هذا الاحتمال لقصد المسافة فعلا، كما أنه لا ينافي الاستدامة على
العمل في سائر ما تعتبر فيه من العبادات، فمن صام ناويا للصوم وعازما عليه لم يقدح في
صحة صومه بناؤه من أول الأمر على القطع عند عروض المانع منه، ولا تردده في
حصول المبطل قهرا له.
بل قد يقال بعدم قدحه لو تردد فيه وكان احتمال العروض والعدم على حد سواء،
لصدق قصد المسافة قبل العروض، وللاستصحاب، بل وكذا لو كان احتمال العروض
أقوى أيضا، فمن سافر قاصدا للمسافة وعازما عليها إلا أنه يظن عروض اللصوص
في طريقه الذين بسببهم يتردد في سفره أو يقصد الرجوع قصر فيه، بل يمكن القول
بذلك حتى لو علم العروض، إذ القاطع لقصد المسافة نقض القصد الأول فعلا لا العلم
بحصول ما يقتضي النقض فيما يأتي من الزمان، وأوضح منه لو فرض عروض العلم
بذلك له في الأثناء، اللهم إلا أن يقال إنه لا يتصور الاستمرار على القصد معه، كما أنه
لا يتصور أصل القصد إلى المسافة لو كان ذلك معلوما له من أول الأمر، وهو أمر آخر
غير ما نحن فيه، مع أنه يمكن منعه خصوصا في الأول، وإلا لنافاه التردد أو الظن.
ومن ذلك كله ظهر لك ما في تقييد الشهيد، إذ حصول الأمارة لا ينافي التبعية
المقصودة فعلا المقتضية للعزم على مسافة المتبوع والقصد إليها، ولعله لذا أطلق الفاضل في
المنتهى على ما حكي عنه قصر الزوجة والعبد وإن عزما على الرجوع بعد ارتفاع اليد
عنهما، بل وظهر ما في كلامه في الذكرى أيضا من أنه لو بلغه خبر عبده أو غايبه في
بلد يبلغ مسافة فقصده جزما فلما كان في أثناء الطريق نوى الرجوع إن ظفر به قبل
238

البلد، فهو حينئذ في حكم الراجع عن السفر، فإن كان قد قطع المسافة لم يخرج عن السفر،
وإلا خرج، مع أنه كان عليه تقييده بما إذا قامت إمارة لذلك لا مجرد الاحتمال أو
الفرض كما هو واضح.
نعم يعتبر علم التابع بقصد المتبوع مسافة كما صرح به في الذكرى والروض
ومجمع البرهان وغيرها كي يتحقق قصده إلى ذلك عند الانحلال، أما لو جهله واحتمل
كون مقصد المتبوع غير مسافة لم يترخص، لعدم حصول الشرط، إذ إناطة قصده
بقصد متبوعه مع فرض الجهل به واحتمال كونه غير مسافة لا تجدي في تحققه وفي صدق
كونه قاصد مسافة، وإلا لصدق على طالب الآبق ونحوه الذي في علم الله أنه لا يصيبه
حتى يقطع مسافات أنه قاصد مسافة مما هو معلوم البطلان، فحينئذ يتم وإن قطع مسافات،
إذ قد عرفت أن تبين كون قصد المتبوع مسافة بعد ذلك لا يوجب القصر حال الجهل
ولا حال العلم، لأن الشرط قصد المسافة ابتداء، وفي وجوب تعرف قصد المتبوع بالسؤال
عنه ونحوه وعدمه وجهان، مقتضى الأصول الثاني كما أن مقتضاها أيضا عدم وجوب
الأخبار والتعريف على المتبوع حتى لو سئل واستخبر فتأمل جيدا فإن المقام لا يخلو من
مزلقة للأقدام. والعلم عند الملك العلام.
(الشرط الثالث) لأصل وجوب القصر على حسب ما سمعته وتسمعه
من الشرائط المذكورة في هذا المقام، لا أنه شرط للاستمرار على القصر من
بينها، كما هو ظاهر اللمعة بقرينة ذكره مضي الثلثين يوما الذي لا يتصور فيه إلا شرطية
الاستمرار، بخلاف المصنف الذي اقتصر على الإقامة والمرور بالمنزل الذين يتصور
شرطيتهما في أصل القصر على معنى (أن لا) ينوي في ابتداء قصده المسافة أنه
(يقطع السفر بإقامته عشرة) كاملة ولو بالتلفيق، أو مرور بمنزله الذي يخاطب بالتمام
فيه (في أثنائه) كما صرح به في الروضة والروض ومجمع البرهان وغيرها، بل لا أجد
239

فيه خلافا. فلو عزم على مسافة وفي طريقه ملك له قد استوطنه ستة أشهر أتم (في طريقه)
لعدم قصده المسافة المتصلة التي علم من الأدلة إيجابها خاصة القصر، فيبقى حينئذ على
أصالة التمام فيه (وفي) نفس (ملكه) الذي ستعرف ما يعتبر في وجوب التمام فيه
وإن كان التمام فيه في الجملة إجماعيا والنصوص به مستفيضة أو متواترة (وكذا الحكم
لو نوى الإقامة في بعض المسافة) فإنه يتم في طريقه لأصالة التمام السالمة عن المعارض
هنا بعد انسياق ما لا يشمل الفرض من أدلة القصر، والمعتضدة بعدم الخلاف في ذلك
نقلا في الرياض وغيره وتحصيلا، بل فيه أن عليه وعلى سابقه الاجماع في عبائر جماعة
حد الاستفاضة في الأول، ودونه في الثاني، ويتم أيضا في محل ما نوى الإقامة فيه
إجماعا ونصوصا (1) مستفيضة أو متواترة، لكن من المعلوم أنه يعتبر في ذلك بقاؤه
على عزم الإقامة، أما لو عدل عنها قبل الوصول إلى محلها قصر إذا ضرب في الأرض
وكان ما قصده من حين العدول يبلغ مسافة، إذ لا عبرة بما قطعه أولا حال العزم على
الإقامة، فلا يتلفق منه المسافة، نعم يبقى على التمام إذا لم يضرب في الأرض بعد عدوله
أو كان ما عدل إليه لا يبلغ مسافة، لانتفاء الموجب للقصر حينئذ، وكذا لو عدل عن
القصد إلى المرور بمنزله الذي في الأثناء قبل الوصول إليه، فيكونان حينئذ كمن وصل
إلى محل الإقامة وأتمها فيه، ومن وصل إلى منزله ثم أراد أن يسافر، فإنهما لا يقصران
حتى يجتمع الشرطان المزبوران.
نعم قد يفرق بين محل الإقامة والمنزل باعتبار الخروج عن محل الترخص في
القصر في الثاني دون الأول كما عن العلامة التصريح به، مع احتماله كما في الذكرى، بل
اختاره في المسالك وظاهر الروض، لأنه صار كبلده، كما في صحيح (2) القادم قبل
التروية بعشرة أيام، قال فيه (وجب عليه التمام، وهو بمنزلة أهل مكة).

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 10 - 11
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 10 - 11
240

لكن يقوى في النظر الأول، لانصراف إرادة خصوص التمام من المنزلة
فيه لا ما يشمل ما نحن فيه. فيندرج في عموم ما دل على القصر بالسفر المتحقق في الضرب
بالأرض، وأضعف من ذلك احتمال مساواة محل ما عزم على الإقامة فيه قبل الوصول إليه
للمنزل في انقطاع السفر بمجرد الوصول إلى محل الترخص قبل الدخول إليه، كما اعترف
به في الروض، وإن جعله في الذكرى أيضا وجها مساويا لاحتمال عدم المساواة في ذلك
بل اختاره في المسالك، إلا أنه كما ترى في غاية الضعف، لاقتضائه رفع اليد عن
الأصل وإطلاق الأدلة بلا دليل معتبر حتى عموم المنزلة السابقة، ضرورة كون موردها
تحقق الإقامة في البلد لا العزم عليها قبل الوصول إليها، ولذا لو رجع عن نية الإقامة
بعد الوصول إليها قبل الصلاة فيما تماما رجع إلى القصر، وصارت كغيرها من البلدان،
فضلا عما قبل الوصول.
اللهم إلا أن يقال إنه: بسبب عزمه المستمر على الإقامة في ذلك البلد الشامل لحدوده
التي هي محل الترخص ينقطع سفره بمجرد الوصول لأنه حينئذ كمن بلغ نفس البلد ونوى
الإقامة فيه، لكن ذلك مبني على صحة نية الإقامة في البلد بحيث يشمل حدوده، أما
بناء على نية الإقامة إنما هي في البلد نفسه وإن ساغ له التردد بعد ذلك في الحدود، فلا
يتم، وفرق واضح بين الأمرين، إذ محل الإقامة على الثاني البلد نفسه، وعلى الأول
هو وحدوده.
هذا كله إذا كان عازما على إقامة العشرة في الأثناء أو المرور بالمنزل المزبور،
أما إذا كان مترددا في ذلك فلا يبعد عدم الترخص أيضا، لوضوح عدم القصد إلى
المسافة في الثاني، بل والأول أيضا لعدم الجزم بالمسافة المستمرة فيه، وأولى منه الظن،
ولا ينافيه ما سمعته في التابع الذي يتردد في زوال التبعية، أما أولا فللاستصحاب هناك
دونه هنا، إذ لا يتصور تقريره مع فرض تردده من أول الأمر بقطع المسافة وعدمه،
241

بخلافه في الأول، فإن سبب التبعية مستصحب لا يزول بالاحتمال والظن، وأما ثانيا
فالفرق بين التردد في نفس القطع من أول الأمر وبين التردد في عروض ما يقتضي
العزم على القطع معه، لمنافاة الأول قصد المسافة دون الثاني.
نعم لا يقدح احتمال عروض مقتضي الإقامة لحصول بعض الأمارات المقتضية
له، بمعنى أنه لو جزم وعزم على المسافة من غير قاطع لكن يحتمل أنه يعرض له مقتض لنية
الإقامة في الأثناء من مرض ونحوه أو المرور بالمنزل فإن مثله لا ينافي صدق قصد المسافة
عرفا والعزم عليها، بل قد يقال بعدم قدح التردد في عروض مقتضي نية الإقامة بل ولا ظنه
كما في التابع.
وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في كون كل من الأمرين قاطع للسفر سواء
نواهما في ابتداء سفره أو حصلا فيه في الأثناء غير أنه على الأول لا يقصر في الطريق
إذا فرض وقوعهما في أثناء المسافة، وعلى الثاني يقصر في الطريق لتحقق قصد
المسافة فيه التي لا ينافيها اتفاق وقوع الإقامة في الأثناء أو المرور بالمنزل فيتم حينئذ
فيهما خاصة، ولا يعيد ما صلاه قصرا قبل وإن تبين أنه كان فيما دون المسافة لقاعدة
الاجزاء، وخصوص صحيح زرارة (1) وغيره.
وكذا لا خلاف ولا إشكال في احتياج التقصير بعد الخروج منهما إلى اعتبار
مسافة جديدة، ولا يكفي التلفيق بعد تخلل القاطع وإن كان لا صراحة في النصوص
بذلك بالنسبة إلى محل الإقامة، إلا أنه يكفي فيه - بعد الاجماع المحكي بل الاجماعات إن
لم يكن محصلا - استصحاب حكم التمام الثابت له في محل الإقامة السالم عن معارضة نصوص
المسافة بعد انسياق غير الفرض منها، وتنزيل المقيم عشرا منزلة الأهل في
الصحيح السابق.
ويلحق به بالنسبة إلى ذلك التردد ثلاثين يوما في مكان واحد كما صرح به

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
242

في الروضة، بل ظاهر الرياض أو صريحه مساواته لمحل الإقامة في حكاية الاجماعات
عليه في عبائر الجماعة، فينقطع حينئذ حكم السفر، ويحتاج في تجدد الترخص إلى مسافة
مستقلة، للاستصحاب المزبور أيضا والتنزيل منزلة الأهل في الصحيح (1) الآخر
أيضا، قال فيه (سألت أبا الحسن عن أهل مكة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة قال
نعم، والمقيم إلى شهر بمنزلتهم) وذكره في النصوص مع الإقامة التي علم كونها من
القواطع، ولا ينافي ذلك اقتصار المصنف وغيره هنا على المنزل والإقامة دونه، لأن
المراد هنا بيان شرائط أصل وجوب القصر، وهو يتم في الأولين بمعنى أنه يعتبر في
وجوبه أن لا ينوي الإقامة أو المرور، وإلا أتم بخلافه، إذ لا يتصور فيه ذلك،
نعم هو قاطع للسفر والمسافة إذا اتفق في الأثناء.
لكن ومع ذلك كله فظاهر المحقق البغدادي أو صريحه أنه ليس من القواطع
للسفر، بل هو من الأحكام اللاحقة للمسافر كالاتمام في مواضع التخيير، فلا ينقطع
قصد المسافة حينئذ به، ولا يحتاج في تجدد الترخص إلى مسافة جديدة إلى غير ذلك محتجا
بعدم ذكر الأصحاب له من القواطع للسفر، بل اقتصروا على الأمرين المزبورين، وكان
نظره إلى نحو المقام وقد عرفت العذر فيه، مع أنه نص عليه هنا في الدروس واللمعة
والروضة، بل صرح في الأخير كغيره باحتياج القصر بعده إلى مسافة جديدة،
ولتمام البحث معه محل آخر.
وعلى كل حال فقد اتضح لك من جميع ما تقدم ما في المتن من أنه (لو كان بينه وبين
ملكه أو ما نوى على الإقامة فيه مسافة التقصير قصر في طريقه خاصة) لحصول
المقتضي وارتفاع المانع، فإن لم يكن بينهما مسافة لم يقصر، وخبر عمران بن محمد (2)

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14
243

المتقدم (قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام) جعلت فداك: إن لي ضيعة على خمسة عشر ميلا
خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة
أم أقصر فقال: قصر في الطريق وأتم في الضيعة) مطرح أو مأول بحمل الفراسخ فيه على
الفراسخ الخراسانية أو غيرها، ولا يمكن حمله على مراعاة الإياب هنا وإن لم نعتبر اليوم،
لأنهما سفران، ولذا أمره بالتمام في الضيعة، فتأمل.
وكذا اتضح ما فيه أيضا من أنه (لو كان له عدة مواطن اعتبر ما بينه وبين
الأول فإن كان مسافة قصر في طريقه) أيضا (وينقطع سفره بموطنه فيتم فيه، ثم
يعتبر المسافة التي بين موطنيه، فإن لم تك مسافة أتم في طريقه لانقطاع سفره) الأول
بالوصول إلى وطنه الأول وفرض عدم مسافة له بالقصد إلى الثاني (وإن كان مسافة
قصر في طريق) الوطن (الثاني حتى يصل إلى وطنه) فينقطع حينئذ سفره، فلو كان
له مقصد آخر متجاوز عن وطنه الأخير اعتبر ما بينهما، فإن كان مسافة قصر في الذهاب
والمقصد والإياب حتى يصل إلى الوطن، وإلا أتم في الجميع. قال في المدارك: ولا يضم
ما بين الموطن الأخير ونهاية المقصد إلى العود. بل لكل من الذهاب والإياب حكم
برأسه، فلا يضم أحدهما إلى الآخر، وفيه أن الفرض مع كونه بريدا محل الضم، نعم
يأتي فيه البحث السابق من اعتبار الرجوع لليوم وعدمه كما هو واضح، ولعله: يريد
ما قدمناه وإن قصرت عنه عبارته، ونص عليه في المسالك والروض هنا من عدم ضم
الذهاب من آخر أوطانه إلى مقصده مع قصوره عن المسافة إلى الإياب البالغ مسافة،
كما لو أراد الرجوع إلى وطنه الأول بغير ذلك الطريق الذي ينقطع سفره به، إذ هو
حينئذ كطالب الآبق ونحوه الذي بلغ المسافة من غير قصد ثم قصد بعد ذلك زيادة
دون المسافة قبل العود، فإنه لا يقصر فيها وإن كان برجوعه يقصر لعدم دليل على مثل
هذا التلفيق، قال في المسالك بعد أن ذكر اعتبار المسافة بين آخر أوطانه ومقصده في
244

التقصير: (ولا فرق في ذلك بين أن يعزم على العود إلى وطنه الأول على تلك الطريق
وغيرها مما لا وطن فيه، ولا ما في حكمه، ولا يقصر فيما بين آخر أوطانه ونهاية مقصده
مع قصوره عن المسافة وإن كان يقصر راجعا، بل لكل من الذهاب والإياب حكم
برأسه لا يضم أحدهما إلى الآخر، وكذا القول فيما نوى فيه الإقامة سواء كانت النية
في ابتداء السفر أو بعد الوصول إلى موضع الإقامة، ومثل ما لو بلغ طالب الآبق ونحوه
المسافة من غير قصد ثم قصد الزيادة إلى ما دون المسافة قبل العود) وهو كما ترى صريح
في غير مسألة الرجوع ليومه وغير يومه، والأمر سهل،
(و) المراد (بالوطن الذي يتم فيه) وإن عزم على السفر قبل تخلل العشرة (هو
كل موضع) يتخذه الانسان مقرا ومحلا له على الدوام إلى الموت، لا أنه قصد استيطانه
مدة وإن طالت مستمرا على ذلك غير عادل عنه كما نص عليه الفاضل والشهيد وغيرهما
بل نسبه في المدارك إلى سائر من تأخر عن العلامة من غير فرق بين ما نشأ فيه وما
استجده ليتحقق حينئذ معنى الوطن الذي نص في الصحاح والمصباح على أنه المكان
والمقر، وأمر في النص والفتوى بالتمام فيه، ولا يعتبر في مفهومه عرفا الاتحاد وإقامة
الستة أشهر فيه، وإن قال في الذكرى: (إنه الأقرب معللا له بأنه ليتحقق الاستيطان
الشرعي مع العرفي) ولم يستبعده في المدارك قال لأن الاستيطان على هذا الوجه إذا كان
معتبرا مع وجود الملك فمع عدمه أولى، وذلك لظهور تحقق معنى الوطن والمسكن
والمنزل لغة وعرفا بذلك قبل بلوغ الستة أشهر، نعم يعتبر فيه الإقامة فيه في الجملة عرفا
ولا يكتفى بالنية، مع احتماله، بل اكتفى بها شيخنا في بغية الطالب ولا يخلو من قوة
وإن كان الأحوط الإقامة في الجملة، وعلى كل حال فهو الذي أمر بالتمام فيه، واعتبار
الستة أشهر والملك ونحوهما في النص والفتوى إنما هو في الوطن الذي لا يزول حكمه من
الاتمام فيه وغيره بالاعراض عنه والعدول إلى غيره، أو في المكان الذي له ملك
245

فيه ولم يقصد الاستيطان فيه كما ستعرف، لا في مطلق الوطن بحيث يشمل محل الفرض،
فدعوى أنه وإن كان وطنا عرفا إلا أنه ليس وطنا شرعا واضحة المنع.
واقتصار كثير من الفتاوى على الملك المستوطن ستة أشهر ليس لانحصار
الوطن فيه عندهم، بل لذكرهم له في معرض قواطع السفر في أثنائه، وهو الذي يتصور
وقوعه في الأثناء لا الوطن الذي اتخذه مقرا، إذ الخروج منه يكون ابتداء للسفر لا أنه
قاطع له بوقوعه في أثنائه، إذ هو فيه حاضر لغة وعرفا وشرعا، واحتمال تصويره بمن
نوى السفر إلى الشام مثلا وقصده من البصرة وكان وطنه الكوفة فمر بها مجتازا إلى
مقصوده الأصلي يدفعه أن ابتداء سفره أيضا في الحقيقة من الكوفة وإن كان قد قصده
من البصرة، على أنه لو سلم فليس هو المنساق إلى الذهن من قطع السفر في أثنائه
بالوصول إلى وطنه، إنما المنساق ما نص عليه الأصحاب مما بقي فيه حكم الوطن وكان غيره
المقر والمسكن للمسافر، كما هو واضح.
وكيف كان فلا ريب عندنا في وجوب الاتمام على المسافر بالوصول إلى نفس
منزله المزبور سواء قصد مجرد الاجتياز به أو انشاء السفر منه، أو إلى البلاد الذي (التي ظ)
فيها منزله وإن لم يصل إلى نفس منزله بل أو إلى محل الترخص من محل بلاده،
كل ذلك لانسلاخه عن صدق المسافر واندراجه في الحاضر بديهة لوروده إلى موضع
رحله ومقر أهله ومحل أنسه ومستراح بدنه ومأنس نفسه، وإن كان قد يشم من
بعض النصوص عدم الاتمام في الأخير إذا كان قد أنشأ السفر من مكان غيره وأراد
الاجتياز به، كموثق ابن بكير (1) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون
بالبصرة وهو من أهل الكوفة يكون له فيها دار ومنزل وإنما هو مجتاز لا يريد المقام

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
246

إلا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين، قال: يقيم في جانب المصر ويقصر، قلت: فإن
دخل منزله قال: عليه التمام) والصحيح عن ابن رباب (1) المروي عن قرب الإسناد
(أنه سمع بعض الواردين سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل
الكوفة، وله بالكوفة دار وعيال، فيخرج فيمر بالكوفة ليتجهز منها، وليس من
رأيه أن يقول أكثر من يوم أو يومين قال: يقيم في جانب الكوفة ويقصر
حتى يفرغ من جهازه، وإن هو دخل منزله فليتم الصلاة) وغيرها، وربما مال إليه المقدس
البغدادي لذلك مقيدا بها غيرها من الأخبار مما ينافيها، بل مال منها أيضا إلى عدم
اعتبار محل الترخص في القصر عند الخروج منه مريدا الرجوع إلى أصحابه، لكن
هي - مع قصورها عن معارضة غيرها من النصوص المعتضدة بفتوى الأصحاب، وبصدق
الوصول عرفا إلى وطنه ومسكنه ومنزله بالوصول إلى حدود بلده - غير صريحة في
ذلك، لاحتمال إرادة ما يقرب من محل الترخص من الجانب فيه، نحو ما ورد أيضا في
الواصل إلى بلده غير المجتاز، على أنها ظاهرة في قصر التمام على الدخول للمنزل خاصة
دون البلد، كصحيح ابن عمار (2) عنه (عليه السلام) قال: (إن أهل مكة إذا زاروا البيت
ودخلوا منازلهم أتموا وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا) وصحيح الحلبي (3) قال: (إن
أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا وإذا زاروا البيت ورجعوا إلى منازلهم أتموا) مما
لا أعرف أحدا يقول به، والأدلة صريحة بخلافه، كما هو واضح.
وعلى كل حال فالوطن ما عرفت أو كل موضع يكون (له فيه ملك قد
استوطنه) فيما مضى من الزمان (ستة أشهر فصاعدا) كما هو المشهور نقلا وتحصيلا،

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6 لكن رواه
عن علي بن رئاب وهو الصحيح
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7 8
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7 8
247

بل لا خلاف فيه إلا من نادر، بل في الروض وعن التذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة،
مضافا إلى استفادته أيضا من مجموع النصوص كالمستفيضة (1) الدالة على التمام إذا مر
بقرية أو ضيعة بعد تقييدها بغيرها من النصوص (2) التي اعتبرت في الاتمام كون
الضيعة والقرية وطنا له، وإلا قصر ما لو ينو مقام عشرة أيام المعتضدة بفتوى الأصحاب
عدا ابن الجنيد فيما حكي عنه من العمل باطلاق عدم اعتبار الستة وغيرها، بل حكي عنه
أيضا الاكتفاء في الاتمام بكونه منزلا لزوجته أو ولده أو أبيه أو أخيه إن كان
حكمه نافذا فيه ولا يزعجونه لو أراد الإقامة فيه، لبعض النصوص (3) القاصرة عن
إفادة تمام مدعاه، مع أنها معارضة بغيرها مما هو أرجح منها من وجوه، منها الاعتضاد
بفتوى الأصحاب عداه، وعلى كل حال فلا ريب في شذوذه.
كما أنه لا ريب في تنزيل إطلاق تلك النصوص على التقييد المزبور المذكور في
عدة من المعتبرة أيضا، ففي صحيح ابن يقطين (4) (قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام) الرجل
يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر؟ قال: كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل،
وليس لك أن تتم فيه) ونحوه صحيحه الآخر (5) وفي صحيح الحلبي (6) عن
الصادق (عليه السلام) (في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال: يقصر إنما
هو المنزل الذي توطنه) وفي صحيح ابن أبي خلف (7) قال (سأل علي بن يقطين أبا
الحسن الأول (عليه السلام) عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمر بها قال: إن كان مما
قد سكنه أتم فيه الصلاة، وإن كان مما لم يسكنه فليقصر) إلى غير ذلك، بل في

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب صلاة المسافر
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6 - 1 - 8 - 9 لكن روى الثالث عن حماد بن عثمان
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6 - 1 - 8 - 9 لكن روى الثالث عن حماد بن عثمان
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6 - 1 - 8 - 9 لكن روى الثالث عن حماد بن عثمان
(7) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6 - 1 - 8 - 9 لكن روى الثالث عن حماد بن عثمان
248

بعضها (1) إطلاق الأمر بالتقصير وإن وجب تنزيلها أيضا على ما في هذه الصحاح
كالمستفيضة (2) الأولى لاشتراكهما في عدم القائل أو ندرته، إذ قد عرفت أن
الأولى لم يحك العمل بها إلا عن ابن الجنيد، وأما الثانية فعن ظاهر ابن البراج في المهذب
خاصة، فلاحظ.
لكن المراد من الاستيطان في هذه الصحاح الإقامة ستة أشهر كما صرح به في
صحيح ابن بزيع (3) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) (سألته عن الرجل يقصر في ضيعته فقال:
لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟
فقال: أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتم فيها متى يدخلها).
فمن مجموع هذه النصوص يستفاد الاتمام بحصول الشرطين المزبورين، أما
الملك فمن اللام في الصحيح المزبور وغيره، والإضافات في غيرها المنساق منهما الملكية
إلى الذهن، وأما الاستيطان ستة أشهر فمن الصحيح أيضا كاستفادة أصل الاستيطان
بدون التقييد من النصوص السابقة وغيرها، وصرح بعضهم كالعلامة وغيره بعدم
اعتبار الاستيطان في الملك، بل وعدم اعتبار قابلية الملك للاستيطان، بل يكفي النخلة
ونحوها لاطلاق بعض تلك الأدلة السابقة، وللموثق (4) عن الصادق (عليه السلام) (في الرجل
يخرج في سفر فيمر بقرية أو دار له فينزل فيها قال: يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة
واحدة، ولا يقصر وليصم إذا حضره الصوم وهو فيها) فيراد حينئذ بضمير (استوطنه)
في المتن وغيره الموضع الذي فيه المنزل لا المنزل،

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 19
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 11 - 5
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 11 - 5
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 11 - 5
249

وكذا صرح المصنف وغيره بكفاية الستة أشهر (متوالية كانت أو متفرقة)
لاطلاق الستة بل وإطلاق السكنى والاستيطان المقتصر على تقييدهما بالستة خاصة متوالية
كانت أو متفرقة، وربما أشكل ذلك كله بعدم اقتضاء اللام والإضافة التمليك خصوصا
الثانية التي يكفي فيها أدنى ملابسة، بل والأولى لغلبة مجيئها للاختصاص، وبأن ظاهر
الصحيح اعتبار فعلية الاستيطان وتجدده في كل سنة بقرينة المضارع الموضوع للتجدد
والحدوث، ومن هنا جزم به الصدوق في المحكي عنه من فقيهه، ومال إليه بعض
متأخري المتأخرين منهم سيد المدارك والرياض، بل استظهره أولهما من عبارتي النهاية
والكامل للشيخ وابن البراج، فلم يكتفوا بما مضى من الستة أشهر، بل لا بد من دوام
الاستيطان كالملك على وجه يعد وطنا ومنزلا له، ويكون له وطنان فصاعدا، وبأن
الموثق - مع احتماله التقية، لموافقته المحكي عن جماعة من العامة، وكونه كغيره من
الصحاح (1) المتضمنة للأمر بالاتمام بمجرد الوصول إلى الملك من القرى والضياع التي
لم يقل أحد بمضمونها من جهة معارضتها بالصحاح (2) الأخر المستفيضة الدالة على التقصير
بالقرية والضيعة له ما لم ينو مقام عشرة أيام أو يكن قد استوطنهما، ومعارض بصحيح
ابن بزيع (3) السابق، إذ هو كالصريح في أن العبرة بالاستيطان في المنزل دون
الملك، وإلا لعطفه على إقامة العشرة، ولم يخصه بالمنزل - لا دلالة فيه على اشتراط الملك
سواء بقي على إطلاقه أو قيد بالستة أشهر كما هو مقتضى الجمع بينه وبين الصحيح، إذ
أقصاه التمام مع الملك، وهو لا ينافي التمام مع المنزل غير الملك إذا استوطنه

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 و 5 و 12
و 14.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 11
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 11
250

المدة المزبورة،
ومن هنا جزم في الرياض بعدم اعتبار الملك، وأنه يكفي الاستيطان في المنزل
خاصة وإن لم يكن ملكا مستظهرا له من الصحاح السابقة وعبارة النافع ونحوها من عبائر
الجماعة، قال ومنهم الصدوق والشيخ وجملة ممن تبعه والشهيد في اللمعة، بل صرح أيضا
بأنه لا وجه لما ذكروه من اعتبار الملك كما صرح به من متأخري المتأخرين جماعة،
لكن قال بعد ذلك: (إنه يمكن الاعتذار لهم بأن اعتبارهم الملكية إنما هو بناء على
اكتفائهم في الوطن القاطع بما حصل به الاستيطان ستة أشهر ولو مرة من دون اشتراط
الفعلية، حتى لو هجر بحيث لم يصدق عليه الوطنية عرفا لزمه التمام بمجرد الوصول إليه، ولذا
اشترطوا دوام الملك أيضا إبقاءا لعلاقة الوطنية ليشبه الوطن الأصلي الذي لا خلاف
فتوى ونصا في انقطاع السفر به مطلقا ولو لم يكن له فيه ملك ولا منزل مخصوص، وعلى
هذا فلا ريب في اعتباره، لعدم دليل على كفاية مجرد الاستيطان ستة أشهر مع عدم
فعليته ودوامه أصلا، إذ النصوص الدالة عليه ظاهرها اعتبار فعليته، فلم يبق إلا الاجماع
المحكي والفتاوى، وهما مختصان بصورة وجود الملك ودوامه، فعلى تقدير العمل بها
ينبغي تخصيص الحكم بها، ويرشد إلى ذلك أنهم ألحقوا بالملك اتخاذ البلد أو البلدين
دار إقامة على الدوام معربين عن عدم اشتراط الملك فيه وإن اختلفوا في اعتبار
الاستيطان ستة أشهر فيه كالملحق به كما عليه الشهيد في الذكرى وجملة من تأخر عنه،
أو العدم كما عليه الفاضل، والوطن المستوطن فيه المدة المزبورة على الدوام أحد أفراده.
فلا يعتبر فيه عندهم الملكية كما عرفته، ويتحصل مما ذكرنا أنه لا إشكال ولا خلاف في
عدم اعتبار الملك في الوطن المستوطن فيه المدة المزبورة كل سنة، ولا في اعتباره
في المستوطن فيه تلك المدة مرة، وإنما الخلاف والاشكال في كون مثل الوطن الأخير ولو
مع الملك قاطعا، والأقوى فيه العدم كما تقدم، ويؤول إلى إنكار الوطن الشرعي
251

وانحصاره في العرفي وهو قسمان أصلي نشأ أو اتخذه، وطاري يعتبر في قطعه السفر
فعلية الاستيطان فيه ستة أشهر بمقتضى الصحيحة المتقدمة) انتهى.
وقد يدفع الأول بظهور اللام في الملكية، خصوصا في الموثق المزبور بل
وغيره من الصحاح السابقة التي كادت تكون صريحة في ذلك، وخصوصا بعد الانجبار
بالاجماع المحكي المعتضد بالفتاوى نصا وظاهرا حتى بعض من نسب إليهم عدم اعتبار
الملك كالنافع وغيره، لتعبيرهم أيضا باللام الظاهر منه الملكية، ولا تنافيه الإضافة
إن لم نقل بظهورها أيضا في الملك إذ كفاية الملابسة في الجملة فيها لا تقتضي الانسياق
إلى الذهن منها عند الاطلاق.
والثاني - بعد تسليم ظهوره في ذلك هنا، وإلا فربما ادعي ظهوره في إرادة
اتفاق الإقامة فيه ستة أشهر، أو في إرادة رفع ما يظهر من لفظ الاستيطان في غيره من
النصوص من الدوام بأن الذي يكفي في الاتمام استيطان الستة أو في غير ذلك - بأنه
يجب الخروج عن ظاهره وإرادة إقامة ستة أشهر ولو مرة منه، أو الاعراض عنه بالنسبة
إلى ذلك أي الاستمرار للاجماعين المعتضدين بالفتاوى وبصدر صحيح ابن أبي
خلف (1) المتقدم ولا ينافيه ذيله، لأن (لم) لنفي المضارع فيما مضى من الأزمنة،
ولصحيح الحلبي (2) إذا قرء (توطنه) فيه بصيغة الماضي، ولأنه لو أريد من الصحيح
المزبور التجدد والفعلية في كل سنة لم يكن جهة لاعتبار الملك، لما عرفت من أنه لا خلاف
صريح في عدم اعتبار الملكية حينئذ الظاهرة من اللام فيه، بل ولا الاختصاصية، بل
ولا جهة للتقييد بالستة أشهر في كل سنة، إذ مآله كما اعترف به في الرياض إلى الوطن

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9
(2) المتقدم في ص 248
252

العرفي، ومن الواضح عدم اعتبار ذلك فيه عرفا، بل لا دلالة في الصحيح المزبور عليه
أيضا إذ أقصاه تكرير ذلك وتجدده ولو في السنتين أو في السنين، بل لا خلاف فيه من
غير ظاهر المحكي عن الصدوق والفاضل في الرياض، نعم اختلف في اعتبار إقامة الستة
أشهر فيه في ابتداء السكنى، وأن الوطنية تتحقق بعدها، وعدم اعتبار ذلك، بل
عرفت أن الأقوى الثاني.
ويدفع الثالث بأنه لا داعي إلى حمله على التقية بعد تقييده بصحيح الستة،
ودعوى أن الصحيح المزبور كالصريح في عدم اعتبار الملك، وإلا لعطفه على الإقامة
ممنوعة، بل عرفت أن اللام فيه كالصريحة في اعتبار الملك، نعم قد يدعى ظهوره في
عدم كفاية هذا الملك في التمام، بل لا بد من أن يكون منزلا وقد استوطنه لا غيره،
اللهم إلا أن يدعى إخراجه مخرج الغالب كغيره من النصوص، مع احتمال الجمع بينهما
بالعمل بهما معا تحكيما لمنطوق الموثق (1) على مفهوم الصحيح (2) خاصة، وإلا فلا
دلالة في غيره بحيث ينافي الموثق المزبور، على أن هذا المفهوم - بعد تسليم حجيته أو
في خصوص المقام لكونه مذكورا في مقام البيان فهو كالقيد - ضعيف جدا، ودعوى
أنه لا دلالة في الموثق على اعتبار الملكية كي ينافي الصحيح بناء على عدم ظهوره في
الملكية يدفعها أنه لا ريب في ظهور قوله (عليه السلام) فيه: (ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة) في
أن ذلك غاية ما يكتفى فيه في التمام مع الاستيطان ستة أشهر، كما هو قضية الجمع بين
الموثق والصحيح، فينافيه حينئذ عدم اعتبار الملكية أصلا، لكن الانصاف أن الاتمام
في القرية التي لا منزل مملوك له فيها واستوطنه ستة أشهر بل كان له نخلة أو نحوها
وإن كان مالك الأرض المغروسة فيها لا عينها خاصة إلا أنها لم تكن له منزلا لا يخلو
من إشكال، فالاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك، وهو أمر آخر غير ما ذكره المعترض.

