الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ٨
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان ١٤١٦
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٥٥٠٣-٨٣-٣
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الثامن
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

BP النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد
4 ن مهدي النراقي، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1416 ه‍.
1416 ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
عليهم السلام لإحياء التراث. ب. العنوان.
شابك (ردمك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. VOLS 18 / 2 - 75 - 5503 - ISBN 964
شابك (ردمك) 3 - 83 - 5503 - 964 / ج 8
VOL 8 / 3 - 83 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 8
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): تيزهوش - قم
الطبعة: الأولى - شعبان 1416 ه‍
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 5000 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 996 / 37185 - هاتف 4 - 730001
4

الباب الثاني:
في صلاة الجماعة.
والكلام إما في فضلها، أو فيما فيه الجماعة من الصلوات، أو فيما به الجماعة
أي تتحقق الجماعة به، أو في شرائطها وآدابها ولوازمها، أو في أحكامها.
فها هنا مقدمة وفصول.
5

المقدمة:
في فضل صلاة الجماعة.
اعلم أن فضلها عظيم وثوابها جسيم، قال الله سبحانه: (واركعوا مع
الراكعين) (1).
وقد ورد في فضلها وذم تاركها ضروب من التأكيدات ما كاد يلحقها
بالواجبات.
فمن الأول صحيحة ابن سنان: " الصلاة في جماعة تفضل على صلاة الفذ
بأربع وعشرين درجة " (2).
والفذ بالفاء والذال المعجمة والتشديد: الفرد.
وحسنة زرارة: ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة
الرجل وحده بخمسة وعشرين صلاة؟ فقال:. " صدقوا " فقلت: الرجلان يكونان
جماعة؟ فقال: " نعم " (3).
ورواية محمد بن عمار: عن الرجل يصلي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة
أفضل أو صلاته في جماعة؟ فقال: " الصلاة في جماعة أفضل " (4).
هذا، مع ما ورد: " أن الصلاة المكتوبة في مسجد الكوفة لتعدل بألف
صلاة، وأن النافلة فيه لتعدل بخمسمائة صلاة، وأن الجلوس فيه بغير تلاوة ولا

(1) البقرة: 43.
(2) التهذيب 3: 25 / 85، ثواب الأعمال: 37، الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1
ح 1.
(3) الكافي 3: 371 الصلاة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 24 / 82، الوسائل 8: 286 أبواب صلاة
الجماعة ب 1 ح 3.
(4) التهذيب 3: 25 / 88، الوسائل 5: 240 أبواب أحكام المساجد ب 33 ح 4.
7

ذكر لعبادة " (1).
ومرسلة الفقيه: " من صلى الغداة والعشاء الآخرة في جماعة فهو في ذمة الله
عز وجل " (2).
والمروي في روض الجنان عن كتاب الإمام والمأموم للشيخ أبي محمد جعفر
ابن أحمد القمي، قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل مع
سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر، فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام
وأهدى إليك هديتين. قلت: ما تلك الهديتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات
والصلاة الخمس في جماعة. قلت: يا جبرئيل، ما لأمتي في الجماعة؟ قال:
يا محمد، إذا كانا اثنين كتب الله لكل واحد بكل ركعة مائة وخمسين صلاة، وإذا
كانوا ثلاثة كتب الله لكل واحد بكل ركعة ستمائة صلاة، وإذا كانوا أربعة كتب
الله لكل واحد بكل ركعة ألفا ومائتي صلاة، وإذا كانوا خمسة كتب الله لكل واحد
منهم بكل ركعة ألفين وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا ستة كتب الله لكل واحد منهم
بكل ركعة أربعة آلاف وثمانمائة صلاة، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد منهم
بكل ركعة تسعة آلاف وستمائة صلاة، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد منهم
بكل ركعة تسعة عشر ألفا ومائتي صلاة، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد منهم
بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا وأربعمائة صلاة، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل واحد
منهم بكل ركعة سبعين ألفا وألفين وثمانمائة صلاة، فإن زادوا على العشرة فلو
صارت السماوات كلها مدادا والأشجار أقلاما والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا
أن يكتبوا ثواب ركعة. يا محمد، تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير من ستين
ألف حجة وعمرة وخير من الدنيا وما فيها بسبعين ألف مرة، وركعة يصليها المؤمن
مع الإمام خير من مائة ألف دينار يتصدق بها على المساكين، وسجدة يسجدها

(1) الكافي 3: 490 الصلاة ب 107 ح 1، التهذيب 3: 250 / 688، المحاسن: 56 / 86، الوسائل
5: 252 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 3، بتفاوت يسير.
(2) الفقيه 1: 246 / 1098، الوسائل 8: 295 أبواب صلاة الجماعة ب 3 ح 2
8

المؤمن مع الإمام في جماعة خير من مائة عتق رقبة " (1).
والمروي في النفلية عن الصادق عليه السلام. " الصلاة خلف العالم بألف
ركعة وخلف القرشي بمائة " (2) إلى غير ذلك.
ولا يخفى أنه إذا اجتمعت الجماعة - التي هي بنفسها تجعل الواحدة خمسا
وعشرين - مع العالم تصير خمسا وعشرين ألفا، ثم إذا كانت في مسجد السوق
الذي الصلاة فيه باثنتي عشرة صلاة تصير ثلاثمائة ألف صلاة، وإذا كانت في
مسجد القبيلة الذي الصلاة فيه بخمسة وعشرين تصير ستمائة وخمسة وعشرين
ألف صلاة، وإذا كانت في المسجد الأعظم في بلدة أو قرية أي ما هو مجتمع
القبائل الذي تعدل الصلاة فيه مائة صلاة تصير اثنتي ألف ألف صلاة وخمس مائة
ألف صلاة، على الروايات المشهورة من أن الصلاة الواحدة في الجماعة بخمس
وعشرين صلاة (3).
وأما على الرواية الطويلة المصرحة بأن ركعة منها تعدل مائة وخمسين صلاة
حتى تكون صلاة واحدة رباعية ستمائة صلاة، تصير مع العالم ستمائة ألف،
ومعه في المسجد الأعظم ستين ألف ألف، وإذا كان الإمام مع ذلك قرشيا تصير
ست ألف ألف ألف. هذا كله إذا كان المأموم واحدا، وإذا زاد بزيادته الثواب
إلى ما لا يبلغه الحساب.
ومن الثاني صحيحة زرارة والفضيل: الصلاة في جماعة فريضة هي؟ قال:
" الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلاة كلها، ولكنها سنة من تركها
رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له " (4).

(1) روض الجنان: 362، المستدرك 6: 443 أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 3.
(2) النفلية: 39.
(3) الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1.
(4) الكافي 3: 372 الصلاة ب 54 ح 6، التهذيب 3: 24 / 83، الوسائل 8: 285 أبواب صلاة
الجماعة ب 1 ح 2.
9

وصحيحة محمد: " لا صلاة لمن لا يشهد الصلاة من جيران المسجد إلا
مريض أو مشغول " (1).
ورواية ابن أبي يعفور: " هم رسول الله صلى الله عليه وآله بإحراق قوم في
منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ولا يصلون الجماعة، فأتاه رجل أعمى فقال.
يا رسول الله إني ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة
والصلاة معك، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: شد من منزلك إلى المسجد
حبلا واحضر الجماعة " (2).
ومرسلة الفقيه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لقوم: " لتحضرن المسجد أو
لأحرقن عليكم منازلكم " (3).
وصحيحة ابن سنان: " إن أناسا كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله أبطؤوا عن الصلاة في المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليوشك
قوم يدعون الصلاة في المسجد أن نأمر بحطب يوضع على أبوابهم فتوقد عليهم نار
فتحرق بيوتهم " (4).
ومشهورة ابن أبي يعفور وفيها: " لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع
المسلمين إلا من علة، ولا غيبة لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب
عن جماعة المسلمين وجبت على المسلمين غيبته، وسقطت بينهم عدالته، ووجب
هجرانه، وإذا دفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره، فإن حضر جماعة المسلمين
وإلا أحرق عليه بيته) (5).
والمروي في مجالس الصدوق ومحاسن البرقي وثواب الأعمال. " قال رسول

(1) الفقيه 1: 245 / 1091، الوسائل 8: 291 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 3.
(2) التهذيب 3: 266 / 753، الوسائل 8: 293 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 9.
(3) الفقيه 1: 245 / 1092، الوسائل 8: 291 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 4.
(4) التهذيب 3: 25 / 87، الوسائل 8: 293 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 10.
(5) التهذيب 6: 241 / 596، الإستبصار 3: 12 / 33، الوسائل 27: 392 أبواب الشهادات
ب 41 ح 2.
10

الله صلى الله عليه وآله: لينتهين أقوام لا يشهدون الصلاة أو لآمرن مؤذنا يؤذن،
ثم آمر رجلا من أهل بيتي - وهو علي - فليحرقن على أقوام بيوتهم لأنهم لا يأتون
الصلاة " (1).
وفي مجالس الشيخ: " رفع إلى أمير المؤمنين أن قوما من جيران المسجد لا
يشهدون الصلاة جماعة في المسجد، فقال: ليحضرن معنا صلاتنا جماعة أو
ليحولن عنا ولا يجاورونا ولا نجاورهم " (2).
وفيه أيضا: " إن أمير المؤمنين عليه السلام بلغه أن قوما لا يحضرون الصلاة
في المسجد، فخطب فقال: إن قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا فلا
يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يشاورونا ولا يناكحونا أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة،
وإني لأوشك [أن آمرهم] بنار تشعل في دورهم فأحرقها عليهم أو ينتهون. قال:
فامتنع المسلمون من مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتى حضروا لجماعة
المسلمين " (3) إلى في غير ذلك.
ثم المستفاد من كثير من هذه الأخبار وإن كان وجوبها وحرمة تركها كما عن
أكثر العامة فإن منهم من فرضها على الأعيان (4)، ومنهم من قال إنها فرض كفاية
في الصلوات الخمس (5)، إلا أنه لم يقل به أحد من علمائنا وأجمعوا على عدم وجوبها
وبه صرفت تلك الأخبار عن ضواهرها.
مضافا إلى التصريح به في صحيحة زرارة والفضيل المتقدمة. ولا يمكن
حمل السنة فيها على ما لم يثبت من الكتاب، لثبوت الجماعة به أيضا كما مر.

(1) مجالس الصدوق، 392 / 14، المحاسن: 84 / 20، ثواب الأعمال: 276 / 2، الوسائل " 8:
292 أبواب صلاة الجماعة ب 2 ح 6.
(2) مجالس الشيخ: 705، الوسائل 5: 195 أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 7.
(3) مجالس الشيخ: 705، الوسائل 5: 196 أبواب أحكام المساجد ب 2 ح 9. وما بين المعقوفين
أضفناه من المصدر.
(4) انظر بداية المجتهد 1: 141، وبدائع الصنائع 1: 155.
(5) انظر نيل، الأوطار 3: 151.
11

وكذا في صحيحة محمد السابقة حيث جعل الشغل عذرا، ولا يترك
الواجب بالشغل.
فالأخبار المذكورة محمولة على تأكيد الاستحباب وشدته، أو على من تركها
استخفافا كما يشعر به التقييد بالرغبة عنه في جملة منها.
وتحمل تارة أيضا على الجماعة الواجبة، وأخرى على الحضور مع المعصوم،
وثالثة بأنها لعلها كانت واجبة فنسخت، ولم أر قائلا بهما.
وكيف كان، فطريقة الايمان عدم الترك من غير عذر سيما مع الاستمرار
عليه، فإنه - كما ورد - لا يمنع الشيطان من شئ من العبادات منعها (1)، ويعرض
عليهم الشبهات من جهة العدالة ونحوها حيث لا يمكنهم إنكارها، لأن فضلها
من ضروريات ديننا.

(1) لم نعثر على رواية بهذا المضمون، والظاهر أنه من كلام المجلسي (ره) في البحار 85: 16.
12

الفصل الأول
فيما فيه الجماعة
وفيه ثلاث مسائل
الأولى: تجب الجماعة في الجمعة والعيدين مع الشرائط المتقدمة لوجوبها في
بحثهما كما مر مفصلا فيه.
وعلى جاهل القراءة مع ضيق الوقت عن التعلم كما مر أيضا.
ولا تجب في غيرهما بالاجماع كما مر، لأصالة عدم وجوب متابعة شخص في
الأفعال، وعدم سقوط ما ثبت وجوبه من الأعمال. وما دل بظاهره على حرمة الترك
مطلقا أو في اليومية مؤولة، كما مر.
الثانية: تستحب في الفرائض كلها، ذهب إليه علماؤنا أجمع كما عن
المنتهى (1)، بل قيل. إنه من الضروريات الدينية (2).
ومقتضى إطلاقهما دعوى الاجماع والضرورة في جميع الفرائض، بل في
الأخير: ولا سيما في الفرائض اليومية. وهو كالصريح في التعميم للجميع حتى
المنذورة وصلاة الاحتياط وركعتي الطواف أداء أو قضاء. وبالتعميم للمنذورة
والقضاء صرح في روض الجنان والذكرى (3)، بل يفهم من الأخير كونه إجماعيا
بيننا، وهذا القدر كاف في إثبات التعميم لكون المقام مقام الاستحباب.
ولا يضر استلزامه سقوط الواجب الغير الثابت فيه المسامحة، لأنه من
اللوازم والاعتبار في ذلك بالملزوم، كما تثبت النافلة بالتسامح مع استلزامه حرمة

(1) المنتهى 1: 363.
(2) كما في المفاتيح 1: 159.
(3) روض الجنان: 363، الذكرى: 265.
13

القطع على القول بها، والوضوء والغسل المستحبان به مع سقوط الواجب منهما
بهما.
ولا احتمال التحريم، لعموم أدلة التسامح.
مضافا إلى شمول إطلاق كثير من الأخبار، منها صحيحة ابن سنان وحسنة
زرارة المتقدمتين (1)، وصحيحة سليم الآتية في المسألة الآتية، للجميع. بل يشمله
عموم مثل قوله: لا صلاة لمن لم يشهد الجماعة كما في صحيحة محمد ورواية ابن
أبي يعفور السالفتين (2).
فالاشكال في التعميم مطلقا أو في خصوص صلاة الاحتياط وركعتي
الطواف - كما في المدارك والذخيرة والحدائق (3) - غير جيد.
ثم إنه يتأكد الاستحباب في الفرائض الخمس اليومية بالاجماع والأخبار (4)،
ومنها في الغداة والعشاء كما يظهر من بعض الروايات (5).
الثالثة: لا تجوز الجماعة في غير ما ثبت استثناؤه من النوافل، بالاجماع
المحقق والمحكي عن المنتهى والتذكرة وكنز العرفان (6)، له، وللأصل المتقدم
ذكره، والمستفيضة من النصوص، منها: صحيحة سليم بن قيس في خطبة مولانا
أمير المؤمنين: " وأمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة،
وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة " (7).
ورواية سماعة بن مهران وإسحاق بن عمار: " إن هذه الصلاة نافلة ولن
يجتمع للنافلة، فليصل كل رجل منكم وحده وليقل ما علمه الله [من] كتابه،

(1) في ص 7.
(2) في ص 10.
(3) المدارك 4: 310، الذخيرة: 389، الحدائق 11: 83.
(4) الوسائل 8: 285 أبواب صلاة الجماعة ب 1.
(5) الوسائل 8: 294 أبواب صلاة الجماعة ب 3.
(6) المنتهى 1: 364، التذكرة 1: 170، كنز العرفان: 194.
(7) الكافي 8: 62 / 21، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 4.
14

واعلموا أنه لا جماعة في نافلة " (1).
والمروي في الخصال: " ولا يصلى التطوع في جماعة، لأن ذلك بدعة، وكل
بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار " (2).
وفي العيون: " لا جماعة في نافلة " (3).
وضعف سند بعضها - لو كان - بما مر مجبور.
والنصوص المستفيضة المانعة عن الاجتماع في النافلة بالليل في شهر رمضان
مطلقا الشاملة لكل النوافل، منها: صحيحة الفضلاء: " إن الصلاة بالليل في
شهر رمضان النافلة في جماعة بدعة " (4).
وأخصيتها عن المدعى تجبر بعدم القول بالفصل، فإن التجويز لو كان لكان
إما في مطلق النوافل سوى التراويح، أو في مجرد الاستسقاء والغدير. وأما المنع في
النوافل الليلية من رمضان والتجويز في البواقي فإحداث قول ثالث.
خلافا للمحكي عن الحلبي بل المفيد واللمعة والمحقق الثاني (5)، وبعض
متأخري المتأخرين في رسالته الصلاتية (6)، فجوزوها في نافلة الغدير، ونفى عنه
البعد المحقق الأردبيلي (7).

(1) التهذيب 3: 64 / 217، الإستبصار 1: 464 / 1801، الوسائل 8: 32 أبواب نافلة شهر
رمضان ب 7 ح 6. بدل ما بين المعقوفين في النسخ: في، وما أثبتناه موافق للمصادر.
(2) الخصال: 606، الوسائل 8: 335 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 5.
(3) لم نجده في العيون، وهو موجود في التهذيب والاستبصار في ضمن حديث طويل، راجع التهذيب
3: 64 / 217، والاستبصار 1: 464 / 1801.
(4) الفقيه 2: 87 / 394، التهذيب 3: 69 / 266، الإستبصار 1: 467 / 1807، الوسائل 8:
45 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 1.
(5) الحلبي في الكافي: 160، المفيد في المقنعة: 204، اللمعة (الروضة 1): 377، المحقق الثاني
في جامع المقاصد 2: 502، وفيه: وفي الغدير خلاف.
(6) حكاه صاحب الحدائق 11: 87 عن شيخه أبي الحسن في رسالته في الصلاة، والظاهر مما ذكره في
الحدائق 10: 17 أنه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني.
(7) مجمع الفائدة 3: 243.
15

لما يظهر من الأول في كافيه أن به رواية، وما علله به في الروضة من ثبوت
الشرعية في صلاة العيد وهو عيد (1)، وما ذكره الأخير من انحصار دليل المنع
بالاجماع وهو في المقام مفقود.
والرواية لنا غير معلومة فلعلها غير تامة الدلالة، بل انفهام ورودها من
عبارته (التي فهموه منها) (2) غير معلومة.
قال: ومن وكيد السنن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله في يوم
الغدير بالخروج إلى ظاهر المصر عند الصلاة... إلى آخره.
ويمكن أن يكون نظره في ذلك إلى ما ورد من حكاية الرسول في غدير خم
دون رواية أخرى، بل هو الظاهر من آخر كلامه حيث قال: وليصعد المنبر قبل
الصلاة، ويخطب خطبة مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآله
والتنبيه على عظم حرمة يومه وما أوجب الله فيه من إمامة أمير المؤمنين - إلى أن
قال -: فإذا انقضت الخطبة تصافحوا وتهانووا وتفرقوا (3).
وشرعية الجماعة في مطلق صلاة العيد ممنوعة، مع أن العيد في عهدهم إلى
اليومين منصرف.
وانحصار المانع بالاجماع غير مسلم كما مر.
إلا أن المقام مقام المسامحة، فالاكتفاء فيه بفتوى هؤلاء ممكن. ولكن
العدول عن ظاهر الاجماع وعمومات التحريم بذلك جدا مشكل.
وللمحكي في المفاتيح (1) عن بعضهم، فجوزها في النافلة مطلقا، وربما
استفيد وجود القول به عن الشرائع بل الذكرى (5). وصريح الذخيرة وظاهر

(1) الروضة 1: 378.
(2) ما بين القوسين غير موجود في " ق " و " ه‍ ".
(3) الكافي في الفقه: 160، وقوله: تهانووا، غير موجود فيه، وقد ورد بدله في المختلف: 128:
تعانقوا.
(4) المفاتيح 1: 159.
(5)) الشرائع 1: 123، وراجع الذكرى: 266.
16

المدارك (1) التوقف.
لاطلاق بعض الروايات باستحباب الجماعة في الصلاة من غير تقييد
بالفريضة.
وخصوص صحيحة هشام: عن المرأة تؤم النساء؟ فقال: " تؤمهن في
النافلة، فأما في المكتوبة فلا " (2).
والبصري: " صل بأهلك في رمضان الفريضة والنافلة، فإني أفعله " (3).
وأجيب عن الأول: بمنع الاطلاق بالنسبة إلى النافلة، لاختصاصه
- بحكم التبادر والغلبة - بالفريضة، مع أنه منساق لاثبات أصل استحبابها في
الجملة من دون نظر إلى شخص، فيكون بالنسبة إلى الأفراد كالقضية المهملة
يكفي في صدقها الثبوت في فرد (4).
وفيه: منع الغلبة بالنسبة إلى الفريضة، كيف؟! والأمر بالعكس جدا. بل
وكذا التبادر سيما مع شيوع الجماعة في النافلة في تلك الأعصار. واختصاص
الانسياق المذكور - لو كان - بالمطلقات، وفي الأخبار المرغبة عمومات كما مر، فلا
يجري فيها ذلك.
فالصواب أن يجاب عن الاطلاق: بوجوب التقييد بما مر.
وعن الصحيحين: بعدم صلاحيتهما للمقاومة مع ما مر، للشذوذ،
ومرجوحيتهما عنه بالموافقة القطعية للعامة (5)، كيف؟! مع أنهم بعد منع الأمير عليه
السلام عنها رفعوا أصواتهم وا عمراه ووا رمضاناه وضجوا وقالوا: يا أهل الاسلام

(1) الذخيرة: 389، المدارك 4: 316.
(2) الفقيه 1: 259 / 1176، التهذيب 3: 205 / 487، الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة
ب 20 ح 1.
(3) التهذيب 3: 267 / 762، الوسائل 8: 337 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 13.
(4) الرياض 1: 229.
(5) انظر المغني 1: 811، والأم 1: 142.
17

غيرت سنة عمر (1).
مضافا إلى أنهما غير دالتين على ذلك أصلا:
أما الأولى: فلعدم دلالتها إلا على جواز إمامتها في النافلة لا على جوازها
في مطلق النافلة، فيحتمل إرادة النافلة المشروع فيها الجماعة.
وأما الثانية: فلاحتمال كون المراد من الصلاة بالأهل الصلاة معهم أو فيهم
أي في البيت لا في الخارج، فإن الصلاة بالأهل ليست حقيقة ولا ظاهرة في الايتمام
لهم. وحينئذ يكون الأمر بذلك لأجل ردع الراوي عن الابتلاء بالدخول في
البدعة حيث إن الصلاة في الخارج في شهر رمضان جماعة في الفريضة والنافلة
كانت توجب البدعة، وفي الفريضة خاصة توجب البلية. ويؤكده التخصيص
برمضان الذي هو زمان البدعة، وذكر الفريضة مع أنها في المسجد تتضمن ما لا
يحصى من الفضيلة.
مع أنه يرد عليهما ما أورده بعض المجوزين على الأخبار الناهية عن
الاجتماع بالنوافل في ليل شهر رمضان من الأخصية من المدعى، فإن الأولى منهما
مخصوصة بالنساء، والثانية برمضان. والدفع بالاجماع المركب مشترك كما مر.
والترجيح مع الناهية بوجوه عديدة.

(1) الكافي 8: 58 / 21، الوسائل 8: 46 أبواب نافلة شهر رمضان ب 10 ح 4.
18

الفصل الثاني:
فيما به الجماعة أي في شرط تحقق الجماعة
وهو اثنان:
الأول: العدد. وأقل ما تنعقد به الجماعة في غير العيدين والجمعة اثنان،
أحدهما الإمام، بلا خلاف كما قيل (1). وتدل عليه النصوص المستفيضة المشتملة على
الصحاح (2).
وأما ما في بعض المعتبرة من أنه: إن لم يحضر المسجد أحد فالمؤمن وحده
جماعة (3)، ونحو ذلك.
فلعل المراد أنه إذا طلب الجماعة ولم يجدها تكون صلاته مع الانفراد مساوية
لصلاة الجماعة تفضلا منه تعالى ومعاملة له بمقتضى نيته.
وفي بعضها: فأبقى أنا وحدي فأؤذن وأقيم أفجماعة أنا؟ قال: " نعم " (4).
وعلله في الفقيه بأنه متى أذن وأقام، صلى خلفه صفان من الملائكة، ومتى
أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف من الملائكة (5).
والظاهر حصول الجماعة بالصبي المميز الذي كلف بالصلاة تمرينا،

(1) الرياض 1: 229.
(1) الوسائل 8: 296 أبواب صلاة الجماعة ب 4.
(3) الفقيه 1: 246 / 1095، لم نعثر عليه في الوسائل، ولعله من كلام الصدوق.
(4) الكافي 3: 371 الصلاة ب 54 ح 2، التهذيب 3: 265 /، 749، الوسائل 8: 296 أبواب صلاة
الجماعة ب 4 ح 2.
(5) الفقيه 1: 246 / 1095.
19

لاطلاق الأخبار، وظاهر خبر الجهني (1)، وخصوص رواية أبي البختري (2).
الثاني: نية الاقتداء، بالاجماع، كما عن المعتبر والمنتهى والنهاية
والذكرى (3)، لأن الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى (4)، ولا عمل إلا بنية (5).
فإن ترك نية الاقتداء فإن نوى الانفراد وأتى بجميع ما يجب عليه صحت
صلاته وإن تابع أحدا صورة، للأصل. إلا أن يوجب منافيا آخر كسكوت طويل
ونحوه.
وكذا إن لم ينو الانفراد أيضا لعدم الالتفات إليه فتنصرف صلاته إليه،
لعدم احتياجه إلى النية بخلاف الجماعة، ولذا لا يوجبون قصد الانفراد. ولأصالة
صحة الصلاة، وعدم وجوب المتابعة، وعدم سقوط ما يسقط بالجماعة بدون
قصدها.
ومنه يظهر الصحة والانصراف إلى الانفراد لو دخل في الصلاة مترددا بين
الانفراد والجماعة.
ولو شك في أنه نوى الانفراد أو الجماعة بعد التكبيرة بنى على ما قام إليه إن
علمه، إذ لا عبرة بالشك فيه بعد الانتقال عن المحل كما مر. وإن لم يعلمه بنى
على الانفراد، للأصول المذكورة، مع أصالة عدم نية الايتمام وجواز نية الانفراد
لو نوى الايتمام.
ويجب أن يكون المنوي كونه إماما واحدا، للاجماع، ولأنه المتبادر من
الأخبار والمعهود من الشرع، واحتمال المخالفة، ولو قررا على الموافقة فنيته إن
كانت على المتابعة على فرض التوافق فهو ترديد في نية الاقتداء وتعليق، وإن كان

(1) راجع رقم (4) من ص 19.
(2) التهذيب 3: 56 / 193، قرب الإسناد 156 / 575، الوسائل 8: 298 أبواب صلاة الجماعة
ب 4 ح 8.
(3) المعتبر 2: 423، المنتهى 1: 365، النهاية 2: 125، الذكرى: 271.
(4) الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.
(5) الوسائل 1: 46 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 1.
20

مطلقا امتنع.
فلو نوى الايتمام. بالاثنين وأتم الصلاة جماعة إما بأن يتفق الاثنان في الأفعال
كأن يكونا إماما ومأموما، أو بأن يتابع أحدهما بطلت صلاته، لتركه الواجبات (1)
في غير الجماعة المشروعة.
وكذا لو أتى بالأفعال معتقدا عدم مشروعيتها، لانتفاء القربة فيها.
ولو أتى بها معتقدا مشروعيتها جهلا أو تقليدا لمن يجوزه، فالظاهر صحة
الصلاة - وإن بطلت الجماعة - إذا قصد بأصل الصلاة القربة، إذ غايته زيادة نية
فاسدة، وإفسادها الفعل غير معلوم.
ويجب أيضا كون الواحد معينا حال النية.
فلو لم يتعين مطلقا كأحد هذين، أو تعين بعد ذلك كالسابق بالركوع أو
الجاهر صوته بالذكر بعد ذلك، لم تصح الجماعة.
لا لما قيل من عدم دليل على الصحة حينئذ (2)، لكفاية المطلقات أدلة.
بل للأدلة المذكورة.
والكلام في صلاته كما مر في تعدد الإمام.
والقدر اللازم في التعيين هو التعين في الواقع مع إمكان المتابعة من المأموم
ولو لم يتعين على المأموم ظاهرا، لأنه القدر المسلم من الاجماع.
فلو نوى الاقتداء بزيد ولم يعرفه بعينه من بين الأشخاص المتعددة، صحت
صلاته إذا أمكن متابعته بأن يكون هو إماما أو علم توافقهم. بخلاف ما لو كان
بين جماعة منفردين، لعدم إمكان المتابعة.
وكذا لو نوى الاقتداء بإمام هذه الجماعة إذا علم استجماعه للشرائط وإن لم
يعرفه بعينه أو المصلي جهرا إذا صلى جماعة في ظلمة وجهر أحدهم بالصلاة.
ومنه تظهر كفاية الإشارة الذهنية، كما إذا اقتدى خلف صفوف عديدة لا

(1) في " ق ": الواجب.
(2) الرياض 1: 233.
21

يرى الإمام. والخارجية بطريق أولى، للتعين الواقعي والظاهري.
ويظهر أيضا مراد القوم من قولهم بلزوم التعيين اسما أو وصفا أو ذهنا أو
إشارة، فإن مرادهم من الأولين ما إذا لم يتعين في الذهن أو الخارج عنده وإلا لم يحسن
المقابلة وأمكن المتابعة وهو ظاهر، فما عبرنا به أحسن.
ولو اقتدى بمعين جامع للشرائط على أنه زيد فبان أنه عمرو، ففي
الروضة: البطلان (1)، وفي الذخيرة: الصحة (2)، وفي الحدائق: التردد (3).
والوجه: التفصيل بأنه إن نوى الاقتداء والمتابعة لهذا الحاضر وإن ظن أنه
زيد من غير قصد زيد و (4) لهذا الحاضر الذي هو زيد، صح الايتمام،
للمطلقات، وعدم ثبوت إيجاب هذا الاختلاف للفساد.
وإن نوى الاقتداء بزيد وإن ظن أنه الحاضر لم يصح، لأن من اقتدى به لم
يتابعه ومن تابعه لم يقتد به.
ولو شك في أثناء الصلاة أو بعدها فيما نوى من هذه الأقسام صحت
صلاته، للشك في تحقق ما يجب عليه بعد الانتقال عن المحل.
هذا في المأموم.
وأما الإمام فإن كانت الجماعة واجبة تجب عليه نيتها كما مر في صلاة
الجمعة.
وإن كانت مندوبة فلا تشترط في صحة صلاته بالاجماع كما في التذكرة (5)
وكلام بعض الأجلة، للأصل، وعدم تفاوت أفعاله مع المنفرد، ولجواز الاقتداء
به في أثناء الصلاة وهو لا يعلم اتفاقا، واقتداء الخثعمية التي رأت النبي صلى الله

(1) الروضة 1: 382.
(2) الذخيرة: 399.
(3) الحدائق 11: 119.
(4) في " ق " و " ح ": أو.
(5) التذكرة 1: 174.
22

عليه وآله مصليا وحده وعدم اطلاعه صلى الله عليه وآله إلا بعد غشيتها بقراءته
صلى الله عليه وآله آية من سورة الحجر (1).
ولا في إمامته، لما ذكر أيضا، لأنها أمر لا يتوقف تحققها منه على النية.
ولا في دركه ثواب الجماعة، وفاقا لجماعة، منهم: الفاضل والشهيدان
والأردبيلي (2)، لمطلقات ترتب الثواب عليها، وإنما المتوقف حصوله على النية ما
توقف صحته على القربة، أو كان ذا وجهين ولم يرد الثواب على مطلقه كالأكل
والشرب.
وقيل بالاشتراط فيه، لقوله: " لكل امرئ ما نوى ".
وفيه: أنه لا يدل على أنه ليس له ما لم ينو.
نعم لو قصد بالايتمام جاها أو مالا أو كان مكرها فيه فالظاهر الاجماع على
عدم الثواب، ويدل عليه أيضا الخبر المذكور أيضا في الجملة.
وهل تصح صلاته وصلاة المأمومين إذا اطلعوا على قصده؟
الظاهر نعم إذا قصد بأصل صلاته القربة، لكون الجماعة خارجة عن
الصلاة بالمرة.
ولو صلى اثنان وقال كل منهما بعد الفراغ: كنت مأموما لك، أعادا الصلاة
وجوبا. ولو قال: كنت إماما، صحت صلاتهما، لرواية السكوني (3) المصرحة
بالقسمين، المنجبرة بعمل الأصحاب كافة، كما صرح به جماعة مشعرين بدعوى
الاجماع عليه (4)، والمعتضدة بالاعتبار.

(1) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10: 31.
(2) الفاضل في نهاية الإحكام 2: 127، الشهيد الأول في الذكرى: 271، الشهيد الثاني في روض
الجنان: 376، الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 318.
(3) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 3، الفقيه 1: 250 / 1123 مرسلا، التهذيب 3:
54 / 186، الوسائل 8: 352 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1.
(4) روض الجنان: 375، ومجمع الفائدة 3: 319، والذخيرة 399، والحدائق 11: 121.
23

واستشكال بعضهم في الأول لبعض التعليلات (1)، غير صحيح بعد النص
الكذائي.
* * *

(1) انظر جامع المقاصد 2: 500.
24

الفصل الثالث:
في شرائط الجماعة وآدابها ولوازمها
والكلام إما في الشرائط المختصة بالإمام أو في غيرها، فها هنا بحثان.
البحث الأول: في الشرائط المختصة بالإمام.
وهي إما واجبة أو مستحبة، فها هنا مقامان.
المقام الأول:
في شرائط الإمام الواجبة، وهي أمور:
الأول: العقل، فلا تصح إمامة المجنون المطبق ولا ذي الأدوار حال
الجنون، اتفاقا، له، ولصحيحة زرارة: " لا يصلين أحدكم خلف المجذوم،
والأبرص، والمجنون، والمحدود، وولد الزنا، والأعرابي لا يؤم المهاجرين " (1).
ونحوها مرسلة الفقيه (2).
وأبي بصير: " خمسة لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم، والأبرص،
والمجنون، وولد الزنا، والأعرابي " (3).
ولا يضر اشتمالها على الجملة الخبرية أو المحتملة لها بعد الاتفاق على
الحرمة، فإنها قرينة على إرادتها هنا.

(1) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
(2) الفقيه 1: 247 / 1106، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 6.
(3) الكافي 3: 375 الصلاة ب 55 ح 1، التهذيب 3: 26 / 92، الإستبصار 1: 422 / 1626،
الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 5.
25

وتصح من الأخير في حال الإفاقة، للأصل، والعمومات.
والمشهور كراهته، لامكان عروضه حال الصلاة، وعدم أمنه عن الاحتلام
حال الجنون، بل روي أن المجنون يمني حال جنونه (1)، ولذا قيل باستحباب
الغسل له حال الإفاقة (2).
وعن بحث الجمعة من التذكرة المنع لذلك (3). وضعفه ظاهر.
الثاني: الايمان بالمعنى الخاص، بالاجماع المحقق والمحكي مستفيضا (4)،
والنصوص المستفيضة، وفي رواية زرارة: عن الصلاة خلف المخالفين، فقال:
" ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر " (5).
مضافة إلى عموم ما دل على بطلان عبادة المخالف (6)، وعدم الاعتداد
بالصلاة خلفه والنهي عنها وأمر المؤتم به بالقراءة خلفه (7)، وفحوى ما دل على
اعتبار العدالة بل صريحه على القول بفسق المخالف.
الثالث: العدالة، بالاجماعين (8)، بل نقل بعض المخالفين إجماع أهل
البيت عليه (9).
وهو الحجة في اشتراطها، لا آية الركون (10)، لعدم معلومية كون الايتمام

(1) لم نجد الرواية في كتب الأخبار، ورواها مرسلة في الذخيرة: 302، والحدائق 10: 4، واستدل
العلامة في النهاية 1: 179 لاستحباب الغسل للمجنون بقوله: لما قيل إن من زال عقله أنزل.
(2) نهاية الإحكام 1: 179.
(3) التذكرة 1: 144.
(4) كما في الخلاف 1: 549، والمعتبر 2: 432، والتذكرة 1: 176.
(5) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 2، التهذيب 3: 266 / 755، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة
الجماعة ب 10 ح 1.
(6) انظر الوسائل 1: 118 أبواب مقدمة العبادات ب 29.
(7) الوسائل 8: 309 أبواب صلاة الجماعة ب 10.
(8) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 590، والتذكرة 1: 176.
(9) هو أبو عبد الله البصري على ما ذكره الشيخ في الخلاف 1: 560 نقلا عن السيد المرتضى، ولم
نجده في كتب العامة الموجودة عندنا.
(10) هود: 113.
26

ركونا، ومنع كون غير العادل مطلقا ظالما. ولا يدل قوله سبحانه: (ومن يتعد
حدود الله فقد ظلم نفسه) (1) إلا على ظلم من تعدى جميع الحدود أو أكثرها، مع
أنها لو دلت لدلت على النهي عن الايتمام بمن علم تعديه دون المجهول حاله وهو
أخص من المدعى.
ولا الأخبار، إذ لم نعثر إلى الآن على خبر يتضمن ذكر اشتراط العدالة فيه
أو مانعية الفسق، حتى يمكن إثبات اشتراط العدالة بها بضميمة أصالة الفسق
أو توقف العلم بعدم المانع على ثبوت العدالة.
وإنما المستفاد من الأخبار المنع عن الايتمام بالعاق للأبوين القاطع كما في
صحيحة عمر بن يزيد (2)، أو المجاهر بالفسق والمجهول المحتمل لمجهول المذهب
والاعتقاد بل فسره به جماعة (3) كمرسلتي حماد (4) والفقيه (5)، أو المقارف للذنوب
كرواية سعد بن إسماعيل عن أبيه (6)، أو المحدود كالمستفيضة (7)، أو شارب الخمر
المحدود كالمروي في تفسير العياشي (8)، أو من لا يثق بدينه وأمانته كرواية أبي علي
ابن راشد (9)، أو من لا يثق به من غير قيد كرواية المرافقي والنصري (10)، أو من لا

(1) الطلاق: 1.
(2) الفقيه 1: 248 / 1114، التهذيب 3: 30 / 106، الوسائل 8: 313 أبواب صلاة الجماعة
ب 11 ح 1.
(3) منهم الفيض ره في الوافي 8: 1182، والمجلسي ره في البحار 85 / 24.
(4) التهذيب 3: 31 / 109، الوسائل 8: 310 أبواب صلاة الجماعة ب 10 ح 6.
(5) الفقيه 1: 248 / 1111، الوسائل 8: 310 أبواب صلاة الجماعة ب 11 ح 4.
(6) الفقيه 1: 249 / 1116، التهذيب 3: 31 / 110، الوسائل 8: 316 أبواب صلاة الجماعة
ب 11 ح 10 بتفاوت يسير.
(7) الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6، و ص 324 ب 15 ح 3، و 6.
(8) لم نجد الرواية في تفسير العياشي.
(9) الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح 5، التهذيب 3: 266 / 755، الوسائل 8: 309 أبواب صلاة
الجماعة ب 10 ح 2، بتفاوت يسير.
(10) التهذيب 3: 33 / 120، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 5.
27

لا يثق بدينه وتدينه كالرضوي المنجبر (1)، أو غير المأمون على قراءته الاخفاتية
كصحيحة ابن سنان (2).
ولا تثبت مانعية الفسق مطلقا من حسنة زرارة: " إن أمير المؤمنين عليه
السلام صلى خلف فاسق فلما سلم وانصرف قام أمير المؤمنين عليه السلام
فصلى أربع ركعات لم يفصل بينهن بتسليم " الحديث (3).
ولا من المروي عن أبي ذر: إمامك شفيعك إلى الله، فلا تجعل إمامك
سفيها ولا فاسقا (4).
لمنع العموم أو الاطلاق في الفاسق في الأول حتى يشمل الفاسق بواسطة
الأصل أيضا فإنه قضية في واقعة فلعله المجاهر أو المقارف للذنب، مضافا إلى عدم
صحة صلاة من يتقدم الحجة.
ومنع إرادة إمام الجماعة من الإمام والنهي من قوله: " فلا تجعل " في الثاني.
مع أنه قول أبي ذر ولا حجية فيه إلا إذا أخبر، وإن ورد أنه ليس أصدق لهجة
منه (5).
ولا من رواية زيد بن علي: " الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم لأنه
ضيع من السنة أعظمها " (6).

(1) فقه الرضا عليه السلام: 144، مستدرك الوسائل 6: 462 أبواب صلاة الجماعة ب 9 ح 1.
(2) التهذيب 3: 35 / 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.
(3) الكافي 3: 374 الصلاة ب 55 ح 6، التهذيب 3: 266 / 756 الوسائل 7: 350 أبواب صلاة
الجمعة ب 29 ح 4.
(4) الفقيه 1: 247 / 1103، التهذيب 3: 30 / 107، الوسائل 8: 314 أبواب صلاة الجماعة
ب 11 ح 2.
(5) البحار 22: 329.
(6) الفقيه 1: 248 / 1107، التهذيب 3: 30 / 108، الوسائل 8: 320 أبواب صلاة الجماعة
ب 13 ح 1.
28

حيث إن عموم التعليل يقتضي عدم جواز إمامة كل من ضيع السنة ومنه
الفاسق.
لمنع الدلالة على الحرمة أولا، وتقيدها بتضييع أعظم السنة ثانيا.
ولا من رواية إبراهيم بن شيبة: عن الصلاة خلف من يتولى أمير المؤمنين
عليه السلام وهو يرى المسح على الخفين، أو خلف من يحرم المسح وهو يمسح،
فكتب إلي: " إن جامعك وإياهم موضع فلم تجد بدا من الصلاة فأذن لنفسك
وأقم فإن سبقك إلى القراءة فسبح " (1). حيث دلت على عدم جواز الصلاة خلف
من يحرم المسح على الخفين وهو يمسح لقلة (2) مبالاته بالدين.
لجواز أن يكون ذلك لبطلان صلاته ببطلان طهارته.
ولا اشتراط العدالة (3) من مرسلة الفقيه: " إمام القوم وافدهم فقدموا
أفضلكم " (4).
والأخرى: " إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدموا خياركم " (5).
وصحيحة زرارة: أصلي خلف الأعمى؟ قال: " نعم إذا كان [له] من
يسدده وكان أفضلهم " (6). حيث دلت على وجوب تقديم الأفضل والخيار ومنع
التقديم مع عدم الأفضلية، خرج ما أجمعوا فيه على عدم الوجوب فيبقى الباقي
ومنه العادل الذي هو أفضل من المجهول والفاسق.
لتوقف تماميته على ترجيح التخصيص من حمل الأمر على الندب وهو ممنوع.
مع ما في الأول من الاجمال في معنى الإمام، وما في الثاني من عدم الصراحة في

(1) التهذيب 3: 276 / 807، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 2.
(2) في ه‍: لعدم.
(3) أي: ولا يثبت اشتراط العدالة...
(4) الفقيه 1: 247 / 1100، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 2.
(5) الفقيه 1: 247 / 1101، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 3.
(6) الكافي 3: 375 الملاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 339 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 5، وما
بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
29

الوجوب المطلق، للتعليق على ما يمكن منع وجوبه. مع أنه قد يكون المجهول أو
الفاسق أعلم وأقرأ، ومفضوليته عن العادل الفاقد للوصفين غير مسلم.
ولا مانعية الأول واشتراط الثاني بوجوب الاقتصار فيما يخالف أصالة عدم
وجوب المتابعة وسقوط القراءة ونحوها بالقدر المتيقن، وباقتضاء الشغل اليقيني
بالصلاة البراءة اليقينية الغير الحاصلة من الاقتداء بغير العادل، وبورود المنع عن
إمامة بعض المبتلين بالعيوب الجسمية فالمبتلى بالنفسانية منها أولى بالمنع.
لزوال الأصل وحصول اليقين بالمطلقات بل العمومات، ومنع الأولوية
المدعاة.
والحاصل: أنه لا يثبت من الأخبار سوى اشتراط انتفاء عقوق الوالدين
وقطيعة الرحم والمجاهرة بالفسق والمقارفة للذنوب، ووجود الوثوق بالدين والتدين
به والأمانة.
ومساوقة الأخير للعدالة - كما قيل (1) - غير ثابتة، إذ المعلوم منه الاطمينان
بمذهبه وبتمسكه به وبالأمانة دون الزائد منه.
فلم يبق إلا الاجماع، والثابت منه أيضا ليس إلا ما هو المتفق عليه بين
الكل في اشتراطه في العدالة دون ما هو معنى ذلك اللفظ، إذ لم يثبت الاتفاق على
اشتراط ما هو معناه، ولم يذكر أكثر المتقدمين خصوص ذلك اللفظ سيما في هذا
المقام.
ومن جميع ما ذكر يظهر أنه لا تترتب ثمرة على تحقيق معنى العدالة وما به
تعرف في ذلك المورد وإن أثمر في موضع آخر، بل اللازم الأخذ بالمجمع على
اشتراطه. والظاهر تحققه بمن جمع فيه ما مرت استفادته من الأخبار، فهو الشرط
في إمام الصلاة، كما صرح به بعض المتأخرين منا بل جعله الحزم في الدين، قال:
والحزم أن لا تصلي خلف من لا تثق بدينه وأمانته (2). انتهى.

(1) انظر مجمع الفائدة 2: 357.
(2) المفاتيح 1: 19.
30

وحاصله أن لا يكون مجاهرا بالفسق، أي معلنا بالمعصية من ترك واجب أو
فعل محرم عاصيا جهرا. ولا مقارفا للذنوب أي جنسها المتحقق بمقارفة ذنوب
متعددة، ضرورة أن المراد منها ليس ما هو معنى الجمع المحلى من مقارفة جميع
الأفراد، لعدم الامكان، واشتهار استعمال مثل ذلك اللفظ فيمن يصدر عنه
معاصي متعددة. ولا غير موثوق به أصلا أي لم يتحقق نوع من الوثوق به. ولا غير
موثوق بدينه وأمانته بخصوصه. ومأمونا على قراءته.
والشرط عدم العلم بالمجاهرة ولا المقارفة ولو بعد الفحص، وحصول
الوثوق بما يحصل به.
ولا تنافيه رواية القصير: " إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس ويقرأ القرآن
فلا تقرأ خلفه واعتد بصلاته " (1).
لأن شهادة لسان حال المأمومين كافية في تعريفه وتوثيقه.
ولا ما دل على الاكتفاء في الشاهد أو معرفة العدالة بأقل من ذلك، لعدم
الملازمة.
ولا يخفى أن ما ذكرناه لا يقصر عن العدالة سيما ببعض معانيها الذي اعتبره
أكثر الطبقتين الأولى والثالثة من ظاهر الاسلام مع عدم ظهور الفسق كالأولى (2)،
أو حسن الظاهر كالثانية (3). بل يزيد بعد اشتراط الفحص الممكن. وغرضنا أنه
لا حاجة إلى تحقيق معنى العدالة وما تعرف به في هذا المقام. وطريق الاحتياط
واضح وقد أفلح من سلكه.
الرابع: طهارة المولد، بأن لا يعلم كونه ولد الزنا، بالاجماع، وهو الدليل
عليه.
وتدل عليه الصحيحتان والمرسلة المتقدمة في الشرط الأول. ولا يضر

(1) التهذيب 3: 275 / 798، الوسائل 8: 319 أبواب صلاة الجماعة ب 12 ح 4.
(2) انظر الإشراف (مصنفات الشيخ المفيد 9): 25، والشيخ في الإستبصار 3: 14، والخلاف 2:
591.
(3) منهم صاحب المدارك 4: 66، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 302، والكفاية: 29.
31

اشتمالها على الجملة الخبرية، لأنها فيها للحرمة لتضمنها المجنون المحرم إمامته
إجماعا، فلا يمكن التجوز بالمرجوحية الإضافية أو أقلية الثواب، وعدم إمكان
إرادة المرجوحية المطلقة لكونها عبادة، ويأتي توضيحه أيضا في مسألة المجذوم
والأبرص.
وتؤيده صحيحة محمد: " خمسة لا يؤمون الناس ولا يصلون بهم صلاة
فريضة في جماعة: الأبرص، والمجذوم، وولد الزنا، والأعرابي حتى يهاجر،
والمحدود " (1).
والمرويان في السرائر وتفسير العياشي:
الأول: " لا ينبغي أن يؤم الناس ولد الزنا " (2).
والثاني: " لا يؤم ولد الزنا بالناس، لم يحمله نوح في السفينة وقد حمل فيها
الكلب والخنزير " (3).
ولا بأس بإمامة من تناله الألسن، ولا ولد الشبهة، ولا مجهول الأب،
للأصل وإن كره جماعة إمامة هؤلاء (4).
الخامس: البلوغ، فلا تصح إمامة الطفل لغيره، للأصول المتقدمة. إن
كان غير مميز بالاتفاق، وإن كان مميزا على الأظهر الأشهر، وعن صوم المنتهى نفي
الخلاف عنه (5).
لأنه لا يؤمن أن يخل بشئ من الشروط أو الواجبات وإن كان ثقة، لعلمه
بعدم تكليفه، ولأن الإمام ضامن ولا يصلح للضمان إلا المكلف، ولرواية إسحاق
ابن عمار المنجبر ضعفها - لو كان - بما مر: " لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم،

(1) الفقيه 1: 247 / 1105، الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 4.
(2) مستطرفات السرائر: 145 / 17، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 6. بتفاوت
يسير.
(3) تفسير العياشي 2: 148 / 28، مستدرك الوسائل 6: 465 أبواب صلاة الجماعة ب 13 ح 5.
(4) كما في التذكرة 1: 177، ونهاية الإحكام 2: 143، والذكرى: 231، والمدارك: 4: 70،
(5) المنتهى 1: 324.
32

ولا يؤم حتى يحتلم، فإن أم جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه " (1).
ويؤيده اشتراط بعض الصفات الغير المعلوم تحققه في الصبي، ونزول مرتبته
عن القيام بهذا المنصب الجليل، وعدم شرعية صلاته على المشهور.
خلافا للمحكي عن الخلاف والمبسوط (2)، فأجاز إمامته إذا كان مراهقا
عاقلا، مدعيا عليه الاجماع، وعن التنقيح حكاية القول به عن السيد (3)، واختاره
في الحدائق (4)، ومال إليه الأردبيلي والسبزواري (5) بعض الميل.
للاجماع المنقول، والمطلقات، ولرواية غياث: " لا بأس بالغلام الذي لم
يبلغ الحلم أن يؤم القوم " (6). وطلحة: " لا بأس أن يؤذن الغلام الذي لم يحتلم
[و] أن يؤم " (7).
ومؤثقه سماعة: " يجوز صدقة الغلام، وعتقه، ويؤم الناس إذا كان له عشر
سنين " (8).
وإجماعهم موهون بالمعارضة بالمثل ومصير الأكثر حتى الشيخ في التهذيبين
والنهاية والاقتصاد إلى الخلاف (9) مع أنه ليس بحجة.
والمطلقات بما مر مقيدة، مع أن المتبادر منها البالغ.
والأخبار بالشذوذ فلا تصلح لمقابلة ما مر.

(1) الفقيه 1: 258 / 1169، التهذيب 3: 29 / 103، الإستبصار 1: 423 / 1632، الوسائل
8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 7.
(2) الخلاف 1: 553، المبسوط 1: 154.
(3) التنقيح 1: 274.
(4) الحدائق 10: 4.
(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 244، السبزواري في الكفاية: 28.
(6) الكافي 3: 376 الصلاة ب 56 ح 6، الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 3.
(7) التهذيب 3: 29 / 104، الإستبصار 1: 424 / 1633، الوسائل 8: 323 أبواب صلاة الجماعة
ب 14 ح 8، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(8) الفقيه 1: 358 / 1571، الوسائل 8: 322 أبواب صلاة الجماعة ب 14 ح 5.
(9) التهذيب 3: 29، الإستبصار 1: 424، النهاية: 113.
33

مع أن المذكور في الأوليين الغلام الغير المحتلم، وهو لا يستلزم عدم
البلوغ، لجواز حصوله بالانبات أو السن. وهذا وإن كان جاريا في رواياتنا إلا أنها
محمولة على غير البالغ إجماعا.
وأيضا المذكور فيهما نفي البأس فلعله عن الغلام إذ ليس عليه تكليف،
والإمامة في الثانية مطلقة فلعلها للأطفال.
والثالثة مخالفة للاجماع، إذ لم يقل أحد منا بهذا التقدير فلا يفيد. بل وكذا
عموم الأوليين، لتقييد المخالف بالمراهق.
وللمحكي عن القواعد والدروس والذكرى (1)، فأجازا إمامته في النوافل
خاصة لبعض الوجوه الاعتبارية. وعموم النص يدفعه.
وهل تجوز إمامته لمثله؟
جوزه جماعة (2)، ولا بأس به.
وعن الإسكافي وفخر المحققين في إشكالاته (3) وابن فهد في موجزه: أن غير
البالغ إذا كان مستخلفا للإمام الأكبر كالولي لعهد المسلمين يكون إماما وليس
لأحد أن يتقدمه فتجوز إمامته.
قيل: لأن هذا الصبي يكون بمنزلة الإمام وهو صالح للرئاسة العامة وهو
معصوم، فلأن يكون إماما في الصلاة أولى، وكأن من لم يستثنه عول على الظهور.
انتهى.
ولا يخفى أنه غير المتنازع فيه، فإن الكلام في الرعية، وليس علينا التكلم
في أحكام الإمام.
السادس: الذكورة إذا كان المأموم ذكرا أو ذكرا وأنثى، فلا تجوز إمامة المرأة

(1) القواعد 1: 45، الدروس 1: 219، الذكرى: 266.
(2) كما في الدروس 1: 219، وروض الجنان: 364.
(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 153، فخر المحققين في الإيضاح 1: 149.
34

لرجل، باتفاق العلماء كما عن المعتبر (1)، بل بالاجماع المحقق والمحكي في التذكرة
والمفاتيح وشرحه وعن المنتهى وروض الجنان والذكرى (2)، وغيرها (3)، وهو الدليل
عليه.
مضافا إلى التأيد بالنبوي المشهور (4) والمرتضوي المروي في الدعائم (5)
- اللذين ضعفهما بالعمل مجبور -: " لا تؤم المرأة رجلا ".
وإنما جعلناهما مؤيدين لاحتمال الجملة المنفية الغير الصريحة في التحريم.
قيل: مجازها إما نفي الجواز أو الاستحباب أو وجود الكراهة المصطلحة،
والثلاثة يستلزم الحرمة، وأما إرادة المرجوحية الإضافية أو أقلية الثواب فهي مجاز
مرجوح غير متبادر إلى الذهن أصلا، فلا معنى لحمل اللفظ عليه بدون قرينة
مجوزة لا أقل.
وفيه: شيوع هذا التجوز في الأوامر والنواهي والجملة الخيرية المستعملة في
العبادات. نعم لو كانت الجملة واردة في مورد السؤال لأمكن القول ببعد هذا
التجوز كما يأتي.
وأما إمامتها للمرأة فجائزة في النوافل الجائزة فيها الجماعة بلا خلاف أجده،
بل بالاجماع كما عن جماعة (6)، وتدل عليه النصوص المستفيضة العامة والخاصة
الآتية.
وفي الفرائض على المشهور كما صرح به جماعة (7)، بل عن صريح الخلاف

(1) المعتبر 2: 438.
(2) التذكرة 1: 177، المفاتيح 1: 160، المنتهى 1: 373، الروض: 365، الذكرى: 267.
(3) كالرياض 1: 236.
(4) سنن البيهقي 3: 90 بتفاوت يسير.
(5) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 468 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1، (بتفاوت
يسير).
(6) الشيخ في الخلاف 1: 562، الشهيد الثاني في روض - الجنان: 367، البهبهاني في شرح المفاتيح
(المخطوط).
(7) العلامة في المختلف: 154، الشهيد الأول في البيان: 231، الشهيد الثاني في روض الجنان:
367.
35

والتذكرة وظاهر المعتبر والمنتهى الاجماع عليه (1).
للمطلقات، والمستفيضة الصريحة أو الظاهرة في خصوص المسألة:
منها: النبوي العامي: إنه صلى الله عليه وآله أمر أم ورقة أو تؤم أهل دارها
وجعل لما مؤذنا (2).
ورواية الصيقل: كيف تصلي النساء على الجنائز إذا لم يكن معهن رجل؟
قال: " يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرأة " قيل: ففي صلاة مكتوبة
أيؤم بعضهن بعضا؟ قال: " نعم " (3).
ومرسلة ابن بكير: عن المرأة تؤم النساء؟ قال: " نعم تقوم وسطا بينهن ولا
تتقدمهن " (4).
وموثقة سماعة: عن المرأة تؤم النساء؟ قال: " لا بأس به " (5).
وصحيحة علي: عن المرأة تؤم النساء، ما حد رفعها صوتها بالقراءة؟ قال:
" قدر ما تسمع " (6).
ونحوها رواية ابن يقطين (7)، والمروي في قرب الإسناد وزاد فيه: عن النساء
هل عليهن الجهر بالقراءة في الفريضة والنافلة؟ قال: " لا إلا أن تكون امرأة تؤم

(1) الخلاف 1: 562، التذكرة 1: 171، المعتبر 2: 427، المنتهى 1: 368.
(2) كنز العمال 8: 306 / 23044.
(3) الفقيه 1: 103 / 479، الوسائل 3: 117 أبواب صلاة الجنازة ب 25 ح 2.
(4) التهذيب 3: 31 / 112، الإستبصار 1: 426 / 1645، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة
ب 20 ح 10.
(5) التهذيب 3: 31 / 111، الإستبصار 1: 426 / 1644، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة
ب 20 ح 11.
(6) الفقيه 1: 363 / 1201، التهذيب 3: 267 / 761، الوسائل 8: 335 أبواب صلاة الجماعة
ب 20 ح 7، بتفاوت يسير.
(7) التهذيب 3: 267 / 760، الوسائل 6: 94 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 1.
36

النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها " (1).
خلافا للمحكي عن الإسكافي والجعفي والسيد (2)، فمنعوا فيها - وقد
ينسب إلى الأخيرين المنع مطلقا (3) - واختاره بعض الأجلة كما قيل، وهو ظاهر
الصدوق بل الكليني (4)، وعن المختلف نفي البأس عنه (5)، وفي المدارك نوع ميل
إليه (6)، وفي الاستبصار احتماله (7).
وهو المختار، للمستفيضة من الأخبار كصحيحة هشام: عن المرأة هل تؤم
النساء؟ فقال: " تؤمهن في النافلة، فأما في المكتوبة فلا، ولكن تتقدمهن، ولكن تقوم
وسطهن " (8).
وبمضمونها صحيحة سليمان بن خالد (9).
ورواية الحلبي: " المرأة تؤم النساء في الصلاة تقوم وسطا منهن ويقمن عن
يمينها وشمالها، تؤمهن في النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة " (10).
وصحيحة زرارة: المرأة تؤم النساء؟ قال: " لا، إلا على الميت إذا لم يكن
أحد أولى منها " (11).

(1) قرب الإسناد: 223 / 867، الوسائل 6: 95 أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3.
(2) حكاه في المختلف: 154، عن الإسكافي والسيد، وفي المفاتيح 1: 160 عن الجعفي.
(3) انظر الكفاية: 30 للمحقق السبزواري.
(4) الصدوق في الفقيه 1: 259، الكليني في الكافي 3: 376 الصلاة ب 57.
(5) المختلف: 154.
(6) المدارك 40: 353.
(7) الإستبصار 1: 427.
(8) الفقيه 1: 259 / 1176، التهذيب 3: 205 / 487، الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة
ب 20 ح 1.
(9) الكافي 3: 376 الصلاة ب 57 ح 2، التهذيب 3: 269 / 768، الإستبصار 1: 426 / 1646،
الوسائل 8: 336 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 12.
(10) التهذيب 3: 268 / 765، الإستبصار 1: 427 / 1647، الوسائل 8: 336 أبواب صلاة
الجماعة ب 20 ح 9.
(11) التهذيب 3: 268 / 766، الوسائل 8: 334 أبواب صلاة الجماعة ب 20 ح 3.
37

والمروي في الدعائم: " لا تؤم المرأة بالرجال ولا تصلي بالنساء " (1).
وحملها على الكراهة فاسد، لعدم تعقلها بالمعنى المصطلح في العبادة بل
عدم قول بها بالمرة، لأن المجوزين يستحبونها كلا كما صرح به في الخلاف
والمنتهى (2).
وإرادة المرجوحية الإضافية أو أقلية الثواب في المقام بعيدة، بل هي عند
الذهن السليم غير محتملة، فإن السؤال عن مثل ذلك غير معهود.
وجعل النافلة والمكتوبة صفة للجماعة خلاف الظاهر المتبادر بل بعيد
غايته، مع أنه في الأخيرين غير محتمل أصلا.
فهذه لما مر معارضة وهي من غير الأوليين منه خاصة مطلقة سواء قلنا فيه
بالاطلاق أو العموم من جهة ترك الاستفصال، فتخصيصه بها لازم. مع أن
الثلاثة الأخيرة منه ليس بمطلق أيضا كما لا يخفى، بل وكذا السابقتين عليهما،
لعدم اشتمالهما على لفظ الصلاة حتى تكون مطلقة بالنسبة إلى النافلة والفريضة
بل جوز الإمامة وهي بالنسبة إليهما مجملة فيحكم بالمفصلة.
وجعل الزيادة في الأخير مشعرة أو دالة على العموم - كما قيل (3) - باطل،
إذ لا إشعار فيها أصلا، فإن السؤال عن جهرهن في الفريضة والنافلة، والجواب
بنفيه إلا إذا كان إماما لا يشعر بجواز الإمامة فيهما بوجه.
ونفي أعمية أخبار الجواز وإجمالها لظهورها في الفريضة لكونها أظهر الأفراد
فتختص بها، مردود بأنه إنما هو إذا تضمنت لفظ الصلاة حتى ينصرف إلى أظهر
أفرادها وليس كذلك.
سلمنا، ولكن نمنع الظهور المدعى، كيف؟! والنافلة أكثر من الفريضة.

(1) الدعائم 1: 152 وفيه: لا تؤم المرأة الرجال وتصلي بالنساء... ورواها في المستدرك 6: 468
أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.
(2) الخلات 1: 562 وفيه: يستحل للمرأة...، ولكن بدله في الطبعة المحققة ج 1 ص 562:
يستحب...، المنتهى 1: 368.
(3) الرياض 1: 236.
38

ومما ذكر ظهر رفع توهم عدم جواز هذا التخصيص لايجابه خروج أكثر
الأفراد، حيث إنه لا يبقى إلا النافلة المجوزة فيها الجماعة كالعيدين والاستسقاء
والغدير على قول. مع أن بطلان خروج الأكثر عن المطلق ليس بمعلوم.
ثم مع تسليم الجميع غايته التعارض بالتساوي. فإن رجحنا المانعة
بالأصحية سندا والأصرحية دلالة والمخالفة للعامة كما يأتي، وإلا فيرجع إلى
الأصول. وهي مع المنع دون الجواز، لمنع عموم شامل للامرأة أيضا، بل المذكور
في الأخبار إما الرجل أو ما بمعناه أو الإمام المتوقف صدقه على المرأة على جواز
إمامتها.
ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالمطلقات.
كما أن منه ومن سابقه يظهر الجواب عن الأوليين، فإن غايتهما التعارض
مع دليل المنع والرجوع إلى الأصل لعدم الترجيح أو تحققه للمانع.
وترجيح المجوز بالاعتضاد بالشهرة، والاجماعات المنقولة، والمخالفة لأكثر
العامة، واتصاف المانع بالشذوذ والندرة، ودلالته على تجويز الجماعة في مطلق
النافلة وهي باطلة إلا بالتخصيص بما تجوز فيه الجماعة وهي نادرة غاية الندرة،
باطل.
لعدم صلاحية الأولين للترجيح.
ومنع الثالث، بل الأمر بالعكس، لأن الجواز قول الأئمة الأربعة (1)، ونقل
عن عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور ونافع وعمر بن
عبد العزيز (2)، إلا أن بعضهم قال بالكراهة وهي للجواز ونفي البأس غير منافية
بل المنع ينافيها، ولم ينقل المنع في الفرائض إلا عن الشعبي والنخعي وقتادة (3)،
فمن يتقى عنه في طرف الجواز مع الكراهة أو بدونها.

(1) انظر الأم 1: 164، وبداية المجتهد 1: 145، وبدائع الصنائع 1: 157.
(2) كما في المغني 2: 36، والأم 1: 164.
(3) المغني 2: 36.
39

ومنع الرابع جدا، كيف؟! مع أن مثل الفحول المذكورين إما يفتون
بمقتضاها أو يجوزون الفتوى به، ومثل ذلك بعيد عن حيز الشذوذ بمراحل،
عديدة، بل لا نعلم من القدماء في الطرف الآخر أكثر منهم.
ولزوم الخامس لو كان الأخبار منساقة لبيان ما تجوز فيه الجماعة من
النافلة، وليس كذلك، بل هي شارحة لمن يصلح للإمامة، فلا حكم فيها
لاطلاق النافلة.
هذا كله مع ما في النبوي من الضعف لأجل العامية - والانجبار بالعمل لا
يفيد إلا في أخبارنا المروية - وكونه قضية في واقعة فلا يعلم شموله للفريضة ولعلها
كانت في صلاة العيد. وجعل المؤذن لها لا يفيد، لأن الأذان لغة الاعلام، وثبوت
الحقيقة الشرعية في هذا الوقت غير معلوم، فلعل المراد به ما يؤذن به لصلاة العيد
من قول المؤذن: " الصلاة " ألا ترى أنه ورد في الأحاديث وكلمات الفقهاء أن المؤذن
يقول: " الصلاة " ثلاثا (1)، وأن المؤذنين يمشون بين يدي الإمام في الاستسقاء (2).
بل يمكن منع العموم أو الاطلاق في رواية الصيقل أيضا، لاحتمال كون
إضافة الصلاة إلى المكتوبة للعهد وإرادة صلاة الجنازة بقرينة تقدم السؤال عنها،
حيث إنه عليه السلام لما أجاب بما يظهر منه جواز إمامة النساء في الجنائز مع أنها
صلاة مكتوبة أي واجبة استدرك السائل وقال: أفي هذه الصلاة الواجبة؟
السابع: تمكنه من القيام في الصلاة إن كان المأمون قائمين، فلا تجوز
إمامة القاعد للقائم، إجماعا محققا ومحكيا عن الخلاف والسرائر والتذكرة وظاهر
المنتهى وصريح الحدائق (3)، وهو الدليل عليه.
وتؤيده مرسلة الفقيه: " صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه

(1) الوسائل 71: 428 أبواب صلاة العيد ب 7.
(2) الوسائل 8: 5 أبواب صلاة الاستسقاء ب 1.
(3) حكاه عنهم في الرياض 1: 235 وهو في الخلاف 1: 544، وانظر السرائر 1: 281، التذكرة
1: 177، المنتهى 1: 371، الحدائق 11: 193.
40

جالسا، فلما فرغ قال: لا يؤمن أحدكم بعدي جالسا " (1).
واحتمالها الجملة المنفية يمنع عن الاستدلال به. ولعله لذلك وعدم اعتبار
الاجماع يظهر من الشيخ الحر في الوسائل الكراهة (2). وهو غير جيد.
وإطلاق المرسلة - لو تمت دلالتها - وإن اقتضى المنع عن إمامة القاعد بمثله
أيضا، إلا أنه قد عرفت عدم تماميتها. مع أن منهم من ادعى الاجماع على التقييد
بما إذا أم قائما، ويدل عليه ما ورد في جماعة العراة من صحيح الروايات المعمول
به بين الأصحاب (3).
الثامن: عدم كونه أميا، أي من لا يحسن قراءة الحمد أو السورة أو
أبعاضهما ولو حرفا أو تشديدا أو صفة، ولا مؤوف اللسان كالألثغ بالمثلثة (4)،
والأليغ بالمثناة التحتانية (5)، والأرت (6)، والتمتام والفأفاء، بأحد تفسير يهما (7)، إذا
أم القارئ والسليم.
وهو في الأول مع إمكان التصحيح والتقصير ظاهر، لبطلان صلاته. وكذا
فيهما مع إمكان المتابعة للقارئ أو الايتمام والقول بوجوبه عليهما لعدم جواز صلاته
فرادى فكيف بالإمامة.
وأما بدون الأمرين فقد يستدل له تارة بالاجماع المنقول عن الذكرى (8).
وأخرى بالمروي عن النبي صلى الله عليه وآله: " يتقدم القوم أقرؤهم " (9).

(1) الفقيه 1: 249 / 1119، الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 1.
(2) الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 25 عنوان الباب.
(3) الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلي ب 51.
(4) اللثغة في اللسان هو أن يصير الراء لاما.
(5) الليغ: أن لا يبين الكلام.
(6) الرتة: حبسة في لسان الرجل.
(7) وهو: من يبدل التاء والفاء بغير هما، كما قال في الحدائق 11: 195. والتفسير الآخر هو: من يتردد
في التاء والفاء. انظر فقه اللغة للثعالبي: 106.
(8) الذكرى: 268.
(9) الكافي 3: 376 الصلاة ب 56 ح 5، التهذيب 3: 31 / 113، الوسائل 8: 351 أبواب صلاة
الجماعة ب 28 ح 1.
41

وثالثة بإخلاله بالقراءة فتكون صلاته عنها خالية، ولا صلاة إلا بالفاتحة،
فكيف يضمن قراءة المأموم، مع أن الأصل عدم سقوطها.
ورابعة بعدم تبادر مثله ولا معهوديته من الشريعة.
والأول إن ثبت فهو، وإلا فمنقوله ليس بحجة.
والثاني قاصر في الدلالة بوجوه كثيرة.
والثالث مردود بعدم إخلاله بما يجب عليه من القراءة، وما قرأه هو في حقه
الفاتحة، فلا تكون صلاته عنها خالية. ولو سلم فتوقف الضمان على الأزيد من
ذلك في شأنه ممنوع، والأصل بالعمومات والمطلقات مدفوع.
والرابع بمنع تبادر الغير أيضا، وعدم المعهودية غير مسلمة، كيف؟! مع
أن صلاة الجماعة بين الصحابة والتابعين وأصحاب الأئمة وأهل أعصارهم كانت
في غاية الشيوع ولا نعلم حال جميع أئمتهم. ولو كان الأمر كما قالوه فكيف
يجوزونها للمثل كما صرح به الأكثر (1)؟. وبالجملة لو لم يثبت الاجماع لكان القول
بالجواز متجها.
ومنه يظهر الجواز في اللاحن الغير المقصر مطلقا كما عن الشيخ (2)، أو إذا
لم يغير اللحن المعنى كما عن الحلي بطريق أولى (3)، وكذا في التمتام والفأ فاء
بالتفسير الآخر وهو من لا يحسن تأدية التاء والفاء إلا بترديد هما مرتين فصاعدا،
كما صرح في غير واحد بجواز إمامتهما أيضا (4)، نعم كرهها بعض الأصحاب (5) ولا
بأس به.

(1) منهم الحلي في السرائر 1: 281، والمحقق في المعتبر 2: 438، والعلامة في التذكرة 1: 178،
والشهيد في الذكرى: 268.
(2) المبسوط 1: 153.
(3) السرائر 1: 281.
(4) منهم المحقق في المعتبر 2: 438، والعلامة في المنتهى 1: 372.
(5) كالعلامة في نهاية الإحكام 2: 149.
42

المقام الثاني:
في الشروط المستحبة للإمام، وهي أيضا أمور:
منها: أن لا يكون أجذم ولا أبرص، إذ تكره إمامتها.
أما مرجوحيتها فمما لا خلاف فيه أعرفه، بل عن الانتصار والخلاف
الاجماع عليها (1)، وهو الحجة فيها، لكفايته في مثلها سيما مع انضمامها بالشهرة
المحققة المعلومة، مضافا إلى الصحيحتين والمرسلة المتقدمة في صدر المقام
الأول (2).
وأما الجواز - كما هو الأظهر الأشهر سيما بين من تأخر - فللأصل الخالي عن
معارضة ما يصلح حجة للمنع، إذ ليس إلا ما مر وهي عن الدال على التحريم
خالية، لكونها متضمنة للجملة الخبرية أو مالها محتملة.
واشتمالها على من تحرم إمامته إجماعا، فيكون المراد من الجملة التحريم،
لئلا يستعمل اللفظ في المجازين أو الحقيقة والمجاز على القول بإفادة الجملة الخبرية
للتحريم، غير مفيد، إذ الحمل على مطلق المرجوحية ممكن وهو من باب عموم
المجاز الشائع.
إلا أن يقال بأن المرجوحية المتصورة هنا هي الإضافية وبمعنى أقلية
الثواب، وليس قدر مشترك بينها وبين الحرمة، فيتعين حمل الجملة فيها على الحرمة
لا غيرها، وتكون عليها حجة.
إلا أنها معارضة مع ما دل على الجواز، كرواية عبد الله بن يزيد: عن

(1) الإنتصار: 50، الخلاف 1: 561.
(2) راجع ص 25.
43

المجذوم والأبرص يؤمان المسلمين؟ فقال: " نعم " (1).
ونحوها المروي في محاسن البرقي (2).
وضعفهما سندا غير ضائر، لانجبار هما بالشهرة المحكية ولو كانت من
المتأخرين. مع أن الأولى نفسها عندنا حجة.
وبعد تعارضهما إما يرجع إلى التخيير المثبت للجواز، أو التساقط الموجب
للرجوع إلى مجوزات إمامتهما من إطلاقات الكتاب والسنة بل مرغباتها، فتكون
مستحبة، إلا أنه يحكم بالمرجوحية الإضافية للاجماع المتقدم.
خلافا فيه للمحكي عن الجمل والمصباح للسيد (3)، وغير التهذيبين
للشيخ (4)، والحلبي وابني حمزة وزهرة (5)، بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه،
فنفوا الجواز بل حرموها.
للأخبار المذكورة إما بالتقريب الذي ذكرنا، أو بجعل الجمل الخبرية مفيدة
للحرمة، مع رد المعارض بالضعف في السند وعدم معلومية الجابر له، إذ ليس
سوى شهرة متأخرة، وكونها صالحة للجبران سيما مع معارضتها لشهرة القدماء
والاجماعات المحكية غير معلوم. وأما دعوى الانتصار الاجماع على الكراهة (6)،
فاحتمال الحرمة منها ممكن بل فيه ما تظهر منه إرادتها.
وهو حسن عند من يلاحظ السند في أخبار الكتب المعتبرة.

(1) التهذيب 3: 27 / 93، الإستبصار 1: 422 / 1627، الوسائل 8: 323 أبواب صلاة الجماعة
ب 15 ح 1.
(2) المحاسن: 326 / 76، الوسائل 8: 324 أبواب صلاة الجماعة ب 15 ح 4.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 39، وحكاه عن المصباح في المعتبر 2: 442.
(4) الخلاف 1: 561، المبسوط 1: 155، النهاية: 112، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 191،
الإقتصاد: 269.
(5) الحلبي في الكافي: 143، قال ابن حمزة في الوسيلة: 105: تكره إمامة... المجذوم والأبرص،
ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) 560.
(6) الإنتصار: 50.
44

وللمحكي عن المقنعة والحلي، فمنعا عن إمامتهما في الجماعة الواجبة
خاصة (1).
ولبعض آخر، فمنع عنها للأصحاء (2).
ولا أعرف مستندهما، إلا أن يستند في الثاني إلى تبادر ذلك من أدلة المنع.
ولا بأس به.
ومنها: أن لا يكون محدودا بعد توبته.
أما مرجوحية إمامته فللأخبار المتقدمة في الشرط الأول الواجب بالتقريب
المذكور في المجذوم والمبروص، والاجماع.
وأما جوازها فللأصل، وعموم نحو: " يؤمكم أقرؤكم " (3) ومفهوم بعض
الأخبار المصرحة بأن خمسة لا يؤمون (4) وليس منهم المحدود، وكونه أحسن حالا
من الكافر بعد إسلامه فيدل على الجواز هنا بالأولوية.
خلافا للمحكي عن السيد والحلبي وابن زهرة وظاهر الشيخ (5)، بل عليه
الاجماع عن الأخيرين، فحرموها لتلك الأخبار (6)، لدلالتها على الحرمة إما بنفسها
أو بالتقريب الذي ذكرناه.
وهو قوي، والأصل والعموم مدفوع ومخصص بما مر، والمفهوم عددي لا
حجية فيه، والأولوية ممنوعة سيما مع أنهم لا يقولون بها لعدم قولهم بالكراهة ظاهرا
في الكافر والقول بها في المحدود.

(1) المقنعة: 163، الحلي في السرائر 1: 280.
(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.
(3) الفقيه 1: 185 / 880، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 3 وأيضا 8: 351
أبواب صلاة الجماعة ب 28، كنز العمال 7: 587.
(4) الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14.
(5) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 39، والحلبي في الكافي: 144،
وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، الشيخ في النهاية: 112.
(6) وهي الأخبار التي تقدمت في ص 25.
45

ومنها: الأغلف الغير المقصر في تأخير الختان، للاجماع على مرجوحيته،
والأخبار القاصرة عن إفادة الحرمة إما دلالة أو سندا (1).
إلا أن بعض رواياته معتبرة والتقريب المتقدم فيها جار، فالقول بالحرمة كما
عن بعض القدماء قوي (2).
ولا تبطل صلاته، للأصل، والاتفاق إلا عن شاذ (3).
ومنها. أن لا يكون ممن يكرهه المأمومون على الأظهر الأشهر، لمرسلة
الفقيه: " ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة " إلى أن قال: " وإمام قوم صلى بهم وهم له
كارهون " (4).
ورواية الحسين بن زيد في حديث المناهي قال: " ونهى أن يؤم الرجل قوما
إلا بإذنهم وهم به راضون " (5).
والمروي في الخصال: " أربعة لا تقبل لهم صلاة " إلى أن قال: " والرجل يؤم
القوم وهم له كارهون " (6).
وفي الأمالي: " ثلاثة لا تقبل لهم صلاة " إلى أن قال: " ورجل أم قوما وهم
له كارهون " (7).
وعن المنتهى نفي الكراهة (8)، لوجه اعتباري لا اعتبار له في مقابلة النص.
وعن التذكرة التفصيل بعدم الكراهة إن كان كراهة المأمومين لتدينه وتصلبه

(1) انظر: الوسائل 8: 320 أبواب صلاة الجماعة ب 13. وأيضا: ب 14 ح 6.
(2) كالسيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 39، والحلبي في الكافي: 144.
(3) قال الشهيد الثاني في روض الجنان: 368: ولو قدر وأهمل فهو فاسق، ولا تصح صلاته بدونه
وإن كان منفردا.
(4) الفقيه 1: 36 / 131، الوسائل 8: 348 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.
(5) الفقيه 4: 9 / 1، الوسائل 8: 349 من صلاة الجماعة ب 27 ح 2، بتفاوت يسير.
(6) الخصال: 242 / 94، الوسائل 8: 349 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 3.
(7) أمالي الطوسي: 196، الوسائل 8: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 6.
(8) المنتهى 1: 374.
46

في الدين، والكراهة إن كان لغير ذلك (1).
وهو حسن، لأن المتبادر الظاهر من الأخبار الثاني، فتختص الكراهة بمن
لم يكن للمأمومين فيه مزيد اعتقاد ويرجحون غيره عليه ويريدون الايتمام بغيره،
وهو مع ذلك يحملهم على الايتمام به ويمنعهم من غيره.
وهاهنا ثلاث مسائل ينبغي الإشارة إليها.
المسألة الأولى: قد صرح الأصحاب بأن صاحب المسجد - أي الراتب
فيه - وصاحب المنزل مع اجتماع شرائط الإمامة فيه، أولى بالإمامة فيه من غيره
مطلقا ولو كان غيره أفضل، ونفى بعضهم خلاف الأصحاب فيه (2)، وفي
المنتهى: إنه لا نعرف فيه خلافا (3).
ويدل على الأول: الرضوي، وفيه: " صاحب المسجد أحق بمسجده " (4).
وفي موضع آخر منه: " أولى الناس بالتقدم في الجماعة أقرؤهم " إلى أن قال:
" وصاحب المسجد أولى بمسجده " (5).
والدعائمي: " يؤمكم أكثركم نورا، والنور القرآن، وكل أهل مسجد أحق
بالصلاة في مسجدهم، إلا أن يكون أمير حضر فإنه أحق بالإمامة من أهل
المسجد " (6).
وفيه أيضا: " صاحب المسجد أحق بمسجده " (7).
ثم إن ضعفها بالشهرة منجبر، مع أنه في مقام المسامحة غير ضائر.
إلا أن في استفادة الراتب من لفظ الصاحب نظرا، لاحتمال أن يكون

(1) التذكرة 1: 179.
(2) كصاحب الحدائق 11: 198.
(3) المنتهى 1: 374.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 5.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 143، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4.
(6) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 474 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 4.
(7) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 475 أبواب صلاة الجماعة ب 25 ح 2.
47

المراد: المالك - إذ لا يلزم كون كل مسجد وقفا - أو الواقف. نعم، الظاهر صدق
أهل المسجد - الوارد في الدعائمي - على راتبه، فيتم الاستناد إليه.
وعلى الثاني: رواية الحذاء الواردة في الأولى بالتقديم في الجماعة، وفيها:
" ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله " (1).
وذكروا أيضا أن الهاشمي الجامع لشرائط جماعة الصلاة أولى من غيره.
وهو كذلك، لفتوى العظماء، ولأن فيه إكرام ذرية النبي صلى الله عليه
وآله، ولما روي من قوله عليه السلام: " قدموا قريشا ولا تتقدموهم " (2).
وتحمل ذلك المقام للمسامحة يجبر ما في هذه الوجوه من الضعف.
وأولويته - كما صرح به بعضهم (3) - إنما هي بالنسبة إلى غير راتب المسجد
وصاحب المنزل، وأما هما فيقدمان عليه لأخصية دليلهما.
وأيضا الأولى تقديم الأقرأ للقرآن أي الأكثر قراءة وأفصحها والأكثر إتقانا
للحروف وأحسن إخراجا لها من مخارجها، لا الأعرف بالأصول والقواعد المقررة
عند القراء.
والأكبر سنا وأعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين، لرواية الحذاء الواردة في
صلاة الجماعة: " يتقدم القوم أقرؤهم للقرآن، فإن كانوا في القراءة سواء فأقدمهم
في الهجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء
فأعلمهم بالسنة وأفقههم في الدين، ولا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله ولا
صاحب سلطان في سلطانه ".
ومقتضى هذه الرواية تقديم صاحب المنزل على الثلاثة، لأنه المتبادر من
الأمر بتقديمه بعد ذكر الثلاثة، وقد عرفت تقديمه على الهاشمي أيضا. ولا يجتمع

(1) الكافي 3: 376 الصلاة ب 56 ح 5، التهذيب 3: 31 / 113، الوسائل 8: 351 أبواب صلاة
الجماعة ب 28 ح 1.
(2) رواها الشهيد في الذكرى: 270 عن النبي صلى الله عليه وآله وصرح بأنها مرسلة أو مسندة
بطريق غير معلوم، ونقلها السيوطي في الجامع الصغير 2: 253 / 6108.
(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 45.
48

مع راتب المسجد، لاختلاف المحل، فهو مقدم على الجميع ثم الثلاثة.
نعم يشكل الترجيح بين الراتب وأحد الثلاثة، والظاهر عدم الترجيح
لتعارض روايتهما.
وأما الثلاثة فمقتضى الرواية تقديم الأقرأ ثم الأسن ثم الأفقه، إلا أنه قد
ورد في الرضوي (1) والدعائمي (2) تقديم الأقرأ ثم الأفقه ثم الأسن، فتتعارض
الروايات حينئذ في الأفقه والأسن، ولا يبعد ترجيح الروايتين الأخيرتين فيقدم
الأفقه، إذ توافقان الاعتبارات العقلية والعمومات القرآنية والخبرية، كقوله عز
شأنه: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون " (3). والنبوي: " من
صلى خلف عالم فكأنما صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وآله " (4) إلى غير ذلك.
ولأجل أمثال ذلك قد ذهب جمع من المتأخرين، كصاحبي المدارك
والذخيرة والمحدثين الكاشاني والعاملي (5)، تبعا للفاضل - قدس سره - في
المختلف (6)، إلى تقديم الأفقه على الأقرأ أيضا.
إلا أن الروايات المذكورة متفقة طرا على خلافه، وهي أخص مطلقا مما مر،
ومع ذلك على مدلولها الشهرة القديمة والجديدة، بل عليه الاجماع في كلمات طائفة

(1) المتقدم في ص: 47.
(2) المتقدم في ص " 47.
(3) الزمر: 12.
(4) رواها الشهيد - مرسلا - في الذكرى: 265، وروى عنه في الوسائل 8: 348 أبواب صلاة
الجماعة ب 26 ح 5، ورواها عن لب اللباب في المستدرك 6: 473 أبواب صلاة الجماعة ب 23
ح 8 (بتفاوت يسير).
(5) المدارك 4: 359، الذخيرة: 391، الكاشاني في المفاتيح 1: 164، وأما العاملي فقال في عنوان
الباب 26 من صلاة الجماعة: استحباب تقديم الأفضل الأعلم الأفقه، ولكنه اختار في الباب 28
تقديم الأقرأ على الأفقه.
(6) الظاهر من عبارة المختلف: 155 تقديم الأقرأ على الأفقه، كما صرح به صاحب مفتاح الكرامة
3: 478.
49

من الأصحاب (1)، فالعمل عليها لازم.
مع أن في دلالة كثير مما ذكروه نظرا ظاهرا، كقبح تقديم المفضول، فإنه لو
سلم فلا نسلم في مثل ذلك، إذ يمكن أن يكون الأقرأ أفضل في الإمامة من الأفقه
بعد تساويهما في فقه ما يلزم من أحكام الصلاة كما هو المفروض.
ونحو قولهم عليهم السلام: " من أم قوما وفيهم من هو أعلم منهم لم يزل
أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة " (2).
إذ ظاهره أن المراد إمام الدين لا الصلاة ولا أقل من الاحتمال، وصدقه لغة
عليه غير معلوم، كما مر في بحث صلاة الجمعة.
ونحو ما مر في كراهة إمامة العبد من نفي البأس إذا لم يكن أفقه منه. ولا
شك أنه أخص من المدعى.
ونحو قوله: " أئمتكم وفدكم فانظروا من توفدون في دينكم وصلاتكم " (3).
فإنه لم يعين الوافد فلعله الأقرأ.
إلى غير ذلك مما ذكره بعض المتأخرين ويظهر ما في الجميع مما ذكرنا، هذا.
ويستفاد من الرواية المتقدمة تقديم صاحب السلطان في سلطانه أيضا. ولا
يبعد شموله لكل من له إنفاذ الأحكام الشرعية والرئاسة الدينية في محل، لصدق
السلطنة اللغوية.
فروع:
أ: لا يخفى أن مرجع هذه الأدلة إلى الاستحباب والأفضلية، فهل متعلق
ذلك الاستحباب هو الإمام الراجح بمعنى أنه يستحب له التقدم لولا المانع، أو
غيره من الأئمة بمعنى أنه يستحب له تقديم الراجح، أو المأمومون بمعنى أنه

(1) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 560، والمنتهى 1: 375، والرياض 1: 237.
(2) الفقيه 1: 247 / 1102، التهذيب 3: 56 / 194، الوسائل 8: 346 أبواب صلاة الجماعة
ب 26 ح 1.
(3) قرب الإسناد: 77 / 250، الوسائل 8: 347 أبواب صلاة الجماعة ب 26 ح 4.
50

يستحب لهم الايتمام بالراجح، أو الجميع؟
الظاهر أنه الإمام الراجح وغيره من الأئمة، فيستحب له التقدم ويستحب
لهم تقديمه. وأما المأمومون فلا يستحب شئ لهم إلا من قبل الأمر بالمعروف.
ويظهر من بعض متأخري المتأخرين أن الخطاب متوجه إلى غير الإمام
الراجح فيستحب للغير تقديمه.
ولا يخفى ما فيه، فإن ما يتضمن قوله: " أهل المسجد أحق " يشمل ذلك
الإمام أيضا، بل قوله: " يتقدم أقرؤهم " خطاب إليه خاصة، نعم يستلزم ذلك
خطاب غيره من الأئمة أيضا.
ب: هل الأفضل للراجح تقدمه من غير أن يأذن لغيره، ولغيره تقديم
الراجح ولو أذن له الراجح، أو ينتفي الرجحان والأولوية بإذن الأولى؟
الظاهر: الأول! لاطلاق الأخبار. مع أن التقدم على صاحب المنزل بدون
إذنه صريحا أو فحوى غير جائز مبطل للصلاة، فما ذكروه من الاستحباب فيه لا بد
وأن يكون مع إذنه.
ج: أولوية تقديم من ذكر إنما هي في صورة حضوره، أما الثلاثة الأخيرة
فلأنه مورد الرواية إذ صدرها هكذا: عن القوم من أصحابنا يجتمعون فتحضر
الصلاة.
وأما الراتب فلأن دليل تقديمه وإن كان مطلقا إلا أنه ورد في بعض
الروايات الآتية في مسألة استحباب قيام المأمومين عند قول المؤذن: " قد قامت
الصلاة " ما يعارض ذلك (1).
د: إذا حضر الراجح فهل المستحب لغيره من الأئمة تقديمه والايتمام به،
أو عدم التقدم عليه، حتى لو تقدم غير الراجح لطائفة أخرى ولم يتقدم على
الراجح ولم يتأخر عنه ترك الأفضل أم لا؟

(1) الوسائل 5: 450 أبواب الأذان والإقامة ب 41 و ج 8: 379 أبواب صلاة الجماعة ب 42.
51

ظاهر الأخبار: الأول.
المسألة الثانية: إذا تشاح الأئمة فأراد كل تقديم الآخر أو تقدم نفسه على
وجه لا ينافي العدالة يقدم منهم الأولى بتقديمه على الترتيب المتقدم، لاطلاق
أخباره بالنسبة إلى صورة التشاح وغيرها.
وقد ذكر جماعة (1) أن مراعاة ذلك الترتيب إنما هي في صورة اختلاف
المأمومين، وأما في صورة اتفاقهم على واحد فيقدم مختارهم، استنادا إلى ما مر من
كراهة إمامة شخص لقوم وهم له كارهون. وهو جيد.
ويستفاد من الرضوي (2) تقديم الأصبح وجها على غيره أيضا مع التساوي
في المرجحات المذكورة. ولا بأس به.
الثالثة: قد استفاضت الروايات بل تواترت معنى على استحباب الاقتداء
بالمخالفين بل وجوبه إذا اقتضته التقية، على أحد الوجهين:
أحدهما: أن يصلي في منزله لنفسه ويخرج إلى الصلاة معهم، كما في رواية
عمر بن يزيد: " ما منكم أحد يصلي صلاة فريضة في وقتها ثم يصلي معهم صلاة
تقية وهو متوضئ لها إلا كتب الله تعالى له بها خمسا وعشرين درجة " (3).
وقريبة منها رواية ابن سنان (4).
ورواية الأرجاني: " من صلى في منزله ثم أتى مسجدا من مساجدهم يصلي
معهم خرج بحسناتهم " (5).

