الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٢٧
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ علي الآخوندي
الطبعة: السادسة
سنة الطبع: ١٣٩٤
المطبعة:
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
(في شرح شرائع الاسلام)
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء السابع والعشرون
حققه وعلق عليه
الشيخ علي الآخوندي
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
كتاب المزارعة والمساقاة
{أما المزارعة فهي} لغة: مفاعلة من الزرع وشرعا {معاملة على الأرض
بحصة من حاصلها} ولعل تحقق المعنى اللغوي فيه باعتبار مباشرة أحدهما وأمر
الآخر به نحو ما سمعته في المضاربة وهل هي المخابرة؟ فيه خلاف لا فائدة مهمة في
تحقيقه لكن في المسالك " قد يعبر عن المزارعة بالمخابرة إما من الخبر وهو الأكار
أو من الخبارة وهي الأرض الرخوة أو مأخوذ من معاملة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأهل خيبر.
وعلى كل حال فالمعاملة في تعريفها بمنزلة الجنس الشامل للإجارة والمساقاة
وغيرهما، وبالأخير يخرج الأول، لعدم صحتها بحصة من النماء كما أنه بالأول
يخرج الثاني، لأنها معاملة على الأصول بحصة منها وإن كانت الأرض تابعة
وقد عرفت غير مرة أن المراد بنحو هذا التعريف في كلامهم التصوير والتمييز في الذهن
في الجملة فلا يناسب الاطناب في بيان فقده لوازم التعريف من الطرد والعكس
وغيرهما كما هو واضح.
ولا ريب في مشروعية هذا العقد عندنا، وعند أكثر علماء الاسلام، بل نصوصا
فيها وفي المساقاة مستفيضة أو متواترة.
منها خبر أبي الربيع الشامي (1) " عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث 10.
2

يزرع أرض رجل، فيشترط عليه ثلثا للبذر وثلثا للبقر فقال: لا ينبغي أن يسمى
بذرا ولا بقرا ولكن يقول لصاحب الأرض: أزرع أرضك ولك منها كذا وكذا نصف
أو ثلث، أو ما كان من شرط، ولا يسمي بذرا ولا بقرا إنما يحرم الكلام ".
ونحوه خبر النضر بن سويد (1) عن عبد الله بن سنان " أنه قال: في الرجل
يزارع فيزرع أرض غيره، فيقول: ثلث للبقر وثلث للبذر، وثلث للأرض قال: لا يسمى
شيئا من الحب والبقر، ولكن يقول: أزرع فيها كذا وكذا إن شئت نصفا، وإن
شئت ثلثا ".
ومنها صحيح يعقوب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث " سألته عن الرجل
يعطي الرجل أرضه وفيها رمان أو نخل أو فاكهة، ويقول: اسق هذا من الماء واعمره
ولك نصف ما أخرج؟ قال: لا بأس " خلافا للشافعي وأبي حنيفة وبعض العامة فمنعوا
منه إلا في مواضع مخصوصة.
{وكيف كان ف‍ {عبارة} عقد {ها أن يقول:} الموجب وهو من بيده الأرض
{زارعتك أو ازرع هذه الأرض أو سلمتها إليك، وما جرى مجراه مدة معلومة،
بحصة معينة من حاصلها} فيقول القابل، قبلت، وجريان المعاطاة فيها على
ما حققناه في محله بل حققنا الحال في اعتبار مادة لفظ مخصوص وهيئته في العقد اللازم
وعدمه، وقد ذكرنا قوة الثاني وأنه يكفي في تأديته جميع ما يفيده من الألفاظ ولو
على طريق المجاز إلا ما لا يتعارف أيضا في تأدية مثله من الخطاب ولو لاستهجان
المجاز فيه.
ولعله على هذا توسع المصنف هنا، فذكر سلمتها وما جرى مجراه، وصيغة
الأمر، بل في جامع المقاصد والمسالك الاستدلال على جواز الأخير الذي نسبه في
الروضة هنا إلى المشهور بخبري أبي الربيع والنضر بن سويد المتقدمين، وإن ناقشا

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث - 2 -
باختلاف يسير.
3

فيه بعدم الدلالة فيهما، على أن هذا هو العقد، خصوصا مع عدم التصريح بالقبول،
فيمكن أن يكون هذا من جملة القول الذي يكون بين المتعاقدين قبل العقد،
لتقرير الأجر بينهما، واختارا عدم الصحة، وكذا في الرياض إلا أنه استدل عليه
بخبر يعقوب السابق وضعفه أولا: بأن غايته نفي البأس، وهو لا يدل على اللزوم
المطلوب اثباته بالصيغة، وثانيا: بعدم تضمنه القبول ولو فعلا، وهو كاشف عن أن
المراد من ذكر ذلك بيان ما يصح مساقاته، لا صيغتها حتى يستدل به على ذلك.
لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما أسلفناه في كتاب البيع،
وخبرا أبي الربيع والنضر، إنما هما بصيغة المضارع، لا الأمر، وظاهر قوله في أحدهما
" إنما يحرم الكلام " إرادة العقد بذلك، ونفي البأس في خبر يعقوب بعد ظهور القول
فيه في الصيغة دال على صحتها المترتب عليه أحكامها فإذا الأقوى جواز ذلك كله
لأن التحقيق عدم الاجمال في العقد كي يقتصر فيه على المتيقن في المادة والهيئة.
نعم الظاهر اعتبار القول أيضا في قبولها، كغيرها من العقود اللازمة، وترك
المصنف له هنا في بيان عبارتها، لعدم اعتبار لفظ مخصوص فيه، بل هو جميع ما دل على
الرضا بالايجاب، فما في المسالك من احتمال كون ذلك منه لبيان الاكتفاء فيه بالفعل
كما اختاره العلامة في القواعد في غير محله، هذا وفي المسالك " واعلم أنه قد استفيد
من حقيقة المزارعة ومن صيغتها أن المعقود عليه هو الأرض المملوكة المنتفع بها
إلى أن قال وإنه لا تشرع المزارعة بين المتعاملين إذا لم يكن الأرض ملكا لأحدهما
كما في الأرض الخراجية، وإن بقي من لوازمها ما يمكن اشتراكهما فيه، لما قد عرفت
أن متعلقها والمعقود عليه هو الأرض فلو اتفق اثنان على المعاملة في مثل ذلك في
الأرض الخراجية، فطريق الصحة الاشتراك في البذر " إلى تمام ما ذكره من الحيل
الشرعية المفيدة للاشتراك في الحاصل، على حسب ما يتفقان عليه بغير طريق
المزارعة.
وقد يناقش فيه بأن صيغة المزارعة التي هي زارعتك وسلمتك ونحوهما
وحقيقتها التي - هي المعاملة على الأرض بالحصة من حاصلها - لا تقتضي اعتبار ملكية
4

الأرض، لا عينا ولا منفعة، بل يكفي فيها الأولوية الحاصلة في أرض الخراج
بالاحياء أو بالتفويض، ممن هي في يده من حاكم الجور أو الشرع أو غير ذلك.
ومن هنا جزم في الكفاية بعدم اعتبار ذلك في المزارعة، وذكر جملة من
النصوص الدالة على جواز مزارعة أرض الخراج، كصحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام في حديث " سئل عن مزارعة أهل الخراج بالنصف والثلث والربع قال: نعم
لا بأس به، قد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر
والخبر هو النصف " وفي خبر الفيض بن المختار (2) " قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
جعلت فداك ما تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثم أواجراها أكرتي على أن
ما أخرج الله تعالى منها من شئ كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان
قال: لا بأس به كذلك أعامل أكرتي.
وفي خبر يعقوب بن شعيب (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل له
الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها ويصلحها ويؤدي
خراجها وما كان من فضل فهو بينهما، قال: لا بأس - إلى أن قال: - وسألته عن
المزارعة فقال: النفقة منك، والأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شئ قسم على
الشطر، وكذلك أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهود خيبر حين أتوه فأعطاهم إياها على
أن يعمروها ولهم النصف مما أخرجت " إلى غير ذلك.
قلت: قد يقال: إن مراد الشهيد ما لا ينافي شيئا مما سمعت، وذلك لأنه
لا يكاد ينكر ظهور ما ذكروه من تعريف المزارعة المزبورة ومن صيغتها المذكورة
في كون الأرض مملوكة العين أو المنفعة أو الانتفاع، وإلا لم يكن وجه للمعاملة
عليها بالحصة من حاصلها التي مقتضاها تسليط العامل عليها بعوض هو الحصة
من الحاصل، فهي حينئذ كالإجارة بالنسبة إلى ذلك، وإن اختلفت معها في

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث - 8 -.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث - 3 -.
(3) الوسائل - 10 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث - 2 -.
5

الأجرة، بل هو معنى زارعتك على هذه الأرض، أو سلمتك إياها أو سلطتك عليها
بالحصة من حاصلها، إذ لا معنى له بدونه، فإن المعاوضات التمليكية لا يتصور فيها
عدم ملكية العوضين، أو أحدهما بأحد الوجوه التي ذكرناها، بل قد سمعت ما في خبر
يعقوب المسؤول فيه عن المزارعة، فقال: " النفقة منك والأرض لصاحبها فما أخرج
الله تعالى من شئ قسم على الشطر " كغيره من النصوص الظاهرة في كون الأرض في
المزارعة مملوكة عينا أو منفعة أو انتفاعا، بمعنى اعتبار السلطان على الأرض
للمزارع، وأرض الخراج وإن كانت غير مملوكة العين ذاتا لكنها قد تملك منفعتها
بالاستيجار من السلطان، الذي قد أجرى الشارع ذلك منه مجرى سلطان العدل أو
بالتقبيل أو غير ذلك مما يفيد تمليك المنفعة أو الانتفاع، وكذا من سبق إليها فأحياها
وقلنا: إنه بذلك يكون أحق من غيره في الانتفاع بها، فإنه في الحقيقة مالك
الانتفاع بها، ولذا يصح له جعل مثل هذه الأحقية ثمنا لمبيع وأجرة في الإجارة
إذ هو كالتحجير ونحوه من الحقوق المالية.
وعلى هذا ونحوه خرجت نصوص مزارعة أرض الخراج، لا ما إذا لم يكن
لأحدهما تسلط على منفعتها، أو الانتفاع بها، فإنه لا خصوصية لأحدهما على
الآخر على وجه يكون أحدهما مزارعا والآخر عاملا بل لا بد حينئذ في إرادة
الاشتراك في نمائها على التساوي، أو التفاضل، من الاشتراك في البذر كذلك، أو
غير ذلك من الوجوه والحيل التي ذكرها في المسالك مما هو منطبق على قواعد
الإجارة والصلح أو غيرهما، لا المزارعة لفقد تسلط أحدهما على الأرض الذي هو ركن
في المزارعة، كي يدفعها إلى الآخر بالحصة من حاصلها الذي قد عرفت أنه في
المعنى إجارة.
وبذلك كله ظهر أنه لا وجه لمناقشته بما عرفت، وبمخالفته للنصوص السابقة
ودعوى ظهور كلامه في اعتبار ملكية العين في المزارعة مقطوع بفسادها، فإن
القواعد والنصوص والفتاوى صريحة في خلافها، ويبعد خفاء مثل ذلك على مثل
الشهيد.
6

نعم يبقي شئ، وهو أن قضية ما ذكرنا عدم صحة المزارعة على الأرض المستعارة
ولو للزارعة على وجه يملك المستعير الحصة على المزارع، لعدم الملك عينا ومنفعة
وانتفاعا، فإذا وقعت المزارعة منه حينئذ فهي في الحقيقة للمالك، وإن قصد بها نفسه
فأرض الخراج التي يفوض أمرها الجائر مثلا إلى شخص مثلا على أنها له إذا زارع
عليها، لا يملك الحصة، ضرورة عدم ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع بذلك، بل
تكون الحصة حينئذ للمسلمين، على فرض صحة المزارعة.
نعم إذا استمر الجائر على الإباحة إلى قبض الحاصل، كان الملك حينئذ
بذلك، لا بالمزارعة، فتأمل جيدا.
{و} على كل حال ف‍ {هو} أي عقد المزارعة {عقد لازم} بلا خلاف
بل لعل الاجماع بقسميه عليه، لقاعدة اللزوم المستفادة من آية " أوفوا " وغيرها
ف‍ {لا ينفسخ} حينئذ اختيارا {إلا بالتقايل} المطلقة أدلته، أو باشتراط الخيار
ونحوه. نعم قد تنفسخ قهرا بخروج الأرض عن الانتفاع ونحوه، {ولا يبطل بموت
أحد المتعاقدين} كغيره من العقود اللازمة، فإذا مات رب الأرض انتقل حكم
العقد إلى وارثه، وإذا مات العامل قام وارثه مقامه، أو استؤجر من ماله ولو
الحصة المزبورة على اتمام العمل.
ولكن في المسالك وغيرها أنه ربما استثني من ذلك ما إذا شرط المالك على
العامل العمل بنفسه، فإنها حينئذ تبطل بموته، قال: " ويشكل لو كان موته بعد
خروج الثمرة، لأنه حينئذ قد تملك الحصة وإن وجب عليه بقية العمل، فخروجها
عن ملكه بعد ذلك بعيد، نعم لو كان قبله اتجه ".
قلت: قد يقال بأن الملك حينئذ وإن حصل، لكنه متزلزل إلى حصول تمام
العمل، نحو ملك العامل في المضاربة في بعض الأحوال، بل الظاهر حينئذ البطلان
والرجوع إلى أجرة المثل على فرض القول باحترام عمله في هذا الحال، ولا يقسط
على الحصة، وإن قلنا به في الإجارة على العمل المشروط فيه المباشرة، لعدم ظهور
7

مقابلة أجزاء العمل بأجزاء الحصة هنا، لا شرعا ولا قصدا بخلافه في الإجارة، وإلا
لاتجه حينئذ ملك بعض الحصة ببعض العمل قبل ظهور شئ من الزرع، وهو
معلوم البطلان كما هو واضح.
{و} كيف كان ف‍ {الكلام إما في شروطه} أي هذا العقد {وإما في
أحكامه}.
أما الشروط: فثلاثة
{الأول: أن يكون النماء مشاعا بينهما، تساويا فيه أو تفاضلا} بلا خلاف
على ما في الرياض، بل في الغنية الاجماع عليه، وإنه الحجة مضافا إلى قاعدة
الاقتصار على المتيقن من النص والفتاوي في عقد المزارعة والمساقاة، المخالف لأصالة
عدم الغرر، بل في الصحيح (1) " لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، ولكن بالنصف
والثلث والربع والخمس لا بأس به " وفي المسالك في تفسير الشرط المزبور " أي يكون
مجموع النماء بينهما مشاعا، فيخرج بذلك ما لو شرط أحدهما شيئا معينا، والباقي
للآخر أولهما، وما لو شرط أحدهما خاصة وغير ذلك، والوجه في بطلان الجميع
منافاته لوضع المزارعة ".
قلت: لا خلاف ولا إشكال في بطلان المزارعة مع عدم الإشاعة في شئ منها
{فلو شرطه} أي النماء {أحدهما لم يصح وكذا لو اختص كل واحد منهما
بنوع من الزرع دون صاحبه كأن يشترط أحدهما الهرف} أي المتقدم من الزرع
{والآخر الأفل} أي المتأخر منه {أو ما يزرع على الجد أول} بمعنى الأنهار
الصغار أو ما يجمع حولها من التراب من قطع الأرض {والآخر ما يزرع في غيرها}
أو نحو ذلك مما لا إشاعة في شئ منه بينهما.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 3 -.
8

وأما إذا كانت الإشاعة في الجملة محققة {و} لكن بعد استثناء شئ معين
{لو شرط أحدهما قدرا من الحاصل وما زاد عليه بينهما} فإنه {لم يصح}
أيضا عند المصنف وجماعة، بل ربما قيل: إنه المشهور، سواء كان مقدار البذر أو
غيره لا {لجواز أن لا تحصل الزيادة} فيبقي الآخر بلا شئ، إذ يمكن فرضه فيما
يكون الغالب عادة حصولها، بل لمنافاة الثابت من شرع المزارعة الذي هو كون
النماء جميعه مشاعا بينهما، خلافا لما عن الشيخ وجماعة من جواز اشتراط مقدار البذر
بل عن الفاضل جواز استثناء شئ مطلقا، ورجحه في الكفاية، ولعله للعمومات
والاطلاقات بعد منع ظهور ما دل على شرعية المزارعة في إشاعة جميع الحاصل بينهما
بل ربما كان الظاهر منه خلاف ذلك، خصوصا إذا كان الاستثناء لأجنبي عنهما،
ولعل منه استثناء قدر معين لخراج السلطان، كما أن من الأول استثناء مقدار
ما يصرف على عمارتها أولا ثم قسمة الحاصل بينهما.
بل لعل خبر إبراهيم الكرخي (1) كالصريح في أن المدار على الشرط، قال:
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشارك العلج فيكون من عندي الأرض والبذر والبقر،
ويكون على العلج القيام والسقي والزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا، وتكون
القسمة فيأخذ السلطان حقه، ويبقي ما بقي، على أن للعلج منه الثلث، ولي الباقي
قال: لا بأس بذلك، قلت: فلي عليه أن يرد على مما أخرجت الأرض البذر، ويقسم
ما بقي قال: إنما شاركته على أن البذر من عندك، وعليه السقي والقيام ".
كظهور خبر يعقوب بن شعيب (2) في استثناء غير ذلك " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على
أن يعمرها ويصلحها، ويؤدي خراجها، وما كان من فضل فهو بينهما، قال: لا بأس "
إلى غير ذلك من النصوص على اختلافها في الظهور والاشعار بجواز ذلك الذي هو
في الحقيقة لا ينافي الإشاعة، خصوصا إذا كان لأجنبي، وإن نافي كونه بينهما.

(1) الوسائل الباب 10 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة، الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث - 2 -.
9

ومن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض حيث أنه بعد أن حكى عن الكفاية
ترجيح ذلك استنادا إلى قوله تعالى (1) " إلا أن تكون تجارة عن تراض " قال: " وهو
كما ترى، إذ ليس المستفاد منه إلا الجواز مع الرضا، وهو لا يستلزم اللزوم مع فقده
ولو بعدها، كما هو المدعى، مع أنه مخصص بما مضى، مضافا إلى ما دل (2) على
النهي عن التجارة المتضمنة للغرر، والجهالة، ومنها مفروض المسألة كما مر إليه
الإشارة، وبه صرح في الغنية، فقال، بعد الاستناد إلى الاجماع: ولعله لا يسلم إلا ما
قد عينه، فيبقي رب الأرض والنخل بلا شئ وقد يعطب إلا غلة ما عينه، فيبقي
العامل بلا شئ.
إذ لا يخفى عليك ما فيه من عدم انحصار الدليل في الآية التي يكفي في المطلوب
دلالتها على الجواز والمشروعية، واللزوم يستفاد حينئذ من آية (3) " أوفوا " وغيرها
وليس فيما مضى ما يصلح مخصصا، إذ ليس إلا دعوى شرعيتها على خلاف ذلك،
وقد عرفت منعها على مدعيها، وأن الاطلاقات والعمومات تكفي في اثبات شرعيتها
على الوجه المزبور، ولا نهي عن مطلق الغرر على وجه يشمل هذه المعاملة التي هي
مبنية عليه.
وما في الغنية ظاهر في استثناء قطعة من الأرض يختص بها العامل أو رب
الأرض، وهو غير ما نحن فيه من اشتراط مقدار معين كلي من الحاصل، لأحدهما
الذي قد عرفت عدم منافاته للإشاعة، حتى لو كان لأحدهما، بناء على أنه كاستثناء
الأرطال المعلومة في بيع الثمار، مع أنه قد يمنع عدم جواز ذلك أيضا، إذا كان
بطريق الشرط خارجا عن أرض المزارعة، لعموم الأدلة وإطلاقها، ولعل منه ما في
أيدي الناس الآن من اشتراط الشكارة المختصة بالسر كار أو الفلاح أو غيرهما، ومن
ذلك كله يظهر الوجه فيما ذكره المصنف بقوله.

(1) سورة النساء الآية - 29 -.
(2) الوسائل الباب - 40 - من أبواب آداب التجارة الحديث - 3 -.
(3) سورة المائدة الآية - 1 -.
10

{أما لو شرط أحدهما على الآخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى
الحصة} من ذهب أو فضة أو غيرهما {قيل:} والقائل المشهور {يصح} بل
لعل عليه عامة من تأخر بل قد يشعر ما في المسالك ومحكي غيرها بعدم الخلاف
فيه، حيث لم يعلما القائل بالآخر {و} إن قال المصنف: {قيل: يبطل و} على
كل حال لا ريب في أن {الأول أشبه} بأصول المذهب وقواعده، بل في المفاتيح في
بعض الأخبار عليه دلالة، قيل: ولعله ما أشار إليه في الكفاية من بعض المعتبرة (1)
" عن الرجل يزرع له الحراث الزعفران ويضمن له أن يعطيه في كل جريب أرض
يمسح عليه وزن كذا وكذا درهما، فربما نقص وغرم، وربما استفضل وزاد، قال:
لا بأس إذا تراضيا " هذا.
ولكن في المسالك " إن قراره حينئذ مشروط بالسلامة كاستثناء أرطال معلومة
من الثمرة في البيع، ولو تلف البعض منه سقط منه بحسابه، لأنه كالشريك وإن كان
حصته معينة ".
قلت: قد يشكل ذلك بمنافاته لعموم ما دل على لزوم الشرط بعد فرض كونه
في الذمة، وبذلك يفرق بينه وبين استثناء الأرطال التي هي بعض المبيع، ولا مناص
عن كونه حينئذ كالشريك.
نعم قد يتم ذلك في المسألة الأولى التي هي اشتراط قدر معين من الحاصل،
ولعله المراد لثاني الشهيدين، وإن توهم بعض من تأخر عنه أن مراده الأخير وتبعه
عليه، إلا أنه كما ترى لا وجه له، بل لعل في الحكم بالسقوط منه بحسابه في
المفروض اشكالا، عملا بالشرط الموافق لتعليل المنع في المتن وغيره، وإن كان هو
الأقوى ما لم يعلم إرادة خلافه من الشرط.
{وتكره إجارة الأرض للزراعة} حنطة {بالحنطة أو} شعيرا ب‍ {الشعير}
مع ضمان ذلك في الذمة، وأما إذا كان {مما يخرج منها و} يحصل فيها مشخصا
للثمن بذلك ف‍ {المنع أشبه} بأصول المذهب وقواعده، ضرورة اعتبار ملكية

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 1 -.
11

الأجرة التي هي عوض المنفعة المملوكة خارجا أو ذمة، ولا شئ منهما في الفرض.
ومن ذلك يعلم عدم الفرق بين تشخيص كونه منها، أو من أرض أخرى، ولا بين
استيجارها بجنس ما يريد زرعه فيها وغيره.
وإلى ما ذكرنا أشار الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (1) لا تؤاجر الأرض بالحنطة
والشعير ولا بالتمر ولا بالأربعاء ولا بالنطاف، ولكن بالذهب والفضة، لأن الذهب
والفضة مضمون، وهذا ليس بمضمون " بناء على إرادة عدم إجارتها بذلك إذا كان منها
حتى يصح التعليل فيه، بل منه يعلم كونه المراد من غيره من الأخبار المشتملة على النهي
عن إجارتها بالحنطة والشعير من دون تعليل، خصوصا مع ملاحظة العادة، في ذلك.
مضافا إلى خصوص خبر أبي بردة (2) سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إجارة الأرض
المحدودة بالدراهم فقال: لا بأس قال: وسألته عن إجارتها بالطعام فقال: إن كان من
طعامها فلا خير فيه ".
وخبر الفضيل بن يسار (3) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن إجارة الأرض بالطعام
قال: إن كان من طعامها فلا خير فيه " والمناقشة في السند أو الدلالة مدفوعة بالانجبار
بالشهرة العظيمة، بل لم أجد مخالفا صريحا، إلا ما يظهر من المصنف في النافع.
مؤيدا ذلك كله بالحسن (4) " عن رجل اشترى من رجل أرضا جربانا معلومة
بمئة كر على أن يعطيه من الأرض قال حرام " بناء على عدم ظهور الفرق بين ثمن
المبيع والأجرة، هذا كله إذا شخص الثمن بذلك.
أما لو جعله في الذمة ولكن شرط الأداء منها أو من أرض معينة أخرى فلا
يبعد الجواز، للعمومات، ويجري عليه حكم الشرط حينئذ، مع احتمال البطلان
فيه، عملا بما سمعته من النصوص في خصوص هذا الشرط.
وأما إذا لم يذكر لا مشخصا ولا شرطا فلا ريب في أن الأصول والعمومات تقتضي

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 2.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 9 - 5.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 9 - 5.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 2.
12

الجواز، مضافا إلى التعليل والمفهوم من الأخبار السابقة الحاكمين على اطلاق
غيرها من النصوص الذي قد عرفت مع ذلك انسياقه إلى إرادة ما يخرج منها، من غير
فرق في ذلك بين كون الأجرة من جنس ما يزرع فيها، وغيره.
خلافا لبعض فمنع منه مع كونها من جنس ما يزرع فيها لصحيح الحلبي (1)
عن الصادق عليه السلام " لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة " وفيه مع عدم وفائه
بتمام المدعى أنه يمكن حمله على إرادة ما إذا كان منها، بل لعله لا يخلو من إيماء
إليه، أو يحمل النهي فيه على الكراهة.
لكن في المسالك. " فيه نظر لأن النهي فيه مطلق، ولا منافاة بينه وبين
تحريم شرطه من طعامها حتى يجمع بينهما بحمله، والتحقيق أن المطلق والمقيد
متى كانا منفيين لا يلزم الجمع بينهما، بل يحمل المطلق على إطلاقه، بخلاف المثبت
وبملاحظة ذلك يخرج فساد كثير مما قررناه في مثل هذا الباب، وقد مضى مثله في
النهي عن بيع الطعام قبل قبضه مع ورود نص آخر بتحريم بيع المكيل والموزون
كذلك، حيث جمع الأكثر فيهما بحمل المطلق على المقيد، وليس بشئ وتحقيق
ذلك في الأصول، مع أنه يمكن حمل الخبر الأول على الاطلاق كالثاني،
بأن يريد بكونه من طعامها أي من جنسه، ويؤيده ظهور الكراهة منه، ولو كان
من نفسه لكان اللازم التصريح بالمنع، فإن عدم الخير لا يبلغ حد المنع فإن المباح
والمكروه لا يوصف بالخير ولا يفيده، وبينه وبين الشر واسطة، وأما النهي فالأصل
فيه التحريم، فحمله على الكراهة بغير دليل أمر غير حسن، وقول ابن البراج بالمنع
مطلقا لا يخلو من قوة، نظرا إلى الرواية الصحيحة إلا أن المشهور خلاف قوله ".
قلت: فيه ما لا يخفى عليك ضرورة كون التعارض بينهما بمفهوم الشرط الذي
هو بحكم المنطوق، وقد تقدم الكلام في مسألة بيع الطعام قبل قبضه، والجمع بما
عرفت أولى مما ذكره من وجوه أحدها الاعتضاد بالشهرة العظيمة، وما قد تقدم من
تعليل المنع، وبالحسن المزبور، وبغير ذلك مما عرفته على وجه كشف عن إرادة ذلك

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 3.
13

من المطلقات أجمع، حتى الخبر المزبور، بشهادة ما في بعضها من التعليل الذي
لا ينطبق إلا على إرادة ما إذا كان منها، فلا محيص للفقيه حينئذ عن ذلك.
وقد ظهر من جميع ما قررنا وجه الحكم بالحرمة فيما إذا كان منها، بل أو من
غيرها المعين، وعدمها فيما إذا لم يكن من جنس ما تزرع فيه، كما لو استأجرها
بشعير في الذمة وزرعها حنطة، بلا خلاف ولا اشكال، وأن الأصح عدمها أيضا فيه،
وإن كان هو مكروها للصحيح السابق، بل لا يبعد القول بالكراهة في مطلق
استيجارها بالطعام بناء على التسامح فيها فيكفي حينئذ احتمال إرادته من المطلقات
والله العالم.
وكذا يكره {أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به، إلا أن يحدث فيها حدثا
أو يؤجرها بجنس غيره} عند جماعة، بل المشهور لكن قد أشبعنا الكلام في ذلك في
كتاب الإجارة، فلاحظ وتأمل.
الشرط {الثاني تعيين المدة} بلا خلاف معتد به، بل لعل الاجماع عليه
بناء على عموم النهي عن الغرر، ووروده على أدلة المقام ولو لرجحانه عليها، لكون
المزارعة كالإجارة في المعنى، لا كالقراض الذي هو عقد جائز لا فائدة لضرب
الأجل فيه بالنسبة إلى جواز الفسخ، واحتمال المزارعة الغرر بالنظر إلى الحصة
لا يقتضي احتمالها إياه من غير هذه الجهة، وكون الزرع له أمد، لا يكتفى به في
تعيين الأجل بعد فرض اعتباره، كما في غيرها من الإجارة ونحوها.
مضافا إلى خبر أبي الربيع الشامي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن أرض
يريد رجل أن يتقبلها فأي وجوه القبالة أحل قال: يتقبل الأرض من أربابها بشئ
معلوم إلى سنين مسماة فيعمر ويؤدي الخراج فإن كان فيها علوج فلا يدخل العلوج
في قبالة الأرض فإن ذلك لا يحل " بناء على إرادة المزارعة من القبالة فيه أو ما
يشملها.
ومنه يعلم وجه دلالة صحيح الحلبي (2) عنه أيضا " أن القبالة أن تأتي الأرض

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 5.
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث 4 باختلاف يسير.
14

الخربة فتقبلها من أهلها عشرين سنة أو أقل من ذلك أو أكثر فتعمرها وتؤدي ما خرج
فلا بأس به " بل صرح جماعة بوجوب كون المدة فيها مما يعلم فيها إدراك الزرع
ولو من جهة العادة، لأن إدراك الزرع هو الملحوظ في المزارعة بل هو ركنها الأعظم
حتى أنه ظن من جعل ذلك هو المدار من بعض النصوص عدم اعتبار المدة في المزارعة
وأن إدراك الزرع هو الغاية فيها.
قال إبراهيم الكرخي (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشارك العلج فيكون
من عندي الأرض والبذر والبقر ويكون على العلج القيام والسقي والعمل والزرع
حتى يصير حنطة أو شعيرا ويكون القسم فيأخذ السلطان حقه ويبقى ما بقي
على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي قال: لا بأس " وإن كان المراد منه أن ذلك
يكون من العلج حتى يدرك الزرع الذي هو المراد من المزارعة، ولو مع ذكر المدة
التي يبلغ فيها الزرع، وحينئذ فلا يجدي المدة القليلة التي يعلم قصورها عن
الادراك فيها، واحتمال التراضي - بعدها مع عدم لزومه عليهما غير مجد بل ومعه
كما لو اشترط في عقد لازم لكنه خلاف المعلوم المعهود من المزارعة المشروعة، بل لعل
ما توهم منه الخلاف في ذلك كالمتن ونحوه مما أطلق فيه ذلك يمكن دعوى انسياقه إلى
إرادة المدة التي يدرك فيها الزرع من المدة التي اعتبروها شرطا نعم ذلك متجه في
الإجارة التي لم يكن مبناها ولا المقصود منها إدراك الزرع، لاحتمال إرادة قصيله ونحوه.
وكيف كان فبناء على ما ذكرنا {إذا شرط مدة معينة بالأيام أو الأشهر}
والسنين ونحو ذلك على وجه يدرك فيه الزرع {صح} لما عرفت {و} أما {لو
اقتصر على تعيين المزروع من غير ذكر المدة ف‍} في الاكتفاء بذلك عنها {وجهان:
أحدهما يصح لأن لكل زرع أمدا} معتادا {فيبنى} حينئذ {على العادة
كالقراض} ويكتفى به عن ذكر المدة.
{والآخر يبطل، لأنه عقد لازم فهو كالإجارة فيشترط فيه تعيين المدة دفعا
للغرر، لأن أمد الزرع غير مضبوط، وهو} مع عدم خلاف محقق فيه {أشبه}

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث 1.
15

بأصول المذهب وقواعده بعد القول باعتبار المدة التي من المعلوم عدم الاكتفاء بمثل ذلك
في جميع ما اعتبرت فيه من الإجارة وغيرها، وقد عرفت الفرق بينها وبين القراض،
كما أنك قد عرفت الشبه بينها وبين الإجارة.
{و} على كل حال ف‍ {لو مضت المدة والزرع باق، كان للمالك إزالته على
الأشبه} بأصول المذهب وقواعده التي منها قاعدة " تسلط الناس على أموالها " وعدم
حل مال المسلم إلا بطيب نفسه " ضرورة عدم حق للزارع بعد المدة التي ذلك
فائدة جعلها غاية.
{سواء كان} {بسبب الزارع كالتفريط أو من قبل الله سبحانه كتأخير
المياه أو تغير الأهوية} وملحوظية إدراك الزرع لهما وضربهما المدة المذكورة
لزعم إداركه فيها لا يقتضي استحقاق بقاء الزرع بعد المدة فما عن بعض من أنه
ليس له الإزالة لأنه قد حصل في الأرض بحق، فلم يكن للمالك قلعه، ولأن للزرع
أمدا معينا غير دائم الثبات، فإذا اتفق الخلل لا يسقط حق الزارع كما لو استأجر
مدة للزرع فانقضت قبل ادراكه واضح الضعف، إذا الحق كان إلى غاية، فلا حق له
حينئذ بعدها، وإن كان للزرع أمد معين بل وإن كان قصيرا كوضوح المنع في
المقيس عليه من الإجارة التي هي أولى بالحكم مما هنا.
اللهم إلا أن يقال: إن الغاية هنا للمزروع لا للمزارعة، ولذا يبقى حكمها
من الحصة فيما بعد الغاية، وحينئذ فالمراد أن الزرع الذي غايته كذا عادة متعلق
المزارعة، وذلك كاف في رفع الجهالة، فإذا اتفق الخطاء بقيت المزارعة على حالها
من اللزوم، فليس له الإزالة حينئذ.
نعم قد يقال: إن له الأجرة لما بقي من المدة على ما يخص الزارع، مع
احتمال الأجرة للجميع، لاستحقاق المالك عليه عوض المنفعة الأولى في الأرض
الحصة في الزرع فكل مقدمة يحتاج إليها حينئذ الزرع تراد من العامل، خصوصا
إذا كان التأخير منه لتقصير، وفيه أنه خلاف ظاهر المدة المضروبة التي هي مساوية
16

لمدة الإجارة من الاتيان بها لرفع الجهالة والغرر في عقد المزارعة، هذا.
ولكن في القواعد " الأقرب أن للمالك الإزالة مع الأرش، أو التبقية مع
الأجرة سواء كان بسبب الزارع كالتفريط بالتأخير أو من قبل الله تعالى كتغير
الأهوية وتأخير المياه ".
وفيه أولا أن المناسب لما ذكره في الإجارة من عدم جواز القلع لو تأخر
إدراك الزرع عن مدة الإجارة لا بتفريط الزارع عدم جواز القلع مع عدم التفريط
هنا، إذ المزارعة أولى لأن الأصح جواز استيجار الأرض مدة لزرع لا يدرك فيها،
بخلافه هنا.
وثانيا: أن المتجه على الجواز اختصاص هذا القسم بوجوب الأرش دون ما إذا
كان التأخير بتفريطه.
وثالثا: أنه لا بد من تقييد قوله " أو التبقية بالأجرة " بكون ذلك مع رضى
العامل، لامتناع إلزامه باثبات عوض في ذمته من دون رضاه، وحينئذ لا وجه لادخاله
في حيز الأقرب، ضرورة كونه قطعيا على فرض رضاه، ثم إن الواجب هو أرش زرع
العامل، دون المالك، فإن كان البذر منه وقلنا إنه ينمو على ملكهما كما هو الظاهر
ومن ثم قلنا بوجوب الزكاة على كل منهما إذا بلغ نصيبه نصابا " فمقدار حصة المالك
لا يجب أرشه ولو قلنا بأنه ينمو على ملك العامل فأرش الجميع، ومنه يعلم حكم
ما إذا كان البذر من المالك أو منهما، ومتى قلع المالك فالمتجه وجوب أجرة المثل
لتلك الأرض له على العامل إذا كان التأخير بتفريطه، ولا نفع للعامل، لتضييعه
منفعة الأرض على المالك.
" قيل ولو أفضي تفريطه بالتأخير إلى نقص الحاصل نقصا " فاحشا مخالفا للعادة،
فليس ببعيد وجوب أكثر الأمرين للمالك من الحصة وأجرة المثل ".
قلت: يشكل انطباقه على قاعدة شرعية يعول عليها، والاعتبار بمجرده لا يصلح
مدركا. نعم يتجه في الأول أجرة المثل التي هي الضابط في كل منفعة تفوت على
مالكها، والفرض عدم التمكن من معرفة الحصة التي كان يقتضيها عقد المزارعة،
17

وفي الثاني أرش الحاصل إن أمكن، هذا كله في المالك.
أما العامل فلا أجرة له على المالك وإن كان التأخير من الله سبحانه، قيل:
إلا إذا حكمنا بجواز القلع، فإن المتجه وجوب أجرة المثل عليه، لتضييع منافعه
مع احتمال الاكتفاء بوجوب الأرش عنها.
قلت مضافا إلى عدم ضمان منفعة الحر بمثل ذلك، واعلم أن الأرش هو تفاوت
ما بين قيمته باقيا بالأجرة، وقيمته مقلوعا، ويحتمل أن يلحظ في القيمة استحقاقه
للقلع، إذا المراد بالأرش عوض نقصان ماليته باعتبار حالته التي هو عليها، ومنها
كونه مستحق القلع بالأرش، إذ ذلك من جملة أو صافة اللازمة له.
لكن في المسالك " أنه لا يخلو من دور " وفيه أنه ليس المقام مقام دور، فمع
فرض مدخلية ذلك في قيمته يتجه ملاحظته، وإلا كما هو الظاهر فلا، والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {إن اتفقا على التبقية جاز بعوض وغيره} بلا خلاف ولا
إشكال لأن الحق لا يعدوهما {لكن إن شرط} رب الأرض {عوضا} معينا {افتقر
في لزومه} بعقد الإجارة {إلى تعيين المدة الزائدة} وأما الصلح فيقوى جوازه،
وإن لم يعين المدة كما أنه تلزمه أجرة المثل إن لم يعين العوض الذي قد اتفقا عليه
كما هو واضح بل لعل الحكم كذلك حتى على القول بوجوب البقاء، فإن الأقوى
استحقاقه الأجرة على ذلك فيتجه حينئذ ما عرفت والله العالم.
{و} على كل حال ف‍ {لو شرط في العقد تأخيره إن بقي بعد المدة المشترطة،
بطل العقد على القول باشتراط تقدير المدة} فإنه لا تقدير حينئذ، إذ المدة هي
مجموع المذكور منها، والمشترط المفروض عدم تقديره، بل الظاهر كفاية الجهل
في المدة المشترطة خاصة في بطلان العقد.
لكن في المسالك " احتمال الصحة، لأن المدة مضبوطة، وما تضمنه الشرط بمنزلة
التابع ذكر احتياطا لاحتمال الحاجة، وجهالة التابع غير مضرة كما تقدم غير
مرة " وفيه ما لا يخفى، بل قد يقال بالبطلان حتى مع تعيين المدة المشروطة،
للتعليق، وللجهالة، ولو باعتبار الترديد بين المدتين.
18

نعم يمكن الصحة باشتراط البقاء مدة معينة على كل حال، لإرادة الاستظهار
من دون تعليق له على بقائه بعد المدة غير مدرك، كما أنه يمكن القول بالصحة
بناء على أن المانع الجهالة، لا التعليق، بتنزيل إرادة أصل ثبوت استحقاق الابقاء ولو
بالأجرة بالشرط المزبور، إذ مرجعه إلى اشتراط عدم القلع عليه، أو ما يقرب من
ذلك مما لا إشكال في صحته، وإن وجب التراضي حينئذ بعد ذلك على تقديرها مع إرادة
الإجازة الصحيحة أو أجرة المثل أو غير ذلك فتأمل جيدا فإنه دقيق.
{ولو ترك الزراعة حتى انقضت المدة لزمه أجرة المثل، ولو كان استأجرها
لزمته الأجرة} لوضوح الفرق بينهما، بتعذر معرفة المسمى في الأول ولذا وجب
الرجوع إلى أجرة المثل، بخلافه في الأجرة، والظاهر اختصاص المالك بها، لا أنها
تكون هي الحاصل، فيجري عليه حكم ما اشترطاه في المزارعة من النصف أو الثلث،
ضرورة أن ذلك في الحاصل من العمل والأرض، والفرض عدم العمل منه أصلا فلا
وجه لاستحقاقه فيما يقابل منفعة الأرض.
وكيف كان فهذا مع تمكين المالك له منها، وتسليمه إياها، وإلا لم يستحق
عليه شيئا لأن المنع من قبله، بل قد ينساق أن للعامل عليه أجرة المثل، حيث أنه
فوت عليه المنفعة المستحقة له، وعدم العمل منه الذي هو المقابل لمنفعة الأرض إنما
كان بتفريط المالك وتضييعه، فهو حينئذ كما لو استؤجر على عمل في مدة فبذله
الأجير ولم يستوفه منه المستأجر فتأمل.
وعلى كل حال فحيث يلزم ضمان الأجرة قال في المسالك " يلزمه أرشها
لو نقصت بترك الزرع كما يتفق في بعض الأرضين لاستناد النقص إلى تفريطه كما
قال فيها وهل يفرق بين ما إذا ترك العامل الانتفاع اختيارا أو غيره ظاهرهم
عدمه، ولا يبعد الفرق، لعدم التقصير في الثاني خصوصا في الأرش، ومقتضى العقد
لزوم الحصة خاصة، ولم يحصل منه تقصير يوجب الانتقال إلى ما لا يقتضيه نعم
يتوجه الحكم مطلقا في الإجارة، لأن حق المالك هو الأجرة عوضا عن منفعة
العين تلك المدة، فإذا فاتت المنفعة فإنما ذهبت على مالكها، وهو المستأجر أما المؤجر
19

فلا حق له فيها، إنما حقه في الأجرة ولم تفت ".
قلت: لا إشكال في الفرق بين الإجارة والمزارعة بذلك، بل إن لم يكن إجماع
أمكن القول بعدم وجوب أجرة المثل حتى في صورة التفريط، ضرورة عدم بطلان العقد
بذلك، وهو إنما يقتضي الحصة المعدومة التي ليست بمضمونة في الذمة، كما سمعته في
مسألة الإجارة بشئ معين من حاصلها، ومن الممكن عدم حصولها حتى لو زرع ولم
يقصر فالرجوع منهما حينئذ إلى أجرة المثل مما لا يرجع إلى قاعدة، ضرورة عدم
العدوان في يده، حتى يندرج في عموم " على اليد " وعدم صدق إتلاف مال الغير، لأن
عقد المزارعة جعله بحكم ماله، لا مال الغير.
نعم إنما يجب عليه الاستنماء وتسليم الحصة، وذلك إنما يترتب عليه الإثم
لا الضمان، وقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " لا يستفاد منها الضمان، ولكن ترفع اللزوم،
فيتسلط على الخيار، وحينئذ تكون كالمضاربة التي يترك العامل فيها العمل
بلا فسخ لها.
وكذلك الكلام فيما لو كان التقصير من صاحب الأرض بعدم تسليمها إلى
المزارع، بل عدم الضمان فيه أولى، لعدم صيرورة منفعة الأرض ملكا له بعقد المزارعة
حتى تكون يد المالك عليها عارية يترتب عليها الضمان، والضرر عليه بفوات انتفاعه
بنفسه مثلا لا يقتضي الضمان، لأن منافع الحر لا تضمن بذلك ومن ذلك كله يظهر
لك الحال حتى في الحكم بضمان النقص الذي يلحق الأرض بعدم زرعها فإن ذلك من
أحكام يد الضمان التي ليست هذه اليد منها فتأمل جيدا والله العالم.
الشرط {الثالث: أن تكون الأرض} التي تقع المزارعة عليها {مما يمكن
الانتفاع بها} في ذلك {بأن يكون لها ماء} ولو تقديرا {إما من نهر أو بئر أو عين
أو مصنع} أو غير ذلك حتى الغيث فإن لم يمكن الانتفاع بها في ذلك لعدم إمكان الماء
لها لم تصح المزارعة عليها، للأصل بعد معلومية إرادة غيرها من العمومات والاطلاقات
بل هي من معاملات السفه في نظر العقلاء فحينئذ لو أوقعها على أرض هي كذلك حال
العقد فاتفق تجدد قابليتها لم يجد ذلك العقد، واحتمال الاكتفاء بحالها في الواقع
20

المستور عليها ممكن، إلا أن الأظهر خلافه
نعم قد يقال بالصحة على الأرض التي هي حال العقد قابلة لذلك، إلا أنه لم
يعلم المتعاقدان بها فانكشف حالها بعد ذلك، لكن لا يخفى عليك أن مقتضى ما سمعته
من الدليل مانعية عدم قابليتها للانتفاع بذلك للصحة، لا اعتبار الامكان، وتظهر
الثمرة في المزارعة على الأرض التي لها ماء نادرا، وإن تردد في ذلك في التذكرة
من عدم التمكن من ايقاع ما وقع عليه العقد غالبا، ومن إمكان الوقوع ولو نادرا،
إلا أن المتجه الصحة بناء على ما ذكرنا للعمومات، ولعل هذا الشرط هنا كشرط
القدرة على التسليم في البيع الذي قد أطنبنا فيه في محله، وكثير من مباحثه
تأتي هنا بأدنى التفات فلاحظ وتأمل هذا.
ولكن في الإرشاد " ولو زارع على ما لا ماء له بطل إلا مع علمه " ومقتضاه الصحة
مع العلم إلا أن الظاهر إرادته عدم الماء فعلا، وإن كان يمكن بحفر بئر مثلا لا أن
المراد الصحة على ما لا يمكن الانتفاع بها للزرع الذي من الواضح عدم صحة
المزارعة عليها، بل لا يطابق ما اعترف به هو وغيره من الشرط الثالث، إلا أن المتجه
حينئذ على هذا التنزيل الخيار مع الجهل، كما تسمعه منه في القواعد ومن المصنف
فيما يأتي، لا البطلان، كأنه لم يفهم منه ذلك في الرياض، حيث أنه بعد أن ذكر الشرط
المزبور قال: " لا خلاف في اشتراطه في الجملة وإن اختلفوا في متعلق الشرط هل هو
الصحة مطلقا كما هو ظاهر العبارة. فيبطل العقد مع عدمه مطلقا، ولو مع
العلم بفقده ابتداء، أو عدمه بعد وجوده، أو في صورة الجهل بعدمه حين العقد خاصة
كما هو ظاهر الفاضل في الإرشاد حيث حكم بالبطلان بعدمه إلا مع العلم به، أو
اللزوم في صورة الجهل خاصة، فللعامل الخيار فيها بعد العلم، وأما صورة العلم ابتداء
بعدمه حين العقد فليس بشرط أصلا بل يلزم فيها كما هو صريح القواعد، ووجهه
كالسابق غير واضح بعد ما قررناه، سيما هذا وحمل على محامل - مع بعدها - لا تنطبق
على شئ مما قدمناه من الأدلة.
قلت: سمعت عبارة الإرشاد، وما يمكن تنزيله عليه، وكذا عبارة القواعد
21

التي هي: " الثالث: إمكان الانتفاع بالأرض في الزرع بأن يكون لها ماء إما من
عين أو بئر أو نهر أو مصنع، وكذا التي أجرها للزرع ولو زارعها أو أجرها له،
ولا ماء لها تخير مع الجهالة، لا مع العلم، لكن في الأجرة يثبت المسمى " ضرورة
استبعاد إرادته الصحة مع العلم بعدم إمكان الانتفاع بها في ذلك، بعد أن ذكر ذلك
عقيب اعترافه بالشرط الثالث.
نعم إنما الكلام في قول المصنف وغيره {ولو انقطع} الماء {في أثناء المدة
فللمزارع الخيار، لعدم الانتفاع، هذا إذا زارع عليها أو استأجرها للزراعة، وعليه
أجرة ما سلف، ويرجع ب‍} أجرة {ما قابل المدة المتخلفة} من وجوه أحدها:
أن المتجه البطلان إذا خرجت بانقطاع الماء عن قابلية إمكان الانتفاع بها للزرع،
لا الخيار، ضرورة اتحاد المدرك لشرطه ابتداء واستدامة، وحمله على إرادة انقطاع
الماء المعد لها الذي قدم عليه المزارع، لا مطلق الماء حتى حفر بئر جديد لها مثلا
جيد، ضرورة إيجاب مثله الخيار في باقي العقود اللازمة، لقاعدة " لا ضرر ولا
ضرار " وغيرها، إلا أنه ينافيه ما ذكر أخيرا من وجوب الأجرة عليه لما سلف من
المدة مع الفسخ، فإن ذلك لا يتجه في المزارعة التي كان الفسخ فيها من عدم
إمكان الاكمال، وليس لها أجرة مسماة، بل الحصة من الحاصل الذي تعذر،
اللهم إلا أن يجعل ذلك في الإجارة خاصة، بقرينة قوله " ويرجع " إلى آخره،
فإنه لا يتصور في المزارعة.
نعم لا يتجه ذلك في مثل عبارة اللمعة التي هي لم يذكر فيها غير المزارعة،
قال: " ولو انقطع في جميع المدة انفسخت، وفي الأثناء يتخير العامل، فإن فسخ فعليه
بنسبة ما سلف " وكذا الإرشاد، وإن أمكن توجيهه بأنه مع فرض عدم خروجها
عن قابلية الانتفاع، لامكان استنباط ماء جديد لها يكون إتلاف منفعة الأرض
باختياره الفسخ، خصوصا مع بذل المالك لما يأتي به الماء، فيضمنها كالإجارة وإن
اختلفا في التقسيط باعتبار المسمى، وأجرة المثل، كما أنه يتجه ضمانه - في صورة
تجدد عدم قابليتها للانتفاع بالزرع أصلا لأجرة المثل عما سلف من المدة، بناء على
22

اقتضاء ذلك الانفساخ من الأصل، بمعنى ظهور بطلان المزارعة من أول الأمر،
لكون المنفعة في يده مضمونة، ولو بالحصة التي مع بيان عدم امكانها يقوم مقامها
أجرة المثل، فإن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، واحتمال إرادة الفاضل والشهيد
ذلك ينافيه تصريحهم بالخيار المقتضي لوجود الصحة فعلا فتأمل. فإنه بما ذكرنا
اتضح لك الحال في جميع صور المسألة في المزارعة والإجارة للزراعة التي هي مثلها في
الحكم إذا أخذت الزراعة موردا لها.
أما إذا كانت داعيا لكون الأرض معدة لذلك، ومعظم ما يراد منها ذلك،
فاتفق تعيبها في الأثناء، وخروجها عن القابلية لتعذر الماء مثلا، فالمتجه الخيار
أيضا، لقاعدة الضرر، وامكان الانتفاع بها في غير تلك المنفعة لا ينافيه، وإن قابلت
نفع الزراعة إلا أنه قد حصل موجب الخيار بنقص الأرض عن الحال التي أقدم
عليها به، واستأجرها له، وربما تأتي لذلك تتمة إن شاء الله هذا.
ومن الغريب ما في جامع المقاصد من قوله " اعلم أن قول المصنف " لا مع
العلم " يريد به عدم بطلان المزارعة والإجارة للزرع مع العلم بأن الأرض لا ماء
لها، وهو صحيح على القول بجواز التخطي إلى غير المنفعة المشروطة مما يكون
مساويا أو أقل ضررا، وحينئذ فلا شئ للمالك في المزارعة، لعدم إمكان الانتفاع
الذي حصول الحصة المشترطة متوقف عليه، أما في الإجارة فيجب عليه المسمى
لصحة الإجارة، وعلى البطلان فلا يجب عليه شئ " إذ لا يخفى عليك عدم احتمال
ذلك في المزارعة التي وقع عقدها على الزرع، وكذا الإجارة التي فرض موردها
الزرع، وأن المتجه وجوب أجرة المثل مع البطلان من رأس، كما عرفت حتى
في المزارعة.
{و} كيف كان ف‍ {إذا أطلق المزارعة زرع} العامل الذي هو المخاطب
بالزرع ومراد منه العمل {ما شاء} من أفراد الزرع التي ينصرف إليها الاطلاق
ضرورة كون هذا المطلق كغيره من المطلقات في الانصراف إلى المعهود المتعارف
إن كان، وعدمه، فما وقع من بعض الناس هنا مما ينافي ذلك في غير محله.
23

نعم في المسالك " إنما يتم ذلك، أي تخيير العامل إذا كان البذر من عنده
أما لو كان من عند صاحب الأرض فالتخيير إليه بطريق أولى، لا إلى المزارع "
وفيه: أنه لا منافاة بينهما بعد فرض ظهور الاطلاق في ذلك، وأنه المخاطب المأمور
بالزرع.
وعلى كل حال فالتخيير مع الاطلاق لصلاحية كل فرد من الأفراد التي ينصرف
إليها الاطلاق لوجوده في ضمنه، وأصرح من ذلك التعميم، لكن عن التذكرة أنه
قوى وجوب التعيين مع الاطلاق، لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات،
فيلزم من تركه الغرر بخلاف العموم الدال على الرضا بالأضر، ورده في المسالك
بأن المالك معه راض بذلك أيضا من حيث دخوله تحت الاطلاق المفروض رضاه به.
قال: " وربما فرق بينهما بأن الاطلاق إنما يقتضي تجويز القدر المشترك بين
الأفراد، ولا يلزم من الرضا بالقدر المشترك الرضى بالأشد ضررا من غيره، إذ ليس
في اللفظ إشعار بذلك الوجه، ولا دلالة على الإذن فيه والرضى بزيادة ضرره، إذ
الرضا بالقدر المشترك إنما يستلزم الرضا بمقدار الضرر المشترك بين الكل، لا على
الرضا بالزائد، فلا يتناول المتوسط ولا الأشد، بخلاف العام الدال على الرضا بكل
فرد فرد ".
ورده في المسالك أيضا بما حاصله أن القدر المشترك المعنى المصدري أو نفس
الحقيقة، لا اللوازم اللاحقة لها، وهو مسألتنا الزرع الحاصل بكل فرد من أفراد
المزروعات، لأنها مشتركة في هذا المعنى، وإن لم تشترك في الضرر وغيره، سواء قلنا إن
المطلق هو الدال على الماهية بلا قيد، أو النكرة بلا صلاحية لكل فرد، وعلى الثاني
ظاهرة وإن اختلفت في القوة والضعف، بل وعلى الأول، ولهذا حكموا بأن الأمر
بالضرب مثلا يتحقق امتثاله بكل جزئي من جزئياته، كالضرب بالعصا والسوط
ضعيفا وقويا ومتوسطا حتى قيل إن الأمر به أمر بكل جزئي أو إذن في كل جزئي.
قلت: لا ريب في عدم دلالة المطلق على إرادة الأفراد، بل قد يحضر في الذهن
ويكون عنوانا ولا يحضر شئ منها فيه، والرضا به حينئذ ليس رضا بها على اختلافها
24

فلا يجتزى به فيما يعتبر فيه المعلومية وعدم الغرر، بخلاف التكاليف التي يراد
فيها نفس المطلق، والفرد إنما هو مقدمة، ولا مدخلية للغرر والمعلومية في
شئ منها.
نعم قد يناقش في أصل اعتبار المعلومية التي لا يجتزى فيها نحو المطلق هنا،
ثم إنه لا يخفى عليك أن ما ذكره الفارق لا يقتضي عدم جواز المطلق، بل أقصاه
الاقتصار على الأفراد المتساوية في مقدار الضرر، دون المتوسطة والشديدة، اللهم
إلا أن يدعى مجهولية ذلك فيبطل حينئذ من هذه الجهة، والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {إن عين} رب الأرض {الزرع} على العامل
شخصا أو نوعا {لم يجز} له {التعدي} إلى الآخر قطعا، لعموم الوفاء بالعقد
والشرط {و} حينئذ ف‍ {لو زرع ما هو أضر والحال هذه كان لمالكها أجرة
المثل إن شاء} فسخ العقد بالخيار الحاصل له بعدم الوفاء بالشرط كالبيع والإجارة
{أو المسمى} إن شاء لزومه {مع الأرش} للنقص الحاصل في الأرض بسبب
زرع الأضر فيها، كما صرح بذلك كله الفاضل.
لكن أشكله ثاني المحققين والشهيدين وأتباعهما بأن الحصة المسماة إنما
وقعت في مقابلة زرع المعين، ولم يحصل، والذي زرع لم يتناوله العقد ولا الإذن،
فلا وجه لاستحقاق المالك فيه الحصة، فوجوب أجرة المثل حينئذ أقوى.
قلت كان ذلك منهم بناء على تشخيص المزارعة بما وقع من التعيين ولو على
جهة الاشتراط، ولا ريب في فساده على التقدير المزبور، بل قد يقال: بعدم تشخيصها
بذلك مطلقا، وإن كل ما وقع فيها منه ليس إلا على جهة الشرطية، فإن حقيقة
المزارعة ليست إلا زرع الأرض بحصة من حاصلها، كائنا ما كان الحاصل، وإنما
يذكر التعيين من الشرائط، لا أنه منوع للمزارعة، فليس هو حينئذ إلا كذكر
المكان في المضاربة التي قد عرفت ضمانه للمال مع بقاء المالك على حصته لو تعدى
وخرج إلى غير ذلك المكان.
إلا أن الشرط لما كان في عقد لازم، وقد عرفت في كتاب البيع اقتضاء عدم
25

الوفاء به الخيار لمن له الشرط، اتجه حينئذ ما ذكره المصنف والفاضل، فله الفسخ
والمطالبة بأجرة المثل، وعدمه فله المسمى من الزرع المخصوص الداخل في كلي
المزارعة، وله الأرش عوض النقصان الحاصل بسببه، لعدم الإذن فيه بالخصوص
ومن هنا يتجه عدم انفساخ المزارعة حينئذ بتعذر المعين، خصوصا إذا كان شخصا.
كما أنه مما ذكرنا قد يظهر الوجه أيضا في قوله {ولو كان} قد زرع
{ا} لا {قل ضررا جاز} بتقريب أن المراد من التعيين مقدار الإذن في الانتفاع
بالأرض فهو كالإجارة بالنسبة إلى ذلك.
لكنه أشكله ثاني المحققين والشهيدين أيضا بأن غرض المالك ليس منحصرا
فيما يتعلق بمصلحة الأرض، بل المقصد الذاتي له إنما هو الانتفاع بالزرع،
ومصلحة الأرض تابعة لا مقصودة بالذات، ولا شك أن الأغراض تختلف في أنواع
المزروع، فربما كان غرضه بالأشد ضررا من حيث نفعه، والحاجة إليه وإن حصل
للأرض ضرر، ولا يتعلق غرضه بالأخف وإن انتفعت الأرض به، ألا ترى أن الأرض
لو انتفعت بترك الزرع رأسا لم يكن ذلك كافيا في جواز ترك المزارع العمل، نظرا
إلى مصلحة الأرض فالأقوى عدم التعدي لما عين مطلقا، نعم مثل هذا يجري في إجارة
الأرض لزرع نوع معين، فإن عدول المستأجر إلى زرع ما هو أخف ضررا منه
متجه، لأن الغرض في الإجارة للمالك تحصيل الأجرة، وهي حاصلة على التقديرين
ويبقى معه زيادة تخفيف الضرر عن أرضه، وأولى منه لو ترك الزرع طول المدة،
فإنه لا اعتراض للمالك عليه حيث لا يتوجه ضرر على الأرض، لحصول مطلوبه،
وهو الأجرة، بخلاف المزارعة، فإن مطلوبه الحصة من الزرع المعين فلا يدل
على الرضا بغيره ولا يتناوله بوجه.
قلت: ولعله كان لذا خيرة الفاضل هنا بين الفسخ وأخذه أجرة المثل، وأخذه
المسمى نحو ما سمعته في زرع الأضر إلا أنه لا أرش هنا لعدم النقص، لكن الجماعة
أيضا أشكلوا بما عرفت، من عدم الوجه لأخذ المسمى من الزرع الذي لم يدخل في
عقد المزارعة، وجوابه ما علمت، بل لعل ظاهر المصنف عدم الخيار أيضا.
26

والتحقيق في المسألة أن يقال: إن كان المقصود من التعيين تقدير الإذن في
الانتفاع بالأرض، فلا ريب في صحة ما ذكره المصنف، خصوصا في صورة تعذر
الأضر الذي هو المعين، وإن كان المقصود منه إرادة المعين، فالأصح ما ذكره الفاضل
خصوصا في صورة التعذر لما سمعته سابقا من ثبوت الخيار بنحو ذلك من الشرائط،
وكذا مع اشتباه الحال، ولعل غرض المصنف الأول، ضرورة كونه في بيان الإذن
في زرع ما يراد زرعه في صورة الاطلاق والتعيين فتأمل جيدا، فإن المسألة غير
محررة في كلامهم حتى مسألة الإجارة التي ذكرها المعترض، ضرورة امكان القول
بلزوم المنفعة المخصوصة، وعدم جواز الأخف منها، خصوصا على ما عساه الظاهر من
كلامهم من كون ذلك مشخصا للإجارة وفرق واضح بين الانتفاع بالأخف الذي
لم تحصل الإذن فيه، وبين عدم الانتفاع أصلا، فإن ذلك ليس تصرفا فيها بغير إذن
المالك، بخلاف الأول الذي يتجه عليه أجرة المثل، بناء على ما ذكروه، كما أن
المتجه بناء على ما ذكرناه مع فرض عدم إرادة التقدير بذلك الخيار، فله الفسخ والرجوع
بأجرة المثل والامضاء والاقتصار على المسمى.
ولو زارع عليها آو آجرها للزراعة ولا ماء لها} فعلا {مع علم المزارع
لم يتخير} لاقدامه على ذلك {و} أما {مع الجهالة} ف‍ {له الفسخ} لتضرره
بانتظار الاتيان بالماء لها بحفر بئر أو غيره، مع احتمال عدم كفايته لها، وقد تقدم
لك تحقيق المسألة في ذلك، وأنه قد جزم جماعة منهم الشهيد الثاني بالبطلان، لفقد
الشرط الذي هو امكان الانتفاع بها بالزرع، من غير فرق في ذلك بين العلم والجهل،
لا التخيير المزبور الذي هو فرع الصحة، بل لعل الحكم بالشرط المزبور لمنع التخيير
المذكور من المتدافع.
لكن في المسالك هنا بعد أن ذكر قال: " ربما تكلف للجمع بين الحكمين
بحمل هذا التخيير على ما لو كان للأرض ما يمكن الزرع والسقي به، لكنه غير معتاد
من جهة المالك بل يحتاج معه إلى تكلف إجراء ساقية ونحوه، والمنع على ما لو لم
يكن لها ماء مطلقا، وهو جيد لو ثبت أن مثل هذا القدر يوجب التخيير، وأن
27

الاطلاق كون الماء معتادا بلا كلفة، إلا أن إطلاق كلامهم يأباه فإنهم اقتصروا
في الحكم بالجواز على امكان السقي بالماء من غير تفصيل، وبالتخيير على عدم الامكان،
وأيضا فإن أحداث النهر والساقية ونحوهما لازم للمالك، سواء كان معتادا أو لا كما
سيأتي التنبيه عليه ولا فرق حينئذ بين كون الماء معتادا وغيره في عدم الكلفة على
الزارع، والأقوى عدم الصحة هنا عملا بهذا الاطلاق ومثله ما لو استأجرها للزراعة "
قلت: لعل التأمل في كلام الفاضلين واتفاقهما على القطع بالصحة في صورة
العلم بلا تخيير، وإنما اختلفا في صورة الجهل، ففي الإرشاد البطلان، وفي المتن
والقواعد التخيير، يقضي بما أشرنا إليه سابقا من أنه لا إشكال في الصحة واللزوم
مع الامكان، بمعنى القابلية فعلا ولو باحداث ماء لها.
وأما الأرض المحتملة لتحقق القابلية بسبب احتمال ايجاد ماء صالح لزراعتها
وعدمه، فلا ريب في أنه يصح عقد المزارعة عليها مع العلم بحالها مراعيا له، وأما
مع الجهل فيحتمل التخيير - لما في الانتظار من الضرر كما في المتن والقواعد، ولأنه
بمنزلة تخلف الوصف في البيع - والبطلان كما في الإرشاد لتعارف القابلية المحققة في
الاقدام على أرض المزارعة، ولعل الأول لا يخلو من قوة.
أو يقال إن قول الأصحاب ولا ماء لها أعم من عدم إمكان زرعها، ضرورة إمكانه
بنقل الماء أو تطبيبه أو نحو ذلك، بل الظاهر بقرينة ما ذكروه من الشرط احراز امكان
زراعتها، إلا أنه على ذلك الوجه لا ريب في الصحة واللزوم حينئذ مع العلم، والخيار
مع الجهل بكون زراعتها على هذا الوجه، أو البطلان كما سمعته عن الارشاد، لما
ذكرناه من كون المقصود غيرها للعادة، هذا كله في المزارعة وفي الإجارة أيضا إذا
كان مورد العقد فيها الزراعة
{أما لو استأجرها مطلقا ولم يشترط الزراعة لم يفسخ} وإن لم يكن عالما بحالها
{لامكان الانتفاع بها بغير الزرع} الذي لا يشترط في صحة إجارة الأرض إمكانه
ضرورة كونه نوعا من أنواع الانتفاع، ولا يشترط في استيجار شئ أن يمكن
الانتفاع به في جميع الوجوه، بل يكفي امكان مطلق الانتفاع حيث تطلق، وهو هنا
28

كذلك، لامكان الانتفاع بالأرض المذكورة في وضع المتاع وجعلها مراحا ومستراحا
وغير ذلك، وإن كان الغالب في الأرض الزراعة، إلا أن مطلق الغلبة لا يقيد
الاطلاق إلا أن تكون على وجه يفهم إرادة ذلك من الاطلاق، ولو مع انضمام قرائن
الأحوال وغيرها، وحينئذ يتجه البطلان، لا الخيار، اللهم إلا أن يكون الزرع
معظم المقصود منها، والداعي إلى استيجارها، فإنه لا يبعد الخيار حينئذ، للضرر.
وعلى كل حال فقد بان لك أنه لا خيار مع اطلاق الإجارة الخالي عما يقتضي
تقييده {وكذا لو} زارع أو {اشترط الزارعة} وجعلها موردا لعقد إجارة الأرض
{و} لكن {كانت في بلاد تسقيها الغيوث عادة} لاطلاق الأدلة وعمومها التي لا فرق
فيها بين كون الماء من غيث أو زيادة نهر أو اجراء ساقية أو غير ذلك كما هو واضح.
{ولو استأجر للزراعة ما لا ينحسر عنه الماء} وكان جاهلا بذلك {لم يجز
لعدم} العلم بمحل {الانتفاع من الأرض {ولو} علم الحال ف‍ {رضي بذلك} أي
{المستأجر} قيل {جاز} لكونه حينئذ كاستيجار الأرض التي لا ماء لها للزراعة
{و} لكن {لو قيل:} بالفرق بينهما فيحكم {بالمنع} هنا {لجهالة الأرض}
بخلافه هناك {كان حسنا}
نعم لو فرض علم الأرض سابقا أو كان الماء صافيا يمكن معرفة الأرض معه،
اتجه حينئذ تساوي المسألتين في الحكم، بعد فرض إمكان الزرع في المقام بزرع
ما لا ينافي انحسار الماء، أو بعلاج حسر الماء أو غير ذلك، ضرورة عدم الفرق في عدم
استعداد الأرض للزراعة بين كونه من عدم الماء لها، أو من عدم انحسار الماء عنها
فتتجه الصحة بلا خيار مع العلم، وبخيار مع الجهل، نحو ما سمعته في المسألة
السابقة، واحتمال عدم الصحة فيهما - باعتبار عدم استعداد الأرض للزراعة، فليست
من أرض المزارع، بل ربما كان استيجارها للزراعة أو المزارعة عليها على هذا الحال
غير جار على قياس أفعال العقلاء - يدفعه عموم الأدلة وإطلاقها، وأقصى ما في هذا
الحال التسلط على الخيار مع الجهل، وكذا احتمال البطلان حال الجهل خاصة،
الذي سمعته من الإرشاد في المسألة السابقة، فإنه لا يزيد تخلف المعتاد على خلاف
29

الوصف المسلط على الخيار، وبذلك كله ظهر لك أن مراد الأصحاب في المسألتين
بعد احراز إمكان الزرع الذي صرحوا بشرطيته، إلا أنه على غير الوجه المعتاد في
أرض المزارع، لا أن المراد بما ذكروه من عدم الماء أو عدم انحساره، الكناية عن عدم
امكان زرعها، فإن ذلك لا يناسبه الخيار، ولا التعليل بالجهالة، كما هو واضح
بأدنى تأمل مع حسن الظن بهؤلاء الفحول.
{و} على كل حال ف‍ {إن كان} الماء الذي لا ينحسر {قليلا يمكن معه
بعض الزرع جاز} ولكن يتسلط أيضا على الخيار مع فرض النقصان في الزرع،
والجهل بحالها {ولو كان الماء ينحسر عنها تدريجا لم يصح، لجهالة وقت الانتفاع}
وإن رضي بذلك المستأجر، ضرورة عدم كفاية الرضا بفاقد شرط الصحة فيها.
لكن في القواعد قيد المنع بعدم رضا المستأجر فلو رضي صح، وفي المسالك
" هذا إنما يتم فيما يكون كالعيب المنجبر بالرضا والخيار، لا في الجهالة، وعلى تقدير
إلحاقه به نظرا إلى امكان الانتفاع في الجملة، إنما يوجب انقطاعه تدريجا نقصان
المنفعة، فلا وجه للحكم بعدم الصحة، بل ينبغي تخيير المستأجر مع الجهل،
وحينئذ فما أطلقه المصنف أوضح.
قلت: إن ثبت أن مثل هذا الجهل يقدح في الإجارة، خصوصا بعد معلومية
انحساره عنها في وقت صلاحية الزرع في الجملة، والفرض استيجارها مدة تشتمل
على ذلك، وإن لم يتشخص أول وقت الانحسار أو وسط أو آخره، ولعل العلامة
رحمه الله لحظ ذلك فحكم بالصحة مع الرضا، أما حكمه بالفساد مع الجهل فلما
عرفته غير مرة، من احتمال انصراف العقد إلى الأرض المستعدة للزرع على الوجه
المعتاد، وإن كان الذي يقوى ثبوت الخيار مع ذلك، لا الفساد، لكون المفروض وقوع
العقد على الأرض المشخصة، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى عليك جريان هذه الأحكام في المزارعة على الأرض المذكورة،
فكان ذكرها في بابها أولى من استطراد حكم الأجنبي أو التعميم، وربما قيل في هاتين
المسألتين: بأن المنع مخصوص بالإجارة أما المزارعة عليها فجائزة، والفرق ابتناء
30

الإجارة على المعلومية في الأجرة فلا بد من العلم بمقدار مقابلها من المنفعة، بخلاف
المزارعة التي كان العوض فيها الحصة المجهولة فيتسامح فيما يقابلها من المنفعة
بما لا يتسامح بمثله في غيرها، إلا أن ظاهر الأصحاب خلافه، وأنه لا فرق بين المزارعة
والإجارة للزرع في ذلك، واغتفار الجهل في الحصة في المزارعة التي شرعت على
ذلك، لا يقتضي اغتفار الجهل من جهة أخرى والله العالم.
{ولو شرط الغرس والزرع} في استيجاره الأرض ولم يفهم من ذلك
التنصيف {افتقر إلى تعيين مقدار كل واحد منهما لتفاوت ضرريهما، وكذا لو
استأجر لزرعين أو غرسين مختلفي الضرر} للغرر الحاصل من الاطلاق الذي هو
بالنسبة إلى ذلك كالمجمل، فيمكن الاقتصار معه في الأخف على مسماه.
لكن في المسالك هنا هذا كله إذا استأجر لهما مطلقا، أما لو استأجرها لينتفع
بها منها صح أو تخير، لأن ذلك تعميم في الأفراد، وقدوم على الرضا بالأضر ".
وفيه: أنه مناف لما ذكره سابقا - عند قول المصنف " وإذا أطلق المزارعة وزرع
ما شاء " - " من أن المطلق كالعام بالنسبة إلى ذلك، فيصح جعله العنوان في المزارعة
والإجارة، ويكتفي بدلالته من حيث صلاحية كل فرد لتحققه على الإذن لكل فرد
من الأفراد إن تفاوت في الضرر، إذ ذلك منه رضا بالأضر " وإن كان التحقيق خلافه
وأنه لا دلالة في المطلق على ذلك، وليس هو جهة تعيين يكتفى به في ذلك، بخلاف
التعميم، فإنه جهة تعيين لها ولو بالعمومية، ضرورة كون العموم من عوارضها،
بخلاف الاطلاق، فإنه شئ خارج عن الأفراد، ولا تحضر في الذهن بحضوره.
نعم بناء على جواز جعله عنوانا في المزارعة مثلا يجب الاقتصار في زرع
الأفراد المتساوية في مقدار الضرر، ولا يجوز زرع الأضر، فإنه لا دلالة فيه على
الإذن به، وإن كان هو فردا للمطلق أيضا، ولعله لذا اعتبر هنا التعيين عند ذكر
الزرعين والغرسين المختلفين في الضرر، واكتفى بالاطلاق هناك، أو أنه فرق بين
المزارعة والإجارة، ولو فرض عدم تساوي أفراد الزرع أجمع وعدم معرفة الأقل
ضررا منها، اتجه حينئذ عدم الاجتزاء في الاطلاق.
31

وبالجملة فرق واضح بين المطلق والعام، كما أن من الواضح هنا البطلان
في المقام إلا مع فرض انسياق التنصيف والله العالم.
{تفريع}
{لو استأجر أرضا مدة معينة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدة غالبا} صح
ما لم يكن سفها، لاطلاق الأدلة وعمومها بل {قيل: يجب على المالك ابقاؤه}
بالأجرة {أو إزالته مع الأرش} لأن المستأجر غير متعد بالزرع، إذ الفرض
كونه مالكا للمنفعة تلك المدة، فله الزرع، وذلك موجب على المالك ذلك، لمفهوم
قوله صلى الله عليه وآله (1) " ليس لعرق ظالم حق " الذي حكي عن فخر المحققين إجماع
الأصوليين عليه في هذا الحديث، وإن اختلفوا في دلالة مفهوم الوصف في غيره،
وحينئذ وجب الجمع بين الحقين، وهو إنما يكون بما عرفت من التخيير المزبور
للمالك الذي يمكن دعوى ترجيح حقه على الآخر، فلذلك استأثر بالتخيير المزبور.
{وقيل: له إزالته كما لو غرس بعد المدة} فلا أرش له، لأنه دخل على
أن لا حق له بعد المدة، إذ منفعة المدة هي المبذولة في مقابلة العوض، فلا يستحق
بالإجارة شيئا، {و} هو الأقوى عند ثاني الشهيدين لا {الأول} الذي هو
{أشبه} عند المصنف، قال: " وعدم تعدي المستأجر بزرعه في المدة لا يوجب له
حقا بعدها، مع استناد التقصير إليه، والمفهوم ضعيف، ودعوى الاجماع هنا على
العمل به لم تثبت، وعلى تقدير صحته نمنع من كونه بعد المدة غير ظالم، لأنه
واضع عرقه في أرض لا حق له فيها، والزام المالك بأخذ الأجرة أو الأرش على خلاف
الأصل، فلا يصار إليه بمثل ذلك ".
قلت: لكن قد يقال بعد عدم معلومية فساد دعوى الاجماع المزبور - بل هو

(1) المستدرك ج - 3 - ص 149.
32

قد عمل به فيما لو استأجر للزرع مدة يدرك فيها غالبا، لكن اتفق عدم إدراكه فيها
لا لتقصيره، بل لكثرة الأمطار أو تغير الأهوية أو غيره، فأوجب الجمع بين الحقين
بالابقاء بالأجرة - إن الظاهر من الخبر ثبوت الحق لمن كان له أصل وضع عرقه
بحق، وانتهاء الحق من حيث الإجارة لا ينافي ثبوته من الخبر المزبور، بل إن لم
يكن إجماع لأمكن ظهوره في استحقاق الابقاء على وجه يجب على المالك إجابته
مع دفع الأجرة، وليس له القلع حينئذ وإن بذل الأرش، إلا أن الظاهر كون
التخيير المزبور بيد المالك وربما زاد بعضهم في وجوه التخيير دفع قيمة الغرس
ليملكه، إلا أنه كما ترى، وإن كان في بعض الأخبار نوع شهادة والله العالم.
{وأما أحكامه فتشتمل على مسائل}.
الأولى: إذا كان من أحدهما الأرض حسب، ومن الآخر البذر والعمل والعوامل
صح بلفظ المزارعة، وكذا لو كان من أحدهما الأرض والبذر، ومن الآخر العمل،
أو كان من أحدهما الأرض والعمل، ومن الآخر البذر} وبالجملة جميع الصور
المتصورة في هذه الأربعة كلا أو بعضا بين المزارع والمزارع جائزة {نظرا إلى}
العموم و {الاطلاق‍} آت بلا خلاف أجده في شئ منها عندنا، بل ربما ظهر من
بعضهم الاجماع عليه.
نعم في القواعد " في صحة كون البذر من ثالث نظر، وكذا لو كان البذر من
ثالث، والعوامل من رابع " وفي المسالك وجامع المقاصد ينشأ من عموم الأمر بالوفاء
بالعقود، والكون مع الشرط، ومن توقف المعاملة سيما التي هي على خلاف الأصل
على التوقيف من الشارع، ولم يثبت منه مثل ذلك، والأصح في المزارعة قصة خيبر (1)
ومزارعة النبي صلى الله عليه وآله اليهود على أن يزرعوها، ولهم شطر ما يخرج منها، وله
شطره الآخر وليس فيها أن المعاملة مع أكثر من واحد، وكذلك باقي النصوص التي
وردت من طرقنا، ولأن العقد يتم باثنين، موجب وهو صاحب الأرض، وقابل،

(1) الوسائل الباب - 8 - و - 9 - و - 10 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة
والمستدرك ج 2 ص 502.
33

فدخول ما زاد يخرج العقد عن وضعه، ويحتاج إثباته إلى دليل، بل في الأول منهما:
الأجود عدم الصحة.
وأنكر عليه في الحدائق حاكيا له عن الأردبيلي أيضا بمنافاة ذلك لاطلاق
الأدلة، ولما يفهم من خبر قصة خيبر، وأن اليهود كانوا كثيرين، وقد زارعهم النبي
صلى الله عليه وآله وسلم، ولما هو معلوم جوازه في باقي العقود من تعدد الموجبين والقابلين إلا أن
الجميع كما ترى، ضرورة عدم تناول الاطلاق لما هو المفروض الذي هو تركب العقد
من ثلاثة أو أربعة على وجه تكون أركانا له، وأن المزارعة حينئذ مركبة من مالك
أرض، ومن ذي عمل، ومن ذي عوامل، ومن ذي بذر، فإنه لم يعهد في شئ من
العقود كذلك، لا أن المراد عدم صحة وقوع المزارعة من أكثر من اثنين، بمعنى
عدم جوازها من الشركاء في أرض مثلا أو عدم جوازها لجماعة على وجه الشركة في
عمل الزراعة، فإن ذلك لا يتصور منعه ممن له أدنى دربة، بل يمكن القطع به من
ملاحظة نصوص (1) الأكرة والعلوج وغيرهما، وقصة خيبر إنما هو من ذلك لا من
محل الفرض الذي لا دليل على جوازه.
بل قد يستفاد من قول الصادق عليه السلام في خبر أبي الربيع الشامي (2) وغيره
المفروض فيه التسمية للبذر ثلثا وللبقر ثلثا " لا ينبغي أن يسمى بذرا ولا بقرا،
ولكن يقول لصاحب الأرض: أزرع أرضك، ولك منها كذا وكذا نصفا أو ثلثا، أو
ما كان من شرط ولا يسم بذرا ولا بقرا، فإنما يحرم الكلام " عدم جواز ذلك وإلا
كان ما في هذه النصوص ساقطا، إذ لم أر أحدا أفتى بمضمونها سوى ما يحكى عن
ابن الجنيد قال: " ولا بأس باشتراك العمال بأموالهم وأبدانهم في مزارعة الأرض
وإجارتها إذا كان على كل واحد قسط من المؤنة، وله جزء من الغلة، ولا يقول
أحدهم ثلث للبذر، وثلث للبقر، وثلث للعمل، لأن صاحب البذر يرجع إليه بذره
وثلث الغلة من الجنس، وهذا ربا، فإن جعل البذر دينا جاز ذلك ".

(1) الوسائل الباب 14 و 12 من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث - 10.
34

وعن ابن البراج لا يجوز أن يجعل للبذر ثلثا، وللبقر ثلثا، ويمكن إرادتهما
أيضا ما ذكرناه، لكن في المختلف بعد أن ذكر النصوص المشتملة على ذلك " والوجه
الكراهة ولا ربا هنا، إذ الربا إنما يثبت في البيع خاصة ".
قلت: ينافي الكراهة التعليل في النصوص بأنه " إنما يحرم الكلام " المراد
منه بحسب الظاهر الحرمة والفساد مع هذه التسمية والتوزيع، بخلاف ما لو جعل
الحصة في مقابلة الزراعة، وإن كانت هي في الواقع ملحوظة في مقابلة ذلك كما هو
واضح، وليس المراد الربا حقيقة، بل المراد صورته أو في خصوص ما لو جعله قرضا
مشترطا ذلك، وإلا فلا ربا قطعا في ثلث البقر مثلا كما هو واضح.
ومن الغريب ما في حواشي المجلسي من أن قوله " للبذر ثلثا " إلى آخر
يحتمل وجهين أحدهما: إن اللام للتمليك، فالنهي لكونهما غير قابلين للملك،
وثانيهما: أن يكون المعنى ثلث بإزاء البذر، وثلث بإزاء البقر، فالنهي لشائبة
الربا في البذر.
إذ هو كما ترى ولا ريب في أن الأولى حمل هذه النصوص على إرادة عدم جواز
توزيع المزارعة، وإنما شرعيتها جعل الحصة على عمل الزرع، بل مقتضى ذلك عدم
جواز بعض الصور التي قد سمعت أنها مجمع عليها، كتحقق المزارعة بدفع بقرة أو
بعضها أو البذر أو بعضه، إلا أن الاجماع أخرجنا عن ذلك.
وأما ما في أيدي الناس الآن من اشتراك المالك والفلاح وصاحب البذر أثلاثا
فقد يقال إنها بعقدين لا عقد واحد، بمعنى أن المزارعة تكون بين صاحب الأرض
والبذر، ثم صاحب البذر الذي هو المزارع يزارع الفلاح على النصف من حصته مثلا
أو تكون بين صاحب الأرض والفلاح، ثم هو يزارع صاحب البذر بالنصف من حصته
مثلا، لما ستعرف من أن للمزارع أن يزارع، وإلا كانت محل اشكال، اللهم إلا أن
يجعل مثلا ذلك سيرة كاشفة عن جواز مثل ذلك.
لكن لا ريب في أن الأحوط خلافه، بل لعل الأحوط عدم الاكتفاء في تحقق
المزارعة، بدفع بعض العوامل، كما يستعمله أهل القرى من اعطاء الدابة بالسدس
35

أو أقل أو أكثر.
{و} كيف كان ف‍ {لو كان} العقد على النحو المزبور بين الاثنين
{بلفظ الإجارة لم يصح، لجهالة العوض} الذي هو الثلث والربع، ولا يجوز مثله
في الإجارة كما ستعرف بخلاف المزارعة.
{أما لو آجره بمال معلوم مضمون في الذمة أو معين} موجود {من
غيرها} أو منها {جاز} ولو كان المضمون من جنس ما يزرع فيها، كما عرفت
الكلام في ذلك مفصلا، بل قد عرفت أن الأصح عندنا جواز ذلك مزارعة وإن كان
بلفظ الإجارة بناء على جواز العقد بالمجاز الدال على المراد في العقود اللازمة
والله العالم.
المسألة {الثانية: إذا تنازعا} أي المزارع ورب الأرض {في المدة فالقول
قول منكر الزيادة مع يمينه} سواء كان العامل أو المالك، لأصالة عدم استحقاقها
لمدعيها {وكذا لو اختلفا في قدر الحصة} فادعى المالك قلتها، وادعى العامل
زيادتها {فالقول قول صاحب البذر} وإن كان هو مدعي الزيادة لأصالة تبعية
النماء بلا خلاف أجده في شئ من الحكمين، لما عرفت، ولأن مدعي الزيادة
فيهما لو ترك المنازعة لترك، فيكون مدعيها بهذا المعنى أيضا.
لكن في جامع المقاصد " لولا الاجماع لأمكن أن يقال: إن اتفاقهما على
عقد تضمن تعيين مدة وحصة نقل عن الأصل المذكور، وكل منهما مدع لشئ،
ومنكر لما يدعيه، وليس إذا ترك دعوى الزيادة مطلقا يترك، فإنه إذا ترك العمل
طالبه به، نعم يجيئ هذا إذا وقع الاختلاف عند انتهاء الأمر، ويجب التحالف ".
وأجاب عنه في المسالك " بأن العقد المتضمن لهما إنما أخرج عن حكم الأصل
في أصل المدة، والحصة أما في قدر معين منهما فلا، فيبقي إنكار الزيادة فيهما
بحاله لم يخرجه عن حكم الأصل، والمراد " بمن يترك إذا ترك " في نفس ذلك المدعى
وهو هنا المدة الزائدة، والحصة الزائدة أما العمل، فهو أمر خارج عن الدعوى،
فلا أثر للمطالبة به في هذه المنازعة ".
36

قلت: لا ريب في عدم التحالف في مسألة المدة لو كانت الدعوى في نفس استحقاق
الزائد منها، من دون تعرض في الدعوى، لسببه، ضرورة كون إنكارها على مقتضى
الأصل.
أما لو كانت الدعوى في سبب استحقاقها بعد اتفاقهما على كونه عقدا مشخصا
ووقع النزاع في كيفية تشخيصه، فقال المالك مثلا: إنه بمدة قليلة، وقال العامل:
إنه بمدة كثيرة، فلا ريب في أن المتجه التحالف، لكون كل منهما مدعيا ومنكرا
ودعوى كل منهما مخالفة للأصل، والقلة والكثرة بالنسبة إلى تشخيصهما العقد،
على حد سواء، في مخالفة الأصل، إلا أن ظاهر الأصحاب هنا تقديم قول مدعي القلة
حتى لو كانت الدعوى على الفرض المزبور.
وأما الحصة فالقول فيها قول صاحب البذر، وإن كانت الدعوى كذلك،
لأصالة تبعية النماء، اللهم إلا أن يقال: إن التمليك هنا لعقد المزارعة المفيد تشريكا
للعامل والمالك في نماء البذر ومنفعة الأرض، والعمل والعوامل، سواء كان البذر
من المالك أو العامل، فلا أثر حينئذ لتبعية النماء هنا، فإنه يفيد التمليك لو لم
يكن ثم عقد مزارعة، أما معه فالتمليك مستند إليه لا إلى التبعية المزبورة، حتى
بالنسبة إلى صاحبه، وحينئذ يتجه التحالف لولا ظهور اتفاق الأصحاب، على أن
القول قول صاحبه، نعم لو فرض خروجه عنهما اتجه التحالف حينئذ لكنه كما
ترى، ضرورة عدم تمليك عقد المزارعة ما هو ملك للانسان نفسه، إذ النماء جزء
من الأصل.
نعم قد يقال: إذا فرض كون الدعوى في تشخيص العقد المتفق على وقوعه
بينهما فلا ريب في اقتضاء الأصل، نفي كل منهما، وموافقة مدعي القلة إذا كان البذر
له لأصالة التبعية لا تقتضي ترجيحه على وجه يكون به منكرا، خصوصا مع امكان
معارضته بأصالة عدم استحقاق منفعة الأرض مثلا، بما ادعاه من الحصة لو كان البذر
للعامل الذي يفرض دعواه القلة، بل لعل صاحب الأرض هو كصاحب اليد بالنسبة
إلى ما يكون فيها.
37

وأما ما ذكره في المسالك في الرد على المحقق الثاني في توجيه كونه مدعيا
بأنه " يترك إذا ترك " فهو في محله، ضرورة أنه يترك مطالبته بالعمل بالنسبة إلى
ما ادعاه من الزيادة، لا غيرها من المدة التي اعترف بثبوتها عليه، ولو في ضمن الزيادة
التي ادعاها كما هو واضح. هذا كله مع قطع النظر عن كلام الأصحاب، وإلا فلا
محيص عن موافقتهم عليه بعد ثبوت إجماعهم عليه، بل قد يتكلف موافقته للقواعد
أيضا بعد التأمل.
وعلى كل حال {فإن أقام كل منهما بينة} على ما ادعاه، بني الحكم على
تقديم بينة الداخل والخارج، والأقوى الثاني وهو فيما نحن فيه مدعي الزيادة في
المدة والحصة لو لم يكن له البذر وحينئذ متى قامت البينتان على مقدار الحصة
{قدمت بينة العامل} مع فرض خروجه بكون صاحب البذر المالك.
{وقيل: يرجعان إلى القرعة} التي هي لكل أمر مشكل {و} لا ريب
في أن {الأول أشبه} بأصول المذهب وقواعده التي منها (1) " البينة على المدعي
واليمين على من أنكر " وبها حينئذ يرتفع الاشكال الذي هو وصف موضوع حكم
القرعة إنما الكلام في إطلاق المصنف تقديم قول العامل، وكذا ما في المختلف قال:
" لو اختلفا في الحصة فالقول قول صاحب البذر مع يمينه، فإن أقام كل بينة قدمت
بينة العامل، لأنه الخارج، ولأن القول قول المالك، فالبينة بينة العامل، وقيل: يرجعان
إلى القرعة وليس بجيد "، ويمكن تنزيله على ما إذا كان المالك صاحب البذر، أو
يقال بتقديم بينة العامل هنا وإن كان صاحب البذر، لأنه وإن كان داخلا بالنسبة
إلى قبول قوله عند عدم البينة، لأصالة التبعية، لكنه خارج عند قيام البينة، لكون
صاحب الأرض هو ذو اليد على ما فيها، والأصل عدم خروج منفعتها إلا بقوله،
فيكون العامل حينئذ خارجا فتأمل جيدا.
المسألة {الثالثة: لو اختلفا فقال الزارع: أعرتنيها، وأنكر المالك} حلف
على نفي العارية {و} إن {ادعى} مع ذلك {الحصة أو الأجرة ولا بينة له}

(1) المستدرك ج 3 ص 199.
38

فإنه منكر بالنسبة إلى نفي العارية على كل حال، وحينئذ {فالقول قوله}
أي صاحب الأرض بالنسبة إلى ذلك {و} لكن {تثبت له أجرة المثل} المساوية
لما ادعاه أو الأقل منه لا الزائدة على ما ادعاه من الحصة والأجرة المسماة إلا أنه
{مع يمين الزارع} على نفيهما، حيث يحتاج إليه كما لو فرض زيادتهما عن
أجرة المثل أما مع فرض قلتهما عن ذلك، فلا حاجة إليه، ضرورة وجوب ذلك عليه
بيمين صاحب الأرض على نفي العارية فإنه يثبت له الأقل من أجرة المثل، ومما
ادعاه، لأنه مع فرض زيادة أجرة المثل عنه قد اعترف المالك أنه لا يستحق أزيد مما
ادعاه من الحصة والأجرة، وحينئذ يتجه يمين الزارع على نفيهما مع فرض
زيادتهما على ذلك، أما مع المساواة أو القلة فلا فائدة فيه، لوجوب تأديته ذلك على
كل حال.
نعم لو فرض تعلق غرض مخصوص بكون الأجرة عينا مشخصة مثلا أو لإرادة
عدم الاعطاء من خصوص الزارع، اتجه حينئذ يمينه على نفي دعوى المالك، و
الرجوع إلى أجرة المثل.
ومن الغريب ما في الحدائق " من كون المتجه في المسألة ثبوت أجرة المثل و
إن زادت على دعوى المسمى، محتجا بأن التحالف يسقط الدعوى ويبطلها، وينزلها
منزلة العدم، فلا يؤخذ المالك باعترافه بالإجارة بالأقل، إذ هو غلط فاحش، ضرورة
اقتضاء اليمين نفي ما يكون على الحالف، لا اسقاط مقتضى حكم الاقرار في حق من
له اليمين كما هو واضح، وأفحش منه ما عن الأردبيلي في نظير المسألة من أن القول
قول مدعي العارية لأصالة براءة الذمة، ولأن اليمين على نفي الإجارة والمزارعة
يوجب سقوط الأجرة والحصة، وعوضهما الذي هو أجرة المثل لذهاب اليمين بما
فيها ".
وفيه أن أصل البراءة مقطوع بقاعدة الضمان، المستفادة من قوله (1) " من

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار.
39

أتلف " (1) و " على اليد " ونحوهما، وإلا للزم عدم ضمان كل متلف، لكل مال
شخص بدعوى الهبة، بل لا يحتاج إلى الدعوى بأصالة البراءة والتزامه واضح الفساد
والفرق بين المنفعة والعين أوضح فسادا، وذهاب اليمين بما فيها إنما هو بالنسبة إلى
خصوص ما نفته من الحصة والأجرة المسماة، لا غيرها كما هو واضح.
{و} على كل حال فقد ظهر لك ضعف ما {قيل:} في أصل المسألة من
أنه {تستعمل القرعة} لكل أمر مشكل {و} لا إشكال بعد ما عرفت فلا ريب
في أن القول {الأول أشبه} بأصول المذهب وقواعده، بل لم نعرف القائل بالقرعة
هنا بالخصوص.
{و} كيف كان ف‍ {للزارع تبقية الزرع إلى أوان أخذه} بلا خلاف
ولا إشكال معتد به {لأنه مأذون فيه} باتفاق منهما، فيكون له حق البقاء، بناء
على العمل بمفهوم قوله (2) " لا حق لعرق ظالم " بل ليس للمالك المطالبة بالقلع،
إلزاما له بدعواه الإجارة والمزارعة.
نعم ليس له منعه لو أراد الزارع أخذه قصيلا، لعدم ثبوت حق له فيه بعد
فرض يمينه على نفي المزارعة، كما أنه ليس للعامل حق الابقاء بناء على جواز
الرجوع بالعارية وإن كانت للزرع، أخذا له باقراره بدعوى العارية كما هو واضح;
هذا كله مع كون الدعوى الفرض المزبور:
{أما لو قال:} المالك في جوابه {غصبتنيها حلف المالك} على نفي العارية
{وكان له إزالته والمطالبة بأجرة المثل، وأرش الأرض إن عابت، وطم الحفر إن
كان غرسا} لكونه حينئذ بحكم الغاصب الذي يترتب عليه ذلك. ولم يكن ثم
اقرار من المالك يلزم به، وليس هو من التداعي الأول الذي يتوجه فيه يمين على
مدعي العارية، فما عن التذكرة - من أنه يحلف العامل على نفي الغصب - في غير محله
خصوصا بعد اعترافه بترتب الأحكام المزبورة التي يكفي فيها عدم تحقق الإذن من

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
(2) الوسائل الباب - 33 من أبواب الإجارة الحديث - 3 المستدرك ج 3 ص 149.
40

المالك، الحاصل بيمينه على نفي العارية التي يدعيها الزارع كما هو واضح.
المسألة {الرابعة: للمزارع} بالفتح {أن يشارك غيره} في حصته {و
أن يزارع عليها غيره} بحصته أو أقل منها {ولا يتوقف} ذلك {على إذن
المالك} بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل عن ظاهر الغنية الاجماع عليه،
لانتقال المنفعة إليه بعقد المزارعة (1) و " الناس مسلطون على أموالهم "
نعم ليس له تسليم الأرض إلا بإذن المالك على الوجه الذي تسمعه في كتاب
الإجارة، وفي موثق سماعة (2) دلالة على ذلك في الجملة " قال سألته عن المزارعة قلت:
الرجل يبذر في الأرض مئة جريب أو أقل أو أكثر طعاما أو غيره، فيأتيه رجل فيقول
له: خذ مني نصف ثمن هذا البذر الذي زرعته في الأرض ونصف نفقتك علي، وأشركني
فيه قال: لا بأس، قلت: وإن كان الذي بذر فيه لم يشتره بثمن، وإنما هو شئ كان
عنده، قال: فليقومه قيمة كما يباع يومئذ، ثم ليأخذ نصف الثمن، ونصف النفقة
ويشاركه ".
ولعله لذا اشترط بعضهم فيما حكي عنه في جواز المزارعة والمشاركة كون البذر
منه، ليكون تمليك الحصة منوطا به، قال: وبه يفرق بينه وبين عامل المساقاة، حيث
لا يصح له أن يساقي غيره كما سيأتي، ولأن البذر إذا كان من صاحب الأرض،
فالأصل أن لا يتسلط عليه إلا مالكه، أو من أذن له، وهو المزارع، واستحسنه في
المسالك في المزارعة، قال: " أما المشاركة فلا. لأن المراد بها أن يبيع بعض حصته
في الزرع مشاعا بعوض معلوم، وهذا لا مانع منه، لملكه لها فيتسلط على بيعها كيف
يشاء، بخلاف ابتداء المزارعة، إذ لا حق له حينئذ إلا العمل، وبه يستحق الحصة
مع احتمال الجواز مطلقا، لأن لزوم عقدها اقتضى تسلطه، على العمل بنفسه وغيره
وتملكه للمنفعة والتصرف في البذر بالزرع وإن لم يكن بنفسه، حيث لا يشترط
عليه اختصاص، فيجوز نقله إلى الغير كما يجوز الاستنابة، ويضعف بأن البذر

(1) البحار ج 2 ص 274 - الطبعة الحديثة.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 1 -.
41

حينئذ ليس ملكا له، وإنما هو مأذون في التصرف بالزرع فيه، وبه يملك الحصة
وقد يقال: إن هذا كاف في جواز مزارعة الغير، لأنها عبارة عن نقل حقه في ذلك
إليه وتسليطه على العمل فيجوز له كما يجوز له التوكيل فيه والاستنابة بغيرها
من الوجوه - ثم قال: هذا كله إذا لم يشترط المالك عليه العمل بنفسه، وإلا لم يجز
المشاركة ولا المزارعة بحيث يصير العمل كله أو بعضه متعلقا بغيره، ولا يرد أن ذلك
يقتضي منع المالك من التصرف فيما له، فيكون منافيا للمشروع، لأن " الناس
مسلطون على أموالهم " لأن ذلك حيث لا يعارضه حق غيره، وإلا لم تتم الكلية،
ضرورة تخلفها في كثير كالراهن والمفلس ".
قلت: قد تبع بذلك كله أو أكثره ما في جامع المقاصد، {لكن} لا يخفى
عليك ما في تفسير هما المشاركة المذكورة في المتن وغيره، خصوصا بعد قول المصنف
وغيره {لو شرط المالك الزرع بنفسه لزم، ولم تجز المشاركة إلا بإذنه} ضرورة
أنه لا معنى لمنعها، بناء على أنها عبارة عن شراء بعض حصة العامل بعد ظهورها، و
ملكه إياها، لعدم منافاة ذلك لاشتراط الزرع بنفسه، حتى لو احتاجت بعد إلى
العمل الذي يمكن شراء الحصة منه، مع المحافظة على البقاء على العمل بنفسه
الذي هو في الحقيقة لحصته وحصة رب الأرض، فليس هو مستحقا له أجمع، والفرض
كون الشركة في حصته.
ومن هنا أنكر الأردبيلي فيما حكي عنه على التفسير المذكور، وقال: " إن
ظاهر العبارات أعم من ذلك، بل غير ذلك وهو شركة غيره معه بالعمل المشروط له
عليه ببعض الحصة المشروطة له، فكأنه يرجع إلى المزارعة في البعض، وهو جيد
ولا ينافيه حينئذ ذكر المزارعة بعدها المحمول على إرادة عدم شركته معه في العمل،
بل يكون المزارع الثاني هو المستقل، ويكون للأول من نفس منفعة الأرض مثلا.
أو يقال: إن المراد الشركة معه في العمل ببعض الحصة بطريق الصلح.
ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر أنه لا وجه للمنع من مزارعة الغير حتى مع
اشتراط الاختصاص في العمل، إذ لا يعتبر في تحقق المزارعة العمل من المزارع كما
42

عرفته سابقا، بل يكفي فيها دفع العوامل أو بعض البذر، بل يمكن مزارعة الغير
على وجه يكون هو الأجير له في العمل.
ولعله لذا اقتصر المصنف على عدم جواز المشاركة مع اشتراط الزرع بنفسه
بخلافه في القواعد حيث قال: " وللمزارع أن يشارك غيره، وأن يزارع عليها غيره
وإن لم يأذن المالك ".
نعم لو شرط الاختصاص لم تجز المشاركة ولا المزارعة، اللهم إلا أن يريد
الاختصاص بالحصة أيضا، لكن في صحة هذا الشرط حينئذ بحث، لعموم تسلط
الناس، ولما حكي من الاجماع في كتاب البيع على عدم صحة مثل هذا الشرط، وقياس
ذلك على الراهن والمفلس في غير محله، وكان الذي أوقع ثاني المحققين، والشهيدين
في التزام ذلك تفسيرهم الشركة هنا بما سمعت، وفيه ما عرفت، كما أنه لا يخفى عليك
ما في الوسوسة في عدم اعتبار كون البذر منه في جواز المزارعة أيضا، ضرورة كون
ذلك مقتضى العمومات، والمنع في المساقاة - إن كان الاجماع أو غيره - لا يقتضي المنع
هنا، بل عن ظاهر الغنية الاجماع عليه، بل لم نعرف القائل به بالخصوص، عدا ما في
الحواشي المنسوبة إلى الشهيد من نسبته إلى عميد الدين، ولا ريب في ضعفه لما عرفته
من كفاية عقد المزارعة في تمليك الحصة من غير حاجة إلى ملك البذر، كالمزارع
الأول والخبر الأول لا دلالة فيه على ذلك بل لعله خارج عما نحن فيه، بكون المراد
منه السؤال عن المزارعة بهذا الوجه، أي تملك الزرع بالطريق المذكور، لا أن المراد
عقد المزارعة ولا أن العامل باعه ما ملكه بالمزارعة فتأمل جيدا.
المسألة {الخامسة: خراج الأرض ومؤنتها} كأجرتها ونحوها {على
صاحبها} لأصالة براءة ذمة العامل الذي لم يوجب عليه عقد المزارعة ذلك ونحوه
بل في خبر سعيد الكندي (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني آجرت قوما أرضا
فزاد السلطان عليهم، قال: اعطهم فضل ما بينهما، قلت: أنا لم أظلمهم ولم أزد عليهم
قال: إنهم إنما زادوا على أرضك ".

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 10.
43

وإن قال في الرياض: " فيه قصور من حيث السند، ومخالفة في المتن لقاعدة
" لا تزر وازرة وزر أخرى " ولذا قال الراوي ما سمعت، ثم قال: ويستفاد من التعليل
انسحاب الحكم في كل موضع يشابه مورده، كما يتفق كثيرا في بلادنا من الظلم على
سكنة الدور بمال يكتب عليها، فمقتضى الأصل والقاعدة براءة ذمة أربابها وصرف
الغرامة إلى السكنة: فإن المظلوم من ظلم، ولكن الحال في السند كما ترى، ولا
أجد له جابرا، فيشكل الحكم به هنا أيضا ".
قلت: لعل ما في الخبر المزبور من الخراج الذي هو على مالك الأرض، ضرورة
عدم تقديره بقدر فقد يزيد السلطان فيه، وقد ينقص، لاختلاف الأزمنة والرجوع
به على المالك إنما هو باعتبار أخذ السلطان العوض عنه، فكأنه قد اشترى من
السلطان ذلك {إلا أن يشترطه على الزارع} فيلزم حينئذ.
لكن في المسالك " لو شرط عليه الخراج فزاد السلطان فيه زيادة، فهي على
صاحب الأرض، لأن الشرط لم يتناولها، ولم تكن معلومة، فلا يمكن اشتراطها
ولو شرطا ذلك أو بعضه عليها، أو اخراجه من الأصل والباقي بينهما فهو كما لو شرط
المالك زيادة على العامل، لأنه بمعناه ".
وأشكله بعض الناس بأنه مناف لما يفيده ظاهر جملة من النصوص من اغتفار
مثل هذه الجهالة، ففي صحيح داود بن سرحان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل
تكون له الأرض يكون عليها خراج معلوم، وربما زاد وربما نقص فدفعها إلى
الرجل على أن يكفيه خراجها، ويعطيه مأتي درهم في السنة، قال: لا بأس ".
وفي صحيح يعقوب بن شعيب (2) عنه أيضا " سألته عن الرجل تكون له الأرض
من أرض الخراج فيدفعها إلى رجل على أن. يعمرها ويصلحها ويؤدي خراجها، وما
كان من فضل فهو بينهما. قال: لا بأس ".
بل في الحدائق أنه ورد في النصوص ما هو أعظم من ذلك وهو إجارتها أو قبالتها

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 2.
44

بما عليها من الخراج قل أو كثر، قال إبراهيم بن ميمون (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن قرية لأناس من أهل الذمة لا أدري أصلها لهم أم لا، غير أنها في أيديهم وعليهم
خراج، فاعتدى عليهم السلطان فطلبوا إلي فأعطوني أرضهم وقريتهم على أن أكفيهم
السلطان بما قل أو كثر ففضل لي بعد ذلك فضل بعد ما قبض السلطان ما قبض قال:
لا بأس بذلك، لك ما كان من فضل ".
وفي صحيح أبي بردة بن رجا (2) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القوم يدفعون
أرضهم إلى رجل فيقولون: كلها وأد خراجها قال: لا بأس إذا شاؤوا أن يأخذوها
أخذوها ".
وخبر أبي الربيع (3) " قال أبو عبد الله عليه السلام في رجل يأتي على قرية وقد اعتدى
عليهم السلطان فضعفوا عن القيام بخراجها والقرية في أيديهم، ولا يدري هي لهم أم
لغيرهم فيدفعونها إليه على أن يؤدي خراجها فيأخذها منهم، ويؤدي خراجها و
يفضل بعد ذلك شئ كثير قال: لا بأس بذلك إذا كان الشرط عليهم بذلك ".
لكن في الرياض بعد أن ذكر صحيح ابن سرحان قال: " ونحوه غيره، وفي
الدلالة ضعف، فإن غايته نفي البأس الغير الملازم للزوم الذي هو المطلوب، لأعميته
منه، فقد يجامع جواز الرجوع، ويكون المطلوب من نفي البأس حينئذ بيان الجواز
مح حصول التراضي، ألا ترى إلى الصحيح، أي صحيح أبي بردة (4) قد حكم فيه بنفي
البأس عن نحو ذلك، مع تصريحه بجواز الرجوع، فظهر أن المراد من نفي البأس
حيث يطلق. إنما هو بيان الجواز المطلق لا اللزوم، إلا أن يقال: بأن المقصود من
التمسك بنفي البأس إنما هو اثبات الجواز، دفعا لما يتوهم من النهي عنه الناشي
من الجهالة، وحيث ثبت الجواز ثبت اللزوم، حيث يذكر في العقد اللازم عملا بما
دل على لزومه، وهذا هو السر في تمسك الأصحاب في القول بلزوم كثير من الشروط

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبوا ب أحكام المزارعة الحديث - 2.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 3.
45

في العقود اللازمة بالنصوص التي غايتها نفي البأس عنها، لا الحكم بلزومها، ولكن
هذا يتم لو دلت النصوص على نفي البأس عنها وإن ذكرت في العقد اللازم، وإلا
فالتمسك بها لذلك محل اشكال، إذا المناط في نفي البأس حيث يذكر في غير العقود
اللازمة هو حصول المراضاة، والغرر والجهالة لعلهما مغتفران معها فيما عداها،
لجواز الرجوع بعد ظهور الغرر دونها، لعدم جوازه فيها للزومها، ولعله لذا نهى
عنها، ونصوص المسألة لعلها من هذا القبيل. إذ لم يذكر فيها وقوع اشتراط ذلك
في عقد لازم، فكيف يستدل بها على الجواز ولو ذكر فيه، إلا أن يتمسك باطلاق
نفي البأس الشامل لصورتي وقوع الشرط في ضمن العقد اللازم وغيره، إلا أن في
الخروج بمثله عن عموم ما دل على النهي عن الغرر والجهالة إشكالا.
قلت: لعل الوجه في اطلاق النص والفتوى صحة هذا الشرط أنه من اشتراط
كون حق الخراج عليه، نحو اشتراط حق الزكاة على مشتري الثمرة مع عدم العلم
بمقدارها فلا يقدح جهالة ما يؤديه عن ذلك، إذ ليس هو اشتراط قدر، بل هو اشتراط
حق، وربما لا يؤدي عنه شيئا، ومرجعه إلى صيرورة الزارع كالمالك في تعلق هذا
الحق به، الذي لا إشكال في صحة اشتراطه عليه، ولو مؤكدا ومثل ذلك ليس من
الجهالة في شئ كما هو واضح.
ولعله لذا أطلق المصنف وغيره صحة الشرط المزبور مع معلومية كون الخراج
قد يزيد وينقص، كما سمعت التصريح به في النص، اعتبار المعلومية إنما وقع في
كلام بعض المتأخرين، وأنكره عليه بعض من تأخر عنه، فمن الغريب ما سمعته
من فاضل الرياض من التردد في ذلك.
ثم إن المراد بالمؤنة على ما استظهره في المسالك ما يتوقف عليه الزرع، ولا
يتعلق بنفس عمله وتنميته كاصلاح النهر والحائط ونصب الأبواب إن احتيج إليها،
وإقامة الدولاب وما لا يتكرر كل سنة، كما فصلوه في المساقاة، والمراد بالعمل الذي
على الزارع ما فيه صلاح الزرع وبقاؤه مما يتكرر كل سنة كالحرث والسقي وآلاتهما
وتنقية النهر من الحماة وحفظ الزرع وحصاده ونحو ذلك، ثم قال: " فكلامهم في
46

هذا المحل قاصر جدا، هذا كله إذا لم يشترط ذلك على الزارع، فإن شرط عليه
لزم إذا كان القدر معلوما، وكذا لو شرط بعضه معينا أو مشاعا مع ضبطه ".
قلت: لا إشكال في كون المرجع فيما ذكره مع الاطلاق تعارف ما هو على المالك
أو العامل، وإلا أشكل الحال.
وقد يقال: إن المراد بمؤنة الأرض - بقرينة ذكرهم لها مع الخراج -
ما كان مثله من أجرة الأرض عوض قبالتها، ونحو ذلك مما هو سبب في الاستيلاء علي
كون الأرض بيده، إجارة وزراعة وغيرهما، ولعل هذا أقرب عند التأمل والله العالم.
المسألة {السادسة: كل موضع يحكم فيه ببطلان المزارعة تجب لصاحب الأرض
أجرة مثل} إن كان البذر من العامل الذي يكون منه الحاصل حينئذ، كما أنه
لصاحبها إن كان البذر منه، ولكن عليه أجرة مثل العامل والعوامل، ولو كان البذر
منهما فالحاصل بينهما على النسبة، ولكل منهما على الآخر أجرة مثل ما يخصه
على نسبة ما للآخر فيه من الحصة، فإذا كان البذر بينهما مثلا، رجع المالك
بنصف أجرة أرضه، والعامل بنصف أجرة عمله وعوامله وآلاته.
وعلى هذا قياس باقي الأقسام، ولو كان البذر من ثالث فالحاصل له، وعليه
أجرة مثل الزرع وباقي الأعمال وآلاتهما، بلا خلاف في شئ من ذلك أجده، كما
اعترف به في الرياض، ووجهه ما تقدم غير مرة، وخصوصا في قاعدة " ما يضمن بصحيحه
يضمن بفاسده " بل في الرياض هنا " إن اطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في
ثبوت الأجرة لمن ليس له البذر على الآخر في مقابلة أرضه أو عمله بين أن يكون
هناك حاصل أم لا. "
وهو كذلك مع فرض شغل الأرض بالبذر، والعمل من العامل، أما مع فرض
عدم استعمال العامل الأرض، لاقدام منه على مخالفة عقد المزارعة الذي بان فساده،
أو لعلمه بالبطلان أو غير ذلك فقد يشكل ضمانه الأجرة حينئذ، بأصالة براءة الذمة
مع فرض عدم منع المالك منها، خصوصا مع علمه بالبطلان، اللهم إلا أن يفرض
كونها في يده التي هي يد ضمان، ضرورة عدم الإذن في ذلك، لفرض انحصارها في العقد
47

المفروض بطلانه، فتبقى الأرض حينئذ في يده بحكم الغصب.
لكن مع ذلك لا يخلو من نظر وتأمل، كما أنه لا يخلو اطلاقهم الأجرة الشامل
لصورتي علمهما وجهلهما، وعلم أحدهما خاصة من تأمل، خصوصا بعد ما تسمعه
منهم في المساقاة من التصريح بعدم الأجرة للعامل مع العلم ببطلانها، لكونه
حينئذ متبرعا، والمسألة من واد واحد، لولا ذلك لأمكن توجه الاطلاق هنا بأنه
لا ملازمة بين العلم بالبطلان والمجانية، بعد فرض كون دفع الأرض والعمل بعنوان
تلك المزارعة الباطلة، فتبقى حينئذ على قاعدة " احترام مال المسلم وعمله، كما
صرح به بعضهم في غير المقام، كالبيع الفاسد والإجارة الفاسدة، وكذا لا يخلو الاطلاق
المزبور من اشكال بعد تقييدهم له في المساقاة بما إذا لم يكن البطلان من اشتراط عدم
الحصة، وإلا كان متبرعا، فإن نظيره هنا أيضا آت، وإن كان يمكن أن يقال:
إن رضاه بعدمها إنما كان بعنوان العقد الذي قد فرض فساده، فلا إذن حينئذ
فيبقى تحت القاعدة التي ذكرناها فلاحظ وتأمل.
المسألة {السابعة: يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع، والزارع
بالخيار في القبول والرد، فإن قبل كان استقرار ذلك مشروطا بالسلامة، فلو تلف
الزرع بآفة سماوية أو أرضية، لم يكن عليه شئ} كما أوضحنا ذلك كله مع باقي
فروع المسألة في بيع الثمار، فلاحظ وتأمل هذا.
ولكن بقي هنا أمور لم يذكرها المصنف، منها: أن البذر مع اطلاق المزارعة
من العامل أو الهالك، صرح الفاضل في القواعد بالأول، وعن بعض العامة الثاني،
وظاهر موضع من التذكرة وجوب التعيين.
قلت: لا كلام مع فرض انصراف للاطلاق، فإنه المتبع حينئذ من غير فرق
بين البذر وغيره، وأما مع عدمه فيحتمل التعيين وإلا بطل العقد للغرر، وأن
يكون على العامل، لقوله عليه السلام (1) في جواب السؤال عن المزارعة " النفقة منك، و
الأرض لصاحبها " فيكون حينئذ كالأصل الشرعي في ذلك.

