الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ١٩
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٥ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء التاسع عشر
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
* نام كتاب: جواهر الكلام
* تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي
* ناشر: دار الكتب الاسلامية
* تيراژ: 1500 جلد
* نوبت چاپ: دوم
چاپ از: چاپخانة خورشيد
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(القول في الوقوف بعرفات)
أي الكون فيها، ولكن تعارف التعبير بذلك لأنه أفضل أفراده
(و) على كل حال فتمام الكلام فيه يكون ب‍ (النظر في مقدمته وكيفيته ولواحقه
أما المقدمة فيستحب للمتمتع) وغيره (أن يخرج إلى عرفات يوم التروية) على
معنى خروجه إلى منى ثم إلى عرفات يوم عرفة بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف
اللثام يستحب للحاج اتفاقا بعد الاحرام يوم التروية الخروج إلى منى من مكة،
ويدل عليه مضافا إلى ذلك ما تسمعه من النصوص أيضا، وأما استحباب الاحرام
فيه للمتمتع على معنى مرجوحية ما قبله بالنسبة إليه ففي المبسوط والاقتصاد والجمل
والعقود والغنية والمهذب والجامع وغيرها على ما حكي عن بعضها التصريح به، بل لا
أجد فيه خلافا كما عن المنتهى الاعتراف به، بل عن التذكرة الاجماع على استحباب
كونه يوم التروية، بل في المسالك أنه موضع وفاق بين المسلمين، ولعله على معنى
جوازه قبله، لما سمعته سابقا من أن له الاحرام بالحج عند الفراق من متعته إلى أن
يتضيق عليه وقوف عرفات كما عرفت الكلام فيه مفصلا، نعم عن ابن حمزة وجوب
كونه يوم التروية إذا أمكنه بمعنى عدم جواز تأخيره عنه اختيارا، ولعله لظاهر الأمر
2

في حسن معاوية (1) " إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك
وادخل المسجد حافيا وعليك السكينة والوقار وصل ركعتين عند مقام إبراهيم أو
في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك
كما قلت حين أحرمت من مسجد الشجرة، وأحرم بالحج وعليك السكينة والوقار
" المحمول على الندب قطعا، ضرورة عدم وجوب الوقت فيه عنده، مضافا إلى
إرادة الندب في أكثر الأوامر فيه، وإلى ما في الحدائق من رده بما في حديث
أبي الحسن عليه السلام (2) " أنه دخل ليلة عرفة معتمرا فأتى بأفعال العمرة وأحل
وجامع بعض جواريه ثم أهل بالحج وخرج إلى منى " وبمرسل أبي نصر (3) المنجبر
بما عرفت عن أبي الحسن عليه السلام أيضا في حديث قال فيه: " وموسع للرجل أن
يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية إلى أن يصبح حيث يعلم أنه لا يفوته
الموقف " وصحيح ابن يقطين (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوقت الذي يريد
أن يتقدم فيه إلى منى الذي ليس له وقت أول منه قال: إذا زالت الشمس، وعن
الذي يريد أن يتخلف بمكة عشية التروية إلى أي ساعة يسعه أن يتخلف فقال:
ذلك موسع له حتى يصبح بمنى " إلى أن قال: فإن هذه الأخبار ظاهرة في رد ابن
حمزة، وإن كان قد يناقش بظهور أولها في الاضطرار، وخلو الأخيرين عن ذكر
الاحرام، إذ يمكن وقوع الاحرام فيه ثم تأخير الخروج إلى الليل ونحوه، فالعمدة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب التقصير الحديث 1
(3) ذكره الشيخ (قده) في ذيل مرسلة ابن أبي نصر المروي في التهذيب
ج 5 ص 176 الرقم 590 والظاهر أنه من كلام الشيخ
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب احرام الحج الحديث 1
3

حينئذ في رده ما عرفت.
إنما الكلام فيما ذكره المصنف من قوله: (بعد أن يصلي الظهرين) إذا
كان المراد استحباب ايقاعه الاحرام بعدهما وفاقا للمهذب والوسيلة والتذكرة
والمنتهى والمختلف والدروس وموضعين من المبسوط وموضع من النهاية على
ما حكي عن بعضها، بل عن علي بن بابويه التصريح بأن الأفضل ايقاعه بعد العصر
المجموعة إلى الظهر فإنا لا نجد له دليلا واضحا، نعم عن المختلف الاستدلال له
بأن مسجد الحرام أفضل من غيره، والمستحب ايقاع الاحرام بعد فريضة،
فاستحب ايقاع الفريضتين فيه، وعن التذكرة والمنتهى بحسن معاوية (1) السابق
إلا أنهما كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء الأول منهما استحباب الايقاع بعدهما
ولا الثاني، بل لعل ظاهر المكتوبة فيه الظهر، ولعله لذا قال في القواعد بعد أن
يصلي الظهر، كما عن الهداية والمقنع والمقنعة والمصباح ومختصره والسرائر والجامع
وموضع من النهاية والمبسوط وعن الفقيه وقته في دبر الظهر، وإن شئت في دبر
العصر، مؤيدا بعموم الأخبار باستحباب ايقاعه عقيب فريضة، بل يمكن إرادة
المصنف هنا وفي النافع ما عن الاقتصاد من أنه لا يخرج إلى منى حتى يصليهما بمكة
وإن أوقع الاحرام بعد الظهر منهما، كما أن ما سمعته من النصوص السابقة ظاهر
فيه أيضا، كصحيح الحلبي ومعاوية (2) عن الصادق عليه السلام " لا يضرك بليل أحرمت
أو نهار إلا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس " وفي دعائم الاسلام (3) " روينا
عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: يخرج الناس إلى منى من مكة يوم

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الاحرام الحديث 1
(3) المستدرك الباب 2 من أبواب احرام الحج الحديث 1
4

التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، وأفضل ذلك بعد صلاة الظهر، ولهم
أن يخرجوا غدوة وعشية إلى الليل، ولا بأس أن يخرجوا قبل يوم التروية "
وفيه (1) عنه عليه السلام أيضا أنه قال: " في المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا كان يوم
التروية اغتسل ولبس ثوبي احرامه وأتى المسجد حافيا، فطاف أسبوعا إن شاء
وصلى ركعتين ثم جلس حتى يصلي الظهر كما أحرم من الميقات، وإذا صار إلى
الرقطاء دون الردم أهل بالتلبية، وأهل مكة كذلك يحرمون للحج من مكة،
وكذلك من أقام بها من غير أهلها "
وعلى كل حال هو غير المحكي عن السيد من أنه إذا كان يوم التروية فليغتسل
ولينشئ الاحرام من المسجد ويلبي ثم يمضي إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر
والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، ضرورة ظهوره في ايقاعه قبلهما مطلقا، ولعله
لنحو قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية أو صحيحه (2): " إذا انتهيت إلى منى
فقل: اللهم هذه منى، وهي مما مننت بها علينا من المناسك، فأسألك أن تمن علي
بما مننت به على أنبيائك، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك، ثم تصلي بها الظهر والعصر
والمغرب والغشاء الآخرة والفجر، والإمام يصلي بها الظهر، لا يسعه إلا ذلك،
وموسع لك أن تصلي بغيرها إن لم تقدر " وفي خبر عمر بن يزيد (3) " وصل
الظهر إن قدرت بمنى " وفي خبر أبي بصير (4) " وإن قدرت أن يكون رواحك
إلى منى زوال الشمس وإلا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية " لكن الظاهر هو

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 6 من أبواب احرام الحج الحديث
2 وذيله في الباب 4 منها الحديث 5
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب احرام الحج الحديث 3 - 2
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب احرام الحج الحديث 3 - 2
5

ما عن الشيخ وغيره من الجمع بينها وبين غيرها بالفرق بين الإمام وغيره، كما قال
الصادق عليه السلام في صحيح جميل (1): " على الإمام أن يصلي الظهر بمنى ثم يبيت
بها ويصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج " وفي صحيحه الآخر (2) " ينبغي
للإمام أن يصلي الظهر من يوم التروية بمنى، ثم يبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس
ثم يخرج " وفي صحيح معاوية (3): " على الإمام أن يصلي الظهر يوم التروية
بمسجد الخيف ويصلي الظهر يوم النفر بمسجد الحرام " وأحدهما (عليهما السلام)
في صحيح ابن مسلم (4) " لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى
ويبيت بها إلى طلوع الشمس " وسأل ابن مسلم أيضا في الصحيح (5) أبا جعفر عليه السلام
" هل صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الظهر بمنى يوم التروية؟ قال: نعم والغداة بمنى يوم
عرفة " بل عن الشيخ منهم في التهذيب وظاهر النهاية والمبسوط لا يجوز للإمام
غير ذلك، بل مال إليه في الحدائق لظاهر النصوص المزبورة، ولكن حمله في
المنتهى على شدة الاستحباب، ولا بأس به، خصوصا بعد إشعار لفظ " لا ينبغي "
ونحوه به، وبعد الاجماع على الظاهر ممن عداه على عدمه، وأما غير الإمام فقد
ذكر غير واحد أنه مخير، وأنه يستحب له الاحرام بعد الظهر، ولعله لما سمعته
من النصوص، لكن في الرياض أنه بعد الظهرين أحوط، لقوة احتمال ورود
الأخبار الأخيرة للتقية، فقد نقل القول بمضمونها عن العامة، مضافا إلى اعتضاد
الأول بما مر، وبما استدل به له في المختلف بأن المسجد الحرام أفضل من غيره،
فاستحب إيقاع الفريضتين فيه، ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما
ذكرناه، وكأنه أشار بالاحتياط إلى مسألة التطوع وقت الفريضة باعتبار استحباب

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب احرام الحج الحديث - 6 - 2 - 3 - 1 - 4
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب احرام الحج الحديث - 6 - 2 - 3 - 1 - 4
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب احرام الحج الحديث - 6 - 2 - 3 - 1 - 4
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب احرام الحج الحديث - 6 - 2 - 3 - 1 - 4
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب احرام الحج الحديث - 6 - 2 - 3 - 1 - 4
6

صلاة الاحرام ستا أو أربعا أو اثنتين كما عرفته سابقا، ولكن ذلك لا يعارض
الدليل بالخصوص، مع أن الأقوى خلافه.
والمراد بالإمام أمير الحاج كما صرح به غير واحد، فإنه الذي ينبغي أن
يتقدمهم إلى المنزل فيتبعوه ويجتمعوا إليه ويتأخر عنهم في الرحيل منه، وفي خبر
حفص المؤذن (1) قال: " حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومائة فسقط
أبو عبد الله عليه السلام عن بغلته، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: سر فإن الإمام لا يقف "
كما أن المراد من يوم التروية هو ثامن ذي الحجة، وفي خبر عبيد الله بن علي
الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام المروي عن العلل والمحاسن سأله " لم سمي يوم
التروية؟ فقال: لأنه لم يكن بعرفات ماء وكانوا يستقون من مكة من الماء ريهم،
وكان بعضهم يقول لبعض: ترويتم ترويتم فسمي يوم التروية لذلك " وفي حسن
معاوية أو صحيحه (3) " سميت التروية لأن جبرئيل عليه السلام أتى إبراهيم عليه السلام
يوم التروية فقال: يا إبراهيم ارو من الماء لك ولأهلك، ولم يكن بين مكة
وعرفات ماء، ثم مضى إلى الموقف فقال: قف واعرف مناسكك، فلذلك سميت
عرفة، ثم قال: ازدلف إلى المشعر الحرام فسميت مزدلفة " وفي خبر أبي بصير (4)
" أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما السلام) يذكران أنه لما كان يوم التروية
قال جبرئيل عليه السلام لإبراهيم عليه السلام: ترو من الماء فسميت التروية " الحديث. وفي
المنتهى عن الجمهور أن إبراهيم (عليه السلام) رأى في تلك الليلة ذبح الولد

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(2) علل الشرائع ج 2 ص 120 الباب 171 الحديث 1
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب إحرام الحج الحديث 13
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 23
7

فأصبح يروي نفسه أهو حلم أم من الله تعالى فسمي يوم التروية، فلما كانت ليلة
عرفة رأى ذلك فعرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة، والأمر في ذلك سهل،
ثم إن ظاهر اقتصار المصنف وغيره على المتمتع عدم استحباب ذلك في
المفرد والقارن للمكي والمجاور بها، وفي المسالك خص المتمتع بالذكر لأن استحباب
الاحرام فيه يوم التروية موضع وفاق بين المسلمين، وأما القارن والمفرد فليس فيه
تصريح من الأكثر، وقد ذكر بعض الأصحاب أنه كذلك، وهو ظاهر إطلاق
بعضهم، وفي التذكرة نقل الحكم في المتمتع عن الجميع ثم نقل خلاف العامة في وقت
إحرام الباقي هل هو كذلك أم في أول ذي الحجة، ونحوه ما في المنتهى من
حكاية القولين للعامة في المكي من غير ترجيح، نعم قال بعد ذلك: ولا خلاف في أنه لو أحرم المتمتع قبل ذلك في أيام الحج فإنه يجزيه، قلت: قال ابن الحجاج (1)
لأبي عبد الله (عليه السلام) في الصحيح: " إني أريد الجوار فكيف أصنع؟ "
فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة وأحرم فيها بالحج
إلى أن قال: ثم قال: إن سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما حملك على أن تأمر
أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها، فقلت له: هو وقت من مواقيت
رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: وأي وقت من مواقيت رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فقلت له:
أحرم منها حين قسم غنائم حنين عند مرجعه إلى الطائف، إلى أن قال: فقال:
أما علمت أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إنما أحرموا من المسجد، فقلت: إن
أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء، وأن هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم
من أهلها، وأهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة إلى بعض

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 5
8

المواقيت فيشعثوا به أياما " وقال أبو الفضل في صحيح صفوان (1): " كنت
مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله عليه السلام من أين أحرم؟ فقال: من حيث أحرم
رسول الله صلى الله عليه وآله من الجعرانة، فقلت: متى أخرج؟ فقال: إن كنت صرورة
فإذا مضى من ذي الحجة يوم، وإن كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من
الشهر خمس " ونحوه مرسل المفيد (2) في المقنعة،
وقال إبراهيم بن ميمون (3)
في الصحيح إليه " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصحابنا مجاورون بمكة وهم يسألوني
لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ قال: قل لهم: إذا كان هلال ذي الحجة
فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا ".
وظاهرها جميعا أن وقت إحرام المجاور من هلال ذي الحجة أو بعد مضي
خمسة أيام، بل ربما استفيد من الأول ثبوت الحكم المزبور لأهل مكة أيضا،
لكن قال الصادق عليه السلام في خبر سماعة (4): " المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في
غير أشهر الحج إلى أن قال: ثم أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة فليحرم منها
ثم يأتي مكة ولا يقطع التلبية حتى ينظر إلى البيت، ثم يطوف بالبيت ويصلي
الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثم يخرج إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما،
ثم يقصر ويحل، ثم يعقد التلبية يوم التروية " بناء على أن هذه العمرة مفردة
لا تمتع، وإلا لوجب الاتيان بها من الميقات، وحينئذ فالحج المشار إليه حج
إفراد، وعقده حينئذ يوم التروية، ولعله لبيان الجواز في حقه، وفي الأول على
جهة الندب، ولكن قد سمعت ما في خبر الدعائم (5) بناء على عود الإشارة فيه

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 4
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب المواقيت الحديث 2
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الحج الحديث 6 - 4
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب أقسام الحج الحديث 2
(5) المستدرك الباب 2 من أبواب احرام الحج الحديث 1
9

إلى يوم التروية أيضا، والأمر سهل.
وكيف كان فالخروج المزبور على الوجه الذي عرفت مستحب لكل أحد
(إلا المضطر كالشيخ الهم) والمريض (ومن يخشى الزحام) كما صرح به
جماعة، لموثق إسحاق بن عمار (1) عن أبي الحسن عليه السلام " سألته عن الرجل يكون
شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحج ويخرج إلى منى
قبل يوم التروية قال: نعم، قال: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح
بذلك قال لا، قال: يتعجل بيوم قال: نعم، قال: يتعجل بيومين قال: نعم،
قال: يتعجل بثلاثة قال: نعم، قال: أكثر من ذلك قال: لا " ولعله له قال الشيخ
في التهذيب لا بأس أن يتقدم ذو العذر ثلاثة أيام، فأما ما زاد عليه فلا يجوز
على كل حال، ولكن في المنتهى حمله على شدة الاستحباب مشعرا بالمفروغية من
ذلك، ولعله كذلك، وفي مرسل البزنطي " قلت لأبي الحسن عليه السلام: يتعجل
الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام وضغاط الناس فقال: لا بأس "
بل ربما حمل على ذلك خبر رفاعة (3) سأل الصادق عليه السلام " هل يخرج الناس إلى
منى غدوة؟ قال: نعم " ولعل اطلاق الموثق المزبور بناء على رجوع ضمير
" يتعجل " فيه إلى الصحيح محمول على ما كان لأجل الزحام، كما أن الظاهر
منهما عدم تأكد الندب في الخروج يوم التروية لا أن الاستحباب مرفوع بالنسبة
إليهم كما يقضي به ظاهر العبارة وغيرها.
(و) على كل حال فالمراد بالخروج من مكة في المتن وغيره (أن يمضي
إلى منى ويبيت بها ليلته إلى طلوع الفجر من يوم عرفة) كما سمعت التصريح بصلاة

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب إحرام الحج الحديث - 1 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب إحرام الحج الحديث - 1 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب إحرام الحج الحديث - 1 - 3 - 2
10

الغداة فيها في بعض النصوص (1) السابقة،
و (لكن لا يجوز وادي محسر) وهو
حد منى (إلا بعد طلوع الشمس) لصحيح هشام بن الحكم (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام " لا تجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس " المحمول على الكراهة بقرينة
الشهرة بين الأصحاب على ذلك وعلى استحباب المبيت بمنى، والصحيح (3) " في
النفور من منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس قال: لا بأس به " فما عن الشيخ وابن
البراج من العمل بظاهره ضعيف.
(و) كذا (يكره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة كالمريض والخائف)
كما في القواعد والنافع ومحكي السرائر بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، قيل للأمر
بصلاته فيها في حسن معاوية (4) المتقدم، وفعل النبي صلى الله عليه وآله المحكي في صحيح ابن
مسلم (5) السابق، وخبر عبد الحميد الطائي (6) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا
مشاة فكيف نصنع؟ قال: أما أصحاب الرحال فكانوا يصلون الغداة بمنى، وأما
أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق " إلا أن الجميع كما ترى لا دلالة فيه على
الكراهة، ولذا ناقش فيها بعض الناس بعدم الظفر بنهي يحمل عليها، لكن
يمكن أن يكون اطلاق النهي عن جواز وادي محسر قبل طلوع الشمس بناء على
إرادة الكراهة منه، وعلى كل حال فمن ذلك يعلم ضعف ما عن ظاهر النهاية
والمبسوط والاقتصاد وأبي الصلاح وابن البراج من عدم الجواز المنافي للأصل
واستحباب المبيت بمنى.

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب إحرام الحج الحديث 5
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب احرام الحج الحديث 4 - 3 - 1
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب احرام الحج الحديث 4 - 3 - 1
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب إحرام الحج الحديث 5
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب إحرام الحج الحديث 4
(6) الوسائل الباب 7 من أبواب احرام الحج الحديث 4 - 3 - 1
11

(وأما الإمام فيستحب له الإقامة بها إلى طلوع الشمس) استحبابا
مؤكدا لصحيح جميل (1) السابق وغيره، وفي الدعائم (2) " وعن علي عليه السلام
أن رسول الله صلى الله عليه وآله غدا يوم عرفة من منى فصلى الظهر بعرفة لم يخرج من منى
حتى طلعت الشمس " المحمول على ذلك بقرينة موثق إسحاق بن عمار (3) عن
أبي عبد الله عليه السلام " من السنة أن لا يخرج الإمام من منى إلى عرفة حتى تطلع الشمس "
(ويستحب الدعاء بالمرسوم) عند التوجه إلى منى، لما في حسن معاوية (4)
عن الصادق عليه السلام " اللهم إياك أرجو، وإياك أدعو، فبلغني أملي، وأصلح عملي "
وعند دخولها بما في صحيحه (5) السابق و (عند الخروج) بما في صحيحه (6)
عنه عليه السلام أيضا، قال: " إذا غدوت إلى عرفة فقل وأنت متوجه إليها: اللهم إليك
صمدت، وإياك اعتمدت، ووجهك أردت، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي،
وتقضي لي حاجتي، وأن تجعلني اليوم ممن تباهي به من هو أفضل مني ".
وحد منى من العقبة إلى وادي محسر على صيغة اسم الفاعل من التحسير
أي الايقاع في الحسرة أو الاعياء؟ سمي به لأنه قيل أبرهة أوقع أصحابه في
الحسرة أو الاعياء لما جهدوا أن يتوجه إلى الكعبة فلم يفعل، قال الصادق عليه السلام في
صحيح معاوية وأبي بصير (7): " حد منى من العقبة إلى وادي محسر " وقال

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب إحرام الحج الحديث 6
(2) المستدرك الباب 7 من أبواب إحرام الحج الحديث 1
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب إحرام الحج الحديث 2
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
(6) الوسائل الباب 8 من أبواب إحرام الحج الحديث 1
(7) الوسائل الباب 6 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
12

في صحيح آخر لمعاوية (1): " وهو أي وادي محسر واد عظيم بين جمع
ومنى، وهو إلى منى أقرب " ومقتضاه كون الحد غيره، اللهم إلا أن يكون
الأقربية لاتصاله بمنى وانفصاله عن المزدلفة، نعم هو خارج عن المحدود، لكن
على الأول لا يكون النهي عن جوازه قبل طلوع الشمس دالا على الكراهة قبل
الفجر، لامكان عدم جوازه مع عدم المبيت في منى، بل يمكن القول بذلك على
الثاني أيضا، فيبيت في نفس الحد، إذ هو ليس جوازه، اللهم إلا أن يراد
الجواز فيه، فيستلزمها حينئذ.
وعلى كل حال فالمبيت بمنى مستحب على نحو غيرها من المستحبات، لكن
في التذكرة للاستراحة، وفي القواعد للترفه، وربما توهم عدم كونه كغيرها من
المستحبات، ولا ريب في فساده، إذ لا منافاة، نعم ليس هو بفرض ولا نسك
يلزم بتركه شئ بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، لكن قد سمعت
ما عن بعض من عدم جواز الخروج منها قبل الفجر، وما عن آخر أيضا من عدم
مجاوزة وادي محسر قبل طلوع الشمس، والله العالم.
(و) كذا يستحب (أن يغتسل للوقوف) بلا خلاف أجده فيه،
بل في المدارك الاجماع عليه، نعم في حسن الحلبي (2) عنه (عليه السلام) " الغسل
يوم عرفة إذا زالت الشمس " وفي صحيح معاوية (3) " فإذا زاغت الشمس يوم
عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين " وقد تقدم في الأغسال
تفصيل الحال فيه وفي غيره، ولكن مقتضى ذلك أن تكون نية الوقوف قبله كما
ستعرف، هذا، وفي الدروس
وفي استحباب الطواف وركعتيه قبل الاحرام بالحج
قول للمفيد وابن الجنيد والحلبي، لكن في المختلف بعد أن حكى ذلك عن الثلاثة

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب إحرام الحج الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب إحرام الحج الحديث 2 - 1
13

قال: ولم يذكر الشيخ هذا الطواف ولا السيد المرتضى ولا ابن إدريس ولا ابن
بابويه، والشيخ عول على هذا الحديث، فإنه لم يذكر فيه الطواف، والمفيد عول
على أنه قادم على المسجد، ويستحب له التحية، والطواف أفضل من الصلاة،
ولا نزاع بينهما حينئذ، بقي أن يقال إن قصد المفيد استحباب هذا الطواف
للاحرام فهو ممنوع، فإن المجاور يستحب له الصلاة أكثر من الطواف إذا جاور
ثلاث سنين.
قلت: قد ذكر هذا الطواف الصدوق في من لا يحضره الفقيه في باب سياق
مناسك الحج، نعم لم يذكره أبوه (رحمه الله)، ولعل القول باستحبابه غير بعيد
للتسامح ولما سمعته من خبر الدعائم (1)
نعم في قواعد الفاضل لا يجوز له الطواف
بعد الاحرام حتى يرجع من منى أي ما لم يضطر إلى تقديم الطواف لحجه وفاقا
للمحكي عن النهاية والمبسوط والتهذيب والوسيلة وظاهر المصباح ومختصره والجامع
لخبر حماد عن الحلبي (2) قال: " سألته عن رجل أتى المسجد الحرام وقد أزمع
بالحج أيطوف بالبيت؟ قال: نعم ما لم يحرم " ولكنه قاصر عن اثبات الحرمة
المخالفة للأصل، ولعله لذا قال ابن إدريس في المحكي عنه " لا ينبغي " وعن المنتهى
والتحرير والتذكرة الاقتصار على أنه لا يسن، نعم عن ابن أبي عقيل وإذا اغتسل
يوم التروية وأحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط، وخرج متوجها إلى منى،
ولا يسعى بين الصفا والمروة حتى يزور البيت، فيسعى بعد طواف الزيارة، مع
أنه احتمل في محكي المختلف إرادته الطواف قبل الاحرام الذي عرفت الكلام فيه،
وعلى كل حال فإن طاف ساهيا بل في كشف اللثام أو عامدا لم ينتقض احرامه

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(2) الوسائل الباب 83 من أبواب الطواف الحديث 4
14

كما في القواعد ومحكي السرائر والتهذيب، جدد بعده التلبية أو لا، للأصل وخبر
عبد الحميد بن سعيد (1) سأل الكاظم عليه السلام " عن رجل أحرم يوم التروية من عند
المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد احرامه وهو لا يرى أن ذلك لا ينبغي له أينقض
طوافه بالبيت احرامه؟ فقال: لا ولكن يمضي على احرامه " وهو وإن كان
ظاهرا في الجاهل إلا أن الظاهر أولوية الساهي منه أو مساواته له.
وعلى كل حال فليس فيه تجديد التلبية لعقد الاحرام، لكن عن النهاية
والمبسوط والوسيلة تجديدها للعقد، وربما احتمل إرادتهم الندب، لقول الشيخ
في محكي الكتابين أنه لا ينتقض ولكن يعقده بتجديد التلبية، ولعلهم استندوا
إلى ما مضى في طواف القارن والمفرد إذا دخلا مكة قبل الوقوف، والله العالم.
هذا كله في مقدمته (وأما كيفيته فتشتمل على واجب وندب
(ومندوب خ ل) ف‍) من (الواجب النية) التي قد سمعت الكلام فيها غير مرة وفي
عدم اعتبار غير القربة والتعيين فيها بعد الاجماع بقسميه منا على وجوبها فيه،
مضافا إلى العمومات، خلافا للعامة فلم يوجبوها فيه، ولا ريب في فساده، نعم
قد صرح غير واحد بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب بأن وقتها عند تحقق
الزوال، لأنه أول وقت الوقوف الواجب بناء على أنه ما بينه وبين الغروب،
فيجب مقارنتها له ليقع بأسره بعد النية، وإلا فات جزء منه، ثم لو أخر أثم إلا
أنه يجزي كما صرح به في الدروس، لكن قد يظهر من قول الصادق (عليه السلام)
في صحيح معاوية بن عمار (2) المشتمل على صفة حج النبي صلى الله عليه وآله خلاف ذلك،
قال: " حتى انتهى إلى نمرة وهي بطن عرنة بحيال الأراك، فضرب قبته وضرب

(1) الوسائل الباب 83 من أبواب الطواف الحديث 6
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
15

الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه قريش
وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثم
صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به " قيل
وكذا رواية أخرى صحيحة لمعاوية (1) أيضا " ثم تلبي وأنت غاد إلى عرفات
فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون
عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد
وإقامتين، وإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء
ومسألة، وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز، وخلف الجبل
موقف " وهو كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب، نعم قال الصادق (عليه السلام)
في حسنه الآخر أو صحيحه (2): " وإنما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ
نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، ثم تأتي الموقف " الحديث. وقال أيضا
في خبر أبي بصير (3): " لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، وأما النزول تحته
حتى تزول الشمس وتنتهض إلى الموقف فلا بأس به " بل في المدارك والمسألة محل
اشكال، لا ريب أن ما اعتبره الأصحاب أولى وأحوط، وبنحو ذلك عبر في
محكي المقنعة والنهاية والمبسوط ومن لا يحضره الفقيه والسرائر من غير تعرض للنية
فضلا عن مقارنتها، وفيه أن الأخيرين لا صراحة فيهما بل ولا ظهور في عدم

(1) ذكره صدره في الوسائل في الباب 8 من أبواب إحرام الحج الحديث 1
ووسطه في الباب 9 منها الحديث 1 وذيله في الباب 10 منها الحديث 1
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب احرام الحج الحديث 7
16

النية عند الزوال، خصوصا بناء على أنها الداعي المستمر خطوره مع التشاغل
بهذه المقدمات، وأما الأول منها فهو ظاهر في مضي زمان من الزوال في غير
الموقف، ومرجعه إلى عدم وجوب الكون فيه من الزوال إلى الغروب، وستعرف
الكلام فيه إن شاء الله، مع أنه يمكن كون نمرة موضع آخر في عرفة، ففي
القاموس أنها موضع بعرفات أو الميل الذي عليه أقطاب الحرم، وحينئذ يكون
المراد بمضيه الرواح إلى الموقف ميسرة الجبل الذي يستحب الوقوف فيه،
والله العالم.
(و) منه أيضا (الكون بها إلى الغروب) بلا خلاف أجده فيه،
بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر قال الصادق عليه السلام
في صحيح معاوية (1) " إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم
رسول الله صلى الله عليه وآله فأفاض بعد غروب الشمس " وقال له عليه السلام يونس بن يعقوب (2)
في الموثق: " متى نفيض من عرفات؟ فقال: إذا ذهبت الحمرة من هاهنا وأشار
بيده إلى المشرق إلى مطلع الشمس " ومنه يعلم أن المراد بالغروب هو الذي قد
عرفت الحال فيه في كتاب الصلاة، كما يعلم من قول المصنف وغيره: " والكون "
الاجتزاء بجميع أفراده، بل لا أجد فيه خلافا، لا خصوص الوقوف الذي
ستعرف أنه أفضل عندنا من الركوب، ولعله لذلك خص من بين أحوال الكون
بالذكر، نعم في كشف اللثام الاشكال في الركوب ونحوه، لخروجه عن معنى
الوقوف لغة وعرفا، ونصوص الكون والآتيان لا تصلح لصرفه إلى المجاز،
وفيه أنه لا يحتاج إلى الصرف، وإنما هو أحد الأفراد بقرينة الفتوى وغيرها.
وعلى كل حال (فلو وقف بنمرة) كفرحة بفتح النون وكسر

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب احرام الحج الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب احرام الحج الحديث 1 - 2
17

الميم، ويجوز إسكانه، وهي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا
خرجت من المأزمين تريد الموقف كما عن تحرير النووي والقاموس وغيرهما، لكن
قد سمعت ما في النص (1) من أنها بطن عرنة، قيل فلعلها تقال عليهما وتقال على
أحدهما للمجاورة، وعلى كل حال هي خارجة عن عرفة، فلو وقف بها (أو) وقف
ب‍ (- عرنة) كهمزة، وفي لغة بضمتين، وهي كما عن المطرزي واد بحذاء عرفة،
وعن السمعاني ظني أنها واد بين عرفات ومنى، وعن القاسي أنه موضع بين العلمين
اللذين هما حد عرفة والعلمين اللذين هما حد الحرم (أو) وقف ب‍ (ثوية) بفتح
الثاء وتشديد الياء (أو) وقف ب‍ (ذي المجاز) وهو سوق كانت على فرسخ
من عرفة بناحية كبكب (أو تحت الأراك لم يجزه) بلا خلاف، بل الاجماع
بقسميه عليه، بل في المنتهى نسبته إلى الجمهور أيضا إلا ما يحكى عن مالك من
الاجتزاء ببطن عرنة ولزوم الدم، لكنه واضح الفساد بعد أن لم يكن هو من
عرفة، وإنما هي حد لها، والحد خارج عن المحدود، قال الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية (2) السابق ما سمعت، وفي خبر سماعة (3): " واتق الأراك ونمرة، وهي
بطن عرنة وثوية وذي المجاز، فإنه ليس من عرفة، ولا تقف فيه " وفي خبر
أبي بصير (4) " إن أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت الأراك لا حج لهم " وفي
خبر إسحاق بن عمار (5) عن النبي صلى الله عليه وآله " ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات "
وعن الحلبي والحسن حدها من المأزمين إلى الموقف، وعن أبي علي من المأزمين

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
(2) المتقدم في ص 16
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب احرام الحج الحديث 6 - 3 - 4
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب احرام الحج الحديث 6 - 3 - 4
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب احرام الحج الحديث 6 - 3 - 4
18

إلى الجبل، وقال الصادق عليه السلام في صحيح ليث (1): " حد عرفات من المأزمين
إلى أقصى الموقف " ولعله لا تنافي بين الجميع في كونها حدودا لعرفة باعتبار الجهات
كما عن المختلف، وفي المسالك " وهذه الأماكن الخمسة حدود عرفة، وهي راجعة
إلى أربعة كما هو المعروف من الحدود، لأن نمرة بطن عرنة كما روي في حديث
معاوية عن الصادق عليه السلام، ولا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما حدا، فإن
أحدهما ألصق من الآخر، وغيرهما وإن شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله
كذلك لكن ليس لأجزائه أسماء خاصة، بخلاف نمرة وعرنة " ونحوه عن الكركي
في حواشي القواعد، ولكن فيه أنه مناف للمعروف من الحد الذي هو الملاصق
للمحدود، ويمكن كون ذلك على ضرب من المجاز، أو أن نمرة طرف خارج عن
عرنة يكون حدا، والأمر في ذلك سهل.
إنما الكلام في وجوب استيعاب الزمان من الزوال يوم عرفة إلى غروب
الشمس بالكون فيها مع الاختيار، أو يكفي مسماه، الظاهر الأول كما صرح به
الشهيدان في الدروس واللمعة والمسالك والمقداد والكركي وغيرهم من غير إشارة
أحد منهم إلى خلاف في المسألة، بل ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا
بالاجماع عليه، بل لم أجد الثاني قولا محررا بين الأصحاب نعم قد سمعت ما في
المدارك من التوقف فيما حكاه عن الأصحاب من وجوب كون النية حين الزوال
لتكون مقارنة لأول الواجب للروايات التي قدمناها، وتبعه في كشف اللثام
والذخيرة والحدائق والرياض وغيرها من كتب المعاصرين، بل ادعى في الأخير
أنه ظاهر الأكثر اعتمادا على ما حكاه في الذخيرة والحدائق من عبارات القدماء،
وفي كشف اللثام وهل يجب الاستيعاب حتى إن أخل به في جزء منه أثم وإن تم

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب إحرام الحج الحديث 2
19

حجه؟ ظاهر الفخرية ذلك، وصرح الشهيد بوجوب مقارنة النية لما بعد الزوال
وأنه يأثم بالتأخير، ولم أعرف له مستندا، وفي السرائر " أن الواجب هو الوقوف
بسفح الجبل ولو قليلا بعد الزوال " وفي التذكرة " إنما الواجب اسم الحضور
في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا مع النية، وظاهر الأكثر وفاقا للأخبار
الوقوف بعد صلاة الظهرين ثم قال: فيما لو تجدد الاغماء والنوم بعد الشروع
فيه في وقته صح، لما عرفت أن الركن بل الواجب هو المسمى ".
وعلى كل حال قال ابن بابويه في الفقيه: " فإذا أتيت إلى عرفات فاضرب
خباك بنمرة قريبا من المسجد، فإن ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله خباه وقبته،
فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية واغتسل وصل بها الظهر والعصر بأذان
واحد وإقامتين، وإنما يتعجل في الصلاة ويجمع بينهما ثم يقف بالموقف ليفرغ
للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، ثم ائت الموقف وعليك السكينة والوقار، وقف
بسفح الجبل في ميسرته " وقال الشيخ: " فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر
جميعا يجمع بينهما، ثم يقف بالموقف " ونحوه عن المبسوط، وفي المقنعة " ثم
ليلب وهو غاد إلى عرفات، فإذا أتاها ضرب خباه بنمرة قريبا من المسجد، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله ضرب قبته هناك إلى أن قال: فإذا زالت الشمس يوم عرفة
فليغتسل ويقطع التلبية ويكثر من التهليل والتمجيد والتكبير ثم يصلي الظهر والعصر
بأذان واحد وإقامتين إلى أن قال ثم يأتي الموقف ويكون وقوفه في ميسرة
الجبل، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وقف هناك ويستقبل القبلة " وقال سلار: " فإذا
جاءها نزل نمرة قريبا من المسجد إن أمكنه، ونمرة بطن عرنة، فإذا زالت الشمس
فليغتسل وليقطع التلبية وليكثر من التهليل والتمجيد والتكبير، وليصل الظهر
والعصر بأذان واحد وإقامتين، ثم ليأت الموقف، وليختر الوقوف في ميسرة
الجبل " وقال في السرائر: " فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا يجمع
20

بينهما بأذان وإقامتين لأجل البقعة، ثم يقف بالموقف إلى أن قال: ولا يجوز
الوقوف تحت الأراك ولا في نمرة ولا في ثوية ولا في عرنة ولا في ذي المجاز،
فإن هذه المواضع ليست من عرفات، فمن وقف فيها بالحج فلا حج له، ولا بأس
بالنزول بها غير أنه إذا أراد الوقوف بعد الزوال جاء إلى الموقف، فوقف هناك
والوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره، وليس ذلك بواجب، بل الواجب
الوقوف بسفح الجبل ولو قليلا بعد الزوال، وأما الدعاء والصلاة في ذلك الموضع
فمندوب غير واجب، وإنما الواجب الوقوف ولو قليلا فحسب " وفي جمل المرتضى
" وينشئ الاحرام من المسجد ويلبي ثم يمضي إلى منى فيصلي بها الظهر والعصر
والمغرب والعشاء الأخيرة والفجر، ويغدو إلى عرفات، فإذا زالت الشمس من يوم
عرفة اغتسل وقطع التلبية وأكثر من التحميد والتهليل والتمجيد والتكبير، ثم
يصلي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، ثم يأتي الموقف " وفي المنتهى
" يستحب تعجيل الصلاتين حين تزول الشمس، وأن يقصر الخطبة، ثم يروح
إلى الموقف لأن تطويل ذلك يمنع من الرواح إلى الموقف في أول وقته، والسنة
التعجيل، روى ابن عمر (1) قال: " غدا رسول الله صلى الله عليه وآله من منى حين صلى
الصبح صبح يوم عرفة حتى أتى عرفة، فنزل نمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر
راح رسول الله صلى الله عليه وآله مهجرا، فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب ثم راح
فوقف على الموقف " ولا خلاف في هذا بين علماء الإسلام، فإذا فرغ من
الصلاتين جاء إلى الموقف فوقف " وقال فيه أيضا: " أول وقت الوقوف بعرفة
زوال الشمس من يوم عرفة، ذهب إليه علماؤنا أجمع، وبه قال الشافعي ومالك،
وقال أحمد: أوله طلوع الفجر من يوم عرفة، لنا أن النبي صلى الله عليه وآله وقف بعد

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 445 الطبعة الأولى عام 1371
21

الزوال، وقال: " خذوا عني مناسككم " (1) ووقف الصحابة كذلك، وأهل
الأعصار من لدن النبي صلى الله عليه وآله إلى زماننا هذا وقفوا بعد الزوال، ولو كان ذلك
جائزا لما اتفقوا على تركه، وقال ابن عبد البر: أجمع العلماء على أن أول الوقوف
بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة، وروى الشيخ في الصحيح عن معاوية (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام " ثم تأتي الموقف " يعني بعد الصلاتين، والأمر للوجوب "
إلى آخره. وعن التذكرة " إنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة
ولو مجتازا مع النية " إلى غير ذلك من العبارات التي توهموا منها الخلاف في
المسألة، حتى قال في كشف اللثام: ما سمعت.
وقال في الرياض: " وهل يجب الاستيعاب حتى إن أخل به في جزء منه
أثم وإن تم حجه كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس واللمعة وشرحها، بل صريح
ثانيهما، أم يكفي المسمى ولو قليلا كما عن السرائر وعن التذكرة أن الواجب اسم
الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا مع النية، وربما يفهم هذا أيضا عن
المنتهى؟ إشكال، وينبغي القطع بفساد القول الأول، لمخالفته لما يحكى عن ظاهر
الأكثر والمعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل وصلاة الظهرين ففي الصحيح
إلى آخر ما سمعته من النصوص السابقة ثم قال: والأحوط العمل بمقتضاها وإن
كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب، للأصل النافي للزائد بعد
الاتفاق على كفاية المسمى في حصول الركن منه، وعدم اشتراط شئ زائد منه
فيه مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة، ودلالتها على الوجوب غير
واضحة، وأما ما تضمن منها الأمر باتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية

(1) تيسير الوصول ج 1 ص 312
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب احرام الحج الحديث 1
22

ومع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة، وأما ما تضمن منها فعله فكذلك
بناء على عدم وجوب التأسي، وعلى تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب
الشرطي لا الشرعي، وكلامنا فيه لا في سابقه، للاتفاق كما عرفت على عدمه ".
قلت: لعل الأظهر والأحوط وجوب الاستيعاب وإنما كان الركن المسمى
منه، والنصوص المزبورة لا دلالة فيها على كفاية المسمى، وإنما أقصاها التشاغل
عند زوال الشمس بمقدمات الوقوف من الغسل والجمع بين الصلاتين ونحوهما، لا
أنه يجزي المسمى، ومن هنا كان ذلك خيرة الذخيرة والحدائق وبعض من تأخر
عنهما، على أنه يمكن كون هذه المقدمات كلها بعرفة، فلا تنافي نية الوقوف كما
عساه يشهد لذلك أن المستحب الجمع بعرفة، قال في التذكرة: ويجوز الجمع لكل
من بعرفة من مكي وغيره، وقد أجمع علماء الإسلام على أن الإمام يجمع بين الظهر
والعصر بعرفة، وبذلك يظهر لك أن صلاة النبي صلى الله عليه وآله قد كانت بعرفة كما يشهد
له ما في دعائم الاسلام (1) عن جعفر بن محمد عن علي (عليهم السلام) " إن رسول الله
صلى الله عليه وآله غدا يوم عرفة من منى فصلى الظهر بعرفة لم يخرج من منى حتى طلعت
الشمس " وحينئذ فيكون المراد من مضيه إلى الموقف الرواح إلى المكان المخصوص
المستحب فيه الوقوف، أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء والتحميد والتمجيد والتهليل
والتكبير والدعاء لنفسه ولغيره مما جاءت به النصوص في ذلك الموقف، وفيه أمارة
أخرى أيضا على مثل هذه المقدمات في الكون بعرفة التي ذكروا فيها استحباب
هذه الأمور لا خارجا عنها.
بل لعل قوله في الفقيه: " صلى بها " يراد به عرفة لا نمرة، وربما يشهد له
عبارته في المقنع، قال: " ثم تلبي وأنت مار إلى عرفات، فإذا ارتقيت إلى عرفات

(1) المستدرك الباب 7 من أبواب احرام الحج الحديث 1
23

فاضرب خباك بنمرة، فإن فيها ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله خباءه وقبته، فإذا زالت
الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية، وعليك بالتهليل والتحميد والثناء على الله تعالى،
ثم اغتسل وصل الظهر والعصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء
ومسألة، واعمل بما في كتاب دعاء الموقف من الدعاء والتحميد والصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله وجميع ما فيه ثم قال: إياك أن تفيض منها قبل غروب الشمس "
إلى آخره، بل قد يظهر من خبر جذاعة الأزدي (1) معروفية إيقاع الصلاتين
بعرفة في ذلك الزمان، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل وقف بالموقف
فأصابته دهشة الناس فيبقى ينظر إلى الناس ولا يدعو حتى أفاض الناس قال: يجزيه
وقوفه، ثم قال: أليس قد صلى بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قلت: بلى،
قال: فعرفات كلها موقف، وما قرب من الجبل فهو أفضل " هذا.
ومن ذلك يظهر أن عبارة المقنعة كذلك، وأما عبارة الشيخ فهي ظاهرة
في ترتيب الأفعال، وهي الصلاة والوقوف، وظاهرها كونهما معا بعرفة، وعبارة
سلار كعبارة المقنعة، وأما عبارة السرائر فالتدبر فيها يقتضي إرادة بيان الركن
من الوقوف وإن أطلق عليه اسم الواجب، وأنه لا يجب غير ذلك من الصلاة
والدعاء ونحوهما، نحو ما وقع عن التذكرة، فإنه بعد أن ذكر المجئ إلى
الموقف بعد الصلاة والتشاغل بالدعاء قال " إذا عرفت هذا فهذه الأدعية وغيرها
ليست واجبة، وإنما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا
مع النية " وكذا في القواعد فإنه بعد أن ذكر في الأحكام أن الوقوف ركن
وذكر حكم الناسي ومن فاته الاختياري والاضطراري قال: " والواجب ما يطلق

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب احرام الحج الحديث 2
24

عليه اسم الحضور وإن سارت به دابته مع النية " وأما عبارة المرتضى فهي على
حسب تلك العبارات، وعبارة المنتهى يمكن أن تكون في الدلالة على خلاف ذلك
أظهر منها فيه، خصوصا قوله: " والأمر للوجوب " ومثله عبارة التذكرة التي
قد عرفت الحال فيها، بل لعل قول الأكثر في الواجبات أن منها الكون إلى غروب
الشمس مع قولهم: إن وقت الاختيار من زوال الشمس إلى غروبها، وقولهم:
يحرم الإفاضة قبل الغروب ظاهر في إرادة الوجوب من الزوال إلى الغروب، وإلا
فلا وجه لوجوب المسمى، وحرمة الإفاضة قبل الغروب التي يحصل معها المسمى،
ضرورة اقتضاء ذلك واجبين لا دليل عليهما، وفي دعائم الاسلام (1) عن جعفر
ابن محمد (عليهما السلام) " يقف الناس بعرفة يدعون ويرغبون ويسألون الله تعالى
من كل فضله وبما قدروا عليه حتى تغرب الشمس ".
وكأنه لذلك نسب في المدارك إلى الأصحاب الوجوب من أول الزوال،
إذ ليس لهم إلا هذه العبارات إلا من صرح منهم بذلك كالشهيدين والكركي
والمقداد، بل يمكن القطع بفساد القول بالاجتزاء اختيارا في وقوف عرفة ركنه
وواجبه بالوقوف بعد غيبوبة القرص إلى ذهاب الحمرة المشرقية، لأنه جامع لامتثال
الأمر بالمسمى والنهي عن الإفاضة قبل الغروب، كما أنه يمكن القطع من التأمل في
النصوص والفتاوى بوجوب الكون في عرفة من زوال الشمس إلى غروبها، وأنه
المراد من حرمة الإفاضة قبل غروبها، كما أنه كاد يكون صريح ما سمعته من المقنع
فضلا عمن عبر بالكون إلى الليل، بل لعل عدم ذكر الابتداء في قولهم والكون
إلى الغروب اتكالا على معلوميته، وعلى ما يذكرونه من كون وقت الاختيار
من زوال الشمس إلى غروبها، وأن الركن منه المسمى، وبالجملة هو من البديهيات

(1) المستدرك الباب 14 من أبواب احرام الحج الحديث 9
25

عند التأمل، نعم في المختلف قال الشيخ في الخلاف: الأفضل أن يقف إلى غروب
الشمس في النهار، ويدفع من الموقف بعد غروبها، فإن دفع قبل الغروب لزمه دم
والكلام فيه يقع في موضعين: الأول أن عبارته هذه توهم جواز الإفاضة قبل
الغروب، ولا خلاف بيننا أنه يجب إلى الغروب ولا يجب قبله، إلى أن قال:
وبالجملة فالمسألة إجماعية، ويمكن أن يحمل قول الشيخ على أن اللبث في الموقف
إلى الغروب من وقت ابتدائه مستحب، فإنه لو دفع قبل الغروب ثم عاد إلى الموقف
أجزأه وأن الأفضل أن يقف إلى الغروب ثم يدفع في أول الليل ولا يقف بعده،
وكأنه قصد الثاني، وظاهره استحباب الاستيعاب، بل يظهر منه المفروغية من
ذلك، لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، كما أنه لا يخفى عليك
حال ما سمعته من الرياض، بل فيه طرائف، خصوصا قوله: " إن الأمر ليس
للفور " فإنه وإن كان كذلك كما حقق في الأصول لكن لا يخفى على ذي مسكة
إرادة ذلك منه هنا، خصوصا بعد ملاحظة التعليل في تعجيل الصلاتين، نعم
هو بناء على ما قلناه من كون الصلاتين والغسل وغيرهما من المقدمات الحاصلة
بعد الزوال للندب، ضرورة كونه حال التشاغل بها في عرفات، وهي كلها موقف
والنصوص السابقة التي أظهرها الصحيح الأول (1) المشتمل على صفة حج رسول الله
صلى الله عليه وآله وأنه مضى إلى الموقف بعد الصلاتين والخطبة، وكانت صلاته في المسجد
الذي في نمرة التي هي ليست من عرفة قد عرفت جملة من الكلام فيما يتعلق بها،
ونزيد هنا بأن كلام العامة شديد الاختلاف، وفيه ما يقتضي دخول بطن عرنة
بالنون في عرفة، فمن بعض الحنفية أنه قيل حد عرفات ما بين الجبل المشرف على
بطن عرنة إلى الجبال المقابلة لعرنة مما يلي حوائط بني عامر وطريق الحض، وعن

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
26

الأرزقي عن ابن عباس أن حد عرفات من الجبل المشرف على بطن عرنة بالنون
إلى جبال عرفات إلى وصيق إلى ملتقى وصيق ووادي عرنة، وعن بعضهم أن
مقدم مسجد إبراهيم عليه السلام أوله ليس من عرفة، ومقتضاه أن ما عدا الأول من
عرفات، فيمكن أن تكون صلاة النبي صلى الله عليه وآله فيما كان منه من عرفات، ويشهد
لذلك ما يحكى عنهم من الجواب لأبي يوسف عن إشكاله بمنافاة الصلاة للوقوف
من أول الزوال بأنه لا منافاة، فإن المصلي واقف، وهو كالصريح في كون المسجد
من عرفة بالفاء، وعن بعض الشافعية أن مقدم هذا المسجد ليس من عرفات،
وآخره منها، وعن الرافعي الجزم بذلك مع شدة تحقيقه واطلاعه، كل ذلك مع
شدة اختلافهم في الوقوف بعرنة بالنون، فإن لهم فيه أقوالا جمة، وجملة منها
مبنية على دخولها في عرفات، كل ذلك مضافا إلى ما قدمناه، وإلى ما في بالي
من تضمن بعض النصوص " أن النبي صلى الله عليه وآله لما جاء إلى نمرة وضرب خباه فيها
أمر بمسجد فبني له بأحجار بيض ثم اختلط " فيمكن أن يكون مسجدا غير المسجد
الموجود الآن بنمرة المسمى بمسجد إبراهيم عليه السلام، أو زيادة فيه كانت في عرنة،
إلى غير ذلك مما هو محتمل فيه وفي غيرة، والله العالم بحقيقة الحال.
(و) كيف كان ف‍ (- لو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شئ عليه)
بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل عن ظاهر المنتهى والتذكرة
أنه موضع وفاق بين العلماء، مضافا إلى الأصل وإلى أولويته بعدم الفساد من حال
العمد الذي ستعرف النص (1) والفتوى على عدمه فيه، بل الاجماع بقسميه عليه،
وإلى الأصل أيضا في عدم الكفارة التي تترتب غالبا على الذنب المفقود في الثاني، وفي

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب احرام الحج
27

بعض أفراد الأول قطعا إن أريد به الأعم من التأخير، وإلى قول الصادق عليه السلام
في صحيح مسمع (1): " في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال: إن
كان جاهلا فلا شئ عليه، وإن كان متعمدا فعليه بدنة ".
نعم لو علما قبل الغروب، وجب العود بناء على المختار من وجوب الاستيعاب
بل وعلى الآخر مقدمة لامتثال حرمة الإفاضة قبل الغروب، لكن في كشف اللثام
" وهل عليهما الرجوع إذا تنبها قبل الغروب؟ نعم إن وجب استيعاب الوقوف،
وإلا فوجهان " وفيه ما عرفت، بل في المسالك: إن أخل به كان كالعامد في
لزوم الدم " وإن كان لا يخلو من نظر باعتبار الشك في حصول عنوانه كما ستعرف
وعلى كل حال فلو عاد لم يلزمه شئ قطعا.
هذا كله فيهما (و) أما (إن كان عامدا) فلا ريب في إثمه مع عدم
عوده من دون فساد لحجه، بل الاجماع بقسميه عليه و (جبره ببدنة، فإن لم
يقدر صام ثمانية عشر يوما) بلا خلاف أجده في أصل الجبر، بل في المنتهى أنه
قول عامة أهل العلم إلا من مالك، فقال: لا حج له، ولا نعرف أحدا من أهل
الأمصار قال بقوله، وأما كونه بدنة فهو المشهور شهرة كادت تكون اجماعا،
بل عن الغنية دعواه، لخبر مسمع (2) المتقدم، وصحيح ضريس (3) عن أبي جعفر
عليه السلام " سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس قال: عليه بدنة
ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في
أهله " ومرسل ابن محبوب (4) عنه عليه السلام أيضا " في رجل أفاض من عرفات قبل
أن تغرب الشمس قال: عليه بدنة، فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما "

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 1 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 1 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 1 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 1 - 3 - 2
28

وفي الدعائم (1) عنه عليه السلام أيضا " أنه سئل عن وقت الإفاضة من عرفات فقال:
إذا وجبت الشمس، فمن أفاض قبل غروب الشمس فعليه بدنة ينحرها " خلافا
للصدوقين فشاة، ولم نقف لهما على مستند وإن نسبه في محكي الجامع إلى رواية،
وعن الخلاف أن عليه دما للاجماع والاحتياط، وقول النبي صلى الله عليه وآله في خبر ابن
عباس: " من ترك نسكا فعليه دم " ولعل إطلاقه في مقابلة من لم يوجب
عليه شيئا من العامة، على أن مرسل الجامع والنبوي لا يصلحان لمعارضة ما سمعت
من وجوه حتى لو قلنا بكونها من محكي الاجماع، ضرورة تبين خلافه بالنسبة
إلى ذلك.
(ولو عاد قبل الغروب لم يلزمه شئ) كما عن الشيخ وابني حمزة وإدريس
للأصل، ولأنه لو لم يقف إلا هذا الزمان لم يكن عليه شئ، فهو حينئذ كمن
تجاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه فأحرم، لكن عن النزهة " إن سقوط الكفارة
بعد ثبوتها يفتقر إلى دليل، وليس " وفي كشف اللثام " وهو متجه " وفيه منع
الثبوت بعد ظهور الدليل في غير العائد، نعم لا يجدي العود بعد الغروب عندنا
خلافا للشافعي إذا عاد قبل خروج وقت الوقوف، وهل يلحق الجاهل المقصر
بالعامد؟ وجهان، هذا.
وظاهر الخبر المزبور صحة هذا الصوم في السفر وإن كان واجبا كما تقدم
الكلام فيه وفي اعتبار التوالي فيه الذي اختاره في الدروس في كتاب الصوم، هذا.
وفي الدروس أن رابع الواجبات السلامة من الجنون والاغماء والسكر
والنوم في جزء من الوقت، فلو استوعب بطل، واجتزاء الشيخ بوقوف النائم

(1) المستدرك الباب 22 من أبواب الحج الحديث 1
29

فكأنه بنى على الاجتزاء بنية الاحرام، فيكون كنوم الصائم، وأنكره الحلبيون
ويتفرع عليه من وقف بها ولا يعلمها فعلى قوله يجزي، قلت: قد عرفت سابقا في
أول كتاب الحج اعتبار العقل، نعم لا وجه للجزم بالبطلان مع الاستيعاب وإن
أدرك الاضطراري أو اختياري المشعر، اللهم إلا أن يريد بطلان الوقوف لا
الحج، كما أنه لا وجه لما حكاه عن الشيخ من الاجتزاء بوقوف النائم مع فقده
النية التي قد عرفت اعتبارها،
ثم قال: خامسها الوقوف في اليوم التاسع من ذي
الحجة بعد زواله، فلو وقفوا ثامنه غلطا لم يجز، ولو وقفوا عاشره احتمل الاجزاء
دفعا للعسر، إذ يحتمل مثله في القضاء، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله " حجكم
يوم تحجون " وعدمه لعدم الاتيان بالواجب، والفرق بينه وبين الثامن أنه لا
يتصور نسيان العدد من الحجيج، ويأمنون ذلك في القضاء، وقوى الفاضل
التسوية في عدم الاجزاء، والحادي عشر كالثامن، ولو غلطت طائفة منهم لم
يعذروا مطلقا، وابن الجنيد يرى عدم العذر مطلقا، ولو رأى الهلال وحده أو
مع غيره وردت شهادتهم وقفوا بحسب رؤيتهم وإن خالفهم الناس، ولا يجب عليهم
الوقوف مع الناس، ولو غلطوا في المكان أعادوا، ولو وقفوا غلطا في النصف
الأول من اليوم أو جهلا لم يجز، ولا يخفى عليك أن ما ذكره من الاحتمال أولا
لا ينطبق على مذهب الإمامية، وإن ذكر الفاضل في التحرير ما يقرب منه، قال:
لو غم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس يوم التاسع من ذي الحجة
ثم قامت البينة أنه اليوم العاشر ففي الاجزاء نظر، وكذا لو غلطوا في العدد
فوقفوا يوم التروية، ولو شهد واحد أو اثنان برؤية هلال ذي الحجة ورد الحاكم
شهادتهما وقفوا يوم التاسع على وفق رؤيتهم وإن وقفت الناس يوم العاشر عندهما
30

والأصل في هذه الاحتمالات خرافات العامة.
قال في المنتهى: لو غم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس
يوم التاسع من ذي الحجة ثم قامت البينة أنه يوم العاشر قال الشافعي: أجزأهم،
لقول النبي صلى الله عليه وآله: " حجكم يوم تحجون " ولأن ذلك لا يؤمن مثله في القضاء
مع اشتماله على المشقة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل وإنفاق المال الكثير،
قال: ولو وقفوا يوم الثامن لم يجزهم، لأنه لا يقع فيه الخطأ، لأن نسيان العدد
لا يتصور، ولو شهد شاهدان عشية عرفة برؤية الهلال ولم يبق من النهار والليل
ما يمكن الاتيان فيه إلى عرفة قال: وقفوا من الغد، ولو أخطأ الناس أجمع في
العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة قال بعض الجمهور: يجزيهم، لأن النبي صلى الله عليه وآله (1)
قال: " يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه " وإن اختلفوا فأصاب بعضهم وأخطأ
بعض وقت الوقوف لم يجزهم، لأنهم غير معذورين في هذا، ولقول النبي
صلى الله عليه وآله (2): " فطركم يوم تفطرون، وضحاياكم يوم تضحون " وفي الكل
إشكال، قلت: بل منع، ضرورة عدم ثبوت ما ذكروه من الروايات، وعدم
انطباقه على أصول الإمامية وقواعدهم إلا على ما توهمه بعض منا من قاعدة
الاجزاء في نحو بعض الفروع المذكورة.
ثم إنه في المنتهى ذكر مسألة الشهود الذين ردت شهادتهم، وذكر ما عن
الشافعي من أنهم يقفون على حسب رؤيتهم وإن وقف الناس في غير ذلك، ثم
قال: وهو الحق كشهود العيد في شهر رمضان، خلافا لبعض العامة فلا يجزيهم
حتى يقفوا مع الناس، وهو واضح الفساد، وكيف كان فالغرض أن بعض

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 176 وكنز العمال ج 3 ص 13 الرقم 275
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 175
31

الاحتمالات المزبورة في المسائل السابقة مما لا ينطبق على المعروف من أصول الإمامية.
نعم بقي شئ مهم تشتد الحاجة إليه، وكأنه أولى من ذلك كله بالذكر،
وهو أنه لو قامت البينة عند قاضي العامة وحكم بالهلال على وجه يكون يوم التروية
عندنا عرفة عندهم، فهل يصح للإمامي الوقوف معهم ويجزي لأنه من أحكام التقية
ويعسر التكليف بغيره، أو لا يجزي لعدم ثبوتها في الموضوع الذي محل الفرض
منه، كما يومي إليه وجوب القضاء في حكمهم بالعيد في شهر رمضان الذي دلت
عليه النصوص (1) التي منها " لأن أفطر يوما ثم أقضيه أحب إلي من أن يضرب
عنقي "؟ لم أجد لهم كلاما في ذلك، ولا يبعد القول بالاجزاء هنا إلحاقا له بالحكم
للحرج، واحتمال مثله في القضاء، وقد عثرت على الحكم بذلك منسوبا للعلامة
الطباطبائي، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، والله العالم.
(وأما أحكامه فمسائل: الأولى) مسمى (الوقوف بعرفات) من زوال
يوم عرفة الذي هو اليوم المشهود أو الشاهد (ركن) في الحج على معنى أن
(من تركه عامدا فلا حج له) كما هو ضابط الركنية في الحج عندهم، بل هو
مقتضى ما في بعض النسخ من تفريع ذلك بالفاء عليه، وعلى كل حال فلا خلاف
أجده في ذلك بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، بل نسبه غير واحد إلى علماء الإسلام، وفي النبوي العامي (2) " الحج عرفة " بل في كشف اللثام في الأخبار
أن الحج عرفة (3) وفي صحيح الحلبي (4) عن الصادق عليه السلام " قال رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 173
(3) المستدرك الباب 18 من أبواب إحرام الحج الحديث 3
(4) الوسائل الباب 19 من أبواب احرام الحج الحديث 10
32

في الموقف: ارتفعوا عن بطن عرنة، وقال: أصحاب الأراك لا حج لهم " وفي
خبر أبي بصير (1) عنه عليه السلام أيضا " إذا وقفت بعرفات فادن من الهضبات،
والهضبات هي الجبال، فإن النبي صلى الله عليه وآله قال: أصحاب الأراك لا حج لهم، يعني
الذين يقفون عند الأراك " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم الحج بعدم
الوقوف فيها ولو بالوقوف في حدودها كالاراك ونحوه فضلا عن غيرها، ولا ينافيه
مرسل ابن فضال (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " الوقوف بالمشعر فريضة، والوقوف
بعرفة سنة " بعد كونه مرسلا، واحتماله إرادة معرفة وجوبه من السنة، بخلاف
الوقوف بالمشعر المستفاد وجوبه من قوله تعالى (3): " فإذا أفضتم من عرفات
فاذكروا الله عند المشعر الحرام " نعم قد عرفت سابقا أن الركن مسماه، والواجب
الزائد إلى الغروب، فلاحظ وتأمل، هذا. وفي القواعد الوقوف الاختياري
بعرفة ركن، ومقتضاه عدم الاجتزاء بالاضطراري مع تركه عمدا، وهو كذلك
بل هو صريح المصنف، بل قيل يعطيه النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر والنافع
لاطلاق الأدلة السابقة.
(و) كيف كان ف‍ (من تركه نسيانا تداركه ما دام وقته) الاختياري
أو الاضطراري (باقيا، ولو فاته) ذلك أي (الوقوف بعرفة) بقسميه
(اجتزأ بالوقوف بالمشعر) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل الاجماع
بقسميه عليه، بل المحكي منه في أعلى درجات الاستفاضة، بل عن الإنتصار
والمنتهى زيادة الاجماع المركب، فإن من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء
باختياريه إذا فات الوقوف بعرفات لعذر، وفي صحيح معاوية بن عمار (4) عن

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب احرام الحج الحديث 11 - 14
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب احرام الحج الحديث 11 - 14
(3) سورة البقرة الآية 194
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
33

الصادق عليه السلام " في رجل أدرك الإمام وهو بجمع فقال: إن ظن أنه يأتي عرفات
ويقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، وإن ظن أنه لا يأتيها
حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد تم حجه " وفي خبر الحلبي (1) " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال: إن كان في
مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل
أن يفيضوا، فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف
بالمشعر الحرام، فإن الله تعالى أعذر لعبده، وقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام
قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته
الحج، فليجعلها عمرة مفردة، وعليه الحج من قابل " وفي خبر إدريس بن
عبد الله (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن
مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها فقال: إن ظن أن
يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا
فليقف بجمع، ثم ليفض مع الناس فقد تم حجه " وفي صحيح معاوية (3) عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فإذا شيخ كبير فقال:
يا رسول الله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال: إن ظن أنه يأتي
عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، وإن ظن أنه
لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها وقد تم حجه " إلى غير ذلك من
النصوص التي لا تصريح فيها بخصوص الناسي وإن كان هو مندرجا في مفهوم
التعليل بأن الله أعذر لعبده، بل وفي قوله: " أدرك " ونحوه، بل في المدارك

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 4
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 4
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 4
34

أنه يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل أيضا كما هو ظاهر اختيار الشهيد في
الدروس، ويدل عليه عموم قول النبي صلى الله عليه وآله (1): " من أدرك عرفات بليل فقد
أدرك الحج " وقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار (2): " من أدرك
جمعا فقد أدرك الحج " وفيه أن ذلك يشمل العامد أيضا نحو قوله عليه السلام (3):
" من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله " اللهم إلا أن يلتزم ذلك
إن لم يكن إجماع عليه، والتحقيق اعتبار قيد العذر مع ذلك نسيان أو غيره،
ولعل الجهل مع عدم التقصير منه أيضا، بل ومعه إذا كان في أصل تعلم الأحكام
الشرعية، هذا، وبالغ في الحدائق في إنكار كون النسيان عذرا لأنه من الشيطان
بخلاف الجاهل الذي استفاضت النصوص بمعذوريته، ولا سيما في باب الحج عموما
وخصوصا، وفيه ما لا يخفى، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه، والله العالم.
المسألة (الثانية وقت الاختيار بعرفة من زوال الشمس إلى الغروب)
بذهاب الحمرة المشرقية (من ترك) مسماه عالما (عامدا) فيه (فسد حجه) وإن
جاء بالاضطراري لما عرفت (ووقت الاضطرار إلى طلوع الفجر من يوم النحر)
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل في المدارك وغيرها الاجماع عليه، مضافا
إلى ما سمعته من النصوص، نعم الواجب من الوقوف الاضطراري مسمى الكون
بعرفات ليلا، ولا يجب الاستيعاب، بل في محكي التذكرة الاجماع عليه، كما في
محكي المنتهى نفي الخلاف فيه، مضافا إلى ما سمعته من النص (4) المصرح بالاجتزاء

(1) كنز العمال ج 3 ص 13 الرقم 264
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 و 4
35

به ولو قليلا، فلا يتوهم كونه كوقت الاختيار في كون الركن مسماه والواجب
الزائد على ذلك إلى مطلع الفجر بناء على المختار، نعم قد يقال بكونه مثله في
فوات الحج بفوات المسمى مع العلم والعمد، فإنه كالركن من الاختياري كما عساه
يومي إليه صحيح الحلبي (1) السابق، مضافا إلى قاعدة عدم الاتيان بالمأمور به
على وجهه، بل لعله مقتضى إطلاقهم أن الركن مسماه الشامل للاختياري
والاضطراري كما صرح به غير واحد من متأخري المتأخرين، ووجهه ما عرفت
بعد أن لم يكن فيما يدل على كفاية الاضطراري عموم يشمل ما نحن فيه،
لاختصاصه بغيره كما سمعت، نعم في قواعد الفاضل ما عرفت من أن الوقوف
الاختياري بعرفة ركن من تركه عامدا بطل حجه، وربما استشعر منه عدم كون
الاضطراري كذلك، فلو تركه عمدا حينئذ لم يبطل حجه، وفيه منع واضح،
ويمكن أن يكون الوجه في اقتصاره بيان أنه لا يجزي الاقتصار على الاضطراري
عمدا، بل من ترك الاختياري عمدا بطل حجه وإن أتى بالاضطراري كما سمعت
الكلام فيه.
وكذا لا يتوهم أيضا من إطلاق كثير من النصوص السابقة كون وقت
الاضطرار لوقوف عرفة هو ما لا يفوت معه وقوف اختياري المشعر، فلو تمكن
منهما معا قبل طلوع الشمس كفى، لوجوب تقييده بما في غيره من الوقوف ليلة
النحر المعتضد بفتوى الأصحاب على وجه لا يعرف فيه خلاف، وكيف كان فما
عن الشيخ في الخلاف من إطلاق أن وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة
إلى طلوع الفجر من يوم العيد منزل على ما عرفت من التفصيل الذي ذكره في
باقي كتبه، فما عن ابن إدريس من أن هذا القول مخالف لأقوال علمائنا، وإنما

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
36

هو قول لبعض المخالفين أورده الشيخ في كتابه إيرادا لا اعتقادا في غير محله،
ضرورة كون مراد الشيخ بيان مطلق الاختياري والاضطراري، ومن هنا قال
في المختلف التحقيق أن النزاع هنا لفظي، فإن الشيخ قصد الوقت الاختياري،
وهو من زوال الشمس إلى غروبها، والاضطراري وهو من الزوال إلى طلوع الفجر
فتوهم ابن إدريس أن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري فأخطأ في اعتقاده،
ونسب الشيخ إلى تقليد بعض المخالفين، مع أن الشيخ من أعظم المجتهدين وكبيرهم
ولا ريب في تحريم التقليد للمحق من المجتهدين، فكيف بالمخالف الذي يعتقد
المقلد أنه مخطئ، وهل هذا إلا جهالة منه واجتراء على الشيخ (ره).
المسألة (الثالثة من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ولو إلى طلوع
الفجر من يوم النحر إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس) بلا خلاف
ولا إشكال، لما عرفته سابقا (ولو غلب على ظنه الفوات اقتصر على إدراك
المشعر قبل طلوع الشمس وقد تم حجه) نصا وفتوى، نعم قد يستفاد من قول
المصنف: " إذا عرف " إلى آخره، عدم وجوب العود إلى عرفات مع التردد في
ذلك، وفي المدارك وهو كذلك للأصل، وقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن
عمار (1) المتقدمة: " إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل
طلوع الشمس فليأتها " واحتمل الشارح وجوب العود مع التردد تقديما للوجوب
الحاضر، وهو ضعيف، وفيه أن صحيح معاوية بن عمار السابق وإن كان قد
علق إتيان عرفة فيه على الظن لكن علق فيه عدم الاتيان على ظن ذلك أيضا،
نعم في خبر إدريس (2) تعليق ذلك على خشيان الفوات الذي لا ريب في تحققه
مع التردد، على أنه بناء على توقف صحة الحج على إدراك أحد الاختياريين

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 3
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 3
37

يكفي به عذرا في اقتصاره على المشعر، ضرورة أن في تركه تعريضا لفوات
الاختياريين الموجب هنا لفوات الحج، وبذلك ترجح مراعاته على اضطراري
عرفة، كما هو واضح.
(وكذا) يتم حجه (لو نسي الوقوف بعرفات) مثلا (ولم يذكر إلا
بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص السابقة المصرحة باجزاء اختياري المشعر مع
فوات وقوف عرفة بقسميه.
المسألة (الرابعة إذا وقف بعرفات قبل الغروب ولم يتفق له إدراك المشعر
إلا قبل الزوال صح حجه) بادراك اختياري عرفة واضطراري المشعر بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص التي منها صحيح
معاوية (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل أفاض من عرفات إلى
منى؟ قال: فليرجع فليأت جمعا فيقف بها وإن كان الناس قد أفاضوا من جمع "
وموثق يونس بن يعقوب (2) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أفاض من عرفات
فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى إلى منى ورمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار
قال: يرجع إلى المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي، جمرة العقبة " وصحيح معاوية (3)
عنه عليه السلام أيضا " من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت جمعا وليقف بها
وإن كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع " بل في المسالك هنا " لو فرض عدم
إدراك المشعر أصلا صح أيضا، فإن اختياري أحدهما كاف " بل قال في موضع
آخر: " لا خلاف في الاجتزاء بأحد الموقفين الاختياريين " لكن أشكله سبطه

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 1
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 1
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 3 - 1
38

بانتفاء ما يدل على الاجتزاء بادراك اختياري عرفة خاصة، مع أن الخلاف في
المسألة متحقق، فإن العلامة في المنتهى صرح بعدم الاجتزاء بذلك، وهذه عبارته
" ولو أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فإن كان الفائت هو عرفات
فقد صح حجه لادراك المشعر، وإن كان هو المشعر ففيه تردد، أقربه الفوات "
وقال في التحرير: " ولو أدرك أحد الاختياريين وفاته الآخر اختيارا واضطرارا
فإن كان الفائت هو عرفة صح الحج، وإن كان هو المشعر ففي إدراك الحج إشكال "
ونحوه في التذكرة، فعلم من ذلك أن الاجتزاء بادراك اختياري عرفة ليس اجماعيا
كما ذكره الشارح، وأن المتجه فيه عدم الاجتزاء، لعدم الاتيان بالمأمور به على
وجهه، وانتفاء ما يدل على الصحة مع هذا الاخلال.
قلت: قد نفى عنه الخلاف في التنقيح أيضا، وعن جماعة نسبته إلى الشهرة
منهم المحدث المجلسي (رحمه الله) والسيد نعمة الله الجزائري في شرح التهذيب
وشارح المفاتيح، بل عن الأخير عن بعضهم الاجماع عليه، وفي الذخيرة والمختلف
أنه المعروف بين الأصحاب، بل في الرياض أنه عزاه في الذخيرة إليهم مشعرا بعدم
خلاف فيه، كما هو ظاهر المختلف والدروس أيضا، بل ستسمع تصريح المصنف
والفاضل في القواعد وغيرهما بعدم بطلان الحج مع نسيان الوقوف بالمشعر إن كان
قد وقف بعرفة، كالمحكي عن السرائر والجامع والإرشاد والتبصرة والدروس
واللمعة وغيرها، بل هو صريح الفاضل في التحرير والمنتهى أيضا، فيكون رجوعا
عن الأول، وبه يتم نفى الخلاف حينئذ.
كل ذلك مضافا إلى النبوي (1) " الحج عرفة " والمروي (2) في طرقنا

(1) المستدرك الباب 18 من أبواب احرام الحج الحديث 3
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب احرام الحج الحديث 9
39

الحسنة " الحج الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار " والصحيح أو الحسن عن محمد
ابن يحيى (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت
بها حتى أتى منى فقال: ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟ قلت: فإنه جهل
ذلك، قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته قال: لا بأس " ومرسل محمد بن
يحيى الخثعمي (2) عنه عليه السلام أيضا " فيمن جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت حتى
أتى منى قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته قال: لا بأس به " وإلى رفع الخطأ
والنسيان ومعذورية الجاهل وخصوصا في الحج، بل قيل وإلى صحيح حريز (3)
عن الصادق عليه السلام على ما رواه الكليني والشيخ وعلي بن رئاب عنه عليه السلام على ما
رواه الصدوق " من أفاض من عرفات مع الناس ولم يبت معهم بجمع ومضى إلى
منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة " وإن كان لا يخلو من نظر.
وعلى كل حال فلا يعارض ذلك بعموم الصحيح (4) " إذا فاتك المزدلفة
فقد فاتك الحج " وبالمرسل (5) " الوقوف بالمشعر فريضة، والوقوف بعرفة سنة "
وبمفهوم جملة من النصوص (6) من أدرك جمعا إما مطلقا أو قبل زوال الشمس
فقد أدرك الحج، ضرورة وجوب تخصيص ذلك كله بغير الجاهل الذي وقف

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6 - 5 - 1
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6 - 5 - 1
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6 - 5 - 1
(5) الوسائل الباب 19 من أبواب إحرام الحج الحديث 14
(6) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر والباب 25 منها
الحديث 2
40

اختياري عرفة الملحق به الناسي والمضطر بعدم القول بالفصل، وباحتمال إرادة
الجهل بالحكم، بل هو الظاهر، ولا ريب في أولوية الناسي منه، بل يمكن إرادة
ما يعم النسيان من الجهل فيه، خصوصا بعد ملاحظة ما عرفت من الشهرة العظيمة
أو عدم الخلاف المحقق نقلا إن لم يكن تحصيلا، وما ذكره الشيخ من الطعن
في خبر محمد بن يحيى بأنه رواه تارة بواسطة وأخرى بدونها، وأنه محمول على
من وقف بالمزدلفة شيئا يسيرا دون الوقوف التام الذي متى وقفه الانسان كان
أفضل وأكمل لا داعي له، خصوصا بعد انجباره بما سمعت، على أنه لا حاجة
إلى حمله على ما ذكره بعد أن كان موافقا لمن عرفت، مع أنه كالصريح في عدم
وقوفه شيئا من الاختياري، نعم قد يقال باعتبار وقوف شئ يسير من الليل
ولو حال التجاوز فيه في الصحة في الفرض، بخلاف ما إذا لم يحصل له كون فيه
أصلا بأن مضى إلى منى من دون مرور بالمشعر أصلا، فإنه يبطل، لعدم تناول
دليل الصحة له، وربما يؤيده في الجملة ما رواه الشيخ والصدوق عن حماد بن
عثمان في الصحيح والكليني معه في الضعيف عن محمد بن حكم " قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: أصلحك الله الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي
فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أليس قد
صلوا بها فقد أجزأهم، قلت: فإن لم يصلوا بها قال: فذكروا الله فيها، فإن كان
قد ذكروا الله فيها فقد أجزأهم " إلا أني لم أجده قولا لأحد من الأصحاب حتى
المتأخرين ومتأخريهم إلا صاحب الذخيرة، فإنه اعتبر في الصحة في الفرض ذلك،
بل يخرج حينئذ عن موضوع المسألة الذي هو إدراك موقف عرفة خاصة، ضرورة

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3
عن محمد بن حكيم
41

كونه على الفرض المزبور أدرك الموقفين، لما تعرفه إن شاء الله من أن موقف
المشعر الركني الكون به آنا ما ليلا أو نهارا إلى طلوع الشمس وإن وجب مع ذلك
الكون بعد طلوع الفجر، لكنه ليس ركنا مع الوقوف ليلا، فتأمل جيدا،
وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرناه النظر فيما سمعته من المدارك، والله العالم.
المسألة (الخامسة إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا ثم
لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس) فوقف فيه قبل الزوال (ف‍) مقتضى المحكي
من النهاية والمبسوط أنه (قد فاته الحج) واختاره في النافع للمعتبرة المستفيضة (1)
المتضمنة أن من لم يدرك الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له
فإنها شاملة للفرض، بل ولمن أدرك اختياري عرفة أيضا وإن كان قد خرج بما
عرفت من الاجماع وغيره، بخلاف الفرض، لكن فيه أنها ظاهرة كما لا يخفى على
من لاحظها فيمن لم يدرك إلا ذلك، لا المفروض الذي أدرك فيه اضطراري
عرفة معه، على أنها معارضة بالمعتبرة المستفيضة (2) المتضمنة أن من أدرك المشعر
قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحج، وتقييدها بمن أدرك مع ذلك
اختياري عرفة ليس بأولى من تقييد الأولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا حتى
الاضطراري منها، بل هو أولى من وجوه، منها الشهرة، ومنها ما قيل من أن
هذه معتبرة الأسانيد جملة، بل صحاحها مستفيضة، بخلاف تلك الضعيفة أسانيدها
جملة عدا صحيح حريز (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مفرد للحج فاته الموقفان
جميعا فقال له: إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6
و 8 و 9 وغيرها
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
42

فليس له حج، ويجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل " وهو ظاهر في عدم إدراك
عرفات مطلقا، كل ذلك مضافا إلى خصوص صحيح الحسن العطار (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام " إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم
يدرك الناس بجمع ووجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام، وليلحق
الناس بمنى ولا شئ عليه ".
(و) من هنا (قيل) والقائل الشيخ في التهذيب والصدوق والإسكافي
والسيد وابن زهرة والحلبيون والفاضل وغيرهم، بل الأكثر، بل المشهور:
(يدركه ولو قبل الزوال، وهو حسن) بل الأقوى لما عرفت، بل ينبغي القطع
به بناء على القول بادراك الحج بادراك اضطراري المشعر النهاري خاصة كما هو
المحكي عن ابني الجنيد وبابويه في علل الشرائع والسيد والحلبيين وجملة من المتأخرين
كثاني الشهيدين وسبطه، لقول الصادق عليه السلام في صحيح جميل: " من أدرك
الموقف بجمع يوم النحر قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج " وحسنه (2)
وصحيح إسحاق بن عمار (3) " من أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل أن تزول
الشمس فقد أدرك الحج " وصحيح معاوية (4) " إذا أدركت الزوال فقد أدركت
الموقف " وموثق إسحاق (5) " من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس
قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج " وصحيح جميل (6) أيضا " المتمتع له
المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر "

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9 - 11 - 15 - 11
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9 - 11 - 15 - 11
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9 - 11 - 15 - 11
(5) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9 - 11 - 15 - 11
(6) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الحج الحديث 15
43

وفي الصحيح (1) " جاءنا رجل بمنى فقال: إني لم أدرك الناس بالموقفين فقال له
عبد الله بن المغيرة: فلا حج لك، وسأل إسحاق بن عمار فلم يجبه، فدخل إسحاق
على أبي الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن
تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج " وفي الموثق (2) " سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل عرض له سلطان فأخذه يوم عرفة قبل أن يعرف فبعث به إلى مكة
فحبسه فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ قال: يلحق بجمع ثم ينصرف
إلى منى ويرمي ويذبح ولا شئ عليه، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟
قال: هذا مصدود عن الحج، إن كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف
بالبيت أسبوعا، ويسع أسبوعا، ويحلق رأسه ويذبح شاة، وإن كان دخل مكة
مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا حلق رأسه ".
وعن فخر الدين وثاني الشهيدين الاستدلال عليه أيضا بصحيح عبد الله بن
مسكان عن الكاظم عليه السلام " إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد
أدرك الحج " إلا أني لم أجده في شئ من الأصول التي وصلت إلينا كما اعترف به
غير واحد ممن تأخر عنهما، بل في المدارك الظاهر أنها رواية عبد الله بن المغيرة،
فوقع السهو في ذكر الأب، نعم قال النجاشي: روي أنه أي عبد الله بن مسكان
لم يسمع من الصادق عليه السلام إلا حديث (3) " من أدرك المشعر فقد أدرك الحج "

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6 إلا
أنه أسقط جملة منه وذكر تمامه في الاستبصار ج 2 ص 304 الرقم 1086
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الاحصار والصد الحديث 2 مع
اختلاف يسير
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 14
44

وقال الكشي: " محمد بن مسعود (1) قال: حدثني محمد بن نصر قال: حدثني محمد
ابن عيسى عن يونس قال: " لم يسمع حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام إلا
حديثا أو حديثين، وكذلك عبد الله بن مسكان لم يسمع إلا حديث من أدرك
المشعر فقد أدرك الحج، وكان من أروي أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، وكان
أصحابنا يقولون: من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، فحدثني
محمد بن أبي عمير وأحسبه أنه رواه له من أدركه قبل الزوال من يوم النحر فقد
أدرك الحج ".
لكن المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا العدم، بل عن المنتهى والمختلف
والتنقيح أنه موضع وفاق، لصحيح الحلبي (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من
ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه
حتى يأتي عرفات، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإن الله تعالى
أعذر لعبده، وقد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن
يفيض الناس، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة،
وعليه الحج من قابل " وصحيح حريز (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مفرد
الحج فاته الموقفان جميعا فقال: له إلى طلوع الشمس يوم النحر، فإن طلعت الشمس

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث
13 - 1 والأول عن رجال الكشي عن محمد بن مسعود ومحمد بن نصير عن محمد بن
عيسى مع الاختلاف في المتن أيضا ورواه الأردبيلي في رجاله في ترجمة عبد الله بن
مسكان أيضا
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
45

من يوم النحر فليس له حج، ويجعلها عمرة، وعليه الحج من قابل " وصحيحه
الآخر (1) مع زيادة " كيف يصنع؟ قال: يطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن
شاء أقام بمكة وإن شاء أقام بمنى مع الناس، وإن شاء ذهب حيث شاء، ليس هو
من الناس في شئ " وصحيح ضريس بن أعين (2) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن
رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال: يقيم على
إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة، ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة
وينصرف إلى أهله إن شاء، وقال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه، فإن لم
يكن اشترط فعليه الحج من قابل " وخبر محمد بن سنان (3) " سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الذي إذا أدرك الناس فقد أدرك الحج فقال: إذا أتى جمعا والناس
بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمرة له، وإن أدرك جمعا
بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له، فإن شاء أن يقيم بمكة أقام،
وإن شاء أن يرجع إلى أهله رجع وعليه الحج من قابل " وقوي إسحاق بن عبد الله (4)
" سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل دخل مكة مفردا للحج فيخشى أن يفوته
الموقفان فقال: له يومه إلى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس
فليس له حج، قلت: كيف يصنع باحرامه؟ فقال: يأتي مكة فيطوف بالبيت
ويسعى بين الصفا والمروة، فقلت له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: إن شاء
أقام بمكة، وإن شاء رجع إلى الناس بمنى، وليس معهم في شئ فإن شاء رجع
إلى أهله، وعليه الحج من قابل " وخبر محمد بن فضيل (5) " سألت أبا الحسن

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 2
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 2
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 5 - 3
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 5 - 3
(5) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 5 - 3
46

عليه السلام عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج قال: إذا أتى جمعا والناس
بالمشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج ولا عمر له، فإن لم يأت جمعا حتى
تطلع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج له، فإن شاء أقام، وإن شاء رجع وعليه
الحج من قابل " بل قد يدل عليه أيضا قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبيين (1):
" إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج " وغيره بناء على انصراف الاختياري منها
بل عن المفيد الأخبار بذلك متواترة، والرواية بالأجزاء نادرة.
ومنه مضافا إلى ما سمعت من محكي الاجماع وغيره يعلم ترجيح هذه النصوص
على السابقة، خصوصا بعد احتمال جملة منها إرادة بيان أنه بذلك يدرك الموقف
كما أومأ إليه صحيح معاوية بن عمار (2)، وحينئذ لا يكون دالا على الاجتزاء به
مع فرض عدم ادراك غيره كما هو محل البحث، على أنها أجمعها من المطلق أو
العام المقيد أو المخصص بهذه النصوص حتى صحيح ابن المغيرة، فإنه وإن اشتمل
على فوات الموقفين إلا أنه يمكن إرادة الاختياريين منه دون الاضطراريين،
ولا ينافي ذلك ما في هذه النصوص من عمومها لمن أدرك موقف عرفة أيضا بعد ما
سمعت من الأدلة على تخصيصها به، وعلى كل حال فلا ريب في أن الرجحان
بجانب هذه النصوص من وجوه، ومن الغريب ما في المدارك من ارتكاب التأويل
فيها بإرادة نفي الكمال من نفي الحج فيها، وإرادة الندب من الأمر بالعمرة، بل
ومن الأمر بالحج من قابل، مع أنك قد عرفت مرجوحية المعارض الذي لا جابر
لضعيفه من وجوه كما عرفت.
ومن ذلك كله وما يأتي يظهر لك أن أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختيار
والاضطرار ثمانية، ولو جعل الوقوف الليلي للمشعر قسما على حدة تصير أحد

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 15
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 15
47

عشر: خمسة مفردة، وهي اختياري عرفة خاصة، وقد عرفت أن الأقوى صحة
الحج معه، واضطراريها خاصة، وفي الدروس أنه غير مجز قولا واحدا، وعن
الذخيرة لا أعرف فيه خلافا، بل عن جماعة الاجماع عليه، فما في المفاتيح من
نسبته إلى الشهرة مشعرا بوجود خلاف فيه في غير محله، اللهم إلا أن يريد إطلاق
كلام الإسكافي، ولا ريب في ضعفه، الثالث أن يدرك ليلة المشعر خاصة، والظاهر
عدم الاجزاء بناء على المختار، لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه نعم قد يقال
بالصحة بناء عليها بادراك اضطراري المشعر النهاري خاصة ضرورة أولوية ذلك
منه باعتبار أن فيه شائبة الاختيار، للاكتفاء به للمرأة اختيارا ولغيرها كما
ستعرف، ومن هنا كان المحكي عن ثاني الشهيدين ذلك وإن تردد فيه سبطه باعتبار
اختصاص ذلك بنص (1) لا يشمل الاضطراري الليلي، وهو كذلك، نعم قد
يستدل له باطلاق خبر مسمع (2) الآتي الدال على صحة حج من أفاض من المشعر
عامدا قبل الفجر وعليه الجبر بشاة، إلا أنه غير نقي السند، ولا جابر له في خصوص
هذا الفرد منه، وهو من لم يدرك إلا هذا الاضطراري، بل يمكن دعوى ظهوره
فيمن أدرك معه وقوف عرفة بل والاختياري منه، وقد عرفت الصحة حينئذ
فلاحظ وتأمل، الرابع أن يدرك اختياري المشعر خاصة، ولا إشكال في الصحة
كما عرفت، بل في الدروس أنه خرج الفاضل وجها باجزاء اختياري المشعر وحده
دون اختياري عرفة، ولعله لقول الصادق عليه السلام (3): " الوقوف بالمشعر فريضة

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب احرام الحج الحديث 14
48

وبعرفة سنة " وقوله عليه السلام (1): " إذا فاتتك مزدلفة فاتك الحج " ويعارض بما
اشتهر من قول النبي صلى الله عليه وآله (2): " الحج عرفة " و " أصحاب الأراك لا حج
لهم (3) " ويتفرع عليه اختيار المشعر لو تعارضا ولا يمكن الجمع بينهما، وإن
سوينا بينهما تخير، ولو قيل بترجيح عرفات لأنه المخاطب به الآن كان قويا،
وعلى كل حال فلا ريب في ضعف التخريج المزبور في حال العمد لما عرفت، الخامس
أن يدرك اضطرارية النهاري خاصة، وفيه البحث السابق الذي قد عرفت أن
الأقوى فيه عدم الصحة، فيكون الباطل من الأقسام الخمسة قسمين، وأما الستة
المركبة فالأول أن يدرك الاختياريين، الثاني اختياري عرفة مع اضطراري المشعر
الليلي، الثالث اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري، الرابع أن يدرك
اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي، الخامس أن يدرك اضطراري عرفة
مع اختياري المشعر، السادس أن يدرك الاضطراريين، والأقوى الصحة في الجميع
مع فرض عدم الترك للاختياري عمدا، وإلا بطل حجه كما عرفت.
(و) أما (المندوبات) فكثيرة، منها (الوقوف في ميسرة الجبل)
لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (4): " قف في ميسرة الجبل، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله وقف بعرفات في ميسرة الجبل، فلما وقف جعل الناس يبتدرون
أخفاف ناقته فيقفون إلى جانبه، فنحاها، ففعلوا مثل ذلك فقال: أيها الناس إنه
ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف، ولكن هذا كله موقف، وأشار بيده إلى

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(2) المستدرك الباب 18 من أبواب إحرام الحج الحديث 3
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب إحرام الحج الحديث 11
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب احرام الحج الحديث 1
49

الموقف، وفعل مثل ذلك في المزدلفة " الحديث.
ومنها أن يكون (في السفح) لقوله عليه السلام أيضا في خبر مسمع (1):
عرفات كلها موقف، وأفضل المواقف سفح الجبل " والمراد بالسفح الأسفل
حيث يسفح فيه الماء، وحينئذ فيدل عليه موثق إسحاق (2) " سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أو على الأرض؟ فقال: على
الأرض " وعن القاموس السفح عرض الجبل المضطجع، أو أصله، أو أسفله، كما
أن المراد بميسرة الجبل بالنسبة إلى القادم من مكة كما في المدارك.
(و) منها (الدعاء المتلقى عن أهل البيت (عليهم السلام) كدعاء
الحسين المعروف، ودعاء ولده زين العابدين في الصحيفة، ودعاء النبي صلى الله عليه وآله
الذي علمه لعلي عليه السلام كما في مرسل ابن سنان (3) عن الصادق عليه السلام، قال له:
" ألا أعلمك دعاء يوم عرفة وهو دعاء من كان قبلي من الأنبياء تقول: لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت، وهو حي لا يموت،
بيده الخير وهو على كل شئ قدير، اللهم لك الحمد كما تقول وخير ما تقول وفوق
ما يقول القائلون، اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، ولك تراثي، وبك
حولي، ومنك قوتي، اللهم إني أعوذ بك من الفقر ووساوس الصدر ومن شتات
الأمر ومن عذاب القبر، اللهم إني أسألك خير الرياح، وأعوذ بك من شر
ما تجئ به الرياح، وأسألك خير الليل وخير النهار، اللهم اجعل لي في قلبي نورا

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب إحرام الحج الحديث 2
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب إحرام الحج الحديث 5
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب إحرام الحج الحديث 3
مع الاختلاف
50

وفي سمعي وبصري نورا، وفي لحمي ودمي وعظامي وعروقي ومقعدي ومقامي
ومدخلي ومخرجي نورا، وأعظم لي نورا يا رب يوم ألقاك، إنك على كل
شئ قدير ".
(أو غيره من الأدعية) قال الباقر عليه السلام في خبر أبي الجارود (1):
" ليس في شئ من الدعاء عشية عرفة شئ موقت " وستسمع الأمر بالدعاء
بما أحب.
(وأن يدعو لنفسه ولوالديه وللمؤمنين) وفي الدروس أقلهم أربعون
وإن لم أجد به هنا نصا، وعلى كل حال فهو يوم شريف كثير البركة، بل عن
الحلبي يلزم افتتاحه بالنية، وقطع زمانه بادعاء والتوبة والاستغفار، ولعله لظاهر
الأمر في الأخبار المعلوم إرادة الندب منه، وخصوص خبر جعفر بن عامر بن
عبد الله بن جذاعة الأزدي عن أبيه (2) قال للصادق عليه السلام: " رجل وقف في
الموقف فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلى الناس ولا يدعو حتى أفاض الناس قال:
يجزيه وقوفه، ثم قال: أليس قد صلى بعرفات الظهر والعصر وقنت دعا؟ قال:
بلى، قال: فعرفات كلها موقف، وما قرب من الجبل فهو أفضل " الذي هو كما
ترى لا صراحة فيه بل ولا ظهور في ذلك، بل استدل به الفاضل على عدم
الوجوب، ولعله لقوله عليه السلام: " يجزيه وقوفه " وإن كان فيه أن ذلك غير مناف
لوجوب الدعاء، فالتحقيق عدم دلالته على كل منهما، وخصوصا بالنسبة إلى قطع
الزمان جميعه، كخبر أبي يحيى زكريا الموصلي (3) " سألت العبد الصالح عليه السلام
عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولده قبل أن يذكر الله تعالى

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 2 - 3
51

بشئ أو يدعو فاشتغل بالجزع والبكاء عن الدعاء ثم أفاض الناس، فقال: لا أرى
عليه شيئا وقد أساء فليستغفر الله، أما لو صبر واحتسب لأفاض من الموقف
بحسنات أهل الموقف جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شيئا " بناء على أن
المراد بالإساءة فيه والاستغفار من حيث الجزع ونحوه، ولكن الانصاف عدم
خلو الأول عن ظهور في الاجتزاء بالوقوف المجرد، وأنه لا يجب فيه غيره، وعن
القاضي وجوب الذكر والصلاة على النبي وآله (صلوات الله عليهم) واستدل له
بالأمر في الآية (1) وأجيب بعدم كونه للوجوب، وفيه أن المأمور به إنما هو
الذكر عند المشعر الحرام وعلى بهيمة الأنعام وفي أيام معدودات، وقد فسرت في
الأخبار (2) بالعيد وأيام التشريق، والذكر فيها بالتكبير عقيب الصلوات وبعد
قضاء المناسك، فيحتمل التكبير المذكور وغيره، نعم قال الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية (3) السابق: " فإذا وقفت بعرفات فاحمد الله وهلله ومجده واثن عليه
وكبره مائة مرة، واقرأ قل هو الله أحد مائة مرة، وتخير لنفسك من الدعاء
ما أحببت، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة، وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن
الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحب إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، وإياك
أن تشتغل بالنظر إلى الناس وأقبل قبل نفسك، وليكن فيما تقول: اللهم رب
المشاعر كلها فك رقبتي من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ عني
شر فسقة الجن والإنس، اللهم لا تمكر بي ولا تخدعني ولا تستدرجني يا أسمع
السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين، أسألك أن

(1) سورة البقرة الآية 194
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب صلاة العيد من كتاب الصلاة
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب احرام الحج الحديث 1 مع الاختلاف
52

تصلي على محمد وآل محمد وأن تفعل بي كذا وكذا، وليكن فيما تقول وأنت رافع
يديك إلى السماء: اللهم ربي حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني،
وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص رقبتي من النار، اللهم إني
عبدك وملك ناصيتي بيدك، وأجلي بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني
وأن تسلم مني مناسكي التي أريتها خليك إبراهيم عليه السلام، ودللت عليها نبيك محمدا
صلى الله عليه وآله، وليكن فيما تقول: اللهم اجعلني ممن رضيت عمله وأطلت عمره وأحييته
بعد الموت حياة طيبة " وفي خبره الآخر (1) عنه عليه السلام أيضا " وإنما تعجل الصلاة
وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، ثم تأتي الموقف وعليك
السكينة والوقار، فاحمد الله وهلله ومجده واثن عليه وكبره مائة مرة، واحمده
مائة مرة، وسبحه مائة مرة، واقرأ قل هو الله أحد وساق الحديث إلى قوله
وأقبل قبل نفسك - ثم قال -: وليكن فيما تقول: اللهم إني عبدك فلا تجعلني
من أخيب وفدك، وارحم مسيري إليك من الفج العميق، وليكن فيما تقول:
اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال،
وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم لا تمكر بي، ولا تخدعني، ولا
تستدرجني، وتقول: اللهم إني أسألك بحولك وجودك وكرمك ومنك وفضلك
يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين " الحديث إلى آخره، وزاد " ويستحب أن
تطلب عشية عرفة بالعتق والصدقة أي تطلب فضلها بذلك ".
وظاهر الأمر فيه وفي غيره بالتعجيل وترك النوافل الرواتب أنه يوم دعاء
وذكر لا يوم صلاة، لكن في خبر أبي بلال (2) " رأيت أبا عبد الله عليه السلام أتى

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب إحرام الحج الحديث 1
53

بخمسين نواة فكان يصلي بقل هو الله أحد مائة ركعة وختمها بآية الكرسي،
فقلت: جعلت فداك ما رأيت أحدا منكم صلى هذه الصلاة هنا فقال: ما شهد
هذا الموضع نبي ولا وصي نبي إلا صلى هذه الصلاة " ولعل المراد صلاتها
في العمر مرة.
وكيف كان ففي صحيح ابن ميمون (1) عنه عليه السلام أيضا " أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وقف بعرفات فلما همت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع قال: اللهم إني
أعوذ بك من الفقر ومن تشتت الأمر ومن شر ما يحدث لي بالليل والنهار، أمسى
ظلمي مستجيرا بعفوك، وأمسى خوفي مستجيرا بأمانك، وأمسى ذلي مستجيرا
بعزك، وأمسى وجهي الفاني مستجيرا بوجهك الباقي، يا خير من سئل، ويا
أجود من أعطى جللني رحمتك، وألبسني عافيتك، واصرف عني شر جميع خلقك
قال عبد الله بن ميمون: وسمعت أبي يقول: يا خير من سئل ويا أوسع من أعطى
ويا أرحم من استرحم ثم سل حاجتك " وفي خبر أبي بصير (2) عنه عليه السلام أيضا "
إذا أتيت الموقف فاستقبل البيت وسبح الله مائة مرة، وكبر الله مائة مرة،
وتقول: ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة، وتقول: أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي،
وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شئ قدير مائة مرة، ثم تقرأ عشر
آيات من أول سورة البقرة، ثم تقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات، وتقرأ آية
الكرسي حتى تفرغ منها، ثم تقرأ آية السخرة: إن ربكم الله الذي خلق السماوات
والأرض في ستة أيام إلى قوله - قريب من المحسنين، ثم تقرأ قل أعوذ برب

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب احرام الحج الحديث 4
54

الفلق وقل أعوذ برب الناس حتى تفرغ منها، ثم تحمد الله على كل نعمة أنعم
عليك، وتذكر نعمه واحدة واحدة ما أحصيت منها، وتحمده على ما أنعم عليك
من أهل ومال، وتحمد الله على ما أبلاك، وتقول: اللهم لك الحمد على نعمائك التي
لا تحصى بعدد، ولا تكافأ بعمل، وتحمده بكل آية ذكر فيها الحمد لنفسه في
القرآن، وتسبحه بكل تسبيح ذكر به نفسه في القرآن، وتكبره بكل تكبير كبر
به نفسه في القرآن، وتهلله بكل تهليل هلل به نفسه في القرآن، وتصلي على محمد
وآل محمد وتكثر منه وتجتهد فيه، وتدعو الله بكل اسم سمى به نفسه في القرآن
وبكل اسم تحصيه، وتدعوه بأسمائه التي في آخر الحشر، وتقول: أسألك يا الله
يا رحمان بكل اسم هو لك، وأسألك بقوتك وقدرتك وعزتك وبجميع ما أحاط به
علمك، وبجمعك وبأركانك كلها، وبحق رسولك صلوات الله عليه وآله، وباسمك
الأكبر الأكبر الأكبر، وباسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن تجيبه
وباسمك الأعظم الأعظم الأعظم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن لا ترده وأن
تعطيه ما سأل أن تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك في، وتسأل الله حاجتك كلها
من أمر الدنيا والآخرة، وترغب إليه في الوفادة في المستقبل وفي كل عام، وتسأل
الله الجنة سبعين مرة، وتتوب إليه سبعين مرة، وليكن من دعائك اللهم فكني من
النار، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس
وشر فسقة العرب والعجم، فإن نفد (1) هذا الدعاء ولم تغرب الشمس فأعده من
أوله إلى آخره، ولا تمل من الدعاء والتضرع والمسألة ".
ومنه يستفاد جملة من المندوبات، وقال إبراهيم بن هاشم (2): " رأيت

(1) في النسخة الأصلية " نفذ " والصحيح كما أثبتناه
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب إحرام الحج الحديث 1
55

عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يده
إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض، فلما انصرف الناس قلت:
يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك، قال: والله ما دعوت إلا
لاخواني، وذلك لأن أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) أخبرني أنه من
دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش ولك مائة ألف ضعف مثله، فكرهت أن
أدع مائة ألف ضعف مضمونة بواحدة لا أدري تستجاب أم لا " وعن إبراهيم
ابن أبي البلاد أو عبد الله بن جندب (1) قال: " كنت في الموقف فلما أفضت
لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه وكان مصابا بإحدى عينيه وإذا عينه الصحيحة
حمراء كأنها علقة دم، فقلت له: قد أصبت بإحدى عينيك وأنا والله مشفق على
عينك الأخرى، فلو قصرت من البكاء قليلا فقال: لا والله يا أبا محمد ما دعوت
لنفسي اليوم بدعوة، فقلت: فلمن دعوت؟ قال: دعوت لاخواني، سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: من دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله به ملكا
يقول: ولك مثلاه، فأردت أن أكون أنا أدعو لاخواني ويكون الملك يدعو لي
لأني في شك من دعائي لنفسي، ولست في شك من دعاء الملك لي "
(و) منها (أن يضرب خباه بنمرة) لقول الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية (2): " فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة، وهي بطن عرنة
دون الموقف ودون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل " الحديث، وفي
صحيحه (3) الآخر الوارد في صفة حج النبي صلى الله عليه وآله " أنه انتهى إلى نمرة وهي

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب احرام الحج الحديث 3
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب احرام الحج الحديث 1
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
56

بطن عرنة بحيال الأراك فضرب قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت
الشمس خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف
بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثم صلى الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين
ثم مضى إلى الموقف " الحديث. وربما استظهر منهما عدم انتقاله منها حتى تزول
الشمس وحينئذ فهو مناف للقول بوجوب الكون فيها من أول الزوال، وقد عرفت
الكلام فيه سابقا مفصلا.
(و) منها (أن يقف على السهل) المقابل للحزن، لرجحان الاجتماع
في الموقف والتضام.
(و) منها (أن يجمع رحله) أي يضم أمتعته بعضها إلى بعض ليأمن
عليها من الذهاب، ليتوجه بقلبه إلى الدعاء.
(و) منها أن (يسد الخلل) أي الفرج (به وبنفسه) بمعنى أنه
لا يدع بينه وبين أصحابه فرجة لتستر الأرض التي يقفون عليها، قال الصادق
(عليه السلام) في صحيح معاوية (1): " فإذا رأيت خللا فسده بنفسك وبراحلتك
فإن الله عز وجل يحب أن تسد تلك الخلال " وعن بعض احتمال كون الجار في
" به " و " بنفسه " متعلقا بمحذوف صفة للخلل، والمعنى أنه يسد الخلل الكائن
بنفسه وبرحلة بأن يأكل إن كان جائعا، ويشرب إن كان عطشانا وهكذا يصنع
ببعيره ويزيل الشواغل المانعة عن الاقبال والتوجه إلى الله تعالى في الدعاء،
واستحسنه في المدارك، وفيه أنه لا ينطبق على ظاهر خبر سعيد بن يسار (2)
" قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) عشية من العشايا بمنى وهو يحثني على
الحج ويرغبني فيه: يا سعيد أيما عبد رزقه الله رزقا من رزقه فأخذ ذلك الرزق
فأنفقه على نفسه وعلى عياله ثم أخرجهم قد ضحاهم بالشمس حتى يقدم بهم عشية

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب احرام الحج الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب احرام الحج الحديث 2 - 1
57

عرفة إلى الموقف فيقيل، ألم تر فرجا تكون هناك فيها خلل فليس فيها أحد؟
فقلت: بلى جعلت فداك، فقال: يجئ بهم قد ضحاهم حتى يشعب بهم تلك
الفرج، فيقول الله تبارك وتعالى لا شريك له: عبدي رزقته من رزقي فأخذ
ذلك الرزق فأنفقه فضحى به نفسه وعياله، ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة
التماس مغفرتي فأغفر له ذنبه واكفيه ما أهمه. قال سعيد مع أشياء قالها نحوا
من عشرة ".
(و) منها (أن يدعو قائما) لأنه أفضل أفراد الكون باعتبار كونه
أحمز وإلى الأدب أقرب، ولم أجد فيه نصا بالخصوص، لكن ينبغي أن يكون
ذلك حيث لا يورث التعب المنافي للخشوع والتوجه، وإلا كان الأفضل القعود
على الأرض أو الدابة أو السجود، بل لعل الأخير أفضل مطلقا للأخبار (1)
والاعتبار، هذا. وربما ظهر من محكي المبسوط أفضلية القيام في غير حال الدعاء
معللا له بأنه أشق، ونحوه عن المنتهى، وفي محكي الخلاف يجوز الوقوف بعرفة
راكبا وقائما سواء، وهو أحد قولي الشافعي ذكره في الاملاء، وقال في القديم:
الركوب أفضل، واستدل بالاجماع والاحتياط، وقال: إن القيام أشق فينبغي
أن يكون أفضل، وفي محكي التذكرة عندنا أن الركوب والقعود مكروهان، بل
يستحب قائما داعيا بالمأثور، وحكى عن أحمد أن الركوب أفضل اقتداء برسول الله
صلى الله عليه وآله، وليكون أقوى على الدعاء، وعن الشافعي قولين أحدهما ذلك، والآخر
التساوي، وعن المنتهى أنه أجاب عن التأسي بجواز أنه صلى الله عليه وآله إنما فعل ذلك
بيانا للجواز، ولذا طاف صلى الله عليه وآله راكبا مع أنه لا خلاف في أن المشي أفضل،
وفي كشف اللثام أو لأنه أراد أن يراه الناس ويسمعوا كلامه، وأيضا إن خلا

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب السجود من كتاب الصلاة
58

التأسي عن المعارض اقتضى الوجوب ولا قائل به، والمعارض كما أسقط الوجوب
أسقط الرجحان وفيه أنه لا تلازم، وفي خبر محمد بن عيسى (1) المروي عن
قرب الإسناد " رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) بالموقف على بغلة
رافعا يده إلى السماء عن يسار والي الموسم حتى انصرف، وكان في موقف النبي
صلى الله عليه وآله، وظاهر كفيه إلى السماء وهو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابته " ولكن مع
ذلك الأولى تركه، لما سمعته من ظاهر الاجماع في التذكرة والأمر سهل.
(ويكره الوقوف في أعلى الجبل) الذي قد عرفت أن الأرض أحب إلى
الكاظم (عليه السلام) منه (2) وما عساه يشعر به خبرا سماعة (3) من معروفية
كون الوقوف في الأسفل، وأن الصعود إلى الجبل عند الضيق، قال: " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): ثم إذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون
إلى الجبل " وتخلصا من شبهة التحريم المحكي عن القاضي إلا لضرورة، بل في
الدروس هو ظاهر ابن إدريس، والله العالم.
(و) كذا قد عرفت أنه يكره (راكبا وقاعدا) لما عرفت، بل ربما
ظهر من التذكرة الاتفاق على ذلك، نعم قد يستحبان باعتبار العوارض.
وكذا يكره الوقوف بها بغير وضوء، لخبر علي بن جعفر (4) سأل أخاه
(عليه السلام) " عن الرجل هل يصلح له أن يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال:

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 عن
محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى قال: رأيت.. الخ
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب إحرام الحج الحديث 5
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب إحرام الحج الحديث 3 و 4
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب إحرام الحج الحديث 1
59

لا يصلح له إلا وهو على وضوء ".
وينبغي أن لا يرد فيه سائلا، للمرسل (1) " كان أبو جعفر (عليه السلام)
إذا كان يوم عرفة لم يرد سائلا ".
كما أنه ينبغي للسائل أن لا يسأل فيه غير الله تعالى شأنه، ففي المرسل (2)
" سمع علي بن الحسين (عليه السلام) يوم عرفة سائلا يسأل الناس فقال ويحك
أغير الله تسأل هذا اليوم، إنه ليرجى ما في بطون الحبالى في هذا اليوم أن
يكون سعيدا ".
ويستحب أيضا الاجتماع للدعاء في غير عرفة في الأمصار، قال الصادق
(عليه السلام) في حديث (3): " في يوم عرفة تجتمعون بغير إمام في الأمصار
تدعون الله عز وجل " وقول علي (عليه السلام) (4): " لا عرفة إلا بمكة "
يراد منه نفي الكمال لا المشروعية، كما يدل عليه قوله (عليه السلام) أيضا (5):
" لا عرفة إلا بمكة، ولا بأس بأن يجتمعوا في الأمصار يوم عرفة يدعون الله
تعالى " ولعله إلى ذلك أشار في الدروس بقوله: والتعريف بالأمصار، والرواية
مبدلة ضعيفة، وفي خبر زرارة (6) عن أبي جعفر (عليه السلام) المروي عن
العياشي " سألته عن قول الله عز وجل: " خذوا زينتكم عند كل مسجد " قال:
عشية عرفة " والله العالم والموفق والمؤيد.