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 125، والعلامة في النهاية 2: 152، والشهيد الثاني في روض
الجنان: 366.
(2) المتقدم في ص 47 الرقم (5).
(3) الفقيه 1: 250 / 1125، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 1.
(4) الفقيه 1: 265 / 1210، الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 2.
(5) الكافي 3: 380 الصلاة ب 60 ح 8، الفقيه 1: 265 / 1209، التهذيب 3: 270 / 778
بتفاوت يسير، الوسائل 8: 304 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 9.
52

وكذا روايات نشيط بن صالح (1) وناصح (2)، والحضرمي (3) وأبي الربيع (4)،
وغير ذلك.
الثاني: أن يصلي معهم ابتداء صلاة منفردة يؤذن ويقيم ويقرأ لنفسه مع
الامكان.
ولا شك في الاجتزاء بتلك الصلاة مع الضرورة، وبدونها إذا تمكن من
الاتيان بجميع الواجبات بنفسه، وكذا مع عدم التمكن إذا لم تكن له مندوحة عن
تلك الصلاة ولم يمكنه الصلاة منفردا، كالمصاحب في سفر مع جماعة المخالفين.
وإنما الاشكال فيما إذا لم يتمكن من الواجبات بأسرها وكانت له مندوحة
من الصلاة معهم، أو لم تكن ولكن أمكن له الانفراد أيضا قبلها أو بعدها.
والظاهر الاجتزاء أيضا، لصحيحة أبي بصير (5)، وروايات البزنطي (6)،
وأحمد بن عائذ (7)، وابن أسباط (8)، وابن عذافر (9)، وإسحاق بن عمار (10)، وغيرها.
ولكن الظاهر أن ذلك إنما هو فيما كان لذلك جهة رجحان، ولا أقل من أن

(1) التهذيب 3: 273 / 789، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 6.
(2) التهذيب 3: 270 / 775، الوسائل 8: 304 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 7.
(3) التهذيب 3: 246 / 671، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 3.
(4) التهذيب 3: 33 / 120، الوسائل 8: 303 أبواب صلاة الجماعة ب 6 ح 5.
(5) التهذيب 3: 275 / 801، الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 1.
(6) التهذيب 3: 37 / 132، الإستبصار 1: 431 / 1665، الوسائل 8: 365 أبواب صلاة الجماعة
ب 33 ح 6.
(7) التهذيب 3: 37 / 131، الإستبصار 1: 431 / 1664.
(8) التهذيب 3: 36 / 130، الإستبصار 1: 430 / 1659، الوسائل 8: 364 أبواب صلاة
الجماعة ب 33 ح 5.
(9) التهذيب 2: 296 / 1194، علل الشرائع: 340 / 2، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة
ب 33 ح 3.
(10) التهذيب 3: 38 / 133، الإستبصار 1: 431 / 1666، الوسائل 8: 368 أبواب صلاة المجاعة
ب 34 ح 4.
53

يكون في ولاية المخالف، أو موجبا لتأليف قلوبهم أو لرفع التهمة عن نفسه فيما
تترتب عليهما فائدة، كما هو مورد تلك الأخبار، فلا يجزي في غير ذلك.
فلا يجوز الاجتزاء وترك الواجب فيما إذا وجد مخالف ذليل في بلاد الشيعة،
فاقتدى به شيعي لا مخالطة بينهما ولا يريد رفع تهمة عن نفسه، لأن مثل ذلك غير
مورد تلك الأخبار.
* * *
54

البحث الثاني: في سائر شرائط الجماعة ولوازمها.
وهي أيضا إما واجبة أو مستحبة، فها هنا أيضا مقامان.
المقام الأول. في سائر الشرائط الواجبة للجماعة ولوازمها، وهي أمور:
منها: عدم وجود حائل أو جدار بين الإمام والمأموم، فلا تصح صلاة المأموم
مع وجود الحائل، بالاجماع المصرح به في كلمات جمع من الأواخر والأوائل.
لصحيحة زرارة المروية في الكافي والفقيه: " إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام
ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم إمام، وأي صف كان أهله يصلون بصلاة
إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس ذلك لهم
بصلاة، فإن كان بينهم ستر أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان بحيال
الباب " قال: " وهذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس، وإنما أحدثها
الجبارون، وليست لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة " قال أبو جعفر
عليه السلام: " ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض لا
يكون بين الصفين ما لا يتخطى، ويكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان " (1).
وزاد في الفقيه: (... إذا سجد. قال، وقال: أيما امرأة صلت خلف إمام وبينها
وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة ".
ثم المتبادر من الستر والجدار ما كان جسما - كما صرح به جماعة (2) - فلا ضير
في حيلولة الظلمة وامتناع المشاهدة بالعمى، إذ لم يتعلق الحكم بعدم المشاهدة.
واللازم في المانع صدق الساتر أو الجدار، فلا بأس بغيره، ومنه: الثوب

(1) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 4، الفقيه 1: 253 / 1143، 1144، الوسائل 8: 407
أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 1، و ص 410 ب 62 ح 1 و 2.
(2) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 380، والأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 277، والسبزواري في
الذخيرة: 393، والبهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
55

الرقيق الحاكي للون بل الشبح، لعدم صدق الستر.
وأيضا منه: الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة.
خلافا للمحكي عن الشيخ في بعض كتبه (1)، فقال بعدم جواز الصلاة
وراءها، مستدلا عليه بالاجماع والصحيحة المذكورة.
والاجماع ممنوع سيما مع أن الأكثر على خلافه.
والصحيح غير دال، لأن موضع دلالتها إما النهي عن الصلاة خلف
المقاصير، أو نفي الصلاة مع توسط ما لا يتخطى.
ويضعف الأول. بمنع كون المقاصير مشبكة، كما يستفاد من ذكر حكم
المقاصير بعد اشتراط عدم حيلولة الستر والجدار.
والثاني: بأن المراد بما لا يتخطى في الصحيحة ما كان كذلك بحسب البعد
لا باعتبار الحائل، ولا أقل من الاحتمال المانع من الاستدلال. وليس من باب
الاطلاق أو العموم حتى يكتفي به، كما يجئ بيانه.
ويمكن أن يكون مراده من الشبابيك ما يمنع من المشاهدة، حيث إنها في
اللغة بمعنى ما يعمل من القصب ونحوه على نحو عمل الحصر والبواري، من
تشبيك القصبان ونحوها بعضها في بعض، سواء منعت المشاهدة أم لا، فيحمل
كلامه على الأول كما هو صريح المبسوط (2).
ثم المصرح به في كلام جماعة (3) انتفاء البأس عن الحائل القصير الذي لا
يمنع المشاهدة في جميع الأحوال إن كان مانعا في بعضها، كالمانع حال الجلوس
دون القيام أو بالعكس.
ولا يخفى أن مقتضى إطلاق قوله: " فإن كان بينهم ستر " إلى آخره مانعية
الستر بينهم مطلقا سواء كان في تمام الصلاة أو في بعضها، والتخصيص بالمستمر

(1) الخلاف 1: 557.
(2) المبسوط 1: 156.
(3) منهم الشهيد في البيان: 236، والسبزواري في الذخيرة: 394، وصاحب الحدائق 11: 96.
56

في تمام الصلاة لا وجه له. ومقتضاه بطلان الصلاة بوجود الساتر في بعض
الأحوال، فهو الأجود.
نعم، يشترط في مانعيته ستره لجميع أجزاء الإمام، فلو لم يستر بعضه بحيث
يصدق عرفا عدم ستره لم يضر وإن كان في جميع الأحوال.: وتلزمه كفاية
إمكان مشاهدة جزء معتد به من الإمام دائما، كما صرح بكفايته بعض الأجلة.
ويستفاد من بعض الكلمات عدم البأس بوجود الحائل التام في بعض
الأحوال دون بعض (1).
ومن بعض آخر عدم البأس بما يمكن معه شهود جزء من الإمام مطلقا،
لعدم معلومية صدق الساتر مع مشاهدة جزء.
والأول غير سديد، لأنه تقييد للاطلاق المذكور بلا مقيد. نعم، يصح
ذلك إذا كان بحيث لم يكن له استمرار أصلا كشخص عبر ما بينهما. ومنع صدق
الساتر على الساتر في بعض الأحوال فاسد جدا.
والثاني صحيح لو شوهد جزء معتد به، فلا تكفي مشاهدة إحدى يديه أو
جزء يسير من رأسه، لصدق الساتر عرفا معه.
مع أن الوارد في الصحيحة هو الساتر أو الجدار. وعلى هذا، فلو نسلم عدم
معلومية صدق الساتر على الساتر في بعض الأحيان أو [لبعض] (2) الأجزاء، ولكنه
قد يصدق عليه الجدار، كما إذا كان بقدر لا يرى وراءه إلا رأس الإمام أو مع شئ
من جسده حال القيام، فإنه يصدق عليه الجدار الممنوع عنه في الصحيحة قطعا،
والاجماع على تجويز مثل ذلك [غير] (3) معلوم.
نعم لو كان يسيرا بحيث يشك في صدق الجدار عليه كذراع بل أزيد منه
بقليل، انتفى البأس من جهته وإن ثبت من جهة الستر حال الجلوس. وكأنهم

(1) كما في نهاية الإحكام 2: 122، والذكرى: 272.
(2) في النسخ: لجميع، غيرناه لتصحيح المتن.
(3) أضفناه لتصحيح المتن.
57

بنوا الحكم على الساتر والحائل وظنوا انتفاءه مع المشاهدة في الجملة، وغفلوا عن
لفظ الجدار.
وأشكل منه ما لو كانت الواسطة جدارا رفيعا فيه ثقبة أو ثقبتان يرى منها
بعض الإمام دائما أو في بعض الأحيان، لصدق الجدار. ولا يفيد إمكان
المشاهدة، لعدم تعليق حكم عليها.
وأما على ما ذكرنا من مانعية الستر في بعض الأحيان أيضا واشتراط شهود
جزء معتد له في انتفاء الستر فلا يختلف حكم الساتر والجدار، إذ ما يمنع من
المشاهدة في جميع الأحيان مانع جدارا كان أو غيره، وما لا يمنع عن مشاهدة الجزء
المعتد به حتى في حال الجلوس لا يصدق عليه الجدار. وكذا لو كانت فيه تقبة
يشاهد فيها المعتد به من الإمام في جميع الأحيان لم يكن جدار بينهما أيضا، إذ
موضع الثقبة ليس جدار. ولو كانت فيه ثقبات صغيرة كثيرة تجعله شباكا.
فروع مهمة:
أ: المانع عن الصحة هو الحائل بين المأموم وبين الإمام والمأمومين جميعا،
فلو لم يشاهد المأموم الإمام الحيلولة المأمومين ولكن لم يكن حائل بينه وبين بعض
المأمومين صحت صلاته إجماعا بل ضرورة، وإلا لم تحصل جماعة للصفوف
المتعددة.
وتدل عليه أيضا العمومات والاطلاقات الخالية عن المعارض، حيث إن
الصحيحة لم تدل إلا على وجوب انتفاء الستر بين المأموم والصف الذي يتقدمه،
حيث إن مرجع ضمير الجمع هو قوله. " أهله " فيكون الطرف الآخر الصف الذي
يتقدمهم كما في سابقه ولا أقل من احتماله الكافي لنا في المقام.
ب: مقتضى الصحيحة هو تحقق الصحة بانتفاء الحائل بين المأموم وبين
من يتقدمه من الإمام أو الصف الذي يتقدمه، بل بعض المأمومين من أهل الصف
المتقدم، لصدق الصف، وعدم الفصل. سواء كان حائل بينه وبين بعض آخر
من أهل هذا الصف أولا، وسواء أمكن له مشاهدة من لا حائل بينه وبينه من
58

أهل الصف بدون الالتفات بالرأس أو معه أو لم يمكن له للبعد ونحوه. وهذا هو
الضابط الصحيح الثابت من الصحيحة في المسألة.
وعلى هذا فلو كان هناك جدار قدامه إمام ووراءه صف، فإن لم يتجاوز أحد
طرفي الصف عن محاذاة الجدار إلى حيث يتمكن من في هذا الطرف من مشاهدة
الإمام بطلت صلاتهم جميعا، وإن تجاوز أحد الطرفين أو كلاهما إلى حد لم يمنع
الجدار من مشاهدة الإمام، صحت صلاة كل من يمكنه المشاهدة من هذه الجهة
وإن بطلت من حيث التباعد في بعض الصور، وبطلت صلاة من يحاذي الجدار
أو يمنعه عن مشاهدة الإمام وإن لم يكن محاذيا له، لصدق توسط الجدار بينهما.
ولو كان قدام الجدار صف يتجاوز عن طرفيه أو عن أحدهما ووراءه أيضا
كذلك صحت صلاة الجميع، لأن من يحاذي الجدار من أهل صف الوراء يشاهد
أهل طرف الصف القدام، إلا مع حيلولة الجدار عن مشاهدته إياهم.
ويلزمه لو كان هناك باب يحاذي المسجد وصف جماعة خارجه فإن لم يحاذ
الباب أحد وصفوا عن يمينه وشماله بطلت صلاة الجميع إلا إذا تباعد الصف عن
جدار المسجد بحيث يرى من في طرفيه بعض أهل المسجد.
ولو صفوا في محاذاة الباب وطرفيه صحت صلاة المحاذي ومن يليه ممن
يتمكن من المشاهدة وتبطل صلاة الباقين. ولو صف بعد هؤلاء جماعة أخرى
صحت صلاة الجميع. هذا مقتضى الصحيحة، ويؤكده قوله في ذيلها: " إلا من
كان بحيال الباب " بل هو صريح في ذلك.
ومن الأصحاب جماعة (1) صرحوا بصحة صلاة كل من في الصف الخارج
الواقف حذاء الباب وطرفيه، واحتجوا له بأن من تجاوز الباب وإن لم يشاهد من
الصف المتقدم أحدا ولكنه يشاهد من بحذاء الباب عن يمينه أو عن يساره
والمشاهدة المطلقة كافية.
وفيه: أنه إنما يصح لو ثبت تعليق الحكم على المشاهدة، وليس كذلك، بل

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 156، والعلامة في المنتهى 1: 365، وصاحب الحدائق 11: 98.
59

هو معلق بعدم الحائل بينه وبين الصف المتقدم، فلا وجه للاحتجاج بكفاية
المشاهدة المطلقة سيما مع تصريح الصحيحة بعدم صحة صلاة غير من بحيال
الباب.
والعجب من شيخنا صاحب الحدائق، حيث إنه بعد ما نقل الاستشكال
في صحة صلاة من على يمين الباب ويساره عن الذخيرة استنادا إلى ظاهر
الصحيحة، قال ما خلاصته: إن منشأ الشبهة تخصيص المشاهدة التي هي شرط
صحة القدوة بمشاهدة من يكون قدامه دون من على يمينه ويساره، ولازمه أنه لو
استطال الصف الأول على وجه لا يرى من في طرفيه الإمام تبطل صلاتهم حيث
إنهم لا يشاهدون الإمام ولا تكفي مشاهدة من على اليمين واليسار. وكذلك لو
استطال الصف الثاني أو الثالث زيادة على ما تقدمه وكان في مقابل الزيادة جدار
دون المأموم يلزم بطلان صلاة الزيادة لعدم وجود المأموم قدامهم ولعله لا يقول
به. والظاهر من قوله: " إلا من كان بحيال الباب " يعني من الصفوف لا من
المأمومين بقرينة قوله: " وأي صف كان أهله " إلى آخره. ومثل الصورتين وقوف
بعض المأمومين خلف الأساطين بحيث كانت الأسطوانة في قبلته فهو لا يرى من
قدامه من المأمومين وإنما يرى من على يمينه ويساره، مع أن صحيحة الحلبي (1)
دلت على أنه لا بأس بالصلاة بين الأساطين (2). انتهى.
وفيه: أنه لم يثبت اشتراط صحه القدوة بالمشاهدة من دليل، بل الثابت
اشتراط انتفاء الحائل بين أهل صف وأهل الصف المتقدم، فليس المنشأ تخصيصا
في المشاهدة بل صدق الحائل.
ومنه يظهر عدم لزوم بطلان الصلاة في الصف المستطيل الأول، لعدم
الحائل. وعدم المشاهدة باعتبار طول المسافة غير ضائر كالظلمة.

(1) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 6، الفقيه 1: 253 / 1141، التهذيب 3: 52 / 180،
الوسائل 8: 408 أبواب صلاة الجماعة ب 59 ح 2.
(2) الحدائق 11: 99.
60

ولا في زيادة الصف المستطيل الثاني إذا لم يكن الجدار الذي فرضه حائلا
بينه وبين جميع أهل الصف المتقدم، وإن كان حائلا يعترف ببطلان صلاتهم
البتة.
ولا في الواقف بين الأساطين إذا يرى بعض من تقدمه، ولو لم ير أحدا منهم
نقول بالبطلان، ولا تنافيه صحيحة الحلبي كما لا يخفى.
وأما إرادة الصف من قوله: " من كان بحيال الباب " فبعيد غايته، ولا دلالة
لقوله: " وأي صف " عليه أصلا، لتقييده بقوله: " أهله " فمعناه: إذا كان بين أهل
صف وأهل صف تقدمه ستر تبطل صلاتهم إلا من كان بحيال الباب من أهل
الصف، مع أنه لا يصدق على جميع هذا الصف أنه بحيال الباب، مع أنه لو كان
كما توهم لم يحسن الاستثناء.
ثم بما ذكرناه هنا يظهر الحكم في أكثر الفروع المتعلقة بالمقام.
ج. المستفاد من إطلاق الصحيحة منع الحائل عن صحة الجماعة مطلقا،
سواء كان في تمام الصلاة أو بعضها، وسواء كان الساتر مستقرا كجدار، أو لا
كثوب ترفعه الريح تارة وتضعه أخرى، أو مصل يقوم تارة ويجلس أخرى.
ومنه يظهر أنه كما أنه يشترط انتفاء الحائل ابتداء يشترط استدامة أيضا،
وأنه لو عرض في أثناء الصلاة تبطل الجماعة وإن لم يكن اختياريا، لأنه حكم
وضعي لا يتوقف على الاختيار. ويلزمه بطلان جماعة صف تقدمه صف آخر غير
مأمومين ولو علم بذلك في الأثناء أو تمت صلاتهم كالمسافرين إذا اشتغلوا بعد
الركعتين بنافلة حتى يحصل الستر.
نعم، يشترط شئ من الاستمرار له حتى يصدق أن بينهم سترا، فلا بأس
بعبور شخص بينهم وإن ستر في الجملة حال العبور.
وكذا يشترط كونه بحيث يصدق الساتر به عرفا، فلا يضر شئ قصير يحول
حال السجود خاصة مثلا، لعدم صدق الستر بينهما عرفا. فتأمل.
د: لا يتوهمن أن مقتضى اشتراط انتفاء الساتر أن يتوقف في صحة صلاة
61

الصف المتأخر ودخوله في الصلاة [قبل] (1) دخول من تقدم عليه كلا أو المحاذي
له في الصادة، حيث إنه قبله ساتر وليس بمأموم.
لأن الشرط انتفاء الساتر بينه وبين الصف المتقدم عليه كما هو صريح
النص، ولا يشترط في صدق الصف دخول أهله في الصلاة بل اللازم صفهم
للصلاة جماعة وكونهم معدودين من المأمومين قاصدين للايتمام، إذ بذلك يصدق
الصف المتقدم عرفا ولم يثبت توقف صدقه على شئ آخر.
ه‍: هذا الشرط مخصوص بما إذا كان المأموم رجلا أو امرأة اقتدت بامرأة،
وأما إذا اقتدت برجل فلا يضر الحائل إذا عرفت انتقالات الإمام، على الأظهر
الأشهر، بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا (2) مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، وقيل: بلا
خلاف إلا ممن يأتي (3).
للأصل، والعمومات، ومؤثقة عمار: عن الرجل يصلي بالقوم وخلفه دار
فيها نساء، هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال. " نعم إن كان الإمام أسفل
منهن "، قلت: فإن بينهن وبينه حائطا أو طريقا، قال: " لا بأس " (4).
ويؤيده أنهن عورة لا ينبغي لهن مخالطة الرجال، مع أن فضيلة الجماعة
عامة.
وقد يستدل أيضا بعدم شمول الصحيحة (5) لهن، ولعله لتذكير الضمير.
وفيه ما فيه، مع أن هذا المستدل يمنع عن الحائل إذا كان إمامها امرأة
للصحيحة.
خلافا للمحكي عن الحلي (6)، لضعف الرواية تارة. وهو ممنوع. ولو سلم

(1) أضفناه لتصحيح المتن.
(2) التذكرة 1: 174.
(3) الرياض 1: 229.
(4) التهذيب 3: 53 / 183، الوسائل 8: 409 أبواب صلاة الجماعة ب 60 ح 1.
(5) المتقدمة في ص 55.
(6) السرائر 1: 289.
62

فمجبور. وباحتمالها للحائط القصير أخرى. وهو بالاطلاق مدفوع.
نعم يصح ذلك فيما إذا كان إمامها امرأة فيما يجوز، لاختصاص الموثقة،
وعموم الصحيحة.
ومنها: عدم كون موقف الإمام أعلى من موقف المأموم، فلو كان أعلى لم
تصح صلاة المأموم، على الحق المشهور كما صرح به جماعة (1)، بل عن التذكرة
نسبته إلى علمائنا (2) في مؤذنا بالاجماع.
لعموم مفهوم موثقة عمار المتقدمة آنفا، خرجت منه صورة التساوي فيبقى
العلو مبطلا.
وموثقته الأخرى: عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه
الذي يصلي فيه، فقال: " إن كان الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من
موضعهم لم تجز صلاتهم " (3).
خلافا للمحكي عن الخلاف، فقال بالكراهة مدعيا عليها إجماع
الطائفة (4)، واختاره في المدارك (5)، وتردد في المعتبر والشرائع والنافع (6)، وهو ظاهر
الكفاية والذخيرة (7).
لدعوى الاجماع، والأصل، والعمومات، مع ضعف الرواية سندا وتهافتها
متنا واختلافها نسخا.

(1) منهم العلامة في المختلف: 160، والكاشاني في المفاتيح 1: 161، والسبزواري في الذخيرة:
394.
(2) التذكرة 1: 174.
(3) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 9، الفقيه 1: 253 / 1146، التهذيب 3: 53 / 185،
الوسائل 8: 411 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 1.
(4) الخلاف 1: 556.
(5) المدارك 4: 320.
(6) المعتبر 2: 420، الشرائع 1: 123، النافع: 46.
(7) الكفاية: 31، الذخيرة: 394.
63

والأول غير ثابت، ومنقوله غير حجة سيما مع عدم ظهور موافق له من
قدماء الفرقة. مع أنه - كما صرح به في المختلف (1) - إرادة الحرمة من الكراهة كما
شاعت في الصدر الأول محتملة، بل قيل: عبارة الخلاف بها أيضا شاهدة (2). فلا
يكون الشيخ مخالفا في المسألة، ولا إجماعه منافيا للحرمة.
والثانيان مندفعان بالموثقتين. وضعفهما ممنوع، كيف؟! وهما من الموثقات
وهي في نفسها حجة، ومع ذلك بالشهرة العظيمة من الجديدة والقديمة
منجبرتان.
والتهافت والاختلاف لو سلم ففي الأخيرة، والأخيرة والأولى عنهما سالمة، مع أنهما
فيها أيضا لا يتعلقان بما يفيد ذلك الحكم، وإنما هما في بيان قدر العلو، وهو غير
المسألة.
فروع:
أ: اشتراط عدم العلو إنما هو في غير الأرض المنحدرة. وأما فيها فلا يضر
علو الإمام مطلقا، بلا خلاف فيه كما قيل (3)، لذيل الموثقة الأخيرة: " وإن كان
أرضا مبسوط وكان في موضع منها ارتفاع، فقام الإمام في الموضع المرتفع وقام من
خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع منحدر، فلا بأس ".
ب: اختلفوا في قدر العلو المانع، فحوله الحلي (4)، وجماعة (5)، بل الأكثر
إلى العرف والعادة.
وقدره في النهاية والتذكرة والدروس والبيان والمسالك وروض الجنان (6) بما لا

(1) المختلف: 160.
(2) الرياض 1: 230.
(3) الرياض 1: 230.
(4) السرائر 1: 283.
(5) منهم الشهيد في الذكرى: 273، والشهيد الثاني في الروضة 1: 380، وصاحب الحدائق 11:
111.
(6) نهاية الإحكام 2: 124، التذكرة 1: 174، الدروس 1: 220، البيان: 236، المسالك 1: 43،
روض الجنان: 370.
64

يتخطى.
وبعض آخر بشبر (1)
والأظهر: الأول، لأنه المرجع حيث لا لقدير في الشرع كما هنا، إذ ليس ما
يتوهم منه ذلك إلا صحيحة زرارة - السابقة (2) في مسألة الحائل - المقدرة له بما لا
يتخطى، وهو دليل الثاني، وبعض نسخ التهذيب في الموثقة الأخيرة المقدر له
بالشبر، وهو دليل الثالث.
والأول مردود: باحتمال إرادة هذا المقدار في البعد دون اختلاف الموقف كما
يأتي. مع أنه على تقدير الشمول لذلك أي بإطلاقه يدل على مانعية هذا القدر
- وهو يوافق العرف - دون اغتفار ما دونه إلا بمفهوم الوصف الضعيف أو إدخاله
في مفهوم الشرط بتكلف بعيد.
والثاني: بأنه لا يصلح للاستناد، لمكان الاختلاف.
ثم لا شك في دخول ما لا يتخطى في العلو عرفا، ولا في خروج الشبر وما
دونه عنه. ويؤكده ما في التذكرة من الاجماع على عدم مانعية اليسير (2). والأحوط
بل الأظهر الاجتناب (عن ما بينهما) (4).
ج: لا يضر علو المأموم من الإمام مطلقا بالاجماع، كما عن المنتهى (5)
وغيره (6)، للأصل، والعمومات، وخصوص منطوق الموثقة الأولى، وعموم مفهوم
صدر الثانية، وصريح ذيلها: قال. وسئل: فإن قام الإمام أسفل من موضع من
يصلي خلفه، قال: " لا بأس " وقال: " إن كان رجل فوق بيت أو غير ذلك دكانا

(1) حكاه في الروضة 1: 380.
(2) في ص 55.
(3) التذكرة 1: 174.
(4) ما بين القوسين موجود في " ح " فقط.
(5) المنتهى 1: 366.
(6) كالمدارك 4: 320.
65

أو غيره وكان الإمام على الأرض أسفل منه جاز أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته
وإن كان أرفع منه بشئ كثير ".
وأما قوله في رواية محمد بن عبد الله: " يكون مكانهم مستويا " (1)، فلا يثبت
وجوب التساوي، بل غايته الاستحباب. ولا بأس به.
ومنها: عدم تباعد المأموم عن الإمام أو الصف الذي يتقدمه، بالاجماع
المحقق والمحكي في عبارات جمع من الأصحاب، منهم: المدارك والذخيرة (2)
وغير هما (3).
وهو الحجة المخرجة عن الأصل المخصصة للعمومات، دون غيره من
صحيحة زرارة المتقدمة (4)، ورواية الدعائم: " ينبغي للصفوف أن تكون
متواصلة، ويكون بين كل صفين قدر مسقط جسد الانسان إذا سجد، وأي صف
كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم أزيد من ذلك
فليس تلك الصلاة لهم بصلاة " (5).
لاجمال الأولى، وضعف الثانية.
أما الأول فبيانه أن موضع الاستدلال من الصحيحة اشتراط ما لا
يتخطى، والمحتمل إرادته من هذا اللفظ - كما يستفاد من كلام الأصحاب - معان
ثلاثة: ما لا يتخطى من الحائل، أو من العلو، أو من البعد.
وظاهر الأكثر عدم حمله على الأخير حيث لم يستندوا إليه في مقدار البعد.
وحمله جماعة على الثاني حيث اعتبروا هذا القدر في العلو.
وليس احتماله لهذه المعاني من باب الاطلاق الشامل للجميع حتى تصح

(1) التهذيب 3: 282 / 835، الوسائل 8: 412 أبواب صلاة الجماعة ب 63 ح 3.
(2) المدارك 4: 322، الذخيرة: 394.
(3) كالتذكرة 1: 173.
(4) في ص 55.
(5) دعائم الاسلام 1: 156، مستدرك الوسائل 6: 499 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
66

إرادة الشامل للجميع في استعمال واحد، إذ ما لا يتخطى على الأول معنى غيره
على الأخيرين، فإنه على الأول شئ مانع عن التخطي، وعلى الأخيرين شئ لا
يصير خطوة.
ثم إن هذا اللفظ قد تكرر في الصحيحة في أربعة مواضع:
أما الموضع الأول فعلى حمله على الحائل، يكون معنى لا يتخطى نحو: لا
يمكن التخطي أولا يصلح أوليس من شأنه، ويلزم تقدير نحو لفظة: " منه " أي
ما لا يتخطى منه، وهو خلاف أصل.
وعلى حمله على العلو يفسر إما كالسابق، أو يكون المعنى: ما لا تقطعه
الخطوة ولا يصير محل التخطي مطلقا لا بخطوة واحدة ولا أكثر، فإن العلو المفرط
لا يتخطى من حيث هو وإن أمكن تخطيه بالدرج، وهو أمر خارج عن نفس العلو،
فالمرتبع كثيرا لا يصير محلا للتخطي مطلقا إلا بتقليله شيئا فشيئا وجعله مدرجا،
كما أن الحائل لا يتخطى منه كذلك إلا برفعه. وعلى هذا لا يستلزم خلاف أصل.
وعلى حمله على البعد يكون المعنى: ما ليس من شأنه أن يتخطى.
ويلزم حمل التخطي على الخطوة الواحدة، أي ما لا يتخطى بخطوة واحدة،
ضرورة إمكان قطع المسافة وإن بعدت بخطوات كثيرة. وهذا مخالف للأصل،
لأن التخطي هو قطع المسافة بالخطوة واحدة كانت أم متعددة.
وكذا يلزم التخصيص بالصف الأول، أو التجوز في الإمام بإرادة من تقدم
على المأموم إماما كان أو مأموما آخر، ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا البعد بين
كل مأموم والإمام. وهذا خلاف أصل آخر.
ويلزم أيضا تخصيص أهل الصف الأول بمن في خلف الإمام خاصة أو مع
من يليه، أو إرادة محاذاة الإمام من لفظ: " الإمام " ضرورة عدم اشتراط انتفاء هذا
البعد بينه وبين نفس الإمام في طرفي الصف. وهذا خلاف أصل ثالث، بل غير
جائز، لاستلزامه عدم بقاء غير واحد أو اثنين أو ثلاثة من الأفراد الغير العديدة بل
من أزيد من عشرة آلاف في بعض الأوقات.
67

فإرادة البعد من: " ما لا يتخطى " في هذا الموضع مرجوح غايته.
وأما الموضع الثاني ففي حمله على أحد الأولين كالموضع السابق.
وأما في الثالث فينتفي المحذوران الآخران ويبقى الأول خاصة، ومن هذه
الجهة يساوي المعنى الأول، لأنه أيضا يستلزم خلاف أصل واحد، إلا أنه يصير
مرجوحا عنه بملاحظة قوله: " فإن كان بينهم ستر " إلى آخره، فإن الظاهر من
لفظة: " الفاء " أنه حكم مترتب متفرغ على سابقه ولا يلائم غيره، فيكون المراد ما
لا يتخطى من الحائل وإن كانت إرادته مرجوحة هنا من جهة إقحام لفظ: " القدر "
ولكن التأويل فيه أسهل منه في لفظة: " الفاء ".
ومنه يظهر عدم رجحان إرادة البعد في هذا الموضع أيضا.
وأما الموضع الثالث فهو أيضا كالثاني في انتفاء المحذورين عن المعنى الثالث
بل محذور التفريع أيضا، ويلائم هذا المعنى ما تعقبه من قوله: " ويكون قدر
ذلك " بل هو بنفسه كاف في إفادة هذا المعنى ولو كان جملة مستأنفة. إلا أنه عن
دلالة الاشتراط خال، بل ظاهر لفظ: " ينبغي " الاستحباب، فلا يصلح حجة
للاشتراط.
وأما الموضع الرابع فيزيد المحذور فيه للمعنى الأول بعدم اشتراط انتفاء
الحائل في المرأة ولكن المحذورات الثلاثة للمعنى الثالث فيه مجتمعة، وليس
ارتكابها بأسهل من حل نفي الصلاة مع الحائل في المرأة على ضرب من الكراهة
أو إرادة انتفاء العلو.
هذا كله مع ما في إرادة البعد من المخالفة للشهرة العظيمة حيث إنه لم ينقل
التحديد بهذا القدر إلا عن الحلبي وابن زهرة (1).
والمعارضة مع إطلاق موثقة عمار المتقدمة (2) في بيان جواز اقتداء المرأة مع
الحائل، بل ظاهرها حيث إن الطريق يكون مما لا يتخطى غالبا.

(1) الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.
(2) في ص 62.
68

والاجمال من حيث المبدأ، فإن مبدأ، لا يتعين هل هو من الموقف أو
المسجد. ولا يفيد قوله: " إذا سجد " في الصحيحة، لاحتمال تعلقه بقوله: " قدر
ذلك " كما يحتمل التعلق بالجسد.
مع ما في الأول من الاستبعاد الواضح - كما صرح به في المعتبر (1) - بل
الامتناع، إذ مع تقارب الموقفين بهذا القدر الذي لا يزيد على شبرين غالبا لا
يتمكن المصلي عن السجدة بل يكون مسجده محل ركبته أو ملاصقا معه.
وما في الثاني من عدم القائل ظاهرا، فإن الظاهر أن من اعتبره اعتبره من
الموقف. فتأمل.
مع أن في الحمل على هذا المعنى إجمالا من جهة أخرى أيضا، فإن معنى:
" ما لا يتخطى " ما لا يعتاد تخطيه أو ما ليس من شأنه ذلك، وهذا كما يمكن أن
يكون من جهة الافراط يمكن أن يراد من جهة التفريط ويكون المعنى: إذا كان
بينهم ما لا يتخطى من القلة فلا صلاة لهم، لعدم إمكان السجدة.
وظهر من جميع ذلك سر عدم اعتناء الأكثر في اعتبار مقدار البعد إلى
الصحيحة.
وأما الثانية (2) فلعدم العلم بصحة روايات الدعائم وعدم انجبار هذه
الرواية أيضا، مضافا إلى قصور دلالتها أيضا لبعض ما تقدم.
وإذ قد عرفت أن المستند في المسألة هو الاجماع خاصة فاللازم فيما يتفرع
عليها الاقتصار على ما ثبت انعقاده عليه.
ومنه: مقدار البعد المبطل، فيجب تحديده بما ثبت الاجماع على اشتراط
انتفائه.
ولا يبعد انعقاده على ما يقال في العرف. إن هذا الصف بعيد كثيرا عن
ذلك الصف، إذ لا خلاف في البطلان به، إلا ما حكي عن المبسوط من حكمه

(1) المعتبر 2: 419.
(2) مراده (ره) من الثانية رواية الدعائم التي استدلوا بها لمسألة عدم التباعد، راجع ص 66.
69

بجواز التباعد بثلاث مائة ذراع (1)، وعن الخلاف من تحديده البعد الممنوع منه بما
يمنع من مشاهدة الإمام والاقتداء بأفعاله (2). ومجرد ذلك غير قادح في حكم
الحدس بالاجماع. مع أن كلامهما كما صرح به جماعة (3) غير صريح بل ولا ظاهر
في المخالفة، فيكون البطلان به مجمعا عليه.
وهو الدليل له، دون ما قيل من الأصل، وعدم مصحح للعبادة معه، لأن
الأصل يندفع بالاطلاقات، وهي أيضا كافية في التصحيح.
والقول بعدم انصرافها إلى من يبعد بهذه المثابة واه، لأن التحديد في ذلك
موكول إلى الشرع ولا مدخلية لغيره فيه، فلا انصراف إلى حد قبل تحديده.
ولا يبطل بما دونه، لما مر من الأصل والاطلاق المؤيدين بالشهرة العظيمة
التي - كما قيل - كادت أن تكون إجماعا (4).
خلافا للمحكي عن الحلبي وابن زهرة (5)، فمنعا عن البعد بما لا يتخطى،
للصحيحة والرواية المتقدمتين (6).
وقد عرفت ما في الاستناد إليهما من الاجمال في هذا اللفظ.
ولو استندا في التقدير فيهما بمسقط جسد الانسان لأجبنا بعدم دلالة
الصحيحة على وجوبه، لاتيانه فيه بالجملة الخبرية. بل في الاتيان بقوله: " ينبغي "
وضمه مع تواصل الصفوف وتماميتها دلالة واضحة على الاستحباب، بل - كما
قيل (7) - هي أظهر من دلالة. " لا صلاة " على الفساد. مع أنه إذا جعل المبدأ
المسجد فلا يكون لهما كثير مخالفة مع المختار - سيما مع احتمال إرادة مسقط تمام

(1) المبسوط 1: 156.
(2) الخلاف 1: 559.
(3) منهم الشهيد في الذكرى: 272، وصاحبا الحدائق 11: 105، والرياض 1: 230.
(4) الرياض 1: 230.
(5) الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560.
(6) في ص 55، و 66.
(7) الرياض 1: 230.
70

جسد الانسان حيث ينام مادا رجليه - على أن يكون " إذا سجد " متعلقا بالقدر.
ومنه: ما ذكروه من أنه هل يشترط ذلك مطلقا كما عن الشهيدين (1)، أم
يختص بابتداء الصلاة خاصة حتى لو انتفى بخروج الصفوف المتخللة عن
الاقتداء بظهور عدم اقتدائهم أولا أو عدولهم إلى الانفراد ثانيا أو انتهاء صلاتهم
لم ينفسخ الاقتداء كما عليه جماعة (2)؟
فيحكم بالثاني، لأنه المجمع عليه دون غيره.
ومنه: أنه هل يجب على البعيد من الصفوف أن لا يحرم بالصلاة حتى يحرم
بها قبله من يزول معه التباعد، أم لا، بل يجوز لكل أحد من المأمومين الاحرام
قبل كل من تقدمه؟
فالمختار وفاقا لصريح جماعة (3) وظاهر الأكثر: الثاني، لعدم ثبوت الاجماع
على مضرة مثل ذلك البعد المشغول بمن يريد الاقتداء والمظنون انتفاؤه قبل الركوع
أيضا، مضافا إلى عدم تسميته بعدا عرفا، وعدم دلالة الصحيحة على اشتراط
انتفاء مثل ذلك أيضا لصدق الصف كما مر في الحائل، واستمرار عمل الناس كلا
سلفا وخلفا عليه وعدم انتظار كل لاحق من الصفوف لاحرام سابقه.
ومنه: ما إذا تجاوز طرف الصف المتأخر عن مقابلة المتقدم، فيخلو مقابله
عن المأموم إما مطلقا أو في مجرد ذلك الصف، أو كان وسط المتقدم منقطعا بحوض
أو أسطوانة أو نحو هما، فهل تبطل صلاة من في طرف الصف أو مقابل الحوض من
الصف المتأخر؟
والحكم عدم البطلان، لأن الثابت من الاجماع اشتراط انتفاء هذا البعد
بين الصف المتأخر والمتقدم ولو كان المتقدم أقل من المتأخر، بل ولو كان شخصا
واحدا فيكون حكمه حكم الإمام ويكون قرب بعض من الصف المتأخر إليه

(1) الشهيد الأول في البيان: 235، الشهيد الثاني في روض الجنان: 370.
(2) منهم السبزواري في الذخيرة: 394، وصاحبا المدارك 4: 323، والحدائق 11: 108.
(3) منهم الشهيد في البيان: 235، والشهيد الثاني في الروض: 370، وصاحب الرياض 1: 231.
71

كافيا.
مضافا إلى ما مر من الصحيح (1) الدال على جواز الصلاة بين الأساطين
الغير المنفكة عن مثل ذلك غالبا، واستمرار الأمة عليه من جهة تخلل الأساطين
بين الصفوف.
ومنه: ما إذا توسط بين الإمام والمأموم أو المأمومين بعضهم مع بعض ما
يمنع التخطي وكان أقل من البعد الممنوع، كنهر أو بئر، أو كان أحدهما في سطح
وآخر في سطح آخر فلا يضر على المختار.
إلى غير ذلك من الفروع.
ومنها: عدم تقدم المأموم على الإمام بمعنى أن يكون أقرب إلى القبلة منه،
بالاجماع المحقق والمحكي مستفيضا (2)، المؤيد بطريقة الحجج وعمل الأمة
والشواهد الاعتبارية، وتضمن الأخبار الواردة في الجماعة قيام المأموم خلف الإمام
أو جنبه (3)، فلو تقدم المأموم بطلت صلاته.
ولا يجب تأخره عنه، على الحق المشهور، بل عن التذكرة الاجماع عليه (4)،
للأصل، والاطلاقات، ورواية السكوني المتقدمة المصرحة بصحة صلاة كل من
الشخصين الناويين أنه إمام (5)، فإن مع اشتراط التأخر لا يتصور ذلك.
وصحيحة محمد. " الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه، فإن كانوا
أكثر من ذلك قاموا خلفه " (6).
وغيرها مما يدل على استحباب وقوف المأموم الواحد عن يمين الإمام، فإن
القيام عن اليمين أعم من التساوي.

(1) المتقدم في ص 60.
(2) كما في التذكرة 1: 171، والمدارك 4: 330، والمفاتيح 1: 161.
(3) الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23.
(4) التذكرة 1: 171.
(5) راجع ص 23.
(6) التهذيب 3: 26 / 89، الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 1.
72

ولا ينافيه جزؤها الآخر المتضمن لقيام الأكثر من الواحد خلفه، إذ لا يثبت
من شئ من روايته الزائد من الرجحان لمكان الجملة الخبرية. مضافا إلى أن
المخالف في المقام أيضا لا يحمله على الوجوب بل يجعله من مستحبات الموقف.
خلافا للمحكي عن الحلي (1)، فأوجب التأخر بقليل، لدليل عليل.
ثم المعتبر في التقدم والتساوي هو ما كان موردا للاجماع حيث إنه دليل
المسألة. والظاهر الاجماع على حصول التقدم بتقدم الأعقاب والأصابع جميعا حال
القيام، والركبتين والأليتين حال الجلوس، والبطن والصدر في الحالين بمعنى
اعتبار الجميع. ويساعده العرف والعادة اللذان حكمهما جماعة (2) في المقام للخلو
عن البيان الشرعي، فتجب مجانبة المأموم عن التقدم بمجموع هذه، ولا يضر
التقدم بالبعض.
ولا يضر تقدم رأسه حالتي الركوع والسجود لطول قامته واستطالته في حال
السجود، أو الأعقاب خاصة أو الأصابع أو الركبتين أو الأليتين كذلك، أو تقدم
البطن أو المصدر.
خلافا لجماعة، منهم. الذكرى والبيان والدروس والروضة (3)، فاعتبروا
الأعقاب خاصة.
ولأخرى، منهم: النهاية والمسالك وروض الجنان (4)، فاعتبروا الأعقاب
والأصابع معا من غير التفات إلى غير هما.
ولا دليل على شئ منهما وإن كان الأخير أقرب إلى العرف.
فرع: تجوز استدارة المقتدين بإمام واحد حول الكعبة بشرط أن لا يكونوا

(1) السرائر 1: 277.
(2) منهم السبزواري في الذخيرة: 394، وصاحبا المدارك 4: 331، والرياض 1: 233.
(3) لم نعثر عليه في الذكرى، ولكنه موجود في التذكرة 1: 171، البيان: 334، الدروس 1: 220،
الروضة 1: 381.
(4) نهاية الإحكام 2: 117، المسالك 1: 44، روض - الجنان: 371.
73

أقرب إلى الكعبة من الإمام، وفاقا للمحكي عن الإسكافي والذكرى (1) مدعيا
عليه الأخير الاجماع، للأصل والاطلاقات.
وخلافا للفاضل في جملة من كتبه (2)، فأوجب وقوف المأموم في الناحية التي
فيها الإمام، لوجه غير تام.
ومنها: أي من لوازم صلاة الجماعة: سقوط وجوب القراءة عن المأموم في
الجملة.
وتحقيق الحال فيها يستدعي بسط المقال برسم مسائل:
المسألة الأولى: لا قراءة واجبة على المأموم الغير المسبوق في الأوليين من
الصلوات الجهرية إذا سمع صوت الإمام.
إجماعا فتوى محققا ومحكيا في الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة (3)، وفي
السرائر نفي الخلاف عن ضمان الإمام القراءة (4).
واتفاقا نصا، ففي صحيحتي الحلبي: " إذا صليت خلف إمام يؤتم به فلا
تقرأ خلفه، سمعت قراءته أو لم تسمع " (5).
وزاد في إحداهما: " إلا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع
فاقرأ " (6).
وعمر بن يزيد: عن إمام لا بأس به، قال: " لا تقرأ خلفه ما لم يكن
عاقا " (7).

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 160، الذكرى: 162.
(2) منها التذكرة 1: 171، والقواعد 1: 46.
(3) الخلاف 1: 339، المعتبر 2: 420، المنتهى 1: 378، التذكرة 1: 184.
(4) السرائر 1: 284.
(5) التهذيب 3: 34 / 121، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 12.
(6) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 2، الفقيه 1: 255 / 1156، الإستبصار 1: 428 / 1650،
الوسائل 8: 355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 1.
(7) الفقيه 1: 248 / 1114، التهذيب 3: 30 / 106، الوسائل 8: 313 أبواب صلاة الجماعة
ب 11 ح 1.
74

والبجلي: " أما الصلاة التي لم تجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ
خلفه، وأما الصلاة التي تجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه، فإن سمعت
فأنصت وإن لم تسمع فاقرأ " (1).
وزرارة: " من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة " (2).
وأخرى: " وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن شيئا في الأوليين، وأنصت
لقراءته، ولا تقر أن شيئا في الأخيرتين، إن الله عز وجل يقول للمؤمنين: (وإذا
قرئ القرآن) يعني في الفريضة خلف الإمام (فاستمعوا له وأنصتوا) (3)
والأخيرتان تبع للأوليين " (4).
وثالثة: " إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك " (5).
ورواية المرافقي وأبي أحمد: " إذا كنت خلف الإمام تولاه وتثق به فإنه
تجزيك قراءته، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت، قال
الله سبحانه: (وأنصتوا) (6).
والقصير: " إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فقرأ القرآن فلا تقرأ واعتد
بصلاته " (7).

(1) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 1، التهذيب 3: 32 / 114، الإستبصار 1: 427 / 1649،
الوسائل 8: 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 5.
(2) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 6، الفقيه 1: 255 / 1155، التهذيب 3: 269 / 770.
المحاسن 79 / 3، مستطرفات السرائر: 75 / 2، الوسائل 8: 356 أبواب صلاة الجماعة ب 31
ح 4.
(3) الأعراف: 204.
(4) الفقيه 1: 256 / 1160، الوسائل 8: 355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 3.
(5) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 3، التهذيب 3: 32 / 116، الإستبصار 1: 428 / 1651،
الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة 31 ح 6.
(6) التهذيب 3: 33 / 120، الوسائل 8: 359 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 15.
(7) التهذيب 3: 275 / 798، الوسائل 8: 319 أبواب صلاة الجماعة ب 12 ح 4.
75

وفي بعض النسخ: " فلا تقرأ واعتد بقراءته " مكان قوله: " فلا تقرأ واعتد
بصلاته " والأول أصح.
وابن بشير: عن القراءة خلف الإمام قال: " لا، إن الإمام ضامن، وليس
الإمام يضمن صلاة الذين خلفه وإنما يضمن القراءة " (1).
وموثقة يونس وفيها: " من رضيت به فلا تقرأ خلفه " (2).
وصحيحة ابن سنان: " إن كنت خلف الإمام في صلاة لا تجهر فيها حتى
تفرغ وكان الرجل مأمونا على القراءة فلا تقرأ خلفه في الأوليين " قال: (ويجزيك
التسبيح في الأخيرتين " قلت: أي شئ تقول أنت؟ قال: " أقرأ فاتحة الكتاب " (3).
وقتيبة: " إذا كنت خلف إمام ترضى به في صلاة تجهر فيها فلا تسمع قراءته
فاقرأ أنت لنفسك، وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ " (4).
وموثقة سماعة: عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفهمون ما
يقول، فقال: " إذا سمع صوته فهو يجزيه، وإذا لم يسمع قرأ لنفسه " (5).
ورواية عبيد: " إن سمع الهمهمة فلا يقرأ " (6).
والرضوي: " إذا صليت خلف إمام يقتدى به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته
أم لم تسمع، إلا أن تكون صلاة تجهر فيها فلم تسمع فاقرأ " (7).

(1) التهذيب 3: 279 / 820، وفي الفقيه 1: 247 / 1104، والوسائل 8: 353 أبواب صلاة
الجماعة ب 30 ح 1.
(2) التهذيب 3: 33 / 118، الإستبصار 1: 428 / 1653، الوسائل 8: 359 أبواب صلاة الجماعة
ب 31 ح 14.
(3) التهذيب 3: 35 / 124، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 9.
(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 58 ح 4، التهذيب 3: 33 / 77، الإستبصار 1: 428 / 1652،
الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 7.
(5) التهذيب 3: 34 / 123، الإستبصار 1: 429 / 1656، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة
ب 31 ح 10.
(6) الفقيه 1: 256 / 1157، الوسائل 8: 355 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 2.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 477 أبواب صلاة الجماعة ب 27 ح 1.
76

وما ذكره الديلمي مرسلا قال: وروي " أن ترك القراءة في صلاة الجهر
خلف الإمام واجب " (1). إلى غير ذلك.
وكذا لا قراءة راجحة في الأوليين منها مع سماع الصوت بالاجماع، ونسبه في
التذكرة إلى علمائنا أجمع (2). بل الظاهر عدم الخلاف في مرجوحيتها أيضا، كما
حكي عن التنقيح وروض الجنان (3).
ويدل عليه عموم صحيحة زرارة الأولى، وخصوص مرسلة الديلمي،
وضعفها منجبر بما ذكر، وإن كان في دلالة البواقي نظر يظهر وجهه.
وهل هي على الحرمة؟ كما هو صريح المقنع والمبسوط والنهاية والتهذيب
والاستبصار والوسيلة والغنية وآيات الأحكام للراوندي (4) وابن نما والمسائل
المهنائية للفاضل وتحريره ومختلفه والمدارك والذخيرة (5)، وظاهر السيد والخلاف
والواسطة لابن حمزة والقاضي والحلي والقواعد والتبصرة (6)، بل هي المشهور عند
الطبقة الثالثة.
أم الكراهة؟ كما هي مختار الديلمي والمعتبر والشرائع والنافع والارشاد (7)
والموجز والمحرر والبيان واللمعة والنفلية (8). وعن الدروس والروضة (9) عليها

(1) المراسم: 87.
(2) التذكرة 1: 184.
(3) القبيح 1: 272، روض الجنان: 373.
(4) المقنع: 36، المبسوط 1: 158، النهاية: 113، التهذيب 3: 32، الإستبصار 1: 429،
الوسيلة: 106، الغنية (الجوامع الفقهية): 560، آيات الأحكام 1: 141.
(5) المسائل المهنائية: 103 التحرير 1: 52، المختلف: 158، المدارك 4: 323، الذخيرة: 396.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 40، الخلاف 1: 339، القاضي في المهذب 1: 81،
الحلي في السرائر 1: 284، القواعد 1: 45، التبصرة: 38.
(7) الديلمي في المراسم: 87، المعتبر 2: 420، الشرائع: 1: 123، النافع: 71، الإرشاد 1:
272.
(8) البيان: 226، اللمعة (الروضة 1): 381، النفلية: 41.
(9) الدروس 1: 222، الروضة 1: 381.
77

دعوى الشهرة. وظاهر الفاضل في النهاية والمنتهى والتذكرة (1) وابنه في شرح
الإرشاد والشهيد في جملة من كتبه: التردد.
الحق، هو الثاني.
لا لما قيل من ظهور التعبير في موثقة سماعة المتقدمة بالأجزاء في عدم المنع
عن القراءة أصلا، أو عدم كونه للحرمة، فهي قرينة مقربة لاحتمال إرادة
الاستحباب مما ظاهره الوجوب (2)، لمنع الظهور المذكور. ولو سلم فإنما هو في مثل
قوله: يجزيك أن تفعل كذا، لا في مثل: يجزيك فعل فلان.
ولا لصحيحة ابن يقطين: عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدى به في صلاة
يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: (لا بأس إن صمت وإن قرأ " (3).
لكونها غير المسألة.
بل للأصل السالم عن معارضة ما يصلح لاثبات الحرمة بالمرة، لضعف
دلالة ما جعلوه عليها حجة. وهو: ما استدل به المخالف القائل بالحرمة.
وهو: الأمر بالانصات المنافي للقراءة في الآية الكريمة، وأربعة من الأخبار
المتقدمة.
والتصريح بأن القراءة موجبة للبعث على غير الفطرة في الصحيحة (4)
وبوجوب تركها في المرسلة (5).
والنهي - الذي هو حقيقة في التحريم - في باقي الأخبار السالفة.
ورواية ابن أبي خديجة الآتية الآمرة بالتسبيح.
المؤيد كل ذلك بأدلة الاحتياط وضمان الإمام للقراءة.

(1) نهاية الإحكام 2: 160، المنتهى 1: 378، التذكرة 1: 184.
(2) الرياض 1: 231.
(3) التهذيب 3: 34 / 122، الإستبصار 1: 429 / 1657، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة
الجماعة ب 31 ح 11.
(4) وهي صحيحة زرارة الأولى، المقدمة في ص 75.
(5) وهي مرسلة الديلمي، المقدمة في ص 77.
78

ووجه الضعف: أما في الأول: فلعدم منافاة وجوب الانصات لجواز
القراءة، لأنه هو الاستماع للحديث، كما ذكره أهل اللغة، قال في الصحاح:
الانصات: السكوت واستماع الحديث (1).
وقال الثعلبي في تفسيره: وقد يسمى الرجل منصتا وهو قارئ أو مسبح إذا
لم يكن جاهرا به، ألا ترى أنه قيل للنبي: ما تقول في انصاتك؟ قال، أقول:
اللهم اغسلني من خطاياي. انتهى.
وأيضا فسره به في الآية في الصحيحة (2).
وهو يتحقق مع القراءة أيضا، سيما إذ كانت خفية.
ولا ينافيه ما في صحيحة معاوية بن وهب: " إن عليا كان في صلاة الصبح
فقرأ ابن الكواء - وهو خلفه - آية، فأنصت علي (عليه السلام) تعظيما للقرآن حتى
فرغ من الآية، ثم عاد في قراءته، ثم أعاد ابن الكواء فأنصت علي أيضا ثم قرأ،
فأعاد ابن الكواء فأنصت علي " (3).
فإنه لو لم يكن الانصات سكوتا لما كان يترك القراءة.
فإن القراءة لما كانت جهرية لصلاة الصبح كانت منافية للاستماع، فلعله
لذلك قطع القراءة.
وكذا لا تنافيه مقابلته مع الأمر بالقراءة مع عدم السماع في صحيحة
البجلي، أو في الاخفاتية في رواية المرافقي، أو مقارنته مع النهي عن القراءة سيما
مع تعليل النهي عنها بالأمر به في إحدى صحاح زرارة، أو مع الأمر بالتسبيح في
النفس في الأخرى، كما قاله بعض الأجلة. وجعل بعض هذه الأمور قرينة على
إرادة السكوت من الانصات وترك القراءة.
لأن مقتضى المقابلة عدم وجوب القراءة أو رجحانها مع السماع وفي

(1) الصحاح 1: 268.
(2) وهي صحيحة زرارة الثانية، المقدمة في ص 75.
(3) التهذيب 3: 35 / 127، الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 2.
79

الجهرية، لا عدم جوازها، فيكون المعنى: الراجح أو الواجب في الجهرية مع
السماع الاستماع سواء كان مع القراءة أو بدونها، وفي الاخفاتية أو مع عدم السماع
القراءة.
والمقارنة الأولى كانت مفيدة لو كان القرين نهيا مفيدا للحرمة، وهو غير
معلوم، كما يأتي. فيمكن أن يكون المراد بيان كراهة القراءة أو عدم وجوبها
ووجوب الانصات. وكون التعليل للنهي غير معلوم، فلعله للأمر بالانصات بل
هو كذلك. مع أن تعليل كراهة القراءة بوجوب الانصات المتوقف كماله على
السكوت لا ضير فيه.
والثانية كذلك (1) لو كان الأمر بالتسبيح للوجوب، وهو ليس كذلك لعدم
وجوبه إجماعا.
فيمكن جمع القراءة مع الانصات من دون تضاد ومنافاة.
ويدل عليه أيضا ما يصرح بجواز الذكر والدعاء في الركعتين الأوليين، إما
مطلقا كرواية أبي خديجة. " إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوليين،
وعلى الذين خلفك أن يقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " (2).
أو في خصوص الجهرية كمرسلة الفقيه: أكون خلف الإمام وهو يجهر
بالقراءة فأدعو وأتعوذ؟ قال: " نعم فادع " (3).
فإنه لا تفاوت بين الذكر والدعاء وبين البراءة في المنافاة (4) وعدمها.
ولذا جعل من يظن منافاة الانصات للقراءة أخباره معارضة لهاتين الروايتين
وبه أجاب عنها (5)، ثم رد ضعفهما - لو كان - بأنه ينجبر بما عن التنقيح من نسبة

(1) أي: والمقارنة الثانية - وهي مقارنة الانصات مع الأمر بالتسبيح - كانت مفيدة لو كان...
(2) التهذيب 3: 275 / 800، الوسائل 8: 362 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6.
(3) الفقيه 1: 264 / 1208، الوسائل 8: 361 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2.
(4) في جمع النسخ توجد زيادة: للذكر والدعاء.
(5) أي: وبهذا التعارض أجاب عن أخبار الانصات.
80

وجوب الانصات إلى ابن حمزة خاصة، قال: والباقون سنوه (1). وهو ظاهر في
دعوى الاتفاق وصريح في ادعاء الشهرة على عدم وجوبه، وبذلك تخرج أخباره
عن صلاحية تأسيس الحكم. وقال: لا تفيد موافقتها للكتاب، للاجماع - على ما
حكاه بعض الأصحاب - على عدم وجوب الانصات للقراءة على الاطلاق كما هو
ظاهر الآية، فإطلاقها للاستحباب قطعا، وبه يخرج الأمر بالانصات في الأخبار
عن إفادة الوجوب أيضا، لتعليله بالأمر به في الآية، فيكون الأمران متوافقين.
ولكن يخدشه أن صحيحة زرارة الثانية صريحة في اختصاص الآية بالفريضة
خلف الإمام، ولا إجماع على عدم الوجوب فيها، والاجماع على الاستحباب في
غيرها لا ينافي الوجوب فيها، فيكون الأمر في الآية للوجوب وبه يتقدم موافقها على
غيره، ولا تخرج الأخبار الآمرة بالانصات عن حقيقتها بسبب التعليل.
وأما في الثاني (2). فلأنه ليس صريحا في الوجوب، لشيوع ورود أمثال ذلك
في المكروهات. مع أنه ليس باقيا على حقيقته قطعا، سيما مع شمول الرواية
للاخفاتية المصرحة في الأخبار بجواز القراءة فيها، فهي على المبالغة محمولة.
وأما في الثالث: فلضعفه الخالي عن الجابر. مع أن الظاهر أنه ليس رواية
مخصوصة، بل نقل لما فهمه من الأخبار المتضمنة لمثل قوله. " لا تقرأ " ويأتي ضعف
دلالتها.
وأما في الرابع: فلعدم صراحة غير رواية القصير (3) - على بعض النسخ
الذي لا يفيد لأجل الاختلاف - في النهي المفيد للحرمة، لاحتمال النفي أيضا،
وهو لا يثبت سوى المرجوحية. بل في إثباتها هنا أيضا نظر، لكون المقام مما يحتمل
أن يكون مجازه نفي الوجوب.
مع أن أكثر هذه الروايات شاملة للاخفاتية، المجوزة فيها القراءة في الأخبار

(1) التنقيح 1: 272.
(2) أي: وأما وجه الضعف في الدليل الثاني على حرمة القراءة للمأموم، راجع ص 78.
(3) المقدمة في ص 75.
81

كما يأتي، وتخصيصه بالجهرية ليس بأولى من الحمل على المرجوحية أو نفي
الوجوب.
ومنه يظهر ضعف رواية التصير على تلك النسخة أيضا.
هذا كله مع ما في النهي الوارد في مقام توهم الوجوب وبعد ثبوته من كلام
المشهور.
وأما في الخامس: فلعدم كون هذا التسبيح واجبا.
المسألة الثانية: الحق المشهور - بل نسب إلى الكل عدا الحلي (1) - جواز
القراءة في الجهرية مع عدم سماع صوت الإمام وهمهمته، لصحاح الحلبي والبجلي
وقتيبة، وموثقة سماعة، ورواية عبيد والرضوي المتقدمة (2)
وإنما خصصنا الحكم بعدم سماع الصوت والهمهمة دون ما يعم سماع
القراءة الظاهرة في سماع الكلمات والحروف، لأن الأخبار بين متضمن للفظ. " لم
تسمع " مطلقا، وللفظ: " لا تسمع قراءته " ولقوله: " إذا لم يسمع صوته " ولقوله.
" إن سمع الهمهمة ".
واختصاص الأخيرين ظاهر. وكذا الثاني، لأنه وإن عبر بقوله: " فلا تسمع
قراءته " لما ولكن قوله بعده " فإن كنت تسمع الهمهمة " صريح في إرادة عدم سماع
الهمهمة من الأول أيضا.
والأول مجمل، لأن ما لا يسمع غير معلوم هل هو القراءة أو الهمهمة،
والقدر المتيقن خروج عدم سماع الهمهمة، إذ الحكم الثابت لعدم سماع القراءة
ثابت له أيضا ولا عكس، فعدم سماع الهمهمة مراد قطعا. مع أن المجمل يحمل
على المفصل. وجعل عدم السماع من باب الاطلاق غلط، إذ لا معنى لتعليق
الحكم لمطلق عدم السماع ومهيته، مع أنه على فرضه يجب حمله على المقيد.

(1) نسبه صاحب الرياض 1: 231.
(2) جميعا في ص 75، 76.
82

خلافا لظاهر المقنع والخلاف والحلي والتبصرة (1)، حيث أطلقوا عدم جوازها
في الجهرية، ولعله لاطلاق روايات عدم القراءة خلف الإمام مطلقا أو في الأوليين
أو في الجهرية.
ويجاب عنها - مضافا إلى منع صراحتها في التحريم كما مر - بوجوب تقييد
الكل، لأخصية ما مر عن جميع ما ذكر حتى صحيحة الحلبي المتضمنة لقوله:
" سمعت قراءته أو لم تسمع " (2) لشمولها الاخفاتية وسماع الهمهمة. مع أن الظاهر
أن المراد فيها بقوله: " لم تسمع " الصلاة الاخفاتية بقرينة صحيحته الثانية (3)، فإنها
صريحة في أن المراد ب‍: " ما لم تسمع " السرية.
وهل هو على الوجوب؟ كما هو ظاهر السيد والمبسوط والنهاية والوسيلة
والواسطة وصريح التهذيب والاستبصار (4)، ومحتمل جمع آخر.
أو الاستحباب؟ كالمعتبر والمختلف والتذكرة والنهاية والتحرير والارشاد
والبيان والموجز والمحرر وشرح الإرشاد لفخر المحققين والنفلية (5) ومحتمل بعض
آخر.
أو الإباحة؟ كما هو ظاهر الراوندي وابن نما وعن القاضي (6) ومحتمل طائفة
أخرى.
أو الكراهة؟ كما عن الديلمي (7).

(1) المقنع: 36، الخلاف 1: 339، الحلي في السرائر 1: 284، التبصرة: 38.
(2) تقدمت في ص 74.
(3) المتقدمة في ص 74.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 40، المبسوط 1: 158، النهاية: 113، الوسيلة:
106، التهذيب 3: 32، الإستبصار 1: 429.
(5) المعتبر 2: 421، المختلف: 158، التذكرة 1: 184، نهاية الإحكام 2: 160، التحرير 1.
52، الإرشاد 1: 272، البيان: 226، النفلية: 41.
(6) الراوندي في فقه القرآن: 141، القاضي في المهذب 1: 81.
(7) المراسم: 87.
83

الحق هو الأول، لصريح الأمر - الذي هو حقيقة في الوجوب - به في
الصحاح. ووروده في محل توهم المنع ممنوع، كيف؟! وهو موقوف على ثبوت تقدم
المطلقات المانعة عن القراءة خلف الإمام بدون القرينة المقيدة، على صدور
الأخبار المفصلة، ومن أين علم ذلك؟! مع أن صرف الأمر عن حقيقته بو روده في
المحل المذكور ممنوع عند أهل التحقيق وإن قال به جماعة.
دليل المخالف: صحيحة ابن يقطين السابقة (1)، الظاهرة في تساوي
الطرفين في الراجحية والمرجوحية، فبها تخرج الأوامر عن حقيقتها لو أفادت
الوجوب، مع أنها - لما مر - ممنوعة.
وزاد القائل بالاستحباب أنه يتحمل المسامحة، فيثبت الرجحان باشتهاره ولو
في ضمن الايجاب عند الطائفة.
ويضعف: بأن الصحيحة متضمنة للفظ سماع القراءة الذي هو بدون
القرينة ظاهر في سماع الكلمات والحروف بل حقيقة فيه، فعدمه أعم من سماع
الهمهمة وعدمه، فهي أعم من أخبار الوجوب فتخصص بها قطعا، ويحمل الجواز
مع التساوي أو الرجحان على صورة عدم سماع القراءة وسماع الهمهمة خاصة،
كما فعله في المبسوط والنهاية والتهذيب والاستبصار (2)، والواسطة والشيخ ابن نما.
ومنع إفادتها الوجوب لما مر ضعيف، كما مر.
فرع: هل يجب أن يجهر المأموم بالقراءة حينئذ وكذا فيما إذا قرأ مع سماع
القراءة، أم لا؟
الظاهر: التخيير، إذ لا تجري أدلة الجهر في جميع مواضعه التي منها هنا إلا
بالاجماع المركب، وتحققه هنا غير معلوم.
الثالثة: لا تجب القراءة في أوليي الصلاة الاخفاتية أيضا، إجماعا محققا
ومحكيا عن جميع من سبق في الجهرية فتوى ونصا، ويدل عليه جميع ما تقدم فيها

(1) في ص 2334.
(2) المبسوط 1: 158، النهاية: 113، التهذيب 3: 32، الإستبصار 1: 429.
84

من الأخبار.
وفي حرمتها، كأكثر من قال بها في الجهرية (1).
أو كراهتها، كأكثر من قال بها فيها (2).
أو إباحتها، كما حكي عن بعضهم (3).
أو استحبابها بالحمد خاصة، كما نسب إلى النهاية والمبسوط وجماعة (4)، لكن
صرح في الكتابين بعدم الجواز أولا وإن صرح بعده باستحباب الحمد، ويمكن
حمل الأخير على الجهرية عند عدم سماع الهمهمة دفعا للتناقض وإن كان بعيدا
غايته.
أقوال. أقواها ثانيها.
أما المرجوحية فلعموم صحيحة زرارة الأولى (5) وخصوص صحيحة
الأزدي: " إني لأكره للمؤمن أن يصلي خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة
فيقوم كأنه حمار " قال: قلت: جعلت فداك فيصنع ماذا؟ قال: " يسبح " (6).
مضافا إلى الشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعا، والفرار عن مخالفة
فحول القدماء القائلين بالحرمة.
وأما انتفاء الحرمة فلما مر في الجهرية من الأصل السالم عما يصلح لاثباتها
حتى عن كثير مما يظن ثبوتها به في الجهرية كأوامر الانصات والمرسلة (7).

(1) كما في التهذيب 3: 32، والتحرير 1: 52، والمدارك 4: 323.
(2) كما في المعتبر 2: 420، والارشاد 1: 272، والدروس 1، 222.
(3) كالشهيد في اللمعة (الروضة 1): 381.
(4) النهاية: 113، المبسوط 1: 158، وانظر المهذب 1: 81، والجامع للشرائع: 100، والقواعد
(5) المتقدمة في ص 75.
(6) الفقيه 1: 256 / 1161، التهذيب 3: 276 / 806، قرب الإسناد: 37 / 120، الوسائل 8:
360 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 1.
(7) المتقدمة في ص 75 - 77.
85

مضافا إلى معاضدته برواية المرافقي السابقة (1)، المنجبرة، المصرحة بأنه إن
أحب أن يقرأ فيقرأ فيما يخافت فيه.
وصحيحة [ابن] (2) يقطين: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ
فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال: " إن قرأت فلا بأس وإن سكت فلا
بأس " (3).
وسليمان بن خالد: عن الرجل في الأولى والعصر خلف الإمام وهو لا
يعلم أنه يقرأ، فقال: " لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى الإمام " (4).
حيث إن الظاهر من قوله: " لا ينبغي " والشائع استعماله فيه هو الكراهة.
ولكن الاعتضاد بالأخيرتين محل نظر وإن قاله بعضهم (5)، لاحتمال الأول
للأخيرتين، بأن يكون المراد بالصمت ترك القراءة، كما ذكره في الوافي (6)، وظهور
الثاني فيهما، لأنهما اللتان لا يعلم بالقراءة فيهما.
الرابعة: الأقوى عدم وجوب شئ من القراءة والتسبيح في أخيرة الثلاثية
وأخيرتي الرباعية على المأموم، كما لا يجب تركهما فيها أيضا.
وفاقا في الأول لظاهر السيد حيث قال: وأما الآخرتان فالأولى أن يقرأ فيهما
أو يسبح، وروي أنه ليس عليه ذلك (7). وابن حمزة حيث قال في الواسطة: وفي
الأخيرتين إن قرأ كان أفضل من السكوت. وصريح الحلي حيث قال: فأما
الركعتان الآخرتان فقد روي أنه لا قراءة فيهما ولا تسبيح، وروي أنه يقرأ فيهما أو

(1) في ص 75.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(3) التهذيب 2: 296 / 1192، الوسائل 8: 358 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.
(4) التهذيب 3: 33 / 119، الإستبصار 1: 428 / 1654، الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة
ب 31 ح 8.
(5) الرياض 1: 231.
(6) الوافي 8: 1204
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 41.
86

يسبح، والأول أظهر (1). واختاره بعض أجلة المتأخرين (2).
لعموم عشر من الروايات المصدرة بها المسألة الأولى (3)، وخصوص واحدة
منها وهي صحيحة زرارة الثانية، ومرسلتي السيد والحلي المتقدمتين آنفا، وصريح
صحيحة [ابن] يقطين السالفة في المسألة السابقة، بل ظاهر صحيحة سليمان
حيث إن سياقها - كما صرح به بعضهم - صريح في أن المراد بالقراءة المنفية ما يعم
التسبيح أيضا، ومفهوم صحيحة زرارة: " لا تقرأن في الركعتين الأخيرتين من
الأربع ركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام " قلت: فما أقول؟ قال:
" إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ثلاث
مرات " (4).
ولا يجوز إرجاع غير الواجب أو المستحب في المفهوم إلى العدد أو خصوص
الذكر، للاجماع على اتحاد الوظيفة في التسبيح أينما كانت وظيفة.
وتخصيص العمومات النافية للقراءة خلف الإمام بالقراءة المتعينة لا مطلقا
- وليست إلا في الأوليين، لأن وظيفة الأخيرتين القراءة المخيرة بينها وبين التسبيح -
لا وجه له، ودعوى تبادرها ممنوعة.
نعم، يمكن أن يقال باختصاص دلالتها بانتفاء قراءة الفاتحة لا ما يعم
التسبيح أيضا، كما يستفاد من تتبع النصوص والفتاوى.
ولكنه غير ضائر، إذ الثابت أولا - الذي هو الأصل - وجوب أحد الأمرين،
فبعد انتفاء وجوب أحدهما يحتمل تعين الآخر وبدلية السكوت عن الأول، ونسبة
الأصل إليهما على السواء، فتبقى أصالة جواز السكوت خالية عن المعارض.
وبعبارة أخرى: الثابت من أدلة التسبيح وجوبه التخييري، فإذا انتفى

(1) السرائر 1: 484.
(2) المحقق السبزواري في الكفاية: 31.
(3) المتقدمة في ص 74، 75.
(4) الفقيه 1: 256 / 1158، الوسائل 6: 122 أبواب القراءة ب 51 ح 1.
87

ذلك بهذه العمومات ينفى تعينه أيضا بالأصل.
ولا تعارضها رواية أبي خديجة وفيها: " فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى
الذين خلفك أن يقرؤوا فاتحة الكتاب وعلى الإمام التسبيح " (1).
لأنها ظاهرة في عدم إرادة الوجوب بقرينة مقابلته مع قوله: " وعلى الإمام "
وبشهادة سائر الأخبار المتقدمة. مع أنه لا قائل بوجوب الفاتحة على المأموم قطعا،
فعلى فرض دلالتها عليه تكون شاذة مطروحة. ومع ذلك كله فهي مجملة،
لاحتمال كون المستتر في: " كان " للايتمام ويكون بيانا لحكم المسبوق، كما مر في
بحث القراءة.
خلافا للمقنع والحلبي وابن زهرة والمختلف والذخيرة (2)، فأوجبوا إما
التسبيح مطلقا كالأول، لصحيحة ابن عمار: عن القراءة خلف الإمام في الركعتين
الأخيرتين، فقال: " الإمام يقرأ فاتحة الكتاب ومن خلفه يسبح " (3).
وصحيحة الأزدي السابقة (4). وهي وإن كانت ظاهرة في الأوليين من
الاخفاتية، إلا أن قوله: " فيقوم كأنه حمار " ظاهر في مكروهية السكوت مطلقا.
والكراهة وإن كانت إما مقابلة للحرمة أو أعم منها، إلا أن الأمر بالتسبيح يعين
إرادة الحرمة.
مضافا إلى صحيحة الحلبي: " إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما
فقل: الحمد لله وسبحان الله والله أكبر " (5).

(1) التهذيب 3: 275 / 800، الوسائل 8: 362 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 6.
(2) المقنع: 36، الحلبي في الكافي: 144، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 560، المختلف:
158، الذخيرة: 271.
(3) الكافي 3: 319 الملاة ب 23 ح 1، التهذيب 2: 294 / 1185، الوسائل 8: 361 أبواب
صلاة الجماعة ب 32 ح 5.
(4) راجع ص 85.
(5) التهذيب 2: 99 / 372، الإستبصار 2: 322 / 1203، الوسائل 6: 124 أبواب القراءة في
الصلاة ب 1 5 ح 7.
88

أو أحدهما كذلك كالثانيين، للأصل، وعموم ما دل على وجوب وظيفتهما.
أو الثاني (1) في الاخفاتية خاصة كالرابع، لصحيحة ابن سنان المتقدمة في
صدر المسألة الأولى (2)، حيث صرحت في الأخيرتين من الاخفاتية بإجزاء التسبيح
المشعر بوجوب أحد الشيئين وكفاية التسبيح وليس الشئ الآخر إلا الفاتحة،
مضافا إلى تصريحها أخيرا بأنه عليه السلام كان يقرأ الفاتحة فيكون مخيرا بينهما.
وصحيحة الحلبي المتقدمة آنفا حيث دلت على وجوب أحد الأمرين من القراءة
والتسبيح مطلقا.
أو الجهرية كذلك كما نسب إلى الخامس، لثبوت حرمة القراءة في الاخفاتية
مطلقا وعدمه في الجهرية إلا إذا سمع الهمهمة، فيبقى غيره تحت الأصل
والعمومات.
ويضعف دليل الأول: أما الصحيحان الأولان فلعدم دلالة قوله: " يسبح "
على الوجوب، غايته الجواز أو الاستحباب، وليس كلامنا فيه. مع أنه لو دل على
الوجوب لزم إما حمله على ما ذكر لمعارضته مع ما سبق وما دل على جواز قراءة
الفاتحة أيضا، أو طرحه لشذوذ القول به وندرته بحيث يخرج معه الخبر عن
الحجية.
وأما الصحيح الآخر باحتمال كون جملة: " لا تقرأ فيهما " حالية فلا يثبت
وجوب التسبيح مطلقا.
ودليل الثاني: باندفاع الأصل وتخصيص العمومات بما مر.
ودليل الثالث: أما صحيحته الأولى فبجواز إرادة الاجزاء عن الأمر
الاستحبابي، ولا دليل على إرادة الوجوبي منه. مع أن الظاهر من التسبيح مطلقه
لا خصوص التسبيح الذي هو وظيفة الركعتين، ولم يقل أحد بوجوب غير
الوظيفة، وتخصيصه ليس بأولى من التجوز في الاجزاء لو كان ظاهرا فيما ظنه.

(1) أي. القول الثاني، وهو التخيير بين القراءة والتسبيح.
(2) في ص 76.
89

وأما قراءة الإمام عليه السلام فلا تصلح استنادا لشئ، لأنه لا يقتدي بمن
يجوز الاقتداء به، وأما غيره فلا كلام فيه بل لا تسقط معه الوظيفة قطعا.
وأما صحيحته الثانية فلجواز كون جملة: " لا تقرأ فيهما " وصفية، وحينئذ
يكون الأمر بالتسبيح للجواز أو الاستحباب جزما.
ويظهر ضعف دليل الرابع بما ذكر في الثاني.
ووفاقا في الثاني (1) لغير الحلي، لأصالة عدم وجوب ضد القراءة والتسبيح،
وعدم نهوض شئ من الأخبار لاثبات الحرمة كما مر، والأخبار المتقدمة المصرحة
بجواز القراءة أو التسبيح في الأخيرتين، وفحوى الصحاح المستفيضة وغيرها
المتقدمة (2)، الدالة على جواز القراءة بل استحبابها في أوليي الجهرية مع عدم سماع
الهمهمة، وحيث ثبت جواز القراءة ثبت جواز التسبيح أيضا لعدم قول بالفرق
من هذه الجهة.
خلافا لمن ذكر (3)، فظاهره وجوب ترك القراءة والتسبيح، لظواهر بعض
الأخبار المتقدمة مع ما يجيب عنها.
ومنه يظهر عدم حرمة خصوص المرأة فيهما أيضا، كما هو مذهب المقنع
والخلاف والحلي والتبصرة (1) وغيرها، صريحا في بعض وظاهرا في آخر، لقصور
الأخبار عن إثباتها، مع دلالة بعضها على جوازها.
وهل تكره؟ كما عن الديلمي والشرائع والنافع والشهيد (5)، وابن فهد وفخر
المحققين.
أو تستحب؟ كما عن المبسوط والنهاية (6).

(1) وهو: عدم وجوب ترك القراءة والتسبيح في الركعة الثالثة والرابعة، راجع ص 2342.
(2) في ص 74 و 75 - 77.
(3) وهو الحلي في السرائر 1: 284.
(4) المقنع: 36، الخلاف 1: 339، الحلي في السرائر: 61، التبصرة: 38.
(5) الديلمي في المراسم: 87، الشرائع 1: 123، النافع: 71، الشهيد في البيان: 226.
(6) المبسوط 1: 158، النهاية: 113.
90

أو تباح؟ كما كل عن بعضهم (1).
الظاهر هو الأول، للعمومات النافية للقراءة، وخصوص "، صحيحة زرارة
الثانية وسليمان وابن عمار والأزدي السابقة (2)، ورواية جميل: عما يقرأ الإمام في
الركعتين في آخر الصلاة، فقال: " بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه " (3).
دليل المخالف الأول: قراءة الإمام الفاتحة كما صرح به في صحيحة ابن
سنان (4)، ورواية أبي خديجة السالفة (5). ومر دفعهما.
وعمومات أفضلية القراءة للتسبيح، ولا يفيد للمقام إلا بعد ثبوت أفضلية
التسبيح عن السكوت أو مساواتها له، مع أن العام لا يعارض الخاص.
ودليل الثاني: عمومات مساواة القراءة والتسبيح المتقدمة في بحث القراءة.
وجوابها ظاهر.
الخامسة: لا شك في استحباب التسبيح للمأموم في السبع ركعات
الأخيرة، وتدل عليه صحاح ابن سنان وابن عمار والأزدي.
والظاهر استحبابه له حال قراءة الإمام في الأوليين من الاخفاتية أيضا، كما
ذكره جمع من الأصحاب (6)، لرواية أبي خديجة وصحيحة الأزدي، وصحيحة علي
ابن جعفر المروية في كتابه: عن الرجل يكون خلف الإمام يقتدي به الظهر والعصر
يقرأ خلفه؟ قال: " لا ولكن يسبح ويحمد الله ويصلي على النبي وأهل بيته " (7).