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 11
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 11
253

ومن ذلك كله ظهر لك ما في الرياض، وأنه محل للنظر من وجوه، خصوصا
ما يفهم من التدبر في مجموع كلامه من جعله النزاع في اعتبار الملك وعدمه في الوطن
المستوطن فعلا المدة المزبورة، كحتى نسب الأول للفاضلين ومن تأخر عنهما، والثاني
إلى الصدوق والشيخ وجملة ممن تبعه والشهيد في اللمعة وظاهر عبارة النافع ونحوهما من
عبائر الجماعة، وهو واضح الفساد كما اعترف به في ذيل كلامه، كوضوح منع ما فهمه من
نحو عبارة النافع من إرادة استيطان المدة فعلا، بل ظاهرها كغيرها من عبارات
الأصحاب كفاية استيطان المدة مرة، واحتمال تنزيل هذه العبارات على إرادة
الاستيطان مدة العمر لكن يشترط في صيرورته وطنا بذلك مضي السنة فيكون بحثا
في المسألة السابقة مقطوع بفساده، نعم اعتبار الملك في المستوطن فعلا المدة المزبورة
في كل سنة ظاهر الصدوق خاصة أو هو مع بعض الأصحاب، ولذا نسبه بعض علماء العصر
إلى الشذوذ.
فالتحقيق حينئذ المستفاد من ملاحظة الجمع بين مجموع النصوص المعتضدة بالاجماعين
والفتاوى إثبات الوطن الشرعي مع العرفي، لكن الأحوط الاقتصار فيه على ملك
المنزل الذي استوطن ستة أشهر ولو مرة، بل الأحوط الاقتصار فيه على الملك المزبور
الذي قصد فيه الاستيطان مدة العمر وجلس فيه ستة أشهر بهذه النية إلا أنه عدل عنه
إلى غيره، لا الذي قصد من أول الأمر الجلوس فيه ستة أشهر ولو لغرض أو تجارة
أو نحوهما، إذا ظاهر لفظ الاستيطان والسكنى ونحوهما في المعتبرة السابقة ذلك،
لا المراد منهما المكث فيه ستة أشهر،
ويدل عليه حينئذ - مضافا إلى الأدلة السابقة - الاستصحاب وإن لم أجد
أحدا صرح بذلك. بل ظاهر جعل الستة ظرفا لاستوطن في الصحيح والفتاوى خلافه،
إلا أن الجميع لا يأبى الحمل على ما ذكرنا، بل يظهر من الأستاذ في بغية الطالب أن محل
254

النزاع بين الأصحاب في ذلك، وحينئذ لا يكون هذا وطنا شرعيا بل هو عرفي إلا أن
الشارع أجرى الأحكام عليه وإن أعرض عنه واستوطن غيره، إذ لعل القاطع عنده
للسفر ما يشمل ما كان وطنا، بخلافه على الأول، فإنه يكون اصطلاحا من الشارع على
الوطن أو ما يقرب من الاصطلاح، وهو لا يخلو من بعد في الجملة كما هو واضح.
بل من ذلك يظهر أيضا وجه اعتبار مضي الستة أشهر في وطنية ما اتخذ في
غير الملك ولم يعدل عنه، لامكان دعوى ظهور أن اعتبار الستة في إجراء حكم الوطنية
على الملك المعدول عنه إلى غيره ليس إلا لتحقق الوطنية التي يراد استصحاب حكمها وإن
أعرض عنها، فيعتبر حينئذ مضيها في إجراء الأحكام على غير المعدول عنه، لتساويهما
بالنسبة إلى ذلك، وإن كان الأقوى في النظر منعها على مدعيها، لتحقق الوطنية عرفا
بدون مضيها، فتكون حينئذ هي شرطا شرعيا في جريان الأحكام على الأول لا لتحقق
معنى الوطنية،
وكيف كان فصريح العبارة كغيرها عدم اعتبار التوالي في الستة، نعم يجب
إقامتها ولو متفرقة على وجه الصلاة تماما بنية الإقامة كما صرح به في المسالك والروضة
لكن قد يشكل بانصراف التوالي من الاطلاق وما ماثله من الفتاوى كما قيل في أمثاله
من أقل الحيض وغيره خصوصا مع إمكان دعوى ظهور لفظ الاستيطان في ذلك،
وبأن قضية الاطلاق بناء على عدم انسياق التوالي منه الاكتفاء بإقامتها مطلقا وإن كان
بعضها على وجه القصر، ولو سلم فلا يعتبر الاتمام بنية الإقامة، بل يكفي فيه ما يحصل
بالتردد ثلاثين يوما أو بسبب نية الإقامة التي عدل عنها بعد الصلاة تماما، كما صرح
بهما بعضهم، بل قد يقال بكفايته إذا كان منشأه الرخصة في ذلك من جهة المكان،
كحائر الحسين (عليه السلام) وغيره، أو العصيان أو كثرة السفر وإن كان بعيدا بل الأقوى
خلافه، ولا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار التوالي وإن لم أجد
255

أحدا صرح به،
لكن قال المقدس البغدادي بعد أن اختار عدم اعتباره: (إنه لا يتجاوز في
المتفرقة إلى ما دون شهر، وبالجملة ينبغي أن يراعى الصدق عرفا، ولا ريب أنه إذا قصد
إقامة الستة وكان يخرج في الأثناء إلى مسافة مؤلفة من الذهاب والإياب في يوم واحد
وهو على عزمه لم يعرض يصدق عليه أنه أقام الستة عرفا) انتهى.
وللنظر فيه مجال، إذ من الواضح الفرق بين التسامح العرفي والصدق، على أن
قضية إطلاق القائل بكفاية المتفرقة عدم اعتبار ذلك، بل ولا اعتبار قصد التوطن
هذه المدة، بل يكفي اتفاق وقوعه منه ولو تدريجا، اللهم إلا أن يدعى ظهور لفظ
الاستيطان في ذلك، فتأمل، نعم لا يعتبر استيطانها قبل الملك أو بعد زواله، لظهور
الأدلة في اعتبار دوام الملك كما صرح به غير واحد من الأصحاب وأن الاستيطان هذه
المدة وهو مالك.
ولو زال ملكه الذي كان مقارنا للاستيطان لكن قبل زواله أو عنده دخل
ملكه شئ آخر غيره بناء على الاكتفاء به فالظاهر احتياج الاتمام إلى تجدد الاستيطان
لعدم صدق استيطان الملك ستة أشهر، وعدم صدق دوام الملك الذي اشترطناه في تأثير
الاستيطان تلك المدة القصر، لظهوره في شخص المملوك لا النوع أو الصنف، ومن هنا
قال في المسالك: (ولو تعددت المواطن كفى استيطان الأول منها ما دام على ملكه، فلو
خرج اعتبر استيطان غيره) ومراده من التعدد التجدد بقرينة لفظ الأول في كلامه،
لكن حكي عن الذكرى أنه يظهر منها الاكتفاء بالأول وإن خرج.
وفي اندراج الاستيطان المدة تبعا كالزوجة المستوطنة في ملكها ذلك تبعا
لزوجها وجهان، أقواهما ذلك، بل ينبغي القطع به فيمن لا ولاية عليه شرعية، كالخادم
256

الحر للاندراج في إطلاق الأدلة التي لا يتفاوت فيه اختلاف دواعي الاستيطان.
(الشرط الرابع) من شرائط القصر (أن يكون السفر سائغا) ولغير الصيد
(واجبا كان كحجة الاسلام، أو مندوبا كزيارة النبي (صلى الله عليه وآله))
والأئمة (عليهم السلام) (أو مباحا كالأسفار للمتاجر) أو مكروها كبعض الأسفار
لها أيضا، فإنه لا ريب في القصر حينئذ نصا وفتوى (ولو كان) السفر (معصية لم
يقصر كاتباع الجائر وصيد اللهو) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل هو مجمع عليه تحصيلا
ونقلا مستفيضا كالنصوص ففي الصحيح عن حماد بن مروان (1) قال: (سمعت
الصادق (عليه السلام) يقول: من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون سفره إلى صيد
أو في معصية الله أو رسولا لمن يعصي الله عز وجل أو في طلب شحناء، أو سعاية ضرر
على قوم مسلمين) والموثق عن عبيد بن زرارة (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يخرج إلى الصيد أيقصر أم يتم؟ قال: ويتم لأنه ليس بمسير حق) إلى غير ذلك من النصوص التي
سيمر عليك بعضها إن شاء الله، على أن مشروعية القصر للارفاق بالمسافر والاكرام
له كما يومي إليه مرسل ابن أبي عمير (3) عن الصادق (عليه السلام) الآتي إن شاء الله
وهما لا يستأهلهما العاصي بسفره قطعا.
ولا فرق في المستفاد من النصوص ومعاقد الاجماعات التي يشهد لها ظاهر الفتاوى بين العصيان بنفس السفر كالفرار من الزحف وإباق العبد وهرب المديون مع القدرة

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3 لكن رواه
عن عمار بن مروان كما في الفقيه ج 2 ص 92 الرقم 409 وفي الكافي ج 4 ص 129
المطبوع عام 1377 عن محمد بن مروان
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 وهو مرسل
عمران بن محمد
257

على الأداء والزوجة للنشوز، بناءا على حرمة المذكورات بالخصوص عليهم لا من جهة
وجوب ما ينافيها عليهم، وبين العصيان في السفر لغايته، ضم إليها طاعة أولا، اللهم إلا
أن يكون المقصد الأصلي الذي ينسب السفر له الطاعة، مع احتمال الاكتفاء بمطلق
ضم المعصية على أي وجه يكون على إشكال، وبالجملة فالمراد تحريم السفر لغايته كالسفر
لقطع الطريق أو لنيل المظالم من السلطان ونحو ذلك مما هو مصرح به في النصوص،
بل لا تعرض فيها على الظاهر لغيره، فالمناقشة حينئذ في ذلك بأن مقدمة المحرم غير
محرمة فلا يعد السفر الذي غايته المعصية حينئذ محرما ضعيفة جدا، بل هي اجتهاد في
مقابلة النص بل النصوص، إذ مع إمكان منع عدم الحرمة وتخرج هذه النصوص شاهدا
عليه يدفعها أن الاتمام معلق على كون السفر للمعصية، سواء كان هو معصية أولا كما
هو واضح.
أما إذا كان المعصية في السفر لكونه ضدا للواجب المضيق بناء على اقتضاء
الأمر به النهي عنه فقيل بمساواته للسابقين، لاطلاق معاقد الاجماعات والصحيح
والتعليل السابقين، وإشعار المرسل (1) به (لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا
بسبيل حق) وخبر ابن بكير (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصيد
اليوم واليومين والثلاثة أيقصر الصلاة؟ قال: لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين
وأن التصيد مسير باطل لا يقصر الصلاة فيه) الحديث. وأولويته من الاتمام في سفر
الصيد، وإمكان دعوى القطع بالمساواة بينه وبين الأولين.
وقيل كما مال إليه في الروض وتبعه المقدس البغدادي باقتضائه الترخص، بل
قد يظهر من أولهما ذلك في القسم الأول من القسمين السابقين مدعيا ظهور الأدلة في الثاني منهما

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7
258

خاصة حتى الصحيح السابق، إذ صدره وإن كان يمكن دعوى ظهوره في الأعم لكن
ذيله كالصريح في إرادة الثاني خاصة، فيبقى الأول حينئذ منهما فضلا عما نحن فيه على
مقتضى أدلة وجوب القصر على المسافر، ضرورة صدقه عليه وإن كان عاصيا، ولا
ريب في ضعفه بالنسبة إلى هذا القسم، للقطع بإرادته من الفتاوى ومعاقد الاجماعات
على وجه يمكن تحصيل الاجماع عليه، بل هو مندرج في بعض النصوص أيضا، بل هو
مستفاد منها جميعا ولو بالأولوية أو المساواة لما فيها المقطوع بهما.
نعم هو لا يخلو من وجه بالنسبة إلى القسم الأخير، لامكان دعوى عدم صدق
السفر في معصية الله عليه عرفا، أو انسياق غيره منه، ولا كونه ليس بحق، إذ المراد به
ما قابل الباطل، لا المعصية كالسفر لصيد اللهو لا للقوت ونحوه، خصوصا على ما ستسمعه
من عدم المعصية في سفر صيد اللهو وإن أوجبنا التمام فيه للدليل على أحد الوجهين،
ولا ريب أن السفر للتجارة فضلا عن الحج والزيارة ليس بباطل بهذا المعنى وإن كان
محرما لاستلزامه ترك الواجب الفوري بناء على اقتضائه ذلك، ولاستلزامه وجوب الاتمام
على سائر الناس إلا الأوحدي لاستلزام سفرهم غالبا لترك واجب من الواجبات، لا
أقل من ترك تعلم العلم الواجب ونحوه، مع أن الأقوى خلافه، إذ هو إن لم يندرج
في منطوق النصوص ولم يقطع بمساواته، لما اشتملت عليه من حيث انسياق كون المعصية
سبب ذلك فهو مندرج في الفتاوى ومعاقد الاجماعات التي هي كالصريحة في دوران
الترخص وعدمه على إباحة السفر بالمعنى الأعم وعدمها، ومن المعلوم أنه بناء على النهي
عن الضد يثبت عدم اندراج مثل هذا السفر في السائغ المباح واندراجه في غير السائغ
لكن يسهل الخطب أن التحقيق عندنا أن النهي عن الأضداد تبعي كوجوب المقدمات
على وجه لا يندرج في الأدلة هنا من النصوص ومعاقد الاجماعات وغيرها، كما أفرغنا
البحث فيه في محله.
259

ثم من المعلوم أن المدار على كون السفر سفر معصية لا على مطلق حصول المعصية
حال السفر، فشرب الخمر حينئذ وفعل الزنا ونحوهما حاله لا تقدح في الترخص، لاطلاق
الأدلة من غير معارض، ضرورة عدم تأديته إلى حرمة السفر نفسه، أما لو فرض كونه
كذلك كركوب دابة مغصوبة بل مطلق التصرف بمغصوب بنفس السفر حتى نعل
الدابة أو رحلها وبالجملة ما يؤدي إلى حرمة نفس قطع المسافة قدح فيه، لا ما إذا لم يؤد
إلى ذلك وإن كان هو محرما في نفسه، بل حتى لو كان معه شئ مغصوب إلا أنه لم
يتصرف فيه بنفس قطع المسافة، كما لو كان معه متاع مغصوب أو دابة مغصوبة جعلهما
عند غيره من رفقائه في الطريق أو نحو ذلك، فتأمل جيدا فإنه قد يدق الفرق في بعض
المقامات بين المقارن للقطع وبين ما يكون مقدمة للقطع أو القطع مقدمة له، وقد علمت
أن المدار على اقتضائه حرمة شخص القطع.
ثم لا فرق في سفر المعصية بين الابتداء والاستدامة، فلو كان ابتداء سفره طاعة
فقصد به المعصية في الأثناء انقطع ترخصه قطعا وإن كان قد قطع مسافات، كما أنه
يترخص لو عدل عن سفر المعصية في الأثناء إلى قصد الطاعة لكن يعتبر في هذا بقاء
مسافة، إذ لا عبرة بما مضى قطعا وإن تجاوز المسافة لفقده الشرط، نعم صرح بعضهم
هنا بالاكتفاء فيها بالتلفيق مما بقي من المقصد بعد العدول إلى الطاعة ومن العود،
بل نفى الخلاف عنه آخر، وكأنه مناف لما ذكروه في نظائره، كغير قاصد المسافة
ابتداء ونحوه من عدم ضم ما بقي له من الذهاب إلى الرجوع وإن كان هو في نفسه مسافة،
بل جعلوا للرجوع حكما مستقلا عما بقي من الذهاب بلا فرق بين قصد الرجوع ليومه
وغيره، والفرق بين المقامين مشكل، ولعله لذا لم تعتبر الضم المزبور هنا في الروضة
أيضا، اللهم إلا أن يقال إن مقتضى الضوابط الضم في المقامين كل على مختاره في اعتبار
الرجوع ليومه وعدمه، خرج عنها في غير المقام بالدليل، وبقي هو على مقتضاها، وعلى
260

كل حال فلا إشكال في الترخص بعوده إلى محله عن سفر المعصية إلا أن يكون قصد به
المعصية أيضا.
ولو عاد إلى الطاعة بعد قصده المعصية في الأثناء وضربه في الأرض ففي ضم ما بقي
إذ كان قاصرا عن المسافة إلى ما مضى، مسافة كان بنفسه أو بتلفيقه مع الباقي وطرح
المتخلل بينهما من المصاحب لقصد المعصية وعدمه قولان، ينشئان من أن المعصية مانع
من الترخص وقد زالت، وأن أقصى ما دل عليه الدليل كون المعصية تقطع الترخص
وتبطله لا المسافة، وليس كلما يوجب الاتمام يقطع المسافة، ولاطلاق قول أبي الحسن
(عليه السلام) في مرسل السياري (1): (إن صاحب الصيد يقصر ما دام على الجادة،
فإذا عدل عن الجادة أتم، فإذا رجع إليها قصر) خصوصا إن أريد بالجادة فيه الكناية
عن الطاعة والخروج عنها المعصية لا الجادة الأرضية، لعدم الفائدة، إذ الصيد إن كان
حلالا استمر على التقصير وإن خرج عن الجادة، وإن كان حراما لم يقصروا إن كان
عليها، ولاستصحاب حكم القصر، ومن بطلان حكم ما قطعه من المسافة أو بعضها
بالعصيان في الأثناء، لاشتراط الإباحة في السفر ابتداء واستدامة، فلا تصلح حينئذ
لاثبات الترخص بعد الرجوع إلى الطاعة لا منضمة ولا مستقلة لو فرض قصد المعصية
بعد قطع تمام المسافة، وليس معنى عدم الترخص ووجوب التمام بالعصيان في الأثناء
إلا انقطاع المسافة، ولا جابر لضعف الخبر سندا بل ودلالة، سواء فسر بما سمعت، أو
بأن من لم يكن سفره للصيد وإنما بدا له في الأثناء أن يصيد فعدل عن الطريق للصيد
لهوا وأدركه وقت الصلاة أتم، فإذا عاد إلى الطريق رجع إلى القصر، إذ لا يلائمه قوله
(عليه السلام) في صدره: (صاحب الصيد) وإن كان يشهد له المحكي من عبارة الصدوق

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6
261

لا أقل من حصول الشك في اندراج مثل هذه المسافة في الأدلة لذلك كله، والأصل
في الصلاة التمام، والأحوط الجمع، وإن كان قد يقوى في النظر الأول كما تقدم نظيره
في الشرط الثاني.
بل ينبغي القطع بالترخص لو قصد المعصية في الأثناء ولما يضرب في الأرض ثم
عاد إلى الطاعة، بل يمكن دعوى عدم تأثير ذلك القصد في بقاء الترخص الأول إذا لم
يضرب في الأرض، فلا يتم حينئذ بمجرد قصد العصيان فيما بقي من سفره مع فرض
مكثه في محل عروض هذا القصد، فتأمل.
ثم إن ظاهر المتن كصريح غيره كون التمام في السفر لصيد اللهو لأنه معصية، فهو
حينئذ من السفر للمعصية، ولعله لأن الصيد من الملاهي كما هو صريح خبر زرارة (1)
عن الباقر (عليه السلام) (سألته عمن يخرج بأهله بالصقور والبزاة والكلاب يتنزه الليلة
والليلتين والثلاثة هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال: إنما خرج في لهو لا يقصر
قلت: الرجل يشيع أخاه اليوم واليومين في شهر رمضان قال: يفطر ويقصر، فإن ذلك
حق عليه) فيندرج فيما دل حينئذ على حرمتها، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر
ابن بكير (2): (إن التصيد مسير باطل لا يقصر الصلاة فيه) وفي خبر عبيد بن
زرارة (3) عنه (عليه السلام) أيضا (يتم لأنه ليس بمسير حق) ومرسل ابن أبي
عمير (4) عنه (عليه السلام) أيضا (قلت له: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
وذيله في الباب 10 منها الحديث 4
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7 - 4
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7 - 4
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 وهو مرسل
عمران القمي كما في الكافي ج 3 ص 438 المطبوع عام 1377
262

يومين أو ثلاثة يقصر أو يتم فقال: إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصر،
وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة) وخبر حماد (1) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في قول الله تعالى (2) (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) قال: (الباغي باغي
الصيد، والعادي السارق، وليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي حرام عليهما
ليس هي عليهما كما هي على المسلمين، وليس لهما أن يقصرا في الصلاة) إلى غير ذلك
مما يدل عليه من النصوص المعتضدة بالفتاوى التي لا أجد خلافا فيها في ذلك، إلا أنه
لم يستوضحه المقدس البغدادي بعد أن حكاه عن الفاضلين والشهيدين وغيرهم.
بل قال: (وما شككنا فلا نشك في جواز الصيد للتنزه، ولا يترخص، بخلاف
التنزه في الغياض والرياض والأودية العطرة والأندية الخضرة، أترى أن التنزه ها هنا
محظور، نعم اللعب منه ذاك هو اللعب المحظور، لا التنزه بالتفرج في الجنان والخضر
والبساتين، بل في الصحاح والقاموس وشمس العلوم وغيرها أن اللهو هو اللعب، وفي
المصباح المنير عن الطرطونس أن أصل اللهو الترويح عن النفس بما لا تقتضيه الحكمة،
ومعلوم أن التنزه بالمناظر البهجة والمراكب الحسنة ومجامع الأنس ونحو ذلك مما تقتضيه
الحكمة، فلم يبق خارجا منه عن مقتضى الحكمة إلا اللعب، ونحو نمنع صدق اسم
اللعب على مثل هذ التصيد، والحكمة هي الصفة التي تكون بها الأفعال على ما ينبغي أن
تكون عليه، وهي المراد هنا، وإن كانت تطلق على غير ذلك أيضا - إلى أن قال -:
وإذا كان اللهو في اللغة هو اللعب كما عرفت فنحن نمنع صدق اسم اللعب على التصيد
ونقول: إن إطلاق اسم اللهو عليه كما وقع في الأخبار (3) وكلام الأصحاب إنما

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
(2) سورة البقرة الآية 168
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 والباب 9 منها
الحديث 1 والمستدرك الباب 7 منها الحديث 1
263

جاء على ضرب من التسامح، سلمنا أنه لهو ولكن المحرم من اللهو إنما هو اللعب،
وليس هذا بلعب، نعم يطلق اللهو على التلهي بامرأة أو ولد أو نحو ذلك، قال
الأزهري في التهذيب: اللعب اللهو ما يشغلك من هوى وطرب يريد من عشق وخفة
من فرح أو حزن، فإن ذلك مما يشغل، قال الله تعالى (1): (لو أردنا أن نتخذ لهوا
لاتخذنا من لدنا إن كنا فاعلين) والظاهر أن هذا هو المراد باللهو هنا، فإن
التصيد بالبزاة والكلاب ضرب من الهوى والعشق والطرب الذي يحصل به والخفة التي
تعتريه والابتهاج والفرح مما لا يكاد يخفى).
قلت: وهو على طوله كأنه اجتهاد في مقابلة النص حكما وموضوعا، واستبعاد
لغير البعيد، ولا تلازم بين حرمة ما نحن فيه وبين حرمة سائر أفراد التنزه بالخضر
والبساتين والأدوية ونحوها كي يجب الحكم بعدم الحرمة هنا المستفادة من النصوص (2)
والفتاوى لعدم الحرمة هناك للأصل والسيرة القطعية وغيرهما.
نعم هذا كله لو كان لهوا كما يستعمله الملوك
(و) أما (لو كان) أي (الصيد
لقوته وقوت عياله قصر) بلا خلاف أجده، بل هو مجمع عليه نقلا إن لم تكن تحصيلا
لاطلاق الأدلة السالم عن المعارض هنا بعد ظهور تلك النصوص حتى المطلق منها في
غيره، وخصوص مرسل ابن أبي عمير (3) المتقدم الذي هو كالمسند، وغيره
مما ستسمعه.
(و) أما (لو كان للتجارة قيل) والقائل بنو إدريس وحمزة والبراج وبابويه
على ما حكي عن الأخيرين منهم كالشيخين: (يقصر الصوم دون الصلاة) بل قيل

(1) سورة الأنبياء الآية 17
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر
(3) المتقدم في ص 257
264

إنه مذهب أكثر القدماء، بل لعله لا خلاف فيه بينهم، إذ المرتضى وإن حكي
عنه دعوى الاجماع على قاعدة تلازم القصرين إلا أنه من المحتمل خروج هذه المسألة
منها عنده كما صرح به ابن إدريس، فتخرج المسألة عن الخلاف فيها بينهم، بل في
السرائر أن أصحابنا أجمعوا على ذلك فتوى ورواية كما أنه نسبه في المبسوط إلى
رواية أصحابنا أيضا، وهو الحجة، مضافا إلى المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (1) في المقام
من النص على هذا التفصيل المزبور، وإن حكي عنه في باب (2) الصوم أنه قال:
(وإن كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والصيام، وروي أن عليه الافطار
في الصوم) لكن قيل يمكن حمله وإن بعد على إرادته من كان ذلك دأبه، فيندرج في
كثير السفر حينئذ بقرينة أنه لم نعرف قائلا بوجوب التمام في الصوم هنا كما اعترف به
بعضهم، بل عن البيان الاجماع عليه، ويكون قوله: (وروي) ابتداء كلام في سفر
الصيد للتجارة الذي لم يكن دأبه، وهو ما نحن فيه، فهي حينئذ رواية مرسلة مؤيدة
للتفصيل المزبور.
وربما يشهد للحمل المزبور ما حكاه المقدس البغدادي عن أصل زيد النرسي (3)
قال: قد وجدت فيه أنه (سأل بعض أصحابنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن طلب
الصيد وقال: إني رجل ألهو بطلب الصيد وضرب الصولج وألهو بلعب الشطرنج،

(1) المستدرك الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
(2) المستدرك الباب 4 من أبواب من يصح منه الصوم. الحديث 1 من
كتاب الصوم
(3) ذكر صدره في المستدرك في الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
ووسطه في الباب 81 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 وذيله في الباب 79 منها
الحديث 4 من كتاب التجارة
265

قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أما الصيد فإنه سعي باطل وإنما أحل الله الصيد
لمن اضطر إلى الصيد، فليس المضطر إلى طلبه سعيه فيه باطل، ويجب عليه التقصير في
الصلاة والصوم إذا كان مضطرا إلى أكله، وإن كان ممن يطلبه للتجارة وليس له حرفة
إلا من طلب الصيد فإن سعيه حق، وعليه التمام في الصلاة والصيام، لأن ذلك تجارته
فهو بمنزلة صاحب الدور الذي يدور في الأسواق في طلب التجارة، أو كالمكاري
والملاح، ومن طلبه لاهيا وأشرا وبطرا فإن سعيه ذلك سعي باطل وسفر باطل، وعليه
التمام في الصلاة والصيام، وأن المؤمن لفي شغل عن ذلك، شغله طلب الآخرة عن
الملاهي، وأما الشطرنج فهو الذي قال الله عز وجل (1): (فاجتنبوا الرجس من الأوثان
واجتنبوا قول الزور) الغناء، وأن المؤمن عن جميع ذلك لفي شغل، ما له وللملاهي،
فإن الملاهي تورث قساوة القلب وتورث النفاق، وأما ضربك بالصولج فإن الشيطان
معك يركض، والملائكة تنفر عنك، وإن أصابك شئ لم تؤجر، ومن عثر به دابته
فمات دخل النار).
وكيف كان فمن ذلك كله ومن أن مقتضى إطلاق الأدلة القصر في الصلاة أيضا
اقتصارا فيما دل على التمام فيها على سفر صيد اللهو كما هو الظاهر من تلك الأدلة،
فيندرج حينئذ فيما دل على وجوب القصر في قاصد المسافة إذا كان سفره سائغا من
غيرها، بل ظاهر ما سمعته من خبر زيد النرسي أن التمام من جهة كثرة السفر، وإلا
قصر لأنه سفر حق، مضافا إلى قاعدة تلازم وجوب القصر والافطار وبالعكس التي
هي مضمون صحيح معاوية (2) وغيره ومحكي عليها الاجماع على المرتضى المقتضية لقصر

(1) سورة الحج الآية 31
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1 من
كتاب الصوم
266

الصلاة هنا أيضا، ضرورة ثبوته بالنسبة إلى الصوم إجماعا، فلا وجه حينئذ لاحتمال
الاتمام فيها - قال المصنف: (وفيه تردد) بل قيل إن المعروف بين المتأخرين التقصير
فيها، بل في الرياض نسبته إلى عامتهم وإن لم نتحققه.
لكن لا يخفى عليك قوة الأول، ضرورة عدم صلاحية معارضة المطلق للمقيد
وهو الاجماع الذي سمعته في السرائر المعتضد بما تقدم من الرضوي والرواية المرسلة في
المبسوط والسرائر وفقه الرضا (عليه السلام) بل قد عرفت دعوى الاجماع على
روايتها من الثاني كظاهر الأول، واحتمال وهن ذلك كله بالشهرة المتأخرة فلا يقوى
على تخصيص القاعدة والاطلاقات يدفعه منع تحقق شهرة تصل إلى الحد المزبور كما
لا يخفى على من لاحظ وتأمل، كما أنه يدفع ما أطنب به الفاضل في المختلف من بيان
التلازم بين قصر الصوم والصلاة أن أقصاه أنها قاعدة كلية يجب الخروج عنها بالدليل
ولكن ومع ذلك فالاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام في خصوص الصلاة لا ينبغي تركه.
ولا فرق في جميع ذلك بين صيد البر والبحر، لاطلاق النصوص والفتاوى،
اللهم إلا أن يدعى انصرافه إلى المعهود المتعارف بين الملوك وأولاد الدنيا من صيد الأول
بالبزاة والكلاب، ومنه يتجه الاحتياط في الثاني، بل والأول أيضا إذا لم يكن
بالطريق المزبور بل بالبندق ونحوه، فتأمل.
وكذا لا فرق في جميع أفراد الصيد السابقة بعد إحراز قصد المسافة بين كونه
دائرا حول المدينة أو تباعد عنها، ولا بين استمرار دورانه ثلاثة أيام أو أقل لاطلاق
الأدلة، فما عن ابن الجنيد - من أن المتصيد ماشيا إذا كان دائرا حول المدينة غير مجاوز
حد التقصير لم يقصر يومين، فإن تجاوز الحد واستمر به دورانه ثلاثة أيام قصر بعدها -
ضعيف جدا، وخبرا صفوان (1) والعيص (2) عن الصادق (عليه السلام) (عن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 8
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 8
267

الرجل يتصيد فقال: إن كان يدور حوله فلا يقصر، فإن كان تجاوز الوقت فليقصر)
محمولان على صيد القوت وتجاوز حد الرخصة من الوقت فيه، وعلى قصد السير المعتبر
في التقصير، كما أنه يجب حمل خبر أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) (ليس
على صاحب الصيد تقصير ثلاثة أيام، وإذا جاوز الثلاثة لزمه) على التقية كما قيل،
أو غيرها مما لا ينافي النصوص المعمول عليها التي لا يجوز الخروج عنها بمثل ذلك القاصر
سندا ودلالة واعتضادا كما هو واضح.
والمراد بتبعية الجائر في المتن وغيره تبعيته في جوره اختيارا أما من تبعه لغرض
تعلق له به من دفع مظلمة ونحوها أو كان مكرها في اتباعه فلا يتم في سفره قطعا،
لعدم معصيته بهذا السفر، فيندرج حينئذ في إطلاق تلك الأدلة.
نعم لو كان معدا نفسه لطاعته وامتثال أوامره في جور أو غيره كالجندي لم
يبعد عدم ترخصه في سفر المعد نفسه فيه لذلك، حتى لو كان قصد الجائر في ذلك السفر
طاعة من زيارة أو حج أو نحوهما، فيترخص حينئذ هو دون جنده، لأنه سفر طاعته
بالنسبة إليه بخلافهم، ضرورة حرمة تبعيتهم، بل قد يقال بحرمة سفر التابع لو أرسله
الجائر في أمر مباح من حيث أن قطعه هذه المسافة بأمر الجائر وباستعداد امتثال أوامره
كائنة ما كانت التي هذا منها محرم عليه وإن كان هو في حد ذاته مباحا، والله أعلم.
(الشرط الخامس) من شرائط تأثير المسافة القصر (أن لا يكون) قاطعها
(سفر أكثر من حضره كالبدوي الذي يطلب القطر) ومنبت الشجر (والمكاري)
بضم الميم وتخفيف الياء (والملاح والتاجر الذي يطلب الأسواق والبريد) المعد نفسه
للرسالة ونحوهم، فإنهم يتمون في سفرهم بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3 لكن
رواه عن صفوان عن عبد الله
268

إلا ما يحكى عن ظاهر العماني حيث أطلق وجوب القصر على كل مسافر، وهو مع عدم
صراحته في ذلك محجوج بالاجماع المحصل والمنقول مستفيضا على ما قيل كالنصوص
ففي (1) الصحيح عن الباقر (عليه السلام) (أربعة قد يجب عليهم التمام في السفر
كانوا أو في الحضر: المكاري والكري والراعي والاشتقان، لأنه عملهم) والكري
كغني كثير المشئ والظاهر إرادة الساعي الذي يكري نفسه للمشي منه، وفي
المختلف وغيره أنه بمعنى المكاري، ويبعده جمعهما معا في الصحيح المزبور، كما أنه
يبعد أيضا ما حكاه في السرائر عن أبي بكر الأنباري من أنه من أسماء الأضداد،
فهو بمعنى المكاري والمكتري، ضرورة عدم إمكان إرادة الثاني منه في الصحيح،
وقد عرفت أنه لا وجه للجمع بينه وبين المكاري على الأول.
بل قد يقال إنه مما ذكرنا في تفسيره يعلم إرادة أمين البيادر، وهو الذي
يبعثه السلطان يحفظها من الاشتقان كما عن أهل اللغة النص عليه لا البريد كما قيل، بل
ربما توهم من ظاهر الصحيح لكن الظاهر أن تفسيره بذلك من الصدوق لا الرواية،
إذ يبعده مع أنه خلاف المنصوص عليه من أهل اللغة - أنه يغني عنه لفظ الكري، إذ
هو البريد أو ما يقرب منه، لا يقال إن الاتمام في الاشتقان بناء على التفسير المزبور
من حيث أنه من عملة السلطان لا مما نحن فيه من كثرة السفر لأنا نقول مع أنه لا بأس فيه بعد
تسليمه - يمكن أن يقال بظهور الصحيح في أن إتمام الاشتقان لعملية السفر حتى لو
فرض كونه على وجه محلل كما لو قهر على ذلك مثلا، بل يمكن دعوى نصوصية الصحيح
المزبور في ذلك.

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
269

وكيف كان ففي آخر (1) عن الصادق (عليه السلام) (المكاري والجمال
الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم شهر رمضان) وخبر
علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليه السلام) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
(أصحاب السفن يتمون الصلاة في سفنهم) ومحمد (3) عن أحدهما (عليهما السلام) (ليس
على الملاحين في سفنهم تقصير ولا على المكاري والجمال) ومضمر إسحاق بن عمار (4)
(سألته (عليه السلام) عن الملاحين والاعراب عليهم تقصير؟ قال: لا، بيوتهم
معهم) والمرسل (5) عن الصادق (عليه السلام) (الأعراب لا يقصرون، وذلك لأن
منازلهم معهم) وخبر السكوني (6) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) (سبعة لا يقصرون
الجابي الذي يدور في جبايته، والأمير الذي يدور في إمارته، والتاجر الذي يدور في
تجارته من سوق إلى سوق، والراعي، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت
الشجر، والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، والمحارب الذي يقطع السبيل)
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب، لكن ظاهر ما سمعته منها أن عدم
تقصير الأعراب ليس لاندراجهم في هذا العنوان المعروف بين الأصحاب، بل لأن
ذلك باعتبار كون بيوتهم معهم وعدم قعر معلوم لهم متخذ على الوطنية، وحينئذ صار
هذا السفر منهم ليس سفرا حقيقة، بل هو وضعهم الذي عزموا عليه ما عاشوا
في الدنيا.
ومن هنا يعلم أنه لو قصد بعضهم قطع مسافة لزيارة أو نحوها مما لا يندرج في الحال
الأول يترخص، لاطلاق الأدلة، نعم قد يتوقف في ترخص من يمضي منهم لاختيار
المنزل لقومه من جهة النبت ونحوه، وفرض بلوغ المسافة بينه وبين ما أراد اختباره

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 1 - 7 - 4 - 5 - 6 - 9
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 1 - 7 - 4 - 5 - 6 - 9
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 1 - 7 - 4 - 5 - 6 - 9
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 1 - 7 - 4 - 5 - 6 - 9
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 1 - 7 - 4 - 5 - 6 - 9
(6) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 1 - 7 - 4 - 5 - 6 - 9
270

من خصوص ذلك المنزل، لاحتمال عدم عد مثل ذلك بالنسبة إليه سفرا إذا لم يكن
خارجا عن المعتاد. واندراجه في البدوي الذي يطلب القطر، مع أن الأقوى فيه
الترخص أيضا، لاطلاق الأدلة المقتصر في تقييدها على المتيقن، وهو الأول.
كما أن ظاهر التعليل للاتمام في المكاري ونحوه بأنه عملهم، ووصفه والجمال
بالاختلاف الترخص لو أنشأوا سفرا للحج ونحوه مما لا يدخل في المكاراة ونحوها من
أعمالهم اقتصارا في تقييد الأدلة أيضا على المتيقن، لا أنه يشترط في إتمامهم كراؤهم للغير،
فلو حملوا أمتعتهم وعيالهم من بلاد إلى بلاد كان اختلافهم فيما بينهما ترخصوا، بل
المراد إنشاؤهم سفرا لا يعد أنه من عملهم الذي كانوا يختلفون فيه، كما لو قصد مكاري
العراق حج البيت الحرام أو زيارة مشهد الرضا (عليه السلام)، وكان إيكاله إلى العرف
أولى من التعرض لتنقيحه.
أما من كان مكاريا في مكان مخصوص ثم كارى في غيره مما لم يكن معتاد
المكاراة له ولا لصنفه مثلا كمن عنده بعض الأتن يكريها في الأماكن القريبة إلى بلاده
مما يبلغ مسافة فكراها إلى الشام أو إلى حلب أو إلى الحج ونحوها مما لا ينبغي مكاراة
مثله فيها فالظاهر أنه يتم أيضا للصدق، وأما المرسل (1) في الكافي (المكاري إذا
جدبه السير فليقصر) كالصحيح (2) عن أحدهما (عليهما السلام) (المكاري والجمال
إذا جد بهما السير فليقصرا) والآخر (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المكارين
الذين يختلفون فقال إذا جدوا السير فليقصروا) فلا يراد منها إنشاؤهم السفر غير
المعتاد لهم وإن حكي عن الذكرى، ضرورة كونها عنه بمعزل، ولا كون التقصير لقيام
(لمقام ظ) العشرة كما في المختلف، أو لعدم تحقق أصل الكثرة كما في الروض، بل

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 4 - 1 - 2
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 4 - 1 - 2
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 4 - 1 - 2
271

المنساق منها إرادة شدة السير لهم والعنف فيه، أو بأن يجعلوا المنزلين منزلا كما نص
عليه في الكافي بعد المرسل السابق.
فيجب حينئذ طرحها، لعدم ظهور عامل بها من الطائفة عدا ما يظهر من الشيخ
في التهذيب والاستبصار من العمل به على الثاني محتجا له بعد ما حكاه عن الكليني أيضا
بمرفوع محمد بن عمران الأشعري (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) (الجمال والمكاري
إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين المنزلين، ويتما في المنزل) وربما مال إليه أو إلى
ما يقرب منه سيد المدارك والمقدس البغدادي، ولعله لأنه مقتضى الجمع بين الاطلاق
والتقيد، ولما يلاقونه في الفرض من شدة الجهد والتعب المناسبين لشرعية القصر،
ولانصراف تلك الاطلاقات إلى السير المتعارف.
لكن لا يخفى عليك أنه لا شهادة في الخبر المزبور على ذلك، بل أقصاه
مساواته للنصوص السابقة في المضمون، فإما أن تطرح جميعا لقصورها بسبب الاعراض
عن تقييد تلك الاطلاقات الممنوع انصرافها إلى غيره، أو تحمل على ما ذكرناه أولا
من إنشائهم السفر الذي لا يدخل في عملهم وصنعتهم عرفا بتقريب إرادة اتصال السفر
كسفر الحج ونحوه من الجد فيها كما عن الذكرى وإن كان بعيدا جدا، بل في الرياض التأمل،
في المحمول عليه نفسه، قال: (لعدم دليل صالح عليه إلا بعض التلويحات والاشعارات
المستخرجة من جملة من المعتبرة المعللة وجوب التمام على كثير السفر بأنه عمله وأن
بيته معه، وبعض الصحاح الذي لم أفهم دلالته، وفي الاعتماد عليها بمجردها إشكال
يصعب معه الخروج عن مقتضى الأدلة العامة، والاحتياط مما لا ينبغي تركه في المسألة)
وهو عجيب، إذ ليس دليل أعظم من قصور أدلة كثير السفر عن تناوله، فيبقى حينئذ

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3 لكنه مرفوع
عمران بن محمد الأشعري
272

على مقتضى ما دل على القصر في كل مسافر، مضافا إلى ما سمعته منا ومنه من التعليل
وغيره، وإلى تصريح غير واحد من الأصحاب به من غير إشكال وتردد، بل عن
ابن جمهور الاجماع عليه في غوالي اللئالي، وكذا قضية التعليل بالعمل والاختلاف
المزبورين عدم وجوب التمام على مثل الذين يحملون الحجيج من العراق أو الشام المسمين
بالحملدارية في عرفنا وإن اتخذوا ذلك حرفة ومعاشا، لعدم صيرورته عملا بالنسبة
إليهم وعدم دخولهم بسببه تحت شئ مما سمعته في النصوص من المكاري والجمال
ونحوهما، بل أقصاه اتخاذهم ذلك عملا في أشهر الحج وما يكنفها من الشهور، على أنهم
مما يقيمون في بلادهم كلما رجعوا أشهرا، فلا مخرج لهم حينئذ عن إطلاق ما دل على
ايجاب قصد المسافة القصر.
بل قد يشهد له أيضا خصوص خبر ابن جزك (1) قال: (كتبت إلى أبي
الحسن الثالث (عليه السلام) أن لي جمالا ولي قواما عليها، ولست أخرج فيها إلا في
طريق مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع فما يجب علي إذا أنا خرجت
معهم أن أعمل أيجب علي التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو التمام؟ فوقع (عليه
السلام) إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كل سفر إلا إلى مكة فعليك
تقصير وفطور)
نعم قيل في الذين يحتملون الأعاجم من بلادهم ويرجعون بهم إليها حتى يذهب
في كل حجة عامة الحول إلا قليلا أنه يجب عليهم التمام إذا لم يقيموا عند أهلهم عشرة
أيام، ولعله لصدق العملية فيه، وظهور اندراجه في نصوص المقام كما هو واضح،
وكذا قضيتهما أيضا اعتبار كون السفر عملا لهم في الاتمام، فمن كان التردد فيها دون
المسافة عملا له ترخص لو أنشأ سفرا، لاطلاق الأدلة أيضا، ولعله على هذا يحمل خبر

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4
273

إسحق بن عمار (1) (سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الذين يكرون الدواب
يختلفون كل الأيام أعليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال: نعم) كخبره الآخر (2)
بتفاوت يسير، وربما يومي إليه قوله: (إذا كانوا في سفر) ضرورة إشعار بأن ذلك
الاختلاف منهم ليس في سفر، أو يحملان على ما ذكرناه أولا من إنشاء المكاري مثلا
سفرا لا يدخل في عمله وصنعته عرفا، أو غير ذلك مما لا ينافي ما تطابقت عليه الفتاوى
وباقي النصوص من إتمام من كان عمله السفر من غير فرق بين المكاري والجمال والكري
وصاحب السفينة - كما في خبر علي بن جعفر (3) المتقدم ملاحا كان أو غيره كما نص
عليه في المسالك، بل لعل المراد بالملاح في النصوص السابقة ما يشمل كل عامل بالسفينة
لا المشتغل بجرها خاصة كما في عرفنا، إذ كثير من السفن لا تحتاج إلى جر كالمراكب
البحرية وغيرها، مع أنه لا كلام في أن عمالها يتمون - وبين غيرهم ممن يكون عملهم
السفر، كالتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق بحيث صار ذلك عملا له
وحرفة يستعملها في تمام سنته، ولعله الذي يسمى في عرفنا بالساساني.
أما إذا كان يستعمل ذلك في الصيف دون الشتاء أو بالعكس ففي إتمامه وقصره
وجهان ينشئان من إطلاق الدليل، وصدق العملية له في هذا الحال مع اختلافه ذهابا
وإيابا متكررا، ومن أن المتيقن الأول، فيبقى غيره على أدلة القصر، والأحوط له الجمع،
لا يقال إنه كأمير البيادر وأمير الفلاليح والشحنا والجابي للخراج ونحوهم ممن لم يكن
عملهم متصلا تمام السنة، بل هو في أوقات دون أوقات، لاحتمال الفرق بأن وضع هذه الأعمال
على هذا الحال، إذ عملية كل شئ بحسب حال ذلك الشئ، بخلاف التاجر ونحوه،

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7
274

وبالجملة المدار على صدق كون السفر عملا له كما هو ظاهر تلك النصوص السابقة، لا أنه
اتفاقي له وإن كان قد تواصل سفره كثيرا لكنه لم يكن على وجه اتخاذه عملا له،
ولا يصدق عليه أنه عمله السفر، هذا.
ولكن في الروض - بعد أن حكى عن الأصحاب عدهم في هذا الشرط مثل
البدوي والتاجر والراعي والأمير - أشكلهم بأنه وإن تضمنت النصوص ذكرهم لكن
لا دلالة فيها على أن إتمام هؤلاء لكونهم ممن عمله السفر، بل الظاهر أنه لعدم قصدهم
المسافة غالبا، بل لا يصدق عليهم أصل السفر، ويرشد إليه أن نصوص المقام قد
اشتملت على مثل المحارب واللاهي بالصيد ممن هو معلوم كون الاتمام فيه لغير هذا
الشرط، وهو كما ترى نزاع في موضوع، إذ لا مانع من فرض البحث فيهم إذا كان
أعمالهم تلك في المسافة، وإلا فبناء على ما ذكر فلا خصوصية لهم بذلك.
وكيف كان فمما ذكرنا يظهر لك أن عنوان هذا الشرط بذلك أي اتخاذ السفر
عملا كما هو المستفاد من مجموع النصوص وعبر به الأستاذ في بغية الطالب أولى مما في
المتن وغيره من أنه أن لا يكون سفره أكثر من حضره، إذ هو - مع خلو النصوص
عنه وإجمال المراد بالأكثرية، بل هي على بعض الوجوه غير معتبرة قطعا، بل قد
يكون المكاري فضلا عن غيره حضره أكثر من سفره أو مساويا، كما لو كان من
عادته السفر ثلاثة أيام والحضور عند أهله دون العشرة - يقتضي وجوب التمام على
من اتفق أكثرية سفره على حضره وإن لم يكن عملا له ولا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة
خلافه وإن كان قد توهمه بعض عبارات القدماء كالسرائر وغيرها، بل وبعض
عبارات المتأخرين كالروضة وغيرها.
ولعله لذا عدل في المعتبر على ما قيل عن التعبير بذلك عن هذا الشرط بعد أن
حكاه عن المفيد وغيره، وطعن عليه بأنه يقتضي الاتمام لمن أقام عشرة وسافر عشرين،
275

