الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٥
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الخامس
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتب الاسلامية
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وإذ قد فرغ من الكلام في أكثر الأغسال الواجبة شرع في ذكر غيرها، فقال:
(وأما الأغسال المسنونة)
بالأصل والذات وإلا فقد تجب بالعارض بنذر ونحوه، كما أن المراد بالواجبة
في السابق كذلك وإلا فقد تكون مستحبة حينئذ من جهة الغاية ونحوها، (فالمشهورة)
المعروف (منها ثمانية وعشرون غسلا)
، وإلا ففي النفلية أنه يستحب الغسل لخمسين،
بل في المصابيح " أن الأغسال المندوبة المذكورة هنا تقرب من مائة - وإن قال -: إن
الثابت من هذه الأغسال بالنص أو غيره أكثر من ثمانين غسلا " انتهى. منها (ستة
عشر للوقت، وهي غسل يوم الجمعة) على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون
إجماعا، بل هي كذلك لانقراض الخلاف فيه على تقديره، بل لم تعرف حكايته فيه
بين من تقدم من أصحابنا كالمفيد، بل ظاهره عدمه في المقنعة، حيث قال: " وأما
الأغسال المسنونة فغسل يوم الجمعة سنة للرجال والنساء، وغسل الاحرام سنة أيضا بلا
اختلاف " وكابن حمزة حيث قسم الغسل إلى فرض وواجب، ومختلف فيه، ومندوب،
وصدر المندوب بغسل الجمعة، وكابن إدريس حيث حكى الاختلاف في الأغسال
الواجبة خمسة أو ستة بزيادة غسل الأموات، أو سبعة بزيادة قضاء الكسوف، أو
ثمانية بزيادتهما مع غسل الاحرام، ثم قال: " فالأقوال في عدد الأغسال الواجبة أربعة "
2

وعن شرح الجمل لابن البراج غسل الجمعة من السنن المؤكدة عندنا، ونقل القول بالوجوب
عن بعض العامة، وظاهره الاجماع، وكذا التهذيب بل في صريح الغنية وموضعين من
الخلاف الاجماع عليه، بل في أحدهما نسبة القول بالوجوب إلى أهل الظاهر داود وغيره.
نعم إنما عرف ذلك من المصنف والعلامة ومن تأخر عنهما، فنسبوا القول
بالوجوب إلى الصدوقين، حيث قالا: " وغسل الجمعة سنة واجبة فلا تدعه " كما عن
الرسالة والمقنع، ونحوه الفقيه والهداية لكن مع ذكر رواية الرخصة (1) في تركه للنساء
في السفر لقلة الماء، بل والكليني حيث عقد في الكافي بابا لوجوب ذلك مع احتمال إرادة
السنة الأكيدة اللازمة كالأخبار (2) كما يومي إليه أنه وقع ما يقرب من ذلك ممن علم
أن مذهبه الندب، مضافا إلى ما عرفته سابقا، إذ المتقدمون بعضهم أعرف بلسان بعض،
ويزيده تأييدا بل يعينه ما حكي عن ظاهر الصدوق في الأمالي من القول بالاستحباب
مع نسبته له إلى الإمامية، ولا ريب أن الكليني، ووالده من أجلاء الإمامية، مع أنهما
عنده بمكانة عظيمة جدا سيما والده، بل والكليني أيضا لأنه أستاذه، هذا على أن
قولهما: " سنة واجبة " إن حمل فيه لفظ السنة على حقيقة في زمانهما ونحوه من الاستحباب
كانت عبارتهما أظهر في نفي الوجوب.
وكيف كان فالمختار الأول، وعليه استقر المذهب للأصل والاجماع المحكي
بل المحصل، والسيرة المستمرة المستقيمة في سائر الأعصار والأمصار، وكيف ولو
وجب لاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار لعموم البلوى به حينئذ، إذ هو أعظم
من غسل الجنابة والحيض وغيرهما، لملازمة إدراك الجمعة لكل أحد دونهما.
وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة (3) بعد أن سأله عن غسل يوم

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 17 - 10
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 17 - 10
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 17 - 10
3

الجمعة: " سنة في السفر والحضر إلا أن يخاف المسافر على نفسه الضرر " ولفظ السنة
إن لم تكن حقيقة فيما قابل الواجب كما هو الأقوى سيما في زمن الأئمة (عليهم السلام)
ويرشد إليه إن عرف المتشرعة عنوان عرف الشارع، فلا أقل من الاشتراك بينه وبين
الواجب بالسنة دون الكتاب، ويعين إرادة أحد المعنيين بما ذكرنا، مضافا إلى ظهور
سؤال مثل زرارة في ذلك لا عن أصل مشروعيته، ولا عن كونه فرضا أو واجبا بالسنة
مع عدم ظهور آية في كتاب الله يشتبه منها وجوبه حتى يكون من الأول، إذ زرارة
أجل من ذلك، بل المتجه إرادة ما ذكرنا من لفظ السنة هنا، حتى لو قلنا بمجازيته
فيه لما عرفته من القرينة، بل القرائن عليه، وكذا لو منع أصل النقل في لفظ السنة
وأبقي على المعنى اللغوي وهو الطريقة كان المفهوم منه إرادة الندب أيضا، فتأمل.
وقول أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح ابن يقطين (1) بعد أن سأل عن
الغسل في الجمعة والأضحى والفطر: " سنة وليست بفريضة " والتقريب فيه ما تقدم،
مضافا إلى ضم العيدين معه، وهما سنة بمعنى الاستحباب إجماعا، وكذا قول الصادق
(عليه السلام) في خبر ابن أبي حمزة (2) بعد أن سأله عن غسل العيدين أواجب هو؟
فقال: " هو سنة، قلت: فالجمعة، قال: هو سنة ".
وفي خبر الحسين بن خالد عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) (3) " كيف صار
غسل الجمعة واجبا؟ فقال: إن الله تعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة
بصيام النافلة، وأتم وضوء النافلة بغسل يوم الجمعة ما كان في ذلك من تقصير " الخبر.
وعن البرقي في المحاسن روايته كذلك أيضا إلا أنه قال: " وضوء الفريضة " كما عن
الفقيه والعلل " الوضوء " وعلى كل حال فالدلالة واضحة إلى غير ذلك من الأخبار (4)

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 9 - 12
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 9 - 12
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 7 -.
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 7 -.
4

الكثيرة الدالة على المطلوب بأنواع الدلالات المروية في كتب المشائخ الثلاثة وغيرها من
المقنعة والعلل والمحاسن والخصال وجمال الأسبوع للسيد ابن طاووس والفقه المنسوب إلى
الرضا (عليه السلام) على ما حكي عنها. وفي بعضها التصريح بأنه تطوع، كخبر أبي
البختري (1) المروي عن جمال الأسبوع عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " يا علي على الناس في كل سبعة أيام الغسل، فاغتسل في كل جمعة
ولو أنك تشتري الماء بقوت يومك وتطويه فإنه ليس شئ من التطوع أعظم منه " وفي
آخر التصريح بعدم وجوبه على النساء في السفر والحضر، كالمروي عن الباقر (عليه
السلام) (2) عن الخصال، ويتم بالاجماع المركب، وفي غيرهما نظمه مع المستحبات
ودرجه فيها إلى غير ذلك.
كل ذا مع أنه لو قلنا بوجوبه فهو إما لنفسه أو لغيره، فإن كان الأول فهو
مناف لحصر الواجبات في الأخبار (3) المتواترة كما قيل فيما عداه، وأما الثاني فمع أنه
خلاف قول المخالف وأدلته كما في المصابيح ينافيه ضبط شرائط الصلاة وحصرها في كلام
الأصحاب والأخبار، كصحيحة زرارة (4) " لا تعاد الصلاة إلا من خمس " إلى آخرها
وغيرها في غيره، وليس هو من الطهور قطعا لعدم رفع الحدث به عند الصدوقين
أيضا كما حكي.
فظهر من هذا كله تعين الندب، وهو في مقابلة أخبار (5) دالة على الوجوب،
وفيها الصحيح، وقد اشتملت على الأمر ولفظ الوجوب والنهي عن الترك، وتفسيق

(1) المستدرك - الباب - 3 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 9 - 3
(2) المستدرك - الباب - 3 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 9 - 3
(3) الوسائل - الباب - 1 من أبواب الجنابة
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الركوع - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 6 و 7 من أبواب الأغسال المسنونة
5

التارك وأمره بالاستغفار ونهيه عن العود، مع اشتمالها على استثناء الخوف الرخصة
للعليل ونحوها مما يفيد ذلك ويؤكده، إلا أنها - مع عدم اعتبار سند بعضها والجابر
مفقود بل الموهن موجود - لا تصلح لمعارضة ما قدمناه لوجوه كثيرة لا تخفى، وكيف
والأخبار متى كانت صريحة صحيحة وأعرض الأصحاب عنها لا يسوغ العمل بها فضلا
عما لو وجد لها معارض أقوى منها، فوجب حينئذ طرح ما لا يقبل التأويل منها لو كان،
وتأويل غيره بإرادة الثبوت والمبالغة والتأكيد لاستحبابه سيما بعد إطلاق لفظ الوجوب
ونحوه على المعلوم استحبابه من الأغسال، كغسل عرفة والزيارة ودخول البيت والمباهلة
والاستسقاء، وفي بعضها أن غسل دخول الحرم واجب، ويستحب أن لا يدخله إلا
بغسل، وهو كالمفسر للوجوب فيه وفي غيره إلى غير ذلك من القرائن فيها الدالة على
إرادة الندب من الوجوب ونحوه.
وقد تجاوز بعض المتأخرين فأنكر كون لفظ الوجوب حقيقة فيما عندنا في السابق،
ولا ريب في ضعفه سيما بالنسبة إلى زمن الأئمة (عليهم السلام)، فالأولى حينئذ ما ذكرنا
فيه وكذا غيره من الأمر بالاستغفار ونحوه مما تقدم عند تركه من إرادة الحث والترغيب
والمبالغة حتى يداوم على مثل هذه السنة، وقد ورد أشد من ذلك من الحث على المندوبات
بل لعل التتبع يشهد أن كل ما زيد فيه من المبالغة في فعله وتركه كان إلى الاستحباب
نعم قد يظهر من هذه الأخبار وغيرها أن تركه مكروه، بل كراهة شديدة
وإن لم ينص عليه أحد في كتب الفروع فيما أجد، للنهي عن الترك فيها والأمر
بالاستغفار عنده، والتفسيق بسببه أيضا، بل لعل أخبار الوجوب تكفي في إثبات
الكراهة للترك، لكونه أقرب المجازات عند انتفاء الحقيقة، فالذي ينبغي حينئذ
أن لا يترك لذلك لا لما ذكره بعض متأخري المتأخرين من قوة القول بالوجوب، لما
6

عرفت من ضعف الشبهة من هذه الجهة، وفي خبر الأصبغ (1) " كان أمير المؤمنين
(عليه السلام) إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول: والله لأنت أعجز من تارك الغسل يوم
الجمعة، فإنه لا يزال في طهر إلى الجمعة الأخرى " وعن العلل كذلك إلا أنه قال:
" في هم " بدل " طهر ".
ثم إن ظاهر الأدلة أن الجمعة لها غسل في يومها خاصة، لكن نقل عن الحلبي
في إشارة السبق إثبات آخر لليلتها، ولم نعرف له موافقا ولا مستندا سوى ما يحكى عن
ابن الجنيد من إثباته لكل زمان شريف.
(و) كيف كان ف‍ (وقته ما بين طلوع الفجر) الثاني، فلا يجوز تقديمه عليه في غير
ما استثني بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف والتذكرة الاجماع عليه صريحا، وكذا
غيرها صريحا وظاهرا أيضا، ويؤيده مضافا إلى ذلك وإلى ما تسمعه عن قريب أن
العبادة توقيفية، والمعلوم من التوظيف والتوقيف يوم الجمعة، فيجتزى بالغسل إذا وقع
بعد الفجر الصادق بحيث يكون اليوم ظرفا له بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في طهارة
الخلاف، بل لعل إجماعه فيها متناول له كاجماعه في باب الصلاة على ذلك، وفي المصابيح
" أما إن أول وقته من الفجر الثاني فهو موضع وفاق بين الأصحاب " قلت: ويدل
عليه - مضافا إلى ذلك وإلى تحقق اليوم الذي أضيف إليه الغسل وأمر به فيه بطلوع الفجر
لغة وعرفا وشرعا - صحيحة زرارة والفضيل قالا: " قلنا له: أيجزي إذا اغتسلت
بعد الفجر للجمعة؟ قال: نعم " وحسنة زرارة (3) قال (عليه السلام): " إذا اغتسلت
بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة " إلى آخرها وخبر بكير
عن الصادق (عليه السلام) (4) في أغسال شهر رمضان قلت: " فإن نام بعد الغسل قال:

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1 - 2
7

هو مثل غسل الجمعة، إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك " إلى آخره.
نعم يمتد وقته من طلوع الفجر (إلى الزوال) كما هو المشهور بين الأصحاب،
بل لا أعرف فيه خلافا ولا حكي سوى ما عن علي بن بابويه وكذا ولده من ظهور الاجتزاء
بالغسل للرواح أي للصلاة ولو بعد الزوال، كالشيخ في الخلاف في باب الصلاة وقته
ما بين طلوع الفجر الثاني إلى أن تصلى الجمعة، ثم نقل خلاف مالك أنه إن راح عقيب
الاغتسال اجتزى به وإلا فلا، وقال: دليلنا إجماع الفرقة، مع أنه قال في باب الطهارة
أيضا: يجوز غسل الجمعة من عند طلوع الفجر إلى قبل الزوال، وكل ما قرب إليه كان
أفضل، إلى أن قال بعد أن حكى خلاف الأوزاعي: دليلنا إجماع الفرقة، وهو مناف
للأول إذا روعي المفهوم، ويمكن إرجاع الجميع إلى المشهور بإرادة الغالب من زمن
الرواح، وهو قبل الزوال أو الزوال أو بعده بحيث يكون الغسل قبله وبأول وقت
الصلاة من الصلاة، وبالزمان الذي لا يمكن فيه الغسل مما قبل الزوال، فيجتمع الجميع
على إرادة التحديد بذلك.
وربما يرشد إليه ما في المعتبر من إجماع الناس على التحديد بما قبل الزوال مع
أنه قبله بيسير ذكر التحديد بالصلاة عن الشيخ، فالظاهر أنه لم يفهم منه الخلاف، وما
في التذكرة " ووقته ما بين طلوع الفجر الثاني إلى الزوال، وكل ما قرب كان أفضل، قاله
علماؤنا " وما في الذكرى " ويمتد إلى الزوال إجماعا " وفي المصابيح أن عليه الاجماع المعلوم
بالنقل والفتوى والعمل، نعم ذكر جماعة من متأخري المتأخرين احتمالا، ولم نعرف أحدا
عض عليه بضرس قاطع منهم، وهو استمرار استحبابه إلى خروج اليوم عملا باطلاق
أكثر الأدلة، بل قيل أنه قد يستفاد من نحو إطلاق المقنعة والاقتصاد والجمل والعقود
والمراسم والكافي والوسيلة والغنية والإرشاد والنفلية مما اقتصر فيه على أصل الحكم
8

وهو استحباب غسل الجمعة أو الغسل في يومها، مع أن الظاهر خلافه لما عرفته من
الاجماعات من القدماء والمتأخرين على عدم استمرار ذلك طول النهار.
فتحصل حينئذ من جميع ما ذكرنا أن الاحتمالات في المقام أو الأقوال أربعة،
المشهور هو التحديد بالزوال، أو بما قبل الزوال، أو بالصلاة، أو بالغروب والأقوى
الأول لما عرفت، مع أنه إن لم نقل به تعين القول بأحد الثلاثة الأخر، والكل باطل،
أما الأول فيرده بعد الاجماعات السابقة الاستصحاب، مع أنه لا شاهد له، وقول
الباقر (عليه السلام) في خبر زرارة الآتي (1): " وليكن فراغك قبل الزوال " إنما هو
حتى تعلم وقوع تمام الغسل في وقته وعدم تجاوزه عن حده، فإن كان القائل بذلك يريد
هذا المعنى فمرحبا بالوفاق وكان النزاع لفظيا، وإلا فلا شاهد له فيه.
واحتمال أن يقال: إن مآل المشهور إلى ما قبل الزوال أيضا لعدم تحقق المقارنة غالبا،
مع ظهور الرواية بعدم الاجتزاء بها لو تحققت، لكن لشدة قرب بعض أفراد القبلية
إلى الزوال تسامح الأصحاب في التعبير عنه بالزوال تارة، وما قبله أخرى، كمعقد
إجماع المعتبر وغيره، بل لعل ذلك منهم يكون قرينة على خروج ما بعد " إلى " عن
الوقت الذي يجتزى به في عبارتهم الأولى ليس بأولى من العكس بأن يراد بما قبل
الزوال الزوال، بل هو أولى من وجوه، وعلى كل حال فيتحد القولان حينئذ،
ويرتفع الخلاف من هذه الجهة.
وأما الثاني أي التحديد بالصلاة فيرده - مضافا إلى الاجماعات السابقة وخبري
سماعة (2) وابن بكير (3) الآتيين - أن الغسل مستحب حتى لمن لم يخاطب بصلاة
الجمعة من العبيد والنساء وغيرهم بلا خلاف فيه، فلا تصلح لأن تكون غاية له لعدم

(1) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 3 - 4
9

اطرادها، وإرادة التحديد بالصلاة ولو من الغير يدفعه أيضا أنه غير منضبط، لاختلاف
وقوع الصلاة من المصلين، وعادة الشارع تحديد مثل ذلك بالأمور المضبوطة، وليس
هنا إلا إرادة أول وقت الصلاة وهو الزوال، وليس فيما دل من الأخبار على تعلق
الغسل بالصلاة، ومدخليته به في الجملة وارتباطه به كذلك، وبيان مشروعيته منافاة
لتحديده بالزوال، لأن الغالب خصوصا في الصدر الأول أيقاع الصلاة سيما الجمعة
في أول الوقت وهو الزوال.
وأما الثالث فيرده - بعد عدم المقتضي له إلا إطلاق الأمر بالغسل في يوم الجمعة
الذي لا ينافي إرادة الأعم من القضاء والأداء فيها إذا قام الدليل على ما قلناه - الاجماعات
السابقة أيضا وخبر سماعة بن مهران عن الصادق (عليه السلام) (1) " في الرجل لا يغتسل
يوم الجمعة أول النهار، قال: يقضيه آخر النهار، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت "
والمناقشة فيه بعدم كون القضاء حقيقة فيما عندنا في الزمن السابق مدفوعة بمنعه أولا
خصوصا في زمن الصادق (عليه السلام)، وبظهور إراداته منه هنا من حيث اتحاده مع
السبت في ذلك. هذا مع الاغضاء عن الانجبار بفتاوى الأصحاب كالمناقشة بخروجه
عن المدعى، وهو الزوال بظهور كون المراد بأول النهار فيه الشطر الأول، سيما بعد
الاجماع على عدم اختصاصه بصدر النهار، وأنه كل ما قرب من الزوال أفضل، ولو
سلم فهو لا ينافي الاستدلال بآخره على المطلوب وإن ثبت ما عدا أول النهار إلى الزوال
بدليل آخر.
وخبر عبد الله بن بكير عنه (عليه السلام) (2) قال: " سألته عن رجل فاته
الغسل يوم الجمعة، قال: يغتسل ما بينه وبين الليل، فإن فاته اغتسل يوم السبت " بناء
على أظهر الوجهين فيها بأن يراد بفوات الغسل يوم الجمعة فواته في الزمان المتعارف المعهود

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 4
10

وهو أول النهار بقرينة قوله (ع): " يغتسل ما بينه وبين الليل " واحتمال الحديث معنى
آخر لا يمنع من الاستدلال بظاهره المتقدم، ولو سلم تساوي الاحتمالين فالمرجح لأحدهما
من الاجماعات السابقة وغيرها موجود.
ويشهد لهما ما عن الهداية عن الصادق (عليه السلام) (1) " لأن نسيت الغسل
أو فاتك لعلة فاغتسل بعد العصر أو يوم السبت " والمحكي عن فقه الرضا (عليه
السلام) (2) " وإن نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل " من حيث
ظهور الفوات والنسيان في مضي الوقت، وما دل (3) على أصل مشروعيته من أن
الأنصار كانوا يعملون بالنواضح، فإذا جاؤوا يوم الجمعة تتأذى الناس بأرواح إباطهم
وأجسادهم، فأمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالغسل، فجرت السنة، وكذا
الأخبار الدالة على إعادة الغسل والصلاة إن كان في وقت إذا نسي الغسل يوم الجمعة
حتى صلى، كخبر الساباطي (4) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينسى الغسل
يوم الجمعة حتى صلى، قال: إن كان في وقت فعليه أن يغتسل فيعيد الصلاة، وإن
مضى الوقت جازت صلاته ".
وقد ينقدح من هذا وغيره إن لم يتحقق إجماع على خلافه إن غسل الجمعة له
تعلق في الوقت وفي الصلاة، وإن كان لو حصل الأول في وقته أغنى عن الثاني،
وحصلت به الفضيلة بالنسبة للصلاة، وأما مع عدمه فيستمر إلى فعل الصلاة وإن كان بعد
الزوال، ولعله من ذلك وأشباهه ذكر الشيخ استمرار إلى فعل الصلاة ب فتأمل جيدا، هذا.

(1) الهداية ص 23 المطبعة بطهران سنة 1377
(2) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 5.
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 1
11

وفي المروي عن الحميري في قرب الإسناد في الصحيح عن الرضا (عليه السلام) (1)
" إنه كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح " فالمراد بالرواح فيه على الظاهر معناه المعهود
وهو المضي إلى الصلاة دون الرواح بمعنى العشي، أو ما بين الزوال إلى الليل، كما يشهد
لذلك قوله (ع): " كان " الدال على الاستمرار، إذ من المعلوم أن الغسل في هذا الوقت
ليس من الأمر الراجح حتى يداوم عليه، ولعل هذا الخبر هو مستند ما ذكره الصدوق
في الفقيه، حيث قال بعد أن ذكر أنه يجوز الغسل من وقت طلوع الفجر إلى قرب
الزوال: " وأن الأفضل ما قرب إليه، ويجزى الغسل للجمعة كما يكون للرواح " وكان
قوله: " ويجزئ " لبيان أنه لا يشترط في حصول وظيفة الغسل أن يكون عند الرواح
إلى صلاة الجمعة كما نقل عن بعض العامة، بل كما يكون للرواح إلى الصلاة يكون لسنة
الوقت وظيفة اليوم وإن لم يتعقبه الرواح كذا قيل، قلت: ولعل حملها على ما ذكرناه
سابقا من تعلق الغسل بالوقت والصلاة، وأنه يجزئ الثاني عن الأول عند الصدوق
وإن كان بعد الزوال أولى. فتأمل وكيف كان فمن الغريب ما اتفق لبعض الأعاظم من
ضبط لفظ الرواح بالزاء المعجمة والجيم وذكر في توجيهه ما يقضي منه العجب، ولقد
أطنب فيه في الحدائق، والأمر سهل.
وقد ظهر لك من ذلك كله مستند كل من الاحتمالات أو الأقوال، المتقدمة.
والذي يسهل الخطب في ذلك عدم إيجاب التعرض في النية للأداء والقضاء، ومن
هنا ذكر بعض متأخري المتأخرين أنه ينبغي الاقتصار على نية القربة في الغسل بعد الزوال،
كما ظهر لك أيضا تمام حجة المختار، وقد يستند له أيضا زيادة على ذلك بصحيح زرارة
عن الباقر (عليه السلام) (2) " لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة، وشم الطيب، ولبس

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 3
12

صالح ثيابك، وليكن فراغك من الغسل قبل الزوال، فإذا زالت فقم وعليك السكينة
والوقار " الحديث. بناء على أن المراد بما قبل فيه القبلية المطلقة المتناول لما بين الطلوع
والزوال، لكن قد يقال: إن ذلك خلاف الظاهر، لكون المنساق منها إرادة
القريب من الزوال لا مطلق القبيلة، ولا ريب في أن الأمر بهذا الفرد بعينه للاستحباب
فلا يمنع من التأخير كما لا يمنع من التعجيل، اللهم إلا أن يقال ظاهره المنع منهما كما في
سائر الأوامر التي تساق للشرائط، وقيام الدليل بالنسبة للثاني لا ينافي بقاء الاحتجاج
به على الأول، فتأمل جيدا.
(وكل ما قرب) الغسل (من الزوال) في الجمعة (كان أفضل) كما نص عليه
والد الصدوق في رسالته والشيخان وأكثر الأصحاب، بل الظاهر دخوله في معقد
إجماع الخلاف والتذكرة سيما الثاني، ولعل ذلك - مع وجود عين العبارة في فقه الرضا
(عليه السلام) (1) وإن الغرض منه الطهارة والنظافة عند الزوال، فكل ما قرب
منه كان أفضل والتسامح - كاف في إثباته، وإلا فلم نقف على ما يدل عليه، وقول
الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة المتقدم آنفا " وليكن فراغك قبل الزوال " لا دلالة
فيه على الكلية المذكورة، كالصحيح السابق عن الرضا (ع) " كان أبي يغتسل عند الرواح "
نعم يستفاد من الأول بل وكذا الثاني أن أفضل أوقاته القريب إلى الزوال كما عبر
بنحو ذلك في الفقيه والذكرى وعن غيرهما. وهو وإن كان لازما للكلية السابقة أيضا
لكن لا حكم فيه باستحباب القريب فالقريب، واحتمال ارجاع ما في الفقيه والذكرى
إلى الأصحاب بعيد لا داعي إليه، مع معارضته باحتمال العكس، وعلى كل حال
فلا ريب في ثوب الأفضلية للقريب من الزوال عند الجميع، لكن قد ينافي ذلك ما دل

(1) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
13

من الأخبار الكثيرة (1) على استحباب التبكير للمسجد في يوم الجمعة، بناء على اعتبار
تقديم الغسل في حصول وظيفة التبكير كما يفيده بعض الأخبار (2) بل كاد يكون صريح
المرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله) (3) المنقول عن رسالة الشهيد الثاني في أعمال الجمعة
" من اغتسل يوم الجمعة ثم بكر وابتكر ومشى " إلى آخره. وعن أبي الصلاح التصريح
به، فلا جهة للجمع حينئذ بينهما بالتبكير وتأخير الغسل لقرب الزوال، مع عدم تيسره
غالبا، وما فيه من التخطي لرقاب الناس، والتفرقة بينهم، ومن حكمة التبكير التجنب
عنهما، كالجمع بالغسل للتبكير ثم تكريره قرب الزوال، لعدم الدليل على مشروعية ذلك.
نعم قد يجمع بينهما بتنزيل الأول على من لم يتسير له التبكير كما هو الغالب،
والثاني على من تيسر له، مع ما فيه من أن ذلك تحكيم لأدلة التبكير على إطلاق المعظم
استحباب التأخير من غير استثناء، ونمنع ندرة تيسر التبكير، نعم لا يفعل لا أنه
لا يتيسر، وليس ذلك أولى من العكس بأن نخص استحباب البكور بعد الغسل بما
إذا لم يتمكن منه في آخر الوقت، وقد يقال: إنه لا تنافي بين استحباب نفس التبكير
وتأخير الغسل بحيث يحتاج إلى الجمع، بل ذلك من باب تعارض المستحبات على المكلف
فيتخير أو يرجح، وإلا فالغسل للتبكير باق على مرجوحيته بالنسبة إلى آخر الوقت،
وإن رجح التبكير على غيره من أنواع المجئ، ولا غضاضة في مشروعية مثل ذلك
بحسب اختلاف الأشخاص والأوقات، ولعل كثيرا من المستحبات من هذا القبيل،
فتأمل. وعن المفاتيح أنه خص استحباب تقديم الغسل بمريد البكور، وفيه مع بعض
ما ذكرنا أن الإرادة لا تقضي الترجيح، والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة
(2) المستدرك - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8 - 7 من كتاب الصلاة
(3) المستدرك - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجمعة - الحديث 8 - 7 من كتاب الصلاة
14

(ويجوز تعجيله يوم الخميس لمن خاف إعواز الماء) على المشهور بين الأصحاب،
بل لا أعرف فيه خلافا كما اعترف به في الحدائق، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأصحاب،
وفي المصابيح إلى الصدوق والشيخ وابن البراج وابن إدريس وابن سعيد والفاضلين
والشهيدين وعامة المتأخرين، قلت: والأصل فيه ما رواه المشائخ الثلاثة في الصحيح (1)
عن الحسين أو الحسن بن موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن أمه وأم أحمد بن موسى
قالتا: " كنا مع أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في البادية ونحن نريد بغداد
فقال لنا يوم الخميس: اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة، فإن الماء بها غدا قليل، قالتا:
فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة " وما رواه الشيخ في الصحيح (2) عن محمد بن الحسين
عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لأصحابه: " إنكم تأتون غدا
منزلا ليس فيه ماء، فاغتسلوا اليوم لغد، فاغتسلنا ليوم الجمعة " وما في السند مندفع
بالانجبار بما عرفت مع التسامح، ويؤيده مع ذلك ما في الفقه الرضوي (3) " وإن كنت
مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة فاغتسل يوم الخميس ".
ثم إن ظاهر المصنف والقواعد كالمحكي عن ظاهر جماعة من الأصحاب الاقتصار
في هذا الحكم على خصوص الاعواز وقوفا على مورد النص، وربما مال إليه جماعة من
متأخري المتأخرين، وقد يقوى إرادة المثال فيهما، فيكتفى بمطلق الفوات كما يقتضيه
تعليق الحكم عليه في كشف اللثام وعن النهاية والمبسوط والسرائر والتذكرة والدروس
والبيان والنفلية والمعالم والروض والمسالك تنقيحا لمناط الحكم مع التسامح، بل في الأخير
ما يشعر بالقطع بإرادة المثال، وأنه إنما خص المصنف لورود النص به في أصل المشروعية
واختاره في المصابيح، قال: " ويؤيده عدم الاختصاص بالسفر كما هو المشهور مع

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 2 - 1
(3) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
15

بعد الاعواز في الحضر " انتهى.
ولعل الأقوى الاكتفاء كما أن الأقوى الاجتزاء بمجرد الخوف للاعواز على
ما هو ظاهر المصنف وغيره، بل قيل إنه المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، لظاهر
الخبر الأول المنجبر دلالة بما عرفت مع التسامح. والمؤيد بصريح الرضوي، وبتعذر
العلم به سابقا غالبا، وبنظائره من الأبدال الاضطرارية والرخص، ولا ينافي ذلك
ما في الخبر الثاني، كما أن ما في الخلاف " لم يجز التقديم إلا إذا كان آيسا " لا يريد به
الحصر بالنسبة إلى ما نحن فيه، وإلا كان ضعيفا وإن أيده الأصل، كالمنتهى حيث
علقه تارة على غلبة الظن وأخرى على خوف الاعواز، فتأمل جيدا. ولعل المنساق
من نحو المتن فضلا عمن علق الحكم على الفوات الاجتزاء في مشروعية التقديم خوف
التعذر في وقت الأداء خاصة، وهو ما قبل الزوال عندنا، فلا عبرة بالتمكن في
بقية يوم الجمعة فضلا عن السبت، فله حينئذ التعجيل ولو علم التمكن فيهما كما عن البيان
وروض الجنان التصريح به، ونسبه بعض المحققين إلى الأكثر، ولعله يرجع إليه
ما عن الذكرى والموجز من تقديم التعجيل على القضاء عند التعارض، والظاهر أنه
المنساق من الأخبار وإن كان المذكور فيها يوم الجمعة الظاهر منه الجميع، لكن
المراد منه هنا والذي ينصرف إليه إنما هو الوقت المعهود المتعارف وقوع الغسل فيه، وهو
وقت الأداء منه، ومثل هذه العبارة تقال في المقام من غير استنكار، ولعله بهذا
يرتفع استظهار الخلاف في المقام من الفقيه والنهاية والمهذب والمعتبر والجامع والتلخيص
والتحرير والمحرر والدروس من حيث ذكر اليوم فيها كالأخبار وإن كان يؤيده الأصل
وغيره، إلا أن الأقوى ما ذكرنا.

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأغسال المسنونة
16

ومنه ينقدح حينئذ أفضلية التعجيل على القضاء لاطلاق الأمر به حينئذ الشامل لصورة
التمكن من وقت القضاء كما ذكرناه، وعموم المسارعة، واحتمال العكس كما في صلاة
الليل بالنسبة للشاب ضعيف لا دليل عليه، والقياس لا نقول به كالأمور الاعتبارية
الخالية عن المدارك الشرعية وإن استحسنها العقل، كاحتمال تقديم بعض صور القضاء
على التعجيل، كما لو كان بعد الزوال بلا فصل كثير للقرب من وقت الأداء، وإمكان
تعقيب الصلاة له حينئذ، ووجود قول أو احتمال بأنه وقت الأداء، إلى غير ذلك،
فتأمل جيدا.
والاقتصار على الخميس في العبارة وغيرها يقضي بعدم الجواز في غيره من الأيام
والليالي، بل ولا في ليلته، وهو كذلك لخروجه عن النصوص، بل في المصابيح الاجماع
عليه، وأما ليلة الجمعة فعن ظاهر المعظم أنها كذلك، ولعله لتعليق الحكم على الخميس
الذي لا تدخل ليلة الجمعة فيه حتى لو قلنا بدخول الليالي في أيامها، لكن قد يقال: إن
المراد بذلك في عباراتهم التحديد لابتداء رخصة التقديم، كما يكشف عن ذلك ما عن
الموجز حيث قال: " ويعجل من أول الخميس لخائف العوز في الجمعة " وما عن الخلاف
والتذكرة من الاجماع على لحوقها بالخميس، ويؤيده مع ذلك ما قيل من الأولوية للقرب
من الجمعة، والاستصحاب الذي لا يعارضه ما دل على عدم الاجتزاء بالغسل المقدم على
طلوع الفجر، لحمله على المختار دون المضطر تقديما للخاص على العام، كما يقدم استصحاب
النجاسة أو الحرمة على عمومات الطهارة والحل.
قلت: وفي الجميع نظر، إذ الاحتمال في عباراتهم لا يدفع الظهور، كما أن ظاهر معقدي
إجماع الخلاف والتذكرة على غير ذلك، لا أقل من تساوي الاحتمالين، فلاحظ.
والأولوية ممنوعة، إذ لعل للتماثل أو غيره مدخلية، والاستصحاب يشكل التمسك به
في مثل المقام مما علق الحكم به على زمان مخصوص، بل ينبغي القطع بالعدم بناء على ثبوت
17

المفهوم فيه، نعم قد يستدل عليه بالتعليل المصرح به في أحدهما والمفهوم في الآخر، وهو
الاعواز، وعدم جريانه في السابق على الخميس للدليل لا يمنع من التمسك به في اللاحق،
سيما مع ظهور الفرق بينهما، فلعل الأقوى حينئذ الالحاق وفاقا لجماعة.
كما أن الأقوى أيضا أنه إذا تمكن من الماء قبل الزوال أعاد الغسل وفاقا للمنتهى
والقواعد والذكرى والمدارك وكشف اللثام وعن الفقيه والتذكرة والتحرير ونهاية
الإحكام والمعالم والموجز والذخيرة والبحار وشرح الدروس، لسقوط حكم البدل
بالتمكن من المبدل منه، وإطلاق الأدلة الدالة على استحباب غسل الجمعة.
وقد يناقش في الأول بأن البدل وقع صحيحا لوجود شرطه خوف الاعواز،
فلا يبطل بالتمكن من الأصل، إذ الأمر ولو ندبا يقتضي الاجزاء بالنسبة إليه،
والتكليف بالغسل ثانيا مع صحة البدل جمع بين البدل والمبدل، ومناف لاقتضائه الاجزاء،
وفي الثاني بأن أوامر غسل الجمعة لا تقتضي إلا غسلا واحدا وقد حصل بالمتقدم، فإنه
غسل جمعة قدم يوم الخميس، بل ربما ظهر من بعضهم أنه وقت للاضطراري منه،
فيكون إداء، وربما يشهد له حصر القسمة عندهم في القضاء والأداء، على أنه لو أعيد
مثل هذا الغسل لأعيدت نظائره من صلاة الليل المقدمة، والوقوف بالمشعر مع القدرة،
ولم ينقل عنهم القول به، بل قيل وقد روي تقديم الأغسال الليلية في شهر رمضان على
الغروب، ولا مجال للقول بالإعادة في مثله.
وقد يدفع الأول بأن الذي يقتضيه التدبر في الخبرين الدالين على جواز التقديم
في مثل المقام وما اشتملا عليه من التعليل وما دل على غسل الجمعة وغير ذلك هو اشتراط
صحة الغسل المقدم بمطابقة خوف الاعواز أو القطع به للواقع، وإلا فلا، لظهور أن
ذلك من الأعذار والطرق لحصول الواقع، لا أنها مناط تكليف، ولذلك لم يعلق في
الخبرين الحكم على الخوف ونحوه، ولا ينافي هذا ما تقدم لنا من الاكتفاء بالخوف.
18

لأن المراد الاكتفاء في جواز إيقاعه ابتداء وإن اشترط صحته بشئ آخر، ومن التأمل فيما
ذكرنا يعرف الجواب عن الثاني كما هو واضح جدا، هذا كله مع التمكن في وقت الأداء
وأما القضاء فلا يعاد في السبت قطعا، وكذا في غيره بناء على المختار سابقا، بل وعلى
أحد الوجهين في غيره، لأن كلا منهما بدل عن الأداء، فلا جهة للإعادة، فتأمل جيدا.
(و) كذا يجوز (قضاؤه) يوم الجمعة بعد الزوال و (يوم السبت) أيضا بلا خلاف
أجده فيه في أصل القضاء، بل حكى الاجماع مكررا في المصابيح نصا عليه وظاهرا في
غيره، ومع ذلك فالأخبار (1) به مستفيضة، فما في موثق ذريح عن الصادق
(عليه السلام) (2) " في الرجل هل يقضي غسل الجمعة؟ قال: لا " مطرح أو محمول
على إرادة ما بعد السبت خصوصا إذا أشير بالرجل إلى معهود أو نفي الوجوب أو
نفي ثبوت القضاء من غير تحديد، أو على التقية. فإن إثبات القضاء لهذا الغسل مما
اختص به أصحابنا الإمامية كما في المصابيح، ولا أجد فيه خلافا أيضا بالنسبة للوقتين
المذكورين. وإن كان ربما استظهر من عبارة المتن كالتلخيص والنفلية الاختصاص
بالثاني، بل قيل إنه كاد يكون صريح المهذب، وكأنه لبعض ما سمعته من الأخبار (3)
المقتصرة على ذلك، إلا أن الأجود حملها على من فاته الغسل يوم الجمعة قضاء وأداء
جمعا بينها وبين غيرها، بل وكذا أكثر هذه العبارات سيما مع النص منهم على ثبوت
القضاء في الوقتين كما عن المصنف في المعتبر والشهيد في غير النفلية والعلامة في غير
التلخيص، أو يراد بذلك في كلامهم تحديد الآخر، وعلى كل حال يرتفع الخلاف،
وكذا ظاهر الصدوقين الاختصاص بالنسبة إلى يوم الجمعة بما بعد العصر، ولعله للمرسل
في الهداية عن الصادق (عليه السلام) (4) " إن نسيت الغسل أو فاتك لعلة فاغتسل بعد

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث -. 5
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث -. 5
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة
(4) الهداية ص 23 المطبوعة بطهران سنة 1377
19

العصر أو يوم السبت " وما في فقه الرضا (عليه السلام) (1) " وإن نسيت الغسل ثم
ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل " وكذا خبر سماعة (2) " في الرجل لا يغتسل
يوم الجمعة أول النهار، قال: يقضيه في آخر النهار، فإن لم يجد فليقضه يوم السبت ".
لكن الظاهر كما يرشد إليه عدم معروفية نسبة الخلاف إليهما في ذلك عدم إرادة
التخصيص والتقييد في عبارتيهما، بل ومستندهما حتى يحكم به على إطلاق موثقة ابن
بكير (3) " في رجل فاته الغسل يوم الجمعة قال: يغتسل ما بينه وبين الليل، فإن فاته
اغتسل يوم السبت " بل وإطلاق غيره مما دل (4) على طلب الغسل في يوم الجمعة بناء
على إرادة القضاء والأداء منه، إذ لا داعي إلى ارتكاب إرادة الثاني مع التأييد بأولوية
القضاء في سابق العصر عليه، وكون الحكم استحبابيا مع الموافقة لاطلاق الفتوى،
فلا جهة للاشكال في ذلك من ذلك، نعم قد يحصل في جواز القضاء في غيرهما من
ليلة السبت خاصة، وإلا فغيرها من الليالي والأيام فلم أعرف أحدا نص على شئ
منها، بل ظاهر الجميع كالأدلة العدم، إلا ما في الفقه الرضوي (5) " فإن فاتك الغسل
يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة " وفي البحار أني لم أر به قائلا
ولا رواية.
قلت: فالأولى عدم العمل لظهور الاعراض عنه، وأما ليلة السبت فظاهر
بعضهم أنها كيومه في الاستحباب، بل في البحار نسبته إلى ظاهر الأكثر، وفي المجمع
إلى الأصحاب كما عن الشيخ وبني إدريس وسعيد والبراج والعلامة في بعض كتبه

(1) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 6 من أبواب الأغسال المسنونة
(5) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
20

كالشهيد، واختاره في المصابيح، وقال: إن القولين تكافئا في الاشتهار خلافا
لظاهر المصنف وغيره ممن اقتصر على ذكر يوم السبت، أو هو مع نهار الجمعة للأصل
وظاهر الأخبار المتقدمة وغيرها كقول الباقر (عليه السلام) في مرسل حريز (1) " لا بد
من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر، فمن نسي فليعد من الغد " والصادق (عليه السلام)
في خبر جعفر بن أحمد القمي (2) المنقول عن كتاب العروس " من فاته غسل يوم الجمعة
فليقضه يوم السبت " واحتمال إرادة السبت فيها لما يشمل الليل كما ترى، كالأولوية
المدعاة هنا مع عدم ظهورها، لاحتمال اعتبار التماثل، والاستصحاب لثبوت القضاء
قبل الليل مقطوع بظاهر الأخبار، مع أن المثبت له وهو النص ناف لما بعده، إلا
أن يتمسك في ثبوته بالاجماع، وهو ممنوع، لأن من الأصحاب من خص الحكم بيوم
السبت، كل ذا مع إطلاق خبر ذريح المتقدم، وخروج نهاري السبت والجمعة منه
غير قادح.
قلت: ولعل الأقوى في النظر الأول، لما عرفته من النسبة إلى الأصحاب
المؤيدة بما عن ظاهر الأكثر، والأولوية المذكورة والمناقشة فيها تتجه لو أريد منها
القطع، أو كونها مدركا شرعيا لغير المستحب فيه، فيكفي فيه الأدنى من ذلك،
وباستصحاب ثبوت القضاء في وجه، ودعوى انقطاعه بظاهر الأدلة مبني على اعتبار
المفهوم منها، وهو ممنوع سيما في المقام، لاحتمال جريان التقييد بالسبت مجرى الغالب
من عدم الاغتسال بالليل، أو يراد منه التحديد لآخر وقت الصحة، كما لعله المنساق من
نحو الأدلة، لا لأن يوم السبت حقيقة فيما يشملها، بل قد يقال: إن قوله (ع): " بعد
العصر " شامل له حقيقة، فتأمل. وكذا المناقشة بأصل ثبوته أي الاستصحاب من

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 2
21

ذلك، ومن عدم الاجماع لوجود القائل بالسبت خاصة، مع أنك عرفت عدم القطع
بوجود القائل بذلك لو سلم قدحه بالاجماع على تقديره.
ومن الغريب ما وقع لبعض المحققين حيث أنه تمسك بالاستصحاب في تعجيل
الغسل في ليلة الجمعة لثبوته في يوم الخميس، ومنع هنا من القضاء ليلة السبت لمنعه ثبوت
الاستصحاب أولا وانقطاعه ثانيا، فتأمل. كل ذا مع إمكان الاستدلال عليه بموثقة
ابن بكير المتقدمة بناء على أن المراد بيوم الجمعة فيها تمامه، كما هو ظاهره، فيراد حينئذ
ما بينه وبين آخر الليلة، فيدل على القضاء ليلة السبت، وجعل ظاهر قوله (ع): " ما بينه
وبين الليل " من إرادة تمام الليل قرينة على إرادة الوقت المعهود من اليوم ليس بأولى من
العكس، مع أنا لو سلمنا رجحان ذلك منها كما ذكرناه سابقا لكن قد يقال إن مجرد
احتمال ذلك كاف في ثبوت المستحب بناء على التسامح فيه للاحتياط العقلي، سيما بعد
الاعتضاد بما عرفت.
ثم إن ظاهر المصنف وغيره كصريح آخر ثبوت القضاء بالفوات لعذر كان
أولا، بل في الكفاية كما عن الذخيرة أنه المشهور، وفي البحار وكشف اللثام أنه
ظاهر الأكثر، قلت: وهو الأقوى لاطلاق موثقة ابن بكير (1) وخبر سماعة (2)
المؤيدين بغيرهما من الاطلاق أيضا، وبما عرفته من الشهرة والتسامح في المستحب،
فما في مرسل الهداية وحريز من اشتراط النسيان مع الفوات لعلة في الأول قاصر عن أن
يحكم به على الأول من وجوه لو قلنا يحمل المطلق على المقيد في المستحبات، وأنها ظاهرة
في التقييد، مع إمكان منعهما معا سيما الثاني، لاحتمال كون الغرض التنصيص على الفرد
الخفي من القضاء مع العذر من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، وإلا فمتى ظهر أنه مما

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
22

تتدارك مصلحته لم يتفاوت الحال فيه، واحتمال المبالغة في تأكيد غسل الجمعة حتى كان
الترك عمدا من غير عذر مما لا يقع، ولعل اللابدية في خبر حريز مما تشعر بذلك،
كما أنه لعل الصدوقين لم يكونا مخالفين في المقام وإن عبرا بمرسل الهداية، فتخرج حينئذ
المسألة عن أن تكون خلافية إلا من المنقول عن موجز أبي العباس، حيث قال: " ويقضي
أو ترك ضرورة إلى آخر السبت " ولا ريب في ضعفه حينئذ، كما أنه لا ريب في
ضعف القول بالفرق بين وقتي القضاء من نهار الجمعة والسبت، فيقضي في الأول التارك
ولو عمدا بخلاف الثاني، كما قد يشعر بذلك ما في التحرير من أنه لو ترك تهاونا ففي
استحباب قضائه يوم السبت إشكال، وكذا الفرق بينهما باشتراط صحة القضاء في
الثاني بتعذر الأول كما هو ظاهر خبر سماعة، وعن النهاية الفتوى بمضمونه، لقصوره
عن معارضة غيره من الأدلة المنجبرة بفتاوي الأصحاب. مع عدم ظهور إرادة التقييد
فيه، نعم قد يقال باستحباب القضاء في الوقت الأول للمسارعة والقرب إلى الأداء،
بل احتمال كونه أداء على ما سمعته سابقا وخبر سماعة، كما أنه يحتمل الحكم باستحباب
القضاء قرب الزوال من يوم السبت لبعض ذلك وللمماثلة، بل عن بعضهم الحكم بأنه كل ما
قرب إلى الزوال كان أفضل على حسب الأداء، فتأمل جيدا.
ثم إنه لا ريب في عدم إرادة الإباحة من الجواز في المتن هنا وفي سابقه، لعدم
تصوره في العبادة، بل المراد الاستحباب قطعا في الأول، وكذا في الثاني بناء على
استحباب غسل الجمعة، لعدم معقولية زيادة الفرع على الأصل، وأما على القول بوجوبه
فيحتمله والوجوب كما لعله الظاهر من الأمر به في عبارة الصدوقين، وعن الكافي
ما يشعر به أيضا، فتأمل، والأمر سهل.
وكيفية غسل الجمعة على حسب كيفية غسل الجنابة ونحوها، ويجزي فيه كغيره
من الأغسال المندوبة الارتماس كما تقدم سابقا ذكره، والاستدلال عليه، ويستحب
23

الدعاء عند غسل الجمعة بما عن الصادق (عليه السلام) (1) " اللهم طهر قلبي من كل آفة
تمحق به ديني وتبطل به عملي، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " والله أعلم.
(و) من جملة الستة عشر التي يستحب الغسل فيها للوقت (ستة في شهر رمضان
أولها أول ليلة منه) عند الأصحاب كما في المعتبر والروض، بل في الأخير والغنية
صريح الاجماع عليه، وهو الحجة مع ما في خبر سماعة عن الصادق (عليه السلام) (2)
" وغسل أول ليلة من شهر رمضان مستحب " والفضل بن شاذان عن الرضا (عليه
السلام) (3) كما عن العيون، وفي الاقبال " روى ابن أبي قرة (4) في كتاب عمل
شهر رمضان باسناده إلى الصادق (عليه السلام) " يستحب الغسل في أول ليلة من شهر
رمضان وليلة النصف منه " - ثم قال -: إني رأيت في كتاب أعتقد أنه تأليف أبي محمد
جعفر بن أحمد القمي عن الصادق (عليه السلام) (5) " من اغتسل في أول ليلة من شهر
رمضان في نهر جار ويصب على رأسه ثلاثين كفا من الماء طهر إلى شهر رمضان من قابل " -
ثم قال أيضا - ومن الكتاب المشار إليه عن الصادق (عليه السلام) (6) أيضا (من أحب
أن لا تكون به الحكة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان، فلا تكون به الحكة إلى
شهر رمضان من قابل) " انتهى.
قلت: بل ويومها أيضا وإن لم يذكره المصنف لما رواه السيد أيضا في الاقبال
بأسناده (7) عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين
(عليهم السلام) قال: " من اغتسل أول يوم من السنة في ماء جار وصب على رأسه

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب الجنابة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 6
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 6
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1 - 4
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1 - 4
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5 - 7
(7) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5 - 7
24

ثلاثين غرفة كان دواء السنة، وإن أول كل سنة أول يوم من شهر رمضان: وفي
البحار حكاية الرواية عن الاقبال إلى قوله: " دواء السنة " واحتمل لذلك في أول
السنة المحرم وشهر رمضان، ولعل الأظهر ما قلناه، مضافا إلى الروايات المتعددة (1)
الدالة على أنه أول السنة شهر رمضان، وقد روى جملة منها في الاقبال، ثم قال:
" واعلم أني وجدت الروايات في أن أول السنة محرم أو شهر رمضان، لكني
رأيت عمل من أدركته من علماء أصحابنا المعتبرين وكثيرا من تصانيف علمائهم
الماضين أن أول السنة شهر رمضان على التعيين " انتهى. وفي مصباح الشيخ أن
المشهور من روايات أصحابنا إن شهر رمضان أول السنة ولذلك رتب كتابه عليه
وهناك قرائن أخر أيضا تقضي بكونه أول السنة، ولعل في ذلك كفاية لما نحن
فيه، وإلا فللبحث في تحقيقه مقام آخر، ولعلها تختلف السنون باختلاف
الاعتبارات، فتأمل جيدا.
بل وكذا يستحب في سائر ليالي فرادى شهر رمضان وفاقا لجماعة من
أساطين أصحابنا منهم الشيخ، قال على ما نقل عنه: " وإن اغتسل ليالي الافراد
كلها وخاصة ليلة المصنف كان له فضل كثير " انتهى. لما رواه السيد في الاقبال (2)
في سياق أعمال الليلة الثالثة من الشهر، وفيها يستحب الغسل على مقتضى الرواية
التي تضمنت أن كل ليلة مفردة من جميع الشهر يستحب فيها الغسل، وذلك كاف
في إثباته.
كما أنه ينبغي الحكم باستحباب الغسل في العشر الأواخر كلها شفعها ووترها
لقول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير (3) المروي في الاقبال من كتاب علي
ابن عبد الواحد النهدي: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغتسل في شهر رمضان في

(1) الاقبال ص 4
(2) الاقبال ص 120
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 10
25

العشر الأواخر في كل ليلة " وأمير المؤمنين عليه السلام فيما رواه فيه أيضا نقلا عن أحمد
ابن عياش (1) قال: " لما كان أول ليلة من شهر رمضان قام رسول الله صلى الله عليه وآله
فحمد الله وأثنى عليه - إلى أن قال -: حتى إذا كان أول ليلة من العشر قام فحمد
الله وأثنى عليه، وقال مثل ذلك ثم قام وشمر وشد المئزر وبرز من بيته واعتكف
وأحيى الليل كله، وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشاءين " إلى آخره.
قلت: وقد يحتمل فيه إرادة كل ليلة من شهر رمضان، بل قد يدعى
ظهوره فيه كما لا يخفى على من لاحظ وتأمل، فيثبت حينئذ استحباب الغسل في
جميعه. وربما يشهد له ما عن المجلسي في زاد المعاد أنه " قد ورد (2) في بعض
الأخبار استحباب الغسل في كل ليلة من شهر رمضان " انتهى. إلا أنه لم أعثر
على ناص عليه إلا ما عن المحدث في الوسائل، حيث قال على ما نقل بعد ذكره
الرواية السابقة: إن الظاهر عود الضمير إلى الشهر، فإنه أقرب الوجوه، وعلى
التقديرين فاستحباب الاغتسال في جميع العشر ثابت، مضافا إلى ما ورد في
استحبابه في ليلة القدر منه كما ستعرف، والأربعة والعشرين كالأمر من الصادق
عليه السلام بالاغتسال كما في الاقبال (3) نقلا من كتاب الحسين بن سعيد ونحوه عن
الخصال (4) وكذا الخمس والعشرين والسبع والعشرين والتسع والعشرين (5)
مضافا إلى أنها من الفرادى، وعن فلاح السائل نقلا عن كتاب ابن أبي قرة في
كتاب عمل شهر رمضان " وغسل ليلة أربع وعشرين منه " وروى في ذلك روايات

(1) الاقبال ص 21
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 6
(3) الاقبال ص 215
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 12 و 13
26

ولعل المستحب يكفي فيه أدنى من ذلك. فتأمل.
(و) ثانيها غسل (ليلة النصف) منه بلا خلاف أجده وإن كان ربما
توقف فيه بعض متأخري المتأخرين من حيث عدم ظهور المستند، لكنه ليس
في محله للاكتفاء في مثله بنص هؤلاء الأساطين، مع ما في الغنية من الاجماع عليه
وفي الوسيلة من عدم الخلاف، وما سمعته سابقا مما ورد في الفرادى، بل في
خصوص النصف منه، كما في أول خبر نقلناه عن الاقبال، والمرسل (1) في المقنعة
عن الصادق عليه السلام " أنه يستحب الغسل في ليلة النصف من شهر رمضان " إلى غير
ذلك، فلا ينبغي التوقف فيه، وكان المصنف في المعتبر لم يعثر على شئ مما ذكرنا
حيث استدل على ذلك بعد أن نسبه إلى الثالثة بأنه لعله لشرف تلك الليلة،
فاقترانها بالطهر حسن، قلت: وينقدح منه هنا كتعليله غسل التوبة وغسل رجب
وغيرهما. بل صرح به في بعض كلماته كون الغسل مستحبا في نفسه وإن لم يحصل
شئ من موجباته، ومثله عن العلامة في المنتهى في غسل التوبة، وكأنه لقولهم:
" الطهر على الطهر عشر حسنات " (2) و " أي وضوء أطهر من الغسل " (3)
وما ورد في بعض الروايات (4) من الأمر بالغسل بماء الفرات من غير تعين علة أو
غاية، وفي الكل نظر، بل ربما يظهر من الأصحاب حيث حصروا محاله عدمه،
كما هو قضية الأصل وقصور تلك الأدلة عن إفادته ولو مع التسامح إلا مع
الاحتياط العقلي الذي ذكرناه غير مرة، وذلك لظهور الطهر في غير ما نحن فيه
من الأغسال المندوبة.

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الوضوء - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الجنابة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 59 - من كتاب المزار
27

ومنه تعرف فساد الاستدلال على مشروعية التحديد في الأغسال المندوبة،
إذ الأقوى عدمها، وفاقا للمنقول عن نص العلامة والشهيد ونسبه بعض المحققين
إلى ظاهر الأصحاب، بل إلى المعلوم من طريقة المسلمين، للأصل وعدم وضوح
دليل عليه، فما عساه يظهر من المحكي عن المنتهى في غسل المستحاضة من مشروعية
ذلك ضعيف لو سلم ظهوره، وإن نقل عن بعض المتأخرين الميل إليه، نعم قد يقال
باستحباب الغسل لكل زمان شريف ومكان شريف كما عن ابن الجنيد، وربما
يشهد له فحاوي كثير من الأخبار كتعليل غسل العيدين عن الرضا عليه السلام (1) ويوم
الجمعة (2) وأغسال ليالي القدر (3) ونحوه، بل تتبع محال الأغسال يقضي به،
والمستحب يكفي فيه أدنى من ذلك.
(و) ثالثها غسل ليلة (سبع عشرة) منه لصحيح ابن مسلم (4) عن
أحدهما (عليهما السلام) المشتمل على سبعة عشر غسلا، وحسنه عن الباقر (عليه السلام) (5) المروي عن الخصال، كخبر الأعمش (6) عن الصادق (عليه السلام) عنه أيضا، والفضل
ابن شاذان عن الرضا (عليه السلام) (7) المروي عن العيون، ومرسل الفقيه (8)
والاقبال (9) كل ذا مع ما في الغنية والروض من الاجماع عليه، والوسيلة من عدم
الخلاف فيه، والمعتبر من نسبته إلى الأصحاب، وما تقدم في الفرادى.
(و) رابعها وخامسها وسادسها غسل ليلة (تسع عشر وإحدى وعشرين

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 18
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 18
(3) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث - 11 - 5 - 8
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث - 11 - 5 - 8
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث - 11 - 5 - 8
(7) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 6 - 4
(8) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 6 - 4
(9) الاقبال ص 158
28

وثلاث وعشرين) للاجماع المحكي إن لم يكن محصلا في الغنية والروض والمصابيح
والمعتبرة المستفيضة (1) بل في بعضها (2) النهي عن تركه في الآخرين المحمول
على الكراهة، أو تأكد الاستحباب، ومنه يستفاد أهما أشد استحبابا من ليلة
تسع عشرة كما يرشد إليه أيضا أنهما من العشر الأواخر، ولعل الغسل في الثالثة
والعشرين آكد منه في الحادية والعشرين، لأنهما وإن اشتركا في كونهما فرادى
ومن العشر الأواخر، إلا أن الثالثة والعشرين أرجى لليلة القدر من غيرها،
ولعله يومي إلى ذلك خبر الجهني (3) وغيره، كما أنه يومي إليه استحباب تكرير
الغسل فيها أول الليل وآخره لمضمر بريد (4) قال: " رأيته اغتسل في ليلة ثلاث
وعشرين مرتين، مرة من أول الليل ومرة من آخر الليل " وإضماره مع ظهور
أنه الإمام (عليه السلام) كما عن الذكرى غير قادح، سيما مع رواية السيد ابن طاووس في
الاقبال عن بريد أيضا مستندا له إلى الصادق (عليه السلام) والظاهر أن له الاقتصار
على أحدهما عملا باطلاق غيره من الأدلة، كما أنه له الغسل في الأثناء لذلك.
نعم قد يمنع الغسل في الأثناء مع الغسل أول الليل اقتصارا في مشروعية
التعدد على الآخر، كما أنه قد يمنع الغسل في الآخر لو اغتسل في الأثناء اقتصارا
في مشروعيته على كون الغسل السابق أول الليل، سيما ودليل الحكم حكاية فعل
لا عموم فيها، فتأمل.
هذا كله لو أراد المحافظة على وظيفة الغسل مرتين، أما لو أراد ذلك مرة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب أحكام شهر رمضان - الحديث 11 من كتاب الصوم
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
29

واحدة كان مخيرا في أي جزء كما في كل غسل أضيف إلى ليل أو يوم من غير فرق
بين غسل ليالي القدر وغيره، ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما في صحيح العيص
ابن القاسم عن الصادق (عليه السلام) (1) " عن الليلة التي يطلب فيها ما يطلب متى الغسل؟
فقال: من أول الليل وإن شئت حين تقوم من آخره، وعن القيام، فقال:
تقوم في أوله وآخره ".
نعم قد يشعر قوله أولا من أول الليل باستحباب ذلك مع ما فيه من
المسارعة والملاقاة لسائر الزمان مغتسلا، وعليه يحمل ما في صحيح ابن مسلم (2)
عن أحدهما (عليهما السلام) والغسل في أول الليل، وهو يجزئ إلى آخره " وخبر
ابن بكير (3) " سئل الصادق (عليه السلام) عن الغسل في رمضان - إلى أن قال -: والغسل
أول الليل، قلت: فإن نام بعد الغسل قال: هو مثل غسل الجمعة إذا اغتسلت بعد
الفجر أجزأك " كما يشعر به أيضا التشبيه بالجمعة لا على إرادة انحصار الاستحباب
به، وكذا ما سمعته سابقا من الخبر عنه (عليه السلام) (4) " أنه صلى الله عليه وآله كان يغتسل في
العشر الأواخر بين العشاءين " سيما مع الاطلاق في خبر آخر وكون فعلا،
فما عساه يظهر من المصابيح من التوقيت بما بين العشاءين للعشر الأواخر لا يخلو
من نظر.
ثم إنه يستفاد من خبر ابن بكير عدم قادحة النوم فيه، وعدم استحباب
الإعادة كما هو مقتضى الأصول وحصول الامتثال، وكذا بالنسبة إلى كل حدث
صغير أو كبير غير النوم، وفي المصابيح لا يعاد شئ منها بالحدث إجماعا، فلو أعاد
حينئذ شرع، نعم قد ترجح الإعادة لاحتمال الخلل ونحوه مما يندرج تحت
الاحتياط، وكذا لو كان الغسل للفعل كغسل الاحرام أعاده لو نام بعده قبل

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 6 - 14
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 6 - 14
30

وقوع الفعل للمعتبرة الصريحة في ذلك بالنسبة للاحرام (1) ودخول مكة (2) وفيها
الصحيح، خلافا للمحكي عن ابن إدريس فلم يعده، وهو جيد على أصله إن لم
يثبت الاجماع ونحوه عنده، سيما بعد إطلاق ما دل (3) على إجزاء غسل اليوم
عن يومه، والليل لليله، لكنه ضعيف عندنا للأخبار السابقة.
ثم إنها وإن كانت خاصة في خصوص الاحرام ودخول مكة لكن الظاهر
عدم الفرق بينهم وبين سائر الأغسال الفعلية لاتحاد الوجه. ونسبه بعض المحققين
إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه، ولعل في التعليل في خبر عبد الرحمان
ابن الحجاج (4) إشعارا به، قال: " سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يغتسل
لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل أن يدخل أيجزؤه ذلك أو يعيده؟ قال: لا يجزؤه
لأنه إنما دخل بوضوء " وكذا لا فرق بين النوم وغيره من الأحداث وفاقا للمحكي
عن العلامة والشهيد وأبي العباس وإن اقتصرت عليه الأخبار السابقة لكنه من
باب التنبيه بالأدنى على الأعلى على الظاهر، مضافا إلى إشعار التعليل السابق
والتسامح في المستحب، خلافا لظاهر آخرين حيث اقتصروا على النوم للأصل
وظاهر ما دل على الاجتزاء بغسل الليل إلى آخر الليل وكذا النهار مع غلبة تخلل
الحدث في هذه المدة، وفيه أنه يرد مثله في النوم أيضا، نعم قد يتجه بملاحظة
هذه الأخبار - مع الأصل والعمومات، وصحيح العيص بن القاسم (5) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل للاحرام بالمدينة ويلبس ثوبين ثم ينام قبل أن

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الاحرام من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 0 - 1 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 من كتاب الحج
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 0 - 1 من كتاب الحج
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الاحرام - الحديث 3 من كتاب الحج
31

يحرم، قال ليس عليه غسل " - إن المستحب إعادة الغسل بهذه الأحداث
لا انتقاض الغسل الأول جمعا بينها وبين غيرها مما أمر بالإعادة، إن كان خبر
عبد الرحمان بن الحجاج المتقدم ظاهرا في النقض. لكنه يحمل على إرادة عدم
الاجزاء في كمال الفضل، واختاره في المصابيح، فتأمل.
ثم إن ظاهر المصنف وغيره من الأصحاب ممن نص على القضاء في غسل
الجمعة وتركه في غيره عدم مشروعية القضاء فيما عداه، وهو كذلك للأصل،
واحتياج القضاء إلى أمر جديد، مع أنا لم نعرف فيه خلافا فيما نحن فيه من
الأغسال الزمانية سوى ما يحكى عن المفيد من قضاء غسل يوم عرفة، ولعله لقول
أبي جعفر (عليه السلام) لزرارة (1) " إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك
للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة " حيث جمع بين غسل عرفة
وأغسال يوم العيد، ولا يمكن ذلك في الأداء، فليحمل على القضاء، وفيه مع
إمكان معارضته باحتمال جواز تقديم غسل العيد أن المراد الاجتزاء بالغسل الواحد
للمعتمد حيث تجتمع كما يشعر به قوله (عليه السلام) بعده: " وكذلك " إلى آخره،
فتأمل. والشهيد من قضاء غسل ليالي الأفراد الثلاثة مسندا له في الذكرى
والدروس إلى رواية ابن بكير عن الصادق (عليه السلام) (2) لكنا لم نعثر على غير الرواية
السابقة لابن بكير، ولا ريب في ظهورها بإرادته الاغتسال للجمعة بعد الفجر،
فتأمل جيدا.
(و) من الأغسال المستحبة أيضا غسل (ليلة الفطر) لقول الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب أغسال المسنونة - الحديث 1
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث
15 وذيله في الباب 11 - الحديث 4
32

في خبر الحسن بن راشد (1) المروي في الكافي والاقبال وغيرهما بعد أن قال له:
" الناس يقولون إن المغفرة تنزل على من صام شهر رمضان ليلة القدر، فقال: يا حسن
إن القاريجار إنما يعطى أجرته عند فراغه وذلك ليلة العيد، قلت: فما ينبغي لنا أن
نعمل فيها؟ فقال: إذا غربت الشمس فاغتسل " إلى آخره. ومع ذا ففي الغنية الاجماع
عليه، وظاهر المصنف كمعقد الاجماع الاجتزاء بأي جزء من الليل، وهو كذلك،
وإن ظهر من الخبر المتقدم إرادة التوقيت بما بعد الغروب، كما لا ريب أن الأصل يقتضي
عدم مشروعية تقديمه أيضا. لكونه من الموقت، سيما لو كان التقديم اختياريا، لكن
قال ابن طاووس في إقباله في آداب ليلة الفطر: " روى أنه يغتسل قبل الغروب إذا علم أنها
ليلة العيد " انتهى. ولا صراحة فيه بل ولا ظهور في اتحاد هذا الغسل مع الغسل الليلي
فلعله مستحب آخر، وعلى تقديره فلا بد من القول حينئذ بكون الوقت للغسل من قبل
الغروب، وأن الإضافة في النص والفتوى للجزء الأغلب ونحو ذلك، ولعله يأتي نوع
تعرض منا له ولمثله مما ورد في أغسال ليالي شهر رمضان أيضا قبل الغروب عند تعرض
المصنف لعدم تقديم الغسل الزماني على وقته، فتأمل.
(و) كذا يستحب في (يومي العيدين) الفطر والأضحى للمستفيض من الاجماع
المحكي والأخبار (2) وإن كان في بعضها ما يقضي بالوجوب لما عرفت من الاجماعات
المنقولة على عمده إن لم تكن محصلة، إنما الكلام في وقته فهل يمتد بامتداد اليوم كما
هو مقتضى إطلاق النص والفتوى والإضافة فيهما كمعاقد الاجماعات صريحها وظاهرها،
واختاره جماعة، أو أنه من طلوع الفجر إلى ما قبل الخروج إلى المصلى كما عن ابن
إدريس وأحد قولي العلامة حيث قال: الأقرب تضيقه عند الصلاة، لقول الصادق

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة
33

(عليه السلام) في موثق عمار الساباطي (1) " في رجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى
صلى قال: إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة، وإن مضى الوقت فقد جازت
صلاته " بل ربما يظهر منه أن الغسل للصلاة كالمروي (2) عن العلل والعيون عن الرضا
(عليه السلام) في علة غسل الجمعة والعيد تعظيما لذلك اليوم وتفضيلا له على سائر الأيام
وزيادة في النوافل والصلاة، أو أنه يمتد إلى الزوال الذي هو آخر وقت صلاة العيد كما
مال إليه في الرياض لمساواة العيد للجمعة في كثير من الأحكام، والرضوي (3) " إذا
طلع الفجر يوم العيد فاغتسل، وهو أول أوقات الغسل ثم إلى وقت الزوال " ولعله
يرجعه إلى سابقه أو إليه سابقه قال في الذكرى: " الظاهر امتداد غسل العيدين بامتداد
اليوم عملا باطلاق اليوم، ويتخرج من تعليل الجمعة إلى الصلاة، أو إلى الزوال الذي
هو وقت صلاة العيد وهو ظاهر الأصحاب " انتهى.
ولا ريب في قوة الأول لما عرفت وقصور غيرها عن المعارضة مع عدم وضوح
دلالتها، إذ لا تلازم بين جواز الصلاة وبقاء الخطاب بغسل العيد، كما أنا لا نمنع
ارتباط الصلاة به في الجملة، فلا دلالة حينئذ في التعليل بزيادتها به على ذلك، بل في
الخبر نفسه التعليل أيضا بالتعظيم والتفضيل الظاهر في بقائه واستمراره. على أن فعل
الصلاة مختلف باختلاف الأشخاص، فلا يليق التحديد به إلا أن يدعى حينئذ أنه غسل
للفعل، فيتوجه عليه حينئذ أن ظاهر الأدلة استحباب الغسل للعيد لمن خوطب بالصلاة
ومن لم يخاطب ومن صلى ومن لم يصل، وأما الرضوي فهو مع تسليم حجيته رده في
المصابيح بأنه خلاف المدعى، لامتداد الغسل فيه إلى الزوال وإن صلى العيد، انتهى.

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 18
(3) المستدرك - الباب - 11 من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
34

وهو ظاهر في أن الوجه الثالث الذي ذكرناه ليس مذهبا لأحد من الأصحاب، ولعله
كذلك.
ومنه حينئذ يظهر أن الرضوي لنا لا علينا، كخبر عبد الله بن سنان (1) " الغسل
من الجنابة ويوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم عرفة عند زوال الشمس " بل
هو أظهر منه لإفادته الاستحباب والفضل، وصلاة العيد إنما تكون قبل ذلك غالبا،
وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه، نعم يمكن القول بتأكد استحباب الغسل قبل الصلاة
لأن له ارتباطا ما معها كما يومي إليه ما تقدم، بل في المنقول (2) عن ابن أبي قرة في كتاب
أعمال شهر رمضان عن الرضا (عليه السلام) إدخاله في كيفية صلاة العيد، فتأمل جيدا.
(و) كذا يستحب الغسل في يوم (عرفة) للنصوص المستفيضة (3) وإجماعي
الغنية والمدارك، ولا يختص بالناسك في عرفات لاطلاق النص والفتوى، وخصوص
قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمان (4): " اغتسل أينما كنت " في جواب
سؤاله عن غسل يوم عرفة في الأمصار، كما أن إطلاقهما عدى النادر يقضي بامتداده
في سائر اليوم، لكن يحكي عن علي بن بابويه أنه قال: " واغتسل يوم عرفة قبل زوال
الشمس: ولعله لخبر عبد الله بن سنان (5) " الغسل من الجنابة ويوم الجمعة ويوم الفطر
ويوم الأضحى ويوم عرفة عند زوال الشمس " إلا أنه مع ظهور إعراض الأصحاب
لاطلاقهم كغيره من النصوص يتعين حمله على إرادة الفضيلة أو غير ذلك، واحتمال
إرادة التحديد للآخر فيها بالزوال، فتخرج حينئذ شاهدا على تحديد غسل يومي العيدين

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 10 -. -
(2) الاقبال ص 279 لكنه رواه عن أبي عبد الله (عليه السلام)
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 10 -. -
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 10
35

بالزوال كما ترى، فالأقوى حينئذ امتداد استحبابه بامتداد اليوم، ونحوه في الاستحباب
والامتداد يوم التروية لاطلاق دليله من صحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام)
وعمار عن الصادق (عليه السلام) (2)، وغيرهما (3).
(و) كذا يستحب الغسل أيضا في (ليلة النصف من رجب) على المشهور شهرة
كادت نكون إجماعا بين الأصحاب بل في الوسيلة عده في المندوب بلا خلاف، وعن
العلامة في النهاية والصيمري في الكشف نسبته إلى الرواية، كل ذا مع ما في الزمان من
الشرف إن قلنا باستحباب الغسل لمثل ذلك كما عن ابن الجنيد، وتقدم الكلام فيه،
وعن ابن طاووس (4) في الاقبال أنه قال: وجدنا في كتب العبادات عن النبي (صلى
الله عليه وآله) أنه قال: " من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله وأوسطه وآخره خرج
من ذنوبه كيوم ولدته أمه " والمناقشة فيه بالارسال كالدلالة باحتمال إرادة النهار ليست
في محلها في مثل المقام، بل لا يبعد الحكم باستحبابه ليلا ونهارا لمكان هذا الخبر
والتسامح في المستحب، كما أنه لا يبعد الحكم باستحبابه أيضا في أوله وآخره لذلك.
(و) كذا الكلام في استحباب الغسل في (يوم السابع والعشرين منه) وهو
يوم المبعث بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية الاجماع عليه، والوسيلة عده في المندوب
بلا خلاف، والعلامة والصيمري نسبته إلى الرواية، فلا وجه للتوقف فيهما بعد
ذلك بل ولا في يوم المولود وهو السابع عشر من ربيع الأول على المشهور، وعن الكليني

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 11
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب احرام الحج - الحديث 1 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
36

أنه ثاني عشر لرواية (1) والأول أقوى، وكيف كان فلم أجد خلافا في استحباب الغسل
فيه كما اعترف به في الوسيلة، وعن الكشف نسبته إلى الرواية ولعل ذلك كاف
في ثبوت استحبابه، مضافا إلى ما قيل أنه من جملة الأعياد، فيستحب فيه الغسل لما
يشعر به بعض الأخبار من استحباب الغسل في كل عيد كالمرسل (2) عنه (صلى الله عليه
وآله) أنه قال في جمعة من الجمع: " هذا اليوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا فيه " وعن
الخلاف الاجماع على استحباب الغسل في الجمعة والأعياد بصيغة الجمع.
(و) كذا (ليلة النصف من شعبان) بل زيادة، إذ هو مع عدم الخلاف فيه
ظاهرا والاجماع عليه من ابن زهرة كنفي الخلاف من ابن حمزة مدلول قول الصادق
(عليه السلام) في خبر أبي بصير (3) " صوموا شعبان واغتسلوا ليلة النصف منه، ذلك
تخفيف من ربكم " وقول النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر سالم مولى أبي حذيفة (4)
المروي عن المصباح " من تطهر النصف من شعبان فأحسن التطهر - إلى أن قال -:
قضى الله له ثلاث حوائج ".
(و) كذا (يوم الغدير) وهو الذي أخذ فيه النبي (صلى الله عليه وآله) البيعة
لأمير المؤمنين (عليه السلام) في غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع، وكان اليوم
الثامن عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة على المعروف بين الأصحاب
كما نسبه إليهم غير واحد، بل في التهذيب والغنية والروض الاجماع عليه، وهو الحجة،

(1) أصول الكافي ج 1 ص 439 من طبعة طهران
(2) كنز العمال ج - 4 - ص 152 - الرقم 20367
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 6 من كتاب الصلاة
37

مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في خبر العبدي (1) " من صلى فيه ركعتين يغتسل
عند زوال الشمس من قبل تزول مقدار نصف ساعة - وبين كيفية الصلاة إلى أن
قال -: ما سأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيت له كائنة ما كانت "
الحديث. وفي الاقبال عن أبي الحسن الليثي عن الصادق (عليه السلام) (2) أيضا في حديث
ذكر فيه فضل يوم الغدير قال: " فإذا كان صبيحة ذلك اليوم وجب الغسل في صدر
نهاره " وكان التوقيت فيهما محمول على الاستحباب لقصورهما مع اختلافهما فيه عن تقييد
كلمات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم، فما عن ابن الجنيد أن وقت هذا الغسل من
طلوع الفجر إلى قبل صلاة العيد لما عرفت ضعيف، على أنه لو أريد الاقتصار على ما في
الخبر لوجب تخصيصه بمريد الصلاة، ولعله من هنا يمكن القول باستحباب الغسل من
جهتين الصلاة واليوم، وامتداده من حيث الثانية لا ينافي عدمه من حيث الأولى،
والعمدة الاجماعات السابقة، وبها لا يلتفت إلى ما يحكى عن الصدوق، حيث قال في الفقيه:
" فأما خبر صلاة الغدير والثواب المذكور فيه لمن صامه فإن شيخنا محمد بن الحسن كان
لا يصححه، ويقول: إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني، وكان غير ثقة، وكل ما
لم يصححه هذا الشيخ ولم يحكم بصحته فهو عندنا متروك غير صحيح " انتهى. إذ هو
مع مخالفته لما عرفت واقتضائه عدم العمل بالأخبار الضعيفة في الآداب والسنن يمكن
إرادته إبطال خصوص ما في هذا الخبر من الثواب المخصوص وإن وافق على مطلق
الاستحباب، فتأمل جيدا.
(و) كذا يستحب الغسل في (يوم المباهلة) على المشهور بين الأصحاب لما

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 1 من
كتاب الصلاة
(2) الاقبال ص 474
38

عن الاقبال (1) بسنده إلى ابن أبي قرة باسناده إلى علي بن محمد القمي رفعه قال: " إذا
أردت ذلك فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا، واغتسل والبس أنظف ثيابك " وعن المصباح (2) عن محمد بن صدقة العنبري عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر (عليهما السلام)
قال: " يوم المباهلة يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة تصلي في ذلك اليوم ما أردت -
ثم قال -: وتقول وأنت على غسل: الحمد الله رب العالمين " إلى آخره، وما في السند
والدلالة منجبر بالشهرة السابقة التي هي قريب الاجماع، بل لعلها كذلك، بل في الغنية
الاجماع على غسل المباهلة، والظاهر إرادته يوم المباهلة لا فعلها، لاستبعاد دعوى الاجماع
عليه، فيكون حينئذ دليلا آخر، نعم يحتمل ذلك في موثق سماعة (3) قال: " وغسل
المباهلة واجب " لأصالة عدم تقدير اليوم، لكن قد يقال فهم الأصحاب يعينه، فتتكثر
الأدلة على المطلوب حينئذ، فتأمل جيدا.
وبناء على الوجه الأول يستفاد منه حينئذ استحباب الغسل لفعل المباهلة كما عن
جماعة النص عليه، ويدل عليه خبر أبي مسروق عن الصادق (عليه السلام) (4) المروي
عن أصول الكافي قال: " قلت: إنا نكلم الناس فنحتج عليهم بقول الله عز وجل (5)
" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " فيقولون نزلت في أمراء السرايا،

(1) الاقبال ص 515
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 2 من
كتاب الصلاة (3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
(4) أصول الكافي باب المباهلة من كتاب الدعاء - الحديث 1 لكنه في الكافي
(المسترق) (بدل المسروق)
(5) سورة النساء - الآية 62
39

فنحتج بقول الله عز وجل (1): " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " فيقولون
نزلت في مودة قربى المسلمين، فنحتج بقول الله عز وجل (2) " إنما وليكم الله ورسوله "
فيقولون نزلت في المؤمنين، فلم أدع شيئا مما حضرني ذكره من هذا وشبهه إلا ذكرته،
فقال لي: إذا كان ذلك فادعهم إلى المباهلة، قلت: فكيف أصنع؟ قال: أصلح نفسك
ثلاثا وأظنه قال: وصم واغتسل وابرز أنت وهو إلى الجبان، فشبك أصابعك اليمنى في
أصابعهم ثم أنصفه وابدأ بنفسك وقل اللهم رب السماوات ورب الأرضين عالم الغيب
والشهادة الرحمان الرحيم إن كان أبو مسروق جحد حقا وادعى باطلا فأنزل عليه حسبانا من
السماء أو عذابا أليما، ثم رد الدعاء عليه. فقل وإن كان فلان جحد حقا وادعى باطلا
فأنزل عليه حسبانا من السماء أو عذابا أليما، ثم قال: فإنك لا تلبث إلا أن ترى ذلك،
فوالله ما وجدت خلقا يجيبني إلى ذلك " وقول الراوي: " وأظنه قال " يختص بالصوم
ولا يعم الاغتسال كما هو الظاهر.
ثم إنه يستفاد من خبر العنبري السابق زيادة على استحباب الغسل إن يوم المباهلة
الرابع والعشرون من ذي الحجة، وهو المشهور كما في الذكرى والروض وفوائد الشرائع
والذخيرة والكشف وغيرها حكايتها عليها، وعن إقبال ابن طاووس نسبته إلى أصح
الروايات بعد أن حكى قولا بالسابع والعشرين، وآخر بالواحد والعشرين، ولم ينقل
عنه ذكر الخمس والعشرين قولا لأحد، لكن ذهب إليه المصنف في المعتبر، ولعل
الأول أقوى.
قلت: وقد بقي زيادة على ما ذكرته وذكره المصنف بعض الأغسال الزمانية
كغسل يوم دحو الأرض ويوم نيروز الفرس ويوم تاسع ربيع، فأما الغسل لدحو

(1) سورة الشورى - الآية 12
(2) سورة المائدة - الآية 60
40

الأرض وهو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، فقد ذكر على ما قيل في الذكرى
والبيان والدروس وجامع البهائي واثني عشريته، لكن نسبه في الأول إلى الأصحاب
كما أنه عن الفوائد الملية والحديقة إلى المشهور، وربما يكتفى بذلك في مثله لولا ما في المصابيح
من " أنا لم نجد لذلك ذكرا في غير ما ذكر، وكتب الفقه والأعمال خالية منه بالمرة،
وكان الشهيد رحمه الله وجده في بعض كتب الأصحاب فعزاه إلى الأصحاب بقصد
الجنس دون الاستغراق، ففهم منه الشهيد وغيره إرادة الظاهر فنسبوه إلى المشهور،
ونحن فقد تتبعنا ما عندنا من مصنفات الأصحاب ككتب الصدوق والشيخين وسلار
وأبي الصلاح وابن البراج وابن إدريس وابن زهرة وابن أبي المجد وابن سعيد وكتب
العلامة وابن فهد وابن طاووس فلم نجد له أثرا فالشهرة مقطوع بعدمها، إنما الشأن في من
ذكره قبل الشهيد " انتهى، نعم قد يقال باستحباب الغسل فيه من حيث شرفه وفضله بناء
على اعتبار مثل ذلك فيه، فتأمل.
وأما غسل يوم النيروز فعلى المشهور بين المتأخرين بل لم أعثر على مخالف فيه
لخبر المعلى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) (1) المروي عن المصباح ومختصره
" إذا كان يوم النيروز فاغتسل " إلى آخره. وفي خبره الآخر عن الصادق (ع) (2)
المروي على لسان الشيخ الجليل الشيخ أحمد بن فهد في مهذبه حكاه في المصابيح، وهو
طويل قد اشتمل على ذكر أمور عظيمة قد وقعت في هذا اليوم، كبيعة علي (عليه السلام)
وإرساله إلى الجني، وظفره بالنهروان، وقتل ذي الثدية، وظهور القائم (عليه السلام)
ويظفره الله فيه بالدجال إلى أن قال: " وما من يوم النيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج،
لأنه من أيامنا حفظه الفرس وضيعتموه، ثم إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل سأل ربه

(1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 1 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 1 - 1 من كتاب الصلاة
41

أن يحيي القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله مائة عام
فأوحى الله إليه أن صب الماء عليهم في مضاجعهم، فصب عليهم الماء في هذا اليوم
فعاشوا وهم ثلاثون ألفا، فصار صب الماء في يوم النيروز سنة ماضية لا يعرف سببها
إلا الراسخون في العلم، وهو أول يوم من سنة الفرس قال المعلى " وأملى علي من
ذلك وكتبته من إملائه.
ولا ريب في الاكتفاء بذلك مع ذكر جماعة من الأساطين منهم الشيخ ويحيى
ابن سعيد والعلامة والشهيد وغيرهم على ما حكي عنهم ووقوع الأمور العظيمة فيه ما سمعته
بعض منها ومتوقع فيه الفرج والبركة وغير ذلك من الشرف الذي لا ينكر في إثبات مثل
هذا المستحب، ولا وجه للمناقشة بعد ذلك في السند أو غيره، كما لا وجه للمعارضة
بما عن المناقب (1) أنه قال: " حكي أن المنصور تقدم إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام)
إلى الجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه، فقال: إني قد فتشت الأخبار
عن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم أجد لهذا العيد خبرا، وأنه سنة الفرس
ومحاها الاسلام، ومعاذ الله إن يحيي ما محاه الاسلام. فقال المنصور: إنما نفعل هذا سياسة
للجند، فسألتك بالله العظيم إلا جلست فجلس " الحديث. إذ هو مع قصوره عن
ذلك محتمل للتقية كما عن بعضهم، أو يحمل على أن النيروز المذكور فيه غير اليوم المعظم
شرعا لوقوع الاختلاف في تعيينه على أقوال، فقيل إنه اليوم العاشر من آيار كما عن
بعض المحاسبين وعلماء الهيئة. وقيل إنه تاسع شباط كما عن صاحب كتاب الأنوار،
وقيل إنه يوم نزول الشمس في أول الجدي، وعن المهذب أنه المشهور بين فقهاء العجم
بخلاف أول الحمل، فإنهم لا يعرفونه بل ينكرون على من اعتقده، وقيل إنه السابع عشر
من كانون الأول بعد نزول الشمس في الجدي بيومين، وهو صوم اليهود، وقيل هو

(1) المناقب لابن شهرآشوب المجلد 6 - ص 74 من طبعة بمبئ
42

أول يوم من فروردين ماه، وهو أول شهور الفرس.
قلت: والمشهور المعروف في زماننا هذا إنما هو يوم انتقال الشمس إلى الحمل،
بل لا يعرف غيره كما عن المجلسين النص عليه في الحديقة وزاد المعاد، والشهيد الثاني
في روضته والفوائد الملية، وعلى شهرته في زمانه، والشيخ أبي العباس بن فهد أنه الأعرف
بين الناس والأظهر في الاستعمال، ويؤيده مع ذلك ما يومي إليه خبر المعلى بن خنيس (1)
أنه " يوم طلعت فيه الشمس، وهبت فيه الرياح اللواقح، وخلقت فيه زهرة الأرض،
وأنه اليوم الذي أخذ فيه العهد لأمير المؤمنين (عليه السلام) بغدير خم " فإنه على ما قيل
قد حسب ذلك فوافق نزول الشمس بالحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب
التقويم، ولم يكن الهلال رأي ليلة الثلاثين، فكان الثامن عشر على الرؤية، وكذا
صب الماء على الأموات، فإن وضع العيد على الاعتدال الربيعي، إلى غير ذلك من
المؤيدات الكثيرة، ولولاها لكان القول بالأخير متجها، وأما باقي الأقوال فهي ضعيفة،
بل ربما احتمل في أولها أنه مصحف " آذار " فيوافق المشهور، ولبسط الكلام في ذلك
محل آخر.
وأما الغسل للتاسع من ربيع الأول فقد حكي أنه من فعل أحمد بن إسحاق القمي
معللا له بأنه يوم عيد، لما روي (2) ما اتفق فيه من الأمر العظيم الذي يسر المؤمنين
ويكيد المنافقين، لكن قال في المصابيح: إن المشهور بين علمائنا وعلماء الجمهور أن
ذلك واقع في السادس والعشرين من ذي الحجة، وقيل في السابع والعشرين منه،
قلت: لكن المعروف الآن بين الشيعة إنما هو يوم تاسع ربيع، وقد عثرت على خبر
مسندا إلى النبي (صلى الله عليه وآله) (3) في فضل هذا اليوم وشرفه وبركته وأنه يوم

1) الوسائل - الباب - 48 - من أبواب بقية الصلواة المندوبة - الحديث 3 من
كتاب الصلاة
(2) (3) البحار - المجلد - 8 - ص 315 من طبعة الكمباني
43

سرور لهم (عليهم السلام) ما يحير فيه الذهن، وهو طويل، وفيه تصريح باتفاق ذلك
الأمر فيه، فلعلنا نقول باستحباب الغسل فيه بناء على استحبابه لمثل هذه الأزمنة،
وسيما مع كونه عيدا لنا وأئمتنا (عليهم السلام).
هذا كله في الأغسال المستحبة للزمان (و) أما ما يستحب لغيره فقد ذكر المصنف
(رحمه الله) منه (سبعة للفعل، وهي غسل الاحرام) إذ لا خلاف في مشروعيته في الجملة،
والأخبار به (1) كادت تكون متواترة، بل لا خلاف محقق معتد به في خصوص
استحبابه. ولذا نفاه عنه في المقنعة وحج الغنية وطهارة الوسيلة والمنتهى، بل في طهارة
الغنية وعن حج الخلاف والتذكرة الاجماع عليه، كما عن ظاهر المجالس نسبته إلى دين
الإمامية، وعن التهذيب عندنا أنه ليس بفرض، كما عن حج التحرير ليس بواجب
إجماعا، وعن ابن المنذور أجمع أهل العلم أن الاحرام جائز بغير اغتسال، وفي المصابيح
أن عليه الاجماع المعلوم بالنقل المستفيض وفتوى المعظم وإطباق المتأخرين.
قلت: فلا ينبغي الاشكال بعد ذلك، والأصل والسيرة القاطعة، وعده مع
معلوم الاستحباب، والحكم عليه بأنه سنة في مقابلة الفرض والواجب الظاهر في
الاستحباب، وإن حكي عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد الوجوب، وربما نسب إلى
ظاهر الصدوق وغيره ممن ذكر التعبير عنه أو عن إعادته بلفظ الأمر و " عليك " ونحوهما
كالأخبار، ولا ريب في صرف ما وقع في الأخبار من ذلك ولفظ الوجوب أيضا
ونحوها على الاستحباب، كما أنه يحتمله كلام أولئك، فلا ينبغي بسط الكلام فيه
سيما بعد انقراض الخلاف فيه بحيث لا يمنع من تحصيل الاجماع والسيرة في خصوص
المقام، إذ لو كان واجبا لاشترط في صحة الاحرام، لاستبعاد الوجوب النفسي،
ومن المستبعد بل الممتنع أن يكون ذلك كذلك، ويكون المحفوظ عند العلماء خلافه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة
44

مع توفر الدواعي وتكرر الحج في كل عام، مضافا إلى ما قيل من عدم تيسر الاغتسال في تلك الأوقات لسائر الناس، فتأمل.
* وغسل زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) * على المشهور
بين الأصحاب، بل في كشف اللثام والمصابيح نسبته إلى قطع الأصحاب مؤذنين
بدعوى الاجماع عليه، بل في الغنية دعواه صريحا، كالوسيلة عده في المندوب بلا
خلاف، وهو الحجة، مضافا إلى المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (1) من نصه
على غسل الزيارات بعد نصه على غسل زيارة البيت، وإلى ما عن نهاية الإحكام
والروض من نسبته إلى الرواية، وشرح الدروس إلى الأخبار الكثيرة (2) وإلى خبر
العلاء بن سيابة عن الصادق (عليه السلام) (3) في قوله تعالى (4): " خذوا زينتكم "
قال: " الغسل عند لقاء كل إمام (عليه السلام) " وظهورها في الأحياء لو سلم غير قادح
لتساوي حرمتيهما، وإلى ما يشعر به استحباب الاغتسال لزيارة الجامعة التي يزار بها
كل إمام (عليه السلام) وما يشعر به المروي عن كامل الزيارات لابن قولويه عن سليمان
ابن عيسى (5) عن أبيه قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يكف أزورك إذا
لم أقدر على ذلك؟ قال: قال لي: يا عيسى إذا لم تقدر على المجئ فإذا كان يوم الجمعة
فاغتسل أو توضأ واصعد إلى سطحك وصل ركعتين وتوجه نحوي، فإنه من زارني في
حياتي فقد زارني في مماتي، ومن زارني في مماتي فقد زارني في حياتي " لأولوية زيارة

(1) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة
(3) الوسائل - الباب - 29 - من كتاب المزار - الحديث 2
(4) سورة الأعراف - الآية 19
(5) الوسائل - الباب - 95 - من كتاب المزار - الحديث 4
45

القرب على البعد، وظهور تساوي الصادق (عليه السلام) مع غيره، وإلى ما يشعر به
ما ورد في استحباب الغسل لرؤيا أحدهم في المنام، كخبر أبي المعزى (1) عن موسى
ابن جعفر (عليهما السلام) المروي عن كتاب الإختصاص للمفيد، قال: " من كانت له
إلى الله حاجة وأراد أن يرانا وأن يعرف موضعه فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا فإنه
يرانا ويغفر له بنا " الحديث.
ومنه يستفاد استحبابه أيضا لذلك، وإلى خصوص ما ورد في زيارة النبي
(صلى الله عليه وآله) (2) وأمير المؤمنين (عليه السلام) (3) وأبي عبد الله الحسين
(عليه السلام) (4) وأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) (5) مما هو غني
عن الذكر، بل وما ورد في خصوص زيارة الإمامين موسى بن جعفر ومحمد
ابن علي الجواد (عليهم السلام) من المروي (6) عن ابن قولويه في كامل الزيارات عن
أبي الحسن (عليه السلام) " إذا أردت زيارة موسى بن جعفر ومحمد بن علي (عليهم السلام)
فاغتسل " الخ بل وخصوص زيارة الإمامين أبي الحسن علي بن محمد وأبي محمد الحسن بن علي
(عليهم السلام) على ما عن الكتاب المذكور (7) قال: أروي عن بعضهم (عليهم السلام)
أنه قال: " إذا أردت زيارة قبر أبي الحسن علي بن محمد وأبي الحسن بن علي

(1) المستدرك - الباب - 22 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب المزار - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 29 - من كتاب المزار
(4) الوسائل - الباب - 59 - من كتاب المزار
(5) الوسائل - الباب - 88 - من كتاب المزار
(6) كامل الزيارات باب الماءة
(7) المستدرك - الباب - 70 - من أبواب المزار - الحديث 3 من كتاب الحج
46

(عليهم السلام) تقول بعد الغسل إن وصلت " إلى آخره إلى غير ذلك. ولعل عدم
ورود ذلك في خصوص أئمة البقيع للاكتفاء بغسل زيارة النبي (صلى الله عليه وآله)
للتداخل وإن كان ذلك رخصة لا عزيمة، نعم قد تحتمل العزيمة، في المجتمعين في قبر
واحد، كالكاظم والجواد (عليهما السلام)، والهادي والعسكري (عليهما السلام) كما
يشعر به الخبر المذكور، فتأمل.
هذا كله إن لم تفهم الشمول من لفظ الزيارة التي ورد استحبابه في صحيحتي
ابن مسلم (1) وابن سنان (2) وموثقة سماعة (3) وغيرها (4) لما نحن فيه، بل نخصها
بزيارة البيت. كما في صحيحة معاوية بن عمار (5) وإلا تكثرت الأدلة على المطلوب
واتضحت، ولعلنا ندعيه.
وكيف كان فلا ريب في استفادة استحباب الغسل حينئذ لزيارة البيت من هذه
الأخبار كما عن جماعة النص عليه، بل عن الغنية الاجماع عليه لكن مقيدا له عند
الرجوع من منى، وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في ثبوته متى تحققت الزيارة المذكورة،
نعم لا يستفاد منها استحبابه لكل طواف بالبيت وإن لم يسم زيارة كما عن جماعة، اللهم
إلا أن يكون مستنده الخبر عن الكاظم (عليه السلام) (6) " إن اغتسلت بمكة ثم
نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك " أو الاجماع المحكي عن الشيخ في الخلاف أو غير
ذلك، وليس ببعيد، فلا فرق حينئذ بين طواف الزيارة والعمرة والنساء الوداع
وغيرها، وكما يستحب حينئذ للطواف كذلك يستحب للوقوف بعرفات لما عن الخلاف

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5 - 7
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5 - 7
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 0 - 1
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 0 - 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 0 - 1
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 2 من كتاب الحج
47

والغنية من الاجماع عليه، وخبري معاوية بن عمار (1) وعمر بن يزيد (2) وبالمشعر
لأولويته من سابقه، وما عن الخلاف من الاجماع عليه، والنحر والذبح والحلق لحسنة
زرارة (3) الواردة في تداخل الأغسال، ولا يستحب لرمي الجمار وإن نقل عن
المفيد لصحيح الحلبي وحسنه (4) الظاهرين في نفيه أو الصريحين، كالاجماع عن
الخلاف مضافا إلى الأصل.
(و) مما يستحب للفعل (غسل المفرط في صلاة الكسوف) بأن تركها متعمدا،
والمراد بالكسوف هنا كغيره من العبارات ما يعم الشمس والقمر كما صرح به في بعض
كتب الأصحاب، بل نسب إلى كثير منها، بل ظاهر بعضهم الاجماع عليه، بل
في المصابيح أنه محل وفاق، مع ما في المحكي عن الفقه الرضوي (5) من التصريح بهما،
وشمول لفظ الكسوف في الأخبار للأمرين إن لم ندع ظهوره في الشمس التي هي
محل الاشكال، واشتمال مرسل حريز (6) على لفظ القمر لا يصلح للحكم به عليها،
كاشتمالها نفسها (7) على لفظ الاستيقاظ المشعر بكون محل الكسوف آية الليل سيما بعد
ما عرفت، وإمكان دعوى أولوية الشمس منه في هذا الحكم، فتأمل.
واعلم أن المعتبر (مع) التفريط المذكور في استحباب الغسل (احتراق القرص على

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام بالحج - الحديث 1 - 4 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام بالحج - الحديث 1 - 4 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب رمي الجمارة - الحديث 2 و 4 من كتاب الحج
(5) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
48

الأظهر) بل لا نعرف خلافا نصا وفتوى في أصل مشروعيته مع القيدين السابقين،
بل الاجماع إن لم يكن محصلا فمنقول كالمحصل عليه، وإن وقع النزاع في وجوبه وندبه
حينئذ، كما أنه لا ينبغي الاشكال في عدم مشروعيته مع انتفاء أحدهما من التفريط أو
الاستيعاب. للأصل وظاهر الحسن كالصحيح المروي (1) عن الخصال عن الباقر
(عليه السلام) " الغسل في سبعة عشر موطنا - وعددها إلى أن قال - وغسل الكسوف
إذا احترق القرص كله واستيقظت ولم تصل فاغتسل واقض الصلاة " ونحوه مرسل
الفقيه (2) والمناقشة فيه باحتمال الاستيقاظ بعد الانجلاء وتركه الصلاة للنوم لا عمدا فهو
مع أنه لا ينافي الاستدلال بالظاهر بعيد جدا بل فاسد قطعا، لعدم اشتراط الغسل
بذلك عند أحد من الأصحاب، فوجب إرادة الترك العمدي من لفظ الاستيقاظ،
وخص بالذكر لفوائد، فلا ريب في كون العمل على ظاهر لا صحيح المتقدم من اشتراط
الشرطين في مشروعية الغسل، سيما مع تأيده بنفي الخلاف عن ذلك في صريح صلاة
السرائر وظاهر المنتهى والمختلف والتذكرة وعن الوسيلة وكشف الرموز وكشف الالتباس
وغاية المرام وظاهر معقد إجماع الغنية وصريح المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (3)
فاطلاق صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (4) " وغسل الكسوف، فإذا احترق
القرص كله فاغتسل " إذ لم يذكر فيه التعمد، كمرسل حريز (5) فعكس ذلك مقيد
بما عرفت، فما يحكى عن المقنعة والسيد في المسائل الموصلية والمصباح من الاقتصار على
اشتراط التعمد ضعيف مع عدم ثبوت ذلك عن الأخير، لكون المحكي عنه فيه نسبته
إلى الرواية، بل ولا صراحة الجميع في الخلاف، إذ لعله للاتكال على معروفية القيد

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5 - 4 - 11
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5 - 4 - 11
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5 - 4 - 11
(3) المستدرك - الباب - 17 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
49

أو نحو ذلك كاطلاق النافع، وعن كتاب الاشراف وسلار استحباب الغسل لقضاء
صلاة الكسوف، وكذا المحكي عن الذكرى، فاقتصر على الاستيعاب، وحكاه
في كشف اللثام عن الصدوق ولم يثبت، بل ربما ثبت عدمه كما قيل لما عرفت.
نعم إنما الكلام في استحباب هذا الغسل ووجوبه مع اجتماع الأمرين، فأكثر
المتأخرين على الأول كما عن الذخيرة والبحار، بل في المنتهى أنه مذهب الأكثر،
بل عن كشف الالتباس أن ذلك هو المشهور، بل عن غاية المرام نسبته إلى المتأخرين،
كالمصابيح أن عليه إطباق المتأخرين من زمان ابني زهرة وإدريس عدا النادر وفيها أيضا
" إن أكثر من قال بالوجوب من القدماء كالشيخين والمرتضى وسلار وابن البراج
وابن حمزة فقد خالف نفسه في موضع آخر من كتابه أو كتاب آخر له، فذهب إلى
الندب أو تردد بينه وبين الوجوب، فلم يتمحض للقول بالوجوب إلا الصدوق والحلبي
بل الحلبي وحده، لعدم صراحة كلام غيره فيه " انتهى.
خلافا لصلاة المقنعة والمبسوط والجمل والوسيلة وعن المصباح والاقتصاد والنهاية
والمراسم والمهذب والكافي وشرح الجمل للقاضي وجوبه نصا وظاهرا، وهو المحكي عن
ظاهر الرسالة والفقيه والهداية والمجالس، بل عن الأخير نسبته إلى دين الإمامية كما
في صلاة الخلاف وعن شرح الجمل للقاضي الاجماع عليه، ولعل ذلك مع الأمر في
الأخبار به هو الحجة لهم حينئذ على الوجوب، لكن ومع ذلك فالأول هو الأقوى
للأصل وحصر الواجب من الأغسال في غيره من الأخبار، والاجماع المحكي في مقامين
من الغنية المعتضد بما عرفت من الشهرة وغيرها، وبما في المصابيح أيضا من اتفاق
الأصحاب بعد الخلاف عليه تارة، وأخرى عليه الاجماع المحقق، وباستبعاد اشتراط
الصلاة بغسل غير رافع للحدث، مع ما في خبر زرارة (1) " لا تعاد الصلاة إلا من خمس:

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب الركوع - الحديث 5 من كتاب الصلاة
50

الطهور " إلى آخره. إذ ليس هو من الطهور، لأن الفرض وجوبه وإن وجدت الطهارة.
ولا ريب في ضعف ما تقدم من أدلة الوجوب عن معارضة ذلك، إذ الاجماع
مع معارضته باجماع آخر أقوى منه لاعتضاده بذهاب المعظم، بل قد يغلب في الظن
خطأ الأول من حيث مخالفة بعض الناقل له نفسه في غير الكتاب، كطهارة المبسوط
وغيرها، بل وللقائلين بالوجوب أيضا لما صرحوا به من الندب في كتاب الطهارة كالمقنعة
والمبسوط والمراسم والمهذب والمصباح والجمل والاقتصاد والنهاية والخلاف على ما نقل عن
بعضها، ومن ذلك يعرف ما في النسبة إلى دين الإمامية، ولعله أراد المشروعية كناقل
الاجماع، وأما الأخبار فبعد تسليم ظهورها في الوجوب تحمل على إرادة الندب لوجود
الصارف، مع ضعف بعضها ولا جابر كما عرفت.
ثم إن الظاهر اختصاص الاستحباب المذكور للقضاء خاصة، للأصل، لكن
في المختلف استحبابه للأداء أيضا، وربما مال إليه بعض من تأخر عنه، ولعله لاطلاق
صحيح ابن مسلم (1) وفيه أن الظاهر كما عن جماعة من المحققين التصريح أن هذا الخبر
بعينه خبر الخصال، وعليه شواهد، فكان النقيصة فيه من قلم الشيخ، على أنه يجب
حمله على غيره، سيما بعد القطع بعدم إرادة ظاهره بناء على تسبيب الاحتراق للغسل
من غير مدخلية للصلاة، كما أن ظاهره الوجوب، ولا صارف له إلى إرادة الندب
إلا مع إرادة القضاء، وأيضا فالأداء يجوز فعله قبل تحقق الاحتراق، فلو فعل ثم احترق
لم يجب عليه الغسل حينئذ، لعدم وجوب الصلاة، فيجب التخصيص في الحديث،
وإيجاب الإعادة عليه لمثل هذا الخبر كما ترى.
(و) منها (غسل التوبة سواء كان عن فسق) بارتكاب كبيرة أو إصرار على
صغيرة (أو كفر) أصلي أو أر تنادي بلا خلاف أجده فيهما، بل في المنتهى الاجماع

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 11
51

على ذلك، بل وكذا الغنية والمصابيح وعن ظاهر التذكرة، حيث حكي في الأولين
منها كما عن الأخير على الكبيرة المستلزم للكفر، إذ ليس أكبر منه شئ، وفي المعتبر
نسبة غسل التوبة إلى الأصحاب، وهو شامل لما نحن فيه قطعا، وكيف كان فالحجة -
مع ذلك ومع ما ورد من أمر النبي (صلى الله عليه وآله) قيس بن عاصم (1) وتمامة بن آفال
لاغتسال لما أسلما (2)، وليس المراد الجنابة لعدم اختصاصها بهما، والحديث القدسي
" يا محمد من كان كافرا وأراد التوبة والايمان فليطهر لي ثوبه وبدنه " بناء على أن المراد
بتطهير البدن ما نحن فيه، وما عساه يشعر به قوله تعالى (3): " إن الله يحب التوابين ويحب
المتطهرين " مع ما فيه من التفأل للطهارة المعنوية بالطهارة الحسية، وكذا الغسل لقاضي
الكسوف ورؤية المصلوب وقتل الوزغ مع ما ورد فيه من التعليل - خبر مسعدة بن زياد (4)
قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فقال له رجل: بأبي أنت وأمي أني
أدخل كنيفا لي ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود، فربما أطلت الجلوس
استماعا، فقال: لا تفعل، فقال الرجل: والله ما أتيتهن برجلي، وإنما هو سماع سمعه بأذني،
فقال: لله أنت أما سمعت الله عز وجل يقول: (5) " إن السمع والبصر والفؤاد كل
أولئك كان عنه مسؤولا " فقال: بل والله، ولكني لم أسمع هذه الآية من عربي
ولا عجمي، لا جرم أني لا أعود إن شاء الله، وإني أستغفر الله، فقال: قم فاغتسل وصل

(1) البحار - المجلد - 17 - ص 50 من طبعة الكمباني
(2) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 4 وفيه
ثمامة بن أبال وفي رجال المامقاني ثمامة بن أثال
(3) سورة البقرة - الآية 222
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(5) سورة الإسراء - الآية 38
52

ما بدا لك، فإنك كنت مقيما على أمر عظيم، ما كان أسوأ حالك لو مت على ذلك،
احمد الله، واسأله التوبة من كل ما يكره، فإنه لا يكره إلا القبيح، القبيح دعه لأهله، فإن
لكل أهلا ".
والمناقشة فيه بالارسال مع أن مثله في مثل ما نحن فيه غير قادح سيما بعد الانجبار
مدفوعة بأنه كذلك في رواية الشيخ والصدوق بخلاف الكليني، فإنه قد رواه مسندا،
بل الظاهر أنه صحيح، فلاحظ. ولا ريب في استفادة ما ذكرناه من الأمرين منه سيما
التعليل بالإقامة على العظيم، بل ربما قيل باستفادة استحباب الغسل للتوبة ولو من الصغير
كما يقتضيه عبارة من أطلق استحباب الغسل لها، بل في صريح المنتهى الاجماع عليه بدعوى
إشعار الاستدلال عليه بالآية الشريفة، كقوله (ع) في آخره: " واسأله التوبة عن كل ما يكره "
مع ظهور صغر ذنبه الذي قد أمره الإمام (ع) بالتوبة منه، إذ ليس هو إلا الاقدام على
ما يحتمل كونه معصية، وترك السؤال عنه كما هو ظاهر الرواية، ولم يثبت كون ذلك
من الكبائر، وجعل الإمام (عليه السلام) له أمرا عظيما إما لعظمه في نفسه أو لأنه
في مقام الزجر والردع أو غير ذلك.
قلت: لكن الانصاف أن ذلك كله تعسف، لعدم الاشعار في الاستدلال بالآية
كالكلية في آخره بالاغتسال لكل ذنب، والجاهل المقصر كالعالم في عظم الذنب وصغره
أيضا، ولا ريب في كون استماع الغناء سيما من مثل الجوار إذ الغالب اشتماله على الملاهي
حينئذ وغيره كبيرة من العالم. وأيضا مع التسليم فالمفهوم من قوله (ع): " كنت مقيما "
الاصرار على ذلك، وهو كبيرة، فظهر حينئذ أن الاستدلال به على ذلك لا يخلو من
تأمل، فمن هنا اقتصر في الغنية كما عن غيرها على الكبيرة، وربما فهم من نحو عبارة
المصنف والقواعد لعدم تحقق الفسق بالصغيرة، إلا أن يصر عليها، فتكون كبيرة حينئذ.
ومنه يظهر دليل آخر غير الأصل، لعدم استحباب الغسل لها من حيث وقوعها
مكفرة. فلا توبة منها حتى يشرع الغسل لها، لكن قد يقال: إنه يكفي في ثبوت
53

الاستحباب إجماع المنتهى المؤيد بصريح الفتوى من جماعة، كاطلاق آخرين الغسل للتوبة
حتى نسب إلى الأصحاب في المعتبر، وعده في الوسيلة من المندوب بلا خلاف، بل
لعل عبارة المصنف ونحوها يراد من الفسق فيها بقرينة المقابلة بالكفر ما هو أعم منهما،
فينحصر الخلاف حينئذ في خصوص من قيد بالكبيرة، وهو قليل، وفي المصابيح أن
التعميم هو المشهور بل المجمع عليه، لندرة لمخالف وانقراضه بالنسبة إلى أولئك، مع احتمال
عدم التخصيص منهم، كما أنه يحتمل أيضا شمول الكبيرة بدعوى أن سائر الذنوب كبائر
وإن اختلفت شدة وضعفا، كما عن بعض نسبته إلى الجميع، وآخر إلى الأكثر، والصغائر
تقع مكفرة في حال الغفلة والنسيان، وإلا فالتوبة واجبة عن كل ذنب، والصغيرة بترك
التوبة تكون كبيرة، ولعله على هذا يحمل قوله تعالى (1): " إن تجتنبوا كبائر " الآية.
على أن محل البحث حيث تتحقق التوبة عن الصغيرة التي ليست بكبيرة كما لو فرض إرادة
التوبة عن بعض الصغائر لمرتكب الكبائر، ودعوى عدم جواز تبعيض التوبة ممنوع،
فتأمل جيدا. فظهر لك أن الأقوى حينئذ استحباب الغسل مطلقا.
(و) منها غسل (صلاة الحاجة وصلاة الاستخارة) بلا خلاف أجده فيهما،
بل في الغنية الاجماع عليهما، وفي الوسيلة من المندوب بلا خلاف، وفي المعتبر مذهب
الأصحاب، والروض أنه عمل الأصحاب، وعن التذكرة عند علمائنا، ويدل عليه
مضافا إلى ذلك الأخبار (2) الكثيرة الآمرة به مقدما على الصلاة عند طلب الحوائج،
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (3): " وغسل الاستخارة مستحب " ولم أعثر
على غيره فيما يتعلق بالاستخارة، وغير المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (4) " وغسل

(1) سورة النساء - الآية 35
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
(4) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
54

الاستخارة وغسل طلب الحوائج من الله تبارك وتعالى " وليس فيهما ذكر الصلاة، بل
ظاهرهما الاستحباب لنفس الأمرين، كالمحكي لنا من عبارة التذكرة ناسبا لها إلى علمائنا،
ولعله غير بعيد، بل أخبار الحاجة (1) لا تنافيه، لعدم صراحتها بل ولا ظهورها في
كون الغسل للصلاة، وإن أمر به سابقا على الصلاة المأمور بها، اللهم إلا أن يجعل إجماع
الغنية المؤيد بما عرفت قرينة على احتمال الصلاة فيهما، وأما صحيح زرارة عن الصادق
(عليه السلام) (2) في الأمر يطلبه الطالب من ربه، إلى أن قال: " فإذا كان الليل
فاغتسل في ثلث الليل الثاني - وساق الحديث حتى قال -: فإذا رفع رأسه من السجدة
الثانية استخار مائة مرة، يقول " وذكر الدعاء. ونحوه خبر مرازم (3) عن الكاظم
(عليه السلام) فيما إذا قد حك أمر عظيم، فالظاهر أن المراد بالاستخارة فيهما إنما هو
طلب أو يجعل الله له الخيرة في هذا الأمر الذي يطلبه وأن يختاره، فإنه أحد معاني
الاستخارة لا بمعنى المشاورة.
لكنك في غنية عن ذلك بعد الاستدلال بما عرفت من الاجماع وغيره، على
أن الاستخارة تدخل في طلب الحوائج، فتشملها تلك الأدلة، نعم قال في جامع المقاصد
وتبعه غيره: " إنه ليس المراد بصلاة الحاجة والاستخارة أي صلاة اقترحها المكلف
لأحد الأمرين، بل المراد بذلك ما نقله الأصحاب عن الأئمة (عليهم السلام)، وله
مظان فليطلب منها " انتهى.
قلت: لكن لا يخفى على من لاحظ ما ورد من أخبار الحاجة (4) أنها ظاهرة
في أن للمكلف أن يصلي ركعتين مغتسلا لهما في كل حاجة وفي أي وقت، نعم في

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 21 من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 21 من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب بقية الصلواة المندوبة - الحديث 1 و 5 و 7
55

بعضها (1) كيفيات خاصة للصلاة من قراءة الاخلاص خمس عشرة على نحو صلاة التسبيح
وصيام ثلاثة أيام ونحو ذلك، وهو أمر خارج عما نحن فيه. فلاحظ وتأمل، ولعله
يدخل في صلاة الحاجة ما ذكر من الغسل لصلاة الاستسقاء، لما في الغنية من الاجماع
عليه، وفي موثقة سماعة (2) " وغسل الاستسقاء واجب " والمراد تأكد الاستحباب
باتفاق الأصحاب كما قيل، لكن لا صلاة فيها، ولعله للاتكال على معلومية ذلك
سيما مع ما عرفت من الاجماع، بل عن فلاح السائل نقلا عن ابن بابويه في كتاب مدينة
العلم عن الصادق (عليه السلام) (3) أنه روى حديثا في الأغسال ذكر فيها غسل
الاستخارة وغسل صلاة الاستسقاء وغسل الزيارة، ثم قال: رأيت في بعض الأخبار (4)
من غير كتاب مدينة العلم " أن مولانا عليا (عليه السلام) كان يغتسل في الليالي الباردة
طلبا للنشاط " قلت: ومنه يستفاد استحباب الغسل لذلك أيضا، فتأمل.
ومن الحوائج الغسل لصلاة الظلامة، لما روي عن مكارم الأخلاق عن الصادق
(عليه السلام) (5) قال: " إذا طلبت بمظلمة فلا تدع على صاحبك، فإن الرجل يكون
مظلوما فلا يزال يدعو حتى يكون ظالما، ولكن إذا ظلمت فاغتسل وصل ركعتين في
موضع لا يحجبك عن السماء ثم قل " (6).