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب إحرام الحج الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب إحرام الحج الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 3 - 2
(5) الوسائل الباب 25 من أبواب إحرام الحج الحديث 1 - 3 - 2
(6) الوسائل الباب 26 من أبواب احرام الحج الحديث 1
60

(القول في الوقوف بالمشعر) الحرام
المسمى بمزدلفة بكسر اللام وجمع باسكان الميم وهو واحد المشاعر التي هي
مواضع المناسك والمشعر الحرام أحدها، وكسر الميم فيه لغة، وفي القاموس " المشعر
الحرام ويكسر ميمه المزدلفة، وعليه بناء اليوم، ووهم من قال جبلا يقرب من ذلك
البناء " ولعله أشار إلى الفيومي في محكي المصباح المنير قال: " والمشعر الحرام
جبل بآخر مزدلفة، واسمه قزح وميمه مفتوح على المشهور، وبعضهم يكسرها
على التشبيه باسم الآلة " وتبعه في محكي مجمع البحرين، قال: " هو جبل بآخر
مزدلفة، واسمه قزح، ويسمى جمعا ومزدلفة والمشعر الحرام " وفي الدروس في مسألة
استحباب وطئ الصرورة المشعر برجله أو بعيره وقد قال الشيخ هو قزح، فيصعد
عليه ويذكر الله عنده، وقال الحلبي: يستحب وطئ المشعر، وفي حجة الاسلام
آكد وقال ابن الجنيد: يطء برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب المنارة، والظاهر
أنه المسجد الموجود الآن، فيمكن أن يكون من المشترك بين الكل والبعض،
أو من باب تسمية الكل باسم الجزء، وتسمع تمام الكلام فيه إن شاء الله عند
تعرض المصنف له، وعلى كل حال: يسمى المزدلفة باعتبار أنه يتقرب فيه إلى
الله تعالى، قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (1): " ما لله تعالى منسك أحب
إلى الله تعالى من موضع المشعر الحرام، وذلك أنه يذل فيه كل جبار عنيد "
أو لازدلاف الناس فيها إلى منى بعد الإقامة، أو لمجئ الناس إليها في زلف من
الليل، كما في صحيح معاوية (2) أو لأنها أرض مستوية مكنوسة، وفي صحيح

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب السعي الحديث 13 وفيه " من
موضع السعي ".
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5
61

معاوية (1) عن الصادق عليه السلام في حديث إبراهيم " إن جبرئيل عليه السلام انتهى به
إلى الموقف وأقام به حتى غربت الشمس، ثم أفاض به: فقال يا إبراهيم ازدلف
إلى المشعر الحرام، فسميت مزدلفة " وقال أيضا في خبر إسماعيل بن جابر (2)
وغيره: " سميت جمع لأن آدم عليه السلام جمع فيها بين الصلاتين: المغرب والعشاء "
والأمر في ذلك سهل، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (النظر في مقدمته وكيفيته، أما المقدمة فيستحب
الاقتصاد في مسيره إلى المشعر وأن يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق:
اللهم ارحم موقفي، وزد في عملي، وسلم لي ديني، وتقبل مناسكي) قال الصادق
عليه السلام في صحيح معاوية (3): " إن المشركين كانوا يفيضون من قبل أن تغيب الشمس،
فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وأفاض بعد غروب الشمس قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام:
إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار، وأفض بالاستغفار،
إن الله عز وجل يقول: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله
غفور رحيم، فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل: اللهم ارحم
موقفي، وزد في عملي، وسلم لي ديني، وتقبل مناسكي، وإياك والوجيف الذي
يصنعه الناس، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أيها الناس إن الحج ليس بوجيف الخيل

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 7 عن
إسماعيل بن جابر وعبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله
(عليه السلام).
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 22 من أبواب احرام الحج
الحديث 1 وذيله في الباب 1 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 مع
الاختلاف في الذيل.
62

ولا بايضاع الإبل، ولكن اتقوا الله تعالى، وسيروا سيرا جميلا، لا توطؤوا
ضعيفا، ولا توطؤوا مسلما، واقتصدوا في السير، وأن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان يكف ناقته حتى أنه كان يصيب رأسها مقدم الرحل، ويقول: أيها
الناس عليكم بالدعة، فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله تتبع، قال معاوية: وسمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: اللهم اعتقني من النار، وكررها حتى أفاض فقلت ألا نفيض فقد
أفاض الناس؟ فقال: إني أخاف الزحام، وأخاف أن أشرك في عنت إنسان " وهو
دال على تمام ما ذكره المصنف وغيره، بل هو دال على الأول من وجوه، وقال
عليه السلام أيضا في حسنه (1) " وأفض بالاستغفار، فإن الله عز وجل يقول: ثم أفيضوا
من حيث أفاض الناس، واستغفروا الله، إن الله غفور رحيم ".
(وأن يؤخر المغرب والعشاء إلى المزدلفة) كما نص عليه بنو حمزة وإدريس
وسعيد والفاضل وغيرهم، بل هو معقد إجماع العلماء كافة في محكي المنتهى
والتذكرة، وهو الحجة على عدم الوجوب مضافا إلى الأصل، وقول الصادق
عليه السلام في صحيح هشام بن الحكم (2): " لا بأس أن يصلي الرجل المغرب إذا
أمسى بعرفة " وخبر محمد بن سماعة (3) سأله " للرجل أن يصلي المغرب والعتمة
في الموقف قال: قد فعله رسول الله صلى الله عليه وآله صلاهما في الشعب " وفي صحيح
ابن مسلم (4) عنه عليه السلام " عثر جمل أبي بين عرفة والمزدلفة فنزل فصلى المغرب،
وصلى العشاء الآخرة بالمزدلفة " التي لا داعي إلى حملها على الضرورة التي هي
خلاف الظاهر، خلافا للشيخ في المحكي عن معظم كتبه وابن زهرة، بل في

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 5 - 4
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 5 - 4
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 5 - 4
63

كشف اللثام حكايته عن ظاهر الأكثر وإن كنا لم نتحققه فيجب لمضمر سماعة (1)
" لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى " وقول أحدهما
(عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم (2): لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا
وإن ذهب ثلث الليل " وللاجماع في الخلاف والاحتياط، والجميع كما ترى،
فالأولى الجمع بالفضل، وإلا كان مقتضى دليل الشيخ البطلان لو فعل في الوقت،
وهو خلاف المتواتر من النصوص.
وكيف كان ففي المتن وغيره يؤخر (ولو صار ربع الليل) وعن الأكثر
ومنهم الفاضل في محكي التحرير والتذكرة والمنتهى وإن ذهب ثلث الليل، بل
في الأخيرين إجماع العلماء عليه، مضافا إلى صحيح ابن مسلم السابق بل وإلى
مضمر سماعة " وإن مضى من الليل ما مضى " ولعله إليه أشار في محكي الخلاف
بما أرسله من أنه روي إلى نصف الليل، ولعل المراد تأخيرهما إلى خوف فوات
وقت الأداء بعد تنزيل الربع والثلث على الغالب، ويقرب منه قول ابن زهرة " لا
يجوز أن يصلي العشاءان إلا في المشعر إلا أن يخاف فوتهما بخروج وقت المضطر "
وإن كان فيه ما لا يخفى، وفي كشف اللثام ولعل من اقتصر على الربع نظر إلى أخبار
توقيت المغرب إليه، وحمل الثلث على أن يكون الفراغ من العشاء عنده، وفيه
أن المصنف مما لا يرى ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (إن منعه مانع) عن الوصول إلى المشعر قبل فوات
الوقت (صلى في الطريق) بلا خلاف ولا إشكال.
(و) يستحب أيضا (أن يجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 1
64

وإقامتين من غير نوافل بينهما و) حينئذ ف‍ (- يؤخر نوافل المغرب إلى ما بعد
العشاء) بلا خلاف أجده فيه بيننا بل في صريح المدارك وعن ظاهر غيرها
الاجماع عليه، قال الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور (1) " صلاة المغرب
والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين، ولا تصل بينهما بشئ، قال: هكذا صلى
رسول الله صلى الله عليه وآله " وفي خبر عنبسة بن مصعب (2) " سألت أبا عبد الله عن
الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة فقال: صلها بعد العشاء " لكن في صحيح
أبان بن تغلب (3) " صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) المغرب بالمزدلفة فقام
فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع بينهما، ثم صليت خلفه بعد ذلك
بسنة، فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات " واحتمال كون الثانية في غير
المزدلفة كما ترى، نعم الظاهر إرادة بيان الجواز منه، وإن كان الفضل في الأول
وليس هو من قضاء النافلة وقت الفريضة، وإن كان الأقوى جوازه بناء على
امتداد وقتها بامتداد وقت المغرب وإن استحب تأخيرها عن العشاء، وإنها
لا يخرج وقتها بذهاب الشفق، وكيف كان فللعامة قول بالجمع بينهما بإقامتين،
وآخر بأذان وإقامة، والثالث بأذان وإقامتين، ورابع إن جمع بينهما في وقت
الأولى فكما قلنا وإلا فبإقامتين مطلقا، أو إذا لم يرج اجتماع الناس، وإلا أذن،
وخامس بإقامة للأولى فقط، والجميع عدا الثالث باطل لما عرفت، ولا يجب هذا
الجمع عندنا خلافا لأبي حنيفة والثوري، والله العالم.
(وأما الكيفية فالواجب النية) على حسب ما عرفته في غيره (و) المراد
أنه يجب النية في (الوقوف بالمشعر) ولا تجزي النية عند الاحرام كما عساه يظهر

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 2 - 5
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 2 - 5
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 2 - 5
65

من المحكي عن الشيخ، فإنه وإن كان أحد أفعال الحج الذي قد فرض نية عقد
الاحرام فيه، إلا أن ظاهر النص والفتوى بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، بل هو
كذلك كونه نسكا مستقلا بالنسبة إلى اعتبار النية فيه، ولا مانع من كون
جزئيته على هذا الوجه، وربما يظهر من بعض النصوص (1) الآتية حصول
الوقوف الواجب بالصلاة في الموقف أو الدعاء فيه وأن لم يعلم أنه الموقف ولم
ينو الوقوف، ولكن قد يقال بصحة الحج مع ذلك وإن فات الوقوف بخصوصه،
لفوات نيته، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (حده) أي المشعر (ما بين المأزمين إلى الحياض إلى
وادي محسر) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى، بل في المدارك هو مجمع
عليه بين الأصحاب، وفي صحيح معاوية (2) " حد المشعر الحرام المأزمين إلى
الحياض إلى وادي محسر " أي من المأزمين، ونحوه مرسل الصدوق (3) عن
الصادق (عليه السلام) وفي صحيح زرارة (4) عن أبي جعفر (عليه السلام)
" أنه قال للحكم بن عتيبة ما حد المزدلفة؟ فسكت فقال أبو جعفر (عليه السلام)
حدها ما بين المأزمين إلى الجبل إلى حياض محسر " قال الصادق (عليه السلام)
في خبر أبي بصير (5): " حد المزدلفة من وادي محسر إلى المأزمين " وقال (عليه
السلام) أيضا في صحيح الحلبي في حديث (6) " ولا تتجاوز الحياض ليلة
المزدلفة " وفي خبر إسحاق بن عمار (7) عن أبي الحسن (عليه السلام) " سألته

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث - 1 - 6 - 2 - 4 - 3 - 5 وفي الأول " حد المشعر الحرام من المأزمين.. الخ ".
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 2.
66

عن حد جمع قال: ما بين المأزمين إلى وادي محسر " والمأزمان بكسر الزاء
وبالهمز، ويجوز التخفيف بالقلب ألفا الجبلان بين عرفات والمشعر، وعن الجوهري
المأزم كل طريق ضيق بين جبلين، ومنه سمي الموضع الذي بين جمع وعرفة
مأزمين، وفي القاموس المأزم ويقال المأزمان مضيق بين جمع وعرفة وآخر بين
مكة ومنى، وظاهرهما أن المأزم اسم لموضع مخصوص وإن كان بلفظ التثنية.
(و) كيف كان ف‍ (لا) يجزي أن (يقف بغير المشعر) اختيارا أو
اضطرارا بلا خلاف ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه (نعم يجوز مع الزحام
الارتفاع إلى الجبل) أي المأزمين كما عن الفقيه والجامع والمنتهى والتذكرة بل لا
أجد فيه خلافا، بل في المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب، بل عن الغنية
الاجماع عليه، وفي موثق سماعة (1) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إذا كثر
الناس بجمع كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين " وكان المصنف
وغيره فهموا منه نحو ما سمعته في جبل عرفة الذي صرحوا بكراهة الصعود عليه
من غير ضرورة، ومن هنا قال في الدروس: ويكره الوقوف على الجبل إلا
لضرورة، وحرمه القاضي، ولعل تخصيصه القاضي لتصريحه في المحكي عنه بوجوب
أن لا يرتفع إليه إلا لضرورة، وكذا عن ابن زهرة، بخلاف غيرهم الذين عبروا
بنحو ما في المتن الذي يمكن إرادة المعنى الأخص من الجواز فيه، بمعنى أنه
لا كراهة مع الضرورة بخلاف غير حال الضرورة فإنه مكروه، ولكن فيه أنه
مناف لما هو كالصريح من النصوص السابقة من خروج المأزمين عن المشعر الذي
يجب الوقوف فيه، ويمكن أن يريد الشهيد بالجبل بل في كشف اللثام أنه الظاهر
غير المأزمين، وإنما هو جبل في خلال المشعر لا من حدوده خصوصا

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
67

بعد قوله: فالظاهر أن ما أقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر منها، ولا ريب
في خروج القنة عما أقبل منها، بل ربما استظهر من صحيح زرارة (1) كون
الجبل من الحدود الداخلة على معنى إرادة تعداد ما في المشعر من الجبل وغيره
من قوله " إلى الجبل " فيه، بل قد يقال إن المراد بخبر سماعة (2) الانتهاء إليهما
من غير صعود عليهما، ولذا أتى بإلى دون " على " وحينئذ فلا يكون منافيا لما
في النصوص السابقة من خروج المأزمين عن المشعر، ولا حاجة إلى ارتكاب
جواز الوقوف عليه مع خروجه للضرورة أو مطلقا مع الكراهة وبدونها كما
عرفت، وربما يؤيد ذلك ما أخبر به المشاهدون من أنه لا يمكن الصعود على قنته
هذا ولكن في الرياض أن السياق وفهم الأصحاب قرينة على كون " إلى " هنا بمعنى
" على " فيكون استثناء للمأزمين والجبل إلى آخره، ولا يخفى عليك ما فيه،
والله العالم.
(ولو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه) في ظاهر كلام
الأصحاب، لأن الركن مسماه الذي يحصل بآن يسير بعد النية، ولذا لا يبطل
حج من أفاض عمدا من قبل طلوع الشمس فضلا عن الخارج عن التكليف (و) لكن
في المتن (قيل: لا) يصح وقوفه، ولم نعرف القائل كما اعترف به في المدارك،
قال: نعم ذكر الشيخ في المبسوط عبارة مقتضاها أنه يعتبر الإفاقة من الجنون
والاغماء في الموقفين، ثم قال: وكذلك حكم النوم سواء، والأولى أن نقول
يصح منه الوقوف بالموقفين وإن كان نائما لأن الغرض الكون فيه لا الذكر،

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
68

وليس في كلامه دلالة على عدم صحة الوقوف إذا عرض أحد هذه الأعذار بعد النية
كما هو المنقول في العبارة، ولكن ما ذكره من عدم الفرق بين النوم والاغماء
والجنون غير جيد، قلت: قد عرفت نحو هذا الكلام في وقوف عرفة، والتحقيق
الصحة مع حصول المسمى، والبطلان بدونه (و) حينئذ ف‍ (الأول أشبه)
ولذا قال في الدروس هنا خامسها أي الواجبات السلامة من الجنون والاغماء والسكر
والنوم في جزء من الوقت كما مر، والله العالم.
(و) من الواجب أيضا (أن يكون الوقوف) للرجل المختار (بعد
طلوع الفجر) بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك والذخيرة وكشف اللثام
وعن غيرها الاجماع عليه، مضافا إلى التأسي، وقول الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية (1): " أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر، فقف إن شئت قريبا من
الجبل، وإن شئت حيث تبيت، فإذا وقفت فاحمد الله تعالى واثن عليه واذكر من
آلائه وبلائه ما قدرت عليه، وصل على النبي صلى الله عليه وآله، وليكن من قولك: اللهم
رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار، وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ
عني شر فسقة الجن والإنس، اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو وخير مسؤول
ولكل وافد جائزة، فاجعل جائزتي في وطئي هذا أن تقيلني عثرتي، وتقبل
معذرتي، وأن تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي، ثم أفض
حين يشرق لك ثبير وترى الإبل مواضع أخفافها " وعن المفيد زيادة " يا أرحم
الراحمين " في آخره، والصدوق جملا في البين، وفي الآخر وقال: " وادع الله
كثيرا لنفسك ولوالديك وولدك وأهلك ومالك وإخوانك والمؤمنين والمؤمنات،
فإنه موطن شريف عظيم " ومفهوم مرسل جميل (2) " لا بأس بأن يفيض الرجل

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
69

بليل إذا كان خائفا " بناء على إرادة الإثم من البأس في المفهوم ولو لما عرفت.
لكن عن بعضهم أن وقت الاختيار من ليلة النحر إلى طلوع الشمس من
يومها، لاطلاق قول الصادق عليه السلام في صحيح هشام (1) وغيره " في المتقدم من
منى إلى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، والمتقدم من المزدلفة إلى منى يرمون
الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس " وحسن مسمع (2) الآتي المتضمن
وجوب شاة عليه الساكت عن أمره بالرجوع، وإطلاق النصوص السابقة أن من
أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، وهو ظاهر الأكثر، لحكمهم
بجبره بشاة فقط، حتى حكى في المنتهى اتفاق من عدا ابن إدريس عليه، وفيه
أن الموجود في الدروس أن الواجب فيه نيته إلى أن قال: رابعها الوقوف بعد
الفجر إلى طلوع الشمس، والأولى استئناف النية له، والمجزي فيه الذي هو ركن
مسماه، ولو أفاض قبل طلوع الشمس ولما يتجاوز محسرا فلا بأس، بل يستحب،
فإن تجاوزه اختيارا أثم ولا كفارة، وقال الصدوق (رحمه الله): عليه شاة،
وقال ابن إدريس: يستحب المقام إلى طلوع الشمس، والأول أشهر، ثم قال:
وسادسها كونه ليلة النحر ويومه حتى تطلع الشمس، وللمضطر إلى زوال الشمس
وقد ذكر سابقا أن في صحيح هشام جواز صلاة الصبح بمنى، ولم يقيد بالضرورة
ورخص النبي صلى الله عليه وآله للنساء والصبيان الإفاضة ليلا، وكذا يجوز للخائف، وهو
كالصريح في أنه اضطراري للخائف، والفرق بينه وبين ما بعد طلوع الشمس إلى
الزوال أنه اضطراري مطلقا، بخلافه فإنه اختياري للنساء، ولا دلالة في قوله:
" سادسها " إلى آخره، على امتداد وقت الاختيار، بل مراده وجوب الكون

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 8
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
70

في ليلة النحر ويومه إلى أن تطلع الشمس على معنى أن الركن حصوله في أي جزء
منه، ومن الغريب دعوى أنه ظاهر الأكثر باعتبار حكمهم بصحته للمفيض قبل
الفجر عامدا مختارا مع الجبر بشاة إذا كان قد وقف بعرفة أو مطلقا، ضرورة
كونه كالصريح في حصول الإثم، لذكرهم الجبر المراد به الكفارة المقتضية للإثم
غالبا، وصحيح هشام مخصوص بغيره مما دل على اعتبار الاضطرار من نص
وإجماع، والسكوت في خبر مسمع لا يدل على عدم الوجوب، ضرورة احتماله
أمورا كثيرة، نحو سكوته عن الأمر بالرجوع للمفيض من عرفات قبل مغيب
الشمس مقتصرا على ذكر الكفارة، ونصوص إدراك الحج لا تنافي وجوب غير
ذلك معه، نعم روى علي بن عطية (1) قال: " أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام
ابن عبد الملك، وكان هشام خائفا فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي
هشام: أي شئ أحدثنا في حجنا، فبينما نحن كذلك إذ لقينا أبا الحسن موسى
عليه السلام وقد رمى الجمار وانصرف، فطابت نفس هشام " إلا أنه قضية في واقعة
لا يعلم حالها، ضرورة احتمال كون الإمام عليه السلام معذورا أيضا.
وعلى كل حال فقد بان لك أن تفريع المصنف وغيره على ذلك حكم الإفاضة
قبل طلوع الفجر حيث قال: (فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا ولو قليلا
لم يبطل حجه إن كان وقف بعرفات وجبره بشاة) في محله بعد أن كان المراد من
الجبر بيان الإثم المترتب على ترك الواجب المزبور، ووجهه بعد أن كان هو
المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا حسن مسمع (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس فقال: إن كان

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 3
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
71

جاهلا فلا شئ عليه، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة " المنجبر
بما عرفت، وصحيح هشام السابق بعد حمل نفي البأس فيه على إرادة بيان الصحة
فيه مع الجبر بشاة للعامد، واطلاق قوله عليه السلام (1): " من أدرك المشعر قبل
طلوع الشمس فقد أدرك الحج " بناء على شموله للفرض، فما عن الحلي وظاهر
الخلاف من بطلان الحج باعتبار فوات الركن عمدا الذي هو الوقوف بعد طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس ولو في جزء منه واضح الضعف، ضرورة كون المدار في
الركن على ما ثبت من الأدلة، وقد عرفت أن الثابت منها البطلان بترك المسمى
عمدا في ليلة النحر إلى طلوع الشمس، وإن أوجبناه بعد طلوع الفجر مع الوقوف
ليلا إلا أنه واجب غير ركن، إذ لا تلازم، وما في المدارك من أن مجرد الحكم
بوجوب الوقوف بعد الفجر كاف في عدم تحقق الامتثال بدون الاتيان به إلى
أن تثبت الصحة مع الاخلال به من دليل من خارج واضح الضعف بعد ما عرفت
ثبوتها بحسن مسمع الذي قد اعترف بصحته في غير هذا الموضع المنجبر مع ذلك
والمعتضد بما عرفت، بل عن المنتهى أن قول ابن إدريس لا نعرف له موافقا،
فكان خارقا للاجماع، واحتمال كون المراد بحسن مسمع بيان حكم الجاهل المفيض
بعد طلوع الفجر وقبله فيكون حينئذ من مسألة ذي العذر الذي ستعرف الكلام
فيها لا داعي له بعد ما عرفت من الفتوى بظاهره، مع أن ذا العذر لا جبر عليه
بشئ، نعم قد يقال بعدم دلالته على التقييد المذكور في المتن، فيصح؟ حجه وإن
لم يكن وقف بعرفات، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن ظهور في ذلك، لا أقل
من أن يكون غير متعرض فيه للحكم من غير الجهة المزبورة، فيبقى ما يقتضي

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 13
72

الفساد مما دل على وجوب وقوف عرفة وأنه الحج بحاله.
ثم لا يخفى عليك أن ما ذكرناه من الاجتزاء بالوقوف في جزء من الليل
مع الجبر بشاة إذا كان قد أفاض قبل طلوع الفجر غير مسألة المبيت، ضرورة
إمكان القول بذلك وإن لم نقل بوجوبه، فيكفي حينئذ الوقوف ليلا ثم الإفاضة
فيه، لكن يقوى وجوبه أيضا كما عن ظاهر الأكثر للتأسي، وقوله عليه السلام في
صحيح معاوية (1): " ولا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة " بل لعل صحيحه
الآخر (2) المتقدم سابقا دال عليه أيضا بل ربما ظهر منه المفروغية من ذلك،
كظهورها من غيره من النصوص، قال الصادق عليه السلام في خبر عبد الحميد بن
أبي الديلم (3) " لم سمي الأبطح أبطح؟: لأن آدم عليه السلام أمر أن ينبطح في بطحاء
جمع، فانبطح حتى انفجر الصبح، ثم أمر أن يصعد جبل جمع، وأمره إذا
طلعت الشمس أن يعترف بذنبه، ففعل ذلك فأرسل الله نارا من السماء فقبضت
قربان آدم عليه السلام فما عن التذكرة من عدم وجوبه للأصل المقطوع بما عرفت
وصحيح هشام المحمول على حال الضرورة، وحسن مسمع المراد منه الاجزاء مع
الإثم بقرينة ما فيه من الجبر بشاة واضح الضعف، بل في الدروس الأشبه أنه
ركن عند عدم البدل من الوقوف نهارا، فلو وقف ليلا لا غير وأفاض قبل طلوع
الفجر صح حجه وجبره بشاة، وإن كان فيه أن ذلك غير المبيت، ضرورة كفاية
مسمى الكون، اللهم إلا أن يراد من المبيت ذلك كما في المسالك، قال فيها:

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 وهو
صحيح الحلبي كما تقدم في ص 66
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6
73

" والأقوى وجوب المبيت ليلا والنية له عند الوصول، والمراد به الكون بالمشعر
ليلا " وإن كان لا يخلو من نظر.
وعلى كل حال فقد تلخص لك أنه لو وقف ليلا وبعد طلوع الفجر فلا
إشكال في حصول الركن، وكذا لو وقف بعد طلوع الفجر خاصة وإن أثم بعدم
المبيت بناء على وجوبه، ولو وقف ليلا خاصة أثم بعدم وقوفه بعد طلوع الفجر،
ولكن حصل الركن منه، بل أثم أيضا بعدم المبيت بناء على وجوبه مع فرض
إفاضته من المشعر قبل طلوع الفجر.
ولا يخفى عليك أن الاجتزاء بمسمى الوقوف ليلا يستلزم كونه واجبا،
إذ احتمال استحبابه مع إجزائه عن الواجب بضم الجبر بشاة مناف لقاعدة عدم
إجزاء المستحب عن الواجب بلا داع.
كما لا يخفى عليك أن الاجتزاء به عن الوقوف بعد طلوع الفجر من حيث
الركنية مشروط بحصول النية، وإلا كان كتارك الوقوف بالمشعر كما صرح به
في المسالك، لكن أشكله سبطه بأن الوقوف لغير المضطر وما في معناه إنما يقع
بعد الفجر، فكيف تتحقق نيته ليلا، وهو كما ترى، ضرورة بناء ذلك على
حصول الركنية بالوقوف ليلا وإن وجب مع ذلك الوقوف بعد طلوع الفجر،
لكنه ليس بركن بمعنى عدم بطلان الحج بتركه عمدا، هذا، وفي المسالك " ثم
إن لم نقل بوجوبه أي المبيت فلا اشكال في وجوب النية للكون عند الفجر، وإن
أوجبنا المبيت فقدم النية عنده ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر، ويظهر من
الدروس عدم الوجوب، وينبغي أن يكون موضع النزاع ما لو كانت النية للكون
به مطلقا، أما لو نواه ليلا أو نوى المبيت كما هو الشائع في كتب النيات المعدة لذلك
فعدم الاجتزاء بها عن نية الوقوف نهارا متجه، لأن الكون ليلا والمبيت مطلقا
لا يتضمنان النهار، فلا بد من نية أخرى والظاهر أن نية الكون به عند الوصول
74

كافية عن النية نهارا، لأنه فعل واحد إلى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة، وليس
في النصوص ما يدل على خلاف ذلك " انتهى، وهو محل للنظر، إذ عدم الوجوب
بخصوصه لا ينافي الاجتزاء به باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل، كما
أن الوجوب بخصوصه لا يقتضي الاجتزاء بالنية الواحدة مع فرض وجوب الكون
من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس بخصوصه على وجه يكون فعلا مستقلا كما هو
الظاهر من نصهم عليه بالخصوص، ومنه يعلم ما في قوله: " والظاهر " إلى آخره
كقوله فيها أيضا: واطلاق المصنف الاجتزاء بذلك مع جعله الوقوف الواجب
بعد طلوع الفجر لا يخلو من تكلف، بل يستفاد من اجزائه كذلك كونه واجبا
لأن المستحب لا يحزي عن الواجب، ويستفاد من قوله: " إذا كان وقف بعرفات "
أن الوقوف بالمشعر ليلا ليس اختياريا محضا، وإلا لأجزأ وإن لم يقف بعرفة إذا
لم يكن عمدا، وعلى ما اخترناه من إجزاء اضطراري المشعر وحده يجزي هنا
بطريق أولى، لأن الوقوف الليلي للمشعر فيه شائبة الاختيار، للاكتفاء به للمرأة
اختيارا وللمضطر وللمتعمد مطلقا مع جبره بشاة، والاضطراري المحض ليس
كذلك، إذ قد عرفت أن المراد من التفريع بيان الإثم وعدم الاجتزاء به، لعدم
ظهور في الدليل، وليس المدار على كونه وقوفا اختياريا كي يستتبع الاجزاء،
بل في المدارك المناقشة في الأولوية المزبورة، وخبر مسمع ظاهر فيمن أدرك مع
ذلك عرفة، إذ لا تعرض فيه للجهة المزبورة، كما أن المنساق من قوله: " من
أدرك جمعا فقد أدرك الحج " إدراك وقت الاختياري منها كما تقدم بعض
الكلام في ذلك.
بقي شئ وهو ما قيل من أن المعروف المصرح به في كلام جماعة من
الأصحاب أن الواجب الوقوف من حين تحقق طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،
فتجب النية حينئذ مقارنة لطلوع الفجر، ولكن الركن منه مسماه، والباقي
75

واجب غير ركن نحو ما سمعته في وقوف عرفة، وربما كان هذا ظاهر عبارة
الدروس السابقة بناء على إرادة عدم الدخول في وادي من قوله فيها:
" ولما يتجاوز " وتبعه الكركي وثاني الشهيدين، لكن في محكي السرائر
" ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر برجله وإن كان الوقوف واجبا وركنا من
أركان الحج عندنا من تركه متعمدا فلا حج له، وأدناه أن يقف بعد طلوع
الفجر إما قبل صلاة الغداة أو بعدها بعد أن يكون قد طلع الفجر الثاني ولو قليلا
والدعاء وملازمة الموضع إلى طلوع الشمس مندوب غير واجب " وهو وإن كان
ظاهرا فيما حكاه عنه في الدروس إلا أنه يمكن أن يريد ندبية الملازمة لموضع
الوقوف حال الدعاء لا الخروج عن المشعر رأسا، نعم في محكي المنتهى " لو ترك
السعي بوادي محسر أو أفاض بعد طلوع الشمس أو جاز وادي محسر قبل طلوعها
لم يكن عليه شئ، لأنها أفعال مستحبة، فلا يتبع في تركها عقوبة " وفي محكي
التذكرة " لو دفع قبل الاسفار بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم يكن
مأثوما إجماعا " ونحوه عن المنتهى أيضا، وفيها أيضا " وإذا أفاض من المشعر
قبل طلوع الشمس فلا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس مستحبا، وروي (1)
عن الباقر عليه السلام أنه يكره الوقوف بالمشعر بعد الإفاضة ".
وهو صريح في عدم وجوب الاستيعاب كظاهر المتن وغيره، ولعله الأقوى
للأصل وإطلاق الأدلة السالمين عن المعارض، وحسن معاوية السابق أو صحيحه (2)
لا دلالة فيه على ذلك، فإن الأمر بالإفاضة حين يشرق له ثبير وحين ترى الإبل
مواضع أخفافها أعم من ذلك، والظاهر إرادة الاسفار من الاشراق فيه بقرينة

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
76

قوله: " وترى الإبل " إلى آخره الذي لا يعبر به عن بعد طلوع الشمس، ومنه
يعلم رجحان ما قلنا على صورة العكس، بل قوله عليه السلام (1): " من أصبح على
طهر " إلى آخره ظاهر في عدم وجوب النية عند طلوع الفجر، وكذلك النهي في
خبر هشام بن الحكم (2) عن تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس حتى على احتمال
إرادة عدم الدخول فيه من قوله: " لا تتجاوز " فإن ذلك أعم من الاسفار
المزبور، بل قول الصادق عليه السلام في مرسل علي بن مهزيار (3): " ينبغي للإمام
أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، وسائر الناس إن شاؤوا عجلوا وإن شاؤوا
أخروا " ظاهر في خلافه، كخبر إسحاق بن عمار (4) " سألت أبا إبراهيم عليه السلام
أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو
أحب الساعات إلي، قلت: فإن مكثت حتى تطلع الشمس قال: لا بأس " ولكن
مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، والله العالم.
(و) على كل حال فلا خلاف أجده في أنه (تجوز الإفاضة قبل الفجر
للمرأة ومن يخاف على نفسه) من الرجال (من غير جبران) كما اعترف به بعضهم
بل في المدارك هو مجمع عليه بين الأصحاب، بل في محكي المنتهى يجوز للخائف
والنساء ولغيرهم من أصحاب الأعذار ومن له ضرورة الإفاضة قبل طلوع الفجر
من المزدلفة، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم، وقال الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية بن عمار (5) المشتمل على صفة حج النبي صلى الله عليه وآله: " ثم أفاض وأمر الناس

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
وفيه " أصبح على طهر "
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث - 2 - 4 - 1
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث - 2 - 4 - 1
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث - 2 - 4 - 1
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
77

بالدعة حتى إذا انتهى إلى المزدلفة وهي المشعر الحرام فصلى المغرب والعشاء الآخرة
بأذان واحد وإقامتين، ثم أقام فصلى فيها الفجر، وعجل ضعفاء بني هاشم بالليل،
وأمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس " وفي صحيح سعيد الأعرج (1)
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل قال: نعم
تريد أن تصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله قال: قلت: نعم، قال: أفض بهن
بليل، ولا تفض بهن حتى تقف بهن، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين
الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن أو يقصرن من أظفارهن
ثم يمضين إلى مكة في وجوههن، ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة، ثم
يرجعن إلى البيت فيطفن أسبوعا ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن،
وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل معهن أسامة " وصحيح أبي بصير (2)
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا بأس بأن يقدم النساء إذا زال الليل فيقفن
عند المشعر الحرام ساعة، ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة
ثم يقصرن وينطلقن إلى مكة " الحديث. وصحيح أبي بصير (3) عنه عليه السلام أيضا
" رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بالليل وأن يرموا الجمار
بالليل وأن يصلوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين إلى مكة ووكلن من
يضحي عنهن " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الخائف وغيره، بل قد يظهر
منها استثناء من يمضي مع النساء والخائف، فإنه عذر في الجملة كما سمعته في خبر
سعيد، بل وخبر علي بن عطية (4) السابق المتضمن تعجيل هشام وصاحبه.

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 7 - 3
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 7 - 3
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 7 - 3
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 3
78

نعم ينبغي للمعذورين أن لا يفيضوا إلا بعد انتصاف الليل، كما أنه لا بد
لهم من الوقوف ولو قليلا كما نص عليه في بعض الأخبار السابقة، بل لعل النسيان
من العذر أيضا كما أشار إليه المصنف وغيره بقوله:
(ولو أفاض ناسيا لم يكن
عليه شئ) بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به غير واحد للأصل ورفع الخطأ
والنسيان، نعم لو تمكن من الرجوع لتحصيل الوقوف بعد طلوع الفجر وجب لما
عرفت، بل يمكن ذلك في كل ذي عذر بعد دعوى عدم انصراف الأدلة المزبورة
لمن ارتفع عذره على وجه يدرك الواجب الذي هو الوقوف بعد الفجر، فتأمل،
وهل الجهل عذر احتمله بعض الناس، وربما كان هو مقتضى إطلاق خبر مسمع
السابق، فيكون المقابل له العالم العامد الذي يجب عليه الجبر بشاة كما هو ظاهر
كلام الأصحاب، بل لا وجه لحمل الأول على إرادة ما قبل طلوع الشمس، لعدم
الفرق في عدم شئ عليه بين الجاهل والعالم، مؤيدا ذلك بما يظهر من غير المقام
من معذورية الجاهل في الحج، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، فيجبر
بشاة حينئذ، والله العالم.
(ويستحب الوقوف بعد أن يصلي الفجر وأن يدعو بالدعاء المرسوم أو
ما يتضمن الحمد لله تعالى والثناء عليه والصلاة على النبي وآله) كما سمعته في
صحيح معاوية (1) السابق، وفي محكي المهذب " ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر
الحرام بعد صلاة الفجر أن يقف فيه بسفح الجبل متوجها إلى القبلة، ويجوز له
أن يقف راكبا، ثم يكبر الله سبحانه، ويذكر من آلائه وبلائه ما تمكن منه،
ويتشهد الشهادتين، ويصلي على النبي والأئمة، وإن ذكر الأئمة (عليهم السلام)
واحدا واحدا ودعا لهم وتبرأ من عدوهم كان أفضل، ويقول بعد ذلك: اللهم

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
79

رب المشعر إلى آخر ما في الخبر (1) وزاد في آخرة برحمتك، وقال: ثم تكبر
الله سبحانه مائة مرة، وتحمده مائة مرة، وتسبحه مائة مرة، وتهلله مائة مرة،
وتصلي على النبي وآله (عليهم الصلاة والسلام) وتقول: اللهم اهدني من الضلالة
وأنقذني من الجهالة، واجمع لي خير الدنيا والآخرة، وخذ بناصيتي إلى هداك،
وانقلني إلى رضاك، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته، وذل
لك فأكرمته، وجعلته علما للناس، فبلغني فيه مناي ونيل رجاي، اللهم إني
أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرم شعري وبشري على النار، وأن ترزقني حياة
في طاعتك، وبصيرة في دينك، وعملا بفرائضك، واتباعا لأوامرك، وخير
الدارين جامعا، وأن تحفظني في نفسي ووالدي وولدي وأهلي وإخواني وجيراني
برحمتك، وتجتهد في الدعاء والمسألة والتضرع إلى الله سبحانه إلى حين ابتداء
طلوع الشمس " ثم ذكر من الواجبات فيه ذكر الله سبحانه والصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله، وعن السيد والراوندي احتماله، وابن زهرة الاحتياط به، ولعل الأول
للأمر به في الآية (2) والثاني للأمر به في صحيح معاوية بن عمار (3) إلا أن
الظاهر إرادة الندب منهما، بل يمكن إرادة الذكر قلبا الحاصل بنية الوقوف،
فيكون في قوة الأمر بالكون عند المشعر الحرام لله تعالى، بل لو قلنا بوجوب
الاستيعاب المستلزم لصلاة الغداة أو الجمع بين المغرب والعشاء كفى ذلك في الذكر
بناء على إرادة مطلقه، بل والصلاة على محمد وآله أيضا.
قال أبو بصير (4) للصادق عليه السلام: " إن صاحبي هذين جهلا أن يقفا

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(2) سورة البقرة الآية 194
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 7
80

بالمزدلفة فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة، قال: فإنه لم يجزهما أحد
حتى كان اليوم وقد نفر الناس، قال: فنكس رأسه ساعة ثم قال: أليسا قد صليا
الغداة بالمزدلفة؟ أليس قد قنتا في صلاتهما؟ قال: بلى، قال: تم حجهما، ثم قال:
والمشعر من المزدلفة، والمزدلفة من المشعر، وإنما يكفيهما اليسير من الدعاء "
وظاهره الجهل بالوقوف الدعائي لا مطلق الكون الحاصل مع النية في ضمن صلاة
الغداة والقنوت فيها اللذين قد عرفت إمكان الاجتزاء بهما عن الذكر، بل يمكن
إرادة القائل ذلك أيضا، إلا أن هذا ونحوه ظاهر في كون الأمر للندب المناسب
لهذا التسامح.
وكذا خبر محمد بن حكيم (1) سأله عليه السلام " عن الرجل الأعجمي والمرأة
الضعيفة تكون مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم إلى منى لم
ينزل بهم جمعا، قال: أليس قد صلوا بها فقد أجزأهم، قال: فإن لم يصلوا بها
قال: فذكروا الله فيها، فإن كان قد ذكروا الله فيها فقد أجزأهم " إذ يمكن
إرادة نية الوقوف من الذكر فيه، والأمر في ذلك كله سهل.
وكذا يستحب الاجتهاد في الدعاء ليلة المزدلفة وإحياؤها، قال الصادق
عليه السلام في صحيح الحلبي (2) في حديث: " ولا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة،
وتقول: اللهم هذه جمع، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير، اللهم
لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي، وأطلب إليك أن تعرفني
ما عرفت أولياءك في منزلي هذا، وأن تقيني جوامع الشر، وإن استطعت أن
تحيي تلك الليلة فافعل، فإنه قد بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
81

المؤمنين، لهم دوي كدوي النحل، يقول الله جل ثناؤه: أنا ربكم وأنتم عبادي
أديتم حقي، وحق علي أن أستجيب لكم. فيحط تلك الليلة عمن أراد أن يحط
عنه ذنوبه، ويغفر لمن أراد أن يغفر له " هذا.
وفي المسالك المراد بالوقوف في نحو عبارة المصنف القيام للدعاء والذكر،
وأما الوقوف المتعارف بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر، فلا يجوز تأخير
نيته إلى أن يصلي، وهو مبني على وجوب الابتداء من الفجر، وقد عرفت عدم
الدليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه حتى صحيح معاوية بن عمار (1) الذي قد
أمر فيه بالاصباح على طهر، ثم الصلاة ثم الوقوف، وإن كان يمكن إرادة
الوقوف للدعاء فيه، إلا أن إطلاق غيره كاف كما صرح به الفاضل وغيره،
والله العالم.
(و) يستحب أيضا (أن يطأ الصرورة) أي من لم يحج قبل
(المشعر) كما نص عليه جماعة، بل عن المبسوط والنهاية ولا يتركه مع الاختيار،
كما عن الحلبيين استحبابه مطلقا لا في خصوص الصرورة، بل عن أبي الصلاح
منهما أنه آكد في حجة الاسلام، وإن كنا لم نقف على ما يدل عليه (برجليه)
كما في محكي المبسوط وغيره، وعن التهذيب والمصباح ومختصره يستحب للصرورة
أن يقف على المشعر أو يطأه برجله، ولعله لما تسمعه من الصحيح (2) إن كان
الواو فيه بمعنى " أو " وعن الفقيه أنه يستحب له أن يطأ برجله أو براحلته إن
كان راكبا، وكذا عن الجامع والنحرير، وقد سمعت سابقا ما حكاه في الدروس
عن أبي علي وما استظهره هو، كما أنك سمعت ما قلناه سابقا من كون الظاهر

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
82

اشتراكه بين المكان المخصوص المحدود بالحدود التي عرفتها الداخل فيها قزح وبين
الجبل المخصوص الذي قد فسر به المشعر الحرام في محكي المبسوط والوسيلة والكشاف
والمغرب والمعرب وغيرها، بل لعله ظاهر " عند " في الآية الشريفة (1) بل وقول
الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (2): " وانزل ببطن الوادي عن يمين الطريق
قريبا من المشعر، ويستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام ويطأه برجله "
وفي مرسل أبان بن عثمان (3) " ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، وأن
يدخل البيت " وقال له سليمان بن مهران (4) في حديث: " كيف صار وطئ
المشعر على الصرورة واجبا؟ فقال: ليستوجب بذلك وطئ بحبوبة الجنة " بل
لعل ذلك هو ظاهر الأصحاب، ضرورة وجوب وطئ المزدلفة بمعنى الكون بها،
وظاهر الوقوف عليه غير الوقوف به، ولا اختصاص للوقوف بالمزدلفة بالصرورة،
وبطن الوادي من المزدلفة، فلو كانت هي المشعر لم يكن للقرب منه معنى، وكان
الذكر فيه لا عنده، بل لو أريد المسجد كان الأظهر الوقوف به أو دخوله،
لا وطؤه أو الوقوف عليه، ويمكن حمل كلام أبي علي عليه، بل ربما احتمل في كلام
من قيد برجله استحباب الوقوف بالمزدلفة راجلا بل (حافيا) لكن ظاهرهم
متابعة حسن الحلبي (5).
وفي كشف اللثام وهو كما عرفت ظاهر في الجبل، ثم المفيد خص استحبابه
في كتاب أحكام النساء بالرجال، وهو من حيث الاعتبار حسن، لكن الأخبار
مطلقة، قلت: والعمدة الاطلاقات، بل لم يظهر لي حسنه من جهة الاعتبار،

(1) سورة البقرة الآية 194
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 3 - 1
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 3 - 1
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 3 - 1
(5) الوسائل الباب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 3 - 1
83

بل ينبغي الاقتصار على الوطئ برجله، وإن قال في المسالك والمدارك والظاهر إن
الوطئ بالرجل يتحقق مع النعل والخف، بل في الأولى " المراد بوطئه برجله أن
يعلو عليه بنفسه، فإن لم يمكن فببعيره " وفيه منع واضح، ومن الغريب ما فيها
من أن الاكتفاء بوطئ البعير ينبه على الاكتفاء بالخف والنعل، مع أنه لم نجد في
شئ من نصوصنا الاكتفاء بذلك، وإنما ذكره في الفقيه كما سمعت.
(و) على كل حال فقد (قيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط: (يستحب
الصعود على قزح وذكر الله عليه) قال ما هذا لفظه: يستحب للصرورة أن يطأ
المشعر الحرام ولا يتركه مع الاختيار، والمشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح،
ويستحب الصعود عليه وذكر الله عنده، فإن لم يمكنه ذلك فلا شئ عليه، لأن
رسول الله صلى الله عليه وآله فعل ذلك في رواية جابر (1) يعني ما روته العامة عن الصادق
عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله ركب القصوا حتى أتى المشعر
الحرام، فرقى عليه واستقبل القبلة فحمد الله تعالى وهلله وكبره ووحده، فلم يزل
واقفا حتى أسفر جدا " ورووا (2) أيضا " أنه أردف الفضل بن العباس ووقف
على قزح، وقال: هذا قزح وهو الموقف، وجمع كلها موقف " ولعل ذلك
ونحوه كاف في ثبوت الاستحباب المتسامح فيه، وإن كان ظاهر المصنف وغيره
التوقف فيه دون الوطئ، مع أنك سمعت ما في الصحيح (3) من استحباب
الوقوف عليه والوطئ.
وعلى كل حال فظاهر المصنف وغيره بل صريحه مغايرة الصعود على قزح

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 8
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 122 وفيه " أردف أسامة بن زيد ".
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
84

لوطئ المشعر، وهو ظاهر ما سمعته من عبارة المبسوط، وعن الحلي " ويستحب له
أن يطأ المشعر الحرام، وذلك في حجة الاسلام آكد، فإذا صعده فليكثر من
حمد الله تعالى على ما من به " وهو ظاهر في اتحاد المسألتين، وكذا الدروس،
والله العالم.
(مسائل خمس، الأولى): لا خلاف معتد به عندنا في أن (وقت
الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس) للمختار (وللمضطر إلى
زوال الشمس) بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص السابقة، نعم
حكى ابن إدريس عن السيد امتداد وقت المضطر إلى الغروب، وأنكره في المختلف
أشد إنكار وإن أطلق في بعض عباراته التي لم تسق لذلك أن من فاته الوقوف
بعرفة حتى أدرك المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج، خلافا للعامة مستدلا عليه
بالاجماع، لكن مراده من اليوم إلى الزوال بقرينة حكاية الاجماع، فإن أحدا من
علمائنا لم يذكر ذلك، لكن حكى هو عنه في غير المختلف ذلك أيضا، وعلى كل
حال فلا ريب في ضعفه للأصل والنص والاجماع، والله العالم.
المسألة (الثانية من لم يقف بالمشعر ليلا ولا بعد) طلوع (الفجر عامدا
بطل حجه) بلا خلاف فيه عندنا، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
النصوص (1) السابقة (ولو ترك ذلك ناسيا) أو لعذر (لم يبطل حجه إن
كان وقف بعرفة) الوقوف الاختياري على الأصح لما عرفت سابقا (ولو تركهما
جميعا) اختيارا واضطرارا (بطل حجه عامدا وناسيا) بلا خلاف أجده فيه
بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل والنصوص (2) السابقة كما عرفت الكلام
فيه سابقا.

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر
85

بل وفي باقي الصور التي منها
المسألة (الثالثة) أيضا، وهي (من لم يقف
بعرفات) أصلا فضلا عمن وقف الوقوف الاضطراري (وأدرك المشعر قبل
طلوع الشمس صح حجه) إجماعا ونصوصا (1) (ولو فاته بطل) على الأصح
إذا لم يكن قد أدرك اضطرارية (و) إلا ففيه البحث السابق، نعم (لو وقف
بعرفات) الوقوف الاختياري (جاز له تدارك المشعر إلى قبل الزوال) بل
وجب عليه ذلك، بل هو كذلك لو أدرك اضطراري عرفة أيضا، نعم لو لم
يدرك شيئا منهما لم يجزه التدارك قبل الزوال كما عرفت الكلام فيه مفصلا، والحمد
لله، وهو العالم.
المسألة (الرابعة من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة) بلا خلاف أجده فيه
بل في المنتهى الاجماع عليه، وهو الحجة بعد قول الصادق عليه السلام في صحيحي
معاوية (2) والحلبي (3): " فليجعلها عمرة " وفي صحيح حريز (4) " ويجعلها
عمرة " وغيرها من النصوص التي هي في أعلى درجات الاستفاضة إن لم تكن
متواترة بمعنى القطع بما تضمنته من وجوب العمرة حينئذ، ولذا قطع في التحرير
بأنه لو أراد البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به لم يجز، واستظهره في محكي
المنتهى والتذكرة، وجعله الشهيد أشبه، وبالجملة لم أجد فيه خلافا بيننا، نعم
يحكى عن مالك جوازه، وستسمع ما عن ابني حمزة والبراج مع عدم الاشتراط،
وحينئذ فلا محلل له إلا الاتيان بها، فلو بقي على إحرامه ورجع إلى بلاده وعاد
قبل التحلل لم يحتج إلى إحرام مستأنف من الميقات وإن بعد العهد، فيجب عليه
إكمال العمرة أولا ثم يأتي بما يريد من النسك، حتى لو كان فرضه التمتع وجب

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 4
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(4) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 4
86

عليه الخروج إلى أحد المواقيت للعمرة، فإن تعذر فمن أدنى الحل كما في حكم من لم
يتعمد مجاوزة الميقات، ولو صد عن الرجوع من بلاده لاتمام العمرة كان له حكم
المصدود عن إكمالها من التحلل بالذبح والتقصير في بلاده كما ستعرف إن شاء الله.
وكيف كان فهل عليه نية الاعتمار بمعنى قلب إحرامه السابق إليه بالنية؟ قال
في الدروس: وهل ينقلب إحرامه أو يقلبه بالنية كما قطع به الفاضل في جملة من
كتبه، بل أسند الخلاف في ذلك إلى بعض العامة للأصل وإن الأعمال بالنيات
والصحاح المزبورة، أو لا بل تكون عمرة قهرا فينقلب (فينتقل خ ل) إحرامه
السابق لها ثم يأتي بباقي أفعالها لقول أبي الحسن عليه السلام في أخبار محمد بن سنان (1)
وابن فضيل (2) وعلي بن الفضل الواسطي (3) " فهي عمرة مفردة ولا حج له "
وفي صحيح ضريس (4) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة
إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال: يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين
يدخل مكة ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه " وفي الفقيه " ويذبح
شاته وينصرف إلى أهله إن شاء، وقال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه،
فإن لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل " وفي صحيح معاوية (5) " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف قال: يقيم مع
الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين
الصفا والمروة وأحل وعليه الحج من قابل، ويحرم من حيث أحرم " إلى غير ذلك
من النصوص التي لا تعرض فيها لاعتبار النية في صيرورتها عمرة، وإنما هي مطلقة

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 3
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 - 3
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث - 6 - 2 - 3
(4) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث - 6 - 2 - 3
(5) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث - 6 - 2 - 3
87

بل ظاهرة في الاجتزاء بايجاد الأفعال المزبورة وإن لم ينو القلب المزبور، بل لا
يفيده الأمر بالجعل في الصحاح المزبورة المحتمل لإرادة فعلها عمرة لا نيتها كذلك
وكون الأعمال بالنيات مع أنه بالنسبة إلى نية القربة إنما يقتضي ابتداءه بها
لا اعتبارها فيما يتفق له من الأحكام، على أنه إذا كان متمتعا فقد نوى العمرة
إلا أنه فاته الحج، فاتصفت عمرته بالافراد قهرا نحو صلاة الجماعة التي مات الإمام
مثلا في أثنائها، على أن الاحرام السابق لا تؤثر فيه النية اللاحقة، فليس هو
حينئذ إلا حكما شرعيا، ولعله لذا مال إليه بعض، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي
ترك الاحتياط في نية العدول، إلا أنها على كل حال واجبة من حيث الفوات،
فلا تجزي عن عمرة الاسلام كما صرح به في الدروس وغيرها، بل هو ظاهر غيرهم
أيضا، بل يمكن دعوى ظهور النصوص فيه أيضا.
وكيف كان فإن فاته الحج تحلل بالعمرة (ثم يقضيه) أي الحج وجوبا
(إن كان واجبا) قد استقر وجوبه أو استمر (على الصفة التي وجب تمتعا
أو قرانا أو افرادا) وإلا فندبا للأصل والأمر به في المعتبرة المستفيضة (1)
والاجماع على الظاهر، لكن في تهذيب الشيخ إن من اشترط في حال الاحرام
يسقط عنه القضاء، إن لم يشترط وجب مستدلا عليه بصحيح ضريس (2) السابق
ويشكل بعد الاعراض عن الصحيح المزبور ومنافاته لما هو المعلوم من غيره نصا
وفتوى بأنه إن كان مستحبا لم يجب القضاء وإن لم يشترط، وكذا إن لم يستقر
ولا استمر وجوبه، وإن كان واجبا وجوبا مستقرا أو مستمرا وجب وإن اشترط
فالوجه حمله على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط وكان مندوبا أو غير مستقر

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 0 - 2
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 0 - 2
88

الوجوب ولا مستمره، أو على ما تقدم عن ابني حمزة والبراج من جعل فائدة
الاشتراط جواز التحلل، فيكون المراد حينئذ أن عليه البقاء على إحرامه إلى
أن يأتي بالحج من قابل إن لم يشترط، وإلا جاز له التحلل، وإن كان فيه أنه
مناف لظاهر النصوص المزبورة الآمرة بجعله عمرة، ثم المراد بوجوب قضائه
على الصفة المزبورة بناء على عدم جواز العدول اختيارا وإلا فله ذلك، ولعله
لذا حكي عن الشيح جواز القضاء تمتعا لمن فاته القران أو الافراد بناء على تجويز
العدول إليه اختيارا، لكونه أفضل كما تقدم الكلام فيه.
(الخامسة من فاته الحج سقطت عنه أفعاله) بلا خلاف معتد به أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1) التي تقدم شطر منها،
خلافا لبعض العامة فأوجب عليه بقية الأفعال، بل ولبعض أصحابنا فأوجب عليه
الهدي قياسا علي المحصر، وهو مع كونه الفارق ممنوع ولصحيح ضريس (2)
عن أبي جعفر عليه السلام السابق على ما في الفقيه، إلا أن إضافة الشاة إليه تشعر بأنه
كانت معه شاة عينها للهدي بنذر ونحوه، مع احتماله الندب أيضا، وخبر
داود الرقي (3) قال: " كنت مع أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل فقال:
إن قوما قدموا يوم النحر وقد فاتهم الحج فقال: نسأل الله العافية، قال؟
أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلق وعليهم الحج من قابل إن
انصرفوا إلى بلادهم، ولو أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا إلى

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
والباب 23 منها الحديث 3 و 5 و 27.
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 5.
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 5.
89

بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا واعتمروا فليس عليهم الحج من قابل " الذي
هو بعد الاغضاء عن سنده وندرة القائل به محمول على التقية، فإن وجوب الهدي
على فائت الحج محكي عن الشافعي وأكثر العامة، كما أن ما فيه من وجوب الحج
من قابل محكي عن ابن عباس وابن الزبير ومروان وأصحاب الرأي إن كان الحج
مندوبا، وفي كشف اللثام " فليحمل على أنهم كانوا مصدودين أو محصورين
فإن عليهم حينئذ هدي التحلل، ومعنى قوله عليه السلام " وعليهم الحج " إلى آخره
أنهم إن استطاعوا أن يرجعوا إلى بلادهم ثم يعودوا كان عليهم الحج من قابل،
وإلا لم يكن عليهم إلا عمرة، فليعتمروا ثم يرجعوا إلى بلادهم، أو على أنهم
لم يجب عليهم الحج كما فعله الشيخ، ويمكن أن يكونوا قد أحرموا بعمرة أولا
يكونوا أحرموا بعمرة ولا حج لما علموا أنهم لا يدركون الموقف فكان يستحب
لهم ذبح شاة والحلق تشبيها بالحاج، فإن كانوا أحرموا بحج فبعد الانتقال إلى
العمرة والآتيان بمناسكها، وإن كانوا أحرموا بعمرة فبعد الاتيان بمناسكها وإلا
فعلوا ذلك ابتداء، ثم إن وافقوا الحاج فأقاموا ولم ينصرفوا إلى بلادهم ثم أتوا
بعمرة من أحد مواقيت أهل مكة فلا يتأكد عليهم الرجوع في القابل والآتيان
فيه بحج، فهذه العمرة تكفيهم، وهي عمرة ثانية إن كانوا قد قدموا محرمين
وإلا فلا، وإن لم يقيموا أيام التشريق وعجلوا الانصراف إلى بلادهم تأكد
عليهم في القابل بحج " وإن كان هو كما ترى نحو المحكي عن الشيخ من حمله على
خصوص من اشترط، وما عن الفاضل من أن وجوب العود عليهم مع فرض كون
الحج مندوبا للاتيان بأفعال العمرة التي تركوها، أو غير ذلك من المحامل
البعيدة التي هي خير من الطرح الذي لا بأس بالتزامه مع فرض تعذرها أجمع بعد
منافاته لغيره والاعراض عنه، فإنه لم نعرف القائل به بخصوصه بالنسبة إلى وجوب
الهدي، نعم في الدروس أوجب علي بن بابويه وابنه على المتمتع بالعمرة يفوته
90

الموقفان العمرة ودم شاة، ولا شئ على المفرد سوى العمرة، ولا ريب في
ضعفه، وإن كان هو أحوط.
(و) كيف كان ف‍ (يستحب له) أي من فاته الحج (الإقامة بمنى
إلى انقضاء أيام التشريق ثم يأتي بأفعال العمرة التي يتحلل بها) لما سمعته
من صحيح معاوية السابق المحمول على ذلك بلا خلاف أجده فيه هنا، وإن
كان لهم كلام في فورية عمرة الاسلام المتعقبة للحج تسمعه في محله إن شاء الله كما
أنك تسمع الكلام إن شاء الله في اعتبار طواف النساء في عمرة الاسلام المفردة،
أما هذه العمرة فلم أجد في شئ من النصوص بل ولا الفتاوى التصريح بذكر
طواف النساء فيها، بل ظاهر النصوص المتعرضة لتفصيل أفعالها هنا خلافه، ولعله
الأقوى، ولكن الأحوط الاتيان به، والله العالم.
(خاتمة)
(إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى) لرمي الجمار (منه) بلا
خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة والمنتهى الاجماع عليه، لقول
الصادق عليه السلام في حسن معاوية بن عمار (1) وربعي (2) " خذ حصى الجمار من
جمع، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك " وسأله عليه السلام أيضا (3) زرارة " عن
الحصى التي يرمى بها الجمار قال: تؤخذ من جمع، وتؤخذ بعد ذلك من منى " ومنه
يستفاد استحباب أخذها من منى بعد المشعر وإن لم أجد من نص عليه (وهو
سبعون حصاة) كما ستعرف تفصيلها، ولكن لو زاد على ذلك حذرا من سقوط
بعضها ونحوه فلا بأس (ولو أخذه من غيره جاز) بلا خلاف، بل في كشف

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 1 - 2.
91

اللثام اتفاقا للأصل والخبرين السابقين وغيرهما، فما عن بعض القيود من عدم
جواز الأخذ من وادي محسر في غير محله، وأغرب منه ما عن المنتهى من أنه لو
رمى بحصاة محسر كره له ذلك، وهل يكون مجزيا أم لا؟ فيه تردد، أقربه
الاجزاء عملا بالعموم (لكن من الحرم) فلا يجوز من غيره، لقول الصادق
عليه السلام في حسن زرارة (1): " حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك وإن
أخذته من غير الحرم لم يجزك، وقال: لا ترم الجمار إلا بالحصى " نعم (عدا
المساجد) التي فيه كما في القواعد ومحكي الجامع (و) لكن (قيل) والقائل
الأكثر على ما حكي (عدا المسجد الحرام ومسجد الخيف) لخبر حنان (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام " يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام
ومسجد الخيف " بل ليس في التهذيب " المسجد الحرام " قيل ولذا اقتصر عليه
الشيخ في مصباحه، ولعله لبعد الالتقاط من المسجد الحرام، لكن يمكن
إرادة المثال في الخبر لغيرهما، وإنما خصا لأنهما الفرد المتعارف، بل يمكن حمل
كلام الأصحاب المعلوم تبعية التعبير فيه له على ذلك أيضا، بل قيل إن إخراج
الحصى من المساجد منهي عنه، وهو يقتضي الفساد، وإن كان فيه أولا أن
الذي تقدم سابقا في أحكامها كراهة الاخراج، وثانيا أن حرمة الاخراج
لا تقتضي حرمة الرمي إلا على مسألة الضد إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود
المنافي له، كما أن وجوب عودها إليها أو إلى غيرها من المساجد لا ينافيه الرمي
المقتضي لالتباسها بغيرها بعد امكان (3) تعليمها بما لا تشتبه به. فالعمدة حينئذ
ما عرفت:

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 1
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 1
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2 - 1
92

(ويجب فيه شروط ثلاثة):
الأول (أن تكون مما يسمى حجرا) عند علمائنا في محكي التذكرة
والمنتهى والانتصار، بل في الأخير صريح الاجماع، ولكن الموجود في النصوص
والفتاوى الحصى والحصيات، بل وقد سمعت ما في حسن زرارة (1) من النهي
عن رمي الجمار إلا بالحصى، ومن هنا قال في المدارك: " الأجود تعين الرمي بما يسمى
حصاة، فلا يجزي الرمي بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة، خلافا للدروس
وكذا الصغير جدا بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة " وسبقه إلى ذلك جده،
قال: " احترز باشتراط تسميتها حجرا عن نحو الجواهر والكحل والزرنيخ
والعقيق، فإنها لا تجزي خلافا للخلاف، ويدخل فيه الحجر الكبير الذي
لا يسمى حصاة عرفا، وممن اختار جواز الرمي به الشهيد في الدروس، ويشكل
بأن الأوامر الواردة إنما دلت على الحصاة، ولعل المصنف أراد بيان جنس
الحصى لا الاجتزاء بمطلق الجنس، ومثله القول في الصغيرة جدا بحيث لا يقع
عليها اسم الحصاة، فإنها لا تجزي أيضا وإن كانت من جنس الحجر " قلت:
خصوصا بعد أن ذكر سابقا استحباب التقاط الحصى وكونه سبعين حصاة وغير
ذلك، وكذا الشهيد في الدروس، بل قال بعد ذكر أوصاف الحصى: وجوز
في الخلاف الرمي بالبرام والجوهر، وفيه بعد أن كان من الحرم، وأبعد إن
كان من غيره، نعم قال بعد ذلك: المسألة السادسة لو رمى بحصى نجس أجزء
نص عليه في المبسوط ومنعه ابن حمزة لما رواه (2) من غسله قلنا لا لنجاسة أو

(1) في النسخة المخطوطة المبيضة " لولا إمكان " ولكن في المسودة " بعد
امكان " وهو الصحيح.
(2) دعائم الاسلام ج 1 ص 381.
93

تحمل على الندب، ولو رمى بخاتم فضة من حجارة الحرم أجزء، ولو رمى
بصخرة عظيمة فالأقرب الاجزاء، ولو رمى بحجر مسته النار أجزء ما لم يستحل
ولعله لعدم خروجها بالعظم الذي يصدق معه الرمي عن كونها حصاة، فلا خلاف
حينئذ، كما أن الظاهر اتحاد المراد من الحجر والحصى، فتتفق العبارات، نعم
عن الخلاف أنه جوز الرمي بالحجر وما كان من جنسه من البرام والجواهر وأنواع
الحجارة، مع أنه قيل وظاهره دخول الجميع في الحصى، فلا خلاف، وإن
كان فيه منع الظهور ومنع الدخول، مضافا إلى بعد حرمية البرام والجواهر التي
عرفت وتعرف اعتبارها، ومن الغريب دعواه الاجماع على ما ذكره، مع أن
الاجماع على الظاهر بخلافه.
وكيف كان فلا يجوز عندنا بغير الحجر كالمدر والآجر والكحل
والزرنيخ وغير ذلك من الذهب والفضة كما نص عليه الشيخ، خلافا للمحكي عن
أبي حنيفة من الجواز بالحجر وبما كان من نفس الأرض كالطين والمدر
والكحل والزرنيخ، ولا يجوز بالذهب والفضة، وعن أهل الظاهر من الجواز
بكل شئ حتى لو رمى بالحزق والعصافير الميتة أجزأه والله العالم.
(و) الثاني أن يكون (من الحرم) كما هو المشهور، بل لا أجد
فيه خلافا محققا إلا ما سمعته من الخلاف، وما في كشف اللثام عن ابن حمزة في
أفعال الرمي وأن يرمي بالحجر أو يكون من حصى الحرم مع أن الموجود عندي
في نسخة الوسيلة وأن يرمى الحجر وأن يكون من حصى الحرم دون حصى
المسجدين، ثم قال: " والتروك سبعة: الرمي بالمكسورة، وبغير الحصى
وبحصى الجمار، وبحصى غير الحرم، وبالنجسة، وبحصى المسجد الحرام،
والمسجد بمنى، وهو مسجد الخيف " وعلى كل حال فقد سمعت حسن زرارة
94

أو صحيحه (1) مضافا إلى التأسي والسيرة ومرسل حريز (2) المنجبر بما سمعت
عن الصادق عليه السلام أيضا " لا تأخذه من موضعين من خارج الحرم ومن حصى
الجمار " والله العالم.
(و) الثالث أن تكون (أبكارا) أي لم يرم بها الجمار رميا
صحيحا بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن الخلاف والغنية والجواهر الاجماع
عليه، للمرسل (3) المزبور المنجبر بما سمعت كخبر عبد الأعلى (4) عنه عليه السلام أيضا
" ولا تأخذ من حصى الجمار " مؤيدا ذلك بالتأسي والسيرة، قيل وبما عن
ابن عباس من أن ما قبل من ذلك يرفع، وحينئذ فيكون الباقي غير مقبول،
فلا يرمى، وفي مرسل الصدوق (5) عن الصادق عليه السلام: " من رمى الجمار يحط
عنه بكل حصاة كبيرة موبقة، وإذا رماها المؤمن التقفها الملك، وإذا رماها
الكافر قال الشيطان: باستك ما رميت " وغير ذلك، من غير فرق بين مرمي الرامي
وغيره لاطلاق الأدلة: فما عن المزني من جواز الرمي بمرمي الغير واضح الفساد.
وأما اشتراط طهارتها فقد سمعت ما حكاه في الدروس عن ابن حمزة، وما
أرسله من الرواية إلا أن ظاهر الأكثر وصريح محكي المبسوط والسرائر وغيرهما
عدم اعتبارها، بل لم أقف على ما أرسله إلا ما تسمعه من خبر الدعائم (6) نعم

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 3.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 9
(6) دعائم الاسلام ج 1 ص 381 وفيه عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه
استحب الغسل لرمي الجمار.
95

في كشف اللثام وأرسل عن الصادق عليه السلام في بعض الكتب " اغسلها، فإن
لم تغسلها وكانت نقية لم يضرك " والظاهر أن مراده ما تسمعه من خبر الدعائم،
وعن كتاب الفقه المنسوب (1) إلى الرضا عليه السلام " اغسلها غسلا نظيفا " وهو مع
عدم ثبوت نسبته عندنا لا دلالة فيه على كون ذلك من النجاسة، نعم لا بأس
باستحباب ذلك منها كما ذكره في الدروس كالقواعد ومحكي المبسوط والسرائر بل
عن التذكرة كراهية النجسة واستحباب غسلها مطلقا، ولا بأس به، والله العالم
(ويستحب أن تكون برشا رخوة بقدر الأنملة كحلية منقطة ملتقطة)
كما صرح بذلك كله غير واحد، إلا أن الذي عثرت على ما يدل عليه حسن
هشام بن الحكم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في حصى الجمار قال: كره الصم منها
وقال: خذ البرش " وفي خبر البزنطي (3) عن الرضا عليه السلام " حصى الجمار يكون
مثل الأنملة، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء، وخذها كحلية منقطة
تخذفهن خذفا، ولا تضعها على الابهام وتدفعها بظفر السبابة " وفي كشف اللثام:
أنه رواه في قرب الإسناد صحيحا، وعن الفقه المنسوب (4) إلى الرضا عليه السلام
" وتكون منقطة كحلية مثل رأس الأنملة " وفي دعائم الاسلام (5) عن جعفر

(1) فقه الرضا عليه السلام ص 28
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر
الحديث 4 وذيله في الباب 7 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1.
(4) المستدرك الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(5) دعائم الاسلام ج 1 ص 381
96

بن محمد (عليهما السلام " أنه قال: تلتقط حصى الجمار التقاطا، كل حصاة منها
بقدر الأنملة ويستحب أن تكون زرقا أو كحلية منقطة، ويكره أن تكسر
من الحجارة كما يفعله كثير من الناس، واغسلها، فإن لم تغسلها وكانت نقية
لم يضرك " والكل لا تجمع ذلك حتى الرخوة، فإن كراهة الصم التي هي بمعنى
الصلبة لا تقتضي استحباب الرخوة، وليس في شئ منها أيضا جمع البرش مع
التنقيط، ولعله لأن المشهور في معنى البرش أن يكون في الشئ نقط تخالف
لونه، وعن ابن فارس قصره على ما فيه نقط بيض، من هنا تكلف بعض
الأصحاب فحمل البرش في مثل كلام المصنف على اختلاف ألوان الحصى بعضها
لبعض، والثاني على الحصاة نفسها، وهو كما ترى، ولعله لذا اقتصر الصدوق
(رحمه الله) فيما حكي عنه على الثاني، والشيخ في المحكي عن جملة من كتبه على
الأول لكن عن النهاية أن البرش لون مختلط حمرة وبياضا أو غيرهما، وعن المحيط
أنه لون مختلط بحمرة، وعن تهذيب اللغة عن الليث أن الأبرش الذي فيه ألوان
وخلط، وحينئذ يكون أعم من المنقطة، وعن الكافي والغنية أن الأفضل
البرش ثم البيض والحمر، ولم نجد ما يدل عليه، بل خبر البزنطي (1) بخلافه.
وأما الالتقاط الذي لا نعلم فيه خلافا عندنا كما عن المنتهى الاعتراف به فقد
يدل عليه قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (2) " التقط الحصى ولا تكسر
منهن شيئا " كقوله عليه السلام في مرسل الدعائم الذي سمعته، وللسيرة ولما روي من أمر
النبي صلى الله عليه وآله (3) بالتقاطها، وقال: " بمثلها فارموا " هذا، وعن الصدوق في
الفقيه والهداية كونها بقدر الأنملة أو مثل حصى الخذف، وفي كشف اللثام

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 3
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 3
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 127 وسنن النسائي ج 5 ص 269
97

قيل وهو دون الأنملة كالباقلاء نحو المحكي عن بعض العامة فقدره بذلك، وعن
بعض آخر أنه كقدر النواة، وعن الشافعي يكون أصغر من الأنملة طولا
وعرضا، وقول الصادق (1) والرضا عليهما السلام (2) حجة على الجميع، وأما الكحلية
فقد عرفت ما يدل عليه من النصوص، لكن في الدعائم التخيير بينها وبين الزرق
ولم أجد من أفتى به، فالأولى الكحلية، والأمر سهل بعد كون ذلك مستحبا
وإلا فيجوز الجميع إلا في رواية عن أحمد أنه لا يجوز الأكبر ولا ريب في فساده.
(ويكره أن تكون صلبة) للحسن المزبور (3) (أو مكسرة) قيل
للنهي عن الكسر في خبر أبي بصير (4) السابق، وفيه أنه إنما يدل على كراهة
الكسر الذي حكي عن الغنية الاجماع عليه لا الرمي بالمكسرة، اللهم إلا أن
يفهم أن النهي عن ذلك لذلك، والله العالم.
(ويستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل) كما هو
المشهور، بل عن المنتهى لا نعلم فيه خلافا لموثق إسحاق بن عمار (5) السابق،
ونحوه خبر معاوية بن حكم (6) فما عن الصدوقين والمفيد والسيد وسلار والحلبي
من عدم الجواز، بل عن الأولين وجوب شاة على من قدمها على طلوع
الشمس لقوله عليه السلام في صحيح معاوية (7) " ثم أفض حين يشرق لك ثبير، وترى

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 381.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 1 - 3
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 - 1 - 3
(5) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 3 والثاني عن معاوية بن حكيم.
(6) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 3 والثاني عن معاوية بن حكيم.
(7) الوسائل الباب 11 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1
98

الإبل مواضع اخفافها " بناء على إرادة طلوع الشمس من الاشراق فيه بقرينة تمام
الخبر قال أبو عبد الله عليه السلام (1) " كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير يعنون
الشمس كما تسفر وإنما أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله خلاف أهل الجاهلية " الحديث
واضح الضعف، خصوصا بعد ما سمعت سابقا عن المنتهى والتذكرة من
الاجماع على عدم إثمه لو دفع قبل الاسفار بعد طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس.
(ولكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوعها) للنهي عنه فيما سمعته
من حسن هشام بن الحكم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام إلا أن المنساق من ذلك عدم
قطعه والخروج منه، ولكن الأصحاب فهموا منه عدم الدخول فيه حرمة أو
كراهة على البحث السابق.
(و) أما (الإمام) فينبغي له أن (يتأخر حتى تطلع) الشمس كما صرح
به غير واحد، لقول الصادق عليه السلام في خبر جميل (3) السابق " ينبغي للإمام أن
يقف بجمع حتى تطلع الشمس، وسائر الناس إن شاؤوا عجلوا وإن شاؤوا أخروا "
بل عن الشيخ وابن حمزة والقاضي وظاهرا بني زهرة وسعيد الوجوب المنافي
للأصل وظاهر الخبر المزبور وغيره، فلا ريب في ضعفه، كضعف المحكي عن
ابن إدريس من استحباب ذلك أيضا لغير الإمام المنافي لما عرفت، والله العالم.
(و) يستحب (السعي) بمعنى الهرولة أي الاسراع في المشي للماشي،
وتحريك الدابة للراكب (بوادي محسر وهو يقول: اللهم سلم عهدي واقبل توبتي
وأجب دعوتي واخلفني في من تركت بعدي) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (4) التي منها قول الصادق عليه السلام في صحيح

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5 - 2 - 4
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5 - 2 - 4
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5 - 2 - 4
(4) الوسائل الباب 13 و 14 من أبواب الوقوف بالمشعر
99

معاوية (1) " إذا مررت بوادي محسر وهو واد عظيم بين جمع ومنى، وهو إلى منى
أقرب فاسع فيه حتى تتجاوزه، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله حرك ناقته فيه وقال: اللهم
سلم عهدي " إلى آخر الدعاء، وفي صحيح محمد بن إسماعيل (2) عن أبي الحسن
(عليه السلام) " الحركة في وادي محسر مائة خطوة " وفي خبر محمد بن عذافر (3)
" مائة ذراع ".
(ولو ترك السعي فيه رجع فسعى استحبابا) لحسن حفص البختري (4)
وغيره عن الصادق (عليه السلام) " أنه قال لبعض ولده هل سعيت في وادي
محسر؟ فقال له: لا فأمره أن يرجع حتى يسعى " وفي مرسل الحجال (5)
" مر رجل بوادي محسر فأمره أبو عبد الله (عليه السلام) بعد الانصراف إلى
مكة أن يرجع فيسعى " والظاهر عدم الفرق بين الترك عمدا جهلا وغيره
ونسيانا. والله العالم.
(القول في نزول منى)
(وما بها من المناسك) وهي المكان المعروف، وسميت بذلك لما يمنى
بها من الدعاء، ولما عن ابن عباس " إن جبرئيل (عليه السلام) لما أراد أن
يفارق آدم (عليه السلام) قال: له تمن. قال: أتمنى الجنة فسميت بذلك لأمنية

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 3
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5
محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد.
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 - 2
100

آدم " وفي خبر ابن سنان (1) المروي عن العلل عن الرضا (عليه السلام) " لما سئل
عن ذلك قال: لأن جبرئيل (عليه السلام) قال هناك لإبراهيم (عليه السلام):
تمن على ربك ما شئت، فتمنى أن يجعل الله مكان ولده إسماعيل كبشا يأمره
بذبحه فداء له، فأعطاه الله مناه ".
وكيف كان (فإذا هبط إلى منى) ففي المتن (استحب له الدعاء بالمرسوم)
لكن لم أقف على دعاء مأثور في ذلك كما اعترف به في المدارك (ومناسكه
بها يوم النحر ثلاثة: رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق
أما الأول) فقد صرح به
ابنا إدريس وسعيد ومن تأخر عنهما، بل عن المنتهى والتذكرة لا نعلم فيه
خلافا، بل في السرائر لا خلاف فيه بين أصحابنا، ولا أظن أحدا من المسلمين
يخالف فيه، وقد يشتبه على بعض أصحابنا ويعتقد أنه مسنون غير واجب لما
يجده من كلام بعض المصنفين وعبارة موهمة أوردها في كتابه، ويقلد المسطور
بغير فكر ولا نظر، وهذا غاية الخطأ وضد الصواب، فإن شيخنا قال في الجمل:
والرمي مسنون فظن من يقف على هذه العبارة أنه مندوب، وإنما أراد الشيخ
بقوله: مسنون أن فرضه علم من السنة، لأن القران لا يدل على ذلك، وكأنه
أشار بذلك إلى ابن حمزة في الوسيلة حيث قال: والرمي واجب عند أبي يعلى
(رحمه الله) مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر (رحمه الله) وفي كشف اللثام
الذي نص عليه أبو يعلى في المراسم وجوب رمي الجمار، وقال الحلبي: فإن أخل
برمي الجمار أو بشئ منه ابتداء أو قضاء أثم بذلك، ووجب عليه تلافي ما فاته
وحجه ماض، وهذان الكلامان يحتملان العموم لرمي جمرة العقبة يوم النحر

(1) علل الشرائع الباب 172 من ج 2 الحديث 2 ج 2 ص 120
المطبوعة بطهران عام 1378
101

وعدمه " قلت: الموجود فيما حضرني من نسخة المراسم بعد أن ذكر أن الرمي
من الواجبات قال في التفصيل: " فإذا بلغ وادي محسر فليهرول حتى يجوزه،
ويأخذ حصى الجمار من المزدلفة أو من طريقه أو من رحله بمنى، ثم يتوضأ إن
أمكنه، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة، فليقم بها من قبل وجهها، ولا يقم من
أعلاها، وليكن بينه وبينها قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، وليقل وفي
يده الحصى: اللهم هذه حصياتي فاحصهن لي، وارفعهن في عملي ثم ليرم
خذفا " إلى آخره ثم ذكر الذبح بعد ذلك وغيره من الأفعال، وهو كالصريح
في وجوبها، ونحو ذلك في المقنعة وإن قال بعد ذلك: " باب تفصيل فرايض
الحج، وفروض الحج الاحرام والتلبية والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة
وشهادة الموقفين، وبعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض " إلا أنه يمكن أن
يريد ما سمعته من ابن إدريس كما أن الشيخ وإن أهمل الرمي في المبسوط في تعداد
فرايض الحج لكن قال فيه: " وعليه بمنى يوم النحر ثلاثة مناسك أولها رمي
الجمرة الكبرى " ونحوه عن النهاية، وبالجملة لا خلاف محقق كما سمعته من ابن
إدريس، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه، لقول الصادق (عليه السلام) في
حسن معاوية (1) " خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة
فارمها " وأحدهما (عليهما السلام) في خبر علي بن حمزة (2) " أي امرأة أو رجل
خائف أفاض من المشعر ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض وليأمر من يذبح عنه "
الحديث، وصحيح سعيد الأعرج (3) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
102

جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل قال: نعم إلى أن قال ثم أفض بهن
حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة " الحديث، وغيره من النصوص السابقة في
مسألة جواز الإفاضة بليل من المشعر للنساء وللخائف وغيره المتضمنة للرمي على
وجه يظهر منها وجوبه ولو بمعونة ما سمعته من الشهرة أو عدم الخلاف والاجماع
المحكي، بل والنصوص الآتية أيضا، مضافا إلى التأسي، ففي الدعائم (1) عن
جعفر بن محمد (عليهما السلام) " لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله من المزدلفة مر على
جمرة العقبة يوم النحر فرماها بسبع حصيات، ثم أتى قبا، وكذلك السنة "
وقد قال صلى الله عليه وآله (2) " خذوا عني مناسككم ".
وعلى كل حال (فالواجب فيه) شرعا أو شرطا (النية) التي عرف
مكررا اعتبارها في كل مأمور به، وكيفيتها وإن قال في المسالك هنا: " يعتبر
اشتمالها على تعيين الفعل ووجهه وكونه في حج الاسلام أو غيره والقربة والمقارنة
لأولى الرمي والاستدامة حكما، والأولى التعرض للأداء، فإنه مما يقع على
وجهين: الأداء والقضاء، وعلى هذا لو تداركه بعد فواته نوى القضاء، وهل
يجب التعرض للعدد؟ يحتمله لأن الرمي في الجملة يقع باعداد مختلفة كما في ناسي
الاكمال، ووجه العدم أنه لا يقع على وجهين إلا إذا اجتمعا، ولا ريب أنه أولى
كالأداء " ولكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه في النية، وأنه
لا يجب فيها غير القربة والتعيين مع الاشتراك، بل يكفي في نحو المقام إيقاعه
بقصد الجزئية للحج الذي نواه سابقا مع القربة من غير حاجة إلى أمر آخر،
والله العالم.

(1) المستدرك الباب 1 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2
وفيه " منى " بدل " قبا "
(2) تيسير الوصول ج 1 ص 312
103

(و) من الواجب أيضا (العدد وهو سبع) حصيات بلا خلاف أجده
فيه، بل عن المنتهى إجماع المسلمين، وقال أبو بصير (1) لأبي عبد الله (عليه
السلام): " ذهبت ارمي فإذا في يدي ست حصيات فقال: خذ واحدة من
تحت رجلك " وقال هو (عليه السلام) أيضا في صحيح معاوية (2) " في رجل
أخذ إحدى وعشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة، فلم يدر من أيتهن نقصت،
قال: فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة، قال: وقال: في رجل رمى الأولى
بأربع والأخيرتين بسبع قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث وقد فرغ " الحديث،
لكن ليس هو في عدد جمرة العقبة يوم النحر، كخبر عبد الأعلى (3) عنه (عليه
السلام) أيضا " قلت له رجل رمى الجمرة بست حصيات ووقعت واحدة في الحصى
قال: يعيدها إن شاء من ساعته وإن شاء من الغد إذا أراد الرمي ولا يأخذ من
حصى الجمار " بل يمكن كون الواحدة من الست فلا يكون دالا على السبع، نعم
في المحكي (4) هو فقه الرضا (عليه السلام) " وارم جمرة العقبة في يوم النحر
بسبع حصيات " والله العالم.
(وإلقاؤها بما يسمى رميا) بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال لما
سمعته من الأمر به المتوقف صدق امتثاله على تحقق مسماه، فلا يجزي الوضع
ونحوه مما لا يسمى رميا قطعا، بل إجماعا بقسميه خلافا للعامة، بل لا يجزي

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب العود إلى منى الحديث 2 - 3
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب 7 من أبواب العود إلى منى
الحديث 1 وذيله في الباب 6 منها الحديث 1
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب العود إلى منى الحديث 2 - 3
(4) المستدرك الباب 1 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 4
104

المشكوك فيه أيضا فضلا عن المقطوع به.
(وإصابة الجمرة بها) أو محلها (بفعله) بلا خلاف أجده فيه، بل
ولا إشكال، فلا يكفي الوقوع دونها ونحوه مما لا يسمى إصابة، قال الصادق
(عليه السلام) في صحيح معاوية (1): " فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد
مكانها " ولا إذا كانت بغير فعله كما لو أصابت ثوب انسان فنفضه حتى أصابت
عنق بعير فحركه فأصابت، بل يجب مع ذلك كون الإصابة بها (فلو وقعت)
على حصاة فارتفعت الثانية إلى الجمرة لم تجزه وإن كانت الإصابة عن فعله،
لخروجه عن مسمى رميته.
نعم لو وقعت (على شئ فانحدرت على الجمرة) أو مرت على سننها حتى
أصابت الجمرة (جاز و) كذا إن أصابت شيئا صلبا فوقعت بإصابته على الجمرة
للصدق بعد أن كانت الإصابة على كل حال بفعله، قال الصادق (عليه السلام)
في صحيح معاوية (2): " وإن أصابت انسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار
أجزأك " خلافا للمحكي عن بعض الشافعية فلم يجتز بها إن وقعت على أعلى الجمرة
لأن رجوعها لم يكن بفعله ولا في جهة الرمي، وفي كشف اللثام وهو إن تم
شمل ما إذا وقعت على أرض مرتفع عن الجنبتين أو وراء الجمرة ثم انحدرت إليها
والمصنف في التذكرة والتحرير والمنتهى قاطع بالحكم إلا في الوقوع أعلى من
الجمرة ففيه مقرب والشيخ قاطع به في المبسوط، قلت: هو في محله، ضرورة
الصدق عرفا، وعدم الاعتذار بإصابة السهم الغرض بعد ازدلافه في المسابقة ممنوع
مع أنه احتمل الفرق بأن القصد هنا الإصابة بالرمي وقد حصلت، وفي المسابقة
القصد إلى إبانة الحذق، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن، فلم تدل الإصابة

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1
105

على حذقه، فلهذا لم نعتبره هناك.
نعم قد عرفت سابقا أنها (لو قصرت فتممها حركة غيره من حيوان
أو انسان لم يجز) لعدم صدق الإصابة بفعله.
(وكذا) لا يجزي لو شك فلم يعلم وصلت الجمرة أم لا) لأصالة
الشغل، وعن الشافعي قول بالاجزاء، لأن الظاهر الإصابة، وهو كما ترى
(و) كذا قد عرفت سابقا أنه (لو طرحها على الجمرة من غير رمي لم يجز).
ويجب التفريق في الرمي بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف والجواهر
الاجماع عليه، ولعله كذلك، وهو الحجة بعد الانسياق، خصوصا مع ملاحظة
الأمر بالتكبير مع كل حصاة، والتأسي والسيرة، فما عن عطا من اجزاء الرمي بها
دفعة واضح الفساد بعد مخالفته فعل النبي صلى الله عليه وآله والصحابة، نعم لا يعتبر التلاحق
في الإصابة، للصدق، فحينئذ لو رمى بحجرين مثلا دفعة كان رمية واحدة وإن
تلاحقا في الإصابة، ولو اتبع أحدهما الآخر في الرمي فرميتان وإن اتفقا
في الإصابة.
ثم المراد من الجمرة البناء المخصوص أو موضعه إن لم يكن كما في كشف
اللثام، وسمي بذلك لرميه بالحجار الصغار المسماة بالجمار، أو من الجمرة بمعنى
اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها، أو من الاجمار بمعنى الاسراع، لما روي (1)
" إن آدم (عليه السلام) رمى فأجمر إبليس من بين يديه " أو من جمرته وزمرته
أي نحيته، وفي الدروس أنها اسم لموضع الرمي، وهو البناء، أو موضعه مما يجتمع
من الحصى، وقيل هي مجتمع الحصى لا السائل منه، وصرح علي بن بابويه بأنه الأرض
ولا يخفى عليك ما فيه من الاجمال، وفي المدارك بعد حكاية ذلك عنها قال:

(1) نهاية ابن الأثير مادة " جمر ".
106

" وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده، لأنه المعروف الآن من لفظ الجمرة.
ولعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه، أما مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة
موضعه " وإليه يرجع ما سمعته من الدروس وكشف اللثام إلا أنه لا تقييد في
الأول بالزوال، ولعله الوجه، لاستبعاد توقف الصدق عليه، ويمكن كون
المراد بها المحل بأحواله التي منها الارتفاع ببناء أو غيره أو الانخفاض، لكن
ستسمع ما في خبر أبي غسان (1) بناء على إرادة الاخبار بحيطان فيه عن الجمار
كما هو محتمل، بل لعله الظاهر، إلا أنه محتمل البناء على المعهود الغالب، فتأمل
جيدا، والله العالم.
(والمستحب فيه) أمور ذكر المصنف منها (ستة) منها (الطهارة)
من الأحداث على المشهور لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (2) " ويستحب
أن ترمي الجمار على طهر " وفي خبر أبي غسان حميد بن مسعود (3) بعد أن سأله عليه السلام
عن رمي الجمار من غير طهر: " الجمار عندنا مثل الصفا والمروة حيطان إن
طفت بهما على غير طهر لم يضرك، والطهر أحب إلي، فلا تدعه وأنت قادر عليه "
المنزل عليهما ما في صحيح ابن مسلم (4) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجمار فقال:
لا ترم الجمار إلا وأنت على طهر " وخبر علي بن الفضل الواسطي (5) عن أبي الحسن
عليه السلام المروي عن قرب الإسناد " ولا ترم الجمار إلا وأنت طاهر " لقصورهما عن
المعارضة من وجوه، بل يمكن حمل ما عن المفيد والسيد وأبي علي من عدم الجواز
على ذلك خصوصا بعد معروفية التعبير في كلامهم بذلك عن الكراهة المستفادة من
النهي المزبور المستفاد منها تأكد الندب أيضا، ومن الغريب ما في المسالك من المناقشة

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث - 5 - 3 - 5 - 1 - 6.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث - 5 - 3 - 5 - 1 - 6.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث - 5 - 3 - 5 - 1 - 6.
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث - 5 - 3 - 5 - 1 - 6.
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث - 5 - 3 - 5 - 1 - 6.
107

في الجمع المزبور بقصور رواية أبي غسان بالضعف عن المعارضة بعد ما عرفت من
الانجبار بالشهرة وعدم انحصار الدليل فيها.
وعن بعض الأصحاب استحباب الغسل، لكن في الصحيح (1) " سألته عليه السلام
عن الغسل إذا رمى الجمار قال: ربما فعلته، فأما السنة فلا ولكن من الحر والعرق "
وفي صحيح الحلبي (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغسل إذا أراد أن يرمى الجمار
فقال: ربما اغتسلت، فأما من السنة فلا " اللهم إلا أن يكون المراد من نفي السنة
أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وآله فعله لأمور رجحت ذلك بالنسبة إليه وإن كان هو راجحا
في نفسه، كما يدل عليه فعل الإمام عليه السلام له في بعض الأوقات، وفي دعائم الاسلام (3)
عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) " أنه استحب الغسل لرمي الجمار ".
(و) منها (الدعاء عند إرادة الرمي) بما في صحيح معاوية (4)
عن الصادق عليه السلام " خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها
من قبل وجهها، ولا ترمها من أعلاها، وتقول والحصى في يدك: اللهم
هؤلاء حصياتي فاحصهن لي، وارفعهن في عملي ثم ترمي فتقول مع كل حصاة:
الله أكبر، اللهم ادرأ عني الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك
اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا، وليكن
فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، فإذا أتيت رحلك
ورجعت من الرمي فقل: اللهم بك وثقت، وعليك توكلت، فنعم الرب ونعم
المولى ونعم النصير " بل يستفاد استحباب الدعاء بما سمعت في غير الحال المزبور.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2 4
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2 4
(3) المستدرك الباب 2 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1
108

(و) منها (أن يكون بينه وبين الجمرة عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا)
كما في القواعد، لحسن معاوية السابق، وعن علي بن بابويه تقديرهما بالخطأ وهما متقاربان
نعم قد يناقش في تحقق الامتثال للأمر الندبي بالتباعد بين المقدارين المفهوم
من عبارة الكتاب، اللهم إلا أن يدعى أن ذلك هو المفهوم من نحو العبارة
المزبورة في نحو المقام، فتأمل جيدا.
(و) منها (أن يرميها خذفا) باعجام الحروف على المشهور بين الأصحاب
شهرة كادت تكون إجماعا، بل لم يحك الخلاف فيه إلا عن السيد وابن إدريس،
بل عن المختلف أنه من متفردات السيد، ومن الغريب دعواه الاجماع على ذلك،
ومن هنا قال الفاضل في محكي المختلف إنما هو الرجحان، وعلى كل حال فيدل
عليه قول الرضا عليه السلام في خبر البزنطي (1) المروي صحيحا عن قرب الإسناد،
قال: " حصى الجمار تكون مثل الأنملة، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا
حمراء، خذها كحلية منقطة، تخذفهن خذفا وتضعها على الابهام وتدفعها بظفر
السبابة " المحمول على الندب بقرينة سوقه لذكر السنن، ولقصوره عن معارضة
إطلاق الأدلة المعتضد بالشهرة المزبورة، وبالأصل وغير ذلك، والخذف هو الرمي
بالأصابع كما عن الصحاح والديوان وغيرهما، بل عن ابن إدريس أنه المعروف عند
أهل اللسان، وإليه يرجع ما عن الخلاص من أنه الرمي بأطراف الأصابع، بل وما
عن المجمل والمفصل من أنه الرمي من بين إصبعين، وعن العين والمحيط والمقائيس
والغريبين والمغرب بالاعجام، والنهاية الأثيرية من بين السبابتين، وعن الأخيرين
أو يتخد مخذفة من خشب ترمي بها بين ابهامك والسبابة، وفي القاموس الخذف
كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما، تأخذ بين سبابتك وتخذف به،

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر
الحديث 2 وذيله في الباب 7 من أبواب رمي الجمرة العقبة الحديث 1
109

وعن المصباح المنير خذفت الحصاة ونحوها خذفا من باب ضرب رميتها بظفري
الابهام والسبابة، والأولى العمل بما في الخبر المزبور من الوضع على الابهام أي
باطنه والدفع بظفر السبابة كما عن المبسوط والسرائر والنهاية والمصباح ومختصره
والمقنعة والمراسم والكافي والغنية والمهذب والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى
وعن القاضي، وقيل بل يضعها على ظفر ابهامه ويدفعها بالمسبحة، وعن المرتضى
أن يضعها على بطن الابهام ويدفعها بظفر الوسطى، ولم نجد ما يشهد له
(و) منها (الدعاء مع كل حصاة) بما سمعته في حسن معاوية السابق.
(و) منها (أن يكون ماشيا و) إن كان (لو رمى راكبا جاز)
أيضا، إلا أن الأول المستحب كما في القواعد ومحكي النهاية والجمل والعقود
والجامع، لما في صحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه عن آبائه (عليهم السلام)
" كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرمي الجمار ماشيا " وفي دعائم الاسلام (2) عن جعفر
بن محمد عليهما السلام " أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرمي الجمار ماشيا، ومن ركب إليها
فلا شئ عليه " وقال عنبسة بن مصعب (3) " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام)
بمنى يمشي ويركب فحدثت نفسي أن أسأله إذا دخلت عليه فابتدأني هو بالحديث
فقال: إن علي بن الحسين عليه السلام كان يخرج من منزله ماشيا إذا أراد رمي الجمار،
ومنزلي اليوم أنفس من منزله فاركب حتى آتي منزله، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت
حتى أرمي الجمرة " وقال علي بن مهزيار (4) " رأيت أبا جعفر عليه السلام يمشي بعد يوم
النحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكبا، وكنت أراه راكبا بعد ما يحاذي

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 - 2 - 4 وفي الثالث " وكنت أراه ماشيا ".
(2) المستدرك الباب 8 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 - 2 - 4 وفي الثالث " وكنت أراه ماشيا ".
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 - 2 - 4 وفي الثالث " وكنت أراه ماشيا ".
110

المسجد بمنى " وفي مرسل الحسن بن صالح (1) " نزل أبو جعفر عليه السلام فوق
المسجد بمنى قليلا عن دابته حتى توجه لرمي الجمرة عند مضرب علي بن الحسين
(عليهما السلام) فقلت له جعلت فداك لم تنزل هاهنا فقال: إن هذا مضرب
علي بن الحسين (عليهما السلام) ومضرب بني هاشم، وإنما أحب أن أمشي في
منازل بني هاشم ".
ولا يخفى عليك دلالة النصوص المزبورة على المشي إلى الجمار أيضا. مضافا
إلى الرمي راجلا، لكن عن المبسوط والسرائر أن الركوب أفضل، لأن النبي صلى الله عليه وآله
رماها راكبا (2) وفي المدارك لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الأصحاب
لكن في كشف اللثام يعنيان في حجة الوداع التي بين فيها المناسك للناس وقال (3):
" خذوا عني مناسككم " فلولا الاجماع على جواز المشي وكثرة المشاة إذ ذاك
بين يديه صلى الله عليه وآله لوجب الركوب، وفي مرسل محمد بن الحسين (4) عن أحدهما
(عليهما السلام) في رمي الجمار " أن رسول الله صلى الله عليه وآله رمى الجمار راكبا على
راحلته " وفي صحيح أحمد بن عيسى (5) " أنه رأى أبا جعفر الثاني عليه السلام رمى
الجمار راكبا " وفي صحيح ابن نجران (6) " أنه رأى أبا الحسن الثاني عليه السلام

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 5
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.
(3) تيسير الوصول ج 1 ص 312.
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1 عن
أحمد بن محمد بن عيسى
(6) الوسائل الباب 8 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 3
عن ابن أبي نجران
111

رمى الجمار وهو راكب حتى رماها كلها " ولعله لذا مال بعض متأخري المتأخرين
إلى التساوي بينهما، وفيه أن حمل ما دل على الركوب على بيان الجواز أولى
باعتبار أن الرمي راجلا أوفق بالخضوع والخشوع وكونه أحمز، والله العالم.
(و) منها أنه (في جمرة العقبة) حال الرمي (يستقبلها) بأن يكون
مقابلا لها، وهو معنى " رميها من قبل وجهها " (و) حينئذ فيلزمه أن
(يستدبر القبلة) كما صرح به غير واحد، بل عن المنتهى نسبته إلى أكثر أهل
العلم، بل لعله لا خلاف فيه وإن حكى في المختلف بعد نسبته إلى المشهور عن
علي بن بابويه أنه يقف في وسط الوادي مستقبل القبلة، ويدعو والحصى في يده
اليسرى ويرميها من قبل وجهها لا من أعلاها، ونحو منه ما عن المقنعة والهداية
لكن في الدروس هو موافق للمشهور إلا في موقف الدعاء، وهو كذلك لأنهما
إنما ذكرا استقبال القبلة عند الدعاء، بل قد عرفت أن الرمي من قبل وجهها بمعنى
الاستقبال المتضمن لاستدبار القبلة كما عن المنتهى، وحينئذ فهما كغيرهما، نعم
في كشف اللثام أنه روي استقبال القبلة عند الرمي في بعض الكتب عن الرضا
عليه السلام، وفيه أنه إن كان المراد الفقه المنسوب (1) إلى الرضا عليه السلام فلفظه المحكي
عنه في الحدائق " وارم جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات، وتقف في وسط
الوادي مستقبل القبلة يكون بينك وبين الجمرة عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة
وتقول وأنت مستقبل القبلة والحصى في كفك اليسرى: اللهم هذه حصياتي
فاحصهن عندك، وارفعهن في عملي، ثم تتناول منها واحدة وترمي من قبل

(1) ذكر صدره في المستدرك في الباب 1 من أبواب رمي جمرة العقبة
الحديث 4 وذيله في الباب 3 منها الحديث 1
112