ولم يقله أحد، ثم قال ولو قيد ذلك بأن لا يقيم في بلد عشرة لم يبق حينئذ لكثرة
السفر اعتبار، واستحسن التعبير عنه بأن لا يكون ممن يلزمه الاتمام سفرا، لكنه كما
ترى فيه من الاجمال وإدخال غير المراد ما لا يخفى، بل لعل ما عدل عنه من التعبير أولى
منه، خصوصا إن قلنا بإرادة من عبر به منشئية كثرة السفر إما لأنه عمله وحرفته
كالمكاري والملاح، أو أن تلك عادته، بل قيل إن كثير السفر حقيقة متشرعية
فيمن كان عمله السفر كما جزم به في الروض، إلا أن الانصاف أن ما ذكرناه من التعبير
أولى وأوفق بظاهر النصوص، لكن ينبغي إخراج البدوي عنه كما أشرنا سابقا في أن
جهة إتمامهم كون بيوتهم معهم لا عملية السفر، مع إمكان ادراجهم فيه أيضا.
نعم اعتبر الفاضل في الرياض مع ذلك تكرر السفر وكثرته من غير فرق
بين المكاري والملاح ونحوهما ممن ورد في النصوص من التاجر والأمير وبين غيرهم
ممن يكون السفر عمله، قال: (فلو صدق وصف أحد هؤلاء ولم يتحقق الكثرة
المزبورة لزم التقصير، خلافا للحلي فحكم بالتمام فيهم، لاطلاق الأدلة من النصوص
والفتاوى بوجوب التمام على هؤلاء، ولقيام اتخاذهم ذلك صنعة مقام التكرر من غيرهم
ممن كان سفره أكثر من حضره) وهو - مع ضعفه بأن المستفاد من النصوص بعد
ضم بعضها إلى بعض أن وجوب التمام على هؤلاء إنما هو لأن السفر عملهم لا لخصوصية
فيهم، فلو فرض كثرة السفر بحيث يصدق كونه عملا لزم التمام وإن لو يصدق وصف
أحد هؤلاء، وبالعكس على ما عرفت - مقدوح بلزوم حمل المطلقات على الغالب الشايع
منها، وهو من تكرر السفر منه مرارا لا من يحصل منه في المرة الأولى.
ومنه يظهر ضعف ما في المختلف من حكمه بالاتمام في السفر الثانية مطلقا، ولجماعة
فجعلوا المدار في الاتمام على صدق وصف أحدهم، أو صدق كون السفر عمله، ومنهم الشهيد في
الذكرى إلا أنه قال: (وذلك إنما يحصل غالبا بالسفرة الثالثة التي لم يتخللها إقامة عشرة
276

كما صرح به الحلي في متخذ السفر عملا) وفيه ما عرفته من أن المستفاد من النصوص أن
وجوب التمام على هؤلاء إنما هو من حيث كون السفر عملهم، فلا وجه لجعله مقابلا.
ثم إن دعوى حصول صدق أحد العنوانين بمجرد السفر في الثالثة ممنوعة، إذ
قد يحصل السفر زائدا عليها ولا يصدق أحدهما، كما لو اتفق كثرة السفر مع عدم
قصده إلى اتخاذه عملا، ومثله يقصر قطعا كما صرح به بعض متأخري أصحابنا، فقال
بعد نقل الأقوال: (وإذ قد عرفت أن الحكم في الأخبار ليس معلقا على الكثرة بل
على مثل المكاري والجمال ومن اتخذ السفر عمله وجب أن يراعي صدق هذا الاسم عرفا،
فلو فرض عدم صدق الاسم بالعشرة لم يتعلق حكم الاتمام، نعم يعتبر السفرات الثلاث
مع صدق العنوان، فلا إتمام فيما دونها ولو صدق، لما مر من لزوم حمل المطلقات على
المتبادر، وليس إلا من تكرر منه السفر ثلاثا فصاعدا، ويمكن أن يكون مراد الشهيد في
اعتباره التعدد ثلاثا هذا، وبالجملة المعتبر عدم اتخاذ السفر عملا مع تكرره مرة بعد أخرى،
ومعه كذلك يجب التمام كما يستفاد من النصوص على ما قدمناه) انتهى
وفيه بعد الغض عن بعض ما ذكره أنه لا وجه لاعتبار تثليث السفر بعد صدق
العملية كما هو ظاهر ذيل كلامه بل صريحه، ضرورة ظهور الأدلة إن لم يكن صراحتها
في أن مدار الاتمام ذلك، كما أنها ظاهرة أو صريحة في أنه متى تحقق صدق اسم واحد
من المكاري والملاح ونحوهما عرفا صدق عليه أنه عمله السفر قطعا، بل يمكن منع اعتبار
التثليث المزبور في تحقق أهل العملية أو المكارية عرفا، بل ينبغي القطع بعدم اعتبار
الرجوع إلى بلاده في ذلك، إذ لو بقي مدة طويلة يعمل في المكاراة ذهابا وإيابا إلى غير
بلاده صدق عليه الوصفان المزبوران قطعا، بل قد يقال بعدم اعتبار الرجوع في ذلك
أيضا، كما لو كارى إلى مقصد بعيد، بل استظهر المقدس البغدادي تحقق وصف
المكاري ونحوه بأول سفرة إذا اتبع الدواب وسعى معها سعي المكارين، وهو
277

لا يخلو من وجه.
وأوجه منه إيكاله إلى العرف كما حكاه عن ذلك المتأخر من بعض أصحابنا
ولا فرق بين أن يتحقق في العرف صدق كون السفر عمله أو كونه مكاريا ونحوه بناء
على ما سمعته من التلازم بين المفهومين بالنسبة إلى الثاني، ومفهوم الأول أعم من الثاني
إذ قد يتحقق فيمن لم يندرج في شئ من هذه المفاهيم كما هو واضح، ولعل الشهيد
أراد ذلك لا أن مقصوده المقابلة كي يتوجه عليه ما عرفت، كما يومئ إليه اتخاذ عبارته
مع عبارة المتأخر من أصحابنا الذي نقله الفاضل المزبور في ذلك، ومن المعلوم إرادته
ما ذكرنا، والأمر سهل بعد وضوح المطلوب.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في قول المصنف: (وضابطه أن لا يقيم في بلدة
عشرة أيام، فلو قام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصر) ضرورة عدم كون ذلك
ضابطا لكثير السفر، إذ لا يخرج عرفا المكاري وغيره ممن عمله السفر عن صدق هذا
العنوان بإقامة المدة المزبورة قطعا، اللهم إلا أن يريد الإشارة بذلك إلى الاكتفاء في تحقق
الكثرة بالسفرتين اللتين لم يتخلل بينهما إقامة العشرة كما فهمه الشهيد الثاني في الروض
من عبارة الفاضل، قال: (فإن من سافر مرة ولم يقم في بلده بعدها عشرة ثم سافر
صدق عليه ذلك وأتم حينئذ في الثالثة التي لم يفصل بينها وبين الأولتين بعشرة أيام)
لكن قد عرفت أن التحقيق عدم اعتبار شئ من ذلك، إنما المحكم العرف.
ومنه يعلم سقوط ما أطنب فيه في الروض من بيان تحقق تعدد السفرات، قال
ويتحقق تعدد السفرات بوصوله من كل سفرة إلى بلده أو ما في حكمه، فإن ذلك
انفصال بينهما حسي وشرعي، وهل يتحقق بالانفصال الشرعي خاصة كما لو تعددت
مواطنه في السفرة المتصلة بحيث يكون بين كل موطنين منها والآخر مسافة أو نوى
الإقامة في أثناء المسافة عشرا ولما يتمها؟ وجهان، من تحقق الانفصال الشرعي وهو
278

أقوى من الحسي في أمثال ذلك، ومن ثم اشترطت المسافة، ومن عدم صدق التعدد
عرفا، هذا كله إذا كان في نيته ابتداء تجاوز الوطنين وموضع الإقامتين، أما لو عزم
على الوطن الأول خاصة فلما وصل إليه عزم على الآخر فاحتسابهما سفرتين أقوى، وعلى
التقديرين لا فرق بين كون السفرة الثانية صوب المقصد أولا، ورجح الشهيد في الذكرى
تعدد السفرات في صورة الإقامة وإن لم تكن الإقامة في نيته ابتداء، وفصل في الوطن
وأوجب التعدد مع متجدد قصد تجاوز الوطن بعد الوصول إليه والاتحاد مع قصد التجاوز
ابتداء، وهو حسن، والفرق بين موضع الإقامة والوطن أن نية الإقامة تقطع السفر حسا
وشرعا، والخروج بعد ذلك سفرة جديدة، بخلاف الوطن فإنه فاصل شرعا لا حسا،
ولو كان الخروج بعد أحد الأمرين إلى وطنه الأول بمعنى العود إليه ففي احتسابه سفرة
ثانية الوجهان.
وهل يشترط في فصل نية الإقامة الصلاة تماما أم يكفي مجرد النية؟ يحتمل الأول
لتوقف تمام الفصل عليه، ومن ثم كان الرجوع عن نية الإقامة قبل الصلاة موجبا للعود
إلى القصر، وهو يدل على عدم تمامية السبب الموجب للقطع، ولما تقدم من أن الفارق
بينه وبين الوطن هو قطع السفر الحسي، ولم يتحقق، ووجه الثاني انتقال حكم السفر،
ومن ثم وجب الاتمام ما دام كذلك، وللرجوع حكم آخر، وأنت خبير بعد الإحاطة
بما قدمناه بضياع هذه المتعبة بعد الغض عما في بعضها في نفسه، فلاحظ وتأمل.
ومنه يتجه اعتبار ما في المتن حينئذ من عدم إقامة كثير السفر في بلده عشرا
شرطا في الاستمرار على التمام كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا،
بل في المدارك وعن غيرها أنه مقطوع به في كلام الأصحاب تارة، وأن ظاهر الأصحاب
الاتفاق عليه أخرى، بل عن المعتبر نفي الخلاف فيه بينهم، بل في شرح المقدس
البغدادي أنه حكى الاجماع عليه غير واحد، وهو الحجة التي يجب بسببها الخروج
279

عن إطلاق أدلة التمام، مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن
سنان (1) على ما في الفقيه (المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أو أقل قصر في
سفر بالنهار وأتم بالليل، وعليه صوم شهر رمضان، وإن كان له مقام في البلد الذي
يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر
قصر في سفره وأفطر) وخبر يونس (2) عن بعض رجاله عن الصادق (عليه السلام) قال: (سألته
عن حد المكاري الذي يصوم ويتم قال: أيما مكار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من
عشرة أيام وجب عليه التمام والصيام أبدا، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله
أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والافطار) والصحيح (3) المتقدم سابقا في صدر البحث
الذي وصف فيه المكاري والجمال بأنه الذي يختلف وليس له مقام، إذ المراد بالمقام فيه الإقامة
عشرا إجماعا كما في الرياض، قال: إذ لا قائل بوجب القصر مطلقا كما فيه بإقامة دونها، على
أنها هي المتبادر من مثل هذه اللفظة في النص والفتوى بشهادة التتبع والاستقراء، بل
لو أريد منها مطلق المقام لم يتحقق موضوع لكثير السفر غالبا إن لم يكن أصلا، لعدم
خلو أحد من أفراده من إقامة اليوم واليومين والساعة والساعتين، هذا مع انجباره
بتلك الشهرة العظيمة المعتضدة بالاجماع ونفي الخلاف السابقين كانجبار الخبرين الأولين
بذلك سندا ودلالة، على أن اشتمال أولهما على ما لا نقول به من الاكتفاء بالخمسة
في التقصير نهارا دون الليل ودون الصوم بل وعلى ما لا يقول به أحد من الاكتفاء في
ذلك بالأقل من الخمسة ولو يوما أو ساعة لا يخرجه عن الحجية فيما نحن فيه، كما هو
محرر في محله.

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
280

نعم قد يناقش فيه بظهوره باشتراط القصر والافطار بالإقامة في المكانين،
وباضطرابه، لأنه رواه في التهذيب بسند غير معتبر بغير هذا المتن، فأسقط فيه
قوله: (وينصرف) إلى قوله: (قصر في سفره وأفطر) فحينئذ لا يكون فيه دلالة
على الإقامة في بلده.
لكن قد تدفع الثانية بأن مثله لا يعد اضطرابا، ويستفاد حكم البلد حينئذ
بالأولوية الواضحة، والأولى - خصوصا بملاحظة المرسل الآخر (1) ومتنها
في التهذيب، ومعلومية عدم اعتبار ذلك بين الأصحاب، ضرورة عدم مدخلية الإقامة
اللاحقة في التقصير السابق - بأن المراد اعتبار ذلك في التقصير والافطار ذهابا وإيابا
ومنه يعلم حينئذ أن إقامة العشرة تخرجه عن حكم كثير السفر في السفرة الأولى
خاصة كما صرح به في السرائر والمدارك والرياض وبغية الطالب إذا لم تنقطع بإقامة
العشر، خلافا لبعضهم فاعتبر في رجوعه إلى حكم كثير السفر حينئذ السفرات الثلاثة
ولعله لزعمه إخراج الإقامة المزبورة إياه عن الموضوع، فلا يعود حينئذ إلا بما أثبته له
ابتداء من الدفعات الثلاث التي لم يتخللها إقامة عشرة مثلا، وفيه - مضافا إلى ما سمعته
سابقا من عدم اعتبار ذلك في الابتداء أنه من الواضح عدم إخراج ذلك له عن الموضوع،
فيبقى حينئذ فيما عدا السفرة الأولى مندرجا في إطلاق ما دل على التمام الذي يجب الاقتصار
في تقييده على المتيقن، وهو السفرة الأولى، على أن استصحاب حكم التمام الثابت له
في منزله أو ما في حكمه لا معارض له هنا، إذ معارضة ذلك كله باطلاق ما دل على التقصير
بإقامة العشرة الذي من المعلوم عدم إرادة الاطلاق فيه - بل هو أشبه شئ بالمقيد بالمجمل
يقتصر في معارضته للاطلاق الأول على المتيقن - كما ترى، ونحوها معارضة استصحاب
حكم الاطلاق الأول بحكم الاطلاق الثاني، لوجوب الاقتصار في الخروج عن حكم اليقين

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
281

الأول بيقين، وليس هو إلا السفرة الأولى، فتأمل.
ولا فرق في إقامة العشرة بين البلد وغيره، للصحيح (1) والمرسل (2) السابقين
المنجبرين هنا أيضا بالشهرة المحكية في الرياض إن لم تكن محصلة، لكن ظاهرهما
كبعض العبارات الاكتفاء بإقامتها ولو بغير نية، وهو متجه في البلد، أما غيره ففي الروض
وعن المجلسي الاجماع على اعتبارها فيه، ولعله لأنه بها يكون محل الإقامة كالمنزل،
وبدونها كأثناء المسافة فيتجه حينئذ تقييد الخبرين بهما، بل الظاهر اعتبار عدم تخلل
الأقل من المسافة في أثنائها بناء على إبطال ذلك حكم التمام إذا لم يعزم على إقامة
عشرة مستأنفة، أما بناء على عدم تأثير ذلك في حكم الإقامة وإن لم يكن من نيته الإقامة
المستأنفة فلا يقدح هذه التخلل حينئذ في أثنائها في الاجتزاء بالتلفيق وإن قل المفتي به
هنا، بل في الروض لم أقف على مفت من الأصحاب عدا ما حكي عن المحقق الثاني،
لكنه متجه، وجزم به في ظاهر الروضة أو صريحها، ضرورة كونها حينئذ كالعشرة في
المنزل التي لا تحتاج إلى نية، ولا يقدح تخلل ما دون المسافة بينها ولو بقي أياما، لاطلاق
الخبرين، فيجزي الملفق حينئذ كالعشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين يوما التي بها يكون
غير المنزل منزلا، فلا يشترط حينئذ في العشرة الحاصلة بعده نية ونحوها كما صرح به
بعض، ويومي إليه إطلاق آخر، خلافا للأستاذ في بغية الطالب فلم يعتبرها من دون
نية، وهو ضعيف.
كضعف احتمال الاكتفاء بالتردد ثلاثين يوما من غير إقامة عشرة بعدها،
بل في الروض أن المحقق الثاني قواه، بل فيه أيضا أنه صرح به ابن فهد في المهذب
مدعيا أنه المشهور، ولعله لصيرورته بالتردد ثلاثين يوما فيه كالمنزل، ولذا وجب

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
282

عليه التمام فيه بعدها، لكن فيه أن ذلك لا يوجب انقطاع حكم كثرة السفر، إذ
أقصى ما يقتضي أن يكون ذلك كمنزله الذي قد عرفت توقف انقطاع حكم الكثرة
على إقامة العشرة فيه، ولا يكفي الأقل حتى الخمسة في قصر النهار خاصة فضلا عن
غيرها كما ستعرف، ودعوى أن التردد ثلاثين يوما كإقامة العشرة ممنوعة، بل أقصاه
كنية الإقامة لا كتمام الإقامة، ولا دلالة في الصلاة تماما بعده على الثاني، إذ هي أعم
منه ومن الأول الذي حكى الاجماع في الروض على عدم قطعه لحكم كثرة السفر حتى
يتم ما نواه، وإلا فلا تكفي النية وإن صلى تماما أياما، فيقوى حينئذ اعتبار إقامة العشرة
بعد التردد ثلاثين يوما وفاقا للدروس والروض والروضة والرياض وعن الموجز.
وكيف كان فلا فرق في انقطاع حكم الكثرة وغيرها مما ذكرنا بين المكاري
وغيره بلا خلاف محقق أجده فيه وإن اختص النص بالأول، لعموم معقد الاجماع
والقطع بعدم الفرق بعد أن كان المناط عملية السفر المنقطع حكمها بإقامة العشرة، ولكن
في المتن (وقيل ذلك مختص بالمكاري) بالمعنى الأعم (فيدخل في جملته الملاح
والأجير و) لا ريب أن (الأول أظهر) لما عرفت، بل اعترف غير واحد بعدم معرفة
هذا القائل، وأنه لعل المصنف سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف، بل في الرياض
ربما احتمل أنه المصنف (ولو قام خمسة) أيام (قيل) والقائل المشهور نقلا وتحصيلا،
بل ربما استظهر من بعضهم الاجماع عليه (يتم) لاطلاق الأدلة، ومفهوم المرسل (1)
السابق والاستصحاب وغيرها (وقيل) والقائل الشيخ وابنا حمزة والبراج على ما حكي
عن ثانيهما: (يقصر صلاته نهارا دون صومه، ويتم ليلا) لصحيح ابن سنان (2)
المتقدم، لكن لم ينص في المبسوط والوسيلة على الصوم (و) لا ريب أن (الأول أشبه)
بأصول المذهب وقواعده، ضرورة قصور الصحيح المزبور عن تقييد الأدلة المزبورة

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 5
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 5
283

وأدلة تلازم الافطار والتقصير بسبب الاعراض عنه واشتماله على ما لا يقول به أحد من
الاكتفاء بالأقل من خمسة ولو يوما أو أقل، إذ ابن الجنيد وإن حكي عنه الاكتفاء بذلك
لكنه جعله كالعشرة في القصر والافطار لا التفصيل المزبور، على أنه في غاية الضعف
يمكن دعوى الاجماع على خلافه، فضلا عن مخالفته لظاهر النصوص بل والاعتبار، إذ
عليه لم يبق موضوع لكثير السفر غالبا، كل ذا مع أنا لا نعرف له دليلا بل ولا وجها،
فلا ريب في فساده، بل لعله لا يرجح الاحتياط من جهته، نعم لا ينبغي تركه بالنسبة إلى
الأول لصحة مستنده، وعمل جماعة به وميل بعض المتأخرين كما قيل إليه، واشتماله على
المجمع على خلافه لا يخرجه عن الحجية في غيره كما لم يخرجه عن الحجية في المسألة السابقة، والله
أعلم
(الشرط السادس) للقصر أنه (لا يجوز للمسافر التقصير) بمجرد خروجه من منزله
على المشهور شهرة كادت تكون إجماعا كما عن الذكرى، بل لا خلاف محقق معتد به وإن
نسب إلى والد الصدوق كما ستسمع حتى استثناه خاصة من معقد نفي الخلاف في الرياض
بل هو إجماع نقلا عن الخلاف إن لم يكن تحصيلا، للأصل واعتبار الضرب في الأرض في
الآية (1) وعدم صدق المسافر فعلا، والنصوص (2) التي سيمر عليك بعضها، فما عن
علي بن بابويه - من التقصير بمجرد الخروج عن المنزل إلى أن يعود إليه - منزل على
إرادة محل الترخص من المنزل كما يومي إليه غلبة تعبيره بفقه الرضا (عليه السلام)
وقد عبر فيه كما قيل تارة بما سمعت (3) وأخرى بما إذا غاب عنه أذان المصر (4)
فهو كالكاشف حينئذ عن إرادته بالمنزل في العبارة الأولى ذلك، فلعل الصدوق كذلك،

(1) سورة النساء الآية 102
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر
(3) المستدرك الباب 5 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(4) المستدرك الباب 4 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
284

وإلا كان شاذا ضعيفا كما عن معتبر المصنف الاعتراف به، كمستنده من المرسل (1)
عن الصادق (عليه السلام) (وإذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه)
وما قيل من الموثق (2) (أفطر إذا خرج من منزله) لوجوب إرادة محل الترخص من
المنزل فيهما، أو تقييدهما بغيرهما من النصوص المعمول عليها بين الأصحاب.
فلا ريب حينئذ إن لم يكن لا خلاف في أنه ليس له أن يقصر بذلك بل يبقى على
التمام (حتى يتوارى) عنه (جدران البلد الذي يخرج منه، أو يخفى عليه الأذان)
فأيهما حصل كفى في وجوب القصر كما هو مذهب أكثر الأصحاب على ما في المدارك
والمشهور بين القدماء على ما في الرياض وعن غيره، بل عن شرح التهذيب للمجلسي
حكاية الشهرة عليه من غير تقييد، واختاره جماعة من المتأخرين ومتأخريهم، للجمع
بين صحيح ابن مسلم (3) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل يريد السفر
فيخرج متى يقصر قال: إذا توارى من البيوت) وبين صحيح ابن سنان (4) سأله
(عن التقصير فقال: إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصر وإذا قدمت من
سفرك مثل ذلك) والآخر المروي عن المحاسن بسند صحيح إلى حماد بن عثمان (5)
عن رجل عنه (عليه السلام)، وفيه (إذا سمع الأذان أتم المسافر) والموثق (6)
الذي مر في المباحث السابقة، فإن فيه (أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 10 من
كتاب الصوم
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 3 7 لكن روى الثالث عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 3 7 لكن روى الثالث عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 3 7 لكن روى الثالث عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(6) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11
285

أذان مصرهم) وما مر من المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (1) بإرادة التخيير بين الأمرين.
وفيه أنه لا شاهد عليه من نص أو غيره، ولا ينتقل إليه من مجرد اللفظ، إذ
ظاهرهم إرادة التخيير كخصال الكفارة لا كتخيير الحايض بالعمل بالروايات والفقيه
بإحدى الأمارتين، وهو لو سلم الانتقال إليه من الخبرين ففي التكليف بالضدين ونحوه
كصل عند الزوال ركعتين وامض إلى السوق لشراء اللحم عنده ولو بملاحظة تعذر
الجمع بينهما مع حكمة المكلف، لا في مثل المقام المساق لبيان ذكر علامة بلوغ الحد
الموجب للتقصير الذي لا مانع فيه عقلا من كون العلامة فيه مجموع الأمرين، بل لعله
الظاهر هنا جعلا لكل من الواقعين بعد أداة الشرط شرطا أصوليا، كما يؤيده
استقراء أمثاله مما جاء في بيان الشرائط للعبادات أو المعاملات، وظهور أداة الشرط
في التسبيب بعد تسليمه إنما هو إذا اتحدت لا مع التعدد كما في المقام،
ودعوى كون المفهوم منها في الثاني أن السبب أحد الأمرين أو الأمور لا المجموع
إذا التعارض بينهما في خصوص اقتضاء العدم عند العدم، فيتقيد حينئذ سببية عدم كل
منهما للعدم بوجود الآخر، أما تسبيب وجود كل منهما للوجود فيبقى على حاله لعدم
التعارض فيه، كتسبيب عدم كل منهما للعدم في غير محل وجود الآخر، لعدم التعارض
فيه أيضا - يدفعها أن ذلك حينئذ ليس من التخيير المحكي في الرياض وكتاب المقدس
البغدادي عنهم، قال في الثاني عند بيان مدرك ما ذكروه من الجمع المزبور: (إن
الشارع جعل للترخص سببين، فبأيهما أخذ امتثل) ولذا اعترض عليهم الأستاذ الأكبر
على ما حكي عنه زيادة على ما عرفت بأن استقلال كل منهما بالسببية مستلزم للمحال، وهو
التكليف بالشئ ونقيضه حيث يسمع الأذان ولا يرى الجدران أو بالعكس، وربما أجيب
بأنه لا تناقض أصلا، لأن العمل على ما سبق منهما، ورده المقدس البغدادي - بل جعله

(1) المستدرك الباب 4 و 5 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
286

من الخطأ الفاحش - بأنه قد يقترنان كما إذا سمع الأذان حين خفي عليه الجدران، سلمنا
لكن إذا سبق أحدهما كالخفاء ولم يصل أو لم يسلم علي الثنتين حتى سمع الأذان كيف
يصنع، وقد تناقض عليه العلامتان، قال: (والحق في الجواب أن التخيير بين الخبرين،
وإذا أخذ بأحدهما لم يلتفت إلى ما جاء به الآخر حتى كأنه لم يجئ - ثم قال - وإذا
أخذ بواحد منهما فهل يتعين الأخذ به ولا يسوغ له العدول إلى الآخر من حيث أن
الشارع خيره فاختار نصيبه، أو لا زال على التخيير كما لو كان التخيير بين الفعلين كما في
المواطن الأربع؟ وجهان) إلى آخره.
لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله من غرايب الكلام، ضرورة أنه لا دلالة
في شئ من كلمات الجماعة على أصل التخيير فضلا عن هذا التخيير المزبور، إذ لم يعبروا
إلا بنحو المتن، وهو ظاهر إن لم يكن صريحا في إرادة ثبوت التقصير بأحدهما، فلا
يقدح حينئذ تخلف الآخر، إذ أقصاه أنه علامة، فهي لا يجب اطرادها كما أوضحناه
لك سابقا، فإن مفهوم كل منهما مقيد بمنطوق الآخر، فلا تناقض حينئذ، ولا تخيير
حقيقة، بل هو أشبه شئ بتقديري الكر المساحة والوزن اللذين لا يقدح في تحقق
الكرية بأحدهما تخلف الآخر على ما عرفته في محله.
ومنه يعلم فساد ما أطنب به الأستاذ الأكبر من بيان عدم جواز مثل هذا
التخيير وأنه أوضح فسادا من القول بالتصويب، وليت شعري كيف يحتمل إرادة
التخيير بين العمل بكل من الروايتين هنا من عبارات الأصحاب، ولو أرادوه لم يجز
التعبير بذلك، لاختلافه بحسب اختيار الفقيه لأي الروايتين على أن تكون تكليفه
وتكليف مقلديه، ولا دليل على أن التخيير هنا كتخيير الحايض بالرجوع إلى الروايات
وبالجملة كان المقام من الواضحات التي لا تحتاج إلى مزيد إطناب.
ومنه حينئذ تعرف وجه اندفاع سائر ما تقدم مما أورد على هذا القول، ضرورة
287

أنك عرفت كون مبناه تقييد كل من مفهوم الخبرين بمنطوق الآخر، وهو جار على
مقتضى الضوابط والقواعد.
بل ومنه تعرف أيضا ضعف ترجيح الجمع بكون الشرط في التقصير خفاؤهما معا
عليه، كما ذهب إليه جماعة، بل قيل إنه المشهور بين المتأخرين، بل عن حاشية الألفية
للكركي نسبته إليهم، كما عن آخر نسبته إلى الشهرة والأكثر من غير تقييد، بل عن
الخلاف الاجماع عليه، ضرورة كون مبناه تقييد كل من الخبرين بالآخر حتى يكون
الشرط حينئذ اجتماعهما، وفيه أن التعارض فيهما بين المنطوق والمفهوم لا المنطوقين، فلا
وجه لتقييد أحدهما بالآخر، بل هو في الحقيقة إبطال للدليل من غير معارض، ولعله
لذا رجح في المدارك الجمع الأول عليه، بل قال إنه بعيد جدا، فما في الرياض حينئذ
من ترجيح الجمع المزبور على الأول إما لرجحانه في نفسه عليه عند التعارض أو لأوفقيته
باستصحاب التمام محل للنظر، مع أن الأول مصادرة محضة، والثاني غير مجد بعد ما عرفت
من مخالفة الجمع المزبور لمقتضى الضوابط، ومعارض بموافقة الأول لاطلاقات السفر
وللضرب في الأرض، بل وبما دل على التقصير بمجرد الخروج من المنزل كالمرسل
السابق وغيره، وأما إجماع الخلاف فهو - مع ما قيل من أنه مساق للرد على من اكتفى
في التقصير بمجرد الخروج من المنزل كما يومي إليه استدلاله بعده بالآية - موهون بمصيره
نفسه إلى غيره في غيره، فضلا عن مصير أكثر المتأخرين على ما قيل وبعض المتقدمين
إلى خلافه أيضا.
لا يقال ذلك كله مسلم أو أن ما ذكرته من الجمع كان هو الموافق لمقتضى الضوابط
وفيه بحث بل منع، إذ تخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر ليس بأولى من العكس
ضرورة كون التعارض بينهما بالعموم من وجه، فمن الجائز حينئذ أن يكون المراد خفاء
288

الأذان موجب للقصر إلا إذا لم يخف الجدران، وكذا العكس، فالمتجه حينئذ إما
إلغاؤهما والرجوع إلى مقتضى الأصل، ولا ريب في اقتضائه التمام حتى يخفيا معا،
أو ترجيح الثاني على الأول بالأصل.
لأنا نقول أولا إنه وإن سلمنا كون التعارض بينهما بالعموم من وجه إلا أن
المفهوم عرفا من مثله في المقام ما ذكرناه من الجمع كما يوضحه لديك ملاحظة النظائر، بل
يزيده وضوحا ملاحظة تعدد الأسباب إذا ذكرت بلفظ السبب ونحوه، ضرورة كون
(أن) مفيدة للتسبيب لا الشرط الأصولي كما حررناه في الأصول، وثانيا لا ريب في
رجحان المنطوق على المفهوم، فهو أولى بأن يكون مخصصا من العكس، خصوصا
إذا انضمت إليه مرجحات أخر، منها ما تقدم، ومنها ما ستعرفها إن شاء الله،
فتأمل جيدا.
نعم قد يقال إن الجمع بأي وجه يكون مشروط بحصول التكافؤ بين الدليلين
وليس، إذ لا ريب في رجحان الأخير على الأول باعتبار اعتضاده بصحيح المحاسن (1)
والموثق (2) والرضوي (3) وغلبة عدم الجدران في تلك الأزمان، ولعله لذا اقتصر
الحلي والمفيد وسلار وأبو الصلاح عليه فيما حكي عما عدا الأول من غير تعرض لخفاء
الجدران كالمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) بل وابن أبي عقيل، بل عن الثاني نسبته
إلى آل الرسول (عليهم الصلاة السلام) ويحمل حينئذ صحيح البيوت (4) على إرادة بيان
حكم ذلك في نفس الأمر، وبيان الوجه والحكمة في تحديد الترخص بذلك، إذ ما دام

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11
(3) المستدرك الباب 4 و 5 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
289

لم يتوار لم يخرج عن حد الحضور ويدخل في حد الغيبة، بخلاف ما إذا توارى، لا أن
المراد به اعتبار ذلك لمعرفة ابتداء قصره، إذ لا يعرف أنه توارى من البيوت، بل إذا
أراد ذلك اختبره بالأذان، فهو الأمارة على التواري حينئذ، فتأمل.
أو الصحيح الأول باعتبار اعتضاده بالاستصحاب بناء على دوام خفاء الأذان
قبل الجدران، وباتفاق المشايخ الثلاثة على روايته في الجوامع العظام، وبأولويتها
بالسببية من الأذان، لتيسرها في كل وقت بخلاف الأذان، إذ كثيرا ما يتفق الخروج
في غير وقته مع تشابه الأصوات إذا بعدت، وعسر التقدير على أكثر الناس أو
أغلبهم، ولعله لذا اقتصر في المقنع فيما حكي عنه على خفائها دونه، بل ربما قيل بظهور
عبارة المبسوط في أن المعتبر الرؤية، فإن حصل حائل فالأذان، وإن كان فيه نظر كما
لا يخفى على من لاحظها.
لكنك على كل حال خبير بأنه حينئذ لا وجه لطرح كل منهما، ضرورة
حصول المرجح في الطرفين، فيحصل التكافؤ الذي هو شرط الجمع، سيما بعد ما عرفت
من العمل بهما من أكثر الأصحاب وإن اختلفت بالوجهين السابقين، على أن خبر
المحاسن في إياب المسافر لا ذهابه، فتأييده حينئذ موقوف على اتحادهما في ذلك، وفيه
تأمل، والموثق لا دلالة فيه على الشرطية كي ينافي ما اخترناه من الجمع الأول، والبحث
في الفقه الرضوي مشهور، وكذا الكلام في المرجحات الثانية.
وكيف كان فلا ريب في أنه لا وجه لطرح أحدهما بعد الجمع لشرائط الحجية، إنما
الكلام في ترجيح الجمعين السابقين، وقد عرفت أن الأول منهما هو الجاري على
مقتضى الضوابط كما في سائر جمل الشرط المتعددة مع اتحاد الجزاء فيها، بل قد يؤيده
أيضا زيادة على ذلك الاقتصار في كل من الروايتين والموثق وغيره على أحدهما مع
اختلاف الراويين أو الرواة، وما ذاك إلا للاجتزاء بكل منهما، إذ احتمال كون الاقتصار
290

لعلم كل من الراويين مثلا بالفرد الآخر يدفعه بعد أصالة العدم ظهور سؤالهما في عدم
علمهما بذلك، كاحتمال تأخير البيان فيهما في ذلك الخطاب ثم علماه وقت الحاجة.
نعم قد يقال إن الاقتصار لعدم التفاوت المعتد به في العلامتين، إذ متى وصل
الحد الذي يخفى فيه الأذان خفي عليه الجدران، وبالعكس بعد إرادة
الوسط من كل منهما وكون الأذان على مرتفع أيضا وأنه في طرف البلاد من ناحية
المسافر وإرادة صور الجدران لا شبحها، بل ينبغي الجزم بذلك بناء على كون المراد من
رواية الجدران تواريه عنها بمعنى خفائه بحيث لا تتميز صورته دون شبحه، لا تواريها
عنه كما فهمه سيد المدارك من الصحيح المزبور وتبعه عليه الكاشاني صريحا في الوافي
وظاهرا في المفاتيح، حيث عبر فيها بما في الصحيح كاللمعة وعن البيان والحدائق،
ولعله أوفق به وإن كان المعروف بين الأصحاب الثاني كما اعترف به في الرياض،
ومن هنا لم يكن مناص عن متابعتهم في ذلك، ولعله لأنه وإن كان في الصحيح تواريه
عنها لا تواريها عنه لكن المراد بتواريه عنها استتاره بحيث لا تراه لو كانت مبصرة،
ومن المعلوم أنه متى توارى عنها كذلك توارث هي عنه أيضا، وإلا لم يتوار عنها،
كما هو واضح، لأنه من باب المفاعلة (1).
ولعل اختيار الأصحاب هذا التعبير على ما في الصحيح لإرادة بيان كون
المراد به ذلك، إذ المواراة عن البيوت لا سبيل إلى معرفة المسافر لها على التحقيق إلا
باستتاره عنهما، واحتمال إرادة من في البيوت من البيوت في الصحيح يدفعه مع أنه
إضمار بلا قرينة، وعدم معلومية كون من في البيوت على السطوح أو الأرض، ومقدار
الارتفاع والانخفاض ونحو ذلك - أن المناسب حينئذ أن يقدره باستتار من في البيوت
عليه لأنه هو الذي يستطيعه المسافر حتى يكون علامة، ضرورة عدم معرفته أنه استتر

(1) أي من باب التفاعل
291

عن أهل البيوت أولا، إذ ذاك أمر لا يرجع إليه، اللهم إلا أن يجعل ذلك على سبيل
التخمين، وفيه أنه لا وجه له مع تمكنه منه على طريق التحقيق بأن ينظر إلى من في
البيوت ولم ير أحدا منهم، فيعلم أنه توارى عنهم، لأن الغالب مساواة الأشخاص
والأنظار، فلو كان ذلك هو العلامة لاعتبر الشارع الطريق إليها، فعلم كون المعتبر
خفاء نفس البيوت لا من فيها.
فالوجه حينئذ بناء ذلك على التسامح في مثل هذا التفاوت اليسير، ولعله
لاختلاف المسافرين باعتبار سهولة كل من العلامتين عليه، بل عدم تيسر الأخرى له
إلا بمراعاة التقدير الذي يصعب الاطمئنان به في كثير من الأمكنة، بل جزم
بعض فضلاء المعاصرين بأن السبب في ذكر العلامتين التسهيل والتخفيف على المكلفين
بالاكتفاء في التقصير بأيهما حصل من غير التفات إلى صورة الاجتماع وحصول أحدهما
وتخلف الآخر، وإنما المراد كون خفاء الأذان سببا في الجملة وكذا الجدران، فيكفي
في صدق ذلك إذا كان كل منهما منفردا بدون الآخر كما هو الغالب على ما في الرياض
بل جعل المعاصر المزبور ذلك هو مراد الأصحاب حتى من ذكر الواو فضلا عن (أو) لكن
فيه أنه مبني على أن اعتبار المعية في كلام بعضهم مخصوص بما إذا اجتمعا، أما إذا سافر
عن مكان لا جدران فيه أولا أذان وجب الاكتفاء بأحدهما من غير ملاحظة الآخر
كما جزم به الفاضل في الرياض والمقدس البغدادي وغيرهما، بل ظاهر الأخير منهما
أنه من القطعيات التي لا شك فيها، وهو وإن كان على تقديره فيه نوع تأييد للمطلوب
عند التأمل إلا أنه للنظر فيه مجال، لظهور مثل هذه العبارات في أمثال هذه المقامات
نصا وفتوى في إرادة التقدير عند الفقدان.
فالمتجه حينئذ بناء على اعتبار المعية التي جعلت وجه جمع بين الخبرين اعتبار
تقدير المفقود كما إذا فقدا معا، فإنه لا ريب في التقدير حينئذ وإن ذكره في الروض
292

احتمالا، اللهم إلا أن يقال فرق بين المقامين، ضرورة انحصار الطريق في الثاني في
التقدير، ولا مرجح لأحدهما على الآخر بخلاف ما إذا وجد أحدهما وفقد الآخر، فإنه
لا مانع من الاكتفاء به عملا بما دل عليه، ولا حاجة إلى تقديره الآخر، بل لا معنى له،
إذ أقصى ما يسلم من ظهور الخبر في التقدير إنما هو فرض وجوده في خصوص ذلك
الوقت بعد أن يكون أصله موجودا، أما إذا كان لا وجود له أصلا فلا معنى لتقديره
خصوصا إذا كان البناء على المعتاد في تلك البلاد في مقدار ارتفاعه ومكان الأذان، كما
يومي إليه إضافة الأذان إلى المصر مثلا ونحو ذلك، فتأمل.
وكيف كان فالمتجه على المختار الاكتفاء بالموجود منهما، ولا حاجة إلى مراعاة تقدير
الآخر، وإذا فقد اكتفي بما يتحقق منهما على فرض وجوده، وهل يكفي الظن
حال التقدير أو يعتبر القطع؟ وجهان، أحوطهما إن لم يكن أقواهما الثاني، هذا.
وقد يشكل التقدير زيادة على ما عرفت بأنه بناء عليه تكون العلامتان
ممكنتين دائما لا تنفك إحداهما عن الأخرى، ضرورة جريان التقدير في كل مقام، فلا
وجه حينئذ لجعل الشرط أحدهما لا على التعيين، بل كان يكفي خصوص الأذان أو
الجدران، سيما مع اختلافهما وحصول خفاء الأذان قبل خفاء الجدران غالبا إن لم يكن
دائما، بخلاف ما إذا لم نعتبر التقدير، إذ وجه التعدد حينئذ اختلاف الأمكنة في حصول
كل منهما، فأريد التعميم بذكر العلامتين لكل من المكانين، وإذ اتفق اجتماعهما في
مكان اعتبر خفاؤهما معا، لأنه المتيقن، فلا يقدح التفاوت المزبور حينئذ.
وقد يجاب بأن التعدد قد يكون للتسهيل والتخفيف في غالب الأمكنة، لعدم
حصول كل الاطمئنان بالتقدير لكثير من الناس فيوكل الفرد النادر حينئذ إليه وهو من
فقدهما معا لا واجدهما أو الواحد منهما، والتفاوت المزبور غير قادح في التقريبات من
الشارع وإن صارت تحقيقية بعد تقديره تقريبا، خصوصا إذا كان يسيرا وكان اتفاقي
293