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 7 و 10
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
(3) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 2
(4) المستدرك - الباب - 22 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 1
(6) " اللهم إن فلان بن فلان ظلمني وليس لي أحد أصول به عليه غيرك فاستوف
لي ظلامتي الساعة الساعة بالاسم الذي إذا سألك به المضطر أجبته، فكشفت ما به من
ضر، ومكنت له في الأرض، وجعلته خليفتك على خلقك، فأسألك أن تصلي على
محمد وآل محمد، وأن تستوفي لي ظلامتي الساعة الساعة، - إلى أن قال -: فإنك
لا تلبث حتى ترى ما تحب " (منه رحمه الله).
56

ومنها أيضا الغسل لصلاة الخوف من الظالم المروية (1) عن مكارم الأخلاق أيضا
بكيفية خاصة (2)
بل وكذا ما ذكر من الغسل لصلاة الشكر مدعيا في الغنية الاجماع
عليه قد يدعى دخولها في الحوائج أيضا لقوله تعالى (3): " ولئن شكرتم لأزيدنكم "
ولم نقف على خبر يدل على ذلك، نعم روي عن الصادق (عليه السلام) (4) في كيفية
صلاة الشكر عن الكافي (5).
وقد يدخل في طلب الحوائج أيضا ما ورد من الغسل لأخذ التربة الحسينية،
للمرسل (6) عن ابن طاووس في مصباح الزائر (7) ونحوه عن البحار عن المزار الكبير

(1) المستدرك - الباب - 27 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 2
(2) من كشف الركبتين بعد الاغتسال والصلاة وجعلهما مما يلي الصلاة ثم قول
مائة مرة: يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم يا حي لا إله إلا أنت، برحمتك استغثت، فصل
على محمد وآل محمد، وأن تلطف وأن تغلب لي وأن تمكر لي وأن تخدع لي وأن تكيد
لي وأن تكفيني مؤنة فلان بلا مؤنة، فإن هذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وآله يوم أحد (منه رحمه الله)
(3) سورة إبراهيم (عليه السلام) - الآية 7
(4) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب بقية الصلوات المندوبة - الحديث 1
(5) ركعتين يقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد، وفي الثانية بفاتحة
الكتاب وقل يا أيها الكافرون، وتقول في ركوع الأولى وسجودها: الحمد لله شكرا
شكرا وحمدا، وتقول في الركعة الثانية أيضا في ركوعك وسجودك: الحمد لله الذي
استجاب دعائي وأعطاني مسألتي، (منه رحمه الله)،
(6) البحار - المجلد - 22 - ص 147 من طبعة الكمباني
(7) قال: يروى في أخذ التربة " إنك إذا أردت أخذها فقم آخر الليل واغتسل، واللبس
أطهر ثيابك وتطيب تسعد وادخل وقف عند الرأس وصل أربع ركعات الحديث (منه ره).
57

عن جابر الجعفي عن الباقر (عليه السلام) (1).
وبقي بعض الأغسال للأفعال، (منها) قتل الوزغ، وهو حيوان ملعون قد
ورد عدة أخبار (2) في ذمه والترغيب على قتله، وأنه كمن قتل شيطانا. إلى غير ذلك،
والظاهر أن سام أبرص والورك بعض أفراده، وعلى كل حال فاستحباب الغسل
للمروي (3) عن بصائر الدرجات وروضة الكافي والخرائج والجرائح عن الصادق
(عليه السلام) " عن الوزغ، قال: رجس، وهو مسخ كله، فإذا قتلته فاغتسل " وعن
الهداية (4) أنه " روي والعلة في ذلك أنه يخرج من الذنوب فيغتسل منها " ولعل هذا
مع فتوى جماعة من الأصحاب به يكفي في إثبات الاستحباب، فما وقع من الاضطراب
فيه حتى من المصنف في المعتبر ليس في محله.
و (منها) الغسل من المس للميت بعد تغسيله، لموثقة عمار الساباطي (5) وفيه بحث.
و (منها) الغسل لإرادة تكفينه أو تغسيله كما عن الذكرى والنزهة، بل عن
الأخير نسبته إلى الرواية، ولعله أراد بها خبر محمد بن مسلم (6) عن أحدهما (عليهما السلام)
أو الباقر (عليه السلام) " الغسل في سبعة عشر موطنا - إلى أن قال -: وإذا غسلت
ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد " وهو غير ظاهر في ذلك، بل هو محتمل وجوها
عديدة، فتأمل جيدا، ليظهر لك بطلان ما عن الصدوق، ووجهه في المجالس والهداية

(1) المستدرك - الباب - 56 - من أبواب المزار - الحديث 1 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأغسال المسنونة والمستدرك، الباب 13 منها
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 5 و 11
58

من الفتوى بمضمون الخبر المتقدم مع التصريح بالوجوب.
و (منها) الغسل للتوجه إلى السفر خصوصا سفر زيارة الحسين (عليه السلام)،
للمرسل عن ابن طاووس (1) في أمان الأخطار في ذلك، وخبر أبي بصير عن الصادق
(عليه السلام) (2) في خصوص سفر الحسين (عليه السلام) (3).
و (منها) عمل الاستفتاح لما عن الشيخ والصدوق وابن طاووس بطرق متعددة (4)
عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في حديث طويل. " صم في رجب يوم ثلاثة عشر
وأربعة عشر وخمسة عشر، فإذا كان يوم الخامس عشر فاغتسل عند الزوال " وعن
رواية أخرى قريبا من الزوال.
و (منها) غسل من أهرق عليه ماء غالب النجاسة كما عن المفيد في الاشراف،
ولعله للاحتياط،
كالغسل عند الإفاقة من الجنون كما عن العلامة في النهاية، قال:
" لما قيل: إن من زال عقله أنزل " انتهى. لكن نفاه في المنتهى، لعدم الدليل،
وكالغسل عند الشك كواجدي المني في الثوب المشترك، وإعادة الغسل عند زوال العذر
الذي رخص في اشتمال الغسل على نقص خروجا من شبهة القول بوجوبه.
و (منها) غسل من مات جنبا قبل تغسيله على ما عن بعضهم، لكن عن المعتبر
الاجماع على عدم استحبابه، وقد تقدم لنا كلام فيه.

(1) البحار - ج - 22 - ص 3 من طبعة الكمباني
(2) الوسائل - الباب - 77 - من كتاب المزار - الحديث 1
(3) قال: " إذا أردت الخروج إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فصم قبل أن تخرج
ثلاثة أيام يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة، فإذا أمسيت ليلة الجمعة فصل صلاة الليل،
ثم قم فانظر في نواحي السماء فاغتسل تلك الليلة قبل المغرب، ثم تنام على طهر، فإذا أردت
المشي إليه فاغتسل ولا تطيب ولا تدهن ولا تكتحل حتى تأتي القبر " (منه رحمه الله)
(4) الاقبال - ص 659
59

و (منها) لمعاودة الجماع، قيل: لقول الرضا (عليه السلام) في الذهبية (1):
" والجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون " قلت: ويحتمل بفتح
الغين المعجمة وإرادة غسل الجنابة، فتأمل. ولا يخفى عليك أن ما ذكر من غسل الأفعال
منها ما كان الفعل غاية له، ومنها ما كان سببا له، ويختلفان من هذه الجهة من حيث
التقدم والتأخر، فتأمل جيدا.
* (وخمسة) * أغسال * (للمكان) * وبها تتم الثمانية والعشرون التي ذكرها المصنف
* (وهي غسل دخول الحرام) * للصحيح (2) والخبرين (3) وإجماع الغنية المعتضد بما في الوسيلة
من المندوب بلا خلاف، لكن في كشف اللثام عن الشيخ في الخلاف الاجماع على
عدمه، وهو - مع قصوره عن معارضة ما عرفت - قال في المصابيح: إني لم أجد ذلك في
الخلاف، ثم إطلاق الحرم في الأخبار وكلام الأصحاب، ينصرف إلى حرم مكة دون
حرم المدينة، فكان على المصنف أن يثنيه لصحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (4)
" الغسل في سبعة عشر موطنا - إلى أن قال -: وإذا دخلت الحرمين " واحتمال إرادة
نفس البلدين منه تكلف لا داعي إليه ولا شاهد عليه.
* (و) * غسل دخول * (المسجد الحرام) * لاجماعي الغنية والخلاف المعتضدين بما في
الوسيلة أيضا من المندوب بلا خلاف، وفحوى ما دل عليه لمسجد النبي (صلى الله عليه وآله)
لأنه أفضل منه، وربما استدل عليه بقول الكاظم (عليه السلام) (5) لعلي بن أبي حمزة:
" إن اغتسلت بمكة ثم تمت قبل أن تطوف فأعد غسلك " لكن ظاهره كون الغسل

(1) البحار - ج - 14 - ص 558 من طبعة الكمباني
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 7 - 11
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 و 5
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 7 - 11
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 2 من كتاب الحج
60

للطواف، وكيف كان فما عن الجعفي من وجوب الغسل لذلك شاذ لا يلتفت إليه.
* (و) * غسل دخول * (الكعبة) * لقول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (1): " وغسل
دخول البيت واجب " والمراد تأكد الاستحباب، وفي صحيح ابن سنان (2) " ودخول
الكعبة " وقول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (3): " ويوم تدخل البيت "
مع ما في الغنية والخلاف من الاجماع عليه معتضدا بما سمعته من الوسيلة أيضا، ولعل
المراد بالكعبة في المتن ما يشمل البلد، أعني مكة لما في الخلاف من الاجماع عليه فيها أيضا
معتضدا بما في الوسيلة مما تقدم، وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (4):
" ودخول مكة " وفحوى ما دل عليه (5) في دخول المدينة، وأما خبر الحلبي (6)
" إن الله عز وجل يقول في كتابه (7): " طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود " فلا ينبغي للعبد أن يدخل مكة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهر " فيحتمل
إرادة البيت من مكة فيه، وما في كشف اللثام من الاجماع عن الخلاف على عدم
استحباب الغسل لذلك لم نجده، بل الموجود ما حكيناه.
* (و) * غسل دخول * (المدينة) * لصحيح ابن سنان (8) ودخول مكة والمدينة،
وحسن معاوية بن عمار عن الرضا (عليه السلام) (9) " إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل
أن تدخلها أو حين تدخلها " وإجماع الغنية المعتضد بما سمعت من الوسيلة، وإطلاق
الدليل هنا كاطلاق ما دل عليه بالنسبة إلى دخول مكة عدم الفرق بين الدخول لأداء

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 7 - 11
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 7 - 11
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3 - 7 - 11
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 10 - 7 -. 1
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 10 - 7 -. 1
(6) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 3 من كتاب الحج
(7) سورة البقرة - الآية 119
(8) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 10 - 7 -. 1
(9) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب المزار - الحديث 1 لكن رواه عن الصادق (ع)
61

فرض أو نفل أو غيرهما، فما عن المقنعة من اختصاصه بالأولين ضعيف.
* (و) * غسل دخول * (مسجد النبي (صلى الله عليه وآله)) * لقول الباقر (عليه السلام)
في خبر ابن مسلم (1): " وإذا أردت دخول مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) "
وإجماع الغنية المعتضد بما سبق من الوسيلة أيضا، وفي الموجز كما عن شرحه ونهاية الإحكام
زيادة دخول مشاهد الأئمة (عليهم السلام) في الأغسال المكانية بعد أن ذكروا استحبابه
للزيارة، وجعلوه من الغسل للفعل، وهو أعم من الزيارة إذ يكون لها ولغيرها، ولم
نعرف له شاهدا سيما إذا أريد البلد، إلا فحوى ثبوته للمدينة ومكة ومسجديهما،
وكذا ما يحكى عن أبي علي من استحبابه لكل مشهد أو مكان شريف، كقوله ذلك
أيضا في الزمان لكل زمان شريف، ولكل فعل يتقرب به إلى الله، وغير ذلك،
ولعله لحجة القياس عنده، فتأمل.
* (مسائل أربع: الأولى ما يستحب للفعل و) * منه * (المكان) * إذ المراد الدخول إليه
* (يقدم عليهما) * لأن المراد وقوع الفعل منه مغتسلا، وهو مع ظهوره وعدم ظهور
الخلاف فيه بل نسب إلى تصريح الأصحاب مصرح به في كثير من الغايات المذكورة
في الروايات (2) لكن قد يناقش فيه بغسل التوبة وقاضي الكسوف وقاتل الوزغ
والساعي إلى المصلوب وماس الميت بعد تغسيله ونحو ذلك، وربما دفع بكونه في الأول
للصلاة التي تقع بعدها كما يظهر من المستند، والثاني للقضاء، والثالث وما بعده بأن المراد
من اللام في قولنا " للفعل " بمعنى الغاية، ولا ريب في كونها ليست من ذلك، وفيه أن
غسل التوبة لها لا للصلاة كما هو ظاهر الأصحاب وإجماعاتهم، ونمنع ظهور الخبر السابق
في كونه للصلاة وإن وقع الأمر بها فيه بعده كالقاضي للكسوف لأن ذلك إنما كان

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 12 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 12 - 0 -
62

عقوبة له من حيث تركه، على أن تسليمه لا يدفع أصل الاشكال، لتحققه بغيره،
والثالث خلاف ما صرحوا به من كون الغسل فيها للفعل غير فارقين بينها وبين غيرها
في ذلك.
ومن هنا ارتكب بعضهم الاستثناء فحكم بتقديم الغسل للفعل إلا في هذه الأمور
كآخر فقسم الغسل إلى زماني وغائي، ويدخل المكاني فيه، وسببي على خلاف التقسيم
المشهور من الزماني والفعلي والمكاني، والأمر في ذلك كله سهل بعد التسالم على الحكم،
نعم قد يناقش بحسنة معاوية بن عمار السابقة " إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها
أو حين تدخلها " بناء على أن الترديد منه (ع) لا من الراوي، وقد تحمل على إرادة التخيير
بين التقديم بفصل وغيره، كما عساه يشهد له قوله (عليه السلام) (1): " إذا انتهيت
إلى الحرم إن شاء الله فاغتسل حين تدخله وإن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من
فخ أو من منزلك بمكة " الخبر. وأصعب منه المناقشة بخبر ذريح (2) سألته " عن
الغسل في الحرم قبل دخوله أو بعد دخوله، قال: لا يضرك أي ذلك فعلت، وإن
اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس " لكنه قد يحمل على إرادة غسل دخول
الكعبة أو المسجد أو غير ذلك، وعن الشيخين والأكثر تنزيل هذه الأخبار على
العذر والاضطرار، وفيه أنه مبني على جوازه عندهما ولو قضاء، وهو محل بحث وإن
ظهر من المحكي عن الذكرى جوازه في سائر أغسال الأفعال إلا أنه لا يخلو من نظر،
إذ لو جاز لاقتصر فيه على محل النص، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى عليك أنه ليس المراد بالتقديم في الغسل لغايته الاجتزاء به ولو مع
الفصل بالزمان الطويل كاليومين والثلاث فصاعدا قطعا، لظهور الأدلة أو صراحتها

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 2 - 3 من
كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 2 - 3 من
كتاب الحج
63

بعدمه ككلام الأصحاب، بل ربما يظهر من ملاحظة الأدلة إرادة اتصال عرفي بالغسل
والفعل، فلا يعتبر التعجيل والمقارنة كما لا يجتزى بمطلق التراخي، نعم ربما يقال
بالاكتفاء مع الفصل باليوم كالليل، فيجتزى بالغسل للزيارة مثلا الفجر ولو وقعت الزيارة
قريب المغرب، وكذا الليل كما عن جماعة التصريح به منهم الشيخ وابن إدريس ويحيى
ابن سعيد وغيرهم، لقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح (1): " غسل يومك ليومك
وغسل ليلتك لليلتك " وعن أبي بصير (2) قال: " سأله رجل وأنا عنده، قال:
اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى، فقال: يعيد الغسل، يغتسل نهارا
ليومه ذلك، وليلا لليلته " وقول الصادق (عليه السلام) في خبر عثمان بن يزيد (3):
" من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل، ومن
اغتسل غسلا ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر ".
مع إمكان المناقشة في ذلك كله باحتمال إرادة الأغسال الزمانية من الخبرين
الأولين، وأنه لا يجتزى بغسل النهار لليل وبالعكس، وبعدم إرادة ظاهر الخبر الثالث
من الاكتفاء بالغسل عن كل ما يثبت في ذلك اليوم من الأمور المتجددة، فيكون مؤلا
بالنسبة إلى المطلوب، ويخرج عن الحجية، لكن قد يقال باندفاع ذلك كله بعد الانجبار
بالفتوى، بل لم يحك خلاف فيه، إلا أنه ينبغي الاقتصار حينئذ على هذا المقدار من
دون زيادة، وأما ما في خبر جميل عن الصادق (عليه السلام) (4) أيضا " غسل يومك
يجزؤك لليلتك، وغسل ليلتك يجزؤك ليومك " بل عن الصدوق الفتوى به فقاصر عن

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 3 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام - الحديث 2 - 3 من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 1 من كتاب الحج
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام - الحديث 4 - 1 من كتاب الحج
64

معارضة ما عرفت، سيما مع احتمال معنى " إلى " من اللام، أو إرادة الاغتسال في الليل
قبيل الفجر، وكذا العكس على ما ستعرف، لك لولا ظهور اعراض الأصحاب عنه
لأمكن العمل به، لصحة سنده بطريق الصدوق إلى جميل بحمل تلك الأخبار على
تأكد الاستحباب.
وكيف كان فبناء على الاقتصار على ما عرفت فلا اشكال فيه إذا وقع الغسل في
أول كل منهما، أما لو وقع في الأثناء فهل يعتبر التلفيق بمعنى التكميل بالليل مثلا،
إن ثلثا فثلث، وإن ربعا فربع، وهكذا، أو يعتبر التقدير بمعنى تقدير زمان النهار
مثلا بساعات، فيؤخذ بقدر ما يتم به النهار كذلك من الليل، فلو لم يف فمن النهار
الثاني، وهكذا الليل، أو المعتبر الانقضاء بالانقضاء فلا تلفيق ولا تقدير؟ وجوه،
أقواها أوسطها، لظهور كون عدم قادحية الفصل، وأضعفها آخرها، بل موثق
سماعة وأبي بصير (1) " من اغتسل قبل طلوع الفجر وقد استحم قبل ذلك ثم أحرم من
يومه أجزأه غسله " صريح في بطلانه.
ولا فرق في عدم جواز التقديم زيادة على المقدار المتقدم بين الاضطرار كاعواز
الماء وعدمه، وحمله على الجمعة قياس لا نقول به. فالمتجه السقوط حينئذ. لكن
نقل عن الشهيد جواز التقديم للاعواز، ولعله لما روي (2) من تقديمه (عليه السلام) الغسل
بالمدينة مخافة إعواز الماء بذي الحليفة، ويدفعه أنه لا مسافة بينهما بحيث تزيد على مسير
اليوم أو الليلة حتى ينتقل منه إلى جواز ذلك، فتأمل.
هذا كله في الأغسال الفعلية الغائية، ومنها المكانية، أما الفعلية السببية فلعل
الوجه فيه أنه يمتد بامتداد العمر، لأن ذلك مقتضى ثبوته لوجود السبب من دون توقيت

الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الاحرام الحديث 5 من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الاحرام الحديث 1 من كتاب الحج
65

وإن قلنا بفوريته، لعموم ما دل على المسارعة (1) والاستباق (2) ولأن الأغسال
السببية قد شرعت إما عقوبة كرؤية المصلوب، أو للمبادرة إلى عمل كالتوبة، أو
للتفأل كالخروج من الذنوب لقتل الوزغ، أو لشئ يكره البقاء عليه كمس الميت،
والكل يناسب الفورية، قيل وهو ظاهر الأصحاب والأخبار الواردة في تلك الأسباب،
قلت: بل قد يفهم منها توقيت عند التأمل، ولا ينتقض مثل هذا الغسل بالحدث قطعا،
للأصل وظواهر الأدلة ومحكي الاجماع، بخلاف سابقة كما مر الكلام فيه مفصلا عند
البحث بانتقاض غسل الزمان بالحدث.
* (و) * أما * (ما يستحب) * من الأغسال * (للزمان) * فإنما * (يكون) * ويوجد * (بعد
دخوله) * كما هو واضح، لظهور الإضافة في ذلك إن لم يكن أمرا بوقوعه، وملاحظة
الأدلة تغني عن تكلف الاستدلال، نعم ظاهر التوقيت مع عدم التقييد بجزء خاص
منه الاجتزاء بوقوع الفعل في أي جزء منه، سيما إذا أمر به في الوقت، وقد مضى
سابقا الكلام في بعض الأغسال الموقتة من حيث ظهور بعض الأدلة في توقيتها بجزء
خاص من الزمان.
وكيف كان فذو الوقت لا يقدم عليه إلا ما عرفت من غسل الجمعة عند إعواز
الماء للدليل، كما أنه لا يقضى إلا هو أيضا، للأصل وفقد النص وبطلان القياس،
وظاهر الأصحاب حيث اقتصروا عليهما في الجمعة، فما عن المفيد - من قضاء يوم عرفة
لقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة (3): " إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر
أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر " إلى آخره. لاستحالة الجمع بين
غسل عرفة وأغسال يوم العيد، فليحمل على القضاء - ضعيف، وفيه مع أنه معارض

(1) سورة آل عمران - الآية 127 (2) سورة الحديد - الآية 21
(3) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - الحديث 1 لكنه مضمر
66

باحتمال تقديم غسل العيد حينئذ أن المراد منه بيان الاجتزاء بالغسل الواحد عن أسباب
متعددة، فتأمل. وكذا ما عن الشهيد من قضاء غسل ليالي القدر، لعدم الدليل، وما
ادعاه من خبر بكير لم يثبت كما أشرنا إليه سابقا، هذا بالنسبة للقضاء، وأما التقديم
فكذلك لا يجوز في غير الجمعة للعذر، لكن قال الباقر (عليه السلام) (1) في الصحيح:
" الغسل في شهر رمضان عند وجوب الشمس قبيله، ثم تصلي وتفطر " وفي إقبال
ابن طاووس روي (2) " أنه يغتسل قبل الغروب إذا علم أنها ليلة العيد " وقد يشكل
بمنافاة التوقيت الثابت هنا إجماعا كما قيل لاستحباب التقديم اختيارا، نعم لا ينافيه
التقديم مع العذر محافظة على مصلحة أصل الفعل، بل لعله يكون حينئذ وقتا اضطراريا،
إذ أقصى مفاد التوقيت منع التقدم عليه.
وقد يدفع إما بالتوسع في زمان الغسل، فيجعل الليل مع شئ مما تقدمه،
فالتوقيت بالليل في الأخبار وكلام الأصحاب تغليبا للأكثر، أو لكون الجزء
المتقدم بمنزلة الليل، لاتصاله به، أو لأن الليل هنا من سقوط القرص المتقدم على
الغروب الشرعي، وفيه أن ذلك كله إن أمكن في الأخبار فغير ممكن في كلام
الأصحاب لعدم الشاهد له، بل هو على خلافه موجود، والقول: إن المستحب
يتسامح فيه يدفعه أن ذلك ما لم يظهر إعراض من الأصحاب عنه، وكذا ما يدفع به
أيضا يجعل هذا الغسل المتقدم من الأغسال الغائية للزمانية المتقدمة، فيكون غايته الزمان،
أو ما يقع فيه من الأعمال، نعم يسقط به الغسل الزماني، إذ هو - مع أنه مجرد
احتمال لا دليل عليه - ظاهر الأصحاب خلافه. لعدم ذكرهم هذا الغسل، كما أن
ظاهر الخبر المتقدم الدال على هذا الحكم كون هذا الغسل إنما هو الغسل الموظف في الليلة،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 2
67

وإلا فلا دلالة فيه على اسقاط الغسل الزماني به، ومجرد امتناع تطبيقه على قواعد الموقت
لا يصلح لأن يكون قرينة على شئ من الاحتمالات السابقة لمعارضتها بمثلها، بل لعله حمله
على تفاوت الفضيلة، وجعل الوقت للغسل الكامل والمقدم من الرخص، أو حمله على غسل
آخر غير الغسل الزماني، وأنه لا يسقط به أو غير ذلك أولى منها، فالمتجه طرح الرواية
السابقة، أو حملها على ما لم يظهر من الأصحاب اعراض عنه، وكان متجها بالنظر
إلى قواعد الحمل، فتأمل جيدا.
* (الثانية إذا اجتمعت) * أسباب * (أغسال مندوبة) * فالأقوى الاكتفاء بغسل
واحد لها، لكن * (لا تكفي نية القربة) * في ذلك * (ما لم ينو السبب) * ونحوه، بل لا بد من
التعرض لها تفصيلا أو كالتفصيل في بعض الوجوه، * (وقيل: إذا انضم إليها غسل واجب
كفاه نيته والأول أولى) * كما تقدم الكلام في جميع ذلك مفصلا في محله، فلاحظ وتأمل.
المسألة * (الثالثة والرابعة قال بعض فقهائنا) * كالصدوق في ظاهره وعن أبي الصلاح
في صريحه * (بوجوب غسل من سعى إلى مصلوب ليراه عامدا بعد ثلاثة أيام) * إلا أن
الأول منهما لم يزد على ذكره المرسلة (1) التي هي مستند أصل الحكم في المقام، قال:
" وروي أن من قصد إلى مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة " لكنه بضميمة
تعهده في أول كتابه يظهر منه العمل به، والثاني قيد المصلوب بكونه من المسلمين، وذكر
القصد بدل السعي، وترك التصريح بالعمد، فإنه قال على ما حكي عنه: " إن الأغسال
المفروضة ثمانية - إلى أن قال -: وغسل القاصد لرؤية المصلوب من المسلمين بعد ثلاثة "
ولم نعثر على غيرهما ذهب إلى ذلك، نعم ربما ظهر من بعضهم التردد فيه، بل وفي
أصل ثبوت الحكم فضلا عن وجوبه، لكنه ضعيف جدا لما سيظهر لك في مطاوي البحث،
وكذا سابقه من القول بالوجوب، إذ لم نعرف له مستندا سوى المرسلة السابقة، وهي

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
68

مع خلو أكثر كتب الحديث عنها وقلة العامل بها وانقراضه لا تقطع الأصل، ولا تحكم
على غيرها من الأخبار (1) التي حصرت الواجب في غيره، وخصوصا مع شهرة
الندب، بل إطباق المتأخرين عليه كما قيل، بل في الغنية الاجماع عليه، وعن ظاهر
السرائر عدم الخلاف فيه عند ذكره اختلاف الأصحاب في أنواع الغسل الواجب،
وكفى بذلك دليلا على الندب، وعلى تنزيل الرواية عليه بإرادة الواجب فيها المتأكد
سيما مع التسامح في المستحب، لكنه لا تقييد فيها بالثلاث، إلا أنه ذكره غير واحد
من الأصحاب، بل نسبه في المصابيح إليهم عدا الصدوق والمفيد، كما أنه قيد به في
معقد إجماع الغنية، ولعل ذا كاف في تقييد النص، مضافا إلى ما قيل من أن الصلب
شرعا لتفضيح المصلوب واعتبار الناس، فكان النظر إليه في المدة المضروبة لصلبه وهي
ثلاثة أيام بالنص والاجماع جائزا بل مطلوبا للشارع، فلا يترتب عليه عقوبة، وقد
صرح في النص (2) بأن الغسل عقوبة على النظر، فوجب تخصيصه بالنظر الممنوع،
وهو ما كان بعد الثلاث.
قلت: إلا أن ذلك يقتضي اختصاص التقييد بالمصلوب بحق دون الظلم، لعدم
استحقاقه التفضيح، لحرمة صلبه ووجوب إنزاله عن الخشبة مع التمكن منه مطلقا، فهو في
الثلاثة مساو للمصلوب بحق بعدها، فالمتجه حينئذ ثبوت الغسل بالسعي إلى رؤياه فيها،
لكنه مناف لاطلاق المصلوب في كلامهم، بل عن جامع المقاصد والروضة وفوائد
الشرائع ومنهج السداد والروض والمسالك والفوائد الملية وتعليق الإرشاد التصريح
بعموم المصلوب لهما، وحمل التقييد بالثلاثة على إرادته بالنسبة إلى إطلاق الغسل،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
69

لا في الغسل مطلقا أي بالنظر إلى نوعيه كما ترى، ولعله من هنا حكي عن الصيمري
تخصيص المصلوب في كلامهم بالمصلوب بحق، بمعنى عدم ثبوت الغسل بالسعي إلى رؤيا
المصلوب بظلم، لكنه مناف لاطلاق النص وللتعليل فيه، ولما سمعته من إطلاق
الأصحاب وتصريح جمع منهم، وكذا دعوى مساواته للمصلوب بحق في عدم ثبوت
الغسل إلا بعد الثلاث، لاطلاق النص والتعليل، ولذا كان تحرير مرادهم في المقام
في غاية الاشكال، إذ تخصيص المصلوب فيه بحق يقتضي سقوط الغسل في المظلوم،
وفيه ما عرفت، وتعميمه يقتضي تقييده بالثلاثة كالمستحق، وفيه ما عرفت، مع تصريح
بعضهم أيضا بعدمه، وأنه يثبت الغسل بالسعي إلى رؤياه فيها.
فلعل المتجه تنزيل كلماتهم على إرادة المستحق، كما قد يدعى تبادره بالنسبة إلى
الخطابات الشرعية. ولا ينافيه استبعاد بقائه حينئذ على الخشبة بعد الثلاث لانبساط يد
الشرع حينئذ، إذ لعلها ليست من كل وجه أو غير ذلك. ثم يلحق به المظلوم إلحاقا
للتعليل وغيره مع التسامح في أدلة السنن، لا أنه يكون داخلا في عباراتهم، فيثبت
الغسل حينئذ بالسعي إلى رؤياه في الثلاث فضلا عما بعدها، ولعل ذلك هو الظاهر من
ذيل عبارة كشف اللثام، فلاحظ وتأمل.
ومنه ينقدح حينئذ إرادة الهيئة الشرعية في الصلب دون غيرها. إلا أن
تلحق إلحاقا كالمصلوب بظلم كما هو الأقوى، نعم لا غسل في المقتول ونحوه بغير
الصلب ولو كان بحق، بل ولا في المصلوب بعد إنزاله من الخشبة وذهاب هيئة الصلب،
لتبادر إرادة المصلوبية حين الرؤية، والظاهر أن مبدأ الثلاثة حين الصلب لا الموت،
خلافا للمحكي عن بعضهم، إذ هي المدة التي يترك فيه المصلوب شرعا مات أو لم يمت فتأمل.
ثم إنه يشترط في ثبوت الغسل تحقق النظر كما دل عليه الخبر (1) وعن جماعة

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
70

التصريح به، ولعله مراد الباقين، لغلبة تحققه في السعي إليه، كما أنه يشترط فيه
أيضا السعي إلى النظر وإن ترك في الخبر وذكر في كلام الأكثر، لكن ظاهر لفظ
القصد فيه وفي معقد إجماع الغنية ذلك، فلو خلا النظر عن السعي أو السعي عن النظر
لم يثبت الغسل، كما أنه معتبر بحسب الظاهر أيضا القصد إلى النظر، فلو وقع منه بغير
قصد لم يثبت الغسل، لظاهر النص والفتوى خصوصا عبارة المصنف.
هذا كله في السعي والنظر بعد الثلاثة، أما لو سعى فيها لينظر بعدها فالأقوى
عدم ثبوت الغسل فيهما، للأصل وتبادر تعلق الظرف بالسعي لا بالرؤية وإن قربت
إليه، على أن الغالب اتحاد زمانهما، ولعله كاد يكون صريح بعضهم حيث ذكره بعد
فعل السعي، خلافا للعلامة الطباطبائي في مصابيحه، فأثبته حاكيا له عن ظاهر المعظم من
حيث ظهور تعلق الظرف بالرؤية، وبالأولى مما ذكرنا ما لو سعى فيها لينظر فيها أو بعدها
خلافا له أيضا فيها، نعم لا فرق في رؤية المصلوب بين كونه حيا وميتا، لظاهر النص
والفتوى، كما أن ظاهر التعليل بالعقوبة في أولهما يقتضي أن لا يكون النظر لغرض
شرعي كالشهادة على عينه ونحوها، ولا يثبت الغسل حينئذ، وكذا يقتضي كون
المصلوب من المسلمين كما هو معقد إجماع الغنية، لعدم احترام الكافر فلا عقوبة بالسعي
إليه، ولعله مراد الجميع.
* (وكذلك) * الكلام * (في غسل المولود) * فقال بعض فقهائنا كابن حمزة بوجوبه
لقول الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة (1) في تعداد الأغسال: " وغسل المولود
واجب " وربما ظهر من الصدوق أيضا، والمشهور نقلا وتحصيلا الندب، بل نسبه
في المصابيح إلى الأصحاب تارة، وأخرى إلى سائر المتأخرين، كما أنه حكي عن ظاهر
السرائر نفي الخلاف فيه، بل في الغنية الاجماع على ذلك، ولعله كذلك إذ لم يثبت

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 3
71

فيه الخلاف إلا ممن عرفت، مع أنه رماه في المعتبر بالشذوذ، وفي المنتهى بالمتروكية.
* (و) * من هنا وما عرفته بالنسبة للمسألة السابقة قال المصنف: إن (الأظهر الاستحباب) فيهما،
مضافا إلى معارضة الموثقة بما دل على حصر الواجب في غيرها من الأخبار، وإلى اطلاق
لفظ الوجوب فيها أيضا على معلوم الاستحباب من غير خلاف، فيقوى حينئذ إرادة
تأكد الاستحباب منه، أو مطلق الثبوت، ولا دليل سواها، إذ خبر أبي بصير (1)
عن الصادق (عليه السلام) " اغسلوا صبيانكم من الغمر، فإن الشيطان يشم الغمر،
فيفزع الصبي " إلى آخره. ليس مما نحن فيه، لما قيل من أن الغمر بالتحريك ريح اللحم
وما تعلق باليدين من دسمه، والصبي غير المولود، فالمراد منه على الظاهر الأمر بتنظيف
يدي الصبي مما يزاوله من نحو ذلك.
ثم إن ظاهر الموثقة كعبارات الأصحاب وأصالة العبادة في الأوامر أنه غسل
بضم الغين لا غسل بفتحها، فيعتبر حينئذ فيه ما يعتبر في غيره من النية وغيرها، فلا يقدح
فيه ما تشعر به بعض الأخبار (2) من أنه لإزالة القذر عنه ونحوه، كغيره مما علم أنه عبادة
كغسل الجمعة ونحوها مما ورد (3) فيها نحو ذلك. لأن المراد أن هذه من الحكم التي تترتب
على فعله، فما عن بعضهم من احتمال أنه تنظيف محض وليس من العبادة في شئ ضعيف،
كاحتمال عدم اعتبار الترتيب ولو كان عبادة، للأصل من غير معارض، لعدم تناول
ما دل عليه له، وفيه منع، لتعارف الترتيب في الغسل ومعهوديته فيه، وأنه كيفية له،
فمتى أطلق انصرف إليه، ومن هنا لم يحتج إلى إقامة الدليل عليه في كل غسل، هذا.
مع إمكان دعوى توقف يقين الامتثال عليه لو قلنا باعتبار مثله فيه، ولعل مما ذكرنا

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 15
72

ومن عدم معروفيته وعدم العموم في دليله يظهر لك منشأ الوجهين في جريان الارتماس فيه.
وكيف كان فهل وقت هذا الغسل ما دام يتحقق معه صدق غسل المولود كاليوم
واليومين ونحوهما مما يسمى به مولودا عرفا ولو إلى السابع، كما لعله يشعر به إطلاق النص،
ولم يستبعده في المعتبر، أو من حين الولادة كما هو ظاهر المحكي من عبارات الأصحاب؟
وجهان، أحوطهما الثاني إن لم يكن أقواهما، لأنه المعهود المتعارف، فينصرف الاطلاق
إليه، فتأمل.
* (الركن الثالث) *
من معتمد هذا الكتاب.
* (في الطهارة الترابية) *
وهي الحاصلة بمباشرة التراب في مقابلة المائية الحاصلة بمباشرة الماء. وكذا
تسمى اضطرارية. كما أن الثانية تسمى اختيارية. من حيث أنها لا تشرع إلا عند
الاضطرار إليها بتعذر الأولى عقلا أو شرعا على ما هو مستفاد من النصوص (1) والفتاوى
أيضا إلا في بعض المواضع للدليل كما سيأتي، وليست إلا التيمم، بخلاف المائية فالغسل
والوضوء، وهو لغة القصد كقوله تعالى (2): " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون "
وشرعا مباشرة الأرض على وجه خاص يعرف مما سيأتي، وهو ثابت كتابا وسنة
وأجماعا، بل لعله في الجملة من ضروريات الدين التي يدخل من أنكرها في سبيل
الكافرين وقد ذكر الله تعالى شأنه في النساء تارة، وفي المائدة أخرى، فقال

(1) الوسائل - الباب 1 و 2 وغيرهما من أبواب التيمم
(2) سورة البقرة - الآية 269
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم
73

عز من قائل في الثانية (1): " وإن كنتم مرضى أو على سفر، أو جاء أحد منكم
من الغائط، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا، فامسحوا " إلى آخرها،
وكذا في الأولى (2) وإن اختلفا بالنظر إلى ما تقدم ذلك.
وقد سبق لنا كلام طريف في هذه الآية الشريفة في أول الكتاب عند البحث
عن وجوب الغسل لنفسه أو لغيره يندفع بملاحظته ما أورد على ظاهرها من الاشكالات،
التي منها اشتهر من جمع الله عز وجل الأمور الأربعة بشرط رتب عليه جزاء واحدا،
أعني الأمر بالتيمم، مع أن سببية الأولين للترخص للتيمم. والأخيرين لوجوب
الطهارة عاطفا لها بأو المقتضية لاستقلال كل واحد منهما بترتب الجزاء، مع أنه إن لم
يجتمع أحد الأخيرين مع واحد من الأولين مثلا لم يحصل وجوب التيمم الذي هو
الجزاء، من غير حاجة إلى جعل " أو " فيها بمعنى الواو.
ولا إلى ما ذكره البيضاوي من أن وجه هذا التقسيم هو أن المترخص بالتيمم
إما محدث أو جنب، والحال المقتضية له غالبا إما مرض أو سفر، والجنب لما سبق
ذكره اقتصر على بيان حاله، والحدث لما لم يجر له ذكر ذكر من أسبابه ما يحدث بالذات
وما يحدث بالعرض واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب وبيان العذر مجملا،
فكأنه قال: وإن كنتم جنبا أو مرضى أو على سفر، أو محدثين جشم من الغائط أو لامستم
النساء فلم تجدوا ماء، مع أنه لا يوافق ما ثبت عندنا من أن المراد بالملامسة الجماع.
ولا إلى ما في الكشاف من أنه أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم
التطهر وهم عادمون الماء في التيمم بالتراب، فخص أولا من بينهم مرضاهم وسفرهم،
لأنهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم، لكثرة السفر والمرضى وغلبتهما على

(1) سورة المائدة - الآية 9
(2) سورة النساء - الآية 46
74

سائر الأسباب الموجبة للرخصة، ثم عمم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء،
لخوف عدو، أو سبع، أو عدم آلة الاستقاء، أو إزهاق في مكان لا ماء فيه. أو
غير ذلك مما لا يكثر كثرة، المرض أو السفر، مع ما فيه من الاجمال الذي لا تنحسم عنه
مادة الاشكال، إلا أن يحمل على إرادة جعل قيد عدم الوجدان للأخيرين خاصة
دون الأولين، للاستغناء عنه بالتعليق على المرض والسفر الغالب معهما عدم التمكن
من الماء استعمالا أو وجودا، كما أنه يستغنى عن تقييدهما بالحدث لمكان العطف فيهما
على ما سبقهما، فيكون المقصود حينئذ من الآية بيان المحدثين أصغر أو أكبر إذا كانوا
مرض أو مسافرين، وخصهما لغلبتهما أو غيره، وبيانهما كذلك إذا لم يجدوا ماء
وإن لم يكن مرض أو سفر، فلا اشكال حينئذ من تلك الجهة، بل ولا من تكرير
ذكر الجنابة، فلاحظ وتأمل.
* (و) * كيف كان ف‍ * (النظر) * والبحث في التيمم يقع * (في أطراف أربعة) *.
* (الأول فيما يصح معه التيمم) *
ضرورة عدم مشروعيته على الاطلاق * (وهو ضروب) * مرجعها إلى شئ واحد
عند التحقيق، وهو العجز عن استعمال الماء عقلا أو شرعا وإن ذكر المصنف هنا
من أسبابه ثلاثة: عدم الماء، وعدم الوصلة إليه، والخوف من استعماله، بل في المنتهى
أن أسبابه ثمانية: فقده، والخوف من اللص ونحوه، والاحتياج له للعطش، والمرض
والحرج وشبههما، وفقد الآلة التي يتوصل بها إليه، والضعف عن الحركة، وخوف
الزحام يوم الجمعة وعرفة، وضيق الوقت، وهي بأجمعها عدا الأخير تندرج فيما ذكره
المصنف، وأما هو فسيأتي الكلام فيه، كما أنه في الوسيلة ذكر أن شرط التيمم فقد
الماء أو حكمه، ثم أدرج في الثاني اثني عشر شيئا، والكل ترجع إلى ما ذكرنا أيضا.
وكيف كان ف‍ * (الأول) * من الأسباب التي ذكرها المصنف * (عدم الماء) *
75

كتابا (1) وسنة (2) وإجماعا محصلا ومنقولا من غير فرق فيه عندنا بين السفر والحضر
بل في الخلاف والمنتهى الاجماع عليه بالخصوص، كما أنه في الأخير الاجماع أيضا على عدم
الفرق بين السفر الطويل والقصير، لكن في بعض نسخ المدارك أنه أجمع علماؤنا كافة
إلا من شذ على وجوب التيمم للصلاة مع فقد الماء سواء في ذلك الحاضر والمسافر، ولم
أعثر على الشاذ الذي استثناه إلا ما أرسله بعضهم هنا عن علم الهدى في شرح الرسالة
أنه أوجب الإعادة على الحاضر، وهو مع أنه لم يعرف هذا النقل عنه هنا ليس خلافا
فيما نحن فيه، إذ لا ينكر وجوب التيمم والصلاة عليه وإن أوجب الإعادة بعد ذلك.
فلعل الصواب ما في أكثر النسخ أجمع العلماء إلا من شذ، ويراد بالشاذ حينئذ
ما عن بعض العامة من حيث أنكر وجوب التيمم والصلاة على الحاضر، مستدلا بظاهر
تعليق الأمر بالتيمم في الآية الشريفة على السفر، وفيه - مع أن مثله يكون حجة إن لم
يخرج مخرج الغالب، وإلا فهو ليس بحجة إجماعا كما في المنتهى، وأنه لا يجري في الحاضر
المريض أيضا - مبني على عدم جعل المجئ من الغائط وما بعده سببا مستقلا في التيمم،
بل هو راجع المرضى والمسافرين بجعل " أو " بمعنى الواو، وأما بناء على التحقيق الذي
قد سلف منا في الآية فهي باطلاقها حينئذ لنا لا علينا ككثير من أخبارنا التي كادت
تكون صريحة في عدم الفرق بينهما، والأمر سهل.
فظهر لك من ذلك كله أنه لا فرق في مسوغية عدم الماء للتيمم بين الحاضر والمسافر
ولا بين السفر الطويل والقصير، ولا بين كونه طاعة أو معصية، لكن إنما يكون مسوغا
للتيمم بعد الطلب له فلم يوجد، فمتى تيمم قبله مع حصول شرائط وجوبه من الرجاء
وسعة الوقت وعدم الخوف ونحو ذلك لم يصح، لعدم تحقق عدم الوجدان بدونه، وهو

(1) سورة النساء - الآية 46
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم
76

شرط التيمم. وهو مراد المصنف وغيره بقوله: * (ويجب عنده الطلب) * بل في الخلاف
والغنية والمنتهى وجامع المقاصد وعن التذكرة التنقيح وغيرها الاجماع عليه. لا الوجوب
التعبدي خاصة، على أنه قد لا يجب التيمم، فلا يجب الطلب حينئذ شرعا قطعا وإن
وجب شرطا، بل في الخلاف والمنتهى وعن المعتبر الاجماع على ما يقتضي الشرطية،
مضافا إلى ظاهر الأمر به، بل في الحسن كالصحيح عن أحدها (عليهما السلام) (1)
" إذا لم يجد المسافر فليطلب ما دام في الوقت " بناء على إحدى النسختين وأحد الوجهين
فيها، وفي خبر السكوني (2) " يطلب الماء في السفر إن كانت حزونة فغلوة " إلى آخره،
إن حملت الجملة الخبرية فيه على الأمر، ومضافا إلى وجوب تحصيل شرط الواجب المطلق، وعدم إحرازه القدرة عليه لا يسقطه، إنما الذي يسقطه العجز ولا يعلم به حتى يطلب،
فتأمل فإنه نافع في غير المقام أيضا من مقدمات الواجب المطلق، كطلب التراب للتيمم
أيضا. وإن لم تجده بالتحديد المذكور للماء، لعدم الدليل وحرمة القياس، فيبقى
على ما تقتضيه الضوابط.
وكيف كان فما يحكى عن الأردبيلي من الحكم باستحباب الطلب مع عدم ثبوت
ذلك عنه كما لا يخفى على من لاحظ كلامه ضعيف، ولعله لاطلاق طهورية التراب وبدليته
عن الماء. وقول الصادق (عليه السلام) في خبر داود الرقي (3) بعد أن سأله أكون
في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال: إن الماء قريب منا، فأطلب الماء
وأنا في وقت يمينا وشمالا: " لا تطلب الماء ولكن تيمم، فإني أخاف عليك التخلف
عن أصحابك، فتضل ويأكلك السبع " وقوله (عليه السلام) في خبر يعقوب بن سالم

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم - الحديث 2
77

عن الرجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك:
" لا آمر أن يغرر بنفسه، فيعرض له لص أو سبع " وقوله (عليه السلام) أيضا في
خبر علي بن سالم (1) لداود الرقي: " لا تطلب الماء يمينا ولا شمالا ولا في بئر إن وجدته
على الطريق فتوضأ منه، وإن لم تجده فامض " وهي - مع عدم موافقة ظاهرها لما ذكره
من الاستحباب، وموافقتنا للمحكي عن أبي حنيفة، ووضوح قصورها عن معارضة
ما تقدم، سيما بعد ظهور الثانية وكذا الأولى فيما لا يقول الخصم من حصول الماء قريبا
منه، وسيما بعد الطعن في سند الأولى بداود الرقي بأنه ضعيف جدا كما في جش، بل
فيه أيضا قال: أحمد بن عبد الواحد قل ما رأيت له حديثا سديدا. وعن ابن الغضائري
أنه كان فاسد المذهب ضعيف الرواية لا يلتفت إليه، وعن الكشي أنه يذكر الغلاة أنه
من أركانهم، وفي سند الثانية بمعلى بن محمد بأنه مضطرب الحديث والمذهب، وبأنه
يعرف حديثه وينكر، والثالثة بعلي بن سالم باشتراكه بين المجهول والضعيف، على
أنها مطلقة لا تعارض المقيد - محمولة على الخوف والخطر في الطلب كما هو ظاهر الأولين
أو صريحها، فيكونا قرينة على الخبر الثالث، خصوصا خبر الرقي، إذ لا ريب في
سقوطه في هذا الحال، لكن مع عدم تمكنه من الاستنابة بناء على اعتبارها كما ستسمع،
وإن أطلق غير واحد من الأصحاب سقوطه في مثل هذا الحال، لوجوب الطلب عليه
حينئذ بنفسه أو وكيله، فتعذر الأول لا يسقط الثاني، وعليه أو نحوه يحمل صحيحة
الحلبي (2) أيضا، سأل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو،
قال: ليس عليه أن يدخل الركية، إن رب الماء هو رب الأرض فليتيمم ".
كما أنه لا ريب في سقوطه مع تيقن عدم الماء للأصل، وظهور وجوب الطلب

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التيمم - الحديث 1
78

في رجائه، نعم لا يسقط بالظن كم صرح به في المنتهى والتحرير وغيرهما، لاطلاق
الأمر به، وهو جيد مع عدم استناده إلى سبب شرعي كشهادة العدلين بل العدل
الواحد، وإلا فالمتجه السقوط حينئذ، لعموم ما دل على اعتبارهما.
اللهم إلا أن يدعى عدم تحقق عدم الوجدان عرفا بذلك، ولعله لذا أطلق في الموجز
الحاوي عدم الاجتزاء بخبر غير النائب كما عن نهاية الإحكام. وفيه بحث، إذ هو
بعد التسليم غير واجد شرعا، وأولي منه ما لو كان ذلك بطريق النيابة ولو كان عن
متعددين، ومن هنا قال في الذكرى وجامع المقاصد: ويجوز النيابة في الطلب لحصول
الظن، مع نصه في الأخير كما عن المسالك على اشتراط العدالة، وقضية إطلاق الأول
وتعليله جوازها وإن لم يكن عدلا كاطلاق الموجز الحاوي وعن نهاية الإحكام، ولعله
لصيرورته أمينا حينئذ، ولأن فعله فعل موكله، لكن نص في المنتهى على عدم
الاجتزاء بالنيابة من غير فرق بين العدم وغيره، قال لأن الخطاب بالطلب للمتيمم
فلا يجوز أن يتولاه غيره، كما لا يجوز أن يؤمه، وفيه أن مجرد تكليفه وخطابه به مع
عدم ظهور إرادة المباشرة لا يعارض عموم الوكالة، وقياسه على التيمم مع الفارق.
وكيف كان فالمراد بالطلب الذي قد ذكرنا وجوبه هو التفحص عن الماء في رحله
وعند رفقائه ونحوهما * (و) * أن * (يضرب) * في الأرض لو كان في فلوات * (غلوة سهمين) *
أي رمية أبعد أو وسط ما يقدر عليه المعتدل بالقوة مع اعتدال السهم والقوس وسكون
الهواء على ما صرح به بعضهم. بل في كشف اللثام أنه المعروف، لكنه حكى فيه عن
العين والأساس أن الفرسخ التام خمس وعشرون غلوة، وعن المغرب عن الأخباس
عن ابن شجاع أن الغلوة قدر ثلاثماءة ذراع إلى أربع مائة ذراع، وعن الارتشاف
أنها مائة باع، والميل عشر غلاء، والمعتد الأول * (في كل جهة من الجهات الأربع إن
كانت الأرض سهلة) * على المشهور نقلا وتحصيلا، بل في الغنية الاجماع عليه، وعن
79

التذكرة نسبته إلى علمائنا، كما أنه قد ينطبق عليه إجماع إرشاد الجعفرية على ما قيل،
ولعل ذلك هو الحجة، وإلا فمستند الحكم من النص الآتي لا تعرض فيه لذكر الجهات،
بل قضية إطلاقه الاكتفاء بالواحدة. لكن قد يقال بإرادة الجميع منه يجعل ما عرفت
قرينة عليه مع عدم المرجح لبعضها وعدم معلومية تحقق الشرط وبراءة الذمة بدونه.
فما في الوسيلة من الاقتصار على اليمين واليسار مع أنه احتمل فيها إرادة الأربع
ضعيف، كالمحكي عن المفيد والحلبي من زيادة الإمام وترك الخلف. إلا أنه علله في كشف
اللثام بكونه مفروغا عنه بالمسير، فلا خلاف، وفيه أن المفروغ منه إنما هو الخط الذي
سار فيه لا جوانبه.
ومن هنا كان المتجه بل لعله مراد الجميع جعل مبدأ طلبه كمركز دائرة نصف
قطرها ما يبتدأ به من الجهات، فإذا انتهى إلى الغلوة أو الغلوتين رسم محيط الدائرة
بحركة، ثم يرسم دائرة صغرى. وهكذا إلى أن ينتهي إلى المركز حتى يستوعب ما احتمل
وجود الماء فيه من ذلك، وهو المراد وإن لم تكن بتلك الكيفية المذكورة، فتأمل.
* (وغلوة سهم إن كانت) * الأرض * (حزنة) * بسكون الزاء المعجمة خلاف السهلة،
وهي المشتملة على نحو الأشجار والعلو والهبوط، وأصل التحديد بالغلوة والغلوتين في
الحزنة والسبهلة هو المشهور بين الأصحاب. بل في الغنية وعن إرشاد الجعفرية الاجماع
عليه وكما عن التذكرة نسبته إلى علمائنا وفي السرائر أنه قد تواتر به النقل وهو الحجة،
مضافا إلى خبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه (1) عن علي (عليه السلام) قال:
" يطلب الماء في السفر، إذا كانت حزونة فغلوة، وإن كانت سهلة فغلوتين لا يطلب أكثر من تلك " وضعفها لا يمنع من العمل بها بعد اعتضادها بما عرفت كما أن عدم

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التيمم - الحديث 2
80

ظفرنا وظفر العلامة في المنتهى بغيرها لا يقدح في دعوى التواتر من ابن إدريس،
وكذا إطلاق الشيخ - في مبسوطه وعن نهايته إيجاب الرمية أو الرميتين من غير تفصيل
بين الحزنة والسهلة مع إمكان تنزيله على ذلك - لا يقدح في دعوى الاجماع المتقدم،
كاطلاقه في الجمل والخلاف وابن سعيد في الجامع ايجاب الطلب للماء، والمرتضى في
جمله إيجاب الطلب والاجتهاد في تحصيله، مع احتمال الجميع ما ذكرنا، إذ لا ريب في تحقيق
ماهية الطلب والاجتهاد بالقدر المذكور.
فما في الحسن - كالصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) (1) " إذ لم يجد المسافر
الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خشي أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل " - قاصر
عن معارضة ما تقدم من وجوه لا تخفى، سيما بعد معارضتها بما دل على جواز التيمم (2)
مع السعة، وبما دل (3) على النهي عن الطلب من الأخبار السابقة، وما حكاه في الوافي عن
بعض النسخ " فليمسك " يدل " فليطلب " فيمكن حينئذ إرادته بذلك جمعا بين النسختين
والأدلة، وما في جامع المقاصد وغيره من أن الظاهر منه تحديد زمان الطلب لا مقداره،
لأن الطلب قبل الوقت لا يجزي لعدم توجه الخطاب، فلا يراد حينئذ استيعاب الوقت بالطلب،
كل ذا مع أنا لم نعرف عاملا بها بالنسبة إلى ذلك سوى ما في المعتبر " إن رواية زرارة
تدل على أنه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات، وهو حسن، والرواية
واضحة السند والمعنى " انتهى. مع أنه قال قبل ذلك بلا فصل بعد أن استضعف
دليل المشهور: الوجه أنه يطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة، ولا يكلف التباعد
بما يشق، ولا ريب في منافاته لذلك إذا لم يستوعب الوقت.
ولذا اعتمد في المدارك ما استوجهه في المعتبر، وحمل خبر زرارة على الاستحباب،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم
81

وفيه ما عرفت وإن كان لا بأس بحمله الخبر المذكور، ولعله أولى مما في الحدائق من الجمع
بينها وبين خبر السكوني بحملها على رجاء الحصول أي ظنه، وخبر السكوني على تجويز
الحصول من دون ظن، إذ هو مع أنه لا شاهد عليه مبني على وجوب الطلب زائدا على
النصاب مع ظن الماء، وفيه منع، بل إطلاق الأدلة السابقة يقتضي سقوطه وإن ظن،
لعدم الدليل على التعبد به، مع أنه هو بنفسه استظهر بعد ذلك عدم اعتبار الظن لاطلاق
خبر السكوني، نعم إنما يجب الطلب زائدا مع العلم لعدم تناول الرواية له، فما في جامع
المقاصد والروض وغيرهما من إلحاق الظن به في ذلك حتى أنه قطع به في الأول لا يخلو
من نظر بل منع، كالتعليل له بعدم حصول شرط التيمم معه، وهو العلم بعدم التمكن
من الماء، وإلا لوجوب مع الاحتمال أيضا، وهو باطل قطعا مناف لفائدة التحديد
بالقدر المذكور.
نعم قد يتردد في الظن الذي تطمئن به النفس بل هو علم عرفي من حيث عدم احتمال
شمول الخبر لمثله، ولعله مرادهم كما عساه يشعر به ما ذكروه من التمثيل له بالقرية والحضرة
ونحوهما، فيجب السعي حينئذ وإن زاد على المقدار.
لا يقال: إنه لا إشكال في عدم تحقق الشرط، وهو إن لم تجدوا في الفرض السابق،
لتوقف صدقه على التطلب والاختيار فلم يوجد، لأنا نقول: إنه بعد أن قامت الأدلة
من الخبر والاجماع على وجوب الطلب غلوة أو غلوتين كان المراد من الآية فإن لم تجدوا
فيهما، ولا ريب في صدق عدم الوجدان فيهما وإن ظن في غيرهما بل وإن علم، لكنه
خرج بما خرج من إجماع أو غيره، وإلا لو أريد صدق عدم الوجدان بالنظر إلى جميع
الأمكنة لوجوب الطلب حينئذ مع الاحتمال، وهو باطل قطعا لما عرفت.
وكذا ما يقال: إن المراد صدق إطلاق عدم الوجدان من غير تقدير للغلوة والغلوتين
ولا غيرهما، إذ ليست بدون ذكر التعلق من المجملات: ولا ترجع إلى التعميم السابق
82

أيضا، ولا يصدق هذا الاطلاق إلا باختيار مظان الماء ولو زاد على النصاب دون ما احتمل،
وبه يفترق عن التعميم السابق. لأنا نقول - بعد تسليم تحقق مصداق للمطلق غير التعميم
السابق، وتسليم توقفه على اختبار المظان كلها -: لا نسلم أن شرط التيمم هو مصداق
هذا المطلق بعد قيام الأدلة على الغلوة والغلوتين، فهو من قبيل المقيد بها والكاشف
للمراد بها. نعم قد يتم ذلك بالنسبة للمحال التي ليست من جهة الضرب في الأرض،
كحدوث مجئ قافلة أو شخص أو نحو ذلك، فنوجب اختيار أمثالها كما صرح به في
المنتهى والذكرى مع احتمال وجود الماء فيها فضلا عن الظن.
والحاصل أن وجوب تطلب الماء في الضرب في الأرض أقصاه النصاب المذكور،
وأما في غيره كالقافلة فصدق إطلاق عدم الوجدان. نعم قد يقال: إن التحديد بالنصاب
المذكور مبنى على التسامح العرفي لا التحقيقي، بحيث لو ظن وجود الماء مثلا بما يقرب
من منتهاه جدا لم يجب الاختبار والطلب، ولعله لذا حكي عن العلامة في نهاية الإحكام
التصريح بوجوبه حينئذ، بل عن المنتهى ذلك أيضا لو توهم، ولعله يريد الظن
الضعيف، فتأمل.
ثم إنه صرح جماعة من الأصحاب منهم المصنف في المعتبر والعلامة في المنتهى
والشهيد في الذكرى بأنه لو طلب الماء قبل الوقت فلم يجده لم يعتد به ووجوب إعادته،
إلا أن يعلم استمرار العدم الأول، ولعله لظاهر ما ذل على وجوبه من الاجماعات
السابقة وغيرها، وهو لا يتحقق إلا بعد الوقت، لعدم وجوبه قبله ولتوقف صدق
عدم الوجدان عليه، سيما بعد ظهور الآية الدالة على اشتراطه في إرادة عدم الوجدان
عند إرادة التيمم للصلاة، وعند القيام إليها، وفي زمان صحة التيمم، ولخبر زرارة (1)
المتقدم آنفا، ولأنه لو اكتفي به قبل الوقت لصح الاكتفاء به مرة واحدة للأيام

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التيمم - الحديث 1
83

المتعددة، وهو معلوم البطلان، ولأن المنساق إلى الذهن من الأدلة إرادة الطلب عند
الحاجة إلى الماء.
فلا وجه للتمسك الاجتزاء به باطلاق خبر السكوني المتقدم، سيما بعد إمكان
دعوى انصرافه إلى المتعارف من أفراد الطلب، وهو بعد دخول الوقت، وكذا
التمسك باستصحاب عدم الوجدان الثابت قبل الوقت، وعدم الماء كذلك، إذ هو -
بعد تسليم أن مثله يثبت مثله من الموضوعات العرفية أي التي يرجع في صدقها إلى
العرف، وتسليم الاكتفاء باستصحاب عدم الماء في تحقق شرط التيمم الذي هو عدم
الوجدان، وهو غير عدم الماء - أنه لا يعارض ما ذكرنا من ظهور الأدلة في شرطية
الطلب أن يكون بعد الوقت، اللهم إلا أن يمنع، وفيه ما عرفت.
لكن صرح في الذكرى بعد ذلك بالاكتفاء بالطلب مرة في الصلوات إذا ظن
الفقد بالأول مع اتحاد المكان، وهو قد يوهم المنافاة لما ذكرنا في الجملة من عدم الالتفات
إلى الاستصحاب وغيره، سيم إذا أريد بالصلوات في كلامه ذوات الأوقات المختلفة
كالمغرب بالنسبة للظهرين، إذ هو بالنسبة إليها طلب قبل الوقت.
وكذا ما في جامع المقاصد حيث اكتفى بالطلب مرة لصلاة إذا حضرت صلاة
أخرى مع الظن بالعقد الأول أيضا، وأوضح منهما ما في التحرير حيث قال: " ولو
دخل عليه وقت صلاة أخرى وقد طلب في الأولى ففي وجوب الطلب ثانيا إشكال،
أقربه عدم الوجوب، ولو انتقل عن ذلك المكان وجب إعادة الطلب " انتهى.
اللهم إلا أن يحمل ذلك منهم على الفرق بين الطلب في وقت صلاة وعدمه،
فيجتزي بالأول ولو في صلاة أخرى لم يدخل وقتها، وهو موقوف على دليل الفرق،
وليس بواضح، أو يحمل الصلاة في كلامهم على نحو الظهرين والعشاءين مما اشتركا
في وقت واحد، فإنه يجتزي حينئذ للاستصحاب، وإطلاق خبر السكوني وغيرهما
لا المغرب والظهر مثلا.
84

وفيه أنه مبني أيضا على عدم وجوب تجديد الطلب فيما لو فرق بين الصلاتين،
مع نقضه لتيممه السابق بحدث مثلا وتجويزه تجدد ماء، وهو لا يخلو من تأمل يظهر مما
تقدم، ولعل لذا قال في المنتهى: إنه لو طلب فلم يجدد وصلى متيمما ثم حضرت الصلاة
الثانية ففي وجوب إعادة الطلب نظر، أقربه الوجوب أن أراد بالصلاة الثانية ذلك
من حيث تعارف التفريق، وإلا كان شاهدا على سابقه، أو يحمل كلامهم على إرادة
ما لو طلب في الوقت لصلاة فتيمم وصلى ثم حضر وقت صلاة أخرى ولما ينتقض
تيممه وقلنا بجواز دخوله فيها بذلك التيمم، فإنه لا يحتاج إلى الطلب حينئذ لاستصحاب
صحة تيممه، إذ أقصى ما دلت الأدلة على اشتراطه بالنسبة لابتداء التيمم لا لاستمرار
صحته، وهو لا يخلو من نظر وتأمل.
فالأحوط إن لم يكن أولى تجديد الطلب عند كل صلاة احتمل احتمالا معتدا به
تجدد الماء عندها حتى في نحو الظهرين مع التفريق، بل ومع الجمع إذا كان كذلك،
بل والصلاة الواحدة إذا فرق بينها وبين التيمم ليتحقق الاضطرار وعدم الوجدان،
نعم هل يحتاج إلى تجديد تيمم بعد الطلب أو يكتفي بالأول؟ وجهان، كل ذا إن لم
ينتقل عن ذلك المكان، وإلا وجب الطلب قطعا، فتأمل جيدا.
* (ولو أخل) * بهما وجب عليه من الطلب الذي منه * (الضرب) * في الأرض وتيمم
وصلى مع سعة الوقت بطلا قطعا وإجماعا منقولا إن لم يكن محصلا، لما عرفت سابقا
من الأدلة الدالة على اشتراط صحة التيمم به، ولا فرق في ذلك بين أن يصادف عدم
الماء بعد الطلب وعدمه، كما أنه لا فرق فيه بين العالم والجاهل والناسي وغيرهم، قضاء
للشرطية السابقة، ولا بين وقوع نية التقرب به أن تصور ذلك وعدمه، إذ ليس
هو من الشرائط التي يكفي فيها مصادفة الواقع، وإنما يحتاج المكلف إلى إحرازها
لايقاع نية التقرب حتى يصح من الغافل ونحوه، فما عساه يظهر من بعض فروع التحرير
85

من الحكم بالصحة لو صادف عدم الماء ليس في محله مع احتمال إرادته ما ليس نحن فيه
فلاحظ وتأمل.
نعم لو أخل بالطلب * (حتى ضاق الوقت أخطأ) * لتقصيره في الطلب الواجب عليه
* (وصح تيممه وصلاته على الأخير) * الأشهر بين الأصحاب، بل في المدارك أنه المشهور،
وعن الروض نسبته إلى فتوى الأصحاب لسقوطه عند الضيق للأصل، والعمومات
الدالة (1) على عدم سقوط الصلاة بحال، مع عدم تناول ما دل على شرطيته لمثله، فيكون
حينئذ كما لو لم يخل، وعصيانه لا يوجبه عليه، لصدق عدم الوجدان أيضا، خصوصا
إن أريد به عدم التمكن، ولاطلاق بدلية التراب، وقول الصادق (عليه السلام) في
صحيح زرارة أو حسنه السابق (2): " فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل "
وفحوى ما تسمعه من صحة التيمم لغير المتمكن من الاستعمال الماء مع وجوده عنده لضيق
الوقت إن قلنا به، خلافا للمحكي عن ظاهر الخلاف والمبسوط والنهاية، حيث أطلق
عدم الصحة مع الاخلال، مع عدم ثبوت ذلك عن الثاني، واحتمال الجميع السعة،
بل لعله ظاهر الأول كما لا يخفى على من لاحظه، ويرشد إليه دعواه الاجماع عليه فيه،
كل ذا مع عدم وضوح دليل له سوى اقتضاء شرطية الطلب ذلك وعدم صدق الفاقد،
وهما ممنوعان.
ولا قضاء عليه بعد ذلك حتى لو وجد الماء فيما أخل بالطب فيه وفاقا لصريح مجمع
البرهان والمدارك، وكذا ظاهر المصنف هنا، وإن فرض المسألة في خصوص من أخل
بالضرب، لاقتضاء الأمر الاجزاء، وعدم صدق اسم الفوات عليه حتى يشمله الأمر

(1) الوسائل - الباب 1 و 2 و 6 و 7 و 8 و 11 من أبواب وجوب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التيمم - الحديث 1
86

الجديد بالقضاء، ولاقتضاء ما سمعته من الأدلة السابقة أنه كالفاقد غير المفرط بالطلب
وإن أثم بترك الطلب.
وخلافا للذكرى وجامع المقاصد والمسالك، فأوجبوا الإعادة مع وجدان الماء
في محل الطلب، بل والمصنف فيما يأتي، والعلامة في القواعد وإن اقتصر على ما لو
وجد الماء في رحله أو عند أصحابه، كما عن المبسوط والخلاف والاصباح وإن اقتصر
فيها على الرحل، لكن قد سمعت أن المحكي عن ظاهر الأولين عدم صحة التيمم فيما نحن
فيه، فتأمل، وللمنتهى فيما لو نسي الماء في رحله أو موضع يمكنه استعماله فيه وتيمم وصلى،
قال فيه: " فإن كان قد اجتهد ولم يظفر به لخفائه أو لظنه أنه ليس معه ماء صحت صلاته،
وإن كان قد فرط في الطلب أعاد، قاله علماؤنا " انتهى. وقال في جملة فروع له أيضا:
لو صلى فبان الماء بقربه إما في بئر أو في مصنع أو غيرهما، فإن كان خفيا وطلب ولم
يظفر فلا إعادة وإن لم يطلب أعاده، وللمعتبر حيث قال: " ولو كان بقربه بئر لم يرها
فمع الاجتهاد تيمم ولا إعادة، ومع التفريط يعيد " انتهى. لحمل الإعادة في كلام الجميع
على إرادة القضاء كما هو مقتضى فرض المسألة في تارك الطلب الذي لا يصح منه الفعل
إلا عند الضيق، وإن أمكن فرض ذلك بالفعل بظن الضيق ثم انكشف السعة إلا أنه
بعيد، ولعله لمكان هذه العبارات، ونحوها نسب في الحدائق وجوب القضاء فيما نحن
فيه إلى المشهور، وفي جامع المقاصد إلى أكثر الأصحاب.
وكيف كان فلم نعرف لهم دليلا على ذلك سوى ما ذكره غير واحد من خبر
أبي بصير (1) قال: " سألته عن رجل كان في سفر وكان معه ماء فنسيه وتيمم وصلى
ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت، قال: عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة: وهو -
مع الغض عما في سنده و إضماره وكونه في الوقت - خارج عما نحن فيه، واحتمال دفع ذلك

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 5
87

كله بالانجبار بالشهرة وظاهر إجماع المنتهى السابق فيه مع عدم صلاحيتها لدفع بعض
ما عرفت أنه لا شهرة محققة على ما نحن فيه، بل ربما يقال خصوصا في عبارتي المنتهى
والمعتبر إرادة الإعادة في الوقت أو الأعم فيما لو نسي الماء وترك الطلب لاعتقاد عدم
الماء فتيمم وصلى ثم بان الخلاف، وهو غير ما نحن فيه، ولعل المتجه فيها ذلك أيضا للخبر
السابق، ولأنه كنسيان الطهارة، وللبراءة اليقينية، ولعدم اقتضاء الأمر الاجزاء في
مثله كما مر تحقيقه غير مرة، إذ هو من باب تخيل الأمر لا الأمر، وللتقصير في النسيان،
ولأنه واجد للماء واقعا، نعم لو طلب فلم يجد قد يتجه حينئذ عدم الإعادة، للأمر
الخصوصي بالتيمم حينئذ في ظاهر الأدلة.
ومنه يعلم الحكم في نظائره من كل طالب وأخطأ في تحصيل الماء، خلافا للمحكي عن
المرتضى، فلا يعيد الناسي مطلقا في الوقت وخارجه طلب أو لم يطلب مع اعتقاده عدم
الماء، وكأنه لرفع القلم، وعدم القدرة على زواله، وصدق عدم الوجدان، لأن المراد
به في اعتقاده لا واقعا، ولذا لا يعيد مع الطلب وإن لم يصادف الواقع، وعدم شمول
دليل القضاء له، وهو لا يخلو من وجه سيما في القضاء، وإن كان الأوجه الأول، وربما
يظهر للمتأمل في كلامهم شواهد على ما ذكرنا من إرادة هذه المسألة لا ما نحن فيه من
المسألة السابقة، كما أنه يظهر له كمال التشويش في كلام جملة من المتأخرين كالمحقق الثاني
وكاشف اللثام وغيرهم، بل وخللا في النقل أيضا، فلاحظ وتدبر.
ومن التأمل فيما قدمنا يظهر لك الحال في كل من نقل تكليفه من الاختياري
إلى الاضطراري، كمن أراق الماء في الوقت، فإنه يتيمم ويصلي وإن عصى بذلك مع
علم عدم الماء حينئذ، أو ظنه بل واحتماله لوجوب الحفظ عليه من باب المقدمة، وأولويته
من إيجاب الطلب، وظهور الأدلة في الاهتمام بالنسبة إلى ذلك كما يومي إليه شراؤه بما
88

يتمكن ونحوه، فما عساه يظهر من المعتبر من جواز الإراقة ضعيف جدا، كصريح
جامع المقاصد فيما لو ظن إدراك الماء، بل لعل الاجماع على خلافه، كما عساه يشعر
به نسبته إلى الأصحاب في الحدائق.
واحتمال التمسك له - بعد الأصل بأن أقصى ما يستفاد وجوب كلي الصلاة في أول
الوقت، وكيفية أدائها يتبع حاله وقت الأداء واجد الماء أو فاقده، وذلك لا يقتضي
إيجاب حفظ الحالة الأولى التي قارنت مبدأ التكليف، ولذا كان له السفر بعد الوقت،
ونقل تكليفه من الاتمام والقصر، بل تخييره في أوقات الصلاة يقتضي عكسها - ضعيف
جدا، إذ لا ريب في إيجاب الصلاة بماء عليه باعتبار وجدانه له، وإن كان مخيرا في
ايقاعها كذلك في سائر أوقات السعة، لا أنه مخير في كلي الصلاة، والقياس على
السفر يدفعه معلومية إباحته، فمنه ومن التخيير في الايقاع ينتقل إلى جواز ذلك،
بخلاف ما نحن فيه.
ومن هنا لم يقع الاشكال فيه من حيث ذلك وإن وقع فيه من حيث انتقال
فرضه إلى القصر حينئذ، لعموم الأدلة وعدمه لاستصحاب ما كلف به أولا، فتأمل
جيدا. على أنه لو سلم عدم اقتضاء القواعد الحرمة فيما نحن فيه فلا ينبغي الاشكال هنا
بعد ظهور الاجماع المتقدم والأدلة فيه. نعم هو لا ينافي الانتقال إلى التيمم لشمول أدلته.
ومنه يعلم حينئذ أنه لا وجه للإعادة بعد التمكن من الماء وفاقا للمصنف في المعتبر
والهندي في كشف اللثام وغيرهما، بل قد يشعر عبارة الأول بعدم الخلاف فيه،
وأولى منها القضاء، إذ هو بعد عصيانه يساوي غير العاصي في شمول أدلة التيمم،
فكما لا إعادة هناك لاقتضاء الأمر الاجزاء فكذلك هنا، فما في القواعد غيرها
من الإعادة عند التمكن ضعيف جدا، خصوصا إن أراد الأعم من القضاء، ومجرد
وجوب ذلك سابقا عليه لا يقتضيه.
89

نعم قد يحتمل القول بعدم مشروعية التيمم من حيث ظهور أدلته في غيره،
فيعاقب حينئذ على الصلاة وإن لم تقع منه لسوء اختياره، فإذا وجد الماء أعاد أو قضى،
لا أنه يشرع له التيمم ثم يجب عليه الإعادة بعد التمكن، اللهم إلا أن يريد بوجوبه
من المقدمة للفراغ اليقيني لا من حيث شمول أدلة التيمم له، أي أنه لم يتضح له من
الأدلة حكم هذا الموضوع أنه من الفاقد، فيتيمم أولا فيفعلهما حينئذ معا تحصيلا للفراغ
اليقيني، ولا ريب أنه أحوط وإن كان قد ينظر فيه بعد التسليم بأن وجوب القضاء
لا يحققه إلا الأمر الجديد لا احتمال الشغل، فمن جاء بالصلاة متيمما لم يحصل له اليقين
بالفوات، إلا أنه يمكن دفعه، وكيف كان فالأقوى ما سمعت.
ثم إن الظاهر اختصاص الإعادة بالصلاة التي أريق الماء في وقتها لا كل ما يمكن
تأديته بذلك الماء وإن لم يدخل وقتها، بل لا يبعد اختصاص الظهر لو أراقه في وقتها
المختص به دون العصر، وإن احتمل بعضهم بناء على دخوله بمجرد انتهاء وقت الظهر،
لكن الأول هو مقتضى الأدلة السابقة، فتأمل جيدا.
هذا كله إذا أراقه بعد الوقت، أما قبله فيصلي بتيممه المتجدد إجماعا كما في
المنتهى، ولا يعيد قطعا، كما أنه لا إثم عليه كذلك أيضا حتى لو علم عدم الماء فيه
للأصل، وعدم وجوب مقدمة الواجب الموسع قبله، سيما فيما لها بدل شرعي، خلافا
للأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح، فأوجبه أيضا مع احتمال عدم الماء فضلا عن غيره،
معللا له باستصحاب البقاء إلى وقت الصلاة الواجبة، وكونها من الواجبات المطلقة اللازمة
الصدور من المكلف على أي تقدير وأنها أشد الفرائض، وهما كما ترى، وكذا
قياسه على مقدمات الحج، للفرق الواضح بينه وبين ما نحن فيه مما يسع الوقت له ولمقدماته،
ومن هنا لم يتحقق الوجوب إلا مع مضي مقدار الطهارة مع الصلاة، نعم ربما يقال:
أنه يظهر من الأدلة زيادة الاهتمام بالصلاة مقدماتها ورفع موانعها كما يشعر به النهي
90

عن السفر إلى أرض لا ماء فيها وأنه هلاك الدين، لكن وصول ذلك إلى حد الوجوب
ممنوع، وعليه فيجب الطهارة حينئذ لو مر بماء قبل الوقت مع احتمال عدمه فيه، بل
وكذا طلبه قبله مع احتماله عدم التيسر له فيه، وكدا حفظ وضوئه عن الحدث لو كان
متوضئا ونحو ذلك مما قد يقطع بعدمه، بل يشمله ما حكي من الاجماع على عدم
وجوب الوضوء قبل دخول الوقت كظاهر الأخبار (1) المعلقة له عليه، لكن قد
يقوى في النفس وجوب حفظ ما تفوت الصلاة بفواته وإن كان قبل الوقت حينئذ
كالطهورين مثلا، كما يشعر به حرمة النوم لمن علم فوات الفريضة به، إما لزيادة الاهتمام
بأمر الصلاة، أو يدعى ذلك في كل واجب موقت، أو يفرق بين ما يجعل وسيلة
واحتيالا لاسقاط الواجب من الصلاة وغيرها وعدمه، وكيف كان فهو غير ما نحن فيه،
فتأمل جيدا.
وربما يظهر لك من التأمل فيما ذكرنا سابقا وجوب التيمم على واجد الماء الذي
لا يتمكن من استعماله مخافة فوات الوقت حتى إدراك مقدار ركعة منه وإن كان ذلك
بتقصير وتفريط منه، وفاقا للمنتهى والتذكرة والمختلف والروضة وغيرها، بل في
الرياض أنه الأشهر، لعموم المنزلة، وأنه أحد الطهورين، واتحاد رب الأرض
والماء مع عدم سقوط الصلاة عنه، وظهور مساواته لما خاف فوات الوقت بالسعي إليه
أو باتمام السعي إليه، كظهور أصل مشروعية التيمم للمحافظة على الصلاة في وقتها،
فهو أهم في نظر الشارع من المحافظة على الطهارة المائية كغيرها من الشرائط من تحصيل
الساتر ونحوه، فإنها كلها تسقط عند الضيق، ولعله لذا لم يعد الضيق في مسوغات التيمم،
ولما يشعر به الأمر في الموثق (2) وخبر السكوني (3) بالتيمم عند خوف الزحام يوم

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الوضوء - الحديث 1 ولم نجد غيره يدل
على المطلب
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
91

الجمعة أو عرفة كما سيأتي التعرض له في الأحكام، ولظهور الاتفاق على مشروعيته لصلاة
الجنازة مع خوف فواتها، ولا فرق بينها وبين ما نحن فيه إلا بالوجوب والندب، وهو
لا يصلح فارقا، وتمام الكلام عند تعرض المصنف له في الأحكام أيضا.
وخلافا للمعتبر وجامع المقاصد وكشف اللثام والمدارك لثبوت اشتراطها بالطهارة
المائية مع عدم ثبوت مسوغية ضيق الوقت للتيمم، لتعليقه على عدم الوجدان الذي
لا يتحقق صدقه بذلك، فحينئذ يتطهر ويقضي، ولذا يصدق عليه اسم الواجد لغة وعرفا،
وبذلك يفرق بينه وبين من أخل بالطلب حتى ضاق، وفيه - بعد تسليم عدم إرادة
التمكن منه مع شهادة أمور كثيرة عليه - أنه لا دلالة فيه على اختصاص المسوغ به
إلا بالمفهوم الذي لا يظهر شموله لمثل ما نحن فيه، بل قد يظهر منه خلافه، وهو لا يعارض
ما عرفته سابقا، لكن ومع ذلك كله فالاحتياط بالتيمم والصلاة ثم الطهارة والقضاء
سيما مع التقصير منه والتفريط لا ينبغي تركه، بل ربما أوجبه بعضهم هنا مقدمة للفراغ
اليقيني، إلا أنه ممنوع لما عرفت في نظائره من اقتضاء الأمر الاجزاء، وبدلية
التراب وغيرهما.
ثم إن المعتبر في الضيق المسوغ للتيمم عدم التمكن مع استعمال الماء من إدراك
الصلاة ولو بادراك ركعة من الوقت، أو يكفي فيه خروج بعض الصلاة عن الوقت
حتى التسليم بناء على وجوبه فيها، وجهان، وربما يجري مثله في سائر الشرائط غير
الطهارة وإن أمكن الفرق بالبدلية هنا شرعا دون غيرها، فيتجه الثاني فيما نحن فيه،
والأول في غيره، فتأمل.
* (و) * على كل حال ف‍ * (لا فرق) * فيما ذكرنا من وجوب التيمم * (بين عدم الماء
أصلا ووجود ماء لا يكفيه لطهارته) * وضوء أو غسلا، إذ هو بمنزلة العدم،
لعدم مشروعية تبعيض الطهارة ولا تلفيقها من الماء والتراب، فيشمله حينئذ قوله تعالى: (1)

(1) سورة المائدة - الآية 9
92

" فلم تجدوا " لتبادر إرادة ما يكفي، كقوله تعالى (1) في كفارة اليمين: " فمن ل يجد
فصيام ثلاثة أيام " لعدم وجوب إطعام البعض، مضافا إلى الأمر في صريح الأخبار
المستفيضة، وفيها الصحيح وغيره بالتيمم للجنب وإن كان عنده من الماء ما لا يكفيه،
كخبري الحلبي (2) والحسين بن أبي العلاء (3) وغيرهما (4) وإلى اقتضاء قاعدة انتفاء
الكل بانتفاء الجزء.
وقوله (عليه السلام) (5): " لا يسقط الميسور " مع إجماله في نفسه لا يتمسك
به من دون جابر له، فكيف مع وجود ما يوهنه، واحتمال تعميم ما دل (6) على تنزيل
التراب منزلة الماء في الأبعاض أيضا يدفعه ظهور تلك الأدلة، بل هو صريح بعضها
في غيره.
كل ذا مع أنه لا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل في كشف اللثام الاتفاق
على وجوب التيمم كما في المنتهى، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا مع التصريح في معقد ذلك
فيها بعدم الفرق بين الحدث الأصغر والجنب، سوى ما في الروض " ربما حكي عن الشيخ
في بعض أقواله التبعيض، وهو قول بعض العامة " انتهى. مع أنا لم نجد ذلك فيما حضرني
من كتبه كالمبسوط والخلاف، بل الموجود فيهما خلافه، بل في الأخير الاجماع على
التيمم للمجنب الذي كان عنده ماء لا يكفيه لغسله وكذا الوضوء، وسوى ما نقل عن
العلامة في نهاية الإحكام أنه احتمل في الجنب صرف الماء إلى بعض أعضائه معللا ذلك
باحتمال وجوب ما يكمله، والموالاة فيه ليست بشرط، والظاهر أنه ليس خلافا فيما

(1) سورة المائدة - الآية 91
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3 - 0 -
(5) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
(6) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم - الحديث 3
93

نحن فيه من إيجاب التيمم، وعدم الاجتزاء بغسل البعض والتلفيق من الماء والتراب،
بل هو واجب آخر خارج عن ذلك من حيث احتماله لوجود ما يكمله، مع أنه أيضا
ممنوع، لعدم رجوعه إلى أصل يعول عليه، ولو علله بامكان رفع بعض الجنابة دون
بعض لمكان توزيعها على البدن، كما يشعر به قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " تحت
كل شعرة جنابة " وغيره مع وجوب تخفيف الحدث كالخبث لكان أوجه وإن كان
كل من مقدمتيه ممنوعا أيضا كما هو واضح.
فظهر لك من ذلك كله أنه لا ينبغي الاشكال في الرجوع إلى التيمم وعدم
الالتفات إلى ذلك الماء من غير فرق بين الأصغر وغيره، ولا بين سائر أنواع الحدث
الأكبر إلا في إيجاب الوضوء به لو كان يكفيه في حدث غير الجنابة كالحيض والمس،
لما قدمناه في باب الحيض أنه يوجب الطهارتين، فتعذر إحداهما لا يسقط الأخرى بخلاف
الجنابة، ومن هنا نص في خبر محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) (2) على الأمر
بالتيمم والنهي عن الوضوء في المجنب في السفر، ومعه ماء قدر ما يتوضأ، كظاهر
غيره أيضا.
ولو كان الماء يكفي للغسل أو الوضوء في غير الجنابة احتمل تقديم الغسل والتيمم
بدل الضوء، لكونه أهم في نظر الشارع، والتخيير، والأول أحوط.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من عدم مشروعية التبعيض المذكور بين أن يكون
منشأه قلة الماء أو غيره كمرض بعض أعضاء الطهارة مع صحة الباقي مرضا لا يدخله تحت
الجبيرة ولواحقها وكذا لو كان عليها نجاسة لا يستطيع غسلها لألم ونحوه، كما صرح
بذلك جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في مبسوطه وخلافه، والمصنف في المعتبر،
والعلامة في المنتهى وغيرهم، بل ينتقل حينئذ إلى التيمم، وكأنه لعدم الالتفات

(1) كنز العمال - ج - 5 ص 92 - الرقم - 1966 و 1971
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التيمم - الحديث 4
94

منهم هنا إلى عدم سقوط الميسور بالمعسور، وقوله (صلى الله عليه وآله) (1):
" إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم " إما لظهور الأدلة في خصوص الطهارات
في عدم اعتبار ذلك، كما يشعر به أمر الجنب الواجد لبعض الماء بالتيمم وغيره، وإما لأنهم
عثروا على ما يصرف دلالتها عن شمول ذلك وإن كان ظاهرها الآن التناول، كما رواه في
الصافي (2) عن المجمع عن أمير المؤمنين (ع) في تفسير قوله تعال: (3) " لا تسألوا عن
أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ثم قال: " خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن
الله كتب عليكم الحج، فقال عكاشة بن محصن - ويروى سراقة بن مالك -: أفي كل عام
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم، والله لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم،
ولو تركتم كفرتم، فاتركوني ما تركتم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم
على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شئ فاجتنبوه "
وهو ظاهر بل صريح في غير ما نحن فيه من الاتيان ببعض أجزاء المركب لو تعذر الباقي،
مع منافاته لقاعدة انتفاء المركب بانتفاء بعض أجزائه، لكن ومع ذلك فقد ذكر
الشيخ في المبسوط والخلاف فيما نحن فيه أن الأحوط غسل الأعضاء الصحيحة ثم التيمم
ليكون مؤديا صلاته بيقين، وهو لا يخلو من تأمل إن أراد ذلك من حيث وجود
المخالف فيه منا، نعم له وجه إن أراد من حيث احتماله في نفسه، فتأمل جيدا،
والله العالم.