وجهها، ولا ترمها من أعلاها، وتكبر مع كل حصاة " وهو نحو ما سمعته
من الصدوقين.
وعلى كل حال فيدل عليه ما عن الشيخ (1) من أن النبي صلى الله عليه وآله رماها
مستقبلا لها مستدبر الكعبة، بل عن بعض أنه ورد الخبر باستدبار القبلة في الرمي
يوم النحر واستقبالها في غيره، وهو دال على الأمرين، مضافا إلى قول
الصادق عليه السلام في الأول في حسن معاوية (2) " فارمها من قبل وجهها ولا ترمها
من أعلاها " بناء على كون المراد منه ما سمعت، واحتمال كون المراد بالرمي
من الوجه أنه لا يرميها عاليا عليها إذ ليس لها وجه خاص يتحقق به الاستقبال
يدفعه ملاحظة كلامهم، ضرورة كون المستفاد منه مسألتين الأولى استقبالها
واستدبار القبلة، والثانية الرمي من قبل وجهها لا عاليا عليها، ولعل الصحيح
المزبور يدل على الأمرين.
هذا كله في جمرة العقبة (و) أما (في غيرها) ف‍ (يستقبلها ويستقبل
القبلة) كما عن الشيخ وبني حمزة وإدريس وسعيد والقاضي ولم نقف له على رواية
بالخصوص عدا ما سمعته من المرسل، نعم هو أفضل الهيئات خصوصا في
العبادات وعند الذكر والدعاء، ولذا حكي عن الشيخ أنه قال: جميع أفعال الحج
يستحب أن يكون مستقبل القبلة من الموقف بالموقفين ورمي الجمار إلا رمي جمرة
العقبة يوم النحر، بل عن ظاهر المهذب استحباب استقبال القبلة في رميها أيضا
وإن كان فيه ما عرفت، والظاهر عدم تنافي ما في خبر البزنطي السابق (3)

(1) المبسوط كتاب الحج فصل النزول بمنى
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1
113

" واجعلهن عن يمينك " وصحيح إسماعيل بن همام (1) " تجعل كل جمرة عن
يمينك " لما سمعت من الاستدبار في جمرة العقبة والاستقبال في غيرها، والله العالم.
(وأما الثاني وهو الذبح فيشتمل على أطراف):
(الأول في الهدي، وهو واجب على المتمتع) بلا خلاف أجده فيه،
بل الاجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى إجماع المسلمين عليه، وهو الحجة بعد
الكتاب (2) " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي " والمعتبرة
المستفيضة، منها قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة (3) المتضمن صفة التمتع
إلى أن قال: " وعليه الهدي، فقلت: وما الهدي؟ قال: أفضله بدنة،
وأوسطه بقرة، وأخسه شاة " ومنها قول الصادق عليه السلام في خبر سعيد الأعرج (4)
" من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج فعليه شاة، وإن تمتع
في غير أشهر الحج ثم تجاوز مكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنما هي
حجة مفردة " وخبر إسحاق بن عبد الله (5) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن
المعتمر المقيم عليه مجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال: يتمتع أحب إلي،
وليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين، فإذا اقتصر على عمرته في رجب لم يكن
متمتعا، وإن لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدي " إلى غير ذلك من النصوص الدالة

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 5
(2) سورة البقرة الآية 192
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب أقسام الحج الحديث 1 مع
الاختلاف والصحيح ما في الوسائل.
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الحج الحديث 20 إلا أنه
لم يذكر ذيل الحديث وذكر تمامه في التهذيب ج 5 ص 200 الرقم 664
114

منطوقا ومفهوما على الوجوب على المتمتع.
بل (و) على أنه (لا يجب على غيره سواء كان مفترضا أو متنفلا) بلا
خلاف أجده إلا ما يحكى عن سلار من عد سياق الهدي للمقرن في أقسام الواجب
ويمكن أن يريد ما عن الغنية والكافي من وجوبه بعد الاشعار أو التقليد، أو
يريد الدخول في حقيقته، فإذا وجب القران بنذر أو شبهه وجب السياق، فلا
خلاف حينئذ، وصحيح العيص بن القاسم (1) عن الصادق عليه السلام " في رجل
اعتمر في رجب فقال إن أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه الهدي
وإن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي " محمول على ضرب من
الندب، أو على من بقي في مكة ثم تمتع بالعمرة إلى الحج، أو على التقية من
أبي حنيفة وأتباعه، وعلى ما قيل من أن هذا الهدي جبران إن كان عليه أن
يحرم من خارج وجوبا أو استحبابا فأحرم من مكة، فإن خرج حتى يحرم من
موضعه فليس عليه هدي، بل ربما كان ما في الدروس من أن فيه دقيقة إشارة
إليه، قال فيها: " وفي صحيح العيص يجب على من اعتمر في رجب وأقام بمكة
وخرج منها حاجا لا على من خرج فأحرم من غيرها وفيه دقيقة " بل في الحدائق
نسبة ذلك إلى غير هذه الرواية من الأخبار إلا أني لم أتحققها.
(و) على كل حال ف‍ (- لو تمتع المكي وجب عليه الهدي) أيضا على
المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف فيه إلا عن الشيخ في المبسوط جزما
والخلاف احتمالا بناء على رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى (2): " ذلك لمن
لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " إلى الهدي لا إلى التمتع، لأنه كقوله:

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 2
(2) سورة البقرة الآية 192
115

" من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصيا " في الرجوع إلى الجزاء دون
الشرط، ووافقه عليه أيضا سابقا في المكي ومن في حكمه إذا عدل إلى التمتع،
وفي الدروس احتمال وجوبه على المكي إن كان لغير حج الاسلام، ولعله لاختصاص
الآية به، وفيه بعد التسليم عدم انحصار الدليل فيها.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور، إذ هو مع أنه
اجتهاد، ويمكن منعه عليه في نفسه باعتبار أولوية الرجوع إلى الأبعد في الإشارة
بذلك مدفوع بتعيين النصوص كصحيح زرارة (1) المشتمل على سؤاله
لأبي جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: " ذلك لمن " إلى آخره فقال: يعني " أهل
مكة ليس عليهم متعة " وقول الصادق عليه السلام في خبر سعيد الأعرج (2): " ليس
لأهل شرف ولا لأهل مر ولا لأهل مكة متعة، يقول الله تعالى: ذلك لمن لم يكن
أهله حاضري المسجد الحرام " فعموم الأدلة وإطلاقها حينئذ كتابا وسنة بحاله
مؤيدا بالاحتياط.
(ولو كان المتمتع مملوكا بإذن مولاه كان مولاه بالخيار بين أن يهدي عنه
أو يأمره بالصوم) بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه عندنا، بل في ظاهر
المنتهى والتذكرة الاجماع عليه، بل في صريح المدارك ذلك لصحيح جميل (1)
" سأل رجل أبا عبد الله عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال: فمره فليصم، وإن
شئت فاذبح عنه " وصحيح سعيد بن أبي خلف (4) " سألت أبا الحسن عليه السلام
قلت: أمرت مملوكي أن يتمتع قال: إن شئت فاذبح عنه، وإن شئت فمره

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 6
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 - 6
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 والثاني عن سعيد بن أبي خلف
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 والثاني عن سعيد بن أبي خلف
116

فليصم " وإلى ذلك يرجع ما في صحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام)
" سئله عن المتمتع كم يجزيه؟ قال: شاة، وسأله عن المتمتع المملوك قال:
عليه مثل ما على الحر، إما ضحية وإما صوم " بعد حمله على إرادة المماثلة في كمية
ما يجب عليه وإن اختلفت الكيفية.
وعلى كل حال فلا يتعين الذبح عنه على المولى، للأصل والاجماع المحكي
عن التذكرة المعتضد بنفي علم الخلاف فيه إلا في قول الشافعي عن المنتهى،
وبخبر الحسن العطار (2) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل أمر مملوكه يتمتع بالعمرة
إلى الحج أعليه أن يذبح عنه؟ فقال: لا إن الله عز وجل يقول: عبدا مملوكا
لا يقدر على شئ (3) " وهو نص في خلاف المحكي عن الشافعي من تعيين الذبح على
المولى، لإذنه له في التمتع الموجب لذلك، لأن الإذن في الشئ إذن في لازمه،
والفرض اعتبار العبد، إذ هو مع أنه اجتهاد يمكن دفعه بأن مقتضى ذلك تعين
الصوم عليه، كما هو المحكي عن بعض العامة لا الذبح عنه، واحتمال صيرورته
مؤسرا بتمليك المولى إياه ذلك واضح الفساد بعد أن عرفت أن العبد لا يملك
مطلقا عندنا، نعم قد سمعت النص والاجماع على مشروعية الذبح عنه، وبذلك
كله يظهر لك أنه ينبغي حمل خبر علي بن أبي حمزة (4) سألت أبا إبراهيم عليه السلام
عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ثم أهل بالحج يوم التروية ولم أذبح عنه فله
أن يصوم بعد النفر، فقال: ذهبت الأيام التي قال الله تعالى ألا كنت أمرته

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب الذبح الحديث 1
وذيله في الباب 2 منها الحديث 5
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الذبح الحديث 3 - 4
(3) سورة النحل الآية 77
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الذبح الحديث 3 - 4
117

أن يفرد الحج، قلت: طلبت الخير فقال: كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه
شاة سمينة، وكان ذلك يوم النفر الأخير " على ضرب من الندب كما عن نهاية الشيخ
وغيرها، وإن حكي عنه العمل بمضمونه في كتابي الأخبار، ولو امتنع المولى
عن الذبح وجب على المملوك الصوم، ولا ولاية للمولى على منعه منه، فإنه لا طاعة
للمخلوق في معصية الخالق، والله العالم.
(ولو أدرك المملوك) المتمتع (أحد الموقفين معتقا لزمه الهدى مع القدرة
ومع التعذر الصوم) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في محكي المنتهى بل ولا
إشكال لأنه بالادراك المزبور يكون حجه حج اسلام، فيساوي غيره من
الأحرار في وجوب الهدي عليه مع القدرة ومع التعذر فالصوم، بل في
القواعد فإن أعتق قبل الصوم تعين عليه الهدي أي مع التمكن، وظاهره ذلك
وإن كان بعد إتمام الحج، ولعله لارتفاع المانع وتحقق الشرط، ودعوى
اختصاص الآية بحج الاسلام قد عرفت ما فيها.
(والنية شرط في الذبح) كما في غيره من الأفعال، فيجب مقارنتها
لأول جزء منه واستدامتها إلى آخره، ولكن التحقيق أنها الداعي، وأنه لا يجب
فيها أزيد من نية القربة والتعيين مع فرض الحاجة إليه، وإن كان الأحوط مع
ذلك ذكر الوجه وغيره مما سمعته سابقا، كما أنك سمعت أيضا الاجتزاء بالاتيان
بعنوان الجزئية للحج الذي سبق تعينه عند إحرامه، والله العالم.
(ويجوز أن يتولاها عنه الذابح) النائب عنه في الذبح ونيته بلا خلاف
أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن بعض الاجماع عليه، بل في كشف
اللثام الاتفاق على توليه لها مع غيبة المنوب عنه، لأنه الفاعل، فعليه نيته،
فلا يجزي حينئذ نية المنوب عنه وحدها، لأن النية إنما تعتبر من المباشر، بل
لا معنى لها إن نوى الذبح أو النحر، فالجواز بمعناه الأعم، أو التعبير به لأن
118

النيابة جائزة، نعم إن جعلت يده مع يده نويا كما في الدروس لأنهما مباشران،
وفي الدروس وتجب النية في الذبح، وتجزي الاستنابة في ذبحه، ويستحب
جعل يده مع يده فينويان، ومباشرته أفضل إن أحسن،
ويستحب للنائب ذكر
المنوب لفظا ويجب نيته، قلت: قد سمعت ما في خبر أبي بصير (1) المتضمن
للرخصة للنساء والصبيان في الإفاضة من المشعر بالليل، وأن يرموا الجمار فيها،
وأن يصلوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض وكلن من يضحي عنهن، وخبر
علي بن أبي حمزة (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " أي امرأة أو رجل خائف أفاض
من المشعر ليلا فلا بأس، فليرم الجمرة ثم ليمض وليأمر من يذبح عنه " الحديث
وخبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء
والضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، وأن يرموا الجمرة بليل، فإذا أراد أن
يزوروا البيت وكلوا من يذبح عنهم " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز
التوكيل الظاهر في الذبح ونيته، بل الظاهر مشروعيته في حال الحضور أيضا
كالتوكيل في الزكاة والخمس، فينوي النائب حينئذ، نعم قد يقال لو كان التوكيل
في الفعل نفسه خاصة نوى الأصل حينئذ، ولا يقدح كونه غير مباشر بعد
مشروعية التوكيل في الفعل الذي صار به بمنزلة فعله، فينوي القربة فيه، ولعل
المراد بالجواز في المتن والقواعد الإشارة إلى ذلك، والأولى مع حضوره جمع
النيتين منهما، وهو سهل بعد كون النية الداعي.
ولو غلط الوكيل في تسمية الموكل لم يقدح تقديما لنيته على الغلط اللساني
وهو المراد من خبر علي بن جعفر (4) عن أخيه عليه السلام المروي في التهذيب وغيره

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 4 - 6.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 4 - 6.
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 - 4 - 6.
(4) الوسائل الباب 29 من أبواب الذبح الحديث 1
119

" سألته عن التضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمي غير صاحبها أتجزي عن صاحب
الضحية؟ فقال: نعم، إنما له ما نوى " فإن الاسم لا مدخلية له، ولذا لو نساه
أجزء أيضا، كما في خبر عبد الله بن جعفر الحميري (1) المروي عن الاحتجاج عن
صاحب الزمان (روحي له الفداء) " كتب إليه يسأله عن رجل اشترى هديا
لرجل غائب، وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم
الرجل ونحر الهدي ثم ذكر بعد ذلك أيجزي عن الرجل أم لا؟ الجواب لا بأس
بذلك، وقد أجزء عن صاحبه " والله العالم.
(ويجب ذبحه بمنى) عند علمائنا في محكي المنتهى والتذكرة وعندنا في كشف
اللثام، وهذا الحكم مقطوع في كلام الأصحاب في المدارك، وقال الصادق عليه السلام
في خبر إبراهيم الكرخي (2) " في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان
هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء
وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى " وقال أيضا في خبر
عبد الأعلى (3)، " لا هدي إلا من الإبل، ولا ذبح إلا بمنى " بل ربما استشعر
من قول النبي (4) " منى كلها منحر " تخصيصها بالحكم من حيث تخصيصها
بالذكر، بل ربما استدل بقول الصادق عليه السلام أيضا في صحيح منصور (5) " في

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الذبح الحديث 2 وهو خبر
محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 1 - 6
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 1 - 6
(4) المستدرك الباب 35 من أبواب كفارات الصيد الحديث 3
(5) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2
120

الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن
صاحبه الذي ضل عنه، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه " بناء
على أولوية عدم الاجزاء مع الاختيار من حال الاضطرار، لكن فيه أنه مبني
على اجزاء التبرع، وإلا كان مطرحا.
وكيف كان فما عن العامة من جوازه في أي مكان من الحرم، بل
جوازه في الحل إذا فرق لحمه في الحرم واضح الفساد، وما في صحيح عمار (1)
عن الصادق (عليه السلام) " في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى
بمكة فذبح قال: لا بأس قد أجزء عنه " مع أنه صريح في الذبح بغير منى،
وإن أشكله الشهيد بأنه في غير محل الذبح محمول على غير الهدي الواجب،
كحسن معاوية بن عمار (2) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن أهل مكة
أنكروا عليك إنك ذبحت هديك في منزلك بمكة فقال: إن مكة كلها منحر "
والله العالم.
(ولا يجزي واحد في) الهدي (الواجب إلا عن واحد) ولو حال
الضرورة عند المشهور، بل عن ضحايا الخلاف الاجماع عليه للأصل المستفاد من
تعدد الخطاب الموافق لقوله تعالى (3): " فمن لم يجد فصيام " إلى آخره،
ضرورة صدق عدم وجدان الهدي مع الاضطرار، فإن التمكن من جزء منه
ليس تمكنا منه بعد أن كان المنساق منه الحيوان التام، والأمر بما استيسر إنما هو

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 5
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 2
(3) سورة البقرة الآية 192
121

لإرادة بيان النعم الثلاثة لا اجزاء الحيوان الواحد، ولصحيح الحلبي (1)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة قال: أما في الهدي فلا، وأما
في الأضحى فنعم " وصحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام)
" لا تجوز البدنة والبقرة إلا عن واحد بمنى " وخبر الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام
" تجزي البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة، ولا تجزي بمنى إلا عن واحد "
بناء على إرادة الكناية بذلك عن الهدي الواجب والمندوب أي الأضحية، لا
الحج المندوب تمتعا، لأن الهدي فيه واجب أيضا بعد وجوبه بالتلبس به.
(و) لكن مع ذلك (قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة إذا
كانوا أهل خوان واحد) إلا أنا لم نعرف القائل بذلك، نعم في محكي المبسوط " ولا
يجوز في الهدي الواجب إلا واحد عن واحد مع الاختيار سواء كان بدنا أو بقرا،
ويجوز عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين. وكلما قلوا كان أفضل، وإن
اشتركوا عند الضرورة أجزأت عنهم، سواء كانوا متفقين في النسك أو مختلفين
ولا يجوز أن يريد بعضهم اللحم، وإذا أرادوا ذبحه أسندوه إلى واحد منهم
ينوب عن الجماعة، ويسلم مشاعا اللحم إلى المساكين " ونحو منه النهاية، وكذا
الاقتصاد والجمل والعقود، ولم يقتصر فيهما على البدنة والبقرة، ولا اشترط
أن لا يريد بعضهم اللحم أي اجتماعهم على التقرب بالهدي، وفي كشف اللثام
وهو خيرة القاضي والمختلف والمنتهى ومحتمل التذكرة، والموجود في المختلف
أن الأقرب الاجزاء عند الضرورة عن الكثير دون الاختيار " وفي المقنعة
" وتجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت، ولا يجوز في الهدي الواجب

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 4
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 4
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 4
122

البقرة والبدنة مع التمكن إلا عن واحد، وإنما تجوز عن خمسة وسبعة وسبعين
عند الضرورة وعدم التمكن، وإن كان كلما قل المشتركون فيه والحال ما وصفناه
كان أفضل " وعن الهداية " وتجزي البقرة عن خمسة نفر إذا كانوا من أهل بيت
وروي أنها تجزي عن سبعة، والجزور يجزي عن عشرة متفرقين، والكبش
يجزي عن الرجل وعن أهل بيته، وإذا عزت الأضاحي أجزأت شاة عن سبعين "
وفي المراسم " تجزي بقرة عن خمسة نفر " وأطلق فلم يقيد بالضرورة ولا بالاجتماع
على خوان واحد، نعم عن بعض نسخها زيادة " والإبل تجزي عن سبعة وعن
سبعين نفرا " وفي المحكي من حج الخلاف " يجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة
أو بقرة واحدة إذا كانوا متقربين وكانوا أهل خوان واحد سواء كانوا متمتعين
أو قارنين أو مفردين، أو بعضهم مفردا وبعضهم قارنا أو متمتعا أو بعضهم
مفترضين أو متطوعين، ولا يجوز أن يريد بعضهم اللحم، وبه قال أبو حنيفة
إلا أنه لم يعتبر أهل خوان واحد، وقال الشافعي: مثل ذلك إلا أنه أجاز أن يكون
بعضهم يريد اللحم، وقال مالك: لا يجوز الاشتراك إلا في موضع واحد،
وهو إذا كانوا متطوعين، وقد روى ذلك أصحابنا أيضا، وهو الأحوط،
وعلى الأول خبر جابر (1) قال: " كنا نتمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ونشترك
السبعة في البقرة أو البدنة " وما رواه أصحابنا أكثر من أنه يحصى، وعلى الثاني
ما رواه أصحابنا، وطريقة الاحتياط تقتضيه ".
والجميع كما ترى ليس في شئ منها ما يوافق القول المزبور مع اختلافها
كاختلاف النصوص، ففي خبر معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " تجزي

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 234
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 5
123

البقرة عن خمسة بمنى إن كانوا أهل خوان واحد " وخبر أبي بصير (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام " البدنة والبقرة تجزي عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت
واحد ومن غيرهم " وخبر إسماعيل بن أبي زياد (2) عن أبي عبد الله عن أبيه عن
علي (عليهم السلام) " البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من أهل بيت واحد،
والمسنة تجزي عن سبعة نفر متفرقين، والجزور تجزى عن عشرة متفرقين "
وفي خبر حمران (3) قال: " عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار،
فسئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: وكم؟
قال: ما خف فهو أفضل، فقال: قلت: عن كم تجزي؟ فقال عن سبعين "
وفي خبر الحسين بن خالد (4) المروي عن العلل والعيون سئل الرضا عليه السلام " عن كم
تجزي البدنة؟ فقال: عن نفس واحدة، قال: فالبقرة قال: تجزي عن
خمسة قال: لأن البدنة لم يكن فيها من العلة ما كان في البقرة، إن الذين أمروا قوم
موسى بعبادة العجل كانوا خمسة، وكانوا أهل بيت يأكلون علي خوان واحد
وهم الذين ذبحوا البقرة ".
إلا أنها أجمع كما ترى لا تصريح في شئ منها بالهدي الواجب، فيمكن
حملها على الأضحية المندوبة كخبر سوادة (5) قال: " كنا جماعة بمنى فعزت
الأضاحي بمنى فنظرنا فإذا أبو عبد الله عليه السلام واقف على قطيع يساوم بغنم،

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 6 - 7 - 11 - 18
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 6 - 7 - 11 - 18
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 6 - 7 - 11 - 18
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 6 - 7 - 11 - 18
(5) ذكر صدره في الوسائل في الباب 19 من أبواب الذبح الحديث 1
وأسقط قطعة منه وذكر ذيله في الباب 18 منها الحديث 12 وذكر تمامه في
الاستبصار ج 2 ص 267 الرقم 947
124

ويماكسه مكاسا شديدا فوقفنا ننظر فلما فرغ أقبل علينا وقال: أظنكم قد تعجبتم
من مكاسي فقلنا نعم، فقال إن المغبون لا محمود ولا مأجور ألكم حاجة؟
قلنا نعم أصلحك الله إن الأضاحي قد عزت علينا، قال: فاجتمعوا فاشتروا
جزورا فانحروها فيما بينكم، قلنا فلا تبلغ نفقتنا ذلك، قال: فاجتمعوا فاشتروا
شاة واذبحوها فيما بينكم، قلنا: تجزي عن سبعة قال: نعم وعن سبعين "
وخبره الآخر مع علي بن أسباط (1) عنه عليه السلام أيضا قالا: " قلنا له: جعلنا
فداك عزت الأضاحي علينا بمكة فيجزي اثنين أن يشتركا في شاة فقال: نعم
وعن سبعين " وخبر علي بن الريان بن الصلت (2) عن أبي الحسن الثالث عليه السلام
قال: " كتبت إليه أسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية فجاء الجواب
إن كان ذكرا فعن واحد، وإن كان أنثى فعن سبعة " وخبر يونس بن يعقوب (3)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البقرة يضحى بها فقال: تجزي عن سبعة " نعم في
خبر زيد بن جهم (4) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام متمتع لم يجد هديا فقال: أما
كان معه درهم يأتي به قومه فيقول: أشركوني بهذا الدرهم " وصحيح ابن
الحجاج (5) " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون
وهم متوافقون ليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم، ومضربهم واحد،
ألهم أن يذبحوا بقرة؟ فقال: لا أحب ذلك إلا من ضرورة " والأول مع
وهن سنده بجهالة حفص وزيد، ولا جابر له يمكن حمله على ضرب من الندب
بدفع شئ للشركة مع من يضحي وإن كان تكليفه الصوم، والثاني لا تصريح
فيه بالهدي، فيمكن الاشتراك في الأضحية المندوبة وإن كانوا متمتعين، خصوصا

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الذبح الحديث 9 - 8 - 19 - 13 - 10 والأول عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
125

بعد ظهوره في جواز ذلك اختيارا مع عدم القائل به أو ندرته، فالتحقيق
حينئذ عدم الاجزاء في الهدي الواجب مطلقا.
(و) حينئذ ف‍ (الأول أشبه و) إن كان الأحوط مع الضرورة
الاشتراك مع الصوم، نعم (يجوز ذلك في المندوب) أي الأضحية والمبعوث
من الآفاق والمتبرع بسياقه مع عدم تعينه بالاشعار والتقليد، لما سمعته من
النصوص السابقة، بل عن المنتهى الاجماع على إجزاء الهدي في التطوع عن
سبعة نفر سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم، بل في التذكرة " أما في التطوع
فيجزي الواحد عن سبعة وعن سبعين حال الاختيار سواء كان من الإبل أو البقر
أو الغنم إجماعا " بل الظاهر إرادة المثال من السبعين في النصوص في الشاة فضلا عن
غيرها من غير فرق في ذلك بين كونهم أهل خوان واحد أو لا، وبين كونهم
من أهل بيت واحد أو لا، ففي مرسل ابن سنان (1) " كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يذبح يوم الأضحى كبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لم يجد من أمته " وما
في بعض النصوص من التقييد ببعض ذلك محمول على ضرب من الندب، والله العالم
(ولا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي، بل يقتصر على الصوم) مع
عدم وجدانه غيرها بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك وغيرها أنه مقطوع به
في كلام الأصحاب، لفحوى استثنائها في دين المخلوق الذي هو أهم في نظر
الشارع من دين الخالق، ولصدق عدم الوجدان عليه الذي هو عنوان الصوم،
وانتفاء صدق الاستيسار الذي هو عنوان وجوب الذبح، ولمرسل علي بن
أسباط (2) المنجبر بما عرفت عن الرضا عليه السلام سئل " عن رجل يتمتع بالعمرة إلى الحج

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الذبح الحديث 3
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب الذبح الحديث 2
126

وفي عيبته ثياب أله أن يبيع من ثيابه شيئا ويشتري بدنة؟ قال: لا، هذا يتزين
به المؤمن، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئا " بل وصحيح البزنطي (1)
" سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي
يحتاج إليه فتسوي تلك الفضول مائة درهم، هل يكون ممن يجب عليه؟ فقال
له بد من كراء ونفقة، فقال: له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من
الكسوة، فقال: وأي شئ كسوة بمائة درهم، هذا ممن قال الله: فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " وإن كان يحتمل غير ذلك، لكن
ما عرفته أولا كاف، بل الظاهر استثناء كل ما يستثنى في الدين، ولو باعها
واشترى ففي الدروس أجزء، ونوقش بأنه غير آت بالمأمور به وليس هو كمن
وهب فقبل ونحوه ممن يصدق عليه أنه تيسر له الهدي بعد قبوله، بخلاف
الفرض خصوصا بعد ظهور المرسل في عدم كون ذلك له، اللهم إلا أن يكون
المراد منه عدم الوجوب لا النهي، ولعل الاجزاء لا يخلو من قوة، ولكن
الاحتياط لا ينبغي تركه ولو بالجمع، والله العالم.
(ولو ضل الهدي فذبحه غير صاحبه) ناويا به صاحبه (لم يجز عنه)
كما في النافع بل في المسالك أنه المشهور وإن كان لم نجده لغير المصنف في الكتابين،
بل في كشف اللثام قصر الحكاية على الثاني منهما، بل هو في الكتاب في هدي القران
صرح بما عليه المشهور كما ستسمع، فينحصر الخلاف حينئذ في النافع وإن كان ما حضرنا
من نسخته هنا وما شرحه ثاني الشهيدين وسبطه نحو ما في النافع، وعلى كل
حال فلا دليل له إلا الأصل المقطوع بما في صحيح منصور بن حازم (2) " في رجل

(1) الوسائل الباب 57 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2
127

ضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال: إن كان نحره في منى فقد أجزأ عن
صاحبه الذي ضل عنه، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه " ومن هنا
كان المشهور على ما في كشف اللثام الاجزاء عنه أن ذبحه بمنى، بل ظاهر
الصحيح المزبور إطلاق الاجزاء عن صاحبه مع الذبح بمنى، إلا أنه لا قائل به
على الظاهر، ولعله لانسياق ذلك منه، مضافا إلى ما تسمعه من صحيح ابن
مسلم (1) فحينئذ إن لم ينوه عن صاحبه لم يجز عن أحد منهما كما عن المنتهى
والتحرير التصريح به، قال: وأما عن الذابح فلأنه منهي عنه، وأما عن صاحبه
فلعدم النية " وفي الرياض " هو حسن لولا إطلاق النص بالاجزاء عن صاحبه "
ولكن ظاهرهم الاطباق على المنع هنا، ولعلهم حملوا اطلاق النص على الأصل
في فعل المسلم من الصحة، فلا يتصور فيه الذبح بغير النية عن صاحبه " قلت:
لا يخفى عليك في هذا الأصل هنا سيما بعد عموم جواز الالتقاط، ولذا قال في
كشف اللثام: " لا يجزي عنه وإن نواه عن نفسه إلا أن يجده في الحل فيتملكه
بشرائطه، وحينئذ فهو صاحبه " قلت: بل لو وجده في الحرم بناء على جواز أخذ
الضالة، نعم لو قلنا بخروج الهدي عن حكم الضالة ولو للنص المزبور اتجه عدم الاجزاء
حينئذ عنه للنهي، ولكن فيه نظر لاطلاق الأدلة بل عمومها، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فقد سمعت ما عن المشهور المبني على عدم تملك الواجد،
لكن عن الفاضل في المنتهى أنه ينبغي لواجد الهدي الضال أن يعرفه ثلاثة
أيام، فإن عرفه صاحبه وإلا ذبحه عنه، لصحيح محمد بن مسلم (2) عن أحدهما
(عليهما السلام) " إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر واليوم الثاني
واليوم الثالث ثم يذبحه عن صاحبه عشية يوم الثالث " الحديث، ولكن ظاهر

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 1
128

الصحيح المزبور وجوب التعريف كما هو المحكي عن ظاهر الشيخ في النهاية، بل
في كشف اللثام الظاهر الوجوب للأمر بلا معارض، وللتحرز عن النيابة بلا
ضرورة ولا استنابة خصوصا عن غير معين، وعن إطلاق الذبح عما في الذمة
إطلاقا محتملا للوجوب والندب، وللهدي وغيره، وللتمتع وغيره، وحج الاسلام
وغيره، ولذا لم يجتز به المحقق في النافع، قلت: أما عدم اجتزاء المصنف فهو
كالاجتهاد في مقابل النص نحو ما سمعته من التعليل، فالعمدة ظاهر الأمر الذي
لا ريب في قصوره عن معارضة الصحيح الأول مع فرض إرادة اعتبار ذلك في
الاجزاء، وإلا كان واجبا تعبدا معارضا بالأصل وغيره، بل ظاهر الفاضل
الذي ذكره الندب، كما أن ظاهر الشيخ التعبير بما في الخبر، فالأقوى الندب،
وخصوصا بعد الذبح، وإن قال في المدارك: " ولو قلنا بجواز الذبح قبل
التعريف لم يبعد وجوبه بعده ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا " إلا أنه كما ترى،
خصوصا مع القول بالاجزاء عن صاحبها بمجرد الضياع كما في مرسل محمد بن
عيسى (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل اشترى شاة لمتعة فسرقت منه أو
هلكت فقال: إن كان أوثقها في رحل فضاعت فقد أجزأت عنه " وخبر علي (2)
عن عبد صالح عليه السلام قال: " إذا اشتريت أضحيتك وصارت في رحلك فقد بلغ
الهدي محله " ويقرب من ذلك ما في صحيح معاوية (3) " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها قال: لا بأس،
وإن أبدلها فهو أفضل، وإن لم يشتر فليس عليه شئ " ومرسل إبراهيم بن

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 2 عن أحمد بن
محمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا.
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 4 1
(3) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 4 1
129

عبد الله (1) قال: " اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت فقال لي أبي ائت أبا عبد الله
عليه السلام فاسأله عن ذلك فأتيته فأخبرته فقال ما ضحي بمنى شاة أفضل من شاتك "
وإن كانا هما في غير الضال، مع احتمال إرادة ما يشمله من الهلاك في الأول
نحو خبر أبي بصير (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى كبشا فهلك
منه قال: يشتري مكانه آخر، قلت: فإن اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول
قال: إن كانا جميعين قائمين فليذبح الأول وليبع الأخير وإن شاء ذبحه، وإن كان
قد ذبح الأخير ذبح الأول معه " المحمول على الندب، لحصول الاجزاء بذبح الأخير
نعم لو فرض تعين ذبحه بنذر ونحوه وجب حينئذ، ومنه الاشعار الذي قد صرح
بالوجوب معه في محكي التذكرة والمنتهى والتحرير، بل عن المختلف أنه حكاه عن
الشيخ أيضا، ولكن هو قرب الاستحباب للامتثال، وهو مناف لصحيح
الحلبي (3) سأل الصادق عليه السلام " عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها
ويقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه، فقال عليه السلام: إن لم يكن قد
أشعرها فهو من ماله، إن شاء نحرها وإن شاء باعها، وإن كان أشعرها نحرها "
هذا، وفي المدارك " أنه متى جاز ذبحه فالظاهر وجوب الصدقة به والاهداء
ويسقط وجوب الأكل قطعا، لتعلقه بالمالك " ونحوه في المسالك، وقد يناقش
في وجوب الأولين أيضا بظهور دليلهما في المالك واطلاق الأمر هنا بالذبح
الظاهر في الاجزاء، ولو أن الواجد معامل معاملة المالك لوجب الأكل عليه أيضا،
ولكن مع ذلك والاحتياط لا ينبغي تركه، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 3
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1
130

(ولا يجوز اخراج شئ مما ذبحه) في منى من الهدي الواجب (عن
منى، بل يخرج) من رحله مثلا (إلى مصرفه بها) وفاقا للمشهور على ما في
الذخيرة، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، واستدل عليه
في التهذيب بصحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " سألته عن
اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال: لا يخرج منه شئ إلا السنام بعد ثلاثة أيام "
وصحيح معاوية (2) قال أبو عبد الله عليه السلام: " لا تخرجن شيئا من لحم الهدي "
وخبر علي بن أبي حمزة (3) عن أحدهما (عليهما السلام) " لا يتزود الحاج من
أضحيته، وله أن يأكل بمنى أيامها، قال: وهذه مسألة شهاب كتب إليه فيها "
ولكن لا يخفى عليك عدم دلالة الأول على المطلوب بل والثاني مع فرض كون
المراد به ما في الأول من عدم الخروج من الحرم، وكذا الثالث، ضرورة النهي
فيه عن التزود لا الصدقة بها مثلا في خارج منى، ولعله لذا كان المحكي عن الفقيه
والمقنع والجامع والمنتهى والتذكرة والتحرير التعبير بما يوافق الصحيح الأول،
ومنه يعلم ما في النسبة المزبورة، نعم عن الصدوق وابن سعيد استثناء السنام كما
في الخبر، بل عن الأخير زيادة الجلد لما تسمعه إن شاء الله من النصوص (4) بل
عن المنتهى تخصيص الحكم هنا باللحم، لكن في المسالك لا فرق في ذلك بين اللحم
والجلد وغيرهما من الأطراف والأمعاء، بل تجب الصدقة بجميع ذلك، لفعل
النبي (صلى الله عليه وآله) (5) وناقشه في المدارك بأنه لا يقتضي الوجوب،
وفيه أن ذلك مقتضى دليل التأسي بناء على شموله لغير معلوم الوجه من

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 0 - 3
(5) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 0 - 3
131

الفعل، مضافا إلى قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " خذوا عني مناسككم "
ثم قال في المدارك: نعم يمكن الاستدلال عليه بصحيح معاوية (2) " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الإهاب فقال: تصدق به أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت،
ولا تعطي الجزارين، وقال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعطى جلالها وجلودها
وقلائدها الجزارين، وأمر أن يتصدق بها " وصحيح علي بن جعفر (3) عن
أخيه عليه السلام " سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟
قال: لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق بثمنها " لكن فيه أنه لا دلالة
في شئ منهما على عدم جواز الاخراج من منى كما هو واضح، بل الأخير منهما
في الأضاحي التي يمكن القول بجواز إخراج لحومها اختيارا وإن كره كما عن
الفاضلين وغيرهما التصريح به، كالمحكي عن صريح آخرين من الجواز معها في جلود
الهدي أيضا، ولعله للصحيح أو الموثق (4) " عن الهدي أيخرج شئ منه عن
الحرم؟ فقال: بالجلد والسنام والشئ ينتفع به، قلت: إنه بلغنا عن أبيك أنه
قال: لا يخرج من الهدي المضمون شيئا، قال: بل يخرج بالشئ ينتفع به "
وزاد فيه أحمد " ولا يخرج شئ من اللحم من الحرم " نحو ما سمعته في صحيح
ابن مسلم السابق.
وبذلك كله ظهر لك أن المتجه العمل بما في صحيح ابن مسلم، وإن كان
الاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا بعد إطلاق النهي عن الخروج في صحيح
معاوية الذي لا تعارض بينه وبين صحيح ابن مسلم في ذلك، وخصوصا بعد ما

(1) تيسير الوصول ج 1 ص 312
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4 - 6
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4 - 6
(4) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4 - 6
132

سمعته من النسبة إلى الأصحاب في المدارك وإلى الشهرة في غيرها، نعم ينبغي
القطع بالجواز إذا لم يكن مصرف له إلا في خارجها كما صرح به في المسالك
مستثنيا له من إطلاق المنع ونحوه، كما أنه ينبغي القطع بالجواز إذا كان قد اشتراه
مثلا من المسكين، لانسياق دليل المنع إلى غيره، فيبقى الأصل حينئذ بلا معارض
كما جزم به في التهذيب جامعا به بين ما سمعته من النصوص وبين صحيح ابن
مسلم أو حسنه (1) عن أبي عبد الله عليه السلام سألته عن إخراج لحوم الأضاحي
من منى فقال: كنا نقول: لا يخرج شئ لحاجة الناس إليه، فأما اليوم فقد كثر
الناس فلا بأس باخراجه " وإن كان فيه أنه غير مناف لما ذكرنا، بل هو مؤيد له
على أنه في الأضاحي دون الهدي الواجب الذي هو محل البحث، والله العالم.
(ويجب ذبحه) أي الهدي (يوم النحر) بلا خلاف أجده فيه كما
اعترف به بعضهم، بل في المدارك أنه قول علمائنا وأكثر العامة للتأسي، لكن
المسلم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الاجماع
عليه كما ادعاه بعضهم، أما عدم جواز تأخيره عنه فهو وإن كان مقتضى العبارة
لكن ستعرف القائل بالجواز صريحا وظاهرا، بل قد يشكل الدليل عليه، فإنهم
لم يذكروا له إلا التأسي الذي يمكن الاشكال فيه بعد تسليم وجوبه في غير
معلوم الوجه بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكا، ضرورة احتياج
الذبح إلى وقت، وإن كان هو خلاف ظاهر الحال.
وأن يكون (مقدما على الحلق) بناء على وجوب الترتيب الذي ستسمع
الكلام فيه عند تعرض المصنف (رحمه الله) له (و) لكن (لو أخره) عنه
(أثم) بناء على الوجوب (وأجزأ، وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 5
133

جاز) أي أجزأ بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام قطع به الأصحاب
من غير فرق بين الجاهل والعالم والعامد والناسي، ولا بين المختار والمضطر، بل
عن النهاية والغنية والسرائر الجواز، بل عن الثاني الاجماع عليه، لكن يمكن
إرادة الجميع الاجزاء منه كما في المتن، نعم عن المصباح ومختصره " أن الهدي
الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجة، ويوم النحر أفضل " بل عن ظاهر
المهذب ما يوهم جواز تأخيره عن ذي الحجة، ولعله لا يريده، لامكان تحصيل
الاجماع كما ادعاه بعض على خلافه، وعن المبسوط التصريح بأنه بعد أيام التشريق
قضاء، وعن ابن إدريس أنه أداء.
وعلى كل حال فدليل الاجزاء بعد اطلاق الآية (1) حسن حريز (2) عن
الصادق عليه السلام " فيمن يجد الثمن ولا يجد الغنم قال: يخلف الثمن عند بعض أهل
مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه، وهو يجزي عنه، فإن مضى ذو الحجة أخر
ذلك إلى قابل من ذي الحجة " إلا أنه لا يشمل تمام المدعى، كصحيح معاوية بن
عمار (3) عنه عليه السلام أيضا " في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى
بمكة ثم ذبح قال: لا بأس قد أجزأ عنه " كما أنه لا دلالة في صحيح علي بن
جعفر (4) سأل أخاه عليه السلام " عن الأضحى كم هو بمنى؟ قال: أربعة أيام " ونحوه
موثق عمار (5) على كونه قضاء بعد أيام التشريق، لجواز كون الغرض عدم
الصوم، كما في صحيح ابن حازم أو موثقه (6) عن الصادق عليه السلام " النحر بمنى

(1) سورة البقرة الآية 192
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 5
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 5
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 5
(6) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 5
134

ثلاثة أيام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام، والنحر بالأمصار يوم
فمن أراد أن يصوم صام من الغد " بل في موثق أبي بصير (1) سأل أحدهما
(عليهما السلام) " عن رجل تمتع فلم يجد أن يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد
ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت " وإن كان
احتمل فيه إرادة يوم النفر من مكة وقد كان بعد ذي الحجة، بل عن الشيخ حمله
على من صام ثلاثة أيام فمضي أيامه بمعنى مضي زمان أسقطه عنه للصوم فيه،
والكلام في أمر القضاء والأداء بعد عدم وجوب نيتهما عندنا سهل.
إنما الكلام في أصل الوجوب يوم النحر الذي قد عرفت عدم ذكر دليل له
إلا التأسي الذي قد سمعت الاشكال فيه، نعم قد يستفاد وجوبه من بعض
النصوص (2) التي مرت في الرخصة للنساء والخائف ونحوه المشتمل على الأمر لهن
بالتوكيل في الذبح عنهن إن خفن الحيض، وفي آخر (3) " فإن لم يكن عليهن
ذبح فليأخذن من شعورهن " ولكن ما سمعته من الأمر (4) لواجد الهدي بالذبح
في عشية اليوم الثالث بل وغيره يقضي بأن أيام النحر في منى الأربعة، فيمكن
القول بوجوب فعله فيها بل يمكن إرادة ما يشملها من يوم النحر المراد به الجنس
وحينئذ فإن أخر عنهن مختارا أثم، وإن كان هو يجزي في جميع ذي الحجة أيضا
كالمعذور، والله العالم والهادي.
الطرف (الثاني في صفاته، والواجبات) منها (ثلاثة):
(الأول الجنس، ويجب أن يكون من النعم: الإبل والبقر والغنم)

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 1
135

بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما يحكى عن المفسرين
في قوله تعالى (1): " ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام " من
أنها الثلاثة المزبورة، وإلى صحيح زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام " في المتمتع
قال: وعليه الهدي، قلت: وما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة، وأوسطه بقرة،
وأخسه شاة " وغيره من النصوص، وكونه المعهود والمأثور من فعل النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة (عليهم السلام) والصحابة والتابعين، بل هو كالضروري بين المسلمين،
قيل: ولذا كان إذا نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته لزمه بيعه وصرف
ثمنه في مصالح البيت بعد تعذر إرادة الهدي منه حقيقة، لأن الفرض اختصاصه
بغير ذلك، وفيه أنه لا يدل على حصره في الثلاثة، وكيف كان فأقله واحد من
المزبورات، ولا حد لأكثره، فقد نحر النبي صلى الله عليه وآله (3) ستا وستين بدنة وعلي
عليه السلام تمام المائة.
(الثاني السن، فلا يجزي من الإبل إلا الثني، وهو الذي له خمس ودخل
في السادسة، و) كذا (من البقر والمعز) وهو (ما له سنة ودخل في الثانية
ويجزي من الضأن الجذع) بلا خلاف أجده فيه في الحكم، والتفسير للأول الذي
هو المعروف عند أهل اللغة أيضا بل على الحكم في الثلاثة الاجماع صريحا في كلام
بعض وظاهرا في كلام آخر، مضافا إلى صحيح العيص (4) عن أبي عبد الله عن
أمير المؤمنين (عليهما السلام) " أنه كان يقول: يجزي الثني من الإبل، والثنية

(1) سورة الحج الآية 35
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 1
136

من البقر، والثنية من المعز، والجذعة من الضأن " بناء على ظهوره في أن ذلك
أقل المجزي، وإلى قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (1): " يجزي من
الضأن الجذع، ولا يجزي من المعز إلا الثني " وفي حسن معاوية بن عمار (2)
" يجزي في المتعة الجذع من الضأن، ولا يجزي جذع من المعز " وفي خبر
أبي بصير (3) " يصلح الجذع من الضأن، وأما الماعز فلا يصلح " وسأله عليه السلام
حماد بن عثمان (4) " عن أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي فقال: الجذع
من الضأن، قلت: فالمعز قال: لا يجوز الجذع من المعز، قلت: ولم؟ قال: لأن
الجذع من الضأن يلقح، والجذع من المعز لا يلقح " وفي خبر سلمة بن
أبي حفص (5) عنه عليه السلام أيضا " كان علي عليه السلام إلى أن قال: وكان يقول:
يجزي من البدن الثني، ومن المعز الثني، ومن الضأن الجذع " وفي دعائم
الاسلام (6) عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: " الذي يجزي في الهدي
والضحايا من الإبل الثني، ومن البقر المسن، ومن المعز الثني، ويجزي من الضأن
الجذع، ولا يجزي الجذع من غير الضأن، وذلك لأن الجذع من الضأن يلقح،
ولا يلقح الجذع من غيره ".
وأما تفسير الثني في البقر والغنم بما عرفت فهو المشهور في كلام الأصحاب
كما اعترف به غير واحد، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطعهم، قال: وروي (7)

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 2 - 6 - 8 - 4
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 2 - 6 - 8 - 4
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 2 - 6 - 8 - 4
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 2 - 6 - 8 - 4
(5) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 9 عن سلمة
أبي حفص وهو الصحيح كما في الكافي ج 4 ص 490
(6) المستدرك الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(7) المستدرك الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
137

في بعض الكتب عن الرضا عليه السلام، إلا أن المعروف في اللغة هو ما دخل في الثالثة
فإن فيها تسقط ثنيتهما على ما قيل، بل عن زكاة المبسوط وأما المسنة يعني من
البقر فقالوا أيضا هي التي تم لها سنتان، وهو الثني في اللغة، فينبغي أن يعمل
عليه، وروي (1) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المسنة هي الثنية فصاعدا، وفي كشف
اللثام وكذا في زكاة السرائر والمهذب والمنتهى والتحرير أنها الداخلة في الثانية
وأنها الثنية، وقد سمعت ما في خبر الدعائم من التعبير بالمسن.
وعلى كل حال فلا ريب في أنه أحوط بناء على أن المراد الثني فما فوقه،
كما عن المبسوط والاقتصاد والمصباح ومختصره والجمل والعقود والسرائر في الإبل
وعن المهذب في البقر، قال الحلبي (2) في الحسن: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الإبل والبقر أيهما أفضل أن يضحى بها؟ قال: ذوات الأرحام، وسألته عن
أسنانها فقال: أما البقر فلا يضرك بأي أسنانها ضحيت، وأما الإبل فلا يصلح
إلا الثني فما فوق " واشتماله على ما لا يقول به أحد من إجزاء أي أسنان البقر
غير قادح في المطلوب، مع احتمال عدم قول البقر لما قبل الثني منها، وإنما يقال له
العجل، لكن قال الصادق عليه السلام في خبر محمد بن حمران (3) " أسنان البقر تبيعها
ومسنها في الذبح سواء " ولعله في غير الفرض.
وأما الجذع من الضأن فلا خلاف أجده في إجزائه، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص، وهو على ما عن العين والمحيط والديوان
والغريبين قبل الثني بسنة، وعن الصحاح والمجمل والمغرب المعجم وفقه اللغة للثعالبي
وأدب الكاتب والمفصل والسامي والخلاص أنه الداخل في السنة الثانية، وفي كشف

(1) المبسوط كتاب الزكاة فصل زكاة البقر
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 5 - 7
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب الذبح الحديث 5 - 7
138

اللثام والمعنى واحد، وكأنه المراد بما في المقائيس من أنه ما أتى له سنتان، وفيه
أن الظاهر منه تمام السنتين لا الدخول في الثانية، كما أنه عليه يتحد حينئذ مع
الثني من المعز بناء على أنه الداخل في الثالثة نحو اتحاده معه على الأول بناء على
أنه الداخل في الثانية، مع أن الظاهر من النص والفتوى بل صريحهما الفرق،
وأن الجذع من الضأن أصغر في السن من الثني.
بل عن كتب الصدوق والشيخين وسلار وابني حمزة وسعيد والفاضل نحو
قول المصنف: (لسنته) وفي كشف اللثام ومعناه ما في الغنية والمهذب والإشارة
أنه الذي لم يدخل في الثانية، وفي السرائر والدروس وزكاة التحرير أنه الذي له
سبعة أشهر، وفي التذكرة والتحرير والمنتهى هنا أنه الذي له ستة أشهر، ولم
نجد ما يشهد لشئ من ذلك، فإن كان عرف يرجع إليه وإلا كان الأحوط مراعاة
تمام السنة وعن ابن الأعرابي " الأجذاع وقت وليس بسن، والجذع من الغنم
لسنة، ومن الخيل لسنتين، ومن الإبل لأربع سنين قال: والضأن يجذع
لسنة، وربما أجذعت الضأن قبل تمام السنة للخصب، فتسمن فيسرع إجذاعها،
فهي جذعة لسنة، وثنية لتمام سنتين " وعن إبراهيم الحربي " أنه كان يقول في
الجذع من الضأن إذا كان ابن شابين أجذع لستة أشهر " إلى سبعة أشهر، وإذا
كان ابن هرمين أجذع لثمانية أشهر إلى عشرة أشهر " وعن أبي حاتم عن الأصمعي
" الجذع من المعز لسنة، ومن الضأن لثمانية أشهر أو تسعة " إلى غير ذلك من
كلماتهم التي لا شاهد لشئ منها، فالتحقيق ما عرفت، والله العالم.
(الثالث أن يكون تاما، فلا تجزي العوراء ولا العرجاء البين عرجها)
ولا المريضة البين مرضها ولا الكبيرة التي لا تنقى بلا خلاف أجده فيه، بل في
المدارك الاجماع عليه في الأولين، وفي صحيح علي بن جعفر (1) سأل أخاه عليه السلام

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 1
139

" عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل يجزي عنه؟
قال: نعم إلا أن يكون هديا واجبا، فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا " بل في
المنتهى " قد وقع الاتفاق من العلماء على اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع،
وروى البراء بن عازب (1) قال: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله خطيبا فقال:
أربع لا تجوز في الأضحى: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها،
والعرجاء البين عرجها، والكبيرة التي لا تنقى " ثم قال ومعنى البين عورها
التي انخسفت عينها وذهبت، فإن ذلك ينقصها، لأن شحمة العين عضو يستطاب
أكله، والعرجاء البين عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم
ومشاركتهن في العلف والرعي فتهزل، والتي لا مخ لها لهزالها، لأن النقي
بالنون المكسورة والقاف الساكنة المخ، والمريضة قيل هي الجرباء، لأن
الجرب يفسد اللحم، والأقرب اعتبار كل مرض يؤثر في هزالها وفي فساد
لحمها ثم قال: فرع العوراء لو لم تنخسف عينها وكان على عينها بياض ظاهر
فالوجه المنع من الاجزاء، لعموم الخبر، والانخساف ليس معتبرا آخر (2) كما
وقع الاتفاق على الصفات الأربع المتقدمة، فكذا وقع على ما فيه نقص أكثر
من هذه العيوب بطريق التنبيه، كالعمى لا يجزي، لأن العمى أكثر من
العور، ولا يعتبر مع العمى انخساف العين إجماعا، لأنه يخل بالسعي مع النعم
والمشاركة في العلف أكثر من إخلال العرج " ونحوه عن التذكرة إلا فيما جعله
الوجه فيه فإنه ذكره احتمالا، وكذا عن التحرير، وظاهر ما فيهما التردد، ولعله

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 242 وفيه " الكسيرة التي لا تنقى "
(2) أي فرع (منه رحمه الله)
140

من إطلاق الصحيح السابق، ومن التقييد بالبين في النبوي المتقدم، وخبر
السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) " قال رسول الله
صلى الله عليه وآله لا يضحى بالعرجاء بين عرجها، ولا بالعوراء بين عورها، ولا بالعجفاء
ولا بالخرقاء ولا بالجذعاء ولا بالعضباء " وإن كان في خبر آخر له (2) إبدال
العوراء بالجرباء، نعم لا دليل على اعتبار الانخساف في البين عورها كما سمعته
من المنتهى في أول كلامه الذي ينافيه ما جعله الأقرب في آخره، اللهم إلا أن يريد
بالأول الفرد المتيقن من البين، بل لا يبعد الاكتفاء بمطلق العور في عدم الاجزاء
لاطلاق الصحيح السابق المعتضد باطلاق المصنف وغيره من الأصحاب كما اعترف
به في المدارك وإن حكي عن الغنية التقييد به، إلا أن غيره أطلق إطلاقا كالصريح
في عدم اعتباره بقرينة ذكرهم له في العرج دونه، نعم لا بأس بالتقييد به في
العرج وإن أطلق المصنف في النافع، بل عن بعض المتأخرين التصريح بذلك،
لاطلاق الصحيح المزبور، إلا أنه يمكن تقييده بالنبويين المزبورين المنجبرين
بكلام الأصحاب هنا، وبأصالة عدم الاجزاء، نعم ينبغي الرجوع فيه إلى العرف
لا خصوص ما سمعته من المنتهى، والله العالم.
(ولا) يجزي أيضا (التي انكسر قرنها الداخل) وهو الأبيض الذي
في وسط الخارج، أما الخارج فلا عبرة به (ولا المقطوعة الأذن) بلا خلاف أجده
في ذلك، لما سمعته من الصحيح (3) وغيره، وفي صحيح جميل (4) عن
أبي عبد الله عليه السلام " أنه قال في المقطوع القرن والمكسور القرن إذا كان القرن

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 1.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 1.
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 1.
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 3
141

الداخل صحيحا فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا " ونحوه
الصحيح (1) الآخر أيضا " في الأضحية يكسر قرنها، إذا كان القرن الداخل
صحيحا فهو يجزي " وفي المنتهى " قال علماؤنا: إن كان القرن الداخل
صحيحا فلا بأس بالتضحية به وإن كان ما ظهر منه مقطوعا، وبه قال
علي عليه السلام (2) وعمار، على أن ذلك لا يؤثر في اللحم فاجزأ كالجماء، والنبوي
المروي (3) من طرق العامة " أنه نهى أن يضحى بأعضب الأذن والقرن " مع أنه
غير ثابت محمول على المكسور من داخل، نعم الظاهر تحقق النقص بذهاب
بعض القرن الداخل " لكن عن ابن بابويه أنه قال: سمعت شيخنا محمد بن حسن
الصفار يقول: " إذا ذهب من القرن الداخل ثلثه وبقي ثلثاه فلا بأس أن
يضحى به " ولعله يريد المندوب لا الواجب وإن حكاه عنه في الدروس في الهدي
لكن الموجود عن الفقيه ما سمعت، وفي نهج البلاغة (4) عن أمير المؤمنين عليه السلام
" فإذا سلمت الأذن والعين سلمت الأضحية ولو كانت عضباء تجر رجلها إلى المنسك "
وأرسل في الفقيه (5) عنه عليه السلام " وإن كانت عضباء القرن أو تجر رجلها إلى
المنسك فلا تجزي " فإن صح الأول فمع اختصاصه بالأضحية التي أصلها الندب
يحتمل عروض ذلك بعد السوق، كما في نحو صحيح معاوية (6) سأل الصادق
عليه السلام " عن رجل أهدى هديا وهو سمين فأصابه مرض وانفقأت عينها فانكسر

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 6
(3) كنز العمال ج 3 ص 45 الرقم 857
(4) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 6
(5) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 8
(6) الوسائل الباب 26 من أبواب الذبح الحديث 1
142

فبلغ المنحر وهو حي قال: يذبحه وقد أجزأ عنه " وهو أيضا مختص بالهدي
المندوب للأخبار كصحيحه (1) أيضا " سأله عليه السلام عن رجل أهدى هديا فانكسرت
فقال عليه السلام إن كانت مضمونة فعليه مكانها، والمضمون ما كان نذرا أو جزاء
أو يمينا، وله أن يأكل منها، وإن لم يكن مضمونا فليس عليه شئ " كل
ذلك لما سمعته من اعتبار التمام في الهدي الواجب نصا وفتوى على وجه لا يصلح
لمعارضة ما عرفت من وجوه، فالواجب حمله على ما سمعت.
كما أن الظاهر عدم الفرق بين قطع بعض الأذن أو جميعها، لاطلاق الأدلة
السابقة، بل في المنتهى " العضباء وهي التي ذهب نصف أذنها أو قرنها لا تجزي
إلى أن قال: وكذا لا يجزي عندنا قطع ثلث أذنها " وظاهره المفروغية من
ذلك عندنا، مضافا إلى ما سمعته من النصوص المتقدمة.
نعم لا بأس بمشقوقة الأذن ومثقوبتها على وجه لا ينقص منها شئ بلا
خلاف أجده، لاطلاق الأدلة، وخصوص مرسل ابن أبي نصر (2) عن أحدهما
(عليهما السلام) سئل " عن الأضاحي إذا كانت مشقوقة الأذن أو مثقوبة بسمة
فقال: ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس " وفي حسن الحلبي (3) " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الضحية تكون مشقوقة الأذن فقال: إن كان شقها وسما
فلا بأس، وإن كان شقا فلا يصلح " ولعل المراد من الشق فيه بقرينة الصحيح
السابق المشتمل على قطع شئ منها، فلا تنافي، وفي مرسل سلمة أبي حفص (4)
عن أبي جعفر عليه السلام " كان علي عليه السلام يكره التشريم في الأذن والخرم، ولا يرى

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 2
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3 والثالث عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام)
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
143

به بأسا إذا كان ثقب في موضع المواسم " لكن في خبر شريح بن هاني (1) عن
أمير المؤمنين عليه السلام " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله في الأضاحي أن نستشرف العين
والأذن، ونهانا عن الخرقاء والشرماء والمقابلة والمدابرة " وقد سمعت سابقا
ما في خبر السكوني (2) عن النبي صلى الله عليه وآله من النهي عن الخرقاء، وعن الصدوق
في معاني الأخبار " الخرقاء أن يكون في الأذن ثقب مستدير، والشرماء والمشقوقة
الأذن باثنين (3) حتى ينفذ إلى الطرف، والمقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شئ
ثم يترك ذلك معلقا لا يبين كأنه زنمه، ويقال لمثل ذلك من الإبل المزنم،
ويسمى ذلك المعلق الرغل، والمدابرة أن يفعل مثل ذلك بمؤخر أذن الشاة "
وفي كشف اللثام " هو موافق لكتب اللغة، قلت: ولكن المتجه الحمل على
الكراهة جمعا، هذا.
وفي المدارك قد قطع الأصحاب باجزاء الجماء، وهي التي لم يخلق لها قرن
والصمعاء، وهي الفاقدة الأذن خلفة، للأصل، ولأن فقد هذه الأعضاء لا يوجب
نقصا في قيمة الشاة ولا في لحمها، واستقرب العلامة في المنتهى اجزاء البتراء أيضا،
وهي مقطوعة الذنب، ولا بأس به، وعنه أيضا فيه وفي التحرير القطع باجزاء
الجماء، وعن الخلاف والجامع والدروس كراهتها، قيل وذلك لاستحباب الأقرن
لنحو قول أحدهما (عليهما السلام) لمحمد بن مسلم (4) في الصحيح: " في الأضحية
أقرن فحل " قلت: إن كان اجماع على اجزاء المزبورات فذاك، وإلا فقد يمنع

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 2 - 5
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 2 - 5
(3) هكذا في النسخة المخطوطة المبيضة وظاهر المسودة " باينة ".
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2
144

لأنه مناف لاطلاق عدم جواز كون الهدي ناقصا في الصحيح المزبور الشامل
للجماء والبتراء والصمعاء ولو خلقة، ضرورة كون المراد النقص بالنسبة إلى غالب
النوع لا خصوص الشخص، وعدم النقصان في القيمة واللحم لا يمنع صدق النقص
الذي ينقطع به الأصل المزبور، مع أنه قد يمنع عدم النقص في القيمة، ولعله لذا
نسب إجزاء البتراء في الدروس إلى قول مشعرا بتمريضه، بل ينبغي القطع
بفساده في البتراء إذا كان المراد ما يشمل مقطوعة الذنب، ضرورة صدق النقص
عليه، ولعله لذا قطع به في الروضة مدرجا له إدراج غيره، قال في شرح اعتبار
التمامية: " فلا يجزي الأعور ولو ببياض على عينه، والأعرج والأجرب ومكسور
القرن الداخل، ومقطوع شئ من الأذن والخصي والأبتر وساقط الأسنان
لكبر وغيره، والمريض " وعن المنتهى والتذكرة والتحرير " أن الأقرب اجزاء
الصمعاء " ومقتضاه احتمال عدم الاجزاء لما عرفت كما صرح به في كشف اللثام،
قال: وكرهها الشهيد، ولعله لقول أمير المؤمنين عليه السلام المروي عنه في الفقيه
ونهج البلاغة (1) في خطبة له: " من تمام الأضحية استشراف أذنها وسلامة
عينها " فإن الاستشراف هو الطول إلا أنه في الأضحية دون الهدي الواجب،
وبالجملة الظاهر اتحاد حكم البتراء مع الصمعاء والجماء إن أريد البتر خلقة، وإن
أريد بها مقطوعة الذنب كما هو ظاهر عبارة المنتهى السابقة فالمتجه عدم إجزائها،
بل قد يقال بعدم اجزائها ولو خلقة وإن قلنا باجزاء الجماء والصمعاء باعتبار غلبة
تعارف الصفتين المزبورتين بخلافها، فتعد البتراء ناقصة دون الجماء والصمعاء ومع
ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه في الجميع.
(و) كذا (لا) يجزي مسلول الخصية المسمى ب‍ (الخصي من
الفحول) كما صرح به غير واحد، بل هو المشهور، بل عن ظاهر التذكرة

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الذبح الحديث 6
145

والمنتهى الاجماع عليه لنقصانه، وخصوص صحيح ابن مسلم (1) سأل أحدهما
(عليهما السلام) " أيضحى بالخصي؟ فقال: لا " وصحيح عبد الرحمان بن
الحجاج (2) سأل الكاظم عليه السلام " عن الرجل يشتري الهدي فلما ذبحه إذا هو
خصي مجبوب ولم يكن يعلم أن الخصي المجبوب لا يجوز في الهدي هل يجزيه أم
يعيد؟ قال: لا يجزيه إلا أن يكون لا قوة له عليه ".
بل لعل مشلول البيضتين كالخصي كما عن الفاضل في المنتهى والتذكرة
والتحرير للنقصان.
نعم قد يقال بمرجوحية الموجوء بالنسبة إلى غيره، وهو مرضوض عروق
الخصيتين حتى تفسد، لحسن معاوية (3) " اشتر فحلا سمينا للمتعة، فإن
لم تجد فموجوء، فإن لم تجد فمن فحولة المعز، فإن لم تجد فنعجة، فإن لم تجد
فما استيسر من الهدي " بل عن السرائر أنه غير مجز وإن كان قبل ذلك بأسطر قال
فيها إنه لا بأس به، وأنه أفضل من الشاة، كما عن النهاية والمبسوط أي النعجة
كما قال الصادق عليه السلام لأبي بصير (4) " المرضوض أحب إلي من النعجة وإن كان
خصيا فالنعجة " وقال أحدهما (عليهما السلام) لابن مسلم (5) في الصحيح:
" الفحل من الضأن خير من الموجوء، والموجوء خير من النعجة، والنعجة خير
من المعز " وذلك مؤيد لما قلناه من المرجوحية، بل عن الحسن الكراهة في
الخصي المجبوب الذي قد عرفت الحال فيه، ويمكن حمل كلامه على الأضحية
المندوبة، كقول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (6): " الكبش السمين خير

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3 - 7 - 5
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3 - 7 - 5
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3 - 7 - 5
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1
(6) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3 - 7 - 5
146

من الخصي ومن الأنثى " وعن النهاية والمبسوط والمهذب والوسيلة اجزاؤه في
الهدي إذا تعذر غيره، وتبعهم على ذلك بعض المتأخرين ومتأخريهم، ولعله
لاطلاق الآية (1) وما سمعته من النصوص، وخصوص صحيح عبد الرحمان (2)
المتقدم، وفي المدارك اختاره حاكيا له عن الدروس مستدلا عليه بحسن معاوية
السابق المشتمل على الموجوء الذي هو غير الخصي.
فالأولى الاستدلال عليه بصحيح عبد الرحمان السابق، وبخبر أبي بصير (3)
عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت فالخصي يضحى به قال: لا إلا أن لا يكون غيره "
إلا أن الأول منهما قد اشترط عدم قوة المكلف على غيره، والثاني عدم وجود
غيره، وهما مختلفان، ولا يبعد حمل خبر أبي بصير على الأضحية المندوبة،
خصوصا بعد قصوره عن المقاومة من وجوه، منها إطلاق الأصحاب عدم
إجزائه كما اعترف في الحدائق حتى قال: لم أقف على من قيد إلا على الشيخ في
النهاية وتبعه الشهيد في الدروس وبعض من تأخر عنه، وبذلك يظهر ضعف القول
المزبور، وأولى منه بذلك ما عن الغنية والاصباح والجامع من تقييد النهي عنه
وعن كل ناقص بالاختيار، لعموم الآية المخصص بما سمعته من إطلاق عدم
إجزاء الناقص نصا وفتوى الذي يمكن أن لا يكون من الهدي شرعا، فيتجه
حينئذ الانتقال إلى البدل، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع
بين البدل وبينه، والله العالم.
(و) كذا (لا) يجزي (المهزولة) بلا خلاف أجده فيه، للأصل

(1) سورة البقرة الآية 192
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 3 - 8
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب الذبح الحديث 3 - 8
147

وصحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " سئل عن الأضحية فقال:
أقرن فحل سمين عظيم الأنف والأذن إلى أن قال إن اشترى أضحية وهو
ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد، وينظر في سواد، فإذا
لم يجدوا من ذلك شيئا فالله أولى بالعذر " وصحيح العيص بن القاسم (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام " في الهرم الذي وقعت ثناياه أنه لا بأس به في الأضاحي، وإن
اشتريت مهزولا فوجدته سمينا أجزأك، وإن اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا
يجزي " وحسن الحلبي (3) عنه عليه السلام أيضا " إذا اشترى الرجل البدن مهزولة
فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، فإن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنه
لا تجزي عنه " بناء على أن المراد بالأضحية في هذه النصوص الهدي ولو بقرينة
ذكر الاجزاء وعدمه، وخبر منصور (4) عنه عليه السلام أيضا " وإن اشترى الرجل
هديا وهو يرى أنه سمين أجزأ عنه وإن لم يجده سمينا، وإن اشترى هديا
وهو يرى أنه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه، وإن اشتراه وهو يعلم أنه مهزول
لم يجز عنه " وخبر السكوني (5) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: " صدقة رغيف خير من نسك مهزول ".
(و) المراد بالمهزول (هي التي ليس على كليتها شحم) كما في القواعد

(1) ذكر صدره وذيله في الوسائل في الباب 13 من أبواب الذبح
الحديث 2 ووسطه في الباب 16 منها الحديث 1 وأسقط عنه ما يضر بالمعنى في
الجواهر فراجع
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 6 - 5 - 2 - 4
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 6 - 5 - 2 - 4
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 6 - 5 - 2 - 4
(5) الوسائل الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 6 - 5 - 2 - 4
148

والنافع ومحكي المبسوط والنهاية والمهذب والسرائر والجامع، لخبر الفضل (1)
قال: " حججت بأهلي سنة فعزت الأضاحي فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء،
فلما ألقيت إهابهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال، فأتيته فأخبرته
بذلك، فقال: إن كان على كليتهما شئ من الشحم فقد أجزأت " وهو وإن
كان غير نقي السند ومضمرا ومن هنا أعرض عنه بعض متأخري المتأخرين،
وأحال الأمر إلى العرف إلا أنه موافق للاعتبار، كما في كشف اللثام وعمل
به من عرفت، فلا بأس بالعمل به.
(و) كيف كان فقد ظهر لك من النصوص السابقة أنه (لو اشتراها
على أنها مهزولة فبانت كذلك لم تجزه) بلا خلاف أجده فيه بل (و) لا إشكال،
نعم (لو خرجت سمينة أجزأته) في المشهور للنصوص السابقة، خلافا للعماني
فلم يجتز به للنهي عنه المنافي لنية التقرب به حال الذبح، وهو كالاجتهاد في
مقابلة النص المعتبر المقتضي صحة التقرب به وإن كان مشكوك الحال أو مظنون
الهزال رجاء لاحتمال العدم:
(وكذا) تجزي (لو اشتراها على أنها سمينة فخرجت مهزولة) بعد
الذبح، لما سمعته من النص (2) السابق المعتضد بالعمل، وبقول أمير المؤمنين
عليه السلام في مرسل الصدوق (3): " إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزي عنه،
فإن اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه، وفي هدي التمتع مثل ذلك "
وبانتفاء العسر والحرج وصدق الامتثال، نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز،

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 3 - 8
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 1 و 2
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب الذبح الحديث 3 - 8
149

لاطلاق عدم الاجزاء (1) في الخبر السابق السالم عن المعارض بعد انسياق ما بعد
الذبح من الوجدان نصا وفتوى فيها وفي المسألة السابقة المنظومة معها في مسلك
واحد، فما عن بعضهم من القول بالاجزاء ضعيف.
(ولو اشتراها على أنها تامة فبانت ناقصة لم تجز) كما عن الأكثر سواء
كان بعد الذبح أو قبله، نقد الثمن أو لم ينقده، لاطلاق عدم الاجتزاء
بالناقص الذي هو محسوس، فهو مفرط فيه على كل حال، لكن في التهذيب إن
كان نقد الثمن ثم ظهر النقصان أجزأ، ولعله لقول الصادق عليه السلام في صحيح
عمران الحلبي (2): " من اشترى هديا ولم يعلم به عيبا حتى ينقد ثمنه ثم علم به
فقد تم " وحمل حسن معاوية (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في رجل
اشترى هديا وكان به عيب عور أو غيره فقال: إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه
وإن لم يكن نقد ثمنه رده واشترى غيره " على من نقد الثمن بعد ظهور العيب،
ونفي عنه البأس في المدارك، واحتمل في محكي الاستبصار أن يكون هذا في الهدي
الواجب، وذاك في المندوب، والاجزاء إذا لم يقدر على استرجاع الثمن، ولا
يخفى عليك ما في الجميع بعد إعراض الأكثر حتى الشيخ في غير الكتاب المزبور.
نعم في الدروس اجزاء الخصي إذا تعذر غيره أو ظهر خصيا بعد ما لم يكن
يعلم، وقد عرفت البحث في الأول، وأما الثاني فلا أعرف به قولا ولا سندا
كما اعترف به في كشف اللثام، ولو اشتراها على أنها ناقصة فبانت تامة قبل
الذبح أجزأ لصدق الامتثال، ولو كان بعد الذبح ففي الاجزاء وعدمه إشكال

(1) ليس في المقام ما يدل على ذلك إلا صحيحة محمد بن مسلم على ما نقلها
في ص 148 إلا أنه (قدس سره) سهى في نقل متنها كما أشرنا إليه.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1
150

ينشأ من فحوى ما ورد في المهزول، ومن عدم النية حال الذبح مع حرمة القياس
ولعله الأقوى، والله العالم.
(والمستحب أن تكون سمينة) بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى،
بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الاعتبار (تنظر في سواد وتبرك في سواد
وتمشي في مثله) كما في القواعد والنافع، بل ومحكي الجامع، لكن فيه وصف
فحل من الغنم بذلك، كما عن الاقتصاد والسرائر والمصباح ومختصره وصف
الكبش به، بل عن الأول اشتراطه به، وعن المبسوط " وينبغي إن كان من
الغنم أن يكون فحلا أقرن ينظر في سواد ويمشي في سواد " ونحوه النهاية
لكن في الأضحية، ولعله لصحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام)
" أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يضحي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد،
وينظر في سواد " وصحيحه أيضا أو حسنه (2) " سألت أبا جعفر (عليه السلام)
أين أراد إبراهيم (عليه السلام) أن يذبح ابنه؟ قال: على الجمرة الوسطى،
وسألت عن كبش إبراهيم (عليه السلام) ما كان لونه وأين نزل؟ فقال: أملح
وكان أقرن ونزل به من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى، وكان يمشي
في سواد ويأكل في سواد وينظر ويبعر ويبول في سواد " وصحيح ابن سنان (3)
عن الصادق (عليه السلام) " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يضحي بكبش أقرن فحل
ينظر في سواد ويمشي في سواد " وحسن الحلبي (4) قال: " حدثني من سمعه
(عليه السلام) يقول: ضح بكبش أسود أقرن فحل، فإن لم تجد أسود فاقرن
فحل يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ".

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2 - 6 - 1 - 5
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2 - 6 - 1 - 5
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2 - 6 - 1 - 5
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 2 - 6 - 1 - 5
151

ولكن الجميع كما ترى لم يذكر فيها البروك في السواد، ولعله لذا قال في
كشف الرموز: لم أظفر بنص فيه، ولكن عن المبسوط والتذكرة والمنتهى
أنه صلى الله عليه وآله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد،
فأتي به فضحى به " وكأنه لذا كان المحكي عن ابن حمزة ذكر البروك فيه في
الأضحية، بل لعل ما قيل في معناه من أنه يرتع في مرتع كثير النبات شديد
الاخضرار به يتضمن البروك فيه، كما أن ما سمعته من صحيح ابن مسلم (1)
عن أبي جعفر (عليه السلام) يلوح منه هذا المعنى، بل لعل التفسير الثاني له
بأن المراد سواد هذه المواضع منه أي القوائم والعين والبطن والمبعر الذي
يصعب استفادته من مثل هذا اللفظ، وإن كان قد يؤيده مرسل الحلبي (2)
السابق يستلزم البروك فيه أيضا، فإن المشي في السواد بهذا المعنى كذلك،
لأنه على الأرجل والصدر والبطن.
بل وكذا الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله: (أي يكون لها ظل تمشي
فيه) بمعنى أن لها ظلا عظيما باعتبار عظم جسمها وسمنها لا مطلق الظل اللازم
لكل جسم كثيف (وقيل أن تكون هذه المواضع منها سودا) وهو الذي
أشرنا إليه سابقا، وعن الراوندي أن المعاني الثلاثة مروية عن أهل البيت (عليهم
السلام) ولكن لا يخفى عليك أن المراد به على الأول والأخير الكناية عن السمن
بخلاف الثاني الذي على تقديره يكون وصفا مستقلا برأسه، ولعل الأولى الجمع
بين الجميع، فإن أمر الاستحباب مما يتسامح فيه، وإن كان قد سمعت أن لون

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 5 - 6
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 5 - 6
152

كبش إبراهيم (عليه السلام) كان أملح، بل في المرسل (1) " أن النبي صلى الله عليه وآله
ضحى بالأملح " الذي عن أبي عبيدة أن المراد به ما فيه سواد وبياض، والبياض
أغلب، بل عن ابن الأعرابي أنه الأبيض النقي البياض، إلا أن ذلك كله كما
ترى مناف للعرف، ولما سمعت عن الأمر بكونه أسود، فالأولى مراعاة
السواد مع امكانه، وإلا فالأملح عرفا، كل ذلك للتسامح الذي منه أيضا يقوى
عدم الاختصاص بالكبش ولا بالأضحية، والله العالم.
(و) كذا يستحب (أن يكون) الهدي (مما عرف به) كما في
القواعد والنافع وغيرهما ومحكي السرائر والجامع، بل عن التذكرة والمنتهى
الاجماع عليه، بل الظاهر كراهة غيره، لقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (2)
" لا يضحى إلا بما قد عرف به " وصحيح ابن أبي نصر (3) قال: " سئل عن
الخصي يضحى به قال: إن كنتم تريدون اللحم فدونكم، وقال لا يضحى إلا
بما قد عرف به " المحمولين على ذلك جمعا بينهما وبين خبر سعيد بن يسار (4)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن اشترى شاة لم يعرف بها قال: لا بأس بها عرف
بها أم لم يعرف " المعتضد بما سمعت من الاجماع المحكي وغيره، بل لعل
المراد من الوجوب في المحكي عن الشيخين وابني زهرة والبراج والكيدري
تأكد الاستحباب، وإلا كان محجوجا بما عرفت، واحتمال إرادة عدم
تعريفه نفسه بها من خبر سعيد ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الذبح الحديث 4 وهو خبر
الحسن بن عمارة عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1 - 4
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1 - 4
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1 - 4
153

في خبر أبي بصير ونحوه بل هو أولى من وجوه، والمراد من التعريف به
احضاره في عشية عرفة بعرفات كما صرح به الفاضل وغيره وإن أطلق
غيره، إلا أنه هو المنساق منه، نعم الظاهر الاكتفاء باخبار البائع كما أشار
إليه في الصحيح عن سعيد (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نشتري النعم بمنى
ولسنا ندري عرف بها أم لا فقال: إنهم لا يكذبون عليك، ضح بها " وربما
كان ذلك مناسبا للاستحباب، كما أنه ربما يومي إلى قبول اخباره في سنه وإن
كان لا يخلو من اشكال، والله العالم.
(وأفضل الهدي من البدن والبقر الإناث، ومن الضأن والمعز الذكران)
كما صرح به غير واحد، لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (2): " أفضل
البدن ذوات الأرحام من الإبل والبقر، وقد تجزى الذكورة من البدن والضحايا
من الغنم الفحولة " وفي صحيح عبد الله بن سنان (3) " تجوز ذكورة الإبل
والبقر في البلدان إذا لم تجدوا الإناث والإناث أفضل " وسأله عليه السلام الحلبي (4)
أيضا في الحسن أو الصحيح " عن الإبل والبقر أيهما أفضل أن يضحى بهما قال:
ذوات الأرحام " وفي خبر أبي بصير (5) سأله عليه السلام " عن الأضاحي فقال: أفضل
الأضاحي في الحج الإبل والبقر، وقال: ذوات الأرحام، ولا يضحى بثور
ولا جمل " وفي المنتهى لا نعلم خلافا في جواز العكس في البابين إلا ما روي عن
ابن عمر أنه قال: " ما رأيت أحدا فاعلا ذلك أنحر أنثى أحب إلي " وهو ظاهر
في الموافقة، وفي صحيح ابن مسلم (6) " الذكور والإناث من الإبل والبقر

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الذبح الحديث 3
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 5 - 4 - 3
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 5 - 4 - 3
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 5 - 4 - 3
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 5 - 4 - 3
(6) الوسائل الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 5 - 4 - 3
154

تجزي " نعم عن النهاية " لا يجوز التضحية بثور ولا جمل بمنى، ولا بأس بهما
في البلاد " ولكن يحتمل إرادته التأكد خصوصا مع قوله قبل ذلك بيسير:
" وأفضل الهدي والأضاحي من البدن والبقر ذوات الأرحام، ومن الغنم الفحولة "
كالمحكي عن الاقتصاد " أن من شرط الهدي إن كان من البدن أو البقر أن
يكون أنثى، وإن كان من الغنم أن يكون فحلا من الضأن، فإن لم يجد الضأن
جاز التيس من المعزى " وعن المهذب إن كان من الإبل وجب أن يكون ثنيا من
الإناث، وإن كان من البقر فيكون ثنيا من الإناث وإلا كان محجوجا بما عرفت
من النص وغيره، والله العالم.
(و) يستحب (أن ينحر الإبل قائمة) بلا خلاف ولا إشكال بعد
قوله تعالى (1) " فاذكروا اسم الله عليها صواف، فإذا وجبت جنوبها " أي
سقطت، قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (2) في قول الله عز وجل:
" فاذكروا " إلى آخره: " ذلك حين تصف للنحر تربط يديها ما بين الخف إلى
الركبة " وقال أبو الصباح الكناني (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف تنحر
البدنة؟ قال تنحرها وهي قائمة من قبل اليمين " وقال أبو خديجة (4) " رأيت
أبا عبد الله عليه السلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى ثم يقوم على جانب يده
اليمنى ويقول بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبله مني، ثم
يطعن في لبتها ثم يخرج السكين بيده، فإذا وجبت قطع موضع الذبح بيده "
إذ لا خلاف في عدم إرادة الوجوب من الأمر بذلك كما اعترف به في محكى المنتهى
والتذكرة، وفي خبر علي بن جعفر (5) المروي عن قرب الإسناد، " سأل أخاه عليه السلام

(1) سورة الحج الآية 37
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3 - 5
(4) الوسائل الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3 - 5
(5) الوسائل الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2 - 3 - 5
155

عن البدن كيف ينحرها قائمة أو باركة قال: يعقلها، وإن شاء قائمة، وإن
شاء باركة ".
ومما سمعت في صحيح ابن سنان يستفاد استحباب ما ذكره المصنف وغيره
من كونها قائمة (قد ربطت بين الخف والركبة) كما أنه يستفاد من خبر الكناني
(و) أبي خديجة استحباب أن (يطعنها من الجانب الأيمن) إلا أنك قد
سمعت ما في الأخير من عقل اليسرى، وعن العامة روايته (1) بل قيل اختاره
الحلبيان، ولكن أطلق المصنف وغيره كاطلاق ما سمعته من النصوص، ولا يبعد
شدة الندب في عقل اليسرى، كما أنك قد سمعت إطلاق النص والفتوى سابقا
هنا الربط بالكيفية المزبورة لمطلق البدن لكن في خبر حمران (2) " وأما البعير
فشد أخفافه إلى إباطه، وأطلق رجليه " وهو الذي يأتي في كتاب الصيد والذباحة
ويمكن افتراق الهدي عن غيره، كما أنه يمكن جواز التخيير بين الكيفيتين،
والأمر سهل بعد كون الحكم ندبيا، والله العالم.
(و) يستحب (أن يدعو الله تعالى عند الذبح) بالمأثور عن الصادق
(عليه السلام) في صحيح معاوية (3) وحسن صفوان وابن أبي عمير (4) " إذا
اشتريت هديك فاستقبل به القبلة وانحره أو اذبحه، وقل: وجهت، جهي للذي
فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين أن صلاتي ونسكي ومحياي
ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 237
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الذبائح الحديث 2 من كتاب
الصيد والذباحة
(3) الوسائل الباب 37 من أبواب الذبح الحديث 1
(4) الوسائل الباب 37 من أبواب الذبح الحديث 1
156

منك ولك، بسم الله وبالله، اللهم تقبل مني، ثم تمر السكين ولا تنخعها حتى
تموت " أو بما سمعت في خبر أبي خديجة (1).
(و) يستحب أيضا أن (يترك يده مع يد الذابح) إذا استنابه،
لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية (2) " كان علي بن الحسين (عليهما السلام)
يجعل السكين في يد الصبي، ثم يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح "
وليس بواجب شرعا ولا شرطا، وعن الوسيلة والجامع أنه يكفي الحضور عند
الذبح، ولعله لما عن المحاسن من قول النبي صلى الله عليه وآله في خبر بشر بن زيد (3)
لفاطمة عليها السلام: " اشهدي ذبح ذبيحتك، فإن أول قطرة منها يغفر الله لك
بها كل ذنب عليك وكل خطيئة عليك قال: وهذا للمسلمين عامة " (و) إن
كان الظاهر عدم اعتباره أيضا، نعم (أفضل منه) أي وضع اليد (أن يتولى
الذبح) أو النحر (بنفسه إذا أحسن) للتأسي، ولقول الصادق عليه السلام (4):
" فإن كانت امرأة فلتذبح لنفسها " والله العالم.
(ويستحب) أيضا (أن يقسمه أثلاثا يأكل ثلثه، ويتصدق بثلثه،
ويهدي ثلثه) كما هو ظاهر جماعة وصريح أخرى، بل في كشف اللثام نسبته إلى
الأكثر، بل عن التبيان " عندنا يطعم ثلثه، ويعطي ثلثه القانع والمعتر ويهدي
الثلث " ونحوه المجمع عنهم (عليهم السلام) والظاهر أن محل البحث هنا في هدي
التمتع، لأنه سيأتي حكم هدي القران والأضحية، لكن لم يحضرنا ما يدل على
التثليث فيه بخصوصه، وإنما الموجود في القران والأضاحي، كخبر العقرقوفي

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 3
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4 - 1.
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4 - 1.
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب الذبح الحديث 5 - 4 - 1.
157

أو موثقه (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) سقت في العمرة بدنة
فأين انحرها؟ قال: بمكة، قلت: فأي شئ أعطي منها، قال: كل ثلثا واهد ثلثا
وتصدق بثلث " وصحيحة سيف التمار (2) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام)
إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي فقال: إني سقت هديا فكيف أصنع
به؟ فقال له أبي أطعم منه أهلك ثلثا، وأطعم القانع والمعتر ثلثا، وأطعم المساكين ثلثا
فقلت: المساكين هم السؤال فقال: نعم، وقال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من
البضعة فما فوقها، والمعتبر ينبغي له أكثر من ذلك، وهو أغنى من القانع، يعتريك
فلا يسألك " بناء على إرادة الاهداء من اطعام القانع والمعتر وإن كان بعيدا، بل
هو مقتض حينئذ لاعتبار الفقر في ثلث الاهداء مع أن ظاهر الاطلاق والمقابلة
خلافه كما صرح به بعضهم، بل حكي عن الأصحاب.
وعلى كل حال فقد يستفاد منه دلالة مجموع الآيتين أي قوله تعالى (3):
" فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير " وقوله (4): " فكلوا منها وأطعموا القانع
والمعتر " على التثليث أيضا وإن كان فيه من التكلف ما لا يخفى، وقد يدل عليه
خبر أبي الصباح القريب من الصحيح (5) في الأضاحي، قال: " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن لحوم الأضاحي فقال: كان علي بن الحسين
وأبو جعفر (عليهم السلام) يتصدقان بثلث على جيرانهما، وثلث على السؤال،
وثلث يمسكونه لأهل البيت " بناء على إرادة الاهداء من التصدق على الجيران،
ولعل الأولى في الآيتين مع فرض إرادة التثليث منهما جعل قسم الاهداء في قوله

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18 - 3 - 13
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18 - 3 - 13
(3) سورة الحج الآية 29 - 37
(4) سورة الحج الآية 29 - 37
(5) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18 - 3 - 13
158

تعالى: " كلوا منها " على معنى إرادة أكل الناسك ومن يهدي إليه من
أصدقائه وجيرانه، إذ من المعلوم عدم إرادة أكل الناسك الثلث بتمامه؟، ضرورة
تعذره غالبا، مضافا إلى ما سمعته في خبر أبي الصباح وصحيح سيف (1) وإلى
حسن معاوية (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " أمر رسول الله صلى الله عليه وآله حين نحر
أن يؤخذ من كل بدنة جذوة من لحمها ثم تطرح في برمة ثم تطبخ، وأكل
رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام منها وحسيا من مرقها " وخبره (3) الآخر عنه،
أيضا " حج رسول الله صلى الله عليه وآله وساق مائة فنحر منها ستا وستين، ونحر علي
عليه السلام أربعا وثلاثين بدنة، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يؤخذ من كل بدنة منها
جذوة من لحم ثم يطرح في برمة ثم يطبخ فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام
منها وحسيا من مرقها " الحديث. وما رواه الشيح عن صفوان وابن أبي عمير
وجميل بن دراج وحماد بن عيسى وجماعة (4) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام
" قالا: إن رسول الله أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة، فأمر بها رسول الله
صلى الله عليه وآله فطبخت وأكل هو وعلي عليه السلام وحسوا المرق، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله
أشركه في هديه ".
وعلى كل حال فما عن السرائر من أنه يأكل ولو قليلا، ويتصدق على
القانع والمعتر ولو قليلا، ولم يذكر الاهداء بل خصه بالأضحية اقتصارا على
منطوق الآيتين لاغفالهما الاهداء حينئذ، واتحاد مضمونهما إلا في المتصدق
عليه واضح الضعف بعد ما سمعته من النص الذي لا ينافيه إطلاق الآيتين

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3 - 11 - 2
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3 - 11 - 2
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3 - 11 - 2
159

الممكن إرادة القانع والمعتر من البائس الفقير في إحداهما على أن يكون قسم
الاهداء داخلا في الأكل كما عرفت ولو بملاحظة النصوص، بل ربما احتمل إرادة
التثليث من آية القانع والمعتر على معنى جعل الاهداء لأحدهما، والصدقة على
الآخر، وإن كان هو كما ترى.
وعلى كل حال فلا ريب في استحباب التثليث المزبور في هدي التمتع، فإن
النصوص وإن لم تنص عليه بخصوصه إلا أنه مع إمكان شمول خبر الأضاحي له
قد يقال بأن المراد منها بيان الكيفية التي لا تفاوت فيها بين الواجب والندب، كما
أنه لا ريب في عدم اعتبار الفقر في ثلث الاهداء، بل إن لم يكن الاجماع لا يعتبر
فيه الايمان، خصوصا مع الندرة في تلك الأمكنة والأزمنة، فيلزم إما سقوط
وجوب الهدي أو التكليف بالمحال، وليس هو كالزكاة التي يمكن فيها الانتظار،
على أنه قد ورد ما يدل (1) عدم كراهة إعطاء المشرك، وعلى جواز اعطاء
الحرورية (2) وإن لكل كبد حراء أجر (3) ولكن مع ذلك لا ريب في أن
الأحوط مراعاته مع الامكان، كما أن الأولى منع المعلوم نصبه، بل يعطى
المستضعف أو مجهول الحال.
وكيف كان فالمراد من الاستحباب المزبور جواز عدمه على معنى فعل
التفاوت، ولكن في الدروس نسبة استحباب أصل الصرف في الثلاثة إلى

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب زكاة الغلات من كتاب الزكاة
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 8
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب الصدقة الحديث 2 و 5 من
كتاب الزكاة
160

الأصحاب بعد أن اختار هو الوجوب، وتبعه ثاني الشهيدين والكركي،
ومقتضاه جواز الاقتصار على مصرف واحد منها ولو أكله أجمع، بل قد يستفاد
من نحو عبارة المتن المقابل فيها القول بوجوب الأكل للقول باستحباب التثليث
إن أصل الصرف مستحب.
وكيف كان فقد سمعت ما قاله ابن إدريس الذي أشار إليه المصنف بقوله:
(وقيل: يجب الأكل منه) بل اختاره هو فقال: (وهو الأظهر) وتبعه عليه
بعض من تأخر عنه كالفاضل وغيره للأمر به في الكتاب والسنة، لكن فيه
مع عدم اختصاصه بهدي التمتع أنه في مقام توهم الحظر، خصوصا بعد أن
كان المحكي عن الجاهلية تحريم ذلك على أنفسهم، قال في الكشاف: " الأمر
بالأكل منها أمر إباحة، لأن أهل الجاهلية ما كانوا يأكلون من نسائكهم، ويجوز
أن يكون ندبا، لما فيه من مواساة الفقراء ومساواتهم من استعمال التواضع،
ومن ثم استحب الفقهاء أن يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث " إلى آخره،
مضافا إلى أنه هدي لله تعالى، ووصوله إليه بأكل الفقراء له، بل قد يقال
بجواز الاقتصار على الصدقة التي هي الأصل في ذلك وإن أطلق الأمر بالاطعام
في الآيتين إلا أنها هي المنساقة منه بملاحظة المتعلق، ولكن مع ذلك لا ينبغي
ترك الاحتياط.
نعم ظاهر اقتصار المصنف على حكاية القول بوجوب الأكل المفروغية من
عدم وجوب غيره، ولعله للأصل بعد صرف الأمر بذلك في الكتاب والنصوص
إلى إرادة بيان كيفية الصرف لو أراده لا وجوبه، إلا أنك قد سمعت ما في
الدروس وبعض من تأخر عنها، ولا ريب في أنه الأحوط أيضا.
وأما القسمة أثلاثا فلم أعرف قولا بوجوبها، وفي دعائم الاسلام (1) عن

(1) المستدرك الباب 35 من أبواب الذبح الحديث 7
161

جعفر بن محمد (عليهما السلام) " ينبغي لمن أهدى هديا تطوعا أو ضحى أن
يأكل من هديه وأضحيته ثم يتصدق، وليس في ذلك توقيت، يأكل ما أحب،
ويطعم ويهدي ويتصدق، قال الله عز وجل وقرأ الآيتين ".
ثم على الوجوب لا يضمن مع الاخلال بالأكل كما صرح به غير واحد من
غير تردد، لعدم تعلق حق لغيره به، بل قطع في التذكرة أيضا بعدمه لو أخل
بالاهداء بأن تصدق بالجميع، وقربه في محكي المنتهى وجعله الوجه في التحرير،
ولعله لتحقق الاطعام الذي ليس في الآيتين غيره مع الأكل، ولكون التصدق
إهداء، نعم لو أخل به بالأكل ضمن قطعا، كما أنه كذلك لو أخل بثلث الصدقة
بل قد يحتمل الضمان لو أخل بالاهداء ولو للصدقة، للأمر به، وهو مباين لها؟
ولذا حرمت عليه صلى الله عليه وآله الصدقة دون الهدية.
ولو باع أو أتلف فلا اشكال في الضمان، ولكن هل هو الثلث أو الثلثان
أو الجميع؟ وجوه، ظاهر التحرير الأخير منها، وفيه منع، والمتجه ضمان شئ
للهدية وللصدقة لما عرفت من عدم وجوب التثليث، هذا، وقد سمعت ما في
صحيح سيف (1) من تفسير القانع والمعتر وفي صحيح معاوية أو حسنه (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل (3) " فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها
وأطعموا القانع والمعتر " قال: القانع الذي يقنع بما أعطيته، والمعتر الذي
يعتريك، والسائل الذي يسألك في يديه، والبائس الفقير " ونحوه خبره
الآخر (4) وفي خبر عبد الرحمان أو موثقه (5) عنه عليه السلام أيضا في قوله تعالى:

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3 - 14 - 1 - 12
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3 - 14 - 1 - 12
(3) سورة الحج الآية 37
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3 - 14 - 1 - 12
(5) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3 - 14 - 1 - 12
162

" فإذا " إلى آخره " إذا وقعت على الأرض فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر،
قال: القانع الذي يقنع بما أعطيته ولا يسخط ولا يكلح ولا يلوي شدقه، والمعتر
المار بك لتطعمه " وفي المحكي عن مجمع البيان أن في رواية الحلبي (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام " القانع الذي يسأل فيرضى بما أوتي، والمعتر الذي يعتري
رحلك ممن يسأل " وفي الدروس القانع السائل، والمعتر غير السائل كما عن الحسن
وسعيد بن جبير، بل قيل: هو الموجود في تفسير علي بن إبراهيم، وعن
ابن عباس ومجاهد وقتادة أنه القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال،
والمعتر المعرض بالسؤال، وعلى كل حال فالعمل (على ما خ ل) بما ورد عن أهل
بيت العصمة (عليهم السلام) من كون الجميع لبيان أفراد الفقراء، فلا تعارض
بين الآيتين كما هو واضح.
(ويكره التضحية بالجاموس) كما في القواعد وغيرها من دون نقل خلاف،
(و) في كشف اللثام أي الذكر منه، وهو مع تقييد لاطلاقهم لم نعرف ما يدل
عليه ولا على المطلق كما اعترف به في المدارك، الهم إلا أن يكون فحوى
كراهية التضحية (بالثور) لما في مضمر أبي بصير (2) من قوله عليه السلام: " ولا
تضحي بثور ولا جمل " وفيه منع واضح، وفي كشف اللثام أي في منى لقول
الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (3): " تجوز ذكورة الإبل والبقر في البلدان "
وهو غير صالح للتقييد، ولذا أطلق من عرفت، واجزاء الجاموس مع أنه من
البقر لخبر علي بن الريان بن الصلت (4) " كتب إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله

(1) مجمع البيان ج 7 ص 86 سورة الحج الآية 37
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 4 - 2
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 4 - 2
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب الذبح الحديث 1
163

عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية؟ فجاء في الجواب إن كان ذكرا فعن
واحد، وإن كان أنثى فعن سبعة " (و) كذا قطع المصنف وغيره بكراهة التضحية
(بالموجوء) أي مرضوض الخصيتين حتى تفسدا، بل في المدارك نسبته إلى
قطع الأصحاب مستدلين عليها بما سمعته من النصوص (1) التي تدل على أن الفحل
من الضأن خير منه، ومقتضاها الحرمة لا الكراهة، اللهم إلا أن يراد بها هذه
المرجوحية، خصوصا مع كونها كراهة عبادة، وعلى كل حال فقد سمعت
النص والفتوى في التضحية، وأما الهدي فيمكن إرادة ما يشمله منها ولو بقرينة
كون البحث فيه، أو يستفاد كراهته من فحواها بناء على أن التوسعة فيها
أشد منها فيه كما سمعته في الناقص، وينبغي ذكر الجمل مع الثلاثة لما سمعته
من المضمر (2).
الطرف (الثالث) من أطراف الذبح (في البدل) ولكن ينبغي أن
يعلم أن (من فقد الهدي ووجد ثمنه قيل) والقائل المشهور، بل عن ظاهر
الغنية الاجماع عليه، بل قد يشهد له التتبع لانحصار المخالف في ابن إدريس بناء
على أصله والمصنف: (يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة) فإن لم يوجد
فيه ففي العام المقبل في ذي الحجة (وقيل) والقائل ابن إدريس (ينتقل فرضه
إلى الصوم، وهو الأشبه) عند المصنف بأصول المذهب والقواعد باعتبار صدق
قوله تعالى (3): " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي، فمن
لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة " ودعوى

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الذبح
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الذبح الحديث 4
(3) سورة البقرة الآية 192
164

أن تيسر الهدي ووجد أنه يعمان العين والثمن وإلا لم يجب الشراء مع الوجود
يوم النحر وإمكانه إن خصص الوجود به عنده، وإلا فهو أعم منه عنده أو عند
غيره في أي جزء كان من أجزاء الزمان الذي يجزي فيه واضحة المنع، فإنه إذا
لم يجده بنفسه ما دام هناك يصدق عليه " فمن لم يجد " ودعوى أن وجدان النائب
كوجدانه لأنه مما يقبل النيابة أوضح منعا من الأولى وإن قبل النيابة.
نعم قد يقال يجب الخروج عن ذلك كله بالحسن (1) كالصحيح عن
أبي عبد الله عليه السلام " في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم قال: يخلف الثمن عند
بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزي عنه، فإذا مضى ذو الحجة
أخر ذلك إلى قابل ذي الحجة " المؤيد بخبر النضر بن قرواش (2) المنجبر بما سمعته
من الشهرة، وبأن الراوي عنه أحمد بن محمد بن أبي نصر وهو من أصحاب الاجماع بناء
على أنه لا يضر مع ذلك ضعف من بعده، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
تمتع بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يصبه وهو مؤسر حسن الحال
وهو يضعف عن الصيام فما ينبغي له أن يصنع فقال: يدفع ثمن النسك إلى
من يذبحه بمكة إن كان يريد المضي إلى أهله، وليذبح عنه في ذي الحجة، فقلت:
فإنه دفعه إلى من يذبحه عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا وأصابه بعد ذلك قال:
لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة " بناء على عدم بناء الجواب على ما في السؤال من
الضعف عن الصيام ولو بضميمة ما عرفت، فيتجه حينئذ مذهب المشهور، ضرورة
كون ما سمعته حينئذ كالاجتهاد في مقابلة النص، وكان ما وقع من الحلي بناء
على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد، لكن فيه منع واضح هنا باعتبار
الاعتضاد بعمل رؤساء الأصحاب الذين هم الأساس في حفظ الشريعة كالشيخين

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
165

والصدوقين والمرتضى وغيرهم، وكفى بذلك قرينة على صحة مضمونه، ولا
يعارضه خبر أبي بصير (1) سأل أحدهما (عليهما السلام) " عن رجل تمتع فلم
يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال: بل
يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت " بعد قصوره من وجوه، مع أنه فيمن قدر
على الذبح بمنى، وهو غير ما نحن فيه، بل المصنف وابن إدريس لا يوجبان
عليه الصوم، ومن هنا حمله الشيخ على من صام ثلاثة قبل الوجدان كما في خبر
حماد بن عثمان (2) سأل الصادق عليه السلام " عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم
أصاب هديا يوم خرج من منى قال أجزأه صيامه " وإن كان بعيدا، بل هو
مناف لخبره الآخر (3) الذي فيه " فلم يجد ما يهدي ولم يصم الثلاثة أيام " وربما
حمله غيره على ما مر في وجوب كون الذبح يوم النحر، وعلى كل حال فمن
ذلك كله بان لك ضعف القول المزبور.
واضعف منه ما عن أبي علي من التخيير بين الصوم والتصدق بالثمن بدلا
عن الهدي، ووضعه عند من يشتريه فيذبحه إلى آخر ذي الحجة جمعا بين ما تقدم
ونحو خبر عبد الله بن عمر (4) قال: " كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي،
فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم يوجد بقليل ولا كثير، فرفع
هشام المكاري رقعة إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبره بما اشترينا وإنا لم نجد بعد فوقع
عليه السلام إليه انظروا إلى الثمن الأول والثاني والثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه "

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3 - 4
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 1
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3 - 4
(4) الوسائل الباب 58 من أبواب الذبح الحديث 1
166

وهو مع عدم الشاهد، وعدم المكافأة، والمخالفة لكتاب الله قيل إنه ظاهر
في المندوب.
ثم إن الذي صرح به غير واحد اعتبار كون المخلف عنده الثمن ثقة،
وقد سمعت خلو النصوص عن ذلك، ولا يبعد الاجتزاء بالمطمئن به وإن لم يكن
ثقة، فإنه يصدق عليه أنه جعله عند من يذبحه عنه، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (إذا فقدهما) أي الهدي وثمنه بما يصدق عليه عدم
الوجدان عرفا، وفي المسالك " يتحقق العجز عن الثمن بأن لا يقدر على تحصيله
ولو بتكسب لائق بحاله، وبيع ما زاد على المستثنى في الدين " ولا يخفى
عليك ما في الأول، نعم المعتبر القدرة في موضعه لا في بلده إلا إذا تمكن
من بيع ما في بلده بما لا يتضرر به أو من الاستدانة عليه، فإنه لا يبعد الوجوب
بل أطلق في المسالك البيع بدون ثمن المثل، وعلى كل حال فإذا صدق العنوان
المزبور (صام عشرة أيام: ثلاثة في) سفر (الحج) قبل الرجوع إلى أهله
وشهره، وهو هنا ذو الحجة عندنا، ويجب أن تكون (متواليات) بلا
خلاف، بل عن المنتهى وغيره الاجماع عليه، مضافا إلى النصوص، منها قول
الصادق عليه السلام في خبر إسحاق (1): " لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة " ونحوه
الصحيح (2) المروي في قرب الإسناد (يوما قبل التروية ويوم التروية ويوم
عرفة) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا
إلى الكتاب العزيز (3) والمعتبرة المستفيضة أو المتواترة، منها خبر رفاعة بن

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 4
(3) سورة البقرة الآية 192
167

موسى (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع لا يجد الهدي قال: يصوم قبل
التروية بيوم، ويوم التروية ويوم عرفة، قلت: فإنه قدم يوم التروية قال: يصوم
ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جماله قال: يصوم يوم الحصبة وبعده
يومين، قال: قلت: وما الحصبة قال يوم نفره، قلت يصوم وهو مسافر قال:
نعم، أليس هو في يوم عرفة مسافرا، إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عز
وجل فصيام ثلاثة أيام في الحج، يقول في ذي الحجة " وصحيح معاوية بن عمار (2)
عنه عليه السلام أيضا " سألت عن متمتع لم يجد هديا قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج
يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، قال: قلت: وإن فاته ذلك قال: يتسحر
ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده، قلت: فإن لم يقم عليه جماله
يصومها في الطريق قال: إن شاء صامها في الطريق، وإن شاء إذا رجع إلى
أهله " إلى غير ذلك من النصوص.
ولعل المراد بقوله تعالى: " تلك عشرة كاملة " بيان أن كمالها كمال
الأضحية، قال عبد الله بن سليمان الصيرفي (3) قال أبو عبد الله عليه السلام لسفيان
الثوري: " ما تقول في قول الله عز وجل فمن تمتع بالعمرة الآية أي شئ يعنى
بالكاملة؟ قال سبعة وثلاثة، قال: ويختل ذا على ذي حجى أن سبعة وثلاثة
عشرة، قال: فأي شئ هو أصلحك الله قال: الكامل كمالها كمال الأضحية سواء
أتيت بها أو أتيت بالأضحية، تمامها كمال الأضحية " أو لرفع احتمال إرادة معنى
" أو " من الواو أو غير ذلك، هذا.