(1) الوسائل الباب - 10 من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة الحديث - 2.
48

ومنها أن الحب الثابت في الأرض في العام الآخر الذي هو غير عام المزارعة
إن كان لأحدهما كان النماء له، وعليه أجرة الأرض إن كان لغير مالكها، وإن كان من
مال المزارعة كان بينهما على حسب النسبة، ويخصه من الأجرة مقدار نصيبه، لكن
مع فرض كون الحب من الذي هو معرض عنه على وجه يجوز للملتقط التقاطه فهل
هو كذلك لأنه لا يزول عن الملك بالاعراض، بل به مع الاستيلاء، والفرض عدمه
إلى أن صار زرعا، والفرض عدم الاعراض عنه في هذا الحال، أو أنه يكون لصاحب
الأرض، لأنه من توابعها ونمائها، بل لعل كونه فيها نوع استيلاء من المالك عليه
وجهان، إلا أنه جزم في التذكرة بأنه بينهما على كل حال، خلافا لبعض العامة.
ومنها: أن ما جاء في النصوص هنا من قبالة الأرض بشئ معلوم، سنين معلومة،
وعليه خراجها وعمارتها أو قبالتها بخراجها وعمارتها، أو بغير ذلك مما تضمنته أخبار
المقام هل هو عقد برأسه، وإن أفاد فائدة المزارعة والإجارة والصلح في بعض الموارد، أو
أن المراد من لفظ التقبيل هنا ما ينطبق على ذلك المورد من العقود المعهودة ولو
الصلح وجهان، أو قولان، أقواهما الثاني كما أوضحناه في مسألة الخرص في بيع الثمار،
لعدم إفراد الأصحاب بابا للقبالة على وجه يعرف به كونها من العقود المتعارفة
في ذلك الزمان، ولم يتعرضوا لألفاظ هذا العقد، ولا لشرائطه ولا لأحكامه ولا
لموارده، و ذلك كله قرينة على أنهم فهموا من لفظ التقبيل ما ذكرناه، فالتعبير به
حينئذ كالتعبير بالأخذ والتناول ونحوهما مما يعلم عدم إرادة كونه عقدا برأسه،
ودعوى عدم صلاحية جميع العقود لبعض مواردها، فيدل على أنها عقد برأسه
قد أوضحنا فسادها في مسألة الخرص من يبع الثمار، فلاحظ وتأمل.
ومنها: أنه حيث يستحق المالك قلع الزرع فهل يضمن الزكاة لمستحقها لو فرض
بلوغه حد تعلقها إذا قلعه؟ وجهان بل قولان، لأن ظاهر المحكي عن ابن الجنيد
الأول، وظاهر الفاضل في المختلف الثاني والله العالم هذا كله في المزارعة.
49

(وأما المساقاة)
{فهي} جائزة بالاجماع من علمائنا وأكثر العامة، خلافا لأبي حنيفة
وزفر، فأنكراها للجهالة والغرر، ولا ريب في ضعفه، لنصوص المروية من الطرفين
في قصة خيبر (1) وغيرها، بل لعلها من طرقنا متواترة أو مقطوع بمضمونها.
نعم ليس في شئ منها تصريح بلفظ المساقاة، إلا أنها دالة صريحا أو ظاهرا
على مشروعية {معاملة على} سقي {أصول ثابتة} بالثاء المثلثة أو بالنون كالنخل
والشجر {بحصة من حاصلها} ولا نعني بالمساقاة إلا ذلك.
بل أطنب بعض الأفاضل في أن تسمية هذه المعاملة بالمساقاة إصلاح جديد
حدث بعد زمان الشارع، بل قال: إنه بعد زمان الصحابة والتابعين، فإن المساقاة
في اللغة كما صرح به في القواعد وغيره مفاعلة من السقي، كما يقتضيه اشتقاق الصيغة
ولم يذكر أحد من اللغويين ورود المساقاة في اللغة بالمعنى الذي ذكره الفقهاء، ولا وجدنا
ذلك في استعمالات العرب، ولو كان ثابتا لذكره أهل اللغة، كما ذكروا المزارعة وغيرها
من ألفاظ المعاملات الثابتة في اللغة، ونقلها إلى هذا المعنى في عرف الشارع أو الأئمة
عليهم السلام غير ثابت، إذ لا ذكر للمساقاة في الكتاب والسنة، ولا في الأحاديث المروية
عن أهل البيت عليهم السلام، ولذا لم يعقد أحد من أصحاب الحديث كالكليني والصدوق
بابا للمساقاة، وإنما أوردوا الأحاديث المتعلقة بها في باب المزارعة، والنقل إلى المعنى
فرع الاستعمال فيه، فما لم يثبت الاستعمال لم يثبت النقل، وثبوته عند الفقهاء إنما
يقتضي الحقيقة الشرعية على القول بثبوتها لو ثبت استعمال الشارع إياها في المعنى
المعروف، لا مطلقا، إذ لا ريب في أن للفقهاء والمتكلمين والأصوليين اصطلاحات كثيرة،
ليست بحقائق شرعية فلا يلزم من كون المساقاة حقيقة في هذا المعنى في عرف

(1) الوسائل الباب - 8 - 9 - 10 من أبواب أحكام المزارعة.
50

المتشرعة أن تكون حقيقة فيه عند الشارع، وذلك ظاهر، وقولهم سميت بذلك
لأن أكثر حاجة أهل الحجاز إلى السقي، لأنهم يسقون من الآبار لا إشعار فيه بتعيين
زمان الوضع أصلا، لاحتمال تجدد الوضع بعد الشارع بهذه العلة، ونسبة القول بها إلى
الصحابة والتابعين، ودعوى الاجماع عليها من السلف لا يقتضي تسميتها بالمساقاة عندهم،
لجواز أن يكون المراد أنهم قالوا بصحة المعاملة المسماة عند الفقهاء بهذا الاسم،
وأجمعوا عليها، وإن وقع التعبير عنها في زمانهم بلفظ آخر، وما ذكره الفقهاء من
أن الايجاب لا بد أن يكون بلفظ المساقاة وما يؤدي معناها وأن أظهر الصيغ في هذا
العقد ساقيتك، أو عقدت معك عقد المساقاة محمول على العقود الواقعة في زمانهم،
أعني زمان النقل، وليس المراد جواز العقد بلفظ المساقاة ولو في عصر الشارع، حتى
يجب القول بوضعه فيه، حذرا من لزوم استعمال الألفاظ الغير الصريحة في العقود،
(لا يقال) قول الأصحاب " المساقاة شرعا معاملة " إلى آخره يقتضي كون هذا المعنى
هو معنى اللفظ في الشرع، وكفى بقولهم هذا دليلا على النقل {لأنا نقول}:
قد ذكر الاشكال فيما ذكره الفقهاء من ألفاظ المعاملات من أنها لغة كذا، وشرعا
كذا، وأن هذا القول بظاهره لا يستقيم في الأكثر، وإن بعض المتأخرين حمل
التحديدات الشرعية في المعاملات على تحديدها بحسب عرف المتشرعة دون الشارع،
فإن صح ذلك، وإلا أمكن الحمل على إرادة المعنى الثابت شرعا، وإن كان الواضع
فيه غير الشارع.
وعلى كل حال فلا ريب في إرادة أحد المعنيين هنا إن لم يتعين ذلك في غيره،
لما عرفت من عدم ورود المساقاة في الكتاب والسنة ولا في أحاديث الأئمة عليهم السلام
والحقيقة لا تثبت بدون الاستعمال قطعا، واحتمال ثبوت الاستعمال في عصر الشارع أو
الأئمة عليهم السلام مع عدم النقل إلينا خلاف الأصل وإن كان هذا كله منه قليل الجدوى بعد
فرض عدم وجود لفظ المساقاة عنوانا لحكم في شئ مما وصل إلينا من النصوص، مضافا
51

إلى ما فيه من إمكان المناقشة في جملة مما ذكره، وإلى ما في صحيح يعقوب بن شعيب (1)
من تضمن الايجاب بلفظ " اسق " لكن قال: إنه أمر من السقي، دون المساقاة،
والمراد منه المعنى اللغوي دون العرفي، وفيه ما عرفت من أنه لا وجه لانشائية
الايجاب بلفظ الأمر مرادا منه المعنى اللغوي، بل لا بد من ملاحظة المعنى الشرعي
فيه، كما تقدم نظيره في المضاربة، وإذا جاز العقد بلفظ الأمر في ذلك الزمان، جاز
بلفظ " ساقيتك " بطريق أولى، بل هو مقتض لوضع مبدأ الاشتقاق بالمعنى المتشرعي،
إذ لا وجه لإرادة معنى من المشتق دون المشتق منه.
ومن ذلك وغيره يظهر عدم انحصار فائدة البحث عن معنى المساقاة في كلام
الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم ونحو ذلك، دون استنباط أحكام المساقاة من الخطابات
الشرعية كما ذكره الفاضل المزبور، هذا.
وربما ظهر من كلام بعض أن المزارعة تطلق في الأخبار على ما يشمل المساقاة،
فيمكن استفادة أحكام المساقاة منها، وفيه: منع كونه حقيقة، إذ غايته ثبوت الاستعمال
الذي هو أعم، خصوصا بعد أن كان المفهوم عرفا من المزارعة المعاملة على الأرض
بحصة من حاصلها، وقد صرح أهل اللغة بأن ذلك هو معنى المزارعة، وإن أريد
الاطلاق ولو على سبيل المجاز فهو مسلم، لكن يتبع وجود القرينة الصارفة عن
إرادة الخصوصية، ودعوى ثبوتها في جميع موارد استعمال المزارعة في الروايات غير
مسلم، بل مقطوع بفساده.
نعم قد ذكر بعض الفقهاء أن المخابرة المتكررة في الأخبار من المعاملة مع
أهل خيبر قال ابن الأعرابي أهل المخابرة من خيبر، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان
أقرها في أيدي أهلها على النصف فقيل خابرهم أي عاملهم في خيبر، وهي بهذا
المعنى تعم المساقاة قطعا، لكن فيه إن تفسير المخابرة بذلك ليس بثابت أيضا،
فإن أبا عبيدة نص على أن المخابرة من الخبير وهو الأكار، وفي الصحاح الخبير

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام المزارعة الحديث 2.
52

الأكار، ومنه المخابرة، وهي المزارعة. وعن المصباح المنير خبرت الأرض شققتها
للزراعة، فأنا خبير، ومنه المخابرة، وهي المزارعة، وقيل، هي من الخبرة وهي
النصيب، وقيل: من الخيار، وهي الأرض اللينة، وقيل: المخابرة المعاملة على
الأرض ببعض ما يخرج منها، والبذر من العامل، والمزارعة هي هذه والبذر من
المالك والمشهور أنهما بمعنى واحد، وحينئذ فلا يصح الاستدلال بالمخابرة على
المساقاة التي قد عرفت فساد دعوى دخولها في مفهوم المزارعة.
وكيف كان فهي معاملة كغيرها من عقود المعاوضات لكنها على أصول لا كالمزارعة
التي هي معاملة على زرع بل ينبغي أن تكون أصولا ثابتة بالثاء المثلثة لا كالخضروات
ولا كالودى غير المغروس، ونحو ذلك بل لا بد أن تكون أيضا بحصة مشاعة من ثمرها
كالإجارة التي يعتبر فيها أن تكون بأجرة معلومة معينة أو مضمونة.
نعم يراد من الثمرة هنا مطلق نماء الشجر. فيدخل فيه ما يقصد ورده وورقه،
بناء على جواز المساقاة عليه، وإن كان ستسمع تردد المصنف فيه هذا.
ولكن ظاهر المصنف وغيره أن هذه المعاملة بهذه القيود لا تكون إلا مساقاة،
وقد يناقش بإمكان دعوى جريان الصلح فيها وقيامه مقامها، بناء على قبوله لمثل
هذا العوض، إلا أنه يسهل الخطب أن المراد من أمثال هذه التعريفات التصوير
في الجملة كما ذكرناه غير مرة.
ثم إنه قد يتوهم من قول المصنف وغيره هنا " معاملة " عدم كونها بمعنى العقد
المزبور، بل هي لما يشمله والمعاطاة كما عن التذكرة التصريح به، ولكنه ليس كذلك،
لذكره نحو ذلك في المزارعة، ولقوله بعد ذلك متصلا به الأول في العقد.
نعم الكلام في صحة المعاطاة فيها على حسب ما سمعته في البيع بناء على الحاقها
به ضرورة عدم الفرق بينها وبينه والإجارة وغيرهما، حتى بالنسبة إلى دعوى السيرة
القطعية الدالة على مشروعية المعاطاة.
لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد استبعاد جريان المعاطاة في هذا العقد،
لما فيه من الغرر وجهالة العوض، بخلاف البيع والإجارة، فينبغي الاقتصار فيه على
53

موضع اليقين، إلا أنه كما ترى، إذا لاشتمال على الغرر ليس قادحا في جواز
المعاطاة بعد قيام الدليل، كما في المساقاة العقدية. نعم بناء على ما اخترناه من
الإباحة في البيع ففي جريانها في المقام ونظائره نظر، ولعل الجواز لا يخلو من
قوة مع فرض قيام السيرة الصالحة لاثبات مثل ذلك.
{و} على كل حال فتمام {النظر فيه} أي في هذا الكتاب {يستدعي فصولا}.
54

{الأول: في العقد}
{و} لا ريب بل ولا خلاف في صحة {صيغة الايجاب} لهذا العقد ب‍ {أن يقول
ساقيتك أو عاملتك أو سلمت إليك أو ما أشبهه} في الصراحة في المعنى المزبور، ولو
بضميمة القيود التي ليست قرائن مجاز، لعدم تعيين الشارع في المساقاة لفظا بخصوصه.
نعم ناقش بعض الناس في مساواة هذه الألفاظ للفظ المساقاة بأن المعاملة والعمل
والتسليم أعم منها، لا مساوية لها.
ودفعه: بأن المراد مساواتها لها بعد ذكر المتعلقات والقيود، وليس هذا من
المجاز في شئ إذ المفروض أن الألفاظ مستعملة في معانيها الحقيقة، وأن الخصوصية
مرادة من القيود لا منها.
وإن كان قد يناقش أولا: بأن إطلاقهم العقد بهذه الألفاظ شامل للعقد بها على
الوجهين.
وثانيا: بأنها حال العقد بها لا بد من استعمالها في إنشاء معنى خصوص ذلك العقد
منها، والقيود كلها قرينة على ذلك. وإلا لم يكن وجه لعقد ذلك العقد بها مع
استعمالها في المعنى الأعم منها المراد منه الخصوص، كما هو واضح بأدنى تأمل. و
منه يظهر النظر في دعوى الاجماع على عدم جواز استعمال المجاز، وإن كان صريحا
في عقد العقد اللازم.
وعلى كل حال فقد يظهر من قول المصنف وغيره أو ما أشبهه اعتبار الماضوية
في الصيغة هنا كما صرح به ثاني المحققين والشهيدين، بل قال الأخير منهما لا وجه
لا خراج هذا العقد اللازم من بين نظائره، وقد نوقش في الاكتفاء في المزارعة بلفظ
الأمر مع الاستناد فيها إلى النص، وهو منتف هنا، وإن كان فيه ما لا يخفى، إذ قد
عرفت فيما تقدم أن الموجود في النص في المزارعة لفظ المضارع، وأما لفظ الأمر فهو
55

في المساقاة في صحيح يعقوب بن شعيب (1) وحمله على المقاولة السابقة على المعاملة تكلف
من غير ضرورة، ولعله لذا جزم في التذكرة بتحقق عقد المساقاة بلفظ تعهد نخلي بكذا،
أو أعمل فيه بكذا، دون المزارعة، لورود النص فيها دونها فإن الأخبار الواردة في
المزارعة كما عرفت إنما دلت على الوقوع بصيغة المضارع، وهو خلاف المقصود، إلا أنه
لما كان قوله أزرع هذه الأرض بكذا صريحا فيها أيضا مع معلومية اتحاد أحكام المزارعة
والمساقاة أمكن القول به فيها أيضا، إلا أنه قطع به في المساقاة لما عرفت بل قواه الفاضل
الطباطبائي في مصابيحه أيضا، قال: " لأن قول القائل اسق هذا النخل ولك نصف
الحاصل مثلا صريح في إنشاء المساقاة، والقصد إلى ايقاع المعاملة بنفس هذا اللفظ
كقوله ساقيتك وعاملتك، بخلاف مثل قوله: بعني مثل هذا وصالحني أو آجرني،
فإن المفهوم من ذلك طلب البيع والصلح والإجارة مثلا، دون إنشاء وقوعها، ومثل
ذلك ما لو قال ساقني أو عاملني على هذا النخل، فإنه لا يقع العقد به، لأن مقتضاه
طلب المساقاة دون وقوعها، ولا يلزم من وقوع العقد بصيغة الأمر في الجملة وقوعه
بكل أمر، ولا من الجواز في المساقاة الجواز في كل عقد، إذ المدار على صراحة الصيغة
في انشاء المعاملة المقصودة، لا على خصوص صيغة معينة، لعدم الوضع الشرعي وانتفاء
ما يقتضي التعيين، فمتى تحققت الصراحة المطلوبة صح العقد وإن كان بغير الماضي،
وإن انتفت كان العقد فاسدا وإن كان بصيغة الماضي، ألا ترى أن الفقهاء صرحوا
في الرهن بجواز مثل " هذا وثيقة " أو رهن مع اشتراطهم الماضوية في العقود، وليس
إلا لصراحة الصيغة في عقد الرهن، وإن المطلوب في العقود صراحة الألفاظ، وإنما
اعتبرت الماضوية فيها لقرب الماضي من الانشاء، وبعده عن احتمال الوعد والطلب،
كما في المستقبل والأمر على ما صرح به غير واحد منهم، فإذا فرض مساواتها للماضي
في الصراحة صح فيها كما صح هو أيضا " وإن كان لا يخفى عليك ما في هذا الكلام إذا
أحطت خبرا بما ذكرناه في غير موضع من هذا الكتاب من أنه إن لم يكن إجماع جاز عقد
جميع العقود لازمها وغيره بجميع ما يدل على ذلك من حقيقة أو مجاز بصيغة الماضي

(1) الوسائل الباب 9 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 2.
56

وغيرها، وتكفي الصراحة الحاصلة من قرائن المجاز، كالقرائن المشخصة للمشترك المعنوي، والصراحة في الماضي الحاصلة بالقرينة المخرجة له عن احتمال الخبر،
كالقرائن المخرجة لاحتمال الطلب، والوعد في الأمر والمضارع، فإن جميعها عند
إرادة العقد بها تخرج عن إرادة الفعلية والزمانية منها.
وبذلك يظهر لك ما في دعوى الصراحة في اسق وازرع، فإن غايتها الصراحة
في المعنوي اللغوي، وهو غير معنى العقدية المساوي لحال ساقيت عند إرادته، كما هو
واضح بأدنى تأمل، ومن الغريب غفلته رحمه الله عن ذلك.
وأغرب منه ما وقع للمحقق الثاني هنا - من أن صيغ العقود اللازمة حيث
كانت محتاجة إلى التوقيف من الشارع، وقد وضع لها الشارع صيغة الماضي لكونها
أصرح صيغ الانشاء، وجب الاقتصار عليها في هذه المعاملة المشتملة على الغرر والجهالة،
عملا باليقين، إذ هو كما ترى مجرد دعوى، خالية عن الدليل، فإنه ليس في الأدلة
الشرعية ما يقتضي الوضع، بل فيها ما يقضى بخلافه في كثير من المواضع التي منها
ما سمعته في المزارعة والرهن وغير ذلك، وكذا دعوى ثاني الشهيدين من عدم صراحة
الأمر في الانشاء. وعدم النص.
وبالجملة كلام الجميع في المقام غير تام، كما لا يخفى على من تفضل الله عليه في
أحكامه بنوع من الالهام، بل مما ذكرنا يظهر لك النظر في مواضع أخر لم يذكرها في
مصابيح العلامة الطباطبائي وغيرها هذا.
وفي القواعد " لو قال: استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط مدة كذا بنصف
حاصله لم يصح، على إشكال ينشأ من اشتراط العلم بالأجرة إذا قصدت، أما إذا تجوز
بلفظها عن غيرها فلا " والظاهر أن مراده الاشكال في عدم صحة هذا القول حال عدم
العلم بحال قائله، من جهة احتمال إرادته المساقاة بلفظ آجرتك، وحينئذ يكون
صحيحا لعدم اعتبار العلم بالعوض فيها، وظاهره حينئذ جواز عقد المساقاة بالمجاز
مع قرينة، وهو مؤيد لما ذكرناه سابقا.
نعم الأقوى فيه الفساد حملا للفظ على حقيقته، والصحة لا تكون قرينة على إرادة
57

غيره، وحينئذ يكون إجارة فاسدة لا مساقاة صحيحة، وبذلك يظهر ما في كلام الكركي
حيث قال: " إنه لا دلالة لعدم اشتراط العلم مع التجوز بلفظ الإجارة في المساقاة
على صحة المساقاة بلفظ الإجارة " ثم احتمل في العبارة معنى آخر، وهو أن يكون
قوله، ولو قال: استأجرتك مرادا به الإجارة، وقوله أما إذا قصدت شرطا للحكم
في ذلك بعدم الصحة على إشكال، وقوله ينشأ من اشتراط العلم بالأجرة، بيانا لأحد
وجهي الاشكال مع ترك الآخر لظهوره، ومعنى قوله إذا تجوز بلفظها عن غيرها فلا
أن الاشكال في عدم الصحة إذا قصد بالإجارة معناها، فإذا قصد بها التجوز في غيرها
وهو المساقاة فلا إشكال في عدم الصحة، لامتناع المجازات في العقود اللازمة، فإنه
كما ترى.
{و} على كل حال ف‍ {هي لازمة كالإجارة} بلا خلاف أجده فيه عندنا،
بل إجماع علمائنا، وأكثر العامة على ذلك، للأصل وعموم قوله تعالى (1) " أوفوا "
خلافا للمحكي عن أحمد في إحدى الروايتين من القول بالجواز، قياسا على المضاربة،
ولما روي (2) أن اليهود لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقرهم بخيبر على أن
يعمروها ويكون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ما يخرج منها، قال لهم: " نقركم على ذلك
ما شئنا "، ولو كان لازما لوجب تحديد المدة، ولم يجز التقدير بالمشيئة والقياس باطل
عندنا، مع أنه ليس بأولي من قياسها على الإجارة كما أومى إليه المصنف، والرواية
غير ثابتة، ولو صحت فليس فيها ما يدل على التقدير في المشيئة في متن العقد، فيحمل
على المراضاة قبله كما عن التذكرة التصريح به، أو على اشتراط الخيار في مدتها متى
شاء، والله العالم.
{و} كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف نصا وفتوى في أن المساقاة {تصح
قبل ظهور الثمرة} بل الاجماع بقسميه عليه، كما أنها لا تصح كذلك بعد ظهورها

(1) سورة المائدة الآية 1 -.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 114.
58

وكمالها بحيث لم تحتج بعد إلى عمل تزيد به كما أو كيفا وإن احتاجت إلى عمل
كالجذاذ والنقل والحفظ من السارق ونحو ذلك، لعدم موضوع شرع المساقاة حينئذ
{وهل تصح بعد ظهورها} مع بقاء عمل كسقي أو حرث وغيرهما مما تزيد به الثمرة
كما أو كيفا {فيه تردد} من أصالة الفساد بعد الشك في تحقق موضوع شرع
المساقاة، لعدم إطلاق أو عموم بالخصوص فيها يتمسك به في تنقيح موردها، بل قد
يشك في تناول (1) " أوفوا بالعقود " (2) " وإلا أن تكون تجارة عن تراض " لذلك،
على وجه يقضي بشرعية الفرد المشكوك فيه من العقد المخصوص الذي قد فرض عدم
ما يصلح شارعا فيه بالخصوص لجميع أفراده من عموم أو اطلاق، ضرورة احتمال إرادة
بيان اللزوم خاصة من الآية الأولى في العقود المتعارفة، كاحتمال إرادة بيان شرعية
التجارة المعروفة في الخروج عن أكل المال بالباطل، لا أن المراد بيان شرعية كل عقد
وكل تجارة على وجه يشمل المقام، والاجماع إنما هو على شرعية المساقاة في
الجملة، لا كل ما يصدق عليه ذلك، وصحيح ابن شعيب (3) وقصة خيبر (4) ظاهران
فيما قبل الخروج ومن أن المفروض أولى بالمشروعية من غير الخارج، لكونه
أبعد عن الغرر بالوثوق بالثمرة، ولحصول حكمة مشروعية المساقاة وفائدتها
في المفروض.
ولعله لذا {و} نحوه كان {الأظهر} عند المصنف وغيره {الجواز بشرط أن
يبقى للعامل عمل وإن قل مما تستزاد به الثمرة} وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد
الإحاطة بما ذكرناه، فالأولى والأحوط مع إرادة ذلك الرجوع إلى الصلح أو الإجارة
خصوصا فيما لو كان العمل بحيث لولاه لاختل حال الثمرة إلا أنه لا تحصل
به زيادة.

(1) سورة المائدة الآية - 1.
(2) سورة النساء الآية - 29.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 2.
(4) الوسائل الباب - 8 - 9 - 10 - من أبواب أحكام المزارعة.
59

وإن قال في جامع المقاصد: إن أمكن تحقق هذا الفرض ينبغي القول بالصحة
لأنه لم يتحقق تناهي بلوغ الثمرة، فتحققت الزيادة، لأن كمال البلوغ ونهاية
الادراك زيادة فيها.
لكن في المسالك بعد أن فرضه في مثل حفظها من فساد الوحش ونحوه قال:
" مقتضى القاعدة عدم الجواز " وهو كذلك بعد الإحاطة بما عرفت مما يشكل معه
تحقق المساقاة بعد ظهور الثمرة، وإن حصل بعمله نفسه نمو لها في الكم أو الكيف،
فضلا عن مثل هذا الفرض والله العالم
{و} على كل حال ف‍ {لا تبطل} المساقاة {بموت المساقي ولا بموت العامل
على الأشبه} بأصول المذهب وقواعده التي منها استصحاب صحة العقد ولزومه
كغيره من العقود اللازمة التي قد عرفت ذلك في المزارعة منها، كما أنك قد عرفت
الحكم هناك فيما لو كان اشترط عليه العمل بنفسه مع ظهور الثمرة وبعده، فلاحظ
فإن المسألتين من واد واحد، مع أنه سيأتي بعض ذلك أيضا في مسألة ما لو هرب
العامل، خلافا للمحكي عن الشيخ من البطلان بالموت كالإجارة، وفيه بعد تسليم
ذلك في المقيس عليه أنه غير جائز عندنا.
الفصل الثاني: في ما يساقى عليه
{وهو كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه} لا نحو البطيخ والباذنجان
وقصب السكر والقطن ونحوهما مما هو ملحق بالزرع، فإن هذه وما شابهها ليست
كذلك وإن تعددت اللقطات، بل لو وإن بقي القطن أزيد من سنة، لكن أصول هذه
لا بقاء لها غالبا، واضمحلالها معلوم عادة، ولا دليل على جواز عقد المساقاة عليها، إذ ليس
هو إلا ما وقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر (1) وصحيح يعقوب بن شعيب (2) ولا عموم

(1) الوسائل الباب - 9 - و 10 - من أبواب أحكام المزارعة.
(2) الوسائل الباب - 9 - و 10 - من أبواب أحكام المزارعة.
60

فيها، سيما بالنسبة إلى ذلك و (1) " أوفوا بالعقود " (2) و " إلا إن تكون تجارة عن
تراض " لا يثبت بهما شرعية الأفراد المشكوكة من المعاملة المعهودة التي لها أفراد
متعارفة، وإنما المراد من الأول بيان اللزوم، ومن الثاني عدم أكل المال بالباطل
إذا كان بالتجارة المتعارفة، لا أن المراد شرعية كل عقد وكل تجارة يقع الاتفاق
عليها من المتعاقدين، كما هو واضح بأدنى تأمل، فما عن الشيخ من جواز المساقاة
على ما يجز مرة بعد أخرى واضح الضعف.
وعلى كل حال {ف‍} قد بان لك أنه {تصح المساقاة على النخل والكرم
و} باقي {شجر الفواكه} بل ذلك هو الثابت مما وصل إلينا من نصوص مشروعيتها
التي ليست في شئ منها إطلاق يقتضي شرعية كل فرد منها، وقياسها على المزارعة
أ {و} استنباط حكمها منه لا يخفى عليك ما فيه خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرنا.
نعم {فيما لا ثمرة له} من الأشجار {إذا كان له ورق ينتفع به كالتوت}
بالتاء المثناة {والحناء على تردد} من كونها من الأشجار، وغلبة الظن بوجوده
في خيبر، بل في جامع المقاصد كاد يكون معلوما، ومساواة الورق لغيره في كونه
ثمرة، وفي بعض الأخبار (3) " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من
النخل والشجر " وما من أدوات العموم ومما عرفت من أن هذه المعاملة على خلاف
الأصل، وفيها من الغرر ما ليس في غيرها، فالمتجه الاقتصار فيها على المتيقن،
خصوصا بعد ما عرفت من عدم الاطلاق.
ولو قيل بالتفصيل بين المساقاة على هذه تبعا لغيرها من أشجار الفواكه فيجوز
ومستقلة فلا يجوز، لكان وجها، كالتفصيل في التوت بين كونه في بلاد يكون ورقه
ثمرة، وغيرها، فيجوز في الأول دون الثاني كما في بلادنا الآن، والمراد منه الذكر لا

(1) سورة المائدة الآية - 1.
(2) سورة النساء الآية - 29.
(3) المستدرك ج 2 ص 502.
61

الأنثى الذي له ثمر معلوم والله العالم.
{و} كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه {لو ساقى على ودي} أي غير
المغروس من فسيل النخل أو الصغار {أو} على {شجر غير ثابت لم يصح} بلا خلاف
أجده فيه بيننا {اقتصارا} في المعاملة المخالفة للأصول {على موضع الوفاق} وعلى
الثابت من النصوص التي قد عرفت {أما لو ساقاه على ودي مغروس إلى مدة يحمل
مثله فيها غالبا صح وإن لم يحمل فيها} قيل: لأن مبنى المساقاة على تجويز ظهور
الثمرة، وظنه بحسب العادة، فإذا حصل المقتضي صح، وإن تخلف كما لو ساقاه على
الشجر الكثير واتفق عدم ثمرة، بل لا أجرة له على عمله، لأنه أقدم على ذلك، بل في
المسالك " أنه يجب عليه اتمام العمل في باقي المدة، وإن علم بالانقطاع قبلها، ومثله
ما لو تلفت الثمار كلها أو أكلها الجراد أو غصبها غاصب، فإنه في جميع ذلك يجب على
العامل إكمال العمل، ولا أجرة له وإن تضرر، كما يجب على عامل القراض انضاض
المال وإن ظهر الخسران، بل هنا أقوى، للزوم العقد ووجوب العمل، واحتمل في
التذكرة انفساخ العقد لو تلف الثمار بأسرها، واستشكل الحكم في القراض، فارقا
بينهما بأن المباشر للبيع والشراء في القراض العامل، فكان عليه انضاض المال، بخلاف
عامل المساقاة، ويندفع بأن المساقاة عقد لازم فلا يؤثر فيه تلف العوض، بخلاف القراض
فإذا وجب على عامل القراض مع جوازه، وكون تغييره للمال بإذن المالك، فهنا أولى.
ويمكن أن يقال: إن تلف الثمرة هنا يكون كتلف العوض المعين قبل القبض
المقتضي للبطلان في البيع ونحوه وفيه نظر.
قلت: لا ريب في أن الموافق للضوابط الشرعية الانفساخ بعدم خروج الثمرة،
لاعتبار العوض في هذه المعاملة، وقد انكشف عدمه، وجواز الاقدام ظاهرا اعتمادا على
المعتاد لا يقتضي الصحة، فضلا عن اللزوم بعد الانكشاف، وليس العوض فيها الثمرة
من حيث كونها مظنونة، بل العوض فيها الحصة من الثمرة واقعا، وعدم بطلان البيع
في بعض الصور الخاصة بعدم خروج الثمرة مع القول به بدليل خاص، كالتعليل في بعض
62

النصوص (1) بأنه إن لم يخرج في هذه السنة يخرج في السنة الأخرى وغيره، بل قد يقال:
بالبطلان بالتلف السماوي لها بعد الظهور قبل الادراك، بناء على أن العوض الثمرة
مدركة، وبالجملة لا ينكر أصالة ذلك في عقود المعاوضة التي من المعلوم عدم كون
القراض منها، وإن كان هو شبه المعاوضة في المعنى مع حصول الربح، لا أنه عقد معاوضة
قد لوحظ فيه معنى التعاوض والمقابلة، ولعله لذا احتمل في التذكرة ما سمعت، بل في
جامع المقاصد في فرع ذكره في أثناء مسألة ما لو ظهر استحقاق الأصول " الجزم بعدم
وجوب إكمال تمام العمل عليه تمام المدة مع عدم خروج الثمرة " إنما الكلام في أنه
انفساخ من حينه أو انكشاف وجهان: ولعل أولهما هو الظاهر من الحكم بالصحة
في المتن وغيره من كتب الأصحاب، مع احتمال إرادة الحكم بها ظاهرا.
وعلى كل حال فالظاهر عدم استحقاقه الأجرة، لاقدامه على نحو ذلك اقدام
عامل القراض، مع احتمال الأجرة على الثاني هذا كله فيما يحمل مثله عادة.
{و} أما {إن قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالبا} عادة {أو كان الاحتمال
على السواء لم يصح} لأصالة الفساد، بعد ما عرفت من عدم إطلاق أو عموم يقتضي
الصحة في نحو الفرض، حتى لو اتفق حصول الثمرة فيها في تلك المدة على خلاف العادة
مع فقد الوثوق بالحصول.
نعم لا إشكال في الصحة فيما لو ساقاه مثلا عشر سنين، وكانت الثمرة لا تتوقع
في العادة إلا في العاشرة، لصيرورة الثمرة حينئذ فيها مقابلة للعمل في جميع المدة،
ولا يقدح خلو غيرها من السنين، فإن المعتبر حصول الثمرة في مجموع المدة، لا في
جميعها كما هو مقتضى السيرة وغيرها والله العالم.
الفصل {الثالث}
{في المدة} ولا خلاف معتد به أجده باعتبارها فيها {ويعتبر فيها} أي المدة

(1) الوسائل الباب 1 - من أبواب بيع الثمار، الحديث 1 - 8.
63

{شرطان} أحدهما: {أن تكون مقدرة بزمان لا يحتمل الزيادة والنقصان} كقدوم
الحاج وإدراك الغلة وإن كانت هي الغلة المعامل عليها المشهور، كما في المسالك،
وقوفا فيما خالف الأصل، واحتمال الغرر والجهالة على موضع اليقين، واكتفى
ابن الجنيد بتقديرها بالثمرة المساقى عليها، نظرا إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة
كالمعلوم، ولأن المقصود منها هو العمل إلى إكمالها، ولأن العقد مبني على الغرر
والجهالة، فلا يقدحان فيه، والأجود الأول، وإن كان كلامه لا يخلو من وجه، و
اعلم أن الاتفاق على تقديرها في الجملة كما قررناه، وأما تركها رأسا فيبطل العقد
قولا واحدا، ولأن عقد المساقاة لازم كما تقدم، ولا معنى لوجوب الوفاء به (1) [دائما
ولا] إلى مدة غير معلومة، ولا إلى سنة واحدة، لاستحالة الترجيح بلا مرجح.
نعم من قال من العامة بأنها عقد جائز لا يعتبر عنده تعيين المدة، لانتفاء
المحذور الذي ذكرنا.
قلت: مضافا إلى ما في قصة خيبر من ظهور ذكر المدة باعتبار كون المحكي
منها أن الواقع قد كان مزارعة ومساقاة بعقد واحد، وعلى كيفية واحدة، وقد عرفت
هناك النصوص الدالة على اعتبار المدة في المزارعة، فيكون الواقع منه عليه السلام مذكورا
فيه المدة، والأصل عدم مشروعية غيره، مع ما فيه وفي غيره من إيماء كونهما على
كيفية واحدة بالنسبة إلى ذلك وغيره، إلا أن تلك بحصة من الزرع، وهذه من
الشجر والنخل، بل وظهور كونهما بمعنى الإجارة المعلوم فيها اعتبار ذلك.
والانصاف أن العمدة الاجماع الذي سمعته، وإلا فلزومها لا ينافي عدم اعتبار
ذكر المدة فيها، فيكون المساقي له استحقاق في الثمرة أبدا، ويستحق عليه الأعمال
المشروطة أو المتعارفة خصوصا وصحيح يعقوب بن شعيب (2) الذي هو دليل مشروعية
المساقاة مع قصة خيبر خال عن ذكر المدة قال فيه: " سألته - أي الصادق عليه السلام - عن
الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان والنخل والفاكهة فيقول: اسق هذا من الماء

(1) هكذا في النسخ والظاهر زيادة " دائما ولا ".
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 2.
64

واعمره ولك نصف ما خرج، قال: لا بأس " بل لعل ذلك هو الظاهر من الإسكافي لا ما حكاه
هو وغيره عنه، فإن الذي عثرنا عليه من كلامه في المختلف أنه قال: " ولا بأس بمساقاة
النخل وما شاكله سنة وأكثر من ذلك إذا حصرت المدة أو لم تحصر "، فإن مراده نفي
البأس في المساقاة عن السنة والأكثر مع ذكر المدة، وعنها مع عدم ذكر مدة أصلا،
ولا تعرض فيه لبلوغ ثمرة وغيرها، فيمكن قوله بلزومها والاستحقاق دائما وأبدا مع
عدم حصر المدة، إلا أن يكون هناك تعارف ينزله على سنة العقد خاصة.
نعم لا اشكال بل ولا خلاف معتد به باعتبار تقديرها مع التعرض لها بما لا يحتمل
الزيادة والنقصان، كما في كل عقد جيئ بها فيه، من غير فرق بين ما كانت معتبرة في صحته
كالإجارة، وبين غيره كمهر النكاح وثمن البيع ونحوهما فتأمل جيدا.
{و} على كل حال فالشرط الثاني {أن تكون} المدة المذكورة في المساقاة
{مما تحصل فيه الثمرة غالبا} وإن قلت كما إذا ساقاه في آخر العمل بحيث يبقى
منه يسير مما فيه مستزاد للثمرة يكفي فيها الشهر مثلا، وعلى هذا المدار في جانب
القلة، وقد تقدم في المزارعة البحث فيما دون ذلك، مع امكان دعوى الفرق بين المقام
وبينها وبين الإجارة للزرع، بالقول أن الثابت من شرعيتها ذلك دون غيره، مع عدم
إطلاق أو عموم يقتضيه بخلافه فيهما، أما الكثرة فلا حد لها عندنا، خلافا للشافعي
حيث شرط أن لا تزيد على ثلاثين سنة، وهو تحكم.
وقد تقدم الكلام أيضا في المزارعة فيما لو فرض اتفاق قصور المدة عن الادراك
على غير الأسباب العادية فلاحظ وتأمل، بل منه يعلم الحال أيضا فيما لو اتفق عدم
خروج الثمرة أصلا في المدة الذي قد صرح بعضهم فيه هنا بأنه لا شئ له، لا أجرة
مثل ولا غيرها، حتى لو خرجت الثمرة بعد المدة على غير المتعارف والله العالم.
65

الفصل {الرابع
العمل} الذي لا يعتبر فيه أن يكون سقيا وإن كان قد يتوهم من لفظ
المساقاة المراد منها الأعم من ذلك ومن غيره، فيجوز عقدها حينئذ على ما لا حاجة
إلى السقي كما قد صرح به غير واحد نعم قد ذكر غير واحد من العامة {و} الخاصة
أن {اطلاق المساقاة يقتضي قيام العامل} بكل ما يتكرر كل سنة {بما فيه
زيادة النماء} في الكم أو الكيف {من الرفق} بحرث الأرض وحفرها المحتاج
إليه، وما يتوقف عليه من الآلات والعوامل من البقرة وخشبة الحرث والسكة و
المساحي ونحو ذلك، بل في جامع المقاصد: لا نعلم في وجوب ذلك خلافا هنا وفي
المزارعة، {واصلاح الأجاجين} أي الحفر التي يقف الماء فيها في أصول الشجر
{وإزالة الحشيش المضر بالأصول وتهذيب الجرايد} بقطع ما يحتاج إلى القطع
منها، وكذا زباد الكرم وتهذيب الشجر من غير فرق في ذلك بين الجزء اليابس وغيره
{والسقي) ومقدماته المتكررة في سنة كالدلو والرشا واصلاح طريق الماء و
تنقيتها من الحمأة ونحوها، واستقاء الماء وفتح رأس الساقية وسدها عند الفراغ
على ما تقتضيه الحاجة {والتلقيح العمل بالناضح وتعديل الثمرة} بإزالة
ما يضر بها من الأغصان والورق ليصل إليها الهواء وما تحتاج إليه من الشمس، و
ليتيسر قطعها عند الادراك، ووضع الحشيش ونحوه فوق العناقيد صونا لها عن
الشمس المضرة بها ورفعها عن الأرض كذلك، {واللقاط} للثمرة بحسب نوعها و
وقتها مما يؤخذ للزبيب، يقطعه عند حلاوته في الوقت الصالح له، وما يعمل دبسا
فكذلك وما يؤخذ يابسا فعند يبسه {وإصلاح موضع التشميس} المحتاج إليه
{ونقل الثمرة إليه} وتقليبها فيه {وحفظها} على أصولها {و} في بيدرها،
وطريق إيصالها إلى المالك إن لم يكن هو المتولي إلى غير ذلك مما ذكروه بالنسبة
إلى العامل، كما أنهم قد ذكروا أيضا أن إطلاقها أيضا يقتضي {قيام صاحب الأصل
66

ببناء الجدار وعمل ما يستقى به من دولاب أو دالية وإنشاء النهر} والبئر ونحو
ذلك مما لا يتكرر في كل سنة فإنه الضابط فيه أيضا وإن عرض له التكرر في
بعض الأحوال.
نعم في القواعد " في البقر التي تدير الدولاب تردد " ولعله من أنها مال لا عمل،
ولا يتكرر كل سنة، ومن أنها تراد للعمل، فأشبه بقر الحرث، ولأن الإدارة
واجبة على العامل، فتجب مقدمته، وعن الشيخ والفاضل في المختلف الأول، وعن
ابن إدريس الثاني، وتوقف فيه في جامع المقاصد.
{و} كذا الكلام في {الكش للتلقيح و} نحوه فإنه {قيل} كما عن
ابن إدريس {: يلزم ذلك العامل وهو حسن} عند المصنف {لأن به يتم التلقيح}
وقيل: على المالك كما عن الأكثر لأنه ليس من العمل، وإنما هو من الأعيان التي
تصرف إلى مصلحة الثمرة، وكذا ترددوا في بناء ثلم الجدران ووضع الشوك عليه في
أنه على المالك، أو على العامل، إلى غير ذلك من كلماتهم التي قد يشكل الفرق
فيها بين عوامل الحرث وعوامل الاستقاء، بل بينها وبين الكش أيضا، فإن الجميع
مال من العامل بل قد يشكل الحكم بوجوب ما لا مدخلية له في زيادة الثمرة ولا في
اصلاحها كالحفظ والنقل ونحوهما.
وأما ما ذكروه من الضابطين فلا أثر له في شئ من الأدلة، فالمتجه حينئذ
الرجوع في مثل ذلك إلى المتعارف في اطلاق عقد المساقاة مما يجب على العامل و
المالك.
وأما غيره فيتبع الشرط، وإلا كان عليهما إذا أراداه، لأن المال مشترك
بينهما، أو أن الأصل فيه وجوبه على العامل، لنحو ما سمعته في المزارعة من صحيح
يعقوب بن شعيب (1) عن أبي عبد الله عليه السلام الذي فيه " سألته عن المزارعة فقال: النفقة
منك، والأرض لصاحبها فما أخرج الله من شئ قسم على الشطر، وكذلك أعطى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر حين أتوه، فأعطاهم إياها على أن يعمروها، ولهم النصف

(1) الوسائل الباب - 10 من أبواب أحكام المزارعة الحديث - 2.
67

مما أخرجت " فإن ظاهر تشبيهه عليه السلام يقتضي كون وضع المساقاة على الوجه المزبور،
فليس على المالك حينئذ إلا دفع الأصول، كما أنه ليس على المزارع إلا دفع الأرض،
اللهم إلا أن يكون هناك تعارف أو شرط.
{و} على كل حال ف‍ {لو شرط} المالك {شيئا من ذلك} مما عليه
مع الاطلاق أو جميعه {على العامل صح بعد أن يكون معلوما} على وجه يرتفع
معه الغرر المنافي للعقد، لعموم (1) " المؤمنون عند شروطهم ".
{و} أما {لو شرط العامل على رب الأصول} جميع {عمل العامل له
بطلت المساقاة، لأن الفائدة لا تستحق إلا بالعمل} ولعدم ما يدل على صحتها
على هذا الوجه، بل الظاهر من الثابت منها اعتبار ماله مدخلية في زيادة الثمرة أو
صلاحها من العمل في استحقاق الحصة.
{و} من هنا {لو أبقى العامل} عليه {شيئا من عمله {الذي له المدخلية
المزبورة {في مقابلة الحصة من الفائدة وشرط الباقي على رب الأصول جاز}
للعموم المذكور، خلافا للمحكي عن المبسوط من عدم الجواز معللا له بأنه خلاف
وضع المساقاة، وهو ممنوع مع أنه منقوض لما اعترف بجوازه فيما سيأتي، من اشتراط
عمل غلام المالك معه الذي هو بمنزلة عمله.
نعم لو أبقى العامل ما لا تحصل به مستزاد الثمرة كالحفظ لم يصح، لمنافاته
وضع المساقاة الثابت من الشرع، كما لو ساقاه وقد بقي من العمل ذلك، لكن لو أرادا
ذلك وجعلاه معقد الإجارة مثلا جاز.
فتحصل مما ذكرناه أنه مع الشرط يعمل عليه إلا إذا كان منافيا لمقتضى العقد،
إلا أن هذا كله في اشتراط المخالف لمقتضى الاطلاق، أما إذا شرط ما اقتضاه كان
تأكيدا، ولو شرط بعضه كان تأكيدا له، بل ربما كان له ثمرة من حيث الاشتراط، و
وجب الاتيان بالباقي الذي تقتضيه الاطلاق، اللهم إلا أن يفهم من نفس الاشتراط

(1) الوسائل الباب - 20 من أبواب المهور الحديث - 4.
68

أو من قرينة أخرى إرادة عدم الالتزام بغير المشروط هذا.
وفي جامع المقاصد " أنه متى أخل العامل بالعمل المشروط عليه تخير المالك
بين فسخ العقد، والتزامه بأجرة مثل العمل، نص عليه في التحرير، فإن فسخ قبل
عمل شئ فلا شئ له، وإن كان بعده قبل الظهور فالأجرة له، وإن كان بعد ظهور
الثمرة، فكذلك قضية للاشتراط، ولو أخل بالأعمال الواجبة مع الاطلاق أو ببعضها
فعلى ما سبق في الجارة يتجه أن للمالك الفسخ في الجميع، وهل يضمن له أجرة
مثل ما عمل، يحتمل ذلك، ويحتمل العدم، وفي البعض إن أتى بشئ وله الالزام
بالأجرة، ولم أظفر بتصريح في ذلك يعتد به، ونحوه في المسالك مع زيادة أنه لو حصل
على الأرض نقص بسبب التقصير لزمه الأرش، والظاهر أن الثمرة كذلك.
قلت: لا يخفى عليك ما في إلزام العامل بأجرة مثل العمل المشروط مع فرض
فوات محله، وكذا في صورة الاطلاق، وفي صورة اشتراط العامل على المالك، وصورة
الاطلاق بالنسبة إليه، فإن جميع ذلك مبني على تمليك الشرط العمل المشروط
لمن له على وجه يكون من أمواله، هو ممنوع، فإن أقصاه التزام من عليه الشرط
بالعمل، واجباره عليه والتسلط على الخيار بعدم الوفاء به، لا كونه مالا له، خصوصا
مع اشتراكهما في فائدة الشرط كما هنا.
بل لا يخفى عليك أيضا محل النظر في غير ذلك من الكلام المزبور، حتى ما
في المسالك من ضمان النقص الحاصل في الثمرة وفي الأرض بعدم فعل الشرط، وما اقتضاه
إلا طلاق مع دفع أجرة المثل القائمة مقام العمل، وحينئذ فالمتجه عدم اختصاص
المالك بها، ضرورة كونها عوض العمل الذي يعود نفعه إليهما، فلا بد من ملاحظة
ما يخصه منه، إما بمراعاة نسبة حصة العامل إلى حصته أو بغير ذلك، كما أن أرش
نقصان الثمرة لا يختص به، لكونها مشتركة بينهما، بل يقتصر على أرش حصته،
نحو ما سمعته في المزارعة، فيتجه حينئذ الاستغناء بذلك عن أجرة مثل العمل، فتأمل
جيدا. فإن المسألة محتاجة إلى تنقيح.
{و} كيف كان فقد بان لك مما ذكرناه أنه {لو شرط} العامل {أن يعمل
69

غلام المالك معه جاز} لأنه أولى من عمل المالك معه، و {لأنه} في الحقيقة
{ضم مال إلى مال} نحو اشتراط عامل القراض على المالك دفع راحلته مثلا لحمل
مال القراض، نعم لو شرط عليه قيام غلامه بجميع العمل كانت المساقاة باطلة.
{أما لو شرط أن يعمل الغلام لخاص العامل} بمعنى عمله في الملك المختص
بالعامل {لم يجز} عند الشافعي لصيرورة عمل الغلام حينئذ مقابلة لعمله، فتصير
الفائدة بلا عمل {و} لكن {فيه تردد} من ذلك ومن عدم منافاة ذلك للمساقاة
إذ هو شرط خارج عنها {و} من هنا كان {الجواز أشبه} بأصول المذهب وقواعده.
وعن فخر المحققين أن المراد بما في العبارة اشتراط كون عمل الغلام للعامل
يختص به، ورده في جامع المقاصد بأنه حينئذ لم يحتج إلى قوله " لخاص العامل "،
بل كان يكفي عنه قوله " للعامل "، على أنه لا محصل له فإن عمل غلام المالك في
بستان المالك كيف يشترط كونه للعامل، وكيف يشترط مال شخص لآخر، وأي
فائدة لهذا الشرط.
قلت: قد يريد الفخر أن عمل الغلام للعامل بمعنى كونه قائما مقامه في العمل
عنه، على وجه لو لم يعلم العامل وعمل الغلام وحده كان جائزا، وحينئذ يكون
وجه البطلان واضحا، ولعل قول المصنف أن الجواز حينئذ أشبه، لأن الفرض كون
عمل الغلام معه فلا يقدح كون عمل الغلام له، على معنى أنه لو كان له حصة كان
للعامل، لا للمالك، إذ هو لا يزيد على عمل المالك معه، فتأمل جيدا والله العالم.
{وكذا} في كون الجواز أشبه بأصول المذهب وقواعده {لو شرط} العامل
{على المالك} مثلا {أجرة الأجراء} الذين يعينونه على العمل مع فرض كونها
معينة {أو شرط خروج أجرتهم صح منهما} معا إذا كان مع ذلك للعامل عمل
مقابل الحصة من الفائدة، خلافا للمحكي عن الشيخ من البطلان، لمنافاته موضوع
المساقاة الذي هو ليس إلا دفع الأصول من المالك، وفيه منع واضح، ضرورة عدم ما
يدل على اعتبار ذلك حتى بالشرط ونحوه.
وأما تفسير العبارة وما شابهها بأن المراد اشتراط العامل على المالك الأجرة
70

على جميع العمل، على وجه لا يبقى للعامل إلا الاستعمال والسمسرة، ففيه: إن
المتجه في مثله الفساد، لا الجواز، ضرورة عدم ما يدل على الصحة بعد أن كان مثل
ذلك خارجا عن عمل المساقاة المعتاد، ودعوى كونه عملا تدعو الحاجة إليه، فإن
المالك قد لا يهتدى إلى الدهقنة واستعمال الأجراء، ولا يجد من يباشر الأعمال
أو لا يأتمنه، فيحتاج إلى مساقاة من يعرف ذلك، لينوب عنه في الاستعمال كما ترى.
نعم لا بأس باشتراط العامل ذلك على أن تكون الأجرة منه بمعنى اشتراط عدم
مباشرة العامل، فإن ذلك لا يمنع صحة المساقاة حتى مع اشتراط عمل المالك بأجرة
منه عنه، فضلا عن غيره، ضرورة عدم اشتراط المباشرة في المساقاة. والله العالم.
الفصل {الخامس
في الفائدة) *
أي الثمرة {و} لا خلاف في أنه {لا بد أن يكون للعامل جزء منها مشاعا}
بينه وبين المالك مساو أو مفاضل على نحو ما سمعته في المزارعة، لأن ذلك هو الثابت
من مشروعيتها دون غيره، {فلو أضرب عن ذكر الحصة بطلت المساقاة} حينئذ
قطعا {وكذا لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة} مطلقا أو سنة {لم تصح المساقاة}
التي هي خلاف الأصل المقتصر فيما ينافيه على المتيقن، وليس ذلك منه، بلا خلاف
{و} لا إشكال، بل قضية ما سمعته سابقا في المزارعة من جماعة أنه كذلك تبطل
المساقاة {لو شرط لنفسه شيئا معينا وما زاد بينهما}.
بل {وكذا لو قدر لنفسه أرطالا} معلومة {وللعامل ما فضل، أو عكس
بل {وكذا لو جعل حصة ثمرة نخلات بعينها} له {وللآخر ما عداها} إلى
غير ذلك مما ينافي الإشاعة في مجموع الفائدة الحاصلة من الأصول التي وقع عقد
المساقاة عليها، الذي صرح في المسالك باعتباره هناك. وإلا لأمكن خلو أحدهما
عنها مع عدم حصول غير المعين، لكن قد عرفت البحث فيه سابقا على وجه لا يخفى
71

عليك جريانه في المقام، بناء على اتحاد المزارعة والمساقاة بالنسبة إلى ذلك.
نعم يمكن الفرق بينهما بأن في النصوص السابقة هناك ما ينافي اعتباره بالمعنى
المذكور بخلافه هنا، فإنه ليس في أدلة مشروعيتها إلا الإشاعة في الجميع عدا قوله
تعالى (1) " أوفوا " (2) و " إلا أن تكون تجارة عن تراض " وقد عرفت سابقا الاشكال
في اثبات شرعية الفرد المشكوك فيه من المعاملة المتعارفة المعلوم شرعية غيره من
أفرادها، اللهم إلا أن يؤخذ على طريق الشرطية كي يستدل حينئذ على مشروعيته
بأدلة الشرائط، لا على وجه الجزئية في عقد المساقاة كما أومأنا إليه في المزارعة
فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فلا خلاف {و} لا اشكال في أنه {يجوز أن يفرد كل نوع بحصة
مخالفة للحصة من النوع الآخر} كالنصف من ثمرة النخل، والربع من الكرم مثلا
لعدم منافاته للإشاعة في مجموع الفائدة، لكن {إذا كان العامل عالما بمقدار كل
نوع} من النوعين حذرا من الغرر والجهالة، فإن المشروط فيه أقل الأمرين قد
يكون أكثر الجنسين.
لكن لا يخفى عليك تحقق الجهالة أيضا مع عدم إفراد كل نوع بحصة، بل
كانت في الجميع متحدة، فما عساه يظهر من العبارة من اختصاص اشتراط ذلك في
صورة الأفراد خاصة لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يدعى باستفادة اغتفار الجهالة
في الثاني، دون الأول من الأدلة، إلا أنه كما ترى، أو يقال، إن الجهل الناشي
من الأفراد غير الجهل، بأصل الحديقة، فقد يعلم بها من حيث المساقاة عليها بالنصف
من حاصلها أجمع، وإن لم يعلم مقدار كل نوع منها، بخلاف ما لو أفرد كل نوع بحصة
مخالفة للحصة من الآخر فتأمل فإنه لا يخلو من دقة والله العالم.
{ولو شرط مع الحصة من النماء} ملك {حصة من الأصل الثابت لم يصح
لأن} الثابت من {مقتضى المساقاة جعل الحصة من الفائدة} خاصة دون غيرها

(1) سورة المائدة الآية - 1.
(2) سورة النساء الآية - 29 -
72

الباقي على أصالة عدم المشروعية، مضافا إلى أن الحصة من الأصول تدخل في ملكه
حينئذ فلا يكون العمل المبذول في مقابلة الحصة واقعا في ملك المالك، ولا واجبا
بالعقد، إذ لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه، وهو المحكي عن الأكثر كالطوسي
والحلي وغيرهما، بل في الرياض " لم أقف على مخالف صريحا ولا ظاهرا ".
قلت: {و} لكن الانصاف مع ذلك أن {فيه ترددا} مما عرفت، ومن
عموم (1) " أوفوا " و (2) " المؤمنون عند شروطهم " ونحو ذلك الذي جزموا بصحة
اشتراط الذهب والفضة وغيرهما كما ستعرفه، واحتمال الفرق بينهما - بأنه في
الفرض قد جعل الحصة من النماء في مقابل العمل بجميع المال المعقود عليه، ومع
فرض صيرورة جزء من المال له بالشرط، لم يكن العمل بجميع المال المملوك للمالك
فلم يستحق مجموع الحصة المشترطة له، لا خلاله بالشرط وهو العمل بالجميع،
فيبطل العقد - يدفعه أن الاشتراط المزبور كالاستثناء من العمل بجميع المال، بل
هو بيان لاستحقاق الحصة بالعمل فيما يخص المالك، والباقي بتبعية النماء للملك.
والتحقيق البطلان مع أخذ الحصة من الأصول عوضا على حسب الحصة من
الفائدة، لعدم ثبوت شرعية المساقاة على هذا الوجه، ولا صلاحيتها لتمليك عوض غير
الحصة من الفائدة من غير فرق بين الحصة من الأصول، والذهب والفضة وغيرهما.
أما لو أخذ على جهة الشرطية التي هي سبب أيضا في التمليك، فالظاهر الصحة
لعموم الأدلة الذي لا فرق فيه بين ذلك وبين اشتراط الذهب والفضة، ولعله بذلك
يلتئم الكلام أجمع والله العالم.
{ولو ساقاه بالنصف} مثلا {إن سقى بالناضح، وبالثلث إن سقى بالسايح
بطلت المساقاة، لأن الحصة لم تتعين} مع الترديد والتعليق {و} لكن {فيه
تردد} من ذلك، ومن أنها معينة على كل من تقديرين، فهي كالإجارة على
خياطة الثوب بدرهم إن كان روميا، وبدرهمين إن كان فارسيا، بل المساقاة في الحقيقة

(1) سورة المائدة الآية - 1.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث - 4.
73

قسم من الإجارة.
ولكن لا يخفى عليك أن الأشبه بأصول المذهب وقواعده الأول لعدم كون
ذلك تعيينا رافعا للجهالة، بل ولا جزما، وجوازه في الإجارة لو قلنا به لدليل خاص
لا يقتضي الجواز هنا، بعد حرمة القياس، ومعلومية استقلال عقد المساقاة عن عقد
الإجارة كما هو واضح والله العالم.
{ويكره أن يشترط رب الأرض على العامل مع الحصة شيئا من ذهب
أو فضة} بلا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد، ولعل مثل ذلك كاف في ثبوتها
المتسامح فيه.
{لكن} لا إشكال في أصل الجواز عندنا، فلا ينبغي التوقف فيه لعموم (1)
" المؤمنون " مع عدم كونه منافيا لمقتضى العقد ولا للشرع، فيجوز حينئذ و {يجب
الوفاء بالشرط} هذا.
{و} قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه {لو تلفت الثمرة} أجمع بآفة
سماوية أو أرضية {لم يلزم} الوفاء به وكذا إذا لم تخرج وإلا كان أكل مال بالباطل،
لامتناع استحقاق أحد العوضين أو بعضه بدون ما يقابله من العوض الآخر، فإن
الشرط جزء من العوض.
لكن في جامع المقاصد " إن الحكم في الصورة المفروضة واضح، أما العكس
وهو الشرط من العامل على المالك فظاهر إطلاق عبارة التذكرة والتحرير أنه كذلك،
وفيه نظر، لأن العوض من قبل العامل وهو العمل قد حصل، والشرط قد وجب
بالعمل، فكيف يسقط بغير مسقط، فإن تلف أحد العوضين لا يوجب سقوط البعض
الآخر مع سلامة العوض الآخر، وتبعه في المسالك.
قلت: قد يقال: إن المدرك لذلك هو بطلان المساقاة الذي يتبعه بطلان الشرط
باعتبار فوات الفائدة التي هي ركن في المساقاة، وعدم بطلان البيع في بعض الصور
الخاصة بعدم خروج الثمرة لدليل مخصوص، لا يقتضي الجواز هنا، كما أن الاقدام

(1) الوسائل الباب - 20 من أبواب المهور الحديث 4.
74

عليه معدوما للعادة، لا يقتضي الصحة مع تخلفها، وربما شهد لذلك في الجملة ما
اعترف به في جامع المقاصد في فرع ذكره في مسألة هرب العامل " أنه لا يجب عليه إكمال
العمل تمام المدة مع عدم خروج الثمرة أو تلفها " كما عن التذكرة احتماله أيضا إذ لا
وجه له إلا انفساخها بذلك، وإلا لوجب الاكمال كما هو خيرة المسالك ظاهرا
مشبها له بعامل القراض الذي لم يربح مع وجوب الانضاض عليه إلا أنه احتمل
أخيرا كونه كتلف العوض المعين في البيع قبل قبضه الموجب للانفساخ، ثم قال:
" وفيه نظر. "
قلت: بل النظر في غيره، ضرورة قصد المعاوضة في المساقاة بخلافه في المضاربة
التي يراد منها الحصة من الربح الذي قد يحصل وقد لا يحصل، بخلاف المقام المعتبر فيه
الطمأنينة بحصول الثمرة، ولا يكفي الاحتمال عندهم، وحينئذ فلا إشكال في الحكم
المزبور، إنما الكلام في تلف البعض، فقد يظهر من المصنف عدم سقوط شئ من
الشرط به، لظهور كلامه في اعتبار تلف الجميع في السقوط.
لكن في القواعد " وفي تلف البعض أو قصور الخروج إشكال " وفي جامع المقاصد
" ينشأ من أن الشرط محسوب من أحد العوضين، ولا ريب في أن مجموع أحد
العوضين مقابل بمجموع الآخر فيقابل الأجزاء بالأجزاء فذا تلف بعض أحد العوضين
وجب أن يسقط مقابله من العوض الآخر، ومن ثم لو لم تخرج الثمرة أصلا أو تلف
جميعها سقط المشروط كله، ومن أن مقابلة الأجزاء بالأجزاء في عوض المساقاة
منتفية، لأن الفائت والتالف عند حصول التلف أو نقصان الخروج غير معلوم، فلو
تحققت المقابلة لم يكن الساقط في مقابله معلوما، ولذلك لو تلف بعض الثمرة أو نقص
الخروج عن العادة لم يسقط شئ من العمل أصلا، ولأن العامل يملك حصته من
الثمرة بالظهور، فإذا تلف بعضها تلف في ملكه بعد استحقاقه إياه بالمعاوضة، فلا
يسقط بتلفه بشئ من العوض الآخر.
لا يقال: فعلى هذا إذا تلف الجميع يجب أن لا يسقط الشرط لعين ما ذكر.
75

لأنا نقول: ذلك ضرر فينفي بالحديث (1) واعلم أن الاشكال في قصور الخروج
لا وجه له أصلا لأن العوض هو ما يخرج قليلا كان أو كثيرا لا ما يتوقع خروجه بحسب
العادة، فكيف يعقل سقوط شئ من المشروط بتخلف العادة، أما تلف البعض فإن
الاشكال فيه وإن كان لا يخلو من وجه إلا أن عدم سقوط شئ أقوى، لما قررناه،
ويؤيده عموم (2) " أوفوا بالعقود " (3) و " المؤمنون عند شروطهم " وتبعه على ذلك
كله في المسالك.
قلت: لعله أيضا مبني على ما عرفت من بطلان المساقاة في خصوص الفائت.
فيكون من تبعض الصفقة في المساقاة، وبالجملة إن فائت الفائدة لو كان معلوم الحال
وقت العقد لم تكن المساقاة عليه صحيحة، والجهل بحاله من أول لا يصير سببا للصحة
في الواقع.
نعم هذا كله في عدم الخروج مثلا أما التلف بعده فقد يقال: إن مبناه اعتبار
الادراك في الفائدة التي هي ركن في المساقاة، لعدم النفع بها دونه وعدمه، فعلى
الأول يتجه البطلان بخلاف الثاني.
وعلى كل حال فليس للعامل في مقابلة عمله إلا ما حصل من الفائدة كما أنه
ليس له شئ مع فرض عدمها أصلا لاقدامه على ذلك فتأمل جيدا والله العالم.
الفصل {السادس: في أحكامها}
أي المساقاة {وهي مسائل: الأولى كل موضع تفسد فيه المساقاة} أي يعلم
فساد أصل انعقادها {فللعامل أجرة المثل} لأصالة احترام عمل المسلم الواقع بالإذن

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الخيار الحديث - 3 و 4 و 5.
(2) سورة المائدة الآية - 1.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.
76

ممن استوفاه، {والثمرة لصاحب الأصل) المملوك له فيتبعه نماؤه مع فرض عدم
الناقل له شرعا عنه، من غير فرق في ذلك بين العلم بالفساد والجهل به، وبين كون
الفساد من اشتراط كون الثمرة للمالك وغيره كما هو مقتضى إطلاق المصنف وغيره،
بل في المسالك " نسبته إلى الأكثر " ووجهه ما عرفت من أصالة احترام عمل المسلم،
بعد العلم بعدم كون ذلك من المتبرع المسقط للأجرة له، أو الشك فيه، والرضا
بالعقد الفاسد أو بالعقد المتضمن لعدم الأجرة، ليس رضا بالعمل بلا أجرة، فإن
الحيثية ملاحظة، بمعنى كون المتشخص منه في الخارج الرضا بالعقد الذي لا يترتب
عليه ذلك، والعمل الصادر منه إنما هو من حيث إنه مقتضى العقد الفاسد، لا أنه رضي
منه بالعمل في حد ذاته وفي نفسه بلا عوض، فمع فساد العقد الذي قد وقع العمل
على مقتضاه معاملا معاملة الصحيح، يبقى احترام العمل بنفسه.
فما في المسالك - تبعا لجامع المقاصد من تقييد إطلاق المصنف وغيره بما إذا لم
يكن العامل عالما بالفساد، وبما إذا لم يكن الفساد باشتراط كون الثمرة أجمع للمالك
لكونه في الصورتين متبرعا لا يستحق على عمله شيئا كما ترى، لا يخلو من نظر،
وأولى منه في ذلك ما عن الشهيد من أن الواجب له حيث يجب له أقل الأمرين
من الحصة وأجرة المثل، لاقدامه على التبرع بما زاد عليها مع نقصانها عن أجرة
المثل، إذ لا يخفى أن إقدامه على العقد المقتضي لذلك بعد فرض فساده لا يقتضي إلزامه
وترتيب حكمه عليه، فيبقى احترام عمله في نفسه على ما تقتضيه الضوابط الشرعية،
من ضمانه بأجرة المثل كما هو واضح بأدنى تأمل والله العالم.
المسألة {الثانية: إذا استأجر أجيرا للعمل بحصة منها} أي الثمرة {فإن
كان} قبل ظهورها لم يجز قولا واحدا، لكونها معدومة، وجواز جعلها عوضا في
المساقاة للدليل لا يقتضي الجواز هنا بعد حرمة القياس وإن كان {بعد بدو الصلاح
جاز} بلا خلاف ولا إشكال، لعموم الأدلة وإطلاقها السالمين عن معارضة ما يقتضي
المنع، {وإن كان بعد ظهورها} ونمو لها مقطوعة {وقبل بدو الصلاح بشرط
القطع، صح إن استأجره بالثمرة أجمع} قيل بناءا على اعتبار ذلك في البيع الذي
77

قد عرفت قوة جواز ذلك فيه، بدون الشرط المزبور الذي يمكن إرادة الكناية به عن
ملاحظتها نفسها حال العقد، لا حال بدو صلاحها الآتي مثلا، وإلا فاشتراط القطع
من حيث كونه اشتراطا، لا مدخلية له في ماليته على وجه يصلح كونه مبيعا وأجرة،
فلا بأس حينئذ مع شرط القطع أو شرط البقاء مدة معلومة، ولا يكون بذلك مبيعا
أو أجرة حال ادراكه الذي هو معدوم الآن، وإنما يكون حالا طارئا على ملكه.
وبذلك يظهر أن مدرك الجواز، الأصول والقواعد، لا القياس على البيع
الممنوع عندنا، ولعله لذا لم يذكر المصنف الجواز مع الضميمة، أو العامين كما ذكره
في البيع، فإنه مع فرض المنع بدون اشتراط القطع إلا مع الضميمة أو العامين
يختص البيع بالجواز، لدليله، ولا يقاس عليه ما هنا مع احتماله، بل جزم به في
المسالك قال " وتركه المصنف اتكالا على ما ظهر من ذكر الجواز بشرط القطع من
اتحاد الحكم في المقامين.
{ولو استأجره ببعضها قيل: لا يصح لتعذر التسليم} لامكان عدم إذن
الشريك، فيتعذر القطع المعتبر اشتراطه في الصحة {والوجه الجواز} كما في
المسالك قال: " لامكان القطع والتسليم بالإذن، كما في كل مشترك، ولو فرض
امتناع الشريك تمكن بإذن الحاكم ".
قلت: مع فرض كون الشريك المستأجر يتجه حينئذ الصحة، للتمكن من
اشتراط القطع عليه برضاه، والتزامه به، أما إذا كان غيره وقلنا بعدم جواز القسمة
بالخرص والتخمين، وعدم جواز الاجبار على القطع قبل الادراك، لما فيه من الضرر،
يشكل الجواز حينئذ، بعدم احراز الشرط المعتبر في الصحة، بناء على اعتباره
وإن كان قد عرفت قوة عدمه إلا إذا أريد به الكناية عما ذكرنا.
وقد تقدم لنا في بيع الثمار ما ينفع ملاحظته في المقام، خصوصا في الفرق بين
النخل وغيره من الأشجار، مع أن المصنف لم يشر إلى شئ من ذلك، وكان غرضه
المعظم الفرق بين المساقاة والإجارة، من جواز الأولى بحصة منها قبل الظهور،
78

لكونها مشروعة على ذلك، بخلاف الثانية التي هي باقية على مقتضى القواعد، من
اعتبار المعلومية في الأجرة، ولذا اقتصر على اشتراط القطع دون الضميمة والعامين،
المحتمل كون جواز هما في البيع، للدليل الخاص من الاجماع أو غيره والله العالم.
المسألة {الثالثة: إذا قال: ساقيتك على هذا البستان بكذا، على أن أساقيك
على الآخر بكذا قيل:} والقائل الشيخ فيما حكي عنه {يبطل} لأنه كالبيعين
في بيع، ولعدم لزوم هذا الشرط الذي هو بمنزلة الوعد، والفرض أنه سبب في زيادة
العوض أو نقصانه، ولم يعرف مقدار ذلك فيتجهل ويبطل، وكذا الكلام في بعتك هذا
العبد بكذا، على أن تبيعني عبدك بكذا. نعم لو ساقاه على الحديقتين صفقة صح،
وإن اختلفت الحصة.
{و} لكن لا يخفى أن {الجواز أشبه} بأصول المذهب وقواعده، ضرورة
عدم كونه من ذلك المفسر بالبيع بثمنين إلى أجلين مثلا، أو على تقديرين،
وتناول " أوفوا بالعقود " التي منها المشتملة على الشرائط للمفروض، مضافا إلى
عموم (1) " المؤمنون عند شروطهم " فيجب الوفاء حينئذ به، وإن سلم كونه وعدا
لم يقدح، وإن صار داعيا لزيادة العوض أو نقصانه كما هو واضح.
وأضعف منه ما عن ابن الجنيد حيث قال: " لا أختار ايقاع المساقاة صفقة واحدة
على قطع متفرقة بعضها أشق عملا من بعض، إلا أن يعقد ذلك ويشترط في العقد،
العقد على الأخرى " إذ هو كما ترى أيضا لا دليل عليه، فالتحقيق الجواز في الصورتين
والله العالم.
المسألة {الرابعة: لو كانت الأصول لاثنين} مثلا {فقالا لواحد} مثلا
{ساقيناك} على أن لك النصف مثلا صح، وإن لم يعلم نصيب كل واحد منهما، لعدم
مدخلية ذلك في العلم بحصته، وليس إلا تعدد المالك، وهو غير مانع كباقي الصور
المتصورة في المقام بالنسبة إلى اتحاد المالك والعامل، وتعددهما.

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث - 4 -
79

نعم لو قالا له: {على أن لك من حصة فلان النصف، ومن حصة الآخر
الثلث صح} أيضا ولكن {بشرط أن يكون عالما بقدر نصيب كل واحد منهما}
وحينئذ {لو كان جاهلا بطلت المساقاة لتجهيل الحصة} كما هو واضح هذا.
وقد ذكر في المسالك بعض الصور لبيان كيفية القسمة بينهم، للتدريب لا فائدة في
ذكرها. والله العالم.
المسألة {الخامسة: إذا هرب العامل} غير المعين في أثناء العمل {لم تبطل
المساقاة} قطعا لأصالة صحتها، بل ظاهر الأصحاب هنا بقاؤها على اللزوم {ف‍} ليس
للمالك الفسخ بمجرد ذلك، خصوصا {إن بذل العمل عنه باذل} وإنما يرفع أمره
إلى الحاكم فيطلبه ويجره على العمل، فإن تعذر ذلك استأجر من ماله من يعمل
عنه، أو بأجرة مؤجلة إلى وقت الثمرة، ومع فرض ظهورها وبدو صلاحها استأجر
بحصته أجمع أو بعضها، أو بالاقتراض عليه.
{أو دفع إليه الحاكم من بيت المال ما يستأجر عنه} ولو على جهة القرض عليه
أو بغير ذلك من الصور التي يحصل بها الحق ممن عليه إلى من هوله، لأنه ولي كل
ممتنع، لقوله تعالى (1) " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا " وحينئذ متى حصل
أحدهما {فلا خيار} للمالك لعدم الضرر عليه مع أصالة اللزوم.
ولكن قد يقال: إنه مناف لما يستفاد منهم في غير المقام، كالخيار بعدم الوفاء
بالشرط، وكالخيار بتأخير الثمن، وبالامتناع عن العمل وتسليم العين المستأجرة،
ونحو ذلك من ثبوت الخيار بمجرد حصول شئ من ذلك، من غير مراجعة إلى الحاكم،
بل ظاهر هم أنه متى حصل من أحد المتعاقدين بعقد لازم ما ينافي استحقاق الآخر
عليه من حيث اللزوم، شرع له الشارع الفسخ، وكان العقد في حقه جائزا دفعا لضرره
بذلك، لقاعدة (1) " لا ضرر ولا ضرار ".

(1) سورة المائدة - الآية 55.
(2) الوسائل الباب - 17 - ص أبواب الخيار الحديث - 3 - 4 - 5.
80

نعم لو لم يختر الفسخ رفع أمره إلى الحاكم في تحصيل حقه، كما أنه قد يمنع
وجوب فعل الصور المزبورة على الحاكم، وإن ظهر ذلك من عباراتهم، ضرورة كون
قيام الحاكم في هذه الأمور من باب الحسبة والاحسان الذي لا يجب عليه مراعاته
{و} على كل حال فقد ذكروا هنا أنه {إن تعذر} فعل شئ من {ذلك}
الذي قدمنا ذكره، بل ولو لعدم امكان إثبات الحق عند الحاكم على ما في المسالك
أو لعدم إمكان الوصول إليه، {كان له الفسخ لتعذر العمل} حينئذ عليه، فينحصر
دفع ضرره بذلك.
{ولو لم يفسخ وتعذر الوصول إلى الحاكم} ولو على الوجه المزبور {كان
له أن يشهد أنه يستأجر عنه و} حينئذ له أن {يرجع عليه} لكونه كالحاكم
في الولاية عنه بالنسبة إلى ذلك (1) إذ " المؤمنون بعضهم أولياء بعض " لكن {على
تردد} مما عرفت، ومن الشك في ثبوت الولاية له على الوجه المزبور في هذا الحال.
{و} على كل حال {لو لم يشهد لم يرجع} إذا أنكره العامل، للأصل
والفرض عدم البينة على الاستيجار عنه، بل لعل ظاهر العبارة عدم الرجوع حتى
لو صدقه العامل، بل وحتى لو كان الاشهاد متعذرا لكونه أي الاشهاد حينئذ بمنزلة
الحاكم، بل في المسالك أنه أحد الأقوال في المسألة، والثاني: لا يرجع مع التمكن
منه، والثالث: الرجوع مطلقا، وأشكله تبعا للكركي بأنه لا مدخلية للاشهاد في
ثبوت الحق في نفسه، ولو لإرادة المقاصة، وإنما أقصاه توقف الاثبات عليه، لا
الثبوت.
ومن هنا كان الأقوى الثالث، بل احتمل قبول قوله بيمينه، لأن الأصل عدم
تبرع الانسان بعمل يحصل فيه غرامة عن الغير، وإن كان هو كما ترى، ضرورة عدم
كون ذلك أصلا أصيلا.
نعم قد يقال بذلك، بناء على ثبوت ولايته عنه في ذلك في هذا الحال، لما
عرفت كما أنه قد يقال: إن مراد المصنف بالاشهاد الذي جزم بعدم الرجوع مع عدم

(1) سورة التوبة الآية - 71.
81

احضار عدول المؤمنين على ذلك، لأن الولاية لهم مع عدم الحاكم، بل قد ذكرنا
في غير المقام، إمكان ثبوت أمثال هذه الولايات التي هي من الحسب والاحسان لفساق
المؤمنين مع تعذر العدول، فلاحظ وتأمل، هذا كله في العامل غير المعين.
أما هو فالمتجه ثبوت الخيار بمجرد تعذر مباشرته وإن وجد المتبرع، بل
لو تبرع عنه متبرع لم يقع العمل له، ولم يستحق بذلك الحصة وإن قصد اتمام
العمل عنه، بخلاف غير المعين، فإن الظاهر كونه على حصته مع اتمام المتبرع و
إن لم يقصد العمل عنه، لأن عقد المساقاة ملكه الحصة مع حصول العمل منه أو من
غيره، كما لو استغنى بماء المطر عن السقي، كما صرح بذلك في جامع المقاصد.
لكن قد يناقش في الثاني بعدم استحقاقه الحصة التي هي عوض العمل منه
أو عنه فأما إذا لم يكن منه ولا عنه لم يستحقها، نحو من استأجر على عمل فاتفق
حصوله من غيره لا بقصد النيابة عنه.
وتدفع بأن عقد المساقاة اقتضى كون العمل في ذمته، فمتى وقع كان عنه وله،
لعدم تصور كونه عمن ليس في ذمته، على أن المساقاة لا ريب في بقائها على الصحة
التي معناها ترتب الأثر الذي هو ملك الحصة، وتكليف العامل بأجرة المثل للمالك
مع حصول العمل له تاما لا وجه له، فلس حينئذ إلا ما ذكرنا.
لكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو الحكم عن اشكال، باعتبار عدم ظهور
الفرق بينه وبين من استؤجر على عمل فاتفق حصوله من غيره، كقلع الغرس فانقلع
لنفسه، وكالاستيجار على إزالة قمامة فاتفق إطارة الريح لها، ونحو ذلك، واحتمال
الالتزام بالأجرة فيها صعب.
اللهم إلا أن يقال: إن وضع المساقاة والمزارعة ومشروعيتهما على ذلك،
فإن المراد حصول الزرع والثمرة الصالحة كما وكيفا، فمع احتياج ذلك إلى العمل
فعله العامل، وإن استغنى عنه بفعل الله أو بفعل الغير سقط عنه، واستحق حصته
بخلاف الإجارة، فإن المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه والله العالم.
المسألة {السادسة: إذا ادعى} المالك {أن العامل خان أو سرق، أو
82

أتلف أو فرط فتلف} أو نحو ذلك {وأنكر} العامل {ف‍} لا ريب في أن
{القول قوله} أي العامل {مع يمينه} لأنه منكر بموافقته للأصل سواء كان
أمينا له أم لا.
نعم ضمانه بالتفريط يتوقف على أمانته، فلا تتوجه الدعوى به إلا في صورة
كونه أمينا له، وعلى كل حال فالقول قوله أيضا في عدمه، للأصل، وكان ظاهر
المتن وغيره سماع الدعوى بذلك مع الجهل بالمقدار، لعموم قوله عليه السلام (1) " البينة
على المدعي واليمين على من أنكر ".
لكن في التذكرة " لم تسمع دعواه حتى يحررها ببيان المقدار " مع أن المحكي
عنه في باب القضاء سماع الدعوى المجهولة، ويأتي إن شاء الله التحقيق في ذلك.
{و} كيف كان ف‍ {بتقدير ثبوت الخيانة} بالبينة أو بغيرها {هل ترفع
يده أو يستأجر من يكون معه من أصل الثمرة؟} ظاهر المصنف احتمال الأول
ولعله لأن اثبات يده على حصته، يستدعي إثباتها على حصة المالك التي له دفع يده
عنها.
وفيه: منع توقفه على ذلك، لامكان وضع المالك أمينا لحفظ ما يرجع إليه
معه، إلا أني لم أجده قولا لأحد من أصحابنا، بل ولا غيرهم.
نعم عن المزني يستأجر عليه من يعمل معه، وفي موضع آخر يضم إليه أمين
يشرف عليه وهو المحكي عن مالك، وفي الاسعاد شرح الارشاد للشافعية يلزمه
الحاكم بأجرة مشرف يراقبه ولا تزال يده، لأنه مستحق للعمل ويمكن استيفاؤه
منه بهذا الطريق، فتعين جمعا بين الحقين.
و {الوجه} المطابق لأصولنا {أن يده لا ترفع عن حصته من الربح} أي
الثمرة لعموم (2) " تسلط الناس على أموالها " {و} لكن {للمالك رفع يده عما

(1) الوسائل الباب - 25 ص أبواب أحكام الدعوى المستدرك ج 3 ص 199.
(2) البحار ج 2 ص 272.
83

عداه} بل له أيضا ذلك مع عدم الخيانة {و} حينئذ ف‍ {لو ضم} أي {المالك
إليه أمينا} لحفظ ما يرجع إليه {كانت أجرته على المالك خاصة} كما في القواعد
والتذكرة وجامع المقاصد والمسالك، لرجوع مصلحته إليه.
لكن قد يشكل مع فرض كون الحفظ على العامل، بأنه من الأعمال الواجبة
عليه الذي يتجه الاستيجار عليه، مع فرض عدم قيامه به، وقد يدفع لمنع كون ذلك
من عمل المساقاة، وإن وجب الحفظ عليه إذا كان أمانة في يده، وإن سلم فالمراد
به الحفظ من الغير، وأما الحفظ منه فهو من تحريم الخيانة والسرقة، لا من حيث
المساقاة، على أنه بثبوت الخيانة منه في الجملة لا دليل على عدم قبول الحفظ منه
مع بذله له.
وعلى كل حال فلو لم يمكن الحفظ منه ولو مع الحافظ ففي القواعد " الأقرب
رفع يده من الثمرة، والزامه بأجرة عامل " واختاره في المسالك، ولعل الأول،
لأن للمالك أن يحفظ ماله قطعا ولا يتم إلا برفع يد العامل، لأنه الفرض، والثاني
أن العمل واجب عليه وقد تعذر فعله بنفسه، فيكون كما لو هرب، مضافا إلى قاعدة
الضرر، وحينئذ يتجه الفسخ مع التعيين، ومع غيره إذا لم يمكن الاستيجار عنه
على حسب ما سمعته في الهارب، كما صرح به الشهيد في حواشي القواعد، وهو الذي
صرح به في الاسعاد والارشاد من كتب الشافعية.
لكن قد يناقش بما في جامع المقاصد من إن الحق الثابت لشخص إذا كان
لا يتم إلا باسقاط حق شخص آخر وإزالة يده عن ملكه، فلا دليل على سقوط ذلك
وإزالة يده، وبعدم تعذر العمل منه لأن مجرد الخيانة غير كاف في ذلك، بل لو جوزنا
رفع يده عن الجميع بسببها أمكن أن يقال: إن التعذر حينئذ بسبب المالك، فلا
يجب على العامل شئ، ولذا قال في جامع المقاصد: للتوقف في الموضعين مجال،
وهو في محله والله العالم.
المسألة {السابعة: إذا ساقاه على أصول} جاهلا بحالها {فبانت} بأحد
الطرق الشرعية أنها {مستحقة بطلت المساقاة} مع عدم إجازة المالك، {و}
84

لا ريب في أن {الثمرة للمستحق} لأنها نماء ملكه، ولم يحصل ما يقتضي نقلها
عنه، {وللعامل الأجرة على المساقي} الذي هو غار له، بدفع عوض لم يسلم له
عن عمله {لا على المستحق}.
نعم لو كان عالما بالحال لم يرجع بناء على عدم غروره مع علمه، بل هو إقدام
منه على ذلك، والفرق - بين ظهوره استحقاق الثمرة وبين عدم خروجها أو هلاكها
حيث تثبت أجرة للعامل في الأول، دون الثاني أن الاستحقاق يوجب فساد العقد.
حيث لم يخبر المالك، وأصالة احترام عمل المسلم بعد فساد العقد تقتضي الرجوع
إلى الأجرة على حسب ما عرفته سابقا، بخلاف هلاك الثمرة وعدم خروجها وما
شاكلهما، فإن العقد معهما صحيح، فلا يستحق العامل سوى الحصة وإن فاتت،
لأن ذلك مقتضى عقد المساقاة على تقدير صحته، ولا ينافي ذلك ما ذكرناه سابقا من
الانفساخ بذلك، فإنه انفساخ من حينه، للاكتفاء في الصحة بالاستعداد المزبور
حتى يتبين الحال، بل لو قلنا بالانفساخ من أصل العقد أمكن الفرق بين ما بناء
المساقاة عليه من أمثال هذه الأمور، وبين الاستحقاق، ونحوه من الأمور المقتضية
لفساده فتأمل والله العالم.
وعلى كل حال فمع وجود الثمرة وبقاؤها عنده دفعت إلى مستحقها {ولو
اقتسماها} مثلا أي الثمرة {وتلفت كان للمالك الرجوع على الغاصب بدرك الجميع}
بناء على أن غصبه العين يقتضي ثبوت يده على ثمرتها، وإن كان قد نقلها عنه، لكن
ذلك من يده عليها.
{و} لكن {يرجع الغاصب على العامل بما حصل له} من الحصة التي بان
عدم استحقاقه إياها، فهو ضامن لها لمستحقها، لعموم (1) " من أتلف " والفرض أن
يده عليها كانت يد ضمان، لأنها عوض العمل {و} لذا كان {للعامل على الغاصب
أجرة عمله} كما عرفت لا أنها يد مجان بغرور من الغاصب فهو في الحقيقة الضامن

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار.
85

لها، لأن التلف قد كان في يده، وإن جاز للمالك مطالبة الغاصب بالأداء عنه بسبب
غصبه، وليس هو في ذمته، إذ لا وجه بشغل ذمتين بمال واحد ولو على البدل فمع فرض
دفع العوض عنها له صارت له، لعدم ملك المالك العوض والمعوض، وعدم استحقاق لها
وليس هو من التبرع بوفاء الدين، كي تبرء ذمة العامل، ولا يستحق الغاصب
الرجوع عليه بل هو من التكليف الشرعي للغاصب بالأداء عن العامل مع مطالبة
المالك، وذلك يقوم مقام الإذن ممن عليه الحق بالأداء.
وبالجملة هو من المعاوضات الشرعية المستقلة بنفسها التي لا تدخل في صلح
عقدي أو حوالة أو نحوهما، ولعل دليل ذلك الاجماع منهم، كما يظهر من إرسالهم
إرسال المسلمات، ولولاه لأشكل رجوع الغاصب عليه بعد براءة ذمته من مال المالك
بالدفع عنه من الغاصب، ولو للخطاب الشرعي إذ انتقال المال الذي قد كان في ذمته
للمالك للغاصب يحتاج إلى ناقل من النواقل المعهودة، والفرض عدمه، فليس حينئذ
إلا المعاوضة الشرعية.
وكيف كان فلا يخفى أن ذلك كله مقيد بما إذا لم يبق الغاصب ظاهرا مقرا
على دعوى الملكية، وإلا لم يكن له الرجوع على العامل، مؤاخذة له باقراره و
اعترافه بكونه مظلوما بأخذ المالك منه ذلك، والمظلوم لا يظلم غيره كما أن رجوع
العامل بالأجرة مقيد بنحو ذلك، والألم يصح له الرجوع بعد اعترافه بخطأ
البينة، وأن الغاصب ظاهرا هو المالك، فهو حينئذ مالك للحصة وإن ظلم وأخذت
منه، لكن لا يظلم غيره لما عرفت، ولو اختلفا في ذلك جرى على كل منهما حكم
إقراره وأخذ به، ولا يلتزم به الآخر كما هو معلوم من القواعد الشرعية.
وعلى كل حال فقد بان لك الوجه في أن للمالك الرجوع على الغاصب {أو
يرجع على كل واحد منهما بما حصل له} من الثمرة التي قد تلفت في يده لحصول
سبب الضمان من كل منهما، ولا رجوع لأحدهما على الآخر في ذلك إلا للعامل
بالأجرة مع جهله، {وقيل: له} أيضا {الرجوع على العامل بالجميع إن شاء
86

لأن يده عادية} (1) و " على اليد ما أخذت حتى تؤدي " ولكن يرجع هو حينئذ
على الغاصب بما حصل له على نحو ما تقدم.
{والأول} أي الاقتصار على الرجوع على الغاصب أو على كل منهما بحصته
{أشبه} بأصول المذهب وقواعده عند المصنف {إلا بتقدير أن يكون العامل
عالما به} ولكن لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم مدخلية الجهل والعلم في صدق
ثبوت اليد وعدمه، إذا العامل من حيث كونه عاملا إن لم يكن له يد على الثمرة و
إنما هو مراع لها ونائب عن المساقي، فهو كذلك مع علمه أيضا، وإلا كان ذا يد
في الحالين.
والظاهر الثاني، خصوصا مع كون بعض أعماله كالتلقيح والتركيس ونحوهما
متعلقا بها، ولكن هذه اليد لا ترفع يد المساقي الغاصب أيضا، ولذا كان له الرجوع
على كل منهما بالجميع وبما حصل له، كما هو واضح بأدنى تأمل، فالثاني هو
الأشبه، لا الأول، من غير فرق بين تلفها بالاقتسام أو بآفة أو بغيرهما لأن المسألة
من توارد اليد على العين المغصوبة. والله العالم.
المسألة {الثامنة: ليس للعامل} غير المعين فضلا عنه {أن يساقي غيره}
بخلاف المزارعة والإجارة، لا لما أطنب فيه في المسالك تبعا للمحقق الثاني مما لا حاصل
له، أو مخالف للضوابط الشرعية، بل {لأن المساقاة} على خلاف القواعد. باعتبار
الغرر والجهالة، والثابت من الأدلة أنها {إنما تصح على أصل مملوك} عينا أو
وكالة أو ولاية {للمساقي} دون ما عداه، إذ ليس في شئ من نصوصها إطلاق يرجع
إليه، و " أوفوا بالعقود " (2) و " إلا أن تكون تجارة عن تراض (3) " لا يصلح لاثبات
مشروعية مثل ذلك ولا فرق فيما ذكرنا بين حالي ظهور الثمرة وعدمه.
نعم له الإجارة على القيام بعمله المراد منه، أو الصلح بشئ من الثمرة أو غيره

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
(2) سورة المائدة الآية - 1.
(3) سورة النساء الآية - 29.
87

وبذلك ونحوه يظهر لك فساد ما أطنب به في المسالك من الفرق بين المزارعة والمساقاة
وغيره، إذ كون المساقاة معاملة على الأصول. لا تقتضي عدم جوازها من المساقي بعد
معلومية إرادة سقيها، ونحو ذلك من المعاملة عليها، فهي حينئذ كالأرض في المزارعة
والحصة قد استحقها بالعقد، فلا ريب حينئذ في أنه لا مانع من ذلك بحسب القواعد
الشرعية لو كان هناك مقتض للحصة من إطلاق ونحوه، وعلى تقديره فلا محيص عنه
كما يحكى عن بعض أفاضل متأخري المتأخرين.
بل لعله ظاهر المحكي عن الإسكافي أيضا في الجملة، قال: " لو شارك المساقي
غيره جاز إذا لم يكن شرط عليه أن يتولى العمل بنفسه، وكان شريكا للمساقي
بجزء من حصته لا بجزء من الأصل إذا عملا جميعا، فإن تفرد المساقي الثاني بالعمل
كله، ولم يكن رب المال جعل إلى المساقي أن يساقي غيره ولا فوض ذلك إليه، لم
يكن للمساقي الأول أن يأخذ جزء من الغلة وكان له أجر مثله، فإن عمل فيها
جاز ".
لكن فيها أنه لا أجر له مع فرض عدم العمل منه، بل عليه أجرة المثل للمساقي
الثاني لغروره إياه، اللهم إلا أن يكون بذلك يستحق الأجرة على المالك، لصيرورة
العمل له بأداء الأجرة عنه، إلا أن المتجه استحقاقه الحصة لحصول العمل ولو من
أجيره لا الأجرة، ولذا قال ابن البراج فيما حكي عنه " إذا دفع انسان إلى غيره
نخلا معاملة هذه السنة بالنصف، وقال له: إعمل فيه رأيك، أو لم يقل ذلك ودفعه
العامل إلى آخر فعامله بعشرين وسقا مما يخرج من الثمرة، فعمل على هذا، كان
الخارج بين الأول ومالك النخل نصفين، وللآخر على الأول أجر عمله، ولو
كان الشرط في المعاملة الأولى عشرين وسقا لأحدهما بعينه، وفي الثانية النصف،
كان الخارج لمالك النخل، وللآخر على الأول أجر عمله، وللأول على صاحب النخل
أجرة ما عمل الآخر، ولا ضمان عليه في ذلك، وكان الوجه بطلان المساقاة، فالنماء
كله للمالك، إلا أنه على الأول أجرة عمل الثاني، فيستحقها حينئذ الأول على
صاحب النخل ".
88

ولكن في المختلف بعد أن حكى ما سمعت عن ابني الجنيد والبراج قال:
" والتحقيق أن المالك إن أذن للأول في مساقاة الثاني صحت، وكان الأول كالوكيل
لا حصة له في النماء وإن لم يأذن فالثمرة للمالك، وعليه أجرة المثل للثاني، ولا
شئ للأول ".
وفيه أنه لا وجه لوجوبها عليه له، مع فرض عدم الإذن منه في عمله، وعدم
شئ للأول اللهم إلا أن يريد لا شئ له في مستقر الأمر، بمعنى رجوع الثاني
على الأول، والأول على صاحب النخل، ففي الحقيقة الأجرة للثاني، ولا شئ
للأول فتأمل.
وعلى كل حال فكلامه في خصوص ما سمعته من ابن البراج، لا في أصل
المسألة، ضرورة أنه لا وجه للإذن مع فرض عدم مشروعية المساقاة من المساقي الأول
وكونه كالوكيل بالنسبة إلى ذلك لا معنى له مع فرض كون مساقاته للمساقي الثاني
في مساقاته المستحقة عليه.
لكن في جامع المقاصد بعد أن ذكر الوجه في عدم جواز المساقاة للمساقي و
الفرق بينها وبين المزارعة قال: " وهذا إذا لم يأذن المالك، فإذا للعامل في
المساقاة صح وكان الثاني هو العامل، والأول وكيل عن المالك " وفيه ما لا يخفى
بعد لزوم عقد المساقاة للأول الذي لا يصلح مع ذلك للنيابة عنه فيما أوجبه عليه نفسه
عقد المساقاة.
كما أن من ذلك يعلم أن عدم جواز المساقاة للعامل، لعدم حصول الشرط شرعا
أو لعدم مقتضى الصحة، لا لعدم حصول الإذن من المالك، في تصرف غير العامل الأول
كما عساه يظهر من جامع المقاصد والمسالك، ليتوهم الصحة بفرض الإذن.
نعم لو أن المانع من المساقاة عدم جواز التصرف لغير الأول أمكن حينئذ
ارتفاع ذلك بالإذن حينئذ، ولا يكون وكيلا، بل هو مساق حقيقة وتجري عليه
أحكام المساقاة كما هو واضح
المسألة {التاسعة: خراج الأرض} مغروسة وغير مغروسة {على المالك}
89

للغرس الكائن فيها بسبب انتفاعه بها في ذلك، وحق المسلمين فيها، وإن ضرب على
الشجر الذي فيها، فإنما هو بواسطتها، والعامل إنما يستحق الحصة بواسطة
عمله فلا إشكال حينئذ في أن الخراج على المالك.
{إلا أن يشترط على العامل أو بينهما} فيجب حينئذ على حسب الشرط،
لعموم (1) " المؤمنون " ولكن يجري عليه حكم الشرايط، بل قد سمعت في المزارعة
اعتبار معلومية مقداره في صحة اشتراطه، وقد سلف منا هناك ما له نفع في المقام
فلاحظ وتأمل، كما أنه تقدم آنفا حكم الشرائط مع عدم خروج الثمرة أو تلفها، و
الفرق أيضا بين المذكور شرطا وجزء للعقد مع الحصة والله العالم.
المسألة {العاشرة: الفائدة تملك} بين العامل ورب الأصول {بالظهور}
بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في المسالك الاجماع على
عدم تأخر ملك العامل إلى بلوغ الثمرة وإدراكها.
قلت: فليس حينئذ إلا الملك بينهما بالظهور، مضافا إلى أن ذلك هو مقتضى
تبعية النماء في الملك، والمشروع من عقد المساقاة المقتضي لملك العامل الحصة، و
ملك رب الأصول العمل عليه، فما عن بعض العامة - من عدم ملك العامل إلا بالقسمة،
قياسا على عامل القراض - واضح الفساد حتى في المقيس عليه عندنا، كما تقدم في محله،
مع وضوح الفرق بينهما، بأن الربح هناك وقاية لرأس المال، فلا ربح حينئذ إلا
بعد وصول رأس المال إلى المالك بخلاف الثمرة هنا.
{و} حينئذ ف‍ {تجب الزكاة فيها على كل واحد منهما إذا بلغ نصيبه
نصابا} كما هو المشهور، لتحقق سبب الوجوب وهو النماء على ملكهما مع فرض
بلوغ النصاب، خلافا لابن زهرة هنا، وفي المزارعة فأوجبها على مالك البذر والأصول
خاصة، لأنه نماء ملكه، وما يأخذه الزارع والمساقي كالأجرة عن عمله، قال:
" ولا خلاف في أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة وكذا إن كان البذر للمزارع، لأن
ما يأخذه مالك الأرض كالأجرة عن أرضه، فإن كان البذر منهما فالزكاة على كل

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث - 4.
90

واحد منهما إذا بلغ مقدار سهمه النصاب ".
وبالغ ابن إدريس في التشنيع عليه، وقال: " إني راجعته في هذا الحكم و
كاتبته إلى حلب ونبهته على فساده، فلم يقبل وتعذر بأعذار واضحة، وأبان بها
أنه ثقل عليه الرد، ولعمري إن الحق ثقيل كله ومات رحمه الله وهو على ما قاله،
ووافقه على ذلك جميع من تأخر عنه ".
نعم في المختلف بعد أن استجود قول ابن إدريس قال: " قول ابن زهرة ليس
بذلك البعيد من الصواب " لكن في الحدائق " الظاهر أن الحامل له على ذلك كثرة
تشنيع ابن إدريس عليه، وإلا فهو في غاية البعد من الصواب " ونحوه في المسالك بعد
أن قال: " ضعفه ظاهر، لأن الحصة قد ملكت هنا بعقد المعاوضة في وقت يصلح لتعلق
الزكاة بها لا بطريق الأجرة.
ثم لو سلم كونها كالأجرة، فمطلق الأجرة لا تمنع من وجوب الزكاة، بل
إذا تعلق الملك بها بعد الوجوب إذ لو استأجره بزرع قبل بدو صلاحه، أو آجر
المالك الأرض بالزرع كذلك، لوجبت الزكاة على مالك الأجرة، كما لو اشترى
الزرع كذلك. نعم لو كان يذهب إلى أن الحصة لا يملكها من لا بذر له بالظهور،
بل بعد بدو صلاح الثمرة ونحوه، أمكن ترتب الحكم، لكنه خلاف اجماع الأصحاب
ومع ذلك لا يتم تعليله بالأجرة، بل بتأخر ملكه عن الوجوب ".
وفي جامع المقاصد بعد أن حكى ما سمعته من المختلف قال: " وهو أعلم بما
قال، والظاهر عندنا أنه لا وجه أصلا إلا على القول بأن استحقاقه وتملكه إنما
يكون بعد بدو الصلاح وتعلق الزكاة، وهذا خلاف ما نقله المصنف عن علمائنا،
فكيف يكون خلافه قريبا من الصواب " ولعله يريد أن ذلك محتمل وغير مقطوع
ببطلانه، فلا يأتي على ناقله كل ما ذكره ابن إدريس من التشنيع.
قلت: لعل ابن زهره لحظ عدم الوجوب في الأجرة عن العمل باعتبار عدم
استحقاق تسلمها إلا بعد تمام العمل والزكاة يعتبر فيها التمكن من التصرف في
المال المملوك، أو أنه لحظ وجوبها بعد المؤنة، والفرض كون العمل في مقابلها، فهو
91

حينئذ مؤنته، ولذا أوللأول نفي الخلاف عن عدم وجوبها على الأجرة.
ومنه يعلم ما في المسالك من وجوبها فيما لو آجر أرضا بزرع إذا أراد عدم
احتساب مقدار أجرة المثل من المؤنة، وكذلك أجرة مثل العمل، وبذلك يظهر
الفرق بين المقام، وبين عمل المالك لثمرته مع أنه ربما قيل أيضا باحتساب أجر فعله
مؤنة، وكذا ما يتلفه من ثياب ونحوها في ذلك، وإن كنا لم نوافق عليه، لكن المقام
في العمل المقابل بعوض، وهو الزرع، ودعوى الفرق بين العوض في المساقاة و
المزارعة، وبين الأجرة - واضح الفساد.
ولعله إلى ذلك ونحوه أومأ الفاضل في المختلف بنفي البعد عن الصواب، لا
ما سمعته من جامع المقاصد والمسالك والحدائق، ويقال: مما لا يناسب حمل مثله
عليه، وحينئذ فالمتجه سقوط زكاتها عنهما معا، لخروجها بالظهور عن ملك رب
الأرض والأصول، وعدم تمامية الملك للعامل، أو كونها بمقابلة العمل صارت من
جملة المؤن، والزكاة إنما هي على العفو أي الزايد، لقول الله تعالى (1) " ويسألونك
ماذا ينفقون قل العفو " وغيره مما تقدم في محله بل، لو أن السيد يرى ملك العامل
بعد بدو الصلاح أو بالقسمة، فالمتجه أيضا عدم الوجوب على المالك، فضلا عن العامل
لأنه من جملة المؤن، وإن لم ينثلم النصاب بها.
نعم لو لم نقل باستثناء المؤن اتجه وجوب الزكاة عليه، كما في المسالك قال:
" لأن انتقالها عن ملكه حصل بعد تعلق الوجوب، كما تجب الزكاة على البايع لو باع
الثمرة بعد بدو الصلاح، لكن قد يشكل بالفرق بينهما بالخروج عن ملكه قهرا
مجانا في الأول، بخلاف الثاني، على أن تمامية الملك معتبرة في الزكاة وهي هنا
منتفية بتعلق حق العامل المانع له عن التصرف، وإن نقل بملكه:

(1) سورة البقرة الآية - 219.
92

{تتمة}
{إذا دفع أرضا إلى رجل ليغرسها على أن الغرس بينهما كانت المغارسة
باطلة} عندنا، لأن الأصل الفساد، وما عساه يظهر من بعض النصوص، محمول على
وقوع ذلك بعقد صلح أو إجارة جامعة للشرائط، لا على مشروعية هذا العقد على نحو
عقد المزارعة، فإن الاجماع بقسميه على بطلانه
{و} حينئذ ف‍ {الغرس لصاحبه} لعدم حصول ما اقتضى نقله عنه
{ولصاحب الأرض إزالته} بعد بطلان المعاملة " فإن الناس مسلطون على أموالهم " (1)
{وله الأجرة} عوضا عما مضى من منفعة الأرض {لفوات ما حصل} له {الإذن
بسببه} من الشركة في الغرس باعتبار فساد المعاملة، والفرض عدم دفعه الأرض مجانا
{و} لكن {عليه أرش النقصان} الحاصل على الغرس {ب‍} سبب
{القلع} وإن استحق له فإن استحقاقه لا يرفع ضمانه لما يحصل بفعله، بعد أن
لم يكن الغارس ظالما، كي لا يكون لعرقه حق، وإنما أقصاه فساد المعاملة التي وقع
التراضي منهما بها.
ولكن الكلام في كيفية تأريشه، ففي المسالك " إن المراد به هنا تفاوت ما بين
قيمته في حالتيه، على الوضع الذي هو عليه، وهو كونه حال غرسه باقيا بأجرة
ومستحقا للقلع بالأرش، وكونه مقلوعا لأن ذلك هو المعقول من أرش النقصان،
لا تفاوت ما بين قيمته قائما مطلقا، ومقلوعا، إذ لا حق له في القيام كذلك، ليقوم بتلك
الحالة، ولا تفاوت ما بين كونه قائما بالأجرة، ومقلوعا لما ذكرنا من أن استحقاقه
للقلع بالأرش من جملة أوصافه، ولا تفاوت ما بين كونه مستحقا للقلع، ومقلوعا
لتخلف بعض أوصافه أيضا، كما بيناه، ولا بين كونه قائما مستحقا للقلع بالأرش
ومقلوعا لتخلف وصف القيام، بالأجرة، وهذه الوجوه المنفية ذهب إلى كل منها

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
93

بعض، إلى أن قال: والأول مع سلامته مما فيها لا يخلو من دور، لأن معرفة الأرش فيه
متوقفة على معرفته، حيث أخذ في تحديده، والظاهر أن القيمة لا تختلف باعتباره،
وأن تقديره كذلك كتقديره معلوما وقائما بأجرة فلا يضر مثل هذا الدور ولهذا
الأرش نظائر كثيرة، تقدم بعضها.
قلت: قد يقال: إنها أو أكثرها مبنية على ملاحظة بقائه إلى منتهى عمره في قيمته
ولذا لاحظ البقاء بالأجرة، مع أنه لا يخفى عليك عدم استحقاق بقائه أصلا، لا مجانا
ولا بالأجرة وإنما ذلك يتبع التراضي بينهما، فقد يرضى معه المالك بالأجرة أو
بالمجانية، فليس هو من أوصاف قيمته.
نعم لو قلعه غير المالك المستحق لقلعه، أمكن حينئذ تقويمه عليه بنحو ذلك،
أما هو فقلعه له باستحقاقه، ولكن يضمن أرش نقصانه الحاصل بالقلع، بمعنى أنه
إذا لحقه من حيث القلع نفسه نقصان، ضمنه له، وحيث لا يلحقه لم يضمن له شيئا،
وهو المراد للمنصف وللشهيد في اللمعة، " ولو نقص بالقلع ضمن أرشه " لا أن المراد
تقويمه من حيث بقائه الذي هو غير مستحق له أصلا، ومن الغريب ملاحظة كونه
مستحقا للقلع بالأرش في أرشه، مع أنه لا يكاد يحصل له معنى محصل بالنسبة إلى
قلع المالك له.
وبالجملة فالمراد ضمانه النقص الحاصل من حيث القلع إن حصل، من غير
ملاحظة للبقاء، بمعنى أن هذه الشجرة لما قلعت نقصت بسبب القلع عن حال قيامها
لا من حيث بقائها، ومن ذلك يظهر لك ما في جملة من كتب الأساطين فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فكما يجب على المالك أرش النقصان الحاصل بالقلع، كذلك يجب
على العامل أرش نقصان الأرض. وطم الحفر وقلع العروق المتخلفة من المقلوع. ثم
إنه لم يفرق الأصحاب كما في المسالك وغيرها في جميع ما سمعت بين العلم بالبطلان
والجهل به، بل تعليلهم كالصريح في ذلك، وهو مؤيد لما قلناه سابقا في المساقاة الباطلة
مع العلم بالفساد، وكان ثاني الشهيدين رجع عما ذكره هناك، حيث أنه بعد أن اعترف
94

بما سمعت قال هنا: " ولا يبعد الفرق بينهما، فلا أجرة لصاحب الأرض مع علمه، ولا
أرش لصاحب الغرس مع علمه، أما الأول فللإذن في التصرف فيها بالحصة مع علمه
بعدم استحقاقها، وأما الثاني فلظلمه بالغرس مع علمه بعدم استحقاقه، ثم قال:
ويمكن دفعه بأن الأمر لما كان منحصرا في الحصة أو الأجرة، لم يكن الإذن من
المالك تبرعا فله الأجرة لفساد المعاملة، والغرس لما كان بإذن المالك، وإن لم يكن
بحصة معروفة فعرقه ليس بظالم، فيكون مستحقا للأرش ".
قلت: وهو قريب لما ذكرنا سابقا من أنهما بنيا المعاملة على الضمان، وإن
علما بفسادها، وعدم ترتب ما تضمنته، لكن مثل ذلك لا يقضي بالتبرع كما
هو واضح.
ولو كان الغرس من مالك الأرض فله الأجرة عليه بعد فساد المعاملة، ولو ركب
الغارس فيه نوعا آخر، كما في شجر التوت ونحوه، فإن كان المركب للغارس نفسه
فنماؤه له مدة بقائه، وعليه أجرة تركيبه على الأصل الذي لصاحب الأرض، وله
إزالته مع الأرش علي حسب ما مر، ضرورة عدم الفرق في الغرس بين كونه في أرضه أو في
شجرته والله العالم.
{و} على كل حال ف‍ {لو دفع} مالك الأرض {القيمة} للغارس {ليكون
الغرس له، لم يجبر الغارس} للأصل، وعموم (1) " تسلط الناس على أموالها " {وكذا
لو دفع الغارس الأجرة لم يجبر صاحب الأرض على التبقية} لما عرفت أيضا وقاعدة
" لا ضرر ولا ضرار " لا تقتضي الجبر في الأفراد التي فيها هدم القواعد الشرعية
والله العالم.