(1) سنن البيهقي - ج - 1 - ص 215 ولكن نصه " ما أمرتكم به فافعلوا منه
ما استطعتم " ورواه أيضا في غوالي اللئالي عن النبي (صلى الله عليه وآله) بعين ما ذكر في
الجواهر وفي تفسير الصافي - سورة المائدة - الآية 101
(2) تفسير الصافي - سورة المائدة - الآية 101
(3) سورة المائدة - الآية 101
95

السبب * (الثاني عدم الوصلة إليه) *
أي إلى الماء بلا خلاف أجده، بل في ظاهر المعتبر أو عليه إجماع أهل العلم،
إما لتوقفه على ثمن تعذر عليه فيتيمم إجماعا كما في التذكرة. أو لفقد الآلة التي يتوصل
بها إلى الماء، كما إذا كان على شفير بئر أو نهر ولم يتمكن من الوصول إلى الماء إلا بمشقة
أو تغرير النفس فيباح له التيمم عند علمائنا أجمع كما في المنتهى، وقال الصادق (عليه السلام)
لما سأله ابن أبي العلاء (1) عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو: " ليس عليه أن
ينزل الركية، إن رب الماء هو رب الأرض، فليتيمم " ونحوه قوله (عليه السلام)
أيضا في خبر الحلبي (2) وقال (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن أبي يعفور وعنبسة (3):
" إذا أتيت البئر وأنت جنب فلم تجد دلوا ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد الطيب،
فإن رب الماء رب الصعيد، ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم " أو للعجز عن
الحركة المحتاج إليها في تحصيله لكبر أو مرض أو ضعف قوة ولم يجد معاونا ولو بأجرة
مقدورة، أو يكون موجودا في محل يخاف من السعي إليه على نفس أو طرف أو مال
محترم أو بضع أو عرض أو ذهاب عقل ولو بمجرد الجبن، لقبح التكليف بما لا يطلق،
ونفي العسر والحرج والضرر في الدين، مع عموم بدلية التراب عن الماء، وصدق عدم الوجدان
وربما يشير إلى بعض ما ذكرنا مضافا إلى الأخبار السابقة أيضا خبر السكوني (4)
عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) أنه " سئل عن رجل يكون في وسط الزحام
يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس، قال: يتيمم

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 1
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 1
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 3
96

ويصلي معهم، ويعيد إذا انصرف " وداود الرقي (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): أكون في السفر وتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال: إن الماء قريب
منا، أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا؟ قال: لا تطلب الماء ولكن تيمم، فإني
أخاف عليك التخلف عن أصحابك فتضل ويأكلك السبع " ويعقوب بن سالم (2)
قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق
ويساره غلوتين أو نحو ذلك، قال: لا آمره أن يغرر بنفسه. فيعرض له لص أو سبع "
إلى غير ذلك.
* (ف‍) * ظهر لك حينئذ مما قدمنا أن * (من عدم الثمن) * أو بعض ما سمعت * (فهو كمن
عدم الماء) * في وجوب التيمم * (وكذا إن وجده بثمن يضر به في الحال) * كما هو فتوى
فضلائنا على ما في المعتبر، والظاهر اتفاق الأصحاب عليه كما في شرح المفاتيح من غير
فرق في ذلك بين الحال والمؤجل،
ومنه ما لو كان محتاجا له للنفقة، فإنه لم يجب عليه
الشراء قولا واحدا كما في المنتهى، ومنه أيضا الاجحاف بماله أي استئصاله أو كاستئصاله،
واقتصر عليه أي الاجحاف في الغنية والوسيلة وعن الكافي من غير تعرض للضرر،
بل لعله بعض معقد إجماع الأول، كما أنه لم يعرف فيه مخالفا في المنتهى.
فاطلاق ابن سعيد في الجامع كما عن المرتضى إيجاب الشراء وإن كثر ثمنه منزل
على غير ما ذكرنا قطعا، سيما مع خوف التلف كما يشعر به جواز التيمم مع خوف العطش،
فالثمن أولى، فلا خلاف حينئذ، وإن كان قد يظهر من المصنف في النافع والمعتبر
ذلك، حيث جعلهما قولين، بل مال إليه في الحدائق، فأوجب الشراء مطلقا إلا
إذا خاف على نفسه العطب، تمسكا باطلاق ما دل على شرائه بالثمن وإن كثر من الأخبار
الآتية، وهو - مع مخالفته للاجماع في الجملة، وعدم تبادر مثل ذلك من الأخبار

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 2
97

التي ادعاها - مناف لنفي الضرر والعسر والحرج في الدين، سيما إذا استلزم ذلك سؤاله
وذله، ولسهولة الملة وسماحتها، مع عموم بدلية التراب عن الماء، واستقراء أمثال هذه
الموارد في الواجبات الأصلية فضلا عما كان وجوبه من باب المقدمة وله بدل.
فبذلك كله يخرج عن تلك الاطلاقات لو سلم تناولها، واحتمال العكس بعد تسليم
قبول هذه العمومات التخصيص لا وجه له، سيما بعد رجحان هذه بعمل الأصحاب وغيره.
نعم قد يناقش في شمول تلك العمومات لمثل المقام بمنع كونه عسرا وحرجا،
وإلا لم يقع نظيره في الشرع من الجهاد وبذل المال في الحج وغير ذلك، وبأن المراد
من حديث الضرار النهي عن أن يضر أحد أحدا لا ما نحن فيه، ويدفعه منع عدم الشمول،
لأن المراد بالحرج المشقة التي لا تتحمل عادة وإن كانت دون الطاقة، على أن استقراء
موارد سقوط الطهارة المائية يشعر بإقامة الشارع التراب مقامها بأقل من ذلك كما لا يخفى.
فلعل العسر والحرج يختلف بالنسبة للتكاليف باعتبار المصالح المترتبة عليها، فمنها
ما لا عسر ولا حرج في بذل النفوس له فضلا عن الأموال كالجهاد لما يترتب عليه من
المصالح العظيمة التي يهون بذل النفوس لها، ومنها ما لا يكون كذلك مثل ما نحن فيه،
كما يعطيه فحاوي الأدلة، للأمر بتركه في كثير من مظان أقل الضرر.
نعم قد يتأمل لما ذكره ولباب المقدمة في بعض أفراد الضرر الذي يتحمل مثله
عادة، وإلا فمطلق الشراء بالثمن الكثير الزائد على ثمن المثل ضرر، كما ينبئ عنه
استدلال الأصحاب في أبواب المعاملات على أمثاله بنفي الضرر ونحوه، ومن هنا لم
يعتبر المضرة اليسيرة في المهذب وظاهر مجمع البرهان على ما حكي عنهما.
كما أنه قد يتأمل فيما ذكره المصنف في المعتبر دليلا للحكم السابق غير ما قدمناه،
وتبعه غيره من أنه إذا لم يجب السعي وتعريض المال للتلف مع خوف أخذ اللص ما يجحف
به وساغ التيمم دفعا للضرر فهكذا هنا، بالفرق بينه وبين ما نحن فيه، للنص فيه
98

هناك وعدمه هنا، ولذا لم يعتبر في خوف اللص الضرر والاجحاف، وبما في أخذ اللص
ونحوه من الطرق التي لم تعد أعواضا مما لا يحتمل عادة، بل قد يعد مثله إضاعة المال
المنهي عنها، وبما قيل أيضا أن العوض فيه هنا الثواب بخلافه في اللص، لكن في
الذكرى أنه خيال ضعيف، لأنه إذا ترك المال لابتغاء الماء دخل في حيز الثواب،
وفيه أنه فرق بين الثوابين، ولعل مراد المحقق الذي أشرنا إليه سابقا من أن هذا
وشبهه مما أمر بالتيمم من جهته يشعر بقيام التراب مقام لماء بأقل من ذلك، فتأمل جيدا.
والمراد بالحال في المتن وغيره حال المكلف كما هو صريح التذكرة والذكرى وجامع
المقاصد وغيرها، وظاهر إطلاق الضرر في الخلاف، فيشمل الحال والمتوقع في زمان
لا يتجدد فيه ما يندفع به عادة، لاشتراكهما في الأدلة السابقة، واستقراء موارد ما رفع
من التكليف للضرر، وفحوى الأمر بالتيمم عند خوف العطش، فالثمن الذي هو بدل
الماء أولى، فما يحكى عن صريح المعتبر - بل قيل إنه ظاهر المتن من إرادة الزمان الحال
لعدم العلم بالبقاء إلى وقته، ولامكان حصول مال فيه على تقدير البقاء، ولانتفاء الضرر -
ضعيف جدا كدليله، نعم لو بعد زمان التوقع إلى مرتبة لا يحترز عن مثله في العادات
لم يعتبر، لعدم عد مثله من الضرر، فتأمل.
هذا كله فيما إذا أضر * (و) * أما * (إن لم يكن مضرا بالحال) * ولو من حيث الاجحاف
* (لزمه شراؤه) * إذا كان بثمن المثل اتفاقا محصلا ومنقولا، لصدق الوجدان وللمقدمة،
بل * (و) * كذا * (لو كان بأضعاف ثمنه المعتاد) * إجماعا كما في الخلاف، وفتوى فقهائنا
عن المهذب البارع، بل لعله مندرج أيضا في معقد إجماع الغنية، وعلى كل حال فهو
الحجة، مضافا إلى صدق الوجدان معه والمقدمة والصحيح (1) قال: " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب التيمم - الحديث 1 مع اختلاف في اللفظ
99

به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لهما يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: لا بل
يشتري، قد أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت، وما يشترى بذلك مال كثير "
وخبر الحسين بن طلحة (1) المروي عن تفسير العياشي قال: " سألت عبدا صالحا
عن قول الله عز وجل (2) " أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " ما حد
ذلك؟ قال: فإن لم تجدوا بشراء أو بغير شراء، قلت: إن وجد قدر وضوئه بمائة ألف
أو بألف وكم بلغ قال لك على قدر جدته " وما عن فخر الاسلام في شرح الإرشاد
" أن الصادق (عليه السلام) اشترى وضوءه بمائة دينار " وما عن دعائم الاسلام (3)
إلى أن قال: " وقالوا (عليهم السلام): في المسافر يجد الماء بثمن غال أن يشتريه إذا
كان واجد الثمن فقد وجده إلا أن يكون في دفعه الثمن ما يخاف منه على نفسه التلف إن
عدم والعطب، فلا يشتري وتيمم بالصعيد ويصلي ".
فما عن ابن الجنيد من عدم إيجاب الشراء إذا كان غاليا، ولكن أوجب الإعادة
إذا وجد الماء ضعيف، ولعله لأنه ضرر في نفسه، فيندرج تحت قوله (صلى الله
عليه وآله) (4): " لا ضرر " إذ المراد به ما كان فيه ذلك في حد ذاته وبالنسبة إلى غالب
الناس، ولسقوط السعي عند الخوف على شئ من ماله، وهو مدفوع بما عرفت.
كما أنه قد عرفت الفرق بينه وبين الخوف بالنص وغيره، فلا ينبغي الاشكال في وجوب
ذلك حينئذ، كما أنه لا إشكال عندهم بل ولا خلاف، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب التيمم - الحديث 2
(2) سورة النساء - الآية 46 وسورة المائدة - الآية 9
(3) المستدرك - الباب - 20 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب الشفعة - الحديث 1 والباب 12 من كتاب احياء
الموات - الحديث 3 و 4
100

الأصحاب في وجوب القبول عليه لو وهب له الماء، لابتناء ذلك على المسامحة عرفا،
فلا منة ولا ضرر، لكنه لا يخلو من تأمل، لاختلافه باختلاف الأشخاص رفعة
وضعة والأزمنة والأمكنة، وعليه فلو تيمم والحال هذه بطل ما دام الماء المبذول قائما
كما صرح به غير واحد، وكذا في نظائره.
وأما لو بذل له الثمن ففي المبسوط والمنتهى والمدارك والحدائق وجوب القبول
أيضا للمقدمة المقدورة عقلا وشرعا، إذ لا حرمة عليه في تحمل المنة، واستشكله في
المعتبر بأنه فيه منة في العادة، ولا تجب المنة، واختاره في جامع المقاصد، قال: " لأن
هبة المال مما يمتن به في لإعادة ويحصل به للنفس غضاضة واستهانة، وذلك من أشد أنواع
الضرر على نفوس الأحرار، ولا أثر لقلته في ذلك، لعدم انضباط أحوال الناس،
فربما يعد القليل كثيرا، بل مناط الحكم كون الجنس مما يمن به عادة، كما لا نفرق بين
قلة الماء وكثرته في وجوب القبول اعتبارا بالجنس " انتهى. وفيه التأمل السابق،
فلعل الأولى إناطة الحكم بذلك لا الاطلاق، ولا اعتبار بالجنس الذي ذكره، إذ منشأ
عدم تحمل المنة إنما هو الحرج الذي لا يتحمل، فيكون كالضرر المتقدم في الثمن، فيدور
الحكم مداره وجودا وعدما من غير مدخلية للجنس، بل وكذا الكلام في الاستيهاب
والاكتساب، فإن الناس مختلفة بذلك أشد اختلاف، وظاهرهم هنا عدم الفرق بين
الهبة والبذل بمعنى الإباحة، وهو كذلك عند التأمل.
ولو بذل له الماء أو الثمن إلى أجل يستطيع وفاءه فيه وجب عليه القبول كما صرح
به جماعة، بل قد يشعر بنسبة الخلاف فيه إلى خصوص الشافعي في المعتبر والمنتهى بعدمه
بيننا، لكن عن ابن فهد أنه حكى عن بعض مشائخه القول بالعدم، ولعله لأن نفس
شغل الذمة مع احتمال عوارض عدم الوفاء ضرر، وهو ضعيف، وبأدنى تأمل تعرف جريان
جميع ما تقدم من الكلام في الماء وثمنه في الآلة، ولذا قال المصنف: * (وكذا القول في
101

الآلة) * حتى الكلام بالنسبة إلى وجوب قبولها لو وهبت، وعدمه كالثمن، فلا حاجة إلى
الإعادة والتطويل.
السبب * (الثالث الخوف) *
على النفس أو المال إن وصل إلى الماء من اللص أو القتل أو الجرح أو
الأذية التي لا تحتمل عادة من غير خلاف أجده، بل حكي الاجماع عليه على لسان جماعة مع
اختلاف معقده، ففي الغنية عليه من العدو، وفي صريح المعتبر أو ظاهره عليه أو على
أهله أو ماله من اللص أو السبع، وفي المنتهى على نفسه أو ماله من السبع أو العدو أو
الحريف أو التخلف عن الرفقة وما أشبهه، ثم قال لا نعرف فيه خلافا، وفي كشف اللثام
شارحا لعبارة القواعد الخوف من تحصيله أو استعماله على النفس أو المال ولو لغيره مع
الاحترام من لص أو سبع بالاجماع والنصوص، نحو " لا تقتلوا أنفسكم " (1) إلى آخره
وفي المدارك في شرح عبارة المصنف إلى قوله أو ضياع مال هذا الحكم مجمع عليه بين
الأصحاب على ما نقله جماعة إلى غير ذلك كما لا يخفى على المتتبع.
* (و) * من ذلك ووجوب الحفظ ونفي العسر والحرج وإرادة اليسر والنهي عن
قتل النفس والالقاء إلى التهلكة وروايتي يعقوب بن سالم (2) وداود الرقي (3) المتقدمتين
كان * (لا فرق في جواز التيمم بين أن يخاف لصا أو سبعا أو يخاف ضياع مال) * لكن
أشكل الحال على صاحب الحدائق بالنسبة للخوف على المال بعد اعترافه باتفاق الأصحاب
عليه، قال: " لعدم الدليل، لظهور الروايتين في الخوف على النفس، ومعارضة نفي الحرج
ووجوب حفظ المال بما دل على وجوب الوضوء والغسل، بل هي أوضح فلتحكم عليها،
ولو سلم فبينها تعارض العموم من وجه، وتحكيم تلك ليس أولى من العكس " وفيه -

(1) سورة النساء - الآية 33
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 3
102

بعد الاجماع بقسميه على خلافه سيما فيما يتضرر بتلفه، ومنع ظهور خبر يعقوب في الخوف
بالنفس، لوجود لفظ اللص الظاهر في الخوف منه على المال، كما يشهد له فهم الأصحاب
من ذلك، ولا ينافيه لفظ النفس قبله، وظهور استقراء أخبار التيمم في سقوط المائية
بأقل من ذلك بل وغيرها من الواجبات الأصلية فضلا عنها، مع أن أصل مشروعية
التيمم لليسر - أن أدلة العسر والحرج غير قابلة للتخصيص، لظهورها أن ليس في الدين
ما فيه حرج، فليست هي من قبيل الأصل كما بين في محله، وبعد التسليم فهي أرجح
من وجوه عديدة لا تخفى.
نعم قد يناقش في كون بعض أفراد ذهاب المال هنا عسرا وحرجا، لكن
إطلاق الاجماع المحكي وغيره كاف في إثبات الحكم فيه، ومنه مع شمول النص السابق
صرح غير واحد من الأصحاب بل نسب إليهم في لسان جماعة مشعرين بدعوى الاجماع
عليه إن لم يكن محصلا بعدم الفرق بين المال القليل والكثير، وهو الفارق بينه وبين
بذل المال وإن كثر في الشراء، مضافا إلى ما في اغتصاب المال من الغضاضة التي لا تتحمل،
بل قد يجود بعض الناس بنفسه دونها، بخلافه في البذل بالاختيار كما أشرنا إليه
سابقا، بل صرح في جامع المقاصد وغيره أنه لا فرق بين ماله ومال غيره، لكنه لا يخلو
من تأمل فيما لا يجب حفظه عليه من أموال الغير ولم يكن في تسلط اللصوص عليهم غضاضة
عليه من عياله ورفقائه المستجيرين به اللائذين بحماه، لعدم الدليل الذي يقطع باب المقدمة.
نعم قد يتجه ذلك في النفس، فلا يفرق بين الخوف على نفسه ونفس غيره
إن كانت محترمة مع الخوف عليها من السبع وشبهه،
كما أنه لا فرق بين المال والعرض،
بل هو أولى منه وإن لم ينص عليه في الخبر، لظهور إرادة التمثيل منه ونفي الحرج
وغيرهما، وفي إلحاق عرض غيره به مع عدم التعلق به ولو من جهة الاستجارة ونحوها
إشكال، ومن الخوف الخوف من الحبس ظلما، وكذا المطالبة بحق عاجز عن أدائه،
103

إما لعدم تمكنه من إثبات العجز، أو لتغلب المطالب، بل في جامع المقاصد أن منه
لو خاف القتل قصاصا مع رجاء العفو بالتأخير إما بالدية أو مجانا، لأن حفظ النفس
مطلوب، وفيه تأمل، والخوف عن جبن كالخوف عن غيره كما صرح به المصنف والعلامة
في بعض كتبه والشهيدان وغيرهم، بل لعله أقوى، إذ قد يؤدي إلى ذهاب العقل،
فالتكليف معه مشقة لا تتحمل، خلافا للتحرير فلم يعتبره، وتوقف فيه في المنتهى،
وهو ضعيف إلا فيما لا يبلغ حد المشقة في التكليف معه.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من الخوف بين حصوله له في طريقه أو ما تخلف له من
الأموال ونحوها بعد ذهابه إليه كما هو واضح.
* (وكذا) * أي الخوف من السبع واللص * (لو خشي) * حصول * (المرض الشديد) *
باستعماله أو بالمضي إليه أو بترك شربه بلا خلاف أجده فيه، بل هو إجماع سيما مع
خوف التلف معه، لنفي العسر والحرج والضرر وإرادة اليسر وسعة الحنيفية وسماحتها،
وأنها أوسع ما بين السماء والأرض، والنهي عن قتل النفس والالقاء إلى التهلكة،
والأمر بالتيمم عند خوف البرد على نفسه في صحيح البزنطي عن الرضا (عليه السلام) (1)
وخبر داود بن سرحان (2) وفحوى الأمر به من خوف الشين، وكذا الأمر به في
حال المرض عند خوف زيادته أو بطئه أو عسر علاجه أو التلف كتابا (3) وسنة (4)
عموما وخصوصا مثل ما ورد في ذي القروح والجروح والمجدور والمكسور والمبطون
من الأخبار الكثيرة 5) وفيها الصحيح وغيره، وإجماعا محصلا ومنقولا في الخلاف

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 7 - 8
(3) سورة النساء - الآية 46 وسورة المائدة - الآية 9
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم
104

على المجدور والمجروح ومن أشبههما ممن به مرض مخوف، وعلى ما لو خاف الزيادة في
العلة وإن لم يخف التلف.
وفي المعتبر والتذكرة على المريض الذي يخاف التلف، بل في أولهما أن مذهبنا
التيمم عند خوف الزيادة في العلة وبطئها، وفي الغنية عند حصول الخوف في استعماله
لمرض أو شدة برد.
وفي المنتهى السبب الرابع والجرح وما أشبههما، وقد ذهب علماؤنا أجمع
إلى أنه إذا خاف على نفسه من استعمال الماء فله التيمم، وفي مجمع البرهان لا شك في
وجوب التيمم عند تعذر استعماله الماء للمرض الذي يضر استعماله ضررا بينا حيث يقال
عرفا إنه ضرر، للآية والأخبار والاجماع والحرج إلى غير ذلك.
نعم قد يشكل الحال فيما لو خاف حدوث المرض اليسير، فظاهر المتن والتحرير
وصريح المعتبر والمبسوط عدم اعتباره، بل في الأخير نفي الخلاف عنه، ولعله لصدق
الوجدان معه، لعدم عد مثله في الضرر عرفا، فيبقى التكليف بالمائية بحاله، وحكي
عن الخلاف والمنتهى، بل ربما استظهر منهما الاجماع عليه، والموجود فيهما المرض
لا يخاف منه التلف ولا الزيادة فيه، بل في الثاني لا يخاف الضرر باستعمال الماء لا يجوز
معه التيمم، لصدق الوجدان الذي لا يتضرر معه وفاقا لمن عدا مالك أو بعض أصحابه
وداود، لاطلاق " وإن كنتم مرضى " وهو كما ترى غير ما نحن فيه، وعلى كل حال
فقد استشكله في الذكرى وجامع المقاصد بالحرج، وبقول النبي (صلى الله عليه وآله):
" لا ضرر ولا ضرار " وبأنه أشد ضررا من الشين الذي سوغوا التيمم له، وبعدم
الوثوق بيسير المرض عن أن يصير شديدا.
وربما استظهر من التعليل بالحرج ونحوه لفظية النزاع، إذ مبنى الأول عدم
الحرج والمشقة فيه بخلاف الثاني، فيكون الجميع متفقين على مانعية ما فيه الحرج دون غيره،
105

وفيه أن البحث في أن مطلق المرض ولو يسيرا حرج أولا، وسهولته بالإضافة إلى الفرد
الأخير من المرض لا ينافي دعوى عسره في نفسه، إذ لا ريب في اختلاف أنواع المرض
شدة وضعفا.
وكيف كان فالأقوى الأول لمنع الحرج فيه، إذ المراد به المشقة التي لا تحتمل
عادة، وهو الذي يسقط عنده التكليف بالصوم والصلاة من قيام أو من جلوس وغير
ذلك، لا مجرد المرض الذي لا يعتد به في العادة، فتأمل. وفي موثقة زرارة (1) قال:
" سألت الصادق (عليه السلام) ما حد المرض الذي يفطر به الرجل ويدع الصلاة من
قيام، فقال: بل الانسان على نفسه بصيرة، هو أعلم بما يطيقه " والمرض اليسير عند
الخوف من سرايته إلى الشديد شديد.
ولا فرق فيما ذكرنا بين الصحيح الذي يخشى حدوث المرض اليسير باستعمال الماء
أو طلبه ونحوهما وبين المريض كذلك، إلا أن يحصل بانضمامه إلى ما فيه من المرض
مشقة عظيمة، ولا في المرض اليسير بين أن يكون من جنس ما فيه من المرض وعدمه
إلا أن يحصل أيضا بالانضمام إلى الأول مشقة عظيمة، ولعله لذا أطلقوا الأمر بالتيمم
حتى حكي الاجماع عليه عند الخوف من زيادة المرض من غير تفصيل.
ولعل مجرد التألم الذي لا يتحمل عادة لمرض أو شدة برد ونحوهما مسوغ للتيمم
وإن لم يخش التلف ولا الزيادة ولا غيرهما، وفاقا للمحكي عن الأكثر، بل عن ظاهر
الغنية الاجماع عليه، للحرج وإطلاق " وإن كنتم مرضى " (2) وترك الاستفصال في
أخبار الجروح والقروح (3) وغير ذلك، وفحوى التيمم للشين، واحتمال اندراجه

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القيام - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(2) سورة النساء - الآية 46 وسورة المائدة - الآية 9
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم
106

فيمن يخاف على نفسه البرد، فيدل عليه حينئذ صحيح البزنطي (1) عن الرضا (عليه
السلام) وخبر ابن سرحان (2).
وخلافا للقواعد والذكرى وعن غيرهما، مع احتمال إرادة التألم الذي يتحمل
عادة، فلا خلاف حينئذ، مع أنه لا مستند له سوى الأصل المخصص بما مر، وخروجه
عن المنصوص، وهو ممنوع في مثل المريض بل وغيره، وأفضلية أحمز الأعمال والمراد
أشقها في نفسه لا المرض ونحوه، والصحيح عن الصادق (عليه السلام) (3) أنه " سئل
عن رجل كان في أرض باردة فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل،
كيف يصنع؟ قال: يغتسل وإن أصابه ما أصابه، قال: وذكر (عليه السلام) أنه كان
وجعا شديد الوجع فأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة،
فدعوت الغلمة، فقلت لهم، احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنا نخاف عليك، فقلت:
ليس بد، فحملوني ووضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني ".
وصحيح ابن مسلم (4) أيضا قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء، وعسى أن يكون الماء جامدا، فقال:
يغتسل على ما كان، حدثه رجل أنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد، فقال: اغتسل
على ما كان، فإنه لا بد من الغسل، وذكر أبو عبد الله (عليه السلام) أنه اضطر إليه
وهو مريض، فأتوه به مسخنا فاغتسل، وقال: لا بد من الغسل ".
وهما فيما يقوله الخصم مؤلان، ولا حجة فيه لعدم الانحصار في ذلك، وإلا
فظاهرهما حتى لو خاف على نفسه التلف، ومن هنا حملهما الشيخ على من أجنب نفسه
مختارا، وهو مبني على تكليف من كان كذلك بالغسل على كل حال، كما هو خيرته

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 7 - 8
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب التيمم - الحديث 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب التيمم - الحديث 3 - 4
107

في الخلاف مدعيا عليه إجماع الفرقة، والمفيد في مقنعته، والصدوق في هدايته، للأصل
وإدخاله الضرر على نفسه، والصحيحين السابقين، وإجماع الفرقة المحكي في الخلاف،
ومرفوعة علي بن أحمد (1) عن الصادق (عليه السلام) قال: " سألته عن مجدور أصابته
جنابة، قال: إن كان أجنب هو فليغتسل، وإن كان احتلم فليتيمم " ومرفوعة إبراهيم
ابن هاشم (2) قال: " قال إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان، وإن كان
احتلم تيمم ".
لكن المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا عدم الفرق بين متعمدا الجنابة وغيره،
بل هو مندرج في إطلاق الاجماعات السابقة على التيمم عند خوف التلف، ونحوه من
ابن زهرة والمصنف والعلامة وغيرهم، بل ظاهر المنتهى الاجماع عليه بالخصوص،
حيث قال: لو أجنب مختارا وخشي البرد تيمم عندنا وهو الحجة، مضافا إلى إطلاق
" وإن كنتم مرضى " ونفي العسر والحرج والضرر، وإرادة اليسر ورفع الضرر
المظنون والنهي عن الالقاء في التهلكة وقتل النفس، وترك الاستفصال في أخبار الجروح
والقروح وخوف البرد، مع ظهور بعضها في تعمد الجنابة، واستقراء موارد سقوط
المائية بأقل من ذلك، بل غيرها من التكاليف كالصلاة والحج والصوم وغيرها وبأهمية
حفظ النفوس والأبدان عند الشارع من حفظ الأديان، وعمومية بدلية التراب وطهوريته
واتحاد ربهما وكفايته عشر سنين، مع أن المتجه على مذهب الخصم حرمة الجنابة والحال
هذه، وفي المعتبر الاجماع على الإباحة، للأصل والعمومات كالإذن في إتيان الحرث
متى شاء، والحرج الشديد في بعض الأحوال لو منع من الجماع، ويومي إليه - زيادة على
ما في الصحيح السابق في أدلة الخصم من إصابة الصادق (عليه السلام) ذلك، لما قيل من

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 2
108

أنه منزه عن الاحتلام، كما دلت عليه الأخبار (1) - ما في خبر السكوني (2) " إن أبا ذر
أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هلكت جامعت على
غير ماء، قال: فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بمحمل فاستترت به وبماء فاغتسلت أنا
وهي، ثم قال: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين " وخبر إسحاق بن عمار (3) " عن
الرجل مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله، فقال: ما أحب أن يفعل ذلك إلا أن
يكون شبقا، أو يخاف على نفسه قال: يطلب بذلك اللذة، قال: هو حلال، قال: فإنه
روي عن الصادق (عليه السلام) أن أبا ذر سأل عن هذا فقال أتت أهلك تؤجر، فقال:
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أؤجر، قال: كما أنك إذا أتيت الحرام أزرت فكذلك
إذا أتيت الحلال أجرت ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال أجر " وإذا جاز
الجماع لم يوجب العقوبة بمثل ذلك.
نعم قد يستشكل في جوازه بعد الوقت قبل فعل الصلاة وكان يتمكن من الوضوء
خاصة، بل في المنتهى تحريمه كما عن النهاية احتماله، مع إمكان القول بمنعه فيه بعد تسليم
اقتضاء القاعدة التحريم أيضا، تمسكا باطلاق الأدلة السابقة من الاجماع وغيره بل في
جملة من الأخبار (4)، وقد تقدم بعضها " عن الرجل يجنب وليس معه إلا قدر ما يكفيه
للوضوء، فقال: يتيمم ".
كل ذا مع ضعف أدلة الخصم بانقطاع الأصل وعدم اقتضاء تعمده سقوط
احترامه سيما مع إباحته له، ومنع الاجماع لمصير الأكثر بعده إلى خلافه، بل هو

(1) أصول الكافي باب (مواليد الأئمة عليهم السلام) من كتاب الحجة - الحديث (2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 12
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التيمم
109

في المبسوط كما عن غيره من كتبه أنه يتيمم ويصلي إذا خشي البرد ثم يعيد بعد ذلك،
بل لا يبعد دعوى انعقاد الاجماع بعده على خلافه كما لا يخفى على الخبير الممارس، ومخالفة
أخباره للكتاب والسنة النبوية والعقل، وموافقتها للمحكي عن أصحاب الرأي وأحمد
في إحدى الروايتين، فالمتجه طرحها والاعراض عنها، للأمر بذلك من أئمتنا (عليهم السلام)
في هذا الحال، مع عدم ظهور الصحيحين سيما الثاني في تعمد الجنابة، إلا ما فيه من
إصابة الصادق (عليه السلام) ذلك، لعدم وقوع الاحتلام منه، لكنه معارض ببعد
وقوع الجنابة منه في تلك، فلعلها جنابة سابقة على المرض، فيكون لا قائل بظاهرهما
حينئذ، واحتمالهما المشقة التي تتحمل عادة لا التلف ونحوه، بل في المعتبر أنه يمكن العمل
بهما على جهة الاستحباب، لكنه كما ترى لا ينطبق على ظاهر ما سمعته من الأدلة،
لاقتضائها التحريم، وكذا ما في كشف اللثام بعد ذكره أخبار الخصم بأسرها، والكل
يحتمل وجوب تحمل المشقة اللاحقة بالاستعمال من البرد خاصة، واستحبابه لا مع خوف
المرض أو التلف، مع عدم تصور الاستحباب في الطهارة لوجوبها بمجرد إمكانها مضافا
إلى ما عرفت من مساواة المشقة الشديدة الخوف، فالمتجه حينئذ الطعن بالصحيحين بما
عرفت، وبالمرفوعتين بعدم قابليتهما لاثبات مثل هذا الحكم سيما مع المعارضة بما تقدم.
ثم المدار في ثبوت الضرر هنا وغيره مما كان كذلك على علمه أو ظنه المستفاد
من معرفة أو تجربة أو إخبار عارف وإن كان صبيا أو فاسقا بل وذميا مع عدم تهمة
في الدين، ولعل ما في المنتهى من عدم قبوله إذا كان كذلك للتهمة وعدم الظن
فلا خلاف لظهور كلامه أو صريحه في الاكتفاء بالظن كغيره من الأصحاب من غير
خلاف أجده فيه، لوجوب دفع الضرر المظنون، وللتعليق على الخوف المتحقق به في
السنة ومعاقد الاجماعات، بل قد يقال بتحققه مع الشك فضلا عن الظن، بل مع الوهم
القريب الذي لا يستبعده العقلاء، ولعله لا يخلو من قوة، وإن كان ظاهر العلامة ومن
110

تأخر عنه التعليق على الظن، وكذا الكلام في السابق من خوف اللص والسبع ونحوهما،
فتأمل جيدا.
وكيف كان فمتى تضرر لم يجز استعمال الماء، فإن استعمل لم يجز، لانتقال فرضه
فلا أمر بالوضوء مثلا بل هو منهي عنه فيفسد، وما في بعض أخبار الجروح والقروح (1)
" أنه لا بأس عليه بأن تيمم " مما يشعر بالرخصة لا الوجوب لا يراد منه ظاهره قطعا،
كما يوضحه مضافا إلى العقل الأخبار الأخر (2) وكذا كل ما كان كذلك من أسباب
التيمم مما يفيد تحريم العمل نفسه لا ما كان منها ليس فيه تحريم للعمل نفسه، كالخوف من
اللص ونحوه، فإنه لو خالف وغرر بنفسه فوجد الماء عاد فرض الماء وإن فعل حراما في
ذلك، لتحقق صدق الوجدان حينئذ عليه، وكذا لو اشترى الماء بما فيه ضرر عليه،
لعدم فساد المعاملة بذلك، أو تحمل منته في طلبه أو طلب ثمنه، أو ارتكب التكسب
بما فيه مهانة عليه، سيما مع عدم حرمة بعض ذلك عليه وإن رخص معها في التيمم،
ولا ينافيه أنها طهارة اضطرارية، ومع عدم ممنوعية حصول الماء عقلا أو شرعا كتحمل
المنة ونحوها لا اضطرار، إذ مع إمكان إرادة غلبة اضطراريتها قد يقال إن ذلك بعد
اسقاط وجوب تحمل المنة أو الضرر المالي مثلا مما يتوقف عليهما صدق اسم الوجدان للعسر
والحرج ونحوهما لا ينافي صدق اسم الاضطرار وإن جاز له شرعا تحمله من حيث عدم منافاة
الإباحة الحرج والألم الحالي مع أمن العاقبة.
ثم بناء على سواغ التيمم له لو خالف وتطهر ففي الاجزاء نظر، ينشأ من حرمة
إيلامه نفسه وعدمها، ولعل الأقوى عدم الحرمة، فيجزئ حينئذ وإن كان لا وجوب
للطهارة، لكن بكفي رجحانها في حد ذاتها إن قلنا بعدم منافاة الندب للحرج، وبعدم
ظهور الأدلة في عدم مشروعية الطهارة لمثله.
وهل ضيق الوقت عن استعمال الماء الذي تقدم أنه مسوغ للتيمم مفسد للوضوء

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 11 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 11 - 0 -
111

أو الغسل مع المخالفة مع قطع النظر عن الضدية، لعدم الأمر بهما حينئذ وانتقال الفرض
إلى التيمم. أو أن الفساد فيهما مبني على حرمة الضد؟ وجهان، أقواهما الثاني، لأن
سقوط خصوص الأمر بهما لهذه الصلاة لا يقتضي سقوط غيره من الأوامر الدالة على
رجحانهما في حد ذاتهما أو لغير هذه الصلاة مما كان في وقته مثلا إلا من جهة الضدية،
فالحكم حينئذ مبني عليها، ولعل مثله واجد الماء الذي وجب عليه صرفه في غير الطهارة
مما لا بدل له كإزالة النجاسة. اللهم إلا أن يقال: إنه بعد أمر الشارع بصرفه في غيرها
كان بمنزلة من لا ماء عنده، فلا خطاب بالطهارة حينئذ.
ومن هنا قال الوحيد الطباطبائي في منظومته بعد ذكره أسباب التيمم مؤخرا
ما نحن فيه عنها:
فالفرض في هذا ونحوه البدل * والأصل ألا يجزئ إذا الفرض انتقل
لكن يعود إن تكلف السبب * وارتفع العذر بما قد ارتكب
وضابط البطلان تحريم العمل * لا النهي عما يقتضيه إذ حصل
انتهى. لكن يحتاج إلى التأمل التام في هذا الضابط بالنسبة إلى انطباقه على
ما ذكرنا، فتأمل.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا من التيمم عند خوف الضرر بين الضرر على مجموع بدنه
أو بعضه كما هو قضية ما سمعته من الأدلة السابقة خصوصا أخبار الجروح والقروح،
نعم ربما تخيل المنافاة بينها وبين ما دل سابقا (1) على حكم الجبيرة وغسل ما حول الجرح
أو القرح أو وضع خرقة والمسح عليها، وقد تقدم البحث ووجه الجمع فيه سابقا، لكن
الكلام هنا في مثل الرمد، وينبغي القطع بانتقاله مع تضرره بوضع الماء على وجهه،

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الوضوء
112

بل وكذا لو لم يكن كذلك بل كان الضرر بقربه إلى ظاهر أجفان عينيه، لأصالة
الانتقال إلى التيمم بتعذر بعض أعضاء طهارته، وعدم شمول أدلة الجبيرة ولواحقها له.
وما في الحدائق من أن الأقرب إن كان لا يتضرر بغسل ما عدا العين فالواجب
الوضوء أو الغسل أو غسل ما حول العين ولو بنحو الدهن، لأصالة المائية مع عدم ثبوت
المخرج، وإلحاقا لها بحكم القروح والجروح، بل لعل الجواب في بعض أخبارها
متناول لذلك، وإن كان السؤال مشتملا على خصوص الجرح والقرح فإن العبرة بعمومه،
ولا ريب في ضعفه إن أراد ترك غسل الجفن ونحوه من الظاهر، لمنع الأصل عليه
وحرمة القياس، نعم له وجه لو كان الضرر بمباشرة باطن العين خاصة وكان يتمكن
من غسل الظاهر بحيث يأمن من دخوله الماء إلى الباطن، بل ينبغي القطع حينئذ بعدم
سقوط المائية كما هو واضح، إلا أن ذلك نادر جدا في الرمد، ولذا كان المعمول
عليه في زماننا عند من عاصرناه من المشائخ ومقلدتهم التيمم عند حصول الرمد،
فتأمل جيدا.
وكيف كان فمتى خشي المرض * (أو الشين باستعماله الماء جاز له التيمم) * كما تقدم
الكلام في الأول مفصلا، وأما الثاني فلا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، بل ظاهر
المعتبر كنسبته في المنتهى إلى علمائنا وجامع المقاصد إلى إطباقهم والمدارك وغيره إلى
قطع الأصحاب الاجماع عليه، وظاهر إطلاق كثير منهم كما عن بعضهم التصريح به عدم
الفرق بين شديده وضعيفه، وهو مشكل جدا سيما بعد تقييد المرض بالشديد على المختار،
إذ لم نعثر له على دليل سوى عمومات العسر والحرج، واحتمال دخوله في المرض أو في
إطلاق ما دل على التيمم عند خوف البرد، ومن المعلوم عدم العسر في ضعيفه، بل
لا يكاد ينفك عنه غالب الناس في أوقات البرد، وعدم صدق اسم المرض عليه، بل
قد يشك ذلك بالنسبة إلى شديده فضلا عنه، وظهور أدلة خوف البرد في غيره، ولعله
113

لذا قيده في موضع من المنتهى بالفاحش، واختاره جماعة ممن تأخر عنه منهم المحقق
الثاني في جامعه والشهيد الثاني في روضه والفاضل الهندي في كشفه، وإليه يرجع ما عن
جماعة أخرى من التقييد بما لا يتحمل عادة، بل في الكفاية أنه نقل بعضهم الاتفاق
على أن الشين إذا لم يغير الخلقة ويشوهها لم يجز التيمم.
فالأقوى الاقتصار على الشديد منه الذي يعسر تحمله عادة من غير فرق فيه
حينئذ بين خوف حصوله أو زيادته أو بطء برئه كالمرض، بل لعله داخل فيه حينئذ،
وكذا التألم منه خاصة وإن أمن العاقبة بناء على ما تقدم سابقا في المرض، والمراد
بالشين على ما صرح به جماعة من الأصحاب ما يعلو البشرة من الخشونة المشوهة للخلقة
من استعمال الماء في البرد، وقد يصل إلى تشقق الجلد وخروج الدم، ويختلف شدة
وضعفا باختلاف البلدان والأبدان، والمدار في تحقق الخوف على نحو ما تقدم في المرض.
* (وكذا) * يتيمم * (لو كان معه ماء للشرب وخاف العطش) * على نفسه * (إن استعمله) *
في الحال أو المآل إجماعا محصلا ومنقولا عن علمائنا، بل وعن كل من يحفظ عنه العلم
مستفيضا وسنة (1) بالخصوص كذلك فصلا عن عمومها وعمومات الكتاب، وعلى
رفيقه المسلم المحترم الدم، سيما إذا كان ممن تجب نفقته عليه بلا خلاف أجده فيه أيضا،
لأهمية حفظ النفس في نظر الشارع بدليل تقديمه على غيره من الواجبات كقطع الصلاة
لانقاذها وغيره مما لا بدل له، فضلا عما له بدل مساو له في الطهورية، بل وعلى رفيقه
المضر به تلفه أو ضعفه وإن لم يكن محترما كالحربي وغيره، وكذا الحيوان إذا كان
كذلك وإن كان كلبا، لفحوى ما تقدم سابقا من الانتقال إلى التيمم عند خوف الضرر
عليه باستعماله أو طلبه إن لم نقل باندراج ذلك كله أو بعضه في قول الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب التيمم
114

في خبر ابن سنان (1) أو صحيحه: " إن خاف عطشا فلا يهرق منه قطرة وليتيمم
بالصعيد، فإن الصعيد أحب إلي " وموثقة سماعة (2) بعد أن سأله عن الرجل يكون
معه لماء في السفر فيخاف قلته، قال: " يتيمم بالصعيد ويستبقي الماء، فإن الله جعلهما
طهورا الماء والصعيد ".
بل ربما ظهر من إطلاق كثير من الأصحاب تقديم حال الرفيق المحترم النفس
ولو ذميا أو معادها وإن لم يضر تلفه فيه، ولعله لاحترام النفس وأنه من ذوي الأكباد
الحارة، وسهولة أمر التيمم، بل قضية إطلاق بعضهم الرفيق تناوله لغير محترم النفس
كالحربي والمرتد ونحوهما، لكنه لا دليل عليه، بل هو على خلافه متحقق، ولذا صرح
في الذكرى وغيرها بعدم مزاحمة كل من كان كذلك كالحربي والمرتد والزاني المحصن
وغيرهم، بل قد يسري الاشكال في سابقه أيضا، إذ أقصى اقتضاء محقونية دمه
حرمة قتله لا إيجاب حفظه من المهلكات، اللهم إلا أن يقال: إن للرفقة حقا تبذل النفوس
دونها خصوصا على أهل المروات، بل قد يدعى حصول المشقة عليهم لو كلفوا بذلك،
فلعله لذا أطلق الرفيق.
كما أنه أطلق غير واحد من الأصحاب دابته المحترمة من غير تقييد بضرر تلفها،
واستشكله جماعة من متأخري المتأخرين بعدم تسويغ مطلق ذهاب المال للتيمم، بل هو
مقيد بالضرر، ولذا وجب صرف المال الكثير في شرائه، لكن قد يقال مع أنه
قد يندرج في إتلاف المال وضياعه الذي لم يفرق فيه بين القليل والكثير: أنها نفوس
محترمة وذوات أكباد حارة مع حرمة إيذائها بمثل ذلك، بل هي واجبة النفقة عليه التي
منها السقي، بل في غير واحد من الأخبار (3) المعتبرة " أن للدابة على صاحبها حقوقا،

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب - أحكام الدواب في السفر وغيره - من كتاب الحج
115

منها أن يبدأ بعلفها إذا نزل " فتحترم لذلك لا من جهة المالية، وفي الخبر عن النبي
(صلى الله عليه وآله) (1) ما من دابة إلا وهي تسأل الله كل صباح اللهم ارزقني مليكا
صالحا يشبعني من العلف، ويرويني من الماء، ولا يكلفني فوق طاقتي " وفي آخر
عن أبي الحسن (عليه السلام) (2) " من مروة الرجل أن يكون دوابه سمانا، قال:
وسمعته يقول ثلاث من المروة - وعد منها - فراهة الدابة " إلى غير ذلك (3) من الأخبار
المذكورة في كتاب المطاعم والمشارب والتجملات من كتاب الوافي مما يفيد شدة الرأفة
بالدواب في أنفسها، ولعله لذا صرح في المسالك بعدم الفرق بين دابته ودابة غيره،
وإن كان له الرجوع حينئذ بالثمن، ويومي إليه كلام الأصحاب في باب النفقات، وفي
المنتهى عن النهاية أن فيه إشكالا، نعم قد يتجه وجوب ذبحه مع عدم التضرر وإمكان
الانتفاع بلحمه وجلده، كما أنه يتجه عدم مزاحمة الحيوانات التي ليست بمحترمة ويجب
قتلها كالكلب العقور ونحوه، بل في الذكرى وإن لم يجب قتلها كالحية والهرة الضارية.
وحاصل البحث أنه متى عارض الطهارة المائية واجب آخر أرجح منها قدم
عليها كحفظ النفس ونحوه، بل لعل منه كل واجب لا بدل له كإزالة النجاسة عن البدن
والساتر الذي ليس له غيره، إذ هو إن كان ظاهرا من تعارض الواجبين إلا أن
مشروعية البدل لأحدهما تشعر برجحان غير ذي البدل عليه في نظر الشارع، وأن الاهتمام
بشأنه أكثر، كما قيل أو يقال: إن في ذلك جمعا في العمل بهما، فهو أولى من غيره.

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب أحكام الدواب في السفر وغيره - الحديث 6
من كتاب الحج
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب أحكام الدواب في السفر وغيره - الحديث 1
من كتاب الحج
(3) الوسائل - الباب - 2 - وغيره من أبواب أحكام الدواب في السفر وغيره من كتاب الحج
116

كل ذا مضافا إلى الاجماع على تقديم الإزالة على الطهارة في حاشية للإرشاد أظن
أن لولد المحقق الثاني، كما عن التذكرة الاجماع أيضا على تقديمها على الوضوء صريحا
والغسل ظاهرا، والمعتبر نفي الخلاف بين أهل العلم فيه أيضا كذلك.
وقد يشهد له مع ذلك أيضا ما في خبر أبي عبيدة (1) " سئل الصادق (عليه السلام)
عن المرأة ترى الطهر في السفر وليس معها ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة، قال:
إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي " الحديث لتقديمه إزالة
النجاسة فيه على الوضوء لوجوبه عليها لولاها، وكيف كان فإن خالف ففي الاجزاء ما سمعته
سابقا، وقد تنظر فيه هنا في القواعد واختاره في الموجز الحاوي كما عن النهاية، ولعله
لعدم اقتضاء الأمر النهي عن الضد، أو عدم اقتضاء النهي المستفاد منه الفساد، وفي
جامع المقاصد وعن البيان ومجمع البرهان أن الأقوى عدم الاجزاء، ولعله لوجوب
صرف الماء في إزالة النجاسة، فهو غير واجد للماء، فلا خطاب بالوضوء ولو
ندبا، ولأنه مكلف بالتيمم حينئذ، وهو لا يخلو من قوة، هذا إن لم
يجوز وجود المزيل تجويزا عاديا في الوقت، وإلا اتجه القول بالاجزاء كما اعترف به
بعضهم، وكذا لو تعارض خطاب الطهارة مع ارتكاب محرم، كما لو كان عنده ماءان
طاهر ونجس، وكان محتاجا إلى شرب الماء، فإنه ينتقل إلى التيمم، ولا يشرب
النجس، لتقديم مراعاة الحرمة عليه، ومثله لو خشي العطش بعد ذلك استبقى الطاهر
وتيمم، كما صرح به المصنف وغيره واستجوده في المدارك إن ثبت حرمة شرب الماء
النجس مطلقا، وظاهره يعطي التأمل في الحرمة أو إطلاقها، وهو في غير محلة بعد
الاجماع محصلا ومنقولا عليها إن لم تكن ضرورية، والأخبار (2) التي كادت تكون
متواترة الواردة في اجتناب أواني المشركين، وإهراق السمن والزيت والمرق الواقع

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الحيض - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 43 و 44 و 54 من أبواب الأطعمة المحرمة
117

فيها فأرة أو قذر، نعم قد يتأمل في وجوب مراعاة ذلك وتقديمه على الطهارة المضيقة
مع ارتفاع حرمة شرب النجس لو اضطر إليه فيما يأتي من الزمان وقد لا يحتاجه، فتأمل.
* (الطرف الثاني فيما يجوز التيمم به) *
* (وهو كل ما يقع عليه اسم الأرض) * ترابا أو حجرا أو حصى أو رخاما أو
مدرا دون ما لا يقع اسمها عليه، وإن خرج منها كالنبات ونحوه فإنه لا يجوز التيمم
به، للأصل والسنة (1) والاجماع المحكي في كشف اللثام، وقاله علماؤنا في موضع من
المنتهى، وفي آخر زيادة أجمع، وعدم الجواز بغير الأرض اختيارا مما لا نزاع فيه
عندنا في مجمع البرهان، وفي السرائر أن الاجماع منعقد على أن التيمم لا يكون إلا
بالأرض أو ما يطلق عليه اسمها، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة فجوزه بالكحل ونحوه،
ومالك فجوزه بالثلج، قلت: لكن ستسمع فيما يأتي أنه حكي عن مصباح السيد والاصباح
والمراسم والبيان والموجز الحاوي وظاهر الكاتب التيمم بالثلج عند الاضطرار، كما
هو ظاهر القواعد، وفي التحرير على رأي، اللهم إلا أن يريدوا بالتيمم به مسح
أعضاء الوضوء مجازا، فلا خلاف حينئذ، أو أنه لا يقدح خلافهم فيه، أو يراد
بعدم الجواز في حال الاختيار أو غير ذلك.
وأما الغبار والوحل فقد يدعى دخولهما في الأرض كما صرحت به الأخبار
في الثاني (2) ومقطوع به في الأول بالنسبة إلى غبار الأرض، فدعوى الاجماع عن
بعضهم على خروج الثاني عن الأرض ليس في محله، كدعوى خروج الأول عنها،
وعدم جواز التيمم بهما اختيارا ممن اكتفى في التيمم بمسماها كالمصنف لدليل خاص.
وكيف كان فما في المتن هو المشهور تحصيلا ونقلا في الكفاية والحدائق وعن

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم
118

غيرهما، بل عن ظاهر التذكرة الاجماع عليه في الحجر الصلد كالرخام وإن لم يكن
عليه غبار، كما عن الخلاف أيضا ذلك في التراب وما كان من جنسه من الأحجار،
لكن الانصاف أنه لا ظهور في عبارتهما يعتد به كما لا يخفى على من لاحظ وتأمل، نعم
في كنز العرفان وعن مجمع البيان نسبة التيمم بما يشمل الحجر إلى أصحابنا، كما عن
الأردبيلي أن الحجر ينبغي أن يكون لا نزاع فيه.
قلت: ولعله كما ذكر، إذ جواز التيمم به اختيارا خيرة المبسوط والخلاف
والمعتبر والتذكرة والتحرير والمنتهى والإرشاد والمختلف والذكرى والدروس واللمعة
والموجز الحاوي وجامع المقاصد والروض والروضة والمدارك وغيرها، وهو المنقول عن
ابن الجنيد والحسن بن عيسى ومصباح السيد وجمل الشيخ ومصباحه ومختصر المصباح
والمهذب البارع والتنقيح وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية وشرحها الآخر والمقاصد
العلية ومجمع البرهان وآيات الأردبيلي ورسالة صاحب المعالم والذخيرة والمفاتيح وظاهر
الرسالة الفخرية أو صريحها، وقواه في الكفاية بشرط وجود غبار عليه محافظة
على العلوق.
ومرجع الجميع كما يظهر من ملاحظة كتبهم الاستدلالية إلى ما اختاره المصنف
من الاكتفاء في المتيمم به صدق اسم الأرض لا خصوص التراب منها، خلافا لظاهر
الغنية أو صريحها والمحكي عن السيد في شرح الرسالة والكاتب والتقي، فلا يجوز بغير
التراب وإن كان أرضا، بل ظاهرهم عدم الفرق في ذلك بين التمكن من التراب
وعدمه، فيكون فاقد الطهورين حينئذ، لكن في المختلف والروض والروضة الاجماع
على بطلان ذلك، أي عدم جواز التيمم بالحجر مطلقا، فلعل ذلك يكون قرينة على
إرادتهم الاختيار، فيوافق حينئذ ما في المقنعة والوسيلة والسرائر والجامع وعن المراسم
من اشتراط فقد التراب في التيمم بالحجر، بل في حاشية المدارك للأستاذ الأعظم
119

ما يظهر منه دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك إلا من شذ منهم، بل في الجامع اشتراطه
بفقد الغبار أيضا.
لكن قد يشكل الجميع بظهور أن منشأ الاختلاف في التيمم بالحجر ونحوه
الاختلاف في معنى الصعيد، فلا يجتزى به مطلقا، بناء على أن الصعيد هو التراب
خاصة كما في الصحاح والمقنعة وعن الجمل والمفصل والمقائيس والديوان وشمس العلوم
ونظام الغريب والزينة لأبي حاتم، بل ربما استظهر من القاموس والكنز، كما أنه
حكي عن الأصمعي وكذا عن أبي عبيدة لكن بزيادة وصفه بالخالص الذي لا يخالطه
سبخ ورمل، وبني الأعرابي وعباس والفارس، بل عن المرتضى (رحمه الله) نقله عن
أهل اللغة.
ويؤيده قول الصادق (عليه السلام) (1) في الطين: " إنه الصعيد) وفي آخر (2)
" أنه صعيد طيب وماء طهور " وما في صحيحة زرارة (3) " ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد " وظهور قوله تعالى (4): " منه " في إرادة المسح ببعض الصعيد
الذي يعلق باليد، سيما بعد تفسيره بذلك في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) (5) قال فيه:
" فلم تجدوا ماءا - إلى آخره - فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت عوض الغسل
مسحا لأنه قال " بوجوهكم " ثم وصل بها " وأيديكم منا " أي من ذلك التيمم، لأنه علم
أن ذلك أجمع لا يجري على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 5 وهو قول أحدهما (ع)
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 8
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 8
(4) سورة المائدة - الآية 9
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التيمم - الحديث 1
120

ببعضها " الحديث. لظهور أن المراد بالتيمم فيه المتيمم به، وكذا غيره مما يفيد المسح
ببعض الأرض، كالصحيح (1): " إذا لم يجد لرجل طهورا فليمسح من الأرض "
ونحوه مما يفيد العلوق باليد من أخبار النفض (2) ونحوها ما لا يتحقق في التيمم بالحجر،
والأخبار المشتملة (3) على لفظ التراب، كقوله (صلى الله عليه وآله) (4): " جعلت
لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " سيما بعد وروده في بيان اليسر والتوسعة والامتنان
المناسب لتعميمه لغير التراب لو صح التطهر به، وبعد العدول من لفظ الأرض إليه،
وقول الصادق (عليه السلام) في صحيحة جميل (5): " إن الله عز وجل جعل التراب
طهورا كما جعل الماء طهورا " ورفاعة (6) وعبد الله بن المغيرة (7): " إذا كانت الأرض
مبتلة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر إلى أجف وضع تجده فتيمم " إلى آخره. إلى غير
ذلك مما اشتمل على لفظ التراب.
مضافا إلى ضعف ما يعارض ذلك كله مما اشتمل على لفظ الأرض لانصرافه
للفرد الشائع منها، على أنه لم يسق في جملة منها لبيان ما يتيمم به، وإلى توقيفية العبادة،
وعدم حصول اليقين بالبراءة إلا بالتراب مع التمكن منه، إلى غير ذلك.
ويجتزى به أي بالتيمم بالحجر مطلقا بناء على تفسير الصعيد بوجه الأرض كما

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 3 و 6 و 7
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 13 والباب - 23 -
الحديث 1 والمستدرك الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(4) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 8
(5) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 10
(7) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 10
121

عن العين والمحيط والأساس والمفردات للراغب والسامي والخلاص والمغرب والمصباح
المنير، وعن تغلب وابن الأعرابي والخليل بل عن المغرب وتهذيب اللغة والمقائيس ومجمع
البيان عن الزجاج أنه لا يعلم فيه اختلافا بين أهل اللغة، وحكاه في المعتبر عن فضلاء
أهل اللغة، قال: " ذكر ذلك الخليل وتغلب عن ابن الأعرابي، وفي المنتهى وعن
نهاية الإحكام عن أهل اللغة، وفي البحار: " أن الصعيد يتناول الحجر كما صرح به
أئمة اللغة والتفسير " انتهى. وفي الوسيلة " بل قد فسر كثير من علماء اللغة الصعيد
بوجه الأرض، وادعى بعضهم الاجماع على ذلك، وأنه لا يختص بالتراب، وكذا
جماعة من المفسرين والفقهاء " انتهى. وبه فسره أكثر أصحابنا في الكتب الفقهية
نصا وظاهرا، وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه.
ويؤيده - مضافا إلى سابقا من جواز التيمم بالحجر ونحوه اختيارا عند
الأصحاب الذي بملاحظته يعرف ما في نسبة الأستاذ سابقا في حاشية المدارك إليهم عدم
جواز التيمم به إلا عند الاضطرار، لظهور ندرة القائل به بالنسبة إلى الأول، مع عدم
صراحة كلامه أيضا في ذلك - قوله تعالى (1): " فتصبح صعيدا زلقا " أي أرضا
ملسا يزلق بها لاستئصال شجرها ونباتها على ما فسرها بذلك غير واحد، مع ظهور
ذلك منها أيضا، كقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2): " يحشر الناس يوم القيامة
حفاة عراة على صعيد واحد " أي أرض واحدة إذ إرادة التراب منها كما ترى،

(1) سورة الكهف - الآية 38
(2) في معالم الزلفى ص 45 باب - 22 - في صفة المحشر عن الباقر (ع) قال:
" إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين والآخرين عراة حفاة.. "
وفي كنز العمال ج 7 ص 208 عن النبي صلى الله عليه وآله: " يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة
عزلا " إلى آخره ولم نجد في أحاديث أهل السنة كلمة " صعيد واحد "
122

والمروي عن معاني الأخبار عن الصادق (عليه السلام) (1) " الصعيد الموضع المرتفع عن
الأرض، والطيب الموضع الذي ينحدر عنه الماء " كالمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (2)
أيضا وفسره به في الهداية، إذ المراد إما مطلق الارتفاع المتحقق بالحجر ونحوه من الأشياء
التي على الأرض، أو خصوص المرتفع ارتفاعا يعتد به كرؤوس الأكم والجبال،
وعلى كل حال فيصدق بدون التراب، مع أن الثاني مما يقطع بعدم اعتباره في الصعيد،
مضافا إلى إمكان الاستغناء عنه حينئذ بوصف الطيب المتقدم، فيتعين الأول، فيراد
مطلق المرتفع، وبالطيب الارتفاع الذي يتحقق معه الانحدار، وقد يومي إليه حينئذ
ما في المقنعة من أنه إنما سمي التراب صعيدا لأنه يصعد من الأرض، فعلل الظاهر من ذلك
ومن الخبرين ملاحظة المعنى الوصفي في الصعيد.
ومنه ينقدح تأييد آخر للمشهور كما أنه قد يؤيد أيضا بما في المنتهى من جواز
التيمم بالأرض وإن لم يكن عليها تراب ناسبا له إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع
عليه، بل لم ينقل فيه خلافا إلا عن بعض الجمهور مستدلا عليه بآية الصعيد، وهو شاهد
على عدم اختصاصه بالتراب، فيتم حينئذ عدم القول بالفصل، وبما فيه أيضا من
التيمم بالرمل على كراهية عند الأصحاب، بل في المعتبر وعن التذكرة دعوى الاجماع
صريحا على ذلك، لعدم اندراجه في اسم التراب عرفا كما صرح به الأستاذ الأكبر
في كشف الغطاء، ويشعر به عطف التراب عليه في قول الشاعر: " عدد الرمل والحصى
والتراب " ونحوه الكلام في أرض السبخ، وبما عن التذكرة وغيرها من ظهور الاتفاق
على جواز التيمم بالأرض الندية.
وبما يظهر من تعليل الأصحاب المنع في المعدن والنبات والرماد وغيرها بعدم

(1) تفسير الصافي - سورة النساء - الآية 46
(2) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 2
123

صدق اسم الأرض من الاجماع على دوران الحكم مدارها، وكذا ما يأتي من الأدلة
على جواز التيمم بأرض النورة والجص قبل الاحراق من الأخبار (1) وغيرها، لعدم
كونهما من التراب أيضا، بل في كشف اللثام: " إن أرض النورة ليست غير الحجر
على ما نعرف " انتهى. مع أنه لم ينقل فيهما خلاف إلا من الشيخ في النهاية، فاشترط
فقد التراب، بل ذهب جماعة إلى جوازه فيهما بعد الاحراق تمسكا بخبر السكوني (2)
وبقاء اسم الأرضية، وعن آخرين المنع لكن عللوه بالخروج عن الأرضية به، وهو
مشعر بدوران الحكم مدارها لا التراب، وإلا فهما ليسا بتراب قطعا، وبما عن
الراوندي (3) بسنده عن علي (عليه السلام) قال: " يجوز التيمم بالجص والنورة، ولا
يجوز بالرماد، لأنه لم يخرج عن الأرض، فقيل له: التيمم بالصفا العالية على وجه الأرض،
قال: نعم " إذ هو مع اشتماله على الجص والنورة والصفا مما لا يسمى ترابا مشتمل على
التعليل الذي كاد يكون صريحا في المدعى، كخبر السكوني (4) عن جعفر عن أبيه عن
علي (عليهم السلام) لكنه لم يذكر فيه الصفا.
واحتمال المناقشة في ذلك ونحوه - بأنه لا دلالة في جواز التيمم بالحجر ونحوه على
كون الصعيد لما هو أعم من التراب، إذ لعله للدليل الخاص - مدفوع بملاحظة كلمات
الأصحاب في الكتب الاستدلالية، لظهورها في كون المدار ذلك، على أن ثمرة
البحث في خصوص المقام إنما هو جواز التيمم بالحجر ونحوه اختيارا، فإذا ثبت لا يهمنا
عدم شمول لفظ الصعيد له، وبما في الموثق (5) " عن رجل تمر به جنازة وهو على غير

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(3) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب التيمم - الحديث 2 وفيه " الصفا النابتة "
وفي هامشه " الصفا الثابتة "
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجنائز - الحديث 5
124

طهر، قال: يضرب يديه على حائط لبن فيتيمم " لعدم صدق التراب على اللبن،
وهو المسمى بالمدر، بل في كشف اللثام أنه لا نعرف فيه خلافا وإن لم يذكره الأكثر،
وعن مجمع البرهان أنه ينبغي أن يكون لا نزاع فيه، وظاهر الوسيلة أو صريحها مساواته
للتراب، مع أنه اعتبر في التيمم بالحجر فقد التراب، فلعل ذلك منه قرينة على عدم
اختصاص الصعيد عنده بالتراب.
كما أنه قد يظهر ذلك أيضا من المقنعة والسرائر وغيرهما، وإن قيدوا الحجر بما
عرفت، بل نص في الأول على أن الصعيد هو التراب، لكن ملاحظة كلماتهم يقضي
بجوازه في نحو الأرض التي لم يكن عليها تراب واللبن وغيرهما اختيارا، ويشهد له
ما سمعته من المنتهى سابقا في الأرض التي ليست عليها تراب من ظهور عدم الخلاف
بين الأصحاب فيه، ولا ينافيه تقييد الحجر بما عرفت، إذ لعله لدليل لم نعثر عليه،
بل في كشف اللثام احتمال إرادتهم الاحتياط في الاجتناب عنه، لوقوع الخلاف في
معنى الصعيد عند أهل اللغة، فينحصر الخلاف حينئذ في مثل السيد وابن زهرة ونادر،
كاحتمال إرادة المخالف أيضا خصوص المطبوخ من الحجر، لتخيل خروجه عنها بذلك
كالخوف، مع أن المحكي عن السيد في المصباح موافقة المشهور أيضا، وباستصحاب
جواز التيمم به قبل تماسك أجزائه، وخروجه عن صدق التراب بذلك إنما يقدح لو
ثبت شرطية التيمم به إما مطلقا أو في حال الاختيار.
ولعل هذا هو الذي أومأ إليه العلامة في جملة من كتبه في الاستدلال عليه بأنه
تراب اكتسب رطوبة لزجة وعملت حرارة الشمس فيه حتى تحجر، فحقيقة التراب
فيه باقية، وإنما حدثت زيادة وصف.
فلا وجه للمناقشة فيه بعدم صدق التراب عليه أولا، وعدم تبادره من إطلاقه
ثانيا، سيما بعد ملاحظة ما دل على العلوق، وبجريانه في مثل المعادن مما خرج عن اسم
125

الأرض ثالثا، فتأمل جيدا.
وقد يؤيد المشهور أيضا بما دل على أن الطين صعيد، لكونه ليس بتراب قطعا،
وحمله على إرادة تركبه من الصعيد ونحو ذلك خلاف الظاهر، وباطلاق لفظ الأرض
موردا للتيمم في الأخبار الكثيرة (1) في باب التيمم الشامل للتراب منها وغيره، سيما
بعد غلبة الرمل والحصى والحجر والسبخ في أرض المدينة ونحوها، حتى النبوي المتقدم
في مؤيدات الخصم، فإنه وإن اشتهر في كتب الفروع بلفظ التراب، لكنه في كتب
الأخبار خال عن ذلك، بل نقل في الوسائل أربع روايات من كتب متفرقة أنه " جعلت
له الأرض مسجدا وطهورا " عدا ما في البحار نقلا عن العلل والخصال بسند متصل إلى
جابر (2) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " قال الله عز وجل: جعلت لك
ولأمتك الأرض مسجدا، وترابها طهورا " وهو مع مخالفته لخبر الخصم متنا محتمل
التصرف من الراوي بظن اتحادهما كما هو الغالب، على أنه رده في المعتبر بأنه تمسك
بدلالة الخطاب، وهي لا تعارض النص إجماعا.
قلت: بل هو مفهوم لقب وخارج مخرج الغالب، اللهم إلا أن يوجه بأن المراد
خروج الكلام عن البلاغة التي هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال لو كانت الطهورية
وصفا للأرض مع عدوله عنها بعد ذكره لها في المسجدية إلى التراب، بل هو ضد
مقتضى الحال، سيما مع أنه في مقام بيان الامتنان وزيادة اللطف به وبأمته من الكريم
المنان، لكن ذلك - مع أنه مشترك الالزام، لما سمعت من الاجماع على التيمم بالحجر
عند فقد التراب و تأخره عن التراب مرتبة لا يسوغ ترك ذكر الامتنان به في مقام بيانه،
إذ المراد طهورية الأرض وإن ترتبت، وإلا فطهورية التراب متأخرة عن الماء أيضا -

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التيمم
(2) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 3
126

قد يقال: إن المراد منه الأرض بقرينة غيره من الأخبار، وهو أرجح من احتمال
العكس من وجوه لا تخفى.
فظهر حينئذ ضعف تأييد مذهب الخصم به، بل وكذا أخبار التراب مع عدم
سوق بعضها لبيان ذلك، ومع عدم الأمر بالتيمم به حتى ينافي ما دل على الأرض،
ومع دعوى شيوع فرد التراب منها، وكذا أخبار الطين، بل بعضها ظاهر في التأييد
للمختار كما عرفت، على أن إطلاق لفظ الصعيد على التراب لا ينافي أنه الأرض بعد
شيوع استعمال الكلي في الفرد، ودعوى ظهور الخصوصية منه ممنوعة، بل يمكن الجمع
بين كلام أهل اللغة وإن بعد بهذا الاعتبار أو قريب منه، فيحمل التراب في كلامهم
على إرادة التنصيص على أكمل الأفراد وأشيعها، بل لعل ذلك جار في كل ما كان
من هذا القبيل في كلام أهل اللغة، وهو أولى من العكس قطعا، أو يقال: إن تعارض
كلام أهل اللغة في ذلك منبئ عن استعمال الصعيد في التراب وغيره، كما أنه كذلك
في نفس الأمر، وأصالة عدم الاشتراك والمجاز تقضي بكونه حقيقة في القدر المشترك
سيما بعد استعماله فيه نفسه، مع أنه لو أغضينا عن ذلك كله لكان المتجه الأخذ بجميع
كلماتهم، فينبغي الحكم حينئذ باشتراك لفظ الصعيد بين الخاص والعام، كما عساه يومي
إليه ما عن المصباح المنير، قال بعد تفسيره الصعيد بوجه الأرض ترابا أو غيره: " ويقال
الصعيد في كلام العرب على وجوه، على التراب الذي على وجه الأرض وعلى الطريق "
انتهى. بل وكذا ما في القاموس " الصعيد التراب أو وجه الأرض " إن حمل لفظ " أو "
فيه على معنى الواو.
وعلى كل حال يكون ما ذكرناه سابقا من الأمارات معنيا لإرادة العام منها،
مع احتمال ترجيح التفسير بالعام عليه بأنه يؤل إلى تعراض الاثبات والنفي تنزيلا لتعدد
أفراد المعنى مع استعماله في كل منها على وجه الحقيقة منزلة تعدد المعاني، والأول مقدم
127

على الثاني، كما أنه يرجح أيضا بالكثرة.
وأما ما ذكره الخصم من التأييد بما دل على العلوق آية ورواية ففيه - مع عدم
استلزام ذلك للتراب، بل يكفي الغبار والرمل ونحوهما على الحجر وسحيق الحجر بل
التراب اليسير، وابتنائه على اشتراط العلوق، وستعرف ما فيه إن شاء الله، وعلى كون
" من " في الآية للتبعيض، مع احتمالها السببية والبدلية والابتدائية، وعلى أن المراد بالتيمم
في الرواية المفسرة له المتيمم به، وفيه بحث سيما بعد القطع بعدم وجوب مسح الوجه
واليدين بما يعلق من التراب، بل ولا استحبابه للاجماع المحكي إن لم يكن محصلا على
استحباب نفض اليدين، ومنه النفض الذي لم يبق معه شئ من التراب - أنه لا مانع
من رجوع الضمير لبعض أفراد الصعيد الذي هو التراب، سيما بعد غلبته وشيوعه،
فيكون المراد فيما فيه علوق من الصعيد، وذلك لا يقضي بأن المراد بالصعيد التراب سيما
على القول بعدم تخصيص ضمير العام العام، على أنه لو سلم كون المراد بالصعيد في الآية
التراب لا ينافي ثبوت ما ذكرناه من أدلة خارجية كما عرفت.
فاتضح لك حينئذ بحمد الله من جميع ما ذكرنا أن الأقوى الاجتزاء بوجه
الأرض ترابا أو غيره اختيارا، كما أنه اتضح لك أنه لا وجه للتفصيل المذكور بين
الاختيار والاضطرار، وما يقال: إن دليله الاجماع حال الاضطرار وإن لم يكن داخلا
تحت الصعيد ففيه - مع عدم صلاحية ذلك دليلا للمفصل نفسه - أنه لا إجماع عند التحقيق،
إذ الخصم إنما جوزه لشمول لفظ الصعيد له وقد ظهر له بطلانه، واختصاصه بالتراب،
فلم يتحقق إجماع على الحجر من حيث أنه حجر في حال الاضطرار، فتأمل فإنه دقيق،
على أن المحكي عن ابن الجنيد بل هو المتجه بناء على اختصاص الصعيد بالتراب سقوط
الصلاة لفواته، ولعله ظاهر الغنية وغيرها، وكذا ما يقال: إنه لا ريب في حصول الظن
128

بالتيمم بمطلق الأرض في الجملة بعد ملاحظة ما دل على التيمم بها، لكنه لا شمول فيها
لجميع الأحوال بحيث يقاوم ما دل على التراب حتى يتساوى معه في ذلك، فيتوقف
يقين البراءة على تقديم التراب عند وجوده، كما أنه لا شمول فيما دل على التراب لمثل حال
العجز عنه حتى تسقط الصلاة حينئذ بحيث يقاوم ما دل على الأرض بالنسبة إلى هذا
الحال، مع توقف يقين البراءة عليه أيضا.
وبالجملة فالمتجه العمل بكل منهما لكن بالترتيب تمسكا بالظن الحاصل للمجتهد
في كل منهما، إذ مع أن ذلك لا يرجع إلى محصل يعتمد عليه عند التأمل قد عرفت قوة
الأمارات الدالة على المختار، فلا شك حتى يتوقف يقين البراءة لو سلم جريان نحوه في
مثل المقام مما يحصل الشك فيه بالنسبة إلى شرط العبادة، بل ينبغي القطع بعدم جريانه
في مثل الحجر في حال الاضطرار كما ذكره الخصم، لأن مرجعه حينئذ إلى الشك في
نفس الشغل وعدمه لا إلى البراءة منه حتى يجب التيمم بالحجر.
واحتمال تتيمم ذلك باستصحاب الشغل وعدم سقوط الصلاة بحال ونحوها مدفوع -
مع عدم جريان الأول في بعض الصور كما لو فقد التراب قبل الوقت مثلا، بل هو
بالعكس - بعدم صلاحية ذلك ونحوه لاثبات حكم شرعي، وهو التيمم بالحجر كما هو
واضح، فتأمل. لكن مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي أن يترك، وإلا فلا أشكال
في صحة التيمم بالحجر ونحوه مما يسمى بالأرض اختيارا بالنظر إلى الظن الاجتهادي.
نعم قد يشكل الحال في مثل الخزف نظرا إلى خروجه عن مسماها بالاحراق كما
اختاره المصنف في المعتبر بعد أن نسبه إلى ابن الجنيد قال: " ولا يعارض بالسجود
عليه لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض كالكاغذ " انتهى.
وقد يورد عليه بمنع خروجه عن اسم الأرض وإن خرج عن اسم التراب،
بل هو أولى من الحجر لقوة استمساكه دونه أو مساو للمشوي منه، مع إطلاقهم التيمم
129

بالحجر الشامل له عدا ما عن كشف الالتباس من التوقف فيه، وبأن المتجه عدم جواز
السجود عليه لو سلم خروجه عن مسمى الأرض، لعدم جوازه إلا عليها ونباتها غير
المأكول والملبوس، فجواز السجود عليه كما اعترف به الخصم شاهد للتيمم به، ولذلك
كله كان خيرة التذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها الجواز.
ولعله الأقوى لما عرفت، وإن استشكله في المنتهى، كما عن الدروس التوقف
فيه، ولمفهوم التعليل في خبر السكوني (1) ومروي الراوندي (2) لعدم التيمم بالرماد
بأنه لم يخرج من الأرض بخلاف الجص والنورة كما سمعته فيما مر، ولاستصحاب عدم
خروجه عن المسمى، بل وأحكامه قبل الاحراق، ولا يعارضه استصحاب الشغل
المتوقف يقين البراءة منه على التيمم بغيره، لوروده عليه القاضي بتقدمه وتحكيمه،
كما في نظائره من استصحاب طهارة الماء وغيره، وبه حينئذ يحصل يقين البراءة، إذ
المراد الأعم من الشرعي قطعا.
ومن ذلك ظهر سقوط ما في الرياض من الميل إلى العدم لا لما في المعتبر بل للشك
في الخروج وعدمه، مع معارضة استصحاب الجواز بمثله في فساد العبادة، فتبقى الذمة
مشغولة بها للأوامر السليمة عما يصلح للمعارضة، إذ بعد الغض عما فيه وتسليم حصول
الشك قد عرفت الجواب عنه، فتأمل جيدا.
ولا فرق بين الخزف وسحيقه في جواز التيمم به، والبحث البحث كالحجر
وسحيقه أيضا، واحتمال الفرق بصيرورته ترابا حينئذ ضعيف بل فاسد قطعا، لعدم
صدق التراب وإن صدق الأرض كما ذكرنا، فالمتجه حينئذ الجواز فيهما لذلك.
* (نعم لا يجوز التيمم ب‍) * الكحل والزرنيخ ونحوهما من * (المعادن) * إجماعا محكيا

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب التيمم - الحديث 2
130

في الغنية وصريح المنتهى وظاهره، وعن الخلاف إن لم يكن محصلا للخروج عن اسم
الأرض قطعا فيدخل حينئذ فيما سمعته سابقا من الأدلة على عدم جواز التيمم بغيرها،
فما عن ابن أبي عقيل من جوازه بالأرض وبكل ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ
ضعيف، والعرف أعدل شاهد عليه إن كان ذلك منه لعدم الخروج، وفاسد محجوج
بما عرفت إن كان مراده الجواز بذلك وإن خرج عن مسمى الأرض، ومفهوم التعليل
في خبر السكوني ومروي الراوندي المتقدمين لا جابر له في المقام، بل معرض عنه
بالنسبة إلى ذلك بين الأصحاب لما سمعت من الاجماعات السابقة، لكن قد ظهر لك
أن مبنى المنع في المعادن عند الأصحاب الخروج عن اسم الأرض كما يظهر من استدلالهم
عليه به، بل جعل بعضهم الحكم فيها دائرا مداره، فغير الخارج عن ذلك منها لو كان
يتجه فيه حينئذ الجواز، واحتمال مانعية نفس المعدنية وإن لم يخرج تمسكا باطلاق معقد
الاجماع المحكي في غاية الضعف، كالقول بلزوم الخروج عن الأرض للمعدنية، لما
ستعرفه في تحقيق معنى المعدن في باب السجود إن شاء الله.
(
و) * كذا * (لا) * يجوز التيمم * (بالرماد) * إجماعا كما في المنتهى، ولخبر السكوني
عن جعفر (1) عن أبيه عن علي (عليهم السلام) " أنه سئل عن التيمم بالجص فقال: نعم،
فقيل: بالنورة فقال: نعم، فقيل: بالرماد فقال: لا، أنه لا يخرج من الأرض إنما يخرج
من الشجر " كالمروي عن الراوندي (2) بسنده عن علي (عليه السلام) أيضا قال:
" يجوز التيمم بالجص والنورة ولا يجوز بالرماد، لأنه لم يخرج عن الأرض " لكنهما ظاهران
أو صريحان في رماد غير الأرض دونه، بخلاف معقد إجماع المنتهى، بل ربما يفهم
من التعليل فيهما الجواز به، ولعله لذا أو دعوى عدم الخروج جوزه به في الحاوي

(1) الوسائل - الباب 8 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب التيمم - الحديث 2
131

كما عن نهاية الإحكام، وفي التذكرة تعليق عدم الجواز على الخروج وقربه في الرياض،
وهو جيد لكن لا حكم فيه بالخروج وعدمه، وهو المثمر، اللهم إلا أن يكون المراد
أنه يخرج تارة ولا يخرج أخرى، إلا أن الأقوى الخروج متى صدق عليه الرماد كما
هو الغرض، فتأمل جيدا.
* (ولا بالنبات المنسحق كالأشنان والدقيق) * ونحوهما مما أشبه التراب بنعومته
ونحوها، لكن لا يصدق عليها اسم الأرض والتراب إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا،
بل فيما تقدم من الاجماع وغيره على عدم جوازه بغير الأرض كفاية، وخبر عبيد بن
زرارة (1) عن الصادق (عليه السلام) بعد أن سأله عن الدقيق يتوضأ به، فقال:
" لا بأس بأن يتوضأ به وينتفع به " محمول على ما ذكره الشيخ في التهذيب من إرادة
النظف به والتطهر من الدرن، كما يكشف عنه صحيح ابن الحجاج (2) " سأل الصادق
(عليه السلام) عن الرجل يطلي بالنورة فيجعل الدقيق بالزيت يلته به يتمسح به بعد النورة
ليقطع ريحها قال: لا بأس " بل هو أولى من إرادة التيمم من الوضوء حتى يعارض
ما تقدم، مع أنه على تقديره في غاية القصور أيضا عن مقاومته كما لا يخفى.
* (ويجوز التيمم بأرض النورة والجص) * اختيارا على المشهور نقلا وتحصيلا،
وعن مجمع البرهان أنه ينبغي أن يكون لا نزاع فيه، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما في نهاية
الشيخ، فاشترط فقد التراب، وما عن السرائر من المنع للمعدنية مع أني لم أجد ذلك
فيها، بل الموجود لا يجوز التيمم بجميع المعادن، وتعدادها يطول، وقد أجاز قوم
من أصحابنا التيمم بالنورة، والصحيح الأول، وهو مع عدم ذكره لأرض الجص
محتمل بل ظاهره النورة بعد الاحتراق لا أرضها، ولذلك حكاه في الذكرى عنه في

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التيمم - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1
132

النورة، فينحصر الخلاف حينئذ، في الأول وإن كان ربما يقال إنه أو العدم لازم
تفسير الصعيد بالتراب، سيما بعد ما في كشف اللثام أن أرض النورة ليست غير الحجر
على ما تعرف، وقد عرفت الكلام فيه إلا أنه لم يحك عن أحد منهم هنا، بل في المقنعة
التصريح بالجواز فيهما بدون التقييد بفقد التراب، وهو ممن فسر الصعيد بذلك.
وكيف كان فلا إشكال في الحكم بناء على المختار، لصدق اسم الأرض، واحتمال
المعدنية مع ضعفه في نفسه قد عرفت عدم منعها مع الصدق، نعم هو لا يتجه بناء على
التفسير بالتراب، كما لا يتجه التفصيل بالاختيار والاضطرار، واستدل عليه بعضهم
مضافا إلى صدق الأرض بخبري السكوني والراوندي المتقدمين، وفيه أنهما في الجص
والنورة لا أرضهما، واحتمال إرادتها منهما لا شاهد له، والأولوية إنما تصح لو سلم
العمل بهما فيهما، نعم قد يشعر التعليل فيهما بالمطلوب، والأمر سهل، إذ قد عرفت
أنا في غنية عنهما، كما أنه قد تشعر عبارة المصنف بمنع التيمم بنفس الجص والنورة،
وفاقا للأكثر في الثاني وجماعة في الأول، للخروج بالاحراق لا أقل من الشك،
مع معارضة استصحاب الجواز والبقاء على الأرضية بأصالة بقاء الشغل، فتبقى الأوامر
عن المعارض سليمة، ولا جابر للخبرين السابقين، وخلافا لصريح بعض وظاهر آخر
فجوزوه بهما للخبرين، وعدم الخروج، والاستصحاب الحاكم على أصالة الشغل المفيد
ليقين البراءة حينئذ شرعا، فلا أوامر سليمة لو سلم مغايرتها لأوامر الشغل الذي قد
ذكر الخصم استصحابه، وهو جيد إن لم يطمئن بعدم الصدق، فتأمل.
هذا كله بناء على كفاية وجه الأرض، وإلا فعلى التراب فالبحث ساقط من
أصله، إلا أن يخصوه في حال الاضطرار كما في غيره، فيتجه البحث منهم عن أرضيته
وعدمها، إذ مع الخروج لا يجوز ولو اضطرارا للاجماع المحكي على عدم جوازه بغيرها
ولو مضطرا كما عرفت، فتأمل جيدا.
133

* (و) * كذا يجوز التيمم ب‍ * تراب القبر) * عندنا وإن نبش، بل وإن تكرر نبشه
ما لم يعلم نجاسته بالدم أو الصديد المصاحب له أو غير المصاحب مع نجاسة الميت ونحوهما،
لصدق اسم الصعيد بل الطيب، للطهارة شرعا، والصديد مع عدم الدم من الميت الطاهر
بالتغسيل طاهر، فلا يقدح اختلاطه مع استهلاكه، فما في الذكرى من أنه لو علم اختلاطه
بالصديد اجتنب محل تأمل، أو ينزل على ما لا ينافي المطلوب، واحتمال التمسك له بانتفاء
الطيب حينئذ فيه ما عرفت. ثم قال: " وفي اللحم والعظم نظر، للطهارة بالغسل،
وعلى قول المبسوط ينبغي المنع، نعم لو كان الميت نجسا منع " انتهى. قلت: لا تأمل
في الجواز مع الاستحالة ترابا، وعدم العلم بنجاسة التراب بالصديد، ولعله يريد الاختلاط
بدون الاستحالة، فيكون من مسائل الامتزاج، وأتي الكلام فيها إن شاء الله.
* (و) * كذا يجوز * (بالتراب المستعمل في التيمم) * بلا خلاف أجده فيه، بل في
التذكرة والذكرى وجامع المقاصد وغيرها الاجماع صريحا وكشف اللثام ظاهرا للأصل
والصدق، فما عن الشافعي في أصح قوليه من المنع لا ينبغي أن يصغى إليه، كدليله
القياس على الماء المستعمل في رفع الحدث، إذ هو - مع بطلانه في نفسه أولا، وفي
المقيس عليه على الأصح عندنا ثانيا - قياس مع الفارق، لتحقق رفع الحدث بالماء بخلافه،
ولعله لذا وافقنا أبو حنيفة وأصحابه عليه.
ومن المستعمل الملتصق بأعضاء التيمم إجماعا في التذكرة، بل والمتساقط منها
كالمتقاطر مما غسل به من الماء، لتحقق ماهية الاستعمال به، بل لعله المنساق إلى الذهن
قبل الأول، فما في التذكرة من احتمال العدم ضعيف، نعم قد يشكل في المنفوض
والمتساقط من اليدين بعد الضرب قبل المسح به وإن صرح به بعضهم، بل في الذكرى
وجامع المقاصد أنه فسر به، وبالممسوح به من غير نقل خلاف فيه أو إشكال لعدم تحقق
الاستعمال قبل المسح به سيما بعد حكاية الاجماع فيهما، وفي التذكرة على خروج المضروب
134

منه، مع نفي الخلاف عنه في المبسوط، لأنه كالإناء المغترف منه.
قلت: فهذا كالماء المغترف قبل الغسل به، نعم يتم كونه منه لو ثبت جزئية
الضرب من التيمم، لكن قد يتجه حينئذ دخول المضروب، فلعل ما ذكروه من
الاجماع والتشبيه بالإناء مشعر بخروجه أي الضرب عن ماهية التيمم، إلا أنه يمكن
القول بدخول الضرب وخروج المضروب، فتأمل جيدا.
* (ولا يصح التيمم بالتراب) * أو الحجر * (المغصوب) * أي الممنوع من التصرف
فيه شرعا إجماعا محكيا في التذكرة والمنتهى إن لم يكن محصلا، علق في اليد شئ فمسح
به جبهته ويديه أولا، للنهي المقتضي للفساد عقلا وشرعا، وهو واضح بناء على جزئية
الضرب من التيمم، بل وشرطيته مع اعتبار النية فيه، كما هو الأصل في كل ما أمر به،
نعم لو لم يكن شرطا وكان كاغتراف الماء من الإناء أو كان شرطا لكن لم تعتبر النية
فيه اتجه عدم اقتضاء النهي الفساد حينئذ عقلا، بل التيمم صحيح وإن كان الضرب
محرما، لكن مع مسح الجبهة واليدين بعد الضرب بدون العلوق، بل ومعه على
إشكال، اللهم إلا أن يستفاد الفساد حينئذ من ظاهر الأدلة.
وكيف كان ففساد التيمم دائر مدار النهي عنه شرعا، وإلا فلا فساد حيث
لا نهي ولو لجهل أو غفلة يعذر فيها، ومن هنا صرح في جامع المقاصد وغيره بجواز التيمم
للمحبوس في المكان المغصوب، لأن الاكراه أخرجه عن النهي، فصارت الأكوان
مباحة، لامتناع التكليف بما لا يطاق إلا ما يلزم ضررا زائدا على أصل الكون، والقول
أن في التيمم تصرفا زائدا على أصل الكون ممنوع، إذ الالزام بكيفية خاصة من الكون
أو حركة خاصة متعذر أو متعسر، بل هو ترجيح من غير مرجح، ومن ثم جاز له
أن يصلي وينام ويقوم، وحق الغير يتدارك بلزوم الأجرة، بخلاف الطهارة بالماء
المغصوب، لأنه يتضمن إتلافا غير مأذون فيه، نعم لو ربط في ماء مغصوب وتعذر
135

عليه الخروج ولم يلزم الاغتسال به زيادة إتلاف أو تصرف أمكن القول بالجواز،
فتأمل جيدا.
هذا كله في التراب المغصوب، أما المملوك وقد يتيمم به في مكان مغصوب ففي
المدارك أن الأصح الصحة، لأن الكون ليس من أفعال التيمم، بل هو من ضروريات
الجسم، وفيه أن الضرب والمسح حركة وسكون، وهما كونان سيما الأولى، فلا ريب
في حصول التصرف في مال الغير بذلك، على أن التيمم فعل وعمل في ملك الغير، وهو
هواؤه، ولذا كان الأقوى الفساد، كما هو خيرة كشف اللثام، لكن علله " بأن الاعتماد
جزء التيمم، فهو كاعتماد المصلي على ملكه الموضوع في أرض مغصوبة " انتهى. وهو
جيد بالنظر إلى الضرب، وكذا لو كان التراب في آنية مغصوبة، للنهي عن الضرب
المقتضي للفساد عقلا، إلا على ما سمعت، بخلاف الماء في الآنية المغصوبة، للنهي فيه
عن الأخذ منها، وهو أمر خارج عن العبادة، مع احتمال الفساد فيه أيضا على بعد، فتأمل.
* (و) * كذا * (لا) * يجوز التيمم * (ب‍) * التراب * (النجس) * بلا خلاف أجده فيه،
بل في المدارك وغيرها نسبته إلى مذهب الأصحاب مؤذنا بالاجماع عليه ولعله كذلك،
لاشتراط الطهارة فيه إجماعا في جامع المقاصد وكشف اللثام ومحتمل أو ظاهر الغنية وعن
التذكرة وشرح الجعفرية، ولا نعرف فيه مخالفا في المنتهى، ويدل عليه مضافا إلى ذلك
الوصف بالطيب في الكتاب العزيز، إذ المراد به - كما لعله الظاهر منه وفسره به غير
واحد بل في جامع المقاصد نسبته إلى المفسرين - الطاهر، كما أنه قد يؤيده أي الاشتراط
بل في الحدائق أن الأولى في الاستدلال به عليه النبوي المروي في عدة أخبار (1)
وفيها الصحيح وغيره " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " لما تقدم سابقا أن

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التيمم
136

الطهور هو الطاهر المطهر، لكن قد يناقش بأنه لا دلالة فيها على اعتبار الطاهرية
حال المطهرية.
نعم لو ثبت لزوم المطهرية للحدث أو الخبث للطاهرية أو أن الأصل ذلك كان
دليلا آخر للمطلوب من غير حاجة إلى الأخبار أيضا، لمعلومية مطهرية التراب، ولعل
ذلك الأصل ثابت خصوصا بمعنى عدم سبق النجاسة، بل في جامع المقاصد " أنه لا يعقل
كون النجس مطهرا " انتهى، ولا يرد الغسالة على بعض الأقوال وحجر الاستنجاء،
لخروجها بالدليل، أو لاعتبار سبق الطهارة فيهما أيضا، فتأمل.
والمشتبه بالمحصور يجتنب كالماء، بل لعله لا يشرع الاحتياط بالتكرير، بناء
على الحرمة الذاتية فيه كالماء كما صرح به الأستاذ في كشف الغطاء، مع احتماله للفرق
بينهما بالأمر بالإراقة هناك دونه، وعدم ثبوت غير الحرمة التشريعية هنا، ولا فرق
بين قلة التراب المتنجس وكثرته مع وقوع الضرب عليه كما صرح به في المنتهى، لفساد
بعض الضرب المقتضي لفساده جميعه، ولاقتضاء الشرطية السابقة، ولا يعقل الاستهلاك
هنا، واحتمال الصحة - بناء على عدم اشتراط استيعاب الضرب لما يتيمم به، أو أنه قليل
لا يقدح بالاستيعاب عرفا - لا يخلو من وجه، نعم لا يقدح نجاسة غير المضروب قطعا
وإن اتصل بالمضروب كأحد جانبي الحجر أو طرفيه لا
* (و) * كذا * (لا) * يجوز التيمم * (بالوحل) * أي الطين * (مع وجود التراب) * أو
الحجر نصا وفتوى كما سيأتي إن شاء الله.
* (وإن مزج التراب بشئ من المعادن) * كالكحل والزرنيخ ونحوهما أو غيرها
مما لا يجوز التيمم به من الدقيق وسحيق الأشنان وغيرهما * (فإن استهلكه التراب) * أي كان
كالمعدوم في عدم منافاته لصدق اسم التراب بل التراب الخالص، ولا عبرة بتعميق
النظر وتدقيقه * (جاز) * التيمم به وفاقا للمشهور بين الأصحاب، للأصل وصدق الامتثال
137

بضرب الصعيد والأرض ونحوهما، ودعوى أن ذلك من المسامحات العرفية ممنوعة،
مع عدم قيام دليل صالح على عدم اعتبارها في مثله، وتعذر أو تعسر خلوص المتيمم به
من ذلك غالبا سيما لو اعتبر العلم به، كما هو قضية اشتراط الخلوص، فينافي حكمة
مشروعية التيمم، خلافا لظاهر الغنية وصريح المحكي عن الخلاف، فمنعا منه مع الخلط
وإن استهلك، وهو - مع أني لم أجده في الثاني، ويمكن تنزيل الأول على غير
المستهلك، سيما بعد دعواه الاجماع عليه، إذ ما نحن فيه مظنة حصوله على العكس - ضعيف
جدا لا دليل عليه.
* (وإلا) * يكن الخليط مستهلكا كذلك، بل كان هو المهلك للتراب كذلك
* (لم يجز) * التيمم به قطعا وإجماعا بقسميه، لأصالة الشغل مع عدم صدق الامتثال بضرب
الصعيد والأرض، بل وكذا إن لم يهلك أحدهما الآخر كما هو ظاهر المتن أو صريحه
كالمبسوط والمنتهى والذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام وغيرها، بل في الغنية
الاجماع على عدم جواز التيمم بتراب خالطه شئ من ذلك، وهو الحجة بعد الأصل في
وجه، وصحة سلب اسم التراب عنه، ولا يعارض بسلب اسم الخليط، إذ هو لا يكفي
في صحة التيمم به، لاشتراطه بالتراب لا بغير الكحل مثلا، كما لا يقال إنه يصدق
عليه اسم كل منهما لا سلبه، فيقان: هذا تراب وكحل، إذ الظاهر منع ذلك فيما نحن
فيه من الامتزاج المتحقق باختلاط الأجزاء المتساوية اختلاطا لا يتحقق معه التمييز،
فإنه بعد حصوله يتحد المختلطان ويكونان شيئا واحدا، فلا يصدق عليه أنه تراب
وكحل، لزيادة أمر آخر عليهما أخرجهما عن هذا الصدق، وهو الامتزاج، فهما
وإن كانا جزءين ما دين لهذا الشئ لكن مع ذلك فالامتزاج من مقوماته أيضا معهما،
فالتراب حينئذ جزء، ولا وجه للحكم به على الكل، فلا يقال هذا تراب قطعا، بل
إن قيل مثل ذلك في مقام تعداد الأجزاء يراد منه أن هذا الشئ كحل وتراب حال
138

كونهما ممتزجين، فيكون الخبر هو المجموع لا كل واحد منهما، فتأمل.
نعم يتجه ذلك في الخليط المتميز المستقل الذي لا يتصور فيه امتزاج كالشعر
مع التراب، وستسمع الكلام فيه، هذا. على أنا نقول بعد تسليم صدق اسم التراب
عليه وأنه كالخليط المتميز فلا ينافي صدق ضرب التراب ضرب غيره معه، لكن المعتبر في
التيمم مماسة تمام باطن الكف للتراب حال الضرب، كما صرح به في كشف اللثام،
وهو وظاهر غيره أو صريحه، ولا ريب في عدم حصول ذلك في محل الفرض وإن
صدق ضرب التراب في الجملة.
ومنه يظهر لك الحكم في الخليط المتميز، فلو فرض وجود تبنة ونحوها في تراب
بحيث يحتجب وصول بعض الكف إلى التراب بطل، ولذا لم يكتف بعضهم بصدق
اسم التراب، بل قال: إنه ينبغي اعتبار عدم الامساس بالخليط مع ذلك، وإلا فلا
ريب في حصول الاسم في المثال المذكور.
لكن قد يشكل ذلك أولا بالاكتفاء في جملة من كتب أصحابنا ببقاء الاسم
من غير اعتبار ذلك كالقواعد والتحرير، بل عن السرائر والتذكرة ونهاية الإحكام
والدروس والبيان أنه يجوز بالمختلط مع بقاء اسم التراب، بل في المنتهى بعد أن حكى
الخلاف المنع من التيمم بالمختلط وإن غلب التراب، وعن المبسوط الجواز مع الاستهلاك
قال: " وبالأول قال الشافعي، وبالثاني قال بعض الشافعية حيث اعتبر الغلبة، وهو
الأقوى عندي لبقاء الاسم، ولأنه يتعذر في بعض المواضع - ثم قال -: لو اختلط التراب
بما لا يعلق باليد كالشعير جاز التيمم منه، لأن التراب موجود، والحائل لا يمنع من
التصاق اليد به " انتهى. وثانيا بعدم الدليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، لصدق
ضرب التراب والصعيد من دون اعتبار ذلك.
وقد يدفع بأن مراد أولئك لأصحاب بالاكتفاء بالاسم إنما هو في صورة الخلط
139

الامتزاجي، فيرجع حينئذ عند التأمل إلى شرطية الاستهلاك كما يومي إليه ما في المنتهى
أولا وغيره أيضا، ولا تعرض فيه للخليط الذي لا يتصور فيه الاستهلاك وإن قل،
ولعل عدم تعرضهم له لعدم دخوله فيما يعتبر في التيمم به، بل هو راجع إلى الكف،
فيعتبر فيه الاستيعاب، وأما ما في آخر عبارة المنتهى فمع أنه قد استشكله بعض من
تأخر عنه يحتمل ما في كشف اللثام وغيره من أنه بالاعتماد يندفن بالتراب أو الكف
تماس التراب إذا حركت، لأنه لا تعلق بها وإن أورد عليه فيه بأنه يتوجه الجواز
بالممتزج بنجس قليل إذا علم وصول الكف جميعها بالتحريك أو الاعتماد إلى الطاهر،
وفي جامع المقاصد أن فيه ترددا ينشأ من عدم تسمية الخليط ترابا.
إلا أنه قد يدفع الأول بأنه لا دليل على بطلان اللازم، بل ظاهر الأدلة تناوله،
وليس ذا من تعدد الوضع أو الضرب، بل هو من توابع الوضع الأول، والثاني بمنع
عدم التسمية في مثل ما نحن فيه، فتأمل. وأما دعوى عدم الدليل على الاستيعاب المذكور
ففيه - مع أصالة الشغل في وجه والاقتصار على المتيقن - أنه ظاهر التيمم البياني كقوله:
" وضع يديه " (1) و " ضرب بكفيه الأرض " (2) و " أضرب بكفيك الأرض " (3)
ونحوها (4) لظهور الاسم في تمام المسمى، فيراد تمام اليد والكف واحتمال صدق
ذلك ولو ببعض الكف ممنوع، ولذا يصح سلب الضرب بالكف عنه، لكن ومع
ذلك كله فالذي يقوى الاكتفاء بالاستيعاب العرفي بحيث يصدق عليه أنه ضرب بكفيه
الأرض، ولعله متحقق وإن حصل بعض الخليط كشعيرة أو تبنة ونحوهما، بل وإن
لم يكن خليط لكن لم يصل بعض أجزاء الكف كذلك، مع أنه قد يتعذر الخلوص

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التيمم - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 7 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 7 - 0 -
140

من مثل ذلك أو يتعسر في كثير من المواضع، وربما نزل ما في المنتهى عليه، بل قد يؤيده
أمور كثيرة تظهر بالتأمل في أخبار الباب، وكتب الأصحاب وإن كان الأحوط ما تقدم،
وكذا الكلام في الممتزج، فلا تقدح بعض الأجزاء الدقاق وإن منعت محلها من المماسة.
* (و) * يجوز التيمم لكن * (يكره) * بالأرض المالحة النشاشة المسماة * (بالسبخة والرمل) *
وهو معروف على المشهور بين أصحابنا نقلا وتحصيلا، بل في المعتبر الاجماع عليه عدا
ابن الجنيد، فمنع في السبخ، بل عن التذكرة الاجماع في السبخة من غير استثناء كالمنتهي،
حيث لم ينقل فيها خلافا إلا عن بعض الجمهور، كما أنه نسب الجواز مع الكراهة في
الرمل إلى نص الأصحاب وجامع المقاصد، وعن التذكرة " يجوز بالرمل عندنا على
كراهية " بل ظاهر المدارك أو صريحها كغيرها عدم الخلاف عندنا في جوازه بالرمل،
ومراد الجميع الجواز اختيارا مع وجود التراب كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم.
فما في إشارة السبق وتبعه الأستاذ في كشف الغطاء من التيمم به عند فقد
التراب ضعيف محجوج بما سمعت، ويتناول اسم الصعيد والأرض له قطعا وإن اكتسب
بسبب الحرارة تشتتا وتغيرا ما، وما عن الجمهرة عن أبي عبيدة أن الصعيد هو التراب
الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل لا يلتفت إليه، على أنه لو كان كذلك لا دليل على جوازه
في الاضطرار أيضا، كالمحكي عن ابن الجنيد من المنع بالسبخ ولعله لذلك وفيه ما عرفت،
أو الخبر عن محمد بن الحسين (1): " إن بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي
(عليه السلام) يسأله عن صلاة على الزجاج، قال: فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت
هو مما أنبتت الأرض، وما لي أن أسأله عنه، فكتب إلي لا تصل على الزجاج وإن
حدثتك نفسك أنه مما أنبت الأرض، ولكنه من الملح والرمل، وهما ممسوخان ".
وفيه أنه لا تعرض فيه للسبخة، ولا كلام في المنع من الملح، ولعل ابن الجنيد
أراد بالسبخ ما يعلو الأرض من الملح، فلا خلاف حينئذ كما يشهد له عدم استثنائه

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 من كتاب الصلاة
141

من إجماع التذكرة، وتخصيص الخلاف ببعض الجمهور في المنتهى كما تقدم، نعم هو
دال على المنع من السجود على الرمل، ويلزمه عدم التيمم هنا، لكنه - مع قصوره
عن معارضة ما تقدم، بل لعل الاجماع على خلافه حتى من الحلبي في إشارته لتجويزه
به حال الضرورة - محتمل لإرادة أنهما مسخا بصيرورتهما زجاجا، أي أنهما غيرا عن
حقيقتهما السابقة، إلا أنه لا بأس بتأييد الكراهة في الرمل به، وبما سمعته عن أبي
عبيدة وإن كنا في غنية عن إثباتها فيه وفي السبخة بما تقدم بعد التسامح فيها،
فتأمل جيدا.
* (ويستحب أن يكون) * التيمم * (من ربا الأرض وعواليها) * كما أنه يكره من
المهابط إجماعا في الخلاف عليهما، وفي المعتبر صريحا في الثاني، وظاهرا أو صريحا
في الأول، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة وصريح إجماع المقاصد، ويؤيده -
مع بعد الموالي عن النجاسات وزوالها عنها غالبا بالسيول والرياح، فهو أبلغ في وصف
الطيب بخلاف المهابط - ما ورد في تفسير الصعيد أنه الموضع المرتفع كالمحكي عن فقه الرضا
(عليه السلام) (1) وقول الصادق (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم (2): " نهى
أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق " وخبره الآخر
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (3) " لا وضوء، من موطأ " وعن النوفلي يعني ما تطأ
عليه برجلك، خلافا للجمهور فلم يفرقوا بين المكانين وهو ضعيف، بل لا يبعد تفاوت
مراتب الاستحباب والكراهة شدة وضعفا بتفاوت الأمكنة في القرب والبعد عن
احتمال النجاسة ونحوها.
* (ومع فقد التراب) * عقلا أو شرعا، والحجر ونحوه على المختار من مساواته للتراب،

(1) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
142

بل وعلى غير أيضا لتقدمه على الغبار عندهم، إلا النادر كسلار ويحيى بن سعيد فقدماه
على الحجر، مع احتمال إرادة الأول الغبار الذي إذا نفض كان ترابا كافيا، بل لعله
الظاهر من عبارته المحكية في المختلف، فتعليق المصنف الانتقال كالمقنعة والمبسوط
والقواعد والمنتهى على التراب خاصة في غير محله، سيما من مثل الشيخ والمصنف والعلامة،
لمساواته للتراب عندهم، اللهم إلا أن يريدوا به ما يشملهما اتكالا على ما سبق لهم،
كما يشهد له بعض الأمارات، فتأمل. فيوافق حينئذ ما في النافع والذكرى والمعتبر
والتذكرة وغيرها من التعبير بالصعيد، بل هو معقد إجماع الأخيرين حيث علقا
الانتقال المذكور على فقد الصعيد، ثم نسباه إلى علمائنا، والنهاية والوسيلة والسرائر
والتحرير وعن المهذب من التصريح بتأخره عن الحجر، ويقرب منه ما في جامع المقاصد
والروض والمدارك.
* (يتيمم بغبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته) * للنصوص (1) وظاهر الاجماع المحكي
في المعتبر والتذكرة إن لم يكن محصلا، لا إذا لم يفقده فإنه يجب التيمم به حينئذ بلا خلاف
أجده فيه، بل ظاهر المعتبر والبحار وكشف اللثام والتذكرة الاجماع عليه إلا من
ظاهر جمل المرتضى، فساواه مع التراب، مع أنه ليس بتلك المكانة من الظهور،
ومحتمل لما تقدم في كلام سلار.
ولا ريب في ضعفه بعد ما عرفت، وبعد قول الباقر (عليه السلام) في صحيح
زرارة (2): " إن كان أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه، فيتيمم من غباره أو من
شئ معه " وقول الصادق (عليه السلام) أيضا في صحيح رفاعة (3) كذلك، وإشعار
غيرهما من الأخبار (4) به أيضا، واحتمال التمسك له بأن الغبار صعيد حقيقة وإن