(1) كالشهيد في اللمعة (الروضة البهية 1): 381.
(2) راجع ص 75، 85، 86، 88.
(3) التهذيب 2: 295 / 1186، الوسائل 6: 108 أبواب القراءة في الملاة ب 42 ح 4.
(4) المتقدمة في ص 76.
(5) في ص 88.
(6) منهم الشيخ في التهذيب 3: 32، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 302، وصاحب الحدائق
11: 136.
(7) مسائل علي بن جعفر: 128 / 102، قرب الإسناد: 211 / 826 الوسائل 8: 361، أبواب
صلاة الجماعة ب 32 ح 3.
91

وذكر جمع من المتأخرين (1) استحبابه في أوليي الجهرية أيضا. وهو كذلك،
لاطلاق رواية أبي خديجة، ومرسلة الفقيه السابقة (2).
ولا ينافيه الأمر بالانصات، لما مر من عدم منافاة الذكر للانصات سيما إذا
كان خفيا بل الظاهر عدم المنافاة ولو فسر الانصات بالسكوت، لأن المراد منه
العرفي، ولا ينافي السكوت العرفي مع الذكر الخفي سيما إذا كان بمثل تحريك
اللسان في اللهوات.
ولا قوله: " سبح في نفسك " (3) لعدم التعارض. مع أن الظاهر أن التسبيح
في النفس هو التسبيح الخفي دون الذكر القلبي، أو يعم الأمرين معا.
السادسة: ما ذكر من سقوط القراءة إنما هو إذا كان الاقتداء بالإمام
المرضي.
وأما لو اقتدى بغيره لم تسقط بل تجب القراءة، بلا، خلاف يعرف كما صرح
به في طائفة من كتب الأصحاب (4)، لانتفاء القدوة فهو في حكم المنفرد،
وللمستفيضة من المعتبرة (5).
ولا تنافيها المعتبرة الآمرة بالانصات والاستماع لقراءته في الجهرية (6)، لما مر
من إمكان الاجتماع. مضافا إلى احتمالها للاختصاص بخصوص السائلين حيث
كان عليه السلام عالما بلحوق الضرر بهم، كما ورد مثله في قضية إسحاق بن

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 302، وصاحب الحدائق 11: 136.
(2) في ص 80.
(3) الكافي 3: 337 الصلاة ب 58 ح 3، التهذيب 3: 32 / 116، الإستبصار 1: 428 / 1651،
الوسائل 8: 357 أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 6.
(4) منها السرائر 1: 284، والمنتهى 1: 378، والرياض 1: 232.
(5) الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة ب 33.
(6) الوسائل 8: 367 أبواب صلاة الجماعة ب 34 ح 2 و 3.
92

عمار في صلاة الجماعة معهم (1)، وعلي بن يقطين (2) وداود بن زربي (3) في الوضوء
ثلاثا، أو لشدة التقية فحينئذ ينصت ويقرأ فيما بينه وبين نفسه سرا.
ولا يجب الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية، لصحيحة علي بن يقطين (4)،
ومرسلة محمد بن إسحاق (5) بل ولا سماع نفسه القراءة، لهاتين الروايتين.
وتجزيه الفاتحة وحدها مع تعذر قراءة السورة وإن كانت واجبة، بلا
خلاف، بل ادعى بعضهم الاجماع عليه (6)، للمعتبرة من الأخبار.
ولو ركع الإمام قبل إكمال المأموم الفاتحة سقطت أيضا، لمكان الضرورة،
وتصريح المعتبرة. ووجوب إتمامها في الركوع - كما قيل (7) - لا مستند له.
ولو ألجأته التقية إلى ترك التشهد في محله يتركه ويتشهد قائما، كما ورد في
بعض الأخبار (8).
ثم لا يخفى أن هذه طريقة الصلاة معهم إذا دعت التقية لها ولم يمكن
تداركها من تقديم الصلاة الصحيحة أي إعادتها، وإلا وجبت الصحيحة.
والظاهر من الأخبار أن هذه تحسب له نافلة، أو تكون محض المتابعة تترتب عليها
المثوبات الكثيرة ولو لم يكن ملجأ إلى الصلاة معهم، للأخبار الكثيرة (9)، وتأليف

(1) التهذيب 3: 38 / 133، الإستبصار 1: 431 / 1666، الوسائل 8: 368 أبواب صلاة الجماعة
ب 34 ح 4.
(2) إرشاد المفيد 2: 227، الوسائل 1: 444 أبواب الوضوء ب 32 ح 3.
(3) التهذيب 1: 82 / 214، الإستبصار 1: 71 / 219، الوسائل 1: 443 أبواب الوضوء ب 32
ح 1.
(4) التهذيب 3: 36 / 129، الإستبصار 1: 430 / 1663، الوسائل 8: 363 أبواب صلاة الجماعة
ب 33 ح 1.
(5) الفقيه 1: 260 / 1185، التهذيب 3: 36 / 128، الإستبصار 1: 430 / 1662، الوسائل
8: 364 أبواب صلاة الجماعة ب 33 ح 4.
(6) كصاحب المدارك 4: 325.
(7) الرياض 1: 232.
(8) المحاسن: 325 / 70، الوسائل 6: 392 أبواب التشهد ب 2 ح 1.
(9) الوسائل 8: 302 أبواب صلاة الجماعة ب 6.
93

القلوب الشقية. بل يظهر من بعض الأخبار عدم وجوب الصحيحة حينئذ أيضا،
وقد مر تحقيقه.
السابعة: وكذا يختص ما ذكر من سقوط القراءة بما إذا لم يكن المأموم
مسبوقا وأما إذا كان كذلك فتجب عليه القراءة كما يأتي في فصل الأحكام.
ومنها: متابعة المأموم للإمام.
وتحقيق الحال في ذلك المجال أنه تجب على المأموم متابعة الإمام في الأفعال
- أي الركوع والسجود والرفع منهما والقيام بعد السجود - إجماعا محققا ومحكيا في
المعتبر والمنتهى والمدارك والمفاتيح وشرحه (1)، ونفى عنه الخلاف في الذخيرة (2)،؟
وهو الحجة عليه.
مضافا إلى النبويين المرويين في مجالس الصدوق وغيره من كتب أصحابنا،
المنجبرين بالاشتهار والعمل.
أحدهما: " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع
فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا " (3).
وثانيهما: " أما يخشى الذي يرفع رأسه والإمام ساجد أن يحول الله رأسه
رأس حمار؟ " (4).
والنصوص المتضمنة للفظ الإمامة أو القدوة (5)، لعدم صدقهما بدون
المتابعة.
وما يأتي من الأخبار الآمرة بالعود لو رفع رأسه قبل الإمام من الركوع أو

(1) المعتبر 2: 421، المنتهى 1: 379، المدارك 4: 326، المفاتيح 1: 162.
(2) الذخيرة: 398.
(3) مجالس الصدوق: 264 / 10 بتفاوت، وأيضا في عوالي اللآلي 2: 225 / 42.
(4) لم نجده في مجالس الصدوق، وهو موجود في صحيح مسلم 1: 320 / 427 بتفاوت يسير.
(5) الوسائل 8: 348 أبواب صلاة الجماعة ب 26 و 27.
94

السجدة (1).
وما صرح بانتظار الإمام لو فرغ المأموم عن القراءة، إما لجوازها مطلقا كما
هو المختار، أو فيما يجوز كالمسبوق أو الذي لا يسمع الهمهمة، كموثقة زرارة: عن
الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ، قال: " فأمسك آية ومجد الله
وأثن عليه، فإذا فرغ فأقرأ الآية واركع " (2).
وعمر بن أبي شعبة: أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ عن قراءته، قال:
" فأتم السورة ومجد الله وأثن عليه حتى يفرغ " (3).
واختصاص الأخبار ببعض الأفعال غير ضائر، لعدم القائل بالفرق على
الظاهر.
وكذا تجب المتابعة في تكبيرة الاحرام إجماعا، له، ولأول النبويين، والمروي
في قرب الإسناد: عن الرجل يصلي، أله أن يكبر قبل الإمام؟ قال: " لا يكبر إلا
مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد التكبير " (4).
وضعفهما بما مر منجبر.
وكون الجواب في الثاني إخبارا غير ضائر، لأن قصد الوجوب منه ظاهر،
لظهور كون السؤال عن الجواز، وبطلان الصلاة بإعادة تكبيرة الاحرام لولا بطلان
الأولى.
ولا تجب المتابعة في سائر الأذكار من القراءة - حيث تجوز أو تجب - وذكر
الركوع والسجود والتشهد والأذكار المستحبة، على الأظهر الأشهر كما صرح به جمع
ممن تأخر (5)، للأصل، وحصول الامتثال، والتقرير في الموثقتين المتقدمتين،

(1) انظر: ص 102.
(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 1 وفيه. فأبق آية، التهذيب 3: 38 / 135، المحاسن:
326 / 73، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1.
(3) التهذيب 3: 38 / 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.
(4) قرب الإسناد 218 / 854، الوسائل 3: 101 أبواب صلاة الجنازة ب 16 ح 1.
(5) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 306، والكاشاني في المفاتيح 1: 162، وصاحب الرياض
1: 232.
95

وإيجابها إما وجوب الجهر على الإمام مطلقا، أو تكليف المأمومين بتأخير الذي إلى
أن يعلم وقوعه من الإمام ولم يق ل بشئ منهما أحد، واستلزامها لزوم اختيار ما
يختاره الإمام من الأذكار وليس كذلك، والمستفيضة من الصحاح وغيرها المصرحة
بجواز إتمام المأموم التشهد والتسليم قبل الإمام إذا أطال الإمام التشهد (1).
خلافا للمحكي عن الشهيد فأوجبها فيها أيضا (2)، للنبوي الأول.
ويرد بعدم انجباره في المقام بالعمل. مع أن مطلق الايتمام بالمتابعة في
الأفعال قد حصل ولم يثبت وجوب الزائد منها من هذه الرواية ولا سائر الروايات
المتضمنة للايتمام والاقتداء.
والمراد بالمتابعة الواجبة في الأفعال والتكبيرة عدم تقدم المأموم على المشهور،
بل لم أعثر على مصرح بخلافه في الأفعال، بل عن شرح الإرشاد لفخر المحققين
الاجماع عليه فيها. فتجوز المقارنة وإن انتفت معها فضيلة الجماعة عند
بعضهم (3)، ونقصت عند آخر (4)، ولكن عن بعض آخر عدم النقص أيضا (5).
للأصل، وصدق الامتثال، وعدم ثبوت الزائد عنه من الاجماع ولا غيره من
أدلة المتابعة.
وتعاضده رواية السكوني (6) الواردة في مصليين قال كل منهما. كنت إماما أو
مأموما، المصرحة بصحة صلاتهما في الصورة الأولى، إذ لولا جواز المقارنة لما
تصورت فرض المسألة غالبا.

(1) الوسائل 8: 414 أبواب صلاة الجماعة ب 64.
(2) البيان: 238.
(3) الشهيد الثاني في الروضة 1: 384.
(4) المحقق السبزواري في الذخيرة: 398.
(5) الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 162.
(6) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 3، الفقيه 1: 250 / 1123، التهذيب 3: 54 / 186،
الوسائل 8: 352 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 1.
96

ورواية قرب الإسناد المتقدمة، فإن ظاهر المعية المقارنة سيما مع تفريع
التكبير قبله خاصة بعده عليه. وإذا جازت في التكبيرة جازت في غيرها، لعدم
القائل بالفرق بينهما جوازا فيها ومنعا في غيرها وإن وجد القائل بالعكس.
وتدل عليه أخبار أخر مصرحة بالركوع أو السجود مع الإمام لو رفع رأسه
قبله، كما يأتي (1).
خلافا في تكبيرة الاحرام خاصة للمحكي عن المنتهى والشهيدين والمدارك
والذخيرة (2) فأجبوا تأخر المأموم فيها، وعن شرح الإرشاد لفخر المحققين الاجماع
عليه، بل قيل: ولم أعرف القائل بخلافه منا وإن أشعرت به عبارات جماعة (3).
وتردد الفاضل في النهاية والتذكرة كما حكي (4).
للاجماع المنقول.
وللنبوي المذكور المجبور ضعفه في المقام أيضا بما عرفت، فإن الفاء تفيد
التعقيب.
ولأن الايتمام إنما يكون بالمصلي، ولا يكون الإمام مصليا إلا بعد أن يكبر.
أو للشك في تحقق الايتمام والجماعة الموجب للشك في حصول البراءة عن
الشغل اليقيني.
ويضعف الأول: بعدم الحجية.
والثاني: بجواز كون الفاء للمقارنة، كما في قوله سبحانه:
(فاستمعوا) (5). مع أن الفاء جزائية، وهي في العرف قد تمحضت لربط الجزاء
بالشرط.

(1) في ص 101.
(2) المنتهى 1: 379، الشهيد في الذكرى: 276، الشهيد الثاني في الروضة 1: 384، المدارك 4:
327، الذخيرة: 398.
(3) الرياض 1: 232.
(4) نهاية الإحكام 2: 135، التذكرة 1: 185.
(5) الأعراف: 203.
97

والثالث: بأن اللازم كون الإمام مصليا حال كون المأموم مقتديا، وهو بعد
فراغهما من التكبير، وحينئذ فهو مصل.
والرابع: بمنع الشك، لصدقه عرفا.
ومع ذلك فالأحوط عدم المقارنة في التكبير بل في سائر الأفعال أيضا، لأنها
في معرض المقارنة (1) غالبا. فالأولى تأخر المأموم في التحريمة والأفعال بمعنى
شروعه بعد شروعه لأن كان قبل فراغه وفراغه قبل فراغه. لا شروعه بعد فراغه
كما قيل، لعدم الدليل.
فروع:
أ: لو خالف المأموم فيما يجب عليه من المتابعة وتقدم واستمر على المخالفة بأن
يمضي في صلاته كذلك، فإن كان مع قصده العدول عن الايتمام، فإن صح ذلك
صحت صلاته وإلا لم تصح.
وإن كان مع الايتمام بطلت، لأن مقتضى وجوب المتابعة حرمة الاتيان
بأفعال الصلاة مقدما على الإمام، لأن الأمر بالشئ نهي عن ضده، فتكون
الأفعال المأتية منهيا عنها، والنهي مفسد للعبادة.
ولو لم يستمر عليها بل إنما خالفه في فعل، كأن يتقدم عليه في ركوع أو
سجود أو رفع منه أو قيام، فقيل: مقتضى وجوب المتابعة فساد الصلاة مع
المخالفة مطلقا، إذ معها لا يعلم كونها العبادة المطلوبة (2).
وفيه: أن مقتضاها العود إلى الحالة الأولى وتحصيل المتابعة دون فساد
الصلاة، إذ معه تحصل المتابعة ويعلم كونها عبادة مطلوبة بعمومات الجماعة،
وأصالة عدم بطلان الصلاة بمجرد المخالفة في فعل تتبعها المتابعة الواجبة فيه.
إلا أن تضم معها مقدمة أخرى ثابتة قد تقدمت مفصلة مبرهنة، وهي: قاعدة
بطلان الصلاة بالزيادة.

(1) كذا، والظاهر أن الصحيح: المسابقة أو ما يفيد معناها، والمراد أن المقارنة في معرض المسابقة.
(2) الرياض 1: 232.
98

فيقال: إنه لو تقدم في فعل فالبقاء عليه حتى يلحق الإمام سبب لانتفاء
المتابعة الواجبة، وسبب الحرام حرام. أو هو ضد للمتابعة وضد الواجب منهي
عنه. وعدم البقاء - الذي هو العود واللحوق بالإمام - سبب لحصول الزيادة في
الصلاة، وهي أيضا محرمة، فهو أيضا حرام، فلم يبق إلا إعادة الصلاة.
لا يقال: إنها موقوفة على قطعها، وهو أيضا حرام.
لمنع عموم على حرمته يشمل المقام. مع أنا نقول: إنها قد قطعت شرعا،
لأن إتمامها منهي عنه إذ ليس إلا بارتكاب أحد المحرمين.
ولعل هذا أيضا مراد ذلك القائل، وترك ذكر هذه المقدمة لظهورها، وأراد
أن مع ارتكاب أحد الأمرين لا يعلم أنها العبادة المطلولة، لاستلزام أحدهما
الزيادة والآخر المخالفة.
وحينئذ يتم ما ذكره، إلا أنه يتوقف على ثبوت المقدمة الأولى، وهي وجوب
المتابعة مطلقا حتى في هذا الفعل الذي تقدم فيه سهوا أو عمدا بعد التقدم بأن
يرجع ويتابع.
وهو ممنوع جدا، إذ عمدة أدلتها الاجماع، وانتفاؤه هنا واضح. وصدق
الايتمام وعدم انتفائه بمجرد هذا التقدم اليسير المتعقب للمتابعة ظاهر. وخبرا
المجالس (1) ضعيفان، وانجبارهما في المقام غير معلوم، مع أن ثانيهما لا يدل إلا
على حرمة التقدم عمدا، وهو مسلم، والكلام في وجوب المتابعة فيما تقدم بعده.
والخبران الآخران (2) موردهما غير هذه الصورة، لأنهما وردا لحكم من فرغ قبل
الإمام عن القراءة ولم يركع بعد. بل الظاهر من النبوي الأول أيضا ذلك، فإن
المتبادر عنه أنه إن لم تركعوا فاركعوا مع الإمام. مع أن هذه الروايات لا تشمل
الرفع والقيام في المسألة أيضا.
وبالجملة: لا دليل على وجوب المتابعة في فعل حصل فيه التقدم أصلا،

(1) راجع ص 94.
(2) وهما موثقتا زرارة، وعمر بن أبي شعبة، راجع ص 95.
99

وعلى هذا فلا يكون لفساد الصلاة وجه أصلا.
بل هاهنا كلام آخر، وهو: أن الظاهر الاجماع على عدم البطلان مطلقا،
إذ صرح الكل بصحة الصلاة ولم ينقل من أحد القول ببطلانها حينئذ إلا ما حكي
عن المبسوط أنه قال: من فارق الإمام من غير عذر بطلت صلاته (1).
ومراده ما إذا فارقه رأسا وأتم الصلاة مفارقا له، إذ هو معنى المفارقة، أو
مع عدم تمام القراءة، لأنه قال فيه بعد ذلك: وينبغي أن لا يرفع رأسه عن الركوع
قبل الإمام، فإن رفع رأسه ناسيا عاد إليه يكون رفعه مع رفع الإمام، وكذلك
القول في السجود، وإن فعل ذلك متعمدا لم يجز له العود إليه أصلا بل يقف حتى
يلحقه الإمام (2). انتهى.
ومثله الصدوق (3).
وعلى هذا فلا يصح الحكم ببطلان الصلاة، بل اللازم الحكم بالتخيير بين
العود والاستمرار إن قلنا بوجوب المتابعة حتى في المقام، وبوجوب الاستمرار إن
قلنا بعدم ثبوته، كما هو كذلك.
وتوضيح ذلك: إنا لو سلمنا هذه المقدمة وضممناها مع المقدمة السابقة
وهي حرمة الزيادة، فمقتضى المقدمتين كما مر بطلان الصلاة مطلقا ووجوب
الإعادة، إلا أن الاجماع دلنا على ارتفاع أحد المحذورين ووجوب أحد الأمرين
من الاستمرار حتى يلحق الإمام أو العود للحوق به، ولعدم تعينه علينا يحكم
بالتخيير.
هذا في غير التقدم في القيام. وأما فيه فالحكم التخيير مطلقا مع قطع النظر
عن الاجماع أيضا، لعدم ثبوت البطلان بزيادته، كما يظهر وجهه مما ذكر في تحقيق
الزيادة المبطلة في محله. ولا بهذا القدر من التقدم فيه، لعدم ذكره في أخبار

(1) المبسوط 1: 157.
(2) المبسوط 1: 159.
(3) لا يوجد في كتبه الموجود ة بأيدينا، وانظر ما حكاه في في الذكرى: 279.
100

المتابعة، وإنما هو بالاجماع البسيط أو المركب، وتحققه في المقام غير معلوم، وانتفاء
صدق الاقتداء بمجرده ممنوع.
وإن لم نسلم هذه المقدمة، أي وجوب المتابعة حتى في هذا الفعل الذي
حصل التقدم فيه - كما هو كذلك أيضا - فمقتضى المقدمة الأخرى حرمة العود،
لاستلزامه الزيادة. ومقتضى حرمة قطع الصلاة إذا كانت مندوحة عنه كما في المقام
- لجواز البقاء على الفعل - عدم جوازه، فلم يبق إلا البقاء على الفعل حتى يلحق
الإمام، فيكون هو الواجب.
ولما كان الحق عدم ثبوت وجوب المتابعة حتى في المورد، سيما مع ما ذكرنا
من الاجماع على عدم بطلان الصلاة مطلقا، فيكون الواجب هو الاستمرار مطلقا
سواء كان التقدم في الركوع أو السجود أو في الرفع، وسواء كان عمدا أو سهوا.
ويكون هذا هو الأصل لا يترك إلا بدليل.
إلا أنه قد وردت أيضا في المسألة روايات ست:
الأولى: موثقة ابن فضال: في الرجل كان خلف إمام يأتم به، فركع قبل
أن يركع الإمام وهو يظن أن الإمام قد ركع، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد
الركوع مع الإمام، أيفسد ذلك صلاته أم تجوز له الركعة؟ فكتب: " يتم صلاته
ولا يفسد ما صنع صلاته " (1).
الثانية: صحيحة ابن يقطين: عن الرجل يركع مع إمام يقتدي به ثم يرفع
رأسه قبل الإمام، فقال: " يعيد ركوعه معه " (2).
الثالثة: رواية محمد بن سهل الأشعري أو صحيحته، وهي أيضا
نحوها (3).

(1) التهذيب 3: 277 / 811، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 4.
(2) التهذيب 3: 277 / 810، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 3.
(3) الفقيه 1: 258 / 1172، التهذيب 3: 47 / 163، الإستبصار 1: 438 / 1688، الوسائل
8: 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 2.
101

الرابعة: صحيحة ربعي والفضيل: عن رجل صلى مع إمام يأتم به، فرفع
رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال: " فليسجد " (1).
والخامسة: رواية محمد بن علي بن فضال: أسجد مع الإمام وأرفع رأسي
قبله، أعيد؟ قال: " أعد واسجد " (2).
والسادسة: موثقة غياث: عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام،
أيعود فيركع إذا أبطأ الإمام ويرفع رأسه معه؟ قال: " لا " (3).
دلت الأولى منها على جواز العود وعدم بطلان الصلاة بهذه الزيادة. والثانية
والثالثة على رجحانه. والرابعة والخامسة على وجوبه.
ولعدم المنافاة بين الجواز والرجحان وبين الوجوب يحمل الجميع على
الوجوب.
والسادسة على عدم وجوب العود بل جواز البقاء والاستمرار. وأما رجحانه
أو وجوبه - كما توهم (4) - فلا، لعدم صراحة: " لا يعود " في الوجوب، بل ولا في
الرجحان في المقام، لجواز كون تجوزه الجواز، حيث إن المقام مقام توهم الوجوب.
ثم إن من يرى أن المتبادر من الخمسة الأولى صورة النسيان لأنه الغالب في
التقدم، إذ قل من يتقدم عمدا، ولأنه مقتضى حمل فعل المسلم على الصحة،
ولأنه مورد الأولى لأن ظن تقدم الإمام أيضا سهو، ولذا استدل بها في المنتهى (5)
للعود إلى الركوع في صورة النسيان خاصة، فهي أيضا شاهدة للاختصاص. ومع
ذلك يرى الأخيرة غير قابلة لاثبات حكم إما لعدم حجية الموثق بنفسها أو لضعفها
عن مقاومة البواقي لأكثريتها عددا وأصحيتها سندا وأصرحيتها دلالة وأشهريتها

(1) التهذيب 3: 48 / 165، الوسائل 8: 390 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 1.
(2) التهذيب 3: 280 / 824، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 5.
(3) الكافي 3: 384 الصلاة ب 61 ح 14 بتفاوت يسير، التهذيب 3: 47 / 164، الإستبصار 1:
438 / 1689، الوسائل 8: 391 أبواب صلاة الجماعة ب 48 ح 6.
(4) في الرياض 1: 233.
(5) المنتهى 1: 379.
102

رواية..
يحكم بوجوب العود في صورة النسيان للروايات، وبوجوب البقاء حتى
يلحق الإمام في العمد، للأصل المتقدم، كالمشهور.
وهذا هو مستندهم. لا ما قيل لهم من الجمع بين الروايات، لأنه جمع بلا
شاهد ولا أن العود في العمد زيادة في الركن بلا عذر، ولا كذلك النسيان لأنه
عذر، لأن زيادة الركن عندهم مبطلة مطلقا، مع أن عدم جواز الزيادة في العمد
لا يثبت وجوب الاستمرار، لأنه إن كان مخالفة للإمام غير مجوزة فلا يجوز حينئذ
أيضا فيجب الحكم ببطلان الصلاة، وإلا فيجب الحكم بجوازه في السهو أيضا.
ومن يرى مع ما ذكر - من ضعف الأخيرة عن مقاومة البواقي - إطلاق
البواقي أو عمومها لصورتي العمد والسهو، يحكم بوجوب العود مطلقا، كما عن
المقنعة (1).
ومن يرى حجية الموثق وصلاحيته - مع ما ذكر من اختصاص الأخبار
بصورة النسيان - للقرينة على نفي إرادة الوجاب من سائر الأخبار، سيما مع عدم
دلالة الثلاثة الأولى على الزائد على الجواز أو الرجحان فلا تعارض بينها وبينه،
ومع عدم صراحة الباقيتين أيضا فيه لورودهما مورد توهم المنع..
يحكم في صورة العمد بمقتضى الأصل من وجوب الاستمرار، وفي السهو
باستحباب العود وجواز الاستمرار، كما عن التذكرة والنهاية (2).
ومن يرى حجية الموثقة وكونها قرينة وإطلاق الروايات، يحكم باستحباب
العود مطلقا، كالوافي والمفاتيح وشرحه (3).

(1) لا يوجد في باب جماعة المقنعة، ولكن نقل عنها في المدارك 4: 327 عبارة تدل على وجوب العود،
والصحيح أنها من كلام الشيخ (ره) في التهذيب 3: 47 كما نبه عليه صاحب مفتاح الكرامة 3.
461.
(2) التذكرة 1: 185، نهاية الإحكام 2: 136.
(3) الوافي 8: 1255، المفاتيح 1: 162.
103

ومن المتأخرين من يجعل الموثق معارضا مع البواقي لا قرينة، ولا جله يحكم
بالتخيير في بعض الصور (1)، كما هو الحكم عند التعارض وعدم المرجح.
هذا على ما ذكرنا من ثبوت الاجماع على عدم البطلان مطلقا أو عدم ثبوت
وجوب المتابعة حتى في المقام.
ومن المتأخرين من لم يثبت عنده الاجماع لتوهم الخلاف من المبسوط (2)،
وظن ثبوت عموم وجوب المتابعة.
فمنهم من عمل بالأخبار في صورة النسيان ظنا اختصاصها به وحكم
بالبطلان أو احتمله في العمد (3).
ومنهم من ترك الأخبار للتعارض واستشكل في المسألة، مع احتماله البطلان
مطلقا وأمره بالاحتياط (4).
ومنهم من ترك الأخبار لما ذكر ولكن سلم عدم ثبوت وجوب المتابعة في حق
الناسي، فحكم بالاستمرار له وبالبطلان للعامد. وهو الظاهر من بعض عبارات
المحقق الأردبيلي (5).
هذا كله على عدم الفصل بين الهوي والرفع، ولا بين الركوع والسجود هويا
أو رفعا.
ومن المتأخرين من فصل بين الأولين أو احتمل الفصل بينهما، فحكم في
الثاني بالعود وجوبا أو استحبابا أو مخيرا - على ما أداه إليه نظره من التعارض -
مطلقا أو في صورة النسيان، على ما رأى من إطلاق الأخبار أو اختصاصها.
وحكم في الأول بالتفصيل بين العمد والنسيان بحمل الرواية الأولى على
صورة النسيان، مع الحكم بالبطلان في العمد لظنه وجوب المتابعة مطلقا إلا ما

(1) الذخيرة: 398، الكفاية: 31.
(2) راجع ص 100.
(3) كما هو ظاهر الذكرى: 275.
(4) انظر الذخيرة: 398.
(5) انظر مجمع الفائدة 3: 307.
104

أخرجه الدليل، أو بالاستمرار فيه لعدم ثبوت إطلاق وجوبها. وقد يترك الرواية
الأولى لعدم صحتها ويعمل في جميع صور العمد بالبطلان أو الاستمرار (1).
ومنهم من احتمل الفصل بين الأخيرين أيضا، فاحتمل اختصاص
مقتضى الرواية الأولى بالهوي إلى الركوع ومقتضى الأخيرة بالرفع منه.
ولذلك حصلت عند هم في المسألة احتمالات غير عديدة وإشكالات، كما
يظهر طرف منها من الرجوع إلى المنتهى والمدارك والذخيرة وشرح الإرشاد
للأردبيلي (1) وبعض كتب الشهيدين (3) وغيرها (4). وللناس فيما يعشقون مذاهب.
والتحقيق في المسألة - بعد أن يعلم أولا أن الحق أصالة وجوب الاستمرار
لما ذكرنا أولا، وأنه لا فرق بين الركوع والسجود هويا ولا رفعا لعدم الفرق بينهما
قطعا فيتعدى حكم أحدهما في المقام إلى الآخر بالتنقيح المناط القطعي، مضافا
إلى عدم القول بالفصل بينهما جزما، وتشكيك مثل صاحب الذخيرة لا يقدح في
ثبوت الاجماع المركب أصلا، ولكن لم يثبت الاجماع المركب بين الهوي والرفع كما
يظهر من المنتهى وغيره، وأن الموثق من الأخبار حجة كالصحيح يصلح قرينة أو
معارضا للبواقي، وأن تخصيص الأخبار بالنسيان تخصيص بلا بيان بل المتجه
اتباع إطلاقها:
أن المتقدم في الرفع سواء كان عمدا أو سهوا يتخير بين العود للأخبار
الأربعة المتوسطة، وبين الاستمرار للخبر الأخير بجعله قرينة لعدم إرادة الوجوب
منها مع استحبابه سيما في صورة النسيان لاشتهار الرجحان.
وكذا المتقدم في الهوي مع ظن تقدم الإمام، لثبوت جواز الاستمرار
بالأصل المذكور، والعود بالرواية الأولى فإن مفادها ليس إلا جواز العود. ويجب

(1) انظر الحدائق 11: 142.
(2) المنتهى 1: 379، المدارك 4: 328، الذخيرة: 398، مجمع الفائدة والبرهان 3: 307، 308.
(3) الشهيد الأول في الذكرى: 275، الشهيد الثاني في روض الجنان: 374.
(4) كالحدائق 11: 142.
105

الاستمرار في سائر صور الهوي، للأصل المذكور، سواء كان من العمد أو
النسيان.
ويوافقنا فيما ذكرناه - من العود في الرفع والاستمرار في الهوي - الفاضل في
المنتهى (1)، إلا أنه قوى ثانيا العود في الهوي نسيانا للرواية الأخيرة، وخصصناه
بصورة المظنة، لأنها يمكن أن تعد عمدا وأن تجعل من السهو، فإنها عمد من وجه
وسهو من آخر فتتردد بينهما. فالحكم بإلحاق جميع أفراد إحدى الصورتين
بخصوصها به مشكل، وإلحاق الظان مطلقا بالناسي - كما في الدروس والبيان
والروضة (2) - غير واضح الدليل جدا.
وأما المتقدم في القيام فكما في الرفع يكون مخيرا بين الأمرين مطلقا، وظهر
وجهه مما ذكرنا أولا.
ب: لو خالف المتقدم المذكور وظيفته فعاد مع وجوب الاستمرار عليه - وهو
على ما اخترناه لا يتحقق إلا في أكثر صور التقدم في الهوي الذي يجب عليه فيها
الاستمرار، لأنه مخير في البواقي - فالوجه بطلان صلاته، لزيادته في الصلاة الركن
من دون مجوز. وكذا فيما يجب عليه الاستمرار غير ما ذكرنا على القول به، لما ذكر.
أو كان العود واجبا عليه واستمر كما في السهو على المشهور، لعدم الاعتداد بما فعله
أولا فيفوت جزء من الصلاة. ودعوى أن التدارك لقضاء حق المتابعة لا لكونه
جزءا من الصلاة ممنوعة، غايته احتمال الأمرين فلا يعلم امتثال هذا الجزء.
ج: لو تقدم عن الإمام بتمام فعل أو فعلين ركن أو غيره، كأن يركع قبل
الإمام ويتم ركوعه ويرفع رأسه ويهوي للسجود قبل دخول الإمام في الركوع، أو
يقوم قبله ويدخل في الركوع قبل قيام الإمام، فحكم في المنتهى بصحة صلاته
وايتمامه وجعل حكمه حكم المتقدم في بعض الفعل، وحكى عن الشافعي بطلان

(1) المنتهى 1: 379.
(2) الدروس 1: 221، البيان 238، الروضة 1: 385.
106

الصلاة بالتقدم بركنين (1).
والحق وجوب البقاء عليه فيما هو فيه حتى يلحقه الإمام، للأصل المذكور.
إلا إذا تقدم بقدر يوجب البقاء عليه محو صورة الصلاة فيبطل ايتمامه. وهل تبطل
صلاته حينئذ أم لا؟ فيه تفصيل يذكر.
د: لو تأخر المأموم سهوا أو عمدا عن الإمام بقدر فعل أو أكثر، ركن أو
غيره، كأن يجلس للتشهد الأول حتى يدخل الإمام في الركوع أو رفع رأسه أيضا،
أو يبقى قائما حتى يرفع الإمام رأسه من الركوع، أو راكعا حتى يسجد، أو ساجدا
حتى يتشهد، صحت صلاته واقتداؤه، كما صرح به الشهيد في الذكرى (2)
والمحقق الثاني في الجعفرية. وظاهر الأول اتفاقنا عليه. وعن التذكرة (3) التوقف
وإن يظهر منه الميل إلى الصحة أيضا، واستبعد بعض المتأخرين في توقفه.
لنا: ثبوت الصحة للصلاة والاقتداء، والأصل بقاؤهما حتى جاء المزيل،
وهو غير معلوم، إذ ليس إلا تحقق القدوة، ومثل ذلك التأخر لا ينافيها، أو وجوب
عدم التأخر عنه بركن أو أكثر - كما قيل (4) - وهو ممنوع جدا، ولو سلم فيختص
بصورة العمد وعدم العذر، ولو سلم فإيجاب تركه لبطلان الصلاة أو القدوة
ممنوع، غايته أنه ترك واجبا وكونه جزءا للصلاة أو القدوة أو شرطا لأحدهما ممنوع
غايته، أو ارتكب محرما هو التأخر، وإبطاله لأحدهما غير ثابت، لكونه خارجا،
ولا يستلزم وقوع فعل من الصلاة منهيا عنه، لأن النهي إنما تعلق بالتأخر والفعل
الموجب له، وأما ما بعده مما يفعله للالتحاق بالإمام فلا، فلو بقي قائما حتى يرفع
الإمام رأسه يكون هذا البقاء أو القيام الزائد منهيا عنه وهو لم يكن مأمورا به، وأما
الركوع فهو ليس تأخرا بل هو التحاق.

(1) المنتهى 1: 379.
(2) الذكرى: 276.
(3) التذكرة 1: 185.
(4) الحدائق 11: 146.
107

مضافا في صورة السهو إلى صحيحة عبد الرحمن. عن رجل يصلي مع الإمام
يقتدي به، فركع الإمام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الإمام رأسه
وانحط للسجود، أيركع ثم يلحق الإمام والقوم في سجودهم أو كيف يصنع؟
قال: " يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم، ولا شئ عليه " (1).
وفي صورة الاضطرار إلى صحيحته الأخرى: في رجل صلى جماعة يوم
الجمعة فلما ركع الإمام ألجأه الناس إلى جدار أو أسطوانة لم يقدر على أن يركع ولا
أن يسجد حتى رفع القوم رؤوسهم، أيركع ثم يسجد ثم يقوم في الصف؟ قال:
" لا بأس " (2).
ثم إنه هل يجوز التأخر كذلك عمدا كما هو ظاهر من ذكر، أولا كما صرح
به بعض مشايخنا الأخباريين ونقله عن المدارك أيضا؟ (3).
الحق حب الأول، للأصل السالم عن المعارض.
احتج المخالف بصحيحة معاوية بن وهب (4) المصرحة بجواز ترك المسبوق
القراءة لعدم إمهال الإمام إياه حتى يتمها، وصحيحة زرارة (5) المصرحة بجواز ترك
المسبوق السورة لدرك الإمام.
ويجاب أولا: باحتمال عدم وجوب إتمام القراءة والسورة هنا لدرك فضيلة
موافقة الإمام واختصاص الوجوب بغير هذه الصورة، مع أن في وجوب السورة
حينئذ مطلقا كلاما يأتي.

(1) التهذيب 3: 55 / 188، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 1.
(2) الفقيه 1: 270 / 1234، التهذيب 3: 161 / 347، الوسائل 7: 335 أبواب صلاة الجماعة
ب 17 ح 1.
(3) اختاره في الحدائق 11: 146، لكنه لم ينقله عن المدارك وإنا لم نجد القول فيه.
(4) التهذيب 3: 47 / 162، التهذيب 3: 274 / 797، الإستبصار 1: 438 / 1687، الوسائل 8:
388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 55.
(5) الفقيه 1: 356 / 1162، التهذيب 3: 45 / 158، الإستبصار 1: 436 / 1683، الوسائل
8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.
108

وثانيا: بعدم تصريح الروايتين بما لا يدركه المأموم مع الإمام لو أتم المأموم
القراءة أو السورة، فلعل المراد أن الإمام يخرج من الصلاة لو قرأ الحمد أو السورة
وهو غير المسألة.
نعم، يتجه تقييد جواز التأخر بما لم يكن كثيرا كأفعال كثيرة، لاحتمال
إخلال ذلك عرفا بصدق الاقتداء. ولذا قيد فخر المحققين في شرح الإرشاد جواز
التأخر حتى فرغ الإمام عن فعل يصدق معه المتابعة.
وكذا يجب تقييد جواز التأخر عن الركوع بما إذا أدرك جزءا من الصلاة مع
الإمام قبله، وإلا فلو أدرك الإمام وهو راكع فلا يدرك الركعة إلا بالركوع معه،
كما مر في بحث صلاة الجمعة.
109

المقام الثاني في آداب صلاة الجماعة،
أي مستحباتها ومكروهاتها
أما المستحبات فأمور:
منها: أن يقف المأموم عن يمين الإمام محاذيا له أو متأخرا عنه قليلا إن كان
رجلا واحدا وخلفه إن كان اثنين فصاعدا، إجماعا محققا ومحكيا مستفيضا في أصل
رجحانه (1)، فهو الدليل فيه.
مضافا إلى المستفيضة من النصوص، كصحاح زرارة (2)، ومحمد (3)
وإبراهيم بن ميمون (4)، وروايات أبي البختري (5)، والحسين بن سعيد (6)،
والمدائني (7)، والمرويات في العلل (8)، وفقه الرضا (9)، وقرب الإسناد (10)،
والمجالس للصدوق (11).

(1) كما في الخلاف 1: 554، والتذكرة 1: 171، والرياض 1: 234.
(2) الكافي 3: 271 الملاة ب 54 ح 1، التهذيب 3: 24 / 82 الوسائل 8: 286 أبواب صلاة
الجماعة في 1 ح 3.
(3) الفقيه 1: 252 / 1139، الوسائل 8: 297 أبواب صلاة الجماعة ب 4 ح 3.
(4) الكافي 3: 377 الصلاة ب 57 ح 3، الفقيه 1: 257، 1167، التهذيب 3: 268 / 767،
الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 6.
(5) التهذيب 3: 56 / 193، قرب الإسناد: 156 / 575، الوسائل 8: 341 أبواب صلاة الجماعة
ب 23 ح 2.
(6) الكافي 3: 387 الملاة ب 62 ح 10، الوسائل 8: 344 أبواب صلاة الجماعة 24 ح 1.
(7) الفقيه 1: 258 / 1174، التهذيب 3: 26 / 90، الوسائل 8: 345 أبواب صلاة الجماعة ب 24
ح 2.
(8) علل الشرائع: 325 / 1، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 10.
(9) فقه الرفا عليه السلام: 124، مستدرك الوسائل 6: 470 أبواب صلاة الجماعة ب 21 ح 3.
(10) قرب الإسناد: 114 / 395، الوسائل 8: 344 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 12.
(11) لم نجد الرواية في أمالي الصدوق.
110

وفي روايتي المدائني وابن سعيد: أنه إذا وقف في اليسار والإمام علم به في
الصلاة يحوله إلى يمينه.
وعلى الأظهر الأشهر بل الاجماع المحقق - لعدم انقداحه بمخالفة من شذ
وندر - والمحكي عن ظاهر الخلاف (1) وفي صريح المنتهى (2)، في عدم وجوبه.
للاجماع المذكور، والأصل، والاطلاقات السالمة عن المعارض رأسا، إذ
ليس إلا ما مر من الأخبار، وهي بأسرها خالية عن الدال على الوجوب لورودها
بنحو الجمل الخبرية التي لا تفيد عند المتأمل أزيد من الرجحان، إلا واحدة منها (3)
آمرة للصبي بالقيام إلى الجنب. وهي غير ناهضة، لعدم تعلق الوجوب بالصبي
قطعا.
بل في روايتي المدائني وابن سعيد دلالة على انتفاء الشرطية قطعا، وإلا
لبطلت صلاة الواقف على اليسار أولا ولم يفد التحويل في الأثناء. وبه يسهل الأمر
على من لا يجري الأصل في الأجزاء والشروط أيضا، إذ ينتفي الاشتراط بهذه
الرواية المنجبرة، والوجوب التعبدي بالأصل.
مع أن في صحيحة الكناني: عن الرجل يقوم في الصف وحده، فقال: " لا
بأس إنما يبدو واحد بعد واحد " (4) دلالة على نفي الوجوب أيضا. وحملها على ما بعد
[من] الصفوف خاصة - كما في الحدائق (6) - لا وجه له، لاطلاقها.
ثم على فرض دلالة الأخبار المذكورة على الوجوب لا تصلح لاثباته،
لشذوذه، ومخالفته الشهرة القديمة وعمل أرباب أصولها.

(1) الخلاف 1: 554.
(2) المنتهى 1: 376.
(3) وهي صحيحة إبراهيم بن ميمون المذكورة آنفا.
(4) التهذيب 3: 280 / 828، علل الشرائع: 361 / 1، الوسائل 8: 406 أبواب صلاة
الجماعة ب 57 ح 2.
(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
(6) الحدائق 11: 90.
111

خلافا للمحكي عن الإسكافي فقال بالوجوب (1)، وقواه شيخنا صاحب
الحدائق، لما مر بجوابه.
ولو كان المأموم امرأة وجب تأخرها إن قلنا بتحريم المحاذاة. وإلا - كما هو
المختار - استحت ذلك وإن كانت واحدة، لروايتي أبي العباس (2) وابن بكير (3)
وغير هما من الروايات الغير الدالة شئ منها على الوجوب لمكان الخبرية، سوى
واحدة آمرة بإقامة الغلمان ولو كانوا عبيدا بين أيديهن (4). وعدم وجوب ذلك
ظاهر، إذ لا صلاة على الصبي. والوجوب الشرطي أو التخييري ليس بأولى من
الاستحباب، فالاستدلال بها على الوجوب غير سديد.
ومنها يظهر ضعف الاستدلال بما في صحيحة على من قيام امرأة بحيال إمام
تصلي عصرها مؤتمة - إلى أن قال -: " وتعيد المرأة صلاتها " (5). فإنها ليست صريحة
في وجوب الإعادة.
وأضعف منها الاستدلال بصحيحة الفضيل: " المرأة تصلي خلف زوجها
الفريضة والتطوع وتأتم به في الصلاة " (6).
فإنها لا وجه لدلالتها إلا بمفهوم اللقب الذي هو من أضعف المفاهيم.
فالقول بالوجوب - كما عن جملة من كتب الفاضلين (7) - ضعيف. مع أن
في إرادتهما الوجوب نظرا، ولو كانت فلعلها لقولهما بحرمة المحاذاة. وفتواهما

(1) نقله عنه في المختلف: 160.
(2) الكافي 3: 376 الصلاة ب 57 ح 1، التهذيب 3: 267 / 757 الوسائل 8: 333 أبواب صلاة
الجماعة ب 19 ح 5.
(3) التهذيب 3: 31 / 112، الإستبصار 1: 426 / 1645، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة
ب 19 ح 4.
(4) الفقيه 1: 259 / 1179، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 9.
(5) التهذيب 3: 49 / 173، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلي ب 9 ح 1.
(6) التهذيب 3: 379 / 1579، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 1.
(7) المعتبر 2: 426، المختصر النافع: 47، نهاية الإحكام 2: 118، المنتهى 1: 376.
112

بالكراهة في مواضع أخر لا تنافيه، لامكان تغير الرأي. فلا يكون وجوب التأخر
في الجماعة خاصة قولا. وعلى هذا فيتم المطلوب بالاجماع المركب، لعدم القول
بالفرق بين الجماعة والانفراد، إلا أن مع احتمال تفرقة الفاضلين يشكل التمسك
بالاجماع المركب.
ثم إن كانت المرأة واحدة يستحب لها مع التأخر أن تقف على يمين الإمام،
لصحيحة هشام: " الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه يكون سجودها مع
ركبتيه " (1).
ورواية الفضيل: أصلي المكتوبة بأم علي؟ قال: " نعم، تكون عن يمينك
يكون سجودها بحذاء قدميك " (2).
وإن كان المأموم رجلا واحدا مع النساء وقف الرجل عن يمين الإمام
والنساء خلفه، كما نص به في رواية القاسم بن الوليد (3).
هذا كله إذا كان الإمام رجلا. ولو كانت امرأة تؤم النساء وقفن معها صفا
واحدا أو أزيد من غير أن تبرز بينهن مطلقا، بلا خلاف بين القائلين بجواز
إمامتها، بل عن المعتبر والمنتهى (4) اتفاقهم عليه. وهو الحجة فيه، مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة (5) الدالة على الرجحان الغير الناهضة لاثبات الوجوب.
ومنها: وقوف الإمام وسط الصف، كما صرح به الفاضل والشهيدان (6)، لما
رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " وسطوا الإمام وسدوا
الخلل " (7).

(1) الفقيه 1: 259 / 1178، الوسائل 5: 225 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 9.
(2) التهذيب 3: 267 / 758، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 2.
(3) التهذيب 3: 268 / 763، الوسائل 8: 332 أبواب صلاة الجماعة ب 19 ح 3.
(4) المعتبر 2: 427، المنتهى 1: 377.
(5) الوسائل 8: 333 أبواب صلاة الجماعة ب 20.
(6) الفاضل في التحرير 1: 52، والشهيدان في الذكرى: 273، والروض: 371.
(7) سنن أبي داود 1: 182 / 681.
113

ومثله كاف في مقام المسامحة.
ولا ينافيه المروي في الكافي: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلي بقوم وهو
إلى زاوية من بيته يقرب الحائط، وكلهم عن يمينه، وليس على يساره أحد (1).
لأنه واقعة في حادثة، فلعله لمانع من التوسيط كما في الذكرى (2).
ومنها: أن يكون في الصف الأول أهل الفضل أعني من له من مزية وكمال من
علم أو عقل أو عمل، لحكاية الاتفاق عليه (3)، ولرواية جابر: " ليكن الذين
يلون الإمام أولى الأحلام - منكم والنهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه، وأفضل
الصفوف أولها، وأفضل أولها، ما دنا من الإمام " (4).
والنبوي العامي: " ليليني أولوا الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم
ثم الصبيان ثم النساء " (5).
ثم إن هذا الحكم إنما هو لكل أهل الفضل من المأمومين ومن دونهم،
فيستحب للأولين المبادرة إلى الصف الأول وللآخرين تمكينهم منه. إلا أنه لما دل
ذيل الرواية الأولى على أفضلية أول الصفوف مطلقا، وكذا ما رواه الصدوق من
أن: " الصلاة في الصف الأول كالجهاد في سبيل الله، (6) يتعارض المستحبان في
حق غير أولي الفضل، إذ المستفاد من صدر الرواية وما بمعناها استحباب تمكينهم
لأهل الفضل في الصف الأول، ومن ذيلها وما بمعناها استحباب الاندراج في
الصف الأول لكل أحد، إذ لا شك أن ما ذكر من فضيلة الصف الأول لا يختص

(1) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 8، الوسائل 8: 342 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 6.
(2) الذكرى: 273.
(3) كما في الذخيرة: 395.
(4) الكافي 3: 372 الصلاة ب 54 ح 7، التهذيب 3: 265 / 751، الوسائل 8: 305 أبواب
صلاة الجماعة ب 7 ح 2.
(5) صحيح مسلم 1: 323 / 123 - 432 (بتفاوت).
(6) الفقيه 1: 252 / 1140، الوسائل 8: 307 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 5.
114

بأولي الفضل. فالظافر أن هاهنا مستحبين لا يمكن جمعهما لما دون أهل الفضل
في جميع الأوقات، وإذ لم يثبت ترجيح لأحدهما فلهم اختيار أي منهما أرادوا.
وفي الذكرى: وليكن يمين الصف لأفاضل الصف الأول، لما روي من
أن: " الرحمة تنتقل من الإمام إليهم، ثم إلى يسار الصف، ثم إلى الثاني " (1).
ولا يخفى أنه لا دلالة له على تخصيص الميامن بالأفضل. ورجحان الأفضل
للأفضل معارض بأن الأفضل له الفضيلة، فيرجح ازدياد فضل لمن ليس له ذلك.
نعم يدل على أفضلية ميامن الصف الأول. وهو كذلك. وتدل عليها أيضا
رواية سهل: " فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة
الفرد " (2).
ويظهر من ذلك ومن قوله في ذيل الرواية: " إن أفضل أولها ما دنا من الإمام "
أن أفضل الميامن ما قرب من الإمام.
ويظهر منهما أيضا تعارض الفضيلتين في أواخر الميامن وأوائل المياسر،
فللأولى فضل الميمنة وللثانية فضل القرب من الإمام.
ثم إن ما ذكر من أفضلية الصف الأول إنما هو في غير صلاة الجنازة، وأما
فيها فأفضل الصفوف آخرها كما نسب إلى الأصحاب جملة (3)، ودلت عليه المعتبرة
المستفيضة (4)، وبها تقيد الاطلاقات المتقدمة.
ومنها: إقامة الصفوف واعتدالها وسد الفرج الواقعة فيها، لاستفاضة
النصوص العامية والخاصية.
فمن الأولى: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسوي صفوفنا كأنما يسوي
القداح (5).

(1) الذكرى: 273.
(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 54 ح 8، الوسائل 8: 307 أبواب صلاة الجماعة ب 8 ح 2.
(3) الرياض 1: 235، وفيه: وربما عزي إلى الأصحاب جملة، ولا بأس به.
(4) الوسائل 3: 121 أبواب صلاة الجنائز ب 29.
(5) صحيح مسلم 1: 324 / 128، سنن أبي داود 9: 178 / 663، سنن النسائي 2: 89.
115

وقال. " أقيموا صفوفكم " (1).
وقال: " سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة " (2).
وكان يمسح مناكبهم في الصلاة ويقول: " استووا ولا تختلفوا فتختلف
قلوبكم " (3).
ومن الثانية: صحيحة محمد: " أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من خلفي كما
أراكم من قدامي ومن بين يدي " (4).
والمروي في التهذيب: " سووا بين صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم لئلا يكون
فيكم خلل " (5).
وفي بصائر الصفار: " لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم " (6).
وفيه أيضا: " أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا " (7).
وفيه أيضا: " سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم " (8). إلى غير ذلك.
ومنها: تقارب الصفوف بعضها من بعض بأن لا يزيد ما بينها على مقدار
مسقط جسد الانسان، لرواية الدعائم المتقدمة في مسألة تباعد المأموم
والإمام (9).
ومنها: أن يمجد الله المأموم بالتسبيح ونحوه إذا فرغ من قراءته قبل الإمام
فيما تجوز فيه القراءة من خلف الإمام الغير المرضي أو المرضي، أو يمسك آية

(1) سنن أبي داود 1: 178 / 662.
(2) صحيح مسلم 1: 324 / 124، سنن أبي داود 1: 179 / 668.
(3) صحيح مسلم 1: 323 / 122.
(4) الفقيه 1: 252 / 1139، الوسائل 8: 423 أبواب صلاة الجماعة ب، 70 ح 5.
(5) التهذيب 3: 283 / 839، الوسائل 8: 423 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 4، بتفاوت يسير.
(6) بصائر الدرجات: 419 / 2 و 3، الوسائل 8: 424 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 8.
(7) بصائر الدرجات: 420 / 5، الوسائل 8: 224 أبواب صلاة الجماعة ب 7 ح 9.
(8) لم نجده في البصائر، ولكنه موجود في دعائم الاسلام 1: 155. وفيه " صلو " بدل " سووا "،
راجع مستدرك الوسائل 6: 506 أبواب الجماعة ب 54 ح 8.
(9) راجع ص 66.
116

ويمجد الله ويثني عليه حتى إذا فرغ الإمام في قرأها وركع معه.
وتدل على الأول رواية عمر بن أبي شعبة: أكون مع الإمام وأفرغ قبل
قراءته، قال: " فأتم السورة ومجد الله وأثن عليه حتى يفرغ " (1).
وعلى الثاني: موثقة زرارة: عن الإمام أكون معه فأفرغ من القراءة قبل أن
يفرغ، قال: " فأمسك آية ومجد الله وأثن عليه فاقرأ الآية واركع " (2).
والأمر فيهما وإن دل على الوجوب إلا أنه حمل على الاستحباب للاجماع على
عدم الوجوب.
ومنها: أن يصلي الإمام بصلاة أضعف من خلفه، إجماعا نصا وفتوى كما
قيل (3)، له وللأخبار المستفيضة.
منها: رواية ابن عمار: " ينبغي للإمام أن تكون صلاته على أضعف من
خلفه " (4).
والمروي في النهج في عهده للأشتر: " وإذا قمت في صلاتك فلا تكن منفرا
ولا مضيعا، فإن في الناس من به العلة وله الحاجة " (5).
والرضوي: " وإذا صليت فخفف بهم الصلاة " (6).
ولو أحس بشغل لبعض المأمومين استحب التخفيف أزيد من ذلك، كما
يستفاد من صحيحة ابن سنان (7) الواردة في صلاة النبي وسماعه صراخ الصبي،

(1) التهذيب 3: 38 / 134، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 3.
(2) الكافي 3: 373 الصلاة ب 55 ح 1 (بتفاوت يسير)، التهذيب 3: 38 / 135، المحاسن:
326 / 73، الوسائل 8: 370 أبواب صلاة الجماعة ب 35 ح 1.
(3) الحدائق 11: 173.
(4) الفقيه 1: 255 / 1152 (بتفاوت يسير، التهذيب 3: 274 / 795، الوسائل 8: 420 أبواب
صلاة الجماعة ب 69 ح 3.
(5) نهج البلاغة 3: 114 (شرح محمد عبده).
(6) فقه الرضا عليه السلام: 143، و 144، مستدرك الوسائل 6: 502 أبواب صلاة الجماعة ب 53
ح 2.
(7) التهذيب 3: 274 / 796. الوسائل 8: 419 أبواب صلاة الجماعة ب 69 ح 1.
117

سيما بزيادة ما في حديث آخر في عدة الداعي حيث قال صلى الله عليه وآله:
" خشيت أن يشتغل به خاطر أبيه " (1).
ولا شك في بقاء الاستحباب ما لم يعلم حب التطويل من جميع المأمومين.
وأما إذا علمه فاستثناه بعض الأصحاب (2) نظرا إلى أن الظاهر من الأخبار مراعاة
حالهم لأغراضهم وحوائجهم وأمراضهم. ولا بأس به، إلا أن ظاهر بعض
الأخبار الاطلاق.
ومنها: أن لا يقوم الإمام من مقامه بعد التسليم حتى يتم من خلفه صلاته
من المسبوقين أو الحاضرين لو كان الإمام مسافرا، كما في صحيحة إسماعيل: " لا
ينبغي للإمام أن يقوم إذا صلى حتى يقضي من خلفه كل ما فاته من الصلاة " (3).
[وصحيحة الحلبي] (4): " لا ينبغي للإمام أن ينتقل إذا سلم حتى يتم من
خلفه الصلاة " (5) الحديث.
والبختري: " ينبغي للإمام أن يجلس حتى يتم من خلفه صلاتهم " (6).
وموثقه سماعة: ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلم أحدا حتى يرى أن من
خلفه قد أتموا صلاتهم " (7).
ومقتضى الأخيرة استحباب عدم التكلم أيضا.
وصحيحة أبي: بصير: " أيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا
يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم، ذلك على كل

(1) عدة الداعي: 79، المستدرك 6: 503 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 4.
(2) كالشهيد في البيان: 240.
(3) التهذيب 3: 49 / 169، الوسائل 6: 434 أبواب التعقيب ب 2 ح 4.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لتصحيح المتن.
(5) الكافي 3: 341 الصلاة ب 1 ح 1، التهذيب 2: 103 / 386، الوسائل 6: 433 أبواب
التعقيب ب 2 ح 2.
(6) الفقيه 1: 260 / 1189، الوسائل 6: 433 أبواب التعقيب ب 2 ح 1.
(7) التهذيب 2: 104 / 390، الوسائل 6: 434 أبواب التعقيب ب 2 ح 6.
118

إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا، فإن علم أنه ليس فيهم مسبوق بالصلاة
فليذهب حيث شاء " (1).
ومقتضى ذلك وإن كان الوجوب، إلا أنه حمل على الاستحباب، للاجماع
على عدم وجوب الجلوس في مورد الرواية الذي هو المسبوق وإن قيل في الإمام
المسافر كما يأتي، ولموثقة الساباطي: عن الرجل، يصلي بقوم فيدخل قوم في صلاته
بعد ما قد صلى ركعة أو أكثر من ذلك، فإذا فرغ من صلاته وسلم أيجوز له وهو
إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال: " نعم " (2).
خلافا للمحكي عن السيد والإسكافي (3)، فأوجبا انتظار الإمام المسافر لتمام
صلاة الحاضرين. ولم ينقل لهما مستند سوى الصحيحة، وهي - كما عرفت -
مخصوصة بالمسبوق ومعارضة مع الموثق.
ومنها: أن يسمع الإمام من خلفه مطلق القراءة والأذكار التي يجوز الاجهار
فيها ما لم يبلغ العلو المفرط، وعدم إسماع من خلفه له شيئا، لصحيحة أبي بصير:
" ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كل ما يقول، ولا ينبغي لمن خلف الإمام أن
يسمعه شيئا مما يقول " (4).
ويتأكد الاستحباب في التشهد، لصحيحة البختري. " ينبغي للإمام أن
يسمع من خلفه التشهد ولا يسمعونه هم شيئا " (5).
وفي صحيحة أبي بصير: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام فلما كان في
آخر تشهده رفع صوته حتى أسمعنا، فلما انصرف قلت: كذا ينبغي للإمام أن

(1) الكافي 3: 341 الصلاة ب 1 ح 2، التهذيب 2: 103 / 387. الوسائل 6: 434 أبواب
التعقيب ب 2 ح 3.
(2) التهذيب 3: 273 / 790، الوسائل 6: 435 أبواب التعقيب ب 2 ح 7.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 39، وحكاه عن الإسكافي في الروض: 374.
(4) التهذيب 3: 49 / 170، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 3.
(5) الكافي 3: 337 الصلاة ب 30 ح 5، الفقيه 1: 260 / 1189، التهذيب 3: 102 / 384
(بتفاوت يسير، الوسائل 8: 396 أبواب صلاة الجماعة ب 52 ح 1.
119

يسمع تشهده من خلفه؟ قال: " نعم " (1).
وإنما قيدنا بما يجوز فيه الاجهار، لخروج ما لا يجوز فيه الجهر - وهو القراءة
في أوليي الظهرين - بما دل على إخفات الإمام فيها من الأخبار المتقدمة في المسائل
المتقدمة في قراءة المأموم، الدالة على أن الإمام أيضا يخافت في القراءة، سيما
صحيحة [ابن] يقطين المتضمنة لقوله: عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام
وصحيحة سليمان بن خالد المذكورة بعدها (2).
وبما لم يبلغ العلو المفرط، لأنه قد يخرج المصلي عن كونه مصليا، ولعدم
معهودية مثله عن أحد من السلف والخلف حتى الحجج عليهم السلام.
وأما في الركعتين الأخيرتين فلعدم ثبوت وجوب الاخفات فيهما، فلا بأس
بالقول باستحباب جهر الإمام فيهما، لعموم صحيحة أبي بصير. ولأجل ذلك
أفتى بعضهم باستحبابه أيضا، حيث إنه لا يرى وجوب الاخفات فيهما مطلقا،
لا أنه يوجبه فيهما في غير الإمام ولا يوجبه في الإمام.
ومنها: إنه إذا أحس الإمام بدخول أحد في ركوعه يطيل ركوعه بقدري ما
كان يركع انتظارا للداخلين ثم يرفع وإن أحس بداخل، لروايتي الجعفي (3)،
ومروك (4).
ومنها: أن يقول المأموم عند فراغ الإمام من قراءته الفاتحة: الحمد لله رب
العالمين، لصحيحة جميل (5)، وغيرها المروي في المجمع (6) وغيره.

(1) التهذيب 2: 102 / 382، الوسائل 6: 401 أبواب التشهد ب 6 ح 3.
(2) راجع ص 86.
(3) التهذيب 3: 48 / 167، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50 ح 1.
(4) الكافي 3: 330 الصلاة ب 26 ح 6، الفقيه 1: 255 / 1151، الوسائل 8: 395 أبواب صلاة
الجماعة ب 50 ح 2.
(5) الكافي 3: 313 الصلاة ب 21 ح 5، التهذيب 2: 74 / 275، الإستبصار 1: 318 / 1185،
الوسائل 6: 367 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 1.
(6) مجمع البيان 1: 31، الوسائل 6: 368 أبواب القراءة في الصلاة ب 17 ح 6.
120

ومنها: أن يكون قيام المأمومين عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة،
لتصريح روايتي الحناط (1) ومعاوية بن شريح (2) بذلك من غير معارض، مضافا
إلى حكاية الاجماع عن الخلاف في أواسط كتاب الصلاة (3).
وعن المبسوط والخلاف (4) استحباب قيامهم عند فراغ المؤذن عن الأذان،
وعن بعض آخر عند قول المقيم: حي على الصلاة (5)، لوجوه اعتبارية غير صالحة
للاستناد.
وأما مكروهاتها، فهي أيضا أمور:
منها: أن يقف المأموم وحده في صف، إلا أن تمتلئ الصفوف فلا يجد
موضعا يدخل فيه فإنه يقف في صف وحده من غير كراهة، بالاجماع كما في المنتهى
والمدارك (6)، له، ولرواية السكوني: " لا تكونن في العثكل " قلت: وما العثكل؟
قال: " أن تصلي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يمكن الدخول في الصف قام
حذاء الإمام أجزأه، فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته " (7).
وهي دلت على الحكمين. ونحوها في الدعائم إلى قوله: " وحدك " (8).

(1) الفقيه 1: 252 / 1137، التهذيب 2: 285 / 1143، الوسائل 8: 379 أبواب صلاة الجماعة
ب 42 ح 1.
(2) التهذيب 3: 42 / 146، الوسائل 8: 380 أبواب صلاة الجماعة ب 42 ح 2.
(3) الخلاف 1: 317.
(4) المبسوط 1: 157، والخلاف 1: 564.
(5) نقله عنه في المختلف: 160.
(6) المنتهى 1: 377، المدارك 4: 345.
(7) التهذيب 3: 282 / 838، الوسائل 8: 407 أبواب صلاة الجماعة ب 58 ح 1، وفي التهذيب:
العيكل. وقال العلامة المجلسي - رحمه الله - في البحار 85: 117. لم أر العيكل بهذا المعنى في
كتب اللغة... وفي بعض النسخ بالثاء المثلثة، وهو أيضا كذلك ليس له معنى مناسب، ولا
يبعد أن يكون " الفسكل " بالفاء والسين المهملة، وهو بالضم والكسر: الفرس الذي يجئ في
الحلبة آخر الخيل. انتهى. انظر النهاية 3: 446 والصحاح 5: 1790.
(8) الدعائم 1: 155، مستدرك الوسائل 6: 498 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.
121

مضافا في الثاني إلى المروي في الدعائم: عن رجل دخل مع القوم في جماعة
فقام وحده ليس معه في الصف غيره والصف الذي بين يديه متضايق، قال: " إذا
كان كذلك صلى وحده فهو معهم " وقال: " قم في الصف ما استطعت وإذا ضاق
المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس " (1).
وقد يستدل له أيضا بصحيحة الأعرج (2) وموثقته (3)، ولا يخفى أنهما لا
تدلان إلا على الجواز الغير المنافي للكراهة.
خلافا في الأول للمحكي عن الإسكافي، فحرم القيام وحده مع وجود
موضع في الصف (4)، لظاهر رواية السكوني.
إلا أن اتفاق الأصحاب على عدم وجوبه ضعفها بالشذوذ المخرج لها عن
صلاحية إثبات الوجوب، سيما مع معارضتها لعموم صحيحة الكناني: عن
الرجل يقوم في الصف وحده، فقال: " لا بأس إنما يبدو واحد بعد واحد " (5).
ثم إذا لم يجد موضعا وقام وحده قام حذاء الإمام، كما في الرواية وموثقة
الأعرج. والمراد به أن يكون موقفه بعد الصفوف محاذيا لموقف الإمام.
ومنها: التنفل بعد قول المؤذن: قد قامت الصلاة، لصحيحة عمر بن
يزيد: عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة، ما حد هذا
الوقت؟ قال: " إذا أخذ المقيم في الإقامة " فقال له: إن الناس مختلفون في الإقامة،
قال: " المقيم الذي تصلي معه " (6).

(1) الدعائم 1: 156، مستدرك الوسائل 6: 497 أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1 و 3.
(2) التهذيب 3: 51 / 179، الوسائل 8: 405 أبواب صلاة الجماعة ب 57 ح 1.
(3) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 3، التهذيب 3: 272 / 786، الوسائل 8: 406 أبواب صلاة
الجماعة ب 57 ح 3.
(4) نقل عنه الشهيد في الذكرى: 274.
(5) التهذيب 3: 280 / 828، علل الشرائع 361 / 1 (بتفاوت يسير). الوسائل 8: 406 أبواب
صلاة الجماعة ب 57 ح 2.
(6) الفقيه 1: 252 / 1136، التهذيب 3: 283 / 841. الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35
ح 9.
122

كذا ذكروه. ولا يخفى أن مقتضى الرواية الكراهة حين الشروع في الإقامة
لا قوله: " قد قامت الصلاة " وكذا ظاهرها كراهة التنفل في ذلك الوقت مطلقا
وظاهر كثير من الأصحاب كراهة الابتداء به، واتباع الرواية الصحيحة أولى،
فيكره مطلق التنفل عند الشروع في الإقامة بمعنى المرجوحية الإضافية وأقلية
الثواب، فلا تنافيها حرمة قطع النافلة أو كراهتها.
وقد حرم التنفل في الوقت المذكور الشيخ في النهاية وابن حمزة على ما حكي
عنهما (1). ولا مستند لهما، إذ الصحيحة لا تفيد أزيد من الكراهة.
ومنها: أن يخص الإمام نفسه بالدعاء، لمرسلة الفقيه (2).
قيل: الظاهر تخصيص الحكم بالدعاء الذي يخترعه الإمام من نفسه أما
لو قرأ بعض الأدعية المأثورة عن الأئمة فيأتي بالكيفية الواردة. وفيه تأمل.
ومنها: التكلم بعد قول المؤذن: قد قامت الصلاة، فإنه وإن كره في غير
الجماعة أيضا إلا أنه فيها آكد، لصحيحة ابن أبي عمير: عن الرجل يتكلم في
الإقامة؟ قال: " نعم، فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على
أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول
بعضهم لبعض. تقدم يا فلان " (3).
وزرارة. " إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلا في
تقديم إمام " (4).
وظاهر هما وإن كان التحريم إلا أنه حمل على الكراهة، للاجماع على عدم
الحرمة، وللجمع بينهما وبين صحيحة حماد: عن الرجل أيتكلم بعد ما يقيم

(1) النهاية: 119، الوسيلة: 106.
(2) الفقيه 1: 260 / 1186، الوسائل 7: 106 أبواب الدعاء ب 40 ح 2.
(3) التهذيب 2: 55 / 189، الإستبصار 1: 301 / 116، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان والإقامة
ب 10 ح 7.
(4) الفقيه 1: 252 / 1138، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 1.
123

الصلاة؟ قال: " نعم " (1).
ومنها: أن يأتم المسافر للحاضر أو الحاضر للمسافر، على المعروف من
مذهب الأصحاب كما في المدارك (2). بل عن المعتبر والمنتهى بل جملة من كتب
الفاضل (3)، وصريح بعض المتأخرين: الاجماع عليه.
أما الجواز فللأصل، وظاهر الاجماع والعمومات.
وأما المستفيضة المبينة لكيفية صلاة المسافر المقتدي بالحاضر، كصحيحة
الحلبي: في المسافر يصلي خلف المقيم، قال: " يصلي ركعتين ويمضي حيث
شاء " (4). ونحوها صحيحة حماد (5).
وموثقة عمر بن يزيد: عن المسافر يصلي مع الإمام فيدرك من الصلاة
ركعتين أيجزي ذلك عنه؟ قال: " نعم " (6).
ورواية محمد بن علي: عن الرجل المسافر إذا دخل في الصلاة مع المقيمين،
قال: " فليصل صلاته ثم يسلم وليجعل الأخريين سبحة " (7).
وصحيحة محمد: " إذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين
ويسلم، فإن صلى معهم الظهر فليجعل الأوليين الظهر والأخريين العصر " (8) إلى

(1) التهذيب 2: 54 / 187، الإستبصار 1: 301 / 1114، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان
والإقامة ب 10 ح 9.
(2) المدارك 4: 364.
(3) المعتبر 2: 441، المنتهى 1: 373، التذكرة 1: 179، نهاية الإحكام 2: 151.
(4) الكافي 3: 439 الصلاة ب 86 ح 1، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 8 1 ح 2.
(5) التهذيب 3: 165 / 357 و 227 / 576، الإستبصار 1: 425 / 1641، الوسائل 8: 329
أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 2.
(6) الكافي 3: 439 الصلاة ب 86 ح 2، التهذيب 3: 165 / 359، الوسائل 8: 331 أبواب صلاة
الجماعة ب 18 ح 7.
(7) التهذيب 3: 165 / 356 و 227 / 575، الإستبصار 1: 425 / 1640، الوسائل 8: 330
أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 5.
(8) الفقيه 1: 287 / 1308، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.
124

غير ذلك.
فغير جيد، لأن هذه الروايات منساقة لبيان حكم آخر غير الجواز، وهو
كيفية اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس لو اتفق، ردا على جماعة من العامة
القائلين بأنه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام (1)، فليست صريحة الدلالة على
الجواز. نعم تصلح للتأييد في تجويز إمامة الحاضر للمسافر بل في تجويز عكسه
أيضا بضميمة عدم القول بالفرق.
إلا أنه يمكن أن يقال بمنع ظهور الروايات في السؤال عن كيفية الاقتداء
خاصة، بل الظاهر: السؤال عن مطلق ما يلزم المسافر المصلي خلف الحاضر
الشامل للأجزاء والكيفية، ومقتضى ترك الاستفصال عموم الحكم الذي ذكره
المستلزم للجواز والصحة، فيتم الاستدلال بالروايات أيضا.
وأما الكراهة فللشهرة الكافية في مقام التسامح، وصحيحة أبي بصير: " لا
يصلي المسافر مع المقيم، فإن صلى فلينصرف في الركعتين " (2).
وموثقة البقباق: " لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري، فإذا ابتلى
بشئ من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم
فقدمه فأمهم، فإذا صلى المسافر خلف قوم حضور " (3) إلى آخر ما في صحيحة
محمد.
والرضوي: " اعلم أن المقصر لا يجوز له أن يصلي خلف المتمم، ولا يصلي
المتمم خلف المقصر، فإن ابتليت بقوم لم تجد بدا من أن تصلي معهم فصل ركعتين
وسلم وامض لحاجتك " (4).

(1) المغني 2: 130.
(2) التهذيب 3: 165 / 358، الإستبصار 1: 426 / 1642، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة
الجماعة ب 18 ح 3.
(3) التهذيب 3: 164 / 355 و 226 / 574، الإستبصار 1: 426 / 1643، الوسائل 8: 330
أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 163، مستدرك الوسائل 6: 466 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.
125

خلافا في الأول للمحكي عن علي بن بابويه، فلم يجوز إمامة المتمم
للمقصر ولا عكسه (1)، ونسب إلى المقنعة موافقته له فيهما أيضا (2). وعن ولده فلم
يجوز الأصل في المقنع (2)، للروايات الثلاث الأخيرة التي هي أخص من العمومات
السالفة، بل من الروايات المذكورة، لاختصاص المنع فيها بحال عدم الضرورة
كما يدل عليه ذيل المؤثقة والرضوي.
ويرد: بعدم حجيتها، لشذوذها، ومعارضتها مع ظواهر الروايات المتقدمة
عليها. مضافا إلى تضمن الأولى للجملة الخبرية الغير الصريحة في الايجاب،
واحتمال الثانية لها أيضا المانع عن الاستدلال بها للوجوب، وضعف الثالثة
بنفسها.
ولظاهر المختلف والنافع وجماعة (4)، وصريح الديلمي (5) في الثاني،
فخصوا الكراهة باقتداء الحاضر بالمسافر، للأصل، وبعض الوجوه الاعتبارية،
المندفعين بالاجماعات المنقولة والشهرة المحققة والأخبار الثلاثة المصرحة. ولضعف
روايات المنع، المردود بعدم ضيره في مقام الكراهة، مع أن منها الصحيحة والموثقة
اللتين هما بنفسهما حجة سيما مع اعتضادهما بالشهرة.
فرع: ظاهر عبارات كثير من الأصحاب كراهة الايتمام المذكور مطلقا
مقصورة كانت الفريضة أم لا، لاطلاقات الروايات المتقدمة.
وعن السيد والحلي والمعتبر وجملة من كتب الفاضل والبيان (6)، بل هو

(1) نقله عنه في المختلف: 155.
(2) لم نجده في المقنعة، بل نقل في الحدائق 11: 154 عن المفيد كراهة: ايتمام الحاضر بالمسافر
وعكسه.
(3) لم نجده في المقنع، ولكن نقله عنه في المختلف 1: 155.
(4) المختلف: 155، والمختصر النافع: 48، وانظر المبسوط 1: 154، والوسيلة: 105، والمهذب
(5) المراسم: 86.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 1): 39، السرائر 1: 281، المعتبر 2: 442، نهاية
الإحكام 2: 151، التحرير 1: 53، والمنتهى 1: 373، البيان: 232.
126

المشهور - كما قيل (1) - اختصاص الكراهة بالفريضة المقصورة.
وهو الأقوى، للأصل، وعدم ظهور الروايات في الاطلاق لاختصاص
حكم أذيالها في المقصورة، فلا بد إما من ارتكاب التخصيص في الصدر أو في
موضوع الذيل وهو المستتر في قوله: " فإن صلى " في الأولى، وفي: " فإن ابتلى " في
الثانية، وفي: " إن ابتليت " في الثالثة. وليس الثاني أولى من الأول فلا يعلم
الاطلاق.
ومنه يظهر أنه تدخل في غير المقصورة: الرباعية التي يتمها في أحد المواطن
الأربعة كما صرح به في التذكرة (2).
ومنها: أن يكون الإمام متيمما إذا كان المأمومون متوضئين أو غاسلين، على
المشهور المنصور، لرواية عباد: " لا يصلي المتيمم بقوم متوضئين " (3).
والسكوني: " لا يؤم صاحب التيمم المتوضئين " (4).
وقصورهما عن إفادة الحرمة أوجب القول بالكراهة. مضافا إلى صحيحة
جميل (5)، وموثقة ابن بكير (6)، وحسنته (7)، ورواية أبي أسامة (8)، المجوزة لها أو

(1) البحار 85: 56.
(2) التذكرة 1: 179.
(3) التهذيب 3: 166 / 361، الإستبصار 1: 424 / 1634، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة
الجماعة ب 17 ح 6.
(4) التهذيب 3: 166 / 362، الإستبصار 1: 424 / 1135، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة
الجماعة ب 17 ح 5.
(5) التهذيب 3: 167 / 365، الإستبصار 1: 425 / 1638، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة
الجماعة ب 17 ح 1.
(6) التهذيب 3: 167 / 364، الإستبصار 1: 424 / 1639، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة
الجماعة ب 17 ح 2.
(7) التهذيب 3: 167 / 366، الإستبصار 1: 425 / 1639، الوسائل 8: 327 أبواب صلاة
الجماعة ب 17 ح 3.
(8) التهذيب 3: 167 / 363، الإستبصار 1: 424 / 1636، الوسائل 8: 328 أبواب صلاة
الجماعة ب 17 ح 4.
127

النافية للبأس عنها.
خلافا للمحكي عن ظاهر السيد فحرمها (1). وهو شاذ مردود بما مر.
ولبعض متأخري المتأخرين فنفى الكراهة (2)، لضعف الروايتين الأوليين
سندا، ونفي الكراهة في معارضاتها مع رجحانها عليهما بالأكثرية والأصحية
والمخالفة للعامة.
ويرد الأول: بأن المقام يتحمل المسامحة.
والثاني: بمنع نفي المعارضات الكراهة بل غايته إثبات الجواز، ونفي
البأس لير إلا نفي العذاب.
ومنها: أن يكون الإمام مملوكا، لرواية السكوني: " لا يؤم العبد إلا أهله " (3)
القاصرة عن إفادة الحرمة المعارضة مع ما صرح بالجواز كصحيحتي زرارة (4)،
ومحمد (5)، وموثقة سماعة (6)، والمروي في قرب الإسناد (7).
فالقول بها مطلقا كما عن) ابن حمزة (8)، أو إلا لأهله كما عن المقنع (9)، أو إلا
لمواليه كما عن المبسوط والنهاية (10)، ضعيف.

(1) الجمل والعلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 39.
(2) الحدائق 11: 227.
(3) التهذيب 3: 29 / 102، الإستبصار 1: 423 / 1631، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة
ب 16 ح 4.
(4) الكافي 3: 375 الصلاة ب 56 ح 4، الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 1.
(5) التهذيب 3: 29 / 99، 100، الإستبصار 1: 423 / 1628، 1629، الوسائل 8: 326
أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 2.
(6) التهذيب 3: 29 / 101، الإستبصار 1: 423 / 1630، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة
ب 16 ح 3.
(7) قرب الإسناد: 156 / 575، الوسائل 8: 326 أبواب صلاة الجماعة ب 16 ح 5.
(8) نقل عنه في الحدائق 11: 227.
(9) المنقع: 35.
(10) المبسوط 1: 155. النهاية: 112.
128

نعم مفهوم بعض الصحاح المذكورة ثبوت البأس إذا كان في المأمومين من
هو أفقه منه، ولكن لا قائل بالحرمة حينئذ، فيحمل على الكراهة.
ومقتضى الرواية المذكورة اختصاص الكراهة بالإمامة لغير أهله،
فالتخصيص بها أولى.
129

الفصل الرابع:
في سائر أحكام صلاة الجماعة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لو علم المأموم كفر الإمام أو فسقه أو حدثه أو كونه على غير
القبلة أو إخلاله بالنية بعد الصلاة لم يعدها مطلقا، على الأقوى الأشهر، بل وفاقا
لغير من شذ وندر، بل بالاجماع في الأول كما عن الخلاف (1).
وتدل على الجميع: أصالة براءة الذمة عن الإعادة، لحصول الأمثال
المقتضي للاجزاء.
وعلى الأول صريحا والثاني فحوى بل إجماعا مركبا: مرسلة ابن أبي عمير:
في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل، فلما صاروا إلى
الكوفة علموا أنه يهودي، قال: " لا يعيدون " (2).
والمروي في الفقيه عن كتاب القندي ونوادر ابن أبي عمير: في رجل صلى
بقوم من حين خرجوا من خراسان حتى قدموا مكة فإذا هو يهودي أو نصراني،
قال: " ليس عليهم إعادة " (3).
وعلى الثالث: صحيحة محمد: عن رجل أم قوما وهو على غير طهر
فأعلمهم بعد ما صلوا، قال: " يعيد هو ولا يعيدون " (4).
والأخرى: عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي

(1) الخلاف 1: 551.
(2) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 4. التهذيب 3: 40 / 141، الوسائل 8: 374 أبواب صلاة
الجماعة ب 37 ح 1.
(3) الفقيه 1: 263 / 1200، الوسائل 8: 374 أبواب صلاة الجماعة ب 37 ح 2.
(4) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 1، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 3.
130

صلاته، فقال: " يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه كان على غير طهر " (1).
ورواية ابن أبي يعفور: عن رجل أم قوما وهو على غير وضوء، قال: " ليس
عليهم إعادة، وعليه هو أن يعيد " (2).
وصحيحة زرارة: سألته عن قوم صلى بهم إمامهم وهو غير طاهر، أتجوز
صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال: " لا إعادة عليهم، تمت صلاتهم، وعليه هو
الإعادة، وليس عليه أن يعلمهم، هذا عنه موضوع " (3).
والحلبي: " من صلى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة، وليس
عليهم أن يعيدوا، وليس عليه أن يعلمهم ولو كان ذلك عليه لهلك " قال، قلت:
كيف يصنع بمن خرج إلى خراسان؟ وكيف يصنع بمن لا يعرف؟ قال: " هذا عنه
موضوع " (4).
وموثقة ابن بكير: عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا
نعلم، قال: " لا بأس " (5).
وعلى الرابع: صحيحة الحلبي: في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة،
قال: " يصيد ولا يعيدون فإنهم قد تحروا " (6).
وصحيحة الحلبي: عن رجل يصلي بالقوم ثم يعلم أنه صلى بهم إلى غير

(1) التهذيب 3: 39 / 137، الإستبصار 1: 432 / 1668، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة
ب 36 ح 4.
(2) التهذيب 3: 39 / 138، الإستبصار 1: 432 / 1669، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة
ب 36 ح 7.
(3) التهذيب 3: 39 / 139، الإستبصار 1: 432 / 1670، الوسائل 8: 372 أبواب صلاة الجماعة
ب 36 ح 5.
(4) الفقيه 1: 262 / 1197، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 1.
(5) التهذيب 3: 39 / 136 الإستبصار 1: 432 / 1667، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة
ب 36 ح 8.
(6) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، التهذيب 3: 269 / 771، الوسائل 8: 339 أبواب صلاة
الجماعة ب 21 ح 6.
131

القبلة، فقال: " ليس عليهم إعادة شئ " (1) وغير ذلك.
وعلى الخامس: صحيحة زرارة: رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا
ينويها صلاة، فأحدث إمامهم، فأخذ بيد ذلك الرجل فقدمه فصلى بهم، أتجزيهم
صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال: " لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم
- إلى أن قال -: قد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها " (2).
خلافا للمحكي عن السيد في المصباح في الأولين دون الثانيين (3)، بل
صرح فيه بعدم الإعادة في الثالث، فنسبة الخلاف فيه أيضا إليه سهو.
وعن الإسكافي في الأولين مطلقا وفي الثالث إن علم في الوقت (4).
لفوات الشرط الذي هو أهلية الإمام، وللنهي عن الصلاة خلف الكافر
والفاسق.
وهما ممنوعان، لأن الشرط هو الأهلية بحسب علم المأمومين أو ظنهم
لاستحالة التكليف بالواقع، ولأن النهي إنما هو عن الصلاة خلف من يعلم كفره
أو فسقه.
ولخبر العرزمي. " صلى علي عليه السلام بالناس علي غير طهر وكانت
الظهر، ثم دخل فخرج مناديه: أن أمير المؤمنين صلى على غير طهر فأعيدوا " (5).
والمروي في نوادر الراوندي: " من صلى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد
الناس " (6).