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 9
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 9
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 9
168

ولا يشكل الحكم المزبور بأنه لا معنى للبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل
خصوصا بعد ظهور الآية في عدم الوجدان عند الأمر بالذبح، كما دل عليه خبر
أحمد بن عبد الله الكرخي (1) قال: " قلت للرضا عليه السلام المتمتع يقدم وليس معه
هدي أيصوم ما لم يجب عليه قال: يصير إلى يوم النحر، فإن لم يصب فهو ممن
لم يجد " وعن علي بن إبراهيم في تفسيره إن من لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام بمكة
يعني بعد النفر ولم يذكر صومها في غير ذلك، إلا أن ذلك كله اجتهاد في مقابلة
النصوص والفتاوى والاجماع بقسميه، بل إن أراد علي بن إبراهيم عدم جواز
صومها إلا على الوجه المزبور فهو، ولعله لذا حمل الخبر المزبور على الجواز أو على
من وجد الثمن، على أن الخطاب بالذبح يتحقق بالاحرام بالحج الذي هو
أحد أفعاله.
(و) كيف كان ف‍ (- لو لم يتفق) صوم اليوم قبل يوم التروية (اقتصر
على) يوم (التروية و) يوم (عرفة ثم صام الثالث بعد النفر) كما هو المشهور
بل عن ابن إدريس وغيره الاجماع عليه، وهو الحجة في اغتفار الفصل بالعيد
وأيام التشريق في التوالي، مضافا إلى خبر عبد الرحمان بن الحجاج (2)
المنجبر بما عرفت عن الصادق عليه السلام فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة قال: يجزيه
أن يصوم يوما آخر " وخبر يحيى الأزرق أو موثقه (3) عن أبي الحسن عليه السلام
" سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم
عرفة قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق " ورواه الصدوق عنه في الحسن
أنه سأل أبا إبراهيم عليه السلام، بل ظاهرها حتى الأخير تناول حال الاختيار كما اعترف

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب الذبح الحديث 2
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
169

به بعضهم، فإن القدوم يوم التروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم، بل عن
ابن حمزة التصريح بذلك، بل في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر الباقين إلا القاضي
والحلبيين فاشترطوا الضرورة، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأقوى
الأول، وعن بعض المتأخرين اشتراط الجهل بكون الثالث العيد، وإطلاق النص
والفتوى على خلافه كما اعترف به الكركي وثاني الشهيدين، بل عن ابن حمزة
جواز صوم السابع والثامن ثم يوما بعد النفر لمن خاف أن يضعفه صوم يوم عرفة
عن الدعاء، ونفى عنه البأس في المختلف محتجا له بأن التشاغل بالدعاء فيه مطلوب
للشارع، فجاز الافطار له، وفيه ما لا يخفى وإن أيده بعض الناس بالنهي
عن صوم عرفة مطلقا كقول الصادقين (عليهما السلام) في خبر زرارة (1) " لا تصم
في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من
الأمصار " أو إن أضعف عن الدعاء كقول أبي جعفر عليه السلام في خبر ابن مسلم (2)
إذ سأله عن صومها: " من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء، فإنه يوم
دعاء ومسألة فصمه، وإن خشيت أنه يضعفك عن الدعاء فلا تصمه " إلا أن
ذلك كله لا يدل على اغتفار الفصل به في التوالي الذي قد عرفت اعتباره في النص
ومعقد الاجماع.
بل يظهر من جملة من النصوص عدم اغتفار الفصل بالعيد الذي قد عرفت
النص والفتوى ومعقد الاجماع عليه، منها صحيح معاوية (3) السابق، ومنها

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب الصوم المندوب الحديث 6
من كتاب الصوم
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الصوم المندوب - الحديث 4
من كتاب الصوم
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4
170

صحيح العيص بن القاسم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام سأله " عن متمتع يدخل في يوم
التروية وليس معه هدي قال: فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحر ليلة
الحصبة فيصبح صائما، وهو يوم النفر، ويصوم يومين بعده " وصحيح حماد
ابن عيسى (2) قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال علي عليه السلام صيام ثلاثة
أيام في الحج قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر
ليلة الحصبة يعني ليلة النفر ويصبح صائما ويصوم يومين بعده وسبعة إذا رجع "
وخبر علي بن الفضل الواسطي (3) قال: " سمعته قال: إذا صام المتمتع يومين
لا يتابع صوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج، فليصم بمكة ثلاثة
أيام متتابعات، فإن لم يقدر ولم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق، فإذا قدم
على أهله صام عشرة أيام متتابعات ".
إلا أنها قاصرة عن معارضة ما عرفت من وجوه، خصوصا بعد امكان
تقييد جملة منها بما سمعت، وحمل آخر على بيان الجواز وغيره، هذا، وفي
كشف اللثام " والظاهر وجوب المبادرة إلى الثالث بعد زوال العذر وإن أطلقت
الأخبار والفتاوى التي عثرت عليها إلا فتوى ابن سعيد فإنه قال: صام يوم الحصبة
وهو رابع النحر " قلت: مع أنه من أيام التشريق التي ستسمع الكلام فيها، بل
والكلام في ابتداء الثلاثة منه، ولا ريب أن الأحوط المبادرة بها بعد أيام
التشريق وإن كان الوجوب لا يخلو من نظر بعد إطلاق النص والفتوى، بل قد
سمعت ما في النص من كون المراد من قوله " في الحج " شهر ذي الحجة، مضافا

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 3
(2) الوسائل الباب 53 من أبواب الذبح الحديث 3
(3) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 4
171

إلى ما تسمعه مما يدل على جواز صومها طول ذي الحجة من النص (1) والاجماع
وغيرهما، والله العالم.
(ولو فاته يوم التروية أخره إلى) ما (بعد النفر) بمعنى أنه لم يغتفر
الفصل بالعيد حينئذ كما هو المشهور، بل لا أجد فيه خلافا، لاطلاق ما دل
على وجوب التتابع، وإطلاق ما دل على صومها متتابعة إذا فات صومها على
الوجه المزبور، ولكن عن الاقتصاد أن من أفطر الثاني بعد صوم الأول لمرض
أو حيض أو عذر بنى، وكذا الوسيلة إلا إذا كان العذر سفرا، أو لعلهما استندا
إلى عموم التعليل في خبر سليمان بن خالد (2) سأل الصادق عليه السلام " عمن كان عليه
شهران متتابعان فصام خمسة وعشرين يوما ثم مرض فإذا برئ أيبني على صومه أم
يعيد صومه كله؟ فقال عليه السلام: بل يبني على ما كان صام، ثم قال: هذا مما غلب
الله عليه وليس على ما غلب الله عليه شئ " واستثناء السفر لأنه ليس هنا عذرا،
وفيه مع أنه في غير ما نحن فيه ضرورة العلم بالعيد يمكن الفرق بين المقامين
خصوصا بعد النصوص الدالة هنا على وجوب صومها بعد ذلك إذا فاتت الثلاثة.
وعلى كل حال فالمشهور عدم جواز استئنافها أيام التشريق، بل عن
الخلاف الاجماع عليه، لعموم النهي عن صومها بمنى، كمرسل الصدوق (3) " إن
النبي صلى الله عليه وآله بعث بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق وأمره أن يتخلل
الفساطيط ينادي في الناس أيام منى أن لا يصوموا فإنها أيام أكل وشرب وبعال "
أي ملاعبة الرجل مع أهله، وخصوص صحيح ابن سنان (4) " سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 13
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 12
من كتاب الصوم
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 8 - 1
(4) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 8 - 1
172

عليه السلام عن رجل تمتع فلم يجد هديا قال: فليصم ثلاثة أيام ليس منها أيام التشريق،
ولكن يقيم بمكة حتى يصومها، وسبعة إذا رجع إلى أهله، وذكر حديث
بديل بن ورقاء " وصحيح سليمان بن خالد (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
تمتع ولم يجد هديا قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له أفيها أيام التشريق؟ قال:
لا، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه
أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله، ثم ذكر
حديث بديل بن ورقاء " ورواه في كشف اللثام عن ابن مسكان، والتدبر فيما
رواه في التهذيب هنا (2) وفي شرح من فاته صوم هذه الثلاثة الأيام بمكة لعائق
يعوقه (3) يقتضي ما ذكرنا من كون الخبر عن سليمان، فلاحظ وتأمل، وخبر
عبد الرحمان بن الحجاج (4) قال: " كنت قائما أصلي وأبو الحسن عليه السلام قاعد
قدامي وأنا لا أعلم فجاءه عباد البصري قال: فسلم فجلس فقال: له يا أبا الحسن
ما تقول في رجل تمتع ولم يكن له هدي؟ قال: يصوم الأيام التي قال الله عز وجل،
قال: فجعلت اصغي إليهما فقال له عباد: وأي أيام هي؟ قال: قبل التروية بيوم
ويوم التروية ويوم عرفة، قال: فإن فاته ذلك قال: يصوم صبيحة الحصبة ويومين
بعد ذلك، قال: أفلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن؟ قال: فأي شئ قال
قال: يصوم أيام التشريق، قال: إن جعفرا كان يقول: إن رسول الله
صلى الله عليه وآله أمر بديلا أن ينادي أن هذه أيام أكل وشرب، فلا يصومن أحد، قال

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4
(2) التهذيب ج 5 ص 229 الرقم 775
(3) التهذيب ج 5 ص 233 الرقم 789 وهو ما رواه في الوسائل في الباب
46 من أبواب الذبح الحديث 7
(4) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 2 - 4
173

يا أبا الحسن: إن الله تعالى قال: فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم،
قال كان جعفر عليه السلام يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحج ".
فما عن أبي علي من إباحة صومها فيها لقول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر
إسحاق (1) " من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق فإن
ذلك جايز له " ونحو منه خبر القداح (2) واضح الضعف بعد شذوذ الخبرين
وضعفهما وموافقتهما لقول من العامة، وقصورهما عن معارضة ما عرفت من وجوه،
بل احتمل تعليق أيام التشريق فيهما بالقول وإن كان بعيدا غاية البعد، نعم
أرسل في الفقيه (3) إن في رواية عنهم " يتسحر ليلة الحصبة، وهي ليلة النفر ويصبح
صائما " بل عن النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر أنه يصوم الحصبة وهو يوم
النفر، وهو المحكي عن أبي علي وابن بابويه، بل قد سمعت النصوص الدالة
عليه كصحيح العيص (4) وصحيح حماد (5) وصحيح رفاعة (6) بل وصحيح
معاوية (7) وإن كان ليس فيه قوله " وهو يوم النفر ".
ومن هنا قال في المدارك في شرح عبارة المتن: " بل الأظهر جواز صوم
يوم النفر، وهو الثالث عشر " ويسمى يوم الحصبة كما اختاره الشيخ في النهاية
وابنا بابويه وابن إدريس للأخبار الكثيرة الدالة عليه، وإن كان الأفضل تأخير
الصوم إلى ما بعد أيام التشريق، كما تدل عليه صحيحة رفاعة (8) عن الصادق عليه السلام

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 5 - 6
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب الذبح الحديث 5 - 6
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 12 - 3
(4) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 12 - 3
(5) الوسائل الباب 53 من أبواب الذبح الحديث 3
(6) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 1
(7) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 1
(8) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 1
174

حيث قال فيها: " قلت فإن قدم يوم التروية قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق
قلت لم يقم عليه جماله قال: يصوم يوم الحصبة وبعده يومين " وقد ظهر؟ من هذه
الروايات أن يوم الحصبة هو الثالث من أيام التشريق، ونقل عن الشيخ في
المبسوط أنه جعل ليلة التحصيب ليلة الرابع، والظاهر أن مراده ليلة الرابع من يوم
النحر لا الرابع عشر، لصراحة الأخبار في أن يوم التحصيب هو يوم النفر، وربما
ظهر من كلام أهل اللغة أنه يوم الرابع عشر، ولا عبرة به ".
قلت: الأصل في ذلك الفاضل في المختلف فإنه بعد أن ذكر ما يدل على
حرمة صوم أيام التشريق وذكر صوم يوم الحصبة قال: " ولا ريب أن يوم
الحصبة هو يوم الثالث من أيام التشريق إلا أن يقال أن الشيخ ذكر في المبسوط
أن ليلة الرابع ليلة التحصيب، فيصح ذلك، إلا أن هذا التأويل بعيد، أما أولا
فلأن التحصيب إنما يكون لمن نفر في الأخير، وهو اليوم الثالث عشر من ذي
الحجة، وأما ثانيا فلأنه قال: فليصم يوم الحصبة، وهو يوم النفر، والنفر
نفران: أول، وهو الثاني عشر، وثاني، وهو الثالث عشر، ويحمل قول
الشيخ في المبسوط بأنه أراد الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر " قلت:
كما سمعته من الجامع، لكن في محكي الخلاف أن الأصحاب قالوا: يصبح ليلة
الحصبة صائما، وهي بعد انقضاء أيام التشريق، وفي خبر إبراهيم بن أبي يحيي
المروي (1) عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم السلام)
قال: " يصوم المتمتع قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فإن فاته
ذلك ولم يكن عنده دم صام إذا انقضت أيام التشريق يتسحر ليلة الحصبة ثم
يصبح صائما.

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 20
175

وفي كشف اللثام " وما في صحيحي حماد والعيص من التفسير يجوز أن يكون من الراوي ثم قال وما في المبسوط من أن يوم الحصبة يوم النفر،
وكذا النهاية والمهذب والسرائر، بل خبر رفاعة نص فيه لا يقتضي أن يكون
ليلة الحصبة قبله، وإنما يوهمه القياس على نحو ليلة الخميس، والشيخ ثقة فيما
يقوله، ولا حاجة إلى تأويل كلامه بما في المختلف أيضا بأن مراده بالرابع الرابع من
يوم النحر، مع أن كلام الخلاف نص في خلافه، ثم الاحتياط يقتضي التأخير،
إذ لا خلاف في الاجزاء معه ثم احتمل سابقا في خبر عبد الرحمان تبعا للمختلف
أن المراد من صبيحة الحصبة بمعنى اليوم الذي بعدها، كما أنه احتمل في صحيح
رفاعة الاقتصار على حال الضرورة، قلت: كل ذلك مضافا إلى ما سمعته من الخبر
وما حكاه في المدارك عن بعض أهل اللغة إلا أن الانصاف مع ذلك عدم إمكان إنكار
ظهور النصوص في إرادة صوم يوم النفر الذي هو اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر،
ولعله لكون المحرم صوم أيام التشريق لمن أقام بمنى لا مطلقا كما عن الأكثر على
ما في محكي المعتبر، وفي الروضة لا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعا، وفي صحيح
معاوية (1) سأل الصادق عليه السلام " عن الصيام فيها فقال: أما بالأمصار فلا بأس، وأما
بمنى فلا " ومن هنا يظهر لك النظر فيما عن النهاية والمبسوط من أنه لو كان بمكة لا
يصومها لعموم النهي عنه، اللهم إلا أن يكون المراد (2) بكونه في منى من مكة،

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث 1
من كتاب الصوم
(2) هكذا في النسخة الأصلية وحق العبارة هكذا " الله إلا أن يكون
المراد كونه في منى من مكة " فكأن عبارة المبسوط هكذا " إنه لو كان بمنى
لا يصومها "
176

هذا، وقد تقدم في كتاب الصوم بعض الكلام في ذلك فلاحظ، وكيف كان
فالاحتياط لا ينبغي تركه. والله العالم.
(ويجوز تقديمها من أول ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة) كما في القواعد
والنافع لخبر زرارة أو موثقه (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " من لم يجد الهدي
وأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس " المعتضد باطلاق الآية
المفسر في صحيح رفاعة (2) بشهر الحج كله، وإليه أشار ابن سعيد في المحكي
عنه من النص على أنه رخص في ذلك لغير عذر، كالمحكي عن القاضي من أنه قد
رويت رخصة في تقديم صوم هذه الثلاثة من أول العشر، وكذلك في تأخيرها
إلى بعد أيام التشريق لمن ظن أن صوم يوم التروية ويوم عرفة يضعفه عن القيام
بالمناسك، وكذا عن النهاية والتهذيب والمبسوط والمهذب في ذكر الرخصة في
صومها أول العشر، لكن عن الأخيرين " أن التأخير إلى السابع أحوط " وفي
التهذيب " أن العمل على ما ذكرناه أولى " بل عن التبيان والسرائر " الاجماع
على وجوب كون الصوم في الثلاثة المتصلة بالنحر " كما عن الخلاف " نفي الخلاف
عن وجوبه اختيارا " وإن احتمل إرادة نفي الخلاف عن تقديمها على الاحرام
بالحج، بل عن ظاهره اختصاص الرخصة بالمضطر.
(و) على كل حال فلا ريب في أن الأحوط عدم التقديم وإن كان القول
بالجواز لا يخلو من قوة، خصوصا بعد دعوى الشهرة عليه في محكي التنقيح لما
عرفت، نعم لا خلاف في أنه (يجوز صومها طول) باقي (ذي الحجة) بل
في المدارك أنه قول علمائنا وأكثر العامة لاطلاق الآية المفسرة في صحيح رفاعة
السابق بذي الحجة، وخصوص قول الصادق عليه السلام في صحيح زرارة (3): " من

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 8 - 1 - 13
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 8 - 1 - 13
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 8 - 1 - 13
177

لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك "
بل يمكن تحصيل الاجماع منا فضلا عن محكيه على الجواز المزبور بمعنى الاجزاء
وإن قلنا بوجوب المبادرة كما سمعته سابقا من كشف اللثام، وقال في المقام:
" وظاهر الأكثر منهم المصنف في سائر كتبه وجوب المبادرة بعد التشريق،
فإن فات فليصم بعد ذلك إلى آخر الشهر، وهو أحوط، لاختصاص أكثر
الأخبار بذلك، ومن ذهب إلى كونه قضاء بعد التشريق لم يجز عنده التأخير
إليه اختيارا قطعا، وهو مذهب الشيخ في المبسوط على ما في المختلف، والحق
أنه أداء كما في الخلاف والسرائر والجامع والمختلف والمنتهى والتذكرة والتحرير
وفيما عندنا من نسخ المبسوط، إذ لا دليل على خروج الوقت، بل العدم ظاهر
ما مر، غاية الأمر وجوب المبادرة " قلت: قد سمعت سابقا ما اعترف به من
إطلاق الأخبار والفتاوى وأنه لم يعثر على ما يقتضي وجوب المبادرة إلا ما حكاه
من عبارة الجامع، فما أدري ما الذي دعاه هنا إلى نسبة ذلك إلى ظاهر الأكثر
الذي يشهد التتبع بخلافه، خصوصا مع ملاحظة تصريحهم بجواز ذلك طول
ذي الحجة، إذ لا داعي إلى حمله على إرادة الاجزاء لا الجواز بمعنى عدم الإثم
والقول بالقضاء المزبور ليس لأحد من أصحابنا، نعم في المدارك أنه حكى في
التذكرة عن بعض العامة قولا بخروج وقتها بمضي يوم عرفة، ولا ريب في بطلانه
كما لا ريب في بطلان توقيتها بخصوص الأيام التي بعد التشريق، أو خصوص
يوم الحصبة منها، والتحقيق ما عرفت من عدم وجوب المبادرة للأصل، وظاهر
النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات فضلا عن التوقيت، وإن كانت هي
أحوط، والله العالم.
(ولو صام يومين وأفطر الثالث) لا لعذر (لم يجزه واستأنف) لما
178

عرفته من وجوب التتابع فيها نصا (1) وفتوى وإجماعا بقسميه، وفي العذر
ما سمعته من الكيدري وابن حمزة، مع أن ظاهر الأصحاب هنا خلافه (إلا أن
يكون ذلك هو العيد فيأتي بالثالث بعد النفر) لما سمعته من النص (2) والفتوى
ومعقد الاجماع، فوسوسة سيد المدارك فيه لبعض النصوص (3) المعرض عنها أو
المحمولة على ما عرفت في غير محلها كما تقدم ذلك كله، بل وغيره مما سمعته من
ابن حمزة الذي نفى عنه البأس في المختلف، فلاحظ وتأمل.
(ولا يصح صوم هذه الثلاثة إلا في ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة)
بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، نعم عن أحمد في رواية
جواز تقديمها على احرام العمرة، وهو خطأ واضح، ضرورة كونه تقديما
للواجب على وقته وسببه بلا دليل، بل ظاهر الأدلة خلافه، نعم يتحقق التلبس
بالمتعة بدخوله في إحرام العمرة التي صارت جزء من حج التمتع كما صرح به غير
واحد، بل قد عرفت النص (4) والاجماع على رجحان صومها في السابع مع
استحباب أن يكون الاحرام بالحج في الثامن، ولكن مع ذلك اشترط الشهيد
التلبس بالحج، ونحوه المصنف في النافع وثاني الشهيدين، لكونه تقديما للواجب
على وقته، وللمسبب على سببه، وهو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت، ثم قال
في الدروس: وجوز بعضهم صومها في إحرام العمرة، وهو بناء على وجوبه بها
يعني الحج أو الهدي أو الصوم، قال: " وفي الخلاف لا يجب الهدي قبل إحرام

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 3 و 4 و 5
والباب 53 منها
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 2 - 3
(4) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح
179

الحج بلا خلاف، ويجوز الصوم قبل إحرام الحج، وفيه إشكال " وفيه أنه
لا حاجة إلى البناء المزبور بعد ظهور الدليل في ذلك وإن لم نقل بالوجوب، ولعل
ذلك هو الوجه في كلام الشيخ (رحمه الله) ضرورة عدم المانع من مشروعية
الصوم قبل الخطاب بالذبح للدليل كما أوضحناه سابقا، وقلنا إن خبر الكرخي (1)
عن الرضا عليه السلام محمول على إرادة بيان الجواز أو غير ذلك، على أنه يمكن القول
بوجوب الذبح باحرام العمرة على معنى صيرورته مخاطبا بأفعال الحج على حسب
ترتبها ويكفي ذلك في مشروعية الصوم بدلا عنه، كما هو واضح.
(ولو خرج ذو الحجة ولم يصمها) أي الثلاثة (تعين الهدي) بلا
خلاف أجده فيه. بل في ظاهر المدارك وصريح المحكي عن الخلاف الاجماع عليه
بل عن بعض أنه نقله جماعة، وهو الحجة بعد صحيح حازم (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام " من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل المحرم فعليه شاة، وليس له صوم،
ويذبح بمنى " لكن في كشف اللثام " أنه كما يحتمل الهدي يحتمل الكفارة،
بل هي أظهر " وكذا النهاية والمهذب، وفيه أنه دال باطلاقه أو عمومه لهما،
خصوصا بعد ملاحظة استدلال الأصحاب به على الهدي، ولعله لذا قال في محكي
المبسوط وجب عليه دم شاة واستقر في ذمته الدم وليس له صوم " ونحوه الجامع
بل هو محكي عن صريح المنتهى، بل لعل عبارة المصنف وما شابهها لا دلالة فيها
على نفي الكفارة بعد أن كانت مساقة لبيان ذلك، ومن الغريب ما في الرياض، فإنه
بعد أن اعترف بدلالة الصحيح (3) على الهدي والكفارة قال: " إن عدم

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب الذبح الحديث 2
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 1 وهو صحيح
منصور بن حازم
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 1
180

الوجوب أقوى للأصل " بعد أن نسبه إلى ظاهر المصنف والأكثر، وذكر
الاستدلال بالنبوي الذي تسمعه، ثم قال: " وسند الخبر لم يثبت " وكأنه
غفل عما اعترف به من دلالة الصحيح، فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فيؤيده مضافا إلى ذلك بالنسبة إلى الكفارة النبوي (1)
" من ترك نسكا فعليه دم " وبالنسبة إلى الهدي صحيح عمران الحلبي (2) قال:
" سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع
إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله قال: يبعث بدم " بل هو صريح كظاهر
الأول في عدم الفرق بين كون الترك لعذر أولا، كل ذلك مضافا إلى ما تقدم
من النصوص (3) الدالة على أن وقتها ذو الحجة، وأنه المراد من قوله تعالى:
" الحج " هذا.
ولكن في محكي النهاية والمبسوط بعد ما سمعته " إن من لم يصم الثلاثة
بمكة ولا بالطريق ورجع إلى بلده وكان متمكنا من الهدي بعث به، فإنه أفضل
من الصوم " وظاهره التخيير بين الهدي والصوم، بل في الدروس حكاية ذلك
عنه على الجزم، فيه أنه إن كان قد خرج ذو الحجة تعين الهدي،
ضرورة فوات وقت الصوم، بل وكذا إن لم يخرج، لأن من وجد الهدي
قبل شروعه في الصوم يجب عليه الهدي، اللهم إلا أن يكون المراد الوجدان في
منى، فيتعين عليه الصوم حينئذ لا التخيير، إلا أن يكون هو مقتضى
الجمع بين ذلك وبين إطلاق صحيح الحلبي المزبور، لكن ندرة القول

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 152
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 3
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح
181

به تمنع من ذلك، فإن عبارة الشيخ المزبورة غير صريحة فيه، ولذا قال في المختلف
أنها مشعرة به، ولعله لاحتمال تعليله بأنه أفضل بيان حكمة التعيين لا التخيير.
نعم قد يقال إن الصحيح المزبور معارض بالنصوص المستفيضة الدالة على
أن من فاته صومها بمكة لعائق أو نسيان صامها في الطريق إن شاء، وإن شاء
إذا رجع إلى أهله، منها حسن معاوية (1) وخبر علي بن الفضل الواسطي (2)
المتقدمان، ومنها صحيح معاوية (3) أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من كان متمتعا ولم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج
وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام
بمكة، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله، وإن كان له مقام بمكة فأراد
أن يصوم السبعة يترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام " قال في
القاموس: " الصدر الرجوع كالمصدر، والاسم بالتحريك، ومنه طوف
الصدر ثم قال: والصدر محركة اليوم الرابع من أيام النحر " ومنها صحيح
معاوية (4) الآخر، قال: " حدثني عبد صالح عليه السلام سألته عن المتمتع
ليس له أضحية وفاته الصوم حتى يخرج وليس له مقام قال: يصوم ثلاثة
أيام في الطريق إن شاء، وإن شاء صام عشرة في أهله " ومنها صحيح
سليمان بن خالد (5) " سألت أبا عبد الله عن رجل تمتع ولم يجد هديا قال:

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 4
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الذبح الحديث 4
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 4
وذيله في الباب 50 منها الحديث 2
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 2
(5) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7
182

يصوم ثلاثة أيام بمكة وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه أصحابه ولم
يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله " ومنها صحيح ابن مسلم (1)
عن أحدهما (عليهما السلام) " الصوم الثلاثة الأيام إن صمها فآخرها يوم عرفة،
وإن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله، ولا يصومها في السفر "
ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين خروج ذي الحجة وعدمه، ومن هنا احتمل
في الذخيرة الجمع بينها بأن حكم السقوط مختص بالناسي، كما في صحيحة
حمران (2) ويحمل عليه حسنة منصور بن حازم (3) قال وحينئذ يجمع بين صحيحة
ابن مسلم وما يعارضها بالترخيص، وجمع بينها في التهذيب بحملها على من استمر
به عدم التمكن من الهدي حتى وصل إلى بلده، فإن الصوم يجزيه والحال هذه،
وإن تمكن من الهدي قبل الصوم بعث به، قلت: لعل الأولى الجمع بحمل هذه
النصوص على عدم خروج ذي الحجة وإن استبعده في الذخيرة، لاعتضاده بعد
الشهرة والاجماعات المنقولة بظاهر الكتاب والسنة والاجماع الموقتة لها بذي
الحجة، فتسقط حينئذ بخروجه، وتقييد ذلك كله بحال التمكن والاختيار
في البقاء في مكة ليس بأولى من تقييد الصحاح بها بحملها على بقاء ذي الحجة،
بل هذا أولى من وجوه، والله العالم.
(ولو صامها) أي الثلاثة (ثم وجد الهدي) في ذي الحجة (ولو قبل
التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي وكان له المضي على الصوم) كما في النافع
والقواعد ومحكي النهاية والمبسوط والجامع، بل في المدارك نسبته إلى أكثر

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 10
(2) وهي صحيحة عمران الحلبي المتقدمة في ص 181
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 1
183

الأصحاب، بل عن الخلاف الاجماع على ذلك، للأصل وخبر حماد بن عثمان (1)
سأل الصادق عليه السلام " عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم
خرج من منى قال: أجزأه صيامه " وخبر أبي بصير (2) سأل أحدهما (عليهما
السلام) " عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة
أيذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت " بعد حمله علي أنه
قد صام الثلاثة، وإن المراد من قوله " أو يصوم " إكماله بصوم السبعة، كما أن
المراد من مضي أيام الذبح مضي أيام تعينه، فما عن القاضي من وجوب الهدي
لصدق الوجدان واضح الضعف لما عرفت، ولكن قد يستدل له بخبر عقبة (3)
سأل الصادق عليه السلام " عن رجل تمتع وليس معه ما يشتري به هديا فلما أن صام
ثلاثة أيام في الحج أيسر أيشتري هديا فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام
إذا رجع إلى أهله قال يشتري هديا فينحره، ويكون صيامه الذي صامه نافلة "
إلا أنه لمكان الشهرة المزبورة بل الاجماع المحكي على عدم الوجوب إن لم يكن
المحصل، والنصوص المزبورة المجبورة بالعمل حمل على إرادة الندب كما أشار
إليه المصنف بقوله:
(ولو رجع إلى الهدي كان أفضل) مؤيدا بأنه الأصل وبدلالة النصوص
على فضله على الصوم على الاطلاق، بل عن ابن إدريس والفاضل والمقداد
الاكتفاء في الحكم المزبور بالتلبس بالصوم مستدلا عليه في محكي المنتهى باطلاق
الآية وجوب الصوم على من لم يجد الهدي الذي مقتضاة عدم الاجتزاء به وإن
لم يدخل في الصوم، إلا أنه خرج ذلك بالوفاق، فيبقى ما عداه، ولكن فيه

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3
(3) الوسائل الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
184

أن مقتضى الآية صوم من لم يجد، وهذا واجد، لأن ذا الحجة كله وقت،
بل مقتضاه وجوب الهدي وإن صام العشرة فضلا عن الثلاثة كما سمعته من القاضي
بل مال إليه بعض متأخري المتأخرين، لضعف خبر حماد (1) بعبد الله بن بحر كما
في الكافي أو بعبد الله بن يحيى كما في التهذيب لاشتراكه، مع أن الظاهر كونه
تصحيفا، وضعف خبر أبي بصير (2) أيضا وإن روي بعدة طرق، وإن كان
قد يدفع ذلك بعد التسليم في الأخير بالانجبار بما عرفت مؤيدا بالوفاق، على أن
الأصل في الثلاثة صومها في السابع وتالييه كما عرفت، وهو يعطي الاجزاء وإن
وجد يوم النحر، فالتحقيق حينئذ اعتبار مضي الثلاثة في الحكم المزبور
وأولى منه الزيادة عليها كما أومأ إليه المصنف بلو الوصلية، نعم في عبارة القواعد
تقييد ذلك بما قبل السبعة، وهو يعطي عدم جواز الرجوع إلى الهدي بعدها،
لكن فيه منع واضح، ضرورة جوازه ما دام ذو الحجة، ولذا قال الشهيد لو
صام ثم وجد الهدي في وقته استحب الذبح، بل لعله أحوط، وأوضح منه منعا
لو أراد عدم إجزاء الصوم، ضرورة كونه بالتلبس بالسبعة زاد على الثلاثة كما
هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (صوم السبعة بعد وصوله إلى بلده) بلا خلاف أجده فيه
بيننا بل الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة بعد ظاهر الآية الذي مقتضاه العود
إلى الوطن، وصحيح معاوية (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
" من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 2
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب الذبح الحديث 3
(3) الوسائل الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 4
185

أهله " وصحيح سليمان بن خالد (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع ولم يجد
هديا قال يصوم ثلاثة أيام بمكة، وسبعة إذا رجع إلى أهله، فإن لم يقم عليه
أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله " وغيرهما،
خلافا لبعض العامة فقال: يصوم السبعة إذا فرغ من أعمال الحج، ولآخر منهم
أيضا فقال: يصومها إذا خرج من مكة سائرا في الطريق، ولثالث فقال: بعد
أيام التشريق، والجميع مخالف للتنزيل الذي مقتضاه أيضا صومها بعد الرجوع
متى شاء، وعن إسحاق بن عمار (2) أنه سأل أبا الحسن عليه السلام " أنه قدم الكوفة
ولم يصم السبعة الأيام حتى فرغ في حاجة إلى بغداد فقال عليه السلام: صمها ببغداد،
فقلت أفرقها قال: نعم " والله العالم.
(ولا يشترط فيها الموالاة على الأصح) وفاقا للمشهور، بل عن المنتهى
والتذكرة لا نعرف فيه خلافا للأصل بعد إطلاق الدليل، وخبر إسحاق بن عمار
المتقدم آنفا المنجبر بما عرفت المعتضد بالعموم في حسن عبد الله بن سنان (3) عن
أبي عبد الله عليه السلام: كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين " خلافا لما
عن ابن أبي عقيل وأبي الصلاح من وجوبها فيها كالثلاثة لخبر علي بن جعفر (4)
عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أفصومها
متوالية أو نفرق بينها؟ قال: تصوم الثلاثة الأيام لا تفرق بينها، والسبعة
لا تفرق بينها " وهو مع الطعن في سنده بمحمد بن أحمد العلوي الذي هو غير

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7
(2) الوسائل الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1
من كتاب الصوم
(4) الوسائل الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
186

معروف الحال وإن وصف الفاضل الروايات الواقع في طريقها بالصحة، فهو
كالشهادة منه بذلك قاصر عن معارضة ما سمعت، وكخبر الحسين بن زيد (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " السبعة الأيام والثلاثة والأيام في الحج لا تفرق إنما هي
بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين " فالوجه حملها على ضرب من الكراهة، كما عساه
يشعر بها التفريق في الجواب في الأول.
ثم إن الظاهر اعتبار التفريق بين الثلاثة والسبعة بلا خلاف أجده فيه، بل
عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، لظاهر الآية، وخبر علي بن جعفر (2) عن أخيه عليه السلام
" لا يجمع بين الثلاثة والسبعة " لكن الظاهر اختصاص ذلك بما إذا صام في
مكة، أما لو وصل إلى أهله ولم يكن قد صام الثلاثة لم يجب عليه التفريق، كما نص
عليه الفاضل في محكي المنتهى، بل هو ظاهر الأمر بصوم العشرة فيما سمعته من
النصوص (3) والله العالم.
(فإن أقام بمكة انتظر) مقدار (مدة وصوله إلى أهله ما لم يزد
على شهر) ثم صام السبعة كما أنه يصومها إذا مضى الشهر كما في النافع والقواعد
ومحكي النهاية والمقنع والسرائر والجامع، بل في الذخيرة لا أعلم فيه خلافا،
والأصل فيه قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار (4) " قال رسول الله

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2
من كتاب الصوم
(2) الوسائل الباب 55 من أبواب الذبح الحديث 2
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الذبح الحديث 7 و 12 والباب
47 منها الحديث 2 والباب 51 منها الحديث 2.
(4) ذكر صدره في الوسائل في الباب 47 من أبواب الذبح الحديث 4
وذيله في الباب 50 منها الحديث 2
187

صلى الله عليه وآله: من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع
إلى أهله، قال: فإن فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة،
وإن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله، وإن كان له مقام بمكة وأراد
أن يصوم السبعة يترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام " الذي
يقيد به إطلاق ما رواه الصدوق في محكي المقنع عن معاوية (1) أنه سأل الصادق
عليه السلام " عن السبعة الأيام إذا أراد المقام فقال: يصومها إذا مضت أيام التشريق "
بل وصحيح أبي بصير (2) المضمر " رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام الثلاثة أيام
فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكة سنة قال: ينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظن أنهم دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام " وصحيح ابن أبي نصر (3) " في المقيم
إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهله، فإذا ظن أنهم قد دخلوا فليصم
السبعة الأيام " والمراد من الظن فيهما هو تقدير المدة المزبورة، ضرورة عدم
حصول العلم بدخولهم بمضيها لامكان المانع، والمدار عليها لا على دخولهم، فما
عن القاضي والحلبيين من الانتظار إلى الوصول من غير اعتبار الشهر، بل عن
ابن زهرة منهم الاجماع عليه، بل عن المفيد روايته (4) عن الصادق عليه السلام واضح
الضعف وإن استدل لهم باطلاق الصحيحين المزبورين المحمول على ما عرفت، بل
يمكن حمل كلامهم على إرادة أحد الفردين لا قصر الحكم عليه، كالمحكي عن الشيخ
من أنه عكس في الاقتصاد، فذكر الانتظار شهرا فحسب، فيرتفع الخلاف
حينئذ من البين كما سمعته من الذخيرة.

(1) المستدرك الباب 45 من أبواب الذبح الحديث 3
(2) الوسائل الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 5
(3) الوسائل الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 5
(4) الوسائل الباب 50 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 5
188

ثم إن ظاهر النص والفتوى قصر الحكم على المقيم بمكة، لكن في كشف
اللثام عممه الحلبيان لمن صد عن وطنه، وابن أبي مجد للمقيم بأحد الحرمين،
والفاضل في التحرير لمن أقام بمكة أو الطريق وأطلق في التذكرة لمن أقام إلا أنه
استدل بصحيح معاوية الذي سمعته، ولا يخفى عليك ما في الجميع، ضرورة
كون الوجه الاقتصار في الشهر على المنصوص، للأمر في الآية بالتأخير إلى
الرجوع الظاهر منه الحقيقة لا الحكم أيضا وإن ذكره بعض المتأخرين، لكنه
محل للنظر كما اعترف به في الذخيرة والمدارك، هذا،
وقد ذكر غير واحد من
المتأخرين على ما في الذخيرة أن مبدأ الشهر بانقضاء أيام التشريق، ولم يستوضحه
قال: بل يحتمل الاحتساب من يوم يدخل مكة أو يوم يعزم على الإقامة، وفي
كشف اللثام " والأظهر من آخرها الذي هو يوم النفر، ويحتمل من دخول
مكة أو قصد إقامتها " قلت: قد يشهد للأول ما سمعته من خبر المقنع مؤيدا
بما سمعته سابقا من أن جواز صوم يوم الآخر منها باعتبار كونه يوم النفر هو
الخروج من منى، وحرمة صومها إنما هي فيها لا مطلقا، ولعل الأمر هنا
كذلك أيضا، فإن خرج من منى في اليوم الأخير احتسب الشهر منه، وإلا فمن
بعده، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، والله العالم.
(ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم) بعد التمكن منه (وجب
أن يصوم عنه وليه الثلاثة دون السبعة) كما عن الشيخ وجمع للأصل وحسن
الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام سأله " عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج ولم يكن له
هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد أن رجع إلى أهله قبل أن يصوم
السبعة الأيام أعلى وليه أن يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء " وفيه أن

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب الذبح الحديث 2
189

الأصل مقطوع بما تسمعه، والحسن محتمل للموت قبل التمكن من الصوم الذي
لا خلاف معتد به في عدم وجوب الصوم عنه معه بل عن المنتهى أنه مذهب
علمائنا وأكثر الجمهور، كما عن الصيمري أن عليه إطباق الفتاوى، وبه حينئذ
يقيد الاطلاق، فما عن بعض من الوجوب واضح الضعف، على أن الحسن
المزبور ظاهر في نفي القضاء مطلقا كما في الرياض حاكيا له عن الصدوق، قال:
لأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل، وإن كان هو كما ترى، نعم هو محتمل لما
عرفت، خصوصا بعد قوة المعارض.
(و) من هنا (قيل) والقائل ابن إدريس وأكثر المتأخرين: (بوجوب
قضاء الجميع) مع فرض عدم صومها بعد التمكن (وهو الأشبه) بأصول المذهب
وقواعده التي منها عمول ما دل (1) على وجوب قضاء ما فات الميت من الصيام،
بل عن المختلف الاجماع على ذلك، وخصوص صحيح معاوية (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام " من مات ولم يكن له هدي لمتعة فليصم عنه وليه " ومن الغريب ما في الرياض
من المناقشة بأن هذا ظاهر، والأول نص، ويحمل على الاستحباب بعد رجحانه
عليه بالشهرة والاجماع المحكي وغير ذلك، وأغرب منه المناقشة أيضا بأن الشهرة ليست
بتلك الشهرة الموجبة لصرف الأدلة عن ظواهرها، وبعدم وضوح تناول العموم لمثل
المقام، وبمنع الاجماع في محل النزاع، إلا أن ذلك كله كما ترى، والتحقيق ما عرفت.
ثم لا فرق في ذلك بعد وجوبها عليه بين وصوله إلى بلده وعدمه، للعموم
المزبور، فما عساه يظهر من محكي الفقيه من أنه إذا مات قبل أن يرجع إلى

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان من
كتاب الصوم
(2) الوسائل الباب 48 من أبواب الذبح الحديث 1
190

أهله ويصوم السبعة فليس على وليه القضاء من اعتبار الوصول في غير محله
اللهم إلا أن يريد بذلك الكناية عن التمكن منها، كما أن ما يحكى عن الصدوق
من استحباب أصل القضاء للولي كذلك أيضا بعد ما عرفت، والله العالم.
(ومن وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجد) ولم يكن على بدلها
نص بخصوصه كفداء النعامة على ما ستعرف إن شاء الله (كان عليه سبع شياه)
كما في القواعد والنافع وغيرهما ومحكي السرائر والنهاية والمبسوط، بل في الأخيرين
فإن لم يجدها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله، لخبر داود الرقي (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء قال: إذا لم يجد بدنة
فسبع شياه، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله " مؤيدا بما
عن ابن عباس (2) " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله رجل فقال علي بدنة وأنا موسر لها ولا
أجدها فاشتريها فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن " بل وبما
تسمعه إن شاء الله في الايمان وتوابعها من أن من وجب عليه بدنة في نذر ولم
يجد لزمه بقرة، فإن لم يجد فسبع شياه، لكن لاقتصار الخبر المزبور على الفداء
اقتصر عليه ابن سعيد فيما حكي عنه، وعن الصدوق في المقنع والفقيه الاقتصار
على الكفارة التي هي أعم من الفداء، ولا يبعد اتحاد المراد منهما هنا كما أنه
لا يبعد العمل بالخبر المزبور بعد الاعتضاد بالعمل وغيره مما سمعت، نعم ينبغي
الاقتصار عليه بعد حرمة القياس عندنا، فلا تجزي السبع المزبورة عن البقرة وإن
أجزأت عن الأعظم، كما أن البدنة لا تجزي من السبع حيث تجب وإن وجبت هي
بدلا عنها، وما عن التذكرة والمنتهى من اجزاء البدنة عن البقرة لأنها أكثر لحما

(1) الوسائل الباب 56 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) سنن ابن ماجة ج 2 ص 274
191

وأوفر لا يخفى عليك ما فيه، ويتحقق العجز عن السبع بالعجز عن البعض
فينتقل إلى الصوم حينئذ، كما هو واضح، والله العالم.
(ولو تعين الهدي فمات من وجب عليه أخرج من أصل تركته) كما في
غيره من الحقوق المالية التي هي كالديون، ومن هنا لو قصرت التركة وزعت على
الجميع بالحصص، فإن لم تف الحصة بالهدي وجب الجزء لقاعدة الميسور " وما
لا يدرك " (1) " وإذا أمرتكم " (2) ولو لم يمكن ففي المدارك الأصح عوده
ميراثا، بل يحتمل قويا ذلك مع امكان شراء الجزء أيضا، وفي المسألة قول
ضعيف بوجوب الصدقة به، وفيه أنه أولى من عوده ميراثا أو مساو، ولذا قال
في المسالك ففي الصدقة به أو عوده ميراثا وجهان، نعم قد يقال إن الأقوى منهما
صرفه في الدين، إذ لا معنى لجعله ميراثا مع وجود الدين، والله العالم.
الطرف (الرابع في هدي القران) الذي لا خلاف أجده في أنه
(لا يخرج) أي (هدي القران عن ملك سائقه) بشرائه وإعداده وسوقه
لأجل ذلك قبل عقد الاحرام به، بل في المسالك الاجماع عليه، مضافا إلى الأصل
وخبر الحلبي (3) الآتي وغيره (و) حينئذ ف‍ (له ابداله) وركوبه ونتاجه
(والتصرف فيه) بالمتلف وغيره، لقاعدة تسلط الناس على أموالهم (وإن
أشعره أو قلده) مع ذلك بدون عقد نية الاحرام (و) لا تأكيدها به
(لكن) كان ذلك من قبل الاحرام اعدادا له وعزما أنه يهديه لحجه أو عمرته
نعم (متى ساقه) بمعنى أنه أشعره أو قلده عاقدا به الاحرام أو مؤكدا به

(1) روي حديث " الميسور لا يسقط بالمعسور " و " ما لا يدرك كله
لا يترك كله " في غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(2) تفسير الصافي سورة المائدة الآية 101 وسنن البيهقي ج 4 ص 326
192

التلبية العاقدة (فلا بد من نحره) أو ذبحه، ولا يجوز له ابداله ولا التصرف
فيه بما يمنع من نحره، لتعينه حينئذ كذلك كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه
خلافا لقوله تعالى (1): " لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا
القلائد " ولتظافر الأخبار بأن السياق يمنع من العدول إلى التمتع، وخبر الحلبي
أو صحيحه (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل
أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه قال: إن
لم يكن أشعرها فهي ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها، وإن كان أشعرها نحرها "
والمناقشة بأن أقصى ما يدل عليه وجوب نحر الهدي الذي ضل بعد الاشعار ثم
وجد في منى، لا وجوب النحر بالاشعار مطلقا كما ترى لا تستأهل أن يستطر،
ضرورة ظهوره أو صراحته في أن المدار على الاشعار وعدمه، نعم لا دلالة فيه
على اعتبار العقد بالاشعار أو التأكيد، بل مقتضاه كالآية الاكتفاء بحصوله
بقصد الهدي، فإن لم يكن إجماع لم يبعد القول به، اللهم إلا أن يقال إن المراد
بهدي القران هو ما يقترن به نية الاحرام سواء عقده به أو بالتلبية وأكده به،
وفيه منع، ولكن مع ذلك هو باق على ملكه وإن وجب عليه نحره للأصل
وغيره، فله ركوبه وشرب لبنه وغير ذلك مما لا ينافي وجوب نحره المدلول عليه
بما عرفت، كما تسمع ما يدل عليه من النصوص (3) بل الظاهر أن نتاجه له أيضا
وإن قلنا بوجوب نحره عليه معه للدليل كما ستعرف.
وكيف كان فعبارة المصنف هنا لا تخلو من تنافر كما اعترف به الكركي

(1) سورة المائدة الآية 2
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 1
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح
193

وثاني الشهيدين وإن تبعه عليها الفاضل في القواعد، بل في المسالك في أكثر كتبه
وإن كنا لم نتحققه، وذلك لأن وجوب النحر الذي ذكره أخيرا ينافي جواز
التصرف فيه والابدال الذي ذكره أولا، وما في المدارك من دفعه بأنه إنما
يتجه لو اتحد متعلق الحكمين، والعبارة كالصريحة بخلافه، فإن موضع جواز
التصرف فيه ما بعد الاشعار وقبل السياق، وموضع الوجوب المقتضي لعدم
جواز التصرف ما بعد السياق يدفعه ما في حاشية الكركي من أنه لا يراد
بالسياق أمر زايد على الاشعار أو التقليد، فإن السياق بمجرده لا يوجب ذلك
اتفاقا، ومقتضى النص وكلام الأصحاب عدم الاحتياج إلى ضمه إلى الاشعار
والتقليد في ذلك، فالتنافر حينئذ بحاله، ولعله لذا خلت عن ذلك عبارة الأولين على
ما في المسالك، ودفعه فيها بتنزيل الأول على إرادة عدم خروجه عن ملكه
بمجرد الاعداد للسوق والشراء لذلك ونحوه وإن نودي عليه كونه هدي سياق،
وتسميته حينئذ سائقا مجاز باعتبار ما يؤول إليه أو حقيقة لغوية، وحينئذ فله
إبداله والتصرف فيه، وقوله: " وإن أشعره أو قلده " وصلى لقوله " لا يخرج
عن ملكه " لا لقوله: " وله إبداله " إلى آخره، بل هو معترض بينهما، والتقدير
أنه لا يخرج عن ملكه وإن أشعره أو قلده وتعين ذبحه، والموجب لتعبيره كذلك
محاولة الجمع بين الحكمين المختلفين أعني جواز التصرف فيه قبل الاشعار وعدم
الخروج عن ملكه بعده، فاتفق تعقيد العبارة، ولو قدم قوله: " وإن
أشعره " على قوله " وله إبداله " لصح من هذه الجهة، ولكن لا يتم بعده
قوله " وله إبداله " لايهامه حينئذ أن له ذلك بعد الاشعار، بخلاف ما لو قدم
جواز الابدال، وغاية الأمر أن يتساويا في الاجمال، وقوله " لكن متى ساقه "
أي عينه للسياق بالاشعار أو التقليد المذكورين " فلا بد من نحره " أي تعين
لذلك وإن لم يخرج عن ملكه، والعبارة في قوة قوله: ولكن متى فعل ذلك
194

أي بأن أشعره أو قلده تعين نحره ولم يجز له ابداله ولا التصرف فيه، وهو يزيل
احتمال كون قوله " وإن أشعره " وصليا لجواز إبداله حذرا من التدافع، إذ
لا معنى لسياقه شرعا إلا عقد الاحرام به بالاشعار أو التقليد، وهذا أجود ما تنزل
عليه العبارة على ما فيها من التعقيد، قلت: هو كذلك، ضرورة عدم القرينة
على ما ذكره، كما هو واضح.
ونزلها الكركي في حاشيته على ما أشرنا إليه في مزج العبارة من كون
المراد بقوله " وإن أشعره " إلى آخره الاشعار على غير الوجه المعتبر، وهو
الذي يعقد به الاحرام، فإنه الذي يتعين به عليه ذبحه ولا يجوز إبداله، ولكن
متى ساقه أي أشعره أو قلده عاقدا به الاحرام وجب عليه ذلك، ولا ريب في
كونه مصححا للعبارة وإن كان هو خلاف الظاهر، وفي كشف اللثام هو الوجه
عندي لأنه في التحرير مع حكمه بما في الكتاب قال: تعين الهدي يحصل بقوله
هذا أو باشعاره أو تقليده مع نية الهدي، ولا يحصل بالشراء مع النية، ولا
بالنية المجردة، وقال: لو ضلا فاشترى مكانه غيره ثم وجد الأول فصاحبه بالخيار
إن شاء ذبح الأول، وإن شاء ذبح الأخير، فإن ذبح الأول جاز له بيع الأخير
وإن ذبح الأخير ذبح الأول إن كان قد أشعره، وإلا جاز له بيعه، ونحوه في
المنتهى والتذكرة، وحكى في المسالك عن بعض الفضلاء تنزيلا غريبا حاصله
الالتزام بأنه لا يتعين للذبح أو النحر بالسياق، وهو الاشعار أو التقليد
العاقد للاحرام، ولكن يجب إما ذبحه أو ذبح بدل منه، وهذا معنى قول
المصنف وسائر الأصحاب أنه لا (1) يتعين به ذبحه أو نحره، وفيه أنه مع بعده

(1) شطب على لفظة " لا " في النسخة الأصلية المبيضة ولكنها موجودة
في النسخة الأصلية المسودة وهو الصحيح كما يظهر بأدنى تأمل.
195

لا دليل على حكمه، بل ظاهر الأدلة من النص والفتوى بخلافه، ضرورة كونها
كالصريح في تعيين ذبح خصوص المساق لا بدله كما هو واضح، وعلى كل حال
فإن أراد المصنف ومن تبعه ما ذكرناه وإن قصرت عبارته فذاك، وإلا كان
محجوجا بما عرفت.
هذا كله إذا لم يعينه بالنذر، وإلا تعين وإن لم يشعره أو يقلده، ولم يجز
له إبداله قطعا كما صرح به في المسالك وغيرها، وهو كذلك مع فرض تعلق
النذر بعينه، ولو تلفت بغير تفريط لم يجب عليه عوضه بخلاف ما إذا تعلق
بكلي ثم عينه في فرد، فإن الظاهر وجوب عوضه من غير فرق بين أن يقتصر على
نية أن هذا ما وجب عليه وبين أن يقول مع ذلك إن هذا ما علي من النذر،
إذ لا دليل على برائته إلا بالذبح في المنحر، فالأصل حينئذ بحاله، وبه صرح
الفاضل في المنتهى إلا أنه فرق بين القول وغيره بتعين الواجب عليه في الأول وإن
لم تبرء ذمته بذلك، وعدمه في الثاني الذي له التصرف فيه بابدال وغيره، بخلاف
الأول الذي يصير بقوله كالعين المرهونة في الدين، إلا أنه كما ترى لا دليل على
ذلك في المقام، بل في كل واجب مطلق كدم المتعة وجزاء الصيد، فإنه مع
تعيينه له في فرد لا يتعين، سواء قرنه مع ذلك بالقول أو لا، كما أن ما في المنتهى
من الخروج عن الملك في نذر العين بعينها لا يخلو من نظر كما أوضحناه في
كتاب النذور.
وكيف كان فلا خلاف في وجوب نحر هدي القران أو ذبحه (بمنى إن
كان) قد ساقه (لاحرام الحج، وإن كان للعمرة فبفناء الكعبة) بل في
المدارك الاجماع عليه، مضافا إلى التأسي وقول الصادق عليه السلام في خبر عبد الأعلى (1)

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 6
196

" لا هدي إلا من الإبل، ولا ذبح إلا بمنى " وفي موثق العقرقوفي (1) " سأله
عليه السلام سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة " والمراد بفناء الكعبة سعة
أمامها وقيل ما امتد من جوانبها دورا وهو حريمها خارج المملوك عنها.
وعلى كل حال فأفضل مواضع الذبح فيها عند الأصحاب على ما في المدارك
أن يكون (بالحزورة) بالحاء المهملة التي هي على وزن قسورة تل خارج المسجد
بين الصفا والمروة، وربما قيل الحزورة بفتح الزاء وتشديد الواو، وفي الصحيح (2)
" من ساق هديا وهو معتمر نحر هديه في المنحر، وهو بين الصفا والمروة، وهي
الحزورة " وظاهره الوجوب، بل ربما حكي عن ظاهر بعض، ولكن ما سمعت
من المدارك مؤيدا بتصريح غير واحد من الأصحاب يقتضي إرادة الندب منه،
وإن كان الجمع بالاطلاق والتقييد أولى لولا ذلك، كما أن التسامح يقتضي استحباب
فناء الكعبة من مكة أيضا، وإن أطلق في الموثق المزبور، والله العالم.
(ولو هلك) هدي القران بدون تفريط وكان قد ساقه تطوعا (لم يجب
إقامة بدله) بلا خلاف أجده فيه مما عدا الحلبي، بل ولا اشكال (لأنه ليس
بمضمون) للأصل والمعتبرة المستفيضة، منها صحيحة ابن مسلم (3) سأل أحدهما
(عليهما السلام) " عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب فقال: إن كان
تطوعا فليس عليه غيره، وإن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله " وصحيح معاوية
ابن عمار (4) سأل أبا عبد الله عليه السلام " عن الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ المنحر
أيجزي عن صاحبه؟ فقال: إن كان تطوعا فلينحره وليأكل منه وقد أجزأ عنه
بلغ المنحر أو لم يبلغ، فليس عليه فداء، وإن كان مضمونا فليس عليه أن

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 3 - 4
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 3 - 4
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1 - 3
197

يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ، وعليه مكانه " فما عن الحلبي من وجوب
البدل مع التمكن لظاهر بعض النصوص التي تأتي إن شاء الله المحمول على ذلك
واضح الضعف.
(ولو كان) أي هدي القران (مضمونا) بأن كان واجبا أصالة
لا بالسياق وجوبا مطلقا لا مخصوصا بفرد (كالكفارات) والمنذور مطلقا
(وجب إقامة بدله) كما صرح به غير واحد: لأن وجوبه غير مختص بفرد،
فلا تبرء الذمة إلا بالذبح في المحل وصرفه فيما يصرف فيه، ولما سمعته من النصوص
التي منها ومن عبارة المصنف بل في المدارك وغيره من الأصحاب يستفاد
تأدي وظيفة السياق بالمستحق كالكفارة والنذر، ولا بأس به بعد ظهور النص
والفتوى، بل قيل إن عبارات الأصحاب كالصريحة في ذلك، بل هو صريح
الشهيد في الدروس، قال: " ولو كان ساق مضمونا كالكفارة ضمنه، ويتأدى
السياق المستحب بها وبالمنذور " ونحوه عن العلامة في التذكرة.
وعلى كل حال فلا ينافي الحكم المذكور مرسل حريز (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام " كل شئ إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره "
وإن كان خاصا إلا أنه قاصر عن المعارضة من وجوه، ولذا حمله غير واحد على
العجز عن البدل أو على إرادة غير الموت من العطب كالكسر ونحوه مما يمنع من
الوصول الذي ستعرف حكمه إن شاء الله أو على المنذور المعين، أو غير ذلك،
وإن كان هو كما ترى، إلا أنه خير من الطرح، ولعل لفظ المضمون في
النصوص (2) كاف في الدلالة على ما ذكره من اختصاص وجوب الابدال بالكلي
في الذمة، ضرورة انسياق ذلك منه لا ما يشمل المنذور بخصوصه، كما هو
واضح، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 6.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 6.
198

(ولو عجز هدي السياق) بعد اشعاره أو تقليده (عن الوصول) إلى المحل
(جاز) بل وجب ولو تخييرا على ما ستعرف إن شاء الله (أن ينحر أو يذبح)
في ذلك المكان ويصرف في مصرفه، وإن لم يمكن لعدم وجود المستحق يذبح
أو ينحر (ويعلم بما يدل على أنه هدي) بكتابة أو بتلطيخ نعلها بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك، للمعتبرة المستفيضة، كصحيح حفص (1) " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق
به عليه ولا يعلم أنه هدي قال: ينحره ويكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به
أنه صدقة " وصحيح الحلبي (2) عنه عليه السلام أيضا " أي رجل ساق بدنة فانكسرت
قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها إن قدر على ذلك ثم
ليلطخ نعلها التي قلدت بها بدم حتى يعلم من مر بها قد ذكيت فيأكل من لحمها
إن أراد، وإن كان الهدي الذي كسر أو هلك مضمونا فإن عليه أن يبتاع مكان
الذي انكسر أو هلك، والمضمون هو الشئ الواجب عليك في نذر أو غيره،
وإن لم يكن مضمونا وإنما هو شئ تطوع به فليس عليه أن يبتاع مكانه إلا أن
يشاء أن يتطوع " وخبر علي بن أبي حمزة (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك قال:
يذكيها إن قدر على ذلك ويلطخ نعلها التي قلدت بها حتى يعلم من مر بها أنها قد
ذكيت، فيأكل من لحمها إن أراد " ومرسل حريز (4) عنه عليه السلام أيضا " كل من ساق
هديا تطوعا فعطب هديه فلا شئ عليه، ينحره ويأخذ تقليد النعل فيغمسها في
الدم فيضرب به صفحة سنامه، ولا بدل عليه، وما كان من جزاء صيد أو نذر

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 3 - 5
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 3 - 5
(4) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 3 - 5
199

فعطب فعل مثل ذلك وعليه البدل " الحديث، وخبر عمر بن حفص الكليني (1)
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من
يتصدق به عليه ولا من يعلمه أنه هدي قال: ينحره ويكتب كتابا ويضعه عليه
ليعلم من مر به أنه صدقة "
ومنها مضافا إلى عمل الأصحاب على وجه لا يظهر فيه خلاف يستفاد
جواز العمل على الأمارة المزبورة في قطع أصالة عدم التذكية، ولا يجب الإقامة
عنده إلى أن يوجد المستحق وإن أمكن، كما أنه يستفاد من صحيح الحلبي (2)
وخبر علي بن أبي حمزة (3) منها وجوب الابدال مع ذلك لو كان مضمونا، وربما
أشكل بأن مقتضى وجوب الابدال باعتبار النذر المطلق أو غير رجوع المبدل إلى
ملك صاحبه يفعل به ما يشاء، لا وجوب النحر والدلالة عليه بأنه هدي كما
سمعت، وبه جزم في الحدائق، وهو كالاجتهاد في مقابلة النص، إذ يمكن
جريان حكم الهدي عليه باشعاره أو تقليده وإن لم يصل إلى المحل ووجب بدله.
(و) لكن قول المصنف والفاضل والشيخ في محكي المبسوط والنهاية أنه
(لو أصابه) أي هدي السياق الذي تعين ذبحه بالاشعار (كسر جاز بيعه
والأفضل أن يتصدق بثمنه أو يقيم بدله) مناف لذلك، ضرورة كون مقتضاه
الرجوع إلى ملكه وإن كان قد تعين ذبحه بالاشعار، ومن هنا أنكر الكركي

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 6 4
والأول عن عمرو بن حفص الكلبي وهو أيضا سهو فإنه لم يذكر اسمه في التراجم
والموجود في التهذيب ج 5 ص 218 الرقم 736 عمر بن حفص الكلبي
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) الفقيه ج 2 ص 298 الرقم 1478
200

جواز البيع إلا أنه وجهه في المسالك بأن الواجب كان ذبحه بمحله، فإذا تعذر سقط،
فيجوز بيعه وتستحب الصدقة بثمنه كما تستحب الصدقة ببعض لحمه، ثم قال: وهذا
الحكم ذكره المصنف والعلامة وجماعة، وينبغي تقييده بما إذا لم يكن مضمونا
كالكفارات والمنذور، فإنه يجب حينئذ إقامة بدله، وهذا النوع يمكن جعله
فردا من أفراد هدي السياق كما مر، فلا بد من استثنائه، إلا أن يحمل على
الغالب الظاهر من كون هدي السياق هو المتبرع به، وقد دل على الحكمين معا
صحيحة محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " سألته عن الهدي الذي
يقلد أو يشعر ثم يعطب قال: إن كان تطوعا فليس عليه غيره، وإن كان
جزاء أو نذرا فعليه بدله " وفي حسنة الحلبي (2) أطلق بيعه والصدقة بثمنه
وإهداء هدي آخر، وحملت على الاستحباب مع أنها مقطوعة، فلا حجة فيها
واستشكل المحقق الشيخ علي في حاشية الكتاب الحكم المذكور بأن هدي السياق
صار متعينا نحره، فكيف يجوز بيعه، وجوابه أنه مع مدافعته النص الصحيح
فلا يسمع أن الواجب إنما هو ذبحه في محله وقد تعذر فيسقط، نعم ربما أشكل
بما تقدم من وجوب ذبحه عند عجزه، وهو قريب من الكسر، بل العجز أعم
منه، لكن النص قد ورد بالفرق، وفيه أولا إنا لم نجد نصا فارقا بين الكسر
وغيره، بل صحيحة الحلبي (3) السابقة مصرحة بالذبح والتعليم على الوجه المذكور
مع الكسر كخبر علي بن أبي حمزة (4) بل عن ظاهر أهل اللغة أنه المراد من
العطب الذي وقع عنوانا في النصوص، قال في القاموس: عطب كفرح هلك

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الذبح الحديث 1
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 4 - 3
(4) الوسائل الباب 31 من أبواب الذبح الحديث 4 - 3
201

والبعير والفرس انكسر، وإن كان الظاهر كونه للأعم من الكسر وغيره، وثانيا
أن الذي عثرنا عليه من نصوص البيع هي صحيحة محمد بن مسلم (1) سأل أحدهما
(عليهما السلام) " عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه صاحبه
ويستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال: يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا آخر "
وحسنة الحلبي (2) " سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أيبيعه
صاحبه ويستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال: يبيعه ويتصدق بثمنه ويهدي هديا
آخر " وموردهما كما ترى في الواجب.
ومن هنا قال في المدارك: " المستفاد من الأخبار أن هدي السياق المتبرع
به متى عجز عن الوصول بكسر أو غيره وجب ذبحه في مكانه على الوجه المتقدم،
وأما البيع والصدقة بالثمن مع إقامة البدل فإنما ورد في الهدي الواجب، فيجب
قصر الحكم عليه إلى أن يثبت الجواز في غيره، ومع ذلك فالأظهر كراهة بيعه
للنهي عنه في صحيح ابن مسلم (1) " قلت: وبذلك يظهر لك الاشكال فيما
ذكره المصنف والفاضل وغيرهما من الفرق بين العجز عن الوصول وبين خصوص
الكسر، بل والاشكال في الحكم باستحباب الصدقة مع ظهور الأمر في الوجوب
ولا صارف ودعوى كون صحيحة الحلبي مقطوعة لا حجة فيها يدفعها بعد التسليم
اعتضادها بالصحيح الآخر، بل ربما يؤيد وجوبها كونها قائمة مقام الصدقة بلحمه،
نعم لا وجه للاشكال في أصل البيع بما سمعته من الكركي في مقابلة النص المعتبر،
مع أنه باق على ملكه وإن وجب نحره أو ذبحه بالاشعار على ما عرفت، كما أنه

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب الذبح الحديث 2 - 1 - 2 وفي الأول " قال: لا يبيعه فإن باعه فليتصدق بثمنه " كما في التهذيب ج 5 ص 217 الرقم 731 وقد أشار (قدس سره) إلى هذا النهي فيما يأتي قريبا
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
202

يمكن تعدية الحكم بالبيع إلى غير الواجب من سياق الهدي بالفحوى، بل قد
يقال إن المراد الواجب نحره بالاشعار، فيشمل المتبرع به حينئذ، ولعله لذا
لم يفرق من تعرض للحكم بين افراد هدي السياق، نعم في كشف اللثام تفسير
هدي السياق الذي جعل عنوانا للمسألتين أي الذبح عند العجز والبيع والصدقة
بالثمن عند الكسر بما وجب إهداؤه بالسياق انضم إليه نذر معين أو لا، بل قال
في الأول: وكذا ما وجب عينه أصالة بالنذر ونحوه معللا لجواز بيعه بخروجه
بذلك عن صفة الهدي مع بقائه على الملك وصحيح حماد (1) السابق، لكن
اعترف بعد ذلك بأن الصحيح المزبور ظاهر في الواجب مطلقا لا بالسياق، بل في
نذر أو كفارة، قال: ووجوب بدله ظاهر، وعليه حمل في التذكرة والمنتهى
ولكن فيه ما عرفته سابقا من أنه لا دليل حينئذ على البيع مع الكسر واستحباب
الصدقة بالثمن في محل البحث بعد فرض ظهور الصحيح المزبور فيما ذكره، مضافا
إلى عدم قرينة على تخصيص هدي السياق هنا بما ذكره، بل لعل ظاهر النص
والفتوى خلافه، فالأولى التعميم لجميع أفراد هدي السياق في الحكمين معا وإن
وجب الابدال في المضمون كما دلت عليه النصوص السابقة.
ودعوى أنه يقتضي إعادة المبدل عنه إلى الملك ولذا جاز البيع واضحة
المنع كما عرفته، بل يمكن كون البيع مع الصدقة بثمنه لكونه أعود للفقراء،
خصوصا إذا كان في مكان لا مستحق فيه، وذبحه في المكان وتركه تغرير
باتلافه وأكل الحيوانات له، ومن ذلك يظهر لك وجوب الصدقة بالثمن كما هو
مقتضى النص باعتبار كونه عوضا عما هو للفقير.
فالتحقيق الموافق للنصوص إن لم يكن إجماع على خلافه هو التخيير في

(1) وهو صحيح حماد عن الحلبي المتقدم في ص 199
203

العاجز والمكسور ونحوهما بين ذبحه والدلالة عليه وبين بيعه والصدقة بثمنه،
ولكن مع ذلك يجب في المضمون البدل، ومنه يعلم الاشكال فيما في المتن
والقواعد وغيرهما من الفرق بين الكسر وغيره بما سمعت، ومن استحباب
الصدقة بالثمن وغير ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، وإن
استدل للأخير بأصل البراءة المقطوع بما عرفت، والعسر والحرج الواضح منعهما
وفي القواعد استحباب الصدقة بالثمن أو شراء بدله به نحو بعض نسخ المتن ولم
نجد ما يشهد له إلا دعوى احتمال إرادة معنى " أو " من الواو في الصحيح
بلا قرينة، والله العالم.
(ولا يتعين هدي السياق) في حج أو عمرة (للصدقة إلا بالنذر)
وشبهه بل سيأتي استحباب تثليثه بالأكل والصدقة والهدية، بل استقرب الشهيد
في الدروس مساواته لهدي التمتع في وجوب الأكل منه والاطعام، ولا بأس به
كما في المدارك، لاطلاق قوله تعالى (1): " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر "
المتناول لهدي التمتع وغيره، وربما احتمل في نحو عبارة المتن إرادة أن الهدي
الذي يريد سوقه لا يتعين هديا قبل السوق والاشعار إلا إذا نذره بعينه.
لكنه كما ترى، وكذا احتمال إرادة أنه لا يتعين هديا بالاشعار لجواز الابدال
بناء على بعض الأقوال السابقة، وربما أيد في المختلف من أنه إن ضل فاشترى
بدله فذبحه ثم وجد ما ساقه لم يجب ذبحه وإن أشعره أو قلده، لأنه امتثل
وخرج عن العهدة، لكن قد عرفت ما في ذلك كله وأنه بالاشعار أو التقليد
يتعين ذبحه كما تقدم الكلام فيه، نعم ظاهر العبارة ونحوها أنه لا يجب في هدي
السياق إلا الذبح والنحر، وأنه لا يجب الأكل والاطعام لا هدية ولا صدقة،

(1) سورة الحج الآية 37
204

ولكنه مناف لظاهر الكتاب كما سيأتي إن شاء الله.
(ولو سرق) هدي السياق (من غير تفريط لم يضمن) وإن كان قد
عينه بالنذر مثلا للأصل وما عرفته من عدم وجوب هدي السياق في الذمة وإن
تعين الذبح بالاشعار، ولصحيح معاوية (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها قال: لا بأس، وإن أبدلها فهو
أفضل، وإن لم يشتر فليس عليه شئ " بناء على إرادة ما يعم الهدي من الأضحية
أو على عدم الفرق بينهما في ذلك، وحينئذ يتجه الاستدلال بقول الكاظم عليه السلام
في خبر علي (2): " إذا اشتريت أضحيتك أو قمطتها وصارت في رحلك فقد
بلغ الهدي محله " ومرسل إبراهيم بن عبد الله (3) عن رجل قال: " اشترى لي
أبي شاة بمنى فسرقت فقال لي أبي ائت أبا عبد الله عليه السلام فاسأله عن ذلك فأتيته
فأخبرته فقال لي ما ضحي بمنى شاة أفضل من شاتك " نعم يضمن إن نذر مطلقا
ثم عين فيه المنذور كما سمعت، وكذا الكفارات بل وهدي المتعة على ما عن ظاهر
السرائر لوجوب الجميع في الذمة، بل في المدارك أنه قد قطع العلامة في المنتهى بأنه
بعطبه أو سرقته يرجع الواجب إلى الذمة كالدين إذا رهن عليه رهن، فإن الحق
متعلق بالذمة والرهن فمتى تلف الرهن استوفي من المدين، وقال: إنه لا يعلم في
ذلك خلافا، لكن في كشف اللثام عن التهذيب والنهاية والمبسوط والجامع
والتذكرة والمنتهى والتحرير عدم الضمان أيضا لمرسل أحمد بن محمد بن عيسى (4)

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبح الحديث 4 - 3 - 2 والثالث عن أحمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام والظاهر أنه ليس بمرسل
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
205

عن الصادق عليه السلام " في رجل اشترى شاة لمتعة فسرقت منه أو هلكت فقال:
إن كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه " المختص بالمتعة، والخبرين
السابقين المحتمل أخيرهما كما في كشف اللثام كونه في المندوب، ووصف شاته
بالفضل والأخبار بأنه ضحي عنه وله بذلك أجر التضحية، وأولهما أن له حينئذ
الحلق، على أن الجميع ضعيف، ولا جابر كي يخرج به عما تقتضيه القواعد
والنصوص السابقة، ويمكن تنزيل المتن وما شابهه على غير ذلك.
هذا كله مع عدم التفريط، أما معه فظاهر بعض وصريح آخر الضمان
مطلقا لتعين ذبحه، لكن أشكله الكركي بأنه مناف لما سبق من عدم تعين هدي
السياق للصدقة إلا بالنذر، فإن مقتضاه جواز التصرف فيه كيف شاء، فلا وجه
لضمانه مع التفريط، ولو حمل أي ما في المتن ونحوه على المضمون في الذمة لاتجه
الضمان حينئذ مع التفريط وعدمه، وفيه عدم توقف الضمان على تعين الصدقة،
بل يكفي فيه وجوب نحره أو ذبحه بمنى، فإذا فرط فيه قبل فعل الواجب ضمنه
على معنى وجوب ذبح البدل وإن لم تجب الصدقة كما هو واضح، والله العالم.
(ولو ضل فذبحه الواجد) في محله (عن صاحبه أجزأ عنه) كما
صرح به الشيخ وغيره، لصحيح منصور بن حازم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال: إن كان نحره بمنى
فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن
صاحبه " الذي مقتضاه كالفتاوى عدم الفرق بين المتبرع به وبين الواجب بنذر
أو كفارة، فتوقف الكركي في الواجب في غير محله، خصوصا مع موافقته على
الاجزاء في هدي التمتع الذي هو مقتضى الصحيح المزبور، بل والفتاوى عدا

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 2
206

محكي التلخيص كالكفارة والنذر، وكذا لا يشترط معرفة صاحبه بعينه، ولا أن يكون الضلال عن تفريط (1) لاطلاق الخبر والفتاوى، بل صحيح ابن مسلم (2)
عن أحدهما (عليهما السلام) " إن من وجد هديا ضالا فليعرفه ثم ليذبحه عن
صاحبه " كالصريح في عدم اعتبار المعرفة، نعم لو ذبحه عن نفسه أولا عن أحد
لم يجز عن أحد كما تقدم الكلام فيه سابقا.
(ولو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه ولم يجب ذبح الأخير) إن
لم يكن قد أشعره، لعدم تعينه له حينئذ بالإقامة (ولو) كان قد (ذبح
الأخير) الذي هو البدل (ذبح الأول ندبا) كما في محكي المختلف، لأنه امتثل
فخرج عن العهدة (إلا أن يكون منذورا) بعينه، وفيه أن المتجه حينئذ
وجوب ذبحه مع الاشعار الذي قد عرفت سابقا إيجابه الذبح، ولذا قال في
كشف اللثام: نص في التذكرة والتحرير والمنتهى على وجوبه مع الاشعار وفاقا
لغيره، بل هو مقتضى الأمر في صحيح الحلبي (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي
منى فينحر فيجد هديه، قال: إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها
وإن شاء باعها، وإن كان أشعرها نحرها " ودعوى إرادة الندب منه لا شاهد
لها حتى خبر أبي بصير (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى كبشا
فهلك منه قال: يشتري مكانه آخر، قلت: فإن اشترى مكانه آخر ثم وجد

(1) هكذا في النسخة الأصلية ولكن التحقيق أن تكون العبارة هكذا
" ولا أن لا يكون الضلال عن تفريط ".
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الذبح الحديث 1
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
207

الأول قال: إن كان جميعا قائمين فليذبح الأول وليبع الأخير، وإن شاء ذبحه
وإن كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه " بعد ضعف سنده بمحمد بن سنان كما
في المدارك، وعدم تعرضه لهدي السياق، بل لعل الظاهر أن المسؤول عنه فيه
هدي التمتع على أنه أمر فيه أيضا بذبح الأول مع ذبح الأخير، فمن الغريب ما في
المسالك من دعوى كون مستند المصنف والجماعة صحيح أبي بصير مشيرا به إلى
الخبر المزبور، كما أن من الغريب الاستدلال له في المدارك بالصحيح الأول مع
عدم ذكر خلاف في المسألة، بل حكاه عن المصنف والعلامة في جملة من كتبه
مع أنك قد سمعت ما عن المنتهى والتذكرة والتحرير وغيرها.
ثم إن فيهما معا إشكال المتن وغيره بظهوره في وجوب إقامة البدل في هدي
السياق المتبرع به، ووجوب ذبحه إذا لم يجد الأول، وهو مناف لما تقدم من
عدم وجوب إقامة البدل لو هلك، ثم أجاب عنه في المسالك إما بالتزام وجوب
البدل مع الضياع وسقوطه مع السرقة والهلاك، ولا بعد في ذلك بعد ورود النص
وإما بتخصيص الضياع بما وقع منه بتفريط، وفيه أولا أنه لا ظهور في المتن في
ذلك ضرورة أعمية إقامة البدل المذكورة في المتن من الوجوب، لصدقها مع
الجواز، كما أن وجوب الذبح بعد الاشعار لا يقتضي ذلك أيضا، وثانيا أنه
لا نص يقتضي الفرق بين الضياع وبين الهلاك والسرقة، إذ لم نعثر كما اعترف
به غيرنا أيضا إلا على الخبرين المزبورين الواضح عدم دلالتهما على ذلك، ثم قال
في المدارك: إنه يمكن حمل عبارة المصنف على الهدي الواجب ليتم وجوب
إقامة بدله، ويكون المراد أنه لو وجد الأول بعد ذبح الأخير لم يجب ذبحه،
لقيام البدل مقامه إلا إذا كان منذورا على التعيين، فيجب ذبحه حينئذ
بعد ذبح الأخير لتعينه بالنذر لذلك، وفيه مع عدم قرينة على التنزيل المزبور بل
208

الظاهر خلافه منع عدم وجوب ذبحه وإن كان قد ذبح الأخير مع فرض اشعاره
أو تقليده كما عرفته سابقا، فالتحقيق عدم وجوب الابدال في المتبرع به وإن
كان قد أشعره، كما أنه يجب عليه ذبحه مع ذبح الأخير وعدمه إذا كان قد
أشعره، نعم لا يجب عليه ذبح ما لم يشعر منهما، والله العالم.
(ويجوز ركوب الهدي) المتبرع به (ما لم يضر به، وشرب لبنه ما لم
يضر بولده) بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك هو موضع وفاق، وعن
غيرها الاجماع مطلقا إلا من الإسكافي في الواجب، بل ولا اشكال بناء على
ما عرفته سابقا من عدم خروجه عن ملكه بالاشعار والتقليد وإن تعين للذبح،
مضافا إلى كونه المتيقن من نصوص المقام، كقول الصادق عليه السلام في خبر أبي الصباح
الكناني (1) وأبي بصير (2) في قوله تعالى (3) " لكم فيها منافع إلى أجل
مسمى " " إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير أن يعنف بها، وإن كان لها لبن
حلبها حلبا لا ينهكها " وفي صحيح سليمان بن خالد (4) " إن نتجت بدنتك
فاحلبها ما لم يضر بولدها، ثم انحرهما جميعا، قلت: أشرب من لبنها وأسقي
قال: نعم، وقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام إذا رأى أناسا يمشون قد جهدهم
المشي حملهم على بدنه، وقال: إن ضلت راحلة الرجل أو هلكت ومعه هدي
فليركب على هديه " وفي صحيح حريز (5) " كان علي عليه السلام إذا ساق البدن
ومر على المشاة حملهم على بدنه، وإن ضلت راحلة رجل ومعه بدنة ركبها غير
مضر ولا مثقل " وفي صحيح منصور (6) " كان علي عليه السلام يحلب البدن ويحمل

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 5
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 5
(3) سورة الحج الآية 34
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 6 - 2 - 4
(5) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 6 - 2 - 4
(6) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 6 - 2 - 4
209

عليها غير مضر " وسأله عليه السلام يعقوب بن شعيب (1) في الصحيح " عن رجل يركب
هديه إن احتاج إليه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يركبها غير مجهد ولا متعب "
كما أن ابن مسلم (2) سأل أبا جعفر عليه السلام في الصحيح " عن البدنة تنتج أيحلبها
قال: احلبها غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا، قلت: يشرب من لبنها قال:
نعم ويسقي إن شاء " بل لعل إطلاقها شامل للهدي الواجب مطلقا سواء كان
مضمونا أو غير مضمون كما هو المشهور خلافا للمحكي عن أبي علي، قال: " لا
بأس بأن يشرب من لبن هديه، ولا يختار ذلك في المضمون، فإن فعل غرم
قيمة ما شرب من لبنها لمساكين الحرم " مع أنه غير صريح في المخالفة لكنه
نفى عنه البأس في المختلف، بل في المسالك بعد أن حمل عبارة المتن على المتبرع به قال
" ولو كان الهدي مضمونا كالكفارات والنذور لم يجز تناول شئ منه ولا
الانتفاع به مطلقا، فإن فعل ضمن قيمته أو مثله للمستحق أصله، وهو مساكين
الحرم " وفي الحدائق التفصيل بما سمعته سابقا من الفاضل، وعن المنتهى الاجماع
على الاستثناء، فإن تم وإلا كان الجميع كما ترى اجتهادا في مقابلة اطلاق
النصوص بل وفتاوى كثير كما اعترف به في الرياض المتناول لجميع الأفراد حتى
الواجب المعين بالنذر ونحوه وإن قلنا بخروجه عن الملك بذلك، إذ الإباحة الشرعية
الثابتة من الاطلاق المزبور لا تنافي ذلك، ودعوى كون المراد من الاطلاق
المزبور غير المضمون لا دليل عليها، نعم في خبر السكوني (3) عن جعفر بن
محمد (عليهما السلام) " أنه سئل ما بال البدنة تقلد النعل وتشعر؟ فقال: أما
النعل فيعرف أنها بدنة، ويعرفها صاحبها بنعله، وأما الاشعار فيحرم ظهرها

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 3 - 7 - 8
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 3 - 7 - 8
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الذبح الحديث 3 - 7 - 8
210

على صاحبها من حيث أشعرها، فلا يستطيع الشيطان أن يتسنمها " لكن
لقصوره عن المعارضة من وجوه ينبغي حمله على الكراهة، أو على صورة الاضرار
على أنه بالنسبة إلى الركوب خاصة، وحينئذ فالاطلاق بحاله في الشمول المزبور،
كما أن الأمر بذبح ولدها معها شامل لما إذا كان موجودا حال السياق وسيق معها
أو متجددا بعد، من غير فرق بين قصده مع الأم في السوق وعدمه، ومن هنا
أطلق في محكي النهاية والمبسوط والتهذيب والسرائر والجامع أن الهدي إذا
نتجت فالولد هدي.
نعم لو كان متولدا حال السوق ولم يقصد سوقه لم يجب ذبحه للأصل بعد
ظهور النصوص في غيره، فلو أضر به شرب اللبن حينئذ فلا ضمان، لكونه ماله
وأما الصوف والشعر ففي المدارك بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب أنه إن كان
موجودا عند التعيين تبعه ولم يجز إزالته إلا أن يضر به فيزيله ويتصدق به على
الفقراء، وليس له التصرف فيه، ولو تجدد بعد التعيين كان كاللبن والولد،
وفيه أن المتجه مع عدم النص فيه بالخصوص مراعاة القواعد في المتجدد بالنسبة
إلى بقاء الهدي على ملك صاحبه وعدمه كالهدي المتبرع به وغيره مما كان معينا
بنذر ونحوه وقلنا بخروجه عن الملك، فيحكم في الأول بجواز التصرف فيه بما
شاء بخلاف الثاني، على أن قوله كاللبن والولد غير واضح الوجه بعد ما عرفت من
جواز شرب اللبن وسقيه ووجوب ذبح الولد.
ثم إن ظاهر قول المصنف ما لم يضر بها أو بولدها عدم الجواز مع ذلك،
لظاهر النصوص، بل صرح غير واحد بالضمان أيضا وإن كان لا يخلو من نظر
كما أن ما عن الدروس من أن الأفضل الصدقة باللبن إذا فضل عن الولد كذلك
أيضا، لعدم الدليل، وإن كان الأمر سهلا بعد ملاحظة التسامح، والله العالم.
(وكل هدي واجب) بغير الاشعار والتقليد نحو هدي القران بل كان
211

(ك‍) هدي (الكفارات) والفداء والنذر ونحو ذلك غير هدي التمتع (لا يجوز
أن يعطى الجزار منها شيئا) عوضا عن ذبحه (ولا أخذ شئ من جلودها ولا
أكل شئ منها، فإن أكل تصدق بثمن ما أكل) وفاقا للمشهور، بل في محكي
المنتهى والتذكرة لا يجوز الأكل من كل واجب غير هدي التمتع، ذهب إليه
علماؤنا أجمع، مضافا إلى تعلق حق الفقراء سيما في نحو النذر، وإلى صحيح
الحلبي (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه قال:
بأكل من أضحيته ويتصدق بالفداء " وصحيح معاوية (2) عن الصادق عليه السلام
" سألته عن الإهاب فقال: تصدق به أو تجعله مصلى تنتفع به في البيت ولا
تعطي الجزارين، وقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعطى جلالها وجلودها
وقلائدها الجزارين، وأمر أن يتصدق بها " وحسن حفص بن البختري (3)
" نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعطى الجزار من جلود الهدي وجلالها شيئا "
وخبر البصري (4) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن الهدي ما يؤكل منه قال: كل
هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه، وكل هدي من تمام الحج فكل " ومضمر
أبي بصير (5) سأله عليه السلام " عن رجل أهدى هديا فانكسر قال: إن كان مضمونا
والمضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء فعليه فداؤه، قلت: أيأكل
منه؟ قال: لا إنما هو للمساكين، فإن لم يكن مضمونا فليس عليه شئ، قلت
أيأكل منه قال: يأكل منه " وخبر أبي البختري (6) المروي عن قرب الإسناد عن
جعفر عن أبيه عليه السلام " إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: لا يأكل المحرم

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 15 - 4 - 16 - 27
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 1
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 1
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 15 - 4 - 16 - 27
(5) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 15 - 4 - 16 - 27
(6) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 15 - 4 - 16 - 27
212

من الفدية ولا الكفارات ولا جزاء الصيد. ويأكل مما سوى ذلك " وخبر
السكوني (1) عن أبي جعفر عليه السلام " إذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شئ
عليه، وإن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل " وفي الفقيه في رواية حماد عن
حريز (2) " إن الهدي المضمون لا يؤكل منه إذا عطب، فإن أكل منه غرم ".
لكن في الكافي (3) روى أيضا " أنه يأكل منه مضمونا كان أو غير مضمون "
بل في خبر عبد الملك القمي (4) عن الصادق عليه السلام " يؤكل من كل هدي نذرا كان
أو جزاء " وفي خبر جعفر بن بشير (5) عنه عليه السلام أيضا سأله " عن البدنة التي تكون
جزاء الايمان والنساء ولغيره يؤكل منها قال: نعم يؤكل من كل البدن " وخبره
الآخر (6) عنه عليه السلام أيضا " يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون
وفي خبر عمر بن يزيد (7) عنه عليه السلام أيضا قال: " قال الله في كتابه (8): " فمن
كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " فمن
عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام
ثلاثة أيام والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام، والنسك شاة يذبحها
فيأكل ويطعم، وإنما عليه واحد من ذلك " وفي الفقيه (9) عنهم (عليهم السلام)

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 5 - 26 - 10 - 7
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 5 - 26 - 10 - 7
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 5 - 26 - 10 - 7
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 5 - 26 - 10 - 7
(5) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 5 - 26 - 10 - 7
(6) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 6 عن عبد الله
ابن يحيى الكاهلي
(7) الوسائل الباب 14 من أبواب بقية كفارات الاحرام الحديث 2
(8) سورة البقرة الآية 192
(9) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 7
213

" إنما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها، لأن الله عز وجل
قال: فكلوا منها وأطعموا " والجلد لا يؤكل ولا يطعم " وفي خبر صفوان بن
يحيى (1) المروي عن العلل " أنه سأل الكاظم عليه السلام الرجل يعطي الأضحية من
يسلخها بجلدها قال: لا بأس به، قال الله عز وجل: " فكلوا منها وأطعموا "
والجلد لا يؤكل ولا يطعم " ولعله لذلك مع الأصل كان المحكي عن ابن إدريس
كراهة اعطاء الجزار الجلد جمعا بين ذلك وبين النهي السابق، وإن نوقش بان
ظاهر الأضحية المستحب، لكن يدفعه ظهور الاستدلال في العموم إن لم يكن
صراحته فيه.
نعم هو قاصر عن المعارضة بالشهرة العظيمة وغيرها، فلذا كان العمل على
المشهور، كما أن ما عن النهاية من أنه يستحب أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي
والأضاحي بل يتصدق بها كلها، ولا يجوز أيضا أن يعطيه الجزار فإن أراد أن
يخرج منها شيئا لحاجته إلى ذلك تصدق بثمنه، ونحوه عن المبسوط كذلك
أيضا، وإن قيل إنما حرم الثاني دون الأول للنهي عنه من غير معارض بخلاف
الأول، فإنك قد سمعت ما في صحيح معاوية (2) عن الصادق عليه السلام ولكن فيه
مع أن المعارض لكل منهما حاصل كما عرفت عدم المكافأة، فالأولى اجتنابه أجمع
وخصوصا بالنسبة إلى الأكل الذي قد عرفت حكاية الاجماع عليه، وإن سمعت
ما في النصوص السابقة المحتمل لحال الضرورة مع غرامة القيمة كما عن الشيخ، بل قيل
إنه غير نص في أكل المالك وإن كان هو بعيدا، فتخص الآية حينئذ بغير ذلك.
هذا كله في إعطاء الجزار الإهاب والقلائد والجلال واللحم على وجه
الأجرة، أما إذا كان على وجه الصدقة مع كونه من أهلها فلا بأس كما صرح

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 8 - 5
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 8 - 5
214

(به في المدارك ومحكي الكافي والغنية والاصباح وإن لم يذكر الجلال في الأخير،
والقلائد أيضا في سابقه، وعن المقنع في هدي المتعة " ولا تعط الجزار
جلودها ولا قلائدها ولا جلالها ولكن تصدق بها، ولا تعط السلاخ منها "
وقد تقدم بعض الكلام في ذلك، والله العالم.
(ومن نذر أن ينحر بدنة فإن عين موضعا وجب، وإن أطلق نحرها بمكة)
كما في النافع والقواعد بل ومحكي النهاية والمبسوط والسرائر وإن خصت من
مكة فناء الكعبة، وهو مع أنه أحوط موافق لما تسمعه من الخبر (1) إلا أنه
ليس خلافا في أصل الحكم الذي ينبغي القطع به في الأول، فإن البدنة وإن
كانت اسما للناقة والبقرة التي تنحر بمكة كما في القاموس أو لما ينحر فيها أو في
منى من الإبل خاصة، أو والبقر أيضا إلا أن تعيين المكان من الناذر قرينة
على عدم إرادة ذلك كما يشهد له خبر محمد (2) عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل
قال عليه بدنة ينحرها بالكوفة فقال عليه السلام: إذا سمى مكانا فلينحر فيه " وخبر
إسحاق الأزرق الصائغ (3) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل لله تعالى عليه
بدنة ينحرها بالكوفة في شكر، فقال عليه السلام لي: عليه أن ينحرها حيث جعل الله
تعالى عليه، وإن لم يكن سمى بلدا فإنه ينحرها قبالة الكعبة منحر البدن " ومن
الأخير مضافا إلى الاعتضاد بمفهوم الأول، وبقوله تعالى (4) " ثم محلها إلى
البيت العتيق " وبما عرفت من كون البدنة اسما لذلك، وبما عن الغنية " من أنه
إن نذر الهدي وعين موضعا تعين وإلا ذبحه أو نحره قبالة الكعبة للاجماع

(1) الوسائل الباب 59 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 11 من كتاب النذر والعهد الحديث 1
(3) الوسائل الباب 59 من أبواب الذبح الحديث 1
(4) سورة الحج الآية 34
215

والاحتياط " بل وما عن الخلاف " من أن ما يجب من الدماء بالنذر إن قيده
ببلدة أو بقعة لزمه في الذي عينه بالنذر، وإلا لم ينحر إلا بمكة قبالة الكعبة
بالحزورة للاجماع " بل عن بعض أن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب يظهر
الوجه في الحكم في الثاني وإن توقف فيه جماعة من متأخري المتأخرين مستوجهين
النحر حيث شاء للأصل والاطلاق الذين لا يخرج عنهما بالخبر المزبور بعد ضعفه
ولكن فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.
نعم لو لم يكن المنذور بدنة أو هديا أو نحو ذلك مما هو ظاهر كون
المراد مكة اتجه حينئذ التخيير بين سائر الأمكنة، وما سمعته من اجماع الخلاف
يمكن تنزيله على إرادة نذر الهدي أو البدن أو نحو ذلك مما يكون ظاهرا في
إرادة مكة، بل ربما قيل بعدم صحة نذر الهدي إلى غيرهما أو نحره في غيرهما،
وإن كان فيه أن الهدي وإن كان اسما لما ينحر فيهما لكن قد عرفت أن التصريح
بغير المكان قرينة على إرادة غير ذلك من الهدي، فالتحقيق حينئذ ملاحظة
مصداق عنوان النذر مثلا مع عدم القرينة فضلا عن التصريح، وإلا اتبعا، وبذلك
يظهر لك عدم مخالفة المسألة للأصول بعد ما عرفت من كون الهدي اسما للنحر
والذبح في المكان المخصوص، وكذا البدن، أما مع اطلاق نذر الذبح والنحر فلا
اشكال في الاجتزاء بأي مكان شاء مع فرض عدم انصراف للاطلاق إلى فرد،
والله العالم.
(ويستحب) كما في القواعد (أن يأكل من هدي السياق) غير
الواجب من كفارة أو نذر للصدقة (وأن يهدي ثلثه ويتصدق بثلثه كهدي
التمتع) للموثق عن شعيب العقرقوفي (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سقت

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 18
216

في العمرة بدنة فأين انحرها؟ قال بمكة، قلت: فأي شئ أعطي منها؟ قال: كل
ثلثا وتصدق بثلث واهد ثلثا " وفي صحيح سيف التمار (1) عنه عليه السلام " إن سعد
ابن عبد الملك ساق هديا في حجه فلقي أبا جعفر عليه السلام فسأله كيف نصنع به؟ فقال
أطعم أهلك ثلثا، وأطعم القانع والمعتر ثلثا، وأطعم المساكين ثلثا، فقلت:
المساكين هم السؤال فقال: نعم، وقال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من
البضعة فما فوقها، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع، يعتريك
فلم يسألك " ولم يقيد المصنف والفاضل الأكل بالثلث، لتعذره أو تعسره غالبا
فيكفي فيه المسمى، ولذا نطقت الأخبار (2) بأن النبي صلى الله عليه وآله أمر بأن يؤخذ
من كل بدنة من بدنه جذوة فطبخت وأكل هو وأمير المؤمنين (عليهما السلام)
وحسيا المرق، ولعل الأمر بالثلث في الخبر الأول محمول على إرادة أكل أهله
معه أو من يقوم مقامهم، وعن ابن إدريس التصريح بوجوب الثلاثة كما في هدي
التمتع لما مر من الدليل، وفي كشف اللثام وكلام الحلبي وابن سعيد يحتمل
الأمرين، والمصنف يحتمل أن يقول بالوجوب، وإنما ذكر الاستحباب بناء
عليه في هدي التمتع، ولم يتبعه حينئذ بالوجوب اكتفاء بما قدم، وأن لا يقول
إلا بالاستحباب بناء على أن أصل هذا الهدي الاستحباب وإن تعين بالسوق
للذبح بمعنى أنه ليس له بيعه ونحوه، بل قد سمعت عن المختلف أنه لم يوجب
الذبح، وقال: قد حصل الامتثال بالسوق بعد الاشعار أو التقليد، قلت:
ويأتي مثله في عبارة المصنف.