الحصول من كل منهما، لا أنه لازم لواحد دون الآخر، إذ المتجه عليه حينئذ حمل
تلك الزيادة على الندب ونحوه، إذ هو أشبه شئ بالتخيير بين الأقل والأكثر مع
احتمال أن يكون وجهها في المقام بناء على اختصاص خفاء الجدران بها هو عدم حصول
الاطمينان بخفاء الأذان عند فقده حسا إلا بخفائها، على أن الاشكال إنما يحسن لو أن
الشارع أفاد الشرطية بأن قال: المعتبر خفاء أحدهما، أما إذا كان ذلك حاصلا من جهة
اتفاق الاجتماع وتعارض الدليلين وإلا فهو إنما بين سببية كل منهما مستقلة فلا إشكال
فيه أصلا، كما يوضح ذلك لك فرض وقوعه من مثل السادات لعبيدهم وغيرهم
فيندفع حينئذ إشكال التفاوت المزبور سواء قلنا بكون الشرط أحدهما كما هو المختار أو
مجموعهما، ضرورة اشتراكهما في وروده، فيشتركان في دفعه، وإن كان قد يتوهم مما
سمعته في تقريره اختصاص المختار به، بل قد يتوهم أيضا أنه بسبب هذه الاشكال قيل بالتخيير
بين العلامتين على معنى أن تكليفه ما يختاره منهما الذي قد عرفت فساده مما تقدم
لعدم الدليل عليه، كما أنك عرفت هنا أنه لا إشكال يلجئ إلى ارتكاب ذلك
فتأمل جيدا فإنه ربما دق.
وإن أبيت عن ذلك كله فقل إن العلامتين راجعتان في الواقع إلى شئ واحد
مشخص لا اختلاف فيه، كما اختاره الأستاذ الأكبر وإن أوجب أيضا اجتماعهما
لتحصيل اليقين به، وذلك لعدم معلومية المراد من التواري على التشخيص والتعيين
بحيث لا يقبل الزيادة والنقيصة، وكذا الأذان حتى لو أريد المتوسط منه، لاختلافه
أيضا باختلاف الأزمنة من الليل والنهار، والأمكنة والأصوات والسامعين وغيره
ذلك، ولا دليل على اعتبار التخمين.
لكنك خبير بما فيه بعد الإحاطة بما سمعت، إلا أن الانصاف بعد ذلك كله
عدم ترك الاحتياط بتأخير الصلاة إلى خفائهما معا أو الجمع بينه وبين الاتمام.
294

وعلى كل حال فالمدار في السماع والرؤية على المعتادين دون الخارقين، وفاقدهما
أو أحدهما يقدرهما، كما أنه يقدر عدم الحائل لو كان بستانا أو غيرها، ولو كانت خطة
البلاد خاصة في شاهق أو واد منخفض قدرها في المستوي تنزيلا للاطلاق على الغالب،
فما في المدارك من احتمال الاكتفاء في المنخفضة بالخفاء المزبور للاطلاق ضعيف،
كضعف ما يحكى عن الذخيرة وبعض نسخ المدارك أيضا من الاكتفاء بحصول الحائل
بينه وبين البيوت وإن كان قليلا في تحقق التواري بحيث لا يضر رؤيتها بعد ذلك،
ضرورة أن المعتبر التواري بسبب البعد كما هو واضح، مع أنه لا وجه للتفرقة بينها وبين
المرتفعة التي لم أعرف فيها خلافا بين من تعرض لها من الأصحاب عدا ما يحكى عن الفخر
من اعتبار الخفاء فيها حقيقة، ووالده من الاشكال فيها، ولا ريب في أن الأحوط ذلك
ولا عبرة بالأعلام والمنائر والقباب بلا خلاف معتد به، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى
الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، وكذا سور البلد بعد اعتبار تواري البيوت
في النصوص، فما عن الموجز وكشفه من اعتبار خفاء السور ضعيف، بل قد يدعى
ظهوره أيضا في إرادة صور البيوت وأشكال جدرانها لا الشبح، كما صرح به الشهيد
الثاني وإن استشكله السيدان المعاصران بدعوى ظهور النص والفتوى في التواري
المطلق، لكن فيه أن ظهورهما في ذلك ممنوع، لعدم صدق البيت على الشبح أو عدم
انصراف إطلاقه إليه، ولعله لذا حكي عن الأستاذ الأكبر دعوى الاجماع على أن العبرة
بالصورة لا الشبح، بل قد يقال باعتبار مثله في الأذان على معنى اعتبار خفاء تمييز فصوله
دون نفس الصوت، لنحو ما سمعته أيضا من عدم صدقه على نفس الصوت أو عدم انصراف
إطلاقه إليه.
لكن المقدس البغدادي وغيره اعتبر الصوت نفسه، وهو لا يخلو من وجه بل قوة،
إذ الظاهر إرادة التمثيل من الأذان لكل صوت رفيع يشبهه، وإنما خص به لأنه في العادة أرفع
295

الأصوات حتى تعارف في العرف الكناية به عن رفع الأصوات ولأنه على هذا التقدير
تقرب العلامتان من الاتحاد.
نعم قد يقال إن المعتبر سماع الصوت على أنه أذان وإن لم يميز بين فصوله، ولعله المراد
مما حكي عن إرشاد الجعفرية والميسية والمقاصد والروض وغيرها من أن المعتبر سماع صوت
الأذان وإن لم يميز بين فصوله مع احتمال كون العبرة بعد السماع مطلقا حتى في المتردد بين
كونه أذانا أو غيره، لأصالة التمام، ولأن الظاهر إرادة البعد عن البلد بحيث لا يسمع لها صوت
أصلا، وكني عن ذلك بالأذان لاقتضائه خفاء غيره بالأولى فتأمل.
ولو كانت بيوت البلد على خلاف الغالب من العلو أو الانخفاض ردت إليه مع ملاحظة
صنف تلك البلدة أو القرية، كما أنه لو كان صوت المؤذن خارق المعتاد علوا أو انخفاضا رد إليه
أيضا، لكن في ملاحظة حال القرية أو البلاد إشكال، إذ عليه ينبغي أنه لو اتفق مؤذن
رفيع الصوت في قرية لم يعتد بمثل ذلك فيها أو في صنفها أن يرد إلى معتادها وإن لم يكن
هو خارقا، وكذا ينبغي الرد لو اتفق مؤذن في بلدة منخفض الصوت في الجملة
وكان المعتاد فيها وفي أمثالها عدم مثل هذا الانخفاض، وهو كما ترى، إذ الظاهر
اعتبار عدم التجاوز في الارتفاع والانخفاض في الصوت في نفسه لاطلاق الدليل، كما أن
الظاهر اعتبار كون الأذان على مرتفع، لأنه المعتاد، ولا يعتبر فيه كونه غير منارة
وشبهها، بل الظاهر اعتبارها في مثل البلاد المعتاد فيها أو في صنفها ذلك، فلا يجزي
السطح ونحوه فيها، نعم يمكن دعوى اعتبار عدمها في مثل القرية التي لم يعتد مثل ذلك
في صنفها مع احتماله لو كأن معتادا فيها وإن لم يعتد في صنفها، وخارق المعتاد في الارتفاع
يرد إليه كخارقه في الانخفاض.
والظاهر اعتبار كون الأذان في آخر البلد كما صرح به بعضهم، بل وكونه في
ناحية المسافر، إذ لو اكتفي به كيف كان لوجب القصر في بعض الأحوال قبل
296

الخروج من البلد فضلا عن البعد عنها في الجملة، فلا بد من إرادة سببية خفاء الأذان
أنه يبعد عن البلاد بعدا يخفى بسببه عنه أذانها، ولا يكون ذلك إلا بفرض كون الأذان
في آخر البلد من ناحيته أو عدم اعتبار ما قطعه من نفس البلاد، فيؤخذ بمقداره من
الأرض الخارجة عن البلد.
نعم يمكن الاكتفاء بأذان البلد وإن لم يكن في آخرها إذا كانت البلاد صغيرة
أو متوسطة ولها مأذنة مرتفعة كالنجف وكربلاء، لأنه في الحقيقة كالآذان في الآخر،
بل لعله على مثل ذلك تنزل النصوص السابقة من حيث ظهور الإضافة فيها في المعهود
من أذان المصر وإن كان في الوسط، ويختص الأذان من بين الأمارتين حيث لا بيوت
كالعكس بناء على اختلافهما وعدم تقدير المفقود بعد أن يختص أحدهما بالوجود، وفي
اعتبار خصوص الجدران في البيوت نظر، بل قد يقوى عدمه كما عن الأردبيلي
التصريح به، فالبدوي وغيره ممن لا جدران لهم يعتبرون خفاء بيوتهم، لاطلاق النص
مع غلبة ذلك في الزمن السابق واحتمال تقدير الجدار لهم كما يحكى عن ظاهر المقاصد
بعيد، كاحتمال اختصاص إمارتهم بالأذان دون البيوت، لكن من ذلك كله يظهر لك
كون الأمارتين متحدتين في الواقع أو أنه لا يقدح مثل هذا التفاوت، لابتناء الأمر
هنا على القريب والتسامح والتساهل، فالأمر حينئذ سهل.
ومتسع البلاد يعتبر أذان محلته وبيوتها كما صرح به غير واحد، بل نسب إلى
الفاضل وأكثر من تأخر عنه إن لم يكن جميعهم إلا أنه قد يشكل بعدم صدق السفر
والضرب في الأرض مع فرض اتحاد سورها واتصال دورها وأزقتها على نحو اتصال
غير المتسعة أو أشد وإن عظمت، ضرورة صدق كونها بلادا واحدة، فيشملها إطلاق
الأدلة حينئذ أو عمومها، وإلا لاعتبر في نية الإقامة فيها ذلك أيضا: ولعله لذا بالغ
المحدث البحراني في الانكار على الأصحاب بالنسبة للحكم المزبور بعد اعترافه بأنه كالمسلم
297

عندهم، وتبعه المقدس البغدادي، لكن قد ينزل إطلاق الأصحاب على إرادة المسماة
باسم بلاد واحدة، إلا أنها هي كالقرى المتقاربة في انفصال محالها ودورها، وأزقتها كما
يحكى عن أصبهان، وربما يومي إلى ذلك تمثيلهم لها بالكوفة التي قيل إن بيوتها في ذلك
الزمان ممتدة إلى أربعة فراسخ، إذ الظاهر أن امتدادها كان كما ذكرنا، وصدق
الوحدة حينئذ عليها محل نظر بل منع وإن كان ذلك عارضيا لها بسبب طرو الخراب لها
كما في بلد الكاظم (عليه السلام) وبغداد، ومنه يعلم حينئذ الحال في منازل أهل
الحسكة وأهل البادية ونحوهم، فإن الظاهر التعدد في الجميع إلا مع الاتصال وشبهه في
الأخيرين، فيتحد وإن استطال على إشكال فيه أيضا، ضرورة أولويته بالتعدد من
محال البلاد الواسعة المتصلة الدور التي قد عرفت اعتبار الأصحاب فيها المحلة، إذ تلك
يشملها اسم البلاد الواحدة وإن عظمت بخلاف المنزلين المزبورين، ولا ريب في أن
الأحوط الجمع بين القصر والاتمام في الفرض إلا إذا انفصلت المنازل انفصالا
معتدا به في الجملة.
هذا كله في المسافر من بلده ومحله،
أما غيره كالهائم والعاصي بسفره ونحوهما فلا
محل ترخص لهما، بل يقصران بمجرد قصد المسافة والضرب في الأرض، لاطلاق
الأدلة من غير معارض بعد ظهور أدلة المقام في غير ذلك، بل المتبادر منها غير محل
الإقامة أيضا كما هو أحد القولين على ما قيل، لكن عن السرائر وظاهر التذكرة
وغيرهما اعتبار ذلك فيه، بل قيل إنه يستفاد من كلام الأكثر في مواضع، بل هو
صريح كلامهم في مسألة ناوي الإقامة في بلد حيث ذكروا هناك أنه لا يضره التردد في
نواحيها ما لم يبلغ محل الترخص متسالمين عليه، والأخبار (1) منطبقة الدلالة عليه،
بل في المدارك (أنه المتجه، لأن محمد بن مسلم (2) سأل الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 1
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 1
298

فقال له: (رجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ فقال: إذا خرج من البيوت) وهو
يتناول من خرج من موضع الإقامة كما يتناول من خرج من بلده) إلى آخره، وإن
كان هو لا يخلو من (1) نظر، مضافا إلى ما دل على أنه كالمنزل حينئذ المقتضي مساواته له
في أحكامه التي منها ذلك.
ومنه يظهر احتمال اعتبار محل الترخص في المسافر من المحل الذي بقي فيه بعد
التردد ثلاثين يوما، لتشبيهه بالمنزل أيضا، لكن قد يشك في شمول التشبيه لمثل ذلك
بل قد يدعى أن المنساق منه غيره من الاتمام في البلد ونحوه، وقد تقدم سابقا بعض
الكلام في ذلك، بل وفي حكم (حكمه خ ل) الدخول إلى محل عزم فيه على الإقامة،
فهل ينقطع سفره بالوصول إلى محل الترخص كما عن الأردبيلي لما عرفت من دخوله في
محل الإقامة، ولذا جاز له التردد حالها فيه، ولا ينافي ذلك رجوعه إلى القصر لو رجع
عن نية الإقامة قبل الصلاة تماما، لأن المراد مساواته للبلد ما دام متصفا بذلك الوصف
أو يتوقف على الدخول إلى البلد كما عن الشهيد الثاني وسبطه والخراساني؟ فلاحظ
وتأمل، وربما يأتي له تتمة إن شاء الله.
وكيف كان فقد بان لك أنه لا ريب في اعتبار الخفاء في مشروعية القصر
عندنا (و) أنه (لا يجوز له الترخص قبل ذلك وإن نوى السفر ليلا) ضرورة عدم
المدخلية لتبييت النية عند الإمامية وإن كان قد يشعر به ما في المتن من (إن) الوصلية
إلا أنه لعله للعامة فلا يقصر حينئذ حتى يبلغ المحل المزبور (وكذا في عوده) من
سفره لا يتم، بل (يقصر حتى يبلغ) محل الترخص من (سماع الأذان في مصره)
أو رؤية الجدران على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في الرياض شهرة
عظيمة، بل عن الذكرى أنها كادت تكون إجماعا، لانقطاع صدق السفر عرفا عليه،

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 10
299

واندراجه في الحاضر عند أهله وفي منزله ووطنه بالوصول إلى الحد المزبور، ولقوله
(عليه السلام) في صحيح ابن سنان (1) السابق: (وإذا قدمت من سفرك مثل ذلك)
الظاهر في إرادة القصر قبل سماعه، والاتمام بسماعه، وللقطع بكون المراد من التحديد
بذلك عند الذهاب الكشف عن حال المسافر واقعا بأنه قبل الوصول إليه مندرج في
الحاضر وخارج عن اسم السفر من البلد والضرب في الأرض عنها، فلا يتفاوت بين
الذهاب والإياب في ذلك.
لكن قد يقال إنه بناء على المختار ينبغي اعتبارهما معا حينئذ، ضرورة أنه إذا
كان أحدهما كافيا في وجوب القصر عند الذهاب فلا يرتفع ذلك إلا برفع الموجب، ولا
يتحقق إلا برفعهما، نعم هو يحصل برفع أحدهما على القول الآخر، لارتفاع المركب بارتفاع
أحد جزئيه، إلا أنه لم أعرف أحدا من الأصحاب اعتبر ذلك، بل عن المعتبر والمنتهى
نسبة الاكتفاء بأحدهما في الاتمام عند الإياب إلى الشيخ ومن تابعه، وقد عرفت أن أكثر
القدماء على اعتبار أحدهما في القصر، بل المصنف نفسه قد اعتبر هناك أحدهما واكتفى به هنا،
بل ظاهره خصوص الأذان كالمحكي عن ظاهر التحرير، بل هو صريح المدارك بعد أن قال
إنه أظهر الأقوال ولعله لاختصاص الصحيح المزبور بالأذان، فلا دليل على الجدران،
لكن فيه أن الدليل غير منحصر به كما سمعت مع احتمال إرادة المصنف المثال من
ذكر الأذان كما يومي إليه قوله: (وكذا) ولعله لذا قال في الرياض ردا على
المدارك إن الظاهر عدم القائل بالفرق كما قيل وإن كان ربما يتوهم من الفاضلين
في الشرائع والتحرير، أو أنه متلازمان عنده، فمتى تحقق أحدهما تحقق الآخر كما سمعته منا
سابقا بل لعل ذلك هو مقتضى كل من اكتفى بأحدهما في المقامين أو أن نظرهم إلى غير مادة
الاجتماع بل المراد المكان الذي لم يوجد فيه إلا أحدهما أو غير ذلك.

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3
300

وكيف كان فلا ريب في عدم اعتبارهما معا هنا للاجماع ظاهرا عليه من
أرباب القولين السابقين، اللهم إلا أن يدعى أن المصنف والفاضل في التحرير قائلان
بذلك بناء على اعتبارهما خصوص الأذان الذي يلزمه سبق رؤية الجدران عليه، إذ
الظاهر أنه بناء على عدم اتحاد العلامتين يثبت حصول الانفكاك من جانب الأذان خاصة،
لكن قد عرفت حقيقة الحال في ذلك، بل وفي أنه لا يقصر عند الذهاب حتى يبلغ
محل الترخص (وأن) ما (قيل) من أنه (يقصر عند الخروج من منزله) كما نسب إلى
علي بن بابويه مأول أو ضعيف، لما عرفت فيما تقدم (و) نحوه في ذلك قوله أيضا في أن
المسافر (لا يتم) إلا (عند دخوله) منزله وإن وافقه هنا أبو علي وعلم الهدى فيما
حكي عنهما، بل مال إليه أو اختاره بعض متأخري المتأخرين، لاعتبار مستنده وتعدده
من صحيح العيص (1) عن الصادق (عليه السلام) (أنه لا يزال المسافر يقصر حتى يدخل بيته)
وآخر (2) (أن أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا، وإن لم يدخلوا
منازلهم قصروا) وموثق إسحاق بن عمار (3) (سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم
يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله قال: بل يكون
مقصرا حتى يدخل أهله) وغيرها من مرسل الفقيه (4) ونحوه مما تقدم سابقا،
خصوصا وتعارضها مع بعض أدلة المشهور بالعموم والخصوص، والبعض الآخر غير
صريح الدلالة، لاحتمال إرادة بيان وجوب القصر عند خفاء الأذان خاصة من
التشبيه لا عدمه عند العدم، كما يؤيده ما عن بعض النسخ من عدم ذكر التمام إذا لم يبلغ
موضع خفاء الأذان في الذهاب كي يكون الإياب حينئذ مشبها به في ذلك.

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 4 - 1 - 3 - 5
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 4 - 1 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 4 - 1 - 3 - 5
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث - 4 - 1 - 3 - 5
301

لكنك خبير بأن ذلك كله في مقابلة الترجيح بالشهرة مخالف لأصول المذهب
خصوصا مثل هذه الشهرة التي قيل إنها كادت تكون إجماعا، وخصوصا بعد اعتضادها
بما سمعت، وخصوصا بعد إمكان المناقشة في دلالة الأخبار المزبورة بإرادة ما يشمل
محل الترخص من البيت والمنزل فيها، إذ إرادة المنزل حقيقة حتى أنه لو دخل المصر
لا يتم بعيدة جدا، مع أن الصحيح الأول (1) مساق لبيان أن العبرة في القصر والاتمام
حال أداء الصلاة لا دخول الوقت كما لا يخفى على من لاحظه، والآخر (2) مجمل الدلالة
عند التأمل، والموثق (3) يمكن تنزيله على من وصل بعض القرى من بلد الكوفة أو
محالها بناء على أن فرض مثله التقصير حتى يدخل محل الترخص من محلته، خصوصا
وقد عرفت أنهم مثلوا بالكوفة للبلاد المتسعة التي يكون فرض المسافر منها المحلة لا المصر
بل يمكن تنزيل الجميع على التقية كما عن الوسائل وصرح به المقدس البغدادي، بل في
الرياض المناقشة فيما عدا الموثق منها - زيادة على ما سمعت بورودها مورد الغالب - من أن
المسافر إذا بلغ إلى حد الترخص يسارع إلى أهله من غير مكث للصلاة كما هو المشاهد
غالبا من العادة، فلا يطمئن بشمول إطلاق الحكم بالقصر إلى دخول الأهل لمحل البحث
انتهى، وإن كان فيه نوع تأمل.
فطرح أدلة المشهور حينئذ المعتضدة بما سمعت لمثل هذه الأخبار كما ترى،
ولذا قال المصنف: (والأول أظهر) ومثله ما مال إليه بعض متأخري المتأخرين من
التخيير لمن بلغ إلى محل الترخص في إيابه بين القصر والاتمام عملا بالدليلين، بل هو
أضعف من الأول بوجوه، بل يمكن دعوى الاجماع المركب على خلافه، وكذا
ما يقال من تنزيل هذه النصوص على من أراد المرور بمصره مستطرقا غير مستقر وكان
قد أنشأ سفرا من مكان آخر، لخصوص بعض النصوص (4) الواردة في خصوص ذلك

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4 - 1 - 3
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4 - 1 - 3
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4 - 1 - 3
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 و 6
302

التي قد ذكرها في الشرط الثالث، وبينا أن المذهب والعمل على خلافها، فلاحظ
وتأمل، والله أعلم.
(ولو نوى) المسافر (الإقامة في) مكان من قريته أو باديته أو بلد (غير بلده
عشرة أيام) كاملة (أتم) صلاته إجماعا إن لم يكن ضرورة مذهب محصلا ومنقولا،
ونصوصا (1) معتبرة صريحة مستفيضة إن لم تكن متواترة، والمراد بالنية هنا مجرد عزمه
على ذلك، ولذا اكتفي في النص والفتوى بمجرد علمه وتيقنه بالبقاء في المدة المذكورة،
لا أن المراد منها قصد خاص بحيث لا يكفي فيه العلم المزبور قطعا، ففي الصحيح (2)
عن أبي جعفر (عليه السلام) بعد أن سأل عمن قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون
مقصرا؟ ومتى ينبغي له، أن يتم؟ فقال: (إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام
عشرة أيام فأتم الصلاة، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد فقصر
ما بينك وبين أن يمضي شهر، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من
ساعتك) وهو كغيره ظاهر فيما ذكرنا، كما أنه ظاهر أو صريح في أنه لا فرق بين
ناوي السفر بعدها أولا، بل ولا بين من نواها اقتراحا أو علق خروجه على قضاء حاجة
يعلم عدم تيسرها بالأقل من عشرة، أو على شرط من رؤية زيد مثلا وقد تحقق.
وبالجملة المدار على العزم المزبور والعلم المذكور اللذين لا ينافيهما الاحتمالات
البعيدة التي لا ينظر إليها في العرف والعادة، كما أنه لا ينافي العزم المزبور الفعلي انطواء
ضمير الناوي على أنه إن حدث به حادث أو عرض له عارض يسافر ولا يبقى إذا لم
يعلق نية الإقامة على ذلك، بل لو علقها أيضا وكان مطمئنا بعدمهما، بل قد يقال
بكفاية الأصل في ذلك وإن كان لا يخلو عن نظر أو منع فيما لو ظهر إمارات العارض

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 9
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 0 - 9
303

المزبور، والأولى إناطة ذلك بالعرف وبصدق عزم الإقامة فيه والعلم بها، إذ هو واف
في تحقق ذلك، والنصوص علقت الحكم عليه ولم تشترطه بشرط، فلو ظن حينئذ أنه
يقيم عشرة لم ينقطع حكم سفره، وكذا لو عزم على الإقامة فيما إذا قدم مكة ليلة الثامن
والعشرين من ذي القعدة مريدا للحج، فإنه لا بد له من الخروج يوم الثامن، ولا وثوق
له بأن ذا القعدة كان تاما، فلم يعلم العشرة حينئذ، والاستصحاب غير مجد هنا لا لأنه
حجة في النفي الأصلي دون إثبات الحكم الشرعي، ولذا قالوا إنه حجة في الرفع لا في
الاثبات، حتى أن حياة المفقود بالاستصحاب حجة في بقاء ملكه لا لاثبات الملك له
في مال مورثه، بل لتعليق النصوص الإقامة على العزم والجزم بإقامة العشرة التي لا يكفي
في تحققها عرفا الاستصحاب، ومثله لو أراد الاعتكاف لثلاث بقين من شهر رمضان،
ولذلك وشبهه كان الأولى إناطة الحكم المزبور بصدق العزم والجزم على إقامة عشرة.
كما أن الأولى إناطته بذلك أيضا بالنسبة إلى محل الإقامة كما في المدارك
والكفاية والرياض وعن الذخيرة والبحار ومجمع البرهان، فالمدار حينئذ في الاتمام على
صدق الإقامة في البلد ونحوه.
والظاهر أنه لا يتوقف على قصد عدم الخروج عن خطة سور البلد، ولا على عدم فعل
الخروج للصدق العرفي بدونهما، فلو نوى الإقامة في البلد قاصدا للتردد في بعض الأحيان
في بعض بساتينها ومزارعها ونحوها مما لا ينافي صدق الإقامة في البلد عرفا معها أتم ولا
بأس، وكذا لو لم يقصد حال النية، من غر فرق بين الوصول إلى محل الترخص
أو الزايد عليه بعد الصدق المزبور، إذ لا تلازم بين التحديد به لخروج المسافر وبين
ما نحن فيه، ضرورة عدم صيرورته حقيقة شرعية، بل ومن غير فرق بين قطع مثل
النيل والفرات وعدمه صدق اتحاد البلد كبغداد والحلة الفيحاء، بل الظاهر عدم
304

المدخلية للجسر في الاتحاد المزبور وإن كان هو معه أوضح من عدمه، وكذا لا فرق
أيضا بين كثرة التردد وقلته إذا لم يناف الصدق المذكور، فما عن الفاضل الفتوني من
اعتبار خطة سور البلد بل عن الحدائق أنه اشتهر ذلك في هذه الأزمنة المتأخرة غلط
قطعا، ولقد أجاد في نفيه الخلاف والاشكال في التردد إلى ما دون محل الترخص فيما
حكي من الحدائق. لكنه ينبغي تقييده بما إذا لم يناف الصدق المذكور، وأما ما عن
البيان والمقاصد العلية ونتائج الأفكار من اعتبار عدم تجاوز المقيم حد الترخص بل عن
الحدائق أنه المشهور فلعله ليس خلافا لما ذكرنا، إذ مبناه الصدق العرفي أيضا وإن زعموا
أنه ينتفي بتجاوز ذلك ويتحقق فيما دونه.
نعم الأولى عدم التعرض لتحديده بذلك، بل يوكل إلى العرف المختلف
باختلاف الأمكنة، كما أوكلته إليه النصوص، ضرورة أنه المرجح في كل ما ليس له
حقيقة شرعية، ولو أن التحديد بالترخص شرط لوجب التعرض لبيانه، وإلا لزم
الاغراء بالجهل، إذ إيكال ذلك إلى اعتباره في خروج المسافر ايكال لما لا يستفاد
منه، كما هو واضح، إذ ليس هو إلا تحديدا شرعيا محضا، أو كاشفا عن العرف لقاصد
المسافة لا مطلقا، ودعوى أن العادة في ناوي العشرة عدم الخروج إلى ذلك المحل فصارت
بمنزلة الشرط وأغنت عن النص عليه كما ترى.
ولقد أفرط الفخر فيما يحكى عنه في بعض الحواشي المنسوبة إليه من عدم البأس
في خروج المقيم إلى ما دون المسافة سواء كان ذلك في نيته من ابتداء الإقامة أو عرض
له في الأثناء، وسواء نوى إقامة عشرة أيام مستأنفة أو لا، ووافقه عليه الكاشاني في
الوافي والأستاذ الأكبر في مصابيحه على ما حكي عنه، بل قال المقدس البغدادي
- بعد أن حكاه عن الفخر في حواشيه على القواعد من نسخة معتبرة عنده - أنه الفخر وحده (1)

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب " إنه ليس القائل به الفخر وحده "
305

بل قد سبقه إلى ذلك والده في أجوبة المسائل السنانية المشهورة، وذلك أن الشريف
العلوي سأله عمن نوى المقام في الحلة ثم زار الحسين (عليه السلام) في عرفة ثم عاد
إلى الحلة يريد التوجه إلى زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام) في يوم الثامن عشر
من ذي الحجة هل يقصر في الحلة أم يتم؟ فأجاب بما نصه (جعل الشارع الاتمام على
من نوى المقام في بلاد الغربة عشرة أيام فقد جعل حكم ذلك البلد حكم بلده، فالمقيم عشرة
أيام في الحلة يجب عليه الاتمام، فإذا خرج إلى مشهد الحسين (عليه السلام) فقد خرج إلى
ما دون المسافة، فلا يجوز له القصر؟ فإذا نوى العود إليه كان كما لو نوى العود إلى
بلده من دون مسافة القصر، فإذا عزم على السفر إلى مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام)
وجب عليه القصر بالشروع فيه).
لكنك خبير في أنه لا صراحة في كلامه ولا في كلام السائل في كون ذلك كان
في نية المقيم ابتداء الإقامة، بل ولا في أنه وقع منه ذلك في أثناء الإقامة، بل ظاهر
الجواب أنه بعد تمام الإقامة فتخرج حينئذ المسألة عما نحن فيه، وتندرج في المسألة
الأخرى التي اضطرب فيها كلام العلماء، بل ربما صنف فيها رسائل، وهي أن المقيم إذا
خرج إلى ما دون المسافة وقد قصد العود دون الإقامة فهل يقصر ذهابا وإيابا وفي المقصد
ومحل الإقامة أو يتم، وستسمع تمام البحث فيها عند تعرض المصنف لها، والظاهر أن
موضوعها تجدد قصد الخروج بعد نية الإقامة لا أنه كان ذلك في أثنائها، كما يومي إليه
تعليقهم الحكم فيها على المقيم وعزم الإقامة ونيتها ونحو ذلك، بل قد يشعر بعض كلماتهم
بكون وقوع ذلك بعد تمام الإقامة.
وكيف كان فهو غير ما نحن فيه، إذ المراد بشرطية الأمر المذكور إنما هو بالنسبة
إلى ابتداء نية الإقامة لا مطلقا حتى في الأثناء أو بعد الاتمام، ولذا ذهب غير واحد
ممن اعتبر الشرط المزبور هنا وبالغ في الانكار على من جوز التردد للمقيم فيما دون
306

المسافة إلى الاتمام في المسألة الآتية إما مطلقا أو في الذهاب والمقصد دون الإياب ومحل
الإقامة، لظنه أن ابتداء سفره يكون من المقصد، ومروره بمحل الإقامة لا يصلح للقطع
حال عدم نية الإقامة، فلا يشتبه عليك الحال في موضوع المسألتين كي يشكل عليك
الجمع بين اتفاقهم ظاهرا هنا على ما ذكرناه من الشرط المزبور ولم يحك الخلاف فيه إلا
عن الفخر في بعض الحواشي - بل صرح غير واحد بأنه لا ينبغي التعويل على هذه
النسبة، لعدم ثبوتها - وبين المعركة العظمى في المسألة الآتية التي قد عرفت أن موضوعها
من اتصف بوصف الإقامة والعزم عليها ثم بدا له الخروج إلى ما دون المسافة، لا أنه
كان ذلك من عزمه في ابتداء النية، فإنه لم يخالف أحد في عدم اعتبار مثل هذه الإقامة
إلا ما سمعته من تلك النسبة إلى الفخر والكاشاني والأستاذ الأكبر فيما حكي عنهما،
ولا ريب في ضعفه، لعدم صدق الإقامة في البلد على مثله عرفا قطعا، وعدم ثبوت
مشروعية نية الإقامة في البلد وما دون المسافة، ولذا صرح في المحكي عن المنتهى بأنه
لو عزم على إقامة طويلة في رستاق منه من قرية إلى قرية ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها
لم يبطل حكم سفره، إلى آخره، ودعوى تناول الاطلاقات لمثل ذلك واضحة المنع، ضرورة
انسياق غير ذلك منها إلى الذهن إن لم تكن صريحة فيه، واستصحاب القصر محكم.
نعم قد يقال بتناولها للبلاد الخارقة للمعتاد في الاتساع، وإن له نية الإقامة فيها
جميعها، فله التردد حينئذ في جميع جوانبها، ولا يتعين عليه نيتها في محلة منها كما صرح
به بعضهم، وتشهد له السيرة، بل قد يظهر من المحدث البحراني وغيره كونه من المسلمات
حيث أورده على حكمهم بابتداء السفر فيها بالمحلة، ومراعاة محل الترخص بالنسبة إليها
ذهابا وإيابا لا إلى البلد لكن لا يخفى أنه لازم لهم، ولعلهم يلتزمون بتعين نية الإقامة
أيضا في المحلة كما صرح به بعض مشايخنا وإن كان واضح البطلان، لاطلاق الأدلة،
بل قد يقال بعدم تعين نية الإقامة في المحلة فيما فرضناه سابقا من البلاد المنفصلة المحاليل
307

كاصبهان التي وافقناهم في اعتبار السفر فيها من المحلة فضلا عن غيرها، لتناول إطلاق
أدلة الإقامة لها بخلاف السفر، إلا أن الانصاف أنه لا يخلو من إشكال لأصالة عدم
المشروعية، والشك في تناول الاطلاق لمثله، وصيرورتها بالانفصال كالقرى المتعددة
وإن جمعها سور واحد، فالاحتياط لا ينبغي تركه.
كما أنه لا ينبغي تركه لو أراد نيتها في البادية القفرا التي لا حدود لها، فيقتصر
على المتيقن في صحة الإقامة فيه، ولا يتوسع في جعل الحدود، بل قد يرجح له الاحتياط
في أصل الإقامة في مثل ذلك، وإن كان الأظهر عدم الفرق في محل الإقامة بين الأمكنة
بعد علمه بالمكث في مكان واحد عشرة أيام كما يعطيه كلامهم في منتظر الرفقة، لكن
يحتمل قصر أدلتها على غير البادية القفرا ونحوها، والاقتصار في محلها على البلاد والقرية
ونحوهما مما هو محل جمع من الخلق، كما عساه يفهم من اللمعة في التردد إلى ثلاثين، بل
يكفي الشك في تناول الاطلاقات، والأصل عدم المشروعية، إذ هي وإن كانت من
أحكام الوضع إلا أنها أيضا شرعية متوقفة على دليل من الشارع، ويكفي في حسن
الاحتياط تحقق مثل هذا الاحتمال.
وعلى كل حال فالاستناد فيما نحن فيه إلى أنه ناوي الإقامة في البلد وما دون
المسافة منها فلا يضره التردد فيما نوى الإقامة فيه مما لا ينبغي الاصغاء إليه، كالاستناد إلى
أنه بنية الإقامة في البلد وصلاته تماما فيها ولو فريضة صارت كوطنه ومنزله كما صرح به في بعض
النصوص (1) ولا يقدح تردده فيما دون المسافة بالنسبة إلى منزله فكذا هنا، مضافا إلى
الاجماع المعلوم والمنقول على أن نية الإقامة قاطعة لحكم السفر، وأنه لا يقطع حكمها إلا
قصد سفر جديد، إذ هو كما ترى خروج عن محل النزاع الذي قد عرفت أنه عبارة عن
قصد ذلك حال النية لا أنه عزم على الإقامة وصلى تماما مثلا ثم بدا له الخروج إلى ما دون

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 10
308

المسافة، فإنه حينئذ من المسألة التي وعدناك بها، ودليل القائل بالتمام في الذهاب والإياب
والمقصد ومحل الإقامة ما سمعته من الدليل وغيره، كما أن دليل القائل بالقصر فيها مطلقا
أو في الإياب ومحل الإقامة خاصة إذا لم يكن من عزمه الإقامة فيه بعد أنه قصد حينئذ
مسافة وإن تخلل في أثنائها المرور بمحل الإقامة، فلا ينافيه حينئذ اتفاقهم على عدم قطع
حكم الإقامة إلا بقصد مسافة جديدة، وستسمع تمام البحث فيها عند تعرض المصنف لها.
فقول المستدل هنا أن محل الإقامة كالمنزل والوطن إن أراد به أنه كذلك وإن
كان في ابتداء نيته التردد فيما دون المسافة كان مصادرة محضة، ضرورة أنه فرع صحة
إقامته، والكلام فيها، وإن أراد أنه إذا لم يكن ذلك من نيته ابتداء إلا أنه قد بدا له
الخروج فهو خروج عن محل النزاع كما عرفت، بل الظاهر أنه كذلك حتى لو بدا له
بعد النية قبل الصلاة تماما، لعدم ظهور أثر تلك النية الذي يظهر من النصوص اعتباره
في حصول أحكامها، ولذا لو رجع إلى قصد السفر في هذا الحال عاد إلى التقصير، فكذا
لو أدخل في نيته التردد فيما دون المسافة قبل الصلاة تماما عاد إلى التقصير بناء على
ما قلناه من عدم صحة ذلك لو كان في الابتداء.
نعم الأولى في الاستدلال للمذهب المزبور بخبر محمد بن إبراهيم الحصيني (1)
قال: (استأمرت أبا جعفر (عليه السلام) في الاتمام والتقصير، قال: إذا دخلت الحرمين
فانو عشرة أيام وأتم الصلاة، فقلت له إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو
ثلاثة قال: انو مقام عشرة أيام وأتم الصلاة) ضرورة عدم تصور النية منه بعد لزوم
الخروج عليه لعرفات للحج قبل مضي العشرة إلا على المذهب المزبور من عدم قدح ذلك
في النية.