(1) التهذيب 3: 40 / 142، الوسائل 8: 375 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1.
(2) الكافي 3 " 382 الصلاة ب 61 ح 8، الفقيه 1: 262 / 1195، الوسائل 8: 376 أبواب صلاة
الجماعة ب 39 ح 1.
(3) حكاه عنه في المختلف: 156.
(4) حكاه عنه في المختلف: 156.
(5) التهذيب 3: 40 / 140، الإستبصار 1: 433 / 1671، الوسائل 8: 373 أبواب صلاة الجماعة
ب 36 ح 9.
(6) بحار الأنوار 85: 67 / 19، ولم نجده في النوادر المطبوع.
132

وخبر آخر مروي في الدعائم (1).
ويرد الأول: بكونه باطلا، لمنع عصمته عليه السلام عما نسب إليه.
والثانيان: بالضعف الخالي عن الجابر، مع موافقة الكل لمذهب أصحاب
الرأي (2)، فيجب حملها على التقية.
وللمحكي في الفقيه عن جماعة من مشايخه في الأول، فحكموا بالإعادة فيما
لم يجهر بهم من الصلاة وعدمها فيما جهر بهم (3). وظاهره الميل إليه بل فتواه به،
لخبر يدل عليه كما يظهر من الفقيه. ولكنا لم نعثر عليه.
وللمحكي عن الشيخ في الرابع، فحكم بوجوب إعادة المأمومين مع
الاستدبار مطلقا، وفي الوقت خاصة مع الكون إلى يمين القبلة أو شمالها (4).
وعن الحلي فيه، فحكم بوجوب الإعادة مطلقا في الوقت خاصة، ونسبه إلى
الشيح أيضا (5).
وعن الإسكافي فأوجب الإعادة عليهم في الوقت مطلقا، وفي خارجه إن لم
يتحروا وتحرى الإمام، وعليه خاصة إن لم يتحرو تحروا (6).
والظاهر أن مراد الجميع ما إذا تبع المأموم الإمام في الصلاة إلى غير القبلة
كما يدل عليه تفصيل الإسكافي أيضا، وعلى هذا فيخرج عن مفروض المسألة
ويدخل في مسألة من صلى إلى غير القبلة وقد سبق حكمه.
ولا ينافيه الصحيحان، إذ لا دلالة فيهما على كون صلاة المأمومين إلى غير
القبلة أيضا، فتبقى أدلة الإعادة عليهم - مطلقا أو في بعض الصور - خالية عن
المعارض.

(1) الدعائم 1: 152، مستدرك الوسائل 6: 485 أبواب صلاة الجماعة ب 32 ح 2.
(2) المغني 2: 55.
(3) الفقيه 1: 263: ذيل الحديث 1200.
(4) المبسوط 1: 158.
(5) السرائر 1: 289.
(6) نقله عنه في المختلف: 157.
133

نعم لو كان المراد مفروض المسألة، وهو ما إذا صلى المأمومون إلى القبلة دون
الإمام كما إذا صلوا في مكان مظلم أو مع حائل كما إذا كان المأمومون نسوة،
فالصحيحان يردان عليهم جميعا.
فروع:
أ: لو تبين الخلل في أثناء الصلاة ففي جواز الانفراد، أو لزوم الاستئناف
قولان. أقواهما الأول، للأصل المتقدم (1)، ولرواية زرارة: عن رجل صلى بقوم
ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء، قال: " يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على
الإمام ضمان " (2).
ب: صريح صحيحتي زرارة والحلبي عدم وجوب الاعلام بالحال على
الإمام بعد الصلاة.
ولو تذكر الحدث في الأثناء أو عرض له حدث أو خلل يجب عليه الاعلام
إجماعا ظاهرا، له، ولبعض الروايات، كمرسلة الفقيه: " ما كان من إمام تقدم في
الصلاة وهو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه، فليجعل ثوبه
على أنفه ولينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه " (3) الحديث.
ولا ينافيه التعبير بقوله: " لا ينبغي " في صحيحة زرارة الأخيرة، لصدقه على
المحرم أيضا.
ج: حكم سائر الخلل المبطل للصلاة حكم ما مر لو علمه المأموم في صلاة
الإمام عمدا منه أو سهوا، لفحوى ما مر، والاجماع المركب.
المسألة الثانية: قد عرفت إدراك المأموم الركعة بإدراك الإمام راكعا وفوتها
بعدم إدراكه كذلك.

(1) وهي أصالة البراءة عن وجوب الإعادة. راجع ص 130.
(2) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، الفقيه 1: 264 / 1207، التهذيب 3: 269 / 772
الإستبصار 1: 440 / 1695، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
(3) الفقيه 1: 261 / 1192.
134

وعلى هذا لو دخل المأموم موضعا تقام فيه الجماعة وقد ركع الإمام وخاف
بالالتحاق بالصف رفع الإمام رأسه عن الركوع فإنه يكبر في مكانه ويركع ويمشي
في ركوعه حتى يلتحق بالصف، ولو سجد الإمام قبل التحاقه جاز له السجود في
موضعه ثم الالتحاق بالصف إذا قام، بلا خلاف فيه يعرف كما قيل (1)، بل عن
الخلاف والمنتهى (2) الاجماع عليه.
لصحيحة محمد: عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة،
فقال: " يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم " (3).
والبصري: " إذا دخلت المسجد والإمام راكع فظننت أنك إن مشيت إليه
رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع، فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام
فالحق بالصف، وإن جلس فاجلس مكانك فإذا قام فالحق بالصف " (4).
وقد يستدل له بصحيحة معاوية. رأيت أبا عبد الله عليه السلام يوما وقد
دخل المسجد لصلاة العصر، فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده وسجد
سجدتين، ثم قام فمضى حتى لحق بالصف (5).
وفي دلالتها نظر، لاحتمال أن تكون صلاته بنية الانفراد، بل هي كذلك.
فلو دلت فإنما تدل على جواز المشي إلى القبلة في الصلاة في الجملة، وهي
مسألة أخرى غير ما نحن فيه، إذ الكلام هنا في جواز الاقتداء بالإمام قبل
الأصول إلى الحد المجوز شرعا، فإن هنا مسألتين: إحداهما: نقدم المصلي من

(1) الرياض 1: 240.
(2) الخلاف 1: 555، المنتهى 1: 382.
(3) الفقيه 1: 257 / 1166، التهذيب 3: 44 / 154، الإستبصار 1: 436 / 1681، الوسائل
8: 384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 1.
(4) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 5، الفقيه 1: 254 / 1148، التهذيب 3: 44 / 155
الإستبصار 1: 436 / 1682، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 3.
(5) الكافي 3: 384 الصلاة ب 62 ح 1، التهذيب 3: 272 / 785، 281 / 829 الوسائل
8: 384 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 2.
135

مكانه إما لسد خلل الصفوف أو ضيق المكان أو إتمام الصف أو غيره، والأخرى:
ما لو كان بين الداخل وبين أهل الصلاة أزيد مما يشترط في الاقتداء من المسافة.
والكلام هنا في الثانية، والصحيحة لا تدل عليها، لعدم كون الإمام عليه السلام
مقتديا.
ومنه: يظهر عدم صحة الاستدلال بصحيحة محمد: الرجل يتأخر وهو في
الصلاة؟ قال: " لا " قلت: فيتقدم؟ قال: " نعم ماشيا إلى القبلة " (1).
وكذا يظفر ما في كلام المنتهى في هذه المسألة حيث قال: ولو فعل ذلك من
غير ضرورة وخوف فوت فالظاهر الجواز خلافا لبعض العامة، لأن للمأموم أن يصلي
في الصف منفردا أو أن يتقدم بين يديه، وحينئذ يثبت المطلوب (1). انتهى.
فإن ما استدل به هو المسألة الأولى، وهي لا تثبت الثانية.
فالمناط هو الصحيحان. ومقتضى إطلاقهما جواز الاقتداء مع خوف
الفوات ولو كان بينه وبين أهل الصلاة مسافة كثيرة.
ولا معارض له أيضا، إذ - كما عرفت - دليل مانعية التباعد منحصر في
الاجماع (3) المنتفي في المقام، بل المشهور هنا خلافه، وإنما اشترط انتفاء ما لا يجوز
من التباعد الفاضل المقداد وبعض آخر (4). ولا وجه له.
مع أنه لو كان البعد بما لا يجوز له التباعد اختيارا مانعا شرعيا هنا لما كان
الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوز التباعد بما
لا يتخطى مع أنه لم ينقل الخلاف عنه هنا.
فروع:

(1) الكافي 3: 385 الصلاة ب 62 ح 2 (بتفاوت يسير)، التهذيب 3: 272 / 787، الوسائل
8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 5.
(2) المنتهى 1: 382.
(3) راجع ص 66.
(4) التنقيح 1: 277، الروض: 376.
136

أ: قيد شيخنا الشهيد الثاني المشي حالة الصلاة بغير حالة الذكر الواجب (1).
ولعل منشأه المحافظة على الطمأنينة في موضعها.
ولا يخفى أن ظاهر النصوص الاطلاق، وكأنه يخصه بأدلة وجوب
الطمأنينة.
وفيه: أن انتهاضها على وجوبها مطلقا حتى في المورد غير معلوم، مع أن
تقييد هذا الاطلاق بأدلتها ليس أولى من العكس. فالظاهر جوازه في جميع
الحالات.
ب: مقتضى صحيحة محمد الأولى المشي للالتحاق حال الركوع.
ومقتضى صحيحة البصري تأخير الالتحاق إلى حال قيام الإمام بعد
السجود.
وفي رواية إسحاق: أدخل المسجد وقد ركع الإمام فأركع بركوعه وأنا
وحدي وأسجد، فإذا رفعت رأسي فأي شئ أصنع؟ فقال: " قم فاذهب إليهم،
فإن كانوا قياما فقم معهم، وإن كانوا جلوسا فاجلس معهم " (2).
ومقتضاها تأخير الالتحاق إلى حال رفع اللاحق رأسه من السجود فيقوم
فيلتحق، وإن لم يقم القوم فيجلس معهم إن كانوا جلوسا.
ومقتضى الجمع التخيير بين الأنحاء الثلاثة.
ولو مشى راكعا ولم يلحق حتى تم الركوع فالظاهر جواز المشي بعد رفع
الرأس عنه قبل السجود ما لم يخف فوت السجود مع الإمام، لعدم المانع.
ولو قام للالتحاق بعد السجود حين جلوس القوم ولم يتم حتى خاف فوت
المتابعة في الجلوس جلس أينما بلغ ثم التحق بعد القيام. ولا يبعد جواز الالتحاق
ثم الجلوس بنفسه للتشهد ثم القيام وإن قام الإمام قبل جلوسه.

(1) الروض: 376.
(2) الفقيه 1: 257 / 1164، التهذيب 3: 281 / 830، الوسائل 8: 386 أبواب صلاة الجماعة
ب 46 ح 6.
137

ج: المغتفر في هذا المقام لادراكه الركعة هو التباعد. وأما سائر الشرائط
كعدم الحائل وعدم علو الإمام فلا دليل على اغتفاره، فلا يجوز الايتمام مع الحائل
أو العلو ثم المشي إلى مكان ارتفع فيه المانع بعد الركوع، لعموم أدلة مانعيتهما،
وعدم ما يصلح للتخصيص، فإن المتبادر من الأخبار ليس إلا اغتفار التباعد بل
الظاهر من دخول المسجد الوارد في الأخبار عدم مانع آخر، لتساوي سطح
المسجد الواحد، وعدم الحائل فيه غالبا في المساجد المتداولة في هذه الأعصار.
د: قد أشرنا هنا إلى مسألة أخرى هو: جواز المشي في الصلاة إلى القبلة أو
الخلف لالتحاق صف أو إتمامه أو ضيق مكان أو غير ذلك. وهو كذلك،
للأصل، وعدم المانع، حتى لو عد فعلا كثيرا، لعدم ثبوت مبطلية ذلك بإجماع
إلا إذا انمحت به صورة الصلاة.
وتدل عليه صحيحة محمد الأخيرة أيضا، وصحيحة علي: عن القيام خلف
الإمام ما حده؟ قال: " إقامة ما استطعت فإذا قعدت فضاق المكان فتقدم وتأخر
فلا بأس " (1).
وموثقة سماعة: " لا يضرك أن تتأخر وراءك إذ وجدت ضيقا في الصف
فتتأخر إلى الصف الذي خلفك، وإن كنت في صف فأردت أن تتقدم قدامك فلا
بأس أن تمشي إليه " (2) وغير ذلك.
ومقتضى غير الأولى جواز التأخر أيضا، فما في الأولى يتحمل الكراهة.
والأولى أن لا يكون ذلك حالة الذكر الواجب.
ه‍: لو كان الداخل قد دخل المسجد من قدام الإمام جاز له التكبير والمشي
قهقرى إن أمكن ما لم تنمح به صورة الصلاة، للاطلاق.
و: يستحب أن يجر الماشي في هاتين المسألتين رجليه على الأرض ولا يتخطى،

(1) التهذيب 3: 285 / 799، الوسائل 8: 422 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 1.
(2) التهذيب 3: 280 / 825، الوسائل 8: 422 أبواب صلاة الجماعة ب 70 ح 3.
138

لمرسلة الفقيه: وروي: " أنه يمشي في الصلاة يجر رجليه " (1).
المسألة الثالثة: لو كان أحد في نافلة فأحرم الإمام للصلاة قال جماعة (2):
إنه يقطع النافلة إن خاف الفوات، ويدخل الفريضة مع الإمام.
ولو كان في فريضة عدل بنيته إلى النافلة، فيتمها ركعتين ويقتدي.
أما الأول فاستدل له تارة بأن فيه تحصيلا لما هو أهم في نظر الشرع، فإن
الجماعة في نظره أهم من النافلة.
وأخرى بفحوى الأخبار الآتية الآمرة بالعدول من الفريضة إلى النافلة، إذ
هو في معنى إبطال الفريضة، فإذا جاز ذلك لدرك فضيلة الجماعة جاز إبطال
النافلة لدركها بطريق أولى.
وثالثة بصحيحة عمر بن يزيد (3) المتضمنة للسؤال عن الرواية التي يروون
أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة، ما حد هذا الوقت؟ قال. " إذا أخذ المقيم
في الإقامة ".
فإنها دلت على أنه إذا أخذ المقيم في الإقامة فلا ينبغي التطوع، وهو أعم
من أن يبتدئ به بعد أخذ المقيم في الإقامة أو يحصل الأخذ بعد دخوله في النافلة.
والكل منظور فيه: أما الأول فلمنع الأهمية بعد الدخول، حيث إن قطع
النافلة حرام - على ما مر - فالاتمام واجب، والواجب أهم من المستحب.
وأما الثاني فلمنع كونه إبطالا للعمل - كما صرح به في المختلف (4) والرضوي
الآتي في الحكم الثاني - بل هو تبديل، ولا نسلم أولوية قطع النافلة منه.
وأما الثالث فلمنع كونه تطوعا بعد الدخول، بل الاتمام واجب.
والصواب أن يستدل له بالرضوي: " وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت

(1) الفقيه 1: 254 / 1148، الوسائل 8: 385 أبواب صلاة الجماعة ب 46 ح 4.
(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 445، والعلامة في المنتهى 1: 383، وصاحب الحدائق 11: 257.
(3) المتقدمة في ص 122.
(4) المختلف: 159.
139

الصلاة فاقطعها وصل الفريضة مع الإمام " (1).
وضعفه غير ضائر، لانجباره بما صرح به بعض الأجلة من قوله في بيان
المسألة: من غير خلاف يظهر. بل بما ذكره أيضا من قوله: فالمستند لعله الاجماع،
بل بما ذكره بعض مشايخنا من نسبته إلى الأكثر. بل بما قاله من أن استحباب
القطع لعله متفق عليه بين الجماعة (2).
وأما الثاني فللاجماع كما عن التذكرة وغيرها (3)، والمعتبرة من النصوص،
كصحيحة سليمان بن خالد: عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة، فبينما هو
قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة، قال: " فليصل ركعتين ثم ليستأنف
الصلاة مع الإمام، ولتكن الركعتان تطوعا " (4).
وموثقة سماعة: عن رجل كان يصلي، فخرج الإمام وقد صلى الرجل ركعة
من صلاة الفريضة، فقال: " إن كان إماما عدلا فليصل أخرى وينصرف ويجعلهما
تطوعا وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو " (5) الحديث.
والرضوي: " وإن كنت في فريضتك وأقيمت الصلاة فلا تقطعها واجعلها
نافلة وسلم في الركعتين ثم صل مع الإمام " (6).
وعن المبسوط جواز قطع الفريضة من غير حاجة إلى العدول كالنافلة
أيضا (7)، وقواه الشهيد الأول في الذكرى والبيان، والثاني في الروضة (8)، إما مع

(1) فقه الرفا عليه السلام: 145، مستدرك الوسائل 6: 496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.
(2) الرياض 1: 241.
(3) التذكرة 1: 184، الذخيرة: 401 وفيه: وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.
(4) الكافي 3: 379، الصلاة ب 6 ح 3، التهذيب 3: 274 / 792، الوسائل 8: 404 أبواب صلاة
الجماعة ب 56 ح 1.
(5) الكافي 3: 380 الصلاة ب 60 ح 7، التهذيب 3: 51 / 177، الوسائل 8: 405 أبواب صلاة
الجماعة ب 56 ح 2.
(6) فقه الرضا عليه السلام: 145، مستدرك الوسائل 6: 496 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 1.
(7) المبسوط 1: 157.
(8) الذكرى: 277، البيان: 130، الروضة 1: 383.
140

خوف فوات الجماعة كبعضهم، أو مطلقا كآخر، لوجه اعتباري لا يقاوم أدلة حرمة
إبطال الصلاة، بل الرضوي الأخير المنجبر بالعمل.
فروع:
أ: جواز قطع النافلة هل هو مقيد بخوف فوات الجماعة، كما عن الأكثر؟
أولا، كما عن ظاهر الشيخ والحلي والقاضي (1)؟
وعلى الأول، فهل المعتبر خوف فوات الركعة أو الصلاة جملة؟
مقتضى قاعدة حرمة قطع النافلة إلا فيما ثبت الجواز الأول في الأول والثاني
في الثاني، إذ ليس على الجواز دليل تام سوى الرضوي المحتاج إلى الانجبار الغير
المعلوم في غير حال خوف فوت الصلاة وإن كان بنفسه موافقا للاطلاق.
ب: لا شك في أن الأمر بالقطع في الأول والنقل في الثاني ليس على
الوجوب، للاجماع.
وهل هو للجواز كما هو ظاهر تعبير بعضهم (2)، أو الاستحباب؟
كل محتمل، لأن الأمر في الروايات ليس باقيا على حقيقته وكل منهما مجازه،
وشيوع التجوز بالاستحباب يعارض كونه في مقام توهم الحظر. فتأمل.
ج: العدول من الفريضة هنا هل يباح مطلقا، أو مع خوف فوات الركعة،
أو فوت صلاة الجماعة كلية؟
مقتضى إطلاق الأخبار الأول ولكن الاحتياط في الثاني.
وهل يتوقف جواز العدول على دخول الإمام في الصلاة أو بالشروع في
الإقامة أو بإتمامها؟
الأحوط الأول، والأقرب الثالث، لاطلاق الأخبار سيما الموثقة.
د: لو دخل في ركوع الثالثة من الفريضة فأقيمت الجماعة لم يجز العدول،
لخروجه عن موضع النصوص، وأصالة عدم جواز العدول.

(1) النهاية: 118، السرائر 1: 289، المهذب 1: 83.
(2) النهاية: 118.
141

ولو أقيمت بعد قيامه للثالثة ففي جواز النقل هنا أيضا بأن يهدمها، أو قطع
الفريضة من أصلها، أولا ذاك ولا هذا بل يبقى مستمرا، أوجه.
استقرب الفاضل في التذكرة والنهاية (1) وبعض من تأخر منه (2) الأخير،
اقتصارا فيما خالف أصل حرمة قطع الصلاة وعدم جواز العدول على المتيقن من
مورد النص والفتوى.
ويمكن أن يقال بشمول الصحيحة لمثل هذه الصورة أيضا، فيكون جواز
العدول حينئذ أيضا أوجه.
ه‍: لو عدل إلى النافلة فهل يجوز قطعها لادراك الجماعة إما مطلقا أو مع
خوف فوات الركعة أو الصلاة.
الأقرب: لا، لعدم ثبوت الانجبار للرضوي - الذي هو مستند القطع
المحرم - في النافلة المعدول إليها أيضا، مع أن ظاهر الرضوي النافلة الابتدائية
حيث قال: " وإن كنت في نافلة وأقيمت الصلاة ".
و: لو علم فوات الجماعة أو الركعة مع العدول إلى النافلة أيضا، كأن يفتتح
بطئ القراءة فريضة الظهر قضاء في الصبح، فافتتح الإمام [الذلق] (3) اللسان
فريضة الفجر، فهل يقطع الصلاة مطلقا، أو بعد العدول إلى النافلة، أو يستمر
على صلاته؟
الظاهر: الأخير، ووجهه ظاهر مما مر.
ز: لو كانت الفريضة التي يصليها ثنائية فهل يجوز العدول عنها إلى النافلة
إذا شرع الإمام في الصلاة؟
الظاهر: لا، لخروجه عن مورد الأخبار. ولا يقطعها أيضا، للأصل
المتقدم. بل يستمر على صلاته.

(1) التذكرة 1: 184، نهاية الإحكام 2: 159.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 3: 331.
(3) في " ه‍ " و " ح ": اللزق، وفي " ق " و " س ": اللوق. والظاهر أنهما مصحفان عما أثبتناه.
142

المسألة الرابعة: إذا فات المأموم شئ من الركعات مع الإمام صلى ما يدركه
وجعله أول صلاته وأتم ما بقي منها، بإجماعنا كما عن المعتبر والمنتهى والتذكرة
وروض الجنان وغيرها (1).
خلافا للمحكي في المعتبر عن أبي حنيفة وأتباعه فقالوا: إن ما يدركه المأموم
يجعله آخر صلاته إذا كان مسبوقا. فعندهم يلزم فيما أدركه ما يلزم في الأخيرتين
من القراءة أو التسبيح أو السكوت، وما انفرد به يثبت فيه ما ثبت في الأوليين.
وقد استفاضت رواياتنا في الرد عليهم.
وعلى هذا فإن أدرك الثانية يجعلها أول صلاته لا يقرأ فيها لقراءة الإمام
ويقرأ في ثالثة الإمام التي هي له ثانية.
وإن أدرك الثالثة يقرأ فيها وفي رابعة الإمام التي هي لها ثانية.
وإن أدرك الرابعة قرأ فيها وفي ثانية التي انفرد بها.
ويدل على الأول الرضوي. " إذا فاتك مع الإمام الركعة الأولى التي فيها
القراءة فأنصت للإمام في الثانية التي أدركت، ثم اقرأ أنت في الثالثة للإمام وهي
لك ثنتان " (2).
والدعائمي: في صلاة العشاء الآخرة وقد سبقه بركعة وأدرك القراءة في
الثانية فقام [الإمام] في الثالثة: " قرأ المسبوق في نفسه كما كان يقرأ في الثانية واعتد
بها لنفسه أنها الثانية " (3).
وعلى الأول والثالث رواية البصري: " إذا سبقك الإمام بركعة فأدركت
القراءة الأخيرة قرأت في الثالثة من صلاته وهي ثنتان لك، فإن لم تدرك معه إلا

(1) المعتبر 2: 446، المنتهى 1: 383، التذكرة 1: 181، روض الجنان: 376 الرياض 1:
(2) فقه الرضا عليه السلام: 122، مستدرك الوسائل 6: 491 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 5.
(3) الدعائم 1: 191، مستدرك الوسائل 6: 489 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 1، وما بين
المعقوفين من المصدر.
143

ركعة واحدة قرأت فيها وفي التي تليها " (1). الحديث.
وعلى الثاني: صحيحة البجلي: عن الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من
الصلاة كيف يمنع بالقراءة؟ فقال: " اقرأ فيهما فإنهما لك الأوليان، ولا تجعل أول
صلاتك آخرها " (2).
وموثقة عمار بن موسى: عن الرجل يدرك الإمام وهو يصلي أربع ركعات
وقد صلى الإمام ركعتين، قال: " يفتتح الصلاة فيدخل معه ويقرأ معه في
الركعتين " (3).
والدعائمي: " إذا أدركت الإمام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه
أول صلاتك، فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب إن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن
تقرأ، واجعلها أول صلاتك " (4).
وعلى الأول والثاني: الرضوي: " فإن سبقك بركعة أو ركعتين فاقرأ في
الركعتين الأوليين من صلاتك الحمد وسورة، فإذا لم تلحق السورة أجزأك
الحمد " (5).
وعلى الثاني والثالث: صحيحة زرارة: " إذا أدرك الرجل بعض الصلاة
وفاته بعض، خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه، جعل ما أدرك أول صلاته، إن
أدرك من الظهر أو العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما
أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته
أم الكتاب " إلى أن قال: " وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام فإذا سلم الإمام

(1) الكافي 3: 381، الصلاة ب 61 ح 4، التهذيب 3: 271 / 780 الوسائل 8: 387 أبواب صلاة
الجماعة ب 47 ح 3.
(2) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 1، التهذيب 3: 46 / 159، الإستبصار 1: 437 / 1684،
الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.
(3) التهذيب 3: 247 / 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 2.
(4) الدعائم 1: 192، مستدرك الوسائل 6: 490 أبواب صلاة الجماعة ب 38 ح 4.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 144.
144

قام فقرأ بأم الكتاب وسورة، ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما
قراءة (1). ويظهر من هذه الصحيحة، بل من صحيحة البجلي والدائمي المتقدمين
ورواية أحمد بن النضر: " أي شئ يقول هؤلاء في الرجل الذي تفوقه مع الإمام
ركعتان؟ " قلت: يقولون: يقرأ فيهما بالحمد وسورة، فقال: " هذا يقلب صلاته،
يجعل أولها آخرها " فكيف يصنع؟ قال: " يقرأ فاتحه الكتاب في كل ركعة " (2).
أن مرادهم عليهم السلام من جعل ما أدراك مع الإمام أول الصلاة القراءة
فيه، ومعنى: " لا تجعل أول صلاتك آخرها " أنه لا تترك فيه القراءة. بل الظاهر
أنه لا معنى له غير ذلك، إذا بالقراءة تفترق الأوليين عن الأخيرتين فلا يحصل
التقلب إلا بتقليب القراءة.
وعلى هذا فتدل على المطلوب في الجميع: صحيحة الحلبي: " إذا فاتك
شئ مع الإمام فالجعل أول صلاتك ما استقبلت منها ولا تجعل أول صلاتك
آخرها " (3).
ورواية طلحة: " يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته " (4).
ثم إن هذه القراءة للمسبوق هل هي على الوجوب؟ كما اختاره جماعة من
مشايخنا (5)، وحكي أيضا عن أعيان القدماء كالشيخ في التهذيبين والنهاية والسيد

(1) الفقيه 1: 256 / 1162، التهذيب 3: 45 / 158، الإستبصار 1: 436 / 1683، الوسائل
8: 388 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.
(2) الكافي 3: 383 الصلاة ب 61 ح 10، الفقيه 1: 263 / 1202 (مرسلا)، التهذيب 3:
46 / 160 الإستبصار 1: 437 / 1686، الوسائل 8: 389 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 7.
(3) الفقيه 1: 263 / 1198، الوسائل 8: 386 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 7.
(4) التهذيب 3: 46 / 161، الإستبصار 1: 437 / 1685، الوسائل 8: 389 أبواب صلاة
الجماعة ب 47 ح 6.
(5) منهم صاحب الحدائق 11: 247، والبهبهاني في شرح المفاتيح (مخلوط)، وصاحب الرياض 1:
242.
145

والحلبي بل الصدوق والكليني (1). وإن قال شيخنا في الحدائق: ولم أقف على من
صرح بوجوب القراءة من المتقدمين إلا على كلام السيد والحلبي (2). وقال صاحب
المدارك: وكلام أكثر الأصحاب خال عن التعرض لذلك (3). وقال في المنتهى:
ونقل عن بعض فقهائنا الوجوب (4)، وهو مشعر بندرة القول به بل عدم كونه قولا
لواحد من مشاهيرهم حيث نسبه إلى النقل.
أو على الاستحباب؟ كما ذهب إليه الحلي، والفاضل في جملة من كتبه
كالمنتهى والتذكرة والمختلف، والمحقق الأردبيلي وصاحب المدارك (5).
الحق هو الأول، للأمر بالقراءة - الذي هو حقيقة في الوجوب - في صحيحة
البجلي، وبجعل ما أدراك مع الإمام أول الصلاة - ومعناه كما عرفت: القراءة - في
صحيحة الحلبي.
وهما كافيان في إثبات المطلوب، فلا يضركون غير هما إما ضعيف أو خاليا عن
الدال على الوجوب مع أنه أيضا يؤيد الوجوب جدا.
واختصاص الصحيحة الأولى بحكم الثاني - وهو ما إذا أدراك الركعتين
خاصة - غير ضائر، لعدم القول بالفصل قطعا. مع أن التعليل المذكور بقوله:
" فإنها لك الأوليان " يجر في الجميع، فيثبت به الحكم فيه، كما بالصحيحة
الأخرى أيضا وعموم ما دل وجوب القراءة.

(1) التهذيب 3: 46، الإستبصار 1: 437، النهاية: 115، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل
المرتضى 3): 41، الحلبي في الكافي في الفقه: 145، الصدوق في الفقيه 1: 263، ولم نعثر على
قول والده كما نسبه في الرياض 1: 242 إلى الصدوق فقط، الكليني في الكافي 3: 381.
(2) الحدائق 11: 242.
(3) المدارك 4: 383.
(4) المنتهى 1: 384.
(5) الحلي في السرائر 1: 286، المنتهى 1: 384، التذكرة 1: 182، المختلف: 159،
المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3: 327، المدارك 4: 383.
146

وقد يستدل أيضا بقوله: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (1).
وفيه نظر، إذ لا يتعين أن يكون ذلك في الأوليين. مع أن فاتحة الإمام ولو
في أولييه كافية في صدق الكلام.
احتج من قال بالاستحباب: بالأصل، وعموم ما دل على سقوط القراءة
خلف الإمام المرضي، المخصص به عموم موجبات القراءة والمعارض به الأوامر
المذكورة، فيدور الأمر بين تخصيص عمومات السقوط أو حمل تلك الأوامر على
الندب ولا أولوية، فيبقى الأصل خاليا عن المعارض.
مع أن قرينة الندبية لها موجودة، وهي انضمامها بما هو للندب قطعا
كالتجافي وغيره، وبالأمر بالقراءة في النفس التي هي غير القراءة الحقيقة المختلفة
في وجوبها، بل هي غير واجبة إجماعا.
ويرد الأصل بما مر.
والعموم - لو سلم - بوجود المخصص، وهو ما ذكر، فإنه أخص مطلقا من
هذه العمومات فيجب التخصيص به. وهو مثل تلك الصورة أولى من التجوز
بحمل الأمر على الندب إجماعا، كما بين في الأصول. ولولاه لا نسد باب
التخصيص بالخاص المطلق، إذ ما من خاص إلا ويحتمل ارتكاب تجوز البتة.
وأما القرينتان المذكورتان فغير صالحتين لما راموه:
أما الأولى فلأن خروج بعض الأوامر مخرج الاستحباب بقرينة لا يقتضي
انسحابه فيما لا قرينة له، وإنما هو مسلم إذا كان الأمر الواحد واردا على أمور
متعددة بعضها كان غير واجب قطعا، وهاهنا ليس كذلك بل الأمر متعدد. مع
أنه معارض بتضمن بعض الأخبار لما هو للوجوب قطعا.
هذا كله، مع أن في صحيحة البجلي التي هي العمدة وقع الأمر بالقراءة
فيها في سؤال منفصل على حدة غير السؤال المشتمل على الأمر بالتجافي، وظاهر
أن اشتمال الرواية على أسئلة متعددة عن أحكام متباينة شائع ذائع. مع أن في

(1) العوالي 1: 169 / 2، مستدرك الوسائل 47: 158 أبواب القراءة ب 1 ح 5.
147

استحباب التجافي خلافا أيضا.
وأما الثانية فلأن معنى القراءة في النفس لا يتعين أن يكون هو القراءة
القلبية، إذ يمكن أن يكون المراد منها الاخفاء بها كما شاع التعبير به عنها في
الأخبار، ومنها: ما ورد في الصلاة خلف المخالف مع الاتفاق على وجوب القراءة
الحقيقية فيها.
مع أن القراءة في النفس بالمعنى الذي فهموه ليست قراءة حقيقة، وليس
حملها على هذا المعنى وإخراج القراءة عن حقيقتها بأولى من حملها على الاخفاء.
ولو سلم فيكون مقتضاها وجوب القراءة النفسية أو استحبابها، وهذا مما لم
يقل به أحد، وكيف يصير ذلك قرينة على استحباب القراءة اللفظية؟! ولو سلم
استحباب ذلك أو وجوبه فأي منافاة بينه وبين وجوب القراءة اللفظية حتى يصير
قرينة على استحبابها في سائر الأخبار؟!
ثم الواجب هل هو قراءة الحمد خاصة - كما يقتضيه استدلال بعضهم
بحديث: " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " - أو مع السورة؟
الظاهر: الثاني وإن كانت القراءة في صحيحة البجلي مطلقة، لأن التعليل
المذكور فيها يدل على أن المراد منها الحمد والسورة، وكذلك الأمر بجعل الركعتين
أول الصلاة.
إلا أن يقال بعدم ثبوت وجوب السورة في مطلق الأوليين حتى في مثل
المسألة، لما عرفت في بحث السورة من انحصار دليل وجوبها برواية مختصة بصلاة
المنفرد الموجبة لانضمام الإمام أيضا بالاجماع المركب الغير المعلوم تحققه في المقام.
وعلى هذا فعدم الوجوب أظهر بل تكون مستحبة.
ولا ينافيه مفهوم قوله: " أجزأته أم الكتاب " في الصحيحة، لجواز كون المراد
الاجزاء من الأمر الندبي.
فروع:
أ. لو ضاق الوقت عن قراءة الحمد والسورة بأن لو قرأهما لم يدرك الإمام في
148

الركوع اكتفى بالحمد خاصة، كما صرح به في صحيحة زرارة. ولكن ذلك على
الجواز أو الاستحباب دون الوجوب، لما عرفت سابقا من عدم ثبوت وجوب المتابعة
بعدم التأخر (1).
ومقتضى الأصل والصحيحة أنه لو علم عدم إدراك تمام السورة أجزأته
الفاتحة، ولو أدرك بعض السورة فليس عليه قراءته.
إلا أن مؤثقة الساباطي: عن الرجل يدرك الإمام وهو يصلي أربع ركعات
وقد صلى الإمام ركعتين، قال: " يفتتح الصلاة ويدخل معه ويقرأ خلفه في
الركعتين، يقرأ في الأولى الحمد وما أدرك من سورة الجمعة ويركع مع الإمام، وفي
الثانية الحمد وما أدرك من سورة المنافقين ويركع مع الإمام " (2).
تدل على استحباب قراءة البعض أيضا. وهو كذلك، لذلك.
ولا تنافيه الصحيحة؟ لأن الاجزاء لا يفيد أزيد من الرخصة. نعم لو أريد
الوجوب لحصلت المنافاة، ولكن لا دليل عليه، ولا تثبته الموثقة أيضا، لمكان
الجملة الخبرية، مضافا إلى أن متعلقها قراءة بعض سورة الجمعة والمنافقين، وهو
غير واجب البتة.
ولو ضاق عن قراءة الحمد أيضا فهل يقرأ وإن فاته إدراك الركوع فيقرأ
ويلحقه في السجود، أو يترك الفاتحة ويدرك الركوع؟
الحق: الأول، لوجوب القراءة بما مر، وعدم دليل على السقوط أصلا سوى
ما يأتي ضعفه.
وقيل بالثاني (3)، لوجوب المتابعة وانفساخ القدوة بالاخلال بها في ركن.
ولصحيحة ابن وهب: عن الرجل يدرك آخر صلاة الإمام وهي أول صلاة

(1) راجع ص 107.
(2) التهذيب 3: 247 / 675، الوسائل 7: 350 أبواب صلاة الجماعة ب 29 ح 2.
(3) الرياض 1: 242.
149

الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته؟ قال: " نعم " (1) فإن
المراد بعدم الامهال عدم درك الركوع.
ومفهوم الشرط في الدعائمي الثاني (2).
ويرد الأول: بعدم ثبوت وجوب هذه المتابعة، كما مر في مسألتها.
والثاني: بعدم دلالته على وجوب ترك الحمد والالتحاق أولا، وعدم تعين
ما لا يدركه المأموم بإتمام الحمد ثانيا، فلعله الركوع أو هو مع السجدتين أو هما
مع بقية الصلاة، فلا يثبت شيئا نافعا، وعدم دلالتها على المطلوب إلا بالتقرير
على الاعتقاد ثالثا، وفي حجيتها كلام سيما مع كون أكثر صلوات أصحابهم عليهم
السلام مع المخالفين وقد صرحت الأخبار بأنهم يجعلون أول صلاتهم آخرها فلا
يقرؤون فيها، فكان في تقريرهم على ذلك الاعتقاد حقنا لدمائهم وحفظا
لتقيتهم، بل في الجواب إشعار بذلك حيث قرره فيه على القضاء في الآخر الذي
من مذهب العامة وليس في مذهبنا.
والثالث: بعدم حجية رواية الدعائم، سيما مع عدم ثبوت جابر لها أصلا.
ب: لا خفاء في أنه لو كانت الصلاة إخفاتية يخفت المأموم القراءة في ذلك
المورد. ولو كانت جهرية ففي وجوب الاخفات كما عن صريح السيد (3)، أو
استحبابه كما هو ظاهر بعضهم (4) قولان.
أظهر هما: الثاني.
أما عدم وجوب الجهر فللأصل الخالي عن المعارض، لاختصاص أدلة
وجوب الجهر بغير ذلك المورد كما مر في بحثه، وعدم ثبوت الاجماع المركب بل

(1) التهذيب 3: 47 / 162، 274 / 797، الإستبصار 1: 438 / 1687، الوسائل 8: 388
أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 5.
(2) تقدم في ص 144.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 41.
(4) الرياض 1: 242.
150

وجود القول بعدم وجوبه، بل الظاهر: الاجماع على عدم الوجوب، لعدم نقل
قول بوجوبه هناك أصلا.
وأما عدم وجوب الاخفات فللأصل أيضا مع عدم دليل على الوجوب.
وأما استحبابه فلصحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على الجملة الخبرية (1)،
ومراعاة ما يستحب اتفاقا من عدم إسماع المأموم الإمام شيئا.
ج: صرح في الحدائق وبعض آخر من مشايخنا بأن وجوب القراءة على
المسبوق إذا أدرك الأخيرتين إنما هو إذا أدرك الإمام قبل دخوله في الركوع كما ذكره
الأول (2)، أو قبل تكبيره للركوع كما قاله الثاني (3). وأما إذا أدركه بعد ذلك فتتم له
الركعة ولا قراءة عليه ويكتفي بالقراءة في الركعة اللاحقة لها. وهو كذلك.
والوجه فيه: أن وجوب القراءة إنما هو إذا أدرك الركعة، وإدراك الركعة إذا
كان الإمام في الركوع موقوف على اللحوق معه في الركوع، كما صرحت به الأخبار
الصحاح المستفيضة، المتقدمة في مسألة إدراك الركعة من صلاة الجمعة، والقراءة
حينئذ غير ممكنة، فالأمر بالقراءة مقيد بغير هذه الحالة.
فقوله في صحيحة البجلي التي هي الأصل في وجوب القراءة: عن الذي
يدرك الركعتين الأخيرتين كيف يصنع بالقراءة؟ قال: " اقرأ فيهما " (4) لا يمكن أن
يكون المراد به الذي يدركهما ولو مع كون الإمام في الركوع، إذ لا يتحقق الادراك
حينئذ إلا بإدراك الركوع ولا تتيسر القراءة حينئذ غالبا سيما بملاحظة الأخبار التي
وردت في مقدار تطويل الإمام الركوع للمسبوقين (5).
فالمراد منه: الذي يدركهما وتتيسر له القراءة فيهما قبل ركوع الإمام أو بعد
إتمامه أيضا. فلو أدركت يسيرا قبل الركوع يأتم ويقرأ وإن لحق بعد إتمام الإمام

(1) راجع ص 144.
(2) الحدائق 11: 248.
(3) الرياض 1: 242.
(4) تقدمت في ص 144.
(5) الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 50.
151

الركوع، إذ وجوب إدراكه في الركوع إنما هو إذا افتتح المأموم الصلاة حال ركوع
الإمام. ولو أدركه في الركوع يأتم ويركع. وكذا الحال في سائر أخبار القراءة.
وبتقرير آخر: لو أدرك المأموم الإمام في ركوع إحدى الركعتين الأخيرتين أو
في تكبيره فلا يخلو إما يمكنه شرعا إدراك الركعة، أو لا. والثاني باطل بالاجماع
والأخبار المستفيضة، فبقي الأول. وعليه فإما يدركها مع وجوب القراءة عليه بأن
لا يلحق في الركوع، أو مع عدم وجوبها. والأول باطل، لصريح الأخبار سيما ما
دل على أنه تجزيه تكبيرة واحدة للتحريمة وتكبيرة الركوع كرواية ابن شريح (1).
فتعين الثاني وهو المطلوب. ولا يمكن القول بعدم إدراك الركعة إذا أدرك الإمام
في الركوع أو تكبيره، لمخالفته الاجماع بل المستفيضة من الصحاح.
فإن قلت: مدلول أخبار إدراك الركعة بإدراك الركوع أن كل من افتتح
الصلاة حال ركوع الإمام وركع معه أدرك الركعة مع أنه لا تتيسر له القراءة، سواء
كان الإمام في الركعتين الأوليين أو الأخريين، ولازمها بل صريحها عدم وجوب
القراءة. ومدلول أخبار القراءة أن كل مدرك للركعتين الأخيرتين تجب عليه القراءة
سواء أدركه في الركوع أو غيره، ولكن في الأول لا يمكنه القراءة فيلزمه عدم كونه
مدركا للركعة إذا كان ذلك في الركعتين الأخيرتين، فيتعارضان، فما وجه الترجيح؟
قلنا: لا شك أن وجوب القراءة مقيد بالامكان قطعا فلا يشمل ما إذا أدرك
الإمام في الركوع إذ لا إمكان حينئذ فلا تعارض. مع أنه على التعارض تترجح
أخبار إدراك الركعة بالاجماع على إدراكها لو أدرك الإمام في الركوع أو تكبيره وركع
معه.
د: لو لحق المسبوق في الركعة الثانية يستحب له أن يقنت مع الإمام إذا
قنت، كما صرح به جماعة من الأصحاب (2)، ونص عليه موثقة عبد الرحمن بن أبي

(1) الفقيه 1: 265 / 1214، التهذيب 3: 45 / 157، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة
ب 49 ح 6.
(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3: 328، وصاحب الذخيرة: 401، وصاحب
الحدائق 11: 249، وصاحب الرياض 1: 242.
152

عبد الله (1).
ه‍: يجب على المسبوق الجلوس إذا جلس الإمام للتشهد، لوجوب المتابعة
في الأفعال التي منها الجلوس والقيام. وتجويز القيام بعد رفع الرأس من السجدة
قبل التشهد على القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال - كما في الذخيرة (2) لا وجه
له، لأنه من باب المتابعة في الأفعال. نعم، لا يبعد التأمل في الوجوب من جهة
عدم انتهاض أدلة وجوب المتابعة لاثبات ذلك أيضا.
ويستحب أن يكون حين الجلوس متجافيا مقعيا، وفاقا للأكثر، لقوله في
صحيحة البجلي الواردة في المسبوق بركعة: كيف يصنع إذا جلس الإمام؟ قال:
" يتجافى ولا يتمكن من القعود " (3).
وفي صحيحة الحلبي: " ومن أجلسه الإمام في موضع يجب أن يقوم فيه تجافى
وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا " (4).
وعن الصدوق وجوبه للروايتين (5). وهما قاصرتان عن إفادته، لخلو هما عن
الأمر.
و: وتستحب له المتابعة في التشهد وإن لم يكن موضعه للمأموم، لموثقة ابني
المختار والحصين: عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الإمام وأدرك الثنتين فهي
الأولى له والثانية للقوم يشهد فيها؟ قال: " نعم " قلت: والثانية أيضا؟ قال:
" نعم " قلت: كلهن؟ قال: " نعم، فإنما هو بركة " (6).

(1) التهذيب 2: 315 / 1287، الوسائل 6: 287 أبواب القنوت ب 17 ح 1.
(2) الذخيرة 1: 401.
(3) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 1، التهذيب 3: 46 / 159، الإستبصار 1: 437 / 1684،
الوسائل 8: 387 أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 2.
(4) لفقيه 1: 263 بعد حديث 1198، الوسائل 8: 418 أبواب صلاة الجماعة ب 67 ح 2.
(5) الفقيه 1: 263.
(6) التهذيب 3: 56 / 196، 3: 281 / 832، المحاسن: 326 / 72، الوسائل 8: 416 أبواب
صلاة الجماعة ب 66 ح 1.
153

ورواية إسحاق بن يزيد: يسبقني الإمام بركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان،
أفأتشهد كلما قعدت؟ قال: " نعم فإنما التشهد بركة " (1).
خلافا للمحكي عن جماعة، فمنعوا عن قول التشهد وأثبت بعضهم بدله
التسبيح (2).
ولا وجه له بعد دلالة الروايتين عليه سوى ضعفهما الغير الضائر عندنا.
ز: يجوز له الجلوس حال تسليم الإمام، بل الظاهر استحبابه، لقوله في
صحيحة زرارة الواردة في المسبوق (3): " فإذا سلم الإمام قام فقرأ بأم الكتاب ".
ولا يجب البتة، لخروج السلام عن الصلاة بل يجوز له القيام قبله.
ولو جلس لم يسلم هو، لما ورد من أنه به تنقطع الصلاة (4).
ح: إذا جاء محل تشهد المأموم فليلبث قليلا إذا قام الإمام بقدر التشهد
المجزي، ثم يلحقه إجماعا، له ولصحيحة البجلي (5).
المسألة الخامسة: قد عرفت في بحث صلاة الجمعة إدراك المأموم الركعة
بإدراكه الإمام قبل رفع رأسه من الركوع. ولو أدركه بعد ذلك فلا خلاف في عدم
إدراكه الركعة، والأخبار المتقدمة في البحث المذكور تدل عليه، إلا أنه تستحب
له المتابعة.
والتفضيل: أنه إما يكون قبل السجدة، أو بعدها.

(1) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 3، التهذيب 3: 270 / 779، الوسائل 8: 417 أبواب صلاة
الجماعة ب 66 ح 2.
(2) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 145، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية) 560، وابن حمزة
على ما نقله عنه في الذكرى: 278.
(3) المتقدمة في ص 144.
(4) التهذيب 2: 93 / 349، الإستبصار 1: 347 / 1307، الوسائل 6: 421 أبواب التسليم
ب 2 ح 8.
(5) المقدمة في ص 144.
154

فعلى الأول يستحب له التكبير والدخول مع الإمام في السجدتين بغير
ركوع إن لم يركع، وإن ركع بظن الادراك فلم يدرك هوى إلى السجود، بلا خلاف
فيه على الظاهر كما صرح به جمع (1).
أما التكبير فلفتوى الجماعة التي هي كافية في مقام المسامحة.
وقيل: لا يكبر كما نقله بعض الأجلة، لأنه لا اعتداد بهذا السجود. وهو
لنفي استحبابه غير صالح.
وأما السجود معه فلها، ولرواية المعلى: " إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته
وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها " (2).
ورواية ربعي والفضيل: " ومن أدرك الإمام وقد رفع من الركوع فليسجد
معه ولا يعتد بذلك السجود " (3).
وضعفهما - لو كان - غير ضائر، لوجوه عديدة.
وقد يستدل أيضا بفحوى صحيحة محمد. متى يكون يدرك الصلاة مع
الإمام؟ قال: " إذا أدرك الإمام وهو في السجدة الأخيرة من صلاة فهو مدرك
لفضل الصلاة مع الإمام " (4).
فإنه إذا أدرك الفضل مع درك الإمام في السجدة الأخيرة ففي ما قبلها
بالطريق الأولى.
وفيه: أنه يمكن أن يكون المعنى أنه إذا بادر أحد إلى صلاة الجماعة ولم
يبلغها فله فضل الجماعة إن أدرك الإمام في السجدة الأخيرة ولو لم يدخل معه،
وفحواه إدراك الفضيلة بدركه قبل ذلك أيضا لا أنه يستحب الدخول معه. مع أنه

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3: 334، وصاحبا الحدائق 11: 251،
والرياض 1: 242.
(2) التهذيب 3: 48 / 166، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 2.
(3) التهذيب 3: 48 / 165، وفيه: " وقد رفع رأسه... "، الوسائل 8: 390 أبواب صلاة الجماعة
ب 48 ذ ج 1.
(4) التهذيب 3: 57 / 197، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 1.
155

على فرض إرادة الدخول فالأولوية ممنوعة، إذ يمكن تجوز التكبير والنية في
السجدة الأخيرة من غير استئناف الصلاة دون ما قبلها كما جوزه بعضهم (1) لعدم
زيادة الركن حينئذ.
خلافا للمحكي عن المختلف (2)، فتوقف في استحباب الدخول معه،
لصحيحتي محمد:
الأولى: " إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة " (3).
والأخرى: " إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل في تلك
الركعة " (4).
وأجيب عنهما بالحمل على الكراهة (5)، ولعل المراد منها المرجوحية
الإضافية، وإلا فهي للاستحباب منافية.
والأولى أن يجاب بأن المنهي عنه فيهما الدخول في تلك الركعة، وعدم
جوازه مسلم، وهو غير مجرد المتابعة، وتفصح عنه صحيحة ثالثة لمحمد: " لا تعتد
بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام " (6).
ثم بعد فراغ الإمام من هذه الركعة يستأنف الصلاة بنية وتكبيرة مستأنفة،
مقتديا بالإمام إن شاء إن لم يكن ركعته الأخيرة، ومنفردا إن كانت الأخيرة. فلا
يكون ما فعل جزءا من الصلاة وفاقا للأكثر.
لعدم ثبوت التعبد للصلاة بمثل ذلك، مع وجود المانع وهو حصول الزيادة
عمدا في الصلاة وهي لها مبطلة.

(1) الذخيرة: 401.
(2) المختلف: 158.
(3) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 2، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة ب 44 ح 4.
(4) التهذيب 3: 43 / 149، الإستبصار 1: 434 / 1676، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة
ب 44 ح 2.
(5) المدارك 4: 385.
(6) التهذيب 3: 43 / 150، الإستبصار 1: 435 / 1677، الوسائل 8: 381 أبواب صلاة الجماعة
ب 44 ح 3.
156

خلافا للمحكي عن الشيخ والحلي (1) - وإن ذكر في الذكرى أن كلام الشيخ
ليس بصريح في عدم الاستئناف (2) - فينوي في الأول للصلاة ولا يستأنف الصلاة
قيل: لاغتفار الزيادة في المتابعة (3).
وهو كان حسنا لو كان هناك دليل على كون ما فعل من الصلاة، ولم يوجد
شئ سوى الخبرين، وهما لا يدلان إلا على مطلوبية السجود مع الإمام، وهي لا
تلازم كونه من الصلاة حتى يستلزم اغتفار الزيادة.
قيل: السكوت عن الأمر بالاستئناف دليل على عدم لزومه، لورود النص
مورد الحاجة (4).
قلنا: ممنوع، وأي حاجة في الأمر بالاستئناف إذا أمر بشئ مستحب قبل
الصلاة؟
مع احتمال عدم السكوت بعد الاتيان بقوله: " ولا تعتد بها " في الرواية
الأولى، لاحتمال رجوع الضمير فيها إلى الصلاة، بل استدل به على الاستئناف.
ولكنه ضعيف، لاحتمال رجوعه إلى الركعة أيضا، فلا ينافي عدم
الاستئناف. مع أن هذا الاحتمال أولى، لكون المرجع - عليه - مذكورا قبل
الضمير صريحا، بخلاف الأول لعدم سبق ذكر له قبله إلا ضمنا.
قيل: قوله: أدركته وأدرك في الروايتين يدلان على أنه يدخل في الصلاة
فينوي ويكبر تكبيرة للاحرام، لأن الادراك كناية عنه، وبعد الدخول فيها يحتاج
الخروج إلى الدليل، بل لو احتاج إلى استئناف لوجب بيانه حينئذ (5).
قلنا: لا نسلم أن ذلك معنى الادراك، ألا ترى قوله في آخر رواية ابن

(1) الشيخ في المبسوط 1: 159، الحلي في السرائر 1: 285.
(2) الذكرى: 275.
(3) الرياض 1: 242.
(4) الرياض 1: 243.
(5) الحدائق 11: 253.
157

شريح: " ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة " (1) وفي موثقة الساباطي:
الرجل أدرك الإمام حين سلم، قال: " عليه أن يؤذن ويقيم ويفتتح الصلاة " (2).
فإنه لا أذان ولا إقامة ولا افتتاح بعد الدرك بالمعنى الذي ذكره.
وعلى الثاني - وهو أن يدركه بعد دخول السجود - فإما يدركه قبل رفع الرأس
من السجدة الأخيرة، أو بعده.
فعلى الأول فالمشهور - كما قيل (3) - أن حكمه حكم السابق، لعموم
الروايتين، وخصوص رواية ابن شريح وفيها: " ومن أدرك الإمام وهو ساجد سجد
معه ولم يعتد بها ".
والمروي في الوسائل عن مجالس الشيخ: " إذا جئتم إلى الصلاة ونحن
سجود فاسجدوا ولا تعتدوها شيئا " (4).
ولعدم تعقل الفرق بين ما إذا أدركه قبل السجود وبعده.
وعن شيخنا الشهيد الثاني التخيير حينئذ بين ما ذكر وبين التوقف في
مكانه (5)، ومال إليه بعض مشايخنا الأخباريين (6). ولا بأس به.
للجمع بين ما ذكر وبين رواية البصري: " وإذا وجدت الإمام ساجدا
فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه، وإن كان قاعدا قعدت وإن كان قائما قمت " (7).
ولا دلالة للخبر على وجوب الاثبات، لعدم صراحة قوله: " فاثبت " في

(1) الفقيه 1: 265 / 1214، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 6.
(2) الفقيه 1: 258 / 1170، التهذيب 3: 282 / 836، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان ب 25
ح 5.
(3) الذخيرة: 401.
(4) مجالس الطوسي: 398، الوسائل 8: 394 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 7.
(5) روض الجنان: 378.
(6) الحدائق 11: 254.
(7) الكافي 3: 381 الصلاة ب 61 ح 4، التهذيب 3: 271 / 780، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة
الجماعة ب 49 ح 5.
158

الأمر، لجواز كونه ماضيا كما يلائمه قوله: قعدت وقمت، ولو سلم فيجب الحمل
على الاستحباب، لعدم وجوب أصل الاقتداء والمتابعة.
وترجيح الأول بالشهرة بل الاجماع وصحة المستند ضعيف، لمنع الاجماع
بل الشهرة - لعدم تعرض الأكثر لخصوص السجدة، ولو سلمت فلا تصلح
للترجيح - وتكافؤ السندين كما عرفت.
وعلى الثاني - وهو أن يدركه بعد السجدة الأخيرة - فالمشهور كما قيل (1): أنه
يكبر ويجلس معه جلسة الاستراحة أو جلسة التشهد الأول أو الأخير.
وتدل عليه المتطوعة: " إذا أتيت الإمام وهو جالس قد صلى ركعتين فكبر
ثم اجلس، فإذا قمت فكبر " (2).
ورواية البصري المتقدمة.
وموثقة الساباطي: في الرجل يدرك الإمام وهو قاعد للتشهد ليس خلفه إلا
رجل واحد عن يمينه قال: " لا يتقدم الإمام ولا يتأخر الرجل، ولكن يقعد الذي
يدخل معه خلف الإمام، فإذا سلم الإمام قام الرجل فأتم صلاته " (3).
ولكن لا دلالة للأخيرين على التكبير إلا أن يستنبط من قوله في الأخيرة
" يدخل معه " وقوله: " فأتم الصلاة " إلا أن في صلاحيته للاستناد نظرا.
ورواية ابن شريح، وفيها: " ومن أدرك وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة
وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة " (4).
ولكن في دلالتها على التكبير والجلوس نظر. واستنباطهما من إدراك الإمام
فيه ما مر، ومن إدراك الجماعة غير [جائز] (5) إذ لا مانع من درك فضيلة الجماعة

(1) الرياض 1: 243.
(2) الفقيه 1: 260 / 1184.
(3) الكافي 3: 386 الصلاة ب 62 ح 7، التهذيب 3: 272 / 788، الوسائل 8: 392 أبواب صلاة
الجماعة ب 49 ح 3.
(4) راجع ص 158.
(5) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: جماعة، ولم نفهم المراد منها.
159

بالمسارعة إليها واتفاق عدم الوصول إلا بعد السجدة وإن لم يتابع الإمام.
ومنه يظهر عدم دلالة صحيحة محمد المتقدمة (1).
ومع ذلك تعارض هذه الأخبار على فرض الدلالة موثقة الساباطي: عن
رجل أدرك الإمام وهو جالس بعد الركعتين، قال: " يفتتح الصلاة ولا يقعد مع
الإمام حتى يقوم " (2).
فالقول بالتخيير هناك أيضا أظهر، بل كان تعين الأخير أقرب لولا دعوى
الشهرة على الأول. وأما ترجيح الأول بها بل بالاجماع ضعيف، لمنع صلاحية
الشهرة ما لم يبلغ خلافها حد الشذوذ للترجيح، وعدم ثبوت الاجماع.
وعدم معلومية القائل بالتخيير هنا غير ضائر، إذ المتبوع هو الدليل دون
القائل، ما لم يثبت الاجماع على عدم القول بمقتضى الدليل.
ثم لو كبر وجلس هل يستأنف النية والتكبير للصلاة بعد القيام أو لا؟
الظاهر: الأول، لعدم الدليل على استمرار الصلاة، ووجود المانع وهو
الزيادة. وجعل قوله: " أتم الصلاة " في بعض ما مر دليلا وإن كان ممكنا إلا أنه
يعارضه قوله: " فكبر " في بعض آخر. وكون الأخير مقطوعا غير ضائر سيما مع عدم
صراحة الأول، لامكان إرادة الشروع في الصلاة وإتمامها من الأول.
ودعوى اغتفار المانع غير مسموعة، لعدم الدليل. واغتفار زيادة الجلوس في
المسبوق لا يدل على اغتفاره هنا أيضا.
ولو لم يجلس فهل يجوز له التكبير بنية الاقتداء والاستمرار عليه قائما حتى
يقوم الإمام فيلحقه أو يتم صلاته إن كانت الركعة الأخيرة فيتمها، أم لا؟
الظاهر: الأول، لدلالة بعضب الأخبار المتقدمة وغيره عليه، وعدم مانع
منه.
المسألة السادسة: يجوز للمأموم بعد الفراغ عن السجدة الأخيرة أن يسلم

(1) في ص 155.
(2) التهذيب 3: 274 / 793، الوسائل 8: 393 أبواب صلاة الجماعة ب 49 ح 4.
160

قبل، الإمام لعذر أو مع نية الانفراد، بلا خلاف ظاهر، بل هو المقطوع به في كلام
الأصحاب كما في المدارك والذخيرة (1)، بل بالاجماع كما عن المنتهى (2).
للأصل، وخصوص الأخبار، كصحيحة علي: عن الرجل يكون خلف
الإمام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شئ أن يفوت أو يعرض له
وجع، كيف يصنع؟ قال: " يسلم وينصرف ويدع الإمام " (3).
وأبي المعزا: عن الرجل يصلي خلف إمام فيسلم قبل الإمام، قال: " ليس
عليه بذلك بأس " (4).
والحلبي. في الرجل يكون خلف الإمام فيطيل الإمام التشهد، قال.
" يسلم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحب " (5).
ومقتضى إطلاق الأخيرتين الجواز بدون العذر أيضا وإن لم ينو الانفراد،
كما نسبه في روض الجنان والذخيرة (6) إلى ظاهر الأصحاب والجماعة مشعرين
بدعوى الاجماع عليه.
وهو الأقوى، لما ذكر، ولعدم ثبوت وجوب متابعة الإمام في الأقوال، فلا
ينافي ذلك التقديم الايتمام.
خلافا لظاهر النافع والمحكي عن الذكرى (7)، فاعتبروا العذر أو نية
الانفراد.

(1) المدارك 4: 387، الذخيرة: 402.
(2) راجع المنتهى 1: 384 و 385.
(3) الفقيه 1: 261 / 1191، التهذيب 3: 283 / 842، قرب الإسناد 207 / 803، الوسائل 8:
413 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 2.
(4) التهذيب 3: 55 / 189، الوسائل 8: 414 أبواب صلاة الجماعة ب 64 ح 4.
(5) الفقيه 1: 257 / 1163، التهذيب 2: 349 / 1445، الوسائل 8: 413 أبواب صلاة الجماعة
ب 64 ح 3.
(6) في روض الجنان: 379، الذخيرة: 402.
(7) النافع: 48، نقله عن الذكرى في الروض: 379.
161

وليس له وجه ظاهرا سوى وجوب المتابعة في الأقوال، وهو ممنوع. أو عدم
جواز المفارقة من غير نيتها في غير تلك الحال، وهو غي مفيد للمطلوب في ذلك
المجال.
ويستفاد من إطلاق تلك الأخبار بل عمومها الحاصل من ترك الاستفصال
سيما الثانية: عدم توقف جواز التقدم على الإمام والتسليم قبله على كونه بعد
السجدة الأخيرة، بل جوازه في أثناء الصلاة مطلقا من غير ضرورة، كما حكي عن
الأكثر (1)، بل عن الخلاف وظاهر المنتهى وصريح التذكرة والنهاية (2): الاجماع
عليه.
واستدل له أيضا: بالاجماعات المنقولة.
وبخروج النبي صلى الله عليه وآله عن صلاته جماعة يوم ذات الرقاع
وإتمامها منفردا (3).
وبعدم وجوب الجماعة ابتداء فكذا استدامة.
وبأن الغرض من الايتمام تحصيل الفضيلة فتركه مفوت لها دون الصحة.
وبأصالة عدم وجوب استمرار الايتمام.
وفي الكل نظر.
أما الاطلاقات فلظهورها في التقدم في التسليم خاصة دون سائر الأفعال،
فإن ذكر التقدم فيه خاصة مشعر بعدم التقدم في غيره. مع أن جواز التقدم في
التسليم لا يدل على جواز التقدم في غيره مع ثبوت وجوب المتابعة مما مر من أدلتها
سيما أخبار الفراغ قبل قراءة الإمام.

(1) الرياض 1: 243.
(2) الخلاف 1: 552، غير أنه لم يصرح فيه بالاجماع، المنتهى 1: 384، التذكرة 1: 175 نهاية
الإحكام 2: 128.
(3) الكافي 3: 456 الصلاة ب 91 ح 2، الفقيه 1: 293 / 1337، التهذيب 3: 172 / 380،
الوسائل 8: 435 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 2 ح 1.
162

وأما الثاني فلعدم حجيتها.
وأما الثالث فلأنه لو ثبت فإنما هو للعذر ولا أقل من احتماله. ولا إطلاق
له لكونه قضية في واقعة.
وأما الرابع فلكونه قياسا باطلا في مذهبنا.
وأما الخامس فلأن الايتمام كما يحصل الفضيلة يحصل الصحة أيضا. مع
احتمال كون تركه أولا مفوتا لأمر وآخرا لآخر.
وأما السادس فلاندفاعه باستصحاب الاشتغال بالصلاة الموقوفة البراءة
عنها على الأخذ بالمتيقن من أحد الأمرين المختلفين في أمور كثيرة - كوجوب المتابعة
على الاقتداء، أو القراءة في الأوليين والتسبيح في الأخرتين على الانفراد - وهو
الايتمام.
ولذا ذهب بعضهم إلى عدم جواز المفارقة من دون عذر عن الإمام مطلقا
الشامل لما إذا نوى المفارقة أم لا. وهو ظاهر الناصريات والمبسوط (1)، وقواه في
الذخيرة والحدائق (2)، وهو الأقوى.
لا للأخبار الآمرة باستنابة الإمام الذي عرض له حادث وتصريح بعض
الصحاح منها بأنه لو لم يستنب لا صلاة لهم (3)، لأنها - كما يأتي - محمولة على
الفضيلة. مع أنه مع عدم استنابته يكون من الأعذار المسوغة للمفارقة بالاجماع
سيما إذا لم يمكن الاستنابة، كما إذا لم يوجد غير المأموم الواحد أو كان الجميع
فساقا.
بل للاستصحاب المذكور، فإنا نعلم قطعا وجوب أحد الأمرين عليه وليس
بينهما قدر مشترك لم يعلم الزائد عليه، فيجزي أصل الاشتغال الغير المندفع إلا
باستمرار الايتمام. وشمول أخبار أحكام المنفرد لمثل ذلك الفرد النادر الملفق من

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية) 201، المبسوط 1: 160.
(2) الذخيرة: 402، الحدائق 11: 240.
(3) الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72.
163

الأمرين غير معلوم. فالأقوى وجوبه وعدم جواز نية الانفراد إلا لعذر. والتجويز
مع العذر وإن كان أيضا مخالفا للأصل المذكور إلا أن الاجماع حينئذ قد رفعه.
فروع:
أ. ما مر من جواز الانفراد مطلقا أو مع عذر فإنما هو في الجماعة المستحبة.
أما الواجبة فلا يجوز فيها الانفراد بل يجب الاتمام بدون العذر، وقطع الصلاة معه
لو كان مسوغا له.
ب: حيث جاز الانفراد فإن كان قبل القراءة أتى بها.
وإن كان في أثنائها ففي البناء على قراءة الإمام، أو إعادة السورة التي فارق
فيها، أو استئناف القراءة من أولها، أقوال. أقربها الأول، للأصل.
والأولى بالاجزاء ما لو كان الانفراد بعد تمام القراءة قبل الركوع.
ج: هل يجوز عدول المنفرد إلى الايتمام في أثناء الصلاة؟
فيه قولان، أقربهما العدم وفاقا للذخيرة (1)، لعدم ثبوت التعبد بمثله،
واستصحاب الشغل المتقدم.
وجوزه الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع (2)، ونفى عنه البأس في
التذكرة (3).
د: لو كان يصلي مع جماعة فحضرت طائفة أخرى يصلون جماعة، فهل
يجوز له أن يخرج نفسه من متابعة إمامه ويوصل صلاته بصلاة الإمام الآخر؟
فيه وجهان، أقربهما العدم، لما ذكر. واستوجه في التذكرة الجواز (1).
ه‍: لو زادت صلاة المأموم عن الإمام بأن كان حاضرا أو مسبوقا، فهل
يجوز اقتداؤه في التتمة بأحد المؤتمين أو منفرد أو إمام آخر؟

(1) الذخيرة: 402.
(2) الخلات 1: 552.
(3) التذكرة 1: 175.
(4) التذكرة 1: 175.
164

فيه الوجهان. والترك أحوط بل الأقرب، لما مر.
المسألة السابعة: لو عرض للإمام عارض يمنعه من إتمام الصلاة من تذكر
حدث أو صدوره أو رعاف لم يمكن غسله بدون المنافي، أو وجع شديد لا يتمكن
معه من إتمامها، قطع صلاته ويدع القوم في صلاتهم، إجماعا فيهما فتوى ونصا.
ومن هذه النصوص صحيحة زرارة: عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم
أخبرهم أنه ليس على وضوء. قال: " يتم القوم صلاتهم " (1).
ثم فإن لم يمكن استنابة إمام آخر لوحدة المأموم أو عدم حضور من يصلح
للإمامة أتموا منفردا بمقتضى الصحيحة.
وإن أمكنت الاستنابة يستنيب الإمام من يؤمهم، بالاجماع والمستفيضة (2).
ولو لم يستنب تقدم بعضهم وصلى لهم، لصحيحة علي (3). أو يقدمون رجلا
ويأتمون به.
وكذا إن مات الإمام أو أغمي عليه.
كل ذلك استحبابا وإن كان مقتضى الأمر الواقع في أكثر تلك الأخبار سيما
استنابة الإمام الوجوب، ولكن الاجماع على عدم وجوبه أوجب صرف تلك الأوامر
عن مقتضى حقائقها.
وقد يستند في نفي الوجوب إلى الصحيحة المتقدمة، فإنها ظاهرة في جواز
الاتمام منفردين.
وفيه نظر، لأن إتمامهم صلاتهم أعم من أن يكون بالايتمام أو الانفراد،
فالصارف هو الاجماع.

(1) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 3، الفقيه 1: 264 / 1207، التهذيب 3: 269 / 772،
الإستبصار 1: 440 / 1695، الوسائل 8: 371 أبواب صلاة الجماعة ب 36 ح 2.
(2) الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة ب 72.
(3) الفقيه 1: 262 / 1196، التهذيب 3: 283 / 843، الوسائل 8: 426 أبواب صلاة الجماعة
ب 72 ح 1.
165

فروع:
أ: ومن موارد استحباب الاستنابة كون الإمام مسافرا والمأمومين حاضرين،
كما صرح به في موثقة البقباق (1).
ب: لو مات الإمام في الأثناء أو أغمي عليه استناب المأمومون استحبابا،
كما ورد في الأخبار (2).
ج: تكره استنابة المسبوق، لورود المنع عنه في بعض الروايات (3)، إلا أنه
يقصر عن إفادة الحرمة، مع أنه يدل بعض آخر على الجواز أيضا (4)، فلا يثبت
سوى الكراهة.
وقد ذكروا للمسألة فروعا كثيرة لا اهتمام بشأنها، لكونها مما يندر وقوعها سيما
ما يتعلق باستنابه المسبوق، فالاعراض عنها والاشتغال بما هو أهم منها أولى
وبمحافظة الوقت أحرى.
المسألة الثامنة: الحق المعروف من مذهب الأصحاب جواز اقتداء المفترض
بمثله في فروض الصلوات اليومية وإن اختلفت في التسمية أو في الكمية، بل في
المنتهى: إنه قول علمائنا أجمع (5).
وعن الصدوق الخلاف في الموضعين، فقال: إنه لا يصلي العصر خلف من
يصلي الظهر إلا أن يظنها العصر، وإنه يشترط في الصحة اتحاد الكمية (6).
ولكن المنقول عنه غير ثابت كما صرح به بعضهم (7).

(1) التهذيب 3: 164 / 355، 3: 226 / 574، الإستبصار 1: 426 / 1643، الوسائل 8: 330
أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
(2) الوسائل، 8: 380 أبواب صلاة الجماعة ب 43.
(3) راجع الوسائل 8: 378 أبواب صلاة الجماعة ب 41.
(4) راجع الوسائل 8: 377 أبواب صلاة الجماعة ب 40.
(5) المنتهى 1: 367.
(6) نقله عنه الشهيد الأول في الذكرى: 266، والشهيد الثاني في الروض: 376.
(7) الحدائق 11: 149.
166

لنا على الحكمين: الاجماع المحقق لعدم قدح المخالفة المذكورة ولو ثبتت،
وعمومات الجماعة.
مضافا في الأول إلى صحيحة حماد: عن رجل إمام قوم يصلي العصر وهي
لهم الظهر، قال: " أجزأت عنه وأجزأت عنهم ". (1)
وموثقة الفضل في اقتداء الحاضر بالمسافر وعكسه، وفيها: " وإن صلى معهم
الظهر فليجعل الأوليين الظهر والأخيرتين العصر " (2).
وصحيحة محمد في صلاة المسافر خلف الحاضر: " وإن صلى معهم الظهر
فليجعل الأوليين الظهر والأخيرتين العصر " (3).
وفي الأخير إلى الأخيرتين، وسائر ما يدل على جواز اقتداء المسافر بالحاضر
وعكسه.
احتج للصدوق في الأول بوجه اعتباري غير تام، وصحيحة علي (4) في
اقتداء المرأة عصرها بإمام يصلي الظهر الغير المثبتة لمطلوبه بوجوه كثيرة.
وكذا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل كائتمام من لم يصل بمعيد الصلاة،
وعكسه كاقتداء الصبي بالبالغ ومعيد الصلاة بمن لم يصل، بلا خلاف فيهما كما
صرح به غير واحد (5)، بل بالاجماع صرح في الخلاف والمنتهى (6)، وتدل عليهما
العمومات السليمة عن المعارض، بل النصوص المذكورة في مواضعها.
وكذا اقتداء المتنفل بالمتنفل في الاستسقاء والعيد مع فقد شرائط الوجوب.

(1) التهذيب 3: 49 / 172، الإستبصار 1: 439 / 1691، وفيهما عن رجل يؤم بقوم... الوسائل
8: 398 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 1.
(2) التهذيب 3: 164 / 355، 3: 226 / 574، الإستبصار 1: 426 / 1643 الوسائل 8: 330
أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 6.
(3) الفقيه 1: 287 / 1308، الوسائل 8: 329 أبواب صلاة الجماعة ب 18 ح 1.
(4) التهذيب 3: 49 / 173، الوسائل 8: 399 أبواب صلاة الجماعة ب 53 ح 2.
(5) منهم المحقق في المعتبر 2: 425 والعلامة في التذكرة 1: 175، وصاحب الرياض 1: 234.
(6) الخلاف 1: 546، المنتهى 1: 367.
167

كل ذلك مع توافق الصلاتين نظما وهيئة، وإلا فلا يجوز الاقتداء في أحدهما
بالآخر إجماعا، فلا يقتدى في الخمس مثلا بصلاة الجنازة والكسوفين والعيدين،
ولا العكس، لعدم إمكان المتابعة المشترطة نصا وفتوى.
المسألة التاسعة: تستحب إعادة المصلي منفردا صلاته جماعة إذا وجدت
الجماعة بعدها، سواء كان ذلك المنفرد إماما ثانيا أو مأموما، بلا خلاف فيه بين
الأصحاب كما صرح به جماعة (1)، بل بالاجماع كما حكي مستفيضا (2)، له،
وللمستفيضة من الصحاح كصحيحة ابن بزيع: كتبت إلى أبي الحسن عليه
السلام: إني أحضر المساجد مع جيراني وغير هم، فيأمروني بالصلاة بهم وقد
صليت قبل أن آتيهم - إلى أن قال -: فكتب: " صل بهم " (3).
والحلبي: " إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت
فأخرج وإن شئت صل بهم واجعلها سبحة " (4).
والبختري: في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال: " يصلي
معهم ويجعلها الفريضة " (5).
ونحوها صحيحة هشام إلا أنه زاد في آخرها: " إن شاء " (6).
ورواية أبي بصير: أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت،

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 367، وصاحب الحدائق 11: 162.
(2) المدارك 4: 341، المعتبر 2: 428، المنتهى 1: 379، التذكرة 1: 175، الرياض 1: 234.
(3) الكافي 3: 380، الصلاة ب 60 ح 5، التهذيب 3: 50 / 174، الوسائل 8: 401 أبواب صلاة
الجماعة ب 54 ح 5.
(4) الفقيه 1: 265 / 1212، التهذيب 3: 279 / 821 (بتفاوت يسير) الوسائل 8: 402 أبواب
صلاة الجماعة ب 54 ح 8.
(5) الكافي 3: 379 الصلاة ب 60 ح 1، التهذيب 3: 50 / 176، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة
الجماعة ب 54 ح 11.
(6) الفقيه 1: 251، 1132، الوسائل 8: 401 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 1.
168

فقال. " صل معهم، يختار الله تعالى أحبهما إليه " (1).
والساباطي: عن الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة، أيجوز
له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال: " نعم وهو أفضل " قلت: فإن لم يفعل؟ فقال:
" لا بأس " (2).
وورود الأمر الدال على الوجوب في بعض تلك الأخبار لا ينفع في إثباته،
للاجماع على عدم الوجوب. مضافا إلى التصريح بالتخيير النافي للوجوب في
بعضها. وظاهره وإن كان إفادة الإباحة المحضة - كما لا يستفاد مما وقع فيه الأمر
جوابا عن السؤال عنها أيضا أزيد من ذلك، لاحتمال كون السؤال عن أصل
الرخصة - إلا أن التصريح في الأخير بالأفضلية يثبت الاستحباب. مضافا إلى
ورود الأمر في بعضها خاليا عن السؤال أو ذكر التخيير. مع الأمر في البعض
بجعلها سبحة فإنه أيضا قرينة على الاستحباب. مع أن الرخصة في الإعادة
مستلزمة لاستحباب المعادة، لأنها عبادة وهي لا تكون إلا بفضيلة.
وهل تتعين في المعادة نية الندب - على القول باشتراط نية الوجه - أو
الوجوب، أو يتخير؟
الظاهر: الأول كما حكي عن الأكثر (3)، لخروجه بالأولى عن العهدة قطعا،
فلا معنى لقصد الوجوب. مضافا إلى الأمر بجعلها سبحة في الصحيحة المتقدمة،
وفي الرضوي وفيه بعد ذكر الاستحباب: " صل معهم تطوعا واجعلها
تسبيحا " (4).
خلافا للمحكي عن الشهيدين (5)، فجوزا بنية الفرض أيضا، لصحيحتي

(1) الكافي 3: 379 الصلاة ب 60 ح 2، التهذيب 3: 370 / 776، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة
الجماعة ب 54 ح 10.
(2) التهذيب 3: 50 / 175، الوسائل 8: 403 أبواب صلاة الجماعة ب 54 ح 9.
(3) الرياض 1: 234.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 125.
(5) نقله عنهما صاحب الرياض 1: 234.
169

البختري وهشام السابقتين الآمرتين بجعلها الفريضة، ورواية أبي بصير السابقة
المصرحة بأن الله تعالى يختار أحبهما.
ودلالة الأوليين ليست بواضحة، لاحتمال الفريضة فيها الفائتة دون التي
يراد فيها الإعادة، أو المراد أنه يجعل الصلاة المعادة هي الفريضة التي صلاها أولا
دون غيرها من الفرائض، أو المراد إدراك الجماعة في أثناء الأولى فيجعلها نافلة
والثانية المعادة هي الفريضة كما يستفاد من الأخبار المعتبرة.
ولا دلالة للأخيرة أصلا، لأن اختياره سبحانه للأحب والأفضل لا يجعلها
فرضا تصح نيته فيها.
وهل يختص استحباب الإعادة بالمنفرد، أو يشمل الجامع أيضا كمن صلى
فريضة جماعة ثم وجدت جماعة أخرى سيما إذا كانت الثانية متضمنة لمزية أو مزايا؟
فيه قولان ناشئان من إطلاق بعض الأخبار المتقدمة، بل عمومه الحاصل
من ترك الاستفصال، فيشمل الجامع أيضا.
ومن ظهورها في المنفرد، لأن الظاهر من قوله: " وأقيمت الصلاة " أو:
" فتقام " أو: " ثم يجد جماعة " عدم تحققها أولا فلا شمول في غير الأولى (1)، وأما
هي وإن لم تتضمن مثل تلك العبارة إلا أنها ظاهرة في كون صلاتها الأولى في
البيت، والشائع فيه الفرادى.
وما ذكر في نفي الشمول لغير الأولى ليس ببعيد، وأما ما ذكر لنفي شمولها
ففيه منع ظهور كونها في البيت.
فلا بعد في القول الثاني، إلا أن الأول أحوط، سيما مع شهرته الجابرة لما
روي عنهم من قولهم: " لا تصل صلاة في يوم مرتين " (2).
وكذا الكلام فيما لو صلى اثنان فرادى، فإن في استحباب الصلاة لهما جماعة

(1) أي الرواية الأولى، وهي صحيحة ابن بزيع وفيها: "... وقد صليت قبل أن آتيهم ".
(2) عوالي اللآلي 1: 60 / 94، سنن البيهقي 2: 302، مسند أحمد 2: 19، و 41.
170

وجهين. أظهر هما العدم، لعدم استفادة هذه الصورة من النصوص، وتوقف
العبادة على التوقيف.
المسألة العاشرة: لو علم المأموم نجاسة ثوب الإمام أو بدنه في أثناء الصلاة
لم يجب عليه الاعلام، ولم يجز له ترك الايتمام، وفاقا لطائفة من الاعلام (1)، فتصح
صلاته.
أما الأول فللأصل الخالي عن المعارض، المعاضد برواية محمد: عن رجل
يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي، قال: " لن يؤذنه حتى ينصرف " (2).
والمروي في قرب بالاسناد: عن رجل أعار رجلا ثوبا يصلي فيه وهو لا يصلي
فيه، قال: " لا يعلمه " (3).
وصحيحة ابن سنان: إن مولانا الباقر عليه السلام اغتسل وبقيت لمعة من
جسده لم يصبها الماء فقيل له، فقال: " ما [كان] عليك لو سكت؟! " (4).
وأما الثاني فللاستصحاب، وعمومات صحة الايتمام الخالية عن المخصص
سوى ما توهم مما يذكر فساده.
خلافا في الأول للفاضل في جواب المسائل المهنائية، فأوجب الاعلام من
باب الأمر بالمعروف (5).
وضعفه ظاهر، لأن أدلة الأمر بالمعروف لا تشمله، لعدم توجه الخطاب إلى
الجاهل والذاهل والناسي، فلا معروف ولا منكر بالنسبة إليهم. ولو كان من ذلك

(1) منهم المحدث البحراني في الحدائق 11: 242، ونقل في مفتاح الكرامة 3: 473 عن نهاية
الإحكام والموجز الحاوي وكشف الالتباس.
(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 8، التهذيب 2: 361 / 1493، الوسائل 31: 474 أبواب
النجاسات ب 40 ح 1.
(3) قرب الإسناد 169 / 620، الوسائل 3: 488 أبواب النجاسات ب 47 ح 3.
(4) الكافي 3: 45 الطهارة ب 29 ح 15، الوسائل 31: 259 أبواب الجنابة ب 41 ح 1، وما بين
المعقوفين من المصدر.
(5) أجوبة المسائل المهنائية: 49.
171

الباب للزم كون ذلك الجاهل آثما معاقبا، وهو خلاف الاجماع.
وإن أراد من قوله: من باب الأمر بالمعروف، كونه من باب الارشاد فوجوبه
بل رجحانه إنما يسلم في الأحكام دون الموضوعات.
وفي الثاني للمحكي عن المحقق الشيخ علي وبعض العلماء البحرانيين (1)،
فمنعا من الايتمام وأوجبا الانفراد مبنيا على صلاة الإمام، لأن طهارة الثوب والبدن
واجبة في الصلاة ولا تصح الصلاة مع العلم بالنجاسة، وصلاة الإمام متحدة مع
صلاة المأموم، فتكون كأنها في ثوبه أو بدنه.
وفيه: منع الاتحاد. وكونه بمنزلة كون النجاسة في ثوبه وبدنه ممنوع. مع
أن الثابت من أدلة اشتراط الطهارة ليس إلا اشتراطها في ثوبه وبدنه بنفسه، لا ما
هو بمنزلته.
وقد يستدل أيضا بأن صلاة الإمام فاسدة واقعا صحيحة ظاهرا، والمأموم
عالم بفساده الواقعي،. فلا يصح الايتمام به.
وفيه: منع الفساد واقعا، إذ ليس الفساد إلا عدم الموافقة للمأمور به، ولا
أمر إلا بالمعلوم.
المسألة الحادية عشرة: يصح اقتداء أحد المجتهدين أو مقلده بالمجتهد
الآخر أو مقلده وإن علم المأموم مخالفة الإمام له في، كثير من أحكام الصلاة
ومقدماتها وشرائطها، وفاقا لبعض الأجلة.
لأصالة عدم اشتراط الاتحاد في الفروع مع القدوة.
وإجماع الأمة، لأن بناء السلف والخلف على ذلك من غير تفتيش عن
اجتهاد الإمام والموافقة والمخالفة في المجتهد، مع عدم ثبوت أصل يقتفي الموافقة،
واقتداء المجتهدين بعضهم ببعض وكذا المقلدين مع العلم العادي بالاختلاف
حتى فيما تبطل به الصلاة في حق واحد دون الآخر، وكذا اقتداء أصحاب الأئمة

(1) انظر الحدائق 11: 261.
172

عليهم السلام وتقرير الأئمة لهم، مع اختلافهم كثيرا في الفروع باختلاف الأخبار
كما يظهر من أصولهم.
ولأنها صلاة صحيحة عند الإمام والمأموم فالإمام يصلي صلاة صحيحة
باتفاقهما، فتشمله عمومات الجماعة طرا من غير مخصص.
ولا يضر بطلان الصلاة في بعض الصور في حق المأموم بمعنى أنه لو فعلها
نفسها كذلك مع ما عليه من الرأي عليه تكون باطلة.
لأنه بطلان فرضي، أي لو فرض صدورها من المأموم كذلك تكون باطلة،
فإنها لم تصدر حينئذ منه بل من الإمام، والصلاة الواقعة صحيحة عند هما، فلا
وجه لعدم جواز الاقتداء، ولذا لو نذر المأموم أن يعطي من صلى صلاة صحيحة
باعتقاد ذلك المأموم درهما يبرأ بإعطائه ذلك الإمام، لأن صلاته صحيحة باعتقاد
المأموم وإن كان لو صدر مثل ذلك عن المأموم يكون باطلا.
وقيد بعضهم الصحة بما إذا لم تكن صلاة الإمام باطلة عند المأموم.
فإن أراد البطلان عنده في حق الإمام أيضا، كأن يزعم تقصيره في الاجتهاد
أو عدم كون مجتهده جائز الاتباع مع تقصير المقلد في معرفة حاله، فهو كذلك
ونحن نقول به ووجهه ظاهر.
وإن أراد البطلان عنده في حق نفسه لو فعلها كذلك فهو غير صحيح، لما
ذكر، وليست صلاة الإمام صلاة المأموم حقيقة بل ولا بمنزلتها حتى تكون باطلة
في حق المأموم حينئذ أيضا.
ثم على ما ذكرنا لو كانت المخالفة فيما لا يجب على المأموم فعله أو تركه بل
كان ساقطا عنه، فلا يفعله المأموم ولا شئ عليه لو فعله الإمام، كما إذا كان
مذهب الإمام عدم وجوب السورة ولم يقرأها، أو جواز القران في الفريضة وقرن،
أو جواز قراءة العزيمة وقرأها، فلا شئ على المأموم، وكذا لو رأى المأموم شيئا
ناقضا للوضوء أو الغسل ولم يره الإمام كذلك وبنى على الطهارة السابقة عليه فإن
الإمام متطهر عند هما.
173

ولو كانت فيما يجب على المأموم فعله ولم يجب عليه البناء فيه على فعل
الإمام، فيبني على اجتهاد نفسه أو مجتهده. فلو رأى الإمام جواز المسح بالبلة
الجديدة ولم يجوزه المأموم يتوضأ المأموم باجتهاد نفسه. ولو أوجب المأموم رفع اليدين
بتكبيرة الاحرام دون الإمام يرفعهما المأموم وإن لم يرفعهما الإمام. ولو أوجب المأموم
القنوت دون الإمام يقنت ولو لم يقنت الإمام، ويلحقه في الركوع، وهكذا.
وكذا الكلام في الاجتهاد في الموضوعات، فلو توضأ بماء مغصوب عند
المأموم دون نفسه صح الاقتداء، ولو تخالفا في القبلة يتوجه كل منهما إلى قبلته.
174

الباب الثالث
في صلاة المسافر
اعلم أنه يجب التقصير في الرباعية خاصة بإسقاط أخيرتيها في السفر
المستجمع لشرائط التقصير الآتية، بإجماع أصحابنا الإمامية، وعليه تواترت
أخبارهم.
وكذا لا خلاف في سقوط نوافلها إلا الوتيرة، فإن فيها خلافا قد سبق مع
بيان الحق فيه في بحث النوافل.
وكذا يسقط وجوب الجمعة عليه كما تقدم في بحث صلاة الجمعة.
ولا قصر في غير الرباعية، ولا سقوط لغير نوافلها من النوافل، إجماعا.
ثم الكلام في ذلك المقام تارة في شرائط القصر، وأخرى في أحكامه، فهاهنا
فصلان:
175

الفصل الأول
في شروط القصر
وهي أمور:
الأول: المسافة المخصوصة، بإجماع العلماء من الخاصة والعامة سوى
داود (1) فاكتفى بمجرد صدق المسافر والضرب في الأرض. وعلى اعتبارها إجماع
علمائنا كافة، وحكاية الاجماع عليه متواترة (2)، فهو فيه الحجة. مضافا إلى الأخبار
المتكثرة، بل في المعنى متواترة، وإن اختلفوا في تعيين المسافة، كما يبين بتحقيق
المقال فيه في مسائل:
الأولى: اتفق جميع أصحابنا على عدم اعتبار الأزيد من ثمانية فراسخ،
فيجب التقصير إذا بلغت المسافة إليها، إجماعا، له، وللمستفيضة كمعتبرة
الفضل: " وإنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ، لا أقل من ذلك ولا أكثر، لأن
ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامة والقوافل والأثقال، فوجب التقصير في مسيرة
يوم " (3) الحديث.
وموثقة سماعة: في كم يقصر الصلاة؟ قال: " في مسيرة يوم، وذلك
بريدان، وهما ثمانية فراسخ " (4).