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
95

{كتاب الوديعة}
واحدة الودايع قال الكسائي على ما في الصحاح: يقال: أو دعته مالا أي دفعته
إليه يكون وديعة عنده، وأودعته أيضا: إذا دفع إليك مالا يكون وديعة عندك،
فقبلتها، وهو من الأضداد.
{و} كيف كان ف‍ {النظر} في هذا الكتاب يقع {في أمور ثلاثة:
الأول: في العقد وهو} لفظ يقتضي {استنابة في الحفظ} والظاهر كون
لفظ الوديعة كلفظ البيع والصلح والإجارة ونحوها، فيأتي البحث حينئذ في أنها
أسماء للعقود أو لآثارها وغاياتها المترتبة عليها، أو للمعنى الصادر من الموجب، وهو
النقل في البيع والاستنابة في الحفظ هنا، وقد تقدم لك التحقيق في محله وأن
الأصح الأخير، أو أن مرجع الجميع إلى معنى واحد.
نعم قد ذكرنا هناك أن بعضهم ادعى حصول هذه الأسماء بواسطة العقد وغيره،
فالبيع مثلا يحصل بالعقد وبغيره، وهو المسمى في عرفهم بالمعاطاة، والظاهر أن
الأمر هنا عنده كذلك، لاشتراكها في دعوى السيرة القطعية على وقوعها بغير العقد، على
أنها وديعة، وإن كان قد يقال: بل يقوى أن ما يقع بغير ما ذكروه من عقدها المتوسع
فيه وفي غيره من العقود الجائزة أمانة، لا وديعة، بحيث يجري عليه حكمها المختص
بها، كقبول دعوى الرد فيها ونحوه، وإن كان يطلق عليه اسم الوديعة تسامحا،
أو لعدم تمييز بين العنوانات الشرعية، نحو اطلاقهم اسم البيع على إباحة العين من
كل وجه بعوض عنها كذلك.
ثم إن الظاهر من تعريفهم العقد اختصاص مسماه بالألفاظ، دون الأفعال
والمركب منها ومن الأقوال، لكن قد يظهر من المصنف وجماعة بل هو صريح بعضهم
تحقق العقد الجائز بالايجاب اللفظي والقبول الفعلي، ولم نجد له شاهدا فإن
96

المتعارف من لفظ العقد تركيبه من الايجاب القولي والقبول القولي، وألفاظهما هي
المسماة بصيغ العقود نعم لا ينكر تحقق اسم الأمانة مثلا بالمفروض وبغيره من الفعلين،
وذلك لا يقتضي تحقق اسم العقد، بل ولا اسم الوديعة.
وعلى كل حال فلا خلاف ممن يعتد به ولا اشكال في اعتبار إنشائية الربط
بين الايجاب والقبول في الوديعة مثلا، سواء كانت بالأقوال أو الأفعال، بناء على
تحققها بها، نحو البيع والصلح والإجارة وغيرها من العقود لا أنها من الإذن
والإباحة التي لم يلحظ فيها الربط بين القصدين، والرضا من الطرفين، نحو
إباحة الطعام.
وتظهر الثمرة في أمور، منها: انفساخ الوديعة بفسخ كل منهما، فليس له
الرجوع إليها بدون تجديد، بخلاف الإذن، فإن له الرجوع إليها ما لم تظهر تقييدها،
وإن رفع يدا عنها أو لا، إذ لا فسخ بالنسبة إليها، ولم يحصل ما يقتضي رفع الأثر
الحاصل منها كما هو واضح.
ثم إن تعريف المصنف العقد بما سمعت، فيه ما لا يخفى.
نعم يمكن أن يكون تعريفا للوديعة كما في النافع لا عقدها، اللهم إلا أن يريد
لفظا يقتضي استنابة في الحفظ كما سمعته منا في تعريفه، ولا يرد عليه أنه ينبغي
ضم القبول معه حينئذ، وذلك لمعلومية توقف تحقق الاستنابة على النيابة، نحو
تعريفهم البيع بالنقل، كما أنه لا يرد عليه الوكالة على بيع شئ في يد الوكيل مثلا،
لكون المراد هنا الاستنابة بالذات، بخلاف الوكالة التي يقصد فيها شئ آخر، ويتبعه
الحفظ لكونه أمانة.
{و} على كل حال فلا إشكال في أنه {يفتقر إلى إيجاب وقبول} كما في كل
عقد، بل قد عرفت أن ما هو كالمعاطاة فيها بناء على مشروعيته محتاج إلى معنى الايجابية
والقبولية المقصود فيهما الانشاء من الطرفين، مع ربط رضا كل منهما وقصده
بالآخر، فضلا عن العقد.
{و} لكن ينبغي أن يعلم أن عقدها هنا {يقع بكل عبارة دلت على معناه}
97

حقيقة أو مجازا سواء ذلك في الايجاب والقبول، وذلك للتوسع فيها عندهم، بل قد
تقدم لنا بيان قوة الاكتفاء بذلك في العقود اللازمة، فضلا عن الجائزة، بل ذكر
المصنف {و} غيره هنا أنه {يكفي الفعل الدال على القبول} وظاهرهم الاكتفاء
به في تحقق العقدية، قالوا لكونه أصرح من اللفظ، ويجب به الحفظ والضمان
مع سببه، بخلاف القول، لكن قد عرفت ما فيه.
وأغرب من ذلك ما عن بعضهم من الاكتفاء بنحو ذلك في طرف الايجاب قياسا
على الوكالة التي لم يثبت فيها ذلك، وربما يحتمل ذلك في قول المصنف بعد ذلك
" ولو طرح " إلى آخره كما تسمعه في شرحه.
نعم يمكن دعوى تحقق الوديعة بالفعلين من الجانبين، فضلا عن أحدهما،
بناء على تحقق البيع وغيره بذلك، فضلا عنها، لا تحقق العقد الذي هو اصطلاحا
المركب من الايجاب والقبول اللفظيين، وإن كان قد عرفت ما فيه أيضا من تحقق
الإباحة والأمانة بذلك، لا البيع والوديعة، كما أنه يمكن إرادة المصنف في المقامين
ذلك، لا عقدها، وإن كان خلاف ظاهره في القبول، فيكون حاصله تحقق الوديعة
بالعقد الذي يكفي في إيجابه وقبوله كل عبارة، وتقع بالأفعال من الجانبين،
وبالمركب منهما، وإن لم يسم ذلك عقدا اصطلاحا، وهذا وإن كان أهون من الأول
إلا أن فيه ما تقدم.
وكيف كان فقال {ولو طرح ال‍} عين التي يريد جعلها {وديعة عند} من قصد
استيداعها من‍ (ه لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها} قولا ولا فعلا، لعدم تحقق الوديعة
التي لا إشكال في اعتبار القبول أو ما في معناه فيها، سواء كانت بعقد أو بغيره مما في
حكم المعاطاة بناء على مشروعيتها فيها، فلو تركها حينئذ وذهب لم يكن عليه
ضمان، للأصل.
لكن في المسالك " يأثم إن كان ذهابه بعد ما غاب المالك، لوجوب الحفظ من
باب المعاونة على البر وإعانة المحتاج، فيكون واجبا على الكفاية " وفيه ما لا يخفى،
أما إذا قبلها كذلك جرى عليها حكم الوديعة، من وجوب الحفظ وغيره، بل قد
98

يحتمل من المسالك ضمانها لو تركها حينئذ والمالك حاضر، فإنه بعد أن حكى عن
التذكرة أن ذلك رد للوديعة، قال: " ويشكل تحقق الرد بمجرد الذهاب عنها مع
حضور المالك، لأصالة بقاء العقد، وكون الذهاب أعم منه ما لم ينضم إليه قرائن تدل
عليه، وإن كان قد يناقش حينئذ بأنه وإن كان الذهاب أعم من ذلك إلا أن الظاهر
عدم ضمانه بالذهاب المزبور، لعدم صدق التفريط، والأصل براءة الذمة " ولعله
لا يريد الضمان، وإنما يريد عدم انفساخ العقد بذلك.
ثم لا يخفى ظهور العبارة المحكي مثلها عن التذكرة والإرشاد والتحرير واللمعة
والروضة في تحقق الوديعة بالطرح المزبور مع القبول فعلا أو قولا. نعم لا دلالة فيها
على تحقق العقد بذلك، فما في المسالك من انكار ذلك، باعتبار أن وجوب الحفظ
المترتب على القبول أعم من كونه بسبب الوديعة، لأنه قد يكون بسب التصرف في
مال الغير - في غير محله ضرورة ظهور العبارة في تحقق الوديعة بالقبول، ويتبعه
وجوب الحفظ.
نعم لا دلالة فيها على كون ذلك عقدا وهو متجه، بناء على تحققها بدونه، على
قياس معاطاة البيع والصلح والإجارة وغيرها التي هي منها، هذا كله في الطرح
بعنوان الاستيداع.
أما إذا كان مجردا عن ذلك فلا تتحقق الوديعة مع القبول قولا أو فعلا. لعدم
تحقق ايجابها المتوقف عليه تأثير القبول، وإن وجب عليه الحفظ في الثاني إذا كان
قد قبضه، لعموم (1) " على اليد " بل الظاهر وجوب ضمانه عليه، لعدم تحقق الإذن
له في قبضه.
ومما ذكرناه يظهر لك الحكم في جميع صور المقام وإن أطنب فيها في المسالك
لكن مع تشويش في كلامه في الجملة، وربما ظهر منه اعتبار التلفظ بما يدل على
إرادة الايداع مع الطرح في تحقق الوديعة، ولا ريب في فساده بناء على صدقها
مع دلالة غيره من الإشارة المفهمة والكتابة وغيرها وإن لم يتحقق بذلك عقدها،

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
99

لكن يتحقق معاطاتها كما سمعته سابقا فلاحظ وتأمل هذا.
وقد يحتمل في عبارة المتن إرادة بيان عدم وجوب الحفظ على المستودع وإن
حصل عقد الوديعة إذا لم يقبل قبضها، لمعلومية عدم لزوم العقد، كي يترتب عليه بعد
حصوله ذلك، وربما يومئ إطلاق لفظ الوديعة المقتضي تحقق الوصف فيها بإجراء عقدها
فيما بينهما، ومن ذلك ينقدح حينئذ اعتبار القبض في ترتب أحكام الوديعة من الحفظ
وغيره، بل الظاهر عدم وجوب القبض عليه ولو شرطيا، مع احتمال كون الشرط
القبض والفسخ، كما تسمعه إن شاء الله في نظيره، بل قد يتوقف في جواز القبض بدون
الإذن من المالك وإن حصل العقد بينهما، مع احتماله لحصول الإذن منه بالعقد.
ولكن قد يشكل بناء على اشتراطه في الصحة بعدم اقتضاء ذلك، إذ هو حينئذ
كالقبض في الهبة، نعم لو قلنا بعدم كونه شرطا في ذلك اتجه عدم الإذن فيه، ولم أجد
تحريرا في كلام أحد لذلك، وربما يأتي له تتمة عند قوله " وإذا استودع " إلى آخره.
{وكذا لو أكره} المودع أو غيره المستودع {على قبضها} وديعة {لم
تصر وديعة} بذلك لمعلومية اعتبار الاختيار في قبولها، {و} حينئذ ف‍ {لا يضمنها
لو أهمل} حفظها. نعم لو رضي بذلك بعد الاكراه على وجه الإجازة للأول صارت
وديعة، بناء على تأثير إجازة المكره، لا أن رضاءه ووضع يده المتجددين يكون
قبولا جديدا باعتبار عدم اعتبار مقارنة هذا القبول للإيجاب كما في المسالك، وإن
كان هو ممكنا أيضا، لكن مع قصده، لا مع حصول الرضا بما وقع سابقا على نحو
بيع المكره ونكاحه، وتظهر الثمرة في الضمان بالتفريط السابق وغيره، بل قد يقال:
بعدم صحته حتى مع القصد المزبور، وذلك لأن العقد الأول بعد حصول الارتباط
فيه بين الايجاب والقبول إما أن يجاز فيصح، أو لا فيبطل هو وايجابه، ولا يجدي
القبول المتجدد.
وعلى كل حال فمما ذكر يظهر لك الحال فيما في المسالك، حيث قال:
" يجب تقييد ما في المتن بما إذا لم يضع يده عليها بعد زوال الاكراه مختارا، فإنه
حينئذ يجب عليه الحفظ باليد الجديدة، وإن لم يجب بالاكراه، وهل تصير بذلك
100

وديعة أم أمانة شرعية، يحتمل الأول، لأن المالك كان قد أذن له، واستنابه في
الحفظ، غايته أنه لم يتحقق معه الوديعة، لعدم القبول الاختياري، وقد حصل
الآن والمقارنة بين الايجاب والقبول غير لازمة، ومن إلغاء الشارع ما وقع سابقا،
فلا يترتب عليه أثره ويشكل بأن الغاءه بالنظر إلى القابض، لا بالنظر إلى المالك،
ويمكن الفرق بين وضع اليد عليها اختيارا بنية الاستيداع وعدمه، فيضمن على
الثاني، دون الأول، إعطاءا لكل واحد حكمه الأصلي.
مضافا إلى ما في ذيل كلامه مما يظهر منه كون المفروض أولا مجرد وضع يد
جديدة بعد زول الاكراه، ومن المعلوم عدم تحقق الوديعة بذلك، لما علمت من
اعتبار القبول فيها، وهو غير متحقق بذلك قطعا.
بل ومنه أيضا يعلم ما في الرياض الذي قد تبع فيه المسالك بل ظاهره الحكم
بالضمان باليد الجديدة حتى لو قلنا بكونه وديعة، قال فيه: " وكذا لو أكره على
القبض لم يضمن مطلقا إلا مع الاتلاف، أو وضع يده عليه بعد ذلك مختارا فيضمن
حينئذ جدا، لعموم الخبر المتقدم، وهل تصير بذلك حينئذ وديعة لا يجب ردها
إلا مع طلب المالك، أو من يقوم مقامه أو أمانة شرعية يجب إيصالها إلى المستحق
فورا، وبدونه يضمن مطلقا، وجهان " ثم ذكر ما سمعته من المسالك من الاحتمال
إلى أن قال: " والأول لا يخلو من وجه، وإن كان الثاني أوجه ".
وكأنه مناف لما سمعته سابقا من الضمان حتى على تقدير كونه وديعة، فلاحظ
وتأمل بل مما ذكرنا يظهر لك الحكم أيضا فيما لو كان المودع والمستودع مكرهين
وإن وجب على المستودع حينئذ الحفظ باعتبار استيلاء اليد، لا لكونها وديعة كما
وهو واضح. بل قد يقال: بوجوب الحفظ عليه من هذه الحيثية، حتى في صورة إكراه
المستودع أو المودع، خصوصا مع كون المكره أجنبيا وخصوصا مع كون وجوب
حفظ مال الغير من المعاونة على البر فتأمل جيدا. والله العالم.
{وإذا استودع} وقبل ذلك {وجب عليه الحفظ} بلا خلاف أجده، بل
يمكن تحصيل الاجماع عليه، مضافا إلى ما عدمه من الخيانة المحرمة كتابا، و
101

عقلا، وسنة متواترة، واجماعا بقسميه، وإلى كونه مقدمة لوجوب أداء الأمانة
وردها إلى مالكها، ولا ينافي ذلك جواز الوديعة، فإن المراد ما دام مستودعا، أو
التخيير بينه، وبين الرد إلى المالك.
إنما الكلام فيما في المسالك " من أن قبول الوديعة الذي يتفرع عليه حكم
الحفظ قد يكون واجبا، كما إذا كان المودع مضطرا إلى الاستيداع، فإنه يجب
على كل قادر عليها واثق بالحفظ قبولها منه كفاية، ولو لم يوجد غير واحد تعين
عليه الوجوب، وفي هذين الفردين وجوب الحفظ واضح، وقد يكون مستحبا مع
قدرته وثقته من نفسه بالأمانة، وكون المودع غير مضطر، لما فيه من المعاونة على
البر الذي أقل مراتب الأمر به الاستحباب، وقضاء حوائج الاخوان وقد يكون
محرما كما إذا كان عاجزا عن الحفظ، أو غير واثق من نفسه بالأمانة، لما فيه من
التعرض للتفريط في مال الغير، وهو محرم، ومثله ما لو تضمن القبول ضررا على
المستودع في نفسه أو ماله أو بعض المؤمنين ونحو ذلك، وبهذا التقسيم يظهر وجوب
الحفظ وعدمه ".
وفيه: أن الحفظ إلى أن يرده على المالك على كل حال واجب حتى في الصورة
المحرمة التي لا تقتضي فساد عقد الوديعة باعتبار كونها لأمر خارج، مع أنه قد يناقش
في أصل الوجوب فيما فرضه، لأصالة براءة الذمة من وجوب حفظ مال الغير كما أنه
قد يناقش في الحرمة في صورة عدم الوثوق بنفسه، ضرورة تكليفه بعدم الخيانة، كما هو
واضح والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {لا يلزمه} أي المستودع {دركها لو تلفت من غير}
تعد فيها ولا {تفريط أو أخذت منه قهرا} بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل، وقاعدة الائتمان المعلوم من الكتاب والسنة و
الاجماع والعقل عدم استتباعها الضمان.
نعم لو كان هو الساعي في أخذها قهرا منه، توجه الضمان حينئذ لصدق الخيانة
والتفريط معه، بل ربما ظهر من ثاني المحققين الضمان بمجرد اخباره بها وإن لم
102

يكن على وجه السعاية، ومن آخر ذلك أيضا بإخبار اللص، وإن لم يعين له
مكانها، إلا إذا صادفها اللص مصادفة، خلافا لمحكي التذكرة، فلم يضمنه مع عدم تعيين
المكان، بخلاف ما إذا عينه.
والتحقيق الحكم ببراءة ذمة الأمين، وخصوصا الودعي مع الشك في تحقق
سبب الضمان، ولو للشك في الاندراج تحت ما جعلوه عنوانا له من التعدي والتفريط،
لأن عموم على اليد ونحوه مخصص بقاعدة الائتمان، وبذلك حينئذ ظهر لك المعيار
الذي يرجع إليه في جميع هذه الأفراد، وهو المراد من الفقيه تحريره، لا خصوص
الجزئيات التي لا انضباط لمشخصاتها الحالية وغيرها.
ثم لا فرق في الأخذ قهرا بين أن يتولى أخذها من يده، وبين أن يأمره بدفعها
إليه بنفسه، فيدفعها له كرها، لصدق الاكراه وعدم التفريط فيهما، ولا ضمان
عليه فيهما، وإنما ضمان المال على الظالم، فليس للمالك حينئذ مطالبته بوجه،
وفاقا للأشهر، بل المشهور، وخلافا للمحكي عن أبي الصلاح، وأبي المكارم، و
الفاضل في التذكرة، ومحكي التحرير من جواز رجوع المالك عليه مع مباشرته
الدفع بنفسه إلى من أمره الظالم، لأنه باشر تسليم مال الغير بيده، فيشمله عموم (1)
" على اليد وإن كان قرار الضمان على الظالم.
إلا أنه كما ترى مناف لاطلاق ما دل على عدم ضمانه مما عرفت، بل ولقاعدة
الاحسان وغيرها التي قد عرفت تحكيمها على قاعدة اليد.
نعم لا اشكال في رجوعه لو أمره بمباشرة اتلافه بنفسه، ولو على جهة الانتفاع
به، لقاعدة الاتلاف التي لم يثبت تخصيصها بقاعدة الائتمان لكن من جهة قوة السبب
هنا على المباشر، كان قرار الضمان عليه، لا أصل جواز الرجوع، وما عساه يقال:
بأنه مناف لقاعدة عدم ضمان الأمين بغير التعدي والتفريط، وخصوصا الوديعة
قال زرارة في الصحيح: (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن وديعة الذهب والفضة قال: فقال:

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
(2) الوسائل الباب - 4 من أبواب أحكام الوديعة الحديث - 4.
103

كل ما كان من وديعة ولم تكن مضمونة لا تلزم " بناء على إرادة غير المشروط ضمانها
من قوله " مضمونه أو الأعم منه ومن التعدي والتفريط - يدفعه أن ذلك كله منزل
على التلف في غير الفرض.
ومن ذلك يظهر حينئذ قوة قول الفاضل بناء على أن تسليمها إلى الظالم
من أقسام الاتلاف أيضا فتأمل.
وعلى كل حال فقد ظهر لك الوجه في عدم الضمان بالأخذ منه قهرا {نعم
لو تمكن من الدفع} اللائق به {وجب} بلا خلاف أجده فيه لأنه مقدمة للحفظ
المأمور به على جهة الاطلاق، {و} حينئذ {لو لم يفعل} ذلك مع قدرته عليه
{ضمن} لأنه تفريط حينئذ وكذا لو أمكن الدفع ببعضها فلم يفعل، لكن الظاهر
ضمانه ما يزيد على ما يندفع به منها، لا الجميع، وإن احتمل للتفريط، إلا أنه
واضح الضعف، لأن بعض المدفوع واجب على التقديرين.
وما في الرياض من الفرق بينهما - بكونه بأمر الشارع على الأول، وبدونه
على الثاني وهو فرق واضح وإن هي إلا كما لو فرط فيها فتلف بغيره، وقالوا فيها
بضمانها، مع أنها ذاهبة على التقديرين فتأمل - يدفعه أنها عند الشارع كالوديعتين
التي أراد الظالم أخذهما، وكان يمكن دفعه بإعطاء أحدهما فلم يفعل، فإنه لا ريب
في ضمانه الثانية، فإن الأولى ذاهبة على كل حال منضمة إلى الأخرى، أو مستقلة،
فالتفريط حينئذ في الثانية لا فيهما معا، كما هو واضح.
ولو توقف الدفع على بذل شئ من ماله، فلا إشكال في جوازه، بل في جامع
المقاصد " أنه لا يبعد القول بوجوب مصانعة الظالم بشئ يرجع به على المالك، وربما
مال إليه في الرياض لوجوب الحفظ، فيجب ما لا يتم إلا به، والضرر يندفع بنية
الرجوع على المالك مع فرض عدم التمكن من استيذانه أو وليه ".
قلت: لم أقف في النصوص على ما يدل على وجوب الحفظ على جهة الاطلاق
وإن صرح به في المسالك، اللهم إلا أن يكون إجماعا ولم نتحققه والأمر بأداء
الأمانة يراد منه عدم الخيانة، كما لا يخفى على من لاحظ نصوصه، فهو حينئذ
104

بالنسبة إلى المال واجب مشروط، للأصل، ولو سلم فالمتجه وجوب بذل ما لا يضر
بحاله من المال، كغيره من تكاليفه المطلقة، ولا يرجع به على المالك، لأن دفعه
حينئذ مقدمة لامتثال تكليفه، نحو غيره من الأفعال التي يفعلها مقدمة للحفظ،
ولا يرجع بأجرة المثل في شئ منها.
نعم لو فرض الضرر الكثير لم يجب عليه، لسقوط باب المقدمة حينئذ
لقاعدة نفي الضرر، مع إمكان القول حينئذ باندفاعها، بالدفع بنية الرجوع مع عدم
التمكن من استيذان المالك، لكونه وليا حينئذ بالنسبة إلى ذلك، وهل التمكن
من الحاكم يقوم مقام التمكن منه، وجهان أحوطهما الأول.
وكيف كان فلا خلاف {و} لا اشكال في أنه {لا يجب تحمل الضرر الكثير
بالدفع، كالجرح وأخذ المال} الجزيل الذي لا يرجع به على المالك، وغيرهما مما
يختلف باختلاف الأشخاص شرفا وضعة وغيرهما، إلا أن ما عساه يظهر من المصنف
من كون مطلق أخذ المال وإن قل ضررا كثيرا واضح المنع، وإلا لسقط في غير هذه
المقدمة، وهو معلوم العدم.
نعم قد عرفت سابقا إمكان القول بأنه لم يثبت وجوب الحفظ على الاطلاق،
بحيث يشمل بذل المال، والأمر بأداء الأمانة الذي هو بمعنى عدم خيانتها لا يقتضي
ذلك، اللهم إلا أن يكون مستنده الاجماع الذي قد عرفته سابقا ولكن يتجه حينئذ
تقييد المال بكونه مضرا بالحال، بل لو قلنا باندفاع ضرره بالرجوع على المالك وجب
حينئذ دفع الكثير منه هذا.
وفي المسالك: " ثم إن كان المطلوب الذي لا يندفع عنها بدونه بقدرها لم يجب
بذله قطعا لانتفاء الفائدة، لكن لو بذله بنية الرجوع به هل يرجع؟ يحتمله، لأن
الوديعة لولاه ذاهبة فيكون بذله قدرها كبذلها، وعدمه، لأن القدر المأذون فيه شرعا
ما يترتب عليه مصلحة المالك وهو ها هنا منتف، فلا يكون شرعيا، وعلى هذا فيمكن
عدم الرجوع بجميعه لما ذكر، وبجزء منه ليقصر عنها وتترتب الفائدة، إذ الفرض
عدم امكان ما قصر عنه، ويبعد كونه يرجع بمقدار ما ينقص عن قدرها بدرهم مثلا.
105

ولا يرجع بشئ أصلا مما يساويها، فإن غير المأذون في المساوي إنما هو القدر الذي
تنتفي الفائدة معه، لا جميع المبذول، ولم أقف في هذا الحكم على شئ فينبغي تحريره.
قلت: قد يقال: إن الوديعة إن كانت عينا كفرس وكتاب ونحوهما يمكن تعلق
غرض المودع بها عينا، فلا ريب في أن المتجه جواز الرجوع، وإن بذل تمام
القيمة. أما إذا لم تكن كذلك فلعل المدار على عدم المفسدة على المودع، لا اعتبار
المصلحة، فيرجع حينئذ على التقديرين بتمام ما بذل وإن كان مستوعبا، ولو توقف
حفظهما على الكذب جاز بل وجب، وإلا كان ضامنا.
نعم لو تمكن من التورية المخرجة له عن الكذب عند المخاطب وجب أيضا،
لتمكنه من امتثال التكليفين، وإلا ورى بما يخرج به عنه في نفسه، بأن يقصد نفي
الوديعة مثلا يوم كذا أ {و} في مكان كذا، بل {لو أنكرها فطولب باليمين ظلما
جاز الحلف} ولو بالبراءة أو يمين الصادق المعروفة، بل وجب، فإن لم يفعل ضمن.
ولكن يحلف {مور يا بما يخرج به عن الكذب} على الوجه الذي عرفته
مع الامكان، لعدم حرمته حينئذ، فلا إشكال فيه من أصله، ضرورة اقتضاء باب
المقدمة وجوبه، لا أنه في هذا المقام محرم جاز للمقدمة، وكان ذلك هو الوجه في
اقتصارهم على الكذب دون غيره من المحرمات، وإلا فمن المعلوم سقوط مقدمة كل
واجب مع فرض توقفها على المحرم، وخصوصا إذا كان محرما أصليها، والمعارض
له واجب مقدمي كما هو واضح.
ومن هنا لم يذكروا إباحة غيره من المحرمات مع توقف حفظ الوديعة عليها،
من غير فرق بين كونها متعلقة بالخالق أو المخلوق.
{و} كيف كان {هي} أي الوديعة {عقد جائز من طرفيه} بلا إشكال ولا
خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة في تخصيص الآية وغيرها من أدلة
اللزوم، {و} حينئذ ف‍ {يبطل بموت كل واحد منهما وبجنونه} وإغمائه، ونحو
ذلك مما يخرج به ماله عن ملكه، أو ولايته عنه كما هو الشأن في نحوه من العقود
الجائزة للاجماع، أو لأنه بالموت ينتقل المال عن المودع، كما أنه لا عقد مع وارث
106

الودعي، فلا يجوز بقاؤه على حكم الوديعة، وبالجنون مثلا ونحوه تنتقل ولاية
تصرفه إلى غيره، ولا عقد مع غير الودعي فلعله لذلك كانت الأهلية معتبرة فيهما في
الابتداء والاستدامة.
{و} على كل حال مع البطلان {تكون} العين حينئذ في يد الودعي أو في
يد من وضع يده عليها حسبة {أمانة} شرعية، لعدم إذن المالك الصوري، وحصول
الإذن من المالك الحقيقي في الاستيلاء عليها للرد حسبة، وحينئذ يلحقها حكم
غيرها من الأمانات الشرعية، من نحو وجوب ردها إلى مالكها، أو ولي أمره، أو إعلامه
على القولين فورا على وجه لو لم يبادر لا لعذر شرعي ضمن، ولم يبق لها شئ من
أحكام الوديعة حتى قبول صاحبها في ردها، فإنه لا يقبل لما عرفت من انفساخ عقد
الوديعة.
نعم لو كان تأخيرها مثلا في صورة موت المودع، لعدم العلم بانحصار الوارث
المعلوم كونه وارثا، أو للشك في كونه وارثا، ولم يكن حاكم يرجع إليه، ففي المسالك
" الأقوى عدم الضمان، خصوصا مع الشك في كون الموجود وارثا، لأصالة عدمه، وأما
مع العلم بكونه وارثا فالأصل أيضا عدم استحقاقه جميع المال، والعلم بكونه مستحقا
في الجملة لا يقتضي انحصار الحق فيه، وأصالة عدم وارث آخر معارض بالأصل المزبور،
فيبقى الحكم في القابض، ووجوب البحث عن المستحق كنظائره من الحقوق، ومثله
يأتي فيما لو أقر بمال المورث زيد، فإنه لا يؤمر بتسليم جميع المقربة إليه إلا بعد
البحث، حتى لو ادعى انحصار حق الإرث في الموجود مع الجهل، ففي جواز تمكينه
من دفعه إليه وجهان، من اعترافه بانحصار الحق فيه، فيلزم بالدفع إليه، ومن أنه
إقرار في حق الغير حيث يمكن مشاركة غيره له فيه إلى أن قال: - ولو أخر تسليم
الوديعة إلى الوارث ليبحث عن وصية الميت أو إقراره بدين ونحوه، فالأقرب الضمان،
لأصالة عدمه، بخلاف الوارث ".
لكنه كما ترى خصوصا ما ذكره في الاقرار الذي لا ريب في حجيته على المقر
الذي هو مخاطب بايصال المال، والبحث فيه وفي سابقة مع عدم حصول العلم به لا يجعل
107

به الأصل حينئذ حجة، والامتناع بعده يقتضي تعطيل المال عن مستحقه.
نعم له التروي والبحث دفعا لضرر الغرامة عن نفسه، لا لمعارضة أصالة عدم
وارث آخر بأصالة عدم استحقاقه الجميع، ضرورة وروده عليه وانقطاعه به، على أنه
لم يتضح لنا الفرق بين احتمال الوارث، واحتمال الوصية الذي ذكره أخيرا، فالمدار
والمدرك حينئذ ما عرفت، ولا عبره بالاحتمالات الخارجة عن مذاق العقلاء كما هو
واضح. والله العالم.
{وتحفظ الوديعة، بما جرت العادة بحفظها} به {كالثوب والكتب في الصندوق
والدابة في الإصطبل، والشاة في المراح، أو ما يجري مجرى ذلك} في الحرز لمثلها
في العادة، كما هو الضابط في كل ما لا حد له في الشرع الذي منه ما نحن فيه، ضرورة
كون الوديعة استنابة في الحفظ، وليس له في الشرع حد مخصوص، فلا مناص عن
الرجوع فيه إلى العادة في حفظ مثل هذه الوديعة على وجه لا يعد الوديع مضيعا
ومفرطا وخائنا ومهملا ومتعديا، ولا فرق فيما ذكرنا بين علم المودع بوجود حرز
مثلها عند الوديع أو لا، فإن العلم بالعدم لا يقتضي الإذن له في الوضع بغير حرزها،
بل عليه تحصيل الحرز لها مقدمة للحفظ الواجب عليه.
نعم الظاهر اختلافه باختلاف الأزمنة والأمكنة، كاستيداع الدابة في البادية
عند أهلها ونحو ذلك، كما أن من المعلوم إرادة الحفظ لها في الأماكن المخصوصة،
إذا فرض كونها حرزا لها في العادة، فلا يكفي الصندوق المشترك بينه وبين غيره من
دون قفل ونحوه، بل هو أيضا لا يكفي إذا كان في بيت كذلك، مع فرض عدم كونه
حرزا في نفسه لمثلها.
{ويلزمه سقي الدابة} وكل حيوان محترم خصوصا الآدمي {وعلفها} بلا
خلاف ولا إشكال، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه بمعنى عرض ذلك عليها على حسب
العادة، لأنه من مقدمات الحفظ المأمور به، {أمره} المالك {بذلك أو لم يأمره}
كغيره من المقدمات المتعلقة بالوديعة من حيث كونها وديعة، فلو قصر حينئذ في
شئ من ذلك ضمن، للتفريط، بل هو كذلك وإن عاد إلى القيام به، كما تسمعه
108

فيما يأتي.
وأما وجوب بذل عين النفقة من الماء المحتاج إلى قيمة والعلف كذلك، فظاهر
الأصحاب المفروغية من وجوب بذلها عليه، كما في المسالك وغيرها، بل حكى بعضهم
الاجماع عليه تارة، ونفى الخلاف عنه أخرى، ولعله كذلك.
لكن على هذا الترتيب وهو التوصل إلى ذلك باستيذان المالك أو وكيله فيه،
فإن تعذر رفع أمره إلى الحاكم، ليأمره به إن شاء أو يستدين عليه، أو يبيع بعضه
للنفقة، أو ينصب أمينا عليه، فإن تعذر الحاكم أنفق هو، وأشهد عليه، ويرجع مع
نيته، ولو تعذر الاشهاد اقتصر على نية الرجوع، والقول قوله في مقدار النفقة، كما
أن القول قول المالك في مقدار زمانها، والكلام في اعتبار الاشهاد في وجوب
الرجوع وعدمه تقدم في باب المزارعة هذا.
وفي المسالك " وفي حكم الحيوان، الشجر الذي يفتقر إلى السقي وغيره من
الخدمة، وفي حكم النفقة على الحيوان ما يفتقر إليه من الدواء لمرض " وظاهره
بل صريحة كغيره الوجوب من حيث الوديعة، فيضمن حينئذ مع التقصير فيه، إلا
أنه إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة فيه، بعدم اقتضاء اطلاق الوديعة الحفظ بنحو
ذلك، وكونه حيوانا محرما لا يسوغ اتلافه بغير الوجه المأذون فيه، لا يقتضي
ترتب الضمان المتوقف على التعدي والتفريط في الوديعة من حيث كونها وديعة
بمعنى التقصير فيما اقتضاه إطلاق لا التقصير في الحكم الشرعي الثابت عليه
وإن لم يكن ودعيا.
على أنه لا يتم فيما سمعته من المسالك من إلحاق الشجر الذي هو ليس بذي
نفس محترمة، ولو قلنا بوجوب حفظ كل مال في نفسه على المالك وغيره، إلا أن
ذلك لا يقتضي الضمان مع التقصير فيه، ضرورة كون الحفظ من جهته من مقتضى
إطلاق عقدها، اللهم إلا أن يعده التقصير فيه باعتبار كون المال في يده خيانة، وأنه
هو المتلف للمال، لكنه كما ترى.
{و} على كل حال ف‍ {يجوز أن يسقيها بنفسه وبغلامه، اتباعا للعادة}
109

القائمة مقام إذن المالك فيه، مع عدم صدق التعدي والتفريط، ليس هو من إيداع
الوديعة غيره عرفا، كما هو واضح، لكن في المسالك " إن مقتضى العادة جواز تولي
الغلام سواء كان المستودع حاضرا عنده أم غائبا، وسواء كان الغلام أمينا أم لا وليس
كل ذلك جائزا هنا، بل إنما يجوز تولي الغلام لذلك مع حضور المستودع عنده،
فيطلع على قيامه بما يجب، أو مع كونه أمينا، وإلا لم يجز ولا فرق في ذلك بين
وقوع الفعل في المنزل وخارجه، فلو توقف سقيها على نقلها ولم يكن أمينا فلا بد من
مصاحبته في الطريق، وإنما تظهر الفائدة في نفس مباشرة الغلام لذلك، وكذا لا فرق في
ذلك كله بين الغلام وغيره ممن يستنيبه المستودع، وعبارة المصنف لا تنافي ما قيدنا، لأنه
لم يجوز إلا تولي السقي وهو أعم من كونها مع ذلك في يد المستودع وعدمه،
والعام لا يدل على الخاص، فيمكن تخصيصه إذا دل عليه الدليل، وهو هنا موجود
بما أطبقوا عليه، من عدم جواز ايداع الودعي مع الامكان وهذا في معناه، وربما
قيل: بأن ذلك فيمن يمكن مباشرته لذلك الفعل عادة، أما ما لا يكون كذلك،
فيجوز له التولية كيف كان، وهو ضعيف ".
وفيه أن ذلك لا يعد إيداعا، بل هو قيام بالعمل الذي يراد من الوديع الذي
لا يجب عليه مباشرته فيما دلت القرائن مباشرة غيره له، لرفعة شأنه، أو عجزه، أو نحو
ذلك، وخصوصا فيما قضت به العادة مما هو ليس بتعد ولا تفريط.
ومنه يعلم ما في قول المصنف أيضا {ولا يجوز اخراجها من منزله لذلك، إلا
مع الضرورة، كعدم التمكن من سقيها أو علفها في منزله، أو شبه ذلك من الأعذار}
ضرورة عدم الفرق بين ذلك وبين ما تقدم، مع فرض قضاء العادة به، ولم يكن ثم
ما يقتضي التفريط بها.
ومن الغريب أنه في المسالك وافق هنا على ذلك، مع أنه قد سمعت منه ما مضى
فإنه بعد أن ذكر هنا عدم الفرق في المنع من اخراجها لذلك بين كون الطريق أمنا
وعدمه، لأن النقل تصرف فيها وهو غير جائز مع امكان تركه، وعدم الفرق بين كون
العادة مطردة بالاخراج لذلك وعدمه، لما ذكر وعدمه أيضا بين كونه متوليا لذلك
110

بنفسه، وغلامه مع صحبته له وعدمه، لا تحاد العلة في الجميع قال: " واستقرب
في التذكرة عدم الضمان لو أخرجها، مع أمن الطريق وإن أمكن سقيها في موضعها،
محتجا باطراد العادة بذلك، وهو حسن مع اطرادها بذلك لا مطلقا.
ثم إنه لا يخفى عليك ما في اطلاق الجواز للضرورة وإن كان الطريق مخوفا،
الذي وجهه كون ذلك من ضروريات الحيوان، فالضرر اللاحق بتركه أقوى من
خطر الطريق فإنه قد يشكل في بعض الصور بما إذا كان التأخير إلى وقت آخر أقل
ضررا أو خطرا من اخراجها حين الحاجة، ونحو ذلك، فينبغي مع اشتراكهما في
الضرر مراعاة أقل الضررين، اللهم إلا أن يقال: بعدم إرادة هذه الصورة من الاطلاق
المزبور والأمر سهل بعد ظهور الحال في أصل المسألة وهو أن المدار في حفظها وفي
حرزها على المعتاد، الذي لا يعد عرفا مع مراعاته مفرطا ومتعديا، بل قد سمعت
قيام العادة مقام الإذن من المالك في ذلك. والله العالم.
{ولو قال المالك لا تعلفها أولا تسقها لم يجز القبول} لكونه ذا كبد حراء
ونفس محترمة، وواجب النفقة على المالك، {بل يجب عليه سقيها وعلفها}
مراعاة لحق الله تعالى شأنه، وإن أسقط الآدمي حقه بل مع امتناع المالك ورفع
الأمر إلى الحاكم وأمره بالنفقة من ماله، يتجه الرجوع له عليه، وكذا لو كان بأمر
عدول المؤمنين أو به مع الاشهاد أو بدونه مع نية الرجوع على حسب ما تقدم سابقا.
{نعم لو أخل بذلك والحال هذه أثم ولم يضمن لأن المالك أسقط الضمان
بنهيه، كما لو أمره بالقاء ماله في البحر} خلافا لبعض فأجرى حكم الوديعة مع
النهي، فضلا عن غيره حتى في غير الحيوان، إلا أنه كما ترى، للأصل بعد انصراف
دليل الضمان إلى غيره، وخصوصا فيما لو كانت الوديعة غير حيوان، كشجر وبناء
ونحوهما، بل في المسالك " الأقوى عدم وجوب حفظه، فضلا عن عدم الضمان، لأن
حفظ المال إنما يجب على مالكه، لا على غيره، وإنما وجب الانفاق في الحيوان
لكونه ذا روح، فيأثم بالتقصير في حقه، فيجب دفع ألمه ".
نعم يبقى إشكال في أصل صحة الوديعة على هذه الوجه المقتضي سفاهة المالك،
111

فيصير المال حينئذ في يده أمانة شرعية يجب ردها إلى المالك أو وليه اللهم إلا أن
يفرض في وجه لا سفه فيه، أو يقال: إن السفه لا يؤثر فسادا بدون تحجير الحاكم.
نعم قد يقال: إن الاشكال في صحة الوديعة المأذون فيها بالتفريط مطلقا،
أو في شئ خاص كما أنه قد يقال بوجوب الحفظ على من في يده المال، وإن أذن
المالك بإتلافه، كما قد أشرنا إليه سابقا والله العالم.
{ولو عين له موضع الاحتفاظ اقتصر عليه} لأصالة حرمة التصرف في مال
الغير بغير إذنه {و} حينئذ ف‍ {لو نقلها} عنه {ضمن} لأنه عاد {إلا}
إذا كان النقل {إلى أحرز} بل {أو مثله على قول} قوى إذا فهم إرادة المثال
مما عينه، ولو بقرينة ظهور كون الغرض له الاحتفاظ كتعيين الزرع والراكب و
نحوهما في المزراعة والإجارة.
أما إذا لم يفهم ذلك فالأقوى الضمان حتى في النقل إلى الأحرز، فضلا عن
المساوي، سواء فهم إرادة الخصوصية منه، أو أطلق ولم يكن قرينة على الإرادة
المزبورة، لتحقق المخالفة حينئذ، اللهم إلا أن يقال: إن الايداع كان يقتضي التخيير
في أفراد الحرز، وتعيين موضع الاحتفاظ إنما يقتضي عدم الإذن في الأدون، أما
غيره فيبقى على مقتضى الاطلاق الذي لم يتقيد بالتعيين المذكور، بعد فرض عدم
ظهوره في إرادة التقييد.
نعم لو فرض أن حصول الايداع قد كان بتعيين موضع الاحتفاظ، اتجه حينئذ
الاقتصار عليه ما لم يظهر إرادة المثال، ودعوى حصول مفهوم الموافقة في الأحرز
واضحة المنع، مع أنه قد يمنع ذلك أيضا، بدعوى ظهور التقييد بتعيين موضع
الاحتفاظ، كما في غيره من أفراد المطلق والمقيد.
ولعله لذا جزم في المسالك بعدم جواز التخطي في الفرض حتى إلى الأحرز،
بل حكاه جماعة منهم الشهيد في حواشيه على القواعد، بل احتمل في النسبة إلى القول
التي في المتن والقواعد - المشعرة بالتوقف، وأن القول الآخر بخلافه - رجوعها
112

إليهما معا، لا خصوص الأخير، بل في المفتاح نسبته إلى ظاهر النهاية والتبصرة، و
موضع من السرائر والغنية، وصريح النافع والكركي والأردبيلي، وميل التحرير
وإيضاح النافع. وبذلك يظهر لك ما في دعوى الاجماع على الجواز في الأحرز، و
أن الخلاف إنما هو في المساوي دون الأحرز.
وعلى كل حال فلا ريب في أنه متجه، بناء على أن ذلك من موضوع الاطلاق
والتقييد، كما يشهد له قول المصنف {و} غيره ف‍ {لا يجوز نقله إلى ما دونه، ولو
كان حرزا إلا مع الخوف من ابقائها فيه} بل في المسالك " الاجماع على عدم جواز
نقلها إلى ما دونه " وما ذاك إلا لفهم التقييد من التعيين المزبور، ولا ريب في عدم
الفرق حينئذ بين ما دونه وما فوقه، مع فرض عدم قرينة تدل على ذلك، كما أنه
لا إشكال في ظهور ذلك حال كونه حرزا لمثلها، أما مع فرض عروض الخوف عليها فيه فلا
تقييد للاطلاق، وحينئذ يجوز نقلها إلى غيره، وإن كان أدون مع فرض كونه حرزا
بل مقتضى اطلاق العبارة وغيرها جواز النقل إليه وإن تمكن من المساوي والأحرز
ولعل وجهه حينئذ بقاء الاطلاق على حاله في الفرض، وهو يقتضي التخيير المزبور
خلافا لثاني الشهيدين فأوجب المساوي فما فوق مع التمكن، وإلا فالأدنى، مع
أن مذهبه عدم ظهور المثال في التعيين المزبور.
وكيف كان فالمتجه عدم الضمان، حيث يجوز له النقل، سواء تلف بانهدامه
أو بغيره، لما عرفت من أن مبنى الجواز حصول الإذن من المودع، وهو يقتضي
عدم الضمان، فما عن بعض - من الحكم بالضمان مع جواز النقل إلى الأحرز و
المساوي وعن آخر من الفرق بين التلف بالنقل كالانهدام مثلا وغيره فيضمن في الأول
دون الثاني - لا يخلو من نظر، ولعل وجه الأول أن جواز النقل إليهما إنما هو
من الفحوى التقديرية التي يجوز بها الاقدام، ولكن لا ترفع الضمان الحاصل من
المخالفة، والثاني بأن انتفاء الضمان معه وإن جاز النقل إليه، مراعى بعدم ظهور
الخطأ في كونه مساويا أو أحرز، فمع فرض ظهور عدمه بالانهدام يتحقق الضمان،
أما التلف بغيره فلم يتبين له ظهور الخطأ، إلا أن الجميع كما ترى.
113

{و} على كل حال فقد بان لك مما ذكرنا أنه {لو قال: لا تنقلها من هذا
الحرز ضمن بالنقل كيف كان} إلى مساو أو أحرز، لتحقق التعدي فيها حينئذ
بالمخالفة، لنهيه المقتضي عدم جواز ذلك له اجماعا، {إلا أن يخاف تلفها فيه}
فيجوز له حينئذ النقل حسبة إلى المساوي والأحرز، وإلا فالأدون كما في المسالك
أو إلى حرز مثلها مطلقا كما هو الأقوى على ما عرفته سابقا في نظيره.
وعلى كل حال يجوز ذلك له {ولو} كان قد {قال}: لا تنقلها عن هذا
المكان {وإن تلفت} فيه، لعدم ثبوت هذه السلطنة له من السلطان الحقيقي، بل
حرم عليه إضاعة المال واتلافه في غير وجهه، ومن ذلك " النهي عن التبذير "، (1) و
" عن تمكين السفهاء من الأموال التي جعلها لنا قواما " (2).
ولكن لا يخفى عليك عدم بقائها حينئذ في يده وديعة، بل هي أمانة شرعية،
لعدم الاستنابة من المالك في ذلك، فيضمنها حينئذ بعدم الرد إلى المالك أو وليه
فورا أو الاعلام، كما أنه لا يخفى عدم وجوب ذلك عليه، وإنما هو جائز له.
فما في المسالك - من وجوب النقل، لأن الحفظ واجب عليه، ولا يتم إلا
بالنقل، وللنهي عن إضاعة المال فلا يسقط هذا الحكم بنهي المالك وإن صرح بقوله
{وإن تلفت}، لكن هنا لو ترك نقلها أثم، ولا ضمان لاسقاط المالك له عنه كما
مر لا يخفى ما فيه، بناء على أنه بناه على بقاء حكم الوديعة، ولذا وجب الحفظ، ضرورة
أصالة براءة الذمة منه، مع قطع النظر عنها، إذ هو إن سلم فعلى المالك لا غيره،
ضرورة عدم الإذن من المالك في ذلك، بل الفرض نهيه.
وربما قيل: إن وجهه دعوى كون المراد للمالك بالنهي المزبور للاستظهار في
حفظه، بزعم كون المكان المزبور أنه أحرز، إلا أنه بان خطاؤه أو تجدد ما نافى
ظنه الذي هو في الحقيقة مقيد ببقاء ذلك المكان حرزا له.
وفيه: إن المتجه على هذا التقدير ضمانها بعدم النقل، مع الخوف للتفريط

(1) سورة الإسراء الآية 26.
(2) سورة النساء الآية - 5.
114

كما عن الشيخ في المبسوط، مع أنك قد عرفت تصريحه بعدمه وإن أثم.
نعم قد يقال: إن عدم ضمانه بذلك، للأصل المقتصر في خلافه على التفريط
الذي لم يأمر المالك به، وأما الإثم بعدم النقل، فباعتبار وجوب حفظ ما في يده من
مال غيره عليه وحرمة إضاعته عليه، وإن قلنا بعدم وجوب حفظ مال الغير - الذي لم
يكن في يده - عليه، وهذا الوجوب والحرمة لا يستعقب ضمانا، وإنما هي حرمة
شرعية، نحو الحرمة على المالك.
هذا كله بناء على سقوط حرمة نهي المالك في الفرض، وربما يناقش فيها
بعموم (1) " تسلط الناس على أموالهم " وليس هو من السفه والتبذير مع فرض احتمال
غرض معتد به في ذلك وقت نهيه، وخصوصا مع حضوره في البلد، وإمكان مراجعته أو
مراجعة الحاكم، أو عدول المؤمنين، وبعد التسليم ففي تصديقه بحصول ما يقتضي
جواز مخالفة النهي أو وجوبه وجهان: لا يخلو ثانيهما من قوة، لعموم (2) " البينة
على المدعي " بعد الشك إن لم يكن الظن في اندراجه تحت الأمين المصدق في ذلك
فلا يبعد حينئذ الحكم بضمانه حتى تقوم البينة على حصوله بل قد يحتمل الضمان
مع قيامها أيضا في كل مال مقبوض بلا إذن من المالك، فضلا عن النهي وإن كان خلاف
المشهور بين من تعرض له، لعموم على اليد، والحسبة والاحسان يجوزان الاقدام
ولا يرفعان الضمان الحاصل من خطاب الوضع، ونفي السبيل على المحسن إنما هو
بالنسبة إلى ما فعله من الاحسان، فليس له الاعتراض عليه في ذلك.
ولعله عليه يبني ما عن التذكرة من أنه لو نقلها إلى غير المعين وتوقف النقل
إليه على أجرة لا يرجع بها، لأنه متبرع بها، واستحسنه في المسالك، لكنه احتمل
أيضا مع ذلك الرجوع مع نيته لإذن الشارع له في ذلك، فتقدم على إذن المالك،
ولأن فيه جمعا بين الحقين، مع مراعاة حق الله تعالى في امتثال أمره بحفظ المال، و

(1) بحار الأنوار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب الحكم والدعوى.
115

لعله لا يخلو من وجه لو كان بإذن الحاكم أو عدول المؤمنين والله العالم.
{ولا تصح وديعة الطفل ولا المجنون} لاعتبار الكمال في طرفي عقدها كغيرها
من العقود بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، من غير فرق بين ماليهما وغيرهما
ودعوى الإذن وعدمها، بل لا يصح حتى لو علم الإذن لهما، لقصور عبارتهما عن
مباشرة العقد كما هو واضح.
نعم لو علم الإذن اكتفى في الوديعة حينئذ بفعل المرسل لهما في أيديهما، بناء
على الاكتفاء بمثل ذلك فيها، لعدم اعتبار مقارنة القبول فيها للإيجاب، وإلا فانشاء
عقد الوديعة منهما سواء كان عنهما أو عن غير هما باطل.
{و} لا يجوز وضع اليد عليها بل {يضمن القابض} لذلك منهما لعموم (1)
" على اليد ما أخذت " وغيره {ولا يبرأ بردها إليهما} للحجر عليهما، وإنما
يبرأ بالرد إلى وليهما الخاص، أو العام مع تعذره، بل مقتضى إطلاق العبارة وغيرها
ذلك، وإن كان قد فعل ذلك حسبة للخوف من التلف ونحوه، وهو مؤيد لما ذكرناه
سابقا من أن الاحسان لا يرفع الضمان.
لكن في المسالك وعن غيره الأقوى أنه لو قبضها منهما مع خوف هلاكها بنية
الحسبة في الحفظ لم يضمن، لأنه محسن، وما على المحسنين من سبيل، لكن
يجب عليه مراجعة الولي في ذلك، فإن تعذر قبضها، وترتب الحكم. وفيه ما عرفت.
{وكذا لا يصح أن يستودعها، و} إن كان {لو أو دعا لم يضمنا بالاهمال}
وفاقا للمشهور {لأن المودع لهما} في الحقيقة هو ال‍ {متلف ماله} بايداعه
مثلهما الذي لم يجب عليه الحفظ وأداء الأمانة، فنسبيته في الاتلاف أقوى من
تفريطهما فيه، ولا دليل على ضمانهما بذلك، بعد ظهور قوله عليه السلام (2) " على اليد
ما أخذت حتى تؤدي " في غير الفرض، بسبب تفريط المالك، لا ما في المسالك " من

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
(2) المستدرك ج 2 ص 504.
116

أن " على " ظاهرة في وجوب الدفع والتكليف بالرد، فيكون مختصا بالمكلف "
لما ستعرفه.
نعم لو أتلفا المال مباشرة بأكل ونحوه، أو تسبيبا باحراق ونحوه، اتجه
ضمانها مع تمييزهما، وأطلق في المسالك وغيرها قال: لعموم (1) " من أتلف " الشامل
للمكلف وغيره، فيؤدي حينئذ من مالهما إن كان وإلا تخلصا منه بعد التكليف، و
فيه ما لا يخفى من أن السبب هنا أقوى من المباشر الذي هو كالحيوان بالجنون وعدم
التمييز، ولذا يحكى عن بعضهم عدم الضمان مطلقا، كما لا يخفى ما في الذي ذكره
سابقا في اليد، ضرورة أن قوله " على اليد " أيضا من خطاب الوضع الشامل للمكلف
وغيره من حيث تسبيب الضمان، وإن وجب الأداء بعد البلوغ، ولفظ " على " إنما
يراد منها الاثبات في الذمة، لا تقييد موضوع ذلك بما إذا كان مكلفا.
نعم ربما فرق بين المميز وغيره، فحكم بضمان الأول، دون الثاني الملحق،
بالمجنون، لعدم قصد غيره إلى الاتلاف، فكان كالدابة. لكن نظر فيه في المسالك
" بأن المقتضى وهو الاتلاف موجود، والمانع غير صالح للمانعية، أما القصد
فلا مدخل له في الضمان وعدمه كما يعلم من نظائره، وأما تسليط المالك فإنه
إنما وقع على الحفظ، لا على الاتلاف، غاية ما في الباب أنه عرض ماله له، بسبب عدم
صلاحيتهما للحفظ، وهو غير كاف في سقوط الضمان عنهما لو باشراه، بخلاف ما لو
تركا الحفظ، والأقوى الضمان مطلقا.
قلت: لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، والتحقيق أن يقال: إن اليد
بغير إذن شرعية، من أسباب الضمان قطعا، من غير فرق بين المكلف وغيره، فلو أودع
صبي صبيا أو مجنونا أو مجنون صبيا أو مجنونا فتلف هي في يدهما كانا ضامنين لذلك،
والفرق بينهما وبين الدابة، أن لهما ذمة وملكا، وغيرهما بخلافها، وأي فرق في
أسباب الوضع بين ذلك، وبين الجناية والحدث وغيرهما.

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار فمن أراد الاطلاع على مدركها فليراجع " القواعد الفقهية " للسيد البجنوردي.
117

نعم في الفرض قد يتوقف في ضمانهما بالاهمال، لا لعدم ضمانهما باليد، بل من
حيث حصول التلف للمال بسببين، أحدهما من المالك، وهو أقوى من الواقع من
أحدهما، خصوصا مع عدم التمييز، فيقوم ذلك مقام الاتلاف منه في أيديهما، كما
أومأ إليه المصنف، بخلاف ما لو باشرا التلف مع تمييزهما، فإنه لا إشكال في أن ما وقع
منهما في ايجاد التلف في الخارج أقوى مما وقع منه، الذي هو إيداعهما، لا تسليطهما
على تلفه وحينئذ فالميزان ذلك، وهو الحكم بضمانهما باليد إلا أن يحصل من المالك
مباشرة تلف أو تسبيب أقوى من تفريطهما، ولعله يختلف باختلاف التمييز ونحوه مما
له مدخلية في علة التلف وإيجاده لا ما ذكره ثاني الشهيدين من عدم ضمانهما باليد،
لعدم الدليل الذي قد عرفت إمكان دعوى القطع بفساده، خصوصا فيما يأخذانه بأنفسهما
من دون علم من المالك بسرقة ونحوهما، كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بفقه أهل
البيت عليهم السلام والله الموفق والعالم.
وأما العبد إذا استودع فأتلف فالأقرب أنه يتبع به بعد العتق، وإن كان
الاستيداع بإذن مولاه، إذ هي لا تقتضي التزام المولى بذلك حتى في كسب العبد،
للأصل وغيره.
وإن كان بالاهمال مع فرض عدم كون القبول بإذن المولى، فعن بعضهم لا شئ
للمالك، لعدم جواز قبولها وعدم وجوب الحفظ عليه، فالتضييع للمال من المالك.
وفيه ما عرفت من اقتضاء اليد الضمان، فيتجه حينئذ اتباعه به بعد العتق،
كما عن التذكرة والتحرير التصريح به، كما لو كان القبول بإذن المولى، ولا رجوع
بوجه على المولى حتى بالنسبة إلى كسب العبد، إذ هو أولى من صورة الاتلاف التي
قد عرفت أن الحكم فيها ذلك نعم لو كان تفريط العبد من المولى، ولو بمنعه من
الحفظ فالضمان عليه، كما عن بعضهم التصريح به والله العالم.
{وإذا ظهر للمودع أمارة الموت وجب الاشهاد بها} كما صرح به غير
واحد، بل لا أجد فيه خلافا بينهم، نعم في القواعد إبدال ذلك بالوصية بها، ولعله
يريد ذلك ضرورة انحصار وجه وجوب ذلك في لزوم الحفظ، وحرمة التفريط بها،
118

وترك ذلك يقتضي ذلك، فإن الوارث بدونه يستحق بإرثه جميع ما كان يده عليه، وكذا
الديان، والوصية بها مع عدم الاشهاد لا يرفع ذلك، فلا محيص حينئذ عن إرادة
معنى الاشهاد عليها من الوصية بها كالعكس، بل هما بمعنى عند التأمل بعد معلومية
انتفاء المعنى المعلوم من الوصية الراجعة إلى الثلث ونحوه، ومن هنا يتجه القول
بوجوب ما يرفع ذلك ونحوه عنها، من غير تخصيص بالاشهاد ونحوه.
نعم هو قد يجب في الجملة وذلك حيث يتوقف رفع ذلك عليه، وإلا كان مخيرا
بينه وبين غيره، ومن ذلك يعرف ما في بعض كتب الأصحاب خصوصا ما في المسالك
وعلى كل حال فمتى أخل بما وجب مما يتوقف عليه الحفظ من ذلك ضمن، لكن
في التذكرة والمسالك لا يستقر الضمان إلى أن يموت، فيعلم التفريط في أول زمان
ظهر فيه أمارة الموت، سواء كان ذلك في ابتداء المرض، أم في أثنائه.
وفيه أنه يقتضي سقوط الضمان بالاشهاد في آخر الأزمنة وإن فرط في أولها،
وهو مناف لما تسمعه إن شاء الله من ضمان المفرط بتفريطه، وإن عاد بعد ذلك إلى ما يراد
منه من الحفظ، ودعوى عدم تحقق التفريط إلا بترك الاشهاد في جميع الزمان إلى
حصول الموت، يقتضي عدم الضمان حينئذ في أول الأزمنة، بل بالأخير منها الذي
تحقق به التفريط، وهو خلاف ما ذكره، فالمتجه حينئذ تحقق الضمان بأول أزمنة
التفريط، وإن أشهد بعد ذلك.
هذا كله بناء على جواز بقائها وديعة عنده مع ظن الوفاة، وإلا فقد يقوى
وجوب الرد على المالك مع الامكان وإلا فالحاكم، وإلا فعدول المؤمنين، ومع
فرض التعذر يشهد عليها حينئذ ويوصي بردها، وذلك لاطلاق وجوب رد الأمانة
إلى أهلها، والخطابات المطلقة فتضيق بظن الوفاة، لعدم الوثوق حينئذ بزمان غيره
لامتثالها، والتضيق بالمطالبة لا ينافي التضيق بذلك؟
ودعوى اشتراط أصل الوجوب بالمطالبة، يدفعها إطلاق أدلة التأدية والرد
ونحوهما، مؤيدا بمعلومية انفساخ أمانته بموته، وصيرورة المال في يد غيره، ولم
يأذن المالك إلا بوضعه في يديه، مباشرة حفظه بنفسه، والاشهاد والوصية لا ترفع
119

ذلك، بل قد يؤيده أيضا إيجاب الرد عند السفر، ولا ريب في أولوية المقام منه.
ولعله لذا وغيره حكي عن التذكرة وأكثر الشافعية ذلك، أو ما يقرب منه لكن
قيل: إنه رجع عنه بعد ذلك إلى الاكتفاء بالوصية، وظني أنه ليس رجوعا، بل كان
ذلك منه لبيان الاكتفاء في الجملة ولو في بعض الأحوال، ومنه يعلم عدم منافاة
ما ذكرنا لاطلاق الأصحاب وجوب الاشهاد المحصول على إرادة بيان القضية المهملة
للقطع بعدم إرادة تعيين ذلك على كل حال، فإنك قد عرفت عدم انحصار الطريق
فيه، ولعدم الدليل على وجوبه تعبدا كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومنه يعلم ما في المسالك وغيرها من كتب الأصحاب، بل لعل ما فيها لا يخلو
من تناف فلاحظ وتأمل.
ولو لم تظهر له أمارة الموت بل مات فجأة مثلا لم يكن عليه ضمان قطعا، لعدم
التفريط، خلافا للمحكي عن إيضاح الفخر من الحكم به أيضا، لأن الوصية و
الاشهاد سبب في منع الوارث من جحودها، وفي وجوب أدائها ظاهرا إن علم بها،
وفي نفس الأمر إن لم يعلم، وذلك كله سبب للحفظ، فتركه ترك سبب الحفظ، ولا معنى
للتفريط إلا ذلك.
وفيه منع كونه مع ذلك سببا عقلا أو شرعا أو عرفا وإلا لوجب الاشهاد على
الوديعة من أول قبضها كي لا يكون مفرطا ضامنا، وهو معلوم البطلان، والاحتمال
إذا لم يكن جاريا مجرى العقلاء لا يلتفت إليه كما هو واضح بأدنى تأمل.
نعم حيث يخشى عليهما التلف على وجه جار مجرى العقلاء كما إذا ظهرت
أمارة الموت اتجه حينئذ وجوب الاشهاد والايصاء الذي يكون به حفظ الوديعة،
من غير فرق بين الوارث والأجنبي، ولا عبرة بغيره كالايصاء إلى فاسق، أو بلا إشهاد أو
نحو ذلك، كما لا عبرة بالايصاء بها بلا تعيين لها ولا لمكانها كقول (عندي وديعة)، أو
لفلان، أو ذكر الجنس وأبهم الوصف، كما لو قال عندي ثوب لفلان، ضرورة عدم
حفظها بشئ من ذلك، فيتجه حينئذ ضمانه لها مع فرض معلوميتها عنده إلى الموت
120

وأن كيفية إشهاده بها كانت كذلك، إذ هو حينئذ كما إذا لم يشهد، من غير فرق مع
ذكره الجنس، بين أن لا يوجد في تركته ذلك الجنس، أو يوجد متعددا أو
متحدا، لحصول التقصير بترك البيان على كل حال، والوجود في التركة لا يقتضي
كونه الوديعة، وأصالة بقائها لا تقتضي كونها المشخصة، كي يكون شريكا مع التعذر
ومختصا به مع الاتحاد.
وبذلك يظهر لك ما في المسالك من أنه على تقدير التعدد فهو بمنزلة خلطها
بماله حيث لا يتميز، فيكون تفريطا يوجب الضمان ثم قال: ولا يكون الموصى له
شريكا في الثياب الموجودة، لأصالة عدم استحقاقه شيئا في تركة الودعي، وإن كان
ضامنا لحقه، فيرجع إلى المثل أو القيمة، ويحتمل كونه شريكا لأصالة البقاء و
إن حكم بالضمان، كما لو مزجه بماله ولو وجد ثوب واحد ففي الحكم به للمالك
وجهان، مأخذهما أصالة بقاء حقه الثابت بالاقرار، فيستصحب إلى أن يعلم التلف
حملا لاطلاقه على الموجود، لأصالة عدم غيره، وأن الموجود محكوم به تركة ظاهرا
وتقصيره في التمييز اقتضى ضمانها، أما كونها الموجود فلا، ولاحتمال أن يكون
هو الوديعة - فلا يحكم بها مع قيام الاحتمال، وترك العمل بظاهر اليد، وعلى
تقدير عدم الحكم له به، هل يحكم بضمان وديعته، قيل: لا، لجواز تلفها بغير
تفريط قبل الموت، والاقرار به لا ينافيه، وقيل: نعم، لأصالة البقاء " إذ لا يخفى
عليك ما فيه، ضرورة عدم صلاحية الأصول للتشخيص، على أن الاحتمال في الصورة
الأخيرة آت في الصورتين الأولتين اللتين جزم بالضمان فيهما، بل جعله في أولهما
ظاهرا، بل قد يقتضي التأمل في أطراف كلامه أنه غير محرر لموضوع المسألة، و
أنه الوديعة المعلومة عنده إلى حال الموت، لكنه ترك الاشهاد بها أصلا، أو ترك
المثمر منه، لا الوديعة في الجملة، فإن ذلك لا يقتضي الضمان بأصالة بقائها، وأصالة
عدم الاشهاد بها، فيكفي حينئذ في ضمان كل وديعة ادعى بها على ميت وأقيمت
البينة على أصل استيداعه، وإن احتمل الرد والتلف بغير تعد ولا تفريط، ونحو
ذلك، بدعوى أن ذلك هو مقتضى أصالة بقائها، وأصالة عدم ردها، وأصالة عدم
121

الاشهاد فيتنقح حينئذ كونه مفرطا ضامنا، وهو كما ترى لا ينبغي صدوره ممن له
أدنى مسكة، ضرورة توقف إثبات هذه الأصول ذلك على وسائط تقتضي الأصول
عدمها، على أن التفريط من الأمور الوجودية التي لا يمكن إثباته بالأصول، وإن
تقوم بعض أفراده بالعدم، ولكنه ليس هو إلا تعريض المال للتلف، ولو بعدم فعل
ما يقتضي حفظه كما هو واضح.
فالتحقيق حينئذ الحكم بالضمان مع العلم بترك الاشهاد في الوديعة التي هي
عنده حال الموت الذي هو التعريض لتلفها، وبعدمه مع قيام احتمال التلف بغير تفريط
ولو بعد الاقرار بها عند قيام أمارة الموت، بناء على أن الضمان إنما يكون بترك
الاشهاد إلى حال الموت، ويمكن أن يكون عدمه لحصول التلف بغير تفريط، لأن
الأصل البراءة.
{و} بذلك بان لك الوجه في قول المصنف ف‍ {لو لم يشهد وأنكر الورثة،
كان القول قولهم، ولا يمين عليهم إلا أن يدعى عليهم العلم} كما هو الضابط في
الحلف على نفي الغير، سواء كان المراد إنكار أصل الوديعة، أو التفريط بترك
الاشهاد، لاحتمال تلفها بغير تفريط، كما اعترف به في المسالك هنا، قال:
" لو أقر الورثة بالوديعة ولكن لم توجد في التركة، وادعى المستودع أنه قصر
في الاشهاد، وقال الورثة: لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير، فالقول قولهم، عملا
بظاهر براءة الذمة "، وقال أيضا: " يمكن أن يكون المراد إنكار الورثة وجودها في
التركة حيث لم يشهد عليها، ولعلها تلفت قبل حصول ما يوجب الاشهاد " فادعى المالك
بقاءها وتقصيره في الاشهاد، والحكم في المسألتين واحد.
وهو صريح فيما ذكرنا، من أن عدم الاشهاد مع العلم بوجود أصل الوديعة
لا يقتضي الضمان، لاحتمال كونه للتلف بغير تفريط.
{و} كيف كان ف‍ {تجب إعادة الوديعة على المودع} أو وليه أو وكيله
{مع المطالبة} في أول أوقات الامكان، بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى ما دل من الكتاب والسنة على الأمر بأداء الأمانة إلى أهلها، وإلى عدم
122

جواز وضع اليد على مال الغير بغير إذنه، والفرض عدمها هنا، لانقطاع الأولى بالمطالبة.
نعم لا ريب في اعتبار الامكان عقلا بل وشرعا ضرورة عدم التكليف أصلا في
الأول، بل والثاني، لأن المانع شرعا كالمانع عقلا إذا فرض رجحان مراعاته على
وجوب رد الوديعة، بل في المسالك " والمراد بالامكان ما يعم الشرعي والعقلي والعادي،
فلو كان في صلاة واجبة أتمها أو بينها وبينه حائل من مطر مانع ونحوه صبر حتى
يزول، أو في قضاء حاجة فإلى أن ينقضي الضروري منها، إلى أن قال: " وهل يعد
إكمال الطعام والحمام وصلاة النافلة وانقطاع المطر غير المانع عذرا، وجهان: و
استقرب في التذكرة العدم، مع حكمه في باب الوكالة بأنها أعذار في رد العين، و
ينبغي أن يكون هنا أولى، وهل التأخير ليشهد عليه عذر؟ قيل: نعم، ليدفع عن نفسه
النزاع واليمين لو أنكر الرد، وقيل: لا، لأن قوله في الرد مقبول فلا حاجة
إلى البينة، ولأن الوديعة مبنية على الاخفاء غالبا، وفصل آخرون تفصيلا جيدا
فقالوا: إن كان المالك وقت الدفع قد أشهد عليه بالايداع فله مثله، ليدفع عن نفسه
التهمة، وإن لم يكن أشهد عليه عنده لم يكن له ذلك ".
قلت: لم أجد في شئ من النصوص اعتبار الامكان كي يرجع في صدقه إلى العرف
ولا العذر حتى يكون الأمر فيه أيضا كذلك، وقد عرفت عدم جواز وضع اليد على
مال الغير بغير إذنه.
نعم قد يتعارض وجوب الرد مع الواجبات فيفزع إلى ترجيح، وربما يرجح
رد الوديعة فيما لو كان قد نذر الاعتكاف مثلا سنة في مكان مخصوص، للضرر على
المودع بحبس ما له عليه.
اللهم إلا أن يقال بترجيح كل ما سبق تعلقه عليه، وفيه منع، لأن السبق
لا يقتضي تأخير امتثال الخطاب الآخر الذي هو مطلق. ولا تخصيصه بذلك: فتأمل.
كما أنه قد يقال: إن إطلاق الأمر بالتأدية يرجع فيه إلى المتعارف في رد
الودايع، فلا يجب عليه شدة الاسراع بركض ونحوه، وإن اقترحه عليه المالك، و
كذا قطع الأكل والحمام والنافلة ونحوها، ولعله لذا ونحوه يراد الفورية العرفية
123

لا العقيلة في نفس التأدية.
وبذلك يظهر لك أن الميزان ما ذكرناه، لا الرجوع إلى صدق الامكان و
العذر بعد أن لم يوجدا عنوانا في شئ من الأدلة، وتظهر الثمرة في الضمان وعدمه
مع التأخير الجايز له وغير الجائز.
وكيف كان يجب الرد {ولو كان} المودع {كافرا} لاطلاق الأدلة، و
خصوص خبر الصيقل وغيره من النصوص المستفيضة (1) والمتواترة المأمور فيها برد
الأمانة على صاحبها، وإن كان قاتل على أو الحسنين عليهم السلام أو أولاد الأنبياء أو
مجوسيا أو شاميا أو حروريا، المعمول بها بين الأصحاب، عدا ما يحكى عن أبي
الصلاح من أنه إذا كان المودع حربيا وجب على الودعي أن يحمل ما أودعه إلى
سلطان الاسلام، ورماه بعضهم بالشذوذ.
لكن ينبغي النظر في مثل الفرض المزبور - بعد معلومية جواز تملك مال
الحربي، وأنه فئ للمسلمين، وأنه كالأموال المباحة، وأن له التوصل إليه بكل
طريق من الربا والسرقة وغيرهما أنه لا يجوز للودعي تملكه في هذا الحال، فيكون
ذلك خارجا من الرخصة في تملكه، أو أنه وإن جاز له ذلك إلا أنه يجب عليه رده
له وإن ملكه، عملا بالدليلين معا، إلا أنه لا يخفى صعوبة الالتزام بكل منها
بل قد يتأمل في دلالة أدلة المقام على مثل ذلك وإنما هي مساقة لبيان وجوب رد
الوديعة على البر والفاجر والمسلم والكافر الذي يمكن تنزيله على محترم المال
نحو النصوص في المقام أيضا الدالة على احترام أموال المخالفين معللة بأنا معهم في
دار هدنة إلى أن يظهر صاحب الأمر عليه السلام فالمراد حينئذ وجوب رد الوديعة حينئذ
على كل محترم المال في الدنيا للهدنة فيها وإن كان كافرا لا أن المراد وجوب ردها
حتى على غير محترم المال من الكافر الحربي ونحوه مما جاز تملك ماله أو ممن
كان للودعي عنده مال غاصب له وأراد المقاصة من وديعته أو نحو ذلك مما تطابقت
عليه الأدلة على جوازه، ولا أقل من التعارض في الأدلة من وجه، ولا ريب في

(1) الوسائل الباب - 2 - و 3 من أبواب أحكام الوديعة.
124

رجحان أدلة المقاصة وأدلة حلية مال الكافر الحربي مثلا، خصوصا بعد ظهور التعليل
في بعض أدلة المقام " بأنا معهم في دار هدنة " في محترمي المال وبعد امكان حمل
ما هنا على الكراهة من حيث الائتمان بخلاف تلك الأدلة.
بل قد يشكل رد المال على الحربي بكونه محكوما بأنه فئ للمسلمين، و
ملك لهم، ولعله لذا سمعت الرجوع فيه إلى سلطان العدل من أبي الصلاح، وبالجملة
قد ظهر لك من ذلك كله أنه إن لم يكن إجماع على وجوب الرد حتى على الحربي
وحتى على من عليه حق المقاصة وغيرهم، أمكن المناقشة فيه بما عرفت. فتأمل جيدا و
الله العالم.
نعم لا إشكال في وجوب الرد على من لم يكن كذلك {إلا أن يكون المودع
غاصبا لها ف‍} إنه لا يجب بل لا يجوز ردها عليه، لعدم الوديعة شرعا بل
{يمنع منها، ولو مات فطلبها وارثه وجب الانكار} مع توقف الحفظ.
{ويجب إعادتها على المغصوب منه إن عرف، وإن جهل عرفت سنة، ثم
جاز التصدق بها عن المالك، ويضمن المتصدق إن كره صاحبها} لخبر حفص بن
غياث (1) المنجبر ضعفه بعمل الأكثر " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من المسلمين
أودعه رجل من اللصوص دارهم أو متاعا، واللص مسلم فهل يرد عليه قال: لا يرده
فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها
فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه، وإلا تصدق بها، وإن جاء بعد
ذلك خيره بين الأجر والغرم فإن اختار الأجر فله وإن اختار الغرم غرم له،
فكان الأجر له.
خلافا للحلبي والحلي - فأوجبا ردها إلى إمام المسلمين، ومع التعذر يبقى
أمانة ثم يوصي بها إلى عدل إلى حين التمكن من المستحق، وعن الفاضل في المختلف
أنه قواه، لأنه أحوط، ولضعف الخبر الذي قد عرفت انجباره، - وللمفيد والديلمي

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب اللقطة الحديث - 1.
125

فأوجبا اخراج الخمس قبل التصدق، ولم يذكر التعريف، وللفاضل في الارشاد، وتبعه
الشهيد الثاني فخير بين الصدقة بها - بعد اليأس والتعريف - مع الضمان، وابقائها
أمانة، بل لعله ظاهر المصنف.
إلا أن الجميع كما ترى خصوصا بعد ما سمعت من الخبر المعمول به بين الأصحاب
الموافق للمعلوم من حكم مجهول المالك الذي ما نحن فيه فرد منه، ولا ينافيه
التعريف سنة الذي هو حكم اللقطة، لا مجهول المالك الذي حد التعريف به اليأس
لا السنة، لامكان حمل الخبر المزبور على إرادة حصول اليأس بذلك غالبا، أو على
إرادة بيان أن الفرض مثل اللقطة التي عرفت حولا في أصل التصدق بها والضمان
بقرينة قوله " وإلا " المراد منه عدم إمكان رده على صاحبه، حتى بالتعريف لحصول
اليأس منه.
ولعل ذلك على سبيل الوجوب، للأمر به، وكونه طريقا من طرق الايصال اللهم
إلا أن يكون المراد بالأمر الرخصة في ذلك، لأنه في مقام توهم الحظر، ولأن
الأمر به على حسب الأمر به في اللقطة، المخير فيها بينه وبين إبقائها أمانة. ولأن
في الوجوب ضررا عليه، باحتمال الغرم.
ولعله لذا كان خيرة الفاضل وثاني الشهيدين ما عرفت، ولعل الأولى من ذلك
دفعه إلى إمام المسلمين أو نائبه الذي هو ولي من لا ولي له، ليسلم به من الضمان،
وهو الذي لمحه الحلبي والحلي، ولا مانع منه على إرادة الجواز أما الوجوب فهو
مناف لظاهر أمر من في يده بالصدقة به.
ثم إن الضمان على تقديره هل هو بمعنى رده على صاحبه لو جاء ولم يجز أو
بمعنى كونه كسائر الديون، فيجب الايصاء به، ويجب على الورثة، وجهان: أولهما
أنسب بأصل البراءة، وثانيهما أنسب بقاعدة " على اليد " و " من أتلف " و " عدم إجازة
الفضولي ".
{و} على كل حال ف‍ {لو كان الغاصب مزجها بماله، ثم أودع الجميع فإن
أمكن المستودع تمييز المالين، رد عليه ماله ومنع الآخر} بلا خلاف ولا إشكال،
126

{وإن لم يمكن تمييزهما} ولو بالقسمة الاجبارية {وجب إعادتهما على الغاصب}
عند الأصحاب على ما نسبه إليهم غير واحد، بل عن الغنية والسرائر الاجماع عليه،
تقديما لاحترام المال المعلوم مالكه، على غيره الذي لا يمكن معرفته ليرد على
صاحبه.
لكن في المسالك وتبعه عليه غيره " إن الأوفق بالقواعد رده على الحاكم
مع إمكانه، ليقسمه ويرد على الغاصب ماله، ومع تعذره يحتمل قويا جواز تولي
الودعي القسمة إن كان مثليا، وقدر حق الغاصب معلوما، جمعا بين الحقين،
والقسمة هنا إجبارية، للضرورة، تنزيلا للودعي منزلة المالك، حيت قد تعلق بضمانه،
وللحسبة، ولو امتزج على وجه لا يعلم القدر أصلا ففيه إشكال، ويتوجه حينئذ ما
أطلقه الأصحاب إن لم يمكن مدافعة الغاصب على وجه يمكن معه الاطلاع على
الحق، ويحتمل عدم جواز الرد مطلقا مع امكانه، إلى أن يعترف الغاصب بقدر
معين، أو يقاسم لاستحالة ترجيح حقه على حق المغصوب منه، مع تعلق الودعي
بالحقين ".
قلت: لعل المتجه أولا قيام عدول المؤمنين مقام الحاكم مع تعذره، ووكيله،
فإن تعذروا فالودعي أو غيره ممن يقوم مقامهم في الحسب، كما أن المتجه الرجوع
إلى حاكم في صورة عدم العلم بالقدر، بل لعلها أولى من الأولى التي يمكن دعوى
خروجها عن موضوع كلام الأصحاب، المفروض فيه عدم إمكان التمييز حتى بالقسمة
بعدم العلم بالقدر، وربما يكون المتجه حينئذ ضمان الغاصب له بالمثل أو القيمة
أو الرجوع إلى الصلح معه من الحاكم أو من يقوم مقامه مع تعذر المالك، وحينئذ
يكون هو الوجه في الأمر برد الجميع على المالك، مضافا إلى الاجماع المزبور.
127

الأمر {الثاني: في موجبات الضمان
وينظمها قسمان: التفريط والتعدي} بل قسم واحد، وهو التقصير وإن
حصرها بعضهم في ستة: الانتفاع بها، والايداع، والتقصير في دفع المهلكات، والمخالفة
في كيفية الحفظ، والتضييع بأن يلقيها في مضيعة، والجحود، والأمر سهل بعد
معلومية عدم ضمانها بدونهما إجماعا بقسميه ونصوصا، والضمان مع كل منهما
كذلك، لصدق الخيانة المقابلة للايتمان المجعول في النصوص سببا أو عنوانا لعدم
الضمان، ولصدق الاتلاف والتضييع في الأول منهما، والنصوص المتقدمة (1) في باب
الرهن والمضاربة المشتملة على الضمان بالتعدي والاستهلاك، بعد معلومية اشتراك
الجميع في الحكم المزبور، باعتبار كونها أمانة.
وما في بعض النصوص (2) من عدم ضمان الثوب المرهون إذا تلف بترك نشره،
معرض عنه، وإن أفتى به بعضهم، لكنه شاذ مع إمكان حمله على ما إذا لم يكن
تفريطا، أو بنهي المالك عنه، أو غير ذلك مما لا بد منه، للجمع بين النصوص التي
لا خلاف معتد به في الفتوى بها بالنسبة إلى ضمان كل أمانة بهما.
مضافا إلى مكاتبة محمد بن الحسن (3) أبا محمد عليه السلام " رجل دفع إلى رجل وديعة
فوضعها في منزل جاره، فضاعت هل يجب عليه إذا خالف أمره وأخرجها عن ملكه فوقع عليه السلام
هو ضامن لها إن شاء الله ".
وكيف كان فقد فرق بينهما في المسالك بأن التعدي فعل ما لا يجوز فعله كلبس
الثوب ونحوه و {أما التفريط} فأمر عدمي، وهو ترك ما يجب فعله من الحفظ

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الرهن والباب - 1 - من أبواب أحكام
المضاربة.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب أحكام الرهن الحديث - 1.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب أحكام الوديعة الحديث 1.
128

ونحوه، قلت: قد عبر عنه في نصوص الرهن بالاستهلاك والتضييع ونحو ذلك مما
هو أمر وجودي أيضا، وإن تقوم بعض أفراده بالعدم، فلا يكفي حينئذ في إثباته
بالأصل كما أشرنا إليه سابقا ولذا جعل المصنف وغيره من أمثلته {أن يطرحها فيما
ليس بحرز} ويذهب عنها، ولم يبق مراعيا لها بعينه التي هي حرز أيضا، ولا ريب
في أنه وجودي.
نعم قوله {أو يترك سقي الدابة أو علفها، أو} يترك {نشر الثوب} مثلا
{الذي يفتقر إلى النشر} قد يتوهم منه ذلك، لكن المراد استهلاكه وتضبيعه بترك
ذلك، لا أن مجرد عدم ذلك ولو لاكراه ونحوه تفريط منه، فيكون حينئذ وجوديا،
ولعل الأمر في ذلك كله سهل بعد الاتفاق على عدم قبول دعوى المودع عليه بذلك من
دون بينة، ولو لأنه أمين يصدق في دعوى عدم التفريط، أو لأن قوله موافق لأصالة
البراءة من الضمان الذي هو غير محتاج إلى واسطة، بخلاف عدم نشر عدم نشر الثوب الذي
هو واسطة في اثبات الضمان.
وكيف كان فهو سبب من أسباب الضمان بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، فلا تفاوت حينئذ بين التلف به أو بغيره كيد العدوان التي هو سبب
فيه وإن تلف بآفة سماوية، وليس ذلك لانفساخ الوديعة، بل هي باقية، للأصل،
وعدم المنافاة بذلك في الأثناء لها، نحو ما سمعته في مال المضاربة الذي قد تعدى فيه
العامل، فإنه يقتضي الضمان وإن بقي العامل على مضاربته، وتسبيبه الضمان على هذا
الوجه، إما للاجماع، أو للخيانة، أو للمكاتبة المزبورة أو لنصوص الرهن والمضاربة
المشتملة على الضمان به وبالتعدي، من غير تقييد بالتلف في خصوص ما صدر منه من
التفريط والتعدي، واختصاص المورد في بعض النصوص لا يقتضي تخصيص الوارد،
إنما الكلام في اقتضاء ذلك الضمان منه، حتى لو كان الجهل باحتياج الوديعة
لذلك أو نسيان أو اكراه أو نحو ذلك مما يكون الودعي معذورا فيه شرعا، وجهان
وفي القواعد " ولو ضيع بالنسيان فالأقرب الضمان " كما عن التحرير والإيضاح
129

وجامع المقاصد، وهو متجه لو ثبت تسبيبه على وجه يشمل الغافل والناسي ونحوهما
ممن هو غير مكلف، وبذلك يفرق بين الاتلاف وبينه، بناء على ثبوت من أتلف أو
نحوه مما يشمل هؤلاء أجمع.
ودعوى اقتضاء إطلاق (1) " على اليد " ذلك، إنما خرج الوديع الذي لم يقع
منه ذلك ولو نسيانا.
يدفعها أنه ليس بأولى من القول بأن إطلاق ما دل عدم ضمان الأمين
يقتضي العموم، وأقصى ما خرج منه العامد الآثم، دون غيره، ولعل هذا أولى، ولا
أقل من الشك، والأصل البراءة.
لكن الانصاف إمكان ما يقضي بتسبيب مباشرة الاتلاف ونحوه، مما يصح
النسبة معه حتى مع الغفلة والنسيان، ولعل هذا هو المدار في التفريط والتعدي
فما كان من أفرادهما كذلك ضمن حتى مع النسيان، وإلا فلا والله العالم.
وكيف كان فلا إشكال في الضمان في الجملة بما سمعت من أمثلة التفريط
{أو يودعها من غير ضرورة ولا إذن} فإنه كذلك، للخبر السابق (2) وللتعدي فيها،
من غير فرق بين الزوجة والعبد، والخادم ونحوهم، مع فرض عدم قرائن حالية
أو مقالية تقتضي الإذن بذلك ولا بين الثقة وغيره، ولا بين أن يجعل ذلك الغير
مستقلا بها وشريكا في الحفظ، بحيث يغيب عن نظره.
وفي المسالك " هو موضع وفاق، ولأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه لأن
المالك لم يرض بيد غيره وأمانته - بل قال -: وفي حكم مشاركة غيره في الوديعة
وضعها في محل مشترك في التصرف، بحيث لا يلاحظها في سائر الأوقات، سواء كان
خارجا عن داره أم غير خارج، نعم لو كان عند مفارقته لضروراته يستحفظ من يثق به،
ويلاحظ المحرز في عوراته، رجح في التذكرة اغتفاره لقضاء العادة به، ولأنه ايداع
عند الحاجة ".

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب اللقطة الحديث 1.
130

قلت: لعله كذلك فيه وفي كل ما جرت العادة به في الودايع التي يمكن دعوى
بناء العقد على ذلك، وعلى فهمها من الاطلاق، والأمر سهل.
إنما الكلام في الضرورة التي ذكرها المصنف قال في المسالك: " لو حصل ضرورة
الايداع بأن خاف عليها من سرق أو حرق أو نهب أو أراد سفرا وتعذر ردها إلى المالك
أو وكيله، دفعها إلى الحاكم، ولا يسمى ذلك إيداعا، فإن تعذر أودعها العدل،
وهذا هو الخارج بالقيد، فلا يجوز إيداعها للضرورة ابتداء، بل على الوجه الذي
فصلناه، وسيأتي في كلامه التنبيه عليه " إلى غير ذلك من كلامهم الظاهر في جعل الضرورة
عنوانا لجواز الايداع لكن ليس في شئ من النصوص ذلك كي يرجع في مصداقها إلى
العرف، وأن السفر للدنيا أو للآخرة أو للنزاهة ونحوها منهما أولا.
ثم إنه مع تعذر الحاكم ينبغي الرجوع إلى عدول المؤمنين القائمين مقامه
في الحسب ليكون علم الرد للمالك لا إيداعا للضرورة كما سمعته من المسالك، واحتمال
إرادته ذلك من ايداع العدل يدفعه قوله: إن هذا هو الخارج بالقيد إلى آخره،
على أنه مع تسليمه قد يناقش بعدم كونه إيداعا عرفا أيضا مع فرض عدم إذن المالك
له، ورخصة الشارع له فيه لا تصيره وديعة عرفا، ودعوى حصول الإذن المالك له
في هذا الحال واضحة المنع، فليس حينئذ إلا القول بأنه مخاطب بحفظها من جهتين،
إحديهما من حيث كونه وديعة، والأخرى من حيث أنها مال محترم، فمع فرض
الضرورة يتعين عليه ملاحظة الجهة الثانية، فيودعها لذلك، وليس هذا وديعة
اصطلاحا، إذ هي استنابة من المالك في الحفظ، وإنما هو وضع منه لحفظها، في يد
غيره لأن له ولاية عليها بالنسبة إلى حفظها وإن لم يكن له ولاية على مالكها.
فاستثناء الضرورة حينئذ من عدم جواز الايداع بهذا المعنى، لا أن المراد
جواز الايداع من حيث كونه وديعة، لكن حال الضرورة على معنى صيرورة الايداع
حالها من أفراد الحفظ الذي قد استفيد الإذن فيها من عقد الوديعة، فتأمل جيدا
فإنه يترتب على ذلك ثمرات.
131

وبه يظهر الفرق بين حالي الضرورة، والإذن الذي مرجعه إلى الرخصة من
المالك في حفظ الوديعة بهذا الفرد الذي لم يفهم من الاطلاق، وهل يكون الوديع
الثاني حينئذ وديعا للمالك فلا ينفسخ بموت الوديع الأول مثلا أو أنه وديع له
لا للمالك.
ثم إنه هل يحكم بالضمان مثلا بمجرد الايداع، حتى يعلم الضرورة أو
الإذن، أو يحكم بالبراءة حتى يعلم عدم الضرورة والإذن، وجهان: وفي تصديق الأمين
في دعوى الضرورة والإذن وجه، وإن كان يقوى خلافه في الأخير، كما أنه قد يقوى
الحكم بالضمان بمجرد الايداع مثلا أو السفر بها مع عدم ثبوت الضرورة والإذن
ولو بدعواه ذلك، بناء على تصديقه لموت ونحوه فتأمل.
وعلى كل حال فقد ظهر لك أن من التفريط أو التعدي أن يودعها على الوجه
المزبور.
{أو يسافر بها كذلك} بلا ضرورة ولا إذن {مع خوف الطريق وأمنه} بلا
خلاف أجده فيه، لعدم تناول إطلاق العقد السفر الذي هو نوع تغرير بها إلا مع
القرينة، كما لو أودعه في حال السفر أو نحو ذلك، والبحث في الضرورة والإذن على
نحو ما سمعته في الايداع، حتى بالنسبة إلى الرد على المالك أو وكيله أو الحاكم،
بل في التذكرة " لو سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو الأمين ضمن
عند علمائنا أجمع، سواء كان السفر مخوفا أو غير مخوف " بعد أن صرح بعدم لزوم
المقام عليه، لحفظ الوديعة، لأنه متبرع بإمساكها، وإنما يلزمه حينئذ الرد إلى
المالك أو الوكيل أو الحاكم أو الأمين كما أنه في محكي المبسوط نفي الخلاف عن عدم
الضمان بالرد إلى الحاكم أو العدل، إذا أراد السفر، قال: " لأن السفر مباح، فلو
قلنا: ليس له ردها لمنعناه من المباح الذي هو السفر ".
نعم في المسالك هنا " فإن تعذر أودعها العدل، فإن فقد فلا يخلو إما أن يخاف
عليها مع إبقائها في البلد أولا فإن خاف جاز السفر بها كما سيأتي، وهو الموافق
لمفهوم العبارة هنا، وإن لم يخف عليها فمفهوم قوله كذلك أي كالسابق، وهو عدم
132

الضرورة والإذن أنه لا يجوز السفر بها حينئذ، وهو كذلك، لأن الإذن مع الاطلاق
إنما يتناول الحفظ في الحضر عملا بالعادة، ولأن السفر لا يخلو من خطر في الجملة،
وللخبر إلى آخره " والخبر هو قوله عليه السلام (1) " إن المسافر وماله لعلى تلف إلا ما وقى
الله " لكن هل يجب عليه الإقامة حينئذ مع عدم كون السفر ضروريا له، أو يجوز
له السفر بها ضامنا لها والمحكي عن التذكرة بل والتحرير التخيير بين الأمرين
الإقامة، أو السفر بها ضامنا لها.
قلت: قد يقال: إن المتجه الأول للمقدمة، وإليه يرجع ما في المسالك حيث
أنه بعد أن حكى عن التذكرة ما سمعت، قال: " والأجود المنع لكن الانصاف أنه
ينبغي التقييد بما إذا لم يتمكن من حفظها في محلها وإن سافر عنها، على وجه لا يعد
كونه مفرطا فيها ومضيعا لها، وإلا جاز له السفر مع ذلك، بل قد يقال: بأن له
مصاحبتها في سفره حافظا لها مع فرض عدم امكان حفظها مع السفر عنها، ولا تجب
الإقامة معها، ولا ضمان عليه إذا لسفر إن لم يكن ضروريا له، حال ضرورة تجوز له
مصاحبتها، كما جوزت له إيداعها من الثقة الذي قد عرفت عدم جوازه إلا مع الإذن
أو الضرورة التي منها إرادة السفر وإن لم يكن ضروريا، فتأمل.
ومن ذلك يعلم أنه لو فرض كون السفر ضروريا له أو ضروريا لها سافر بها
حينئذ، ولا ضمان عليه قال في التذكرة: " لو اضطر إلى السفر بالوديعة بأن يضطر
إلى السفر وليس في البلد حاكم ولا ثقة، ولم يجد المالك ولا وكيله، أو اتفق جلاء
لأهل البلد، أو وقع حريق أو غارة أو نهب، ولم يجد المالك ولا وكيله ولا الحاكم
ولا العدل، سافر بها ولا ضمان إجماعا، لأن حفظها حينئذ في السفر بها، والحفظ
واجب، فإذا لا يتم إلا بالسفر بها كان السفر واجبا، ولا نعلم فيه خلافا ".
وفي محكي المبسوط إذا كان البلد مخوفا بفزع من النهب والحريق فله أن
يسافر بها، ولا ضمان عليه بلا خلاف.

(1) أورده العجلوني في كشف الخفاء بالرقم 2104 وفيه " على قلت " والقلت
الهلاك.
133

ولعل المحصل من كلامهم مسائل، منها: أن له السفر وإن لم يكن ضروريا
له، ولا يحرم عليه السفر من جهتها كما سمعته من المبسوط والتذكرة، إلا أنه يجب
عليه الرد المزبور، وقد يناقش فيه إن لم يكن اجماعا بأنه مخالف للسيرة المستمرة
في جميع الأعصار والأمصار على السفر من الوديعين بدون ذلك، والاكتفاء ببقائها
في حرزها اللائق بها في داره التي بيد زوجته وأولاده وعياله، وليس ذلك ايداعا لها
عندهم، بل هو نحو اللبث أياما عديدة لما دون المسافة للاعتكاف وغيره، والوديعة
في حرزها بيد الناظر لها ولداره من عياله، وغيرهم، ومع التسليم يتجه وجوب القيام
عليه مقدمة للحفظ الواجب عليه.
واحتمال أن له فسخها في كل وقت، باعتبار كونها عقدا جائزا فيردها حينئذ
إلى المالك أو وكيله أو الحاكم، أو يودعها إلى الأمين.
يدفعه ما تسمعه من المصنف وغيره من عدم جواز دفعها إلى الحاكم مع عدم
العذر، وأنه يضمن بذلك، وما تقدم سابقا من عدم جواز ايداعها إلى الثقة إلا
لضرورة، والفرض عدمها مع عدم كون السفر ضروريا له.
ومنها وجوب السفر بها مع الخوف عليها مقدمة للحفظ الواجب عليه، وقد
يناقش بعدم ثبوته على الاطلاق، كي يكون ذلك واجبا عليه للمقدمة، ولعله لذا
جزم فخر الاسلام فيما حكي عنه بعدمه، قال " لا يجب السفر عليه لأجلها وإن خاف
تلفها بدونه، بل إن اختار السفر وجب عليه استصحابها فلا يكون السفر واجبا،
وإنما يجب مصاحبتها لو اختاره " بل لعله ظاهر كل من عبر بجواز السفر، كالمصنف
فيما يأتي وغيره، ودعوى إرادة الأعم من الوجوب ممنوعة فتأمل جيدا وربما يأتي
لذلك تتمة إن شاء الله.
ومنها التخيير بين السفر بها ضامنا لها أو لا والإقامة مع تعذر النفقة وقد عرفت
الحال فيه.
{و} من التفريط أو التعدي أيضا {طرح الأقمشة} أو الكتب ونحوهما
{في المواضع التي تعفنها} أو تفسدها مدة تكون به كذلك عادة، بل في المسالك " يمكن
134

اعتبار كونه ضررا لها مطلقا، فلا يجوز وضع الثوب في موضع يعفنه وإن عزم على نقله
قبل الفساد، نظرا إلى أنه ليس بحرز له عادة " وإن كان هو كما ترى، ضرورة ملاحظة
طول المكث وقصره في الحرز عادة كما هو واضح.
{وكذا} يضمن {لو ترك سقي الدابة وعلفها مدة لا تصبر عليها} مثلها
{في العادة فماتت به} لتحقق التفريط، بخلاف موتها قبل ذلك فإنه لم يتحقق
التفريط، والأصل البراءة من الضمان.
نعم لو اتفق بقاؤها وعدم فوتها بذلك كانت داخلة في ضمانه، كما أنه لو نقصت
بالترك المزبور ضمن النقص.
قال في التذكرة لو امتنع المستودع من ذلك، وعن السقي والعلف حتى مضت
مدة تموت مثل تلك الدابة في مثل تلك المدة نظر، إن ماتت ضمنها، وإن لم تمت دخلت
في ضمانه، وإن نقصت ضمن النقصان، فإن ماتت قبل مضي تلك المدة لم يضمنها "
ومرجعه إلى ما ذكرناه من عدم تحقق التفريط قبل مضيها كما أن مرجع ما ذكره
المصنف إلى بذلك، لا إلى إرادة اختصاص الضمان بالموت به، كي يكون منافيا للمعلوم
المقطوع به عندنا، من ضمان ما تحقق به التفريط إن تلفت بأي سبب يكون.
وبذلك يعرف ما في المسالك، فإنه بعد أن ذكر ذلك قال: " فتعليق المصنف
الحكم على موتها بسبب ترك ذلك مدة لا تصبر عليه عادة، إن أريد به هذا المعنى،
فلا إشكال من هذه الحيثية، لكن يشكل اختصاص حكم الضمان بموتها، مع أنها
قد صارت مضمونة بالتفريط، ومن شأن المضمون أن لا يفترق الحال بين تلفه ونقصه
بذلك السبب وغيره وسيأتي له نظائر كثيرة في كلامه، وإن أراد به معنى آخر أخص
مما ذكرناه كما هو الظاهر، أشكل الحكم مما سبق، ومن توقف الضمان على ترك
هذه المدة، مع أن الواجب القيام بالمعتاد منه وبتركه يتحقق التفريط.
إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، من أن مراد المصنف العلم
بتحقق التفريط بذلك، إذ ترك المعتاد مع فرض عدم التعريض به لتلف مثل هذه
الدابة لا يعد تفريطا قطعا، وإن قلنا بوجوبه عليه للعادة، ثم قال: " وفي عبارة
135

العلامة ما هو أبلغ مما هنا، فإنه قال في التذكرة وحكى ما حكيناه ثم قال: هذه
عبارته، وقد علق الضمان فيها كما ترى على ترك ذلك مدة يموت فيها عادة، لا تأخيره
زيادة على المعتاد، ولا زيادة على ما تصبر عليه عادة، مع أنك قد عرفت معنى عبارة
المصنف، وأن مرجعها إلى ما ذكرناه من عدم تحقق التفريط بدونه، وعدم الضمان
بالموت قبله.
{القسم الثاني} في {التعدي}
الذي قد عرفت تسبيبه الضمان وهو {مثل أن يلبس الثوب} مثلا للانتفاع
به أو بلا قصد لا أن يلبسه لحفظه {أو يركب الدابة} كذلك {أو يخرجها من حرزها
لينتفع بها نعم لو نوى الانتفاع لم يضمن بمجرد النية {للأصل وعدم صدق الخيانة بالعزم
على الانتفاع بها فيما يأتي من الزمان، ولكن لم يفعل، ولم يغير نيته في قبضه
عن المالك.
أما لو نوى الغصب في استدامة القبض صار ضامنا وغاصبا لكونه كما لو قبضها
من أول الأمر على وجه الخيانة، لا الأمانة على ما اعترف به في المسالك، إلا أنه قال
بعد ذلك: وفي تأثير النية في استدامة الأخذ كما يؤثر في ابتدائه وجهان: من ثبوت
اليد في الموضعين مقترنا بالنية الموجب للضمان، ومن أنه لم يحدث فعلا مع قصد
الخيانة، والشك في تأثير مجرد القصد في الضمان، وتردد في التذكرة، ويتحقق
ذلك في صور منها: أن ينوي الأخذ ولم يأخذ أو الاستعمال ولم يستعمل أو أن لا يرد
الوديعة بعد طلب المالك ولم يتلفظ بالجحود، وغير ذلك فقد جزم المصنف فيما سبق بأنه
لو نوى الانتفاع لم يضمن بمجرد النية "
قلت: لا يخفى عليك انفساخ الوديعة بتجديد النية في استدامة القبض أنه له
لا للمالك، فإن قبول الوديعة كايجابها محتاج إلى استدامة النية السابقة، ولذلك
قال الفاضل في القواعد في كتاب الغصب: " إن المودع إذا جحد أو عزم على المنع فهو
136

من وقت الجحود والعزم غاصب " ووافقه عليه غيره، مع أنك ستسمع في الضمان بالجحود
ما يؤكد ذلك.
كما أنه مما ذكرنا ظهر لك الفرق بين نية الانتفاع بمعنى العزم عليها فيما
يأتي من غير تغيير في استدامة القبض عن المالك، وبينها مع التغيير المزبور، وبه
يجمع بين كلام الفاضل في الغصب الذي سمعته، وكلامه هنا، وهو " لو نوى الأخذ
للانتفاع ولم يأخذ به لم يضمن، بخلاف الملتقط الضامن بمجرد النية، لأن سبب
أمانته مجرد النية، وكذا أي يضمن لو جدد الامساك لنفسه، أو نوى بالأخذ من
المالك الانتفاع ".
ولعله أولى مما ذكره الشهيد في المحكي عن حواشيه من الجمع بينهما إن
لم يرد ما قلناه، فلاحظ وتأمل فيه، بل وفي ما ذكره الفاضل من الفرق بين اللقطة
والوديعة، والأمر سهل بعد معرفة التحقيق في أصل المسألة.
{و} على كل حال ف‍ {لو طلبت منه فامتنع من الرد} في أول أوقات
الامكان الذي هو بمعنى التمكين منها {مع القدرة} عقلا وشرعا وعرفا على الوجه
الذي تقدم سابقا {ضمن} لانقطاع الإذن بالاستنابة في حفظها، وتغيير يد الائتمان
حينئذ بيد العدوان كما عرفته فيما مضى مفصلا.
{وكذا} يضمنها {لو جحدها} بعد طلبه منها {ثم قامت عليه بينة أو
اعترف بها} لما عرفت من انقطاع الإذن ببقائها بالطلب، فهي حينئذ في يده
مضمونة عليه، مضافا إلى خيانته بجحوده، ولو جحدها ابتداء أو عند سؤال غيره ففي
المسالك " لم يضمن لأن الوديعة مبنية على الاخفاء فانكاره لها بغير طلب يوجب
الرد أقرب إلى الحفظ وهو كذلك مع العلم بأن جحوده لها لذلك.
أما إذا علم كونه لإرادة غصبها فالمتجه الضمان، لانقطاع قبولها وديعة حينئذ
بل قد يقال بذلك بجحوده الذي لا يعلم حاله، أخذا بظاهره، إلا أن أصالة البراءة
واستصحاب الأمانة وغيرهما يقتضي العدم، ولعله الأقوى.
ولو لم يطلبها المالك، لكن سأله عنها أو قال: لي عندك وديعة، فأنكر، ففي
137

الضمان قولان:
أحدهما: العدم كما عن التذكرة، لأنه لم يمسكها لنفسه، ولم يقر يده عليها
بغير رضا المالك، حيث لم يطلبها ومجرد السؤال لا يبطل الوديعة، ولا يرفع الأمانة
بخلاف الطلب.
والثاني ثبوته لأن جحوده يقتضي كون يده ليست عن المالك، لأن نفي الملزوم
يقتضي نفي لازمه من حيث هو لازمه، فلا يكون أمينا عنه، فيضمن كما عن الفخر
والكركي، وقد عرفت فيما مضى قوته، وأنه لذلك يكون غاصبا، ولو أظهر بجحوده
عذرا بنسيان ونحوه لم يضمن إن صدقه المالك، وإلا ضمن عملا بظاهر الحال،
وأصالة عدم النسيان، وستسمع في المسألة السابعة في اللواحق ما يؤكد ذلك.
نعم لو كان الجحود لمصلحة الوديعة بأن يقصد به دفع ظالم أو متغلب ونحو ذلك
لم يضمن، ضرورة بقاء يده على الأمانة، وزيادة الاحسان في الفرض والله العالم.
{ويضمن لو خلطها بماله بحيث لا يتميز} بلا خلاف أجده، للتعدي بالتصرف
الذي لا إذن فيه، سواء كان بأجود أو مساو أو أردى، بل لو خلطها بمال للمودع كذلك
ضمن أيضا، سواء كان وديعة أيضا عنده أو أمانة أو غصبا، ومنه يعلم أن سبب الضمان
العدوان، لا الشركة.
نعم في المسالك وغيرها عدم الضمان مع تمييز المالين إن لم يستلزم المزج تصرفا
آخر غير المزج منهيا عنه (1)، كما لو كان المال في كيس مختوم ونحو ذلك، فالضمان
المنفي على تقدير الامتياز من حيث المزج، وإن أوجبنا الضمان من حيثية أخرى
ولعله كذلك، للأصل، إن لم نقل بتحقيق العدوان في نفس الخلط والمزج، باعتبار
كونه تصرفا في الوديعة غير ما هو نائب فيه، ولا من مقدماته، وإلا ففيه إشكال.
{وكذا يضمن لو أودعه مالا في كيس مختوم} أو في صندوق مقفل أو مدفونا
{ففتح ختمه} وقفله ونبشه وإن لم يكن بقصد أخذ شئ منه، وكذا ما أشبه الختم
في الدلالة على قصد المالك الاخفاء كالخياطة ونحوها.