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 15 عن
محمد بن إبراهيم الحضيني
309

لكنك خبير بقصور سند الخبر المذكور عن إثبات الحكم المطور، خصوصا
بعد ما عرفت أنه لم يذهب إليه أحد هنا سوى من سمعت، وببناء الاستدلال به على منع
كون عرفات على أربعة فراسخ من مكة أو على عدم لزوم التقصير في الخروج لعرفات
لكون المسافة ثمانية أو أربعة مع الرجوع ليومه، فيتم حينئذ دلالته على ذلك، أما على
ما سمعته سابقا من كون المسافة أربعة مع قصد الرجوع ولو لغير يومه فلا يتجه الاستدلال
به، بل يجب حينئذ طرحه أو جعل ذلك من خواص مكة أو تأويله على التقادير
الثلاثة المقدمة، إذ من الواضح منافاته لنية الإقامة على كل حال، وكذا لو قلنا
بالتخيير بين القصر والاتمام مع عدم قصد الرجوع ليومه كما هو المشهور بين المتقدمين،
إذ القائل المزبور كلامه مختص بمجامعة نية الإقامة لقصد الخروج عما دون المسافة خاصة،
أما المسافة فلا ريب في منافاته لنية الإقامة، اللهم إلا أن يفرق بين المسافة الموجبة للقصر
وبين المخيرة، ويخص المنافاة بالأولى دون الثانية، فيجعلها كدون المسافة في ذلك
كما احتمله بعضهم بالنسبة إلى بطلان حكم الإقامة، بل عن الأستاذ الأكبر أنه بباله
عن بعض مشائخه أنه حكى ذلك عن العلامة، فلا يرجع المقيم حينئذ إلى التقصير لو بدا له
الخروج إلى المسافة التخييرية ثم عاد إلى محل الإقامة
ومنه ينقدح احتماله حينئذ فيما نحن فيه أيضا من عدم منافاة ذلك لو أخذه في
النية، ضرورة مساواته حينئذ لما دون المسافة، لكنه كما ترى كلام قشري وحديث
سوفسطائي.
وأما صحيح زرارة (1) عن الصادق (عليه السلام) (من قدم قبل التروية
بعشرة وجب عليه إتمام الصلاة، وهو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3 لكن عن أبي جعفر (عليه السلام)
310

عليه التقصير، فإذا زار البيت أتم الصلاة، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر)
وقريب منه آخر (1) على ما قيل، فلا دلالة فيه على ذلك، إذ الفرض أن نيته إقامة
العشرة تامة لقدومه قبل التروية بعشر، وتقصيره في خروجه إلى منى لبطلان حكم إقامته
بقصده المسافة لقضاء نسك عرفات، وفيه شهادة على كون المسافة أربعة وإن لم يرد
الرجوع ليومه، وعلى كونها محتمة للقصر لا مخيرة، اللهم إلا أن يقرر الاستدلال به
بأنه لا وجه لاتمامه في البيت عند رجوعه للزيارة بعد هدم إقامته الأولى إلا بأن يكون
قد نوى الإقامة فيه بعد الحج كما هو المعتاد على ما قيل، ولذا ترك التقييد به في النص،
وإتمامه حينئذ بمنى حتى ينفر لا يتم إلا إذا قلنا بعدم منافاة قصد مثل ذلك في ابتداء
الإقامة لها، لكنه كما ترى شك في شك وتأويل في تأويل فالأولى طرحه بالنسبة إلى
ذلك، أو حمله على خصوص مكة، أو على غير ذلك مما لا ينافي المختار، والله أعلم.
وكيف كان فالمراد بالعشرة التامة بلياليها عدا الليلة الأخيرة والأولى،
لتحقق الصدق بدونهما مع فرض حصول الإقامة بابتداء اليوم، سواء كان من طلوع
الفجر الثاني كما هو الصحيح أو من طلوع الشمس، فلا يجزي الناقص حينئذ ولو يسيرا
لعدم الصدق قطعا، فما يقال - من احتساب يوم الدخول والخروج كيف كان حتى لو
كان الأول قبل المغرب بساعة أو ساعتين، والثاني بعد طلوع الفجر كذلك أو إذا كان
الذاهب من الأول يسيرا والباقي من الثاني كذلك ضعيف جدا، والتسامح العرفي في
الاطلاق لا تحمل عليه الخطابات الشرعية، ضرورة عدم صيرورته حقيقة عرفية، إذ
بعض اليوم لا يسمى يوما قطعا، ولذا نفى الخلاف والاشكال في الحدائق كما قيل عن ذلك،
وإن كان قد حكى فيها عن بعض مشايخه أن المرجع في ذلك إلى العرف كباقي الأمور
الغير المحدودة في الشرع، ولا ريب في عدم اعتبار أهل العرف مثل الساعة والساعتين

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 19
311

في صدق ذلك، نعم لو كان دخوله عند الزوال وخروجه بعده بقليل لم تصدق العشرة
في العرف، بل عن الأستاذ الأكبر احتماله، بل قد يؤيده منع عد مثله من المسامحات
بل هو حقيقة عرفية للتركيب وإن كان اليوم حقيقة من طلوع الفجر الحقيقي إلا أنه
يصدق إقامة عشرة أيام (1) كعمل الأجير يوما من طلوع الشمس إلى المغرب فإنه يصدق
عليه حقيقة عمل يوم وإن كان لا يصدق عليه عمل في اليوم الحقيقي، ومثله مبيت ليلة وإن
لم يستوعبها من غروب الشمس إلى طلوع الفجر فتجزى به في مثل القسم ونحوه.
بل مثله ضربت زيدا وجرحته ورأيته ونحو ذلك من الأفعال التي لا تقع على
تمام المسمى فإن الأصح عدم المجازية باطلاق اسم الكل على البعض كما تخيل حتى ادعي
بسببه أن أكثر اللغة مجازات، وفيه أن ذلك وإن سلم في مثل رأيت زيدا وضربته
وجرحته ونحوها لصدق ضربه حقيقة وجرحه ورؤيته بوقوع الفعل على بعضه من غير
تجوز في لفظ زيد بإرادة ذلك منه، بل المراد منه معناه، وهو تلك الذات المشخصة إلا
أن ضربها و رؤيتها وجرحها يصدق عرفا بوقوع ذلك على بعضها لكنه ممنوع فيما
نحن فيه، ضرورة عدم صدق إقامة اليوم عرفا عند إرادة المداقة إلا مع استيعابه تماما
وإن أطلق على فائت الساعة والدقيقة فهو من مسامحات العرف وتنزيل الفائت
كالموجود باعتبار قيام الأغلب، كما يومي إليه اقتصارهم في هذا الاطلاق على ما إذا كان
الفائت مما يتسامح فيه، ولذا لم يجتز به في مثل العدة والاعتكاف والرضاع وأيام
الحيض ونحوها، مضافا إلى أصالة القصر في المقام التي ينبغي الاقتصار في الخروج منها
على المتيقن.
نعم الظاهر إجزاء الملفق للصدق العرفي، فلو نوى المقام عند الزوال كان منتهاه

(1) وفي النسخة الأصلية " عشرة يوم " والصحيح ما أثبتناه
312

زوال اليوم الحادي عشر كما صرح به غير واحد من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا
من غير المدارك، قال فيها: (وفي الاجتزاء باليوم الملفق من يومي الدخول والخروج
وجهان، أظهرهما العدم، لأن نصف اليوم لا يسمى يوما، فلا يتحقق إقامة العشرة التامة
وقد اعترف الأصحاب بعدم الاكتفاء بالتلفيق في أيام الاعتكاف وأيام العدة، والحكم
في الجميع واحد) وفيه أن ظاهر تعليله الأول يقضي بعدم التلفيق مما مضى بمعنى عدم
احتساب الناقص من يومي الدخول والخروج يومين كاملين، ولا كلام لنا فيه كما
عرفت، إنما الكلام في احتساب النصفين مثلا بيوم على معنى تلفيق الأول من الثاني
وهكذا حتى ينتهي، فتكسر حينئذ الأيام العشرة، وعدم الاجتزاء بمثله في الاعتكاف
والعدة لو كان فمن مانع خارجي من إجماع أو غيره.
لكن ومع ذا فالاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام إذا علم أن مقدار مكثه في
البلد ذلك لا غير لا ينبغي تركه، خصوصا بعد ما يحكى من توقف صاحب الحدائق فيه
أيضا لعدم النص، ومن استشكال العلامة في احتساب يومي الدخول والخروج أيضا
قال: (لأنهما من نهاية السفر وبدايته، لاشتغاله في الأول بأسباب الإقامة وفي الأخير
بالسفر، ومن صدق الإقامة واليومين) ثم احتمل التلفيق، وإن كان لا يخفى عليك ما في
التعليل الأول بل والثاني، إذ المدار على صدق إقامة العشرة لا الإقامة فيها كي يكتفي
بالإقامة في بعض يومي الدخول والخروج لصدق الإقامة في اليومين.
كما لا يخفى عليك ما في كلام الخراساني في كفايته حيث قال: (والظاهر أن
بعض اليوم لا يحسب بيوم كامل بل ملفق، فلو نوى المقام عند الزوال كان منتهاه زوال
اليوم الحادي عشر، وهل يشترط عشر غير يومي الدخول والخروج؟ فيه وجهان) ضرورة
عدم انطباق استفهامه أخيرا مع ما حكم به أولا من الاجتزاء بالتلفيق، ولا تلفيق من
الليل قطعا لعدم الصدق، ولذا صرح في المحكي عن نهاية الإحكام أنه لو دخل ليلا لم
يحتسب بقية الليل، وهو واضح، نعم لو نوى الإقامة من أول الليل وجب إتمام صلاة
313

تلك الليلة لصيرورتها زائدة على العشرة المنوية.
(و) بالجملة فمدار الاتمام العزم على إقامة العشرة لا (دونها) فإنه (يقصر)
حينئذ حتى لو كان خمسة فصاعدا إلى ما دون العشرة وفاقا للمشهور نقلا وتحصيلا، بل عن
الخلاف الاجماع عليه، وعن المنتهى أن عليه عامة أصحابنا، بل في المدارك أن رواية
الخمسة لا تعارض الاجماع والأخبار الكثيرة، بل قيل إن الاجماع ظاهر عبائر كثيرة
بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن أبي علي خاصة كما عن الذكرى الاعتراف به أيضا
فيتم لو نوى مقام خمسة ولا ريب في ضعفه للأصل والاجماع السابق المعتضد بتتبع
كلمات الأصحاب وتعليقهم الحكم على العشرة الذي كاد يكون صريحا في عدم اعتبار
الأقل، بل هو كذلك والنصوص الكثيرة التي هي كالصريحة أيضا في اعتبار العشرة
لا الأقل.
والخروج عن ذلك كله بحسن أبي أيوب (1) (سأل محمد بن مسلم أبا جعفر
(عليه السلام) وأنا أسمع عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام قال: فليتم الصلاة
فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما ثم ليتم، وإن أقام يوما أو صلاة
واحدة فقال له محمد بن مسلم: بلغني عنك أنك قد قلت خمسا قال: قد قلت ذلك قال
أبو أيوب: فقلت أنا: جعلت فداك يكون أقل من خمسة قال: لا) مخالف لأصول
المذهب وقوانين العلم، خصوصا بعد احتماله التقية عما يحكى عن ظاهر كلام الشافعي
ولرجوع الإشارة إلى الكلام السابق، وهو الاتمام عشرة، ولما عن الشيخ من تنزيله
على خصوص الحرمين، كما عن الأستاذ الأكبر موافقته في ذلك مستشهدا عليه بشواهد
منها خبر ابن مسلم (2) الآخر الذي ستسمعه، وهو لا يخلو من وجه، أو الاستحباب

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 12 - 16 لكن الأول عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 12 - 16 لكن الأول عن أبي عبد الله (عليه السلام)
314

وإن كان قد يناقش في أولهما بعدم اشتراط التمام فيهما بالخمسة إلا أن يحمل النهي على
إرادة بيان مرجوحية الاتمام في الناقص عنها، وفي ثانيهما بأنه لا وجه للاستحباب بعد
كون القصر عزيمة لا رخصة كما ستعرف، واحتمال إرادته إثبات التخيير بالخبر المزبور
وجعله أفضل فردي الواجب المخير يدفعه أنه قاصر عن إثبات ذلك أيضا، لقصوره
عن إثبات إلحاق الخمسة بالعشرة في تعين التمام، وإن حكي عن الذخيرة أنه استوجهه
تبعا للمحكي عن منتقى الجمان من أنه لولا قصور الخبر من جهة السند عن مقاومة ما دل
على اعتبار إقامة العشرة لما كان عن القول بالتخيير معدل، إلا أنك خبير بما في ذلك
فالأولى طرحه أو حمله على بعض ما عرفت مما لا يستلزم إثبات حكم جديد به، سيما
وأوله كالصريح في المشهور، بل فيه شهادة على ظهور مفهوم العدد هنا في نفي ثبوت
الحكم للناقص، فتأمل، والله أعلم.
(وإن) كان المسافر (قد تردد عزمه) وهو في البلاد مثلا فلم يعلم متى
خروجه غدا أو بعد غد (قصر ما بينه وبين شهر ثم يتم ولو صلاة واحدة) بلا خلاف
صريح أجده بين القدماء والمتأخرين كما اعترف به في الرياض، بل في المدارك وعن
الخلاف وظاهر المنتهى والذخيرة الاجماع عليه، وهو الحجة في قطع الأصل، وإطلاق
أدلة القصر في المسافر، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة إن لم تكن متواترة الصريحة في ذلك
كصحيح زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) المتقدم في أول البحث، وحسن ابن
مسلم (2) المتقدم آنفا وحسنه الآخر (3) قال: (سألته عن المسافر يقدم الأرض
فقال: إن حدثته نفسه أن يقيم عشرة فليتم، وإن قال: اليوم أخرج أو غدا أخرج
ولا يدري فليقصر ما بينه وبين شهر، فإن مضى شهر فليتم، ولا يتم في أقل من عشرة
إلا بمكة والمدينة، وإن أقام بمكة والمدينة خمسا فليتم) وخبر أبي بصير (4) قال:

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9 - 12 - 16 - 13
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9 - 12 - 16 - 13
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9 - 12 - 16 - 13
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9 - 12 - 16 - 13
315

قال أبو عبد الله (عليه السلام): (إذا عزم الرجل أن يقيم عشرا فعليه إتمام الصلاة، وإن
كان في شك لا يدري ما يقيم فيقول اليوم أو غدا فليقصر ما بينه وبين شهر، فإن
أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتم الصلاة) وصحيح ابن وهب (1) عنه (عليه
السلام) أيضا قال: (إذا دخلت بلدا وأنت تريد مقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين
تقدم، وإن أردت المقام دون العشرة فقصر، وإن أقمت تقول: غدا أخرج وبعد غد
ولم تجمع على عشرة فقصر ما بينك وبين شهر، فإذا تم الشهر فأتم الصلاة، قال: قلت:
دخلت بلدا أول يوم من رمضان ولست أدري أن أقيم عشرا قال: قصر وأفطر،
قلت: فإن مكثت كذلك أقول غدا أو بعد غد فأفطر الشهر كله وأقصر قال: نعم
هما واحد إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت) إلى غير ذلك.
وهي كغيرها ظاهرة أو صريحة في أن مدار الاتمام في ذلك على تمام الشهر
لا الأقل:، فما في خبر حنان (2) عن أبيه عن الباقر (عليه السلام) (إذا دخلت البلدة
فقلت: اليوم أخرج أو غدا أخرج فاستتممت عشرا فأتم) لا ينبغي الالتفات إليه.
نعم قيل إنه لا دلالة فيها على كون ذلك من القواطع للسفر بحيث يحتاج إلى العود
في التقصير مثلا إلى مسافة جديدة، ولذا لم يذكره الأصحاب هناك، بل ذكروه
في الأحكام واقتصروا فيها على الإقامة والوصول إلى البلد، ولا تلازم بين كونه فرضه
التمام بعد التردد شهرا وبين كونه قاطعا، ضرورة أن القاطعية أمر آخر شرعي يتوقف
على دليل خاص لا مدخلية للاتمام فيه، وإلا وجب عد المرور بأحد المواطن
الأربعة قاطعا أيضا.
وفيه ما عرفته سابقا، ونزيد هنا أنه لا يخفى على من لاحظ أدلة المقام اشتراك

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 17 - 14
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 17 - 14
316

الإقامة والشهر في النصوص المعتبرة بالنسبة إلى الحكم المزبور حتى في التنزيل منزلة
أهل البلد، كما في موثق إسحق بن عمار (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) المصرح بأن
المقيم إلى شهر بمنزلة أهل مكة، فاستفادة قاطعية الإقامة منها دون الشهر كأنه تحكم،
ودعوى اقتصار الأصحاب في القواطع على الأمرين وعد الشهر خاصة في الأحكام
يدفعها التتبع، فلا حظ وتأمل.
ثم إن تعليق الحكم في المتن على الشهر هو الموجود في أكثر النصوص وبعض
الفتاوى، بل قيل الأكثر كالمقنع وجمل العلم والمبسوط والخلاف والمراسم والوسيلة
والسرائر والمنتهى والبيان وغيرها، وعبر في النافع بالثلاثين يوما كغيره من العبارات
بل حكي عن النهاية وأكثر كتب المتأخرين، بل صرح الفاضل بأن العبرة بها لا بما
بين الهلالين وإن نقص عنها، وتبعه غيره، فلو كان ابتداء تردده حينئذ من أول
يوم من الشهر الهلالي إلى هلال الآخر واتفق نقصانه لم يتم في صلاته حتى يكمله من
الشهر الآخر، لأن لفظ الشهر وإن عبر به في كثير من النصوص إلا أنه هو إما مشترك
لفظي بين ما بين الهلالين والثلاثين، أو معنوي أو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر،
وعلى كل حال يجب إرادة الثلاثين منه هنا، بحسنة محمد بن مسلم (2) المتقدمة، فهي
إما بيان له أو تقييد أو قرينة تجوز، بل قد يقال بوجوب تنزيله على ذلك مع قطع
النظر عنها هنا، لندرة اتفاق وقوع التردد في أول الشهر الهلالي، فيحمل المطلق أو
المشترك على الفرد الغالب من وقوع التردد في غير أول الشهر، وقد قيل لا خلاف
حينئذ في اعتبار الثلاثين، وأنه لا يلفق هلاليا، فيبقى حينئذ تلك الصورة خاصة، وهي
ما إذا اتفق وقوع التردد في أول الشهر على مقتضى إطلاق أدلة القصر واستصحابه.

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11 - 12
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 11 - 12
317

وقد يناقش فيه بأنه بناء على اشتراك لفظ الشهر بينهما اشتراكا معنويا لم تصلح
الحسنة المزبورة لتقييده، ضرورة اقتضاء تعليق الحكم على الشهر الاجتزاء بكل من
فرديه لا على التخيير، بل على الاكتفاء بأيهما تحقق، وهما يمكن اجتماعهما وانفراد كل
منهما عن الآخر، ولا ينافيه الأمر بعد الثلاثين في الحسنة بعد تسليم الخصم كون
الغالب غير الصورة المذكورة المقتضي لخروج الأمر حينئذ مخرج الغالب، فلا ينافي ذلك
الاطلاق كي يجب حمله عليه وإبطال دلالته على ما عداه، مع أن من شرط حمل المطلق
على المقيد تحقق التعارض الموجب لذلك.
ودعوى أنه وإن لم نقل بتحكيم الحسنة المذكورة إلا أنه يجب صرف إطلاق
الشهر إلى الثلاثين لهذه الغلبة أيضا كما صرف إطلاق الأمر بالعد في الحسنة إلى ذلك،
وإلا لو أبقي على إطلاقه الشامل لما لو كان التردد من أول الشهر لم يكن إشكال في التقييد
يدفعها وضوح الفرق بين المقامين، ضرورة كفاية غلبة الوقوع في صرف الثاني، لأن
مرجعه إلى وجود حكمة لتخصيص الأمر بأحد الفردين، وهي تكفي فيه، خصوصا
مع اعتضادها بحكمة أخرى، وهي نفي احتمال التلفيق هلاليا لو كان التردد في غير الأول
بخلاف المطلق الأول الذي لا يجوز العدول عن مقتضى إطلاقه إلا في الأفراد النادر
إطلاقه عليها لا النادر وجودها، خصوصا إذا كان النادر اتفاق الفعل فيها لا هي، كما
إذا كان المطلق من أسماء الأزمنة نحو ما نحن فيه، على أن هذه الندرة إنما هي بملاحظة
كثرة مصاديق الأخر المقابل لها، وإلا فأول الشهر كثانيه، وثالثه ورابعه بالنسبة إلى
اتفاق التردد فيه.
نعم لما جعل الأول خاصة مقابلا لسائر تلك الأيام كان اتفاق وقوع التردد فيه
نادرا بالنسبة إليها جميعها.
وكذا يناقش لو كان الشهر حقيقة فيما بين الهلالين، إذ دعوى صرفه عن
318

حقيقته بالحسنة المزبورة ممنوعة، بل أقصاه استفادة كفاية الثلاثين منها، وهو لا ينافي
كفاية المعنى الحقيقي أيضا.
فمن ذلك كله يظهر لك أن ما عن مجمع البرهان من الاكتفاء بما بين الهلالين
وإن كان ناقصا لو اتفق وقوع التردد في أول الشهر وتعين الثلاثين لو كان التردد في
غيره لا يخلو من قوة، بل ربما يؤيده في الجملة عند التأمل زيادة على ذلك ما في صحيح ابن
وهب (1) السابق وإن كان الأحوط إن لم يكن الأقوى خلافه، وهو تعين الثلاثين
مطلقا لأصالة القصر وإطلاق أدلته، ولفظ الشهر وإن كان حقيقة في القدر المشترك
بينهما إلا أنه يجب صرف إطلاق الأمر بالتقصير فيما بينه وبينه إلى الغالب من وقوع
التردد في غير الأول، ولو نوقش في اقتضاء الغلبة المزبورة ذلك لكان مثله متوجها أيضا
في صرف إطلاق الأمر في الحسنة إلى ذلك، فإن لم يصرفا كان إطلاقها محكما على
إطلاق الشهر، وإن صرفا معا بقي ما بين الهلالين مح فرض نقصانه على أصالة
القصر، فتأمل جيدا.
ولا فرق على الظاهر في محل التردد بين البلد والقرية ونحوهما وبين المفازة كما
صرح به بعضهم، بل هو صريح الأكثر أو الجميع في منتظر الرفقة على رأس المسافة
أو دونها فوق محل الترخص مع جزمه بالسفر، فضلا عن إطلاق المتن ونحوه وعده فردا
مساوقا للإقامة كالنصوص، فما في الدروس واللمعة من التقييد بالمصر منزل على إرادة
مطلق المكان المعين، كتنزيل ما عساه ينساق من النصوص من كون المحل غير المفازة
بقرينة ذكر الخروج والدخول ونحوهما على الغالب أو المثال لا الشرطية، بل لعل الثاني
هو المتعين بقرينة فهم الأصحاب، فلا جهة حينئذ لما يقال من أنه بعد تنزيل ما في

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 17
319

النصوص على الغالب تبقى صورة المفازة حينئذ على مقتضى أصالة القصر وإطلاق أدلته
مع احتمال كون المراد من التنزيل على الغالب إلغاء خصوص المفازة والعمل على مقتضى
ذلك الاطلاق المقيد به، فتأمل.
فالمسافر حينئذ الذي عرض له في أثناء سفره ما يقتضي تعطيله من عدو وغيره
حتى مضى عليه الثلاثون متوقعا زواله كما يتفق في طريق الحج في مثل زماننا يتم ولا يقصر
إلا أنه ومع ذلك فالاحتياط الذي ذكرناه في محل الإقامة آت هنا أيضا.
وكذا لا فرق بعد بلوغ المسافة بين أن يكون تردده في وقت مضيه في سفره أو
في إبطاله والرجوع إلى محله، لاطلاق الأدلة، نعم قد يقال إن ظاهرها إن لم يكن
صريحها كالفتاوى في اعتبار كون التردد المزبور وهو مقيم في مكان واحد، أما لو كان
ذلك منه وهو يسير في سفره فلا إتمام، بل يبقى على التقصير وإن نظر فيه الشهيدان
على ما قيل، إلا أن الأقوى ذلك، لأصالة القصر وإطلاق أدلته الذين يجب الاقتصار
في الخروج عنهما على المتيقن.
نعم لو كان ذلك منه قبل بلوغ المسافة فقطعها على التردد أتم لا لمضي الثلاثين
بل لعدم الاستمرار على قصد المسافة الذي هو شرط كما عرفت.
وهل يعتبر الوحدة في محل التردد بحيث يقدح فيه الخروج عنه إلى ما كان دون
المسافة عنه حتى لو كان من قصده الرجوع ليومه أو ليلته؟ إشكال أقواه ذلك،
اقتصارا على المتيقن أيضا، إلا أنه يقدح فيه مطلق الخروج حتى لمحل الترخص ونحوه
مما لا ينافي صدق أسم الوحدة عرفا، ومثله البلاد المتسعة على حسب ما سمعته في
نية الإقامة.
ومنه حينئذ يظهر ما في الروض، قال: (وهل من التردد ثلاثين يوما ما يتردده
إلى دون المسافة أو يسلكه من غير قصدها وإن بلغها نظر، من وجود حقيقة السفر
320

فلا يضر التردد، ومن اختلال القصد، وتوقف في الذكرى) انتهى.
والمراد بالتردد في المتن وغيره عدم العزم على الإقامة، فيندرج فيه العازم على
السفر غدا مثلا فحصل له مانع على ذلك حتى مضى له الثلاثون، كما لا يخفى على من
لاحظ النصوص في المقام بل والفتاوى مع التأمل التام.
(ولو نوى الإقامة ثم بدا له) فعدل عنها قبل أن يصلي فريضة تماما (رجع
إلى التقصير) لأصالته التي ينبغي الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن الذي هو غير
المفروض قطعا، خصوصا بعد ملاحظة نفي الخلاف فيه من الرياض وعن الذخيرة
والحدائق، بل الاجماع من المدارك وعن المصابيح عليه (و) على أنه (لو صلى صلاة
واحدة بنية الاتمام لم يرجع) كنفي الخلاف فيه أيضا، بل في الرياض أن عليه الاجماع
في عبارة جماعة، بل لا يبعد تحصيل الاجماع عليه، لأنه كما في مفتاح الكرامة لم يختلف
فيه اثنان، مضافا إلى الصحيح (1) عن أبي ولاد الحناط قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام فأتم الصلاة ثم
بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟ فقال إن كنت دخلت المدينة وصليت
بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج عنها، وإن كنت دخلتها
على نيتك المقام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت
في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا وأتم، وإن لم تنو المقام فقصر
ما بينك وبين شهر، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة).
نعم قيل قد يظهر الخلاف في الأول من المبسوط حيث اكتفى في ظاهر بعض
عباراته بالنية، إلا أنه يجب تنزيله على الصلاة تماما بعدها بقرينة تصريحه بعد ذلك
بعين ما في المتن، على أنه على تقدير خلافه محجوج بما عرفت، فلا يلتفت إليه، كما أنه

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
321

لا يلتفت أيضا إلى خبر الجعفري (1) المتضمن للأمر بالعود إلى التقصير بعد الصلاة تماما
لأنه مخالف للصحيح المجمع على العمل به في ذلك الذي قد أمرنا بطرح المعارض له.
إنما الكلام في إرادة الكناية بالصلاة تماما فيه عن مطلق الشروع في عمل
مشروط صحته بالإقامة من صلاة نافلة أو الدخول في صوم ونحوهما، أو أنه كناية عن
ذلك لكن إذا أتم (تم خ ل) أو وصل فيه إلى حد لا يجوز له إبطاله لو كان مقيما
كالصوم بعد الزوال، أوليس كناية عن شئ من ذلك بل المدار على خصوص إكمال
الفريضة تماما حتى أنه لا يجدي فيه لو وصل في الفريضة إلى ركوع الثالثة أو الرابعة أو
قبل التسليم ثم عدل عن الإقامة وجوه بل أقوال أقواها وفاقا للمدارك والرياض
وغيرهما الأخير إن لم يثبت إجماع على خلافه، والظاهر أنه كذلك وإن حكاه عليه
العلامة الطباطبائي في ظاهر مصابيحه أو صريحها، لكنه محل للنظر بل للمنع، فيتعين
القول به حينئذ، لاطلاق الصحيح المزبور الحاكم على إطلاق ما دل على كفاية نية
الإقامة لو كان، ودعوى إرادة ما سمعت من الصلاة تماما فيه يدفعها أنه لا شاهد لها
بعد حرمة القياس من إجماع أو فهم عرفي أو غيرهما.
وما يقال في توجيه الثاني من أنه لو فرض أن هذا الصائم سافر بعد الزوال
فلا يخلو إما أن يوجب عليه الافطار أو إتمام الصوم لا سبيل إلى الأول للأخبار
الصحيحة المتضمنة لوجوب المضي في الصوم الشاملة باطلاقها أو عمومها لهذا الفرد فيتعين
الثاني وحينئذ فلا يخلو إما أن يحكم بانقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال
وقبل الخروج أو لا؟ لا سبيل إلى الأول لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغير
نية الإقامة، وهو غير جائز إجماعا إلا ما استثني من الصوم المنذور على وجه

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
322

وما ماثله، وليس هذا منه، فيثبت الأخير، وهو عدم انقطاع نية الإقامة
بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر بالفعل حينئذ أم لم يسافر، إذ لا مدخل للسفر
في صحة الصوم وتحقق الإقامة، بل حقه أن يتحقق عدمها، وقد عرفت عدم تأثيره
فيها، أما إذا لم يسافر بقي على التمام إلى أن يخرج إلى المسافة، وهو المطلوب.
يدفعه - مع أن مساقه الاكتفاء بمطلق الشروع في الصوم الذي لا يصح وقوعه
سفرا وإن عدل قبل زوال الشمس، ولا ريب في ضعفه، لعدم الدليل إلا القياس المحرم،
على أنه مع الفارق، وإن اختاره في القواعد والمقاصد العلية وظاهر المسالك والمقدس
البغدادي وعن التذكرة والتحرير ونهاية الإحكام والموجز وغاية المرام وإرشاد الجعفرية
بل اعترف به ذلك المستدل نفسه، قال وبطلانه بنفس السفر لا يستلزم بطلانه بالرجوع
عن نية الإقامة، مضافا إلى النهي عن إبطال العمل) إلى آخره، بل ربما حكي عن
فخر الاسلام أيضا، لكن عن إيضاحه والذكرى والبيان وكشف الالتباس والجعفرية
أن فيه وجهين كالتنقيح، بل والدروس حيث قال: فيه نظر - أنه لا مانع من اختيار
الأول بقصور النصوص المتضمنة وجوب المضي في الصوم بعد الزوال عن تناول مثل
ذلك، ضرورة صراحة بعضها وظهور الآخر في المسافر من موضع يلزمه فيه الاتمام
الذي هو في المقام محل النزاع، ودعوى أن الظاهر كونه مجمعا عليه ممكنة المنع، بل
والثاني أيضا، ولا يستلزم عدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها في هذا الحال، إذ يمكن
دعوى عدم البأس في وقوع الصوم الواجب في السفر إذا حصل إلى الزوال حال الإقامة
لعدم الدليل على منعه، بل هو كالمسافر من منزله بعد الزوال الذي لم يبق له حكم
المنزل في باقي الزمان مع وجوب الصوم، وتلازم الصوم والاتمام المستفاد من تلازم
القصر والافطار يمكن تخصيصه باطلاق الصحيح المزبور الدال على رجوعه إلى القصر
323

ما لم يصل فريضة تماما، وليس العكس أولى منه، بل هو أولى، هذا.
وأنت خبير أن من مقومات الدليل المزبور فرض السفر بعد الزوال، فلا وجه
لدعوى اقتضاء الدليل المسطور التعميم لمطلق الشروع فيه، كما ذكره المستدل المذكور
وذكرناه نحن أولا جريا على مذاقه، وبالجملة إلحاق الصوم بالفريضة في ذلك لا يخلو
من نظر أو منع، سواء كان العدول قبله أو بعده. وإن كان الثاني أقرب، والاحتياط
بالجمع لا ينبغي تركه فيه، بل وفي كل مقام قد عمل فيه بعض الأعمال المتوقف جوازها
على الإقامة كما سمعته من الوجه الأول، بل قد يتأكد الاحتياط فيما إذا لم يعمل أصلا
إلا أن الإقامة قد ترتب أثرها في الفريضة، كما لو ترك الصلاة في تمام الوقت على وجه
يثبت قضاؤها عليه تماما ثم عدل، فإنه قد صرح غير واحد من الأصحاب بوجوب التمام
عليه حينئذ معللين له باستقرار إتمام الفائت في الذمة، فهو كم صلى تماما من غير فرق
بين التارك عمدا أو نسيانا.
والمناقشة فيه بمنع وجوب قضائها تماما مع فرض عدوله قبل قضائها - نعم هو
متجه لو قضاها خارج الوقت تماما ثم عدل لظهور تناول النص حينئذ له - يدفعها معلومية
وجوب قضاء الفائت كما فات، وقد فات تماما قطعا فيجب قضاؤها كذلك، وكذا
المناقشة بأنه لو أريد من أثر النية ما يشمل ذلك لاتجه القول بوجوب الاتمام حتى لو
رجع قبل خروج الوقت (1)، لأنه بمجرد النية صار حكمه الاتمام بحيث لو كان في ذلك
الوقت فرض حاضر لصلاه تماما، وكفى في ذلك تأثيرا، إذ هو كتأثير القضاء، إذ
لا يخفى عليك تفاوت المقامين، فإن التأثير في هذا تقديري بخلافه في القضاء فإنه
تحقيقي، بل هو غير التأثير لو فرض دخول الوقت عليه حال نية المقام بحيث خوطب

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الظاهر " قبل دخول الوقت ".
324

إلى القرية الواقعة في الأثناء، ويكون حاصل المراد بالرواية أن المسافر يقصر ويفطر
إلا في ثلاثة مواضع: التابع للسلطان الجائر، لأنه سفر معصية، وقاصد للصيد لللهو،
ومريد السفر إلى قريته وإن كان سفره بالذهاب والإياب ليومه يبلغ البريدين ومسيرة
يوم، لانقطاع سفره بالوصول إلى القرية، ولولاه لكان فرضه التقصير، وفيه - مع أنه
محتاج في انطباقه على الأحكام المعلومة بين الأصحاب إلى تقييدات كثيرة، وفي صحته
بالنسبة إلى ما نحن فيه إلى تجشمات عديدة طويناها مخافة التطويل من غير طائل - أنه
لا يكاد يظهر منه ظهورا معتبرا في استفادة الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية اعتبار
الرجوع ليومه على وجه يكون شرطا لوجوب القصر، كما لا يخفى على من مارس النصوص
وراعى الانصاف، وإن أطنب العلامة الطباطبائي في مصابيحه في بيان ذلك، وادعى
ظهوره في ذلك، لكنه كما ترى، فتأمل.
ومنها ما عن البحار عن شرح السنة للحسين بن مسعود أنه ذهب قوم إلى إباحة
القصر في السفر القصير، روي عن علي (عليه السلام) (1) (أنه خرج إلى النخيلة
فصلى بهم الظهر ركعتين ثم رجع من يومه) ولا يقدح فيه الارسال بعد الانجبار،
ولا أنه من طرق العامة، إذ هو - مع أن راويه ابن مسعود منهم المعتبر في النقل بيننا
كما يومي إليه الاعتماد على كتبه في التواريخ والسير - منجبر أيضا بما عرفت، ولا بأس
في الموافق لفتاوى الأصحاب ولو كان من طرقهم، خصوصا إذا كان مخالفا لما عندهم،
على أنه ورد الأمر (2) بما يروونه عن علي (عليه السلام)، نعم قد يخدشه أنه لم
يثبت كون النخيلة على بريد من الكوفة مثلا كي يكون من المسافة التلفيقية، بل قد
يشهد ما قيل من أنها معسكر الكوفة، وأنه خرج (عليه السلام) يوما إليها راجلا لما غضب

(1) البحار ج 18 ص 686 من طبعة الكمباني
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب صفات القاضي الحديث 46 من كتاب القضاء
325

لكن قد يناقش فيه بما عن مجمع البرهان من أن الظاهر صحة هذه الصلاة
وعدم الإعادة مطلقا، وعدم ضرر تلك النية، لعدم وقوع الفعل كله على ذلك الوجه
مع حصول قصد ما للاتمام، فليس بأنقص من صور العدول، وجعل العصر مكان الظهر
والقياس على المقصر لو صلى تماما ليس بسديد.
ويدفع بأن الأصل الفساد في جميع الصور لعدم النية إلا ما دل عليه الدليل، إلى
غير ذلك من الفروع المذكورة، وقد عرفت وجه البحث فيها.
واحتمال أن الإقامة أمر شرعي فكل ما شك في اعتباره فيها فهو معتبر يدفعه
أن المرجع فيها إلى إطلاق الأدلة السابقة إلا أنه ومع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي
تركه، خصوصا مع إشعار قوله (عليه السلام) في الصحيح (1) السابق (وإن شئت
فانو المقام عشرا وأتم) بكون التمام لنية المقام لا لشرف البقعة مثلا كالفتاوى، بل
ربما قيل بعدم اعتباره لو وقع التمام منه ذاهلا غير ملاحظ نية الإقامة وإن كان لا يخلو
من نظر بناء على عدم وجوب إعادة مثل هذه الصلاة عليه، لأنه بنية الإقامة صار
بمنزلة من وجب عليه الاتمام لنفسه. ولا يجب عليه ملاحظة السبب، ومن ذلك ينقدح
النظر أيضا في بعض الصور السابقة، اللهم إلا أن يقال إنه وإن لم تجب عليه لكن
الكلام في تحقق شرط تأثير الإقامة بحيث لا يرجع إلى التقصير لو رجع عنها، وكونه
مجرد وقوع الصلاة تماما صحيحة وإن لم يلاحظ السبب أول البحث، لكنه كما
ترى، فتأمل.
نعم لا ينبغي التأمل في الرجوع إلى القصر لو لم يصل حتى خرج الوقت لعذر
مسقط للقضاء كما في الاغماء والجنون والحيض المستوعبة للوقت (2) لعدم تأثير نية

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(2) في النسخة الأصلية " للقضاء " ولكن الصحيح ما أثبتناه
326

الإقامة حينئذ، ولذا نفى الاشكال عنه بعضهم، ونسبه إلى الأصحاب آخر، بل في
مفتاح الكرامة أنهم حكموا بالرجوع قولا واحدا، ومنه يعلم حينئذ قصور إطلاق
ما دل على تحقق الإقامة بالعزم والنية عن تناول مثل ذلك، فتأمل جيدا.
ثم إنه هل يعتبر بقاء مسافة أو قصدها في رجوعه إلى التقصير عند رجوعه عن
الإقامة قبل فعل الصلاة تماما أو أنه يكفي فيه السفر الأول الظاهر الثاني، لعدم تأثير
نية الإقامة في قطع السفر إذا رجع عنها قبل فعل الصلاة تماما، ولاطلاق النص والفتوى
ولقد أجاد الأردبيلي فيما حكي عنه من أني لا أجد وجها للتردد في ذلك بعد إطلاق
خبر أبي ولاد (1).
لكن ومع ذلك فقد احتمل في الروض اشتراط بقاء مسافة تمسكا باطلاق
النص والفتوى بأن نية الإقامة من القواطع للسفر فيبطل حكم ما سبق بمجرد النية وإن
لم يصل تماما، كما لو وصل إلى وطنه، وربما أيد بأنه لا منافاة في إطلاق خبر أبي ولاد
لذلك، لظهور أن السائل كوفي ويريد السفر إلى الكوفة، ولذا أطلق فيه القصر عند
الرجوع، كاطلاقه ذلك بعد الخروج إذا صلى تماما، إذ لا بد حينئذ من المسافة
باعتراف الخصم.
إلا أنه لا يخفى عليك ضعف الاحتمال من أصله بل غرابته، ضرورة إرادة
كون الإقامة من القواطع إذا لم يرجع عنها قبل الصلاة تماما لا معه، كما هو واضح،
نعم لا بد في القصر من بقاء مسافة لو أن عدوله كان بعد أن صلى فريضة تماما، لأنه
حينئذ بمنزلة من أراد المسافرة بعد إتمام الإقامة لا في الفرض المزبور، على أن المتجه
عليه توقف التقصير على الشروع في المسافة لا أنه يكتفى في التقصير في البلد عند الرجوع

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
327

عن الإقامة بمجرد كون الباقي مسافة كما هو ظاهر الخصم.
ولو نوى الإقامة في أثناء الصلاة وأتمها ثم رجع عن الإقامة بعد الفراغ ففي عوده
إلى التقصير وعدمه وجهان، ينشئان من ظهور النص في اعتبار افتتاح الصلاة على التمام،
ومن تحقق أثر الإقامة الذي هو الاتيان بالركعتين الأخيرتين، وإلا فالركعتان
الأولتان مرادة منه على كل حال، أقواهما الثاني، نعم لا ينبغي التأمل في ظهور النص
والفتوى في اعتبار كون تمام الفريضة مما تؤثره الإقامة، فلا يجزي وقوع التامة منه على
كل حال كالصبح والمغرب، فما عن بعضهم من احتمال الاكتفاء بذلك غلط قطعا.
وكذا ما يحكى عن الشيخ وأتباعه من الاكتفاء بمجرد شروعه في الصلاة على
وجه التمام وإن عدل في الركعة الأولى أو الثانية، ضرورة مخالفته لظهور النص في اعتبار
الفراغ من الفريضة المفتتحة على التمام، بل قد يدعى ظهوره في عدم الاجتزاء حتى لو
ركع للثالثة أو الرابعة بل قبل السلام بناء على توقف التمام عليه، وإن كان الاكتفاء
بمجرد ركوع الثالثة أو القيام له لا يخلو من وجه عرفته فيما تقدم من الاكتفاء بمجرد
تحقق أثر الإقامة كما سبق البحث فيه مفصلا، والانصاف المحافظة على الاحتياط في
أكثر هذه الصور لما سمعت، والله أعلم.
بقي شئ وهو أن الظاهر كون ذلك كله في الرجوع قبل العشرة، أما إذا أتمها
ولم يكن قد صلى تماما لعذر مسقط للتكليف بالقضاء كالحيض مثلا فقد يقال بوجوب
التمام عليه وإن لم يكن من نيته إقامة عشرة أيام، بصدق إقامة العشر منوية الموجب
للتمام، واعتبار فعل الصلاة تماما إنما هو في الرجوع قبلها، وإن كان قد يحتمل ذلك
حتى لو أقام العشرة أيضا، فتأمل جيدا والله العالم.
328

هذا كله في الشرائط
(وأما) البحث في (القصر) نفسه (ف‍) لا ريب في
(أنه) في محله من الرباعية مثلا (عزيمة) لا رخصة بلا خلاف، بل هو مجمع عليه نقلا
وتحصيلا، بل لعله من الضروريات، والنصوص (1) ظاهرة وصريحة فيه، سيما صحيح
زرارة والحلبي (2) المشتمل على التصريح بإرادة الوجوب من رفع الجناح في الآية (3)
مستدلا عليه بآية الحج (4) فلا جهة حينئذ للبحث في ذلك، وأن الأمر به في مقام توهم
الحظر، ولدفع مشقة السفر، وأن ليس في الآية إلا رفع الجناح، نعم هو عزيمة (إلا
أن يكون المسافة) دون الثمانية (أربعا) أو زائدا عليها (ولم يرد الرجوع ليومه)
أو ليلته، فإنه حينئذ يتخير بين القصر والاتمام (على قول) مشهور بين القدماء قد
تقدم البحث فيه سابقا، وإلا أن يكون قد سافر بعد دخول الوقت وتجاوز محل الترخص
فإنه حينئذ يتخير بينهما على قول محكي عن خلاف الشيخ، والاتمام أفضل،
وستعرف
الحال فيه (أو) يكون المسافر (في أحد المواطن الأربعة مكة والمدينة ومسجد الجامع
بالكوفة والحاير، فإنه مخير، والاتمام أفضل) على المشهور بين الأصحاب نقلا في
المختلف والمصابيح وغيرهما، وتحصيلا، بل في ظاهر الروض وعن التذكرة والذكرى
وفي صريح السرائر وعن الخلاف الاجماع عليه، بل في الوسائل (لأنه مذهب جميع
الإمامية أو أكثرهم، وخلاف الصدوق شاذ نادر) إلى آخره، إلى غير ذلك من عبارات
الأصحاب الظاهرة أو الصريحة في معلومية الحكم بين الطائفة التي يشهد لها التتبع أيضا،
فإني لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض إلا من ظاهر الصدوق أو صريحه، فمنع