(1) المجموع 4: 425.
(2) انظر الإنتصار: 51، والخلاف 1: 567، والسرائر 1: 334، والمعتبر 2: 465، والتذكرة 1:
188، والمدارك 4: 428، والذخيرة: 405، والرياض 1: 248.
(3) الفقيه 1: 290 / 1320، العلل: 266، ب 182. عيون الأخبار 2: 111، الوسائل 8: 451
أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 1.
(4) التهذيب 3: 207 / 492، الإستبصار 1: 222 / 768، الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر
ب 1 ح 8.
177

والساباطي: عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستة
فراسخ، فيأتي قرية فينزل فيها، ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ أخرى أو ستة،
لا يجوز ذلك، ثم ينزل في ذلك الموضع، قال: " لا يكون مسافرا حتى يسير من
منزله أو قريته ثمانية فراسخ، فليتم الصلاة " (1).
والمعنى: أن الرجل لا يكون مسافرا حتى يقصد أن يسير من منزله ثمانية
فراسخ، فهذا الشخص يتم الصلاة لعدم كونه قاصدا لها، نعم يقصر في الرجوع
لتحقق القصد.
أو المعنى: هذا الشخص لا يكون مسافرا حتى يسير ثمانية فراسخ، فإذا
سار الثمانية ولو بدون القصد يكون مسافرا، فقبل ذلك يتم الصلاة.
والمعنى الأول يوجب جعل سير ثمانية فراسخ بمعنى قصده، والثاني يوجب
تخصيص الأمر بالاتمام بما قبل وصول هذا الرجل الثمانية.
والأول أظهر، لشيوع إرادة قصد السير من السير في أخبار السفر.
ورواية البجلي، وفيها: كم أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال: " جرت
السنة ببياض يوم " فقلت له: إن بياض يوم يختلف - إلى أن قال -: ثم أومأ بيده
أربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ (2).
وتدل الأخيرة من غير معارض على كون ثمانية فراسخ أربعة وعشرين ميلا،
كما هو اتفاقي بين الفقهاء، على ما صرح به غير واحد (3)، بل بين العلماء كافة كما
في المدارك (4)، بل عليه كل اللغويين كما في المصباح المنير (5).
وتدل عليه أيضا مرسلة الفقيه: " لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير قال له

(1) التهذيب 4: 225 / 661، الإستبصار 1: 226 / 805، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر
ب 4 ح 3.
(2) التهذيب 4: 222 / 649، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 15.
(3) انظر المعتبر 2: 467، والتذكرة 1: 188، وكفاية الأحكام: 32، والحدائق 11: 301.
(4) المدارك 4: 429.
(5) المصباح المنير: 588.
178

النبي: في كم ذلك؟ فقال: في بريد، قال: وكم البريد؟ قال: ما بين ظل عير إلى
في، وعير (1)، فذرعته بنو أمية ثم جزؤوه على اثني عشر ميلا، فكان كل ميل ألفا
وخمس مائة ذراع، وهو أربعة فراسخ " (2).
ورواية المروزي، وفيها: " فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا
وذلك أربعة فراسخ " (3) الحديث.
وعلى هذا فيدل على المطلوب ما تضمنت الأميال من الأخبار أيضا، كموثقة
العيص: في التقصير " حده أربعة وعشرون ميلا " (4).
وحسنة الكاهلي: في التقصير في الصلاة، قال: " بريد في بريد أربعة
وعشرون ميلا " (5).
وصحيحة زرارة ومحمد، وفيها: " وقد سافر رسول الله صلى الله عليه وآله
إلى ذي خشب، وهي مسيرة يوم من المدينة يكون إليها بريدان، أربعة وعشرون
ميلا، فقصر وأفطر، فصارت سنة، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله من
صام حين أفطر. العصاة " (6). الحديث.
ويستفاد من الأخيرتين والمرسلة المتقدمة كون أربعة وعشرين ميلا - التي
هي ثمانية فراسخ - بريدين أيضا، بل في المرسلة تصريح باتحاد البريدين وثمانية
فراسخ، كما دلت عليه موثقة سماعة المتقدمة، وصحيحة زرارة: " التقصير في

(1) عير ووعير جبلان بالمدينة انظر: مجمع البحرين 3: 418 وروضة المتقين 2: 638.
(2) الفقهية 1: 286 / 1303، الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.
(3) التهذيب 4: 226 / 664، الإستبصار 1: 227 / 808، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر
ب 2 ح 4.
(4) التهذيب 4: 221 / 647، الإستبصار 1: 223 / 788، الوسائل 8: 454 أبواب صلاة المسافر
ب 1 ح 14.
(5) الفقيه 1: 279 / 1269، التهذيب 3: 207 / 493، 4: 223 / 652 الإستبصار 1:
223 / 787، الوسائل 8: 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 3.
(6) الفقيه 1: 278 / 1266، الوسائل 8: 452 أبواب صلاة المسافر ب 1 ح 4.
179

البريد، والبريد أربعة فراسخ " (1). والأخرى: عن التقصير فقال: " بريد ذاهب
وبريد جائي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتى ذبابا قصر، وذباب على
بريد، وإنما فعل ذلك لأنه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ " (2).
وأما ما في رواية المروزي: " التقصير في الصلاة بريدان، أو بريد ذاهبا
وجائيا، والبريد ستة أميال، وهو فرسخان " (3). الحديث..
فمع ما فيها من الحكم المخالف للاجماع من التقصير في فرسخين، واحتمال
كون تفسير البريد وما بعده من الراوي كما في الوافي (4)، لا يعارض ما مر
لشذوذها، كما صرح به غير واحد (5)، مع أنها مرجوحة عما مر بوجوه.
وعلى هذا فيدل على المطلوب ما دل على التقصير في البريدين أيضا،
كصحيحة خزاز: عن التقصير، قال: " في بريدين أو بياض يوم " (6).
ونحوها صحيحة أبي بصير (7).
ومرسلة ابن بكير: في الرجل يخرج من منزله يريد منزلا آخر له أو ضيعة له
أخرى، قال: " إن كان بينه وبين منزله أو ضيعته التي يؤم بريدان قصر، وإن كان
دون ذلك أتم " (8).

(1) الكافي 3: 432 أبواب السفر ب 2 ح 1، التهذيب 4: 223 / 653، الإستبصار 1:
223 / 790، الوسائل 8: 459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 1.
(2) الفقيه 1: 287 / 1304، الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 14 و 15.
(3) راجع الرقم (3) من الصفحة السابقة.
(4) الوافي 7: 136.
(5) منهم الفيض في الوافي 7: 136، والحر العاملي في الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر ب 2 ذيل
الحديث 4.
(6) التهذيب 3: 210 / 506، الإستبصار 1: 225 / 802، الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر
ب 1 ح 7.
(7) التهذيب 4: 222 / 651، الإستبصار 1: 223 / 789، الوسائل 8: 454 أبواب صلاة المسافر
ب 1 ح 11.
(8) التهذيب 4: 221 / 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.
180

ويستفاد من رواية البجلي المتقدمة اتحاد بياض اليوم مع الأميال والفراسخ،
المتحدتين مع البريدين، فتكون لفظة، " أو " في صحيحة خزاز لبيان أفراد كيفية
التقدير.
بل يستفاد منها أن بياض اليوم هو مسيرة يوم التي حد التقصير بها في كثير
من الأخبار. فتكون هي أيضا متحدة مع ثمانية، لذلك ولمعتبرة الفضل، وموثقة
سماعة، وصحيحة زرارة ومحمد، المتقدمة جميعا.
وعلى هذا فيدل على المطلوب أيضا ما حد التقصير بمسيرة اليوم، كبعض
ما مر، وصحيحة ابن يقطين: عن الرجل يخرج في سفره وهو مسيرة يوم، قال:
" يجب عليه التقصير إذا كان مسيرة يوم وإن كان يدور في عمله " (1).
وقد ظهر من جميع ذلك اتحاد جميع هذه التقديرات وأن مرجعها إلى ثمانية
فراسخ.
وأما ما يخالفها مما دل على أنه مسيرة يوم وليلة، أو ثلاثة برد، أو مسيرة
يومين (2).
فمع قصوره عن المقاومة لما مر من وجوه منها الشذوذ فتوى ورواية، بل
المخالفة للاجماع، محمولة على التقية، فإن لكل منها قائلا من العامة (3).
ثم إنه يظهر من ذلك ما في كلام بعض المتأخرين - كالروض والمدارك (4)،
وغيرهما (5) - من اعتبار المسافة بمسيرة يوم والتقدير بالفراسخ معا، ثم نفي
الاشكال عن الاكتفاء بالسير والتقدير مع موافقتهما، والاستشكال فيما لو اختلفا،
وترجيح التخيير تارة بالتقصير ببلوغ المسافة بأحدهما، وتقديم السير أخرى، لأنه

(1) التهذيب 3: 209 / 503، الإستبصار 1: 225 / 799، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر
ب 1 ح 16.
(2) انظر الوسائل 8: 453 أبواب صلاة المسافر 1. ح 5 و 9 و 10.
(3) بدائع الصنائع 1: 93.
(4) الروض: 383، المدارك 4: 430.
(5) كالذخيرة: 407.
181

أضبط ودلالة النص عليه أقوى، والتقدير ثالثة، لكونه تحقيقا، والاحتياط بالقصر
والاتمام في مقام الاختلاف رابعة.
وذلك لأن مسيرة يوم أمر مطلق، مختلفة الأفراد قطعا، لتفاوتها باعتبار
اختلاف السير في كيفية السير، ونفس سير المراكب، والأمكنة، والأزمنة،
والراكب، والأثقال، واختلاف الأيام. والأخبار المقيدة بثمانية فراسخ مقيدة.
وحمل المطلق على المقيد واجب، فيتعين الحمل على الفراسخ. وأضبطية السير
ممنوعة. مع أن الوارد في الأخبار المتقدمة ضبط مسيرة يوم أيضا بالفراسخ، فيعلم
أنها المراد منها، وإن كان ذلك لأجل علمهم بأنها الأغلب للعامة في مسيرة اليوم.
ألا ترى أنه إذا أمر الشارع بالاطعام بقدر تشبع عامة الناس، ثم عينه بالمد يحمل
عليه؟!
ولقد أجاد بعض بعض الأجلة في شرحه على الروضة (1)، حيث قال - بعد
ذكر ما نقلنا عن بعض المتأخرين -: لا مجال لاعتبار السير إذا خالف التقدير، فإن
الأخبار الناطقة بالتقدير مما لا تحصى كثرة، والناطقة بالسير لا شك أنها مطلقة
بالنسبة إلى الأولة، ولا بد من حمل المطلق على المقيد، لا سيما وبعضها مصرح بتقييد
ذلك المطلق بذلك القيد. هذا، مع أن تعليق الحكم الشرعي بالأمر المنضبط أولى
من تعليقه بأمر مضطرب، وأن التقصير في أقل ذلك مخالف للأصل من وجهين،
فإن الأصل بقاء حكم الاتمام وعدم التقصير، والأصل عدم تحقق الشرط.
فالتقدير بثمانية فراسخ مما لا ينبغي الشك فيه. انتهى.
وعلى هذا فاللازم الرجوع إلى تعيين معنى الفرسخ بالفحص في الأخبار،
فإن تعين [وإلا] (2) فالرجوع إلى اللغة أو العرف.
فإن قلت: التقدير كما ورد بالفراسخ ورد بالبريد والأميال أيضا، ومع ذلك
يظهر من الأخبار اتحاد الثلاثة، فهلا جعلت الحد أحد الأخيرين، والرجوع إلى

(1) الظاهر هو " المناهج السوية في شرح الروضة البهية " للفاضل الهندي (مخطوط).
(2) أضفناه لاستقامة العبارة.
182

الأخبار أو العرف أو اللغة في تعيين معناه؟
قلنا: لأن الوارد في الأخبار تفسير هما بالفراسخ، وتعيين معناهما بها، فيعلم
أن الفراسخ هي المرجع.
ومن ذلك يعلم أن بعد تعيين معنى الفراسخ لا يضر إجمال معنى الآخرين
أو الخلاف فيه، بل ولا مخالفته لغة للمعنى المعلوم للفرسخ، إذ بعد دلالة الأخبار
على أن البريدين وأربعة وعشرين ميلا هو ثمانية فراسخ. ومعلومية معنى الفرسخ،
يعلم مراد الشارع من البريد والميل، وإن كان مخالفا للمعنى اللغوي لهما، غاية
الأمر كونه مجازا شرعيا.
نعم، لو لم يعلم معنى الفرسخ، علم معنى لهما أو لأحدهما، يجب حمل
الجميع عليه.
فاللازم الرجوع في وجوب التقصير إلى ثمانية فراسخ.
ثم الفرسخ ثلاثة أميال، إجماعا محققا، ومنقولا مستفيضا (1)، لغة وشرعا،
كما دلت عليه الأخبار المتقدمة.
والميل يقدر تارة بمد البصر من الأرض، وأخرى بالذراع.
ولا يمكن أن يكون المراد به في المقام المعنى الأول، لعدم انضباطه البتة،
لاختلاف مد البصر باختلاف المبصر، والباصرة، والأرض، ورقة الهواء وغلظته،
بل لا يكاد يوجد عشرة أشخاص لم يختلف مد أبصارهم غاية الاختلاف، بل
يختلف في ثمانية فراسخ بقدر ضعفها.
مع أن المراد بمد البصر غير ثابت. وما قيل من أنه ما يمتاز فيه الراجل عن
الراكب لا دليل عليه أصلا، وقد جربنا كثيرا من الناس، فمنهم من يميز بينهما في
فرسخ، سيما إذا كان في أرض لها انحدار، ومنهم من لا يميز في ألف ذراع. ومثل
ذلك يستحيل أن يكون مناطا للأحكام الشرعية.
فتعين الثاني.

(1) انظر الإنتصار: 51، والخلاف 1: 568، والرياض 1: 248.
183

وعدده أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، لأنه المشهور المعروف بين اللغويين،
والفقهاء، والعرف، كما صرح به غير واحد (1)، بلا معارض أصلا، إذ ليس إلا
بعض الأخبار المحددة له بألف وخمسمائة ذراع (2)، أو ثلاثة آلاف وخمسمائة
ذراع (3)، أو بعض كلمات أهل اللغة القائلة بأنه ثلاثة آلاف ذراع (4)، وليس
الذراع في شئ منها مقيدا بذراع اليد، وللذراع إطلاقات كثيرة عند اللغويين،
ولها اختلافات، كذراع القدماء، وذراع المحدثين، والذراع الأسود، وبعضها
اثنان وثلاثون إصبعا، وبعضها أربعة وعشرون، ويحتمل أن يكون بعضها غير
ذلك.
وبالجملة: لا يعلم مغايرة التحديد بالذراع المطلق للتحديد بذراع اليد،
فيمكن أن يكون العدد الذي حددوه به مطلقا هو بعينه أربعة آلاف ذراع اليد،
فلا يعلم معارض للمشهور استعماله فيه. فيحمل عليه، لأصالة عدم التعدد في
المستعمل فيه، وعدم استعمال الميل - المراد منه الذراع - في الأقل من أربعة آلاف
ذراع اليد أو الأكثر.
مع أن استعمال الفرسخ في اثني عشر ألف ذراع بذراع اليد مقطوع به،
مشهور بين الفقهاء واللغويين. بل الأزهري - بعد ما صرح بأن الميل عند كل من
القدماء والمحدثين أربعة آلاف ذراع بذراع اليد، وأن الاختلاف في الذراع
لفظي - قال: والكل متفقون على أن الفرسخ ثلاثة أميال (1). ومقتضاه الاتفاق
على أن الفرسخ اثني عشر ألف ذراع بذراع اليد.
فهذا الاستعمال مما لا ريب فيه، والاستعمال في غيره غير معلوم، والأصل
في الاستعمال الحقيقة، فيكون الفرسخ حقيقة في ذلك.

(1) كالسيد بحر العلوم في رسالة صلاة المسافر المنقولة في مفتاح الكرامة 3: 507.
(2) انظر الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.
(3) انظر الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 16.
(4) المصباح المنير: 588 نقلا عن قدماء أهل الهيئة.
(5) نقله عن الأزهري في المغرب 2: 195.
184

مع أنه لو قطع النظر عن ذلك، وقلنا بعدم معلومية المراد من الميل، وعدم
تعينه، يجب الرجوع في معنى الفرسخ - الذي به فسر البريد والأميال في الأخبار -
إلى العرف، فيراد به ما يطلق عليه الفرسخ عرفا، وهو موافق لاثني عشر ألف
ذراع، فإنا قد سمعنا التقدير كثيرا، والتطابق بين ما يطلق عليه الفرسخ عرفا - أي
المسافة المشهورة بالفرسخ - وبين هذا العدد تقريبا، ولم يوجد اختلاف أكثر مما
يتحقق بواسطة تفاوت الأذرع والتقريب (1) الحاصل باعتبار تفاوت مبادئ الذراع
أو يسير انحراف في الطريق حين المساحة. فلا شك في لزوم تحديد الفرسخ
بذلك.
ثم إنهم حددوا الذراع بالأصابع، وهي بالشعيرات، وهي بالشعرات.
وهو - مع أنه ليس مستندا إلى دليل - لا فائدة فيه، إذ الاختلاف المتحقق
من جهة اختلاف الشعيرات والشعرات والأصابع ليس بأقل من الحاصل بواسطة
الأذرع، فلا يحصل بذلك تحقيق وانضباط أكثر.
فائدة: اعلم أنه لا شك في أنه لا حد حقيقيا للفرسخ لا يزيد عنه ولا
ينقص، سواء يرجع فيه إلى العرف أو الأذرع، إذ إطلاق العرف لا يختلف
باختلاف عشرة أذرع أو عشرين، بل بنحو من ألف ذراع في ثمانية فراسخ.
وكذا الأذرع، فإنه وإن كان المرجع في تحديد الذرع إلى مستوى الخلقة،
ولكن من ضروريات الحس والعيان تفاوت أذرع أكثر الناس، ولو بنصف إصبع
أو إصبع، ومن اجتماع التفاوت في أربعة فراسخ أو ثمانية ربما بلغ الاختلاف إلى
نحو من ألف ذراع. ولا شك أيضا في صدق الفرسخ على كل من المختلفين.
وعلى هذا فيكفي في لزوم القصر أو جوازه تحقق الأقل، للصدق. فكل ما
علم صدق ثمانية فراسخ عليه عرفا، أو صدق ستة وتسعين ألف ذراع عليه يكون
محل الحكم، وكذا في الأربعة، ولو كان القدر الأقل، إذا لم يختلف العرف فيه،

(1) كذا في النسخ، والظاهر أن الأنسب: القدير.
185

أو كان من أذرع المتعارف من أفراد الناس.
المسألة الثانية: هل هذه الثمانية الموجبة للقصر ثمانية ممتدة ذهابية، أو أعم
منها ومن الملفقة من الذهابية والإيابية؟
المشهور بين القدماء والمتأخرين الأول، بل ادعى جماعة نفي القول
بخلافه، والأخرى الاجماع على بطلان خلافه كما يأتي (1).
وعن العماني الثاني (2)، واختاره شرذمة من متأخري المتأخرين (3)
والحق هو الأول، للأصل، والاجماع كما يأتي بيانه، وظهور أخبار الثمانية
والبريدين واثني عشر ميلا ومسيرة يوم ونحوها في الممتدة، بل كونها حقيقة فيه، إذ
لا شك أن الفرسخ والبريد وثمانية فراسخ والأربعة والبريدين ونحوها ألفاظ
موضوعة لغة وعرفا لمسافة معينة ممتدة امتدادا متصلا في جهة واحدة، فالفرسخ
اسم لاثني عشر ألف ذراع مبتدأة من مبدأ منتهية إلى موضع، حقيقة فيه، للتبادر،
وصحة السلب، فإنه لو سمع الفرسخ يتبادر منه مسافة ممتدة، وكذا ثمانية
فراسخ، ولا يسبق إلى الذهن من الأول ربع فرسخ متكرر أربع مرات، ولا من
الثاني فرسخ متكرر ثمان مرات، ويصح سلب الفرسخ من الأول وثمانية فراسخ
عن الثاني. وكذا بياض يوم وأربع وعشرون ميلا والبريدان وغيرها، ولا يقال لألف
ذراع إنه فرسخ، حيث يمكن الذهاب والإياب فيه اثني عشر مرة، وكذا لا يقال
له بريد من هذه الجهة، ولذا قال جماعة: إن المتبادر هو المسافة الذهابية (4).
وتدل عليه أيضا رواية المروزي المتقدمة (5)، العاطفة " بريد ذاهبا وبريد
جائيا " على البريدين، المقتضي لتغاير هما.

(1) انظر ص 206.
(2) نقله عنه في المختلف: 162.
(3) كالذخيرة: 406، ومفاتيح الشرائع 1: 25، والحدائق 11: 325.
(4) المدارك 4: 438، الذخيرة: 407، الرياض 1: 249.
(5) في ص 180.
186

احتج من عمها بوجوه:
الأول: صدق الثمانية والبريدين ونحوهما على الملفقة.
الثاني: أن المراد سير ثمانية فراسخ، وهو أعم من سيرها ممتدة أو ملفقة، بل
صرح في بعض الروايات بالسير، كموثقة الساباطي المتقدمة (1)، وقوله في صحيحة
أبي ولاد الآتية: " فإن كنت سرت في يومك الذي خرجت منه بريدا فكان عليك
حين رجعت أن تصلي بالتقصير " (2).
الثالث: الأخبار الآتية الدالة على تحتم القصر في الأربعة، فهي قرينة على
إرادة الملفقة.
الرابع: صحيحة زرارة المتقدمة (3)، المصدرة بقوله:. عن التقصير، فقال:
" بريد ذاهب وبريد جائي ".
وهي تدل من وجهين: أحدهما قوله: " بريد ذاهب وبريد جائي " فإنه يدل
على أن الثمانية ملفقة. وثانيهما: تعليله تقصير الرسول في البريد بأنه إذا رجع كان
بريدين.
وصحيحة معاوية بن وهب: أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟ قال: " بريد ذاهبا
وبريد جائيا " (4).
ورواية المروزي السابقة.
الخامس: رواية صفوان: عن رجل خرج من بغداد يريد أن يلحق رجلا
على رأس ميل، فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان، وهي أربعة فراسخ من بغداد،
أيفطر إذا أراد الرجوع ويقصر؟ قال: " لا يقصر ولا يفطر، لأنه خرج من منزله،

(1) في ص 178.
(2) التهذيب 3: 298 / 909، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
(3) في ص 180.
(4) التهذيب 3: 208 / 496، 4: 224 / 657، الإستبصار 1: 223 / 792، الوسائل 8: 456
أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 2.
187

وليس يريد السفر ثمانية فراسخ، إنما خرج يريد أن يلحق صاحبه، فتمادى به السير
إلى الموضع الذي بلغه، ولو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا وجائيا لكان
عليه أن ينوي من الليل سفرا والافطار " (1).
دلت على وجوب التقصير بالأربعة الذهابية والإيابية، بل يدل قوله: " ولو
أنه خرج " بعد قوله: " لأنه ليس يريد السفر ثمانية فراسخ " على أن الأربعة فراسخ
ذاهبا وجائيا من أفراد السفر ثمانية فراسخ، فتكون الثمانية أعم من الملفقة.
السادس: تعليل وجوب القصر في البريد والأربعة بأنه إذا رجع كان سفره
ثمانية في حديث العلل والمحاسن، وفيها بعد الأمر بالتقصير في الأربعة: " هل
تدري كيف صار هكذا؟ " قلت: لا أدري، قال: " لأن التقصير في البريدين، ولا
يكون التقصير في أقل من ذلك، فلما كانوا قد ساروا بريدا وأرادوا أن ينصرفوا
بريدا كانوا قد ساروا سفر التقصير " (2).
وهذا صريح في إرادة الأعم من الملفقة.
والجواب أما عن الأول: فبمنع الصدق كما مر.
وأما عن الثاني: فبمنع أعمية سير الثمانية، فإن لفظ الثمانية إذا كانت حقيقة
في الممتدة يكون سيرها حقيقة في سير الممتدة، لأصالة عدم وضع آخر للهيئة
التركيبية، ولذا لا يتبادر من قولك: أعطيته ألف درهم، إلا إعطاء ألف متعددة
دون المكررة، وكذا: رأيت ألف شخص، وقرأت ألف بيت.
مضافا إلى أن الأخبار المتضمنة لمثل قوله: " التقصير في بريدين أو ثمانية
فراسخ " لا يشتمل على لفظ " سير " فكما يمكن أن يكون المراد سير هذه المسافة
يمكن أن يكون ذهابها، بل هو المتبادر الظاهر.

(1) التهذيب 4: 225 / 662، الإستبصار 1: 227 / 806، الوسائل 8: 468 أبواب صلاة المسافر
ب 4 ح 1.
(2) العلل: 367 ب 89 ح 1، المحاسن: 312 / 29. الوسائل 8: 466 أبواب صلاة المسافر ب 3
ح 11 (بتفاوت يسير).
188

والموثقة صريحة في الممتدة، إذ لو أراد الملفقة أيضا لوجب الحكم بالتمام في
خمسة فراسخ الثانية، لقصده الذهاب إليها والإياب، بخصوصه كما هو الظاهر،
أو بالعموم الحاصل من ترك استفصال أن الخمسة الثانية هل كانت مقصودة
بتمامها أولا أو لا. مع أن مقتضاها حصول السفر بسير ثمانية فراسخ، ولا دلالة
لها على وجوب التقصير به، بل غايته أن بدونه لا يقصر، فيمكن أن يكون للقصر
شرط غيره أيضا ككون السفر ذهابيا.
والصحيحة صريحة في أن سير البريد ذهابي لقوله بعده " حين رجعت " فلا
دلالة لها من حيث إطلاق السير، وأما من حيث إيجاب التقصير في البريد فيأتي
جوابه.
وأما عن الثالث: فبعدم دلالة أكثر أخبار الأربعة على التحتم، ويعارض
ما دل منها عليه مع الأقوى منها، كما يأتي مفصلا، مع أنها لو تمت دلالتها لدلت
على التقصير في الأربعة مطلقا وإن لم يكن فيها إياب قبل قطع السفر، فلا تكون
قرينة على تلفيق الثمانية، بل تكون معارضة لأخبارها.
وأما عن الرابع: فبأنه لا يدل على الأزيد من مشروعية التقصير وجوازه في
بريد ذاهب وبريد جائي، وأن علة المشروعية صيرورتها ثمانية ملفقة كما يأتي، ولا
دلالة فيه على أن الثمانية الموجبة أيضا هي أعم من الملفقة، ويمكن أن تكون
الثمانية الملفقة صالحة لعلية الجواز لا الوجوب.
وأما عن الخامس والسادس: فبأن الاستناد إليهما إنما كان صحيحا لولا
ضعفهما بالشذوذ والمعارض، ولكن حكمهما عموما شاذ، ومع ذلك يعارضان
الرضوي الآتي المنجبر بالعموم المطلق، فيجب تخصيصهما بغير محل التعارض، كما
يأتي في المسألة الرابعة.
فائدة: الفرق بين هذه المسألة، ومسألة تحتم القصر في الأربعة وعدمه
بالعموم من وجه، فتفترق هذه المسألة عن الآتية فيما إذا لم يكن الذهاب أربعة،
كمن يقصد السير من طريق مسافته ثلاثة فراسخ، والعود مما مسافته خمسة، وفيما
189

إذا سافر غير ناو للمسافة حتى إذا بلغ سبعة فراسخ مثلا، فنوى ذهاب فرسخ
والعود، وفيما إذا تردد في ثلاثة فراسخ ثلاث مرات، فيقصر بناء على هذه المسألة
دون الآتية. وتفترق الآتية فيما إذا قصد الأربعة، وتعقبها قاطع السفر، فيقصر
على المسألة الآلية دون تلك المسألة.
المسألة الثالثة: الحق ضم الإياب مع الذهاب في الثمانية المجوزة للقصر،
سواء بلغ ذهابه أربعة أم لا، بل ذهب فرسخا ورجع سبعة، فيجوز القصر في
الثمانية الملفقة وإن لم يجب، للأدلة الثلاثة الأخيرة من أدلة القائلين بالتلفيق في
المسألة المتقدمة، أما أولها فلما مر من أنه يدل على علية الضم للجواز، وأما
الأخيران فلاختصاص شذوذهما وتعارضهما بما في دلالتهما على وجوب القصر دون
جوازه.
المسألة الرابعة: ما مر كان حكم الثمانية الممتدة، وقد عرفت أن حكمها
وجوب التقصير.
وأما الأربعة الممتدة فإما يريد الرجوع عنها ليومه، أم لا.
فإن أراد الرجوع ليومه قصر وجوبا أيضا، على الأصح، الموافق للعماني
والسيد والمفيد والصدوقين والتهذيب والنهاية والمبسوط والحلي والديلمي (1)، وكافة
المتأخرين، بل هو المشهور كما به صرح جماعة (2)، بل وفاقا لغير من شذ وندر، كما
ذكر جمع آخر (3)، بل عن ظاهر الأمالي: أنه من دين الإمامية (4).

(1) حكاه عن العماني والصدوقين في المختلف: 162، والسيد في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى
3): 47، والمفيد في المقنعة: 349، وأنظر الهداية: 33، والأمالي: 514، والفقيه 1: 280 ذيل
الحديث 1269، التهذيب 3: 207 ذيل الحديث 495، النهاية: 122، المبسوط 1: 141،
الحلي في السرائر 1: 329، الديلمي في المراسم: 75.
(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 1: 370، والبحراني في الحدائق 11: 313.
(3) انظر الرياض 1: 249.
(4) أمالي الصدوق: 514.
190

لعموم خبر صفوان المتقدم (1)، وموثقتي ابني عمار وبكير، الأولى: في كم
أقصر الصلاة؟ فقال: " في بريد، ألا ترى أن أهل مكة إذا خرجوا إلى عرفات كان
عليهم التقصير؟! " (2).
والثانية: عن القادسية أخرج إليها أتم أم أقصر؟ قال: " وكم هي؟ " قال:
هي التي رأيت. قال: " قصر " (3).
قال في المغرب: القادسية موضع بينه وبين الكوفة خمسة عشر ميلا (4).
دلت بعمومها على وجوب التقصير في الأربعة الممتدة، لم يعمل بها في غير
الراجع ليومه لأجل المعارض والمضعف - كما يأتي - فبقي الباقي.
وخصوص الرضوي المنجبر ضعفه بما سبق، حيث قال: " فإن كان سفرك
بريدا واحدا وأردت أن ترجع من يومك قصرت، لأن ذهابك ومجيئك بريدان " إلى
أن قال: " فإن سافرت إلى موضع مقدار أربعة فراسخ، ولم ترد الرجوع من
يومك، فأنت بالخيار إن شئت أتممت وإن شئت قصرت " (5).
ولا يضر عدم صراحة قوله " قصرت " في الوجوب، لأنه يصير صريحا بعد
تذييله بما ذيل به من إثبات الخيار لو لم يرجع، لأن التفصيل قاطع للشركة، بل
مفهوم الذيل أيضا كاف في نفي الخيار وإثبات الوجوب مع الرجوع في اليوم.
وبذلك يدفع استصحاب وجوب التمام، ويخصص عموم ما دل على أنه لا
قصر في أقل من الثمانية.
وقد يستدل أيضا بموثقة محمد: عن التقصير، فقال: " في بريد " قلت:

(1) في ص 187.
(2) التهذيب 3: 208 / 499، الإستبصار 1: 224 / 795، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر
ب 3 ح 5.
(3) التهذيب 3: 208 / 497، الإستبصار 1: 224 / 793، قرب الإسناد 170 / 625 بتفاوت،
الوسائل 8: 458 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 7.
(4) المغرب 2: 110.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 529 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 2.
191

بريد؟! قال: " إنه إذا ذهب بريدا وجاء بريدا شغل يومه " (1).
دلت على أن كل بريد ذاهبا وبريد جائيا شاغل لليوم، وأن كل شاغل لليوم
يوجب التقصير، فكل بريد ذاهبا وبريد جائيا يوجبه، وظاهر أن البريد الذاهب
والبريد الجائي الشاغل ما كان في يوم واحد.
وذلك حسن، إلا أنه لا يدل على أزيد من مشروعية التقصير، كما يأتي
بيانه.
خلافا للمحكي في الذكرى عن الصدوق في كتابه الكبير، وعن التهذيب
والمبسوط، وقواه نفسه (2)، فأثبتوا التخيير بين القصر والاتمام لمن رجع من يومه في
الأربعة، والاتمام لمن كان غير راجع، جمعا بين روايات الثمانية والأربعة، وتضعيفا
للرضوي المتقدم ذكره.
وفيه. أن وجه الجمع لا ينحصر بالتخيير، بل يمكن بإيجاب القصر مع
العود والتخيير بدونه في الأربعة أيضا، وضعف الرضوي مجبور بما مر.
مع أن في نسبة ما ذكر إلى المبسوط والتهذيب نظرا، بل الأول صريح في
وجوب الاتمام في الأربعة مع العود (3)، والثاني محتمل له (4)، كما يظهر من كلامه
- طاب ثراه - فيهما.
فروع:
أ: مفاد الرضوي وإن كان وجوب التقصير إذا كان العود في اليوم خاصة،
إلا أن مقتضى العمومات عموم وجوبه، سواء كان العود في اليوم أو الليلة، أو
الذهاب في الليلة والعود فيها، أو في اليوم، أو كان الذهاب في يوم والعود في آخر،
خرج الأخير بما سيأتي من المعارض والشذوذ، فيبقى الباقي، فيجب التقصير في

(1) التهذيب 4: 224 / 658، الوسائل 8: 459 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 9.
(2) الذكرى: 256.
(3) المبسوط 1: 141.
(4) التهذيب 3: 207 ذيل الحديث 495.
192

الذهاب والإياب ليلا، أو الذهاب في أحدهما والرجوع في الآخر، سواء ذهب في
آخر أحدهما وآب في أول الآخر، أو بالعكس.
ويدل عليه الاجماع المركب وتنقيح المناط في بعض هذه الأقسام أيضا، ولا
يضر مفهوم ذيل الرضوي السابق في هذه الأقسام، لعدم ثبوت انجباره فيه.
ب: مقتضى الأدلة التي ذكرنا للمسألة اشتراط ذهاب الأربعة، والعود
مطلقا، فلو ذهب إلى موضع من طريق مسافته ثلاثة فراسخ، وعاد من طريق آخر
مسافته خمسة لم يقصر، ولو عكس قصر، وكذا لو ذهب من طريق الأربعة، وعاد
من طريق ثلاثة فراسخ.
ومن يبني هذه المسألة على ضم الإياب مع الذهاب في الثمانية الموجبة يلزمه
وجوب القصر في الأولين، وعدم جواز القصر، في الأخير.
ج: يشترط في صدق العود والرجوع أمران: أحدهما: قصد المنزل الأول،
والثاني: عدم البعد عنه حين الإياب بعدا معتدا به عرفا ولو محرفا، لعدم صدق
الإياب بدون الأمرين، وصحة السلب.
وعلى هذا فلو ذهب أربعة فراسخ وعاد منه فرسخا غير مريد للرجوع إلى
موضعه الأول، بل أراد الإقامة عشرة في رأس الفرسخ، أو العود منه إلى الموضع
الثاني، أو الذهاب إلى موضع ثالث لم يكن عود. وكذا لو رجع عن طريق آخر
مبعد عن المنزل الأول بعدا معتدا به غير متقرب إليه في ذلك اليوم والليلة.
د: يصدق الرجوع بعد تحقق الأمرين ولو لم يدخل في هذا اليوم والليلة إلى
منزله الأول، بل مكث في رأس فرسخ مثلا ثم دخل في غده، فيقصر حينئذ وجوبا
أيضا، سواء أراد الرجوع إلى الأول في هذا اليوم ولم يتيسر، أو أراد الرجوع من
الثاني فيه ودخول الأول في الغد.
المسألة الخامسة: إن لم يرد الرجوع ليومه في الأربعة، ففي المنع من التقصير
وتحتم الاتمام مطلقا، أو عكسه كذلك فيجب التقصير ويمنع عن الاتمام مطلقا،
أو التخيير كذلك، أو التفصيل بين ما إذا لم يتخلل بينها وبين العود إقامة العشرة
193

أو غيرها من القواطع، وبين ما إذا تخلل، فالتخيير أو تحتم التقصير على الأول
وتحتم الاتمام على الثاني، خمسة أقوال.
الأول للسيد والحلي (1)، ونسب إلى المشهور بين المتأخرين (2)، وهو كذلك.
والثاني لبعض فضلاء متأخري المتأخرين ناسبا له إلى الكليني (3).
والثالث للشيخ في النهاية والمبسوط والتهذيب (4)، والمفيد والصدوقين (5)،
ونسب إلى الكليني أيضا (6).
والرابع للقاضي والديلمي وظاهر الوسيلة (7).
والخامس للعماني (8) وجمع ممن يقارب عهده عصرنا (9).
دليل الأولين:
أخبار إناطة وجوب التقصير بالثمانية وما بمعناها، الحقيقة في الممتدة
الذهابية كما مر.
ويجيبون عما يأتي من أخبار الأربعة بالحمل على مريد العود في اليوم، فبه
يجمعون بين الصنفين، مستشهدا له بموثقة محمد المتقدمة في المسألة السابقة (10)،
دل التعليل فيها على أن القصر في البريد إنما هو إذا شغل اليوم، وليس هو إلا إذا

(1) حكاه عن السيد في المعتبر 2: 468، الحلي في السرائر 1: 329.
(2) انظر الحدائق 11: 313.
(3) الحدائق 11: 316 نقله عن بعض مشايخه المحققين عن الفاضل المشار إليه.
(4) النهاية: 122، المبسوط 1: 141، التهذيب 2: 207 ذيل الحديث 495.
(5) المفيد في المقنعة: 349، المختلف: 162 عن الصدوقين، وانظر الفقيه 1: 280، والهداية: 33
والأمالي: 514.
(6) الحدائق 11: 316 نقلا عن بعض مشايخه المحققين.
(7) القاضي في المهذب 1: 106، والديلمي في المراسم: 75، الوسيلة: 108.
(8) حكاه عنه في المختلف: 162.
(9) منهم الذخيرة: 406، ومفاتيح الشرائع 1: 25، والحدائق 11: 326، والرياض 1: 257.
(10) راجع ص 191.
194

رجع في يومه. وبما دل على أن القصر في مسيرة يوم أو بياض يوم، حيث إن المستفاد
منه أن القصر إنما هو إذا كان يومه سائرا، وهو يتحقق بأحد الأمرين: مسير ثمانية
فراسخ، أو أربعة مع الرجوع في اليوم.
أقول: في كل من الاستدلال بأكثر أخبار الثمانية وما بمعناها، والجمع
والاستشهاد نظر.
أما الأول فلأن من الأخبار المذكورة ما أناط تحتم القصر على الثمانية وما
بمعناها كمعتبرة الفضل (1)، وصحيحة زرارة ومحمد (2)، وصحيحة ابن يقطين (3)،
ومنها ما يحتمل ذلك حيث يبين الحكم بالجملة الخبرية المحتملة للوجوب، كموثقة
سماعة ورواية البجلي (4). وشئ منهما لا ينافي جواز التقصير في الأقل من ذلك فلا
ينافي التخيير.
ومنها ما يحتاج إلى تقدير، وهو كل ما جعل التقصير في البريدين أو مسيرة
يوم، أو نحوهما، كحسنة الكاهلي (5)، وصحيحتي الخزاز وأبي بصير (7)،
وموثقة العيص (6)، وغيرها، فإنه لا شك في أنها لا يستقيم إلا بتقدير نحو قوله:
شرعية التقصير، أو جوازه، أو وجوبه، أو حد أحدها، فيحتمل أن يكون بيانا
لحد الوجوب، فلا ينافي التخيير.
نعم يتم استدلا لهم بموثقة الساباطي ومرسلة ابن بكير المتقدمتين (8).
أما الأولى فلدلالتها على انتفاء المسافرة - المراد منها ما يشرع معه التقصير -

(1) المتقدمة في ص 177.
(2) المتقدمة في ص 179.
(3) المتقدمة في ص 181.
(،) المتقدمتين في ص 177 و 178.
(5) المتقدمة في ص 179.
(6) المتقدمتين في ص 180.
(7) المتقدمة في ص 179.
(8) في ص 178، و 180.
195

ما لم يسر من منزله ثمانية فراسخ التي هي - كما مر - حقيقة في الممتدة، وعلى وجوب
الاتمام على السائر ذهابا خمسة أو ستة، الشامل لمن قصد تلك المسافة أولا، لترك
الاستفصال.
وأما الثانية فلأن قوله فيها: " وإن كان دون ذلك أتم وإن كان متضمنا
للاخبار المحتمل بنفسه للجواز، إلا أن الظاهر من ذكره بعد قوله " قصر " الذي
هو للوجوب البتة أن المراد منه الوجوب أيضا. وحمل أحدهما على الوجوب والآخر
على الجواز بعيد. وحملهما على الجواز - حيث إنه جنس للوجوب أيضا - ينفيه
التفصيل القاطع للشركة.
ويدل عليه أيضا صدر رواية البجلي السابقة (1)، وهو: إن لي ضيعة قريبة
من الكوفة، وهي بمنزلة القادسية من الكوفة، فربما عرضت لي الحاجة أنتفع بها،
أو يضرني القعود عنها في رمضان، فأكره الخروج إليها، لأني لا أدري أصوم أم
أفطر. فقال لي: " فأخرج وأتم الصلاة وصم، فإني قد رأيت القادسية ".
وأما وجه النظر في الجمع فالإباء بعض أخبار الأربعة عنه، وصراحته في غير
الراجع ليومه كما يأتي.
وأما في الاستشهاد فلأن التعليل يمكن أن يكون للقصر في البريد ذاهبا
خاصة، فيكون معناه أنه يقصر في البريد، لأنه إذا ذهب بريدا وجاء بريدا في يوم
شغل يومه، وكلما كان كذلك يجوز القصر في ذهابه خاصة أيضا، حيث إنه لو
رجع لكان شاغلا. وأما ما دل على أن القصر في مسيرة يوم ونحوها، فلا يدل إلا
على أن قصد هذه المسافة أو سيرها يوجب القصر، لا أنه يجب أن يكون في يوم
واحد.
حجة القول الثاني، وهو تحتم التقصير مطلقا وجهان:
أحدهما: وجوب القصر في الثمانية الملفقة، ولزوم ضم الإياب مع الذهاب
كما مرت أدلته.

(1) في ص 178.
196

وثانيهما: الأخبار الدالة على أن حد التقصير أربعة فراسخ، وهي مع كثرتها
على قسمين.
القسم الأول: ما يدل على التقصير في أربعة فراسخ، الظاهر في الوجوب
عند جماعة، والقاصر عن إفادته على الأظهر، بل لا يدل على الأزيد من المشروعية
والجواز، وهو مرسلة الفقيه، وصحيحتا زرارة، ورواية المروزي، المتقدمة كلها في
صدر المسألة الأولى (1)، وصحيحة ابن وهب المتقدمة في المسألة الثانية (2)، وموثقة
محمد السالفة في المسألة الرابعة (3)، ومرسلة الخزاز (4)، وهي مثل مرسلة الفقيه،
وصحيحة: أدنى ما يقصر فيه المسافر؟ فقال: " بريد " (5).
وصحيحة الشحام: " يقصر الرجل الصلاة في مسيرة اثني عشر ميلا " (6).
وصحيحة زرارة الطويلة، الواردة في تقصير النبي بمنى، حين أقام فيه
ثلاثا، ثم الخلفاء بعده إلى زمن عثمان وإتمامه، وأمره عليا عليه السلام بالاتمام
واستنكافه منه (7). ولا يتوهم دلالة استنكافه على وجوب التقصير، لجواز أن يكون
ذلك لاعتقادهم وجوب الاتمام.
ورواية الهاشمي: عن التقصير، فقال: " في أربعة فراسخ " (8).

(1) راجع ص 179.
(2) راجع ص 187.
(3) راجع ص 191.
(4) الكافي 3: 432 الصلاة ب 2 ح 3، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 13.
(5) الكافي 3: 432 أبواب السفر ب 82 ح 2، التهذيب 3: 207 / 495، و 4: 223 / 654
الإستبصار 1: 223 / 791، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 11.
(6) التهذيب 3: 208 / 498، و 4: 223 / 655 " الإستبصار 1: 224 / 794، الوسائل 8: 456
أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 3.
(7) الكافي 4: 518 الحج ب 92 ح 3، الوسائل 8: 465 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 9.
(8) التهذيب 3: 208 / 500، الإستبصار 1: 224 / 796، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر
ب 2 ح 5.
197

وأبي الجارود: في كم التقصير؟ فقال: " في بريد " (1).
والقسم الثاني: ما يدل بظاهره على التحتم، وهو رواية صفوان المذكورة في
المسألة الثانية (2)، وموثقتا ابني عمار وبكير، المتقدمتان في المسألة الرابعة (3).
ومرسله ابن أبي عمير: عن حد الأميال التي يجب فيها التقصير، فقال أبو
عبد الله عليه السلام: " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله حد الأميال من ظل
عير إلى ظل وعير " (4).
وصحيحة معاوية بن عمار: إن أهل مكة يتمون الصلاة بعرفات، قال:
" ويلهم، أو: ويحهم، وأي سفر أشد منه؟! لا تتم " (5).
ورواية إسحاق بن عمار: في كم التقصير؟ فقال: " في بريد، ويحهم كأنهم
لم يحجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فقصروا " (6).
وأخرى: عن قوم خرجوا في سفر، فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم
فيه التقصير قصروا من الصلاة، فلما صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو
أربعة تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلا به، وأقاموا ينتظرون مجيئه
إليهم، وأقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون،
هل ينبغي لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال: " إن كانوا بلغوا
مسيرة أربعة فراسخ فيلقيموا على تقصيرهم، أقاموا أم انصرفوا، وإن كانوا ساروا

(1) التهذيب 3: 209 / 501، الإستبصار 1: 224 / 797، الوسائل 8: 458 أبواب صلاة المسافر
ب 2 ح 6.
(2) راجع ص 187.
(3) راجع ص 191.
(4) الكافي 3: 433 أبواب السفر ب 82 ح 4، الوسائل 8: 460 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 12.
(5) الكافي 4: 519 الحج ب 92 ح 5، الفقه 1 / 286 / 1302، التهذيب 3: 210 / 507 و 5:
487 / 1740، الوسائل 8: 463 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 1.
(6) التهذيب 3: 209 / 502، الإستبصار 1: 225 / 798، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر
ب 3 ح 6.
198

أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة أقاموا أم انصرفوا، فإذا مضوا
فليقصروا " (1).
ورواها في العلل والمحاسن، وزاد فيها: " هل تدري كيف صار هكذا؟ "
إلى آخر ما مر في المسألة الثانية (2).
وصحيحة أبي ولاد: إني كنت خرجت من الكوفة في سفينة إلى قصر ابن
هبيرة، وهو من الكوفة على نحو من عشرين فرسخا في الماء، فسرت في يومي
ذلك، أقصر الصلاة، ثم بدا لي في الليل الرجوع إلى الكوفة، فلم أدر أصلي في
رجوعي بتقصير أم بتمام - إلى أن قال -: فقال: " فإن كنت سرت في يومك الذي
خرجت فيه بريدا لكان عليك حين رجعت أن تصلي بالتقصير، لأنك كنت مسافرا
إلى أن تصير إلى منزلك، وإن كنت لم تسر بريدا فإن عليك أن تقضي كل صلاة
صليتها في يومك بالتقصير من قبل أن تريم من مكانك ذلك " (3).
وصحيحة [عمران بن محمد] (4): إن لي ضيعة على خمسة عشر ميلا، خمسة
فراسخ، ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام، فأتم
الصلاة أو أقصر؟ قال: " قصر في الطريق، وأتم في الضيعة " (5).
بحملها على كون الضيعة وطنا للسائل، أو حمل جزئها الأخير على التقية
بمعنى حمل الأمر بالاتمام في الضيعة عليها، لكان الملك مطلقا من القواطع عند
جماعة من العامة.
أقول: يظهر ما في الوجه الأول مما مر في المسألة الثانية.
وأما الوجه الثاني، أي أخبار الأربعة، فيرد عليه أن القسم الأول منها غير

(1) الكافي 3: 433 أبواب السفر ب 82 ح 5، الوسائل 8: 466، أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 10.
(2) راجع ص 188.
(3) التهذيب 3: 298 / 909، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
(4) في النسخ: محمد بن عمران، والصحيح ما أثبتناه، كما يظهر من المصادر وكتب الرجال.
(5) التهذيب 3: 210 / 509، الإستبصار 1: 229 / 811، الوسائل 8: 496 أبواب صلاة المسافر
ب 14 ح 14.
199

دال على الوجوب، قاصر عن إفادته. نعم يدل على مشروعية التقصير في الأربعة.
وأما القسم الثاني منها فكثير من أخباره غير صالح للاستدلال أيضا،
كرواية إسحاق بن عمار الأولى، فإنها قاصرة عن إفادة الوجوب أيضا، لعدم
معلومية سبب الويح، فهو كما يمكن أن يكون إنكارا على الاتمام، يمكن أن يكون
على اعتقاد وجوبه، فيكون المعنى: في كم يجوز التقصير؟ فقال: في بريد، ويح
لمن لا يجوز فيه. نعم ظاهر صحيحة ابن عمار كون الويح على الاتمام.
ومرسلة ابن أبي عمير، فإنها وإن كانت دالة على الوجوب إلا أن غايتها
وجوب التقصير في الأربعة في الجملة، ولا يدل على الوجوب مطلقا وبلا شرط.
ألا ترى أنه يصح أن يقال: حد السن الذي يجب فيه الصيام سن البلوغ، مع أن
وجوب الصوم فيه مشروط بدخول الوقت، والخلو عن الحيض والمرض والسفر،
وغيرهما. فيصح القول بأن حد وجوب التقصير الأربعة، وإن كان مشروطا بشرط
كالرجوع في اليوم، أو المسبوقية بقصد الثمانية الممتدة.
والحاصل أنها تدل على أن كل اثني عشر ميلا حد يجب فيه التقصير،
ويصدق ذلك بوجوبه فيه عند الرجوع ليومه. مع أنه لا بد فيها من تقدير، فكما
يمكن أن يكون المعنى: يجب في سيرها التقصير، يمكن أن يكون: في سير خاص
فيها التقصير، ولا إطلاق في السير فيها حتى يحكم به.
ورواية إسحاق بن عمار الثانية، وصحيحة أبي ولاد، فإنهما أخصان من
المدعى، لاختصاصهما بسير الأربعة، المسبوق بقصد الثمانية الممتدة، الراجع عن
قصدها بعد سير الأربعة، والوجوب حينئذ مسلم، ولا يدل على الوجوب في غير
ذلك الفرد، ولذا قال بالوجوب فيه من لا يقول به في غيره، كما يأتي.
نعم تبقى خمسة أخرى من أخبار القسم الثاني - وهي: رواية صفوان،
والموثقتان، والتعليل الوارد في رواية العلل، وصحيحة عمران بن محمد - دالة على
الوجوب ظاهرا.
مستند القول الثالث، وهو التخيير مطلقا، بعد إبقاء ما دل على جواز
200

التقصير أو وجوبه في الثمانية، والقسم الأول من أخبار الأربعة الدال على الجواز
فيها، على ظواهرها، لعدم المنافاة:
إما حمل ما أمر بالاتمام فيما دون الثمانية، وهي الأخبار الثلاثة المتقدمة أعني
موثقة الساباطي، ومرسلة ابن بكير، ورواية البجلي (1)، وما أمر بالتقصير في
الأربعة، وهي الخمسة المذكورة، على الجواز جمعا، لصلاحية كل منهما قرينة
لذلك الحمل في الآخر.
أو جعل هذين الصنفين متعارضين خاليين عن المرجح، فيجب المصير إلى
التخيير، لذلك.
مضافا إلى الرضوي المتقدم في المسألة الرابعة (2).
أقول: يرد على وجه استدلالهم الأول. أن الجمع الذي ذكروه إنما يحسن
مع وجود الشاهد عليه، ولا شاهد. وصلاحية كل منهما قرينة لحمل الآخر على
الجواز ممنوع. نعم، يصلح تجويز الترك قرينة لحمل الدال على الوجوب على
الاستحباب، وتجويز الفعل قرينة لحمل الدال على الحرمة على الكراهة، وأما تحتم
الطرفين فليس بينهما إلا التعارض.
وعلى وجه استدلالهم الثاني أولا: أن الرجوع إلى التخيير عند التعارض إنما
هو إذا كان بالتباين أو العموم من وجه، وأما إذا كان في بالعموم المطلق، فيجب حمل
العام على الخاص قطعا. وما نحن فيه كذلك، لأن موثقة الساباطي من الأخبار
الثلاثة عامة بالنسبة إلى قصد المسافة وعدمه، وأكثر الأخبار الخمسة خاصة من
هذه الجهة سيما رواية صفوان، ولا جهة خصوصية أخرى للموثقة بالنسبة إليها.
ومرسلة ابن بكير أعم مطلقا من جميع الخمسة من جهة شمولها لما دون الأربعة
أيضا. مضافا إلى إمكان الخدش في صراحتها في الوجوب، ورواية البجلي عامة
من جهة كون الضيعة وطنا للراوي، وكثير من الأخبار الخمسة خاصة من

(1) راجع ص 178، و 180، و 196.
(2) راجع ص 191.
201

الجهتين، وكذا قوله في معتبرة الفضل. ولا يجب في أقل من ذلك (1)، فإنه أعم مما
دون الأربعة أيضا.
وثانيا: أنا سلمنا التعارض، ولكن الترجيح مع أخبار الأربعة الخمسة،
لموافقتها لعموم الكتاب (2)، فإن مقتضاه نفي الجناح عن التقصير فيما يصدق عليه
الضرب في الأرض مطلقا، والمورد منه، وأخبار التمام يوجب الجناح فيه، ومخالفتها
للعامة، لأن غير شاذ منهم يوجبون التمام في المورد (3).
وعلى وجه استدلالهم الثالث وهو الرضوي: بضعفه المانع عن حجيته.
دليل القولين الآخرين - وهما التفصيل في تحتم القصر ا والتخيير، بيم ما إذا
تخلل القاطع وبين ما إذا لم يتخلل - وجوه:
أحدها: انصراف إطلاق ما دل على التقصير في الأربعة نصا وفتوى إلى
مريد الرجوع قبل القاطع، لأنه الغالب.
وتؤيده موثقة محمد المتقدمة (1)، حيث إن فيها - بعد الحكم بالتقصير في بريد
بقول مطلق، وتعجب الراوي عنه - علل الحكم بأنه إذا رجع شغل يومه، وهو
ظاهر في أن الأربعة حيث تطلق يراد بها ما يتعقبه الرجوع. ونحوها الأخبار
الأخرى الدالة على اعتبار الإياب بنحو قوله: " ذاهبا وجائيا " ومثل ذلك.
وثانيها: أن مع عدم الرجوع يكون ذلك سفرين، كل منهما أربعة فراسخ،
لا سفر واحد، فالتقصير في كل منهما يوجب طرح أخبار الثمانية. بل المتبادر من
الثمانية لو لم يكن الذهابية فقط فلا شك في لزوم كونها في سفر واحد، غير متخلل
في أثنائه القاطع.

(1) راجع ص 177، وعبارة الرواية: " وإنما وجب التقصير في ثمانية فراسخ لا أقل من ذلك ولا
أكثر ".
(2) " وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة...) النساء 101.
(3) بداية المجتهد 1: 168.
(4) في ص 191.
202

وتنافيه التعليلات الناصة للتقصير في الأربعة بأنها تصير مع الرجوع ثمانية،
سيما قوله في رواية العلل: " وأرادوا أن ينصرفوا " (1).
وثالثها: الرضوي، حيث قال - بعد الحكم بوجوب التقصير في الأربعة مع
إرادة الرجوع ليومه كما مر -: " وإن عزمت على المقام، وكان سفرك بريدا واحدا،
ثم تجدد لك فيه الرجوع من يومك، فلا تقصر " (2).
هذا، مع أن كثيرا من الأخبار التامة الدلالة على وجوب التقصير في
الأربعة، أو المستدل به له، غير شاملة أو في، ظاهرة الشمول لما إذا تخلل القاطع.
كما دل على وجوب تقصير الحاج أو أهل مكة في عرفة، لعدم وقوفهم فيها
عشرة قطعية، أو ثلاثين مترددة، إلا نادرا لا يحمل الكلام عليه.
وكرواية إسحاق بن عمار الأخيرة، لندرة انتظارهم الرجل المذكور مترددين
بأزيد من ثلاثين يوما، بل استبعاده، بل القطع عادة بخلافه، بل المتيقن إما مجيئه
أو يأسهم عن مجيئه قبلها.
وكرواية العلل المتضمنة لإرادة الانصراف، ورواية صفوان المشتملة على
قوله " ذاهبا وجائيا " وصحيحة أبي ولاد المصرحة بإرادة الرجوع من الطريق.
أقول: يمكن القدح في بعض هذه الوجوه، كمنع الانصراف والغلبة
المذكورتين، ومنع إشعار الموثقة، وكمنع تعدد السفر بتخلل القاطع مطلقا، فإنه
لا وجه لتعدد السفر عرفا بتخلل العشرة مع نية الإقامة دون العشرين بدون النية،
أو التسعة مع النية أيضا، وتضعيف الرضوي بعدم ثبوته، مع أن في صحيحة
عمران دلالة على التقصير في الأربعة مع تخلل القاطع (3).
ثم أقول: إن بما ذكرنا ظهرت أدلة جميع الأقوال الخمسة، وما يرد على كل

(1) راجع ص 188.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 159، مستدرك الوسائل 6: 528 أبواب صلاة المسافر 2: ح 1، وفيه
صدر الحديث.
(3) راجع ص 199.
203

منها، فيلزم علينا الآن المحاكمة بينها وترجيح الراجح منها.
فنقول: قد عرفت أن ما يدل على تحتم الاتمام فيما دون الثمانية الممتدة دلالة
تامة ينحصر في أخبار ثلاثة معارضة مع جميع أخبار القسمين من أخبار الأربعة،
وهي راجحة بالأشهرية رواية جدا، والأصحية سندا، فيجب ترجيحها، مضافا
إلى ما عرفت من أعمية الثلاثة مطلقا عن كثير من أخبار الأربعة، فيجب
تخصيصها بها بالحمل على غير قاصد المسافة أو الأربعة، أو المتخلل له دخول
الوطن، ومع ذلك يصرح الرضوي المنجبر بخلافها. ولو قطع النظر عن جميع ذلك
فبعد حصول التعارض يجب الرجوع إلى التخيير.
ومنه يظهر ضعف القول بالتمام وجوبا جدا، وكذا القول بتحتم القصر
مطلقا، لما عرفت من أن ما تتم دلالته عليه منحصر في روايات خمس، وروايتا
صفوان والعلل. وموثقة ابن عمار - كما عرفت - غير شاملة لما لم يتخلل القاطع،
أو غير ظاهرة فيه.
فلم يبق إلا عموم موثقة ابن بكير، وخصوص صحيحة عمران، ولكنهما
غير صالحتين لاثبات الوجوب، لشذوذه جدا، فإنه لم ينقل قائل به من القدماء
والمتأخرين مطلقا، ولا معروف من متأخري المتأخرين، وإنما نسبه بعض مشايخنا
إلى واحد منهم، وأما نسبته إلى الكليني فغير واضحة، بل نسب إليه القول المشهور
كما مر (1)، فالخبر الدال عليه شاذ نادر، بل للاجماع البتة مخالف.
ومع هذا كله لا دلالة في الصحيحة على كون الأمر بالاتمام في الضيعة
لأجل تخلل القاطع، فلعله لأجل التقية، حيث كان في الضيعة من المخالفين
جماعة، بخلاف الطريق.
فلم يبق إلا عموم الموثقة المعارضة بالرضوي المذكور، المخصوص، النافي
لوجوب التقصير مع عزم المقام، المنجبر بالشهرة القديمة والجديدة العظيمة بل
الاجماع، فتخصيصها به لازم، ورفع اليد عن ذلك القول أيضا متحتم، فبقيت

(1) راجع ص 194.
204

ثلاثة أخرى.
وقد عرفت ضعف ما استدلوا به للتخيير بعد معارضته لأخبار التحتم، وقوة
أخبار التحتم، فلو خليا وأنفسهما لكان الترجيح للأخير، وكان جدا قويا، إلا أن
القول بالتخيير يتقوى بالرضوي المتقدم في المسألة الرابعة المصرح بالخيار (1)، وهو
وإن كان ضعيفا بنفسه، إلا أنه منجبر بفتوى جماعة من فحول القدماء كالصدوقين
والشيخين وأتباعهما (2)، بل بالشهرة القديمة، كما صرح به بعض مشايخنا (3)، بل
بنقل الاجماع عن أمالي الصدوق عليه (4)، بل به تشعر عبارة التهذيب حيث قال:
على أن الذي نقوله في ذلك: إنما يجب التقصير إذا كان مقدار المسافة ثمانية
فراسخ، وإذا كان أربعة فراسخ كان بالخيار (5).
والقول بالتحتم يوهن بندور القول به وشذوذه، كما صرح به جماعة (6)، ولم
ينقل القول به عن الطبقتين الأولى والثانية إلا عن العماني (7)، وإنما هو شئ ذهب
إليه طائفة ممن يقاربنا عهده (8)، ونفى المحقق الأردبيلي القول بتحتم القصر فيما
دون الثمانية لغير مريد الرجوع في يومه (9)، بل في السرائر: الاجماع على جواز
التمام، ونفي الخلاف عن حصول البراءة به (10)، وهو المستفاد من المختلف
أيضا (11)، وعن شيخنا الشهيد الثاني في رسالته: بطلان لزوم القصر في الأربعة

(1) راجع ص 191.
(2) راجع ص 194.
(3) انظر الرياض 1: 257.
(4) أمالي الصدوق: 514.
(5) التهذيب 2: 207.
(6) منهم صاحب الرياض 1: 257، وانظر مفتاح الكرامة 3: 503
(7) حكاه عنه في المختلف: 162.
(8) راجع ص 194.
(9) مجمع الفائدة والبرهان 3: 361.
(10) السرائر 1: 130.
(11) المختلف: 162.
205

لغير مريد الرجوع في يومه إجماعا (1)، وكذا صرح بالاجماع على عدم تحتم التقصير
في الأربعة بعض الأجلة في شرح الروضة، وصرح بعض مشايخنا بإجماع من عدا
العماني على عدم التحتم أولا، وبالاجماع المطلق ثانيا (2).
ولا شك أن بذلك يضعف أخبار التحتم جدا، فإن كلا من شهرة القدماء
على خلاف خبر، وشذوذ القول بمضمونه مما يخرجه عن الحجية، بل المخرج هنا
حقيقة الاجماع، إذ لو لم يثبت الاجماع هنا لم يثبت إجماع لم يقدح فيه مخالفة معروف
النسب ولا الشاذ.
وعلى هذا فيبقى القول بالتحتم بلا ديل صالح للحجية، مع أنه على
فرض وجوده يكون في إزائه الرضوي المذكور الذي بما مر مجبور، وهو مع أنه كاف
في نفسه لاثبات التخيير يصلح قرينة لحمل الأوامر فيها على الجواز، سيما مع ما في
دلالة هذه الأوامر على الوجوب من الكلام، من جهة كونها في مقام توهم الحظر
بل مسبوقيتها به.
مضافا إلى ما عرفت من ظهور أخبار الثمانية والبريدين ونحو هما في الممتدة،
وإلى عدم رجحان أخبار الأربعة عن الرضوي باعتبار موافقة الكتاب، ولا مخالفة
العامة، لأن التخيير أيضا كذلك، مع أن في رجحانها عن أخبار تحتم الاتمام
بالأول أيضا نظرا، لأن الضرب في الأرض حقيقة في معنى لا يراد هنا قطعا،
ويمكن أن يكون مجازه السفر، وصدقه على السير في الأربعة مطلقا محل نظر.
مع أن الرضوي أخص من الجميع باعتبار اختصاصه بغير مريد الرجوع
ليومه، فيجب التخصيص به. وهذا هو وجه رد الدليلين الأخيرين لضم الإياب
مع الذهاب المشار إليه في المسألة الثانية (3).
هذا كله مع دلالة جميع أخبار القسم الأول من أخبار الأربعة على جواز

(1) نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني): 172.
(2) انظر الرياض 1: 257.
(3) راجع ص 187، و 188.
206

القصر من غير ثبوت التحتم منها (1)، وهي مع كثرتها تشتمل على الصحاح، ويدل
عليه ما مر في المسألة الثالثة من ضم الإياب في الجواز (2).
وعلى هذا فيكون الترجيح للتخيير البتة، فعليه العمل، وبه الفتوى، وهو
الأصح.
وهل هو ثابت على الاطلاق كما هو ظاهر أكثر القدماء، أو مشروط بعدم
تخلل القاطع؟
الحق هو الأول، لاطلاق أكثر أخبار القسم الأول من أخبار الأربعة،
وبعض أخبار القسم الثاني، من غير معارض سوى الرضوي الدال على عدم
التقصير مع العزم على المقام (3). وهو - مع ضعفه الغير المجبور في المورد - لا يدل
على حرمة القصر، فلا ينافي المطلوب، وإن نافى إطلاق تحتم القصر، وكان منجبرا
فروع:.
أ: وإذا عرفت التخيير فيما دون الثمانية، فهل يتساوى الأمران فيه، أو
الأفضل القصر، أو الاتمام؟
الظاهر هو الثاني مع عدم تخلل القاطع، للأخبار الدالة على تقصير الرسول
في عرفة وذباب، وعدم رضاء الولي فيها بالاتمام (4)، وظهور أخبار القسم الأول
من أخبار الأربعة في الرجحان (5)، ولا ينافيه الخيار المثبت في الرضوي (6). والثالث

(1) راجع ص 197.
(2) راجع ص 190.
(3) المتقدم في ص 203.
(4) انظر الوسائل 8: 461 أبواب صلاة المسافر ب 2 ح 5 1، و ص 463 ب 3 من تلك الأبواب ح 1 و 5
و 6.
(5) راجع ص 197.
(6) المتقدم في ص 191.
207

مع تخلل القاطع، للرضوي الذي هو أخص مما ذكر (1)، وضعفه في مقام السنن
غير ضائر.
ب: ذكر جماعة (2) أن مبدأ تقدير المسافة من آخر خطة البلد في جهة المسافة
في الصغير والمعتدل، وآخر محلته في المتسع.
واستدل للأول بأنه المتبادر من إطلاق النص والفتوى. وللثاني بعدم تبادره
من الاطلاق، فيرجع إلى المتبادر، كما يرجع في إطلاق الوجه إلى مستوي الخلقة.
أقول: إن ما ورد من أن التقصير في بريد أو بريدين أر مسيرة يوم أو ثمانية
فراسخ أو نحو ذلك، يحتمل أن يكون المراد مبتدأ من البيت أو مبدأ السير أو آخر
خطة البلد، وبالجملة في مبدأ المسافة إجمال.
فإن أراد المستدل أن المتبادر من ذلك الاستعمال إرادة آخر البلد مطلقا، فلو
سلم فينبغي أن لا يتفاوت حكمه في المعتدل والمتسع، ولا بلد مذكورا حتى يقال
بانصراف إطلاقه إلى الشائع.
وإن أراد أن المتبادر منه إرادة ذلك في المعتدل خاصة، فهو ممنوع غايته.
نعم الحكم الذي ذكروه في المعتدل من اعتبار البلد موافق للأصل، فيجب
اتباعه قطعا، ولكنه جار في المتسع أيضا.
والتحقيق أن يقال: إن التقصير في كثير من الأخبار وإن كان معلقا على
البريد أو البريدين أو نحوهما مجملا، إلا أنه في بعض الروايات نحو صحيحة أبي
ولاد (3)، وموثقة الساباطي (4)، ورواية العلل (5)، معلق على السير، ومعناه معلوم

(1) راجع ص 203.
(2) منهم الشهيد في الذكرى: 257، وابن فهد في المهذب البارع 1: 482. والشهيد الثاني في
الروض: 283.
(3) المتقدمة في ص 199.
(4) المتقدمة في ص 178.
(5) المتقدمة في ص 188.
208

لا إجمال فيه، فاللازم منه اعتبار مبدأ السير، كما ذهب إليه بعضهم، وتحمل
المجملات أيضا على المبين، فهو المعتبر لا غير، سيما فيما إذا كان المسافر من أهل
البوادي والخيام.
نعم قد ظهر لك في المسألة الأولى أن الفرسخ ونحوه أمر تقريبي، سواء
رجع فيه إلى العرف أو الأذرع، ولا يتفاوت في صدقه - سيما في صدق أربعة
فراسخ أو الثمانية - اختلاف نحو ألف ذراع بل أكثر، وعلى هذا فلا يختلف الحكم
في البلاد الصغيرة أو المعتدلة، سواء اعتبر المبدأ من البيت الذي هو مبدأ السير،
أو البلد، لصدق المسافة المعتبرة على التقديرين.
وهذا هو السر في شيوع اعتبار البلد وتبادره، لا من جهة مدخلية نفس
آخره، وهو السر فيما ورد في الأخبار المتقدمة من نسبة المسافة إلى المدينة في
صحيحة زرارة ومحمد (1)، وإلى الكوفة وبغداد في روايات أخر، فإن مسافة
عشرين فرسخا أو بياض يوم لا تختلف في هذه البلاد باختلاف المبدأ لو اعتبر من
آخر البلد أو الوسط، ولذا لو علق حكم على مسافة قليلة كألف ذراع لا يتبادر
آخر البلد.
نعم قد يختلف إذا اتسع البلد كثيرا، وحينئذ فيكون المرجع هو مبدأ السير،
كما هو مقتضى الأخبار المثبتة.
فالتحقيق أن يقال: إن المعتبر مبدأ السير تقريبا مطلقا، لكنه لما كان لا
يختلف الحكم باعتباره في البلاد المعتدلة يكفي اعتبار مبدأ البلد، وأما في المتسعة
فلامكان الاختلاف يناط حكمها بمبدأ السير.
ج. قال في الذكرى. لو قصد المسافة في زمان يخرج عن اسم المسافر،
كشهرين أو ثلاثة أشهر، فالأقرب عدم القصر لزوال التسمية. ومن هذا الباب ما
لو قارب المسافر بلده، فتعمد ترك الدخول فيه للتقصير، فلبث في قرى متقاربة

(1) المتقدمة في ص 179.
209

بحيث خرج بها عن اسم المسافر، وظاهر [النظر] (1) يقتضي عدم الترخص
بحال (2).
قال في المدارك بعد ذكر ذلك: ويمكن المناقشة في عدم الترخص في الصورة
الثانية بأن السفر بعد استمراره ينقطع بأحد القواطع، وبدونه يجب البقاء على
حكم القصر. وأما ما ذكره من عدم الترخص في الصورة الأولى فجيد، لأن القصر
إنما يثبت في السفر الجامع لشرائط القصر، فمتى انتفى السفر أو بعض شرائطه
قبل انتهاء السفر انتفى التقصير (3). انتهى.
أقول. مبنى كلام الشهيد على اشتراط صدق المسافر في جواز تقصيره،
وعدم الصدق في الصورتين. ومبنى كلام صاحب المدارك على الشك في الصدق
وعدمه في الصورتين، فيجب استصحاب الحالة السابقة.
وقد يقال في تأييد كلام الشهيد قدس سره. إن تعلق الحكم بالمسافر إنما
هو بالأفراد المتعارفة الشائعة، ومثل ذلك ليس منها (4).
ثم أقول: مقتضى بعض الظواهر وإن كان اشتراط السفر، كمفهوم قوله
سبحانه: (وإن كنتم على سفر) (5) ومفهوم ما في بعض الأخبار: " ومن سافر
قصر " وتعليق الأمر بالتمام على عدم كونه مسافرا في موثقة الساباطي، وقوله في
رواية صفوان: " لأنه لا يريد السفر ثمانية فراسخ " ورواية العلل (6) ونحو ذلك، إلا

(1) في النسخ: النص، وما أثبتناه موافق للمصدر.
(2) الذكرى: 257.
(3) المدارك 4: 432.
(4) انظر الحدائق 11: 306.
(5) الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، لأن الآية المذكورة لم ترد في مسألة القصر، بل وردت في مسألة
الرهن (البقرة: 283) وفي مسألة التيمم (النساء: 43، والمائدة: 6). وكان مراد (ره) قوله
سبحانه: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة: 185، الوارد في الصوم، ويدل
على جواز القصر أيضا كما ثبت في محله.
(6) لا يخفى أنه علق الحكم فيها على السير لا على السفر، فراجع ص 188.
210

أنه علق الحكم في بعض روايات أخر بالسير الذي هو أعم من صدق السفر.
ومنه ينقدح الاشكال في اشتراطه، مع أنه على فرض اشتراطه فانتفاء صدقه
في الصورتين محل نظر، فيحصل الشك في دخولهما تحت الحكم. ولكن ندرة هذين
الفردين من أفراد سير المسافة توجب الشك فيه أيضا، فإن القرائن الحالية الموجودة
حال الخطاب تصرفه عن ظاهره، كما أنها توجب الشك في دخولهما تحت حكم
الحاضر أيضا، فالأظهر فيهما العمل بمقتضى اليقين السابق، كما ذكره في
المدارك.
د: البحر كالبر في جواز القصر أو وجوبه مع بلوغ المسافة أحد النصابين،
وإن قطعت في ساعة، كما به صرح جماعة، منهم المنتهى قائلا إنه لا نعرف في ذلك
خلافا (1).
وهو كذلك، لترتب وجوب القصر على قصد المسافة المتحقق في المورد. ولا
يضر قطع المسافة في زمان قليل، لتعارفه في البحر.
د: إنما يجب القصر مع العلم ببلوغ المسافة بالاعتبار، أو الشياع، أو
القرائن.
ومع الشك يتم بلا خلاف، عملا بالأصل، لا أصل عدم بلوغ المسافة،
لأن القصر تابع لقصدها، والمسافة المقصودة لا يعلم مقدارها، ولا يجري فيها
أصل. بل أصل وجوب الاتمام واستصحابه حتى يعلم وجوب القصر أو جوازه،
واستصحاب مشروعية الاتمام لو شك في بلوغ حد مسافة الوجوب.
وفي وجوب الاعتبار حين الشك وعدمه وجهان، نظرا إلى وجوب تحصيل
البراءة اليقينية الموقوف عليه، وإلى أن الواجب عليه التقصير بشرط العلم لا
مطلقا، فيكون الواجب عليه مشروطا، ولا يجب تحصيل مقدمة الواجب
المشروط، والحاصل: أن الذمة مشغولة قبل العلم بالتمام، وقد حصلت البراءة
به.

(1) المنتهى 1: 390.
211

والحق هو الأول مع الامكان، لشهادة العرف بإرادة الفحص في مثل ذلك،
كما مر بيانه في مسألة الاجتناب عن الاستقبال، في آداب الخلوة.
ولو عصى وترك الاعتبار لم تجز له الصلاة، لأن المفهوم عرفا وجوب تأخير
الصلاة عن الفحص، إلا أن تركه حتى ضاق الوقت عنه فيصلي تماما، للأصل
المذكور.
ولو ظهر بلوغ المسافة بعد الاعتبار حينئذ لم تجب الإعادة، للاتيان بالمأمور
به المقتضي للاجزاء.
ولو صلى قصرا أعاد مطلقا، وإن ظهر أنه مسافة، لأن فرضه التمام ولم يأت
به، وما أتى به لم يؤمر به.
ولو سافر مع ظن عدم بلوغ المسافة، ثم ظهر في الأثناء أن المقصد مسافة،
يجب التقصير حينئذ وإن قصر الباقي عن المسافة، لظهور كونه قاصدا للمسافة
أولا، لأنه كان قاصدا لمسافة معينة، غايته عدم علمه بكونه مسافة وعلمه حينئذ،
فيعلم كونه قاصدا للمسافة أولا. وأما اشتراط علمه أولا بأن مقصوده مسافة أيضا
فلا دليل عليه، والأصل ينفيه. مع أن في مرسلة ابن بكير: " إن كان بينه وبين
منزله أو ضيعته التي يؤم بريدان قصر " (1) وهو صادق في المورد.
ولا تجب إعادة ما صلى تماما قبل ذلك، لأنه صلى صلاة مأمورا بها،
والأحوط الإعادة مع بقاء الوقت، بل هو الأظهر فيه.
وهل يقوم الظن ببلوغ المسافة مقام العلم؟
ظاهر الدليل: لا، ولو كان حاصلا من شهادة العدل بل العدلين، لأن
الأصل حرمة العمل بالظن وعدم حجيته إلا ما قام عليه دليل، ولا دليل على
اعتبار العدل أو العدلين في خصوص المورد أو كليا.
و: لا يضم الذهاب مع الإياب في الأربعة، كما كان يضم في الثمانية وجوبا
عند جماعة، وجوازا على الأقوى، للأصل، واختصاص الدليل بالثمانية، ولصريح

(1) التهذيب 4: 221 / 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.
212

صحيحة أبي ولاد، ورواية إسحاق بن عمار المتقدمتين (1)، فلا يتخير في الثلاثة فما
دونها وإن رجع.
ز: لو كان لبلد طريقان أحدهما مسافة دون الآخر، فإن سلك الأقرب أتم
ذهابا وإيابا.
وإن سلك الأبعد لعلة غير الترخص قصر إجماعا، كما صرح به غير
واحد (2).
وكذا إن كان للترخص، على الأظهر الأشهر، بل عن ظاهر البعض كونه
إجماعيا (3)، لصدق قصد المسافة.
خلافا للمحكي عن القاضي فيتم (4)، لأنه كاللاهي بصيده.
وهو ضعيف، لأن السفر بقصد الترخص غير محرم، للأصل، والقياس
فاسد.
ولو ذهب من الأقرب قاصدا للرجوع من الأبعد قصر في الذهاب على
الجواز، وفي الرجوع على الوجوب. أما الثاني فظاهر. وأما الأول فلما مر من ضم
الإياب مع الذهاب جوازا.
ولو عكس قصر فيهما وجوبا.
ولو كان أبعد المسافتين مسافة جواز التقصير - أي الأربعة إلى ما دون
الثمانية - والأقرب أقل من الأربعة، فإن سلك من الأبعد جاز التقصير سواء رجع
منه أو من الأقرب، وإن سلك الأقرب أتم ذهابا وجوبا إن عاد منه أو من الأبعد
مع عدم بلوغ المجموع الثمانية، وجوازا إن بلغ المجموع ثمانية.
ح: لو تردد يوما في ثلاثة فراسخ ذاهبا وجائيا، فإن بلغ في الرجوع موضع

(1) في ص 199.
(2) كالتذكرة 1: 188، والذخيرة: 407، والرياض 1: 249.
(3) يظهر ذلك من التذكرة 1: 188.
(4) المهذب 1: 107.
213

سماع الأذان ومشاهدة الجدران فالظاهر - كما صرح به جماعة (1) - عدم الخلاف في
عدم القصر، ويدل عليه الأصل.
وإن لم يبلغ فالمقطوع به في كلام الأكثر عدم جواز القصر أيضا، لأن من
هذا شأنه ينقطع سفره بالرجوع، وإلا لزم القصر لو تردد في فرسخ ثمان مرات،
ولعدم صدق المسافر عليه شرعا ولا عرفا.
وللتأمل في الوجهين مجال.
والأولى أن يقال في الدليل: إن الأصل لزوم الاتمام خرج منه قاصد الثمانية
أو الأربعة التي لا تكون ملفقة من الذهاب والإياب أو تكون ملفقة منهما فقط من
غير أن يضم معهما عود ثالث، فيبقى الباقي، ولعموم قوله في مرسلة ابن بكير:
" وإن كان دون ذلك أتم " (2).
فالحكم بالتمام فيه لازم، والخلاف فيه - كما عن التحرير (3) - ضعيف
غايته.
والاحتجاج بثبوت التلفيق باطل، لأن الثابت منه - وجوبا كما قيل، أو
جوازا كما هو الأصح - تلفيق إياب مع ذهاب كما هو مورد دليله، لا تلفيق التكرار
ثلاثا أو أربعا. وهو السر في عدم القصر في الفرسخ المتكرر فيه ثمان مرات، لا
عدم صدق السفر كما قيل (4)، وإلا لما جاز في فرسخ حول بلده يدور في عمله
أيضا، لعدم التفاوت.
ط: لو قصد المسافة عرضا لا طولا، كأن يقصد البعد عن بلده فرسخا
يدور عليه حول بلده حتى بلغ المسافة، يقصر، لصدق المسافة، ولقوله في
صحيحة ابن يقطين: " وإن كان يدور في عمله " (5) قال في الوافي: معناه: وإن كان

(1) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 407.
(2) التهذيب 4: 221 / 648، الوسائل 8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 3.
(3) التحرير 1: 55.
(4) انظر الذكرى: 257، والحدائق 311011.
(5) التهذيب 3: 209 / 503، الإستبصار 1: 225 / 799، الوسائل 8: 455 أبواب صلاة المسافر
ب 1 ح 16.
214

مسيره يكون في عرض المسافة (1).
ي: لو ذهب إلى منزل من طريق وقصد الرجوع من طريق آخر شبه قوس،
لم يقصر ما لم يبلغ قدر المسافة التي تعد في العرف ذهابا من البلد مسافة موجبة أو
مجوزة، إلا أن يبلغ المجموع ثمانية ملفقة، فيقصر على الجواز. والوجه ظاهر مما
مر.
الشرط الثاني: قصد إحدى المسافتين المذكورتين للوجوب أو الجواز ولو في
أثناء الطريق.
فلو قصد الأقل أو لم يقصد مسافة لم يجب التقصير أو لم يجز، وإن ذهب
أضعاف المسافة. وإن قصدها يجب أو يجوز، ولو لم يقطع بعد
المسافة بالاجماع المحقق والمحكي مستفيضا في الحكمين (2). له، ولرواية صفوان
المتقدمة (3)، فيهما. ولا يضر الاتيان بالجملة الخبرية، لعدم الفصل. ولموثقة
الساباطي وذيل مرسلة ابن بكير السالفتين (4)، في الحكم الأول. ولصدر الثانية،
في الثاني، مضافا إلى الاجماع على اعتبار المسافة، وليس المراد قطعها إجماعا ونصا،
كما يظهر من أخبار حد الترخص وغيرها، واستلزام إرادته عدم القصر في الثمانية
التي بين الوطنين، وبطلانه ظاهر.
نعم يقصر في الرجوع إذا بلغ المسافة وقصد الرجوع إلى أولها، إجماعا،
لحصول الشرط، وموثقة الساباطي: عن الرجل يخرج في حاجة له وهو لا يريد
السفر، فيمضي في ذلك فيتمادى به المضي حتى يمضي به ثمانية فراسخ، كيف

(1) الوافي 7: 131.
(2) انظر المعتبر 2: 468، والمنتهى 1: 390، والمدارك 4: 439، والذخيرة: 407، والرياض 1:
250.
(4) في ص 187.
(5) في ص 178 و 180.
215

يصنع في صلاته؟ قال: " يقصر ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله " (1).
دلت على وجوب التقصير بعد مضي ثمانية فراسخ سواء كان بعد في الذهاب
أو العود أو البقاء، خرج الأخير بالاجماع، فيبقى الباقي. كما أنه يخص الأمر
بالاتمام في موثقته الأخرى المتقدمة (2) بالانتهاء أو مع الذهاب، على الخلاف.
وكذلك إرادة الرجوع في رواية صفوان تخص بحال البقاء، أو يبقى على
حاله، لعدم دلالة على حرمة القصر وعدم وجوبه في الأربعة.
وفي ضم بقية الذهاب مع الإياب مما هو أقل من المسافة احتمالات:
أولها: عدم الضم، فلا يقصر إلا عند الشروع في الرجوع دون هذه
البقية، حكي عن الأكثر (3)، بل ادعي عليه الاجماع.
وثانيها: الضم، فيقصر إذا بلغ مجموع البقية والإياب مسافة، فإذا ذهب
ستة فراسخ بغير قصد، ثم قصد فرسخا ثم الرجوع، يقصر وجوبا في ذلك
الفرسخ الباقي أيضا، وظاهر الحدائق الميل إليه (4).
وثالثها: الضم بشرط بلوغ الإياب وحده حد المسافة، كأن يذهب سبعة
فراسخ بغير قصد، ثم قصد فرسخا ثم الرجوع، نقله في الحدائق عن بعض
مشايخه المحققين (5).
دليل الأول: عدم ضم الإياب مع الذهاب.
ودليل الثاني: لزوم ضمه معه.
وحجة الثالث: أن مع بلوغ الرجوع حد المسافة وقصده الرجوع يصدق
قصد المسافة من غير تلفيق، فإن التلفيق الباطل إنما هوما حصل به نفس المسافة

(1) التهذيب 4: 226 / 663، الإستبصار 1: 227 / 807، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر
ب 4 ح 3.
(2) في ص 178.
(3) الرياض 1: 250، وحكى فيه الاجماع عليه.
(4) الحدائق 11: 332.
(5) الحدائق 11: 330.
216

لا مطلقا، وهي في المقام من دونه حاصلة.
أقول: يرد على الأول: منع عدم الضم في جواز القصر.
وعلى الثاني: منع لزومه.
وعلى الثالث: أن اللازم فيما إذا قصد المسافة القصر عند الشروع في تلك
المسافة المقصودة لا مطلقا.
ومنه يظهر أن الحق جواز القصر في البقية إن بلغت مع الإياب ثمانية
فصاعدا، ووجوبه في الإياب خاصة إن بلغ بنفسه الثمانية.
وتدل على الأول أيضا موثقة الساباطي المذكورة في هذا الشرط، حيث دلت
على جواز القصر حين مضت ثمانية فراسخ وإن بقيت بقية. ولا يضر اختصاصها
بالثمانية، لأنها كانت في السؤال. ولا تعارضها موثقته المتقدمة (1)، لما عرفت من
إجمال معناها.
فروع:
أ: إذا تم الذهاب ثمانية فراسخ ولم يشرع بعد في الرجوع، لا يجب القصر،
للأصل، وعدم دليل على الوجوب. ولا يجوز أيضا إذا لم يكن قاصدا لمسافة ذهابية
قبله لعدم قصد مسافة قبله ولا الشروع فيها بعد، لظاهر الاجماع، ورواية
صفوان. وبها يخص عموم الموثقة المذكورة هنا، لاختصاص النهي فيها بحال إرادة
الرجوع أي حال البقاء، وعموم الموثقة له وللعود.
ولو ضمت بقية معه جاز القصر حينئذ، كما مر.
ب: يعتبر في هذا الشرط استمراره إلى حد المسافة، بمعنى أن لا يرجع
عن قصده المسافة ولا يتردد فيه قبل بلوغ المسافة، فلو رجع قبله أو تردد لم يقصر، بلا
خلاف فيه كما قيل (2)، بل قيل: إنه إجماع (3).