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث - 0 - 2 - 4 -
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث - 0 - 2 - 4 -
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث - 0 - 2 - 4 -
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم
143

استخرج من غير
الأرض لأنه كان مجاورا له، فإذا نفذ عاد إلى أصله وصار ترابا مطلقا
يدفعه أن محل البحث في غير الجامع للشرائط منه من الاستيعاب ونحوه كما هو الغالب،
وإلا فلو فرض كونه في حال كذلك إما بنفضه أو غيره فلا إشكال في مساواته له حينئذ.
نعم قد يشكل الحال في تقديم القليل من التراب عليه مع عدم صلاحيته
للاستيعاب، ولعل الأقوى حينئذ تقديم أكثرهما وأشدهما مباشرة لليد مع احتمال تقديم
التراب مطلقا، سيما بعد ما في المنتهى والمدارك من عدم تسمية الغبار صعيدا، قال في
الأول: لأن الصعيد هو التراب الساكن الثابت، وإن كان ذلك ضعيفا بل ممنوعا
عليهما، كمناقشة الثاني في تقديمه على الوحل مع التمكن منه بعد تسليمه أن الأصحاب
قاطعون بذلك وإن ظاهرهم الاجماع، ونسبته في المنتهى إلى علمائنا كظاهر غيره أيضا،
مع شهادة التتبع لهما، إذ لم يحك عن أحد خلافا في ذلك إلا عن المهذب، فاشترطه
بفقد الوحل.
ولا ريب في ضعفه بعد قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1): " إذا
كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به، فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك
ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به " وانجباره بما سمعت يدفع المناقشة في
سند لو سلمت، وقول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة (2): " إن كان أصابه
الثلج فلينظر لبد سرجه، فيتيمم به من غباره أو من شئ معه، وإن كان في حال لا يجد
إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه " كقول الصادق (عليه السلام) في صحيح رفاعة (3):
" إذا كانت الأرض مبتلة لبس فيها تراب ولا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم به،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم الحديث 7 - 2
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم الحديث 7 - 2
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 4
144

فإن ذلك توسيع من الله عز وجل، قال: فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه، فليتيمم
من غباره أو شئ مغبر، وإن كان في حال لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه ".
والمناقشة فيهما باختصاصه في حال الثلج المانع من الوصول إلى الأرض لا وجه
لها، إذ الاستدلال بظاهر قوله (عليه السلام): " وإن " إلى آخره حتى لو أريد الاستئناف
منه، كما يشهد له الاقتصار عليه خاصة في صحيحة زرارة الأخرى عن الباقر (عليه السلام)
أيضا وهي دليل آخر كمضمر ابن المغيرة (1) " إن كانت الأرض مبتلة وليس فيها تراب
ولا ماء فانظر أجف موضع تجده، فتيمم غباره أو شئ مغبر، وإن كان في حال
لا يجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم " وإطلاق غيرها منزل عليها.
نعم قد يعارض ذلك قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر زرارة (2) بعد أن
سأل لا عن رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال: يتيمم فإنه الصعيد،
قلت فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء، قال: إن خاف على
نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد أو البرذعة
ويتيمم ويصلي " سيما بعد تعليله فيه كغيره بأنه الصعيد.
لكنه - مع ضعفه واحتماله الطين الجاف كما لعل فيه إيماء إلى ذلك، بل في
المنتهى أنه مما تعرض فيه لنفي الماء دون التراب حتى في قوله: " وفيها الطين " - قاصر
عن مقاومة ما تقدم من وجوه، فتأمل جيدا. والتعليل بالصعيدية يراد به أنه كان
صعيدا كما يشير إليه ما في آخر (3) " أنه صعيد طيب وماء طهور ".
ثم إن ظاهر ما تقدم من الأخبار كخبر رفاعة وزرارة وأبي بصير وغيرها عدم
الترتيب فيما فيه الغبار كظاهر المصنف والمشهور، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 10 - 5
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 10 - 5
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 6
145

في النهاية، فرتب بين عرف الدابة ولبد سرجها وبين الثوب، مع عدم صراحته في
ذلك، بل هو محتمل ما في المنتهى من أن ذلك لكثرة وجود أجزاء التراب في دابته
وقلته في الثوب، وابن إدريس في السرائر فعكس وهما ضعيفان، نعم ينبغي تحري
الأكثر فالأكثر ومن غير الثلاثة، وكأنها خصت لأنها مظنته، بل ظاهر جماعة
إيجابه، وهو لا يخلو من قوة.
كما أن الظاهر منها أيضا وبه صرح جماعة كون الغبار غبار التراب ونحوه،
لا غبار الأشنان ونحوه، ويؤيده الاجماعات السابقة على عدم جوازه بغير الأرض،
بل ولا الممتزج منها لذلك إلا أن يغلب الاسم، ولعل المنساق من عبارة المصنف والقواعد
وغيرهما بل حكي عن الأكثر وما سمعته من الأخبار السابقة وغيرها عدا خبر أبي بصير
في كيفية التيمم بالغبار ضرب ما كان عليه منه باليدين، ثم يمسح به من غير نفض،
لعدم تيسر انفصاله غالبا، سيما في حال المسؤول عنها في الأخبار، بل في خبر زرارة (1)
عن أحدهما (عليهما السلام) التصريح به، قال: " إن خاف على نفسه من سبع أو غيره
وخاف فوت الوقت فليتيمم، يضرب يده على البرذعة ويتيمم ويصلي ".
لكن في المقنعة والنهاية والمبسوط والمنتهى أنه ينفض فيتيمم بغبرته، كالمحكي
عن سلار " نفض ثوبه وسرجه ورحله، فإن خرج منه تراب تيمم به " مع احتمال إرادته
ما لو أمكن استخراج تراب من مجموع ذلك، وهو متجه مع إمكانه لانتفاء الضرورة
حينئذ، وإطلاق الأخبار منصرف إلى غلبة عدم تيسر مثل ذلك، سيما في مثل المسؤول
عنه فيها، إلا أن ذلك ليس مما نحن فيه، كما أنه قد يتجه ما في المقنعة وما بعدها إن
أريد بالنفض فيها ما ذكره في الذكرى وجامع المقاصد والروض وغيرها من أنه ينفض
ثوبه ويستخرج الغبار حتى يعلوه، إلا أن يتلاشى فيقتصر على الضرب عليه، قلت:

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 5
146

حتى يتفاقم ويكون الضرب على الغبار نفسه، ولما يلوح من الأخبار كقوله (ع): " فلينظر
لبد سرجه أو شئ مغبر " ونحوهما من اعتبار محسوسية الغبار كما في حاشية المدارك، أو
أريد أنه بنفضه جميعه يجمع منه غبار لا يحصل بدونه، إذ الضرب عليه إنما يكون على
مقدار اليدين خاصة.
ولعل الذي دعاهم إلى ذلك ما في خبر أبي بصير السابق، وفي انطباقه على إطلاقهم
النفض الذي قد يتخيل منه التيمم بالغبرة الكائنة منه وإن لم تستقر في مكان سيما بعد
إشعار غيره من الأخبار بخلافه، ومنافاته للتوسعة التي هي منشأ مشروعية هذا الحكم
تأمل ونظر، فقد يحمل على إرادة الاجتزاء بذلك لا وجوبه، أو على ما سمعته في كلام
سلار أو نحو ذلك، وإلا فالأقوى عدم التضيق بشئ من ذلك، والاجتزاء بالضرب
على ناحيته مما علته الغبرة إن كان، وإلا فعلى ذي الغبار الكامن فيه إذا كان الضرب
مما يهيج الغبار إلى الكفين، كما قد يومي إليه قول الباقر (عليه السلام) (1) في صحيح
زرارة في المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع لا يقدر على النزول؟: " تيمم
من لبد سرجه أو عرف دابته فإن فيها غبارا: فتأمل جيدا.
* (و) * على كل حال ف‍ * (مع فقد ذلك) * أي الغبار * (يتيمم) * بالطين، ويسمى
* (بالوحل) * إذا كانا يجوز التيمم به إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا صريحا وظاهرا
ونصوصا (2) قد تقدم سابقا جملة منها، لا مع عدم فقده، فإنه يقدم عليه كما عرفت،
لكن من المعلوم أن ذلك حيث لا يمكن تجفيف الطين وإرجاعه للصعيد ولو باطلائه
وانتظاره، وإلا وجب وكان مساويا للتراب، للمقدمة ولعدم صدق الاضطرار، وبه
صرح العلامة ومن تأخر عنه، بل في الرياض أنه ليس محل خلاف، وفي المدارك قطعا،
وهي من مثله كالاجماع، بل قد يشعر صحيح رفاعة السابق بمطلوبية ما أمكن من

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 0 -
147

التجفيف وإن لم يصل إلى حد التراب.
واحتمال المناقشة - بعدم وجوب مثل هذه المقدمة التي هي أشبه شئ بمقدمة
الوجوب، وباطلاق الأدلة ترك الاستفصال فيها، واشتمالها على التعليل بأنه الصعيد،
وبعد فرض ذلك كله في ضيق الوقت ونحوه بحيث لا يستطيع التجفيف - مدفوع بعدم
الفرق فيما دل على وجوب مقدمة الواجب المطلق بين هذه المقدمة وغيرها، وبانصراف
الاطلاق لغير هذه الحال، ومنه يعلم الوجه في ترك الاستفصال سيما بعد قوله (ع): " إذا
كان في حال لا يجد إلا الطين " لكن ومع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال، فتأمل.
إنما البحث في كيفية التيمم بالوحل، فظاهر المصنف وغيره بل صريح السرائر وغيرها
أنه كالتيمم بالأرض، وهو الذي يقتضيه ظاهر إطلاق الأخبار سيما في مقام البيان،
إلا أنه ينبغي إزالته عن اليد كنفض التراب، لكن في المقنعة أنه " يضع يديه ثم
يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة ثم يمسح بهما وجهه " والمبسوط
وعن الخلاف والنهاية أنه " يضع يديه في الطين ثم يفركه ويتيمم به " والوسيلة " قد أطلق
الشيوخ رحمهم الله ذلك، والذي تحقق لي أنه يلزم أن يضرب يديه على الوحل قليلا ويتركه
عليها حتى ييبس ثم ينفضه عن اليد ويتيمم به " واختاره في التحرير.
قلت: لكن ينبغي القطع ببطلان الأخير إن أريد الاجتزاء بالضرب الأول
قبل التجفيف ثم المسح بعد النفض، إذ لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، مع
ما فيه من فوات الموالاة، كما أنه ينبغي القطع بصحته إن أريد تجفيفه قبل ضرب التيمم
ثم يتيمم به بعد يبسه مع سعة الوقت، لكنه خارج عما نحن فيه، لرجوعه للتيمم بالتراب
كما تقدم سابقا، وكذا ما في كتب الشيخ إلا أنه يحتمل قويا إرادة الإزالة من الفرك،
فيكون بمنزلة النفض في التيمم بالتراب، فيوافق المختار حينئذ مع مراعاة الموالاة،
وقد يشعر به ما في المعتبر حيث قال بعد ذكره ما في المبسوط: أنه الوجه، لظاهر الأخبار،
148

إذ قد عرفت أن ظاهرها ما قلنا، كما أنه في التذكرة بعد ذكره كلام ابن حمزة أنه
الوجه عندي إن لم يخف فوت الوقت، وإن خاف عمل بقول الشيخ، إذ لو لم ينزل
قول الشيخ على ما ذكرنا لكان فيه أيضا خوف من فوات الوقت، بل يمكن تنزيل
ما في المقنعة أيضا عليه، بل لعله أقرب فيتحد الجميع، وإن أبيت فهم محجوجون
بما عرفت.
والمراد بالوحل في المتن مطلق الطين كما علق الحكم عليه في كثير من الأخبار
لا الطين الرقيق وإن فسره به في القاموس، نعم لا يدخل في الطين عرفا مطلق الأرض
الندية والتراب كذلك فيجوز لا تيمم به اختيارا كما نص عليه الفاضلان في المعتبر
والتذكرة، بل في الثاني " لا يشترط في التراب اليبوسية، فلو كان نديا لا يعلق باليد
منه غبار جاز التيمم به عند علمائنا " انتهى. فهو مع صدق الصعيد الحجة، مضافا إلى
صحيح رفاعة السابق، لكنه قد يظهر منه تقييد الجواز بعدم التمكن من الجاف،
سيما تعليق ذلك فيه بأنه توسع من الله عز وجل، إلا أنه يمكن حمله على ما لا ينافي المطلوب
من إرادة الاشتراط بالنسبة إلى بعض أفراد الأجف وإن كان طينا أو غير ذلك،
فتأمل جيدا.
ثم إن ظاهر المصنف وغيره بل صرح به جماعة انحصار ما يتيمم به ولو اضطرارا
بما ذكره من المراتب، فمع عدم شئ منها كان فاقد الطهورين حينئذ، ويأتي الكلام
فيه من غير فرق في ذلك بين أن يجد الثلج والماء الجامد الذي لا يستطيع الغسل به وعدمه،
وفاقا للأكثر وخلافا للمحكي عن مصباح السيد والاصباح والمراسم وظاهر الكاتب،
فأوجبوا التيمم بالثلج مع عدم التمكن حيث لا يوجد غيره ولا يمكن حصول مسمى
الغسل به ولو كالدهن، واختاره في القواعد والموجز الحاوي وعن البيان، وكأنه
للاحتياط، وما دل (1) على عدم سقوط الصلاة بحال، واستصحاب التكليف بها،

(1) الوسائل - الباب - 1 و 2 و 6 و 7 و 8 و 11 من أبواب وجوب الصلاة
149

وحسن محمد بن مسلم أو صحيحه (1) سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أجنب
في سفره ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا، فقال: هو بمنزلة الضرورة، يتيمم ولا
أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه ".
وفيه - مع عدم صلاحية شئ من ذلك عدا الخبر لاثباته، بل والخبر لعدم
صراحته بل ولا ظهوره في التيمم به، لاحتمال إرادة الانتقال إلى التيمم بالتراب كما
يومي إليه قوله (عليه السلام) " بمنزلة الضرورة " واستبعاد فقدان كل ما يتيمم به حتى
الغبار والطين، سيما مع ترك استفصاله عن ذلك، وإن كان ربما شهد للأول النهي
عن العود، وعد ذلك هلاك الدين، إذ لا هلاك في التيمم بالتراب بعد كونه أحد
الطهورين، وأنه مما أمتن الله به على هذه الأمة - أنه مناف لما سمعته سابقا من الاجماع
على عدم جواز التيمم بغير الأرض، ولقد أجاد ابن إدريس في رد المرتضى بأن الاجماع
منعقد على أن التيمم لا يكون إلا بالأرض وما يطلق عليه اسمها، وما في المنتهى من أن
المسلم منه في حال التمكن لا مطلقا في غير محله.
كل ذا مع ظهور الخطابات الشرعية كتابا وسنة في انحصار الطهارة بالمائية والتراب،
ووفائهما ببيان كيفية كل منهما بحيث لا يشارك إحداهما الأخرى، ومن هنا احتمل
بعضهم في الخبر السابق أن يراد بالتيمم فيه مسح أعضاء الطهارة بنداوة الثلج على كيفية
المائية مجازا، كما أنه احتمل آخر ذلك في كلام المرتضى ومن تبعه، وهو مع بعده لعدم
القرينة مبني على وجوب ذلك عند الاضطرار وإن لم يحصل به مسمى الغسل، وفيه منع
وإن أوجبه الشيخان وابنا حمزة وسعيد، واختاره في المنتهى والتذكرة والمختلف
والحدائق وعن نهاية الإحكام، كما أنه استحسنه في كشف اللثام، ولعله لما دل (2)

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب الوضوء
150

على الاكتفاء بمثل الدهن في الوضوء من الأخبار المذكورة في بابه، وعلى أن " يجزيك
من الغسل والاستنجاء ما بلت يمينك " كما في خبر هارون بن حمزة (1) عن الصادق
(عليه السلام)، وأنه " إذا مس جلدك الماء فحسبك " كما في صحيح زرارة عن الباقر
(عليه السلام) (2)، ولخبر معاوية بن شريح (3) قال: " سأل رجل أبا عبد الله (عليه
السلام وأنا عنده فقال: يصيبنا الدفق والثلج، ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماءا
جامدا فكيف أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال: نعم " وخبر علي بن جعفر (4) عن أخيه
موسى (عليه السلام) قال: " سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه
ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال: الثلج
إذا بل رأسه وجسده أفضل، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم " ونحوه خبره
الآخر المروي (5) عن قرب الإسناد، ولصحيح ابن مسلم (6) عن الصادق (عليه السلام)
" عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج، قال: يغتسل بالثلج أو ماء النهر " ولأن
الواجب عليه: أمران إمساس جسده بالماء وإجراؤه، وتعذر الثاني لا يسقط الأول،
لعدم سقوط الميسور بالمعسور، ولأن ما لا يدرك كله لا يترك كله. هذا مضافا إلى ما سمعته
في حجة المرتضى من عدم سقوط الصلاة بحال ونحوه.
لكن في الجميع نظر، إذ هذه الأخبار - مع الطعن في سند خبري علي بن
جعفر كخبر ابن شريح، واشتمالهما على ما لا يقول به الخصم من تقديمه على التيمم مع
تعليق التيمم فيهما على تعذر الاغتسال المتحقق وإن تمكن من المسح بالنداوة، وظهور

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب أحكام الخلوة - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب الوضوء - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التيمم - الحديث - 2 وفيه " الدمق "
بدل " الدفق "
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التيمم - الحديث 3 و 4 و 1
(5) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التيمم - الحديث 3 و 4 و 1
(6) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التيمم - الحديث 3 و 4 و 1
151

التخيير بين الثلج وماء النهر في صحيح ابن مسلم في التمكن من الاغتسال به، سيما مع
الأمر به فيه، كظهور أخبار الدهن وما بعدها في الاجتزاء بذلك اختيارا، ومعارضتها
بما دل (1) على اعتبار الجريان فيما يغتسل به الجنب - قاصرة عن اثبات هذا الحكم من
وجوه كثيرة، بل لعل الظاهر منها إرادة بيان أقل أفراد الغسل، وهو ما اشتمل
على إجراء الماء باليد كالدهن، كما يشعر به عدة أمور اشتملت عليها، بل عن حاشية
المجلسي نسبة تنزيلها على ذلك إلى الأصحاب، وسيما مع ندرة تحقق الامساس من
دون امكان إجراء ماء ولو بمعين، وقد تقدم لنا في باب الوضوء عند قول المصنف:
" ويجزئ مسمى الغسل " ما له نفع تام في المقام، فلاحظ.
وأقصر منها التعليل وما بعده، إذ هو مع أن قضيته التقديم على التيمم ولا يقول
به الخصم لا دليل على وجوب الامساس في نفسه، بل لو كان مقدمة للغسل فبعد انتفائه
انتفى، وعدم سقوط الميسور بالمعسور ونحوه لا يجري في الأجزاء العقلية كالجنس
والفصل ونحوهما، كما هو واضح، والاحتياط لا دليل على وجوبه حتى يعارض أصالة
البراءة واستصحاب التكليف بالصلاة مع أنه قد يعارض بمثله لا يصلح لاثبات حكم لا دليل
عليه، كعموم ما دل على عدم سقوط الصلاة بحال، مع أنه قد يكون طريقا لم يصل إلينا.
فالتحقيق الذي لا محيص عنه في المقام أنه إن أمكن تحصيل مسمى الغسل بالثلج
ونحوه ولو كالدهن وجب بل مقدم على التيمم، لأنه أحد أفراد الطهارة الاختيارية،
وإلا فلا وفاقا للسرائر والمعتبر وجامع المقاصد وغيرها، ومن العجيب ما عساه يظهر
من المقنعة بل في كشف اللثام أنه نصها، ومحتمل المبسوط والوسيلة كما عن النهاية من
تقديم التيمم على الاغتسال بالثلج وإن حصل مسمى الغسل لظهور الأدلة، بل لعل

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب الجنابة - الحديث 1
152

المقطوع به منها خلافه، وما يقال: إن ذلك لعله للحرج والمشقة يدفعه أن المتجه حينئذ
سقوطه مع عدم التمكن من التراب لا وجوبه كما صرحوا به.
وما أبعد بين هذا القول والقول بتقديم إمساس نداوة الثلج وإن لم يحصل مسمى
الغسل به على التيمم بالتراب كما يظهر من الحدائق وحكاه عن كتابي الأخبار، وفيه -
مع ظهور صحيحتي رفاعة وزرارة المتقدمتين سابقا حيث أمر بالتيمم في الغبار حال
الثلج من غير استفصال عن التمكن من ذلك وعدمه - ما عرفته سابقا في أصل اعتباره
فضلا عن تقدمه على التيمم.
فتحصل من ذلك كله أن مراتب التيمم عندنا ثلاثة: أولها وجه الأرض،
وثانيها الغبار، وثالثها الطين، وبناء على اعتبار الثلج تكون أربعة، بل خمسة بناء على
تأخر الحجر عن التراب، بل ستة بناء على الترتيب أيضا بين غبار الثوب والدابة أو
بالعكس، لكن قد ظهر لك ضعف الجميع وأنها ثلاثة خاصة.
كما أنه قد ظهر لك طريق الاحتياط إلا أنه قال في المفاتيح: " إن الأحوط اعتبار
التراب الخالص مع التمكن، أما مع فقده فيجوز بغبار الثوب ونحوه، ثم بالجص
والنورة ثم بالطين، ثم بالحجر والخزف " وفيه ما لا يخفى، بل لعله مخالف للاجماع بالنسبة
إلى تأخر الحجر عن الطين، بل وكذا في تقديم الغبار على غيره من الحجر ونحوه مما
ثبت أنه أرض، كما أنه يظهر لك بالتأمل فيما قدمنا ما في كشف الغطاء للأستاذ الأكبر
قدس الله روحه، حيث جعل المراتب سبعة أو ستة موجبا لمراعاتها، الأول التراب،
والثاني الأرض غيره من الحجر والمدر والحصى والرمل والجص والنورة، والثالث
غبار التراب، والرابع غبار الأرض مما لا يعد ترابا كالجص والنورة وسحيق المشوي
ونحوها، ثم قال: بل هو مرتبة ثانية من الغبار في وجه قوي، انتهى. وحينئذ تكون
خمسة بناء عليه، والسادس الوحل، والسابع ما تركب من قسمين من الأقسام السابقة
153

أو أكثر، ثم أخذ في ذكر صور الأخير والترجيح بينها، وهو كما ترى يتطرق إليه النظر
من وجوه تعرف مما تقدم فتأمل، والله أعلم.
* (الطرف الثالث في كيفية التيمم) *
لكن لا بأس بذكر محله قبل ذلك، * (ف‍) * نقول * (لا يصح التيمم قبل دخول
الوقت) * إجماعا محصلا ومنقولا في ظاهر المعتبر أو صريحه وصريح التذكرة والمنتهى
والقواعد والتحرير والذكرى والتنقيح وجامع المقاصد والروض والمدارك والمفاتيح وغيرها
بل لعله متواتر، وهو الحجة في الخروج عن عموم المنزلة المقتضي لصحته قبل الوقت
كالوضوء، وإلا فأكثر ما استدل به عليه غيره محل نظر، مع احتمال المناقشة في صحة
المائية للفرض قبل الوقت أيضا، فلا حاجة حينئذ لتخصيص عموم المنزلة، إذ لا يكون
ذلك من خواص التيمم، لكن ظاهر المعتبر والمنتهى أو صريحهما أن ذلك من خواصه،
وبه افترق عن المائية للدليل عليها دونه.
وفيه أنه من المعلوم كون المراد بعدم جوازه أي التيمم قبل الوقت إنما هو إذا
أريد به لذات الوقت كما صرح به في جامع المقاصد وغيره، وإلا فلا إشكال في جوازه
للغايات الأخر كصلاة نافلة ونحوها، وليس من المائية ما يجوز فعلها قبل الوقت لذات
الوقت، نعم يجوز فعلها قبله باعتبار استحباب الكون على طهارة في نفسه، ولا دليل
على منع قيام التيمم مقامها في ذلك، بل عموم المنزلة يقتضيه كما صرح به في جامع المقاصد
إلا أنه قال على تأمل.
لا يقال: إنه صرح جماعة باستحباب الوضوء للتأهب للفرض، وليس هو إلا
الوضوء للفرض قبل الوقت، لأنا نقول - مع أنه أنكره في كشف اللثام، وقال:
إنه لا معنى له إلا الكون على طهارة، فيرجع إلى السابق حينئذ -: إن التأهب للفرض
غاية غير الفعل للفرض، فلا بأس في قيام التيمم مقامها في ذلك حينئذ لعموم المنزلة،
154

لكن الانصاف أنه لا يخلو من نظر وتأمل بل منع، لظهور تناول معاقد الاجماعات
له، بل كاد يكون صريح بعضهم.
فيكون الحاصل حينئذ أن المراد بعدم جوازه قبل الوقت عدم مشروعيته للتأهب
كالمائية أو هو مع الكون على الطهارة في وجه، وإن كان الأقوى العدم فيه بخصوصه،
لعموم المنزلة من غير معارض حتى الاجماعات، فحينئذ لو تيمم قبل الوقت لذات الوقت
لم يكن مشروعا بالنسبة إلى ذلك، لكن قد يقال بعدم فساد التيمم في نفسه بعد فرض
استحبابه للكون على طهارة، إذ هو حينئذ كالوضوء لغاية لم يشرع لها، لأن ملاحظة
الغاية أمر خارج عنه، اللهم إلا أن يقال بعدم حصول التقرب فيه، لأنه قصد ما لا
يشرع له، وترك ما شرع له، فتأمل جيدا فني لم أعثر على تنقيح في كلام الأصحاب
لذلك كله، كما أنه لم أعثر على تنقيح في كلامهم لتناول معقد الاجماع على عدم الصحة
قبل الوقت ما لو علم عدم التمكن من التيمم أصلا أو الاختياري منه بعد الوقت أو ظنه،
وإن كان قضية الاطلاق ذلك.
لكن استظهر العدم شيخنا الأكبر في شرح المفاتيح وحاشية المدارك، فأوجب
التيمم قبل الوقت في مثل هذا الحال للمقدمة، ولا مانع من وجوبها قبل الوقت هنا،
إذ هي كمقدمات الحج ونحوها حينئذ، وعموم المنزلة وشدة الاهتمام بأمر الصلاة وعد
العبد عاصيا بمثله عرفا لظهور بقائه إلى وقت الواجب، هذا كله مع عدم معارض سوى
إطلاق الاجماع، وشموله لمثله من الأفراد النادرة محل منع، على أنه إجماع منقول،
ولا يقوى على ما ذكرنا، سيما بعد إمكان المناقشة فيه بما نقل من القول بوجوب
الطهارات لنفسها، وسوى مفهوم الآية (1) وقوله (عليه السلام) (2): " إذا دخل

(1) سورة المائدة - الآية 8
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الوضوء - الحديث 1
155

الوقت وجب الطهور والصلاة " وفيه ما مر أيضا.
وفي الكل نظر إلا ظهور الاهتمام بأمر الصلاة من الأدلة، إلا أنه في إيجابه ذلك
مع الظن أو عدم التمكن من خصوص الاختياري وإن تمكن من الغبار أو الوحل نظر
أو تأمل، مع أنه قد يقال بعد التسليم لم لا يكون الواجب عليه حينئذ التيمم لغاية
يشرع لها من نافلة أو الكون على طهارة بناء عليه أو نحو ذلك وإن كانت مستحبة
بالأصل ويحفظ للفريضة، فلا ينافي حينئذ معاقد الاجماعات من عدم مشروعيته لذات
الوقت قبل الوقت، وقد مر سابقا في إراقة الماء قبل الوقت لمن علم عدم التمكن منه
بعده ما له نفع تام في المقام، فلاحظ وتأمل جيدا.
هذا كله فيما قبل الوقت * (و) * أما بعده ف‍ * (يصح مع تضييقه) * إجماعا محصلا ومنقولا
أيضا في التحرير والتنقيح وجامع المقاصد والروض والمدارك وكشف اللثام وغيرها وعن
نهاية الإحكام وحواشي الشهيد، مع ما في الأخير أنه ترك نقل الاجماع فيه لشدة ظهوره،
قلت: وهو كذلك لكن ينبغي التأمل في المراد من الضيق فهل هو عدم زيادة الوقت
على مقدار الواجب من التيمم والصلاة بل وأقله، أو عليه مع فعل بعض المندوبات
المتعارفة كالقنوت وجلسة الاستراحة أو نحوهما، أو على ما عزم عليه من فعلهما من نهاية
الطول والقصر والوسط؟ لا يبعد جعل المدار على الصلاة المتعارفة على حسب اختلافها
باختلاف الأشخاص بطء وسرعة، إذ هي التي ينصرف إليها الاطلاق كما في غير
المقام من التحديدات.
و
هل المعتبر في معرفة الضيق العلم أو هو مع الظن أو خوف الفوات وإن لم
يصل إلى درجة الظن؟ لا يبعد الأخير وإن علق في كثير من كلماتهم على الظن، لصحيح
زرارة أو حسنه (1) " فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم " مع ما في التكليف في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التيمم - الحديث 1
156

الأولين من التغرير بفوات الواجب، بل قد يتعذر أو يتعسر حصولهما لكثير من
الأشخاص في كثير من الأوقات، ومن الأمر به في الصحيح المذكور بضميمة اقتضائه
الجزاء يستفاد عدم وجوب الإعادة عليه لو انكشف بعد ذلك فساد ظنه حتى لو وجد
الماء وكان في سعة كما صرح به بعضهم، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكم عن الشيخ في
كتابي الأخبار، مضافا إلى المعتبر المستفيضة (1) حد الاستفاضة الدالة على عدم الإعادة
لمن وجد الماء بعد صلاته وكان في وقت مع اشتمالها على التعليل بأنه فعل أحد الطهورين،
وباتحاد ربهما، لتناولها باطلاقها من فعل الصلاة بظن التضيق ثم انكشف الخطأ، بل
قد يتعين فيها ذلك بناء على اعتبار التضيق في التيمم.
فما عن كتابي الأخبار للشيخ من الحكم بالإعادة ضعيف، ولعله لقول الصادق
(عليه السلام) في خبر منصور بن حازم (2) في رجل تيمم فصلى ثم أصاب الماء: " أما
أنا فكنت فاعلا إني كنت أتوضأ وأعيد " وهو - مع قصوره عن معارضة ما تقدم من
وجوه، بل احتماله غير ما نحن فيه - واضح الدلالة على الاستحباب، بل لعله يكون
قرينة حينئذ على إرادة ذلك من قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر يعقوب بن
يقطين (3) بعد أن سأله " عن رجل تيمم فصلى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضأ ويعيد
الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال: إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد، فإن
مضى الوقت فلا إعادة عليه " مع أن قضية المفهوم فيه عدم الإعادة إن لم يجد الماء في
الوقت كما هو بعض الدعوى، فتأمل جيدا.
وثمرة جميع ما سمعت تظهر على القول باعتبار الضيق في التيمم كما تسمعه، وإليه
أشار المصنف بقوله: * (وهل يصح التيمم مع سعته) * أي الوقت * (فيه تردد) * منشأه
اختلاف النصوص والفتاوى، فالأكثر كما في المنتهى والبحار وكشف اللثام وغيرها،

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 0 - 10 - 8
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 0 - 10 - 8
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 0 - 10 - 8
157

والمشهور كما في المختلف والمسالك وغيرهما على المنع مطلقا، بل في السرائر أنه مذهب
جميع أصحابنا إلا من شذ ممن لا يعتد بقوله، لأنه عرف باسمه ونسبه، بل في الانتصار
والغنية وعن الناصريات وشرح جمل السيد للقاضي وأحكام الراوندي الاجماع عليه،
بل ربما حكي ذلك عن الشيخ أيضا إلا أنه لم يثبت.
وهو الحجة سيما بعد اعتضاده بالشهرة والاحتياط اللازم المراعاة هنا في وجه،
وبأنه طهارة اضطرارية، ولا اضطرار قبل ضيق الوقت، وبأنه مكلف بصلاة ذات
طهارة مائية في ضمن هذا الوقت، ولذا ينتظر الماء لو علم حصوله ولو في آخر الوقت،
فلا يسقط إلا بالعجز، ولا يعلم إلا عند الضيق، مضافا إلى صحيح ابن مسلم (1) قال:
" سمعته يقول: إذا لم تجد ماء وأردت التيمم فأخر التيمم إلى آخر الوقت، فإن فاتك
الماء لم تفتك الأرض ".
وحسن زرارة أو صحيحه عن أحدهما (عليهما السلام) (2) " إذا لم يجد المسافر
الماء فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوت الوقت فليتيمم وليصل في آخر
الوقت " وفي رواية أخرى (3) " فليمسك " بدل " فليطلب " ولذا في المنتهى جعلها
رواية ثانية.
وخبره الآخر عن أحدهما (عليهما السلام) (4) قال: " إن خاف على نفسه من
سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمم يضرب يده على اللبد أو البرذعة " الحديث.
وموثق ابن بكير عن الصادق (عليه السلام) (5): " إذا تيمم الرجل فليكن

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب التيمم - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب التيمم - الحديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب التيمم - الحديث 3
158

ذلك في آخر الوقت، فإن فاته الماء فلن يفوته الأرض " كموثقه الآخر (1) المروي عن
قرب الإسناد عن الصادق (عليه السلام) أيضا " في رجل أجنب فلم يجد الماء يتيمم ويصلي،
قال: لا حتى آخر الوقت أنه إن فاته الماء لم تفته الأرض ".
وخبر محمد بن حمران عن الصادق (عليه السلام) (2) قال: " قلت له: رجل تيمم
ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل الصلاة
قال: يمضي في الصلاة، واعلم أنه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت ".
ونحوه المروي في البحار عن دعائم الاسلام (3) عن الصادق عن آبائه عن علي
(عليهم السلام) " لا ينبغي أن يتيمم من لم يجد الماء إلا في آخر الوقت ".
وأوضح منهما ما في فقه الرضا (عليه السلام) (4) " ليس للمتيمم أن يتيمم حتى
يأتي إلى آخر الوقت أو إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة " هذا. مضافا إلى ما تقدم
آنفا مما دل على الإعادة لو وجد الماء في الوقت، وموافقة ما دل على السعة (5) للمحكي
عن إطباق العامة، والقصور سندا أو دلالة لو كان في البعض منجبر بما عرفت.
وقيل بالجواز مطلقا وهو خيرة المنتهى والتحرير والبيان ومجمع البرهان والمفاتيح
والكفاية ومنظومة الطباطبائي ومحتمل الإرشاد والمحكي عن الصدوق وظاهر الجعفي
والبزنطي، وفي لمدارك والرياض أنه لا يخلو من قوة، وعن حاشية الإرشاد أنه قوي
متين، كما عن كشف الرموز أن النظر يؤيده، وعن المهذب البارع أنه قول مشهور

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب التيمم - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(3) المستدرك - الباب 17 - من أبواب التيمم - الحديث 2
(4) فقه الرضا عليه السلام ص 5
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم
159

كالأول، للأصل في وجه قوي في خصوص ما نحن فيه من الشك في الشرطية،
وإطلاق ما دل على وجوب الصلاة بدخول الوقت كتابا (1) وسنة (2) أو على استحباب
فعلها في أول الوقت والحث على المحافظة عليه المقتضي لتمكن المكلف من الامتثال،
وليس إلا بالتيمم وعموم المنزلة وأنه أحد الطهورين، وقوله تعالى (3): " فلم تجدوا "
بعد عطفه على جواب الشرط السابق كالنبوي المروي عن الخصال (4) " فضلت بأربع،
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء
ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا " الحديث. كالآخر المروي (5) على
لسان غير واحد من الأصحاب " أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت " وما يشعر
به أيضا الأمر في الموثق (6) وخبر السكوني (7) بالتيمم عند خوف الزحام في يوم
الجمعة أو عرفة كما سيأتي التعرض له.
وخبر داود الرقي عن الصادق (عليه السلام) (8) " أكون في السفر وتحضر الصلاة
وليس معي ماء، ويقال: إن الماء قريب منا، أفأطلب الماء وأنا في وقت يمينا وشمالا؟
قال: لا تطلب الماء ولكن تيمم، فإني أخاف " الحديث. بل قد يشعر به ما دل (9)

(1) سورة الإسراء - الآية 80
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الوضوء - الحديث 1
(3) سورة المائدة - الآية 9
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(5) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 8
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(7) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(8) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(9) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب التيمم - الحديث 2
160

على الغلوة والغلوتين من حيث ظهور الاكتفاء بذلك في صحته من غير شرط آخر، فتأمل.
كغيره مما هو ظاهر في ذلك، وفي عدم توقفه على غير عدم التمكن من استعمال الماء.
وخبر أبي عبيدة (1) " سأل الصادق (عليه السلام عن المرأة ترى الطهر في السفر
وليس معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة. قال: إذا كان معها بقدر
ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي " إلى آخره. وكاشعار الصحيح (2) " في إمام
قوم أصابته جنابة وليس معه ماء يكفيه للغسل أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ قال: لا،
ولكن يتيمم الجنب الإمام ويصلي بهم، إن الله قد جعل التراب طهورا كما قد جعل
الماء طهورا " لغلبة وقوع الجماعة أول الوقت مع بعد أمر المأمومين بالتأخير إلى آخر
الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الإمام مع وجود إمام متوضئ، مع أنه
في كمال المرجوحية سيما على القول بتنويع الوقت بالاختياري والاضطراري، وأبعد
منه حمله على اتفاق التأخير للجميع.
وفحوى المعتبرة المستفيضة حد الاستفاضة (3) بل لعلها متواترة الدالة بأنواع الدلالة على
عدم الإعادة لمن صلى ثم وجد الماء، وفي كثير منها التصريح بوجدانه في الوقت، بل في
بعضها ظهور التراخي بين الصلاة ووجدان الماء في الوقت، وفي آخر التعليل بأنه أحد
الطهورين ولا يكون ذلك إلا بمشروعيته في السعة وحملها على إرادة الصلاة في وقت لا الإصابة
فيه بعيد بل ممتنع في كثير منها، كحملها على العلم أو الظن بالضيق ثم انكشف السعة
سيما بعد اعتبار المضايقة الحقيقية أو ما يقرب منها كما يظهر من الغنية والسرائر خصوصا
الثاني، حيث أنكر تصور فرض وجدان الماء في الوقت بناء على التضيق، ونسبه إلى

(1) الوسائل - الباب 21 - باب الحيض - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 17 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 1
من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التيمم
161

المخالفين، مضافا إلى ترك الاستفصال فيها عن ذلك مع ظهورها في الفعل عمدا بدون
الظن المذكور.
كل ذا مع بعد التكليف بذلك، لما فيه من العسر والمشقة في كثير من الأوقات
لكثير من الناس خصوصا النساء والأعوام، وخصوصا المرضى ونحوهم، وسيما بالنسبة
للعشاءين بناء على تعميم المسألة لجميع أسباب التيمم، للاجماع في الروض على عدم الفرق
في ذلك مع سهولة الملة وسماحتها، سيما وأصل مشروعية التيمم لذلك، وإرادة اليسر
بالعباد وما فيه من التغرير بترك الصلاة، بل العبث فيما لو علم عدم حصول الماء تمام
الوقت، بل فيه فوات مصلحة أول الوقت من الاستحباب المؤكد ونافلة العصر بناء
على عدم مشروعيتها إلا بعد صلاة الظهر، بل والزوال بناء على أنها نافلة للفرض
ولا تشرع إلا بعد حصول الخطاب به، ولا خطاب، إذ هو يؤول إلى الوجوب المشروط
على مذهب الخصم، لتوقفه على الطهور الذي لا يحصل ولا يصح إلا عند الضيق،
ومع ذلك كله لو كان كذلك لشاع وذاع لتوفر الدواعي إلى نقله وغلبة وقوعه، إلى غير
ذلك من المبعدات الكثيرة التي لا يمكن أن تستقصى، وستسمع بعضها في آخر البحث.
هذا مع ظهور مساواته لغيره من ذوي الأعذار كالمستحاضة والمسلوس وذي
الجبيرة، بل قد يشرف التأمل في هذه الأمور وملاحظة فحاوي الأدلة الفقيه على القطع
بفساد القول بالتضيق فيما لو علم عدم زوال العذر، على أنه لا شئ من أدلة الخصم ينهض
عليه بخصوصه سوى الاجماع المدعى وحسن زرارة أو صحيحه على تقدير " فليمسك "
كخبره الآخرة الذي بعده والرضوي، وإلا فغيرها من أدلته ظاهرة في التأخير لرجاء
الماء كما يومي إليه ما فيها " فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض " ونحوه، واحتمال خصوصية
التعليل وعمومية المعلل بعيد.
والرضوي - مع أنه ليس بحجة عندنا سيما بعد إعراض الصدوق الذي هو الأصل
162

في شبهة حجيته لما نقل عنه من القول بالتوسعة هنا - محتمل لكراهة التعجيل مع الرجاء،
كما عساه يشعر به ما في ذيل عبارته، وما في خبر محمد بن حمران ودعائم الاسلام للتعبير
بلفظ " لا ينبغي " سيما الأول.
وصحيح زرارة - مع ما فيه من الاضطراب والاشعار بالرجاء على تقدير " فليطلب "
وقصوره عن معارضة غيره من وجوه - محتمل الاستحباب، أو لإرادة الامساك عند
الرجاء خصوصا مع ملاحظة ما في الرواية الثانية وغيرها، على أن الغالب حصول الرجاء
خصوصا في المسافرين كما يومي إليه إطلاق الأمر بالتأخير في باقي الأخبار معللا بما يشعر
بالرجاء، بل لعل فيه شهادة على انصراف الانطلاق بدن التعليل إليه، فتأمل جيدا
فإنه دقيق.
ومنه يعرف الجواب عن خبره الآخر، على أن المفهوم فيه نفي الوجوب
لا المشروعية فيه.
وأما الاجماع فهو - مع ضعف الظن فيه نفسه، خصوصا في مثل هذه الاجماعات
التي لا يعلم إرادة أصحابها بها ولا طريقهم إليها، إذ لا زالوا ينقلونها فيما هو مظنة العكس،
خصوصا الغنية ونحوها، مع عدم ظهور إرادة مدعيه خصوص ما نحن فيه، بل لعل بعض
عبارات الانتصار تشعر بإرادة الرجاء، ومع وهنه بالمحكي عن الصدوق والجعفي والبزنطي
من القول بالسعة مطلقا، بل وابني الجنيد وأبي عقيل في خصوص الفرض المعتضد
باعراض المتأخرين أو أكثرهم عنه فيه، إذ من المستبعد جدا خفاء الاجماع على مثل أولئك
الأساطين مع قرب العصر وإطلاع خصوص حاكيه، على أن تحصيله لهم غالبا في ذلك
الزمان إنما هو بملاحظة الروايات ومذاهب الرواة لها، وقد عرفت ظهور أكثر
الأخبار بالتوسعة، وأن الشيخ على كثرة نقله الاجماع لم ينقله هنا كما اعترف به في
الذكرى - لا يقاوم بعض ما سمعته فضلا عن الجميع.
163

ومن ذلك كله ذهب جماعة إلى التفصيل بن الرجاء وعدمه، فيؤخر مع الأول
دون الثاني، وهو المحكي عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل، واختاره جماعة من المتأخرين،
بل في جامع المقاصد عليه أكثرهم، وفي الروضة أنه الأشهر بينهم، جمعا بين أدلة الطرفين
سيما بعد ظهور أخبار التضيق في صورة الرجاء كما عرفت، وبعد ما سمعت من البعد فيه
مع عدم الرجاء، كالبعد في التوسعة مع الرجاء، سيما لو كان ظنا، بل لعل السيرة على
خلافه، إذ هو مكلف بالمائية، ولذا وجب عليه الطلب وغيره، ولا ينتقل عنها
إلا بالعجز، وليس إلا بالضيق، بل لعله المنساق إلى الذهن مما كان كذلك من التكاليف،
بل يعد العبد عاصيا عرفا لو فعل قبل ذلك.
ومنه ينقدح جريان ذلك فيه على القاعدة، فيجري حينئذ في غير محل البحث
من ذوي الأعذار، ومنه الانتقال إلى مراتب التيمم، فلا يتيمم بالغبار إلا أن
يضيق الوقت أو ييأس منه، وكذا الوحل، مضافا إلى إمكان المناقشة في جميع ما دل
على التوسعة بالنسبة إلى صورة الرجاء بما لا يخفى، وإلى ما في إطلاق التوسعة من التهجم
على طرح تلك الأدلة من الاجماعات وغيرها بلا معارض يقاومها في ذلك، فضلا عن
أن يقوى عليها، مع ندرة القائل بها، وإلى ما في القول بالتفصيل من الجمع أيضا بين
ما دل على الإعادة مع وجدان الماء في الوقت وعلى عدمها كذلك، إلى غير ذلك مما
يطول التعرض لذكره مما لا يخفى على ذي مسكة ومن أحاط بما تقدم.
وهو قوي متين إلا أن سابقه أقوى منه في النظر، إذ لو سلم اقتضاء القاعدة
الانتظار في مثله مع إمكان المنع بظهور التكليف في الصلاة في كل جزء جزء من الزمان،
فيتبع حال المكلف حينئذ فيه حتى لو علم زوال العذر في ثاني الأوقات إلا أن الاجماع
وغيره أخرجه عن بعض الأقسام، ويجب الخروج عنها هنا بما سمعته من الأدلة،
كعموم المنزلة وظاهر الآية وأخبار عدم الإعادة وغيرها مما يبعد تنزيلها على ذلك،
سيما الأخيرة التي هي العمدة في أدلة التوسعة، لما فيها من ترك الاستفصال، مع قيام
164

الاحتمال بل ظهوره لغلبة الرجاء كما سمعته سابقا، وسيما بعد ما عرفت من ضعف أدلة
التضيق من الاجماعات بما سمعت، والأخبار بظهور بعضها بالندب، وهو قرينة على
غيره خصوصا بعد كثرة استعمال " افعل " في الندب، حتى قيل إنه مساو للحقيقة
أو أرجح منها، فلا بأس بحملها على الندب حينئذ، ولا ينافيه ما تقدم من الاستدلال
بما دل على الوجوب بالزوال، للحمل حينئذ على أفضل أفراد الواجب، نعم قد ينافيه
الاستدلال بما دل على استحباب الصلاة في أول الوقت مع إمكان الاعتذار عنه باختلاف
الجهتين، وبأنه يكفي الاستدلال بها بالنسبة إلى بعض أفراد الدعوى، لأن الأقوى
اختصاص الندب في التأخير بصورة الرجاء خاصة كما في البيان، وإن أطلق الاستحباب
في المنتهى وجامع المقاصد وغيرهما، تحكيما لما دل على استحباب الصلاة في أول الوقت،
لضعفها عن المقاومة بعد إشعارها بالتأخير للرجاء، فتأمل جيدا.
لكن * (و) * مع ذلك كله ف * (الأحوط المنع) * من التيمم مع الرجاء، وأحوط
منه المنع مطلقا حتى يتضيق وإن كان الأقوى ما عرفت، لكن ينبغي أن يعلم أنه قد
صرح جماعة كما عساه يظهر من آخرين، وحكاه جماعة عن المبسوط مع قوله بالمضايقة
أن محل الخلاف في المسألة في غير المتيمم، أما من كان متيمما لصلاة قد ضاق وقتها أو
لنافلة أو لفائتة ثم حضر وقت صلاة أخرى أو كان حاضرا جاز له الصلاة من غير
اعتبار الضيق، لظهور ما دل على اعتباره في غير المتيمم، ولما دل على الاكتفاء بتيمم واحد
لصلوات متعددة، ولوجود المقتضي من التطهر وسببية الوقت للوجوب وارتفاع المانع،
وعليه ترتفع ثمرة النزاع كما صرح به بعضهم، إذ له حينئذ التيمم في وقت السعة لغاية
غير الحاضرة، ثم يصليها به قبل الضيق، ولو أراد المحافظة على تيمم واجب يدخل
به في الفرض نذر نافلة وتيمم لها ثم دخل به، بل هو أكبر شاهد على ضعف القول
بالضيق بل فساده، لاستبعاد كون الممنوع منه التيمم بنية الحاضرة خاصة دون غيره.
ولعله لذا استوجه بعض المتأخرين منهم الشهيد في البيان كالمحكي عن مصباح السيد
165

عدم جواز الصلاة بهذا التيمم في السعة، لأن الأخبار السابقة وإن كان ظاهرها غير
المتيمم إلا أنها قد اشتملت على التعليل برجاء الماء، وهو متحقق في الفرض، وما دل
على الاكتفاء بتيمم واحد لصلوات متعددة لا يلزم منه ذلك، بل أقصاه صحة وقوع
هذه الصلاة به لو ضاق الوقت، إذ لا نوجب تجديد تيمم آخر لها، بل لا نعرفه قولا
لأحد من أصحابنا وإن حكي عن الايضاح أنه ذكره وجها أو قولا، لكنه في غاية
الضعف عندنا، نعم هو محكي عن بعض العامة حيث أوجب لكل صلاة تيمما، فلعل
تلك العمومات في مقابلته، كما أنه يحتمل ما في المبسوط ذلك أيضا، ومن ذلك يعرف
ما في الأخير من دعوى انتفاء المانع لما عرفت من أنه رجاء الماء.
لكن قد يشكل ذلك كله بأنه لا يتم بناء على إطلاق التضييق حتى مع عدم
الرجاء، اللهم إلا أن يدعى أنه كما إن ضيق الوقت شرط لصحة التيمم للحاضرة لو
لم يكن كذلك هو شرط لفعل الصلاة بمطلق التيمم، إلا أنه محتاج إلى دليل غير
أخبار التضييق السابقة، لأنها لا تقتضيه، وليس إن لم يكن على خلافه، كما أنها
لا تقتضي وجوب تأخير التيمم إلا بالنسبة للموقت، أي الذي ضرب الشارع له
وقتا خاصا محددا، بل الفرائض خاصة، فمن أراد قضاء فائتة ولو قلنا بالتوسعة في
القضاء أو نافلة راتبة مع سعة وقتها أو مبتدأة في الأوقات المكروهة أو غيرها أو نحو
ذلك جاز له التيمم والفعل، للقاعدة إن قلنا باقتضائها ذلك أو عموم المنزلة ونحوه،
خلافا للمصنف في المعتبر، فمنع منه للنافلة في خصوص الوقت المكروه، ولا نعرف
له وجها.
نعم، يشترط تحقق الخطاب الشرعي بما أريد التيمم له من الأفعال المندوبة لا قبله
من غير فرق في ذلك بين صلاة الخسوف والجنازة والنافلة وغيرها، فتأمل جيدا.
وكذا لا تقتضي تلك الأدلة وجوب التأخير في غير فقد الماء من أسباب التيمم
166

كالمرض ونحوه، فقضية القاعدة أو العموم الجواز فيه مع السعة حتى على القول بالتضيق،
لكن قد عرفت أن الشهيد في روض الجنان حكى الاجماع على عدم الفرق بينها، ويشهد
له التتبع لكلمات الأصحاب، والله ورسوله أعلم.
* (و) * إذ قد ظهر لك الحال في محل التيمم شرع في بيان كيفيته ف * (الواجب في
التيمم النية) * كغيره من العبادات إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا حد الاستفاضة إن
لم يكن متواترا منا ومن جميع علماء الاسلام إلا من شذ، وكتابا (1) وسنة (2) مع
توقف صدق الامتثال والطاعة عليها، وقد تقدم البحث في المراد منها، وفي تفصيل
دليل وجوبها وفيما يعتبر فيها من نية الوجه والرفع أو الاستباحة في باب الوضوء مفصلا.
* (و) * كذا البحث في وجوب * (استدامة حكمها) * والمراد من ذلك فلاحظ وتأمل،
لمساواة التيمم غيره في هذه الأمور كلها عدا نية الرفع، فإنه قد صرح جماعة
من الأصحاب هنا بنية الاستباحة فيه لا الرفع، لأنه غير رافع للحدث عند كافة الفقهاء
إلا داود وبعض أصحاب مالك كما في الخلاف، وعند علمائنا أجمع ومالك والشافعي
وأكثر أهل العلم كما في المنتهى ومذهب العلماء كافة، وقيل يرفع، واختلف في نسبة
هذا القول لأبي حنيفة أو مالك كما في المعتبر، بل فيه عن ابن عبد البر من أصحاب
الحديث منهم إجماع العلماء عليه من غير استثناء، إلى غير ذلك من الاجماعات المحكية
في كلام الأصحاب، قلت: وهو كذلك، إذ معنى رفعه الحدث إزالته وإبطاله
رأسا حتى لا يجب بعد ذلك طهارة مزيلة له إلا بحدث جديد، مع أن المتيمم إذا وجد
الماء انتقض تيممه ووجب عليه الطهارة بالماء لعين ذلك الحدث، وإلا فوجدان الماء
أو رفع المرض ليس بحدث إجماعا حتى يكون بسببه غير الجنب جنبا مثلا، ضرورة

(1) سورة البينة - الآية 4
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات
167

عدم استواء المتيممين في موجبه، فالمحدث لا يغتسل، والمجنب لا يتوضأ، واستباحة
الصلاة وغيرها به ما دام مضطرا ولم يتعقبه حدث آخر ليس رفعا لطبيعة الحدث في المعنى.
نعم هو رفع لمنعه في الجملة وإلا فالمانع لم يرتفع، ويكفي في تحققه ووجوده
بقاء المنع فيه ولو في حال الاختيار والتمكن، كما يومي إليه إطلاق لفظ الجنب على
المتيمم، كقول النبي (صلى الله عليه وآله) (1) لابن العاص بعد أن صلى بأصحابه متيمما:
" صليت بأصحابك وأنت جنب " وفي خبر ابن بكير (2) قلت للصادق (عليه السلام):
" رجل أم قوما وهو جنب وقد تيمم وهم على طهور " بل لعل مقابلته بالطهور كالصريح
في ذلك، إلى غير ذلك، كما أنه يومي إلى بقاء الحدث في المتيمم إمارات كثيرة من
كراهة الائتمام به وغيرها.
وتنزيل التراب منزلة الماء وكونه أحد الطهورين لا ينافي بقاء الحدث بالمعنى
المتقدم، فما في قواعد الشهيد الأول وشرح الألفية للثاني واستحسنه بعض من تأخر
عنهما - من جواز نية الرفع فيه، إذ ليس المراد به إلا الحالة المانعة عن الصلاة، فمتى
أبيحت ارتفع المانع وإن كان إلى غاية مخصوصة هي التمكن من الماء ونحوه كحصول
الحدث في الطهارة المائية، فلا ينافي الرفع قبله، وكذا الكلام في دائم الحدث، على
أن النية فيه إنما تؤثر بالسابق دون المقارن واللاحق، إذ هو عفو - مآله بعد التأمل
إلى نزاع لفظي أو إلى ما يعلم فساده مما تقدم، خصوصا عدم فرقه بين غايتي التمكن
هنا والحدث في المائية، بل لا وجه لكون الثاني غاية، إذ ليس بحصوله يعود ما ارتفع
أولا وإن حصل بسببه ما يساويه، بخلافه في التمكن فإنه أثر الحدث الأول كما هو

(1) كنز العمال ج 5 ص - 143 - الرقم - 2943
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب صلاة الجماعة - الحديث 3 من كتاب الصلاة
168

واضح، وقد مر لنا سابقا في أول غسل الجنابة وغيره ماله نفع تام في المقام.
وربما حكي عن المرتضى (رحمه الله) أيضا أن التيمم رافع للحدث، ولعله لما
سيأتي له من أن المجنب إذا تيمم ثم أحدث بالأصغر ووجد بعد ذلك ماء يكفيه للوضوء
توضأ وبقي على تيممه عن الجنابة، وليس فيه دلالة على ذلك كما ستعرفه عند تعرض
المصنف لذلك أن شاء الله.
وكيف كان فإن نوى في تيممه رفع الحدث فالمتجه على المختار من عدم اعتبار
ذلك فيه وفي أمثاله الصحة سواء نوى رفع المنع ما دام مضطرا أو رفعه كالطهارة المائية
جهلا أو نسيانا أو غير ذلك لصدق الامتثال وإن لغي بنية لأمر خارج عن حقيقة
التيمم في الثاني، وكذا لا فرق بين جعله الرفع متعلق القصد بدون علية كما لو
نوى رفع الحدث بالتيمم مثلا لمشروط به وبين جعله علة للتيمم، كأن قال: أتيمم لرفع
الحدث، نعم لو جعل ذلك مشخصا للمنوي كأن يكون في قوة نيته تيمما رافعا للحدث
على حسب المائية اتجه الفساد حينئذ، لأنه قصد امتثال أمر لا وجود له، كما أنه يتجه
الفساد مطلقا فيما لم يكن المنوي الرفع ما دام مضطرا بناء على اعتبار الاستباحة فيه، لعدم
نيتها، واحتمال استلزام ذلك نيتها وإن لغي في الزائد فيصح ضعيف، لكون هذه
الزيادة هي المائزة بين الرفع والاستباحة، ومنه يظهر حينئذ قوة الفساد أيضا عليه لو نوى
به الاستباحة على حسب الماء، إذ هي معنى الرفع كذلك، نعم لو نوى مطلق الاستباحة
أو الاستباحة ما دام مضطرا اتجه صحة، وكذا لو كان المنوي الرفع ما دام مضطرا،
إذ هو كالاستباحة.
ولعله الذي أراده في الذكرى بقوله: فإذا نوى رفع الحدث فقد نوى ما لا يمكن
حصوله، نعم لو نوى رفع المانع من الصلاة صح وكان في معنى الاستباحة لا أنه يريد
بالمانع الحدث، سيما بعد ملاحظة أول كلامه، فتعجب المحقق الثاني منه لا يخلو من تأمل.
169

وهل مطلق الرفع كمطلق الاستباحة فيصح أو كالاستباحة المطلقة التي هي بمعنى
الرفع المطلق فيفسد كما يومي إليه ما في أول عبارة الذكرى السابقة؟ وجهان، أقواهما
الثاني لانصراف الرفع إليه، ولعله لذا أطلق البطلان بنية الرفع في المبسوط والمعتبر
والقواعد وجامع المقاصد، بل قضية ما عدا الأخير ذلك حتى لو ضم معه الاستباحة،
لكن المتجه فيه حينئذ الصحة كما صرح به في الذكرى وجامع المقاصد وعن غيرهما، وإن لغي
لوجود المقتضي وارتفاع المانع، نعم لو خرجت الاستباحة بضم الرفع عن المعنى المعتبر
في الصحة اتجه الفساد لفقد الشرط حينئذ لا لضم الرفع، فتأمل.
والأقوى عدم اعتبار نية البدلية عن الغسل أو الوضوء مع اتحاد ما في الذمة منه،
وفاقا لكشف اللثام والمدارك وغيرهما، وإن قلنا باختلاف كيفيتهما، للأصل وصدق
الامتثال وخروج وصف البدلية عن حقيقة التيمم، بل هو أمر واقع لا مدخلية لنية
المكلف في تحققه، فمن تيمم بزعم التكليف الابتدائي لجهل البدلية كصبي بلغ وفرضه
التيمم مثلا صح، وكذا يصح مع الاتحاد في الكيفية لو تيمم عن حدث لا يعلم أكبر
أو أصغر حتى ينوي البدلية عن موجبه.
نعم قد يقال بناء على اختلاف الكيفية بوجوب التعرض للعدد في النية ولو بنية
البدلية، لإفادتها له حتى إن كان عليه بدل الوضوء ونوى ضربة واحدة وسها فنواه
بدلا من الغسل صح وبالعكس. فهو ليس اعتبارا للبدلية في نفسها، مع احتمال عدم وجوب
هذا التعرض أيضا، بل لعله الأقوى، إذ الواجب عليه التيمم متقربا إلى الله تعالى
من دون حاجة إلى نية تفصيل ما يفعله كالقصرية والتمامية، لأن اتحاد ما في ذمته كما
هو الفرض كاف في تشخصه، بل لا يبعد الاكتفاء بما لو نوى التيمم وكان في ذهنه
أنه محدث بالأصغر ثم ذكر أنه مجنب بعد أن ضرب ضربة فضرب أخرى، لحصول
المقتضي من نية التقرب بما طلب منه من التيمم وإن توهم فيما قارنه من اعتقاد أن المراد
170

منه ذو الضربة الواحدة، فهو حينئذ كمن نوى الظهر وكان في خياله أن تكليفه القصر
ثم ذكر فأتمها، بل قد يظهر من المدارك الصحة فيما لو تيمم بقصد أنه من الحدث الأصغر
ثم ذكر الجنابة بعد أن ضرب فضرب مرة أخرى وأتم، وهو لا يخلو من وجه وإن
كان قد يشكل بأنه وإن لم يعتبر فيه البدلية لكن يعتبر عدم نية الخلاف، لعدم صدق
الامتثال حينئذ، إذ قصد ما لم يقع، وما وقع لم يقصد، فهو كمن اغتسل بنية حدث
الجنابة وكان محدثا بالمس، فتأمل.
هذا كله مع اتحاد ما في ذمته، أما مع تعدده كما لو كان عليه تيممان فالظاهر عدم
اعتبار البدلية أيضا سواء قلنا باختلاف الكيفية أو اتحادها لما مر، نعم لا بد من
تشخيص ما يوقعه بنية البدلية أو غيرها، لتوقف صدق الامتثال عليه حينئذ، وكذا
التعرض للعدد على تقدير الاختلاف.
وربما ظهر من كشف اللثام عدم وجوب هذا التشخيص أيضا على القول باتحاد
الكيفية، ولعله للأصل، ولأنه كالأمر بالفعل مرتين أو ثلاث، وفيه أن الظاهر
مما نحن فيه كغيره مما تعدد فيه الأسباب كالغسل ونحوه تعدد الأمر لا متعلقه فقط،
كما هو واضح، فتأمل.
ومن ذلك كله ظهر لك ما في إطلاق الوسيلة والجامع واللمعة وجامع المقاصد وظاهر
الروضة وعن الخلاف وغيره من كثير من كتب الأصحاب اعتبار نية البدلية في التيمم،
وما في الذكرى وظاهر المعتبر والمنتهى من اعتبارها على تقدير الاختلاف بين الكيفيتين،
وما في الروض والرياض على تقدير تعدد ما في الذمة، لما عرفت من عدم اعتبارها مطلقا
في نفسها وإن اتفق اعتبارها للتشخيص كغيرها مما يحصل به، اللهم إلا أن يريدوا
باعتبارها ذلك، ولعله لا تأباه عبارات بعضهم دون الباقي، فلاحظ وتأمل، لكن
ينبغي أن يعلم أنه قد صرح في جامع المقاصد بسقوط اعتبار نية البدلية في مثل التيمم
171

للجنازة والنوم، لمشروعيتهما مع وجود الماء، فلا يعقل فيهما معنى البدلية، وفي التيمم
لخروج الجنب والحائض من المسجدين، لعدم شرعية الماء لو تمكن منه، وفيه أنه
يمكن اعتبار ذلك في الأولين بجعله بدلا اختياريا، وفي الأخير بالنسبة إلى ما يقتضيه
ذات الحدث في نفسه.
ومنه ينقدح الوجه حينئذ في اعتبار الضربة والضربتين بالنظر للأصغر والأكبر،
إذ ليس مناطهما البدلية بالمعنى السابق، فتأمل.
ويعتبر مقارنة النية لأول جزء من التيمم كغيره مما اعتبرت فيه، فلا يجزئ
تقدمها على الضرب حينئذ قطعا، كما أنه لا يجزئ تأخرها عنه إلى المسح كما صرح به جماعة
منهم الفاضل والشهيدان والمحقق الثاني وغيرهم، لأنه أول أفعاله كما هو ظاهر الفتاوى
والنصوص (1) الواردة بعد السؤال عن كيفيته وغيرها أو صريحها مع غاية استفاضتها
إن لم تكن متواترة، خلافا للمحكي عن الأول في نهايته، فجوز تأخيرها إلى مسح
الجبهة كما عن الفخرية، وللجامع فأوجب المقارنة لها، وللمفاتيح فجعلها أول الأجزاء،
ولعل ذلك كله تنزيلا للضرب منزلة الاغتراف من الإناء، وعليه لا بأس بالحدث بعده
قبل المسح، كما صرح هو بالتزامه في الكتاب المذكور على ما حكي عنه، فلا وجه للرد
عليه بذلك كما في الذكرى.
وربما يؤيده ما تقدم سابقا من عدم كون التراب المضروب مستعملا عندهم حتى
حكي الاجماع عليه سيما بعد تعليله من غير واحد من الأصحاب هناك بأن الضرب
كالاغتراف من الماء، كما أنه قد يشهد له ظاهر الآية (2) وخبر زرارة (3) عن أحدهما

(1) الوسائل - الباب - 11 من أبواب التيمم
(2) سورة المائدة - الآية 9
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 5
172

(عليهما السلام) " من خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوات الوقت فليتيمم،
يضرب يده على اللبد أو البرذعة ويتيمم ويصلي " حيث أطلقه على ما بعد الضرب،
وفيه - مع أنه قد يشعر التعليل بعدم وجوبه كما في المشبه به، فيكفي تلقيه الريح بجبهته
حينئذ، وهو مجمع على بطلانه حتى منه في خصوص الكتاب المذكور، وإن قرب
الاجتزاء بأخذ التراب من الريح والمسح به فيه، لكنه ليس خلافا في الأخذ بالكف
والمسح به، وأن المتجه بناء على ما ذكره مقارنة النية حينئذ لمسح الجبهة كما في الجامع
لأنها الأول عنده، لا التخيير بينه وبين الضرب، والقياس على غسل اليدين ونحوهما
لا يخلو من تأمل، لاحتمال الفرق بالدليل، أو بالتزام كونها أجزاء مندوبة - أنه مخالف
لما عرفت من غير ضرورة، إذ الآية مع كون الأخبار كاشفة للمراد بها محتملة للكناية
عن الضرب بقوله تعالى (1): " فتيمموا صعيدا " وخبره مع قصوره في نفسه وعن
معارضة غيره من وجوه محتمل لإرادة إتمام التيمم، بل لعل قوله (عليه السلام) فيه:
" يضرب " عقيب قوله (عليه السلام): " فليتيمم " ظاهر في خلافه، وقرينة على ما قلنا،
بل هو أرجح من احتمال العكس من وجوه.
ولو نوى بعد الضرب قبل الرفع لم يجز بناء على اعتبار الضرب في التيمم، بل
وعلى تقدير الاكتفاء بالوضع أيضا في وجه، للفرق بين الابتداء والاستمرار، هذا
كله بناء على أن النية هي الاخطار، وإلا فيسقط هذا البحث من أصله بناء على أنها الداعي
كما اعترف به في الحدائق وكذا الرياض، لكن فيه مناقشة ذكرناها في باب الوضوء.
* (و) * من الواجب في التيمم * (الترتيب) * بأن * (يضع يديه على الأرض ثم يمسح
الجبهة بهما من قصاص الشعر إلى طرف أنفه ثم يمسح ظاهر) * كل من * (الكفين) *
بالأخرى مقدما اليمنى على اليسرى بلا خلاف صريح أجده في شئ من هذا الترتيب

(1) سورة المائدة - الآية 9
173

وإن حكى في كشف اللثام خلو كتب بعض الأصحاب عنه مطلقا كالمصباح ومختصره
والجمل والعقود والهداية، وكالفقيه في بدل الوضوء، وبعضها عنه بين الكفين كالمقنع
وجمل العلم والعمل والسرائر والمراسم مثل المصنف هنا، إذ ليس ذلك صريحا في الخلاف،
مع أن التأمل في عبارة الأولين عدا مختصر المصباح فإنه لم يحضرني يظهر معه إرادة
الترتيب فيما عدا الكفين وإن وقع العطف بها في الواو، بل وفيهما أيضا في عبارة
ما عدا الهداية، كما أن ظاهر السرائر أو صريحها الترتيب في نفس الكفين أيضا كجمل
العلم إن أراد بها التي للمرتضى (رحمه الله) وإن عطف فيهما اليسرى بالواو، ولم يحضرني
المراسم والمقنع، ولعله لذا نسب غير واحد الترتيب المذكور إلى الأصحاب مشعرا
بدعوى الاجماع عليه كما صرح به في المفاتيح وعن إرشاد الجعفرية، بل في التذكرة
إلى علماء أهل البيت، والمنتهى إلى علمائنا أجمع، وفي الخلاف والغنية إحالة دليل
وجوبه على الوضوء، ومنه هناك فيهما، بل عمدته الاجماع، وقد يشعر ذلك منهما
بعدم القول بالفصل بين الوضوء والتيمم كما عن المرتضى التصريح به، حيث قال: " كل
من أوجب الترتيب في الوضوء أوجبه فيه، فمن فرق بينهما خرق الاجماع " انتهى.
فيكتفى حينئذ بما دل عليه هناك من الاجماع وغيره، وفي جامع المقاصد الاجماع عليه
بالنسبة إلى تقديم اليمنى على اليسرى.
قلت: ومع ذلك كله فالتيمم البياني في صحيح الخزاز عن الصادق (عليه السلام) (1)
ومضمر الكاهلي في الحسن (2) وصحيح زرارة (3) عن الباقر (عليه السلام) المروي في
مستطرفات السرائر صريح في ترتيب مسح الكفين على مسح الجبهة. ولا ينافيه عطفهما
عليها في غير هذه الأخبار بالواو، سيما على القول بأنها للترتيب، بل تكون الآية
حينئذ دليلا على ذلك أيضا.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 9
174

مع إمكان الاستغناء عنه بالنسبة إليها بما دل (1) على الأمر بالبدأة بما بدأ الله
به، لكنها على كل حال كأكثر الأخبار لا دلالة فيها على الترتيب بين اليدين،
بل لعل إطلاقها يقضي بعدمه، إلا أنه فيما سمعته من الاجماعات بسيطها ومركبها غنية
عن ذلك، سيما بعد اعتضادها بظاهر الصحيح المروي (2) في مستطرفات السرائر عن
الباقر (عليه السلام) حكاية عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال فيه بعد ذكر قصة عمار:
" فضرب بيديه على الأرض، ثم ضرب إحداهما على الأخرى، ثم مسح جبينه،
ثم مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى، مسح اليسرى على اليمنى، واليمنى
على اليسرى " ولا ينافي تبادر الترتيب من مثله كون الواو لمطلق الجمع في حد ذاتها.
وبالرضوي (3) " صفة التيمم أن تضرب بيديك على الأرض ضربة، ثم تمسح
بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف، ثم تضرب بهما أخرى
فتمسح بهما إلى حد الزند، وروي من أصول الأصابع تمسح باليسرى اليمنى، وباليمنى
اليسرى على هذه، وروي إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الأرض ضربة واحدة
ثم تضع إحدى يديك على الأخرى، ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق
حاجبيك، وبقي ما بقي، ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع
من فوق الكف، ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف، ثم تضع أصابعك اليمنى
على أصابعك اليسرى، فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة "
إلى آخره. وهو وإن لم نقل بحجيته في نفسه، لكنه لا بأس بذكره مؤيدا، كما أنه
لا بأس في العمل بما أرسله بعد الانجبار، ولعله لا ينافيه اشتماله على ما لا نقول به، إذ هو
كالعمل ببعض الخبر وترك الآخر.

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الوضوء - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 9
(3) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 1
175

ومنه ينقدح الاستدلال حينئذ على ما نحن فيه بصحيح ابن مسلم (1) عن
الصادق (عليه السلام) قال: " سألته عن التيمم فضرب بكفيه الأرض، ثم مسح
بهما وجهه، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع، واحدة
على ظهرها، وواحدة على بطنها، ثم ضرب بيمنيه الأرض، ثم صنع بشماله كما صنع
بيمينه " إلى آخره.
فظهر لك حينئذ من ذلك كله أنه لو أخل بالترتيب وجب عليه الإعادة على
ما يحصل به ما لم يخل بالموالاة، فيجب استدراكه من أصله بناء على وجوبها فيه كما ذكره
جماعة، بل في المنتهى نسبته إلى علمائنا، والذكرى والحدائق إلى الأصحاب، والمدارك
إلى قطعهم مؤذنين بدعوى الاجماع عليه كظاهر الغنية أو صريحها وإشعار الخلاف،
بل في جامع المقاصد والمرجع فيها الاجماع، والروض الأولى الاستناد إلى الاجماع،
ومجمع البرهان يفهم كونها واجبة بالاجماع عند علمائنا، انتهى.
وأنها شرط فيه كما هو ظاهر معاقد هذه الاجماعات عدا الأخير، فإنه قد
يظهر منه التوقف في ذلك، واحتمله غيره على أن يراد بها حينئذ الوجوب التعبدي،
ولعله لاحتمال ذلك في موالاة الوضوء أيضا.
لكنه ضعيف جدا، وقد مر ما يكفي في رده في المقيس عليه، كضعف ما يحكى
عن نهاية الإحكام من احتمال عدم وجوبها أصلا فيما كان بدلا من الغسل، وإن نقل عن
الدروس الجزم به أيضا، ولعله لعدم وجوبها في المبدل عنه باعتبار تنزيل التراب منزلة الماء.
وفيه مع مخالفته لما عرفت من الاجماع صريحه وظاهره أن إطلاق المنزلة لا يتناول
مثله، وإن كان قد يشهد له في الجملة تمرغ عمار، وهو من أهل اللسان، إلا أنه يدفعه

(1) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 5
176

عدم مساواتها للكيفية في الانصراف، على أنه قد رد ذلك على عمار، فعلم أن المراد
بالمنزلة البدلية في الإباحة لا الكيفية.
فظهر حينئذ أن الاستدلال على الموالاة بالمنزلة لوجوبها في الوضوء في غير محله،
كالاستدلال عليها أيضا بالفاء في قوله تعالى (1): " فتيمموا " الدالة على تعقيب التيمم
الشرعي لإرادة القيام إلى الصلاة من غير مهلة، وحيث لا يوالي فيه لم يحصل التعقيب
لا لأن التيمم في الآية بمعنى القصد كما في المدارك، بل للقطع بكون المراد منها عدم الدخول
في الصلاة بدون الطهارة، على أنه قد يستمر زمن الإرادة بحيث لا ينافي الموالاة، مع
احتمال المناقشة في استفادة التعقيب بالمعنى المراد هنا من مثل هذه الفاء.
نعم قد يمكن الاستدلال عليها بالفاء في قوله تعالى: " فامسحوا " متمما بعدم
القول بالفصل بين معاقبة مسح الجبهة للضرب وبين غيره، وبالموالاة في التيمم البياني،
واحتمال المناقشة فيه كما في الوضوء - مع إمكان منع جريانها هنا باعتبار كونه بيانا للتيمم
المجمل - مدفوع بما تقدم في باب الوضوء.
نعم قد يناقش فيه باعتبار عدم ظهور قصد الموالاة في التيمم البياني، لاحتمال
كونه لضرورة البيان كما هو المعتاد في كل ما يراد بيانه مما لا يعتبر التوالي فيه قطعا،
فالانصاف أن العمدة في الدليل الاجماع السابق، لكن قد يقال مؤيدا له بعد كون
الموالي فيه المتيقن في البراءة: أن ليس المراد هنا بالموالاة إلا عدم التفريق المنافي لهيئة
التيمم وصورته، وإلا فلا يعقل إرادة معناها في الوضوء إلا بملاحظة التقدير
للجفاف لو كان ماء كما عن الدروس، وهو - مع أنه لازم لذهاب الصورة أيضا كالموالاة
بمعنى التقدير الزماني الذي قد ذكرناه في باب الوضوء - لا دليل عليه هنا، كما أن المتابعة
الحقيقية مقطوع بعدمها، فيتجه الحكم بالفساد حينئذ لانتفاء الاسم بانتفاء تلك الصورة

(1) سورة لمائدة - الآية 9
177

كما في كثير من العبادات، اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر من اعتبر الموالاة إفساد التيمم
بفوات المتابعة العرفية، كما جعله المدار في جامع المقاصد والروض وإن لم تذهب الصورة،
وفيه بعد تسليم انفكاك ذلك عن محو الصورة تأمل ونظر، هذا.
وقد قال في المدارك وسبقه إلى ما يقرب منه في المنتهى: " إنه لو قلنا باختصاص
التيمم في آخر الوقت كانت الموالاة من ضروريات صحته لتقع الصلاة قي وقتها " وفيه
مع ابتنائه على التضيق في أمر التضيق أن وجوبها حينئذ خارج عما نحن فيه، بل تكون
حينئذ كوجوب الموالاة في الغسل عند الضيق، وأين هو من الوجوب الشرطي.
وكالترتيب والموالاة في الوجوب المباشرة بالمعني السابق في الوضوء، كما هو ظاهر
عبارة المصنف وغيره من الأصحاب لعين ما مر فيه من القاعدة وغيرها، مع ما في كشف
اللثام من الاجماع ظاهرا عليه هنا، وفي المدارك من نفي الريب عنه، والمنتهى من نفي
الخلاف فيه عندنا، فلو يممه غيره مع القدرة لم يجز، نعم يجوز مع العجز كما في المبدل
منه بلا خلاف لما مر هناك أيضا، ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن مسكين (1)
وغيره في المجدور الذي غسل فمات: " ألا يمموه إن شفى العي السؤال " وفي مرسل
ابن أبي عمير (2) " يؤمم المجدور والكسير إذا أصابتهما جنابة " كمرسل الفقيه (3)
عنه (عليه السلام) أيضا " المبطون والكسير يؤممان ولا يغسلان " لكن في غير النية،
بل يتولاها العليل كالوضوء لما تقدم فيه أيضا، بل قد يظهر من المدارك دعوى
الاجماع عليه هنا، إلا أنه قال في جامع المقاصد: " لو نويا كان أولى " قلت: أي
أحوط لظهور انتساب الفعل للعامل.
وهل المراد تيممه بيدي النائب أو أنه يضرب بيدي العليل، فيمسح بهما مع
الامكان؟ ظاهر الذكرى وجامع المقاصد والمدارك أو صريحها الثاني، لعدم سقوط

(1) الوسائل - الباب - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 10 - 12
(2) الوسائل - الباب - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 10 - 12
(3) الوسائل - الباب - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 10 - 12
178

الميسور بالمعسور، وبقاء صورة المباشرة، بل لم أقف على قائل بالأول، نعم في الأول
عن الكاتب يضرب الصحيح بيده ثم يضرب بيد العليل، ثم قال: ولم نقف على مأخذه.
قلت: وهو كذلك مع التمكن من ضرب الأرض بيد العليل والمسح بها، أما
مع المكنة من الثاني دون الأول فقد يتجه حينئذ ما ذكره الكاتب، بل لم يستبعد
وجوبه في كشف اللثام.
لكن قد يناقش فيه مع بعد الفرض بعدم صدق المسح حينئذ بالأرض أي
بما ضربها به.
كما أنه قد يناقش في الأول أيضا بأصالة البراءة من تلك الكيفية الخاصة، بل
لعل إطلاق الأمر بالتولية يقضي بخلافه إن لم يكن ظاهرا في مباشرة المتولي، بل قد
لا يجتزى بيد العليل، لعدم استناد المسح إليه بسبب ذلك، فيكون بالنسبة للعامل كالمسح
بآلة أجنبية، كل ذا مع تركهم هذا التفصيل في الطهارة المائية، بل ظاهر ما استدل به
هناك - من أمر الصادق (عليه السلام) (1) الغلمة في الليلة التي كان فيها شديد الوجع بحمله
وتغسيله فحمل ووضع على خشبات وغسل - عدمه أيضا، لظهور تمكن الغلمة من مباشرة
بعض الغسل بيديه، فالأحوط حينئذ إيقاع الكيفيتين إن لم يكن متعينا لتوقف البراءة
اليقينية عليه، فتأمل جيدا.
هذا كله في نفس الترتيب ونحوه، وأما المرتب فأولها وضع اليدين أو ضربهما
على ما يتيمم به من الأرض وغيرها بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر الذكرى وصريح
جامع المقاصد والمدارك وغيرهما الاجماع عليه، للنصوص المستفيضة (2) في كيفيته إن لم
تكن متواترة، وحملها على الغالب - من توقف التصاق التراب بالكفين والمسح به على
ذلك، وإلا فيجزئ حتى لو استقبل العواصف بهما ومسح، كما عن العلامة في النهاية

(1) الوسائل - الباب 17 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم
179

أنه الأقرب - مناف لظاهرها أو صريحها بلا شاهد، سيما بعد الاعتضاد بما عرفت، بل
عن المقاصد العلية الاتفاق على عدم صحة التيمم لو تعرض لمهب الريح، نعم لا يبعد
الاجتزاء بذلك عند الاضطرار، بل لعله يقدم على بعض أفراد الغبار.
إنما البحث في أن الواجب مجرد الوضع كما هو ظاهر المصنف هنا والمبسوط
والجامع والقواعد وصريح الذكرى وجامع المقاصد وعن الدروس أو هو باعتماد أي الضرب
كما هو ظاهر الهداية والمقنع وجملي المرتضى والشيخ والغنية والوسيلة وإشارة السبق والسرائر
والجامع وغيرها وصريح الروضة والروض والرياض وكشف اللثام، بل في الذكرى
نسبته إلى معظم عبارات الأصحاب، وكشف اللثام إلى المشهور، بل هو معقد بعض
الاجماعات وإن لم تكن مساقة له؟ قولان أقواهما الثاني اقتصارا على المتيقن في الكيفية
المتلقاة من الشارع، وللتيممات البيانية فعلا وقولا في الأخبار الكثيرة (1) والأمر به
في مضمر ليث المرادي (2) وصحيح زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) بعد أن
سأل عن التيمم، وغيرهما (4).
ولا ينافي ذلك ما حكاه مولانا الصادق (عليه السلام) في خبر الخزاز (5) وداود
ابن النعمان (6) من وضع النبي (صلى الله عليه وآله) يده على المسح في بيان التيمم
لعمار، كحكاية الباقر (عليه السلام) أيضا ذلك في صحيح زرارة (7) بل وفعله
(عليه السلام) هو أيضا في خبره الآخر (8) إذ هو - مع أن الباقر (عليه السلام) أيضا

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 2 وهو مسند إلى الصادق (ع)
(3) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 0
(4) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 0
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 4 - 9
(6) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 4 - 9
(7) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 4 - 9
(8) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث
180

قد حكى عن النبي (صلى الله عليه وآله) الضرب بيانا لعمار في صحيح زرارة (1) المروي
في مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي - قد رده في المدارك وشرح المفاتيح بأنه
حكاية فعل، ولا عموم فيه، لكن قد يشكل بأن العبرة بتعبير المعصوم (عليه السلام)
عنه في مقام البيان والتعليم، فالأولى رده بأنه مطلق والأول مقيد.
ودعوى ظهور الوضع في غير الضرب لا فيما يشمله، فيتجه التخيير بينهما لاشتمال
الأخبار على كل منهما ممنوعة، كاحتمال جعل اختلاف عبارات الأصحاب والأخبار في
ذلك قرينة على إرادة الوضع من الضرب، مع أنه ليس أولى من العكس، بل هو أولى
لما عرفت، بل لعل تعبير المصنف والجامع والقواعد بالضرب فيما يأتي من بدلية الوضوء
والغسل والمبسوط في الثاني خاصة قرينة على إرادته من الوضع هنا، فلا خلاف بالنسبة
إليهم حينئذ، وينحصر في الشهيد والمحقق وعن نهاية الإحكام، وقد عرفت ضعفه
لكن اختيارا.
أما لو اضطر بأن تمكن من الوضع دون الضرب فلا يبعد الاجتزاء به ولا يسقط
التيمم أصلا قطعا أو خصوص مباشرة باطن الكف للأرض منه، وإن كان الأول
مقتضى انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، والثاني مقتضى عدم سقوط الميسور، مع
عدم الدليل على البدل في المتعذر، إلا أن الأول لا يعارض ما دل على انتفائه بذلك من
قاعدة الميسور وغيرها، بل لعله إجماعي كما يظهر منهم في عدم سقوطه بالأقطع ونحوه
وبالعجز عن المباشرة، والثاني - مع أن قاعدة اليسر تقتضيه، إذ الفائت الضرب لا مباشرة
الكف بالأرض ثم المسح بها - يمكن استفادة بدليته من إطلاق ما دل على الوضع من
الأخبار السابقة، بل والآية مع عدم المقيد هنا لظهور اختصاص أدلة الضرب بالاختيار.
وكيف كان فيعتبر بالضرب أو الوضع أن يكون بكلتا يديه مع التمكن إجماعا

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 9
181

محصلا ومنقولا ونصوصا (1) فلو ضرب بإحداهما لم يجز، بل يعتبر أن يكون دفعة كما
صرح به في جامع المقاصد وغيره، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر الأخبار والأصحاب،
بل قد يستفاد من معقد إجماع المعية في المدارك وغيره، وإن أمكن المناقشة فيه باحتمال
إرادة عدم الاجتزاء بالواحدة، كما أنه يمكن المناقشة في استفادة شرطيته من الأخبار
أيضا، وإن كان ربما ينساق من قوله (عليه السلام) (2): " اضرب بكفيك " ونحوه
لكنه انسياق أظهرية لا شرطية، وإلا فالصدق حاصل بالتعاقب.
نعم لا يعتبر فيما تيمم به من التراب وغيره كونه موضوعا على الأرض بل يجزي
لو كان على غيرها ولو بدن غيره، كما هو ظاهر إطلاق الفتاوى بل والأدلة والسيرة
القاطعة، وما في التيممات البيانية ونحوها من ضرب الأرض محمول على المثال قطعا،
بل لو كان على وجهه تراب صالح فضرب عليه ومسح أجزأ كما صرح به في الذكرى
وغيرها، لصدق الامتثال وعدم ما يصلح المعارضة، فما في المدارك ومال إليه في شرح
المفاتيح من عدم الاجتزاء لتوقيفية العبادة مع تبادر غيره من الأدلة جمود في غير محله،
سيما بعد التعدية حتى منهما صريحا في الأول وظاهرا في الثاني للتراب الموضوع على بدن
الغير بل وبدنه غير الوجه، نعم لو أمر يده على ما على وجهه من التراب مجتزءا به عن
مسحه بذلك لم يجز قطعا، وإن احتمله في المنتهى لما عرفت من الاجماع وغيره على اعتبار
الضرب أو الوضع ثم المسح به.
كما أنه لا يجتزي بالضرب بظهر الكف وإن استوعب مع التمكن من البطن،
لأنه المنقول والمعهود والمتبادر، بل المقطوع به من كيفية التيمم في النصوص والفتاوي،
بل صرح به المرتضى والمفيد وابن إدريس وغيرهم.
بل قد يشكل الانتقال للظهر مع عدم التمكن أيضا، وإن صرح به في جامع

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم الحديث 0 - 7
(2) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم الحديث 0 - 7
182

المقاصد وعن الذكرى وإرشاد الجعفرية والمقاصد العلية، لاطلاق الآية وغيرها، مع عدم
نصوصية الأخبار والفتاوى في وجوبه بالباطن، والتبادر مقصور على الاختيار بدعوى
انصراف المسح في الآية إلى المتعارف من آلته أيضا، كالأمر بضرب الأرض بالكف
إلى الباطن، وباجمال قصد الصعيد فيها، وقد كشفت عنه الأخبار بإرادة الضرب،
والمتبادر منها الباطن، فيبقى غيره بلا دليل، وبأن المعتبر في الحجية الظهور، فلا يقدح
عدم النصوصية، ومنع الظهور أو قصره في حال الاختيار كما ترى، مع أن قضية الأول
الجواز بالظهر اختيارا، والثاني بغير الظهر من أجزاء البدن وقربه إلى الباطن لا يصلح
معينا، لكن قد يقال: إنه أولى من كل ما يتصور في المقام من التولية أو تيمم الأقطع
أي المسح بالأرض أو غيرهما، خصوصا بعد الأمر بالضرب بالكف المتناول للظاهر
والباطن، وإن كان الثاني هو المتبادر لكنه في حال الاختيار خاصة.
ولعل ذا هو الأقوى وإن كان الأحوط حينئذ الجمع بينه وبين الاتيان بكل ما
يحتمل مدخليته حتى حكم فاقد الطهورين إن لم يكن ذلك متعينا للبراءة اليقينية، كما في
كل ما لم يتضح من الأدلة حكمه.
وكيف كان فعلى الأول لو تعذر الضرب بباطن إحدى اليدين فهل يقتصر على
باطن الأخرى أو بباطنها مع ظاهر الأولى؟ وجهان، أقواهما الثاني، لاستلزام بدلية
ظهرهما ظهر كل منهما.
وليس نجاسة باطن اليدين مع عدم التعدي والحجب وتعذر الإزالة عذرا في
الانتقال إلى الظهر مع الخلو عن ذلك، أو إلى مسح الأقطع مع عدمه، بل ومع الحجب
بها أيضا، ولو استوعب لكن مع تعذر الإزالة ولو بنجاسة أخرى كغيرها من الحواجب
بلا خلاف أجده بين الأصحاب في الأول، وعلى الأصح في الثاني لعدم الدليل على
اعتبار الطهارة هنا وإن قلنا به في الاختيار. وعلى اعتبار مباشرة نفس البشرة، بل
183

لعل إطلاق الأدلة وفحاويها يقضي بخلافه، خصوصا ما دل (1) منها على تيمم ذي الجروح
والقروح ونحوهما، وما دل (2) منها على حكم الحواجب من الجبائر والطلاء ونحوهما مما
تقدم في الوضوء مما يفهم منها تنزيل الحائل مع تعذر إزالته منزلة المحال عنه، بل في
حديث المرارة (3) منها ما هو كالصريح في ذلك.
ولذا كان الحكم عندهم في الحائل على الأعضاء الممسوحة من الجبهة وظاهر اليدين
المسح عليه، والفرق بين الماسح والممسوح في ذلك تحكم.
فما في ظاهر الذكرى وصريح الروضة من جعلها لو كانت حائلة عذرا في الانتقال
إلى الظهر لا يخلو من نظر بل منع، سيما مع حيلولتها لقليل من باطن الكف، وفاقا
لصريح جامع المقاصد والمدارك وظاهر الروض.
واحتمال الفرق بينها وبين غيرها من الحواجب الطاهرة أو التزام ذلك فيها أيضا
أوضح من الأول نظرا ومنعا، سيما الأخير، بل لعله مجمع على خلافه هنا، بل قد
ينقدح من التأمل فيما ذكرنا أنه لو تعذر المباشرة بباطن اليد لجرح وشبهه وأمكن وضع حائل
عليه من خرقة ونحوها والمباشرة به وجب كالجبيرة في المائية، لكن الاحتياط بالجمع
بين الكيفيتين بل وتيمم الأقطع والتولية مع حكم فاقد الطهورين لا ينبغي أن يترك.
نعم لو كانت النجاسة متعدية ولم يمكن التجفيف ولا الإزالة اتجه حينئذ جعله
عذرا في الانتقال إلى الظهر مع الخلو، وإلا فإلى المسح بالجبهة خاصة كالأقطع كما صرح
به في جامع المقاصد والروض والروضة، ولعله ظاهر الذكرى، لاستلزامه حينئذ تنجس
ما يتيمم به الذي قد عرفت اشتراط الطهارة فيه، مع إمكان المناقشة فيه أيضا بأن دعوى

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الوضوء - الحديث 0 - 5
(3) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الوضوء - الحديث 0 - 5
184

اعتبار ذلك مطلقا حتى مع التعذر ليتجه الانتقال المذكور ممنوعة، وكيف مع قصرهم
كثيرا مما يعتبر في التيمم على الاختيار، على أن قضية اعتبارها كذلك سقوط التيمم
أصلا لا اليدين خاصة، فيكون فاقد الطهورين، وقياسه على الأقطع ليس بأولى من قياسه
على من تعذر عليه غسل بعض أعضاء الطهارة المائية بما لا يرجع إلى الجبيرة، بل هو
مقتضى الأصل، ولو سلم فالمتجه سقوط الضرب والمسح بخصوص ذلك المحل من الكف
لاتمامه مع فرض عدم الاستيعاب كما هو قضية إطلاقهم.
ولعله لذلك كله أو بعضه جزم في المدارك وتبعه في الكفاية بالمسح باليد وإن
تعدت النجاسة، وهو لا يخلو من قوة، خصوصا مع تعذر تيمم الأقطع والتولية عليه،
لعدم سقوط الصلاة عنه بحال، إلا أن الأقوى الأول لكن بشرط استيعاب النجاسة
للباطن، أما مع بقاء ما يصلح للضرب والمسح به فالأقوى تعيين ذلك عليه كما قد يقوي
وجوب التولية عليه في الظهرين مع تعدي نجاستهما، فلا يقتصر على مسح الجبهة كالأقطع
وإن كان هو ظاهر كلام الأولين، بل قضيته صيرورته فاقد الطهورين مع فرض النجاسة
المتعدية في الجبهة أيضا، فيكون جميع أعضائه ماسحة وممسوحة مستوعبة بالنجاسة، وفيه
تأمل، لكن الاحتياط بفعل كل ما يحتمل مما ذكرناه في المسألة السابقة لا ينبغي أن
يترك، بل لعله متعين.
كما أنه قد يتعين أيضا فيما لو كانت النجاسة المتعدية في الممسوح دون الماسح
بحيث لا تتعدى إلى التراب، وإن كان الأقوى فيه المسح عليه حينئذ مع التعذر من
غير فرق بين استيعابها للممسوح وعدمه، لعدم الدليل على اعتبار الطهارة فيه هنا، وإن
قلنا باعتبارها في الاختيار، لكنه احتمل في جامع المقاصد والروض كونه فاقد الطهورين
فيما لو كان ذلك بالجبهة، وهو ضعيف، إذ لا فرق بين التعدي وعدمه بالنسبة إلى صحة
التيمم، وإن كان ربما يحصل في بعض الأحوال بالنسبة إلى خصوص الصلاة ونحوها
185

وبزيادة النجاسة ونحوها، والبحث الآن في الأول.
هذا كله مع تعذر الإزالة عن باطن اليدين مثلا ولو تجفيفا، أما مع الاختيار فيجب
التجفيف لئلا يتعدى النجاسة للتراب بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، بل وبين
غيرهم، لما عرفت من اشتراط طهارة التراب، والمناقشة - بأن القدر المسلم من اعتبار
الطهارة فيه هو عدم سبق نجاسته على الضرب، أما لو تنجس به فلا - ضعيفة جدا، وأما
اشتراط طهارته أي الماسح اختيارا مع عدم التعدي والحجب بل ومعه لغير التراب كما
لو جرح بعد الضرب، واشتراط طهارة الممسوح من الجبهة وظاهر اليدين كذلك فلم
أعثر على مصرح بشئ منه من قدماء الأصحاب، كما لم أعثر على ما يدل عليه بالخصوص
من الأخبار، بل لعل إطلاقها خصوصا ما دل منها على تيمم ذي الجروح والقروح
كالفتاوى يقضي بخلافه بعد الأصل.
نعم ظاهر الإرشاد وصريح جامع المقاصد والموجز الحاوي وعن حاشية الإرشاد -
بل في الثاني القطع، به، وهي من مثله ممن يعمل (1) بالظنيات كالاجماع - اشتراط طهارة
محل التيمم كصريح الذكرى، وعن الدروس والبيان والصيمري وصاحب المعالم وتلميذه
اعتبارها في محال المسح، بل في الكفاية أنه المشهور بين المتأخرين.
ومنظومة الطباطبائي وشرح المفاتيح والجعفرية وعن إرشادها اعتبارها في الماسح
والممسوح، ولعله مراد السابقين أيضا وإن قصرت بعض عباراتهم عنه، كما لعله الظاهر
من الروض والروضة أيضا، بل في شرح المفاتيح نسبته إلى الفقهاء كما عن الشهيد الأول
في حاشيته على القواعد الاجماع على اشتراط طهارة أعضاء التيمم، ولعله الحجة أن تم،
لا ما في الذكرى من أن التراب ينجس بملاقاة النجس فلا يكون طيبا، والمساواة
لأعضاء الطهارة المائية، إذ الأول أخص من المدعى، بل غير ما سمعت من فرضنا

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " لم يعمل "
186

المسألة والثاني موقوف على الدليل، واحتمال إرادته بذلك عموم البدلية والمنزلة وجه
له، لأن البحث في طهارة الأعضاء لا التراب، إلا أن يراد أنه كما اعتبر في الطهارة
بالماء طهارة الأعضاء فكذا ما كان بمنزلته، وفيه منع واضح، بل قد يشهد إطلاق
المنزلة لخلافه.
ولذا مال في المدارك والحدائق إلى عدم الاشتراط، وكذا مجمع البرهان، وإليه
يرجع ما عن حواشي السيد عميد الدين إذا كانت النجاسة غير متعدية جاز التيمم وإن
كانت يداه نجستين، كالمحكي عن ابن فهد أنه اشترط أحد الأمرين الطهارة أو الجفاف
بحيث لا يتعدى، ولولا صريح الاجماع السابق المعتضد بظاهره، وبالقطع من المحقق
الذي هو بمنزلته، وبالأصل في وجه، وبمقتضى البدلية على الاحتمال السابق لكان القول
بعدم الاشتراط متجها حتى مع التعدي لغير التراب.
ولقد أجاد في كشف اللثام حيث قال بعد نقله الاشتراط عن الشهيد: " ولا
أعرف دليلا عليه إلا وجوب تأخير التيمم إلى الضيق، فيجب تقديم الإزالة كسائر
الأعضاء إن كانت النجاسة مما لا يعفى عنها لكنه حكى الاجماع في حاشية الكتاب " انتهى.
وأنت خبير أن ما استثناه خارج عما نحن فيه من الاشتراط للتيمم من حيث هو،
كما أومأ إليه بتشبيهه، على أنه لا يتم بناء على المختار من جوازه في السعة للموقتة أو مع
عدم الرجاء، وكذا لا يتم في التيمم لغيرها مما لا يعتبر فيه الضيق، ولولا أن الشهيد
في سند الاجماع السابق لأمكن منعه على مدعية، لما عرفت من خلو عبارات
الأصحاب عن ذلك، بل إطلاقها سيما مع تعرضهم لما يعتبر فيه قاض بخلافه، فتأمل جيدا.
ولا يعتبر العلوق مما ضرب عليه للمسح على أعضاء التيمم في المشهور بين
الأصحاب نقلا مستفيضا وتحصيلا، بل في جامع المقاصد الاجماع عليه، وفي آيات
الأحكام للفاضل الجواد الاجماع أيضا على عدم اعتباره لليدين، بل في ظاهر المنتهى
187

لا يجب استعمال التراب في الأعضاء الممسوحة، ذكره علماؤنا، ثم حكى الخلاف فيه عن
الشافعي ومحمد وظاهره الاجماع أيضا، ككنز العرفان حيث نسب القول بالعلوق إلى
الشافعية في مقابل الحنيفية وأصحابنا من جواز التيمم بالحجر الصلب موافقا لتفسير
الصعيد بوجه الأرض.
ومنه ينقدح كغيره من كلمات الأصحاب مثل المصنف في المعتبر والعلامة في
المنتهى وغيرهما أن كل من قال بجواز التيمم بالحجر ونحوه اختيارا لم يعتبر العلوق،
وهو كذلك، إذ منه الأملس الذي لا يعلق باليد منه شئ، فاحتمال القول أن تجويزهم
له بالحجر اختيارا أعم من عدم اعتبار العلوق، إذ قد يعتبرون فيه حينئذ شيئا من الغبار
وشبهه مما يعلق ضعيف.
وإذ قد عرفت أن المخالف في جوازه بالحجر نادر من الأصحاب - بل لا خلاف
فيه عند فقد التراب كما سمعت نقله من غير واحد هناك، وفقد التراب الصالح أعم من
عدم التمكن من العلوق، ولم يعرف من أحد منهم اعتبار وضع شئ من الغبار أو التراب
القليل على الصخر لتحصيل العلوق، مع ظهور التمكن من ذلك، لجعلهم الغبار في لبد
السرج وعرف الدابة مرتبة ثالثة بعد فقد الحجر - اتجه حينئذ دعوى ظهور الاتفاق
حتى ممن فسر الصعيد بالتراب على عدم اعتبار العلوق للمسح، فما في الكفاية - من
الاكتفاء فيما يتيمم به بمطلق وجه الأرض لكن لا يبعد أن يعتبر وجود غبار ونحوه
على الحجر حتى يعلق باليد - كأنه خرق للاجماع المركب إن لم يكن البسيط لما عرفت، مع
أنه قد يؤيده زيادة على ذلك عدم ذكره فيما يعتبر في التيمم، من أحد منهم مع أنهم
بصدد بيان ذلك، بل لعل إطلاق كلامهم يقضي بعدم اعتباره، سيما بعد ذكرهم لاستحباب
النفض حتى حكى الاجماع عليه غير واحد، كما أنه دل عليه كثير من الأخبار (1)

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم الحديث 3 و 6 و 7
188

على ما ستعرف، بل عن المقاصد العلية أنه ربما قيل بوجوبه، بل عن المبسوط وغيره
استحباب مسح إحدى يديه بالأخرى بعد النفض، وفي الروضة ينفخ ما عليهما من أثر
الصعيد أو يمسحهما ونحو ذلك مما يفيد إرادتهم بالنفض ما يشمل ما لا يبقى معه شئ
من التراب، على أنه من أفراد النفض قطعا، فيندرج في المستحب حينئذ.
ومن هنا جعل في المختلف وغيره القول باعتبار العلوق المحكي عن ابن الجنيد مقابلا
للقول باستحباب النفض وأي عاقل يجوز على الأئمة (ع) والفقهاء اعتبار العلوق وأنه يفسد
التيمم بدونه مع إطلاقهم استحباب النفض والتيمم بالحجر ونحوه مما هو مظنة عدم حصوله
من دون نص من أحد منهم أو أمر بالمحافظة عليه، وما ذاك إلا إغراء للمكلفين بالجهل،
ينزهون عنه، فلذا أمكن للمتأمل في كلمات الأصحاب تحصيل الاجماع منهم على عدم
اعتبار العلوق، سيما بعد ما عرفت من دعواه، وبعد عدم نقل الخلاف فيه من أحد من
الأصحاب في الكتب المعدة لذلك، بل نسب إليهم جميعا إلا من ابن الجنيد وبعض العامة،
ويشهد له التتبع، فما في المفاتيح من نسبته إلى السيد وجماعة وهم قطعا، وظني أنه توهمه
من مذهبه في الصعيد أنه التراب، فتخيل التلازم، وهو واضح الفساد كما يعرف مما تقدم
على أنه لا تلازم.
وكيف كان فالحجة عليه حينئذ - بعد الأصل، وما تقدم في تفسير الصعيد
خصوصا ما عرفته من جواز التيمم بالحجر اختيارا عند الأصحاب الشامل باطلاقه إن
لم يكن صريحا للمجرد عن العلوق - إطلاق الأدلة كتابا (1) وسنة (2) وصريح الاجماع المحكي في جامع المقاصد المعتضد بظاهر، القرب من الصريح في المنتهى وكنز العرفان
وغيرهما، بل وبصريح أيضا من الفاضل الجواد في اليدين، مع إمكان تتميمه بعدم القول