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 3 وفيه " قال
أبو عبد الله عليه السلام: إن سعيد بن عبد الملك " وهو سهو فإن الموجود في التهذيب
ج 5 ص 223 الرقم 753 " إن سعد بن عبد الملك "
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 2 و 11 و 21
217

والوجوب وإن كان أحوط بل هو مقتضى الآية لكن ظاهر المصنف
والفاضل الندب خصوصا بعد قولهما:
(وكذا الأضحية) أي يستحب أن
يأكل منها ثلثا ويهدي ثلثا ويتصدق بثلث، لقول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة (1)
له: " وإذا ضحيتم فكلوا وأطعموا واهدوا واحمدوا الله على ما رزقكم من
بهيمة الأنعام " ولما روي (2) " من أن علي بن الحسين والباقر (عليهم السلام)
كانا يتصدقان بثلث الأضاحي على الجيران، وبثلث على المساكين، ويمسكان ثلثا
لأهل البيت " ومقتضى الاستحباب المزبور جواز الترك الذي من أفراده أكل
الجميع، فلا يضمن للفقراء حينئذ شيئا وإن استحب له غرامة الثلث بناء على
تبعية الغرامة للخطاب بالصدقة به، لكن عن مبسوط الشيخ " ولو تصدق بالجميع
كان أفضل إلى أن قال: فإن خالف وأكل الكل غرم ما كان يجزيه التصدق
به، وهو اليسير، والأفضل أن يغرم الثلث " وظاهرة وجوب الغرم في الجملة،
كما أن صريحه أفضلية التصدق بالجميع مع إجماع علمائنا كما في المدارك على استحباب
الأكل، بل حكى عنه فيها تصريحه بذلك، اللهم إلا أن يريد أن الصدقة به
أجمع أفضل من ذلك، ولكن لم نعرف له شاهدا بذلك، وعن المبسوط
أن من نذر أضحية فليس له أن يأكل منها، ولعله لعموم ما مر من النهي عن
الأكل من الهدي الواجب، وفيه إمكان منع شموله لذلك بعد عموم الأخبار
بالأكل في الأضحية وانصراف النذر إلى المعهود الشرعي المندرج فيه الأضحية
المنذورة، إذ المراد وجوبها به بحكمها، ولعله لذا كان المحكي عنه في الخلاف
والفاضل في التحرير أن له الأكل مستدلين عليه بعموم " فكلوا منها " وإن كان
فيه منع، هذا، وفي المدارك قد أطلق الأصحاب عدم جواز بيع لحمها من غير

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 23 - 13
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الذبح الحديث 23 - 13
218

تقييد بوجوبها، واستدل عليه في المنتهى بأنها خرجت عن ملك المضحي بالذبح
واستحقها المساكين، وهو إنما يتم في الواجب دون المتبرع به، والأصح
اختصاص المنع بالأضحية الواجبة، ولعل ذلك مراد الأصحاب، وفيه أنه
خلاف الظاهر، ولا استبعاد في خروجها عن الملك بالذبح كما سمعته من المنتهى وإن
كانت مندوبة، أو وجوب صرفها في ذلك وإن بقيت على الملك كما هو واضح.
(الخامس في الأضحية) بضم الهمزة وكسرها وتشديد الياء على ما هو
المعروف من اللغة فيها، وإن جاء على ما عن مجمع البحرين فيها أيضا ضحية
كعطية، والجمع ضحايا كعطايا، واضحاة بفتح الهمزة كأرطاة، والجمع أضحى
كأرطى، وربما كان هو الظاهر من الأضحى في بعض النصوص (1) الآتية
والمراد بها ما يذبح أو ينحر من النعم يوم عيد الأضحى وما بعده إلى ثلاثة أيام
أحدهما يوم العيد، أو أربعة كذلك، بل لعل وجه تسميتها بذلك لذبحها في الضحى
غالبا، بل سمي العيد بها.
وعلى كل حال فهي مستحبة استحبابا مؤكدا إجماعا بقسميه، بل يمكن
دعوى ضرورية مشروعيتها، مضافا إلى ما حكاه غير واحد من المفسرين أنه
المراد من قوله تعالى (2) " فصل لربك وانحر " وإن كان الموجود فيما وصل
إلينا من النصوص (3) أن المراد به رفع اليدين حذاء الوجه مستقبل القبلة في
افتتاح الصلاة، وفي آخر (4) أنه رفع اليدين في تكبيرات الصلاة، وفي

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح
(2) سورة الكوثر الآية 2
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 0 - 14 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام الحديث 0 - 14 من كتاب الصلاة
219

ثالث (1) النحر الاعتدال في القيام على معنى أن يقيم المصلي صلبه في صلاته،
ولكن لا مانع من إرادة الجميع على ضرب من التجوز أو على نحو إرادة البطون
مع الظواهر، نعم هو فيها متوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله خاصة، وقد قيل إن
وجوبه عليه من خواصه صلى الله عليه وآله كما تسمعه في النبوي (2) وإلى النصوص المستفيضة
بل المتواترة حتى أن الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3) قال: " الأضحية
واجبة على من وجد من صغير أو كبير، وهي سنة " والصادق عليه السلام (4) في
جواب السؤال عنها " هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد، فقال له السائل
ما ترى في العيال؟ فقال: إن شئت فعلت، وإن شئت لم تفعل، فأما أنت
فلا تدعه " وسأله عليه السلام أيضا عبد الله بن سنان (5) " عن الأضحى أواجب على من
وجد لنفسه ولعياله؟ فقال: إما لنفسه فلا يدعه، وإما لعياله إن شاء ترك "
ومن ذلك ظن الإسكافي وجوبها، لكنه شاذ لما عرفت من الاجماع على
الندب، مضافا إلى النبوي (6) " كتب علي النحر، ولم يكتب عليكم " فلا بأس
بإرادته من لفظ الوجوب على معنى كونه مندوبا مؤكدا كما في نظائر المقام، بل
لعله شائع خصوصا بعد قوله، في الأول " وهي سنة " وإن كان يحتمل لولا
ما عرفت إرادة الوجوب المستفاد من السنة، قيل ومع ذلك فهو صريح في الوجوب

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب القيام الحديث 3 من كتاب
الصلاة
(2) كنز العمال ج 3 ص 17 الرقم 36 وفيه " الأضحى علي فريضة وعليكم سنة "
(3) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 1
(4) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 1
(5) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 3 - 5 - 1
(6) كنز العمال ج 3 ص 17 الرقم 36 وفيه " الأضحى علي فريضة وعليكم سنة "
220

على الصغير، والمراد به حيث يقابل به الكبير غير البالغ، ولا ريب في أن
التكليف في حقه متوجه إلى الولي مع أنه نفى الوجوب عنه في الصحيح الآخر (1)
وغيره، ولكن قد يناقش بأن نفي الوجوب عن العيال أعم من نفي الوجوب عن
ولي الصغير، إذ لا ملازمة بينهما إلا على تقدير أن يكون في العيال المسؤول
عنهم صغير واحد، وليس فيه تصريح به وإن كان السؤال يعمه، إلا أن الصحيح
المتقدم الموجب بالنسبة إليه صلى الله عليه وآله خاص، فيتقدم عليه، بل من المعلوم أن
التخصيص أرجح من المجاز عند التعارض، خصوصا مع اقتضاء ارتكاب المجاز
في الوجوب بحمله على المستحب مساواة الصغير والكبير فيه، والحال أن مجموع
الأخبار في الكبير مشتركة في إفادة الوجوب فيه فلا يمكن صرفه بالإضافة
إلى الصغير خاصة إلى الاستحباب، للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال
الواحد في معنييه الحقيقي والمجازي، وهو خلاف التحقيق، فالأظهر في الجواب
ما عرفت.
بل لا يخفى على العارف بلسانهم (عليهم السلام) وبما يلحنونه له من القول
ظهور هذه النصوص في الندب المؤكد سيما بعد ملاحظة غيرها من النصوص نحو
ما أرسله في الفقيه (2) من أنه " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله بكبشين ذبح واحدا
بيده وقال: اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أهل بيتي، وذبح الآخر فقال:
اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " قال (3): " وكان أمير المؤمنين عليه السلام
يضحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله كل سنة بكبش، يذبحه ويقول: بسم الله وجهت
وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين الآية،

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 1 - 6 - 7
(2) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 1 - 6 - 7
(3) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 1 - 6 - 7
221

اللهم منك ولك، ويقول: اللهم هذا عن نبيك ثم يذبحه، ويذبح كبشا
آخر عن نفسه " قال (1): " وقال علي عليه السلام لا يضحى عمن في البطن " قال (2)
" وذبح رسول الله صلى الله عليه وآله عن نسائه البقرة " وفيه (3) أيضا " جاءت أم سلمة
إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت يا رسول الله: يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية
فاستقرض واضحي قال: استقرضي فإنه دين مقضي ".
ويغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة من دمها، وعن شريح بن
هاني (4) عن علي عليه السلام " لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا وضحوا أنه
يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها " وفي خبر السكوني (5)
المروي عن العلل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه " قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
إنما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم، فأطعموهم من اللحم " وفي خبر
أبي بصير (6) المروي عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: ما علة الأضحية؟
فقال: إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها في الأرض، وليعلم الله
عز وجل من يتقيه بالغيب، قال الله عز وجل (7): " لن ينال الله لحومها ولا
دماؤها ولكن يناله التقوى منكم " ثم قال: انظر كيف قبل الله قربان
هابيل ورد قربان قابيل " وعن علي بن جعفر (8) عن أخيه موسى عليه السلام " سألته
عن الأضحية فقال: ضح بكبش أملح أقرن فحلا سمينا، فإن لم تجد كبشا سمينا

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 8 - 9
(2) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 8 - 9
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 64 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(5) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 10 - 11 - 12
(6) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 10 - 11 - 12
(7) سورة الحج الآية 38
(8) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 10 - 11 - 12
222

فمن فحولة المعز أو موجوءا من الضأن أو المعز، فإن لم تجد فنعجة من الضأن
سمينة، قال: وكان علي عليه السلام يقول: ضح بثني فصاعدا، واشتره؟ سليم
الأذنين والعينين فاستقبل القبلة حين تريد أن تذبحه، وقل وجهت وجهي
الآية اللهم تقبل مني، بسم الله الذي لا إله إلا هو والله أكبر، وصلى الله
على محمد وأهل بيته، ثم كل وأطعم " وفي الفقيه (1) " قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط " بل عن العلل روايته مسندا عن
أبي الحسن موسى عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله (2) إلى غير ذلك من النصوص
المستفاد منها جملة من المندوبات أيضا ككونه سليم العين والإذن والفراهة وكونه
ثنيا والدعاء بما سمعت، بل ويستفاد منها أيضا جواز فعلها عن الميت والحي تبرعا
متحدا ومتعددا ذكرا وأنثى، بل قيل يستفاد من خبر علي بن جعفر (3) منها
جواز تأخير الذبح عن التسمية بمقدار قراءة الدعاء المذكور ونحوه.
(و) كيف كان ف‍ (وقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر، وفي
الأمصار) أو غيرها (ثلاثة) أيام بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى صحيح علي بن جعفر (4) عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن
الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، وسألته عن الأضحى في غير منى
فقال: ثلاثة، فقلت: ما تقول في مسافر قدم بعد الأضحى بيومين أله أن
يضحي في اليوم الثالث؟ قال: نعم " والظاهر ولو بقرينة ما قبله إرادة اليوم
الثالث من يوم النحر لا الثالث بعده كما استظهره في كشف اللثام، فيكون

(1) الوسائل الباب 62 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 62 من أبواب الذبح الحديث 1
(3) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 12
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 1
223

دالا على النحر في الرابع في غير منى، فاحتاج إلى حمله على القضاء المحتاج إلى
الدليل، بل عن المنتهى التصريح بفوات وقتها بفوات الأيام، فإن ذبحها لم تكن
أضحية، وإذا فرق لحمها على المساكين استحق الثواب على التفريق دون الذبح
نعم قال قبل ذلك في خصوص الواجبة بالنذر وشبهه: " لم يسقط وجوب قضائها
إذا فاتت الأيام معللا له بأن لحمها مختص بالمساكين، فلا يخرجون عن الاستحباب
بفوات الوقت " ولكن لا يخفى عليك ما فيه خصوصا بعد ما اعترف به سابقا
من عدم كونها أضحية في غير الأيام المزبورة فلا يكون موردا للوفاء بالنذر،
وعلى كل حال فالأولى إرادة ما ذكرناه من الخبر المزبور، وموثق الساباطي (1)
" سألته عليه السلام عن الأضحى بمنى فقال: أربعة أيام، وعن الأضحى في سائر البلدان
فقال ثلاثة أيام " إلى غير ذلك.
نعم في ظاهر بعض النصوص ما يخالف ذلك، كقول أبي جعفر عليه السلام في
حسن ابن مسلم (2) " الأضحى يومان بعد يوم النحر ويوم واحد في الأمصار "
وخبر كليب الأسدي (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النحر فقال: بمنى فثلاثة
أيام، وأما في البلدان فيوم واحد " المحمول على ضرب من الندب، أو على ما عن
الشيخ أن المراد أن أيام النحر التي لا يجوز الصوم فيها بمنى ثلاثة أيام، وفي سائر
البلدان يوم واحد مستدلا عليه بقول الصادق عليه السلام في خبر منصور (4):
" النحر بمنى ثلاثة أيام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى يمضي ثلاثة أيام، والنحر
بالأمصار يوم، فمن أراد الصوم صام من غد " وإن كان قد يناقش بعدم جواز

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 2 - 7 - 6 - 5
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 2 - 7 - 6 - 5
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 2 - 7 - 6 - 5
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 2 - 7 - 6 - 5
224

صوم اليوم الثالث من أيام التشريق في منى كما عرفت، اللهم إلا أن يكون
المراد أنه قد يجوز صومه بدلا عن الهدي إذا كان هو يوم الحصبة أي يوم النفر
وأما الخبر (1) " الأضحى ثلاثة أيام وأفضلها أولها " فأقصاه الاطلاق المحمول
على التفصيل في غيره، على أنه كما قيل موافق لمذهب مالك والثوري وأبي حنيفة
فيمكن حمله على التقية، بل يمكن نحوه في الخبرين السابقين.
ثم إن الظاهر عدم اعتبار وقت مخصوص من يوم العيد في ذبحها، لاطلاق
ما دل على مشروعيتها فيه، لكن عن المبسوط " وقت الذبح يدخل بدخول يوم
الأضحى إذا ارتفعت الشمس ومضى مقدار ما يكن صلاة العيد والخطبتان
بعدها " وعن المنتهى " وقت الأضحية إذا طلعت الشمس ومضى مقدار صلاة
العيد سواء صلى الإمام أو لم يصل " وفي الدروس " ووقتها بعد طلوع الشمس
إلى مضي قدر صلاة العيد والخطبة " إلا أن الظاهر إرادة الجميع ضربا من الندب
لموثق سماعة (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له متى نذبح؟ قال: إذا انصرف
الإمام، قلت: فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال: إذا
استعلت؟ الشمس " المحمول على ذلك جمعا بينه وبين إطلاق الأيام في غيره نصا
وفتوى، وربما ظن من لا يعرف لسان النصوص والفتاوى فاعتبر الوقت
المخصوص من اليوم المخصوص في مشروعيتها، وهو غلط واضح، والله العالم.
(ولا بأس بادخار لحمها) بعد الثلاثة وإن قيل إنه كان محرما فنسخ،
ففي خبر جابر بن عبد الله الأنصاري (3) " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا نأكل

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الذبح الحديث 4
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب صلاة العيد الحديث 3 من
كتاب الصلاة
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 2
225

لحم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، ثم أذن لنا أن نأكل ونقدد ونهدي إلى أهلنا "
وخبر حنان بن سدير عن الباقر عليه السلام وأبي الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام (1) قالا:
" نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، ثم أذن فيها فقال
كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك وادخروا " وصحيح ابن مسلم (2) أو خبره
المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام " كان النبي صلى الله عليه وآله نهى أن تحبس لحوم
الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة، فأما اليوم فلا بأس به " وصحيح
جميل بن دراج (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن حبس لحوم الأضاحي فوق
الثلاثة أيام بمنى فقال: لا بأس بذلك اليوم، إن رسول الله صلى الله عليه وآله إنما نهى
عن ذلك أولا لأن الناس كانوا يومئذ مجهودين، فأما اليوم فلا بأس " ومرسل
الصدوق (4) قال أبو عبد الله عليه السلام: " كنا ننهى عن خروج لحوم الأضاحي
بعد ثلاثة أيام لقلة اللحم وكثرة الناس، فأما اليوم فقد كثر وقل الناس فلا بأس
باخراجه " وخبر زيد بن علي (5) عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام)
قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله نهيتكم عن ثلاثة: عن زيارة القبور ألا فزوروها
ونهيتكم عن خروج لحوم الأضاحي من بعد ثلاث أيام فكلوا وادخروا ونهيتكم
عن النبيذ ألا فانبذوا، وكل مسكر حرام، يعني الذي ينبذ بالغداة ويشرب
بالعشي وينبذ بالعشي ويشرب بالغداة، وإذا غلى فهو حرام " وصحيح ابن
مسلم (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 7
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 7
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 7
(4) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 7
(5) الوسائل الباب 41 من أبواب الذبح الحديث 1 - 4 - 5 - 6 - 7
(6) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 5
226

فقال: لا يخرج منها شئ لحاجة الناس إليه، فأما اليوم فقد كثر الناس فلا
بأس باخراجه ".
(و) ربما يشكل بملاحظة جملة من هذه النصوص ما في المتن والنافع
والقواعد، ومحكي الاستبصار من أنه (يكره أن يخرج به من منى) بل عن
النهاية والمبسوط والتهذيب أنه لا يجوز وإن استدل له بخبر علي بن أبي حمزة (1)
عن أحدهما (عليهما السلام) " لا يتزود الحاج من لحم أضحيته، وله أن
يأكل منها بمنى أيامها، وقال: وهذه مسألة شهاب كتب إليه فيها " وخبره
الآخر (2) عن أبي إبراهيم عليه السلام الذي رواه عن أحمد بن محمد " لا يتزود الحاج
من أضحيته، وله أن يأكل منها أيامها إلا السنام فإنه دواء، وقال أحمد: ولا
بأس أن يشتري الحاج من لحم منى ويتزوده " بعد حمل النهي على الكراهة
دون التحريم الذي يقصر الخبران المزبوران عن إثباته، لضعفهما ومعارضتهما
بما سمعت مما هو أقوى سندا وأكثر عددا، مضافا إلى الأصل، وما قيل من
أنه كان يجوز الذبح بغيرها، بل لعل الشيخ وإن عبر بعدم الجواز في التهذيب
يريد منه الكراهة بقرينة تصريحه بها في الاستبصار، مع أنه قال قبل ذلك:
" ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد الثلاثة أيام وادخارها، مستدلا عليه بجملة
من النصوص السابقة، ولا ريب أن الادخار بعد ثلاثة لا يكون غالبا إلا بعد
الخروج من منى، لأنه بعد الثلاث لا يبقى فيها أحد، فلولا أن المراد بلا يجوز
الكراهة لحصل التنافي بين كلاميه، إلا أن يحمل جواز الادخار على غير منى،
أو على ما لا يجامع الخروج به من منى، وعلى كل حال فلا ريب في عدم الحرمة،
إنما الكلام في إثبات الكراهة بالخبرين المزبورين المحتملين إرادة النهي عنه قبل

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 3 - 4
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 3 - 4
227

ذلك لا في مثل هذه الأيام كما سمعته في النصوص السابقة، إذ هو أولى من حمل
تلك على إرادة بيان الجواز لا رفع الكراهة، أو على إرادة إخراج ما يضحيه
غيره دون أضحيته، ولكن الانصاف مع التدبر يقتضي الجمع بينها بالأول وإن
تفاوتت الكراهة شدة وضعفا.
بقي الكلام فيما أشكل على بعض الناس من منافاة هذه النصوص لما اتفقوا
عليه ظاهرا من استحباب التثليث في الأضحية المقتضي لعدم بقاء شئ في يده
إلا الثلث الذي هو في يده له يتصرف فيه كيف شاء، مع أنه لا يزيد غالبا
على مصرفه في ثلاثة أيام منى حتى ينهى عن إخراجه ثم يؤمر به ويعلل بوجود
المستحق وعدمه، إذ لا يتعلق به حق المستحق بعد إخراج حق المستحقين
اللهم إلا أن يحمل استحباب التثليث على صدر الاسلام من حيث قلة اللحوم
وكثرة الناس، وأنه بعد ذلك سقط هذا الحكم لعدم من يتصدق به عليه ومن
يهدي له بسبب كثرة اللحم وقلة الناس، فلا بأس باخراج اللحم وادخاره وعدم
صرفه في ذلك المصرف الموظف، إلا أن هذا لا يلائم كلام الأصحاب لاتفاقهم
على استحباب هذا الحكم في جميع الأعصار، وهو كما ترى من غرائب الكلام
ضرورة عدم التنافي بين الاستحباب المزبور وكراهة الادخار والاخراج إذا لم يأت
بالمستحب، أو في ثلاثة خاصة كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (لا بأس باخراج ما يضحيه غيره) إذا كان قد
أهدى إليه أو تصدق به عليه أو اشتراه ولو من أضحيته، للأصل بعد اختصاص
الخبرين السابقين بأضحيته من حيث تضحيته لها، بما سمعته في الثاني منهما من قول
أحمد، بل عن الشيخ حمل صحيح ابن مسلم (1) المشتمل على الإذن في الاخراج اليوم

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الذبح الحديث 5
228

على ذلك مستشهدا له بما سمعته من قول أحمد، وإن كان هو بعيدا، مع أن
الشاهد مقطوع أيضا، فالعمدة حينئذ ما عرفت، والله العالم.
(ويجزي الهدي الواجب عن الأضحية) المندوبة كما صرح به غير واحد،
لقول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (1): " يجزيه في الأضحية هديه "
والصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2) " يجزي الهدي عن الأضحية " (و) ربما
كان في لفظ الاجزاء اشعار أو ظهور فيما ذكره غير واحد من أن (الجمع بينهما
أفضل) مضافا إلى ما قيل من أن فيه فعل المعروف ونفع المساكين، ثم إن
ظاهر الصحيحين إجزاء مطلق الهدي عنها كما عن النهاية والوسيلة والتحرير والمنتهى
والتذكرة خلافا للقواعد والدروس فقيداه كالمتن بالواجب، بل في النافع وعن
التلخيص والتبصرة التقييد بهدي التمتع، ولعله لدعوى الانصراف، ولكن
فيها منع واضح، كمنع احتمال إرادة النص على الأخفى من التقييد كما في كشف
اللثام، والله العالم.
(ومن لم يجد الأضحية تصدق بثمنها، فإن اختلف أثمانها جمع الأعلى
والأوسط والأدون وتصدق بثلث الجميع) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك،
لخبر عبد الله بن عمر (3) قال: " كنا بالمدينة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا
بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم يوجد بقليل ولا كثير، فوقع هشام
المكاري إلى أبي الحسن عليه السلام فأخبره بما اشترينا وإنا لم نجد بعد فوقع عليه السلام إليه
انظر إلى الثمن الأول والثاني والثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه " والظاهر كما

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب الذبح الحديث 2
(2) الفقيه ج 2 ص 297 الرقم 1472
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب الذبح الحديث 1
229

صرح به غير واحد أن المراد التصدق بقيمة منسوبة إلى ما كان من القيم، فمن
الاثنين النصف، ومن الثلاث الثلث، ومن الأربع الربع، وهكذا، وإن اقتصار
الأصحاب على الثلث تبعا للرواية التي يمكن أن تكون هي المستند للأصحاب فيما
ذكروه في اختلاف قيم المعيب والصحيح، والله العالم.
(ويستحب أن يكون التضحية بما يشتريه) مثلا (و) المراد أنه
(يكره) التضحية (بما يربيه) لخبر محمد بن الفضيل (1) عن أبي الحسن
عليه السلام " قلت: جعلت فداك كان عندي كبش سمين لأضحي به، فلما أخذته
وأضجعته نظر إلي فرحمته ورققت له ثم إني ذبحته، فقال لي: ما كنت أحب
لك أن تفعل لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه " بل في مرسل الفقيه (2) عن
أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) " لا تضحي بشئ من الدواجن "
وهو يقتضي كراهية الأعم من الأول، إذ الدواجن جمع داجن، وهي الشاة التي
تألف البيوت كما عن الجوهري، وعن القاموس دجن بالمكان دجونا أقام، والحمام
والشاة وغيرهما ألفت وهي دجن، وتسمى الدواجن رواجن أيضا، قال في محكي
القاموس: " رجن بالمكان رجونا أقام، والإبل وغيرها ألفت، ودابته حبسها في
المنزل على العلف " والله العالم.
(ويكره أن يأخذ شيئا من جلود الأضاحي) لصحيح علي بن جعفر (3)
عن أخيه موسى (عليه السلام) " سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن
ضحى بها أن يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح أن يجعلها جرابا إلا أن يتصدق
بثمنها " الظاهر فيها وفي إرادة المثال من جعلها جرابا، فلا حرمة حينئذ في

(1) الوسائل الباب 61 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 61 من أبواب الذبح الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 4
230

أخذها والتصرف فيها ببيع وغيره، للأصل وبعض النصوص السابقة، وخصوص
خبر معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) السابق المسؤول فيه عن
الإهاب، وخبره الآخر (2) عنه (عليه السلام) أيضا " ينتفع بجلد الأضحية
ويشتري به المتاع، وإن تصدق به فهو أفضل " مؤيدا بما تسمعه من جواز إعطائها
الجزارين أجرة، لكن عن المبسوط " لا يجوز بيع جلدها سواء كانت واجبة
أو تطوعا كما لا يجوز بيع لحمها، فإن خالف تصدق بثمنه " وعن الخلاف " أنه
لا يجوز بيع جلودها سواء كانت تطوعا أو نذرا إلا إذا تصدق بثمنه على
المساكين، وقال أبو حنيفة أو يبيعها بآلة البيت على أن يعيرها كالقدر والفاس
والمنخل والميزان، وقال الشافعي لا يجوز بيعها بحال، وقال عطا: يجوز بيعها
على كل حال، وقال الأوزاعي: يجوز بيعها بآلة البيت إلى أن قال: دليلنا
إجماع الفرقة وأخبارهم، والجلد إذا كان للمساكين فلا فرق بين أن يعطيهم إياه
وثمنه " ومقتضى الأول بل والثاني الحرمة وإن صح البيع، وإلا فلا وجه
للتصدق بالثمن، إلا أنه كما ترى لا دليل عليه سوى دعوى الاجماع المزبور
الذي لم أجد ما يشهد له، بل المنافي متحقق، والأخبار المرسلة التي قد سمعت
ما ينافيها، فالأصح الجواز.
(و) كذا يكره (أن يعطيها الجزار) أجرة للنهي عنه في صحيح
معاوية بن عمار (3) وغيره المحمول على الكراهة هنا، لما سمعته من المرسل (4)
وخبر صفوان (5) المتقدمين في جلود الهدي
(والأفضل) من ذلك كله (أن

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 2 - 2 - 7 - 8
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 2 - 2 - 7 - 8
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 2 - 2 - 7 - 8
(4) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 2 - 2 - 7 - 8
(5) الوسائل الباب 43 من أبواب الذبح الحديث 5 - 2 - 2 - 7 - 8
231

يتصدق بها) لما سمعته من خبر معاوية ولو على الجزارين إذا كانوا من أهلها،
والله العالم.
(الثالث) من مناسك منى يوم النحر (في الحلق أو التقصير)
والمعروف بين الأصحاب وجوب النسك المزبور، بل عن المنتهى أنه ذهب إليه
علماؤنا أجمع إلا في قول شاذ للشيخ في التبيان إنه مندوب مع أن المحكي عن الشيخين
أنهما إنما جعلاه مسنونا كالرمي، وعن ابن إدريس أنه فهم منه في الرمي الواجب
بغير نص الكتاب، ولكنه حكى عن النهاية أن الحلق والتقصير مندوب غير واجب،
وعن مجمع البيان الندب أيضا، بل ربما كان ظاهره اتفاق الأصحاب عليه، وعلى
كل حال فلا ريب في ضعفه للتأسي وما تسمعه من النصوص (1) الموجبة للحلق
على الملبد أو الصرورة المخيرة لغيرهما بينهما، والآمرة (2) بهما إذا نسي حتى
نفر أو أتى مكة، وبالكفارة (3) إذا طاف قبلهما، والمعلقة (4) للاحلال عليهما،
ولا خلاف محقق أجده في وجوب فعل أحدهما بمنى قبل المضي للطواف، بل في كشف
اللثام قطع به جماعة من الأصحاب ويظهر من آخرين، وما عن الغنية والاصباح
من أنه ينبغي أن يكون بمنى يراد منه الوجوب، وإلا كان محجوجا بما تسمعه
إن شاء الله فيما لو بنى على تركه حتى خرج منهما، وقول الصادق (عليه
السلام) لسعيد الأعرج (5): " فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذ عن شعورهن

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب الحلق والتقصير
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير
(5) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
232

ويقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة " بل المشهور كما في المدارك أن وقته
يوم النحر بعد ذبح الهدي أو حلوله في رحله على القولين، وعن أبي الصلاح
جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق، ولكن لا يزور البيت قبله، بل عن
الفاضل في المنتهى والتذكرة أنه استحسنه، لأن الله تعالى بين أوله بقوله (1):
" حتى يبلغ الهدي محله " ولم يبين آخره، فمتى أتى به أجزء كالطواف للزيارة
والسعي، ولكن لا ريب في أن الأحوط إيقاعه يوم النحر للاتفاق على كونه
وقتا لذلك، والشك فيما عداه.
وكيف كان (فإذا فرغ من الذبح فهو مخير إن شاء حلق وإن شاء قصر
والحلق أفضل) الفردين الواجبين، فينوي فيه الوجوب أيضا، وعلى كل حال
فلا خلاف أجده في شئ من ذلك في الحاج والمعتمر مفردة غير الملبد والصرورة
ومعقوص الشعر، بل عن التذكرة الاجماع عليه كما عن المنتهى نفي علم الخلاف فيه،
مضافا إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2) الذي رواه ابن إدريس عن نوادر
البزنطي " من لبد شعره أو عقصه فليس عليه أن يقصر وعليه الحلق، ومن لم يلبد
تخير إن شاء قصر وإن شاء حلق، والحلق أفضل " كقوله (عليه السلام) لسالم
أبي الفضل (3) إذ اعتمر فسأله فقال: " احلق فإن رسول الله صلى الله عليه وآله ترحم على
المحلقين ثلاث مرات، وعلى المقصرين مرة واحدة " وقوله (عليه السلام) أيضا
في صحيح الحلبي (4) " استغفر رسول الله صلى الله عليه وآله للمحلقين ثلاث مرات " وفي
حسن حريز (5) قال: " رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الحديبية: اللهم اغفر للمحلقين،

(1) سورة البقرة الآية 192
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 15 - 13 - 7 - 6
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 15 - 13 - 7 - 6
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 15 - 13 - 7 - 6
(5) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 15 - 13 - 7 - 6
233

قيل: وللمقصرين يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال: وللمقصرين ".
(و) في النافع والقواعد ومحكي الجمل والعقود والسرائر والغنية بل في
المدارك أنه المشهور أنه (يتأكد في حق) من لم يحج المسمى ب‍ (الصرورة
ومن لبد شعره) بعسل أو صمغ لئلا يقمل أو يتسخ (أو يتوسخ خ ل)
(وقيل) والقائل الشيخ في محكي النهاية والمبسوط وابن حمزة في محكي الوسيلة
(لا يجزيهما إلا الحلق) وكذا عن المقنع والتهذيب والجامع مع زيادة المعقوص
وعن المقنعة والاقتصاد والمصباح ومختصره والكافي في الصرورة، وعن ابن
أبي عقيل في الملبد والمعقوص ولم يذكر الصرورة، ومال إليه في المدارك.
(و) على كل حال ف‍ (الأول أظهر) عند المصنف للأصل وإطلاق
قوله تعالى (1) " محلقين رؤوسكم ومقصرين " بعد العلم بعدم إرادة الجمع
والتفصيل الموجب للاجمال، فتعين التخيير على الاطلاق كظاهر حسن حريز (2)
السابق المشتمل على دعاء النبي صلى الله عليه وآله لهما، إلا أنهما معا خصوصا الأخير كما ترى
ضرورة وجوب تقييدهما بقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي السابق،
وصحيح هشام بن سالم (3) " إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة
فقد وجب عليه الحلق " وفي خبر أبي سعد (4) " يجب الحلق على ثلاثة نفر
رجل لبد، ورجل حج بدءا ولم يحج قبلها، ورجل عقص رأسه " وفي خبر
أبي بصير (5) " على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر، إنما التقصير لمن قد

(1) سورة الفتح الآية 27
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 6 - 2 - 3 - 5 والثالث عن أبي سعيد إلا أن الموجود في التهذيب ج 5 ص 485 الرقم 1739 عن أبي سعد
(3) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 2.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 2.
234

حج حجة الاسلام " وفي صحيح معاوية وحسنه (1) " ينبغي للصرورة أن يحلق
وإن كان قد حج فإن شاء قصر وإن شاء حلق، فإذا لبد شعره أو عقصه فإن
عليه الحلق وليس له التقصير " وفي صحيحه (2) أيضا " إذا أحرمت فعقصت
شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير، وإن أنت
لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج، وليس في المتعة إلا التقصير " وفي
خبر بكير بن خالد (3) " ليس للصرورة أن يقصر " وسأله (عليه السلام)
عمار (4) " عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق فقال: إن كان قد حج
قبلها فليجز شعره، وإن كان لم يحج فلا بد له من الحلق " وسأله (عليه السلام)
أيضا سليمان بن مهران (5) " كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد
حج قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين، ألا تسمع قول الله عز وجل (6)
لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون "
ولا داعي إلى حملها على التأكد، وقوله (عليه السلام): " ينبغي " في الصحيح
والحسن مع أنه في الصرورة خاصة لا صراحة فيه بعدم الوجوب، بل ولا ظهور
على وجه يصلح لصرف غيره عنه، بل لعل إرادة ما لا ينافي الوجوب منه ولو
بقرينة غيره أولى، بل لعل الظاهر إرادة الوجوب منه هنا بقرينة قوله " وإن

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 8
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 8
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 10
عن بكر بن خالد وهو الصحيح كما في التهذيب ج 5 ص 243 الرقم 820
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 14
(5) الوسائل الباب 7 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 14
(6) سورة الفتح الآية 27
235

كان قد حج فإن شاء، إلى آخره، فإن مفهومه نفي المشية عن الذي لم يحج،
وهو الصرورة، وهو نص في الوجوب، لأن الاستحباب لا يجامع نفي المشية
اللهم إلا أن يقال إن الشهرة ترجح على غيرها من القرائن، خصوصا بعد شم
رائحة الندب مما سمعته في خبر ابن مهران، واشتهار إرادة التأكد من نحو
ذلك، والله العالم.
(وليس على النساء حلق) لا تعيينا ولا تخييرا بلا خلاف أجده، بل
عن التحرير والمنتهى الاجماع عليه، وهو الحجة بعد قول النبي صلى الله عليه وآله في وصيته (1)
لعلي (عليه السلام): " ليس على النساء جمعة إلى أن قال: ولا استلام
الحجر ولا الحلق " والصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (2): " ليس على
النساء حلق ويجزيهن التقصير " بل يحرم عليهن ذلك بلا خلاف أجده فيه أيضا،
بل عن المختلف الاجماع عليه، وهو الحجة بعد المرتضوي (3) " نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله أن تحلق المرأة رأسها " أي في الاحلال لا مطلقا، فإن الظاهر عدم
حرمته عليها في غير المصاب المقتضي للجزع، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر
اللهم إلا أن يكون هناك شهرة بين الأصحاب تصلح جابرا لنحو المرسل المزبور بناء
على إرادة الاطلاق، فيكون كحلق اللحية للرجال.
(و) على كل حال فلا اشكال في عدم جوازه نسكا، وحينئذ ف‍ (يتعين
في حقهن التقصير) بلا خلاف أجده فيه أيضا، لقول أحدهما (عليهما السلام)
في خبر علي بن حمزة (4) " وتقصر المرأة ويحلق الرجل، وإن شاء قصر إن كان

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 3
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 3
(3) كنز العمال ج 3 ص 58 الرقم 160
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2
236

قد حج قبل ذلك " ولما سمعته من أمر الصادق (عليه السلام) بالأخذ من
شعورهن والتقصير من أظفارهن في صحيح سعيد الأعرج (1) السابق، كقوله عليه السلام
في مرسل ابن أبي عمير (2) " تقصر المرأة لعمرتها مقدار الأنملة " وله قال المصنف:
(ويجزيهن منه ولو مثل الأنملة) كما في القواعد والنافع ومحكي التهذيب والنهاية
والمبسوط والوسيلة والجامع، لكن الأولى الجمع بينه وبين التقصير من الأظفار
أيضا، لما سمعته في صحيح الأعرج، كما أن الأولى مراعاة القدر المزبور الذي
يظهر من المصنف أنه أقل المجزي وإن كان المحكي عن المختلف وغيره أنه
كناية عن المسمى، بل قيل هو ظاهر المنتهى والتذكرة، للأصل مع عدم ثبوت
الزيادة، وإطلاق الأخذ من الشعر في صحيح الأعرج، وترك الاستفصال في
حسن الحلبي (3) عن الصادق (عليه السلام) قال له عليه السلام: " إني لما قضيت نسكي
للعمرة أتيت أهلي ولم أقصر قال: عليك بدنة، قال قلت: إني لما أردت ذلك
منها ولم تكن قصرت امتنعت، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال
رحمها الله كانت أفقه منك، عليك بدنة وليس عليها شئ " نعم ما عن ظاهر أبي علي
من أنها لا يجزيها في التقصير ما دون القبضة لا نعرف له مأخذا، وعن الشهيد
حمله على الندب، بل قد يظهر من القواعد والنافع وغيرهما تحقق التقصير بذلك
للرجل أيضا، قيل: للأصل ولقول الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن
يزيد (4) " ثم ائت منزلك تقصر من شعرك، وحل لك كل شئ " وإطلاق
التقصير في حسن الحلبي (5) السابق، إلا أنهما معا كما ترى لا تقدير فيهما بالأنملة

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 3 - 2
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 3 - 2
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 3
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 3
237

التي لا يتوقف صدق التقصير من الشعر عليها عرفا كما هو واضح.
وكيف كان ففي القواعد في إجزاء الحلق للامرأة لو فعلته عن التقصير نظر،
وفي كشف اللثام " من التباين شرعا، ولذا وجبت الكفارة على من حلق في
عمرة التمتع، وهو ظاهر الآية (1) والتخيير بينهما وايجاب أحدهما وتحريم الآخر
ومن أن أول جزء من الحلق بل كله تقصير، ولذا لم يرد فيمن حلق في عمرة
التمتع وجوب تقصير عليه بعده، بل قال وهو الوجه إن لم ينو الحلق أولا بل
التقصير أو أخذ الشعر " وفيه منع تحقق التقصير بأول جزء من الحلق، وعدم
ورود التقصير فيمن حلق في عمرة التمتع للاتكال على وجوبه عليه، على أنه بعد
أن عرفت حرمة الحلق عليهن كيف يتصور إجزاؤه عن الواجب، إذ أقصاه بعد
التسليم كونه فردا من التقصير منهيا عنه، فلا يجزي عن الواجب، فتأمل جيدا.
والخنثى المشكل تقصر إذا لم تكن أحد الثلاثة، بل وإن كانت على القول
بالتخيير أيضا، أما على القول بالوجوب فيتعين عليها فعلهما مقدمة بناء على أن
حرمة الحلق على النساء تشريعية كما هو الظاهر، فتسقط للاحتياط وإلا كان
المتجه التخيير، والله العالم.
(ويجب تقديم) الحلق أو (التقصير على زيارة البيت لطواف الحج
والسعي) بلا خلاف أجده فيه، وفي كشف اللثام " كأنه لا خلاف فيه "
وفي المدارك " لا ريب في وجوب تقديمها على زيارة البيت للتأسي وللأخبار
الكثيرة " ولعل مراده ما تسمعه من النصوص (2) الآمرة بإعادته للناسي أو مطلقا
وبالشاة للعالم، لكن في الرياض بعد الاعتراف بنفي خلاف ظاهر فيه في جملة

(1) سورة الفتح الآية 27
(2) الوسائل الباب 5 و 2 من أبواب الحلق والتقصير
238

من العبائر قال: " فإن تم إجماعا وإلا فظاهر الصحيح المتقدم وغيره المتضمنين
للفظي " لا حرج " و " ينبغي " كالصحيح الآتي المتضمن أيضا للفظ " لا ينبغي "
خلافه، ولا ينافيه إيجاب الدم في الأخير لامكان الحمل على الاستحباب لكن
لا خروج عما عليه الأصحاب " ومراده بالصحيح الأول صحيح جميل (1) عن
الصادق (عليه السلام) " إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم
يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا
شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه، ولا شيئا كان لهم أن يؤخروه
إلا قدموه، فقال لا حرج " والظاهر كما في كشف اللثام إنما ينفي الإثم عن
الجاهل والناسي أو أحدهما، وأما الآخر فهو صحيح جميل (2) أيضا وحسنه سأل
الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق فقال: لا ينبغي
إلا أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر "
إلى آخر ما سمعته آنفا، ونحوه صحيح محمد بن حمران (3) عنه (عليه السلام)

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4
(2) لم يرد صاحب الرياض (قدس سره) بقوله: " كالصحيح الآتي "
إلا صحيحة محمد بن مسلم الآتية في الجواهر ص 240 حيث إنها دلت على وجوب
الشاة على العالم مع اشتمالها على لفظة " لا ينبغي " كما أنه ذكرها في الرياض بعد
أسطر، فما ذكره صاحب الجواهر (قده) " وأما الآخر فهو صحيح جميل أيضا
وحسنه " غير صحيح، إذ لم يذكر فيه لزوم الدم أبدا، على أنه ليس لجميل في
المقام إلا رواية واحدة نقلت بطريقين، ذكر في صدرها عن الرجل يزور البيت..
إلى آخره " وفي ذيلها " أن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس.. الخ ".
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2
239

أيضا، لكن يمكن إرادة النهي منه ولو بقرينة شهرة الأصحاب وما تسمعه
من النصوص.
(و) على كل حال ف‍ (- لو قدم ذلك على التقصير عامدا جبره بشاة)
بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعض إلى قطع الأصحاب وإن أغفل في بعض
الكتب كمحكي المقنعة والمراسل والغنية والكافي، ونسبه في الدروس إلى الشيخ
وأتباعه بل عن ابن حمزة فإن زار البيت قبل الحلق أعاد الطواف بعده، وإن تركه
عمدا لزمه دم شاة، فيحتمل ترك الإعادة أو إرادة ترك الحلق حتى زار إلا أن
الجميع ليس خلافا محققا، وفي صحيح ابن مسلم (1) عن أبي جعفر (عليه السلام)
" في رجل زار البيت قبل أن يحلق فقال: إن كان زار البيت وهو عالم أن ذلك
لا ينبغي فإن عليه دم شاة " وهو ظاهر في الوجوب المقتضي لوجوب الترتيب
عليه، بل هو مشعر بإرادة عدم الجواز من قول " لا ينبغي " في غيره من
النصوص، فما سمعته من الرياض من امكان إرادة ندب الدم فيه في غير محله،
نعم هو خال عن ذكر الإعادة التي مقتضى الأصل نفيها أيضا، بل في الدروس
نسبة ذلك إلى ظاهرهم، بل عن الصيمري التصريح به، ولكن فيه أنه معارض
بما حكاه ثاني الشهيدين من الاجماع على وجوب الإعادة الذي يشهد له أولويته
من الناسي، وترك الاستفصال في صحيح ابن يقطين (2) " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن المرأة رمت العقبة وذبحت ولم تقصر حتى زارت البيت وطافت
وسعت من الليل ما حالها وما حال الرجل إذا فعل ذلك، قال: لا بأس به يقصر

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
240

ويطوف للحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحل من كل شئ " وما قيل من أن
للطواف المأتي به قبل التقصير منهي عنه فيكون فاسدا، فلا يتحقق به الامتثال
وإن كان لا يخلو من نظر لأعمية ذلك من الشرطية، اللهم إلا أن يدعى
ظهورها من الأمر بها في نحو العبادات المركبة، وحينئذ يتجه الاستدلال به
على المطلوب الذي لا ظهور في الصحيح المزبور بما ينافيه، إذ خلوه عن ذكر الإعادة
أعم من عدم وجوبها، لكن في الرياض بعد ذكر الصحيح الدال عليها بالاطلاق قال:
" وتنزيل هذا على ما يؤول إلى الأول بحمله على غير العامد وإبقاء الأول على
ظاهره من عدم وجوب الإعادة ليس بأولى من العكس وإبقاء هذا على عمومه وحمل
الأول على خلاف ظاهره، وبالجملة التعارض بينهما كتعارض العموم والخصوص
من وجه يمكن صرف كل منهما إلى الآخر، وحيث لأمر حج ينبغي الرجوع
إلى مقتضى الأصل، وهو وجوب الإعادة كما مر " ولا يخفي عليك ما في ذلك.
هذا كله في العالم العامد (ولو كان ناسيا لم يكن عليه شئ) من دم
ونحوه بلا خلاف أجده فيه للأصل وغيره (و) لكن (عليه إعادة الطواف
على الأظهر) بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المدارك وغيرها، لاطلاق
صحيح ابن يقطين (1) السابق الذي لا ينافيه صحيح جميل (2) السابق وغيره
الذي استثني فيه الناسي بعد عدم إشعار فيه بعدم الإعادة بل ولا نفي الحرج في
صحيحه (3) الآخر المراد منه عدم بطلان الحج كنفي البأس في صحيح ابن يقطين.

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الذبح الحديث 1
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4 إلا أن ذلك
ليس صحيحا آخر لجميل وإنما هو ذيل لصحيحته كما تقدم الإشارة إليه في ص 239
241

وأما الجاهل فلا دم عليه للأصل المعتضد بمفهوم صحيح ابن مسلم (1)
نعم عليه الإعادة وفاقا لثاني الشهيدين وغيره، لأولويته من الناسي، وإطلاق
صحيح ابن يقطين الذي لا ينافيه نفي الحرج في صحيح جميل (2) بعد ما عرفت
المراد منه، فما عن الشهيد من الميل إلى العدم لا يخلو من نظر، هذا.
والظاهر كما في كشف اللثام أن كل من وجبت عليه الإعادة فإن تعمد
تركها بطل الحج إلا مع العذر فيستنيب وإن كان تعمدا لتقديم.
كما أن الظاهر وجوب إعادة السعي حيث تجب إعادة الطواف كما عن العلامة
في التذكرة التصريح به تحصيلا للترتيب الظاهر من الأدلة وجوبه، وربما كان
ظاهر المتن عدمه، ولعله لصحيح ابن يقطين السابق الذي لا ظهور له في ذلك.
ولو قدم الطواف على الذبح أو على الرمي ففي إلحاقه بتقديمه على التقصير
وجهان، أجودهما ذلك كما في المسالك والمدارك.
(ويجب أن يحلق) أو يقصر (بمنى، فلو أخل) عالما أو جاهلا أو ناسيا
(رجع فحلق) أو قصر (بها) وجوبا بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل
في المدارك هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب، بل عن ظاهر التذكرة
والمنتهى أنه موضع وفاق، بل عن المفاتيح ذلك أيضا، وعن غيرها نفي الخلاف
فيه أيضا، وفي صحيح الحلبي (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن
يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى قال: يرجع إلى منى حتى يلقي
شعره بها حلقا أو تقصيرا " وخبر أبي بصير (4) " سألته عليه السلام عن رجل جهل أن

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 4
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 4
242

يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى قال: فليرجع إلى منى حتى يحلق
شعره بها أو يقصر " ولا ينافي ذلك خبر مسمع (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر قال: يحلق في الطريق وأين
كان " بعد إمكان إرادة حال عدم التمكن من الرجوع فيه خصوصا بعد قصور
الخبر المزبور عن معارضة ما سمعت من وجوه، نعم قد يظهر من خبر أبي بصير (2)
عن الصادق عليه السلام " في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه قال: يحلق بمكة ويحمل
شعره لمنى، وليس عليه شئ " عدم وجوب العود للحلق إذا قدم عليه الطواف
إلا أن إطلاق الأصحاب أيضا على خلافه.
وكيف كان (فإن لم يتمكن) من الرجوع وإن كان قد تعمد ذلك (حلق
أو قصر مكانه) وجوبا بلا خلاف ولا إشكال، وقد سمعت حمل خبر مسمع
عليه (وبعث بشعره ليدفن بها) ندبا كما في النافع ومحكي التهذيب والاستبصار
بل في المدارك نسبته إلى قطع الأكثر، لا وجوبا كما عن الكافي وظاهر المتن،
للأصل وقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (3) " ما يعجبني أن يلقي شعره إلا بمنى "
وفي صحيح معاوية (4) " كان علي بن الحسين عليه السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى
ويقول: كانوا يستحبون ذلك، قال: وكان أبو عبد الله عليه السلام يكره أن يخرج
الشعر من منى، ويقول: من أخرجه فعليه أن يرده " وفي خبر أبي البختري (5)
المروي عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن الحسن والحسين (عليهم
السلام) " كانا يأمران أن يدفن شعورهما بمنى " ولا ينافي ذلك قول الصادق

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 7 - 6 - 5 - 8
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 7 - 6 - 5 - 8
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 7 - 6 - 5 - 8
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 7 - 6 - 5 - 8
243

عليه السلام في صحيح ليث المرادي (1): " ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى " وأحدهما
(عليهما السلام) في خبر علي بن أبي حمزة (2) في حديث " وليحمل الشعر إذا
حلق بمكة إلى منى " بعد عدم دلالتهما على الدفن كغيرهما من النصوص، بل
لعل ما عن الكافي محمول على تأكد الندب كظاهر المتن.
إنما الكلام في وجوب البعث الذي استوجهه الفاضل في محكي المختلف إن
كان خروجه من منى عمدا دون النسيان، لأنه كان يجب عليه الحلق بمنى
وإلقاء الشعر بها، ولا يسقط أحد الواجبين إذا سقط الآخر، بخلاف ما إذا
نسي، فإنه لا يجب عليه شئ منهما، مضافا إلى خبر أبي بصير (3) الظاهر في
العامد، بل عن النهاية وظاهر المتن وجوبه مطلقا، ولعله للأمر به في حسن
حفص بن البختري (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يحلق رأسه بمكة قال:
يرد الشعر إلى منى " وخبر أبي بصير (5) السابق المحمول على الندب أيضا بقرينة
خبر أبي بصير (6) الأخير الظاهر في ذلك، ولكن مع ذلك لا ريب في أن
الأحوط بعثه، خصوصا إذا كان قد أخرجه منها (و) أحوط منه دفنه فيها، نعم
(لو لم يتمكن) من بعثه سقط الوجوب و (لم يكن عليه شئ) إجماعا كما
في المدارك للأصل وغيره.
(ومن ليس على رأسه شعر) خلقة أو غيرها سقط عنه الحلق إجماعا
بقسميه، ولكن يمر الموسى عليه إجماعا في محكي التذكرة ومن أهل العلم في
محكي المنتهى، بل مقتضى قول المصنف (أجزأه امرار الموسى عليه) عدم
تعين التقصير عليه، بل في المدارك " قيل بالوجوب مطلقا، أو على من حلق في

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 2 - 7 - 1 - 7 - 6
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 2 - 7 - 1 - 7 - 6
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 2 - 7 - 1 - 7 - 6
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 2 - 7 - 1 - 7 - 6
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 2 - 7 - 1 - 7 - 6
(6) الوسائل الباب 6 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 2 - 7 - 1 - 7 - 6
244

إحرام العمرة، والاستحباب للأقرع " بل في المسالك " بالتفصيل رواية والعمل بها
أولى " وإن كنا لم نعثر عليها ولا رواها غيره كما اعترف به في المدارك، نعم في
خبر زرارة (1) " إن رجلا من أهل خراسان قدم حاجا وكان أقرع الرأس
لا يحسن أن يلبي فاستفتي له أبو عبد الله فأمر أن يلبي عنه ويمر الموسى على رأسه،
فإن ذلك يجزي عنه " بل عن أبي حنيفة أنه أوجبه، لأنه كان واجبا عنده الحلق
فإذا سقط لتعذره لم يسقط، بل عن الفاضل أن كلام الصادق عليه السلام يعطيه، فإن الاجزاء
إنما يستعمل في الواجب، بل في كشف اللثام إن لم يكن له ما يقصر منه أو كان
صرورة أو ملبدا أو معقوصا وقلنا بتعين الحلق عليهم اتجه وجوب الامرار، وتبعه
في الرياض مؤيدا له بالخبر المتقدم بدعوى ظهوره في الصرورة، وفيه أن المتجه
حينئذ السقوط للأصل بعد أن كان الواجب من الامرار ما يتحقق في ضمنه الحلق
لا مطلقا فلا تأتي قاعدة الميسور، وما لا يدرك، وبعد قصور الخبر المزبور
من إثبات الوجوب.
ومن هنا كان المحكي عن الأكثر منا ومن غيرنا الاستحباب، بل عن
الشيخ في الخلاف الاجماع عليه، وحينئذ فيتعين عليه التقصير من لحيته أو غيرها
الذي هو أحد الفردين، ومع العدم يتجه السقوط، نعم لو قلنا بوجوبه عملا
بالخبر المزبور اتجه الاجتزاء به عنه، لظهور لفظه فيه، وإن كان يحتمل إرادة
الاجزاء عن الحلق الحقيقي لا عن مطلق الفرض، فضلا عن قاعدة الأمر، ولعدم
توجه الجمع بين الحلق والتقصير فكذا ما يقوم مقامه، ولكن مع ذلك كله
لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الامرار والتقصير خصوصا بعد ما سمعته من

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 3
245

أمر الصادق عليه السلام في أقرع خراسان مؤيدا بخبر أبي بصير (1) عنه عليه السلام أيضا
سأله " عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه فقال: عليه دم يهريقه، فإذا
كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق " وخبر عمار الساباطي (2)
عنه عليه السلام أيضا في حديث سأله " عن رجل حلق قبل أن يذبح قال: يذبح ويعيد
الموسى، لأن الله تعالى (3) يقول: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله "
كما أنه لا ينبغي تركه إذا لم يكن عنده شعر يقصره، لاستبعاد حله بلا
حلق ولا تقصير ولا إمرار الموسى، مضافا إلى ما سمعته من النصوص، هذا.
وفي المنتهى يستحب لمن حلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ويحلق
إلى العظمين النائيين بلا خلاف " وفي الدروس " ويستحب استقبال القبلة والبدأة
بالأيمن من ناصيته، وتسمية المحلوق والدعاء مثل قوله: اللهم أعطني بكل شعرة
نورا يوم القيامة، والاستيعاب إلى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين "
والأصل في ذلك صحيح معاوية بن عمار (4) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " أمر
الحلاق أن يضع الموسى على قرنه الأيمن، ثم أمره أن يحلق، ويسمي هو،
وقال اللهم اعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة " وخبر غياث بن إبراهيم (5) عن
جعفر عن آبائه (عليهم السلام) " السنة في الحلق أن يبلغ العظمين " وفي الفقه
المنسوب (6) إلى مولانا الرضا عليه السلام " وإذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 2
(3) سورة البقرة الآية 192
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 2
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1 - 2
(6) المستدرك الباب 9 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
246

القبلة وابدأ بالناصية، واحلق إلى العظمين النائيين بحذاء الأذنين، وقل: اللهم
اعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة ".
ولعلهما جمعا بين الجميع بإرادة البدأة بالناصية من القرن الأيمن وإن كان
في دخول القرن في الناصية التي هي من قصاص الشعر مما يلي الجبهة نوع خفاء بل
منع، على أن البدأة بالناصية ليس إلا في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام
وهو غير ثابت عندنا، وعلى تقديره فالمتجه الجمع بالتخيير بينهما لا بذلك، وأما
استقبال القبلة فليس إلا فيه، نعم يخطر في بالي أن فيه رواية عن بعض موالي
علي بن الحسين (عليهم السلام) لما أراد أن يحلق رأس أبي حنيفة، لم تحضرني
الآن في أي كتاب.
وكيف كان ففي كشف اللثام بعد ذكر خبر غياث " المراد بهما كما في
الفقيه والمقنع والهداية والجامع والدروس اللذان عند منتهى الصدغين قبالة
وتد الأذنين، وفي الوسيلة العظمين خلفه، وفي الاقتصاد والجمل والعقود
والمهذب إلى الأذنين، وفي المصباح ومختصره العظمين المحاذيين للأذنين، وهاتان
العبارتان يحتملان الأمرين، وعلى كل حال فالغاية بهما للاستيعاب كما في الدروس
والمصباح ومختصره لا لعدمه، ولكن المعنى الأول يفيده طولا: والثاني
دورا " انتهى والأمر سهل.
(و) كيف كان ف‍ (ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر الرمي ثم
الذبح ثم الحلق) كما في النافع والقواعد بل ومحكي النهاية والمبسوط والاستبصار وظاهر
المقنع في الأخيرتين، بل نسبه غير واحد إلى أكثر المتأخرين، لقوله تعالى (1):
" ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله " وللتأسي مع قوله صلى الله عليه وآله (2)

(1) سورة البقرة الآية 192
(2) تيسير الوصول ج 1 ص 312
247

" خذوا عني مناسككم " وقول الصادق عليه السلام في خبر عمر بن يزيد (1) " إذا ذبحت
أضحيتك فاحلق رأسك واغتسل وقلم أظفارك وخذ من شاربك " وفي خبر جميل (2)
" تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق " وفي صحيح معاوية بن عمار أو حسنه (3) " إذا
رميت الجمرة فاشتر هديك " وفي خبر أبي بصير (4) " إذا اشتريت أضحيتك
وقمطتها في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محله، فإن أحببت أن تحلق فاحلق "
وإن كان هو دالا على قيام ربطها في رحله مقام الذبح، ونحوه أخبار (5) وفي
موثق عمار (6) عنه عليه السلام أيضا " سألته إلى أن قال " وعن رجل حلق قبل أن
يذبح قال يذبح ويعيد الموسى، لأن الله تعالى يقول: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى
يبلغ الهدي محله " وخبر سعيد السمان (7) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن
رسول الله صلى الله عليه وآله عجل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى فأمر من كان عليها منهن
هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح، ومن لم يكن عليها منهن هدي أن تمضي إلى
مكة حتى تزور " وصحيح أبي بصير (8) عنه عليه السلام أيضا قال: " سمعته يقول:
لا بأس أن تقدم النساء إذا زال الليل فتفيض عند المشعر الحرام ساعة ثم ينطلق
بهن إلى منى فيرمين الجمرة ثم يصبرن ساعة ثم ليقصرن ولينطلقن إلى مكة إلا أن

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 7 - 8
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 7 - 8
(4) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 7 - 8
(5) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 7 بطريقين آخرين
(6) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 3 - 1 - 7 - 8
(7) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5 - 7
(8) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5 - 7
248

يكن يردن أن يذبح عنهن، فإنهن يوكلن من يذبح عنهن " وصحيح سعيد
الأعرج (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل
قال نعم إلى أن قال: افض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن
لم يكن عليهم ذبح فليأخذن من شعورهن وليقصرن من أظفارهن " وخبر موسى
ابن القاسم (2) عن علي عليه السلام قال: " لا يحلق رأسه ولا يزور البيت حتى يضحي
فيحلق رأسه ويزور متى شاء " وصحيح عبد الله بن سنان (3) سأل الصادق عليه السلام
" عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي قال: لا بأس وليس عليه شئ ولا يعودن "
بناء على إرادة الحرمة من النهي عن العود وعدم الإعادة من نفي البأس كما ستعرف
إن شاء الله.
وعلى كل حال فلا إشكال في ظهور مجموع ما ذكرناه من الآية والرواية
في وجوب الترتيب في الثلاثة، خلافا للمحكي عن الخلاف والسرائر والكافي من
عدم الوجوب، وعن الأولين استحبابه كما عن المختلف ومال إليه بعض متأخري
المتأخرين، للأصل وصحيح جميل (4) السابق المشتمل على نفي الحرج الذي
قد عرفت احتمال إرادة الاجزاء منه وحال الجهل والنسيان والضرورة ونفي الفداء
ونحوه، بل مال إليه في الرياض مرجحا لاحتمال حمل الأوامر المزبورة على الندب
على احتمال غيره بالأصل وخبر أحمد بن محمد بن أبي نصر (5) " قلت لأبي جعفر
الثاني عليه السلام: جعلت فداك إن رجلا من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر وحلق
قبل أن يذبح قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان يوم النحر أتاه طوائف من
المسلمين فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ذبحنا من قبل أن نرمي وحلقنا من قبل أن

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 9 - 10 - 4 - 6
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 9 - 10 - 4 - 6
(4) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 9 - 10 - 4 - 6
(5) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 9 - 10 - 4 - 6
249

نذبح فلم يبق شئ مما ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه، ولا شئ مما ينبغي لهم
أن يؤخروه إلا قدموه فقال: لا حرج " بل وغيره من الأخبار، ومصير
أكثر العامة كما في المنتهى إلى الوجوب، قال: فيترجح بهما الاستحباب وإن
تساوى الجمعان، والتأسي إنما يجب لو لم يظهر الاستحباب من الخارج، مضافا إلى
أولوية حمل صحيح النهي عن العود على الكراهة مما عرفت، لظهور نفي البأس في
جواز الترك، ولذا استدل به الفاضل في المختلف على الندب، إلا أن الجميع كما
ترى، خصوصا مع تصريح الآية بالبعض مع عدم القول بالفصل، وخصوصا
مع الشهرة وغير ذلك.
بقي الكلام في وجوب فعلها أجمع يوم النحر كما هو ظاهر المتن، وقد عرفت
أنه لا إشكال بل ولا خلاف في وجوب الرمي يوم النحر إلا للنساء والخائف
ونحوه ممن تقدم سابقا، وأما الذبح فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز تقديمه
عليه، بل لعل الاجماع بقسميه عليه، وأما وجوبه فيه فقد صرح به غير
واحد وعرفت بعض الكلام فيه وكذا وجوب الحلق فيه أيضا، وإن كان لو لم
يفعل شيئا منهما فيه يجزيه أيضا، والله العالم.
وكيف كان (فلو قدم بعضا على بعض) عالما عامدا (أثم) قطعا (ولا
إعادة) بلا خلاف محقق أجده فيه، بل في المدارك أن الأصحاب قاطعون به،
وأسنده في المنتهى إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع عليه، وحينئذ يكون الوجوب
المزبور تعبديا لا شرطيا، ولعله المراد من صحيح ابن سنان (1) السابق المشتمل
على نفي البأس والنهي عن العود لمثل ذلك، بل ونصوص نفي الحرج (2) وإن

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 10
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب الذبح الحديث 4 و 6 والباب 2
من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2
250

لم يكن قد صرح فيها بالعمد، والأمر بامرار الموسى بعد الذبح لمن قدم الحلق
محمول على ضرب من الندب، فما في المدارك من اشكال ذلك بأنها محمولة عند
القائل بوجوب الترتيب على الجهل والنسيان وإلا لم يجب الترتيب في غير محله،
وإن صدر من بعضهم ذلك، ووجوب الترتيب أعم من شرطيته، كما أن ما فيها
وفي غيرها من إشكال الحكم المزبور بأنه مناف لقاعدة عدم الاتيان بالمأمور به
على وجهه المقتضية وجوب الإعادة كذلك أيضا، ضرورة عدم الشرطية على التقدير
المزبور جمعا بين الأدلة، بل لعل المراد من قوله عليه السلام " لا حرج " الإشارة إلى قوله
تعالى (1) " وما جعل عليكم في الدين من حرج " الذي منه التكليف بالإعادة،
فحينئذ يكون الترتيب واجبا مستقلا لا شرطا، فالفاعل ممتثل في أصل الفعل
وإن عصى في عكس الترتيب، وعلى كل حال فما عن أبي علي من أن كل سائق
هديا واجبا أو غيره يحرم عليه الحلق قبل ذبحه، ولو حلق وجب دم آخر
محجوج بما عرفت إن أراد عدم الاجزاء إذا خولف الترتيب، وقد يحتمل
الكفارة، فلا خلاف حينئذ، والله العالم.
(مسائل ثلاث: الأولى مواطن التحلل ثلاثة) بلا خلاف أجده فيه، بل
يمكن تحصيل الاجماع عليه (الأول) المتمتع (عقيب الحلق أو التقصير يحل
من كل شئ إلا الطيب والنساء) كما عن النهاية والتهذيب والمبسوط والوسيلة
والسرائر والمصباح ومختصره والجامع وغيرها، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر
وفي غيرها إلى المشهور، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، لقول الصادق عليه السلام
في صحيح معاوية بن عمار (2): " إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل

(1) سورة الحج الآية 77
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
251

شئ أحرم منه إلا النساء والطيب، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة
فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء، فإذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل
شئ أحرم منه إلا الصيد " أي الحرمي لا الاحرامي كما هو واضح، وصحيح
العلاء (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني حلقت رأسي وذبحت وأنا متمتع أطلي
رأسي بالحناء قال: نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب، قلت: وألبس القميص وأتقنع
قال: نعم، قلت قبل أن أطوف بالبيت قال: نعم " وصحيحه الآخر (2) " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام تمتعت يوم ذبحت وحلقت فالطخ رأسي بالحناء قال: نعم من
غير أن تمس شيئا من الطيب، قلت فألبس القميص قال: نعم إذا شئت، قلت
فأغطي رأسي قال: نعم " وخبر عمر بن يزيد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام: " إعلم
أنك إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شئ إلا النساء والطيب " وخبر منصور
ابن حازم (4) وخبر جميل (5) المروي عن مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي
عن جميل سأله عليه السلام " المتمتع ما يحل له إذا حلق رأسه، قال: كل شئ إلا النساء
والطيب، قال فالمفرد قال: كل شئ إلا النساء " وخبر محمد بن حمران (6)
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال: كل شئ إلا النساء،
وعن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال كل شئ إلا النساء والطيب ".
ولا ينافي ذلك ما في صحيح سعيد بن يسار (7) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل أن يزور فيطليه بالحناء، قال: نعم الحناء

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 5 - 3 - 4 - 2 - 7
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 5 - 3 - 4 - 2 - 7
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 5 - 3 - 4 - 2 - 7
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 5 - 3 - 4 - 2 - 7
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1
(7) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 5 - 3 - 4 - 2 - 7
252

والثياب والطيب وكل شئ إلا النساء رددها علي مرتين أو ثلاثا " قال: " وسألت
أبا الحسن عليه السلام عنها فقال: نعم الحناء والثياب والطيب وكل شئ إلا النساء "
كذا عن الكافي ورواه الشيخ عنه أيضا ولم يذكر فيه " قبل أن يزور " ومن هنا
حمله على أنه عليه السلام أراد أن الحاج متى حلق وطاف طواف الحاج وسعى فقد حل
له هذه الأشياء وإن لم يذكرهما في اللفظ، لعلمه بأن المخاطب عالم بذلك، أو
تعويلا على غيره من الأخبار، وهو مع بعده مناف لما سمعته عن النسخة
الصحيحة عن الكافي، ولذا أجاب عنه في الدروس بأنه متروك، وكذا لا ينافيه
صحيح معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سئل ابن عباس هل
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتطيب قبل أن يزور البيت قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله
يضمد رأسه بالمسك قبل أن يزور البيت " لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يكن متمتعا
بل وكذا خبر أبي أيوب الخزاز (2) " رأيت أبا الحسن (عليه السلام) بعد
ما ذبح وحلق ثم ضمد رأسه بمسك ثم زار البيت وعليه قميص وكان مقنعا " حتى
على ما عن بعض النسخ من أنه كان متمتعا من التمتع لا التقنع بناء على أن ذلك
كان زعما منه لا أنه كذلك، وخبر عبد الرحمان أو صحيحه (3) قال: " ولد
لأبي الحسن (عليه السلام) مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران
وكنا قد حلقنا قال عبد الرحمان فأكلت أنا، والكاهلي ومرازم أبيا أن يأكلا، وقالا
لم نزر البيت فسمع أبو الحسن كلامنا، فقال لمصارف وكان هو الرسول الذي
جاءنا به في أي شئ كانوا يتكلمون؟ قال أكل عبد الرحمان وأبى الآخران

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والقصير الحديث 10
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2 - 3
253

وقالا لم نزر البيت فقال: أصاب عبد الرحمان ثم قال: ما تذكر حين أتينا به في
مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه، وأبى عبد الله أخي أن يأكل منه، فلما جاء أبي حرشه
علي فقال: يا أبت إن موسى أكل خبيصا فيه زعفران ولم يزر بعد، فقال أبي
هو أفقه منك، أليس قد حلقتم رؤوسكم " لاحتمال كونهم غير متمتعين كما سمعت
التصريح بذلك في خبر محمد بن حمران وغيره، بل ولا خبر إسحاق بن عمار (1) أيضا
" سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحل له؟ قال:
كل شئ إلا النساء " لكونه قابلا للتخصيص بما عرفت.
كل ذلك مع أن المحكي عن الشافعي وأحمد وأبي حنيفة حل كل شئ له إلا
النساء، كما عن ابن الزبير وعلقمة وسالم وطاووس والنخعي وأبي ثور، فيمكن
أن تكون النصوص المزبورة خرجت مخرج التقية، فما في المدارك - من احتمال
جواز الطيب له على كراهة، وحينئذ يكون تحللين - واضح الفساد، وإن حكي
عن ظاهر ابن أبي عقيل العمل بما في هذه النصوص من حل الطيب للمتمتع أيضا،
لكنه مع كونه شاذا محجوج بما عرفت.
وعلى كل حال فما عن ابن بابويه وولده من التحلل بالرمي إلا من الطيب
والنساء لم نعرف له مأخذا إلا خبر الحسين بن علوان (2) عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) المروي عن قرب الإسناد " وإذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك
كل شئ حرم عليك إلا النساء " وما يحكى عن الفقه المنسوب (3) إلى الرضا
(عليه السلام) " واعلم أنك إذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شئ إلا الطيب

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 8 - 11
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 8 - 11
(3) المستدرك الباب 11 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4
254

والنساء، وإذا طفت طواف الحج حل لك كل شئ إلا النساء، فإذا طفت طواف
النساء حل لك كل شئ إلا الصيد، فإنه حرام على المحل في الحرم، وعلى المحرم
في الحل والحرم " وهو مع أن الثاني منهما غير ثابت عندنا، ولم يذكر في
الأول الطيب وامكان تقييدهما بغيرهما مما اعتبر فيه الذبح والحلق مخالف للمعروف
بين العامة والخاصة من كون التحلل الأول بعد الحلق كما عرفت ولما سمعته من
النصوص أيضا.
(و) أما (الصيد) فقد ذكره المصنف هنا وفي النافع بل هو معقد
النسبة إلى علمائنا في محكي المنتهى لكن في القواعد على إشكال، ولعله من
إطلاق الأخبار والأصحاب أنه يحل له كل شئ إلا النساء والطيب، ومن الأصل
وظاهر قوله تعالى (1): " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " الذي يكفي في تحققه حرمة
الطيب والنساء وأنه في الحرم، قيل ولذا ذكر علي بن بابويه والقاضي أنه لا يحل
بعد طواف النساء أيضا لكونه في الحرم، بل سمعت التصريح به في صحيح
معاوية (2) السابق، ولعله لذا ضرب على الاشكال في بعض ما حكي من نسخ
القواعد، ولكن فيه أنه لا ينافي التحلل منه من جهة الاحرام، وتظهر الفائدة في
أكل لحم الصيد كما عن الخلاف النص على حله، وفي مضاعفة الكفارة، وإذا خرج
إلى الحل قبل الطواف، المتيقن من الآية غير الفرض، بل لعله الظاهر، فالمتجه
حينئذ العمل بالنصوص المزبورة وإن بقي الحرمة من حيث الحرم، لكن في
الدروس عن العلامة عدم التحلل من الصيد إلا بطواف النساء مذهب علمائنا،
وإن كنا لم نتحققه، إلا أنه لا ينبغي ترك الاحتياط.

(1) سورة المائدة الآية 96
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
255

ثم إن الظاهر اعتبار فعل المناسك الثلاثة في منى في حصول هذا التحلل
كما عن أبي علي والشيخ التصريح به، بل والمصنف في النافع والفاضل في المختلف
بل يمكن أن يكون هو المراد ممن أطلق، بل وخبري عمر بن يزيد (1) وجميل (2)
السابقين حملا للحلق على الواقع على أصله، ويؤيده الأصل والاحتياط، مضافا
إلى صحيح معاوية السابق (3) المستفاد من الجمع بينه وبين خبر الرمي (4) بعد
تقييد اطلاق كل بالآخر اعتبار الثلاثة أيضا، نعم لا يعتبر ترتيبها لما عرفت من
الاجزاء وإن أثم، وعن المقنع والتحرير والتذكرة والمنتهى أنه بعد الرمي والحلق
وفي كشف اللثام " ولعل المراد ما سبقه، ولم يذكرا الذبح لاحتمال الصوم بدله
واكتفاء بالأول والآخر " قلت: وإن كان محجوجا بما عرفت.
هذا كله في المتمتع، أما غيره فيحل له بالحلق أو التقصير الطيب أيضا كما
في القواعد ومحكي الأحمدي والتهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط والوسيلة
والسرائر والجامع، لما سمعته من خبر محمد بن حمران (5) ومن المحكي عن ابن
عباس في صحيح معاوية (6) عن الصادق (عليه السلام) وخبر جميل (7) المروي
عن نوادر البزنطي، بل هو مقتضى الجمع بين صحيح منصور (8) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل رمى وحلق أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال:
لا حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، ثم قد حل كل شئ إلا النساء " وبين

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1 - 2
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1 - 2 - 4
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1 - 2
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1 - 2
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1 - 2 - 4
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1 - 2 - 4
(7) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 4 - 1 - 2 - 4
(8) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2
256

صحيح عبد الرحمان بن الحجاج (1) السابق المشتمل على قضية الخبيص، ولا يخفى
عليك أن مقتضى هذه الأدلة عدم الفرق بين تقديمه الطواف والسعي وعدمه،
فما في الدروس من اشتراط حل الطيب له بذلك في غير محله، وإن ذكر بعض
الناس له وجها غير وجيه، بل كالاجتهاد في مقابلة النصوص، كما أن اطلاق
المصنف هنا والنافع ومحكي الخلاف بقاء حرمة النساء والطيب كذلك أيضا بعد ما سمعت
من الأدلة، بل عن الجعفي التصريح بالتسوية بين المتمتع وغيره في ذلك، ولا
ريب في ضعفه، والله العالم.
التحلل (الثاني) للمتمتع (إذا طاف طواف الزيارة) للحج (حل له
الطيب) كما في النافع والقواعد وغيرها ومحكي والانتصار والاستبصار والنهاية والمبسوط
والمصباح ومختصره والوسيلة والسرائر، بل لا أجد فيه خلافا، لصحيح معاوية (2)
السابق ومنصور بن حازم (3) " إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى
تطوف البيت " وفيما كتبه عليه السلام إلى المفضل بن عمر (4) فيما رواه سعد بن عبد الله
في المحكي من بصائر الدرجات عن القاسم بن الربيع ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب
ومحمد بن سنان جميعا عن مياح المدائني " فإذا أردت المتعة في الحج إلى أن
قال: ثم أحرمت بين الركن والمقام للحج فلا تزال محرما حتى تقف بالمواقف
ثم ترمي وتذبح وتغتسل ثم تزور البيت، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أحللت "
بل في كشف اللثام أنه لا يتوقف على صلاة الطواف لاطلاق النص والفتوى،

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب الحلق التقصير الحديث 3
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب تروك الاحرام الحديث 12
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 29
257

وإن كان لا يخلو من نظر، لانسياق اندراج صلاته فيه، خصوصا بعد أن
كان المشهور كما اعترف به هو فيه توقف حل الطيب على السعي كما عن الخلاف
والمختلف، بل هو الأقوى، للأصل وما سمعته في صحيحي معاوية ومنصور
السابقين وصحيح معاوية (1) الآتي، وبها يقيد إطلاق الخبرين المزبورين إن
لم نقل بتناول زيارة البيت فيهما له، نعم إن قدم القارن والمفرد الطواف والسعي على
الوقوف أو مناسك منى والمتمتع للضرورة فالظاهر عدم التحلل إلا بالحلق، للأصل
وخبر المفضل، وانصراف الخبر الأول والفتاوى إلى المؤخر، مضافا إلى امكان
كون المحلل هو المركب من الطواف والسعي وما قبلهما من الأفعال بمعنى كون
السعي جزء العلة، فما عن بعض من التحلل لا يخفى عليك ما فيه وإن استوجهه
في المسالك، لكن قد سمعت فيما تقدم أنه مع تقديم الطواف والسعي لا بد من تجديد
التلبية لئلا يحصل التحلل ويصير الحج عمرة، وحينئذ فلا وجه لدعوى التحلل بما
وقع من الطواف والسعي مع فرض تجديد التلبية لتجدد الاحرام، كما أنه لا وجه
لبقاء حكم الاحرام مع فرض عدم تجديد التلبية وصيرورته حلالا وانقلاب حجه
عمرة، وبذلك يظهر لك إشكال في أصل تصور المسألة، فتأمل جيدا.
التحلل (الثالث إذا طاف طواف النساء حل له النساء) بلا خلاف معتد
به أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (2)
فما عن الحسن من عدم وجوبه لذلك واضح الفساد، نعم في كشف اللثام صلى
له أم لا، لاطلاق النصوص والفتاوى إلا فتوى الهداية والاقتصاد، وإن كان
فيه ما عرفت، مضافا إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (3): " ثم اخرج

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب الحلق والتقصير
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
258

إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة
فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا
فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه إلا النساء، ثم ارجع إلى البيت
وطف به أسبوعا آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثم قد
أحللت من كل شئ، وفرغت من حجك كله وكل شئ أحرمت منه " واحتمال
كون ذلك لتوقف الفراغ عليها لا حل النساء لا داعي له، ثم الكلام فيما إذا
قدمه على الوقوف أو مناسك منى ما تقدم.
والظاهر اعتبار هذا الطواف في حج النساء بالنسبة إلى حل الرجال لهن كما عن
علي بن بابويه التصريح به في الرسالة، مضافا إلى تصريح غير واحد به من المتأخرين
ومتأخريهم، للأصل وإطلاق قوله (1): " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال
في الحج " والرفث هو الجماع بالنص الصحيح (2) كما عرفته سابقا، والاجماع
والأخبار على حرمة الرجال عليها بالاحرام، وقاعدة الاشتراك إلا فيما استثني،
وللصحيح (3) " المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية
فإن طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، وإن لم تطهر إلى يوم التروية
اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت
المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت
فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شئ يحل منه المحرم إلا فراش
زوجها، فإذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها " ونحوه خبر آخر (4) إلا

(1) سورة البقرة الآية 193
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب تروك الاحرام الحديث 1
(3) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
259

أنه ليس فيه " فإذا طافت طوافا آخر " إلى آخره، وصحيح الحسين بن علي بن
يقطين (1) سألت أبا الحسن عليه السلام " عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف
النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف كلهم " وخبر إسحاق بن عمار (2) عن الصادق
عليه السلام " لولا ما من الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم،
ولا ينبغي أن يمسوا نساءهم يعني لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت
أسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا والمروة، وذلك على النساء والرجال واجب "
إن كان آخر الكلام من كلامه عليه السلام، بل هو المحكي عن الفقه المنسوب (3) إلى
الرضا عليه السلام، فما في القواعد ومحكي المختلف من التوقف فيه لعدم الدليل، بل
استوجهه في المسالك نظرا إلى أن الأخبار الدالة على حل جميع ما عدا الطيب
والنساء بالحلق وما عدا النساء بالطواف متناول للمرأة، ومن جملة ذلك حل الرجال
واضح الفساد بعد ما عرفت، كوضوح منع التناول المزبور.
وكيف كان فقد ظهر لك مما حررناه أن الحاج لو طاف الطوافين وسعى
قبل الوقوفين في موضع الجواز فتحلله واحد عقيب الحلق بمنى، ولو قدم طواف
الحج والسعي خاصة كان له تحللان، أحدهما عقيب الحلق مما عدا النساء
والآخر بعد طواف النساء لهن، ولو قلنا أنه يتحلل من الطيب بطواف الحج
ومن النساء بطوافهن وإن تقدم علي الوقوفين كانت المحللات ثلاثة مطلقا، هذا.
وقد صرح بعضهم بحرمة النساء على المميز بعد بلوغه لو تركه، لكون
الاحرام سببا لحرمتهن، والأحكام الوضعية لا تخص المكلف، حتى أن الشهيد
حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ، بل عن المنتهى والتذكرة الاجماع على وجوبه

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(3) المستدرك الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1
260

على الصبيان، وفي كشف اللثام بمعنى أن على الولي أمر المميز به، والطواف
بغير المميز، فإن لم يفعلوه حرمن عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه أو يستنيبوا فيه
استصحابا إلا على عدم توقف حلهن عليه، ولكن في موضع من القواعد
الاشكال في ذلك، ولعله لتمرينية عبادة الصبي كما هو المختار، اللهم إلا أن
يدعى خروج الحج منها كما هو الظاهر.
وعلى كل حال لا إشكال في الحل إذا لم يتركه، إذ كما أن إحرامه يصلح
سببا للحرمة الشرعية أو مطلقا فكذا طوافه يصلح سببا للحل، وما عن بعض
من أنه كطهارته من الحدث في أنه إن لم تكن شرعية لم يرفع الحدث وهم
لأن الحدث لا ينقسم إلى شرعي وغيره ليتفاوت بحسبهما في النية وعدمها.
وأما غير المميز فلا اشكال في عدم شرعية احرامه ولو تمرينا مع فرض
وقوعه منه، فلا تحرم النساء عليه إذا لم يطف به الولي، نعم قطع الشهيد بكونه
كالمميز إن أحرم به الولي، واحتمله في كشف اللثام هنا قويا، وقد سمعت
ما أسلفناه منه في غير المقام في تفسير اجماعي المنتهى والتذكرة، فإن تم كان هو
الحجة، مضافا إلى دعوى ظهور النصوص فيه،
ويجب على الخناثى لأنهم إما رجال أو نساء، وعلى الخصيان اجماعا محكيا
عن المنتهى والتذكرة، مضافا إلى الأصل وما سمعته من صحيح ابن يقطين (1)
على أنهم من شأنهم الاستمتاع بالنساء مع حرمته عليهم بالاحرام، فيستصحب مع
عدم تعليل وجوبه به.
ولذا يحب قضاؤه عن الميت، قال الشهيد: وليس طواف النساء مخصوصا
بمن يشتهي النساء اجماعا، فيجب على الخصي والمرأة والهم وعلى من لا اربة له

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1
261

فيهن، والمراد بالخصي ما يعم المجبوب بل المقصود من عبارات الأصحاب والسؤال
في الخبر (1) هو الذي لا يتمكن من الوطئ.
وتحرم النساء بالاحرام على العبد المأذون فيه وإن لم يكن متزوجا، ولا
يدفعه حرمتهن عليه قبله بدون الإذن، لجواز توارد الأسباب الشرعية،
ويتفرع على ذلك أن المولى إذا أذن له في التزويج وهو يعلم أن عليه طواف النساء
فقد أذن له المضي إلى قضائه، وكذا قيل إذا كان متزوجا وقد أذن في احرامه،
فإنه أذن له في الرجوع لطواف النساء إذا تركه، وفيه منع، إذ يمكن أن لا يريد
تحليل النساء له، وعلى كل حال فليس للمولى تحليله مما أحرم منه، خلافا
للمحكي عن أبي حنيفة، هذا.
وفي القواعد وشرحها للإصبهاني وإنما يحرم بتركه الوطئ وما في حكمه
من التقبيل والنظر واللمس بشهوة دون العقد، وإن كان حرم بالاحرام، لاطلاق
الأخبار والفتاوى باحلاله بما قبله من كل ما أحرم منه إلا النساء، والمفهوم منه
الاستمتاع بهن لا العقد عليهن، وفيه نظر أو منع، ولعله لذا قطع الشهيد
بحرمته أيضا للأصل، بل في كشف اللثام احتماله قويا أيضا، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه (يكره لبس المخيط)
للمتمتع (حتى يفرغ من طواف الزيارة) لخبر إدريس القمي (2) " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام إن مولى لنا تمتع ولما حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت
فقال: بئسما صنع، فقلت أعليه شئ؟ قال: لا، قلت فإني رأيت ابن
أبي سماك يسعى بين الصفا والمروة وعليه خفان وقباء ومنطقة، فقال بئسما صنع

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 3
262

قلت أعليه شئ؟ قال: لا " المحمول عليها جمعا بينهما وبين ما سمعت من النص
والفتوى من الاحلال بالحلق من كل شئ عدا النساء والطيب، بل ظاهر الخبر
المزبور ذلك حتى يتم السعي.
كما أن مقتضى صحيح ابن مسلم (1) وغيره كراهية تغطية الرأس كذلك
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة ووقف
بالمشعر ورمى الجمرة وذبح وحلق أيغطي رأسه؟ فقال: لا حتى يطوف بالبيت
وبالصفا والمروة، فقيل له فإن كان فعل فقال: ما أرى عليه شيئا " وفي
صحيح منصور بن حازم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل كان متمتعا فوقف
بعرفات وبالمشعر وذبح وحلق فقال: لا يغطي رأسه حتى يطوف بالبيت وبالصفا
والمروة، فإن أبي عليه السلام كان يكره وينهى عنه، فقلنا: فإن كان فعل قال:
ما أرى عليه شيئا ".
نعم ظاهر هذه النصوص اختصاص ذلك بالمتمتع، بل في خبر سعيد
الأعرج (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل رمى الجمار وذبح وحلق
رأسه أيلبس قميصا وقلنسوة قبل أن يزور البيت؟ قال: إن كان متمتعا فلا،
وإن كان مفردا للحج فنعم " وخبر إسماعيل بن عبد الخالق (4) المروي عن قرب الإسناد " قلت لأبي عبد الله عليه السلام ألبس قلنسوة إذا ذبحت وحلقت قال: أما
المتمتع فلا، وأما من أفرد الحج فنعم " إلا أن المصنف وغيره أطلق، ولعله
يحمل ذلك على خفتها بالنسبة إليه، إلا أنه متوقف على مقتضى الكراهة على
الاطلاق ولم يحضرني، فيتجه حينئذ نفيها فيه، والأمر سهل.

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2 - 1 - 4 - 6
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2 - 1 - 4 - 6
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2 - 1 - 4 - 6
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 2 - 1 - 4 - 6
263

(وكذا يكره الطيب) لمن طاف طواف الزيارة (حتى يفرغ من طواف
النساء) لصحيحة محمد بن إسماعيل (1) " كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام هل
يجوز للمحرم المتمتع أن يمس الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال: لا "
المحمول عليها جمعا، والله العالم.
المسألة (الثانية إذا قضى) الحاج (مناسكه يوم النحر فالأفضل المضي
إلى مكة للطواف والسعي ليومه) لاستحباب المسارعة والاسباق إلى الخيرات
ولموثق إسحاق (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم
الثالث قال: تعجيلها أحب إلي، وليس به بأس إن أخرته " وخبر عبد الله بن
سنان (3) عنه (عليه السلام) أيضا " لا بأس أن يؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر،
إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض " وصحيح معاوية بن
عمار (4) عنه عليه السلام أيضا " في زيارة البيت يوم النحر، قال: ذره، فإن اشتغلت
فلا يضرك أن تزور البيت من الغد، ولا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه
يكره للمتمتع أن يؤخره، وموسع للمفرد أن يؤخره ".
ومنه يعلم الوجه في قول المصنف وغيره: (فإن أخره فمن غده،
ويتأكد ذلك في حق المتمتع) مضافا إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (5)
" ينبغي للمتمتع أن يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، ولا يؤخر ذلك "
وصحيح معاوية بن عمار (6) عنه (عليه السلام) أيضا " سألته عن المتمتع

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب الحلق والتقصير الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 10 - 9 - 1 - 7 - 8
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 10 - 9 - 1 - 7 - 8
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 10 - 9 - 1 - 7 - 8
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 10 - 9 - 1 - 7 - 8
(6) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 10 - 9 - 1 - 7 - 8
264

متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد، ولا يؤخر، والمفرد
والقارن ليسا بسواء، موسع عليهما " وصحيح ابن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام
" سألته عن المتمتع متى يزور البيت: قال: يوم النحر " وصحيح منصور بن
حازم (2) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى
حتى يزور البيت " بل عن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع لا يؤخر عنه إلا
لعذر، وإن كان يحتمل أن يريدوا التأكيد.
نعم في المتن والنافع والقواعد (فإن أخر أثم) كالمحكي عن المفيد والمرتضى
من عدم جواز تأخير المتمتع ذلك عن اليوم الثاني، بل عن التذكرة والمنتهى
نسبته إلى علمائنا، ولعله لما سمعته من النهي في النصوص السابقة، ولكن
الأقوى حمله على الكراهة لا الحرمة، وفاقا للمحكي عن السرائر والمختلف وغيرهما، بل
في المدارك نسبته إلى سائر المتأخرين، بل هو خيرة المصنف سابقا، للأصل
وقوله تعالى (3) " الحج أشهر معلومات " وذو الحجة منها، فيجوز إيجاد
أفعال الحج فيه إلا ما خرج بالدليل، ولما تقدم من إطلاق نفي البأس عن تأخيره
إلى يوم النفر في صحيح ابن سنان (4) السابق وغيره والتعبير بقول " ينبغي "
ونحوه مما هو مستعمل في لسان الكراهة والندب، مضافا إلى صحيح
الحلبي (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سألته عن رجل نسي أن يزور البيت
حتى أصبح فقال: لا بأس، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 5 - 6
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 5 - 6
(3) سورة البقرة الآية 193
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 9 - 2
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 9 - 2
265

لا يقرب النساء والطيب " وصحيح هشام بن سالم عنه (1) (عليه السلام) أيضا " لا بأس
إن أخرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق، إلا أنك لا تقرب النساء
ولا الطيب " وظاهرهما بقرينة النهي عن الطيب المتمتع، وصحيح الحلبي (2)
المروي في المحكي من مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي، سأل الصادق (عليه
السلام) " عن رجل أخر الزيارة إلى يوم النفر قال: لا بأس " ودعوى الجمع
بينهما بالحمل على القارن والمفرد دون المتمتع مع أنها لا تتم فيما كان ظاهره التمتع
ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة، بل هذا أولى من وجوه، خصوصا
بعد ما سمعت التصريح بها في صحيح معاوية (3) السابق.
(و) على كل حال (يجزيه طوافه وسعيه) على القولين إذا أوقعه في
ذي الحجة كما صرح به غير واحد، لظهور بعض ما سمعته من الأدلة في ذلك،
لكن عن الغنية والكافي أن وقته يوم النحر إلى آخر أيام التشريق، ولعله لصحيح
ابن سنان السابق، وعن الوسيلة لم يؤخر إلى غد لغير عذر وإلى بعد غد لعذر،
وهو يعطي عدم الاجزاء إن أخر عن ثاني النحر، ولا ريب في ضعفه لما عرفت.
(و) كيف كان ف‍ (يجوز للقارن والمفرد تأخير ذلك) اختيارا (طول
ذي الحجة) كما في النافع والقواعد وغيرهما، ومحكي النهاية والمبسوط والخلاف
وبمعناه ما عن الاقتصاد والمصباح ومختصره والتهذيب من التأخير عن أيام التشريق
للأصل، وكون ذي الحجة من أشهر الحج، وما سمعته من إطلاق جواز
التأخير من مفهوم صحيح الحلبي وصحيح معاوية المشتمل على كراهة التأخير
للمتمتع، والتوسعة للمفرد، بل وصحيحه الآخر (4) المذكور فيه نفي التسوية

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 3 - 11 - 1 - 8
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 3 - 11 - 1 - 8
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 3 - 11 - 1 - 8
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 3 - 11 - 1 - 8
266

بين المفرد والقارن بعنوان الاعتراض أو أن المراد ليسا سواء مع المتمتع، وعلى كل
حال فهو ظاهر في أنه موسع عليهما التأخير عن الغد كالمحكي عن المقنعة والفقيه
والجمل والعقود وجمل العلم والعمل والوسيلة والمراسم والجامع، لكن عن صريح
الكافي وظاهر الغنية والاصباح أن وقته لهما أيضا إلى آخر أيام التشريق، وفيه
ما عرفت، نعم الظاهر جواز ذلك لهما (على كراهة) كما صرح به الفاضل،
قال: لما سمعته من قول الصادق (عليه السلام) من تعليل استحباب التقديم
بخوف الحوادث والمعاريض، وفي كشف اللثام " وهو يعطي أن المراد أفضلية
التقديم كما في التحرير والتلخيص، وهو الوجه؟ وفيه أنه يكفي في الكراهة
التي يتسامح فيها إطلاق النهي عن التأخير في بعض النصوص السابقة، والله العالم.
المسألة (الثالثة الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف والسعي الغسل) قبل
دخول مكة وقبل دخول المسجد (وتقليم الأظفار وأخذ الشارب) لقوله (عليه
السلام) في خبر عمر بن يزيد (1): " ثم احلق رأسك واغتسل وقلم أظفارك
وخذ من شاربك وزر البيت فطف به أسبوعا " ولو اغتسل لذلك بمنى جاز
للاطلاق، بل لعله أولى لقول الصادق (عليه السلام) للحسن بن أبي العلاء (2)
إذ سأله عن ذلك: " أنا اغتسل بمنى ثم أزور البيت ".
(والدعاء إذا وقف على باب المسجد) بما في صحيح معاوية (3) عن
الصادق (عليه السلام) " اللهم أعني على نسكي، وسلمني له وسلمه لي، أسألك

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب زيارة البيت الحديث 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب زيارة البيت الحديث 1 عن الحسين
ابن أبي العلاء.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
267

مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي، وأن ترجعني بحاجتي،
اللهم إني عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك جئت أطلب رحمتك، وأؤم طاعتك
تبعا لأمرك، راضيا بقدرك، أسألك مسألة الفقير المضطر إليك المطيع لأمرك
المشفق من عذابك الخائف لعقوبتك أن تبلغني عفوك، وتجيرني من النار
برحمتك، ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه وتقبله، فإن لم تستطع فاستقبله وكبر
وقل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة، ثم طفت بالبيت سبعة أشواط
كما وصفت لك يوم قدمت مكة، ثم صل عند مقام إبراهيم (عليه السلام)
ركعتين تقرأ فيهما بقل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون، ثم ارجع إلى الحجر
الأسود فقبله إن استطعت، وإلا استقبله وكبر ثم اخرج إلى الصفا واصعد
عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة واصعد عليها وطف بينهما
سبعة أشواط تبدأ بالصفا، وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد حللت من كل
شئ أحرمت منه إلا النساء، ثم ارجع إلى البيت وطف أسبوعا آخر ثم تصلي
ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ثم قد أحللت من كل شئ وفرغت
من حجك كله وكل شئ أحرمت منه " والحمد لله رب العالمين.
268

بسم الله الرحمن الرحيم
يا معين أعني
القول في الطواف
(وفيه ثلاثة مقاصد)
(الأول في المقدمات، وهي واجبة ومندوبة، فالواجبات الطهارة)
من الحدث الأصغر والأكبر في الطواف الواجب بلا خلاف أجده، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية (1):
" لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت، والوضوء
أفضل " وصحيح علي (2) عن أخيه (عليه السلام) " سألته عن رجل طاف
بالبيت وهو جنب فذكر وهو في الطواف قال: يقطع طوافه لا يعتد بشئ مما
طاف، وسألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه على غير وضوء فقال: يقطع طوافه
ولا يعتد به " وصحيح ابن مسلم (3) " سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل
طاف طواف الفريضة وهو على غير طهر قال: يتوضأ ويعيد طوافه، وإن كان

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 3
(2) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 3
(3) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 3
269

تطوعا توضأ وصلى ركعتين " نعم ظاهر الأخير عدم وجوبها في المندوب كما هو
أحد القولين في المسألة، بل أظهرهما لذلك وللأصل، وصحيح حريز (1) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير
وضوء قال يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف " وخبر عبيد بن زرارة (2) عنه
(عليه السلام) أيضا " لا بأس أن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ
ويصلي، وإن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ وليصل، ومن طاف تطوعا
وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعيد الطواف " فما عن أبي الصلاح
من وجوبها فيه أيضا لاطلاق بعض النصوص المقيد بما عرفت في غير محله.
بل الظاهر عدم اشتراطه بالطهارة من الأكبر الذي يحرم مطلقا الكون في
المسجد معه فضلا عن اللبث، لكن لو طاف ناسيا مثلا صح طوافه للأصل بعد
امتناع تكليف الغافل، ولعله المراد من محكي التهذيب " من طاف على غير وضوء
أو طاف جنبا فإن كان طوافه طواف الفريضة فليعده، وإن كان طواف السنة
توضأ أو اغتسل فصلى ركعتين وليس عليه إعادة الطواف " نعم لا ريب في
استحباب الطهارة له لما سمعته من صحيح معاوية وللنبوي (3) العامي الذي يكفي
مثله في الفرض " الطواف بالبيت صلاة " كما أن الظاهر إرادة الطواف المندوب
لنفسه دون ما كان جزء عمرة مندوبة أو حج كذلك فإنه من الواجب.
وعلى كل حال فقد عرفت في كتاب الطهارة أن كلما تبيحه الطهارة المائية
تبيحه الطهارة الترابية، لكن عن فخر المحققين عن والده أنه لا يرى إجزاء
التيمم فيه بدلا عن الغسل، بل في المدارك أنه ذهب فخر المحققين إلى عدم إباحة

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 7 - 2
(2) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 7 - 2
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 87 وكنز العمال ج 3 ص 10 الرقم 206
270

التيمم للجنب الدخول في المسجدين ولا اللبث فيما عداهما من المساجد، ومقتضاه
عدم استباحة الطواف به، قلت: هو كذلك لكن لا صراحة فيه؟ ببطلان
الطواف به مع النسيان ونحوه مما لا نهي معه من حيث الكون.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه لما تقدم سابقا في محله من النصوص
والفتاوى ومعاقد الاجماعات على إباحة الترابية ما تبيحه المائية من غير فرق بين
الحدث الأكبر والأصغر الذي حكي الاجماع على اجزائه فيه كاجزاء طهارة
المستحاضة فيه أيضا بلا خلاف أجده فيه، لقول الصادق (عليه السلام) في مرسل
يونس (1): " المستحاضة تطوف بالبيت وتصلي ولا تدخل الكعبة " وغيره
من النصوص التي ذكرناها في محلها " (2).
نعم في كشف اللثام تقدم أن المبطون يطاف عنه والأصحاب قاطعون به،
ولعل الفارق النص (3) وإلا كان المتجه الجواز فيه كالمستحاضة والمسلوس وغيرهما
من ذوي الطهارة الاضطرارية، هذا، وفي اللمعة اعتبار رفع الحدث فيه،
واستظهر منها في الروضة عدم إجزاء الطهارة الاضطرارية، ولكن يمكن منعه
عليه بأن يريد من رفع الحدث ما يشمل ذلك ولو حكما، والله العالم.
(وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن) ولو ندبا كما عن الأكثر، بل عن
الغنية الاجماع عليه، للنبوي " الطواف بالبيت صلاة " وخبر يونس بن يعقوب (4)
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف

(1) الوسائل الباب - 91 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) المتقدم في ج 3 ص 351 إلى ص 363
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب الطواف
(4) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 2
271

قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم
طوافه " بل لا إشكال في الاشتراط بناء على تحريم إدخال النجاسة وإن لم تسر،
واستلزام الأمر بالشئ النهي عن ضده، إلا أن لا يعلم بالنجاسة عند الطواف
وإن كان لنسيانه لها فيصح حينئذ بناء على أن مدرك الاشتراط ذلك لا الأول
الذي مقتضاه مساواة حكمه للصلاة، لكن عن ابن الجنيد كراهته في ثوب أصابه
دم لا يعفى عنه في الصلاة، وعن ابن حمزة كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه ومال
إليه في المدارك للأصل، وضعف الخبرين المزبورين، ومنع حرمة ادخال
النجاسة غير المتعدية والهاتكة حرمة المسجد، ولمرسل البزنطي (1) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في
مثله وطاف في ثوبه فقال: أجزء الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر ".
ولكن الأقوى الأول للخبرين السابقين الذين عمل بهما من لا يعمل إلا
بالقطعيات المنجبرين بما عرفت الذين ينقطع بهما الأصل المزبور ويقصر عن
معارضتهما المرسل المذكور، بل عن التذكرة والمنتهى والتحرير وظاهر غيرها
عدم العفو عما يعفى عنه في الصلاة، لعموم خبر يونس الذي لا يخص بالنبوي
المزبور بعد عدم انجباره بالنسبة إلى ذلك، وعدم انصراف مثله في وجه
التشبيه، هذا، وفي الدروس ويجب قبله أي الطواف أربعة أشياء: إزالة
النجاسة عن الثياب والبدن، وفي العفو عما يعفى عنه في الصلاة نظر، وقطع
ابن إدريس والفاضل بعدمه، والتوقف فيه لا وجه له، وهي كما ترى لا تخلو
من تدافع، وظني أنها غلط من النساخ، لأن هذه اللفظة موجودة بعد ذلك

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3
272

بيسير في مسألة الستر، وقد وجدت عبارة الدروس منقولة خالية عن ذلك،
والظاهر أنها هي الصحيحة،
وعلى كل حال فالتحقيق عدم العفو في الأقل من
الدرهم من الدم وفيما لا تتم الصلاة به، ولذا صرح الفاضل ببطلانه في الخاتم النجس
أما دم القروح والجروح فالظاهر العفو للحرج وغيره، والله العالم.
ولو ذكر في الواجب عدم الطهارة من الحدث استأنف معها، ولا استئناف
في المندوب إلا لصلاته بناء على ما عرفت بلا خلاف في شئ من ذلك ولا إشكال
وإن شك في الطهارة في أثناء الطواف وكان محدثا قبله استأنفه مع الطهارة،
لقاعدة اقتضاء الشك في الشرط الشك في المشروط، بل هو محدث شرعا، والصحة
في الصلاة لو قلنا بها لدليل خاص، وإلا فأصالة الصحة في بعض العمل لا تقتضي
الحكم بوجودها في البعض الباقي منه، والفرض توقف صحة بعضه على الآخر
نعم لو شك بعد الفراغ لم يلتفت إليه كالصلاة وغيرها من دون فرق بين أجزائها
وشرائطها، نعم قد يقال في مثل الطواف بالطهارة لما بقي من أشواطه والبناء
على الأول المحكوم بصحته لأصلها، إذ هو باعتبار جواز ذلك فيه يكون
كالعصر والظهر اللذين لا يلتفت إلى الشك في أثنائهما بعد تمام الأولى لأصالة الصحة
وإن وجب الوضوء للعصر، ولكن لم أجد من احتمله في المقام، بل في محكي
التحرير والمنتهى والتذكرة التصريح بما ذكرناه أولا، نعم في كشف اللثام
" الوجه أنه إن شك في الطهارة بعد يقين الحدث فهو محدث يبطل طوافه شك
قبله أو بعده أو فيه، وإن شك في نقضها بعد يقينها فهو متطهر يصح طوافه
مطلقا، وإن تيقن الحدث والطهارة وشك في المتأخر ففيه ما مر في كتاب
الطهارة، ولا يفترق الحال في شئ من الفروض بين الكون في الأثناء وبعده،
وليس ذلك من الشك في شئ من الأفعال " وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت،
والله العالم.
273

(و) كذا يشترط في صحته واجبا كان أو مندوبا (أن يكون)
الرجل (مختونا) بلا خلاف أجده فيه، بل عن الحلبي أن اجماع آل محمد صلوات
الله عليهم عليه مضافا إلى قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (1) " الأغلف
لا يطوف بالبيت، ولا بأس أن تطوف المرأة " وفي صحيح حريز (2) وإبراهيم
بن عمر (3) " لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة، وأما الرجل فلا يطوفن إلا
وهو مختون " وخبر إبراهيم بن ميمون (4) عنه عليه السلام أيضا " في رجل أسلم فيريد
أن يختتن وقد حضر الحج أيحج أو يختتن قال: لا يحج حتى يختتن " وغير
ذلك، فما في المدارك من أنه نقل عن ابن إدريس التوقف في ذلك واضح الضعف،
مع أنا لم نتحققه، كما أن عدم ذكر كثير له على ما في كشف اللثام ليس
خلافا محققا.
(و) على كل حال ف‍ (لا يعتبر في المرأة) بلا خلاف أجده فيه، بل
يمكن دعوى تحصيل الاجماع عليه، للأصل وما سمعته من النصوص.
أما الخنثى المشكل فالمتجه بناء على الأعمية عدم الوجوب للأصل، والوجوب
على القول بأنها اسم للصحيح، تحصيلا ليقين الخروج عن العهدة إلا على القول
بجريان الأصل فيها على هذا التقدير أيضا.
بل قد يظهر من المصنف وغيره عدم اعتباره في الصبي، قيل للأصل بعد
عدم توجه النهي إليه، وحينئذ فإن أحرم وطاف أغلف لم تحرم النساء عليه بعد
البلوغ، ولكن قد يقال إن النهي وإن لم يتوجه إليه إلا أن الحكم الوضعي
المستفاد منه ثابت عليه، خصوصا بعد صحيح معاوية السابق، هذا.