(1) في ص 178.
(2) الرياض 1: 250.
(3) الذخيرة: 407.
217

لرواية إسحاق بن عمار في منتظر الرفقة، وصحيحة أبي ولاد المتقدمتين (1)،
ورواية المروزي وفيها: " فإذا خرج الرجل من منزله يريد اثني عشر ميلا، وذلك
أربعة فراسخ، ثم بلغ فرسخين، ونيته الرجوع أو فرسخين آخرين قصر، وإن
رجع عما نوى عندما بلغ فرسخين وأراد المقام فعليه التمام، وإن كان قصر ثم رجع
عن نيته أعاد الصلاة " (2).
قيل: في دلالة الأخيرتين نظر:
أما الأولى فلعدم تصريح فيها بالقصر بعد نية الرجوع قبل بلوغ المسافة،
وإنما صرح فيها بقضاء ما صلاه بالتقصير لو رجع عن النية قبل بلوغها، وذلك
وإن استلزم الحكم الأول إلا أن الملزوم - وهو وجوب قضاء ما صلاه مطلقا - باطل
إجماعا، مخالف لصريح صحيحة زرارة المتضمنة لقوله " تمت صلاته ولا يعيد " (3)
فيبطل اللازم، إذ لا بقاء للدلالة التبعية بعد فساد متبوعها. ولا يتوهم دلالة قوله
" فإن كنت سرت... " بالمفهوم على المطلوب، لأن مع تعقيبه بقوله " وإن كنت لم
تسر... " لم يبق له مفهوم غيره عرفا.
وأما الثانية فلأن محل دلالتها إما قوله " فعليه التمام " أو أمره بعده بإعادة
الصلاة، والأول لا يفيد، لأن الاتمام لعله لقصد المقام دون نية الرجوع، وكذا
الثاني، لما مر في السابقة.
أقول: وجوب قضاء الصلاة مطلقا وإن كان مخالفا للاجماع، إلا أن وجوبه
في الوقت خاصة ذكره الشيخ في الاستبصار (4)، واستحبابه مطلقا مما اختاره

(1) في ص 198، و 199.
(2) التهذيب 4: 226 / 664، الإستبصار 1: 227 / 808، الوسائل 8: 457 أبواب صلاة المسافر
ب 2 ح 4.
(3) الفقيه 1: 281 / 1272، التهذيب 4: 227 / 665، 3: 230 / 593، الإستبصار 1:
228 / 809، الوسائل 8: 521 أبواب صلاة المسافر ب 23 ح 1.
(4) الإستبصار 1: 228.
218

بعضهم (1)، وليس ببعيد كما يأتي، وكل منهما أيضا يستلزم المطلوب. مع أن في آخر
الصحيحة الأولى: " وعليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك " وهو
أيضا مثبت للمطلوب.
ج: لو صلى قبل نية الرجوع قصرا، ثم رجع عن قصد المسافة قبل بلوغها،
تستحب إعادة الصلاة المقصورة، لصحيحة أبي ولاد، ورواية المروزي. ولا
تجب، لمعارضتهما مع صحيحة زرارة السابقة، الموجبة لحمل الأوليين على
الاستحباب لأجل كونها قرينة له، أو حملهما على التخيير المستلزم للرجحان في
العبادات، مع أن الرواية عن إفادة الوجوب قاصرة.
د: المعتبر - كما صرح به في روض الجنان (2)، وغيره (3) - قصد المسافة النوعية
لا الشخصية. فلو نوى السفر إلى أحد البلدين أو البلدان مع بلوغ كل مقدار
المسافة كفى، بشرط اتحاد أصل الطريق الخارج من بلده، لصدق قصد المسافة،
وصدق أن بينه وبين ما يؤم بريدان، كما صرح به في مرسلة ابن بكير (4).
وكذا لو قصد مسافة معينة، فسلك بعضها، ثم رجع إلى قصد موضع آخر
تكون نهايته إلى محل الرجوع عن القصد مسافة إجماعا.
وكذا لو كان بحيث تكون نهايته مع ما مضى مسافة، على الأظهر، فإنه
يمضي على التقصير أيضا، للاستصحاب، وصدق السفر إلى المسافة المقصودة
وإن تغير شخصها الذي لا دليل على اعتباره أصلا، مع اختصاص ما دل من
النص والفتوى على التمام إذا لم يقصد المسافة أو رجع عن قصده - بحكم التبادر
بل في بعضه التصريح - بغير محل البحث، وهو ما لم يقصد فيه المسافة أصلا أو
قصد الرجوع في أثنائها إلى منزله.

(1) كصاحب المدارك 4: 440، الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (مخطوط).
(2) روض الجنان: 385.
(3) كالرياض 1: 250.
(4) المتقدمة في ص 180.
219

واحتمل بعضهم (1) عدم التقصير في الأخير، لبطلان المسافة الأولى
بالرجوع عنها، وعدم بلوغ المقصود الثاني مسافة.
ويرد: بمنع بطلان الأولى إن أريد مطلق المسافة، إذ لا دليل على بطلانها
بمجرد الرجوع عن شخصها مع بقاء نوعها، فيرجع إلى استصحاب وجوب
القصر، ومنع مدخلية الشخص في الحكم إن أريد بطلان الشخص.
ه‍: قد عرفت وجوب التمام لو رجع عن عزم السفر قبل بلوغ المسافة،
والمراد بها مسافة جواز التقصير وهي الأربعة. أما لو بلغ الأربعة فلا يجب الاتمام
- على ما اخترناه من التخيير - قطعا، لبلوغه المسافة التخييرية، ولاختصاص
الاجماع والأخبار المتقدمة الآمرة بالاتمام لو نوى الرجوع بما قبل الأربعة.
وهل يتخير في هذه الصورة أيضا، أو يجب القصر ولو في الإياب أيضا ما لم
يقطع سفره في الأربعة؟
اختار الشيخ في النهاية الثاني (2)، ونفى عنه البعد بعض مشايخنا (3)، مع أن
مذهبهما في الأربعة إذا قصدت في مبدأ السفر من غير إتمام الثمانية عدم وجوب
القصر ما لم يرجع ليومه، بل جوازه.
ووجه الفرق بينهما عدم ثبوت ما يوجب تحتم القصر في الثاني، من ثبوته
واستصحاب وجوبه، بخلاف الأول، فإنه حصل موجب القصر الاتفاقي - وهو
قصد الثمانية الذهابية في مبدأ السفر - في الأول دون الثاني، إذ المسافة المقصودة
فيه أولا إنما هي الثمانية الملفقة من الذهاب والإياب.
وهو قوي جدا، للاستصحاب المتقدم، والأمر في رواية إسحاق وصحيحة
أبي ولاد بالقصر مع بلوغ الأربعة في المورد (4)، وسائر أخبار تحتم القصر في

(1) الشهيد الثاني في روض الجنان: 385.
(2) النهاية: 125.
(3) انظر الرياض 1: 250.
(4) راجع ص 198، و 199.
220

الأربعة (1)، الخالية في المورد عن الشذوذ ومخالفة الاجماع ومعارضة الرضوي (2)،
فيجب اتباعها.
و: هل اللازم في قصد المسافة العلم العادي والجزم، أو يكفي الظن
مطلقا، أو إذا كان قويا؟
الأول للأكثر، للأصل. واستقوى في الروضة الأخير (3).
واللازم الرجوع إلى العرف في القصد والإرادة المذكورتين في الأخبار،
كمرسلة ابن بكير ورواية صفوان وغير هما، وسيأتي بيانه عند تحقيق قصد إقامة
العشرة.
ز. التابع للمسافر - كالعبد والزوجة والخادم والأجير والأسير - في حكم
المتبوع إذا علموا غرضه، فيقصرون إن جزموا على المتابعة وعلموا جزم متبوعهم
المسافة، لاستلزامه قصدهم المسافة الموجب للتقصير وفقد المعارض.
وإن لم يكونوا عازمين على المتابعة، بل قصدوا الرجوع لو تمكنوا منه بالعتق
أو الطلاق، أو ولوا بالنشوز والإباق، فظاهر جماعة التقصير مطلقا، بل كلام
المنتهى يشعر بكونه اتفاقيا عند الفريقين في الأولين، وعند الإمامية في الأسير (4).
وقال في نهاية الإحكام بالاتمام، لعدم القصد (5).
وفصل الشهيد فقال: إن لم يحتمل التمكن منه. قبل للمسافة عادة ولم تظهر
أمارة التمكن لهم قصروا وجوبا أيضا، لكونهم قاصدين للمسافة بالعلم العادي،
ولو احتمل ذلك بظهور أماراته أتموا (6). وهو الصحيح.
أما القصر في الأول فلما مر. ولو كان ذلك منافيا للقصد لكان عزم كل

(1) راجع ص 198.
(2) المتقدم في ص 191.
(3) الروضة: 1: 371.
(4) المنتهى 1: 391.
(5) نهاية الإحكام 2: 171.
(6) الذكرى: 256.
221

مسافر للرجوع قبل المسافة لو مرض أو قطع الطريق أو نحو ذلك مخلا للقصد ولو
لم تظهر أماراته، فلا يقصر أحد لكون كل أحد عازما على ذلك. وبالجملة هو يعزم
جزما عاديا على المسافة وهو المناط للتقصير.
وأما الاتمام في الثاني فلعدم القصد. وأصالة عدم التمكن وبقاء الاستيلاء
لا تفيد، لأن الحكم منوط بالقصد وهو لا يختلف بالأصل والاستصحاب، ولذا
[يتم] (1) طالب الآبق ومستقبل المسافر إذا احتمل الوصول قبل المسافة مع أن
الأصل عدم الوصول.
ح: المكره في السفر كالتابع إذا لم يسلب الاكراه الاختيار. ولو سلبه كأن
تشد يداه ورجلاه وحمل إلى السفر وعلم حمله إلى المسافة فقد يختلج بالبال فيه
الاشكال، إذ القصد إنما يكون على العمل ولا يصدر عنه عمل حتى يكون قاصدا
له، ولعدم شمول كثير من أخبار القصر لمثله، وعدم تبادره من شئ من أخباره،
وإجمال نحو قوله " التقصير في بريدين " لاحتمال إرادة قصد بريدين أو سيره، ومثل
ذلك لا يقصد ولا يسير، إلا أن الظاهر الاجماع على وجوب القصر عليه.
ويمكن الاستدلال له أيضا بقوله سبحانه (ومن كان مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر) (2) فإن ذلك كائن في السفر وإن لم يكن مقصودا له، ولا
معارض له، فيجب عليه التقصير أيضا.
الشرط الثالث: أن لا ينقطع سفره في أثناء الطريق بأحد القواطع، فلو
انقطع أتم.
وهذا الشرط تارة يكون لأصل شرعية التقصير، والأخرى لاستمراره.
فعلى الأول يكون المراد أنه يشترط في شرعية التقصير أن ينوي مسافة لا
ينقطع سفره في أثنائها قبل وصوله حد مسافة التقصير. فلو نوى مسافة منقطعة في
الأثناء بأحد القواطع لا يجوز له التقصير لا في الطريق ولا في المنزل.

(1) في جميع النسخ: لا يتم، وهو سهو كما يظهر بالتأمل.
(2) البقرة: 185.
222

وعلى الثاني يكون المراد: أنه يشترط في استمرار التقصير أن لا ينقطع سفره في
أثنائه بعد بلوغ المسافة بأحد القواطع. فلو انقطع يتم حين الانقطاع
هذه إلى أن يستأنف قصد مسافة جديدة، ويقصر قبله.
ومراد الأكثر في هذا المقام حيث ذكروا هذا الشرط هو المعنى الأول، ولذا
لم يذكروا في القواطع هنا تردد ثلاثين يوما، لأنه في الأول غير متصور، إذ لا معنى
لعزم التردد في الأثناء ثلاثين يوما، بل اقتصروا على عدم عزم دخوله الوطن أو
موضعا يعزم فيه إقامة العشرة.
وأما المعنى الثاني فقد ذكروه في مطاوي أحكام السفر، لأنه ليس حقيقة من
شروط التقصير بل شرط استمراره.
ونحن نذكر هنا الأمرين في مقامين:
المقام الأول: في بيان ما يتعلق بهذا الشرط بالمعنى الأول.
فنقول: إنه يشترط في شرعية التقصير - جوازا أو وجوبا - أن لا يقصد
الدخول في وطن له في أثناء المسافة الشرعية، ولا يعزم على إقامة العشرة في موضع
في أثنائها. فلو قصد أحد الأمرين لم يجز له القصر في الطريق إن كان الوطن أو
الموضع في خلال الأربعة، ولم يجب إن كان ما بينها وبين الثمانية، وكذا في نفس
الوطن أو ذلك الموضع، ولا في ما بعد ذلك الموضع ما لم ينو مسافة جديدة بعده،
ولا يكفي في القصر انضمام ما بقي من المسافة بعد الانقطاع إليها قبله، وكذا
لا يقصر في المسافة، بلا خلاف في الجميع كما صرح به غير واحد (1)، بل بالاجماع
كما نقله جماعة (2).
واستدل له بالأخبار المستفيضة الآتية المصرحة بانقطاع السفر بوصول أحد
الموضعين ووجوب الاتمام فيه. وهو غير واف بتمام المدعى، لأنه لا يثبت إلا وجوب
التمام في نفس أحد الموضعين، أما قبله وبعده فلا.

(1) كصاحبي المدارك 4: 441، والرياض 1: 250.
(2) منهم العلامة في التذكرة 1: 190، والشهيد الثاني في روض الجنان: 386.
223

ولذا استدل لهما بعضهم (1) بالاجماعات المنقولة.
وبأن ما دل على القصر في المسافة يدل عليه إذا كانت المسافة سفرا واحدا،
وهي هنا تسار في سفرين.
وباستصحاب وجوب التمام الثابت في البلد في الأول وفي أحد الموضعين في
الثاني، مدعيا أنه ليس في إطلاق ما دل على وجوب القصر في المسافة عموم يشمل
نحو هذه المسافة المنقطعة بالتمام في أثنائها، لاختصاصه - بحكم التبادر - بغيرها.
أقول: يضعف الأول: بعدم حجية الاجماع المنقول.
والثاني: بمنع تعدد السفر عرفا، فإنه لا وجه لكون المسافة المتخللة في
أثنائها إقامة تسعة أيام ونصف سفرا واحدا وإقامة عشرة أيام سفرين عرفا، وكذا
لا يفرق العرف بين ما إذا مر بمنزله الذي يتوطنه سيما إذا مر راكبا سيما عن
حواليه، وبين ما إذا لم يمر.
والثالث: بعدم إمكان منع شمول أكثر أخبار التقصير لمثل ذلك، بل
الظاهر شمول الأكثر، سيما على القول بكون مطلق الملك وطنا حيث إنه يكثر
أفراده أيضا. وتسليم شمولها للمقيم في الأثناء تسعة أيام ومنعه للمقيم عشرة لا
وجه له.
ولذا قال في الذخيرة - بعد ذكر هذا الحكم وقوله: لا أعرف فيه خلافا -
لكن إقامة حجة واضحة عليه لا تخلو عن إشكال (2)، وهو كذلك.
إلا أن يستدل للاتمام في المسافة التي بعد المنزل بعموم التعليل بقوله: (لأنه
خرج من منزله لا يريد السفر ثمانية فراسخ " في رواية صفوان السابقة (3)، وله في
التي قبل ما يريد الإقامة فيه عشرة أيام بعموم نحو صحيحة الخزاز: " إن حدث

(1) انظر الرياض 1: 250.
(2) الذخيرة: 408.
(3) في ص 187.
224

نفسه بإقامة عشرة أيام فليتم الصلاة " (1) خرج عنه ما خرج فيبقى الباقي ومنه
المورد، ولتمام المطلوب بالاجماع المركب.
فروع:
أ: لو لم يقصد أولا الوطن المتخلل أو إقامة العشرة وعزم عليه في الأثناء،
كأن يقصد سفرا له طريقان يشتركان في بعض الطريق، أحدهما مار بوطنه دون
الآخر، فعزم أولا الآخر وسلك الطريق المشترك، ثم رجع عن قصده وسلك في
الباقي ما يمر بالوطن، أو لم يكن قاصدا لإقامة العشرة في رأس ثلاثة فراسخ مثلا،
ثم عزم عليها بعد الوصول إلى رأس الثلاثة، فلا شك في لزوم القصر ما لم يقصد
الطريق المار بالوطن ولا الإقامة، ووجهه ظاهر. وكذا في لزوم الاتمام فيما بعد الوطن
أو موضع الإقامة لو لم يكن مسافة مستأنفة، لما مر.
وأما فيما بعد قصد الوطن أو الإقامة وقبل دخول الوطن أو موضع الإقامة
لو حصل القصد قبل الوصول إليهما ففيه إشكال.
والظاهر هو الاتمام، لعموم صحيحة ابن يقطين: عن رجل خرج في سفر،
ثم تبدو له الإقامة وهو في صلاته، قال: " يتم إذا بدت له الإقامة " (2).
ونحوها رواية سهل (3)، إلا أنها خالية عن قوله " وهو في صلاته " فتأمل.
ب. لو تردد أولا في سلوك الطريق المار إلى الوطن أو إقامة العشرة في موضع
من أثناء المسافة واحتملهما احتمالا غير بعيد، لا يقصر أصلا، لعدم قصد المسافة
الموجبة للتقصير وهي الغير المتخللة للإقامة.
ج: حكم التوقف مع التردد ثلاثين يوما عند احتماله في أول السفر أو

(1) الكافي 3: 436 الصلاة ب 84 ح 3، التهذيب 3: 219 / 548، الإستبصار 1: 238 / 849،
الوسائل 8: 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.
(2) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 8، الفقيه 1: 285 / 1299، التهذيب 3: 224 / 564،
الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.
(3) التهذيب 3: 224 / 565، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.
225

حصوله من غير قصد في أثناء المسافة حكم إقامة العشرة وتخلل الوطن في الأثناء،
فيتم في الأول مطلقا، وفي الثاني فيما بعد موضع التوقف لو لم يكن مسافة، بل
الاتمام فيه أظهر من الأولين، لكون ذلك من الأفراد النادرة كثيرا، فيشك في
شمول إطلاقات التقصير له.
ثم إنه لا ينافي ما ذكرناه هنا ما تقدم في صدر المقام من عدم تصور قطع
السفر بتردد ثلاثين يوما في هذا الشرط، لأن ما مر إنما هو في عزم تخليل القاطع في
بدء السفر، وما ذكرناه، إنما هو في احتماله فيه أو حصوله في الأثناء.
المقام الثاني: في بيان ما يتعلق بهذا الشرط بالمعنى الثاني.
فنقول: إنه يشترط في جواز التقصير - جوازا أو وجوبا - أن لا ينقطع سفره
بوصوله إلى الوطن، ولا إلى موضع ينوي فيه الإقامة عشرة إيام، وأن لا يبقى
مترددا في بلد في الأثناء ثلاثين يوما.
فهذه ثلاثة قواطع للسفر، يجب على المسافر الاتمام بحصول كل واحد
منها، نذكرها في ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: في بيان الوصول إلى الوطن.
فنقول: إن انقطاع السفر به ووجوب الاتمام معه في الجملة مجمع عليه،
وفي الأخبار المستفيضة بل المتواترة معنى - الآتية طائفة منها - تصريح به.
ومقتضى إطلاق بعضها - كصحيحة ابن بزيع الآتية في بيان الوطن (1)، وموثقة
إسحاق ورواية المحاسن الآتيتين في حد الترخص للعائد من السفر (2) - شمول
الحكم للواصل إلى البلد مطلقا، مجتازا كان أم غير مجتاز، نزل منزله أم لم يزل.
خلافا للإسكافي والحلبي، فأوجبا القصر على المجتاز.
قال الأول: من وجب عليه التقصير في سفره، فنزل منزلا أو قرية ملكها

(1) انظر ص 232.
(2) انظر ص 299.
226

أو بعضها، أتم وإن لم يقم المدة التي توجب التمام على المسافر. وإن كان مجتازا بها
غير نازل لم يتم (1).
وقال الثاني: وإن دخل مصرا له فيه وطن فنزل فيه فعليه التمام (2). حيث
شرط النزول في المصر فيتم غير النازل.
والعمومات المذكورة تردهما، مع أنه يمكن أن يكون خلاف الإسكافي فيما
له ملك من غير أن يكون وطنا شرعيا أو عرفيا، فيكون موافقا للمشهور في المجتاز
عن الملك مخالفا له في غير المجتاز.
ومنهم من جعل قول الحلبي قولا غير قولي الإسكافي والمشهور، فأرجع
الضمير في قوله: " فيه " إلى الوطن، وحمل الوطن على داره في المصر، فعزا إليه أنه
لو لم يكن مجتازا ودخل دارا غير داره في المصر يقصر.
وفيه: أن رجوع الضمير إلى المصر هو الظاهر، مع أن المراد من الوطن
يمكن أن يكون التوطن فينحصر المرجع بالمصر.
وكيف كان فالقولان شاذان مردودان بما ذكر، وينقطع السفر بالوصول إلى
الوطن مطلقا.
واللازم هنا تحقيق الوطن القاطع للسفر وأنه ما هو؟
فنقول: اختلفوا في الوطن أي الموضع الذي يجب الاتمام والصيام بمجرد
الوصول إليه ولو لم ينو فيه إقامة العشرة على أقوال:
الأول: أنه ما له فيه ملك مطلقا. وهذا القول ظاهر الإسكافي، قال: من
وجب عليه التقصير في سفره، فنزل منزلا أو قرية ملكها أو بعضها، أتم وإن لم
يقم المدة التي توجب التمام على المسافر. وإن كان مجتازا بها غير نازل لم يتم.
الثاني: أنه ما له فيه ملك مطلقا مع استيطان ستة أشهر مطلقا. وهو

(1) نقله عنه في المختلف. 170.
(2) الكافي في الفقه: 117.
227

صريح المبسوط والسرائر والشرائع والارشاد (1)، بل سائر كتب الفاضل ومن تأخر
عنه كما في المدارك (2)، بل هو المشهور بين المتأخرين كما في الذخيرة والحدائق (3)،
بل عن روض الجنان والتذكرة: الاجماع على كفاية الستة أشهر مطلقا (4). وقال
بعض الأجلة: لا أعرف فيه خلافا إلا من الصدوق على وجه.
ومراد هؤلاء إن كان من الاستيطان الإقامة والاسكان - كما هو الظاهر -
يكون شرط الوطن عندهم أمرين: الملك وإقامة ستة أشهر. وإن كان إسكانا يعد
وطنا عرفا يكون الشرط أمورا ثلاثة: الأمران، مع التوطن العرفي في ستة أشهر.
ثم مقتضى ذلك القول اشتراط دوام الملك في حال الصلاة، وحصول
الاستيطان المذكور ولو في وقت.
الثالث: أنه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه ستة أشهر، فهو أخص من
سابقه باعتبار المنزل دون مطلق الملك إن قلنا إن مرادهم بالمنزل المملوك، وإلا
فيكون أعم من وجه منه من هذه الجهة. اختاره في النافع والروضة (5).
الرابع: أنه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه ستة أشهر في السنة.
وهو مذهب الصدوق في الفقيه (6). وهو أخص من سابقه باعتبار الستة أشهر،
فإنها في السابق مطلقة، وفي ذلك مقيدة بالسنة، وظاهر أن تكون الستة أشهر من
سنة، فلا تكفي الستة من سنين متعددة، بخلاف الأول. وقد فهم بعضهم منه
ستة أشهر من كل سنة (7). وهو بعيد من ظاهره، بل هو غير مستقيم.
الخامس: أنه ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه فعلا، فهو أعم من

(1) المبسوط 1: 136، السرائر 1: 331، الشرائع 1: 133، الإرشاد 1: 274.
(2) المدارك 4: 443.
(3) الذخيرة: 408، الحدائق 11: 359.
(4) روض الجنان: 386، التذكرة 1: 190.
(5) المختصر النافع: 51، الروضة 1: 372.
(6) الفقيه 1: 288.
(7) انظر الذخيرة: 408، والحدائق 11: 372.
228

سابقيه باعتبار الاستيطان، فإنه فيه مطلق، وفيهما مقيد بستة أشهر، ويحتمل
الاتحاد باعتبار تفسير الاستيطان في بعض الصحاح الآتية بذلك، وأخص منه من
جهة فعلية الاستيطان. وهو ظاهر الشيخ في النهاية (1)، والقاضي في الكامل،
حيث عبرا بقولهما: كان له فيها موضع يستوطنه وينزل فيه. ولا شك أن ظاهره
الفعلية.
السادس: ما يكون له فيه وطن مطلقا. وهو مذهب الحلبي (2)، وظاهره أنه
ما كان وطنا له فعلا، والظاهر اتحاده مع السابق، لعدم انفكاك الوطن عن المنزل،
سيما إذا لم يشترط في المنزل الملكية.
السابع: ما يكون له فيه منزل مع استيطانه فيه عرفا. اختاره في الذخيرة
والكفاية (3)، وبعض آخر من متأخري المتأخرين (4)، فإن كان مراد سابقه من
الوطن العرفي يتحد معه، كما يتحدان مع سابقهما إن كان مراده من الاستيطان
ذلك، وإن كان سكنى ستة أشهر حصل الاختلاف.
الثامن: أن يكون له فيه ملك أقام فيه ستة أشهر، أو يكون وطنا له عرفا،
وحاصله كفاية أحد الوطنين الشرعي أو العرفي. اختاره بعض متأخري أصحابنا،
وصرح بعض مشايخنا بعدم الخلاف نصا وفتوى في كفاية الأخير.
ومحصل الأقوال: أن بناء الأقوال الأربعة الأولى على الوطن الشرعي وإن
اختلفوا فيما يتحقق به، وبناء الخامس والسادس يحتمل أن يكون على الشرعي
وعلى العرفي، وبناء السابع على العرفي، وبناء الثامن على كل منهما.
حجة الأول: المستفيضة من الأخبار، مثل صحيحة عمران بن محمد

(1) النهاية: 124.
(2) الكافي في الفقه: 117.
(3) الذخيرة: 408، الكفاية: 34.
(4) كالعلامة المجلسي (ره) في البحار 86: 37 ونقله في الحدائق 11: 371 عن بعض مشايخه
المحققين.
229

المتقدمة (1)، وصحيحة الهاشمي: عن رجل سافر من أرض إلى أرض وإنما نزل
قراه وضيعته، قال: " إذا نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة، وإن كنت في غير
أرضك فقصر " (2).
وموثقة الساباطي: في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له أو دار، فينزل
فيها، قال: " يتم الصلاة ولو لم يكن له إلا نخلة واحدة، ولا يقصر وليصم إذا
حضره الصوم وهو فيها " (3).
ورواية البزنطي: عن الرجل يخرج إلى ضيعته ويقيم اليوم واليومين
والثلاثة، أيقصر أو يتم؟ قال: " يتم الصلاة كلما أتى ضيعة من ضياعه " (4).
ورواية موسى بن الخزرج: أخرج إلى ضيعتي، ومن منزلي إليها اثنا عشر
فرسخا، أتم الصلاة أم أقصر؟ قال. " أتم " (5) يعني في الضيعة.
أقول: كانت الحجة تامة لولا تعارضها مع غيرها، ولكنه تعارضها
مستفيضة أخرى، كرواية موسى بن حمزة: إن لي ضيعة دون بغداد، فأخرج من
الكوفة أريد بغداد، فأقيم في تلك الضيعة، أقصر أم أتم؟ قال: " إن لم تنو المقام
عشرا فقصر " (6).
ورواية ابن سنان: " من أتى ضيعته ثم لم يرد المقام عشرة أيام قصر، وإن

(1) في ص 199.
(2) الفقيه 1: 287 / 1309، التهذيب 3: 210 / 508، الإستبصار 1: 228 / 810، الوسائل
8: 492 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 2.
(3) التهذيب 3: 211 / 512، الإستبصار 1: 229 / 814، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر
ب 14 ح 5.
(4) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 3، التهذيب 3: 214 / 523، الإستبصار 1: 231 / 823،
الوسائل 8: 497 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 17.
(5) التهذيب 3: 210 / 510، الإستبصار 1: 229 / 812، الوسائل 8: 496 أبواب صلاة المسافر
ب 14 ح 15.
(6) التهذيب 3: 211 / 514 الإستبصار 1: 230 / 816، المحاسن 371 / 131، الوسائل 8:
499 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 7.
230

أراد المقام عشرة أيام أتم الصلاة " (1).
ومرسلة التهذيب: " إنه صلى في ضيعته فقصر في صلاته " (2).
والصحاح الثلاث لابن يقطين:
الأولى: عن الرجل يمر ببعض الأمصار، له بالمصر دار، وليس المصر
وطنه، أيتم الصلاة أم يقصر؟ قال: " يقصر الصلاة، والضياع مثل ذلك إذا مر
بها " (3).
والثانية: إن لي ضياعا ومنازل بين القرية والقرية الفرسخان والثلاثة، قال:
" كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير " (4).
والثالثة: الرجل يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر؟ فقال: " كل منزل لا
تستوطنه فليس لك بمنزل، فليس لك أن تتم فيه " (5).
وصحيحة سعد: عن الدار تكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمر بها، قال:
" إن كان مما سكنه أتم الصلاة فيه، وإن كان مما لم يسكنه فليقصر " (6).
وصحيحة الحلبي: في الرجل يسافر فيمر بالمنزل [له] في الطريق، يتم
الصلاة أم يقصر؟ قال: " يقصر، إنما هو المنزل الذي توطنه " (7).

(1) التهذيب 3: 211 / 513، الإستبصار 1: 229 / 815، الوسائل 8: 499 أبواب صلاة المسافر
ب 15 ح 6.
(2) التهذيب 3: 213 / ملحقة بحد بث 520، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14
ذ ح 11.
(3) التهذيب 3: 212 / 516، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 7.
(4) التهذيب 3: 213 / 519، الإستبصار 1: 230 / 820. الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر
ب 14 ح 10.
(5) التهذيب 3: 212 / 515، الإستبصار 1: 230 / 817، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر
ب 14 ح 6.
(6) التهذيب 3: 212 / 518، الإستبصار 1: 230 / 819، الوسائل 8: 494 أبواب صلاة المسافر
ب 14 ح 9.
(7) التهذيب 3: 212 / 517، الإستبصار 1: 230 / 818، الوسائل 8: 493 أبواب صلاة المسافر
ب 14 ح 8، وما بين المعقوفين من المصادر.
231

وصحيحة ابن بزيع: عن الرجل يقصر في ضيعته، قال: " لا بأس ما لم ينو
مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه " فقلت: وما الاستيطان؟
فقال: " أن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر، فإذا كان كذلك يتم فيها متى
يدخلها " (1).
وهذه الأخبار أكثر من الأولى. وطائفة منها تعارضها بالتباين كالروايتين
الأوليين والمرسلة الأخيرة. وأكثرها أخص منها مطلقا من جهة اشتراط الاستيطان
والسكنى. مضافا في صحيحتي الحلبي وابن بزيع من جهة اشتراط المنزل أيضا.
هذا إذا حمل مطلق المنزل على المملوك، وإلا فيكون التعارض مع
الصحيحتين بالعموم من وجه، ومع البواقي - كما مر - بالعموم المطلق، فيجب
تخصيص الأخبار الأولى بما نوى فيه العشرة، كما هو مقتضى الروايات الثلاث
المعارضة للأولى، وبما فيه منزل يستوطنه، كما هو مقتضى البواقي، سيما مع ندرة
القائل بمضمونها وموافقته لمذهب جمع من العامة.
ومنه يظهر سقوط ذلك القول جدا.
دليل القول الثاني على اعتبار الملك: صحيحة الهاشمي، ومفهوم رواية
البزنطي.
وعلى كفاية مطلقه من غير حاجة إلى المنزل: جميع الروايات الأربع الأولى،
وصحيحة سعد المكتفية بالضيعة والسكنى فيها.
وعلى اعتبار الاستيطان: الصحاح الست الأخيرة.
وعلى اعتبار ستة أشهر: اعتبارها في تحقق الاستيطان شرعا، للصحيحة
الأخيرة.
أقول: ما استدلوا به للجزء الأول وإن لم تعارضه الروايات التسع الأخيرة،

(1) الفقيه 1: 288 / 1310، التهذيب 3: 213 / 520، الإستبصار 1: 231 / 821، الوسائل
8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
232

إذ لا تدل الأربع الأولى منها إلا على عدم كفاية مطلق الملك وهو لا ينافي اعتباره،
وكذا السابعة.
وأما الخامسة فهي أيضا كذلك، إلا أن يعتبر مفهوم الوصف في قوله: " كل
منزل من منازلك لا تستوطنه " وجعل المنزل أعم من المملوك وغيره، والأول ممنوع،
والثاني محل خدشة وكلام.
والمستفاد من قوله: " فليس لك أن تتم فيه " تفريعا على قوله: " فليس لك
بمنزل " في السادسة انتفاء الاتمام بانتفاء المنزل، لا وجوده مع وجوده مطلقا حتى
إذا لم يكن المنزل مملوكا، فلا ينافي اعتبار الملك أيضا.
وأما الثامنة فإنما تفيد عدم اعتبار الملك إذا جعل المنزل أعم من المملوك،
وجعلنا مرجع ضمير " هو " ما يتم الصلاة فيه. والأول قد عرفت أنه محل كلام،
والثاني ممنوع، لاحتمال أن يكون المرجع ما يتوقف عليه الاتمام، فيدل على اشتراط
منزل وهو لا ينافي اشتراط الملك أيضا.
مع أن فيها احتمالا آخر بعيدا، لجواز أن يكون المرجع المنزل الذي في
الطريق، فيكون المعنى: قال: يقصر في ذلك المنزل، لأنه المنزل الذي يسكنه،
لا الذي يتم فيه الصلاة.
وأما التاسعة فموضوعها ما فيه الملك، حيث إن السؤال فيها عن الضيعة،
وقيدها في الجواب أيضا بقوله " فيها " أي في الضيعة في موضعين.
ولا يضره أيضا ما قيل من أن المذكور في الصحيحة والرواية " أرضك "
و " ضيعته " ويكفي في تحقق الإضافة مطلق الانتساب والاختصاص ولو
بالاستيجار أو الاستيعار أو الاستيداع، فلا يفيدان اعتبار الملكية.
لأنا نقول: إن المتبادر من أرض الشخص وضيعته وقريته ما يكون ملكا
له، ولا يصح السلب عن المملوك، وهما أمارتان للحقيقة. ولا يتبادر غيره من
الأرض المستأجرة ونحوها، ويصح السلب عنها، وهما أمارتان للمجاز، ويجب
حمل اللفظ على حقيقته.
233

ولا ما قيل من أن ما فسره اللغويون به الوطن لا يتضمن الملك أصلا، ولا
يعتبره أهل العرف أيضا (1).
لأنا نقول: ليس المراد اعتباره في معنى الوطن عرفا أو لغة بل ولا شرعا بل
نقول: إن المستفاد من الأخبار اعتبار الملك في إتمام الصلاة وإن اعتبر غيره فيه
أيضا.
إلا أنه تعارضه الأخبار المستفيضة من الصحاح وغير الصحاح الآتية،
المصرحة بوجوب الاتمام في الدار والبيت والمنزل والأهل وأن أهل كل بلد يتمون
فيه، بالعموم من وجه، والترجيح للأخبار الآتية من جهة الأكثرية والمخالفة
للعامة، لأنهم يقولون بالاتمام في الملك دون غيره فعندهم يشترط الملك، والموافقة
لمفهوم قوله سبحانه: (ومن كان مريضا أو على سفر) (2) إذ من يدخل وطنه
العرفي الذي لا ملك له فيه ليس على سفر.
هذا كله مع أن قوله " وإن كنت في غير أرضك " في الصحيحة لا يمكن
إبقاؤه على حقيقته، وإلا لوجب كونه في نفس الموضع المملوك دون غيره كالمسجد،
وهو باطل إجماعا غير مراد قطعا، فلا بد من تجوز إما في الكون في الأرض بأن يراد
القرب منها، أو الكون في حواليها ونحوهما، أو في لفظ " أرضك " بأن يراد ماله
علاقة فيها من نحو ملك أو توطن أو منزل، كما يقال: أرض العدو وأرض
الحبيب، ولم يتعين المجاز، فلا يمكن الاستناد إليه في الاشتراط.
ومنه يظهر ما في الاستناد إلى مفهوم رواية البزنطي أيضا، مع أن اعتبار
مفهومها أيضا محل نظر، إذ ليس من المفاهيم المعتبرة.
ومنه يظهر سقوط الجزء الأول من ذلك القول وعدم اشتراط الملك أصلا.
وأما ما استدلوا به للجزء الثاني فيرد عليه: أنه تعارضه صحيحة ابن بزيع
المشترطة للمنزل، بل صحيحة الحلبي الدالة على اشتراطه، بالخصوص المطلق،

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
(2) البقرة: 185.
234

فيجب تخصيصه بهما قطعا. بل يعارضه كل ما دل على اشتراط الاستيطان
والأهل، لعدم انفكاك صدقهما عن وجود المنزل، سواء أريد الوطن العرفي أو
الشرعي. بل وكذلك التي اشترطها في صحيحة سعد. فهي أيضا من أدلة
المخالفين في ذلك الجزء.
ومنه يظهر سقوط ذلك الجزء أيضا وأنه لا مناص عن اعتبار المنزل أيضا.
وأما ما استدلوا به على الجزء الثالث من اعتبار الاستيطان فهو كذلك،
لدلالة أكثر الأخبار المذكورة عليه.
وأما ما استدلوا به على الجزء الرابع، وهو كفاية استيطان ستة أشهر واحدة
ولو ماضية في سوالف الأيام وتحقق الاستيطان به، فيتم الصلاة مع تحقق ذلك ولو
ترك المنزل والاستيطان فيه حينئذ للصحيحة الأخيرة، فيرد عليه: أن قوله " أن
يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر " ليس باقيا على معناه الحقيقي الاستقبالي
مجردا، لعدم العلم بالمستقبل، إلا أن يضم معه القصد والعزم، فيكون إما بمعنى
أقام، أو يعزم ويريد أن يقيم.
فهو على ذلك يحتمل معنيين:
الأول: أن يكون المعنى: منزل أقام فيه ستة أشهر.
والثاني: أن يكون المعنى: يعزم على إقامة ستة أشهر.
وكل من المعنيين مما يصلح إرادته منه، بل الثاني أوفق بقوله " يستوطنه "
المتبادر منه الفعلية، أي فعلية القصد وإن لم تكن الإقامة فعلية حتى يلائم قوله
" ما لم ينو... ".
وليس الثاني مخالفا للاجماع، لاحتمال كونه مراد أرباب القولين الرابع
والخامس، وإن كان حمله على المعنى الاستقبالي مطلقا من غير تفسير بالعزم أي
عزمه بأن يقيم في الزمان المستقبل ولو في برهة من الأزمنة الآتية - كما قيل - مخالفا
له.
وعلى هذا فتكون الصحيحة مجملة غير صريحة في كفاية الماضي.
235

وقد يقال بدلالة قوله " توطنه " و " سكنه " في الصحيحة بضميمة هذه
الصحيحة عليه.
أو يقال: دلتا على كفاية التوطن والسكنى الماضيين مطلقا، خرج ما دون
ستة أشهر، بالاجماع، فيبقى الباقي.
ويرد على الأول: أن لفظ " توطنه " يمكن أن يكون بصيغة المضارع من باب
التفعل محذوفة منها إحدى التاءين، أو من باب التفعيل من دون حذف.
وعلى الثاني: أنه ليس المراد بقوله: " سكنه " معناه اللغوي قطعا، ومجازه
يمكن أن يكون جعله مسكنا عرفا أو وطنه أو نحو ذلك، فلا يفيد شيئا.
وتوهم استدلالهم في كفاية الماضي بعدم اشتراط مبدأ الاشتقاق في صدق
المشتق ونحوه خطأ، إذ الخلاف في المشتقات ليس في صيغ الماضي والمضارع،
والألفاظ الدالة علي اشتراط الوطن هنا منهما، ولم يذكر الوطن إلا في لفظ بعض
السائلين فيما لا يترتب عليه حكم.
ومن ذلك يظهر سقوط هذا القول كسابقه أيضا.
دليل الثالث أما على لزوم المنزل: فدلالة الأخبار عليه، واشتراط صدق
الاستيطان به.
وأما على لزوم الاستيطان وتحققه بستة أشهر فما مر.
والجزء الأول تام لا بحث عليه، وكذا اشتراط الاستيطان.
وأما الاكتفاء بستة أشهر ولو ماضية فقد عرفت ما فيه.
حجة الرابع أما على اعتبار المنزل والاستيطان ستة أشهر فما مر.
وأما على اعتباره في السنة، فإن أريد به اشتراط كون الستة في سنة، ولا
تفيد الستة المتفرقة في السنين المتعددة بأن يقيم في كل سنة شهرا أو أقل، وكان
مرادهم ستة أشهر في سنة ولو من السنين الماضية، فدليلهم على اعتبار كونها في
السنة: أن المتعارف في ذكر الشهور كونها منسوبة إلى السنين، فيقال: إنه أقام
شهرا أي من السنة. وعلى كفاية الماضي: ما مر.
236

وإن أريد إقامة ستة أشهر من كل سنة فدليلهم: ورود اعتباره بصيغة
المضارع المفيدة للتجدد الاستمراري، فلا بد من استمرارها في كل سنة.
فإن كان مرادهم الأول، فاكتفاؤهم بالسنة الماضية وإن كان مردودا بما مر،
ولكن اشتراطهم كون الستة في السنة صحيح، بل الظاهر اعتبار كونها فيما دون
السنة أيضا، إذ الستة أشهر وإن صدقت على المتحققة في السنة أو الأكثر إلا أن
الظاهر من استيطان ستة أشهر وسكون ستة أشهر ونحوهما كونها متوالية، ولذا لو
قال أحد: كنت ستة أشهر في البلد الفلاني، وأقمت فيه كذا، تتبادر منه المتوالية.
وإن كان مرادهم الثاني، ففيه أولا: أن تقييد التجدد بكل سنة أي بتجدد
إقامة ستة أشهر في كل سنة تقييد بلا دليل، وإرادة تجدد إقامة كل ستة أشهر تفيد
دوام الإقامة، ولا يقول به أحد.
وثانيا: أنه إن أريد من التجدد الاستمراري تجددها مستمرا دائما، فدلالة
المضارع عليه غير مسلمة، وإن أريد حصوله كذلك متكررا عرفا، فهو مسلم
ولكنه غير التكرر كل سنة.
وثالثا: أن المسلم لزوم تكرر المبدأ خاصة دون متعلقه، ولذا لو قال أحد:
فلان يكرم العلماء، يستفاد منه تكرر الاكرام ولو بواسطة تعدد العلماء، لا تكرر
إكرام العلماء حتى يلزم إكرام كل عالم متكررا، فاللازم هنا تكرر الإقامة ولو
بتوسط تعدد أيام ستة أشهر أو شهورها، ولا يلزم تكرر إقامة ستة أشهر.
ورابعا: يمنع كون مطلق صيغة المضارع مفيدا للتجدد الاستمراري، ولذا
لو قال أحد: إذا جاءك من يبيع حنطة فاشتر منه، يجب الاشتراء إذا تراه يبيع ولو
مرة، وهو أمر يختلف باختلاف القرائن والموارد.
والتحقيق أنه استعمل في المعنيين، وكونه حقيقة في التجدد الاستمراري
غير مسلم جدا.
حجة الخامس والسادس على اعتبار المنزل: ما تقدم ذكره.
وعلى اعتبار الاستيطان بمعنى أن يقيم فيه ستة أشهر أي يعزم على ذلك:
237

صحيحة ابن بزيع بأحد معنييها، إن كان مرادهم من الاستيطان ذلك، وسائر
الأخبار المتقدمة المتضمنة للاستيطان، وما يأتي من الأخبار الدالة على الاتمام في
الأهل مع ضميمة رفع اليد عن الصحيحة لاجمالها، أو حملها على ما لا ينافي
ذلك، إن كان مرادهم بالاستيطان العرفي.
وهو كان صحيحا لولا إيجابه لطرح الصحيحة رأسا أو حملها على ما يوجب
إخراجها عن ظاهرها.
حجة السابع: ما مر من الأخبار المتضمنة للاستيطان، المحمولة على المعنى
العرفي بعد عدم ثبوت معنى له شرعا إما لاجمال الصحيحة أو حملها على ما لا
ينافيه، والأخبار الدالة على إتمام أهل كل بلد فيه أو في الأهل، كصحيحة زرارة:
" من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة، وهو بمنزلة أهل
مكة " (1).
وموثقة إسحاق: عن أهل مكة إذا زاروا عليهم إتمام الصلاة؟ قال:
" نعم " (2).
وأخرى فيها: " بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله " (3).
وصحيحة إسماعيل بن جابر: يدخل علي وقت الصلاة وأنا في السفر فلا
أصلي حتى أدخل أهلي، فقال: " صل وأتم الصلاة " (4) الحديث.
ومعنى أهل بلد: المتوطن فيه، كما أن الظاهر من أهله: وطنه الذي فيه
أهله.

(1) التهذيب 5: 488 / 1742، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.
(2) التهذيب 5: 487 / 1741، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 6.
(3) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 5، الفقيه 1: 284 / 1291، التهذيب 3: 222 / 555،
الإستبصار 1: 242 / 863، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.
(4) الفقيه 1: 283 / 1288، التهذيب 3: 163 / 353، 3: 222 / 558، الإستبصار 1:
240 / 856، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 3.
238

أقول: هذا القول كان حسنا لولا ما ذكر من رفع اليد عن الحسنة (1)، أو
حملها على خلاف ظاهرها.
حجة الثامن أما على اعتبار الوطن العرفي وكفايته: فهذه الأخبار الأخيرة.
وأما على اعتبار الوطن الشرعي وهو ما أقام فيه ستة أشهر: فالصحيحة
المذكورة مع عدم تعارض بينهما كما يأتي.
وهو كان حسنا لولا احتمال الصحيحة للمعنى الثاني المتقدم.
ومن هذا ظهر أدلة جميع الأقوال وما يرد عليها.
ثم أقول لتحقيق الحال وبيان الحق من الأقوال:
إنه قد ظهر لك مما مر ذكره بطلان كفاية الملك أو اشتراطه، وكذا ظهر عدم
وضوح دليل على الاكتفاء بإقامة ستة أشهر ماضية مطلقا، أو في السنة، أو اشتراط
استيطانها في كل سنة مع الملك أو المنزل.
ومنه ظهر سقوط جميع الأقوال الأربعة الأولى، بل الخامس والسادس على
إرادتهما إقامة ستة أشهر ولو فعلا بمعنى قصدها والعزم عليها.
وأما إن أرادا الاستيطان العرفي فقد عرفت دلالة أخبار الأهل على كفايته،
بل سائر أخبار الاستيطان لولا الصحيحة، فلا، مناص عن القول بكفايته، فهما
يتمان من هذه الجهة، إلا أن عدم اعتبار غيره وعدم كفايته محل نظر، لأن
الصحيحة وإن كانت مجملة باعتبار احتمال المعنيين، ولكنه لا إجمال فيها من جهة
القدر المتيقن منهما وهو المعنيان معا، فإنه تثبت منهما كفاية إقامة ستة أشهر في
الزمان الماضي، وقصدها والعزم عليه في المستقبل، سواء صدق معه التوطن العرفي
أم لا، فتركها وعدم اعتبارها أصلا مما لا وجه له.
ومنه يظهر سقوط هذين القولين على ذلك المعنى، وكذا القول السابع من
جهة عدم اعتبار الاستيطان بهذا المعنى أي المعنى الشرعي، وإن كانت الثلاثة
صحيحة باعتبار الاكتفاء بالوطن العرفي.

(1) كذا في النسخ الأربع، والظاهر أن الصحيح: الصحيحة، وهي صحيحة ابن بزيع المذكورة آنفا.
239

فبقي القول الثامن المعتبر للوطنين العرفي والشرعي، وهو الحق المطابق
للجمع بين الأخبار، إلا أن في تفسيره الوطن الشرعي بما أقام فيه ستة أشهر ولو
ماضية ما عرفت من عدم صراحة الصحيحة فيها، وأن القدر الثابت منها تحقق
الاستيطان الشرعي بتحقق المعنين جميعا بأن أقام ستة أشهر في الزمان المتقدم على
حال الصلاة، والعزم على إقامتها بعد حال الصلاة أيضا متصلة بها، أو غير
متصلة بشرط تحقق العزم في الحال.
فالحق أن يقال بكفاية أحد الأمرين في انقطاع السفر:
أولهما: ما كان أهلا ووطنا عرفا، والمراد بالوطن العرفي مكان اتخذه مسكنا،
وهو يحصل بقطع العلاقة عن غير ذلك المكان وإرادة الاستقرار والاستمرار
والكون في ذلك المكان، والشروع في الاستقرار والتمكن وإن لم يستمر بعد إلا
زمان قليل، بل لا يشترط قطع العلاقة الكلية عن الغير أيضا.
واعتبار ذلك المعنى ليس لأخبار الاستيطان المتقدمة، لاحتمال إرادة
الاستيطان الشرعي منها بل هو الظاهر، بل لأخبار الأهل الأخيرة، فإن كل ما
كان وطنا ومسكنا عرفا ويعد وطن شخص، يصدق على هذا الشخص أنه أهله
وأنه دخل على أهله.
والثاني: ما كان وطنا شرعيا، والقدر المتيقن منه ما تحقق معه إقامة الستة
أشهر الماضية والعزم على إقامتها في الآتية، فيكفي كل من هذين المعنيين.
ولا تعارض بين أخبار الأهل والصحيحة، لعدم المنافاة والتعارض بين
كفاية كل من الأمرين.
ولا يتوهم معارضة مفهوم الحصر في الصحيحة مع أحاديث الأهل، حتى
يدل على أنه لا يقصر فيما لم يكن له فيه منزل يقيم فيه ستة أشهر وإن كان وطنا
عرفا.
ومعارضة مفهوم الغاية في موثقة إسحاق الثانية من أخبار الأهل مع
الصحيحة، لدلالته على أنه ما لم يدخل، أهله يقصر وإن دخل الوطن الشرعي.
240

لاندفاع الأول بأنه قد عرفت عدم تعيين خصوص معنى صحيحة، وأما
ما انتفى فيه المعنيان فلم يقم فيه ستة أشهر ولم يقصد إقامتها بعد ذلك أيضا لا
يكون البتة وطنا عرفا حتى يحصل التعارض.
والثاني بمنع عدم صدق أهله على الوطن الشرعي بالمعنى الذي ذكرنا، فإن
أهل كل شخص ليس غير عياله وعشيرته، وكني هنا به عن وطنه، فيمكن أن يراد
به الوطن الشرعي أيضا.
ثم لا يخفى أنه يشترط وجود المنزل على كل من الوطنين، ووجهه ظاهر.
ولا يتوهم كفاية مطلقه من غير اعتبار الوطنية من جهة دلالة أخبار كثيرة على الاتمام
في المنزل والبيت والدار، إذ لا شك أنه يجب تقييدها بالوطن، لأخباره التي هي
منها أخص، خصوصا صحيحة ابن يقطين الثالثة (1).
فروع:
أ: اللازم في الموطن العرفي صدق كونه من أهله، فلو كان قبل ذلك، كأن
يكون أول أمره وأراد حينئذ السكنى فيه دائما، ولكنه لم يدخل بعد تحت اسم
أهله، لا يجوز له الاتمام فيه، بل يرجع إلى قواعد السفر، للاستصحاب، وعدم
صدق الأهل الذي هو مناط الوطن العرفي، ولا ثبوت الوطن الشرعي. نعم لو
مضى على ذلك ما يصدق معه الوطن الشرعي أتم.
ب: لا تشترط في المنزل الملكية، لصدق المنزل على المستأجرة والمعارة
ونحوهما، والمنزل أعم من المملوك وغيره. نعم في بعض الأخبار قيد بمنزل له أو
منزله أو بيته أو داره، والمتبادر من هذه اللام والإضافة الاختصاص دون الملكية.
ومنه يظهر عدم الاكتفاء بالوقوف العامة، كما صرح به في الذخيرة (2)، لعدم
تبادر هذا النوع من الاختصاص. وأما الخاص به فلا شك في دخوله فيه، كما نقله

(1) المتقدمة في ص 231.
(2) الذخيرة: 408.
241

في الذخيرة عن جماعة من الأصحاب (1)، والظاهر أنه لا تشترط الخصوصية به،
بل إذا كان وقفا على محصور هو منهم كان كافيا أيضا.
ج: هل يجب التتابع والتوالي في الأشهر؟
قال في الذخيرة: الظاهر لا، ونسبه إلى جماعة (2)، وممن نفاه الفاضل
والشهيدان (3)، للعموم، وأصالة عدم الاشتراط.
وعن ظاهر المعتبر اعتباره (4)، وقواه بعض الأجلة قال: لأنه المتبادر،
والعموم الذي ادعوه ممنوع.
أقول: وهو الأظهر عندي في تحقق الوطن الشرعي، للتبادر الذي ادعاه
كما مرت إليه الإشارة (5)، ولا أقل في الشك في صدق ستة أشهر بالمتفرقة سيما في
خلال السنين المتكثرة، فلا يعلم ترتب ما يترتب عليه من الحكم.
د: اللازم في صدق إقامة الستة أشهر المتوالية الإقامة العرفية، فلا يضر
الخروج في بعض الأيام إلى حدود البلد، بل لا يبعد عدم الضرر في الخروج إلى
أكثر منها مع العود سريعا بحيث لا يضر في تحقق الإقامة، وتأتي زيادة تحقيق له في
بيان معنى إقامة العشرة.
ه‍: لا تشترط الإقامة في الستة أشهر في خصوص المنزل، بل تكفي الإقامة
في بلده، لأنه معنى الإقامة في المنزل شرعا، إلا أن لا يدخل المنزل أصلا أو في
الأغلب، فإنه يشك في الصدق حينئذ فيرجع إلى الأصل.
و: هل يشترط في الإقامة في ستة أشهر كون هذه المدة كلها مما يتم فيه
الصلاة لأجل الإقامة؟

(1) الذخيرة: 408.
(2) الذخيرة: 408.
(3) الفاضل في المنتهى 1: 393، الشهيد الأول في الذكرى: 257، الشهيد الثاني في روض الجنان:
386.
(4) انظر المعتبر 2: 469.
(5) راجع ص 237.
242

أو يكفي الإمام ولو لأجل البقاء ثلاثون يوما مترددا أو الاتمام سهوا أو لكونه
كثير السفر أو عاصيا بسفره؟
الظاهر الأول، لا لأجل اشتراط إتمام الصلاة فيه لعدم دليل عليه، بل
لأجل عدم صدق العزم على إقامة ستة أشهر بدون ذلك.
نعم يشكل ذلك في الستة أشهر الماضية حيث تصدق إقامتها ولو لم يكن
ناويا لها، والظاهر عدم الاشتراط فيها، للأصل.
ز: المراد بكون شخص أهل بلد: كونه أهله ومن قاطنيه عرفا في الحال،
فلا تكفي الأهلية السابقة المسلوبة عرفا حينئذ، ولا تكفي النسبة المتحققة باعتبار
التولد ونشوء الآباء والأجداد.
ح. لا شك في إمكان تعدد الوطن الشرعي، وكذا الظاهر إمكان تعدد
العرفي أيضا، فإنه إذا كان لأحد منزلان في بلدين، يقيم في كل منهما بعض السنة
وينوي الاستدامة على ذلك يقال: إنه من أهلهما ومتوطن فيهما.
ط: يمكن التوطن في مكان عرفا وزواله بعد مدة.
المسألة الثانية: في بيان قطع السفر بالوصول إلى موضع ينوي الإقامة فيه
عشرة ووجوب الاتمام فيه.
وهو ثابت بإجماعنا، والضرورة من مذهبنا، والمتواترة من أخبارنا.
منها: صحيحة زرارة: أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له أن يكون
مقصرا ومتى ينبغي له أن يتم؟ فقال: " إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام
عشرة أيام فأتم الصلاة، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول: غدا أخرج أو بعد غد،
فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن
تخرج من ساعتك " (1).
ومنصور: " إذا أتيت بلدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة، فإن تركه

(1) الكافي 3: 435 الصلاة ب 84 ح 1، التهذيب 3: 219 / 546، الإستبصار: 237 / 847،
مستطرفات السرائر: 72 / 5، الوسائل 8: 500 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 9.
243

رجل جاهلا فليس عليه شئ (1).
والخزاز: عن المسافر إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام، قال: " فليتم
الصلاة، وإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلاثين يوما، ثم ليتم وإن كان أقام
يوما أو صلاة واحدة " فقال له محمد: بلغني أنك قلت: خمسا، فقال: (قد قلت
ذاك " (2).
وابن وهب: " إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة إيام فأتم الصلاة حين
تقدم، وإن أردت المقام دون العشرة فقصر، وإن أقمت تقول: غدا أخرج وبعد
غد، ولم تجمع على عشرة، فقصر ما بينك وبين شهر، فإذا تم الشهر فأتم
الصلاة " (3).
وعلي: عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان أعليه
صوم؟ قال: " لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام، وإذا أجمع على مقام عشرة أيام
صام وأتم " (4).
ورواية أبي بصير: " إذا قدمت أرضا وأنت تريد أن تقيم بها عشرة أيام فصم
وأتم، وإن كنت تريد أن تقيم أقل من عشرة أيام فأفطر ما بينك وبين شهر، فإذا
بلغ الشهر فأتم الصلاة والصيام وإن قلت: أرتحل غدوة " (5) إلى غير ذلك.
ومقتضى صريح الثلاثة الأخيرة ومفهوم البواقي أنه لو نوى دون العشرة
قصر ولو كان خمسة أيام أو أكثر، كما هو الأقوى الأشهر، بل عليه عامة أصحابنا

(1) التهذيب 3: 221 / 552، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3.
(2) الكافي 3: 436 الصلاة ب 84 ح 3. التهذيب 3: 219 / 548، الإستبصار 1: 238 / 849
الوسائل 8: 501 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 12.
(3) الفقيه 1: 280 / 1270، التهذيب 3: 220 / 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر
ب 15 ح 17.
(4) الكافي 4: 133، الصيام ب 53 ح 2، الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 1.
(5) الكافي 4: 133 الصيام ب 53 ح 1 الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 3.
244

كما عن المنتهى (1).
خلافا للإسكافي، فيتم في خمسة (1)، لذيل صحيحة الخزاز المتقدمة،
القاصرة عن إفادة الحكم، لشذوذها ومعارضتها مع ما هو أكثر وأصح وأصرح
وأشهر منها، مع ما فيها من الاحتمالات التي ذكروها من الحمل على التقية، أو
الاستحباب، أو التخصيص بالحرمين، أو إرجاع الإشارة في قوله " ذاك " إلى
الاتمام في العشرة.
فروع:
أ: لا فرق في موضع الإقامة بين كونه قرية أو بلدا أو بادية، ولا بين العازم
على السفر بعد المقام وغيره، لاطلاق الفتاوى والنصوص. نعم يشترط في البادية
أن يقصد الإقامة في موضع معين منها مما يعد مرضعا واحدا عرفا، كمجتمع الخيام
أو قطعة أرض معينة، ولم يثبت الحكم في أزيد من ذلك، كما يظهر وجهه مما نذكره
في بيان معنى إقامة البلد.
ب: المراد بنية الإقامة تحقق قصد المقام في نفسه، كما دلت عليه الأخبار
المتقدمة، وعلى هذا فيدخل من نوى الإقامة اقتراحا، أو علتها على قضاء حاجة
يعلم عادة توقف انقضائها على العشرة، أو على شرط فوجد الشرط، ولكنه يقصر
قبل وجوده.
وبالجملة المناط إرادة الإقامة، وهي تحصل بأحد الأمرين:
الأول: قصد الإقامة إلى حصول وصف، بشرط العلم بعدم حصوله قبل
العشرة عادة. ولا يكفي الظن هنا، لعدم صدق قصد العشرة.
وثانيهما: قصد الإقامة إلى خصوص العشرة فصاعدا.
ولا بد هنا من عدم الالتفات إلى احتمال حصول المانع، أو الالتفات إليه
مع ظن عدم حصوله ولو بالاستصحاب، في المانع الغير الموجود. وأما المانع

(1) المنتهى 1: 396، وفيه: ذهب إليه علماؤنا أجمع.
(2) حكاه عنه في المختلف: 164.
245

الموجود فلا بد مع الالتفات إليه من العلم بارتفاعه، ولا يكفي الظن به، وكذا
وجود المقتضي.
كل ذلك لدوران الصدق العرفي مداره، فمن دخل بلدا وأراد إقامة عشرة
يتم ولو كان بحيث لو بلغ خبر موت والده أو زوجته لا يقيم، لأن أمثال ذلك لا
يضر في صدق القصد والعزم العرفيين، وإلا لم يكن مقام يتم فيه لإقامة العشرة.
ج: لا شك في اشتراط التوالي في الأيام العشرة لتحقق إقامة عشرة أيام،
لأنه المتبادر، بل هو اتفاقي. فلو أقام خمسة ثم خرج وسافر أياما ثم أقام خمسة
أخرى لم يكن كافيا إجماعا، ويجب أن تكون أيام الإقامة في بلد متتالية.
نعم اختلفوا في أنه هل يشترط في تحقق الإقامة في موضع عدم الخروج منه
أصلا، أو لا بل لا يضر فيه الخروج عنه في زمان يسير؟ ولو سلم اشتراط عدم
الخروج منه فهل يشترط عدم الخروج عن حد ترخصه، أو عدم البلوغ حد
المسافة؟
والحاصل أنه لا شك في تعليق الحكم على إقامة العشرة المتتالية في بلد، إنما
الكلام في معنى الإقامة في بلد.
فقيل: معناها أن لا يخرج عن محل الإقامة إلى حد الترخص فما فوقه، كما
عن الشهيدين (1).
وقيل: أن لا يخرج إلى المسافة فما فوقها، فلا يضر فيها أن يخرج إلى ما دون
المسافة مع رجوعه ليومه وليلته، كما عن فخر المحققين (2).
وقيل: يناط ذلك إلى العرف، فيشترط فيه انتفاء ما يضر عرفا بإقامة البلد
عرفا، ولا يشترط غير ذلك كما ذهب إليه جمع من أفاضل المتأخرين (3).

(1) الشهيد الأول في البيان: 160، والشهيد الثاني في المسالك 1: 49، ونتائج الأفكار (الرسائل):
190.
(2) نقله عنه الشهيد الثاني في نتائج الأفكار (الرسائل): 191.
(3) انظر المدارك 4: 460، والبحار 86: 43، والذخيرة: 411، والحدائق 11: 346، والرياض
1: 259.
246

دليل الأول: أن معنى الإقامة في البلد أن لا يخرج عن حدود ذلك البلد،
والمستفاد من الأخبار أن الحدود الشرعية لكل بلد منتهى سماع أذانها ورؤية بيوتها
وجدرانها، وهو الذي يحصل به الترخص من جميع أطرافها، فما دام يكون فيما دون
حد الترخص يكون في البلد، وإذا تجاوز عنه يكون خارجا عنه.
أو يقال: ليس المراد بالإقامة معناها الغوي، ولم تثبت فيه حقيقة شرعية،
فيقتصر فيه على موضع الاجماع، وهو ما لم يتجاوز حد الترخص.
أو يقال: معنى الإقامة في البلد الإقامة فيه عرفا، وعدم الخروج عن حد
الترخص عن بلد أقام فيه عرفا، دون ما تجاوز عنه.
ويرد على الأول: منع كون الحدود لبلد هو حد الترخص. واعتباره في كل
من الخروج والدخول من السفر لا يستلزم اعتباره في معنى الإقامة أو البلد أو
الموضع، فإنه أمر شرعي لا مدخل له في أمر عرفي مستفاد من اللفظ المترتب عليه
الحكم الشرعي. وتقديم الشرع على اللغة أو العرف إنما هو فيما إذا أفاد الشرع
حقيقة شرعية لذلك اللفظ الذي نيط به الحكم، دون ما إذا أفاد شرطا شرعيا
لحكم في بعض الموارد كما نحن فيه، فإن غاية ما يستفاد من الشرع اعتبار حد
الترخص حال خروج المسافر ودخوله في القصر والاتمام، لا صيرورة الإقامة حقيقة
شرعية فيما لم يحصل معه الخروج إلى حد الترخص للفظها.
وعلى الثاني: منع عدم إرادة المعنى اللغوي عن الإقامة في موضع، بل هو
المراد، وهو ما يصدق عليه ذلك عرفا فإنه لا يعلم للإقامة في موضع لغة معنى
سوى ما يفهمه العرف، وعلى هذا فلا حاجة إلى الاقتصار على موضع الاجماع،
بل يرجع إلى العرف، مع أن أصل الاجماع الذي ادعاه ممنوع.
وعلى الثالث: أن بعد الإناطة إلى العرف لا يتفاوت فيه التجاوز عن حد
الترخص بقليل أو عدم البلوغ إليه كذلك، والحاصل أنه لا وجه لإناطة العرف
بخصوص حد الترخص.
دليل الثاني: أن الإقامة إنما تنقطع بالسفر الشرعي، والسفر إلى ما دون
247

المسافة ليس سفرا شرعيا فلا يقدح في اتصال الإقامة. وبعبارة أخرى: المراد
بالإقامة ترك السفر، فلا ينافي قصد ما دون المسافة فيه.
ورواية الحضيني: استأمرت أبا جعفر عليه السلام في الاتمام والتقصير،
قال: " إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة " فقلت له: إني أقدم مكة
قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة، قال: " انو مقام عشرة أيام وأتم الصلاة " (1).
ولا ريب أن القادم بيومين أو ثلاثة قبل التروية من نيته الخروج إلى عرفة
قبل العشرة، ولا يتم معه الحكم بالتمام إلا على هذا القول.
وصحيحة ابن مهزيار وفيها: " إذا توجهت من منى فقصر الصلاة، فإذا
انصرفت عن عرفات إلى منى وزرت البيت ورجعت إلى منى فأتم الصلاة تلك
الثلاثة الأيام " (2).
فإن إتمام الصلاة في منى في الأيام الثلاثة لا يتم إلا على عدم ضرر ما دون
المسافة في قصد الإقامة، لأنه بعد الثلاثة يقصد مكة.
وصحيحة زرارة: " من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة
وهو بمنزلة أهل مكة، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير، فإذا زار البيت أتم
الصلاة، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر " (3).
فإن إتمام الصلاة في منى لا يتم إلا على القول المذكور، ولذا قال في الوافي
بعد ذكر الرواية والكلام فيها: إلا أن يقال إرادة ما دون المسافة لا تنافي عزم
الإقامة، وعليه الاعتماد (4). انتهى.
وظاهره - كما ترى - موافقته لهذا القول لأجل هذه الروايات.

(1) التهذيب 5: 427 / 1484، الإستبصار 2: 332 / 1180، الوسائل 8: 528 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 15.
(2) التهذيب 5: 428 / 1487، الإستبصار 2: 333 / 1183، الوسائل 8: 537 أبواب صلاة
المسافر ب 27 ح 3.
(3) التهذيب 5: 488 / 1742، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 3.
(4) الوافي 7: 154.
248

ويرد على الأول: منع توقف انقطاع الإقامة بالسفر الشرعي، بل ينقطع
عرفا بغيره أيضا. وحمل الإقامة على ترك السفر الشرعي لا يوافق حقيقة لغوية ولا
لشرعية ولا عرفية.
وعلى الرواية الأولى: أنها معارضة مع الصحيحتين الأخيرتين، فإنهما تدلان
على أن قصد عرفات يوجب التقصير ويهدم قصد الإقامة، فهما حجتان على
المستدل لو قال بعدم كون أربعة فراسخ مسافة، ولا تصلح حجة له لو قال بكونها
مسافة. مع أن لزوم خروج كل من يرد مكة إلى عرفات ممنوع، ومن أين علم
خروج الراوي؟
وعلى الأخيرتين: أنهما صرحتا بهدم الإقامة الأولى بقصد عرفة ولم يعلم أن
الحكم بالتمام فيهما لمن يأتي منى لأجل قصد إقامة مستأنفة قبل الاتيان بمنى ثانيا
بمكة، لخلوهما عن هذا التقييد، وليس منه فيهما عين ولا أثر، بل مقتضاهما التمام
ولو لم يقصد الإقامة المستأنفة أيضا.
ودعوى أكثرية عزم الإقامة بمكة بعد الفراغ من الحج - كما في
الوافي - (1) ممنوعة جدا، سيما في زمان الإمام لأهل مدينة ونحوهم.
بل الأخيرة صريحة في أنه ليس لذلك، لجعلها غاية التمام النفر المستلزم
لعدمه بعد النفر ودخول مكة مع أنه لو كان السبب ذلك لوجب التمام بعد النفر
في مكة أيضا، وحمل النفر على النفر إلى بلده يوجب بطلان الاتمام للقصد في مكة
إجماعا.
ومنه يظهر تقييد الصحيحة الأولى بما قبل النفر أيضا وتخرجان بذلك عن
مفروض المسألة، غاية الأمر أنه لا يكون سر الاتمام في منى فيهما معلوما لنا، فلا
تفيدان لنا في المسألة شيئا.
ويمكن أن يكون الاتمام لقصد إقامة مستأنفة بعد النفر من منى في مكة،
حتى تكون أيام منى محصورة بين قصد إقامتين بأن لا تضر مسافة التخيير في

(1) الوافي 7: 154.
249

ذلك.
ودليل الثالث: أنه لم يرد نص في معنى إقامة الأرض والبلد، فيرجع فيه إلى
ما تعد إقامة البلد عرفا، لأنه الحاكم في أمثال ذلك. وفرعوا عليه أنه لو نوى ما
يقال له في العرف: إنه إقامة ذلك البلد، فهو يكفي وإن انضم إليه التردد إلى
البساتين المتصلة بالبلد والمحلات الخارجة عن سوره، الغير المنفصلة عن البلد
عرفا، ما لم يصل إلى موضع بعيد يخرجه عن المقيمين في البلد.
وبالجملة ليس معنى الإقامة ولا البلد ونحوه أمرا تحقيقيا، بل هما أمران
عرفيان، فالاقامة هي عدم الخروج عرفا، وقد لا يضر الخروج في دقيقة أو ساعة
في إقامة مدة طويلة، والبلد ونحوه هو ذلك الموضع كل عرفا وقد لا يضر البعد عن
بيوته بنصف ميل ونحوه فالمناط فيهما العرفيان.
والظاهر عدم الخروج عن إقامة بلد بالتردد إلى بساتينه ومزارعه، المتصلة به
القريبة منه المعدودة عند أهل البلد من بساتين البلد ومزارعه، ما لم تعد في العرف
موضعا على حدة مقابلا لذلك البلد، فيقال: هذا في البلد، وهذا في الموضع
الفلاني وهذا بستان البلد، وهذا بستان القرية الفلانية.
أقول - ومن الله التوفيق -: إن لنا لفظين، أحدهما: الإقامة، وثانيهما:
موضع الإقامة من الأرض أو البيت أو المكان أو البلد أو نحوها، وليس شئ منهما
مبينا شرعا، فيجب في تعيين معناهما الرجوع إلى العرف. ولكن اللفظ الأول
واحد في الأخبار وهو لفظ الإقامة، وأما الثاني فيجب أولا تعيين المضاف إليه
للإقامة ثم الرجوع في استخراج معناه إلى العرف، فإن إقامة البيت غير إقامة
المحلة، وهي غير إقامة البلد والقرية، وهي غير إقامة الرستاق والمملكة وهكذا.
فنقول أولا لبيان ذلك: إن أخبار الإقامة منها ما لم يذكر فيه محل الإقامة وما
يقيم فيه، بل يتضمن حكم الإقامة مطلقة كصحيحة الخزاز ونحوها، ومنها ما
يتضمن الإقامة بأرض كصحيحة زرارة ورواية أبي بصير، ومنها ما يتضمن الإقامة
بمكان كصحيحة علي، ومنها ما يتضمن الإقامة بالبلدة كصحيحتي منصور وابن
250

وهب المتقدمتين (1)، وصحيحة أبي ولاد وغيرها الآتية في مسألة الاتمام في المواطن
الأربعة (2) وغير ذلك.
والصنف الأول مجمل من حيث محل الإقامة، والثانيان شاملان لإقامة
البيت والمحلة والبلد والرستاق والمملكة ونحوها، ولا شك في تفاوت حكم الخارج
بقصد كل منها، إلا أن الصنف الأخير أخص مطلقا من الجميع، فيجب الحمل
على إقامة البلدة ونحوها من القرية، لأنها أيضا بحكمها إجماعا، حملا للمطلق
على المقيد، والمجمل على المبين.
وحمل الإقامة على ترك السفر حتى لا يحتاج إلى المضاف إليه لا دليل عليه،
لأنه ليس معنى الإقامة لغة ولا شرعا ولا عرفا، مع أن ناوي الإقامة مسافر عرفا
أيضا، وأيضا نرى أنه لو كان يقول: من أقام في بيت عشرة أيام يتم، كان يختلف
حكمه مع قوله: من أقام في محلة أو أقام في بلد، ولو كان المراد ترك السفر لم يختلف
البتة، ويحصل من ذلك أن متعلق حكم الاتمام هو قصد إقامة البلد أو القرية أو
المصر أو المدينة أو نحوها.
وعلى هذا فلا بد من الرجوع في معنى المضاف والمضاف إليه إلى العرف.
ومعنى الأول عرفا واضح، وهو التوقف في ذلك الموضع وعدم الخروج منه،
وهو يختلف باختلاف المدة، فلو قال: أقم في البيت الدقيقة الفلانية، يعصى
بالخروج منه بنصف دقيقة، ولو قال: أقم فيه شهرا، لا يعصى بالخروج إلى حواليه
دقيقة عرفا على الظاهر، بل ولا ساعة أو ساعات إذا لم يبعد المسافة كثيرا.
وأما الثاني فلا شك في صدقه على ما أحاط به سور البلدة أو القرية أو ما
تجمعه حدود بنيانها ودورها، ولكن قد يقتصر على ذلك في العرف كما يقال لمن أقام
عند درب بغداد: ما دخل بغداد واجتاز منها، ولذا لو نذر أحد أن لا يدخل بغداد
لا يحنث لو ذهب إلى قرب سوره.

(1) راجع ص 243، و 244.
(2) انظر ص 307.
251

وقد استعمل ذلك في بعض الأخبار الآتية في بيان حد الترخص، بل هذا
هو الاستعمال الأكثري كما يستفاد من الأخبار أيضا، ولذا اعتبروا ابتداء المسافة
من خارج البلد بهذا المعنى، ولذا يصح أن يقال: فلان خرج من البلد، إذا تجاوز
عن دربه وسوره.
وقد يتجاوز عن ذلك فيستعمل فيما ذكر وفي حدوده المتصلة به وبساتينه،
كما مرت الإشارة إليه.
وقد يتجاوز عن ذلك أيضا فيستعمل في بلدة وقراها وقرية ومزارعها
البعيدة، فيقال: فلان ساكن بغداد، وإن سكن بعض قراها.
ونحن لا نعلم المراد من البلدة والقرية التي أضيفت إليها الإقامة، ولا شك
أن ذلك ليس منوطا إلى قصد المقيم حتى لو نوى المقام بالبلدة بالمعنى الأخير لم
يضر الخروج إلى قراها البعيدة التي منها إليها عشرة فراسخ وأكثر ويكون المجموع
في حكم الوطن، بل القدر الثابت أن قصد الإقامة في البلدة والقرية موجب
للاتمام، والبلدة تستعمل في معان، والقدر المعلوم أن قصدها بالمعنى الأول - وهو
ما جمعته الدور والبنيان وحفته السور والجدران - يوجب الاتمام قطعا، والباقي
غير معلوم لنا، فلا يعلم تعلق الحكم به أيضا.
فإن قلت: معنى البلدة في إقامة البلدة مركبة غير معناها مفردة.
قلنا - مع أنه خلاف الأصل للعلم بالمعنى التركيبي لغة -: إنه لو قال: أقم
في داخل السور، فهل يفهم جواز التجاوز عنه؟ بل لا شك في عدم جوازه، فإذا
احتمل كون المراد بالبلدة ذلك المعنى كيف يتفاوت معنى إقامة البلدة؟!
نعم في معنى الإقامة عشرة أيام عرفا توسع لا يضر الخروج ساعة أو ساعتين
أو ساعات حتى لو قال: أقم داخل السور عشرة أيام، لم يضر هذا القدر من
الخروج إذا لم يبعد المسافة كثيرا، وهو توسع في معنى الإقامة مختلف باختلاف مدته
قصرا وطولا أو في معنى عشرة أيام، لا في معنى البلدة.
ومن هذا يظهر أن ما نقله في الحدائق ناسبا له إلى الغفلة، وهو أنه اشتهر
252

في هذه الأزمنة المتأخرة أن من أقام في بلدة أو قرية مثلا فلا يجوز له الخروج من
سورها المحيط بها أو عن حدود دورها وبنيانها (1)، هو الحق الحقيق بالاتباع، وعليه
الفتوى والاعتماد. ولا يتوهم أن ذلك قول مغاير للقول الثالث، بل هو عينه، إلا
أنا نقول: إن هذا هو المعنى العرفي لإقامة البلد.
نعم لا يضر خروج ساعة أو ساعتين أو نحو ربع يوم إلى حوالي البلد، لا
لصدق البلد على الحوالي، بل لعدم منافاته لصدق الإقامة عشرة حتى لو قال:
أقم داخل السور عشرة أيام، لم يضر ذلك أيضا.
وبهذا ينضبط أمر الإقامة، وإلا فيحصل الاضطراب في الرستاق القريبة
القرى وفي نحو ذلك.
فاللازم في قصد الإقامة قصد التوقف في مجتمع البنيان والدور من بلد
عرفا، وعدم الخروج منها لا خروجا عرفيا لا بنحو عشرة أقدام وعشرين ونحوهما مما
لا يخل بالإقامة من خروج زمان يسير.
وحمل الإقامة على ترك السفر الشرعي كان معنى حسنا منضبطا لو كان على
إرادته والحمل عليه دليل، ولكن لا دليل عليه أصلا.
د: قال في المنتهى: لو عزم على إقامة طويلة في رستاق ينتقل فيه من قرية
إلى قرية، ولم يعزم على الإقامة في واحدة منها المدة التي يبطل حكم السفر فيها،
لم يبطل حكم السفر، لأنه لم ينو الإقامة في بلد بعينه، فكان كالمنتقل في سفره من
منزل إلى منزل (2).
قال في المدارك: وهو حسن (3) وتبعه جع آخر (4).
وهو كذلك، ووجهه واضح، فإن الثابت هو تعلق الاتمام على من قصد

(1) الحدائق 11: 344.
(2) المنتهى 1: 398.
(3) المدارك 4: 461.
(4) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 412، والعلامة المجلسي في البحار 86: 43.
253

الإقامة في قرية دون رستاق أو مملكة. وعلى هذا فيضر في قصد الإقامة قصد
الخروج إلى قرية أخرى ولو كانت قريبة جدا، ولا يضر الخروج عن دورها بقليل
أو في زمان يسير.
ه‍: لو نوى المسافر الإقامة في بلدة وأقام العشرة أو صلى فيها صلاة تامة،
ثم بدا له الخروج، فإن كان إلى المسافة فحكمه واضح.
وإن كان إلى ما دونها: فإما لا يريد العود إلى موضع الإقامة، أو يريده.
فإن لم يرد: فإما يقصد المسافرة من ذلك الموضع بغير قصد إقامة في الموضع
الثاني فيقصر، أو يقصد فيه الإقامة، فيتم في ذلك الموضع والطريق إن لم يبلغ
الأربعة، ويتخير في الطريق إن بلغها، والكل ظاهر.
وإن أراد العود: فإما يكون بعد قصد إقامة في ذلك الموضع الثاني أو قبله.
فإن كان بعده يتم في الطريق ذهابا وإيابا وجوبا مع عدم كونه أربعة،
وتخييرا مع كونه أربعة، وفي ذلك الموضع والموضع الأول وجوبا إن أراد قصد إقامة
مستأنفة في الموضع الأول، ويقصر حين الخروج من ذلك الموضع الثاني في الطريق
وفي الموضع الأول إن لم يرده.
وإن كان قبله: فإما بلغ المسافة أربعة، أم لا.
فإن بلغ: فإن أراد العود ليومه يقصر في الطريق ذهابا وإيابا وفي ذلك
الموضع وجوبا وكذا في محل الإقامة مع عدم قصد إقامة جديدة فيه.
وإن لم يرد العود ليومه بل عاد بعد يوم ونحوه: فإن قصد إقامة مستأنفة بنى
على ضم الإياب مع الذهاب في وجوب القصر أو جوازه أو عدم الضم أصلا،
والمشهور هنا الأخير، وقيل: بلا خلاف ظاهر، بل قيل: إنه إجماع (1). والحق
الثاني، لما مر في المسألة الثالثة من الشرط الأول (2)، بل الأول، لعدم معلومية

(1) انظر الرياض 1: 260.
(2) راجع ص 190.
254

شذوذ القول بالضم هنا.
ولو لم يقصد إقامة مستأنفة فالمشهور وجوب القصر بالخروج عن الموضع
الأول، ونسب إلى الشيخ والحلي والفاضل (1). وقيل باختصاصه بحال الإياب
فيتم في الذهاب، حكي عن الشهيدين (2)، ونسبه بعضهم إلى الأكثر أيضا، بل
نسب القول بالتمام مطلقا - حتى في الإياب - إليهم.
وعلى هذا فهو قول ثالث، وأفتى به الفاضل في جواب المسائل المهنائية (3).
وهنا قول رابع وهو القصر ذاهبا وجائيا وفي الموضعين، إلا إذا قصد إقامة
جديدة أو أراد تكميل الإقامة الأولى، نسب إلى ظاهر المختلف (4).
وقد يحكى قول خامس ينسب إلى البيان، وهو الفرق في العود بين عدم
إقامة أصلا وبين الإقامة في الجملة وإن كان دون العشرة، فيقصر ذاهبا وجائيا في
الأول وعائدا خاصة في الثاني (5).
دليل الأولين: ضم الذهاب مع الإياب، وإطلاقات وجوب القصر على
المسافر، خرج موضع الإقامة حال الإقامة فيبقى الباقي.
ودليل الثاني: عدم ضمه، وكون الأصل في الصلاة التمام كما يستفاد من
الغلبة، واستصحاب حال المكلف، خرج حالة الإياب لقصد المسافة، فبقي
الباقي.
ودليل الثالث: ذلك الأصل، وكون محل الإقامة بمنزلة الوطن.
ودليل الأخيرين: اعتبارات ضعيفة.