(1) سورة السناء - الآية 46 وسورة المائدة - الآية 9
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم
189

بالفصل، وبالشهرة المحكية والمحصلة، بل الاجماع على الظاهر كما عرفت، وما دل
على النفض من الاجماع والنصوص (1).
والمناقشة في الأخير - بعدم منافاته لاعتبار العلوق لظهور كون المراد به إزالة
ما يتشوه به الوجه، وإلا فالأجزاء الصغار باقية قطعا، وهو كاف، ولذا ترى الاتفاق
على استحباب النفض حتى ممن قال: باعتبار العلوق، بل في شرح المفاتيح للأستاذ
الأعظم ما ملخصه أن إطلاق الحكم باستحباب النفض من دون تقييد لذلك بما إذا اتفق
العلوق باليدين قاض باعتباره إذ لا نفض بدونه، وقد عرفت عدم إذهاب النفض أثره
بالمرة، فمنه حينئذ يظهر الاتفاق على اعتبار العلوق، إذ لولاه لما صح إطلاقهم استحباب
النفض كالأخبار الدالة عليه أيضا، كما يظهر من ذلك حينئذ ما في نسبة القول بعدم
الاعتبار إلى الشهرة - في غاية الضعف لما عرفت من شمول النفض في النص والفتوى
لما لا يبقى معه أثر بالمرة، إما لقلة ما علق باليد، أو للمبالغة في النفض.
ومن أنه لم يقل أحد باعتبار العلوق إلا ابن الجنيد وقد نقلوا عنه الخلاف في
استحباب النفض، فدعوى الاتفاق على استحبابه حتى ممن اعتبر العلوق، فلا ينافي
اعتباره حينئذ في حيز المنع، بل ظاهر المنقول عن ابن الجنيد يعطي وجوب بقاء ما يعلق
في الكف من التراب ليمسح به، فلا يكتفى بمثل هذه الأجزاء التي يشك في تسميتها
ترابا، أو بقاء تراب في الكف.
وأيضا كيف يتصور منه القول باستحباب النفض وإزالة تلك الأجزاء مع أن
المسح بها قبله من أفراد الواجب عنده قطعا، ولو سلم فالأجزاء الصغار الباقية بعد النفض
لا يبقى منها شئ لليدين بعد مسح الجبهة غالبا.
وما في المفاتيح - من الاكتفاء بالعلوق الابتدائي وإن لم يبق لليدين، أو أنه

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 3 و 6 و 7
190

يجدد الضرب لأجل تحصيل العلوق وإن كان الواجب عليه ضربة واحدة - خلاف
المنقول من ابن الجنيد، من غرابة الوجه الثاني كغرابة ما في الشرح المتقدم، إذ من
المعلوم من امتثال هذه الأوامر أي أوامر النفض إرادة التقييد بما لو علق فيها شئ سيما
مع غلبة الضرب على ما يحصل منه العلوق، وعليه ينزل إطلاق الأخبار، خصوصا
ما كان منها حكاية أفعال، على أن الأمر بالنفض لم يسق للدلالة على اعتبار العلوق،
وإلا فمن أفراد التيمم ما لا يحصل معه علوق عند الأكثر كما صرحوا به في الحجر
الأملس ونحوه، بل والجميع في حال فقد التراب، وقد عرفت أنه أعم من عدم التمكن
من العلوق، بل الظاهر التمكن من حيث جعل الغبار مرتبة ثالثة، على أنه لا دليل على
سقوط وجوب العلوق عند الاضطرار، بل المتجه حينئذ سقوط التيمم وكونه فاقد
الطهورين، إلى غير ذلك مما في هذه المناقشة، مما يطول التعرض له، وقد وقع هنا للمفاتيح
وشرحه للأستاذ الأعظم من الغرائب ما يقضي منه العجب، فلاحظ وتأمل.
كل ذا مع ضعف ما يصلح التأييد به لمذهب الخصم، إذ أقصاه ظهور التبعيض
من قوله تعالى: (1) " فامسحوا بوجوهكم وأيدكم منه " حتى قال في الكشاف: " إنه
لا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسحت برأسي من الدهن ومن الماء ومن
التراب، إلا معنى التبعيض " مع ما في صحيح زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام)
قال: " قلت له: ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس والرجلين
- وذكر الحديث إلى أن قال -: قال أبو جعفر (عليه السلام): ثم فصل بين الكلام،
فقال: " وامسحوا برؤوسكم " فعرفنا حين قال: " برؤوسكم " أن المسح ببعض الرأس
لمكان الباء - إلى أن قال: " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم "

(1) سورة المائدة - الآية 9
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب التيمم - الحديث 1
191

فلما أن وضع الوضوء عمن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا، لأنه قال: " بوجوهكم "
ثم وصل بها " أيديكم منه " أي من ذلك التيمم، لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على
الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها " الحديث.
ومنه يظهر حينئذ الاستدلال بالأمر بالمسح من الأرض في صحيحتي الحلبي (1)
وابن سنان (2) لإرادة التبعيض منه، وما دل (3) على طهورية التراب، لظهوره في كونه
هو المطهر، سيما مع ملاحظة المنزلة والبدلية، فلا بد من مباشرته للمطهر لا باطن الكف
بسبب مباشرة التراب، لوضوح قصور الجميع عما ذكرنا، سيما بعد إمكان منع ظهور
التبعيض، ولذا تركت في الآية الأخرى، سيما بعد تفسير الصعيد بما قد لا يحصل منه
علوق، إذ لو سلم ظهور التبعيض فيها فإنما هو فيما لو كان مجرورها قابلا لذلك لا مطلقا،
واحتمال جعل ظهور التبعيض منها قرينة على إرادة التراب بالصعيد ولو مجازا ليس بأولى
من العكس، خصوصا بعد منع الظهور في نفسه وتوقفه على قابلية المجرور لذلك، بل قد
يدعى تبادر إرادة المسح بما باشره وإن لم يعلق شئ من مثل هذا التركيب كما يستعمل
الآن فيما يراد التبرك به من ثياب العلماء وضرائح الأئمة (ع) ونحوهما، أو إرادة المسح
من مباشرة الصعيد، كما يقال: أمسح يدي من هذا الشئ، وهو وإن كان مجازا حيث
لم يكن فيما يراد مسحه بشئ، لكنه لا بأس به من حيث غلبة حصول العلوق، فأطلق
المسح منه لذلك.
فظهر حينئذ من ذلك كله وجه ما ذكره غير واحد من الأصحاب من احتمال
" من " الابتدائية أي ابتداء المسح من الصعيد، أو الضرب عليه، سيما مع كونه المعنى

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 13 والباب 23 - الحديث 1
والمستدرك - الباب 5 من أبواب التيمم - الحديث 3
192

الحقيقي لها، بل قيل: والسببية أيضا برجوع الضمير حينئذ إلى الحدث، أو عدم الوجدان،
والبدلية برجوعه إلى الماء، لكنهما ضعيفان، ومع تسليم إرادة التبعيض منها هنا فقد
يناقش في الدلالة على الوجوب أيضا من حيث خروجه مخرج الغالب في حصول العلوق
من المضروب عليه، فيراد حينئذ بالمسح منه حيث يعلق، بل قال الأردبيلي في آيات
أحكامه: " إنه يحتمل كون المراد على تقدير التبعيض بأن تضعوا أيديكم على بعض الصعيد
ثم تمسحوا الوجه واليدين " هذا كله مع الغض عما ذكرنا من الاجماع وغيره، وإلا
فبملاحظته يتعين إرادة بعض مما سمعت أو يجب الخروج حينئذ بغيرها من الأدلة.
ومما ذكرنا يعرف ما في الصحيح المتقدم، على أنه أرجع الضمير فيه إلى التيمم،
وحمله على إرادة المتيمم به مجاز لا حاجة إليه، والمراد بالمسح من التيمم حينئذ المسح من
تلك المباشرة للصعيد، وتجرد اليد عن العلوق لا ينافي صدق اسم المسح منه باعتبار أغلب
أفراده، وحمل التعليل فيه لإرادة التبعيض - مع أنه يحتمل جريانه في ذلك مجرى
الغالب أو بيان حكمة لا يجب اطرادها وغيرهما - ليس بأولى من أن يراد به لما ذكره
من رجوع الضمير إلى التيمم، بل هو أولى لقربه منه.
فيكون الحاصل أن المراد من ذلك التيمم لا الصعيد، لأنه قد علم أن ذلك أجمع
لم يجر على الوجه، لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها، فلو
كان المراد به الصعيد لوجب إجراؤه على الممسوح من الوجه واليدين، مع أنه لا يعلق
إلا ببعض الكف، ومن هنا جعل في الذكرى هذا الصحيح مما فيه إشارة إلى عدم
اعتبار العلوق، وبعد التسليم فهو لا يوافق مختار الخصم من كون المراد بالعلوق الذي
يعتبر المسح به إنما هو الأجزاء الباقية من بعد النفض، ولذا حكم بعدم التنافي بين ما دل
على النفض واعتبار العلوق، لظهور الصحيح بناء على ذلك في وجوب المسح بالعلوق
الكائن بعد الضرب من غير نفض، وقد عرفت أنه لا يقول به، فلا بد حينئذ من
193

صرفه عن ظاهره إلى بعض ما تقدم في الآية، أو إلى ما سمعته الآن إن لم يحمل على
التقية، لكون ذلك مذهب الشافعية، كما أنه مما تقدم أيضا يعرف ما في الاستدلال
بالصحيحين الآخرين، وإما البدلية فلا دلالة فيها على ذلك، سيما بعد بيان الكيفية في
الكتاب والسنة، ورد تمرغ عمار عليه، على أن قضيتها جريان الأجزاء الترابية على
سائر أجزاء الجبهة وظاهر اليدين، وهو خلاف ما عليه المستدل.
ومنه يعرف أنه لا استبعاد على لطف الشارع في حصول الطهارة لنا بالضرب
على الصعيد والمسح من غير علوق، وذلك كاف في إسناد الطهورية للتراب. فظهر حينئذ
بحمد الله وفضله سقوط القول باعتبار العلوق وإن ركن إليه جملة من متأخري المتأخرين
كالكاشاني في مفاتيحه والأستاذ الأعظم في شرحها والفاضل البحراني في حدائقه حاكيا
له فيها عن البهائي ووالده والشيخ سليمان البحراني، ومال إليه في الكفاية، لكن ظاهر
الجميع بل صريحهم الاكتفاء بالمتخلف بعد النفض، ولعله لا يوافق ظاهر المحكي عن
ابن الجنيد، فيكون خرقا للاجماع المركب، فتأمل جيدا.
و (ثانيها) مسح الوجه بالكفين معا لا بواحدة كما هو ظاهر المصنف وغيره،
بل هو المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل لعله مجمع عليه، للأصل والتيممات
البيانية (1) قولا وفعلا، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد، فاجتزأ بالمسح باليمنى، وعن
نهاية الإحكام والتذكرة احتمال الاجتزاء بواحدة، كما عن الأردبيلي استظهاره، ولعله
للأصل في وجه، وإطلاق الآية والصحيحين (2) " فوضع يده " والمساواة للوضوء،
وفيه - مع إمكان منع الأول، وعدم الدلالة في شئ من ذلك لتعيين ابن الجنيد اليمنى،
بل قضية الاكتفاء بكل منهما - أن الأولين غير صالحين للمعارضة، والصحيحين

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب التيمم الحديث 2 و 3
194

ظاهران في إرادة الجنسية، أو في بيان مطلق الكيفية، سيما مع ملاحظة غيرهما مما اشتمل
على هذه القضية، والمساواة ممنوعة، لمنع ما يقتضيها، خصوصا لو كان القياس مع وجود
ما يقتضي العدم.
لكن هل يجب المسح بهما دفعة أو يجزئ التعاقب؟ وجهان، إلا أن المنساق
إلى الذهن من النص والفتوى خصوصا ممن عبر بالمعية الأول، فذاك مع ضميمة
الاحتياط اللازم المراعاة قد يعينه، ولا إشكال في وجوب استيعاب الممسوح نصا وفتوى.
نعم هل يجب استيعاب الممسوح بكل منهما كما عساه يظهر من بعض العبارات
كالمدارك وغيرها، وإن لم تكن مساقة له، أو يكفي استيعابه بهما ولو موزعا كما صرح به في
الحدائق وجامع المقاصد والروض؟ الأحوط الأول، والأقوى الثاني لصدق الامتثال،
ولقول الصادق (عليه السلام) (1) في قصة عمار: " ثم مسح جبينه بأصابعه ".
والمراد بالوجه هنا بعضه في الوضوء، لدخول الباء في متعلق المسح في الآية،
وهو متعد، مع نص أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (2) السابق على إرادة
التبعيض منها، على أنه قد يتم ذلك وإن كانت للالصاق، سيما إذا منع ظهور مسح
الوجه أو الوجوه في الاستيعاب واجتزئ بالمسمى، ولأخبار الجبهة والجبين (3) بل
عن الحسن دعوى تواتر الأخبار (4) بأنه (صلى الله عليه وآله) حين علم عمارا مسح
بهما جبهته وكفيه، والاجماع المحكي في الغنية والانتصار وعن الناصريات، بل عن الصدوق
في الأمالي نسبته إلى دين الإمامية وأنه مضى عليه المشائخ، قلت: بل هو محصل.
* (و) * لا يقدح فيه ما * (قيل) * منسوبا إلى علي بن بابويه في رسالته * (ب‍) * وجوب

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 8 وهو قول الباقر (ع)
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم
(4) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم
195

* (استيعاب مسح الوجه) * لمعلومية نسبه، وسبقه الاجماع ولحقه، على أن الظاهر عدم
خلافه وإن أطلق لفظ الوجه ككثير من أخبار التيمم البياني قولا وفعلا تبلغ عشرة،
وفيها الصحيح وغيره، كما هي عادة القدماء في الفتوى بمتن الخبر، خصوصا هو في رسالته،
وبها استند له، لكن معروفية الوجه في باب التيمم ببعضه، بل وفي غيره كباب السجود
أيضا، وملاحظة غيرها من الأخبار المشتملة على الجبهة والجبين، سيما مع اتحاد بعضها
معها في الراوي والمروي عنه، وقصة البيان لعمار ونصوصيتها، وإطلاق الأولى، وما
سمعت سابقا يدل على التبعيض، وغير ذلك من القرائن الكثيرة مما يورث الفقيه
قطعا بإرادة البعض من الوجه في عبارة الرسالة والأخبار سيما مع عدم نقل ولده عنه
ذلك، بل نص في الفقيه والهداية وعن المقنع على البعضية، مضافا إلى ما سمعته عنه في
الأمالي ووالده رئيس الإمامية، خصوصا في معتقده كما يعرف ذلك من تتبع فقيهه.
فما في المعتبر - أن الجواب الحق العمل بالخبرين، فيكون مخيرا بين مسح الوجه
أو بعضه، لكن لا يقتصر على أقل من الجبهة، وقد أومأ إليه ابن أبي عقيل - ضعيف
جدا إن أراد وجوب كل من الفردين على التخيير، وأنه ليس من التخيير بين الأقل
والأكثر، لاختلاف الهيئة وعدم لزوم سبق مسح تمام الجبهة على غيرها من الوجه،
كالجمع بحمل الزائد على الندب وإن تسومح فيه، فتأمل.
إنما البحث في تعيين ذلك البعض، فمنه الجبهة من القصاص أي الطرف الأعلى
من الأنف إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا بل متواترا، كدعوى الحسن تواتر الأخبار
بأنه (صلى الله عليه وآله) حين علم عمارا مسح بهما جبهته وكفيه، وإن كنا لم نعثر إلا
على موثق زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " سأله عن التيمم فضرب بيديه
الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح جبهته " مع أن المنقول عن الكافي مع أضبطيته بل

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 3
196

والتهذيب في روايته عنه أيضا " جبينه " نعم في أكثرها التعبير بالوجه، وفي حسن
ابن أبي المقدام (1) عن الصادق (عليه السلام) " ثم مسح جبينه " كصحيح زرارة (2)
عن الباقر (عليه السلام) المرويين في الفقيه ومستطرفات السرائر عن النبي (صلى الله
عليه وآله) في تعليم عمار، لكن بتثنية الجبين في الثانية، كإحدى نسختي الفقيه في الأولى
لكنك قد عرفت القطع بإرادة البعض من أخبار الوجه، فوجب أن يكون
هنا إما الجبهة للموثق الأول، أو الجبين للحسن والصحيحين، بل والموثق الأول على
ما عن الكافي أيضا، وإحدى روايتي الشيخ عنه أو هما معا للجميع، إلا أن الاجماع
محصله ومنقوله على وجوب مسح الجبهة ينفي احتمال الثاني، أي الاقتصار على الجبين،
وإن كان ربما يظهر من اقتصار الهداية عليه بل والفقيه لكن مع زيادة الحاجبين، ولعله
لا يريده فيهما كالأخبار المشتملة على الجبين، ولذا لم يحك عنه خلافا في ذلك.
فانحصر الجمع بين الأخبار حينئذ في الاحتمالين، وأقواهما الثاني، لعدم التعارض
بينها، وتعدد ما دل على الجبين، وقوة دلالته خصوصا ما اشتمل منها على التثنية،
واحتمال كون المراد بالجبهة ما يشملها، بل لعله حقيقة عرفية خصوصا هنا، وعدم المخرج
هنا عن احتمال أصالة المساواة للوضوء مع قربه لوجه الوضوء، ولما دل على المسح
بالكفين من الأخبار وغيرها، خصوصا مع اعتبار الدفعة كما صرح به بعضهم، ضرورة
عدم سعة الجبهة المجردة عن الجبينين لذلك، وتوقيفية العبادة، وغير ذلك، فيجب
حينئذ مسح الجبهة والجبينين وفاقا للهداية والفقيه وجامع المقاصد ومجمع البرهان والمدارك
وشرح المفاتيح للأستاذ ومنظومة الطباطبائي والمحكي عن المقنع والكاتب وظاهر العماني
وصريح فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد وشرح الجعفرية وحاشية الميسي والمسالك
ورسالة صاحب المعالم، وفي الروضة أن فيه قوة، والروض لا بأس به، ومجمع البرهان

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم الحديث 6 - 9
(2) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم الحديث 6 - 9
197

أنه المشهور، بل في حاشية المدارك عن الأمالي نسبته إلى دين الإمامية تارة، وأنه مضى
عليه مشائخنا أخرى، وفي شرح المفاتيح لعله لا نزاع فيه بين الفقهاء، وفي كشف اللثام
أنه يمكن دخوله في مراد الأكثر.
قلت: وهو كذلك، لأن السيدين والشيخين والحلبي وبني إدريس وحمزة
وسعيد وعن غيرهم لم يذكروا لفظ الجبهة، بل أوجبوا مسح الوجه من القصاص إلى طرف
الأنف، بل هو معقد إجماع الأولين، اللهم إلا أن يستفاد من الغاية ذلك، وفيه منع،
بل قد يعطي التدبر والتأمل الجيد في عبارة المعتبر والتذكرة والمختلف والمنتهى والذكرى
وغيرها عدم الخلاف في ذلك بين الأصحاب، وأن المراد من الجبهة عندهم ما يشمل
الجبين على تفاوتها مترتبة في شدة الظهور بذلك، لاقتصارهم على ذكر الخلاف في استيعاب
الوجه وعدمه، واستدلال بعضهم بأخبار الجبين على الجبهة وعدهم أبا جعفر بن بابويه
وابن الجنيد من القائلين بمسح الجبهة، وقد عرفت نص هؤلاء على الجبين، بل وابن
أبي عقيل أيضا، فإنه قد حكى عنه في المختلف بعد دعوى التواتر السابق في الجبهة ما يشعر
بإرادة الجبين منه، حيث أسنده إلى فعل النبي (صلى الله عليه وآله) فهذا مع ما سبق
منهم فضلا عن توجه أحد منهم إلى علاج تعارض ما دل على الجبهة والجبين كالصريح
فيما قلنا، سيما مع نص الشهيد في الذكرى على خلاف الصدوق في الحاجبين وتركه في
الجبينين، إلى غير ذلك.
نعم قد يومي إلى خلاف أبي جعفر عبارة المعتبر في الجملة، مع احتمالها قويا إرادته
بالنسبة للحاجبين، فلاحظ وتأمل جيدا.
ومن ذلك ظهر لك سقوط ما في الحدائق، وتبعه الفاضل المعاصر في الرياض
من اختيار الجمع الأول أي حمل أخبار الجبين على الجبهة مجازا للمجاورة، مؤيدا له
بورود لفظ الجبين مفردا، وبأنه بدون ذلك يخلو ما عليه الأصحاب من التخصيص
198

بالجبهة عن المستند، أو يكون نادرا، وباطلاقه على الجبهة في باب السجود في حسنة
عبد الله بن المغيرة (1) وموثقة عمار (2) " لا صلاة لمن لا يصيب أنفه ما يصيب جبينه " كاطلاق
لفظ الوجه عليها فيه أيضا في صحيح أبي بصير (3) " إني أحب أن أضع وجهي موضع
قدمي " وحسين بن حماد (4) " جر وجهك على الأرض من غير أن ترفعه " الحديث.
وبالرضوي (5) " وتمسح بها وجهك موضع السجود " إلى آخره.
إذ الذي ألجأهما إلى ذلك - مع أنه لا يتأتى فيما اشتمل على التثنية منها، ولا يجامع
ما دل على المسح بالكفين، وفيه ترجيح المتحد على المتعدد، بل الأضعف من وجوه
على الأقوى، بل لعله لا تعارض بينها مع ما في الرضوي (6) أيضا " إني أروي إذا
أردت التيمم اضرب - إلى أن قال - تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك "
وما يرسله حجة عندنا مع الانجبار دون ما يذكره، إلى غير ذلك - ظنهما اتفاق الأصحاب
على الجبهة في الوجوب دون الجبينين، وهما المكتنفان بها من جانبيها مرتفعا عن الحاجبين،
وقد عرفت ما فيه، وكأن الذي غرهما في ذلك التعبير بالجبهة من أكثر المتأخرين، مع
جعل جماعة منهم كالمحقق الثاني وغيره القول بالحاق الجبينين مخالفا له وإن اختاروه،
لكنك قد سمعت التحقيق.
نعم لم نعثر على ما يدل على ما ذكره في الفقيه من الحاجبين وإن نفى البأس عنه
في الذكرى، بل اختاره في جامع المقاصد ناقلا عن الصدوق أن به رواية مع أنا لم نجد
ذلك منه في الفقيه والهداية ولا حكي عن المقنع أو الأمالي، نعم في ذيل الرضوي (7)

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 7 - 4 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب السجود - الحديث 7 - 4 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب السجود - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 8 - من أبواب السجود - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(5) المستدرك - الباب 9 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(6) المستدرك - الباب 9 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(7) المستدرك - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 1
199

" روي أنه يمسح على جبينه وحاجبيه " فلعل ذلك منه شهادة على كون فقه الرضا من
كتب الصدوق، وعلى كل حال فثبوت وجوب ما زاد من الحاجبين على المقدمة بذلك
ونحوه نظر بل منع للأصل، وعدم ذكره في شئ من أخبار التيمم البياني وغير ذلك،
وإن كان أحوط، خصوصا مع ملاحظة ما عساه يظهر من المنتهى من كون مسحهما من
المسلمات، حيث قال بعد أن فرغ من البحث عن مسح الوجه: " فروع، ثالثها لا يجب
مسح ما تحت شعر الحاجبين، بل ظاهره كالماء لما بيناه " وما في شرح المفاتيح بعد أن
حكى عن الأمالي أنه قال: مضى على مسح الجبين وظهر الكفين مشائخنا قال: وأظنه
قال: والحاجبين، لكنه سقط من نسختي، إلا أنه قد يريد الأول ما كان منه من
باب المقدمة، أو ما يلي طرف الأنف، ولم يثبت ما ظنه الثاني، بل ولو ثبت لكان
متبينا خلافه بالنسبة إلى ذلك.
والمراد بطرف الأنف في كلام الأصحاب الأعلى، وهو ما يلي الجبهة كما صرح
به بنو حمزة وإدريس وسعيد والعلامة والشهيدان وغيرهم، لا الأسفل، بل في السرائر
وغيرها الازراء على من ظن ذلك من المتفقهة، وهو كذلك، لعدم اندراجه في شئ
مما في الأخبار من الجبهة والجبين بعد تنزيل أخبار الوجه عليهما كما عرفت، لكن في
المحكي عن الأمالي في معقد المنسوب إلى دين الإمامية " يمسح من قصاص شعر الرأس
إلى طرف الأنف الأعلى، وإلى الأسفل أولى " إلى آخره وكذا الجعفرية، وعن
حاشية الإرشاد ولم نقف على ما يشهد له، كالمحكي عن بعض في المنتهى أنه المارن إلا
إطلاق لفظ الطرف في معقد إجماع السيدين وكلام بعضهم، وأنه يسجد عليه كالجبهة
للارغام، لكن يظهر من الجامع هنا أن الذي يرغم به في السجود الطرف الأعلى.
ثم إنه قد يظهر من المتن كما صرح به جماعة وجوب الابتداء في المسح من الأعلى
200

على حسب الغسل في الوضوء، بل في الكفاية والحدائق أنه المشهور، وشرح المفاتيح نسبته إلى ظاهر الأصحاب، كالمنتهى إلى ظاهر عبارة المشائخ، وهو كذلك، بل لعله
ظاهر المحكي عن الأمالي منسوبا إلى دين الإمامية وإن احتمل فيها كالمتن وبعض العبارات
أو جميعها التحديد للممسوح للمنزلة والبدلية المشعرة بالمساواة في الكيفية، سيما بعد
قوله (عليه السلام) (1): " التيمم نصف الوضوء " وللمنساق إلى الذهن من التيممات
البيانية للسائل عن الكيفية، بل لا يخطر بالبال غيره قبل التنبيه، سيما مع ملاحظة كيفية
الوضوء، فلا يقدح عدم النصوصية في شئ منها على الابتداء بالأعلى حتى يتأسى به،
على أنه لو وقع في البيان لذلك السائل ابتداء بغير الأعلى لنقله، لظهور سؤاله بإرادة
الاقتداء بخصوص ما وقع من ذلك الفعل المشخص، وأنه لم يكتف باطلاق المسح الواقع
في الكتاب والسنة، ولا أنكر عليهم في السؤال له، فيعلم منه عدم كفايته أو يشك،
وللاحتياط اللازم المراعاة هنا سيما بعد ما عرفت من فتوى الأصحاب نصا وظاهرا،
والرضوي (2) " تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف "
وإن احتمل التحديد للممسوح أيضا، فما عن مجمع البرهان من القول بعدم الوجوب كما
عساه يظهر من المدارك للاطلاق لا يخلو من نظر.
ثم إنه مر في الوضوء في كيفية الابتداء بالأعلى ما يغني عن الإعادة، لظهور
اتحادهما في ذلك بناء على القول به، كاتحادهما أيضا في حكم الجبيرة بلا خلاف أعرفه فيه،
كما أنه قد مر في الضرب باليدين، ويأتي في المسح عليهما ما يغني تأمله عن كثير مما ذكر
هنا، كالمسح بالكفين في حالتي الاختيار والاضطرار، وكالنجاسة على الجبهة أو على
الماسح متعدية أو لا، ونحو ذلك، فلاحظ وتأمل جيدا.

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب التيمم - الحديث 1
201

* (و) * (ثالثها) مسح كل من اليدين في الجملة ضرورة من المذهب إن لم يكن من
الدين، والكفين ومن الزندين إلى رؤوس الأصابع على المعروف بين الأصحاب،
بل في ظاهر الانتصار أو صريحه كصريح الغنية وعن الناصريات الاجماع عليه، كما في
المحكي عن الأمالي بعد نسبته للرواية (1) أنه مضى عليه مشائخنا، بل عنه أيضا أنه من
دين الإمامية للتيمم البياني قولا وفعلا في المعتبرة المستفيضة جدا إن لم تكن متواترة،
بل في صحيح زرارة (2) منها عن الباقر (عليه السلام) " ثم مسح وجه وكفيه ولم يمسح
الذراعين بشئ " وهو نص في خلاف ما حكاه المصنف وغيره منسوبا إلى علي بن بابويه
من وجوب مسح * (الذراعين) * أيضا حتى قال من جهته: * (والأول أظهر) * وكان اللائق
به القطع بفساده لما عرفت، وللباء في الآية الشريفة المفسرة بالصحيح (3) السابق،
ولعدم قدح خلافه بعد معروفية نسبه في تحصيل الاجماع هنا، سيما مع عدم تحققه أيضا بقرينة
ما سمعته من ولده في الأمالي هنا وفي الوجه، ونصه في الهداية والفقيه وعن المقنع بخلافه
من غير تردد، مع عظم منزلة والده خصوصا عنده.
كما أن اللائق القطع برد ما يشهد له، أو حمله على التقية، مما في خبر ليث
المرادي (4) عن الصادق (عليه السلام) في التيمم " وتمسح بهما وجهك وذراعيك "
ومضمر سماعة (5) في الموثق " فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين " جواب سؤاله
عن كيفية التيمم، وصحيح ابن مسلم (6) عن الصادق (عليه السلام) عن التيمم " ثم
ضرب بشماله الأرض، فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع، واحدة على ظهرها،
وواحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض، ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه " الحديث.

(1) المستدرك - الباب 9 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب 13 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 5
(5) الوسائل - الباب 13 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3
(6) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 5
202

عملا بما ورد (1) منهم (عليهم السلام) من العرض على كتاب الله والتمسك بما وافقه،
وعلى مذهب العامة والأخذ بما خالفه، واحتمال المرفق في الصحيح الزند، واشتماله على
تثليث الضربات، والطعن في سند الأول والثاني بالاضمار وغيره، واحتمالهما إرادة
بيان الحكم لا الفعل كما عن الشيخ أي كأنه غسل ذراعيه في الوضوء.
فلا وجه بعد ذلك وما تقدم للجمع بينها وبين ما دل على الأول بالتخيير وإن
أمكن أن لا يكون مما بين الأقل والأكثر، بل لعله خرق الاجماع المركب والبسيط،
وما في المعتبر " أن الحق عندي أن مسح ظاهر الكفين لازم، ولو مسح الذراعين جاز،
عملا بالأخبار كلها لأنه أخذ بالمتيقن " لا يريده، بل مراده الاحتياط كما يشعر به تعليله،
وهو غير التخيير، ولا بأس به في حقه، لعدم قطعه، أو الاستحباب كما عن المنتهى
والمدارك احتماله، بل عن كشف الرموز الحكم به حاكيا له عن الحسن بن عيسى، وإن كان
لا يقدح فيه ظهور الخبر في التقية، للتسامح الذي قد يكتفى من جهته بالاحتمال على بعض
الوجوه، وعليه بني استحباب الوضوء من بعض أسباب العامة، لكن إعراض
الأصحاب عن ذلك هنا يمنع الحكم به.
وما في الحدائق - أن أصحابنا جمعوا بين هذه الأخبار بالتخيير أو الاستحباب،
ثم أخذ بذكر التعجب منهم وما لا يليق به منه إليهم من غير مقتض - لم أتحققه من أحد
منهم، ولو ثبت ما حكاه لكان الحري بالاتباع، إذ بفتاواهم تعرف أسرار الأخبار،
وينكشف عنها الغبار، كما أني لم أتحقق ما حكاه في السرائر عن قوم من أصحابنا أن
المسح على الكفين من أصول الأصابع إلى أطرافها، ونسبه في كشف اللثام إلى القيل،
وهو محجوج بجميع ما تقدم من الأخبار ومحكي الاجماع، بل لعله كسابقه لا يقدح
في المحصل منه، وإن جهل نسبه عندنا، لكنه مع عدم اعتبار ذلك في الاجماع عندنا

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب صفات القاضي وما يقضى به من كتاب القضاء
203

معروف عند ناقله على الظاهر وأنه غير الإمام، ولذا لم يكترث به.
مع أنه قد يشهد له مرسل حماد بن عيسى (1) " أن الصادق (عليه السلام) سئل
عن التيمم فتلا هذه الآية " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " (2) وقال: " فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " (3) قال: فامسح على كفيك من حيث موضع القطع،
وقال: " وما كان ربك نسيا " (4) " مع إمكان حمل روايات الكف عليه.
لكنه مع قصوره عن معارضته ما تقدم بالارسال وغيره إنما يتم لو كان " حيث "
مضافا إلى لفظ " موضع القطع " والفصيح إضافته إلى الجملة، والمعنى من حيث الكف
موضع القطع، فكأنه (عليه السلام) استدل على أن المسح على الكفين بأن اليد مع
الاطلاق يتبادر منها الكف، وإذا أريد الزائد عليها نص عليه بدليل آيتي السرقة
والوضوء، مع احتماله أيضا الالزام للعامة، وتعليم الاستدلال عليهم، فيراد حينئذ موضع
القطع عندهم، أو غير ذلك، فلا يعارض ما سمعت.
كما أنه لا يعارضه السؤال عن كيفية التيمم في الصحيحين عن الصادق (عليه السلام)
بعد أن حكى قصة عمار وقبله " فمسح وجه ويديه فوق الكف قليلا " وإن ظهر من
الفقيه الفتوى بهما في بدل الجنابة خاصة، ولعله لاشتمالهما على قصة عمار، بل مطلقا عن
المقنع لاطلاق السؤال فيهما عن كيفية التيمم، لوضوح قصورهما أيضا عن معارضة ما تقدم،
واحتمالهما ككلام الصدوق المسح فوقها من باب المقدمة، فلا خلاف منه حينئذ، وأن
السائل رآه يمسح فوقها وإن لم يكن مسح إلا عليها، وأن يكون " قليلا " صفة مصدر
محذوف، أي مسحا قليلا أي غير مبالغ في إيصال الغبار إلى جميعها، وفوق الكف

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب التيمم - الحديث 2
(2) سورة المائدة - الآية 42 - 8
(3) سورة المائدة - الآية 42 - 8
(4) سورة مريم - الآية 65
204

حينئذ بمعنى على ظهرها، فيكون شاهدا حينئذ على ما ذكره المصنف وغيره من أن محل
المسح ظهر الكفين لا المجموع، بل في المدارك والحدائق أن ظاهرهم الاجماع عليه،
وفي الانتصار نسبته إلى الإمامية، كما عن كشف الرموز إلى عمل الأصحاب، بل هو
بعض معقد المحكي عن الأمالي من النسبة إلى من مضى من مشائخنا.
ويدل عليه مع ذلك ما في صحيح زرارة (1) المروي في مستطرفات السرائر
" ثم مسح بكفيه كل واحدة على ظهر الأخرى " كحسن الكاهلي (2) ولا ينافيها إطلاق
الكف في غيرها، لوجوب تنزيلها عليه بعد ما عرفت، سيما وفي بعضها (3) " على كفيه ".
نعم يجب الاستيعاب كالجبهة من غير خلاف يعرف فيها، بل في المنتهى نسبته
إلى علمائنا، لتبادره من النصوص والفتاوى وإن كان ربما يتأمل في ترك بعض ما لا يخرجه
عن مسمى مسحه عرفا، سيما بعد ظهور التيممات البيانية في عدم التدقيق بذلك، والاجتزاء
بالمسح مرة واحدة، ولعله لذا اكتفى في مجمع البرهان بمسح ظهر الكف مرة واحدة مع
عدم التهاون والتقصير في الاستيعاب وإن لم يستوعب جميع الظهر بحيث انتفى ما بين
الأصابع، سيما ما بين السبابة والابهام وبعض الخلل، لكنه لا يخلو من تأمل إن أراد
غير ما ذكرنا، بل وإن أراده أيضا، لما عرفت من الاجماع ظاهرا، بل لعله محصل على
وجوب الاستيعاب، على أن ذلك الصدق من المسامحات العرفية في نفس الاطلاق، نعم
لا يجب استيعاب مسح الممسوح بتمام الماسح كما تقدم في الجبهة، وبه صرح جماعة،
لصدق الامتثال، خلافا للمحكي عن مجمع البرهان، وربما توهمه بعض العبارات، ولعله
لدعوى التبادر من المسح بالكف، وفيه منع واضح.
نعم يجب المسح بالباطن كالضرب ومسح الجبهة بلا خلاف يعرف فيه للتبادر،
كما أنه مع التعذر فبالظهر، وقد مر البحث فيه في الضرب.

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 9 - 1 - 6
(2) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 9 - 1 - 6
(3) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 9 - 1 - 6
205

ولو تجدد العذر بعد مسح الوجه ولم يفتقر مسح اليدين إلى ضربة أخرى فالأحوط
بل المتعين الاستئناف، لظهور الأدلة في المسح بما يضرب به.
ولو تجدد بعد الضربة الثانية قبل المسح احتمل الاكتفاء بضرب الظهر مرة
أخرى، ولو تعذر الظهر احتمل صيرورته كالأقطع، والتولية، وكونه فاقد الطهورين،
والجميع للاحتياط، ولم أعرف من احتمل هنا جواز الضرب له بغير الظهر من الذراع
كما احتمل في ماسح الوضوء، وقد مر هناك ما له نفع هنا، كما أنه قد مر في حكم الجبائر
وما في حكمها منه ما يغني عن التعرض لها، على أنه لم أعرف خلافا فيه هنا أيضا، بل
قد ذكرنا هناك أن مطلق الحاجب وإن لم يكن من الجبائر وما في حكمها ينتقل إليه حكم
المحجوب مع تعذر إزالته أو تعسره، ولكن الاحتياط لا يترك، كما أنه قد مر في الجبهة
من البحث في الابتداء من الأعلى ما يظهر منه الحكم في الابتداء من الزند هنا، لاتحادهما
في أكثر ما ذكر هناك، ومن هنا لم يفرق أحد بينهما إلا من ندر من بعض متأخري
المتأخرين كأصل الخلاف فيه أيضا.
وكذا مر في الضرب باليدين من البحث عن حكم النجاسة ما يكتفى به هنا،
وذكرنا أن المختار عندنا جواز المسح عليها مطلقا مع تعذر الإزالة، سواء كانت حاجبة
أولا، ومتعدية أولا ما لم تستلزم نجاسة التراب، بل ومعها في احتمال، وفي آخر التولية
أو السقوط في خصوص ذلك العضو، أو يكون فاقد الطهورين، أو غير ذلك وإن كان
تفصيل البحث في هذه الفروع مما يحتاج إلى تطويل وإطناب، خصوصا بالنسبة للنجاسة
باعتبار عروضها للماسح فقط مع الاستيعاب وعدمه، والتعدي وعدمه، والحجب
وعدمه، أو للممسوح فقط كذلك، أو للجميع، وبالنسبة إلى صور التعذر أيضا كذلك،
لكن التأمل في مطاوي كلماتنا في الضرب وفي الجبائر وفي ماسح الوضوء وغيرها
يظهر منه حكم كثير من ذلك، إلا أن الاحتياط لا بد منه، لعدم وضوح استنباطها
206

بحيث يطمئن إليه الفقيه، إذ لا دليل خاص فيها، والأصول وقاعدة انتفاء المركب كقاعدة
الميسور وغيرها متصادمة، مع عدم التنقيح والتحرير لشئ منها هنا، والله ورسوله
وحججه (صلوات الله عليهم) أعلم.
كما أنه يظهر لك مما تقدم في الوضوء من حكم اليد الزائدة والأصلية واللحم
المتدلي من غير محل الفرض والنابت فيه وغير ذلك، وكذا حكم الشعر، وأن الأقوى
عدم وجوب استبطانه هنا، حتى لو كان التيمم بدل الغسل، وحتى لو كان فيما لا ينبت
فيه غالبا كالجبهة، بل يمكن القول بعدم وجوب استبطان شعر الأغم، وهو من كان
قصاص شعره على بعض الجبهة أيضا، للعسر والحرج وغيرهما، فتأمل جيدا.
* (ويجزئ في) * ما هو بدل * (الوضوء) * من التيمم * (ضربة واحدة) * بباطن كفيه
على حسب ما تقدم * (لجبهته وظاهر كفيه، ولا بد فيما هو بدل من الغسل) * عن جنابة
أو حيض ونحوهما * (من ضربتين) * واحدة للجبهة، وأخرى لظاهر الكفين * (وقيل) *
كما عن ظاهر المفيد في الأركان وعلي بن بابويه بل عن المنتقى أنه مذهب جماعة من القدماء
* (في الكل ضربتان، وقيل) * كما في ظاهر الهداية والغنية وصريح جمل المرتضى كما عن
شرح الرسالة له وغرية المفيد والقديمين والمعتبر والذكرى وظاهر المقنع والكليني في
الكافي والقاضي في الكل * (ضربة واحدة، والتفصيل) * أفضل، والأول أشهر
و * (أظهر) * بل هو المشهور نقلا وتحصيلا بين المتقدمين والمتأخرين شهرة عظيمة كادت
تكون إجماعا، بل لعل ظاهر التهذيب كالمحكي عن التبيان ومجمع البيان دعواه، كما عن
الأمالي نسبته إلى دين الإمامية الذي يجب الاقرار، به، وفي الذكرى إلى عمل الأصحاب،
وعن كشف الالتباس وشرح الجعفرية إلى المتأخرين.
قلت: وهو كذلك، بل لم يعرف مفت بغيره منهم في سائر كتبهم إلى زمن
الأردبيلي والكاشاني الذين هما أول من فتحا باب المناقشة للأصحاب، مع أن أولهما
207

قال: هو أحوط وأولى، وما نسب إلى المعتبر والذكرى من الاجتزاء بالمرة فهو وهم
قطعا كما لا يخفى على من لاحظهما، وتبعهما بعض متأخري المتأخرين كالمجلسي في بحاره،
والسيد في مداركه، والمحدث البحراني في حدائقه، والفاضل المعاصر في رياضه،
فاجتزوا بالمرة في الجميع، وأعرضوا عما عليه المتأخرون، بل لعله بين القدماء كان كذلك
أيضا، كما نسبه في حاشية المدارك إلى أغلبهم، ويشعر به ما سمعته عن الأمالي وغيره،
ومنه مع تصريحه به في الفقيه الذي قد ذكر في أوله أنه لا يفتي فيه إلا بما يعلمه حجة
بينه وبين ربه يقوى عدم إرادته غيره من ظاهر الهداية والمقنع، سيما مع غلبه تعبيره بهما
بمتون الأخبار فلاحظ، كشيخه الكليني وإن اقتصر في ذكر صفة التيمم على غير
المشتمل على المرتين، إذ لعله كان من الواضحات عنده، وابن زهرة وإن كان في أول
كلامه الاجتزاء بالمرة لكنه قال بعد ذلك: " قد روى أصحابنا أن الجنب يضرب
ضربتين، أحداهما للوجه، والأخرى لليدين، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك " انتهى.
ولعله يوجبه هنا، كما أن المرتضى في الجمل قال بعد ذكر ما ظاهره الاجتزاء بالمرة:
" وقد روي أن تيممه إن كان من جنابة أو ما أشبهها ثنى ما ذكرناه من الضربة ومسح
الوجه واليدين " ولعل عمله عليها، على أنه نقل عنه في المصباح موافقة المشهور، كالمفيد
في مقنعته كذلك، ولم يحضرني الغرية وشرح الرسالة ككلام القديمين والقاضي،
وليس النقل كالعيان، مع أني لم أعرف من حكاه عن الأخير إلا سيد الرياض، كما أنه
لم يحضرني الأركان، ولا كلام والد الصدوق المنسوب إليهما القول بالمرتين، مع أن
المحكي من عبارة الأخير وجوب الثلاث، كما حكاه في المعتبر عن قوم منا لنا، لتعبيره
بمضمون صحيح ابن مسلم (1) عن الصادق (عليه السلام) عن التيمم " فضرب بكفيه

(1) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 5
208

على الأرض، ثم مسح بهما وجهه، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه أطراف
الأصابع، واحدة على ظهرها، وواحدة على بطنها، ثم ضرب بيمينه الأرض، ثم صنع
بشماله كما صنع بيمينه " الحديث.
لكنه قد يقال: إنه لا صراحة فيه كالصحيح أيضا بالتثليث، بل هما ضربتان،
وإن فرق في آلتهما بالنسبة لليدين، ولذا نسب إليه القول بالمرتين في جملة من الكتب،
ويؤيده غلبة اتحاد كلامه مع فقه الرضا (عليه السلام)، والموجود فيه المرتان، ولعله
يجيز هذا التفريق كالشيخ في الاستبصار، حيث حمل الصحيح على ذلك، وقال: إنه
لا ينافي القول بالضربتين، وكذا الحر في وسائله، وهو لا يخلو من قوة في خصوص
ضربة اليدين ما لم تفت الموالاة، وإن كان المنساق من الأدلة الضرب بهما دفعة، وفي
المعتبر بعد ذكره الصحيح أيضا " إنا لا نمنعه جوازا " انتهى. وليس ذا محل البحث فيه.
نعم قد يقال: إنه ليس من ذوي الضربتين مطلقا وإن نسب إليه ذلك، لما تقدم
عن الأمالي من نسبة المشهور إلى الإمامية، مع أن والده عنده بتلك المكانة، ولظهور
تعبيره بمضمون الصحيح السابق في كونه مستنده، وذيله قد استدل به الشيخ في تهذيبه
واستبصاره على القول بالتفصيل، كما عن غيره أيضا ذلك، وكأنه لما فيه بعد ما تقدم
بلا فصل " ثم " قال: هذا التيمم على ما كان فيه الغسل، وفي الوضوء الوجه واليدين
إلى المرفقين، وألقي ما كان عليه مسح الرأس والقدمين، فلا يؤمم بالصعيد، ولا ينافيه
اشتماله على مسح الذراعين، فقد يكون والد الصدوق (رحمه الله) نظر إلى ما نظر إليه
الشيخ في هذا الصحيح، فيكون من المفصلين أيضا.
لكن لا يخفى عدم وضوح المراد بما بعد لفظ الغسل بناء على ما فهم الشيخ من
الصحيح إلا بتكلف سمج، إلا أنه لعله لا يقدح في الاستدلال بما قبله، ولولا اعتراض
الواو بل والإشارة لأمكن بل لتعين أن يكون بفتح الغين من الغسل على معنى أن التيمم
209

على المغسول من الوضوء دون الممسوح، فلا يصلح دليلا للتفصيل حينئذ، ولعل بعض
النسخ بدون الواو على ما قيل، بل فيما حضرني من نسخة الوافي ذلك إلا أن الذي
وقفت عليه من نسخة التهذيب والاستبصار والوسائل بالواو.
وكيف كان فحجة المشهور - بعد قاعدة الشغل فيما هو بدل الغسل، وظواهر
الاجماعات السابقة المؤيدة بتلك الشهرة العظيمة المستقيمة المستمرة في برهة الزمان الطويل،
مع غلبة اختلاف أقوال أهله في الكتاب الواحد فضلا عن الكتب المتعددة خصوصا
العلامة، ولذا قد يظن معها انقراض الخلاف، كما أنه يستبعد معها خفاء مثل هذا
الحكم عليهم مع كثرة الاحتياج إلى التيمم، سيما مع قرب العهد من مثل الصدوق (رحمه الله)
ونحوه حتى نسبه إلى دين الإمامية، ووقوعه في مثل النهاية وغيرها كما قيل مما هي
متون أخبار، وفتوى من لا يعمل إلا بالقطعيات به كابن إدريس وغيره حتى قال في
السرائر أنه الأظهر في الروايات والعمل، وبه أفتى ونسب القول بالمرة إلى الرواية،
وشدة بعده عن مذهب العامة المأمور بخلافها، لأن الرشد فيه، إذ لم يحك عن أحد منهم
القول به دون غيره من الضربة في الجميع، ففي التذكرة أنه قال به الأوزاعي وأحمد
وإسحاق وداود بن جرير الطبري والشافعي في القديم، وفي المنتهى أنه نقله الجمهور عن
علي (ع) وعمار وابن عباس وعطاء والشعبي ومكحول والأوزاعي ومالك وإسحاق وأحمد
وفي البحار عن الطيبي في شرح المشكاة أنه مذهب علي (عليه السلام) وابن عباس وعمار
وجمع من التابعين، ودون الضربتين في الجميع فعن كثير من فقهائهم بل أكثرهم، وأما
القول بالتفصيل فلم نعرف أحدا قال به منهم، ولعل ذلك هو السر في عدم صراحة الأخبار
وكثرتها به، إلى غير ذلك من المؤيدات الكثيرة - أنه وجه الجمع بين ما دل على المرة
من الأصل في وجه، وإطلاق الآية (1).

(1) سورة المائدة - الآية 9
210

كبعض المعتبرة (1) المسؤول فيها عن التيمم، فقال: " تضرب بكفيك الأرض
ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك " ومن التيممات البيانية (2) بعد السؤال عنه أيضا
كذلك من الأئمة (عليهم السلام) والنبي (صلى الله عليه وآله) لعمار بنقلهم عنه.
خصوصا ما في الصحيح (3) منها في وصف أبي جعفر (عليه السلام) تيمم النبي
(صلى الله عليه وآله) لعمار، قال: " فقال له: أفلا صنعت كذا، ثم أهوى بيديه
الأرض فوضعهما على الصعيد ثم مسح جبينه بأصابعه وكفيه، أحداهما بالأخرى، ثم
لم يعد ذلك " فإن في التتممة إشعارا بكون الملحوظ بيانه اتحاد الضرب وتعدده، سيما مع
ظهور كونها من الإمام (عليه السلام)، لأن نقله ذلك للراوي في مقام البيان ظاهر في
إرادة بيان عدم الالزام بذلك ردا على من قال بالتكرير من أكثر العامة.
وما في الموثق منها (4) عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا عن التيمم " فضرب
بيده الأرض، ثم رفعها فنفضها ثم مسح بها جبهته وكفيه مرة واحدة " كخبر آخر أيضا (5)
إذ حمل المرة فيه على المسح دون الضرب بعيد، لعدم كونه محل توهم أو مناقشة من عامة
أو خاصة، فنقله خصوصا من مثل زرارة خال عن الفائدة، بخلاف حمله على ذلك، لما
فيه من نزاع كثير من العامة به وقولهم بالتعدد، ومنه احتاج الرواة سؤال أئمتهم
(عليهم السلام) عنه، إلى غير ذلك مما دل عليها كالمروي مرسلا (6) في فقه الرضا
(عليه السلام) ونحوه.
وبين ما دل على المرتين كصحيح الكندي (7) عن الرضا (عليه السلام) " التيمم
ضربة للوجه، وضربة للكفين " وليث المرادي (8) عن الصادق (عليه السلام) في التيمم

(1) الوسائل - الباب 11 من أبواب التيمم - الحديث 7 - 0 - 8
(2) الوسائل - الباب 11 من أبواب التيمم - الحديث 7 - 0 - 8
(3) الوسائل - الباب 11 من أبواب التيمم - الحديث 7 - 0 - 8
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 3 - 6
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 3 - 6
(6) المستدرك - الباب 9 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 3 - 2
(8) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 3 - 2
211

قال: " تضرب بكفيك على الأرض مرتين، ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك "
وابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " سألته عن التيمم، فقال: مرتين مرتين
للوجه واليدين " وغير ذلك، بحمل الأولى على بدل الوضوء، والثانية على بدل الغسل.
وشاهده - بعد الشهرة العظيمة التي منها مجردة يضعف الظن بشمول أدلة المرة
لما كان بدل الغسل وبالعكس، بل هو أولى لندرة القول به جدا، فكيف بعد اعتضادها
بظاهر الاجماعات السابقة التي بعضها كالصريح بل صريح، وبما عرفته سابقا مفصلا،
وبظاهر صحيح ابن مسلم السابق المشتمل على التثليث ظاهرا بناء على ما فهم الشيخ منه،
بل وبما رواه في المنتهى عنه أيضا في الصحيح (2) عن الصادق (عليه السلام) " إن التيمم
للوضوء مرة واحدة، ومن الجنابة مرتان " وإن طعن فيه جماعة ممن تأخر عنه بأنه
لا وجود له في كتب الحديث، وبأنه توهمه من فذلكة ذكرها الشيخ في تهذيبه، فظن أنها رواية، إذ جلالة قدره وحسن تثبته سيما في كتابه هذا يدفع ذلك عنه، ولعله اطلع
عليه فيما لا يطلع عليه غيره كما هو مظنته ومن أهله، بل وبما سمعته أيضا من المرسل في
جمل المرتضى والغنية سيما بعد نسبة الثاني له إلى رواية أصحابنا، وتقدم ما في السرائر
أنه الأظهر في الروايات، كما عن الصيمري في شرح الشرائع نسبة التفصيل إلى روايات،
وكذا يفهم من المصنف في المعتبر تعدد الرواية به، بل هذه المراسيل من مثل هؤلاء
بعد الانجبار والتأييد بما مر في أعلى مراتب الحجية لا مؤيدات، إلى غير ذلك من الأمور
الكثيرة التي مضت الإشارة إلى بعضها - ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة (3)
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " قلت له: كيف التيمم؟ قال: هو ضرب واحد
للوضوء، والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه، ومرة
لليدين " الحديث.

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التيمم - الحديث 8 - 4
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التيمم - الحديث 8 - 4
212

والمناقشة فيه - باحتمال أو ظهور عطفية الغسل على الوضوء، لا الاستئناف بأن
يكون جملة خبرية، فيوافق ما في الموثق (1) عن الصادق (عليه السلام) " سألته عن
التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء سواء، فقال: نعم " وبظهوره في تعاقب
الضربتين ثم المسح بهما على الوجه واليدين على التعاقب مع تخلل النفضة - يدفعها بعد
مخالفة الظاهر من لفظ الضرب خصوصا في باب التيمم، وعدم ملائمة أول الجواب
للسؤال حينئذ، وإجمال إرادة السائل من التسوية الأعضاء أو المسح أو غيرهما المورث
إجمالا في الجواب، لعدم استقلاله هنا، مع احتمال إرادته اجتماع الوضوء والجنابة،
فيكون القسم الأول من السؤال في الجنابة خاصة، لسقوط الوضوء كما عساه يشعر به
عدم عود لفظ " من " في الجنابة، والاتيان بها في لفظ الحيض، وموافقته للصحيح (2)
حينئذ " سألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماء قال: نعم " مع ضعف
المناقشة الأخيرة من وجوه الانجبار بما سمعت، لا أقل من أن يكون مرجحا لأحد
الاحتمالين على الآخر، على أنهما لا يتأتيان في متنه المروي في المعتبر، قال: " هو ضربة
واحدة للوضوء، وللغسل من الجنابة تضرب بيديك ثم تنفضهما مرة للوجه، ومرة لليدين ".
وكذا المناقشة في أصل هذا الجمع أولا بعدم قبول أخبار المرة له، لما في جملة
منها نقل وقوع البيان لعمار وقد كان جنبا، سيما مع ما في بعضها " ثم لم يعد ذلك " كما
أن في بعض أخبار المرة التصريح بالوحدة المؤيد بما دل على التساوي كما سمعت، وثانيا
بامكان حمل أخبار المرتين على الندب أو على التخيير، وأولى منهما التقية، لأنه مذهب
أكثر العامة كما قيل، بل فيما اشتمل منها على مسح الذراعين إشعار به، كاجمال الوجه
واليدين في آخر، ونحو ذلك، إذ بعد الاغضاء عن إمكان دفعها بما عرفت قد يقال:
إنه لا دلالة فيما اشتمل منها على قصة عمار على الاتحاد، حتى فيما نقل من فعل النبي

(1) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 6 - 7
(2) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 6 - 7
213

(صلى الله عليه وآله) بيانا له، لظهور سياق الجميع بكون المراد كيفيته لا من حيث اتحاد
الضرب وتعدده، بل بيان الممسوح ونحوه ردا على من قال من العامة أنه غير الجبهة أو غير
الكفين كما يشعر به ما في بعضها (1) " مسح وجهه وكفيه ولم يمسح الذراعين بشئ " وفي
آخرين " (2) فمسح فوق الكف قليلا " وفي آخر (3) " ثم مسح بجبينيه وكفيه " إلى
غير ذلك مما يدل على كون الملحوظ للراوي الكف أو الجبين لا تعدد الضرب واتحاده،
ويشعر به أيضا الاستدلال من الأئمة (عليهم السلام) بآية السرقة تارة، وبإفادة الباء
التبعيض أخرى، وبالاستناد إلى قصة عمار معلمين ذلك شيعتهم وخواصهم.
ومن هنا يظهر لك وجه الاختلاف في نقل قصة عمار حتى فيما نقله زرارة منها
عن الباقر (عليه السلام) وكأنه لاختلاف المقامات التي يحتاج التمسك بها فيه، فمرة
للجبين مثلا، وأخرى للكفين، وهكذا.
ومما يؤيد ذلك كله أنه قد يقطع المتأمل أن هذه الأخبار ليس مما أريد بها ذكر
بيان تمام التيمم، وكيف مع أنه ترك فيها أكثر واجباته من الابتداء بالأعلى والترتيب
بين اليدين وغيرهما، فيعلم أن صدور ذلك من الرواة أو الأئمة (عليهم السلام) فيما
اتفق تعلق خصوص المقام ببيانه، كما هو واضح ونافع.
ومن ذلك كله يظهر أن المراد بقوله (عليه السلام): " لم يعد ذلك " التجاوز
لا الإعادة، بل ولو سلم فظاهره بالنسبة للمسح كما ورد نظيره بالنسبة للغسل في الوضوء،
إذ قد يتعلق أغراض ببيان ذلك.
وكذا ما ذكره الخصم من أخبار الوحدة فإنها صريحة أو كالصريحة في إرادة
المسح لا الضرب، ولو سلم فلا ظهور فيها في بدل الغسل، كما أنه يظهر لك إمكان القدح

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب 11 - من أبواب التيمم - الحديث 2 و 4
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 5 - 6
214

لولا الانجبار بالشهرة ونحوها في دلالة سائر التيممات البيانية على اتحاد الضربة، سيما بعد
إجمال مراد السائل عن التيمم الذي قد وقع الجواب في بيانه، أو ظهور كون المراد
ما يشترك به الوضوء والغسل من ماهية التيمم، واحتمال عدم تعلق غرض الراوي بغير
ما ذكره، وإن بين له غيره، إلى غير ذلك.
ومنه ينقدح أن المتجه على حسب ما يقتضيه تعارض الأدلة من إرجاع الضعيف
إلى القوي التصرف فيما دل على المرة لا التكرار، لقوة دلالة الثانية من وجوه بالنسبة
للأولى، فحمل الخصم لها على الندب وإبقاء تلك على إطلاقها في غير محله، على أن
ذلك غير ملائم للسؤال فيها عن كيفية التيمم، بل لم يعرف القول بالاستحباب لأحد من
الأصحاب سوى ما حكي عن المرتضى، واستحسنه بعض من تأخر عنه، فلعل القول
به خرق للاجماع المركب، كالحمل على التخيير إن لم يكن بين الأقل والأكثر بل بين
الواجب وتركه، وأما حملها على التقية فإنه وإن استجوده المجلسي في بحاره، وتبعه بعض
من تأخر عنه لمشهورية القول بالتكرار فيما بينهم، لكن - مع أنه يأباه ما في بعضها من
ذكر النفض المنكر عندهم، كآخر الكفين، والمعروف عندهم الذراعان، وإن نقل عن
ابن حنبل القول بالكفين، وهو معاصر الرضا (عليه السلام) إلا أنه يرى الضربة
الواحدة لا الضربتين - لا موجب له، بل ربما يقال بعدم جوازه، لما عرفت من مشهورية
القول بالمرة عندهم أيضا حتى نقلوه عن علي (عليه السلام) وعمار وابن عباس وغيرهم،
فلا تقية فيه منهم، نعم لم ينقل عن أحد منهم القول بالتفصيل، فلا بأس بالتقية من جهته،
ولعله لذا لم يكثر التصريح في الأخبار به.
فاتضح لك بحمد الله ضعف القول بالمرة مطلقا جدا، بل لعل إطلاق القول
بالمرتين أقوى منه من جهة الأدلة وأن كان نادرا بالنظر للقائلين، ومن هنا كان التفصيل
هو الأظهر، لكن الاحتياط في التعدد فيما هو بدل الوضوء لأجله لا ينبغي تركه،
215

وأحوط منه الاتيان بتيممين، أحدهما بالوحدة، والآخر بالتعدد مراعاة للمولاة، بل
وكذا فيما هو بدل الجنابة أيضا.
كما أنه اتضح لك حينئذ سقوط ما في كتب جماعة من متأخري المتأخرين من
الركون للقول بالمرة مطلقا، خصوصا ما في رياض الفاضل المعاصر، فإنه لم يأل جهدا
في تزييف القول بالتفصيل حتى ذكر فيه أنه كتب رسالة مستقلة في ذلك، وليتنا عثرنا
عليها فرأينا ما ذكر فيها، ونسأل الله أن يوفقنا لكتابة رسالة في مقابلتها تحتوي
على ما طوينا ذكره هنا مما يفيد قوة التفصيل، وإن كان فيما سمعته الكفاية إن شاء الله.
ثم إنه لا فرق في كيفية التيمم بين أسباب الغسل من الجنابة والحيض والنفاس
وغيرها قولا واحدا، سواء قلنا بالمرة أو التكرار، للتساوي في المبدل عنه. وللصحيح
السابق، نعم قد يفرق بينها بوجوب تيمم واحد بدل الوضوء والغسل كالماء لحدث
الجنابة بلا خلاف أجده فيه للبدلية، وظاهر الآية، وصحيح زرارة (1) عن أبي جعفر
(عليه السلام) السابق في أدلة التفصيل وغيره، ولا يجب التعرض للاستباحة من الحدث
الأصغر حينئذ كالغسل، لكن حكى في جامع المقاصد عن ظاهر الشيخ وجوبه، ولعله
لضعف البدل، وهو ضعيف جدا كضعف ما حكاه عن ظاهره أيضا من إيجاب التعيين
في الأحداث الصغر لو اجتمعت، بخلاف غير الجنابة فتيممين، أحدهما للغسل، والآخر
للوضوء بناء على إيجابه ذلك وعدم الاجتزاء بالغسل عنه، كما صرح به جماعة منهم
الفاضل في جملة من كتبه، والمحقق الثاني في جامعه، والفاضل الإصبهاني في كشف لثامه،
بل قد يشعر الأخير بعدم خلاف فيه لوجوب المبدلين، وعدم إغناء أحدهما عن الآخر،
فالبدل أولى لضعفه.

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التيمم - الحديث 4
216

وما في المقنعة من التسوية بين تيمم الجنابة والحيض والنفاس كالصحيح (1) الذي
استدل به الشيخ له في تهذيبه " سألته عن تيمم الجنب والحائض سواء إذا لم يجدا ماء
فقال: نعم " منزل على إرادة الكيفية لا الكمية، مثل ما دل (2) على مساواة غسلها
لغسله، لكن في الذكرى وتبعه في المدارك أن ظاهر الأصحاب المساواة فيهما حتى أنه
نسب في الأولى تعدد التيمم في نحو الحائض إلى تخريج بعض الأصحاب ذلك على وجوبه
في المبدل، إلا أنه قال: لا بأس به، وفي الثانية أن الأظهر الاكتفاء بالتيمم الواحد
بناء على ما اخترناه من اتحاد الكيفية، وعدم اعتبار نية البدلية، فيكون جاريا مجرى
أسباب الوضوء والغسل المختلفة، وفيه - مع أنا لم نتحقق ما نسباه إلى ظاهر الأصحاب
إن لم يكن قد تحققنا خلافه، والتسوية السابقة قد عرفت ما فيها - أنه لا تلازم بين
القول باتحاد الكيفية وعدم اشتراط نية البدلية وبين ما نحن فيه بعد فرض التعدد في المبدل،
وإصالة عدم التداخل في البدل.
نعم أقصى القول بالاتحاد صلاحية التداخل بالدليل لا أنه يكون دليلا، ومعه
يتجه القول وإن لم نقل بالاتحاد لكن يكون حينئذ من الاسقاط لا التداخل، كما أن
التداخل أيضا يرجع عند التأمل إلى ذلك على ما ذكرناه سابقا في باب الوضوء.
ودعوى كونها كأسباب الوضوء حينئذ ممنوعة، كدعوى كونها كأسباب الغسل
المختلفة، وإن قلنا بالتداخل فيها بالدليل هناك لا لاتحاد الكيفية.
واحتمال شمول دليل التداخل لما نحن فيه أيضا يدفعه أنه ظاهر في اجتماع أسباب
متعددة لمسبب متحد في الكيفية أصلا لا بدلا، إذ هو لا يزيد على المبدل عنه، فقوله

(1) الوسائل - الباب 12 - من أبواب التيمم - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الحيض
217

(عليه السلام) (1): " إذا اجتمعت عليك لله حقوق أجزأك عنها غسل واحد " يراد به
حقوق يوجب كل واحد منها غسلا لا وضوء وغسلا مثلا فبدل الغسل حينئذ إنما يقوم
مقامه فيما أجزأ عنه من الأغسال.
ومن هنا يتجه القول بالتداخل حينئذ في التيممات مع تعدد الأسباب على حسب
ما ذكرناه في الأغسال، بل قد يجزئ عن الوضوء حيث يجتمع الجنابة مع الحيض مثلا
على حسب الغسل، كما أنه يجزئ التيمم بدل الجنابة عن غيره لو كان معه وإن لم ينوه
إن قلنا به في الغسل، خلافا للمحكي عن ظاهر الشيخ، فاعتبر التعرض لتعيين الحدث
هنا، وهو ضعيف، بخلاف العكس فلا يجزئ إلا مع النية بناء على المختار هناك من
اعتباره في الغسل، وإلا فبناء على عدم الاعتبار فيه يتجه هنا أيضا ذلك. لكنه احتمل
في جامع المقاصد عدم الاجزاء وإن قلنا به في الغسل، قال: لأن التيمم طهارة ضعيفة
مع انتفاء النص على ذلك وعدم تصريح الأصحاب، فيتعين الوقوف مع اليقين، وهو
ضعيف كاحتمال أصل عدم جواز التداخل في التيمم للأصل، وكون التيمم مبيحا
لا رافعا، والشك في تناول البدلية لمثل ذلك، لوضوح منع الجميع بظهور تناول البدلية له،
وعدم الفرق بين الإباحة والرفع هنا، ولذا ثبت التداخل في أغسال المستحاضة ونحوها
مما هو مبيح لا رافع، فالأقوى حينئذ جريان التداخل في التيمم لكن على حسب ما تقدم
في الغسل من اعتبار النية وغيرها مما يعرف من ملاحظة ذلك المقام، فلاحظ وتأمل،
كل ذا للبدلية.
* (و) * كيف كان ف‍ * (إن قطعت كفاه) * بحيث لم يبق منهما من محل الفرض شئ * (سقط
مسحهما) * قطعا وإجماعا * (واقتصر على) * مسح * (الجبهة) * ولا يسقط التيمم عنه بذلك
بلا خلاف، بل لعله إجماعي إن لم يكن ضروريا، لقاعدة الميسور والبدلية وعدم سقوط

(1) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الجنابة - الحديث 1
218

الصلاة بحال والاستصحاب، إذ لم يثبت اشتراط الاجتماع في هذا الحال، بل الثابت
عدمه، وإلا لسقطت الطهارة مائية أو ترابية مدى العمر بذهاب بعض أجزاء الكف
مثلا من إصبع أو بعضه بقرح أو جرح، والضرورة على خلافه.
فما عن المبسوط إذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم،
ويستحب أن يمسح ما بقي مما ربما تخيل منه الخلاف لما ذكرنا حتى استدل له بقاعدة انتفاء
المركب بانتفاء أحد أجزائه لا يريده قطعا، بل مراده كما صرح به في الخلاف سقوط
فرض التيمم عن اليدين خاصة، كما يومي إليه ما نقل عنه من تعليل ذلك بأن ما أمر الله
بمسحه قد عدم، فوجب أن يسقط فرضه، بل لعله يومي إليه ما ذكره من الاستحباب
أيضا، لظهوره في أن له تيمما صحيحا، وأنه يستحب له مسح ما بقي من الذراع، وحمله
على إرادة الجبهة - فيكون المعنى أنه يستحب له مسح الجبهة وأنه يصلي به حينئذ - بعيد
بل ممتنع عند التأمل.
نعم يتجه عليه المطالبة بدليل ما ذكره من الاستحباب لو كان محل القطع فوق
الزند، ولعله لما تقدم في الوضوء من الأمران قطعت يده من المرفق بغسل ما بقي من
عضده، إذ الذراع هنا كالعضد هناك، كما أنه يحتمل إرادته نفس مفصل الكف أي
العظم المتصل بمبتدأ الكف الذي هو منتهى الذراع، ولعله الذي يسمى بالرسغ، وفيه
أن المتجه حينئذ وجوبه بناء على كونه كالمرفق الأصلي، لدخول مبتدأ الغاية في المغيا
وإن لم نقل به فيها، ولما عرفت هناك من الوجوب الأصالي في المرفق عندنا لا المقدمي
حتى يسقط ولو سلم كونه منه هنا، ولذا صرح جماعة بعدم وجوب مسحه، بل لم أعرف
من صرح بوجوبه وإن احتمل، لعدم الدليل، بخلافه هناك، مع حرمة القياس فلا دليل
حينئذ على استحبابه، اللهم إلا أن يكتفى في ثبوته لمكان التسامح فيه بالاحتياط،
لاحتمال وجوبه الأصالي، وفحوى خبر العضد (1) ونحو ذلك، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب الوضوء - الحديث 2
219

إنما البحث في كيفية تيممه، فهل بتمعيك جبهته بالتراب، أو بضرب ذراعيه
ثم المسح بهما مقدما على غيره من أعضائه، لقربها إلى محل الضرب، سيما مع بقاء المفصل
وقلنا بأنه منه أصالة، أو مخيرا بينه وبين غيره منها، أو يجزئ كل من التمعيك أو
الضرب السابق، أو يتعين عليه التولية؟ وجوه واحتمالات قد ذكرت مفرقة في الذكرى
وجامع المقاصد وكشف اللثام، بل قد يظهر من الأول اختيار آخرها مع احتماله الأول،
والأخيرين الأول، كاطلاق بعضهم إجزاءه مع العذر، مع احتمال أولهما الثاني، وثانيهما
الأخير، كما أنه قد يظهر من إطلاق المصنف اختيار الوجه الثالث، لاطلاقه المسح،
لكنه ظاهر في نفي الرابع من حيث تبادر المباشرة منه، ولا تعيين في النصوص لشئ
منها حتى قاعدة الميسور، لكن لعل ما عدا الأخير أقرب إليها منه، والثاني أقرب من
غيره، والاحتياط لا يترك.
* (نعم لو قطع) * أحد الكفين أو * (بعضهما) * ضرب بالباقية أو الباقي منهما
و * (مسح) * الجبهة و * (على ما بقي) * من اليدين بذلك، إلا أنه يأتي البحث السابق أيضا
في كيفية مسح ظهر الكف الباقية على تقدير قطع تمام الثانية، بل في الروضة سقوط
مسح اليد هنا، لكنه غريب، بل الظاهر جريان ما تقدم في الجبهة فيه، بل وفيما هو
مثل الأقطع أيضا كمربوط اليدين، وإن كان بعض الوجوه السابقة لا تجري فيه، إلا أنه
يزيد باحتمال كونه فاقد الطهورين بخلاف الأقطع، فإنك قد عرفت ضعف هذا الاحتمال فيه.
* (و) * قد مر سابقا ما له نفع تام في المقام، كما قد مر عند البحث على الجبهة
واليدين أنه * (يجب استيعاب مواضع المسح في التيمم) * منها بلا خلاف، بل في المنتهى
وعن غيره الاجماع عليه ظاهرا، لأنه المتبادر من النصوص (1) والفتاوى ومعاقد
الاجماعات * (فلو أبقي منها شيئا) * عمدا أو نسيانا * (لم يصح) * لعدم صدق الامتثال إلا

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم
220

إذا عاد عليه مراعيا للترتيب والموالاة، وإلا فيعيد التيمم من رأس، ولعل ما عن
المبسوط من إطلاق إعادة التيمم بذلك منزل على ما ذكرنا، وقد مر أيضا أن الأقوى
عدم وجوب الاستيعاب بتمام الماسح خصوصا في الجبهة، وإن كان الأحوط ذلك،
فلاحظ وتأمل.
* (ويستحب نفض اليدين) * أو بمعناه * (بعد ضربهما على الأرض) * لو علق بهما
شئ للنصوص المستفيضة (1) وفيها الصحيح وغيره، وظاهرها الوجوب، لكن في
التذكرة الاجماع على عدمه، كما في المنتهى أنه يستحب عند علمائنا، خلافا للجمهور،
وفي المدارك أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه خلافا، وعن المقاصد العلية يجوز النفض
إجماعا، وربما قيل بوجوبه، وفي المختلف أن ابن الجنيد اعتبر وجوب المسح بالتراب
المرتفع على اليدين، وباقي أصحابنا استحبوا النفض، وظاهره كجامع المقاصد وغيره
انحصار الخلاف في ذلك بابن الجنيد، لاعتباره المسح بالتراب المرتفع، لكن قال جماعة
من متأخري المتأخرين: إنه لا ينافي النفض، لأنه لا ينفي التراب رأسا، وهو كما ترى
لا يوافق ظاهر المحكي عنه، مضافا إلى ما عرفته سابقا في البحث عن العلوق.
وكيف كان فخلافه غير قادح، بل قد يظهر من المنتهى كما عن غيره بل كاد
يكون صريحه الاجماع على خلافه، حيث قال: ولا يجب استعمال التراب في الأعضاء
الممسوحة، ذكره علماؤنا، وهو اختيار أبي حنيفة، وقال الشافعي ومحمد: يجب المسح به،
ولعل ذلك منه وغيره قرينة على عدم إرادته بقوله في القواعد: " ولا بد من نقل
التراب، فلو تعرض لمهب الريح لم يكف " ما عساه يظهر منه اعتبار العلوق، سيما مع
اكتفائه فيها بمطلق الأرض فيما يتيمم به لا خصوص التراب، وقد مر في العلوق
ما فيه الكفاية.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب التيمم - الحديث 3 و 6 و 7
221

وعن الشيخ في نهايته وظاهر مبسوطه أنه يستحب مع النفض مسح إحداهما
بالأخرى، ولعله للاستظهار في تنظيف اليد لفحوى الأمر بالنفض والنفخ، وتحرزا
من تشويه الخلقة، أو أنه يريد النفض بمسح أحداهما بالأخرى وصفقهما، لكونه المتبادر،
لا نفض كل منهما مستقلا، لكن عن المحقق في النكت أني لا أعرف الجمع بين الأمرين،
كما في المدارك لا نعلم مستنده، بل عن المنتهى أنه لا يستحب مسح إحدى الراحتين
بالأخرى، خلافا لبعض الجمهور، إلا أن ظاهره إرادة مسح إحدى الراحتين مع مسح
ظاهر الكف لا ما نحن فيه، كما لا يخفى على من لاحظه، ولم يذكر المصنف غير النفض
وقصد الربى والعوالي من مستحبات التيمم، وزاد في الذكرى السواك للبدلية، والتسمية
لها أيضا، ولعموم البدأة باسم الله أمام كل أمر ذي بال، بل عن الظاهرية وجوبها
وتفريج الأصابع عند الضرب مسندا له إلى نص الأصحاب، وأن لا يرفع عن العضو
حتى يكمل مسحه، لما فيه من المبالغة في الموالاة، وأن لا يكرر المسح لما فيه من التشويه،
ومن ثم لم يتسحب تجديده لصلاة واحدة ولا بأس به للتسامح وإن كان في البعض نوع تأمل.
* (و) * لا يعتبر في صحة التيمم طهارة غير أعضائه من تمام البدن حتى محل النجو
للأصل وإطلاق الأدلة من غير معارض، بل والبدلية، ف‍ * (لو تيمم وعلى جسده نجاسة
صح تيممه) * وإن كان متمكنا من إزالتها * (كما لو تطهر بالماء وعليه نجاسة) * في غير محل
الوضوء مثلا * (لكن في التيمم يراعى ضيق الوقت) * عنه وعن الصلاة خاصة إن كان
التيمم لما يعتبر إزالتها في صحته كالصلاة وقلنا باعتبار الضيق فيه مطلقا أو مع الرجاء
وكان متحققا، فلو تيمم حينئذ قبل إزالتها مع سعة الوقت له فسد، لا لأن زوالها في
نفسه شرط في صحته، بل لوقوعه حينئذ قبل الضيق المعتبر في صحته، إذا المراد به عدم
سعة الوقت لغيره والصلاة، فلا فرق حينئذ بين نجاسة البدن والثوب وغيرهما مما يشترط
في الصلاة، قيل: ولذلك أوجب تقديم الاستنجاء ونحوه عليه في المبسوط والنهاية والمعتبر
222

وظاهر المقنعة والكافي والمهذب والاصباح.
وربما يشهد له مع ذلك أيضا ما في خبر أبي عبيدة (1) عن الصادق (ع) سأله عن
الحائض التي قد طهرت ولم يكن عندها ما يكفيها للغسل، فقال: " إذا كان معها بقدر
ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي " إلى آخره. لكن قد يناقش فيه على هذا
التقدير أيضا أولا بأن المراد بضيق الوقت عند من اعتبره هو عدم زيادته عن الصلاة
وشرائطها التي من جملتها التيمم وإزالة النجاسة، وإلا فلا دليل على وجوب تأخيره عن
سائر شرائط الصلاة من الاستتار ونحوه، وثانيا بظهور إرادة العادي من الضيق الذي
لا ينافيه نحو ذلك في بعض الأحوال، وإلا لم يجز التيمم في موضع يحتاج أن ينتقل عنه
إلى مصلاه، بل ولا فعل الأذان والإقامة ونحوهما مما يقتضي السيرة بخلافه.
نعم قد يقال باشتراط تقدم خصوص الاستنجاء في صحته بناء على اشتراطه في
الوضوء للبدلية، لكن قد عرفت ضعفه فيما سبق، كما عرفت عدم اعتبار المضايقة مطلقا
في التيمم عندنا، فلا يتوجه البحث حينئذ فيما ذكره المصنف من أصله، ولعل عبارته
هنا تشعر باختياره الضيق، وإن كان قد تردد فيما مضى.
* (الطرف الرابع في أحكامه) *
* (وهي عشرة الأول من صلى بتيممه) * الصحيح * (لا يعيد) * ما صلاه خارج الوقت
لو وجد الماء فيه للأصل وقاعدة الاجزاء، مع احتياج القضاء إلى أمر جديد وليس،
والبدلية، سيما مع قول النبي (صلى الله عليه وآله) (1): " يا أبا ذر يكفيك الصعيد
عشر سنين " والاجماع المنقول في الخلاف والمعتبر والتحرير والتذكرة والمنتهى منا،
بل ومن غيرنا عدا طاووس، وقد انقرض خلافه، كما عن الصدوق في الأمالي نسبته

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الحيض - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 12
223

إلى دين الإمامية، والمعتبرة المستفيضة منها ما في حسن زرارة أو صحيحه (1) عن أحدهما
(عليهما السلام) " فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر الوقت، فإذا وجد
الماء فلا قضاء عليه، وليتوضأ لما يستقبل " وصحيح يعقوب بن يقطين (2) عن أبي الحسن
(عليه السلام) بعد أن سأل عمن تيمم وصلى فأصاب الماء أيتوضأ ويعيد أم جازت صلاته؟
قال: " إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضأ وأعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة
عليه " ومنها إطلاق الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (3) وصحيح ابن سنان (4)
" إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض ويصلي، فإذا وجد الماء
فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى " كصحيح الحلبي (5) والعيص (6) ومحمد بن
مسلم (7) عنه (عليه السلام) أيضا مع زيادة ترك الاستفصال فيها، بل في الأخير منها
تعليل عدم الإعادة بأن رب الماء رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين.
مضافا إلى فحوى ما دل على عدم الإعادة لواجد الماء في الوقت، كصحيح زرارة (8)
قال: " قلت لأبي جعفر (عليه السلام): فإن أصاب الماء وقد صلى بتيمم وهو في وقت
قال: تمت صلاته ولا إعادة عليه " وأبي بصير (9) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن رجل تيمم وصلى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت فقال: ليس عليه إعادة الصلاة "
كالموثق (10) عنه (عليه السلام) أيضا بل وآخرين (11) مع زيادة التعليل بأن رب الماء
هو رب الصعيد.

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التيمم - الحديث 8 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التيمم - الحديث 8 - 4 - 7
(4) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التيمم - الحديث 8 - 4 - 7
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 16 - 15
(6) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 16 - 15
(7) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 16 - 15
(8) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 9 - 11 - 14
(9) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 9 - 11 - 14
(10) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 9 - 11 - 14
(11) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التيمم - الحديث 15 و (17)
224

فمنها - مع إطلاق الأولى، سيما مع غلبة إطلاق الإعادة على ما في الوقت،
والبدلية، وقاعدة الاجزاء، وإطلاق إجماع التحرير، بل كاد يكون صريحا فيه، بل
هو صريح معقد ما عن الأمالي من النسبة إلى دين الإمامية، وإجماع التذكرة - يظهر
وجه إطلاق المصنف عدم الإعادة في الوقت وخارجه، كما هو المعروف بين القائلين
بالمواسعة، بل لعل القائلين بالمضايقة مطلقا أو مع الرجاء كذلك أيضا لكن بشرط
فرض صحة التيمم إما بأن يكون متيمما سابقا، أو لنافلة وجوزنا الدخول به في الفريضة،
أو كان مع ظن الضيق، أو غير ذلك، إلا أنهم لم ينقحوا القول فيه بينهم، وإن كان
يفهم ذلك من مطاوي كلماتهم، وإن أطلقوا البطلان على المضايقة، لكن عللوه باستلزام
الفرض وقوعه في السعة حينئذ، وقد عرفت إمكان التصوير عليه بما ذكرنا، وبعد التسليم
فهو خارج عما نحن فيه، لعدم صحة التيمم حينئذ عندهم، لا أنه صحيح ومع ذلك يكلف
بالإعادة لوجدان الماء.
فظهر اتفاق الفريقين حينئذ على عدم الإعادة لذلك مع الحكم بالصحة، فما عن
ابني الجنيد وأبي عقيل من القول بها في هذا الحال كأنه خرق للاجماع المركب إن لم يكن
البسيط، خصوصا إن قلنا إن ذلك منهما على جهة الكشف، بمعنى جواز التيمم في السعة
إلا أنه مراعى بعدم وجدان الماء في الوقت، كما هو ظاهر أو محتمل المحكي عن عطاء
وطاووس والقاسم بن محمد ومكحول وابن سيرين والزهري وربيعة، حيث جوزوا التيمم
في السعة، وأوجبوا الإعادة مع الوجدان في الوقت، كالقديمين منا، مع أنا لم نعرف
لهما مستندا سوى أصالة التكليف بالمائية، وهو مع أنه لا يعارض ما تقدم ممنوع هنا،
وصحيح ابن يقطين المتقدم (1) وموثق منصور بن حازم (2) عن الصادق (عليه السلام)
" في رجل تيمم وصلى ثم أصاب الماء فقال: أما أنا فإني كنت أتوضأ وأعيد " وهما

(1) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التيمم - الحديث 8 - 10
(2) الوسائل - الباب 14 - من أبواب التيمم - الحديث 8 - 10
225

- مع موافقتهما لما سمعت، وقصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه، وعدم التصريح في الثاني بكون الإصابة في الوقت - محمولان على الندب كما صرح به بعضهم، سيما مع
إشعار الثاني به أو بالتقية، فيحملان عليها حينئذ، فظهر حينئذ أنه لا يعيد سواء كان
في الوقت أو خارجه.
كما أنه كذلك * (سواء كان) * تيممه * (في سفر أو حضر) * بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى
عن المرتضى في شرح الرسالة منا، والشافعي منهم من وجوب الإعادة على الحاضر إذا
تيمم لفقد الماء ثم وجده، بل عن التنقيح حكايته عن الشيخ وبعض الأصحاب إلا أنا لم
نتحققه، بل في الخلاف التصريح بعدم الإعادة، بل ظاهره أو صريحه الاجماع، كما أن
عنه الاجماع على مساواة الحضر والسفر في ذلك، وهو مع إطلاقات الاجماعات السابقة
وغيرها حجتنا على المرتضى، سيما لو أراد بالإعادة ما يتناول القضاء، مع أنا لم نعرف له
مستندا كما اعترف به غير واحد إلا ما يشعر به خبر السكوني (1) الوارد في الزحام،
وستعرف ما فيه.
ودعوى أصالة التكليف بالمائية، والترابية إنما تجزئ عن التكليف بها لا عن
غيرها، كما أن أخبار عدم الإعادة إنما تنصرف لغيره، لندرة فقد مثله الماء، سيما مع عدم
العموم اللغوي في أكثرها، وفيه - مع منع أصله عليه هنا، وانقطاعه بعد التسليم بما
تقدم، ومنافاته لقاعدة الاجزاء المعلومة عرفا خصوصا في المقام - أن ما دل (2) على
تنزيل التراب منزلة الماء، وأن ربهما واحد، وأنه أحد الطهورين ونحوها تتناول الجميع،
وإلا لشك في أصل تسويغ التيمم له حينئذ لا في الإعادة خاصة، * (و) * من الواضح عندنا
بطلانه كما تقدم في أول مسوغات التيمم، كما أنه قد وضح لك الآن بطلان المحكي عن

(1) الوسائل - الباب 15 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب التيمم
226

المرتضى، مع أنه لم يعرف نقله عنه إلا من بعض المتأخرين.
نعم * (قيل) * كما عن التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والمهذب والاصباح
وروض الجنان * (فيمن تعمد الجنابة وخشي على نفسه من استعمال الماء يتيمم ويصلي) *
لعدم سقوط الصلاة بحال، وعموم أو إطلاق الأمر بالتيمم عند الخوف على النفس، بل
وخصوص الجنب عند عدم التمكن * (ثم يعيد) * لعدم العلم بأجزاء الترابية عنها هنا،
سيما بعد ما ورد (1) من التشديد عليه بالاغتسال وإن تألم من البرد كما مر سابقا،
وللمرسل (2) في الكافي والتهذيب والاستبصار في أحد طريقيهما، بل والآخر أيضا،
لأنه عن عبد الله بن سنان أو غيره عن الصادق (عليه السلام) " عن رجل أصابته جنابة
في ليلة باردة يخاف على نفسه التلف إن اغتسل قال: يتيمم، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد
الصلاة " نعم هو في الفقيه صحيح، لأنه قال: " سأل عبد الله بن سنان أبا عبد الله
(عليه السلام) " إلى آخره. وطريقه إليه صحيح، وفي السرائر والجامع نسبته إلى
الرواية، لكن ظاهر الأول عدم العمل بها.
وفيه - مع معارضته بما دل (3) على أمر مثله بالاغتسال على كل حال حتى حكى
الشيخ في الخلاف الاجماع عليه وإن تقدم سابقا منع ذلك عليه، ومنافاته لقاعدة الاجزاء
التي هي هنا كادت تكون صريح الأدلة، خصوصا ما دل منها على تنزيل التراب منزلة
الماء، وكونه أحد الطهورين، وأن ربهما واحد، بل في خبر السكوني (4) عن الصادق
عن آبائه (عليهم السلام) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأبي ذر وقد جامع على
غير ماء " يكفيك الصعيد عشر سنين " بل قد يستظهر من الأخير المطلوب.

(1) الوسائل - الباب 17 - من أبواب التيمم - الحديث - 4
(2) الوسائل - الباب 16 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب 17 - من أبواب التيمم - الحديث - 4
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 12
227

كما أنه يستظهر أيضا مما تقدم من المعتبرة (1) الدالة على عدم الإعادة مطلقا،
خصوصا المشتمل منها على عدم إعادة الجنب، إذ هي وإن كانت ظاهرة في فاقد الماء ثم
أصابه لا ما نحن فيه، لكن مع إمكان دعوى المساواة بينهما تنزيلا للمنع الشرعي
منزلة المنع العقلي، سيما بعد عدم حرمة الجماع عليه كما ذكرناه سابقا قد اشتمل بعضها
على التعليل الشامل له، كصحيح ابن مسلم (2) " سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل
أجنب فتيمم بالصعيد وصلى ثم وجد الماء فقال: لا يعيد، إن رب الماء رب الصعيد،
فقد فعل أحد الطهورين " ونحوه غيره (3) في ذلك، خصوصا مع اعتضاده بالأصل،
وظهور الأدلة في اتحاد الصلاة المأمور بها وإن اختلفت طهارتها مائية أو ترابية، واحتياج
القضاء إلى أمر جديد وليس، بل والإعادة هنا أيضا، إذ هو مكلف حينئذ بصلاتين،
وبما تقدم سابقا من إطلاق بعض ما حكي من الاجماع على عدم الإعادة على من صلى
بالتيمم الصحيح، خصوصا بالنسبة للقضاء، وبالشهرة بين متأخري الأصحاب، بل
ولعل غيرهم كذلك، إذ لم ينقل إلا عمن عرفت، مع عدم صراحة الأولين في المحكي
عنهما، ولم يحضرني الباقي، وليس النقل كالعيان، وغير ذلك - أنه لا صراحة بل ولا
ظهور في الخبرين في المتعمد، بل قد يظهر منه المحتلم مثلا، مع إرسال الأول، وعدم
صراحة الجملة الخبرية بالوجوب، فحمله على الندب متعين، أو التقية لكونه مذهب
أبي يوسف ومحمد والشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد أو غير ذلك.
وقد مر في السبب الثالث من مسوغات التيمم ما له نفع في المقام، خصوصا
ما يتعلق بحل تعمد الجنابة لمثله حتى بعد الوقت، إلا في خصوص ما لو كان متمكنا من
الوضوء، ففي المنتهى تحريمه لوجوب الطهارة المائية عليه حينئذ كما تقدم ذلك كله مفصلا.