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 3 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 3 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 3 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 3 - 3 - 2
274

وفي القواعد وغيرها اعتبار التمكن، وحينئذ فلو تعذر ولو لضيق
الوقت سقط، ولعله لاشتراط التكليف بالتمكن كمن لم يتمكن من الطهارة،
مع عموم أدلة وجوب الحج والعمرة، وفي كشف اللثام المناقشة بأنه يجوز أن
يكون كالمبطون في وجوب الاستنابة، قلت لعل المتجه فيه سقوط الحج عنه في
ذلك العام لفوات المشروط بفوات شرطه، بل لعل خبر إبراهيم بن ميمون
لا يخلو من إشعار بذلك، وإن كان هو غير نص في أنه غير متمكن من الختان
لضيق الوقت، وأن عليه تأخير الحج عن عامه لذلك، فإن الوقت إنما يضيق
غالبا عن الاختتان مع الاندمال، فأوجب عليه السلام أن يختتن ثم يحج وإن لم يندمل
نعم قد يقال أن شرطيته مستفادة من النهي المشروط بالتمكن، فيدور حينئذ
مداره، وفيه مع إمكان منع تقييد الحكم الوضعي والمستفاد من الأمر والنهي
بالتكليفي كما في غيره من الشرائط، ولذا قلنا بالاشتراط في الصبي أنه لا يقتضي
السقوط بضيق الوقت، ضرورة حصول التمكن ولو في غير العام، فتأمل جيدا.
ثم إن الفاضل في القواعد والمحكي من جملة من كتبه أوجب فيه ستر
العورة كما عن الخلاف والغنية والاصباح، ولعله لأنه صلاة، ولقوله صلى الله عليه وآله:
" لا يحج بعد العام مشرك ولا عريان " لكن في المختلف وللمانع أن يمنعه، والرواية
غير مسندة من طرقنا فلا حجة فيها، وفيه على ما في كشف اللثام أن الخبر الثاني
يقرب من التواتر من طريقنا وطريق العامة، روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه
عن محمد بن الفضل (1) عن الرضا عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام: " إن رسول الله
أمرني عن الله تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان ولا يقرب المسجد الحرام مشرك

(1) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 2
275

بعد هذا العام " وروى فرات في تفسيره معنعنا عن ابن عباس في قوله تعالى (1)
" وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر " " المؤذن عن الله
ورسوله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام، أذن بأربع كلمات أن لا يدخل المسجد
إلا مؤمن، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله أجل
فأجله إلى مدته، ولكم أن تسيحوا في الأرض أربعة أشهر " وروى الصدوق في
العلل عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن
خالد عن أبيه عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي عن سلمة بن مهران عن
الحكم بن مقيم عن ابن عباس (2) " إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث عليا عليه السلام ينادي
لا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان " وروى العياشي في
تفسيره بسنده عن حريز (3) عن الصادق عليه السلام " إن عليا عليه السلام قال: لا يطوف
بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك " وبسنده عن محمد بن مسلم (4) عنه عليه السلام
" أن عليا عليه السلام قال: ولا يطوفن بالبيت عريان " وبسنده عن أبي بصير (5) عن
أبي جعفر عليه السلام قال: " خطب علي عليه السلام الناس واخترط سيفه وقال: لا يطوفن بالبيت
عريان " الخبر، وبسنده عن حكم بن الحسين (6) عن علي بن الحسين عليهما السلام

(1) سورة التوبة الآية 3
(2) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 1 - 7 - 8 - 5
(3) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 1 - 7 - 8 - 5
(4) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 1 - 7 - 8 - 5
(5) الوسائل الباب 53 من أبواب الطواف الحديث 1 - 7 - 8 - 5
(6) ذكر ذيله في الوسائل في الباب 53 من أبواب الطواف الحديث
6 وتمامه في تفسير العياشي ج 2 ص 76 ذيل سورة التوبة الحديث 12 عن حكيم
ابن الحسين
276

" إن لعلي عليه السلام أسماء في القران ما يعرفها الناس، قال: وأذان من الله ورسوله
إلى أن قال: فكان مما نادى به ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان،
ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك " وروى الحاكم أبو القاسم
الحسكاني بسنده عن عامر الشعبي عن علي عليه السلام لما لقيه (بعثه خ ل)
رسول الله صلى الله عليه وآله حين أذن في الناس بالحج الأكبر قال: " ألا لا يحج بعد
هذا العام مشرك، ألا ولا يطوف بالبيت عريان " الخبر إلى غير ذلك مما يطلعك
عليه الاستقراء، قلت: وفي البحار روى الشعبي عن محرز عن أبيه أبي هريرة (1)
قال: " كنت أنادي مع علي عليه السلام حين أذن المشركين وكان صحل صوته مما
ينادي، قال: قلت: ما آبه أي شئ كنتم تقولون؟ قال: كنا نقول:
لا يحج بعد عامنا هذا مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل البيت
إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول الله مدة فإن أجله إلى أربعة أشهر، فإن
انقضت أربعة أشهر فإن الله برئ من المشركين ورسوله " وفيه أيضا ذكر
أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن زيد بن مقنع (2) قال: " سألنا عليا عليه السلام بأي
شئ بعثت في ذي الحجة؟ قال: بعثت بأربعة لا تدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة
ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مؤمن وكافر في المسجد الحرام بعد عامه
هذا، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله عهد فعهده إلى مدته، ومن لم يكن
له فأجله إلى أربعة أشهر " وفيه أيضا (3) " وروي أنه عليه السلام قام عند جمرة العقبة

(1) ذكره في البحار ج 21 ص 266 الطبع الحديث عن مجمع البيان
ورواه أحمد أيضا في مسنده ج 15 ص 133 الرقم 7964
(2) ذكره في البحار ج 21 ص 267 الطبع الحديث عن مجمع البيان
(3) ذكره في البحار ج 21 ص 267 عن مجمع البيان
277

وقال: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر، ولا
يحج البيت مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول الله
صلى الله عليه وآله فله عهد إلى أربعة أشهر، ومن لا عهد له فله مدة بقية الأشهر الحرم،
وقرأ عليهم سورة براءة " إلى غير ذلك، ولكن قد يمنع دلالة ذلك على اعتبار
الستر فيه للرجل والمرأة على حسب اعتباره في الصلاة، ضرورة أعمية النهي عن
العراء منه كما هو واضح، ولعله لذلك تركه المصنف وغيره، اللهم إلا أن يقال
أن المراد من العراء في هذه النصوص ستر العورة، للاجماع في الظاهر على صحة
طواف الرجل عاريا مع ستر العورة، ولا ريب في أنه أحوط، والله العالم.
(والمندوبات ثمانية: الغسل لدخول مكة) كما في القواعد وغيرها، لحسن
الحلبي (1) " أمرنا أبو عبد الله عليه السلام أن نغتسل من فخ قبل أن ندخل إلى مكة "
وقال عليه السلام أيضا في خبر محمد الحلبي (2): " إن الله عز وجل قال في كتابه (3):
" طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود " فينبغي للعبد أن لا يدخل
مكة إلا وهو طاهر قد غسل عرقه والأذى وتطهر " بناء على إرادة الكناية
بذلك عن الغسل، فما عن الخلاف من عدم استحبابه مدعيا الاجماع عليه في غير محله
خصوصا بعد كون الحكم ندبا يتسامح فيه مؤيدا بالاعتبار.
بل قد يستفاد من النصوص استحباب غسل آخر لدخول الحرم، ففي خبر
أبان بن تغلب (4) قال: " كنت مع أبي عبد الله عليه السلام مزامله بين مكة والمدينة

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 3
(3) سورة البقرة الآية 119
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1
278

فلما انتهى إلى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا،
فصنعت مثل ما صنع، فقال: يا أبان من صنع مثل ما صنعت تواضعا لله عز
وجل محى الله تعالى عنه مائة ألف سيئة، وبنى له مائة ألف درجة، وقضى له
مائة ألف حاجة " وفي حسن معاوية بن عمار (1) عنه (عليه السلام) أيضا: إذا
انتهيت إلى الحرم انشاء الله فاغتسل حين تدخله، وإن تقدمت فاغتسل من بئر
ميمون أو من فخ أو منزلك بمكة " ولكن في صحيح ذريح المحاربي (2) " سألته
عن الغسل في الحرم قبل دخول مكة أو بعد دخولها قال: لا يضرك أي ذلك
فعلت، وإن اغتسلت بمكة فلا بأس، وإن اغتسلت في بيتك حين تنزل مكة
فلا بأس "
وربما ظهر منه كون الغسل واحدا كما جزم به في المدارك فإنه بعد أن
ذكر النصوص المزبورة وخبر عجلان أبي صالح (3) " قال لي أبو عبد الله (عليه
السلام): إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل واخلع نعليك وامش
حافيا وعليك السكينة والوقار " قال: " ومقتضاها استحباب غسل واحد قبل دخول
الحرم أو بعده من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح، أو من فخ وهو على فرسخ
من مكة للقادم من المدينة، أو من المحل الذي ينزل فيه بمكة على سبيل التخيير،
وغاية ما يستفاد منها أن إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل، فما ذكره المصنف
وغيره من استحباب غسل لدخول مكة وآخر لدخول المسجد غير واضح، وأشكل
منه حكم العلامة وجمع من المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال بزيادة غسل آخر لدخول

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2
279

الحرم " وفيه أن النصوص المزبورة ظاهرة الدلالة على غسلين: أحدهما للحرم
والآخر لدخول مكة، والتخيير المزبور فيها غير مناف خصوصا بعد احتمال
الرخصة في التداخل، وأما الغسل الثالث لدخول المسجد فإنه وإن كنا لم نعثر
في النصوص على ما يدل عليه لكن يكفي فيه ما عن الخلاف والغنية من الاجماع
عليه، نعم المعروف في الغسل للمكان التقدم على دخوله، ولكن ظاهر
النصوص المزبورة الرخصة في الغسلين الأولين بوقوعهما بعد الدخول، كما أن
ظاهره الاجزاء بغسل واحد عنهما بعد دخول مكة، ولا بأس به، بل لا بأس
بقصد دخول المسجد معهما لما ذكرناه في كتاب الطهارة من جواز التداخل في
الأغسال المندوبة.
ثم قال فيها بعد ما سمعت: " وكذا الاشكال في قول المصنف: (فلو
حصل عذر اغتسل بعد دخوله) إذ مقتضى الروايات التخيير بين الغسل قبل
دخول الحرم وبعده، لا اعتبار العذر في تأخيره عن الدخول كما هو واضح "
قلت: قد سمعت ما يدل على استحباب الغسل عند دخول الحرم الذي لا ينافيه
التخيير المزبور المحمول على بيان الجواز أو التداخل أو غير ذلك، بل قوله (عليه
السلام) في حسن معاوية (1): " وإن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من
فخ " ظاهر في ذلك، ضرورة كون المراد أن الأولى الغسل للحرم عند دخوله، لكن
مع التقدم يجزيك الغسل له ولدخول مكة من بئر ميمون بن عبد الله الحضرمي
الذي كان حليفا لبني أمية، وكان حفرها بالجاهلية، وهي بأبطح مكة، أو من
فخ وهي على رأس فرسخ من مكة، فالأول للقادم من العراق ونحوه، والثاني

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2
280

للقادم من المدينة، على معنى أن كلا لمن يمر عليه في قدومه، ولا يكلف غيره
ولذا قال المصنف (والأفضل أن يغتسل من بئر ميمون أو من فخ، وإلا ففي
منزله) والأمر سهل بعد أن كان الحكم استحبابيا، وقد تقدم غير مرة الحال
في هذه الأغسال المندوبة بالنسبة إلى انتقاضها بالأصغر وعدمه، فلاحظ،
والله العالم.
(و) كذا يستحب (مضغ الإذخر) كما في القواعد ومحكي الجامع والجمل
والعقود وفيه تطييب الفم بمضغ الإذخر أو غيره عند دخول مكة كما في النافع وعن
الوسيلة والمهذب، وفيه نحو ما عن الجمل والعقود من تطييب الفم به أو بغيره، أو عند
دخول الحرم كما عن التهذيب والنهاية والمبسوط والسرائر والتحرير والتذكرة والمنتهى
والاقتصاد والمصباح ومختصره، وفي هذه التطييب بغيره أيضا، كما في الكتابين
والأصل فيه قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية (1) " إذا دخلت الحرم فخذ
من الإذخر فامضغه " وفي خبر أبي بصير (2) " فتناول من الإذخر فامضغه "
وهو وإن كان يحتمل التأخير عن دخول الحرم والتقديم، إلا أن المنساق إرادة
فعله عند الدخول، قال الكليني: " سألت بعض أصحابنا عن هذا فقال:
يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر " وهو يؤيد استحبابه لدخول مكة
بل المسجد وكونه من سنن الطواف، وكأنه الذي حمل الشيخ على حمل غيره
عليه، ولعل الأولى الحكم باستحباب الجميع، كما أن الأولى الحكم باستحباب
مضغ غيره بما يطيب به الفم وإن كان هو أولى من غيره، لكونه المأثور،
والأمر سهل، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 2
281

(وأن يدخل مكة من أعلاها) كما في النافع والقواعد وغيرهما ومحكي
النهاية والمبسوط والاقتصاد والجمل والعقود والمصباح ومختصره والكافي والغنية
والجامع، ولكن عن المقنعة والتهذيب والمراسم والوسيلة والسرائر إذا أتاها من
طريق المدينة، بل عن الفاضل أو الشام، ولعله لاتحاد طريقهما قبلها، قال: فأما
الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنية
وربما استشعر من خبر يونس (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام من أين
أدخل مكة وقد جئت من المدينة؟ فقال: ادخل من أعلى مكة، وإذا خرجت
تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة " الذي هو الأصل في المسألة مع التأسي بفعل
النبي صلى الله عليه وآله الذي حكاه الصادق عليه السلام عنه في الصحيح (2) قال: " إن رسول الله
صلى الله عليه وآله دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين " إلا أن التقييد في الأول قد كان
في كلام السائل، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله يقتضي الأعم، خصوصا مع كون
الأعلى على غير جادة طريق المدينة، بل قيل إن النبي صلى الله عليه وآله عدل إليه، فالمتجه
حينئذ ما أطلقه المصنف، والأعلى كما في الدروس وعن غيرها ثنية كداء بالفتح
والمد، وهي التي ينحدر منها إلى الحجون لمعبر مكة، ويخرج من ثنية كدا
بالضم والقصر منونا، وهي بأسفل مكة، والله العالم.
(وأن يكون حافيا) كما في القواعد والنافع ومحكي المبسوط والوسيلة
وظاهر الجمل والعقود والاقتصاد والمهذب والسرائر والجامع، لكن لم نعثر عليه
بنص بخصوصه، نعم قد سمعت خبر عجلان أبي صالح (3) بل قد سمعت ما يدل

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 7
282

عليه في دخول الحرم، قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (1) " إذا دخلت
المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة والوقار والخشوع، قال: ومن دخله
بخشوع غفر له إن شاء الله، قلت ما الخشوع؟ قال: السكينة لا تدخل بتكبر ".
وفي حسنه الآخر (2) أيضا " من دخلها بسكينة غفر له ذنبه، قلت كيف يدخلها
بسكينة؟ قال: يدخل غير متكبر ولا متجبر " وفي خبر إسحاق (3) " لا يدخل
رجل مكة بسكينة إلا غفر له، قلت: ما السكينة؟ قال: بتواضع " ولعل
دخولها حافيا من التواضع المزبور، فما في كشف اللثام من التوقف فيه في غير
محله، ثم قال: ويدخل في الحفاء المشي لغة أو عرفا، وفيه منع، ضرورة
كون المنساق منه نزع النعلين، بل قوله تعالى (4) " فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس
طوى " صريح في ذلك، بل لعل قوله: " إنك " تشعر بالحكم السابق، إذ هو
كالتعليل المستفاد منه نحوه.
وعلى كل حال فما سمعت يعلم استحباب كون ذلك (على سكينة ووقار)
والمراد بهما واحد، قيل أو أحدهما الخضوع الصوري، والآخر المعنوي،
والله العالم.
(و) أن (يغتسل لدخول المسجد الحرام) كما عرفت الكلام فيه.
(و) أن (يدخل من باب بني شيبة) للتأسي والخبر (5) عن الرضا عليه السلام

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1 - 2
(4) سورة طه الآية 12
(5) المستدرك الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1
283

كما في كشف اللثام، وقول الصادق عليه السلام في خبر سليمان بن مهران (1) في
حديث المأزمين " أنه موضع عبد فيه الأصنام، ومنه أخذ الحجر الذي نحت
منه هبل الذي رمى به علي عليه السلام من ظهر الكعبة لما علا ظهر رسول الله
صلى الله عليه وآله فأمر به فدفن من عند باب بني شيبة، فصار الدخول إلى المسجد من باب
بني شيبة سنة لأجل ذلك، ولما وسع المسجد دخل الباب، ولعله لذا قيل فليدخل
من باب السلام وليأت البيت على الاستقامة، فإنه بإزائه حتى يتجاوز الأساطين
فإن التوسعة من عندها.
وليكن الدخول (بعد أن يقف عندها ويسلم على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو
بالمأثور) عن الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (2) قال: " تقول على باب المسجد
بسم الله وبالله ومن الله وإلى الله وعلى ما شاء الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله
وخير الأسماء لله والحمد لله، والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله السلام على محمد بن
عبد الله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء الله
ورسله، السلام على إبراهيم خليل الرحمن، السلام على المرسلين، والحمد لله
رب العالين، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد وآل
محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت
على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك
ورسولك، وعلى إبراهيم خليلك وعلى أنبيائك ورسلك وسلم عليهم وسلام على
المرسلين، والحمد لله رب العالمين، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني في
طاعتك ومرضاتك واحفظني بحفظ الايمان أبدا ما أبقيتني، جل ثناء وجهك،
الحمد لله الذي جعلني من وفده وزواره، وجعلني ممن يعمر مساجده، وجعلني

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2
284

ممن يناجيه، اللهم إني عبدك وزائرك في بيتك، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه
وزاره، وأنت خير مأتي وأكرم مزور فأسألك يا الله يا رحمن، وبأنك أنت
الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وبأنك واحد أحد صمد لم تلد ولم
تولد ولم يكن له كفوا أحد، وأن محمدا عبدك ورسولك صلى الله عليه وآله وعلى أهل
بيته، يا جواد يا ماجد يا جبار يا كريم أسألك أن تجعل تحفتك إياي من زيارتي
إياك أول شئ أن تعطيني فكاك رقبتي من النار، اللهم فك رقبتي من النار،
تقولها ثلاثا، وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب، وادرأ عني شر شياطين
الجن والإنس، وشر فسقة العرب والعجم " وقال أيضا في صحيح معاوية (1)
" إذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله
وبركاته، بسم الله وبالله وما شاء الله والسلام على أنبياء الله ورسله، والسلام
على رسول الله صلى الله عليه وآله والسلام على إبراهيم خليل الله، والحمد لله رب العالمين،
فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت، وقل: اللهم إني أسألك في
مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي، وأن تتجاوز عن خطيئتي، وتضع
عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام، اللهم إني أشهدك أن هذا بيتك
الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا ومباركا وهدى للعالمين، اللهم إني عبدك
والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأؤم طاعتك مطيعا لأمرك
راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك الخائف عقوبتك، اللهم افتح لي
أبواب رحمتك، واستعملني بطاعتك ومرضاتك ".
(المقصد الثاني في كيفية الطواف و) هو يشتمل على واجب وندب،
فالواجب سبعة) منها (النية) بلا خلاف معتد به ولا إشكال ابتداء واستدامة

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1
285

التي تقدم الكلام في حكمها وكيفيتها غير مرة، نعم في الدروس هنا " ظاهر
بعض القدماء أن نية الاحرام كافية عن خصوصيات نيات الأفعال، ولعله لخلو
الأخبار الواردة بتفصيل أحكام الحج من ذكر النية في شئ من أفعاله سوى
الاحرام الذي هو أولها، فيكون حينئذ كباقي العبادات المركبة من الصلاة
وغيرها التي لا تحتاج اجزاؤها إلى نية " وهو كما ترى، ضرورة الفرق بينه
وبين الصلاة التي أفعالها مرتبطة ومتصلة، بخلاف أفعال الحج الباقية على مقتضى
قوله عليه السلام (1) " لا عمل إلا بنية " و " إنما الأعمال بالنيات " (2) الذي هو لولا
الاجماع لكان معتبرا في اجزاء الصلاة أيضا، بل لعله كذلك فيها بناء على أنها
الداعي المفروض وجوده في تمام الصلاة، بل ربما كان ذلك مرجحا للقول بأنه
الداعي كما أوضحناه في محله، بل ربما كان على ذلك لا فرق بين الابتداء
والاستدامة التي هي على هذا التقدير فعلية لا حكمية إلا في صورة نادرة، وهي فيما
لو فرض ذهاب الداعي في الأثناء مع بقاء الأفعال منتظمة، بل يمكن منع الفرض المزبور
ومنع صحة الصلاة فيه لو سلم، ولتحقيق المسألة مقام آخر، هذا، وربما كان الوجه
في تخصيص الاحرام بذكر النية فيه توقف امتياز نوع الحج والعمرة عليه.
وكيف كان فلا بد من مقارنة النية للطواف على حسب غيره من الأعمال،
لكن في المدارك ولا يضر الفصل اليسير، وفيه نظر، ولذا اعتبره الفاضل وغيره
عند الشروع فيه، بل في كشف اللثام لا قبله بفصل ولا بعده، وإلا لم تكن
نية، على أنه لا يتم على تقدير كونها الداعي، كما أن ما في كشف اللثام من أنه لا بد من خطور معنى الطواف وهو الحركة حول الكعبة سبعة أشواط

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 - 10
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 - 10
286

لا يخلو من نظر أيضا، لاطلاق الأدلة، وأما الاستدامة حكما فقد تقدم الكلام
فيها في الصلاة وغيرها، بل ذكرنا بناء على أنها الداعي كما هو التحقيق أنه
موجود غالبا في جميع أجزاء الفعل، وإلا لم يقع منه منتظما، كما هو واضح.
(و) منها (البدأة بالحجر) الأسود (والختم به) بلا خلاف أجده
فيه بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص، مضافا إلى التأسي
به صلى الله عليه وآله خصوصا بعد قوله صلى الله عليه وآله " خذوا عني مناسككم " منها قول الصادق
عليه السلام في صحيح معاوية (1) " من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من
الحجر الأسود إلى الحجر الأسود " وما عن الشيخ في الاقتصاد من التعبير بلا
ينبغي محمول على إرادة الوجوب قطعا، وحينئذ فلو ابتدأ الطائف بغيره مما
قبله أو بعده ففي القواعد لم يعتد بذلك الشوط إلى أن ينتهي إلى أول الحجر فمنه
يبتدأ الاحتساب إن جدد عنده النية للاتمام مع احتمال البطلان، ومزجها في
كشف اللثام، فقال، " إن جدد عنده النية لمجموع سبعة أشواط سواء ألغى
ما قبله أو لا تذكره وزعم دخوله في الطواف واحتسابه منه أولا، فإنه الآن
طواف مقرون بالنية من ابتدائه، فإذا أتمه سبعة أشواط غير ما قدمه صح وإن
كان ذلك سهوا، ولا يكفي استدامة حكم النية السابقة، لعدم مقارنتها لأول
الطواف، وكذا يصح الاحتساب منه جدد عنده النية للاتمام أي إتمام سبعة
أشواط بفعل سبعة أخرى أو ضمها إلى ما قدمه، ولكن إنما يصح إذا أكمل سبعة
أخرى بأن علم في الأثناء كون المقدم لغوا فأكملها بنية ثانية، أو أكملها سهوا،
وإنما يصح الأول بناء على جواز تفريق النية على أجزاء المنوي، والثاني بناء
على أن نية الاتمام تتضمن نية مجموع السبعة أشواط، لكن سهى أو جهل فزعم

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3
287

أن منها ما قدمه، كما إذا نوى القضاء بفريضة لزعمه خروج الوقت ولم يكن خرج
مع احتمال البطلان، لبطلان النية المفرقة على أجزاء المنوي، ومنافاة نية إتمام
السابق الفاسد بستة لنية مجموع السبعة، فإنه ينوي الآن ستة لا غير، وغايته
لو صح ما قدمه تفريق النية على الاجزاء، ويجوز أن يريد بالاتمام فعل مجموع
سبعة أشواط لا مع إلغاء ما قدمه ليحتمل البطلان، إذ لا شبهة في الصحة مع الالغاء
ووجه الاحتمال حينئذ أنه وإن نوى مجموع السبعة بنية مقارنة للمبدأ لكنه لما
اعتقد دخول ما قدمه منها كان بمنزلة نية ستة أشواط، هذا كله على كون اللام
في الاتمام لتقوية العامل، ويجوز كونها وقتية أي منه يحتسب إن أتم سبعة
عدا ما قدمه مع تجديد النية عنده بأحد المعنيين، ويحتمل التعليل أي منه
يحتسب إن جدد النية عنده بأحد المعنيين، لأنه أتم حينئذ الطواف وشروطه
وإن فعل قبله ما يلغو، وأتم النية وأتى بها صحيحة مقارنة لما يجب مقارنتها له ".
قلت: لا يخفى عليك أن ذلك كله متعبة لا فائدة فيها، مضافا إلى ما فيه
من التجشم في الأخير بل وسابقه، وإلى إمكان منع إرادة التفريق من التجديد
ولذا قال في المدارك: " فلو ابتداء الطائف من غيره لم يعتد بما فعله حتى ينتهى
إلى الحجر الأسود فيكون منه ابتداء طوافه إن جدد النية عنده أو استصحبها فعلا "
والمهم تنقيح وجوب قصد البدأة بالحجر وعدمه، ولا ريب في أنه أحوط
بل لعل احتمال البطلان في كلام الفاضل لذلك، وإن كان الأقوى عدم اعتباره،
ضرورة صدق الطواف سبعة أشواط من الحجر إلى الحجر في الفرض وإن لم يقصد
البدأة والختم به، إلا أن الذي وقع منه ذلك ولو سهوا، على أن النية هي الداعي
والفرض استمراره، فهو موجود عند مروره على الحجر. والابتداء الواقع منه
كان لغوا، لأن الزيادة المتأخرة المفسدة لا المتقدمة التي هي في الحقيقة ليست
288

زيادة، وليست من التشريع إذا اتفق وقوعها منه سهوا ونحوه، وبالجملة المتجه
الصحة في الفرض المزبور مع فرض كون الحاصل منه في الخارج سبعة أشواط
صحيحة بلا زيادة عليها، وكانت النية التي هي الداعي موجودة عند مروره على
الحجر، وقلنا بعدم وجوب قصد البدأة منه كما عرفت. هذا.
وذهب الفاضل بل غيره ممن تأخر عنه إلى أنه لا بد من الابتداء بأول
الحجر بحيث يمر كله على كله، قال في المسالك: " والبدأة بالحجر بأن يكون
أول جزء منه محاذيا لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمر عليه علما أو ظنا "
ونحوه في غيرها، ولم نعرف شيئا من ذلك لمن سبق العلامة، وعلله في كشف
اللثام بأنه لازم من وجوب الابتداء بالحجر والبطلان بالزيادة على سبعة أشواط
والنقصان عنها ولو خطوة أو أقل، فإنه إن ابتدأ بجزء من وسطه لم يأمن من
الزيادة أو النقصان، وحينئذ فلو حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف
بعد النية بجميع بدنه لم يصح، لعدم ابتدائه فيه بأول الحجر بل بما بعده، بل
لا بد أن يحاذي بأقدم عضو من أعضائه أوله، بل قيل إنهم اختلفوا لذلك في
تعيين أول جزء البدن هل هو الأنف أو البطن أو ابهام الرجلين، وربما اختلف
الأشخاص بالنسبة إلى ذلك، ولكن ذلك كله بعد الاغضاء عما في الأخير كما
ترى لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا ما في خبر محمد (1) من
أن رسول الله صلى الله عليه وآله طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه، وسيما في هذه
الأزمنة التي يشتد فيها الزحام كما أشار إليه في صحيح عمار (2) " وكنا نقول
لا بد أن يستفتح الحجر ويختم به، فأما اليوم فقد كثر الناس " وإن كان الظاهر

(1) الوسائل الباب 81 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 1
289

إرادة الاستلام له في المبدأ والمنتهى، لكن الفرض شدة الحرج والضيق فيما
ذكروه المنافي لسهولة الملة وسماحتها، ودعوى الاستلزام المزبور واضحة المنع،
ضرورة تحقق الصدق عرفا بدون ذلك، اللهم إلا أن يراد من نحو قوله " من
الحجر " الطواف بالحجر الذي هو اسم للمجموع، كما أن المراد من الطواف به
الطواف ببدنه عليه، إلا أن ذلك كله شك في شك، مضافا إلى إجمال الكيفية
المزبورة التي هي الطواف بأول جزء من مقاديم بدنه على أول جزء منه مارا بجميع
بدنه كله محافظا على الطواف على اليسار، وإن كان الظاهر عدم البأس في
إدخال جزء من باب المقدمة مع استصحاب النية وقصد الاحتساب من حيث يحاذي
ولا يلزم من ذلك الزيادة كما في إدخال جزء من الرأس في غسل الوجه، وبالجملة
لا يخفى حصول المشقة بملاحظة نحو ذلك، بل ربما كان اعتباره مثارا للوسواس
كما أنه من المستهجنات القبيحة نحو ما يصنعه بعض الناس عند إرادة النية للصلاة
بناء على أنه الاخطار من الأحوال التي تشبه أحوال المجانين، مع أنه مناف
للتقية، بل قد يقال إنه لم يطف بالجزء المحاذي له من المقاديم، لأن الطواف
عبارة عن الحركة الدورية، فالتحقيق عدم اعتبار ذلك، بل ظاهر المدارك والرياض
وغيرهما عدم اعتبار محل الابتداء، فلو ابتدأ مثلا بآخر الحجر كان له الختم بأوله
ولعله لصدق أنه ابتدأ بالحجر وختم به، ودعوى عدم صدق الختم حتى يصل
إلى محل الابتداء الذي هو الوسط أو الآخر ممنوعة، والزيادة والنقيصة في الفرض
غير قادحة بعد ظهور الأدلة في كون المراد منهما الزيادة على الحجر الذي هو محل
الابتداء والنقيصة عنه، بل الظاهر اعتبار إدخال الأولى في الطواف بقصد أنه
منه في المنع لا لغوا أو مقدمة كما ستعرف إن شاء الله، ولكن صرح جماعة باعتبار
محاذاة الحجر في آخر شوط كما ابتدأ به أولا من غير فرق بين الأول وغيره، فينبغي
حينئذ أن يعلم محل الابتداء وإن كان الظاهر عدم البأس بالزيادة مقدمة، ولعله
290

لتوقف صدق اسم الطواف بالبيت الذي منه الحجر عليه، ضرورة صدق النقصان
مثلا على بعض الافراد، ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أقوى، وأحوط منه
مراعاة أول جزء من الحجر على حسب ما عرفته سابقا.
وكيف كان فلا ريب في استحباب استقبال الحجر بوجهه قبل الطواف
للتأسي، وظاهر خبري الحسن بن عطية (1) ومعاوية بن عمار (2) السابقين، بل
في المدارك
وينبغي ايقاع النية حال الاستقبال ثم الأخذ في الحركة على اليسار
عقيب النية، وما قيل من فوات المقارنة لأول الطواف الذي هو الحركة الدورية
حينئذ ضعيف جدا، لأن مثل ذلك لا يخل بها قطعا، وفيه ما عرفت، نعم
بناء على أنها الداعي لا بأس بذلك، ضرورة خطوره في الحالتين، والله العالم.
(و) منها (أن يطوف على يساره) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى التأسي، بل ربما استفيد من قول الصادق عليه السلام في
صحيح ابن سنان (3): " إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ وهو إذا
قمت في دبر الكعبة حذاء الباب، فقل: اللهم إلى أن قال: ثم استلم الركن
اليماني ثم ائت الحجر فاختم به " وفي صحيح معاوية (4) " إذا فرغت من طوافك
وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك
على البيت إلى أن قال: ثم ائت الحجر الأسود " وصحيحه الآخر (5)

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب الطواف الحديث 1 والظاهر أنه لم يتقدم وإنما يأتي في مسألة نقصان الطواف
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 9
(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 9
(5) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 9
291

" ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط إلى أن قال فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة
وهو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يدك على البيت
والصق يدك وبطنك بالبيت ثم قل: اللهم إلى أن قال ثم استقبل الركن اليماني
والركن الذي فيه الحجر الأسود واختم به " بتقريب استلزام الترتيب المزبور في
الشوط السابع لكون الطواف على اليسار.
وعلى كل حال فلو جعله على يمينه أو استقبله بوجهه أو استدبره جهلا أو
سهوا أو عمدا لم يصح عندنا، فما عن أبي حنيفة من أنه إن جعله على يمينه
أعاده إن أقام بمكة، وإلا جبره بدم، بل عن أصحاب الشافعي لم يرد عنه نص
في استدباره، والذي يجئ على مذهبه الاجزاء، بل عنهم أيضا في وجه الاجزاء
إن استقبله أو مر القهقرى نحو الباب قول بغير علم، نعم لا يقدح في جعله
على اليسار الانحراف إلى جهة اليمين قطعا، والله العالم.
(و) منها (أن يدخل الحجر في الطواف) بلا خلاف أجده فيه، بل
الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص، قال الحلبي في
الصحيح (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا
واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال: يعيد الطواف الواحد " ورواه الشيخ
" يعيد ذلك الشوط " وفي حسن ابن البختري (2) عنه عليه السلام أيضا " في الرجل
يطوف بالبيت قال: يقضي ما اختصر في طوافه " وقد سمعت قوله عليه السلام في
صحيح معاوية (3): " من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر
الأسود إلى الحجر الأسود ".

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 3
292

ولا فرق في الحكم المزبور بين القول بخروجه من البيت ودخوله فيه
الذي قد تشعر به النصوص المزبورة، بل في الدروس المشهور كونه منه، بل
في التذكرة والمنتهى أن جميعه منه، وروي عن عائشة (1) " أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: ستة أذرع من الحجر من البيت " لكن سأل معاوية بن عمار (2) الصادق
عليه السلام في الصحيح " أمن البيت هو أو فيه شئ من البيت؟ فقال: لا ولا قلامة
ظفر، ولكن إسماعيل دفن أمه فيه فكره أن توطأ فجعل عليه حجرا، وفيه قبور
أنبياء " وفي خبر يونس بن يعقوب (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني كنت أصلي
في الحجر فقال لي رجل: لا تصل المكتوبة في هذا الموضع فإن في الحجر من البيت
فقال: كذب صل فيه حيث شئت " وفي خبر مفضل بن عمر (4) عنه عليه السلام
أيضا " الحجر بيت إسماعيل، وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل " وسأله أيضا الحلبي (5)
في المروي عن نوادر البزنطي " عن الحجر فقال: إنكم تسمونه الحطيم، وإنما
كان لغنم إسماعيل، وإنما دفن فيه أمه وكره أن يوطأ قبرها فحجر عليه، وفيه
قبور أنبياء " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك، وما في التذكرة من
أن قريشا لما بنت البيت قصرت الأموال الطيبة والهدايا والنذور عن عمارته،
فتركوا من جانب الحجر بعض البيت، وقطعوا الركنين الشاميين من قواعد
إبراهيم، وضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه،
فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا، وهو الذي يسمى الشاذروان لم نتحققه

(1) رواه في المغني ج 1 ص 382 وسنن البيهقي ج 5 ص 89
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3 - 10
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1
من كتاب الصلاة
(4) الوسائل الباب 30 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3 - 10
(5) الوسائل الباب 30 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3 - 10
293

بل الثابت في نصوصنا (1) المشتملة على قصة هدم قريش الكعبة خلافه، نعم
ربما كان في مرفوع علي بن إبراهيم (2) وغيره " أنه كان بنيان إبراهيم الطول
ثلاثون ذراعا، والعرض اثنا وعشرون ذراعا، والسمك تسعة أذرع "
تأييد لكون نحو ستة أذرع منه من البيت.
وعلى كل حال فلا بد من إدخاله في الطواف، فلو طاف بينه وبين البيت
لم يصح شوطه إجماعا، لا الطواف كله كما سمعته في النصوص السابقة، لكن
قال الشهيد: فيه روايتان، ويمكن اعتبار تجاوز النصف هنا، وحينئذ لو كان
السابع كفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر، ولعله أراد بالرواية الأخرى
ما سمعته من صحيح معاوية بن عمار المحتمل لكون الاختصار في جميع الأشواط
وكون الطواف بمعنى الشوط، وكذا خبر إبراهيم بن سفيان (3) " كتبت إلى
أبي الحسن الرضا عليه السلام امرأة طافت طواف الحج فلما كانت في الشوط السابع
اختصرت فطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء
ثم أتت منى قال: تعيد " بل عن التذكرة لو دخل إحدى الفتحتين وخرج
من الأخرى لم يحتسب له، وبه قال الشافعي في أحد قوليه، ولا طوافه بعده
حتى ينتهي إلى الفتحة التي دخل منها، يعني فإن دخلها أيضا لم يحتسب أيضا
وإن تجاوزها وطاف بالحجر احتسب مطلقا أو بعد النصف، وفيه إشارة إلى عدم
الاكتفاء باتمام الشوط من الفتحة، بل يجب الاستئناف، لظهور الإعادة في
الخبرين فيه، بل نص الثاني منهما على الإعادة من الحجر الأسود كما سمعت،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 10
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 10
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 4
294

(و) منها (أن يكمله سبعا) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1) المستفيضة بل المتواترة.
(و) منها (أن يكون بين البيت والمقام) الذي هو لغة موضع قدم
القائم، والمراد به هنا مقام إبراهيم عليه السلام أي الحجر الذي وقف عليه لبناء البيت
كما عن ابن أجير، أو للأذان بالحج كما عن غيره، بل عن العلوي وابن جماعة أنه لما
أمر بالنداء وأقام على المقام تطاول المقام حتى كان كأطول جبل على ظهر الأرض
فنادى، أو لما عن ابن عباس من أنه لما جاء بطلب ابنه إسماعيل فلم يجده قالت له زوجته
انزل فأبى فقالت دعني اغسل رأسك فأتته بحجر فوضع رجله عليه وهو راكب
فغسلت شقه ثم رفعته وقد غابت رجله فيه، فوضعته تحت الشق الآخر وغسلته
فغابت رجله الثانية فيه، فجعله الله من الشعائر، وعن الأزرقي أنه لما فرغ من
الأذان عليه جعله قبلة فكان يصلي إليه مستقبل الباب، وذكر أيضا أن ذرع المقام
ذراع، وأن القدمين داخلان فيه سبعة أصابع، وعن ابن جماعة أن مقدار ارتفاعه
من الأرض نصف ذراع وربع وثمن بذراع القماش، وأن أعلاه مربع من كل
جهة نصف ذراع وربع، وموضع غوص القدمين ملبس بفضة، وعمقه من فوق
الفضة سبع قراريط ونصف قيراط بالذراع المتقدم أي ذراع مصر المستعمل في زمانه،
ولعل اختلافهما باعتبار الذراع باليد والحديد.
وعلى كل حال فلا خلاف معتد به أجده في وجوب كون الطواف بينه
وبين البيت، بل عن الغنية الاجماع عليه، لخبر حريز عن ابن مسلم (2) قال:
" سألته عن حد الطواف الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت قال: كان

(1) الوسائل الباب 19 و 32 من أبواب الطواف
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 1
295

الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يطوفون بالبيت والمقام، وأنتم اليوم تطوفون
ما بين المقام وبين البيت فكان الحد موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف،
والحد قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلها
فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة
من طاف بالمسجد، لأنه طاف في غير حد ولا طواف له " المنجبر والمعتضد بما
عرفت، وكان وجه ما فيه من الاختلاف بين اليوم وعهده صلى الله عليه وآله مع قوله عليه السلام
" والحد قبل اليوم واليوم واحد " ما عن مالك والطبري من أنه كانت قريش في
الجاهلية ألصقته بالبيت خوفا عليه من السيول، واستمر كذلك في عهد النبي
صلى الله عليه وآله وعهد أبي بكر، فلما ولى عمر رده إلى موضعه الآن الذي هو مكانه في زمن
الخليل، وإن كان يبعد ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله أولى من عمر بذلك، خصوصا
بعد عدم معرفته بموضعه في زمن الخليل، ومن هنا كان المحكي عن ابن أبي مليكة
أنه قال: موضع المقام هذا الذي هو فيه اليوم هو موضعه في الجاهلية وفي عهد
النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر ثم رد وجعل
في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده، وعن تاريخ البخاري أن سيل أم نهشل لما
أتى المسجد أخذ المقام إلى أسفل مكة فلما جف الماء أتوا بالمقام وألصقوه بالكعبة
وكتبوا إلى عمر بذلك فورد مكة معتمرا في شهر رمضان من ذلك العام وسأل
هل أحد عنده علم بمحل الحجر فقام المطلب بن وداعة السلمي وقيل رجل من آل
عابد، والأول أشهر، أنا كنت أخاف عليه مثل هذا فأخذت مقياسه من محله
إلى الحجر، فأجلسه عمر عنده وقال له: ابعث فأتني بالمقياس فأتي به فوضع
عمر المقام في محله الآن، ونحوه عن النواوي والأزرقي، وعن ابن سراقة أن
ما بين باب الكعبة ومصلى آدم أرجح من تسعة أذرع، وهناك كان موضع
296

مقام إبراهيم عليه السلام وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله عنده حين فرغ من طوافه ركعتين،
وانزل عليه (1) " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " ثم نقله إلى الموضع الذي
هو فيه الآن، وذلك على عشرين ذراعا من الكعبة لئلا ينقطع الطواف
بالمصلين خلفه، ثم ذهب به السيل في أيام عمر إلى أسفل مكة فأتي به وأمر عمر
برده إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ونحوه في أن رسول الله
صلى الله عليه وآله هو الواضع له هنا ما عن ابني عنبسة وعروية، بل قد يظهر من صحيح
زرارة (2) أن عمر قد أحيى فعل الجاهلية، " قال لأبي جعفر عليه السلام قد أدركت
الحسين عليه السلام قال: نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل
والناس يقومون على المقام يخرج الخارج فيقول قد ذهب به السيل، ويدخل
الداخل فيقول هو مكانه، قال فقال يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت أصلحك
الله تعالى يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام فقال لهم: إن الله عز وجل
جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقروا، وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم
عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان
الذي هو فيه اليوم، فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله مكة رده إلى الموضع الذي وضعه
إبراهيم عليه السلام، فلم يزل هناك إلى أن تولى عمر فسأل الناس من منكم يعرف المكان
الذي كان فيه المقام فقال رجل أنا كنت قد أخذت مقداره بتسع، فهو عندي
فقال ائتني به فأتاه به فقاسه فرده إلى ذلك المكان ".
وعلى كل حال فعن أبي علي اجزاء الطواف خارج المقام مع الضرورة،
لصحيح الحلبي (3) سأل الصادق عليه السلام " عن الطواف خلف المقام فقال ما أحب

(1) سورة البقرة الآية 119
(2) الفقيه ج 2 ص 158 الرقم 681
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 2
297

ذلك وما أرى به بأسا، فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا " قيل بل قد يظهر
الميل إليه من المختلف والتذكرة والمنتهى، ولكن فيه أن الخبر المزبور دال
على الكراهة مع الاختيار دون الاضطرار كما عن ظاهر الصدوق الفتوى به
لا الجواز وعدمه، نعم يمكن القول باجزائه تقية، أما غيرها فمشكل، بل
ظاهر ما سمعته من النص والفتوى ومعقد الاجماع عدم الاجزاء مطلقا،
ثم إنه لا بد من ملاحظة المقدار المزبور من جميع الجوانب كما سمعت
التصريح به في الخبر المزبور (1) بل نسبه في المدارك إلى قطع الأصحاب، وهو
كذلك وهو كما عن تاريخ الأزرقي إلى الشاذروان ست وعشرون ذراعا ونصف،
نعم لا إشكال في احتساب المسافة من جهة الحجر من خارجه بناء على أنه من
البيت، بل في المدارك وغيرها وإن قلنا بخروجه عنه لوجوب ادخاله في الطواف
فلا يكون محسوبا من المسافة، وفيه أنه خلاف ظاهر الخبر المزبور، ولذا احتمل
في المسالك احتسابه منها وإن لم يجز سلوكه، ولا ريب في أنه الأحوط، وهل
المعتبر وقوع الطواف بين البيت وحائط البناء الذي هو على المقام الأصلي أو بين
الصخرة التي هي المقام هنا؟ الظاهر الثاني، كما أنه لا مدخلية للمقام نفسه في
الطواف، فلو حول عن مكانه وجب الطواف في المقدار المخصوص كما دل عليه
الخبران المزبوان (2) بل خبر زرارة صريح، هذا.
وعن الشافعي لا بأس بالحائل بين الطائف والبيت كالسقاية والسواري،
ولا كونه في آخر باب المسجد وتحت السقف وعلى الأروقة والسطوح إذا كان
البيت أرفع بناء على ما هو اليوم، فإن جعل سقف المسجد أعلى لم يجز الطواف

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 1 و 2
298

على سطحه، ومقتضاه كما عن التذكرة أنه لو انهدمت الكعبة والعياذ بالله
لم يصح الطواف حول عرصتها، وهو بعيد بل باطل كبطلان القول بجواز
الطواف في المسجد خارجا عن القدر المزبور عندنا.
(و) كيف كان ف‍ (لو مشى) الطائف في طوافه (على أساس البيت)
الذي هو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته المسمى بالشاذروان (أو)
على (حائط الحجر لم يجزه) بلا خلاف ولا إشكال، لعدم صدق الطواف بالبيت
والحجر، إذ الأول من الكعبة فيما قطع به الأصحاب على ما في المدارك، بل
هو المحكي عن غيرهم من الشافعية والحنابلة وبعض متأخري المالكية، نعم عن
ابن ظهرة من الحنفية جواز الطواف عندنا على الشاذروان، لأنه ليس من البيت، نص
على ذلك الأصحاب، ولعله لما رووه (1) من أن ابن الزبير لما هدم الكعبة وادخل
الحجر أو ستة أذرع منه أو سبعة فيها لما سمعته من عائشة (2) عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه بناها على أساس إبراهيم الخليل ولم ينقص من عرض جدارها شئ، اللهم إلا أن
يكون النقصان المتعارف بين الناس في البناء إذا ظهر على الأرض، ومثله يمكن
منع كونه نقصانا من البيت، نعم في بعض التواريخ أنه لما قتل ابن الزبير
هدموا الكعبة وأخرجوا ما كان أدخله فيها من الحجر، والمراد أن المعروف
كون الشاذروان وهو ما نقصته قريش من عرض أساس الكعبة، لكن قد بنيت
بعدهم غير مرة، منها في أواخر عشر الستين وستمائة أو أوائل عشر السبعين وستمائة
فإن كان المراد النقصان المتعارف عند ظهور الأساس إلى الأرض أشكل حينئذ
دعوى خروجه من البيت، وإن كان غيره وأنه لما جددوها أبقوها على ما نقصتها

(1) مستدرك الحاكم ج 1 ص 480
(2) رواه في المغني ج 3 ص 382
299

قريش النقصان الغير المتعارف اتجه حينئذ وجوب احتسابه في الطواف، لكون
الطواف عليه حينئذ طوافا بالبيت لا به كما هو واضح، وعلى كل حال فالعمل على
ما عليه الأصحاب.
وأما الثاني فلمنافاته لما سمعته سابقا من وجوب الطواف به، سواء قلنا
بكونه من البيت أو خارجا عنه، ولا ريب في عدم تحقق ذلك مع الطواف ماشيا
على حائطه، بل عن التذكرة عدم جواز مس الطائف الجدار بيده في موازاة
الشاذروان، لأنه يكون بعض بدنه في البيت، فلا يتحقق الشرط الذي هو
خروجه عنه بجميعه، بل كان كما لو وضع أحد رجليه اختيارا على الشاذروان،
ولكن فيه منع الشرط المزبور مع فرض صدق الطواف عليه ولو لخروج معظم
بدنه، ولعله لذا جزم بالصحة في القواعد، لكن الأحوط ما ذكره، نعم لو مسه
لا في موازاته لم يكن به بأس، وفي كشف اللثام هو مبني على اختصاصه ببعض
الجوانب كما عرفت، قلت: المحكي عن ابن ظهرة في شفاء الغرام أن شاذروان
الكعبة هو الأحجار اللاصقة بالكعبة التي عليها البناء المسنم المرخم في جوانبها
الثلاثة: الشرقي والغربي واليماني وبعض حجارة الجانب الشرقي بناء عليه وهو
شاذروان أيضا، وأما الحجارة اللاصقة بجدار الكعبة التي تلي الحجر فليست
شاذورانا، لأن موضعها من الكعبة بلا ريب، والشاذروان هو ما نقصته قريش
من عرض جدار أساس الكعبة حين ظهر على الأرض كما هو عادة الناس في الأبنية
أشار إلى ذلك الشيخ أبو حامد الاسفرابي وغيره، والله العالم.
(ومن لوازمه ركعتا الطواف، وهما واجبتان في الطواف الواجب)
على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة، بل عن الخلاف نسبته
إلى عامة أهل العلم، وإن حكي فيه عن الشافعي قولا بعدم الوجوب ناسبا له إلى
قوم من أصحابنا، لكن لا نعرفهم، بل في الرياض عنه الاجماع مع أن فيه وفي
السرائر نقل قول بالاستحباب، وفي التذكرة نسبة ذلك إلى شاذ كالمحكي عن ابن
300

إدريس للتأسي (1) به صلى الله عليه وآله فإنه صلاهما، وتلا قوله تعالى (2): " واتخذوا
من مقام إبراهيم مصلى " بل قيل إنها نزلت عليه حين فعلهما، ومنه مع غيره من
النصوص (3) المشتملة على وجوب عود الناس لهما إلى المقام والصلاة فيه وذكر
الآية دليلا عليه يظهر وجه دلالة الآية على ذلك، مضافا إلى الاجماع على عدم
وجوب غيرهما فيه، وللأمر (4) بقضائهما مع فواتهما المحمول على الوجوب
المقتضي لوجوب الأداء لقول الصادق عليه السلام في حسن معاوية أو صحيحه (5)
" إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام وصل ركعتين واجعله إماما
واقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، ثم
تشهد واحمد الله واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله واسأله أن يتقبل منك، وهاتان
الركعتان هما الفريضة، ليس يكره أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع
الشمس وعند غروبها، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ فصلهما " وغيره من
النصوص، بل في كشف اللثام نسبة ذلك إلى الأخبار الكثيرة جدا، ولعله يريد
ما تسمعه منها إن شاء الله في وجوب كونهما في المقام وفي قضائهما وغير ذلك.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور كدليله الذي هو الأصل
المقطوع بما عرفت بعد تسليم جريانه هنا، وعدم تعين الآية لهذا المعنى الذي

(1) صحيح البخاري ج 2 ص 180
(2) سورة البقرة الآية 119
(3) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف
(4) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13 و 18
(5) ذكر صدره في الوسائل في الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3
وذيله في الباب 76 منها الحديث 3
301

قد سمعت القرائن عليه النافية لاحتمال إرادة موضع الدعاء من المصلى أو القبلة،
وكون المراد بالمقام هو الحرم كله أو مع سائر المشاعر، وقوله صلى الله عليه وآله (1) للأعرابي
الذي قال له صلى الله عليه وآله هل علي غيرها يعني الخمس: " لا إلا أن تطوع " المحتمل
لعدم وجوب حج وعمرة عليه، وقول أبي جعفر عليه السلام لزرارة في الحسن (2):
" فرض الله الصلاة، وسن رسول الله صلى الله عليه وآله عشرة أوجه: صلاة السفر وصلاة
الحضر وصلاة الخوف علي ثلاثة أوجه، وصلاة كسوف الشمس والقمر، وصلاة
العيدين وصلاة الاستسقاء والصلاة على الميت " المحتمل كسابقه على ما في كشف
اللثام لكون المراد ما شرع من الصلاة بنفسها لا تابعة لطواف أو غيره، على
أنه عام أو مطلق يحكم عليه ما عرفت، كما هو واضح.
ثم لا يخفى عليك دلالة الحسن المزبور على استحباب قراءة التوحيد في
الأولى منهما والجحد في الثانية، بل في المختلف أنه المشهور، وبه صرح في
التذكرة والتحرير، بل الأول منهما أنه رواه العامة (3) عن النبي صلى الله عليه وآله، نعم في
الثاني منهما كالدروس أنه روي العكس (4) إلا أنا لم نتحققه وإن حكى القول به
في المختلف عن الشيخ في النهاية في باب القراءة دون باب الطواف الذي صرح فيه
بما سمعت، ولا ريب في أنه الأولى، حملا لاطلاق بعض النصوص على الحسن
المزبور المتضمن لاستحباب الدعاء بعدهما كما أشار إليه في الدروس، قال: والدعاء
بالمأثور أو بما سنح، والله العالم.

(1) سنن النسائي ج 1 ص 227
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها الحديث
2 من كتاب الصلاة
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 91
(4) سنن البيهقي ج 5 ص 91
302

(ولو نسيهما وجب عليه الرجوع) بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكي
عن الصدوق من الميل إلى صلاتهما حيث يذكر، بل في كشف اللثام الاجماع عليه
كما هو الظاهر، ولعله كذلك لأصالة عدم السقوط مع التمكن من الاتيان
بالمأمور به على وجهه، وصحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام)،
قال: " سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين
الصفا والمروة ثم طاف طواف النساء ولم يصلي أيضا لذلك الطواف حتى ذكر وهو
بالأبطح قال: يرجع إلى المقام فيصلي ركعتين " وخبر عبيد بن زرارة (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام " في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين حتى طاف بين
الصفا والمروة ثم طاف طواف النساء فلم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلي
أربع ركعات قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا " ومرسل الطبرسي في المحكي
عن مجمعه (3) عن الصادق عليه السلام " أنه سئل عن الرجل يطوف بالبيت طواف الفريضة
ونسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام فقال، يصليهما ولو بعد أيام،
لأن الله تعالى يقول واتخذوا الآية " وعن العياشي روايته (4) ولكن " وجهل أن
يصلي (و) غيرها من النصوص.
نعم (لو شق) عليه الرجوع فضلا عما لو تعذر (قضاهما حيث ذكر)
كما في القواعد والنافع ومحكي التهذيب والاستبصار، ولعله المراد من التعذر في
محكي النهاية والمبسوط والسرائر والمهذب والجامع، لقاعدة الحرج واليسر المشار
إليها في صحيح أبي بصير (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يصلي
ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالى " واتخذوا من مقام إبراهيم

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 19 - 20 - 10
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 19 - 20 - 10
(3) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 19 - 20 - 10
(4) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 19 - 20 - 10
(5) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 19 - 20 - 10
303

مصلى " حتى ارتحل قال: إن كان ارتحل فإني لا أشق عليه ولا آمره أن يرجع
ولكن يصلي حيث يذكر " المحمول عليه خبر أبي الصباح (1) " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام في طواف الحج
أو العمرة فقال: إن كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، فإن الله
تعالى يقول " واتخذوا " إلى آخره، وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع " بل
وحسن معاوية (2) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام
إبراهيم عليه السلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال: فليصلهما حيث ذكر، وإن
ذكرهما وهو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما " بل وخبر عمر بن البر (3) عنه عليه السلام
أيضا " في من نسي ركعتين طواف الفريضة حتى أتى منى أنه رخص له أن
يصليهما بمنى " وخبر إبراهيم بن المثنى وحنان (4) قالا: طفنا بالبيت طواف
النساء ونسينا الركعتين فلما صرنا بمنى ذكرناهما فأتينا أبا عبد الله عليه السلام فسألناه
فقال: صلياهما بمنى " وخبر عمر بن يزيد (5) عنه عليه السلام أيضا سأله " عن رجل
نسي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم عليه السلام حتى أتى منى قال يصليهما
بمنى " وخبر هاشم بن المثنى (6) قال: " نسيت أن أصلي الركعتين للطواف خلف
المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى مكة فصليتهما ثم عدت إلى منى فذكرنا

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 16
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18 - 2 - 17 - 8 والرابع عن هشام بن المثنى وحنان
(3) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18 - 2 - 17 - 8 والرابع عن هشام بن المثنى وحنان
(4) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18 - 2 - 17 - 8 والرابع عن هشام بن المثنى وحنان
(5) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 18 - 2 - 17 - 8 والرابع عن هشام بن المثنى وحنان
(6) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 9 عن هشام
ابن المثنى ويحتمل اتحاده مع الهاشم كما ذكر في كتب التراجم.
304

ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: أفلا صلاهما حيث ذكر " وربما حمل على المندوب
وخبر حنان بن سدير (1) قال: " زرت فنسيت ركعتي الطواف فأتيت أبا عبد الله
عليه السلام وهو بقرن الثعالب فسألته فقال: صل في مكانك ".
ولعله له وسابقه وغيرهما حكي عن الصدوق الميل إلى قضائهما حيث يذكر
مطلقا، لكنه مناف لما سمعته من النص والفتوى، فالأولى الجمع بما عرفت،
خصوصا بعد ما قيل من قصورها جملة عن الصحة، بل ضعف بعضها سندا،
وجميعها دلالة بعد احتمال التقييد المزبور الذي هو أولى من الجمع بحمل الدال على
التقييد على الاستحباب وإبقاء المطلق على حاله، لمعلومية رجحان التخصيص على
غيره من أنواع المجاز، مضافا إلى الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون
إجماعا، بل هي كذلك كما عرفت، وبكثرة النصوص المزبورة وصحتها، وتضمن
جملة منها تعليل الأمر بالرجوع بقوله تعالى: " واتخذوا " والأمر للوجوب قطعا،
فما عن بعض من قارب عصرنا من الميل إلى جواز قضائهما حيث ذكر مطلقا تمسكا
بما سمعت من النصوص في غير محله، ومنه يعلم النظر فيما في الدروس من أنه لو
نسي الركعتين رجع إلى المقام، فإن تعذر فحيث شاء من الحرم، فإن تعذر فحيث
أمكن من البقاع، ضرورة عدم موافق له على هذا التفصيل، ولا دليل كما
اعترف به بعضهم.
وفي التحرير جواز الاستنابة فيهما إن خرج وشق عليه الرجوع، وكذا
في التذكرة إن صلاهما في غير المقام ناسيا ثم لم يتمكن من الرجوع، ولعله لجواز
الاستنابة فيهما تبعا للطواف فكذا بدونه، ولصحيح عمر بن يزيد (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام " في من نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة قال: إن

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 11 - 1
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 11 - 1
305

كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه " وصحيحه
الآخر (1) عنه عليه السلام أيضا " من نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج
من مكة فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليه أو رجل من المسلمين " وخبر ابن
مسكان (2) قال: " حدثني من سأله عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة
حتى يخرج فقال: يوكل " قال ابن مسكان وفي حديث آخر (3) " إن كان
جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلهما، فإن الله تعالى يقول: واتخذوا من
مقام إبراهيم مصلى " وخبر محمد بن مسلم (4) سأل أحدهما (عليهما السلام) عمن
نسي أن يصلي الركعتين فقال: يصلى عنه " لكن الجميع كما ترى لا تقييد
في شئ منها بما ذكره، كالمحكي عن ظاهر المبسوط من الاستنابة إذا خرج مع
تعمد الترك.
(و) يحتمل في خبري ابني يزيد ومسلم منها إرادة ما ذكره المصنف
والفاضل والشيخ وبنو حمزة وإدريس وسعيد من أنه (لو مات) ولم يصلهما
(قضاهما الولي) عنه، مضافا إلى عموم ما دل (5) على قضائه الصلاة الفائتة عنه
بل هما أولى بذلك باعتبار مشروعية النيابة فيهما في حياة المنوب عنه ولو تبعا
للطواف، بل قد يظهر من خبر ابن يزيد منهما جواز قضاء غير الولي مع وجوده
ولا بأس به، وإن كان الأحوط خلافه.
ولو ترك معهما الطواف ففي المسالك " في وجوبهما حينئذ عليه ويستنيب

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13 - 14 - 15 - 4
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13 - 14 - 15 - 4
(3) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13 - 14 - 15 - 4
(4) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 13 - 14 - 15 - 4
(5) الوسائل الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات الحديث 6 و 18
والباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5
306

في الطواف أو يستنيب عليهما معا من ماله وجهان، ولعل وجوبهما عليه مطلقا
أقوى لعموم قضاء ما فاته من الصلاة الواجبة، أما الطواف فلا يجب عليه قضاؤه
عنه وإن كان بحكم الصلاة " قلت: ستسمع فيما يأتي عند تعرض المصنف لمسألة
نسيان الطواف من النصوص (1) ما ينافي ذلك.
والجاهل كالناسي في الحكم المذكور، لقول أحدهما (عليهما السلام)
في صحيح جميل (2) " إن الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام
بمنزلة الناسي " مضافا إلى إطلاق بعض النصوص (3) وخبر العياشي (4) السابق.
أما العامد ففي المسالك أن الأصحاب لم يتعرضوا لذكره، والذي يقتضيه
الأصل أنه يجب عليه العود مع الامكان، ومع التعذر يصليهما حيث أمكن "
وفي المدارك بعد أن حكى ذلك عنه قال: " لا ريب أن مقتضي الأصل وجوب
العود مع الامكان، وإنما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر
أو بقائهما في الذمة إلى أن يحصل التمكن منهما في محلهما، وكذا الاشكال في
صحة الأفعال المتأخرة عنهما من صدق الاتيان بهما، ومن عدم وقوعهما على
الوجه المأمور به " وتبعه في الرياض، قلت: قد يقال بتناول صحيح الجاهل
الشامل للمقصر الذي هو كالعامد، كما أنه قد يقال بأن الأدلة المزبورة خصوصا
الآية وما اشتمل على الاستدلال بها من النصوص إنما تدل على وجوبهما بعد
الطواف لا اشتراط صحته بهما، ولذا كان له تركهما في الطواف المندوب، ولم
يؤمر بإعادة السعي وغيره من الأفعال لناسيهما والجاهل بهما، فليس حينئذ في

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف
(2) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 3 - 20
(3) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5 و 6 و 7
(4) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 3 - 20
307

عدم فعلهما بعد الطواف عمدا إلا الإثم ووجوب القضاء كما ذكره ثاني الشهيدين
لا بطلان ما تعقبهما من الأفعال، وجعلهما في المتن من لوازم الطواف أعم من
ذلك، والله العالم.
(مسائل ست: الأولى الزيادة) عمدا (على سبع في الطواف الواجب
محظورة) ومبطلة (على الأظهر) كما عن الوسيلة والاقتصاد والجمل والعقود
والمهذب، بل في المدارك أنه المعروف من مذهب الأصحاب، وفي كشف اللثام
أنه المشهور، وهو كذلك مع نيته في الابتداء على وجه الادخال في الكيفية،
ضرورة كونه حينئذ ناويا لما لم يأمر به الشارع، فهو كمن نوى صوم الوصال
مثلا، بل في كشف اللثام وكذا لو نواها في الأثناء، لأنه لم يستدم النية
الصحيحة ولا حكمها، وفيه أن ذلك غير مناف لاستدامة النية على سبع وإن
نوى الزيادة عليها.
وأما إذا تعمد فعلها من غير إدخال لذلك في النية في الابتداء أو في الأثناء
فإن تعمد فعلها لا من هذا الطواف ففي كشف اللثام عدم البطلان ظاهر، لأنها
حينئذ فعل خارج وقع لغوا أو جزء من طواف آخر، وإن تعمدها من هذا
الطواف فظاهر ما سمعته من المشهور البطلان، لأنه كزيادة ركعة في الصلاة
لقوله صلى الله عليه وآله (1): " الطواف بالبيت صلاة " وقول أبي الحسن عليه السلام في خبر
عبد الله بن محمد (2) " الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا
زدت عليها، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذلك السعي " ولخروجه عن
الهيئة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله مع وجوب التأسي، وقوله صلى الله عليه وآله (3) " خذوا

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 87 وكنز العمال ج 3 ص 10 الرقم 206
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 11
(3) تيسير الوصول ج 1 ص 312
308

عني مناسككم " ولخبر أبي بصير (1) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل طاف بالبيت
ثمانية أشواط قال: يعيد حتى يستتمه " ولكن نوقش بكون الأول قياسا
محضا، على أنه ليس كزيادة ركعة في الصلاة، بل مثل فعلها بعد الفراغ،
ومنع خروجه عن الهيئة المعهودة، ضرورة كون الزيادة إنما لحقتها من بعد،
وعدم فعله لها لا يقتضي التحريم فضلا عن البطلان، للأصل وغيره، ولو سلم
فأقصاه أنه تشريع محرم خارج عن العبادة، وبالطعن في سند الخبرين المحتملين لنية
الزيادة أول الطواف أو أثناءه بناء على ما سمعته من كشف اللثام، بل قد يحتمل
الثاني منهما إرادة إتمام طواف آخر كما يشعر به قوله عليه السلام يستتمه، على أنه إنما يدل
على تحريم زيادة الشوط، كل ذلك مضافا إلى الأصل وإطلاق صحيح ابن مسلم (2)
عن أحدهما (عليهما السلام) سأله " عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط
قال: يضيف إليها ستا " ونحوه غيره.
ولكن قد يدفع جميع ذلك بظهور الخبرين المنجبرين بما سمعت، بل يؤيد
إرادة إعادة ذلك الطواف من قوله عليه السلام " يستتمه " روايته في الكافي حتى " يتنبه "
وهو كالصريح في إرادة الطواف الأول، وصحيح ابن مسلم وغيره محمول على
الزيادة سهوا أو مع نية طواف ثان، بل في كشف اللثام أو تعمد الشوط من
طوافه الأول مع جهل الحكم أو الغفلة عنه، ومقتضاه معذورية الجاهل كالناسي
وهو مشكل مع فرض الاتيان في أول النية بل والأثناء على ما ذكره من كونه
كالابتداء، ضرورة اقتضاء ما سمعت البطلان على تقدير الجهل والعمد، بل
لعل إطلاق نحو عبارة المتن يقتضي ذلك أيضا كالخبرين الذين مقتضاهما البطلان
حتى في الزيادة المتأخرة عن الاكمال نحو العالم، بل في المسالك التصريح بأن الجاهل

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1 - 8
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1 - 8
309

هنا كالعالم، ثم إن ظاهر الخبرين المزبورين والفتاوى إعادة الطواف من رأس
لا الشوط خاصة وهو كذلك كما صرح به غير واحد.
هذا كله في طواف الفريضة (و) أما الزيادة عمدا (في) طواف
(النافلة) ففي القواعد كالمتن (مكروهة) ولكن لا أعرف وجهه مع فرض
كون المراد ما ذكرناه من الزيادة المحرمة في الطواف الواجب حتى المتأخرة لكن
بنية أنها زيادة في الطواف، ضرورة كون الحرمة في الجميع للتشريع، وخبر
طلحة (1) الآتي إنما هو في غير الفرض كما ستعرف إن شاء الله، اللهم إلا أن
يريد حرمة الزيادة في الفريضة وإن لم تكن على جهة التشريع، وكراهتها في النافلة
أو أن المراد من الزيادة في النافلة خصوص القران الذي صرح في النافع بكراهته في
طواف النافلة بمعنى عدم الفصل بين الطوافين مثلا بالصلاة كما صرح به غير واحد،
بل في محكي التنقيح نفي الخلاف بل هو المراد مما عن النهاية والاقتصاد والتهذيب
والاستبصار من أن الأفضل تركه لقول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة (2) المروي
في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز " لا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة "
وإطلاق خبر البزنطي (3) " سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يطوف الأسباع
جمعا فيقرن فقال: لا إلا الأسبوع وركعتان، وإنما قرن أبو الحسن عليه السلام لأنه
كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية " وقوله عليه السلام في خبر علي بن أبي حمزة (4)
" لا تقرن بين أسبوعين " المحمول على إرادة الكراهة من النهي فيه ولو لنفي الخلاف
في الجواز الذي سمعته من التنقيح الذي يشهد له التتبع، مضافا إلى قول الصادق

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 14 - 7 - 3
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 14 - 7 - 3
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 14 - 7 - 3
310

عليه السلام في صحيح زرارة (1): " إنما يكره أن يجمع الرجل بين الأسبوعين
والطوافين في الفريضة، فأما في النافلة فلا بأس " وفي خبر عمر بن يزيد (2)
" إنما يكره القران في الفريضة، فأما النافلة فلا وأنه ما به بأس " بناء على إرادة
الحرمة من الكراهة المزبورة ليتجه نفي البأس عنه في النافلة الظاهر في عدمها
فيها بقرينة المقابلة، مع أن الكراهة مجمع عليها، وخبر زرارة (3) " ربما طفت مع
أبي جعفر عليه السلام وهو ممسك بيدي الطوافين والثلاثة ثم ينصرف ويصلي الركعات
ستا " وخبره الآخر (4) " طفت مع أبي جعفر (عليه السلام) ثلاثة عشر
أسبوعا قرنها جميعا وهو آخذ بيدي ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستا وعشرين
ركعة وصليت معه " وخبر علي بن جعفر (5) المروي عن قرب الإسناد سأل
أخاه موسى (عليه السلام) " عن الرجل يطوف السبوع والسبوعين فلا يصلي
ركعتين حتى يبدو له أن يطوف أسبوعا آخر هل يصلح ذلك؟ قال: لا يصلح
ذلك حتى يصلي ركعتي السبوع الأول ثم يطوف ما أحب " وخبره الآخر (6)
عنه (عليه السلام) أيضا " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يطوف طوافين
والثلاثة ولا يفرق بينهما بالصلاة حتى يصلي لها جميعا قال: لا بأس غير أنه يسلم
في كل ركعتين " ونحوه خبراه الآخران (7) عنه (عليه السلام) أيضا المشتملان
على رؤيته كذلك، وغير ذلك من النصوص الدالة على الجواز والكراهة المحمولة
بقراين عديدة على إرادة النافلة.
ومنه مضافا إلى النصوص السابقة يظهر الوجه في عدم جوازه في الفريضة

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2 - 5 - 8 - 9
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2 - 5 - 8 - 9
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2 - 5 - 8 - 9
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2 - 5 - 8 - 9
(5) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2 - 5 - 8 - 9
(6) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 1 - 4 - 2 - 5 - 8 - 9
(7) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 10 و 11
311

كما عن النهاية والمبسوط والتهذيب والجمل والعقود والمهذب والجامع، بل عن
التذكرة نسبته إلى أكثر علمائنا، خلافا لما عن الاقتصاد والدروس والمختلف من
الكراهة للأصل المقطوع بما عرفت، وللخبرين المزبورين اللذين قد عرفت إرادة
الحرمة من الكراهة فيهما، وإلا لكانت منفية عنه في النافلة، والاجماع على خلافه،
بل ربما قيل إنه لولا ذلك لكان المنع عنه فيها كالفريضة في غاية القوة، لما سمعته
عن النهي عنه في النصوص السابقة الذي يقصر الخبران المزبوران عن صرفه عن
ظاهره، خصوصا بعد قوة احتمال التقية فيهما كما سمعت الإشارة إليه في خبر
البزنطي، ونحوه خبر علي بن أبي حمزة (1) " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الرجل يطوف ويقرن بين أسبوعين فقال: إن شئت رويت لك عن أهل مكة
فقال: قلت له: والله مالي في ذلك حاجة جعلت فداك، ولكن ارو لي ما أدين
الله عز وجل به، فقال: لا تقرن بين أسبوعين، كلما طفت أسبوعا فصل
ركعتين " وإن كان هو خاليا عن الثمرة بعد ما عرفت من الاجماع وغيره مما
يقتضي إرادة الأعم من الكراهة والحرمة من ذلك ونحوه، بل في النافع
والتنقيح البطلان معها في الفريضة على الأشهر، قال في الأول: " والقران
مبطل في الفريضة على الأشهر ومكروه في النافلة " وإن كنا لم نتحقق ذلك
بل في الرياض " إنا لم نقف على نص ولا فتوى تتضمن الحكم بالابطال، وإنما
غايتها النهي عن القران الذي غايته التحريم، وهو لا يستلزم بطلان الطواف الأول
إذا كان فريضة أو بطلانهما معا كما هو ظاهر العبارة وغيرها لتعلق النهي بخارج
العبادة، لعدم صدق القران إلا بالاتيان بالطواف الثاني، فهو المنهي عنه لا هما

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 3
312

معا أو الأول كما هو ظاهر القوم، نعم لو أريد بالباطل الطواف الثاني اتجه،
لتعلق النهي بنفس العبادة حينئذ، ويدل على البطلان حينئذ زيادة على ذلك
الأخبار (1) الدالة على فورية صلاة الطواف وأنها تجب ساعة الفراغ منه لا تؤخر
بناء على ما قررناه في الأصول من استحالة الأمر بشيئين متضادين في وقت
مضيق ولو لأحدهما " قلت: قد يناقش بعد الاغضاء عما ذكره أخيرا الذي هو
مع أنه غير تام في نفسه كما حققناه في محله لا يتم في حال الغفلة والنسيان للصلاة،
لصدق اسم القران عليها معا، والنهي في العبادة وإن كان لخارج ظاهر في
الفساد كما هو واضح، وحينئذ يتجه البطلان فيهما.
ومن الغريب ما في كشف اللثام من حمل عبارة النافع على إرادة الزيادة
على السبعة شوطا أو أزيد على نية الدخول في ذلك الطواف لا استئناف آخر
فإنه المبطل، وقد أطلق على هذا المعنى في التذكرة والمنتهى وخلط فيهما بينه
وبين المعنى الأول، ففي المنتهى " لا يجوز الزيادة على سبعة أشواط في الطواف
الفريضة، فلو طاف ثمانية عمدا أعاد، وإن كان سهوا استحب له أن يتم
أربعة عشر شوطا، وبالجملة القران في طواف الفريضة لا يجوز عند أكثر
علمائنا " ثم استدل بأنه صلى الله عليه وآله لم يفعله فلا يجوز لقوله صلى الله عليه وآله (2) " خذوا عني
مناسككم " وبأنها فريضة ذات عدد فلا يجوز الزيادة عليها كالصلاة، ولما مر
من قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (3) " فمن طاف ثمانية يعيد حتى يستتمه "
ثم قال ويدل على المنع من القران وذكر خبري البزنطي (4) وعلي بن أبي حمزة (5)

(1) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف
(2) تيسير الوصول ج 1 ص 312
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 7 - 3
(5) الوسائل الباب 36 من أبواب الطواف الحديث 7 - 3
313

ثم قال عليه السلام في فروع المسألة: " هل القران في طواف الفريضة محرم أم لا؟ قال
الشيخ: لا يجوز، وهو كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهة، لكنه احتمال
بعيد، وقال ابن إدريس: إنه مكروه شديد الكراهة، وقد يعبر عن مثل
هذا بقولنا " لا يجوز " وكلام الشيخ في الاستبصار يعطي الكراهة، وفي التذكرة
لا يجوز القران في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا، لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يفعله
فلا يجوز فعله لقوله صلى الله عليه وآله " خذوا " ولأنها فريضة ذات عدد فلا يجوز الزيادة
عليه كالصلاة، ولأن الكاظم عليه السلام " سئل عن الرجل يطوف يقرن بين أسبوعين
فقال: كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين " وذلك كله كما ترى لا شهادة فيه على
ما ذكره من التأويل، بل أقصاه المناقشة في الأدلة على عنوان القران، وعلى
كل حال فإن فعل القران في النافلة استحب له الانصراف على الوتر فيقرن بين ثلاثة
أو خمسة أو سبعة كما صرح به الفاضل والشيخ ويحيى بن سعيد، بل عن الفاضل
كراهة الانصراف على شفع لخبر طلحة بن زيد (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما
السلام) " أنه كان يكره أن ينصرف في الطواف إلا على وتر من طوافه "
والله العالم.
المسألة (الثانية) قدم تقدم أن (الطهارة) من الحدث (شرط
في الواجب دون الندب حتى أنه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة وإن
كانت الطهارة أفضل) لكن لا يصلي بدونها، فلاحظ وتأمل.
المسألة (الثالثة) المشهور أنه (يجب أن يصلي ركعتي الطواف)
الواجب (في المقام) للتأسي والآية (2) والمستفيض من النصوص (3) أو

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) سورة البقرة الآية 119
(3) الوسائل الباب 71 و 72 من أبواب الطواف
314

المتواتر أو المقطوع بمضمونه، والمراد به (حيث هو الآن) لا حيث كان
على عهد إبراهيم عليه السلام ثم على عهد النبي صلى الله عليه وآله على ما سمعته في بعض الأخبار،
لصحيح ابن إبراهيم بن أبي محمود (1) سأل الرضا عليه السلام " أصلي ركعتي طواف
الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال: حيث هو الساعة " ولأنه المفهوم من غيره من النصوص المتضمنة للصلاة
فيه، كمرسل صفوان الذي هو من أصحاب الاجماع عن الصادق عليه السلام
" ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام، لقول الله عز
وجل " واتخذوا " الآية، فإن صلاهما في غيره أعاد الصلاة " وخبر عبد الله بن
مسكان (3) الذي هو من أصحاب الاجماع أيضا عن أبي عبد الله الابزاري عن
الصادق عليه السلام سأله " عمن نسي فصلى ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال:
يعيدهما خلف المقام، لأن الله يقول: " واتخذوا " الآية يعني ركعتي طواف
الفريضة " وصحيح الحلبي (4) عنه عليه السلام أيضا " إنما نسك الذي يقرن بين الصفا
والمروة مثل نسك المفرد، ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي، وعليه طواف
بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام " الخبر، وصحيح ابن مسلم (5) عن أحدهما
(عليهما السلام) المتقدم آنفا المشتمل على قوله: عليه السلام " يرجع إلى المقام فيصلي
ركعتين " وحسن معاوية بن عمار (6) عن الصادق عليه السلام المتقدم أيضا " إذا
فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام فصل ركعتين واجعله أماما " الخبر

(1) الوسائل الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 72 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 72 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 6
(5) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 5
(6) الوسائل الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
315

(و) غير ذلك من النصوص الدالة على أنه (لا يجوز في غيره).
خلافا لما عن الخلاف من جواز فعلهما في غيره، بل عنه نفي الخلاف عن
إجزاء الصلاة في غيره وعدم وجوب الإعادة، وما عن الصدوقين من جواز
صلاتهما في خصوص طواف النساء في سائر مواضع المسجد، وإن كنا لم نعثر
على ما يدل على الفرق بينه وبين غيره كما اعترف به في كشف اللثام، قال:
" إلا رواية عن الرضا عليه السلام " والظاهر إرادته ما عن الفقه المنسوب (1) إلى الرضا
عليه السلام حيث قال بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها وترتيبها في الفضل
ما صورته " وما قرب من البيت فهو أفضل إلا أنه لا يجوز أن يصلي ركعتي
طواف الحج والعمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة، ولا بأس بأن تصلي ركعتين
لطواف النساء وغيره حيث شئت من المسجد الحرام " إلا أنه مع عدم ثبوت
نسبته عندنا لا يصلح مخصصا للنصوص المزبورة.
نعم قد يستدل للأول بالأصل بعد عدم نصوصية الآية فيه، لأنها إن
كانت من قبيل اتخاذ الخاتم من الفضة كما هو الظاهر أو كانت " من " فيها بمعنى
" في " لزم أن يراد بالمقام المسجد أو الحرم، وإلا وجب فعل الصلاة على الحجر
نفسه، وإن أريد الاتصال والقرب وبالمقام الصخرة فالمسجد كله بقربه، وإن
وجب الأقرب فالأقرب لزم أن يكون الواجب في عهده صلى الله عليه وآله عند الكعبة
لكون المقام عندها، وكذا عند ظهور القائم عليه السلام، وكذا كلما نقل إلى مكان
وجبت الصلاة فيه، ولعله لا قائل به، وفيه أنه بعد تسليمه لا ينافي الظهور
الذي عليه المدار في إثبات المطلوب، خصوصا بعد ما ورد في (من خ) نزول

(1) ذكر قطعة منه في المستدرك في الباب 46 من أبواب الطواف
الحديث 1، والباب 48 منها الحديث 1 وتمامه في فقه الرضا عليه السلام ص 28
316

الآية عند فعلهما الذي هو كالتفسير لها وما ورد من الاستدلال بها في النصوص (1)
مضافا إلى قاعدة الانتقال إلى أقرب المجازاة مع تعذر الحقيقة، وإمكان منع عدم
القائل به بعد عدم تعرض أحد له وغير ذلك، وإطلاق بعض النصوص السابقة
فعلهما في مكانه الذي قد عرفت المراد به مع اختصاصه بالناسي، وحمل غيره عليه
قياس يقتضي جواز فعلهما حينئذ اختيارا في غير المسجد، ولا يقول به الخصم،
وإشعار لفظ " لا ينبغي " في خبر زرارة (2) الآتي الذي يراد منه الحرمة ولو
بقرينة ما سمعته من النصوص والفتاوى كما ترى، ونفي الخلاف في الخلاف عن
الاجزاء مع كونه موهونا بما سمعت معارض بهما أيضا مع رجحانهما عليه من
وجوه، وعلى كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور بعد ما سمعت من
النصوص والفتاوى.
إنما الكلام فيما سمعته من المصنف متمما له بقوله: (فإن منعه زحام صلى
وراءه أو إلى أحد جانبيه) مع أن الموجود في النصوص (3) الصلاة عند المقام
وخلفه وجعله أماما، بل مقتضى تحكيم الثاني على إطلاق الأول يعين كونها
خلفه كما عن الصدوقين وأبي علي والشيخ في المصباح ومختصره والقاضي في
المهذب، بل في الدروس معظم الأخبار وكلام الأصحاب ليس فيهما الصلاة في
المقام بل عنده أو خلفه، وعن الصادق عليه السلام (4) " ليس لأحد أن يصليهما إلا خلف

(1) الوسائل الباب 74 من أبواب الطواف الحديث 10 و 15
و 16 و 19 و 20
(2) الوسائل الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) الوسائل الباب 71 و 72 و 74 من أبواب الطواف
(4) الوسائل الباب 72 من أبواب الطواف الحديث 1
317

المقام " وأما تعبير بعض الفقهاء بالصلاة في المقام فهو مجاز تسمية لما حول المقام
باسمه، إذ القطع بأن الصخرة التي فيها أثر قدمي إبراهيم عليه السلام لا يصلى عليها،
ولا خلاف في عدم جواز التقدم عليها، والمنع من استدبارها، ومنه يعلم النظر
فيما في كشف اللثام من أنه لا بأس عندي بإرادة نفس الصخرة، وحقيقة الظرفية
بمعنى أنه إن أمكن الصلاة على نفسها فعل لظاهر الآية، فإن لم يمكن كما هو
الواقع في هذه الأزمنة صلى خلفه أو إلى جانبيه، مضافا إلى عدم وقوع ذلك
من النبي صلى الله عليه وآله وغيره، بل قد سمعت أن الواقع خلافه من الصلاة خلفه وجعله
أماما وأنه صلى الله عليه وآله قرأ الآية بعد أن فعل مشيرا بذلك إلى كونه المراد منها،
كما أن المحكي عن إبراهيم عليه السلام أنه جعله بعد وقوع الآية من الله تعالى في
الصخرة قبلة لصلاته.
وعلى كل حال فقد عبر بايقاع الركعتين في المقام في النهاية والمبسوط والوسيلة
والمراسم والسرائر والنافع والقواعد والتذكرة والتحرير والتبصرة والإرشاد
والمنتهى، ولعل المراد عنده كما في جملة من النصوص (1) ومحكي التهذيب
والاقتصاد والجمل والعقود وجمل العلم والعمل وشرحه والجامع، ويشهد له ما عن
المنتهى والتذكرة من الاستدلال على الصلاة فيه بنصوص " عنده " و " خلفه "
لكن قد يشكل ذلك في عبارة المصنف والفاضل ونحوهما مما اشترط فيه الصلاة
خلفه أو أحد جانبيه بالزحام، وكذا عن الوسيلة، لكن فيها أو بحذائه نحو
ما عن النهاية والمبسوط والسرائر والنافع أو بحياله، وفي النافع وعن التهذيب
إن زوحم صلى حياله، وعن الاقتصاد يصلي عند المقام أو حيث يقرب منه،

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1 والباب
74 منها الحديث 6 و 7 و 16.
318

وبالجملة لا وجه لاشتراط الصلاة خلفه بذلك ضرورة جوازه اختيارا، بل مقتضي
الجمع بين النصوص تعينه كما عرفت، اللهم إلا أن يريدوا التباعد الذي يخرج
عن مصداق عنده كما يومي إليه استدلالهم على ذلك بخبر الحسين بن عثمان (1)
الصحيح في الكافي والضعيف في التهذيب " رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلي
ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد " وفي التهذيب
" قريبا من الظلال لكثرة الناس " وأما احتمال كون المراد بالمقام في كلام من
عرفت البناء الموجود الآن الذي كاد يكون حقيقة عرفية باعتبار اشتماله عليه
فهو مع بعده عن النصوص خصوصا صحيح إبراهيم بن أبي محمود (2) السابق منها
وإن صحح الظرفية المكانية لكنه لا يصحح الشرطية المزبورة إلا على التأويل
المذكور، كل ذلك مع أنه لم نقف على ما يدل على الصلاة في أحد جانبيه
في حال التباعد، ولعله لذا قال في النافع ومحكي التهذيب ما سمعت،
بل قد سمعت أن مقتضى الجمع بين إطلاق الآية ونصوص " عنده " وبين
نصوص الخلف تعين الخلف في حال الاختيار أيضا فضلا عن حال الاضطرار
الخارج عن مصداق " عنده " والاتخاذ منه مصلى المراد بمن فيه
إما الاتصالية أو الابتدائية، على معنى ابتداء المصلي منه أو اتخاذه منه بكونه
بحياله، أو أن المراد منه نحو قولهم اتخذت من فلان صديقا ناصحا، ووهب
الله لي من فلان أخا مشفقا، فإن الصلاة إلى أحد الجانبين، في حال التباعد
خارج عن ذلك كله، وأما الخلف فلما سمعته من الصحيح المزبور، على أنه
ينبغي ذلك بما إذا ضاق الوقت، وإلا فالمتجه وجوب الانتظار، وفعل

(1) الوسائل الباب 75 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 1
319

أبي الحسن (عليه السلام) لا إطلاق فيه، وبذلك كله اتضح لك أن الأولى
والأحوط الصلاة خلفه سواء كان هو الصخرة أو البناء في حال الاختيار
والاضطرار مراعيا ضيق الوقت في الثاني الخارج عن صدق اسم عند.
هذا كله في طواف الفريضة، وأما النافلة فيجوز إيقاعهما فيها في المسجد
حيث شاء كما نص عليه غير واحد، بل لم أجد فيه خلافا صريحا نصا وفتوى
للأصل والنصوص، منها قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر زرارة (1):
" لا ينبغي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم (عليه السلام)
وأما التطوع فحيث شئت من المسجد " ومنها قول الباقر (عليه السلام) في
خبر إسحاق بن عمار (2): " من طاف بهذا البيت أسبوعا وصلى ركعتين في أي
جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة " المراد به النافلة، بل ظاهر
المروي (3) عن قرب الإسناد منها " عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين
خارج المسجد قال: يصلي بمكة لا يخرج منها إلا أن ينسى فيصلي إذا رجع في
المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف " جواز صلاة الركعتين خارج
المسجد بمكة على الاطلاق، ولم أر مفتيا به، فالعمل به مشكل ولو صح سنده
لقصوره عن معارضة غيره مما دل على صلاتهما فيه، والله العالم.
المسألة (الرابعة من طاف) وعلى بدنه نجاسة أو (في ثوب نجس مع
العلم) بها وبالحكم (لم يصح طوافه) بلا خلاف بين القائلين بالشرطية، بل ولا
إشكال، ضرورة اقتضاء النهي في العبادة الفساد، فيعيد الطواف حينئذ بعد

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل الباب 73 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 - 4
320

إزالة النجاسة كالصلاة المشبهة بها الطواف (وإن لم يعلم) بها ابتداء (فعلم
في أثناء طوافه أزاله) أي الثوب مع وجود ساتر غيره أو أزال نجاسته،
وعلى كل حال فالمراد رفع النجاسة (وتمم) طوافه كما صرح به غير واحد،
ولعله لاطلاق المرسل (1) " رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف
في ثوبه فقال: أجزأه الطواف ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر " وخبر يونس
ابن يعقوب (2) سأل الصادق عليه السلام " عن الرجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف
قال: ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه "
المؤيد بخبر حبيب بن مظاهر (3) قال: " ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا
فإذا انسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلت ثم جئت فابتدأت الطواف
فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: بئسما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني
على ما طفت، أما إنه ليس عليك شئ " فإنه وإن لم يكن في الجاهل بها إلا أنه
مثله في اختصاص التكليف بحال العلم بناء على ما ستعرف، وبقاعدة الاجزاء
فيما وقع حال عدم العلم بعد عدم ثبوت الشرطية في أزيد من حال العلم، كعدم
ثبوت البطلان بالفصل المزبور، بل مقتضى الاطلاقات الصحة مضافا إلى الخبرين
المزبورين، بل مقتضى إطلاق الأول منهما عدم الفرق بين ما لو علم بالنجاسة قبل
الشروع فيه ثم نسيها أو لا، ضاق الوقت أو لا، مؤيدا برفع النسيان عن
الأمة، وبأصالة البراءة وغير ذلك، بل عن الفاضل في التذكرة الاقتصار على
صورة النسيان، بل في الرياض أن إطلاقها كالعبارة وغيرها من عبائر الجماعة
يقتضي عدم الفرق بين ما لو توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3 - 2
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3 - 2
(3) الوسائل - الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 2
321

ولا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله، وهو نص الأخير.
خلافا للشهيدين فجزما بوجوب الاستئناف إن توقفت الإزالة على فعل
يستدعي قطع الطواف ولما يكمل أربعة أشواط، نظرا إلى ثبوت ذلك مع
الحدث في أثناء الطواف، والحكم في المسألتين واحد، وفيه نظر، والأجود
الاستدلال بعموم ما دل (1) على أن قطع الطواف قبل تجاوز الأربعة يوجب
الاستئناف كما سيأتي، ولا معارض له صريحا سوى الخبر الأخير، وهو قاصر
سندا فيشكل تخصيصه به، وكذا الخبران الأولان، مضافا إلى عدم صراحتهما
واحتمالهما التقييد بصورة التجاوز، كما يمكن تقييد ذلك العموم بغير موردهما،
وبالجملة فإن التعارض بينهما من وجه، والأقوى تقييد هذين بذلك لقصور السند،
لكن يمكن جبر القصور بعمل المشهور بالموافقة للأصل، فإن الأصل بقاء صحة
ما فعل وعدم وجوب الاستئناف مع تأمل ما في ذلك العموم، فإنما غايته
الاطلاق الغير المتبادر منه محل النزاع، ولعل هذا أظهر، سيما مع اعتضاده
بصريح ما مر من الخبر المعتبر، فتدبر،
قلت: لا يخفى عليك أن الخبرين المزبورين لم يدلا إلا على عدم قدح
تخلل مقدار زوال النجاسة ثم العود للطواف في فوات الموالاة، بل لا دلالة في
شئ منهما على عدم البأس حتى لو كان في أيام فضلا عن وقوع الحدث أو نحوه
مما ستعرفه إن شاء الله في مسألة التجاوز، ولذا أطلق المصنف وغيره الحكم هنا

(1) الوسائل الباب 40 و 41 و 45 من أبواب الطواف إلا أنه
لا يستفاد من الروايات وجوب الإعادة بالقطع قبل تجاوز الأربعة والموجود فيها
هو الإعادة بالقطع قبل النصف أو القطع على ثلاثة أشواط وأنه إذا طاف أربعا
يبني عليه
322

من غير إشارة إلى تلك المسألة، ومن الغريب دعوى أن عمل المشهور كذلك،
فالتحقيق الاقتصار فيما نحن فيه على عدم قدح تخلل إزالة النجاسة أو نزع
الثوب النجس ونحو ذلك على حسب ما هو متعارف ومعتاد في نحو ذلك أما إذا
احتيج مع ذلك إلى حال ينقطع به الطواف خارج عن المعتاد فحكمه ما تسمعه إن
شاء الله من التفصيل الآتي، ومن جميع ما ذكرناه يعلم النظر فيما في الدروس،
قال: " ولو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع التعمد أو النسيان
ولو لم يعلم حتى فرغ صح، ولو علم في الأثناء أزالها وأتم إن بلغ الأربعة،
وإلا استأنف ".
(و) كيف كان ف‍ (لو لم يعلم) بالنجاسة (حتى فرغ كان طوافه
ماضيا) بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال لما سمعته من القاعدة، مضافا
إلى كونه كالصلاة التي قد عرفت أن حكمها كذلك على الأصح، ولا ينافي ذلك
الاختلاف بينهما في صورة النسيان التي قد يشك في شمول التشبيه لها مع اقتضاء
إطلاق الدليل ذلك، على أن الأحوط أيضا اعتبار المساواة فيها، وإلى مرسل
البزنطي (1) أنه سأل الصادق عليه السلام " عن رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة
في مثله فطاف في ثوبه فقال: أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلي في ثوب
طاهر " المنزل على حال الجهل بها، لما سمعته في العامد، أما جاهل الحكم فألحقه
بعضهم بجاهل الموضوع، لكنه لا يخلو من نظر، وإن كان قد يقال بشمول
المرسل المزبور له، مضافا إلى إمكان استفادة أصالة معذورية الجاهل بالحكم في
الحج كالناسي، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه.
المسألة (الخامسة يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة ولو في الأوقات

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب الطواف الحديث 3
323

التي تكره لابتداء النوافل) بلا خلاف ولا إشكال، لاطلاق الأدلة، وخصوص
قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن عمار (1) السابق: " وهاتان الركعتان هما
الفريضة، ليس يكره أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند
غروبها، ولا تؤخرهما ساعة تطوف وتفرغ، فصلهما " وقول أبي جعفر عليه السلام
في صحيح زرارة (2) " أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك
متى ذكرتها أديتها، وصلاة ركعتي طواف الفريضة، وصلاة الكسوف، والصلاة
على الميت " وحسن رفاعة (3) سأل الصادق عليه السلام " عن الرجل يطوف الطواف
الواجب بعد العصر أيصلي ركعتين حين يفرغ من طوافه؟ قال: نعم، ما بلغك
قول رسول الله صلى الله عليه وآله يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر
فتمنعوهم من الطواف " وحينئذ فما في صحيح ابن مسلم (4) " سألت أبا جعفر
عليه السلام عن ركعتي طواف الفريضة فقال: وقتها إذا فرغت من طوافك، وأكرهه
عند اصفرار الشمس وعند طلوعها " وصحيحه الآخر (5) سأل أحدهما (عليهما
السلام) " عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر قال: يطوف ويصلي
الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها " محمول على التقية، فلا
ينافيه ما في الموثق (6) كالصحيح " ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن والحسين
(عليهما السلام) إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف الفريضة " لظهوره
في موافقة العامة لنا في هذه المسألة اقتداء بهما (عليهما السلام) إذ يمكن الجواب

(1) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3 - 2 - 7 - 8 - 4
(2) الوسائل الباب 39 من أبواب المواقيت الحديث 1 من كتاب
الصلاة
(3) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3 - 2 - 7 - 8 - 4
(4) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3 - 2 - 7 - 8 - 4
(5) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3 - 2 - 7 - 8 - 4
(6) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 3 - 2 - 7 - 8 - 4
324

عن ذلك بامكان الفرق بين فعلهم وفعلنا المحمول عندهم على الجواز مطلقا أو على
غير ذلك كما أشار إليه الرضا عليه السلام في الصحيح (1) الآتي، بل يمكن حمل الثاني
منهما على طواف النافلة الذي قد يظهر من المصنف وغيره كراهة صلاة ركعتيه في
الأوقات المزبورة، بل عن الشيخ وغيره التصريح به وإن كانت هي من ذوات
الأسباب التي لا يكره فعلها في الأوقات المزبورة بخلاف المبتدأة، لكن لعله
هنا لصحيح ابن بزيع (2) " سألت الرضا عليه السلام عن صلاة طواف التطوع بعد
العصر فقال: لا، فذكرت له قول بعض آبائه (عليهم السلام): إن الناس
لم يأخذوا عن الحسن والحسين (عليهما السلام) إلا الصلاة بعد العصر بمكة فقال
نعم، ولكن إذا رأيت الناس يقبلون إلى شئ فاجتنبه، فقلت: إن هؤلاء
يفعلون فقال: لستم مثلهم " وأما خبر ابن يقطين (3) " سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد العصر وهو في وقت الصلاة أيصلي ركعات
الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال: لا " فيمكن أن يكون الوجه فيه أن
المفروض فيه حضور وقت الفريضة التي هي أولى بالتقديم، بل يجب تقديمها على
ركعتي طواف النافلة بناء على عدم جواز التطوع وقت الفريضة، بل يمكن حمل
الصحيح المزبور على ضيق وقت الحاضرة، بل عن الشيخ أن الوجه فيه ما تضمنه
من أنه كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له أن يصلي ركعتي الطواف إلا بعد أن
يفرغ من الفريضة الحاضرة، وظاهره وجوب تقديم الفريضة الحاضرة على
ركعتي الطواف الفريضة ولو مع اتساع الوقت، وفيه منع، ضرورة أن الأصل
يقتضي التخيير بينهما كما عن الفاضل التصريح به، لأنهما واجبان موسعان، فلا

(1) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 10 - 10 - 11
(2) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 10 - 10 - 11
(3) الوسائل الباب 76 من أبواب الطواف الحديث 10 - 10 - 11
325

وجه لترجيح أحدهما على الآخر، بل إن قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر
به بعض النصوص اتجه حينئذ تقديمها على الفريضة، كما هو واضح، والله العالم.
المسألة (السادسة من نقص من طوافه) ولو عمدا في فريضة شوطا أو
أقل أو أزيد أتمه لصدق الامتثال إن كان في المطاف ولم يفعل المنافي الذي منه
طول الفصل المفوت للموالاة، بناء على اعتبارها كما هو المشهور، بل في الرياض
نسبته إلى ظاهر الأصحاب للانسياق، ولأنه المتيقن في البراءة: والمعهود من
فعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام والصحابة والتابعين وغيرهم، ولأنه كالصلاة المعلوم
اعتبار ذلك فيها، وإن انصرف عن المطاف أو حصل المنافي من حدث ونحوه
وكان النقصان سهوا (فإن جاوز النصف) أي طاف أربعة أشواط كما فسره به
في المسالك وحاشية الكركي، بل جعلا المراد بالمجاوز ذلك، وربما يشهد له
ما تسمعه من خبر إسحاق بن عمار (1) الذي به يقيد إطلاق غيره، وعلى كل
حال فمتى كان كذلك (رجع فأتم، ولو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه)
ما بقي عليه (وإن كان دون ذلك) أي من النصف أو قبل تمام الأربع
(استأنف) مع الامكان، وإلا استناب كما في النافع والقواعد وغيرهما ومحكي
المقنعة والمراسم والمبسوط والكافي والغنية والنهاية والوسيلة والسرائر والجامع،
نعم ليس في الأول كالمتن التصريح بالنسيان، كما أنه ليس فيهما أيضا اعتبار
الأربعة أشواط بل اقتصرا على الأكثر من النصف والأقل، بخلاف الأربعة المتأخرة
التي صرح فيها بذلك، بل يمكن إرجاع غيرها إليها، وصرح فيها أيضا كالمتن
وحكي المبسوط بالاستنابة إذا رجع إلى أهله.
وعلى كل حال فالتفصيل المزبور هو المشهور، بل في الرياض " لا يكاد

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 2
326

يظهر فيه الخلاف إلا من جمع ممن تأخر حيث قالوا لم نظفر بمستند لهذا التفصيل
بل الموجود في محكي التهذيب والتحرير والتذكرة والمنتهى أن من طاف ستة
أشواط وانصرف فليضف إليها ولا شئ عليه، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله
استناب، وإن ذكر في السعي أنه طاف بالبيت أقل من سبعة فليقطع السعي
وليتم الطواف ثم ليرجع فليتم السعي كما تسمع الخبر (1) الدال عليه، أما الأول
فالصحيح عن الحسن بن عطية (2): " سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل
طاف بالبيت ستة أشواط فقال أبو عبد الله عليه السلام: وكيف طاف ستة أشواط؟
قال: استقبل الحجر وقال: الله أكبر وعقد واحد، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
يطوف شوطا، فقال سليمان: فإن فاته ذلك حتى أتى أهله قال يأمر من يطوف
عنه " وصحيح الحلبي (3) عنه عليه السلام أيضا " قلت: رجل طاف بالبيت واختصر
شوطا واحدا في الحجر قال: يعيد ذلك الشوط " بل ظاهر الخبر الأول كالفتاوى
عدم الفرق في الاستنابة بين من تمكن من الرجوع والقضاء بنفسه وغيره،
ويأتي مثله فيمن نسي الطواف رأسا حتى رجع إلى أهله، وحينئذ فيتجه البناء
في الصورة المخصوصة دون غيرها، لفوات الموالاة.
قلت: يمكن أن يكون مستند التفصيل المزبور فحوى ما تسمعه من
النصوص (4) في مسألة عروض الحدث في الأثناء، بل قد تقدم في بحث أن
الحائض والنفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة يعدلان إلى الافراد والقران
من النصوص ما هو مشتمل على التعليل الشامل للمقام، ففي خبر إبراهيم بن

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 1
(4) الوسائل الباب 40 و 85 من أبواب الطواف
327

إسحاق (1) عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام " عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط
وهي معتمرة ثم طمثت قال: تتم طوافها فليس عليها غيره، ومتعتها تامة، فلها
أن تطوف بين الصفا والمروة وذلك لأنها زادت على النصف، وقد مضت متعتها،
ولتستأنف بعد الحج " وخصوص المورد لا يقدح في عموم التعليل المؤيد بما
سمعت وفحوى ما تسمعه في المريض وغيره مما هو ظاهر في كون المدار في
صحة الطواف تجاوز النصف وعدمه، مضافا إلى فتوى الأصحاب.
(وكذا) التفصيل المزبور في (من قطع طواف الفريضة لدخول البيت
أو للسعي في حاجة) كما في القواعد ومحكي النهاية والمبسوط والتهذيب والسرائر
والجامع مع زيادة دخول الحجر في الأخير، كما أن في الأربعة السابقة عليه
تعميم الحاجة له ولغيره نحو ما عن المهذب لغرض من دخول البيت أو غيره، وفي
النافع لحاجة أو مرض في أثنائه كما عن النهاية والمبسوط أيضا، وإن كنا لم نعثر
في الأول إلا على نصوص الاستئناف، كصحيح الحلبي (2) سأل الصادق (عليه
السلام) عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله قال:
يقضي طوافه وخالف السنة فليعد " وخبر حفص بن البختري (3) عنه (عليه
السلام) " فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها قال
يستقبل طوافه " ومن هنا أمكن أو يقال بالاستئناف مطلقا فيه بناء على ما تسمعه
إن شاء الله في العامد لا لعذر ولا لحاجة، إذ دعوى أن ذلك من الأغراض
والحوائج التي تندرج فيما تسمعه من النصوص يمكن منعها، كدعوى أن المدار

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 4
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 9 - 1
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 9 - 1
328

في البناء وعدمه على تجاوز النصف وعدمه وإن كان علما عامدا كما عن المفيد
والديلمي، فإن النصوص المزبورة حتى التعليل بناء على انسياقه لغير ذلك وحتى
نصوص الاستراحة (1) لا تشمله، فيبقى على مقتضى ما دل على اعتبار الموالاة
نعم ورد في الحاجة نصوص، منها صحيح أبان بن تغلب (2) عن الصادق عليه السلام
" في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة قال: " إن كان طواف
نافلة بنى عليه، وإن كان طواف فريضة لم يبن " ومنها خبره (3) أيضا قال: " كنت
مع أبي عبد الله عليه السلام في الطواف فجاء رجل من أخوالي فسألني أن أمشي معه في
حاجة ففطن بي أبو عبد الله عليه السلام فقال يا أبان: من هذا الرجل؟ قلت: رجل
من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجة، فقال: يا أبان اقطع طوافك وانطلق
معه في حاجة فاقضها له، فقلت: إني لم أتم طوافي قال: أحص ما طفت وانطلق
معه في حاجته، فقلت: وإن كان طواف فريضة فقال: نعم وإن كان طواف
فريضة " ومنها خبر أبي الفرج (4) قال: " طفت مع أبي عبد الله عليه السلام خمسة
أشواط ثم قلت: إني أريد أن أعود مريضا فقال: احفظ مكانك ثم اذهب
فعده ثم ارجع فأتم طوافك " إلا أنه ليس نصا في الفريضة، كما أن سابقه
لا تعرض فيه للتفصيل بين النصف وغيره، والأول إنما هو في غير التجاوز،
وبه يقيد إطلاق ما دل على البناء، ويلحق ما زاد على الشوطين فصاعدا إلى
ما لا يتجاوز النصف بهما لعدم قائل بالفرق بين الشوطين وما زاد أصلا، وما عن
الفقيه من قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل ابن أبي عمير (5) " في الرجل

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الطواف
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 6 - 8
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 6 - 8
(4) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 6 - 8
(5) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 5 - 7 - 6 - 8
329

يطوف ثم تعرض له الحاجة قال: لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره
فيقطع الطواف، وإن أراد أن يستريح ويقعد فلا بأس بذلك، فإذا رجع بنى
على طوافه وإن كان أقل من النصف " محمول على النفل، مع أنه في التهذيب
" فإذا رجع بنى على طوافه، فإن كان نافلة بنى على الشوط والشوطين، وإن كان
طواف فريضة ثم خرج في حاجة مع رجل لم يبن ولا في حاجة نفسه " وإن أطلق
فيه عدم البناء في الفريضة، ولكن المراد على الشوط والشوطين نحو إطلاق بعض
النصوص السابقة المراد منه ما إذا لم يكن قد تجاوز النصف
كل ذلك لما سمعته من الكلية المدلول عليها بالتعليل المعتضد بفتوى الأصحاب
وبفحوى ما تسمعه في الحدث بل والمرض الذي أشار إليه المصنف وغيره بقوله:
(وكذا لو مرض في أثناء طوافه) أي يجري فيه التفصيل المزبور، ولخبر
إسحاق بن عمار (1) عن أبي الحسن عليه السلام (المروي في الكافي " في رجل طاف طواف
الفريضة ثم اعتل علة لا يقدر معها على إتمام الطواف قال: إن كان طاف أربعة
أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط وقد تم طوافه، وإن كان قد طاف
ثلاثة أشواط ولا يقدر على الطواف فإن هذا مما غلب الله تعالى عليه فلا بأس
أن يؤخر الطواف يوما أو يومين، فإن خلته العلة عاد فطاف أسبوعا، وإن
طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعا، ويصلي هو ركعتين ويسعى عنه وقد
خرج من إحرامه " ورواه في التهذيب " ويصلي عنه " وفي دعائم الاسلام (2) عن
جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: " من حدث به أمر قطع به طوافه من
رعاف أو وجع أو حدث أو ما أشبه ذلك ثم عاد إلى طوافه فإن كان الذي تقدم

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) المستدرك الباب 28 من أبواب الطواف الحديث 1
330

له النصف أو أكثر من النصف بنى على ما تقدم، وإن كان أقل من النصف
وكان طواف الفريضة ألقى ما مضى وابتدأ الطواف " وفي المحكي (1) عن فقه
الرضا عليه السلام بعد ذكر الحائض في أثناء الطواف وأنها تبني بعد تجاوز النصف
لا قبله " وكذلك الرجل إذا أصابته علة وهو في الطواف لا يقدر على إتمامه
أعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه، فإن جاوز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف "
وبذلك كله يقيد إطلاق الإعادة بالمرض في الأثناء في الصحيح (2) بعد حصول
التكافؤ بالانجبار (3) والتأييد بالرضوي وغيره.
ومن ذلك كله يظهر لك النظر في المحكي عن أبي علي قال: " لو خرج
الطائف لعارض عرض له في الطواف اضطره إلى الخروج جاز له أن يبني على
ما مضى إذا لم يعمل غير دفع ذلك العارض فقط، والابتداء بطواف الفريضة
أحوط، ولو لم يمكنه العود وكان قد تجاوز النصف أجزأه أن يأمر من يطوف عنه
فإن لم يكن تجاوز النصف وطمع في إمكان ذلك له يوما أو يومين أخر الاحلال،
وإن تهيأ أن يطاف به طيف به، وإلا أمر من يطوف عنه ويصلي الركعتين
خلف المقام ويسعى عنه وقد خرج من إحرامه، وإن كان صرورة أعاد الحج "
وإن قال في كشف اللثام: " وكان دليله لاستئناف الفريضة مطلقا إطلاق صحيح
أبان، وعدم نصوصية خبره الآخر في البناء لكن قد سمعت صحيح أبان في
الشوط والشوطين، على أن التفصيل بين الصرورة وغيره لم نعرف له أثرا في نص

(1) المستدرك الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) في النسخة المبيضة " بعد عدم حصول التكافؤ بالانجبار " والصحيح
ما أثبتناه كما أنه لم يوجد لفظة " عدم " في النسخة المخطوطة المسودة
331

أو فتوى، كما أنك قد سمعت نصوص التفصيل بين تجاوز النصف وعدمه في
العارض والحاجة التي قد يدخل فيها الاستراحة التي أشير إليها في مرسل ابن
أبي عمير السابق، مضافا إلى خبر ابن أبي يعفور (1) عن الصادق عليه السلام أنه
سئل " عن الرجل يستريح في طوافه قال: نعم أنا قد كانت توضع لي مرفقة
فأجلس عليها ".
(و) كيف كان ف‍ (لو استمر مرضه بحيث لا يمكن أن يطاف به
طيف عنه) كلا أو بعضا على التفصيل السابق، لخبر يونس (2) سأله عليه السلام " عن
سعيد بن يسار أنه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه وأسعى قال:
لا، ولكن دعه فإن برئ قضى هو، وإلا فاقض أنت عنه " وصحيح حبيب
الخثعمي (1) عن الصادق عليه السلام " أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أن يطاف عن المبطون
والكسير " ولعل تقييد الأخير منهما بالأول يقتضي عدم المبادرة بالقضاء عنه حتى
ييأس من قضائه بنفسه، لكنه خلاف ظاهر المتن وغيره، ولا ريب في أنه
أحوط، بل ينبغي مراعاة تعذر الطواف به أيضا، وإلا وجب، لقول الصادق عليه السلام
في صحيح معاوية (4) " الكسير يطاف به " وخبر إسحاق (5) سأل الكاظم عليه السلام

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 3
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 5
(4) الوسائل الباب 49 من أبواب الطواف الحديث 6 وفيه
" الكبير يحمل فيطاف به " والصحيح ما ذكر في الجواهر فإن الموجود في التهذيب
ج 5 ص 125 الرقم 409 كذلك
(5) الوسائل الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 7
332

" عن المريض يطاف عنه بالكعبة فقال: لا ولكن يطاف به " وقال عليه السلام في
صحيح صفوان بن يحيى (1): " يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى يمس
الأرض قدميه في الطواف " وعن أبي بصير (2) " إن الصادق عليه السلام مرض فأمر
غلمانه أن يحملوه ويطوفوا به، وأمرهم أن يخطوا رجليه الأرض حتى تمس الأرض
قدماه في الطواف " ولذا قال أبو علي في المحكي عنه: " من طيف به فسحب رجليه
على الأرض أو مسها بهما كان أصلح " لكن عنه أنه أوجب عليه الإعادة إذا برئ،
وفيه أن قاعدة الاجزاء وظاهر النصوص والأصل تقضي بخلافه.
وهل يصبر للطواف به إلى ضيق الوقت أم يجوز المبادرة؟ ظاهر الأخبار
والأصحاب كما في كشف اللثام الجواز، قال: " وإذا جاز أمكن الوجوب
إذا لم يجز القطع " قلت: لا ريب في أن الأحوط الأول، بل قد يستفاد من
فحوى خبر يونس ذلك، مضافا إلى ما مضى من البحث في مسألة وجوب
الانتظار لذوي الأعذار أو جواز البدار.
ومن ذلك يظهر لك أن الوجه إرادة استمرار المرض حتى ضاق الوقت مما
في المتن ونحوه، ولكن عن النهاية والمبسوط والسرائر والتحرير والتذكرة
والمنتهى يوما أو يومين، ولعله لخبر إسحاق المتقدم الذي ظاهره أيضا جواز
المبادرة إلى ثلاثة أشواط، وأنه هو يصلي صلاة الطواف إذا طيف عنه على
ما سمعته في رواية الكافي عن النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والسرائر
والجامع، بل وكذا التهذيب أولا ثم روى الخبر (3) " أمر من يطوف عنه

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 2 - 10
(2) الوسائل الباب 47 من أبواب الطواف الحديث 2 - 10
(3) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 2
333

أسبوعا ويصلي عنه " وقال وفي رواية محمد بن يعقوب (1) " ويصلي هو " والمعني
به ما ذكرناه من أنه متى استمسك طهارته صلى هو بنفسه، ومتى لم يقدر على
استمساكها صلي عنه وطيف عنه، قلت: لا شاهد على الجمع المزبور، بل إن
كان طواف النائب موجبا لخطاب المنوب عنه بالصلاة اتجه وقوعها منه على حسب
أداء صلاته التي لا تسقط عنه بحال من غير فرق بين استمساك بطنه وعدمه،
ولذا أطلق في الكتب السابقة، وإلا كان المتجه صلاة النائب، لأنها من
توابع الطواف الذي ناب فيه، كما أن المتجه مع ملاحظة الخبرين وفرض جمعهما
لشرائط الحجية وعدم رجحان أحدهما على الآخر التخيير، والأحوط الجمع
والله العالم.
(وكذا لو أحدث في طواف الفريضة) في البناء على التفصيل المزبور
بلا خلاف معتد به أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل في المدارك هذا
الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، وظاهر المنتهى الاجماع عليه، بل عن
الخلاف الاجماع على الاستئناف قبل تجاوز النصف، لما عرفته سابقا، مضافا
إلى قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل ابن أبي عمير أو جميل (2) المنجبر بما
سمعت " في الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه: أنه يخرج ويتوضأ
فإن كان جاوز النصف بنى على طوافه، وإن كان أقل من النصف أعاد الطواف "
ونحو قول الرضا عليه السلام لأحمد بن عمر الحلال (3): " إذا حاضت المرأة وهي في

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب الطواف الحديث 2 والتهذيب
ج 5 ص 125 الرقم 408
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2
334

الطواف بالبيت أو الصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت
فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله "
وغير ذلك.
نعم إذا تعمد الحدث كان ممن تعمد القطع، وفيه الخلاف السابق، وعن
الفقيه أن الحائض تبني مطلقا، لصحيح ابن مسلم (1) عن الصادق عليه السلام سأله " عن
امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال: تحفظ مكانها،
فإذا طهرت طافت واعتدت بما مضى " المحمول على النفل كما عن الشيخ أو على غير
ذلك، وقد تقدم الكلام في المسألة فلاحظ وتأمل.
(و) كذا التفصيل المزبور (لو دخل في السعي فذكر أنه لم يتم
طوافه رجع فأتم طوافه إن كان تجاوز النصف، ثم تمم السعي) تجاوز نصفه
أو لا، وإن لم يكن قد تجاوز النصف استأنف الطواف كما عن المبسوط والسرائر
والجامع، ثم استأنف السعي كما في القواعد ومحكي المبسوط، وعن النهاية
والسرائر والتذكرة والتحرير والمنتهى اتمام السعي على التقديرين، بل قيل
هو ظاهر التهذيب والمصنف في كتابيه، وعلى كل حال لم أعثر هنا على نص
بالخصوص في التفصيل المزبور، ولعله يكفي فيه ما عرفت من التعليل وغيره مما
يحكم به على إطلاق موثق إسحاق بن عمار (2) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل
طاف بالبيت ثم خرج إلى الصفا فطاف به ثم ذكر أنه قد بقي عليه من طوافه شئ
فأمره أن يرجع إلى البيت فيتم ما بقي من طوافه، ثم يرجع إلى الصفا فيتم ما بقي

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 3 مع الاختلاف
في اللفظ وذكره بنصه في التهذيب ج 5 ص 130 الرقم 328
335

قال: فإنه طاف بالصفا وترك البيت قال: يرجع إلى البيت فيطوف به ثم يستقبل
طواف الصفا، قال: فما الفرق بين هذين؟ فقال (عليه السلام): لأنه دخل في
شئ من الطواف وهذا لم يدخل في شئ منه " إن لم نقل بظهور " شئ " في السؤال
في الأقل من النصف، بل قد يقال إن دليل الاستئناف حينئذ إذا كان دون
النصف أنه بحكم من لم يدخل في شئ من الطواف باعتبار وجوب استئنافه عليه
كالتارك له أصلا، وكان ترك ذكر ركعتي الطواف اتكالا على معلومية تبعيتهما
لكن في النافع ومحكي النهاية والتهذيب والتحرير والتذكرة والمنتهى إطلاق إتمام
الطواف، ولعله لاطلاق الخبر المزبور الذي عرفت الحال فيه، إلا أنه مع ذلك كله
لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.
فقد ظهر لك مما ذكرناه أن المدار في اتمام الطواف واستئنافه مع القطع
لعذر مجاوزة النصف وعدمه، ولعل من ذلك قطعه أيضا لصلاة فريضة وإن
لم يتضيق وقتها، فإن ذلك جائز عندنا، بل عن المنتهى اجماع العلماء عليه إلا
مالكا، أو لصلاة الوتر إذا ضاق وقتها، أو لصلاة جنازة أو نحو ذلك من
الأعذار كما نص عليها الشهيدان في الدروس واللمعتين، قال في الأول: " وجوز
الحلبي البناء على شوط إذا قطعه لصلاة فريضة، وهو نادر كما ندر فتوى النافع بذلك
وإضافة الوتر " وإن كان فيه أن ما ذكره عن الحلبي هو المحكي عن نص الغنية والاصباح
والجامع وظاهر المهذب والسرائر، كما أن ما في النافع من إضافة الوتر ظاهر
محكي التهذيب والنهاية والمبسوط والتحرير والتذكرة والمنتهى، بل زيد فيهما صلاة
الجنازة، ونسب ذلك فيهما إلى العلماء عدا الحسن البصري بل هو ظاهر إطلاق حسن
عبد الله بن سنان (1) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل كان في طواف النساء فأقيمت

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 2
336

الصلاة قال: يصلي يعني الفريضة، فإذا فرغ بنى من حيث قطع " وقوله عليه السلام
في خبر هشام (1) " في رجل كان في طواف فريضة فأدركته صلاة فريضة يقطع
طوافه ويصلي الفريضة ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه " وصحيح عبد الرحمان بن
الحجاج (2) سأل الكاظم عليه السلام " عن الرجل يكون في الطواف وقد طاف بعضه
وبقي عليه بعضه فيطلع الفجر فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المساجد إذا
كان لم يوتر فيوتر ثم يرجع فيتم طوافه أفترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر
وإن أسفر بعض الأسفار؟ قال: ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم
الطواف بعد " لكن ذلك يمكن تخصيصه بما عرفت من اعتبار النصف وعدمه في
الاتمام والاستئناف ولو لترجيح ذلك عليه بما سمعت، مع احتمال إرادة ذلك
من إطلاق من عرفت اتكالا على ما ذكروه في غير المقام، واحتمال اختصاص
ذلك بالخروج عن قاعدة النصف بعيد عن مقتضى الفقاهة، وإن قال في الرياض:
إنه أرجح هنا بالشهرة وحكاية الاجماع، لكن فيه أن الشهرة غير محققة بعد
ما عرفت من احتمال إرادة من أطلق التفصيل المزبور، وأما الاجماع المحكي فهو
ما نسبه إلى التذكرة والمنتهى، وليس هو فيما نحن فيه، قال في الأول: " ولو
دخل عليه وقت فريضة قطع الطواف وصلى الفريضة ثم عاد فتمم طوافه من حيث
قطع، وهو قول العلماء إلا مالكا، فإنه قال: يمضي في طوافه إلا أن يخاف
فوات وقت الفريضة، وهو باطل لما رواه العامة (3) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
" إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة " والطواف صلاة، ولأن وقت

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) سنن النسائي ج 2 ص 116
337

الحاضرة أضيق من وقت الطواف، فكانت أولى، ولأن عبد الله بن سنان
سأل الصادق عليه السلام إلى آخره، إذا عرفت هذا فإنه يبني على فراغه من الفريضة
ويتم طوافه، وهو قول العلماء إلا الحسن البصري، فإنه قال: يستأنف،
والأصل خلافه، وكذا البحث في صلاة الجنازة فإنها تقدم " ونحوه في المنتهى
واجماعه الأول إنما هو على جواز القطع، والثاني في مقابلة البصري القائل
بالاستئناف مطلقا، بل ملاحظة كلامه السابق في مسألة النصف كالصريح في عدم
الفرق بين الفريضة وغيرها، بل ما ذكره هنا من إلحاق صلاة الجنازة مبني على
ذلك أيضا، ولعله لذا لم ينقل الشهيد عنه شيئا، وكذا الكلام في مسألة الوتر،
نعم ينبغي تقييدها بما إذا خشي فوات الوقت كما في الصحيح المزبور، ومحكي
الفتاوى عدا ما في النافع، ولا دليل عليه، بل هو مخالف للنص والفتوى،
والله العالم.
وكيف كان فهل يجوز للجاهل الاستئناف حيث يجوز البناء كما يعطيه
خبر حبيب بن مظاهر (1) وإن قال عليه السلام فيه: " بئسما صنعت " لكن قال في آخره
" أما إنه ليس عليك شئ " لكن قد يقال إن ضعف سنده يمنع من العمل به هنا
بعد الأمر بالبناء، فالأحوط إن لم يكن الأقوى ترك الاستئناف وإن كان
الظاهر الاجزاء لو فعل وإن قلنا بالإثم بترك البناء، مع احتمال عدمه حملا للأمر
بالبناء على الإذن، لوقوعه في مقام توهم الحظر، وستسمع ما في الدروس من
نسبة الاستئناف إلى رواية ذكرها الصدوق وإن كنا لم نتحققها،
وهل يبنى من موضع القطع كما هو مقتضى حسن ابن سنان (2) وخبر

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب الطواف الحديث 2
338

أحمد بن عمر الحلال (1) في الحائض المتقدمين سابقا، وخبر أبي غرة (2) قال:
" مر بي أبو عبد الله عليه السلام وأنا في الشوط الخامس من الطواف فقال لي: انطلق
حتى نعود هاهنا رجلا، فقلت أنا في خمسة أشواط من أسبوعي فأتم أسبوعي
قال: اقطعه واحفظه من حيث تقطعه حتى تأتي إلى الموضع الذي قطعت منه
فتبني عليه " وغيره من النصوص المعتضدة مع ذلك بالاحتياط حذرا من الزيادة
أو من الركن كما هو ظاهر ما مر من صحيح معاوية وحسنه (3) في من اختصر
شوطا من الإعادة من الحجر إلى الحجر، بل عن التحرير والمنتهى أنه أحوط مع
اعترافه فيهما وفي محكي التذكرة بدلالة ظاهر الخبر على الأول الذي قد يفرق بينه
وبين ما في الصحيح بفساد الشوط بالاختصار المزبور، بخلاف الفرض الذي
يجوز له فيه القطع لحاجة لنفسه أو غيره، ومن ذلك يعلم ما في احتمال الجمع بين
النصوص بالتخيير.
ولو شك في موضع القطع طاف من المتيقن، واحتمال الزيادة غير قادح،
قال في الدروس: " ولو شك فيه أخذ بالاحتياط، ولو بدأ من الركن قيل جاز
وكذا لو استأنف من رأس يجزي في رواية ذكرها الصدوق ".
وعلى كل حال فظاهر الأصحاب هنا والنصوص وجوب الموالاة في الطواف
الواجب في غير المواضع التي عرفت، ولذا جعلها في الدروس الحادي عشر من
واجباته، نعم هي غير واجبة في طواف النافلة نصا وفتوى بلا خلاف أجده فيه
لكن في الحدائق المناقشة في وجوبها في طواف الفريضة أيضا للنصوص المزبورة

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب الطواف الحديث 10
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الطواف الحديث 3
339

التي هي أخص من دعواه، بل بعضها صريح في بطلان الطواف بعدمها في الأنقص
من النصف.
وأما قطع الطواف عمدا لا لغرض فقد يقوى جوازه في غير طواف
الفريضة بناء على جواز قطع صلاة النافلة كذلك، لأن الطواف بالبيت صلاة،
ولكن الأحوط تركه، بخلاف طواف الفريضة بناء على حرمة القطع في
الصلاة الواجبة، وعلى استفادة ذلك من التشبيه المزبور.
هذا كله في واجبات الطواف المستفادة من تضاعيف كلامهم وإن نظمها
في الدروس باثني عشر (و) أما (الندب) فكثير مستفاد مما تسمعه من
النصوص ولكن ذكر المصنف منها (خمسة عشر) منها
(الوقوف عند الحجر
وحمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله، ورفع اليدين بالدعاء،
واستلام الحجر على الأصح وتقبيله، فإن لم يقدر) على الاستلام ببدنه فببعضه
فإن تعذر إلا بيده (فبيده ولو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع، ولو لم يكن
له يد اقتصر على الإشارة) كما ستعرف ذلك كله إن شاء الله (و) يستحب
أيضا (أن يقول) عند استلامه (أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي
بالموافاة، اللهم تصديقا بكتابك إلى آخر الدعاء) المروي في صحيح معاوية بن
عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك،
واحمد الله تعالى واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله، واسأل الله أن يتقبل منك ثم
استلم الحجر وقبله، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك فإن لم تستطع أن تستلمه
بيدك فأشر إليه، وقل اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة،
اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الطواف الحديث 1
340

له، وأن محمدا عبده ورسوله، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات
والعزى وعبادة الشيطان وعبادة كل ند يدعى من دون الله، فإن لم تستطع أن
تقول هذا فبعضه، وقل: اللهم إليك بسطت يدي، وفيما عندك عظمت رغبتي
فاقبل سبحتي واغفر لي وارحمني، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف
الخزي في الدنيا والآخرة " وزاد الحلبيان في المحكي عنهما بعد شهادة الرسالة
وأن الأئمة (عليهم السلام) من ذريته وتسميهم حججه في أرضه وشهداءه على
عباده، وفي الكافي وفي رواية أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا دخلت
المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود فتستقبله، وتقول: الحمد
لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر من خلقه، وأكبر مما أخشى وأحذر
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ويميت
ويحيي، بيده الخير وهو على كل شئ قدير، وتصلي على النبي وآله، وتسلم
على المرسلين كما قلت حين دخلت المسجد، ثم تقول: اللهم إني أو من بوعدك
وأوفي بعهدك " ثم ذكر كما ذكر معاوية، وفي مرسل حريز (2) عن أبي جعفر
(عليه السلام) " إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل: اشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، آمنت
بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى، وبعبادة الشيطان وبعبادة كل

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الطواف الحديث 3، وفيه
" تدنو من الحجر الأسود فتستلمها.. الخ " إلا أن الموجود في الكافي ج 4
ص 403 بعين ما ذكره في الجواهر
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب الطواف الحديث 4
341

ند يدعى من دون الله، ثم ادن من الحجر واستلمه بيمينك، ثم تقول: الله
أكبر، اللهم أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي عندك بالموافاة " وفيما
روته العامة (1) عن عمر بن الخطاب " أنه قبل الحجر ثم قال: والله لقد علمت
أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يقبلك ما قبلتك
وقرأ لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه وآله أسوة حسنة فقال له علي (عليه السلام)
بلى إنه يضر وينفع، إن الله لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في ورق
وألقمه الحجر، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يؤتى بالحجر الأسود يوم
القيامة وله لسان يشهد لمن قبله بالتوحيد، فقال: لا خير في عيش قوم لست
فيهم يا أبا الحسن، أو لا أحياني الله لمعضلة لا يكون فيها ابن أبي طالب حيا،
وأعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن ".
وكيف كان فالخبر المزبور كغيره دال على استحباب استلامه قبل الطواف
بل قوله (عليه السلام) في خبر الشحام (2) " كنت أطوف مع أبي وكان إذا
انتهى إلى الحجر مسحه بيده وقبله " دال على ذلك في أثناء الطواف، كظاهر
حسن ابن الحجاج (3) " كان رسول الله صلى الله عليه وآله يستلمه في كل طواف فريضة
ونافلة " مضافا إلى الأخبار المطلقة على كثرتها.
بل الظاهر رجحانه في كل شوط كما عن الاقتصاد والجمل والعقود والوسيلة
والمهذب والغنية والجامع والمنتهى والتذكرة، بل والفقيه والهداية، بل قيل إنهما يحتملان الوجوب، ولعله لثبوت أصل الرجحان بلا مخصص.