(1) هكذا في النسخ والظاهر " غير المزج المنهي عنه ".
138

نعم في المسالك ومحكي التذكرة عدم الضمان في حل ما يقصد به المنع من
الانتشار وإن كان للأخذ ولم يأخذ، مع إمكان المناقشة فيه، بأنهما معا تصرف غير
مأذون فيه، فهو تعد عما هو نائب فيه، فيضمن أيضا كما اعترف به في جامع المقاصد
اللهم إلا أن يقال بكون العدوان الذي يتبعه الضمان خصوص ما يصدق عليه الخيانة
عرفا من التصرف، لا مطلقا وإن أثم به، باعتبار عدم الإذن فيه.
ولعله لذا جزم الأردبيلي فيما حكي عنه " بأنه لا ضمان في شئ من ذلك، حتى
في فتح الختم، للأصل، وعدم التصرف والتقصير في الحفظ، ولم يثبت كون هتك
الحرز موجبا للضمان، ولا بد له من دليل "، وهو جيد إن لم يكن دليله الاجماع
على الضمان بالتعدي الذي هو التجاوز عما يقتضيه إطلاق عقد الوديعة، وإن لم يصدق
به الخيانة أو أنها تتحقق به، مضافا إلى ما يمكن دعوى استفادته من نصوص الرهن
والمضاربة من الضمان بالتعدي مطلقا، هذا كله في الختم من المالك.
أما إذا كان من الوديع ففتحه لم يضمن على ما صرح به غير واحد، إلا إذا
كان بأمر المالك بعد الاستيداع أو قبله، فإنه كختم المالك، ومن ذلك يعلم الحال
فيما قيل: من أن المراد بالضمان في المتن وغيره ضمان المظروف، كما صرح به
جماعة، وأما الظرف ففي ضمانه وجهان، واستقرب في التذكرة العدم، لأنه لم يقصد
الخيانة في الظرف، مع أنه حكي عنها التوقف في الضمان بعد الدراهم الغير المختومة
أو وزنها أو ذرع الثوب من أنه تصرف في الوديعة، ومن أنه لم يقصد الخيانة
ورد بأن المعتبر في الضمان التعدي بالتصرف في الوديعة بما لا يقتضيه إطلاق عقدها،
لا قصد الخيانة، ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا وجه الكلام في المسألة.
ومنه يعلم ما عن المبسوط والتذكرة والتحرير، وفي المسالك من أنه " لو خرق
الكيس، فإن كان الخرق تحت موضع الختم فهو كفض الختم، وإن كان فوقه لم يضمن
إلا نقصان الخرق ".
{وكذا} يعلم منه الحال أيضا فيما {لو أودعه كيسين فمزجهما} بآخر حتى
مع اتحاد المالك، بل في المسالك " يمكن إرادة تعميم الحكم بالضمان بمطلق المزج،
139

لاستلزامه التصرف في المالين بغير إذن المالك، حيث اقتضى اخراج أحدهما من
كيسه وصبه على الآخر، والظاهر أنه يضمن المخرج مطلقا، وأما الأخير فإن كان
مختوما ضمنه، وإلا فلا مع بقاء التمييز لأنه لم يحدث فيه تصرفا ممنوعا منه مع
احتمال الضمان وهو قول لبعض الأصحاب.
قلت: قد عرفت الوجه في جميع ذلك، وربما كان في كلامه هنا منافاة لما ذكره
سابقا في الخلط، هذا كله إذا كان الكيسان للمودع أما إذا كانا للوديع فلا ضمان مع
بقاء التمييز، لأن له نقل الوديعة من محل إلى غيره، وله تفريغ ملكه، ولا يتعين
عليه الحفظ فيما وضع فيه أولا.
ولو أتلف بعض الوديعة المتصل ضمن الباقي، كما لو قطع يد العبد وبعض الثوب
ولو كان منفصلا أو الاتلاف خطأ ففي القواعد " ضمنه خاصة كما لو أخرج بعض الدراهم
وقد يشكل مع صدق الاتحاد عرفا بتحقق الخيانة، بل قد يدعى أن المدار في الاتحاد
ايداع الجميع بعقد واحد، إلا أنه لا يخلو من بحث والله العالم.
{وكذا} يضمن الأمين على الدابة مثلا {لو أمره بإجارتها لحمل أخف،
فآخرها لأثقل أو لأسهل فآجرها لأشق كالقطن والحديد} بلا خلاف ولا إشكال،
لصدق التعدي والخيانة، بل في المسالك " احتمال تحققه بمجرد العقد لتسليطه على
الانتفاع العدواني فيخرج عن كونه أمينا كما يضمن بجحوده بل بمجرد نيته على قول
مع عدم فعل ما يوجب الضمان " وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما
ذكرناه سابقا.
كما أنه لا يخفى عليك ما ذكره أيضا فيها من أن المضمون على تقدير المخالفة
هو الجميع على التقديرين، لتحقق العدوان في ذلك الانتفاع، مع احتمال التقسيط
خصوصا في حمل الأثقل، لأن القدر المأذون فيه ليس بمضمون، وإنما التعدي بالزائد
فيقسط الزايد عليهما، وعلى هذا فيعتبر في الآخر ما يساوي المأذون من الضرر، مع
احتمال ضمان الجميع هنا وإن قلنا به ثم، لأن مجموع الحمل مغاير للمأذون،
140

بخلاف الأثقل إذا كان الثقل مستندا إلى زيادة المقدار مع اتحاد الجنس، كما لو أذن
له في حمل قفيز فآجرها لقفيزين، ضرورة كون مراد المصنف ضمان نفس العين التي
لا ينبغي التوقف في ضمانها أجمع بالتعدي المزبور، وأما المنفعة فللبحث فيها مقام
آخر والله العالم.
{ولو جعلها المالك في حرز مقفل، ثم أودعها ففتح المودع الحرز وأخذ بعضها
ضمن الجميع) لصدق التعدي والخيانة بذلك، بل قد عرفت تحققهما بالفتح وإن
لم يكن للأخذ، بل ربما قيل بذلك بنية الأخذ {ولو لم تكن مودعة في حرز،
أو كانت مودعة في حرز للمودع} بفتح الدال {فأخذ بعضها ضمن ما أخذ} خاصة
بأخذه وإن لم يصرفه، لصدق التعدي والخيانة فيه دون غيره، والفتح إنما هو في
ملكه، ولا أقل من الشك، والأصل بمعانيه عدم الضمان.
لكن قد تقدم ما يعلم منه البحث في ذلك، كما أنه قد تقدم ما يعلم منه حكم
الشد بأمر المالك، بعد الاستيداع وقبله وحكم نية الأخذ من الوديعة في الأثناء والابتداء.
لكن في المسالك هنا " أنه لو نوى التصرف في الوديعة عند أخذها بحيث
أخذها على هذا القصد كانت مضمونة عليه مطلقا، لأنه لم يقبضها على وجه
الأمانة، بل على سبيل الخيانة، وفي تأثير النية في استدامة الأخذ كما تؤثر في
ابتدائه وجهان: من ثبوت اليد في الموضعين مقرونا بالنية الموجب للضمان، ومن
أنه لم يحدث فعلا مع قصد الخيانة، والشك في تأثير مجرد القصد في الضمان، و
تردد في التذكرة، ويتحقق ذلك في صور، منها: أن ينوي الأخذ ولم يأخذ أو
الاستعمال ولم يستعمل، أو أن لا يرد الوديعة إذا طلب المالك، ولم يتلفظ بالجحود
وغير ذلك، وقد جزم المصنف فيما سبق بأنه لو نوى الانتفاع لم يضمن بمجرد
النية ".
قلت: لكن قد عرفت الفرق بين العزم على الانتفاع مع بقاء القبض عن المالك
وبينه مع نية كون القبض له، ضرورة تحقق الغصب في الثاني كما اعترف به في القواعد
141

وجامع المقاصد وغيرهما، بخلاف الأول.
{و} على كل حال {لو أعاد بدله لم يبرأ} إلا مع إجازة المالك، لعدم
صيرورته بدلا بدون قبض المالك، {و} حينئذ ف‍ {لو أعاده ومزجه بالباقي ضمن ما
أخذه} خاصة مع التمييز، بل الجميع في وجه تقدم سابقا.
{و} أما {لو أعاد بدله ومزجه ببقية الوديعة مزجا لا يتميز ضمن الجميع}
قطعا لما سمعته من تحقق التعدي بذلك، ولو أعاد عين المأخوذ لم يزل الضمان عنه،
كما لم يزل بالرجوع عن كل تفريط وتعد ولا يتعدى إلى الباقي وإن مزجه بحيث
لا يتميز، لأن الجميع مال المالك، غايته أن بعضه مضمون، وبعضه غير مضمون
ولأن هذا الاختلاط كان حاصلا قبل الأخذ، وعلى هذا لو كان الجميع عشرة دراهم
وأخذ منها درهما ثم رده إليها وتلف بغير تفريط لم يلزمه إلا درهم، ولو تلف منها
خمسة لزمه نصف درهم، وهكذا.
قلت: قد يتوقف في تنقيح قاعدة تقتضي ذلك، اللهم إلا أن تكون هي قاعدة
الاشتراك في الملك بالمزج القهري، وفي العين بقيام الاحتمال منهما مع عدم الترجيح
وإلا فقاعدة " على اليد " تقتضي ضمان المأخوذ حتى يعلم أداؤه إلى مالكه، فيلزمه
حينئذ ضمان الدرهم مع تلف الخمسة أيضا، لعدم العلم بالأداء مع دفع الباقي إلى
المالك هذا.
والظاهر أنه لا فرق في جميع ما ذكرنا بين الأخذ بقصد العدوان، وبينه
بقصد القرض، بعد فرض عدم جوازه له، لعدم الإذن ولو فحوى، لكن في خبر
الخثعمي (1) عن الصادق عليه السلام " قلت له: الرجل يكون عنده المال وديعة يأخذ منه
بغير إذن صاحبه فقال: لا يأخذ إلا أن يكون له إذن، قال: قلت: أرأيت إن وجد
من يضمنه، ولم يكن له وفاء وأشهد على نفسه الذي يضمنه يأخذ منه؟ قال: نعم ".
وفي خبر علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن قرب الإسناد و

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام الوديعة الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام الوديعة الحديث - 2.
142

مستطرفات السرائر " سألته عن رجل كانت عنده وديعة لرجل فاحتاج إليها هل يصلح
له أن يأخذ منها، وهو مجمع أن يردها بغير إذن صاحبها؟ قال: إذا كان عنده وفاء
فلا بأس أن يأخذه ويرده ".
إلا أنه لم أجد عاملا بشئ منهما، لمنافاتهما أصول المذهب، ضرورة عدم
اقتضاء عقد الوديعة الوكالة في القرض والاستيفاء، فلا محيص عن طرحهما أو حملهما
على الفحوى أو نحو ذلك والله العالم.
الأمر {الثالث:
في اللواحق: وفيه مسائل}.
{الأولى: يجوز السفر بالوديعة، إذا خاف تلفها مع الإقامة} وقد تعذر
الرد إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو الايداع إلى الأمين، أو لا يرتفع الخوف عليها
به، بل قيل: إنه يجب عليه السفر بها حينئذ، وقد عرفت البحث فيه سابقا.
{ثم} إنه على كل حال {لا يضمن} لعدم كونه متعديا ومفرطا في هذا
الحال {و} لكن (لا يجوز السفر} بها حينئذ {مع ظهور أمارة الخوف}
ضرورة عدم كونه حفظا لها، إذ السفر في نفسه مخاطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1)
المسافر وماله على تلف إلا أن يشاء الله ".
{و} حينئذ ف‍ {لو سافر والحال هذه ضمن} للتعدي والتفريط، نعم لو
فرض كونه في هذا الحال أحرز لها من البقاء، ارتفع الضمان حينئذ.
المسألة {الثانية: لا يبرء المودع إلا بردها إلى المالك أو وكيله} العام
أو الخاص {فإن فقدهما فإلى الحاكم} الذي هو ولي الغائب في حفظ ماله لكن
{مع العذر} للوديع كالعجز عن حفظها، أو عرض له خوف يفتقر معه إلى السير
المنافي لرعايتها، أو خاف عليها من السرق أو الحرق أو النهب أو نحو ذلك من

(1) راجع كشف الخفاء للعجلوني الرقم 2014.
143

الضروريات.
{ومع عدم العذر} لم يجز له دفعها، فلو دفعها حينئذ {يضمن} لأن المالك
لم يرض بيد غيره، والفرض عدم الضرورة لاخراجها من يده، فيجب عليه حينئذ
حفظها إلى أن يجد المالك، أو يتجدد له عذر، وفي المسالك " هكذا ذكره الأصحاب
ولا نعلم فيه خلافا بينهم، وواقفهم جماعة من العامة، ولكن قد يقال: إن لم يكن
اجماعا بعد جواز فسخ الوديعة له في كل وقت، وحينئذ تكون أمانة شرعية في يده
يجب ردها على المالك أو وكيله أو وليه وهو الحاكم وإن لم يكن ضرورة، بل قد عرفت
سابقا من إطلاق كلامهم، بل هو صريح بعضهم جواز السفر عنها وإن لم يكن لضرورة،
إلا أنه يدفعها إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو العدل، بل قد عرفت أيضا غير ذلك
مما يظهر بعد التأمل في ملاحظة ما في كلام الأصحاب من التشويش في جملة من
الأمور، فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فحيث يجوز دفعها إلى الحاكم هل يجب عليه القبول لأنه ولي
الغائب ومنصوب للمصالح، أولا، للأصل ولعل الأول أقوى، وكذا لو حمل إليه المديون
الدين مع غيبة المدين والمغصوب ونحو ذلك.
{ولو فقد الحاكم وخشي تلفها} مثلا {جاز إيداعها من ثقة ولو تلفت لم
يضمن} لعدم صدق التعدي والتفريط في الفرض الذي هو أحد أفراد الحفظ المأمور
به في هذا الحال، لكن قد عرفت فيما مضى أن ذلك فسخ للوديعة، والدفع إلى العدل
باعتبار قيامه مقام الحاكم في الحسب، أو أنها باقية على الوديعة عنده ولكن جاز له
إن وجب عليه حفظها بهذا الطريق في هذا الحال وإن لم يجز اختيارا وكذا الكلام في
المسألة {الثالثة} التي هي {لو قدر على الحاكم، فدفعها إلى الثقة ضمن}
ضرورة مرجع الجميع إلى وجوب هذا الترتيب، وقد قد منا سابقا ما يستفاد منه التوقف في
وجوب ردها مع السفر على الوجه المزبور وأن السيرة والطريقة على خلاف ذلك
بل قد يقال حتى لو كان المالك حاضرا ولم يطلبها، وما يستفاد منه أيضا عدم اعتبار
كون السفر ضروريا، وأن الرد إلى العدل مع فرض عدم كونه لقيامه مقام الحاكم،
144

كما هو صريح ما سمعته سابقا من المسالك، بل وغيرها، - لا دليل على وجوب تعينه،
ضرورة كونه حينئذ أحد أفراد الحفظ، المخير فيها في هذا الحال بعد فرض جواز
السفر له، بل ربما يتفق الأحرز منه وبهذا يظهر لك النظر في.
المسألة {الرابعة} وهي {إذا أراد السفر فدفنها} في حرز أو غيره أعلم بها
العدل أو لا {ضمن إلا أن يخشى المعاجلة} كما في القواعد والإرشاد، ضرورة ابتناء
ذلك على ما سمعته من وجوب الرد على الترتيب المزبور، والدفن مناف له، والاعلام
ليس ردا ولا ايداعا، وفيه ما عرفت من عدم الدليل على إيداع العدل بخصوصه،
بل هو أحد أفراد الحفظ، كما أنه لو خشي المعاجلة، أي خاف عليها من معاجلة
السارق والظالم لم يضمن حينئذ بالدفن المراعي مقدار ما يتمكن منه من
الحرزية والاعلام ونحوهما، لانحصار طريق حفظها حينئذ بذلك، وكذا لو كان
السفر ضروريا له وخاف معاجلة الرفقة، فدفنها مراعيا ما سمعت بعد تعذر ما وجب
عليه من الرد على الوجه المزبور، ولكن قد تقدم لك ما يعرف منه وجه النظر في
ذلك والله العالم.
المسألة {الخامسة: لو أعاد الوديعة بعد التفريط} أو التعدي بأن لبس الثوب
ثم نزعه {إلى الحرز لم يبرأ} من الضمان للأصل وغيره {ولو جدد المالك له
الاستيمان} بأن فسخ العقد السابق ورجع المال إلى يده ثم أودعه جديدا أو قلنا
بكفاية تجديد العقد وإن لم يرجع المال إلى يده على حسب ما سمعته في رهن المغصوب
{برء} من الضمان أيضا بلا إشكال.
وأما لو قال أذنت لك في حفظها أو أودعتكها أو استأمنتك عليها أو نحو ذلك مع
عدم فسخ العقد الأول فالأقوى عدم البراءة، من الضمان، للأصل وعدم صيرورته
وديعة جديدة بذلك، إذ هو بالتفريط السابق لم ينفسخ عقد أمانته، ولم يرتفع الإذن
له في حفظها وإنما صارت به وديعة مضمونة، فما في المسالك - من توجيه عدم الضمان
بأنه إنما كان لحق المالك وقد رضي بسقوطه بإحداثه ما يقتضي الأمانة - لا يخفى
145

ما فيه، كما أن قوله فيها أيضا " ويمكن بناء ما نحن فيه على مسألة أن الغاصب إذا
استودع هل يزول الضمان عنه أم لا " كذلك أيضا، لما عرفت من عدم انفساخ العقد
الأول المقتضي لبقائها وديعة مضمونة بالسبب الذي اقتضى الضمان، لا الفسخ، بل
وكذا ما ذكره فيها أخيرا من أن الأقوى هنا زوال الضمان، لأن المستودع نائب عن
المالك، فكان يده كيده وقبضه لمصلحته في الحفظ، فكان في يده بمنزلة ما إذا كان في يد
المالك، بخلاف الرهن، ضرورة اتحاد الرهن والوديعة من حيث النيابة عن المالك
في الحفظ، فالمتجه حينئذ ما عرفت، إلا أن يراد بذلك البراءة من الضمان، وحينئذ
يكون ذلك من القسم الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله:
- {وكذا لو أبرأه من الضمان} ولكن فيه إشكال بعدم دليل صالح لقطع أصالة
الضمان، ضرورة عدم ثبوت مال في الذمة يكون موردا للإبراء فإن المراد من الضمان
اشتغال ذمته لو تلفت بالمثل أو القيمة، فهو كما لو قال للغاصب أبرأتك من ضمان المال
المغصوب في يدك، ونحوه مما هو ابراء عما لم يجب بعد.
ودعوى - كون المراد من الابراء اسقاط الحق الذي هو تأهل الذمة للاشتغال
على تقدير التلف - يدفعها منع سقوطه بذلك، للأصل، ولظاهر ما دل على سببية
الضمان، الشامل لصورة الاسقاط السالم عن معارضة ما يقتضي صحة هذا الاسقاط
على وجه يترتب عليه السقوط لمثل ما نحن فيه، المحتمل كونه كحق التحجير ونحوه
والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {لو أكره على دفعها إلى غير المالك، دفعها ولا ضمان}
وفاقا للمشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، لضعف المباشرة وقوة السبب، ولأصالة
البراءة، وللضرر بترك التسليم، فيباح له شرعا، ويكون مندرجا في نبوي (1)
الرفع، المقتضي رفع الحكم وضعا وتكليفا إلا ما خرج، خلافا للمحكي عن أبي
الصلاح، فأوجب الضمان لكونه متلفا، إذ الفرض أنه باشر الدفع بنفسه، لا أن

(1) الوسائل الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس الحديث 1 - 3.
146

المكره باشر الأخذ فيشمله عموم من أتلف، ونحوه، وإن كان له الرجوع على المكره
باعتبار قوته، فقرار الضمان عليه.
لكن قد يشك في تناول الأدلة لمثل الفرض الذي هو فيه من المحسنين الذين
لم يجعل الله عليهم سبيلا، فضلا عن الضرر البين حال عدم التسلط على المكره،
وقد تقدم سابقا الكلام في المسألة في الجملة والله العالم.
المسألة {السادسة إذا أنكر الوديعة أو اعترف وادعى التلف أو ادعى الرد،
ولا بينة، فالقول قوله} بلا خلاف ولا إشكال في الأول، لعموم (1) " البينة على
المدعي واليمين على من أنكر " وعلى المشهور في الثاني شهرة عظيمة كادت تكون
إجماعا، سواء أسنده إلى سبب أو لا، وسواء كان ظاهرا كالغرق والحرق، أو خفيا
كالسرقة ونحوها، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل لم يحك الخلاف فيه إلا من
الشيخ في المبسوط، فلم يقبل قوله إلا بالبينة في التلف بأمر ظاهر، لعموم البينة،
لكن رماه بعضهم بالشذوذ، والعموم المزبور يجب تخصيصه بالاجماع الظاهر، أو
المحقق المحكي أو المحصل.
والمرسل (2) في المقنع عن الصادق عليه السلام " عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل
قوله؟ قال: نعم ولا يمين عليه " ولأنه أمين محسن، قابض لمصلحة المالك فهو أولى
من المضارب الذي قد يظهر من جملة من النصوص المفروغية من تصديقه في ذلك، ولذا
احتيل للاستيثاق بجعل المال بعضه قرضا.
مضافا إلى قول أبي جعفر عليه السلام (3) " لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن "
بناء على أن المراد من هذا وشبهه الحكم شرعا بعدم خيانة كل أمين لك، وأنه متى
ائتمنت كان غير خائن لك شرعا، ولكن إذا خونته فاللوم عليك حيث أنك ائتمنت

(1) المستدرك ج 3 ص 199 الوسائل الباب 25 من أبواب أحكام الدعوى
الحديث - 3.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الوديعة - الحديث - 7 - 8.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الوديعة - الحديث - 7 - 8.
147

الخائن بزعمك.
وإلى قول الصادق عليه السلام في خبر مسعدة بن صدقة (1) " ليس لك أن تأتمن من
خانك، ولا تتهم من ائتمنت " وخبر مسعدة بن زياد (2) عنه عن أبيه أن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته، ولا تأتمن الخائن وقد جربته فتأمل.
بل عن أبي على وأبي الصلاح أنه لا يمين عليه إلا مع التهمة للمرسل (3) " لا يمين
عليه إذا كان ثقة غير مرتاب " بل عن الصدوق والشيخ في النهاية وابن جمزة أنه لا يمين
عليه مطلقا، بل في الفقيه قضى مشايخنا رضي الله عنهم على أن قول المودع مقبول،
فإنه مؤتمن ولا يمين عليه، ولكن الأقوى الأول، لقاعدة انحصار ثبوت الدعوى
بالبينة واليمين.
وكذا يصدق لو ادعى الرد إلى المالك أو وكيله على المشهور، بل عن جماعة
الاجماع عليه، بل أرسلوه في غير المقام إرسال المسلمات، وهو الحجة، مضافا إلى
كونه أمينا وإلى غير ذلك مما سمعته في دعوى التلف مما يمكن إجراؤه هنا، فما في
القواعد وغيرها من النظر في ذلك في غير محله. نعم لا يقبل قوله في ذلك في الرد على
الوارث، لأنه لم يأتمنه.
{و} على كل حال ف‍ {للمالك} حينئذ {إحلافه على الأشبه بأصول
المذهب وقواعده {أما لو دفعها إلى غير المالك وادعى الإذن} من المالك في ذلك
{فأنكر} المالك فلا ريب {ف‍} ي أن {القول قول المالك مع يمينه} لعموم
قوله (4) البينة على المدعي واليمين على من أنكر " الذي هو المالك هنا، لأنه هو
الموافق للأصل.
ثم المدفوع إليه إن كذبه فالقول قوله أيضا، لأن الأصل عدم الدفع، وإن
صدقه ردت العين إن كانت باقية، وإن كانت تالفة، كان المالك بالخيار بين الرجوع

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الوديعة الحديث - 9 - 10 - 7.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الوديعة الحديث - 9 - 10 - 7.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الوديعة الحديث - 9 - 10 - 7.
(4) المستدرك ج 3 ص 199.
148

على من شاء منهما.
{ولو صدقه} أي المالك {على الإذن} وأنكر التسليم فكدعوى الرد
الذي عرفت الحال فيه، ضرورة كونه حينئذ وكيلا، ودعوى الرد عليه كدعوى
الرد علي الموكل.
وأما لو صدقه على التسليم أيضا لمن أذن له {لم يضمن} الوديع بإنكار
المأذون {وإن ترك الاشهاد على الأشبه} بأصول المذهب وقواعده، حتى لو قلنا
به بالنسبة إلى وفاء الدين، لأن مبنى الوديعة على الاخفاء، وفي المسالك، عن بعضهم
الضمان في الدين والوديعة، كما عن آخر نفيه فيهما، ولعله لا يخلو من قوة لعدم
تحقق التفريط والله العالم.
المسألة {السابعة: إذا أقام المالك البينة على الوديعة بعد الانكار} لأصل
الايداع {فصدقها ثم ادعى التلف قبل الانكار لم تسمع دعواه} المنافية لانكاره
الأول الذي هو بمنزلة الاقرار بالنسبة إلى ذلك في حقه، فيتناقض حينئذ كلاماه
ولا يتوجه له يمين ولا إقامة بينة بعد أن كذبها بإنكاره الأول، و {لا} نه قد حصل
منه بإنكاره سبب ا {شتغال ذمته بالضمان} فلا تسمع دعواه، لكونه كالاقرار منه
بالضمان ثم الرجوع عنه.
ولكن في المتن {ولو قيل تسمع دعواه وتقبل بينته كان حسنا} لعموم
قوله (1) " البينة على المدعي " ولجواز استناده إلى النسيان، بل عن الفاضل في التذكرة
اختياره، كما عنه في المختلف أنه لا تسمع يمينه، ولا تقبل بينته، لكن له إحلاف
الغريم، وهو نوع من سماع دعواه، فيكون في المسألة أقوال ثلاثة، إلا أنه لا يخفى
عليك ما في الأخيرين المنافيين لأصالة عدم النسيان.
وفي المسالك " إن فيها قولا رابعا، وهو أنه إن أظهر لانكاره تأويلا، كقوله،
ليس لك عندي وديعة يلزمني ردها أو ضمانها ونحو ذلك، قبلت دعواه، وسمعت

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث - 5.
149

بينته، وإن لم يظهر له تأويلا لم يقبل " وعن الشهيد الأول اختياره.
ولكن فيه أنه خروج عن مفروض المسألة بناء على إرادة إبراز دعواه بالعبارة
المزبورة، وإن كان المراد إظهار التأويل بعد أن ذكر العبارة التي ظاهرها إنكار أصل
الايداع لم يسمع ذلك منه، عملا بظاهر كلامه.
ومن هنا قال في المسالك بعد أن ذكر الأقوال أجمع " هذا كله إذا كان الجحود
بإنكار أصل الايداع، أما لو كانت صورته لا يلزمني شئ أو لا يلزمني تسليم شئ
إليك، أو مالك عندي وديعة، أوليس لك عندي شئ، فقامت البينة بها، فادعى التلف
أو الرد سمعت دعواه وبينته، لعدم التناقض بين كلاميه " ونحوه ما في القواعد قال:
" وإن أقيمت عليه البينة فادعى الرد أو التلف من قبل، فإن كان صيغة جحوده انكار
أصل الوديعة لم يقبل قوله بغير بينة، ولا معها على الأقوى، لتناقض كلاميه، وإن كان
صيغة الجحود لا يلزمني شئ، قبل قوله في الرد والتلف مع البينة، بدونها في
الأخير، وفي الأول على رأي، ولو أقر، بها له بتلفها قبل الجحود من الحرز فلا
ضمان، وفي سماع بينته بذلك إشكال، نعم تقبل لو شهدت بالاقرار والظاهر أن قوله
" وفي سماع " تكرار لما ذكره أولا.
وقال في الإرشاد في باب الوكالة: " ولو ادعى على الوكيل قبض الثمن، فجحد
فأقام بينة على القبض فادعى تلفا أو ردا قبل الجحود لم يقبل قوله، لخيانته، ولا
بينته لعدم سماع دعواه، ولو ادعى بعد الجحود ردا سمعت دعواه، ولا يصدق لخيانته
وتسمع بينته، ولو ادعى التلف صدق للبراءة من العين، ولكنه خائن فيلزمه الضمان "
وهو جيد جدا إلا في الأخير المبني على تصديق الغاصب في تلف العين، وقد ذكرنا
البحث فيه سابقا.
وعلى كل حال فمن التأمل فيما ذكرناه يظهر لك ما في المسالك فإنه قال:
" وحيث قلنا بقبول بينته إن شهدت بتلفها قبل الجحود برئ من الضمان. وإن
شهدت بتلفها بعده ضمن لخيانته بالجحود، ومنع المالك عنها " إذ ظاهره أن دعواه
التلف بعد الجحود من المسألة السابقة بالنسبة إلى قبول بينته وعدمها، ولا يخفى
150

عليك خروجها عن ذلك، إذ لا اشكال في قبولها بالرد والتلف كما سمعته من الإرشاد
بل هو واضح والله العالم.
المسألة {الثامنة} إذا أودع ولم يعين له حرزا مخصوصا وجبت المبادرة
إلى حرزها المعتاد المتعارف و {إذا عين له حرزا بعيدا عنه وجبت المبادرة إليه بما
جرت العادة} في المسارعة للوصول إليه، مع فرض عدم القرينة الدالة على خلاف
ذلك، لعدم الإذن في وضعها في غيره زايدا على ذلك، وحينئذ {فإن أخر} عن
ذلك {مع التمكن} عقلا وشرعا بل وعادة على معنى مراعاة المبادرة إليه عادة
نحو ما سمعته في فورية أدائها عند طلب المالك لها {ضمن} بلا خلاف ولا إشكال
بالتعدي بالوضع في غير ما عينه له المالك، بل الأقوى بقاؤه على الضمان وإن وضعه
بعد ذلك بالحرز مع احتمال عدمه حينئذ، بل عن بعضهم القول به، إلا أن استصحاب
الضمان بالسبب الأول شاهد للأول، كما أنه قد يقوى الضمان في كل فرد شك
في تحقق المبادرة به، لعدم معلومية الإذن معه، مع احتمال عدمه للأصل، {ولو
سلمها إلى زوجته} على وجه الاستقلال بها أو الشركة أو ولده أو خادمه أو غيرهم
{لتحرزها} ولو في ذلك المكان إلا أن تكون كالآلة المشاهدة منه ونحوها {ضمن}
لعدم الإذن له في ذلك، اللهم إلا أن يكون هناك قرائن حالية، أو مقالية تدل على
ذلك، والتوكيل عنه في ذلك مع عدم الإذن من المالك في وضع يد الغير عليها لا
وجه له.
المسألة {التاسعة: إذا اعترف بالوديعة ثم مات و} لكن قد {جهلت عينها}
بالخصوص لتعدد أفرادها {قيل: تخرج} الوديعة قيمة أو مثلا {من أصل التركة}
على نحو غيرها من الديون لتحقق ضمانها بعدم تعينها المصير لها بمنزلة التالفة
{و} حينئذ ف‍ {لو كان له غرماء وضاقت التركة حاصهم المستودع).
ولكن لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا عند قوله: {و} إذا
ظهر للمودع أمارة الموت ما {فيه} من {تردد} وبحث ونظر إذا كان المراد
من المتن وما شابهه الحكم بالضمان بمجرد الاعتراف بها، من احتمال الرد
151

إلى المالك والتلف بلا تعد ولا تفريط وغير ذلك، لأصالة البقاء وعدم التلف وغير
ذلك من المحتملات، فيتحقق بقاؤها بل ضمانها بعدم الاشهاد على شخصها، كما حكي
عن الأكثر أو المشهور بين الأصحاب، وإن كنا لم نتحققه.
بل لعل الظاهر خلافه عند من تأمل كلامهم، خصوصا الفاضل في القواعد
وغيره، فإنك قد عرفت عدم صلاحية ما ذكروه، لاثبات الضمان الذي مقتضى أصل
البراءة بلا واسطة عدمه، وعلى اليد مخصوص بالأمانة المستصحب حكم عدم الضمان
فيها، بل هو مقتضى اطلاق الدليل، وخبر السكوني مع أنه في مال المضاربة قد عرفت
الحال فيه سابقا، وأنه ظاهر في المعلوم بقاؤه في التركة، ولم يثبت تقصيره بعدم الاشهاد
خصوصا مع ملاحظة حال المسلم المحمول على الوجه الصحيح فعلا وتركا، ومع التسليم
فالمتجه الشركة أو القراعة أو الصلح القهري في وجه، أو نحو ذلك مما يتقدم به على
الغريم الذي حقه متعلق بتركة، وديعة، لا مال الغير المشتبه بمال الوديع، وبالتأمل
فيما ذكرنا هنا وهناك بل وفي باب المضاربة يظهر لك التشويش في كلام جملة من
الاعلام، وعدم تنقيح موضوع ما حكموا به من الضمان على إشكال، وعدمه كذلك
في أصله أو في كيفيته فلاحظ وتدبر.
المسألة {العاشرة: إذا كان في يده وديعة فادعاها اثنان، فإن صدق أحدهما
قبل} وأحلف للآخر على البت، كما أنه يحلف المقر له أيضا، فيستقر حينئذ
ملكه على العين، وإن نكل الودعي عن اليمين أحلف المدعي إن لم يقض بالنكول
وأغرم له المثل أو القيمة وقت الاقرار أو وقت الحلف على الأقوى، بناء على أن
اليمين المردودة كالاقرار أو أصل برأسه، بل في المسالك الحكم بذلك وإن قلنا
بكونها كالبينة، إذ هي في حق المتداعيين الذي اقتضى تغريم المثل أو القيمة بسبب
حيلولته بالاقرار الأول، لا في حق الثالث.
وفيه بحث يظهر من تفريعهم مسألة رد الوكيل على البيع اليمين على مدعى
الفسخ مثلا بالنسبة إلى الرجوع بالثمن على الموكل أو الوكيل على كونه كالاقرار
أو البينة، والموكل ثالث عنهما، ولو أقر بها لهما على سبيل الاشتراك فقد كذب
152

كل واحد منهما في دعوى الجميع وصدقه في البعض فيقسم بينهما، ويكون حكم
التصديق والتكذيب في النصف كما في الجميع بالنسبة إلى الودعي وبالنسبة إليهما،
ويبقى النزاع بينهما في النصف، فإن حلفا أو نكلا قسم بينهما، وإن حلف أحدهما
خاصة قضي له به، ولا خصومة للناكل مع الودعي {وإن أكذبهما} معا {فكذلك}
في انتفاء دعواهما، لأن اليد له، ولكل منهما إحلافه على البت أيضا، فإن نكل
عن اليمين ردت عليهما، وصارا في الدعوى سواء، لأن يدهما خارجة، فإن حلفا
أو نكلا قسمت بينهما، وإن حلف أحدهما خاصة اختص بها، وإن قال: هي لأحدهما
ولا أدري من هو على التعيين، فإن صدقاه في نفي العلم فلا خصومة لهما معه، وتبقى
الخصومة بينهما والحكم كالسابق.
لكن هنا يحتمل جعلهما بمنزلة ذي اليد، لا الخارج، بخلاف الأول، والفرق
عدم اليد لأحدهما في الأول حتى بالنسبة إلى اعتراف الودعي، فهما خارجان عنها
على التقديرين، بخلافه هنا، فإن ذا اليد يعترف بأن اليد لأحدهما، وليس أحدهما
أولى من الآخر على تقدير الاشتباه، ويحتمل مساواته للأول، لعدم ثبوت اليد
لأحدهما، بل لعله الأقوى، وتظهر فائدة اليد وعدمها عند تعارض البينات على ما
سيأتي إن شاء الله.
وإن كذباه في عدم العلم فادعى كل واحد منهما علمه بالمالك فالقول قوله مع
يمينه، لكن الحلف هنا على عدم العلم، ويكفي يمين واحدة في وجه، لأن المدعى
شئ واحد، وهو علمه بكون المال لمعين، بخلاف السابق فإنه ينفي استحقاق كل
واحد فيحلف له، وقيل: يحلف لكل منهما يمينا فإن كلا منهما مدع، فيدخل
في عموم الحديث السابق، ولعله الأقوى، خلافا للمسالك في الأول.
وعلى كل حال فإذا حلف لهما بقيت المنازعة بينهما، واختلف هنا: فقيل:
يقرع بينهما فمن خرج اسمه وحلف سلمت إليه، وقيل: يوقف حتى يصطلحا،
والقولان محكيان عن الشيخ، إلا أنه قد يتوقف في اليمين على من خرج اسمه، بل
لعل الأقوى أنهما يحلفان، ويقسم بينهما، لتكافؤ الدعويين وتساويهما في الحجة
153

وهو يقتضي القسمة كذلك، ولا يكون الأمر مشكلا، والايقاف حتى يصطلحا ضرر
والاصطلاح غير لازم.
ولو نكل عن اليمين وحلفا على علمه أغرم القيمة مع العين، لأن يمينيهما
اقتضتا أن يكون عالما بالعين لكل واحد بخصوصه، وبانكاره حصلت الحيلولة بين
المستحق وحقه، فوجب أن يغرم القيمة، ولما كان سواء في اليمين لم يكن لأحدهما
رجحان على الآخر، فيجعل العين والقيمة معا في أيديهما، وهل يقسم بينهما
بحلفهما كذلك أو توقف حتى يصطلحا، القولان.
وفي المسالك " يمكن أن يقال هنا: بأن القسمة بينهما يتوقف على حلفهما
ثانيا بالاستحقاق، لأن اليمين الأولى لم تتناوله، وإنما أثرت غرمه القيمة لهما،
ولو كان حلفهما ابتداء على الاستحقاق قسمت العين بينهما فقط ".
{وإن قال: لا أدري} أهي لكما، أم لأحدكما، أم لغير كما، وادعيا عليه
العلم، فالقول قوله في نفيه كما مر، فإذا حلف {أقرت في يده حتى يثبت لها
مالك} وليس لأحدهما تحليف الآخر، لأنهما لم يثبت لهما، ولا لواحد منهما
عليها يد، ولا استحقاق، بخلاف الصورة السابقة.
{وإن ادعيا أو أحدهما علمه بصحة الدعوى كان عليه اليمين} ولو نكل عن
اليمين ففي تسليمها إليهما - مع حلفهما على الاستحقاق وغرامته لهما القيمة لو حلفا
على علمه - احتمال، لانحصار الحق فيهما ظاهرا، ولا منازع لهما الآن، ويحتمل
العدم، لعدم حصر ذي الحق فيهما.
ثم إن ما في المتن من الاقرار في يده قيل: إنه شامل للقسمين المشتملين
على عدم علمه بخصوص المالك، وهو جيد في الأخير، لأن يده يد أمانة، ولم يتعين
لها مالك يجب الدفع إليه، والحق ليس منحصرا فيهما، حتى يتوهم سقوط أمانته
بمطالبتهما، وأما اقرار يده في القسم الأول فعن الشيخ أنه كذلك أيضا، لعدم تعين
المالك، لكن قد يشكل بانحصار الحق فيهما، ومطالبتهما معا إياه، ولذا حكي
عن الشيخ أيضا القول بانتزاعها منه، ولكن ضعفه في المسالك بأن المطالبة المقتضية
154

للعزل هي التي يجامعها التسليم، وهنا ليس كذلك، فلا يترتب عليه دفع الأمانة،
وفيه منع واضح. نعم يتجه ما عن المختلف من رد الأمر إلى الحاكم واستحسنه في
المسالك. والله العالم.
المسألة {الحادية عشر: إذا فرط} أو تعدى وتلف المال {واختلفا في
القيمة فالقول قول المالك مع يمينه} لخروجه عن الأمانة المقتضية لسماع قوله
وللمرسل (1) {وقيل: القول قول الغارم مع يمينه، وهو أشبه} بأصول المذهب
وقواعده، لأصالة البراءة والخروج عن الأمانة لا يخرجه عن حكم المنكر، ولذا كان
الحكم كذلك في الغاصب أيضا، ولم يثبت خبر صالح لمعارضته لقاعدة المدعي والمنكر
كما هو واضح. والله العالم.
المسألة {الثانية عشر: إذا مات المودع، سلمت الوديعة إلى الوارث، فإن
كانوا جماعة سلمت إلى الكل، أو إلى من يقوم مقامهم} بوكالة أو ولاية {ولو
سلمها إلى البعض، من غير إذن ضمن حصص الباقين} بلا خلاف ولا إشكال
والله العالم.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الوديعة الحديث - 7.
155

كتاب العارية
بتشديد الياء وقد تخفف نسبته إلى العار; أي العيب، أو العارة مصدر ثان
لأعرته، وعن بعض مأخوذة من عار يعير إذا جاء وذهب، ومنه قيل للبطل عيار،
لتردده في بطالته، سميت عارية لتحولها من يد إلى يد، وعن آخر أنها مأخوذة من
التعاور والاعتوار، وهو أن يتداول القوم الشئ بينهم.
{و} على كل حال ف‍ {هي عقد} يعتبر فيه إنشاء الربط بين الايجاب
والقبول، لا إيقاع يكفي فيه الإذن في الانتفاع من المالك، إذ هو حينئذ من
الإباحة التي منها الانتفاع بظروف الهدايا بالأكل ونحوه، مما جرت السيرة به،
وانتفاع الضيف في الدار والفرش والأواني ونحوها، لا العارية المزبورة، اللهم إلا
أن يقصد ذلك لضيف مخصوص، ويقبله فعلا أو قولا بهذا العنوان.
نعم هي على حسب ما سمعته في العقود اللازمة تقع بالايجاب والقبول اللفظيين
وهما العقد بالمعنى الأخص، وربما قيل: منه أيضا ما إذا كان القبول فعليا، وأما
إذا كانا فعليين أو كان الايجاب فعليا فهو من المعاطاة، بناء على مشروعيتها فيها
بدعوى السيرة المستمرة بعنوان العارية، وإن كان الأقوى أنها إباحة لا بعوض،
كما سمعته مرارا.
وأما احتمال أنها من العقد فلا ينبغي أن يصغى إليه، فمن الغريب دعوى
بعضهم أن الانتفاع بظروف الهدايا من العارية، لأنه انتفاع بملك الغير بإذنه وإن
لم يكن لفظ، بل بشاهد الحال، ضرورة عدم الاكتفاء بذلك في تحقق العارية من دون
إنشاء قصدها من الطرفين، وجواز الانتفاع بالإذن أعم منها كما هو واضح. وخصوصا
ما لو كان بطريق الفحوى القطعية أو بشاهد الحال.
156

ومن ذلك يظهر لك ما في التذكرة والروضة والرياض وغيرها خصوصا الأخير
منها، والإذن في الانتفاع بأعيان الصديق المفهوم من فحوى الإذن شرعا بالأكل من
بيته مع التسليم ليس من العارية قطعا، وإنما هو من الإباحة الشرعية على حسب
الحال في غيره من البيوت التي قد تضمنتها الآية (1) نعم قد يستفاد من ذلك التسامح
في عقد العارية التي ثمرته إباحة المنفعة التي اكتفى فيها بشاهد الحال ونحوه كما
أومى إليه الفاضل في التذكرة فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فقد ذكر المصنف في تعريفها أنها عقد {ثمرته التبرع بالمنفعة}
ويقرب منه ما وقع لغيره، ولكن قد ذكرنا غير مرة أن أكثر التعاريف للأصحاب في
أكثر المعاملات يشبه التعاريف اللغوية التي يراد منها التمييز في الجملة لاتمام الاطراد
والانعكاس.
فمن الغريب نقض طرد تعريف المصنف هنا بالسكنى والعمري والحبس
والوصية بالمنفعة وأغرب منه التزام الجواب عن ذلك بأنها في معنى العارية، وإن كانت
لازمة وغايته انقسام العارية إلى جائزة ولازمة كالإعارة للرهن، ضرورة كون هذه
العقود في الاصطلاح متباينة مختلفة اللوازم والصيغ، فادخال بعضها في بعض بمجرد
المشاركة في بعض الخواص اصطلاح مردود، هذا.
لكن في المسالك بعد أن ذكر ذلك قال: " ولو أضيف إلى ذلك قيد الجواز
فقيل: ثمرته التبرع بالمنفعة مع بقاء الجواز ونحوه خرجت هذه العقود، وبقيت
السكنى المطلقة، فإنه يجوز الرجوع فيها متى شاء السكنى كما سيأتي إن شاء الله،
وقد يلتزم فيها بأنها عارية لتحقق المعنى فيها مطلقا، ولا يقدح الصيغة، لأن العارية
لا تختص بلفظ، بل كل ما دل على تسويغ الانتفاع بالعين تبرعا والسكنى المطلقة
تقتضي ذلك، ولكن تبقى العارية اللازمة خارجة، فيحتاج إدخالها إلى قيد آخر أو
التزام جواز الرجوع فيها بالنسبة إلى المستعير وإن لم يؤثر بالنسبة إلى المرتهن،
وتظهر الفائدة في وجوب السعي على الراهن وتحصيلها بما أمكن، ووجوب المبادرة

(1) سورة النور الآية 61.
157

إلى ردها عند الفك على الفور بالمطالبة السابقة، ولو قلنا أنه لا أثر لها، وأنها لازمة
من طرفه مطلقا، انتفت هذه اللوازم، والأول ليس ببعيد من الصواب "
وهو كما ترى من غرائب الكلام، خصوصا بعد اعترافه بالمباينة بين هذه العقود
مفهوما، والجواز واللزوم إنما هما أمران خارجان، ومن المعلوم أن مفهوم الرقبى
والسكنى والعمرى واحد، وأن الاختلاف إنما هو في التقييد والاطلاق، فلا فرق في
المباينة بين السكنى وغيرها، خصوصا على القول باقتضاء الملك للمنفعة كما عن الشيخ
التصريح به، على أن التحقيق في الفرق بين كثير من أفراد مفاهيم المعاملات بالقصد
الذي هو المشخص في اندراج الفرد في مفهومه، نحو تشخيصه الفعل المشترك، إذ ليس
فرق في العقد بين الصلح عن العين الجامعة لشرايط البيع مثلا، وبين بيعها بالنسبة
إلى إنشاء قصد النقل بعوض معلوم في كل منهما إلا بقصد الصلحية أو البيعية أو البيعية المدلول
عليها بذكر الصيغة أو غيره من القرائن، وكذا بالنسبة إلى الفرق بين الصلح على
المنفعة التي تتعلق بها الإجارة، وبين عقد الإجارة، وكذا ما نحن فيه، فإن قصد
السكنى والعارية كاف في تشخيص كل منهما بعد تباينهما ذاتا، كتباين الصلح والبيع
فالتزام كون السكنى عارية لمشاركتها لها في الجواز لا ينبغي صدوره من مثله، كما
لا ينبغي صدور الجواب عما أورده على نفسه من العارية اللازمة الذي لا يتم في نحو
عارية الدين، وإنما التحقيق فيه أن بناءها على الجواز الذي لا ينافيه عروض اللزوم
من جهة أخرى، كتعلق حق الغير ونحوه، كما لا ينافي لزوم البيع عروض الجواز له
بسبب من أسباب الخيار.
وبذلك وغيره مما ذكرناه هنا وفي غير المقام تعرف ما في جملة من كلام الأعلام
حتى ما أورده بعضهم هنا على التعريف بأنه ينتقض بأعرتك حماري مثلا لتعيرني فرسك،
لعدم التبرع فيه، إذ هو كما ترى، ضرورة أنه إذا فرض إرادة العوضية فيه على وجه
ينافي التبرع لم يكن عارية صحيحة، وإلا فلا ينافي التبرع {و} ستسمع تحقيق
الحال فيه إن شاء الله في آخر كتاب العارية كما أن منه أيضا ظهر لك أن عقدها {يقع
بكل لفظ يشتمل على الإذن في الانتفاع} بعنوان العارية من طرف الموجب، ويدل
158

على قبول ذلك من طرف القابل، وأما معاطاتها فبغير ذلك، إلا في صورة فعلية القبول
ولفظية الايجاب، فقد عرفت احتمال كونها من العقد أيضا، وتقدم في الوديعة
ما يزيدك تحقيقا في المقام.
{و} كيف كان فهذا العقد {ليس بلازم لأحد المتعاقدين} بلا خلاف معتد به
أجده، بل لعل الاجماع بقسميه عليه، من غير فرق بين الموقت وغيره، خلافا
للمحكى عن ابن الجنيد من الحكم باللزوم من طرف المعير في إعارة الأرض القراح
مدة للغرس أو البناء، ولا ريب في ضعفه.
نعم قد استثنى من ذلك مواضع، منها: العارية للرهن التي قد تقدم بعض الكلام
فيها آنفا وفي كتاب الرهن، ومنها: عارية الأرض لدفن الميت المسلم ومن في حكمه التي
سيذكرها المصنف، ومنها: ما يترتب على الرجوع بها ضرر لا يستدرك كعارية اللوح
للسفينة في لجة البحر المستلزم رجوعه للغرق للأنفس والأموال، ومنها: عارية
الحائط لوضع طرف الخشبة عليه المثبت طرفها الآخر في ملك المستعير مثلا، ومنها
عارية الأرض للزرع، ومنها: عاريتها للبناء والغرس مدة معلومة.
إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء امتناع فسخ الارتهان الواقع
بإذن المالك، وحرمة النبش والاضرار بالغير برجوع العين لزوم العقد، ضرورة إمكان
بقاء العقد على الجواز، وتحقق الانفساخ وإن منع مانع خارجي من رد العين إلى
مالكها، كما لو فرض في بعض أمثلة الإجارة التي فسخت بتقايل أو خيار أو نحو ذلك
فإنه لا إشكال في تحقق الفسخ حينئذ، وإن منع من رد العين مانع آخر وربما ترتب
له الإجارة في بعض الأفراد، وبالجملة إن دعوى لزوم عقد العارية في الأمثلة المزبورة -
على وجه تكون به كغيره من العقود اللازمة لهذه التعليلات المذكورة في كلامهم من
عدم فسخ عقد الرهن وحرمة النبش والاضرار ونحو ذلك مما لا مدخلية له، بعد
التسليم في البعض، إلا في عدم رد العين - واضحة الفساد، ولعله لذا أطلق المصنف وغيره
جواز هذا العقد من غير استثناء لهذه الأفراد حتى من معقد الاجماع مع ذكر المصنف حكم هذه الأفراد فيما يأتي، لكن لا بعنوان دعوى لزوم عقد العارية فيها فلاحظ
159

وتأمل إذ يمكن إرادة مدعى اللزوم فيها أو في بعضها عدم السلطنة على استرداد العين
وتفريغها مما فيه، لوجود المانع منه، لا إرادة لزوم نفس العقد، وبهذا الاعتبار
استثناه، بل لعل ذلك مقطوع به، إذا احتمال أن لهم دليلا على اللزوم لم يصل إلينا
في غاية البعد، خصوصا بعد تصريحهم بالاستدلال على اللزوم بما عرفت مما لا يقتضي
لزوم العقد والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {الكلام في فصول أربعة}.
{الأول: في المعير ولا بد أن يكون مكلفا جائز التصرف فلا يصح إعارة الصبي
ولا المجنون} لما لهما لسلب عبارتهما وفعلهما في المعاملات، وكذا لا يصح إعارة المحجور
عليه لفلس أو سفه، بناء على عدم جواز مثل هذا التصرف لهما، وكان الأولى الاستغناء
بجواز التصرف عن التكليف الذي اقتصر المصنف في التفريع عليه، والأمر سهل.
إنما الكلام في قول المصنف {ولو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة
المصلحة} كالمحكي عن الإرشاد، وإنما تصح من جائز التصرف ولو أذن الولي
للطفل صح أن يعير مع المصلحة، وفي التحرير واللمعة وغيرهما " يجوز للصبي أن يعير إذا
أذن له الولي " وعن التحرير تقييده بالمميز فإن الإذن لا يجعل المسلوب غير مسلوب
كما هو مفروغ منه في غير المقام، وكون العارية من العقود الجائزة لا يقتضي ذلك، وإلا
لجازت مضاربته ووكالته بإذن الولي.
ودعوى كون الإذن من المالك بمنزلة الايجاب منه لأن المدار في العارية على
رضا المالك وهو الولي هنا - يدفعها عدم الفرق حينئذ بين المميز وغيره، بل وبينه
وبين المجنون، بل بين هذا العقد وغيره من العقود الجايزة، بل وبينه وبين المعاطاة
في البيع وغيره، ضرورة رجوع ذلك إلى كون الصبي حينئذ آلة والايجاب والانشاء
بفعل الولي الذي هو الإذن، وإرسال الصبي ونحو ذلك.
نعم ينبغي اعتبار قصد الولي إنشاء الايجاب بذلك، وهو خلاف ظاهر العبارات
السابقة المبني على اختصاص العارية بهذا الحكم، ولو بجعل إذن الولي وأمره فعل
160

الصبي فعلا للولي، كما جعل أمره له بأفعال الحج موجبا للصحة في الجملة، إلا
أن ذلك متوقف على دليل اختصاص العارية بذلك، ولعله للسيرة المعتضدة بهذه
الكلمات من الأصحاب، وإرسالهم إرسال المسلمات ولكن ينبغي حينئذ اختصاص
ذلك بإذن الولي في عارية ماله مثلا أما توليتها عن غيره فلا يجوز، ولعله لذا
أطلق المصنف متصلا بما سمعته من الكلام السابق {وكما لا يليها} أي العارية
{عن نفسه كذا لا يصح ولايته عن غيره} لما عرفت من سلب قوله وفعله في ذلك،
حتى مع إذن الغير الذي هو المالك، بل ومع الإذن من الولي أيضا، بناء على
اختصاص السيرة بعارية ماله بإذن الولي دون مال غيره، اللهم إلا أن ينزل ذلك
من المصنف بقرينة ما تقدم له على حال عدم الإذن من الولي، أما معها فلا فرق،
وحينئذ يتجه تعميم الحكم، لكن الانصاف عدم خلو المسألة من إشكال حتى
في الأول.
الفصل * (الثاني في المستعير) *
ولا بد أن يكون مكلفا فلا يصح استعارة الصبي والمجنون، لما عرفت من
سلب عبارتهما وفعلهما، فلو استعارا ففي ضمانهما ما تقدم في الوديعة، بل لا بد أن
يكون معينا أيضا، فلو قال: أعرت أحد هذين لم يصح، للأصل بعد قصور تناول
الأدلة لمثل ذلك.
نعم لو أريدا من ذلك وقبلا معا، أمكن الصحة، كما لو قال: أعرت كتابي هذا
لهؤلاء العشرة وقبلوا جميعا، فإنه يصح بالنسبة إلى كل منهم، بمعنى أن له الانتفاع
مستقلا، إذا لا مانع من إجراء حكم المستعير على كل منهم، فإن العارية قسم من
الإباحة الصالحة لذلك، فيحمل عليه، إلا أن يصرح بإرادة الاجتماع، وهكذا
في غيره من العقود التي تقبل ذلك.
نعم في مثل البيع والإجارة ونحوهما مما لا يقبل ثمرته الانتقال لكل منهما،
لعدم معقولية ملك كل منهما لتمام المبيع وتمام المنفعة، ينزل على الشركة، بخلاف
161

ما نحن فيه.
وعلى كل حال فلا إشكال في صحة العارية في الفرض، لعموم الأدلة، بل في
التذكرة، تصح العارية لغير المحصور من العدد، نحو كل الناس، وأي أحد من
الأشخاص، ومن دخل الدار لأن الكلي معين، وإن لم يكن عاما كأي رجل وأي
داخل، بخلاف أحد الشخصين أو الأشخاص، فإنه مجهول ".
وإن كان قد يناقش بمنع تحقق العقدية أو ما في حكمها من المعاطاة بمثل
ذلك، ضرورة عدم قصد الربط بين الايجاب والقبول من الجانبين، وليست العارية
حينئذ إلا إباحة، على أنه قد صرح في موضع منها بالفرق بين من بسط بساطا
مخصوصا لضيف مخصوص، وبين من كان له بساط معد لمن يأتيه من الضيوف، فجعل
الأول عارية، والثاني إباحة، لعدم قصد انتفاع شخص بعينه، وعدم اعتبار المقارنة
بين الايجاب والقبول في العارية لا يقتضي جوار ذلك في الوكالة والوديعة وغيرهما
على جهة تحقق عقدها بذلك.
{و} كيف كان ف‍ {له} أي المستعير {الانتفاع بما جرت العادة به في
الانتفاع بالمعار} فإنها المرجع في نوعه وقدره وصفته، فلو أعاره بساطا اقتضت
فرشه، أو لحافا التغطية به، أو حيوانا للحمل، اقتضت تحميله القدر المعتاد بالنسبة
إلى ذلك الحيوان وذلك المحمول، وذلك الزمان، وذلك المكان، ولو تعددت منفعة
العين ولم يكن ثم انصراف إلى بعضها فإن عين نوعا منها تعين، وإن عمم جاز
الانتفاع بجميع الوجوه، بل لعله كذلك مع الاطلاق أيضا على الأقوى، وفاقا
للمسالك ما لم تكن قرينة على خروج البعض.
{ولو نقص من العين شئ أو تلفت بالاستعمال من غير تعد لم يضمن}
وإن كان هو مباشر التلف أو كان سببا فيه {لا أن يشترط ذلك في العارية} بناء
على اعتبار مثل هذا الشرط، للنص والاجماع على ما يشبهه كما تعرفه إن شاء الله،
ولعل الوجه في ذلك واضح، لأنه استعمال مأذون فيه، وبناء العارية على النقص
بالاستعمال.
162

وقول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (1) المسؤول فيه عن العارية " لا غرم
على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا " ولعله لذا قطع به المصنف من دون
نقل قول، هذا.
ولكن في المسالك " ما قطع به المصنف هو أصح القولين، وفيه وجه آخر،
وهو ضمان المتلف في آخر حالات التقويم، لأن الظاهر عدم تناول الإذن للاستعمال
المتلف، وإن كان داخلا في الاطلاق. نعم لو كان قد شرط الضمان في العارية ضمن،
وسيأتي الكلام فيه.
ونحو ذلك وقع له في الروضة عند شرح قول الشهيد في اللمعة " ولو نقصت
بالاستعمال لم يضمن " قال: " وتقييده بالنقص قد يفهم منها أنها لو تلفت به ضمنها
وهو أحد القولين في المسألة، لعدم تناول الإذن للاستعمال المتلف عرفا، وإن دخل
في الاطلاق، فيضمنها آخر حالات التقويم، وقيل لا يضمن أيضا كالنقص، لما ذكر من
الوجه، وهو الوجه "
والظاهر أن الذي أوقعه في ذلك المحقق الثاني، فإن الفاضل في القواعد قال
" ويجب رد العين مع الطلب والمكنة، فإن أهمل ضمن، ولو تلف بالاستعمال كثوب
انمحق باللبس فاشكال ينشأ من استناد التلف إلى مأذون فيه، ومن انصراف الإذن
غالبا إلى استعمال غير متلف، فإن أوحينا، ضمن بالقيمة آخر حالات التقويم،
وكذا لو اشترط الضمان، فنقصت بالاستعمال ثم تلفت، أو استعملها ثم فرط، فإنه
يضمن القيمة يوم التلف، فإن النقص غير مضمون على اشكال، وللمستعير الانتفاع
بما جرت العادة، فلو نقص من العين شئ أو تلفت بالاستعمال فلا ضمان إلا أن
يشترط ذلك في العارية ".
فقال في شرحه: " لا يخفى أن هذا مناف لما سبق في كلامه من الاشكال في
كل من المسألتين، ولو حملت العبارة السابقة على استعمال غير مأذون فيه، وهذه على

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام العارية الحديث 3.
163

مأذون فيه لم يتجه الاشكال، بل يتعين الضمان قطعا ولو حملت هذه العبارة على أن
الباء التي في قوله بالاستعمال بمعنى مع، فيكون التلف لا بسبب الاستعمال لا ندفع
التنافي، إلا أنه بعيد عن الظاهر ".
وقال في شرح العبارة السابقة " الذي يقتضيه النظر أن الاستعمال المتلف متى
كان بحيث يتناوله عقد العارية لا يستعقب ضمانا " واختاره في التحرير وفيه قوة.
نعم لو شك في تناول اللفظ إياه فالضمان قوي، ولا أستبعد أن يكون من
صور الثاني ما لو أذن له بلبس الثوب ولم يزد، بخلاف ما لو أذن في كل لبس، أو
في لبسه دائما، لأن إذنه في لبسه في الجملة لا تقتضي الإذن في كل لبس ".
قلت: لعل التأمل الجيد تقتضي أن هنا مقامين.
أحدهما: النقص والتلف الواقعان بسبب الاستعمال المعتاد، ولو من جهة
الاتفاق في مثل تلك العين، كما لو استعار دابة للركوب أو الحمل، ولم يزد على
المعتاد، واتفق تلفها بنفس ذلك الاستعمال، لعثرة أو نحوها، وهذا هو المناسب للقطع
بعدم الضمان فيه، للنص والفتوى.
الثاني: التلف بالاستعمال بسبب استدامة واستمراره المقتضي لاستيفاء عمره
بالنسبة إلى ذلك العين، وهذا هو المناسب للاشكال في الضمان به، باعتبار اقتضاء
إطلاق عقد العارية تناوله، وعدمه إلا مع التصريح، ولعل الضمان به حينئذ وجيه
كما أوضحه المحقق الثاني، وبذلك ظهر لك الفرق بين المقامين، ووجه الجزم من
المصنف والفاضل وغيرهما بعدم الضمان في الأول منهما، بخلاف الثاني الذي قد ذكر
مثاله الفاضل بقوله كثوب انمحق باللبس فتأمل جيدا، فإن التحقيق في المسألة
ذلك، وإن أبيت عن قبول تنزيل بعض العبارات عليه، والله العالم.
{و} كيف كان فيعتبر في المستعير إثبات سلطنته على العين المستعارة ف‍
{لا يجوز للمحرم أن يستعير من محل صيدا، لأنه ليس له إمساكه} بل يجب
عليه إرساله {و} حينئذ ف‍ {لو} أثم و {أمسكه} ثم أرسله {ضمنه وإن لم
يشترط عليه} ذلك في العارية، ووجوب ذلك عليه لا ينافي ضمانه لمالكه، وإن
164

أقدم على إعارته لمن يكون تكليفه إتلافه بالارسال، فإن ذلك لا يقتضي ذهاب حرمة
ماله، كما لا يقتضي ابطال سببية الضمان الحاصلة من عموم قوله (1) " من أتلف مال
غيره فهو له ضامن " وعدم الضمان بالعارية الفاسدة لقاعدة عدمه في الصحيح منها مع
تسليمها في صورة العلم إنما تتم في التلف بغير تفريط لا الاتلاف، ودعوى - عدمه في
المقام أيضا باعتبار كون تكليفه ذلك - يمكن منعها أولا: لامكان دعوى وجوب
تسليمه إلى صاحبه، ترجيحا لحق المخلوق على حق الخالق، وثانيا: بعد تسليمها
بمنع ما دل على عدم ضمان العارية في الفرض، لا أقل من الشك، فيبقى عموم من
أتلف، وأصالة احترام المال بحاله.
وعلى كل حال فمن ذلك ظهر لك أنه لا وجه للاشكال في الجزم بالضمان من
المصنف والفاضل وغيرهما بعدم الدليل عليه " لقاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن
بفاسده " ضرورة كون المراد الضمان في الفرض المزبور، لا ما إذا تلفت في يده من
غير تفريط فيه، كي يتوجه عليه الاشكال المزبور، وإن كان اطلاقهم يوهم ذلك،
لكن من المعلوم إرادتهم الفرد الذي ذكرناه، فإنه الموافق لذكر مسألة المحرم
بخصوصه.
{ولو كان الصيد في يد محرم فاستعارة المحل} أي أخذه بصورة العارية
{جاز} أخذه للمحل للأصل و {لأن ملك المحرم زال عنه بالاحرام} فأخذه
حينئذ منه {كما يأخذ من الصيد ما ليس بملك} فيملكه حينئذ بالاستيلاء أو مع
نية الملك على الوجهين في تملك المباح، وحرمة الدفع إلى المحل على المحرم
لتعين الارسال عليه لا ينافي جواز الأخذ للمحل، وليس هو من الإعانة على
المحرم قطعا، وإن وجب الفداء على المحرم مع التلف في يد المحل، وبذلك يرتفع
دعوى التساهل في عبارة المصنف، مع أن الأمر سهل بعد وضوح المقصود، وهو
إرادة الفرق بين صورة العارية من المحل للمحرم، وبالعكس كما هو واضح
والله العالم.

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار.
165

{ولو استعار} مستعير {من الغاصب وهو لا يعلم} بغصبه {كان} قرار
{الضمان} للمنفعة الفائتة {على الغاصب} لغروره {و} إن كان {للمالك}
أيضا {إلزام المستعير بما استوفاه من المنفعة} أو فاتت في يده لعموم " من أتلف (1) "
و " على اليد " (2) كما هو المشهور بين الأصحاب في المقام، وفي الغصب عند ذكر حكم
الأيادي المترتبة على يد الغاصب.
{و} لكن {يرجع} المستعير {على الغاصب لأنه أذن} له في استيفائها
بغير عوض} وعلى ذلك أقدم، فهو غار حينئذ له، فيرجع حينئذ عليه لقاعدة " المغرور
يرجع على من غره " {والوجه} عند المصنف والفاضل {تعلق الضمان بالغاصب
حسب} فليس له حينئذ رجوع على المستعير، لأنه أقوى في الاتلاف، وإن حصل في
يد غيره، إلا أنه لما كان جاهلا مغرورا، والغاصب عالما غارا، صار هو أولى في نسبة
الاتلاف، {وكذا لو تلف العين في يد المستعير} ولم تكن مضمونة عليه، بل قيل
إن الرجوع ظلم محض، لأنه جاهل، إلا أن ذلك كما ترى لا يقتضي عدم الرجوع
على المستعير، لقاعدة اليد، والاتلاف، وقول علي في المرسل (3) وخبر إسحاق بن
عمار (4) عن أبي عبد الله عليه السلام، وأبي إبراهيم عليه السلام " إذا استعيرت عارية بغير إذن
صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن " وإنما يتوجه له الرجوع بقاعدة الغرور، وهو لا ينافي أصل ضمانه، اللهم إلا أن يقال: إن قاعدة " ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " تقتضي ذلك، ولعلها المدرك للمصنف وغيره في الحكم بعدم الضمان، لا
ما في المسالك من الأول.
ومن الغريب ما فيها من موافقته على جريانها في المقام حتى استدل بجزء
الاثبات منها على ضمان الجاهل في العارية المضمونة مع إنكاره على المصنف الحكم

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار.
(2) المستدرك ج 2 ص 504.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب كتاب العارية الحديث 11.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب كتاب العارية الحديث 1.
166

بعدم الضمان.
نعم يمكن الرد على المصنف بإنكار الدليل عليها في المقام، إذ من المعلوم
أن المسلم من هذه القاعدة ما وافق الأدلة منها، ضرورة عدم دليل بالخصوص عليها
وليس الفاسد من حيث كونه فاسدا يترتب عليه ما يترتب على الصحيح، بل مقتضى
فساده عدم ترتب أثر الصحيح عليه، كما هو واضح. وليس في الأدلة ما يوافق مضمونها
بل قد عرفت أن قاعدة اليد وعموم من أتلف والمرسل والخبر الضمان، وإن اقتضت
قاعدة الغرور، الرجوع على الغاصب، ودعوى الاجماع عليها معلومة الفساد في
المقام، إذ المشهور بين الأصحاب الضمان هنا مع الجهل، وإن رجع بقاعدة الغرور
كدعوى عموم ما ما دل على عدم الضمان بالعارية للمقام، لأنها اسم للأعم من الصحيح
والفاسد، ضرورة تخصيص العموم بالخبر والمرسل السابقين المعتضدين بالشهرة بين
الأصحاب التي هي المرجحة أيضا لعموم من أتلف وعلى اليد عليه، بل قد يدعى
انسياق الصحيح من أكثر هذه الأحكام فلا تعارض حينئذ، ومن ذلك وغيره يعلم عدم
كون المقام فردا من القاعدة المزبورة، أو خارجا عنها، كحال العلم للمستعير الذي
أشار إليه بقوله.
{أما لو كان عالما كان ضامنا، ولم يرجع على الغاصب} بشئ لعدم غروره
{و} لأنه غاصب، بل {لو أغرم} المالك {الغاصب} المعير حيث أن له
الرجوع عليه {رجع} هو {على المستعير} الذي استقر الضمان عليه بحصول
التلف عنده مع عدم غروره، بل الظاهر أنه يرجع عليه أيضا بقيمة العين لو رجع
عليه المالك وإن كان جاهلا، إذ كان قد أقدم على العارية مضمونة باشتراط الضمان
أو كانت ذهبا أو فضة، لعدم غروره حينئذ، بل هو كذلك لو صدر منه ما يقتضي الضمان
من تعد أو تفريط.
نعم لا يرجع عليه المالك بعوض المنافع التي استوفاها المستعير بعنوان العارية
لو رجع عليه المالك، لاقدامه عليها مجانا، بل هو يرجع على المعير الغاصب لو
رجع المالك عليه بها لقاعدة الغرور.
167

لكن قد يناقش بما عرفت من ظهور أدلة ضمان العارية المشترط فيها الضمان
وإذا كانت ذهبا أو فضة في الصحيح منها، أما الفاسدة فلا يترتب على الشرط فيها
ولا على كونها ذهبا وفضة ضمان من هذه الجهة، وإنما يترتب الضمان بقاعدة اليد،
والخبرين السابقين، وحينئذ رجوع المعير عليه بقيمة العين باعتبار صيرورتها
عوضا شرعا عما أداه عنها برجوع المالك عليه، والفرض عدم الغرور منه.
لا يقال: - إن ذلك يقتضي رجوع المستعير على المعير أيضا لو رجع عليه
المالك في العارية المضمونة وإن لم يكن ثم غرور، لكنه بأدائه قيمة العين المضمونة
عليه للمالك، نحو ما سمعته في رجوعه عليه - للفرق الواضح بينهما، بحصول التلف
في يده الذي هو سبب في شغل ذمته بالقيمة للمالك، بخلاف الأول المخاطب في
الحقيقة برد العين أو قيمتها ممن هي في يده، إذ لا وجه لخطابهما بقيمتين، والبدلية
المتشخصة بالخيار لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، فليس حينئذ إلا ما ذكرنا
من كون القيمة في ذمة من حصل التلف في يده، والآخر مخاطب بارجاع ذلك منه
وإلا فبالغرامة عنه، فإذا أدى صار ما في ذمته له عوضا شرعيا، إذا لا وجه لملك
الغاصب، فقام الإذن الشرعي بالأداء عنه مقام الإذن منه بذلك، بخلاف ما لو أدى هو
فإنما يؤدي عن نفسه، وبذلك اتضح وجه الرجوع على من حصل التلف في يده من
ذي الأيدي المتعاقبة دونه، إلا إذا كان مغرورا، فإنه يستحق الرجوع بما يغرمه
بقاعدة " المغرور يرجع على من غره ".
وبذلك اتضح لك هنا رجوع المعير على المستعير العالم لو رجع عليه، دونه
وكذا الجاهل بالقيمة إذا كانت العين مضمونة عليه إذ المسألة فرد من أفراد مسألة
تعاقب الأيدي فتأمل جيدا، فإنك لا تجد تحقيق ذلك في غير هذا كتاب، بل هو
التحقيق في أطراف المسألة.
ومنه يعلم التشويش في جملة من كلماتهم، خصوصا ما يحكى عن تذكرة الفاضل
في تذنيب ذكره من أنه " لو استعار من غير المالك عالما أو جاهلا ضمن، واستقر الضمان
عليه، لأن التلف حصل في يده، ولا يرجع على المعير، ولو رجع المالك على المعير
168

كان للمعير الرجوع على المستعير " إذ هو كما ترى مناف لقاعدة الغرور في الجاهل.
وكذا ما حكاه في المسالك، عنها وعن القواعد في مسألة المستعير من
المستعير، من إطلاق الاشكال في رجوع المستعير على المعير لو رجع المالك عليه مطلقا، وفي رجوع
المعير على المستعير الجاهل، مع حكمه في المستعير من الغاصب بخلاف ذلك، فإنه
لا يخفى عليك ما في ذلك، ولا ما في الذي ذكره في المسالك وغيرها هنا من الدليل، بعد
الإحاطة بما ذكرناه الذي هو من فصل الخطاب المودع عند أئمة أولي الألباب، والله
الهادي إلى الصواب.
الفصل * (الثالث، في العين المستعارة) *
وضابطها المستفاد من الفتوى ومعقد الاجماع ونفي الخلاف {و} الاقتصار
على المتيقن من إطلاق النص، عدا ما خرج من المنحة بدليله {هي كل ما يصح
الانتفاع به} شرعا {مع بقاء عينه} منفعة معتدا بها عند العقلاء، ولو غير معتادة
من تلك العين {كالثوب والدابة} والدار والدراهم للتزين بها، أو لارهانها و
نحوها، لا مثل الأطعمة والأشربة ونحوهما لإرادة الانتفاع بها بالأكل والشرب
ونحوهما، مما يكون منفعة باتلاف عينه، ولا مثل أواني الذهب والفضة، للأكل و
الشرب، وكلب الصيد للهو والطرب، والجواري للاستمتاع بهن، بلا خلاف ولا
إشكال في شئ من ذلك.
نعم في الرياض " إلا في المقصود بقولهم لا يجوز إعارة ما لا يمكن الانتفاع به
إلا باتلافه فإنه غير واضح إن ظهر من المعير الرضا باتلاف العين بقوله أعرتكه مع
القرينة، فإن المعيار في جوازه هو رضاه به، وقد حصل في محل الفرض، وإن هو
إلا كالهبة والإباحة، وإن عبر عنهما بلفظ العارية، ولا مدخل للفظ الفاسد معناه
في اللغة والعرف.
نعم حيث لا يعلم الرضا بالاتلاف إلا به، اتجه ما ذكروه، لاشتراط استفادته
169

منه بدلالته عليه، ولو بالالتزام، ودلالة لفظ العارية بمجردة على الاتلاف فاسدة،
لعدم استنادها إلى عرف أو لغة، لأن وضع العارية فيها بحكم الوضع والتبادر إنما
هو لما لا يتم الانتفاع به إلا مع بقاء عينه، ولعل هذا هو مراد الأصحاب.
قلت يمكن إن يكون مرادهم ترتب الضمان على الاتلاف المزبور، وإن كان
بالإذن، إلا أنها بعنوان العارية، زعما منه عموم موضوعها أو تشريعا، ودعوى - كونه
هبة أو إباحة وإن كان الدفع بهذا العنوان - واضحة البطلان، إلا أن ينصب قرينة
على إرادتهما من اللفظ المزبور، وقد ذكرنا سابقا أن كثيرا من أفراد العقود يميزها
القصد، فمتى وقع منه بهذا العنوان، والفرض عدم كونه فردا منه لم يجر عليه شئ
من حكمه، بل يجري عليه ما تقتضيه القواعد في مثله.
نعم قد يتوقف في ضمانه من غير تعد. ولا تفريط من قاعدة " ما لا يضمن
بصحيحه لا يضمن بفاسده " ومن خروجه عن أصل موضوع العارية حتى الفاسد، و
لعل الأخير هو الأقوى في النظر.
{و} كيف كان فلا إشكال في أنه {تصح استعارة الأرض للزراعة والغرس والبناء
و} لكن {يقتصر المستعير على القدر المأذون فيه} كما هو صريح المسالك والروضة
وغيرهما، وظاهر الدروس واللمعة، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه
فلا يجوز التعدي إلى الأدنى فضلا عن المساوي.
{وقيل} كما عن المبسوط والغنية والسرائر {يجوز أن يستبيح ما دونه
في الضرر} لا ما فوقه {كأن يستعير أرضا للغرس فيزرع} فيها لا العكس، بل
عن الأول نفي الخلاف فيه بل في القواعد وعن التذكرة والتحرير التصريح بجواز
المساوي أيضا، بل عن جامع المقاصد ظاهر كلامهم أن الحكم بذلك إجماعي.
{و} لكن لا ريب في أن {الأول أشبه} بأصول المذهب وقواعده، المقتضية
عدم جواز التعدي عن غير المأذون، وإن كان أدون أو مساويا، بعد فرض عدم حضوره
في الذهن عند الإذن، ودعوى الانتقال إليه من الإذن في المعين للمساواة أو الأولوية
واضحة المنع، فإن المساواة في الانتفاع بالنسبة إلى الأرض أو الدون لا تقتضي المساواة
170

في الإذن كما هو واضح.
نعم لو أريد من التعيين التقدير في الإذن في المنفعة ولو بالقرينة اتجه حينئذ
التخطي، وإلا فلا، من غير فرق بين المساوي والأدنى، فما في الرياض - من الفرق
بينهما بالأولوية في الثاني دون الأول - واضح المنع.
نعم قد يعلم من الفحوى الإذن في بعض المنافع، لكن ذلك لا يدخلها في العارية
إلا إذا كانت ولو بالقرينة من حيث الإعارة للمنفعة المعينة في العقد على إشكال،
بخلاف الفحوى من غير ذلك، إذ هو حينئذ كغيره من الأعيان المتناولة بالفحوى،
وكان هذا هو السر في اشتباه بعض الأعلام في المقام، والله الحافظ من زلل الأقدام و
الأقلام هذا كله مع الاطلاق، وإلا فلا إشكال في عدم الجواز مع النهي.
وعلى كل حال فلو تعدى وفعل الأضر فعليه الأجرة للمالك تامة على الأقوى
بمعنى أنه لا يسقط منها ما قابل قدر المأذون فيه من المنفعة، للأصل السالم عن المعارض
من غير فرق في ذلك بين الخالفة للنهي، أو للاطلاق المفروض عدم تناوله.
لكن في القواعد " ولو أذن في زرع الحنطة تخطى إلى المساوي والأدون، لا
الأضر، ولو نهاه حرم، وعليه الأجرة لو فعله، والأقرب عدم اسقاط التفاوت مع
النهي، لا الاطلاق " وفيه أن التخطي في الحالين غير مأذون فيه، أقصاه أنه في
إحداهما نص على المنع وفي الأخرى جاء المنع من أصل الشرع، فهو كمن استوفى
منفعة ملك غيره بغير إذنه، أو مع نهيه بالنسبة إلى استحقاق الأجرة.
اللهم إلا أن يقال: إنه مع النهي يحصل تقييد المنفعة المأذون بغير المنهي
عنها، أما مع الاطلاق فله استيفاؤها في ضمن أي فرد، ولو ما لا يدخل في المطلق،
إلا أنه يضمن حينئذ الزايد عليها، لكنه كما ترى.
نعم لو أذن له في تحميل دابة قدرا معينا فزاد عليه ضمن أجرة الزايد قطعا. و
تسقط أجرة قدر المأذون، كما صرح به غير واحد، بل قطع به بعضهم، ومثله
لو زرع المأذون وغيره، وما لو ركبها وأردف غيره، مع أن السقوط لا يخلو أيضا
171

من نظر، ضرورة ظهور تقييد الإذن في الأقل بعدم دخوله في ضمن الأكثر، فيستحق
حينئذ أجرة الجميع، والأولى جعل المدار على ما يفهم من العبارة، ولعله مختلف
والأصل اختصاص الغرامة بالزايد، وهو مراد الجماعة والله العالم.
{وكذا يجوز استعارة كل حيوان له منفعة كفحل الضراب} وإن استلزم
اتلاف عين مائه، إلا أنه من التوابع للنزو وادخال الفرج ونحوهما التي لا تقدح،
أو علم بالسيرة جوازها، {والكلب والسنور} وغيرها من الحيوانات المملوكة
وإن لم يكن لها منفعة يصح التكسب بها، ضرورة وضوح الفرق بين سفه التكسب
والإباحة بلا عوض {والعبد للخدمة، والمملوكة ولو كان المستعير أجنبيا منها}
وكانت شابة جميلة، بلا خلاف أجده فيه عندنا، خلافا لبعض العامة، فمنع عارية
الشابة الجميلة لمن لا يوثق به، لبعض الوجوه الاستحسانية التي ليست من مدارك الأحكام
الشرعية عندنا.
نعم قيل: يكره إعارتها للأجنبي، وتتأكد إذا كانت حسناء خوف الفتنة، بل
عن التذكرة وغيرها تأكدها في الشابة لمن لا يوثق به، كما صرح غير واحد كراهة
استعارة الأبوين للخدمة، وبالاستحباب للرفاهية، والأمر سهل.
{و} لا خلاف ظاهرا كما اعترف به بعضهم في أنه {يجوز استعارة الشاة
للحلب وهي} المسماة ب‍ {المنحة} بل عن بعض متأخري المتأخرين الاجماع عليه
وهو إن تم كان الحجة في مخالفة الضابط السابق، لا الأصل المقطوع بما سمعت،
ولا تسلط الناس على أموالها الذي لا يقتضي مشروعية العارية، ولا كونه كالوكالة في
الانتفاع، ولا الحاجة إليها كي يناسب شرعها سهولة الملة وسماحتها، ولا غير ذلك
مما ذكر في كلام بعض متأخري المتأخرين مما لا يصح لاثبات مشروعيتها عارية المنافي
للضابط السابق، بناء على أن المنفعة إذا كانت عينا لا تدخل، وإن سميت منفعة و
صح تسبيلها في الوقف، إلا أن مورد الإجارة والعارية ما ليس بعين من المنافع إلا ما خرج
بالدليل، للاجماع بحسب الظاهر على ذلك، ولأنه المتيقن من النص والفتوى
172

وحينئذ فلا بد لعارية المنحة من دليل، وليس إلا الاجماع إن تم، إذ لم نجد في شئ
من نصوصنا الدالة عليها.
نعم في التذكرة الاستدلال عليها بما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) " العارية مؤداة، و
المنحة مردودة، والدين يقضى، والغريم غارم " وهو مع أنه من طرق العامة لا دلالة
فيه إلا على مشروعية المنحة التي يمكن استفادتها من السيرة المستقيمة أيضا، وهو
لا يقتضي كونها عارية، بل لعله ضرب من الإباحة، بل لعل الخبر المزبور ظاهر في
كونها ليست من العارية، وأغرب من ذلك الاستدلال عليه بحسن الحلبي عن الصادق
عليه السلام (2) " في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سنة شيئا معلوما أو دراهم
معلومة من كل شاة كذا وكذا قال: لا بأس بالدراهم ولست أحب أن يكون بالسمن "
وصحيح ابن سنان (3) " سأله أيضا عن رجل دفع إلى رجل غنمه بسمن ودراهم
معلومة، لكل شاة كذا وكذا في كل شهر، قال: لا بأس بالدراهم وأما السمن فما
أحب ذلك إلا أن تكون حوالب فلا بأس بذلك " بتقريب أنه إذا جاز مع العوض
فبدونه أولى، إذ هو كما ترى لا يقتضي الجواز عارية، كما أن جوازه مع العوض
إما لكونه قسما من الصلح، أو أن ذلك بخصوصه مشروع.
وعلى كل حال فلا دليل سوى الاجماع المدعي إن تم، وظني أنه مأخوذ من
معلومية مشروعية المنحة من الفتاوى والسيرة المستمرة لكنه كما عرفت لا يقتضي
الجواز عارية، ولعله قسم من الإباحة، وحينئذ يتجه التعدي إلى غير الشاة، كما
هو المتعارف في هذا الزمان في البقر، وإلى غير اللبن كالصوف والشعر والوبر، أما
على العارية فلا وجه للتعدي المزبور مع مخالفته للضابط السابق، كما لا يتعدى من
جوازه عارية إلى جوازه إجارة، بعد اتحادها مع العارية في الضابط السابق، وربما
تختص الإجارة بالجواز للرضاع في الانسان بخلاف العارية، فلا يجوز استعارة الأمة
له حينئذ، وإن جاز استيجارها، وأغرب من ذلك ما عن الغنية في باب الهبة " ومن

(1) المستدرك ج 2 ص 489 وفيه والدين مقضى.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث - 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث - 1 - 4.
173

منح غيره بقرة أو ناقة أو شاة لينتفع بلبنها مدة لزمه الوفاء بذلك، إذا قصد بها وجه
الله تعالى شأنه " إذ هو كما ترى لا يدخل في الهبة قربة إلى الله تعالى لتجدد الحلب
آنا فآنا، كما لا دليل على لزومها منحة أو عارية ما لم يكن ملزم خارجي من عهد
أو نذر أو يمين أو اشتراط في عقد لازم كما هو واضح. هذا.
وفي بعض نسخ الكتاب {ولا يستباح وطي الأمة بالعارية، وفي استباحتها بلفظ
الإباحة تردد، والأشبه الجواز} وتعرف الكلام فيه إن شاء الله تعالى في كتاب النكاح
عند تعرض المصنف له والله العالم.
{و} كيف كان فلا خلاف ولا اشكال في أنها {تصح الإعارة مطلقة ومدة
معينة} لاطلاق الأدلة، لكن المراد بصحتها مدة، عدم الإذن فيما بعدها، لا
لزومها إليها نحو ما سمعته في عقد القراض، {و} حينئذ ف‍ {للمالك} في الحالين
{الرجوع} بها لما عرفت من كونها عقدا جائزا.
{و} من ذلك ما {لو أذن له في البناء أو الغرس} مطلقا أو إلى مدة،
{ثم أمره بالإزالة وجبت الإجابة} خلافا للمحكي عن أبي على فلم يوجبها قبل
انقضائها في خصوص عارية الأرض القراح للغرس والبناء، بل في محكي المبسوط إذا
أذن له أي في الغرس إلى سنة ورجع قبلها لم يلزمه القلع بلا خلاف، إلا أنه مع
عدم كونه خلافا في جواز العارية، لما عرفته سابقا من أعمية عدم وجوب القلع لذلك
ضرورة تحقق انفساخها بالفسخ وإن لم يلزمه الإجابة، لكن تتعين عليه الأجرة
مثلا.
{وكذا} الكلام {ف‍} ي عارية الأرض {للزرع} فإن له الرجوع {ولو
قبل إدراكه على الأشبه} بأصول المذهب وقواعده التي منها معلومية جواز عقد
العارية الذي منه محل البحث، خلافا للمحكي عن الشيخ وابن إدريس من وجوب
الوفاء على المعير في الزرع إلى حين إدراكه، لأن له وقتا ينتهي إليه، وظني أن
مرجع كلامهما إلى عدم وجوب الإزالة، لا إلى عدم جواز العارية، وبينهما فرق
واضح.
174

والذي يقتضيه النظر في المسألة أنه لا ينبغي التأمل في جواز عقد العارية هنا
لعموم ما دل عليه، وعموم (1) " تسلط الناس على أموالها " وأنها قسم من الإباحة و
البر والاحسان وغير ذلك، إنما الكلام في حكم الغرس والبناء والزرع بعد فسخها
ضرورة رجوع الأمر حينئذ إلى تزاحم الحقوق، إذا المستعير ليس ظالما في عرقه و
قاعدة لا ضرر ولا ضرار جارية في المقام بالنسبة إليهما معا.
ومن هنا قال المصنف وغيره: {وعلى الآذن الأرش} فاحتمال تسلط المعير
على الإزالة مطلقا بلا أرش للأصل، ولأن المستعير هو الذي أدخل الضرر على نفسه
بإقدامه على العارية التي يجوز فسخها في كل وقت، لا يخفى عليك ما فيه، لانقطاع
الأصل بما عرفت من القاعدة، والاقدام على العارية أعم من الاقدام على الضرر المبني
على اقتضاء التسلط بفسخها على ذلك، وهل هو إلا مصادرة؟
ومن هنا نفى الخلاف بعضهم عن وجوب الأرش في المقام وإن استشكل فيه بعضهم
إلا أن الاشكال ليس خلافا، كما أنه يمكن نفيه أيضا عن تقديمه على المستعير وإن
بذل الأجرة، ولعل ذلك كاف في ترجيحه على الآخر عند المزاحمة لو أراد بذل الأجرة
للبقاء، أو القيمة للأرض، ولذا كان المتجه فيهما التراضي لدفع صاحب الأرض قيمة
الغرس.
أما موثق محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه السلام - " في رجل اكترى دارا وفيها
بستان فزرع في البستان وغرس نخلا وأشجارا وفواكه وغير ذلك، ولم يستأمر صاحب
الدار في ذلك، فقال: عليه الكرى ويقوم صاحب الدار الزرع والغرس قيمة عدل،
فيعطيه الغارس إن كان استأمره في ذلك، وإن لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء
وله الغرس والزرع ويقلعه ويذهب به حيث شاء " - فلم أجد عاملا به، عدا ما عن
المبسوط من إجبار الغارس على القبول مع دفع القيمة، مع أنه مضطرب، لأنه على
ما في الكافي بعد قوله فيعطيه الغارس، " وإن كان استأمره فعليه الكرى وله الغرس

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
(2) الوسائل الباب - 33 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
175

والزرع يقلعه ويذهب به حيث شاء " وحينئذ يكون دالا على أن لصاحب الأرض
المغصوبة تملك ما زرعه الغاصب فيها وغرسه، كما عن أبي علي رحمه الله.
ولا ريب في منافاته حينئذ لأصول المذهب وقواعده، ويأتي إن شاء الله تمام الكلام
في ذلك في كتاب الغصب. ولكن لا كلام هنا في ترجيح جانب المعير على حسب ما عرفت
والله العالم.
إنما الكلام في أمرين أحدهما: عدم التسلط على الإزالة إلا بعد دفع الأرش
ولعله الظاهر من قول المصنف {وليس له المطالبة بالإزالة من دون الأرش} بل
جزم به في المسالك وظاهره الاجماع عليه، قال: " لا تجب إجابته إلى القلع قبل دفعه
وإن بذله لاحتمال تعذر الرجوع عليه بافلاس أو غيبة ونحوهما، فيضيع حق المستعير
ويلزم الضرر، بخلاف ما لو دفع أولا، فإن غايته أن يهرب المستعير أو يتعذر مباشرته
للقلع، فيباشره المعير بإذن الحاكم مع امكانه، أو لا معه مع تعذره، وتعذر إذن المالك،
فلا يحصل الضرر، ثم قال: لكن هذا الدفع نوع من المعاوضة، ومن شأنها أنهما مع
الاختلاف يجبران على التقابض معا من غير أن يسبق أحدهما الآخر، وإنما حكم
هنا بسبق دفع الأرش، لأن المعية غير ممكنة، وفي بسط الدفع على الأجزاء حرج
وعسر، والضرر عن الدافع مندفع، بخلاف العكس، فلذلك حكموا بتقدمه ".
قلت يمكن إرادة المصنف عدم السلطنة له على المطالبة بإزالته مجانا،
وليس هو بصدد سبق الدفع وتأخره ومقارنته، ضرورة كون ذلك من الأحكام لا
المعاوضات، بمعنى تسلط المعير على طلب الإزالة من المستعير، وعليه الأرش، فلكل
منهما حق على الآخر لا مدخلية له فيه، وعصيان أحدهما فيه لا يقتضي الجواز
للآخر، وكلام المصنف وما شابهه إنما هو في عدم استحقاق الإزالة بدون استحقاق
الأرش، لا بدون سبق دفع الأرش الذي لم يقم عليه دليل معتبر، بل لعل ظاهر
الأدلة خلافه، والأمور الاعتبارية مع أنها غير تامة لا تصلح لأن تكون مدركا شرعيا
والله العالم.
ثانيهما: أن المراد بالأرش على ما في المسالك هو تفاوت ما بين كونه منزوعا من
176

الأرض وثابتا قال: " وهل يعتبر فيه مجانا أو بأجرة؟ كلام الشيخ صريح في الأول
وهو الظاهر من كلام المصنف والجماعة، مع احتمال اعتبار الثاني، بل اختاره بعد
ذلك، وحكاه عن التذكرة قال: لأن جواز الرجوع في العارية لا معنى له، إلا أن
تكون منفعة الأرض ملكا لصاحبها لا حق لغيره فيها، وحينئذ فلا يستحق الابقاء فيها
إلا برضاه بالأجرة، وحق المستعير يجبر بالأرش، كما أن حق المعير يجبر بالتسلط
على القلع، ويأخذ الأجرة لو اتفقا على ابقائها ".
قلت: قد أطنبنا سابقا في نظير المسألة وقلنا إنه لا وجه لاعتبار البقاء مجانا
أو بالأجرة في التقويم بعد فرض عدم استحقاق شئ منهما لذي الغرس أو البناء، بل
هو في بعض الأفراد كمال الضرر على المعير، خصوصا مع ملاحظة البقاء مجانا في
التقويم.
فالمتجه حينئذ أن المراد بالأرش هو تفاوت حالي الشجرة بالقلع وعدمه إن
كان، ونقص آلات البناء بسبب الهدم، بمعنى ضمان نقصها الحاصل بالقلع والهدم
من حيث كونه قلعا وهدما، من غير ملاحظة البقاء مغروسا ومبنيا، الذي هو غير
مستحق للمستعير لا مجانا ولا بأجرة.
ولعله المراد فيما حكي عن المبسوط وغيره من أنه التفاوت بين كونها مقلوعة
وقائمة من غير مراعاة للبقاء، بل يكون المعير حينئذ مع استحقاقه القلع كالغاصب
في الغرامة، بل ربما استغرقت القيمة بملاحظة ذلك، خصوصا مع المجانية أضعاف
قيمة الأرض كما هو واضح بأدنى تأمل هذا.
وقد يتوهم من إطلاق المصنف عدم الفرق فيما ذكره من الأرش بين انقضاء الوقت
في الموقتة وبين الرجوع قبله، ووجهه في الثاني واضح، ضرورة كون الرجوع قبل
الوقت كالرجوع في المطلقة، أما ثبوته في الموقتة بعد انقضاء الوقت فقد يشكل، بأن
فائدة التوقيت ذلك.
ومن هنا جزم في القواعد ومحكي التحرير وجامع المقاصد بأن له الالزام
177

بالقلع مجانا.
لكن عن التذكرة أن فائدة التوقيت تجديد الغرس للمستعير في كل يوم إلى
انقضاء المدة، إلى أن قال: " ثم للمالك الرجوع في العارية قبل انقضاء المدة بالأرش
وبعدها مجانا إن شرط المعير القلع، أو نقص البناء بعد المدة، أو شرط عليه القلع
متى طالبه به عملا بالشرط، فإن فائدته سقوط الغرم، فلا يجب على صاحب الأرض
ضمان ما نقص الغرس بالقلع -
وإن لم يكن شرط القلع واختاره المستعير كان له ذلك، وإن لم يختر القلع
وأراده المعير فلا بد من الأرش ".
إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه من منافاته لأصالة براءة الذمة السالمة عن المعارض
ضرورة عدم حق له بعد انتهاء المدة، ولا مدخلية لاشتراط القطع وعدمه، كما لو
استأجر منه أرضا لذلك مدة فانتهت، وأراد المالك تفريغ أرضه.
نعم قد يتوقف فيما لو أعاره للزرع مدة معينة، فانقضت ولما يدرك، لا لتقصير
منه بل لهبوب الرياح وقصور الماء ونحوهما مما هو ليس من تقصير المستعير، بل
عن التذكرة الجزم باستحقاق الأرش كالعارية المطلقة، ولعله باعتبار أن له مدة تنتظر
فلا يعتد بالتأقيت القاصر عنها.
لكن لا ريب في أن المتجه أيضا عموم " تسلط الناس على أموالهم (1) " و " أن
المؤمنين عند شروطهم (2) "، ولم يصدر الإباحة من المالك إلا إلى الأمد المخصوص
الذي قد دخل المستعير على القلع عند انقضائه، كما عن المحقق الثاني اختياره.
بل قال: ضعف الأول ظاهر لا يخفى، كما أنه قال: إن موضع الاشكال إذا
لم يكن عدم الادراك مستندا إلى تقصير المستعير، فإن أخر باختياره حتى ضاق الوقت وجب القلع مجانا قطعا والله العالم.
{ولو أعاره أرضا للدفن} لميت محترم فدفنه فيها {لم يكن له إجباره

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث - 4.
178

على قلع الميت} ونبشه وإخراجه إلى أن يطمئن باندراسه بالنسبة إلى تلك الأرض
على وجه لا ينافي احترامه، بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه.
ولعل ذلك هو المراد ممن حكاه على لزومها، لا أن المراد عدم جواز فسخها،
فإن له ذلك باعتبار كونها عقدا جائزا، وتظهر الثمرة فيما لو اتفق نبشه من نابش
فإن إعادته حينئذ تحتاج إلى إذن جديدة، والأجرة، بناء على استحقاقها في مثله
وفي غير ذلك.
لكن من المعلوم أن ذلك بعد تحقق الدفن الذي يحرم معه النبش أما الرجوع
قبل الحفر أو بعده قبل وضع الميت فلا كلام في ترتب حرمة الدفن حينئذ عليه، بل
صرح غير واحد من الأصحاب بأنه كذلك بعد الوضع قبل المواراة، لعدم صدق
النبش حينئذ.
اللهم إلا أن يقال: إنه وإن كان كذلك إلا أنه يمكن دعوى مساواته له، لما
في الاخراج من هتك الحرمة، ولذا أمروا بقرض نجاسة الكفن فيه إذا لم يمكن
غسلها، بل قيل: لم يجوزوا نقله إلى قبر آخر.
لكن الانصاف عدم الاكتفاء بذلك دليلا لمثل ذلك، بل لولا الاجماع هنا على
حرمة النبش لأمكن القول بجوازه، لعموم " تسلط الناس " ولأولويته من جملة من
الأمور التي جوزوا النبش لها، مع أنه لا إطلاق ولا عموم على حرمته، كي يتمسك
بهما إلا الاجماع الذي لولا اعتضاده بما هنا، لأمكن المناقشة في تناول معقده لما هنا.
هذا كله إذا لم يكن للمستعير جهة جواز للنبش، وإلا لاتجه إلزامه به، ولو
للنقل إلى المشاهد المشرفة بناء على جوازه لها {وللمستعير أن يدخل إلى الأرض}
التي استعارها للغرس والبناء والزرع للتنزه ولغيره. {و} لأن {يستظل بشجرها}
في نوم ويقظة لأن ذلك كله ونحوه من توابع مثل هذه العارية في العادة، وقد سمعت
سابقا أن له الانتفاع بما جرت العادة به.
فما عن المبسوط وغيره من عدم الجواز في غير محله، وإن وافقه عليه في الجملة
في التذكرة والقواعد، وجامع المقاصد، والمسالك، والروضة، فلم يجوزوا دخوله
179

للتفرج، لأن الاستعارة وقعت لمنفعة معينة، فلا يتعداها. وإنما يجوز الدخول له
لسقي الشجر ومرمة الجدر ونحوهما مما فيه مصلحة المال وصونه عن التلف.
إلا أنه كما ترى، بل لا يبعد أن يكون ذكر المصنف لذلك تعريضا بما سمعته
عن المبسوط.
ومنه يعلم ما في المسالك فإنه قد أطنب في بيان انفراد المصنف في ذكر هذا
الحكم للمستعير على ما وجده في النسخ. قال: " وحقه أن يقول: للمعير. على ما
وجدته في سائر كتب الفقه التي تعرضوا فيها لهذه المسألة من كتبنا وكتب غيرنا ".
والنكتة بالنسبة إلى المعير واضحة، كما ذكرناه، وأما المستعير فعلى تقدير
جواز استظلاله لا نكتة في تخصيصه من بين الوجوه التي ينتفع بها، ثم ساق جملة
مما وجده من عبارات الأصحاب، إلى أن قال: نعم ذكر الشهيد في اللمعة جواز
استظلال كل منهما بالشجر، هو أجود من الاقتصار على المستعير إلا أن يجعل نكتة
الاقتصار عليه بيان الفرد الأخفى ".
قلت: قد عرفت أن غرض المصنف والشهيد التعريض بمن لم يجوز ذلك
للمستعير، واختصاصه بالمعير، باعتبار كونه مالكا للأرض، فله الدخول إليها و
الاستظلال بما فيها، لعدم كونه تصرفا بغير أرضه، كالاستظلال بحائط الغير، وإنما
يمنع من التصرف بالبناء أو الغرس، بخلاف المستعير الذي ليس له التصرف إلا في
المنفعة التي أباحها المالك له، وهي الغرس والبناء والزرع وتوابعها مما يصلحها
ويحرسها عن التلف.
ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه وجه النظر في ذلك بل وفي انتفاع
المعير في البناء والغرس من دون إذن المالك، بناء على أن مثله تصرف، كما جزم به
بعض مشايخنا فأبطل الصلاة تحت السقف المغصوب، كما ذكرناه في كتاب الصلاة،
ولكن قد منعنا كونه تصرفا صلاتيا، ثم هو انتفاع به حال الصلاة.
ولعل كلام الأصحاب هنا مؤيد لما قلناه، بل ظاهر هم عدم حرمة ذلك مطلقا
على المعير، إذ ليس هو إلا تصرفا في أرضه، وإن قارن ذلك انتفاع له على نحو
180

الاستضاءة بنار الغير، وهو جالس في ملكه.
إلا أن الانصاف عدم خلو ذلك من اشكال، مع فرض قصد استيفاء منفعة
الاستظلال بالسقف دفعا للمطر والحر ونحوهما، إذ هو إن لم يكن تصرفا فيه فلا
ريب في كونه انتفاعا به على وجه يضمن أجرته للمالك، هذا.
وربما ظهر من بعضهم أن موضوع الحكم هنا ما إذا رجع المعير في العارية، و
أن المراد بيان أن له قبل دفع الأرش وحصول القلع الدخول إلى أرضه والتصرف فيها
وإن استلزم الاستظلال ونحوه بغرس الغير وبنائه، وليس للمستعير الدخول إلا لمصلحة
ماله وحفظه من سقى ومرمة بناء ونحوهما، بل ربما ظهر من بعضهم التوقف في ذلك
من دون استيذان أولا.
ولكن لا يخفى عليك أنه مخالف لظاهر أكثر عبارات الأصحاب، وإن كان الحكم
في حد ذاته ممكنا، والأمر سهل بعد فرض معلومية الحكم على كل حال.
{و} كيف كان فقد تقدم في كتاب الصلح من المصنف أنه {لو أعار جداره
لطرح خشبة و} وضعها و {طالبه} بعد ذلك {بإزالتها} لم يكن له ذلك، لأن
المراد به التأبيد، ثم استحسن الجواز، وقد ذكرنا هناك ما عندنا.
لكن قال هنا: {كان له ذلك، إلا أن تكون أطرافها الأخر مثبتة في بناء المستعير
ف‍ {ليس له إلزامه بالإزالة، وإن بذل الأرش، لأنه {يؤدي إلى خرابه، و} إلى
{اجباره على إزالة جذوعه عن ملكه} أي المستعير، وهو المحكي عن مبسوط الشيخ
والسرائر والدروس.
{و} لكن {فيه تردد} من ذلك، ومن معلومية جواز عقد العارية المقتضي
لوجوب تفريغ ملك المعير، وإن توقف على تخريب ملكه، بل قيل: إنه الذي أقدم
على ذلك بإقدامه على العارية، فهو في الحقيقة الذي أدخل الضرر على نفسه.
نعم لما لم يكن ظالما في وضعه، جبره الشارع بالأرش، ودعوى لزوم هذه العارية
باعتبار بنائها على التأييد والدوام لا ترجع إلى محصل، يجوز الاعتماد عليه شرعا،
بل لو بذل الأجرة لم يلزم صاحب الجدار إجابته، ترجيحا لحق صاحب الجدار عليه
181

لفحوى ما سمعته في الغرس والبناء الذي قد وافق الخصم عليه هناك، هذا وقد تقدم
في كتاب الصلح ما له نفع في المقام فلاحظ وتأمل، والله العالم.
{ولو أذن له في غرس شجرة} مثلا فغرسها، وبقيت مدة {ف‍} اتفق أنها
ماتت أو {انقلعت} لهواء خارق ونحوه، {جاز} عند بعض {أن يغرس غيرها
استصحابا للإذن الأول} التي لم يتعقبها رجوع.
{وقيل: يفتقر إلى إذن مستأنف، وهو أشبه} بأصول المذهب وقواعده
المقتضية حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، إذ الأولى قد انتهت بحصول مقتضاها،
وغرس الشجرة الأخرى شئ جديد، بل إن لم يكن ثم قرينة يشكل إعادة غرسها، إذ
الظاهر أن الإذن في الغرس كالأمر به تحقق بالمرة.
نعم في التذكرة: " لو انقلع القصيل المأذون له في زرعه في غير زمنه المعتاد،
أو سقط الجذع كذلك وقصر الزمان جدا فالأولى أن يعيده بغير تجديد الإذن، ولعله
لأنه من الإذن الأولى، لعدم تحقق مقتضاها المأذون فيه. كما هو واضح.
بل هذه المسائل ونحوها مما لاحظ للفقيه فيها، لاختلافها باختلاف القرائن
الحالية، فضلا عن غيرها.
{و} لا إشكال كما لا خلاف عندنا في أنه {لا يجوز إعارة العين المستعارة،
إلا بإذن الملك} ضرورة اقتضاء عقد العارية الإباحة لخصوص المستعير لا تمليكه
إياها.
{و} كذا {لا} يجوز له {إجارتها} بل هو أولى منه، خلافا لما عن
بعض العامة من جوازه، قياسا على الإجارة، وهو مع بطلانه في نفسه مع الفارق،
فلا ريب في عدم جوازه ولا غيره من النواقل أو المبيحة {ل‍} ما عرفت من {أن
المنافع ليست مملوكة للمستعير، و إن كان له استيفاؤها} بنفسه أو وكيله على وجه
يعود الانتفاع له، مع كون العين في يده أو في يد الوكيل بإذن المالك، وليس هو من
الإعارة.
182

ثم إن الظاهر كون الإعارة الثانية مع فرض إذن المالك إنما هي من الأول
مع فرض كون الإذن على هذا الوجه، فإنه يصير حينئذ وكيلا ونائبا، فلا يقدح
حينئذ جنونه ونحوه في بقائها.
نعم إذا أذن له في الإعارة لنفسه اتجه حينئذ كون الإعارة منه، واحتمال
عدم مشروعية هذا القسم باعتبار اشتراط كون المعير مالكا يدفعه اطلاق الأدلة، و
المسلم منه مع عدم إذن المالك، فيكون بالشرط حينئذ مالكا أو مأذونا.
وقد سمعت التسامح في العارية التي ذكر فيها المصنف صحة العارية من الصبي
بإذن وليه وستسمع إن شاء الله في الوكالة بإذن الموكل أنها تقع على وجهين، الوكالة
عن الموكل، والوكالة عن الوكيل نفسه، نحو ما سمعته في العارية هنا، ولعل مثله يأتي
في الوديعة، وقد تقدم منا سابقا بحث فيه.
إنما الكلام فيما يستفاد من إطلاق الإذن، ولعل العارية من المستعير نفسه
أظهر الفردين منه، ولعل منه عارية الدار مثلا على أن يدخل فيها من شاء من عياله
وغيرهم، فإن الإعارة لهم منه، لا من المعير، أو يقال: إن من انتفاعه انتفاعهم
على نحو انتفاع دوابه، والأمر سهل.
وكيف كان فلو خالف وأعار الغير فلا ريب في فساد العارية، ولكن الكلام - في
رجوع المالك على من شاء منهما بالعين والمنفعة، مع ضمان العين وعدمها - ما سمعته
في العارية من الغاصب، وما عن الفاضل من الفرق بينهما في الجملة لا يخلو من إشكال
كما أوضحنا ذلك كله هناك فتأمل والله العالم.
الفصل الرابع: في الأحكام المتعلقة بها وفيه مسائل
{الأولى} لا خلاف ولا إشكال في أن {العارية أمانة} كما قال الصادق عليه السلام
في صحيح الحلبي (1) " صاحب العارية والوديعة مؤتمن " ونحوه غيره، وحينئذ فهي
كغيرها من الأمانات {لا تضمن إلا بالتفريط في الحفظ أو التعدي أو باشتراط الضمان}
زيادة على الوديعة للاجماع بقسميه، والنصوص (2).