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 15
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم
228

كما أنه قد مر في السبب الأول من المسوغات ضعف القول بوجوب التيمم على
من أراق الماء في الوقت ثم الإعادة، وإن ذهب إليه العلامة وغيره، فلا يتم ما قيل هنا
أيضا: إن المراد بتعمد الجنابة في نحو المتن قبل الوقت لا بعده، لأنه كإراقة الماء بعده،
على أنه قياس: مع الفارق عند التأمل إذا لم يجد شيئا من الماء، لكون فرضه حينئذ التراب،
فلا يتفاوت بين حدثية الأصغر والأكبر، فلاحظ وتأمل.
* (و) * كذا قيل كما في الوسيلة والجامع وعن المقنع والنهاية والمبسوط والمهذب * (فيمن
منعه زحام الجمعة عن الخروج) * حتى خشي فواتها * (مثل ذلك) * أي يتيمم ويصلي بلا
خلاف أجده فيه هنا حتى من بعض من أنكر جوازه للضيق، ولعله للفرق بينهما من
حيث مانعية الزحام هنا لا الضيق مجردا، فيشمله حينئذ عمومات التيمم، ثم يعيد للشك
في إجزائها عن المائية هنا، ولموثق سماعة (1) عن الصادق عن أبيه عن علي (عليهم السلام)
" أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة فأحدث أو ذكر أنه
على غير وضوء ولا يستطيع الخروج عن المسجد من كثرة الزحام قال: يتيمم ويصلي
معهم، ويعيد إذا انصرف " كخبر السكوني (2) بتفاوت لا يقدح في المراد.
ولعل الأقوى فيه عدم الإعادة أيضا وفاقا للفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني
وغيرهم من متأخري المتأخرين، بل لعله لا خلاف فيه بينهم، للأصل وقاعدة الاجزاء،
والبدلية، والتعليل السابق له باتحاد ربهما وكونه أحد الطهورين، وكثير مما مر آنفا
من إطلاق معقد إجماع عدم الإعادة وغيره، فلا شك في الاجزاء حينئذ بعد ذلك،
ولا قوة للخبرين على التخصيص وإن كان أحدهما موثقا، والآخر عن الشيخ في العدة
الاجماع على العمل بما يرويه، لكنهما مع ما سمعت ظاهران في إرادة الصلاة مع العامة،
سيما والمعروف في ذلك الزمان انعقادها لهم، واشتمال سؤالهما على عرفة مع ظهور

(1) الوسائل - الباب 15 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب 15 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
229

الجواب عن الجمعة خاصة لا ينافي ذلك.
فيتجه حينئذ الإعادة لعدم إجزاء تلك الصلاة في حقه لو كانت بطهارة مائية
فضلا عن الترابية، بل تكليفه صلاتها ظهرا، والفرض أنه متمكن من ذلك لاتساع الوقت
وارتفاع الزحام بعد الفراغ من الجمعة، واحتمال إجزائها لعموم أوامر التقية وإن كان
متمكنا منها ظهرا ضعيف، فما في كشف اللثام - بعد ذكره الخبرين وهما وإن ضعفا إلا
إن في إجزاء هذه الصلاة وهذا التيمم نظرا، فالإعادة أقوى - متجه إن أراد ما ذكرنا
وإلا كان محلا للتأمل، بل والمنع لما عرفت، اللهم إلا أن يريد أنه يشك مع عدم تمكنه
من المائية في وجوب الصلاة جمعة عليه وإن لم يكن تقية، لأن لها بدلا مع تعذرها، وهو
صلاتها ظهرا فلا يكون خوف فواتها حينئذ مسوغا للتيمم.
ولعله لذا قال في المهذب البارع: " لو كان المانع من الطهارة خوف فوات الجمعة
مع التمكن من الخروج من الجامع لسهولة الزحام وضيق الوقت لم يجز التيمم إجماعا " انتهى.
وفيه أنه لا وجه للشك في ذلك بعد فرض عينية الجمعة عليه، وإن كان لها بدل اضطراري،
على أنه ليس بدلا حقيقة، بل هو تكليف آخر يثبت بعد تعذر الأول عليه، ولا تعذر
مع إقامة الشارع التراب مقام الماء، وإجماع المهذب، مع أنه ليس مما نحن فيه، لكون
المانع هنا الزحام - قد يمنع عليه حيث تكون الجمعة واجبا عينا.
نعم قد يتجه ما ذكر في نحو زمن الغيبة بناء على الوجوب التخييري بينها
وبين الظهر، لعدم ثبوت مسوغية فوات أحد فردي الواجب المخير التيمم له، بل يتعين
عليه حينئذ الفرد الآخر بالطهارة المائية، وكذا ما نحن فيه من الزحام، فلا يشرع
التيمم حينئذ لا أنه يشرع ويعيد مع أنه للتأمل فيه مجال، لكن الاحتياط لا ينبغي أن
يترك بحال، سيما بعد اعتبار الخبرين في الجملة وعمل من عرفت بهما من الأصحاب.
* (وكذا) * قيل كما عن النهاية والمبسوط في * (من كان على) * ثوبه الذي لا يتمكن
230

من نزعه بل أو * (جسده) * لأولويته من الأول وإن اقتصر عليه فيهما * (نجاسة) *
لا يعفى عنها * (ولم يكن معه ماء لإزالتها) * تيمم لعموم أدلته، ثم يعيد بعد التمكن من
غسلها، للموثق (1) عن الصادق (عليه السلام) بعد أن سئل عن رجل ليس عليه إلا
ثوب، ولا يحل الصلاة فيه، وليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟ قال: يتيمم ويصلي،
وإذا أصاب ماء يغسله وأعاد الصلاة ".
وفيه - مع قصوره عن معارضة غيره من الأصل، وقاعدة الاجزاء، والتعليل
السابق، وإطلاق ما دل على عدم الإعادة من الأخبار، ومعقد الاجماع، وغيره خصوصا
لو أراد الخصم منها ما يشمل القضاء، سيما بعد حصول الاعراض ممن عداه من الأصحاب
عنه نصا وظاهرا، بل منه أيضا في الخلاف، بل ظاهره فيه الاجماع على عدم الإعادة
حيث أضافه إلى مذهبنا، بل ظاهر المحكي عنه في المبسوط عدم الإعادة أيضا، لكن
بالنسبة إلى نجاسة البدن، وسيما مع إطلاق الثوب فيه من غير تقييد بعدم التمكن من
نزعه - أنه لا صراحة فيه بما نحن فيه، لاحتماله كون ذلك من أحكام النجاسة حتى لو كان
متطهرا بالماء، بل في كشف اللثام أنه الظاهر كما أنه استظهر في المنتهى من الشيخ أن
الإعادة بمجرد تمكنه من غسلها خاصة وإن لم يتمكن من الطهارة المائية، لتعليقه الإعادة
على عدم الغسل، ولأن المؤثر وجودها وقد زالت، وإن اعترضه في جامع المقاصد بأنه
لا دلالة في عبارة الشيخ على ما ادعاه، بل ظاهر ذكره لها في باب التيمم - وعدم تعرضه
لذلك في أحكام النجاسة، واستدلاله بحديث عمار (2) المتضمن للتيمم المشعر بكون
الإعادة للأمرين لا للنجاسة بخصوصها - خلافه لكن قد يمنع ذلك كله عليه.
* (و) * من هنا اتضح أن * (الأظهر عدم الإعادة) * في جميع ما تقدم، وإن الاحتياط
لا ينبغي أن يترك، كما أنه قد اتضح سابقا ما ذكره المصنف بقوله: * (الثاني يجب عليه

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب التيمم - الحديث 1
231

طلب الماء،
فإن أخل بالطلب وصلى ثم وجد الماء في رحله أو مع أصحابه تطهر وأعاد
الصلاة)
* نعم إنما البحث في * (الثالث) * وهو * (من عدم الماء وما يتيمم به) * اختيارا
واضطرارا * (لقيد أو حبس في موضع نجس) * وقلنا بعدم جواز التيمم به، أو غير
ذلك ففي التذكرة وعن القاضي أنه * (قيل يصلي ويعيد) * إذا تمكن، لكنا لم نعرف قائله،
كما اعترف به بعضهم وإن نسبه الأول إلى اختيار الشيخ في المبسوط والنهاية، إلا أن
المحكي عنهما التخيير بين تأخير الصلاة أو الصلاة ثم الإعادة، وهو غير ذلك، كالمحكي
عن جد المرتضى من وجوب الأداء دون القضاء، على أنه لم يثبت، ولذا قال في جامع
المقاصد: " إن سقوط الأداء ظاهر مذهب أصحابنا " والروض " ظاهر الأصحاب بحيث
لا نعلم فيه مخالفا " والمدارك " أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا صريحا ".
قلت: وهو كذلك، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، واحتمال اختصاص
الشرطية في صورة التمكن خاصة - كسائر شروط الصحة من الساتر والقبلة وغيرهما،
بل والاجزاء لعموم ما دل على وجوب الصلاة، وأنها لا تسقط بحال، ولأنه لو انتفى
وجوبها بانتفائه لكانت الطهارة مقدمة وجوب لا وجود، وهو باطل - في غاية الضعف
بعد ظهور تناول ما دل على الشرطية كقوله (عليه السلام) (1): " لا صلاة إلا بطهور "
ونحوه للصورتين، وقياسه على باقي شرائط الصحة - بعد تسليم ذلك في جميعها، وأنه
ليس لدليل خاص فيها - قد يدفعه - على تأمل فيه بعد الاتفاق إلا من نادر لم يثبت
خلافه - الفرق بين ما استفيد منه شرطيتها وبين ما نحن فيه، إذ لعله أمر، ونحوه مما يقيد
عقلا وعرفا بالتمكن، لا نحو قوله (ع): " لا صلاة إلا بطهور " وشبهه، فلا يعارضه حينئذ
ما دل على وجوب الصلاة بعد تناول ما دل على الاشتراط لصورتي التمكن وعدمه،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الوضوء - الحديث 1
232

لظهور كون المراد منها حينئذ بعد تسليم تناولها لفاقد الطهورين لندرته الصلاة المشروط
صحتها بذلك مطلقا، ولا تنافي بين كونها شرطا لصحة الواجب ووجوده وبين كون
التمكن منها شرطا لوجوبه كما هو واضح.
ولذا اعتبر اتساع الوقت لها وللواجب في ابتداء التكليف به في المجنون الذي
أفاق، والصبي الذي بلغ، والحائض التي طهرت، وفي ثبوت القضاء على الحائض ونحوها
إذا جاءها الحيض بعد أن يمضي من الوقت مقدار الطهارة والصلاة، فتأمل. وخبر عدم
السقوط بحال - مع قصوره عن المقاومة هنا وإجماله في الجملة - قد يراد منه ما يعم القضاء.
فظهر من ذلك كله الوجه في سقوط الأداء، وإن كان الأحوط مراعاته، بل
عن نهاية الإحكام استحبابه، لحرمة الوقت والخروج من الخلاف، لكن قد يشكل
ذلك كالذي سمعته من المبسوط والنهاية بأنه قد يتجه لو كانت حرمة الصلاة من غير
طهور تشريعية محضة، لترتفع للاحتياط، لا إذا كانت أصلية كما هو ظاهر الأخبار (1)
الناهية عن ذلك، لأنه الأصل فيه، خصوصا نحو خبر مسعدة بن صدقة (2) " إن قائلا
قال للصادق (عليه السلام): إني أمر بقوم ناصبية وقد أقيمت لهم الصلاة وأنا على غير
وضوء، فإن لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤوا أن يقولوا، فأصلي معهم ثم أتوضأ
إذا انصرفت وأصلي، فقال (عليه السلام): سبحان الله فما يخاف من يصلي من غير
وضوء أن تأخذه الأرض خسفا " لكن قد يقال: إنه لا يتناول محل الفرض، فتأمل.
* (وقيل) * كما هو الأشهر بين المتقدمين والمتأخرين بل المشهور كما عن كشف
الالتباس * (يؤخر الصلاة حتى يرتفع العذر) * بأن يتمكن من أحد الطهورين * (فإن خرج
الوقت قضى) * وهو الأقوى لعموم ما دل عليه من قوله (عليه السلام) (3): " من فاتته

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الوضوء - الحديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الوضوء - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات الحديث 1 مع اختلاف في اللفظ
233

فريضة فليقضها كما فاتته " وغيره (1) ودعوى عدم شموله لمثل هذا الفرد النادر ممنوعة
سيما في المقام، لكون الفوات فيه عاما أو كالعام من حيث وقوعه في سياق العموم
لا مطلقا، على أنها ندرة وجود لا إطلاق، وكذا دعوى اختصاصه بمن وجب عليه
الأداء، لظهور لفظ الفريضة فيه، ولعدم صدق اسم الفوات بدونه، وإلا لوجب على
الصبي والمجنون والحائض ونحوهم، بل وعلى التارك قبل الوقت، لوضوح إرداة الشأنية
في الفريضة لا الفعلية، وكفاية دخول الوقت الذي هو سبب الوجوب في صدق اسم
الفوات، وإلا لم يجب القضاء على الساهي والناسي والنائم، فلا يرد الترك قبله كما لا يرد
الحائض ونحوها بعد الخروج بالدليل، على أنه قد يفرق فيه خصوصا في الصبي والمجنون
بصحة الطلب هنا، وبقاء المصلحة في الفعل وإن منع من الوجود مانع، بخلافه في ذلك.
* (و) * من هنا ظهر لك ضعف ما * (قيل) * كما في الجامع وعن المفيد في أحد قوليه أنه
* (يسقط الفرض أداء) * لما عرفت * (وقضاء) * للأصل، وتبعيته للأداء، وللتشبيه
للحائض بسقوط صلاة كل منهما بحدث لا يمكن إزالته، ولانصراف أدلة القضاء لغيره
من الأفراد المتعارفة، * (و) * إن قال المصنف * (هو الأشبه) * وتبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه
كالعلامة في جملة من كتبه، والمحقق الثاني وغيرهما، كما أنه تردد في النافع وعن غيره لذلك.
لكنك عرفت انقطاع الأصل بما مر، ومن التبعية بهذا المعنى كالتشبيه إن لم
يكن قياسا، وكذا الانصراف، على أن ذلك ندرة وجود لا إطلاق، فحينئذ سابقه
أشبه لا هو، كما أنه أشبه قطعا مما يحكي عن المفيد في رسالته إلى ولده وأبي العباس في
صلاة موجزه والصيمري في طهارة كشف الالتباس من وجوب ذكر الله عليه مقدار
الصلاة، والاكتفاء به عن الأداء والقضاء، لعدم الدليل على استحباب ذلك بالخصوص
له فضلا عن وجوبه، نعم قد يستأنس له في الجملة بذكر الحائض، ولعله لذا نفى عنه

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات
234

البأس في كشف اللثام بعد أن حكى عن المفيد أن عليه ذكر الله مقدار الصلاة، وكأنه
فهم منه إرادة الندب، والأمر سهل.
* (الرابع إذا وجد) * المتيمم * (الماء قبل دخوله في الصلاة) * انتقض تيممه و * (تطهر) *
به إجماعا في التحرير والمختلف، بل من العلماء إلا ما نقل عن أبي سلمة والشعبي كما في التذكرة،
بل لا استثناء في المعتبر والمنتهى، وهو الحجة، مع النصوص المستفيضة (1) حد الاستفاضة
الدالة على انتقاض التيمم بوجدان الماء، وهي وإن كانت مطلقة كمعاقد الاجماعات
السابقة عدا التذكرة.
لكن ينبغي القطع بإرادة التمكن من الاستعمال منها مع ذلك، كما هو ظاهر معقد
إجماع التذكرة أو صريحه، كصريح معقد إجماع المعتبر والذكرى، وخبر أبي يوسف (2)
عن الصادق (عليه السلام) المروي عن تفسير العياشي " إذا رأى الماء وكان يقدر عليه
انتقض التيمم " الحديث. وإلا فوجدانه مع عدم التمكن منه بمنزلة العدم، ولذا ساغ
التيمم معه، فكيف يصلح ناقضا له.
كما أنه ينبغي القطع أيضا باعتبار التمكن الشرعي كالعقلي، إذ الممتنع شرعا
كالممتنع عقلا، فلا ينتقض حينئذ بوجدانه مع ضيق الوقت عن الاستعمال بناء على ما اخترناه
من وجوب الصلاة في تلك الحال، لعدم التمكن حينئذ، فما في المدارك أن إطلاقهم
وجوب التطهير هنا مؤيد للقول بعدم مشروعية التيمم للضيق في غير محله بعد ما عرفت
من تقييده بذلك قطعا، نعم لو لم نقل بوجوب أداء الصلاة عليه في تلك الحال اتجه
حينئذ القول بعدم مشروعية التيمم، فكل على مختاره فيه حينئذ، على أن هذا الاطلاق
لم يكن مساقا لبيان ذلك، إنما المراد نقضه من حيث السبق على الصلاة أو اللحوق

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التيمم - الحديث 6 لكن رواه عن أبي أيوب
كما يأتي في الصحيفة 237
235

أو الأثناء من دون نظر للسعة أو الضيق كما هو واضح.
وكذا ينبغي القطع بكون المراد بما ذكرناه من ناقضية التمكن من الاستعمال هو
التمكن منه تماما، وإلا فالتمكن من بعض الغسل أو الوضوء مثلا بمنزلة عدمه قطعا،
فلا بد حينئذ للحكم بناقضيته واقعا من مضي زمان يسع المكلف به وهو متمكن، فلو علم
من أول الأمر عدم ذلك، أو ظهر في الأثناء بأن تعذر الماء مثلا لم يعتد به وانكشف
بقاء صحة التيمم سابقا، ولا ينافيه الحكم الظاهري سابقا بفساده بناء على ظهور بقاء
التمكن، كما لا ينافي احتمال بقاء صحة التيمم واقعا لاحتمال تعذر الماء مثلا بنية الطهارة
المائية والجزم بها، أخذا بذلك الظاهر كسائر العبارات.
فمن العجيب ما في الرياض حيث قال: " وليس في إطلاق المصنف كغيره اعتبار
تمكن الاستعمال بمضي زمان يسعه كما هو أحد القولين وأحوطهما، وقيل باعتباره، لأصالة
بقاء الصحة وعدم ما ينافيها في المستفيضة بناء على عدم تبادر عدم إمكان الاستعمال منها،
فيقتصر في تخصيصها على القدر المتيقن منها، وهو حسن لولا معارضة أصالة الصحة في
التيمم بأصالة بقاء شغل الذمة بالعبادة، وبعد التعارض تبقى الأوامر بها سليمة " انتهى.
إذ هو - مع أنا لم نعرف أول القولين لأحد من الأصحاب سوى ما عساه يظهر
من الفقيه في بادئ النظر، ومال إليه بعض متأخري المتأخرين، بل المصرح به في كلام
جماعة منهم الكركي الثاني، ومعارضة الاحتياط بمثله في بعض المقامات، وتسليم صلاحية
معارضة أصالة الشغل لأصالة الصحة هنا، لحصول الفراغ اليقيني شرعا بها، ولعدم الفرق
في حجية الاستصحاب عندنا في قدح العارض، أو عروض القادح - أن المتبادر من
المستفيضة بل وعبارة الصدوق أيضا كاطلاق الأصحاب التمكن تمام الاستعمال لغلبته
لا ما ذكره، سيما بعد ما سمعته من معقد الاجماعين السابقين والخبر، فيتجه الاستدلال
حينئذ بما يستفاد منها ومن غيرها من حصر الناقض للتيمم بالحدث ووجدان الماء بعد
236

أن عرفت انصراف الوجدان لما تقدم، فتأمل جيدا.
* (و) * أما * (إن وجده) * أي الماء * (بعد فراغه من الصلاة لم يجب) * القضاء قطعا،
ولا * (الإعادة) * على الأقوى كما مر ذلك مفصلا، نعم ينتقض تيممه بالنسبة إلى غيرها
من الصلوات وإن كان قبل الوقت وفقده بعده، لاطلاق النصوص (1) الدالة على انتقاضه
بذلك من دون تقييد له بوجدانه في الوقت مع ترك الاستفصال فيها، بل هو صريح
خبر حسين العامري (2) عمن سأله " عن رجل أجنب فلم يقدر على الماء وحضرت الصلاة
فتيمم بالصعيد ثم مر بالماء ولم يغتسل وانتظر ماء آخر وراء ذلك فدخل وقت الصلاة
الأخرى ولم ينته إلى الماء وخاف فوت الصلاة قال: يتيمم ويصلي " فإن تيممه الأول
انتقض حين مر بالماء ولم يغتسل، وخبر أبي أيوب (3) عن الصادق (عليه السلام)
المروي عن تفسير العياشي إلى أن قال: " قلت: فإن أصاب الماء وهو في آخر الوقت
فقال: قد مضت صلاته، وقال: قلت له: فيصلي بالتيمم صلاة أخرى، قال: إذا رأى
وكان يقدر عليه انتقض التيمم " إلى غير ذلك من الأخبار التي كادت تكون صريحة فيه.
فما في كشف اللثام - من أنه لو وجده بعد الفراغ من الصلاة وخروج وقتها
لم يبطل بالنسبة إليها إجماعا وصحت، وبالنسبة إلى غيرها وجدان قبل الشروع، لكنه
قبل وقتها غير متمكن من استعماله فيجري فيه ما يأتي فيمن وجده في الصلاة ثم فقده -
لا يخلو من تأمل، لوضوح الفرق بين المسألتين بالمنع الشرعي في تلك وعدمه فيما نحن فيه.
واحتمال القول أنه لا يشرع الطهارة للصلاة قبل وقتها حتى التأهب، بناء على
أنه الكون على الطهارة في الحقيقة وإن شرع لغيرها، فلا يكون متمكنا حينئذ شرعا،
فيتساويان يدفعه بعد التسليم أنه يكفي في النقض التمكن من الطهارة في نفسها وإن لم
تكن للصلاة، لما عرفته سابقا من إطلاق النصوص والفتاوى وصريح الخبرين السابقين،

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التيمم - الحديث 0 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التيمم - الحديث 0 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التيمم - الحديث 0 - 2 - 6
237

بل لا يبعد عدم الاحتياج في النقض بعد مضي الزمان المذكور إلى تحقق الخطاب بالطهارة،
بل يكفي عدم المنع لو كانت غاية تشرع لها، فلو فرض التمكن من الماء مثلا في حال
عدم غاية من غايات الطهارة حتى الكون على الطهارة لمنع السيد أو الوالد انتقض التيمم،
إذ ليس مبناؤه تحقق الخطاب بها، فينافي التيمم كما عساه يوهمه ما في جامع المقاصد
وغيره، فتأمل جيدا.
* (و) * أما * (إن وجده وهو) * داخل * (في الصلاة) * ف‍ * (قيل) * كما في جمل المرتضى
وعن مصباحه وشرح رسالته والاصباح والمقنع والنهاية والحسن بن عيسى والجعفي
وجماعة من متأخري المتأخرين منهم الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح والعلامة الطباطبائي
في المنظومة * (يرجع ما لم يركع) * في الركعة الأولى، أما الرجوع قبله فلأصالة الشغل،
وإطلاق النقض بإصابة الماء كاشتراط صحة التيمم بعدم الوجدان، وأولويته من ناسي
الأذان والإقامة، وثبوت شرطية الطهارة المائية للأجزاء كالجملة وصحيح زرارة (1)
المروي في الكافي والتهذيب مع اختلاف في الطرق، قال: " قلت لأبي جعفر (عليه
السلام): إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة قال: فلينصرف، فليتوضأ ما لم يركع،
فإن كان قد ركع فليمض في صلاته، فإن التيمم أحد الطهورين " وخبر عبد الله بن
عاصم (2) عن الصادق (عليه السلام) المروي في الكافي والتهذيب ومستطرفات السرائر
نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب " عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة
فجاء الغلام فقال: هو ذا الماء فقال: إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضأ، وإن كان
قد ركع فليمض في صلاته ".
ومنهما مع جميع ما تسمعه من دليل المشهور الذي أشار إليه المصنف بقوله: * (وقيل
يمضي في صلاته ولو تلبس بتكبيرة الاحرام حسب) * تحصيلا ونقلا في جامع المقاصد

(1) الوسائل - الباب 21 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب 21 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 2
238

والروض ومجمع البرهان، بل في السرائر الاجماع عليه في باب الاستحاضة يستفاد حكم
عدم الرجوع بعد الركوع من الأصل براءة، واستصحابا للصحة، وظهور الأدلة في
اشتراط صحة التيمم بعدم الوجدان إلى أن يشرع في المقصود، والمنزلة، وكفايته عشر
سنين بعد الاقتصار على المتيقن من نقض الإصابة، كتعليل عدم الإعادة لو وجده بعد
الفراغ بكونه أحد الطهورين، مع التعليل السابق في صحيح زرارة كصحيحه الآخر مع
محمد بن مسلم (1) لكنه بعد صلاة ركعتين، قال فيه: " قلت له: رجل لم يصب الماء
وحضرت الصلاة فتيمم وصلى ركعتين، ثم أصاب الماء أينقض الركعتين أو يقطعهما
ويتوضأ ثم يصلي؟ قال: لا، ولكنه يمضي في صلاته ولا ينقضهما، لمكان أنه دخلها
وهو على طهر بتيمم " الحديث. والنهي كتابا (2) عن إبطال العمل، وسنة (3) عن
الانصراف حتى يسمع الصوت ويجد الريح، حتى خبر محمد بن حمران (4) عن الصادق
(عليه السلام) قال: " قلت له: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة وقد كان طلب الماء فلم
يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة قال: يمضي في الصلاة، واعلم أنه ليس
ينبغي لأحد أن يتيمم إلا في آخر الوقت " الحديث. بعد تقييده كغيره من الأدلة
السابقة بما تقدم مما دل على الرجوع قبل الركوع.
نعم قد يقال: إن ما عدا الخبرين غير صالح للتقييد أصلا، بل هو مقيد بذلك،
وأما هما فقاصران عن تقييده أيضا، لاعتضاده مضافا إلى ما سبق من الأصل والمنزلة
والتعليل والنهي عن الابطال وغيرها بالشهرة، بل إجماع السرائر والرضوي (5)

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم - الحديث 4
(2) سورة محمد صلى الله عليه وآله - الآية 35
(3) المستدرك - الباب 1 - من أبواب قطع الصلاة - الحديث 7
(4) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(5) المستدرك - الباب - 16 - من أبواب التيمم - الحديث 3
239

" فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح وأتيت بالماء فلا تقطع الصلاة ولا تنقض
تيممك وامض في صلاتك " والمرسل في جمل المرتضى قال: " وروي أنه إذا كبر تكبيرة
الاحرام مضى فيها " كما عن ابن أبي عقيل ذلك أيضا.
كل ذلك مع إمكان منع صلاحية خبر ابن حمران للتقييد من حيث ظهور سؤاله
بما قبل الركوع، فيكون حينئذ معارضا لا مطلقا، ولذا قال في المعتبر بعد ذكره وذكر
خبر ابن عاصم الدال على جواز الرجوع ما لم يركع ": إن الأولى أرجح من وجوه،
أحدها أن محمد بن حمران أشهر في العدالة والعلم من عبد الله بن عاصم، والأعدل مقدم،
الثاني أنها أخف وأيسر، واليسر مراد الله، الثالث أنه مع العمل بالأولى يمكن تنزيل
الثانية على الاستحباب، بخلافه لو عمل بالثانية، فإنه لا يمكن حينئذ العمل بالأولى " انتهى.
كما أنه احتمله أي الاستحباب في الاستبصار، بل عن المبسوط والاصباح الجزم
به، كظاهر المنتهى، بل عن التذكرة ونهاية الإحكام قربه مطلقا أي قبل الركوع
وبعده، وزاد في المنتهى احتمال تنزيل الرواية على إرادة الدخول فيما قارب الصلاة من
المقدمات كالآذان والإقامة ونحوهما، وعلى إرادة الصلاة من الركوع من باب إطلاق اسم
الجزء على الكل.
قلت: ولذلك قال المصنف: * (وهو) * أي القول بعدم الرجوع مطلقا * (الأظهر) *
من الأول، لكن قد يقوى في النظر القاصر خلافه، لمنع قصور الخبرين عن تقييد
ما تقدم سيما الأصل، مع إمكان معارضة إرادة الصحة منه بأصالة الشغل، وسيما إطلاق
المنزلة والبدلية لو سلم شمولها لما نحن فيه، للقطع بكون المراد منها أنه بمنزلته مع فقده وعدم
وجدانه، وسيما التعليل السابق، لظهور صحيح زرارة في كون محله إنما هو بعد الركوع
لا قبله، فيحمل ذلك في صحيحه الآخر عليه، لاتحاد الراوي والمروي عنه فيهما.
240

وسيما النهي عن إبطال العمل لو سلم كون المراد من الآية ذلك، لظهورها في
إرادة النهي عن إبطال الأعمال بالارتداد والكفر ونحوهما، ومن هنا أنكر بعض
المتأخرين وجود ما يدل على النهي عن قطع الصلاة في الكتاب والسنة، فليس حينئذ
إلا الاجماع إن ثبت، وهو هنا في محل المنع، سيما بعد ما عرفت من الحكم بالاستحباب
عند من تقدم ممن قال بالمضي، وأن ذلك منه عجيب بعد استدلاله بالنهي عن الابطال،
بل قد يتعجب أيضا حينئذ من جواز إتمام الصلاة بالتيمم مع التمكن من الطهارة المائية
التي هي شرط للأبعاض كالجملة، مع كون التيمم طهارة اضطرارية، ولا اضطرار بعد
فرض جواز القطع فضلا عن استحبابه، وقد يتعجب أيضا من اجتماع استحباب القطع
مع الوجوب إلا على تكلف، هذا. على أن ذلك بعد ثبوته بطلان لا إبطال لعمل صحيح،
وكيف وصحته متوقفة على ثبوت عدم ناقضية الماء للتيمم في هذا الحال، وهو محل البحث.
وكذا الكلام فيما دل على النهي عن الانصراف حتى يجد الريح إلى آخره. مع أنه مساق لبيان أمر آخر، وهو عدم الالتفات إلى ما يتخيله الانسان حدثا مما ينفخ
الشيطان في دبره.
وأما خبر ابن حمران فهو - مع ما في سنده من اشتراك ابني سماعة وحمران بين
الثقة وغيره - محتمل لأن يراد بالدخول في الصلاة فيه الدخول بالركوع منها، إذ هو الدخول
الكامل، سيما مع ملاحظة ما ورد أن أولها الركوع (1) وأن الصلاة ثلث طهور، وثلث
ركوع، وثلث سجود (2) وأن إدراك الركعة بادراك الركوع (3) إلى غير ذلك.
ومنه يعرف ما في دعوى صراحته أو ظهوره بما قبل الركوع، ولو سلم لأمكن
حمله على ضيق الوقت عن القطع والطهارة كما يشعر به ذيله، فيخرج عن محل النزاع

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع - الحديث 6 - 1 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع - الحديث 6 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب صلاة الجماعة
241

حينئذ، ولو سلم عدم قبولها لذلك فلا ريب أن خبر زرارة المروي في التهذيب والكافي
بأعلى درجات الصحة، مع أن زرارة لا يقاس بغيره علما وعدالة المعتضد بخبر ابن عاصم
المروي فيهما ومستطرفات السرائر أيضا، بل في الأول منهما بغير واحد من الطرق،
بل يمكن تصحيحه بأحدها، سيما بعد ما سمعته من المعتبر مما يفيد عدالة عبد الله، وإن ذكر
أن غيره أعدل منه، وبما تقدم سابقا من أصالة الشغل، وما دل (1) على النقض بوجدان
الماء، وبما ورد (2) من زيادة التأكد على الطهارة المائية حتى أمر بشراء مائها بأضعاف
ثمنه، وأن التيمم طهارة اضطرارية، بل ربما عد أنه هلاك الدين، إلى غير ذلك من
الأمور الكثيرة أقوى وأرجح قطعا، خصوصا مع موافقة خبر ابن حمران لفتوى كثير
من العامة كالشافعي وداود وأحمد في رواية، وأبي ثور وابن المنذر، بخلاف رواية
التفصيل، فإنها لم ينقل عن أحد منهم القول بها، والرشد في خلافهم.
ومن ذلك كله يظهر لك ما في دعوى العكس كما سمعته من المعتبر، لكن قد
يعتذر عنه بأنه لم يطلع على صحيحة زرارة، ولذا لم يتعرض لها أصلا، نعم يتجه ذلك
على غيره كالمنتهى، واحتمال دفع ذلك كله بالشهرة بل انقراض الخلاف بين عظماء
المتأخرين مع الاجماع السابق عن السرائر والرضوي يدفعه - بعد تسليم صلاحية مثل
هذه الشهرة لذلك، لعدم ندرة مقابلها، بل المسلم منها أكثرية المخالف في الجملة - قد
يناقش فيها بعدم تحققها أيضا في محل النزاع، وهو ما لو وسع الوقت للقطع والطهارة،
لاحتمال كلام كثير من المخالف هنا أن عدم جواز القطع للبناء منهم على التيمم عند الضيق
الذي لا يسع معه ذلك، وإلا فمع السعة له يتعين عندهم ما قلناه، كما صرح به في التهذيب
والاستبصار في وجه كالمختلف، ويعطيه كلام ابن زهرة، بل والسرائر، كما عن الواسطة

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب 26 - من أبواب التيمم
242

أيضا، بل لعل المتجه حينئذ عندهم جواز القطع ولو تجاوز الركوع، بل إلى تمام الصلاة،
لأولويته من الإعادة بعد الفراغ لو ظهرت السعة المصرح بها في كلام جماعة منهم، فظهر
حينئذ أن حكمهم هنا بعدم جواز الانصراف إن كان مبناه مراعاة الضيق في التيمم لم يكن
من محل النزاع في شئ، بل ينحصر حينئذ في القول بجوازه في السعة أو في الضيق،
لكنه عرفي لا يقدح فيه مثل ذلك، أو يقال بعدم وجوب الإعادة معه لو اتفق السعة،
كما هو أقوى القولين على القول بالتضيق.
وأما إجماع السرائر فهو - مع إمكان منعه عليه، لمعروفية الخلاف في المسألة،
بل هو نفسه نقل فيها الأقوال هنا، ولم يقطع بواحد منها، ولا ادعى إجماعا وإن اختار
القول بالمضي - محتمل بل ظاهر في غير ما نحن فيه، وإن كان ربما يوهم في بادئ الرأي
ظاهر عبارته ذلك، لكنه بعد التأمل يعلم أن مراده عدم جواز قطع الصلاة للتيمم
بوجدان الماء في الجملة للاجماع لا للاستصحاب، فلاحظ وتأمل، على أنه يحتمل أن يكون
ذلك منه بناء على الضيق في التيمم كما هو مختاره، بل ظاهره الاجماع عليه.
وأما الرضوي فمع احتماله ذلك أيضا ليس بحجة عندنا.
فاتضح من ذلك كله بحمد الله أن الأظهر الرجوع قبل الركوع وعدمه بعده
وإن كان الاحتياط مع السعة بالاتمام مطلقا ثم الإعادة لا ينبغي تركه، بل ولو كان إصابته
للماء بعد الركوع أيضا، خروجا عن شبهة الخلاف المحكي عن ابن الجنيد، قال: " إن
وجد الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية، فإن ركعها مضى في صلاته،
فإن وجده بعد الركعة الأولى وخاف من ضيق الوقت أن يخرج إن قطع رجوت أن
يجزيه أن لا يقطع صلاته، أما قبله فلا بد من قطعها مع وجود الماء " انتهى. وإن لم
نعثر على ما يشهد لتمام دعواه حتى صحيح زرارة وابن مسلم المتقدم سابقا وإن ظن، بل
243

فيه ما يشهد بخلافه، نعم قد يشهد لبعضها خبر الصيقل (1) قال: " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام): رجل تيمم ثم قام يصلي فمر به نهر وقد صلى ركعة قال: فليغتسل ويستقبل
الصلاة، فقلت: إنه قد صلى صلاته كلها قال: لا يعيد ".
وهو - مع الغض عما في سنده، وعدم نصه على القطع واستقبال الصلاة، واحتماله
فعل ما يريده من الصلاة بعد ذلك، وأن المراد بقوله " ركعة " صلاة، ولا ينافيه قوله ثانيا:
" أنه قد صلى صلاته كلها " لجواز كونه تكرارا لسؤاله الأول تصريحا بمراده، وأن المراد
صلى صلاته اليومية كلها، ومعارضته بخبر زرارة (2) عن الباقر (عليه السلام) في خصوص
الركعة، قال فيه: " سألته عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل ومعه قربتان من
ماء قال: يقطع الصلاة ويتوضأ ثم يبني على واحدة " الحديث - قاصر عن معارضة
ما تقدم من وجوه، مع أنه محتمل الحمل على التقية، لموافقته للمحكي عن الثوري وأبي حنيفة
وأحمد في رواية من القول بالرجوع مطلقا، ولعل ذلك أولى من حمله على الاستحباب
وإن احتمله في الاستبصار، لقصوره عن إفادته هنا وإن قلنا بالتسامح فيه، لمعارضته
لما دل على حرمة القطع التي هي العمدة في الاتمام بالتيمم، وإلا لو جاز القطع لم يثبت
الاضطرار الذي هو شرط صحة التيمم ابتداء واستدامة، فتأمل.
وكذا لم نعثر على ما يشهد للمحكي عن سلار أنه ينقض التيمم وجود الماء مع
التمكن من استعماله إلا أن يجده وقد دخل في صلاة وقراءة، وإن وجه تارة بأنه حينئذ
أتى بأكثر الأركان من النية والقيام والتكبير وأكثر الأفعال، وهي القراءة، وأخرى
باعتبار مسمى الصلاة، لكنه كما ترى.
كالمحكي أيضا في الذكرى عن ابن حمزة في الواسطة من القول بأنه " إذا وجد
الماء بعد الشروع وغلب على ظنه عدم ضيق الوقت لو قطع وتطهر وجب عليه ذلك،

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم - الحديث 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم - الحديث 6 - 5
244

وإن لم يمكنه ذلك لم يقطعها إذا كبر، وقيل: يقطع ما لم يركع، وهو محمول على
الاستحباب " انتهى.
واستغربه في الذكرى، ولعله لأنه لم يعرف أحدا من أصحابنا قال بجواز القطع
مطلقا، بل في نهاية الإحكام الاجماع على إتمام الصلاة لو كان قد وجد الماء بعد ركوع
الثانية، وكأنه فهم أن مراد ابن الجنيد فيما تقدم من الركعة الركوع.
قلت: لكن قد يقال: إن ما ذكره في الواسطة مع أنه قضية ما في التهذيب
والغنية وغيرهما لازم لكل من أوجب التيمم عند الضيق والإعادة مع ظهور السعة، كما
أشرنا إلى ذلك آنفا، إذ هو أولى منها حينئذ، على أن مبناها عندهم ظهور فساد التيمم،
فلا ينبغي استغرابه.
فتحصل من مجموع ما ذكرنا أن الأقوال خمسة، بل ربما عد ما في الموجز الحاوي
- من الفرق بين الصلاة المسقطة للقضاء وغير المسقطة بناء على ثبوتها في بعض الصور السابقة
كالمتيمم للزحام أو واجد الماء في سعة الوقت ونحو ذلك، فلا يقطع الأولى بمجرد التلبس،
بخلاف الثانية فيقطعها مطلقا، لكونه أولى من الإعادة - سادسا، واستجوده في الذكرى،
كما عن الدروس أنه الأقرب.
لكن قد عرفت فيما مضى عدم ثبوت الإعادة أو القضاء في المسائل السابقة عندنا
مطلقا، بل يمكن المنع بناء عليه أيضا، للنهي عن إبطال العمل، ومنع ظهور بطلانها
بذلك، نعم قد يقال بالبطلان في نحو صلاة فاقد الطهورين بناء على وجوب الأداء عليه،
للفرق بينها وبين الصلاة بالتيمم في المسائل السابقة وإن اشتركا بوجوب الإعادة أو القضاء
مع الوجدان، على أنه لا يخلو من بحث، فتأمل جيدا.
ثم إنه بناء على المختار من الاتمام لو كان قد وجد الماء بعد الركوع أو مطلقا على
المشهور فهل ينتقض تيممه بالنسبة إلى غيرها من الصلوات لو فقده قبل الفراغ أو بعده
245

قبل التمكن أو لا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الثاني، وفاقا للمصنف والشهيد والمحقق
الثاني وغيرهم، بل لم أعثر فيه على خلاف صريح إلا ما نقل عن المبسوط والموجز، مع
أن عبارة الثاني كالمحكي من عبارة الأول لا صراحة فيها بذلك، بل لعل ظاهرهما خصوصا
الموجز خلافه، نعم نقل عن كشف الالتباس أنه حكاه عن فخر الدين وقربه أولا في
المختلف ثم توقف فيه بعد ذلك، كما أنه قواه في المنتهى، وربما مال إليه في التذكرة.
وكيف كان فالأصح ما عرفت للأصل، واستصحاب الصحة. واستبعاد اجتماع
الصحة والفساد في طهارة واحدة، كاستبعاد البقاء على الصحة مع وجود الماء والانتقاض
بعده، ولاطلاق ما دل على عدم نقض التيمم إلا بالحدث أو إصابة الماء بعد إرادة
التمكن من ذلك الذي هو أعم من الشرعي والعقلي كما تقدم ويأتي، لتحريم قطع الصلاة
عليه هنا، ودعوى الاكتفاء في النقض بتحقق القدرة عقلا وإن منع شرعا ممنوعة.
نعم قد يقوى القول بالنقض كما في المنتهى بناء على ما صرح به بعض من قال
بالمشهور من جواز القطع، وإن أمكن النظر في جميع ما ذكره مستندا لذلك من أولويته
من ناسي الأذان وسورة الجمعة وإدراك الجماعة، ومن أنه كمن شرع في صوم الكفارة
فوجد الرقبة، بل ربما قيل باستحبابه قبل الركوع خروجا عن شبهة الخلاف، وحملا
لدليل الخصم من صحيح زرارة ونحوه عليه، لعدم رجوع شئ منها إلى دليل معتبر
يقطع العذر في الخروج عما دل على حرمة إبطال العمل.
وكذا ما في القواعد من أن له العدول إلى النافلة ثم يقطع أو يتم، لأولويته
من إدراك الجماعة، مع احتمال أن لا يكون مثله إبطالا، وفيه منع، لكن على كل منهما
يتجه القول بنقض التيمم حينئذ لحصول ما ينتقض به من التمكن عقلا وشرعا، ولا
ينافيه جواز إتمام خصوص تلك الصلاة به، للأدلة الخارجية الحاكمة على عموم ما دل
على ناقضية به، مع احتمال عدم النقض أيضا وإن قلنا به أي جواز القطع أو العدول
246

كما هو قضية ما في الذكرى وجامع المقاصد، تمسكا بما عدا الأخير من الأدلة السابقة.
ومن ذلك كله يعلم الحكم فيما لو كان الوجدان في أثناء نافلة بناء على مساواتها
للفريضة فيما تقدم من الاتمام مطلقا أو قبل الركوع وعدمه، كما اختاره في المنتهى
والتحرير والقواعد وعن المبسوط ومعطي البيان والمسالك، لأصالة البراءة، واستصحاب
الصحة، وترك الاستفصال في الأخبار السابقة، إلى غير ذلك مما مر سابقا في الفريضة.
ويمكن الفرق بينهما، بل قد يقوى، فيتعين القطع فيها دونها بجوازه اختيارا هنا
بخلافه في الفريضة، ومعه يتحقق شرط النقض، فينقطع الأصل، وترك الاستفصال
إنما هو لظهور السؤال في الفريضة، وإلا لم يتم الأمر بالاتمام مطلقا أو بعد الركوع الظاهر
في الوجوب، لجواز قطع النافلة اختيارا، وحمله على غير الوجوب مجاز لا قرينة عليه،
على أن تخصيص ما دل على نقض الوجدان للتيمم بما عدا الواجد في الأثناء ولو كان
نافلة ليس بأولى من تخصيص ما دل على عدم نقض الواجد في الأثناء بغير المتمكن من
القطع كالفريضة، لكن ذلك إنما يتم على تقدير وجوب الاستمرار في الفريضة كما هو
الأقوى، وبه صرح بعضهم، بل في المدارك نسبته إلى المستفاد من الأخبار وكلام
الأصحاب، وإلا فبناء على ما سمعته سابقا من بعضهم من جواز قطعها هنا اختيارا لم
يكن فرق بينها وبين النافلة في ذلك.
ومما ذكرنا يظهر لك الحال في الطواف، إذ المتجه فيه انتقاض التيمم أيضا بوجدان
الماء في أثنائه من غير فرق بين الواجب منه والمندوب، بناء على حصول التمكن من
جهة عدم ثبوت حرمة قطعه، والتشبيه له بالصلاة منصرف إلى غيره، وتيمم الميت لفقد
الماء مثلا ينتقض بوجدانه قبل الدفن وإن صلي عليه، لعموم ما دل على وجوب غسله
مع عدم ما يصلح للمعارضة، واحتمال تنزيل الصلاة عليه أو الشروع فيها منزلة التكبير في
الفريضة أو الركوع فلا يجب الغسل كما لا يجب في الفريضة إلا لصلاة أخرى ضعيف جدا
247

وإن استشكل فيه العلامة في التحرير بل والقواعد.
نعم قد يقال بعدم وجوب إعادة الصلاة عليه كما في جامع المقاصد وعن نهاية
الإحكام وغيرهما، لاقتضاء الأمر الاجزاء، بل استوجهه في المعتبر حتى لو وجد الماء
في أثناء الصلاة، وإن وجب تغسيله بعد ذلك، لكن قد يقوى القول بالوجوب في
الأول فضلا عن الثاني كما في الموجز والبيان، وعن الدروس كما عن كشف الالتباس
الميل إليه، لاعتبار وقوع الصلاة بعد الغسل وقد أمكن، فلا يجزئ ما قبله، ولانكشاف
فساد التيمم بالوجدان، ولذا أعيد الغسل، فيكون حينئذ كالصلاة عليه قبل تطهيره،
ومن المستبعد أن لم يكن ممنوعا هنا احتمال صحة التيمم بالنسبة إليها دون الغسل.
* (الخامس المتيمم) * ولو لغاية خاصة * (يستبيح) * جميع * (ما يستبيحه المتطهر بالماء) *
من الغايات التي تشترط الطهارة أو نوع خاص منها كالغسل للبث في المساجد مثلا في
جوازها أو كمالها من غير حاجة إلى تجديد تيمم لكل غاية غاية، لعموم المنزلة والبدلية،
وأنه كالماء لا ينتقض إلا بالحدث أو التمكن من الماء، وهو عين ما عن المبسوط " إذا
تيمم جاز أن يفعل جميع ما يحتاج فعله إلى الطهارة، مثل دخول المساجد وسجود التلاوة
ومس المصحف والصلاة على الجنائز وغير ذلك " انتهى. كما أن قضية كلام غيره ذلك
أيضا، بل لا أعرف فيه خلافا من أحد من الأصحاب بعد فرض كون الغاية مما تستباح
بالتيمم، بل في ظاهر المنتهى أو صريحه الاتفاق عليه.
نعم ربما كان الأصحاب بحث في أصل مشروعية التيمم لبعض الغايات كما
ستسمعه إن شاء الله، كالبحث الذي قد أشرنا إليه في النية في أنه هل يعتبر فيه نية
الاستباحة من الحدث، أو نية ما يشترط في صحته ذلك كالصلاة مثلا، أو لا بل يكفي
فيه نية ما كان الحدث مانعا عن كماله دون جوازه؟ وقد ذكرنا أن الأقوى عدم اعتبار
248

شئ من ذلك في المائية والترابية، وكيف كان فهو خارج عما نحن فيه هنا.
نعم ينبغي أن يعلم أن المراد من استباحة جميع ما يستبيحه المتطهر بالماء ما لو كان
مسوغ التيمم موجودا بالنسبة إلى كل غاية غاية من المرض وعدم الوجدان ونحوهما بحيث
يصح وقوع التيمم لكل منهما ابتداء دون ما ليس كذلك، فمن تيمم مثلا لضيق الوقت
عن استعمال الماء للفرض مثلا لا يستبيح به مثلا مس كتابة القرآن ونحوها ولو حال الصلاة،
لعدم تحقق مسوغ التيمم بالنسبة إليها، واحتمال القول - أنه أينما شرع التيمم لاستباحة
غاية استبيح به حال بقاء تلك المشروعية سائر الغايات المتوقفة على الطهارة وإن لم يصح
وقوع التيمم ابتداء لها تمسكا باطلاق قولهم: يستبيح المتيمم ما يستبيحه بالمائية، فإن
قضيته عدم اشتراط ثبوت مسوغ التيمم لكل غاية غاية، بل يكفي فيه حصوله بالنسبة
إلى غاية خاصة نعم يعتبر فيه بقاء ذلك المسوغ لتلك الغاية الخاصة، فلا يجوز مس
كتابة القرآن في المثال المفروض بعد فعل الفريضة، لانتهاء مشروعية التيمم حينئذ إما
قبله أو في الأثناء - فجائز بعيد عن الصواب، بل مقطوع بفساده من ملاحظة كلام
الأصحاب، وإلا لجاز إيقاع الفريضة بالتيمم لنافلة الزوال إذا ضاق وقتها ولا ماء أو علم
عدم التمكن منه فيه مع عدوله عن صلاة النافلة وكان ذلك الوقت واسعا للفريضة،
فيصليها حينئذ بذلك التيمم المشروع للنافلة بضيق وقتها مثلا وإن علم وجود الماء في الوقت،
وهو مقطوع بعدمه.
فالتحقيق حينئذ أنه يستباح بالتيمم سائر الغايات إذا كان يشرع وقوعه ابتداء
لكل غاية غاية باعتبار وجود المسوغ لها جميعها، وإلا اقتصر في إباحته على خصوص
تلك الغاية التي قد ثبت المسوغ لها، وعليه ينزل كلام الأصحاب ولا يأباه، وإلا لثبت
مشروعية التيمم في الجملة بغير مسوغه، وهو مناف للنصوص والفتاوى.
وكيف كان فلازم ما في المتن كالذي سمعته عن المبسوط أنه يستباح بالتيمم كل
249

ما يستباح بالمائية، كما في الجامع والتحرير والإرشاد والمنتهى والقواعد والموجز والذكرى
وجامع المقاصد والروض ومجمع البرهان والمدارك والمفاتيح والحدائق ومنظومة الطباطبائي
وعن الخلاف ونهاية الإحكام والبيان والدروس وكشف الالتباس والجعفرية وشرحها
والمسالك والدلائل والذخيرة مع اختلاف يسير في التعبير عن ذلك بحيث لا يقدح في
المقصود، إذ مراد الجميع على الظاهر من نحو قولهم: يستباح به ما يستباح بالمائية - كما
صرح به جماعة منهم الشهيدان والمحقق الثاني والأردبيلي وغيرهم، بل في الحدائق أنه
المشهور بين الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه كما عن كشف الالتباس إلا من فخر
المحققين - أن كل غاية منع الحدث أصغر أو أكبر من استباحتها، بل ولو كمالا وكان
الماء مما يرفع ذلك المنع فالتيمم يقوم مقامه عند تعذره، فيجب حينئذ لوجوب تلك
الغاية ويندب لندبها حتى الكون على الطهارة.
نعم قد يستثنى من ذلك التأهب للفريضة، كما اقتصر على استثنائه في المفاتيح،
وقد تقدم الكلام فيه سابقا عند البحث على عدم جواز التيمم قبل الوقت.
وأما ما عداه فيجوز حتى التجديد كما عن المعتبر والمنتهى والجامع والنفلية النص
عليه، وإن حكي عن نهاية الإحكام والبيان الاشكال فيه، لكن الأول أولى، لاشتراكه
مع الوضوء في العلة، ولخبر السكوني (1) " لا يتمتع بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها "
وأبي همام (2) عن الرضا (عليه السلام) " تيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء ".
بل قد يظهر من المنتهى الاجماع على ما ذكرنا من جوازه لسائر غايات المائية،
حيث قال فيه: " يجوز التيمم لكل ما يتطهر له من فريضة ونافلة ومس مصحف وقراءة
عزائم ودخول مساجد وغيرها " ولم ينقل فيه خلافا إلا عن أبي محرمة، فلم يجوزه إلا
لمكتوبة، والأوزاعي فكره أن يمس المصحف به، كما أنه قال فيه أيضا: " التيمم

(1) الوسائل - الباب 20 - من أبواب التيمم - الحديث 6 - 4
(2) الوسائل - الباب 20 - من أبواب التيمم - الحديث 6 - 4
250

مشروع لكل ما يشترط فيه الطهارة، ولصلاة الجنازة " واقتصر على نقل الخلاف عن
بعض العامة في صلاة الجنازة، بل في المعتبر دعواه صريحا، حيث قال: " يجوز التيمم
لكل من وجب عليه الغسل إذا عدم الماء، وكذا كل من وجب عليه الوضوء، وهو
إجماع أهل الاسلام " انتهى.
وعن التذكرة بعد أن نص على الجمع بتيمم واحد بين صلاة وطواف، وصلاتين
وطوافين، قال: " لا خلاف أنه إذا تيمم للنفل يعني من الصلاة استباح مس المصحف
وقراءة القرآن إن كان تيمم من جنابة " وقال أيضا: " ولو تيمم المحدث لمس المصحف
أو الجنب لقراءة القرآن استباح ما قصده " كما أنه عنه في النهاية النص على جوازه لكل
ما يتطهر له من فريضة ونافلة ومس مصحف وقراءة عزائم ودخول مساجد وغيرها،
وقد تقدم ما عن المبسوط " إذا تيمم جاز أن يفعل جميع ما يحتاج في فعله إلى الطهارة مثل
دخول المسجد وسجود التلاوة ومس المصحف والصلاة على الجنائز وغير ذلك " إلى غير
ذلك من عبارات الأصحاب الظاهرة فيما قلنا.
فاحتمال كون المراد من تلك العبارة أنه يستباح بكل تيمم شرع بدلا من المائية
ما يستباح بها - فلا يدل على عموم مشروعيته لكل ما تشرع له المائية - بعيد بل باطل
قطعا، كاحتمال كون المراد أنه يستباح به ما يستباح بالمائية من صلاة وطواف، حتى يجوز
أن يصلى ويطاف بتيمم واحد عدة منهما فرائض ونوافل، خلافا لبعض العامة، وكذا
احتمال كون المراد بمعقد إجماع المعتبر المتقدم الذي هو كعبارة الإرشاد " ويجب التيمم
لما يجب له الطهارتان " أسباب الطهارتين لا غاياتهما، إذ مع قصور العبارة عن ذلك
يستغنى عنها حينئذ بما ذكر من أنه ينقض التيمم كل ما ينقض الطهارة، لاتحادهما معنى
حينئذ، على أن ما ذكرنا من قيام التيمم مقام الطهارة المائية - مع أنه المصرح به في كلمات
251

جملة من الأصحاب - هو الموافق لظاهر الأدلة من قوله سبحانه وتعالى (1) بعد بيان
التيمم: " ولكن يريد ليطهركم " ومن خبر السكوني (2) " يكفيك الصعيد عشر سنين "
وفي خبر آخر (3) " الصعيد الطيب طهور المسلم إن لم يجد الماء عشر سنين " وفي ثالث (4)
" التراب طهور المسلم ولو إلى عشر حجج " وقول أبي جعفر (عليه السلام) (5) في الصحيح
لزرارة: " التيمم أحد الطهورين " والصادق (عليه السلام) في صحيح حماد (6): " هو
بمنزلة الماء " وفي الصحيح لمحمد بن حمران وجميل (7): " إن الله جعل التراب طهورا كما
جعل الماء طهورا " أو لسماعة (8) فيمن يكون الماء في السفر فيخاف قلته: " يتيمم
بالصعيد، ويستبقى الماء، فإن الله جعلهما طهورا الماء والصعيد " إلى غير ذلك، وفي الفقه
الرضوي (9) " إن التيمم غسل المضطر ووضوؤه ".
فما عساه يظهر من غايات الكتاب والمنتهى وعن التذكرة ونهاية الإحكام من عدم
وجوب التيمم إلا للصلاة والخروج من المسجدين - بل وكذا القواعد وعن التحرير
والإرشاد لكن مع زيادة الطواف فيها فيما يجب له، بل كاد يكون صريح المنتهى ذلك،
كالمحكي من عبارة نهاية الشيخ، بل عن الفخر " أن والده لا يجوز التيمم من الحدث
الأكبر للطواف ولا مس كتابة القرآن " انتهى. بل نص في المنتهى على عدم مشروعية

(1) سورة المائدة - الآية 9
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التيمم - الحديث 12
(3) كنز العمال ج - 5 - ص 96 - الرقم 2064 وفيه " وضوء " بدل " طهور "
(4) كنز العمال ج - 5 - ص 96 - الرقم 2074 مع اختلاف في اللفظ
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(7) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب التيمم - الحديث 2 - 1
(8) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(9) فقه الرضا عليه السلام ص 4
252

التيمم لصوم الجنب والحائض والمستحاضة، كما عنه في النهاية الاشكال فيه، كالشهيد
في الذكرى بالنسبة إلى صوم الجنب ووطء الحائض بعد انقطاع الحيض لكن عنه
في الألفية الميل إلى العدم في الأول، وفي الدروس استقرب التيمم في الثاني لزوال الحرمة
أو الكراهة، كما أنه احتمله في المنتهى، لكن عنه في النهاية الجزم بجوازه، ولعله لقول
الصادق (عليه السلام) (1): " نعم " بعد أن سئل عن المرأة إذا تيممت من الحيض
هل يحل لزوجها وطؤها؟ وخبر أبي عبيدة (2) " سأله عنها ترى الطهر في السفر وليس
معها من الماء ما يكفيها لغسلها وقد حضرت الصلاة، قال: (عليه السلام): إذا كان معها
بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ثم تتيمم وتصلي، قال: فيأتيها زوجها في تلك الحال؟
قال: نعم إذا غسلت فرجها وتيممت " وربما يظهر منهما عدم الاحتياج إلى تجديد التيمم
لكل وطئ، كما عن النهاية النص عليه وإن أوجبنا الغسل، قيل: لأن الجنابة لا تمنع
الوطئ، فلا ينتقض التيمم المبيح له. قلت: لكن قد يشكل بانتقاض التيمم بكل ما
ينقض الطهارة ولو حدثا أصغر بالنسبة إلى ما هو بدل الأكبر، ومن ذلك يظهر وجه
عدم مشروعية التيمم حينئذ له، لعدم تأثيره بسبب انتقاضه بأول مسمى الوطء، لكن
قد يمنع في خصوص المقام، إلا أن الأمر عندنا سهل، لعدم اشتراط الوطء بالغسل كما
مر في محله هذا كله - لا يخلو من نظر وتأمل مناف لما سمعته من إطلاق الأدلة، بل
ولما ذكروه في غايات التيمم، فلاحظ المقامين.
وكذا ما يحكى عن فخر المحققين في الايضاح من منع مشروعية التيمم للجنب
لدخول المسجدين واللبث في المساجد ومس كتابة القرآن، وقواه الأستاذ في كشف
الغطاء، بل في كل ما كان الموجب لرفع الحدث فيه الاحترام من مس أسماء الله تعالى
وقراءة العزائم والوضع في المساجد ونحو ذلك ويجئ على قول الفخر منعه أيضا بالنسبة

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الحيض - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الحيض - الحديث 2 - 1
253

إلى الطواف، لاستلزامه دخول المسجد كما حكي عنه التصريح به في شرح الإرشاد،
حيث قال: " يبيح التيمم الصلاة من كل حدث، والطواف من الأصغر خاصة، ولا
يبيح من الأكبر إلا الصلاة والخروج من المسجدين ".
ومنه يفهم أيضا تعميمه ذلك بالنسبة إلى حدث الحيض والاستحاضة ونحوهما، وفيه
مع منافاته لما سمعت أنا لم نعرف له دليلا على ذلك مقيدا سوى ما حكي عنهم في قوله
تعالى (1): " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " لجعله الغاية الاغتسال، وهو
- مع قصوره عن إفادة تمام المدعى إلا بعدم القول بالفصل، وقد يمنع، وابتنائه على
كون المراد بالصلاة في ذلك مواضعها، كما تدل عليه بعض الأخبار (2) - وفيه بحث
وارد مورد الغالب، فلا يكون حجة، على أنه يجب الخروج عنه بما دل على البدلية من
الأدلة السابقة، بل في الآية نفسها، حيث قال فيها بعد ذلك: " فلم تجدوا ماء " إلى
آخره. الظاهر في شموله لتمام ما تقدم، بل قد يشعر فحوى التيمم للخروج من المسجدين
بذلك أيضا.
فظهر لك حينئذ ضعفه كضعف ما في المدارك في مبحث الغايات، وقد مر هناك
فلاحظ، فالأقوى قيامه مقام كل طهارة مائية بالنسبة إلى جميع الغايات عدا ما عرفت
من غير فرق بين غاية رفع حدث خاص أو سائر الأحداث، كل ذلك للأدلة السابقة
من الأخبار وغيرها، بل قد يظهر من إطلاق بعضها قيامه مقام غير الرافع من المائية
أيضا، كوضوء الحائض والجنب والأغسال المندوبة، كما نص عليه في مجمع البرهان في
البعض كغسل الزيارة ونحوه كظاهر المفاتيح وقربه الأستاذ في كشف الغطاء، لكن
قال: إن خلافه أقرب، وعن المبسوط والقواعد النص على بدليته عن غسل الاحرام،

(1) سورة النساء - الآية 46
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب الجنابة - الحديث 20
254

كجامع المقاصد النص عليه في أول كتابه بالنسبة إلى ذكر الحائض، قال فيه: " لا إشكال
في استحباب التيمم إذا كان المبدل رافعا أو مبيحا، إنما الاشكال في سوى ذلك، والحق
أن ما ورد به النص أو ذكره من يوثق به من الأصحاب كالتيمم بدلا من وضوء
الحائض يصار إليه، وما عداه فعلى المنع إلا أن يثبت بدليل ".
قلت: قد يقال: إن الدليل - بعد التسامح والأولوية من رفع الحدث واستبعاد
سقوط هذه المستحبات أصلا لغير المتمكن وغير ذلك - إطلاق بعض الأدلة السابقة فتأمل.
* (السادس إذا اجتمع ميت ومحدث) * بالأصغر ولو متعددا * (وجنب ومعهم
من الماء ما يكفي أحدهم فإن كان ملكا لأحدهم اختص به) * وحرم تناول الغير له إن
كان للميت وإن وجد وارثه، لخروج ماء الغسل من أصل المال، كما أنه يحرم على كل
من الأخيرين بذله لغيره مع تحقق الخطاب باستعماله وضيقه، بل وسعته مع عدم الرجاء
لغيره، بل ومع الرجاء ما لم يعلم المكنة في وجه تقدم سابقا، وكذا لا يحب على كل
منهما بذله حتى لتغسيل الميت وإن لم يتحقق الخطاب عليهما باستعماله، بناء على ما تقدم
سابقا من وجوب مؤن التجهيز في ماله، وأنها لا يجب بذلها على أحد مطلقا.
* (وإن كان) * الماء * (ملكا لهم جميعا) * وكان لا يكفي حصة كل منهم لتمام
المطلوب، ولم يعلم المكنة مما يكملها وقلنا بعدم وجوب الممكن من أغسال الميت، أو
يفرض عدم إمكان ذلك وإن أمكن غسل بعض الأجزاء لكن لا عبرة به كما لا عبرة
به في غسل الجنابة * (أو) * كان الماء مباحا * (لا مالك له) * واشترك فيه المحدث والمجنب
بمبادرتهما إليه وإثبات أيديهما عليه دفعة وحدهما أو مع غيرهما، إذ يصير حينئذ ولو بتغلب
وقهر للآخر كسابقه * (أو) * كان * (مع مالك يسمح ببذله فالأفضل تخصيص الجنب به) *
أي الماء المبذول أو المشترك بينه وبين المحدث ووارث الميت، ويؤمم الميت ويتيمم
المحدث، لعظم حدث الجنابة، ولأن غاية غسله فعل الطاعات كاملة، بخلاف غسل
255

الميت، فإن غايته التنظيف، مع أنه سنة وغسل الجنابة فريضة، فيقدم عليه، لأنه أهم،
وللأمر به كما ستعرف.
ولصحيح ابن أبي نجران (1) على ما في الفقيه، فلا يقدح إرساله في التهذيب
" سأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر، أحدهم جنب،
والثاني ميت، والثالث على غير وضوء وحضرت الصلاة، ومعهم من الماء قدر ما يكفي
أحدهم، من يأخذ الماء؟ وكيف يصنعون؟ قال: يغتسل الجنب، ويدفن الميت بتيمم،
ويتيمم الذي هو على غير وضوء، لأن الغسل من الجنابة فريضة، وغسل الميت سنة،
والتيمم للآخر جائز ".
وخبر التفليسي (2) " سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن ميت وجنب اجتمعا
ومعهما ماء يكفي أحدهما، أيهما يغتسل؟ فقال: إذا اجتمعت سنة وفريضة بدئ بالفرض ".
كخبر الحسين بن النظر الأرمني (3) المروي عن التهذيب والعلل والعيون قال:
" سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن القوم يكونون في السفر، فيموت منهم
ميت ومعهم جنب ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهما، أيهما يبدأ به؟ قال: يغتسل
الجنب ويترك الميت، لأن هذا فريضة وهذا سنة " الحديث.
* (وقيل) * لكن لم نعرف قائله كما اعترف بذلك بعضهم * (يختص به الميت) *
لكون غسله خاتمة طهارته، ولأن من غايته أيضا نظافة الميت ورفع نجاسة مما لا يقوم
التيمم مقامه، ولأن الموت جنابة فيقدم على المحدث، وللمرسل (4) عن الصادق (عليه
السلام) قال: " قلت له: الميت والجنب يتفقان في مكان، لا يكون الماء إلا بقدر

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التيمم - الحديث 5
256

ما يكفي أحدهما، أيهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال: يتيمم الجنب ويغسل الميت بالماء ".
* (و) * من هنا قال المصنف: * (في ذلك تردد) * لكن لا ريب في ضعفه،
لمعارضة ما ذكر من الاعتبار بمثله، وقصور مرسله بالنسبة للصحيح المتقدم المعتضد
بالخبرين، وبما فيه وفيهما من التعليل، وبالشهرة بين الأصحاب قولا، والرواة رواية،
وإمكان تأويل المرسل وإرجاعه للأول، كخبر أبي بصير (1) قال: " سألت الصادق
(عليه السلام) عن قوم كانوا في سفر فأصاب بعضهم جنابة وليس معهم من الماء إلا
ما يكفي الجنب لغسله، يتوضؤون هم هو أفضل، أو يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضؤون؟
فقال: يتوضؤون هم ويتيمم الجنب " إذ يمكن حمله على كون الماء لهم، أو كون حصة
كل منهم تكفي لوضوئه، مع أنا لم نعثر على من عمل به بالنسبة إلى ذلك، بل ظاهرهم
الاتفاق كما قيل على تقديم الجنب عليه، أو الميت لو كان، بل في المحكي عن التنقيح
الاجماع على تقديم سائر أنواع الأكبر عليه.
ومن ذلك كله يظهر ضعف ما في الخلاف وعن المبسوط، لكن أبدل المحدث
بالحائض فيهما من القول بالتخيير معللا في الأول بأنها فروض اجتمعت وليس بعضها
أولى من بعض، فتعين التخيير، لأن الروايات اختلفت على وجه لا ترجيح فتحمل
عليه، لما عرفت من ظهور الرجحان، ولعل مراد الشيخ نفي الأولوية الالزامية لا الندبية،
فلا يكون حينئذ مخالفا، قال في المعتبر: " وما ذكره الشيخ ليس موضع البحث، فإنا
لا نخالف أن لهم الخيرة. لكن البحث في الأولى أولوية لا تبلغ اللزوم " إلى آخره.
وصريحه كصريح بعض من تأخر عنه أن محل النزاع في الأفضلية، بل قد تشعر
عبارته بالاجماع على عدم الوجوب، وبه يوهن احتمال الأخذ بظاهر الأمر في الأخبار السابقة، والخروج بذلك عما تقتضيه أصول المذهب من تسلط الناس على أموالهم

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التيمم - الحديث 2
257

وعدم تسلط أحد منهم على أحد في ذلك.
قلت: وهو متجه في المشترك أو المبذول، لأصالة براءة الذمة وغيرها من تعيين
ذلك على ملاكه، بل لعل الأخبار لا تشملهما كما ستعرف، أما لو كان الماء مباحا أصليا
أو من مالك على جهة الاطلاق من غير تعيين ودار الأمر بين رفع الجنابة وتغسيل الميت
مع وجوبهما معا عليه فقد يتأمل حينئذ في جواز تغسيل الميت به والتيمم للجنابة، سيما
إذا حازه وملكه، لظاهر المعتبرة السابقة، ولصدق اسم الواجد، وإيجاب غسل الميت
عليه مع ترجيح الشارع رفع الجنابة لا ينافيه، ولعله لذا كان ظاهر الموجز وجوب
تقديم الجنب فيه.
كما أنه قد يتأمل في إطلاقهم تقديم الجنابة مع أن المتجه وجوب تقدم التغسيل في
حال عدم وجوب رفعها، كما لو كان قبل الوقت.
وكذا التأمل فيما يستفاد من عبارة المصنف ونحوها من استحباب تخصيص الجنب
بالماء المباح إن أريد بذلك عدم مزاحمة المحدث إلى حيازته، إذ المتجه وجوب المبادرة
على كل منهما مقدمة للواجب من الطهارة عليه.
وكذا ينبغي التأمل في المراد من الاستحباب هنا هل هو تكليفي يحتاج إلى
مخاطب به ولو الجنب نفسه فلا يثبت في مال الشريك لو كان طفلا ونحوه، أو مالي
كاستحباب الحبوة وزكاة مال الطفل؟ ظاهر بعض الأصحاب الأول، ولعل ظاهر
الروايات (1) الثاني، وكان منشأ الاجمال وعدم التفصيل في هذه الأخبار، مع ظهور
السؤال فيها باشتراك الماء بين الميت وغيره عدم المداقة في أمر الماء وبنائه على التسامح
فيه وعلى المتعارف في ذلك الزمان من عدم اختصاص كل شخص من المسافرين بماء علي حده
بل كان يجمع كل جماعة منهم ما يحتاجون إليه من الماء في مكان واحد، بل لا يقصد

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب التيمم
258

من حازه الاختصاص به والملكية له دون أصحابه، ولا يداق بعضهم بعضا بالنسبة إلى
كثير الاحتياج إليه وعدمه، ولذا لم تقع الإشارة في شئ من هذه الأخبار إلى تعرض
لذلك، بل أمروا فيها باغتسال الجنب مع غلبة تعدد وارث الميت وعدم حضوره وطفوليته.
ولعله لما ذكرنا من الاجمال في تلك الروايات سؤالا وجوابا، بل ربما يخالف
ظاهرها أصول المذهب وقواعده أعرض عنها ابن إدريس في سرائره، حيث قال بعد
أن نسب ما عليه المشهور إلى الرواية: " والصحيح أن هذا الماء إن كان مملوكا لأحدهم
فهو أحق به، ولا يجب عليه إعطاؤه لغيره، ولا يجوز لغيره أخذه منه بغير إذنه، وإن
كان موجودا مباحا لكل من حازه فهو له، فإن تعين عليهما تغسيل الميت ولم يتعين أداء
الصلاة لخوف فواتها وضيق وقتها فعليهما أن يغسلاه بالماء الموجود، وإن خافا فوات
الصلاة فإنهما يستعملان الماء، فإن أمكن جمعه ولم يخالطه نجاسة عينية فيغسلانه به على ما
بيناه من قبل في الماء المستعمل في الطهارة الصغرى على الصحيح من المذهب " انتهى.
لكن في كشف اللثام أن ذلك منه ليس طرحا لأخبار المشهور، بل تنزيل لها
على ما لا يبعد عنها ولا يأباه الشرع والاعتبار، قلت: إلا أن فهم أكثر الأصحاب
على خلافه إن لم نقل هي ظاهرة فيه أيضا أو صريحة، نعم ما أشار إليه في آخر كلامه
من جمع المستعمل مع إمكانه وتغسيل الميت به مثلا إن أمكن جيد، وقد نص عليه بعض
الأصحاب، وخلو الأخبار عن التعرض له لعله لعدم تيسر ذلك غالبا.
فما في الذكرى أن فيها إشارة إلى عدم طهورية المستعمل وإلا لأمر بجمعه يدفعه
ما سمعت، هذا.
وكان اقتصار المصنف كبعض الأصحاب على خصوص هذه الصورة من بين
صور الجمع والتعارض إنما هو لمكان ورود الأخبار بها في الخصوص، وإلا فالصور
الحاصلة - من اجتماع المحدث بالأصغر مع أنواع الأكبر من الحيض والمس وغيرهما،
259

بل هي في نفسها أيضا وبالنسبة إلى الميت وإلى مريد إزالة النجاسة عن ثوبه وبدنه إن لم
يتم الاجماع المحكي عن المعتبر والمنتهى والتذكرة على تقديم الأخير على رفع الحدث
الأصغر وغير ذلك - كثيرة، لكن مدار الترجيح فيها جميعا بعد فرض عدم الدليل
بالتخصيص على وجوه لا تخفى، كعظم الحدثية وعدمها، ومشروعية البدل وعدمه،
وتعدد الغايات وكثرتها، وكون الوجوب بالفرض وعدمه، ونحو ذلك وإن كان في
ثبوت الأولوية والرجحان بحيث ينصرف إليه الوصايا والنذور والأيمان والبذل ونحوه
من بعضها مع كون التعارض من وجه لا يخلو من نظر، وقد تعرض جماعة من الأصحاب
لجملة منها.
نعم في المحكي من عبارة التنقيح الاجماع على تقديم الأكبر على الأصغر، ولولاه
لأمكن ترجيحه على بعضها بأنه فرض وغيره سنة، بل وعلى غسل الميت أيضا بذلك،
اللهم إلا أن يرجح عليه بما ورد من تعليل غسل الميت على نحو غسل الجنابة بخروج
النطفة منه عند الموت، فيكون حينئذ كالجنابة، فيرجح عليه حينئذ، بل وغيره مما يرجح
عليه غسل الجنابة، فتأمل.
وقد يظهر من بعضهم الرجوع في جملة من هذه الصور إلى القرعة، وهو لا يخلو
من وجه لو علم تعينه في الواقع واشتبه، لكنه أحوط على كل حال.
الحكم * (السابع الجنب إذا تيمم) * لفقد الماء أو غيره * (بدلا من الغسل ثم أحدث
أعاد التيمم بدلا من الغسل سواء كان حدثه أصغر أو أكبر) * فلا يتوضأ حينئذ لو وجد
ماء له خاصة على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، إذ
لم أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن المرتضى في شرح الرسالة من عدم وجوب إعادة المحدث
بالأصغر، بل يتوضأ إن وجد الماء له خاصة، وإلا تيمم عنه لا عن الغسل، لارتفاع
حدث الجنابة بالتيمم سابقا لها وعدم إيجاب هذا الحدث غير الوضوء، مع أن
260

المحكي عنه في غيره موافقة المشهور أيضا، وتبعه الكاشاني في المفاتيح، وقواه
في الحدائق، ورده غير واحد من الأصحاب بالمستفاد من الأخبار والاجماع المحكي
مستفيضا إن لم يكن متواترا منا بل من علماء الاسلام إلا الشاذ على كون التيمم مبيحا
لا رافعا، فحيث انتقض بالحدث وجب إعادته للجنابة السابقة وإن تمكن من ماء للوضوء،
إذ لا وجه له مع بقاء الجنابة، وبمفهوم قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1):
" ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنبا، والوضوء إن لم تكن جنبا " حيث شرط
الوضوء بعدم الجنابة، وبالمعتبرة المشتملة على أمر الجنب بالتيمم وإن كان عنده من الماء
ما يكفيه للوضوء، منها خبر الحلبي (2) " سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل
يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة، أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟ قال: لا،
بل يتيمم " الحديث. ونحوه غيره (3).
وقد يناقش في الجميع، أما الأول فباحتمال كون مراد المرتضى رفعه إلى غاية
هي التمكن من الماء خاصة لا مطلقا حتى يكون مخالفا للاجماع، إذ القدر المسلم منه ذلك
لو قلنا بالفرق بين الاستباحة والرفع بهذا المعنى، على أنه لو سلم أن التيمم إنما يفيد الإباحة
بمعنى رفع المنع دون المانع أمكن أن نمنع زوالها أيضا بالحدث للاستصحاب، وما دل
على تنزيل التراب منزلة الماء، وأنه أحد الطهورين من الأخبار الكثيرة (4) وبطلان
أثر التيمم بالنسبة إلى رفع منع الأصغر بالحدث المفروض لا يستلزم بطلانه بالنسبة إلى
الجنابة من دون تجدد ما يوجبها وإن كان التيمم واحدا، إذ هو حينئذ كالغسل بالنسبة
للإباحة، نعم إنما يبطل بالنسبة إليها بالتمكن من الماء خاصة، وقياسه على ذلك ليس من

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب التيمم - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب 24 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب 24 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 3
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب التيمم
261

مذهبنا، وأما الثاني فبظهوره في غير المتنازع فيه إن لم يكن صريحا، سيما بعد تصريحه
أولا بالمفهوم، وكذا الثالث أيضا، لظهور تلك الأخبار في تقدم ذلك الماء على
التيمم للجنابة.
وقد يدفع مضافا إلى ما تقدم في النية بعدم صحة الرفع إلى غاية لا تصلح لأن
تكون سببا لعوده، فهو في الحقيقة قد عاد بدون أسبابه الموجبة له في السنة والاجماع،
وبمنع عدم تناول ما دل من السنة والاجماع على عدم رافعية التيمم لمثل هذا الرفع أيضا،
وبمعارضة الاستصحاب المذكور باستصحاب عدم مشروعية الوضوء له قبل التيمم، وبقاء
أحكام الجنابة وآثارها، وبمنع اقتضاء المنزلة ذلك أو انصرافها إلى مثله، وببطلان
الإباحة السابقة بانتقاض المبيح لها، لاطلاق ما دل من السنة ومعاقد الاجماعات ونفي
الخلاف على بطلان التيمم بالحدث، والتمكن من استعمال الماء عما كان التيمم بدلا عنه،
لتناوله كل حدث أصغر أو أكبر وكل تيمم بدل عن غسل أو وضوء، بل في المحكي
عن المختلف لو أحدث المتيمم من الجنابة حدثا أصغر انتقض تيممه إجماعا، وفي صحيح
زرارة (1) عن الباقر (عليه السلام) وخبر السكوني (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
آبائه (عليهم السلام) " لا بأس أن يصلي الرجل صلاة الليل والنهار كلها بتيمم واحد
ما لم يحدث أو يصب ماء " الحديث.
وبذلك ينقطع الاستصحاب وغيره، إذ لا معنى لانتقاضه خصوصا بعد جعله
كإصابة الماء إلا بطلان ما أثره أولا حتى لو قلنا بالرفع المتقدم في كلام الخصم، لصيرورة
الحدث حينئذ غاية كالتمكن من الماء، واحتمال القول بأن المؤثر في رفع منع الجنابة
ابتداء التيمم لا استمراره، والمنتقض الثاني لا الأول واضح الفساد.
فظهر من ذلك أن التحقيق ما عليه الأصحاب، كما أنه يظهر منه أيضا أن كل

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم - الحديث 1 - 5
262

تيمم بدل عن الوضوء أو الغسل ينتقض بكل ما ينتقض به أحدهما من غير فرق بين
الجنابة وغيرها كالحيض والمس ونحوهما، فلو تيممت الحائض مثلا بعد النقاء تيمما عن
الغسل وآخر عن الوضوء ثم أحدثت بالأصغر أو الأكبر ولو غير الحيض بطل التيممان
معا، فاحتمال القول أن ناقض كل تيمم إنما هو ما ينقض المبدل عنه كما عساه يتوهمه
بعض الناس ليس في محله، كاحتمال الفرق بين الجنابة وغيرها في ذلك باتحاد التيمم فيها
وتعدده في غيرها، فينتقض الأول ولو بغير الجنابة، بخلاف الثاني فيتبع المبدل عنه،
أو الفرق في التيممات بالنسبة للغايات، فكل غاية ينتقض التيمم لها بالحدث المنافي لها
دون غيره فلا ينتقض التيمم لصوم الجنب والحائض بالنوم وغيره من الحدث الأصغر،
ولا تيمم الثانية للوطء مثلا بناء على وجوبه بدل الغسل بالوطء، وهكذا، لعدم
منافاة النوم للصوم، ولا حدث الجنابة للوطء، كل ذلك لا ينبغي الالتفات إليه
بعد ما عرفت.
نعم لا ينتقض تيمم الغسل في مثل الحيث بالتمكن من ماء الوضوء خاصة وإن
انتقض به ما كان بدلا عنه كالعكس، إذ ليس ذلك من الأحداث حقيقة بل من الغايات
التي يرتفع عندها حكم التيمم ويظهر أثر الحدث الأول، كما هو واضح.
* (الثامن إذا تمكن) * المتيمم * (من استعمال الماء) * لما هو بدل عنه عقلا وشرعا
تمكنا لا يشرع مع ابتداء التيمم * (انتقض تيممه) * إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا
إن لم يكن متواترا منا، بل ومن العامة عدا الشاذ، ونصوصا كذلك، منها صحيح
زرارة وخبر السكوني المتقدمان معا، كصحيحه الآخر عن الصادق (عليه السلام)
" في رجل تيمم قال: يجزؤه ذلك إلى أن يجد الماء " ونحوها غيرها، وهي وإن كانت
غير صريحة في اعتبار التمكن بل قد يدعى ظهورها في حصول النقض بمجرد الإصابة

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم الحديث 2
263

وإن لم يتمكن عقلا فضلا عن الشرع، لكن قد عرفت في أول الحكم الرابع ما يعين
إرادة التمكن من ذلك اقتصارا في انقطاع الاستصحاب العمومات على المتيقن، بل
المنساق إلى الذهن منها، كما أنك قد عرفت كثيرا، مما يتعلق بالمقام فيه بل وفي آخره
أيضا، فلاحظ وتأمل. على أنه من المعلوم أن المراد بنا قضية الإصابة هو زوال مسوغ
التيمم من الضرورة، فيؤثر الحدث السابق حينئذ أثره، لعدم ارتفاعه بالتيمم كما عرفت،
وإلا فليس ذلك من النواقض حقيقة قطعا، وهي لا تزول بمجرد الإصابة.
* (و) * على كل حال ف‍ * (لو فقده) * أي التمكن أو الماء * (بعد ذلك) * وقد مضى
زمان يسع الطهارة على الأصح أو مطلقا على غيره كما مر تحقيقه في ذلك البحث أيضا
* (افتقر إلى تجديد التيمم) * لانتقاض السابق به، لكن ينبغي أن يعلم أنه إنما ينقض
التمكن المذكور خصوص التيمم الذي تمكن من ماء المبدل له، وإلا فلا ينتقض التيمم
عن غسل الحيض بالتمكن من ماء للوضوء خاصة، وإن انتقض به بدله كالعكس، كما
نص عليه غير واحد من الأصحاب، للأصل والعمومات من غير معارض.
ولو تمكن من ماء صالح للوضوء أو الغسل لا لهما ففي انتقاضهما معا بذلك، أو ما
يختار المكلف منهما، أو القرعة أوجه، أقواها الأول، لصدق الوجدان في كل منهما
وعدم الترجيح، ولأولويته مما تسمعه من المنتهى وإن كان الفرق بينهما واضحا.
ولو كان قد تيمم لأسباب متعددة للغسل كالحيض والمس فوجد ماء لا يصلح
لتكرار الغسل به انتقض الجميع قطعا، بناء على التداخل بالغسل، لصدق التمكن منه
حينئذ بمشروعية التداخل له، بل وجوبه عليه في مثل الحال عند وجوب المشروط به
للمقدمة، وإن كان في الأصل رخصة، نعم يتجه البحث السابق لو قيل بعدم مشروعية
التداخل في الغسل.
264

ولو وجد جماعة ماء في المباح لا يكفي إلا أحدهم ففي المنتهى انتقض تيممهم جميعا،
لصدق الوجدان على كل واحد، وينبغي تقييده بما إذا حصل التمكن من استعماله للجميع،
أما لو تبادروا إلى حيازته فسبق أحدهم انتقض تيممه خاصه، وإن لم يسبق بل تساووا
الجميع لم ينتقض تيمم أحد منهم إلا مع بذل الشركاء نصيبهم لواحد، نعم لو كان معهم
جنب وقلنا باختصاصه شرعا بحيث ليس لغيره المزاحمة له اختص النقض به أيضا، فاطلاقه
ذلك لا يخلو من تأمل، كاطلاقه فيه أيضا أنه لو لم يجد الماء إلا في المسجد وكان جنبا
فالأقرب جواز الدخول والأخذ من الماء والاغتسال خارجا، بل فيه أنه لو لم
يكن معه ما يغترف به فالأقرب جواز اغتساله فيه، وإن تبعه في المدارك في الأول،
واستحسنه في الثاني، لكن قد عرفت فيما مضى حرمة اللبث في المساجد جلوسا كان
أو غيره، نعم لو أمكن ذلك بالاجتياز جاز، لعدم الحرمة فيه.
* (ولا ينتقض التيمم بخروج الوقت) * عندنا إجماعا وقولا واحدا، لحصر الناقض
بغيره في المعتبرة بل فيها ما هو كالصريح بعدم نقضه به معللة ذلك بأنه بمنزلة الماء،
فيصلي حينئذ بتيممه ما شاء من الصلوات فرائض ونوافل، خلافا لبعض الجمهور، فنقضه
به قياسا على المستحاضة بجامع اضطرارية الطهارتين، ومقتضاه تعدده للصلوات وإن لم
لم يخرج الوقت كما عن الشافعي، ولا ريب في بطلانه عندنا كسابقه.
فما في خبر أبي همام (2) عن الرضا (عليه السلام) " تيمم لكل صلاة حتى يوجد
الماء " والسكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) " لا يتمتع
بالتيمم إلا صلاة واحدة ونافلتها " محمول على التقية أو غيرها أو مطرح قطعا.
وكذا لا يبطل عندنا بنزع العمامة أو الخف ولا بغير ذلك * (ما لم يحدث أو لم يجد

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 6
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم - الحديث 4 - 6
265

الماء) * فينتقض حينئذ إجماعا محصلا ومنقولا ونصوصا (1) في الثاني على ما عرفت كالأول
أيضا، ففي المعتبر " لا ينقض التيمم إلا ما ينقض الطهارة المائية، ووجود الماء مع
التمكن من استعماله، وهو مذهب أهل العلم " إلى آخره. وفي المنتهى " ويبطل التيمم
كل نواقض الطهارة، ويزيد عليه رؤية الماء المقدور استعماله، ولا نعرف فيه خلافا إلا
ما نقله الشيخ عن أبي سلمة " إلى آخره. وفي التذكرة " ينقض التيمم كلما ينقض الطهارة
المائية، ويزيد وجود الماء مع التمكن من استعماله - إلى أن قال - وهو قول العلماء إلا
ما نقل عن أبي سلمة " وفي الذكرى " يستباح بالتيمم ما لم ينقض بحدث أو وجود الماء
عند علمائنا أجمع سواء خرج الوقت أو لا، وسواء كانت الثانية فريضة أو نافلة " وفي
المدارك في شرح عبارة المصنف " هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، وأخبارهم به
ناطقة " وفي كشف اللثام مازجا لعبارة القواعد " وينقضه نواقضها، والتمكن من
استعمال المائية لما هو بدل منه عقلا وشرعا بالاجماع والنصوص " إلى غير ذلك من
عبارات الأصحاب، وظاهر الجميع إن لم يكن صريحا ما ذكرناه سابقا من انتقاض كل
تيمم بدل من الوضوء أو الغسل بكل حدث أصغر أو أكبر كما هو واضح.
* (التاسع من كان بعض أعضائه مريضا لا يقدر على غسله بالماء) * للوضوء أو الغسل
* (ولا مسحه) * ولو بوضع جبيرة عليه إن كان من ذوي الجبائر * (جاز له التيمم) * كما في
المبسوط والخلاف والقواعد وغيرها، بل لا أعرف فيه خلافا، لصدق عدم الوجدان
بعدم التمكن من الاستعمال لتمام الطهارة، وتناول أدلة المرض من الآية (2) وغيرها،
ولاطلاق قول الصادق (عليه السلام) في مرسلي ابن أبي عمير (3) " يتيمم المجدور والكسير

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب التيمم
(2) سورة النساء - الآية 43
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 3 - 4
266

إذ أصابتهما جنابة " بعد السؤال في أحدهما عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات،
كمسنده الآخر عن أبي مسكين وغيره (1) عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال بعد
نحو السؤال المتقدم: " قتلوه، ألا سألوا، ألا يمموه، إن شفاء العي السؤال " والباقر
(عليه السلام) في خبر ابن مسلم " في الرجل يكون به القرح والجرح يجنب قال:
لا بأس بأن لا يغتسل يتيمم " كخبره (3) الآخر عن أحدهما (عليهما السلام) " في الرجل
يكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة قال: يتيمم " وخبر ابني سرحان
(4) وأبي نصر (5) عن الصادق والرضا (عليهما السلام) " في الرجل تصيبه الجنابة وبه
جروح أو قروح أو يخاف على نفسه البرد، فقال: لا يغتسل يتيمم " الحديث.
* (ولا) * يجوز أن * (يتبعض الطهارة) * بأن يقتصر على غسل الصحيح بلا خلاف أجده
فيه بين الأصحاب، بل ظاهر التذكرة كاشعار غيره الاجماع عليه، للأصل، وقاعدة
انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه، وقول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير (6):
" إن الوضوء لا يبعض " وظاهر الأخبار السابقة، فلا يلتفت إلى قاعدة اليسر سيما
بعد إعراض الأصحاب عنها هنا.
وكذا لا يلفقها بالتيمم عن العضو المريض بعد الغسل المذكور للأصل والأخبار السابقة، وظهور التقسيم كتابا وسنة في قطع الشركة بينهما، ولعل ما في المبسوط
والخلاف - من الاحتياط بالجمع لغسل الممكن ثم التيمم معللا له في الأول بعدم الضرر
عليه في ذلك مع تأدية الصلاة بالاجماع - ليس لاحتمال مشروعية التلفيق، أو لوجود
قائل منا بمشروعيته، أو مشروعية التبعيض، نعم قد يكون ذلك لاحتمال الثاني خاصة،

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم الحديث 1 وهو عن ابن مسكين
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 5 - 9 - 8 - 7
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 5 - 9 - 8 - 7
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 5 - 9 - 8 - 7
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب التيمم - الحديث 5 - 9 - 8 - 7
(6) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الوضوء - الحديث 2
267

وقد مر في أول أسباب التيمم ما له نفع في المقام، فلاحظ.
كما أنه قد مر في حكم الجبائر من الوضوء ما به يندفع مما عساه يشكل على ظاهر
المصنف وغيره هنا، بل والأخبار السابقة بمنافاته لما تقدم في باب الوضوء من وجوب
غسل ما حول الجرح ونحوه مع تعذر مسحه أو مطلقا وعدم الانتقال إلى التيمم، وقد
ذكرنا بحمد الله التحقيق هناك بما لا مزيد عليه، وربما يظهر منه أيضا وجه ما ذكره
الشيخ من الاحتياط في خصوص العضو المستوعب مرضا، بل وغير المستوعب أيضا،
فلاحظ وتأمل.
الحكم * (العاشر يجوز التيمم) * بدل الغسل أو الوضوء * (لصلاة الجنازة) * مع وجود
مسوغه من عدم وجدان الماء أو المرض ونحوهما حتى خوف الفوات قطعا، بل لا أجد
فيه خلافا هنا كما اعترف به في كشف اللثام للبدلية المقتضية قيامه مقامه في سائر الغايات
مستحبها وواجبها، والطهارة للجنازة وإن لم تكن واجبة فيها للأصل وبعض الأخبار
وظاهر الاجماع في التذكرة وصريحة في الخلاف والذكرى وعن نهاية الإحكام وجامع
المقاصد والروض والمسالك وغيرها لكنها مستحبة فيها إجماعا صريحا عن الخلاف والغنية،
وظاهرا عن التذكرة، وأخبارا (1) كما سيأتي تحرير ذلك كله إن شاء الله في صلاة
الجنائز، فيقوم حينئذ التيمم مقامها مع التعذر، ولخصوص حسن الحلبي أو صحيحه (2)
" سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل تدركه الجنازة وهو على غير وضوء فإن ذهب
يتوضأ فاتته الصلاة عليها، قال: يتيمم ويصلي " وموثق سماعة (3) قال: " سألته عن
رجل مر به جنازة وهو على غير وضوء كيف يصنع؟ قال: يضرب بيده على حائط
اللبن يتيمم " فلعل ذلك مع ظهور اتفاقهم على جوازه هنا مع خوف الفوات شاهد على
ما تقدم لنا سابقا من جوازه للفريضة لضيق وقتها، بل لعله أولى منه.

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصلاة الجنازة - الحديث 0 - 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصلاة الجنازة - الحديث 0 - 6 - 5
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب الصلاة الجنازة - الحديث 0 - 6 - 5
268

ودعوى أن مشروعيته في هذا الحال لا للبدلية عن الوضوء أو الغسل بل لنفسه
كوضوء الجنب أو الحائض - ولذا صرح في التذكرة وكشف اللثام ومجمع البرهان بعدم
جواز دخوله بمشروط بالطهارة غيرها وإن تعذر الماء، كما أنه قد يقتضيه ما في المعتبر
أيضا، بل علله في الثاني بأنه ليس تيمما يرفع الحدث أو حكمه، قلت: ولعله لثبوت
شرعيته مع وجود الماء، أو لعدم شرطية صلاة الجنازة بالطهارة حتى يكون بدلا
عنها - ممنوعة على مدعيها. لاقتضاء الأدلة خلافها كما عرفت من غير معارض، والتعليل
السابق مصادرة، كما أن ثبوت شرعيته مع وجود الماء لا يستلزم عدم مشروعية بدليته
عن الطهارة مع فقده، وإن سلمنا عدم بدليته عنها مع الوجود، وكذا عدم شرطية
الطهارة لصحة الصلاة بعد اشتراط كمالها بها، لثبوت قيام التيمم مقامها فيهما معا.
ولعل من صرح بعدم جواز الدخول به في مشروط بالطهارة ممن عرفت لم يرد
ما نحن فيه، بل مراده التيمم لها مع وجود الماء، لما ستسمع من ثبوت شرعيته وإن
وجد، فإنه قد يتجه حينئذ ما ذكروه من عدم الجواز المذكور لظهور كون التيمم فيه
مستحبا لنفسه لا بدليا، إذ الفرض التمكن من المبدل، فلا يستباح به حينئذ مشروط
بالطهارة وإن تعذر الماء بعد ذلك، بل وإن قلنا ببدليته عن الطهارة في هذا الحال أيضا
بدعوى عدم اشتراطه في خصوص الجنازة للدليل بفقد الماء، كما عساه يومي إليه كلام
من منع مشروعيته مستدلا بما دل على اشتراط التيمم بتعذر الماء على ما ستسمع، إذ من
المعلوم أن المشترط بذلك إنما هو الذي بدل عن الطهارة المائية لا مطلق التيمم، لكن
ومع ذلك لا يستباح به ما اشترط بدليته عن الطهارة بفقده من الغايات كالصلاة ونحوها.
أو مراده إثبات جهتين لاستحباب هذا التيمم لصلاة الجنازة حال فقد الماء،
إحداهما عموم البدلية لثبوت مسوغها، والأخرى استحبابه في نفسه لا للبدلية كاستحبابه
مع وجود الماء، فمن تيمم لها بقصد الجهة الأولى صح دخوله به في غيرها من الغايات مع
269

استمرار المسوغ، بخلاف الثانية فلا يجوز، بل قد يلحق بها أيضا من أطلق في نيته ولم
يلاحظ، لعدم تحقق البدلية حينئذ وإن لم نشترط ملاحظتها فيه في غير المقام، لوضوح
الفرق بينهما على هذا التقدير.
وكيف كان فلا ينبغي التأمل في مشروعية التيمم في الفرض المذكور من عدم
وجود الماء وخوف الفوات ونحوهما، وإن كان قد يعطيه ما في المعتبر، لكنه ضعيف.
بل و * (مع وجود الماء) * المتمكن من استعماله أيضا على المشهور نقلا وتحصيلا، بل
في الذكرى نسبته إلى الأصحاب، و التذكرة إلى علمائنا، وظاهره الاجماع، كما عنه في
المنتهى ذلك أيضا، بل في الخلاف دعوى الاجماع صريحا، وهو الحجة بعد إطلاق
موثقة سماعة المتقدمة (1) ومرسل حريز (2) عن الصادق (عليه السلام) " والجنب
يتيمم ويصلي على الجنازة " وما عن الصدوق أيضا (3) حيث قال: وفي خبر آخر " إنه
يتيمم إن أجنب " بعد أن روى باسناده إلى يونس بن يعقوب (4) أنه سأل الصادق
(عليه السلام) " عن الجنازة أصلي عليها على غير وضوء، فقال: نعم، إنما هو تكبير
وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك " وما في الفقه الرضوي (5) " وإن
كنت جنبا وتقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ وصل عليها " إلى آخره.
خلافا لظاهر المرتضى في الجمل، والشيخ في التهذيب وعن المبسوط والنهاية
والاقتصاد وأبي علي وسلار والقاضي والراوندي والشهيد في الدروس والبيان، فاعتبروا
خوف الفوت، ومال إليه في المعتبر والمدارك للطعن باجماع الشيخ بأنا لا نعلمه كما علمه،

(1) الوسائل - الباب 21 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 5 - 3
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب الصلاة الجنازة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 4 وفيه " يتيمم إن أحب " وكذا في الفقيه
(4) الوسائل - الباب 21 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 5 - 3
(5) المستدرك - الباب - 20 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 1
270

وبأن غالبه الشهرة، وبأنه ليس على المطلوب فإنه ذكره مع جواز الصلاة بلا طهارة أصلا، فلعله يريد الاجماع على الأخير، وبالأخبار بالضعف والارسال والاضمار في خبر
سماعة، مع إمكان استظهار خوف الفوت منه، بل لعل الغالب في الجنائز عدم إمكان
الاغتسال وإدراك الصلاة عليها، فيبقى حينئذ ما دل على اضطرارية التيمم واشتراطه
بتعذر الماء على حاله.
وفي الكل نظر لحجية الاجماع المنقول وإن لم نعلم به إلا من جهة النقل، ومنع
أغلبية الشهرة فيه، سيما بعد عدالة حاكيه، كمنع عدم صراحته على المطلوب كما لا يخفى
على من لاحظه، ولذا نقله عنه غير واحد من الأصحاب، بل هذا المعترض نفسه في
غير المقام، وعدم البأس في الضعف والارسال والاضمار خصوصا من مثل سماعة بعد
الانجبار بالشهرة المعتضدة بصريح الاجماع وظاهره، على أن خبر سماعة من الموثق،
وهو حجة عندنا.
وبذلك كله مع التسامح في أدلة السنن يخرج عن العموم المتقدم، مع احتمال عدم
معارضته لخصوص المقام بدعوى كون المراد منه فيما كان بدلا عن المائية، ومبيحا لسائر
غايتها كإباحتها، لا ما كان من المستحب في نفسه وحد ذاته من دون ملاحظة البدلية،
نعم هو متوقف على ما يثبت أصل شرعيته لتوقيفية الأحكام، وفيما ذكرنا الكفاية.
ومن هنا يظهر لك ما في احتمال المناقشة أيضا في دعوى كونه من المستحب الذي
يتسامح في دليله بأن الحكم باستحبابه هنا يرجع إلى معارضة ما دل على اشتراط أصل
المشروعية بتعذر الماء فلا ينبغي التسامح فيما يحكم على ذلك، لأنك قد عرفت بعد
إمكان الثبوت من غير جهة التسامح ما في هذه المعارضة.
وعلى كل حال فحيث يوقع المكلف هذا التيمم إما مطلقا أو مع تعذر الماء
فليوقعه * (بنية الندب) * لما تقدم من عدم وجوب هذه الطهارة فيها شرعا ولا شرطا،
271

نعم لو اتفق وجوبها بنذر ونحوه اتجه الوقوع بنية الوجوب، والأمر سهل بعد عدم
اعتبار نية الوجه عندنا.
* (و) * على كل حال ف‍ * (لا يجوز له الدخول به) * أي هذا التيمم * (في غير ذلك
من أنواع الصلاة) * كما هو واضح.
وكذا يندب التيمم بدل الطهارة للنوم قطعا مع وجود مسوغه من المرض وعدم
الوجدان ونحوهما، لما عرفت من أنه حينئذ يستباح به ما يستباح بالمائية من الغايات
واجبها ومندوبها، وقد ثبت استحباب الطهارة المائية للنوم في محله، فمع تعذرها يقوم
التيمم مقامها للبدلية، مع ما في المروي عن العلل من خبر أبي بصير عن الصادق
عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) " لا ينام المسلم وهو جنب، ولا ينام إلا على
طهور، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد، فإن روح المؤمن تروح إلى الله عز وجل،
فيلقاها ويبارك عليها، فإن كان أجلها قد حضر جعلها في مكنون رحمته، وإن لم يكن
أجلها قد حضر بعث بها مع أمنائه من الملائكة، فيردها في جسده " الحديث.
بل في الحدائق الظاهر أنه لا خلاف في استحباب التيمم للنوم ولو مع وجود
الماء، قلت: ولعله للمرسل عن الصادق (عليه السلام) " من تطهر ثم آوى إلى فراشه
بات وفراشه كمسجده، فإن ذكر أنه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان لم
يزل في صلاة وذكر الله " بل ظاهره الاكتفاء بالتيمم في المرتبة الاضطرارية منه كالغبار
وإن تمكن من التراب، والمناقشة فيه بما تقدم - من عدم صلاحية المرسل لاثبات ذلك
حتى لو قلنا بالتسامح في أدلة السنن من جهة معارضته لما دل على اشتراط التيمم بالتعذر
- مدفوعة بما سمعته، نعم ظاهر المرسل إنما هو في التيمم للمحدث بالأصغر، وإن أطلق

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الوضوء - الحديث 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الوضوء - الحديث 4 - 2
272

الطهارة في صدره، كما أن ظاهره في غير المتعمد ترك الوضوء، فالتعميم للأمرين محتاج
إلى دليل آخر غيره، والله أعلم.
* (الركن الرابع) *
من كتاب الطهارة
* (في النجاسات وأحكامها) *
وفيه قولان * (القول) * الأول * (في النجاسات، وهي عشرة أنواع) * كما في
الجامع والنافع والقواعد والذكرى وغيرها.
ف‍ * (الأول والثاني) *
مسمى * (البول والغائط) * عرفا، فبعض الحب الخارج من المحل صحيحا غير
مستحيل طاهر، لعدم الصدق، ولعله يرجع إليه ما في المنتهى من اشتراط طهارته ببقاء
صلابته بحيث لو زرع لنبت دون ما لم يكن كذلك وإلا كان ممنوعا، إذ المعتبر كما في
نحوهما من الألفاظ مسماهما عرفا * (من) * كل * (ما لا) * يجوز أن * (يؤكل لحمه) * من سائر
أصناف الحيوان حتى النبي (صلى الله عليه وآله) من الانسان، إذ لم يثبت أنه أقر أم
أيمن على شرب بوله وإن قيل إنه قال (صلى الله عليه وآله) لها: " إذن لا تلج
النار بطنك " فما عن الشافعي في قول له بطهارته لذلك غير صحيح.
نعم * (إذا كان للحيوان نفس سائلة) * أي دم يخرج من مجمعه في العروق إذا
قطع شئ منها بقوة ودفع كما في المدارك وغيرها، أو سيلان كما في الروض، ولعلهما
بمعنى، أي لا يخرج رشحا كدم السمك ونحوه، فنجاستهما حينئذ مجمع عليها بين الأصحاب
بل وبين غيرهم إلا الشاذ من غيرنا في خصوص ما لا يؤكل من البهائم نقلا مستفيضا إن لم

(1) شرح الشفاء للخفاجي - ج 1 - ص 362
273

يكن متواترا، بل وتحصيلا في غير بول الرضيع قبل أكله اللحم، بل وفيه أيضا، وإن
حكى في الذكرى والمختلف والمدارك عن الإسكافي طهارته، لكن في الأخير الطعام بدل
اللحم،
وسابقه الصبي الذكر من غير البالغ بدل الرضيع، لعدم قدح خلاف مثله فيه،
ولذا لم يستثنه من معقد ما حكاه في المعتبر والتذكرة من إجماع علماء الاسلام على نجاسة
البول والغائط مما لا يؤكل لحمه، والمنتهى على بول الآدمي كمعقد نفي الخلاف في الغنية
عن نجاسة بول وخرء ما لا يؤكل لحمه، والمحكي من الاجماعات في غيرها، بل في التذكرة
وعن المرتضى دعواه عليه بالخصوص، سيما مع ضعف مستنده من الأصل المقطوع بغير
واحد من الأدلة، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) " إن
لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم، لأن لبنها يخرج من مثانة أمها،
ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم، لأن لبن الغلام يخرج من
العضدين والمنكبين " والمروي في البحار عن القطب الراوندي بسنده إلى موسى
ابن جعفر (عليهما السلام) قال: " قال علي (عليه السلام "): بال الحسن والحسين (عليهما السلام)
على ثوب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أن يطعما فلم يغسل بولهما عن ثوبه ".
وهما - مع قصورهما عن معارضة ما تقدم، وعموم وإطلاق ما دل على نجاسته من
السنة أيضا مما سيأتي من وجوه، واشتمال أولهما على غير المختار عندنا من نجاسة لبن الأنثى،
كظهور سنده في عاميته، ويؤيده نسبته في فقه الرضا (عليه السلام) إلى الرواية عن علي
(عليه السلام) بعد أن ذكر الحكم بخلافه كالفقيه مما عساه يظهر من عادته من أمثال
ذلك في هذا الكتاب إيهاما للقول بها للتقية، ومعارضة الأول بل والثاني بصحيح
الحلبي أو حسنه " سألت الصادق (عليه السلام) عن بول الصبي، قال: تصب عليه
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 2

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 2
(2) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
274

الماء، فإن كان قد أكل فاغسله " وبالمروي في البحار أيضا من كتاب الملهوف على
قتلى الطفوف لابن طاووس بسنده عن أم الفضل زوجة العباس " أنها جاءت بالحسين
(عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فبال على ثوبه فقرضته فبكى، فقال:
مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني " - محتملان سيما الثاني لإرادة نفي
الغسل لا الصب، ولا ينافيه عطفه على اللبن في خبر السكوني، وإن كان لا خلاف عندنا
كما قيل في طهارته، لكنهما مشتركان معا في نفي الغسل.
فظهر حينئذ من ذلك كله أنه لا يقدح مثله في المحصل من الاجماع السابق فضلا
عن المنقول،
نعم ينبغي أن يعلم أن محله في غير الطير من غير المأكول ذي النفس،
لظهور القول بطهارة بولها وخرئها من الفقيه كما عن الجعفي وابن أبي عقيل، بل هو
صريح المبسوط في غير الخشاف، والمفاتيح والحدائق مطلقا كما عن حديقة المجلسي
وشرحه على الفقيه والفخرية وشرحها الرياض الزهرية وكشف الأسرار، بل هو ظاهر
كشف اللثام وشرح الدروس، بل لعله ظاهر المنتهى أيضا، لكن في غير الخشاف،
بل وفيه أيضا، وفي المدارك والبحار وعن الذخيرة والكفاية الحكم بطهارة الذرق مع
التردد في حكم البول من غير فرق بين سائر الطيور، وعن المعالم إيقاف المسألة على الاجماع،
وتردد فيه مع استظهاره التسوية بين الخشاف وغيره.
لكن يقوى في النظر القول بالنجاسة مطلقا كما هو خيرة الأكثر نقلا وتحصيلا،
بل هو المشهور كذلك شهرة عظيمة تقرب للاجماع إن قلنا بشمول لفظ الغائط في عبارة
المصنف ونحوها كالعذرة والروث في غيرها من عبارات الأصحاب، لما نحن فيه، كما قطع
به العلامة الطباطبائي في مصابيحه بالنسبة إلى خصوص عباراتهم، ولعله لذا نسب فيها
المخالف إلى الشذوذ.

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب النجاسات - الحديث 5
275

بل في السرائر في باب البئر " قد اتفقنا على نجاسة ذرق غير المأكول من سائر
الطيور، وقد رويت رواية شاذة لا يعول عليها أن ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول
اللحم أو غير مأكوله، والمعمول عند محققي أصحابنا والمحصلين منهم خلاف هذه
الرواية، لأنه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها ".
وفي التذكرة " البول والغائط من كل حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم
بحسان باجماع العلماء كافة، وللنصوص الواردة عن الأئمة (عليهم السلام) بغسل البول
والغائط عن المحل الذي أصابه، وهو أكثر من أن يحصى، وقول الشيخ في المبسوط
بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور لرواية أبي بصير ضعيف، لأن أحدا لم يعمل
بها " إلى آخره. وهو كالصريح في إرادته من معقد إجماعه ما يشمل ما نحن فيه، سيما
مع ملاحظة عبارته بعد ذلك.
وفي الغنية " والنجاسات هي بول ما لا يؤكل لحمه وخرؤه بلا خلاف، وما يؤكل
لحمه إذا كان جلالا بدليل الاجماع " إلى آخره. ولا ريب في شمول لفظ الخرء لرجيع
الطير كما ستسمع التعبير به عنه في الحسن فما في كشف اللثام أنه ظاهر في غير رجيع
الطير في غير محله.
وفي الخلاف " كل ما يؤكل لحمه من الطير والبهائم بوله وذرقه وروثه طاهر لا
ينجس به الثوب ولا البدن إلا ذرق الدجاج خاصة فهو ينجس، وما لا يؤكل لحمه فبوله
وذرقه نجس لا تجوز الصلاة في قليله ولا كثيرة، وما يكره لحمه كالحمر الأهلية والبغال
والدواب فإنه مكروه بوله وروثه وإن لم يكن نجسا - ثم حكى خلاف العامة وقال: -
دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم " وعن الجامعية شرح الألفية " فالبول والغائط أجمع
الكل على نجاستهما من كل حيوان محرم أكله إنسانا كان أو طيرا أو غيرهما من

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
276

الحيوانات " وهو صريح أيضا في شمول الغائط لرجيع الطير.
ومنه حينئذ ينقدح الاستدلال بما حكي على نجاستهما من الاجماع عن التنقيح
وغيره مع عدم التعرض للطير وغيره، بل وبما سمعته سابقا من إجماعي المعتبر والمنتهى
لولا أنهما لم يصرحا بعد ذلك بالخلاف في خصوص الطير مما يشعر بإرادتهما بالأول غير
الطير، بل قد عرفت ميل الثاني إلى الطهارة، فمن العجيب ما في الرياض من الاستدلال
على النجاسة بخصوص هذين الاجماعين وتركه غيرهما، وكشف اللثام فلم يذكر إلا إجماع
الغنية، وقال: إنه ظاهر في غير رجيع الطير، وقد عرفت ما فيه.
وكيف كان فيدل عليه - مضافا إلى ما عرفت وإلى ما حكي أيضا من الاجماعات
على نجاسة فضلتي الدجاج الجلال إن قلنا بدخوله تحت اسم الطير، وإلا كان مؤيدا -
عموم قول الصادق (عليه السلام) في حسن ابن سنان (1) أو صحيحه " " اغسل ثوبك
من أبوال ما لا يؤكل لحمه " كخبره الآخر عنه (عليه السلام) (2) أيضا: " اغسل ثوبك
من بول كل ما لا يؤكل لحمه " ومفهوم صحيح زرارة أو حسنه (3) أنهما قالا: " لا تغسل
ثوبك من بول شئ يؤكل لحمه " وموثق عمار (4) عن الصادق (عليه السلام) " كل
ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه " ونحوهما غيرهما (5) وإطلاق الأمر بغسل الجسد
والثوب من البول في المعتبرة المستفيضة (6) حد الاستفاضة إن لم نقل بانصرافها إلى بول
الانسان أو غير الطير، كالمعتبرة المستفيضة (7) جدا أيضا الدالة على نجاسة العذرة،
للأمر فيها بالغسل، ونزح مقدار من البئر لو وقعت فيه، ونحو ذلك بعد السؤال

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 2 - 1 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 2 - 1 - 0 -
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 2 - 1 - 0 -
(6) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب النجاسات
(7) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب الماء المطلق
277

عنها من غير استفصال، كما استدل بها على ما نحن فيه في المعتبر مدعيا أن الخرء
والعذرة مترادفان.
ومن العجيب تعجب صاحب المعالم منه بأنا لم نر ما علق فيه الحكم على العذرة
حتى يضطر إلى دعوى الترادف، وكأنه لم يعثر على تلك المستفيضة، نعم قد يتجه عليه
انصراف العذرة فيها إلى فضلة الانسان أو غير الطير، اللهم إلا أن يجبرها بالشهرة أو
الاجماع، لكنا في غنية عنه بالأخبار الأول بعد إتمامها بالاجماع المركب المحكي في الروض
وغيره، كما عن صريح الناصريات أيضا، أو المحصل على عدم الفرق بين البول وغيره.
والمناقشة فيه بعدم البول للطير فلا يتم الاجماع أو بعدم انصراف الأدلة إليه
أو بعدم عموم المفهوم مدفوعة بظهور عبارة المخالف ومستنده من الخبر الآتي، كخبر
المفضل بن عمر الطويل المشهور الوارد في المعرفة في وجود بول للطير، وبإمكان
منع توقف تحقق الاجماع المركب على حصول البول من كل فرد فرد مما لا يؤكل لحمه،
وبما في الأولين من العموم اللغوي الذي تتساوى فيه الأفراد النادرة، وبما تحقق في
محله من عموم المفهوم، كالمناقشة في أصل الدلالة فيها وفي أمثالها على ما نحن فيه، بل وعلى
غيره من بول ما لا يؤكل لحمه بأعمية الأمر بالغسل من النجاسة، مع أنه لا ينحصر وجهه
فيها، إذ لعله لأنه من الفضلات التي لا تصح الصلاة بها وإن كانت طاهرة أو غير ذلك.
ودعوى أنه لا معنى للنجس شرعا إلا ما وجب غسل الملاقي له، وإن أكثر
الأعيان النجسة إنما استفيد نجاستها من مثل ذلك ممنوعة، إذ للنجس أحكام كثيرة كعدم
جواز شربه وأكله ووجوب تنزيه المصاحف والمساجد والضرائح عنه إلى غير ذلك،
وأن العمدة في إثبات نجاسة تلك الأعيان إنما هو الاجماع لا هذه الأوامر، فحيث لا
إجماع كما في المقام تبقى على قاعدة الطهارة، لاندفاعها بالفهم العرفي من أمثال هذه الأوامر،

(1) البحار - ج 3 ص 103 من طبعة طهران سنة 1376
278

سيما إذا كانت لمشروط بالطهارة، ومن الأمر بإعادة الصلاة منها، وإهراق الماء القليل
الملاقي لها ونحوها الحكم بالنجاسة كما لا يخفى على من لاحظها ولاحظ سؤال الرواة لهم عنها.
بل يمكن دعوى التلازم بين وجوب الغسل تعيينا والنجاسة، إذ ليس في الشرع
ما يجب غسله بحيث لا يجزئ غيره إلا النجس، وفضلة ما لا يؤكل لحمه إنما يجب إزالتها
عن ساتر الصلاة لا غسلها، ولعله لذا أطلق الأمر بالغسل في كثير منها من دون ذكر
المشروط به مع القطع بإرادة الوجوب الشرطي منه لا النفسي، وما ذاك إلا اتكالا على
فهم السامع إرادة الوجوب للنجاسة، فتجب حينئذ لما وجبت له.
ويؤيده أيضا أنه لم يقع منهم (عليهم السلام) أمثال هذه الأوامر فيما يراد إزالته
لا للنجاسة كفضلات ما لا يؤكل لحمه ونحوها إلى غير ذلك، فلا ينبغي الريب في كون
المفهوم من الأمر فيها بذلك النجاسة، بل قد يعد إنكاره مكابرة، وكيف لا ونحن نقطع
بأن لا دليل للأصحاب على ما اتفقوا عليه من الحكم بالنجاسة إلا أمثال ذلك، إذ احتمال
وجود أدلة أخر عندهم غيرها في سائرها ولم يصل شئ منها إلينا مما ينبغي القطع بعدمه،
خصوصا بعد تصريحهم أنفسهم بكونها هي المستند لهم
نعم أقصى ما يقال: إنه لعل لهم قرائن تدل على إرادة النجاسة من أمثال هذه
الأوامر لا لانسياقها منها نفسها، وهو مع أنه مستبعد بل مقطوع بعدمه أيضا لا يمنع
حينئذ من الاستدلال بها، بل يؤكده ويحققه.
وتوهم أن اتفاق الأصحاب هو الحجة حينئذ لا هي يدفعه أنه كشف لنا عن
دلالتها، لا أن الحجة الاجماع لا هي أو مركبة منهما، فيتجه حينئذ الاستدلال بالعمومات
السابقة على ما نحن فيه وإن لم يكن إجماعا.
كما أنه قد يتجه الاستدلال زيادة على ما سمعت بما عساه يستفاد من النصوص (1)

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النجاسات
279

بل والفتاوى في المقام وغيره من دوران النجاسة والطهارة في البول والغائط على حلية
اللحم وحرمته، مضاف إلى المفهومين السابقين وما ماثلهما، وإلى استقراء موارد ما حكم
الشارع بنجاسته بالخصوص كالبول من الانسان والسنور والخرء منهما والكلب والفأرة
ونحوهما، وما حكم بطهارته أيضا بالخصوص من أبوال البقر والإبل والغنم ونحوها،
بل كل ما يؤكل لحمه، ما رواه في الوسائل والبحار (1) عن العلامة في المختلف نقلا
من كتاب عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام) قال: " خرء الخطاف لا بأس به،
هو مما يؤكل لحمه، ولكن كره أكله، لأنه استجار بك وآوى إلى منزلك وكل
طير يستجير بك فلا بأس به " وخبر زرارة (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " في أبوال
الدواب تصيب الثوب فكرهه، فقلت: أليس لحومها حلالا؟ فقال: بلى ولكن ليس
مما جعله الله للأكل " بل فيه إشعار بمعروفية الحكم في ذلك الزمان بين الرواة، وظاهر
الإمام (عليه السلام) إقراره عليه، بل كاد يكون استدراكه (عليه السلام) صريحا فيه،
إلى غير ذلك مما يستفاد منه دوران الحكم في نجاسة هذين الفضلتين وطهارتهما على مدار
هذين الكليتين حتى في الحيوان الواحد لو تعاور عليه الحالتان، كما ستعرفه في الجلال
والموطوء ونحوهما، سيما مع عدم معروفية الخلاف في نجاسة شئ منهما من سائر ما لا يؤكل
لحمه من الحيوان عدا الطير والرضيع، وكاد الفقيه المتتبع يقطع أن لا مدرك لاتفاقهم على
ذلك إلا ما فهموه من إقعاد هه القاعدة، كما ينبئ عنه أيضا استدلالهم بها في كثير
من المقامات مما يشعر بكونها من المسلمات عندهم، وإلا فقد عرفت عدم عموم معتد به
في الأخبار يدل على نجاسة الخرء من كل حيوان فلا مانع حينئذ من الاستدلال بها على المختار.