(1) راجع كتاب الغدير للأميني ج 6 ص 103
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 3
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب الطواف الحديث 2
342

نعم إن لم يقدر افتتح به واختتم به كما عن الصدوق النص عليه في الكتابين
ولعله يوافقه ما سمعته سابقا من قول الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية (1)
" كنا نقول لا بد أن يستفتح بالحجر ويختم به، فأما اليوم فقد كثر الناس "
وفي خبر سعيد بن مسلم (2) المروي عن قرب الإسناد " رأيت أبا الحسن موسى
(عليه السلام) استلم الحجر ثم طاف حتى إذا كان أسبوع التزم وسط البيت
وترك الملتزم الذي يلزمه أصحابنا، وبسط يده على الكعبة ثم يمكث ما شاء الله
ثم مضى إلى الحجر فاستلمه وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام)
ثم استلم الحجر فطاف حتى إذا كان في آخر الأسبوع استلم وسط البيت ثم استلم
الحجر وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام، ثم عاد إلى الحجر فاستلم ما بين
الحجر إلى الباب ثم مكث ما شاء الله ثم خرج من باب الحناطين حتى أتى ذات طوى
فكان وجهه إلى المدينة ".
وعلى كل حال فلا ريب في استحباب الاستلام والتقبيل خلافا لسلار قيل
وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: " على الأصح " فأوجبه في المراسم،
ولكن الموجود في المراسم وجوب لثم الحجر، للأمر المحمول على الندب كما
يومي إليه ما في بعض النصوص السابقة، بل هو الظاهر منها أجمع أيضا ولو
لمعروفية لسان الندب من غيره، مضافا إلى ما في صحيح معاوية (3) " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حج فلم يستلم الحجر ولم يدخل الكعبة قال: هو من السنة

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 1 - 10
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 10 مع سقط
في الجواهر إلا أن الموجود في الوسائل سعدان بن مسلم وهو الصحيح كما يأتي
في الجواهر أيضا
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 1 - 10
343

فإن لم يقدر فالله أولى بالعذر " بناء على إرادة التقبيل من الاستلام فيه، وصحيح
يعقوب (1) قال له (عليه السلام) أيضا: " إني لا أخلص إلى الحجر الأسود فقال:
إذا طفت طواف الفريضة فلا يضرك " وصحيح معاوية (2) أيضا قال أبو بصير
لأبي عبد الله (عليه السلام): " إن أهل مكة أنكروا عليك أنك لم تقبل الحجر
وقد قبله رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا انتهى إلى الحجر
يفرجون له وإنا لا يفرجون لي " إلى غير ذلك مما هو ظاهر في عدم الوجوب، فما عساه
يظهر من بعض الناس من الميل إلى ذلك، لأن الأخبار بين آمر به أو بالاستلام
الذي هو أعم، ومقيد لتركه بالعذر، وآمر للمعذور بالاستلام باليد أو
بالإشارة والايماء، ولا يعارض ذلك أصل البراءة في غير محله، ضرورة ظهور
ذلك نفسه في عدم الوجوب، هذا.
وفي القواعد ومحكي المبسوط والخلاف أنه يستحب الاستلام بجميع البدن
ولعله لأن أصله مشروع للتبرك به والتحبب إليه، فالتعميم أولى، لكن المراد
ما يناسب التعظيم والتبرك والتحبب من الجميع، ويمكن أن يراد به الاعتناق
والالتزام، لأنه تناول له بجميع البدن وتلبس والتئام به.
وعلى كل حال فإن تعذر الاستلام بالجميع فببعضه كما نص عليه الفاضل أيضا،
بل هو المحكي عن المبسوط والخلاف أيضا، بل في الأخير منهما الاجماع عليه، خلافا
للشافعي فلم يجتز بما تيسر من بدنه،
فإن تعذر إلا بيده فبيده، قيل لما سمعته
من قول الصادق (عليه السلام) (3) " فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك "

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 10 - 6
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 10 - 6
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 11
344

وفي خبر سعيد الأعرج (1) " يجزيك حيث نالت يدك " وفيه أنه دال على
الاجتزاء باليد مع التعذر مطلقا.
نعم عن الصدوق والمفيد والحلبي ويحيى بن سعيد والفاضل والشهيد
استحباب تقبيل اليد حينئذ، ولا بأس به، لمناسبته للتعظيم والتبرك والتحبب،
بل روي (2) " أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستلم الحجر بمحجن، ويقبل المحجن ".
ولو كان أقطع استلم بموضع القطع، لقول الصادق عليه السلام في خبر السكوني (3)
" إن عليا عليه السلام سئل كيف يستلم الأقطع، قال: يستلم الحجر من حيث القطع،
فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله ".
وفاقد اليد أو التمكن من الاستلام بها وبغيرها يشير بها إليه، بلا خلاف
أجده في الأخير، بل نسبه بعضهم إلى نص الأصحاب، ولعله لخبر محمد بن
عبد الله (4) عن الرضا عليه السلام " أنه سئل عن الحجر ومقاتلة الناس عليه فقال: إذا
كان كذلك فأوم إليه ايماء بيدك " بل عن الفقيه والمقنع والجامع ويقبل اليد،
وأما فاقد اليد فليشر بالوجه أو بغيره كما هو مقتضى إطلاق المصنف وغيره، بل
نسب إلى الأكثر، قال الصادق عليه السلام (5): " فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر
إليه " وقال أيضا في صحيح سيف التمار (6): " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أتيت
الحجر الأسود فوجدت عليه زحاما فلم ألق إلا رجلا من أصحابنا فسألته فقال:

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 81 من أبواب الطواف
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب الطواف الحديث 1
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 5 - 4
(5) الوسائل الباب 12 من أبواب الطواف الحديث 1
(6) الوسائل الباب 16 من أبواب الطواف الحديث 5 - 4
345

لا بد من استلامه، فقال إن وجدته خاليا وإلا فسلم من بعيد ".
وكيف كان فاستلام الحجر كما عن العين وغيره تناوله باليد أو القبلة، قال
الجوهري: ولا يهمز لأنه مأخوذ من السلام وهو الحجر، كما تقول استنوق
الجمل، وبعضهم يهمزه، وعن الزمخشري ونظيره استهم القوم إذا أجالوا السهام
واهتجم الحالب إذا حلب في الهجم وهو القدح الضخم، قيل: وأقرب من ذلك
اكتحلت وادهنت إذا تناول من الكحل والدهن وأصاب منهما، ولكن فيه أنه
لا يوافق ما في النص والفتوى من التعبير باستلام الحجر ونحوه مما يقتضي عدم
إرادة السلام منه بمعنى الحجر، وربما يعطي كلام بعض أن التمسح بالوجه
والصدر والبطن وغيرها استلام، وعن الخلاص " أنه التقبيل " وعن ابن سيدة
" استلم الحجر واستلئمه قبله أو اعتنقه، وليس أصله الهمزة " وعن ابن السكيت
" همزته العرب على غير قياس، لأنه من السلام وهي الحجارة " وعن تغلب " أنه
بالهمز من الأمة أي الدرع بمعنى اتخاذه جنة وسلاحا " وعن ابن الأعرابي " أن
الأصل الهمزة، وأنه من الملائمة وهي الاجتماع " وعن الأزهري " أنه افتعال
من السلام، وهو التحية، واستلامه لمسه باليد تحريا لقبول السلام منه تبركا به
قال: وهذا كما قرأت منه السلام قال: وقد أملى علي أعرابي كتابا إلى
بعض أهاليه فقال في آخره اقترئ مني السلام قال: ومما يدلك على صحة هذا
القول أن أهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيى معناه أن الناس يحيونه بالسلام "
وعن بعض أنه مأخوذ من السلام بمعنى أنه يحيي نفسه عن الحجر، إذ ليس الحجر
ممن يحييه كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم وإنما خدم نفسه " ومقتضى صحيح معاوية
ابن عمار (1) المتقدم أن الاستلام يتحقق بالمس باليد، لقوله عليه السلام: " فإن لم تستطع

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب الطواف الحديث 1
346

أن تقبله فاستلمه بيدك " وسأل يعقوب بن شعيب (1) الصادق عليه السلام في الصحيح
عن استلام الركن فقال: " استلامه أن تلصق بطنك به، والمسح أن تمسح بيدك "
وهو يحتمل الهمز من الالتئام المنبئ عن الاعتناق أو التلبس به كالتلبس باللامة
ثم الركن غير الحجر وإن كان يطلق عليه توسعا، ويحتمل ركنه وغيره، وإن
كان الظاهر اتحاد المراد من استلام الحجر والركن، فيكون اعتناقه حينئذ
مقبلا له الاستلام الكامل أو الفرد الحقيقي منه، ودونه المسح باليد،
ودونهما الإشارة.
(و) منها (أن يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله سبحانه وتعالى)
بالمأثور في محاله وغيره، قال الصادق عليه السلام (2) في صحيح معاوية: " طف بالبيت سبعة
أشواط، وتقول في الطواف اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على ظلل الماء كما
يمشي به على جدد الأرض، وأسألك باسمك الذي يهتز له عرشك، وأسألك باسمك
الذي تهتز له أقدام ملائكتك، وأسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور
فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك، وأسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه وآله
ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا وكذا
ما أحببت من الدعاء، وكلما انتهيت إلى باب الكعبة فصل على النبي صلى الله عليه وآله، وتقول
فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة في الآخرة حسنة
وقنا عذاب النار، وقل في الطواف: اللهم إني إليك فقير، وإني خائف مستجير،
فلا تغير جسمي، ولا تبدل اسمي " وقال موسى بن جعفر عليه السلام في خبر أخي
أيوب أديم (3): " كان أبي إذا استقبل الميزاب قال: اللهم أعتق رقبتي من

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
347

النار، وأوسع علي من رزقك الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس،
وأدخلني الجنة برحمتك " وفي خبر أبي مريم (1) " كنت مع أبي جعفر عليه السلام
أطوف وكان لا يمر في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه، ثم يقول:
اللهم تب علي حتى لا أعصيك، واعصمني حتى لا أعود " وقال الصادق عليه السلام
في خبر عمرو بن عاصم (2): " كان علي بن الحسين عليه السلام إذا بلغ الحجر قبل أن
يبلغ الميزاب رفع رأسه ثم يقول: اللهم أدخلني الجنة برحمتك وهو ينظر إلى
الميزاب، وأجرني برحمتك من النار، وعافني من السقم، وأوسع علي من
الرزق الحلال، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم "
وفي خبر عمر بن أذينة (3) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لما انتهى إلى ظهر
الكعبة حين يجوز الحجر، يا ذا المن والطول والجود والكرم إن عملي ضعيف
فضاعفه لي، وتقبله مني، إنك أنت السميع العليم " وفي خبر سعد بن سعد (4)
" كنت مع الرضا عليه السلام في الطواف فلما صرنا بحذاء الركن اليماني قام عليه السلام فرفع
يده إلى السماء ثم قال: يا الله يا ولي العافية وخالق العافية ورازق العافية والمنعم
بالعافية والمنان بالعافية والمتفضل بالعافية علي وعلى جميع خلقك يا رحمن الدنيا والآخرة
ورحيمهما صل على محمد وآل محمد، وارزقنا العافية ودوام العافية وتمام العافية
وشكر العافية في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين " وقال عبد السلام (5) للصادق
عليه السلام: " دخلت الطواف فلم يفتح لي شئ من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل
محمد، وسعيت فكان ذلك، فقال (عليه السلام) ما أعطي أحد ممن سأل
أفضل مما أعطيت ".

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الطواف الحديث 4 - 5 - 6 - 7
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الطواف الحديث 4 - 5 - 6 - 7
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب الطواف الحديث 4 - 5 - 6 - 7
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب الطواف الحديث 4 - 5 - 6 - 7
(5) الوسائل الباب 21 من أبواب الطواف الحديث 1
348

لكن الجميع كما ترى لا دلالة في شئ منها على مضمون ما ذكره المصنف
من استحباب كونه في تمام الطواف واجبه ومندوبه ذاكرا لله سبحانه، وإن كان
يشهد له الاعتبار والعمومات وكون الطواف كالصلاة، نعم قال الجواد (عليه
السلام) في خبر محمد بن الفضيل (1): " طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه
إلا بالدعاء وذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه
ويحدثه بالشئ من أمر الدنيا والآخرة لا بأس به " وقال أيوب أخو أديم (2)
للصادق (عليه السلام): " القراءة وأنا أطوف أفضل أو أذكر الله تبارك وتعالى
قال: القراءة " وفيه رد على مالك المحكي عنه القول بكراهة القراءة، وفي مرسل
حماد بن عيسى (3) عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: " دخلت عليه يوما
وأنا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة فلما رأيته عظم علي كلامه، فقلت له ناولني
يدك أو رجلك اقبلها فناولني يده فقبلتها فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله فدمعت
عيناي فلما رآني مطأطأ رأسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما من طائف يطوف
بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه ويغض
بصره ويستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا ولا يقطع ذكر الله
عن لسانه إلا كتب الله له بكل خطوة سبعين ألف حسنة، ومحى عنه سبعين ألف
سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، وأعتق عنه سبعين ألف رقبة، ثمن كل
رقبة عشرة آلاف درهم، وشفع في سبعين من أهل بيته، وقضيت له سبعون
ألف حاجة إن شاء فعاجله، وإن شاء فأجله " وعلى كل حال فالأمر سهل، لأن

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 55 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب الطواف الحديث 1
349

ذكر الله تعالى حسن على كل حال، خصوصا هذا الحال، والله العالم.
ومنها أن يكون (على سكينة ووقار مقتصدا في مشيه) تمام الطواف
لا مسرعا ولا مبطأ كما عن الشيخ في النهاية وابني الجنيد وأبي عقيل والحلبي وابن
إدريس وغيرهم، بل في المدارك نسبته إلى أكثر الأصحاب، وفي غيرها إلى
المشهور، لمناسبته الخضوع والخشوع، وخبر عبد الرحمان بن سيابه (1) سأل
أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الطواف فقال له: أسرع وأكثر أو أمشي وأبطئ،
قال: امش بين المشيين " وفي المحكي عن نوادر ابن عيسى (2) عن أبيه عن
جده عن أبيه: رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) يمشي ولا يرمل " ولا ينافيه
خبر سعيد الأعرج (3) سأل أبا عبد الله (عليهما السلام) " عن المسرع والمبطئ
فقال: كل حسن ما لم يؤذ أحدا " بعد كون الأول أحسن.
(و) لكن (قيل) والقائل ابن حمزة فيما حكي عنه: (يرمل ثلاثا
ويمشي أربعا) وخاصة في طواف الزيارة، وعن الشيخ في المبسوط ذلك أيضا
في طواف القدوم خاصة، قال فيما حكي عنه: اقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله، لأنه كذلك
فعل، رواه جعفر بن محمد عن جابر (4) وعن التحرير والإرشاد اختياره، ولعله
لخبر ثعلبة عن زرارة أو محمد الطيار (5) " سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن الطواف أيرمل فيه الرجل؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أن قدم
مكة وكان بينه وبين المشركين الكتاب الذي قد علمتم أمر الناس أن يتجلدوا

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 4 - 6 - 1 وفي الثالث " كل واسع ما لم يؤذ أحدا ".
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 4 - 6 - 1 وفي الثالث " كل واسع ما لم يؤذ أحدا ".
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 4 - 6 - 1 وفي الثالث " كل واسع ما لم يؤذ أحدا ".
(4) سنن البيهقي ج 5 ص 7 - 82
(5) الوسائل الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 2
350

وقال: اخرجوا أعضادكم واخرج رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم رمل بالبيت ليريهم
أنه لم يصبهم جهد، فمن أجل ذلك يرمل الناس، وإني لامشي مشيا، وقد
كان علي بن الحسين (عليه السلام) يمشي مشيا " وخبر يعقوب الأحمر (1) قال
أبو عبد الله (عليه السلام): " لما كان غزاة الحديبية وادع رسول الله صلى الله عليه وآله
أهل مكة ثلاث سنين، ثم دخل فقضى نسكه، فمر رسول الله صلى الله عليه وآله بنفر من
أصحابه جلوس في فناء الكعبة فقال: هو ذا قومكم على رؤوس الجبال لا يرونكم
فيروا فيكم ضعفا، قال: فقاموا فشدوا أزرهم، وشدوا أيديهم على أوساطهم
ثم رملوا " إلا أنهما معا كما ترى لا دلالة فيهما على ذلك، بل في المحكي عن نوادر
ابن عيسى (2) عن أبيه " أنه سئل ابن عباس فقيل له: إن قوما يروون أن
رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بالرمل حول الكعبة فقال: كذبوا وصدقوا، فقلت
وكيف ذاك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها
مشركون، وبلغهم أن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله مجهودون، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
رحم الله أمره أراهم من نفسه جلدا، فأمرهم فحسروا عن أعضادهم ورملوا بالبيت
ثلاثة أشواط، ورسول الله على ناقته وعبد الله بن رواحة آخذ زمامها والمشركون
بحيال الميزاب ينظرون إليهم، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ذلك فلم يرمل ولم
يأمرهم بذلك، فصدقوا في ذلك وكذبوا في هذا ".
كل ذلك مضافا إلى ما عن المنتهى من نسبته إلى اتفاق العامة الذين جعل
الله الرشد في خلافهم، خصوصا هنا، لأنهم استندوا في ذلك إلى ما رووه (3)
من أن النبي صلى الله عليه وآله لما قدم مكة قال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم نهكتهم

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 3 - 5
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 3 - 5
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 7 - 82
351

الحمى ولقوا منها شرا فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن
يمشوا بين الركنين فلما رأوهم قالوا ما نريهم إلا كالغزلان " ولا دلالة فيه على
الاستحباب مطلقا.
وعلى كل حال فلا إشكال ولا خلاف في عدم وجوب شئ من الطريقين،
للأصل وما سمعته من خبر سعيد الأعرج (1).
والمراد بالرمل الهرولة على ما في القاموس، وإليه يرجع ما عن المفصل من
أنه ضرب منه، وعن الأزهري " يقال رمل الرجل يرمل رملانا إذا أسرع في مشيه
وهو في ذلك ينزو، وعن النووي " الرمل بفتح الراء والميم إسراع المشي مع تقارب
الخطأ ولا يثب وثوبا " وفي الدروس " أنه الاسراع في المشي مع تقارب الخطأ
دون الوثوب والعدو يسمى الخبب " والجميع متقارب، لكن في الصحاح وعن
العين وغيرهما " أنه بين المشي والعدو " وهو مناف لما سمعت حتى النصوص.
ثم إن الرمل على تقدير استحبابه فهو للرجال خاصة، أما النساء فلا
يستحب اتفاقا كما عن المنتهى، وفي الدروس ذكر فروعا عشرة على تقدير القول
المزبور كفانا مؤنتها عدم القول به.
والظاهر من طواف القدوم في عبارة الشيخ هو الذي يفعل أول ما يقدم
مكة واجبا أو ندبا في نسك أو لا، كان عليه سعي أو لا، فلا رمل في طواف
النساء والوداع وطواف الحج إن كان قدم مكة قبل الوقوف إلا أن يقدمه عليه،
وإلا فهو قادم الآن، ولا على المكي وإن احتمله في محكي المنتهى وعن ظاهر
التذكرة، وقال في الدروس: ويمكن أن يراد بطواف القدوم الطواف المستحب

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب الطواف الحديث 1
352

للحاج مفردا أو قارنا على المشهور إذا دخل مكة قبل الوقوف كما هو مصطلح
العامة، فلا يتصور في حق المكي ولا في المعتمر متعة أو افرادا، ولا في الحاج
مفردا إذا أخر دخول مكة عن الموقفين، قال: " ولكن الأقرب الأول، لأن
المعتمر قادم حقيقة إلى مكة، وكذا الحاج إذا أخر دخولها، ويدخل طواف
القدوم تحته " قلت: هو كذلك، على أنك قد عرفت عدم المأخذ له، فلا يهم
إجماله، ولا فرق عندنا بين أركان البيت وما بينها في استحباب الرمل وعدمه،
وعن بعض العامة اختصاص استحبابه بما عدى اليمانيين وما بينهما، ولا قضاء له
في الأربعة الأخيرة ولا في طواف آخر خلافا لبعض العامة أيضا.
وعلى كل حال فظاهر المصنف وصريح غيره استحباب المشي فيه، بل هو
المحكي عن المعظم، ولعله لأنه أنسب بالخضوع والاستكانة، وابعد عن إيذاء
الناس، ولأنه المعهود من النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين، وليس بواجب
للأصل، وثبوت ركوبه صلى الله عليه وآله فيه لغير عذر، خلافا للمحكي عن ابن زهرة
فأوجبه اختيارا حاكيا عليه الاجماع، وربما استدل له بتشبيه الطواف بالصلاة
التي لا يجوز الركوب اختيارا في الواجب منها، وإن كان هو كما ترى، وكذا
ما حكاه من الاجماع، نعم عن الخلاف لا خلاف عندنا في كراهة الركوب
اختيارا، مع أنه لا يخلو من نظر بعد فعل النبي صلى الله عليه وآله له، بل منع إن أراد
بالكراهة الحرمة كما احتمله بعض الناس.
(و) منها (أن يقول) في الطواف: (اللهم إني أسألك باسمك
الذي يمشى به على طلل الماء إلى آخر الدعاء) الذي سمعته في صحيح معاوية (1)
(و) منها (أن يلتزم المستجار) المسمى في النصوص بالملتزم والمتعوذ

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الطواف الحديث 1
353

(في الشوط السابع ويبسط يديه على حائطه ويلصق به بطنه وخده) ويقر
بذنوبه (ويدعو بالدعاء المأثور) وقال الصادق عليه السلام في خبر معاوية (1):
" ثم يطوف بالبيت سبعة أشواط إلى أن قال: فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة
وهو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يديك على
الأرض والصق خدك وبطنك بالبيت، ثم قل: اللهم البيت بيتك، والعبد
عبدك، وهذا مقام العائذ بك من النار، ثم أقر لربك بما عملت من
الذنوب، فإنه ليس عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر له إن شاء
الله، فإن أبا عبد الله عليه السلام قال لغلمانه: أميطوا عني حتى أقر لربي بما عملت،
وتقول: اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية، اللهم إن عملي ضعيف
فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك، وتستجير من
النار، وتتخير لنفسك من الدعاء ثم استقبل الركن اليماني والركن الذي فيه الحجر
الأسود واختم به، فإن لم تستطع فلا يضرك، وتقول: اللهم متعني بما رزقتني
وبارك لي فيما آتيتني " ولعله إليه يرجع خبره الآخر (2) عنه عليه السلام أيضا " إذا
فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني
بقليل فابسط يدك على البيت، والصق بطنك وخدك بالبيت، وقل: اللهم "
إلى آخر الدعاء المزبور بناء على إرادة القرب من الفراغ من قوله " فرغت " وهو
الشوط السابع، وعلى إرادة المستجار نفسه من الحذاء فيه، وفي خبره الآخر
عنه عليه السلام أيضا " كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه أميطوا عني حتى أقر لربي
بذنوبي فإن هذا مكان لم يقر عبد بذنوبه ثم استغفر إلا غفر الله له " وفي خبر

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 9 - 4 - 5
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 9 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 9 - 4 - 5
354

جميل بن صالح (1) عنه عليه السلام أيضا قال: " لما طاف آدم بالبيت وانتهى إلى
الملتزم قال له جبرئيل: يا آدم أقر لربك بذنوبك في هذا المكان إلى أن قال:
فأوحى الله إليه يا آدم قد غفرت لك ذنبك، قال: يا رب ولولدي أو لذريتي
فأوحى الله عز وجل إليه من جاء من ذريتك إلى هذا المكان وأقر بذنوبه وتاب
ثم استغفر غفرت له " وقال يونس (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الملتزم لأي
شئ يلتزم؟ وأي شئ يذكر فيه؟ فقال: عنده نهر من أنهار الجنة تلقى فيه
أعمال العباد عند كل خميس " وفي المروي (3) عن الخصال عن علي عليه السلام " أقروا
عند الملتزم بما حفظتم من ذنوبكم، وما لم تحفظوا فقولوا وما حفظته علينا
ونسيناه فاغفره لنا، فإنه من أقر بذنوبه في ذلك الموضع وعده وذكره واستغفر
منه كان حقا على الله عز وجل أن يغفر له " وقال الصادق عليه السلام أيضا في خبر
عبد الله بن سنان (4): " إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ وهو إذا قمت
في دبر الكعبة حذاء الباب، فقل: اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك، وهذا
مقام العائذ بك من النار، اللهم من قبلك الروح والفرج، ثم استلم الركن
اليماني ثم ائت الحجر فاختم به ".
وربما يستفاد من خبري بن مسلم (5) والصباح (6) استحباب استلام
الكعبة من دبرها بعد الفراغ من الطواف، قال في الأول: " قلت لأبي جعفر
عليه السلام من أين استلم الكعبة إذا فرغت من طوافي؟ قال: من دبرها " وقال في
الثاني: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن استلام الكعبة فقال: من دبرها " بل

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 6 - 7
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 6 - 7
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2 - 3 والرابع عن أبي الصباح وهو الصحيح
(4) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2 - 3 والرابع عن أبي الصباح وهو الصحيح
(5) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2 - 3 والرابع عن أبي الصباح وهو الصحيح
(6) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2 - 3 والرابع عن أبي الصباح وهو الصحيح
355

قد يستفاد من خبر سعدان بن مسلم (1) المروي عن قرب الإسناد استحباب
التزام غير الملتزم، قال: " رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام استلم الحجر ثم طاف
حتى إذا كان أسبوع التزم وسط البيت وترك الملتزم الذي يلتزم أصحابنا وبسط
يده على الكعبة " إلى آخر الخبر الذي ذكرناه سابقا في استلام الحجر، والأمر
سهل بعد كون الحكم ندبا، وقد ظهر لك أن المستجار هو بحذاء الباب مؤخر
الكعبة وإن كان قد سمعت ما في أحد أخبار معاوية، والله العالم.
(ولو جاوز المستجار إلى الركن) عمدا أو نسيانا (لم يرجع) حذرا
من زيادة الطواف، ولصحيح ابن يقطين (2) " سألت أبا الحسن عليه السلام عمن
نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني أيصلح أن يلتزم بين الركن
اليماني وبين الحجر أو يدع ذلك؟ قال: يترك اللزوم ويمضي، وعمن قرن عشرة
اسباغ أو أكثر أو أقل أله أن يلتزم في آخرها التزاما واحدا؟ قال: لا أحب "
ولكن في الدروس: ولو تجاوزه رجع مستحبا ما لم يبلغ الركن، وقيل لا يرجع
مطلقا، وهو رواية علي بن يقطين، بل في النافع والقواعد إطلاق الأمر بالرجوع
لالتزامه، ولعله لاطلاق بعض (3) النصوص السابقة، وعدم زيادة الطواف
بعد عدم نيته بما بعد ذلك إلى موضع الرجوع طوافا، وإنما الأعمال بالنيات،
قيل: ولذا لم ينه عنه الأصحاب، وإنما ذكروا أنه ليس عليه، وإن كان
فيه أن ظاهر المتن والخبر النهي، نعم هما إذا كان قد تجاوز أو انتهى إلى الركن
ولا ريب في أن الأحوط تركه، وأحوط منه عدم الرجوع مطلقا،
لاحتمال المنع من مطلق الزيادة كما جزم به في الرياض مستظهرا به مما في الدروس

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 10 - 1
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب الطواف الحديث 10 - 1
356

والروضة هنا من الأمر بحفظ الموضع عند الاستلام، أو الالتزام بأن يثبت
رجليه في الموضع، ولا يتقدم بهما حذرا من الزيادة في الطواف، كالأمر بحفظ
موضع القطع حيث يجوز الخروج من الطواف، مضافا إلى إطلاقهم في غير المقام
النهي عن الزيادة الذي يمكن اتكالهم عليه هنا، وإلى عدم دليل على الرجوع
إلا الاطلاق الغير المعلوم انصرافه إلى محل النزاع، وإن كان ذلك كله محل نظر
أو منع وإن زاد في الاطناب به في الرياض، والله العالم.
(و) منها (أن يلتزم الأركان كلها) كما صرح به الفاضل وغيره
لصحيح جميل (1) " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يستلم الأركان كلها "
وخبر إبراهيم بن أبي محمود (2) " قلت للرضا (عليه السلام) استلم اليماني والشامي
والعراقي والغربي قال: نعم " إلا أنهما كما ترى في الاستلام الذي هو معقد
المحكي من اجماع الخلاف على استحبابه فيها أجمع نحو ما عن المنتهى من
النسبة إلى علمائنا، فيمكن أن يكون هو المراد من الالتزام، أو نظرا إلى
ما سمعته سابقا من صحيح يعقوب بن شعيب (3) سأل الصادق (عليه السلام)
" عن استلام الركن فقال: استلامه أن تلصق بطنك به، والمسح أن تمسحه
بيدك " والأمر سهل.
(وآكدها الذي فيه الحجر واليماني) قال الصادق (عليه السلام) في صحيح
جميل (4) " كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول ما بال هذين الركنين يستلمان
ولا يستلم هذان، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله استلم هذين ولم يتعرض

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الطواف الحديث 2
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 1
357

لهذين، فلا تعرض لهما إذا لم يتعرض لهما رسول الله صلى الله عليه وآله، قال جميل: ورأيت
أبا عبد الله (عليه السلام) يستلم الأركان كلها " والمراد بالإشارة في الصحيح
الركن اليماني والذي فيه الحجر ولو بقرينة خبر غياث (1) عن جعفر عن أبيه
(عليهما السلام) " كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يستلم إلا الركن الأسود واليماني
ثم يقبلهما ويضع خده عليهما ورأيت أبي يفعله " وخبر بريد بن معاوية العجلي (2)
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف صار الناس يستلمون الحجر والركن
اليماني ولا يستلمون الركنين الآخرين؟ فقال: قد سألني عن ذلك عباد بن صهيب
البصري فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله استلم هذين ولم يستلم هذين، وإنما على
الناس أن يفعلوا ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله، وسأخبرك بغير ما أخبرت به عبادا إن
الحجر الأسود والركن اليماني عن يمين العرش، وإنما أمر الله أن يستلم ما عن
يمين عرشه " وفي المروي (3) عن العلل عن الصادق عليه السلام أنه قال: " لما انتهى
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الركن الغربي فقال له الركن يا رسول الله ألست قعيدا من
قواعد بيت ربك فما لي لا استلم؟ فدنى منه النبي صلى الله عليه وآله فقال: أسكن وعليك السلام
غير مهجور " والمرسل (4) عن النبي والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) " صار
الناس يستلمون الحجر والركن اليماني ولا يستلمون الركنين الآخرين، لأن
الحجر الأسود والركن اليماني عن يمين العرش، وإنما أمر الله تعالى أن يستلم
ما عن يمين عرشه " وفي المرسل الآخر (5) عن الصادق عليه السلام " الركن اليماني بابنا
الذي ندخل منه الجنة " وقال عليه السلام (6) " فيه باب من أبواب الجنة لم يغلق منذ فتح،
وفية نهر من الجنة تلقى فيه أعمال العباد " وفي المرسل الثالث (7) " إنه يمين الله

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2 - 12 - 14 - 5 - 6 - 7 - 8
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2 - 12 - 14 - 5 - 6 - 7 - 8
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2 - 12 - 14 - 5 - 6 - 7 - 8
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2 - 12 - 14 - 5 - 6 - 7 - 8
(5) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2 - 12 - 14 - 5 - 6 - 7 - 8
(6) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2 - 12 - 14 - 5 - 6 - 7 - 8
(7) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 2 - 12 - 14 - 5 - 6 - 7 - 8
358

في أرضه، يصافح بها خلقه " وفي الدروس لأنها على قواعد إبراهيم، لكن
في كشف اللثام " حكيت هذه العلة عن ابن عمر، ولا تتم إلا على كون الحجر
أو بعضه من الكعبة، وسمعته أنا لا نقول به، وإنما هو قول العامة " وقد
سبقه إليه في المسالك، فإنه قال بعد حكاية ذلك: وهو يشعر بكون البيت مختصرا
من جانب الحجر، وقد تقدم الخلاف فيه، والأمر سهل.
وقال الصادق عليه السلام أيضا في خبر زيد الشحام (1): " كنت أطوف مع
أبي عليه السلام وكان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده وقبله وإذا انتهى إلى الركن
اليماني التزمه، فقلت: جعلت فداك تمسح الحجر بيدك وتلتزم اليماني، فقال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرئيل قد سبقني
إليه يلتزمه ".
ومنه بل وغيره يستفاد التأكد في خصوص اليماني الذي ورد فيه استحباب
الدعاء عنده أيضا، قال العلاء بن ربعي (2) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله
عز وجل وكل بالركن اليماني ملكا هجيرا يؤمن على دعائكم " وفي خبره (3) الآخر
عنه عليه السلام " إنه كان يقول: إن ملكا موكل بالركن اليماني منذ خلق الله السماوات
والأرضين، ليس له هجير إلا التأمين على دعائكم، فلينظر عبد بما يدعو،
فقلت ما الهجير؟ فقال: كلام من كلام العرب، أي ليس له عمل " وعن رواية
أخرى (4) " ليس له عمل غير ذلك " وفي خبر معاوية بن عمار (5) عن أبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب الطواف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب الطواف الحديث 1 عن ربعي
عن العلاء بن المقعد قال: " سمعت.. الخ ".
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3 - 4 والأول عن العلاء بن المقعد
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3 - 4 والأول عن العلاء بن المقعد
(5) الوسائل الباب 23 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3 - 4 والأول عن العلاء بن المقعد
359

عليه السلام أيضا " الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يغلقه الله منذ فتحه " وقال
أبو الفرج السندي (2) " كنت أطوف بالبيت مع أبي عبد الله (عليه السلام)
فقال: أي هذا أعظم حرمة؟ فقلت: جعلت فداك أنت أعلم بهذا مني، فأعاد
علي فقلت: داخل البيت، فقال: الركن اليماني على باب من أبواب الجنة،
مفتوح لشيعة آل محمد صلى الله عليه وآله مسدود عن غيرهم، وما من مؤمن يدعو بدعاء
عنده إلا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش، ما بينه وبين الله حجاب ".
وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله ضعف ما عن أبي علي من
نفي استلام غير الركنين المزبورين لظاهر بعض النصوص السابقة المحمولة على عدم
التأكد أو عدم المواظبة، وعلى التقية جمعا بينها وبين غيرها مما عرفت من النص
والاجماع المحكي كالمحكي عن سلار من وجوب استلام اليماني كلثم الحجر وإن قال
في كشف اللثام للأمر به في الاخبار من غير معارض، لكن فيه أنه لا أمر به
بخصوصه، نعم فيه حكاية فعل هو أعم من الوجوب، أو رخصة هي أعم من
الاستحباب فضلا عن الوجوب، على أن لسان النصوص المزبورة ظاهر في
الندب سيما بعد ملاحظة جمعه مع غيره مما هو معلوم الندب وحكاية ظاهر الاجماع
وغير ذلك، هذا، وفي المدارك والظاهر تأدي السنة بالمسح باليد، كما تدل
عليه صحيحة سعيد الأعرج (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن استلام الحجر
من قبل الباب فقال: أليس تريد أن تستلم الركن؟ فقلت: نعم، فقال:
يجزيك حيث ما نالت يدك: وفيه أن ظاهر النصوص المزبورة استحباب أزيد

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الطواف الحديث 6
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الطواف الحديث 1
360

من ذلك من الالتزام ونحوه وإن كان هو أيضا مستحبا، بل لعل لفظ الاجزاء
مشعر بذلك أيضا، بل لا يبعد استفادة رجحان أصناف التبرك بالأركان
وخصوصا الركنين بل وغيرهما مما هو في دبر الكعبة من إلصاق البطن والوجه
والالتزام والتقبيل ونحوها.
(ويستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين طوافا) كل طواف سبعة أشواط
فتكون الفين وخمس مائة وعشرين شوطا بلا خلاف أجده فيه (فإن لم يتمكن
فثلاثمائة وستين شوطا) كما صرح به غير واحد، لصحيح ابن عمار (1) عن
أبي عبد الله عليه السلام " يستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيام السنة،
فإن لم يستطع فثلاثمائة وستين شوطا، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف "
وغيره من الأخبار على ما في كشف اللثام، قال: " ثم إنها كعبارات الأصحاب
مطلقة، نعم في بعضها التقييد بمدة مقامه بمكة، والظاهر استحبابها لمن أراد
الخروج في عامه أو في كل عام، وما في الأخبار من كونها بعدد أيام السنة
قرينة عليه " قلت: لم أعثر على ما ذكره من النصوص، نعم في المحكي عن فقه
الرضا عليه السلام (2) " يستحب أن يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا "
فلا مانع من إرادة استحباب ذلك له في كل يوم، لما يظهر من النصوص من
استحباب كثرة الطواف وأنه كالصلاة من شاء استقل ومن شاء استكثر، وفي
خبر عبد الله الهاشمي (3) عن الصادق عليه السلام " كان موضع الكعبة ربوة من الأرض
بيضاء تضئ كضوء الشمس والقمر حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودت،

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) المستدرك الباب 6 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الطواف الحديث 7
361

فلما نزل آدم رفع الله له الأرض كلها حتى رآها، قال: يا رب ما هذه الأرض
البيضاء المنيرة قال: هي حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن تطوف بها كل يوم
سبعمائة طواف " وفي خبر أبي الفرج (1) قال: " سأل أبان أبا عبد الله عليه السلام
أكان لرسول الله صلى الله عليه وآله طواف يعرف به؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يطوف بالليل والنهار عشرة أسابيع: ثلاثة أول الليل، وثلاثة آخر الليل، واثنين
إذا أصبح، واثنين بعد الظهر، وكان فيما بين ذلك راحته " وكيف كان فظاهر ما
سمعته من النص والفتوى من استحباب ثلاثمائة وستين شوطا أنه يكون واحد
منها عشرة أشواط، وذلك لأنها حينئذ أحد وخمسون أسبوعا وثلاثة أشواط،
وقد سمعت كراهة الزيادة.
(و) لكن في المتن وغيره أنه (تلحق) هذه (الزيادة بالطواف
الأخير وتسقط الكراهة هاهنا بهذا الاعتبار) للنص والفتوى، أو أن استحبابها
لا ينفي الزائد، فيزاد على الثلاثة أربعة كما عساه يشهد له ما في الغنية من أنه
قد روي (2) أنه يستحب أن يطوف مدة مقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا
أو ثلاثمائة وأربعة وستين شوطا، بل حكاه غير واحد عن ابن زهرة، وعن
المختلف نفي البأس عنه، وفي الدروس وزاد ابن زهرة أربعة أشواط حذرا من
الكراهة، وليوافق عدد أيام السنة الشمسية، ورواه البزنطي (3) وفي كشف
اللثام عن حاشية القواعد أن في جامعه إشارة إليه، لأنه ذكر في سياق أحاديثه عن
الصادق عليه السلام أنها اثنان وخمسون طوافا، قلت فيما حضرني من الوسائل عن

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب الطواف الحديث 2 و 3
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب الطواف الحديث 3
362

التهذيب مسندا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " يستحب
أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة كل أسبوع لسبعة أيام، فذلك اثنان وخمسون
أسبوعا " وأما احتمال مشروعية الثلاثة طوافا منفردا فهو بعيد جدا، وعلى كل
حال ففي كشف اللثام " وتخصيص الأخير للقصر على العذر واليقين، إذ قد
يتجدد التمكن من الطواف بالعدد، أو يكون الأخير أو غيره ثلاثة أشواط "
قلت: قد عرفت بعد الأخير بل والأول بناء على ما سمعته من المروي عن البزنطي
وغيره المراد مما في صدره وعجزه السنة الشمسية كما سمعته من الشهيد، وبذلك
يخرج عن ظاهر الخبر المزبور المنافي لما دل على وجوب الطواف سبعة أشواط
لا أزيد ولا أنقص، فاحتمال مشروعيته هنا ثلاثة أو عشرة لا داعي له، وإلا لقيل
بمشروعية الثلاثمائة وستين شوطا طوافا واحدا كما هو ظاهر الخبر المزبور، ولا
أظن أحدا يلتزمه، فليس المراد حينئذ إلا الأشواط المزبورة مقطعة طوافات
كل طواف سبعة، وإن توقف ذلك على إضافة أربعة إلى الثلاثة المتأخرة لا أنها
تجعل طوافا مستقلا، ولا أنها تضاف إلى الآخر على أن يكون عشرة أشواط،
فلا حاجة حينئذ إلى استثنائه من الكراهة كما هو ظاهر المصنف وغيره، وإلا فلا
وجه لتخصيصه بالأخير لاطلاق النص، والله العالم.
(و) منها (أن يقرأ في ركعتي الطواف في) الركعة (الأولى مع
الحمد قل هو الله أحد وفي الثانية معه قل يا أيها الكافرون) كما هو
المشهور، لما سمعته من قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية (2)
" إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين واجعله إماما واقرأ في

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب الطواف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 71 من أبواب الطواف الحديث 3
363

الأولى منهما سورة التوحيد قل هو الله أحد، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون "
الحديث، وغيره المؤيد بالترتيب الذكري في كثير من الأخبار المرغبة في
قراءة السورتين هنا وفي باقي المواضع السبع المشهورة، خلافا لما عن الشيخ في
كتاب الصلاة، فقال بالجحد في الأولى والتوحيد في الثانية، وعن الشهيد أنه
جعله رواية (1) وإن كنا لم نقف عليها، مع أنه في محكي النهاية هنا أفتى بما
سمعته من المشهور، بل نفى عنه البأس في كتاب الصلاة، وقد تقدم الكلام في
ذلك عند البحث على وجوبهما في الطواف، فلاحظ، والله العالم.
(ومن زاد على السبعة) في طواف الفريضة (سهوا) شوطا (أكملها
أسبوعين) في المشهور نصا وفتوى (وصلى الفريضة أولا وركعتي النافلة بعد
الفراغ من السعي) أما الأولى فللمعتبرة المستفيضة كصحيح أبي أيوب (2) " قلت
لأبي عبد الله عليه السلام رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف فريضة قال: فليضف
إليها ستا، ثم يصلي أربع ركعات " وصحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما
السلام) في كتاب علي عليه السلام " إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة
واستيقن ثمانية أضاف إليها ستا، وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف
إليها ستا " وخبره (4) الآخر عنه عليه السلام أيضا " قلت له: رجل طاف بالبيت فاستيقن
أنه طاف ثمانية أشواط قال: يضيف إليها ستة وكذلك إذا استيقن أنه طاف
بين الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستة " ونحو ذلك خبره الثالث (5) وخبر
علي بن أبي حمزة (6) " سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن رجل طاف بالبيت

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 91
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13 - 10 - 12 - 8 - 15
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13 - 10 - 12 - 8 - 15
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13 - 10 - 12 - 8 - 15
(5) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13 - 10 - 12 - 8 - 15
(6) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 13 - 10 - 12 - 8 - 15
364

ثمانية أشواط قال: نافلة أو فريضة، فقال: فريضة، فقال: يضيف إليها ستة،
فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف بهما،
فإذا فرغ صلى ركعتين أخراوين، فكان طواف نافلة وطواف فريضة " وخبر
وهب (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إن عليا (عليه السلام) طاف ثمانية
أشواط فزاد ستة ثم ركع أربع ركعات " وخبر زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه
السلام) " إن عليا (عليه السلام) طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى
على واحد وأضاف إليها ستة، ثم صلى ركعتين خلف المقام ثم خرج إلى الصفا
والمروة، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام
الأول " إلى غير ذلك من النصوص المنجبر ما يحتاج منها إلى جابر بما عرفت المقيد
إطلاق بعضها بحال السهو التي يخرج بها عما تقتضيه القاعدة من الفساد للثاني
بعدم النية وللأول بالزيادة، قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر عبد الله بن
محمد (3): " الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة، فإذا زدت عليها
فعليك الإعادة وكذا السعي ".
خلافا للصدوق في محكي المقنع، قال: وإن طفت بالبيت الطواف المفروض
ثمانية أشواط فأعد الطواف، وروي يضيف إليها ستة فيجعل واحدا فريضة
والآخر نافلة، لما عرفت، ولخبر أبي بصير (4) " سألت أبا عبد الله (عليه
السلام) عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض قال: يعيد حتى يثبته "

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 6 عن معاوية
ابن وهب
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 7 - 11 - 1
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 7 - 11 - 1
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 7 - 11 - 1
365

وخبره الآخر (1) المضمر " قلت له فإن طاف وهو مقطوع ثمان مرات وهو ناس
قال: فليتم طوافه ثم يصلي أربع ركعات، فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة
أشواط " قيل وصحيح ابن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " من طاف بالبيت
فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم يصلي ركعتين " من حيث
الاقتصار على ركعتين كخبر رفاعة (3) " كان علي عليه السلام يقول: إذا طاف
ثمانية فليتم أربعة عشر، قلت يصلي أربع ركعات قال: يصلي ركعتين " وفيه
أنه غير موافق لما سمعته من المقنع من إعادة الطواف الذي مقتضاه كخبر أبي بصير
بطلان الثمانية، فما عن بعض الناس ممن قارب عصرنا من الاعتداد بالثامن
خاصة مكملا له بستة على أنه الطواف الواجب لنحو الخبرين المزبورين اللذين
أولهما في الداخل في الثامن وغير ناف للركعتين الأخيرتين كالآخر المحتمل لإرادة
تعجيل الركعتين قبل السعي في غير محله، بل يمكن دعوى الاجماع المركب
على خلافه، فيجب حمل ما سمعت على ما يوافق المشهور بارتكاب ما عرفت
وغيره من احتمال إرادة الصلاتين من الركعتين، أو طرحه كوجوب حمل خبر
أبي بصير وغيره مما استدل به للصدوق كذلك، ضرورة قصوره عن المعارضة
سندا واستفاضة واعتضادا بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها
كذلك، إذ لم نجد مخالفا إلا ما سمعته من المقنع الذي لا يقدح مثله خصوصا
بعد ما عن الفقه المنسوب (4) إلى الرضا (عليه السلام) مما ينافي ذلك، قال:
" فإن سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط فزد عليها ستة أشواط، وصل

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 2 - 5 - 9
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 2 - 5 - 9
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 2 - 5 - 9
(4) المستدرك الباب 24 من أبواب الطواف الحديث 2
366

عند مقام إبراهيم ركعتي الطواف، ثم اسع بين الصفا والمروة، ثم تأتي المقام
فصل خلفه ركعتي الطواف، واعلم أن الفريضة هو الطواف الثاني، والركعتين
الأولتين لطواف الفريضة، والركعتين الأخيرتين للطواف الأول، والطواف
الأول تطوع " والمناقشة في بعض النصوص المزبورة المتضمنة لفعل علي (عليه
السلام) بعدم وقوع ذلك منه عمدا ولا سهوا لعصمته مدفوعة باحتمال التقية فيه
على معنى أن الصادق (عليه السلام) حكاه كما عندهم تقية مع أن الدليل غير
منحصر فيه، فلا بأس بطرحه، كما لا ريب في أن المتجه ما عليه المشهور.
نعم الظاهر اعتبار اكمال الشوط، أما إذا لم يكمله فليلغه ويرجع إلى طوافه
كما ستسمع الكلام فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له.
ثم إن الفاضل والشهيدان قد صرحوا باستحباب الاكمال المزبور الذي
مقتضاه كون الثاني هو النافلة، بل هو ظاهر المصنف وغيره ممن عده في
ذكر المندوبات، وحينئذ يجوز له قطعه ولعله لأصالة البراءة بعد بقاء الأول
على الصحة المقتضية لذلك باعتبار نيته، وللاتفاق على عدم وجوب طوافين،
بل قد سمعت التصريح في الصحيح السابق بأن أحدهما فريضة والآخر ندب،
فالأصل بقاء الأول على وجوبه، خلافا للمحكي عن الصدوق وابني الجنيد
وسعيد من كون الثاني هو الفريضة كما سمعت النص عليه في الفقه المنسوب
إلى الرضا (عليه السلام) وعن الصدوق في الفقيه حكايته رواية ناقلا لمضمون
الرضوي الذي سمعته، وللأمر بالاكمال المحمول على الوجوب، ولجميع ما دل
على بطلان الأول، ولظهور صحيح زرارة المتقدم المتضمن فعل علي عليه السلام،
ولكن الجميع كما ترى بعد معلومية الصحة في الأول نصا وفتوى، وعدم حجية
المرسل والرضوي، وإرادة الندب من الأمر لما عرفته سابقا، بل قد يدعى ظهور
النصوص في كون النافلة الثاني كما اعترف به بعض الناس، بل لعله ظاهر الصدوق
367

أيضا حيث إنه بعد أن ذكر النصوص المزبورة قال: في رواية أخرى أن الفريضة
الثاني والنافلة الأول، وبعد معلومية عدم السهو عليه (عليه السلام) فلم يطف
ثمانية إلا لعدوله في الأول عن فرضه لموجب له، فليس الصحيح المزبور حينئذ
من المسألة، كل ذلك مع استبعاد انقلاب ما نواه واجبا للندب بالنية المتأخرة
وإن كان لا بأس به بعد الدليل المعتد به، كما في نية العدول في الصلاة، وتأثير
النية هنا في الشوط الثامن الذي فرض وقوعه سهوا على أنه من الطواف الأول،
ولكن مع هذا كله لا ينبغي ترك الاحتياط في عدم القطع.
ثم إن مقتضى الجمع بين النصوص المزبورة هو ما ذكره المصنف وغيره من
صلاة ركعتين لطواف الفريضة مقدما على السعي، وصلاة ركعتين أخريين
للنافلة بعد السعي حملا للمطلق على ما سمعته من التفصيل الذي تضمنه بعض
النصوص المزبورة، مضافا إلى خبر جميل (1) سأل الصادق عليه السلام " عمن طاف
ثمانية أشواط وهو يرى أنها سبعة فقال: إن في كتاب علي (عليه السلام) أنه
إذا طاف ثمانية أشواط انضم إليها ستة أشواط ثم يصلي الركعات بعد، قال:
وسئل عن الركعات كيف يصليهن أيجمعهن أو ماذا؟ قال: يصلي ركعتين
للفريضة ثم يخرج إلى الصفا والمروة، فإذا رجع من طوافه بينهما رجع فصلى
ركعتين للأسبوع الأخير " بل ظاهر المتن والنصوص المزبورة وجوب الكيفية
المذكورة كما عن الأكثر، لكن في المدارك أن ذلك على الأفضل، لاطلاق
الأمر بصلاة الأربع في خبر أبي أيوب (2) ولعدم وجوب المبادرة إلى السعي،
وفي كشف اللثام " وهل يجب تأخير صلاة النافلة؟ وجهان، من عدم وجوب

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 16 - 13
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 16 - 13
368

المبادرة إلى السعي، واحتمال أن لا يجوز الاتيان بالندب مع اشتغال الذمة
بالواجب " ولكن هما معا كما ترى بعد ما عرفت من ظهور النصوص المزبورة في
الواجب، والله العالم.
(و) منها (أن يتدانى من البيت) كما صرح به الفاضل وغيره معللا
له بأنه المقصود، فالدنو منه أولى، ولا ينافي ذلك ما ورد (1) من أن في كل
خطوة من الطواف سبعين ألف حسنة، والتباعد أزيد خطأ لجواز اتفاق الحسنات
في العدد دون الرتبة، والله العالم.
(ويكره الكلام في الطواف بغير الدعاء والقراءة) لخبر محمد بن الفضيل (2)
عن الجواد عليه السلام " طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله
وتلاوة القرآن، قال: والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشئ من
أمر الدنيا والآخرة لا بأس به " وهو وإن اختص بالفريضة لكن يمكن القطع
بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة وإن كانت أخف خصوصا بعد معروفية
المرجوحية في المسجد بكلام الدنيا، ولعله لذا أطلق المصنف وغيره الكراهة،
بل زاد الشهيد كراهية الأكل والشرب والتثأب والتمطي والفرقعة والعبث ومدافعة
الأخبثين وكل ما يكره في الصلاة غالبا، ولا بأس به، بل قال أيضا: " أنه
تتأكد الكراهة في الشعر " وعلى كل حال فلا حرمة في شئ من ذلك بلا خلاف
أجده فيه، بل عن المنتهى إجماع العلماء كافة على جواز الكلام في المباح،
وقال ابن يقطين (3) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الكلام في الطواف وإنشاد
الشعر والضحك في الفريضة أو غير الفريضة أيستقيم ذلك؟ قال: لا بأس به،

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
369

والشعر ما كان لا بأس بمثله " نعم ورد النهي عن إنشاده في المسجد إلا ما كان
منه دعاء أو حمدا أو مدحا لنبي صلى الله عليه وآله أو إمام عليه السلام أو موعظة، والله العالم.
المقصد (الثالث في أحكام الطواف، وفيه اثنتي عشرة مسألة: الأولى
الطواف) في النسك المعتبر فيه عمرة أو حجا (ركن) إجماعا محكيا عن التحرير
إن لم يكن محصلا، وحينئذ ف‍ (من تركه عامدا) عالما (بطل) عمرته أو
(حجه) كغيره من أركان الحج التي هي على ما قيل النية والاحرام والوقوفان
والسعي، لعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، وقاعدة انتفاء المركب بانتفاء
جزئه، ولفحوى صحيح ابن يقطين (1) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل
جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة قال: إن كان على وجه جهالة في الحج
أعاد وعليه بدنة " وخبر علي بن أبي حمزة (2) سئل " عن رجل جهل أن يطوف بالبيت
حتى يرجع إلى أهله قال: إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة " ومن
المعلوم أولوية العالم من الجاهل بالإعادة، بل في الدروس وفي وجوب هذه البدنة
على العالم نظر، من الأولوية وإن كان قد يناقش باحتمال كونها للتقصير في التعلم
واحتمال كونه كمن عاد إلى تعمد الصيد، اللهم إلا أن يدعى الدلالة في العرف
على ذلك بحيث يصلح لأن تكون حجة شرعية.
وعلى كل حال فمنهما يعلم كون الجاهل هنا كالعامد كما عن الشيخ وغيره
التصريح به، مضافا إلى الأصل وغيره، فما في النافع " وفي رواية إن كان على
وجه جهالة أعاد الحج " مما يشعر بالتوقف فيه في غير محله، وإن مال إليه بعض
متأخري المتأخرين كالأردبيلي والمحدث البحراني، لعموم نفي الشئ على الجاهل
ورفع القلم مطلقا أو في خصوص الحج المعلوم إرادة نفي العقاب منه لا القضاء

(1) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
370

والإعادة ونحوهما مما هو معلوم في جميع أبواب الفقه، ولو سلم فهو مخصوص بما
هنا، ولذا نزل ما في النافع على إرادة التوقف في البدنة، قيل للأصل وضعف
الخبرين وعدم العمل بهما من أحد، وهو في غير محله أيضا، ضرورة انقطاع
الأصل وحجية أحد الخبرين كما لا يخفى على من له خبرة بأحوال الرجال، ومنع
عدم العمل بهما، فإنه قد حكي عن الشيخ والأكثر ذلك، وهو الأقوى.
بقي الكلام فيما يتحقق به الترك، ففي المسالك وفي وقت تحقق البطلان
بتركه خفاء، فإن مقتضى قوله: " من تركه ناسيا قضاه ولو بعد المناسك "
أن العامد يبطل حجه متى فعل المناسك بعده، وقد ذكره جماعة من الأصحاب
أنه لو قدم السعي على الطواف عمدا بطل السعي ووجب عليه الطواف ثم السعي،
فدل على عدم بطلان الحج بمجرد تأخر الطواف عمدا، ويقوى توقف البطلان
على خروج وقت الحج، وهو ذو الحجة، لأنه وقت لوقوع الأفعال في الجملة
خصوصا الطواف والسعي، فإنه لو أخرهما عمدا طول ذي الحجة صح، وغاية
ما يقال أنه يأثم، وقد تقدم، وفي حكم خروج الشهر انتقال الحاج إلى محل
يتعذر عليه العود في الشهر، فإنه يتحقق البطلان وإن لم يخرج.
هذا في الحج، وأما العمرة فإن كانت عمرة تمتع كان بطلانها بفواته عمدا
متحققا بحضور الموقفين بحيث يضيق الوقت إلا عن التلبس بالحج ولما يفعله،
وإن كانت مفردة فبخروج السنة إن كانت المجامعة لحج القران أو الافراد، ولو
كانت مجردة عنه فاشكال، إذ يحتمل حينئذ بطلانها بخروجه عن مكة ولما يفعله،
ويحتمل أن يتحقق في الجميع بتركه بنية الاعراض عنه، وأن يرجع فيه إلى ما
يعد تركا عرفا، والمسألة موضع إشكال، وقد سبقه الكركي إلى ذلك في حاشية
الكتاب، قال: " مما يشكل تحقيق ما به يتحقق ترك الطواف، فإنه لو سعى
قبل أن يطوف لم يعتد به، وإن أحرم بنسك آخر بطل فعله، صرح به في
371

الدروس، ويمكن أن يحكم في ذلك العرف، فإذا شرع في نسك آخر عازما على
ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفا حكم ببطلان الحج أو يراد به خروجه من
مكة بنية عدم فعله " قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه
سابقا من جواز تأخير طواف حج التمتع وسعيه اختيارا طول ذي الحجة على
كراهية شديدة، ودونها تأخر طواف حج الافراد والقران وسعيه كما سمعت الكلام
في ذلك مفصلا، بل الظاهر من القائل بعدم الجواز إرادة الإثم دون البطلان،
فحينئذ يراد بالترك في حج التمتع والقران والافراد عدم الفعل في تمام ذي الحجة
وفي عمرة التمتع عدمه إلى ضيق وقت الوقوف بعرفة، وفي العمرة المفردة المجردة
إلى تمام العمر، بل وكذا المجامعة لحج الافراد والقران بناء على عدم وجوبها
في سنتهما، وإلا فالمدار على تركها في تلك السنة، فهو ركن في هذه المناسك
جميعها تبطل بتركه فيها على الوجه المزبور مع العلم والعمد.
نعم الظاهر خروج طواف النساء عن ذلك وإن أوهمه ظاهر العبارة، لكن
هو غير ركن، فلا يبطل النسك بتركه حينئذ من غير خلاف كما عن السرائر
لخروجه عن حقيقة الحج، قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (1) " وعليه يعني
المفرد طواف بالبيت، وصلاة ركعتين خلف المقام، وسعي واحد بين الصفا
والمروة، وطواف بالبيت بعد الحج " ونحوه صحيح معاوية (2) في القارن،
وصحيح الخزاز (3) قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل
فقال: أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ويأبى الجمال
أن يقيم عليها قال: فأطرق وهو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 11
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 11
(3) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 13
372

ولا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضي فقد تم حجها " فإن قوله
عليه السلام: " فقد تم حجها " ظاهر في خروجه عن النسك ولو في حال الاختيار،
ولا يقدح في ذلك كون مورده الاضطرار، إذ العبرة بعموم الوارد لا خصوص
المورد، كما هو واضح.
ثم إن الظاهر عدم الاحتياج إلى المحلل بعد فساد النسك بتعمد ترك الطواف
المعتبر فيه، ضرورة بطلان الاحرام الذي هو جزء من النسك ببطلانه، مضافا
إلى خلو أخبار البيان عنه، لكن في المدارك وغيرها احتمال بقائه على إحرامه
إلى أن يأتي بالفعل الفائت في محله، ويكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازا كما
عن الشهيد في الحج الفاسد بناء على أن الأول هو الفرض واحتمال توقفه على
أفعال العمرة، بل عن الكركي في شرح القواعد الجزم بالأخير، لكن قال: " على
هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضي للبطلان في العمرة المفردة، لأنها هي المحللة
من الاحرام عند بطلان نسك آخر غيرها، فلو بطلت احتيج في التحلل من إحرامها
إلى أفعال العمرة، وهو معلوم البطلان " وفي المدارك هو غير واضح المأخذ، فإن
التحلل بأفعال العمرة إنما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسك مطلقا، ودعوى
استصحاب حكم الاحرام إلى أن يعلم حصول المحلل وإنما يعلم بالاتيان بأفعال العمرة
يدفعها ما عرفت من أن بطلان النسك يقتضي بطلان الاحرام الذي هو جزء منه
ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا على القول بكون الاحرام
نسكا مستقلا يعتبر وقوع الأفعال معه نحو الطهارة للصلاة، ولا أقل من أن
يكون له جهتان كما عساه يشهد لذلك ما تسمعه في المحصور والمصدود، فحينئذ
يتجه توقف التحليل على فعل الفائت ولو في السنة الآتية، لأصالة عدم حصول
التحلل بغير أداء النسك الذي وقع الاحرام له، ولكن فيه من العسر والحرج
ما لا يخفى، ولعله لذا قال الكركي بالتحلل بأفعال العمرة، وإن كان لا يتم
373

إلا بدعوى الاستفادة من الأدلة أن أفعالها يحصل بها التحليل من الاحرام مطلقا
من غير فرق بين فوات الحج بفوات وقته وبين بطلانه بفوات ركنه، ولم يحضرني
الآن ما يدل على ذلك، وإن كان ظاهر سيد المدارك المفروغية منه، حيث إنه
بعد أن ذكر ما سمعته سابقا قال: " والمسألة قوية الاشكال، من حيث
استصحاب حكم الاحرام إلى أن يعلم حصول المحلل، وإنما يعلم بالاتيان بأفعال
العمرة، ومن أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان
منه، ولعل المصير إلى ما ذكره أحوط، ولكن قد عرفت أن الأحوط منه أيضا
فعل الفائت مع ذلك، والله العالم.
(ومن تركه ناسيا قضاه) بنفسه متى ذكره (ولو بعد المناسك)
وانقضاء الوقت بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الخلاف والغنية
الاجماع عليه، لرفع الخطأ والنسيان المعتضد بقاعدة نفي الحرج، وصحيح
هشام بن سالم (1) سأل الصادق عليه السلام " عمن نسي طواف زيارة البيت حتى يرجع
إلى أهله فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه " وصحيح علي بن جعفر (2)
عن أخيه موسى (عليه السلام) سأله " عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم
بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال يبعث بهدي إن كان تركه في حج يبعث به في
حج، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، ويوكل من يطوف عنه ما تركه
من طواف الحج " فما عن الشيخ في كتابي الأخبار والحلبي من البطلان في غير محله بعد
ما عرفت، فلا وجه لحمل الطواف في الصحيح الأول على طواف الوداع وفي الثاني على
طواف النساء كما وقع من الشيخ مستدلا عليه بخبر معاوية بن عمار (3) " قلت لأبي عبد الله

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب زيارة البيت الحديث 4
(2) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1 6 وفي الأول " ما تركه من طوافه ".
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1 6 وفي الأول " ما تركه من طوافه ".
374

عليه السلام: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله قال: لا تحل له النساء حتى يزور
البيت، وقال يأمر من يقضي عنه، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه
وليه أو غيره " إذ هو كما ترى لا دلالة فيه على ذلك، ضرورة اختصاص السؤال
والجواب فيه بطواف النساء من غير تعرض لغيره.
وأغرب من ذلك ما وقع له في محكي الاستبصار فإنه قال: باب من نسي
طواف الحج حتى يرجع إلى أهله ثم أورد روايتي علي بن أبي حمزة (1) وعلي بن
يقطين (2) المتضمنتين إعادة تارك الطواف جهلا، ثم قال: أما ما رواه علي
ابن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن رجل نسي طواف الفريضة "
الحديث، فالوجه أن تحمله على طواف النساء، واستدل عليه بخبر معاوية بن
عمار السابق، وظاهره محاولة الجمع بين النصوص المزبورة، مع أن من الواضح
عدم المنافاة بينها بعد أن كان الموضوع في بعضها الجاهل، وفي الآخر
الناسي، ونحوه ما وقع له في التهذيب من الاستدلال على حكم الناسي
بخبري الجاهل (4) المتضمنين للإعادة والبدنة، مع أن من المعلوم عدم الإعادة
على الناسي كما صرح به هو في غير الكتابين، بل عنه في الخلاف دعوى
الاجماع عليه فضلا عن تصريح غيره، وما في كشف اللثام من أن الجهالة تعم
النسيان، والسؤال في الثاني عن السهو، وظاهره النسيان لا يخفى عليك
ما فيه، ومراده بالثاني خبر علي بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام المتقدم سابقا، لكن
حكي متنه " أنه سئل عن رجل سهى أن يطوف بالبيت حتى يرجع إلى أهله قال:
إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة " وهو كذلك في بعض النسخ،

(1) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1
(4) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1 و 2
375

وفي الآخر " جهل " كما ذكرناه سابقا، ويؤيد الأخير موافقته لصحيح ابن
يقطين ولفتاوى الأصحاب ومعاقد اجماعاتهم على أن الإعادة على الجاهل دون
الناسي، فيمكن أن يراد من السهو فيه السهو عن الحكم حتى يكون جاهلا، فينطبق
الجواب حينئذ على السؤال، وعلى كل فلا إشكال في الحكم المزبور.
كما أن الظاهر عدم الفرق في ذلك بين طواف الحج وطواف العمرة كما
سمعت التصريح به في خبر علي بن جعفر (1) نحو المحكي عن الشيخ في المبسوط
وابن إدريس، بل هو مقتضى إطلاق المصنف والفاضل والمحكي عن ابن سعيد،
وإن كان المحكي عن الأكثر أنهم إنما نصوا عليه في طواف الحج، لكن المحكي
عنهم أيضا أنهم ذكروا في طواف العمرة أن من تركه مضطرا أتى به بعد الحج
ولا شئ عليه، ويمكن إدراج الناسي فيه، وإلا كان الخبر المزبور وذكر من
عرفت له صريحا وظاهرا كافيا في ثبوته.
وكيف كان فالأحوط إن لم يكن أقوى إعادة السعي معه كما صرح به في
الدروس حاكيا له عن الشيخ الخلاف، ولعله لفوات الترتيب المقتضي لفساد السعي
كما دل عليه صحيح منصور بن حازم (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين
الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت فقال: يطوف بالبيت ثم يعود إلى الصفا والمروة
فيطوف بهما " اللهم إلا أن يدعى اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت، للأصل
والسكوت عنه في خبر الاستنابة (3) وغيره، بل لعل خبره (4) الآخر ظاهر

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 6
(4) الوسائل الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
376

في العدم، قال فيه: " سألته عن رجل بدأ بالسعي بالصفا والمروة قال: يرجع
فيطوف بالبيت أسبوعا ثم يستأنف السعي، قلت: إنه فاته قال: عليه دم،
ألا ترى إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك " من حيث
اقتصاره على وجوب الدم مع الفوات، فهو حينئذ دال على عدم الإعادة عكس
ما عرفت، ولعله لذا لم يذكر الأكثر قضاء السعي، لكن قد يقال إن
الصحيح الأول ظاهر ولو بترك الاستفصال فيه في وجوبه، ولا ينافيه الخبر المزبور
بعد الاغماض عن سنده، لأن غايته السكوت، وإلا فايجاب الدم لا ينافي وجوبها
ولعله للعقوبة على التقصير في النسيان، بل لعل سكوته عن الأمر بها اتكالا
على إطلاق الأمر بها في الصدر والتشبيه بالوضوء الذي لا يختص بحال الاختيار
في الذيل، وعلى كل حال فلا ريب في أن الإعادة أحوط إن لم تكن أقوى.
وحينئذ لا يحصل التحلل بما يتوقف عليهما إلا بالاتيان بهما، فلو عاد
لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الاحرام لدخول مكة لو لم
يكونا عليه اكتفى بذلك للأصل وصدق الاحرام عليه في الجملة، والاحرام لا يقع
إلا من محل، وربما احتمل وجوبه فيقضي الفائت قبل الاتيان بأفعال العمرة أو
بعده، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأول أقوى، كما أن الأحوط فيما
لو شك في كون المتروك طواف الحج أو طواف العمرة إعادتهما وسعيهما كما عن
الفاضل والشهيد، ويحتمل إعادة واحد عما في ذمته، بل لعله الأقوى للأصل
وتعين المخاطب به في الواقع.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه (لو تعذر العود)
عليه أو شق (استناب فيه) بل عن الخلاف والغنية الاجماع عليه، للحرج،
وقبول الكل لها فكذا الابعاض، والصحيح السابق (1) بل في المدارك " أن

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1
377

إطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا "
نحو ما في كشف اللثام " والخبر يعطي أن العود إلى بلاده يكفيه عذرا، ولكن
الأصحاب اعتبروا العذر احتياطا " قلت: لعله لأن الأصل المباشرة، وما قيل
من أن المنساق من إطلاق الخبر المزبور ما هو الغالب من حصول التعذر أو
التعسر بعد الوصول إلى بلاده، مضافا إلى فحوى ما تقدم من وجوب صلاة
ركعتيه بنفسه لو نسيهما، بل وفحوى ما تسمعه في طواف النساء من اشتراطها
بالتعذر أو التعسر إن قلنا به، وعلى كل حال فالمراد بعدم القدرة ما عرفت من
التعذر أو التعسر، واحتمل الشهيد إرادة استطاعة الحج، ولا ريب في ضعفه.
(ومن شك في عدده) أو صحته وفساده (بعد انصرافه) منه وتمامه
(لم يلتفت) بلا خلاف، لأصالة الصحة وقاعدة عدم العبرة بالشك بعد الفراغ
لأنه في تلك الحال أذكر والحرج وصحيح ابن حازم (1) سأل الصادق عليه السلام
" عن رجل طاف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة قال: فليعد طوافه، قال:
ففاته فقال: ما أرى عليه شيئا " ونحوه غيره (2) وفي بعضها (3) " والإعادة
أحب إلي وأفضل " إذ الظاهر إرادة المفروض مما فيه، لأن الشك في الأثناء
يوجب الاستئناف أو اتيان شوط آخر على ما ستعرف، ولا قائل بعدم وجوب
شئ فيه ولو مع الفوات، إذ هو إما عن عمد أو جهل أو نسيان، ولكل
موجب، ولأنه كترك الطواف كلا أو بعضا، وليس فيها أنه لا شئ عليه
أصلا، فالحكم به صريحا في الروايات بعد مراعاة الاجماع أوضح دليل على
إرادة صورة الشك بعد الانصراف، ولا ينافي ذلك الحكم في بعضها باستحباب

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 1 و 10
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8
378

الإعادة وإن لم نجد به قائلا، (وحينئذ فلا ريب في دلالة النصوص المزبورة مضافا إلى
عموم قول الباقر عليه السلام في خبر ابن مسلم (1): " كل ما شككت فيه مما قد مضى
فامضه " والمدار في الانصراف عنه العرف، ولعل منه ما إذا اعتقد أنه أتم
الطواف وإن كان هو في المطاف ولم يفعل المنافي، خصوصا إذا تجاوز الحجر،
أما قبل اعتقاد الاتمام فهو غير منصرف كان عند الحجر أو بعده أو خارجا عن
المطاف أو فعل المنافي كما صرح به في كشف اللثام، والله العالم.
(وإن كان) الشك (في أثنائه فإن كان شكا في الزيادة) على السابع
(قطع ولا شئ عليه) بلا خلاف محقق أجده فيه، فإن الحلبي وإن أطلق
البناء على الأقل مع الشك ثم قال: وإن لم يتحصل له شئ أعاده أي لم يتحصل
أنه طاف شيئا ولو شوطا واحدا، كقول سلار من طاف ولم يحصل كم طاف
فعليه الإعادة، وعد ابن حمزة من بطلان الطواف الشك فيه من غير تحصيل
عدد، إلا أن ذلك كله يمكن كونه في غير ما نحن فيه، وإلا كان محجوجا بأصلي
عدمها والبراءة من الإعادة، وصحيح الحلبي (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أو ثمانية فقال: أما السبعة
فقد استيقن، وإنما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين " بل هو شامل
لموضوع المسألة السابقة، وهو الشك بعد الانصراف، نعم لا يكون ذلك إلا
إذا كان الشك عند الركن قبل نية الانصراف، لأنه إذا كان قبله استلزم الشك
في النقصان المقتضي لتردده بين محذورين: الاكمال المحتمل للزيادة عمدا، والقطع

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 3
من كتاب الصلاة
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب الطواف الحديث 1
379

المحتمل للنقيصة كذلك كما صرح به في المسالك وغيرها، بل حكي عن الغنية
أيضا، لكن في المدارك " فيه منع تأثير احتمال الزيادة كما سيجئ في مسألة الشك
في النقصان " قلت: هو مبني على مختاره، وستعرف ضعفه، والله العالم.
(وإن كان) أي الشك (في النقصان) كمن شك قبل الركن أنه
السابع أو الثامن، أو شك بين الستة والسبعة أو ما دونهما اجتمع معها احتمال
الثمانية فما فوقها أو لا، كان عند الركن أو لا، فمتى كان كذلك (استأنف
في الفريضة) كما في المقنع والنهاية والمبسوط والسرائر والجامع والغنية
والمهذب والجمل والعقود والتهذيب والنافع والقواعد وغيرها على ما حكي
عن بعضها، ولذا نسبه في المدارك إلى المشهور، بل في محكي الغنية الاجماع، وهو
الحجة بعد المعتبرة المستفيضة التي منها صحيح منصور بن حازم (1) السابق ونحوه
ومنها خبر أبي بصير (2) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل شك في طواف الفريضة
قال: يعيد كلما شك " ومنها خبره (3) الآخر قال: " قلت له رجل طاف
بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية قال: يعيد طوافه
حتى يحفظه " ومنها قول الصادق عليه السلام في الموثق لحنان بن سدير (4) في من
طاف فأوهم فقال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة: " إن كان طواف فريضة فليلق
ما في يديه ويستأنف، وإن كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة: " وهو في شك من
الرابع أنه طاف، فليبن على الثلاثة، فإنه يجوز له " وخبر أحمد بن عمر
المرهبي (5) سأل أبا الحسن الثاني عليه السلام " عن رجل شك في طوافه فلم يدر أستة
طاف أم سبعة فقال: إن كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه، وإن كان نافلة

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 12 - 11 - 7 - 4
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 12 - 11 - 7 - 4
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 12 - 11 - 7 - 4
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 12 - 11 - 7 - 4
(5) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 12 - 11 - 7 - 4
380

بنى على ما هو أقل " ومنها صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل
طاف لم يدر ستة أم سبعة قال: يستقبل " ونحوه المروي (2) عن التهذيب،
بل ربما وصف بالصحة، ومنها خبر صفوان أو حسنه (3) " سألت أبا الحسن
الثاني عليه السلام عن ثلاثة نفر دخلوا في الطواف فقال: كل منهم لصاحبه تحفظوا
الطواف، فلما ظنوا أنهم فرغوا قال واحد: معي سبعة أشواط، وقال الآخر
معي ستة أشواط، وقال الثالث: معي خمسة أشواط، قال: إن شكوا كلهم
فليستأنفوا، وإن لم يشكوا واستيقن كل منهم على ما في يده فليبنوا "
والمرسل (4) عن الصادق عليه السلام " أنه سئل عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أم أربعة
قال: طواف فريضة أو نافلة، قال: أجبني فيهما، فقال عليه السلام: إن كان
طواف نافلة فابن على ما شئت، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف " بل قيل
في التذكرة والمنتهى أنه من خبر رفاعة (5) عنه عليه السلام فيكون صحيحا، ولكنه غير
معلوم، إلى غير ذلك من النصوص المنجبر ضعف بعضها بما سمعت من الشهرة
والاجماع المحكي والتعاضد وغير ذلك.
لكن مع ذلك كله حكى الفاضل عن المفيد أنه قال: " من طاف بالبيت
فلم يدر أستا طاف أو سبعا فليطف طوافا آخر ليستيقن أنه طاف سبعا " وفهم
منه البناء على الأقل على أن مراده بطواف آخر شوط آخر، وحكاه عن علي

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 9 - 2 - 6
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 9 - 2 - 6
(3) الوسائل الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 2
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 9 - 2 - 6
(5) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 5 والفقيه
ج 2 ص 249 الرقم 1195
381

ابن بابويه والحلبي وأبي علي، واختاره بعض متأخري المتأخرين، لأصلي
البراءة وعدم الزيادة، وصحيح منصور بن حازم (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أستة طاف أو سبعة قال: فليعد طوافه،
قلت: ففاته فقال: ما أرى عليه شيئا، والإعادة أحب إلي وأفضل "
وصحيحه الآخر (2) قال للصادق عليه السلام: إني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة
فطفت طوافا آخر فقال: هلا استأنفت؟ قال: قلت قد طفت وذهبت، قال
ليس عليك شئ " إذ لو كان الشك موجبا للإعادة لأوجبها عليه، وصحيح
رفاعة (3) عنه عليه السلام " في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة قال: يبني على
يقينه " وفيه أن الأصل مقطوع بما عرفت، كما أن المراد بالصحيح الأول
ما سمعت من الشك بعد الفراغ لا في أثنائه، وإلا كان مخالفا للاجماع على
الظاهر، واحتمال الصحيح الثاني (4) النافلة، بل والشك بعد الانصراف،
بل قد يحتمل قوله " قد طفت " الإعادة على معنى فعلت الأمرين الاكمال
والإعادة، والثالث النافلة أيضا، والشك بعد الانصراف، والبناء على اليقين بمعنى
أنه حين انصرف أقرب إلى اليقين مما بعده، فلا يلتفت إلى الشك بعده، وإرادة
الإعادة أي يأتي بطواف تيقن عدده، كل ذلك لقصورها عن المعارضة من وجوه.
ومن الغريب ما عن بعضهم من حمل أخبار المشهور على الندب، لقوله عليه السلام
في الصحيح الأول: " ما أرى عليه شيئا " إذ لو كانت واجبة لكان عليه
شئ، بل قوله عليه السلام " والإعادة أحب إلي وأفضل " صريح في ذلك، إذ قد عرفت

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 3 - 5
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 8 - 3 - 5
(4) وفي النسخة الأصلية " الصحيح النافي " والصواب ما أثبتناه
382

أن التدبر في الصحيح المزبور وما شابهه يقتضي كون المراد من السؤال فيه الشك
بعد الفراغ، وإلا كان ظاهرا في وجوب الإعادة، فإن لم يفعل وقد فاته الأمر
للرجوع إلى أهله ونحوه فلا شئ عليه، والإعادة أفضل، ولعله لذا قال في
المدارك بعد تمام الكلام في المسألة: " وكيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب
العود لاستدراك الطواف مع عدم الاستئناف كما دلت عليه الأخبار الكثيرة
وتبعه عليه المجلسي قال: " ثم إنه على تقدير وجوب الإعادة فالظاهر من الأدلة
أن ذلك مع الامكان وعدم الخروج من مكة والمشقة في العود لا مطلقا، ولا
استبعاد في ذلك " ولكن لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة كون المتجه حينئذ
جريان حكم تارك الطواف عليه، لأن الفرض فساد ما وقع منه بالشك في أثنائه
كما أن المتجه ذلك أيضا على القول الثاني إذا لم يبن على الأقل بل بنى على الأكثر
وأتم الطواف، بل يمكن دعوى الاجماع على خلاف ما ذكراه، ومن هنا قلنا
يجب حمل الصحيح ونحوه على إرادة كون الشك بعد الفراغ، وإن أبيت
فالطرح وإيكال علمه إليهم (عليهم السلام) خير من ذلك، لرجحان تلك الأدلة
من وجوه، والله العالم.
(و) على كل حال فقد ظهر لك أنه في الفرض المزبور (يبني على الأقل
في النافلة) بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، لما سمعته
من النصوص الظاهر أكثرها كالفتاوى في حصر المشروعية في ذلك، لكن عن
الفاضل وثاني الشهيدين جواز البناء على الأكثر حيث لا يستلزم الزيادة كالصلاة
للتشبيه بها، وللمرسل (1) المتقدم الآمر بالبناء على ما شاء، والتعبير بالجواز
في الموثق (2) السابق، إلا أن ذلك كله كما ترى لا يجترئ به على الخروج عما

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 6 - 7
(2) الوسائل الباب 33 من أبواب الطواف الحديث 6 - 7
383

هو كالمتفق عليه نصا وفتوى من ظهور تعين البناء على الأقل الذي هو أحوط مع
ذلك أيضا، والله العالم.
المسألة (الثانية من زاد على السبع ناسيا وذكر قبل بلوغه الركن) العراقي
(قطع ولا شئ عليه) كما صرح به الشيخ وبنو زهرة والبراج وسعيد والفاضل
وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور لخبر أبي كهمس (1) المنجبر بما
عرفت " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط
قال: إن كان ذكر قبل أن يأتي الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه، وإن لم يذكر
حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا، وليصل أربع ركعات " بل لا أجد فيه خلافا
إلا من بعض متأخري المتأخرين بناء على أصل فاسد، وهو عدم انجبار الخبر
الضعيف بالعمل، والفرض ضعف الخبر المزبور، مع أنه معارض بخبر عبد الله بن
سنان (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم
حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا، ثم ليصل ركعتين " المعتبر سنده
بل عن العلامة الحكم بصحته، إلا أن ذلك كله كما ترى لا يوافق ما حررناه في
الأصول، فيجب حمل الخبر المزبور بعد قصوره عن المقاومة على إرادة إتمام
الشوط من الدخول في الثامن أو غير ذلك، وحينئذ فما هنا كالمقيد لما سمعته
سابقا من أن من زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين كما تقدم الكلام في ذلك
مفصلا، والله العالم.
المسألة (الثالثة من طاف وذكر أنه لم يتطهر أعاد في الفريضة دون النافلة
ويعيد صلاة الطواف الواجب واجبا والندب ندبا) لما عرفته سابقا من اشتراط

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 4 - 5
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 4 - 5
384

الطهارة من الحدث في الطواف الواجب، قال ابن مسلم (1) في الصحيح " سألت
أحدهما (عليهما السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور قال:
يتوضأ ويعيد طوافه، وإن كان تطوعا توضأ وصلى ركعتين " وقد عرفت
الكلام في ذلك مفصلا، والله العالم.
المسألة (الرابعة من نسي طواف الزيارة) أي الحج (حتى رجع إلى
أهله وواقع قيل) والقائل الشيخ في محكي النهاية والمبسوط وابنا البراج وسعيد:
(عليه بدنة) لحسن معاوية بن عمار (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن متمتع
وقع على أهله ولم يزر البيت قال: ينحر جزورا، وقد خشيت أن يكون ثلم
حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا فلا بأس عليه " لأنه بعمومه يشمل الناسي
فإن الظاهر أن قوله عليه السلام " إن كان عالما " قيد لثلم الحج، وأن البأس المنفي هو
الثلم والإثم دون النحر الذي هو ليس من البأس في شئ، وصحيح علي بن
جعفر (3) عن أخيه المتقدم سابقا المشتمل على التصريح بمساواة الحج والعمرة
في ذلك، وصحيح العيص (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع أهله
حين ضحى قبل أن يزور البيت قال: يهريق دما " وإن كان هو ظاهرا في غير
الطواف المنسي ولا تصريح فيه بالبدنة كصحيح علي بن جعفر (5) وخبري
علي بن يقطين (6) وابن أبي حمزة (7) المتقدمين سابقا في الجاهل بناء على شموله

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب الطواف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1
(6) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(7) الوسائل الباب 56 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
385

للناسي، وإن كان فيه منع واضح، على أن مقتضاهما ذلك وإن لم يواقع كما
عن التهذيب والمهذب والتحرير هنا للاطلاق المزبور الذي قد عرفت كونه في
الجاهل لا الناسي.
(و) على كل حال فعليه مع ذلك (الرجوع إلى مكة للطواف) الذي
قد عرفت الحال فيه (وقيل) والقائل الحلي والفاضل والشهيدان وغيرهم على
ما حكي عن بعضهم، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر: (لا كفارة عليه وهو الأصح)
للأصل ورفع النسيان عن الأمة وعموم ما دل على نفيها عن الناسي، كالصحيح
المروي (1) عن العلل " في المحرم يأتي أهله ناسيا قال: لا شئ عليه إنما هو
بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناس " وفي المرسل (2) عن الفقيه " إن
جامعت وأنت محرم إلى أن قال: وإن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا
شئ عليك " مضافا إلى ما دل على نفيها عن الجاهل أيضا بناء على شموله للناسي
خصوصا مثل حسن معاوية (3) عن الصادق عليه السلام " ليس عليك فداء شئ أتيته
وأنت جاهل إذا كنت محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد، فإن عليك الفداء
بجهالة كان أو عمد " كل ذلك مع عدم صراحة النصوص المزبورة في الجماع حال
النسيان، لاحتمالها أو بعضها وقوعه بعد الذكر.
بل ظاهر قول المصنف: (ويحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر)
قبول عبارة القائل لذلك، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، وإن قال في
كشف اللثام: إن عبارات المبسوط والنهاية والجامع لا تقبل ذلك، على أن

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7 - 5
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7 - 5
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب كفارات الصيد الحديث 4
386

الأخبار المزبورة قد اشتمل بعضها (1) على إهراق دم، وآخر (2) على الجزور
وثالث (3) على الهدي، ولم أقف على نص في البدنة إلا ما سمعته من خبري
ابن يقطين وعلي بن أبي حمزة الذين لم يعتبر فيهما المواقعة، بل قد يقال بدلالة
حسن معاوية بن عمار (4) السابق المذكور دليلا للقول الأول على المطلوب بدعوى
عموم نفي البأس للكفارة أيضا بعد جعل العلم قيدا لجميع ما تقدمه لا خصوص الثلم
والإثم، بل في ما حضرني من المدارك روايته " لا شئ عليه " بدل نفي البأس
وحينئذ فالجمع بين النصوص بالحمل على الندب أولى من الجمع بينها بتخصيص تلك
العمومات بمحل الفرض، لما عرفته من قصور المعارض من وجوه، والله العالم.
(ولو نسي طواف النساء) حتى رجع إلى أهله (جاز أن يستنيب)
بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه، إنما الكلام في
جواز ذلك اختيارا كما هو ظاهر المتن أو صريحه بقرينة التقيد السابق في طواف
الحج، وكذا غير المتن، بل في الدروس أنه الأشهر بل هو المشهور، بل قيل
لا خلاف فيه بين القدماء والمتأخرين إلا من الشيخ والفاضل في التهذيب والمنتهى
فاشترطا فيه التعذر، مع أن الأول قد رجع عنه في النهاية والثاني قال بما في المتن
في أكثر كتبه كالتحرير والإرشاد والتلخيص والتذكرة للحرج والمعتبرة المستفيضة
كصحيح معاوية بن عمار (5) الذي هو نحو صحيح الحلبي (6) المروي عن
المستطرفات، سأل الصادق عليه السلام " عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى
أهله قال: يرسل فيطاف عنه " وصحيحه الآخر وحسنه (7) سأله عليه السلام أيضا عن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2 - 1 - 1
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2 - 1 - 1
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3 - 11 - 6
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2 - 1 - 1
(5) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3 - 11 - 6
(6) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3 - 11 - 6
(7) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3 - 11 - 6
387

ذلك، فقال: " لا تحل له النساء حتى يزور البيت، وقال: يأمر من يقضي
عنه إن لم يحج، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره " وصحيحه
الثالث (1) عنه عليه السلام أيضا " رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله قال:
يأمر من يقضي عنه إن، لم يحج، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت " بل قوله
عليه السلام فيهما " إن لم يحج " كالصريح في إرادة أنه إن لم يكن عاد بنفسه فليستنب،
ولا ريب في شموله لحال الاختيار، وإلا لقال: فإن لم يتمكن فليأمر من
يطوف عنه.
ومنه يعلم أن المراد بما في ذيل الأخير وصدر غيره الطواف بنفسه وبغيره
وإن كان ظاهر النسبة إليه المباشرة، أو أنه مشروط بالتعذر كما عن الشيخ والفاضل
في المنتهى لأصالة المباشرة في العبادات وبقاء حرمة النساء، وصحيح معاوية (2)
عنه عليه السلام أيضا " في رجل نسي طواف النساء حتى دخل الكوفة قال: لا تحل له
النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فإن لم يقدر قال: يأمر من يطوف عنه "
وصحيحه الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا سأله " عن رجل نسيه حتى يرجع إلى أهله
فقال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت فإن هو مات فليقض عنه وليه أو
غيره، فأما ما دام حيا فلا يصلح أن يقضي عنه، وإن نسي الجمار فليسا بسواء
إن الرمي سنة والطواف فريضة " مضافا إلى إمكان المناقشة في دليل الأول بدعوى
انصراف الاطلاق السابق إلى ما هو الغالب من التعذر أو التعسر في الرجوع حتى
صحيحي " إن لم يحج " فإنهما لا صراحة فيهما، بل أقصاهما الاطلاق المنساق
إلى ذلك، فتبقى أصالة المباشرة حينئذ على حالها مؤيدة بظاهر الأمر فيها أيضا

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 8 - 4 - 2
(2) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 8 - 4 - 2
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب الطواف الحديث 8 - 4 - 2
388

على أن الجمع بين النصوص بالتقييد أولى من الجمع بالندب.
لكن لا يخفى عليك انقطاع الأصلين بما عرفت، وكون التقييد في الأول
في كلام السائل، والتعبير في الثاني بلفظ " لا يصلح " الذي هو أعم من الحرمة
بل قيل بظهوره في الكراهة حاكيا له عن المتأخرين كافة، بل عن الشيخ في
الاستبصار التصريح بصراحته فيها، وحينئذ يكون دليلا للمطلوب لا عليه،
والمناقشة المزبورة مجرد دعوى لا شاهد لها، خصوصا في ذوي الأمكنة القريبة
ونحوهم ممن لا مشقة عليهم في العود، كل ذلك مضافا إلى الانجبار بالشهرة العظيمة
إلا أنه مع ذلك كله والاحتياط لا ينبغي تركه.
ثم إنه قد يستفاد من نحو إطلاق العبارة عدم اعتبار استمرار النسيان إلى
أن يرجع إلى أهله في الاستنابة المزبورة، بل ينبغي الجزم به مع التعذر أو
التعسر قبل ذلك، أما مع عدمهما فلا يبعد ذلك أيضا وإن كان السؤال في النصوص
المزبورة مقيدا بالرجوع إلى أهله، ومقتضاه بقاء غيره على أصالة المباشرة، إلا أنه
بمعونة اطلاق الفتوى التي بها يخرج المعارض عن المقاومة كي يتجه التقييد خصوصا
مع ظهور لفظ " لا يصلح " في الكراهة قد يقوى عدم إرادة التقييد منه، نعم
مع فرض القرب من مكة وعدم المانع له يرجع بنفسه.
وعلى كل حال فظاهر ما سمعته من النص والفتوى وجوب قضائه وإن كان
قد طاف طواف الوداع، مضافا إلى كونه مستحبا فلا يجزي عن الواجب، لكن
قال الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق (1) " لولا ما من الله به على الناس
من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم ولا ينبغي لهم أن يمسوا نساءهم " بل عن
علي بن بابويه الفتوى بذلك إلا أنه قاصر عن المعارضة من وجوه، خصوصا مع

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب الطواف الحديث 3
389

إمكان اختصاصه بالعامة الذين لا يعرفون وجوب طواف النساء، وإرادة المنة على
المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم الغير العارفات، وكون المراد أن الاتفاق على فعل طواف
الوداع سبب لتمكن الشيعة من طواف النساء، إذ لولاه لزمتهم التقية بتركه غالبا
وعلى كل حال فلا تحل له النساء بدونه حتى العقد سواء كان المكلف به
رجلا أو امرأة، ويحرم حينئذ عليها تمكين الزوج كما تقدم ذلك كله في أحكام
الاحرام، نعم الظاهر اختصاص اجزاء الاستنابة بما إذا لم يكن الترك عمدا، أما
معه فالأصل يقتضي وجوب الرجوع بنفسه كما صرح به في الدروس.
(و) كيف كان ف‍ (لو مات) ولم يقضه بنفسه أو بغيره (قضاه
وليه) بنفسه أو بغيره كما في النافع ومحكي النهاية والسرائر (وجوبا) بلا
خلاف أجده فيه، لما سمعته من النص، بل ظاهر صحيح معاوية (1) إجزاء
فعل الغير عنه وإن لم يكن باستنابة من الولي، ولا بأس به، لأنه من قبيل
الديون، والله العالم.
المسألة (الخامسة من طاف كان بالخيار في تأخير السعي) ساعة ونحوها
بل (إلى) زمان سابق على صدق اسم (الغد) بلا خلاف أجده فيه، للأصل
وصحيح ابن مسلم (2) سأل أحدهما (عليهما السلام) " عن رجل طاف بالبيت
فأعيى أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة؟ فقال: نعم " وصحيح ابن سنان (3)
على ما في التهذيب سأل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يقدم حاجا وقد اشتد عليه
الحر فيطوف بالكعبة أيؤخر السعي إلى أن يبرد؟ فقال: لا بأس به، وربما
فعلته، قال: وربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل " ورواه في الكافي والفقيه إلى

(1) الوسائل الباب - 58 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
390

قوله عليه السلام: " وربما فعلته " ولكن في الثاني منهما وفي حديث آخر " إلى الليل "
وعلى كل حال هو دال بناء على ظهوره في دخول الغاية على جواز فعله في الليل
الداخل فيه مسماه أجمع حتى يتحقق صدق اسم الغد (ثم لا يجوز مع القدرة)
كما نص عليه في النافع والقواعد وغيرهما ومحكي التهذيب والنهاية والمبسوط والوسيلة
والسرائر والجامع لصحيح العلاء بن رزين (1) " سألته عن رجل طاف بالبيت
فأعيى أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: لا " وصحيح محمد بن
مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيى
أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: لا " وهما كما ترى ظاهران في
عدم الجواز إليه كما صرح به من عرفت، بل لا أجد فيه خلافا إلا من ظاهر المتن
وربما نزل على خروج الغاية، وإلا كان نادرا لا دليل له سوى الأصل المقطوع
والاطلاق المقيد بما عرفت، نعم الظاهر اختصاص المنع بذلك، أما التأخير ولو
إلى آخر الليل كما أشرنا إليه سابقا فلا بأس به للأصل إن لم يكن ظاهر الاطلاق
السابق، هذا كله مع القدرة، أما مع عدمها فلا إشكال في الجواز كما صرح
به غير واحد، لاستحالة التكليف بما لا يطاق، وعدم دليل على مشروعية
الاستنابة في الفرض فضلا عن وجوبها، فيصبر حينئذ حتى يضيق الوقت كما تقدم
الكلام في مثله سابقا، والله العالم.
المسألة (السادسة يجب على المتمتع تأخير الطواف والسعي) للحج (حتى
يقف بالموقفين ويقضي مناسك) منى (يوم النحر) بلا خلاف محقق معتد به
أجده، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، بل في
محكي المعتبر والمنتهى والتذكرة نسبته إلى اجماع العلماء كافة، وهو الحجة بعد