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب صلاة المسافر
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 وهو صحيح
زرارة ومحمد بن مسلم.
(3) سورة النساء، الآية 102
(4) سورة البقرة، الآية 153
329

من الاتمام إلا مع نية المقام، وإن استحب له نيتها في هذه المواضع لشرفها، ومن
المرتضى وابن الجنيد في ظاهر المحكي عنهما من نفي التقصير ووجوب الاتمام مع إمكان
إرادتهما نفي تحتمه كما احتمله الشهيد، بل يؤيده حصر غير واحد الخلاف في الصدوق،
بل في المختلف المشهور استحباب الاتمام، واختاره الشيخ والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وابن حمزة، بل عن المصنف والمنتهى التصريح بنسبة التخيير المزبور إلى الثلاثة
وأتباعهم، وأن خلافه إنما هو في طرد الحكم في باقي قبور الأئمة (عليهم السلام) بل
يمكن تأويل عبارة الصدوق بإرادة المنع من وجوب الاتمام، فتخرج المسألة حينئذ عن
الخلافيات، وتندرج في الوفاقيات، أو الاحتياط له من جهة ظهور بعض الأدلة في
وجوب التقصير بأن ينوي المقام ويتم أو يقصر. كما وقع في مهذب القاضي، فإنه بعد
أن ذكر استحباب الاتمام قال: والتقصير هو الأصل، والعمل به في هذه المواضع
وغيرها أحوط.
لكن ومع ذلك كله فاختار العلامة الطباطبائي وجوب التقصير تبعا للمحكي
عن الفاضل البهبهاني، بل ادعى أنه المشهور بين متقدمي الأصحاب، ولعله أخذه مما
يحكى عن الشيخ الجليل ابن قولويه في كامل الزيارة حيث روى عن أبيه عن سعد بن
عبد الله (1) قال: (سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة
والمدينة والكوفة وقبر الحسين (عليه السلام) والذي روي فيها فقال أنا أقصر
وكان صفوان يقصر، وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصرون) إلى آخره. ومما
في مكاتبة علي بن مهزيار (2) إلى أبي جعفر (عليه السلام): (ولم أزل على الاتمام
إلى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا. فإن فقهاء أصحابنا أشاروا علي بالتقصير إذا

(1) المستدرك الباب 18 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4
330

كنت لا أنوي مقام عشرة).
لكن فيه أنه لا صراحة في كل منهما بوجوب التقصير، بل ولا ظهور، إذ
أقصاه الفعل من الأولين والإشارة من الآخرين، بل قد يشعر استمرار ابن مهزيار
في تلك المدة على التمام، مع جلالة قدره وغزارة فضله ولفظ الشور فيه بمعروفية التخيير
في ذلك الزمان.
ومع الاغضاء عن ذلك كله فلا ريب في عدم تعين القصر، لاستفاضة النصوص
بخلافه حتى كادت تكون متواترة إذ هي خمس وعشرون رواية، وفيها الصحيح والموثق
وغيرهما مما هو منجبر بما عرفت، والمروي في المجامع العظام وغيره مع اختلاف دلالتها
على المطلوب ففي بعضها (1) إن من الأمر المذخور ومن مخزون علم الله الاتمام في الأربع
أو في الحرمين، وإن أبي كان يرى لهما ما لا يراه لغيرهما، والظاهر إرادة كون سر
الاتمام فيها وحكمته من الأمور المحجوبة التي لا يطلع عليها إلا الله والراسخون في العلم
أو أن الاتمام فيها من الأمور المذخور ثوابها والمخزون أجرها، وفي جملة أخرى (2)
منها (تتم الصلاة في أربعة مواطن أو ثلاثة).
وفي جملة ثالثة (3) منها (أتم الصلاة فيها) بل في صحيح ابن الحجاج (4)
وموثق ابن عيسى (5) (أتم وإن لم تصل فيها إلا صلاة واحدة) كخبر قائد الخياط (6)
المروي عن كامل الزيارة (أتم بالحرمين ولو مررت بهما مارا) وخبر أبي شبل (7)
المروي في الكافي والتهذيب (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أزور قبر الحسين (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 و 2
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14 و 22 و 23 و 25
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 12 و 13 و 21 و 30
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 17 - 31 - 12
(5) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 17 - 31 - 12
(6) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 17 - 31 - 12
(7) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 17 - 31 - 12
331

قال: نعم زر الطيب وأتم الصلاة، فقلت: فإن بعض أصحابنا يرون التقصير قال: إنما
يفعل ذلك الضعفة) وفي خبر زياد القندي (1) قال أبو الحسن (عليه السلام):
(يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، أتم الصلاة في
الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين (عليه السلام)) ونحوه خبر آخر (2) بل في مكاتبة إبراهيم
ابن شعيب إلى أبي جعفر (عليه السلام) (3) يسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين، فكتب
(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما
وأتم) وفي صحيح ابن مهزيار (4) (كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أن
الرواية قد اختلفت عن آبائك في الاتمام والتقصير في الحرمين، فمنها بأن تتم الصلاة
ولو صلاة واحدة، ومنها أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام، ولم أزل على الاتمام
فيهما إلى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا، فإن فقهاء أصحابنا قد أشاروا علي بالتقصير
إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام، فصرت إلى التقصير، وقد ضقت بذلك حتى
أعرف رأيك، فكتب إلي بخطه قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على
غيرهما، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة، فقلت له
بعد ذلك بسنتين مشافهة: إني كتبت إليك بكذا فأجبت بكذا فقال: نعم فقلت: أي
شئ تعني بالحرمين؟ فقال: مكة والمدينة).
وفي جملة رابعة التصريح بالتخيير، كصحيح ابن يقطين (5) عن أبي الحسن (عليه السلام)
في الصلاة بمكة، قال: (من شاء أتم ومن شاء قصر) وخبره الآخر (6) المروي في

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 13 - 21
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 13 - 21
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 18 - 4 - 10 - 19 لكن روى الأول عن إبراهيم بن شيبة وهو الصحيح
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 3.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 3.
332

الكافي والتهذيبين (سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن التقصير بمكة فقال: أتم وليس بواجب
إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي) وخبر صالح بن عبد الله الخثعمي المروي (1) عن
قرب الإسناد، قال: (كتبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) أسأله عن الصلاة
في المسجدين أقصر أم أتم فكتب إلي أي ذلك فعلت فلا بأس، قال: فسألت
أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عنها مشافهة فأجابني مثل ما أجابني أبوه (عليه السلام) إلا أنه قال
في الصلاة قصر) وخبر الحسين بن المختار (2) عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: (قلت: إنا
إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر قال: إن قصرت فذلك، وإن أتممت فهو خير
تزداد) وخبر عمران بن حمران (3) (قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أقصر في
المسجد الحرام قال: إن قصرت فذلك، وإن أتممت خير، وزيادة الخير خير)
وصحيح ابن الحجاج (4) قلت: (لأبي الحسن (عليه السلام) إن هشاما روى عنك
أنك أمرته بالتمام في الحرمين، وذلك من أجل الناس، قال: لا كنت أنا ومن مضى
من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس).
وهذه النصوص مع اعتبار أسانيد جملة منها واستفاضتها أو تواترها منجبرة بما
عرفت من الشهرة التي كادت تكون إجماعا، بل قد عرفت دعواه ممن سبق، ولا دلالة
في الأمر بالتمام في بعضها على تعيينه بعد أن عرفت عدم القائل إلا ما عساه توهم من
المرتضى وابن الجنيد، وبعد كونه في مقام توهم الحظر، لمعروفية وجوب القصر على
المسافر، وبعد تصريح تلك الأخبار بالتخيير، وكونه أفضل الفردين.
كما أنه لا بأس بحمل الأمر بالقصر الواقع في جملة من النصوص الذي بسببه

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 28 - 16 - 11 - 6
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 28 - 16 - 11 - 6
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 28 - 16 - 11 - 6
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 28 - 16 - 11 - 6
333

اختار بعضهم القول بتعينه هنا على إرادة بيان أحد الفردين، أو لمصلحة تتعلق في
خصوص السائل أو لغير ذلك، مع أنه في أكثرها في خصوص الحرمين كما ستعرف،
فمنها صحيح ابن بزيع (1) (سألت الرضا (عليه السلام) عن الصلاة بمكة والمدينة
تقصير أو إتمام فقال: قصر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام) مع احتمال إرادة البلدين
أو نواحيها كغيره من بعض ما سمعته بناء على قصر الرخصة على المسجدين أو مع البلدين
وصحيح معاوية بن عمار (2) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قدم
مكة فأقام على إحرامه قال: فليقصر الصلاة ما دام محرما) وخبر محمد بن إبراهيم
الحصيني (3) (استأمرت أبا جعفر (عليه السلام) في الاتمام والتقصير قال: إذا
دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة، قلت إني أقدم مكة قبل التروية بيوم
أو يومين أو ثلاثة قال: انو مقام عشرة وأتم الصلاة).
وخبر عمار بن موسى الساباطي (4) المروي عن كامل الزيارات (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الحائر قال: ليس الصلاة إلا الفرض بالتقصير
فلا تصل النوافل).
وخبر علي بن حديد (5) (سألت الرضا (عليه السلام) فقلت: إن أصحابنا
قد اختلفوا في الحرمين، فبعضهم يقصر، وبعضهم يتم وأنا ممن يتم على رواية أصحابنا
في التمام، وذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم، فقال: رحم الله ابن جندب، ثم
قال: لا يكون التمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام، وصل النوافل ما شئت، قال
ابن حديد وكان محبتي أن يأمرني بالاتمام).

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 32 - 3 - 15 - 33 لكن روى الثالث عن محمد بن إبراهيم الحضيني
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 32 - 3 - 15 - 33 لكن روى الثالث عن محمد بن إبراهيم الحضيني
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 32 - 3 - 15 - 33 لكن روى الثالث عن محمد بن إبراهيم الحضيني
(4) الوسائل الباب 26 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3
(5) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 32 - 3 - 15 - 33 لكن روى الثالث عن محمد بن إبراهيم الحضيني
334

بل يمكن حمل خبر الحصيني (1) على إرادة الاتمام في منى وعرفات بناء على
عدم قدح ما دون المسافة في نية الإقامة، كما أن خبر الساباطي (2) - مع اشتماله على
فعل جندب الذي ترحم عليه الإمام (عليه السلام) وفعل الراوي ومحبته ورواية
التمام - محتمل لإرادة تعين التمام ووجوبه لا جوازه كالنهي في صحيح معاوية بن
وهب (3) (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التقصير في الحرمين والتمام قال:
لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام، فقلت إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم
بالتمام فقال: إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون
والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد فأمرتهم بالتمام) بقرينة عدم صلاحية هذا التعليل
للأمر بالتمام بعد فرض عدم مشروعيته في حقهم، كصحيحه الآخر (4) المروي عن
العلل (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): مكة والمدينة كسائر البلدان قال: نعم، قلت:
روى عنك بعض أصحابنا أنك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس فقال: إن أصحابك هؤلاء
كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلهذا قلته) وصحيح
أبي ولاد (5) المتقدم في المسألة السابقة.
وإلا فطرح تلك النصوص كلها المعتضدة بما عرفت وتأويلها حتى أخبار التخيير
منها بإرادة الاتمام مع نية العشرة مع تصريح المشتمل على الاتمام للصلاة الواحدة وبمجرد
المرور، بل وما دل أيضا منها على كونه من الأمر المذخور، بل وما دل على كون
ذلك من خواص الأربعة، وما دل على أنه إنما يفعل ذلك الضعفة، بل وما دل عليه

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 15 لكن رواه
عن محمد بن إبراهيم الحضيني
(2) وهو خبر علي بن حديد المدائني الأزدي الساباطي المتقدم آنفا.
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 34 - 27
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 34 - 27
(5) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
335

أيضا في قبر الحسين (عليه السلام) المعلوم عدم التمكن من نية المقام عنده في تلك
الأيام بنفيه كما ترى.
واضعف منه حملها على التقية كما يومي إليه الصحيحان (1) المزبوران اللذان هما
مع ضم أحدهما إلى الآخر يدلان على الاتمام بخمسة أيام مطلقا، ولا ريب أنه للتقية، فإن
الاكتفاء بها في أيام الإقامة محكي عن الشافعي إذ هي - مع أن بعضها يأبى ذلك، وإمكان
التخلص عنها بالسلام خفية على الركعتين ثم تعقيبهما بصلاة ركعتين، واستبعاد خفاء ذلك
على من عرفته من الأصحاب، ومعروفية التمام بين الطائفة، واشتمال بعضها على ذكر قبر
الحسين (عليه السلام) الذي يجهد في التخفي بحضوره فضلا عن التمام فيه - لا توافق الأمر
بالاتمام في كثير منها الظاهر في تعينه، إذ هو ليس مذهبا لأحد منهم كما قيل، لأنهم ما بين
موجب للقصر وهم الأكثر، ومنهم أبو حنيفة، وبين مخير بينه وبين الاتمام، وهو
الشافعي وغيره.
ومن هنا يظهر أن حمل نصوص القصر على التقية أولى من العكس كما عن جماعة
من الأصحاب التصريح به، لاتفاقهم عليه، واشتهار مذهب أبي حنيفة قديما وحديثا،
بل لعله إلى ذلك أشار (عليه السلام) في غير واحد من النصوص السابقة بقوله (عليه السلام) إن الاتمام
في هذه المواطن من مخزون علم الله ومذخوره على معنى إرادة أنه مما اختص به آل
محمد (عليهم الصلاة والسلام) وشيعتهم وادخره لهم وصانه عن غيرهم ولم يوفق له سواهم
معرضا بذلك كله على أبي حنيفة وأصحابه.
بل من ذلك ونحوه حينئذ يظهر معنى صحيح ابن الحجاج (2) المتقدم سابقا في

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 27 و 34
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6
336

نصوص المختار، وأن المراد استترنا بالاتمام خوفا من اطلاعهم على إتمامنا، لا أن المراد
الاستتار به عن أن يطلعوا علينا أنا نقصر حتى يكون دالا على كون الاتمام تقية، كما
أنه يظهر منه ومن غيره أن المراد بقوله (عليه السلام) (إنما يفعل ذلك الضعفة)
سوادهم وعوامهم الذين يتخيرون من الأعمال ما خف، ولا يعرفون مواقع الفضل،
لا أن المراد بهم ضعفة الأحوال الذين لا يستطيعون نية المقام لفقرهم وضعف حالهم.
وبالجملة الناظر بعين الانصاف إلى هذه النصوص لا يكاد يستريب فيما ذكرناه
من وجوه، بل لو لم يكن إلا كثرة هذا التسائل عن ذلك في خصوص هذه المواضع - مع
أن القصر للمسافر من ضروريات مذهب الشيعة، حتى أن ابن مهزيار مع جلالة قدره
وعظم منزلته وكثرة ملاقاته لهم (عليهم السلام) وقع منه ما سمعت كغيره من الرواة -
لكفى في إثبات المختار، لا أقل من حصول التعارض بين أمري الاتمام والتقصير
الذي من المعلوم أن الحكم فيه التخيير، خصوصا مع قيام الشاهد عليه من النصوص
السابقة، لكن ومع ذلك كله فلا ريب أن الأحوط القصر، لضعف احتمال تعين
التمام في جنبه بعد ظهور أدلته، بل صريح بعضها بعدم تعينه.
ثم لا فرق فيما وقفنا عليه من فتاوى الأصحاب في الحكم المزبور بين المواضع
الأربعة، لكن في المدارك بعد أن ذكر التخيير في الحرمين قال: (وأما مسجد
الكوفة والحائر فقد ورد بالاتمام فيهما أخبار كثيرة لكنها ضعيفة السند، وأوضح
ما وصل إلينا في ذلك مسندا خبر حماد بن عيسى (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: (من مخزون علم الله الاتمام في أربعة مواطن: حرم الله وحرم رسوله (صلى الله
عليه وآله) وحرم أمير المؤمنين (عليه السلام) وحرم الحسين بن علي (عليهما
السلام)) إلى أن قال - وهذه الرواية معتبرة الاسناد، بل حكم العلامة في المنتهى

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
337

والمختلف بصحتها، وهو غير بعيد، وفي معناها أخبار كثيرة، فلا بأس بالعمل بها
إن شاء الله) وفيه - مع أن من الواضح عدم قدح ضعف السند في المقام بعد كثرة
النصوص، وتعاضد بعضها ببعض، وروايتها في الأصول المعتمدة وغيرها، وقرب
وصولها من حد التواتر، بل ربما ادعي، وعمل الطائفة قديما وحديثا بها، وغير ذلك -
أنه قد يناقش في دعوى صحة سند الخبر المذكور، لأن في طريقه الحسن بن علي بن
النعمان، وفي توثيقه إشكال، لأن النجاشي وإن صرح في ترجمته بالتوثيق على ما حكي
عنه إلا أنه لا يتعين عوده إليه، بل يحتمل رجوعه إلى أبيه علي بن النعمان، قال:
(الحسن بن علي بن النعمان مولى بني هاشم أبوه علي بن النعمان الأعلم ثقة، ثبت له
كتاب نوادر، صحيح الحديث كثير الفوائد، روى عنه الصفار) بل قد يؤيد الثاني
ما ذكره عند ترجمة أبيه، قال: (علي بن النعمان الأعلم وأخوه داود أعلى
منه، وابنه الحسن وابنه أحمد رويا الحديث، وكان علي ثقة وجها ثبتا صحيحا له
كتاب) إلى آخره. وفي طريقه محمد بن خالد البرقي، وعن النجاشي (أنه كان ضعيفا
في الحديث) وعن ابن الغضائري (حديثه يعرف وينكر يروي عن الضعفاء كثيرا
ويعتمد المراسيل) إلى آخره. ولا ينافي ذلك ما حكي من توثيق الشيخ والعلامة إياه
لأن الطعن المذكور إنما هو في رواياته لا فيه نفسه، والفرق بينهما واضح، فالأولى عدم
التوقف في الحكم المذكور لما قلناه لا لذلك.
إنما الكلام في تعيين خصوص المواطن، لاختلاف النصوص في ذلك، إذ هي
بين مشتمل (1) على لفظ الحرم في الأربعة مع الإضافة إلى الله ورسوله وأمير المؤمنين
والحسين (عليهم السلام) وبين مشتمل (2) على لفظ المسجد في الثلاثة وحرم الحسين (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 14 و 23 و 25
338

وبين مبدل للحرم (1) فيه بالقبر، وآخر (2) بالحائر، والحرمين بمكة والمدينة (3)
ومسجد الكوفة بالكوفة (4) ولا ريب أن قضية الضوابط ثبوت الحكم في الأوسع
مكانا من هذه الألفاظ، ضرورة عدم منافاة ثبوته في الأضيق له، بل هو كالمؤكد
شبه التنصيص على بعض أفراد العام مع عدم المخالفة في الحكم إلا أنه لما كان القصر
هو الأصل في المسافر - وكثير من هذه النصوص اعتبارها من جهة الانجبار بالشهرة،
وقد قيل إن المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه، بل على الأصليين
منهما دون الزيادة الحادثة، كما أن الظاهر كونه كذلك بالنسبة إلى مسجد الكوفة وقبر
الحسين (عليه السلام) وإن ورد بلفظ الحرم في بعض النصوص، إلا أنه ينزل على
خصوص ذلك كما عن المصنف الاعتراف به بالنسبة إلى حرم أمير المؤمنين (عليه السلام)
وجب الاقتصار في الخروج منه على المتيقن، وهو ذلك لا البلدان الثلاثة والحائر
كما عن كتابي الأخبار للشيخ، ولا الأربعة كما عن المصنف في كتاب له في السفر،
لورود الحديث بحرم الحسين (عليه السلام) وقدر بخمسة فراسخ أو بأربعة، ولا خصوص مكة
والمدينة كما هو ظاهر المتن، واختاره في المدارك حاكيا له عن الشهيد وأكثر الأصحاب
قال: لأنه المستفاد من الأخبار الكثيرة، بل ولا الحائر بناء على تفسيره بالأوسع
مما دار سور المشهد والمسجد عليه.
ولقد أجاد في السرائر حيث قال: (ويستحب الاتمام في أربعة مواطن في
السفر في نفس مسجد الحرام، وفي نفس مسجد المدينة، وفي نفس مسجد الكوفة، والحائر
على متضمنه السلام، والمراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 22
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 26 و 29
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 26 و 29
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 13
339

البلد عليه، لأن ذلك هو الحائر حقيقة، لأن الحائر في لسان العرب الموضع
المطمئن الذي يحار فيه الماء، قد ذكر ذلك شيخنا المفيد في إرشاده في مقتل
الحسين (عليه السلام) لما ذكر من قتل معه من أهله، فقال: والحائر محيط
بهم إلا العباس (عليه السلام) فإنه على المسناة) إلى آخره، وعن الذكرى أنه في هذا
الموضع حار الماء لما أمر المتوكل باطلاقه على قبر الحسين (عليه السلام) ليعفيه،
فكان لا يبلغه.
وكيف كان فما عن المرتضى وابن الجنيد من طرد الحكم في سائر قبور الأئمة
الهداة (عليهم السلام) لم نقف له على نص خاص، ولعلهما أخذاه من معلومية شرف
قبورهم، وأنها مساوية للمسجدين أو تزيد مع فهم كون العلة في الحكم هنا شرف
المكان، كما يومي إليه بعض النصوص (1) السابقة، مضافا إلى المحكي (2) عن فقه
الرضا (عليه السلام) (إذا بلغت موضع قصدك من الحج والزيارة والمشاهد وغير ذلك
مما بتنبه لك فقد سقط عنك السفر ووجب عليك الاتمام).
لكن الخروج بذلك عن مقتضى العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة
من الاجماع مشكل، سيما مع تضمنه الحكم بوجوب التمام الذي قد عرفت شذوذه
وضعفه، اللهم إلا أن يحمل الوجوب فيه على مطلق الثبوت، كما أن الخروج به عن
مقتضى أصالة عدم جواز الاتمام في الصوم لاقتصار النصوص والفتاوى على خصوص
الصلاة فريضة أو نافلة كما صرح بالأخيرة في الكفاية - بل يمكن دعوى الاجماع عليه،
بل ربما ادعي - مشكل أيضا، بل غير جائز قطعا، ودعوى التلازم بين القصر

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 و 4
(2) فقه الرضا (عليه السلام) ص 16
340

والافطار المشعر بالتلازم بين الاتمام والصيام - بل في بعض النصوص (1) (هما سواء في
ذلك) - يمكن منعها بحيث تشتمل ما نحن فيه، خصوصا بعد إضراب أبي الحسن
(عليه السلام) عن الجواب عن الصيام، واقتصاره على الصلاة في موثق عثمان بن
عيسى (2) المتقدم سابقا المشعر بعدم ذلك في الصوم، فلاحظ.
ولا يجب التعرض للنية، بل لو عينها كان له العدول، فمن نوى الاتمام كان
له الاقتصار على الركعتين، وبالعكس، كما عن المصنف في المعتبر التصريح به، واستحسنه
في المدارك، ولعله لاطلاق الأدلة وعدم توقف صدق الامتثال عليها، ضرورة عدم
كونهما كالظهر والعصر الذين يتوقف تشخيص الفعل لأحدهما على النية كما في سائر
الأفعال المشتركة، وليس ذلك من جهة أن التخيير بين القصر والاتمام من التخيير بين
الأقل والأكثر الذي لا يعتبر فيه ذلك، بل هو كذلك وإن قلنا إنهما ماهيتان مختلفتان،
لاطلاق الأدلة، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن البحث والتأمل، خصوصا لو أراد
العدول بعد الشروع في الثالثة قبل الركوع، فتأمل.
ومما ذكرنا يظهر أن له الاتمام في الأماكن المزبورة وإن كانت الذمة مشغولة
واجب، لعدم اندراجه في النهي عن التطوع لمن عليه فريضة قطعا، فما يحكى عن والد
العلامة من المنع لا ريب في ضعفه.
ولو ضاق الوقت إلا عن أربع ركعات فالأحوط والأقوى تعين القصر عليه
فيهما ليقع الصلاتان في الوقت، ويحتمل جواز الاتمام في خصوص العصر (3) لعموم
من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله) وفيه أن ذلك وإن تحقق به إدراك

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب من يصح منه الصوم من كتاب الصوم
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب صلاة المسافر الحديث 17
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
341

الصلاة إلا أنه لا يجوز تعمده اختيارا، لاقتضائه تأخير الصلاة عن وقتها المعين لها
شرعا من التمكن منه، ومنه ينقدح أنه لا فرق فيما ذكرنا بين ضيق الوقت إلا
عن أربع وبين الزائد إذا كان دون الثمان، كما أنه منه ينقدح أيضا ضعف احتمال الاتمام
في العصر خاصة في الفرض السابق ثم قضاء الظهر.
ثم إنه لا يخفى عليك بعد ما سمعت استحباب صلاة نوافل المقصورة في هذه
الأماكن كما نص عليه في الذكرى، قال: (ونقله نجيب الدين بن نما عن شيخه ابن
إدريس، لأنه من إتمام الصلاة والاكثار المأمور به في هذه الأماكن) بل في الذكرى
(ولا فرق بين أن يتم الفريضة أولا، ولا بين أن يصلي الفريضة خارجا عنها والنافلة
فيها أو يصليهما معا فيها) ولا بأس به، لكن الأول لا يخلو من بحث، والله العالم.
(وإذا تعين القصر) على المسافر (فأتم) عالما (عامدا أعاد على كل حال) في
الوقت وخارجه بلا خلاف أجده بل عن الغنية والدروس والمدارك وعن الانتصار
والتذكرة وشرح الأستاذ الأكبر وظاهر المنتهى والنجيبية والذخيرة الاجماع عليه،
لعدم صدق الامتثال، إذ القصر عزيمة كما عرفت وللصحيح (1) (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): صليت الظهر أربع ركعات، وأنا في سفر قال: أعد) والآخر عن
زرارة ومحمد بن مسلم (2) عن الباقر (عليه السلام) قالا (قلنا: فمن صلى في السفر أربعا
أيعيد أم لا؟ قال: إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه) والمروي (3) عن الخصال (وإن لم
يقصر في السفر لم تجز صلاته، لأنه قد زاد في فرض الله تعالى).
ولا فرق على الظاهر في الحكم المزبور بين القول بوجوب التسليم أو استحبابه
ولذا اتفق الجميع عليه، ولم يقل أحد منهم بصحة الصلاة هنا بناء على تحقق الخروج من

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6 - 4 - 8
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6 - 4 - 8
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 6 - 4 - 8
342

الصلاة بالفراغ من التشهد الذي هو آخر أجزائها الواجبة، ولعله لذا استدل بعضهم على
وجوب التسليم بما في المقام، لكن قد يقال به هنا للدليل، أو أنه بناء على استحباب
التسليم لا يتحقق الخروج من الصلاة بمجرد الفراغ، بل لا بد معه من نية الخروج أو
فعل ما به يحصل كالتسليم، وإلا لصحت الصلاة لوقوع الزيادة خارج الصلاة، بل قد
يقال إنه وإن لم نعتبر قصد الخروج في الفراغ إلا أن المبطل قصد عدم الخروج من
الصلاة، وفي المدارك (الحق أن الصلاة المقصورة إنما تبطل بالاتمام إذا وقعت ابتداء
على ذلك الوجه دون ما إذا وقعت على وجه القصر ثم حصل الاتمام بعد الفراغ من
الأفعال الواجبة جمعا بين الروايات المتضمنة لهذا الحكم والأدلة الدالة على استحباب
التسليم) ولتمام البحث معه مقام آخر، إنما المقصود اتفاق القولين على البطلان هنا.
(ولو كان) قد أتم صلاته (جاهلا ب‍) أن حكم المسافر (التقصير فلا إعادة
ولو كان الوقت باقيا) للصحيح (1) السابق وفاقا للأكثر كما في المدارك وغيرها، بل
المشهور كما في الروض وغيره، بل في الرياض (أن عليه الاجماع في الجملة في ظاهر
بعض العبارات) بل حكى المقدس البغدادي الاجماع عليه صريحا، وربما يؤيده
معروفية استثناء هذه المسألة ومسألة الجهر والاخفات من عدم معذورية الجاهل، كما
يومي إليه سؤال الرسي والرضي السيد المرتضى عن وجه ذلك، قال الأول: أما الوجه
فيما تفتي به الطائفة من سقوط فرض القضاء عمن صلى من المقصرين صلاة المتمم بعد
خروج الوقت إذا كان جاهلا بالحكم في ذلك، مع علمنا بأن الجهل بأعداد الركعات
لا يصح معه العلم بتفاصيل أحكامها ووجوهها إذ من البعيد أن يعلم بالتفصيل مع جهل
الجملة التي هي الأصل، والاجماع على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكام فهي غير مجزية،
وما لا يجزي من الصلاة يجب قضاؤه) ويقرب منه سؤال الثاني أيضا، وأجاب المرتضى

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4
343

عنه - مقرا لهما على ما يستفاد من كلامهما من كون الحكم مفروغا عنه - تارة بأنه يجوز
تغير الحكم الشرعي بسب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور، وأخرى بما يقرب منه
أيضا من أن الجهل وإن لم يعذر صاحبه وهو مذموم يجوز أن يتغير معه الحكم الشرعي
ويكون حكم العالم بخلاف حكم الجاهل، وكأنه يريد أن الجاهل هنا أيضا غير معذور
بالنسبة للإثم وعدمه وإن كان فعله صحيحا للدليل، إذ لا بأس بترتيب الشارع حكما
على فعل أو ترك للمكلف عاص به، كما في مسألة الضد التي مبناها أن الشارع أراد
الصلاة من المكلف وطلبها منه بعد عصيانه بترك الأمر المضيق الذي هو إزالة النجاسة
مثلا، فهنا أيضا يأثم هذا الجاهل بترك التعلم والتفقه المأمور بهما كتابا (1) وسنة (2)
إلا أنه لو صلى بعد عصيانه في ذلك صحت صلاته للدليل، فتأمل.
وكيف كان فلا ينبغي التأمل في الحكم المزبور بعد ما عرفت، فما في الغنية وعن
الإسكافي وأبي الصلاح - من الإعادة في الوقت دون خارجه، بل في الأول الاجماع
عليه، لقاعدة عدم معذورية الجاهل التي يجب الخروج عنها بعد تسليم شمولها لما نحن
فيه بما عرفت، ولاطلاق الأمر بها في بعض المعتبرة (3) التي ستسمعها في الناسي، وفي
الصحيح (4) ومروي الخصال (5) السابقين الذي يجب الخروج عنه أيضا بما مر بناء
على كون التعارض بينهما بالعموم والخصوص المطلق، بل وعلى كونه من وجه، لوضوح
رجحانه عليه بالشهرة العظيمة وغيرها التي منها ومن غيرها يعلم ما في دعوى الاجماع
السابق - في غاية الضعف، وإن كان ربما قيل إنه قد يظهر من الرسي بل والمرتضى

(1) سورة التوبة الآية 123 وسورة النحل الآية 45
(2) أصول الكافي ج 1 ص 30 الباب 1 من كتاب العلم
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 4
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 4
(5) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 8
344

حيث أقره على ظاهر سؤاله غير منكر عليه، مع أنه يمكن منعه على مدعيه، خصوصا
بالنسبة للسيد، إذ مطمح نظره الجواب عن أصل الاشكال، وأضعف منه ما يحكى
عن العماني من الإعادة في الوقت وخارجه لبعض ما مر مما عرفت الحال فيه، فلا نعيده
ولا يبعد إلحاق الصوم بالصلاة كما نص عليه في الدروس، ويقتضيه استدلال
الشريف البغدادي على حكم الجاهل بالنسبة إلى الصلاة بصحيح ليث (1)
(إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر، وإن صام بجهالة لم يقضه) الذي هو الحجة على
ما نحن فيه، ويؤيده في الجملة تلازم القصر والافطار والصيام والتمام وأنهما سواء، وإن
كان لا يخلو من تأمل ما، لقاعدة عدم معذورية الجاهل التي اقتصر في الاستثناء منها
على المسألتين، اللهم إلا أن يريدوا بالقصر والاتمام ما يشمل الافطار والصيام، ولعله
يأتي في الصوم تمام البحث فيه إن شاء الله.
والأحوط بل الأقوى الاقتصار فيما خالف تلك القاعدة المحكي عليها الاجماع
في كلام الرضي والرسي والموافقة لظاهر الأدلة على المتيقن، وهو جهل القصر من
أصله كما هو ظاهر الصحيح المزبور بل والفتاوى على ما أعترف به في الروض، وعن
الحدائق أنه المشهور، وفي الكفاية أنه أنسب بالقواعد، وعن الذخيرة وشرح
الأستاذ التصريح باختياره، دون الجهل ببعض الخصوصيات كمن جهل انقطاع كثرة
السفر بإقامة العشرة فأتم، أو انقطاع سفر المعصية بقصد الطاعة في أثنائه أو نحو ذلك،
لكن توقف في المدارك كما عن نهاية الإحكام، بل عن مجمع البرهان التصريح بالتسوية
بين الجميع في الحكم، ولعله للاشتراك في العذر المسوغ لذلك، وهو الجهل، ولقوله
(عليه السلام) في الصحيح (2) المزبور: (وفسرت له) إذ قد يقال باندراج ذلك كله

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 6 من
كتاب الصوم
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 4
345

في غير المفسر الذي يعذر فيه بمقتضى المفهوم.
بل قد يندرج فيه أيضا الجاهل بكون المسافة الموجبة للقصر الثمانية أو الأربعة
مع الرجوع ليومه ونحو ذلك، إلا أنه لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى الأول
كما أنه كذلك أيضا لو انعكس الفرض بأن صلى من فرضه التمام لإقامة ونحوها
قصرا جاهلا بالحكم فضلا عن أن يكون عالما لما عرفت، وفي الروض وعن الحدائق أنه
المشهور، بل ربما كان ظاهر جميع الأصحاب أيضا حيث اقتصروا في بيان المعذورية على
الأولى التي لا يلزم منها المعذورية هنا قطعا، إذ لعل العذر هناك من جهة أصالة التمام ومعروفيته
بخلافه هنا، خلافا للمحكي عن جامع ابن سعيد فالصحة وعن مجمع البرهان نفي البعد
عنها، ولعله لاطلاق استثنائهم الجهل بالقصر والاتمام من القاعدة، وللاشتراك في العلية
ولصحيح منصور (1) عن الصادق (عليه السلام) (إذا أتيت بلدة وأزمعت المقام بها
عشرة فأتم الصلاة، وإن تركه رجل جاهلا فليس عليه الإعادة) وخبر محمد بن
إسحاق (2) عن أبي الحسن (عليه السلام) في الامرأة التي صلت المغرب ركعتين في سفرها قال:
(ليس عليها قضاء).
بل منه ينقدح حينئذ أنه لا فرق هنا في ذلك بين ما يصح قصره وما لا يصح
كما عن بعض مشايخ المحدث البحراني، مع أن في الدروس الاجماع على الإعادة في قصر
الثانية، بل قد يقال بقصور هذا الخبر لشذوذه كما اعترف به في الدروس، بل عن
عن الشيخ (ره) الذي هو رواه ذلك أيضا، بل عن شرح الأستاذ ذلك أيضا ناسبا
له إلى الأصحاب عن تخصيص القاعدة والأخبار المتواترة الدالة على تثليث المغرب
ولفعل النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وإجماع المسلمين أو
ضرورتهم على ذلك، وعلى أنه لا قصر فيها، بل قد يقال بقصور الصحيح (3) الأول

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3 - 7 - 3
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3 - 7 - 3
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3 - 7 - 3
346

أيضا عن تخصيص القاعدة أيضا، لقلة المفتي به، إذ لم يحك إلا عن ابن سعيد وبعض
متأخري المتأخرين، بل ربما احتمل عود الضمير فيه إلى القصر للمسافر وإن لم يكن
مذكورا فيه كما في الروض، وإن كان هو كما ترى، لكنه قد يقال هو - على كل
حال بعد ما عرفت - من الشواذ التي لا يعمل بها في نفس مضمونها فضلا عن أن يتعدى
منه إلى غيره، خصوصا ما يحكى عن يحيى أيضا من أنه ألحق به ناشي الإقامة في عدم
الإعادة، وإن كان قيل إنه لم يوافقه عليه أحد، هذا.
وفي المسالك لو أتم لجهله بالمسافة فلا إعادة مطلقا، لاقتضاء الأمر الناشي من الأمر
بالاستصحاب الاجزاء، مع احتمالها في الوقت كما عن الجعفرية وشرحها، لعدم الاتيان
بالمأمور به واقعا، وهو أحوط، نعم لا قضاء عليه خارج الوقت وإن فرط في الفحص
لعدم صدق اسم الفوات، كما أنه يجب عليه أن يقصر على القولين بعد تجدد العلم وإن
نقص الباقي عن المسافة، والله أعلم.
(و) أما (إن كان ناسيا أعاد في الوقت، ولا يقضي إن خرج الوقت) كما
هو المشهور، بل في الرياض أن عليه عامة من تأخر، بل عن كشف الرموز لا أعلم فيه
مخالفا إلا ابن أبي عقيل، بل في السرائر وظاهر الغنية وعن الخلاف والانتصار وظاهر
المعتبر والتذكرة الاجماع عليه، بل في الأول أن الأخبار به متواترة، وعليه العمل
والفتوى من فقهاء آل الرسول (عليهم الصلاة والسلام) وهو الحجة بعد شهادة التتبع
له في الجملة، مضافا إلى القاعدة بالنسبة إلى الوقت، وعدم صدق اسم الفوات بالنسبة
إلى خارجه، وخبر أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) المنجبر بعد تسليم
احتياجه بما عرفت بالنسبة إليهما معا (سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع
ركعات قال: إن ذكر في ذلك اليوم فليعد وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا)

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
347

والظاهر الكناية عن الوقت باليوم، كما يومي إليه مضافا إلى الفتاوى صحيح العيص (1)
المنزل على الناسي قطعا، مع أنه يكفينا إطلاقه بحيث يشمل ما نحن فيه، قال: (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة قال: إن كان في
وقت فليعد، وإن كان الوقت قد مضى فلا).
فما عن الصدوق ووالده والعماني والشيخ في المبسوط وقواه في الدروس على القول
بوجوب التسليم بل عن ظاهر المنتهى التوقف من جهته - من القول بالإعادة مطلقا
للأصل فيهما، وإطلاق الأمر بالإعادة في الصحيح السابق الذين يجب الخروج عن
أولهما وتقييد الثاني منهما بما هنا - ضعيف جدا، على أن المحكي عن الصدوق في المقنع
والفقيه التعبير بما في خبر أبي بصير (2) الذي سمعت ما قلناه فيه، لا أقل من إرادة
نفس البياض من اليوم في كلامه، فلا تعرض فيه للفائت ليلا كي يخالف الأصحاب،
ولعله اتكل على عدم القول بالفصل كالمحكي عن العماني من ذكر العشاء خاصة فيما نحن
فيه، بل لو أريد من اليوم ما يشمل الليل والنهار لم يكن مخالفا للأصحاب في صلاة
الظهرين أيضا إن أريد الليلة الماضية، بل وإن أريد الليلة المستقبلة لم يكن مخالفا في
العشاء بناء على استمرار وقتها للصبح.
على أنه قد يشهد للأول - مضافا إلى تعبيره كالعماني بلفظ الإعادة التي من
المعروف إرادة ما لا يشمل القضاء منها - غلبة فتواه كوالده بمضمون الفقه الرضوي،
والموجود فيه (3) على ما قيل (وإن كنت صليت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت
في وقتها فعليك الإعادة، وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شئ عليك) كما أن
الموجود في المبسوط (ومن مشى في السفر فصلى صلاة مقيم لا تلزمه الإعادة إلا إذا

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 2
(3) المستدرك الباب 12 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2
348

كان الوقت باقيا فإنه يعيد) وهي نصة في موافقة الأصحاب، فتتفق الكلمة حينئذ،
وينعقد الاجماع فمن العجيب نسبة الخلاف إليه من المختلف ومن تأخر عنه، وكأنه لما
وقع له بعد هذه العبارة بيسير جدا، وهو (من سهى فصلى أربعا بطلت صلاته، لأن
من قال من أصحابنا بأن كل سهو يلحق في صلاة السفر يوجب الإعادة فظاهر، ومن لم يقل
فقد زاد فيه فعليه الإعادة) لكنك خبير بامكان تنزيله على الأول، خصوصا
بعد معروفية لفظ الإعادة فيما لا يشمل خارج الوقت، ولا ينافيه ذكره البطلان أولا
لاحتمال إرادته منه حينئذ مع الذكر في الوقت، بل يمكن إرادته البطلان على كل حال وإن
سقط القضاء عنه عفوا للدليل لو علم خارج الوقت لا للحكم بصحة ما فعله الذي لم يوافق
الأمر في الواقع، وبامكان تنزيله على شئ آخر ستسمعه، فتأمل جيدا.
وإن أبيت عن ذلك كله فهو محجوج بما عرفت، بل لعل مثله غير قادح في
إمكان تحصيل الاجماع، فتقويته له في الدروس في غير محلها، كتوقف الفاضل في ظاهر
المنتهى كما سمعتهما، نعم عن الذكرى (أنه يتخرج على القول بأن من زاد خامسة
في الصلاة وكان قد قعد مقدار التشهد تسلم له صحة الصلاة لأن التشهد حائل بين
ذلك وبين الزيادة) واستحسنه في الروض، بل قال: (إنه كان ينبغي لمثبت تلك
المسألة القول بها هنا. ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بأحد أمور إما بالغاء ذلك كما
ذهب إليه أكثر الأصحاب، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد
النص هناك، ولا يتعدى إلى الثلاثية والثنائية، فلا يتحقق المعارضة هنا، أو اختصاصه
بزيادة ركعة لا غير كما ورد به النص هنا، ولا يتعدى إلى الزائد كما عداه بعض
الأصحاب، أو القول بأن ذلك في غير المسافر جمعا بين الأخبار، لكن يبقى سؤال الفرق
مع اتحاد المحل) قلت: أو التزام اختلاف موضوع المسألتين إذا فرض ما نحن فيه فيمن
نسي أنه مسافر فقصد التمام من أول الأمر بخلاف تلك التي ظن عدم حصول ما نواه
349