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام العارية.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام العارية.
183

ولا ينافي ذلك بناؤها على التبرع حينئذ، كما لا ينافي كونه شرطا في عقد جائز إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص.
{و} كذا تزيد على الوديعة بأنها {تضمن إذا كانت ذهبا أو فضة وإن لم
يشترط} الضمان، بلا خلاف أجده فيه في الدراهم والدنانير منهما، بل الاجماع
بقسميه عليه والنصوص.
إنما الكلام في غيرهما من المصوغ وغيره الذي هو كذلك أيضا في صريح اللمعة
والمهذب وجامع المقاصد والمسالك والروضة ومجمع البرهان على ما حكي عن
بعضها، وفي ظاهر المتن والنافع وغيرهما ممن عبر كعبارته، كما عن المقنع والنهاية
والمبسوط وفقه الراوندي، والتحرير والإرشاد والمختلف وقواعد الشهيد.
بل لعله ظاهر الوسيلة والتبصرة المعبر فيهما بالثمن المراد منه مطلق الذهب
والفضة، كما في تعريف الصرف، أو الورق والعين المعبر بهما في محكي المقنعة و
المراسم والكافي والغنية والسرائر، بناء على إرادة الفضة من أولهما، كما عن
القاموس والنهاية وكتب التفسير، أو هي مع الدراهم المضروبة، كما عن مجمع البحرين
والدينار والذهب من ثانيهما كما عن القاموس أيضا.
نعم عن الصحاح تفسير العين بما ضرب من الدينار، والورق بما ضرب من
الدراهم، ولعله لذا نسب الحكم في المختلف إلى الشهرة بين الأصحاب، وإلا فلم
أجد خلافا صريحا قبله، وإنما هو من الفخر والقطيفي والكفاية والرياض على
ما حكي عن بعضها.
وعلى كل حال فهو الأقوى لصحيح زرارة (1) " قلت: لأبي عبد الله عليه السلام العارية،
مضمونة، فقال: جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه، إلا الذهب والفضة،
فإنهما يلزمان إلا أن تشترط أنه متى توى لم يلزمك تواه، وكذلك جميع ما استعرت
فاشترط عليك لزمك، والذهب والفضة لازم لك وإن لم يشترط عليك ".
وإسحاق بن عمار عنه (2) أيضا أو عن أبي إبراهيم عليه السلام " العارية ليس على

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام العارية الحديث 2 - 4.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام العارية الحديث 2 - 4.
184

مستعيرها ضمان، إلا ما كان من ذهب أو فضة، فإنهما مضمونان اشترطا أو لم
يشترطا ".
ولا ينافي ذلك صحيح ابن سنان (1) عنه أيضا " لا تضمن العارية إلا أن يكون قد
اشترط فيها ضمان، إلا الدنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا " الذي
مثله خبر ابن مسكان (2) ولا خبر عبد الملك بن عمرو (3) عنه أيضا " ليس على صاحب
العارية ضمان، إلا أن يشترط صاحبها، إلا الدراهم فإنها مضمونة اشترط صاحبها
أو لم يشترط ".
بعد ظهور اتحاد المستثنى منه في جميعها في كون المراد تعدد الاخراج من
العام، فهي مخصصات متعددة من عام متحد لا يقدح أخصية بعضها من بعض إذ جميع
المخصصات متحدة في الحكم الايجابي الذي هو الضمان، فلا يحمل بعضها على بعض
بعد عدم التنافي بينها.
بل ولا في اخراجها من العام، ضرورة أن الخاص إذا أخرج من العام لا يزيد
دلالته على ما بقي من الافراد على دلالته الأصلية، فليس حينئذ إلا خروج الخاص
من العام.
وبذلك ظهر لك المراد من النصوص التي ما بين دال على عدم ضمان العارية
أصلا، وما بين مستثنى الذهب والفضة، وما بين مستثنى الدراهم، وما بين مستثنى
الدنانير.
خصوصا بعد اتفاقهم على عدم التنافي بين خبري الدراهم والدنانير، إذ ليس
هو إلا باعتبار ظهور هما في إرادة تعدد الاخراج من العام الذي هو بملاحظة كل
واحد منهما لا يقتضي عدم قابلية العام لاخراج غيره، بل أقصاه بقاء ما عداه على
دلالة العام الأول، فإذا جاء ما يقتضي اخراج فرد آخر ضم إلى الفرد الآخر، و
هكذا.

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام العارية الحديث 1 - وذيله - 3.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام العارية الحديث 1 - وذيله - 3.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام العارية الحديث 1 - وذيله - 3.
185

فهو بمنزلة أن يقول أكرم الرجال، ثم يقول: لا تكرم زيدا منهم، وأخرى
لا تكرم عمروا وثالثة لا تكرم الجهال، وفي الواقع كان زيد وعمرو من أفراد الجهال
فإنه لا يشك من له أدنى فهم بالخطابات العرفية إرادة اخراج الجهال من الحكم
الأول، ولكن نص على زيد وعمرو للتأكيد، ونحوه.
وبذلك ظهر لك ما في كلام فخر المحققين من حمل الذهب والفضة على الدرهم
والدينار باعتبار أنهما عامان بالنسبة إليهما أو مطلقين، إذ قد عرفت أنه لا تنافي بين
حكم الجميع الذي هو الضمان.
فلا مقتضى للحمل المزبور، كما أنه لا تنافي أيضا بين المستثنى منه في الجميع
إذ هو ليس إلا عدم ضمان العارية الذي هو مضمون القسم الأول من النصوص، وهذا
واضح وإن أطنب في رده في جامع المقاصد، وزاد في الاطناب ثاني الشهيدين في
المسالك.
نعم في الكفاية وتبعه في الرياض " أن تحقيق المقام حصول التعارض في النصوص
المزبورة بين المستثنى منه في خبر الدراهم والدنانير، وحاصله لا ضمان في غير الدراهم و
الدنانير، وبين المستثنى في خبر الذهب والفضة، والنسبة بين الموضوعين عموم من وجه
يمكن تخصيص كل منهما بالآخر.
فإن خص الأول بالثاني كان الحاصل لا ضمان في غير الدراهم والدنانير إلا
أن يكون ذهبا أو فضة، وإن خص الثاني بالأول كان الحاصل كل من الذهب والفضة
مضمون إلا أن يكون غير الدراهم والدنانير.
فالأمر المشترك بين الحكمين ثابت، وهو حصول الضمان في الدراهم والدنانير
فلا بد من استثناء هذا الحكم من عموم الأخبار الدالة على عدم الضمان، تبقى تلك الأخبار
في غير ذلك سالمة عن المعارض، فإن المتجه الحكم بعدم الضمان في غير
الدراهم والدنانير من الذهب والفضة ".
لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، ضرورة عدم كون المستثنى
منه في خبري عبد الملك وابن سنان غير الدراهم والدنانير، بل لا يصلح لأن يكون
186

ذلك مستثنى منه لهما، وإن أراد الحاصل من المستثنى منه فيهما مع المستثنى، فليس
هو إلا ضمان الدراهم والدنانير لا غيرهما.
وليس بين مجموع ذلك وبين الذهب والفضة تعارض العموم من وجه، إذ لا
اختصاص في خبري الذهب، الفضة بالدلالة على عدم ضمانهما حتى يكون ذلك وجه
افتراق لهما عن خبري عبد الملك وابن سنان.
على أن ذلك كله منا مماشاة لكشف فساد المغالطة المزبورة، وإلا فالواجب
ملاحظة التعارض بين نفس الأدلة من غير تقدير شئ ناشئ من الاجتهاد فيها، ولا
ريب في عدم التفاوت بين مضمون الجميع إلا باقتضاء الضمان في الحلبي ونحوها من
خبر الذهب الفضة، وعدمه في خبر الدراهم والدنانير، ولكن من حيث حصر
الضمان فيهما فلا ينافي حينئذ اخراج غيرهما بدليل آخر.
فليس حينئذ التعارض إلا بالعموم والخصوص المطلق، على هذا التقدير،
إذ ليس دليل سلب الضمان عما عداهما إلا هو مضمون القسم الأول من النصوص،
وهو عدم الضمان في العارية مطلقا الذي لا ينافي الاخراج بخبري الذهب والفضة
كما هو واضح بأدنى تأمل.
وأما تقدير غير الدرهم والدينار وملاحظته مهملا عن اخراجهما مع موضوع
الذهب والفضة الشاملين لهما وجعل التعارض بينهما من وجه إلى آخر ما سمعته
فهو شئ خارج عن النصوص، صاغه الوهم، فصار مغالطة على الأفهام الردية التي
لا تفرق بين مفاهيم الألفاظ ومصاديقها، إذا كان فيها نوع خفاء.
وحينئذ لا يحتاج إلى رده بالترجيح بالشهرة العظيمة بين الأصحاب، ولا
بأن أهل العرف لا يفهمون من ذلك إلا تخصيص الأول بالثاني، ولا بعموم (1)
" على اليد ما أخذت حتى تؤدي " ولا باستلزام العكس اخراج لفظ الذهب والفضة
عن الحقيقة بخلاف الأول الذي فيه تكثير أفراد اخراج المخصص بعد العلم بالتخصيص
في الجملة، ولا إلى غير ذلك مما عرفت الاستغناء عنه.

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
187

وحينئذ فلا محيص عما عليه الأصحاب من ضمان مطلق الذهب والفضة، بل
الظاهر كونهما كذلك سواء كان معهما غيرهما، أو لا، مزجا أو غيره، {إلا أن
يشترط سقوط الضمان} فيسقط حينئذ للأصل، والاقتصار في الخروج عن عموم
عدم الضمان على المتيقن الذي لم يشترط فيه ذلك، وعموم (1) " المؤمنون " وخصوص
صحيح زارة (2) المتقدم القاطع للشك في ذلك.
نعم قد يشك في اعتبار الشرط المزبور في الضمان بالتعدي والتفريط في ابتداء
عقد العارية باعتبار أنه اسقاط للواجب قبل وجوبه، ومنافاته لاطلاق ما دل على
تسبيبهما ذلك، مع أنه لا يخلو من قوة، لأنه في قوة الإذن في الاتلاف، وللشك
في السببية معه، والأصل براءة الذمة.
أما ما قيل - من عدم اعتباره أيضا في عارية مال الغير، وفي عارية المحل للصيد
للمحرم، - ففيه ما عرفت، من عدم كونهما عاريتين صحيحتين، على أن الثانية
منهما إن أريد بعدم اعتبار الشرط فيها بالنسبة إلى الفداء، فهو حق، لعدم كون
ضمانه بالعارية، بل هو شبه الحكم الشرعي، وإن أريد به بالنسبة إلى الغرامة
للمالك، فالظاهر اتيان البحث السابق فيه.
ومما ذكرنا يعلم أنه لا وجه لذكر هذين القسمين في العارية المضمونة،
ضرورة معلومية إرادة القسم الصحيح منها، ومن هنا تركهما المصنف، واقتصر على
ما عرفت. كما أنه لا وجه لعد العارية من المحرم للمحل من قسم العارية التي لا
تضمن، حتى إذا اشترط فيها الضمان، إذ قد عرفت أنها ليست عارية، وأن المستعير
يملكه، لعدم ملك المحرم له. نعم لم يذكر المصنف عارية الرهن، ولعله للاكتفاء بما ذكره في الرهن، أو
أنه ليس من العارية عنده، كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الرهن، وبذلك ظهر لك

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث - 4.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام العارية الحديث - 2.
188

عدم الحاصل فيما ذكره في المسالك من هذه الأقسام، وحسن اقتصار المصنف في الضمان للعارية على ما ذكره من الأسباب.
وأما ما يحكى عن ابن الجنيد من ضمان عارية الدابة أيضا، فلم نجد له دليلا
صالحا للخروج عن الأصل، فضلا عن عموم عدم ضمان العارية المؤيد بعموم عدم
ضمان الأمانة. والله العالم.
المسألة * (الثانية} *
لا خلاف ولا إشكال في أن المستعير {إذا رد العارية إلى المالك أو} من يقوم
مقامه من {وكيله} أو وليه العام أو الخاص {برء} على حسب غيرها من
الأمانات ونحوها، كما أنه لا إشكال {و} لا خلاف عندنا في أنه {لوردها إلى
الحرز} الذي كانت فيه بلا يد للمالك ولا إذن منه {لم يبرأ} بل هو ضامن لها
مع التفريط بها.
وكأنه عرض بذلك للرد على المحكي عن أبي حنيفة من أن رد العارية
إلى ملك المالك كردها إليه. لأن رد العواري في العادة بذلك، وهو كما ترى.
{ولو استعار الدابة إلى مسافة} معينة مثلا {فجاوزها ضمنها} عينا
ومنفعة للتعدي {ولو أعادها إلى} المسافة {الأولى} المأذون فيها {لم يبرأ}
من ضمان العين الذي قد حصل بالتعدي، للأصل وغيره، أما المنفعة فلا ضمان فيها
لعدم انفساخ العارية بذلك، إذا لفرض عدم تصريح أو ظهور في عقد العارية يقتضي
تقييده بعدم التعدي أو التفريط، فالمنفعة التي اقتضى عقد العارية إباحتها غير
مضمونة.
نعم بالتعدي المزبور تدخل العين في ضمانه بالتعدي الأول، ولو تلفت منه
حال استعماله المأذون فيه بلا تعد متجدد أو تفريط كما هو واضح.
وإن أشكل الحال على المحدث البحراني بالنسبة إلى الفرق بين الحكم
بضمان العين بالمسافة المأذون فيها دون المنفعة، وذلك لأن العارية إن انفسخت
189

بالتعدي المزبور اتجه ضمان العين والمنفعة مطلقا، وإلا لم يتجه ضمان العين بعد
العود إلى المأذون فيه.
وفيه ما لا يخفى من حصول سبب الضمان، وهو التعدي المزبور الذي ليس
في الأدلة ما يقتضي انفساخ العارية به وبالتفريط، فهو حينئذ على مقتضى تسبيبه
الضمان حتى في المأذون فيه، إذ لا تنافي بين العارية والضمان بسببه. أما المنفعة
فهي على إذن العارية والله العالم.
المسألة * (الثالثة) *
لا خلاف أيضا ولا إشكال في أنه {يجوز للمستعير بيع غروسه وأبنيته في
الأرض المستعارة للمعير و} وبالعكس، وللأجنبي بل يجوز بيع المستعير {لغيره}
أي المعير مع الإذن وبدونها بل مع النهي {على الأشبه} بأصول المذهب وقواعده
التي لا ينافيها احتمال قلع المعير له وهدمه إياه، فإنه لا يخرجه عن المالية
المسوغة لبيعه.
بل هو أولى مما جوزوا بيعه من الحيوان المشرف على التلف، والعبد المستحق
للقتل قصاصا، فما عن أحد وجهي الشافعية من المنع لذلك واضح الفساد.
نعم عن مبسوط الشيخ أن الأقوى عدم الجواز، لأنه لا يمكن تسليمه، بل
عنه فيما سلف عدم جواز دخول المستعير لغير السقي ونحوه، ومن هنا بنى في
التحرير جواز البيع وعدمه على جواز الدخول وعدمه، لكن فيه أولا: أن
التسليم في مثله التخلية، والانتفاع ممكن باستيذان المعير، أو الاستيجار منه و
نحو ذلك.
وحرمة الدخول على المشتري - والانتفاع به باعتبار اقتضاء عقد العارية
الإذن للأول - لا ينافي جواز الشراء، وإن وجب عليه حينئذ الاستيذان في البقاء
من حينه، فإن لم يحصل كانت الأصول والآلات في مقابلة ثمنه.
وعلى كل حال فهو أمر خارجي لا مدخلية له في صحة البيع المال المملوك
190

الذي يمكن تسلمه باقيا ومقلوعا، بل الظاهر صحة البيع حتى مع جهل المشتري
بالحال، وإن تسلط على الخيار حينئذ، لظهور البيع في استحقاق البقاء، فيتسلط
على الخيار لقاعدة الضرر.
ولو باع المستعير والمعير الأرض وما فيها بثمن واحد، صح ويوزع الثمن
على قيمة مال كل منهما، فيقوم الغرس والبناء في أرض مستعارة، والأرض مشغولة
عارية بذلك. نعم يلحظ النسبة بينهما، ويوزع الثمن عليها كما هو واضح والله العالم.
المسألة * (الرابعة
إذا حملت الأهوية أو السيول حبا} مثلا {إلى ملك انسان فنبت كان لصحاب
الأرض إزالته} بعد فرض امتناع المالك عنها، من غير مراجعة للحاكم {ولا
يضمن} له {الأرش} بل ربما استحق عليه الأجرة على ما تسمع {كما في}
مسألة {أغصان الشجرة البارزة إلى ملكه} التي تقدم تفصيل الكلام فيها في كتاب
الصلح، فإن ظاهر المصنف اتحاد الحكم في المسألتين.
ولكن كشف الحال في المقام هو أن هذا الحب لا يخلو إما أن يكون معرضا
عنه، أولا، وعلى التقديرين إما أن يعلم المالك أو يجهل في منحصر أو غيره.
وعلى كل حال فإما أن يكون متمولا، أو قليلا غير متمول، فمع فرض
الاعراض فلمالك الأرض وغيره تملكه، وله طرحه من أرضه كغيره من المال المعرض
عنه وإن كان كثيرا.
لكن في المسالك " أنه يجوز للمالك الرجوع ما دامت العين باقية، لأن ذلك
بمنزلة الإباحة " وفي غيرها التصريح بأن له ذلك. وإن تملكه أحد، إلا أنه قد
يشكل بأصالة اللزوم بعد حرمة القياس على الهبة، ومنع كونه أولى، بل ينبغي
الجزم بذلك، بناء على صيرورته كالمباحات بالاعراض.
وعلى كل حال فالظاهر ممن تعرض لذلك عدم تسلط صاحب الأرض على جبره
على القلع، بعد تحقق الاعراض عنه.
ولكن قد يشكل إذا فرض حصول الاعراض بعد اشتغال الأرض به، بل وقبله
191

بناء على عدم خروجه عن الملك بذلك، إذ هو حينئذ نحو ما قيل فيما لو ترك
الحب صاحبه لصاحب الأرض ولم يقبله، ففي المسالك في وجوب الإزالة وجهان.
نعم حكي فيها عن التذكرة القطع بسقوط مؤنة نقله، وأجرته عنه، لأنه
حصل بغير تفريطه ولا عدوانه، وكان الخيار لصاحب الأرض المشغولة إن شاء أخذه
لنفسه، وإن شاء قلعه.
إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، بناء على وجوب تخليص ملك الغير منه،
ضرورة أن الاعراض عنه بعد عدم الخروج عن ملكه به أو البذل لصاحب الأرض مع
عدم القبول لا يرفع الوجوب المزبور عنه الذي قد صرح به غير واحد في الصورة
الأخرى، وهي: ما لو علم المالك بعينه ولم يكن منه إعراض ولا بذل، ومعللين له
بأن ملكه قد شغل أرض غيره بغير حق، فيجب تخليصه منه والتسوية وطم الحفر.
بل صرح بعضهم بوجوب الأجرة عليه للمدة، بعد امتناعه، لأنه كالغاصب
حينئذ، بل عن ظاهر السرائر وجوبها عليه للمدة السابقة التي استظهر بعضهم
عدمها، لعدم تقصيره في القلع، وعدم تفريطه في أصل اشتغال الأرض به، فأصل
البراءة بحاله.
اللهم إلا أن يقال: إنه وإن لم يكن مقصرا لكن لا تبرع أيضا من صاحب
الأرض، والأصل احترام مال الغير الذي منه المنفعة المزبورة.
لكنه كما ترى، بل قد يناقش في الأجرة مطلقا، للشك في وجوب التخليص
عليه، بعد أن لم يكن الشغل منه، للأصل، وكونه مالكا لا يقتضي ذلك نعم لصاحب
الأرض بعد امتناع المالك، إزالته عن ملكه، كما عبر به المصنف.
ولو كان المالك مشتبها في منحصرين ففي المسالك " وجب عليهم أجمع
التخلص بالصلح، أو التمليك ونحوه، ويجب على صاحب الأرض مراجعتهم فيما
يراجع فيه المالك المعين ".
وفيه: أن هذا الوجوب لا وجه له، لتمسك كل منهم بأصل البراءة السالم
عن معارضة باب المقدمة في الفرض المعلوم عدمها فيه، فالمتجه حينئذ إزالته نفسه
192

عن ملكه بعد مراجعة الحاكم، أو بدونه، ولكن يسلم المال للحاكم.
{ولو لم يكن محصورا ففي المسالك أيضا " كان بمنزلة اللقطة " وفيه: أنه
إلى مجهول المالك أقرب منه إليها، لعدم تحقق كونه مالا ضايعا، ولو بقرينة، بل
هو كالثوب الذي أطارته الريح.
{ولو كان قليلا لا يتمول كنواة واحدة وحبة كذلك والمالك معلوم،
احتمل بعضهم عدم وجوب رده، وأن له تملكه، لانتفاء حقيقة المالية فيه، والتقويم
إنما حصل في أرضه، وفيه: أنه مناف لأصول المذهب وقواعده المقتضية وجوب رده
إلى صاحبه على حسب ما تقدم، وبذلك كله بان لك الحال في جميع أطراف
المسألة.
نعم بقي شئ وهو أنه لم أجد أحدا احتمل هنا وجوب الانتظار في الزرع
الذي له أمد، ولا دفع الأرش فيه أو في الشجر كما ذكروه في العارية ونحوها، بل
صريح بعضهم عدمه، مع أنك قد سمعت أن بناء ذلك في العارية على تزاحم الحقوق
وعدم كونه ظالما في عرقه، وإلا فالإذن له يجوز له الرجوع فيها، لأنها حصلت في
ضمن عقد جائز.
وإجراء قاعدة تزاحم الحقوق، ومراعاة الأكثر ضررا، والقرعة ونحوها في
المقام إن لم يكن أولى من ذلك المقام، فهو مساو له مثل دابة وضعت رأسها في قدر
شخص أو دخلت دار الغير فاحتاج اخراجها إلى خراب الباب مثلا ونحو ذلك.
فلا بد من ملاحظة الفرق بين المقامين، ولعله قاعدة أخرى وهي وجوب
تخليص ملك الغير عما اشتغل فيه من ملك آخر والله العالم.
المسألة * (الخامسة
لو نقصت} العين المستعارة {ب‍} سبب {الاستعمال} المأذون فيه {ثم
تلفت وقد شرط ضمانها ضمن قيمتها يوم تلفها} كما عن المبسوط والتذكرة والمختلف
والحواشي {لأن النقصان المذكور غير مضمون} في نفسه ولا مندرج في اطلاق
193

الضمان المشترط.
نعم لو نص عليه في الشرطية اتجه ضمانه، ولا ينافي تبرع العارية، ضرورة
عدم كونه ضمانا للمنفعة، بل هو شئ وهي شئ آخر، والمنافي للعارية اشتراط
ضمانها لا ضمانه، بل لعله كذلك وإن كان من لوازم الاستعمال.
لكن لو فرض اتحاد الانتفاع بالعين مع النقص الحاصل منه بمعنى كون المنفعة
المأذون فيها هي نفس النقص المزبور، اتجه حينئذ عدم صحة اشتراط ضمانه، إلا
أنه كما ترى مجرد تصور وهمي.
وعلى كل حال فالتردد في ضمانه في صورة اطلاق من بعضهم - بل في جامع
المقاصد " لا أستبعد ضمانه، لأنه ليس من لوازم أصل الاستعمال، النقص، ولأنه
لا منافاة بين كون الاستعمال مأذونا فيه، والنقص مضمونا، وهذا قوي جدا " ونحوه
في المسالك.
بل عن فخر المحققين أنه الأصح بعد أن حكاه عن أبي علي، وأبي الصلاح -
في غير محله.
وخبر وهب (1) الذي ذكره بعضهم دليلا لذلك عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " إن
عليا عليه السلام قال: من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن، ومن استعار حرا
صغيرا فهو ضامن " المحمول على المضمون بالشرط، أو التعدي أو التفريط.
مع أنه مؤل ظاهر في غير محل الفرض الذي هو النقصان الناشئ من نفس
الاستعمال، كانمحاق الثوب ونحوه، لا اتفاق تلف بعض أجزائه بحرق ونحوه، فإنه
لا شك في اندراجه في اطلاق الضمان المشترط الذي هو الجملة والأجزاء كما هو
واضح.
وحينئذ لا فرق في عدم ضمانه بين تلف العين وبين ردها ناقصة.
ومن الغريب ما يظهر من بعض الكلمات من الفرق، فإنه لا وجه له، كما
أنه لا وجه للفرق بين المقام، وبين الضمان بالتعدي والتفريط ثم تلفت بعد نقصها

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام العارية الحديث 11.
194

بالاستعمال بعد ذلك، فإنه لا يضمن إلا القيمة يوم التلف، لعدم انفساخ العارية
بذلك، فهو حينئذ مأذون فيتبعه النقص الحاصل منه، فما عن بعضهم من الفرق في
غير محله.
نعم يضمن النقص الحاصل من التعدي نفسه الذي لم يأذن فيه، وكذا التفريط
وأما الحاصل بعد العود إلى استعمال العارية المأذون فيها فلا، وإن كانت العين مضمونة
في يده لكن قيمتها. هذا.
ولا يخفى عليك أنه حيث يضمن النقص الحاصل من الاستعمال فلا بد من
ملاحظته من حين القبض إلى حين التلف، لمكان ذهاب الأجزاء على التدريج كالثوب
يلبس وينمحق شيئا فشيئا كما هو واضح وقد وقع في بعض الكتب المتأخرة هنا ما
لا ينبغي أن يسطر فلا تغفل والله العالم.
المسألة * (السادسة
إذا قال الراكب} مثلا {أعرتنيها وقال المالك: آجرتكها فالقول قول
الراكب} مع يمينه، عند الشيخ وابن زهرة وأول الشهيدين والأردبيلي والخراساني
على ما حكي عن بعضهم {لأن المالك مدع للأجرة} والراكب ينفيها، فهو مع
أصل البراءة السالم عن معارضة الاقرار بالاستيفاء مثلا، بعد أن اتفقا على كونه
بالإذن التي تقع على وجوه، فهي أعم من الاستحقاق، فليس المالك حينئذ إلا مدعيا
صرفا.
{وقيل} كما عن ابن إدريس وإجارة المهذب، بل لعله المشهور لما ستعرف
من رجوع غيره إليه، {القول قول المالك في عدم العارية} التي ادعاها الراكب
{فإذا حلف} حينئذ {سقطت دعوى الراكب وتثبت عليه أجرة المثل لا المسمى}
الذي نفاه الراكب أيضا بيمينه، إذ هو منكر بالنسبة إليه.
ولا ينافي ذلك ثبوت أجرة المثل التي هي قيمة المنفعة التي قد اعترف باستيفائها
وهي كالعين بالنسبة إلى المالية، والأصل احترام مال المسلم كدمه وعرضه، بمعنى
195

الحكم بضمانه على من هو عنده، حتى يثبت ما يقتضي عدمه من عارية وإباحة
مجانية، ضرورة أن طيب نفسه شرط في حل ماله، والشك فيه شك في الشرط،
وهو الموافق لعموم (1) " من أتلف " (2) و " على اليد " وغيرهما، وعليه بني تقديم
قول مدعي القرض على مدعي القرض على مدعي الوديعة في صحيح إسحاق بن عمار (3) ومدعي الغصب
على مدعي العارية أيضا.
نعم تكون على الراكب أجرة المثل إذا صارت مساوية للمسمى أو أقل منه،
لا إذا كانت أزيد، لاعترافه حينئذ بدعواه المسمى بعدم استحقاقها، وإن انتفت
دعواه بيمين الراكب، لكن انتفاؤها بالنسبة إلى إلزامه بها، لا ما يعود منها إلى
المدعي الذي هو مقتضى التزامه باقراره.
ولا ينافي ذلك اطلاق المصنف أجرة المثل المنزل على مساواتها للمسمى غالبا
أو على إرادة بيان أصل ثبوت الأجرة أو نحو ذلك.
وبذلك ظهر انقطاع أصالة البراءة بالقاعدة المزبورة، كما أنه ظهر الجواب عن
اشكال استحقاق الأجرة بعد انتفاء دعواه الإجارة بيمين الراكب، باعتبار حصر
استحقاقه باعترافه بالإجارة المفروض انتفاؤها بيمين الراكب، إذ هو معارض أيضا
بانتفاء المجانية التي ادعاها الراكب باعتبار حصر سببها باعترافه بالعارية المفروض
انتفاؤها بيمين المالك، فلما انتفيا معا رجع الحاكم إلى أصل آخر يقتضي غرامة
الراكب، وهو أصالة ضمان مال الغير، فحكم بأجرة المثل غرامة، عوض منفعة مال
الغير التي اعترف باستيفائها.
ولا حرمة على المالك في قبضها، لعدم تضمن دعواه ما يقتضي حرمتها عليه،
حتى إذا ادعى كون المسمى عينا مخصوصة؟ فإن له أخذها حينئذ مقاصة، على
الوجه الذي ذكرناه.

(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار.
(2) المستدرك ج 2 ص 504.
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام الوديعة الحديث - 1.
196

وبه بان أن القول الآخر الذي ذكروه قولا ثالثا - وهو أن القول قول
المالك أيضا، ولكن يرجع بأقل الأمرين من المسمى وأجرة المثل لا أجرة المثل
مطلقا، كما في المتن - هو قول المصنف بعد تنزيل إطلاقه على ما عرفت.
كما أن المذكور قولا رابعا وهو التحالف، إذ قد يكون المسمى الذي
يدعيه المالك أزيد من أجرة المثل، فلا بد في نفيه من يمين الراكب، لا ينبغي أن
يكون قولا ليس كذلك، ضرورة أن ذلك راجع إلى المالك، إن أراده طالبه باليمين
المحتمل نكوله عنها، لا أن الحكم له بأجرة المثل موقوف على ذلك، فإن له
عدم الدعوى، وإسقاط حق اليمين الذي له، والمطالبة بأجرة المثل التي هي مقتضى
حلفه على نفي العارية، ويكفي ذلك في إلزام الراكب بها.
فليس حينئذ في المسألة إلا قولان، منشؤهما ثبوت الأصل المزبور وعدمه،
والظاهر أنه مفروغ منه في غير المقام، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأفراد
المسألة في الأبواب المتفرقة.
نعم يحكى عن الشيخ قول ثالث، وهو استعمال القرعة في تعيين المنكر منهما
فيكون القول قوله بيمينه، لكنه كما ترى، خصوصا إذا أراد ذلك حتى بالنسبة إلى
اثبات المسمى الذي ادعاه المالك، على أن مورد القرعة المشكل، ولا اشكال بعد
القاعدة المزبورة.
وأغرب منه ما يحكى عن غيره من الحكم بأجرة المثل بلا يمين من المالك على
نفي العارية، ولا من الراكب على نفي الإجارة، لكن ظني أنه اشتباه من الحاكي
ضرورة انحصار سقوط الدعوى بالبينة واليمين.
{و} على كل حال فلا ريب في أن القول الثاني {هو الأشبه} بأصول
المذهب وقواعده التي قد عرفت أن منها أصالة عدم خروج مال المسلم من يده إلا
بقوله، ولا فرق في التنازع بينهما بين أن يكون بعد مضي مدة الإجارة المدعاة،
أو في أثناءها، وإن وجب في الثاني، أقل الأمرين من قسط المسمى وأجرة المثل،
كما أنه لا فرق فيه بين بقاء العين وتلفها، لأنها إن كانت باقية ردها على المالك
197

مع الأجرة المزبورة.
لكن في المسالك " أن في انتزاع العين بناء على الاكتفاء بحلف المالك على
نفي الإعارة، وكون النزاع في الأثناء نظر، من انكار المستعير الإجارة، وإذن
المالك على وجه التبرع قد انتفى بإنكاره، فيرتجع، ومن اعتراف المالك بعدم استحقاقه
ارتجاعها إلى أن تنقضي المدة التي يدعيها.
قال: وهذا مما يؤيد القول بالتحالف، لأن هذا نزاع آخر لم يتحرر من
يمين المالك، كالنزاع في الزايد من المسمى ".
وفيه أنه على تقدير التحالف وعدمه ليس له انتزاع العين إلا من باب المقاصة
التي ينبغي مراعاة نسبة أجرة المثل فيها مع المسمى الذي يدعيه على الراكب،
ضرورة عدم اقتضاء التحالف الانفساخ واقعا، فله حينئذ انتزاعه عنه بعد انتفاء دعوى
الراكب على كل تقدير، وأما الزايد من المسمى فقد عرفت انحصار الحق فيه به
فله الدعوى، وله تركها كما هو واضح.
وإن كانت العين تالفة، فحكم الأجرة ما ذكر، وأما العين فإن كانت أمانة
كما لو كانت الإعارة التي يدعيها الراكب غير مضمونة، فلا شئ على الراكب،
لاتفاقهما على كونها في يده أمانة إما بالإجارة أو بالإعارة.
وإن كانت مضمونة ففي المسالك " أن مدعي الإعارة يعترف بثبوت القيمة في
ذمته، والمالك ينكره، لعدم اقتضاء الإجارة الضمان، فيتوقف إلى أن يتفقا عليه ".
قلت: الظاهر أن له المقاصة بما أخذ منه من أجرة المثل، والزايد يجب
عليه التوصل إلى إيصاله إلى بأحد الطرق الممكنة، هذا كله فيما لو كان الاختلاف
بعد مضي المدة أجمع، أو البعض الذي يكون له أجرة مثل.
{و} أما {لو كان الاختلاف عقيب العقد من غير انتفاع} فلا خلاف ولا
إشكال في أنه {كان القول قول الراكب} في عدم الإجارة {لأن المالك يدعي
عقدا وهذا ينكره} والفرض عدم دعوى من المالك في استيفاء منفعة، فليس حينئذ
198

إلا دعواه أن له أجرة عليه، والراكب ينكره، والأصل براءة ذمته، فيكون القول
قوله، كما هو واضح.
ولو انعكست الدعوى بأن ادعى المالك الإعارة المضمونة، والراكب ادعى
الإجارة، والفرض تلف العين، فإن اتفقت الأجرة والقيمة أخذها المالك بغير يمين
وإن زادت القمية أخذها باليمين، بناء على ما عرفته من الأصل المزبور.
وهذا غير دعوى الضمان في العارية بعد اتفاقهما عليها، لأن الأصل عدم
الاشتراط هناك فيتحقق حينئذ من المالك ما لا يترتب عليه ضمان، بخلافه في الفرض
الذي بعد التحالف يبقى أصالة احترام مال المسلم.
كذا لو كان الاختلاف بينهما في المضمون عارية بالذات كالذهب فادعاها
المالك وادعى الآخر أنه إجارة، بل هو أوضح، ولو فرض عدم تلف العين انتزعها
المالك باليمين، وليس له عوض المنفعة شئ لاعترافه بالعارية، وإن وجب على الآخر
ايصال الأجرة أو القسط إليه بأحد الطرق كما هو ظاهر والله العالم.
المسألة * (السابعة:
إذا استعار لينتفع به في شئ فانتفع به في غيره} مما لا تدل عليه إذن المعير
{ضمن} العين لتعديه المقتضي لذلك، {فإن كان له أجرة لزمته أجرة مثله}
التي هي القيمة للمنفعة المفروض استيفاؤها بدون إذن المالك، بل في المسالك " من
غير فرق بين كون المنفعة التي استوفاها أشق من المأذون فيها ومساوية وأدنى إذا
كانت مخالفة لها في الجنس، ولو اتفقا في الجنس كأنواع الزرع وفيه ما مر من
الاشكال ".
قلت: قد عرفت فيما تقدم من المصنف في الفصل الثالث التصريح بعدم جواز
الزرع في الأرض المستعارة للغرس وإن كان أقل ضررا، مضافا إلى إطلاقه في المقام
وفي المزارعة التصريح بجواز زرع الأقل ضررا، ولعله في الإجارة كذلك، بل
أولى.
199

وكان وجه الفرق بين العارية والإجارة مثلا أن مقتضى الثانية ملك المنفعة،
وهو إنما يتشخص بما يقتضي تنويعه، كالركوب والتحميل ونحوهما إلا مع الشرط
فيجب حينئذ من حيث الاشتراط لا من حيث ملك خصوص تلك المنفعة.
فلو استأجر دارا مثلا لربط دابة مخصوصة فماتت تلك الدابة لم تبطل الإجارة
بل له ربط غيرها فيه مما هي أقل ضررا أو مساويا، وكذا ركوب الدابة وسكنى
الدار ونحو ذلك، ضرورة اقتضاء الملك ما ذكرناه مما لا خصوصية فيه إلا مع
الشرط فإنه يكون حينئذ نحو اشتراط المباشرة في الأجير المقتضية انفساخ العقد
بفواتها.
أما العارية فهي ليست إلا إباحة لا فرق فيها بالنسبة إلى ذلك، فمع فرض
الاقتصار فيها على شئ مخصوص بحيث لا ينقل منه إلى غيره لم يجز له التعدي، ولو
إلى الأقل من الجنس، فضلا عن غيره، ولعله لذا أطلق المصنف هنا فتأمل جيدا
والله العالم.
المسألة * (الثامنة:
إذا جحد العارية} بعد طلب المالك لها {بطل استيمانه، ولزمه الضمان مع
ثبوت الإعارة} بل وبدون طلبه كما عرفت الكلام فيه مفصلا في الوديعة، فإن
المسألة من واد واحد والله العالم.
المسألة * (التاسعة:
إذا ادعى التلف فالقول قوله مع يمينه} لأن ذلك مقتضى ايتمانه كما عرفته
مفصلا في الوديعة، وكذا في عدم التفريط والتعدي {و} أما {لو ادعى الرد
فالقول قول المالك مع يمينه} لقاعدة " البينة على المدعي واليمين على من أنكر "
والايتمان لا يقتضي تصديقه في الرد، وقبوله في الوديعة للنص، لا لذلك، ولا لأنه
قبض لمصلحة المالك بخلافه هنا، وإلا لاقتضى في الوكيل بدون جعل ذلك، فالعمدة
حينئذ ما ذكرناه كما أوضحناه في الوديعة والله العالم.
200

المسألة * (العاشرة: لو فرط في العارية} أو تعدى {وتلفت كان عليه قيمتها عند التلف إذا لم
يكن لها مثل} وإلا كان عليه مثلها، {وقيل أعلى القيم} السوقية {من حين
التفريط إلى وقت التلف} أخذا له بأشق الأحوال كالغاصب الذي فيه مع ذلك أقوال
أخر أيضا.
{و} لكن لا ريب في أن {الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده، لأنه
وقت اشتغال الذمة بالعوض الذي هو بدل العين، ورده قائم مقام ردها. نعم لو كان
التفاوت في القيمة لنقص في العين اتجه الضمان حينئذ كما هو واضح.
{ولو اختلفا في القيمة كان القول قول المستعير} مع يمينه في نفي الزايد
الموافق لأصالة البراءة، {وقيل القول قول المالك} أخذا له أيضا بأشق الأحوال
وتحصيلا للبراءة اليقينية، {و} لكن {الأول أشبه} بأصول المذهب وقواعده
فإنه لا دليل على أخذه بأشق الأحوال على وجه يشمل المقام، والشغل بغير ما اعترف
به المستعير لم يثبت كما هو واضح. والله العالم.
المسألة * {الحادية عشر:
إذا قال: أعرتك حماري} مثلا لتعيرني فرسك} ففي القواعد والتذكرة
والإيضاح وجامع المقاصد كما عن بعضها أن {الأقرب الجواز} لكونه شرطا
يقبله عقدها، لا عوضا، فلا ينافي التبرع المعتبر فيها، إنما المنافي له أعرتك
هذا بهذا.
وفيه منع، إذ ليس في الأدلة ما يقتضي اختصاص المنافاة بمثل العوض لا الشرط
بل المفهوم منها أنها نوع من البر والمعاونة والاحسان ونحو ذلك مما ينافيه ذكر
العوض ولو على طريق الشرط، نحو أعرتك كتابي لتهبني عشرة دراهم مثلا، بل لا
فرق فيه بين اشتراط استحقاقه بعقد آخر كهبة وعارية ونحوهما، وبين استحقاقه في
عقدها، ضرورة منافاته للتبرع المزبور، كما هو واضح.
وعلى كل حال فعلى الصحة لا يجب على المستعير عارية ما اشترطه المعير،
201

لأنه شرط في عقد جايز، كما لا يجب على أحدهما أجرة.
نعم في الكتب الأربعة أنه لو لم يعر الثاني فالأقرب أن له الأجرة.
وفي الثاني منها تعليله بأن الإذن في الانتفاع لم يقع مطلقا، بل مع سلامة النفع
فإذا لم يسلم كان له المطالبة بالعوض.
وفي الثالث منها بأن كل شرط صح في عقد يثبت الفسخ بفواته، فإذا فسخت
العارية انتفى مبيح العين بغير عوض، فوجبت الأجرة.
وفيه أن ذلك إن تم فإنما يؤثر فيما سيأتي، أما ما سبق من الانتفاع قبل
الفسخ فلا.
وقد أطال في الرابع منها في ذلك حتى جعل التحقيق في ذلك ما حاصله، أن
عقد العارية في غاية الضعف، ولذا يعول فيه على قرائن الأحوال كظروف الهدايا، وثمرته
في غاية الضعف، وهي الإباحة فتنتفي ثمرته بأدنى سبب، وهو انتفاء الشرط، لا أن
انتفاءه يسلط على الفسخ، كما في العقد اللازم القوي الذي ثمرته التمليك مثلا
واللزوم، فإن انتفاء الشرط فيه يسلط على فسخ اللزوم، بخلاف عقد العارية المطلوب
فيه مجرد الإباحة، فليس الشرط فيه إلا شرطا للإباحة، فإذا انتفى انتفت.
وهو كما ترى مرجعه إلى تعليق الإذن في المنفعة الخاصة على الشرط المزبور
فحيث يحصل تحصل، وإن انتفى انتفت، فهو تعليق محض لا يجامع صحة العقد، وخصوصا
إذا كان المعلق عليه العارية في الزمان المتأخر مثلا، فإن استيفاء المنفعة الآن قبل مجئ
المعلق عليه بالإذن التي هي مقتضى صحة العقد، فلا تتعقبه أجرة، وإلا لم يصح
الانتفاع، ودعوى البقاء مراعى كما ترى.
وبذلك بان لك أنه ليس بشئ، فضلا عن أن يكون تحقيقا، فالمتجه حينئذ
على الصحة عدم استحقاق الأجرة وإن لم يعر الثاني، لعدم كونه مستحقا عليه بعقد
لازم كما هو واضح.
نعم لو قال أعرتك الدابة بعلفها، أو أعرتك الدابة بعشرة دراهم كان عارية
فاسدة، واستحق حينئذ أجرة المثل، لأن المالك لم يبذل المنفعة مجانا، ولا ينافي
202

ذلك كون العارية من العقود التي لا يضمن بصحيحها، لما عرفت سابقا من أن هذه
القاعدة تتبع الأدلة في كل مقام، على أن الظاهر إرادة غير هذه الجهة من الفساد،
نحو ما قيل في الفساد بعقد المعاوضة إذا كان باشتراط عدم العوض، مثل بعتك بلا
ثمن، وآجرتك بلا أجرة.
بل قد يقال: إن المراد منها ما لا ينافي المقام من إرادة خصوص الأفراد، و
لا ريب في الفرض أن العارية لو كانت صحيحة فيه لترتب العوض فليكن كذلك على
الفساد، فيكون ما نحن فيه مما يضمن على تقدير صحته وشرعيته، فيضمن على
تقدير فساده وعدم شرعيته، وإن كان ذلك كما ترى.
وعلى كل حال فما في القواعد من أن ذلك إجارة فاسدة، لا عارية فاسدة
خروج عن حقيقة اللفظ بلا قرينة، فالمتجه ما قلناه، والله العالم والموفق والمؤيد
والمسدد والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.
203

{كتاب الإجارة}
التي هي على نحو ما سمعته في لفظ البيع من أن الأصح كونها نقل المنفعة،
لا العقد، ولا الانتقال كما عرفته، وأحسن تعريف لها " أنها ما شرعت لنقل المنفعة
بعوض من آخر ولو حكما " فإنه مع خلوه عن ذكر الشرائط ونحوها - فيه مما
لم ينتف المحدود بانتفائها، وعن ذكر لفظ الإجارة ونحوه مما يستلزم الدور -
شامل للمعاطاة فيها، بناء على كونها إجارة، وللصحيح منها والفاسد، فإنها للأعم
منهما كغيرها من ألفاظ العقود، كما أنه لا حقيقة للشارع فيها، وإنما اعتبر في صحتها
أمورا، وإلا فهي باقية على معانيها الأصلية.
نعم قد يقال: في خصوص لفظ الإجارة بناء على عدم كونه مصدرا، بل بمعنى
الأجرة على ما صرح به بعضهم، بل لعله يظهر من مجمل ابن فارس.
بل قد يظهر - من اقتصاره في الصحاح على ذكر الأجر مصدرا لأجر، والإيجار
مصدرا لآجر ذلك أيضا - أنه منقول منه إلى النقل المزبور مع احتمال كونه مصدرا
سماعيا لأجر نحو كتب يكتب كتبا وكتابة، فيتحد حينئذ مع لفظ البيع وغيره
من أسماء العقود في استعمالها في معانيها الأصلية كما عرفت.
{و} على كل حال ف‍ {فيه فصول أربعة: الأول: العقد} أي عقد الإجارة
وهو اللفظ الانشائي الدال عليها {وثمرته} التي شرع لها {تمليك المنفعة}
المعلومة {ب‍} مقابلة تمليك {عوض معلوم} على وجه اللزوم {ويفتقر} في
تحقق مسماه {إلى إيجاب وقبول والعبارة الصريحة عن الايجاب} باعتبار وضعها
للدلالة عليه {آجرتك} وأكريتك هذه الدار مثلا {ولا يكفي} فيه {ملكتك}
بل هو مناف له ضرورة اقتضائه تمليك المنفعة، بخلاف ملكتك هذه الدار المفيد
204

تمليك نفس العين التي هي ليست موردا للإجارة.
{أما لو قال: ملكتك سكنى هذه الدار سنة مثلا صح} بناء على الاكتفاء
به في عقد البيع كما عرفت الكلام فيه وفي نظائره مفصلا، بل لا تبعد الصحة في
الأول أيضا مع قصد المنفعة المدلول عليه بقرائن حالية أو مقالية، بناء على الاكتفاء
في العقد بالمجازات غير المستنكرة فيه، كما لا يخلو من قوة عرفتها في باب البيع،
وتعرفها في النكاح فلاحظ وتأمل.
{وكذا} الكلام في {أعرتك} هذه الدار سنة بكذا مريدا بها معنى
الإجارة {لتحقق القصد} حينئذ {إلى} نقل {المنفعة} إذ لم يثبت اعتبار
لفظ خاص في العقد.
بل ظاهر ما وصل إلينا من الأدلة في المقام وغيره كالبيع والنكاح ونحوهما
التوسعة فيما يعقد به العقد، والاكتفاء بكل لفظ يدل على انشاء المراد به حقيقة،
أو مجازا غير مستنكر في أمثاله، وكفى بذلك قاطعا لأصالة عدم النقل وغيرها.
ولعل شهرة عدم عقد العقود اللازمة بالمجازات محمولة على المجازات المستنكرة
في مثل ذلك كاستعمال النكاح في البيع وبالعكس، لا مطلقا، كما لا يخفى على من
تصفح كلماتهم، ولعل من ذلك ما في المتن {و} غيره، بل عن التذكرة نسبته إلى
علمائنا ما {لو قال: بعتك هذه الدار ونوى الإجارة لم تصح وكذا لو قال: بعتك
سكناها سنة لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان} على وجه يستهجن استعماله في نقل
المنافع مجازا.
{و} لكن مع هذا فعن التحرير احتمال الانعقاد به بل في المتن {فيه
تردد} مما عرفت، ومن أن البيع يفيد نقلها تبعا للأعيان، بل لعل قيامه مقامها
أنسب من لفظ العارية الذي هو حقيقة في إباحة المنفعة مجانا، إلا أن الأصح العدم،
لاستهجان العقد بذلك في عرف المتشرعة كالعكس، أي عقد البيع بلفظ الإجارة.
{و} كيف كان ف‍ {الإجارة عقد لازم} بلا خلاف ولا إشكال، لأصالته
205

المستفادة من الآية (1) وغيرها ف‍} لا تبطل} حينئذ {إلا بالتقايل} المشروع
فيها وفي غيرها كما عرفته في محله، {أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ} التي ستسمع
تفصيلها إن شاء الله.
{ولا تبطل بالبيع} للعين المستأجرة، لعدم المنافاة بعد اختلاف متعلقهما.
نعم يتخير المشتري مع جهله بين الصبر إلى انتهاء مدة الإجارة، وبين الفسخ
باعتبار اقتضاء اطلاق العقد تعجيل التسليم للانتفاع كما هو الغالب، بخلاف العالم
بذلك فإنه لا خيار له، ولو اتفق فسخ المستأجر بأحد أسبابه عادت المنفعة إلى البايع
دون المشتري الذي قد استحق العين مسلوبة المنفعة إلى المدة.
وعلى كل حال فقد عرفت عدم بطلانها بالبيع لما سمعت، بل الظاهر ذلك حتى
لو كان المشتري هو المستأجر، فيجتمع حينئذ عليه الثمن والأجرة، وملك العين
إنما يستتبع ملك المنافع إذا لم يستوف ملكها بسبب آخر كما هو واضح.
{و} كذا {لا تبطل بالعذر} المانع من تمام الانتفاع المعدة له العين
{مهما كان الانتفاع} المقصود في الجملة {ممكنا} وإن تخير المستأجر مع
نقصان الانتفاع بين الفسخ والامساك بتمام الأجرة، كما أنها تبطل بتعذر أصل
الانتفاع، بل الظاهر بطلانها بتلف المنفعة المرادة منها كما لو استأجر أرضا للزراعة
فغرقت وأمكن الانتفاع بها بغيرها، ضرورة كون ذلك كتلف العين، وستسمع فيما
يأتي إن شاء الله اتمام الكلام فيه.
{وهل تبطل بالموت المشهور بين} قدماء {الأصحاب نعم} إذ هو خيرة
الشيخين في المقنعة والنهاية والخلاف وسلار وبني زهرة وحمزة والبراج وسعيد، بل
في الخلاف والغنية الاجماع عليه بل زاد في الأول نسبته إلى أخبار الفرقة.
{وقيل} والقائل الأكثر من أصحابنا على ما في مهذب القاضي {لا تبطل
بموت المؤجر وتبطل بموت المستأجر} وفي محكي المبسوط أنه الأظهر عند أصحابنا
بعد أن حكي عنهم الانفساخ بموت كل منهما، وهو كالمتدافع.

(1) سورة المائدة الآية - 1.
206

{وقال آخرون: لا تبطل بموت أحدهما وهو الأشبه} بأصول المذهب
وقواعده وأشهر بين المتأخرين بل هو المشهور بينهم، بل في المسالك نسبته إليهم أجمع
ولعله كذلك إلا ما سمعته من ابن سعيد، وما يظهر من تذكرة الفاضل من الميل إلى
الأول مع أن خيرته في باقي كتبه الأخير كابن إدريس، والمصنف والفخر والشهيدين
والآبي والسيوري، والصيمري والكركي والأردبيلي والخراساني على ما حكي عن
بعضهم، بل نسب إلى جماعة من القدماء كالإسكافي وأبي الصلاح بل في السرائر نسبته
إلى الأكثرين المحصلين، وفي المختلف أن أكثر الأصحاب لم يفتوا بالبطلان
هذا.
وظاهر المتن وغيره كصريح آخر انحصار الأقوال في الثلاثة، لكن في التذكرة
عن بعض علمائنا البطلان بموت المؤجر خاصة، إلا أنا لم نتحققه، واقتصار المرتضى
وابن الجنيد على ما حكي عنهما على ذكر عدم البطلان بموت المستأجر لا يقتضي
ذلك، بل لعلة يقتضي العدم مطلقا بضميمة عدم القول بالفصل، ولعله لذا نسب غير
واحد إليهما التسوية في عدم الانفساخ.
كما أنا لم نتحقق القول الثاني لأحد، وإن نسبه ابن البراج إلى الأكثر كما
عرفت، ونسبه غيره إلى الشيخ، لكن في نهايته وخلافه ما سمعت، بل في الأخير منهما
أنه قول شاذ لا يعول عليه، ويقرب منه ما في الغنية.
وأما مبسوطه ففيه الموت يفسخ الإجارة سواء كان الميت المؤجر أو المستأجر
عند أصحابنا، والأظهر عندهم أن موت المستأجر يبطلها، وموت المؤجر لا يبطلها
وفيه خلاف وهو كما ترى.
نعم عن كشف الرموز أنه قول ابن طاوس، ويمكن إرادته كالمحكي عن الأكثر
على فرض صحة الأجير الخاص، وقد ظهر بما ذكرنا انحصار الخلاف المعتد به في
القولين، الأول والأخير، ولا ريب في قوة الثاني لعموم " أوفوا " والاستصحاب وكون
الإجارة من العقود اللازمة التي شأنها عدم البطلان بالموت، وإطلاق ما دل على لزوم
207

الكري فيها كصحيح ابن يقطين (1) وغيره.
وقيل خصوص خبر أحمد بن إسحاق الرازي (2) " قال كتب رجل إلى أبي الحسن
الثالث عليه السلام، رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المواجر تلك الضيعة التي آجرها
بحضرة المستأجر ولم ينكر المستأجر البيع وكان حاضرا له شاهدا عليه فمات المشتري
وله ورثة هل يرجع ذلك في الميراث أم يبقى في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته
فكتب عليه السلام إلى أن تنقضي إجارته ".
وفيه إن ذلك غير ما نحن فيه، ضرورة كون الميت المشتري وهو غير مؤجر
ولا مستأجر، ودعوى قيامه مقامه بالنسبة إلى ذلك مخالف لظاهر كلام القائل، ولا
استبعاد في التزامه الفسخ بموت أحدهما، وإن خرجت المنفعة أو العين من أيديهما
بعقد لازم، إلا أنه بالنسبة إليهما خاصة لا يتعدى منه إلى العقد الذي قد صدر منهما
وكذا احتمال أن الوجه في ذلك اطلاق الجواب الذي هو مساق لغير ذلك.
نعم قد استدل عليه بخبر إبراهيم بن محمد الهمداني بل صحيحه (3) قال " كتبت
إلى أبي الحسن عليه السلام وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطي الأجرة
في كل سنة عند انقضائها لا يقدم لها شئ من الأجرة ما لم يمض الوقت، فماتت قبل
ثلاث سنين أو بعدها، هل يحب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة
منقضية بموت المرأة؟ فكتب عليه السلام: إن كان لها وقت مسمى لم تبلغه فماتت فلورثتها
تلك الإجارة، وإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئا منه فيعطي ورثتها
بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله ".
وفيه - مع كونه بعد التسليم ليس دالا إلا على بطلان القول بالانفساخ مطلقا
والقول به بموت المؤجر دون القول به في المستأجر خاصة، ضرورة كون المفروض

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب 24 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 5 وفيه كتبت إلى
أبي الحسن عليه السلام.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب الإجارة الحديث - 1.
208

فيه موت المؤجر.
اللهم إلا أن يتمم بوضوح ضعف القول المزبور - أنه مبني على إرادة مدة
الإجارة من قوله " وقت مسمى " بقرينة السؤال، وأن قوله " وإن لم تبلغ ذلك "
إلى آخره بيان للشرطية الأولى لا مقابل لها، وأن المراد من قوله " فيعطى ورثتها
بقدر " إلى آخره أنها تعطي بنسبة ما بلغت، فإن المعطي حينئذ بقدر ما لم تبلغ
لا بقدر ما بلغت، والجميع كما ترى.
ومن هنا احتمل في الرواية معنى آخر، وهو أن يكون المراد بالوقت النجم
المضروب لدفع أبعاض الأجرة، وهو انقضاء السنة، ويؤيده أن وقت الإجارة مفروض
في السؤال، فلا يقبل التشكيك والاحتمال حتى يشترط ذلك، وكذا عدم بلوغها
ذلك الوقت، بل قيل: إنه على هذا التقدير لا يلزم تفكيك في الوقت، فإن المراد
بالمتكرر منه معنى واحد، بخلاف الأول فإن الوقت في قول السائل أولا " ما لم يمض
الوقت " هو وقت دفع الأجرة لا وقت الإجارة.
وكذا قوله عليه السلام " إن كان لها وقت مسمى " فإن مدة الإجارة ليس لها،
وإنما عليها امضاؤها، بخلاف وقت أخذ الإجارة، وكذا حسن المقابلة بين الشرطين
فإن المراد من الأولى حينئذ موتها عند انتهاء النجم قبل أخذ الأجرة، والمراد من
قوله " لم تبلغه " أنها لم تبلغها أجرته، ومن الثانية موتها في أثنائه في الثلث أو النصف أو
غيرهما، ويكون قوله عليه السلام " فيعطي ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت " على ظاهره
وهو أن الورثة يعطون مقدار الأجرة الماضية دون الباقية، وعلى هذا فيكون مدلول
الرواية ضد المطلوب.
لكن في مصابيح العلامة الطباطبائي أن الظاهر هو المعنى الأول، وقوله
عليه السلام " إن كان لها وقت مسمى لم تبلغه " كالصريح في عدم بلوغ الوقت، والحمل على
عدم بلوغ الأجرة في غاية البعد، وفي بعض النسخ مكان لم تبلغه " لم تبلغ " والدلالة
فيه أظهر وأوضح، وحمل قوله " بقدر ما بلغت " على إرادة النسبة كما سمعت، ليس
بهذه المثابة من البعد.
209

ثم قال: ويحتمل عود الضمير في قوله " بلغت " إلى الورثة دون الامرأة
فيكون المراد بقية المدة التي صارت للورثة وفي قول السائل " هل يجب " إلى
آخره دلالة واضحة على إرادة المدة دون الأجل المضروب كدفع الأجرة، والأمر
في باقي القرائن هين ".
قلت: قد يقال: إنه ظاهر بالفسخ على تقدير الأول أيضا وذلك بأن يكون
المراد إن كان للإجارة وقت مسمى ولم تبلغه المرأة أي لم تبلغ شيئا منه بقرينة الشرطية
الثانية، على معنى أنها آجرت إلى مدة معلومة، فماتت حال الإجارة قبل أن تبلغ
شيئا من المدة، فالحكم فيه حينئذ أن لورثتها تلك الإجارة، على معنى أن لهم
امضاؤها أو فسخها، بناء على أن المراد من القول بالفسخ بالموت عدم لزوم الإجارة،
على الورثة نحو ما اعترف به القائل بالصحة فيما استثناه من هذه المسألة وهو إجارة
البطن الأول من الموقوف عليهم، وانتقل الوقف إلى البطن الثاني بموت الأولين
في أثناء الإجارة، فإن لهم الخيار في إنفاذ الإجارة الأولى وفسخها، وإن أبيت عن ذلك
باعتبار ظهور كلام القائل هنا في انفساخ عقد الإجارة وبطلانه بالموت على وجه لا تنفعه
إجازة الوارث، فيمكن أن يكون المراد أن الورثة إن شاؤوا آجروا، وإن شاؤوا
لم يوجروا.
وعلى كل حال فالمراد من الشرطية الثانية أنها إن لم تبلغ المرأة الوقت المسمى
ولكن بلغت ثلثه أو نصفه مثلا، فللورثة حينئذ من الأجرة مقدار ما بلغت الامرأة
من الوقت إن ثلثا فثلث، وإن نصفا فنصف، ضرورة أنه مقتضى انفساخ عقد الإجارة،
حتى لو اشترط على الامرأة تأخير الأجرة إلى تمام السنة مثلا كما هو مفروض
السؤال، لعدم تأثير الشرط بعد انفساخ العقد الذي ذكر فيه، وحينئذ تتضح دلالتها
على الانفساخ على هذا التقدير، بل هي كذلك أيضا على نسخة " لم تبلغ ".
بل لعل ما ذكرناه أولى مما سمعته، بل يمكن القطع بعدم إرادة ما ذكره في
تفسير يعطي ورثتها بقدر ما بلغت، على تقدير الدلالة على الصحة كما أنه يمكن
210

القطع بفساد تفسير لم تبلغه على التقدير الثاني، بأنها لم تبلغها أجرته، واشتمال السؤال
على ذكره مدة الإجارة، لا ينافي عدم ملاحظته في الجواب الذي أريد منه تفصيل
الحكم بحسب الأفراد، على أن ذلك وارد على تقدير إرادة الأجرة لا عقد
الإجارة.
وأظرف شئ استبعاد إرادة الإجارة من الجواب، بأنه ليس لها أي المرأة مدة
الإجارة وإنما عليها امضاؤها، ضرورة كون المراد من ضمير لها الإجارة،
لا المرأة، حتى يرد ذلك، على أن مدة الأجرة ليس لها أيضا بل عليها.
وعلى كل حال فلا ريب في ظهور الخبر المزبور في البطلان كما اعترف به
المجلسي فيما وجدته في حواشيه على هامش ما حضرني من نسخة الكافي، وفاضل
الرياض، وبذلك يقوى القول المزبور، خصوصا بعد الاعتضاد بما سمعته من الغنية
والخلاف، بل في التذكرة بعد حكاية ما في الخلاف قال: " ولا شك في عدالته وقبول
روايته مسندة، فتقبل مرسلة " قلت: مضافا إلى أن نقل العدل ما هو حجة من خبر
معتبر أو اجماع أو نحو ذلك حجة فتأمل.
على أنه لا معارض لذلك، سوى عموم أو اطلاق أو استصحاب أو نحو ذلك مما
يخرج عنه بأقل من ذلك، كقاعدة تسلط الملاك الذين منهم مالك المنفعة على
ملكهم، فلهم نقله مدة طويلة وقصيرة ونحو ذلك، وكان المتأخرين لم يقفوا على
الخبر المذبور، أو لم ينقحوا دلالته، ولذا لم يتعرضوا له.
ومن هنا يضعف الاعتماد على شهرتهم على أنها - مع خروج ابن سعيد منهم
والفاضل في التذكرة - معارضة بما عرفت، من كون البطلان مذهبا لمن سمعت.
ولا ينافي ذلك ما سمعته من المبسوط، فإنك قد عرفت تدافعه، على أنا لم نتحقق
ما حكاه عنهم من كون الأظهر عندهم التفصيل المزبور.
ومن الغريب ما في الرياض من دعوى معارضة الاجماعين المزبورين بما في
المبسوط من الاجماع على التفصيل، مشيرا به إلى ما سمعته من عبارته التي هي مع
تدافعها وعدم الإشارة فيها إلى الاجماع لم نتحقق ما حكاه فيها من أظهرية التفصيل
211

عندهم كما أنا لم نتحقق نسبة ابن البراج له إلى الأكثر، فإنه لم نعرفه قولا
لأحد معلوم.
وكذا ما حكاه ابن إدريس عن الأكثرين المحصلين من القول بالصحة مطلقا،
فإنه لم يعرف لأحد ممن تقدمه، سوى ما يحكى عن ابن الجنيد والمرتضى وأبي
الصلاح، مع أنه لا صراحة في كلام الأولين منهم، لاقتصاره على عدم الانفساخ بموت
المستأجر.
اللهم إلا أن يتمم بعدم القول المعتد به في الصحة بذلك، لكنه قد يمنع الاتمام
بذلك على وجه يحصل منه الاجماع المركب، خصوصا في أمثال القدماء الذين هم
مبدء الأقوال، ومع التسليم فهم محجوجون بما عرفت.
نعم لا دلالة في خصوص الخبر على الفسخ بموت كل منهما، بل أقصاه الفسخ
بموت المؤجر، إلا أنه يمكن تتميمه بعدم القول المعتد به في الفصل بينهما في
ذلك كما عرفت.
لكن ومع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، كما أنه لا ينبغي تركه فيما
لو آجر الولي، ولو الشرعي، أو استأجر للمولى عليه، فمات هو، فإن الفسخ بموته
حينئذ وإن قلنا به في غيره لا يخلو من إشكال بل منع بل قد يحتمل عدم الفسخ
أيضا بموت المولى عليه أيضا، اقتصارا فيما خالف الأصل على محل النص الذي هو
المنساق من معقد الاجماعين والفتاوى.
وكيف كان فقد استثنى القائل بعدم الانفساخ موت الأجير الخاص، والموقوف
عليهم، ومن اشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، والمراد بالأجير الخاص من آجر
نفسه على أن يعمل بنفسه عملا مخصوصا، ولا ريب في انفساخ الإجارة بموته إذا
فرض تعلقها بعمله المخصوص، لا عمل كلي في ذمته واشترط عليه أداؤه بنفسه، فإن
المتجه حينئذ ثبوت الخيار للمؤجر بتعذر الشرط، لا الانفساخ، ومنه يعلم المناقشة
في الثالث.
أما الثاني فالظاهر أن للبطن الثاني إنفاذ إجارة البطن الأول وعدمه، فهو
212

شبه الفضولي بالنسبة إليهم، لا الانفساخ والبطلان كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله.
نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يكن المؤجر ناظر الوقف لمصلحة الوقف ولو الشرعي،
فإن الظاهر مضيه على البطون المتأخرة، باعتبار ولايته على ذلك، فهو بمنزلة
إجارتهم، وإن احتمل فيه الانفساخ أيضا.
لكنه ضعيف كضعف احتمال مضي إجارة البطن الأول على البطون
المتأخرة، باعتبار كون المنفعة ملكا لهم، فهو كالعين المملوكة التي يؤجرها مالكها،
زايدا على أيام حياته.
وفيه ما لا يخفى من وضوح الفرق بين الأمرين، فإن الموقوف عليهم يتلقون
الملك من الواقف، وليس للبطن الأول منه إلا أيام حياتهم، بخلاف العين المملوكة
غير الوقف، فإن مالكها يملك منفعتها إلى آخر الأبد على حسب ملكية العين،
وإن زالت بموت ونحوه، فينتقل منه حينئذ إلى ورثته، فله اخراج المنفعة عن
ملكه زايدا على أيام حياته، لأنها من أملاكه، والناس مسلطون على أموالهم،
فتنتقل إلى الوارث مسلوبة المنفعة، أما الموقوف عليهم فملكهم الذي جاء إليهم من
قبل الواقف مقيد.
فمن الغريب اشتباه بعض علماء العصر في ذلك، مع أني لم أجد من وافقه عليه
نعم ذكره بعض الأصحاب احتمالا، وليته لم يذكره، وكذا تنفسخ لو كان المؤجر
موصى له في المنفعة مدة حياته فمات في أثنائها لانتهاء استحقاقه والله العالم.
{و} على كل حال فضابط مورد الإجارة أن {كلما صح إعارته} من
حيث كونه عينا ينتفع به مع بقائه {صح إجارته} بلا خلاف أجده فيه نقلا
وتحصيلا بل اجماعا كذلك، لما تقدم في العارية من أن العين المستعارة هي كلما
يصح الانتفاع به مع بقاء عينه، كالثوب والدابة ونحوهما، وذلك بعينه مورد الإجارة
عرفا، ولغة التي هي المستعملة في نقل المنافع في مقابل نقل البيع الأعيان، فينصرف
الأمر بالوفاء بالعقود وغيره من اطلاق كل منهما إلى ذلك، فلا دليل حينئذ على
213

صلاحية نقل البيع للمنفعة، والإجارة للعين، كي يخرج به عن مقتضى أصالة عدم
الانتقال ونحوها.
ولا يقدح في هذا الضابط جواز عارية المنحة للحلب دون الإجارة له، عكس
المرأة للرضاع بعد أن كان ذلك بالدليل، مع امكان منع كون الأول عارية حقيقة،
بل هو إباحة كغيرها من إباحات إتلاف الأعيان، وجواز المنحة أعم من كونه عارية
وإمكان منع نقل عين اللبن بها في الثاني، وإن استلزم الارضاع الذي هو عمل محض
إتلاف اللبن.
كما لا يقدح لذلك أيضا جواز نحو استيجار الحر، دون عاريته، في العكس
المستفاد من الكلية المزبورة، ولو بقرينة إرادة ضبط مورد الإجارة منها، ولا يتم
إلا بكلية العكس، على أن المراد بالضابط المزبور من حيث كونه عينا ينتفع بها مع
بقائها، فلا يقدح وجود مانع آخر للعارية أو الإجارة كما هو واضح.
نعم لا شئ مما لا تصح إعارته لعدم كونه عينا ينتفع بها تصح إجارته، بلا خلاف
أجده فيه أيضا، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى أصالة عدم الانتقال بعد معلومية
كون موردها غير ذلك عرفا ولغة على وجه تنصرف الأدلة إليه، فلا شمول في شئ
منها حينئذ كي يعارض الأصل المزبور.
{و} أما {إجارة المشاع} فهي {جايزة} عندنا {كالمقسوم} كما
في المسالك والروضة، لعموم (1) " أوفوا بالعقود " وخصوص إطلاقات الإجارة، و
استيفاء المنفعة ممكن بموافقة الشريك.
نعم لا يسلم العين إلا بإذنه، ولو أبى رفع أمره إلى الحاكم، كما إذا تنازع
الشريكان، والإشاعة لا تنافي معلومية المشاع بحسب حاله، ولذا جاز وقوع البيع عليه
وغيره من العقود، ولا فرق في صحة إجارته بين العلم بإشاعته والاقدام عليها، و
بين الجهل بذلك، كما إذا أقدم على استيجار الكل مثلا، فبان عدم استحقاق المؤجر
أزيد من النصف، ولم يجز المالك، وإن كان للمستأجر حينئذ خيار تبعيض الصفقة،

(1) سورة المائدة الآية - 1.
214

والتعيب بالشركة كما هو واضح والله العالم.
{والعين المستأجرة أمانة} لغة وعرفا ضرورة كون الاستيلاء عليها بإذن
من المالك أو من يقوم مقامه، بناء على تحقق صدق الأمانة بذلك ف‍ {لا يضمنها}
حينئذ {المستأجر إلا بتعد أو تفريط} كما في كل أمانة، للأصل المستفاد من
السنة في عدة مقامات، والاجماع بقسميه، وبه يخرج عن عموم (1) " على اليد "
ولو كان شاملا للأمانة.
نعم لا ريب في الضمان ولا خلاف فيه بل الاجماع بقسميه عليه أيضا معهما،
مضافا إلى عموم النصوص نحو من أتلف و " على اليد " ونحوهما.
وخصوص صحيح علي بن جعفر (2) عن أخيه عليهما السلام " سألته عن الرجل استأجر
دابة فأعطاها غيره فنفقت فما عليه، قال: إن كان اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن
لها، وإن لم يسم فليس عليه شئ ".
وفي آخر (3) في المتعدى في البغل " أرأيت لو عطب البغل أليس كان يلزمني،
قال: نعم قيمة البغل يوم خالفته، قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر فقال:
عليك قيمة ما بين الصحة والعيب يوم ترده عليه ".
وفي صحيح الحلبي (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تكارى دابة إلى مكان
معلوم فنفقت الدابة، قال: إن كان جاز الشرط فهو ضامن، وإن دخل واديا ولم
يوثقها فهو ضامن، وإن سقطت في بئر فهو ضامن، لأنه لم يستوثق منها " إلى غير ذلك
من النصوص الدالة على ذلك.
بل وعلى الحكم الأول بمقتضى المفهوم، كبعض النصوص (5) المشتملة على
تعليل عدم ضمان العارية بالأمانة، والواردة في عدم ضمان الأجير (6) ما يتلف

(1) المستدرك. ج 2 ص 504.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 - 3.
(4) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 - 3.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام العاربة.
(6) الوسائل الباب - 32 - من أبواب أحكام الإجارة.
215

في يده إذا كان أمينا، ونحو ذلك مما يستفاد منه الأصل المزبور في الأمانة الذي
مقتضاه هنا عدم الفرق بين التلف في المدة وبعدها، إذا لم يحصل منه منع للمؤجر
عن عينه إذا طلبها، بل خلى بينه وبينها، ضرورة كونها أمانة أيضا في هذا الحال،
فيجري عليها الحكم السابق، للاستصحاب واطلاق أدلة الأمانة.
ودعوى - كونها أمانة شرعية حينئذ فيضمنها مع الاخلال بالرد فورا -
يدفعها بعد التسليم منع وجوب الرد عليه على وجه تكون المؤنة عليه، بل أقصاه وجوب
التمكين والتخلية بينها وبين المالك، فما عن الإسكافي والطوسي من اطلاق الضمان
بعد المدة واضح الضعف، خصوصا بعد أخصية الدليل المزبور عن الدعوى كما هو
ظاهر.
اللهم إلا أن يقال: إن الأصل ضمان مال الغير إلا ما خرج بعنوان شرعي،
كاللقطة والوديعة ونحوهما، وليس للأمانة مصداق عرفي زائد على الوديعة، وما
ورد من التعليل بالأمانة في غيرها - يراد به كالأمانة في الحكم والإذن الشرعي
بل والمالكي - إذا لم تندرج في عنوان نفي عنه الضمان - لا يقتضي عدمه، كما لا
يخفى على من لاحظ استقراء الموارد من المقبوض بالسوم والطبيب والبيطار، وغير
ذلك.
والعين المستأجرة في المدة غير مضمونة إلا بالتعدي أو التفريط، أما ما بعدها
فيبقى على قاعدة الضمان، اللهم إلا أن يدعى أنه شامل لهذا الحال، ولو للزومه له
في العادة. ولكنه لا يخلو من تأمل والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {في اشتراط ضمانها من غير ذلك} أي التعدي والتفريط
{تردد} ينشأ من قاعدة " المؤمنون " وإطلاق أدلة العقود، والإجارة، ومن
منافاته لمقتضى العقد أو الأمانة {أظهره المنع} بل هو الأشهر، بل المشهور بل
في جامع المقاصد باطل قطعا، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن الأردبيلي و
الخراساني من الميل إلى الصحة، وتبعهما في الرياض تمسكا بالعموم المزبور مع
ضعف المعارض، لمنع منافاته على اطلاقه، بل هو حيث لم يكن هناك شرط.
216

والخبر (1) رجل استأجر سفينة من ملاح فحملها طعاما فاشترط عليه إن نقص
الطعام فعليه، فقال: جايز، قلت: إنه ربما زاد الطعام قال: فقال: أيدعي الملاح أنه
زاد فيه شيئا؟ قلت لا، قال: لصاحب الطعام الزيادة، وعليه النقصان إذا كان
قد اشترط عليه ذلك " وغيره مما دل على نحو ذلك.
وفيه: أنه وإن لم يكن منافيا لمقتضى العقد، إلا أنه مناف لمقتضى ما دل
على عدم ضمان الأمانة، الشامل بعمومه لحال الشرط، فيكون التعارض بينه وبين
المؤمنون من وجه.
ولا ريب في أن الترجيح للأول بالشهرة والأصل وغيرهما، بل قد يمنع
شمول الثاني لذلك، باعتبار ظهوره في كونه ملزما كالنذر والعهد، لا شارعا جديدا
نحو الصلح، فاثبات الضمان به - حينئذ مع أن أسبابه إنما تستفاد من الشرع - لا يخلو
من منع.
وحصوله في العارية بدليل خاص لا تقتضي ثبوته في المقام بعد حرمة القياس،
وإلا لاقتضى جواز اشتراط ضمان الوديعة ونحوها من الأمانات التي يمكن دعوى
معلومية خلافه من مذاق الشرع، واحتمال كون المراد من الضمان الالزام بأداء
مقدار مخصوص من ماله على تقدير التلف مثلا ولو من غير تعد ولا تفريط مخالف
للفرض، ضرورة كون المراد الضمان به على حسب الضمان بالتعدي والتفريط و
نحو هما من الأسباب الشرعية له، والبحث في صلاحية عموم المؤمنون لمثل ذلك.
وإما الخبر ونحوه فهو في ضمان من أخذ الأجرة، لا من دفعها، وستعرف
البحث فيه من دون شرط، فضلا عن الاشتراط، كما أن لتمام تحقيق الحال في عموم
" المؤمنون " وصلاحيته لتناول أمثال ذلك ولنتائج العقود محلا آخر والله هو العالم.
{وليس في الإجارة خيار المجلس} اجماعا بقسميه بل المحكي منهما مستفيض
أو متواتر، مضافا إلى قاعدة اللزوم السالمة عن المعارض هنا، بعد حرمة القياس عندنا،
.

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 مع اختلاف
يسير.
217

بل لا يجوز اشتراطه هنا وإن جوزناه في البيع، من غير اشتراط مدة لثبوته فيه
كذلك، أما معها فالظاهر الجواز، لكن يكون خيار شرط، لا مجلس، كما هو واضح.
نعم لا إشكال ولا خلاف في ثبوت خيار الشرط فيها، بل ربما استظهر من التذكرة
الاجماع عليه لعموم دليله، {و} حينئذ ف‍ {لو شرط الخيار لأحدهما أو لهما}
أو لأجنبي {جاز سواء كانت} الإجارة على عين {معينة كأن يستأجر هذا العبد أو
هذه الدار أو في الذمة كأن يستأجر ليبني له حائطا} خلافا لبعض العامة، فلم
يجوزه في المعينة ولا ريب في بطلانه، ضرورة كون الإجارة كالبيع بالنسبة إلى ذلك،
ولذا كان حكم الخيار الثابت فيها من الموت ونحوه كحكم الخيار فيه.
وقد تقدم في بحث الخيار من البيع تمام الكلام في أحكامه وأقسامه التي منها
خيار الشرط الذي من أفراده خيار المؤامرة، وخيار رد الثمن وغير ذلك مما هو
مذكور في محله، فلا حظ ما هناك كي تعرف ما يجري من ذلك هنا بل الظاهر جريان
خيار الرؤية والعيب والغبن والاشتراط وتبعض الصفقة، وتعذر التسليم والفلس
والتدليس، بل والشركة ولو في الأجرة، على معنى أنه إذا آجر داره مثلا بأجرة
معينة، وقبل القبض قد امتزجت بغيرها على وجه لا تتعين للاشتراك في الدليل،
بل وكذا خيار ما يفسد ليومه، أما خيار الحيوان فلا يجري فيها، وكذا خيار التأخير
ثلاثة أيام، مع احتمال جريان الأخير.
وبالجملة كل خيار في البيع كان دليله أو من أدلته خبر الضرار ونحوه، يتجه
جريانه، بخلاف ما اختص بدليل خاص لا يجوز التعدي عنه إلا بالقياس المحرم
عندنا.
نعم ربما يمر عليك في أثناء المباحث خيار لا يندرج في الخيارات المزبورة،
ولا بأس به بعد فرض قيام الدليل عليه لعدم الحصر العقلي ولا الشرعي فيها كما
هو واضح.
218

الفصل * (الثاني:
في شرائطها: وهي ستة) *
{الأول: أن يكون المتعاقدان} مالكين {كاملين} بالبلوغ والعقل و
الاختيار {جائزي التصرف} لعدم الفلس والسفه ونحوهما من أسباب الحجر،
{فلو آجر المجنون لم تنعقد إجارته} ولو أجاز وليه بعد ذلك، {وكذا الصبي
الغير المميز} بل {وكذا المميز}.
لكن في المتن هنا {إلا بإذن وليه} وهو مخالف لما تقدم له في البيع، بل
لم نعرف به قائلا قبله، وإن قال هنا أيضا. {وفيه تردد} فإنه غير خفي عليك
عدم خصوص دليل في المقام يصلح فارقا بينه وبين البيع، كما أنه لا وجه معتد به
للتردد في أصل ذلك في المقام وفي البيع، من غير فرق بين بلوغ الذكر عشرا عاقلا و
عدمه، لما تقدم هناك فلاحظ كي تعرف ما هنا.
بل وتعرف المراد من شرطية مثل ذلك، فإنه بالنسبة إلى بعض، شرط صحة
فيفسد العقد بفقده، وبالنسبة إلى آخر شرط نفوذ العقد، فلا يفسد العقد حينئذ
بفقده آنا ما، بل تبقى قابلة للتأثير إلى آن حصوله، كما تقدم في عقد المكره والفضولي والسفيه والمفلس ونحوهم كما تقدم تفصيل ذلك كله في البيع الذي لم نعثر على
ما يصلح للفرق بينه وبين الإجارة في ذلك كله فلاحظ وتأمل.
الشرط {الثاني: أن تكون الأجرة معلومة بالوزن أو الكيل} أو العد {فيما
يكال أو يوزن} أو يعد {ليتحقق انتفاء الغرر} والجهالة المبطلة بالاجماع كما
في المختلف نحو ما سمعته في البيع الذي هو نحو الإجارة في ذلك وشبهه، وإن اختلفا
في نقل الأعيان والمنافع، وهو الحجة على اعتبار العلم المزبور، مضافا إلى ما في
المسالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن الغرر مطلقا وإن كنا لم نتحققه، إلا أنه منجبر
هنا بالعمل من الأصحاب.
{وقيل} والقائل جماعة كما في المسالك منهم الشيخ والمرتضى {تكفي
219

المشاهدة} في ارتفاع الجهالة والغرر، {وهو حسن} فيما ترتفع الجهالة والغرر
بها عرفا مما تكفي المشاهدة فيه لا مطلقا، ضرورة عدم كفايتها في مثل الموزون و
المكيل والمعدود، وإلا لكفت في البيع المعلوم اعتبار عدمهما فيه، على وجه يرتفع
معه النزاع والخطر، ويتحقق به صدق بيع المعلوم عرفا غير المجهول، إذ لا يكون
ذلك إلا بملاحظة ما أعد عرفا لرفع الجهالة، وتحقق العلم من الوزن والكيل و
العد فيما تعارف اعتبارها فيه.
ودعوى الفرق بين الإجارة والبيع بالنسبة إلى ذلك واضحة الفساد، بعد ما
سمعت من الاجماع وغيره، كدعوى كفاية المشاهدة فيهما، والتمسك بآية " أوفوا "
ونحوها من العموم يقضي بعدم اعتبار المشاهدة أيضا في الصحة الذي لا يقول به الخصم،
فإنه على الظاهر يبطل الإجارة مع الجهالة، لكن يدعى ارتفاعها بالمشاهدة، ودعوى
اعتبار ما يرتفع بالمشاهدة من الجهالة دون غيرها مجرد تهجس وتحكم هو واضح.
{و} كيف كان فلا خلاف كما لا اشكال في أنه {تملك الأجرة بنفس العقد} الذي
مقتضاه تبديل ملك بملك، فمع فرض جامعيته شرائط الصحة تترتب عليه آثاره التي
منها الملك في العوضين، لكن لا يجب تسليمها قبل المعوض الذي هو العين المؤجرة
أو العمل المستأجر عليه، على حسب الثمن والمثمن في البيع الذي قد عرفت تمام
الكلام فيه في محله.
فلو كان المستأجر وصيا لم يجز له التسليم قبله إلا مع الإذن صريحا من
الموصي، أو شاهد الحال، وإلا كان ضامنا حتى لو توقف الفعل على الأجرة، كالحج
وامتنع المستأجر من التسليم، ولم يتمكن من اجباره على ذلك كان له الفسخ، بل
في المسالك كان للأجير الفسخ أيضا، ولا يخلو من اشكال بعد فرض إقدامه على الإجارة
التي مقتضاها ذلك، فتأمل جيدا.
{و} على كل حال فالمراد مما في المتن وغيره من أنه {يجب تعجيلها}
أي الأجرة {مع الاطلاق ومع اشتراط التعجيل} الذي هو كالشرط المؤكد دفعها
في أول أوقات الوجوب، وهو وقت تمام العمل، وتسليم العين المؤجرة على حسب
220

غيرها من عقود المعاوضة، من غير فرق بين الاشتراط وعدمه، وإن كان ربما يفيد
فائدة، وهي التسلط على الفسخ مع عدم الوفاء به من المؤجر أو المستأجر.
نعم لو كان هناك تعارف بعقد ثم يسلم الأجرة قبل المعوض على وجه ينزل
العقد عليه، اتجه وجوبه حينئذ على المستأجر، نحو المشاهدة في العكس {و}
هو واضح.
كما أنه {لو شرط} المستأجر مثلا {التأجيل} في الأجرة {صح}
لعموم " المؤمنون " بشرط أن يكون} الأجل {معلوما} مضبوطا بما لا
يحتمل الزيادة والنقصان كغيره من الآجال.
{وكذا لو شرطها في نجوم} على وجه التقسيط فيجعل لكل أجل قسطا معلوما
منها، للاطلاق، من غير فرق في ذلك بين الإجارة الواردة على معين شخصي والمطلقة
الواردة على كلي في الذمة، خلافا لما عن بعض العامة فمنع في الثانية قياسا على السلم
الذي يجب فيه قبض العوض في المجلس، وهو كما ترى.
{وإذا وقف المؤجر على عيب في الأجرة سابق على القبض} وإن كان متأخرا
عن العقد {كان له الفسخ} المقتضي لزوال ملكه عما قبضه، فتعود المنفعة إلى
ملكه إذا استلزم ذلك فسخ الإجارة لتعذر الابدال {أو} تكون له {المطالبة
بالعوض} إذا لم يتعذر كل ذلك {إن كانت الأجرة مضمونة} في الذمة.
والمناقشة - في فسخ الإجارة في الأول بأن الأجرة كلية في الذمة، فلا يستلزم
زوال ملكيته عن الفرد المقبوض بفسخه لها فسخ أصل العقد، وإن تعذر البدل، بل
ينتظر حتى يتمكن منه أو يغرم قيمته - واضحة الفساد، ضرورة منافاة التزامه بذلك
الضرر المنفي، مضافا إلى الاتفاق ظاهرا على أن له الفسخ في هذا الحال، وإلى ثبوت
الخيار في نظائره بذلك.
بل الظاهر أن له الامساك بالأرش فيه كما في فوائد الشرائع والمسالك ولعله
لصيرورته بتعذر البدل كالعين المعينة، فيثبت له حكمها من الفسخ أو الأرش.
221

نعم المتجه عدم فسخ العقد، وعدم الأرش إذا لم يتعذر البدل، بل يختص خياره
بين الامساك مجانا، والمطالبة بالبدل مع فسخه، للملكية الحاصل من القبض الذي
لا يستلزم فسخه فسخ العقد من أصله في هذا الحال، وإن كان هو ظاهر جماعة في باب
الصرف، إلا أن التحقيق خلافه، كما أوضحنا ذلك في الباب المزبور وفي باب السلم
ونبهنا على اختلاف كلماتهم في البابين فلاحظ، فإن منه يتضح لك الحال فيما هنا
هذا كله في المضمونة.
{وإن كانت معينة كان له الرد أو الأرش} على حسب العيب في ثمن المبيع
بلا خلاف أجده ولا إشكال، بناء على عدم اختصاص حكم العيب بالبيع.
نعم الظاهر اختصاص الحكم المزبور بما إذا لم يكن الأجرة منفعة، وإلا جرى
فيه ما تسمعه إن شاء الله من حكم العيب في العين المستأجرة عند تعرض المصنف له.
{ولو أفلس المستأجر بالأجرة فسخ المؤجر إن شاء} وإلا شارك الغرماء
كما تقدم الكلام في ذلك وفي فروعه وفي فلس المؤجر مفصلا في باب الفلس فلاحظ
وتأمل.
{ولا يجوز أن يؤجر المسكن ولا الخان ولا الأجير بأكثر مما استأجره،
إلا أن يؤجر بغير جنس الأجرة، أو يحدث فيه ما يقابل التفاوت} كما عن ظاهر
الشيخ، بل لعله ظاهر المقنعة، أيضا، وإن اقتصر فيها على الحانوت والدار، وعلى
استثناء الأحداث.
إلا أنه كالمصنف في باب المزارعة صرح بكراهة إجارة الأرض بالأكثر قال
فيها: وتكره إجارة الأرض بأكثر مما استأجرها الانسان به، إلا أن يكون قد
أحدث فيها عملا أصلحها به، ككري نهر أو حفر ساقية أو اصلاح دالية أو كراب
أرض وأشباه ذلك.
ولا بأس أن يؤجرها بأكثر قيمة مما استأجرها به إذا اختلف النوعان، فكان
مال الإجارة عينا وورقا وإجارتها حنطة أو شعيرا وإن لم يحدث فيها شيئا، وإنما يكره
222

ذلك فيما يتفق نوعه، أو يكون عينا وورقا دون غير هما من العروض.
وهذا التفصيل بين الأرض والثلاثة أحد الأقوال في المسألة، وربما أضيف إليها
الحانوت والرحى، بل قد عرفت أن المفيد اقتصر على أولهما مع الدار.
وعلى كل حال فيدل عليه من النصوص خبر أبي الربيع الشامي (1) عن أبي -
عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين فيواجرها بأكثر مما
يتقبلها، ويقوم فيها بحظ السلطان قال: لا بأس به إن الأرض ليست مثل الأجير،
ولا مثل البيت إن فضل الأجير والبيت حرام ".
وخبر أبي المغرا (2) " عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يستأجر الأرض ثم
يواجرها بأكثر مما استأجرها فقال: لا بأس إن هذا ليس كالحانوت ولا الأجير،
إن فضل الأجير والحانوت حرام ".
وخبر إبراهيم بن ميمون (3) " إن إبراهيم بن المثنى سأل أبا عبد الله عليه السلام وهو
- يسمع - عن الأرض يستأجرها الرجل ثم يواجرها بأكثر من ذلك قال: ليس به
بأس، أن الأرض ليست بمنزلة البيت والأجير، إن فضل البيت حرام، وفضل الأجير
حرام ".
وأما الجواز مع الاحداث فللأصل والاجماع بقسميه، وصحيح الحلبي (4)
عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يستأجر الدار ثم يواجرها بأكثر مما استأجرها
قال: لا يصلح ذلك إلا أن يحدث فيها شيئا ".
وصحيحه الآخر (5) عنه أيضا " لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن
ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، ولا يواجرها بأكثر مما استأجرها
به إلا أن يحدث فيها شيئا " بناء على إرادة الحرمة من نفي الصلاح في السابق ولو
بقرينة النصوص السابقة التي لا ريب في أولوية حمله عليها من العكس، لأصرحيتها

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 2 - 4.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 2 - 4.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 5.
(4) الوسائل الباب - 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 4 - 3.
(5) الوسائل الباب - 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 4 - 3.
223

منه، بل قد يقال: بأنه للقدر المشترك في العرف السابق.
وأما الجواز مع تغاير الجنس فإنه وإن لم يذكر فيما وصل إلينا من النصوص
لكن يدل عليه - مضافا إلى الاجماع المحكي عليه إن لم يكن المحصل وظهور
أن سبب المنع الربا المعلوم انتفاؤه في الفرض أصالة الجواز، بناء على عدم شمول
أدله المنع له ضرورة لفظ الأكثرية مما استأجرها به في اتحاد الجنس، لعدم صدق
الأكثرية حقيقة في المختلف، ومن هنا قيد في المقنعة والانتصار الأكثرية فيه
بالقيمة.
نعم الحاق الرحا بها كما هو ظاهر الحر في الوسائل لا يخلو من منع، إذ لم
نعثر له على نص صالح للاخراج به عما يقتضي الجواز، سوى خبر أبي بصير (1) قال
أبو عبد الله عليه السلام: " إني لأكره أن أستأجر رحا وحدها ثم أواجرها بأكثر مما
استأجرتها به، إلا أن تحدث فيها حدثا أو تغرم فيها غرامة " وهو لضعف سنده
وقصور دلالته غير صالح للخروج به عما يقتضي الجواز.
وكذا الحاق السفينة للخبر (2) القاصر سندا ودلالة أيضا " لا بأس أن يستأجر
الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح
شيئا " ضرورة أعمية ثبوت البأس من الحرمة.
وبذلك كله ظهر لك قوة القول بالتفصيل المزبور، وهو الحرمة في البيت والدار
والحانوت والأجير لتصريح النصوص السابقة بالفرق بين الأرض وبينها.
ولعل مراد المصنف بالخان، الحانوت، فإنه أحد معانيه كما صرح به في
القاموس. فيكون حينئذ موافقا لما ذكرنا من المنع في المذكورات، خلافا لجماعة
من القدماء منهم المرتضى والحلبي في ظاهر الانتصار والغنية، والشيخان وابن الجنيد
والصدوق وابن البراج وسلار فيما حكاه في المختلف عنهم.
وإن كان فيه ما فيه، كما لا يخفى على المتتبع، فلم يفرقوا في المنع بين

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 5 - 2.
(2) الوسائل الباب - 22 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 5 - 2.
224

المذكورات وغيرها من الأعيان المستأجرة، ولجماعة من المتأخرين بل نسب إلى
أكثر علمائنا، فلم يفرقوا في الجواز بين الجميع، لكن على كراهية واختاره العلامة
في المختلف حاكيا له عن والده، والديلمي في رسالته، والمفيد وإن كنا لم نتحققه،
إذ الموجود في المقنعة ما عرفت، والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم إلا مع
الاستثنائين.
نعم عن ابن الجنيد تقييد ذلك بما إذا كان مال الإجارة ربويا، ولعله مراد
غيره أيضا، كما أنه حكى فيه عن ابن البراج قولا آخر في الكامل، قال: " ومن
استأجره الأرض بعين أو ورق وأراد أن يؤجرها بأكثر من ذلك فعلى قسمين: إما
أن يكون قد أحدث فيها شيئا جاز، وإن لم يكن أحدث لم يجز، لأن الذهب
والفضة مضمونان.
وإن كان استأجره بغير العين والورق من حنطة أو شعير أو غير ذلك جاز أن
يؤاجرها بأكثر من ذلك إذا اختلف النوع، وهو ظاهر، في عدم الجواز مع اختلاف
النوع في الورق، نحو ما سمعته من المفيد في الكراهة.
ومن الغريب بعد ذلك ما في المسالك في شرح عبارة المصنف هنا، فإنه بعد أن
ذكرها قال: " هذا قول أكثر الأصحاب استنادا إلى روايات حملها على الكراهة
طريق جمع بينها وبين غيرها، وفي بعضها تصريح بها والأقوى الجواز في الجميع
إذ قد عرفت أن التفصيل ليس قول أكثر الأصحاب كما أنك قد عرفت عدم المعارض
لنصوص الحرمة في المذكورات أصلا، فضلا عن الصريح في الكراهة، وخبر الرحي
مع اختصاصه فيها قد عرفت الحال فيه كحسن الحلبي في الدار.
نعم ما ذكره لا يخلو من وجه كذلك بالنسبة إلى الأرض، فإن النصوص قد
تعارضت فيها، فيرجح ما دل على الجواز فيه سندا ودلالة، ويحمل المعارض على
الكراهة، خصوصا مع عدم كمال ظهور بعضه في الحرمة، فضلا عن الصراحة.
ودعوى - اقتضاء ثبوت ذلك فيها الثبوت في غيرها لعدم القول بالفصل، ولإرادة
225

المثال فيها - واضحة الفساد بوجود المفصل، كما عرفت، وبعدم إمكان إرادة المثال
بعد التصريح في النصوص بالفرق بينها، وبين المذكورات كما سمعت، فلا ريب في
ضعف التعميم المزبور.
بل قيل: إنه كذلك بالنسبة إلى المنع أيضا، لعدم ما يصلح للخروج به عما
يقتضي الجواز من الاطلاقات، والعمومات عدا إجماع الانتصار والغنية، وهو - مع
عدم صراحة الأول منهم في ذلك بل ولا ظهوره كما لا يخفى على من لاحظه -
موهون بمصير من عرفت: من القائل بالجواز مطلقا، أو في الجملة إلى خلافه،
ومعارض بنصوص الأرض والرحى، ونحوها مما هو أقوى منه من وجوه.
منها: الاعتضاد بالاطلاقات والعمومات، وعدا دعوى المثالية في نصوص المنع
في المذكورات، وهي أوضح من الأولى فسادا، بعد تصريح النصوص بالفرق بينها
وبين الأرض، وهو مناف لذلك إلا إذا أريد حينئذ شدة الكراهة ونحوها، مما هو
خروج عن ظاهر الدليل بلا مقتض، وعدا دعوى أنه ربا، فيشمله ما دل على حرمته
من الكتاب والسنة.
وفيها أنه لا ريب في عدم كونه من الربا المعروف الذي هو القرض الذي يجر
نفعا، أو البيع أو مطلق المعاوضة على المكيل والموزون المتحد الجنس بأزيد منه،
ضرورة كون المقام ليس منه، ولا دليل معتد به كما عرفت على حرمة الزيادة مطلقا
حتى يكون قسما ثالثا، بناء على أن الربا كل زيادة محرمة.
نعم يتجه بناء على ذلك كونه ربا في خصوص المذكورات، لما سمعته من الدليل
على حرمة الزيادة فيها، فتزداد حينئذ أدلة الحرمة فيها، بل الظاهر عدم الفرق
في ذلك حينئذ بين ربوية رأس مال الإجارة وعدمها، لاطلاق الأدلة، فما عن ابن
الجنيد من اعتبار ذلك في الحرمة لا دليل عليه، هذا.
ولكن قد يستدل للتعميم المزبور بخبر الحلبي (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام
أتقبل الأرض بالثلث والربع فأقبلها بالنصف قال: لا بأس به، قلت: فأتقبلها بألف

(1) الوسائل الباب - 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1 - 2 - 6.
226

درهم فأقبلها بألفين، قال: لا يجوز، قلت: لم؟ قال: لأن هذا مضمون وذلك غير
مضمون ".
وخبر إسحاق بن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا تقبلت أرضا بذهب أو فضة
فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، وإن تقبلتها بالنصف والثلث فلك أن تقبلها بأكثر
مما تقبلتها به، لأن الذهب والفضة مضمونان ".
ونحوه خبر أبي بصير (2) المروي في الفقيه لكن فيه مصمتان بالصاد المهملة بدل
مضمونان، ولعل المراد واحد، بعد ظهور التعليل في الأعم إذ أحسن شئ يقال فيها:
أن المراد الفرق بين المزارعة والإجارة، وكنى عن الثانية بالضمان، باعتبار وجوب الأجرة
فيها على كل حال، بخلاف المزارعة، فإن أجرتها غير مضمونة، ومن هنا
جاز فيها الأكثر، سواء كانت مأخوذة بالإجارة أو المزارعة، بخلاف الإجارة، فلا
يكون حينئذ للذهب والفضة خصوصية.
ومنه يعلم أنه لا وجه للاستدلال بها على ما سمعته من المفيد، وكامل ابن
البراج نعم هي على هذا التقدير تكون دالة على المنع في الأرض، إلا أنها لمعارضتها
بما عرفت تحمل على الكراهة.
ولا ينافي ذلك ثبوت الكراهة في المزارعة أيضا لو قلنا بها، لخبر الهاشمي (3)
عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم
مسماة أو بطعام مسمى، ثم آجرها وشرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل
من ذلك أو أكثر، وله في الأرض بعد ذلك فضل أيصلح له ذلك، قال: نعم إذا حفر
لهم نهرا أو عمل شيئا يعينهم بذلك فله ذلك.
قال: وسألته عن الرجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة أو
بطعام معلوم فيواجرها قطعة قطعة أو جريبا بشئ معلوم فيكون له فضل فيما استأجر
من السلطان، ولا ينفق شيئا أو يواجر تلك الأرض قطعا على أن يعطيهم البذر والنفقة

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 2 - 6 - 3.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 2 - 6 - 3.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 2 - 6 - 3.
227

فيكون له في ذلك فضل في إجارته، وله تربة الأرض أو ليست له؟ فقال: إذا استأجرت
أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت ".
إذ يمكن الجمع حينئذ بالحمل على شدة الكراهة في الإجارة دون المزارعة
ولعله أولى من الجمع بحمل الإجارة في نصوص الجواز على المزارعة، فيبقى ما دل
على المنع من هذه الروايات وغيرها بلا معارض.
ولا ينافي ذلك التصريح بالفرق بينها وبين البيت والأجير، ضرورة كون
وجهه حينئذ واضحا باعتبار عدم المزارعة فيهما دونها، وإن كان يؤيده ما عرفت
سابقا من الاجماع المحكي المعتضد بالمحكي من فتوى الأكثر، وكثرة السؤال
والجواب في النصوص عن ذلك، فيما لو آجر بعض العين بأكثر من الأجرة وبالمساوي
ونحو ذلك مما يستشعر من المذاق فيها حكم ما نحن فيه، وغير ذلك.
إلا أنها لعدم ظهورها في إرادة الإجارة من الضمان، فضلا عن المصمت، بل
أقصاه أنه احتمال أقرب من احتمال إرادة بيان الفساد من الضمان، باعتبار كونه إجارة
بالأكثر، أو باعتبار إرادة المزارعة بالدراهم لا بالحصة المشاعة، أو نحو ذلك لا ينبغي
أن يجسر بها على مخالفة الأصل بل الأصول، وعلى تعيين إرادة المزارعة من الإجارة
في نصوص الجواز، ومن هنا كان الحمل على الكراهة أولى.
وأما احتمال تقييد نصوص الجواز بنصوص الأحداث أو بنصوص إجارة البعض
بأكثر الإجارة، كما في المختلف فواضح الفساد، خصوصا الثاني منهما بل الأول،
ضرورة منافاة النص على الفرق بينها، وبين البيت لذلك، كما هو ظاهر.
ومن ذلك كله ظهر لك تمام الأقوال في المسألة، ومستند كل واحد منها وبطلانه
هذا كله فيما لو آجر تمام العين بأزيد من الأجرة.
وكذا لو سكن بعض الملك، لم يجز له أن يؤجر الباقي بزيادة على الأجرة
والجنس واحد} إذ هو مع أنه مشمول لأدلة المنع يستفاد حكمه من خبر أبي الربيع
الآتي، ومن الأول بالأولى وهو واضح.
نعم لا إشكال كما لا خلاف نصا {و} فتوى في أنه {يجوز} إجارة
228

البعض المزبور وإن قل {بأكثرها} أي الأجرة مع اتحاد الجنس، فضلا عن
اختلافه.
إنما الكلام في المساوي، والأقوى الجواز للأصل بل الأصول، وقول الصادق
عليه السلام في خبر أبي الربيع (1) المروي في الفقيه " ولو أن رجلا استأجر دارا بعشرة
دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ولكن لا يؤاجرها
بأكثر مما استأجرها " خلافا للمحكي عن الشيخ من المنع، لكونه ربا.
ولمضمر سماعة (2) المشتمل على بيع المرعى بأزيد مما اشتراه أو بالمساوي،
بناء على إرادة الإجارة من البيع فيه، ولما يشعر به خبر علي بن جعفر (3) وغيره مما
اشتمل على السؤال عن ذكر الإجارة بالأنقص، ولو قليلا مما يظهر أنه منتهى الجواز
وربما كان ذلك هو الظاهر من عبارة المتن وما شابهها.
لكن لا يخفى عليك عدم صلاحية معارضه مثله للنص المزبور المعتضد بما عرفت،
كسابقه الذي من المأول الذي لا يكون حجة مع عدم القرينة الصارفة والمعينة،
وأما الربا فقد عرفت أنه غير الربا المتعارف، فيقتصر فيه على محل النص و، لا ريب
في عدم شموله للفرض، ضرورة عدم صدق إجارة الأرض بالأزيد، الظاهر في كون
الأجرة الثانية أزيد من الأولى، وليس ما بقي في يده منها قطعا كما هو واضح هذا.
وظاهر الأصحاب اختصاص الحكم المزبور في الإجارة في الأصل وفي الآخر
أما لو كان في الصلح أو الشرط مثلا فيهما أو في أحدهما، لاطلاق الأدلة وهو جيد
إن كان إجماعا، وإلا كان مشكلا بإطلاق حرمة الفضل في البيت والحانوت والأجير
مما ذكر في وجه الفرق بين الأرض وغيرها، فلاحظ وتأمل والله العالم.
{ولو استأجره ليحمل له متاعا إلى موضع معين بأجرة} معينة واشترط
عليه وصوله {في وقت معين، فإن قصر عنه نقص عن أجرته شيئا} معينا {جاز}
وفاقا للأكثر نقلا وتحصيلا، بل المشهور كذلك للأصل، وقاعدة " المؤمنون

(1) الوسائل الباب - 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 3 - لكن عن الحلبي - و 6 و 8.
(2) الوسائل الباب - 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 3 - لكن عن الحلبي - و 6 و 8.
(3) الوسائل الباب - 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 3 - لكن عن الحلبي - و 6 و 8.
229

عند شروطهم ".
والصحيح أو الموثق أو الخبر المنجبر بما عرفت عن محمد الحلبي (1) قال: كنت
قاعدا عند قاض من القضاة وعنده أبو جعفر عليه السلام جالس فأتاه رجلان فقال أحدهما:
إني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا إلى بعض المعادن واشترطت عليه أن
يدخلني المعدن يوم كذا وكذا لأنها سوق أتخوف أن يفوتني فإن احتبست عن
ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتبسته كذا وكذا، وإنه حبسني عن ذلك
الوقت كذا وكذا يوما، فقال القاضي: هذا شرط فاسد وفه كراه فلما قام الرجل
أقبل إلى أبو جعفر عليه السلام فقال: شرط هذه جايز ما لم يحط بجميع كراه ".
قيل: ولصحيح ابن مسلم (2) قال: " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إني كنت
عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني اكتريت هذا يوافي بي
السوق يوم كذا وكذا، وإنه لم يفعل، قال: فقال ليس له كرا. قال: فدعوته
وقلت: يا عبد الله ليس لك أن تذهب بحقه، وقلت للآخر: ليس لك أن تأخذ كل
الذي عليه اصطلحا فترادا بينكما ".
وفيه أنه غير محل الفرض الذي قد عرفت اشتراط النقصان فيه إن لم يوصله
فيه، وليس فيه تعرض لما عدا اليوم المعين بالأجرة ولا لغيرها، بل ليس في كلام
الإمام أن اللازم في غيره أجرة المثل ولا غيرها.
بل في حواشي ثاني الشهيدين على روضته أن ما تضمنه الخبر من الحكم مخالف
للقواعد الشرعية، لأن اللازم من تعيينه اليوم المعين والسكوت عن غيره أنه لا يستحق
في غيره الأجرة، كما قال ذلك القاضي إلا بفرض اطلاعه عليه السلام على ما يوجب بطلان
الإجارة فحكم عليهما بالاصطلاح، لأن الثابت أجرة المثل، وهي خارجة عن المعين
كما أشار إليه في كلامه.
وإن كان قد يدفع بمنع اقتضاء ذلك عدم الأجرة مطلقا حتى على نقله له في