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النجاسات - الحديث - 20 وفيه " فأجره "
بدل " فلا بأس به "
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب النجاسات - الحديث 7
280

كما أنه ربما يمكن الاستدلال أيضا عليه بخبر داود الرقي (1) " سأل الصادق
(عليه السلام) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي ولا أجده، فقال: اغسل ثوبك "
مع التتميم بعدم القول بالفصل من الجميع الذي لا يقدح فيه ما سمعته من المبسوط، لضعفه
وعدم موافقة أحد له في ذلك فيما أعلم.
وما عساه يظهر من المختلف من الاجماع على النجاسة في الخشاف ليس في محله،
إلا أن يريد به من القائلين بالنجاسة والشيخ، وإلا فلم ينقل هو ولا غيره التفصيل
عن أحد عداه.
كل ذا مع ضعف مستند القول بالطهارة مطلقا أو في غير الخشاف من الأصل
الذي لا يصلح معارضا لبعض ما سمعت، كعموم (2) " كل شئ طاهر حتى تعلم أنه
قذر " والحسن كالصحيح عن أبي بصير (3) عن الصادق (عليه السلام) قال: " كل
شئ يطير فلا بأس بخرئه وبوله " المعتضد بما في البحار وجدت بخط الشيخ محمد بن علي
الجعفي نقلا من جامع البزنطي عن أبي بصير (4) عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال: " خرء
كل شئ يطير وبوله لا بأس به ". وخبر غياث (5) عن الباقر (عليه السلام) " لا بأس
بدم البراغيث وبول الخشاشيف " وبما عن نوادر الراوندي (6) عن موسى بن جعفر
عن آبائه (عليهم السلام) " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن الصلاة في الثوب
الذي فيه أبوال الخشاشيف ودماء البراغيث، فقال: لا بأس " وترك الاستفصال في
صحيح علي بن جعفر (7) عن أخيه موسى (عليهما السلام) " أنه سئل عن الرجل يرى

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 1
(2) المستدرك - الباب - 30 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 1
(4) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 - 1
(5) الوسائل - الباب 10 - من أبواب النجاسات - الحديث 5
(6) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 - 1
(7) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
281

في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه وهو في الصلاة، قال: لا بأس " ولعل مستند
تفصيل الشيخ عموم الخبرين الأولين مع ما تقدم من خبر الرقي
وفي الجميع نظر لظهور سؤال الأخير عن منافاة نفس الحك للصلاة باعتبار كونه
فعلا كثيرا لا الطهارة والنجاسة، على أنه محتمل إرادة المأكول والمجهول حاله، وإلا
فهو كما ينافي المختار من حيث النجاسة ينافي الخصم أيضا من حيث كونه من فضلات
ما لا يؤكل لحمه ولا يصلح الصلاة به وإن قلنا بالطهارة، هذا مضافا إلى ما في الرياض
" من عدم الملازمة بينها وبين نفي البأس عنه، لعدم السراية مع اليبوسة كما هو ظاهر
الحك في الرواية، وليس نصا في صحة الصلاة، ومن أن إطلاق الطير فيه ينصرف إلى
المتبادر الغالب، وهو مأكول اللحم، وغيره نادر " انتهى. وإن كان فيما ذكره نظر واضح.
ولعدم الجابر لسابقيه من الخبرين مع معارضتهما بخبر الرقي المتقدم، بل وبإجماع
المختلف في وجه، واحتمالهما التقية كما قيل، واحتياج الخصم أيضا إلى تأويل الخبر الثاني
باعتبار منافاته للصلاة من حيث كونه من فضلات ما لا يؤكل لحمه.
بل وسابقه أيضا إن أريد بنفي البأس فيه ما يعم ذلك، بل لعله الظاهر باعتبار
كون الصلاة معظم ما يراد نفي البأس بالنسبة إليها.
وكذا الكلام في الخبرين الأولين مع قصورهما عن معارضة ما تقدم وإن اعتبر
سندهما، سيما مع كون معارضتهما للعموم السابق في البول و القاعدة السابقة فيه وفي الخرء
بالعموم من وجه، ولا ريب في رجحانهما عليهما بالاعتضاد بالشهرة العظيمة، بل تسالم
الأصحاب عليه في بعض الطبقات التي هي أقوى المرجحات نصا واعتبارا، على أنه لو
سلم تكافؤ المرجحات باعتبار ترجيح هذا العموم أيضا بالأصل وبأقلية الأفراد ونحوهما
يبقى ما سمعته من الاجماعات المحكية التي يشهد لها التتبع سالمة عن المعارض، فلا محيص
حينئذ عن القول بالنجاسة، ولولا ذلك لأمكن القول بالطهارة عملا بالمعتبرين السابقين،
282

سيما مع إمكان القول بعدم انصراف ما دل على نجاسة البول إلى بول الطير وإن كان
بالعموم اللغوي، أو قلنا بعدم البول للطير وإن تضمناه، لكن يمكن حمله على ما يخرج
من بعض الفضلات مجازا، فلا يعارضها حينئذ ما دل على نجاسة بول ما لا يؤكل
لحمه، وكان ذلك وأمثاله مع اختلال الطريقة هو الذي ألجأ متأخري المتأخرين إلى
القول بالطهارة، وقد عرفت ضعفه بما لا مزيد عليه.
وأضعف منه ما يظهر من المحكي من عبارة ابن البراج في المهذب من القول بنجاسة
الذرق والبول مما لا يؤكل لحمه من الطيور، إلا أنه لا يجب إزالة قليلها وكثيرها،
وهو قول غريب لم يعرف نقله عن أحد من الأصحاب، بل ولا عنه أيضا، ولكن
لعل مستنده الجمع بين ما دل على النجاسة مما عرفت وبين ما دل على الطهارة، خصوصا
مع إشعار الصحيح السابق بعدم منافاته للصلاة، وفيه ما لا يخفى، فقد ظهر لك من ذلك
كله بحمد الله الحكم في الطير.
كما أنه قد ظهر لك ما يصلح للاستدلال به على أصل نجاسة الفضلتين من سائر
ما لا يؤكل لحمه مع قطع النظر عن الاجماعات، فما في الرياض تبعا لشرح المفاتيح أن
الدليل منحصر في الاجماع في غير محله، إلا أن يريد أن غيره محتاج في إتمامه على وجه
العموم إليه، مع أن فيه نظرا أيضا يعرف مما مر، لكن الأمر سهل وإن تعدد المدرك
عندنا واتحد عندهم بعد الاتفاق منا جميعا على نجاستهما من سائر ما لا يؤكل لحمه.
* (سواء كان جنسه حراما كالأسد) * ونحوه * (أو عرض له التحريم ك‍) * الحيوان
* (الجلال) * والموطوء ونحوهما مما كان محللا بالأصل بلا خلاف أجده فيه، لعموم الأدلة
السابقة من الاجماعات وغيرها، بل قد سمعت من الغنية الاجماع عليه بالخصوص في
الجلال، كما أنه في التذكرة نفي الخلاف عنه فيه وفي الموطوء، بل في المفاتيح الاجماع
عليهما معا صريحا، بل وعلى كل ما حرم بالعاض، وفي المختلف وعن التنقيح الاجماع
283

على نجاسة ذرق الدجاج الجلال، هذا إن لم نقل بنجاسة الجلال نفسه، وإلا كان الحكم
بنجاستهما حينئذ قطعيا.
كما أنه يتجه الحكم بذلك أيضا لو قلنا بنجاسة عرقه، لأمر بالغسل منه بناء
على أولويتهما منه، بل يمكن تأييد الحكم بالنجاسة بذلك وإن لم نقل به.
وبذلك كله ينقطع الأصل وإن تعدد، ويقيد إطلاق ما دل على طهارة بوله
وخرئه إن كان مثل ما دل على طهارتهما من البعير والبقر ونحوهما الشامل لحالتي الجلل
وعدمه، وإن كان التعارض بينها وبين ما دل على النجاسة مما لا يؤكل لحمه تعارض العموم
من وجه، بل هي أخص مطلقا بالنسبة إلى إطلاق أخبار البول والعذرة.
كما أنه يندفع احتمال إرادة الحلية الأصلية مما اعتبر في الطهارة من مأكولية
اللحم، فلا يقدح زوالها في بقائها أو احتمال إرادة الحرمة الأصلية مما اعتبر في النجاسة
من عدم مأكولية اللحم، فلا عبرة بالعارضية في ثبوتها، كل ذلك لما عرفته من الاجماعات
الخاصة المعتضدة بنفي الخلاف كذلك، والتتبع مع قوة تلك العمومات، وظهور إرادة
الأعم من الحالتين في المأكولية وعدمها، لكن مع دوران كل من الطهارة والنجاسة
مدارهما وجودا وعدما لتبادر العلية منهما.
ويلحق بالجلال ونحوه المتغذي بلبن الخنزيرة حتى اشتد بناء على حرمة لحمه،
نعم هو لا يسمى جلالا، لأنه قد فسره غير واحد من الأصحاب بأنه المتغذي بعذرة
الانسان، فلا يدخل فيه المتغذي بغيرها من النجاسات والمتنجسات ولو بمباشرتها،
وإن كان قد قيل إنما سمي جلالا لأكله الجلة، وهي البعر، إلا أنه قد يدعى
اختصاصه عرفا بذلك.
وربما يؤيده قول الباقر (عليه السلام) في مرسل النميري (1) في شاة شربت

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 2
284

بولا ثم ذبحت: " يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به، وكذلك إذا اعتلفت العذرة ما لم
تكن جلالة، والجلالة التي يكون ذلك غذاءها " بناء على انصراف العذرة فيه إلى عذرة
الانسان، وأن الإشارة بذلك إليها ولتحقيق البحث فيه مقام آخر.
* (وفي رجيع ما لا نفس له وبوله) * من غير المأكول مما لا يشق التحرز عنه
كالذباب ونحوه * (تردد) * دون ما يشق، وإن كان ظاهر المصنف هنا وصريحه في المعتبر
التردد فيه أيضا، لكنه في غير محله، للأصل والسيرة القاطعة والحرج، مع عدم شمول
ما دل على التنجيس لمثله، إذ هو - مع عدم تحقق البول منه، وانصراف مثل لفظ الخرء
والعذرة ونحوهما، بل والبول أيضا لو كان منه إلى غيره - لا يدخل كثير من أفراده
فيما لا يؤكل لحمه، لظهوره في ذي اللحم المحرم دون ما لا لحم له، ولذا لم تبطل الصلاة
بشئ من فضلاته، فليس للفقيه حينئذ التردد في مثله، بل لعله من الضروريات، نعم
هو في محله بالنسبة إلى ذي اللحم غير المأكول ولا مشقة في التحرز عنه، من عموم
ما لا يؤكل لحمه والقاعدة السابقة، ومن الأصل وظهور انصراف البول لغيره لو قلنا
بتحقق بول منه، مع منع ما يدل على نجاسة غير البول على وجه يشمل مثل رجيعه،
ومن هنا قال في المدارك: " إني لا أعرف وجها للتردد في رجيعه " إلى آخره. ولطهارة
ميتته ودمه، فصارت فضلاته كعصارة النبات، ولاشعار ما دل (1) على نفي البأس عما
مات منه في البئر بذلك أيضا، سيما مع شموله لما لو تفسخ فيها بحيث خرج جميع ما في بطنه
من فضلاته، ولعدم تحقق خلاف فيه من أحدكما اعترف به في الحدائق وشرح الدروس،
ومن هنا اختير فيهما الطهارة وفاقا لظاهر من قيد نجاستهما بذي النفس، كالسرائر
وأكثر من تأخر عنها، ولصريح المعتبر والمدارك والمنتهى والتذكرة، بل قد يؤذن نسبة
الخلاف فيه إلى الشافعي وأبي حنيفة وأبي يوسف خاصة في الأخيرين بعدم خلاف فيه منا.

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب النجاسات - الحديث 2
285

قلت: لكن للنظر في جميع ذلك مجال لانقطاع الأصل بما مر في البحث السابق
من القاعدة والعموم اللغوي الممنوع انصرافه إلى غيره، سيما في كثير من الحيوانات
البحرية العظيمة الهيكل، واحتمال القول أن اللحم مطلق ولا عموم لغوي فيه، فينصرف
إلى المعهود، فلا يشمل مثل الحية والوزغ ونحوها يدفعه - مع إمكان نقضه ببعض لحوم
ذي النفس أيضا، وأنه مكابرة واضحة، للقطع بعدم مدخلية النفس وعدمها في العهدية
وعدمها، وإنا نمنع اعتبار هذا الانصراف - أنه من توابع العموم اللغوي وفي سياقه،
فحكمه حكمه.
ويؤيده ما يأتي في باب الصلاة من عدم جواز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه
وإن لم يكن له نفس، بل ولا شئ من فضلاته بعد أن يكون له لحم يعتد به، وما ذاك
إلا لتناول ما دل على منع الصلاة في شئ مما لا يؤكل لحمه لمثله، وعدم اختصاصه
بذي النفس، فدعوى الانصراف هنا إلى ذي النفس والعموم هناك مع اتحاد العبارة
بل هي في المقام أصرح في غير محلها، ولظهور عدم التلازم بين طهارة الميتة والدم وبين
ما نحن فيه، ولذا رده في الحدائق وشرح الدروس بأنه قياس لا نقول به، كظهور
ضعف إشعار نفي البأس السابق، لانسياقه إلى إرادته من حيث الموت، على أن التحقيق
عندنا عدم نجاسة البئر بملاقاة النجاسة، وعدم تحقق الخلاف إنما يجدي لو رجع إلى إجماع،
وإلا فلا، على أنه قد يقال بتحققه هنا، لاطلاق أو تعميم جملة من الأصحاب الحكم
بنجاستهما مما لا يؤكل لحمه من غير تقييد بذي النفس، كالمقنعة والخلاف وجمل الشيخ
والوسيلة والغنية وإشارة السبق والدروس، بل والنافع خصوصا مع التقييد بذلك في
الميتة والدم وتركه هنا، فلعل هؤلاء قائلون بالنجاسة، بل يخرج حينئذ إجماع الخلاف
والغنية لاطلاق معقدهما كالمحكي عن غير هما دليلا عليها أيضا، ولا يعارضه ما حكي من
الاجماع على النجاسة من ذي النفس بدعوى ظهور إرادة اختصاص النجاسة به، لأنه
286

وإن سلم ظهور القيد بذلك لكن يمنع إرادة الاجماع بالنسبة إلى الطهارة من غير ذي النفس.
مع أنه يمكن القول بكون المراد من القيد ذكر معقد ما اتفق عليه وقطع به
لاخراج ما عداه عن القطع والاتفاق، فلا يكون حينئذ فيه دلالة على الطهارة فضلا عن
الاجماع عليها، على أنه من المستبعد دعواه عليها، وكيف وقد سمعت التردد من مثل
المصنف في الذباب فضلا عن غيرها.
فظهر أن الأحوط الاجتناب، بل الأقوى إن لم ينعقد إجماع على خلافه، اللهم
إلا أن يدعى الشك في صدق اسم البول والخرء والعذرة والغائط ونحوها من الألفاظ التي
علقت النجاسة عليها في المقام بالنسبة إلى ما لا نفس له، وبه يفرق حينئذ بينه وبين الصلاة،
لكون الحكم معلقا هناك على الفضلة الشاملة لها مقطعا بخلافه هنا، لكن للبحث فيه
مجال، والله أعلم.
* (و) * ليس * (كذلك) * البحث * (في ذرق الدجاج غير الجلال) * وإن كان ظاهر
المصنف مساواته للأول في التردد * (و) * في أن * (الأظهر الطهارة) * إلا أن الفرق بينهما
واضح، لما قد عرفت أن التردد في الأول في محله بخلافه هنا، فإنه ينبغي القطع بالطهارة
كما هو المشهور بين القدماء والمتأخرين، بل لا خلاف فيه إلا من الشيخ في الخلاف
وعن المفيد في المقنعة والصدوق، مع أنه في الاستبصار الحكم بالطهارة، بل عن كتاب
الصيد من الخلاف ذلك أيضا مدعيا عليه الاجماع وعلى خرء كل ما يؤكل لحمه كالغنية
بالنسبة إلى الكلية.
وفي السرائر هنا استدل على الطهارة بالاجماع من الطائفة على أن روث وذرق
كل مأكول اللحم من الحيوان طاهر، وفي باب البئر منها أنه لا ينزح لذرق الدجاج
غير الجلال شئ، لأنه طاهر، لأن ذرق مأكول اللحم طاهر بغير خلاف بين أصحابنا،
ثم قال أيضا بعد أن حكى عن بعض الأصحاب استثناء الدجاج من الحكم بعدم نزح
287

شئ من البئر لو وقع فيها خرء ما يؤكل لحمه: " إن أراد هذا المصنف سواء كان جلالا
أو غير جلال فقد قدمنا أن إجماع الصحابة منعقد، والأخبار به متواترة أن كل
مأكول اللحم من سائر الحيوان ذرقه وبوله وروثه طاهر، فلا يلتفت إلى خلاف ذلك
إما من رواية شاذة، أو قول مصنف غير معروف، أو فتوى غير محصل - ثم قال أيضا -
وذهب في بعض كتبه شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله إلى نجاسة ذرق الدجاج مطلقا،
إلا أنه رجع عنه في استبصاره ومبسوطه، فقال في مبسوطه في آخر كتاب الصيد:
إن رجيع ما يؤكل لحمه ليس بنجس عندنا " إلى آخره.
بل ظاهر الشيخ الاجماع كظاهر العلامة في المنتهى، وأما الصدوق فظاهره في
الفقيه أو صريحه الطهارة، كما حكاه عنه وعن المرتضى وسلار وأبي الصلاح وظاهر
ابني أبي عقيل والبراج في المختلف، فانحصر الخلاف حينئذ في المفيد.
ومع ذلك كله فهو الموافق للأصل، للعمومات والمعتبرة المستفيضة (1) الدالة على
نفي البأس عن فضلة مأكول اللحم منطوقا ومفهوما، وما سمعته من الاجماعات المحكية
المعتضدة بالتتبع لكلمات الأصحاب أيضا، وخصوص خبر وهب بن وهب (2) المنجبر
بما عرفت عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) أنه قال: " لا بأس بخرء الدجاج والحمام
يصيب الثوب " إلى غير ذلك، ورواية فارس (3) قال " كتب إليه رجل يسأله عن
ذرق الدجاج يجوز فيه الصلاة، فكتب لا " - مع أنها مكاتبة ومضمرة، ولا ملازمة
بين عدم جواز الصلاة والنجاسة، بل كثير من الطاهر منع من الصلاة فيه، وموافقة للمحكي
عن أبي حنيفة، وضعيفة جدا بفارس، لأنه على ما قيل المراد به هنا ابن حاتم القزويني،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النجاسات
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 - 3
288

وهو كما عن الشيخ غال ملعون، بل في الخلاصة أنه فسد مذهبه، وقتله بعض أصحاب
أبي محمد العسكري (ع)، وله كتب كلها تخليط، وعن الفضل بن شاذان أنه ذكر أن من
الكذابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني، إلى غير ذلك مما ورد من القدح
فيه - محتملة للكراهة أو التقية أو الجلال أو إرادة رفع الايجاب الكلي المفهوم من السائل
أو غير ذلك، فلا وجه للخروج عن قاعدة المأكول الثابتة بما عرفت بمثلها، أو بما عساه
يظهر من الخلاف من دعوى الاجماع على النجاسة بعد أن عرفت أن العكس مظنته.
كما أنه لا ينبغي الخروج عنها أيضا في مثل أبوال الخيل والبغال والحمير على
ما سيأتي الكلام فيه مفصلا إن شاء الله تعالى.
كما أنه قد مضى البحث فيما استثني من قاعدة غير المأكول من بول الصبي والطير،
وأن الحق عدم خروجهما عنها أيضا، نعم قد سمعت تقييد الثانية من غير واحد من
الأصحاب بما إذا كانت له نفس سائلة، وقضيته طهارتهما من غير ذي النفس مطلقا،
وقد تقدم التأمل فيه بالنسبة إلى ما لا يشق التحرز عنه وكان له لحم.
لكن بقي شئ بناء على اعتبار هذا القيد، وهو أن مجهول الحال من الحيوان
الذي لم يدر أنه من ذي النفس أو لا يحكم بطهارة فضلتيه حتى يعلم أنه من ذي النفس،
للأصل واستصحاب طهارة الملاقي ونحوه، أو يتوقف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح
ونحوه، لتوقف امتثال الأمر بالاجتناب عليه، ولأنه كسائر الموضوعات التي علق
الشارع عليها أحكاما كالصلاة للوقت وللقبلة ونحوهما، أو يفرق بين الحكم بطهارته وبين
عدم تنجسه للغير، فلا يحكم بالأول إلا بعد الاختبار بخلاف الثاني، للاستصحاب فيه
من غير معارض، ولأنه حينئذ كما لو أصابه رطوبة مترددة بين البول والماء؟ وجوه لم
أعثر على تنقيح لشئ منها في كلمات الأصحاب.
289

* (الثالث المني) *
* (وهو نجس من كل حيوان) * ذي نفس * (حل أكله أو حرم) * إجماعا محصلا
ومنقولا صريحا في الخلاف والتذكرة وكشف اللثام وعن النهاية وكشف الالتباس،
وظاهرا في المنتهى وغيره، وهو الحجة في التعميم السابق لا النصوص المستفيضة (1)
حد الاستفاضة المشتملة على الصحيح وغيره، وإن ذكر لفظ المني فيها معرفا باللام، وعندنا
أنه لتعريف الماهية التي يلزمها هنا الحكم أينما وجدت، لا لقصورها عن إفادة النجاسة
كما ظن، بل لتبادر الانسان منها، كما اعترف به جماعة من الأعيان حتى ادعى بعضهم
أنها ظاهرة في ذلك كالعيان بحيث لا يحتاج إلى البيان، ولعله لاشتمالها أو أكثرها على
إصابة الثوب ونحوه مما يندر غاية الندرة حصوله من غير الانسان، مع أنها إنما اشتملت
على لفظ المني، وعن القاموس أنه ماء الرجل والامرأة، كالصحاح أيضا لكن بحذف
المرأة، إلا أنه لا يبعد إرادتهما التمثيل، نعم في صحيح ابن مسلم (2) عن الصادق (عليه
السلام) " أنه ذكر المني وشدده وجعله أشد من البول " إلى آخره. ما قد يستفاد من
فحواه نجاسته من كل ما نجس بوله، بل وإن لم ينجس قضاء لشدته، ولأن المراد شدة
حقيقة المني بالنسبة إلى حقيقة البول، مع أنه قد يناقش باحتمال إرادة الشدة بالنسبة
للإزالة من جهة لزاجة المني وثخانته، وبأنه بعد انصراف المني فيه إلى الانسان إنما يفيد
أشدية مني الانسان من بوله لا مطلقا، وبغير ذلك.
وأما غير هذا الصحيح من المعتبرة فظاهر في إرادة مني الانسان، وهو منه
لا بحث فيه عندنا، بل لعله من ضروريات مذهبنا، وربما كان في قوله تعالى (3):

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب النجاسات - الحديث 0 - 2
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب النجاسات - الحديث 0 - 2
(3) سورة السجدة - الآية 7
290

" ماء مهين " دلالة عليه، بل وفي قوله تعالى أيضا (1): " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم
به ويذهب عنكم رجز الشيطان " لما حكي عن المفسرين أن المراد به أثر الاحتلام، بل في
الانتصار " إن الرجز والرجس والنجس بمعنى واحد " انتهى. بل وافقنا عليه كثير
من الناس أيضا.
نعم حكي عن الشافعي القول بطهارته سواء كان من رجل أو امرأة راويا له
عن ابن عباس وسعد بن أبي وقاص وعائشة، قيل وبه قال من التابعين سعيد بن المسيب
وعطاء، ولا ريب في خطائه، ولعل ما في الصحيح والموثق والخبر من الاشعار بطهارته
في الجملة صدر موافقة له تقية.
ففي أحدها (2) " سأله عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه من غسله؟ فقال:
نعم لا بأس به إلا أن تكون النطفة رطبة، فإن كانت جافة فلا بأس ".
وفي الثاني (3) قلت للصادق (عليه السلام): " يصيبني السماء وعلي ثوب فتبله
وأنا جنب فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني أفأصلي فيه؟ قال: نعم ".
وفي الثالث (4) " سألت الصادق (عليه السلام) عن الثوب يكون فيه الجنابة
فتصيبني السماء حتى يبتل، قال: لا بأس ".
وفي الرابع (5) " سئل الصادق (عليه السلام) وأنا حاضر عن رجل أجنب
في ثوبه فيعرق فيه، قال: لا أرى بأسا، قال: إنه يعرق حتى لو شاء أن يعصره
عصره، فقطب الصادق (عليه السلام) في وجه الرجل إن أبيتم فشئ من ماء فانضحه
به " إلى آخره. أو غير التقية من وجوه قريبة سيما في بعضها، فلا ينبغي الشك حينئذ
في هذا الحكم من جهتها بعد ما عرفت.

(1) سورة الأنفال - الآية 11
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب النجاسات - الحديث 7 - 3
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب النجاسات - الحديث 7 - 3
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب النجاسات - الحديث 6 - 4
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب النجاسات - الحديث 6 - 4
291

كما أنه لا ينبغي الشك بعده أيضا في نجاسته من المأكول ذي النفس من عموم
موثقة عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) " كلما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه "
كموثقة ابن بكير (2) " وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه
وألبانه وكل شئ منه جائز " لوجوب حملهما على إرادة البول والغائط كما فهم الأصحاب
من الأول، أو على غير المني تحكيما لما تقدم عليهما.
* (و) * لكن * (في مني ما لا نفس له) * مما لا يشق التحرز عنه * (تردد) * كما في
المعتبر، ينشأ من إطلاق لفظ المني في النص وكثير من الفتاوى كمعقد إجماع الانتصار
والخلاف والغنية وعن المسالك الطبرية وكشف الحق وغيرها، مع ما في الثاني كما عن
غيره التصريح بتعميمه لكل حيوان كبعض فتاوى الأصحاب أيضا، ومن الأصل
والعمومات وطهارة ميتته ودمه.
و * (الطهارة أشبه) * وفاقا لصريح المعتبر والمنتهى والتذكرة والذكرى وغيرها،
وظاهر كل من قيد نجاسته بذي النفس، بل في الرياض أنه المشهور، بل كاد يكون
إجماعا، كما أنه في مجمع البرهان بعد ذكره ما دل على نجاسة المني قال: وكان تقييدها
للاجماع، قلت: ولعله كذلك، إذ لا أعرف فيه مخالفا صريحا، نعم ربما حكي عن
ظاهر الأكثر توهما من الاطلاق السابق، وفيه أنه لا ينصرف إليه، بل ولا إلى بعض
أفراد ذي النفس لولا الاجماع عليه، سيما إذا كان الاطلاق من غير المعصوم مما لا يحضر
في ذهنه كثير من أفراد المطلوب إلا بعد التنبيه، مع ما في إطلاق معقد إجماعي الانتصار
والخلاف بل والغنية أيضا من ظهور سياقها في مقابلة قول الشافعي وغيره من أقوال العامة.
وأما الأخبار فقد عرفت أنها ظاهرة في مني الانسان خاصة، فضلا عن أن تشمل

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب النجاسات - الحديث 12
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
292

مني غير ذي النفس، كل ذا مع إمكان منع صدق اسم المني عليه، سيما بعد ما سمعته
عن القاموس والصحاح، وإن قلنا إن مرادهما التمثيل، إلا أنه ليس ذا من أمثال
ما ذكراه، فلعل التردد فيه حينئذ من المصنف هنا والمعتبر في غير محله.
كما أنه لا ينبغي الشك في طهارة سائر ما يخرج من الحيوان من المذي والوذي
والودي والقيح وجميع الرطوبات وغيرها عدا الثلاثة والدم بلا خلاف معتد به في غير
الأول، بل يستفاد من حصر الأصحاب النجاسات في غيرها الاجماع عليه، للأصل
المقرر بوجوه، والعمومات، وخصوص الصحيح (1) في بلل الفرج، بل والأول أيضا
لذلك، وللأخبار المستفيضة (2) حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة الدالة بأنواع الدلالة
من نفي البأس، وأنه لا يغسل منه الثوب، وأنه لا شئ فيه، وأنه بمنزلة النخامة،
إلى غير ذلك، والاجماع بقسميه.
فما عن ابن الجنيد من نجاسة خصوص الناقض للوضوء عنده أي الخارج عقيب
الشهوة ضعيف جدا محجوج بذلك كله، كمستنده من خبر الحسين بن أبي العلاء (3)
عن الصادق (عليه السلام) " عن المذي يصيب الثوب قال: إن عرفت مكانه فاغسله،
وإن خفي مكانه عليك فاغسل الثوب كله " كخبره الآخر عنه (عليه السلام) (4) أيضا
" عن المذي يصيب الثوب فيلتزق قال: يغسله ولا يتوضأ ".
إذ هما مع قصورها عن المقاومة من وجوه محتملان التقية، واشتباه الراوي في
المني، ولما كان طرف الإحليل نجسا، والندب، سيما وهذا الراوي بعينه روى (5) عن
الصادق (عليه السلام) " أنه لا بأس بالمذي يصيب الثوب، لكن قال: فلما رددنا

(1) الوسائل - الباب - 55 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب نواقض الوضوء
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 4 - 2
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 4 - 2
293

عليه قال: ينضحه بالماء " كخبر العلاء (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " عن المذي
يصيب الثوب فقال: ينضحه بالماء إن شاء ".
* (الرابع الميتة)
* (ولا ينجس من الميتات إلا ما له نفس سائلة) * لا غيره مما لا نفس له كذلك
كالجراد والذباب والوزغ ونحوها، فإن ميتته طاهرة، للأصل المقرر بوجوه، وقول
الصادق (عليه السلام) في موثق عمار (2) بعد أن سأله " عن الخنفساء والذباب والجراد
والنملة وما أشبه ذلك تموت في البئر والزيت والسمن وشبهه، فقال (عليه السلام): كل
ما ليس له دم فلا بأس " كقوله (عليه السلام) في خبر حفص (3) ومرفوعة ابن
يحيى (4): " لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة " وقال (عليه السلام) في صحيح
أبي بصير (5) بعد أن سأله عن الذباب يقع في الدهن والسمن والطعام: " لا بأس "
وفي خبر ابن مسكان (6) " كل شئ يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس
وأشباه ذلك فلا بأس " كقول الكاظم (عليه السلام) في خبر أخيه (7) المروي عن
قرب الإسناد: " لا بأس به " في جواب سؤاله عن العقرب والخنفساء وأشباه ذلك
تموت في الجرة والدن يتوضأ منه للصلاة، إلى غير ذلك من الأخبار.
وقصور بعضها سندا كآخر دلالة منجبر بالشهرة بين الأصحاب شهرة كادت
تكون إجماعا، بل عليه الاجماع في الغنية والسرائر والمعتبر والمنتهى وعن صريح الخلاف
وظاهر الناصريات والتذكرة.

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - وهو عن العلاء
عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 2 - 5
(4) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 2 - 5
(5) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 6
(7) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 6
294

فما في الوسيلة وعن المهذب - من استثناء الوزغ والعقرب من هذا الحكم مما يشعر
بنجاستهما عنده بعد الموت، كما أن ظاهره قبل ذلك مساواة الوزغ للكلب في وجوب
غسل ما باشرهما برطوبة من الثوب أو البدن في حال الحياة لكن قبل ذا صرح بكراهة
استعمال ما باشره الوزغ حيا - في غير محله محجوج بما عرفت، كما عن الشيخين في المقنعة
والنهاية من الحكم بوجوب غسل ما باشره الوزغ والعقرب برطوبة من الثياب مما عساه
يشعر بنجاستهما بعد الموت بالأولى، كاشعار ما عن الصدوق بحرمة اللبن إذا مات فيه
العظاية، وما عن جماعة من الأصحاب منهم من حكى الاجماع هنا على الكلية المذكورة
بوجوب النزح في الجملة لموت الوزغ والعقرب والحية.
إلا أنه قد يقال بل هو الظاهر المناسب للجمع بين كلماتهم: إن وجوب النزح
أعم من النجاسة كما في اغتسال الجنب، ولعله هنا لما فيه من السمية ونحو ذلك، كما أن
تحريم اللبن لذلك أيضا، بل يحتمله كلام الشيخين أيضا، بل والوسيلة في وجه، كل ذا
لعدم دليل صالح للخروج به عن تلك الكلية.
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة (1) بعد أن سأله عن جرة وجد
فيها خنفساء: " ألقه وتوضأ، وإن كان عقربا فأرق الماء توضأ من ماء غيره " - مع
قصوره سنده ولا صراحة فيه بالموت - محمول على الندب، كأمر أبي جعفر (عليه السلام)
بالإراقة للعقرب في خبر أبي بصير (2) ويشير إليه خبر هارون بن حمزة الغنوي (3)
وإن كان في الحياة " عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل
يشرب من ذلك الماء ويتوضأ منه؟ قال: يسكب منه ثلاث مرات، وقليله وكثيره
بمنزلة واحدة، ثم يشرب منه ويتوضأ " لكن قال فيه: " غير الوزغ فإنه لا ينتفع بماء

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأسئار - الحديث 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأسئار - الحديث 5 - 4
295

يقع فيه " إلا أنه أيضا محمول على شدة الكراهة لما فيه من السمية كما تقدم البحث
فيه في الأسئار.
وكيف كان فلا ينبغي التأمل في شئ من أفراد تلك الكلية بعد ما عرفت،
نعم ربما يتأمل في اندراج الحية فيها وعدمه للتأمل في أنها من ذوات الأنفس السائلة
كما هو صريح المعتبر والمنتهى، بل عن بعضهم نسبته إلى المعروف بين الأصحاب،
ويقتضيه ما عن المبسوط أن الأفاعي إذا قتلت نجست إجماعا، أو أنها ليست منها كما
لعله مال إليه في جامع المقاصد والروضة، بل في المدارك أن المتأخرين استبعدوا وجود
النفس لها، قلت: إرجاع الأمر إلى الاختبار هو اللائق، وقبله يجري البحث السابق
في الغائط والبول، فلاحظ وتأمل.
وأما ذو النفس السائلة فميتة غير الآدمي منه نجسة إجماعا محصلا ومنقولا في
الغنية والمعتبر والمنتهى والذكرى وكشف اللثام والروض وعن نهاية الإحكام والتذكرة
وكشف الالتباس وغيرها، بل في المعتبر والمنتهى أنه إجماع علماء الاسلام، كما أن
ظاهر الغنية أو صريحها نفي الخلاف بينهم فيه، وظاهر الجميع هنا عدم الفرق بين المائي
وغيره، وهو كذلك، لاطلاق معاقد الاجماعات أو عمومها كغيرها من الأدلة
التي ستسمعها.
فما عن ظاهر الخلاف من طهارة ميتة الحيوان المائي مطلقا ضعيف، مع أنه يجوز
كما في كشف اللثام وغيره إرادته الغالب من انتفاء النفس عنه، وإلا فعن التذكرة " أن
ميتة ذي النفس من المائي نجسة عندنا " انتهى. كما أن مراد الجميع أيضا عدا المنتهى
من الميتة ما يشمل الجلد قطعا، بل والمنتهى وإن قال فيه: " إنه حكي عن الزهري عدم نجاسة
جلد الميتة " لكنه صرح قبل ذلك بنجاسته عندنا، ثم قال: وهو قول عامة العلماء كما
296

أنه في الخلاف والانتصار وعن الناصريات ونهاية الإحكام وغيرها الاجماع عليه أيضا،
وكيف كان فهو بقسميه الحجة في نجاسة الميتة حتى الجلد.
مضافا إلى ما يمكن دعواه من التواتر معنى الحاصل بملاحظة ما ورد (1) من
الأمر بنزح البئر في الأخبار الكثيرة لموت الدابة والفأرة والطير والحمامة والحمار والثور
والجمل والسنور والدجاجة في البئر، قيل: ولا ينافيه طهارة البئر عندنا، لأن ذلك إنما
هو لعدم انفعالها بالنجاسة، لا لعدم نجاسة تلك الأعيان، وإلا فلا خلاف في النجاسة
بها مع التغير.
قلت: مع أنه قد يقال: إن الأمر بالنزح دال على نجاسة سببه وإن قلنا باستحبابه
باعتبار استقراء أكثر موارد ما أمر به له، وعدم ثبوت مشروعيته حتى من القائلين
بنجاسة البئر لشئ من المستقذرات الطاهرة كالصديد ونحوه مما لم يرد فيه نص بالنزح
له، ولا ينافيه ورود الأمر به لاغتسال الجنب وموت بعض ما لا نفس له سائلة ونحوها
مما علم طهارته، إذ هو بعد تسليم العمل به لا ينافي حصول الظن الناشئ من تلك الغلبة،
اللهم إلا أن يمنع حجية مثل هذا الظن.
وما ورد أيضا من الأمر في الأخبار المعتبرة المستفيضة جدا بالقاء ما مات فيه
الفأرة ونحوها من المرق، والاستصباح خاصة بالزيت والسمن ونحوهما إذا كان مائعا،
وإلا فيلقى الفأرة مثلا وما يليها، كقول الباقر (عليه السلام) في الصحيح (2) أو الحسن:
" إذا وقعت الفأرة في سمن فماتت فإن كان جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي، وإن
كان ذائبا فلا تأكله واستصبح به، والزيت مثل ذلك " والصادق (عليه السلام) في
خبر السكوني (3): " إن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت وإذا في القدر

(1) الوسائل - الباب - 15 و 17 و 18 و 19 - من أبواب الماء المطلق
(2) الوسائل - الباب - 43 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 1.
297

فأرة، قال: يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل ".
وما ورد (1) من النهي عن الأكل في أواني أهل الذمة إذا كانوا يأكلون فيها
الميتة والدم ولحم الخنزير.
وما عساه يشعر به أيضا ما ورد (2) مستفيضا في النهي عن مطلق الانتفاع بالميتة
حتى المقطوع من الحي معللا بذلك، كاشعار النهي عن خصوص الصلاة بجلد الميتة.
وما ورد أيضا من المعتبرة المستفيضة جدا في اجتناب الماء القليل إذا مات فيها
الفأرة ونحوها، بل والكثير مع تغير الماء، وقد تقدمت في محلها.
(منها) صحيح زرارة (3) " إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شئ تفسخ
أو لم يتفسخ إلا أن يجئ له ريح يغلب على ريح الماء ".
وموثقة عمار (4) عن الصادق (عليه السلام) " في الفأرة التي يجدها في إنائه
وقد توضأ من ذلك الإناء مرارا وغسل ثيابه أو اغتسل وقد كانت الفأرة متسلخة،
فقال: إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك
بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كل ما أصابه ذلك الماء ويعيد الوضوء
والصلاة " الحديث.
و (منها) صحيحة حريز (5) عن الصادق (عليه السلام) " كلما غلب الماء على
ريح الجيفة فتوضأ من الماء واشرب، وإذا تغير الماء وتغير الطعم فلا تتوضأ ولا تشرب "
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي لا يسع المقام حصرها.

(1) الوسائل - الباب - 72 - من أبواب النجاسات
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب الأطعمة المحرمة
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 9 - 1
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 9 - 1
298

و (منها) ما سمعته سابقا فيما لا نفس له وتسمعه فيما يأتي إن شاء الله كالصحيح (1)
عن الصادق (عليه السلام) " اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب
والحافر وكل شئ ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي، وإن أخذته منه بعد أن يموت
فاغسله وصل فيه " الحديث. وغيره، وهو دال على المطلوب من وجهين.
واحتمال المناقشة في كل واحد من هذه الأخبار بالسند أو الدلالة بعدم العموم
فيها للميتة والمائعات، وعدم دلالة النهي عن الأكل ونحوه على النجاسة مما لا ينبغي أن
يصغي إليها، خصوصا بعد ما عرفته من اتفاق الأصحاب عليه، بل لعله من ضروريات
المذهب بل الدين.
فمن العجيب ما في المدارك حيث قال بعد أن ذكر دليل النجاسة مما في المنتهى
بأن تحريم ما ليس بمحرم ولا فيه ضرر كالسم يدل على النجاسة، وقال: إن فيه منعا
ظاهرا، ومن الأخبار المتضمنة للنهي عن أكل الزيت ونحوه، وقال: إنه لا صراحة
فيه بالنجاسة، والصحيح الذي ذكرناه آخرا، وقال: إن الأمر فيه بالغسل لا يتعين
كونه للنجاسة، بل محتمل أن يكون لإزالة الأجزاء المتعلقة من الجلد المانعة من الصلاة
فيه، كما يشعر به قوله (ع): " وصل فيه " وبالجملة فالروايات متظافرة بتحريم الصلاة في جلد
الميتة، بل الانتفاع به مطلقا، أما نجاسته فلم أقف فيها على نص يعتد به، مع أن ابن
بابويه روى في أوائل الفقيه مرسلا (2) عن الصادق (عليه السلام) " أنه سئل عن
جلود الميتة يجعل فيها اللبن والسمن والماء ما ترى فيه؟ قال: لا بأس بأن تجعل فيها
ما شئت من ماء أو لبن أو سمن، وتوضأ منه واشرب، ولكن لا تصل فيه " وذكر
قبل ذلك من غير فصل يعتد به أنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه،

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 5
299

قال: بل إنما قصدت إلى ايراد ما أفتي به واحكم بصحته وأعتقد أنه حجة بيني وبين
ربي تقدس ذكره وتعالت قدرته، فالمسألة قوية الاشكال، انتهى.
وفيه - مع إمكان المناقشة في جميع ما ذكر حتى ما منعه من المنتهى، وخصوصا
ما سمعته منه في الصحيح، بل وأخبار الزيت، مع أنه قد اعترف سابقا باستفادة النجاسة
من نحو ذلك، بل ليس في أكثر النجاسات دليل صريح - إنك قد عرفت أن المسألة
من القطعيات بل الضروريات التي لا يدانيها مثل هذه التشكيكات، ولا يقدح فيها
خلاف الصدوق إن كان، ولا ما أرسله، على أنه حكى الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح
عن جده أنه رجع الصدوق عما ذكره في أول كتابه، ولذا ذكر فيه كثيرا مما أفتى
بخلافه، وقد يشهد له التتبع لكتابه، مع احتمال إرادته بما ذكره أولا معنى آخر ليس
ذا محل ذكره، كما أن مرسله - مع عدم حجيته في نفسه فضلا عن صلاحيته لمعارضة غيره
بل في الذكرى أنه شاذ لا يعارض المتواتر - محتمل التقية بإرادة بعد الدبغ، ولإرادة
جلد الميتة مما لا نفس له كالضب ونحوه، بل قيل: إنه كان عادة أعراب البوادي
جعل جلد الضب عكة للسمن، ولعل في قوله في المرسل: " يجعل " إلى آخره
إشعارا بذلك باعتبار ظهور إرادة الاستمرار والاعتياد منه، ولإرادة ما يقال فيها أنها
جلود الميتة لا أنها كذلك قطعا نحو ما ورد في الكيمخت (1) وجلود البغال والحمر
الأهلية (2) فيكون نفي البأس حينئذ لمكان فعل المسلم وتصرفه المحمول على الصحة،
وغير ذلك من الاحتمالات، ولعله لذا لم يعرف حكاية خلاف الصدوق في ذلك، مع أن
المحكي عنه في المقنع أصرح منه في الفقيه حيث قال فيه: " ولا بأس أن يتوضأ من الماء
إذا كان في زق من جلد الميتة " إلا أنه محتمل أيضا بعض ما تقدم وغيره، بل ربما

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 4
300

احتمل فيه كالفقيه أن ذلك لعدم تعدي نجاسة الجلد لا لعدم نجاسته.
وعلى كل حال فلا ريب في بطلانه، وكيف لا وقد أنكر جميع الأصحاب على
ابن الجنيد حيث قال بطهارة جلد ما كان طاهرا حال الحياة من الميتة بالدبغ، مع موافقته
في أصل النجاسة، بل في الانتصار والخلاف والغنية والذكرى وكشف اللثام وعن
الناصريات ونهاية الإحكام وكشف الحق وغيرها الاجماع على خلافه، بل في شرح
المفاتيح للأستاذ أنه من ضروريات المذهب كحرمة القياس، كما في الذكرى وعن التذكرة
أن الأخبار به متواترة.
قلت: لعله أشار بذلك إلى ما دل على النهي عن الانتفاع بشئ من الميتة.
(منها) مكاتبة الجرجاني (1) إلى أبي الحسن (عليه السلام) " يسأله عن جلود
الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكي، فكتب لا ينتفع من الميتة بشئ باهاب ولا عصب ".
والصحيح عن علي بن المغيرة (2) قال: " قلت للصادق (عليه السلام): جعلت
فداك الميتة ينتفع بشئ منها، فقال: لا، قلت: بلغنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
مر بشاة ميتة فقال: ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها،
قال: تلك الشاة لسوادة بنت رفعة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) وكانت شاة
مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ما كان لأهلها إن لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها أي تذكى ".
وموثق أبي مريم (3) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): السخلة التي

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 وهو عن علي بن أبي المغيرة وفيه " لسودة بنت زمعة " بدل " لسوادة بنت رفعة "
(3) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب النجاسات - الحديث 5
301

مر عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي ميتة فقال: ما ضر أهلها لو انتفعوا
بإهابها، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لم تكن ميتة يا أبا مريم، لكنها كانت
مهزولة فذبحها أهلها فرموا بها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما كان على أهلها
لو انتفعوا بها " ولا منافاة بين الخبرين لاحتمال تعدد السخلتين.
وخبر أبي بصير (1) عن الصادق (عليه السلام) في حديث " إن علي بن الحسين
(عليهما السلام) كان يبعث للعراق فيؤتى بالفرو، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى
القميص الذي يليه، فكان يسأل عن ذلك فقال: إن أهل العراق يستحلون لباس جلود
الميتة ويزعمون أن دباغه ذكاته ".
كخبر ابن الحجاج (2) عن الصادق (عليه السلام) في حكاية ذلك عن أهل
العراق وزاد " ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ".
وفي المرسل (3) عن دعائم الاسلام عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " الميتة نجسة وإن دبغت " إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الدالة بأنواع الدلالة المنجبر ضعفها سندا ودلالة لو كان بما عرفت.
فمن العجيب بعد ذلك كله والاستصحاب ونحوه وصدق الميتة بعد الدبغ وظاهر
الآية (4) موافقة الكاشاني في مفاتيحه لابن الجنيد في التطهير بالدبغ معللا له بأن عدم
جواز الانتفاع لا يستلزم النجاسة، على أنه ورد في جواز الانتفاع بها في غير الصلاة
أخبار كثيرة، وأيضا فإن المطلق يحمل على المقيد.
لكنه لا عجب بعد اختلال الطريقة، مع ما في تعليله من منع عدم الاستلزام

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 4
(3) المستدرك - الباب - 38 - من أبواب النجاسات - الحديث 6
(4) سورة البقرة - الآية 168
302

إن أراد الدلالة العرفية، خصوصا على ما قيل: إنه لا معنى للطهارة الشرعية سوى عدم
المنع عن الصلاة والأكل والشرب ونحوهما بالنسبة إليه وإلى ملاقيه وملاقي ملاقيه وهكذا،
ولا للنجاسة الشرعية إلا المنع كذلك، على أن المانع هنا من تمام الانتفاعات ليس إلا
النجاسة إجماعا منقولا إن لم يكن محصلا بل ضرورة، مضافا إلى عدم قائل بالفصل،
إذ ابن الجنيد يجوز جميع الانتفاعات بعد الدبغ عدا الصلاة.
وأما دعواه كثرة الأخبار بجواز الانتفاع ففيه إنا لم نعثر إلا على مرسل الصدوق،
وهو مع عدم ذكر الدبغ فيه قد عرفت ما فيه، وخبر الحسين بن زرارة (1) عن الصادق
(عليه السلام) " عن جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن والماء فأشرب منه وأتوضأ
قال: نعم، وقال: يدبغ فينتفع به ولا يصلى فيه " وهو مع الغض عن سنده وموافقته
للعامة قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه حتى المطلق منها.
وخبر الصيقل (2) قال: " كتبت إلى الرضا (عليه السلام) أني أعمل أغماد
السيوف من جلود الحمر الميتة فيصيب ثيابي فأصلي فيها، فكتب إلي أتخذ ثوبا لصلاتك،
فكتب إلى الجواد (عليه السلام) كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا فصعب علي
ذلك فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية، فكتب إلي كل أعمال البر بالصبر
يرحمك الله، فإن كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس " وهو مع الطعن في سنده محتمل
لإرادة غير معلوم التذكية بل مظنونها، لغلبة عدمها في الحمر الأهلية، وإلا لو أريد الميتة
واقعا لكن مع الدبغ كما يقوله الخصم لم يكن وجه للأمر باتخاذ الثوب ولا لاشتراط
عدم البأس بالذكاة.
كاحتمال موثقة سماعة (3) قال: " سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت،

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 6 - 7
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 6 - 7
303

فرخص به، وقال: إن لم تمسه فهو أفضل " إلى آخرها. خصوصا بعد ما في خبر ابن
أبي حمزة (1) " أن رجلا سأل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن الرجل يتقلد
السيف ويصلي فيه، قال: نعم، فقال الرجل: إن فيه الكيمخت، قال: وما الكيمخت؟
قال: جلود دواب منه ما كان ذكيا، ومنه ما يكون ميتة، فقال: ما علمت أنه ميتة
فلا تصل فيه " الحديث. إذ هو كالصريح في كون المراد بالكيمخت غير معلوم التذكية.
وكيف كان فلا ينبغي الاصغاء إلى هذه الخرافات، ولا تضييع العمر في التشكيك
في الضروريات، وأطرف شئ قوله: إن المطلق يحمل على المقيد، مع أن في تلك الأدلة
ما لا يصلح لذلك، على أنه كيف يتخيل جواز تحكيم مثل هذا المقيد على مثل ذلك المطلق،
ولعل إطالة البحث في ذلك تضييع للعمر فيما لا ينبغي، لما عرفت من ضرورية الحكم
عندنا، فلا إشكال حينئذ في حرمة استعماله فيما كانت الطهارة شرطا فيه من الأكل والشرب
ونحوهما، بل قد يقال بحرمة الانتفاع به مطلقا كما حكي عن جمهور الأصحاب التصريح به.
نعم عن التذكرة والمنتهى التردد فيه بالنسبة لليابس، لكن فيهما أن المنع أقرب
كما عن الشهيدين التصريح به، بل في شرح المفاتيح للأستاذ " أنه ليس محل خلاف
وإن وقع في الذخيرة نوع تردد فيه، وليس بمكانه " انتهى.
قلت: وهو كذلك، لاطلاق الأدلة، إلا أنه لا يترتب عليه فساد العبادة
فيما لو اتخذ منه مثلا حوضا يسع أزيد من كر مثلا فتوضأ منه كما صرح به في القواعد
وكشف اللثام، إذ المحرم عليه جعل الماء فيه لا إفراغه عنه، نعم لو قلنا بوجوب الافراغ
عليه وباقتضاء الأمر بالشئ النهي عن الضد وكان الوضوء ضدا اتجه الحكم بالفساد
حينئذ، كما قد يتجه لو استعمله في نفس العبادة فيما لو ارتمس فيه مثلا، بل الأحوط

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
304

ترك الوضوء فيه أيضا، لصدق استعمال جلد الميتة كما اختاره الأستاذ في كشف الغطاء.
وهل يدخل في الانتفاع المحرم نحو التسقيف به، والاحراق لتسخين الماء لو قلنا
بجواز أصل إحراق الحيوان؟ وجهان، من الشك في تناول الأدلة لمثله وعدمه.
وأما ميتة الآدمي من ذي النفس فنجسته بلا خلاف أجده فيه، بل في الخلاف
والغنية والمعتبر والمنتهى والذكرى والروض وعن ظاهر الطبريات، والتذكرة وصريح
نهاية الإحكام وكشف الالتباس وغيرها الاجماع عليه، وهو الحجة، مضافا إلى إطلاق
أو عموم بعض ما تقدم في ميتة ذي النفس غيره.
وإلى قول الصادق (عليه السلام) في خبر إبراهيم بن ميمون (1) بعد أن سأله
عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت: " إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب
ثوبك منه وإن لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه " كقوله (عليه السلام) في حسن
الحلبي (2) أو صحيحه أيضا: " يغسل ما أصاب الثوب " بعد أن سئل مثل ذلك.
وإلى ما عن الطبرسي (3) في احتجاجه أنه قال: " مما خرج عن صاحب الزمان
(عليه السلام) إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري حيث كتب إليه روي لنا عن
العالم (عليه السلام) أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاته وحدثت عليه حادثة
كيف يعمل من خلفه؟ فقال: يؤخر، ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم، ويغتسل من مسه،
التوقيع: ليس على من نحاه إلا غسل اليد، وإذا لم يحدث حادثة تقطع الصلاة يتمم صلاته
مع القوم " وعنه أيضا (4) قال: " وكتب إليه وروي عن العالم (عليه السلام) أن
من مس ميتا بحرارته غسل يده، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الميت في هذه
الحالة لا يكون إلا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه

(1) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 و 2
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 4 - 5
305

فكيف يجب عليه الغسل؟ التوقيع: إذا مسه على هذه الحالة لم يكن عليه إلا غسل يده "
وعن الشيخ في كتاب الغنية روايته مسندا، إلى غير ذلك من الأخبار مما مر ويمر
عليك إن شاء الله.
ثم إن ظاهر التوقيعين بل صريحهما كسابقهما من الأخبار والاجماعات كون
النجاسة هنا كغيرها من النجاسات في جريان جميع الأحكام التي منها غسل الملاقي وحرمة
أكله وشربه، فما في المفاتيح من الميل إلى إنكار ذلك هنا بل ومطلق الميتة كاد يكون
إنكار ضروري مذهب بل دين، قال بعد حسن الحلبي: " لا دلالة فيه، لامكان أن
يكون المراد منه إزالة ما أصاب الثوب مما على الميت من رطوبة أو قذر تعديا إليه، إذ
لو كان الميت نجس العين لم يطهر بالتغسيل - ثم قال -: والمستفاد من بعض الأخبار عدم
تعدي نجاسة الميتة مطلقا، ولا بعد فيه، لأن معنى النجاسة لا ينحصر في وجوب غسل
الملاقي كما يأتي بيانه في حكم نجاسة الكافر - وقد قال هناك بعد ذكره ما دل من الأخبار
على عدم النجاسة - وفي هذه الأخبار دلالة على أن معنى نجاستهم خبثهم الباطني لا وجوب
غسل الملاقي كما مرت الإشارة إليه " انتهى.
وفيه من الغرابة ما لا يخفى إن أراد عدم النجاسة بالمعنى المعروف فيه نفسه أيضا
فضلا عن ملاقيه كما يشعر به ذيل عبارته، بل وتعليله بعدم طهارته بالغسل لو كان نجسا
عينا، وكأنه هو الذي ألجأه إلى تلك الدعوى، كما أنه ألجأ الشافعي إلى القول بعدم
نجاسة الآدمي بالموت، وهو اجتهاد في مقابلة النص، واستبعاد لغير البعيد، إذ الطهارة
والنجاسة من الأمور التعبدية، كحصول الطهارة للكافر بالاسلام، والعصير بالنقص،
والبئر وجوانبها وآلات النزح بتمامه على القول بالنجاسة، وغير ذلك، مضافا إلى ما
سمعته من الأخبار الآمرة بغسل الثوب واليد من المباشرة، واحتمال إرادة غسله من
رطوبات الميت والقذارة كما ذكره مع بعده في بعضها دال على النجاسة أيضا، وإلا لما
306

أمر بخصوص الغسل، وتقييد الرطوبة في كلامه بالنجسة بالذات ينافي عطفه القذر عليها،
إذ هي حينئذ نوع منه أو عينه، وحمل القذر على النجس العيني والرطوبة على العارض
بغير الموت وإن أمكن في كلامه لكنه تصرف بغير إذن المالك بالنسبة للخبر، بل
تشه محض، وكذا إن أراد عدم التعدي خاصة وإن كان نجسا في نفسه إلا أنه من
النجاسات الحكمية، لما عرفت من الاجماع بقسميه، والأخبار على خلافه، خصوصا
ما استفاض منها بالقاء ما مات فيه الفأرة ونحوها من المائعات كالماء والدهن والمرق وغيرها.
نعم ظاهر السرائر عدم تعدي نجاسة ما يلاقي الميت ولو رطبا إلى غيره كذلك،
كما أنه احتمله العلامة في خصوص اليابس الملاقي للميت مع حكمه بنجاسة الملاقي اليابس،
وما أبعد ما بينه وبين الكاشاني، وسيأتي البحث فيه إن شاء الله.
وكيف كان فينبغي استثناء المعصوم (عليه السلام) والشهيد ومن شرع له تقدم
الغسل على موته كالمرجوم، فاغتسل من ميت الآدمي، وفاقا لكشف اللثام وعن الميسي،
للأصل المقرر بوجوه، ولما ورد في النبي (صلى الله عليه وآله) (1) أنه طاهر مطهر،
كالزهراء البتول (عليها السلام) (2) ويتم في غيرهما من المعصومين بعدم القول بالفصل وبالقطع
بالاشتراك في علة ذلك، ولظهور ما دل (3) على سقوط الغسل للشهيد بعدم نجاسته بهذا
الموت إكراما وتعظيما له من الله تعالى شأنه، بل لم يجعله عز وجل موتا، فقال عز من
قائل (4): " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون "
كظهور ما دل (5) على مشروعية تقدم الغسل في جريان أحكام الغسل المتأخر عليه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 7
(2) المستدرك - الباب - 37 - من أبواب الحيض - الحديث 16
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت
(4) سورة آل عمران - الآية 163
(5) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب غسل الميت - الحديث 1
307

التي منها عدم النجاسة، ولا استبعاد في ذلك وإن تقدم بعد مجئ الدليل، كما تقدم
البحث فيه في أحكام الأموات.
كل ذا مع قصور ما دل (1) على التنجيس من الأخبار، وإطلاق بعض معاقد
الاجماع عن تناول مثل هذه الأفراد، بل قد يدعى ظهور النصوص بل والفتاوى في
غيرها، سيما الأخيرين ممن شرع تغسيله بعد موته، أو لم يشرع هوانا به، خصوصا
إن قلنا بالتلازم بين النجاسة وغسل المس ولم نوجبه بمسهما كما سيأتي البحث فيه إن شاء الله.
وألحق جماعة منهم الشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في جامع المقاصد والسيد في
مداركه بهذه الثلاثة الميت من الانسان قبل البرد، فلا يجب الغسل بالفتح بمباشرته،
للأصل المقرر بوجوه، وعدم القطع بالموت.
بل في الحدائق " إنا نمنع انفصال الروح في هذا الحال تماما، إذ هي بعد خروجها
من البدن يبقى لها اتصال كاتصال شعاع الشمس بعد غروبها بما أشرقت عليه، وآثار
ذلك الاتصال باقية، فإذا برد انقطع وعلم خروجها بجميع متعلقاتها وآثارها " إلى آخره.
ولظهور التلازم بين الغسل بالفتح والغسل بالضم، لاشتراكهما في العلة، وهي النجاسة
كما يومي إليه تلازمهما في غير محل البحث وجودا وعدما، ومنه سقوطهما معا بمس
الشهيد ونحوه.
كايماء مكاتبة الحسن بن عبيد (2) إلى الصادق (عليه السلام) وصحيحة الصفار (3)
ففي الأول " كتب إليه هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السلام) حين غسل رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عند موته؟ فأجابه (عليه السلام) النبي (صلى الله عليه وآله)
طاهر مطهر، لكن فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجرت به السنة " الحديث.

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب التكفين
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 7 - 5
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 7 - 5
308

وفي الثاني " كتب إليه رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جلده قبل أن
يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقع (عليه السلام) إذا أصاب يدك جسد
الميت قبل أن يغسل فقد يجب عليك الغسل " ولما لم يجب الغسل بالضم بالمس في هذا
الحال نصا وفتوى كما ستعرف لم يجب بالفتح.
ولاطلاق نفي البأس أو عمومه في خبر إسماعيل بن جابر (1) لما دخل على الصادق
(عليه السلام) حين موت ابنه إسماعيل فجعل يقبله وهو ميت، فقال له: " جعلت فداك
أليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد أن يموت، ومن مسه فعليه الغسل؟ فقال: أما بحرارته
فلا بأس، إنما ذاك إذا برد " الحديث.
كصحيح ابن مسلم (2) عن الباقر (عليه السلام) " مس الميت عند موته وبعد
غسله، والقبلة ليس بها بأس ".
وفي الكل نظر لانقطاع الأصل باطلاق الأخبار السابقة ومعاقد جملة من الاجماعات
على نجاسة الآدمي بالموت، كاطلاق الاجماع أيضا على نجاسة مطلق ذي النفس به، ومنه
الانسان، وبصريح المروي في الاحتجاج المتقدم سابقا، ولمنع عدم القطع بالموت، إذ
هو مع أنه موكول إلى العرف كموت غيره من ذوات الأنفس مستفاد من الأخبار (3)
أيضا، خصوصا ما دل (4) منها على التفصيل بين الحالين للميت، على أنه لو لم يحصل
الموت إلا بالبرودة لم يجز دفنه ولا تغسيله، بل ولا يجري شئ من أحكام الأموات
عليه بالنسبة إلى أمواله ونسائه وغيرها، وهو مما يقطع بفساده في البعض إن لم يكن في
الكل، بل في الروض " إنه لم يقل أحد بعدم جواز دفنه قبل البرودة، خصوصا

(1) الوسائل - الباب 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس
309

صاحب الطاعون، وقد أطلقوا القول باستحباب التعجيل مع ظهور علامات الموت " انتهى.
وما سمعته من الحدائق بعد تسليمه لا ينافي صدق اسم الموت وتحققه مع ذلك
التعلق، كمنع دعوى التلازم بين المضموم والمفتوح، لتعليق الأول نصا وفتوى على
البرودة والثاني على الموت، واتفاق تلازمهما وجودا وعدما في غالب الأوقات لا يتقضى
الاشتراك في العلية.
فالمكاتبة الأولى مشعرة بانتفاء غسل المس لانتفاء النجاسة في خصوص موت
النبي (صلى الله عليه وآله) ونحوه، ولعله لأن علته مركبة من النجاسة الموتية والبرودة،
فانتفاء أحدهما علة تامة في عدمه، وهو لا ينافي كون علة النجاسة الموت بالنسبة إلى غير
النبي (صلى الله عليه وآله) نعم ذلك يقتضي عدم انفكاك غسل المس لغيره أيضا عن
النجاسة لا العكس، ولعلنا نقول به، ولا ينافيه تحقق غسل المس بدون نجاسة ما حصل
المس به، كما لو مسه مع الجفاف بناء على عدم النجاسة بذلك، أو مس ما لا تحله الحياة
منه كالظفر مثلا، لأن المراد نجاسة جملة الميت في حد ذاتها وإن اتفق عدم حصول
النجاسة بالنسبة إلى خصوص الجزء المباشر الذي تحقق به صدق المس، فتأمل فإنه قد يدق.
ولا إشعار في المكاتبة الثانية إذا كان لفظ الغسل فيها بفتح الغين، كما هو كذلك
بقرينة السؤال، فيكون اللام فيه للعهد الذكري، بل وكذا لا إشعار إذا كان بالضم
أيضا، سيما إذا أريد من لفظ " قد " الاهمال لا التحقق على معنى ماضوية المضارع،
فتأمل جيدا، ولظهور نفي البأس في الخبر بالنسبة للغسل بالضم، وعليه يحمل ما في
الصحيح الذي بعده.
ومن ذلك كله كان خيرة التذكرة والقواعد والروض وكشف اللثام والرياض
النجاسة وإن لم يبرد كما عن المبسوط، وربما يقتضيه إطلاق المصنف وغيره، بل قد
يظهر من التذكرة الاجماع عليه، حيث قال: لو مسه قبل برده فالأقرب وجوب غسل
310

اليد، لأنه لاقى نجاسة، إذ الميت نجس عندنا، بل في الرياض أرسل حكاية الاجماع
على النجاسة قبل البرودة عن الخلاف والمعتبر والتذكرة والمنتهى، لكنه وهم قطعا،
إذ معقد الاجماع في هذه الكتب مطلق لا تعرض فيه للبرودة والحرارة، بل محتمل
قويا كغيره من المعاقد لإرادة النجاسة في الجملة في مقابلة قول الشافعي بالطهارة، ولذا
حكاه في كشف اللثام عنها كذلك أي مطلقا، وهو واسطته في النقل غالبا كما لا يخفى
على الممارس لكتابيهما، فكان عليه حكايته مثله، بل في المنتهى بعد أن حكى عن
المبسوط وجوب غسل اليد قال: وعندي فيه نظر، وكيف كان فالأقوى النجاسة
لما عرفت، والله أعلم.
نعم لا نجاسة بعد تغسيله قطعا وإجماعا.
وفي إلحاق المتيمم لفقد الماء مثلا وفاقد الخليطين ونحوهما من الأعذار نظر
وتأمل، خصوصا الأول، ينشأ من استصحاب النجاسة وغيره مما دل عليها، فلا يخرج
عنها إلا بالمتيقن، مع عدم ثبوت قيام التراب مقام الماء في رفع الخبث، ومن ظهور
قيامها حال التعذر مقام الغسل الصحيح، لاقتضاء الأمر الاجزاء ونحوه، لكن الالحاق
لا يخلو من قوة، خصوصا في فاقد الخليطين، والاحتياط لا يترك.
* (وكلما ينجس) * من الحيوان * (بالموت فما قطع من جسده فهو نجس حيا كان) *
المقطوع منه * (أو ميتا) * بلا خلاف يعرف فيه، كما اعترف به في المعالم، واستظهره في
الحدائق، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، وفي شرح المفاتيح للأستاذ
الأكبر " إن أجزاء الحيوان التي تحلها الحياة تنجس بالموت وإن قطعت من الحي باتفاق
الفقهاء، بل الظاهر كونه إجماعيا، وعليه الشيعة في الأعصار والأمصار " إلى آخره.
وعن الذخيرة " إن المسألة كأنها إجماعية، ولولا الاجماع لم نقل بها، لضعف الأدلة " انتهى.
وفي كشف اللثام " إن الحكم باستواء الأجزاء المنفصلة من الحي والميت مما قطع به
311

الفاضلان ومن بعدهما ولم أظفر لمن قبلهما بنص على أجزاء الحي إلا على أليات الغنم " انتهى.
قلت: وهو كذلك، لكن في الخلاف الاجماع على وجوب الغسل لمن مس
قطعة من ميت أو حي وكان فيها عظم، ولعله لازم النجاسة لما عرفت من لزوم غسل
المس لها دون العكس، وفي التذكرة " كلما أبين من الحي مما تحله الحياة فهو ميت،
فإن كان من آدمي فهو نجس عندنا خلافا للشافعي " وظاهره الاجماع كصريحه أيضا
فيها منا بل من المسلمين عدا الزهري بالنسبة إلى جلد الميتة، كالذي سمعته سابقا من
المنتهى وغيره.
وكيف كان فيدل عليه مضافا إلى ذلك الاستصحاب في خصوص المقطوع من
الميت، بل وإطلاق ما سمعته مما دل على نجاسة الميتة، لظهورها في عدم اشتراط الاتصال
والاجتماع بالنسبة إلى ذلك، سيما والحكم النجاسة مما لا يتفاوت فيه الحالان كما في الكلب
والخنزير ونحوهما، بل تعليل طهارة الصوف في صحيحة الحلبي (1) بعدم الروح فيه
كالصريح في علية الموت للنجاسة، وأنه المناط فيها كما هو الظاهر من غيرها مما علق فيه
الحكم على الميتة مما يشعر بالعلية أيضا، بل ينبغي القطع به من تتبع تضاعيف الأدلة في
المقام وفي انفعال القليل والبئر والكر بالتغير والحل والحرمة، سيما ما ستسمعه في أليات
الغنم ونحوها.
ومن ذلك يستفاد حكم المقطوع من الحي أيضا، لوجود العلة فيه، ولعل ذا هو
الذي أشار إليه في المنتهى حيث استدل على ما نحن فيه بوجود معنى الموت في الأجزاء
سواء أخذت من حي أو ميت، لوجود المعنى في الحالين، فما في المدارك من أن ضعفه
ظاهر، إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت، وهو لا يصدق على الأجزاء

(1) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
312

قطعا، نعم يمكن القول بها في خصوص المقطوع من الميت استصحابا، مع أنه لا يخفى
ما فيه، في غير محله، وإلا لاقتضى طهارة من قطع قطعا ثم مات، بل ومن فعل به
كذلك بعد الموت، وهو من المقطوع بفساده، خصوصا الثاني، وانسياق الجملة والاجتماع
في بعض أدلة الميتة إلى الذهن انسياق مورد وغلبة لا شرطية في الحكم، كما هو واضح.
ويزيده تأييدا الأمر (1) بغسل الشعر المأخوذ من الميتة، إذ هو ليس إلا لإزالة
ما استصحبه من الأجزاء، والاقتصار على طهارة الأجزاء المخصوصة من الميتة كالصوف
ونحوه في الصحيح وغيره كما سيأتي.
وكذا احتمال المناقشة بأنه لو كان علة النجاسة الموت لاقتضى نجاسة بعض أجزاء
بدن الحي حال الاتصال، لتحقق الموت فيها معه، لوضوح ضعفه كما اعترف به في كشف
اللثام بمنع تحقق صدق اسم الميتة عليها حاله أولا، وبمعلومية عدم جريان حكم الميتة عليها
في مثل هذا الحال وإن قلنا بالتحقق من السيرة القاطعة والعسر والحرج وغير ذلك
ثانيا، وبظهور الأدلة بل صراحتها في اعتبار الانفصال بالنسبة إليها خاصة ثالثا، ولا ينافيه
سببية الموت للنجاسة كما لا ينافي تخلف مقتضى كل سبب شرعا بفقد شرط أو وجود
مانع، نعم ما لم تثبت شرطية الشرط أو مانعية المانع أو لم يتخلفا يؤثر أثره، ولما لم يثبت
اشتراط اجتماع أجزاء الميتة ولا تحقق الموت في جميع الأجزاء في سببية الموت في النجاسة
لم ينافه حينئذ تخلفهما، وإن توقف بالنسبة للثاني على الإبانة والانفصال، فلا ينجس
الجزء حينئذ قبل تحققه، على أنه تردد بعض المحققين كالخوانساري في شرح الدروس
فيما تحقق فيه الموت من الأجزاء الكبيرة، سيما إذا أنتنت فتدخل في إطلاقات الجيفة
وما ينتن به الماء، قلت: وخصوصا إذا ضعف اتصالها بالبدن كاليد المقطوعة إلا شيئا
قليلا مما يمسكها من الجلد.

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3
313

لكن الانصاف أنه لا وجه لذلك كله، لأصالة الطهارة من غير معارض،
وإطلاقات الجيفة إنما يراد بها مما علم نجاسته قطعا، فلا يمكن إثبات نجاسة جديدة، وما
عداها استبعاد محض لا يصلح لمعارضة العمومات والأصول الشرعية، فتأمل جيدا.
هذا كله مع الاغضاء عن خصوص ما ورد من الأخبار في المقام، وإلا فمعها
لم يبق مجال للتأمل في الحكم المذكور، فمنها ما رواه في الفقيه في الصحيح عن أبان عن
عبد الرحمان (1) بل عن التهذيب والكافي روايته أيضا لكن بطريق غير صحيح، قال:
" قال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أخذت الحبالة وقطعت منه فهو ميتة، وما أدركت
من سائر جسده فذكه وكل منه " كخبره الآخر (2) وخبر عبد الله بن سنان (3) عن
الصادق (عليه السلام) أيضا بتفاوت يسير، ونحوهما الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن
هاشم عن محمد بن غيث (4) عن الباقر (عليه السلام) قال: " قال أمير المؤمنين (عليه
السلام): ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فإنه ميت، وكلوا ما
أدركتم حيا وذكرتم اسم الله عليه " كخبر زرارة (5) عن الباقر (عليه السلام) قال:
" ما أخذت وانقطع منه شئ فهو ميت " إلى آخره. وفي مرفوعة أيوب بن نوح (6)
عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة " كقوله

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الصيد - الحديث 2
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب الصيد - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الصيد - الحديث 3 لكن رواه عن عبد الله
ابن سليمان
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الصيد - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب الصيد - الحديث 4 لكن رواه عن
أحدهما (عليهما السلام)
(6) الوسائل - الباب 2 - من أبواب غسل المس - الحديث 1
314

(عليه السلام) في خبر أبي بصير (1) في أليات الضأن تقطع: " أنها ميتة " ونحوه خبر
الكاهلي (2) عنه (عليه السلام) أيضا، والوشا (3) عن أبي الحسن (عليه السلام)،
لكن حكاه في أولهما عن كتاب علي، وزاد في ثانيهما " فقلت: جعلت فداك فيستصبح
بها فقال: أما علمت أنه يصيب اليد والثوب وهو حرام ".
فمن العجيب غفلة صاحب المدارك عن هذه الأخبار المعتضدة بما عرفت، وبعدم
القول بالفصل بين مضامينها وغيره المستفاد منها حكم أجزاء الميتة بطريق أولى، وتمسكه
بالاستصحاب مع أنه قال، فيه ما لا يخفى، كما أنه من العجيب مناقشة صاحب المعالم
في بعضها باحتياج دلالتها على النجاسة إلى دليل يدل عليها في الميتة، إذ قد عرفت فيما
تقدم ما يدل على ذلك، مع ما في الأخير من الإشارة إليه بجعل الحرام فيه بمعنى النجاسة.
نعم قد يشك في شمول سائر ما تقدم من الأدلة لما ينفصل من بدن الحي من
الانسان من الأجزاء الصغار كالبثور والثالول ونحوهما، فيبقى الأصل والعمومات سالمة
عن المعارض حينئذ مع تأيدها بالعسر والحرج في الاجتناب عنها، خصوصا ما يتصل
برؤوس الشعر في أيام الصيف وما يعلو الجراحات والدماميل وغيرها عند البرء، وما يحصل
في الأظفار ويتطاير من القشور عند الحك، سيما مع داء الجرب ونحوه، وما يكون على
الشفة خصوصا لبعض الناس في بعض الأوقات أو على باطن الأقدام عند إرادة تنظيفها
وتحجيرها وغير ذلك، وبالسيرة والطريقة المستقيمة في سائر الأعصار والأمصار على
عدم إجراء شئ من أحكام النجاسات على شئ من ذلك، مع أنه مما تعم البلوى
والبلية به، خصوصا مع عدم نص أحد من الأصحاب على النجاسة، بل نص في المنتهى
ومجمع البرهان والمدارك والمعالم وشرحي الأستاذ الأكبر للمفاتيح والخوانساري للدروس

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الذبائح - الحديث 3 - 1 - 2 من كتاب الصيد والذبائح
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الذبائح - الحديث 3 - 1 - 2 من كتاب الصيد والذبائح
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الذبائح - الحديث 3 - 1 - 2 من كتاب الصيد والذبائح
315

على الطهارة، وهو ظاهر البحار أو صريحه، كالذي في الموجز وعفي عن البثور والثالول،
والمحكي عن نهاية الإحكام وكشف الالتباس والذخيرة والكفاية، بل في الحدائق الظاهر أنه لا خلاف فيه بينهم وإن اختلف المدرك لذلك، وبصحيحة علي بن جعفر (1) عن
أخيه موسى (عليهم السلام) قال: " سألته عن الرجل يكون به الثالول والجراح هل
يصلح أن يقطع وهو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه؟ قال:
إن لم يخف أن يسيل الدم فلا بأس، وأن يخف أن يسيل الدم فلا يفعله " لظهورها في
المطلوب إن قلنا بعدم جواز حمل النجاسة في الصلاة أو بالنجاسة مع اليبوسة، بل وإن
لم نقل بذلك من حيث ترك الاستفصال فيها عن الرطوبة واليبوسة، سيما مع ملاحظة
ما قيل من غلبة العرق في بلد السؤال والجواب لشدة الحر فيها، وسيما مع تعرضه لخوف
سيلان الدم المعلوم حكمه عند غير السائل فضلا عنه، وتركه التعرض لما نحن فيه المحتمل
الخفاء عليه وعلى غيره.
فما يقال: إن ترك الاستفصال لعله لمعلومية الحكم عند السائل في غير محله، مع
أن الأصل ينفيه، كاحتمال القول أيضا بأن تركه لعله لظهور سؤال السائل في منافاة ذلك
للصلاة بكثرة الفعل وعدمها، لا لما نحن فيه حتى يرجى الجواب من الإمام (عليه السلام)
عنه، وفيه أن تعرضه (عليه السلام) لسيلان الدم وعدمه كاد يكون صريحا في خلاف
ذلك، ولذلك كله اعترف في المعالم بظهورها في المطلوب، كما أنه عن العلامة في النهاية
بعد أن استدل على الطهارة في المقام بمشقة التحرز قال: وللرواية، ولعله أراد هذه
الصحيحة، وإلا كانت مرسلة أخرى مؤيدة للأصل، وكفى به مرسلا.
قلت: لكن التحقيق الاقتصار على طهارة خصوص المستفاد من السيرة
والطريقة، وما في اجتنابه عسر وحرج دون غيرهما، من غير فرق بين الانسان وغيره،

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
316

فلا مدخلية للصغر وعدمه في ذلك، كما لا مدخلية لتحقق الموت فيه قبل الانفصال
وعدمه، فدعوى عدم شمول الأدلة السابقة للجزء الصغير من حيث كونه صغيرا، فيبقى
الأصل سالما ممنوعة، لعدم الفرق بين حكم الجزء والجملة، كدعوى عدم شمولها لما تحقق
فيه الموت حال الاتصال بالحي، لظهور تعليق الحكم فيها على مطلق المبان، فقد يتجه
حينئذ الحكم بالنجاسة في الأجزاء الصغيرة التي لم يتعارف انقطاعها، ولا حرج في اجتنابه،
بل لا يبعد الحكم بها بالنسبة إلى تلك الأجزاء المحكوم بطهارتها في الحي، لو قطعت
من الميتة، أو من عضو قطعت معه وإن قلنا بطهارتها نفسها لو قطعت وحدها من الحي
للمشقة، والصحيحة السابقة لو سلم دلالتها على حسب ما قررناه فيها لا تنافي ذلك، مع
إمكان المناقشة فيها بأن تعرضه لسيل الدم فيها لعله لغلبة وقوعها فيما سأل عنه الراوي
وإن لم يكن قصده فيه، بخلاف المقام فإنه لم يقصد بالسؤال، ولم يكن غلبة في المس
بالرطوبة، وباحتمال كون آلة القطع غير يد المصلي، وبغير ذلك، ولعله مال في كشف
اللثام إلى القول بالنجاسة في تلك الأجزاء مطلقا، إلا أنك لا يخفى عليك ما فيه بالنسبة
إلى ما يشق التحرز عنه، وما علم من السيرة طهارته، والله أعلم.
نعم صرح بعض الأصحاب كالعلامة في التذكرة والنهاية والشهيد في الذكرى
والسيد في المدارك وغيرهم باستثناء فأرة المسك من هذا الحكم، فلا تنجس سواء
انفصلت من الظبي في حياته أو بعد موته، بل ظاهر الأول الاجماع عليه، كما أنه
استظهر من الذكرى ذلك أيضا، للأصل والحرج وفحوى ما دل (1) على طهارة المسك
مع غلبة انفصال فأرته من الحي، ولصحيح علي بن جعفر (عليه السلام) (2) " سأل أخاه
عن فأرة المسك تكون مع من يصلي وهي في جيبه أو ثيابه، قال: لا بأس بذلك ".

(1) الوسائل - الباب - 58 - من أبواب النجاسات
(2) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
317

لكن قد يناقش في ذلك بانقطاع الأصل بما تقدم مما دل على نجاسة الجزء المبان
من الحي أو الميت، وخصوصا جلد الميتة، ومنع اقتضاء الحرج طهارة خصوص الجلد
أولا، ومنع حصوله وتحققه سيما بعد ثبوت طهارة المذكى خاصة والمأخوذ من يد المسلم
ثانيا، كمنع اقتضاء طهارة المسك ذلك، إذ - مع إمكان تخصيصها في خصوص المذكي،
أو المنفصل في الفأرة من غيره مع عدم الرطوبة المنجسة له، وفي المأخوذ من يد المسلم -
قد يكون ذلك لعدم تعدي نجاسة جلد الفأرة إليه لا لطهارة الجلد.
ولذا قال في نهاية الإحكام: " إن المسك طاهر وإن قلنا بنجاسة فأرته المأخوذة
من الميتة كالإنفحة، ولم ينجس بنجاسة الظرف " إلى آخره. وقد أطلق غير واحد
حكاية الاجماع على طهارة المسك، ثم أعقبه بذكر حكم الفأرة، وظاهره أيضا بل كاد
يكون صريحه طهارة المسك مطلقا وإن قلنا بنجاسة الفأرة.
وأما الصحيح فهو - مع كون التعارض بينه وبين ما دل على النجاسة بالعموم
من وجه، ولم يثبت رجحانه، بل لعل الثابت مرجوحيته، وابتناء دلالته على عدم
جواز الصلاة بالمحمول من أجزاء الميتة أو المبانة من الحي حتى فأرة المسك لو كانت نجسة،
وقد يمنع، وعلى عدم ظهور سؤاله في الفأرة التي لم يعلم حالها - معارض بمكاتبة عبد الله
ابن جعفر (1) إلى أبي محمد (عليه السلام) في الصحيح " هل يجوز للرجل أن يصلي
ومعه فأرة مسك؟ فكتب لا بأس به إذا كان ذكيا " فيجب أن ينزل عليه، لقاعدة
الاطلاق والتقييد.
والمناقشة في دلالته باحتمال إرادة إذا كانت الفأرة ذكية أي لم تعرض لها نجاسة
خارجية كما ترى، مع أنه لا يناسبه تذكير الضمير، كالمناقشة بأن منع استصحابها
في الصلاة لا ينحصر وجهه في النجاسة، لاندفاعها بعدم القول بالفصل هنا كما قيل،
وبغيره، فتأمل.

(1) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
318

ولذلك كله كان خيرة الفاضل الإصبهاني في كشف لثامه نجاسة الفأرة مطلقا إلا
مع ذكاة الظبي، بل ونجاسة المسك بها مع الرطوبة عند الانفصال، وهو لا يخلو من قوة
بالنسبة للفأرة لا المسك، إلا أني لم أعرف له موافقا عليه ممن تقدمه وتأخر عنه، بل
لعله مجمع على خلافه في المنفصلة من الحي، كما عساه يظهر دعواه من المنتهى فضلا عما
سمعته من التذكرة وعن ظاهر الذكرى من دعواه مطلقا.
نعم في المنتهى أن الأقرب نجاسة الفأرة إذا انفصلت بعد الموت خاصة، وقد
استغربه في كشف اللثام، بل قال: لا أعرف له وجها، قلت: لعل وجهه قصور ما دل
على نجاسة المبان من الحي عن شمول ذلك دون الميت، وأن المراد بالذكي في المكاتبة
الطاهر ولو للحياة لا خصوص الذبح، كما أن سؤال الصحيح الأول منزل على الفأرة
المنفصلة من الحي، لأنه على ما قيل هو الشائع الغالب دون غيره، ومن هنا كان تفصيل
المنتهى قريبا في النظر جدا.
هذا كله فيما كان تحله الحياة من أجزاء ما ينجس بالموت،
* (و) * أما * (ما كان منه
لا تحله الحياة كالعظم) * ومنه القرن والسن والمنقار والظفر والظلف والحافر * (والشعر) *
ومثله الصوف والوبر والريش * (فهو طاهر) * ولا ينجس بالموت اتفاقا كما في كشف اللثام،
وهو كذلك، إذ لا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك والذخيرة بالنسبة إلى
طهارة المذكورات، إلا أنهما ما نصا على السن والمنقار، بل في الخلاف تارة الاجماع
بالنسبة للصوف من الميتة والشعر والوبر إذا جز والعظم، وأخرى الاجماع أيضا في
خصوص التمشط بالعاج واستعمال المداهن منه، كما أنه في الغنية تارة الاجماع صريحا على
طهارة العظم والشعر والصوف من الميتة، وأخرى في باب الأطعمة دعواه على سائر
المذكورات إذا كانت من ميتة ما تقع الذكاة عليه، لكنه أبدل الحافر بالخف، والمنقار
بالمخلب، كظاهر إجماع المنتهى في العظم وشعر الانسان إذا انفصل في حياته، وصريح
319

التذكرة فيما جز من ميتة مأكول اللحم، وظاهرها فيما نتف منه حيا أو جز من ميتة غيره،
كظاهر الاجماع عن الناصريات أيضا في صوف الميتة.
ومع ذلك فطهارة خصوص جميع المذكورات عدا الظلف والمنقار مستفادة من
مجموع نصوص مستفيضة فيها الصحيح والحسن وغيرهما، بل في صحيح الحلبي (1) منها
عن الصادق (عليه السلام) تعليل عدم البأس في الصلاة بصوف الميتة بأنه ليس فيه
روح مما يستفاد منه عموم الحكم لكل ما كان كذلك، ونحوه المحكي عن الطبرسي في
مكارم الأخلاق عن قتيبة بن محمد (2) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
إنا نلبس هذا الخز وسداه إبريسم، قال: وما بأس بإبريسم إذا كان معه غيره، قد
أصيب الحسين (عليه السلام) وعليه جبة خز وسداه إبريسم، قلت: أنا ألبس هذه
الطيالسة البربرية وصوفها ميت، قال: ليس في الصوف روح، إلا ترى أنه يجز ويباع
وهو حي ".
كما أنه في حسن حريز (3) عن الصادق (عليه السلام) أيضا أنه قال (عليه السلام)
لزرارة ومحمد بن مسلم: " اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر
وكل شئ ينفصل من الشاة والدابة فهو ذكي، وإن أخذته منه بعد موته فاغسله وصل
فيه " وقال (عليه السلام) أيضا في خبر الحسين بن زرارة (4): " الشعر والصوف
والوبر والريش وكل نابت لا يكون ميتا " كخبره الآخر (5) عنه (عليه السلام) أيضا
لكن مع إبدال الوبر بالعظم.

(1) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 7
(2) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 7
(3) الوسائل - 23 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3 - 7
(4) الوسائل - 23 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3 - 7
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 12
320

ومنهما كالتعليل السابق بل وتعليل عدم البأس في الإنفحة بأنها ليس لها عروق
ولا فيها دم ولا لها عظم كما ستسمعه إن شاء الله يستفاد عدم شمول أخبار الميتة لهذه
الأجزاء حتى يحتاج إلى التقييد أو التخصيص، كما ظنه في الحدائق زاعما أنها داخلة في
مسماها كدخولها في مسمى الكلب والخنزير، إذ لا يخفى وضوح الفرق بينهما، فاصلة
الطهارة وعموماتها حينئذ محكمة، ودليل آخر على المطلوب بعد الاجماع والأخبار المتقدمين.
ومنه يظهر ما في شرح الدروس للخوانساري من أن العمدة في طهارة هذه
الأجزاء عدم وجود نص يدل على نجاسة الميتة حتى تدخل، لا عدم حلول الحياة، وإلا
لو كان هناك نص كذلك لدخلت كشعر الكلب والخنزير، وإلا فزوال الحياة ليس
سببا للنجاسة، وإلا لاقتضى نجاسة المذكى، على أنه لا استبعاد في صيرورة الموت سببا
لنجاسة جميع أجزاء الحيوان وإن لم تحلها الحياة، وفيه نظر من وجوه أخر أيضا.
ثم إنه لا فرق في طهارة المذكورات بين أخذها جزا ونحوه أو قلعا أو نتفا لاطلاق
الأدلة، بل في المضمر (1) " لا بأس بما ينتف من الطير والدجاج ينتفع به للعجين،
وأذناب الطواويس وأذناب الخيل وأعرافها " الحديث.
نعم إن استصحب بعض اللحم ونحوه في الثاني وجب إزالته، لما عرفت من
نجاسته، وإن لم تستصحب فالظاهر وجوب غسل موضع الاتصال خاصة مع قلعها من
الميتة، لنجاسته بملاقاة رطوبة الجلد ونحوه، وللأمر به في حسنة حريز المتقدمة المنزل
على ذلك، وإلا فلا يجب الغسل مع الجز قطعا، بل واتفاقا كما قيل، اللهم إلا أن يفرض
نمو لها بعد الموت، وقد تأخر الجز عنه بحيث كان فيما جز بعض الأصول التي لاقت
الميتة برطوبة، فحينئذ يتجه وجوب الغسل، لكنه لم يثبت.
وعلى كل حال فالطهارة في المجزوز أو المقلوع غير محل الاتصال منه بل ومحله

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 13
321

بعد الغسل مما لا ينبغي التأمل فيها بعد إطلاق الأدلة السابقة وخصوص البعض، فما عن
الشيخ في النهاية من تخصيص طهارة الصوف والشعر والريش والوبر بالجز خاصة غريب،
أو ينزل على إرادة عدم الانتفاع بالمقلوع حتى يغسل موضع الاتصال منه، ولذا لم يعرف
حكاية خلافه هنا، إلا أنه يأباه ما ذكره بعضهم له من التعليل بأن أصولها المتصلة باللحم
من جملة أجزائه، وإنما تكون استحالته إلى أحد المذكورات بعد تجاوزها عنه.
وفيه - مع إمكان منعه أولا، وعدم قادحيته بعد التسليم لصدق اسم الشعر
ونحوه حينئذ ثانيا، واختصاصه بالأصول ثالثا - أنه اجتهاد في مقابلة النص.
ومن العجيب ما في شرح الدروس أن الأحوط غسل الجميع في المأخوذ قلعا
لا موضع الاتصال خاصة، بل وكذا المأخوذ جزا لاطلاق حسنة حريز المتقدمة، وفيه
أنه لا وجه له بعد الاتفاق والنصوص على طهارة المذكورات، وحسنة حريز يراد منها
موضع الاتصال قطعا، واحتمال إرادته الخروج من شبهة خلاف الشيخ يدفعه أن الاحتياط
لذلك يقضي بترك المقلوع خاصة رأسا، لا تطهيره بالغسل.
وكذا لا وجه للاحتياط في اجتناب خصوص العظم من الميتة من جهة المناقشة
في كونه مما لا تحله الحياة، لقوله تعالى (1): " من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها
الذي أنشأها أول مرة " إذ هي اجتهاد في مقابلة النص والاجماع، ولعل المراد باحيائها
في الآية إحياء الشخص المشتمل عليها، لأنه المراد من العظام، هذا.
وقد اشتملت النصوص (2) والفتاوى على طهارة غير المذكورات أيضا من الميتة
كالبيض والإنفحة واللبن، بل الأول من معقد إجماع كشف اللثام ونفي الخلاف في
المدارك وغيرها، لكن مع التقييد فيهما باكتسائه القشر الأعلى الصلب.