منه فيها فزاد في صلاته سهوا أو سهى ولم يتنبه حتى فعل الخامسة، بل قد يفرق بينهما
أيضا بناء على فرض المسألة أيضا فيمن قصد القصر إلا أنه سهى عنه في الأثناء فقام
إلى التمام بظهور الوحدة حينئذ هنا أي أنها صلاة واحدة بخلافه في تلك، نعم قد
يحتاج إلى التزام بعض الوجوه المزبورة لو فرض أنه قام سهوا غير متنبه، أو أنه تخيل
نقصان المقصورة التي قصدها ابتداء فبان الزيادة، وهما معا خلاف ظاهر فرض الأصحاب
للمسألة كالمصنف وغيره مما هو ظاهر في قصده التمام لنسيان السفر، بل لعله ظاهر
النص أيضا، بل قد تحمل عبارة المبسوط الثانية التي تخيل منها خلافه على هذا الفرض
الذي ليس عند الأصحاب.
ومن ذلك يعلم ما في المدارك حيث قال بعد أن حكى ما سمعته عن جده:
(ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما قررناه في تلك المسألة ضعف هذه الطرق، وأنها غير
مخلصة للاشكال، والذي يقتضيه النظر أن النسيان والزيادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهد
كانت هذه المسألة جزئية من جزئيات من زاد في صلاته ركعة فصاعدا بعد التشهد نسيانا،
وقد بينا أن الأصح أن ذلك غير مبطل للصلاة مطلقا لاستحباب التسليم، وإن حصل
النسيان قبل ذلك بحيث أوقعها كلها أو بعضها على وجه التمام اتجه القول بالإعادة في
الوقت دون خارجه، كما اختاره الأكثر لما تقدم) انتهى، وفيه مواضع للنظر،
خصوصا بعد الوقوف على ما تقدم لنا في تلك المسألة، وخصوصا بعد ما عرفته في هذه
المسألة من أنها إجماعية منصوصة، فلا وجه لجعلها من جزئيات تلك المسألة، بل لو سلم له
ذلك كان المتجه استثناؤها منها كما ذكره جده، وكيف كان فالخطب سهل عندنا بعد
عدم القول في تلك المسألة بذلك، والله أعلم.
(ولو قصر المسافر اتفاقا) لا بقصد التقصير إما لجهله بأن الحكم المسافر التقصير
أو لغير ذلك (لم تصح) صلاته بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، لأنه قد
350

صلى صلاة يعتقد فسادها، وأنها غير المأمور بها، بل لم تكن مقصودة بحال ولا لاحظ
فيها التقرب، وبالجملة ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد (وأعاد) حينئذ قصرا في الوقت
لأصالة الشغل وعدم صدق الامتثال كما هو واضح، ولا ينافي ذلك القول بصحة عبادة
الجاهل مع مطابقتها للواقع وحصول التقريب منه، ولذا لم يحلها أحد ممن تعرض لها على
تلك المسألة عدا المقدس البغدادي، ضرورة كون موضوع تلك المسألة قصد الفعل
للجاهل، لا أنه وقع منه اتفاقا من غير قصد، بل كان المقصود خلافه كما نحن فيه.
ولو علم خارج الوقت ففي القضاء إتماما أو قصرا وجهان ينشئان مما ستسمعه،
وربما احتمل أن المراد من نحو ما في المتن الجاهل ببلوغ مقصده مسافة فقصر ثم علم أنه
مسافة، فإنه أيضا تجب عليه الإعادة في الوقت قصرا، لأن فرضه الاتمام قبل العلم، فلم
يكن مأمورا بالقصر كي يصح ما فعله مما هو موقوف على موافقة الأمر، وكونه في الواقع
مأمورا بالقصر مع أنه غير عالم به بل كان عالما خلافه غير مجد، ولذا لو أتم ثم علم
المسافة لم يجب عليه الإعادة لقاعدة الاجزاء، وفيه أولا أن المتجه فيه الصحة إذا فرض
في حال يمكن وقوع نية التقرب بالقصر منه، وثانيا لفظ الاتفاق في العبارة ظاهر في
خلافه، إذ جعله قيدا للمسافر على معنى اتفاق أنه مسافر لأن مقصده بالغ المسافة خلاف
المراد من مثل العبارة المزبورة قطعا، اللهم إلا أن يقال بعدم توقف الوجه المزبور على
ذلك، بل يمكن عليه أيضا رجوع القيد إلى القصر على معنى اتفاق وقوع القصر منه
من غير قصد له، بأن نسي إرادة التمام في صلاته فسلم على ركعتين مثلا ثم علم بلوغ
مقصده المسافة، وفيه أنه حينئذ راجع إلى الوجه الأول وإن كان مبناه الجهل بالحكم،
ومبنى هذا الجهل بالموضوع، ولذا جمعهما في التذكرة والنهاية على ما حكي عنهما، فقال:
ولو قصر المسافر اتفاقا من غير أن يعلم وجوبه أو جهل المسافة فاتفق أن كان الفرض
ذلك لم تجزه، فتأمل جيدا، هذا كله لو علم بأن مقصده مسافة في الوقت، أما لو علم
351

بذلك خارج الوقت ففي القضاء قصرا أو تماما وجهان ينشئان من حصول سبب القصر
في الواقع وإن لم يكن عالما به، فهو الفائت في الحقيقة، ومن أنه مكلف بالتمام، ومن
فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، قال في الذكرى: (وهذا مطرد فيما لو ترك الصلاة أو
نسيها ولم يكن عالما بالمسافة ثم تبين المسافة بعد خروج الوقت، فإن في قضائها قصرا
أو تماما الوجهين) إلى آخره.
ويقوى في النظر الأول، لأن المخاطب به في الواقع وفي اللوح المحفوظ القصر،
فهو الذي فاته، وإن كان هو لو صلى تماما في ذلك الوقت كان معذورا، خلافا للذكرى
فقوى الثاني، بل اختاره المقدس البغدادي معللا له بأنه لم يخاطب إلا بالتمام، لأن
جهله إنما كان بالموضوع لا بالحكم الذي كان خطاب الجاهل به في الواقع القصر وإن
عذر في اعتقاده، ضرورة الفرق بين الجهل بالحكم والجهل بالموضوع، وهو كما ترى،
خصوصا بعد ما عرفت سابقا من معذورية الجاهل بالقصر هنا بحيث لو صلى تماما ثم علم
بعد ذلك لم يكن عليه الإعادة، فكان التكليف بالقصر في الحقيقة من مقومات موضوعه
علم المكلف به، فهو أولى بالواقعية المزبورة من الجهل بالموضوع الذي يمكن منع
الاجتزاء فيه بما يقع منه من التمام لو تبين له في الوقت كون المقصد مسافة مثلا كما سمعته
سابقا في الشرائط، وقاعدة الاجزاء قد ذكرنا غير مرة أن موردها الأمر في الواقع
لا تخيل الأمر كما في الفرض.
فالأقوى القضاء قصرا في المسألتين، لأنه الفائت في الحقيقة، ولأن القضاء ليس
في الحقيقة إلا توسعة في وقت الفعل بدليل غير دليل الأداء، فهو في الحقيقة كمن علم
في الوقت قبل أن يصلي، وقوله (عليه السلام): (كما فاتته) يراد منه كيفيات الفعل التي
قررها الشارع له في الواقع لا بحسب زعم المكلف، فتأمل هذا.
وربما فسرت العبارة ونحوها بمن نوى الصلاة تماما نسيانا ثم نسي وسلم على
352

ركعتين ثم ذكر فإنه يعيد قصرا في الوقت وخارجه، لعدم نية ما هو فرضه ظاهرا
وباطنا، بل نوى التمام الذي هو خلافه، وفيه أنه بناء عليه تندرج فيما ذكرناه من
التفسير أيضا، إلا أنه قد يناقش في وجوب الإعادة عليه بأن نية الاتمام سهوا مع عدم وقوع
غير القصر منه لا تؤثر بطلانا بل تكون لغوا، ولذا لو ذكر قبل التسليم مثلا فسلم صحت
صلاته قصرا بلا كلام كما اعترف به المقدس البغدادي، ومنه استوجه عدم الإعادة
تبعا للذكرى حيث قواه، ويؤيده أن القصر والاتمام ليسا من مقومات الفعل حتى
يجب نيتهما، ولا تعدد لما في الذمة حتى يجب تشخيصه بذلك ونحوه، وهو لا يخلو من
وجه، إلا أن الأحوط الإعادة.
هذا كله لو وقع القصر منه اتفاقا من غير قصد، أما لو قصده مع علمه بأن
تكليفه الاتمام فلا ريب في البطلان وإن طابق الواقع، لعدم تصور نية التقرب منه بعد
فرض قصده العصيان بفعل التقصير، ومن الواضح أن ذلك غير مفروض المتن ونحوه،
ولذا نص عليهما معا بعضهم كما قيل معللا للبطلان في الأولى باعتقاد فساد الصلاة،
وللثانية باعتقاد المعصية، وهما متغايران ضرورة، لكن قيل إنه ربما اشتبه على بعض
الناس المسألتان، وهو غريب بعد التصريح في الأولى باتفاقية القصر، وفي الثانية
بتعمده، والله أعلم.
(وإذا دخل الوقت وهو حاضر) متمكن من فعل الصلاة وقد مضى من الوقت
ما يسعها جامعة للشرائط (ثم سافر) أي تجاوز محل الترخص (والوقت باق قيل)
والقائل الصدوق في المقنع، والعماني على ما حكي عنهما واختاره الفاضل في المختلف
والإرشاد والشهيدان في الدروس وظاهر الروض، بل في الأخير أنه المشهور بين
المتأخرين: (يتم بناء على) اعتبار (وقت الوجوب، وقيل) والقائل المفيد والمرتضى
والشيخ في موضع من المبسوط والتهذيب على ما حكي عنهم وعن كثير من المتأخرين،
353

بل في الرياض أنه الأشهر، بل في ظاهر السرائر أو صريحها الاجماع عليه: (يقصر
اعتبارا بحال الأداء، وقيل) والقائل الشيخ في الخلاف على ما قيل: (يتخير) بينهما
جمعا بين الأدلة (وقيل) كما عن الشيخ في نهايته والصدوق في فقيهه: (يتم معه السعة
ويقصر مع الضيق) ولا ريب أن القول ب‍ (التقصير أشبه) الأقوال، للاجماع
السابق المعتضد بالشهرة المحكية إن لم تكن محصلة، وباعتبار حال الأداء في المسألة الآتية
عند المخالف هنا مثل الفاضل والشهيد وغيرهما المقتضي لاعتباره هنا أيضا، فتأمل،
وبقاعدة القصر على المسافر والاتمام على الحاضر، وباطلاق أدلة التقصير للمسافر كتابا
وسنة المقطوع بشمولها للفرض، ضرورة كونه مسافرا حال الأداء، واحتمال إرادة المسافر
حال الوجوب من ذلك الاطلاق - فلا يشمل حينئذ، بل يبقى على مقتضى إطلاق الاتمام على
الحاضر المراد منه حال الوجوب أيضا - لا ينبغي أن يصغى إليه، للقطع بانصراف قولهم
(عليهم السلام): الحاضر يتم والمسافر يقصر إلى إرادة الحضور والسفر حال أداء الصلاة
لتحقق الموضوع الذي رتب الشارع الحكمين عليه، بل هو حقيقة في نحو ذلك، فلو
أريد منه من كان حاضرا أو مسافرا في الزمن السابق على زمن صدور الفعل كان مجازا
قطعا كما هو واضح.
والمعتضد أيضا بخصوص صحيح إسماعيل بن جابر (1) (قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): يدخل علي وقت الظهر وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي فقال:
صل وأتم الصلاة، قلت: فدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي
حتى أخرج فقال: فصل وقصر، فإن لم تفعل فقد خالفت الله ورسوله (صلى الله عليه وآله))
وصحيح محمد بن مسلم (2) (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 1 مع الاختلاف اليسير في الأول
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 2 - 1 مع الاختلاف اليسير في الأول
354

الشمس قال: إذا خرجت فصل ركعتين) وخبر الوشا (1) المنجبر بما سمعت، قال:
(سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر
فأتم، وإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر) بناء على إرادة الاتمام منه في المصر،
والرضوي (2) (فإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة في الحضر ولم
تصل حتى خرجت فعليك التقصير، وإن دخل عليك وقت الصلاة في السفر ولم تصل
حتى تدخل أهلك فعليك التمام).
والمناقشة في الجميع باحتمال إرادة الخروج قبل مضي زمان يسع الصلاة وما تحتاجه
من الشرائط كي يتحقق الوجوب الذي هو شرط الاتمام في السفر عند الخصم، بل يمكن
دعوى أن ذلك هو ظاهر بعضها يدفعها - مع عدم التصريح بالشرط المزبور في كلام
بعضهم، بل ربما كان مقتضى ما تسمعه من بعض أدلتهم عدمه، نعم ذكره الشهيدان
منهم، وربما كان ظاهر غيرهما أيضا - أن مجرد الاحتمال لا يدفع الاستدلال بالظواهر
من الاطلاقات ونحوها، خصوصا إذا انضم إليها ترك الاستفصال ونحوه، وخصوصا
إذا كان الفرد الغالب من المطلق هو المطلوب كما في المقام، ضرورة غلبة سعة الوقت
للصلاة مع فرض دخول الوقت عند أهله باعتبار عدم خطابه بالتقصير حتى يتجاوز
محل الترخص، وقبله يصلي تماما، فهو إلى أن يتجاوزه يسع الصلاة وأزيد قطعا.
ومعارضة ذلك كله باستصحاب التمام أو إطلاق أدلة وجوبه على الحاضر الشامل
لمثل الفرض - ضرورة عدم تقييد الوجوب بما إذا لم يسافر، وبأصالة التمام في الفريضة
المستفاد من إطلاق الأدلة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن من المسافر الذي لم يستقر
وجوب التمام عليه، وبأنه كالحائض والمغمى عليه ونحوهما من ذوي الأعذار الذين

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 12
(2) المستدرك الباب 15 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
355

يجب عليهم القضاء إذا طرأ العذر بعد مضي ما يسع الصلاة ولم يفعلوا، لاشتراك الجميع
في طرو العذر وإن كان هو فيما نحن فيه يقتضي سقوط الركعتين، وفي تلك يقتضي
سقوط الصلاة من رأس، فكما هو لم يؤثر هناك بعد الاستقرار المزبور لم يؤثر هنا، وبأنه لو
وجب القصر هنا في الأداء لوجب في القضاء عند الفوات، وليس فليس، وبأنه لو
وجب القصر لوجب الافطار، ضرورة تلازمهما، وليس فليس، وبأنه لو فرض
شروعه في الصلاة قبل تحقق اسم السفر عليه حتى صار كذلك وهو في أثنائها كما إذا
كان في سفينة أو راحلة لم يكن إشكال في وجوب إكماله الصلاة تماما، لأنها على
ما افتحت، فكذا هنا، لعدم الفصل بين الصور، وبصحيح ابن مسلم (1) (سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في
الطريق فقال: يصلي ركعتين، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا)
ونحوه خبره الآخر (2) وخبر بشير النبال (3) (خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام)
حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): يا نبال قلت: لبيك، قال: إنه
لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك، وذلك، أنه
دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج) والموثق (4) عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال:
(سئل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفره قال: يبدأ بالزوال فيصليها ثم
يصلي الأولى بتقصير ركعتين، لأنه خرج من منزله قبل أن تحضره الأولى، وسئل فإن
خرج بعد ما حضرت الأولى قال: يصلي أربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمان
ركعات، لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلى

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 11 - 10
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 11 - 10
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 11 - 10
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 1
356

العصر بتقصير، وهي ركعتان لأنه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر) - ضعيفة جدا
إذ الاستصحاب - مع إمكان منع جريانه في نحو المقام باعتبار أن الذي يجب
في أول الوقت إنما هو كلي الصلاة لا شخصها، ويتخير المكلف في الايقاع في أي
جزء شاء من الزمان الموسع على حسب ما يقتضيه تكليف ذلك الجزء بخصوصه وضوء
أو تيمما أو جلوسا أو اضطجاعا ونحو ذلك، نعم في بعضها لا يجوز للمكلف نقل حاله
إليه اختيارا، وبعضها يجوز كما في المقام، إذ لا ريب أن التخيير في الشئ تخيير في
لوازمه، ولذا قيل إنه يستفاد بدلالة الإشارة من التوسعة في الوقت ومما دل على إباحة
السفر مطلقا تخيير المكلف في الصلاة بين الاتمام بأن يصليها وهو حاضر وبين القصر
بأن يسافر فيصليها كذلك، كدلالة الآيتين (1) على أقل الحمل - مقطوع بما سمعت
من الأدلة السابقة، وكذا إطلاق أدلة التمام التي استفيد منها أصالته بعد الغض عن
المناقشة فيه، وأما إطلاق أدلة وجوبه على الحاضر فقد عرفت وضوح عدم شمولها
للمقام، ومع التسليم فهو معارض بمثله، ومقيد بما عرفت، والفرق بين المقام وبين الحائض
والمغمى عليه في غاية الوضوح، فقياسه حينئذ عليهما مع حرمته مع الفارق، كوضوح منع
الاتمام في القضاء، إذ هو تابع للكلام في الأداء، ولو سلم لفرض دليل يدل على اعتبار
القضاء بحال الوجوب دون الأداء فلا ينبغي قياس المقام عليه أيضا، كما أن عدم وجوب
الافطار للدليل وإن كان هو مسافرا لا يستلزم عدم القصر الواجب على المسافر، ولذا
وجب القصر عليه باعتراف الخصم دون الافطار إذا فرض سفره حين الزوال بحيث لم
يمض منه مقدار أداء الصلاة، أو في وقت اختصاص الظهر دون العصر، وكذا
لا تلازم بين الاتمام في الفريضة التي تحقق السفر في أثنائها وبين المقام، إذ لعله لاشتراط
القصر بسبق تحقق السفر على افتتاح الصلاة، مع أنه يمكن منع الأصل إذا فرض تحقق

(1) سورة البقرة، الآية 233، وسورة الأحقاف، الآية 14
357

السفر في الأثناء قبل أن يتجاوز محل القصر، لانتقال تكليفه حينئذ، مثل من نوى
الإقامة في أثناء الصلاة أو رجع عنها كذلك، فتأمل، كما أنه يمكن النقض بالعكس فيما افتتح
الصلاة على القصر ثم صار حاضرا في أثنائها، فإن المتجه حينئذ على مذاق الخصم
القصر، لأن الصلاة على ما افتتحت عليه، مع أنه لا يلتزم القول بالقصر إذا اتصف
بالحضور قبل الشروع في الصلاة، فيعلم عدم التلازم بين المسألتين.
وصحيح ابن مسلم - مع قصوره عن معارضة ما تقدم من الأدلة من وجوه،
منها الشهرة والموافقة للاطلاقات، خصوصا مع اضطراب سنده ومتنه في الجملة بالنسبة
إلى رواية التهذيب له - محتمل لإرادة الصلاة أربعا في البلد عند إرادة الخروج إلى السفر
أو قبل تجاوز محل الترخص ثم يسافر، إذ يصدق عليه حينئذ أنه خرج إلى سفره،
كخبره الآخر، وأما خبر بشير النبال فهو ضعيف السند لا يصلح لمعارضة بعض ما عرفت
فضلا عن جميعه، خصوصا مع احتماله الحمل على التقية كسابقه كما في الرياض، والموثق
مع قصوره عن المقاومة أيضا لا ينطبق على المختار عندنا من دخول وقت الظهر
بمجرد الزوال واشتراكها مع العصر بما بعد وقت الاختصاص، أو مطلقا على القولين.
ومن ذلك كله تعرف ما في المحكي عن بعض أفاضل المتأخرين من التوقف وعدم
الترجيح معللا له بتعارض الصحيحين واحتمال كل منهما الحمل على الآخر، إذ لا يخفى
عليك رجحان حمل هذا الصحيح على الأول للشهرة والاجماع المحكي والموافقة للعمومات
والاطلاقات، وأقربية التصرف فيه من التصرف في الأول، إذ غايته صرف الأمر
فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت من غير مضي مقدار الصلاة
بالشرائط كما سمعته سابقا، وهو في غاية البعد، لأن الخروج إلى محل الترخص بعد
دخول الوقت في المنزل كما هو نص مورده يستلزم مضي وقت الصلاتين بل وأكثر،
ولا أقل من أحدهما قطعا، مع أنه عليه السلام أمر بالقصر من غير استفصال عن مضي
358

مقدارهما أو أحدهما، مع أن قوله فيه: (فلا أصلي حتى أخرج) كالصريح في تمكنه
من الصلاة قبل الخروج، مع أن تأكيد الحكم بالقسم على تقديره يلغو عن الفائدة
الظاهرة منه، وهي رفع ما يتوهم من وجوب التمام أو جوازه، إذ هو ليس محل توهم
لأحد حينئذ لخلافه على الظاهر، لعله لذا اعترف الفاضل المذكور فيما حكي عنه بأن هذا
الصحيح أقبل للتأويل من ذلك على أن المراد (من ظ) خرج من سفره أشرف عليه
لا الخروج حقيقة، وهو كما ذكره.
وكذا تعرف من ذلك كله ما في القول بالتخيير مع استحباب التمام الذي منشأه
دعوى تعارض الأدلة وتكافئها الموجب للعمل بها جميعا على التخيير، خصوصا مع
ورود صحيح منصور (1) بذلك في المسألة الثانية، قال: (سمعت أبا عبد الله (عليه
السلام) يقول: إذا كان في سفره فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار
حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وإن شاء أتم، والاتمام أحب إلي) لمنع التكافؤ أولا
كما هو واضح، وصراحة بعض (2) تلك الأخبار السابقة في نفي التخيير مع استحباب
التمام كالحلف بالله ونحوه ثانيا، وكون الخبر المزبور في المسألة الثانية لا فيما نحن فيه ولا
تلازم بينهما، مع أن معارضه بالنسبة إليها أكثر مما هنا عددا وأقوى دلالة، ولذا راعى
فيها حال الأداء من قال بمراعاة حال الوجوب هنا، لاستفاضة الروايات هناك بانقطاع
حكم السفر بالوصول إلى المنزل، وأنه يقصر حتى يدخل أهله، فطرحه حينئذ بالنسبة
إليها متعين، خصوصا مع إمكان القدح بصحة سنده، و احتماله كما قيل الحمل على التقية
لأنه مذهب بعض العامة.
وأما القول بالتفصيل المزبور جمعا بين الأدلة بشهادة الموثق (3) (سمعت

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9 - 2 - 6
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9 - 2 - 6
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 9 - 2 - 6
359

أبا الحسن (عليه السلام) يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: إن
كان لا يخاف فوت الوقت فليتم، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر) ونحوه
خبر الحكم بن مسكين (1) فهو - مع أن التأمل في تلك الأدلة يشرف الفقيه على القطع
بعدمه، وضعف سند الثاني منهما - مدفوع بأنه لا شهادة في شئ منهما على ذلك
لاحتمالهما أو ظهورهما في إرادة الضيق والسعة بالنسبة للدخول وعدمه على معنى أنه إن
وسع الوقت للدخول فليدخل ويتم، وإلا فليصل قصرا قبل الدخول وهو مسافر، كما
في صحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) (في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل
عليه وقت الصلاة فقال: إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتم، وإن كان
يخاف أن يخرج الوقت قيل أن يدخل فليصل وليقصر) فهما بالدلالة على خلاف المطلوب
أولى، فلا جهة لتحكيمهما على تلك الأدلة كما هو واضح، لكن ومع ذلك فالاحتياط
بالجمع بين القصر والاتمام مما لا ينبغي تركه في مثل المقام المعلوم شغل الذمة به، ومن
الغريب ما في المختلف من الاستدلال على مختاره بأنه أوفق في الاحتياط من القصر،
لأنه إذا جاء به برئت ذمته قطعا بخلافه لو قصر، وهو كما ترى، إذ من الواضح أن
الاحتياط بالجمع بينهما لا بفعل التمام وحده، إذ ليس هو قصرا وزيادة. والله أعلم.
(وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر) بعد مضي زمان يسع
الصلاة (والوقت باق) ولكن المشهور هنا بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أن (الاتمام
هنا أشبه) اعتبارا بحال الأداء، حتى أن مثل العلامة والشهيدين ممن اعتبر حال
الوجوب هناك قال هنا باعتبار حال الأداء، بل اكتفى في ثبوته بسعة الوقت لادراك
الركعة من الفريضة مع الشرائط، وهو كذلك، وإن كان ليس له فعل ذلك اختيارا،

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7 - 8
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 7 - 8
360

بل اعترف غير واحد بعدم معروفية القائل بتعيين القصر وإن كان يفهم من المتن، بل صرح
بعضهم بنسبته إلى القيل، بل في السرائر (أنه لم يذهب إلى ذلك أحد، ولم يقل به
فقيه، ولا مصنف ذكره في كتابه لا منا ولا من مخالفينا) إلى آخره: لكن يدل عليه
بعض النصوص (1) السابقة إلا أنه يجب رفع اليد عنها أو تأويلها ببعض ما عرفت،
لمعارضته بمثل ما مر حتى الاجماع المحكي مع زيادة عظم الشهرة هنا، ومعروفية انقطاع
السفر بالمرور بالمنزل نصا وفتوى، وصحيح العيص بن القاسم (2) (سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته قبل أن
يصليها قال: يصليها أربعا، وقال: لا يزال يقصر حتى يدخل بيته) وأما القول بالتخيير
أو التفصيل فهما وإن نسب أولهما إلى الشيخ وثانيهما إلى ابن الجنيد إلا أنه لم نتحققهما
أيضا ولكن دليلهما مع الجواب عنه يظهر مما عرفت، بل هذا المقام أولى بجميع
ما ذكرناه في ذلك المقام كما لا يخفى.
(ويستحب أن يقول عقيب كل فريضة) مقصورة (ثلاثين مرة سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر جبرا) للنقصان العارض (للفريضة) بلا خلاف
أجده، لخبر سليمان المروزي (3) قال: (قال الفقيه العسكري (عليه السلام): يجب على المسافر أن يقول
في دبر كل صلاة فيها: سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاثين
مرة لتمام الصلاة) إذ هو وإن كان مشتملا على لفظ الوجوب إلا أنه لما لم يقل به أحد
كما اعترف به في الرياض وكان الخبر ضعيف السند اتجه حمله على إرادة مطلق الثبوت
أو تأكد الاستحباب منه، على أنه يمكن منع كون لفظ الوجوب حقيقة في المعنى
المصطلح بحيث يحمل عليه إذا ورد في الكتاب والسنة.

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 4
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 5 - 4
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
361

ثم إنه لا ريب في ظهور النص كالمتن في اختصاص المقصورة بذلك، لكن قيل
إنه روي (1) استحبابها عقيب كل فريضة، فيكون استحبابها هنا آكد ولا بأس به،
وهل يتداخل الجبر والتعقيب أم يستحب التكرار وجهان أحوطهما الثاني، والأمر سهل.
(ولا يلزم المسافر متابعة الحاضر إذا ائتم به بل يقتصر على فرضه ويسلم
منفردا) كما تقدم تفصيل الحال فيه في فصل الجماعة.
(وأما اللواحق فمسائل: الأولى إذا خرج من منزله إلى مسافة فمنعه مانع)
عن قطعها (اعتبر، فإن كان بحيث يخفى عليه الأذان) أو الجدران بناء على الاكتفاء
بأحدهما (قصر إذا لم يرجع عن نية السفر) بتردد أو عزم على العدم بلا خلاف ولا إشكال
لأنه مسافر حينئذ، كما أنه فاقد للشرط مع فرض عدم استمرار قصده، نعم قيده
بعضهم بما إذا لم يمضي عليه ثلاثون يوما أو ينوي الإقامة، وهو في محله بالنسبة إلى
الثاني، وأما الأول فقد يناقش بأن ظاهر الأدلة السابقة المقتضية للتمام بسببه اعتبار
التردد من المسافر نفسه في السفر لا العازم الذي يكون منعه من غير، ولعله لذا حكي عن
المحقق الثاني هنا الحكم بالتقصير وإن مضى له ثلاثون يوما، إلا أنه قد يدفع بأن ظاهر
تلك هو عدم علم المسافر بأنه يسير غدا أو بعد غد ولو للتعليق على أمر ليس من قبله
كما ذكرناه سابقا، فلاحظ.
(وإن كان بحيث يسمعه) أي الأذان (أو بدا له عن نية السفر) ولو لتردده
فيه وفي عدمه (أتم) لأنه لم يخرج عن محل الترخص ولفقدان الشرط وهو استمرار
القصد (ويستوي في ذلك) كله (المسافر في البر والبحر) للاشتراك في الأدلة.
المسألة (الثانية لو خرج إلى مسافة فردته الريح) قبل أن يقطعها (فإن بلغ
سماع الأذان) أو رؤية الجدران (أتم) لأنه في البلد حينئذ (وإلا قصر) إذا لم

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب التعقيب
362

يكن قد رجع عن نيته لأنه مسافر حينئذ، ونحوه لو رجع لقضاء حاجة، وفي المدارك
وعن الموجز وكشفه أنه لا يلحق في هذه الحكم موضع الإقامة، بل قال في الأول:
(يجب التقصير وإن عاد إليه ما لم يعدل عن نية السفر، أما مع العدول فيجب الاتمام
في الموضعين) قلت كأن وجه الأول أنه بخروجه عنه بقصد السفر ساوى غيره، فلا
مدخلية له في نفسه فضلا عن محل الترخص، لكن قضية ذلك أنه لا يرجع إلى التمام
وإن عدل عن السفر ما لم ينو إقامة جديدة، ولعله المراد، وإلا فالقول بالاتمام حينئذ
لا يخلو من نظر، وربما تسمع في المسألة الثالثة ما ينفعك هنا إن شاء الله، فارتقب وتأمل
المسألة (الثالثة) التي اضطربت فيها الأفهام وذلت فيها أقدام كثير من
الاعلام، وهي (إذا عزم) المسافر (على الإقامة في غير بلده عشرة أيام) وقد صلى
فيه فريضة تماما (ثم) أنه (خرج) عنه (إلى ما دون المسافة) لأمر قد بدا له، فهل يبقى
على حكم التمام أو يعود إلى التقصير الثابت له قبل المقام، وأن جمعا من الفضلاء المتأخرين
وجملة من مشائخنا المحققين قد عدلوا في المسألة عما عليه الأصحاب، وخالفوا ما هو
المعروف عندهم في هذا الباب، فمنهم من أوجب التقصير في جميع صورها، ومنهم من
ذهب إلى الاتمام في شقوق المسألة عن آخرها، ولم أقف على موافق لهذين القولين كما
اعترف به العلامة الطباطبائي في مصابيحه فيما اطلعت عليه من الأقوال، ولا نقله ناقل
من الفقهاء في كتب الخلاف والاستدلال (ف‍) إن المستفاد من كلامهم الاجماع على
أنه (إن عزم على العود والإقامة) في ذلك المكان (أتم ذاهبا وعائدا وفي البلد)
كما حكاه عليه في الروض والمصابيح وعن المقاصد العلية، بل عن الغرية عليه عامة
الأصحاب، بل عن كشف الالتباس أنه لا شك ولا خلاف فيه، وهو الحجة بعد
ظهور النصوص (1) أو صراحتها في انقطاع سفره بنية الإقامة، وأنه لا يعود إلى

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب صلاة المسافر
363

التقصير إلا إذا خرج قاصدا للمسافة، لا أقل من استصحاب حكم التمام حتى يثبت
المزيل، بل على ذلك لا فرق بين أن ينوي العشرة في بلد الإقامة وغيرها مما هو دون
المسافة كما عن مجمع البرهان التصريح به، لاشتراكهما معا في المقتضي المزبور وإن كان
ظاهر عبارات الأصحاب الأول كما في الذكرى الاعتراف به، إلا أنه لا يبعد عدم
إرادتهم ذلك على وجه الشرطية، بل كأنه مقطوع به.
وكذا المستفاد من كلامهم الاتفاق على وجوب القصر على مريد العود دون
الإقامة في الإياب ومحل الإقامة كما اعترف به العلامة الطباطبائي وتلميذه شيخنا في مفتاح
الكرامة، بل قيل هو ظاهر حصر الخلاف في المسألة بقولين في المسالك والروض
وجامع المقاصد وكشف الالتباس وفوائد الشرائع، بل عن الأخير وإرشاد الجعفرية
نفي الخلاف فيه، بل قيل إنه صريح كلام ثاني الشهيدين في نتائج الأفكار حيث قال
في أثناء كلام له: (إن أقوال أصحابنا منحصرة في هذا القسم في قولين: أحدهما
القصر مطلقا، والثاني القصر في العود، فالتفصيل بالتمام في بعض الأقسام إحداث قول
ثالث رافع لما وقع عليه الاجماع المركب، كما أن أولهما نسبه إلى المتأخرين في ذكراه).
قلت: ويؤيده تتبع ما وصل إلينا من كلمات الأصحاب بواسطة وبدونها من
المبسوط والقاضي والسرائر والمختلف والمنتهى والتذكرة والنهاية والتحرير والقواعد
والدروس والبيان والموجز وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد والجعفرية
والميسية وإرشاد الجعفرية والمدارك والغرية والدرة السنية والذخيرة والكفاية وغيرها
وإن كان المفروض في عبارات الشيخ والقاضي والسرائر المقيم في مكة إذا أراد الخروج
إلى عرفات ومنى لقضاء نسكه إلا أنه من المقطوع إرادتهم المثال من ذلك وأنه
لا خصوصية له كما يومي إليه تعليلهم الحكم المزبور، بل هو كصريح كلماتهم، كما
لا يخفى على من لاحظ عباراتهم، كما أنه من المقطوع به بملاحظتها أيضا أن بناء المسألة
364

في الفرض على كون الخروج إلى عرفات دون المسافة، لعدم ضم الذهاب إلى الإياب
لغير يومه المعلوم انتفاؤه في المقام لمكان قضاء النسك، أما بناء على اعتبار الضم مطلقا
كما سمعته سابقا فليس الفرض مما نحن فيه قطعا.
نعم يبقى إشكال على خصوص كلام الشيخ، لحكمه بالتخيير بين القصر
والاتمام لقاصد الأربع، فيكف يتجه له حينئذ القول بتعين الاتمام هنا مع إرادة
العود والإقامة، وعرفات على أربع فراسخ من مكة، اللهم إلا أن يريد الاتمام على
أنه أحد فردي الواجب المخير أو أنه بنى الكلام هنا على القول الآخر، وهو تعين
الاتمام في قاصد الأربعة الذي لم يضم الذهاب إلى الإياب في يوم واحد، أو أنه لم
يثبت عنده كون عرفات على أربع فراسخ وإن صرح به في القاموس، ودلت عليه
النصوص (1) كما قيل، أو غير ذلك، ولا يرد مثل هذا على حكمهم بالقصر إذا لم يرد
العود والإقامة، وذلك لأن بناء والاشكال على كون التخيير للمسافة التلفيقية، وليس
كذلك في المقام، إذ الفرض أنه قاصد مسافة إما بخروجه إلى المقصد أو بعوده منه على
القولين، وبالجملة لم نقف على قائل بالاتمام في المقام، ولا من حكي عنه ذلك سوى
ما يحكى عن حواشي الشهيد على القواعد ناقلا له عن مصنفها فيمن خرج من الحلة إلى
زيارة الحسين (عليه السلام) يوم النصف من رجب عازما على الرجوع إلى الحلة لزيارة أمير المؤمنين
(عليه السلام) يوم السابع والعشرين منه أنه يقصر مطلقا ويتم احتياطا، والتمام
أرجح، قيل وهذا هو المنقول عنه في أجوبة مسائل السيد السعيد المهنا ابن سنان المدني،
وعن ولده فخر الاسلام في بعض الحواشي على الهوامش، وفي بعض نسخ إيضاحه كما
قدمنا نقله سابقا، مع أن الأول لا صراحة فيه بكون الحكم التمام، بل لعل ظاهره
القصر، أو أن كلامه من المجملات، والثاني لم يثبت النسبة إليه، مع أنه شاذ، خصوصا

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب صلاة المسافر
365

وظاهره الاتمام حتى لو كان في ابتداء نيته التردد فيما دون المسافة، وقد عرفت ما فيه
سابقا، وكفى بذلك دليلا على الحكم المذكور، إذ هو إن لم يكن إجماعا كاشفا عن
رأي المعصوم فلا ريب في حصول العلم من مثل هذا الاتفاق بوصول دليل معتبر دلهم
على ذلك بحيث لو اطلعنا عليه لقلنا كمقالتهم، وكلما يفرض من الاحتمالات ينفيه القطع
العادي بعدمه من المجموع.
مع أنه يمكن أن يستدل عليه مضافا إلى الاجماع المحكي الذي يشهد له ما سمعت
باندراجه فيما دل على القصر على المسافر المقتصر في الخروج عنه على المتيقن، وهو غير
الفرض، إذ نية الإقامة لا تخرجه قطعا عن صدق المسافر، وبنحو صحيح أبي ولاد (1)
السابق، ضرورة صدق الخروج بالنسبة إلى الفرض، إذ دعوى إرادة غير المشتمل على
قصد العود عنه ممنوعة، وبصدق قصد المسافة عليه عند إرادة العود، أقصاه المرور
بمحل الإقامة، وهو ليس من القواطع، ولا ينافيه كثرة إرادة (2) المكث فيه بعد قصوره
عن قصد الإقامة الشرعية، إذ هو مار شرعا، وكذا لا ينافيه عدم كون محل الإقامة
في جهة البلد التي يريد السفر إليها، ضرورة اختلاف الأغراض والمقاصد للمسافرين في
محل مرورهم، فتارة يكون غرضه في مكان على الجهة، وأخرى على خلافها، بل قد
يقال وكذا لا ينافيه إرادة تكرار العود إلى محل الإقامة وما دون المسافة بالنسبة إليها
وعدمه، كما هو قضية إطلاق الأصحاب وتعليقهم القصر على مجرد عدم قصد الإقامة،
إذ هو على كل حال قاصد قطع المسافة وإن اتفق له التردد في أثنائها لبعض الأغراض،
سواء قصد ذلك ابتداء أو طرأ له في الأثناء، كما إذا لم ينو الإقامة أصلا أو لم يكن عازما
على العود إلا أنه طرأ له، فإن ذلك كله محسوب عليه من سفره ومسافته وإن لم يكن

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " إرادة كثرة المكث فيه "
366

هو من المتعارف في الطريق إلى البلد التي يريد الوصول إليها.
لكن الانصاف أنه من المحتمل قويا تنزيل إطلاق الأصحاب على خصوص
مريد العود دون الإقامة ثم الخروج بعد إلى مسافة من غير إرادة تكرار الخروج الأول
ويؤيده ما في كشف التباس الصيمري من (أن كثيرا من الناس جهلوا مراد المصنفين
بقولهم: (فإن عاد لا بنية الإقامة قصر) وضلوا عن الطريق الواضح المستبين،
فزعموا أن مرادهم أنه إذا خرج بعد الإقامة عشرا إلى ما فوق الخفاء ودون المسافة بنية
العود إلى موضع الإقامة لا يجوز له الاتمام إلا مع نية إقامة عشرة أخرى مستأنفة،
ولو عاد بغير نية إقامة عشرة مستأنفة وعزمه الخروج ثانيا إلى ما فوق الخفاء ودون
المسافة لا يجوز له الاتمام ويجب عليه التقصير، وهو جهل وضلالة بمراد المصنفين، لأن
مرادهم بذلك القول هو ما إذا كان قصده بعد الرجوع الخروج إلى مسافة، ولو كان
قصده الخروج ولو كل يوم إلى ما دون المسافة لم يجز له التقصير باجماع المسلمين، لما عرفت
من أن نية الإقامة عشرا مع الصلاة تماما ولو فريضة واحدة تقطع السفر وتوجب الاتمام
حتى يقصد مسافة أخرى، وقد صرح به الأصحاب في مصنفاتهم، قال الشهيد في
دروسه: (لو خرج بعد عزم الإقامة وقد صلى تماما اشترطت مسافة أخرى) وقال
في بيانه: (ولو خرج بعدها اعتبرت المسافة - إلى أن قال - فعلى هذا لو خرج كل
يوم إلى ما فوق الخفاء ودون المسافة فهو باق على الاتمام حتى يخرج بقصد مسافة، فإنه
يقصر عند الخفاء) ولو عاد بقصد الخروج قبل العشرة إلى مسافة قصر عند الشهيد
والمصنف، وعند الخروج على مذهب العلامة والمحقق، فقد تحقق الصواب وزال
الارتياب) ووافقه عليه المقدس البغدادي، إلا أن القطع باجماع المسلمين على ذلك
مع إطلاق عبارات الأصحاب وظهورها في أن المدار في التقصير على عدم قصد
الإقامة المستأنفة، على أن الغالب حصول التكرار إذا بقي تسعة أيام مثلا، خصوصا
367