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
230

بعض المدة التعيين الذي بمقتضى عقد الإجارة، والفرق بينه وبين الجعالة يستحق
التقسيط، كما أنه يمكن منعه أيضا فيما لو أخذ التعيين شرطا لا مشخصا على وجه
يكون المراد نقل اليوم المخصوص، نحو الاستيجار مثلا على صوم أول يوم من رجب،
فصام ثانيه، بل المتجه فيه مع فسخ العقد - لعدم الوفاء بالشرط - الرجوع إلى
أجرة المثل، وإلا فالمسمى.
لكن الظاهر حمل الخبر المزبور على التقسيط، ورواه في الفقيه (1) صريحا
في غير الفرض، " قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إني كنت عند قاض من قضاة
المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني اكتريت من هذا دابة ليبلغني عليها موضع
كذا وكذا فلم يبلغني الموضع فقال القاضي لصحاب الدابة: بلغته إلى الموضع؟
قال: لا، قد أعيت دابتي فلم يبلغ، فقال القاضي ليس لك كرى إن لم تبلغه إلى الموضع
الذي اكترى دابتك إليه، قال: فدعوتهما إلى وقلت للذي اكترى: ليس لك يا عبد الله
أن تذهب بكرى دابة الرجل كله، وقلت للآخر: ليس لك أن تأخذ كرى دابتك
كله، ولكن انظر قدر ما بقي من الموضع وقدر ما ركبته، فاصطلحا عليه، ففعلا "
وهو صريح في غير ما نحن فيه.
نعم ربما أيد بصحيح أبي حمزة (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يكتري الدابة فيقول: اكتريتها منك إلى مكان كذا وكذا فإن جاوزته فلك كذا
وكذا زيادة ويسمى: لك قال: لا بأس به كله " بناء على كون المراد منه أنه اشترط
عليه في متن العقد ذلك، أنه إجارة معلقة، فيكون حينئذ كاشتراط النقصان في
الخبر المزبور، إلا أنه كما ترى، وكيف كان فالعمدة الموثق المذكور معتضدا
بما عرفت.
لكن قد أشكل ذلك بالتعليق والجهالة والابهام، وأنه كالبيع بثمنين نقدا
ونسيئة مثلا، ومن هنا كان خيرة المحقق الثاني وغيره من المتأخرين البطلان في

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
231

ذلك، وطرح الخبر أو حمله على الجعالة أو نحو ذلك.
وهو - مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص الذي لا يقبل الحمل على الجهالة
ولو لفهم المعظم منه الإجارة - مدفوع بمنع التعليق في العقد، إذ ليس المراد منه
الإجارة بالمقدار الناقص لو نقص، كي يكون معلقا، بل أقصاه التعليق في الشرط
وهو النقص من الأجرة، ولا دليل على بطلانه فيه، إذا لم يرجع إلى التعليق في
نفس العقد.
بل قد يظهر من كلامهم في تعليق اشتراط الخيار على رد الثمن أن الصحة
فيه على مقتضى عموم " المؤمنون عند شروطهم " كما أن مقتضاه أيضا عدم قدح مثل
هذه الجهالة في الشرائط التي يغتفر فيها من ذلك ما لا يغتفر في غيرها، وليس راجعة
إلى أحد العوضين.
ومن ذلك يعلم أنه ليس كالبيع بثمنين، ضرورة أن المشابه له الإجارة على
تقديرين، نحو إن خطته روميا فلك درهم، وفارسيا نصفه، وليس ذلك كذلك،
كما صرح به في المختلف، ولذا صرح بالصحة في الفرض من لم يقل بها في نحو
المثال المزبور، ضرورة كون المستأجر عليه فيما نحن فيه معينا، وإنما اشترط
عليه ذلك على تقدير المخالفة مثلا، فيصح حينئذ حتى لو نقص ما اشترط عما يقتضيه
التقسيط لو لم يشترط، لعموم " المؤمنون " وإطلاق الموثق المعتضد بفتوى المعظم.
ولا ينافيه ما في الدعائم (1) عن الصادق عليه السلام " أنه سئل عن الرجل يكتري
الدابة أو السفينة على أن يوصله إلى مكان كذا يوم كذا، فإن لم يوصله يوم ذلك
كان الكرى دون ما عقده، قال: الكرى على هذا فاسد، وعلى المكتري أجر مثل
حمله " بعد ظهوره في جهالة المسمى على تقدير عدم الايصال فيتجه البطلان الموجب
لأجرة المثل، هذا كله إن اشترط النقصان.
{و} أما {لو شرط سقوط الأجرة إن لم يوصله فيه لم يجز} وفاقا

(1) المستدرك ج 2 ص 509.
232

للمشهور نقلا وتحصيلا، لكونه شرطا منافيا لمقتضى الإجارة إذ مرجعه إلى
استحقاق ذلك العمل عليه بعقد الإجارة بلا أجرة، فيكون نحو قولك آجرتك بلا
أجرة، وبفساده يفسد العقد، كما هو الأصح، وإليه أشار أبو جعفر عليه السلام في خبر
الحلبي المتقدم بقوله " شرط هذا جايز ما لم يحط بجميع كراه " {وكان له} حينئذ
{أجرة المثل} لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.
لكن في اللمعة فيه نظر لأن قضية كل إجارة المنع من نقيضها، فيكون
قد شرط قضية العقد، فلم تبطل الإجارة، غاية ما في الباب أنه إذا أخل بالمشروط
وهو نقله في اليوم المعين يكون البطلان منسوبا إلى الأجير، حيث فوت الزمان
المعين، ولم يفعل فيه ما شرط عليه، فلا يستحق شيئا، لأنه لم يفعل ما استؤجر
عليه، ولا يكون البطلان حاصلا من جهة العقد.
فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير، واثبات أجرة المثل، بل
اللازم عدم ثبوت شئ وإن نقل المتاع إلى المكان المعين في غير الزمان، لأنه فعل
ما لم يؤمر به، ولا استؤجر عليه، فالشرط المزبور حينئذ مؤكد لمقتضى العقد،
لا مناف له.
وفي الروضة " وهذا النظر مما لم يتعرض له أحد من الأصحاب، ولا ذكره
المصنف في غير هذا الكتاب، وهو متوجه، إلا أنه لا يتم إلا إذا فرض كون مورد
الإجارة هو الفعل في الزمان المعين، وما خرج عنه خارج عنها، وظاهر الرواية
وكلام الأصحاب أن مورد الإجارة كلا القسمين، ومن ثم حكموا بصحتها مع
اثبات الأجرة على كلا التقديرين، نظرا إلى حصول المقتضي وهو الإجارة المعينة
المشتملة على الأجرة المعينة، وإن تعددت واختلفت لانحصارها وتعينها كما
تقدم، وبطلانها على التقدير الآخر.
ولو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأول خاصة وهو النقل في الزمن
المعين لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض أجرة مع نقله في غيره أولى لأنه
خلاف قضية الإجارة، وخلاف ما تعلقت به، فكان أولى بثبوت أجرة المثل وجعل
233

القسمين متعلقها على تقدير ذكر الأجرة والأول خاصة على تقدير عدمه في
الثاني مع كونه خلاف الظاهر موجب لاختلاف الفرض بغير دليل.
ويمكن الفرق بكون تعين الأجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد
الإجارة حيث أتى بلازمها، وهو الأجرة فيهما، واسقاطها في التقدير الآخر قرينة
عدم جعلها موردا من حيث نفي اللازم الدال على نفي الملزوم، وحينئذ تنزيله على
شرط قضية العقد أولى من جعله أجنبيا مفسدا للعقد، بتخلله بين الايجاب والقبول ".
قلت: قد عرفت أن ظاهر الرواية وكلام الأصحاب عدم التعدد في مورد
الإجارة وأن ذلك إنما ذكر على جهة الشرطية التي لا يقتضي التعدد وإلا
لما صح لهم الحكم بالصحة مستندين فيها إلى عموم (1) " المؤمنون " ونحوه.
نعم قد يدفع النظر المزبور بمنع اقتضاء تعيين زمان الايصال في الفرض المزبور
على جهة الشرطية، عدم الأجرة على مطلق النقل لو لم يوصله فيه، ولذا خالف
أبو جعفر عليه السلام ما ذكره القاضي بقوله " ليس له كرى " في صحيح ابن مسلم على
ما رواه عنه في الكافي، وإنما يسلم ذلك فيما لو كان الزمان مشخصا للعمل المستأجر
عليه على وجه يكون كصوم أول يوم رجب مثلا.
أما في الفرض الذي قد استؤجر فيه على النقل إلى ذلك المكان، إلا أنه اشترط
عليه الوصول في زمان معين فلا، وإنما المتجه فيه اجراء حكم غيره من الشرايط
إذا لم يف بها من اشترط عليه، من التسلط على الفسخ، والرجوع إلى أجرة المثل،
أو الالتزام بالمسمى كما أن المتجه التقسيط فيما لو استأجره على النقل إلى مكان
معين فحمله إلى نصف الطريق ولم يوصله، كما هو واضح والله هو العالم.
{وإذا قال: آجرتك كل شهر بكذا، صح في شهر، وله في الزايد أجرة
المثل إن سكن} كما في المقنعة والنهاية مصرحا في أولهما بما إذا لم يعين ابتداء
المدة ولا آخرها، فضلا عما يعين فيه ذلك، ولعله مقتضى إطلاق المتن وغيره،

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
234

اللهم إلا أن ينزل على إرادة الاطلاق المنزل على الاتصال بزمان العقد.
{وقيل:} والقائل جماعة بل لعله المشهور بين المتأخرين {تبطل} مطلقا
حتى لو صرح بالاتصال فضلا عن الاطلاق، {لتجهل الأجرة} بتجهل المنفعة
المستحقة، فيبطل العقد بالنسبة إلى جميع مورده من غير فرق بين الشهر وغيره.
{والأول أشبه} عند المصنف وأصول المذهب وقواعده التي " منها أوفوا
بالعقود " (1) واطلاقات الإجارة وصدق المعلومية عرفا بالنسبة إلى الشهر، وفحوى
صحيح أبي حمزة وغير ذلك، ولكن مع ذلك فالثاني هو الأقوى، ولو مع فرض اتصال
الشهر، للجهالة المزبورة التي ينقطع بها الاطلاق المزبور ونحوه.
ودعوى - كون المراد من ذلك عرفا هذا الشهر بدرهم، وكل شهر تسكنه
كذلك، فلا جهالة فيه حينئذ بالنسبة إلى الشهر يدفعها - بعد التسليم تنزيل مثل
هذا الاطلاق على الاتصال المقتضي لذلك أن أدلة الجهالة تقضي بفساد العقد
بمجرد الجهالة في مورده، ولو في الجملة، وليس هي كضم غير المملوك إلى المملوك
يصح في أحدهما ويبطل في الآخر، كما أوضحناه في محله، وصحيح أبي حمزة -
مع أنه في الشرط الذي يمكن دعوى الاغتفار فيه ما لا يغتفر في العقد - محتمل لإرادة
اشتراط مقدار الغرامة لو تعدى وتجاوز، لما هو متعارف في التأكيد على عدم التجاوز
عن المكان المعين، لا أنه إجارة على هذا التقدير.
وأوضح من ذلك ما فسادا ما في الغنية من دعوى صحة العقد في غير الشهر أيضا،
نحو ما عن الشيخ وابن الجنيد لكن قال فيها " يستحق الأجرة للزمان المذكور،
بالدخول فيه، ويجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في الثاني، إذ هو مع ما فيه مشتمل
على الابهام باعتبار عدم علم منتهى المدة، وشبه التعليق باعتبار عدم علم السكنى
وغير ذلك.
هذا كله فيما ذكره من فرض الإجارة، أما لو فرض بوجه يكون كالجعالة
بأن يقول الساكن مثلا " جعلت لك على كل شهر أسكنه درهما " لم يبعد الصحة،

(1) سورة المائدة الآية 1.
235

لعدم اعتبار العلم فيها أزيد من ذلك، كما أنه لم يبعد الصحة لو جعل من قبيل
الإباحات بأعواض معلومة، تلزم بالتلف كما في نظاير ذلك من الأعيان والمنافع
والله أعلم.
{تفريعان}
{الأول: لو قال: إن خطته فارسيا} أي بدرز {فلك درهم، وإن
خطته روميا} أي بدرزين {فلك درهمان صح} جعالة لاطلاق أدلتها المقتضي
لاغتفار مثل هذه الجهالة والابهام فيها، خلافا للفاضل في المختلف، فأبطلها لتطرق
الجهالة في الجعل، فيجب أجرة المثل وفيه منع، كما تعرفه في محله إن شاء الله.
نعم الظاهر البطلان إجارة كما اختاره جماعة منهم ابن إدريس على ما حكي
عنه، للابهام المنافي للملكية في المعاوضات، وخبر الحلبي قد عرفت أنه لا يدل على
مثل ذلك، لكن في اللمعة ومحكي المبسوط وغيرها الصحة في ذلك وفي الفرع:
{الثاني} أيضا، وهو ما {لو قال: إن عملت هذا العمل في اليوم فلك
درهمان، وفي غد درهم} وإن قال المصنف هنا {فيه تردد} ولكن {أظهره}
عنده وعندهم {الجواز} لصدق المعلومية ولآية (1) موسى عليه السلام وخبر الحلبي (2)
وصحيح أبي حمزة (3) المتقدمين سابقا، وفيه منع صدقها على وجه ترتفع الابهام
المنافي لملكية المعاوضة، وآية موسى عليه السلام ظاهرة في كون الثاني احسانا لا إجارة،
كما يقضي به " فمن عندك " ولا ينافيه قوله " أيما الأجلين " ولو بقرينة ذكره
ذلك في الإجارة، بعد إرادة الأجل الإجاري والوعدي، وخبر الحلبي والصحيح
المتقدم قد عرفت عدم دلالتهما على جواز مثل هذا الابهام.
وما عساه يظهر من المصنف هنا كالمحكي عن المبسوط والتحرير والكفاية

(1) سورة القصص الآية 28.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
236

من الفرق في الجملة بين المثالين - في غير محله، ضرورة اشتراكهما معا في الابهام
المزبور، ودعوى أقربية الثاني إلى المنصوص من الأول كما ترى، كما أنه لا فرق
على الظاهر بين قول " آجرتك كل شهر بدرهم "، وقول آجرتك شهرا بدرهم
فإن زاد فبحسابه.
خلافا للفاضل في القواعد فحكم بالبطلان في الأول، والرجوع إلى أجرة
المثل، والصحة في الشهر في الأخير، والبطلان في الزايد.
وفيه: أنه مناف لقاعدة اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد، كما أوضحناه
في كتاب البيع، فمعلومية الشهر والدرهم لا تجدي في الصحة حينئذ، فضلا عما
لو لم يكن الشهر معلوما، لعدم إرادة المتصل منه كما هو واضح، وكأن الوجه -
للقول بالصحة في نحو هذه الأمثلة مع معلومية منافاة ما فيها من التعليق والجهالة -
الالحاق بما في موثق الحلبي وصحيح أبي حمزة وغيرهما، سواء كان موافقا للضوابط
أو لا.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم الانطباق أولا، وعدم جواز القياس
عندنا ثانيا، بناء على كونه مخالفا للقواعد التي تجب الاقتصار على ما يخالفها
بالخصوص كما هو واضح.
{و} كيف كان ف‍ {يستحق الأجير الأجرة بنفس العمل سواء كان في ملكه}
كالثوب يخيطه في بيته {أم ملك المستأجر، ومنهم من فرق} بين الحالين وهو
الشيخ في المبسوط قال فيما حكي عنه في أثناء كلام له في مسألة التلف: " إن كان
العمل في ملك الصانع لا يستحق الأجرة حتى يسلم، وإن كان في ملك المستأجر
استحق الأجرة بنفس العمل " ولعله لأنه في الثاني يسلم بخلاف الأول، قيل:
وفيه منع صدق التسليم عليه قبل أن يصير في يد المستأجر وستعرف ما فيه.
وعلى كل حال فالظاهر إرادته الفرق بذلك من حيث التسليم، لا الملك الذي
لا خلاف ظاهرا بحصوله بالعقد، بل عن بعضهم دعوى الاجماع عليه، بل يمكن تحصيله،
مضافا إلى أنه مقتضى العقد، والأصل عدم اشتراطه بأمر آخر من التسليم وغيره،
237

إنما الكلام في استحقاق التسليم على أحدهما أولا وعدمه، وقد تقدم في كتاب
البيع تحقيق الحال في ذلك. وأنه يجب على كل منهما التسليم للأمر بالوفاء وغيره،
فإذا تعاسرا أجبرا معا على التقابض.
أما لو بذل أحدهما وامتنع الآخر ولم يمكن جبره كان للباذل الحبس حتى
يدفع إليه العوض، قضاء لحق المعاوضة التي بني العقد عليها، كما أشبعنا الكلام
فيه سابقا، ولا فرق بينه وبين المقام الذي هو أحد المعاوضات.
نعم قد يشكل الحال في خصوص الإجارة على الأعمال منه، باعتبار عدم تصور
التقابض فيه، لكون العمل تدريجيا، والظاهر الاجماع على عدم استحقاق الأجير
تسلم الأجرة قبل العمل ما لم يشترط، أو تكون عادة على وجه تقوم مقام الاشتراط،
بل عن بعضهم دعواه عليه، فضلا عن نفي الخلاف من آخر، لما فيه من منافاة مقتضى
المعاوضة، والضرر على المستأجر، وغير ذلك مما يعلم منه انتفاء احتمال وجوب
ذلك، تمسكا بمقتضى الملكية التي فرض حصولها بالعقد.
وبأنه مقتضى الأمر بالوفاء، الظاهر في أن كل شئ بحسب حاله بالنسبة
إلى ذلك، ضرورة أنك قد عرفت تحكيم مقتضى المعاوضة، وبناؤها على مقتضى الملكية
المزبورة، والأمر بالوفاء إنما هو بكل عقد على حسب مقتضاه، وقد فرض اقتضاؤه
ما عرفت.
ولعله للاجماع المزبور، ونحوه يفرق بين المقام وبين البيع لو كان الثمن عملا،
الذي قد سلف منا هناك وجوب تسلم المبيع على البايع قبل العمل على تأمل فيه،
فلاحظ، وتدبر.
كما أنه لا خلاف ولا اشكال في استحقاق تسلمها بعد العمل الذي يحصل تسلمه
باكماله، كالصوم والصلاة والحج والزيارة ونحوها، بل الاجماع بقسميه عليه،
فضلا عن النصوص والتي منها الصحيح (1) " لا يجف عرقه حتى تعطيه أجرته " بل

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1 - 2.
238

الظاهر أن منه الأعمال التي تكون في ملك المستأجر، أي فيما في يده كاصلاح جداره
في داره ونحوه مما هو في يد المستأجر، وتحت سلطانه، وإن استأجر أجيرا على
العمل فيه، ولعل هذا هو مراد الشيخ فيما سمعت منه سابقا، كما يشهد له التقييد
بحضور المالك فيما حكاه عنه في التنقيح. ومحكي التحرير.
بل وكذا لا اشكال ولا خلاف في استحقاق تسلمها بعد تسليم ما فيه أثر العمل
من الثوب الذي استؤجر على خياطته، ونحوه، مما هو تحت يد الأجير وسلطنته،
إنما البحث في وجوب تسليمها في نحو الأجير، بمجرد اكمال العمل، والفراغ
منه وعدمه، ظاهر المصنف بل صريحه الأول، خصوصا مع قوله بعد ما سمعت.
{ولا يتوقف تسليم أحدهما على الآخر} بل لعله ظاهر غيره أيضا ممن
أطلق استحقاق الأجير أجرته باكمال العمل، ضرورة صدقه في الفرض، لاطلاق
الأمر بالوفاء وقاعدة التسلط، واطلاق " لا يجف عرقه " وبناء المعاوضة على ذلك.
لأن المراد من الإجارة فعل الخياطة الذي يتسبب منه حصول صفة المخيطة
في الثوب، وقد حصلا معا، وليس في يد الأجير إلا الثوب الذي هو للمستأجر
مع صفته، ولا شئ منهما مورد عقد الإجارة حتى يجري عليه حكم المعاوضة إذ موردها
إنما هو العمل الذي تولد منه الصفة المزبورة، وذاك تسليمه ايقاعه، لأن تسليم
كل شئ بحسب حاله.
ودعوى - أن مورد الإجارة الصفة المزبورة، والفعل إنما هو مقدمة لها،
فهي حينئذ العوض، فلا يجب تسليم الأجرة حينئذ إلا بتسليمها، كما هو الشأن
في البيع وغيره من المعاوضات - يدفعها معلومية كون مورد الإجارة الأعمال، وإنما
العقد الموضوع لملك ذلك، والصفة إنما يملكها صاحب الثوب تبعا للموصوف، لا
أنه يملكها بعقد الإجارة، وعلى هذا فالمتجه فيما لو أتلف الصانع العين بعد تمام
العمل تضمينه إياه معمولا مع دفع الأجرة، لا التخيير بين ذلك، وبين تضمينه إياه
غير معمول مع عدم دفع الأجرة، كما جزم به في القواعد، ومحكي التذكرة والتحرير
وجامع المقاصد، وجعل السر فيه في الأخير أن أجر العمل لا يستقر إلا بعد تسليمه
239

والفرض أنه لم يتسلمه، فلا تستقر عليه أجرة، ولأنه ملكه على تلك الصفة، فملك
المطالبة بعوضه كذلك، فوجبت عليه أجرة العمل، وهو المسمى، ولا خصوص تضمينه
إياه غير معمول كما عن المبسوط، لكون الصفة التي هي عمل الأجير بمنزلة المبيع
وقد تلفت قبل قبضها، فتذهب من ماله كالمبيع، فيضمن الثوب غير معمول، ولا تضمينه
إياه معمولا بدون دفع أجرة، لأنه ملكه على تلك الصفة، وسقوط حق الأجير منها
باعتبار عدم تسليمها لا يقتضي سقوط حق المالك، إذ ذلك كله مبني على ما عرفت
فساده، بل المتجه عليه عدم سقوط الأجرة، أيضا فيما لو تلفت العين بعد إكمال
العمل من غير تفريط، وإن كان في ملك الأجير لما عرفت.
لكن في القواعد لم يستحق الأجرة على إشكال، بل المتجه أيضا ضمانه للعين
لو حبسها على تسليم الأجرة، لعدم جواز الحبس له، إذ المعاوضة قد تمت باتمام
العمل، فهو غاصب حينئذ، وبذلك جزم في القواعد، ولكنه مناف لما سمعته منها
وغيره.
قال فيها: ولا يبرء الأجير من العمل حتى يسلم العين كالخياط إن كان
العمل في ملكه، ولا يستحق الأجرة حتى يسلمه مفروغا، فلو تلفت العين من غير
تفريط بعد العمل، لم يستحق أجرة على إشكال، ولو كان في ملك المستأجر برء بالعمل
واستحق الأجرة، ولو حبس الصانع العين حتى يستوفي الأجرة ضمنها "، ولقوله
في المقام وإن وقعت على عمل، ملك العامل الأجرة بالعقد، لكن لا يجب تسليمها إلا
بعد العمل.
وهل يشترط تسليمه الأقرب ذلك وقد تجشم المحقق الثاني في جمع هذه الكلمات
بما لا يرجع إلى أمر يعتمد عليه، إذ هو كله مبني على ذلك الأصل الذي قد عرفت
الحال فيه، واحتمال بناء الضمان بالحبس المزبور على عدم جوازه عنده أيضا، مناف
لما ذكره هو وغيره من بناء اشتراط استحقاق الأجرة على التسليم، على أنه كباقي
المعاوضات التي من أحكامها جواز الحبس بالحبس.
كما أن احتمال - بنائه على أن الثوب نفسه ليس من مورد المعاوضة، وإنما
240

يحبس مقدمة لحبس الصفة، فينبغي ضمانه جمعا بين الحقين، ولا منافاة حينئذ بين
الجواز والضمان.
- يدفعه أولا: أنه ينبغي تخصيص الضمان بالثوب وهو غير معمول، ضرورة
كون حبس الصفة بحق حينئذ، فلا تضمن لو تلفت.
وثانيا: منع الضمان أيضا للمحبوس مقدمة للحق، فإن حبسه حينئذ بحق
أيضا، باعتبار توقف حبس الحق عليه، بل الحق فيه، بل الحبس المفهوم من مقتضى
المعاوضة لا فرق فيه بين الأمرين كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومن هنا قال الشهيد في المحكي عن حواشيه على القواعد في المقام " إن قول
المصنف " الأقرب ذلك " مبني على أن الصفة تلحق بالأعيان، وقد تقدم ذكره في
الفلس، بناء على أن المنافع تعد أموالا، ولهذا يصح جعلها عوضا ومعوضا،
كما أن المبيع يحبس حتى يتقابضا، ويسقط الثمن بتلفه قبل قبضه، فكذلك
المنفعة.
وتظهر الثمرة في جواز حبس الثوب في سقوط الأجرة بتلفه فعلى ما قر به المصنف
له حبسه، وإن أباه ظاهر كلامه، ولو تلف سقطت الأجرة على قوله " وهو صريح
فيما قلناه.
وكأنه استفاد من قوله، " الأقرب تسليمه " وجوب التسليم على العامل أولا،
ولذا قال: إنه يأباه ظاهر كلامه.
لكن فيه أن المراد توقف استحقاقه المطالبة بالأجرة على وجه يجب على
المستأجر بذلها على تسليم العمل، وهذا لا ينافي أن له الحبس لو لم يبذل المستأجر
الأجرة، ومثله في البيع وباقي المعاوضات، ومن هنا اعترضه في جامع المقاصد بأنه
لا حاجة إلى البناء الذي ذكره، لأن المعاوضة على المنافع أمر متفق عليه، ولا بد
في العوضين من التقابض كالبيع.
وأما عد المنافع أموالا فالذي يقتضي عدمه فيها، هو أنه لا وجود لها،
وإنما هو أمر موجود بالشأن والصلاحية، ثم قوله إن ظاهر كلام المصنف يأبى
241

ذلك غير جيد، لأن قوله " الأقرب تسليمه " صريح في ذلك، وليس مقابل الأقرب
بمناف له، لأن غرضه الرد على الشيخ، فمقابل الأقرب قول الشيخ، فما ذكره
غير واضح.
قلت: الظاهر أن مبنى الصراحة التي ادعاها هو ما ذكرنا، لكن قد يرد عليه
أنه لا بد من البناء المزبور، إذ الاتفاق على المعاوضة على المنافع غير كاف، ضرورة
عدم تصور التسليم فيها بغير الاكمال، بناء على أنها نفس الأعمال، وإنما يتصور
التسليم في الصفات التي تتولد من الأفعال في الأعيان، بتسليم العين الموصوفة.
نعم يرد على ذلك ما سمعته سابقا من كون التحقيق أن المملوك بالإجارة
والذي قوبل بالمال الأعمال التي يتولد منها الصفات، لا الصفات والأعمال مقدمة من
العامل إلى تحصيلها، حتى تكون هي العوض والمعوض، فيجري عليها حكم التقابض
والحبس.
ومن الغريب أن المحقق الثاني أنكر البناء المزبور عليه، وقرره هو في تلف
العين من العامل بعد العمل من غير تفريط بالنسبة إلى استحقاق الأجرة وعدمها،
فإنه قال أولا في وجه إشكال الفاضل في ذلك أنه ينشأ من أن الإجارة معاوضة، وحق
المعاوضة حصول العوضين معا للمتعاوضين، لتحقق كون كل منهما في مقابلة الآخر
وقد انتفى ذلك في أحدهما فانتفت المقابلة، فوجب الانفساخ لتعذر مقتضى العقد،
ومن أن المستأجر عليه وهو العمل قد حصل، فوجبت الأجرة بفعله، فإذا تلف بتلف
العين بغير تفريط كان تلفه من المالك.
ويضعف بأن المستأجر عليه وإن العمل، لكنه قوبل بالأجرة على طريق
المعاوضة، فما دام لا يتحقق بتسليمه لم يتحقق معنى المعاوضة.
ثم قال ثانيا: " وربما بنى ذلك على أن القصارة عين أو أثر، فإن قلنا أنها
عين سقطت أجرته، كما يسقط الثمن بتلف المبيع قبل القبض، وإن قلنا هي أثر لم
تسقط الأجرة، وتنقيحه أن القصارة إن كانت كالأموال في أنها تعد مالا فالحكم
242

الأول، وإن كانت لا تعد مالا وإنما هي صفة فالحكم الثاني، وقد سبق في الفلس
أن المنافع تعد أموالا، ويشهد له أنها تقابل بالمال، ويعتبر في صحة المعاملة
وجريان المعاوضة عليها كونها متقومة في نفسها، ولا معنى لماليتها إلا هذا.
قلت: هو بعينه ما ذكره الشهيد هنا، لكن قد يقال: إنه لا مدخلية لذلك
فيما نحن فيه، إذ الكلام في أن المقابل بالأجرة والمملوك بعقد الإجارة العمل الذي
ينعدم شيئا فشيئا، أو الصفة التي تتولد منه، فإن كان الأول فليس تسليمه إلا
ايقاعه، وإن كان الثاني فتسليمه كتسليم المبيع، ويجري عليه حكمه من الحبس
وغيره مما يجري في سائر المعاوضات.
كما أنه قد يناقش فيما ذكره أولا بأنه لا ريب في أن انفساخ العقد بالتلف
من غير تفريط مناف لقاعدة اللزوم وغيرها، وإنما ثبت ذلك بقوله (1) " كل مبيع
تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه " لا أنه استفيد من قاعدة المعاوضة، وإلا لتعدى
ذلك للصلح ونحوه، ولمطلق التلف ولو من أجنبي، وغير ذلك مما هو معلوم عدمه.
والتقابض في المعاوضة إنما هو مع امكانه بوجود العين، أما مع تلفها فلا،
والفرض أنها أمانة في يده، على أنه لو سلم اقتضاؤها ذلك حتى في صورة التلف كان
المتجه ضمانه عليه، إلى أن يسلمه، فيغرم المثل أو القيمة حينئذ مع التلف، ولو
بغير تفريط، لا انفساخ العقد، فلا ريب في أن منشأ ذلك الدليل الخاص الذي هو
غير شامل للمقام قطعا، ولا إجماع على المساواة، فالقاعدة تقتضي حينئذ عدم سقوط
الأجرة، للأصل وغيره كما هو واضح.
هذا كله بعد العمل أما قبل العمل فقد عرفت الاجماع على عدم استحقاق
العامل الأجرة على وجه يجب على المستأجر بذلها له، وتسليمه إياها مع عدم
الشرط والعادة، مضافا إلى الضرر عليه بتعجيل الأجرة على العمل الذي لم يعلم
حصوله.

(1) قاعدة مستفادة من الروايات الوسائل الباب 10 - من أبواب الخيار والباب 19 من عقد البيع وغيرها.
243

لكن هل يجب على العامل العمل حينئذ ثم يطالب بالأجرة بعده، أو أن
له الامتناع أيضا، لاحتمال الضرر عليه بحصول العمل منه، وعدم تسلم الأجرة،
الظاهر الثاني، ولكن لما لم يمكن التقابض هنا لم يتجه جبر الحاكم لهما عليه جمعا
بين الحقين كما في العينين فيتعين جمعه بينهما بتسلم الأجرة من صاحبها ووضعها في
يده أو في يد ثالث حتى يعمل العامل.
وربما كان في خبر الغنوي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام إشارة إليه في الجملة " قال
سألته عن رجل استأجر أجيرا ولم يأمن أحدهما صاحبه، ودفع الأجر على يدي
رجل وهلك ذلك الرجل ولم يدع وفاء واستهلك ذلك الأجر؟ فقال عليه السلام: المستأجر
ضامن لأجر الأجير حتى يقضي، إلا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك، فرضي
به، فإن فعل فحقه حيث وضعه ورضي به " باعتبار عدم تعرضه عليه السلام
لعدم جواز امتناع الأجير عن العمل، إذا لم يبذل المستأجر الأجرة، ولو على
يد ثالث.
على أن ذلك مقتضى المعاوضة، إذ كما أن احتمال الضرر على المستأجر
بتعجيل الأجرة لاحتمال عدم حصول العمل، فكذلك يحتمل أيضا بتعجيل العامل العمل
قبل قبض الأجرة، لاحتمال عدم حصولها.
ودعوى أن بناء المعاوضة على العمل على ذلك - يدفعها وضوح منعها، بل
ليس ذلك أولى من العكس، ضرورة أن الأجرة قد استحقت بالعقد، وملكها الأجير
به، ويمكن تسليمها له دفعة، والعمل تدريجي لا يمكن حصوله إلا بعد زمان، كما
أن دعوى الاجماع على خروج ذلك عن حكم المعاوضات - فيجب على العامل أن
يعمل، ثم بعد ذلك يطالب بالأجرة، وهو معنى قولهم أن الأجير يستحق الأجرة
بعد العمل - واضحة المنع، إذ ليس في كلام الأصحاب ما يقتضي اخراج الفرض عن
حكم المعاوضة بالنسبة إلى ذلك.

(1) الوسائل الباب - 6 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
244

بل في جامع المقاصد والتنقيح والمسالك والرياض وغيرها ما ينافيه، وأن حكمه
حكم باقي المعاوضات، وعليه فرعوا جواز الحبس وغيره، وليس ذكرهم للعبارة
المزبورة إلا كذلك بالنسبة للعين، فإنهم قالوا أيضا لا يستحق مؤجرها الأجرة إلا
بتسليمها للمستأجر، وغرضهم من ذلك عدم استحقاق الأجرة قبل العمل الذي لا يتصور
فيه التقابض على نحو العينين، وبيان الاستحقاق بالتسليم كما في كل معاوضة، فإنه
يجب بذل العوض بعد تسلم المقابل بلا خلاف ولا إشكال.
ومن هنا لم يفرقوا بين العمل والعين بالنسبة إلى ذلك، كما في الرياض ناسبا له
إليهم، ولا ريب في بقاء حكم المعاوضة بالنسبة إلى الأول، فكذلك بالنسبة إلى الثاني
ولم يشر أحد إلى خروج الأعمال عن قاعدة المعاوضات بوجوب تسليم العامل عمله
أولا، ثم يطالب بالأجرة، ومن تأمل كلامهم ولم يكتف بالمنساق في بادي النظر،
علم صحة ما قلناه، خصوصا مع عدم الدليل عليه أيضا.
وقوله عليه السلام " لا يجف عرقه حتى تعطيه أجرته " إنما يدل على المبادرة في تسليم
الأجرة للعامل، إذا عمل أولا، لا على وجوب ذلك عليه مطلقا، ثم لا فرق في جميع
ما ذكرناه بين الحج وغيره من الأعمال، إلا إذا كانت هناك عادة أو شرط يقتضي تقديم
العمل أو الأجرة، فما عن بعضهم من الانفساخ أو أن له الفسخ في خصوص الحج إذا
لم يعجل المستأجر الأجرة في غير محله.
نعم في الروضة أنه لو فرض توقف الفعل على الأجرة كالحج وامتنع المستأجر
من التسليم تسلط الأجير على الفسخ، وهو غير خاص بالحج، ومرجعه إلى عدم القدرة
على تسليم العمل حينئذ، وتعرف إن شاء الله فيما يأتي الحال فيه.
بقي الكلام في استحقاق بعض الأجرة ببعض العمل لم يحضرني الآن كلام
محرر في ذلك نعم قد سلف منا في البيع عدم وجوب التقابض على النسبة، لأنه
خلاف مقتضى العقد، ولعله غير ما نحن فيه من وقوع العمل من العامل على وجه لا ربط
له بما بقي، كصلاة بعض الفرائض ونحوها مما يستحق العامل به التقسيط، لو اتفق عدم
245

حصول التمام.
ولا ينافي ذلك قولهم لا يستحق الأجرة إلا بعد العمل، المراد به تمامها لا بعضها
الذي هو قسط ما وقع من العامل، اللهم إلا أن يدعى أن ذلك مقتضى المعاوضة، وفيه
تأمل بل منع، لأن الأصل عدم جواز حبس المال على صاحبه المقتصر في خلافه
على غير محل الفرض.
كما أنه بقي الكلام أيضا في كيفية الجمع بين الحقين لو كان الأجرة على العمل
عملا أيضا، ولم يأمن أحدهما الآخر، والمتجه فيه أنه مع امكانه بالكفيل ونحوه
يجب، وإلا فالقرعة للترجيح، كما في غيره مما تزاحم فيه الحق.
وكذا بقي الكلام في وجوب دفع الأجرة لو كان العمل المستأجر عليه
مؤجلا مع عدم التعرض لتعجيلها، فإنه قد يقال بالوجوب حينئذ، كما في
البيع، ولعدم الحلول الذي يوجب المطالبة للمستأجر، ولكن فيه أنه مناف لما دل
على عدم وجوب تعجيل الأجرة قبل العمل، والأجل إنما أفاد زيادة التأخير فيه،
فلا يغير الحكم الثابت في حال عدم الاشتراط; وبذلك يفرق بينه وبين البيع.
نعم لو كانت الأجرة مؤجلة بأجل انقضى قبل تمام العمل أو قبل حصوله، أمكن
القول بوجوب دفعها بناء على ظهور الأجل المزبور في رفع اليد عما تقتضيه المعاوضة
فتأمل جيدا والله هو العالم.
{وكل موضع يبطل فيه عقد الإجارة يجب فيه أجرة المثل مع استيفاء المنفعة
أو بعضها سواء زادت عن المسمى أو نقصت عنه} بلا خلاف أجده فيه في شئ من ذلك
بل قد يظاهر من ارسالهم ذلك إرسال المسلمات أنه من القطعيات.
مضافا إلى مثل ذلك بالنسبة إلى قاعدة " ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده "
الشاملة للمقام، وإلى قاعدة " احترام مال المسلم وعمله " وقاعدة " من أتلف " و (1)

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
246

" على اليد " و (1) " لا ضرر " و (2) " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " ونحو ذلك
مما يقضي بذلك ضرورة أنه مع بطلان العقد يبقى كل من العوضين على ملك صاحبه، فيجب
على كل منهما رده بعينه إذا كان موجودا، وإن كان تالفا بقيمته أو مثله، لفساد الالتزام
بالمسمى بفساد العقد الذي قد وقع فيه، ومنه أجرة المثل في المقام، فإنها هي قيمة
المنفعة المستوفاة.
ومن ذلك كله ظهر لك الوجه في الحكم المزبور. نعم قيده الشهيد في المحكي
من حواشيه بما إذا لم يكن الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد، أو عدم ذكرها فيه.
لدخول العامل على ذلك، واستحسنه في المسالك، وكان وجهه أنه متبرع بالمال
والعمل مجانا، قادم على ذلك، فهو أشبه شئ حينئذ بالعقود الفاسدة المجانية، كالهبة
والعارية ونحوهما (3) " مما لا يضمن بفاسدهما، فلا يضمن بصحيحهما ".
بل قد يقال بشمول هذه القاعدة للفرض، بناء على إرادة أشخاص العقود منها
لا أصنافها، ولا ريب في عدم الضمان في المقام لو فرض صحة العقد المزبور، فكذا
لا يضمن به على الفساد، للقاعدة المزبورة التي عرفت أن الوجه فيها إقدامهما على
عدم الضمان في التقديرين، كما أنك قد عرفت تقريره حينئذ هنا.
لكن مع ذلك كله في جامع المقاصد بعد أن حكاه أنه صحيح في العمل " أما
مثل سكنى الدار التي يستوفيها المستأجر بنفسه فإن اشتراط عدم العوض إنما كان
في العقد الفاسد الذي لا أثر لما تضمنه من التراضي، فحقه وجوب أجرة المثل، ومثله
ما لو باعه على أن لا ثمن له، وأما لو كان مورد الإجارة منفعة الأجير، فيعمل بنفسه
مع فسادها فوجه عدم استحقاقه شيئا ظاهر، لأنه متبرع بالعمل، وهو المباشر
لاتلاف المنفعة ".

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 4 - 5.
(2) سورة النساء الآية 29.
(3) هكذا في النسخ والظاهر " مما لا يضمن بصحيحهما فلا يضمن بفسادهما.
247

ودفعه في المسالك بما حاصله من أنه يرجع في مثل سكنى الدار إلى العارية،
وإن عبر عنها بلفظ الإجارة، لأن التصريح بعدم الأجرة أقوى من الظهور المستفاد
من لفظ الإجارة، والنص مقدم على الظاهر، فيحكم بأنه عارية، إذ هي لا تنحصر في
لفظ، بل يكفي فيها كل ما دل على التبرع بالمنفعة، مضافا إلى اعتضاد ذلك بأصل
البراءة.
بل فيها الاعتراض على ما ذكره أخيرا بأنه قد لا يكون متبرعا، كما لو
أمره المستأجر، فإن مقتضى الفساد عدم تأثير ما وقع من اللفظ، وحينئذ فلا يتحقق
التبرع إلا مع عمل الأجير من غير سؤال، وإلا فينبغي مع عدم ذكر الأجرة ثبوت
أجرة المثل كما هو شأن الآمر لغيره بعمل من غير عقد، ثم قال: فإن قلت: أي فائدة
في تسمية هذا عقدا فاسدا مع ثبوت هذه الأحكام، وإقامته مقام العارية، قلت: فساده
بالنسبة إلى الإجارة بمعنى عدم ترتب أحكامها اللازمة لصحيح عقدها، كوجوب
العمل على الأجير ونحوه، لا مطلق الأثر.
قلت: هذا كما يرد عليه يرد على الشهيد أيضا الذي قد استحسن كلامه أولا
فإن مدركه ذلك، بل هو أولى به منه، لظهور كلام الكركي في اشتراط عدم الأجرة
فوجود الأمر حينئذ وعدمه على حد سواء، لا فيما إذا لم يذكر أجرة، بخلاف كلام
الشهيد، مع أنه يمكن دفعه عنه أيضا أولا بأن محل كلامه العمل من حيث العقد،
ففرض الأمر خروج عن البحث، وثانيا بأن الأمر بالعمل من حيث العقد لا يجدي،
إذ هو حينئذ من توابع العقد الفاسد الذي فرض عدم الأجرة أوقع الفعل بعنوان
أنه مقتضاه.
بل قد يناقش في دفعه الأول - مع أنه لا يتم فيما إذا لم يذكر الأجرة - بأن
محل البحث ما علم قصد الإجارة منه، ولو للجهل بأن العوض من مقوماتها، أو للايداع
أو لغير ذلك لا ما إذا ذكر ذلك ولم يعلم قصده، مع أن تنزيله على العارية على هذا
الفرض ليس بأولى من حمله على التجوز، في استعمال لفظ الإجارة الموضوع لتمليك
248

المنفعة بعوض في تمليكها بغير عوض، ويكون عقدا فاسدا، أو غير ذلك مما هو محتمل.
وأصل الصحة وإن نفى احتمال إرادة الفاسد، لكن الصحيح غير منحصر في العارية،
ومع فرضه وقلنا بالحمل عليها للأصل المزبور لا يحمل عليه كلام الشهيد، ضرورة
إرادته الاستثناء من كلية الأصحاب المزبورة، ولا يتم إلا بجعله عقد إجارة فاسد، لا
عارية، كما هو واضح.
نعم ربما نوقش الشهيد والكركي بأنه لا وجه لمساواة عدم ذكر الأجرة ذكر
الأجرة في الحكم المزبور، ضرورة عدم دلالة ذلك على التبرع بالمنفعة، إذ قد يكون
لنسيان أو لجهل أو اعتقاد أنه مقرر، أو أنه معلوم أنه مع الاطلاق ينصرف إلى العرف.
ومن هنا استجود في الرياض كلام الشهيد في الشق الأول مطلقا، دون الثاني
كذلك، وهو جيد لو كان المراد بعدم الأجرة ذلك، أو ما يشمله، لا أن المراد به هو
المراد من ذكر عدم الأجرة، إلا أن الفرق بينهما بالتصريح بذلك وعدمه، إذ لا ريب
في ظهور آجرتك في إرادة العوض وإن لم يذكره بالخصوص، فلا وجه لسقوطه لاقدام
كل منهما حينئذ عليه، والأمر في ذلك سهل.
إنما الكلام في صحة أصل ما ذكره الشهيد، مع أن إطلاق كلام الأصحاب
يقتضي خلافه في المقام، وفي البيع وغيرهما، صرورة اتحاد البحث هنا، مع قول بعتك
بلا ثمن أيضا أو بعتك بلا ذكر ثمن، بل كلامهم صريح في ثبوت أجرة المثل في المسألة
السابقة المشترط فيها عدم الأجرة، إذا لم يصل في الزمن المعين.
ولعل الوجه فيه - بعد ذكر فرض شمول كلام الأصحاب لمثله لا أنه خارج عنه
باعتبار دخول العوض في مفهوم البيع والإجارة، ومع انتفائه لا يكون بيعا ولا إجارة
كي يندرج في كلية المقام ونحوها المبنية على صدق الإجارة، إلا أنها باطلة، إذ قد
يقال - بعد تسليم عدم صدق اسم الإجارة: - إن المدار في كلامهم على العقد الفاسد
المراد به إجارة مثلا، ولو من حيث تمليك المنفعة خاصة، إما للجهل بموضوع
الإجارة، أو تشريعا أو ايداعا أو نحو ذلك، أن كل مدفوع بعنوان مقتضى العقد
249

الفاسد وأنه من آثاره ومما يترتب عليه على حسب الدفع بالعقد الصحيح لم يترتب
عليه أثر.
ولا يعد من العمل التبرعي ودفع المال المجاني، بل الظاهر أن أخذ المال
بالعنوان المزبور من أكل المال بالباطل، بل هو من أوضح أفراده، ومناف لقاعدة
الضرار، واحترام مال المسلم، ضرورة كون الدفع مع فرض أنه بالعنوان المزبور
كالمقيد بصحة العقد، وأنه من المؤثرات والمسببات لذلك، مضافا إلى نهي الشارع من
تناول مثل المال المزبور، لأنه من الباطل، فيكون اليد عادية عليه، نحو المدفوع
عوضا من المحرمات.
وحينئذ فقاعدة الضمان بحالها، مؤيدة بما عرفت من قاعدة الضرار، والاحترام،
وعلى اليد، ومن اعتدى، والحرمات قصاص، وغير ذلك، على أن المجمع عليه من
عدم ضمان المتبرع به هو ما كان من جهته خاصة، لا بعنوان معاملة فاسدة مشتملة على
ايجاب وقبول.
وإقدام القابل والموجب على المجانية لا ينافي ضمان المال، كما لا ينافي إقدامهما
على المسمى القليل، ضمانه بالقيمة التي قد تكون أضعاف ذلك، بعد فساد العقد الذي
قد تضمنه، بل لعل قيد بلا أجرة في الفرض كالمسمى في غيره لا عبرة بهما، بعد فساد
العقد الذي قد وقعا فيه.
ومن الغريب بعد ذلك كله دعوى صيرورة الفرض ونحوه كالهبة والعارية وكالمتبرع
ونحو ذلك مما هو مناف لقواعد الشرع، من أكل المال بالباطل وغيره، وأغرب من
ذلك دعوى كون المراد بالفساد إنما هو بالنسبة إلى الالتزام بالمسمى ونحوه، لا مطلق
ترتب الأثر الذي منه ما سمعت، من العارية والهبة وأجرة المثل في مقام الالتزام بها
ونحو ذلك، ضرورة منافاة ذلك لما دل من الكتاب والسنة والاجماع على حرمة أكل
المال بالباطل، المقتضي عدم ترتب شئ من ذلك.
ودعوى - فرض كون الدافع قصد الهبة والعارية والتبرع بقصد مستقل غير
ملاحظ فيه العقد المزبور - خروج عن محل البحث، إذ الكلام في المدفوع بالعنوان
250

المذكور معاملة للفاسد، معاملة الصحيح، ولا وجه للهبة والعارية ونحوهما في ذلك.
ومنه يعلم الحال في التقييد الثاني للقاعدة المزبورة، كما عن الأردبيلي وتبعه
عليه غيره، بما إذا كانا جاهلين بالفساد، أما إذا كانا عالمين به أو أحدهما جاهلا و
الآخر عالما فلا يتأتى فيه قاعدة أجرة المثل، وضمان الأجرة بل يكون المدفوع مع
علم الدافع هبة إن كان عينا، فيرجع بها مع بقاء عينها ولم يكن الموهوب ذا رحم،
وعارية لو كان المدفوع منفعة عين، وتبرعا إن كان عملا، نعم لا شئ منها مع الجهل،
ومن هنا يتجه الضمان له.
إذ لا يخفى عليك بعد ما سمعت أنه لا فرق بين الجهل والعلم في عدم الهبة وغيرها،
بعد فرض كون الدفع بالعنوان المزبور، وعليه يدل من النصوص ما تضمن " أن ثمن
الكلب الحرام وسحت " وكذا الخمر والميتة وأجر المغنية والزانية ونحوها مما هو مدفوع
مع العلم بالفساد، إلا أنه كان بعنوان المعاوضة الفاسدة الغير المشروعة، كما هو واضح
بأدنى تأمل والله العالم.
هذا كله في المنفعة والأجرة أما العين المستأجرة فعن مجمع البرهان أنه يفهم
من كلامهم الضمان مع الجهل به، بل في الرياض والعين مضمونة في يد المستأجر
مطلقا، كما نسب إلى المفهوم من كلمات الأصحاب، ولعله لعموم الخبر (1)، بضمان
" ما أخذته اليد ".
وربما يستشكل فيه في صورة جهله بالفساد لإناطة التكليف بالعلم، وارتفاعه
مع الجهل، وهو كما ترى، فإن التلف في اليد من جملة الأسباب لا تختلف فيه
صورتا العلم والجهل حين وجود السبب، والتكليف برد البدل ليس حين الجهل،
بل بعد العلم بالسبب.
نعم ربما يشكل الحكم في هذه الصورة بل مطلقا لو كان المؤجر عالما بالفساد،
لكون ترتب اليد على العين حينئذ بإذن المالك، فلا ينصرف إلى هذه الصورة اطلاق

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
251

الخبر المتقدم، مضافا إلى ما عرفت من رجوع الإجارة في هذه الصورة إلى العارية،
والحكم فيها عدم ضمان المستعير كما تقدم، وكذلك لو كان جاهلا به لضمان المستأجر
فيه، ولو حصل الدفع فيه بالإذن أيضا، فإنه كعدمه لابتنائه على توهم الصحة،
فيكون كالإذن المشروط بها، فإذا ظهر الفساد لم يكن ثمة إذن بالمرة، ولعل مراد
الأصحاب غير هذه الصورة.
قلت: لا يخفى عليك أن الذي عثرنا عليه من كلام الأصحاب في المقام صريح
في عدم ضمان العين المستأجرة في العقد الفاسد، كما صرح به في القواعد وجامع
المقاصد، ومحكي التذكرة، بل في مفتاح الكرامة عن الرياض والمجمع التصريح
بذلك أيضا في مقام آخر من الإجارة،
ولعله لقاعدة " ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده " كما استدل به في التذكرة
والجامع، بل لم أجد من صرح هنا بالضمان، وإن كان قد يوجه على تقدير صحة
النسبة إلى الأصحاب بما سمعت من عموم " على اليد " المعارض للقاعدة المزبورة من وجه،
ويرجح عليها بالنسبة المزبورة، ودعوى العكس باعتضادها بقاعدة الأمانة، يدفعها
ما سمعته من الرياض أخيرا من أنه إذا كان الدفع بعنوان الصحة تكون الإذن كالمقيدة
بذلك، فمع الفساد ينكشف أن لا إذن، فلا تكون أمانة.
ومن ذلك يعلم أنه لا وجه لفرقه بين العلم والجهل حينئذ، إذا لزعم لا مدخلية
له في ذلك، ضرورة قيام الدفع بالعنوان المزبور مقام الزعم المذكور، على أنه قد
يقال بعدم اندراج العين في قاعدة " ما لا يضمن " فلا تعارض على اليد حينئذ.
وذلك لأن المراد من الايجاب والسلب فيها ما كان مضمونا بسبب العقد، وما لم
يكن مضمونا كذلك على معنى أن الضمان وعدمه فيه مورد العقد كالمنفعة في الإجارة
والعين في الهبة، ولا ريب أن عدم الضمان في العين المستأجرة لا مدخلية للعقد فيه،
وإنما هو باعتبار كونها أمانة، فيدور الضمان في الفاسدة حينئذ عليها، لا من
القاعدة المزبورة.
252

وكذلك العين في العارية، فمع فرض عدم الأمانة لما سمعته من تقييد الإذن
بالصحة المفروض انتفاؤها يتجه ما نسباه إلى الأصحاب من الضمان حينئذ،
خصوصا مع علم المستأجر بالفساد وخصوصا إذا كان الفساد من جهة الغصب ونحوه،
لكن ومع ذلك فالانصاف أنه لا يخلو دعوى عدم الأمانة مطلقا حتى في صورة الجهل
منهما من بحث ونظر، كما هو واضح والله العالم
{ويكره أن يستعمل الأجير قبل أن يقاطع على الأجرة} بلا خلاف أجده على
الظاهر في الجواز المستفاد منه. نعم عبر في النافع واللمعة وغيرهما بالاستحباب
نحو ما عن النهاية والسرائر من أنه ينبغي للانسان أن لا يستعمل أحدا إلا بعد أن
يقاطعه على أجرته، فإن لم يفعل ترك الاحتياط المبني على الظاهر على استحباب
ترك المكروه، وهو كذلك بناء على إرادة الرجحان منه، إذ لا ريب في رجحان
امتثال خطاب الكراهة.
والأمر سهل بعد انحصار الدليل في خبر مسعدة بن صدقه (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يستعمل أجيرا حتى يعلمه ما أجره ".
وصحيح سليمان بن جعفر الجعفري (2) " أن مولانا الرضا عليه السلام ضرب غلمانه
وغضب غضبا شديدا حيث استعانوا برجل في عمل وما عينوا له أجرته فقال له سليمان:
جعلت فداك لم تدخل على نفسك فقال: إني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة، واعلم أنه ما
من أحد يعمل لك شيئا من غير مقاطعة ثم زدته لذلك الشئ ثلاثة أضعاف على أجرته
إلا ظن أنك قد نقصته أجرته، وإذا قاطعته ثم أعطيته أجرته، حمدك على الوفاء، فإن
زدته حبة عرف ذلك لك، ورأي أنك قد زدته " المحمولين على الكراهة.
ومنهما حينئذ مع السيرة وإطلاق الفتوى يستفاد جواز ذلك وإن لم يكن له
أجرة معينة في العادة، يل يجوز اتكالا على أجرة المثل، إلا أن ذلك قد ينافيه اشتراط
المعلومية في الأجرة، اللهم إلا أن ينزل على اختصاص ذلك بالعقد والمعاطاة بناء

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 - 2.
253

على أنها يعتبر فيها ما يعتبر فيه إلا الصيغة، لكونها إجارة أيضا فيكون ذلك قسما مستقلا جائزا برأسه نحو إباحات الأعيان والمنافع بالأعواض.
ولا بأس به، للسيرة المستمرة، واحتمال اختصاص النص والفتوى بذي الأجرة
المعلومة، كالحلاق والقصار ونحوهما، فتكون الكراهة حينئذ بسبب عدم الذكر
بالخصوص كما ترى، بل لا يبعد عدم الكراهة في مثله لكونه كالمذكور حينئذ فلا يشمله
التعليل في كلام الرضا عليه السلام هذا.
وربما استفيد من الصحيح المزبور جواز ضرب الغلام لعدم اجتناب المكروه، وفيه
أنه يمكن أن يكون للمخالفة للنهي الصادر منه لهم عن مثل ذلك غير مرة، ولا ينافي
كراهيته حرمته للنهي المزبور من حيث وجوب طاعة العبد للسيد في ترك المباح،
بل المستحب فضلا عن المكروه، والأمر سهل.
{و} كذا يكره {أن يضمن} الأجير {إلا مع التهمة} أي يغرم عوض
ما يتلف في يده مما يضمنه ولو بغير تفريط إلا مع التهمة له في اخباره عن ذلك.
وفي الروضة " أي يغرمه عوض ما تلف بيده بناء على ضمان الصانع ما يتلف بيده،
أو مع قيام البينة على تفريطه، أو مع نكوله عن اليمين حيث يتوجه عليه إن قضينا
بالنكول إلا مع التهمة له بتقصيره على وجه يوجب الضمان ".
وفي جامع المقاصد في شرح قوله في القواعد " وأن يضمن مع انتفاء التهمة، أولت
أي العبارة بأمرين: (الأول) أن يشهد شاهدان بتفريطه، فإنه يكره تضمينه إذا
لم يكن متهما (الثاني): لو نكل عن اليمين وقضينا بالنكول كره تضمينه مع عدم
التهمة، كذا قيل: "
والظاهر أنه أشار به إلى الشهيد في المحكي عن حواشيه ثم قال: " وينبغي أن
يقال: إذا لم يقض بالنكول يكره له تضمينه باليمين المردودة وهذا إذا قلنا بعدم
التضمين إلا مع التفريط، أما على ما ميزه كثير من الأصحاب من تضمينهم إلا مع
ثبوت ما يقتضي العدم فظاهر، لأن الأجير إذا لم يكن متهما يكره تضمينه إذا لم تقم
البينة بما يسقط الضمان، وربما فسر ذلك بكراهة اشتراط الضمان، وليس شئ
254

للفساد حينئذ.
وفي المسالك " فيه تفسيرات، (الأول) أن يشهد شاهدان على تفريطه، فإنه
يكره تضمينه العين إذا لم يكن متهما، (الثاني) لو لم تقم عليه بينة وتوجه عليه
اليمين يكره تحليفه ليضمنه كذلك (الثالث): لو نكل عن اليمين المذكور وقضينا
بالنكول كره تضمينه كذلك. (الرابع): على تقدير ضمانه وإن لم يفرط كما
إذا كان صانعا على ما سيأتي يكره تضمينه حينئذ مع عدم تهمته بالتقصير (الخامس):
أنه يكره أن يشترط عليه الضمان بدون التفريط على القول بجواز الشرط (السادس)
لو أقام المستأجر شاهدا عليه بالتفريط كره له أن يحلف معه ليضمنه مع التهمة،
(السابع) لو لم يقض بالنكول يكره له أن يحلفه ليضمنه كذلك ".
والأربعة الأول سديدة، والخامس مبني على صحة الشرط وقد بينا فساده و
فساد العقد، والأخيران فيهما أن المستأجر لا يمكنه الحلف إلا مع العلم بالسبب الذي
يوجب الضمان، ومع فرضه لا يكره تضمينه، لاختصاص الكراهة بعدم تهمته، فكيف
مع تيقن ضمانه.
وكيف كان فالنصوص التي يظن استفادة الحكم المزبور منها خبر خالد بن
الحجاج (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الملاح أحمله الطعام ثم أقبضه منه فينقص،
فقال: إن كان مأمونا فلا تضمنه ".
وخبر حفص بن عثمان (2) " قال: حمل أبي متاعا إلى الشام مع جمال فذكر
أن حملا منه ضاع فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام قال: أتتهمه؟ قلت: لا، قال: لا تضمنه. "
وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في الجمال يكسر الذي يحمل أو
يهريقه، فقال: إن كان مأمونا فليس عليه شئ وإن كان غير مأمون فهو ضامن "

(1) الوسائل الباب - 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 6 عن جعفر بن عثمان.
(3) الوسائل الباب - 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 7.
255

وخبر الحلبي (1) " قال أبو عبد الله عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن القصار
والصائغ احتياطا للناس وكان أبي عليه السلام يتطول عليه إذا كان مأمونا " ونحوه خبر أبي بصير (2) ".
وفي خبره الآخر (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك
إلا أن يكونوا متهمين، فيخوف بالبينة ويستحلف لعله يستخرج منه شيئا وفي رجل
استأجر حمالا فكسر الذي يحمل أو يهريقه فقال على نحو من العامل إن كان مأمونا
فليس عليه شئ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن ".
وصحيح الصفار (4) " كتبت إلى الفقيه عليه السلام في رجل دفع ثوبا إلى القصار ليقصره،
فيدفعه إلى قصار غير ليقصره فضاع الثوب، هل يجب على القصار أن يرده إذا دفعه إلى غيره وإن كان القصار مأمونا؟ فوقع عليه السلام هو ضامن له إلا أن يكون ثقة مأمونا ".
وخبر حذيفة بن منصور (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحمل المتاع
بالأجر فيضيع المتاع فيطيب نفسه أن يغرمه لأهله، أيأخذونه؟ قال: فقال: أمين هو؟
قلت: نعم قال: فلا يأخذون منه شيئا.
وخبره الآخر (6) قال له أيضا: إن معاذ بن كثير وقيسا أمراني أن أسألك
عن جمال حمل لهم متاعا بأجر وأنه ضاع منه حمل قيمته ستمأة درهم وهو طيب
النفس لغرمه لأنها صناعته قال: يتهمونه؟ قلت: لا قال: لا يغرمونه " بناء على الاجماع
على عدم التفصيل فيها، فوجب حمله في البعض على إرادة عدم تحليفه للضمان، وفي
الآخر على ضمان ما يتلف في يده بفعله أو على نحو ذلك مما قد عرفته.
نعم لا يخفى عليك عدم وفائها بجميع ما تقدم اللهم إلا أن يفهم ذلك من فحاويها،
ويمكن دعوى كون المراد من مجموعها كراهة تغريم الأجير مع أمانته وعدم تهمته
في كل مقام يثبت ضمانه لتلف بفعله أو بغيره كما هو واضح، بل لعل حمل كلام الأصحاب
على ذلك أولى خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 29 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 4 - 12 - 11.
(2) الوسائل الباب - 29 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 4 - 12 - 11.
(3) الوسائل الباب - 29 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 4 - 12 - 11.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 18.
(5) الوسائل الباب - 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 12.
(6) التهذيب ج 7 ص 129 الحديث - 36 طبعة النجف.
256

الشرط * (الثالث: أن تكون المنفعة مملوكة) *
للمؤجر أو لمن هو فضول عنه كما ستعرف أو نائب عنه لو كآلة أو ولاية بلا
خلاف أجده فيه، بل هو من الواضحات، ضرورة عدم تحقق المعاوضة في غير المملوكة
التي يكون المؤجر والمستأجر فيها على حد سواء كمنافع الأعيان المباحة.
نعم لا فرق في المنافع المملوكة {إما} أن تكون {تبعا لملك العين أو
منفردة} كالعين الموصى بمنفعتها والعين الموقوفة عاما بناء على كون العين فيه ملكا
لله، ولا يقدح عموم الوقف جواز إجارة الحاكم ولو لبعض من هو مصرف الوقف لبعض
المصالح التي ترجع إليهم أيضا كمصلحة نفس الموقوف ونحوها، كما لا يقدح جواز
بيعه بعض مال الزكاة ممن هو مصرف لها كذلك أيضا.
{و} على كل حال ف‍ {للمستأجر أن يؤجر} من المؤجر فضلا عن غيره
وإن كان مالكا للمنفعة دون العين بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه
مضافا إلى عموم الوفاء بالعقود، وعمومات الإجارة، وقاعدة التسلط، والنصوص المستفيضة
بل المتواترة الواردة في الأرض والدابة والسفينة وغيرها التي تقدم شطر منها في مسألة
الإجارة، بالأكثر.
نعم يعتبر إجارة الأخف أو المساوي لا الأثقل إذا كانت المنفعة المملوكة له
بعقد الإجارة ركوبه لا على وجه المباشرة، بل على ملاحظته عنوانا لمن يركب،
أما لو كان مطلق منفعة الدابة مثلا مملوكة له لتعينها بالزمان مثلا لم يكن بأس
بركوب من شاء ما لم يكن على وجه يعد تعديا بالدابة والأمر في ذلك سهل.
إنما الكلام في أن له تسليم العين من دون إذن المالك كما هو خيرة المختلف
وغاية المراد والحواشي والمسالك ومجمع البرهان والمفاتيح والرياض على ما حكي
عن البعض، أولا كما هو خيرة النهاية والسرائر والقواعد وجامع المقاصد على
ما حكي عن البعض أيضا، والأول إذا سلمها إلى أمين، والثاني إذا لم يكن أمينا
257

كما عن ابن الجنيد أقوال، أوسطها أوسطها، لأنها أمانة في يده ولم يكن قد أذن له
المالك بتسليمها من غيره كما هو المفروض، فتبقى قاعدة احترام مال الغير بحالها.
وجواز الإجارة له أعم من جواز التسليم له، ضرورة عدم توقفه عليه، إذ يمكن
استيفاء المنفعة، وهي في يد الأمين كما أن عقد الإجارة للأول لا يقتضي وجوب
التسليم على المالك على وجه يرفع يده عنها ويجعلها أمانة عنده إذ ليس له بالعقد
المزبور سوى التسلط على استيفاء المنفعة الذي لا ينافي بقاؤها في يد المالك، كما
لو ركب الدابة وأراد مالكها استصحابها لحفظها أو جعلها أمانة عند غير المستأجر،
فإذا آجرها المستأجر لغيره لم يتسلط بعقده على أزيد مما يتسلط عليه الأول.
نعم مباشرة العين التي من مقومات استيفاء المنفعة من العين كركوب الدابة
وسكنى الدار مثلا لا تحتاج إلى استيذان من المالك وإن استلزم أمانة في الجملة
أيضا لكونها من المنفعة التي ملكها بالعقد.
ومن ذلك يعرف الحال في الاستدلال للأول بأن التسليم من مقتضيات عقد
الإجارة، فإذا جازت له جاز له لأن الإذن في الشئ إذن في لوازمه، فإن التسليم
الذي هو مقتضاها ما كان من مقومات المنفعة المستحقة له بالعقد، لا كون العين أمانة
عنده، وفي يده خاصة الذي محل البحث، ولعل المانع أراد الثاني، والمجوز أراد
الأول فيكون النزاع لفظيا.
كما أن منه يعرف الجواب عن الاشكال، بأنه لو توقف التسليم على إذن المالك
لم يجز الإجارة للمستأجر، لعدم القدرة على التسليم من غير حاجة إلى الجواب
عنه بأنه يكفي في حصولها الإذن المتوقعة، فيكون حينئذ كالفضولي، ضرورة حصول
القدرة على تسليم المنفعة من غير إذن مع بقاء العين في يده، وهو المعتبر في صحة
العقد، لا التسليم على وجه تكون أمانة عند المستأجر الثاني، وهو الذي نقول
بتوقفه على الإذن لمعلومية عدم جواز ايتمان الأمين غيره إلا بالإذن من المالك.
258

وأما الاستدلال عليه بصحيح الصفار المتقدم سابقا في القصار الذي دفع الثوب
إلى قصار آخر فهو مع أنه مبني على مساواة العين المستأجرة للعمل فيها للعين
المستأجرة في الحكم المزبور أولى بالدلالة على المطلوب بعد الاجماع على عدم
التفصيل فيه، فيحمل حينئذ على كراهة الضمان مع الوثاقة، وإن كان هو ضامنا
على كل حال، وذلك منطبق على المختار.
نعم قد يدل عليه صحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه أبي الحسن عليه السلام " قال
سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت فما عليه، قال: إن كان اشترط
أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، وإن لم يسم فليس عليه شئ ".
وفيه: أن ملاحظة الجواب بالاشتراط المزبور وعدمه تقضي بأن المراد بيانه
الضمان من حيث ركوب الغير وعدمه لا من حيث التسليم وعدمه الذي ليس في الصحيح
المزبور تعرض له، والدفع فيه أعم من كون العين أمانة عنده إذ يمكن ركوب الغير
لها وهي في يد الأول.
وكذا ما عساه تشعر به النصوص الكثيرة في جواز إجارة الأرض ونحوها
بالأقل والمساوي دون الأكثر، والنصوص (2) الواردة فيمن تقبل عملا في عين،
وقبله من غيره، باعتبار عدم تعرض شئ منها لعدم جواز التسليم مع أنه المتعارف
الغالب الوقوع.
بل في النصوص المزبورة ما هو كالصريح في تسليم العين من الغير، إذ لا يخفى
على من لاحظها أنها مساقة لبيان حكم الأقل والأكثر لا ذلك، وليس فيها ما يقضي
بالتسليم على وجه ترتفع يد الأول عنه خصوصا، والمسؤول فيها الأرض ونحوها التي
لا استبعاد في بقاء يد الأمانة عليها وإن آجرها أو زارع عليها، لعدم حاجة أمانتها
إلى تكلف أمور كثيرة.

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الإجارة.
259

بل في نصوص العمل ما هو ظاهر في اعطاء الثوب للغلمان الذين هم تلامذته،
ويعملون بحضرته، كما يستعمله الخياطون في زماننا، وقد ظهر من ذلك كله أنه
لا يجوز التسليم الأماني من دون إذن، كما أنه يجوز التسليم المنفعي بدونها، والله
هو العالم.
وعلى كل حال فلا اشكال في جواز الإجارة {إلا أن يشترط عليه استيفاء
المنفعة بنفسه} لنفسه، فإنه لا يجوز حينئذ عملا بقاعدة " المؤمنون " التي يتعذر
الجمع بينها وبين الإجارة المفروضة، فيتعين بطلانها لسبق الخطاب بالأولى.
نعم لو شرط بنفسه خاصة لا بأس بالإجارة من الغير مشترطا عليه الاستيفاء له
بنفسه كحمل متاع ونحوه مما يصح استيفاؤه له ضرورة عدم المنافاة حينئذ، أما إذا
لم يشترط فالظاهر الفساد، وإن استوفى هو بنفسه أيضا للتنافي حينئذ بين صحة
الإجارتين.
{و} على كل حال ف‍ {لو شرط} عليه {ذلك فسلم العين المستأجرة
إلى غيره ضمنها} ولو بتسليم انتفاع لا أمانة ضرورة كونه متعديا، وللصحيح المتقدم
والاجماع المحكي عن الغنية.
نعم لو أخذ عوضا عن هذه المنفعة، ولو أجرة مثل، لم يبعد ملكيته لها لأنها
عوض منفعته المستحقة له، وإن كان قد اشترط عليه استيفاءها بنفسه، وكذا لو غصبها
غاصب منه، والله أعلم.
{ولو آجر غير المالك تبرعا، قيل: بطلت وقيل: وقفت على إجازة المالك،
وهو حسن} بل هو الأصح كما أشبعنا الكلام فيه في البيع بما لم يوجد في كتاب،
إذ التحقيق اتحاد البحث في الفضولي في جميع العقود فلاحظ وتأمل.
الشرط {الرابع: أن تكون المنفعة معلومة}
بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع بقسميه عليه، للغرر وغيره، بل قيل: إن العامة
الذين اكتفوا بالمشاهدة في البيع وافقوا هنا على وجوب العلم بقدر المنفعة فلا يجوز
260

حينئذ على المجهولة فضلا عن المبهمة ولو بابهام العين المستأجرة بل لا بد من التزام
العين في الذمة كما يلتزمها بالسلم وتشخيص العين.
نعم لا بأس بها على سائر المنافع بعد العلم بها جميعها حتى مع حال عدم امكان
استيفاء إلا على جهة البدل، فإنه حينئذ يكون المستأجر مخيرا في استيفاء أي
منفعة شاء منها وإن كان مالكا للجميع بالعقد، ولو لم يكن للعين إلا منفعة واحدة
معلومة كفى الاطلاق في حمل الإجارة عليها، ولو كان لها منافع متعددة وجب بيان
المراد منها ولو الجميع.
وهل يكفي في إرادة الأخير الاطلاق، يقوى ذلك كما عن التذكرة، فيخير
حينئذ المستأجر أيضا على حسب ما عرفته فيما لو صرح.
وعلى كل حال علم المنفعة {إما بتقدير العمل كخياطة الثوب المعلوم}
طوله وعرضه وغلظه، ورقته فارسية أو رومية من غير تعرض للزمان، وإما بتقدير
المدة كسكنى الدار شهرا {أو العمل على الدابة} مثلا، {مدة معينة} والخياطة
المعلومة يوما من غير تعرض لمقدار العمل، فإن كلا منهما ترتفع بها الجهالة عرفا التي
هي المدار في المنع وعدمه فيندرج حينئذ فاقدها في عموم الأدلة وخصوصها.
وقد يتعين الثاني فيما لا يمكن ضبطه إلا به، وإن كان عملا كالارضاع، كما أنه
قيل: قد يتعين الأول فيما هو كذلك نحو استيجار الفحل للضراب، فإنه يقدر بالمرة
والمرتين دون الزمان.
{ولو قدر المدة والعمل} فيما يصلح كل منهما ضابطا له {مثل أن يستأجره
ليخيط هذا الثوب في هذا اليوم
فلا ريب في الصحة مع العلم بسعة المدة لذلك،
كما لا ريب في الفساد مع العلم بالقصور للعجز عن العمل المفروض.
أما إذا كان محتملا ف‍ {قيل تبطل} الإجارة {لأن استيفاء العمل في
المدة قد لا يتفق} فلا يكون معلوم القدرة عليه {وفيه تردد} ينشأ من ذلك، ومن
أن المسلم خروجه من عموم الأدلة معلوم العجز، ولعله الأقوى، خصوصا فيما كان
261

كالفرض من قبيل الشرط، فتصح حينئذ، فإن عمله فيه استحق الأجرة، وإن زاد
الزمان، وإلا تخير المستأجر في الفسخ لفوات الشرط.
وليس للأجير ذلك لعدم كون الشرط له، ولأن الاخلال جاء من قبله،
ولأنه كما لو تعذر المسلم فيه في وقته، فإن فسخ المستأجر قسط، وقيل: بأجرة
المثل، وقيل: بأقلهما، والأول أقوى وإلا طالب بالعمل بعدها، كما لو تعذر المسلم
فيه في وقته، فإن المسلم إذا لم يفسخ واختار الصبر كان له المطالبة به عند وجوده،
وكذلك فيما لو أريد التطبيق في نحو المثال المفروض على معنى الابتداء بابتدائه
والانتهاء بانتهائه، فيصح مع العلم بحصوله، ويبطل مع العلم بالعدم.
وفيه تردد مع الاحتمال، ولعل إطلاق البطلان في اللمعة وجامع المقاصد
والروضة ومحكي التذكرة وشرح الإرشاد والتنقيح في فرض التطبيق في المثال المفروض
مبني على معلومية غلبة عدم حصوله، قيل: وهو معنى ما في المبسوط والمهذب وفقه
القرآن والسرائر من توجيه البطلان في المثال بأنه ربما يخيط الثوب قبل مضي النهار،
فيبقى بعض المدة بلا عمل، وربما لا يفرغ منه بيوم، ويحتاج إلى مدة أخرى، وتحصيل
العمل بلا مدة.
وربما حمل عبارة المتى عليه، وهو وإن كان قد يشهد له ظهور كون الإشارة بلفظ
القيل في كلامه إلى من عرفت، وأنه المراد من التقدير والمفروض باعتبار ظهوره في
إرادة الجمع بين التقديرين، لا إرادة الظرفية من الزمان.
لكنه ينافيه التردد المزبور على هذا الفرض، بل عن التحرير وحواشي الشهيد
أيضا نحو ذلك، بل عن المختلف الحكم بالصحة، ضرورة وضوح البطلان حينئذ.
اللهم إلا أن يقال: إن تردده في التطبيق المأخوذ شرطا، فإن الصحة حينئذ
يكفي فيها احتمال إمكانه، لا أنها تبطل، لأنه قد لا يتفق، كما حكاه من تعليل القائل
إذ أقصاه تخلف الشرط، فيتسلط المستأجر على الخيار حينئذ.
ويمكن أن يكون التردد في حمل الاطلاق على التطبيق دون الظرفية، ولعله
262

إليه أومى في محكي المختلف في توجيه ما اختاره من الصحة بأن الغرض إنما يتعلق
بفعله تلك المدة وذكر الانطباق للمبالغة، إذ لا ثمرة مهمة في تطبيقه على الزمان،
والفراغ أمر ممكن لا غرر فيه.
فعلى هذا إن فرغ قبل آخر الزمان ملك الأجرة لحصول الغرض وهو التعجيل،
ولا يجب شئ آخر، وإن انقضى الزمان قبله فللمستأجر الفسخ، فإن فسخ قبل
حصول شئ من العمل فلا شئ له، وإن فسخ بعد شئ فأجرة مثل ما عمل، وإن اختار
الامضاء ألزمه بالعمل خارج المدة، وليس للأجير الفسخ، وإن كنا لم نجد ذلك له
في المختلف، نعم حكى عنه في السرائر ولعله أبدل به سهوا.
وعلى كل حال فلا يتوجه الطعن عليه ممن تأخر عنه بأن ذلك خروج عن
محل النزاع، باعتبار أن مفروض المسألة التطبيق لا الظرفية، لما عرفت من أن المقصود
تنقيح حال اطلاق المتعاقدين لو صدر منهما التقدير بالمدة والعمل، كما هو مقتضى
فرض المسألة في كلامهم على حسب ما في المتن، وإنما التقييد بالتطبيق أول ما صدر
من الفاضل، في محكي التذكرة والأمر سهل بعد أن علمت الحكم في المسألة على
جميع التقادير.
أما احتمال أن المراد في مفروض المتن وغيره البطلان حتى مع إرادة الظرفية
المعلوم سعتها، فلا وجه له قطعا، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، مضافا إلى
العمومات والخبر المتقدم سابقا في الإجارة على الحمل إلى مكان معلوم في زمان معين
والله هو العالم.
{والأجير الخاض} الذي رسم في جملة من العبارات بالمنفرد {هو الذي
يستأجر مدة معينة} شخصية على وجه الاستغراق، والتقييد للعمل لا الشرطية،
فإن المتجه فيها حينئذ الخيار لفوات الشرط لا الأحكام المزبورة، بخلاف ما إذا استأجره
المدة المزبورة للعمل بنفسه كذلك، فإنه يجري فيه الأحكام التي تسمعها، سواء كان
العمل مخصوصا أو لا، وسواء كان حرا أو عبدا.
263

قيل: ومنه أيضا من يستأجر لعمل معين أول زمانه اليوم المعين بحيث لا يتوانى
فيه بعده، ضرورة كونه بمنزلة تعيين المدة حينئذ.
وعلى كل حال {لا يجوز له العمل} المملوك عليه بعقد الإجارة {لغير
المستأجر} في المدة المعينة {إلا بإذنه} بل ولا غيره من الأعمال إذا كان على وجه
ينافي العمل المستأجر عليه، أما ما لا ينافيه فلا بأس به قطعا كما لا بأس بعمله في غير
مدة الإجارة كالليل حيث لا يكون داخلا، فيجوز للخياط مثلا إذا كان أجيرا خاصا
على الخياطة، التعليم والتعلم والعقد ونحو ذلك مما لا ينافيها حالها، كما يجوز
للأجير على البناء فعله في الليل الآخر إذا لم يؤد إلى ضعف في الأول.
فما في المسالك - من احتمال المنع، والروضة فيه وجهان من التصرف في حق
الغير وشهادة الحال في غير محله، اللهم إلا أن يريد خصوص الذي تملك سائر
منافعه من أفراده، لكن المتجه فيه حينئذ المنع، لكون المنفعة حينئذ مملوكة
للمستأجر، وإن كان الأجير متشاغلا بغيرها له إلا مع الفحوى.
نعم قد يتوقف في شمول بعض المنافع لو وقع العقد بلفظ مطلق مثلا، والمتجه
فيه أيضا الجواز مع فرض الشك في الإرادة كما هو محرر في نظائره.
وعلى كل حال فلا خلاف في عدم الجواز في المنافي المعلوم الاندراج نقلا
وتحصيلا، بل لعله مجمع عليه كذلك، مضافا إلى خبر إسحاق بن عمار (1) " سألت
أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يستأجر الرجل بأجر معلوم فيبعثه في ضيعته فيعطيه
رجل آخر دراهم ويقول: اشتر بها كذا وكذا، وما ربحت بيني وبينك؟ فقال: إذا
أذن له الذي واستأجره فليس به بأس " بناء على إرادة ما يقتضي المنع من البأس في
المفهوم والخاص من الأجير فيه، ولو بمعونة ما عرفت.
فلو آجر نفسه على العمل المستأجر عليه مثلا فإن كان بإذن وقع العقد
للمستأجر ولو أذن له فيه، لأنه كالإذن ببيع ماله لآخر على أنه له، فإن البيع

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
264

لا يكون إلا لصاحب المال، فيملك هو الثمن ما لم يكن الإذن على جهة القرض ونحوه
مما هو خارج عن الفرض.
نعم لو كان أجيرا خاصا على عمل خاص، وقد أذن له في عمل غيره مما ينافيه
كان العقد له دون المستأجر، لعدم كونه له، ويحتمل كونه له مطلقا، للفرق هنا
بأن الأجير الخاص لم يتشخص عمله، كي يكون مملوكا للمستأجر وإنما هو معامل
معاملته في غير الفرض.
ويحتمل العدم مطلقا إلا أن يرفع يده عن الإجارة وإن كان من دون إذن،
وقيل: إن يعمل للمستأجر الأول شيئا ولم يسلمه نفسه كان كالفضولي، باعتبار أنه
كالعقد على ما هو لغيره، فإن أجاز أخذ المسمى من المستأجر الثاني ما لم يكن قد قبضه
الأجير، وقد أجاز ذلك أيضا فيأخذه حينئذ منه حتى لو فرض كون الأجرة عينا
مشخصة.
نعم لو لم يجز له قبض العين المزبورة كان مخيرا بين مطالبتها معا بها كما هو
واضح، وإن أطلق في الروضة مطالبة من هي في يده، كوضوح مطالبته المستأجر خاصة
بالأجرة، إذا لم يجز القبض في المطلقة، ثم هو يرجع على الأجير بما قبض مع جهله
أو علمه وبقاء العين، فما في القواعد - من إطلاق التخيير له في المطالبة لكل منهما
كأجرة المثل حينئذ إذا لم يجز - في غير محله، وإن وجه بأن الأجرة لا تزيل
عدوان المؤجر، إلا أنه كما ترى، وإن لم يجز العقد بطل، لما عرفت.
ولأن الحكم بصحة الأولى يقتضي البطلان في الثانية، ضرورة عدم امكان
الحكم بصحتهما معا، ولا وجه لبطلانهما كذلك، ولا لبطلان الأولى فيتعين الأخيرة
فلو فرض عمله للثاني مع ذلك وقبله ثم تعقبه عدم الإجازة كان المستأجر الأول
مخيرا بين فسخ عقد نفسه للتبعيض عليه، فيرجع إلى أجرته حينئذ ففي صحة الإجارة
الثانية حينئذ وعدمها وجهان، تقدما في بحث الفضولي فيمن باع ملك غيره ثم ملكه،
وبين عدمه فيطالب بأجرة المثل، وكذا لو كان عمله بجعالة مثلا.
265

واحتمال الانفساخ باعتبار أنه كتلف المبيع قبل القبض - كما عن الشيخين
وسلار وأبي الصلاح والمصنف في النافع - يدفعه منع كونه منه، بل هو كغصب بعض
المبيع قبل قبضه، الموجب للخيار لا الانفساخ، بل لعله كذلك أيضا في اتلاف البايع
له في وجه الذي هو نحو ما نحن فيه.
وعلى كل حال فلا يشكل شيئا من ذلك أن الحر وإن صار أجيرا خاصا
إنما يكون المملوك له العمل عليه في الذمة، فلا يتشخص من دون نيته، بخلاف
العبد والدابة ونحوهما مما تكون المنفعة فيه مملوكة تبعا لملك العين، ومن هنا
لا يضمن منافعه بالفوات.
لأنا نقول: ولا يمكن صيرورته كالعبد حينئذ بالإجازة بالنسبة إلى ملك منفعته
الخاصة. وثانيا: إنه وإن كان كليا في ذمته إلا أنه باعتبار حصره عليه بالمباشرة
والمدة صار كالشخصي وجرى عليه حكم الفضولية وغيرها كما هو واضح.
ولو كان عمله للغير تبرعا وكان العمل مما له أجرة في العادة ففي الروضة " تخير
مع عدم فسخ عقده - بين مطالبة من شاء منهما بأجرة المثل، وإلا فلا شئ وفي معناه
عمله لنفسه " وفيه - بعد تخصيص محل الفرض بالأجير الخاص الذي تملك سائر
منافعه - إن المتجه الرجوع عليه خاصة إذا فرض كون عمله للغير من غير علم أو
من غير استدعاء، فإنه لا يزيد على عبد الغير الذي يعمل في مال الغير بلا علم منه،
أو من غير استدعاء.
بل ينبغي القطع به، كما في الأجير الخاص الذي قد ملكت منه منفعة خاصة
فعمل غيرها مما ينافيها للغير من غير استدعاء منه، بل لو كان ذلك باستدعاء منه أو
بعقد إجارة وإن كان فاسدا رجع على الأجير خاصة بأجرة مثل عمله الذي فوته
عليه، واستحق الأجرة على من عمل له بأمره أو بالإجارة الفاسدة، أجرة المثل للعمل
الذي عمله له، لأنها عوض عمله، ولا يملكها المستأجر الأول، لأنها ليست عوض
عمله الذي فات عليه.
266

وقال في الروضة: أيضا " ولو حاز شيئا من المباحات بنية التملك ملكه، و
كان حكم الزمان المصروف في ذلك ما ذكرنا أي الرجوع إلى أجرة المثل إن لم
يفسخ العقد " وفيه أنه يمكن دعوى ملكية المباح للمستأجر إذا كان أجيرا خاصا
مملوكة سائر منافعه على وجه يندرج فيه حيازة المباحات أو كان أجيرا خاصا بالنسبة
إليها لأنه حينئذ بناء على صحة الإجارة على هذا الوجه يكون العمل البارز منه
مملوكا للمستأجر، وتكون يده بسبب الإجارة يد المستأجر، فيملكه حينئذ
وإن نوى خلافه، لأنه بمنزلة من نوى التملك فيما حازه غيره، وبمنزلة حيازة العبد.
وربما يومي إلى ذلك في الجملة اجراء حكم الفضولية على عمل الأجير الخاص،
كما عرفت.
هذا كله قبل عمل الأجير للمستأجر شيئا وقبل أن يسلمه نفسه، أما إذا عمل
له أو سلمه، نفسه ثم آجر نفسه، ففي بعض كتب بعض مشايخنا " ليس للمستأجر الأول إلا
أجرة المثل فيما بقي، وليس له فسخ عقد نفسه، سواء كان المستأجر الثاني استوفى
المدة أو لم يستوفها مستشهدا على ذلك بما ذكره غير واحد من الأصحاب، بل جميعهم
من أن غصب المؤجر والأجنبي بعد القبض لا يسلط المستأجر على الفسخ.
ثم قال - فما وقع للشهيد الأول في الحواشي من أن له فسخ عقد نفسه،
فإن كان ذلك قبل أن يعمل الأجير له شيئا فلا شئ عليه، وإن كان بعده تبعضت
الإجازة ولزمه من المسمى بالنسبة " وتبعه عليه ثاني الشهيدين وفاضل الرياض،
خلاف ما تقدم لهما ولكافة الأصحاب.
وفيه أن مرادهم بالأجير الخاص الذي ذكروا فيه الحكم المزبور الحر، لأنه
المنساق منه، وتسليم العمل المستأجر عليه ليس إلا بابرازه، أو بتسليم نفسه حتى
تمضي المدة، ولا يقوم تسليم نفسه في بعض المدة مقام تسليم المنفعة بالنسبة إلى عدم
الخيار، وكذا فعل بعض العمل، وحينئذ فيتجه الفرق بين ما هنا وبين ما ذكروه
في غصب العين المستأجرة بعد تسليمها، وإن كان من المؤجر الذي هو كغصب المبيع
267

من المشتري كما هو واضح، ويأتي إن شاء الله له مزيد تحقيق.
نعم يتم ما ذكره في العبد الذي هو أجير خاص، إلا أنه غير مراد لهم بالنسبة
إلى الحكم المزبور، وحينئذ فإن عمل للغير بعض المدة بأجرة تخير المستأجر
الأول بين فسخ عقد نفسه للتبعيض، وبين عدمه، فيتخير في إجازة العقد الآخر
على حسب ما عرفته، وهل له فسخ عقد نفسه في خصوص المدة التي عمل فيها للغير،
احتمل ذلك، إلا أن الأقوى العدم، كما في التبعيض في البيع والله أعلم.
{ولو كان} الأجير {مشتركا جاز} عمله في الجملة من غير إذن لنفسه
ولغيره بإجارة أو تبرعا {وهو} كما عن المبسوط والوسيلة والتحرير والسرائر
{الذي يستأجر لعمل مجرد عن المدة} تشخيصها أو عن استغراقها أو عن المباشرة
أو عن جميع القيود أو بعضها، فيكون حينئذ له أفراد متعددة، وإن اقتصر في جامع
المقاصد والمسالك على ثلاثة وهي المجردة عن المدة أو عن المباشرة أو عنهما، كما
أنه في خبر عمر بن خالد (1) عن زيد عن آبائه عليهم السلام الاقتصار في تفسير المشترك بعد
السؤال عنه " بأنه الذي يعمل لي ولك ".
ولكن يمكن إرادة الجميع ما لا ينافي ما ذكرنا، بل يمكن استفادة أكثرها
من نحو المتن بحمل المدة في كلامه على المدة المعتبرة في الأجير الخاص، وهي الشخصية
المستغرقة للعمل، وإن كان لا يشمل المجرد عن المباشرة دونها.
والأمر سهل بعد ما عرفت القيود المعتبرة في الأجير الخاص، فإن المشترك
حينئذ هو فاقدها، أو بعضها كسهولة الوجه فيما سمعته، من أن حكمه الجواز،
للأصل والعمومات السالمة عما يعارضها، حتى المنافاة بين الإجارتين، ضرورة عدمها،
لأن العمل المستأجر عليه فيه، ليس هو إلا كدين في ذمته، ولذا عرفه في محكي
الانتصار والغنية والتذكرة والمختلف بأنه الذي يستأجر على عمل في الذمة، بل
عن ظاهر الأولين الاجماع عليه، ويقرب فيه ما عن التنقيح من أنه الذي يستأجر

(1) الوسائل الباب - 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 13.
268

لعمل مطلق معين، أو لزمان مطلق مضبوط مجرد عن المباشرة.
وما عن مجمع البرهان من أنه الذي يعمل عملا معلوما في زمن معين كلي،
إما مع تعيين المباشرة أو مطلقا، فلا ينافيه حينئذ دين آخر عليه، بل لا ينافيه صيرورته
أجيرا خاصا لآخر.
نعم قد يكون على وجه تحصل المنافاة بينهما، كأن يؤجر نفسه مدة حياته مع
تعيين المباشرة، فلا يجوز حينئذ كما في الرياض، للمنافاة بينه وبين عمل ما استؤجر
عليه للأول، وهو في معنى الخاص بالإضافة إلى قدر المدة للعمل الأول، وإن
كان قد يناقش في أصل صحة المثال بالغرر، وفي جريان ما سمعته من أحكام الأجير
الخاص عليه أيضا، كالفضولية ونحوها، بل أقصاه عدم مضي الإجارة الثانية المنافية
بل بناء على عدم النهي عن الضد احتمل بعضهم الصحة كما ستسمعه.
ومنه يعرف ما في المحكي عن الشهيد من القول بأن الاطلاق في كل
الإجارات يقتضي التعجيل، وأنه تجب المبادرة إلى ذلك الفعل، فإن كان مجردا
عن المدة خاصة فبنفسه، وإلا تخير بينه وبين غيره، وحينئذ فيقع التنافي بينه و
بين عمل آخر في صورة المباشرة، وفرع عليه عدم صحة الإجارة الثانية في صورة
التجرد عن المدة مع تعيين المباشرة، كما منع، في الأجير الخاص.
ويرشد إليه ما تقدم في الحج من عدم صحة الإجارة الثانية مع اتحاد زمان
الايقاع نصا أو حكما كما لو أطلق فيهما، أو عين في إحداهما بالسنة الأولى،
وأطلق في الأخرى، إلا أنه في الروضة بعد أن حكاه عنه قال: " وما ذكره أحوط،
لكن لا دليل عليه إن لم نقل باقتضاء مطلق الأمر الفور " ومقتضاه أن دليله واضح
إن قلنا باقتضائه، مع أن في المسالك قال: " لو سلمنا حينئذ ذلك فالأمر بالشئ
إنما يقتضي النهي عن ضده العام، وهو الأمر الكلي لا الأفراد الخاصة -
سلمنا لكن النهي في غير العبادة لا يدل على الفساد، وما ذكره في الحج
ليس بحجة بمجرده ويتفرع على ذلك وجوب مبادرة أجير الصلاة إلى القضاء بحسب
269

الامكان، وعدم جواز إجارته نفسه قبل الاتمام، وأما تخصيص الوجوب بصلوات
مخصوصة وأيام معين فهو من الهذيانات الباردة والتحكمات الفاسدة ".
قلت التحقيق عدم اقتضاء الاطلاق التعجيل، لعدم فهمه من العقد، وعدم
الدليل عليه من الشرع، والحج بعد تسليمه إنما هو لدليل خاص، ولا ينافي ذلك
اقتضاء العقد الحلول المقابل للتأجيل، لأنه أعم من التعجيل المزبور.
بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم وجوبه، حتى مع المطالبة المقتضية
وجوب الدفع على حسب ما اقتضاه العقد من الفعل في أزمنة الامكان علي المتعارف
المستفاد من إطلاق الأمر بالوفاء، وليس هو كالدين الذي يجب تعجيله بالمطالبة مع
الامكان، لعدم الدليل بل ظاهر اطلاق الأمر بالوفاء يقتضي خلافه، مضافا إلى
السيرة في عدم التعجيل المزبور في سائر الأعمال المستأجر عليها على وجه الاطلاق.
ولو سلم فالانصاف اقتضاؤه الفساد في الإجارة الثانية، مع اعتبار المباشرة
فيهما، وعدم رضا الأول بالعمل لغيره بناء على النهي عن الضد، ضرورة كون
العمل المستأجر عليه ثانيا محرما عليه حينئذ، فلا تصح الإجارة، فما سمعته من
المسالك لا يخفى ما فيه.
بل قد يقال بالفساد، وإن لم نقل بالنهي عن الضد، باعتبار اقتضاء الفورية
المفروضة عدم التمكن شرعا من غيره.
ولعله إلى ذلك أو ما في الروضة بما سمعته منه، مع احتمال الصحة وتسلط
المستأجر الثاني على الخيار إذا كان جاهلا بالحال، بل قد يحتمل ذلك أيضا بناء
على النهي عن الضد، أيضا، ضرورة اقتضاء ذلك الحرمة مع المنافاة دون غيرها،
كما لو آجره بعد ذلك، فيتسلط المستأجر على الخيار حينئذ مع جهله بذلك.
كما أنه قيل في حكم ما نحن فيه من الأجير المشترك إذا كان فاقد المباشرة
خاصة دون المدة أن له إجارة نفسه من الغير إجارة مطلقة، وفي المدة مع تعيين
المباشرة وبدونها، فإذا طالبه المستأجر الأول بما استأجره عليه أداه له بنفسه أو
270

بغيره، فلو عصى ولم يفعل كان له فسخ عقد نفسه، فلو لم يفسخ طالبه بأجرة المثل
عنه في ذلك المدة، وليس له فسخ عقد غيره ولا مطالبته بأجرة المثل، وإذا كان فاقد
المدة دون المباشرة فيجوز له إيقاع إجارة مطلقة.
وأما الخاصة فقد يحتمل المنع، والأقوى الجواز إذا لم تكن على وجه تحصل
المنافاة فيه، لامكان الجمع حينئذ بفعل الأولى بعد مضي زمان الإجارة الثانية.
نعم لو طلبه منه فلم يفعل فله فسخ عقد نفسه، والرضى بالعمل متى ما عمله،
وليس له المطالبة بأجرة المثل لكل من المؤجر والمستأجر، ولا فسخ العقد، وإذا
كان فاقدهما جاز له الإجارة المطلقة والخاصة، وله فسخ عقد نفسه أيضا بالتأخير
الكثير إذا طلبه منه، فلم يفعل وهو جيد.
وإن كان يمكن المناقشة في أجرة المثل في الأول الذي تذكر المدة فيه على
جهة الشرطية، وفي الخيار فيه، بل في الثلاثة بعدم الفعل مع المطالبة، ولو مع
التأخير الكثير الذي ينبغي التقييد به في الثاني أيضا، بأن المتجه في الأول التسلط
على الخيار، لفوات الشرط، لا أجرة المثل، وفي الثاني إلزام الحاكم له بالتسليم
في أول أزمنة الامكان، لا الخيار.
إلا أنه قد تدفع الأولى بأن الفرض التشخيص في المدة، لكن يتجه فيه
الانفساخ حينئذ لا الخيار، وبأن الخيار هو الجابر لما يفوت من حيث المعاوضة،
كما لا يخفى على من لاحظ موارده فتأمل والله هو العالم.
{وتملك المنفعة بنفس العقد كما تملك الأجرة به} بلا خلاف أجده فيه، بل
الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى أن ذلك مقتضى العقد، والمراد من انشائه، بل
هو مقتضى ما دل على إفادة العقد الملك، وتسبيبه له من " أوفوا " وغيره، لأصالة عدم
اعتبار أمر آخر عليه، كما أنه مقتضى ما دل على حصوله بالاستيجار المتحقق بالعقد،
نحو الشراء والبيع، بل لم يقل أحد بالفصل بينهما.
ولا ينافي ذلك توقفه في بعض أفراد العقد على أمر آخر، كالقبض في الصرف و
271

نحوه للدليل، خلافا لبعض العامة، فزعم عدم ملك المنفعة بالعقد، لأنها معدومة،
وإنما يملكها على التدريج بعد وجودها وحدوثها على ملك المؤجر، وملك الأجرة
تابع لملك المنفعة، فلا يملكها المؤجر إلا تدريجا، وهو كما ترى.
{وهل يشترط} هنا {اتصال مدة الإجارة} لو كانت مقدرة {بالعقد}
فلو كانت منفصلة لم يصح {قيل}: والقائل الشيخ {نعم، ولو أطلق بطلت} قال
في المحكي من مبسوطه: لو آجره الدار في شهر مستقبل بعد ما دخل حين العقد،
فإنه لا يجوز، وقال في المحكي من خلافه: إذا قال: آجرتك الدار شهرا ولم
يقل من هذا الوقت وأطلق فإنه لا يجوز.
وكذا لو آجره الدار في شهر مستقبل بعد ما دخل، فإنه لا يجوز، لأن عقد
الإجارة حكم شرعي، ولا يثبت إلا بدلالة شرعية، وليس على ثبوت ذلك دليل.
{وقيل} والقائل الأكثر {الاطلاق يقتضي الاتصال، وهو أشبه} بمراعاة
أصالة إرادة المسلم الوجه الصحيح، ولفهم أهل العرف ذلك حتى صار كأنه وضع
عرفي، كما يشهد له النصوص الدالة على الصحة في المتعة مع الاطلاق، وكان غرض
المصنف بهذه العبارة خصوصا بعد ذكر مسألة الانفصال التعرض لتنزيل الاطلاق على
الاتصال وعدمه.
لكن فيه أن مثل ذلك لا يؤدى بمثل هذه العبارة كما هو واضح، بل ليس
وظيفة الفقيه التعرض لمثله، ضرورة كون المدار على الفهم العرفي.
بل يمكن أن يكون مراد الشيخ من الاطلاق الذي حكم ببطلانه الكلي
الذي هو حقيقة اللفظ مفرعا له على اعتبار الاتصال في الصحة، والكلية أعم منه،
فيبطل، فالمناسب البحث معه في ذلك، وأنه بناء على عدم اعتبار الاتصال كما هو
التحقيق تجوز الكلية، أو لا بد من التعيين ولو في زمان متأخر عن العقد، يحتمل
الأول لاطلاق الأدلة وعمومها.
وربما يشهد له جملة من كلمات الأصحاب في مسألة آجرتك كل شهر
272

بدرهم، وأمثلتهم، وفي مسألة الأجير المشترك، والمختص، وأمثلتهم في مسألة
تقدير المنفعة بالعمل والمدة، بل كاد يكون صريحا في جامع المقاصد في المقام،
والأخير وظاهر بعضهم، وصريح آخر الثاني للجهالة والغرر.
وقد يقوى التفصيل بين الأعيان والأعمال فيعتبر التعيين في المدة في الأولى،
دون الثانية التي مرجع المدة فيها إلى تقدير نفس العمل، بل في محكي التذكرة
نفي الخلاف من اعتبار التعيين في الأولى وإذا أمكن تنزيل عبارة المتن على البحث
عن ذلك كان أولى.
{و} كيف كان {فلو عين شهرا} معينا {متأخرا عن العقد قيل} والقائل الشيخ
كما سمعت وأبو الصلاح {تبطل} لما عرفت ولعدم القدرة على التسليم {والوجه
الجواز} وفاقا للمشهور، بل في محكي التذكرة الاجماع عليه، بل عن السرائر
بعد حكاية ما سمعته من المبسوط ما نصه لم يذكر يعني في المبسوط أن ذلك قولنا،
أو قول غيرنا، ولا يظن ظان أن ذلك قول لأصحابنا إلى آخره لعموم الأدلة.
ولأن شرط الاتصال يقتضي عدمه، لأن كل واحد من الأزمنة التي تشتمل
عليها مدة الإجارة معقود عليه، وليس غير الجزء الأول متصلا بالعقد، ومتى كان
اتصال باقي الأجزاء غير شرط، فكذا اتصال الجميع، والقدرة على تسليم المعقود
عليه متحققة كما هو واضح، والله العالم.
وكيف كان فقد عرفت أن المستأجر يملك المنفعة بالعقد، كما أن المؤجر
يملك الأجرة به إلا أنه ملك غير مستقر، وإنما يستقر بالاستيفاء بلا خلاف {و}
لا إشكال أو بما هو في حكمه كما {إذا سلم العين المستأجرة} للمستأجر وقبضها {و
مضت} مدة الإجارة لو كانت مقدرة بها أو {مدة يمكن فيها استيفاء المنفعة} لو كانت
مقدرة بالعمل، سواء استوفى أم لا، لعذر أم لا، كما عن التذكرة التصريح به،
فإنه إذا كان كذلك {لزمته الأجرة} بلا خلاف معتد به، حتى لو كانت الإجارة
فاسدة، وإن كان اللازم فيها أجرة المثل.
273

فما عن التذكرة والتحرير - من احتمال عدم شئ له فيها - في غير محله، بل
لا فرق في ذلك كله بين العين الشخصية والكلية، والتقدير بالمدة والعمل، لعموم
الأمر بالوفاء، واستصحاب الملك، وعدم المانع من قبل المؤجر، وكون العين مضمونة
المنافع في يده.
والخبر (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استأجر من رجل أرضا فقال:
أجرنيها بكذا إن زرعتها، أو لم أزرعها أعطيتك ذلك، فلم يزرعها الرجل قال: له
أن يأخذ، إن شاء ترك وإن شاء لم يترك ".
وخبر ابن يقطين (2) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكتري السفينة
سنة أو أقل أو أكثر قال: الكري لازم إلى الوقت الذي اكتراه إليه والخيار في
أخذ الكري إلى ربها، إن شاء أخذ وإن شاء ترك ".
ونحوه خبر على ابنه (3) وخبر سهل (4) وخبر أبي بصير (5) بل الظاهر أن
المراد من الحكم فيها بلزوم تمام الكري إلى الوقت دفع وهم احتمال نقص الكري
بقدر التعطيل، لو تعطلت في بعض المدة، واجماع الغنية على ما إذا استأجر دابة
ليركبها إلى مكان بعينه، فسلمها إليه فأمسكها مدة يمكنه المسير فيها ولم يفعل،
وغير ذلك.
وحينئذ فقول المصنف {وفيه تفصيل} في غير محله، وإن حكي عن نسخة
قرئت على المصنف أنه وجد مكتوبا عليها أن المراد إن سلم العين وكانت مقيدة
بمدة معينة لزمت الأجرة انتفع أم لا، وإن كانت على عمل كالدابة تحمل المتاع
لزمت في المدة أجرة المثل، والإجارة على العمل باقية، وهو أحد الوجوه المحتملة
فيه في المسالك، فإنه احتمل أن يكون المراد منه الفرق بين المعينة فتستقر دون
المطلقة، أو بين المعينة بوقت، دون المتعلقة بالذمة مجردة عن الزمان، فتستقر في

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1. وذيله
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1. وذيله
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1. وذيله
(5) الوسائل الباب - 7 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1. وذيله
274

الأولى دون الثانية، لأن جميع الأزمنة صالحة لها، أو بين الحر وغير فتستقره في
الثاني دون الأول.
لكن الأولين كما ترى، وإن حكي أولهما عن الشيخ، وثانيهما عن
المهذب البارع وإيضاح المنافع، وأما الثالث فليس مشمولا للعبارة، ضرورة إرادة
العين المملوكة على أنه سيصرح بخلافه في الاستيجار على قلع الضرس الشامل للحر
وغيره، بل قوله.
{وكذا لو استأجر دارا وتسلمها ومضت المدة ولم يسكن} ظاهر في
كون المراد من الأول غير المعينة بوقت فلا معنى لحمل التفصيل عليه، فيتعين
حينئذ حمله على الأول.
لكن فيه أيضا أنه إن كان المراد بالمطلقة غير المعين من الدابة، كما لو
استأجر منه دابة كلية موصوفة فدفع إليه المؤجر المطابقة ومضت مدة يمكن فيها
الاستيفاء ولم يستوف فالمتجه حينئذ كونها كالشخصية بالقبض، لأنه مشخص للكلي
وإن أراد بالمطلقة الإجارة المطلقة بمعنى استيجاره مثلا على حمل شئ إلى مكان
معلوم من غير تعيين للحامل دابة أو غيرها، فدفع دابة لذلك ولم يستوف، فهو و
إن كان يمكن منع استقرار الأجرة، بمضي المدة في مثله، إلا أنه مناف لما فرض
المسألة فيه، وهو تسليم العين المستأجرة ضرورة عدمها في الفرض.
اللهم إلا أن يراد بها ما يشمل ذلك، والأمر سهل في المراد من العبارة بعد
معلومية الحكم على كل تقدير.
ومثل التسليم في ذلك كله بذل المؤجر العين للمستأجر حتى مضت المدة
المزبورة، فلم يأخذها المستأجر بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، للأدلة السابقة.
نعم ليس هنا أجرة المثل مع فرض فساد الإجارة، لعدم القبض، ولكن قد يشكل
ذلك في غير العين المشخصة المقيدة بزمان، بأن الحال فيه كدفع المديون الدين،
فامتنع الديان من قبضه، وقد ذكر هناك غير واحد قيام الحاكم مقام المالك في
275

القبض، بل قيل: فإن لم يكن فعدول المؤمنين، وإن كان قد يناقش في قيامهم مقامه
هنا بما ذكرناه في محله، فينحصر الأمر حينئذ في الحاكم، فإن لم يكن كان تلفه
من الديان.
وعلى كل حال يتجه الحكم هنا بذلك، اللهم إلا أن يستند إلى الأدلة
السابقة، مؤيدا بأن القبض الذي تدور عليه هذه الأحكام عبارة عن التخلية التي قد
فرض حصولها، فلا يحتاج إلى الحاكم حينئذ، لصدق القبض حينئذ فتأمل جيدا.
ولو دفع المستأجر على عمل عينا إلى الأجير ليعمل فيها العمل، وكانت
الإجارة مقدرة بالزمان حقيقة أو حكما، كما لو ذكر ابتداء العمل في وقت معين،
ثم لا يتوانى فيه حتى يتم فمضت المدة التي يمكن فيها العمل، فلم يفعل، وطلب
المالك العين فلم يدفعها له، صار غاصبا، بل وإن عمل بعد ذلك لم يستحق أجرة،
وإن لم يطلبه المالك.
نعم لو لم تكن مقدرة بالمدة فالظاهر استحقاق الأجرة وإن طلبه المالك
منه، بل وكذا لو كانت المدة مذكورة شرطا وإن تسلط على الخيار بفوات الشرط
لكنه يستحق حينئذ أجرة المثل {أو استأجر الحر} أو عبده {لقلع ضرسه،
فمضت المدة التي يمكن ايقاع ذلك فيها} وكان المؤجر باذلا نفسه له {فلم يقلعه
المستأجر، استقرت الأجرة} أما في العبد الذي قد تسلمه فواضح، لأنه من العين
المستأجرة التي قد عرفت الكلام فيها، وأما الحر فهو وإن كان قضية إطلاق المتن
ومحكي المبسوط والسرائر والتحرير والإرشاد ذلك فيه أيضا، بل عن التذكرة
أنه الأقرب، بل في المسالك الجزم به، لبعض الأدلة السابقة.
لكن قد يشكل بما في جامع المقاصد ومحكي مجمع البرهان من أن منافع
الحر لا تدخل تحت اليد استقلالا ولا تبعا، لعدم ملكية العين، ولذا لا تضمن إلا
بالاستيفاء.
بل قيل: إنه خيرة غصب الشرايع والتحرير وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد
276

والمسالك والروضة والرياض، وقد يدفع بأن منافع الحر بعد العقد عليها و
استحقاقها صارت مالا، فمتى بذلها لمستحقها فلم يقبلها كان تلفها منه، نحو غيرها
من الأموال.
نعم يأتي الكلام السابق فيما إذا لم تكن مقيدة بزمان حقيقة أو حكما من
اعتبار تعذر الحاكم وعدمه، هذا كله مع بقاء الألم الذي يقلع الضرس له عادة.
{أما لو زال الألم عقيب العقد سقطت الأجرة} لتعذر متعلقها شرعا باعتبار
عدم جواز القلع، وإدخال الألم على النفس بغير ضرورة، فلا يصح الاستيجار عليه،
إذ هو حينئذ كالاستيجار على قطع اليد ونحوه من غير سبب يوجبه، أما لو فرض
وجود سبب كالأكلة ونحوها مما يقطع بها عند العقلاء جاز بلا إشكال ولا خلاف
كما هو واضح والله العالم.
{ولو استأجر شيئا} معينا {فتلف قبل قبضه بطلت الإجارة} بلا خلاف
أجده فيه كما اعترف به في محكي التذكرة لفحوى ما دل عليه في البيع من
النبوي (1) وخبر عقبة (2) وغيرهما، بل ظاهر الأصحاب في المقام اتحاد الحكم في
المقامين، وأن المنفعة هنا بمنزلة المبيع، والأجرة هنا بمنزلة الثمن.
ومن هنا يتجه جريان جميع ما تقدم هناك في المقام، كالبحث عن تلف الثمن،
المعين، وعن التلف بغير الآفة السماوية كتلف الأجنبي، والبايع والمشتري، وعن
تقيد الحكم بما إذا لم يكن عدم القبض من امتناع المستحق، أو بسؤاله البقاء في يد
البايع، وغير ذلك مما تقدم هناك فلاحظ وتأمل.
لكن قد يقال هنا إن الوجه في التعدية المزبورة مع اختصاص الدليل في البيع
هو بناء أمثال هذه العقود على المعاوضة الشرعية والعرفية التي هي بمعنى تبديل
سلطنة بسلطنة، بل لعل ذلك من مقوماتها، فتعذره حينئذ يقتضي انتفاؤها.