(1) الشيخ في المبسوط 1: 138، الحلي في السرائر 1: 346، الفاضل في المنتهى 1: 398، والقواعد
1: 50.
(2) الشهيد الأول في الدروس 1: 214 الشهيد الثاني في نتائج الأفكار (رسائل الشهيد الثاني):
186.
(3) أجوبة المسائل المهنائية: 131.
(4) المختلف: 171.
(5) البيان: 266.
255

وإذ قد عرفت أن الحق الضم في جواز القصر تعرف أن القوة مع جواز
القصر ذهابا وما دام في الموضع الأول، له ولجواز القصر في الأربعة مطلقا،
ووجوبه إيابا. بل الظاهر الأقوى الوجوب في الذهاب في هذه المسألة أيضا، لما
عرفت من أن رفع اليد عن أدلة وجوب الضم إنما كان لشذوذها، وهو في المسألة
مفقود، ولما مر من إطلاقات قصر المسافر، ولما يأتي مما يدل على القصر فيما دون
الأربعة.
وأصالة التمام في كل صلاة ممنوعة، ولو سلمت فبما مر مدفوعة، وكون محل
الإقامة بمنزلة الوطن في جميع الأحكام لا دليل عليه، وعموم المنزلة التي ادعي مما
لا ينبغي الركون إليه.
وإن لم يبلغ المسافة أربعة فمع قصد إقامة مستأنفة في محل الإقامة لا يقصر
مطلقا، إذ لا موجب له.
ومع عدم قصدها فكالأربعة، فيقصر ذهابا وإيابا وفي الموضعين، باعتبار
ضم الإياب مع الذهاب هنا وجوبا، وتدل عليه بالتصريح صحيحة أبي ولاد
الآتية في حكم الصلاة في المواطن الأربعة (1)، ورواية الجعفري الآتية في الفرع
التاسع (2).
ولا يخفى أن المراد بعدم قصد الإقامة المستأنفة في محل الإقامة هنا عدم
قصدها في ذلك السفر مطلقا ولو بعد التردد إلى الموضع الثاني مرات. فلو قصدها
ولو بعد التردد يتم ذهابا وإيابا وفي الموضعين وجوبا، كمن قصد الإقامة في
بغداد ثم أراد الذهاب إلى الكاظمين عليهما السلام، فإن لم يرد إقامة ثانية في
بغداد أصلا في هذا السفر يقصر وجوبا ذهابا وإيابا وفي الموضعين. وإن أراد إقامة
ثانية فيها ولو بعد التردد إلى الكاظمين مكررا بأن تكون تلك الترددات محصورة

(1) انظر ص 307.
(2) انظر ص 259.
256

بين قصد إقامتين يتم في الجميع وجوبا، لما ذكرنا سابقا من أن الثابت ضم إياب
واحد مع الذهاب لا التردد مكررا.
هذا إذا لم تكن المسافة بين الموضعين أربعة، وإلا فكما عرفت يجب القصر
مع قصد الإقامتين في طرفي الترددات.
و: اليوم وإن كان حقيقة فيما بين الطلوعين إلا أنه يدخل هنا الليالي
إجماعا، لا بمعنى اشتراط عشرة ليال أيضا، بل بمعنى أن يقيم في الليالي
المتخللة بين العشرة أيام، فلو أقام الأيام وخرج الليالي لم يكن إقامة عشرة إجماعا،
ولكن لو دخل أول طلوع الشمس من يوم وخروج أول غروبها من العاشر كفى وإن
لم يقم إلا تسعة ليال، للاجماع أيضا وصدق إقامة العشرة.
ز: تجب إقامة عشرة أيام تامة، لأنها مقتضى اللفظ، فلو نقص عنها بعض
يوم ولو نصف ساعة لم يكن إقامة العشرة.
ويظهر من بعضهم احتساب يوم الدخول والخروج منها ولو كانا بعض
يوم (1).
ولا وجه له، والصدق العرفي الذي ادعاه ممنوع.
ولو دخل في أثناء يوم وخرج في أثناء يوم آخر ففي احتسابهما أربعة أوجه بل
أقوال:
الأول: عدم احتسابهما مطلقا لا يوما ولا يومين واشتراط عشرة تامة غيرهما،
اختاره في المدارك (2).
والثاني: احتسابهما يوما واحدا بالتلفيق، استقر به في الذكرى وروض
الجنان والبحار (3)، وبعض مشايخنا (4).

(1) نقله في الحدائق 11: 347 عن بعض مشايخه المحققين.
(2) المدارك 4: 460.
(3) الذكرى: 256، روض الجنان: 386، البحار 86: 43.
(4) الرياض 1: 259.
257

والثالث: احتسابهما يومين مطلقا، فيتم العشرة بهما وبثمانية أخرى، يظهر
من بعضهم القول به.
والرابع: احتسابهما يومين إن دخل قبل الزوال كثيرا وخرج بعده كذلك،
ولو عكس أو دخل وخرج عند الزوال فيسقطهما أو يلفق (1).
والحق هو الأول، لأن اليوم حقيقة في ذلك الزمان الممتد المتصل تاما، ولا
يصدق على نصف من يوم ونصف من آخر أو غير معلوم صدقه عليه، فما لم يتحقق
هذا الزمان الممتد عشر مرات لم يعلم صدق عشرة أيام. والتلفيق مطلقا أو
احتساب الناقص كذلك خلاف الأصل والحقيقة، فيحتاج إلى دليل.
ومستند المخالفين ودفعه ظاهر، وأقوى اعتمادهم على الصدق العرفي
الممنوع جدا.
ح: لو حصل له قصد الإقامة عشرة في أثناء صلاة مقصورة يتم الصلاة،
بلا خلاف ظاهر، بل من بعضهم الاجماع عليه (2)، وتدل عليه صحيحة ابن
يقطين: عن رجل خرج في سفر ثم تبدو له الإقامة وهو في صلاته، قال: " يتم إذا
بدت له الإقامة " (3).
ونحوها حسنة سهل بن اليسع (4).
ط: إن رجع ناوي الإقامة عن قصده فإن لم يصل صلاة تامة رجع إلى
التقصير، وإن صلى صلاة تامة ولو واحدة أتم سائر ما يصلي في ذلك المقام ولو
صلاة واحدة، بلا خلاف في شئ من الحكمين، بل عن جماعة الاجماع عليه (5).

(1) كما يظهر ذلك من بعض مشايخ صاحب الحدائق، انظر الحدائق 11: 347.
(2) التذكرة: 193.
(3) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 8، الفقيه 1: 285 / 1299، التهذيب 3: 224 / 564،
الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 1.
(4) التهذيب 3: 224 / 565، الوسائل 8: 511 أبواب صلاة المسافر ب 20 ح 2.
(5) منهم صاحب المدارك 4: 463 والوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
258

وتدل عليه صريحا صحيحة أبي ولاد الآتية في حكم الصلاة في المواطن
الأربعة (1)، والرضوي المنجبر (2)، وهو أيضا بمعناها.
وأما رواية الجعفري: لما أن نفرت من منى نويت المقام بمكة، فأتممت
الصلاة حتى جاءني خبر من المنزل، فلم أجد بدا من المصير إلى المنزل، ولم أدر
أتم أم أقصر، وأبو الحسن عليه السلام يومئذ بمكة، فأتيته فقصصت عليه
القصة، فقال: " ارجع إلى التقصير " (3).
فهي غير منافية لما ذكر، لأن المراد الرجوع إلى التقصير بعد الخروج من
مكة، وهو كذلك ما لم يقصد إقامة جديدة.
وظاهر قوله في الصحيحة. " حتى بدا لك أن لا تقيم " أن الموجب للرجوع
إلى التقصير قبل الصلاة هو قصد عدم الإقامة. فلو حصل له التردد بعد القصد
لا يقصر، لعمومات التمام في موضع قصد فيه الإقامة، واستصحاب وجوب
التمام. ولا تعارضها عمومات قصر المتردد، لظهورها فيمن كان كذلك ابتداء.
وكذا ظاهرها أن الموجب للرجوع هو قصد عدم الإقامة سواء قصد المسافة
أو ما دونها، فيقصر لو كان رجوعه قبل الصلاة إلى قصد ما دون المسافة، وفاقا
لجماعة (4)، وخلافا لآخرين لوجه ضعيف (5).
ثم إن الحكم بالاتمام فيها وقع معلقا بالصلاة، فلا يكفي الصوم الواجب
ولو أتمه قبل الرجوع، لعموم الصحيحة.
وقيل: يكفي إن رجع بعد الزوال (6)، لما دل من العمومات على وجوب

(1) انظر ص 307.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 540 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 1.
(3) الفقيه 1: 283 / 1286، التهذيب 3: 221 / 554، الإستبصار 1: 239 / 852، الوسائل
8: 509 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.
(4) كالعلامة المجلسي في البحار 68: 44، وصاحبي الرياض 1: 260، والحدائق 11: 405.
(5) كالشهيد الثاني في الروض: 314، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 412.
(6) التنقيح 1: 294، روض الجنان: 395.
259

المضي في الصوم إذا سافر بعد الزوال (1)، فإذا صح فلا بد أن لا تبطل إقامته، وإلا
فيلزم وقوع الصوم في السفر.
وفيه أولا: أن شمول العمومات لما نحن فيه ممنوع، لأنها الظاهرة فيمن
سافر من المكان الذي يتحتم فيه الصوم. وثانيا: أن بطلان وقوع الصوم مطلقا في
السفر أيضا ممنوع، إنما هو إذا كان مجموعه حاصلا في السفر.
وقيل: يكفي مطلقا، لصحة الصوم قبل الزوال، فتكون إقامته صحيحة،
وإلا لزم جواز الصوم في السفر (2).
وفيه: أنه مراعى بعدم الرجوع أو بإتمام فريضة تامة للصحيحة، وذلك
واسطة بين الصحة الحتمية والبطلان الحتمي، فالصوم صحيح ما لم يرجع أو
يصلي فريضة تامة.
وكذا علق الحكم على وقوع الصلاة، فلا يكفي مضي زمانها مع تركها عمدا
أو سهوا أو لاغماء أو جنون.
وعلى إتمامها، فلا يكفي بعض الصلاة، فلو رجع عن العزم في أثناء
الصلاة يقصرها، وفاقا لجماعة (3).
وقيل: لا يرجع لأن الصلاة على ما افتتحت عليه (4).
وقيل: يرجع إن لم يتجاوز محل القصر، وإن تجاوز لم يرجع، لاستلزامه
إبطال العمل - المنهي عنه - لو رجع، فيتم ثم يصدق أنه صلى صلاة تامة (5).
وفيه: منع أنه إبطال، بل هو بطلان. سلمنا ولكن لا نسلم النهي عن
الابطال هنا.

(1) انظر الوسائل 1: 185، أبواب من يصح منه الصوم ب 5.
(2) العلامة في التذكرة 1: 193، والتحرير 1: 56، القواعد 1: 50، ونهاية الإحكام 2: 185.
(3) انظر المنتهى 1: 498، والمدارك 4: 483، والذخيرة: 412، والحدائق 11: 425.
(4) كما في المبسوط 1: 139، والمهذب 1: 108، وعن ابن الجنيد في المختلف: 169.
(5) كما في نهاية الإحكام 2: 185، والمختلف: 169، والتذكرة 1: 193، والتحرير 1: 56،
والدروس 1: 211، والبيان: 261.
260

وعلى كون الصلاة فريضة، فلا تكفي النافلة التي تسقط في السفر.
وأن تكون الصلاة بتمام، فلا تكفي الفريضة الغير المقصورة، ولا المقصورة
إذا أتممت لشرف البقاع.
ويمكن الخدش فيه بأن من صلى المغرب أو الصبح مثلا يصدق أنه صلى
فريضة بتمام، وتقييدها بالمقصورة لا دليل عليه، وتبادر أن الاتمام لنية الإقامة
ممنوع. نعم يتبادر أن تكون الصلاة تامة مع الاختيار والقصد، فلو تم المقصورة
بغير نية الإقامة سهوا لم يكن كافيا. وبالجملة مقتضى الصحيحة كفاية الصلاة
التامة الواقعة بقصد المكلف كيف ما كان، والتقييد بتامة مخصوصة لا دليل عليه.
وعلى هذا فلو ترك الصلاة حتى مضى وقتها بنية الإقامة، ثم قضاها تامة
ثم رجع لا يقصر.
ثم إنه بعد إيقاع الصلاة الواحدة تامة لو رجع، كما يصلي باقي الصلوات
تامة يصوم أيضا، لمفهوم قوله: " إذا قصرت أفطرت " (1) ويجبر عدم دلالته على
الوجوب بالاجماع المركب.
المسألة الثالثة: في بيان قطع السفر بالتردد شهرا في موضع، بمعنى أنه لو
تردد في الإقامة عشرة في موضع قصر ما بينه وبين شهر، فإذا تم الشهر أتم الصلاة
ولو صلاة واحدة، بلا خلاف فيه، بل عليه الاجماع في كلمات جملة من
الأصحاب (2)، بل هو إجماعي محققا، فهو الدليل عليه.
مضافا إلى المستفيضة من الصحاح وغيرها، منها: صحاح زرارة والخزاز
وابن وهب ورواية أبي بصير المتقدمة (3)، وصحيحة أبي ولاد الآتية في بيان حكم
المواطن الأربعة (4).

(1) انظر الوسائل 10: 184 أبواب من يصح منه الصوم ب 4.
(2) كصاحب المدارك 4: 463.
(3) في ص 243، 244.
(4) انظر ص 307.
261

وهل المعتبر الشهر الهلالي الحاصل برؤية الهلال إلى رؤيته، كما هو الوارد في
أكثر الروايات المتضمنة للفظ الشهر؟
أو الثلاثون يوما كما في صحيحة الخزاز؟
أطلق أكثر الأول تبعا لأكثر الروايات.
وقال الفاضل والشهيدان بالثاني (1)، حملا للمجمل على المبين أو المطلق
على المقيد.
والحق هو الثاني، لا لما ذكر، لمنع كون الشهر مجملا أو مطلقا، بل الظاهر
كونه حقيقة شرعا في الهلالي.
بل لأن الحكم بالاتمام إذا تم الشهر في رواياته عام يشمل ما قبل تمام
الثلاثين وما بعده، وصحيحة الخزاز خاصة بالنسبة إلى الأول، فيجب
التخصيص بها، ويدل عليه استصحاب حكم القصر أيضا إلى أن يعلم حصول
سبب التمام. ومنه يعلم وجوب البناء على الثلاثين أيضا لو قلنا بتعارض
الروايات.
وحكم الخروج إلى ما دون المسافة هنا وتلفيق اليومين كما مر في إقامة العشرة
بعينه.
الشرط الرابع: أن يكون السفر سائغا غير محرم، بلا خلاف بين
الأصحاب كما في الذخيرة (2)، بل بالاجماع كما صرح به جماعة منهم المحقق في
المعتبر والفاضل في جلة من كتبه (3)، بل هو إجماع محققا، له، وللمستفيضة من
الأخبار كصحيحة ابن مروان: " من سافر قصر وأفطر، إلا أن يكون رجلا سفره
إلى صيد، أو في معصية الله، أو رسولا لمن يعصي الله، أو في طلب شحناء أو

(1) الفاضل في التذكرة 1: 190، الشهيد الأول في الذكرى: 256، الشهيد الثاني في الروض:
378.
(2) الذخيرة: 409.
(3) المعتبر 2: 470، وانظر المنتهى 1: 392، والتذكرة 1: 191.
262

سعاية أو ضرر على قوم مسلمين " (1).
ورواية ابن بكير: عن الرجل يتصيد اليوم واليومين والثلاثة أيقصر
الصلاة؟ قال: " لا: إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين، وإن التصيد مسير باطل
لا يقصر الصلاة فيه " (2).
وموثقة عبيد: عن الرجل يخرج إلى الصيد يقصر أم يتم؟ قال: " يتم لأنه
ليس بمسير حق " (3).
ومرسلة الفقيه: " لا يقصر الرجل في شهر رمضان إلا بسبيل حق " (4).
وصحيحة حماد وفيها في باغي الصيد والسارق: " وليس لهما أن يقصرا في
الصلاة " (5).
وزرارة: عمن يخرج عن أهله بالصقور والبزاة والكلاب مسيرة الليلة أو
الليلتين والثلاث هل يقصر من صلاته أم لا يقصر؟ قال: " إنما خرج في لهو لا
يقصر " (6).
وموثقة سماعة: " ومن سافر قصر الصلاة وأفطر إلا أن يكون رجلا مشيعا
لسلطان جائر أو خرج إلى صيد، (7).

(1) الكافي 4: 129 الصيام ب 50 ح 3، التهذيب 4: 219 / 640، بتفاوت يسير، الوسائل 8:
476 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.
(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 4، التهذيب 3: 217 / 536، الإستبصار 1: 235 / 840،
الوسائل 8: 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 7.
(3) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 8، التهذيب 3: 217 / 537، الإستبصار 1: 236 / 841،
الوسائل 8: 479 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 4.
(4) الفقيه 2: 92 / 410، الوسائل 8: 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 1.
(5) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 7، التهذيب 3: 217 / 539، الوسائل 8: 476 أبواب
صلاة المسافر ب 8 ح 2.
(6) التهذيب 3: 218 / 540، 4: 220 / 641، الإستبصار 1: 236 / 842، الوسائل 8: 478
أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 1.
(7) التهذيب 3: 207 / 492، 4: 222 / 650، الإستبصار 1: 222 / 786، الوسائل 8: 477
أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 4.
263

ورواية أبي سعيد الخراساني: في رجلين سألاه عن التقصير - إلى أن قال -:
وقال للآخر: " وجب عليك التمام لأنك قصدت السلطان " (1).
ورواية إسماعيل بن أبي زياد: " سبعة لا يقصرون الصلاة " إلى أن قال:
" والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا، والمحارب الذي يقطع السبيل " (2).
ثم إن صريح هذه الأخبار عدم التقصير في السفر الذي تكون غايته حراما
أي يقصد بسفره أمرا محرما. ولا ريب فيه.
ومقتضى فتاوى الأصحاب والاجماعات المنقولة الاتمام فيه وفيما إذا كان
السفر نفسه معصية حراما أيضا وإن لم تكن غايته كذلك كالناشزة المسافرة إلى
صلة الأرحام، وقد صرح بذلك جماعة (3).
واستدلوا له بعموم صحيحة ابن مروان، وعموم التعليل في الروايتين
المتعقبتين لها، وبالاستثناء في المرسلة، وبأن التقصير تخفيف من الله سبحانه ورحمة
منه وتعطف لموضع سفره وتعبه ونصبه واشتغاله بظعنه وإقامته كما صرح به في
مرسلة الفقيه (4)، ولا شك أن التخفيف والرحمة والتعطف للعامي لا يناسب
الحكمة، وبأن المنع عن التقصير لمن غاية سفره معصية يقتضي منعه لمن نفس سفره
معصية بالطريق الأولى.
أقول: تحقيق المقال إن السفر الذي يعصى فيه على أقسام أربعة:
الأول: أن تكون غايته معصية أي يكون المقصود منه كلا أو جزاء معصية،
بمعنى أن يكون سفره لأجل الوصول إلى المعصية.

(1) التهذيب 4: 220 / 642، الإستبصار 1: 235 / 838، الوسائل 8: 478 أبواب صلاة
المسافر ب 8 ح 6.
(2) الفقيه 1: 282 / 1282، التهذيب 4: 218 / 635، الإستبصار 1: 232 / 826، الوسائل
8: 477 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 5.
(3) منهم صاحب المدارك 4: 446، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 409، وصاحبا الرياض 1:
252، والحدائق 11: 381.
(4) الفقيه 1: 290 / 1320، الوسائل 4: 87 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 24 ح 5.
264

والثاني: أن لا تكون الغاية حراما ولكن يكون أصل السفر منهيا عنه شرعا
ذاتا، خصوصا كالفرار من الزحف، أو عموما كالإباق من المولى، والنشوز عن
الزوج، وسفر الولد بدون إذن الوالد، وسلوك السبيل المخوف، أو مع المرض
المضر معه السفر ونحو ذلك.
ومن هذا القسم ما كان السفر تصرفا في ملك الغير فإنه يكون هذا السفر
منهيا عنه، لأن النهي عن تصرف ملك الغير نهي عن جميع أفراد التصرف منها
الحاصل بسبب السفر، كالسفر بركوب الدابة المغصوبة، فإن الحركة السفرية عين
التصرف في الدابة، وكالسفر بالنعل الغصبي.
والثالث: أن لا يكون الغاية محرمة ولا السفر منهيا عنه ذاتا وأصالة، ولكن
كان مستلزما لمحرم وعلة وسببا له حتى يكون السفر محرما بالتبع، وهن هذا القسم
ما كان ضدا خاصا لواجب مضيق يستلزم السفر تركه.
والرابع: أن لا يكون الغاية محرمة ولا السفر علة لمحرم، ولكن تصاحبه
المعصية ولا ينفك فيه عن معصية، كأن يكون مشغولا بغيبة شخص أو بالملاهي
التي كان مشغولا بها في الحضر أيضا.
ولا شك في عدم الترخص في كل ما كان من القسم الأول، والاجماع عليه
منعقد والأخبار به ناطقة.
كما أنه لا شك في الترخص في ما كان من القسم الرابع، لعمومات السفر،
وكونه جائزا قطعا، وأصالة عدم حرمته.
وإنما وقع الخلاف في الثانيين عن ثاني الشهيدين (1)، فرخص فيهما أيضا،
لاختصاص الأخبار بالأول.
وممن لحقه من فرق بين القسمين فلم يرخص في الثاني ورخص في
الثالث (2)، نظرا إلى عدم جعله الحرام التبعي معصية، أو عدم قوله بكون مسبب

(1) في روض الجنان: 388.
(2) المدارك 4: 447، الذخيرة: 409.
265

الحرام وملزومه حراما، أو عدم جعله الأمر بالشئ نهيا عن ضده الخاص، كما قال
بكل بعض من لاحظ له من التحقيق.
وظاهر الأكثر بل صريحهم - كما عرفت - ومقتضى إطلاقات إجماعاتهم
المنقولة عدم الترخص فيهما أيضا، لما نقلنا عنهم من الوجوه.
أقول: بعض ما ذكروه من الوجوه وإن كان محل نظر كعموم صحيحة ابن
مروان، إذ عمومها إنما هو لو جعلت لفظة: " في " بمعنى المصاحبة أو الباء، وأما
لو جعلت للتعليل أو السببية أو بمعنى: " إلى " فلا يكون لها عموم. وكعدم ملاءمته
لعلة شرعية التقصير، فإن مقتضاها وجود المعلول كلما وجدت العلة وأما انتفاؤه
مع انتفائها فإنما هو يقتضيه الأصل الذي لا أثر له هنا مع وجود إطلاقات
الترخص. وكالقياس بالطريق الأولى، فإنه موقوف على العلم بالعلة وهو هنا محل
كلام.
إلا أن إثبات المطلوب بعموم التعليل الوارد في الرواية والموثقة حسن سيما
الموثقة، إذ لا شك أن الحق هنا إنما هو بمعنى الحقيق واللائق أو الواجب، وكل
ما كان فليس السفر المحرم بنفسه أصلا أو تبعا منه، لأن المنهي عنه كيف ما كان
لا يكون حقا، بل بأي من المعاني الصالحة للمقام من معانيه أخذ لا يكون المحرم
منه قطعا.
ومنه يظهر دلالة مرسلة الفقيه أيضا.
ويدل عليه أيضا الرضوي المنجبر بما مر: قال: " في أربعة مواضع لا يجب أن
تقصر: إذا قصدت مكة ومدينة ومسجد الكوفة والحيرة، وسائر الأسفار التي ليست
بطاعة مثل طلب الصيد والنزهة ومعاونة الظالم، وكذلك الملاح والفلاح
والمكاري " (1).
ولا شك أن كل سفر منهي عنه ولو تبعا ليس بطاعة، والتمثيل بما مثل لا
يوجب التخصيص، وأصرح منه ما قاله بعد كلام: " ولا يحل التمام في السفر إلا

(1) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 544 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.
266

لمن كان سفره لله جل وعز معصية أو سفرا إلى صيد ".
وتعضده إطلاقات الفتاوى والاجماعات المنقولة بل المحقق على الظاهر
أيضا، وعدم مناسبة علة الترخص له، ومظنونية علة عدم إتمام من غاية سفره
الحرام، فلا ينبغي الريب في ثبوت الحكم للقسمين أيضا.
فروع.
أ: مقتضى إطلاق أكثر الروايات المتقدمة وإن كان عدم الترخص في
الصلاة ولا الصوم للصائد مطلقا، إلا أنه خص بما إذا كان الصيد للهو، دون ما
إذا كان لقوته وقوت عياله مع الحاجة إليه، بلا خلاف فيه على مما صرح به
جماعة (1)، بل بالاجماع كما عن المنتهى والتذكرة (2)، ودون ما إذا كان للتجارة إجماعا
أيضا في الافطار، وعلى الأشهر بين المتأخرين بل كما قيل: عليه كافتهم (3)، وفاقا
للمحكي عن السيد والمعاني والديلمي (4) من المتقدمين، في قصر الصلاة أيضا.
إما جمعا بين ما ذكر وبين صحيحة ابن سنان: عن الرجل يتصيد، قال:
" إن كان يدور حوله فلا يقصر، وإن كان تجاوز الوقت فليقصر " (5) أي بلغ حد
الرخصة.
بشهادة صحيحة زرارة ورواية إسماعيل بن أبي زياد المتقدمتين، بل التعليل
المذكور في موثقة عبيد أيضا.
أو لرفع اليد عن المتعارضين للتعارض وبقاء ما مر مما اختص بالمنع عن
التقصير في صيد اللهو بلا معارض مقاوم.

(1) منهم الفاضل المقداد في التنقيح 2881، وصاحب المدارك 4: 448، والمحقق السبزواري في
الذخيرة: 409، وصاحب الرياض 1: 252.
(2) المنتهى 1: 392، التذكرة 1: 192.
(3) الرياض 1: 252.
(4) السيد في الإنتصار: 51، المختلف: 161 عن العماني، الديلمي في المراسم: 74.
(5) التهذيب 3: 218 / 541، الإستبصار 1: 236 / 843، الوسائل 8: 479 أبواب صلاة المسافر
ب 9 ح 2.
267

مضافا فيما إذا كان للقوت إلى مرسلة محمد بن عمران: الرجل يخرج إلى
الصيد مسيرة يوم أو يومين يقصر أو يتم؟ قال: " إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر
ويقصر، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة " (1).
والرضوي: " وإذا كان مما يعود به على عياله فعليه التقصير في الصلاة
والصوم " (2).
بل هما يدلان على التقصير في التجارة أيضا، إذ الصيد للقوت أعم من أن
يتقوت به نفسه أو يتجر به للقوت. هذا مع ما ورد في الصحاح وغيرها: " إذا
قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت " (3).
خلافا في الصلاة فيما إذا كان الصيد للتجارة فيتمها للمحكي عن المفيد
ونهاية الشيخ والمبسوط وعلي بن بابويه والقاضي وابن حمزة والحلي (4)، بل أكثر
القدماء كما قيل (5)، بل ادعى الأخير الاجماع عليه، وادعى بعض مشايخنا عليه
الشهرة القديمة المحققة القريبة من الاجماع، بل قال: لم ينقل مخالف فيه من
القدماء عدا السيد ومن مر، وهم لم ينصوا على المسألة بل حكموا بالقصرين في
السفر المباح وبتلازم القصرين، فلعلهم أرادوا التخصيص (6).
وهو الأظهر، لمرسلة المبسوط حيث قال: وإن كان للتجارة دون الحاجة

(1) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 10، الفقيه 1: 288 / 1312، التهذيب 3: 217 / 538،
الإستبصار 1: 236 / 485، الوسائل 8: 480 أبواب صلاة المسافر ب 9 ح 5.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.
(3) كما في صحيحة معاوية بن وهب، انظر: الفقيه 1: 280 / 1270، التهذيب 3: 220 / 551،
الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر ب 15 ح 17.
(4) المفيد في المقنعة: 349، النهاية: 122، المبسوط 1: 136، المختلف: 161 عن علي بن بابويه
القاضي في المهذب 1: 106، ابن حمزة في الوسيلة: 109، ولكن الموجود فيها لزوم التقصير في
الصلاة دون الصوم، الحلي في السرائر 1: 327.
(5) الرياض 1: 252.
(6) الرياض 1: 252.
268

روى أصحابنا أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم (1).
ومرسلة السرائر حيث قال: وروى أصحابنا بأجمعهم أنه يتم الصلاة ويفطر
الصوم (2).
والرضوي: " وإذا كان صيده للتجارة فعليه التمام في الصلاة والقصر في
الصوم " (3).
وضعفها غير ضائر، لأن ما مر من دعوى الاجماع والشهرة بل تحققها (4) لها
الجابر، مع أن المبسوط والسرائر من الكتب المعتبرة والمروي فيهما لا يخلو عن اعتبار
وحجية سيما مع ظهور الأول وصراحة الثاني في كون الرواية مجمعا علميها. ولا
يوجب دعوى الشهرة المتأخرة بل ولا المطلقة - كما عن التذكرة (5) - وهنا في حجية
ما انجبر بالشهرة القديمة، لعدم التعارض. ولا يعارضها شئ مما مر، لأعميتها
عنها مطلقا فيخص بها.
وهل المراد بالتجارة التي قلنا فيها بإتمام الصلاة مطلق التكسب والبيع ولو
كان لأجل القوت، أو المراد بها ما لم يكن للقوت ولو بالمعاوضة والمبايعة بل كان
الغرض زيادة المال؟
الظاهر: الثاني: لمقابلة التجارة في مرسلة المبسوط بقوله: " دون الحاجة "
واحتمال ذلك في مرسلة السرائر أيضا، لعدم معلومية المرجع، بل لعدم ثبوت
الانجبار المتوقف حجية الأخبار عليه فيما إذا كان للحاجة ولو بالمعاوضة.
وهنا روايتان أخريان:
إحداهما: الرضوي المذكور في كتاب الصوم قال: " وصاحب الصيد إذا

(1) المبسوط 1: 136.
(2) السرائر 1: 327.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.
(4) في " ه‍ " و " ح ": تحققهما.
(5) لم نجدها في التذكرة لكن نقلها عنها في الرياض 1: 252.
269

كان صيده بطرا فعليه التمام في الصلاة والصوم، وإذا كان للتجارة فعليه التمام في
الصلاة والصوم " (1).
وثانيتهما: المروي في كتاب النرسي، قال في حكم الصائد: " فإن كان ممن
يطلبه للتجارة وليست له حرفة إلا من طلب الصيد فإن سعيه حق وعليه التمام في
الصلاة والصيام، لأن ذلك تجارته فهو بمنزلة، صاحب الدور الذي يدور في
الأسواق في طلب التجارة والمكاري والملاح " (2).
ومقتضى الأول عدم ترخص التاجر بالصيد في شئ من الصلاة والصوم،
ومقتضى الثاني التفصيل فيه بين ما إذا كان الصيد حرفته وعمله وعدمه.
ولكنهما ضعيفان، ولقول الفرقة مخالفان، فلا يصلحان لاثبات حكم.
ب: كما يعتبر هذا الشرط ابتداء يعتبر استدامة أيضا، فلو عرض قصد
المعصية في الأثناء انقطع الترخص حينئذ وبالعكس، بلا خلاف يعلم من
الأصحاب في الموضعين كما في الذخيرة (3).
ويشترط على الثاني كون الباقي مسافة ذهابا على ما قيل (4)، لأنه ابتداء
السفر المسوغ للقصر، ولاستصحاب الاتمام. ولو كان مع العود مسافة جاز قصره
في بقية الذهاب، كما مر وجهه في المسائل المتقدمة.
وعلى الأول لو عاد ثانيا إلى قصد الطاعة فإن كان الباقي مسافة - ولو كان
مع ضم العود - جاز القصر قطعا، بل وجب لو كان العود في اليوم، كما أنه لو كان
كذلك بنفسه وجب أيضا كذلك.
ولو لم يكن بنفسه مسافة فعن القواعد (5) عدم وجوب القصر وعدم ضم ما

(1) فقه الرضا عليه السلام: 208، مستدرك الوسائل 6: 533 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.
(2) كتاب زيد النرسي (الأصول الستة عشر): 50، مستدرك الوسائل 6: 532 أبواب صلاة المسافر
ب 7 ح 1.
(3) الذخيرة: 409.
(4) الرياض 1: 252.
(5) القواعد 1: 50.
270

قبل المعصية مع ما بعده، للأصل.
وعن الذكرى وظاهر المعتبر والمنتهى وجوبه (1)، بل هو ظاهر الصدوق
والشيخ في المبسوط والنهاية والسرائر (2)، لاطلاق مرسلة السياري: " إن صاحب
الصيد يقصر ما دام على الجادة، فإذا عدل عن الجادة أتم، فإذا رجع إليها
قصر " (3).
وعن التذكرة والنهاية والتحرير والمسالك وروض الجنان: التردد (4).
والأظهر: الثاني، لأنه قصد أولا الثمانية فكان عليه القصر في جميع هذه
المسافة، خرج عنه ما خرج لقصد المعصية، فيبقى الباقي.
ومنه يظهر القصر لو لم يكن الباقي مع ما قبل قصد المعصية مسافة أيضا
إذا كان المجموع مسافة. فتأمل.
ج: لو انتهى سفره عصيانا وأراد العود إلى منزله فإن كان سائغا قصر، لأنه
مسير حق. وإلا لم يقصر كما إذا قصد بالعود تصرفا في مال الغير أو ظلما أو حكومة
باطلة.
د: قد عرفت أن السفر الموجب للاتمام هو ما كان منهيا عنه، سواء كان
لأجل أن المقصود منه المعصية أو نفس السفر معصية ذاتا أو تبعا لسببيته
لمعصية، وأنه لا يتم لو كانت المعصية مقارنة للسفر لا مسببة عنه.
وسفر المعصية ذاتا ما تعلق به النهي خصوصا أو عموما كما عرفت، وتبعا
ما تعلق به النهي بتبعية غيره، وهو يكون بكونه ضدا خاصا لواجب أي كان مانعا
عن فعل واجب مضيق، أو ملزوما لحرام لزوما عقليا أو عاديا، أو سببا له سببية

(1) الذكرى: 258، المعتبر 2: 470، المنتهى 1: 392.
(2) الصدوق في الفقيه 1: 288، المبسوط 1: 142، النهاية: 124، السرائر 1: 343.
(3) التهذيب 3: 218 / 543، الإستبصار 1: 237 / 846، الوسائل 8: 480 أبواب صلاة المسافر
ب 9 ح 6.
(4) التذكرة 1: 191، نهاية الإحكام 2: 181، التحرير 1: 56، المسالك 1: 49، روض الجنان:
388.
271

عقلية أو عادية بمعنى أنه يوجب من وجوده الوجود.
ولا يحرم غير ذلك وإن قارن السفر أو كان مشروطا بالسفر، إذ شرط الحرام
ليس بحرام، فلا يحرم السفر المستصحب فيه دابة الغير من غير ركوبها ولو حملت
عليه الآلات، أو الخيمة المغصوبة، أو الذي ينزل فيه منزلا مغصوبا، أو يتضرر
به الغير إذا لم يكن التضرر لازما عقليا أو عاديا للسفر بل كان بإرادة المكلف،
ونحو ذلك.
وبالجملة: المناط في الاتمام العصيان بالسفر دون العصيان في السفر.
ومعنى العصيان بالسفر كون السفر معصية، والمناط في كونه معصية كونه
بخصوصه منهيا عنه أو من أفراد المنهي عنه، أو ملزوما وسببا لحرام لزوما وسببية
عقلية أو عرفية بحيث لا يمكن تخلفه عنه عقلا أو عادة، لا أن يكون لأجل اختيار
المكلف وإن كان ذلك الحرام ترك واجب.
ه‍. لو كان المسافر سفر المعصية مكرها على السفر إكراها يزيل الحظر كما
فيه خوف على النفس أو المال المحترم أو العرض ونحو ذلك يجب عليه التقصير،
إذ مع ذلك لا يكون السفر منهيا عنه ولو كان ارتكاب المعصية في السفر اختياريا
غير مكره عليها.
ولو كان مكرها على المعصية حون السفر بمعنى أن علم أنه لو سافر يكره
على المعصية كالركوب على الدابة المغصوبة أتم، لكون السفر معصية لوجوب ترك
هذه المعصية الموقوف على ترك السفر، فيكون تركه واجبا فيكون فعله حراما. وما
يقول من أن الامتناع بالاختيار ينافي الاختيار يريد منه أنه ينافي الاختيار حال
الامتناع لا مطلقا.
و: لو كان سفر المعصية مكرهة ولكن كان الاكراه على نفس السفر دون
وقته، كأن يتمكن من التأخير يوما أو بعض يوم ولو بتمارض ونحوه وجب التأخير.
ولو سافر قبل ما لا يتمكن من التأخير إليه يجب عليه الاتمام إلى وصول زمان لا
يتمكن من التأخير عنه، إذ ليس مكرها حال السفر لو قدم.
272

ز: الشاك في صدور المعصية في السفر وعليته لها يقصر، لعدم عصيانه
بالسفر. بل وكذا الظان.
ح: التابع للغير كالخادم والعسكر إن علم بصدور معصية موجبة لعدم
الترخص عنه أي معصية تجعل السفر معصية ولو تبعا لمتبوعه، يتم إذا لم يكن
مكرها على السفر.
الشرط الخامس: أن لا يكون السفر عمله وصناعته، فإن كان كذلك لم
يقصر صلاة ولا صياما، بلا خلاف إلا عن العماني (1)، بل بالاجماع كما عن
الانتصار والخلاف والسرائر والتذكرة ونهاية الإحكام (2)، له، وللمستفيضة
كصحيحة زرارة: " أربعة قد يجب عليهم التمام في السفر كانوا أو في الحضر:
المكاري، والكري، والراعي، والاشتقان، لأنه عملهم " (3).
ومرفوعة ابن أبي عمير المروية في الخصال: " خمسة يتمون، في السفر كانوا
أو الحضر: المكاري، والكري، والراعي، والاشتقان وهو البريد، والملاح، لأنه
عملهم " (4).
والرضوي: " والذي يلزمه التمام للصلاة والصوم في السفر: المكاري،
والبريد، والراعي، والملاح، والرابح، لأنه عملهم " (5).
وصحيحة هشام: " المكاري والجمال يختلف وليس له مقام يتم الصلاة
ويصوم شهر رمضان " (6).

(1) حكاه عنه في المختلف 163.
(2) الإنتصار: 53، الخلاف 1: 576، السرائر 1: 336، ولم نعثر على ادعاء الاجماع في التذكرة
ونهاية الإحكام.
(3) الكافي 3: 436 الصلاة ب 85 ح 1، الفقيه 1: 281 / 1276، التهذيب 3: 215 / 526،
الخصال: 252 / 122، الوسائل 8: 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 2.
(4) الخصال: 302 / 77، الوسائل 8: 487 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 12.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 208، مستدرك الوسائل 7: 378 أبواب من يصح منه الصوم ب 4
ح 1.
(6) الكافي 4: 128 الصيام ب 50 ح 1، التهذيب 4: 218 / 634، الوسائل 8: 484 أبواب صلاة
المسافر ب 11 ح 1.
273

ومحمد بن جزك: إن لي جمالا ولي قواما عليها ولست أخرج فيها إلا إلى
طريق مكة لرغبتي في الحج أو في الندرة إلى بعض المواضع، فما يجب علي إذا أنا
خرجت معهم أن أعمل، أيجب علي التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو
التمام؟ فوقع عليه السلام: " إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كل سفر إلا إلى
مكة فعليك تقصير وفطور " (1).
ومحمد: " ليس على الملاحين في سفينتهم تقصير، ولا على المكاري
والجمال " (2).
ورواية إسحاق: عن الملاحين والأعراب هل عليهم تقصير؟ قال: " لا،
بيوتهم معهم " (3).
وقريبة منها مرسلة الجعفري (4).
ورواية إسماعيل بن أبي زياد: " سبعة لا يقصرون الصلاة: الجابي الذي
يدور في جبايته، والأمير الذي يدور في إمارته، والتاجر الذي يدور في تجارته من
سوق إلى سوق، والراعي، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر " (5)
إلى غير ذلك.
وتحقيق الكلام في ذلك المقام برسم مسائل:
الأولى: اعلم أن الحكم في تلك الأخبار وغيرها معلق على أشخاص

(1) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 11، الفقيه 1: 282 / 1280، التهذيب 3: 216 / 534،
الإستبصار 1: 234 / 835، الوسائل 8: 489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 4.
(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 2، الفقيه 1: 281 / 1277، الوسائل 8: 485 أبواب صلاة
المسافر ب 11 ح 4.
(3) الكافي 3: 438 الصلاة ب 85 ح 9، التهذيب 3: 215 / 527، الإستبصار 1: 233 / 829،
الوسائل 8: 485 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 5.
(4) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 5، الوسائل 8: 486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 6.
(5) الفقيه 1: 282 / 1282، التهذيب 3: 214 / 524، 4: 218 / 635، الإستبصار 1:
232 / 826، الوسائل 8: 486 أبواب صلاة المسافر ب 11 ح 9.
274

معينين، وهم بعد رد المترادفة منها بعضها إلى بعض عشرة: المكاري، والكري،
والراعي، والاستشقان، والملاح، والبريد، والأعراب، والجابي، والأمير،
والتاجر.
وقد يستفاد العلة من بعض هذه الأخبار أيضا كاستفادة كون السفر عملا
لهم من التعليل في الثلاثة الأولى، واستفادة الاختلاف وعدم المقام من الوصف
المشعر بالعلية في صحيحة هشام، والالزام والخروج في كل سفر من الشرط المشعر
بالعلية في صحيحة ابن جزك، وكون بيوتهم ومنازلهم معهم من التعليل في رواية
إسحاق، وكثرة الدوران والسفر أي التكرر المستفاد من صيغة المضارع الدالة على
التجدد الاستمراري في رواية إسماعيل من اشتراك الجميع في هذا الوصف، وغير
ذلك مما قد يستنبط من تلك الأخبار.
ولذا ترى الأصحاب مختلفين في التعبير عن المسألة وعنوانها:
فمنهم من يعنونها بالأشخاص على اختلاف منهم في تعدادهم. فعلق
الصدوق الحكم في المقنع والأمالي على خمسة: المكاري، والكري، والاشتقان،
والراعي، والملاح (1). والفاضلان على الخمسة المذكورين في رواية إسماعيل (2).
وابن حمزة على ثمانية هم بزيادة المكاري، والملاح، والبريد (3). والبيان على تسعة
هؤلاء بزيادة الجمال (4). وهكذا.
ومنهم من عنونها بالعلة المنصوصة، فعلقه على من كان السفر عملا وحرفة
له (5).
ومنهم من عنونها بكثير السفر كجماعة (6).

(1) لم نجده في المقنع بل وجدناه في الهداية: 33 وفيه بدل الاشتقان: البريد، الأمالي: 514.
(2) المحقق في المعتبر 2: 472، والعلامة في التذكرة 1: 191.
(3) الوسيلة: 108.
(4) البيان: 264.
(5) كما في الحدائق 11: 390، والرياض 1: 252
(6) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 211، والشهيد الثاني في الروضة 1: 373، وصاحب المدارك
4: 449.
275

ومنهم من عنونها بمن يكون سفره أكثر من حضره، كالشيخين والسيد
والديلمي والحلي والشرائع والقواعد والتحرير والارشاد والتبصرة (1)، بل ادعى على
ذلك العنوان الاجماع. إلى غير ذلك.
ولعل نظر الأولين إلى عدم دليل تام على غير خصوص هؤلاء المعدودين في
النصوص: أما كون السفر عملا لهم فلأنه إنما يتم لو أرجع الضمير المنصوب إلى
السفر، وهو غير متعين، لامكان إرجاعه إلى مبادئ الأوصاف المذكورة في
الروايات. وأما العنوانان الأخيران فلعدم ذكر منهما في شئ من الأخبار.
ونظر الثاني إلى العلة المنصوصة.
ونظر الأخيرين إلى استفادة هذين العنوانين من تعليق الحكم على هؤلاء
الأشخاص لأنهما الوصف المشترك بينهم.
أقول: لا يخفى أن التعبير عن المسألة بالعنوانين الأخيرين وإن لم يكن جيدا
لعدم دليل عليهما سوى العلة المستنبطة التي هي عندنا ليست بحجة، وأما العنوان
المتقدم عليهما وهو كون السفر عملا وشغلا وحرفة له فهو مما نصت عليه الروايات،
وإرجاع الضمير إلى السفر هو الظاهر المتبادر منها بل لا مرجع له غيره في الكلام
مذكورا، والارجاع إلى غير المذكور خلاف الأصل والظاهر، فلا مفر من اعتباره
وصحة عنوان المسألة به. وكذا يلزم عنوان آخر أيضا، وهو عدم كونهم ممن منازلهم
معهم كما علل به في الرواية والمرسلة، وهما ليسا بمتحدين، إذ الظاهر عدم عد
السفر شغلا ولا حرفة للذين منازلهم معهم.
وأما العنوان بالأشخاص وإن كان صحيحا إلا أن بعد ملاحظة التعليلين
يكون أخص من مناط الحكم ومتعلقه، إذ لا ينحصر من يكون السفر عمله لهؤلاء

(1) المفيد في المقنعة: 348، والشيخ في النهاية: 122، السيد في الإنتصار: 53، الديلمي في
المراسم: 74، الحلي في السرائر 1: 338، الشرائع 1: 134، القواعد 1: 50، التحرير 1:
56، الإرشاد 1: 275، التبصرة 41.
276

الأشخاص، إلا أن الغالب في هذه الحرفة أنه لا يخرج عن واحد من هؤلاء وإن
أمكن فرض غيرهم أيضا نادرا إلا أنه غير شائع. ويمكن أن يكون نظر المكتفين
بالأشخاص إلى ذلك أيضا، ولكن الأولى العنوان بمقتضى العلتين.
فإن قلت: لا شك أن من يكون السفر عمله أعم من هؤلاء الأشخاص
من وجه، وكذلك هؤلاء أعم منه من وجه، إذ من له دواب اشتراها للبيع أو شغل
آخر إذا كاراها مكررا يصدق عليه المكاري وإن لم يقصد التحرف به، وكذا يطلق
البريد على من سافر مرات في الرسالة وإن لم يتخذ ذلك شغلا له، وعلى هذا
فالأولى العنوان بهما معا كما فعله جماعة.
قلنا: لو سلمنا أن ذلك الاستعمال على عنوان الحقيقة نقول: إن تعليل
إتمامهم بأن سفرهم لأجل أنه عملهم يخصصهم بذلك.
نعم، يشكل الأمر فيما لم يذكر فيه تلك العلة، وهو الجابي والأمير
والتاجر، إلا أنه يمكن أن يقال: إن قوله: " يدور " في هؤلاء الثلاثة ليس باقيا على
معناه الاستقبالي فالمراد إما أن يكون من شأنه ذلك أو قصده ذلك أو من عمله
ذلك، وعلى التقادير يتوقف على التحرف به. ولو سلم فيكون محتملا للمجموع
مجملا فلا يثبت الحكم في غير من كان ذلك عمله. ومنه يظهر أن جعل أحد هؤلاء
قسيما ومقابلا لمن يكون السفر عمله غير جيد.
فروع:
أ: يشترط في صدق المناط المذكور وهو كون السفر شغلا وعملا له أمران:
أحدهما: اتخاذ السفر لأجل بعض تلك الحرف شغلا لنفسه، أي قصد
التصنع والاستحراف والاشتغال به والبناء على ذلك، فلو لم يقرره ولم يتخذه حرفة
له لا يتم ولو سافر أزيد من عشرين سفرا.
وثانيهما: التكسب به أي الشروع في العمل وتحقق السفر وصدوره عنه،
فإن قاصد الكراء وغيره والموطن نفسه عليه ما لم يشتغل بالسفر لا يقال: إنه
حرفته، بل يقال: إنه مريد له، وإن استعمل اللفظ في حقه يكون من باب مجاز
277

المشارفة.
ب: لا يشترط في صدق المناط المذكور كون العمل مما لا يتأتى إلا بالسفر
كالمكاري والملاح والبريد، بل يكفي في الصدق قصده على أن يسافر بالعمل.
بيان ذلك: إن الأعمال على قسمين.
أحدهما: ما يكون السفر جزءا لمفهومه وداخلا في حقيقته كالثلاثة
المذكورة.
وثانيهما: ما ليس كذلك بل يمكن في السفر والحضر، كالطبيب والجراح
والتاجر والبيطار والراثي والواعظ ونحوها.
فما كان من الأول يكفي فيه قصد الشغل والشروع، وما كان من الثاني
يشترط فيه مع ذلك قصد اتخاذ ذلك شغلا له في السفر أي يوطن نفسه على المسافرة
إلى البلاد المختلفة لذلك وقرر شغله في المسافرة.
لا يقال: الظاهر من كون السفر عمله هو ما كان من الأول، إذ الشغل
والعمل في الثاني ليس إلا التجارة والطبابة ونحوهما غاية الأمر أنهما تقارنان السفر
فليس السفر شغلا وعملا.
لأنا نقول: الشغل والعمل ليس شيئا معينا لا يختلف، فكما أن التجارة
شغل والطبابة شغل، كذلك التجارة السفرية والطبابة السفرية أيضا شغل، ولا
شك أن السفر جزء حقيقة ذلك الشغل.
ج: إذ قد عرفت أنه يحصل صدق المناط المذكور بالاتخاذ والقصد والشروع
يعلم أنه لا يتوقف إتمام من هذا شأنه على تكرر سفر، بل يتم في السفر الأول،
كما هو ظاهر جماعة من المعنونين لهؤلاء الأشخاص، وصريح بعض من عنون
بالعنوان المذكور (1).
إلا أنه لما يشترط في إتمام بعض هؤلاء عدم إقامة العشرة - كما يأتي - فيجب
مع الصدق تحقيق هذا الشرط أيضا لا لأجل اشتراط التكرار. فلو دخل أحد منزله

(1) كالحلي في السرائر 1: 340.
278

أو بلدا آخر من سفر ثم قرر نفسه على الكراء واشترى دوابا وخرج قبل العشرة
أيضا يتم ولو خرج بعدها يقصر.
نعم، لو عنونت المسألة بأحد العنوانين الأخيرين فالظاهر توقف الاتمام على
التكرر، لعدم صدق كثير السفر ولا أن سفره أكثر من حضره بدون التكرر. ولكن
يرد حينئذ أن صدق العنوانين بالثلاثة ممنوع، واشتراط الزائد عليها بالاجماع
مدفوع، فيبقى اشتراط الثلاثة أو الاثنين بلا دليل، وليس من قبيل اللفظ العام
حتى يبقى غير ما خرج بالدليل.
ولو كان العنوان أحد هؤلاء فإن كان المراد بهذه الألفاظ أهل حرفتها كما
يستعمل كثيرا في الحرفة فلا يحتاج إلى التكرر، وإن كان ذوي ملكاتها كما هو أيضا
من الاستعمالات الشائعة فالظاهر التوقف على التكرر بل أزيد مما ذكروه من ثلاثة
أسفار، وإن لم يعلم المراد فالواجب في غير المتكرر الرجوع إلى عمومات القصر في
السفر إلا أنها حينئذ تكون عمومات مخصصة بمجملات فلا تكون حجة في
موضع الاجمال ويرجع إلى أصل التمام.
وهنا احتمال ثالث وهو إرادة المتلبس بالمبدأ أيضا، وعليه أيضا يكفي المرة
في مثل المكاري والبريد الخاليين عن المبالغة.
قيل: لو جعل العنوان والمناط كون السفر عملا أو أحد هؤلاء ولو بمعنى
المتحرف بهذه الحرفة يلزم التكرر أيضا ولو لم نقل باشتراط في الصدق، للزوم حمل
المطلقات على الغالب الشائع المتبادر منها وليس هو إلا من تكرر منه السفر ثلاثا
فصاعدا لا من يحصل منه في المرة الأولى (1).
وفيه: منع التبادر أولا، ولو سلم فلا تفاوت بين المرة الأولى والثالثة في عدم
التبادر والغلبة وهم لا يشترطون أزيد من الثلاثة، فإذا لم يحمل على الغالب
فيحمل على الحقيقة.
المسألة الثانية: يشترط في وجوب التمام على من ذكر عدم إقامته عشرة أيام

(1) الرياض 1: 252.
279

في بلده ولا بلد آخر، فلو أقام كذلك قصر، على المعروف من مذهب الأصحاب،
بل هو مقطوع به عندهم، وعن المعتبر نفي الخلاف فيه (1).
لا للتقييد بالذي يختلف وليس له مقام، في صحيحة هشام المتقدمة (2) - كما
قيل - حيث إن المراد بالإقامة فيها الإقامة عشرة بشهادة التتبع، مع أن الإقامة
دونها حاصلة لكل كثير السفر لصدقها على نحو يوم بل ساعة ولا يخلو منها أحد،
فيوجب التقييد عدم وجود كثير السفر الذي يلزمه التمام (3).
إذ لو تم ذلك لكان بمفهوم الوصف وهو غير معتبر، سيما مع جواز كون
الشرط واردا مورد الغالب كما هو الأكثر في المكاري، على أنه يمكن أن يكون المراد
بالمقام محل الإقامة العرفية التي صدقها على إقامة العشرة غير معلوم.
بل لمرسلة يونس: عن حد المكاري الذي يصوم ويتم، قال: " أيما مكار
أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام
أبدا، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه
التقصير والافطار " (4).
ورواية ابن سنان: " المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام أو أقل قصر
في سفره بالنهار وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان، وإن كان له مقام في البلد
الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر قصر في سفره وأفطر، (5).
ونحوها صحيحته إلا أنه زاد فيها بعد قوله: " أو أكثر ": " وينصرف إلى منزله

(1) المعتبر 2: 472.
(2) في ص 273.
(3) الرياض 1: 253.
(4) التهذيب 4: 219 / 639، الإستبصار 1: 234 / 837، الوسائل 8: 488 أبواب صلاة المسافر
ب 12 ح 1.
(5) التهذيب 3: 216 / 531، الإستبصار 1: 234 / 836، الوسائل 8: 490 أبواب صلاة المسافر
ب 12 ح 6.
280

ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر " (1).
ولا يضر ضعف الأوليين سندا لو سلم.
لكونه مجبورا بالشهرة العظيمة وموافقة عمل الأصحاب ونفي الخلاف فيه في
كثير من العبارات.
ولا تعارض مفهوم الشرطية الأولى في حكم العشرة التامة مع مفهوم الثانية
فيه، حيث يدل الأول على التقصير والثاني على التمام.
لعدم اعتبار المفهومين من وجهين: أحدهما: أن مع ذكر المقدمتين كل في
مقابل الآخر يكون مفهوم كل هو الآخر عرفا دون غيره. وثانيهما: أن إقامة العشرة
التامة بحيث لا يزيد عليها ولا ينقص نادرة جدا فلا يلاحظ في المفاهيم. وعلى
هذا فيكون حكم التامة غير معلوم من هذه الرواية فيستنبط من الاجماع المركب
أو من الروايتين الأخيرتين.
ولا ما قيل من أن المراد بالإقامة عشرة فيها إن كان المنوية يكون الحكم في
بلده مخالفا لفتوى الأصحاب لعدم اشتراط النية فيه، وإن كان الأعم يكون
الحكم في غير البلد كذلك لاشتراط النية فيه (2).
إذ نختار الأول أولا غير كون حكم الإقامة المنوية في البلد ذلك ليس مخالفا
لفتواهم، بل عدم كون حكم غير المنوية كذلك مخالف لها والرواية غير دالة عليه،
فلا تكون الرواية مخالفة ويستفاد حكم غير المنوية في بلده من الخارج، والثاني ثانيا
ويكون حكم العشرة الغير المنوية في غير البلد مغايرا - لو سلم - من باب تخصيص
العام، والعام المخصص حجة في الباقي.
ولا اشتمال الثانيتين على ما لم يفت به أصحابنا كما قال في الوافي (3).
إذ خروج جزء من الخبر عن الحجية بدليل لا يقدح في حجية باقيه، مع أن

(1) الفقيه 1: 281 / 1278، الوسائل 8: 489 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 5.
(2) الرياض 1: 253.
(3) الوافي 7: 171.
281

عدم فتواهم به ممنوع كما يأتي.
ولا اشتمال الثالثة على تعليق القصر على إقامتين: إقامة في البلد الذي
يذهب إليه، وإقامة في منزله الذي ينصرف إليه، وهو مما لم يقل به أحد.
لأن لفظة الواو في قوله: " وينصرف " إما بمعنى أو، أو للجمع في الحكم
بقرينة الاجماع والروايتين المتقدمتين. مع أن عدم قول أحد به ممنوع، كيف؟!
ونفى عنه البعد في الذخيرة وقال: استوجهه بعض أفاضل المتأخرين (1). ولكنه لا
يقدح في انعقاد الاجماع ولا جله يجب حمل الرواية على ما ذكرنا، ولا يتطرق الخدش
في الاستدلال بالصحيحة، كما أنه لا يتطرق باحتمال أن يراد منها القصر في السفر
المتقدم على الإقامة أيضا، فإنه يتوقف على حمل قوله: " كان له مقام، على إرادة
المقام وهو تجوز، ومع ذلك مخالف لفهم الأصحاب وإجماعهم.
فروع:
أ: ليس اشتراط هذا الشرط لايجاب إقامة العشرة سلب العنوان، لعدم
إيجابه له أصلا حتى لو جعل العنوان كثير السفر، إذ لا يتفاوت ذلك في إقامة تسعة
أيام أو عشرة، بل هو تعبد محض يتعبد به لأجل الروايات، إلا أن يجعل كثير
السفر اصطلاحا فيمن يجب عليه الاتمام في سفره فعلا.
ب. قالوا: إن كانت إقامة العشرة في بلده لم يحتج إلى نيتها، وإن كان في
بلد آخر يشترط فيها النية.
ولم أقف في هذه الأخبار على ما يدل على الفرق بين بلده وغير بلده في كون
العشرة منوية وغير منوية، فإنا لو حملنا مقام عشرة وإقامة عشرة الواردين في
الروايات على المنوية فالكلام فيهما سواء وإخراج بلده يحتاج إلى دليل، وإن
أبقيناهما على الاطلاق فيحتاج إقحام النية في غير البلد إلى دليل.
وقد يستند في ذلك إلى دعوى روض الجنان الاجماع على عدم اعتبار العشرة

(1) الذخيرة: 410.
282

المترددة في غير البلد (1)، وكذا ادعاه العلامة المجلسي كما حكي عنه (2).
وإلى أن اعتبار هذه الإقامة للاخراج عن كثير السفر وهو يحصل بقطع
السفر، والعشرة الغير المنوية في بلده سفر أيضا.
ويضعف الأول: بعدم حجية الاجماع المنقول.
والثاني: بمنع كون الاعتبار لما ذكر بل هو تعبدي.
نعم لو ثبت الاجماع على ذلك لكان متبعا، وفي ثبوته كلام، كيف؟! وظاهر
إطلاق كلام النافع (3) تساوي البلدين وعدم اشتراط النية في شئ من الإقامتين،
ونسب بعضهم (4) إلحاق العشرة المنوية بالعشرة البلدية إلى الفاضلين ومن تأخر
عنهما المشعر بعدم ذكر لها فيما تقدم عليهم فكيف يثبت الاجماع؟!
فالقول بكفاية إقامة العشرة مطلقا ولو في غير بلده قوي غايته.
ومنه يظهر إلحاق الثلاثين المترددة والعشرة بعدها بطريق أولى، كما اختاره
ابن فهد في المهذب وجعله المشهور (5)، وقواه المحقق الشيخ علي (6). بل وكذلك
لو قلنا باشتراط النية في العشرة، إذ لو قلنا به لكان للاجماع المنتفي في الثلاثين
والعشرة الملحقة بها، سيما مع ما ورد في بعض الروايات من تنزيل الثلاثين المترددة
منزلة الإقامة في الوطن (7).
ج: يشترط في العشرة التوالي بمعنى عدم الخروج في أثنائها إلى المسافة،
إجماعا. ولا يشترط التوالي بمعنى عدم الخروج إلى حدود البلد بحيث يعد جزءا منه
عرفا وهو ما دون حد الترخص، بل ما لا يخرج عن حدود مجتمع حيطان البلد

(1) روض الجنان: 391.
(2) حكاه عنه في الرياض 1: 253.
(3) النافع: 51.
(4) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 410، وصاحب الحدائق 11: 395.
(5) المهذب البارع 1: 486.
(6) جامع المقاصد 2: 513.
(7) الوسائل 8: 498 أبواب صلاة المسافر ب 15.
283

كذلك.
وفي اشتراطه بمعنى عدم الخروج إلى ما يخرج كل عن حوالي البلد ويقصر عن
المسافة خلاف.
فمنهم من اشترطه مطلقا (1).
ومنهم من لم يشترطه كذلك (2).
ومنهم من فصل، فقال بالأول في غير بلده وبالثاني في بلده (3).
ومنهم من فرق بين الخروج في جزء يسير من اليوم بحيث لم يكن منافيا
لصدق الإقامة عرفا وفي الأكثر المنافي له.
ثم من يقول بعدم اشتراطه إما يقول بكون المدة التي يكون خارجا محسوبا
من العشرة، أو يلفق فيجمع ما قبلها مع ما بعدها ويسقط الزائد.
والحق الاشتراط مطلقا، لتعليق الحكم في الأخبار والفتاوي على إقامة
العشرة، والمتبادر منها المتتالية، ولا أقل من احتمالها الموجب لبقاء الحكم الثابت
بالعمومات إلى أن يعلم المخصص. ولا أعرف وجها لكون الخروج إلى ثمانية
فراسخ منافيا للتتالي العرفي دون سبعة ونصف. وصدق اسم العشرة على غير
المتتالية غير كاف، لأن المناط صدق إقامة العشرة وهو في غير المتتالية غير معلوم.
ومنه يظهر دفع النقض بنذر صوم عشرة حيث لا يشترط فيه التتابع.
وأما الاحتجاج بأصالة البراءة عن التتالي فضعيف غايته ومعارض
بالاستصحاب.
د: اعلم أن الروايات المتضمنة للتقصير بعد إقامة العشرة مختصة

(1) كما في البيان: 266، والروضة 1: 373، والمدارك 4: 452
(2) كما في الوافي 7: 154، وشرح المفاتيح للبهبهاني (المخطوط). وحكاه في الرياض عن فخر
المحققين 1: 259.
(3) كما يستفاد من مجمع الفائدة والبرهان 3: 409، والبحار 86: 42، والحدائق 11: 346،
والرياض 1: 259.
284

بالمكاري، ونقل في الشرائع والنافع قولا بالاختصاص به أيضا (1)، وقواه بعض
الأجلة (2) اقتصارا في تخصيص العمومات بمورد النص.
والمشهور التعدي إلى كل من العنوانات السابقة، واستدل له بأنه قد عرفت
أن المناط في الاتمام اتخاذ السفر عملا من غير خصوصية للمكاري، وسبب
التقصير هنا انقطاع المناط بإقامة العشرة، وهو متحقق في الجميع.
وفيه: منع كون ما ذكر سببا كما مر.
وقد يستند فيه إلى الاتفاق. وهو ممنوع جدا.
فالأقوى الاختصاص به. بل لا يتعدى إلى الملاح والأجير أيضا، لعدم
إطلاق المكاري عليهما.
ه‍: إذا وجب التقصير والافطار على المكاري بإقامة العشرة فلا شك في
وجوبه في السفر الأول لأنه أقل ما يحصل به الامتثال، ولا في العود إلى التمام في
الثالث للاجماع، وإنما وقع الخلاف في الثاني.
فذهب الحلي وجماعة (3) إلى الاتمام فيه، ولعله الأشهر، وهو الأظهر،
اقتصارا فيما خالف العمومات الدالة على وجوب التمام - المقيد بالتأبيد والعموم
بمثل قوله: سواء كانوا في الحضر أو السفر، وبالتعليل بأنه عملهم، وبالنكرة
المنفية مثل: ليس عليهم تقصير، ونحو ذلك - على هؤلاء على المتيقن، وليس إلا
السفر الأول.
لا يقال: إطلاق النص بالتقصير يقتضيه مطلقا، خرج الثابت بالاجماع
فيبقى الباقي.
لأنا نقول: لا إطلاق هنا مفيد للعموم، بل حكم بوجوب التقصير المتحقق
امتثاله بالتقصير مرة واحدة كما في قولك: تجب الصلاة، فإن إيجاب الماهية يقتضي

(1) الشرائع 1: 134، النافع: 51.
(2) الرياض 1: 253.
(3) السرائر 1: 340، وانظر المختلف: 163، والمدارك 4: 453، والذخيرة: 410.
285

إيجاب فرد منها لا جميع الأفراد. مع أنه لو كان كذلك لم يجز التقييد بهذا القدر
حتى لا يبقى إلا اثنان للاجماع على التمام في الثالث.
خلافا للمحكي عن الشهيد فحكم [بالقصر] (1) إلى الثالث، لزوال الاسم
بالإقامة فيكون كالمبتدئ. (2).
ويضعف بمنع الزوال.
ثم المراد بالسفر الثاني الذي يتم فيه هل هو ما ينشئه بعد ذهابه إلى مقصوده
في الأول سواء كان عودا إلى مبدئه للسفر الأول أو إنشاء لسفر آخر، أو الثاني
خاصة، أو ما أينشئه بعد العود إلى المبدأ؟
الظاهر: الأول، لما مر من الاقتصار على المتيقن.
المسألة الثالثة: لو أقام من السفر عمله في أحد البلدان أقل من عشرة كان
باقيا على حكم الصيام والتمام في الليل والنهار، على المشهور سيما بين المتأخرين،
وعن السرائر دعوى الاجماع عليه (3)، للعمومات المتقدمة المتضمنة لأن كثير السفر
يجب عليه الاتمام، خرج من أقام العشرة بالاجماع والنص فبقي غيره.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (4)، فجعل الخمسة كالعشرة مطلقا. ولا
دليل عليه ظاهرا.
وللمحكي عن المبسوط والنهاية والقاضي وابن حمزة (5)، فجعلوها كالعشرة
في تقصير صلاة النهار خاصة دون الليلية والصيام، لصحيحة ابن سنان وروايته
المتقدمتين (6).

(1) في النسخ بالاتمام، والصحيح ما أثبتناه.
(2) الذكرى: 258.
(3) السرائر 1: 341.
(4) حكاه عنه في الذكرى: 260.
(5) المبسوط 1: 141، النهاية: 122، القاضي في المهذب 1: 106، ابن حمزة في الوسيلة: 108.
(6) في ص 280.
286

ورد بكون الروايتين متروكتين، لتضمنهما ثبوت الحكم في الأقل من الخمسة
أيضا الصادق على ثلاثة وأربعة بل يوم أو بعض يوم، ولم يقل به هؤلاء الجماعة.
ومعارضتين مع النصوص المتقدمة ومع ما ورد في بعض الصحاح من أنه
" إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت " (1).
ويجاب عن الأول: بأن ذلك غير ضائر في الحجية، لأنه يكون كالعام
المخصص، مع أنه نفى في الذخيرة البعد عن القول بمضمونها وقال: إن ظاهر
الإقامة يقتضي قدرا معتدا به، فلا يصدق على يوم واحد أو بعض يوم والمتيقن منه
المساواة بين الخمسة وما قاربها، والعمل به غير بعيد - إلى أن قال طاب ثراه -:
وبالجملة فالمتجه عندي العمل بمضمون الخبر كما قاله بعض أفاضل المتأخرين.
ثم ذكر - في بيان انتفاء الشهرة القديمة على خلافه - أن مخالفة من تقدم على
الشيخ بمضمون الرواية غير واضح، بل إيراد الصدوق لها يقتضي عمله بها (2).
وعن الثاني: بأن التعارض بالعموم والخصوص المطلقين، وحمل العام على
الخاص لازم.
ومن ذلك تظهر قوة قول الشيخ وتابعيه، بل ما نفى عنه البعد في الذخيرة.
إلا أن دليلهم عن إفادة وجوب التقصير بالنهار قاصر لمكان الجملة الخبرية،
وإثبات الوجوب بالاجماع المركب مشكل، وعلى هذا فلو أتم في النهارية أيضا ما
لم يقم العشرة كان أحوط.
المسألة الرابعة: استفاضت الروايات على وجوب التقصير على المكاري
والجمال إذا جد بهما السير.
ففي صحيحة محمد: " المكاري والجمال إذا جد بهما فليقصرا " (3).

(1)، الفقيه 1: 280 / 1270، التهذيب 3: 220 / 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر
ب 15 ح 17.
(2) الذخيرة: 410.
(3) التهذيب 3: 215 / 528، الإستبصار 1: 233 / 830، الوسائل 8: 490 أبواب صلاة المسافر
ب 13 ح 1.
287

وفي صحيحة البقباق: عن المكارين الذين يختلفون، فقال: " إذا جدوا
السير فليقصروا " (1).
وفي مرسلة الكافي: " المكاري إذا جد به السير فليقصر " ثم قال: ومعنى
جد به السير يجعل منزلين منزلا (2).
وفي مرسلة عمران: " الجمال والمكاري إذا جد بهما السير فليقصرا فيما بين
المنزلين ويتما في المنزل " (3).
وفي المروي في كتاب علي بن جعفر: عن المكارين الذين يختلفون إلى النيل
هل عليهم إتمام الصلاة؟ قال: " إذا كان مختلفهم فليصوموا وليتموا الصلاة، إلا
أن يجد بهم السير فليقصروا وليفطروا " (4).
ومعنى الجد بالسير الاسراع فيه والاهتمام بشأنه، يقال: جد بسيره إذا
اجتهد فيه، كذا في مجمع البحرين (5)، وهو المعنى المتفاهم عرفا، وإليه ينظر تفسير
الكليني له بأن معناه أن يجعل منزلين منزلا، وهو الموافق لما ذكره بعض آخر من أن
أظهر معانيه إرادة المشقة الشديدة الخارجة عن معتادهم.
وأما تفسيره بأن يستمر بهم السير مثل سفر الحج والزيارة، أو حصل لهم
السفر بعد الإقامة مأخوذا من التجديد فهما مخالفان للظاهر جدا كسائر ما قيل في
تفسيره، والظاهر ما ذكرنا في معناه.
وعمل بها الكليني والشيخ في التهذيب على الظاهر (6)، وجماعة من

(1) التهذيب 3: 215 / 529، 4: 219 / 638، الإستبصار 1: 233 / 831، الوسائل 8: 490
أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 2.
(2) الكافي 3: 437 الصلاة ب 85 ح 2، الوسائل 8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 4.
(3) الفقيه 1: 282 / 1279، التهذيب 3: 215 / 530، الإستبصار 1: 233 / 832. الوسائل
8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 3.
(4) مسائل علي بن جعفر: 115 / 46، الوسائل 8: 491 أبواب صلاة المسافر ب 13 ح 5.
(5) مجمع البحرين 3: 21.
(6) الكليني في الكافي 3: 437 ذيل الحديث 2، الشيخ في التهذيب 3: 215.
288

المتأخرين منهم المدارك والمنتقى والمحدث الكاشاني والفاضل الهندي وصاحبا
الذخيرة والحدائق (1)، وأفتى بها بعض أفاضل معاصرينا.
وهو الصحيح، إذا لا مجال في ترك روايات معتبرة ظاهرة المعنى بلا معارض
مساو أو أخص، فبها العمومات تخصص. وجعلها مجملة لاختلاف الأصحاب
في تنزيلها بعد تفسير اللغوي والمحدث والفقيه والفهم العرفي باطل جدا.
وهل التقصير عليهم في الطريق والمنزل معا كما هو مقتضى إطلاق أكثر
الروايات المذكورة، أو في الطريق خاصة كما تدل عليه المرسلة؟
الأظهر الثاني، لكون المرسلة مقيدة، ويجب حمل المطلق على المقيد.
وقيل بالأول، لضعف المرسلة، وإجمالها لاحتمال أن يكون المراد من: " ما
بين المنزلين " المنزل الذي يخرج منه والمنزل الذي يذهب إليه يعني مبدأ سفره
ومنتهاه (2).
وكلاهما ممنوعان، بل الرواية معتبرة ومفادها واضح وما ذكره تقييد بلا
مقيد.
فرعان:
أ: هذا الحكم أيضا كالحكم بالتقصير بعد إقامة العشرة مختص بالمكاري
والجمال، لاختصاص الأخبار.
ب: تقصير هما إنما هو في منزل جد به السير، فإذا انتفى وعادا إلى السير
المعتاد في منزل آخر يتمان.
المسألة الخامسة: لو أنشأ من عمله السفر سفرا آخر غير ما هو صنعته كسفر
الحج أو الزيارة أو صلة الرحم قبل إقامة العشرة في منزل، فهل يقصر أو يتم؟

(1) المدارك 4: 456، المنتقى 2: 177، المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 24، الذخيرة:
410، الحدائق 11: 393.
(2) الذخيرة: 410.
289

قيل بالأول (1)، لأن الظاهر أن المراد بالسفر الذي يتم هؤلاء هو السفر
الذي كان عملهم، ويشعر به التعليل بذلك.
ولروايتي إسحاق بن عمار، إحداهما: عن الذين يكرون الدواب يختلفون
كل الأيام، أعليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال: " نعم " (2).
والأخرى: عن المكارين الذين يكرون الدواب وقلت: يختلفون كل أيام،
كلما جاءهم شئ اختلفوا، فقال: " عليهم التقصير إذا سافروا " (3).
وجه الاستدلال: إما أن الظاهر من السفر في الروايتين غير السفر الذي
يعملون فيه، أو أنهما دلتا على وجوب التقصير في كل سفر، خرج ما كان صنعتهم
بما مر فيبقى الباقي.
وقيل بالثاني، لعدم دليل صالح للخروج عن مقتضى الأدلة العامة (4).
وهو الأقوى، لذلك.
ويضعف الظهور الذي ادعاه الأولون بالمنع. ولا إشعار للتعليل به أيضا،
لأن علية كون السفر عملا للاتمام في السفر لا تدل على أنه فيما كان يعمل به
أصلا، لجواز أن تكون عمليته علة للاتمام في كل سفر.
والروايتان أما على التقريب الأول فبأن ظهور هما في السفر الذي ادعوه لا
وجه له أصلا.
وأما على التقريب الثاني فبأنه إنما يتم لو كانت أخبار إتمامهم في السفر
مخصوصة بالسفر الذي يعملون فيه، ولكنها عامة كهاتين الروايتين، فتتعارضان
بالتساوي، ولا شاهد على ذلك الجمع، فترجح عليهما، لكونها أشهر رواية

(1) الذكرى: 258.
(2) التهذيب 3: 216 / 532، الإستبصار 1: 233 / 833، الوسائل 8: 488 أبواب صلاة المسافر
ب 12 ح 2.
(3) التهذيب 3: 216 / 533، 4: 219 / 637، الإستبصار 1: 234 / 834، الوسائل 8: 488
أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 3.
(4) الرياض 1: 254.
290

واعتضادها بالاجماع، وشذوذ الروايتين جدا.
الشرط السادس: الخروج إلى حد الترخص وفيه مسألتان.
المسألة الأولى: يشترط في التقصير البلوغ إلى حد الترخص، وفاقا للأكثر،
بل بلا خلاف إلا عن شاذ، بل بالاجماع المحكي (1) بل المحقق، له، وللمعتبرة
المستفيضة الآتية.
خلافا للمحكي عن والد الصدوق (2)، فلم يعتبر هذا الشرط بالكلية بل
اكتفى بنفس الخروج من البلد، لمرسلة الفقيه: " إذا خرجت من منزلك فقصر إلى
أن تعود إليه " (3).
ونحوه الرضوي (4).
والموثق: " أفطر إذا خرج من منزله " (5).
ويرد - مع شذوذ الجميع وضعف سند الثاني - بكونه أعم مطلقا مما يأتي،
فيجب تخصيصه به، بل الظاهر أن المخصص هو المراد، وأن إطلاق الرضوي
مسبوق بما يأتي من التخصيص.
ثم إنهم اختلفوا في حد الترخص، فالمشهور بين القدماء - وقيل:
مطلقا (6) - أنه أحد الأمرين من خفاء جدران البلد أو أذانه، بمعنى كفاية أحد
الأمرين في لزوم القصر، ولزومه بتحقق أحدهما كما هو المحتمل. أو بمعنى
التخيير بينهما أي جواز القصر بتحقق كل واحد منهما كما صرح به بعضهم بقوله

(1) الرياض 1: 254.
(2) حكاه عنه في المختلف: 163.
(3) الفقيه 1: 279 / 1268، الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 5.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 530. أبواب صلاة المسافر ب 5 ح 1.
(5) التهذيب 4: 228 / 669، الإستبصار 2: 98 / 319، الوسائل 1: 187، أبواب من يصح منه
الصوم ب 5 ح 10.
(6) الحدائق 11: 405.
291

بعد ذكر الأمرين: مخيرا بينهما (1) وعليه يدل كلام صاحب الذخيرة حيث عبر عن
هذا القول بالقول بالتخيير (2).
وأكثر المتأخرين تبعا للسيد والشيخ في الخلاف (3) على أنه الأمران معا، فلا
يجوز القصر إلا بتحققهما معا.
وعن المقنع أنه الأول (4).
وعن المفيد والديلمي والحلي أنه الثاني (5).
ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في المورد، وهي صحيحة محمد:
الرجل يريد السفر متى يقصر؟ قال: " إذا توارى من البيوت " (6).
وابن سنان: " إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان فأتم، وإذا كنت
في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصر، وإذا قدمت من سفر فمثل ذلك " (7).
وموثقة إسحاق بن عمار المروية في العلل، وفيها: " أليس قد بلغوا الموضع
الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم؟ " (8).
والرضوي: " وإن كان أكثر من بريد فالتقصير واجب إذا غاب عنك أذان
مصرك، وإن كنت في شهر رمضان فخرجت من منزلك قبل طلوع الفجر إلى
السفر أفطرت إذا غاب عنك أذان مصرك، (9).

(1) الرياض 1: 254.
(2) الذخيرة: 411.
(3) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 47، الخلاف 1: 572.
(4) المقنع: 37.
(5) المفيد في المقنعة: 350، الديلمي في المراسم: 75، الحلي في السرائر 1: 331.
(6) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 1، الفقيه 1: 279 / 1276، التهذيب 2: 12 / 27، 3:
224 / 566، 4: 230 / 676، الوسائل 8: 470 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 1.
(7) التهذيب 4: 230 / 675، الإستبصار 1: 242 / 862، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر
ب 6 ح 3.
(8) علل الشرائع: 367 / 1 الوسائل 8: 466 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 11.
(9) فقه الرضا عليه السلام: 159، مستدرك الوسائل 6: 529 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 1.
292

والمروي في المحاسن: " إذا سمع الأذان أتم المسافر " (1).
فتعارض منطوق الصحيحة الأولى مع منطوق الشرطية الأولى في الثانية
ومنطوق الرواية الأخيرة ومفهوم الرضوي بالعموم من وجه، ومفهومها مع منطوق
الشرطية الثانية في الثانية ومنطوق الرضوي ومفهوم الرواية الأخيرة كذلك.
فبناء القول الأول بالمعنى الأول على العمل بالاتمام فيما أجمعت عليه
الروايات وهو ما لم يختف الجدران ولا الأذان، وبالتقصير فيما أجمعت عليه أيضا
وهو ما اختفى الجدران والأذان معا، ورفع اليد عن الروايات في موضع التعارض
وهو ما اختفى فيه أحدهما والرجوع إلى العمومات الدالة على التقصير الغير المعلوم
خروج المورد عنه كالعمومات المتقدمة في دليل والد الصدوق وغيرها مما يدل على
وجوب التقصير على المسافر بقول مطلق.
وبناء هذا القول بالمعنى الثاني الرجوع في مورد التعارض وعدم المرجح إلى
التخيير كما هو القاعدة في المتعارضين.
وبناء القول الثاني على الجمع بين المتعارضين بتخصيص كل منهما بالآخر،
أو على رفع اليد عنهما في موضع التعارض والرجوع فيه إلى مقتضى الأصل
واستصحاب بقاء وجوب التمام إلى ثبوت الترخيص، وليس بثابت بأحدهما.
وبناء القولين الآخرين - كما قيل (2) - على ترجيح أحد المتعارضين وطرح
الآخر من البين.
أقول: لا يخفى أن تخصيص كل منهما بالآخر كما هو مبنى القول الثاني لا
وجه له أصلا، ولذا لا يعملون بذلك في مواقع التعارض مع أنه ممكن في جميع ما
إذا كان بالعموم من وجه، وليس هو من مقتضى متفاهم العرف، ولا شاهد آخر
عليه أيضا، وكذا [المبنى] (3) الآخر من الرجوع إلى الاستصحاب فإنه إنما هو لولا

(1) المحاسن: 371 / 127، الوسائل 8: 473 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 7.
(2) الرياض 1: 254.
(3) في النسخ: المعنى، والصحيح ما أثبتناه.
293

اندفاعه بالعمومات والاطلاقات المذكورة وإلا فاللازم الرجوع إليها.
ومنه يظهر سقوط ذلك القول البتة.
وكذا القولان الآخران، إذا لا وجه لرد أحد المتعارضين مع تساويهما في
استجماع شرائط الحجية.
فلم يبق إلا القول الأول وهو الصحيح المعقول، لأنه إن قلنا بأن مراد
القائلين به هو المعنى الأول وليس في المسألة قول بالتخيير بالمعنى الذي ذكرناه
- أي كون المسافر مخيرا في جعل حد الترخص كلا منهما شاء - فيتجه هذا القول
البتة، إذ بعد الاتفاق على انتفاء التخيير في موضع التعارض يرفع اليد عن
المتعارضين ويرجع إلى العمومات.
وإن كان مرادهم المعنى الثاني ولم يكن التخيير منافيا للاجماع اتجه ذلك
القول جدا أيضا، لأنه المناص عند التعارض.
فإن قيل: هذا إنما يتم على ما ادعيت من تساوي المتعارضين في شرائط
الحجية، وليس كذلك، لأن من جملة الشرائط عدم الاجمال، والصحيحة الأولى
مجملة من وجهين:
أحدهما: أن المذكور فيها: " توارى عن البيوت " ولا معنى للتواري عن
البيت إلا بتقدير الأهل حتى يكون من باب مجاز الحذف، أو المراد تواريه عن
البيوت كما فهمه الأصحاب وهذا أيضا مجاز، وليس أحد المجازين أولى من الآخر
وبين مقتضاهما بون بعيد، فإن الانسان يتوارى عن أهل البيت ببعد ميل ولا
يتوارى البيت عنه بفرسخ.
وثانيهما: أنه على التقديرين يمكن أن يراد تواري الشبح كما قيل (1)، أو
الهيئة بأن يتميز هذا البيت أنه بيت فلان وجداره من الطين أو اللبنة أو الحجر أو
الجص، وهذا الشخص أنه راكب أو راجل قصير أو طويل زيد أو عمرو، ولا دليل

(1) الرياض 1: 254.
294

على تعيين أحدهما، وبينهما أيضا تفاوت فاحش، وليس كذلك روايات الأذان،
إذ ليس المراد به مجرد الصوت لأنه ليس أذانا بل تمييز الكلمات بحيث يفهم أنه
يؤذن وهو أمر لا يتفاوت.
وعلى هذا فتخرج الأولى عن الحجية وتبقى أخبار الأذان كما هو القول
الأخير.
قلنا: أما الوجه الأول ففيه: منع التفاحش بين المقتضيين، لأن المراد
بتواري البيوت كما صرحوا به تواريها من حيث إنها بيوت ولا اعتبار بظهور المنارات
والقباب والسور وأمثالها، وتواري البيت لا يتفاوت كثيرا مع تواري الشخص سواء
أريد فيهما الشبح أو الهيئة، لأن شبح الشخص يرى من فرسخ بل فرسخين كشبح
البيت، وكذا الهيئة فإن كل موضع يمتاز البيت أنه من لبنة أو حجر أو بيت زيد
أو عمرو يمتاز الشخص أيضا، فلا إجمال من هذه الجهة، ولو كان تفاوت فليس
بأكثر من التفاوت الحاصل بتفاوت سماع الأذان.
وأما الوجه الثاني ففيه: أنه وإن احتمل التواري كلا من الأمرين إلا أنه مع
احتمالهما وعدم المعين يجب الأخذ بالقدر المشترك وهو تواري الصورة والهيئة عملا
بعمومات القصر في السفر، ولأن الشبح تما لا يتوارى في بعض المواضع الخالية
عن الموانع في أزيد من فرسخين أو ثلاثة فراسخ، والاتمام في مثله خلاف الاجماع
وتنافيه أخبار الأذان أيضا بل يعلم منها عدم إرادته قطعا فلا إجمال من هذه الجهة
أيضا.
بل منه يعلم وجه آخر لرفع الاجمال الأول، إذ بعد الحمل على الهيئة
يتقارب المعنيان كما أشرنا إليه.
ومن ذلك يعلم ضعف ما قيل في وجه ترجيح مجاز الحذف من أنه أقرب إلى
أخبار الأذان، بل يظهر عدم الاختلاف بين أخبار البيوت والأذان أيضا، ولا يضر
التفاوت اليسير فإنه حاصل على كل من الأمرين بخصوصه أيضا، ومع ذلك مدار
أمثال هذه الأمور في الشرع على التقريب كما هو كذلك عرفا أيضا، وعلى هذا قلنا
295

الاكتفاء بأحد الأمرين من هذه الجهة أيضا.
وقد تلخص مما ذكرنا جواز الاكتفاء بكل من الأمرين كما هو مقتضى القول
الأول بالمعنى الثاني إما لأجل أن التخيير هو المرجع عند التعارض أو لتقارب
الأمرين. والأحوط القصر مع تحقق أحدهما حذرا عن مخالفة المعنى الأول للقول
الأول.
فروع:
أ: المراد بالتواري عن البيوت أو تواريها عنه التواري من جهة البعد والسير
في الأرض، لا التواري كيف اتفق ولو لأجل حائل أو وهدة وإن ترى بعده كما
توهم، لأنه المتبادر منه في المقام، لأن المراد بيان قاعدة كلية ووضع ضابطة جلية
يترتب عليها حكم التقصير والتمام، والحائل الذي قد يكون وقد لا يكون وقد
يقرب وقد يبعد فلا يصلح لأن يكون ضابطا كليا، وكذا خفاء الأذان.
ب: يكفي سماع الأذان في آخر البلد ورؤية آخر البيوت من البلد في عدم
لزوم التقصير، فالواجب خفاء أذان آخر البلد وتواري آخر بيوتها، لأن الحكم في
الأذان معلق على أذان المصر فيجب أن لا يسمع شئ من أذانه، وأذان آخر البلد
أذان مصر أيضا، وفي البيوت معلق على الجمع المحلى المفيد للاستغراق فيجب
خفاء جميع البيوت الذي لا يتحقق إلا بخفاء آخر بيت منه، سواء في ذلك القرية
والبلد الصغير والمعتدل والكبير.
وأما ما قيل من أنه إذا اتسع خطة البلد حيث خرجت عن العادة فيعتبر
بيوت محلتها وكذا أذانها (1)، فلا أعرف له وجها وليس له عندي وقعا، لاطلاق
المصر والبيوت، مع أن المصر يطلق غالبا على البلاد المتسعة ولذا يقال للبصرة
والكوفة المصرين. وأما القول بأن إرادة المحلة موافقة في البلاد المتسعة لاطلاق
الأدلة وفهم العرف فممنوع غايته.
ج: قد أشرنا أن المراد خفاء البيت من حيث إنه بيت، والمتبادر منه خفاء

(1) كما في روض الجنان: 392، والمدارك 4: 458.
296

الهيئة والصورة وعدم تمييز البيوت وأوصافها بعضها عن بعض، وأنه مقتضى
الأصل. وكذا المراد خفا، الأذان من حيث إنه أذان وعدم تمييز فصول الأذان.
فلا عبرة بسواد المدينة وشبحها ولا بأعلام البلد ومناراتها وقبابها وبساتينها
وأشجارها.
د: قالوا: المعتبر الأذان المتوسط أي المتعارف في الاعلامي والأرض
المتوسطة والحاستان المتوسطتان ولو احتاج إلى التقدير في البلد المنخفض والمرتفع
ومختلف الأرض وعادم الأذان والأعمى والأصم.
وهو كذلك، لأنها المتبادر من الاطلاق والمحمول عليها الألفاظ عند
الاستعمال الاطلاقي.
ه‍: اعلم أن هذا الشرط إنما يعتبر فيمن خرج عن نحو بلده مسافرا، دون
نحو الهائم والعاصي بسفره إذا زال مانعهما، فإنهما يقصران متى زال المانع وشرعا
بعده في السير، للعمومات، مع اختصاص ما دل على هذا الشرط بمن ذكرناه،
مضافا إلى خصوص المعتبرة المتضمنة لأنهما يقصران حين زوال المانع.
وهل البلد الذي أقام فيه عشرة أو ثلاثين مترددا في حكم بلده أم لا؟
فيه وجهان - كما قيل (1) - من جهة كونه بمنزلة الوطن في الأحكام، ومن
جهة عدم الدليل بالخصوص. وربما يقال: إن التواري من البيوت في صحيحة
محمد (2) يشملهما أيضا.
ولا يخفى أن كونه بمنزلة الوطن في جميع الأحكام غير ثابت وعموم المنزلة
ممنوع، وشمول الصحيحة غير واضح لأنها تبين حكم من يريد السفر وهو ظاهر
فيمن لم يكن مسافرا قبله وذلك مسافر. ولا يفيد استصحاب الاتمام للأول، لأن
إطلاقات قصر المسافر تدفعه. ولا يتوهم معارضتها مع إطلاقات الاتمام في محل
الإقامة، لعدم كون الخارج فيه، كما مر في بحث إقامة العشرة.