(1) الوسائل الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 3
(2) الوسائل الباب 60 من أبواب الطواف الحديث 3
391

خبر أبي بصير (1) المنجبر بما عرفت " قلت: رجل كان متمتعا فأهل بالحج قال:
لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة
فلا يعتد بذلك الطواف " ومفهوم الصحيح (2) والموثق (3) كالصحيح بل
الصحيح الآتيين بل وغيرهما، فمن الغريب ما وقع من بعض متأخري المتأخرين
من جواز ذلك مطلقا استنادا إلى إطلاق بعض النصوص، كصحيح ابن يقطين (4)
" سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المتمتع يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل
خروجه إلى منى قال: لا بأس " وصحيح حفص بن البختري (5) عنه (عليه
السلام) أيضا في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال: " هما سواء
أخر ذلك أو قدمه يعني المتمتع " وغيرهما المقيد بما أشار إليه المصنف (و) غيره.
بل لا خلاف معتد به أجده فيه من أنه (لا يجوز التعجيل إلا للمريض
والمرأة التي تخاف الحيض والشيخ العاجز) عن العود أو الزحام ونحوهم من ذوي
الأعذار للموثق أو الصحيح (6) " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع
إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي
منى قال: نعم من كان هكذا يعجل " والخبر (7) كالصحيح عنه عليه السلام أيضا
" سألته عن المرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة وخافت

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 7 - 3
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 7 - 3
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 5 - 7 - 3
(5) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3 - 2
(6) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 7
(7) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 2 - 3 - 2
392

الطمث قبل يوم النحر أيصلح لها أن تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى
قال: إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت " وخبر إسماعيل بن عبد الخالق (1)
عن الصادق عليه السلام " لا بأس أن يجعل الشيخ الكبير والمريض والمرأة والمعلول
طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى " وحسن الحلبي ومعاوية بن عمار (2) عنه
عليه السلام أيضا " لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض قبل
أن تخرج إلى منى " بل عن ابن زهرة الاجماع على التقديم على الحلق يوم النحر
للضرورة، فما عن ابن إدريس من عدم جواز التقديم مطلقا للأصل المقطوع
بما سمعت، واندفاع الحرج بحكم الاحصار واضح الضعف نحو ما سمعته من
بعض متأخري المتأخرين من الجواز مطلقا الذي هو على طرف الافراط معه،
وربما استظهر أيضا من عبارة التذكرة، قال: " وردت رخصة في جواز تقديم
الطواف والسعي على الخروج إلى منى وعرفات، وبه قال الشافعي، لما رواه
العامة (3) عن النبي صلى الله عليه وآله " من قدم شيئا قبل شئ فلا حرج " ومن طريق
الخاصة رواية صفوان بن يحيى الأزرق (4) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة
تمتعت " إلى آخرها، إذا ثبت هذا فالأولى التقييد للجواز بالعذر بناء على إرادة
الأفضل من الأولى " ولكن فيه منع واضح، خصوصا بعد أن حكى اجماع
العلماء سابقا على عدم الجواز، نعم ما يحكى من عبارة الخلاف " روى أصحابنا

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 6
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الحج الحديث 4 وهو حسن
حفص بن البختري ومعاوية بن عمار وحماد عن الحلبي جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام
(3) كنز العمال ج 3 ص 59 الرقم 1075
(4) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 2
393

رخصة في تقديم الطواف والسعي قبل الخروج إلى منى وعرفات، والأفضل أن
لا يطوف طواف الحج إلى يوم النحر إن كان متمتعا " ظاهر في ذلك، لكن
عن ابن إدريس احتمالها حال الضرورة، أي الأفضل مع العذر التأخير، ولا
بأس به، وإلا كان نادرا محجوجا بما عرفت.
والظاهر الاجزاء لمن قدمه لخوف العارض ثم بان عدم حصوله لقاعدة
الاجزاء كما هو واضح.
وكذا يجوز تقديم طواف النساء للضرورة كما عن الفاضل وغيره التصريح
به، بل في كشف اللثام أنه المشهور لفحوى ما تقدم، وخصوص قول الكاظم
عليه السلام في صحيح ابن يقطين (1) أو خبره المنجبر بما عرفت: " لا بأس بتعجيل
طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك
لا بأس لمن خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت
ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا ".
خلافا للحلي أيضا، فلم يجوزه للأصل، واتساع وقته، والرخصة في
الاستنابة فيه، وخروجه عن أجزاء المنسك، وعموم قوله عليه السلام لإسحاق بن
عمار (2) " إنما طواف النساء بعد أن يأتي منى " وخصوص خبر علي بن أبي
حمزة (3) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل مكة ومعه نساؤه وقد أمرهن
فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن الحيض فقال:
إذا فرغن من متعتهن وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل
وتهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة، فإن حدث بها شئ

(1) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 1 - 5
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 4
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب الطواف الحديث 1 - 5
394

قضت بقية المناسك وهي طامث، قال: فقلت: أليس قد بقي طواف النساء؟
قال: بلى، قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه، قال: نعم، قلت: فلم
لا يتركها حتى يقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها
من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: أبى الجمال أن يقيم
عليها والرفقة قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر
وتقضي مناسكها ".
لكن فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت، والعموم مخصص به أيضا،
والخبر المزبور قاصر عن المعارضة سندا وعملا، بل قيل ومتنا، لظهوره في
قدرتها على الاتيان بطواف النساء بعد الوقوفين ولو بالاستعداء المخالف للأصول
بل والصحيح (1) الوارد في مثل القضية المتقدم سابقا المتضمن لمضيها وأنه قد تم
حجها، واتساع الوقت مخالف للفرض الذي هو الضرورة الموجبة لعدم القدرة
على الاتيان به مطلقا، والرخصة إنما هي في صورة النسيان خاصة، وإلحاق
الضرورة به قياس فاسد.
(و) كيف كان فلا خلاف أجده إلا من الحلي أيضا في أنه (يجوز
التقديم للقارن والمفرد) بل في محكي المعتبر نسبته إلى فتوى الأصحاب، بل
عن الشيخ وصريح الغنية الاجماع عليه، وهو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة التي
منها نصوص حجة الوداع (2) ومنها صحيح حماد بن عثمان (3) سأل الصادق عليه السلام

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 13
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3 و 13
و 14 و 31 و 32.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 1
395

عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره فقال: هو والله سواء عجله أو أخره "
ومنها موثق زرارة (1) سأل أبا جعفر عليه السلام عن المفرد للحج يقدم مكة يقدم
طوافه أو يؤخره قال: سواء " ومنها خبر أبي بصير (2) عن الصادق (عليه
السلام) " إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة لك، فاجعلها
حجة مفردة تطوف بالبيت وتسعى بين الصفا والمروة ثم تخرج إلى منى ولا هدي
عليك " وخبر إسحاق بن عمار (3) سأل الكاظم (عليه السلام) " عن المفرد
بالحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أيعجل طواف النساء قال: لا، إنما
طواف النساء بعد أن يأتي منى " ونحوه خبر موسى بن عبد الله (4) سأل الصادق
(عليه السلام) عن مثل ذلك إلا أنه ذكر أنه قدم ليلة عرفة، إلى غير ذلك من
النصوص التي ينتفي في جملة منها احتمال إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء
أيام التشريق وبعده، بل أخبار حجة الوداع صريحة في ذلك أيضا، بل ظاهرها
خصوصا مع ملاحظة قوله صلى الله عليه وآله فيها " خذوا عني مناسككم " كظهور
ما سمعته من التسوية في غيرها عدم الكراهة أيضا، بل عن الخلاف والنهاية إن
أي وقت شاء، والتعجيل أفضل وإن كان هو مطلقا، لكن في المتن والقواعد
جواز ذلك (على كراهية) ولعلها خروجا عن شبهة الخلاف، أو لما قيل من
خبر زرارة (5) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن مفرد الحج يقدم طوافه
أو يؤخره قال: يقدمه، فقال رجل إلى جنبه لكن شيخي لم يفعل ذلك كان

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 4 - 3
(2) لم نعثر عليه فيما تتبعناه من كتب الأخبار
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 4 - 3
(4) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الحج الحديث 10
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الحج الحديث 2 - 4 - 3
396

إذا قدم أقام بفخ حتى إذا رجع الناس إلى منى راح معهم، فقلت له من شيخك؟
فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين
(عليهما السلام) لأمه " إلا أنه كما ترى مع ضعفه دلالته على عدم الكراهة أوجه،
ولكن الأمر في ذلك سهل بعد معروفية التسامح فيها، وعلى كل حال فما عن ابن
إدريس من عدم جواز التقديم للأصل المقطوع بما عرفت، والاحتياط للاجماع
على الصحة مع التأخير بخلاف التقديم، وفيه منع الخلاف فيه من غيره، هذا،
وقد تقدم البحث في وجوب تجديد التلبية عليهما إذا طافا وعدمه، والتفصيل
بين المفرد فيجدد دون المقارن، فلاحظ وتأمل.
المسألة (السابعة لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع ولا لغيره
اختيارا) بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل يمكن دعوى
تحصيل الاجماع عليه، مضافا إلى النصوص كصحيح معاوية بن عمار (1) " ثم
اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت ثم ائت المروة فاصعد
عليها وطف بهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا وتختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك
فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه إلا النساء، ثم ارجع إلى البيت وطف به
أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) " وثم للترتيب
قطعا، ومرسل أحمد بن محمد (2) " قلت لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت
فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى قال:
لا يكون السعي إلا من قبل طواف النساء " ونحوهما غيرهما (نعم يجوز)
تقديمه (مع الضرورة والخوف من الحيض) بلا خلاف أجده فيه أيضا،

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب زيارة البيت الحديث 1
(2) الوسائل الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 1
397

بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب لنفي الحرج وفحوى ما تقدم
من نظائره، وموثق سماعة بن مهران (1) عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام)
" سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا
والمروة فقال لا يضره، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجه " بعد حمله
على حال الضرورة جمعا بينه وبين غيره وفحوى صحيح أبي أيوب (2) المتقدم
سابقا عن الصادق (عليه السلام) المتضمن الرخصة في ترك طواف النساء للامرأة
الحائض التي لم يقم عليها جمالها ولا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها، ضرورة
أولوية التقديم من الترك، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في
ذلك ولو بالاستنابة، لأنه يحتمل عدم الجواز، لأصول عدم الاجزاء مع مخالفة
الترتيب، وبقائه في الذمة، وبقائهن على الحرمة، مع ضعف الخبر، واندفاع
الحرج بالاستنابة، وسكوت أكثر الأصحاب على ما في كشف اللثام، وقد
سمعت ما عن ابن إدريس من منع تقدمه على الموقفين، والله العالم.
المسألة (الثامنة من قدم طواف النساء على السعي ساهيا أجزأ) كما في
النافع والقواعد وغيرهما ومحكي النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر والجامع
والوسيلة، لموثق سماعة (3) المتقدم الذي مقتضاه الاجزاء حتى لو تعمد التقديم
وإن كان لا يتم إلا مع الجهل، إذ العالم لا يتصور منه التعبد والتقرب به، ولذا قال
المصنف وغيره (ولو كان عامدا لم يجز) أي إذا كان عالما، أما الجاهل فقد
عرفت شمول موثق سماعة له، مضافا إلى عموم حديث رفع ذلك عن الأمة،
وخصوص ما ورد في الحج من معذورية الجاهل حتى جعله بعض متأخري

(1) الوسائل الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 84 من أبواب الطواف الحديث 13
(3) الوسائل الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 2
398

المتأخرين أصلا باعتبار ما تقدم فيه من العموم، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك
الاحتياط، لاحتمال عدم الاجزاء لأصالة البقاء في الذمة وبقاء حرمة النساء،
والله العالم
المسألة (التاسعة قيل) والقائل الشيخ في محكي النهاية (لا يجوز الطواف
وعلى الطائف برطلة) بضم الموحدة والطاء المهملة وسكون الراء المهملة بينهما ولأم
خفيفة أو شديدة، وعن المبسوط والمهذب إطلاق النهي عن لبسها، لقول
الصادق عليه السلام في خبر يحيى الحنظلي (1): " لا تطوفن بالبيت وعليك برطلة "
وخبر يزيد بن خليفة (2) قال: " رآني أبو عبد الله عليه السلام أطوف حول الكعبة
وعلي برطلة فقال: لي بعد ذلك رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلة لا
تلبسها حول الكعبة، فإنها من زي اليهود " لكن لا يخفى عليك عدم جمعهما
شرائط العمل بهما على وجه التحريم، بل التعليل في ثانيهما ظاهر في الكراهة التي
صرح بها الشيخ في محكي التهذيب بل ومحكي السرائر، لكن قال: " إن لبسها
مكروه في طواف الحج، ومحرم في طواف العمرة ".
وإليه أشار المصنف بقوله: (ومنهم من خص ذلك بطواف العمرة نظرا
إلى تحريم تغطية الرأس) فيه بخلاف طواف الحج المتأخر عن الحلق والتقصير
اللذين يحل معهما من كل شئ إلا الطيب والنساء والصيد، ولكن ينبغي تقييده
بما إذا لم يقدمه، وإلا كان كطواف العمرة في حرمة تغطية الرأس، ولعل
تخصيص ابن إدريس ذلك بالعمرة بناء منه على عدم جواز تقديمه كما سمعته
سابقا، وعلى كل حال فالمتجه حرمة لبسها فيهما حال وجوب كشف الرأس في

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 والأول عن زياد بن يحيى
(2) الوسائل الباب 67 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2 والأول عن زياد بن يحيى
399

إحرام عمرة أو حج إذا قدم الطواف ولكن الطواف صحيح لو خالف لا لكون
النهي عن خارج بناء على المختار من عدم خصوصية للبرطلة ولا للطواف، بل هو
من حيث حرمة تغطية الرأس، نعم لو قلنا بالحرمة من حيث لبس البرطلة في الطواف
اتجه البطلان حينئذ للنهي عنه وهي عليه في الخبر المزبور، وبذلك يظهر لك أنه
لا وجه لاطلاق بعضهم عدم البطلان معللا له بأن النهي لأمر خارج.
هذا كله مع الحرمة للاحرام، أما مع عدمها فيكره ذلك في الطواف
للخبرين المزبورين القاصرين عن اثبات الحرمة، دون الكراهة التي يتسامح فيها
ومقتضاهما كراهة لبسها فيه مطلقا وإن لم يكن محرما كما في الطواف المندوب،
بل قد يستفاد من التعليل في الثاني كراهة لبسها مطلقا، مضافا إلى الصحيح (1) " أنه
كره لبس البرطلة " بل قد يظهر من الثاني منهما كراهة لبسها حول الكعبة من غير
فرق بين الطواف وعدمه، نعم بناء على ما عرفت ينبغي مراعاة الشدة والضعف
فيها، هذا، وقد تقدم في الصلاة ذكرها أيضا.
والمراد بها على ما في المدارك وغيرها قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما،
وعن العين والمحيط والقاموس " أنها المظلة الصيفية " وعن الجوالقي " أنها كلمة
نبطية وليست من كلام العرب " وعن أبي حاتم عن الأصمعي " إن البربر والنبط
يجعلون الظاء المعجمة طاء مهملة، فيقولون الناطور وهو الناظور بالمعجمة فكأنهم
أرادوا ابن الظل " وعن ابن جني في سر الصناعة " إن النبط يجعلون الظاء طاء
ولهذا قالوا: البرطلة، وإنما هو ابن الظل " وعن الأزهري " إنها في قول ابن
الظلة " ولكن الجميع كما ترى، والأول هو المعروف، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب أحكام الملابس الحديث 1
من كتاب الصلاة
400

المسألة (العاشرة من نذر أن يطوف على أربع) أي يديه ورجليه
(قيل) والقائل الشيخ في التهذيب ومحكي النهاية والمبسوط والقاضي في محكي المهذب
وابن سعيد في محكي الجامع واختاره الشهيد في اللمعة، ونسبه ثانيهما إلى الشهرة:
(يجب عليه طوافان) لخبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال أمير المؤمنين
عليه السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال: تطوف أسبوعا ليديها
وأسبوعا لرجليها " وخبر أبي الجهم (2) عنه عليه السلام أيضا عن أبيه عن آبائه عن علي
(عليهم السلام) " أنه قال في امرأة نذرت أن تطوف على أربع تطوف أسبوعا
ليديها وأسبوعا لرجليها " (وقيل) والقائل ابن إدريس وتبعه غيره: (لا ينعقد
النذر) لأنه نذر هيئة غير مشروعة، وهل الباطل الهيئة الخاصة أو الطواف
رأسا؟ وفي كشف اللثام " تحتملهما عبارة السرائر والقواعد وغيرهما، والأول
الوجه كما في المنتهى، فعليه طواف واحد على رجليه إلا أن ينوي عند النذر
أنه لا يطوف إلا على هذه الهيئة، فيبطل رأسا " قلت: لا ريب في أن
المتجه البطلان مع فرض تقيد المنذور بها وعدم مشروعية الهيئة، إذ هو كمن
نذر الصلاة على هيئة غير مشروعة، وكذا لو نذر الطواف على رجل واحدة
ونحو ذلك.
(وربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل)
وإن كنت لم أجده لمن تقدم على المصنف، نعم في المنتهى ومع سلامة هذين
الحديثين عن الطعن في السند ينبغي الاقتصار على موردهما، وهو المرأة، ولا
يتعدى إلى الرجل، وقول ابن إدريس أنه نذر غير مشروع ممنوع، إذ الطواف
عبادة يصح نذرها، نعم الكيفية غير مشروعة، ولمنع أنه يبطل نذر الفعل

(1) الوسائل الباب 70 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 70 من أبواب الطواف الحديث 1 - 2
401

عند بطلان نذر الصفة، وبالجملة فالذي ينبغي الاعتماد عليه بطلان النذر في حق
الرجل والتوقف في حق المرأة، فإن صح سند هذين الخبرين عمل بموجبهما،
وإلا بطل كالرجل، ولا يخفى عليك ما فيه من التشويش، خصوصا بعد معلومية
عدم صحة سند الخبرين، إلا أنهما يمكن الوثوق بهما من جهة القرائن التي منها
قبول أخبار السكوني، وروايتهما في الكتب المعتبرة، وفتوى من عرفت بهما
بل قد سمعت نسبته إلى الشهرة ونحو ذلك، وحينئذ لا وجه للاجتهاد في مقابلتهما
بل لعل المتجه التعدية إلى الرجل الذي هو أولى بالحكم المزبور من المرأة، خصوصا
مع إمكان دعوى الاجماع المركب، إذ التفصيل الذي ذكره المصنف لم نعرفه
قولا لأحد، فالقول به حينئذ قوي جدا، اللهم إلا أن يقال إنهما قضية في واقعة
يمكن فرضها في نذر المرأة طوافين دفعة، ولا يكون ذلك إلا بالهيئة المزبورة،
فأوجب عليه السلام عليها الطوافين ليديها ورجليها.
وكيف كان فظاهر النص والفتوى عدم اجزاء الهيئة المزبورة في الطواف
واجبة ومندوبة مع الاختيار، ولعله لأن المنساق والمعهود غيرها، وحينئذ
فلو تعلق نذره بطواف النسك فالأقرب البطلان كما في الدروس، ثم قال:
" وظاهر القاضي الصحة، ويلزمه طوافان، وأطلق ابن إدريس البطلان، ومال
إليه المحقق إن كان الناذر رجلا " وظاهره فرض محل البحث في تعلق النذر بطواف
النسك، وفيه نظر.
هذا كله مع الاختيار، أما لو عجز عن المشي إلا على الأربع فالأشبه كما
في الدروس فعله، ويمكن تعين الركوب لثبوت التعبد به اختيارا، ولعل الآخر
لما عرفت من ظهور النص والفتوى في عدم مشروعية الهيئة المزبورة، بخلاف
الركوب المشروع في الاختيار فضلا عن الضرورة، ولكن فيه أن الظاهر
اختصاص عدم المشروعية فيهما بالمختار دون المضطر، وربما احتمل في عبارة
402

الدروس، أنها مفروضة في الناذر له على أربع، وأن بناء الوجهين على بطلان
الهيئة دون الطواف، وهو مع أنه خلاف ظاهرها من كونها مفروضة في مطلق
من عليه طواف إنما يتجه وجوب ذلك عليه لو كان النذر تعلق به وهو عاجز،
أما لو نذر صحيحا فاتفق العجز له إلا عن هذا الحال فالوجهان، والله العالم.
المسألة (الحادية عشر لا بأس أن يعول الرجل على غيره في تعداد
الطواف) كما في القواعد وغيرها ومحكي النهاية والمبسوط والسرائر والجامع
(لأنه) أي أخبار الغير (كالأمارة) التي يكتفى بها في مثله، نحو ما سمعته
في أجزاء الصلاة وعدد ركعاتها المشبه بها الطواف، وعن المنتهى لأنه يثمر
التذكر والظن مع النسيان، ولخبر سعيد الأعرج (1) سأل الصادق عليه السلام " أيكتفي
الرجل باحصاء صاحبه: قال: نعم " وخبر الهذيل (2) عنه عليه السلام " في الرجل
يتكل على عدد صاحبته في الطواف أيجزيه عنهما وعن الصبي؟ فقال: نعم،
ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله " ولعل مبنى الخبرين ما أشار
إليه المصنف من غلبة حصول الظن باخبار المخبر الذي هو أمارة غالبا، نعم
لو لم يحصل منه ظن لم يكن به عبرة وعمل على حكم الشك الذي قد عرفته سابقا
وحينئذ فلا يعتبر فيه التعدد ولا الذكورة ولا غير ذلك، إذ المدار على ما عرفت
لكن في المدارك بعد أن ذكر أن إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي عدم
الفرق في الحافظ بين الذكر الأنثى، ولا بين من طلب الطائف منه الحفظ وغيره
قال: " وهو كذلك، نعم شرط فيه البلوغ والعقل، إذ لا اعتداد بخبر الصبي
والمجنون، ولا يبعد اعتبار عدالته، للأمر بالتثبت عند خبر الفاسق " وفيه
أن خبر المميز والفاسق قد يفيدان الظن، بل الخبران (3) ظاهران في عدم

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(3) الوسائل الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 1 و 3
403

اعتبار العدالة، وفي كشف اللثام " وهل يشترط العدالة؟ احتمال، للأصل
والاحتياط، وظاهر التمثيل بالاقتداء في الصلاة، والأولى الاقتصار على اخلاد
الرجل إلى الرجل دون المرأة وجواز العكس، اقتصارا على مضمون الخبرين وما
يشبه الائتمام في الصلاة، والأحوط التجنب عن الاخلاد رأسا، لجهل سعيد
وهذيل، نعم إن اكتفينا في كل العبادات عند كل جزء بالظن بالاتيان بما قبله أخلد
لذلك كما في الشرائع والمنتهى " ولا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي قد
يؤيده أن النص والفتوى قد جعلت الأحكام المذكورة للشك في الطواف على وجه
يظهر منه عدم اندراج المظنون معه في الحكم المزبور، ولا ينافيه ما تقدم في بعض
النصوص (1) من قوله عليه السلام: " حتى تثبته " أو " حتى تحفظه " لامكان القول
بأن الظن إثبات له وحفظ له، خصوصا بعد الخبرين المزبورين اللذين قد يقوى
اعتبار حكم الصلاة هنا بملاحظة الثاني منهما المذكور فيه الائتمام المشعر باتحاد حال
الصلاة مع الطواف زيادة على التشبيه، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط
لعدم تعرض كثير لتحرير المسألة.
(و) كيف كان ف‍ (لو شكا جميعا عولا على الأحكام المتقدمة) للشك
من البناء أو الاستئناف، وإن شك أحدهما دون الآخر كان لكل حكم نفسه كما
يرشد إليه خبر صفوان (2) المتقدم سابقا " عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال
واحد منهم: احفظوا الطواف، فلما ظنوا أنهم قد فرغوا قال واحد منهم: معي
سبعة أشواط وقال الآخر معي ستة أشواط، وقال الثالث معي خمسة أشواط

(1) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 1 والباب 33
منها الحديث 11
(2) الوسائل الباب 66 من أبواب الطواف الحديث 2
404

فقال: إن شكوا كلهم فليستأنفوا، وإن لم يشكوا وعلم كل واحد منهم ما في
يديه فليبنوا " وربما احتمل أن المراد البناء على الأمر المشترك كما إذا شك
أحدهما بين خمسة وستة، والآخر بين ستة وسبعة فيبنوا على الستة نحو ما تقدم
في شك الإمام والمأموم، وكان بينهما رابطة، لكنه كما ترى، وفي كشف اللثام
" لو صح خبر هذيل أمكن القول بأن لا يعتبر شكه إذا حفظ الآخر كصلاة
الجماعة " وقد عرفت أن المدار على حصول الظن بالعدد فإن كان أخذ به، وإلا
عمل على مقتضى حكم الشك السابق، والله العالم.
المسألة (الثانية عشر طواف النساء واجب في الحج) بجميع أنواعه اجماعا
بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص، ففي صحيح معاوية بن عمار (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت وسعيان
بين الصفا والمروة، فعليه إذا قدم مكة طواف بالبيت وركعتان عند مقام
إبراهيم (عليه السلام) وسعي بين الصفا والمروة ثم يقصر وقد أحل، هذا للعمرة
وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة ويصلي عند كل طواف بالبيت
ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام " وصحيح منصور بن حازم (2) عنه عليه السلام أيضا
" على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف، ويصلي لكل طواف ركعتين،
وسعيان بين الصفا والمروة " ونحوه خبر أبي بصير (3) عنه عليه السلام أيضا، وصحيح
الحلبي (4) عنه عليه السلام أيضا " إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك
المفرد، ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت وصلاة
ركعتين خلف المقام، وسعي واحد بين الصفا والمروة، وطواف بالبيت بعد
الحج " وحسن معاوية بن عمار (5) عنه عليه السلام أيضا " المفرد عليه طواف بالبيت،

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 8 - 10 - 5 - 1
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 8 - 10 - 5 - 1
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 8 - 10 - 5 - 1
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 8 - 10 - 5 - 1
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 7 - 8 - 10 - 5 - 1
405

وركعتان عند مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعي بين الصفا والمروة، وطواف
الزيارة، وطواف النساء، وليس عليه هدي ولا أضحية " إلى غير ذلك من
النصوص المتفق على العمل بها.
(و) كذلك هو واجب في (العمرة المفردة) المسماة بالمبتولة بلا
خلاف معتد به أجده فيه، بل عن المنتهى والتذكرة الاجماع عليه، وهو الحجة
بعد المعتبرة المستفيضة، كخبر إسماعيل بن رياح (1) سأل أبا الحسن (عليه
السلام) " عن مفرد العمرة عليه طواف النساء قال: نعم " وصحيح محمد بن
عيسى (2) قال: " كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل يسأله
عن العمرة المبتولة على صاحبها طواف النساء وعن التي يتمتع بها إلى الحج فكتب
أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، وأما التي يتمتع بها إلى الحج فليس
على صاحبها طواف النساء " وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (3) عن عمر بن يزيد أو
غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) " المعتبر يطوف ويسعى ويحلق ولا بد له
بعد الحلق من طواف آخر " وهو وإن عم المتمتع بها إلا أنه مخصص بما عرفت
وتعرف إن شاء الله، إلى غير ذلك من النصوص المجبور ضعف السند في بعضها
بما سمعت.
خلافا للمحكي في الدروس عن الجعفي من عدم وجوبه، لصحيح معاوية (4)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالبيت
وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعى بين الصفا والمروة فيلحق
بأهله إن شاء " الذي هو غير صريح في وحدة الطواف، إذ يحتمل أنه طاف

(1) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2
(2) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2
(3) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 8 - 1 - 2
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب العمرة الحديث 2
406

ما يجب عليه وصلى لكل واحد ركعتين، بل ربما قيل إن ظاهره ذلك، وصحيح
صفوان بن يحيى (1) قال: " سأله عليه السلام أبو الحرث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج
وطاف وسعى وقصر هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، إنما طواف النساء
بعد الرجوع من منى " المحتمل لإرادة إنما طواف النساء عليه، ومرسل يونس (2)
الذي لا جابر للعمل به " ليس طواف النساء إلا على الحاج " المخصص بما عرفت
المحتمل لإرادة ما يشمل المعتمر من الحاج، وخبر أبي خالد مولى علي بن يقطين (3)
سأل أبا الحسن عليه السلام " عن مفرد العمرة عليه طواف النساء فقال: ليس عليه
طواف النساء " الذي هو غير جامع لشرائط الحجية المحتمل لمن أراد التمتع
بعمرته المفردة، فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إلى العمل بهذه النصوص
القاصرة عن معارضة غيرها من وجوه، وترك المعتبرة الأولى التي عليها العمل
قديما وحديثا المعتضدة مع ذلك بأصالة بقاء حرمة النساء وغيرها.
نعم هو واجب فيها بجميع أنواعها (دون المتمتع بها) فإنه لا يجب فيها
بلا خلاف محقق أجده فيه، وإن حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب، وأسنده
في الدروس إلى النقل، لكن لم يعين القائل ولا ظفرنا به ولا أحد ادعاه سواه،
بل في المنتهى لا أعرف فيه خلافا، بل عن بعض الاجماع على عدم الوجوب،
ولعله كذلك، فإنه قد استقر المذهب الآن عليه، بل وقبل الآن، مضافا إلى
النصوص التي منها ما تقدم، ولا يقدح في بعضها الاضمار، لأن مضمرات
الاجلاء حجة عندنا، ولا جهالة السائل ولا المكاتبة، ومنها صحيح زرارة (4)

(1) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث
6 - 10 - 9 وروى الثاني عن يونس وهو سهو فإن الموجود في الاستبصار ح 2
ص 232 الرقم 806 عن يونس عمن رواه
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب الاحرام الحديث 3
407

" قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كيف التمتع قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج،
فإذا دخلت مكة طفت بالبيت وصليت ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا
والمروة وقصرت وأحللت من كل شئ، وليس لك أن تخرج من مكة حتى
تحج " وصحيح معاوية بن عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إذا فرغت
من سعيك، وأنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك
وقلم أظفارك وابق منهما لحجك، وإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ
يحل منه المحرم وأحرمت منه، وطف بالبيت تطوعا ما شئت " ومنه خبر عبد الله بن
سنان (2)؟ عنه (عليه السلام)؟ أيضا قال: " سمعته يقول: طواف المتمتع أن
يطوف بالكعبة ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد
أحل " ومنها خبر عمر بن يزيد (3) عنه (عليه السلام) أيضا " ثم ائت منزلك
فقصر من شعرك وحل لك كل شئ " ومنها حسن الحلبي (4) " قلت لأبي عبد الله
(عليه السلام) جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصر قال:
قلت إني لما أردت ذلك منها ولم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قصرت بعض
شعرها بأسنانها قال: رحمها الله كانت أفقه منك، عليك بدنة وليس عليها شئ "
ومنها خبر الحلبي (5) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة متمتعة عاجلها
زوجها قبل أن تقصر فلما تخوفت أن يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منه بأسنانها
وقرضت بأظافيرها هل عليها شئ؟ قال: لا، ليس كل أحد يجد المقاريض "

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 4 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 4 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب التقصير الحديث 4 - 2 - 3
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 2 - 4
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب التقصير الحديث 2 - 4
408

كل ذلك مع أنا لم نجد دليلا للقول المزبور إلا خبر سليمان بن حفص
المروزي (1) عن الفقيه (عليه السلام) " إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا
فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعى بين الصفا
والمروة وقصر فقد حل له كل شئ ما خلا النساء، لأن عليه لنحلة النساء طوافا
وصلاة " الشاذ الضعيف سندا ولا جابر المخالف لما عرفت، بل قال الشيخ:
ليس فيه أن الطواف والسعي اللذين ليس له الوطئ بعدهما إلا بعد طواف النساء
أنهما للعمرة أو الحج، وإذا لم يكن في الخبر ذلك حملناه على من طاف وسعى
للحج، وإن كان فيه أن المفروض في الخبر وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف
والسعي، وليس ذلك إلا في العمرة، إذ لا تقصير بعدهما في الحج، وأيضا
قوله (عليه السلام) " إذا حج الرجل " إلى آخره كالصريح في أن المراد بدخولها
هو القدوم الأول دون الرجوع إليها من منى، فلا وجه للمناقشة فيه من هذه
الجهة، كما أنه لا وجه لها أيضا فيه بأنه قد دل على توقف حل النساء على الصلاة
والطواف معا، وهو خلاف المعهود في مثله، فإن التحليل في الحج والعمرة
المفردة إنما يحصل بنفس الطواف من غير توقف على الصلاة في ظاهر النص
والفتوى، ولو توقف عليها كانت هي المحلل دونه، وتوقفها عليه لا يصحح نسبة
التحليل إليها، وإلا لجاز إسناده إلى ما قبل ذلك من الأعمال أيضا، لأنه بعد
تسليم ذلك إذ قد عرفت البحث فيه سابقا قد يقال بأن إيجاب الطواف للتحلل
يقتضي ايجاب الصلاة له بواسطة الطواف، فإنها من لوازمه، وعلة الملزوم علة
اللازم، وحينئذ فلا يلزم التحليل بالصلاة ولا بالمجموع، على أنه يمكن التزام
أحد الأمرين هنا تبعا للنص وإن لم يكن في غيره كذلك، ولا محذور في
ذلك، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 82 من أبواب الطواف الحديث 7
409

(و) كيف كان ف‍ (هو) أي طواف النساء (لازم للرجال والنساء
والصبيان) والخصيان (والخناثى) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن
المنتهى والتذكرة الاجماع عليه في الجملة، مضافا إلى صحيح ابن يقطين وغيره
كما تقدم الكلام في ذلك وغيره مفصلا عند قول المصنف: " ومواطن التحلل
ثلاثة " فلاحظ وتأمل.
(القول في السعي)
(ومقدماته عشرة): وفي الدروس أربعة عشر، والمستفاد من
النصوص أزيد من ذلك، نعم في كون بعضها مقدمة له نظر، وإنما ورد الأمر به
بعد الفراغ من الطواف، فيمكن أن يكون مستحبا برأسه، والأمر سهل،
فإن (كلها مندوبة) منها (الطهارة) من الأحداث وفاقا للمشهور شهرة عظيمة
كادت تكون إجماعا بل في محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا به، بل هي
كذلك، إذ لم يحك الخلاف فيه إلا من العماني، لقول الكاظم عليه السلام في خبر
ابن فضال (1) " لا يطوف ولا يسعى إلا على وضوء " وصحيح الحلبي (2)
سأل الصادق عليه السلام " عن المرأة تطوف بين الصفا والمروة وهي حائض قال: لا، لأن
الله تعالى (3) يقول: إن الصفا والمروة من شعائر الله " المحمولين على ضرب من
الندب والكراهة، لقول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (4): " لا بأس بأن
تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف، فإن فيه صلاة، والوضوء

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 7 - 3 - 1
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 7 - 3 - 1
(3) سورة البقرة الآية 153
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 7 - 3 - 1
410

أفضل " وصحيحه الآخر (1) أيضا سأله " عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت
قبل أن تسعى قال: تسعى، وسأله عن امرأة طافت بين الصفا والمروة فحاضت
بينهما قال: تتم سعيها " وخبر يحيى الأزرق (2) سأل الكاظم عليه السلام " رجل سعى
بين الصفا والمروة ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء فقال:
لا بأس، ولو أتم مناسكه بوضوء كان أحب إلي " وغير ذلك مما هو معتضد
بالأصل وبالشهرة العظيمة وغير ذلك مما لا إشكال في قصور المعارض بالنسبة إليه،
فيجب حمله على ضرب من الكراهة، بل صرح جماعة أيضا باستحباب الطهارة
من الخبث فيه وإن كان لم يحضرني الآن ما يشهد له سوى مناسبة التعظيم،
وكون الحكم ندبيا يكتفي في مثله بنحو ذلك.
(و) منها (استلام الحجر والشرب من زمزم والصب على الجسد من
مائها من الدلو المقابل للحجر) قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (3): " إذا
فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبله أو استلمه أو أشر إليه فإنه لا بد من
ذلك، وقال: إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا
فافعل، وتقول حين تشرب: اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من
كل داء وسقم، قال: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال حين نظر إلى زمزم:
لولا أن أشق على أمتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين " وقال الصادق عليه السلام في
حسن الحلبي (4): " إذا فرغ الرجل من طوافه وصلى ركعتيه فليأت زمزم
فليستق ذنوبا أو ذنوبين فيشرب منه وليصب على رأسه وظهره وبطنه، ويقول:

(1) الوسائل الباب 89 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب السعي الحديث 6
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب السعي الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب السعي الحديث 1 - 2
411

اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم، ثم يعود إلى الحجر
الأسود " وقال هو أيضا والكاظم (عليهما السلام) في صحيح حفص وعبيد الله
الحلبي (1): " يستحب أن يستقى من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه وتصب
على رأسك وجسدك، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر ".
وظاهر هذا الخبر وغيره ما في الدروس من استحباب الاستقاء بنفسه، كما
أن ظاهر خبر الحلبي السابق ما فيها أيضا من الاستلام بعد إتيان زمزم، نحو
ما في خبر ابن سنان (2) المشتمل على حج النبي صلى الله عليه وآله قال: " فلما طاف بالبيت
صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام ودخل زمزم فشرب منها، وقال: اللهم
إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم، فجعل يقول ذلك
وهو مستقبل الكعبة، ثم قال لأصحابه: ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام
الحجر، فاستلمه ثم خرج إلى الصفا " ولا ينافي ذلك خبر معاوية المتقدم الذي
ليس فيه إلا بيان تأكد استحباب الاستلام، نعم ينافيه قول الصادق عليه السلام في
صحيح الحلبي (1) المروي عن العلل في حج النبي صلى الله عليه وآله " ثم صلى ركعتين عند
مقام إبراهيم عليه السلام ثم استلم الحجر ثم أتى زمزم فشرب منها " ويمكن القول
باستحباب استلامه قبل الشرب وبعده وخصوصا عند إرادة الخروج، كما أنه يمكن
القول باستحباب إتيان زمزم عقيب الركعتين وإن لم يرد السعي، قال ابن مهزيار (4)
" رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء وصلى خلف المقام
ثم دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر الأسود وشرب وصب على
بعض جسده ثم اطلع في زمزم مرتين، وأخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب السعي الحديث 4 - 3
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 14 - 13
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 14 - 13
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب السعي الحديث 4 - 3
412

ذلك فعل مثل ذلك " وعن ابن الجنيد التصريح بأن استلام الحجر من توابع
الركعتين، وكذا إتيان زمزم على الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله.
(و) منها (أن يخرج من الباب المحاذي للحجر) بلا خلاف أجده
فيه كما عن المنتهى والتذكرة الاعتراف به أيضا تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله قال الصادق
عليه السلام في صحيح معاوية (1) " إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين فرغ من طوافه وركعتيه
قال: ابدأوا بما بدأ الله عز وجل به من اتيان الصفا، إن الله عز وجل يقول: إن
الصفا والمروة من شعائر الله قال أبو عبد الله عليه السلام، ثم اخرج إلى الصفا
من الباب الذي خرج منه رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو الباب الذي يقابل الحجر
الأسود حتى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار " وقال عبد الحميد بن سعيد (2)
" سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الباب الذي يخرج منه إلى الصفا، قلت: إن أصحابنا
قد اختلفوا فيه، بعضهم يقول: الذي يلي السقاية، وبعضهم يقول الذي
يلي الحجر، فقال: هو الذي يلي الحجر، والذي يلي السقاية محدث صنعه
داود أو فتحه داود " نعم الظاهر دخول الباب المزبور في صحن المسجد لما
وسعوه: لكن هو الآن معلم بأسطوانتين معروفتين، فليخرج من بينهما،
قال الشهيد: والظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما.
(و) منها (أن يصعد الصفا) للتأسي والنصوص (3) والاجماع
إلا ممن أوجبه إلى حيث يرى الكعبة من بابه، والظاهر أنه من غيرنا، فإنه
عن الخلاف والقاضي وغيرهما الاجماع على عدم الوجوب وفي محكي التذكرة
والمنتهى إجماع أهل العلم على عدم وجوب الصعود إلا من شذ ممن

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب السعي الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب السعي الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 4 و 5 من أبواب السعي
413

لا يعتد به، ولكن في الدروس والاحتياط الترقي إلى الدرج، ويكفي الرابعة
ولعله لما ستعرفه إن شاء الله، وعلى كل حال فلا إشكال في ندبه، قال الصادق
عليه السلام في حسن معاوية (1): " فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت " ويكفي
فيه كما في المسالك وكشف اللثام وغيرهما الصعود على الدرجة الرابعة التي قيل إنها
كانت تحت التراب، فظهرت الآن حيث أزالوا التراب، ولعلهم إنما كانوا
جعلوا التراب تيسرا للنظر إلى الكعبة على المشاة وللصعود على الركبان، ولعله
لما كانت الدرجات الأربع مخفية في التراب ظن في المدارك أن النظر إلى الكعبة
لا يتوقف على الصعود، وأن معنى الخبر استحباب كل من الصعود والنظر،
قال: والظاهر أن المراد بقوله (عليه السلام) " فاصعد " إلى آخره، الأمر
بالصعود والنظر إلى البيت واستقبال الركن لا الصعود إلى أن يرى البيت، لأن
رؤية البيت لا تتوقف على الصعود، ولصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج (2)
" سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن النساء يطفن على الإبل والدواب أيجزيهن
أن يقفن تحت الصفا والمروة؟ قال: نعم بحيث يرين البيت " وبما ذكرناه أفتى
الشيخ في النهاية، فقال: " إذا صعد على الصفا نظر إلى البيت واستقبل الركن
الذي فيه الحجر وحمد الله تعالى " وذكر الشارح أن المستحب الصعود إلى الصفا بحيث
يرى البيت، وأن ذلك يحصل بالدرجة الرابعة وهو غير واضح، وفيه ما لا يخفى بعد
الإحاطة بما ذكرناه، خصوصا دعواه كون المراد بالخبر ما ذكره مع ظهوره في
خلافه، وكيف كان فظاهر المصنف وغيره إطلاق استحباب الصعود، إلا أن

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب السعي الحديث 1
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب السعي الحديث 1
414

الفاضل خصه بالرجال، ولعله لما سمعته من خصوص صحيح ابن الحجاج ومناسبة
عدمه لهن من حيث الستر.
(و) منها أن (يستقبل الركن العراقي) ذي الحجر حال كونه على
الصفا (ويحمد الله عز وجل ويثني عليه وأن يطيل الوقوف على الصفا ويكبر الله
سبعا ويهلله سبعا، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله
الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير ثلاثا
ويدعو بالمأثور) كل ذلك وغيره لقول الصادق (عليه السلام) في حسن
معاوية السابق (1): " فاصعد على الصفا حتى تنظر البيت، وتستقبل الركن الذي فيه
الحجر الأسود، فاحمد الله تعالى واثن عليه واذكر من بلائه وآلائه وحسن
ما صنع إليك ما قدرت على ما ذكره، ثم كبر الله تعالى سبعا، وهلله سبعا، وقل لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت،
وهو على كل شئ قدير ثلاث مرات، ثم صل على النبي صلى الله عليه وآله وقل: الله
أكبر الحمد لله على ما هدانا، والحمد لله على ما أبلانا، والحمد لله الحي القيوم،
والحمد لله الحي الدائم ثلاث مرات، وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين
ولو كره المشركون ثلاث مرات: اللهم إني أسألك العفو والعافية واليقين في
الدنيا والآخرة ثلاث مرات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا
عذاب النار ثلاث مرات، ثم كبر الله مائة مرة، وهلل الله مائة مرة، واحمد الله مائة
مرة، وسبح الله تعالى مائة مرة، وتقول لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر
عبده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد وحده وحده، اللهم بارك لي في

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب السعي الحديث 1
415

الموت وفي ما بعد الموت، اللهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته، اللهم أظلني في
ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وأكثر من أن تستودع ربك دينك ونفسك وأهلك،
ثم تقول: استودع الله الرحمان الرحيم الذي لا تضيع ودايعه ديني ونفسي وأهلي
اللهم استعملني على كتابك وسنة نبيك، وتوفني على ملته وأعذني من الفتن،
ثم تكبر ثلاثا، ثم تعيدها مرتين، ثم تكبر واحدة ثم تعيدها، فإن لم تستطع
هذا فبعضه وروي غير ذلك، وأنه ليس فيه شئ موقت (1) وقال أبو عبد الله
(عليه السلام): أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ
سورة البقرة مترسلا، قال الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه بعد أن أورد نحوا
من ذلك: ثم انحدر وقف على المرقاة الرابعة حيال الكعبة، وقل اللهم إني
أعوذ بك من عذاب القبر وفتنته وغربته ووحشته وظلمته وضيقه وضنكه، اللهم
أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وعن محمد بن عمر بن يزيد (2) عن
بعض أصحابه قال: " كنت في ظهر أبي الحسن موسى (عليه السلام) على الصفا
وعلى المروة وهو لا يزيد على حرفين: اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل
حال، وصدق النية في التوكل عليك " وفي مرفوع علي بن النعمان (3) " كان
أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم
يقول: اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط، فإن عدت فعد علي بالمغفرة فإنك أنت
الغفور الرحيم، اللهم افعل بي ما أنت أهله فإنك إن تفعل بي ما أنت أهله ترحمني،
وإن تعذبني فأنت غني عن عذابي، وأنا محتاج إلى رحمتك، فيا من أنا محتاج

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب السعي الحديث 3 - 6
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب السعي الحديث 3 - 6
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب السعي الحديث 3
416

إلى رحمته ارحمني، اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنك إن تفعل بي ما أنا أهله
تعذبني ولم تظلمني، أصبحت أتقي عدلك ولا أخاف جورك، فيا من هو عدل
لا يجور ارحمني " وفي خبر المنقري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن أردت أن
يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا " نحو ما في المرفوع (2) عنه عليه السلام أيضا
" من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا والمروة " وقال جميل (3)
لأبي عبد الله عليه السلام " هل من دعاء موقت أقوله على الصفا والمروة فقال: تقول
إذا وقفت على الصفا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
يحيي ويميت، وهو على كل شئ قدير " إلى غير ذلك من النصوص المستفاد منها
ما ذكره المصنف وغيره، وفي الدروس ويستحب أيضا قراءة القدر والوقوف
على الدرجة الرابعة حيال الكعبة والدعاء ثم ينحدر عنها كاشفا ظهره، ويسأل
الله العفو، وليكن وقوفه على الصفا في الشوط الثاني أقل منه في الشوط الأول،
والله العالم.
(و) أما (الواجب فيه) ف‍ (أربعة) وفي الدروس عشرة ضاما لها
بعض ما تسمعه في الأحكام والمقارنة ونحو ذلك، وعلى كل حال فالواجب فيه
(النية) بلا خلاف ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه على حسب ما سمعته
في الطواف وغيره من الأفعال من كونها الداعي، ولا يجب فيها نية الوجه ولا
غيره عدا القربة والتعيين لنوعه من كونه سعي حج الاسلام أو غيره من عمرة
الاسلام أو غيرها، وإن كان الأحوط اشتمالها مع ذلك على تصور معنى السعي
المتضمن للذهاب من الصفا إلى المروة والعود وهكذا سبعا، والوجه واستحضار

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4
417

مقارنتها لا وله مستداما حكمها إلى آخره إن أتى به متصلا إلى الآخر، فإن فصل
ففي كشف اللثام كالطواف عندي أنه يجددها ثانيا فيما بعده، وفيه أنه لا دليل
عليه، بل إطلاق الأدلة على خلافه، فيكفي العود بنية إتمام العمل السابق، بل
قد يقال بكفاية تمامه وإن غفل عن الأولى حين الشروع ثم تنبه بعد ذلك،
ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط، والله العالم.
(و) الثاني والثالث (البدأة بالصفا والختم بالمروة) بلا خلاف أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1) المتقدم بعضها، وما
عن الحلبي والسنة فيه الابتداء بالصفا والختم بالمروة ليس خلافا مع إرادته الوجوب
بالسنة، وما عن أبي حنيفة من جواز الابتداء بالمروة مسبوق بالاجماع وملحوق
به، وحينئذ فلو عكس بأن بدأ بالمروة أعاد عامدا كان أو ناسيا، لعدم الاتيان
بالمأمور به على وجهه، ولصحيح معاوية بن عمار (2) " من بدأ بالمروة قبل
الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة " وفي خبره الآخر (3) عنه عليه السلام
أيضا " وإن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا " وسأله عليه السلام أيضا علي بن
أبي حمزة (4) " عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ
بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء " وفي خبر علي الصائغ (5)
قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال:
يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي والباب 2 من أبواب أقسام
الحج الحديث 3 و 13 و 14
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4 - 5
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 4 - 5
418

على شماله " قلت: ومقتضى التشبيه المزبور الاجتزاء بالاحتساب من الصفا إذا كان
قد بدأ بالمروة ثم بالصفا ولا يحتاج إلى إعادة السعي بالصفا جديدا كما صرح به
بعض الناس، وإن كان هو أحوط، بل ربما أمكن دعوى ظهور النصوص
السابقة فيه، هذا.
وقد عرفت سابقا عدم وجوب الصعود على الصفا، فيكفي حينئذ أن
يجعل عقبه ملاصقا له، لوجوب استيعاب المسافة التي بينه وبين المروة، نعم قد
يحتمل الاكتفاء بأحد القدمين، ولكن الأحوط جمعهما، ثم إذا عاد الصق
أصابعه بموضع العقب حتى يحصل الاستيعاب المزبور الذي عليه المدار في الظاهر
وإلا فلا دليل على وجوب السعي منتهيا إلى خصوص قدم الابتداء، بل لعل
إطلاق الأدلة يقضي بخلافه، فإنه ليس فيها إلا السعي بينهما الذي يتحقق بذلك
وبالانتهاء إلى ما يحاذي الابتداء، بل مقتضى الاطلاق المزبور نصا وفتوى عدم
وجوب كون السعي بالخط المستقيم، ضرورة صدق السعي بينهما به وبغيره،
بل نصوص (1) السعي راكبا في الرجال والنساء كالصريحة بخلافه، ولكن مع
ذلك لا ينبغي ترك الفرد المتيقن الذي عليه العمل، بل فيما حضرني من بعض
الكتب نسبة الكيفية المزبورة أولا إليهم (عليهم السلام)، بل فيه أنه قيل
الظاهر اتفاق الأصحاب عليه وإن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك، نعم في الرياض
" لولا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا والأصابع
بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة والاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه
السعي بين الصفا والمروة عرفا وعادة لا يخلو من قوة كما اختاره بعض المعاصرين،
لما ذكره من أن المفهوم من الأخبار أن الأمر أوسع من ذلك، فإن السعي على الإبل

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب السعي
419

الذي دلت عليه الأخبار وأن النبي صلى الله عليه وآله كان يسعى على ناقته لا يتفق فيه هذا
التضييق من جعل عقبه ملصقة بالصفا في الابتداء وأصابعه يلصقها بالمروة موضع
العقب بعد العود فضلا عن ركوب الدرج، بل يكفي فيه الأمر العرفي، ولكن
الأحوط ما ذكروه " قلت: قد عرفت أن مقتضى إطلاق الأدلة السعي بينهما،
ويمكن فهم الاستيعاب منها، خصوصا مع ملاحظة صدق البدأة والختم،
نعم هو في الراكب والراجل كل بحسب حاله عرفا، لكن كونه على الوجه
المزبور محل نظر بل منع، وليس في كلامهم ظهور في ذلك، وإنما ذكره بعض
متأخري المتأخرين، بل لعل إطلاق الفتاوى بخلافه، هذا.
وفي محكي التذكرة والمنتهى أن من أوجب الصعود أوجبه من باب المقدمة
لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا به، كغسل جزء من الرأس في الوضوء وصيام
جزء من الليل، ثم قال: وهذا ليس بصحيح، لأن الواجبات هنا لا تنفصل
بمفصل حسي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه، فلهذا أوجبنا غسل
جزء من الرأس وصيام جزء من الليل بخلاف المقام، فإنه يمكنه أن يجعل عقبه
ملاصقا للصفا، قلت: عن الفقيه والهداية والمقنع والمراسم والمقنعة أنها تحتمل
وجوب الصعود، وقد سمعت ما في الدروس من أن الأحوط الترقي إلى الدرج
وتكفي الرابعة، ولعله للأمر بصعوده في بعض (1) النصوص السابقة، ولما
روي (2) أنه صلى الله عليه وآله صعده في حجة الوداع التي قال فيها (3): " خذوا عني

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب السعي الحديث 1
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الحج الحديث 3
(3) تيسير الوصول ج 1 ص 312
420

مناسككم " وأما كفاية الرابعة فلما روي (1) أنه صلى الله عليه وآله رقى قدر
قامة حتى رأى الكعبة، وعن الغزالي في الاحياء أن بعض الدرج محدثة،
فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره، فلا يكون متمما للسعي.
وكيف كان فالصفا أنف من جبل أبي قبيس بإزاء الضلع الذي بين الركن
العراقي واليماني، وعن تهذيب النووي " أن ارتفاعه الآن إحدى عشرة درجة
وفوقها أزج كايوان، وعرصة فتحة هذا الأزج نحو خمسين قدما " وفي كشف
اللثام والظاهر من ارتفاعه الآن سبع درج، وذلك لجعلهم التراب على أربع منها
كما حفروا الأرض في هذه الأيام فظهرت الدرجات الأربع، وعن الأزرقي أن
الدرج اثنتا عشرة، وقيل إنها أربع عشرة، قال القاسي: وسبب هذا الاختلاف
أن الأرض تعلو بما يخالطها من التراب، فتستر ما لاقاها من الدرج، قال:
وفي الصفا الآن من الدرج الظواهر تسع درجات منها خمس درجات يصعد منها
إلى العقود التي بالصفا، والباقي وراء العقود، وبعد الدرج التي وراء العقود
ثلاث مساطب كبار على هيئة الدرج، ويصعد من يصعد من الأولى إلى الثانية
منهن بثلاث درجات في وسطها، والمروة أنف من جبل قيقعان كما عن تهذيب
النووي، وعن أبي عبيد البصري أنها في أصل جبل قيقعان، وعن النووي
هي درجتان، وعن القاسي أن فيها الآن درجة واحدة، وعن الأزرقي
والبكري أنه كان عليها خمس عشرة درجة، وعن ابن جبير أن فيها خمس درج،
وعن النووي وعليها أيضا أزج كايوان، وعرصتها تحت الأزج نحو أربعين قدما،
فمن وقف عليه كان محاذيا للركن العراقي، وتمنعه العمارة من رؤيته، وحكى
جماعة من المؤرخين حصول التغيير في المسعى في أيام المهدي العباسي وأيام الجراكسة

(1) سنن النسائي ج 5 ص 240 وسنن البيهقي ج 5 ص 94
421

على وجه يقتضي دخول المسعى في المسجد الحرام، وأن هذا الموجود الآن
مسعى مستجد، ومن هنا أشكل الحال على بعض الناس باعتبار عدم إجزاء السعي
في غير الوادي الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، كما أنه أشكل عليه إلحاق
أحكام المسجد لما دخل منه فيه، ولكن العمل المستمر من سائر الناس في جميع
هذه الأعصار يقتضي خلافه، ويمكن أن يكون المسعى عريضا قد ادخلوا
بعضه وأبقوا بعضا كما أشار إليه في الدروس، قال: وروي (1) أن المسعى اختصر
كيف كان فلا يجب صعود المروة أيضا كما سمعته في الصفا بلا خلاف
محقق أجده فيه بيننا، بل عن الخلاف الاجماع عليه إلا ممن لا يعتد به، ويظهر
من محكي التذكرة والمنتهى أيضا، ولكن الاحتمال في الكتب السالفة آت هنا
خصوصا مع ملاحظة فعله صلى الله عليه وآله له في حجة الوداع التي قال فيها: " خذوا عني
مناسككم " والأمر سهل بعد إن كانت النية الداعي عندنا، فلا بأس حينئذ
بالترقي مستمرا على الداعي حتى ينزل ويسعى، والله العالم.
(و) الرابع (أن يسعى سبعا يحسب ذهابه شوطا وعوده آخر)
فاتيانه من الصفا إلى المروة ومنها إليه شوطان لا شوط واحد بلا خلاف أجده فيه
بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1) المستفيضة أو المتواترة
أو المقطوع بمضمونها، قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (3): " فطف بينهما
سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة " فما عن بعض العامة من عدهما معا شوطا

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1
(2) الوسائل الباب 6 و 11 من أبواب السعي والباب 2 من
أبواب أقسام الحج الحديث 3 و 13
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1
422

واحدا واضح الفساد، ويجب في السعي الذهاب بالطريق المعهود، فلو اقتحم
المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجز، بل في الدروس وكذا لو سلك
سوق الليل، ويجب فيه أيضا استقبال المطلوب بوجهه، فلو اعترض أو مشى
القهقرى لم يجز كما في الدروس وغيرها، لأنه خلاف المعهود، فلا يتحقق به
الامتثال، نعم لا يضر فيه الالتفات بالوجه قطعا، كما هو واضح.
(والمستحب) فيه أمور ذكر المصنف منها (أربعة) الأولى (أن يكون ماشيا) لأنه أحمز وادخل في الخضوع، وقد ورد (1) " إن المسعى أحب
الأراضي إلى الله، لأنه تذل فيه الجبابرة " (ولو كان راكبا) لا لعذر
(جاز) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى المعتبرة
المستفيضة، منها صحيح معاوية بن عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام: قلت له:
المرأة تسعى بين الصفا والمروة على دابة أو على بعير قال: لا بأس بذلك، قال:
وسألته عن الرجل يفعل ذلك قال: لا بأس به، والمشي أفضل " وصحيح ابن
الحجاج (3) المتقدم سابقا، وحسن الحلبي (4) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن
الرجل يسعى بين الصفا والمروة على الدابة قال: نعم وعلى المحمل " إلى غير ذلك
من النصوص.
(و) الثاني والثالث (المشي على طرفيه) أي أول السعي وآخره أو طرفي
المسعى (والهرولة) أي الرمل (ما بين المنارة وزقاق العطارين ماشيا كان أو

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب السعي الحديث 14 مع الاختلاف
في اللفظ
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب السعي الحديث 4 - 1
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب السعي الحديث 1
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب السعي الحديث 4 - 1
423

راكبا) بلا خلاف معتد به أجده في أصل الحكم، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى المعتبرة، منها قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية (1) " انحدر من
الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة، وهي طرف المسعى
فاسع ملأ فروجك، وقل: بسم الله والله أكبر وصلى الله على محمد وأهل بيته،
اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم فإنك أنت الأعز الأكرم، حتى تبلغ المنارة
الأخرى، قال: وكان المسعى أوسع مما هو اليوم ولكن الناس ضيقوه، ثم
امش وعليك السكينة والوقار فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت، فاصنع عليها كما
صنعت على الصفا، ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة "
ورواه في الكافي كذلك إلا أنه قال: " حتى تبلغ المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها
فقل: يا ذا المن والفضل والكرم والنعماء والجود اغفر لي ذنوبي، أنه لا يغفر
الذنوب إلا أنت، ثم امش " وذكر بقية الخبر، وقوله عليه السلام أيضا في حسنه (2)
الآخر: " ليس على الراكب سعي، ولكن ليسرع شيئا " والمراد بالسعي فيه الهرولة
نحو قوله عليه السلام في الموثق (3): " وإنما السعي على الرجال وليس على النساء سعي "
وفي خبر أبي بصير (4) " ليس على النساء جهر بالتلبية ولا استلام الحجر ولا دخول
البيت ولا سعي بين الصفا والمروة يعني الهرولة ".
وقد ظهر لك أن المراد من الهرولة السعي ملأ الفرج، لكن عن الصحاح
والعين والمحيط والمجمل والمقائيس والأساس وغيرها تفسير الرمل بها، وفيما سوى

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب السعي الحديث 2
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب السعي الحديث 2
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب الطواف الحديث 1
424

الصحاح والأساس منها أنها بين المشي والعدو، وعن الديوان وغيره أنها
ضرب من العدو، وتردد الجوهري بينهما، وربما احتمل كون المعنى واحدا كما
قد يرشد إليه ما عن نظام الغريب من أنه نوع من العدو السهل، وعن تهذيب
الأزهري رمل الرجل يرمل رملانا إذا أسرع في مشيه، وهو في ذلك ينزو،
وفي الدروس ومحكي تحرير النووي وتهذيبه أنه إسراع المشي مع تقارب الخطأ
دون الوثوب والعدو وهو الجنب، وعن النووي أنه قال الشافعي في مختصر
المزني: الرمل هو الجنب، وعن الرافعي وقد غلط الأئمة من ظن أنه دون
الجنب، قلت قد سمعت ما في الحسن المزبور، اللهم إلا أن يراد به أمر زايد على
الهرولة، ولكن لم نجد من ذكر استحباب غيرها، والفروج جمع فرج وهو
ما بين الرجلين، يقال: الفرس ملأ فروجه وملأ فرجه إذا عدا وأسرع،
ومنه سمي فرج الرجل والمرأة، لأنه ما بين الرجلين، وعلى كل حال فالسعي
ملأ الفروج أزيد من الهرولة التي هي عرفا بين العدو والمشي، والأمر في ذلك
سهل بعد أن كان ذلك مستحبا عندنا، وربما نسب وجوبه إلى الحلبي لقوله: وإذا
سعى راكبا فليركض الدابة بحيث تجب الهرولة، ولا صراحة فيها بل ولا ظهور
نعم عن المفيد في كتاب أحكام النساء وتسقط عنهن الهرولة بين الصفا والمروة،
ولا يسقط ذلك مع الاختيار عن الرجال، ويحتمل إرادته تأكد الاستحباب،
وإلا كان محجوجا بما عرفت، مضافا إلى الأصل وخبر سعيد الأعرج (1) سأل
الصادق عليه السلام " عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة قال:
لا شئ عليه " بل عن التذكرة والمنتهى الاجماع على الاستحباب، بل صرح
الفاضل وغيره باختصاص ذلك بالرجل للأصل وعدم مناسبته لضعفهن وسترهن،

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب السعي الحديث 1
425

وخبري سماعة (1) وأبي بصير (2) السابقين، لكن عن المفيد في كتاب أحكام
النساء ولو خلا موضع السعي للنساء فسعين فيه لم يكن به بأس، وهو مطالب
بدليله إن أراد استحباب ذلك لهن.
وعلى كل حال فمحل الهرولة ما سمعته في المتن موافقا لما في النافع والقواعد
ومحكي المراسم والجامع والاصباح، وإليه يرجع ما عن الوسيلة من أنه بين
المنارتين، والإشارة من أنه بين الميلين، وقد سمعت قول الصادق عليه السلام في
حسن معاوية (3) بل ربما علل بأنه شعبة من وادي محسر الذي عرفت استحباب
الهرولة فيه، ولكن عن الفقيه والهداية والمقنع والمقنعة وجمل العلم والعمل
والكافي والغنية إلى أن يجاوز زقاق العطارين، ولم نجد ما يشهد له، وإن قال
في كشف اللثام لقول الصادق عليه السلام في حسن معاوية (4) نحوا من ذلك إلى قوله
" حتى تبلغ المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها " إلى آخر ما سمعته مما لا يخفى عليك
عدم دلالته على شئ من ذلك، وإنما هو دال على السعي بين المنارتين، وعن
الغنية " حتى يبلغ المنارة الأخرى ويتجاوز سوق العطارين فيقطع الهرولة "
ونحوها ما عن الكافي، وفيه ما عرفت أيضا، وأغرب من ذلك ما عن النهاية
والمبسوط فإذا انتهى إلى أول زقاق عن يمينه بعد ما يتجاوز الوادي إلى المروة
سعى، فإذا انتهى إليه كف عن السعي ومشى مشيا، وإذا جاء من عند المروة
بدأ من عند الزقاق الذي وصفناه فإذا انتهى إلى الباب قبل الصفا بعد ما تجاوز
الوادي كف عن السعي ومشى مشيا " إذ هي واضحة القصور كما عن الفاضل

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب السعي الحديث 2
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الطواف الحديث 1
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1 - 2
426

والشهيد الاعتراف بذلك، والظاهر أنه أراد التعبير عما في رواية زرعة (1)
عن سماعة " سألته عن السعي بين الصفا والمروة فقال: إذا انتهيت إلى الدار
التي على يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد
ما تجاوز الوادي إلى المروة، فإذا انتهيت إليه فكف عن السعي وامش مشيا،
وإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك، فإذا انتهيت
إلى الباب الذي قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي وامش مشيا "
ولكن سقط من القلم بعض ذلك، إلا أن الرواية ضعيفة السند ومضمرة، وعمل
المشهور على خلافها، على أنها يمكن أن تكون في حال سابق للمسعى، كالمرسل (2)
عن مولى للصادق عليه السلام من أهل المدينة قال: " رأيت أبا الحسن عليه السلام يبتدأ السعي
من دار القاضي المخزومي قال ويمضي كما هو إلى زقاق العطارين " وقال أبو جعفر
عليه السلام في خبر غياث بن إبراهيم (3): " كان أبي يسعى بين الصفا والمروة ما بين
باب ابن عباد إلى أن رفع قدميه من الميل لا يبلغ زقاق آل أبي حسين "
وكيف كان فالعمل على ما سمعته أولا من الهرولة في المكان المخصوص الذي
به يذل الجبارون لذلك، ويستحب المشي هونا في الطرفين كما هو صريح غير
واحد، وظاهره للأمر بالمشي على سكينة ووقار في غير المكان المخصوص،
والله العالم.
(ولو نسي الهرولة رجع القهقرى) ماشيا إلى الخلف من غير
التفاوت بالوجه (وهرول موضعها) كما صرح به جماعة، بل في المسالك نسبته
إلى الأصحاب لقول الصادقين (عليهما السلام) (4) فيما أرسل عنهما الصدوق

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 4 - 6 - 5
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 4 - 6 - 5
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 4 - 6 - 5
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب السعي الحديث 2
427

والشيخ: " من سهى عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كله
ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا، ولكن يرجع القهقرى إلى المكان
الذي يجب فيه السعي " ومن هنا كان المتجه الاقتصار عليها تبعا للنص والفتوى
وإن حكى إطلاق العود عن القاضي، بل في المسالك احتمال إرادة الأصحاب
الندب كالأصل، ثم قال: " وعلى كل حال لو عاد بوجهه أجزأ، وإنما
الكلام في الإثم " وفيه نظر أو منع، بل ينبغي التخصيص بما إذا ذكرها في الشوط
الذي نسيها فيه، لأنه المنساق من النص والفتوى سيما الأول، فلا يرجع بعد الانتقال
إلى شوط آخر، بل الأحوط أن لا يرجع مطلقا حذرا من الزيادة، ولعله لذا
نسبه في محكي المنتهى إلى الشيخ مشعرا بنوع توقف في العمل به.
(و) الرابع (الدعاء في سعيه ماشيا ومهرولا) بما سمعته في خبري
معاوية (1) وغيرهما، والله العالم.
(ولا بأس أن يجلس في خلال السعي للراحة) على الصفا أو المروة بلا
خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه، وبينهما على المشهور، للأصل وصحيح
الحلبي (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟
قال: نعم إنشاء جلس على الصفا وإن شاء جلس على المروة وبينهما فليجلس "
وصحيح ابن رئاب (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يعيى في الطواف أله أن
يستريح؟ قال: نعم يستريح ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة وغيرها،
ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه " وعن الحلبيين أنهما منعا من الجلوس بين

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب السعي الحديث 1 و 2
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب السعي الحديث 1
(3) الوسائل الباب 46 من أبواب الطواف الحديث 1
428

الصفا والمروة إلا مع الاعياء، ولعله لقول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الرحمان (1)
" لا تجلس بين الصفا والمروة إلا من جهد " المحمول على الكراهة بعد قصوره
عن معارضة غيره من وجوه، منها ما قيل من اعتضاده بعموم ما دل على جواز
السعي راكبا، فإنه ملازم للجلوس غالبا، وهو عام لحالتي الاختيار والاضطرار
اجماعا، وإليه الإشارة في الصحيح (2) " عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا
والمروة يجلس عليهما قال: أو ليس هو ذا يسعى على الدواب " وهو وإن كان
مورده الجلوس عليهما ولا خلاف فيه إلا أن قوله عليه السلام " أو ليس " إلى آخره في قوة
الجواب له بنعم مع تعليله بما يعم الجلوس بينهما، بل التعليل انسب بهذا، بل
لعله حينئذ ظاهر في جوازه بينهما ولو لغير الاستراحة كما في السعي راكبا، وإن
كان الظاهر كراهته حينئذ لما مضى، كل ذلك مع بناء الاستدلال بالصحيح على
إرادة بلوغ منتهى الطاقة من الجهد، ويمكن منعه، والله العالم.
(ويلحق بهذا الباب مسائل: الأولى السعي ركن، من تركه عامدا بطل
حجه) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما
صريحا وظاهرا مستفيض كالنصوص التي منها قول الصادق عليه السلام في صحيح
معاوية (3): " من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل " مضافا إلى قاعدة
عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، نعم يحكى عن أبي حنيفة أنه واجب غير
ركن، فإذا تركه كان عليه دم، وعن أحمد في رواية أنه مستحب، ولا ريب
في فسادهما لما عرفت، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين العمرة والحج، وتحقق
الترك على حسب ما سمعته في الطواف، بل الظاهر أيضا عدم الفرق بين تركه

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب السعي الحديث 4 - 2
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب السعي الحديث 4 - 2
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب السعي الحديث 2
429

رأسا وبين نقصه عمدا حتى خرج وقت التدارك، لاتحاد المقتضي، والله العالم.
(ولو كان ناسيا) لم يبطل حجه ولا عمرته بل (وجب عليه الاتيان
به) ولو بعد خروج ذي الحجة (فإن خرج عاد) بنفسه (ليأتي به، فإن
تعذر عليه) أو شق (استناب فيه) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل
عن الغنية الاجماع عليه، مضافا إلى الأصل ورفع الخطأ والنسيان والحرج
والعسر، وحسن معاوية بن عمار (1) وعن الصادق عليه السلام قال: " قلت:
رجل نسي السعي بين الصفا والمروة قال: يعيد ذلك، قلت: فاته ذلك حتى
خرج قال: يرجع فيعيد السعي " وصحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما
السلام): " سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة قال: يطاف
عنه " وخبر الشحام (3) عن أبي عبد الله عليه السلام: " سألته عن رجل نسي أن يطوف
بين الصفا والمروة حتى يرجع إلى أهله فقال: يطاف عنه " المتجه الجمع بينها ولو
بملاحظة الفتاوى والاجماع المحكي وقاعدة المباشرة في بعض الأفراد، ونفي الحرج
وقبوله للنيابة في آخر بما عرفت.
ولا يحل من أخل بالسعي مما يتوقف عليه من المحرمات كالنساء حتى يأتي
به كملا بنفسه أو نائبه، بل الظاهر لزوم الكفارة لو ذكر ثم واقع، لفحوى
ما ستعرفه من الحكم بوجوبها على من ظن إتمام حجه فواقع ثم تبين النقص، وفي
إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان أحوطهما إن لم يكن أقواهما الأول كما
اختاره في المسالك وغيرها، خصوصا مع ملاحظة إطلاق الأصحاب العامد
الشامل للجاهل والعالم، مضافا إلى الأصل الذي لم يثبت انقطاعه بثبوت قاعدة

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب السعي الحديث 1 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب السعي الحديث 1 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب السعي الحديث 1 - 3 - 2
430

معذورية الجاهل في الحج وإن تضمنها بعض النصوص (1) المعتبرة، إلا إن
ظاهر الأصحاب الاعراض عنها، والله العالم.
المسألة (الثانية لا تجوز الزيادة على سبع) بلا خلاف أجده فيه، لأنه
تشريع كزيادة الركعة في الصلاة (و) حينئذ ف‍ (لو زاد) عالما (عامدا
بطل) لأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه على نحو ما سمعته في الطواف، قال
أبو الحسن عليه السلام في خبر عبد الله بن محمد (2): " الطواف المفروض إذا زدت عليه
مثل الصلاة إذا زدت عليها فعليك الإعادة، وكذلك السعي " وفي صحيح
معاوية (3) عن الصادق عليه السلام " إن طاف رجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط
فليسع على واحد ويطرح ثمانية، وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط
فليطرحها ويستأنف السعي " بناء على ما قيل من كونه في العمد، وأن البناء
على الواحد في الأول باعتبار البطلان بالثمانية، فيبقي الواحد ابتداء سعي،
أما إذا كان ثمانية فليس إلا البطلان باعتبار كون الثامن ابتداؤه من المروة فلا
يصلح البناء عليه، وإن كان هو لا يخلو من إشكال أو منع كما ستعرف.
وكيف كان فلا إشكال في البطلان بتعمد الزيادة، وما وقع من سيد
المدارك من المناقشة في الخبر الأول المذكور سندا له بما يشعر بنوع توقف فيه
في غير محله، نعم قد تقدم في الطواف البحث في عدم تحقق الزيادة إلا بقصدها
على أنها من السعي، ومثله آت هنا، ولذا جزم بذلك في المدارك، قال:
" والزيادة إنما تتحقق بالاتيان بما زاد على سبعة على أنه من جملة السعي المأمور به "
فلو تردد في أثناء الشوط أو رجع لوجهه ثم عاد لم يكن ذلك قادحا في الصحة

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب كفارات الاحرام
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب السعي الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب السعي الحديث 2 - 1
431

قطعا، وتبعه في الرياض، وقد تقدم الكلام في ذلك، فلاحظ وتأمل.
(ولا يبطل بالزيادة سهوا) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه،
وهو الحجة بعد الأصل والنصوص (1) فيتخير حينئذ بين إهدار الشوط الزائد فما
زاد والبناء على السبعة وبين الاكمال أسبوعين كما سمعته في الطواف جمعا بين الأمر
بهما في النصوص، ففي صحيح ابن الحجاج (2) عن أبي إبراهيم عليه السلام " في رجل
سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال: إن كان خطأ طرح واحدا
واعتد بسبعة " وصحيح جميل بن دراج (3) قال: " حججنا ونحن صرورة
فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا فسألنا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك
فقال: لا بأس سبعة لك، وسبعة تطرح " وصحيح هشام بن سالم (4) قال:
" سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبد الله بن راشد فقلت له تحفظ فجعل يعد ذاهبا
وجائيا شوطا واحدا، فأتممنا أربعة عشر شوطا فذكرنا ذلك لأبي عبد الله عليه السلام
فقال: زادوا على ما عليهم، ليس عليهم شئ " وصحيح معاوية أو حسنه (5)
عنه عليه السلام أيضا " من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية واعتد
بسبعة، وإن بدأ بالمروة فليطرح ويبتدئ بالصفا " وفي صحيح محمد بن مسلم (6)

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب السعي الحديث 0 - 3 - 5
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب السعي الحديث 0 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب السعي الحديث 0 - 3 - 5
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب السعي الحديث 1 وفيه عبيد الله
ابن راشد.
(5) ذكر صدره في الوسائل في الباب 13 من أبواب السعي الحديث
4 وذيله في الباب 10 منها الحديث 3
(6) الوسائل الباب 34 من أبواب الطواف الحديث 10
432

عن أحدهما (عليهما السلام) " إن في كتاب علي عليه السلام إذا طاف الرجل بالبيت
ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها ستا وكذا إذا استيقن أنه
سعى ثمانية أضاف إليها ستا ".
ومن هنا جمع الأصحاب بينها بالتخيير، وما عن ابن زهرة من الاقتصار
على الثاني منهما ليس خلافا، خصوصا بعد الحكم بجوازه وكونه مندوبا، فإنه
يجوز القطع قطعا، نعم لو قلنا بكون الثاني الفريضة حرم، وهو محتمل كما
سمعته في الطواف، قال في الدروس، ويحتمل انسحاب الخلاف في ناسي الطواف
هنا إلا أن يستند وجوب الثاني في الطواف إلى القران، ولكن أشكل التخيير
المزبور في الحدائق بأن السعي ليس كالطواف والصلاة يقع واجبا ومستحبا فإنا لم
نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبا، قال في المدارك: " ولا
يشرع استحباب السعي إلا هنا، ولا يشرع ابتداء مطلقا " وبأن اللازم من
الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة، فكيف يجوز أن يعتد به ويبني
عليه سعيا مستأنفا مع اتفاق الأخبار وكلمة الأصحاب على وجوب الابتداء في
السعي من الصفا، وأنه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة عمدا كان أو سهوا
وبالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأولة من طرح الزايد
والاعتداد بالسبعة الأولة، وأما العمل بهذا الخبر فمشكل والعجب من سيد
المدارك حيث لم يتنبه لذلك وجمد على موافقة الأصحاب في هذا الباب، قلت هو
كما ترى كالاجتهاد في مقابلة النص بعد تسليم ظهوره مع الفتاوى في ذلك، ولا
استبعاد في مشروعية هذا السعي من المروة وتخصيص تلك الأدلة به بعد جمعه
لشرائط الحجية والعمل به، كما لا استبعاد في استحباب السعي هنا وإن كان
لم يشرع استحبابه ابتداء.
ومن الغريب موافقته له في الرياض، فإنه بعد أن حكى التخيير عن أكثر
433

الأصحاب قال: " والأولى والأحوط الاقتصار على الأول كما هو ظاهر المتن لكثرة
ما دل عليه من الأخبار وصراحتها، وعدم ترتب إشكال عليها، بخلاف الثاني
فإن الصحيح الدال عليه مع وحدته، احتماله ما سيأتي مما يخرجه عما نحن فيه
يتطرق إليه الاشكال لو أبقي على ظاهره من كون ابتداء الأشواط الثمانية من الصفا
والختم بها أن الأسبوع الثاني المنضمة إلى الأولى يكون مبدؤها المروة دون الصفا،
وقد مر الحكم بفسادها مطلقا ولو نسيانا أو جهلا، وتقييده ثمة بالسعي المبتدأ
دون المنضم كما هنا ليس بأولى من حمل الصحيح هنا على كون مبدأ الأشواط فيها
بالمروة دون الصفا، ويكون الأمر بإضافة الست إنما هو لبطلان السبعة الأولى،
لوقوع البدأة فيها بها، بخلاف الشوط الثامن، لوقوع البدأة فيه من الصفا "
إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، وأغرب منه دعوى عدم
أولوية الاحتمال الأول من الاحتمال الثاني مع ظهور الصحيح فيه وعمل الأصحاب به
والأصل في ذلك ما في كشف اللثام، قال: " ثم إضافة ست كما في
الخبر والنهاية والتهذيب والسرائر يفيد ابتداء الأسبوع الثاني من المروة، ومن
عبر باكمال أسبوعين كالمصنف أو سعيين كابن حمزة أو أربعة عشر كالشيخ في
المبسوط يجوز أن يريد إضافة سبعة أشواط، والخبر يحتمل يقين الثمانية وهو
على المروة، ويأتي البطلان، ولا بعد في الصحة إذا نوى في ابتداء الثامن أنه
يسعى من الصفا إلى المروة سعي العمرة أو الحج قربة إلى الله تعالى مع
الغفلة عن العدد، أو مع تذكر أنه الثامن، أو زعمه السابع، فلا مانع من
مقارنة النية لكل شوط، بل لا يخلو الانسان منها غالبا، ولذا أطلق إضافة
ست إليها، فلم يبق مستند في المسألة، نعم قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية (1)

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب السعي الحديث 1
434

" إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح
ثمانية وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي "
وهو مستند صحيح لاكمال أسبوعين من الصفا، والغاء الثامن لكونه من
المروة، وظاهره كون الفريضة هي الثاني، والعموم للعامد كما فعله الشيخ في
التهذيب أو خصه به، لأنه ذكر أن من تعمد ثمانية أعاد السعي، وإن سعى
تسعة لم تجب عليه الإعادة وله البناء على ما زاد واستشهد بالخبر، وفي الاستبصار
تبع الصدوق في حمله على من استيقن أنه سعى ثمانية أو تسعة وهو على المروة،
فيبطل سعيه على الأول لابتدائه من المروة، دون الثاني لابتدائه من الصفا،
وهو كما عرفت غير متعين ".
وفيه مضافا إلى ما عرفت بعد الاحتمال المزبور جدا فضلا عن أن يكون
مساويا للاحتمال الآخر الذي هو ظاهر النص والفتوى، وأما الاشكال في النية من
جهة عدم تحققها في الابتداء ومقارنتها فهو مشترك الورود بين الاحتمالين، على أنه
اجتهاد أيضا في مقابلة النص المعمول به الظاهر في الاكتفاء بها بعد تعقبها بنية
الاكمال كما في الطواف، نعم ينبغي الاقتصار في اضافته على مورد النص، وهو
اكمال الشوط كما صرح به ثاني الشهيدين وغيره، بل حكى التصريح به عن ابن
زهرة أيضا، لما عرفت من مخالفته الأصول من وجهين: أحدهما من جهة النية،
وثانيهما من جهة الابتداء بالمروة، فالمتجه حينئذ الالغاء خاصة إذا ذكر في أثناء
الشوط، فإن نصوص الالغاء وإن كانت في إتمام الشوط أيضا لكن تدل
بالفحوى على الغاء ما دونه، بخلاف صحيح البناء فإنه إذا دل على الاكمال معه
لا يقتضي مشروعية أيضا في الأثناء كما هو واضح.
لكن في كشف اللثام " ثم الاخبار وإن اختصت بمن زاد شوطا كاملا
أو شوطين أو أشواطا كاملة لكن إذا لم يبطل بزيادة شوط أو أشواط سهوا
435

فأولى أن لا يبطل بزيادة بعض شوط، وإذا ألغينا الثامن وأجزنا له إكمال
أسبوعين بعده قبل الشروع في التاسع جاز في أثنائه من غير فرق، وكذا إذا
أجزناه له بعد إكمال التاسع فالظاهر جوازه له في أثنائه، وكذا إذا لم نلغ
الثامن وأجزنا له الاكمال بعده فالظاهر الجواز في أثنائه لصدق الشروع في
الأسبوع الثاني على التقديرين، ويعضده إطلاق الأصحاب، ويحتمل الاختصاص
بما إذا أكمل الثامن إذا لم نلغه، وهو عندي ضعيف مبني على فهم خبر الست
كما فهمه الشيخ، ويقتضي ابتداء الأسبوع الثاني من المروة وعلى الغاء الثامن
فالخبر المتضمن لاكمال أسبوعين إنما هو صحيح معاوية، وهو يتضمن اكمالهما قبل
الشروع في التاسع وبعد إكماله، فعدم الجواز في أثنائه ضعيف جدا ".
وفيه منع واضح سيما فيما ذكره أخيرا من الظاهرين، ومن الغريب تعليله
الثاني بصدق الشروع في الأسبوع الثاني مع أنه ليس عنوانا في شئ من النصوص
وأغرب منه دعوى أنه يعضده إطلاق الأصحاب مع أنه فيمن زاد شوطا لا بعضه
وبالجملة فكلامه مبني على كلامه السابق الذي قد عرفت ما فيه.
بقي الكلام في صحيح معاوية السابق المذكور في صدر المسألة الذي لم نجد
عاملا به على ظاهره، ولذا اختلف في تنزيله، فقيل إنه في العمد، وفقهه حينئذ
ما عرفت، وهو المحكي عن ظاهر التهذيب، وقيل إنه في النسيان وأنه محمول
على من استيقن الزيادة وهو على المروة لا الصفا، فيبطل سعيه على الأول لابتدائه
من المروة، دون الثاني لابتدائه التاسع من الصفا، وهو المحكي عن الصدوق
في الفقيه والشيخ في الاستبصار، إلا أنهما معا كما ترى، ضرورة الاشكال في
الصحة على الأول لاطلاق النص والفتوى بكون الزيادة عمدا مبطلة، كاطلاقهما
أيضا اعتبار النية في ابتداء كل عبادة، ونية العامد في أول الأسبوع الثاني على
أنه جزء لا عبادة مستقلة، وإلا لم تكن زيادة بل هي عبادة مستقلة باطلة إن
436

لم يشرع السعي ابتداء كما صرح به الأصحاب، وإن كان في رواية عبد الرحمان
ابن الحجاج (1) في المحرم بالحج يطوف بالحج ويسعى ندبا ويجدد التلبية إلا أنه
لم أجد عاملا بها صريحا، ولو سلم مشروعيته ابتداء كانت عبادة صحيحة لا زيادة
في عبادة، مع أن الصحيح المزبور صريح أو كالصريح في كون ذلك زيادة على
العبادة وجاء بها ثمانية أو تسعة، لا أنه نوى الثامن أو التاسع عبادة مستقلة كما
هو واضح، وأما الثاني فهو مناف لما عرفته في النص والفتوى من الحكم بالصحة
مع زيادة الثامن سهوا، وأنه مخير بين طرح الثامن والبناء على السبعة وبين
الاكمال أسبوعين على حسب ما عرفت، فالصحيح المزبور غير واضح الوجه،
فالمتجه الاعراض عنه والتعويل على غيره المعتضد بعمل الأصحاب في صورتي العمد
والسهو، هذا، وظاهر صحيحي جميل (2) وهشام (3) السابقين إلحاق الجاهل
بالناسي في الحكم بالصحة مع الزيادة، ولعله ظاهر غيرهما أيضا، وقد عمل بهما
غير واحد من الأصحاب كالكركي وثاني الشهيدين وغيرهما، بل لعله ظاهر أول
الشهيدين أيضا، بل لم أجد لهما رادا فالمتجه العمل بهما، والله العالم.
(ومن تيقن عدد الأشواط وشك فيما به بدأ) في ابتداء الأمر قبل
الالتفات إلى حاله (فإن كان في المزدوج) أي الاثنين أو الأربعة أو الستة
وهو (على الصفا) أو متوجه إليه (فقد صح سعيه ل‍) لعلم ب‍ (أنه) حينئذ
(بدأ به) ضرورة عدم كونه اثنين أو أربعة أو ستة إلا مع البدأة بالصفا،
وإلا لم يكن كذلك (وإن كان على المروة) أو متوجها إليها وعلم بالازدواج

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب أقسام الحج الحديث 1
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب السعي الحديث 5
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب السعي الحديث 1
437

أي الاثنين أو الأربعة أو الستة (أعاد) سعيه لأنه لا يكون كذلك إلا مع البدأة
بالمروة التي قد عرفت البطلان به عمدا أو سهوا في ابتداء الطواف (وينعكس
الحكم مع انعكاس الفرض) بأن علم الافراد واحدا أو ثلاثة أو خمسة أو سبعة
وهو على الصفا أعاد سعيه، ضرورة أنه لا يكون كذلك إلا مع الابتداء بالمروة
الذي قد عرفت البطلان به، وإن علمه وهو على المروة صح سعيه، لعدم
كونه كذلك إلا مع الابتداء بالصفا، كما هو واضح، وبه صرح في النافع
قال: " ومن تيقن عدد الأشواط وشك فيما بدأ به فإن كان في الفرد على الصفا
أعاد، ولو كان على المروة لم يعد، وبالعكس لو كان سعيه زوجا " لكن في
حاشية الكركي على الكتاب " المراد بانعكاس الفرض بأن تيقن ما بدأ به وشك
في العدد، والمراد بانعكاس الحكم البطلان إن كان على الصفا، والصحة إن
كان على المروة، وذلك فيما إذا شك في الزيادة وعدمها، فإنه إذا كان على المروة
يقطع ولا شئ عليه، لأن الأصل عدم الزائد، وإن كان على الصفا لم تتحقق
البراءة، ولا يجوز الاكمال حذرا من الزيادة، فتجب الإعادة " وفيه من البعد
ما لا يخفى، على أنه إنما يتم إذا وقع الشك بعد إكمال العدد، وموضوع
المسألة أعم، مع أن حكم الشك في العدد قد ذكره المصنف بعد هذه المسألة بغير
فصل، فلا وجه لحمل العبارة عليه، والله العالم.
المسألة (الثالثة من لم يحصل عدد سعيه) بمعنى أنه شك فيه وهو في
الأثناء ولم يكن بين السبعة فما زاد (أعاده) كما في النافع والقواعد ومحكي
الاقتصاد والوسيلة والجامع والمهذب وغيرها مصرحا في الأخير بما ذكرناه من
التقييد بالاثناء، لأنه من القواعد المفروغ منها عدم العبرة بالشك بعد الفراغ
438

للحرج والاخبار (1) بخلاف ما إذا كان في الأثناء، فإنه لا خلاف بل ولا
إشكال في البطلان، لتردده بين محذوري الزيادة والنقيصة اللتين كل منهما مبطل،
وأصالة الشغل المحتاجة إلى يقين الفراغ الذي لا دليل على حصوله بالاعتماد على
أصالة الأقل، بل الدليل على خلافه، قال سعيد بن يسار (2) في الصحيح:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع
إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلم أظافيره وأحل ثم ذكر أنه سعى ستة
أشواط فقال لي يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة
أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما، فقلت: دم ماذا؟ قال: بقرة، قال:
وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستة أشواط فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة
أشواط ثم ليرق دم بقرة " فإن ذيله كالصريح في ذلك.
نعم لو تيقن أنه أتم سبعة ولكن شك في الزائد على وجه لا ينافي البدأة
بالصفا كما لو شك بينها وبين التسعة وهو على المروة صح، لأصالة عدم الزيادة
وعدم إفسادها سهوا، أما لو تيقن النقص ولكن لا يدري ما نقص أو شك
بينه وبين الاكمال فالمتجه الفساد لما عرفت، واحتمال البناء على الأقل فيهما لم أجد
به قائلا وإن احتمله بعض الناس، بل ادعى احتمال الصحيح المزبور له، ولكنه
في غير محله، والله العالم.
(ومن تيقن النقيصة أتى بها) سواء كانت شوطا أو أقل أو أكثر وسواء
ذكرها قبل فوات الموالاة أو بعدها، لعدم وجوبها فيه إجماعا كما عن التذكرة،

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب الوضوء الحديث 2 و 6 والباب
23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1 و 3 والباب 27 منها.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب السعي الحديث 1
439

ولا نعرف فيه خلافا كما عن المنتهى، بل مقتضى إطلاق المتن والقواعد والشيخ
في كتبه وبني حمزة وإدريس والبراج وسعيد على ما حكي عن بعضهم عدم الفرق
بين تجاوز النصف وعدمه، ولعله للأصل وما يأتي من القطع للصلاة بعد شوط،
وللحاجة بعد ثلاثة أشواط، خلافا لما عن المفيد وسلار وأبي الصلاح وابن
زهرة من اعتبار مجاوزة النصف في البناء نحو ما سمعته في الطواف، بل عن
الغنية الاجماع عليه، لقول أبي الحسن عليه السلام لأحمد بن عمر الحلال (1): " إذا حاضت
المرأة وهي في الطواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك
الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن
تستأنف الطواف من أوله " ونحوه قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (2)
ولكن في سندهما ضعف ولا جابر، مع عدم عمومهما لافراد المسألة، ومعلومية
عدم قطع الحيض للسعي، واختصاص الذيل بالطواف المحتمل إرادة خصوص
ما كان في البيت منه، وغير ذلك، فلا يصلحان معارضا لما مر من الأصل
وغيره، خصوصا بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي منها يعلم الوهن في الاجماع
المزبور، ولكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.
(ولو كان متمتعا بالعمرة وظن أنه أتم) السعي (فأحل وواقع النساء
ثم ذكر ما نقص) من سعيه (كان عليه دم بقرة على رواية) عبد الله بن
مسكان (3) (ويتم النقصان) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين
الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة فذكر بعد ما أحل وواقع النساء

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب السعي الحديث 2
440

أنه إنما طاف ستة أشواط فقال: عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر " وعن
الشيخين وابني إدريس وسعيد وجماعة منهم الفاضل في جملة من كتبه العمل بها.
(وكذا قيل) والقائل الشيخ وجمع من الأصحاب على ما في
المدارك (لو قلم أظفاره أو قص شعره) لصحيح ابن يسار (1) السابق الذي
ليس فيه إلا تقليم الأظفار، ولذا اقتصر عليه في محكي التبصرة، وعن التهذيب
والنهاية التعبير بقوله: قصر وقلم أظفاره، ويمكن إرادته منهما معنى واحدا
وعن المبسوط التعبير بقوله: قصر أو قلم أظفاره، ونحوه الفاضل في محكي التذكرة
والتحرير وكذا الإرشاد، بل وفي القواعد، لكن قال: أو قصر شعره كالمتن
هنا، إلا أن الخبر الأول ضعيف وإطلاقه مناف لما دل على (2) وجوب البدنة
على من جامع قبل طواف النساء متذكرا، قيل: ومن هنا قيد المصنف والفاضل
الحكم بعمرة التمتع كالمحكي عن النزهة وابن إدريس في الكفارات، لكن
يمكن منع تناول الخبر لكل من القبلية والتذكر، كما يمكن جبر ضعف الخبر بعمل
من عرفت، وعن المصنف في النكت احتمال أن يكون طاف طواف النساء ثم
واقع لظنه إتمام السعي، بل عن المختلف احتمال أن يكون قدم طواف النساء على
السعي لعذر، كل ذلك لظهور الخبر المزبور في كون الكفارة المزبورة من حيث
عدم إتمام السعي إما لكونه في عمرة التمتع التي لا يجب فيها طواف النساء،
أو لأنه قد فعله، أو لأن كفارته حينئذ مع ذلك بدنة، فيجبان معا، إحداهما
لكون الجماع قد وقع قبل طواف النساء، والثانية لكونه وقع قبل تمام السعي
كما عساه يظهر من محكي نكت المصنف، بل احتمله بعض الأفاضل من متأخري

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب السعي الحديث 1
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب كفارات الاستمتاع
441

المتأخرين، نعم قد يشكل بعدم وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد،
ولذا حمله بعض على الاستحباب، ولعله من هنا كان ظاهر المصنف وغيره التوقف
للأصل وعدم الإثم وضعف الخبر، بل قيل إن القاضي والشيخ أطرحاه وقالا:
إنه لا شئ عليه، كاشكال الثاني وإن كان صحيحا مع ذلك بان الواجب في تقليم
مجموع الأظفار شاة لا بقرة.
ولكن قد يدفع الثاني أنه في غير المقام، لصحة الخبر وقابليته للتخصيص
والأول بما عن ابن إدريس من أنه إنما وجبت عليه الكفارة لأجل أنه خرج من
السعي غير قاطع ولا متيقن إتمامه، بل خرج عن ظن منه، وهاهنا لا يجوز له
أن يخرج مع الظن، بل مع القطع واليقين، قال: وهذا ليس بحكم الناسي،
أو بما في المسالك من أن الناسي وإن كان معذورا لكن هنا قد قصر حيث لم يلحظ
النقص، فإن من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا، وهو
واضح الفساد، فلم يعذر، بخلاف الناسي غيره فإنه معذور، ولعل هذا
أولى من حيث انسياق إرادة القطع بالفراغ من الظن، واندراج الأول في
العامد المتجه فيه فساد السعي مع العلم، إلا إذا فرض بحال يعذر فيه ويكون
كالناسي، فلا يترتب عليه حينئذ كفارة، على أن ذلك كله مماشاة، وإلا
فالشارع عليه السلام أدرى بعد أن لم يكن في العقل ما يأبى ذلك، وفرض قبول الخبر
لإفادة ذلك ولو للانجبار بعمل من عرفت، فتخص القواعد حينئذ به كما صرح به
جماعة، لكن ذكر بعض الناس أنه يجب الاقتصار على مورد النص، وهو
المتمتع كما في الصحيح (1) بل وكذا الأخير بناء على ما يفهم من جماعة منهم
المصنف هنا والفاضل في القواعد، بل هو صريح الحلي، وفيه ما لا يخفى عليك

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب السعي الحديث 1
442

من عدم إشعار في الخبر بالمتمتع الذي هو في سؤال الصحيح، والاشكال من
حيث طواف النساء الذي تجب البدنة بالجماع قبله مع التذكر قد عرفت الجواب
عنه، فالمتجه بناء على العمل بالخبر المزبور وجوب البقرة بالجماع قبل السعي بظن
الاتمام من هذه الحيثية، ولا أقل من الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة،
نعم ينبغي الاقتصار على الستة بظن أنها سبعة لا غير ذلك، وإن كان يوهمه
إطلاق المصنف، والله العالم.
المسألة (الرابعة لو دخل وقت الفريضة وهو في السعي) في أي شوط
كان (قطعه) ندبا أو رخصة مع سعة الوقت (وصلى ثم أتمه، وكذا لو
قطعه لحاجة له أو لغيره) وفاقا للمشهور، بل عن المنتهى والتذكرة أنه لا يعرف
في جواز القطع للصلاة خلافا، لصحيح معاوية (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة وقد دخلت وقت الصلاة أيخفف أو يقطع
ويصلي ثم يعود أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال: لا بل يصلي ثم
يعود، أو ليس عليهما مسجد " أي موضع صلاة، وقيل المراد به المسجد
الحرام، وكونه عليهما كناية عن قربه وظهوره للساعين، ولا يخفى بعده، وخبر
الحسن بن علي بن فضال (2) قال: " سأل محمد بن علي أبا الحسن عليه السلام فقال له:
سعيت شوطا واحدا ثم طلع الفجر فقال: صل ثم عد فأتم سعيك " وموثق
محمد بن فضيل (3) عن محمد بن علي الرضا عليه السلام، قال له: " سعيت شوطا ثم
طلع الفجر قال: صل ثم عد فأتم سعيك " وخبر يحيى بن عبد الرحمان الأزرق (4)

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل الباب 19 من أبواب السعي الحديث 1
443

" سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى
ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام قال:
إن أجابه فلا بأس " وزاد في الفقيه (1) " ولكن يقضي حق الله عز وجل أحب
إلي من أن يقضي حق صاحبه " ولذا قال القاضي فيما حكي عنه: ولا يقطعه إذا
عرضت له حاجة بل يؤخرها حتى يفرغ منه إذا تمكن من تأخيرها، ولكن
سمعت في الطواف الأمر بالقطع، فلعل الاختلاف لاختلاف الحاجات، بل قد
تقدم سابقا أيضا جواز الجلوس في أثنائه للاستراحة، وقطعه لتدارك صلاة
الطواف، لصحيح محمد بن مسلم (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " سأله عن
الرجل يطوف بالبيت ثم ينسى أن يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا والمروة
خمسة أشواط أو أقل من ذلك قال: ينصرف حتى يصلي الركعتين ثم يأتي
مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه " وصحيح معاوية (3) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال: " في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة
ثم ذكر قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود إلى مكانه "
مضافا إلى الاجماع عن التذكرة على عدم وجوب الموالاة فيه، ومقتضى ذلك
كله جواز القطع اختيارا، وعدم الفرق بين مجاوزة النصف وعدمه، خلافا لما
سمعته من المفيد وسلار والحلبيين فجعلوه في القطع لحاجة ونحوها كالطواف في
افتراق مجاوزة النصف عن عدمها في الحكم لعموم الطواف والأشواط فيما تقدم من
الأخبار لا لحمل السعي على الطواف كما عن المختلف ليرد أنه قياس مع الفارق، لأن
حرمة الطواف أكثر من حرمة السعي، وإن كان في الأول أيضا أنه ظاهر في غير السعي

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب السعي الحديث 2
(2) الوسائل الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 3 - 1
(3) الوسائل الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 3 - 1
444

خصوصا بعد ما سمعته من الأدلة، وقد تقدم الكلام في خبر أحمد بن عمر الحلال (1)
وعن الآخرين أنه كالطواف لكنهما ذكرا في الطواف جواز القطع لفريضة ثم
البناء ولو على شوط، بخلاف المفيد وسلار فإنهما أطلقا افتراق مجاوزة النصف
وعدمها في الطواف ومشابهة السعي له.
وعلى كل حال لا ريب في ضعف الجميع لما عرفت وإن كان الاحتياط
لا ينبغي تركه، بل قيل لولا اتفاق المتأخرين على عدم اعتبار المجاوزة عن النصف
في هذه الصور كلها وجواز البناء مطلقا ولو كان ما سعى شوطا واحدا لكان
القول بما قاله الحلبيان قويا للتأسي وقاعدة الاقتصار على المتيقن السالمين عن
المعارض صريحا بل وظاهرا ظهورا يعتد به إلا الموثق (2) وغيره (3) الواردين
في القطع للصلاة، فإنهما صريحان في البناء ولو على شوط، ونحن نقول فيه بمضمونهما
بل مر نقل عدم الخلاف فيه عن التذكرة والمنتهى، ولا موجب للتعدي إلى ما عداه
من الصورة سوى الأخبار الباقية والاجماع على عدم وجوب الموالاة، والأخبار
ليست بواضحة الدلالة إلا على الأمر بالعود إلى المكان الذي قطعه فيه خاصة كما
في بعضها (4) ومع الأمر باتمام السعي كما في آخر (5) منها، وربما خلا بعضها (6)
عن الأمر بالعود أيضا وإنما فيه رخصة القطع خاصة، فأوضحها دلالة الصحيح
الأول (7) وليس فيه تصريح بالبناء على الأقل، بل ظاهره الاطلاق، ولما سيق

(1) الوسائل الباب 85 من أبواب الطواف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 3 - 2
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 3 - 2
(4) الوسائل الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(5) الوسائل الباب 77 من أبواب الطواف الحديث 1 - 3
(6) الوسائل الباب 19 من أبواب السعي الحديث 1
(7) الوسائل الباب 18 من أبواب السعي الحديث 1
445

لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه وهو حكم ركعتي الطواف إذا نسيهما وذكرهما
في أثناء السعي صار فيه مجملا، وإنما ذكر الحكم فيه تبعا فيشكل التعويل على
مثل هذا الاطلاق جدا في الخروج عن مقتضى الدليلين اللذين قدمناهما سيما بعد
اعتضادهما بما ذكر مستندا للمفيد ومن تبعه سابقا، والاجماع المنقول على عدم
وجوب الموالاة غايته نفي الوجوب الشرعي بمعنى أنه لا يؤاخذ بتركها شرعا
لا الشرطي، فلا ينافي وجوبها شرطا في محل النزاع، بمعنى أنه لو لم يوال يفسد
سعيه ويتوقف صحته على إعادته وإن لم يكن ترك الموالاة إثما، وبالجملة التمسك
بنحو هذا الاجماع المنقول والأخبار لا يخلو من اشكال وإن كان لا يخفى عليك
ما فيه من وجوه، بل بعضه من غريب الكلام الذي لا ينبغي أن يسطر،
والله العالم.
المسألة (الخامسة لا يجوز تقديم السعي على الطواف) لا في عمرة ولا
في حج اختيارا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل الاجماع
بقسميه عليه، بل يمكن دعوى القطع به بملاحظة النصوص المشتملة على بيان
الحج قولا وفعلا، مضافا إلى صحيح منصور بن حازم (1) " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت فقال يطوف بالبيت
ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما " بل صرح الفاضل والشهيد وغيرهما بأنه
لو عكس عمدا أو جهلا أو سهوا أعاد سعيه، للأصل بل الأصول وترك الاستفصال
في الصحيح المزبور، مضاف إلى غيره من النصوص، نعم لو لم يمكنه الإعادة
استناب كما سمعت.
وعلى كل حال ف‍ (كما) لا يجوز تقدم السعي على الطواف (لا يجوز

(1) الوسائل الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 2
446

تقديم طواف النساء على السعي) اختيارا بلا خلاف أجده فيه أيضا كما اعترف
به غير واحد للنصوص المتضمنة لكيفية الحج فعلا وقولا وخصوص مرسل
أحمد بن محمد (1) " قلت: لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك متمتع زار البيت
فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى فقال: لا يكون سعي إلا
قبل طواف النساء " وغيره.
وحينئذ (فإن قدمه) عمدا (طاف ثم أعاد السعي) حتى يكون آتيا
بالمأمور به على وجهه، نعم لو قدمه ساهيا أجزأه كما عرفت الكلام فيه وفي
تقديمه أيضا للضرورة والخوف من الحيض، فلاحظ وتأمل، بل (و) كذا
تقدم الكلام أيضا فيما (لو ذكر في أثناء السعي نقصانا من طوافه) فإن كان
قد تجاوز النصف في الطواف بالبيت (قطع السعي وأتم الطواف ثم أتم السعي)
وإلا استأنف الطواف من رأس ثم استأنف السعي، ولعل إطلاقه هنا منزل على
كلامه السابق، ومن هنا فسره به في المسالك على وجه يظهر منه المفروغية من
ذلك، وقد عرفت سابقا ما يشهد له، فلا وجه لوسوسة بعض الناس فيه قائلا
إن ظاهر النافع والشرائع والتهذيب والنهاية والسرائر والتحرير والتذكرة البناء على
الطواف بالبيت وإن لم يكن متجاوز النصف، بل لعل التفصيل في الموثق (2) السابق
كالصريح فيه أيضا، ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما
قدمناه سابقا، وهو التفصيل المزبور المنسوب إلى المشهور، بل لعله كذلك
بل يمكن دعوى عدم الخلاف المحقق لامكان تنزيل الاطلاق في بعض العبارات
على ما يفهم منهم في غير المقام من كون المدار على التفصيل، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 65 من أبواب الطواف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 63 من أبواب الطواف الحديث 3
447

إلى هنا تم الجزء التاسع عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ومنه
المشتمل على الوقوف بعرفات والمشعر ونزول منى والطواف
والسعي، وقد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه ومقابلته
للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف نور
الله ضريحه، وقد خرج بعون الله ولطفه خاليا
عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ
عنه البصر، ويتلوه الجزء العشرون
في الأحكام المتعلقة بمنى بعد
العود إن شاء الله
تعالى
عباس القوچاني
448