(1) المستدرك ج 2 ص 473.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب الخيار الحديث - 1.
277

لكن لا يخفى عليك منافاة ذلك لكثير مما تقدم في ذلك المبحث، ضرورة ابتنائه
على أن الأصل اللزوم، وأن العقد قد تم مقتضاه الذي هو حصول الملك لكل من
العوضين، فتلف كل منهما حينئذ من مال مالكه إن لم يكن بجناية جان، وإلا فعلى
المتلف، إلا أنه خرج التلف قبل القبض عن هذا الأصل بالدليل المزبور، فينبغي
الاقتصار على مؤداه ويبقى ما عداه على الأصل.
اللهم إلا أن يقال: إن التعدية عن مفاد الدليل المزبور هناك وهنا دليل على
فهم أن مبناه ذلك، وإثبات الخيار في اتلاف الأجنبي والبايع لامكان المعارضة في
الجملة بقاعدة من أتلف، المفقودة مع التلف بآفة سماوية كما أن اللزوم بإتلاف
المشتري باعتبار كونه كوصول العوض إليه، لضمانه له لو انفسخ العقد، ولذا لم يثبت
خيار هنا، بخلافه في سابقه المناسب لوضع الخيار، باعتبار فوات حقيقة المعاوضة
وثبوت مجازها بقاعدة من أتلف، أما الآفة السماوية فقد انتفيا معا، ولذلك
انفسخ العقد.
وكأن العلامة نظر إلى ذلك فجعل التلف كاشفا للفسخ من الأصل، باعتبار
أن حصول المعاوضة العرفية شرط في حصول المعاوضة الشرعية، وإن كان قد يدفع
بمنع ما يدل على ذلك.
بل أقصى ما يسلم أن إمكانها شرط في صحتها، واستدامة الامكان إلى حصول
القبض شرط في الاستدامة، ولذا كان مذهب الأكثر الانفساخ من حينه، لا من
الأصل والله أعلم.
{وكذا} الكلام {لو تلفت عقيب قبضه} بلا فاصلة، بعد ما عرفت أن
المنفعة هي التي بمنزلة المبيع، ولا ريب في تحقق تلفها قبل قبضها، وإن كان بعد
قبض العين التي تستوفى منها، وليس في الأدلة ما يقضي بأن قبض العين للمنفعة بالنسبة
إلى ذلك، وإن كان هو كذلك بالنسبة إلى استحقاق تسليم الأجرة ونحوه.
{أما لو انقضى بعض المدة ثم تلف، أو تجدد فسخ الإجارة} بسبب من أسبابه
{صح فيما مضى، وبطل في الباقي} كتلف بعض المبيع {و} حينئذ ف‍ {يرجع
278

من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة} مثلا إن ثلثا فثلث، وإن نصفا فنصف مع
تساوي الأجزاء وإلا كما لو كان أجرة الشتاء غير الصيف قوم أجرة مثل جميع المدة
ثم تقوم الأجزاء السابقة على التلف، وتنسب إلى المجموع، ويؤخذ من المسمى
بتلك النسبة، وكذا الكلام في المنفعة المقدرة بالعمل.
هذا كله إذا وقع عقد الإجارة على عين مشخصة، أما إذا كانت كلية وقد
دفع المؤجر فردا، فتلف عند المستأجر، فالظاهر عدم انفساخ الإجارة، بل ينفسخ
الوفاء المزبور، ويستحق عليه فردا آخر، ودعوى تشخيص الحق فيه ممنوعة، كما
عرفته سابقا في نظايره.
{و} كيف كان ف‍ {لا بد من تعيين ما يحمل على الدابة إما بالمشاهدة}
كما صرح به جماعة، بل عن التذكرة أنها من أعلى طرق العلم. نعم فيها أيضا
" أنه لو كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخمينا لوزنه " ولعل مراده أن المحمول
إذا كان في ظرف، ولم يعلم أنه من أي جنس، والفرض اختلاف الأجناس في الثقل
والخفة، وجب امتحانه باليد ونحوه، أما إذا كان مشاهدا على وجه يعرف جنسه،
فالظاهر الاكتفاء بها على الامتحان باليد ونحوها.
وكأنه إلى ذلك أشار في المسالك بقوله " لما كان الضابط التوصل إلى ما يرفع
الجهالة، لم يكف مطلق المشاهدة، بل لا بد معها من امتحانه باليد تخمينا لوزنه إن
كان في ظرف، لما في الأعيان من الاختلاف في الثقل والخفة مع التفاوت ولا فرق في
الاكتفاء بالمشاهدة بين المكيل والموزون، وبين غيرهما، وعدم الاكتفاء بها في البيع،
لكون المراد هنا القدر الذي لا تكفي هي فيه، بخلاف المقام الذي يراد فيه الحمل
الموقوف على معرفة الثقل والخفة، الذين لا مدخلية لمعرفة المقدار فيهما، ضرورة
محسوسيتهما بالمشاهدة، والامتحان باليد ونحو ذلك كما هو واضح.
{وإما بتقديره بالكيل أو الوزن} أو غيرهما {مما يرفع الجهالة} التي هي
المانع في المقام، ولذا لم يكتف بهما أي - الكيل والوزن - في غير المقدار، ضرورة
279

اختلاف الجنس أيضا في ذلك أيضا، فلا بد من معرفته معهما، إذ القطن يضر من
جهة انتفاخه ودخول الريح فيه، فيزداد ثقله في الهواء، كما أن الحديد يجتمع على
موضع من الحيوان فربما عقره بل تحميل بعض الأجناس أصعب من بعض، و
يحتاج في الحفظ إلى أزيد من الآخر.
فاطلاق المصنف كالمحكي عن غيره محمول على إرادة الاكتفاء بهما
من حيث المقدار، لا بالنسبة إلى مثل ذلك، على أن المصنف سيصرح بوجوب ذكر
الجنس والصفة والقدر في غير المشاهدة.
{و} على كل حال ف‍ {لا يكفي ذكر المحمل مجردا عن الصفة ولا راكب
غير معين لتحقق الاختلاف في الخفة والثقل} بل {ولا بد} من مشاهدتهما {مع ذكر
المحمل من ذكر طوله وعرضه وعلوه، وهل هو مكشوف أو مغطى، وذكر جنس غطائه}
بل والوطاء وجنسه وعدمه، وفي الاكتفاء بوصف الراكب بالضخامة والنحافة
ليعرف الوزن تخمينا نظر.
بل وخلاف: فعن المبسوط وفقه الراوندي أنه لا يمكن العلم بالراكب إلا
بالمشاهدة، بل لعله ظاهر الوسيلة والتحرير والإرشاد وغيرهما، لأن الرجل قد
يكون طويلا خفيفا وقصيرا ثقيلا، مضافا إلى اختلاف الرجال في الحركات والسكنات،
والوصف لا يضبط ذلك كله، ولا يفيده، فيكون غررا.
بل ربما قيل: إن المشاهدة وحدها لا تفيد ذلك كله، بل لا بد معهما من ذكر
الحركات والسكنات قلة وكثرة، وفي جامع المقاصد والمسالك وعن التذكرة و
الإيضاح الاكتفاء بذلك إذا كان تاما مشتملا على ذكر الوزن والطول، والقصر و
الضخامة والنحافة، والحركات والسكنات ونحو ذلك.
بل لعله لا حاجة إلى ذكر الأخيرة، لأنها اختيارية، بل إن لم يحصل إجماع
أمكن القول بما عن مالك من عدم الحاجة إلى تعيين الراكب بشئ من ذلك،
لتقارب الأجسام في الغالب، وللتسامح في مثل هذا التفاوت وللسيرة.
280

نعم لو كان خارق المعتاد في الثقل احتج إلى المشاهدة أو الوصف القائم مقامها
فتأمل جيدا.
{وكذا} لك الكلام فيما {لو استأجر دابة للحمل} فإنه {لا بد من تعيينه}
أي المحمول {بالمشاهدة أو ذكر جنسه ووصفه وقدره} لتوقف رفع الجهالة والغرر
على ذلك، ولعل ما تقدم كان في الدابة التي قدرت منفعتها بالمدة التي مثل بها
المصنف سابقا لذلك، بخلاف هذا فإنه في الدابة المقدرة بالعمل.
لكن فيه أولا أنه ينبغي ذكر الجنس والوصف هناك أيضا كما هنا، وثانيا
أنه قد يقال: مع التقدير بالزمان لا حاجة إلى التعيين بالمشاهدة، ولا إلى غيرها،
فإنه يجوز إجارة الدابة للحمل مدة معينة مي غير تعيين للمحمول، لكن لا يتجاوز
المستأجر المعتاد كما يجوز الاستيجار للخياطة يوما من غير تعيين أنها فارسية أو
رومية، لعدم الغرر.
بل هو أولى بالجواز من الاستيجار للخدمة مثلا، أو لمطلق الانتفاع به،
على معنى أنه يملكه بعقد الإجارة سائر منافعه مدة معينة، فينتفع به المستأجر
ما شاء.
نعم يعتبر التعيين مع إرادة الخصوصية، ويمكن أن يحمل على ذلك كلام
المصنف وغيره وجامع المقاصد فيما لو قدر البناء بالزمان، قال: ظاهر كلامهم
أنه لا يشترط ذكر شئ من الأمور الثلاثة التي لا بد منها لو قدر بالعمل، وهي
الطول والعرض والسمك، بل فيه أيضا ذكر تعيين المحل والآلة من لبن أو طين
مثلا احتمالا.
وكذا صرح بعضهم بل غير واحد أيضا بعدم الحاجة فيما لو استأجره لعمل
اللبن إذا قدر بالزمان إلى معرفة الغالب ونحوه، وفيما لو استأجره لحفر بئر أو
نهر إلى معرفة الطول والعرض والعمق ونحوه مع التقدير بالمدة فلاحظ وتأمل.
{وكذا} لا بد من اشتراط المعاليق أي الآلات كالقربة والإداوة والسفرة و
281

نحوها، إذا لم تكن هناك عادة تقضي بها بل {لا يكفي} حينئذ {ذكر} ها أي
{الآلات المحمولة ما لم يعين قدرها وجنسها} للغرر.
نعم لو شاهدها أو قدرها وعرف وجنسها ارتفع الغرر، كما أنه لو كانت هناك
عادة تقتضي ذلك لم يحتج إلى شئ من ذلك كما هو واضح.
{و} كذا الكلام في الزاد فلا بد حينئذ من اشتراطه مع عدم العادة بل {لا يكفي
اشتراط حمل الزاد ما لم يعينه} أو يشاهده علي حسب ما عرفت، أما إذا كانت هناك
عادة في حمله وفي مقداره، فلا حاجة إلى الاشتراط، وإن اختلفت بالنسبة إلى طول
السفر وقصره، وكثرة اتباع الشخص وقلتهم ونحو ذلك. فإنه غير قادح كما لا
يقدح التفاوت اليسير في أفراد المعتاد الذي يتسامح في مثله.
{و} على كل حال ف‍ {إذا فني} كله أو بعضه بالأكل المعتاد {ليس له حمل
بدله} من زاد فضلا عن غيره {ما لم يشترطه} لابتنائه في العادة على عدم البقاء، وعلى
عدم الابدال، فما عن المبسوط - من أنه إن أكله أو أكل بعضه كان له إبداله و
إكماله على الأقوى، بل عن التحرير أنه ليس بردي - في غير محله.
لكن في محكي التذكرة محل النزاع ما إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة
بسعر المنزل الذي هو فيه، أما إذا لم يجده أو وجده بثمن أغلى فله الابدال لا محالة،
بل عن المبسوط والتحرير مثل ذلك، قلت: محل البحث أنه إذا استحق حمل الزاد
للعادة يستحق حمل عوضه لو فنى بالأكل كغيره مما استحق نقله، أو أن العادة تقضي
به على هذا الحال، فلا يستحق حينئذ الابدال.
نعم لو اشترط الابدال صح كما أنه لو ذهب بسرقة أو سقوط أو نحوهما كان
كذلك بلا خلاف في محكي المبسوط، حتى لو أطلق اشتراط عدم الابدال مع الأكل،
ضرورة تنزيله على المعتاد.
{فإذا استأجر دابة} معينة {اقتصر على مشاهدتها فإن لم لكن مشاهدة} بل
غائبة أو كانت كلية {فلا بد من ذكر جنسها} كالإبل {ووصفها} على وجه يرتفع
282

معه الغرر في الإجارة بذكر النوع من العرابي والبخاتي {وكذا الذكورة والأنوثة
إذا كانت للركوب} ضرورة اختلاف الدواب بالنسبة إليه، بل في محكى التذكرة و
التحرير أنه إذا كان في النوع ما يختلف مشيه جودة ورداءة وجب ذكره، وإن
كانت مشاهدة كالخيل التي فيها القطوف وغيره.
اللهم إلا أن يقال: إن احتمال ذلك غير مؤد إلى الجهالة عرفا في الإجارة
خصوصا مع غلبة الكيفية الخاصة من المشي في النوع الخاص على وجه يكون
مخالفا للأصل بمعنى الغالب، ولعله لذا أطلق المصنف وغيره الاكتفاء بالمشاهدة أو
الوصف الذين لا يفيدان ذلك.
بل ربما استفيد من اقتصار الإرشاد والروض ومجمع البرهان عليهما عدم
اعتبار الذكورة والأنوثة كما احتمله في جامع المقاصد والمسالك ومحكي التذكرة،
لأن التفاوت بينهما يسير لا يمكن ضبطه، فلا يكون معتبرا في نظر الشارع بخلاف
الجنس والنوع، ولو وجدها بخلاف الوصف تخير مع التعيين كما في المبيع و
طالب بالبدل إذا كانت كلية، وله الرضا بها عوضا عن حقه.
هذا كله إذا كانت للركوب ولذا قال المصنف {ويسقط اعتبار ذلك إذا كانت
للحمل} كما صرح به في المسالك ومحكي التذكرة، بل قيل: إنه قضية غيرها إلا
أن يكون المحمول مما تضره كثرة الحركة كالزجاج والفاكهة فلا بد من معرفة
حال الدابة، كما عن التذكرة التصريح به.
لكن قد يناقش بأنه لا مدخلية لذكر الغرض المخصوص في رفع الجهالة المعتبر
في الإجارة، ولا يتوقف عليه، كالعكس، ومن هنا يتجه اعتبار المشاهدة أو الوصف
في المعينة، وإن كانت للحمل، كما نص عليه بعضهم.
بل لعله كذلك أيضا في الدابة الكلية، ضرورة صدق الجهالة مع عدمه، وإن
لم يتضرر المستأجر، نعم لو كانت الإجارة للحمل في ذمة المؤجر لم يحتج إلى ذكر
الدابة، فضلا عن وصفها.
283

{و} كيف كان ففي محكي المبسوط وغيره أنه {يلزم مؤجر الدابة كل ما
يحتاج إليه} المستأجر {في امكان الركوب} على الوجه المعتاد في الدابة {من الرحل
والقتب وآلته والحزام والزمام) واللجام والسرج والأكاف والزاملة والخداجة
{و} غير ذلك مما يعتاد فعله للراكب بالنسبة إلى كل دابة {في رفع المحمل
وشده تردد، أظهره اللزوم} وفاقا للفاضل والكركي وثاني الشهيدين وغيرهما
للعادة، بل في القواعد وغيرها زيادة حطه ورفع الأحمال وشدها وحطها والقائد
والسابق.
نعم قيد ذلك فيها وفي المحكي عن تحريره بما إذا شرط المستأجر مصاحبة
المؤجر، وأما إذا آجر الدابة ليذهب بها المستأجر فجميع الأفعال على الراكب،
وعن التذكرة أنه أطلق القول بوجوب هذه الأشياء إن كانت في الذمة، وعدمه إن
كانت معينة، وإنما يجب عليه التخلية بينها وبين المستأجر، ولا يجب أن يعينه
في الركوب والحمل.
وعن ثاني الشهيدين أن هذه الأشياء تجب مع اشتراط المصاحبة، أو قضاء
العادة بها، أو كانت الإجارة في الذمة، أما لو كانت مخصوصة بدابة معينة ليذهب
بها كيف شاء، ولم تقض العادة بذلك، فجميع ذلك على الراكب.
والتحقيق اتباع العادة في جميع ذلك وغيره، كالدلالة على الطريق، والاركاب
مع العجز، وايقاف الدابة للصلاة والحاجة ونحو ذلك، وهي مختلفة باختلاف
الأزمنة والأمكنة، لا يمكن للفقيه ضبطها، بل هو ليس وظيفة الفقيه، وإنما عليه
ذكر الحكم كليا، وكل شئ لا تقضي به العادة أو شك فيه لا يجب بعد فرض عدم
دلالة لفظ العقد عليه بإحدى الدلالات الثلاث، ولا دليل شرعي يقتضيه، وقد تقدم
في باب البيع فيما يندرج في المبيع ما له نفع تام في المقام، بل هما من واد واحد.
نعم قد يحتاج إلى النظر، تحرير كون لزوم هذه الأشياء على الاشتراط،
فيتسلط المستأجر على الخيار بعدم الوفاء بها، أو بعضها، وأنها أيضا بعض المنفعة
284

التي وقع عليها العقد على وجه تتقسط الأجرة عليها، ويثبت خيار التبعيض بها، أو
أنها مما وجبت بالعقد ويستحقها المستأجر، بل ويملكها، لكن على جهة التبعية،
فلا يقابل حينئذ بشئ من العوض.
ولعل الأخير لا يخلو من قوة، ومثل ذلك يجري في بعض توابع المبيع، واثبات
الخيار مع ذلك أيضا لا يخلو من وجه، خصوصا في بعض الأشياء والمسألة غير محررة
في كلام الأصحاب فلاحظ ما تقدم لنا في كتاب البيع، فإن له نفعا في ذلك وغيره
والله العالم.
{ولو أجرها للدوران بالدولاب، افتقر إلى مشاهدته لاختلاف حالته في
الثقل} والخفة ولو أمكن الوصف الرافع للجهالة كفى، وكذا يشترط معرفة عمق
البئر بالمشاهدة أو الوصف إن أمكن الضبط به، وتقدير العمل بالزمان كاليوم أو بملأ
بركة معينة بالمشاهدة أو المساحة. لأسقي البستان، وإن شوهد للاختلاف بقرب عهده
بالماء وعدمه، وحرارة الماء والهواء وبرودته.
{ولو أجرها للزراعة فإن كان لحرث جريب معلوم، فلا بد من مشاهدة
الأرض أو وصفها} لاختلافها بالصلابة والرخاوة، وكثرة الحجارة وقلتها ونحو ذلك
فبدون أحدهما يحصل الغرر، بل عن التذكرة أنها لا تعرف بالوصف، لأنها تختلف
فبعضها صلب يصعب حرثه على البقر ومستعملها، وبعضها رخو يسهل، وبعضها فيه
حجارة تتعلق بها السكة، ومثل هذا الاختلاف إنما يوقف عليه بالمشاهدة، دون
الوصف، لأن الصلابة تختلف بالشدة والضعف، والحجارة تختلف بتكثر العدد وقلته،
وإن كان قد يناقش بأن الوصف أقرب إلى الكشف من المشاهدة لظاهر الأرض، الذي
لا يعرف به حال ما يصل إليه العمل.
ودعوى أن المراد بالمشاهدة حين حصول حرثها قبل ذلك واضحة المخالفة لظاهر
كلماتهم، والتحقيق اندفاع الغرر بكل من المشاهدة والوصف التام.
وكيف كان فلا يحتاج في مفروض المتن إلى أزيد من ذلك، بعد فرض كون
285

الذي يريد حرثه جريب معلوم، وقد شوهد أو وصف، والاكتفاء بالعادة في معرفة
السكة ومقدار نزولها في الأرض، كما أن التذكرة التصريح به، بل قيل: إنه
لا يحتاج إلى تعيين الثور ونحوه، إلا أن تكون الإجارة واردة على عين.
قلت: قد يقال: إنها وإن كانت واردة على عين إلا أنه لا مدخلية لمعرفتها بالمشاهدة
أو الوصف في ذلك، نعم قد يعتبر فيها عدم الابهام كأحد هذين ونحو ذلك، ولعل
هذا هو الذي يريده القائل المزبور، هذا كله في التقدير بالعمل.
{و} أما {إن كان} قد استوجرت الدابة {لعمل مدة، كفى تقدير المدة}
عن مشاهدة الأرض ووصفها نعم الظاهر وجوب معرفة الدابة كما صرح به في القواعد
وغيرها، لاختلافها في القوة والضعف على وجه يحصل الغرر باعتبار قلة الحرث وكثرته،
من غير فرق في ذلك بين وقوع الإجارة على عين الدابة، أو في الذمة.
ومن هنا قال في محكي التذكرة وجامع المقاصد: إن كل موضع وقع
العقد فيه على مدة فلا بد من تعيين الظهر الذي يعمل عليه، لأن الغرض يختلف
باختلاف الدابة في القوة والضعف، وإن وقع على عمل معين لم يحتج إلى معرفتها
لأنه لا يختلف حينئذ.
بل ظاهر الفاضل في القواعد وجوب تعيين الأرض مع ذلك بأحد الأمرين
أيضا، قال: " ولو استأجرت للحرث وجب تعيين الأرض بالمشاهدة أو الوصف،
وتقدير العمل بتعينها أو بالمدة، وتعيين البقر، إن قدر العمل بالمدة، وكان وجهه
اختلاف الحرث باختلافها، فلا يرفع الغرر التعيين بالمدة.
وفيه: أن العرف شاهد على ارتفاع الغرر بالضبط بالمدة وإن لم تشاهد الأرض
ولم توصف، ولذا جعلوا الضبط بها مقابلا للضبط بالعمل، والأصل في ذلك ما في محكي
المبسوط، فأما إن كان للحرث فلا بد من مشاهدة الثور، أو يذكر ثورا قويا من حاله
وقصته، وأن يذكر الأرض لأنها تكون صلبة ورخوة، ولا بد من ذكر المدة، وفيه
ما لا يخفى من عدم الاحتياج إلى المدة مع تقدير العمل بتعيين الأرض، كما لا
حاجة إلى تعيينها مع التقدير بالمدة على الأصح.
286

{وكذا} الكلام {في إجارة الدابة للسفر مسافة معينة ف‍} إنه {لا بد من
تعيين وقت السير ليلا أو نهارا} كما عن الإرشاد والروض ومجمع البرهان، {إلا
أن يكون هناك عادة فيستغنى بها} عن ذلك لانصراف إطلاق العقد حينئذ إليها، فإذا
اختلفا رجعا إليها، بخلاف ما إذا لم تكن، فإن عدم التعيين مؤد إلى الغرر.
بل في القواعد وجامع المقاصد ومحكي التذكرة لا بد أيضا من تعيين قدر
السير، إلا أن تكون المنازل معروفة معتادة، فلا يحتاج حينئذ إلى التعيين المزبور،
ويرجع عند الاختلاف إلى المعتاد أيضا، بل في محكي التحرير أنه لو لم يكن للطريق
منازل معروفة فالأولى صحة العقد، والرجوع إلى العادة في غير ذلك الطريق، كما
أنه في القواعد وجامع المقاصد ومحكي التذكرة تقييد تعيين الأولين بما إذا كان
السفر إليهما، أما إذا لم يكن إليهما بل كانا تبعا للقافلة كسفر الحج ونحوه فلا
حاجة إلى تعيينها، بل لا وجه له كتعيين أول المدة.
وفيه: أن المتجه حينئذ البطلان، لتحقق الغرر، كما هو قضية المتن وغيره
ممن أطلق مثله، واحتمال عدمه في خصوص الفرض أو عدم قدحه كما ترى.
نعم يمكن أن يقال: إن معلومية صحة مثل ذلك بالسيرة القطعية تكشف عن
عدم وجوب ذكر ذلك مطلقا، وأنه يكفي تقدير العمل بقطع المسافة المعينة من غير
تعرض للوقت ولا للمقدار، مثل الاستيجار على الخياطة والحياكة ونحوهما من
الأعمال التي لا غرر عرفا بعدم التعرض فيها لذلك، على وجه يكون قادحا في صحة
الإجارة، ولو لأنها تحمل ما لا يحمله البيع، ويكون الحكم فيها حينئذ وجوب
الإجابة على كل منهما بالطلب والبذل، ما لم يكن هناك مانع أو اعتبار.
ولعله لذلك قد خلا كلام القدماء عن ذكر مثل ذلك كما قيل، بل ظاهر
المحكي عن الوسيلة والكافي عدم اعتباره، قال فيه: " إذا استأجرت للركوب عين
أربعة أشياء، الراكب، والطريق، والمنزل، والركوب بالمحمل أو الزاملة أو القتب
بعد رؤية ذلك ومعالقها، ونحوه عن الكافي وظاهر هما الحصر وهو قوي جدا.
287

{ويجوز أن يستأجر اثنان} فصاعدا {جملا أو غيره للعقبة} بمعنى أنهما
يملكان منفعته مشاعة، إلا أنهما يستوفيانها على التعاقب، بلا خلاف ولا اشكال، لاطلاق
الأدلة {ويرجع في التناوب} حينئذ زمانا أو فرسخا {إلى العادة} إن كانت
ويقتسمان بالسوية مع تساويهما، وإلا فعلى ما وقع بينهما من التفاوت، ويرجع في
تعيين المبتدأ إذا لم يتفقا إلى القرعة التي هي لمثل ذلك.
وليس هذا من الجهالة في عقد الإجارة الذي ليس مقتضاه إلا ملك المنفعة لمن
تنتقل إليه وقد حصل، فما عن التذكرة - من احتمال عدم الصحة مع عدم تعينه
للجهالة والتنازع - في غير محله، وكذا ما في جامع المقاصد والمسالك من أن القول
بالقرعة بعيد، لأن محلها الأمر المشكل، والاشكال في عقد المعاوضة موجب للجهالة،
ومفض إلى التنازع، ضرورة أن الاشكال المزبور خارج عن مقتضى عقد المعاوضة،
وإنما اقتضاه اختلاف الشركاء.
نعم يجب التعيين إذا كان الاستيجار لاثنين نوبا معينة بالمدة، أو بالفراسخ
لا على سبيل الإشاعة، وإلا كان مجهولا لا إشكال في بطلان العقد معه، كما لا إشكال
في صحته مع التعيين، ولا يحتاج إلى قسمة فيه، لعدم الشركة، لكون المفروض
ضبط نوبة كل منهما، ومن ذلك كله يظهر لك ما في مناقشة الكركي للفاضل في
القواعد فلاحظ وتأمل والله هو العالم.
{وإذا اكترى دابة} مثلا {فسار عليها زيادة عن العادة أو ضربها كذلك
أو كبحها} باللجام {من غير ضرورة} أو نحو ذلك مما هو غير جائز له {ضمن} بلا خلاف
كما اعترف به في محكي التذكرة، بل عن الغنية الاجماع عليه، بل ولا اشكال
لأنه متعد بفعله، وإنما له ضربها بما جرت العادة به، وكذا تكبيحها باللجام وحثها
على السير، للأصل والسيرة وتوقف استيفاء المنفعة عليه في الجملة ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
" نخس بعير جابر وضربه " ولأن ذلك من مقتضى عقد الإجارة.
بل في القواعد والمسالك ومحكي المبسوط والخلاف والتحرير وموضع من
التذكرة التصريح بعدم الضمان لو تلفت بذلك، وفي جامع المقاصد أنه لا يخلو من قوة
288

للأصل ولاقتضاء العقد جواز الأفعال المزبورة، فهي كالمأذون بها صريحا، فلا يترتب
عليها ضمان بل لا يشمله عموم من أتلف، بعد فرض الإذن، وكون التلف بها كالتلف باستيفاء
المنفعة المعقود عليها، ومن ذلك يعلم ما عن موضع آخر عن التذكرة من ضمانة الضرب،
وإن كان على المعتاد، لأن الإذن منوط بالسلامة، وفيه ما لا يخفى، والرايض للدابة
يضمنها أيضا إذا خرج برياضته عن المعتاد بين الرواض، لمثل هذا المروض، أما إذا
لم يخرج فعن المبسوط والتذكرة لا يضمن أيضا وكذا الراعي لا يضمن ما يرعاه بضربه
المعتاد، كما عن ظاهر القواعد وعن صريح غيرها، كل ذلك لبعض ما عرفت أو جميعه.
لكن صرح غير واحد بضمان المعلم إذا ضرب الصبي للتأديب، بل عن حدود
المسالك نسبة ضمان الأب والجد له لو أدباه إلى الأصحاب، فضلا عن المعلم، بل قال:
إن ظاهرهم الوفاق على ذلك، بل عنه في موضع التصريح بالاجماع، ويمكن حمل
كلامهم على ما إذا تجاوز المعتاد في التأديب خطأ فلا ينافي ما هنا حينئذ أو يقال: إنه
أجير والأجير يضمن بجنايته، وإن لم يقصر كالطبيب، وفيه أن الرائض حينئذ كذلك،
أو يجعل الاجماع فارقا والله هو العالم.
{ولا تصح إجارة العقار} للسكنى أو للزرع أو للغرس أو للبناء أو للجميع
{إلا مع التعيين بالمشاهدة، أو بالإشارة إلى موضع معين موصوف بما يرفع الجهالة}
في الإجارة {ولا تصح إجارته في الذمة، لما يتضمن من الغرر} الناشي من عزة الوجود
باعتبار تعسر تحصيل الموصوف بالصفات الرافعة للجهالة في غير المعين، ولذا لم يجز
السلم فيه.
ومن ذلك تعرف ما في المسالك من النظر فيما في المتن بأن الوصف الرافع للجهالة
كيف يجامع الغرر، والفرق بينه وبين المعين الموصوف غير واضح، وفيه ما عرفت،
ولعل إطلاق القواعد وغيرها الاكتفاء بالوصف منزل على إرادة الوصف المعين،
لا الكلي، لما عرفته من الغرر فيه، اللهم إلا أن يفرض ارتفاعه.
{بخلاف استيجار الخياط للخياطة، والنساج للنساجة} ونحوهما فإنه
289

تجوز الإجارة في الذمة فيها، للأصل {و} لعدم الغرر المزبور فيها.
نعم {إذا استأجره} أي الخياط {مدة فلا بد من تعيين الصانع دفعا للغرر
الناشي من تفاوتهم في الصنعة} بطأ وسرعة، ومنه يحصل الغرر بدون التعيين، نحو ما
سمعته في الإجارة على الحرث مدة، أما إذا كان التعيين بالعمل لم يحتج إلى ذلك،
لعدم الغرر فيه حينئذ مثل الإجارة على حرث جريب معلوم، فإنه لا يحتاج فيه إلى
تعيين الدابة كما عرفت.
{ولو استأجر لحفر البئر} أو نهر أو عين فلا اشكال كما لا خلاف في الصحة لكن
{لم يكن} له {بد من تعيين الأرض} بالمشاهدة أو الوصف بالإشارة إلى موضع
معين، على وجه يرتفع غرر الإجارة، ودعوى انحصار ذلك بالمشاهدة واضحة الفساد
بل ربما كان الوصف أشد من المشاهدة في ذلك.
وهل يعتبر في التعيين المزبور تشخيص الأرض التي يراد حفرها بئرا، فلا تكفي
مشاهدة قطعة واسعة من الأرض، أو وصفها بما يرفع الغرر، ثم الاستيجار على حفر بئر
مثلا في موضع منها غير معين، والخيار بيد المستأجر؟ لم أجد فيه تصريحا من أحد،
لكن لم تبعد الصحة.
بل لا يبعد استيجار قطعة منها كذلك للزرع، ونحوه على جهة الإشاعة، أما
بدونها بناء على صحة تعلق مثل الإجارة في الكلي في الخارج لا على جهة الإشاعة
فيمكن الصحة أيضا وفي تنزيل الاطلاق على أيهما ما تقدم في بيع الصاع من الصبرة،
إذ المسألة على الفرض المزبور من واد واحد.
نعم قد تتحمل الإجارة من الغرر ما لا يتحمله البيع، ولا ينافي ذلك ما تقدم من
عدم صحة إجارة العقار في الذمة، إذ ذلك إنما هو على طريق الكلي في السلم، لا مثل
الإشاعة، بل ولا مثل الكلي المزبور في وجه، فتأمل جيدا.
{و} على كل حال فلا بد أيضا من {قدر نزولها وسعتها} لتوقف رفع الغرر
على ذلك {ولو حفرها فانهارت} جميعها {أو بعضها لم يلزم الأجير إزالته}
290

للأصل وغيره، {وكان ذلك إلى المالك} كما لو وقع فيها دابة أو حجر أو نحو ذلك
إذا لأجير قد امتثل ما وجب عليه، ولم يتضمن عقد الإجارة اخراجه، فلو فرض بقاء شئ
منها غير محفور وامتنع المالك من اخراجه كان التقصير من قبله، كما لو لم يفتح باب
الدار لبناء جدار فيها.
نعم لو وقع فيها من تراب الحفر لعدم ابعاد الأجير له على حسب العادة، وجب
إزالته عليه، دون المستأجر، لوجوب الابعاد كذلك عليه، فهو حينئذ من فعله، بل لم
يأت بالحفر المراد منه، بعد فرض انصراف العرف إلى المزبور كما هو واضح.
{ولو حفر بعض ما قوطع عليه ثم تعذر حفر الباقي} أو تعسر {إما لصعوبة
الأرض أو مرض الأجير} المشروط عليه المباشرة على وجه يتحقق معه العجز {أو
غير ذلك} من الموانع التي ينفسخ العقد معها أو يسلط على الخيار، واختار الفسخ
{قوم حفرها وما حفر منها} ثم نسب الثاني إلى الأول {ورجع} الأجير
{عليه بنسبته} المزبورة {من الأجرة} المسماة بالعقد، إن نصفا فنصف، وإن
ثلثا فثلث، من غير فرق بين متفاوت الأجزاء ومختلفها، بلا خلاف معتد به أجده في
شئ من ذلك، بل ولا إشكال.
فلو فرض تساوي أجرة الأجزاء فله من الأجرة على مقدار ما عمل، كما إذا
استأجره على حفر بئر عمقه وطوله وعرضه عشرة عشرة فحفر بئرا عمقه وعرضه
وطوله خمس خمس فله ثمن الأجرة المسماة، لأنه قد عمل ثمن العمل، وذلك لأن
مضروب العشرة في العشرة مائة، وهي في العشرة الثالثة ألف ومضروب الخمسة في الخمسة
خمس وعشرون وهي في الخمسة الثالثة مئة وخمس وعشرون، وهو ثمن الألف
فالأجير حينئذ لم يحفر من النصف الأسفل شيئا وهو خمسمأة، ولا من نصف النصف
الأعلى وهو مائتان وخمسون، ولا من نصف نصفه، وهو مائة وخمسة وعشرون، فهذه
سبعة أثمان، لم يحفر منها شيئا، وإنما حفر الثمن وهو مائة وخمس وعشرون هذا.
{و} لكن قال المصنف {في المسألة قول آخر مستند إلى رواية مهجورة}
291

إلا أنا لم نتحققه لأحد ممن تقدمه، إذ الشيخ بعد أن ذكر ما قدمناه قال: وروى - مشيرا
بها إلى ما رواه هو في التهذيب (1) في باب الزيادات في القضايا والأحكام - " عن سهل
بن زياد عن معاوية بن حكيم عن أبي شعيب المحاملي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل قبل رجلا أن يحفر له بئرا عشر قامات، بعشرة دراهم، فحفر له قامة، ثم عجز
قال: تقسم عشرة على خمسة وخمسين جزء، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى،
والاثنين للثانية، والثلاثة للثالثة، وعلى هذا الحساب إلى العشرة ".
وهي مع عدم معرفة طريق الشيخ إلى سهل وجهالة الرفاعي - غير أنه من
أصحاب الصادق عليه السلام - لم يعمل بها أحد من الأصحاب، إلا ما يحكى عن ابن سعيد في
الجامع، ومخالفته للضوابط من وجوه، فوجب طرحها، على أنه قد ردها بعضهم
بأنها واقعة خاصة، وحكم في عين، فلا عموم لها، وإن كان هو كما ترى، ضرورة أنها
من ترك الاستفصال، لا من الأفعال التي لا عموم لها، نحو قضى أمير المؤمنين عليه السلام
وسجن ونحوهما.
نعم يمكن حملها وإن بعد على ما إذا تناسبت القامات على وجه يكون نسبة القامة
الأولى إلى الثانية أنها بقدر نصفها في المشقة، والأجرة، وهكذا وذلك يقتضي جمع
الأعداد الواقعة في العشرة فما بلغت قسطت عليه الأجرة، ولا ريب أن الأعداد في العشرة
كواحد واثنين وثلاثة إليها إذا جمعت بلغت ذلك.
فإن ضابطه أن تضرب عدد القامات في نفسه فما بلغت زادت عليه عشرة المسمى
بجذرها فنصفته ففي المسألة مضروب العشرة في نفسها مائة، وجذر ذلك عشرة إذا
نصفتها، كان خمسة وخمسين، وذلك مجموع الأعداد التي تضمنتها العشرة.
وعلى كل حال فلو عمل به احتمل تعديه، فتقسم الخمسة إلى خمسة عشر،
لأن ضربها في نفسه خمسة وعشرون فإذا زادت عليها جذر وهو الخمسة كان نصفها
خمسة عشر، ولو استأجره لحفر أربع قسطت على عشر، لأن مضروبها ستة عشر،

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.
292

وبزيادة الجذر تكون عشرين، فنصفها عشرة، وهكذا إلا أنك قد عرفت الحال في
الأصل، فضلا عن التعدية، نعم لا بأس بها بناء على الحمل المزبور والله هو العالم.
{ويجوز استيجار المرأة للرضاع مدة معينة بإذن الزوج} بلا خلاف أجده
فيه كما اعترف به في محكي الخلاف، والسرائر، بل في محكي التذكرة اجماع
أهل العلم على جواز استيجار الظئر تارة، وأخرى الاجماع على جواز استيجارها
للرضاع والحضانة، معا، وللحضانة دون الرضاع.
مضافا إلى قوله تعالى (1) " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " حيث أطلق
الأجر على ما يقابل الرضاع الذي هو سقي اللبن على الوجه المعروف، وإلى ما أرسله
غير واحد من فعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة ذلك، وإلى ما في القواعد ومحكي التذكرة
والإيضاح من الاستدلال عليه أيضا بالحاجة، وإن كان قد يناقش بأنها لا تجوز
ما لا يجوز.
نعم يناسب أن تكون سر الشرعية الحكم، كما أنها ربما تصلح سببا للشرعية
إذا انحصر الأمر في ذلك على وجه يكون التكليف بتركه عسرا وحرجا لا يحتمل
عادة، كصحة البراءة للطبيب من الضمان، بخلاف المقام الذي يمكن أن يكون بالصلح
أو بالشرط أو بغير ذلك من الطرق الشرعية التي لا تعارض قاعدة الإجارة مثلا، فالأولى
حينئذ الاستناد إلى ما عرفت من الاجماع والآية، ومقتضاهما الجواز من دون ضم
الحضانة كما هو صريح جماعة وظاهر آخرين.
فما عن بعضهم من اعتبار ضمها في الصحة في وجه لا وجه له، والمراد بها حفظ
الولد وتربيته ودهنه وكحله، وغسل خرقه وتنظيفه وجعله في سريره وربطه وسائر
ما يحتاج إليه، ضرورة تطابق النص والفتوى ومعقد الاجماع على جوازها للرضاع
وهي غيره بل ولا من لوازمه كما هو واضح.
ولقد أجاد في جامع المقاصد حيث أنه بعد أن ذكر احتمال المنع لتناول الإجارة

(1) سورة الطلاق الآية - 6.
293

الأعيان ومع ذلك فهي مجهولة وليست موجودة قال: " ولا وجه له بعد ثبوت النص "
لكن قال فيه في موضع آخر: " ولو قيل أن المستأجر عليه هو الفعل الذي لا ينفك عن اتلاف اللبن، وهو إيصاله إلى معدة الصبي وتلويث الثوب في الصبغ، فتكون العين
تابعة، ولا تخرج الإجارة عن مقتضاها أمكن " كما أنه قال في المحكي عن التذكرة
في موضعين " الأقرب أن الذي يتناوله عقد الإجارة بالأصالة فعل المرأة، واللبن
مستحق بالتبعية كالبئر تستأجر ليستقي منها الماء، والدار تستأجر وفيها بئر، فإنه
يجوز الاستقاء منها، بل عن فخر المحققين أن ذلك هو الذي حققه والده، وقال: إنه هو
الذي تدل عليه الآية، لأنها دالة على الفعل واللبن ".
قلت: ذلك كله لا يقتضي بقاء الإجارة على مقتضاها، ضرورة عدم الفرق في
خروجه عنه بين دخول اللبن والصبغ مع الفعل، وبين استقلاله وتبعيته، مع أنه المقصود
الأعظم لا تقتضي ذلك.
على أن من المعلوم صحة الاستيجار على الصبغ، وإن كان الملوث للثوب فيه
المالك دون الصابغ كما قد يقوى الاستيجار للرضاع من دون فعل من المرأة، حتى
وضع الثدي في الفم بأن يضعه المستأجر فيه دونها، والامتصاص من الطفل، فلم يكن
عمل منها أصلا تستحق عوضا عليه، فضلا عن مقابلته بتمام الأجرة، كما أنه لو رضع
الصبي منها وهي نائمة، استحقت الأجرة وإن لم يكن منها فعل.
ومن هنا استدل الفاضل في المحكي من تحريره وقواعده على أن المعقود عليه
نفس اللبن باستحقاق الأجر عليه، بانفراده دون الأفعال بانفرادها، وإن اعترضه في
جامع المقاصد أيضا بأنا لا نسلم استحقاق الأجرة باللبن بانفراده، ما لم تصيره المرضعة
في معدة الصبي، ولا يلزم من عدم استحقاق الأجرة بالأمور الباقية، بانفرادها
استحقاقها في مقابل اللبن وحده، لم لا يجوز أن يكون في مقابلة الجميع.
بل في المسالك الأجود أن المقصود مجموع ما ذكر من المنافع مع عين اللبن
294

وجوازه حينئذ مع أن بعض متعلقها عين ذاهبة، للنص وهو الآية (1) وفعل النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة عليهم السلام.
ثم قال: ويمكن أن يقال: على تقدير كون المراد المجموع أن اللبن يكون
تابعا لكثرة قيمة غيره، وقلة قيمة اللبن وإن كان اللبن مقصودا من وجه آخر، ويثبت
للتابع من الحكم المخالف ما لا يثبت للمتبوع، ومثله القول في الصبغ، لكن لا يخفى
عليك ما في الجميع، خصوصا دعوى التبعية المزبورة التي هي مع أنها خلاف الواقع
إن أريد بها بالنسبة إلى القصد والفرض، خصوصا بالنسبة إلى الصبغ لا داعي إلى ارتكابها
بعد الدليل، ولو أن الإجارة بمثل ذلك تكون على مقتضاها، لاتجه التعدية إلى غير
المقام مما هو معلوم عدمه، والآية وإن كانت بلفظ الارضاع، لا الرضاع، إلا أنه هو
المراد به، ولكن عبر به لغلبة الرضاع بالارضاع.
ومن هنا يتجه جواز استيجار الشاة لرضاع الصبي، أو سخلة كما نص عليه في
القواعد، ومحكي غيرها، بناء على القطع بعدم خصوصية للمرأة، كالقطع بعدم الفرق
بين الحرة والأمة والصبي وغيره، وإن كان ظاهر الآية الأولى، بل ربما قطع بعضهم
بعدم خصوصية الرضاع، فجوز استيجار الشاة للحلب، وربما يؤيده ما ورد في النصوص
وحكي عليه الاجماع من جواز إعارتها لذلك، وما تصح إعارته تصح إجارته، كما
عرفته فيما سبق.
نعم لا يتعدى من ذلك إلى جواز استيجار البئر للاستقاء منها، ولذا منعه في
جامع المقاصد ومحكي الحواشي، وموضع من التذكرة، ولا الشمع للاشعال والطعام
للأكل، كما صرح به في القواعد بل ظاهر السرائر الاجماع على ذلك.
نعم قد يجوز الاستقاء من البئر عند إطلاق إجارة البئر، للإذن فيه عادة على
وجه يكون كالشرط، وكذا لا يتعدى إلى جواز إجارة الشجرة لثمرتها، والدابة
لنتاجها، ولا إلى شئ من الظروف للامتصاص مما فيها، ولا إلى غير ذلك مما فيه إتلاف

(1) سورة الطلاق الآية - 6.
295

عين إلا ما قام عليه الدليل مما عرفت، ومن الصبغ ومن استيجار الفحل للضراب الذي
يمكن تحصيل الاجماع على جوازه، مضافا إلى السيرة، ومن استيجار الحمام وإن
استلزم إتلاف الماء، كما عن الإيضاح وحواشي الشهيد التصريح به، بل ربما يكون
هو المقصود.
على أنه يمكن أن يقال: إن ذلك والحمام من اشتراط البذل للعادة، لكن في
القواعد والمحكي من جامع الشرايع " وإجارة الحمام للبث فيه واستعمال الماء تابع
ويمكن أن يريدا ما ذكرنا، وإن كان يأباه لفظ التبيعة.
اللهم إلا أن يراد منها التبيعة في عقد الإجارة، لا في القصد.
وفي محكي التذكرة تارة أن بعض الأعيان قد يتناولها عقد الإجارة للحاجة
والضرورة، كاستيجار الحمام المشتمل على استعمال الماء وإتلافه، وأخرى هل المدفوع
إلى الحمامي ثمن الماء ويتطوع بحفظ الثياب وإعارة السطل، أو المدفوع أجرة
الحمامي والسطل وأما الماء فإنه غير مضبوط حتى يقابل بالعوض.
وكان مراده أن ما في أيدي الناس من دفع العوض بالدخول إلى الحمام هو نقل
عين، والمنافع تابعة، أو بالعكس، ولعل الأقوى الثاني، وأنه جاز للسيرة، أو أنه
من اشتراط البذل للعادة أو لنحو ذلك، ولا يحتاج إلى تكلف كون الجميع منافع
حتى استعمال الماء، وإن استلزم ذلك اتلاف بعض أجزاء الماء، ضرورة كونه كاتلاف
بعض أجزاء الثوب مثلا بالاستعمال، فإن المراد الانتفاع به بعقد الإجارة مجموع
أجزاء ماء الحمام، لا خصوص التالف منها، وذلك باق، ولم يقتض عقد الإجارة اتلافه،
حتى ينافي مقتضاها، ولا يقدح في ذلك عدم ضبط المدة، ولا الإجارة لأشخاص
متعددين، من غير فرق بين أول داخل وغيره.
على أن ذلك لازم على تقدير كون الإجارة للحمام أيضا لكن لا يخفى عليك
أن التزام ما ذكرناه أولى من ذلك كله، ولولا ظهور كلام من تعرض لذلك، في أن
الحمام من الإجارات لأمكن القول بأنه من الإباحات للأعيان والمنافع بعوض،
296

وهي قسم مستقل برأسها، لا تدخل تحت عقود المعاوضة، ولها أفراد كثيرة كما
حررناه في غير المقام.
وكيف كان فهذا كله إذا أذن الزوج {فإن لم يأذن ففيه تردد} بل عن
المبسوط والخلاف والسرائر عدم الجواز، لا لأنه مالك منافعها، بل لمنافاته لحق
الاستمتاع بها الذي لا بد لها من التهيأ له، في كل وقت محتمل، إذ لم يعلم متى
يريده منها، ولذا لم يجز لها الصوم من دون إذنه.
{و} لكن {الجواز أشبه إذا لم يمنع الرضاع حقه} وفاقا للكركي والفاضل،
وثاني الشهيدين، للأصل السالم عن معارضة ما سمعت، بعد فرض وقوع الإجارة حال
عدم معاوضة حق الزوجة لغيبته، أو لمرضه أو لغير ذلك من موانع الاستمتاع، على
وجه يوثق به عادة، ضرورة اعتبار عدم استغراق الأوقات في الاستمتاع الذي ليس
للزوج غيره من باقي منافعها، فهي مسلطة عليها، ومنع الصوم بدون إذنه بعد تسليم
عدم تقييده بما عرفت أيضا للدليل، ولو فرض اتفاق إرادة الاستمتاع في الزمان المزبور
كان له ذلك، لوجوب تقديم حقه على حق المستأجر فتنفسخ الإجارة حينئذ في
الزمان المزبور، ويتسلط المستأجر على فسخ الباقي.
وكذا الكلام في غير الرضاع من الأعمال خصوصا غير المقيد منها بزمان،
ولو فرض تقدم الإجارة على النكاح، فلا اعترض للزوج قطعا كما صرح به غير
واحد لسبق الحق، ولكن له الاستمتاع بها فيما فضل عن وقت الارضاع، وليس لولي
الطفل منعه من الوطي مع عدم تضرر الولد به، أما إذا تضرر فله ذلك، لسبق حقه،
ولو كان المستأجر للارضاع الزوج جاز، ولو لولده منها، وكذا غيره من الأعمال.
خلافا للمحكي عن أبي حنيفة في الثاني، فلم يجوز للطبخ وما أشبهه، لأنه
مستحق عليها في العادة، ولا ريب في بطلانه.
وللمحكي عن الشيخ وأصحاب الرأي والشافعي في الأول، فلم يجوزوا
استيجارها لارضاع ولده منها، لأنها أخذت منه عوضا في مقابلة الاستمتاع، وآخر
297

في مقابلة التمكين والحبس فلا يلزمه عوض آخر.
وفيه: مع شمول الدليل الولد من غيرها، والانتقاض باستيجارها لغيره من
الأعمال أن التمكين والاستمتاع غير الحضانة والارضاع واستحقاق منفعة لا يمنع
استحقاق منفعة سواها بعوض آخر، ودعوى كون اللبن للزوج واضحة المنع، لعدم
الدليل، ونشر الحرمة منه أعم من ذلك، {و} على كل حال ف‍ {لا بد من مشاهدة
الصبي} الذي استوجرت لارضاعه، بلا خلاف أجده فيه، لاختلاف الصبيان فيه
باختلافهم في الصغر والكبر، والنهمة والقناعة، وغير ذلك مما تختلف الأجرة باختلافه
على وجه تتحقق الجهالة مع عدمه.
بل لو فرض عدم معرفة ذلك بالمشاهدة النظرية وجب اختباره لمعرفة ذلك،
بل هو كذلك في كل ما قلنا باعتبار المشاهدة فيه، بل ربما أومأ اقتصار المصنف وغيره
عليها، إلى عدم الاكتفاء بالوصف، لكن عن الأردبيلي الاجتزاء به كالراكب، ولا
بأس به مع فرض ارتفاع الجهالة، بل قيل ظاهر جماعة عدم اشتراط هذا الشرط من
أصله، لاقتصار هم على ذكر المدة، وإن كان كما ترى، ضرورة إرادتهم ذلك في مقابلة
الضبط بالعمل، لا ما نحن فيه، فيمكن ترك تعرضهم لوضوحه، كترك الأكثر
التعرض للصبية التي من الواضح مساواة حكمها لحكمه.
نعم لو استأجرت على وجه تستحق منافعها أجمع التي منها الرضاع أمكن
حينئذ عدم اعتبار مشاهدة الصبي.
وأما تعيين المرضعة فظاهر جماعة اشتراطه، ومنهم المصنف كما ستعرفه عند
قوله، فإن مات إلى آخره كما أنك قد عرفت الحال في مخالفة الرضاع قواعد الإجارة.
وأنه ينبغي الاقتصار فيه على المتيقن أو كالمتيقن دون المشكوك فيه والله هو العالم.
{وهل يشترط ذكر الموضع الذي ترضعه فيه قيل:} والقائل الفاضل في
قواعده والمحكي من تذكرته وثاني المحققين والشهيدين ومحكي المبسوط والوسيلة
{نعم} لاختلاف المحال في السهولة والصعوبة، والوثاقة في الحفظ وعدمه، وغير ذلك
298

{و} لكن مع هذا {فيه تردد} مما عرفت، ومن تفاوت الأغراض لا مما يتوقف
عليه ارتفاع الجهالة في الإجارة، ولذا لا يعتبر التعرض له في باقي الأعمال المتفاوتة
بالنسبة إلى ذلك، بل لعل هذا هو الأقوى، وحينئذ فلها فراغ ذمتها في
أي مكان.
{و} على كل حال ف‍ {إن مات الصبي أو المرضعة} المعينة {بطل العقد}
بلا خلاف ولا إشكال، لتعذر المستأجر عليه حينئذ، بل ربما ظهر من اطلاق المتن
كالمحكي من المبسوط والتذكرة البطلان بموت المرضعة وجوب تعيينها كالصبي، للغرر
الذي لا يمكن ارتفاعه بوصف الكلي وللاقتصار فيما خالف ضابط الإجارة على
المتيقن.
ودعوى القطع بعدم الفرق ممنوعة، لكن في القواعد وجامع المقاصد والمسالك
ومحكي السرائر والحواشي تقييد ذلك بما إذا كانت معينة ومقتضاه حينئذ ما صرح به
في الثلاثة الأول منها الصحة مع عدم تعينها، ولعله الأقوى وحينئذ فلا تنفسخ بالموت
كغيره من الأعمال المستأجر عليها في الذمة، فيخرج حينئذ أجرة المثل من تركتها، كما
في القواعد وغيرها.
قيل: وتدفع إلى ولي الصبي، وفيه أن المتجه بناء على ذلك الاستيجار بها
عنها، لعدم انفساخ الإجارة بعدم تعذر العمل المستأجر عليه. بعد فرض كونه
في الذمة.
نعم لو تراضيا على دفع ذلك إليه عوضا عن العمل المستحق، أو كان أصل الاستيجار
ممتنعا لتعذره بالمرة، جاز حينئذ دفعه إلى الولي مع احتمال انفساخ الإجارة في
الأخير بسبب التعذر المزبور، لصيرورته كالمعين الذي قد تعذر، ولو أطلق العقد فهل
ينزل على المباشرة أو على المضمون؟ وجهان، ولعل الأول لا يخلو من قوة للتبادر.
ومن هنا قال في القواعد: " إنه لو دفعت المرضعة الصبي خادمتها فالأقرب عدم
استحقاق الأجرة، لعدم العمل المستأجر عليه، والتبرع بارضاع الجارية إذ هو حينئذ
299

كما لو سقته لبن الغنم، ولو اختلف المستأجر والمرضعة في ارضاعها نفسها، وارضاع
غيرها أو عدم الرضاع، فالظاهر تقديم قولها لو ادعته، لأنها أمينة، ولأنه فعلها
وتعسر الأشهاد عليه ليلا ونهارا والله هو العالم.
ولا فرق في جميع الأحكام المزبورة بين الأمة والحرة، فإن السيد يجوز له
إجارة أمته للارضاع وجبرها عليه، لأنها ملكه من غير فرق بين القنة والمدبرة
وأم الولد. نعم الظاهر عدم ذلك في المكاتبة ولو مشروطة، والمبعضة إلا بإذنهن، لكن
عن المبسوط وموضع من التحرير أن له أن يجبر المشروطة، وهو كما ترى.
نعم في القواعد ومحكي التذكرة والتحرير وجامع المقاصد أنه إن كان
لإحداهن ولد لم يجز له أن يؤجرها، إلا أن يفضل عن ولدها وإن كان مملوكا له، لأن
السيد إنما يملك فاضل حاجة مملوكه.
قلت: لا فرق بين المملوكة والحرة إذا تعين عليها ارضاع ولدها، نعم لو أقام
مرضعة غيرها ترضعه كان له إجارتها، ولو كانت الأمة مزوجة، جرى عليها ما عرفته
من حكم الحرة بالنسبة إلى الاستيذان وعدمه.
{و} كيف كان ف‍ {لو مات أبوه} أي المرتضع {هل تبطل يبنى على
القولين} في موت المستأجر إذا كانت الإجارة أصالة، وقد عرفت الحال فيهما سابقا،
لكن عن السرائر البطلان هنا مع قوله بالعدم هناك، ولا نرى له وجها، أما إذا كانت
الإجارة للطفل، وإن باشر ذلك الولي فلا بطلان بموت الولي، وفي المسالك " ولو كان
الولد معسرا واستأجر الأب عليه بمال في ذمته أو ذمة الأب ولم يخلف تركة توجه
جواز فسخها، لا أنها تبطل بذلك " وهو كذلك مع عدم العم بالحال ولكن قوله أو
في ذمة الأب لا يخلو من إجمال فتأمل. والله العالم.
{ولو استأجر شيئا مدة معينة لم يجب} ذكر {تقسيط الأجرة} في متن
العقد {على أجزائها} عندنا لاطلاق الأدلة {سواء كانت} المدة {قصيرة أو
متطاولة} خلافا لبعض العامة فأوجبه إن كانت سنتين فصاعدا، حذرا من الاحتياج
300

إلى تقسيط الأجرة على المدة على تقدير لحوق الانفساخ بتلف وغيره، وذلك مما يشق
ويتعذر.
وفيه: - مع انتقاضه بالناقص عن السنتين المجمع على ذكر التقسيط فيه، و
باجراء المدة التي جعل لها قسطا لو تلف في أثنائها - أنه مجرد اعتبار لا يصلح معارضا
للأدلة الشرعية.
نعم لا بأس بذكر ذلك مع التفاوت وبدونه لكونه حينئذ من الشرط الذي
لا خلاف في جوازه، فلو تلفت العين في أثناء المدة كانت أجرة ما مضى بحسب ما شرط،
ولو كان التلف في أثنائها قسط المسمى لها على أجزائها كما لو لم يذكر تقسيطا في
العقد، وكيفية التقسيط ما سمعته سابقا والله أعلم.
{ويجوز استيجار الأرض لتعمل مسجدا} وغيره من الأفعال الراجحة
بلا خلاف أجده فيه، بل عن كشف الحق نسبته إلى الإمامية، لأن ذلك غرض
مقصود محلل متقوم، فيشمله إطلاق الإجارة خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من عدم
الجواز، لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة بحال، فلا تجوز الإجارة
لذلك، وهو كما ترى غلط واضح، ضرورة الفرق بين الاستيجار على الصلاة وبين
استيجار المكان أو اللباس للصلاة فيه.
نعم في جامع المقاصد والمسالك " لا يثبت لها حرمة المسجد، لأنه اسم للعين
الموقوفة " مؤيدا لذلك، وإطلاقه على الفرض مجاز باعتبار إعدادها لما أعد له المسجد،
كاطلاقه على ما يقتطعه الانسان من داره مسجدا له ولعياله، لكن عن الأردبيلي
منع كون المسجد اسما لذلك، بل هو للأعم منه ومن المقام، خصوصا في المدة
الطويلة كالمأة سنة ونحوها، وربما يؤيد بإطلاق المعظم هنا اسم المسجد عليه، و
الأصل فيه الحقيقة.
وفيه إن من المعلوم كون غرض الأصحاب في المقام الرد على أبي حنيفة المانع
من استيجار المكان للصلاة فيه، فمرادهم من المسجد هنا كونه محلا للسجود،
301

نحو اطلاقهم في مكان المصلي أنه يستحب اتخاذ مسجد في الدار، ومرادهم إعداد مكان
مخصوص للصلاة كما تقدم تحقيق ذلك في محله والله العالم.
{ويجوز استيجار الدراهم والدنانير إن تحققت لهما منفعة حكمية مع
بقاء عينهما} وإن كانت نادرة ولم يعدا لها غالبا كالزينة، ودفع المرء مظنة الفقر
عن نفسه، والضرب على سكتها والوزن بها ونحو ذلك، وفاقا للمحكي عن الشيخ
والفاضل والشهيدين وغيرهم.
بل عن مجمع البرهان أنه لا شك فيه لو حصل نفع مقصود محلل لاطلاق أدلة
الإجارة وعدم السفه في ذلك بعد فرض تحقق المنفعة المزبورة.
وليس قول المصنف " إن تحققت إلى آخره ترددا منه في إجارتهما، بل للتردد
في تحقق منفعة لهما كذلك، بل المقصود جواز إجارتهما لهذه المنفعة عند تحققها،
وإلا كانت المعاملة سفهية نحو ما سمعته سابقا في بيع ما لا منفعة له غالبا، لقلته أو
لغيرها، من أنه يجوز إذا تحققت وإن كانت نادرة فحبة الحنطة يجوز بيعها مع
الحاجة إليها لفخ ونحوه، وكذا غيرها لكن عن الضابط المزبور الذي به تخرج
المعاملة عن كونها سفهية، وهو المدار هنا وهناك على الأصح.
واحتمال عدم الجواز حتى مع تحقق المنفعة للشك في تناول مثل ذلك في غير
محله، كاحتمال عدم جواز إجارتهما لعدم صحة وقفهما، وعدم ضمان منفعتهما
لو غصبا.
وفيه أولا: منع الملازمة، فإن الحر وأم الولد يجوز إجارتهما، ولا يجوز
وقفهما.
وثانيا: منع عدم جواز وقفهما للمنافع المزبورة، وكذا يمنع عدم ضمان
الغاصب بعد إجارتهما ومقابلتهما بالمال، كمنافع الحر المستأجر أجيرا خاصا،
أما مع عدم مقابلتهما بمال فلعله لا ضمان لعدم تحقق المنفعة حينئذ التي تعد مالا
عرفا، كمنفعة الحر التي هي كذلك، ولا يقدح ذلك في جواز الإجارة بعد
302

التحقق.
ومن ذلك كله يعرف جواز استيجار. التفاح وغيره للشم وغيره، كالطعام
لتزيين المجلس، والشجرة لنشر الثياب عليها، وربط الدابة بها والاستظلال
بظلها ونحو ذلك، وإن لم تكن معدة لذلك، ولا تستأجر غالبا له، كما أن منه
يعرف ما في كلام جماعة من أصحابنا والله هو العالم.
{تفريع}
{لو استأجر لحمل عشرة أقفزة من صبرة} مثلا {فاعتبرها} معتبر
{ثم حملها فكانت أكثر} كثرة معتدا بها لا يسيرة نحو ما يتفاوت به الموازين {فإن
كان المعتبر} والمحمل عامدا {هو المستأجر} من غير علم من المؤجر {لزمه
أجرة المثل عن الزيادة، وضمن الدابة إن تلفت لتحقق العدوان} الموجب لذلك
كما صرح بذلك كله الفاضل والكركي والشيخ في المحكي عن مبسوطه، بل
قال الثاني منهم " أنه لا بحث فيه " ولعله كذلك.
نعم في ارشاد الأول منهم " أنه يضمن نصف الدابة، وكأنه لاستناد التلف إلى
فعلين، أحدهما مأذون فيه وهو غير مضمون، والآخر غيره، ولا ينظر إلى التفاوت
بعد نسبة التلف إلى المجموع، كمن جرح نفسه جراحات، وجرحه آخر جراحة
واحدة فسرى الجميع، فإنه يضمن نصف الدابة ".
وفية: أنه مخالف لظاهر الفتاوى ومعقد المحكي من إجماع الخلاف والغنية
والتحرير والتذكرة، بل في الأول نسبته إلى الأخبار أيضا.
ولعله أشار إلى خبر أبي ولاد (1) وخبر الصيقل (2) وخبر الحلبي (3) وخبر

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 21 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 21 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 21 - 3 - 4.
303

عمرو بن خالد (1) المشتملة على ضمان الدابة بتجاوز المكان المشترط، بناء على عدم
الفرق بين أسباب التعدي، وعلى ظهور ضمان الدابة في مجموعها، بل في خبر أبي
ولاد منها التصريح بلزوم قيمة البغل.
ومنه يظهر ما في المسالك " من احتمال التوزيع على الأصل والزيادة،
فيضمن قسط الزيادة، لأن التلف مستند إلى الجملة فلا ترجيح، ولاستلزام التنصيف
مساواة الزايد للناقص، وهو محال، والتوزيع على المحمول ممكن بخلاف الجراحات "
ضرورة مخالفته لما عرفت أيضا على أن التلف قد استند إلى الجمع الذي هو غير مأذون
فيه أصلا.
ومن هنا استوجبه الأردبيلي فيما حكي عنه ضمان أجرة المثل للمجموع لا -
للزيادة خاصة، لأن المسمى إنما كان على العشرة مثلا على أن يكون معها غيرها،
فإذا كان صارت غير المستأجر عليها فيستحق أجرة المثل على المجموع، قال: " و
إنها ربما تكون أجرة الماءة رطل مجتمعة أضعاف أجرة الخمسين وحدها، واستوضح
ذلك في أجرة الحبة وحدها والجفنة كذلك، فإنه لا أجرة حبة حبة في
التغار، ولجميع الحبوب أجرة كثيرة، ثم حمل خبر أبي ولاد وكلام الأصحاب
على الغالب الأكثر ".
وإن كان قد يناقش (أولا) بمخالفته لظاهر بعض النصوص المزبورة،
(وثانيا) بأن مفروض البحث الاستيجار على العشرة لا بشرط، فلا تخرج عن
استحقاق حملها بضم غيرها بعد صحة العقد الذي لا يترك مقتضاه حينئذ والتفاوت
الذي ذكره يتدارك بملاحظة أجرة المثل للزيادة مجتمعة.
وأغرب من ذلك كله ما عن المقنعة والغنية في نحو المقام من أن عليه أجرة
الزايد بحساب ما استأجرها، بل عن ثانيهما الاجماع عليه، إذ هو مع مخالفته لقاعدة
ضمان الغاصب لا دليل عليه، ويمكن حمل كلامهما على غلبة موافقة المسمى لأجرة المثل.

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 21 - 3 - 4.
304

وعلى كل حال فقد ظهر لك قوة ما في المتن مع التقييد الذي ذكرنا، بل الظاهر
ذلك كله لو وقع منه خطأ، لعدم الفرق في أسباب الضمان بين العمد والخطأ.
بل هو كذلك أيضا فيما لو أمر بالتحميل أجنبيا جاهلا بالحال، بل المؤجر
نفسه على غروره بل يقوى ذلك أيضا فيما لو هيأه للمؤجر مدلسا له عليه، بل وإن
لم يقصد التدليس لعدم علمه بالحال إذا فرض وقوع ذلك منه خطأ، لتحقق الغرور
بالفعل، نحو تقديم طعام الغير للأكل.
نعم لو لم يكن منه أمر ولا تدليس ولا تهيئة فحمله المؤجر ظنا منه أنه هو
المستأجر عليه لم يكن عليه شئ للأصل السالم عن المعارض.
هذا كله مع جهل المؤجر بالحال، أما مع علمه فقد أطلق الفاضل والكركي
عدم ضمان الدابة بتفريط المؤجر بحمل الزيادة مع علمه بها بل عن التحرير والتذكرة
التردد في لزوم الأجرة للزيادة لذلك وإن كان في محله مع فرض كون المحمل
المستأجر أو الأمر، بل لعل اخباره بالكيل كذبا وتهيئته للتحميل كذلك أيضا وإن
علم المؤجر بكذبه وحمله هو، لأن ذلك بمنزلة الإذن في حمله، بل هو شبه المعاطاة
فلا يكون المؤجر متبرعا، والسكوت مع العلم ليس برضى في جميع ذلك كما هو واضح.
فما في المسالك " فيما لو كان المؤجر عالما بالزيادة إن لم يقل المستأجر شيئا
وباشر المؤجر التحميل فلا شئ على المستأجر، ولا فرق بين أن يضعه المستأجر
على الأرض فيحمله المؤجر على الدابة وبين أن يضعه على ظهرها فيسدها المؤجر،
وإن أثم المستأجر في الثاني مع احتمال الفرق " لا يخلو من نظر.
وكذا ما في جامع المقاصد من عدم الأجرة له لتبرعه بحملها فيتجه أن يجب
عليه ردها، وإن قال: مع احتمال لزوم الأجرة لأنه كالمعاطاة في الإجارة، ولو أجبره
بالزيادة، وقال احملها فأجابه المؤجر لزمه الأجرة ما لم يظهر إرادة المجانية
من الأمر.
{وإن} كان {قد اعتبرها المؤجر} وحملها هو أو أمر غير المستأجر بالتحميل
305

{لم يضمن المستأجر أجرة ولا قيمة} للأصل السالم عن المعارض من غير فرق، بين
الخطأ والعمد، وبين علم المستأجر وجهله، بل لو أمره نفسه فحملها جاهلا لم يكن
عليه شئ، بل لعله كذلك لو كان قد هيئة للتحميل المغرور بفعل المؤجر كما عن
التذكرة أنه قواه، لكنه تردد فيه في المسالك.
نعم لو كان عالما فحملها من دون أمر لزمته الأجرة قطعا، كما في جامع المقاصد، وإن
كان المؤجر عالما، بل لعله كذلك أيضا إذا كان جاهلا ولم يصدر من المؤجر ما يقتضي
الغرور، أما لو أمره المؤجر بالحمل مع علمه أي المستأجر بالزيادة ففي لزوم
الأجرة نظر، كما في جامع المقاصد.
وكيف كان فيجب رد الزيادة حيث لا يكون إذن من صاحبها إليه، بل إلى
بلد الأجرة بل في المسالك لو لم يعلم المستأجر حتى أعادها المؤجر إلى البلد المنقول
منه، فله أن يطالبه بردها إلى المنقول إليه، وفيه أنه لا دليل على وجوب ذلك،
بل لعل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه، بل لعله كذلك بالنسبة إلى بلد الأجرة، فلا
يجب حينئذ عليه إلا الرد للمالك في أي مكان أو أي زمان، وكذا كل حق هو كذلك
فتأمل جيدا.
{ولو كان المعتبر} والمحمل {أجنبيا} من غير علمهما ومن غير إذنهما،
فهو متعد عليهما، يضمن الدابة لصاحبها، والطعام لمالكه و {لزمته أجرة الزيادة}
للمؤجر وفي ردها ما عرفت، من غير فرق في ذلك بين عمده وخطأه، ولو تولى الحمل
بعد كيل الأجنبي أحد المتعاقدين، فإن كان عالما فهو كما لو كال بنفسه، وإن
كان جاهلا وقد أخبره الأجنبي كاذبا، فهو كما تولاه الأجنبي، وإلا فإن عددنا
الكيل والأعداد للحمل غرورا ضمن، وإلا فلا.
وفي المحكي عن مجمع البرهان ولو كان بإذنهما من دون علمهما بالمقدار
فهناك احتمالان (أحدهما) أن الحكم كذلك، (الثاني) أن الضمان على
الآذن فإن كان منهما فثلاثة احتمالات، أحدها: أن الحال في ذلك كما إذا كانا
306

معا هما المعتبرين، الثاني: أنه كاعتبار صاحب الدابة، للأصل، الثالث: أنه كاعتبار
صاحب الحمل.
قلت: لا مدخلية للإذن في الضمان، ضرورة كونها بالمقدار الخاص، فالزيادة
لا إذن فيها، فإذا حملها بنفسه أو بغروره توجه عليه الضمان.
نعم لو حمله العالم منهما لم يكن عليه شئ، لعدم مباشرته وعدم غروره كما
هو واضح، ولو اعتبرا معا وحملا كذلك جاهلين بالزيادة ففي ضمان الدابة وأجرة
المثل نظر، ولو كانا عالمين فلا ضمان للدابة، وفي ضمان أجرة الزيادة وجه ولو كان
المحمل أحدهما فإن كان المستأجر فالظاهر مساواة حكمه لما إذا كان هو المعتبر
مع ذلك، وإن كان صاحب الدابة لم يكن له شئ.
ومن ذلك كله ظهر لك الحال في جميع الصور التي تتصور في المقام، وإن
ذكرنا المهم منها كظهور كون البحث في ضمان الدابة أو نصفها أو التوزيع الذي قد تقدم
سابقا إذا كان التلف بالتحميل، لا ما إذا كان بغيره، وكانت أمانة في يد المستأجر،
فإنه لا إشكال في ضمانه الجميع من حيث التعدي في الأمانة، كما أن الأقوى ذلك
أيضا في الأول، لما عرفت من استناد التلف إلى الضم الذي هو فعل المستأجر عدوانا.
والله هو العالم. الشرط {الخامس}
{أن تكون المنفعة مباحة}
{فلو آجره مسكنا ليحرز فيه خمرا أو دكانا ليبيع فيه آلة محرمة أو أجيرا
ليحمل له مسكرا} أو جارية للغناء أو كاتبا ليكتب له كفرا ونحوه {لم تنعقد
الإجارة، وربما قيل بالتحريم وانعقاد الإجارة، لامكان الانتفاع في غير المحرم،
والأول أشبه، لأن ذلك لم يتناوله العقد} كما تقدم الكلام في ذلك كله في باب
307

المكاسب، فلاحظ وتأمل.
{و} كيف كان ف‍ {هل يجوز استيجار الحائط المزوق للتنزه قيل:} والقائل
ابن إدريس {نعم} واختاره في التنقيح واستحسنه في المسالك {وفيه تردد} كما
في القواعد بل منعه في محكي الخلاف والمبسوط للسفه، ولأنها منفعة ليس للمالك
منعها، كالاستظلال بالحائط والحق الجواز مع عدم السفه، وكان كإجارة الكتاب
الذي فيه خط جيد للتعلم منه.
الشرط {السادس}
{أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها}
{فلو آجر عبدا آبقا لم تصح} للسفه {ولو ضم إليه شئ} لحرمة
القياس على البيع عندنا {و} لكن {فيه تردد} من ذلك، ومن أولوية الإجارة
من البيع، لاحتمالها من الغرر ما لا يحتمله البيع، وقد أشبعنا الكلام في البيع على
وجه يستفاد منه تفصيل المسألة هنا، فلاحظ وتأمل.
{ولو} استأجر شيئا ف‍ {منعه المؤجر من} تسلم‍ {ه} أصلا واستيفاء منفعته
أجمع، ولم يتمكن من جبره على أخذ العين منه، أو تمكن ولم يفعل {سقطت
الأجرة} عند الشيخ، وفيما حكي عن التذكرة لانفساخ العقد قهرا، تنزيلا لذلك
منزلة التلف قبل القبض، المقتضي للانفساخ في البيع، وفي المقام، لتعذر تحقق
المعاوضة حينئذ.
وفيه أن الأصل عدم الانفساخ، وإنما خرجنا عنه في التلف السماوي بالنص،
فيبقى غيره على الأصل.
ومن هنا قال في المسالك تبعا لجامع المقاصد الظاهر أن سقوطها مشروط بالفسخ،
لتعذر حصول العين المطلوبة، فإذا فسخ سقط المسمى إن لم يكن دفعه، وإلا استرجعه "
308

وبهذا صرح في القواعد.
وإليه أشار المصنف بقوله {وهل له أن يلتزم ويطالب المؤجر بالتفاوت فيه
تردد} مما عرفت، {والأظهر نعم}.
بل إن لم يكن إجماعا أمكن القول بلزوم ذلك عليه، لأصالة اللزوم وليس له إلا
المنفعة التي قد فوتها عليه المالك الغاصب، فله قيمتها، كما أن للمؤجر المسمى،
إلا أنه لما كانت الإجارة من عقود المعاوضة التي تقتضي عوضية ملك بملك، وقبضا
بقبض، إ لا أن الثاني منهما لما كان غير معتبر في الصحة يجبر الشارع من فاته منهما
بالخيار ما لم تكن تلفا سماويا كما لا يخفى على من اعتبر ذلك في جميع عقود المعاوضة.
ولعل منه ما لو أتلف المالك المبيع على المشتري قبل قبضه، فإن المشتري حينئذ
بالخيار بين الفسخ وبين الامضاء، والمطالبة بالمثل أو القيمة، وذلك لأنه اجتمع فيه
أمران أحدهما تعذر تسليم العوض، والآخر مباشرة إتلاف مال الغير، فيتخير في
الفسخ نظرا إلى الأمر الأول، والمطالبة بالقيمة أعني أجرة المثل نظرا إلى الأمر
الثاني، ولو منعه بعد استيفاء بعض المنفعة، فعن التذكرة الخيار أيضا لكن لا يخلو
من نظر، لأصالة اللزوم، والفرض حصول قبض المعاوضة.
اللهم إلا أن يقال: إنه لما كان استيفاء المنفعة تدريجيا كان قبضها كذلك
لأن حصوله باستيفائها، فمنعه في الأثناء حينئذ مفوت لقبض المعاوضة في البعض
المراد منه والمخاطب به فيتسلط حينئذ على الخيار، لما عرفت، وبذلك يظهر الفرق
بين هذه وبين المسألة الآتية، وهي منع الظالم في الأثناء.
{و} كيف كان ف‍ {لو منعه ظالم} عن الانتفاع بالعين، بأن غصبها
منه (قبل القبض كان بالخيار بين الفسخ} والمطالبة بالمسمى إن كان قد دفعه،
وبين الالتزام {والرجوع على الظالم بأجرة المثل} عوض ما استوفاه من المنفعة
التي هي من أمواله، لما عرفت من فوات القبض الذي هو مقتضى المعاوضة.
وظاهر المصنف وغيره اختصاص رجوعه بعد الالتزام بالظالم دون المؤجر، وهو
309

كذلك، لأصالة البراءة، وإن احتمله بعضهم لكون العين في يده مضمونة عليه، حتى
يتحقق القبض.
لكن فيه أن المسلم من ضمانه وجوب المسمى عليه بالانفساخ أو الفسخ، لا
ضمان قيمة العين بتلف العين، وهو واضح، كما أن الظاهر أيضا عدم سقوط الخيار
المزبور بعود العين للمستأجر في أثناء المدة، للأصل والتضرر بالتبعيض.
نعم ليس له الفسخ فيما مضى من المدة خاصة، والرجوع بقسطه من المسمى
على المؤجر، واستيفاء الباقي من المنفعة، لعدم جواز التبعيض في العقد كما هو واضح
وإن تردد فيه في القواعد، واحتمله في المسالك، إلا أنه بمكانة من الضعف.
{ولو كان بعد القبض} في ابتداء المدة أو في أثنائها {لم تبطل} الإجارة
قطعا، بل ليس له الفسخ لأصالة اللزوم، {و} الفرض أنه {كان} تمام القبض
من المالك وإنما {له الرجوع على الظالم} بأجرة المثل، بل في المسالك تبعا
لجامع المقاصد أن الظالم لو كان هو المؤجر فالحكم كذلك أيضا، لكن قد سمعت
ما حكيناه عن التذكرة وتوجيهه والله العالم.
{وإذا انهدم المسكن} مثلا وفات أصل الانتفاع ولم يمكن إعادته انفسخت
الإجارة، لتعذر المستأجر عليه، فله من المسمى حينئذ بنسبة ما فات من المنفعة،
وإن لم يفت أصل الانتفاع وأمكن إزالته {كان للمستأجر فسخ الإجارة} مع فوات
بعض المنفعة للتعيب بالتبعيض، {إلا أن يعيده صاحبه ويمكنه منه} بسرعة على
وجه لم يفت الانتفاع، بل كان موصولا بعضه ببعض، لعدم التضرر حينئذ، فيبقى
أصل اللزوم بحاله.
{و} لكن مع هذا {فيه تردد} ينشأ من ذلك، ومن ثبوت الخيار بالانهدام
فيستصحب، بل اختاره في جامع المقاصد، وقواه في المسالك، وإن كان قد يناقش فيه
بمنع ما يدل على ثبوته بالانهدام من حيث كونه انهداما، وإن لم يفت به شئ من
المنفعة على وجه تنقطع به أصالة اللزوم، اللهم إلا أن يستبعد الفرض، {و} هو
310

خروج عن محل البحث.
نعم {لو تمادى المؤجر في إعادته} على وجه قد فات بعض المنفعة، فالخيار
باق، وإن أعاده كما سمعت، {ف‍} إن {فسخ المستأجر} حينئذ {رجع بنسبة
ما تخلف من الأجرة إن كان سلم إليه الأجرة} وإلا دفع إليه منها ما قابل ما استوفاه
منها، بلا خلاف ولا اشكال في ذلك، والله العالم.
وكيف كان فلا يخرج بالشرط المزبور الاستيجار للسنة القابلة، وخصوصا
إذا كانت متصلة بالسنة التي هي للمستأجر، خلافا للمحكي عن الشيخ وأبي الصلاح
فلا يصح لعدم الدليل، وتعذر التسليم، وفية: أن الدليل عموم (1) " أوفوا " وغيره،
والتسليم واجب زمان الإجارة.
نعم لا فرق في تعذر التسليم المانع من صحة الإجارة بين العقلي والشرعي،
فلو استأجر لقلع ضرس صحيح أو قطع يد صحيحة، أو جنبا أو حائضا بخصوصهما
لكنس المسجد في زمان حدثهما لم تصح.
أما لو كانت السن وجعة أو اليد متآكلة على وجه يستحسنه العقلاء صحت،
فإن زال الألم قبل القلع انفسخت الإجارة وكذا لا يخرج به إجارة الزوجة نفسها
من دون إذن الزوج باعتبار استحقاقه منافعها، ضرورة أنه ليس له إلا استحقاق
الاستمتاع، فتصح إجارتها فيما لا يعارضه، وأما فيه فهو موقوف على إذنه.
بل في جامع المقاصد انفساخها لو فرض إجارتها بدون إذنه في زمان مخصوص
مطمئن فيه بعدم الاستمتاع فاتفق إرادة الزوج فيها ذلك على خلاف العادة، تقديما
لحقه على حق المستأجر، ولو كانت الإجارة على عمل في الذمة كخياطة ثوب أو حمل
متاع فغصب العبد الخياط والدابة الحاملة من المؤجر قبل قبض المستأجر فله مطالبة
المالك، لعدم ما يقتضي تعيين حقه بذلك.
نعم إن تعذر البدل ففي القواعد " تخير بين الفسخ، والامضاء والصبر إلى

(1) سورة المائدة الآية - 1.
311

التمكن " وتبعه في جامع المقاصد ولا يخلو من بحث، وكذا ما فيهما أيضا من أنه
لو كان الغصب بعد القبض طالب المستأجر بأجرة المثل خاصة، وإن كان في ابتداء المدة
فلا خيار له، لأن الغصب بعد قبض العين، واستقرار العقد، وبراءة المؤجر، ولو
حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء والمؤجر من التغرير بماله، تخيرا، بل
احتمل بعضهم الانفساخ.
ولو اختص الخوف بالمستأجر تخير أيضا أو انفسخ العقد إذا كان المراد استيفاؤه
بنفسه، وإلا فلا خيار لامكانه إجارتها، ولعله المراد للفاضل في محكي تحريره، ولا
ينفسخ بالعذر، فلو اكترى جملا للحج ثم بدا له أو مرض ولم يخرج لم يكن له فسخ
الإجارة.
ولذا حكي عن الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه عليه تقييده بالمرض الذي
يتمكن من الخروج معه، قال: " أما لو لم يمكنه الخروج أصلا، ولم يجز له إجارته
لغيره كان يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، فإنه يقوى الفسخ ".
لكن في جامع المقاصد " عندي فيه شئ لأن تعذر الاستيفاء إذا اختص بالمستأجر
ولم يكن من قبل المؤجر مانع ففي اسقاطه حق المؤجر وتسليطه المستأجر على الفسخ
أو الحكم بالانفساخ اضرار بالمؤجر لمصلحة المستأجر ".
وفيه: أنه مثل الأجير على قلع ضرس فسكن ألمه ضرورة اشتراكهما في منع
المستأجر من الفعل وإن بذل المؤجر له باعتبار كونه معاونة على الإثم والعدوان
فتأمل جيدا والله العالم.
ولو استأجر دارا للسكنى مثلا فحدث خوف عام يمنع من الإقامة بذلك البلد
تخير في الأقوى، وفي القواعد نظر، ولعله فرق بين هذه المسألة والسابقة أن الخوف
في تلك على المستأجر والدابة بخلافه هنا، فإنه على المستأجر دون الدار ولذا نظر
في هذه، وقرب الخيار في الأولى، إلا أن الظاهر ثبوت الخيار في المقامين لقاعدة لا
ضرر بعد عموم العذر شرعا عن الاستيفاء، بل ربما احتمل الانفساخ قهرا.
312

نعم لو اختص الخوف بالمستأجر لم يكن له خيار إلا مع اشتراط الاستيفاء
بنفسه فإنه يأتي فيه أيضا الخيار أو الانفساخ، ولو استأجره لصيد شئ بعينه ففي
القواعد لم يصح، لعدم الثقة بحصوله أي فلا تكون المنفعة مقدورا على تسليمها بحسب
الغالب، وقد تقدم لنا في كتاب البيع عند البحث على اشتراط القدرة على التسليم فيه
ما يستفاد منه حكم ذلك وغيره فلاحظ وتأمل والله العالم.
{الفصل الثالث في أحكامها}
{وفيه مسائل: الأولى: إذا وجد المستأجر بالعين المستأجرة} بالخصوص
{عيبا} سابقا لم يعلمه {كان له الفسخ} كما عن المبسوط وغيره بل عن ظاهر
الغنية الاجماع عليه وعن التذكرة لا نعلم فيه خلافا إذا كان سابقا يوجب نقصا تتفاوت
به الأجرة وحكى فيها عن ابن المنذر نفي الخلاف فيه أيضا، بل أكثر من الأمثلة
لذلك وظاهر بعضها تجدد العيب فضلا عن سابقه، لكن تقييدهما بالمنقص مناف
لاطلاق جماعة وصريح آخرين كما أنه صرح غير واحد بل لا أجد فيه خلافا
بينهم.
بل لعله معقد نفي خلاف التذكرة وابن المنذر بقرينة ما ذكراه من الأمثلة
عدم الفرق في ثبوت الخيار المزبور بين استيفاء بعض المنفعة وعدمه، ويكون حينئذ
كخيار الغبن في عدم السقوط بالتصرف، وبذلك يفترق عن خيار العيب في البيع الذي
يتعين الأرش به، بل صريح قول المصنف كغيره {أو الرضا بالأجرة من غير نقصان}
عدم الأرش هنا أصلا.
نعم في اللمعة " وفي الأرش نظر " وفي جامع المقاصد تارة ينبغي أن يكون هذا
حيث لا يكون العيب منقصا للمنفعة، فإنه مع ذهاب بعض العين يجب التقسيط قطعا
مع الخيار، وأخرى الأصح وجوب الأرش وثالثة لا أستبعد ثبوت الأرش كثيرا،
313

واستوجهه في المسالك، واستحسنه في الروضة.
وكأن الوجه في ما ذكره الأصحاب أن العقد إنما جرى على هذا المجموع
وهو باق، فإما أن يفسخ أو يرضى بالجميع، وثبوت الأرش في البيع للنص فلا
تقاس عليه الإجارة، والضرر مندفع بالخيار الذي هو المعتاد في جبر الضرر الناشي
من لزوم العقد، وبذلك ظهر أن الثابت الخيار خاصة في الفرض.
{ولو كان العيب مما يفوت به بعض المنفعة} بمعنى إذا لم يفت به شئ أو
فات به البعض كما في المسالك قال: " لا ما إذا كان يفوت به الجميع، لأن ذلك
يبطل العقد ".
قلت: يمكن أن يريد المصنف بفوات البعض فوات كمالها كالدابة العرجاء
أو الجموح أو نحو ذلك مما يكون فيه أصل الانتفاع موجودا، إلا أنه ليس على الوجه
المراد للمستأجر، لا أن المراد فوات بعض المنفعة أصلا كدار وجد بعض بيوتها خرابا
فإن المتجه في ذلك التقسيط لو اختار اللزوم لأنه من قبيل تبعض الصفقة، وليس مما
نحن فيه من وجدان العيب في العين المستأجرة المنصرف إلى ما ذكرنا دون ذلك،
وإن أطلق عليه اسم العيب توسعا.
ولعل هذا هو الذي قطع به المحقق الثاني فيما عرفت، كما أن الفرد الآخر
محل للنظر في ثبوت الأرش من جهته، وقد عرفت أن مقتضى أصول المذهب وقواعده
ثبوت الخيار له من دون أرش بعد حرمة القياس عندنا، وكون ذلك عند التأمل من
فوات الوصف الذي لا يوزع الثمن عليه في البيع، وإن تفاوت قلة وكثرة بالنسبة
إليه.
نعم يبقى الاشكال في ثبوت الخيار بالعيب في العين، وإن لم يكن مفوتا لشئ
من كمال المنفعة، ولا فيه نقص على المستأجر باستيفاء المنفعة، كالدابة البتراء أو
الجدعاء أو نحو ذلك.
ودعوى أن الصبر على مطلق العيب في العين المستأجرة ضرر لا دليل عليها،
314

كدعوى أن مورد العقد العين لاستيفاء المنفعة، فتنصرف إلى الصحيحة كالبيع، ولعله
إلى هذا أومأ الفاضل في التذكرة في التقييد المزبور، كما أن غيره من الأصحاب
نظر إلى ما ذكرنا من العيب الذي لا يكون به تفويت لكمال المنفعة، إلا أن فيه
نقصا على المستأجر باستيفاء المنفعة منه، أما إذا لم يكن كذلك، فلعله غير مراد
للجميع، ويبقى على أصالة اللزوم.
اللهم إلا أن يدعى انصراف عقد الإجارة إلى العين الصحيحة كالبيع،
وفيه منع، وحينئذ يتجه فيه الخيار خاصة من دون أرش، ضرورة عدم النقص في
منفعته وهو إنما يتوجه فيما إذا تفاوتت إجارة العين سليمة ومعيبة، فإن نسبة ذلك
التفاوت من المسمى هو الأرش.
ومن التأمل فيما ذكرنا بأن لك الوجه في جميع أطراف المسألة حتى ثبوت
الخيار مع استيفاء بعض المنفعة، لما عرفت من عدم الأرش له أصلا، فالزامه بالعين
المفروض عيبها ضرر، على أن المنفعة حصولها تدريجي، فما بقي منها لم يتصرف فيه
بشئ، ومنه ينقدح الوجه فيما حكي عن التذكرة من ثبوت الخيار أيضا في العيب
المتجدد بعد العقد أيضا، لكونه حينئذ عيبا سابقا على القبض، وليس قبضه للعين
قبضا لها بالنسبة إلى ذلك كما هو واضح.
فإذا فسخ بعد استيفاء البعض ثبت عليه من المسمى بالنسبة، لأن الفسخ في
الحقيقة لما بقي ولذا لم يكن له فسخ لو فرض استيفاء الجميع واحتمال أن له الفسخ
فيما مضى فيثبت حينئذ للمؤجر أجرة المثل واضح الضعف.
وعلى كل حال فلو فسخ بالعيب وقد كان المؤجر قد باع العين فالمنفعة للبايع
لعدم استحقاق المشتري إياها بعد أن شراها مسلوبة المنفعة المخصوصة وبذلك انقطعت
تبعيتها للعين فيستصحب والله العالم.
هذا كله إذا كانت العين المستأجرة مشخصة، أما إذا كانت مطلقة لم ينفسخ العقد
315

وكان على المؤجر الابدال.
نعم لو تعذر أو امتنع ولم يمكن إجباره تخير لقاعدة الضرر، وقد تقدم في
كتاب السلم ماله نفع في المقام فلاحظ وتأمل والله العالم.
المسألة {الثانية: إذا تعدي في العين المستأجرة} وإن كانت أمانة في يده
{ضمن قيمتها وقت العدوان} وإن تلفت بغيره، كما في كل أمانة تعدي فيها بلا
خلاف ولا أشكال نصا وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه، لكن على معنى دخولها في
ضمانه من ذلك الوقت إلى حين التلف في يده، فيضمن قيمتها وقته على الأقوى،
وقيل: أعلى القيم، وقيل غير ذلك، لأن المراد ضمان قيمتها حينه، وإن تلفت بعد
ذلك، واختلفت قيمتها زيادة أو نقصا كما هو ظاهر المصنف والقواعد ومحكي التحرير
والإيضاح وجامع الشرايع.
ولعله لما في صحيح أبي ولاد (1) " فقلت: أرأيت لو عطب البغل أو نفق أوليس
كان يلزمني؟ قال: نعم قيمة البغل يوم خالفته " لكن فيه بعد ذلك " قلت: فإن أصاب
البغل كسر أو دبر أو عقر؟ قال: عليك قيمة ما بين الصحيح والمعيب يوم ترده ".
والتحقيق ما عرفت بل لم أجد ذلك قولا لأحد في غير المقام، وربما كان فيه
ضرر على المالك إذا فرض علو قيمتها يوما التلف عن يوم العدوان، وقد تقدم تحقيق
المسألة ويأتي إن شاء الله تعالى.
وعلى كل حال فظاهر قوله قيمتها تمامها وإن كان التعدي بزيادة تحميلها
على المشروط، خلافا لما عن الشافعي من أنه إن كان المالك معها ضمن النصف وإلا
ضمن الكل أو التوزيع على مجموع الفراسخ، بأن كان التعدي بتجاوز المسافة
ويعطى العدوان بالقسط.
بل في القواعد ولو استأجر الدابة لحمل قفيز فزاد فهو غاصب ضامن للجميع
ولو سلم إلى المؤجر، وقال: إنه قفيز وكذب فتلفت بالحمل ضمن النصف، ويحتمل

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
316

بالنسبة، إلا أنه كما ترى مناف لاطلاق الضمان في النص والفتوى، فلا يقاس على
ما ذكر في القصاص والديات من أنه لو جرحه زيد وعضه الأسد مثلا فسريا ضمن
الجارح النصف، وكما لو جرحه واحد عمدا وآخر باستيفاء قصاص مثلا فسريا على
أن يكون الجامع بينهما، إذا لتلف في مسألة التحميل مثلا قد استند أيضا إلى ما هو
بحق، وهو القدر المشروط، وإلى غيره وهو الزايد.
إلا أنه اجتهاد في مقابلة النص والاجماع، بل والقواعد عند التأمل، خصوصا
بعد امكان دعوى عدم الإذن في القدر المشروط حال انضمامه إلى ما صار به التلف من
الزائد، وإن كان فيه ما عرفته سابقا.
نعم يكفي في الضمان كون الضم من فعل المستأجر فهو في الحقيقة كمن حمل
دابة الغير زيادة على ما حملها مالكها قهرا فتلفت بمجموع ما كانت من المالك و
الظالم، فتأمل جيدا. فإنه قد مر في المباحث السابقة ما يعلم منه الحال هنا في ذلك
وفي غيره، بل وفي أصل المسألة التي يأتي الكلام فيها أيضا في كتاب الغصب،
والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {لو اختلفا في القيمة كان القول قول المالك، إن كانت}
العين المستأجرة {دابة وقيل: القول قول المستأجر على كل حال} من غير فرق
بين الدابة وغيرها {وهو أشبه} بأصول المذهب وقواعده التي منها أصل البراءة
وغيره، وبها يكون المستأجر المنكر، بل لم يحضرني القائل بالأول، وإن حكي
عن الشيخ لكن لم أتحققه.
نعم عن الشيخ في النهاية بل وغيره أن القول قول المالك في مطلق المغصوب
من غير فرق بين الدابة وغيرها، ووضوح ضعفه على كل تقدير يغني عن البحث عن
قائله. والله العالم.
المسألة {الثالثة: من تقبل عملا} في ذمته من غير اشتراط المباشرة {لم يجز
أن يقبله غيره بنقيصة} كما عن النهاية والسرائر والإرشاد والتحرير بل في
317

المتن {على الأشهر} بل في المسالك المشهور {إلا أن يحدث فيه ما يستبيح به
الفضل}
ففي صحيح أبي حمزة (1) " عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل
فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه قال: لا ".
وفي صحيح محمد بن مسلم (2) " عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الرجل يتقبل
بالعمل فلا يعمل فيه، ويدفعه إلى آخر فيربح فيه قال: لا إلا أن يكون قد عمل فيه
شيئا ".
وفي خبره الآخر (3) عنه أيضا " عن الرجل الخياط يتقبل العمل فيقطعه ويعطيه
من يخيطه ويستفضل قال: لا بأس قد عمل " ونحوه خبر أبي حمزة عن الباقر عليه السلام المروي
عن المختلف وغاية المراد.
وفي خبر أبي محمد الخياط (4) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتقبل الثياب أخيطها ثم
أعطيها الغلمان بالثلثين قال: أليس تعمل فيها، فقلت: أقطعها وأشتري الخيوط، قال: لا
بأس " مؤيدا ذلك كله بما مر سابقا من النصوص (5) المتضمنة لحرمة فضل الأجير.
ولا ينافي ذلك ما في خبر علي الصائغ (6) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام أتقبل العمل،
ثم أقبله من غلمان يعملون معي بالثلثين، فقال: لا يصلح ذلك إلا أن تعالج معهم فيه، قال: قلت: فإني أذيبه لهم، قال: فقال: ذاك عمل فلا بأس " لعدم صراحة لا يصلح في
الكراهة، بل ولا ظهورها.
كما لا ينافيه خبر الحكم الخياط (7) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أتقبل
الثوب بدراهم وأسلمه بأقل من ذلك لا أزيد على أن أشقه؟ قال: لا بأس به، ثم

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 4 - 1 - 5 - 6.
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 4 - 1 - 5 - 6.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 4 - 1 - 5 - 6.
(4) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 4 - 1 - 5 - 6.
(5) الوسائل الباب - 20 من أبواب أحكام الإجارة.
(6) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 7 - 2.
(7) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 7 - 2.
318

قال: لا بأس فيما تقبلته من عمل قد استفضلت فيه " بعد كونه مطلقا منزلا على المقيد
الذي هو مفروض سؤاله.
وحينئذ فما وقع من ثاني الشهيدين من الجمع بين هذه النصوص بالكراهة
لا يخلو من نظر، وإن وافقه على الجواز الفاضل في القواعد والتذكرة وأول الشهيدين
وثاني المحققين والخراساني، إلا أن العمدة للفاضل في الجواز أنه روى صحيح أبي
حمزه لا بأس، كما عن السرائر روايته كذلك، وإنما الموجود فيما حضرنا من نسخة
الوسائل والوافي ما حكيناه، وفي مفتاح الكرامة ليس له في التهذيب عين ولا أثر،
والظاهر أنه سهو وغفلة، ثم حكي عن التهذيب ومجمع البرهان والوافي روايته
كما ذكرنا.
ثم إن ظاهر النص والفتوى الاكتفاء بمسمى الحدث والعمل فيه، وحينئذ
فلا إشكال في الجواز. وفي اللمعة لا بحث كما في الروضة الاجماع عليه، ولم يذكر
أحد هنا الجواز باختلاف الجنس.
نعم عن التذكرة أنه حكى عن الشيخ عدم الجواز مع اتحاد الجنس إلا أن
يعمل فيه شيئا ولم نتحققه لكن قد سلف لنا في مسألة الأجير والبيت ما يمكن أن
يكون وجها لذلك فلاحظ وتأمل. هذا.
وقد ينساق من النص والفتوى أن محل البحث في العمل بالعين كخياطة
الثوب وصياغة الخاتم ونحوهما، أما العمل الصرف كالصوم والصلاة والحج ونحوها
فيبقى على أصل الجواز.
اللهم إلا أن يقال: إن ذكر بعض لوازم العمل في العين لا يقتضي تقييد ذلك
به وحينئذ يعتبر في جواز تقبيله بالأقل عمل شئ منه.
{و} كيف كان فحيث يكون العمل في العين {لا يجوز تسليمه إلى غيره
إلا بإذن المالك} لأنه أمانة في يده {و} حينئذ ف‍ {لو سلمها من غير إذن} فتلفت
{ضمن} للتعدي كما هو واضح.
319

لكن في المسالك بعد أن فرض المسألة على تقدير القول بجواز التقبيل قال:
" والوجه حينئذ أنه مال الغير ولا يصح تسليمه إلى غير من استأمنه عليه، وجواز
إجارته لا تنافي، بل يستأذن المالك، فإن امتنع أي المالك رفع الأجير أمره إلى
الحاكم، فإن تعذر احتمل جواز التسليم حينئذ لتعارض حق العامل الثاني وحق
المالك، فيقدم العامل، وفاء بالعقد ويحتمل تسلطه على الفسخ لا غير، لأن المالك
مسلط على ماله يعطيه من شاء، ويمنعه من شاء، والحال أنه لم يرض بأمانته.
ولو قيل بجواز التسليم مطلقا حيث يجوز التقبيل كان حسنا لصحيحة علي بن
جعفر (1) عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام في عدم ضمان الدابة المستأجرة بالتسليم
إلى الغير إذا لم يشترط عليه ركوبها بنفسه.
وإذا كان الضمان ساقطا مع تسليمها لاستيفاء المنفعة لغير المالك، فسقوطه
مع كون المنفعة للمالك أولى، وإليه مال في المختلف، وابن الجنيد جوز التسليم
من غير ضمان مع كون المتسلم مأمونا، ولكن ينبغي تقييده بكون المدفوع إليه
ثقة وإلا فالمنع أوجه ".
قلت: قد سلف لنا في جواز تسليم العين ما يستفاد منه المنع هنا أيضا، وأن
جواز التقبيل أعم من ذلك، ضرورة إمكان عمل الغير فيه، وهو في يده وليس له على
المالك الإذن، حتى يرفع أمره إلى الحاكم، كما أنه ليس له الفسخ من هذه
الجهة.
وصحيح علي بن جعفر - عن أخيه عليه السلام (2) الذي هو " سألته عن رجل استأجر
دابة، فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟ قال: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن
لها، وإن لم يسم فليس عليه شئ " - لا صراحة فيه بل ولا ظهور في خروج العين
عن يد المستأجر الأول، وإنما المراد، السؤال عن تلفها حال ركوب الغير لها، و
إن كانت هي في يد الأول، ولا ريب في أن الحكم فيها ما ذكره عليه السلام كما أوضحنا

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
320

ذلك سابقا. وعلى كل حال فلا ينبغي الخروج عن قواعد الشريعة بنحو ما ذكره
الذي عند التأمل من غرائب الكلام.
المسألة {الرابعة: يجب على المستأجر سقي الدابة وعلفها و} حينئذ
{لو أهمل ضمن} كما في الإرشاد، وعن الروض وظاهر النهاية والسرائر، إلا
أنه لا يخفى عليك ما فيه إن كان المراد وجوب ذلك عليه من ماله، على وجه لا يرجع
به على المؤجر، ضرورة أنه إن كان المقتضي لذلك عقد الإجارة باعتبار اقتضاء العادة،
ففيه منع واضح كوضوحه إذا كان باعتبار وجوب نفقة الدابة على من ملك
منفعتها.
نعم إن كان وجوب ذلك باعتبار كونها وديعة وأمانة في يده، ويجب عليه
ذلك مقدمة لحفظها مع فرض عدم كون صاحبها معها، ففيه ما تقدم سابقا من أنه
على فرض ذلك، وانحصار الأمر بالنفقة من ماله يرجع به على المؤجر إن كان بأمر
الحاكم، أو مع الاشهاد أو بدونه كما عرفت البحث فيه مفصلا، وإن كان قد أخذوا
ذلك مما تسمعه في الأجير المنفذ في حوائج المستأجر.
ففيه أن القياس محرم عندنا بعد تسليم الحكم في المقيس عليه، وستسمع
البحث فيه إن شاء الله تعالى، ولعله لذلك وغيره جزم بوجوبها على المالك في التذكرة
والتحرير والمختلف واللمعة والحواشي والتنقيح وإيضاح النافع وجامع المقاصد
والمسالك والروضة ومجمع البرهان والكفاية على ما حكي عن بعضها.
بل هو المحكي عن ظاهر أبي علي، والفخر أيضا لأنها تابعة للملك، و
الأصل عدم وجوبها على غيره، بل يمكن حمل عبارة المتن على إرادة السقي والعلف
البدني، لا المالي الذي هو واجب على المالك.
نعم لو لم يكن مالك، وكانت العين أمانة في يده كان حكمها حكم الوديعة
الذي قد سمعت تصريح غير واحد من الأصحاب به فيجب الانفاق عليه مع غيبة المالك
بإذن الحاكم، ويرجع به، ولو تعذر أشهد، فإن تعذر اقتصر على نية الرجوع، و
321

كان القول قوله في قدرها كما تقدم في الوديعة.
لكن لا يخفى ما فيه من الاشكال إن لم يكن اجماع، إذ ليس ذلك من مقتضى
عقد الوديعة، وإلا لم يحتج إلى الرجوع إلى الحاكم، كما في غيره من أنواع حفظ
الوديعة، على أنه ليس في الأدلة فضلا عن اطلاق عقد الوديعة ما يقتضي وجوب حفظ
الوديعة على وجه يجب بذل المال ولو بنية الرجوع مقدمة له، وإنما الثابت وجود
الحفظ بغير ذلك، ووجوب حفظ النفس أو مال الغير ليس من أحكام الأمانة.
اللهم إلا أن يدعي صدق الخيانة مع عدم ذلك منه، وفيه منع واضح هذا،
وقد سبق في الوديعة ما يستفاد منه البحث فيه هنا، خصوصا مع اشتراطها على المؤجر،
على أن يكون معها، فقصر ولم يفعل. فلاحظ والله العالم.
المسألة {الخامسة: إذا أفسد الصانع ضمن ولو كان حاذقا، كالقصار يحرق
الثوب أو يخرق، أو الحجام يجني في حجامته، أو الختان يختن فيسبق موساه إلى
الحشفة أو يتجاوز حد الختان، وكذا} الكحال و {البيطار، مثل أن يحيف على
الحافر، أو يفصد فيقتل، أو يجني ما يضر الدابة، ولو احتاط واجتهد} من غير
فرق عندنا في جميع هؤلاء بين المشترك والأجير الخاص منهم، وبين كون العمل
في ملكه أو ملك المستأجر، وبين حضور رب المال أو غيبته بلا خلاف أجده في شئ
من ذلك بين المتقدمين والمتأخرين منا.
بل في محكي الإنتصار الاجماع على ضمان الصانع، كالخياط والقصار وما
أشبههما لما جنته أيديهم على المتاع بتعد وغير تعد، وفي جامع المقاصد والمسالك
والتنقيح الاجماع على ضمان الصانع ما يتلف بيده حاذقا كان أو غير حاذق مفرطا
أو غير مفرط، وفي محكي السرائر نفى الخلاف بين أصحابنا عن ضمان الملاحين
والمكاريين ما تجنيه أيديهم على السلع، وفي التنقيح نفى الخلاف عن ضمان الصانع،
وفي الكفاية أنه لا يعرف فيه خلافا، وفي محكي الخلاف والغنية الاجماع على ضمان
الختان والحجام والبيطار.
322

كل ذلك مضافا إلى سببية الاتلاف للضمان وإلى صحيح الحلبي (1) وحسنه
عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يعطى الثوب ليصبغه فيفسده، فقال: كل عالم أعطيته
أجرا على أن يصلح فأفسد فهو ضامن ".
وكذا خبر السكوني (2) والكناني (3) وإلى المرسل (4) عن أمير المؤمنين عليه السلام
" من تطبب أو تبيطر، فليأخذ البراءة من وليه، وإلا فهو ضامن " وأنه (5)
" ضمن ختانا قطع حشفة غلام " الذي عن المقتصر أن عليه عمل الأصحاب وعن تعليق
النافع أن عليه العمل وديات النافع أنه مناسب للمذهب، بل عن السرائر أنه صحيح.
ومن ذلك يعلم الحال في ضمان الحجام والختان، وإن لم يتجاوز لمحل
القطع إذا اتفق حصول التلف بفعله، لكن في محكي السرائر لو لم يتجاوز محل
القطع مع حذقتهم في الصنعة، فاتفق التلف، فإنهم لا يضمنون، وعن الكفاية أنه
غير بعيد.
وفيه أنه مناف لقاعدة الاتلاف وغيرها، ومن هنا قال في جامع المقاصد:
بعد أن حكاه عنه هذا صحيح إن لم يكن التلف مستندا إلى فعلهم، ولكن قد يناقش
بعدم صدق الجناية على ذلك، ونحوه مما بين مستأجر عليه ومأذون فيه، بل
لعل ذلك هو التحقيق في المسألة، وبين ضمان الصناع لما يجنيه أيديهم وإن كان
من غير تقصير منهم، بل وكذا الطبيب والبيطار إذا حصل التلف بالطبابة والبيطرة،
ولعل ذلك مقتضى القاعدة فضلا عن النصوص التي سمعت جملة منها.
وفي خبر بكر بن حبيب (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يضمن القصار إلا ما جنت
يداه، وإن اتهمته أحلفته " وحينئذ لا ضمان مع عدم الفساد من حيث الصنعة والعمل،

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 19 - 10 - 13 -
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 19 - 10 - 13 -
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 19 - 10 - 13 -
(4) الوسائل الباب - 24 - من أبواب موجبات الضمان الحديث - 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 24 - من أبواب موجبات الضمان الحديث - 1 - 2.
(6) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 17.
323

وإن اتفق نقصان قيمة الثوب مثلا بحصول العمل منه، وكذا المأمور بالختن و
الحجامة ونحوهما، ولم يكن منه فساد وخيانة من حيث العمل المأمور به، وإن
اتفق التلف به.
نعم لو كان ذلك بعنوان الطبابة والبيطرة ترتب الضمان لحصول الفساد بما كان
يراد منه الصلاح وإن لم يكن عن تقصير والله العالم.
ثم إن الظاهر عدم الفرق بين البيطار والطبيب في كثير من الأدلة السابقة
وحينئذ ينبغي اتحاد حكم الطبيب معه، بل هو أحد الصناع، بل داخل في إطلاق
صحيح الحلبي وغيره من النصوص، مع أخذه الأجرة على ذلك، من غير فرق بين
القاصر الذي حكي الاجماع على ضمانه، والعارف المقصر الذي نفى الخلاف عنه،
بل عن ظاهر ديات التنقيح الاجماع على ضمان العارف إذا عالج صبيا أو مجنونا
أو مملوكا بدون إذن الولي والمالك، وهو كذلك.
بل يقوى الضمان أيضا في العارف الماهر علما وعملا المأذون بأجرة وغيرها
فأتلف، للمرسل المزبور، وقاعدة الاتلاف والقتل خطأ وأنه لا يطل دم امرئ مسلم
وغير ذلك، والإذن في العلاج لا في الاتلاف لا تنافي الضمان به، كما في الصانع و
غيره، ولم أجد خلافا صريحا في ذلك إلا من المحكي عن ابن إدريس والتحرير، فلم
يضمناه للأصل المقطوع بما عرفت ودعوى سقوط الضمان بالإذن المقتضية تسويغ الفعل
فلا يستعقب ضمانا الممنوعة على مدعيها.
ومن هنا اتفق من عداهما من الأصحاب على الضمان وإن خلت جملة من
العبارات عن التقييد بالإذن، لكن حملها على خصوص حال عدم الإذن لا دليل عليه،
ولا داعي إليه إنما الكلام في صدق إتلافه ولا ريب في تحققه بمباشرته العلاج بنفسه،
بل وبأمره بناء على قوة السبب على المباشر في مثله، بل وبوصفه له أن دواءك كذا
وكذا، كما عن التذكرة التصريح به.
بل عن بعضهم التأمل في ضمانه لو قال: الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني،
إلا أنه كما ترى مناف لأصول المذهب وقواعده، بل الظاهر عدمه لو قال مثلا: لو
324

كنت مريضا بمثل هذا المرض لشربت هذا الدواء كما أن المشهور على ما قيل البراءة
بأخذها من المريض أو الولي للمرسل المزبور وغيره مما تسمعه إن شاء الله في كتاب
الديات الذي هو محل المسألة وتوابعها.
وكيف كان فما ذكرناه في أصل المسألة إنما هو التلف وما شابهه بيده {أما
لو تلف في يد الصانع لا بسببه، من غيره تفريط ولا تعد لم يضمن على الأصح} للأصل
وكونه أمينا، لكن في المسالك " قيل: أنه كذلك في الضمان، بل ادعى عليه المرتضى
الاجماع، وما اختاره المصنف أقوى، لأصالة البراءة، ولأنهم أمناء، فلا يضمنون
بدون التفريط، وفي كثير من الأخبار دلالة، والاجماع ممنوع ".
قلت: خلاف المرتضى واجماعه إنما هو في تصديق دعواه التلف، وهو غير
ما نحن فيه من معلوم التلف في يده بغير تعد ولا تفريط، وستسمع تحقيق ذلك في
المسألة الثانية من الفصل الرابع، وحينئذ لم أعرف الإشارة بالأصح في المتن إلى
خلاف معلوم لأصحابنا.
{وكذا الملاح} يضمن ما يتلف بيده وحذقه، أو ما يعالج به السفينة من
الأحبال والأخشاب، بلا خلاف أجده فيه، بل في جامع المقاصد نسبته للنص و
الاجماع، وقد سمعت معقد اجماع الانتصار ونفي الخلاف في السرائر والنصوص
وغير ذلك مما يندرج فيه من غير فرق بين تعديه وتفريطه وعدمهما، وبين حضور
المالك وغيبته، كما عن السرائر التصريح به.
{و} كذا يضمن ما يتلفه {المكاري} آدميا وغيره بقوده وسوقه، و
انقطاع الحبل الذي شد به حبله مثلا كما نص عليه غير واحد، بل في جامع المقاصد
نسبته إلى النص والاجماع، ولعله أراد النصوص السابقة، وقد سمعت نفي الخلاف
في السرائر ومعقد اجماع الانتصار.
بل يمكن دعوى تناول الفتاوى له، وإن وقع لفظ الصانع في بعضها، إلا أنه
يمكن إرادة مطلق الأجير منه. كما سمعته في النصوص ولعله لذلك ادعى في
325

الجامع الاجماع بقرينة احتمال كون تعثر الدابة جناية من الأجير في حال كونه
معها، وإن كان يقوى القول بأنه حال عدم اعتياد قود الدابة لمكان استواء الأرض،
كانكسار السفينة الذي هو ليس من فعل الملاح، وفي خبر السكوني (1) عن أمير المؤمنين
عليه السلام " أنه كان لا يضمن من الغرق والحرق ".
{و} على كل حال لا إشكال في أصل ضمانهما بما عرفت، بعد وضوح الدليل
عليه، كوضوحه على أنهما {لا يضمنان} مع عدم التلف منهما، {إلا ما يتلف}
بتعد أو {عن تفريط} منهما على نحو غيرهما من الأمناء {على الأشبه} بل
لم يحضرني خلاف فيه، لما ستعرف من أن خلاف المرتضى وغيره في قبول قولهما،
لا في عدم ضمانهما مع معلومية التلف كذلك والله العالم.
وأما الحمال فيضمن ما يسقط عن رأسه مثلا بعثرته ونحوها مما يستند به
التلف إليه، للأدلة التي سمعتها، مضافا إلى الصحيح (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل
حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه شئ قال: هو ضامن " بناء
على عود الضمير المجرور إلى المتاع، وكون الحامل أجيرا مثلا، المعتضد بخبر زيد
ابن علي (3) عن آبائه عليهم السلام " أنه أتي بحمال كانت عليه قارورة عظيمة كان فيها دهن،
فكسرها فضمنها إياه، وكان يقول كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن " الحديث
ولغيره من النصوص.
وبما في جامع المقاصد من نسبته إلى النص والاجماع الذي لم نجد ما ينافيه،
إلا ما يحكي عن كشف اللثام من أن الموافق للأصل عدم ضمانه إلا مع التفريط،
أو كونه عارية مضمونة، قيل: ونحوه عن المسالك، وفيه أن عدم ضمان الأمين إلا
بذلك فيما يتلف في يده، لا بفعله، أما هو مما كان نحو الصانع، من الأجير ونحوه
فعلى قاعدة الضمان بالاتلاف، ومندرج في النصوص السابقة وغيرها.