(1) سورة يس - الآية 78
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة
322

قلت: وينبغي القطع به إذا كان من مأكول اللحم، بل في المنتهى الاجماع عليه
في الدجاج، للأصل والعمومات السالمة عن معارضة ما دل على نجاسة الميتة، لعدم شموله
لذلك قطعا، مضافا إلى التعليل السابق في صحيحة الحلبي وغيره من العمومات السابقة،
وإلى خصوص نفي البأس من الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة (1) عن بيض
الدجاجة، وعن أكله في خبري ولده حسين (2) عنه (عليه السلام) أيضا، ونحوهما
خبر الثمالي (3) عن الباقر (عليه السلام) وغيره (4) ويتم الجميع بعدم القول بالفصل بين
الدجاج وغيره من المأكول، فضلا عما دل على طهارة مطلق البيض من حسنة حريز
السابقة وخبر إسماعيل بن مرار (5) عن يونس عنهم (عليهم السلام) قالوا: " خمسة
أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق: الإنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر " وخبر
ابن زرارة (6) قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي يسأله عن السن من
الميتة واللبن من الميتة والبيض من الميتة وإنفحة الميتة، فقال: كل هذا ذكي " ومرسل
الصدوق (7) عن الصادق (عليه السلام) بل عنه في الخصال، أنه رواه مسندا إلى ابن
أبي عمير رفعه إليه (عليه السلام) قال: " عشرة أشياء من الميتة ذكية: القرن والحافر
والعظم والسن والإنفحة واللبن والشعر والصوف والريش والبيض ".
ومنها مع ما تقدم عدا الأخبار الخاصة بالدجاجة (8) يستفاد طهارته وإن كان
من غير المأكول، كما هو قضية إطلاق الأصحاب وتصريح بعضهم عدا العلامة في المنتهى

(1) الوسائل - الباب 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 9 - 1
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة 7 و 12
(3) الوسائل - الباب 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 9 - 1
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 0 - 2 - 4
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 0 - 2 - 4
(6) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 0 - 2 - 4
(7) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 8
(8) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 7 و 9 و 12
323

وعن النهاية، فحكم بالنجاسة، ولم نعرف له دليلا ولا موافقا، كما اعترف بذلك بعض
من تأخر عنه.
نعم لا يبعد القول بتنجسها مطلقا بملاقاة رطوبة الميتة وإن أطلق الأخبار
والأصحاب عداه في المنتهى وبعض من تأخر عنه الحكم بالطهارة، إلا أن الظاهر إرادة
الجميع بها عدم النجاسة الذاتية بالموت لا العارضية بملاقاة الرطوبة، وإلا فينبغي القطع بها
بالنسبة إلى ذلك لقاعدة التنجيس، وفحوى ما سمعته في الشعر المقلوع من حسنة حريز وغيره.
بل في الحدائق أن الحسنة (1) المذكورة المشتملة على البيض وغيره قد أمر فيها
بغسل المأخوذ بعد الموت من كل ما ينفصل عن الدابة، وهو شامل للبيض لا خصوص
الشعر ونحوه، نعم يخرج اللبن واللبأ عنه، لعدم قابليتهما لذلك، وفيه أن قوله (عليه
السلام) فيها: " اغسله وصل فيه " قد يشعر بإرادة غيره، لكن قد عرفت أنا في غنية
عن ذلك بقاعدة ملاقاة النجس غيره برطوبة.
وكذا لا يبعد تخصيص الطهارة بالبيض إذا اكتسى القشر الأعلى الصلب دون
غيره من الخارج بدونه مما يسمى في عرفنا بالنمرش، وإن أطلقت تلك الأخبار وغيرها،
وفيها الصحيح، لكن قال الصادق (عليه السلام) في خبر غياث بن إبراهيم (2)
في بيضة خرجت من إست دجاجة ميتة: " إن كان قد اكتست الجلد الغليظ فلا بأس "
وهو وإن ضعف سنده بل ودلالته، لأعمية ثبوت البأس من النجاسة إلا أنه منجبر بالشهرة
بين الأصحاب، بل قيل: إنه متفق عليه بين الشيعة وإن اختلف التعبير عنه بالقشر
الأعلى أو الصلب أو الغليظ ونحو ذلك، لكن مراد الجميع واحد، بل حكي ذلك عن
جمهور العامة أيضا.
نعم نقل عن بعضهم الاكتفاء بالجلد الرقيق، فمع عدمه حينئذ يتفق المسلمون على

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3 - 5
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3 - 5
324

النجاسة، فما عساه يظهر من المدارك والمحكي من المعالم من التأمل في هذا الحكم لضعف
المستند مع إطلاق ما دل على طهارة البيض في غير محله، سيما إن أرادا الحكم بالطهارة
بدون الجلد الرقيق، على أنه قد يدعى انصراف تلك الاطلاقات إلى المتعارف من
البيض، وهو ذو القشر الأعلى، بل قد يشك في شمول اسم البيض له حقيقة، نعم لولا
الاجماع السابق لأمكن المناقشة في الحكم بالنجاسة حال اكتساء الرقيق، إذ ليست هي
إلا عارضية لا ذاتية، لعدم شمول أدلة الميتة لمثل ذلك، والعارضية تندفع بصلاحية مانعية
الرقيق عن تعدي رطوبات الميتة كما لو كانت في الخارج، لكن لا يخفى عليك أن الله
تعالى شأنه أعلم من غيره بالصلاحية وعدمها، فعدم اعتبار ذلك شرعا دليل على عدم
صلاحيته، فتأمل.
وأما الثاني وهو الإنفحة بكسر الهمزة وفتح الفاء وتخفيف الحاء وتشديدها فلا
أعرف خلافا في طهارتها، كما اعترف به بعضهم، بل في المنتهى أنه قول علمائنا، وفي
المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، وفي كشف اللثام كما عن الغنية دعوى الاجماع
صريحا، وهو الحجة بعد الأصل والعمومات والتعليل السابق والأخبار المتقدمة.
مضافا إلى خبر الثمالي (1) عن الباقر (عليه السلام) في حديث طويل، قال فيه:
" قال قتادة: فأخبرني عن الجبن، فتبسم الباقر (عليه السلام) ثم قال: رجعت مسائلك
إلى هذا قال: ضلت عني، فقال: لا بأس به، فقال: إنه ربما جعلت فيه إنفحة الميتة،
قال: ليس بها بأس، إن الإنفحة ليس فيها عروق ولا فيها دم ولا بها عظم، إنما تخرج
من بين فرث ودم، ثم قال: إن الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة " الحديث.
وخبر الحسين بن زرارة (2) عن الصادق (عليه السلام) ففيه أنه " سأله أبي
عن الإنفحة في بطن العناق والجدي وهو ميت، فقال: لا بأس به " كخبره الآخر

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1 - 11
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1 - 11
325

عنه (عليه السلام) (1) أيضا بعد أن سأله عن إنفحة الميتة وغيرها، فقال: كل هذا
ذكي " وكصحيح أبيه أيضا (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: " سألته عن الإنفحة
تخرج من الجدي الميت قال: لا بأس به " الحديث.
إنما الاشكال في المراد بالإنفحة فعن القاموس والتهذيب والمغرب أنها شئ
أصفر يستخرج من بطن الجدي الرضيع، فيعصر في صوفة مبتلة فيغلظ كالجبن، وإليه
يرجع ما في القواعد وعن النهاية وكشف الالتباس من أنها لبن مستحيل في جوف
السخلة، بل في كشف اللثام أن ذلك هو المعروف، وقد يشهد له خبر الثمالي المتقدم،
واختاره الخوانساري في شرح الدروس معللا له بأنه يظهر من الروايات أن الإنفحة
شئ يصنع به الجبن، والظاهر أن الجبن إنما يعمل من الشئ الذي في جوف السخلة
مثل اللبن، لا من كرشها الذي هو للحيوان بمنزلة المعدة من الانسان، وقيل كما عن
الصحاح والجمهرة وأبي زيد أنها كرش الحمل والجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش،
وبذلك فسرت في السرائر كما عن أطعمة المسالك والتنقيح.
وربما يومي إليه عدم عدهم لها مما لا تحله الحياة، وفي المدارك أن الأول أولى
اقتصارا على موضع الوفاق وإن كان طهارة نفس الكرش أيضا غير بعيد، تمسكا
بمقتضى الأصل، وفيه أنه لا وفاق بعد تقابل التفسيرين، اللهم إلا أن يكون الأول
لازما للحكم بطهارة الثاني لكون محله الكرش حينئذ، وفيه تأمل، كما أن في تمسكه
بالأصل في طهارة الكرش وإن فسرت الإنفحة بغيره أيضا تأملا، لانقطاعه بما دل
على نجاسة الميتة إلا أن يكون مما لا تحله الحياة، وفيه منع.
وقد يقوى في النظر اتحاد التفسيرين بأن يراد بالشئ الأصفر في التفسير الأول

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 9
326

هو ما يصير كرشا للجدي بعد أن يأكل، فهو قبل أكله إنفحة، وبعده كرش،
ويومي إليه ما حكي عن الفيومي في المصباح عن التهذيب، قال: لا يكون الإنفحة إلا لكل
ذي كرش، وهو شئ يستخرج من بطنه أصفر يعصر في صوفة مبتلة فيغلظ كالجبن،
ولا يسمى إنفحة إلا وهو رضيع، فإذا رعى قيل استكرش، أي صارت إنفحته كرشا،
بل ذيله كاد يكون صريحا فيما قلنا، وكذا ما عن مجمع البحرين الإنفحة هي كرش الحمل
والجدي ما لم يأكل، فإذا أكل فهو كرش حكاه الجوهري عن أبي زيد، فإنه ظاهر
في اتحاد موضوع الإنفحة والكرش إلا أنه قبل الأكل يسمى إنفحة وبعده كرش،
وأوضح منه ما عن المغرب، فإنه بعد أن فسره بالتفسير الأول قال: ولا يكون
إلا لكل ذي كرش، ويقال: إنها كرشة ما دام رضيعا، يسمى ذلك الشئ إنفحة،
فإذا فصل ورعى الغيث قيل: استكرش.
قلت: لا استبعاد فيه، إذ لعل ذلك اللبن بعد أن يأكل الجدي يكرش معدته،
وقبله لا تكريش فيها، أو أنه يستحيل كرشة بقدرة الله تعالى، فتأمل جيدا خصوصا
فيما مضى من العبارات، فلعله به يظهر لك ما قلناه.
نعم ظاهر الجميع اختصاص الإنفحة بما قبل الأكل، لكن قال في الذكرى:
" والإنفحة طاهرة من الميتة والمذبوحة وإن أكلت السخلة " وهو مشكل إلا أن يريد
الأكل الذي لا يعتد به.
وكيف كان فالظاهر وجوب غسلها من ملاقاة رطوبات الميتة وفاقا للمحكي عن
الشهيد الثاني في بعض فوائده، وربما يعطيه ما سمعته من المنتهى وغيره في البيض،
وخلافا للمدارك، وظاهر بعض من تأخر عنه، لتنجسها بها كما هي القاعدة في كل ما لاقى
نجسا برطوبة، واحتمال استثناء الإنفحة لاطلاق ما دل على طهارتها سيما مع عدم ذكر
الأكثر وجوب الغسل وقد نصوا عليه في مثل الصوف المقلوع يدفعه ظهور سياق تلك
327

المطلقات في إرادة عدم النجاسة الذاتية كباقي أجزاء الميتة، ولعل عدم تعرض الأصحاب
اتكالا منهم على القاعدة.
ومن العجيب ما عساه يظهر من مجمع البرهان من دعوى الاجماع على الظاهر
والأخبار على استثناء الإنفحة من تلك الكلية، ولعله لا يريد ذلك، بل يريد عدم
النجاسة الذاتية كما عساه يشعر به ذكره ذلك في الاستدلال على طهارة اللبن، فلاحظ وتأمل.
ثم إنه لا ينافي القول بغسل ظاهر الإنفحة تفسيرها الأول باعتبار عدم قابلية
اللبن للتطهير كما قد يتخيل، لظهور ما سمعت من تفسيرها على كلا التقديرين في قابليتها
لذلك، وخروجها بالاستحالة عن اللبن، فما في الحدائق وحكاه عن المعالم أيضا من أن
الإنفحة شئ مائع في جوف السخلة بناء على التفسير الأول لا يخلو من تأمل، لكن
عليه حينئذ يتجه عدم وجوب الغسل، كما أنه يتجه دعوى استثنائه من قاعدة تنجيس
الملاقاة مع الرطوبة بما دل على طهارتها، والله أعلم.
وأما الثالث وهو اللبن فالأقوى في النظر طهارته وفاقا للشيخ وابني زهرة وحمزة
وكشفي الرموز واللثام والدروس والمنظومة وجماعة من متأخري المتأخرين وعن المقنع
والمفيد والقاضي وغيرهم، بل هو المحكي عن الأكثر في كشف اللثام، والأشهر عن
الكفاية، وأكثر المتقدمين وجمع من المتأخرين عن المسالك والصدوق والشيخ، وكثير
من الأصحاب عن الذخيرة، وفي البيان أنه قول مشهور، بل عن الدروس أن القائل
بخبر المنع نادر، للأصل والعمومات السالمة عن معارضة ما دل على نجاسة الميتة إلا بقاعدة
نجاسة الملاقي مع الرطوبة التي يجب الخروج عنها هنا باجماع الخلاف على طهارة ما في
ضرع الشاة الميتة من اللبن، وإجماع الغنية على جواز الانتفاع بلبن ميتة ما يقع الذكاة
عليه، وبصحيح زرارة (1) قلت: " اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت، قال:

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 9
328

لا بأس به " وحسنة حريز (1) عن الصادق (عليه السلام) أنه قال لزرارة ومحمد بن مسلم:
" اللبن واللبأ والبيضة - إلى أن قال -: فهو ذكي " وخبر الحسين بن زرارة (2) أو موثقه
قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، وأبي يسأله عن السن واللبن والبيضة
من الميتة - إلى أن قال -: فقال: كل هذا ذكي " ومرسل الصدوق (3) عن الصادق
(عليه السلام) قال: " عشرة أشياء من الميتة ذكية - وعد منها - اللبن " بل قال:
إني رويته في الخصال مسندا، وبفحوى ما دل على طهارة الإنفحة بناء على التفسير الأول
سيما التعليل في خبر الثمالي المتقدم آنفا.
والمناقشة في هذه الأدلة - بعدم إفادة تمام المدعى في بعض، وعدم الحجية في آخر،
وبمعارضتها بخبر وهب بن وهب (4) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " أن عليا
(عليه السلام) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن، فقال: ذلك الحرام محضا " ومكاتبة
الفتح بن يزيد الجرجاني (5) أبا الحسن (عليه السلام) يسأله " عن جلود الميتة، فكتب
لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عصب، وكل ما كان من السخال من الصوف وإن جز والشعر
والوبر والإنفحة والقرن " ولا يتعدى إلى غيرها، مضافا إلى قاعدة النجاسة بالملاقاة،
وعموم النهي عن الانتفاع بشئ من الميتة مع عدم جريان بعضها في بعضها - مدفوعة في
الأول بعدم القول بالفصل كما ستعرف، والثاني بالانجبار بما عرفت، والثالث بعدم
صلاحيته للمعارضة للشذوذ كما في الاستبصار، وعدم التلازم بين الحرمة والنجاسة،
وللطعن في وهب بأنه عامي كذاب، بل عن ابن الغضائري زيادة أن له عن جعفر بن محمد
(عليهما السالم) أحاديث كلها لا يوافق بها قلت: وهذا منها سيما مع موافقته لفتوى الشافعي
والرابع بالضعف في السند، وظهور السقط من الخبر كما عن بعض المحققين الاعتراف به،

(1) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3 - 4 - 8
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3 - 4 - 8
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3 - 4 - 8
(4) الوسائل - الباب 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 10 - 6
(5) الوسائل - الباب 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 10 - 6
329

حيث قال: هكذا وجد هذا الحديث في نسخ الكافي والتهذيب والاستبصار، وكأنه
سقط منه شئ، قلت: ولعله لحذف الخبر فيه، ومع ذلك فهو عام يجب الخروج عنه
بتلك الأدلة كالقاعدة وعموم النهي لم سلم شمول الأخير لما نحن فيه.
فظهر لك بحمد الله تعين القول بالطهارة وأنه لا استبعاد في ذلك على الشارع
وإن أطال الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح في مبعداته، إلا أنها ليست بتلك المكانة،
خلافا لابن إدريس والعلامة والمحقق الثاني وغيرهم من الحكم بالنجاسة، ولعله ظاهر
الكتاب فيما يأتي، بل في المنتهى وجامع المقاصد أنه المشهور، والسرائر أنه نجس
بغير خلاف عند المحصلين من أصحابنا، لأنه مائع في ميتة ملامس لها، قال: وما
أورده شيخنا في نهايته رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يعضدها كتاب ولا سنة
مقطوع بها ولا إجماع.
ولا يخفى عليك ما في دعوى الشهرة فضلا عن نفي الخلاف، كما لا يخفى
عليك ما في نسبة رواية الطهارة للشذوذ، ولقد أجاد اليوسفي في كشف الرموز حيث
قال بعد أن حكى عن الحلي ما سمعت: " والدعوى محرفة، وفي الاستدلال ضعف،
أما الأول فلأن الشيخين مخالفوه، والمرتضى وأتباعه غير ناطقين به، فما أعرف من
بقي معه من المحصلين، وأما الثاني فلأنا نمنع أن كل مائع لاقى الميتة على أي وجه كان
فقد نجس " انتهى.
قلت: على أنه من العجيب من مثله استبعاد هذا الحكم هنا مع قوله بعدم تعدي
نجاسة ما ينجس بملاقاة الميتة، بل لعل قوله هنا بنجاسة اللبن الظاهر في التعدي ينافيه،
لكن يهون الخطب أن حكمه على الظاهر بعدم التعدي إنما هو في خصوص الانسان
لا مطلق الميتة.
ثم إن قضية إطلاق كثير من النصوص السابقة ككثير من الفتاوى عدم الفرق
330

في الحكم بطهارة اللبن بين كونه من ميتة حيوان قابل للتذكية وعدمه كالمرأة ونحوها مع
فرض طهارة الحيوان، فما عساه يظهر من المنتهى " أن محل النزاع في الأول، وإلا فالثاني
لا إشكال في نجاسته " ليس في محله، مع أن كلامه ليس صريحا في ذلك وإن اقتصر في
التعرض للأول خاصة، كمعقد إجماع الغنية، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، لامكان
دعوى تبادر الأخبار السابقة في الأول وإن كان واضح المنع بقرينة الاشتراك في غيره
من الشعر ونحوه.
فالظاهر حينئذ أنه لا فرق بين أفراد الحيوان في ذلك وفي جميع ما تقدم من
الأجزاء التي لا تحلها الحياة * (إلا أن يكون عينه نجسة كالكلب والخنزير والكافر) *
فإنه لا يستثنى منه شئ منها * (على الأظهر) * الأشهر، بل المشهور شهرة كادت تكون
إجماعا، بل هي كذلك إذ لم نجد بل ولم يحك فيه خلاف من أحد إلا من المرتضى في
الناصريات، فحكم بطهارة شعر الكلب والخنزير فيها، بل ظاهره ذلك في كل ما لا تحل
الحياة منه، وإلا ما عساه يظهر من المدارك من الميل إلى طهارة ما لا تحله الحياة من
خصوص الكافر، وهما غير قادحين في الاجماع المنقول فضلا عن المحصل.
على أنه لا مستند لهما سوى الحمل على الميتة من الطاهر، وهو قياس بل مع الفارق،
وسوى الأصل والعموم المقطوعين بسائر ما دل على نجاسة الثلاثة، لشمول اسم كل
واحد للجملة الشاملة له، بل فيها ما هو كالصريح في خصوص نجاسة شعر الأولين لغلبة
الإصابة به، بل هو صريح في الثاني، كخبر سليمان الإسكاف (1) قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يخرز به، قال: لا بأس ولكن يغسل يده
إذا أراد أن يصلي " ونحوه خبرا برد الإسكاف (2) وسوى صحيح زرارة (3) " سأل

(1) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 65 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 1 و 2
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 2
331

الصادق (عليه السلام) عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أيتوضأ
من ذلك الماء، قال: لا بأس " وهو مع أنه قاصر عن المقاومة إنما يتم لو كان الإشارة
إلى الماء الذي استقي وكان قليلا وقد لاقاه الحبل، والكل ممنوع.
ومن العجيب دعوى المرتضى في الكتاب المذكور عدم شمول اسم الكلب
والخنزير لذلك، وأعجب منه نسبة الطهارة فيه إلى أصحابنا، بل ادعى الاجماع عليه،
مع أنا لم نقف على موافق له فيه منا ممن تقدمه بل ومن تأخر عنه، نعم هو حكى القول
به عن أبي حنيفة وأصحابه، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في منظومته حيث قال: بعد
ذكره ما لا تحله الحياة من طاهر العين:
فإن يكن من نجس فهو نجس * كأصله، والقول بالطهر درس.. الخ -
إذ هو كذلك مندرس لا يقدح في تحصيل الاجماع كاندراس المحكي من قوله في شرح
الرسالة والمصباح وظاهر الجمل باستحباب الغسل من مس الميت ولذا لم يشر المصنف إليه.
فقال: * (ويجب الغسل) * بالضم * (على من مس ميتا من الناس قبل تطهيره وبعد
برده) * وإن أشار إليه غيره، بل قد يظهر من بعضهم وجود موافق منا له على ذلك،
كما أنه ربما يظهر التوقف والتردد من الوسيلة والمراسم، إلا أنه قد استقر المذهب الآن
على خلافه، بل وقبل ذلك، ولذا حكى الشيخ في جنائز الخلاف وغيره الاجماع على
الوجوب من غير اعتداد به، وهو الحجة بعد الأخبار (1) الصحيحة الصريحة وغيرها
المستفيضة بل المتواترة فيه، ولذا عمل بها من لم يقل بحجية أخبار الآحاد، وقد مر
عليك فيما مضى ويمر عليك فيما يأتي بعضها.
على أنه ليس في مقابلها سوى الأصل الذي لا يصلح لمعارضة شئ منها، كمفهوم
حصر الناقض بغيره في بعض المعتبرة (2).

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب نواقض الوضوء
332

وسوى الصحيح (1) عن الصادق (عليه السلام) " الغسل في أربعة عشر موطنا،
واحد فريضة، والباقي سنة " إلى آخره.
والأمر به وبمعلوم الندبية في صحيح الحلبي (2) عنه (عليه السلام) أيضا، قال:
" اغتسل يوم الأضحى والفطر والجمعة وإذا غسلت ميتا " الحديث.
كاقرانه به أيضا في صحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما السلام) وغيره (4)
" الغسل في سبعة عشر موطنا، ليلة سبعة عشر من شهر رمضان - إلى أن قال -: وإذا
غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعد ما يبرد ويوم الجمعة، وغسل الجنابة فريضة ".
ومكاتبة الحميري (5) للقائم (عليه السلام) " روي لنا عن العالم (عليه السلام)
أنه سئل عن إمام صلى بقوم بعض صلاتهم وحدث عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟
فقال: يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاته، ويغتسل من مسه، فوقع (عليه السلام)
ليس على من مسه إلا غسل اليد، وإذا لم يحدث حادثة تقطع الصلاة يتم صلاته مع القوم ".
ومكاتبتي الصيقل (6) وابن عبيد " (7) هل اغتسل أمير المؤمنين (عليه السلام)
حين غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند موته؟ فأجاب (عليه السلام)
النبي (صلى الله عليه وآله) طاهر مطهر، ولكن أمير المؤمنين (عليه السلام) فعل
وجرت به السنة ".
والرضوي (8) " والغسل ثلاثة وعشرون: من الجنابة والاحرام وغسل الميت

(1) الوسائل - 1 - من أبواب الجنابة - الحديث 11
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 9 - 11 - 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 9 - 11 - 4
(4) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 9 - 11 - 4
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس الحديث 4
(6) الوسائل - الباب 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 7
(7) الوسائل - الباب 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 7
(8) المستدرك - الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة - الحديث 1
333

ومن غسل الميت وغسل الجمعة - ثم عد باقي الأغسال، وقال -: الفرض من تلك
غسل الجناية، والواجب غسل الميت وغسل الاحرام، والباقي سنة " إلى آخره.
ولأنه لو وجب لكان إما لنفسه أو لغيره، والأول باطل عند الخصم، والثاني
لا دلالة في شئ من النصوص عليه، بل في المكاتبة السابقة ما يشعر بعدمه.
والكل كما ترى لا تصلح لمعارضة تلك الأخبار المعتضدة بعمل الأصحاب قديما
وحديثا، على أنه لا دلالة في الأول، لاحتمال بل ظهور عدم إرادة خصوص الندب من
السنة، وإلا لاستلزم استحباب ما علم وجوبه بالاجماع وغيره من غسل الحيض وغيره،
والثاني لعدم رجحان مجازية خصوص الندب هنا على مجازية القدر المشترك، والثالث
لمنع دلالة الاقتران على التسوية في الحكم، فإن إقران المندوب بالواجب خصوصا في
الأخبار الجامعة للأغسال كثير شائع، والمراد بالفرض منها الثابت بالكتاب، فلا يدل
على ندبية غير الجنابة، والرابع لحمل المس فيه قبل البرد، لشهادة الحال، بل مر عند البحث
على نجاسة ميتة الآدمي من المكاتبة (1) أيضا للقائم (عليه السلام) ما يعين ذلك، فلاحظ.
والخامس لاحتمال إرادة جريان السنة في الغسل من مس الطاهرين كالشهداء
والمعصومين (عليهم السلام) أو إرادة الواجب منها، بل ربما احتمل عود الضمير فيه إلى
غسل الميت، فيخرج عن المقام.
والسادس لعدم حجيته عندنا، بل وعند غيرنا أيضا هنا، لضعف سندها،
ومتروكية ظاهرها من وجوب غسل الاحرام واختصاص الوجوب بالجنابة.
والسابع باختيار الشق الثاني، ومنع خلو الأخبار عن الدلالة على اشتراط شئ
بهذا الغسل أولا، ومنع دلالة الخلو على ذلك أيضا ثانيا بعد إمكان ثبوته من الاجماع
أو إجماع القائلين بالوجوب، وقد تقدم في أول الكتاب ما يفي بذلك، فلاحظ.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 5
334

ولا صراحة في المكاتبة بجواز الصلاة للماس قبل الغسل مع وجوبه، وكيف
وقد عرفت ظهور الحال بكون المس في حال الحرارة، فقد يحمل الأمر بالغسل فيها حينئذ
على الندب وإن لم أقف على مصرح به من أحد من الأصحاب، ولعلنا لو وقفنا على
كلام المرتضى (رحمه الله) لأمكن حمل قوله بعدم الوجوب على مثل هذا الحال أي المس
بحرارة، للاجماع هنا بقسميه عليه، بل في المنتهى أنه مذهب علماء الأمصار، وللنصوص
الصحيحة الصريحة المستفيضة حد الاستفاضة فيه أيضا، منها صحيح ابن مسلم (1) عن
أحدهما (عليهما السلام) قال: " قلت: الرجل يغمض عين الميت عليه غسل، قال:
إذا مسه بحرارة فلا، ولكن إذا مسه بعد ما يبرد فليغتسل " الحديث. ونحوه غيره (2).
ولذا قيد المصنف الوجوب المذكور بما بعد البرودة، وظاهره كالنصوص (3)
اعتبار برودة الجميع، فلا عبرة بالبعض.
وكذا قيده بما قبل التطهير، لعدم وجوبه بعده أيضا إجماعا بقسميه، بل في
المنتهى أنه مذهب علماء الأمصار، ونصوصا، منها قول الباقر (عليه السلام) في صحيح
ابن مسلم (4): " مس الميت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس " كقول
الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان (5): " لا بأس بأن يمسه بعد الغسل " الحديث.
بل وعدم استحبابه أيضا، للأصل المعتضد بالعمل، وعدم نص أحد من
الأصحاب فيما أجد عليه عدا الشيخ في استبصاره وعن تهذيبه، حيث حمل موثق
الساباطي (6) عن الصادق (عليه السلام) " يغتسل الذي غسل الميت، وكل من مس
ميتا فعليه الغسل وإن كان الميت قد غسل " الحديث. عليه، وهو وإن كان لا بأس به

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 1 - 2 - 3
(6) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 1 - 2 - 3
335

للجمع والتسامح في أدلة السنن (1) لكنه بعيد عن ظاهر اللفظ، مع ما قيل من مشهورية
روايات عمار المتفرد بها في نقل الغرائب، فلعل الأولى طرحها كما في الحدائق، أو
حملها على من غسل بالسدر أو به وبالكافور فقط، أو على إرادة غسل الميت من
النجاسات لا التغسيل، أو إرادة عدم سقوط غسل المس السابق على التغسيل به، أو غير
ذلك، والأمر سهل.
ولا يلحق بالمغسل الميمم كما في صريح القواعد والمنتهى والمدارك وظاهر جامع
المقاصد وكشف اللثام أو صريحهما، بل لا أجد فيه خلافا مما عدا شيخنا في كشف الغطاء،
فألحقه به للعمومات، وخصوص ما نطق من الأخبار بالغسل إذا مسه قبل الغسل،
ولبقائه على النجاسة، ولذا يغسل لو أمكن بعده قبل الدفن.
لكن قد يشكل ذلك كله بعموم ما دل على تنزيل التراب منزلة الماء (2) وأنه
أحد الطهورين (3) وبمنع دوران الحكم على بقاء النجاسة لو قلنا بها لدليل خاص،
اللهم إلا أن يقال: إن الحكم بالتيمم في الميت ليس لتلك العمومات، لظهورها في قيام
التراب مقام الماء في رفع الأحداث لا في مثل غسل الميت المركب من الماء والخليطين
المستتبع إزالة النجاسة، بل التيمم فيه حينئذ لدليل خاص لا دلالة فيه على كونه
حينئذ كالغسل.
وكذا البحث في الميمم عن بعض الأغسال، خصوصا السدر والكافور،
أما فاقد الخليطين فلا يبعد جريان حكم الغسل الصحيح عليه، فلا يجب الغسل بمسه حينئذ،

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب مقدمة العبادات
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب التيمم - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب التيمم - الحديث 1
336

لسقوط اشتراطهما في هذا الحال، فيقوم الباقي حينئذ مقام غيره في الواجد، خلافا
لجامع المقاصد، فأوجبه بمسه للأصل، وانصراف الغسل المعلق عليه نفي الوجوب إلى
غيره، وفيه تأمل.
ولو كمل غسل الرأس مثلا قبل إكمال الغسل لجميع البدن ففي القواعد والرياض
لم يجب الغسل، لطهارته، وكمال الغسل بالنسبة إليه، ويحتمل كما في جامع المقاصد وعن
الذكرى الوجوب، بل هو الأقوى كما في المدارك وعن الذخيرة، للعمومات، وصدق
المس قبل الغسل، لأن جزءه ليس غسلا، ومنع طهارته قبل كمال الجميع لو قلنا بدوران
الحكم مدارها، ولا استبعاد في توقف طهارة العضو من الخبث على الاكمال، بل قضية
الاستصحاب وغيره ذلك.
فما في الحدائق - من أنه مناف لمقتضى القواعد الفقهية من حصول الطهارة من
الخبث بمجرد انفصال ماء الغسالة، حتى أنه التزم من جهة ذلك القول بحصول الطهارة
من الخبث للعضو قبل الاكمال وإن أوجب الغسل بمسه، وأنه لا تلازم بين الطهارة
وعدم وجوب الغسل، تمسكا بظاهر الأدلة - في غير محله، لرجوع أمر التطهير للشارع،
وإلا فأي نجاسة توقفت على سدر وكافور.
ثم إنه قد يظهر من المتن كغيره من عبارات الأصحاب عدم وجوب الغسل بمس
الشهيد، وهو كذلك وفاقا لصريح جماعة منهم الفاضلان في المنتهى والقواعد وعن المعتبر،
بل لا أجد فيه خلافا للأصل، وظهور سياق ما دل على وجوبه في غيره ممن وجب
تغسيله، خصوصا مكاتبة الصفار (1) " إذا أصاب يدك جسد الميت قبل أن يغسل فقد
يجب عليك الغسل " كظهور (2) ما دل على سقوط الغسل عن الشهيد في عدمه أيضا

(1) الوسائل - الباب 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب غسل الميت
337

وفي مساواته لغيره بعد التغسيل، سيما مع عدم اشتمال شئ منها على الأمر به على كثرتها،
وظهور تحقق المس غالبا بمباشرة الدفن ونحوه فيها، بل ربما يحصل القطع بالحكم للفقيه
المتأمل في سبب سقوط الغسل عن الشهيد من الاكرام والاحترام وللتخفيف عن أولئك
المجاهدين عن بيضة الاسلام، ولذا لم يصل إلينا أمر به أو بالتيمم بدله من النبي (صلى الله
عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) في يوم من الأيام في الوقائع المتعددة والغزوات المعظمة.
مضافا إلى ما يظهر من اشتراط نجاسة الممسوس في وجوب غسل المس من
مكاتبتي الصيقل (1) وابن عبيد (2) المتقدمتين آنفا المشتملتين على السؤال عن اغتسال
أمير المؤمنين (عليه السلام) لما غسل النبي (صلى الله عليه وآله).
ومنها مع الأصل يستفاد أيضا سقوطه بمس النبي (صلى الله عليه وآله) ونحوه
ممن علم طهارته بعد الموت، كما عن بعضهم التصريح به، إلا أنه قد يناقش فيه بتناول
العمومات، وبقوله (عليه السلام) في المكاتبتين السابقتين: " ولكن فعل أمير المؤمنين
(عليه السلام) وجرت به السنة " ولا ينافيه قوله (عليه السلام) قبل ذلك. " إنه طاهر
مطهر " إذ أقصاه اختلاف حكمة الغسل بمس النبي (صلى الله عليه وآله) ونحوه عن حكمة غيره
كأصل تغسيله، فلا استبعاد حينئذ في القول بالوجوب بمس النبي (صلى الله عليه وآله)
ولا هوان، لعدم انحصار الحكمة في النجاسة إذ قد يقصد إرادة عمومية الحكم، ونحو ذلك.
نعم قد يتجه الحكم بسقوط الغسل بمس من أمر بتقديم غسله بعد قتله بذلك
السبب وتقديمه الغسل وفاقا للفاضل في القواعد وغيره، بناء على ما تقدم منا سابقا في
محله من استظهار كون هذا الغسل غسل الميت وقد قدم مما دل على مشروعيته، وأنه
لا استبعاد في تقديم المسبب الشرعي على سببه، فيجري حينئذ عليه حكم غسل الميت
من عدم وجوب غسل المس بعده وغيره، بل ربما ادعي تناول نفس ما دل على سقوط

(1) الوسائل - الباب 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 7
338

أثر المس بعد التغسيل له من غير حاجة لدعوى المساواة والتنزيل، فما عن السرائر
- من وجوب الغسل بمسه بناء على نجاسته بالموت عنده، وتبعه عليه في الحدائق - في غير
محله، كتوقف المنتهى وعن الذخيرة في ذلك.
نعم يتجه عدم السقوط بمس من غسله الكافر بأمر المسلم كما هو صريح القواعد
وظاهر جامع المقاصد وكشف اللثام أو صريحهما، بناء على ما تقدم لنا في محله أنه ليس
من غسل الميت في شئ، وإنما هو شئ أوجبه الشارع لتعذر الأول، وإلا فلو قلنا
بكونه غسل الميت إلا أنه سقط بعض شرائطه للعذر اتجه القول بالسقوط حينئذ.
ثم إنه لا فرق في وجوب الغسل بين كون الممسوس مسلما أو كافرا كما صرح به
جماعة منهم الفاضل والشهيد والمحقق الثاني، لاطلاق النصوص والفتاوى، بل لعله أولى،
إلا أنه احتمل الأول في المنتهى والتحرير العدم، لمفهوم تقييد غسل المس بما قبل التطهير
نصا وفتوى أيضا الظاهر في اعتبار كون الميت مما يقبل التطهير، ولأنه لا يزيد على
مس البهيمة والكلب، وهو ضعيف، لخروج الأول بعد تسليم اعتبار مثله مخرج الغالب،
والثاني قياس.
كما أنه لا فرق بين المس بأي جزء من أجزاء البدن لأي جزء من أجزاء
الممسوس وإن لم تكن مما تحله الحياة منهما بعد صدق اسم المس عليه وانصرافه إليه، نعم
لعله لا يصدق في خصوص الشعر ماسا أو ممسوسا سيما الثاني، كما عساه يشعر به عدم
وجوب غسله في الجنابة، بخلاف السن والظفر والعظم، فيصدق اسم المس بكل واحد
منها ماسة كانت أو ممسوسة، فما في المحكي من عبارة الروض - من اعتبار المس بما تحله
الحياة لما تحله الحياة في وجوب غسل المس، فمتى انتفى أحد الأمرين لم يجب، ثم قال:
وفي العظم إشكال، وهو في السن أقوى، ويمكن جريان الاشكال في الظفر أيضا
لمساواته العظم - في غير محله، لما عرفته من تحقق الصدق الذي لا ينافيه الطهارة، ونحوه
339

ما في جامع المقاصد من التردد في المس بالظفر والسن والعظم، والذكرى أيضا في الثاني
إذا كان ممسوسا، نعم قد يشك في صدق اسم المس أو انصراف إطلاقه بالنسبة إلى
بعض الأفراد، فيتجه حينئذ التمسك في نفي وجوب الغسل بالأصل، وباستصحاب
الطهارة ونحوهما.
* (وكذا) * يجب الغسل بالضم * (إن مس قطعة منه) * أو من حي قبل التطهير
وكان * (فيها عظم) * على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا، بل لا أجد فيه خلافا
إلا من الإسكافي، فقيده في المبان من حي بما بينه وبين سنة، وستعرف ما فيه، وإلا
من المصنف في المعتبر والسيد في المدارك، فلم يوجباه، للأصل السالم عن معارضة دليل
معتبر على الوجوب.
وهو ضعيف، لانقطاعه بصريح الاجماع من الشيخ في الخلاف المعتضد بظاهره
من غير واحد من الأصحاب.
وبالشهرة العظيمة، بل في الذكرى " إن الأصحاب منحصرون في موجب غسل
الميت على الاطلاق، وهم الأكثر، وفي نافيه كذلك على الاطلاق، وهو المرتضى،
فالقول بوجوبه في موضع دون موضع لم يعهد " انتهى.
وبالاستصحاب في المقطوع من الميت متمما بعدم القول بالفصل على الظاهر،
ونفي احتمال مدخلية الاتصال ثمرة الاستصحاب، فلا يقدح حينئذ انسياق الاجتماع إلى
الذهن من الأدلة.
وبفحوى وجوب جريان أحكام الميت عليها بناء عليه من التغسيل والتكفين ونحوهما.
وبمرسل أيوب بن نوح (1) عن الصادق (عليه السلام) " إذا قطع من الرجل
قطعة فهي ميتة، فإذا مسه انسان فكل ما فيه عظم فقد وجب على كل من يمسه الغسل،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل المس - الحديث 1
340

وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه " المنجبر بما سمعت، المؤيد بالرضوي (1) " وإن
مسست شيئا من جسد أكيل السبع فعليك الغسل إن كان فيما مسست عظم، وما لم يكن
فيه عظم فلا غسل عليك ".
وبالمستفاد مما تقدم سابقا عند البحث على نجاستها من تنزيل القطعة المبانة منزلة
الميتة المقتضي لجريان أحكامها عليها، بل لعل الظاهر منها كغيرها دوران الحكم مدار
تحقق معنى الموت، فضلا عما تقدم في باب أحكام الأموات من ظهور تنزيل الصدر
منزلة الميت، بل قد يعطي التأمل الجيد القطع بفساد القول بعدم جريان حكم المس على
القطعة في القطع العظيمة، سيما التي يصدق عليها اسم الميت كالباقي من الجسم بعد قطع
اليدين والرجلين والرأس.
ومنه ينقدح القطع بعدم اعتبار اجتماع جميع أجزاء الجملة، وإلا لانتفى وجوب
الغسل بانتفاء اليسير من البدن، وهو واضح الفساد، واحتمال الفرق بين ما ينتفي الصدق
بانتفائه وعدمه لو سلم لم يتم في الميت المقطع قطعا متعددة، بل والمقدود نصفين، بل
والمنفصل بعضه بحيث لا يصدق على ما بقي جسد الميت، فإنه لا ينبغي التأمل في وجوب
غسل المس بذلك، إذ ليس التقطيع من المطهرات.
ومن ذلك كله ظهر لك ضعف ما سمعته من المعتبر، واندفاع ما أورده على الخبر
من الارسال، وقلة العمل، وعدم ثبوت دعوى الاجماع من الشيخ سيما بعد ما عرفت
من إنكار المرتضى أصل وجوب غسل المس، لانجبار الارسال بما سمعت، ومنع قلة
العمل بعد دعوى الشيخ الاجماع، وقد حكي التصريح من الصدوق وابن إدريس به
في المقطوع من الميت كما عن ابن الجنيد والاصباح في الحي، إلا أن الأول قيدها بما بينه
وبين سنة، ولعل الباقين اكتفوا باطلاقهم وجوبه بمس الميت، إذ قد يندرج ما نحن فيه

(1) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب غسل المس - الحديث 1
341

فيه، ولضعف المناقشة في الاجماع بعد حجية المنقول منه بخبر الواحد المحكية في الذكرى
عن كثير، خصوصا والناقل مثل الشيخ، إذ ليس ما يحكيه إلا كما يرويه، على أنك قد
عرفت عدم انحصار الدليل في ذلك.
وعلى كل حال ففي اعتبار البرودة في وجوب الغسل بالضم بمس جزء الحي بل
وبالفتح إن قلنا به في الجملة تأمل، لكن قد يقوى في النظر العدم.
ثم إنه قد يشعر عبارة المتن كغيرها بعدم وجوبه في مس العظم المجرد من حي
كان أو ميت، كما عن التذكرة والمنتهى ونهاية الإحكام والتحرير وحاشية الميسي التصريح
به، واستصحاب الطهارة من الحدث السالم عن المعارض، ولما تقدم سابقا مما يستفاد منه
اشتراط غسل المس بنجاسة الجملة وإن لم يعتبر نجاسة خصوص ما باشره مما صدق به اسم
المس، ولا عبرة بالنجاسة العرضية الحاصلة من الملاقاة لو قلنا بها، إذ المراد النجاسة
الذاتية، على أنه نفرضه فيما طهر من العظام، ولا قائل بالفصل، ولغير ذلك مما يظهر
بالتأمل فيما تقدم، ولعله الأقوى، لكن في غير عظم يفرض صدق مس الميت بمسه،
بل ينبغي القطع به في مثل السن والظفر ونحوهما سواء كانا من حي أو ميت للسيرة
القاطعة، بل ربما يدعى ذلك أيضا فيما لو صاحبا لحما قليلا كما صرح به الأستاذ في كشف الغطاء
في السن، بل قد يمنع شمول تلك الأدلة السابقة لمثله، أو يشك، فيبقى الأصل سالما.
ودعوى عدم جواز التمسك به هنا لرجوع الشك في مانع العبادة يدفعها - بعد
منعها في نفسها على الأصح عندنا من جريان الأصل في الشرائط والموانع - أن
الاستصحاب خصوصا استصحاب الطهارة دليل شرعي يكفي في بيان العبادة ورفع إجمالها
الموجب للاحتياط من باب المقدمة، فما في الذكرى والموجز وعن الدروس وفوائد
الشرائع والمسالك من ثبوت الغسل بمس العظم المجرد كالقطعة المشتملة عليه لا يخلو من
نظر بل منع، كمستندهم من دوران الحكم مداره وجودا وعدما، إذ مثله لا يصلح لأن
342

يكون مدركا لحكم شرعي، نعم قد يحتج لهم بالاستصحاب في خصوص المبان من
الميت، ويتم في غيره بعدم القول بالفصل، وهو كما ترى.
وكيف كان فمرادهم قطعا غير السن ونحوه، وبه صرح في الذكرى هنا، لكن
وقع فيها ما فيه نظر من وجوه من غير هذه الجهة، فلاحظ وتأمل هذا.
وفي الفقيه وعن المقنع " لا بأس بأن تمس عظم الميت إذا جاوز سنة " وهو
مضمون خبر إسماعيل الجعفي (1) " سأل الصادق (عليه السلام) عن مس عظم الميت،
قال: إذا جاوز سنة فلا بأس " وكأنه بمعنى عدم وجوب الغسل بمسه، كما قال أبو علي
أنه يجب بمس قطعة أبينت من حي ما بينه وبين سنة، أو عدم وجوب الغسل بالفتح،
وعلى الأول يعطي مساواة العظم للقطعة ذات العظم في إيجاب مسه الغسل، لكن إلى
سنة، وعدم اعتبار سند الخبر المذكور واستقرار المذهب على عدم اعتبار ما فيه من
الشرط وإجمال سؤاله بل جوابه يمنع من العمل به والالتفات إليه، مع احتماله ما في
الوسائل أن العظم قبل سنة لا يكاد يخلو من أجزاء اللحم الموجب مسها للغسل، وفي
المنتهى " أن في التقييد بالسنة نظرا، ويمكن أن يقال: إن العظم لا ينفك من بقايا
الأجزاء، وملاقاة أجزاء الميتة ينجسه وإن لم تكن رطبة، أما إذا جاز عليه سنة فإن
الأجزاء الميتة تزول عنه ويبقى العظم خاصة، وهو ليس بنجس إلا من نجس العين "
انتهى. وفيه ما فيه.
ثم إنه وإن قلنا بوجوب الغسل بالضم بمسه فلا يجب بمس الموجود منه في مقابر
المسلمين المختصة بهم، تحكيما للظاهر المعتضد بالسيرة وقاعدة اليقين على الأصل، وبه
صرح في الدروس والموجز والحدائق، كما هو ظاهر غيرها، بل صرح في الأولين
بسقوطه أيضا في المشتركة بينهم وبين الكفار، أو المتناوب عليها الفريقان في زمانين،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل المس - الحديث 2
343

لقاعدة اليقين، لكنه لا يخلو من إشكال كما في الحدائق، لانقطاعها باستصحاب عدم الغسل في الممسوس الوارد عليها كانقطاعها في الطهارة من الخبث بمستصحب النجاسة،
إلا أنه قد يقال بعدم صحة جريان أصالة عدم الغسل هنا بعد القطع بانقطاعها في الجملة
القاضي بطرو صفة الاشتباه والابهام على هذه الأفراد المختلطة، كسائر شبه الموضوع
التي لا يقطع مباشرة أحد أفرادها المحصورة كالإناءين استصحاب طهارة الغير من
الثوب، فضلا عن غير المحصور، فيتجه حينئذ حكمهما بعدم الغسل في الفرض المذكور.
نعم لو كان العظم في مقبرة الكفار المختصة بهم اتجه حينئذ الحكم بوجوب الغسل
كما هما صرحا به وغيرهما، بل ينبغي القطع به في المعلوم كونه من الكافر، لعدم صحة
غسله، بل وكذا مع احتمال كونه من مسلم، بناء على عدم الالتفات إليه في مقابلة ذلك
الظهور، كما لا يلتفت إليه في جريان باقي أحكام الكفار في أمثاله إلا ما خرج بالدليل،
ولذا كان المتجه أيضا إلحاق المقبرة بالدار مع الجهل بها لأي الفريقين.
أما العظم المطروح في فلاة أو طريق فقد أطلق في الموجز وجوب الغسل بمسه
كما عن الدروس، ونفى عنه البأس في كشف الالتباس، وكأنه لأصالة عدم الغسل،
لكنه لا يخلو من نظر إذا كان في فلاة المسلمين وأرضهم، للحكم باسلامه حينئذ كما لو
كان حيا، وقاعدة اليقين محكمة.
وفيه أن ذلك لا يقضي بأنه قد وقع عليه التغسيل المسقط لوجوب غسل المس،
لعدم اقترانه بشاهد حال كالدفن ونحوه، إذ قد يكون ممن لم يعثر عليه مسلم، بأن كان
أكيل سبع مثلا، ومجرد غلبة غيره لا يصلح كونه قاطعا للأصل، نعم لو اقترن ذلك
بظاهر فعل مسلم مترتب على التغسيل اتجه السقوط حينئذ.
ومما ذكرنا يظهر لك الحال في الميت نفسه والقطعة المبانة ذات العظم وغيرها
344

بالنسبة إلى جريان سائر ما تقدم، إذ مدار الجميع على الظهور المعتد به في قطع الأصل،
لاستفادة حجيته من الشرع، وإلا فهو لا يقدم على الأصل بدون ذلك، فتأمل جيدا.
والسقط بعد ولوج الروح كغيره يجب بمسه الغسل قطعا، لتناول الأدلة له،
وولوجها بعد تمام أربعة أشهر، أما قبل الولوج بأن كان دون الأربعة فعن المفيد أنه لا
يجب الغسل بمسه، وقواه في المنتهى، قال فيه: " لأنه لا يسمى ميتا، إذ الموت إنما
يكون من حياة سابقة، وهو إنما يتجه بأربعة أشهر، نعم يجب غسل اليد " انتهى.
قلت: هو جيد، لكن قد يشكل بأن المتجه حينئذ الحكم بطهارته، وإن نفى
الخلاف عن نجاسته النراقي في لوامعه، لعدم تناول اسم الميتة له، فلا يجب غسل اليد منه،
اللهم إلا أن يقال: إن نجاسته حينئذ لا لصدق الميتة، بل لأنه قطعة أبينت من حي.
وفيه - مع بعده في نفسه، وعدم انصراف دليل القطعة إلى مثله، وكونه على
هذا التقدير من أجزاء الحي التي لا تحلها الحياة إلا على اعتبار المنشئية - أنه لا وجه
لاطلاق القول بعدم وجوب الغسل بمسه بناء على ذلك، بل المتجه حينئذ التفصيل بين
المشتمل على العظم منه وعدمه كالقطعة المبانة من حي، والقول بعدم اشتماله على عظم
أصلا قبل ولوج الروح حتى الرأس غير ثابت، بل لعل الثابت مما دل على تمام خلقته
قبل ولوج الروح خلافه، والله أعلم.
* (و) * يجب * (غسل اليد) * مثلا دون الغسل بالضم * (على من مس ما لا عظم فيه) *
من القطعة المبانة عدا ما تقدم استثناؤه من البثور والثالول، ونحوهما مما انفصل من الحي
* (أو مس ميتا له نفس سائلة من غير الناس) * أما عدم وجوبه بالضم فيهما فلا أجد فيه
خلافا كما اعترف به في المنتهى في الثاني، ونسبه إلى نص الأصحاب في الأول، بل عن
مجمع البرهان الاجماع عليه في الأول، كما في كشف اللثام ذلك فيهما، وهو الحجة بعد
345

الأصل، ومرسل أيوب بن نوح (1) السابق في الأول، وصحيحة ابن مسلم (2) عن
أحدهما (ع) والحلبي (3) عن الصادق (عليه السلام) في الثاني " عن الرجل يمس الميتة أينبغي
أن يغتسل؟ فقال: لا، إنما ذلك من الانسان " كخبر معاوية بن عمار (4) قال للصادق
(عليه السلام): " البهائم والطير إذا مسها عليه غسل، قال: لا، ليس هذا كالانسان "
وبذلك يخرج عن شمول بعض ما قدمناه في ذات العظم من الأدلة المجردة منه.
وأما الغسل بالفتح فلا أجد فيه خلافا مع الرطوبة، وكون الممسوس غير ما عرفت
طهارته من الأجزاء السابقة، بل في كشف اللثام أنه لعله إجماعي، قلت: بل هو كذلك،
لما تقدم مما دل على نجاسة الميتة من الآدمي وغيره، ونجاسة القطعة المبانة منها المقتضي
لنجاسة الملاقي مع الرطوبة، بل لعله في الجملة ضروري دين فضلا عن كونه إجماعيا بين
المسلمين، كما أنه يمكن دعوى تواتر الأخبار به معنى بملاحظة ما تقدم من الأخبار السابقة وغيرها، كمرسل يونس بن عبد الرحمن (5) عن الصادق (عليه السلام) " سأله
هل يجوز أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال: لا يضره
لكن يغسل يده " الحديث.
وقد تقدم فيما مضى الانكار على الكاشاني حيث ادعى عدم نجاسة الميتة بالمعنى
المتعارف المقتضي نجاسة الملاقي، بل المراد بها الخبث الباطني، وقلنا هناك: إن الأخبار
والاجماع بل الضرورة على خلافه لكن حكى في جامع المقاصد هنا عن المرتضى (رحمه الله)
القول بأن نجاسة بدن الانسان الميت حكمية كنجاسة بدن الجنب، وهو بعينه ما اختاره
الكاشاني في مطلق الميتة، إلا أني لم أعرف أحدا حكاه عن غيره، وظني أنه توهمه

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب غسل المس - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب غسل المس - الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب غسل المس - الحديث 1 - 2 - 4
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب غسل المس - الحديث 1 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 4
346

من قوله بعدم وجوب غسل المس، وهو كما ترى لا يقتضيه.
وعلى كل حال فلا ينبغي البحث في ذلك بعد ما عرفت، إنما البحث في أن نجاسة
الميتة من الانسان وغيره كغيرها من النجاسات لا تتعدى إلى الملاقي إلا مع الرطوبة،
أو أنها تتعدى ولو مع اليبوسة، فيجب حينئذ غسل الملاقي وإن كان يابسا، الأقوى
الأول وفاقا لصريح الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام وموضع من الموجز وغيرها،
كما عن صريح المبسوط وظاهر الفقيه والمقنع، بل في شرح المفاتيح نسبته إلى الشهرة
بين الأصحاب.
قلت: وهو كذلك، بل لعله الظاهر من عامتهم عدا من صرح بخلافه، لعدهم
إياها في سلك ما حكمه ذلك من غيرها من النجاسات من غير تنصيص على الفرق، بل
هو مشعر بوضوح الحكم وظهوره لديهم كما لا يخفى على من لاحظ ذلك المقام، خصوصا
معاقد الاجماعات السابقة، سيما ما في المعتبر منها من أن علماءنا متفقون على نجاسته نجاسة
عينية كغيره من ذوات الأنفس السائلة، للأصل في الملاقي بل والملاقى بالفتح في نحو
ميتة نجس العين بل وطاهره على بعض الوجوه.
وعموم قوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير (1): " كل يابس ذكي " المعتضد
بالمستفاد من استقراء كثير مما ورد (2) في غيرها من النجاسات كالعذرة والخنزير
والكلب والدم والبول والمني اليابس وغيرها، بل في بعضها ما هو كالصريح في أن مناط
عدم التعدي فيها اليبوسة لا خصوص يبوستها، بل يمكن استفادة ذلك منها على وجه
القاعدة كغيرها من القواعد المستفادة من مثل ذلك كما لا يخفى على من لاحظها على كثرتها.
ولخصوص صحيح علي بن جعفر (3) (عليهما السلام): سأل أخاه (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب أحكام الخلوة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب النجاسات - الحديث 0 - 5
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب النجاسات - الحديث 0 - 5
347

عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح له الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال: ليس
عليه غسله، وليصل فيه ولا بأس ".
كصحيحة الآخر (1) " سأله أيضا عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت، قال:
ينضحه بالماء ويصلي فيه ولا بأس " إذ لا يراد بالنضح التطهير قطعا، وإلا لوجب الغسل
دونه، واحتمال إرادته منه مع أنه لا قرينة عليه يدفعه ملاحظة كثير مما أمر فيه بالنضح
مما علم عدم إرادة التطهير منه باعتراف الخصم.
خلافا للعلامة والشهيدين، فتتعدى مع اليبوسة في ميتة الآدمي خاصة في التذكرة
وعن الروض والبيان وفوائد القواعد مع نسبة له في الأخير إلى المعروف من المذهب،
كما في كشف الالتباس أنه المشهور، وإليه يرجع ما في القواعد وأحد موضعي الموجز
إن أريد بلفظ الميت فيهما خصوص الانسان.
وفي ميتة غير الآدمي دونه عن موضع آخر من الموجز وهو غريب لم أجد له موافقا فيه.
ومطلقا كما هو الاحتمال الآخر في عبارتي القواعد والموجز، بل هو الذي
فهمه في كشف اللثام، وحكاه عنه في النهاية ناسبا له فيها إلى الأصحاب كما عن ذلك (2)
في التذكرة أيضا، وإليه يرجع ما في المنتهى بعد التدبر في عبارته.
لكنه صرح فيه بحكمية النجاسة حينئذ على إشكال في الملاقي لميتة غير الآدمي
بمعنى عدم نجاسة ما يلاقيه بيده التي باشر بها الميتة، وإن كان رطبا إنما يجب عليه غسل
يده خاصة وتقابلها العينية كما عن النهاية احتماله، بل هو ظاهر القواعد في الجنائز أو صريحها.
وقد تجاوز في المنتهى فتنظر في وجوب غسل اليد لو مس الصوف أو الشعر
المتصل بالميتة، من صدق الاسم، ومن كون الممسوس لو جز كان طاهرا، فلا يؤثر
نجاسة الماس مع الاتصال.

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب النجاسات - الحديث 7
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الأصح " عنه " بدل " عن ذلك "
348

والكل ضعيف إذ لا نعرف لهم دليلا عليه، بل ولا داعيا دعا إليه سوى إطلاق
الأمر بغسل اليد والثوب ونحوهما من مباشرة الميتة فيما تقدم سابقا من الأخبار عند
البحث على النجاسة كالتوقيع (1) وغيرها، بل ربما يشم من سياقها اليبوسة.
وفيه - مع إمكان دعوى ظهور بعضها في الأمر بغسل الثوب من الرطوبات التي
تكون على الميت لا مع اليبوسة، كخبر إبراهيم بن ميمون (2) " سأله عن رجل يقع
ثوبه على جسد الميت، قال: إن كان غسل فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، وإن كان
لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه " ونحوه حسن الحلبي (3) المتقدم هناك، بل في
شرح المفاتيح أنها في غاية الظهور بذلك، بل لا يحتمل غيره، بل قد يظهر حينئذ من
اقتصار الأمر بالغسل من الرطوبات فيهما عدم الأمر به إن لم يكن رطوبة كما في اليابس،
فانحصر الدليل حينئذ في اطلاق غيرهما من التوقيع (4) والمرسل (5) ونحوهما (6) القاصرة
سندا بل ودلالة، لضعف استفادة مثل الحكم المذكور من مثل هذه الاطلاقات الوارد
كثير منها في كثير من النجاسات، مع عدم دعوى أحد منهم شيئا من ذلك فيها،
وما ذاك إلا لأنهم فهموا أنها مبنية على مقدمات مطوية معلومة لديهم من قاعدة كل
يابس ذكي ونحوه، فيراد حينئذ الأمر بالغسل مع اجتماع شرائط النجاسة، خصوصا
ولم يكن السؤال فيها عن شئ من أمر اليبوسة والرطوبة، بل المراد معرفة حكم ذلك
الحيوان مثلا من جهة نفسه، فالاستدلال بهذه الاطلاقات حينئذ على ذلك إنما هو على
ما لم تسق لبيانه، إلى غير ذلك، على أن المرسل منها مشتمل على الأمر بغسل اليد
من إصابة السباع في الحياة والموت، ولذا جزم بعضهم بحمله على الندب - أنها معارضة

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب غسل المس - الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 0 -
(6) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 0 -
349

بما سمعته سابقا من عموم طهارة اليابس وغيره، وهو وإن كان بالعموم من وجه إلا أنه
يرجح عليه بالاعتضاد بالأصل، والصحيحين (1) وتلك القاعدة، وسكوت الأصحاب
عن الفرق بينه وبين سائر النجاسات، مع استبعاد خفاء مثل هذا الحكم عليهم إلى زمن
العلامة، كاستبعاد وكول بيان الأئمة (عليهم السلام) وإخراجه عما ضربوه من تلك
القاعدة الكلية إلى مثل هذه الاطلاقات التي لا زالوا يستعملونها في بيان نجاسة العين
في الجملة، بل قد يومي تركهم التعرض إلى غسل اليد ونحوها في كثير من الأخبار (2)
المسؤول فيها عن إصابة الميت في حال الحرارة والبرودة إلى عدمه، خصوصا مع إطلاق
في البأس في بعضها بالنسبة للأول، وخصوصا ما اشتمل منها (3) على تقبيل الصادق
(عليه السلام) ولده إسماعيل مع سؤالهم إياه عن ذلك، فقال: " لا بأس به في حال
الحرارة " بل ربما يصل التأمل فيها إلى مرتبة القطع بمعونة قبح تأخير البيان والابهام والاجمال.
ودعوى ترجيح تلك الاطلاقات بما سمعته من النسبة إلى الأصحاب في النهاية،
والمشهور والمعروف من المذهب في غيرها في غاية الوهن، إذ لم نعرف نصا من أحد
من الأصحاب قبل العلامة في ذلك، بل ولا إطلاقا، بل ربما كان سكوتهم عن الفرق
بين نجاسة الميتة وغيرها ظاهرا في المختار.
نعم في المقنعة " وإذا وقع ثوب الانسان على ميت من الناس قبل أن يطهر
بالغسل نسجه، ووجب عليه تطهيره بالماء - إلى أن قال -: وإذا وقع على ميتة من غير
الناس نجسه، ووجب عليه غسله بالماء " إلى آخره. فربما استظهر منه ذلك، وهو كما
ترى لا صراحة فيه بل ولا ظهور، لوقوع كثير من مثل ذلك منهم اعتمادا على مقدمات
معلومة كما لا يخفى على الخبير الممارس.

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب النجاسات - الحديث 5 و 7
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 0 - 2
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب غسل المس - الحديث 0 - 2
350

قلت: ومع ذلك كله فالمتجه بناء على تمسكهم بتلك الاطلاقات عدم الفرق في
حكمية النجاسة وعينيتها بين ما باشر الميت برطوبة وعدمه، ضرورة عدم تعرض في
الأدلة لشئ من ذلك، فالتفصيل بين المباشر بيبوسة فحكمية لا تتعدى إلى غيره،
وبرطوبة فتتعدى مما لا نعرف له وجها، ولذا كان ظاهر المحكي من عبارة نهاية الإحكام
العينية في الجميع، بل نسبه إلى ظاهر الأصحاب، وظاهر السرائر أو صريحها الحكمية في
الجميع، فلا ينجس ما باشر الميت ولو برطوبة غيره وإن كان رطبا، ولعله الظاهر من
جنائز القواعد أيضا.
وإذ قد وقع من بعض الأصحاب إنكار استفادة ذلك من عبارة السرائر أحببنا
أن ننقلها بنفسها، قال فيها: " ويغتسل الغاسل فرضا واجبا إما في الحال أو فيما بعده،
فإن مس مائعا قبل اغتساله وخالطه لا يفسده ولا ينجسه، وكذلك إذا لاقى جسد الميت
من قبل غسله إناء ثم أفرغ في ذلك الإناء قبل غسله مائع، فإنه لا ينجس ذلك المائع
وإن كان الإناء يجب غسله، لأنه لاقى جسد الميت، وليس كذلك المائع الذي يحصل
فيه، لأنه لم يلاق جسد الميت، وحمله على ذلك قياس وتجاوز في الأحكام بغير دليل،
والأصل في الأشياء الطهارة إلى أن يقوم دليل قاطع للعذر، وإن كنا متعبدين بغسل
ما لاقى جسد الميت، لأن هذه نجاسات حكمية وليست عينيات، وأحكام شرعيات،
فنثبتها بحسب الأدلة الشرعية، ولا خلاف أيضا بين الأمة كافة أن المساجد يجب أن
تنزه وتجنب النجاسات العينيات، وقد أجمعنا بلا خلاف بيننا على أن من غسل ميتا
يجلس فيه فضلا عن مروره وجوازه ودخوله إليه، فإن كان نجس العين لما جاز ذلك،
وأدى إلى تناقض الأدلة، وأيضا فإن الماء المستعمل في الطهارة على ضربين: ما استعمل
في الصغرى، والأخرى في الكبرى، والماء المستعمل في الصغرى لا خلاف بيننا
في أنه طاهر مطهر، والماء المستعمل في الطهارة الكبرى الصحيح عند محققي أصحابنا
351

أيضا طاهر مطهر، ومن خالف فيه من أصحابنا قال: هو طاهر يزيل النجاسات
العينيات ولا يرفع به الحكميات فقد اتفقوا جميعا على أنه طاهر، ومن جملة الأغسال
والطهارات الكبار غسل من مس ميتا، فلو نجس ما يلاقيه من المائعات لما كان الماء
الذي قد استعمله في غسله وإزالة حدثه طاهرا بالاتفاق والاجماع الذي أشرنا إليه " انتهى.
وهو صريح فيما حكيناه عنه، نعم لا صراحة فيه في ثبوت ما ذكره من حكمية
النجاسة في ملاقي الميت يابسا وإن كان ظاهره ذلك، لكنه لا يخفى عليك أنه قد اشتمل
على غرائب دعوى ودليلا، خصوصا ما ذكره أخيرا، إذ لا بحث في طهارة ماء غسله
بالضم بعد تطهيره من النجاسة الحاصلة بالملاقاة.
بل وما ذكره أيضا أولا، إذ ليس الحكم بنجاسة المائع الملاقي للإناء للقياس
على الإناء بل لما ذكره المصنف في المعتبر في الرد عليه، ولقد أجاد من أنه لما اجتمع
الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميت، وأجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة
لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع لا للقياس.
كما أنه أجاد في رده عليه فيه بالنسبة إلى باقي ما ادعاه أيضا، ومن هنا رماه
بالضعف تارة، وبالخبط أخرى، إلا أنه قال بعد ذلك: اللهم إلا أن يريد أن الميت
ليس بنجس، وإنما يجب الغسل تعبدا كما هو مذهب الشافعي.
قلت: مع أن كلامه صريح في خلافه قد عرفت فيما مضى حكاية الاجماع من غير
واحد، بل وتحصيله على النجاسة، ولقد أطنب المصنف في مناقشته والازراء عليه بما
لا يسع المقام ذكره مفصلا، بل ولا يحتاج بعد وضوح فساد الدعوى، ولعل صدور
مثل ذلك من الحلي كصدور نظيره من العلامة في خصوص المباشر اليابس، وما سمعته
سابقا من الخلاف في النجاسة وعدمها في حال الحرارة.
352

وكذا إطلاق بعضهم حكمية نجاسة الميت، وأخر العينية، ونحو ذلك هو الذي
ألجأ الصيمري في كشف الالتباس إلى إساءة الأدب مع الأصحاب الذين بهم تمت الحجة
وقامت الشريعة، وإلى ما لا نأمل أن يقع من مثله بالنسبة إليهم، قال فيه: " إعلم أن
نجاسة الميت أشكل مسألة في الشرع، ولقد خبط فيها علماء السنة والشيعة خبط عشواء ".
ثم إنه أطنب في المقال غاية الاطناب، وظن أنه جاء بشئ، والناظر فيه يعلم
أنه عن ذاك بمعزل، وليت شعري ما الذي حداه إلى ذلك هنا، فإن كان تعدد
أقوال الأصحاب فهو أقل قليل بالنظر إلى غير المقام، وإن كان إجمال الأمر عليه حيث
لم يعرف مرادهم بالحكمية والعينية فهو قصور منه لا عيب منهم.
مع أنه صرح غير واحد بما يكشف ذلك، فقال: إن الحكمية قد تطلق ويراد
بها ما لا جرم له من النجاسات كالبول اليابس ونحوه، وقد تطلق ويراد بها ما يكون
المحل الذي قامت به طاهرا لا ينجس الملاقي له، ويحتاج زوال حكمها إلى النية،
وقد تطلق ويراد بها ما يقبل التطهير من النجاسة كبدن الميت، وقد تطلق ويراد
بهاما حكم الشارع بتطهيرها من غير أن يلحقها حكم غيرها من النجاسات العينية،
وتقابلها العينية في الأربعة، فاطلاق الأصحاب حينئذ عليها حكمية تارة، وعينية أخرى
إنما هو باختلاف الجهتين والاعتبارين، أو من جهة اختيار أحد القولين السابقين،
وليس ذلك من التناقض في شئ حتى يلتجئ له إلى هذا التشنيع الشنيع، وكأنه لم
يلحظ إيضاح الفخر أو جامع المقاصد والروض وفوائد القواعد.
وقد عرفت أن الأقوى عندنا أنها حكمية بمعنى قبولها للتطهير واحتياجها إلى
النية، وعينية بمعنى تعدي النجاسة منها إلى ما يلاقيها برطوبة، وكذا ما لاقى ما يلاقيها
كذلك، ولولا مخافة الاطناب لتعرضنا إلى ما يكشف عنه ما توهم من دعوى التناقض
في كلمات الأصحاب، كما أنه لولاه لكشفنا اللثام عن أمور أخر لها نوع تعلق في المقام،
ولعل فيما ذكرنا الكفاية إن شاء الله.
353

* (الخامس الدماء) *
ونجاستها في الجملة إجماعية بين الشيعة بل بين المسلمين، بل هي من ضروريات
هذا الدين، كما أن عدمها فيها في الجملة كذلك، * (و) * لكن البحث في تعيين كل منهما،
ففي المتن * (لا ينجس منها إلا ما كان من حيوان له عرق) * وظاهر كغيره من كثير
من عبارات الأصحاب نجاسة مطلق الخارج وإن لم يكن من العرق نفسه، بل من جلد
ولحم ونحوهما كما هو قضية معقد النسبة إلى مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد في المعتبر على
نجاسة الدم كله قليله وكثيره إلا دم ما لا نفس له سائلة، كنفي الخلاف في التذكرة عن
نجاسته من ذي النفس السائلة وإن كان مأكولا، وما يفهم من الذكرى والروض بعد
التدبر في كلامهما من الاجماع أيضا على نجاسته إذا كان من ذي النفس.
لكن قد يوهم خلاف ذلك جملة من كلمات الأصحاب حيث خصوا النجاسة في
الدم المسفوح منه، ضرورة أخصيته من مطلق الخارج من ذي النفس، إذ المنساق منه
ما انصب من العرق نفسه، بل في الحدائق " أن ذلك معناه لغة، فلا يدخل فيه حينئذ
ما كان في اللحم ونحوه " وفي المنتهى " أن المراد به ما له عرق يخرج منه بقوة ودفع
لا رشحا كالسمك " إلى آخره.
منها ما في الغنية " دم الحيض والاستحاضة والنفاس نجس بلا خلاف، وكذا
الدم المسفوح من غير هذه الثلاثة - إلى أن قال في الاستدلال على طهارة دم السمك بمفهوم
قوله تعالى (1): " قل لا أجد فيما أوحي إلي " إلى آخره -: ودم السمك ليس بمسفوح،
وذلك يقتضي طهارته ".
ومنها ما في المنتهى " قال علماؤنا: الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة
أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس، وهو مذهب علماء الاسلام، - ثم قال في الاستدلال

(1) سورة الأنعام - الآية 146
354

على طهارة دم ما لا نفس له -: بأنه ليس بمسفوح، فلا يكون نجسا، وألحق به الدم المتخلف
في اللحم المذكى إذا لم يقذفه الحيوان لأنه ليس بمسفوح - ثم استدل في خصوص دم
السمك كالمصنف في المعتبر - بأنه لو كان نجسا لتوقف إباحة أكله على سفحه كالحيوان البري ".
ومنها ما في كشف اللثام في شرح قول العلامة: " الرابع الدم من ذي النفس
السائلة مطلقا " قال: " الرابع الدم الخارج من عرق ذي النفس السائلة من العرق مطلقا
مأكولا وغيره بالنصوص وإجماع المسلمين كما في المنتهى " إلى آخره. ثم استدل على
طهارة المتخلف في لحم المذبوح وعرقه بخروجه عن الدم المسفوح، كما أنه في جامع المقاصد
استدل على المتخلف أيضا بأنه لما كان التحريم والنجاسة معا إنما يثبتان في الدم المسفوح،
وهو الذي يخرج عند قطع العروق كان ما سواه مما يبقى بعد الذبح والقذف المعتاد طاهرا
وحلالا أيضا إذا لم يكن جزءا من محرم، سواء بقي في العروق أم في اللحم أم في البطن،
إلى غير ذلك من العبارات التي توهم خلاف ما تقدم.
كاستدلال الحلي في السرائر أيضا على طهارة دم السمك ونحوه بكونه ليس
بمسفوح، وبأنه لو كان نجسا لتوقف حلية أكله على سفح دمه، لنجاسته كسائر ما كان
كذلك من الحيوان، ثم قال: الدم الطاهر هو دم السمك والبراغيث وما ليس بمسفوح،
وقال: أيضا الدم الطاهر على مذهب أهل البيت (عليهم السلام) من غير خلاف يعرف
فيه بينهم دم السمك والبراغيث والبق وما أشبه ذلك مما ليس بمسفوح.
وكتعليل المختلف طهارة المتخلف في الذبيحة بانتفاء المقتضي للتنجيس، وهو
السفح، وقد اعترف في الحدائق بايهام هذا التعليل ذلك كعبارة المنتهى، وقال: إن
قضيتهما طهارة غير المسفوح كدم الشوكة ونحوها من ذي النفس مطلقا، إلا أن الظاهر
من الأصحاب الاتفاق على نجاسته، وفي البحار أنه يتوهم من عبارة بعض الأصحاب
طهارة غير المسفوح، وما له كثرة وانصباب من دم ذي النفس، وهو ضعيف، بل
355

ظاهر الأصحاب الاتفاق على نجاسته، كما أن في المعالم اعترف به أيضا من جملة من
عبارات العلامة، خصوصا المنتهى.
قلت: لكن الأقوى الأول أي نجاسة مطلق دم ذي النفس السائلة، للاجماع
السابق في المعتبر المعتضد بنفي الخلاف في التذكرة الظاهر فيما بين المسلمين، وبصريح
الاجماع أو ظاهره في الذكرى والروض كظاهر البحار والحدائق المؤيد باطلاق أكثر
الفتاوى، سيما بعد النص على طهارة دم السمك والمتخلف ونحوهما، وعدم ذكر أحد منهم
طهارة شئ من دماء ذي النفوس عدا المتخلف، بل يمكن دعوى عدم الخلاف فيه حتى
ممن سمعت، لاحتمال إرادتهم مطلق الخارج من المسفوح كما في المدارك أو يقال: إن
جميع دماء ذي النفس في عروق وإن كانت دقاقا، أو يقال: إن تقييدهم بالمسفوح لاخراج
المتخلف في الذبيحة خاصة لا غيره، خصوصا في عبارات العلامة، ويومي إليه ما حكي عنه
في النهاية أنه قيد بذلك فيها، ولم يزد عند عده المستثنيات من الدم على ما عند الأصحاب.
وإن أبيت عن ذلك كله فقد عرفت أن الأقوى الأول، لما تقدم، وللمستفاد
من المستفيض (1) من الأخبار أو المتواتر من نجاسة مطلق دم الرعاف وما يسيل من
الأنف، بناء على منع لزوم المسفوحية في جميع أفراده.
وخصوصا مفهوم خبر ابن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " في الرجل
يمس أنفه فيرى دما كيف يصنع؟ أينصرف؟ فقال: إن كان يابسا فيرم به ولا بأس "
إذ قد يدعى ظهوره في غير المسفوح.
كصحيح علي بن جعفر (3) عن أخيه (عليهما السلام) " سأله عن الرجل يكون به

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 1 و 8 والباب 21 منها
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب النجاسات - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
356

الثالول أو الجرح هل يصلح له أن يقطع الثالول وهو في صلاته؟ أو ينتف بعض لحمه من
ذلك الجرح ويطرحه؟ فقال: إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، وإن تخوف أن
يسيل الدم فلا يفعله ".
كسؤاله الآخر له أيضا المروي (1) في الفقيه " عن الرجل يحرك بعض أسنانه
وهو في الصلاة بل ينزعه، فقال: إن كان لا يدميه فلينزعه، وإن كان يدمي فلينصرف ".
وأوضح منهما خبر المثنى بن عبد السلام (2) عن الصادق (عليه السلام) " إني
حككت جلدي فخرج منه دم، فقال: إذا اجتمع قدر الحمصة فاغسله، وإلا فلا " إذ
إرادة المسفوح منه بعيدة أو ممتنعة، وذيله مع إمكان حمله على إرادة التقدير للعفو في
الصلاة لا للنجاسة والطهارة لا ينافي الاستدلال بسابقة على المطلوب.
وللمستفاد أيضا من المعتبرة (3) المستفيضة جدا من نجاسة دم القروح والدماميل
ونحوها، إذ دعوى المسفوحية بالمعنى السابق في جميع أفرادها كما ترى.
ولأصالة النجاسة في أنواع الدماء وأصنافها المستفادة من إطلاق قول الصادق
(عليه السلام) في موثقتي عمار (4) بعد أن سئل عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب:
" كل شئ من الطير يتوضأ بما يشرب إلا أن ترى في منقاره دما " ومن ترك
الاستفصال بعد السؤال عن الدم الذي أصاب الثوب ونحوه فنسي أو لم يعلم به وصلى في
الأخبار (5) الكثيرة الخارجة عن حد الاحصاء، كتركه أيضا بعد غير هذا القسم

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب النجاسات - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب النجاسات
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأسئار - الحديث 2 و 4
(5) الوسائل - الباب - 41 و 42 - من أبواب النجاسات
357

من السؤال في أخبار عديدة (1) منها ما تقدم في البئر وماء القليل، ومنها غير ذلك.
لكن لم أعثر في شئ من سائر هذه الأخبار على ما كان الغرض الأصلي من
السؤال عن نجاسة الدم، لمكان تردد السائل في بعض الأفراد حتى يكون ترك الاستفصال
يفيد العموم بالنسبة إلى ذلك، بل ظاهر أكثرها علم السائل بنجاسته، بل لعله المنساق
من إطلاق لفظ الدم، إلا أنه لم يعلم حكم الصلاة به مع الجهل به أو النسيان أو القلة
أو الكثرة مع مشقة التحرز عنه أو نحو ذلك.
كما أني لم أعثر على خبر معتبر من طرقنا حكم فيه بالنجاسة أو لازمها مراد به
بيان حكمها، وموضوعه لفظ الدم ونحوه مما يستفاد منه حكم الطبائع، فضلا عن عموم
لغوي، فاستفادة الأصل المذكور الذي هو العمدة في إثبات النجاسة في كثير من أفراد
هذا القسم من مثل ما تقدم حينئذ لا يخلو من نظر وتأمل، وإن كان هو ظاهر الأستاذ
في شرح المفاتيح، والعلامة الطباطبائي في المنظومة وغيرهما.
وعليه فالمتجه حينئذ استفادته أيضا بالنسبة إلى ما شك في موضوعه، أي لم يعلم
أنه من النجس أو الطاهر، إذ كما ترك الاستفصال في تلك الأخبار عن أنواع
الدماء وأصنافها وأطلق في خبر عمار فعلم عموم حكم النجاسة كذلك ترك أيضا وأطلق
بالنسبة إلى موضوعها، فينبغي أن يعلم ثبوت الحكم بالنجاسة حينئذ حتى ليظهر أنه من
الطاهر، وكذا الكلام في موثقة عمار السابقة وغيرها، بل لم أعرف خبرا اختص به
الأول عن الثاني.
ودعوى ندرة الطاهرة، فلا اشتباه في الموضوع من جهتها، فلا يقدح ترك
الاستفصال عنها حينئذ، بخلاف أنواع الدم ممنوعة، سيما مع معروفية دم البراغيث والبق
والسمك ونحوه في ذلك الزمان، بل يمكن دعوى ظهور بعض الأخبار في الحكم

(1) الوسائل - الباب - 8 و 21 - من أبواب الماء المطلق
358

بالنجاسة مع اشتباه الموضوع لترك الاستفصال وغيره، ولذا كان ظاهر الأستاذ في شرح
المفاتيح التزام أصالة النجاسة في مشتبه الحكم أو الموضوع.
بل قد يدعى ظهور موثقة عمار السابقة في مشتبه الموضوع، لبعد معرفة حال
الدم الذي هو في منقار الطير، كخبر ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " سألته
عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي، قال: لا يؤذنه حتى ينصرف " إلا أنه
قد يقال: لعل النهي فيه عن الاعلام لمكان احتمال طهارة الدم، كالأمر بالاتمام في
خبر داود بن سرحان (2) عن الصادق (عليه السلام) " في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه
دما، قال: يتم ".
نعم قد يستظهر ذلك من خبر ابن أبي يعفور (3) عن الصادق (عليه السلام)
" عن الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر
بعد ما صلى أيعيد صلاته؟ قال: يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم " الحديث.
مع احتمال كون السؤال فيه إنما هو لحكم النسيان، وإلا فنجاسة ذلك معلومة لدى السائل.
ومن هنا حكم في المنتهى والذكرى والدروس والموجز وشرحه والمدارك
والحدائق بالطهارة في الثاني أي مشتبه الموضوع كما عن نهاية الإحكام، بل في الأخير
أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب، للأصل في الملاقي والملاقى بالفتح كما في سائر ما كان
من هذا القبيل.
ودعوى خروج الدم من بينها مع ضعف الاطلاقات فيه وقوتها فيها كما ترى، بل
قد عرفت التأمل في ثبوت الاطلاقات والعمومات بالنسبة للأول أيضا أي مشتبه الحكم،

(1) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب النجاسات - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
359

وإن استند إليها بعضهم في نجاسة العلقة والدم في البيضة ونحوهما، ولقد أجاد كشف اللثام
في منع دعوى العموم على مدعيها.
اللهم إلا أن يستند في أثباتها إلى معقد إجماع المعتبر السابق المؤيد بما عساه يفهم
من خبر السكوني (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " إن عليا (عليه السلام) كان
لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل يعني دم السمك " من
ثبوت البأس في غير ذلك.
وما عساه يفهم من مكاتبة ابن الريان (2) إلى الرجل " هل يجري دم البق مجرى
دم البراغيث؟ وهل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه؟ وأن
يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع (عليه السلام) يجوز الصلاة، والطهر أفضل "
بل قد يظهر منه معروفية النجاسة في سائر الدماء في تلك الأوقات.
ولما رواه في البحار عن دعائم الاسلام (3) عن الباقر والصادق (عليهما السلام)
" أنهما قالا في الدم يصيب الثوب: يغسل كما تغسل النجاسات، ورخصا (عليهما السلام)
في النضح اليسير منه ومن سائر النجاسات مثل دم البراغيث وأشباهه، قالا: فإذا
تفاحش غسل " إلى آخره. من حيث تعليق الحكم فيه على طبيعة الدم.
وبالمروي (4) في كتب الفروع لأصحابنا وإن لم أجده من طرقنا، بل ظني

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب غسل المس - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب غسل المس - الحديث 2 - 3
(3) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(4) بدائع الصنائع للكاشاني ج 1 ص 60 عن عمار بن ياسر " كان يغسل ثوبه من
النخامة فمر عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: ما تصنع يا عمار؟ فأخبره
بذلك فقال (صلى الله عليه وآله) ما نخامتك ودموع عينيك والماء الذي في ركوتك إلا
سواء إنما يغسل الثوب من خمس: بول وغائط وقيئ ومني ودم " ورواه في المستدرك في
الباب 12 من أبواب النجاسات - الحديث 1 ولكنه ما ذكر لفظ القئ والدم
360

أنه عامي، بل ظاهر المنتهى أو صريحه ذلك " إنما يغسل الثوب من البول والمني والدم "
إلى غير ذلك مما يمكن استفادته من الأخبار.
لكن الجميع كما ترى حتى إجماع المعتبر، سيما مع كون مراده منه هنا بقرينة
استثناء ابن الجنيد منه إنما هو الاتفاق، فلا نقل فيه لقول المعصوم (ع)، وربما تأمل في
حجية مثله، فالأظهر حينئذ الاقتصار في النجاسة على دم ذي النفس خاصة، لوضوح
الأدلة فيها من الاجماعات وغيرها، بل ربما يظهر من الآية الشريفة (1) طهارة غير
المسفوح منها باعتبار لزومها لإباحة الأكل المستفادة من المفهوم.
لكن قد عرفت الأدلة السابقة على عموم سائر دم ذي النفس مسفوحة وغيره
الحاكمة على المفهوم من الأخبار، والاجماع الذي لا يقدح فيه ما حكي عن ابن الجنيد
من طهارة ما كان سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الابهام من الدم أو من غيره
من النجاسات، كما يظهر من عبارته المحكية عنه، لضعفه جدا، بل في الذكرى وغيرها
الاجماع على خلافه، كما أنه لم يستثنه بعض من حكى الاجماع أيضا، مع احتمال تنزيل
كلامه على العفو عنه في خصوص الصلاة، سيما بناء على المعروف من حكاية خلافه في
الدم خاصة، فلا يكون حينئذ مخالفا.
ونحوه المحكي عن الصدوق من طهارة مقدار الحمصة، مع احتماله إرادة العفو
أيضا، بل لعله الظاهر منه، وكذا ما تقدم عن الشيخ في باب الأسئار من عدم نجاسة
غير المستبين من الدم وغيره من النجاسات بالنسبة للماء وغيره من أحد الاحتمالات
السابقة هناك، لوضوح ضعفها جميعها وانقراضها، إذ قد استقر المذهب الآن على نجاسة
دم ذي النفس مطلقا وإن قل.
نعم قد عرفت عدم عموم في الأدلة السابقة يستفاد منه أصالة النجاسة في الدماء

(1) سورة الأنعام - الآية 146
361

بحيث يشمل غيره،
فالعلقة أي الدم المستحيل من النطفة يتجه الحكم حينئذ بطهارتها
بناء على منع اندراجها في دم ذي النفس كما في الذكرى وغيرها وإن ادعاه المصنف في
المعتبر، ومجرد تكونها فيه لا يقتضيه.
نعم قد يقوى في النظر النجاسة، للاجماع في الخلاف عليها معتضدا بالمحكي من
فتوى جماعة من الأصحاب، منهم القاضي والحلي والمصنف وابن سعيد والعلامة والآبي
وغيرهم، بل لم أعرف من جزم بالطهارة إلا المحدث في الحدائق، نعم تأمل فيها في
الذكرى وكشف اللثام.
لكنه يدفعه دعوى الشيخ الاجماع، ويندرج في مقعده على الظاهر علقة البيضة
لاطلاقه، واحتمال اختصاصها في المستحيل من نطفة الآدمي كما عساه توهمه عبارة
المعتبر ضعيف.
أما ما يوجد في البيضة من الدم مما ليس بعلقة أو لم يعلم فالمتجه بناء على ما ذكرنا
الطهارة، للأصل مع عدم وضوح المعارض، كما أن المتجه النجاسة في الأول بناء على
أصالتها هنا في مشتبه الحكم من الدم، وفيه مع الثاني إن قلنا بها أيضا في مشتبه الموضوع،
اللهم إلا أن يقال بعدم تناول ما دل عليها لمثل هذه الأفراد، فلا يستلزم حينئذ الحكم
بها القول بالنجاسة هنا.
وكذا البحث في باقي الدماء التي لا ترجع إلى ذي النفس ولم يعلم حكمها بالخصوص
من الشارع كالمخلوق آية لموسى بن عمران (عليه السلام)، والمتكون لقتل سيد شباب
أهل الجنان (عليه السلام) ونحوهما.
أما ما يوجد في بعض الأشجار والنباتات مما هو بلون الدم فليس من الدم وإن
أطلق أهل العرف اشتباها عليه ذلك مع عدم العلم بحاله، وإلا فلو فرض صدق اسم
الدم عرفا عليه بعد العلم بحاله احتمل جريان البحث السابق فيه أيضا.
362

نعم هو * (لا) * يجري في دم * (ما) * لا عرق له من الحيوان بل * (يكون) * خروج
دمه * (رشحا كدم السمك) * وشبهه للاجماع محصلا ومنقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا
على طهارته، خصوصا في السمك، وللأصل، وطهارة الميتة منه، ولخبر السكوني (1)
ومكاتبة ابن الريان (2) السابقين، وغيرهما من النصوص المتمم دلالتها على تمام المطلوب
بعدم القول بالفصل، كالعسر والحرج والسيرة المستمرة وفحوى إباحة الأكل للسمك ونحوه.
فما عساه يظهر من المراسم والوسيلة كما عن المبسوط والجمل من النجاسة في هذه
الدماء إلا أنه لا يجب إزالة قليلها وكثيرها محجوج بجميع ما عرفت أو مؤل.
وفي حكم هذا الدم بالطهارة الدم المتخلف في الذبيحة من مأكول اللحم بلا خلاف
أجده فيه، كما اعترف به جماعة منهم المجلسي في البحار، وتلميذه في كشف اللثام، بل
ظاهرهما كغيرهما دعوى الاجماع عليه، بل في المختلف وكنز العرفان والحدائق وعن
آيات الجواد دعواه صريحا، لكن معقده في الأول المتخلف في عروق الحيوان،
والثاني بل الثالث في تضاعيف اللحم، والأولى تعميم الحكم لهما عملا بهما معا،
كما هو صريح معقد نفي خلاف كشف اللثام وظاهر سابقه، بل ولغيرهما كالبطن وغيرها
عدا الجزء المحرم كالطحال، كما هو معقد ما في شرح الدروس من إجماع الأصحاب
ظاهرا على طهارة ذلك كله.
وأما الطحال فقد صرح في جامع المقاصد والروض بنجاسة دمه، لعموم أدلتها
من ذي النفس، ولحرمة أكله، وفيه تأمل، لوجوب الخروج عن الأول بما عساه يظهر
بالتأمل في كلمات الأصحاب من الاتفاق على طهارة ما عدا المسفوح من دم الذبيحة،
وعلى أنه لو غسل المذبح أو أنه قطع من أسفل بعد الذبح لم يبق فيها شئ نجس أصلا،
وقول بعض الأصحاب المتخلف في اللحم يريد المثال أو ما يشمل الطحال، وإلا فلا

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 - 3
363

ريب في طهارة دم الكبد ونحوه، وحرمة الأكل لا تستلزم النجاسة قطعا.
ودعوى أن العلة في طهارة المتخلف إنما هو إباحة الأكل المستلزمة لإباحته ممنوعة،
فلا يبعد القول بالطهارة فيه حينئذ كسائر الأجزاء المأكولة، بل الظاهر شمول بعض
معاقد الاجماعات السابقة له.
وكيف كان فالحجة على طهارة المتخلف في غير المحرم ما عرفته من الاجماع المعتضد
بما سمعت، مضافا إلى المستفاد من مفهوم قوله تعالى (1): " مسفوحا " من إباحة الأكل
اللازمة للطهارة، والعسر والحرج والسيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار على
أكل اللحم مع عدم انفكاكه عن الدم، كفحوى ما دل على إباحة أكل الذبيحة.
وبذلك كله يخص أو يقيد ما دل على نجاسة الدم من ذي النفس، فكان على
المصنف استثناؤه منه، ولعله تركه لمعلوميته، بل ينبغي القطع بذلك، فليس إطلاقه
حينئذ خلافا، كالمحكي عن أبي علي وانتصار السيد وجمل الشيخ ومبسوطه ومراسم سلار
من إطلاقهم نجاسة الدم عدا ما لا نفس له سائلة، أو يقال كما عساه يظهر من جماعة: إن
مرادهم من الدم المحكوم بنجاسته من ذي النفس إنما هو المسفوح دون غيره، فلا حاجة
حينئذ إلى استثنائه.
ومن هنا تمسك بعضهم في طهارة المتخلف بالأصل، لكنك قد عرفت سابقا
ما فيه، وأن الأدلة عامة لسائر دم ذي النفس، فلا بد حينئذ من استثناء خصوص هذا
الدم من تلك العمومات، بل لا بد من الاقتصار على المتيقن منه، وهو المتخلف بعد
خروج تمام المعتاد مما يقذفه المذبوح لا مع عدمه، كالمذبوح مثلا في أرض منحدرة
ورأسه أعلى فلم يقذف، أو الجاذب بأنفه من الدم المسفوح زيادة على المعتاد فإن هذا
المتخلف خاصة نجس، لعموم الأدلة السابقة من غير فرق بين تخلفه في البطن أو غيرها،

(1) سورة الأنعام الآية - 146
364

لا غيره من الكائن في اللحم ونحوه مما لم يكن من شأنه أن يقذف، نعم هو يتنجس
باختلاطه معه، كما أنه يتنجس بمباشرة آلة المسفوح أو يد الذابح قبل غسلهما مثلا.
والمراد بالذبيحة في معقد الاجماعات مطلق المذكاة تذكية شرعية قطعا من غير
فرق بين الذبح والنحر وغيرهما، بل لا يبعد إلحاق ما حكم الشارع بتذكيته بذكاة أمه،
فيعفى حينئذ عن جميع ما فيه من الدم على إشكال، نعم لو فقد بعض ما يعتبر في التذكية
شرعا من إسلام وبلوغ ونحوهما دخلت في الميتة، ونجس سائر دمها، لعموم الأدلة،
إذ ليس المدار على مجرد خروج الدم المسفوح، كما هو واضح.
هذا كله فيما يعتاد تذكيته من مأكول اللحم، ونحوه ما لم يعتد منه على الظاهر،
أما ما يذكى من غير المأكول ففي البحار وشرح الخوانساري والحدائق وشرح الأستاذ
للمفاتيح أن ظاهر الأصحاب نجاسة دمه مطلقا كما عن الذخيرة وموضعين من الكفاية،
وكأنهم أخذوه من إطلاق الأصحاب نجاسة دم ذي النفس مع تنزيل ما استثنوه من
دم الذبيحة على المتبادر منها، وهو المأكول، بل مطاوي كلماتهم كالصريحة بذلك،
فيبقى حينئذ ما دل على النجاسة لا معارض له.
قلت: إن تم إجماعا كان هو الحجة، وإلا كان للنظر فيه مجال، لظهور مساواة
التذكية فيه لها في المأكول بالنسبة إلى سائر أحكامها عدا حرمة الأكل، ولفحوى ما دل
على طهارته بالتذكية، بل لعل ذلك شامل لجميع أجزائه التي منها الدم عدا ما خرج،
وللعسر والحرج في التحرز عنه إذا أريد أخذ جلده أو الانتفاع بلحمه في غير الأكل،
بل لا يمكن استخلاص اللحم منه القاضي بعدم الفائدة للحكم بطهارته.
ولعله لذا حكى في المعالم أنه تردد في حكمه بعض من عاصرناه من مشائخنا، وإن
كان ما حكى عنه من منشأ التردد ضعيفا، حيث جعله من إطلاق الأصحاب الحكم
بنجاسة دم ذي النفس، ومن ظاهر قوله تعالى: " أو دما مسفوحا " لاقتضائه حلية
365

غير المسفوح المستلزم للطهارة، إذ هو مبني على جواز أكل دم غير المأكول حتى يستلزم
الطهارة، وهو ممنوع.
بل ربما ظهر من بعضهم دعوى الاجماع عليه، ويؤيده استبعاد حرمة أكل
اللحم منه مع جواز أكل الدم، بل قد يقال: إن ما دل على حرمة الحيوان شامل لجميع
أجزائه التي منها الدم، فالأول جعل منشأ التردد ما ذكرنا مع زيادة منع ظهور استثناء
الأصحاب للمتخلف في المأكول خاصة، سيما من عبر بلفظ المذبوح كالقواعد والموجز
والبيان وغيرها، على أنه لو أريد بالذبيحة في كلامهم خصوص المأكول لكونه المعهود
لوجب إرادة خصوص ما تعارف أكله، لا مثل الخيل والحمير.
ومن هنا كان صريح كشف اللثام القول بالطهارة، بل يظهر منه شمول الاطلاق
له، كما أن الظاهر من العلامة الطباطبائي في منظومته ذلك أيضا، قال:
والدم في المأكول بعد قذف ما * يقذف طهر قد أحل في الدماء
والأقرب التطهير فيما يحرم * من المذكى، وعليه المعظم
انتهى والله أعلم.
* (السادس والسابع الكلب والخنزير) *
البريان * (وهما نجسان عينا ولعابا) * لا يقبلان التطهير إلا بالخروج عن مسماهما
كما هو الأصل في كل موضوع كان مدار النجاسة فيه مسمى الاسم، للنصوص
المستفيضة (1) وفيها الصحيح وغيره، والقسم بالله أن الكلب نجس، وللإجماع المحصل،
بل ضرورة المذهب، والمنقول في الخلاف وعن غيره على الكلب، كما أنه نفي الخلاف
عن نجاسة الثاني فيه أيضا، كالاجماع في الذكرى والمدارك على نجاسة عينهما ولعابهما،
وفي المنتهى والتذكرة وكشف اللثام على نجاستهما، وفي المعتبر على وجوب غسل ثوب

(1) الوسائل - الباب - 12 - و 13 - من أبواب النجاسات
366

لاقاهما رطبا، ولقوله تعالى (1): " فإنه رجس " سواء جعل الضمير فيه للخنزير أو لحمه،
نعم قد يتأمل في استفادة النجاسة من لفظ الرجس، وهو ضعيف هنا، إلى غير ذلك.
وما عن الصدوق من الاكتفاء برش ما أصابه كلب الصيد برطوبة ليس خلافا
فيما نحن فيه، كما أنه لا ينافيه صحيح علي بن جعفر (2) عن أخيه (عليهما السلام) قال:
" سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في الصلاة كيف يصنع؟
قال: إن كان دخل في صلاته فليمض، وإن لم يكن في صلاته فلينضح ما أصاب ثوبه
إلا أن يكون فيه أثر فيغسله " لوجوب حمل الإصابة فيه عليها مع اليبوسة كما يشعر به
الاستثناء، فإنه لا يتغير الملاقي حينئذ عن حكمه كما في سائر النجاسات إجماعا فيما عدا
ملاقي الميتة في كشف اللثام وعن الذخيرة والدلائل، للأصل والنصوص، بل قد يشعر
الاستثناء في هذا الصحيح بعدم وجوب الغسل في النداوة غير المؤثرة، وهو كذلك
في سائر النجاسات أيضا، وبه صرح الطباطبائي في منظومته للأصل وغيره، وسيأتي
تمام الكلام فيه إن شاء الله.
وأما قول الصادق (عليه السلام) (3): " نعم " جواب سؤال ابن مسكان له في
الصحيح عن الوضوء بما ولغ الكلب فيه أيتوضأ منه أو يغتسل؟ فمحمول على الكثير
من الماء أو غير ذلك، كقوله (4): " لا بأس " جواب سؤال زرارة له عن جلد الخنزير
يجعل دلوا يستقى به، فيراد به بالنسبة إلى سقي البساتين ونحوها، أو يحمل على التقية
كما قيل، ولعله أولى، لمنافاة الأول لما دل (5) على عدم استعمال الميتة والانتفاع بها.

(1) سورة الأنعام - الآية 146
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب الأسئار - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب الأطعمة المحرمة
367

وكلب الماء وخنزيره لا يدخل في إطلاق الكلب نصل وفتوى، كما لا يدخل
مضاف الماء في إطلاقه، فأصالة الطهارة وعموماتها لا معارض لها، مع أنها مؤيدة في
خصوص الأول بالسيرة على استعمال جلده وشعره، وبما قيل: إنه الخز، بل قطع به
بعض المحصلين ممن عاصرناه مستشهدا عليه بصحيح ابن الحجاج (1) وغيره (2) ويأتي
تحقيق الحال فيه إن شاء الله.
فما عن ابن إدريس من تفرده بالقول بنجاسة كلب الماء للاطلاق، وربما يلزمه
القول بها في الخنزير ضعيف جدا، حتى لو سلم له أنه ليس الخز، وأن لفظ الكلب من
المتواطئ كما حكى عن الأكثر في الحدائق والأشهر في الرياض، وإن كنا لم نتحقق
ما حكياه، لظهور انصرافه إلى المعهود المتعارف، أما لو قلنا بالاشتراك اللفظي كما عن
المنتهى، أو بكونه مجازا كما في ظاهر التذكرة وعن صريح التحرير ونهاية الإحكام،
بل هو الأصح إن أراد ذلك بالنظر إلى إطلاقه لا إضافته كالماء كما سمعت فهو سيما
الثاني أشد ضعفا، لتوقفه - بعد تسليم جواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، أو المشترك
في معنييه، إذ الفرض معلومية البري، أو كان من باب عموم المجاز والاشتراك - على
القرينة، وليس، بل هي على خلاف ذلك موجودة، فلا ينبغي الاشكال حينئذ في
الطهارة، فما في البيان من الحكم بها في وجه في غير محله.
* (ولو نزا كلب) * أو خنزير * (على حيوان) * طاهر أو نجس * (فأولده روعي
في إلحاقه بأحكامه) * من الولوغ ونزح البئر ونحوهما * (إطلاق الاسم) * لتعليقها عليه،
فإن لم يصدق بأن اندرج في مسمى اسم آخر أو لم يندرج انتفت عنه، وثبت له أحكام
ذلك المسمى، لشمول أدلته له، أو الطهارة مع فرض عدم الاندراج، للأصل والعموم،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباب المصلي - الحديث 1 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباب المصلي - الحديث 1 - 0 -
368

بل وكذا الحكم في المتولد بين الكلبين والخنزيرين أو الطاهرين، وفاقا لصريح كشفي
اللثام والغطاء وظاهر المدارك.
وخلافا لجماعة منهم الشهيدان والمحقق الثاني، فحكموا بنجاسة المتولد بين النجسين
مطلقا، لكونه جزءا منهما، فهو حقيقة منهما وإن اختلفت صورته.
وفيه مع منافاته الأصول وإطلاق الأدلة أنه لا حكم لتلك الجزئية بعد الاستحالة،
فهو كغيره من المستحيل من نجس العين، كما أنه لا حكم لها وإن تولد من الطاهرين
واندرج تحت اسم النجس مثلا، ودعوى أن ذلك اختلاف في الصورة دون الحقيقة
يدفعها فرض المسألة في خلافه كالهرة المتولدة من الكلبين ونحوها، كدعوى الشك في
شمول إطلاق اسم غير ما تولدت منه، إذ الفرض أيضا كما عرفت تحقق الصدق وإن
ندر الوجود، * (وما عداهما) * أي الكلب والخنزير * (فليس بنجس،) *
(وفي) نجاسة خصوص كل من * (الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة) * عينا كالكلب وإن لم نقل بها
في المسوخ، وطهارته * (تردد) * من الأصل والعمومات وصحيح الفضل (1) " سألت
الصادق (عليه السلام) عن فضل الهرة والشاة والبقرة والحمار والخيل والبغال والوحش
والسباع فلم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس به، حتى انتهيت إلى الكلب "
إلى آخره. خصوصا إن قلنا بشمول لفظ الوحش للأولين، وما دل (2) على قبول
الأول للتذكية، بل والثاني أيضا، بناء على أنه من السباع، لمعلومية عدم وقوعها
على نجس العين.
وقول الصادق (عليه السلام) (3): " لا بأس بأكله " جواب سؤال سعيد

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 1
369

الأعرج في الصحيح عن الفأرة تقع في السمن والزيت ثم تخرج منه حيا، كقوله (عليه
السلام) أيضا في صحيح إسحاق بن عمار (1): " إن أبا جعفر (عليه السلام) كان
يقول: لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن تشرب منه وتتوضأ " كخبر
أبي البختري المروي عن قرب الإسناد (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام)
" إن عليا (عليه السلام) قال: لا بأس بسؤر الفأرة أن تشرب منه وتتوضأ ".
وقول الكاظم (عليه السلام) (3) جواب سؤال أخيه علي في الصحيح " عن
العظاية والحية والوزغ يقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منها للصلاة؟ قال: لا بأس، وسألته
عن فأرة وقعت في حب دهن فأخرجت منه قبل أن تموت أنبيعه من مسلم؟ قال: نعم
وتدهن منه " إلى غير ذلك من الأخبار، والعسر والحرج في التجنب عن الأخيرين
خصوصا الثالث.
وما سمعته سابقا مما دل على طهارة ميتة غير ذي النفس ومنه الوزغ من الاجماع
وغيره، بل قد عرفت هناك ما يشهد للطهارة من غير هذه الجهة، كما أنه تقدم في باب
الأسئار والبئر ما هو كذلك، فلاحظ وتأمل.
ومن مرسل يونس (4) عن الصادق (عليه السلام) قال: " سألته هل يجوز
أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال: لا يضره ولكن
يغسل يده ".
وصحيح علي بن جعفر (5) عن أخيه (عليهما السلام) " سألته عن الفأرة الرطبة
قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أيصلى فيها؟ قال: اغسل ما رأيت من أثرها،

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأسئار - الحديث 2 - 8 - 1
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأسئار - الحديث 2 - 8 - 1
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الأسئار - الحديث 2 - 8 - 1
(4) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب النجاسات - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب النجاسات - الحديث 2
370

وما لم تره فانضحه بالماء " كصحيحه الآخر عنه (عليه السلام) (1) أيضا " عن الفأرة
والكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أيؤكل؟ قال: يترك ما شماه، ويؤكل ما بقي "
ونحوه خبره الآخر عنه (عليه السلام) المروي عن قرب الإسناد (2).
وخبر عمار الساباطي (3) عن الصادق (عليه السلام) مع زيادة السؤال في الثاني
" عن العظاية تقع في اللبن، قال: إن فيها السم " كقوله (عليه السلام) أيضا في خبر
هارون الغنوي (4) بعد أن سأله " عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج
هل يشرب من ذلك الإناء ويتوضأ؟ قال: يسكب منه ثلاث مرات، وقليله وكثيره
بمنزلة واحدة، ثم يشرب منه ويتوضأ منه غير الوزغ، فإنه لا ينتفع منه " إلى غير ذلك
كالأمر بنزح ثلاث دلاء للفأرة والوزغة في خبر معاوية بن عمار (5) وباهراق ما وقع
فيه الوزغ والفأرة من الماء في الرضوي (6) مضافا إلى الاجماع في الغنية على نجاسة أولي الأربعة.
لكن ومع ذلك فالأشهر * (والأظهر الطهارة) * بل هو الذي استقر عليه
المذهب من زمن الحلي إلى يومنا، بل لعل المخالف قبل ذلك أيضا نادر، فإن المرتضى
وإن حكي عنه في موضع من المصباح ما يقضي بنجاسة الأرنب لكنه في موضع آخر منه
قال: " لا بأس بأسآر جميع حشرات الأرض وسباع ذوات الأربع إلا أن يكون كلبا
أو خنزيرا " فقد يكون مراده بالأول حكاية قول غيره أو خصوص الميت منه ولو لعدم
قبوله التذكية عنده بقرينة ذكره ذلك في خصوص الجلود.

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 2
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 36 من أبواب النجاسات - الحديث 2 وذيله
في الباب 46 من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 5 - 2
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب الماء المطلق - الحديث 5 - 2
(6) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب الأسئار - الحديث 2 و 3
371

وعن الصدوق وإن حكي عنه في موضع من الفقيه والمقنع الفتوى بمضمون صحيح
علي بن جعفر (عليهما السلام) في الفأرة الرطبة، لكنه في موضع آخر منهما قال: " إن
وقعت فأرة في حب دهن فأخرجت قبل أن تموت فلا بأس بأن يدهن منه، ويباع
من مسلم " فلعله يريد بالأول الندب أو الوجوب تعبدا في خصوص ذلك لا للنجاسة.
والشيخ وإن حكي عنه في موضع من المبسوط والنهاية " أن الأربعة كالكلب في
وجوب غسل ما مسته برطوبة، ورش ما مسته بيبوسة " لكنه في موضع آخر من الأول
" إنه يكره ما مات فيه الوزغ والعقرب " ومن الثاني " إنه لا بأس بما شربت منه فأرة "
فقد يريد من الأول حينئذ الندب أو خصوص ذلك تعبدا كما سمعت سابقا في الأسئار
القول بوجوب اجتناب سؤر بعض الحيوان وإن كان ذلك الحيوان طاهرا، لكن عن
كشف الرموز " أن الشيخ نص في موضع من التهذيب على نجاسة كل ما لا يؤكل لحمه،
واستثنى في الاستبصار ما لم يمكن التحرز منه " انتهى. وهو غريب، إلا أني لم أحد
ذلك في الكشف، فلعل الناقل عنه اشتبه بكراهة الاستعمال.
وابن حمزة في الوسيلة وإن قال في موضع منها في خصوص الوزغ نحو ما سمعته
من المبسوط والنهاية أولا، بل في آخر عنه استثناؤه من طهارة ميتة غير ذي النفس،
لكنه صرح في موضع آخر منها بكراهة استعمال ما باشره.
ولعله لذلك كله نفي الخلاف بيننا في السرائر عن طهارة سؤر الفأرة والسباع
وسؤرها، وحكى الاجماع على طهارة ميتة غير ذي النفس، ومنه الوزغ المستلزمة لها في
حال الحياة بالأولى بعد أن حكى عن بعض أصحابنا في كتاب له ما ينافي ذلك كله،
وكأنه أراد ابن حمزة بقرينة ما نقله من العبارة.
قلت: كأنه لم يلاحظ أو لم يعبأ بما في الغنية وعن أبي الصلاح والمقنعة في باب
لباس المصلي ومكانه منها من النص على نجاسة الثعلب والأرنب، بل في الأول الاجماع
372

عليه، كما عن القاضي من إيجاب غسل ما أصابهما والوزغة، وعن المراسم أن الفأرة
والوزغة كالكلب والخنزير في رش ما مساه بيبوسة، كالمقنعة مع زيادة وغسل ما مساه
برطوبة، مضافا إلى ما تقدم.
لكن لا يخفى عليك ضعف الجميع بعد ظهور مستنده مما سمعت، إذ هو - مع
قصور أكثره سندا، وجميعه دلالة، واقتضاء العمل بظاهر بعضه - خلاف المجمع عليه
معارض بما هو أقوى منه مما عرفت من وجوه عديدة، واحتمال ترجيحه باجماع الغنية
بعد موهونيته بمصير المتأخرين إلى خلافه بل وبعض المتقدمين مع عدم الصراحة بالنجاسة
في كلام جماعة منهم لا يصغى إليه، فالمتعين حينئذ حمل الأمر فيه على الندب أو التقية في
البعض، والنهي على الكراهة، وقد مر في الأسئار وبحث الميتة وغيرهما ما له نفع تام
في المقام، والله أعلم.
إلى هنا تم الجزء الخامس من كتاب جواهر الكلام
وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته
بالنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم
المصنف قدس روحه الشريف
ويتلوه الجزء السادس
في بقية النجاسات
عباس القوچاني
373