(1) الحدائق 11: 354.
(2) المتقدمة في ص 292.
297

و: قد ورد في روايتي الخدري (1) وعمرو بن سعيد (2) أن النبي والولي كانا إذا
سافرا يقصران في فرسخ. وهو لا ينافي ما مر من حد الترخص لأنه فعل، فلعلهما
أخرا الصلاة استحبابا أو لجهة أخرى.
المسألة الثانية: المشهور - بل عن الذكرى أنه يكاد أن يكون إجماعا (3) - أنه
كما يعتبر هذا الشرط أي الوصول إلى حد الترخص في بدء السفر والذهاب كذا
يعتبر في آخره والإياب، فيقصر في العود من السفر إلى أن ينتهي إلى أحد الأمرين
المتقدمين، فإذا انتهى يتم ولو لم يدخل البلد فضلا عن المنزل، لذيل صحيحة
ابن سنان المتقدمة (4)، مضافا إلى إطلاق ما دل على وجوب التمام على من كان في
الوطن، واشتراط القصر بالسفر ولا يصدق عرفا على من بلغ هذا الحد.
وذهب والد الصدوق والسيد والإسكافي (5) إلى عدم اعتبار هذا الشرط في
الإياب فيقصر حتى يدخل منزله، واختاره بعض مشايخنا الأخباريين (6)، وهو
محتمل المقنعة والنهاية والجمل والمبسوط والخلاف وابن حمزة وسلار (7) حيث لم
يتعرضوا لحال العود، وفي المعتبر (8) نسبة القول بموافقة الإياب للذهاب إلى
المبسوط والنهاية، وليس فيهما ما يدل عليه.

(1) التهذيب 4: 224 / 659، الإستبصار 1: 226 / 803، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر
ب 6 ح 4.
(2) التهذيب 4: 224 / 660، الإستبصار 1: 226 / 804، الوسائل 8: 471 أبواب صلاة المسافر
ب 6 ح 2.
(3) الذكرى: 258.
(4) في ص 292.
(5) المختلف: 164 عن والد الصدوق والإسكافي، السيد في جمل العلم والعمل: 77.
(6) الحدائق 11: 412.
(7) المقنعة: 55، النهاية: 123، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 221، المبسوط 1: 136،
الخلاف 1: 222، ابن حمزة في الوسيلة: 149، سلار في المراسم: 75.
(8) المعتبر 2: 474.
298

لصحيحة العيص: " لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته " (1).
والأخرى: وفيها: " لا يزال يقصر حتى يدخل بيته " (2).
وصحيحة معاوية بن عمار: " أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم
أتموا، وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا " (3).
وفي صحيحة أخرى في أهل مكة: " وإذا زاروا ورجعوا إلى منازلهم
أتموا " (4).
والصحيح المروي في المحاسن: " المسافر يقصر حتى يدخل المصر " (5).
وموثقة الساباطي وفيها: " ولا يتم الصلاة حتى يرجع إلى منزله " (6).
وإسحاق. عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم
الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله؟ قال: " بل يكون مقصرا حتى يدخل
أهله " (7).
وابن بكير: عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة له بها دار ومنزل،
فيمر بالكوفة وإنما هو مجتاز لا يريد المقام إلا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين، قال:
" يقيم في جانب المصر ويقصر " قلت: فإن دخل؟ قال: " فعليه التمام " (8).

(1) التهذيب 3: 222 / 556، الإستبصار 1: 242 / 864 الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر
ب 7 ح 4.
(2) التهذيب 3: 162 / 352، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.
(3) الكافي 4: 518 الحج ب 92 ح 1، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3 ح 7.
(4) التهذيب 5: 488 / 1743، تفاوت فراجع، الوسائل 8: 464 أبواب صلاة المسافر ب 3
ح 4.
(5) المحاسن: 371 / 126، الوسائل 8: 473 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 8.
(6) التهذيب 4: 226 / 663، الوسائل 8: 469 أبواب صلاة المسافر ب 4 ح 2.
(7) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 5، الفقيه 1: 284 / 1291، التهذيب 3: 222 / 555،
الإستبصار 1: 242 / 863، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 3.
(8) الكافي 3: 435 الصلاة ب 84 ح 2، التهذيب 3: 220 / 550، قرب الإسناد: 172 / 630
بتفاوت يسير، الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7 ح 2.
299

والايراد على بعض هذه الأخبار بأنه حكم بالقصر للمسافر، ونحن لا
نسلم أن الداخل في موضع سماع الأذان مسافر، باطل جدا، لأنه قبل دخوله فيه
مسافر قطعا فحكم له بالقصر حتى دخل البيت أو المنزل.
وحمل البيت والمنزل في بعض هذه الأخبار على ما بحكمهما وهو ما دون
الترخص، بعيد جدا بل خلاف الأصل، مع أنه لا يمكن حمل غير الصحيحتين
الأوليين والموثقة الأولى على ذلك أصلا سيما في الموثقة الثانية المتضمنة لدخول البلد
والحكم فيها مع ذلك بالقصر إلى دخول الأهل.
وحملها على أن الحكم به معه إنما هو لسعة الكوفة يومئذ، فلعل البيوت التي
دخلها لم يبلغ حد الترخيص المعتبر في مثلها وهو آخر محلته..
مردود أولا: بما مر من عدم التفرقة بين البلد الكبير والمعتدل.
وثانيا: بعموم الجواب الناشئ عن ترك الاستفصال خصوصا مع قوله بعد
الحكم بالتقصير: " حتى يدخل أهله ".
وثالثا: بأنه ورد في موثقة غياث بن إبراهيم: أن مولانا الباقر عليه السلام
كان يقصر الصلاة حين يخرج من الكوفة في أول صلاة تحضره (1)، دلت على أن
قصر الصلاة كان بعد الخروج من الكوفة، إلا أن ذلك إنما يتم لو جعل الحين ظرفا
للتقصير، ويحتمل أن يكون ظرفا للخروج فلا يتم التقريب فيها، مضافا إلى أنه
يمكن أن يكون بيته عليه السلام في أواخر البلد.
والخدش فيها بورودها مورد الغالب من أن المسافر إذا بلغ حد الترخص
يسارع إلى أهله من غير مكث للصلاة كما هو المشاهد غالبا من العادة، فلا يطمئن
بشمول إطلاق الحكم بالقصر إلى دخول الأهل لمحل البحث، كلام شعري لا
ينبغي الاصغاء إليه.
أقول: هذه الأخبار وإن كانت مستفيضة مشتملة على عدة من الصحاح،

(1) التهذيب 3: 235 / 617، الوسائل 8: 472 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 5.
300

إلا أنها مع احتمال موافقتها لمذهب العامة - كما حكي عن الوسائل (1) يرد عليها أن
غير الأخيرتين منها أعم مطلقا من صحيحة ابن سنان (2)، إذ مدلولها وجوب قصر
المسافر قبل دخول البيت أو المنزل أو المصر مطلقا سواء بلغ موضع سماع الأذان
أم لا، ومدلول الصحيحة وجوب الاتمام في بعض خاص منه وهو ما بعد سماع الأذان
فيجب تخصيصها به، بل وكذلك الموثقة الأخيرة لأعمية جانب المصر عن موضع
سماع الأذان.
ولا يضر عموم الصحيحة باعتبار الممثل له، حيث إن له أيضا فردين:
وجوب القصر عند عدم سماع الأذان، والاتمام عند سماعه، بل إجمالها لتعدد ما
يحتمل التشبيه به فلعل التشبيه في الأول خاصة بجعل المشار إليه هو الجزء الأخير
وهو قوله: " إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فقصر ".
لبعد ذلك الاحتمال جدا وظهور إرادة التشبيه في الحكمين، مع أنه يثبت
المطلوب مع تخصيص التشبيه بالجزء الأخير أيضا، إذ الجزء الأخير ليس هو وجوب
القصر في موضع لا يسمع الأذان خاصة بل جملة شرطية لها منطوق ومفهوم، فيدل
بالمفهوم على عدم القصر إذا لم يكن في موضع لا يسمع الأذان.
ومنه تظهر تمامية دلالة الصحيحة على ما في بعض النسخ الغير المشهورة
منها من إسقاط الشرطية الأولى في حكم الذهاب، لكفاية الثانية في ذلك أيضا،
مع أن اشتهار النسخة المتضمنة للشرطين سيما مع تقدم الاثبات على الاسقاط
كاف في المطلوب.
فلم يبق إلا الموثقة الأولى، وهي غير صريحة بل ولا دالة على المطلوب لعدم
تصريح فيها على كون الرجل من أهل الكوفة إلا أن يتمسك بعمومها الحاصل من
ترك الاستفصال الواجب تخصيصه بالصحيحة أيضا لأخصيتها مطلقة.
مع أنها معارضة في ذلك الحكم مع الصحيحة المحاسنية المنجبرة في هذا

(1) الوسائل 8: 475 أبواب صلاة المسافر ب 7 ذيل الحديث 6.
(2) المتقدمة في ص 292.
301

الحكم والموثقة الثانية، الدالتين على وجوب التمام بدخول الكوفة والمصر وإن لم
يدخل البيت، ومع صحيحة ابن بزيع المذكورة في بيان الوطن الدالة على التمام
بدخول الضيعة (1).
ومن ذلك ظهر قوة القول المشهور.
نعم، يشكل الحكم فيما إذا كان مجتازا عن وطنه ولم يدخل بلده ونزل في
جانبه في موضع سمع الأذان، من حيث إن صدق القدوم من السفر حينئذ غير
معلوم، فلا يكون حكمه مستفادا من الصحيحة ولا من رواية أخرى، فيكون
عموم الموثقة خاليا عن المعارض المعلوم. إلا أن يتمسك بعدم الفرق بين خارج
البلد وداخله المعلوم حكمه بالأخبار الثلاثة المذكورة آنفا. إلا أن ثبوته مشكل،
وأمر الاحتياط بالقصر والاتمام هنا واضح.
وهل يعتبر في الاتمام هنا أيضا الأمران من خفاء البيوت والأذان كما هو
المشهور، بل قيل: بلا خلاف إلا عن بعض المتأخرين (2)؟
أو الأذان خاصة كما عزي إلى الشرائع والتحرير (3)، لاختصاص الصحيحة
به، وعدم دليل تام غيرها على حكم العود يشمل البيوت أيضا إلا ما قيل من
عمومات الاتمام في الوطن (4) المعارض لما دل على وجوب القصر حتى يدخل
البيت، أو عدم القول بالفرق الممنوع جدا؟
نعم يسهل الأمر على ما ذكرنا من تلازم الأمرين غالبا، لإرادة خفاء الهيئة
والكلام، وهما متقاربان.
فرع: هل يعتبر ذلك في بلد يراد فيه إقامة عشرة أيام قبل الوصول إليه،
أم لا؟

(1) الفقيه 1: 288 / 1310، التهذيب 3: 213 / 520، الإستبصار 1: 231 / 821، الوسائل
8: 494 أبواب صلاة المسافر ب 14 ح 11.
(2) الرياض 1: 255.
(3) الشرائع 1: 134، التحرير 1: 56.
(4) الرياض 1: 254.
302

الظاهر الثاني، لاستصحاب وجوب التقصير، وإطلاق كثير من الأخبار بلا
معارض في المقام. وكون بلد الإقامة بمنزلة الوطن في جميع الأحكام ممنوع.
303

الفصل الثاني
في بيان سائر أحكام صلاة القصر
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا اجتمعت الشرائط المذكورة يجب القصر بحذف أخيرتي
الرباعية عزيمة لا رخصة، بالضرورة من مذهب الإمامية، وعليه أكثر العامة (1)،
والنصوص به من طرقهم مستفيضة (2).
فلا يجوز التمام إلا في أحد المواطن الأربعة: مكة والمدينة وجامع الكوفة
وحائر الحسين عليه السلام، فيجوز فيها الأمران، بلا خلاف إلا من شاذ يأتي،
بل بالاجماع كما عن غير واحد من الأصحاب (3)، وجعله بعضهم من منفردات
الإمامية (4).
لظاهر الاجماع، والأمر بالاتمام في المستفيضة وبالقصر في الأخرى.
فمن الأول: رواية إبراهيم بن شيبة الآمرة بإتمام الصلاة في الحرمين (5)،
وعثمان بن عيسى الآمرة بإتمام الصلاة فيهما ولو صلاة واحدة (6).

(1) انظر بداية المجتهد 1: 166، وأحكام القرآن للجصاص 2: 253، وبدائع الصنائع 1: 91.
(2) صحيح مسلم 4781 ب صلاة المسافر، صحيح البخاري 2: 53 ب التقصير.
(3) السرائر 1: 346، الوسائل 8: 534 أبواب صلاة المسافر ب 25 ذيل الحديث 34.
(4) روض الجنان: 397.
(5) الكافي 4: 524 الحج ب 59 ح 1، التهذيب 5: 425 / 1476، الإستبصار 2: 330 / 1172،
الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 18.
(6) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 2، التهذيب 5: 425 / 1477، الإستبصار 2: 330 / 1173،
الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 17.
304

وصحيحة البجلي (1) ورواية عمر بن رياح (2) الآمرتان بالاتمام في مكة
ومدينة، وصرح في أولا هما بقوله: " ولو صلاة واحدة " وفي الثانية: " أمر على
المدينة ".
وصحيحة مسمع الآمرة بالاتمام في مكة يوم تدخله (3).
ورواية أبي شبل الآمرة بإتمام الصلاة في قبر الحسين عليه السلام ونسبة
التقصير فيه إلى الضعفة (4).
ورواية القندي الآمرة بالاتمام في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه
السلام (5).
ورواية قائد الحناط المروية في كامل الزيارة لابن قولويه الآمرة بإتمام الصلاة
في الحرمين ولو مررت مارا (6).
ورواية سماعة بن مهران المروية في البحار عن كتاب عبد الله بن يحيى
الكاهلي الآمرة بالاتمام في الحرمين مكة والمدينة (7).

(1) التهذيب 5: 426 / 1481، الإستبصار 1: 331 / 1177، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 5.
(2) التهذيب 5: 426 / 1479، الإستبصار 2: 330 / 1175 الوسائل 8: 526 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 8.
(3) التهذيب 5: 426 / 1480، الإستبصار 2: 331 / 1176، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 7.
(4) الكافي 4: 587 الزيارات ب 23 ح 6، التهذيب 5: 431 / 1496، الإستبصار 2.
335 / 1193، الوسائل 8: 527 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 12.
(5) التهذيب 5: 431 / 1499، الإستبصار 2: 335 / 1192، الوسائل 8: 527 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 13.
(6) كامل الزيارات: 250 / 9، الوسائل 8: 532 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 31.
(7) كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي (الأصول الستة عشر): 115. البحار 86: 65 / 19.
305

وروايات حذيفة (1) وأبي بصير (2) وعبد الحميد (3) المجوزة لاتمام الصلاة في
المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه السلام.
ورواية ابن أبي البلاد المجوزة له في المسجد الحرام ومسجد الرسول وعند
قبر الحسين عليه السلام (4) - وإنما لم نجعلها آمرة لاشتمالها على الجملة الخبرية -.
وصحيحتا ابن عمار (5) ومسمع (6) المصرحتان بأن من المذخور الاتمام في
الحرمين.
وصحيحة حماد المصرحة بأن من مخزون علم الله الاتمام في حرم الله وحرم
رسوله وحرم أمير المؤمنين وحرم الحسين عليهم السلام (7).
ومرسلة الفقيه المصرحة بأن من الأمر المذخور الاتمام بمكة والمدينة ومسجد
الكوفة والحائر (8).
ومن الثاني: صحيحة ابن بزيع الآمرة بالتقصير في مكة والمدينة ما لم يعزم

(1) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 3، التهذيب 5: 431 / 1498، الإستبصار 2:
335 / 1195، الوسائل 8: 530 أبواب صلاة المسافر، ب 25 ح 23.
(2) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 2، التهذيب 5: 432 / 1500، الإستبصار 2:
335 / 1196، الوسائل 8: 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 25.
(3) الكافي 4: 587 الزيارات ب 23 ح 5، التهذيب 5: 431 / 1497، الوسائل 8: 528 أبواب
صلاة المسافر ب 25 ح 14.
(4) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 4، كامل الزيارات: 249 / 2، الوسائل 8: 530 أبواب
صلاة المسافر ب 25 ح 22.
(5) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 5، التهذيب 5: 429 / 1490، الإستبصار 2: 334 / 1187،
الوسائل 8: 530 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 20.
(6) التهذيب 5: 426 / 1478، الإستبصار 2: 330 / 1174، الوسائل 8: 524 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 2.
(7) التهذيب 5: 430 / 1494، الإستبصار 2: 334 / 1191، الوسائل 8: 524 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 1.
(8) الفقيه 1: 283 / 1284، الوسائل 8: 531، أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 26.
306

على مقام عشرة (1).
وصحيحة ابن وهب المروية في العلل المشتملة على أن مكة والمدينة كسائر
البلدان، والمتضمنة لأن الأمر بالاتمام في المدينة بعد خمسة أيام لأن أصحابكم
كانوا [يقدمون] ويخرجون من المسجد عند الصلاة (2).
وصحيحة ابن عمار الآمرة بالتقصير في مكة ما دام محرما (3).
وصحيحة أبي ولاد الحناط: إني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم
بها عشرة أيام فأتم الصلاة، ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟
فقال: " إن كنت [حين] دخلت المدينة صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس
لك أن تقصر حتى تخرج منها، وإن كنت حين دخلتها على نيتك المقام ولم تصل
صلاة فريضة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت
فانو المقام عشرا وأتم، وإن لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى
لك شهر فأتم الصلاة " (4).
ورواية علي بن حديد الناطقة بأنه لا يكون الاتمام في الحرمين إلا أن تجمع
على إقامة عشرة (5).
وصحيحة ابن وهب المتضمنة بعد السؤال عن التقصير عن الحرمين لقوله:
" لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام " ولأن الأمر بالتمام كان لأجل أن

(1) الفقيه 1: 283 / 1285، التهذيب 5: 426 / 1482، الإستبصار 2: 331 / 1178،
الوسائل 8: 533 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 32.
(2) علل الشرائع: 454 / 10، الوسائل 8: 531 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 27، وبدل ما بين
المعقوفين في النسخ: يصلون وما أثبتناه موافق للمصدر.
(3) التهذيب 5: 474 / 1668، الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 3.
(4) التهذيب 3: 221 / 553، الإستبصار 1: 238 / 851، الوسائل 8: 508 أبواب صلاة المسافر
ب 18 ح 1. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(5) التهذيب 5: 426 / 1483، الإستبصار 2: 331 / 1179 الوسائل 8: 533 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 33.
307

الأصحاب كانوا يصلون ويخرجون ويراهم الناس كذلك (1).
ورواية الحضيني المتضمنة بعد الاستيمار في الاتمام والتقصير لقوله: " إذا
دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة " (2).
وجه الاستدلال: أنه تعارض الفريقان من الأخبار، فيجب الجمع بينهما
بالحمل على التخيير إما لأنه المرجع عند التعارض وعدم الترجيح، أو لشهادة
الأخبار بذلك كرواية علي بن يقطين: عن التقصير بمكة فقال: " أتم، وليس
بواجب، إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي " (3).
وابن المختار: إنا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر؟ قال: " إن قصرت
فذاك، وإن أتممت فهو خير تزداد " (4).
ورواية عمران: أقصر في المسجد الحرام أو أتم؟ قال: " إن قصرت فلك،
وإن أتممت فهو خير وزيادة الخير خير " (5).
وصحيحة ابن يقطين في الصلاة بمكة: " من شاء أتم ومن شاء قصر " (6).
مضافا إلى أن روايتي أبي بصير وعبد الحميد وما تعقبهما من روايات الصنف
الأول غير دالة على وجوب الاتمام، كما أن رواية علي بن حديد وما تعقبها من

(1) التهذيب 5: 428 / 1485، الإستبصار 2: 332 / 1181، الوسائل 8: 534 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 34.
(2) التهذيب 5: 427 / 1484، الإستبصار 2: 332 / 1180، الوسائل 8: 528 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 15.
(3) الكافي 4: 524 الحج في 95 ح 3، التهذيب 5: 429 / 1488، الإستبصار 2: 333 / 1184.
الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 19.
(4) الكافي 4: 524 الحج ب 95 ح 6، التهذيب 5: 430 / 1491، الإستبصار 2: 334 / 1188،
الوسائل 8: 529 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 16.
(5) التهذيب 5: 430 / 1493، 5: 474 / 1669، الإستبصار 2: 334 / 1190، الوسائل 8:
526 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 11.
(6) التهذيب 5: 430 / 1492، الإستبصار 2: 334 / 1189، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 10.
308

الصنف الثاني لا تدلان على وجوب التقصير بل غايتهما الجواز الغير المنافي للتخيير.
خلافا للصدوق في الفقيه والخصال (1)، فقال بمساواة هذه المواضع لغيرها
في وجوب التقصير ما لم ينقطع سفره بأحد القواطع، وتبعه القاضي على ما حكي
عنه (2)، بل الاستبصار والتهذيب على احتمال (2).
للصنف الثاني من الأخبار بترجيحه على الصنف الأول باعتبار كونه أخص
مطلقا منه، لعموم الأول بالنسبة إلى قصد العشرة وعدمه واختصاص الثاني
بقصدها، وباعتبار كون الأول صادرا للتقية كما تدل عليه صحيحتا ابن وهب،
وباعتبار موافقة الثاني لعمومات القصر، فبعد تعارضهما وعدم الترجيح - لو
فرض - يرجع إليها، ولعله يحمل الصنف الثالث على التخيير بين الاتمام والقصر
باعتبار التخيير بين قصد الإقامة وعدمه.
ويرد الاعتبار الأول - مضافا إلى بعد ذلك التخصيص في تلك الأخبار -
بأنه غير جار فيما أمر بالتمام بمجرد المرور كما في روايتي قائد وابن رياح، أو يوم
الدخول كما في صحيحة مسمع، أو ولو صلاة واحدة كما في صحيحة البجلي
ورواية عثمان.
والثاني: بأنه إن أراد أن الصنف الأول موافق للعامة ويصير لأجله مرجوحا
ففيه: أنه ليس كذلك، لأن إيجاب التمام على ما هو مقتضى الأمر ليس مذهبا
لأحد من العامة لأنهم ما بين موجب للقصر مطلقا وهم أكثرهم ومنهم أبو
حنيفة (4)، ومخير بينه وبين الاتمام كذلك وهو الشافعي وغيره (5).
وإن أريد أن الأمر بالتمام كان لاتقاء الأصحاب عن إتمام الصلاة قبل

(1) الفقيه 1: 283، الخصال: 252.
(2) المهذب 1: 109.
(3) الإستبصار 2: 332، التهذيب 5: 427 و 428.
(4) حكاه عن أبي حنيفة في بداية المجتهد 1: 166، وأحكام القرآن للجصاص 2: 252.
(5) الأم 1: 179، وانظر، لمغني والشرح كبير 2: 108، وبداية المجتهد 1: 166.
309

الناس كما تدل عليه صحيحتا ابن وهب المتقدمتان ففيه - مضافا إلى أن المذكور
في إحداهما أن الأمر بالتمام بعد خمسة أيام لذلك، حيث إن الاتمام بعدها مذهب
الشافعي (1)، ومنه يظهر تقييد الأخرى بذلك أيضا فلا يجري في الأخبار الآمرة
بالتمام مع المرور ويوم الورود وصلاة واحدة -: أن غاية ما تدلان عليه أن الأمر
بالتمام وإلزامه إنما هو للتقية عن تخلفهم عن الناس في الصلاة لا عن مخالفتهم في
القصر والاتمام ولا في تجويز الاتمام دون تجويزه.
مع أنهما معارضتان مع ما يدل على أن الأمر بالتمام ليس للتقية بل هو مخالف
للعامة، كما في صحيحة البجلي: إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في
الحرمين وذلك من أجل الناس، قال: " لا، كنت أنا ومن مضى من آبائي إذا وردنا
مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس " (2).
ونحو ما يدل على أن الاتمام من الأمور المخزونة أو المذخورة كما في
المستفيضة من الأخبار المتقدمة، فإن المخزون إنما يكون فيما يخالف العامة.
ومع ذلك يدل أكثر تلك الأخبار على أن التمام أمر مخصوص بتلك الأماكن
ولا وجه لتخصيص التقية بها، لأن العامة إنما يخيرون بين القصر والاتمام أو
يوجبون القصر وهو مذهب أبي حنيفة.
ومنه يظهر أن حمل أوامر التقصير على التقية أولى - كما صرح به جماعة من
أصحابنا (3) - لاتفاقهم على جواز القصر مع اشتهار مذهب أبي حنيفة قديما
وحديثا.
وعلى هذا يكون الترجيح من هذه الجهة لأخبار التمام والتخيير، مضافا إلى
الترجيح باعتبار الأشهرية رواية وفتوى.

(1) الأم 1: 186، وحكاه عنه في بداية المجتهد 1: 169.
(2) التهذيب 5: 428 / 1486، الإستبصار 2: 332 / 1182، الوسائل 8: 526 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 6.
(3) كصاحبي الحدائق 11: 452، والرياض 1: 256.
310

فإن قيل: يستفاد من الأخبار اشتهار التقصير ما لم ينو المقام بين قدماء
الأصحاب وهو أولى بالترجيح، ففي صحيحة ابن مهزيار: إن الرواية قد اختلفت
عن آبائك في الاتمام والتقصير في الحرمين، فمنها أن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة،
ومنها أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام، ولم أزل على الاتمام فيهما إلى أن صدرنا
في حجنا في عامنا هذا، فإن فقهاء أصحابنا أشاروا علي بالتقصير إذا كنت لا أنوي
مقام عشرة أيام فصرت إلى التقصير، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك. فكتب
إلي بخطه: " قد علمت - يرحمك الله - فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما، فأنا
أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما بالصلاة " إلى أن قال: فقلت:
أي شئ تعني بالحرمين؟ فقال: " مكة والمدينة " (1).
وفي المروي في كامل الزيارة لابن قولويه، عن سعد بن عبد الله قال: سألت
أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين
عليه السلام والذي روي فيها، فقال: أنا أقصر وكان صفوان يقصر وابن أبي عمير
وجميع أصحابنا يقصرون (2).
قلنا: لا تدل هذه الأخبار على اشتهار وجوب التقصير - وهو المضعف
لأخبار التمام والمعارض لاشتهار جوازه - بل غاية ما تدل عليه اشتهار فعله، فلعله
كان مع تجويز التمام أيضا، وإنما اختاروا ذلك الفرد لمصلحة من تقية ونحوها،
حيث إن الفرق بين الأماكن من مذهب الشيعة أغرب من حتم التقصير، فهذه
أيضا مخالفة جديدة للناس والقصر كان معروفا من مذهبهم.
مضافا إلى أن خبر كامل الزيارة ضعيف لا يصلح لاثبات شئ، بل
الصحيحة أيضا وإن كانت حجة إلا أن ثبوت حجيتها إنما هو في إثبات الأحكام الشرعية دون غيرها. مع أنها وإن تضمنت شهرة التقصير إلا أنها تتضمن حب

(1) الكافي 4: 525 الحج ب 95 ح 8، التهذيب 5: 428 / 1487، الإستبصار 2: 333 / 1183
الوسائل 8: 525 أبواب صلاة المسافر ب 25 ح 4.
(2) كامل الزيارات: 248 / 7، المستدرك 6: 545 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 3.
311

الإمام للتمام، والعبرة به لا بغيره. هذا مع أن صدرها ظاهر في رجحان التمام عند
راويه كما أن في رواية علي بن حديد: أنه كان ممن يتم وأن ابن جندب كان يتم
وأنه كان محبتي أن يأمرني بالاتمام (1).
هذا مع أنه لو سلم ثبوت اشتهار القمر عندهم فلا شك أنه لا يبلغ حد
الاجماع، فيعارض باشتهار خلافه بين أصحابنا في زماننا وما تقدم عليه إلى قرب
زمان الإمام بحيث كاد أن يكون إجماعا، بل هو إجماع صريحا كما في عبارة جماعة
من أصحابنا.
والاعتبار الثالث (2) بأن الرجوع بعد التعارض إلى العمومات إنما هو إذا لم
يكن مرجع آخر، وهو هنا موجود، وهو الصنف الثالث من الأخبار المصرحة
بالتخيير.
وحمله على ما مر خلاف الظاهر جدا بل خلاف مقتضى الأصل وحقيقة
اللفظ كما لا يخفى.
مع أن المرجع الثابت شرعا عند التعارض أيضا هو التخيير فلا وجه لرفع
اليد عنه.
هذا كله مع أن الرجوع إلى وجوه الترجيح إنما هو إذا لم يكن في المورد ترجيح
خاص من الإمام، وهو في المسألة موجود وهو ما ورد في صحيحة ابن مهزيار
المتقدمة بعد السؤال عن الاختلاف في المسألة من الجواب بأفضلية الاتمام.
فإن قلت: قد ورد هذا السؤال في رواية علي بن حديد أيضا وأجاب بأنه لا
يكون الاتمام ما لم يجمع العشرة.
قلت: مع أن الصحيحة أقوى من الرواية سندا واعتضادا بالعمل، مروية
عن أبي جعفر الثاني والرواية عن الرضا عليه السلام، والترجيح للأخير الأحدث.

(1) تقدمت في ص 307.
(2) أي: ويرد الاعتبار الثالث...، راجع ص 309.
312

ثم إن هاهنا خلافا آخر محكيا عن السيد والإسكافي (1)، وهو لزوم التمام في
المواطن المذكورة، للصنف الأول من الأخبار المتقدمة، ولقوله سبحانه في المسجد
الحرام: (سواء العاكف فيه والباد) (2).
والجواب عن الآية بعدم الدلالة، وعن الأخبار بأنه كان صحيحا لولا
معارضة الصنفين الآخرين وتصريح بعضها بعدم وجوب الاتمام، مع أنه قول شاذ
نادر، بل كونه مذهبا لمن حكي عنه غير ظاهر، لاحتمال إرادته الاستحباب كما عن
السرائر (3).
فروع.
أ: بعض هذه الأخبار وإن اختص بالحرمين إلا أن كثيرا منها كما عرفت
يتضمن الاحرام الأربعة، وبذلك صرح في الرضوي أيضا قال: " في أربعة مواضع
لا يجب أن تقصر: إذا قصدت مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحيرة (4) " (5).
ومع ذلك انعقدت الشهرة على الأربعة فلا مناص عن الحكم في الجميع.
ب: قد وقع الخلاف في تحديد محل التخيير من المواطن الأربعة إلى أقوال:
الأول: ما حكي عن المبسوط والنهاية (6) على وجه، وابن حمزة ويحيى بن
سعيد والمحقق في كتاب له في السفر (7)، وهو محتمل السيد والإسكافي (8) حيث عبرا
بالمشاهد، وهو: أنه البلدان الأربعة.

(1) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 47، عن الإسكافي في المختلف: 168.
(2) الحج: 25.
(3) السرائر 1: 343.
(4) كذا في النسخ والمصدر، ولعله مصحف الحير أو الحائر.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 161، مستدرك الوسائل 6: 544 أبواب صلاة المسافر ب 18 ح 2.
(6) المبسوط 1: 141، النهاية: 124.
(7) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، يحيى بن سيد في الجامع لشرائع: 93، وحكى الشهيد
عن المحقق في الذكرى: 256.
(8) حكاه عنهما في المختلف: 168.
313

والثاني: ما نسب إلى الأولين على وجه آخر، والخلاف والمعتبر والشرائع
والنافع والمنتهى والتحرير وظاهر الارشاد والتبصرة والنفلية (1)، وهو: أنه البلدان
مكة والمدينة، مع جامع الكوفة والحائر.
والثالث: ما عزي إلى التهذيب والاستبصار (2)، وهو: أنه البلاد الثلاثة:
مكة والمدينة والكوفة، مع الحائر، واختاره في الذكرى (3).
والرابع: ما قاله السيد في الجمل والإسكافي (4)، وهو: أنه بلد مكة ومسجد
الرسول ومسجد الكوفة والمشاهد.
والخامس: ما اختاره في السرائر والمختلف واللمعة والدروس والبيان (5)،
والشهيد الثاني في كتبه (6)، وهو: أنه المساجد الثلاثة والحائر.
دليل الأولين: أما على تحديد الأولين بالبلدين فللتصريح بهما في كثير من
الأخبار المتقدمة، وبالحرمين المفسرين في صحيحة ابن مهزيار بالبلدين (7)، وفي
صحيحة ابن عمار: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن مكة حرم الله، وإن
المدينة حرمي، وإن ما بين لابتيها حرم " (8).
وأما على تحديد الثالث بالبلد فللتصريح به في رواية القندي السابقة (9)،

(1) المبسوط 1: 141، النهاية: 124، الخلاف 1: 576، المعتبر 2: 476 الشرائع 1: 135،
النافع: 51، المنتهى 1: 294، التحرير 1: 55، الإرشاد 1: 276، التبصرة: 41، النفلية: 38.
(2) التهذيب 5: 432، الإستبصار 2: 336.
(3) الذكرى: 256.
(4) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 47، عن الإسكافي في المختلف: 168.
(5) السرائر 1: 342، المختلف: 167، اللمعة (الروضة البهية 1): 375، الدروس 1: 209،
البيان: 159.
(6) الروضة 1: 375، المسالك 1: 49، روض الجنان: 397.
(7) راجع ص 311.
(8) الكافي 4: 564 الزيارات ب 11 ح 5، التهذيب 6: 12 / 23، الوسائل 14: 362 أبواب
المزار ب 17 ح 1.
(9) في ص 305.
314

وفي صحيحة حماد السابقة المصرحة بالاتمام في الاحرام الأربعة: حرم الله، وحرم
رسوله، وحرم أمير المؤمنين، وحرم الحسين (1).
ونطقت الروايات بأن الكوفة حرم أمير المؤمنين، ففي رواية حسان بن
مهران عن أمير المؤمنين عليه السلام: " مكة حرم الله، والمدينة حرم رسول الله،
والكوفة حرمي " (2).
وفي رواية خالد القلانسي: " الكوفة حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير
المؤمنين " (3).
وفي الموثق المروي في الأمالي: " مكة حرم الله، والمدينة حرم محمد رسول الله،
والكوفة حرم علي بن أبي طالب " (4).
وأما على التحديد الرابع بالبلد فلصحيحة حماد المصرحة بالاتمام في حرم
الحسين عليه السلام، والبلد حرمه قطعا إذ ورد في بعض الروايات: " إن حريم
الحسين خمسة فراسخ " (5).
وفي مرسلة محمد بن إسماعيل البصري: " فرسخ في فرسخ من أربع جوانب
القبر " (6).
ونحوه المروي في كامل الزيارة (7)، وصحيحة الرضا عليه السلام.
ولذا وقع الخلاف في أن حرم الحسين خمسة فراسخ أو أربعة أو فرسخ، وقال

(1) راجع ص 306.
(2) الكافي 4: 563 الزيارات ب 11 ح 1، التهذيب 6: 12 / 21، الوسائل 14: 360 أبواب المزار
ب 16 ح 1.
(3) الكافي 4: 586 الزيارات ب 23 ح 1، التهذيب 6: 31 / 58 الوسائل 5: 256 أبواب أحكام
المساجد ب 44 ح 12، و 13.
(4) أمالي الطوسي: 682 وفيه: مكة حرام إبراهيم، البحار 97: 399 / 43.
(5) التهذيب 6: 71 / 132، كامل الزيارات: 272 / 3، الوسائل 14: 510 أبواب المزار ب 67
ح 1.
(6) التهذيب 6: 71 / 133، الوسائل 14: 510 أبواب المزار ب 67 ح 2.
(7) كامل الزيارات: 271 / 2.
315

الشيخ نجيب الدين (1): والكل حرم وإن تفاوتت في الفضيلة.
ولا يعارض ما ذكرنا الأخبار المتضمنة لذكر المساجد والحائر بخصوصها،
إذ استحباب الاتمام أو التخيير فيها لا يمنع منه في غيرها ولا دلالة فيها على النفي
في غيرها، غاية الأمر أن ينزل الاختلاف على التفاوت في الفضل بحسب
التفاوت في الشرف، بل مقتضى ما ذكر استحباب الاتمام في الاحرام الأربعة كما
نص عليه ابن حمزة وابن سعيد (2).
ودليل الثاني: أما في تحديد الأولين بالبلدين فما مر من التفسير في الأخبار الصحيحة.
وأما في تحديد الثانيين بالمسجد والحائر فللاقتصار فيهما على القدر المتيقن،
حيث إن الروايات المفسرة للحرمين بما مر ضعيفة سندا.
ودليل الثالث على تحديد الأولين: ما مر. وعلى الثالث بالبلد فلرواية
القندي (3)، وعدم الفصل بين حرم الرسول وحرم أمير المؤمنين، قال في التهذيب:
لم يفرق أحد بين الحرمين (4)، وعلى الرابع بالحائر الاقتصار على المتيقن.
ودليل الرابع: التصريح في الأخبار بخصوص مكة، والاقتصار في البواقي
على المتيقن.
ودليل الخامس: الاقتصار في الجميع على المتيقن، وجعل التعبير في بعض
الأخبار بالمساجد والحائر قرينة على إرادتها من الحرم.
أقول: بعد ما عرفت من عدم التعارض بين ما ذكر المساجد والحائر
بخصوصها وبين ما ذكر البلد أو الحرم يعرف ضعف الاستدلال على التخصيص
بهذه الأخبار، وكذا يظهر ضعف التمسك بالاقتصار على المتيقن بحصول التيقن

(1) نقله عنه في الذكرى: 256.
(2) لم نعثر على قول ابن حمزة في الوسيلة، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 93.
(3) المتقدمة في ص 305.
(4) التهذيب 5: 432.
316

بالأخبار المذكورة. وضعف سند بعضها بعد وروده في الكتب الأربعة وغيرها من
الكتب المعتبرة غير ضائر.
فأقوى الأقوال هو الأول، بل لولا الشهرة العظيمة لقلنا بالتخيير في مجموع
الاحرام الأربعة كما قاله ابنا حمزة وسعيد.
ومنه يظهر جواز الاتمام في تمام بلدة كربلاء والمدينة ومكة الموجودة اليوم،
لكونها جزءا من الحرم، أما مكة فظاهر، وأما المدينة فلما صرح بأن ما بين لا بتيها
حرم الرسول، وأما كربلاء فلما عرفت من أن حرم الحسين عليه السلام فرسخ في
فرسخ، فلا حاجة إلى بيان تحديد البلاد الثلاثة في زمان الأئمة عليهم السلام.
نعم، لما لم يرد تحديد في الكوفة فيقتصر فيها على ما تيقن دخوله في البلد في
زمان عمارته، وكذلك المساجد والحائر على القول بالاختصاص، وقد وردت في
بيان التغيير في المساجد وعدمها أخبار لا يهمنا ذكرها. ومنهم من تعدى في الكوفة
إلى الغري والنجف أيضا (1). ولا دليل تاما عليه.
ج: مقتضى الأصول والأصول المخالفة لها بإثبات التمام في المواطن الأربعة
اختصاصه بالصلاة وعدم التعدية إلى الصوم كما عليه الأصحاب، بل هو إجماع
ظاهرا كما قيل (2).
وتشعر به أيضا رواية عثمان بن عيسى حيث سئل فيها عن إتمام الصلاة
والصيام، فأجاب عن الصلاة خاصة على ما في أكثر النسخ من تأنيث الضمير (3).
بل تدل عليه صحيحة البزنطي: عن الصيام بمكة والمدينة ونحن [في]
سفر، فقال: " فريضة؟ " فقلت: لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة، فقال:
" تقول: اليوم وغدا؟ " قلت: نعم، فقال: " لا تصم " (4).

(1) كما يظهر من المبسوط 1: 141.
(2) الرياض 1: 256.
(3) راجع ص 304.
(4) التهذيب 4: 235 / 690، الإستبصار 2: 102 / 332، الوسائل 10: 202 أبواب من يصح منه
الصوم ب 12 ح 2، وما المعقوفين أضفناه من المصدر.
317

فإن المنع عن التطوع يستلزمه في غيره بطريق أولى.
وأما ما في بعض الروايات من قوله: " إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت
قصرت " (1) فيمكن أن يكون المراد به الحتم على القصر إما لأنه الغالب - كما
قيل (2) - أو لاحتمال الجملة الخبرية له.
د: لا يلحق غير المواطن الأربعة بها، للأصل.
خلافا للسيد والإسكافي فطردا حكمها في جميع المشاهد الشريفة (3)، لشرف
المكان، والتعليل المستفاد من قوله: " قد علمت يرحمك الله... " في صحيحة
ابن مهزيار المتقدمة (4).
ويرد الأول: بمنع كونه علة تامة.
والثاني: بأنه يحتمل أن تكون العلة فضل الصلاة على مطلق غير هما كما هو
المصرح به فيها دون مطلق فضل الصلاة، أو فضلها على بعض ما هو غير هما ولم
يعلم ذلك في سائر المشاهد.
وقد يتوهم دلالة الرضوي عليه حيث قال: " إذا بلغت موضع قصدك من
الحج والزيارة والمشاهد وغير ذلك مما قد بينته لك فقد سقط عنك السفر ووجب
عليك الاتمام ".
وهو غلط، لأن صدره هذا: " والسفر الذي يجب فيه التقصير في الصوم
والصلاة هو سفر في الطاعة، مثل الحج والغزو والزيارة وقصد الصديق والأخ
وحضور المشاهد وقصد أخيك لقضاء حقه والخروج إلى ضيعتك أو مال تخاف
تلفه أو متجر لا بد منه، فإذا سافرت في هذه الوجوه وجب عليك التقصير، وإن

(1) الفقيه 1: 280 / 1270، التهذيب 3: 220 / 551، الوسائل 8: 503 أبواب صلاة المسافر
ب 15 ح 17.
(2) البحار 86: 91.
(3) راجع ص 314، الرقم (4).
(4) في ص 311.
318

كان غير هذه الوجوه وجب عليك الاتمام، وإذا بلغت " (1) إلى آخر ما مر.
فقوله: " وغير ذلك مما قد بينته " إشارة إلى جميع الأسفار المذكورة، وظاهر
أنه لم يرد الاتمام فيها فلمراد [من] (2): " إذا بلغت موضع قصدك " أنه إذا انتهى سفرك
ودخلت موضع قصدك الإقامة فيه.
ه‍: صرح جماعة بأنه لا يعتبر في الصلاة في تلك المواطن التعرض لنية
القصر أو الاتمام (3).
فإن أرادوا أنه لا يتعين عليه أحدهما بنيته، فلو نوى الاتمام جاز له الرجوع
إلى القصر ما لم يتجاوز المحل ولا يتعين عليه المضي على الاتمام، وكذا لو نوى
القصر جاز له العدول إلى التمام ما لم يسلم على الركعتين، فهو صحيح.
وكذا إن أرادوا أنه لو لم يلتفت أولا إلى أحدهما ونوى الصلاة ثم عين أحدهما
في النية قبل إتمام الصلاة، أو لم يعين أحدهما أيضا بل أتم أو قصر مستصحبا لنية
الصلاة، لتعين الفعل بما يفعله من القصر أو الاتمام.
وإن أرادوا الاطلاق حتى أن يصح لو دخل بنية الاتمام ثم سلم على
الركعتين ساهيا أو بنية القصر ثم صلى الركعتين الأخيرتين ساهيا، فالحكم
بالصحة مشكل، وإن أمكن القول بها حينئذ أيضا للأصل، إلا أن يستشكل
بعدم قصد التقرب في الركعتين الأخرتين حينئذ إن نوى أولا القصر، والأحوط
عدم الاجتزاء بها فعل حينئذ.
وقد يقال باعتبار النية لتغاير الماهيتين.
وفيه: عدم استلزام التغاير مطلقا لوجوب التعيين في النية سيما مع
حصول التعيين بما يلحقه من الأجزاء.
و: قد صرح جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في الذكرى والأردبيلي

(1) فقه الرضا عليه السلام: 160، مستدرك الوسائل 6: 531 أبواب صلاة المسافر ب 6 ح 2.
(2) أضفناه لاستقامة المعنى.
(3) انظر المعتبر 2: 150، والمدارك 4: 470، والبحار 86: 91.
319

والسبزواري والمجلسي والكاشاني وغيرهم (1) بجواز فعل النافلة الساقطة في السفر
في هذه الأماكن سواء اختار القصر أو الاتمام.
وهو كذلك، للتحريض والترغيب على كثرة الصلاة فيها، ولما في بعض
الأخبار المتقدمة أن الزيادة في الصلاة خير وزيادة الخير خير (2)، وفي بعض آخر:
صل النافلة ما شئت (3).
ويدل عليه أيضا ما في بعض الروايات من أنه لو صلحت النافلة في السفر
لتمت الفريضة (4).
ويدل عليه أيضا ما روي في كامل الزيارة: عن الصلاة بالنهار عند قبر
الحسين عليه السلام ومشاهد النبي والحرمين تطوعا ونحن نقصر، قال: " نعم، ما
قدرت عليه " (5).
وفيه أيضا: عن التطوع عند قبر الحسين وبمكة والمدينة وأنا مقصر، قال:
" تطوع عنده وأنت مقصر بما شئت " (6).
ولا تعارض شيئا منها أخبار سقوط النوافل في السفر (7)، لاحتمال
اختصاصها بما إذا تعين القصر وتحتم فإنها مصرحة بأنه لا نافلة مع الركعتين.
ز: لو فاتت صلاة في هذه المواضع فالظاهر بقاء التخيير في قضائها وإن لم

(1) الشهيد في الذكرى: 26، والأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3: 427، والسبزواري في
الذخيرة: 413، والمجلسي في البحار 86: 91، والكاشاني في المفاتيح 1: 34، وانظر الحدائق
11: 469.
(2) راجع ص 308.
(3) التهذيب 5: 426 / 1483، الإستبصار 2: 331 / 1179، الوسائل 8: 533 أبواب صلاة
المسافر ب 25 ح 33.
(4) الفقيه 1: 285 / 1293، التهذيب 2: 16 / 44، الإستبصار 1: 221 / 780، الوسائل 4:
82 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21 ح 4.
(5) كامل الزيارات: 246 / 1، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 1.
(6) كامل الزيارات: 247 / 2، الوسائل 8: 535 أبواب صلاة المسافر ب 26 ح 2.
(7) الوسائل 4: 81 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 21.
320

يقض فيها، لعموم قوله: " من فاتته صلاة فليقضها كما فاتته " (1). ولأصالة عدم
التعيين.
ولا يتخير في هذه الأماكن في قضاء ما فاتته في غيرها، لما مر، ولاختصاص
التخيير بحكم التبادر بالصلوات الأدائية.
ح: الأفضل في المواطن الأربعة الاتمام، كما يستفاد من الأخبار المذكورة
تصريحا وتلويحا.
المسألة الثانية: لو أتم من يجب عليه التقصير عالما بوجوب التقصير عامدا
في الاتمام تجب عليه الإعادة مطلقا سواء كان في الوقت أو خارجه. والظاهر أنه
متفق عليه بين الأصحاب، ونقل في التذكرة اتفاقهم عليه أيضا (2).
ويدل عليه عدم صدق الامتثال، وصحيحة زرارة ومحمد: رجل صلى في
السفر أربعا، أيعيد أم لا؟ قال: " إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى
أربعا أعاد، وإن لم يكن قرئت [عليه] ولم يعلمها فلا إعادة عليه " (3).
وصحيحة الحلبي: صليت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر، فقال:
" أعد " (4).
وظهورها في النسيان لكون الحلبي أجل شأنا من أن يفعل ذلك عمدا غير
ضائر، إذ وجوب الإعادة مع النسيان يستلزمها مع العمد بالطريق الأولى.
ومفهوم صحيحة ليث المرادي: " إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر،
فإن صامه بجهالة لم يقضه " (5).
وفي المروي في الخصال: " ومن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته لأنه قد زاد

(1) عوالي اللآلي 2: 54 / 143، و ج 3: 107 / 150.
(2) التذكرة 1: 193.
(3) التهذيب 3: 226 / 571، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 4 وما بين المعقوفين
أضفناه من المصدر.
(4) التهذيب 2: 14 / 33، الوسائل 8: 507 أبواب صلاة المسافر 17 ح 6.
(5) الكافي 4: 128 الصيام ب 50 ح 3، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 6.
321

في فرض الله عز وجل " (1).
والرضوي " وإن كنت صليت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في وقتها
فعليك الإعادة، وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شئ عليك، وإن أتممتها
بجهالة فليس عليك فيما مضى شئ ولا إعادة عليك إلا أن تكون قد سمعت
الحديث " (2).
وضعفه غير ضائر، لانجباره بالشهرة العظيمة.
وإن لم يكن عامدا فإما يكون جاهلا أو ناسيا، فها هنا مقامان.
المقام الأول: أن يكون جاهلا.
فالحق المشهور بين الأصحاب عدم وجوب الإعادة مطلقا لا في الوقت ولا
في خارجه، بل عليه الاجماع عن ظاهر جملة من عبارات الأصحاب (3)،
لصحيحتي زرارة ومحمد وليث المتقدمة.
خلافا للعماني (4) فيعيد مطلقا، للأصول، وإطلاق صحيحة الحلبي ورواية
الخصال المتقدمتين.
ويجاب عن المجيع بأعميته مما مر مطلقا فيجب تخصيصه به، مضافا إلى
ظهور صحيحة الحلبي في الناسي.
وللمحكي عن الإسكافي والحلبي (5) فيعيد في الوقت خاصة، لاطلاق
صحيحة العيص: عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة، فقال: " إن كان في
وقت فليعد، وإن كان الوقت قد مضى فلا " (6).

(1) الخصال: 604، الوسائل 8: 508 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 8.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 162، مستدرك الوسائل 6: 539 أبواب صلاة المسافر ب 12 ح 2.
(3) حكاه في الرياض 1: 257.
(4) حكاه عنه في المختلف: 164.
(5) عن الإسكافي في المختلف: 164، الحلبي في الكافي في الفقه: 116.
(6) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 6، التهذيب 3: 169، 372، 3: 225 / 569، الإستبصار
1: 241 / 860، الوسائل 8: 505 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 1.
322

ويجاب عنه: بأنها وإن كانت أعم من وجه من صحيحة زرارة ومحمد باعتبار
اختصاص الأولى بالإعادة في الوقت واختصاص الثانية بالجاهل، إلا أنها أعم
مطلقا من الرضوي المنجبر الناص بعدم الإعادة في الوقت باعتبار التفصيل القاطع
للشركة فيجب تخصيصها به.
بل نقول: إنه يجمع بين الصحيحتين أيضا بتخصيص الأولى بالناسي
بشهادة الرضوي.
هذا إذا حملنا الإعادة على اللغوية، ولو حملناها على مصطلح الأصوليين
لكانت أعم مطلقا من صحيحة زرارة ومحمد أيضا ويجب تخصيصها بها.
هذا مضافا إلى ندرة هذا القول وشذوذه الموجب لخروج ما يدل عليه من
الحجية.
فرعان:
أ: هل الحكم يختص بالجاهل بوجوب التقصير عن أصله، أو يتعدى إلى
الجاهل ببعض أحكام السفر ككثير السفر المنقطع كثرة سفره بالإقامة أو العاصي
بسفره الراجع عن العصيان في الأثناء ونحو هما؟
الظاهر: الأول وفاقا لأكثر من صرح بالمسألة، للأصل، واختصاص
الصحيحة به، بل دلالة عموم قوله: " إن كان قرئت عليه... " على الإعادة في
غير الجاهل بالأصل.
وبذلك يخص عموم الجهالة لو قلنا به في صحيحة ليث والرضوي، مع أن
الرضوي ضعيف غير مجبور في المورد.
فتوقف الفاضل في النهاية لا وجه له (1)، وكذا ما نقله في الحدائق (2) عن
بعض مشايخه المحققين في شرحه على المفاتيح من معذورية الجاهل في جميع ما
يتعلق بالقصر والاتمام، لعدم الدليل.

(1) نهاية الإحكام 2: 184.
(2) الحدائق 11: 436.
323

والاشتراك في العلة وهو الجهل يضعف بعدم معلومية كونه فقط علة، ولذا
لا يعذرونه في غير المورد.
ب: لو صلى من فرضه التمام قصرا جهلا أعاد وجوبا وقتا وخارجا، لعدم
صدق الامتثال.
ونسب في الحدائق (1) إلى بعض مشايخه القول بالصحة وبالمعذورية هنا
مطلقا أيضا، لصحيحة منصور: " إذا أتيت بلدة وأزمعت المقام عشرة فأتم
الصلاة، فإن تركه [رجل] جاهلا فليس عليه الإعادة " (2).
وصحيحة محمد بن إسحاق: عن امرأة كانت معنا في السفر وكانت تصلي
المغرب ركعتين ذاهبة وجائية، قال: " ليس عليها قضاء " أو: " إعادة " (3) على
اختلاف الروايات.
ولا يخفى أن الثانية - مع اختصاصها بصلاة المغرب - شاذة كما صرح به
الشيخ ولم ينقل القول بمدلولها عن متقدم ولا متأخر، ونسبة الذخيرة (4) القول
بمعذورية المقصر في موضع التمام إلى الجامع غير ثابت فطرحها أو تأويلها لازم.
وأما الأولى وإن عمل بمدلولها صاحب الجامع كما في الحدائق واستوجهه
بعينه، واستحسن العمل بها في موردها في الذخيرة (5)، إلا أنها مخصوصة بما لو
قصر جهلا بعد نية الإقامة الموجبة للتمام، فالتعدي إلى غير هذه الصورة لا وجه
له. نعم لا بأس في العمل بها في هذه الصورة المخصوصة، لعدم وجود معارض
لها. والأحوط القضاء حينئذ أيضا، لعدم نسبة القول بمضمونها إلى غير من ذكر.

(1) الحدائق 11: 436.
(2) التهذيب 3: 221 / 552، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 3. وما بين المعقوفين
من المصدر.
(3) الفقه 1: 287 / 1306، التهذيب 3: 226 / 572، 3: 235 / 618، الإستبصار 1.
220 / 779، الوسائل 8: 507 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 7.
(4) الذخيرة: 414.
(5) الحدائق: 11: 436، الذخيرة: 414.
324

المقام الثاني: أن يكون ناسيا للقصر فأتم نسيانا.
وهو يعيد في الوقت خاصة لا مع خروجه، على الأظهر الأشهر، بل عليه
الاجماع في ظاهر التذكرة (1)، وعن صريح الانتصار والخلاف والسرائر (2)، وفي
الأخير زاد دعوى تواتر الأخبار عليه، ونحن لم نقف منهما إلا على الرضوي الدال
على المطلوب صريحا كما تقدم، وصحيحة العيص السابقة المثبتة له إطلاقا أو
عموما، ورواية أبي بصير: عن الرجل ينسى فصلى في السفر أربع ركعات، قال:
" إن ذكر في ذلك اليوم فليعد، وإن لم يذكر حتى يمضي اليوم فلا إعادة عليه " (3).
وهذه الأخبار كافية في المقام.
ولا يضر ضعف الأول ولا شمول الثاني للعامد والجاهل أيضا، لانجبار
الأول بما ذكر، واختصاص عموم الثاني بغير هما بما سبق فيهما.
كما لا يضر ما أورد على الثالث من أن المراد بذلك اليوم إن كان بياض
النهار خاصة يكون حكم العشاء مهملا، وإن كان النهار والليل كان مخالفا
للمشهور.
لأنا نقول: إن مقتضى الحقيقة الأول والإشارة ليوم الفعل أي في اليوم
الذي فعل كذا، ولا يجب بيان حكم جميع الصلوات في جميع الروايات غاية الأمر
استفادة حكم صلاة العشاء من غير تلك الرواية من الأخبار أو الاجماع المركب،
مع أن كون التعبير ب‍: " ذلك اليوم " كناية عن الوقت ممكن كما قيل (4).
خلافا للمحكي عن والد الصدوق والمبسوط (5)، فقالا: يعيد مطلقا،

(1) التذكرة 1: 193.
(2) الإنتصار: 52، الخلاف 1: 586، السرائر 1: 328.
(3) الفقيه 1: 281 / 1275، التهذيب 3: 169 / 373، 3: 225 / 570، الإستبصار 1:
241 / 861، الوسائل 8: 506 أبواب صلاة المسافر ب 17 ح 2.
(4) الحدائق 11: 433.
(5) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 164، وقال في المبسوط 1: 138: إذا صلى المسافر فسها
فصلى أربعا بطلت صلاته، ولكن قال في ص 137: ومن نسي في السفر فصلى صلاة مقيم لم يلزمه
الصوم ب 12 ح 2، وما المعقوفين أضفناه من المصدر.
325

لاطلاق صحيحة الحلبي السابقة أو عمومه الحاصل من ترك الاستفصال.
وأجيب تارة بالحمل على العامد، وأخرى بالتقييد بالوقت.
ورد الأول باستبعاده عن مثل الحلبي، والثاني بأن السؤال عن الترك في
السفر والجواب بعد السفر، فهو خارج الوقت قطعا.
ويمكن دفعه بأنه إذا حملت على السؤال عن الواقعة الحادثة، ولو حملت على
المفروضة - كما هو الشائع في الأخبار - فلا يرد شئ منهما.
والأولى أن يجاب أنها معارضة في خارج الوقت مع ما مر، وهو راجح
بالأشهرية رواية وفتوى والأصرحية والأحدثية، لأن الرضوي متأخر.
وللمقنع، فيعيد إن ذكر في يومه، فإن مضى اليوم فلا إعادة (1)، لرواية أبي
بصير المتقدمة.
فإن أراد باليوم الوقت - كما احتمله بعضهم (2) - فلا خلاف، وإن أراد
الأعم فلا دلالة للرواية على مطلوبه لأنها إما ظاهرة في المشهور أو مجملة، فلا
تفيد.
ولا يلحق من نسي الاتمام الواجب عليه فقصر بذلك، للأصل،
وخصوص الرضوي: " وإن قصرت في قريتك ناسيا ثم ذكرت وأنت في وقتها أو
غير وقتها فعليك قضاء ما فاتك منها " (3).
والظاهر عموم حكم الناسي لجميع من فرضه القصر فأتم سواء كان ناسيا
للحكم أو للسفر أو لبعض أحكام السفر كالمكاري المقيم عشرة، لاطلاق
الروايات.
المسألة الثالثة: لو دخل الوقت في الحضر وكان المصلي قادرا على الصلاة

(1) المقنع: 83.
(2) انظر الحدائق 11: 433.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 163.
326

تماما ولم يصل وسافر قبل خروج الوقت بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا، قصر
اعتبارا لحال الأداء، على المنصور المشهور كما صرح به جماعة (1)، وعن السرائر
الاجماع عليه (2)، وهو مذهب السيد في المصباح وعلي بن بابويه والمفيد والحلي
والمحقق (3).
للعمومات الكثيرة الكتابية والخبرية، وخصوص صحيحة إسماعيل بن
جابر: يدخل علي وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي، فقال:
" صل وأتم الصلاة "، قلت: فدخل عين وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا
أصلي حتى أخرج، فقال: " صل وقصر وإن لم تفعل فقد خالفت - والله - رسول
الله " (4).
وصحيحة محمد: الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول الشمس، قال:
" إذا خرجت فصل ركعتين " (5).
ورواية الوشاء: " إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم،
فإذا خرجت بعد الزوال فقصر العصر " (6).
دلت على وجوب قصر العصر بالخروج بعد الزوال وإن دخل وقته.
والاحتجاج بهذه الرواية للقول الثاني - كما فعله بعضهم (7) - غريب، إذ

(1) لم نعثر عليه.
(2) السرائر 1: 333.
(3) كما نقله الحلي في السرائر 1: 334، وحكاه عن علي بن بابويه والمفيد في المختلف: 165، الحلي
في السرائر 1: 334، المحقق في المعتبر 2: 480.
(4) الفقيه 1: 283 / 1288، التهذيب 3: 163 / 353، 3: 222 / 558، 2: 13 / 29،
الإستبصار 1: 240 / 856، الوسائل 8: 512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 2.
(5) الكافي 3: 434 الصلاة ب 82 ح 1، الفقيه 1: 279 / 1267، التهذيب 3: 224 / 566،
الوسائل 8: 512 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 1.
(6) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 2، التهذيب 3: 161 / 348، الإستبصار 1: 240 / 854،
الوسائل 8: 516 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 12.
(7) كالعلامة (ره) في المختلف: 166.
327

ليس فيها إلا الأمر بإتمام الظهر، ولكنه إنما هو حال كونه في المصر حين إرادة السفر
في العصر.
والرضوي: " وإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة ولم
تصل حتى خرجت فعليك بالتقصير، وإن دخل عليك وقت الصلاة وأنت في
السفر ولم تصل حتى تدخل أهلك فعليك التمام " (1).
خلافا للمحكي عن العماني والمقنع والفاضل في جملة من كتبه وفخر
المحققين والمسالك والروضة ونسبه في روض الجنان إلى المشهور بين المتأخرين (2)،
فيجب عليه الاتمام.
للاستصحاب، وتحصيل البراءة اليقينية، وصحيحة محمد: عن رجل
يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق قال: " يصلي ركعتين، وإن
خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا " (3).
ورواية النبال: " لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا
غيري وغيرك، وذلك أنه قد دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج " (4).
وموثقة الساباطي: إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفر قال:
" يبدأ بالزوال فيصليها ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين، لأنه خرج من منزله قبل
أن تحضره الأولى " وسئل: فإن خرج بعد ما حضرت الأولى، قال: " يصلي

(1) فقه الرضا عليه السلام: 162 - 163، مستدرك الوسائل 6: 541 أبواب صلاة المسافر ب 15
ح 1.
(2) المختلف: 165 عن العماني، المقنع: 37، الفاضل في المختلف: 165 ونهاية الإحكام 2:
164، والتحرير 1: 57، فخر المحققين في الإيضاح 1: 158، المسالك 1: 50، الروضة 1:
376، روض الجنان: 389.
(3) الفقيه 1: 284 / 1289، التهذيب 3: 222 / 557، الإستبصار 1: 239 / 853، الوسائل
8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 5.
(4) الكافي 3: 434 الصلاة ب 83 ح 3، التهذيب 3: 161 / 349، الإستبصار 1: 240 / 855،
الوسائل 8: 515 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 10.
328

[الأولى] أربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمان ركعات لأنه خرج من منزله بعد
ما حضرت الأولى، فإذا حضرت العصر صلى العصر بتقصير وهي ركعتان لأنه
خرج في السفر قبل أن تحضر العصر " (1).
والمروي في مستطرفات السرائر عن كتاب جميل: في رجل نسي الظهر والعصر
في السفر حتى دخل أهله، قال: " يصلي أربع ركعات " وقال لمن نسي الظهر
والعصر وهو مقيم حتى يخرج قال: " يصلي أربع ركعات في سفره " وقال: " إذا
دخل على الرجل وقت صلاة وهو مقيم ثم سافر صلى تلك الصلاة التي دخل وقتها
عليه وهو مقيم أربع ركعات في سفره " (2).
والمروي في البحار عن كتاب محمد الحضرمي: إذا خرج الرجل مسافرا وقد
دخل وقت الصلاة كم يصلي؟ قال: " أربعا " قال، قلت: فإن دخل وقت الصلاة
وهو في السفر؟ قال: " يصلي ركعتين قبل أن يدخل أهله، وإن وصل المصر فليصل
أربعا " (3).
وللمحكي عن الصدوق في الفقيه ونهاية الشيخ وموضع من المبسوط (4)،
فقالا بالتفصيل بين ضيق الوقت عن التمام فالأول وسعته فالثاني.
للجمع بين الفريقين، وموثقة إسحاق بن عمار (5)، ومرسلة الحكم بن
مسكين: في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال: " إن كان لا يخاف فوت
الوقت فليتم، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر " (6).

(1) التهذيب 2: 18 / 49، الإستبصار 1: 222 / 785، الوسائل 4: 85 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 23 ح 1. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2) مستطرفات السرائر: 46 / 5، الوسائل 8: 516 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 13 و 14.
(3) البحار 86: 55 / 18.
(4) الفقيه 1: 284 ذيل الحديث 1289، النهاية: 123، المبسوط 1: 141.
(5) التهذيب 3: 223 / 559، الإستبصار 1: 240 / 857، الوسائل 8: 514 أبواب صلاة المسافر
ب 21 ح 6.
(6) الفقيه 1: 284 / 1290، التهذيب 3: 223 / 560، الإستبصار 1: 241 / 858، الوسائل
8: 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 7.
329

وكون موردهما صورة دخول الوقت في السفر وإيقاع الصلاة في الحضر لا
يضر، لاشتراك العلة المستفادة من التفصيل بين عدم خوف الخروج وخوفه.
وللمحكي عن الخلاف، فخير مع استحباب التمام (1)، ونسبه بعضهم إلى
الإسكافي أيضا ولكن من غير استحباب التمام، واحتمله في كتاب الحديث (2).
للجمع بين روايات المسألة، ولأنه القاعدة بعد التعادل وعدم الترجيح،
ولصحيحة منصور: " إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل
أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وإن شاء أتم، والاتمام أحب إلي " (3).
وظاهر الذخيرة وبعض آخر التوقف بين القولين الأولين (4)، لتعارض
الصحيحين فيهما واحتمال حمل كل منهما على الآخر.
أقول: لا يخفى أنه لو سلم تعارضهما وتكافؤهما من جميع الوجوه يلزم المصير
إلى التخيير، لأنه القاعدة عند المجتهدين عند التعادل.
ومنه يظهر سقوط الخلاف الأخير.
كما يسقط القول المتقدم عليه بقصور أدلته جدا.
أما الأول فلعدم انحصار وجه الجمع بذلك كما يأتي، مع أنه ينافي ذلك
الجمع ما في صحيحة ابن جابر المتقدمة من الحلف بالله أنه لو لم يقصر فقد خالف
رسول الله.
وأما الثاني فلأن الرجوع إلى التخيير إنما هو بعد اليأس عن الترجيح، ولا
يأس هنا كما يأتي، مع أنه لا يقتضي استحباب التمام.
وأما الثالث فلأن مورده المسألة الآتية، أعني القدوم عن السفر، دون ما

(1) الخلاف 1: 578.
(2) التهذيب 3: 223 ذيل الحديث 560.
(3) التهذيب 3: 223 / 561، الإستبصار 1: 241 / 859، الوسائل 8: 515 أبواب صلاة المسافر
ب 21 ح 9.
(4) الذخيرة: 415، وانظر الحدائق 11: 480.
330

نحن فيه، وتلازمهما حكما غير معلوم. مع أنها في موردها أيضا غير تامة كما يأتي.
مع تجويز إرادة أنه إن شاء صلى في الطريق فقصر وإن شاء صلى في الأهل
فأتم، كما حمله عليها الفاضل (1)، ويقربها صحيحة محمد: في الرجل يقدم من
الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة، فقال: " إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت
فليدخل فليتم، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل
وليقصر " (2).
واحتماله التقية، لأنه - كما نقله في الحدائق عن بعض مشايخه (3) - مذهب
بعض العامة.
ويظهر من بعض ما ذكر قصور دليل القول المتقدم على ذلك القول أيضا،
لعدم انحصار الجمع بما ذكراه، وورود الموثقة في عكس المسألة، وعدم دلالة
الشرط على كونه فقط هو العلة فلعله علة في مورد الموثقة فإن الشرط مغاير
للسبب، هذا مع احتمالها ما دلت عليه صحيحة محمد السابقة من التفصيل بين
الصلاة في الطريق والمنزل بل ذلك الاحتمال مساو مع الاحتمال الآخر، لعدم
دلالتها على الأزيد من إرادة القدوم لا حصوله.
ومنه يظهر سقوط ذلك القول أيضا فبقي القولان الأولان.
وقد يرجح الثاني بكون أخباره أخص مطلقا من أخبار الأول، إذ أخبار
الأول أعم من أن يدخل وقت الصلاة ويمضي كاملة الشرائط في الحضر ليحصل
استقرارها في الذمة - كما هو محل البحث ومحط أنظار أرباب القول الأول - أو
يدخل الوقت من غير أن يمضي ذلك المقدار، وأخبار الثاني مخصوص بالأول
ضرورة عدم وجوب التمام لو لم يمض هذا القدر فيجب تخصيص الأول بالثاني.
مع أن صحيحة محمد مخصوصة بنفسها بذلك، لأنه الظاهر من قوله: " حين تزول

(1) المختلف: 165.
(2) التهذيب 3: 164 / 354، الوسائل 8: 514 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 8.
(3) الحدائق 11: 480.
331

الشمس ".
وفيه - بعد منع خصوصية أخبار الثاني من هذه الجهة، لأنها أيضا أعم، من
الخروج قبل مضي وقت الصلاة كاملة الشرائط، والاختصاص بدليل من خارج لا
يقتضي خصوصية الخبر -: أنه لو سلم عموم الأول من هذه الجهة فلا شك أن
الثاني أيضا عام من جهة الخروج عن محل الترخص وعدمه، فيتعارضان بالعموم
من وجه دون المطلق، بل يظهر من ذلك أن الأول أخص مطلقا لأن أخباره صريحة
في دخول الوقت في المنزل، ولا شك أن الخروج إلى محل الترخص بعد دخول
الوقت في المنزل يستلزم مضي وقت الصلاتين غالبا وأكثر، ولا أقل من إحداهما
قطعا، مع أن قوله في صحيحة ابن جابر: " فلا أصلي حتى أخرج " كالصريح في
تمكنه قبل الخروج من الصلاة.
مع أن التخصيص المذكور لا يلائم تأكيد الحكم بالقسم في الصحيحة،
لأن الظاهر منه رفع ما يتوهم من وجوب التمام أو جوازه، وليس هو إلا بعد مضي
وقت الصلاة كاملة الشرائط.
وعلى هذا فيكون الأول أخص مطلقا من الثاني فيجب تخصيصه به، مضافا
إلى ترجيح الأول بموافقة عموم قوله سبحانه: (وإذا ضربتم في الأرض) (1)
وبالأحدثية، لاشتماله على الرضوي ورواية الوشاء عن الرضا عليه السلام، وهما
من المرجحات المنصوصة، وبنقل الاجماع، والأشهرية فتوى كما صرح به جماعة
منهم المحقق (2)، بل رواية لعدم تمامية غير صحيحة محمد حجة للقول الثاني:
أما رواية النبال فلعدم معلومية محل الخروج، فلعل موضع تكلمه عليه
السلام - أي الشجرة - كان ما دون حد الترخص، ولعله كان هناك شجرة معهودة
وأراد أنا لم نخرج عن حد الترخص ونريد الصلاة حينئذ فيجب علينا الأربع
بخلاف الباقين فإنهم قد تجاوزوا، وحمل الشجرة على مسجد الشجرة لا دليل

(1) النساء: 101.
(2) النافع: 52، المعتبر 2: 480.
332

عليه.
وأما الثلاثة المتعقبة لها فلعدم دلالتها على الوجوب، مضافا إلى تفرقة الموثقة
بين وقتي الفضيلة والاجزاء أو الاجزاء والاختيار، وهي في أحد حكميها موافقة
للقول الأول وفي الآخر للثاني فلا ترجيح لجعلها دليلا على الثاني.
وضعف الأخيرتين سندا. فتبقى أدلة القول الأول سليمة عن المعارض
المقاوم. وبها يخرج عن الاستصحاب أيضا.
وقد يدفع أيضا بأنه إن أريد استصحاب نفس الحضر فهو قد انقطع، وإن
أريد استصحاب حكمه فتعلق الاتمام به عينا ممنوع، ومخيرا في إيقاعها في أجزاء
الوقت يستلزم تخييره بين ما يستتبعه كل جزء فقد يصير تكليفه الصلاة بالتيمم
وغير ذلك (1).
وفيه: أن المستصحب هو وجوب التمام التخييري بين أجزاء الزمان، وهو
وإن استلزم التخيير بين ما يستتبعه ولكن الشك فيما يستتبعه.
وأما الاستدلال بحصول اليقين بالتمام ففساده ظاهر، لأن القصر والاتمام
ماهيتان مختلفتان.
ومن ذلك يظهر سقوط القول الثاني أيضا، مع أنه يمكن أن يكون المراد من
قوله في صحيحة محمد: " يدخل من سفره " أي يشرف عليه وكان في الايراد بصيغة
المضارع إعانة على ذلك، وكذلك المراد من: " خرج إلى سفره " أراد الخروج
وأشرف عليه.
المسألة الرابعة: لو دخل عليه الوقت في السفر ولم يصل حتى دخل منزله
فالمشهور بين المتأخرين بل مطلقا - كما قيل - وجوب الاتمام، وهو الأقوى، فيعتبر
أيضا حال الأداء، وبه قال جمع ممن قال في المسألة السابقة باعتبار حال الوجوب،
أو توقف كالفاضل والشهيدين وصاحب الذخيرة (2).

(1) انظر: غنائم الأيام: 118.
(2) الفاضل في المختلف: 167، والشهيدين في البيان: 264، والروض: 398، الذخيرة: 415.
333

لصحيحة إسماعيل والرضوي وصحيحة محمد الثالثة المتقدمة جميعا (1)،
وصحيحة العيص: عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته
قبل أن يصليها، قال: " يصليها أربعا " وقال: " لا يزال يقصر حتى يدخل
بيته " (2).
ويدل عليه أيضا مفهوم الغاية في الأخبار المتكثرة من الصحاح وغيرها
الناطقة بأن المسافر يقصر حتى يدخل بيته أو أهله أو منزله (3).
والأقوال المخالفة في هذه المسألة أيضا كسابقها.
فقيل: يقصر، ولكنه مجهول القائل بل غير معلوم الوجود إذ نقله الشهيد
في الذكرى، وفي كلامه دلالة واضحة على أن فيه سهوا منه أو من النساخ (4).
وقيل بالتخيير (5).
وقيل باعتبار المواسعة والمضايقة (6).
دليل التقصير: صحيحة محمد الثانية (7).
ولا دلالة لها، إذ المذكور فيها: " يدخل من سفره " بصيغة المضارع ولا دلالة
لها على حكم بعد الدخول.
ورواية زرارة (8) في قضاء هذه الصلاة لو لم يفعلها في المنزل أيضا.
وهي خارجة عن المقصود، لمنع التلازم بين حكم الأداء والقضاء لو سلم
في القضاء.

(1) في ص 327 و 328 و 331.
(2) التهذيب 3: 162 / 352، الوسائل 8: 513 أبواب صلاة المسافر ب 21 ح 4.
(3) الوسائل 8: 474 أبواب صلاة المسافر ب 7.
(4) الذكرى: 256.
(5) حكاه عن ابن الجنيد في الذكري: 256.
(6) كما في النهاية: 123.
(7) المتقدمة في ص 328.
(8) الآتية في ص 336.
334

وحجة التخيير: صحيحة منصور السالفة (1).
وهي كانت دالة لو قال: فسار حتى دخل أهله، إلا أن فيها: " حتى يدخل
أهله " فلا دلالة لها على وصول المنزل، ولا شك أنه في الطريق مخير بين أن يقصر
بأن يصلي في الطريق أو يتم بأن يدخل المنزل.
ومستند التفصيل: موثقة إسحاق بن عمار ومرسلة الحكم المتقدمتان (2).
وفيهما: أنهما كانتا تدلان لو كان: " قدم " بدل: " يقدم " وأما مع قوله:
" يقدم " فلا يدل، لأنه بعد في الطريق ولا شك في أنه مع خوف الفوات يجب عليه
التقصير بالاتيان بالصلاة في السفر قطعا.
المسألة الخامسة: لا شك في أن المعتبر في القصر والاتمام حال الفوات دون
الفعل، وفي المدارك: أنه مذهب العلماء كافة إلا من شذ (3) أي من العامة.
وتدل عليه - مع الاجماع - صحيحة زرارة: رجل فاتته صلاة من صلاة
السفر، فذكرها في الحضر، فقال: " يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر
أداها في الحضر مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فيقضي في السفر صلاة الحضر
كما فاتته " (4).
وروايته: " إذا نسي الرجل صلاته أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو
مسافر، فذكرها، فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص، ومن
نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما، وإن نسي ركعتين صلى
ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما " (5).

(1) في ص 330.
(2) في ص 329.
(3) المدارك 4: 304.
(4) الكافي 3: 435 الصلاة ب 83 ح 7. التهذيب 3: 162 / 350، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء
الصلوات ب 6 ح 1.
(5) الفقيه 1: 282 / 1283، التهذيب 3: 225 / 568، الوسائل 8: 269 أبواب قضاء الصلوات
ب 6 ح 4.
335

ولو اختلف حال الوجوب وحال الفوات، كمن دخل عليه الوقت في الحضر
فسافر قبل الصلاة ونسيها أو عكس ذلك، فالمشهور اعتبار حال الفوات لا حال
الوجوب، فيقضي - على المختار في المسألتين السابقتين - قصرا في الأولى وتماما في
الثانية، للصحيحة المتقدمة، وعموم قوله: " فليقض ما فاته كما فاته " ولبعض
الوجوه الاعتبارية الضعيفة.
خلافا للمحكي عن والد الصدوق والسيد (1)، والشيخ والإسكافي
والحلي (2)، مدعيا عليه الاجماع.
وتدل عليه رواية زرارة. عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر، فأخر
الصلاة حتى قدم، فهو يريد أن يصليها إذا قدم إلى أهله، فنسي حين قدم إلى
أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها، قال: " يصليها ركعتين، لأن الوقت دخل وهو
مسافر فكان ينبغي أن يصلي عند ذلك " (3).
وهي صريحة في مطلوبهم ومع ذلك معتبرة، وبنقل الاجماع وفتوى الأعيان
مجبورة، وأخص مطلقا مما مر، فرفع اليد عنها بالمرة لا وجه له.
وردها بأنها مبنية على اعتبار حال الوجوب لا الأداء في حال الأداء وهو
باطل (4)، كلام سخيف في غاية السخافة.
إلا أنها مخصوصة بأحد شقي المسألة، ومع ذلك دلالتها على الوجوب غير
واضحة لمكان الجملة الخبرية، فغايتها إثبات الرجحان، إلا أن يجبران بالاجماع
المركب، مضافا في الأول إلى عموم العلة ظاهرا، ولكن في ثبوت ذلك الاجماع
تأملا، والاحتياط لا ينبغي أن يترك، وهو بالقصر والاتمام معا، أو اعتبار حال

(1) حكاه عنهما في السرائر 1: 335.
(2) الشيخ في التهذيب 3: 163، وحكى المحقق في المعتبر 2: 480 عن الإسكافي، والحلي في
السرائر 1: 335.
(3) التهذيب 3: 225 / 567، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 3.
(4) انظر: غنائم الأيام: 276.
336

الفوات كما هو المشهور، حيث إن صراحة الرواية المخالفة في وجوب خلافه غير
معلومة.
المسألة السادسة: يستحب جبر الصلوات المقصورات بذكر التسبيحات
الأربع المشهورة في عقيبها ثلاثين مرة، لرواية المروزي: " يجب على المسافر أن
يقول في دبر كل صلاة يقصر فيها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر، ثلاثين مرة " (1).
وظاهر الرواية وإن كان الوجوب إلا أنه لا قائل به، فيحمل على مطلق
الثبوت أو تأكد الاستحباب.
اللهم أجبر تقصيراتنا بعفوك يا جبار، واغفر خطيئاتنا برحمتك يا غفار.
هذا آخر كتاب الصلاة من كتاب مستند الشيعة في أحكام الشريعة،
وبتمامه تم المجلد الثاني، والحمد لله على توفيقه للاتمام، والصلاة على سيد الأنام
وآله الغر الأماجد الكرام.
كتبه مؤلفه الفقير المعترف بكثرة الخطايا والتقصير أحمد بن محمد مهدي
النراقي تجاوز الله عن سيئاتهما.
وكان الفراغ ببلدة كاشان في يوم الجمعة عاشر شهر شعبان المعظم من
السنة الرابعة والثلاثين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية على هاجرها ألف
صلاة وتحية.

(1) التهذيب 3: 230 / 594، الوسائل 8: 523 أبواب صلاة المسافر ب 24 ح 1.
337