في مثل المقيم في بغداد بالنسبة إلى بلد الكاظمين (عليهما السلام) وفي مكة بالنسبة إلى
منى وعرفة - محتاج إلى جرأة، وكأن الذي ألجأه إلى ذلك استبعاد احتسابه مسافرا
وقاصدا للمسافة من ابتداء عوده مع إرادته التكرار، كما أومأ إليه بقوله: (وقد صرح
الأصحاب) إلى آخره.
لكنك خبير بأنه يمكن أن يقال إنه وإن كان كذلك بادي الرأي إلا أنه
مع التأمل ومراعاة قواعد الشرع في المسافر والمقيم التي هي لا تنطبق على ما في العرف
في بعض الأحيان يرتفع ذلك الاستبعاد، ويعلم أن مراد الأصحاب بقصد المسافة
ما يشمل مثل المقام، وأنه لا يضره هذا التردد في الأثناء من غير فرق بين قصده ذلك
ابتداء أو بدا له في الأثناء وإن كان ظاهر الكشف الاعتراف به في الثاني، ولا بين
قلته وكثرته، ولا بين التردد إلى مكان مخصوص أو غيره، فلا تناقض حينئذ بين
كلماتهم كي يلتجأ منه إلى ما ذكره، بل قد يقوى في النظر، أن المتجه على كلام الشيخ
ومن تبعه من القائلين بالقصر ذهابا وإيابا ومقصدا عدم الفرق بين التكرار وعدمه،
لاقتضاء دليلهم ذلك.
نعم يتجه الفرق على مختار المتأخرين من التفصيل بين الذهاب والعود، فيقصر
في الأخير خاصة، ضرورة أنه لا يعقل منهم الفرق بين الذهاب الأول الذي حكموا
بالتمام فيه وبين الذهاب الثاني أو الثالث، إذ من المستبعد أن يحكموا بصدق السفر عليه
مع هذا القصد ابتداء من حين الشروع في العود ثم الذهاب ثم الإياب وهكذا دون
الذهاب الأول، ولعله إلى ذلك لوح المقدس الأردبيلي فيما حكي عنه، حيث قال:
(وأما مع عدم نية الإقامة فيكون قاصدا للرجوع مع عدم الإقامة المستأنفة أو مترددا
أو ذاهلا، فالظاهر وجوب الاتمام مطلقا إلا أن يكون في نفسه السفر إلى بلد يكون
مسافة بعد العود وقبل الإقامة، ويكون بالخروج عن بلد الإقامة قاصدا ذلك بحيث
368

يقال إنه مسافر إلى ذلك البلد إلا أن له شغلا في موضع منها فيقضي شغله ثم يرجع إلى
بلد الإقامة، فحينئذ يكون مقصرا بمجرد الخروج إلى محل الترخص مع نية العود - ثم
قال -: وبالجملة الحكم تابع لقصده، فإن صدق عليه عرفا أنه مسافر وتحققت شرائط
القصر قصر وإلا أتم - إلى أن قال -: وليس هذا بخارج عن القوانين ولاعن إجماعهم
الذي نقل على وجوب القصر حين العود، لاحتمال كلامهم ذلك، فإنه مجمل غير مفصل
- ثم قال بعد ذلك - إنهم قالوا: لا بد للقصر بعد الإقامة من قصد مسافة أخرى ومن
الخروج إلى محل الترخص بقصد تلك المسافة بحيث يكون هذا الخروج جزء من ذلك
السفر، ومعلوم عدم تحقق ذلك فيما نحن فيه).
وإن كان في كلامه نظر أيضا من وجوه تعرف مما تقدم، وأعظمها دعواه
الاجمال في كلمات الأصحاب، وتنزيله الاجماع المزبور على تلك الصورة المزبورة خاصة
مع أنه لم يستقر عليها حتى قال ما سمعته أخيرا مما نسبه إلى الأصحاب من اعتبارهم
كون هذا الخروج جزء من ذلك السفر الذي هو واضح المنع إن أراد الجميع، خصوصا
بعد مراعاة كلامهم في المقام كوضوح المنع فيما يحكي عن بعض من تقدم على الشهيد الثاني
حيث زعم التناقض في كلمات المقام بين من أطلق القصر فيه وبين ما تقدم لهم من أن
ناوي الإقامة لا يعود إلى القصر بعد أن صلى تماما إلا إذا خرج قاصدا للمسافة، فأجاب
بحمل كلامهم هنا على ما إذا خرج قبل الصلاة تماما، بل هو من الغرائب التي لا يعذر
العالم في وقوع أمثالها منه، وكيف والمقطوع به من كلمات الأصحاب هنا إرادة خروج
من كان فرضه التمام إلى ما دون المسافة، وإن لم ينص عليه بعضهم ممن هو معتبر له،
كما لو ينص على بعض الأمور الأخر اعتمادا على كون الناظر من أهل النظر، وإلا فما
ذكره يرجع إلى القصر من غير حاجة للخروج إلى ما دون المسافة، بل وكذا ما ذكره
الشهيد أيضا نفسه من التفصيل، وحاصله الفرق بين ما يكون العود مما هو دون المسافة
369

فيه قرب إلى بلده مثلا أو صورة رجوع إليه وبين ما لا يكون كذلك، فيقصر في
الأول دون الثاني.
ثم قال: (لا يقال إن هذا خرق للاجماع المركب، إذ الناس بين قولين، فلا
قائل حينئذ بالتفصيل المزبور، لأنا نقول إن القائل به أكثر الأصحاب، لأنهم قد
أسلفوا قاعدة كلية، وهي أن كل من نوى إقامة عشرة وصلى تماما ثم بدا له في الإقامة
فإنه يبقى على التمام إلى أن يقصد مسافة جديدة، وما ذكرناه هنا من أفراد هذه
القاعدة وإن كان ظاهرهم أنها مسألة برأسها) ومراده أنه لا يتحقق صدق قصد المسافة
عليه إلا بما سمعته من التفصيل، ضرورة أنه لو كان المقصد مثلا في بعض الطريق التي
سلكها من بلده بحيث يكون الخروج إليه بعد نية الإقامة بصورة الرجوع إلى البلد
ورجوعه منه بصورة الذهاب لم يعقل كون الرجوع من محل هذا شأنه رجوعا إلى بلد
المسافر، وهو طرف النقيض للرجوع.
وفيه أن المدار على صدق قصد المسافة والسفر والتغير عن محل الإقامة بعد في
مكان من الأمكنة التي هي دون المسافة بالنسبة إلى محل إقامته، لا أن المدار على صدق
الرجوع إلى البلد وعدمه، ولا ريب في تحقق الأول بمجرد قصده نزع ثوب الإقامة
والاستقرار تلك المدة والرجوع إلى حاله قبل الإقامة، ثم ضرب في الأرض حتى
خرج عن محل الترخص من محل إقامته، سواء كان قطعه لهذه المسافة مستديرا أو
متعاكسا أو ملفقا أو غير ذلك، إذ المدار على أنه شرع فيما كان عليه قبل الإقامة من
لباس ثوب السفر على مقتضى أغراضه ومقاصده التي تتعلق في بعض الأمكنة ذهابا
وإيابا، وليس المدار على صورة الرجوع أو قصده أو عليهما وعدمهما، على أنه قد يكون
المسافر على حالة يظن كل من رآه عليها أنه ذاهب عن بلده، وهو في الواقع راجع إليها
إلا أنه صدرت منه تلك الحالة لعارض من ماء أو خوف طريق أو غيرهما، وبالعكس،
370

فإن اشتباهات العرف خصوصا في المصاديق كثيرة.
بل من التأمل فيما ذكرنا يظهر قوة قول الشيخ ومن تابعه كالقاضي والحلي
والفاضل في كثير من كتبه وعن الغرية والدرة السنية بالتقصير في الفرض في الذهاب
والمقصد أيضا، بل ربما قيل إنه ظاهر المتن ومن عبر نحوه أيضا، بل نسبه الشهيد
إلى المتأخرين.
خلافه لجماعة من المتأخرين منهم الشهيد والمحقق الثاني وغيرهما فلا يقصر في الذهاب
ويقصر في العود، بل عن الحدائق الظاهر أنه المشهور، بل نسبه العلامة الطباطبائي
إلى أكثر المتأخرين وإن كان فيهما معا نظر لا يخفى على المتتبع.
نعم بين ما ذكره الشهيد منهم خاصة وبين غيره فرق من وجهين: أحدهما أنهم
صرحوا بوجوب الاتمام لغير ناوي الإقامة بعد العود في المقصد أيضا كما في الذهاب،
وأن التقصير إنما هو في العود خاصة، بخلاف الشهيد فألحق المقصد بالعود في التقصير
أيضا، حيث قال في الدروس: (ولو خرج ناوي الإقامة عشرا إلى ما دون المسافة
عازما على العود والمقام عشرا مستأنفة أتم ذاهبا وعائدا ومقيما، وإن عزم على المفارقة
قصر، وإن نوى العود ولم ينو العشر فوجهان أقربهما القصر لا في الذهاب) وقال
في البيان: (وإذا عزم على الإقامة في بلد عشرا ثم خرج إلى ما دون المسافة عازما على
العود وإقامة عشرة أخرى أتم في ذهابه وإيابه وإقامته، وإن عزم على مجرد العود
قصر، وإن عزم على إقامة دون العشر فوجهان، أقربهما الاتمام في ذهابه
خاصة) إلى آخره.
ويمكن أن يقال إن المقصود من وجوب القصر في غير الذهاب وجوبه في العود
والبلد، ومن وجوب الاتمام فيه خاصة عدم وجوبه فيهما بقرينة حكمه بالاتمام في صورة
العزم على الإقامة في الذهاب والعود والبلد، فإن التخصيص في صورة عدم العزم ينبغي
371

أن يكون في مقابلة التعميم في تلك الصورة، فلا دلالة حينئذ في العبارة على القصر في
المقصد وإن كانت قاصرة عن إفادة الاتمام فيه أيضا إلا أن دليل التفصيل على تقدير
تمامه يقتضي عدم الفرق بين الذهاب والمقصد، فتبعد التفرقة فيه بينهما، ويقرب أن
يكون سكوته عن حكم المقصد صريحا تعويلا على إفادة الدليل له) وعلى هذه فلا مخالفة
بين قولهم وبين قول الشهيد من هذه الجهة، كيف وقد صرحوا بموافقتهم فيما اختاروه
مع تصريحهم بوجوب الاتمام في المقصد أيضا، ولولا ما قلناه لم يكن ما ذكروه موافقا
لحصول المخالفة بينهما في حكم المقصد، بل كان ذلك قولا ثالثا في المسألة.
وفيه مع ما ذكر أنه مخالف لتصريحهم بانحصار الأقوال فيما ذهب إليه الأكثرون
من القصر مطلقا وما ذكره الشهيد من التفصيل.
وثانيهما أنهم أطلقوا التفصيل بوجوب القصر في العود والاتمام فيما عداه بحيث
يتناول العازم على إقامة ما دون العشر بعد العود والعازم على مجرد العود والمرور بمحل
الإقامة، وخصه الشهيد في البيان بالقسم الأول، وأوجب القصر على قاصد العود من
غير إقامة مطلقا، قيل: وكلامه في الذكرى يشعر بذلك أيضا حيث ذكر ما يقتضي
تمريض قول الشيخ ومن تابعه في حكمهم بالقصر في القسم الأول مؤذنا بأن إطلاق
القصر في القسم الثاني مما لا ينبغي التأمل فيه، وكيف كان فهذا التفصيل من خواصه لم
نعرفه لأحد قبله ولا بعده كما اعترف به بعض مشائخنا، بل قال إنه قد نص بعضهم
كالشهيد الثاني على عدم الفرق، وهو الذي يقتضيه إطلاق غيره.
وكيف كان فحجة الشيخ ومن تابعه - مضافا إلى إطلاق أدلة القصر على
المسافر التي يجب في الخروج عنها الاقتصار على المتيقن، وهو غير الفرض ممن نوى
الإقامة، وإلى إطلاق ما دل على إتمام المقيم حتى يخرج الشامل للفرض - أنه نقض
المقام بالمفارقة، فيعود إلى حكم السفر، لصدق قصد المسافة عليه، بل هو كذلك في
372

بعض الأفراد قطعا، كما لو كان محل إقامته خانا أو شبهه مما هو من السبيل عرفا ثم قصد
إتمام السفر على وجه الاعراض عن الإقامة الأولى والقصد إلى ما كان عليه من إتمام
السفر، نعم عزم على العود بهذا الطريق التي يتعارف المرور فيها بمحل الإقامة على أنها
مقر ومنزل من المنازل، خصوصا إذا كان من قصده قيلولة ونحوها، فإنه لا ريب في
صدق المسافر عليه بأول خروجه وصدق قصد المسافة عليه كذلك، ولا قائل بالفصل
في الأعصار السابقة، إذ قد عرفت حدوثه في مثل هذه الأزمنة، فيتم المطلوب في
الجميع حينئذ.
واستصحاب التمام قد يمنع جريانه في المقام وغيره مما علق الشارع فيه استمرار
الحكم إلى غاية علم بعض مصداقها وشك في غيره، كما أنه يمنع في المقام ما اشتهر عندهم في غيره
- حتى قيل إنه حكى الاجماع عليه ثاني الشهيدين في نتائج الأفكار وصاحب الغرية -
من عدم ضم الذهاب إلى الإياب وإن كان الإياب يبلغ وحده مسافة في غير مسألة الأربع
ليومه أو مطلقا بعد تسليمه لهم ذلك هناك في ذي المنازل، وفي الهائم الذي قطع مسافة
في هيمانه وقصد الوصول بعد إلى مكان خاص لا يبلغ المسافة ثم العود، وفيمن ذهب
ثلاثة ثم آب في سبعة وغير ذلك،، إلا أنا نمنعه في المقام، لأن دليله بعد التسليم وما حكى
من الاجماع، وهو لو سلم هناك فلا ريب في منعه هنا كما اعترف به في الرياض وغيره
لذهاب الشيخ والأكثر إلى خلافه، بل لعله كذلك عند الجميع، كما يومي إليه
ظهور كلماتهم في أن محل البحث هنا إذا قصد العود إلى محل الإقامة، أما إذا
قصد الفراق فلا إشكال عندهم في وجوب القصر عليه بخروجه عن محل الإقامة
أو إلى أن يتجاوز محل الترخص منها على الوجهين السابقين، بل حكى الاجماع
عليه غير واحد، ومن أفراده ما لو قصد العود لكن لا إلى محل الإقامة بل إلى مكان
آخر مثلا محاذيه في الجهة بينهما مقدار محل الترخص أو أزيد، فيعلم منه حينئذ عدم
373

تناول تلك المسألة لمثل المقام، بل هو كالمسافر الذي قصد في أثناء سفره الميل إلى مكان
ثم الرجوع إلى ذلك الطريق الذي كان سالكه، فإنه لا إشكال في وجوب القصر عليه في
ذلك الميل ذهابا وإيابا ومقصدا، إذ قد عرفت سابقا أنا لم نعتبر في المسافة كونها
امتدادية، بل يكفي المستديرة والمتعاكسة وغيرهما.
وبالجملة دعوى الاجماع على عدم ضم الذهاب إلى الإياب بحيث يشمل المقام على
وجه يستكشف منه قول المعصوم (عليه السلام) واضحة المنع، ولعله لذا ضعفها في
الرياض وعن الحدائق بمصير الشيخ وأتباعه إلى عدمها، وكأنهما لحظا مذهبهم في المقام
ضرورة استلزامه القول بالضم المزبور، إذ احتمال بناء قوله بالقصر هنا في الذهاب
والإياب على عدم قطع الإقامة مع الصلاة تماما السفر، أو على انقطاع حكمها ولو بالخروج
إلى غير مسافة يدفعهما مخالفة الأول للاجماع وظاهر النصوص، بل ولحكمه نفسه باتمام
ناوي العود والإقامة، ولولا أنها غير قاطعة للسفر لم يتجه ذلك، كما أنه لم يتجه هو أيضا
بناء على انقطاع حكمها عنده بمطلق الخروج، بل كلامهم في ذي المنازل المحكوم بمساواة
المقيم له صريح في خلافه، كصراحة استدلال الشيخ على ما نحن فيه بأن نقض مقامه
بالسفر بينه وبين بلده يقصر في مثله بخلافه أيضا، بل كأنه مجمع على خلافه كما ادعي،
بل قد يدعى كون عدم تقصير المقيم إلا بقصد المسافة من الواضحات، فلم يبق إلا بناؤه
على اعتبار الضم المزبور هنا.
ومن هنا قيل إن الجميع متفقون على كون القاطع لحكم الإقامة قصد المسافة
وتحقق السفر، لكن البحث في صدق ذلك عليه بمجرد الخروج مطلقا، أو بالشروع
في العود كذلك، أو بالخروج عن محل الإقامة بعد العود مما دون المسافة، أو التفصيل،
فالشيخ وأتباعه على الأول، والشهيد ومن تأخر عنه على الثاني، وبعض أهل العصر على
الثالث، والبعض الآخر وبعض من تقدم عليهم يسير على الرابع على اختلافهم في
374

وجوهه، لزعم اختلاف العرف في الحكم عليه بالسفر وعدمه، إلا أنك قد عرفت فيما
مضى دعوى الاجماع المركب على خلافه، وأن الناس بين قائل بالتقصير بمجرد الخروج
وقائل به بالعود، أو هو مع المقصد، وإن كان الأخير في غاية الضعف بل لم نعرفه لغير
الشهيد، مع أنك سمعت إمكان تأويل عبارته، كما أنه لم نعرف ما يدل عليه، ضرورة
اقتضاء دليلهم على تقدير تمامه الاختصاص بالعود وإلحاق المقصد بالذهاب، فانحصر
الخلاف حينئذ بالقولين كما اعترف به من عرفت من الأساطين.
ولولا ذلك لكان التفصيل في الجملة متجها، لوضوح عدم صدق السفر، وقصد
المسافة والخروج لها على من خرج بلا فاصل معتد به بعد نية الإقامة والصلاة تماما إلى
ما فوق محل الترخص بيسير ورجع في الحال عازما على إتمام إقامته بأول خروجه،
كوضوح صدق اسم السفر على من خرج بعد إتمام أكثر إقامته إلى ما بقي له مما شد
الرحال له مثلا بقصد نزع لباس ذلك الاستقرار والرجوع إلى لبس ما كان عليه من
ثياب الأسفار إلا أنه قصد مع ذلك المرور بمحل إقامته آنا ما على حسب مرور المستطرق
من القوافل وغيرها ولم يكن له غرض أصلا إلا الاجتياز، خصوصا إذا كان محل
الإقامة محلا لذلك كالخان ونحوه، وتارة يختص صدق اسم السفر عليه بأول شروعه في
العود دون الذهاب فينبغي حينئذ إيكال الأمر إلى ذلك، ومع الشك يستصحب التمام
الذي هو الأصل في الصلاة، ولعله نظر إلى بعض ما ذكرنا فيما تقدم عن البيان من
التفصيل بين نية إقامة ما دون العشر وبين من كان قصده المرور حسب، وإن كان لم
يعرف ذلك لغيره، كما أنه لم يعرف ما ذكرناه من التفصيل لأحد قبلنا عدا ما سمعته
من الأردبيلي وبعض من تأخر عنه، وإلا فالمعروف القولان السابقان.
لكن قد يناقش في بلوغ ذلك حد الاجماع الكاشف عن الحكم الواقعي كما
لا يخفى على من تأمل ونظر إلى ما ذكروه مستندا للحكم المزبور، كما أن المناقشة واضحة
375

فيما ادعي من الاجماع دليلا للقول الثاني أي التقصير بالعود دون الذهاب والمقصد الذي
عن فوائد الشرائع أنه المستفاد من الأخبار، ومن قواعد الأصحاب في المدارك،
وهو مركب من دعويين إحداهما الاتمام في الأخيرين وثانيهما القصر في الأول، ففي
الكفاية عن بعضهم الاجماع على الأولى، وفي الذخيرة حكايته عن الشهيد الثاني،
لكني لم أجده فيما حضرني من كتبه كما اعترف به في مفتاح الكرامة، مع أنه من
المستبعد جدا دعواه عليه، وقد عرفت أن القصر مذهب من تقدم على الشهيد، بل
نسبه الشهيد إلى المتأخرين أيضا، ولذا قيل كأنه توهمه مما في نتائج الأفكار من الاتفاق
على عدم الضم المزبور الذي قد عرفت البحث فيه، فلا ريب في ضعف دعوى
الاجماع المذكور.
نعم قد يدل عليها الاستصحاب، وتنزيل محل الإقامة منزلة البلد، وإطلاق
أدلة وجوب التمام على قاصد الإقامة، وظهور ما دل على اعتبار قصد المسافة المعلوم
انتفاؤه في محل الفرض في انقطاع حكم الإقامة، وانسياق إرادة السفر من لفظ الخروج
في خبر أبي ولاد (1) بل ظاهره إرادة المقابل للدخول منه، فلا بد أن يكون مستجمعا
كالدخول لشرائط السفر، بل ينبغي القطع بعدم إرادة مطلق الخروج منه، خصوصا
والسائل أبو ولاد الكوفي، وخروجه على الظاهر إنما يكون إلى العراق، ولذا قال له:
(حتى تخرج) بالتاء المثناة مضافا إلى شهادة الاعتبار، وذلك لأن السفر لما انقطع حكمه بنية
الإقامة مع الصلاة تماما كان الماضي كأنه لم يكن، فلا بد في العود من اجتماع شرائطه
التي من جملتها قصد المسافة، وإلى غير ذلك.
كما أنه يدل على الدعوى الثانية - مضافا إلى نفي الخلاف عنه في المحكي من فوائد

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
376

الشرائع وإرشاد الجعفرية، وإلى ما سمعته سابقا من دعوى عدم القول بالفصل التي
يشهد لها ما عرفت - أنه يصدق عليه قصد المسافة الذي لا ينافيه إرادة المرور بمحل
الإقامة، ودعوى تحقق صدق هذا القصد بمجرد الخروج يدفعها بعد التسليم ما سمعته
من أن كلا من الذهاب والإياب له حكم برأسه، ولا يضم أحدهما إلى الآخر، هذا.
والانصاف يقتضي عدم ترك الاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام وإن كان هو
في حال العود ومحل الإقامة أضعف منه في حال الذهاب والمقصد بمراتب، لكن
لا ينبغي تركه بحال، لعدم إمكان الاطمئنان بحكم الله في خصوص المسألة، لعدم نص
فيها لا صريح ولا ظاهر، وعدم وفاء ما سمعته من الأدلة بجميع تفاصيلها، وناهيك
بالشهيد في الذكرى فضلا عن غيره لم يرجح في المقام على متانته وقوته وعمله بكل ظن
على الظاهر، وإن كان قيل إن الظاهر أن تردده بالنسبة إلى خصوص ما ذهب إليه
الشيخ وموافقوه وما ذهب إليه غيرهم، لا في مثل القصر في العود الذي اتفق عليه
القولان، فتأمل جيدا.
هذا كله إذا قصد العود دون الإقامة، أما إذا كان مترددا أو ذاهلا ففي التقصير
والاتمام وجهان بل قولان.
وتفصيل سائر شقوق المسألة أن ناوي الإقامة بعد الصلاة تماما إذا قصد ما دون
المسافة إما أن يقصد العود إلى محل الإقامة مع إقامة عشرة مستأنفة، أو يقصد العود
من دون الإقامة، أو لا يقصد العود في خروجه بل عزم على المفارقة عن محل الإقامة
والمضي إلى بلده مثلا، أو يقصد العود مترددا في الإقامة وعدمها، أو يخرج مترددا في
العود وعدمه، أو يذهل عن جميع ذلك، فهذه ست صور، أما الأولى فقد عرفت أنه
لا إشكال في الاتمام فيها ذهابا وإيابا ومقصدا ومحل الإقامة، وأما الثانية فقد عرفت
البحث فيها مفصلا، وأن الأساطين من المتقدمين والمتأخرين على القصر في العود فيها،
377

إنما البحث فيها في خصوص الذهاب أو هو والمقصد، وأما الثالثة فالظاهر أنه لا خلاف
في وجوب القصر فيها مطلقا، فإن الباحثين عنها والمتعرضين لها اتفقوا على ذلك من
دون نقل خلاف ولا إشكال، بل اعترف بعضهم بظهور الاتفاق عليها، وإنما ذكروا
الخلاف في مبدأ التقصير فيها وأنه مجرد الخروج عن محل الإقامة أو التجاوز عن محل
الترخص كما تقدم البحث فيه سابقا، نعم ينبغي تقييد القصر بما إذا كان مسافة ولم يعزم
على نية الإقامة فيها دونها.
وأما الصورة الرابعة فكلام القدماء ومن تبعهم من المتأخرين بالنسبة إليها
لا يخلو من احتمال ولا يصفو عن إجمال، فإن قولهم في الفرع السابق الذي أطلنا الكلام
فيه لا يريد مقام عشرة أيام يحتمل أن يكون المراد منه عدم البناء والعزم على العشرة
مطلقا، ومرجعه إلى عدم القطع بها المتحقق بإرادة النقيض أي الأقل من عشرة، أو
العبور والمرور بمحل الإقامة، وبحصول التردد في الإقامة بل والذهول عنها أيضا، فإن
عدم إرادة الإقامة أعم من إرادة عدم الإقامة بمقتضى اللغة، وحينئذ يستفاد من
كلامهم وجوب القصر في هذه الصورة كما في الصورة الثانية حتى بالنسبة إلى الخلاف
المتقدم فيها، ومن هنا حكي عن الغرية وإرشاد الجعفرية الحكم بالقصر في العود في
خصوص هذه الصورة كما هو مختارهما في تلك الصورة، وعن فوائد الشرائع وحاشية
الإرشاد أنه الأقوى، ويحتمل أن يكون المراد منه خصوص الأمر الأول أي العزم
على عدم الإقامة وإرادته دون الأعم منه ومن التردد والذهول، لأن المتفاهم عرفا من
عدم إرادة الإقامة البناء على عدمها خاصة، وإن كان بحسب اللغة أعم من ذلك.
وعلى هذا فلا يظهر من كلامهم حكم هذه الصورة إلا من تعرض لها بالخصوص
كمن عرفت، وكجامع المقاصد والجعفرية، فإنهما قالا فيما حكي عنهما: إن فيها وجهين،
وكالمدارك والذخيرة وعن المصابيح، فقالوا: إن الحكم فيها التمام، ولعله لا يخلو من
378

قوة، لعدم تحقق قصد المسافة التي هي الشرط في انقطاع حكم الإقامة، بل لعله
كذلك حتى على مذهب الشيخ، لعدم تحقق الضم المعتبر عنده في مثل الصورة السابقة.
وأما الخامسة فالمتجه على مختار الشيخ التقصير فيها مطلقا بمجرد الخروج،
لتردده في الحقيقة بين موجبي القصر، اللهم إلا أن يكون مع تردده في العود مترددا
في نية الإقامة الجديدة أيضا، فتكون حينئذ كالصورة الرابعة، وأما على غيره فيقصر
في غير المقصد لتردده أيضا بين الموجبين، ولا يقصر في الذهاب لعدم تحقق قصد
المسافة على وجه يوجب القصر بمجرد الخروج، بل لعله كذلك إذا كان مترددا في
الإقامة وعدمها على تقدير العود لما عرفت أيضا.
وأما السادسة فكذلك أيضا، بل لم يفرق من تعرض لها بينها وبين الرابعة،
فيجري فيها حينئذ ما سمعته بتمامه.
ولو خرج بنية المفارقة ثم عن له قبل قطع تمام المسافة أن يعود ويقيم عشرا
مستأنفة قصر بخروجه، لوجود المقتضي وارتفاع المانع، وأتم من (حين ظ) حصول
النية، لكونه حينئذ بعد تنزيل محل الإقامة منزلة المنزل، كما إذا خرج المسافر من
منزله إلى مسافة مقصورة ثم عن له المقام في أثنائها في موضع لم يصل إليه بعد ولكنه
دون المسافة فإنه يتم في الطريق وموضع الإقامة، ثم يعتبر نهاية مقصده بعد ذلك، لعدم
حصول الاستمرار الذي هو أحد شرائط التقصير، وربما يحتمل انقطاع حكم الإقامة
بمجرد قصد المسافة والضرب في الأرض من دون حاجة إلى اشتراط الاستمرار عليه،
لعدم الدليل عليه، بل لعل الدليل على خلافه، وكونه كالمسافر من منزله قياس لا نقول
به، والأقوى الأول، لظاهر النص والفتوى.
ولو فرض تجدد نية العود لا غير رجع إلى التمام على مذهب الشهيد إلى أن
يأخذ في الرجوح فيقصر، وبقي على التقصير على مذهب الشيخ، ولو انعكس الفرض
379

بأن رجع عن نية العود والإقامة المستأنفة بعد الخروج إلى مقصده رجع إلى التقصير،
لزوال المقتضي للاتمام، وكذا لو رجع عن نية العود عن الشهيد، أما لو رجع إلى محل
الإقامة من غير نية كمن ردته الريح ونحوها فقد سمعت ما ذكره في المدارك، بل في مفتاح
الكرامة أنهم قد صرحوا بوجوب القصر عليه في محل الإقامة، كمن رد لقضاء
حاجة ونحوها مشعرا بدعوى الاجماع عليه، وهو جيد إن بقي مستمرا على قصده
الأول للمسافة.
ويلحق بجميع ما ذكرناه الخارج بعد مضي ثلاثين يوما عليه مترددا كما صرح
به بعض مشايخنا، لأنه من القواطع كما عرفت، فيجري فيه حينئذ ما جرى في الإقامة
ضرورة عدم اختصاصها بدليل مستقل، بل جميع ما ذكرناه فيها إنما هو لكونها من
القواطع، ولتوقف زوال حكمها على قصد مسافة جديدة، وهما معا موجودان فيه،
نعم لا يجري فيه ذلك بناء على كون التردد المزبور من الأحكام لا من القواطع، كما
سمعته سابقا من المقدس البغدادي.
وقد ظهر لك الحال فيه ما تقدم كما أنه ظهر لك مما ذكرناه هنا أن القول
بالاتمام مطلقا في المسألة ذهابا وإيابا ومقصدا ومحل الإقامة لم نتحققه لأحد من أصحابنا
وإن ذهب إليه كما قيل جملة من مشائخنا المعاصرين، وكيف وقد عرفت حدوث تلك
التفاصيل المقتضية للاتمام في الجملة من زمن الشهيد الثاني في رسالته المعمولة في المسألة المسماة
بنتائج الأفكار كما قيل فضلا عن الاتمام، نعم قد عرفت فيما مضى نسبته إلى العلامة في
أجوبة المهنا ابن سنان، وهو مع مخالفته لما في كتبه المشهورة المتواترة ليس بتلك الصراحة
بل لعل ظاهره خلاف هذه النسبة ونسبته إلى ما قد يوجد في بعض الحواشي على الهامش
المنسوبة إلى فخر المحققين، وقد تقدم البحث فيه مفصلا، والله أعلم.
المسألة (الرابعة من دخل في صلاته بنية القصر ثم عن له المقام أتم) بلا خلاف أجده
380

فيه، بل عن ظاهر الذخيرة وصريح التذكرة وإرشاد الجعفرية الاجماع عليه، لاطلاق
أدلة الإقامة، وخصوص صحيح علي بن يقطين (1) سأل أبا الحسن (عليه السلام)
(عن الرجل يخرج إلى السفر ثم يبدو له الإقامة وهو في الصلاة قال: يتم إذا بدت له
الإقامة) وإطلاقه كالفتاوى ومعقد الاجماعين يقتضي ذلك حتى لو كان قبل التسليم
أو في أثنائه إن لم يكن خارجا كما عن البيان التصريح به، وقد تقدم الكلام فيما لو رجع
عن نية إقامته بعد هذه الصلاة، وأن في بقائه على التمام أو عوده على القصر وجهين،
أقربهما ثانيهما كما في الذكرى والروض وعن ظاهر البحار والحدائق، خلافا لظاهر
المدارك فإنه بعد أن قال: إن المسألة محل تردد - كأنه مال إلى أولهما.
(و) كذا تقدم الكلام في ما (لو نوى الإقامة عشرا ودخل في الصلاة فعن له
السفر) وأنه ينبغي القطع برجوعه إلى التقصير إذا كان عدوله قبل ظهور أثر الإقامة
وإن أطلق المصنف هنا تبعا للشيخ فقال: (لم يرجع إلى التقصير) لأن الصلاة على
ما أفتتحت عليه، لكن قد عرفت ظهور النص (2) الذي هو العمدة في المسألة بخلافه،
ولعله لذا قال: (وفيه تردد) بل ظاهر النص يقتضي اعتبار وقوع تمام الفريضة على
التمام، فلا يجزي وإن كان في ركوع الثالثة أو الرابعة بل قبل التسليم، بل يتعين عليه
حينئذ الاستيناف مع تحقق الزيادة المبطلة، لفوات شرط الاتمام، وبطلان المقصورة بما
اشتملت عليه من الزيادة، خلافا للمختلف والدروس وعن التذكرة والتحرير ونهاية
الاحكام والبيان والتنقيح والموجز وكشف الالتباس والجعفرية وجامع المقاصد وفوائد
الشرائع ففصلوا في المسألة بين كون العدول بعد تجاوز محل القصر فلا يرجع، وبين
كونه قبله فيرجع، وقد ذكرنا أنه لا يخلو من وجه قد تقدم هناك، وهو أن المدار على

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1
381

ظهور أثر الإقامة.
ومنه يظهر حينئذ الاكتفاء بمجرد القيام إلى الثالثة كما عن جامع المقاصد احتماله
قويا، ومال إليه في الروض، بل قال: إنه موافق لظاهر كثير من العبارات، ولعله
أراد قولهم: تجاوز بمحل القصر، لكن قيل إن أكثر من تعرض للمسألة على اعتبار
الركوع، لأنه قبله له الهدم والرجوع قصرا، بخلاف ما لو ركع فإنه ليس له ذلك، كما
أنه ليس له إبطال العمل، فيتعين عليه التمام حينئذ، ويندرج في النص، وفيه إمكان
منع أن له الهدم، لأن القيام حينئذ زيادة عمدية في الصلاة لا تقاس على ما إذا كانت
سهوا، وأن العمل بنفسه بطل بالعدول لا أنه أبطله، واحتمال نهيه عن العدول كما ترى
فتأمل جيدا (أما لو تجدد العزم بعد الفراغ لم يجز التقصير ما دام مقيما) كما عرفت
الكلام فيه مفصلا.
المسألة (الخامسة) المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا خصوصا بين المتأخرين (إن
الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها) بناء على أن المدار فيها حال الأداء
لا حال الخطاب كما تقدم البحث فيه مفصلا (فإن فاتته) حينئذ (قصرا قضيت
كذلك) وإن وجبت عليه تماما ثم سافر ولم يؤدها (وقيل) والقائل الإسكافي فيما حكي
عنه والحلي في السرائر حاكيا له عن ابن بابويه في رسالته، والمرتضى في مصباحه،
والمفيد في بعض أقواله، والشيخ في مبسوطه، بل قال إنه الموافق للأدلة
وإجماع أصحابنا: (الاعتبار في القضاء بحال الوجوب) وإن اعتبر جميعهم أو بعضهم
في فعلها في الوقت حال الأداء لا حال الوجوب (والأول أشبه) بأصول المذهب
وعمومات القضاء، كقوله (عليه السلام) (1) (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته)
وغيره، إذ لا ريب في أن الفائت للمكلف ما وجب عليه في آخر الأحوال، لأنه هو

(1) المتقدم في ص 3 من ج 13
382

الذي استقر عليه الخطاب به لا ما وجب عليه في الحال الأول وقد سقط عنه وانتقل
إلى غيره، فما في السرائر - من أن الفائت له هو ما خوطب به في الحال الأول لأنه
لو صلاها حينئذ لصلاها كذلك، فيجب أن يقضي كما فاته جوابا عما أورده على نفسه
من أنه قد تواتر الأخبار والاجماع وجوب قضاء الصلاة كما فاتت - كما ترى،
ضرورة عدم اقتضاء تأديتها كذلك لو فعل في أول وقت الوجوب ذلك بعد سقوطه
عنه والانتقال إلى بدله، وأغرب من ذلك قياسه على المرأة التي وجبت عليها الصلاة
وتمكنت من أدائها ثم حاضت، إذ لا انتقال فيها إلى بدل بخلاف ما نحن فيه، ومن
ذلك يعرف ما في دعواه الاجماع على ما ذكره، لأن الظاهر أنه نشأ من تخيله أن ذاك
هو الذي فاته كما يومي إليه ما سمعته منه، على أنه قد يظهر منه أن تحصيله الاجماع هنا
من جهة أنه قول الشيخين والمرتضى والصدوق، لأنه قال بعد أن ذكر الجواب
المزبور: (فليلحظ ذلك فإنه موافق للأدلة، وعليه إجماع أصحابنا على ما قدمناه من
أقوالهم مثل شيخنا أبي جعفر في مبسوطه، وابن بابويه في رسالته، والمرتضى
في مصباحه، والمفيد في بعض أقواله) ولا يخفى عليك أن اتفاق هؤلاء لا يقضي بالاجماع،
خصوصا مع كونه بعض أقوال المفيد، والموجود في مبسوط الشيخ ما هو ظاهر
أو صريح بقرنية تعليله في موافقة الأول.
نعم حكاه في الذكرى عن تهذيبه، وفيه بحث أيضا، إلا أنه مع ذلك كله
والاحتياط بجمعهما مما لا ينبغي تركه لخبر موسى بن بكير (1) عن الباقر (عليه السلام)
قال: (سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر فأخر الصلاة حتى قدم فهو
يريد أن يصليها إذا قدم إلى أهله فنسي حين قدم أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة المسافر الحديث 3 لكن رواه عن
موسى بن بكر عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)
383

قال: يصليها ركعتين صلاة المسافر، لأن الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي له أن يصلي
عند ذلك) فإنه وإن كان قاصر السند بل قيل والدلالة لاحتمال دخوله مع ضيق الوقت
عن أدائها أربعا إلا أنه مع عمل من عرفت بمضمونه وما قيل من حسن سنده - لأن
موسى بن بكير وإن كان واقفيا وغير موثق في كتب الرجال إلا أن له كتابا يرويه
عنه جماعة من الفضلاء منهم من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم كابن أبي عمير
وصفوان، وضعف الاحتمال المزبور في دلالته بل فساده عند التأمل - لم يكن لرفع اليد
منه رأسا وجه، بل لا ينبغي ترك الاحتياط من جهته، وقد تقدم بعض الكلام في
المسألة في باب القضاء، كما أنه تقدم هناك أيضا الكلام فيمن فاتته الصلاة في أماكن
التخيير، وأنه يتخير في القضاء كالأداء أو يتعين عليه القصر أو التمام، فلاحظ وتأمل
وكذا تقدم الكلام في المسألة (السادسة) وهي (إذا نوى المسافة وخفي عليه
الأذان أو الجدران وقصر فبدا له لم يعد صلاته) في الوقت فضلا عن خارجه، لقاعدة
الأجزاء، وصحيح زرارة (1) خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض أقواله، فتجب الإعادة
لخبر سليمان بن حفص المروزي (2) وهو ضعيف.
المسألة (السابعة إذا دخل وقت نافلة الزوال) مثلا (فلم يصل وسافر استحب
له قضاؤها ولو في السفر) لتحقق الخطاب بها، وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن
يكون قد أوقع الصلاة تامة أولا، لكن في المدارك أن المراد بالقضاء هنا الفعل، فإن
كان الوقت باقيا صلاها أداء وإلا فقضاء، وهل يعتبر في استحباب قضاء النافلة وقوع
الصلاة تماما أم يستحب مطلقا؟ وجهان أظهرهما الأول لما صح عن الصادق (عليه السلام) (3) أنه

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب صلاة المسافر الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث 2 و 3 و 7
384

قال: (الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ) انتهى، وهو لا يخلو من
نظر، كما أن تخصيص المصنف ذلك بنافلة الزوال وإطلاقه السفر عند الدخول بحيث
يشمل مضي زمان يسع فعلها وعدمه كذلك أيضا، إلا أن الأمر سهل، والله أعلم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، وقد وقع الفراغ
في ليلة الخميس غرة جمادى الأولى بعد مضي ست ساعات تقريبا منها في دار السلام،
ونسأل الله التوفيق للباقي، فإنه الكريم المنان الرؤوف الحنان ذو الفضل والاحسان.
إلى هنا تم الجزء الرابع عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله
وله الشكر، وبه تم كتاب الصلاة، وقد بذلنا غاية الجهد في
تصحيحه ومقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف
طاب ثراه، وقد خرج بعون الله ومنه خاليا
عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر
وحسر عنه النظر، ويتلوه الجزء الخامس
عشر وهو كتاب الزكاة إن
شاء الله تعالى
عباس القوچاني
385