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 6.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 11 - 13.
(3) الوسائل الباب - 30 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 11 - 13.
326

ولو قال المالك للخياط مثلا: إن كان يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه، فلم يكف
ضمن، ولو قال هل يكفي قميصا؟ فقال: نعم، فقال: اقطعه فلم يكفه لم يضمن، كما
في القواعد وغيرها لعدم الإذن في الأول بخلافه في الثاني، وإن كان صدوره منه اعتمادا
على قول الخياط، لكنه من الدواعي.
وعن أبي ثور الضمان بذلك، لقاعدة الغرور، وفي جريانها هنا نظر واضح،
بل يتوقف في الضمان في الصورة الأولى التي يمكن القول فيها بأن مدار الإذن على
الاجتهاد في ذلك، والفرض أنه قد غلب على ظنه ذلك، فهو في الحقيقة مأذون،
والأصل براءة الذمة، فتأمل جيدا والله العالم.
ولو أتلف الصانع الثوب بعد عمله تخير المالك في تضمينه إياه، غير معمول ولا
أجر عليه، وفي تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجره معاملة للعمل معاملة المبيع
قبل قبضه إذا أتلفه البايع، فلا يتوجه دعوى الانفساخ قهرا وتضمينه الثوب غير معمول،
لأنه إنما يتم بالتلف بآفة سماوية، لا في الاتلاف.
كل ذلك بناء على اعتبار تسلم العمل بتسلم العين في المعاوضة، أما على القول
بالاكتفاء بايجابه في عين المالك، وإن لم يتسلمه المالك، اتجه حينئذ ضمانه معمولا
في الفرض، ضرورة كونه من صفات مال المالك، كما أنه يتجه حينئذ المطالبة بالأجرة
مع فرض التلف بآفة سماوية، فتأمل.
ولو فرض نقصان قيمة الثوب عن الغزل كان له قيمة الثوب، للإذن في النقص،
ولا أجرة للعمل، لعدم تسليمه.
وما عساه يقال: من أنه مع فرض ثبوت الخيار له في ذلك الذي هو المراد في
المسألة السابقة، يمكن حينئذ دعوى أن له الفسخ لعدم حصول المعاوضة، والمطالبة
بقيمة الغزل التي ليس له غيرها مع فرض التلف بآفة سماوية، يدفعه أنه حيث لا يكون
لعمل الأجير أثر في زيادة القيمة، والفرض أنه أتلفه قبل القبض، فليس له المطالبة
بالأجرة، وليس للمالك مطالبة الأجير بشئ عنه وإن أورث نقصا، لأنه بإذنه،
327

بخلاف ما لو كان له أثر في الزيادة، فإن له المطالبة به منسوجا مع دفع الأجرة،
وغير منسوج بدونها هذا.
وفي قواعد الفاضل لو وجب ضمان المتاع المحمول تخير صاحبه بين تضمينه
إياه بقيمته في الموضع الذي سلمه ولا أجر له، وتضمينه في الموضع الذي أفسده، ويعطيه
الأجر إلى ذلك المكان كذلك.
وفيه أن مقتضى القواعد استحقاق الأجير أجرته إلى ذلك الموضع وضمانه
القيمة حال التلف لا التخيير المزبور، وليس هو كالمسألة السابقة الذي يكون العمل
فيها في عين المالك، الممكن دعوى اعتبار تسليمه بتسليمها، إذ ليس العمل هنا إلا
الحمل والنقل، وأما وجوب تسليم العين فهو من حيث كونها أمانة في يده كما هو
واضح بأدنى تأمل.
وكذا ما فيها أيضا من أنه لو استأجره لحياكة عشر في عرض ذراع فنسجه
زايدا في الطول، فلا أجرة له على الزيادة للتبرع وله المسمى، لا يخلو من نظر أيضا
ضرورة عدم اتيانه بالعمل المستأجر عليه ضرورة مخالفته في آخر الطاقة الأولى من
الغزل، لأنه كان عليه أن يعطفها عند بلوغ العشر حتى يعود إلى الموضع الذي بدء
منه فهو مخالف فيه وفيما بعده، فلا يستحق أجرا أصلا، وكذا إن زاد فيه وفي العرض،
أو في العرض خاصة، وإن احتمل في القواعد هنا ذلك والمسمى أيضا كما لو نقص
فيهما قال: لكن هنا إن أوجبناه أسقط منه بنسبة الناقص، وفيه ما عرفت وأن المتجه
في الجميع عدم الأجر، بل يضمن الأرش لو فرض نقص الغزل بذلك. والله العالم.
المسألة {السادسة: من استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه} مثلا {كانت نفقته
على المستأجر إلا أن يشترط على الأجير} كما في النهاية والقواعد والإرشاد والروض
على ما في بعضها، بل في اللمعة أنه المشهور وإن كنا لم نتحققه لغير من عرفت ممن
تقدمه بل لعل المتحقق خلافه، إذ العكس خيرة السرائر والتذكرة والمختلف والتحرير
والإيضاح وجامع المقاصد، والمسالك، والروضة، ومجمع البرهان والتنقيح
328

والكفاية على ما حكي عن بعضها، بل في التذكرة عن ابن المنذر لا أعلم في ذلك
خلافا ساكتا عليه.
بل لعل ذلك هو الأقوى في النظر، ضرورة عدم اقتضاء عقد الإجارة من حيث
هو كذلك إلا وجوب العوضين، وعدم الدليل الشرعي الدال على وجوبه تقييدا.
والصحيح (1) المروي في الكافي والتهذيب عن سليمان بن سالم " سألت أبا الحسن
عليه السلام عن رجل استأجر رجلا بنفقة ودراهم مسماة على أن يبعثه إلى أرض. فلما
أن قدم أقبل رجل من أصحابه يدعوه إلى منزله الشهر والشهرين، فيصيب عنده ما
يغنيه عن نفقة المستأجر، فنظر الأجير إلى ما كان ينفق عليه في الشهر إذا هو لم يدعه،
فكافى به الذي يدعوه، فمن مال من، تلك المكافاة؟ أمن مال الأجير، أم من مال
المستأجر؟ قال: إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله، وإلا فهو على الأجير، وعن
رجل استأجر رجلا بنفقة مسماة ولم يفسر شيئا على أن يبعثه إلى أرض أخرى فما
كان من مؤنة الأجير من غسل الثياب والحمام فعلى من؟ قال: على المستأجر " مع
جهل راويه فإنه على ما قيل لم يذكره علماء الرجال، وعدم الجابر لما عرفت، بل
قد سمعت الاعراض عنه ممن ذكرنا - ظاهر صدرا وعجزا في ذكر النفقة في العقد، وهو
خارج عما نحن فيه.
وحينئذ يكون الوجه في السؤال الأول أن الأجير المشترط نفقته إذا اتفق
بذلها من صديق ونحوه يبقى على استحقاقه لها مع فرض كون ذلك البقاء لمصلحة
المستأجر حتى يكون مستحقا للنفقة، وفي الثاني أن النفقة المعتبرة أجرة من غير
تعرض لتفصيلها يدخل فيها مثل غسل الثياب ودخول الحمام بخلاف الدواء ونحوه.
نعم هو ظاهر في جواز اشتراط النفقة من غير تعرض لمقدارها، بل اتكالا على
تقديرها الشرعي أو العرفي، بل ظاهر في جواز جعلها أجرة أو جزؤها، وهو وإن كان
منافيا لما ذكره بعضهم ممن لم ير وجوبها إلا بالشرط من وجوب التعرض لتفصيلها

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
329

تحرزا من الجهالة المفسدة لعقد الإجارة -
إلا أنه يمكن القول به هنا للعموم، والخبر المزبور المعمول به في الجملة الظاهر
في الاكتفاء بمثل ذلك في دفع مثل هذا الغرر في الإجارة وإن وقعت النفقة جزءا من الأجرة
فضلا عن أن تكون شرطا الذي قد صرح في محكي التذكرة هنا بعدم ضرر جهالته،
لأنه من التوابع حينئذ كأس الجدار، كما أن ظاهر الأصحاب المفروغية من جواز
الاستيجار للانفاذ في حوائجه على الاجمال اتكالا على المعتاد المقدور له واللائق
بحاله من ذلك.
وحينئذ مع التشاح يجب على المستأجر بذل أقل مطعوم مثله وملبوسه من
الجنس المعتاد على حسب ما هو محرر في تقدير النفقات الواجبة في الشرع ولو
استغنى الأجير لمرض أو بطعام نفسه لم يسقط حقه الذي قد حصل في العقد جزءا أو
شرطا، ولو أحب الأجير أن يستفضل بعض طعامه جاز وإن كان مرضعة ما لم يكن
في ذلك نقص في منفعة المستأجر كما هو واضح.
المسألة {السابعة: إذا آجر مملوكا له} صانعا مثلا {فأفسد كان ذلك لازما
لمولاه في سعيه} فإن قصر ففي ذمته، يتبع به بعد العتق {وكذا لو آجر نفسه
بإذن مولاه} للصحيح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل استأجر مملوكا فيستهلك
مالا كثيرا؟ فقال: ليس على مولاه شئ، وليس لهم أن يبيعوه، ولكنه يستسعي
وإن عجز فليس على مولاه شئ، ولا على العبد شئ " المحمول عليه الحسن (2)
" عن أبي عبد الله عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل كان له غلام استأجر منه صانع
أو غيره، قال: إن كان ضيع شيئا أو أبق منه فمواليه ضامنون ".
وحينئذ فما في النهاية ومحكي الكافي - من اطلاق كون الضمان على المولى
ومحكي السرائر من اطلاق عدم ضمانه وتبعه في جامع المقاصد. نعم قال: " إن
كانت جنايته على نفس أو طرف كما لو كان طبيبا تعلق برقبة العبد وللمولى فداؤه

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 2 - 3.
330

بأقل الأمرين من القيمة أو الأرش " لكن هذا لا يتقيد بإذن المولى -
وما في المسالك من التعلق بالكسب إن كان في العمل الذي يعمل فيه من غير
تفريط، وإن كان بتفريط تعلق في ذمته يتبع به إذا أعتق، لأن الإذن في العمل لا
يقتضي الإذن في الافساد - في غير محله، وكالاجتهاد في مقابلة النص الذي مع فرض
الاعراض عنه يتجه ما سمعته من الحلي وجامع المقاصد ضرورة عدم اقتضاء الإذن
من المولى في الإجارة الضمان في كسبه مع الافساد ولو بغير تفريط.
المسألة {الثامنة: صاحب الحمام لا يضمن إلا ما أودع} وقبل الايداع {و
فرط في حفظه أو تعدى فيه} بلا خلاف في شئ من ذلك ولا اشكال، بعد حمل
اطلاق عدم الضمان في محكي المقنعة على ذلك.
ففي المرسل (1) " عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أتى بصاحب حمام وضعت عنده
الثياب فضاعت فلم يضمنه، وقال إنما هو أمين ".
وفي خبر السكوني (2) " عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يقول
لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب من الثياب، فإنه إنما أخذ الجعل على
الحمام، ولم يأخذ على الثياب " ونحوه خبر إسحاق بن عمار (3) عنهم عليهم السلام أيضا
بدون التعليل.
وفي خبر أبي البختري (4) " عن جعفر أيضا عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان
لا يضمن صاحب الحمام، وقال: إنما يأخذ أجرا على الدخول إلى الحمام " ولكن
قد يفهم من الأخير وخبر السكوني الضمان باستيجاره للحفظ وإن لم يكن بتفريط،
وهو مناف لقاعدة الأمانة، ضرورة عدم الزيادة على ذلك بالاستيجار.
وللصحيح (5) " عن رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرق، قال: هو

(1) الوسائل الباب - 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 - 3 وذيله عن ابن مسكان - 2.
(2) الوسائل الباب - 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 - 3 وذيله عن ابن مسكان - 2.
(3) الوسائل الباب - 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 - 3 وذيله عن ابن مسكان - 2.
(4) الوسائل الباب - 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1 - 3 وذيله عن ابن مسكان - 2.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 3.
331

مؤتمن ". نعم قد يقال: لا أجر له لعدم حصول العمل المستأجر عليه. والله العالم.
المسألة {التاسعة: إذا أسقط الأجرة بعد تحققها في الذمة} وإن لم يستحق
تسلمها {صح} بلا خلاف ولا إشكال بعد معلومية مشروعية الابراء بلفظه أو ما دل
عليه من الاسقاط {و} نحوه نعم {لو أسقط المنفعة} في العين {المعينة لم تسقط}
بلا خلاف أيضا ولا اشكال {لأن الابراء لا يتناول إلا ما هو في الذمم} من أجرة أو
عمل فيها أو منفعة كلية، وشبه ذلك مما هي محله، كما هو واضح والله العالم.
المسألة {العاشرة إذا آجر عبده ثم أعتقه} صح العتق قولا واحدا لعموم
أدلته و {لم تبطل الإجارة} أيضا كذلك للعموم أيضا، وإن حكي عن إيضاح النافع
أنه قال: وربما قيل: ببطلانها فيضمنها السيد للمستأجر، إلا أن الظاهر كونه لبعض
الشافعية لا لأحد من أصحابنا الذين أطبقوا على عدم بطلانها بالبيع إلا أن يكون
قد باعه على المستأجر، فإن بعضهم استشكل فيه أو خالف {و} حينئذ {تستوفي
المنفعة التي تناولها العقد} من العبد الذي يجب الوفاء بها إن كان مكلفا.
{ولا يرجع العبد} على مولاه بأجرة مثل عمله ومنفعته بعد العتق التي قد
أعتق مسلوبا عنها، وكانت ملكا لمولاه وقد ملكها غيره بالإجارة.
فما عن الشافعي - في القديم من رجوعه بذلك بل احتمله جماعة من أصحابنا
بل عن الشيخ وابن إدريس حكايته قولا، وظاهرهما أنه لأصحابنا وإن كنا لم نتحققه
- واضح الضعف.
وأضعف منه ما ذكر في توجيهه من أن إزالة الرق تقتضي ملك العبد
للمنافع، فإذا سبق نقل المولى لها فاتت عليه فيرجع {على المولى بأجرة مثل عمله
بعد العتق} بعوضها، وهو أجرة المثل فكان كما لو أكرهه على عمل، إذ هو كما
ترى، ضرورة أن المكره متعد، والعبد لم يكن مالكا للمنافع التي قد استقر ملك
المستأجر عليها، والرق إنما زال عنه مسلوب المنافع تلك المدة فلا رجوع له
على أحد.
332

وأما نفقته مدة الإجارة فهي على المستأجر قطعا إن شرطت عليه، وإلا مع
فرض عجزه عنها لعدم مال، فعلى المعتق عند الفاضل في القواعد، لأنه كالباقي على
ملكه، حيث ملك بعض نفعه، وضعفه واضح، ضرورة أن المقتضي لها الملك، وقد
زال، أو في بيت المال كما عنه أيضا في التذكرة، وفي الحواشي وجامع المقاصد و
إيضاح النافع والمسالك فإن لم يكن وجب على الناس كفاية، أو على العبد نفسه
يكتسبها في غير مدة المستأجر، ومع فرض التعذر يسعى كل يوم بقدر النفقة، و
يصرف باقي اليوم للمستأجر ويحتسب ما سعى به على المستأجر من مدته.
وفيه أن نفقته حينئذ على المستأجر الذي قد عرفت عدم وجوبها عليه، ولو
قيل باحتساب مقدار أجرة المثل أو قيمة ما اكتسبه في ذمة العبد للمستأجر لكان
حسنا، بل لا بد من القول به مع فرض الانحصار في ذلك، لعدم بيت المال، ضرورة
تقدم النفقة على كل واجب في الذمة ولو للغير والله العالم.
{ولو آجر الوصي} مثلا {صبيا مدة} مثلا {يعلم بلوغه} ورشده
{فيها} لو كان رشيدا {بطلت في المتيقن} لعدم كونه وليا فيها فتصرفه حينئذ
فضولي إن لم يعتبر في صحة المجيز في الحال وعليه يحمل البطلان في المتن، وإلا
كان العقد باطلا حقيقة {وصحت في} الزمان {المحتمل} بل خلاف كما عن
الخلاف بمعنى الحكم بصحته ظاهرا لتحقق الولاية المقتضية لصحة ذلك.
{ولو اتفق البلوغ فيه، فهل للصبي الفسخ، بعد بلوغه} بمعنى عدم إجازة
العقد الفضولي المفروض صحته التي هي القابلية لترتب الأثر {قيل: نعم} واختاره
في المبسوط والقواعد والإرشاد والتذكرة والسراير وقواعد الشهيد والمختلف
وجامع المقاصد والمسالك لعدم الولاية له في هذا الحال فيكون التصرف فيه فضولا.
{و} لكن {فيه} عند المصنف {تردد} بل عن الخلاف الجزم بلزومها، لوقوع
الإجارة من أهلها في محلها في وقت لم يعلم لها مناف، فتستصحب، وفيه ما عرفت من أنه
بالنسبة إلى الحال المفروض ليس من أهلها ولا في محلها، والجهل لا مدخلية له في تغير حكم
الموضوع واقعا.
333

نعم لو فرض إجارة الولي المدة الزايدة على سن البلوغ في مصلحة الطفل قبل
بلوغه كان المتجه لزومها وكذا الكلام في ماله وليس مفروض المسألة هنا كذلك
وإنما هو إجارتها في مصلحة له مستمرة باستمرار الزمان عليه ولا ريب في أن المتجه
في هذا صحتها ولزومها إلى حال البلوغ والتوقف على الإجازة في غيره ضرورة عدم
الولاية لأحد بعد البلوغ والرشد عليه ولو في مصالحه.
وبذلك ظهر لك الحال في موضوع المسألة فلا يشكل بأن فرض موضوع
الإجارة زائد على مدة البلوغ إن كان في مصلحة الصبي صحت ولزمت عليه وإلا لم تصح
من مثل الوصي حتى فيما قبل البلوغ إذ قد عرفت الفرق بين المصلحة للصبي حال
صباه وبينها مستمرة إلى ما بعد بلوغه فالأولى هي التي ينفذ معها التصرف ولو كان
الإجارة فيما بعد البلوغ بسنين بخلاف الثانية فإنها تلزم حال عدم البلوغ ويبقى
الباقي على الإجارة ولا يشكل صحتها حينئذ بالجهل بالمدة ضرورة الاكتفاء بالعلم في
الجملة في دفع الغرر.
فما في الإرشاد من الحكم بالبطلان بالبلوغ في الفرض محمول على إرادة
الفضولي لا البطلان من رأس، للجهالة، وإن احتمله بعضهم مؤيدا له بما في القواعد
من الحكم ببطلان استيجار العبد مدة يعلم موته قبل انقضائها للجهالة، إلا أنه كما
ترى.
وعلى كل حال ففي المفروض لو مات الولي أو انتقلت الولاية إلى غيره لم يبطل
الإجارة الأولى الجامعة لشرائط الصحة واللزوم التي هي أولى من الوكالة ولا يشكل
ذلك بأن مقتضاه عدم إجارة ناظر الوقف حينئذ، فإن التزامه غير معلوم البطلان.
نعم يتجه انفساخها مع عدم الإجارة لو مات للبطن الثاني التي لم تكن الإجارة
الراجع إلى مصلحتهم، وإنما هو كمفروض المسألة أنه آجر الوقف على حسب المصلحة
المستمرة الحاصلة لأهل البطن الأول، والبطن الثاني الذي هو غير ولي عليهم في
مصالحهم المقارنة لوجودهم الذي أمرها إليهم نحو ما قلناه فيما نحن فيه فتأمل فإنه
334

دقيق نافع.
المسألة {الحادية عشرة: إذا تسلم أجيرا} بعقد صحيح {ليعمل له} عملا
أو {صنعة فهلك} بعمله أو غير عمله {لم يضمنه صغيرا كان أو كبيرا حرا كان أو
عبدا} مع فرض عدم التفريط منه وعدم التسبيب الذي يقوى على المباشرة بلا اشكال
ولا خلاف بل في المسالك هو موضع وفاق منا ومن العامة، وفي التنقيح اجماع
المسلمين.
لكن عن المبسوط أنه حكى عن الشافعي في العبد قولين وعن الخلاف عن قوم
الضمان في أصل المسألة والأمر سهل بعد معلومية الحال، وهو عدم الضمان من حيث
كونه أجيرا، للأصل بعد فرض أن اثبات يده بحق، وهو استيفاء المنفعة التي ملكها
بل لا فرق بين هلاكه في مدة الإجارة وبعدها، إذ لا يجب على المستأجر رد العين
على مالكها على تقدير كونها مملوكة، وإنما الواجب عليه التخلية بينه وبينها
فإذا كان حرا أولى.
نعم لو حبسه مع الطلب بعد انقضاء المدة صار بمنزلة المغصوب إذا كان مملوكا
أما الحر فستعرف الحال في البالغ وغير البالغ والله العالم.
المسألة {الثانية عشرة: إذا دفع سلعة} مثلا {إلى غيره، ليعمل} له
{فيها عملا فإن كان ممن عادته أن يستأجر لذلك العمل كالغسال والقصار فله
أجرة مثل عمله} لأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يظهر من فاعله التبرع إذ
هو كعين ماله فضلا عن أن يكون ظاهره الأجرة كما في الفرض بل الظاهر عدم
اعتبار دفع السلعة في ذلك، ومن هنا جعل العنوان في الإرشاد الأمر بالعمل الذي له
أجرة في العادة بل الظاهر عدم اعتبار الأمر في ذلك أيضا بل يكفي الإذن فيه ولو
بالفعل نحو ما جلس بين يدي حلاق ليحلق رأسه أو دلاك كذلك كما نص عليه في
جامع المقاصد.
بل يمكن دعوى عدم الكراهة في عدم تعيين مقدار الأجرة في مثل هذا باعتبار
335

معلومية أجرة مثله، فلا يندرج حينئذ فيما دل على النهي عن ذلك مع احتماله.
ثم لا يخفى عليك أن ظاهر المصنف وغيره بل ومقتضى القواعد كون الثابت في
الفرض أجرة المثل التي هي قيمة العمل في مقابلة العين لا ما ضربه العامل لنفسه،
وإن زاد عنها ولا ما قصده الدافع وإن قل عنها ضرورة كون المقام من الضمانات لا
المعاملات، والضمان للشئ إنما هو بقيمته، أما المعاملة فلا بد من الموافقة على المسمى
منهما كما هو واضح.
وعلى كل حال فلا اشكال ولا خلاف في الأجرة في أصل المسألة بل {وإن لم
تكن له} أي العامل {عادة وكان العمل مما له أجرة} فيها {فله} أي العامل
{المطالبة لأنه أبصر بنيته} التي هي إرادة الأجرة عوض عمله، أو عدم قصد التبرع
فإن ذلك كاف في تحقق الأجرة للأصل المزبور، وإن أراد الدافع التبرع، {و}
لعله المراد مما في المتن.
نعم {إن لم يكن مما له أجرة بالعادة، لم يلتفت إلى مدعيها} بل وإن
نوى العامل الأجرة بذلك لم يكن له، للأصل وعدم تقومه المانع من ضمانه، بناء
على أن ذلك هو المراد من قولهم لا أجرة له في العادة.
وحينئذ فلو كان متقوما عرفا لزمته الأجرة بمجرد الأمر بفعله، وإن جرت
العادة بعدم أخذ الأجرة عليه كاستيداع المتاع الذي احتمل منه الإجارة، إلا أنه
استبعده في جامع المقاصد، واستحسن إرادة الأعم من ذلك وهو ما لا أجرة له في العادة
سواء كان متقوما بحيث يجوز مقابلته بالعوض أم لا، وقال: " إن ظاهر العبارة لا
يأبى العموم ".
قلت: قد عرفت أن ضمان الأجرة بالإذن إنما هو لأصالة احترام العمل،
وعدم اعتياد أخذ الأجرة عليه لا ينافي احترامه في الواقع على وجه يجعله كالمقصود
به التبرع.
ودعوى - أن عدم الأجرة له في العادة تقضي بقصد التبرع - يدفعها أن مفروض
336

البحث هنا بيان حكم الموضوع واقعا لا حكم التداعي ظاهرا مع أنه يمكن دعوى
كون القول قول العامل أيضا لأنه أبصر بنيته، وكون العادة كذلك لا يقتضي قصد
التبرع، كما أن عدم العادة للعامل في الصورة السابقة التي حكم فيها بالأجرة بلا
خلاف في ذلك.
ومن هنا بان لك النظر فيما ذكره الشهيدان وغيرهما من الفرق بين ما في
المتن ومحكي التذكرة والتحرير وبين ما في قواعد الفاضل حيث اكتفى في ثبوت
الأجرة بكون العمل ذا أجرة في العادة، كما لو دفع للحداد مثلا سكينا فقال:
افتحها، ولم يكن فتحها من العمل الذي يستأجر عليه عادة لكونه ميسورا بخلاف
ما في القواعد.
أما غير هذه الصورة فمقتضاهما نفيا واثباتا متحد إذ قد عرفت أن عدم الضمان
فيما لا أجرة له في العادة، لعدم أجرة المثل له فلا يتصور ثبوت عوض له في الذمة،
وإن صح مقابلته بالعوض بالتراضي وكون الحداد ناصبا نفسه لأخذ الأجرة لا يقتضي
ثبوت أجرة مثل للعمل المدفوعة إليه، وإن لم يكن له مثل في الخارج، وكذا الخياط
وغيرهما من الصناع فيكون المقصود للمصنف في ذكر الأمرين بيان المفروغية من
الصورة الأولى.
وأما الصورة الثانية فهي كذلك أيضا إلا أن فيها احتمال العدم باعتبار عدم كون
العامل ممن نصب نفسه لذلك، حتى يكون قرينة على إرادتها بل لم يصرح أحد
منها بها.
بل قد عرفت امكان فرضها بما إذا خليا في الواقع عن قصدهما، والأصل البراءة، إلا
أنك قد عرفت ثبوتها لا لأنها من المعاطاة، فإن الشرايط فيها مفقودة، بل من باب
الضمان لاحترام عمل المسلم ومساواة منافعه مع الاستيفاء لأعيان ماله فيضمن حينئذ
بذلك مع الإذن فضلا عن الأمر بأجرة المثل.
والأصل في ذلك أن الموجود في الخلاف والمبسوط الاقتصار على خصوص الصانع
337

على ما حكي قال في الأول: " إذا سلم الثوب إلى غسال، وقال له: اغسله ولم يشترط
الأجرة ولا عرض له بها، فغسله لزمته الأجرة " وبمعناه قوله في المبسوط " إذا أمره
بغسله كان عليه الأجرة " بل عن الخلاف زيادة أنه إن لم يأمره بغسله لم يكن له
أجرة فأراد المصنف بيان عدم اعتبار اعتياد العامل في الأجرة ولا الأمر فصرح بها
في الصورتين.
وبالتأمل فيما ذكرنا بان لك التحقيق في جميع أطراف المسألة على وجه لا -
يخفى عليك ما في كلمات بعض الأصحاب بعد الإحاطة بذلك.
المسألة {الثالثة عشرة: كل ما يتوقف عليه توفية المنفعة} الواجبة على
الأجير {فعلى المؤجر كالخيوط في الخياطة والمداد في الكتابة} والاقدام فيها و
الكش في التلقيح والصبغ في الصباغة وإن لم يكن عادة تقضي بوجوبه على المستأجر،
لدليل المقدمة.
لكن في المسالك والروضة وعن موضع من التذكرة أنه مع انتفاء العرف أو
اضطرابه فعلى المستأجر، لأن المقصود من الإجارة العمل، أما الأعيان فلا تدخل
في مفهوم الإجارة على وجه يجب أداؤها لأجلها إلا في شواذ تثبت على خلاف الأصل
كالرضاع والاستحمام.
وفيه ما عرفت من أن وجوبها ليس للدخول في مفهوم الإجارة، بل لمقدمة
الواجب الذي الأصل فيه أن يكون مطلقا لا مشروطا، خصوصا مع ملاحظة (1)
" أوفوا بالعقود ".
نعم في الحواشي وعن مجمع البرهان وجوب التعيين مع عدم العادة أو
اختلافها، وإلا بطلت الإجارة، وفيه أنها من التوابع، وليست من مورد الإجارة
الذي يعتبر فيه المعلومية.
فالتحقيق حينئذ ما ذكره المصنف من الأقوال الثلاثة في مفروض المسألة، و

(1) سورة المائدة الآية - 1.
338

أما ما وقع من الاختلاف في خصوص بعض الأشياء فإنما هو في تنقيح أصل العادة فيها،
وليس هو من وظائف الفقيه.
{و} حينئذ ف‍ {يدخل المفتاح} للغلق المثبت التابع لإجارة الدار لا مثل
القفل ومفتاحه {في إجارة الدار لأن الانتفاع لا يتم إلا بها} وقد عرفت وجوب
تسليمه على صاحب الدار فتجب مقدماته مضافا إلى تبعيته للغلق التابع للباب التابعة
للدار في الإجارة بل في محكي التذكرة والتحرير وجوب غيره على المؤجر لو اتفق
ضياعه من المستأجر لتوقف ايصال المنفعة عليه كما في العمارة، بل عن الأول وجامع
المقاصد ثبوت الخيار مع عصيانه وامتناعه.
لكن في القواعد وجامع المقاصد وعن الإرشاد وشروحه ليس له المطالبة ببدله
مع ضياعه من المستأجر، وإن لم يكن ضامنا له، بل هو أمانة لعدم جبر الانسان
على إصلاح ملكه وعمارته، وحينئذ فيصنعه المستأجر لحاجته إن شاء، كما أنه إن
شاء المؤجر من غير لزوم لأحدهما.
وفيه أن ذلك ليس لوجوب اصلاح الملك، بل لوجوب تسليم المنفعة إلى
مستحقها، ولذلك وجب عليه تسليم الدار فارغة الظاهر، وكذا البالوعة والحش
ومستنقع الحمام، بل للمستأجر الخيار إذا كانت مملوءة ولم يبادر على وجه لم
يفت نفع معتد به على المستأجر، بل ربما قيل بثبوته بمجرد الامتلاء.
نعم يمنع وجوب ذلك بعد تسليم المفتاح إليه، ومنه يعلم حينئذ قوة ما في جامع
المقاصد من عدم وجوب التفريغ عليه في أثناء الإجارة للحش والبالوعة ومستنقع
الحمام، وإن احتمله في القواعد، بل عن التحرير أنه قربه، وقال ليس كل ما
يتوقف عليه الانتفاع بعد تسليم العين، وتمكين المستأجر منها التمكين التام يجب
على المؤجر، فإن رفع يد الغاصب كذلك، مع أنه لا يجب، والأصل البراءة مع
تسليم العين فارغة.
وإن كان قد يناقش بالفرق في موانع الانتفاع بين قصور العين في نفسها لاتفاق
خراب ونحوه، وبين الأمر الأجنبي المانع للمستأجر وإن بقيت هي على قابليتها
339

ضرورة وجوب توفية المنفعة الراجعة للعين نفسها في تمام المدة.
وعلى كل حال فلا يجب على المستأجر إصلاح ما فسد من العين باستيفاء
المنفعة الذي هو حقه وحينئذ فليس عليه التنقية للحش والبالوعة مثلا عند انتهاء
المدة، وإن حكي عن ظاهر المبسوط ذلك.
نعم قد يقال: بوجوب التنقية من الكناسة كما في القواعد بل فيها أن رماد
الأتون كالكناسة مع أنه استشكل فيه في محكي التحرير قال: " لو خرجت المدة
وفي الدار زبل أو قمامة وجب على المستأجر تفريغه على إشكال " وفي جامع المقاصد
للنظر فيه مجال، ولعله لأنه من ضرورات انتفاعه بها، فكانت كالخلا والبالوعة،
بل ينبغي الجزم بعدم وجوب كناسة ما يكون من الدار نفسها أو ما تأتي به الرياح.
وأما كنس الثلج عن السطح فالظاهر أنه من وظيفة المالك كالعمارة، بل لا
يبعد ذلك في ثلج العرصة إذا كثف ومنع من الانتفاع لما عرفت. نعم لا بأس به مع
عدم كثافته المانعة من الانتفاع إذ هو حينئذ كالكناسة في أثناء الإجارة المعلوم عدم
وجوبها علي المؤجر والله العالم.
340

{الفصل الرابع: في التنازع: وفيه مسائل}
{الأولى: إذا تنازعا في أصل الإجارة فالقول قول} منكرها الموافق للأصل
سواء كان {المالك} أو غيره {مع يمينه} بلا خلاف ولا إشكال، ثم إن كان النزاع قبل
استيفاء شئ من المنافع رجع كل مال إلى صاحبة وإن كان بعده أو بعد استيفاء الجميع الذي
يزعم مدعي الإجارة أنه مورد العقد، فلا يخلو إما أن يكون المدعي المالك أو المتصرف.
فإن كان المالك وحلف المنكر انتفت ووجب أجرة المثل، فإن كانت أزيد من
المسمى بزعم المالك لم يكن له المطالبة إن كان دفعه لاعترافه باستحقاق المالك،
بل يجب عليه إيصاله إليه إن لم يكن دفعه.
وإن كان ليس للمالك قبضه بعد اعترافه بعدم استحقاقه إلا أن يكذب نفسه
في دعواه الأولى على قول، منشؤه انحصار الحق فيهما، وإن زاد المسمى على أجرة
المثل كان للمنكر المطالبة بالزايد إن كان دفعه ويسقط عنه إن لم يكن، والعين
ليست مضمونة عليه في هذه الصورة لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.
وإن كان المدعي المتصرف فحلف المالك استحق أجرة المثل، فله المطالبة إن
لم يكن قبض قدرها وإن زادت عن المسمى بزعم المتصرف، وإن كان المسمى أكثر
فليس له المطالبة في الزايد إلا أن يكذب نفسه بالقول السابق، وإن وجب على
المتصرف إيصاله إليه بطريق من الطرق الشرعية، ولو كان المتصرف قد أقبض المسمى
وكان أزيد من أجرة المثل فليس له المطالبة بالزايد المعترف بعدم استحقاقه إلا أن
يكذب نفسه كما عرفت وإن وجب على المالك ايصاله إليه كذلك، ولكن العين
هنا مضمونة إذا كان المالك منكرا لأصل الإذن وإلا فلا ضمان.
{وكذا لو اختلفا في قدر المستأجر} بفتح الجيم، فإن القول قول المالك
الذي هو المنكر غالبا في مثل ذلك لأصالة عدم وقوعها على أزيد مما اعترف به، و
احتمال التحالف - أو القول به لأن كلا منهما مدع ومنكر - ضعيف مع فرض
341

كون الدعوى في أصل وقوع الإجارة كما أوضحناه في نظائر المسألة، وقلنا أن ضابط
التحالف عدم اتفاقهما على شئ من مورد العقد، بل أحدهما يقول آجرتك البيت،
والآخر يقول الدابة مثلا نحو ما سمعته في البيع الذي لا فرق عند التأمل بينهما
بالنسبة إلى ذلك.
{وكذا لو اختلفا في رد العين المستأجرة} فإن القول قول المالك للأصل،
وحرمة القياس على الوديعة عندنا.
{أما لو اختلفا في قدر الأجرة، فالقول قول المستأجر} الموافق لأصل عدم
الزيادة على ما اتفقا عليه من قدرها وموردها ومدتها، ومنه يعلم ضعف التحالف
هنا كما عرفته هناك.
المسألة {الثانية: إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري هلاك المتاع} من
غير تعد ولا تفريط {وأنكر المالك، كلفوا البينة} على ذلك {ومع فقدها
يلزمهم الضمان} على المشهور كما في المسالك بل عن المرتضى دعوى أنه إجماعنا
ومن متفرداتنا، إلا أن معقده الصناع كالقصار والخياط وما أشبههما إلا أنا لم نجده
إلا ليونس بن عبد الرحمان على ما حكي عنه والمفيد والشيخ في موضعين من النهاية،
مع أنا لم نتحققه للأول منهم، بل لعل ظاهر المحكي عنه يقتضي ضمانهم ما جنته
أيديهم، فليس حينئذ إلا المفيد والمرتضى.
{وقيل: القول قولهم مع اليمين، لأنهم أمناء وهو أشهر الروايتين} عملا
إن لم يكن رواية أيضا إذ هو خيرة النهاية في أول كلامه، والخلاف، والمبسوط،
والمراسم، والكافي، والمهذب، والوسيلة، والسرائر، وجامع الشرايع، و
التذكرة، والتحرير، والقواعد، والإرشاد، والمختلف، والتنقيح، وإيضاح
النافع، وجامع المقاصد، والرياض، والمسالك على ما حكي عن بعضها، بل عن
السرائر نسبتها إلى الأكثرين المحصلين، وأنه الأظهر في المذهب وعليه العمل،
بل عن ظاهر الغنية أو صريحها الاجماع عليه بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و
أخبارهم.
342

ويدل عليه مضافا إلى ذلك وإلى قاعدة الأمانة صحيح معاوية بن عمار (1)
" عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الصباغ والقصار فقال: ليس يضمنان ".
وخبر بكر بن حبيب (2) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أعطيت جبة إلى القصار
فذهبت بزعمه، قال: إن اتهمته فاستحلفه، وإن لم تتهمه فليس عليه شئ ".
وخبره الآخر (3) عنه أيضا " لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه وإن اتهمته
أحلفته ".
وخبر أبي بصير المرادي (4) عنه أيضا " لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا
الحائك إلا أن يكونوا متهمين، فيخوف بالبينة ويستحلف لعله يستخرج منه
شيئا ".
وهي وإن كان في مقابلها أخبار أخر كحسن الحلبي (5) عنه عليه السلام أيضا
" في الغسال والصباغ ما سرق منهما من شئ فلم يخرج منه على أمر بين أنه قد
سرق، وكل، قليل له أو كثير فهو ضامن، فإن فعل فليس عليه شئ، وإن لم يقم
البينة وزعم أنه قد ذهب الذي ادعي عليه فقد ضمنه إن لم يكن له بينة على قوله ".
وخبر أبي بصير (6) عنه عليه السلام أيضا " قال: سألته عن قصار دفعت إليه ثوبا فزعم.
أنه سرق من بين متاعه؟ قال: فعليه أن يقيم البينة أنه سرق من بين متاعه وليس
عليه شئ فإن سرق متاعه كله فليس عليه شئ.
وحسن الحلبي (7) عنه عليه السلام أيضا " أنه سئل عن رجل جمال استكرى منه
إبلا وبعث معه بزيت إلى أرض فزعم أن بعض زقاق الزيت انخرق فاهراق ما فيه؟

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة - الحديث - 14 - 16 - 17 - 11.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة - الحديث - 14 - 16 - 17 - 11.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة - الحديث - 14 - 16 - 17 - 11.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة - الحديث - 14 - 16 - 17 - 11.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2 - 3 - 5.
(6) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2 - 3 - 5.
(7) الوسائل الباب - 30 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
343

فقال: أن شاء أخذ الزيت وقال: إنه انخرق، ولكن لا يصدق إلا ببينة عادلة " و
نحوه خبر زيد (1) الشحام.
وفي جملة من النصوص (2) اطلاق ضمان القصار والصائغ معللا في بعضها
بالاحتياط في أموال الناس، وفي أخرى تقييد ذلك بما إذا لم يكونا مأمونين.
وفي الأخرى (3) أن علي بن الحسين والباقر عليهما السلام كانا يتفضلان عليهم إذا كانوا
مأمونين بعدم التغريم، ويمكن حملها أجمع على ما إذا أفسدوا بأيديهم، بل في
بعضها إيماء إلى ذلك، وقد عرفت أن الضمان متجه لعموم من أتلف ونحوه إلا أن
يحب التفضل عليهم إذا كانوا مأمونين بعدم التغريم.
وحينئذ تكون خارجة عما نحن فيه كخروج نصوص الأجير المشترط عليه
الضمان عن ذلك والنصوص المقتضية للضمان وإن أقاموا البينة، بل لم أجد عاملا بها
من أصحابنا، إلا أن النظر في مجموع هذه النصوص وما فيها من لفظ الأجير المشترك
ونحوه وشدة اختلافها، وما حكي عن العامة مثل ابن أبي ليلا والثوري وأبي
يوسف والشيباني وابن حي والشعبي والليث والأوزاعي ومالك والشافعي في أحد
قوليه وأحمد في إحدى الروايتين على اختلاف أقوالهم يقتضي خروجها مخرج التقية
بل ربما يحصل الجزم بذلك خصوصا مع ملاحظة اختلافها واختلافهم واتحاد بعض
ألفاظها وألفاظهم، ومن هنا أعرض الأصحاب عنها إلا من عرفت، وعملوا بالنصوص
الموافقة لقاعدة الأمانة وأصل البراءة وغيرها وهو الأقوى.
{وكذا لو ادعى المالك عليهم التفريط} بعد التصديق في أصل التلف
{فأنكروا} لم يكن عليهم إلا اليمين مع التهمة خلافا لمن عرفت ممن حكم
بضمانهم إلا أن يقيموا البينة على التلف بلا تعد ولا تفريط وقد عرفت الحال فيه.
المسألة {الثالثة: لو قطع الخياط ثوبا قباء} مثلا مدعيا الإذن من المالك

الوسائل الباب - 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 4 - 6 - 12 - 20 - 23.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الإجارة الحديث 4 - 6 - 12 - 20 - 23.
344

بذلك {وقال المالك} لم آمرك بذلك وإنما {أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول
المالك} في عدم الإذن {مع يمينه} لأنه المنكر باعتبار أصالة عدم الإذن على
الوجه المزبور إذ انكار صفة الإذن كإنكار أصلها.
{وقيل} كما عن وكالة المبسوط والخلاف {القول قول الخياط}
لأصالة براءة ذمته من الأرش {و} لا ريب أن {الأول أشبه} بأصول المذهب و
قواعده بل هو المشهور بل لم يعرف الخلاف إلا من الشيخ في الباب المزبور، وإلا
فالمحكي عنه هنا الموافقة، وأصالة براءة الذمة من الأرش بعد الاعتراف بحصول
سببه منه الذي هو القطع، إلا أنه يدعى اسقاط ترتبه على ذلك بدعوى الإذن فيه،
وأنه مستحق للأجرة - لا وجه للتمسك بها، بخلاف المالك الذي لم يحصل منه إلا
إنكار ذلك.
وأما قوله إني أذنت في قطعه قميصا فلا يقتضي إيجاب شئ على الخياط،
إذ لو لم يحدث فيه حدثا لم يكن عليه بسبب الإذن المزبور ضمان، غاية ما في الباب
أنه لا يستحق أجرة، ومن هنا بان أنه لا وجه للتحالف وإن حكي عن الشافعي وبعض
أصحابنا لعدم تحقق دعويين في الفرض المزبور بل الدعوى مختصة بالخياط كما هو واضح.
ومن الغريب ما عن الأردبيلي من أنه بعد أن استظهر التحالف استظهر أنه
لا عليه أجرة الخياط، وأنه يلزمه أرش النقص، ضرورة أن ذلك يترتب على مجرد
حلف المالك، فلا فائدة في يمين الخياط حينئذ.
نعم لو كان نزاعهما في تعيين العمل المستأجر عليه قبل قطع الثوب اتجه
التحالف وانفساخ الإجارة نحو ما سمعته في التنازع في تعيين المبيع، وفرق واضح
بين المقامين.
{و} كيف كان ف‍ {لو أراد الخياط فتقه لم يكن له ذلك إذا كانت الخيوط
من الثوب أو من المالك} بلا خلاف أجده بين تعرض له، بل ولا إشكال، لحرمة
التصرف في مال الغير، وليس له إلا العمل، وهو ليس عينا حقيقة يمكن انتزاعها
من مال الغير، فهو حينئذ كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى آخر
345

عدوانا، فإنه ليس له رده، إلا بمطالبة المالك إذ الفرض ثبوت انتفاء الإذن فيه
بحلف المالك.
{و} لذا كان {لا أجرة له}، بل عليه الأرش وهو تفاوت ما بين قيمته
مقطوعا قميصا وغير مقطوع، لا تفاوت ما بين قيمته مقطوعا قميصا وقيمته مقطوعا
قباء، لأن قطعه قباء عدوان، {لأنه عمل لم يأذن فيه المالك}.
نعم لو لم يتفاوت القميص والقباء في بعض القطع أمكن أن لا يجب أرشه لكونه
من جملة المأذون بل لا يبعد استحقاقه الأجرة على ذلك إن كانت، وكذا الكلام فيما
لو قال اقطعه قميص رجل، وقطعه قميص امرأة.
ولو كانت الخيوط للخياط كان له أخذها لقاعدة " الناس مسلطون على أموالهم "
وعدوانيته بظاهر الشرع لا تسقط حرمة ماله، واعترافه أنها ملك للمالك تبعا للعمل
الذي قد ادعي أنه قد استأجره عليه لا ينافي استحقاق أخذها ولو على جهة المقاصة
أو لانفساخ العقد بتعذر دفع الأجرة.
نعم لو حصل نقص في الثوب باستخراجها اتجه وجوب الأرش عليه بل الظاهر
عدم جبره على القبول لو دفع المالك قيمة الخيوط وإن احتمل، كما أنه لا يجبر
المالك على القبول لو بذل الخياط قيمة الثوب، ولو أراد المالك شد خيط في كل
خيط حتى إذا سله عاد خيط المالك في مكانه لم يجب الإجابة قطعا لاستلزامه التصرف
في مال الغير المتوقف على طيب النفس والله العالم.
346

{كتاب الوكالة}
بفتح الواو وكسرها {وهي} التفويض، وشرعا الاستنابة المخصوصة، و
لا ريب في مشروعيتها بل لعله من ضرورة الدين، فلا حاجة إلى الاستدلال عليه
بقوله تعالى (1) " فليأتكم برزق منه " (2) " واذهبوا بقميصي هذا " كي يناقش
بعدم كون الثاني من الوكالة، بل والأول المحتمل أنه من الإذن لا منها كما ستعرف
تفصيل ذلك.
وعلى كل حال فتمام الكلام فيه {يستدعي بيان فصول: الأول: في العقد و
هو} ما قصد فيه الدلالة على ال‍ {استنابة في التصرف} ولو بالقول كاجراء
الصيغة ونحوها، فلا يدخل فيه الوديعة والمضاربة ونحوهما مما لم يكن المقصود
منه ذلك، وأما الوصاية فهي إحداث ولاية لا استنابة، كما أنه لا يشكل بخروج
الوكالة في القول عنه.
علي أنك قد عرفت غير مرة أن المراد من أمثال هذه التعريفات الكشف في
الجملة شبه التعريفات اللفظية فلا جهة للاطناب في ذلك طردا ونقضا كما أنه ذكرنا
غير مرة أيضا كون المراد في نحو المقام بيان كون الوكالة من قسم العقود بالمعنى
الأعم الشامل للمعاطات بناء علي مشروعيتها فيها، بمعنى أنها ليست من الايقاع.
وأما عقدها بالمعنى الأخص فمعلوم أنه المركب من القولين إيجابا وقبولا،
وأما المركب من القول في الايجاب والفعل في القبول فربما ظهر من جماعة كونه

(1) سورة الكهف الآية - 19.
(2) سورة يوسف الآية - 93.
347

منه في العقود الجائزة لكن إن لم يكن اجماع فيه بحث.
نعم لا يعتبر فيه لفظ مخصوص، بل قد عرفت سابقا قوة ذلك في العقد اللازم
فضلا عن الجائز وحينئذ فما عدا ذلك من المعاطاة في ذلك العقد التي لا ريب في مشروعيتها
بالسيرة المستمرة عند القائل بها، وإن كان التحقيق أنها إذن لا وكالة، وبذلك يظهر
لك التشويش والاجمال في كلام جملة من الأصحاب حتى قول المصنف.
{ولا بد في تحققه من إيجاب دال على القصد كقوله: وكلتك أو استنبتك
أو ما شاكل ذلك. ولو قال: وكلتني} على الاستفهام التقريري أو التحقيقي {فقال:
نعم} وقال: قبلت بعد قوله نعم {أو أشار بما يدل على الإجابة كفى في الايجاب.
وأما القبول: فيقع باللفظ كقوله: قبلت أو رضيت أو ما شابهه، وقد يكون
بالفعل، كما إذا قال: وكلتك في البيع فباع} فإنه إن كان المراد منه بيان العقد
بالمعنى الأخص أشكل الاكتفاء بالإشارة التي هي من الأفعال خصوصا بعد ظهور
ما سبق منه في غير المقام من اعتبار اللفظ في ايجاب العقد الجائز.
وفي الحواشي المنسوبة للشهيد عن التحرير اعتبار النطق مع القدرة، والاكتفاء
بالإشارة مع العجز قال: وهو الأقوى، بل قد يشكل الاكتفاء فيه بما ذكره أيضا
من الجواب بنعم على الأول ولو مقصودا بها الانشاء، فإن تحقق العقد بذلك محل
منع، بناء علي اعتبار تأخر القبول فيه عن الايجاب، إذ لم نعثر على ما يدل على
خصوصية لعقد الوكالة من بين العقود الجائزة، ودعوى الاكتفاء بذلك في جميعها لا دليل
عليها، كما أنه لا خصوصية لمفهوم العقد في العقد الجائز، وإنما الفرق بينه وبين
اللازم اعتبار اللفظ المخصوص فيه دونه، مع إنك قد عرفت البحث في اعتباره فيه.
وحينئذ فيتحد المراد به في الجميع، كما أنه يتحد الحكم بالمعاطاة في غيره
مع فرض اتحاد الانشاء والقصد، وأنه لم يفقد إلا الصيغة وهذا كله واضح خصوصا
بعد الإحاطة بما سلف لنا في الكتب السابقة.
إنما الاشكال فيما عساه يظهر من التذكرة وبعض الشافعية من الاكتفاء في
348

قبول عقد الوكالة بالرضا النفساني والرغبة النفسانية من غير حاجة إلى دال عليه من
لفظ ونحوه كما ترى.
وكأن الذي دعاه إلى ذلك ما ظاهرهم الاتفاق عليه من تحقق الوكالة بما ذكره
المصنف من القبول الفعلي الذي هو أثر من آثار الوكالة، بل جوازه وصحته موقوف
على تحققها، فلا يصلح أن يكون قبولا لها مصطلحا، ضرورة اقتضائه عدم تحقق الوكالة
قبل تمامه، فيقع الفعل حينئذ قبل اتصافه بالوكالة.
ودعوى الاكتفاء بالمقارنة واضحة المنع، ضرورة منافاتها لأصالة بقاء المال
مثلا، وليس هو كقبول المعاطاة مثلا في البيع بالفعل لعدم منافاته لتمامية البيع بتمامه
وكذا الوديعة والعارية والمضاربة وغيرها بخلاف المقام الذي تتوقف صحة الفعل
المفروض جعله قبولا على تحقق الوكالة المتوقفة عليه، ومن هنا احتاج العلامة إلى
دعوى الاكتفاء بالقبول المزبور.
ولكن فيه أولا: أنه مناف لما ظاهرهم الاجماع عليه من كون الوكالة من
العقود التي لا يكفي في قبولها مثل هذا القبول الذي هو كامتثال الأوامر وقضاء
الحوائج وإجابة الالتماس ونحو ذلك مما هو معلوم أنه ليس قبول عقد.
وثانيا: أن المسلم من المتفق عليه وقوع قبولها عقدا أو معاطاة بالفعل، ولا
يستلزم ذلك كونه الفعل الذي هو أثر من آثار الوكالة ومتعلق من متعلقاتها، بل
يكون بفعل أجنبي من إشارة وفعل مقدمات الوكالة، ونحو ذلك من الأفعال التي
يقصد بها قبول الوكالة ودالة عليه.
وأما الأول فلا إجماع عليه، وإنما المسلم منه الصحة، وهي لا تستلزم الوكالة
لما هو معلوم من مشروعية الإذن وامتثال الأمر، ويترتب عليه ما يترتب على الوكالة
من صحة البيع ونحوه، وإن لم يكن وكيلا، وقد صرح في التذكرة بأن قول القائل
بع كتابي هذا ونحوه لا يكاد يسمى إيجاب وكالة، بل هو أمر وإذن وإعلام، بل قال
فيها: إن قوله أذنت لك في كذا ليس صريحا في ايجاب الوكالة وهو كذلك، ولو
349

سلم فقد يحمل على من وكل على أفعال متعددة، ففعل الأول منها بالإذن فيه قاصدا
به انشاء قبول الوكالة فيكون صحته مستندة إلى الإذن لا الوكالة، وما بعده من الأفعال
إلى الوكالة.
ومن الغريب ما في المسالك من تأييد قوله بحكم الأصحاب بانعزال الوكيل
بعزله نفسه الذي لا اشكال في ابتنائه على العقدية، وإلا فالإذن المجردة عنه لا ينعزل
المأذون بها بعزله نفسه، بل لو أراد العود إلى فعله جاز له الفعل نحو إباحة الطعام مع
جهل الإذن، بل ومع علمه الذي لا ينافي بقاؤها في ثاني حال المأذون.
إذ هو كما ترى، ضرورة أن الأصحاب لم يذكر وإلا انعزال الوكيل بعزله
نفسه، والوكالة غير منحصرة في هذا الفرد الذي اكتفى العلامة في القبول، لما عرفت
وتأييده حينئذ بتصريح المصنف وغيره من الأصحاب بكونه وكالة أولى من تأييده
بالحكم المزبور الذي له مورد غير هذا على وجه لا ينافي الوكالة فيه، واجراء حكم الإذن
عليه كما هو واضح بأدنى تأمل.
وقد تلخص بما ذكرناه في المقام وفي الوديعة والعارية أن الوكالة من العقود
بالمعني الأعم الشامل للمعاطاة التي يقصد فيها ما يقصد بالعقد ولم تفقد سوى صيغته
بناء على شرعيتها فيها وكالة، فإن السيرة فيها أقوى من السيرة فيها في البيع ونحوه من
العقود اللازمة وحينئذ فما كان منها على كيفية غيرها من العقود من ألفاظ ايجاب
وألفاظ قبول كانت وكالة عقدية، وإلا كانت وكالة معاطاتية.
نعم فيما كان ايجاب لفظي وقبول فعلي منها البحث السابق في أنه من العقد أو
المعاطاة، وقد ذكرنا سابقا أنه إن قام إجماع على أنه من العقد وإلا فهو معاطاة الإذن
ضرورة معلومية كون العقد اسما للألفاظ من غير فرق بين الجائز واللازم.
نعم ربما فرقوا بينهما باعتبار الصيغ المخصوصة في الأول دون الثاني، وقد تقدم
لنا المناقشة في ذلك غير مرة إن لم يكن اجماعا، وقلنا يكفي فيهما كل عبارة
صالحة لانشاء الدلالة على ذلك، إذا كانت جارية مجرى الخطاب الصحيح.
350

وحينئذ يكون العقد الجائز واللازم بالنسبة إلى ذلك على حد سواء كما أن
الوكالة حينئذ إما عقد أو معاطاة عقد إن قلنا بشرعيتها فيها وكالة، وما وقع من بعض
متأخري المتأخرين - ممن لا يبالي بما هو كالضروري عند الأصحاب من انكار كون
الوكالة من سنخ العقود أصلا - لا ينبغي الاصغاء إليه، بل تسويد الورق في رده من
السرف والتبذير.
نعم لا إشكال بل ولا خلاف في مشروعية الإذن والأمر اللذين يترتب عليهما صحة
الأفعال الواقعة عنهما وليسا من الوكالة في شئ لعدم العقد لفظا فيهما وعدم قصد
معناه الذي هو الربط بين الايجابية والقبولية، بل هما مجرد رخصة وأمر وإذن وإعلام
في الفعل ويترتب عليه صحة الفعل المأمور به نحو الفعل الموكل فيه، وبذلك يظهر
لك التشويش في جملة من كلمات الأصحاب الذين لم يحرروا ذلك بهذا التحرير.
{و} لعل منه ما ذكروه في باب الوكالة من أنه {لو تأخر القبول عن
الايجاب} فيها {لم يقدح في الصحة} ولو إلى سنة فصاعدا مستدلين عليه بمعلومية
الصحة نصا وفتوى {ف‍} ي {إن الغائب يوكل و} لا ريب في أن {القبول
يتأخر} وبالنصوص المتضمنة للأمر لأشخاص في بلاد نائية بإنفاذ طلاق وتزويج وبيع
وشراء ونحو ذلك.
ولكن فيه: إنا لم نجد في شئ منها ما يقتضي كونه وكالة، بل يمكن أن
يكون جميعه من باب الأمر والاعلام والإذن ونحو ذلك، فلا ينبغي أن يستفاد منه
صحة تأخير القبول في الوكالة حتى في الحاضر الذي يقول لآخر وكلتك أو أنت
وكيلي فيسكت ثم يقول بعد سنة مثلا قبلت مما هو غير جار مجرى الخطاب العربي
فلا ينبغي التأمل في فساد الاستدلال المزبور.
نعم إن تم إجماعهم ولا أظنه بل ظني عدمه خصوصا بعد عدم تحرير هم البحث
كما ذكرناه - كان هو الحجة وإلا كان مقطوعا بفساده، وما يقع من الغائبين حينئذ
بعضهم مع بعض كله من الإذن والأمر، والله العالم بحقيقة الحال.
351

{و} كيف كان ف‍ {من شرطها أن تقع منجزة} كغيرها من العقود بلا
خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، لمنافاته مقارنة ترتب السبب على المسبب
المستفاد مما دل على تسبيب العقود {فلو علقت على شرط متوقع} كمجيئ زيد
{أو وقت متجدد لم تصح} بل قيل: إنه كذلك في التعليق على أمر محقق نحو إذا
كانت الشمس طالعة فأنت وكيلي، لا لفوات المقارنة المزبورة، بل للشك في تناول
الاطلاقات لمثل ذلك، فيبقي حينئذ أصل عدم ترتب الأثر بحاله.
{نعم لو نجز الوكالة وشرط تأخير التصرف جاز} بلا خلاف أيضا فيه بل في
التذكرة والمسالك الاجماع عليه مضافا إلى اطلاق الكتاب والسنة، وعموم (1)
" المؤمنون عند شروطهم " السائغة التي لم تخالف سنة ولا كتابا، ضرورة عدم كون الفرض
من التعليق في شئ، فإن المراد به اشتراط تأخير وقوع الأثر لا استحقاق وقوعه
الحاصل بعقد الوكالة، إلا أنه لما لم يظهر أثر ثبوت هذا الاستحقاق ذكر غير واحد
أنه في معنى التعليق. لكن لا دليل على البطلان به.
وفيه أن الاستنابة حصلت بتمام العقد وإن اشترط عليه عدم وقوع ما هو نائب
فيه بعد شهر مثلا نحو الوكيل الثابتة وكالته الذي أمره الموكل بعدم التصرف، فإنه
لا تنافي وكالته التي تظهر له ثمرتها بغير ذلك كدعوى التلف وغيرها وكان هذا هو
السبب في فرق الأصحاب بينهما على وجه يقتضي أنه ليس من التعليق في شئ
وهو كذلك.
وعلى كل حال ففي جواز التصرف في الوكالة المعلقة عند حصول ما علقت عليه
وجهان: بل قولان: منشؤهما أعمية بطلان الوكالة من الإذن، فيصح التصرف بها
وإن بطلت الوكالة للتعليق المنافي لها نحو ما قالوه في القراض الباطل الذي حكموا
فيه بأجرة المثل، ومن أن الإذن لم تحصل إلا في ضمن الوكالة المفروض بطلانها،

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث - 4.
352

والجنس لا يبقى فصله، والحكم بالقراض كذلك أيضا إن لم يكن اجماعا.
قلت: قد يقال: إنه يفهم من ذلك عرفا بقاء الإذن، وإن بطلت الوكالة،
ولعله لخفاء الفرق بينهما بعد اشتراكهما في النيابة شرعا عن المالك، وإن فقدت
الإذن المرادة بقصد الاستنابة التوكيلية، بل لعله لا فرق بينهما في المعنى، ولكن
إن أديت بصورة العقد كانت وكالة واختصت بأحكام، وإلا كانت إذنا لا وكالة فمع فرض
بطلان ما اقتضى كونها وكالة بالتعليق ونحوه بقيت الإذن.
وحاصل ذلك يرجع إلى أن العقد بالمعنى الأخص أو الأعم هنا من مشخصات
الفرد التي مع انتفائها لا ترتفع الحقيقة ضرورة أن مشخصات زيد مثلا لو ارتفعت
لم ترتفع الانسانية عنه.
وبذلك كله ظهر لك فساد بناء المسألة على مسألة بقاء الجنس وعدمه المفروغ
منها عندهم، كما أنه يظهر لك فساد المناقشة في دعوى بقاء الإذن مع بطلان الوكالة
بأنه من المعلوم أن الفاسد هو الذي لا يترتب عليه أثر فلا يجامع صحة الآثار بطلان
الوكالة ضرورة اختصاص البطلان حينئذ بالآثار المترتبة على الوكالة المفروض فسادها
لا كل أثر، وإن كان مشتركا بينها وبين الإذن كما هو واضح.
ودعوى الشك في ترتب الأحكام في مثل العقود الناقلة على مثل هذا الإذن،
خصوصا مع المخالفة لقاعدة حرمة التصرف في مال الغير، وأصالة بقاء المال على ملك
مالكه لا محصل لها بعد فرض تحقق الإذن.
وكذا يظهر أيضا ما في التذكرة من التشويش في المسألة فإنه بعد أن ذكر
بطلان الوكالة بالتعليق مدعيا عليه الاجماع على الظاهر، قال ما حاصله إن البطلان
به إنما يتحقق فيما لو كانت بجعل، فيرجع إلى أجرة المثل كما في المضاربة، بل ربما
ظهر من بعض كلماته أنه كبطلان المهر في النكاح والجميع كما ترى، ونحوه في الرياض
فلاحظ وتأمل.
ومن شرطها أيضا عدم التوغل في الابهام على وجه يشك في مشروعية الوكالة
353

فيه نحو وكلتك من غير تعيين، أو على أمر من الأمور أو على شئ ما يتعلق بي ونحو
ذلك، ولعله المراد مما في الرياض لا تصح على المبهم والمجهول بلا خلاف فيما أعلم
إلى آخره، بل عن المبسوط {و} بعض الشافعية {لو وكله في شراء عبد افتقر
إلى وصفه} في الجملة {لينتفي} معظم {الغرر} وحينئذ لا يجب الاستقصاء
في الوصف إجماعا بقسميه، بل ولا على نحو التسلم {و} شبهه مما اعتبر فيه العلم.
نعم {لو} أطلق أي {وكله مطلقا} من دون أن يذكر وصفا {لم يصح}
للغرر وإليه أشار المصنف بقوله: {على قول و} لكن {الوجه} عندنا {الجواز}
كما هو صريح التذكرة والمختلف وغيرهما، بل لا أجد فيه خلافا بيننا من غيره،
لاطلاق الأدلة وعمومها، وخصوص أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) عروة البارقي بشراء شاة،
بناء على أنه من التوكيل الذي هو قسم من الإذن والأمر اللذين لا خلاف ولا
اشكال في جواز تعلقهما بنحو ذلك، على أنه ربما يتعلق غرض بمطلق العبد والشاة
الموافقين لمصلحة الموكل.
وبذلك ظهر لك بطلان ما أطنب فيه في المسالك مما هو ناش من عدم إصابة
المراد في العبارة حيث جعل قوله " ولو أطلق " مسألة مستقلة، لا أنها تمام الأولى،
وأن قوله " على قول " راجع إلى الجميع، فأشكل عليه الحال، وكأنه تبع بذلك
المحقق الثاني في عبارة القواعد، لكن هي ليست مثل عبارة المتن.
قال: " الثالث أن يكون معلوما نوعا من العلم لينتفي أعظم الغرر، فلو وكله
في شراء عبد افتقر إلى وصفه لينتفي الغرور، ويكفي لو قال عبدا تركيا وإن لم يستقص
في الوصف، ولو أطلق فالأقرب الجواز " وإن أمكن أيضا تنزيلها على ما ذكرنا،
ومرجعها حينئذ إلى عدم اقتضاء الشرط المزبور عدم جواز ذلك، فإن كونه عبدا
نوع من العلم، نحو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعروة " اشتر لنا شاة " ويكون ما ذكره أولا
على طريق تقرير كلام القائل، والأصل في هذا الشرط الشافعية، وقد عرفت صحته

(1) المستدرك ج 2 ص 462.
354

في الجملة، ببعض الأمثلة التي ذكرناها، وإنما الكلام معهم في بعض الأمثلة،
كالوكالة في شراء العبد، وقد وافقهم عليه الشيخ في محكي المبسوط خاصة.
وربما حكي عن الشهيد أيضا موافقة بعضهم على التفصيل بين عبد القنية،
وعبد التجارة، فيعتبر الوصف في الأول دون الثاني، وعن بعض منهم: التفصيل بين
ذكر الثمن وعدمه، فيعتبر الوصف في الثاني دون الأول، والجميع كما ترى مناف لاطلاق
الأدلة وعمومها، وعدم الضابط لما ذكروه من الوصف.
نعم في القواعد موافقتهم على عدم صحة الوكالة لو قال: وكلتك على كل قليل و
كثير، لتطرق الغرر وعدم الأمن من الضرر، قال: " ولو قال: بما إلي من كل
قليل وكثير، فاشكال " وفرق في التذكرة بين الإضافة إلى نفسه وعدمه، فحكم بالبطلان
في الثاني دون الأول.
قال: " ولو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال: وكلتك في كل أمر هو إلى أو في كل
أموري، أو في كل ما يتعلق بي، أو في جميع حقوقي أو في كل قليل وكثير من
أموري، أو فوضت إليك جميع الأشياء التي تتعلق بي، أو أنت وكيلي مطلقا فتصرف
في مالي كيف شئت، أو فصل الأمور المتعلقة به التي تجري فيها النيابة، فقال:
وكلتك على بيع أملاكي وتطليق زوجاتي وبيع عبيدي، أو لم يفصل على ما تقدم.
فالوجه عندي الصحة في الجميع ".
قلت: وهو كذلك للعموم الذي هو أحد الطرق في رفع الابهام، ضرورة
قيامه مقام الاستقصاء في التفصيل الذي لا اشكال في الصحة معه، فليس في شئ من
المفروض غرر الوكالة حينئذ، ولا يحتاج إلى رفعه بدعوى التقييد بالمصلحة التي هي
في غاية الخفاء في الأمور المنتشرة، فلا تصلح رافعة للغرر.
نعم يشكل عليه الفرق المزبور باتحاد المراد من العبارتين مع الإضافة إلى
نفسه وعدمها، ولو بقرينة التوكيل إذ لا يعقل توكيل شخص آخر فيما لا يملكه
الموكل كما أنه يشكل ما في القواعد أيضا " من أن التوكيل بالابراء يستدعي علم
الموكل بالمبلغ المبرء عنه، ولو قال: أبرءه من كل قليل وكثير جاز، ولا يشترط
355

علم الوكيل ولا علم من عليه الحق " بأنه لا دليل على اعتبار علم الموكل في الوكالة
على الابراء، بل قد يظهر من المحكي عنه في التذكرة الاجماع على ذلك.
قال: " لو وكله في أن يبرأه من الدين الذي عليه صح، وإن لم يعلم الموكل
قدره ولا الوكيل عندنا " ونزل كلامه في جامع المقاصد على إرادة التوكيل على
قدر مخصوص من الدين، لا جميع ماله عليه، فإنه يشترط حينئذ علم الموكل بقدر
الذي يريد ابراءه منه، وهو كما ترى والأمر سهل بعد ما عرفت التحقيق في المسألة
والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {هي عقد جائز من طرفيه} بلا خلاف أجده، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى ما يستفاد من نصوص المقام، خصوصا بالنسبة إلى الموكل،
وحينئذ {فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكل ومع غيبته} فينعزل حينئذ
وإن لم يعلم بذلك، إذ احتمال توقف انعزاله على علم الموكل مناف لأصول المذهب
وقواعده، بعد اختصاص النصوص في صورة عزل الموكل على وجه لا تقبل اندراج
مثل هذه الصورة فيها، كما تسمع بعضها بل لم أجد من احتمله ممن يعتد بقوله
إلا ما عساه يظهر من المسالك، ويتوهم منها فإنه لا يخلو من تشويش، وما في شرح
الإرشاد للتوني من الميل إلى ذلك.
نعم يحتمل بقاء جواز التصرف له على نحو ما سمعته في الوكالة المعلقة، بل في
المسالك " إن المقام لا يخلو من رجحان على ذلك، من حيث أن الإذن هنا صحيحة
جامعة للشرائط، بخلاف السابق، فإنه معلق " وفي صحته ما قد عرفت.
ومن ثم جزم في القواعد ببقاء الصحة هنا، وجعل الصحة هناك احتمالا، و
في التذكرة عكس، واستقرب هناك بقاء الإذن الضمني، وجعل بقاءه هنا احتمالا،
وفي التحرير والإرشاد أطلق القول بالبطلان فيهما كما هنا، فقد صار للعلامة، (ره)
في المسألتين ثلاثة أقوال، وإن كان فيه إن التعليق إنما هو في الوكالة لا الإذن
التي لا يقدح فيها، فهي مع فرض بقائها جامعة لشرائط الصحة أيضا، وقد تقدم
356

الوجه في دعوى بقائها، وأنه ليس مسألة بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل المعلوم
عدمها عندهم في غير الوكالة من العقود، بل هو دعوى الفهم عرفا، أو دعوى عدم
الفرق بين الإذن والوكالة إلا بالعقدية، أو ما في معناها مما هو من المشخصات
الخارجية.
فيكون الحاصل حينئذ أن الإذن إن أديت بصورة العقد أو معاطاته كانت
وكالة، وإلا فهي إذن، فإذا اتفق عروض ما يفسد العقد من تعليق أو لحن أو عزل
أو نحو ذلك تبقى، لعدم كونه مشخصا ذاتيا لها، وإنما هو مقارن لها سميت بسببها
وكالة، ولحقها أحكام رتبها الشارع عليها، وبذلك ظهر لك الوجه في جميع ما
وقع من العلامة وغيره من دعوى تحقق الفهم عرفا في بعض دون آخر.
نعم قد يشك في بقاء الإذن بعد علم الموكل ما لم تقم قرينة حالية أو مقالية
ببقائها على جميع الأحوال، وإلا انقطعت متى قارنها الرد، فلا يجوز التصرف
حينئذ بعده إلا بإذن جديد، ولعل ذلك مختلف باختلاف الأحوال، وإن أبيت عن
ذلك كله كان التحقيق بطلان عقد الوكالة بالتعليق، وفسخ الوكيل بعد فرض عدم
صدور غير إرادة عقد الوكالة من العاقد.
نعم لا بأس بذلك ونحوه في الإذن التي هي ليست من العقود التي تبطل بذلك،
لكن لما لم ينقحوا الفرق بين الإذن وعقد الوكالة ظنوا أن ذلك جائز في عقد الوكالة،
ولا ريب في أنه اشتباه.
نعم لو أراد بما ذكره من العبارة المؤدية للنيابة ذلك، لم يكن إشكال في
البقاء بل لو شك في كون المراد له الإذن أو الوكالة في المعلق مثلا، حمل على
الأول، لأصل الصحة، بل لو زعم أن مثل ذلك وكالة لم يقدح في ترتب الحكم
المزبور.
ولعل هذا هو السر فيما وقع من بعض لعدم تنقيح الأمر بين الإذن والوكالة
التي هي اسم للعقد المخصوص الذي لا اشكال في جريان أحكام العقود عليه، ضرورة
357

عدم مخرج له عنها والله العالم.
هذا كله في العزل من طرف الوكيل، وأما الآخر فلا خلاف أيضا {و}
لا إشكال في أن {للموكل أن يعزله} لكن {بشرط أن يعلمه العزل و} حينئذ
ف {لو لم يعلمه لم ينعزل بالعزل وقيل:} كما عن النهاية والقاضي والحلبي وابني
حمزة وزهرة {إن تعذر إعلامه فأشهد} عليه {انعزل بالعزل والاشهاد} بل عن
الأخير الاجماع عليه.
وقيل: كما في قواعد الفاضل أنه ينعزل بالعزل أيضا وإن لم يعلمه على رأي،
وقد حكاه غير واحد عنه.
{و} على كل حال فلا ريب في أن {الأول أظهر} لا لما ذكر من بعض
الاعتبارات التي هي غير تامة بل للنصوص المعتبرة كصحيح ابني وهب ويزيد (1) عن
الصادق عليه السلام " من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى
يعلمه بالخروج منها، كما أعلمه بالدخول فيها.
وصحيح ابن سالم (2) عنه عليه السلام أيضا " في رجل وكل آخر على وكالة في أمر
من الأمور وأشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لامضاء الأمر، فقال:
اشهدوا أني قد عزلت فلانا عن الوكالة، فقال: إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي
وكل فيه قبل العزل، فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل، كره الموكل
أم رضي، قلت: فإن الوكيل قد أمضى الأمر الذي قد وكل فيه قبل أن يعلم بالعزل
أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه؟ قال: نعم قلت: فإن بلغه العزل
قبل أن يمضي الأمر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشئ؟ قال: نعم إن الوكيل
إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن
الوكالة بثقة يبلغه أو يشافهه بالعزل عن الوكالة ".

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 1.
358

وصحيح العلاء بن سيابة (1) عن الصادق عليه السلام المتضمن للانكار على من فرق
في هذا الحكم بين النكاح وغيره، فينعزل في الأول بالاشهاد بخلاف الثاني، فلا ينعزل
إلا بالعلم، والاستدلال عليهم بقضاء أمير المؤمنين عليه السلام في الامرأة التي استعدته وقد
وكلت أخاها ": فقال: يا أمير المؤمنين إنها وكلتني ولم تعلمني أنها عزلتني عن الوكالة
حتى زوجتها كما أمرتني.
فقال لها: ما تقولين؟ قالت: قد أعلمته يا أمير المؤمنين فقال: لها ألك بينة
بذلك؟ فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون فقال لهم ما تقولون؟ قالوا نشهد أنها قالت
اشهدوا أني قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا، وإني مالكة لأمري قبل
أن يزوجني، فقال: أشهدتكم على ذلك بعلم منه ومحضره فقالوا: لا فقال: تشهدون
أنها أعلمته العزل كما أعلمته الوكالة، قالوا: لا قال: أرى الوكالة ثابتة، والنكاح
واقعا. أين الزوج فجاء فقال: خذ بيدها بارك الله لك فيها، فقالت: يا أمير المؤمنين
إحلفه أني لم أعلمه العزل وأنه لم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح، قال: وتحلف؟ قال
نعم: يا أمير المؤمنين فحلف وأثبت وكالته وأجاز النكاح ".
وترك الاستفصال فيه مع إطلاق غيره حجة على المفصل، كما أن الجميع
حجة أيضا على الفاضل الذي لم أعرف موافقا له على ذلك قبله، ولا دليلا معارضا
للنصوص المزبورة سوى الأصل المقطوع بها وسوى دعوى وجود رواية بذلك لم
نتحققها.
فمن الغريب إعراضه عن هذه النصوص التي عمل بها في الجملة من لم يعمل
بأخبار الآحاد، وما هو إلا لكونها متواترة عنده أو قطعية، ومن هنا يمكن تنزيل
كلام الفاضل على إرادة بطلان الوكالة بالعزل الذي يتبعه بطلان الجعل فيها لو كان،
وإن نفد تصرفه قبل العلم بهذه النصوص، إذ لا منافاة بين بطلانها بالعزل المزبور الذي
هو مقتضى الضوابط وبين نفوذ التصرف فيما بينه وبين العلم بذلك، للنصوص، لكن

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 2.
359

يدفعه ظهور النصوص المزبورة في بقاء نفس الوكالة.
اللهم إلا أن يحمل على إرادة هذا المعنى، وهو مع منافاته لظاهر الفتوى لا
مقتضى له، ومجرد احتماله لا ينافي العمل بالظاهر.
{و} حينئذ ف‍ {لو تصرف الوكيل قبل الاعلام، مضى تصرفه على الموكل
فلو وكله على استيفاء القصاص ثم عزله، فاقتص قبل العلم بالعزل وقع القصاص موقعه}
فضلا عن غيره مما هو أسهل منه، والمراد بالعلم في المتن وغيره ما يشمل شهادة
الشاهدين، بل وخبر العدل كما سمعته في صحيح هشام، لكن ستعرف الكلام فيه
في الفصل الخامس عند البحث عن ثبوت الوكالة.
وهل المأذون بلا عقد وكالته كذلك بالنسبة إلى الحكم المزبور؟ وجهان: من
كون الحكم مخالفا للقاعدة، فيقتصر على ما تضمنته النصوص من الوكيل، فيبقى
غيره على مقتضاها، ومن كونه وكيلا في المعنى واحتمال إرادة التفويض من الوكالة في
النصوص السابقة ولعله لا يخلو من قوة والله العالم.
{وتبطل الوكالة ب‍} عروض {الموت} للوكيل قطعا، ضرورة اقتضائها
نيابة لا تنتقل إلى الوارث، كما أنها تبطل بموت الموكل أيضا، لما قيل: من أنه بموته
ينتقل جميع ماله لوارثه، فينتفي موضوعها، وفيه: أنه يمكن بقاء مال من تركته
على حكم ملكه، كثلثه، وإنما العمدة الاجماع، ولعله لاعتبار استدامة الإذن في
صحة الوكالة، وبالموت يخرج عن الأهلية لذلك.
وعلى كل حال فلا خلاف فيما أجده في بطلان تصرف الوكيل حينئذ بعد
الموت وإن لم يعلم موته، كما في غيره من الفواسخ، ولا يقاس شئ منها على مسألة
العزل، لحرمة القياس عندنا.
على أنه في المرسل (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل أرسل يخطب له امرأة وهو

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث - 2.
360

غايب، فأنكحوا الغائب وفرضوا الصداق ثم جاء خبره أنه توفي بعد ما سيق الصداق
فقال: إن كان أملك بعد ما توفي فليس لها صداق ولا ميراث، وإن كان أملك قبل
أن يتوفى فلها نصف الصداق، وهي وارثة وعليها العدة ".
نعم في المسالك وغيرها لا تبطل الأمانة لبطلان الوكالة هنا، فلو تلف العين
الموكل فيها في يده بغير تفريط لم يضمن، وكذا لو كان وكيلا في قبض حق فقبضه
بعد موت الموكل قبل العلم به، وتلف في يده بغير تفريط، لكن يجب عليه المبادرة
إلى إيصال العين إلى الوارث، فإن أخر ضمن كالوديعة.
قلت: وهو كذلك لصيرورة المال حينئذ في يده أمانة شرعية، وحكمها كذلك
إلا أنه لا بد من التأمل في قوله: " وكذا " ضرورة أنه مع فرض إرادته ما يشمل
الدين ونحوه قد يشكل، بأن المال المقبوض هو ملك الدافع، لانكشاف عدم وكالة
القابض.
وحينئذ عدم ضمانه لصاحبه - مع أنه قد دفع على وجه خاص وهو كونه وفاء -
مشكل، وإلا لاقتضى عدم ضمان المقبوض بعنوان الشراء مثلا للموكل الذي قد تبين
موته قبل الشراء، وغير ذلك من الأمثلة التي يصعب على الفقيه التزامها.
ولعله من هنا غير العبارة في الكفاية فقال: " وكذا لو وكله على قبض عين "
إلى آخره فإن عدم الضمان - حينئذ مع فرض كونها للموكل - لكونها حينئذ
من الأمانات الشرعية التي لم تقبض على جهة الضمان، بخلاف المقبوض وفاء أو شراء
أو نحوهما.
نعم قد يقال: إن مرجع ضمان الوكيل على الموكل، وإن بان بطلان وكالته
ولتحقيق ذلك محل آخر، وإن كان الذي يقوى الآن عدمه، للأصل السالم عما
يقتضي الضمان من التسبيب وغيره، لكن قد يقال: إن القبض لا على جهة الضمان
لا ينافي ثبوته عليه بعد حصول مسببه الذي هو " على اليد ".
ودعوى - أنه أمانة شرعية - على وجه لا يترتب عليه ضمان بعد أن كان القبض
361

باختياره - واضحة المنع، وإن كان زعم أنه وكيل، إذ ذلك لا ينافي الضمان الذي
هو حكم وضعي يترتب على المعذور - لجهل أو استصحاب أو غيرهما فلا يبعد الضمان
حينئذ أيضا في العين المزبورة.
نعم لا يبعد عدم الضمان فيما كان في يده مما كان ابتداء قبضه بغير ضمان، فإن
الاستدامة لا تندرج في قوله عليه السلام " على اليد " فيبقى أصل براءة الذمة بحاله، وكذا
لو فسخ المودع الوديعة مثلا، مع عدم علم الودعي بذلك، فإنه لا ضمان عليه لو تلف
بعد ذلك، وإن انفسخ عقد الوديعة، ضرورة أن ذلك ونحوه من الأمانة الشرعية،
مثل الثوب الذي أطارته الريح حتى صار في يد الانسان قهرا، وهذا القدر المسلم
من الأمانة الشرعية التي لا ضمان فيها، باعتبار عدم حصول سبب فيها يقتضي الضمان
على وجه يقطع أصل البراءة ولعل هذا هو التحقيق في المسألة ونظائر كالمضاربة
وغيرها، وإن كان قد تقدم لنا بعض الكلام في كتاب الإجارة.
وكيف كان فلم أعثر على من وافقه على العبارة المزبورة إلا الفاضل في الرياض
ويمكن أن يريد منهما معنى آخر. والله العالم.
{و} كذا تبطل ب‍ {الجنون، والاغماء من كل واحد منهما} بلا خلاف
أجده فيه، بل في المسالك هو موضع وفاق، ولعله العمدة في ذلك، وإلا فدعوى
كون ذلك من أحكام العقد الجائز، يدفعها عدم القول به في مثل الهبة والرهن من
طرف المرتهن، بل لولا الاجماع المزبور، أمكن دعوى قيام إذن الولي للموكل
مقام إذنه في بقاء عقد الوكالة، وإن أقصى ما يقتضيه عروضهما للوكيل عدم تصرفه
حالهما، لا انفساخ عقد وكالتهما.
إلا أن ذلك بعد الاجماع المزبور لا فائدة فيه، ولا فرق عندنا بين طول زمان
الاغماء وقصره، ولا بين إطباق الجنون وأدواره ولا بين علم الوكيل بعروض المبطل
وعدمه.
نعم ربما احتمل بقاء جواز التصرف للوكيل بعد زوال المانع بالإذن العام،
362

وإن بطلت وكالته، بناء على مثل ذلك فيما تقدم من المسائل، وقد يفرق بين المقام
وبينها بأن المبطل هنا راجع إلى الإذن نفسها، لا إلى خصوص عقد الوكالة، وإنما
حاصله خروج المأذون عن قابلية إذن النيابة فتأمل جيدا. والله العالم.
{و} كذا {تبطل وكالة الوكيل بالحجر على الموكل فيما يمنع الحجر من
التصرف فيه} لكون الوكيل فرع الموكل، فمع فرض امتناع المباشرة له فلو كيله
بطريق أولى، إلا أن الانصاف إن لم يكن إجماع عدم اقتضاء ذلك بطلان الوكالة،
بل أقصاه عدم نفوذ التصرف منه، فلو فرض اتفاق زوال الحجر لم يحتج إلى إعادة
الوكالة حينئذ، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال ففي حكم الحجر طرو الرق على الموكل، بأن كان كافرا
فاسترق، ولو كان هو الوكيل صار بمنزلة توكيل عبد الغير، وسيأتي الكلام فيه
والله العالم.
{ولا تبطل الوكالة بالنوم وإن تطاول} ما لم يصل إلى حد الاغماء، أو يخرج
عن المتعارف، ولو بأن لا يستيقظ إذا أوقظ لعارض من العوارض، لأصالة الصحة
ومعلومية عدم معاملة الشارع النوم معاملة الجنون ونحوه في المقام وغيره.
بل في التذكرة وغيرها عدم بطلانها بالسكر أيضا لذلك، إلا إذا اقتضى فسقا
وكان الوكيل مما يعتبر فيه العدالة ابتداء أو استدامة، كوكيل ولي اليتيم ونحوه،
وبطلانها حينئذ من حيث الفسق، لا لخصوصه.
لكن قد يمنع اعتبار العدالة في ذلك ونحوه مما ذكروه من الأمثلة، مع فرض
اقتضاء المصلحة وكالة الفاسق، ولو سلم فقد يمنع اعتبارها في صحة عقد الوكالة على
وجه لم تعد بعودها، بل لا بد من استيناف وكالة جديدة، إذ من المحتمل كون العدالة
على نحو ما احتملوه في عدالة الوصي من عدم انفساخ الوصاية بفسقه، ولكن يمنع
من التصرف فمتى عادت ثبتت وصايته، والسبب في ذلك أنه لا دليل يعارض العمومات
على وجه يكون شرطا في صحة عقد الوكالة، وإن قلنا بعدم نفوذ تصرفاته حال فسقه،
363

فتأمل جيدا.
{و} على كل حال ف‍ {تبطل الوكالة} أيضا {بتلف ما تعلقت الوكالة به
كموت العبد الموكل في بيعه، وموت المرأة الموكل بطلاقها} وتلف الدينار الموكل
بالشراء به، بل في المسالك لا فرق بين أن ينص على الشراء بعينه، أو يطلق بأن يقول
اشتر به، لاقتضائه دفعه ثمنا، فلا يتناول بدله لو كان تلفه موجبا لضمانه.
قلت: هو كذلك مع فرض ظهور اللفظ في الشراء بعينه، فيكون الفرق بينه
وبين الأول بالنص والظهور، لكن في التذكرة " ولو وكله في الشراء مطلقا ونقد
الدينار على الثمنية، بطلت أيضا إذا تلف ذلك الدينار، لأنه إنما وكل في الشراء،
ومعناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع قبل الشراء أو بعده، وقد تعذر ذلك بتلفه ".
ويمكن حمل ما في المسالك على ذلك، بدعوى اقتضاء إطلاق الشراء به الأعم
من جعله ثمنا في العقد أو بعده، فيكون الاطلاق حينئذ في مقابل النص على الشراء
بعينه، بمعنى جعله نفسه ثمنا.
وعلى كل حال فقد صرح من تعرض لذلك ببطلان الوكالة بالتلف، وإن كان
موجبا للضمان، فإنها لم تتناول الشراء ببدله، حتى لو كان وكيلا على استيفائه، لكن
الانصاف تناول الوكالة في صورة الاطلاق للشراء بذلك، وإن لم يكن وكيلا على
الاستيفاء ولكن اشترى به ممن أتلفه مثلا، والأمر في ذلك سهل بعد كون المدار
على المفهوم عرفا من عبارة الموكل، ولو بقرينة الحال.
{وكذا} تبطل الوكالة {لو فعل الموكل ما تعلقت الوكالة به} كما لو وكله
في بيع عبد ثم باعه، أو فعل ما ينافيه، كما لو وكله على بيع عبد فأعتقه، أو بالعكس
وليس من ذلك وطي الزوجة التي قد وكل على طلاقها، فضلا عن غيره من المقدمات
التي لا تصح لغير الزوج، ولا وطي السرية التي وكل على بيعها، ضرورة عدم منافاة
شئ من ذلك، لتعلق الوكالة، إذ ليس ما ذكرناه مبطلا لها، باعتبار ظهوره في العزل
ولذا لم تبطل الوكالة لو ظهر فساد البيع أو العتق، بل لانتفاء متعلقها حينئذ.
364

اللهم إلا أن تقوم قرينة على إرادة انشاء العزل بذلك، وهو خروج عما نحن
فيه حينئذ، كما هو واضح.
بقي شئ: وهو أنه قد يفهم من التعبير بالبطلان وذكر ذلك في سياق الجنون
والموت والاغماء ونحوها أن تلف ما تعلقت به الوكالة وفعل الموكل ما وكل فيه أو
ما ينافيه كذلك أيضا.
لكن قد يقال: إن الظاهر خلافه، وإلا لاقتضى انفساخ العقد بتلف بعض ما
وكل فيه مثلا، ضرورة عدم تبعض العقد، وإنما المراد من البطلان انتفاء موضوع
الوكالة، لا انفساخ عقدها، فلا ينافي حينئذ بقاؤها فيما بقي من موضوعها.
وفيه: أنه لا مانع من التزامه على معنى البطلان في بعض متعلقه، لتلف بعض
المبيع، والمسلم من عدم تبعض العقد أنه لا يكون بعض العقد سببا، بعد أن كان
مجموعه سببا، لا في نحو المقام، وقد تقدم سابقا التحقيق في صحة تبعض الصفقة في ملكه
وملك الغير، بل وفي بيع الشاة والخنزير، كما أنه تقدم صحة الإقالة في بعض المبيع
دون بعض.
نعم لا يجوز ذلك في الخيار لا للتبعض، بل لعدم ظهور دليله في مشروعية
ذلك، بل لعل ظاهره العدم، بخلاف نحو المقام الذي يمكن القول بجواز فسخ الوكالة
في بعض ما وكل فيه، دون بعض، والله العالم.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن اقتضاء هذا القسم انعزال الوكيل لا يتوقف على العلم
به، بل هو يؤثر أثره لاطلاق أدلته، فينتفي موضوع الوكالة وإن لم يعلم الوكيل،
فلو تصرف ينكشف بطلان تصرفه، وتسمع إن شاء الله تعالى مزيد تحقيق لذلك.
{و} على كل حال ف‍ {العبارة} حينئذ {عن العزل أن يقول: عزلتك
أو أزلت نيابتك، أو فسخت، أو أبطلت، أو نقضت، أو ما جرى مجرى ذلك} من
كل لفظ صالح لقصد إنشاء الدلالة على ذلك، بل وكل فعل. نعم لا عبرة بالفسخ
النفساني، للأصل وغيره.
365

وكيف كان فلا ريب في وجوب اقتصار الوكيل على ما يستفاد من الموكل،
ولو بالقرائن الحالية والمقالية، {و} من هنا ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا
أجد فيه خلافا أن {إطلاق الوكالة} في البيع أو الشراء مثلا {يقتضي} البيع
و {الابتياع بثمن المثل، بنقد البلد حالا، وأن يبتاع الصحيح دون المعيب و
حينئذ {لو خالف} في شئ من ذلك {لم يصح} ولم يلزم ولكن صح {ووقف
على إجازة المالك}.
نعم لا بأس بما يتسامح به من الزيادة والنقصان في مثل ذلك المبيع، بل لعل
ذلك أجمع من ثمن المثل، لعدم انضباطه بالنسبة إلى ذلك، كما أنه ينبغي تقييد ذلك
أيضا بما إذا لم يوجد الباذل للأزيد والأنقص، وإلا وجب مراعاته، للشك في الإذن
له بغيره معه.
بل قد يحتمل وجوب ذلك عليه، فيما لو اتفق الباذل بعد البيع أو الشراء في
مدة الخيار، فينفسخ مقدمة لذلك، للزوم مراعاة المصلحة للمالك، بل قد يقال:
ذلك فيما لو عين له البيع بمقدار، والشراء كذلك، فاتفق حصول الباذل للأزيد
والأنقص، حملا للتعيين على ما هو المتعارف من عدم وجود الباذل اللهم إلا أن يحتمل
الغرض له به، ولعله على ذلك ينزل خبر عروة البارقي (1) لا على الفضولية.
وعلى كل حال فكل تصرف من الوكيل يقع على خلاف مصلحة الموكل
كالبيع بدون ثمن المثل أوبه مع وجود الباذل أو شراء المعيب يكون فضوليا
حينئذ.
ودعوى الفرق - بين المعيب والبيع بدون ثمن المثل مثلا، فيحكم بالأول
للمالك، وبالثاني بالفضولية، لأن العيب قد يخفى بخلاف البيع بدون ثمن المثل
- واضحة المنع، ضرورة إمكان الخفاء في كل منهما، في كثير من أفرادهما، كما أنه لا
خفاء في بعض أفرادهما على أحد.

(1) المستدرك ج 2 ص.
366

فالمتجه جعل المدار في ذلك على كون العيب والغبن في خصوص ذلك المبيع
مما يخفى على أهل النظر بعد البحث والنظر - وعدمه، فإن كان، وقع للمالك
ويثبت الخيار، وإلا كان فضوليا، فما في قواعد الفاضل - من الفرق بين المعيب والغبن
فحكم بالفضولية في الثاني مع العلم والجهل، بخلاف الأول - في غير محله، خصوصا
بعد تصريحهم على ما قيل في مسألة تلقي الركبان التي أخبارها هي الأصل في خيار
الغبن بعدم الفرق بين الوكيل والأصيل.
وفي دعائم (1) الاسلام عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام " أنه قال: من وكل
وكيلا على بيع فباعه له بوكس من الثمن جاز البيع عليه، إلا أن يثبت أنه تعمد
الخيانة، أو حابي المشترى بوكس -.
وكذلك إن وكله على الشراء فتغالى فيه إن لم يعلم أنه تعمد الزيادة أو خان
أو حابى فشراؤه جائز عليه، وإن علم أنه تعمد شيئا من الضرر رد بيعه وشراؤه،
ولو وكله على بيع شئ فباع بعضه وكان ذلك على وجه النظر فالبيع جائز ".
بل هو في محكي التذكرة في كتاب المضاربة قد صرح بأنه لا يمكن معرفة
قيم المتقومات في الواقع، ومن المعلوم وقوع الغبن من العاملين فيها، ولم يقل أحد
بفساد البيع، وعدم تناول وكالة المضاربة لذلك، كما هو واضح.
إنما الكلام في مخالفة المصلحة منه في مثل الخيار ونحوه، فترك الفسخ مثلا
فيما كان مصلحة المالك به، أو اختاره في صورة العكس، ولعل حكم الثاني عدم مضيه
على المالك، لعدم ثبوت الإذن له فيه، أما الأول فلا ريب في تحقق الإثم عليه لكن
ليس عليه إلا ذلك، فتكون المصلحة التي يجب على الوكيل مراعاتها على قسمين:
أحدهما: ما يرجع إلى تقييد الإذن في الوكالة على وجه يكون خلافها غير
الموكل فيه، كالبيع بثمن المثل مع وجود الباذل.
وثانيهما: تكليف شرعي لا مدخلية له في إذن الوكالة، وحينئذ فلو ترك الفسخ

(1) المستدرك ج 2 ص 510 الدعائم ج 2 ص 57 الطبعة الثانية بمصر.
367

في مدته مع وجود الباذل، بناء على وجوبه عليه لم يترتب عليه إلا الإثم، واحتمال -
وجوب جبر كل ضرر يترتب على الموكل بذلك، كاحتمال كون المبيع حينئذ
فضوليا، باعتبار عدم الإذن في بيع يكون له فيه خيار، ويوجد باذل في أثنائه فلم
يفسخ - لم أجدهما لأحد بل لم يحضرني تنقيح لهما على وجه يكون موافقا
للقواعد الشرعية.
هذا كله بالنسبة إلى ثمن المثل، وأما النقد والحلول فلا أجد خلافا في اقتضاء
الاطلاق إياهما، بل الظاهر عدم الإذن له في خلافهما، حتى مع المصلحة كالبيع
بدون ثمن المثل، فإنه لا يفهم من الاطلاق إلا إرادتهما، لا جميع ما تقتضيه المصلحة
ولو في غيرهما.
نعم هي معتبرة في الأفراد المأذون فيها، كاختيار الأنفع من أفراد النقد حيث
لا يكون هناك غلبة في بعضها على وجه ينصرف الاطلاق إليها، فإن انتفيا معا تخير
بين أفراد النقد، ولعل منه بيع بعض المبيع للمصلحة كما سمعته في ذيل خبر الدعائم
فتأمل جيدا. والله العالم.
{ولو باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الإذن في ذلك القدر كان القول قوله
مع يمينه} سواء كان بقدر ثمن المثل أو أزيد أو أنقص، وسواء كان مستند دعواه
الإذن بالخصوص أو الاطلاق المنصرف إلى ثمن المثل فما فوق، لأنه اختلاف في صفة
الوكالة التي يقبل قوله في أصلها فكذا صفتها لأنها فعله، وهو أعرف به، ولأن
الأصل عدم صدور التوكيل على الوجه الذي يدعيه الوكيل.
والقول بأن مرجع دعوى الموكل إلى خيانة الوكيل الذي هو أمينه، والأصل
عدم خيانته، إنما يتم فيما لو كان تصرفه في الوكالة وادعى عليه الخيانة في بعض
متعلقاتها، كما لو ادعى الموكل عليه - بعد تلف الثمن الذي باع به بمقتضى الوكالة -
تأخر قبضه عن تقبيض المبيع، أو التعدي فيه بوجه، لا في نحو المقام الذي قد عرفت
أن مرجع الاختلاف فيه إلى الاختلاف في أصلها الذي من المعلوم تقديم قول المالك
368

فيه، كما أنه ليس من مسألة التداعي في شئ، وإن كان جواب الموكل بل وكلتك
بكذا، ضرورة عدم كون ذلك دعوى منه عليه، لعدم استحقاقه عليه بذلك شيئا، و
إنما المعتبر منه ما تضمن إنكار دعوى الوكيل.
ومن هنا كان الحكم كذلك في صورة اختلافهما في عين الموكل فيه، كالعبد
والفرس، وفي جنس الثمن الموكل على البيع به، أو زمانه أو مكانه، فإن القول في
الجميع قول الموكل، لأنه منكر، وليس من التداعي في شئ، وإن حكى عن
بعض الناس توهمه.
{ثم} بعد حلف المالك {تستعاد العين} من المشتري بعد فرض اعترافه
بالوكالة أو حلف المالك له اليمين المردودة منه إذا ادعى عليه العلم {إن كانت باقية
ومثلها أو قيمتها إن كانت تالفة، وقيل:} والقائل الشيخ في محكي من نهايته {يلزم
الدلال} أي الوكيل {إتمام ما حلف عليه المالك وهو بعيد} مخالف لأصول
المذهب وقواعده، ومن هنا حمل على تعذر استعادة العين ومساواة القيمة لما ادعاه
المالك.
{وا} ذا كا {ن} قد {تصادق الوكيل والمشتري على الثمن} الذي قد
ادعى الوكيل الإذن فيه، {و} كان قد {دفع الوكيل إلى المشتري السلعة فتلفت
في يده كان للموكل الرجوع على أيهما شاء بقيمته} يوم التلف إن كانت قيمية لثبوت
عدوانهما معا بظاهر الشرع {لكن إن رجع على المشتري لا يرجع المشتري على
الوكيل} إذا لم يكن قد دفع إليه الثمن {لتصديقه له في الإذن} وفي أن الموكل
ظالم له برجوعه عليه.
نعم إن كان قد دفع الثمن إليه توجه رجوعه عليه كما في المسالك، لمعلومية
عدم استحقاقه له، والفرض أن الموكل لا يدعيه، لعدم تعينه ثمنا له، وقد أغرم المشتري عوض المال، فيرجع على الوكيل بما دفع إليه، لكن إن كان بقدر القيمة
أو أقل فالرجوع به ظاهر، وإلا رجع بقدر ما غرم، ويبقى الباقي في يد الوكيل
369

مجهول المالك.
قلت: هو للموكل في الواقع بزعم الوكيل، فيجب عليه أن يتوصل إلى
إيصاله إليه، بل قد يناقش في استحقاق رجوعه على الوكيل بعد فرض اعترافه بأنه
للموكل في الواقع، واستحقاقه المقاصة في ماله، لا يوجب استحقاقا له على من في
يده مال من ظلمه.
اللهم إلا أن يدعى في المقام أن ما أخذه المالك منه صار عوضا عنه ولو شرعا
أو يقال: بوجوب التمكين منه على الوكيل، لعدم الضرر عليه من المالك الظالم بعد
اعترافه بأنه ليس له.
ومن هنا كان الظاهر اختصاص الحكم بالثمن المزبور المفروض كونه عوضا
للسلعة في الواقع، ولو لم يكن المشتري مصدقا للوكيل في دعوى الوكالة، ففي
المسالك أيضا " رجع على الوكيل بما غرمه أجمع، لغروره، ولو كان الثمن أزيد
وقد دفعه إلى الوكيل رجع به لفساد البيع ظاهرا ".
قلت: قد وقع له نحو هذه العبارة بل أصرح منها في كتاب البيع، ولا ريب
في فساد ظاهرها، كما تقدم في محله، وأن المتجه له الرجوع بجميع ما غرمه
عوض المنافع، ونحوها مما هو ليس من قيمة العين، ولم يحصل له نفع في مقابلها بل
وإن حصل، وأما هي ففي رجوعه بما زاد منها على الثمن وعدمه قولان: بخلاف
ما قابل الثمن منها، فإنه لا يرجع به قطعا، لعدم الغرور به، وأما ما دفعه من
الثمن فلا ريب في رجوعه به على الوكيل، سواء كان مساويا لما غرمه أو أزيد أو
أنقص، لظهور فساد البيع كما هو واضح. ومحرر في محله، ويمكن حمل عبارته
على ذلك.
{و} كيف كان ف‍ {إن رجع} المالك {على الوكيل} بقيمة ماله
{رجع الوكيل على المشتري بأقل الأمرين من ثمنه وما اغترمه} لأن الثمن إن
كان أقل فهو يزعم أن الموكل لا يستحق سواه، وأنه ظالم بأخذ الزايد من القيمة،
370

فلا يرجع به على المشتري، وإن كانت القيمة أقل لم يغرم سواها، لكن يبقى الزايد
مجهول المالك ظاهرا، لأن الموكل لا يستحقه بزعمه، وموافقة الظاهر له، والوكيل
قد خرج عن الوكالة بإنكار الموكل، فليس له قبضه فينزعه الحاكم، ويتوصل إلى
تحصيل مالكه، كذا في المسالك.
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا بل الظاهر عدم تسلط الحاكم
على انتزاعه منه، بعد علم مالكه بزعمه، فيجب عليه التوصل إلى ايصاله إليه هذا،
ثم قال فيها: " واعلم أن مقتضى السياق كون الوكيل لم يقبض الثمن بعد، وحينئذ
فيتجه ما ذكره المصنف من رجوع الوكيل على المشتري دون العكس بأقل الأمرين
مع تصادقهما، ويبقى الزايد على ما ذكرناه.
كما أنك عرفت الحال أيضا لو فرض كون الوكيل قابضا للثمن ولو لم يصدقه
المشتري، بأن قال: لا أعلم وقدر جع المالك على الوكيل بقيمة العين لم يكن للوكيل
مطالبة المشتري بها مع فرض زيادتها على الثمن، لاعترافه بأنه وكيل، وأن
المالك ظالم بأخذ الزايد، فليس له حينئذ إلا أقل الأمرين، كما في صورة التصديق.
لكن لا ريب في اشتغال ذمة المشتري في الظاهر بقيمة العين، وإن لم يكن
للوكيل المطالبة بها، بل ليس له قبضها في الظاهر، لعدم كونها للمالك
الذي غرمه بزعمه، فقد يقال: إنها من مجهول المالك، ولكن فيه أنها محكوم بها
للموكل في الظاهر، وإن كان لا يجوز دفعها بعد أن غرم الوكيل، إذ لا يجمع له
قيمتان لماله.
ومن هنا قد يقال: إنها تدس في مال الوكيل عوض ما غرمه جبر الظلام لكن
لم أجد تحريرا لذلك في كلمات الأصحاب والله العالم.
{و} على كل حال فقد ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد خلافا فيه
بين من تعرض له، إن {اطلاق الوكالة في البيع يقتضي} الإذن في {تسليم المبيع،
لأنه من واجباته} باعتبار اقتضائه إزالة ملك البايع عن المبيع. وإدخاله في ملك
371

المشتري ويجب على مدخل الملك التسليم، لأنه من حقوقه، ولكن لا يسلمه حتى
يقبض الثمن من له قبضه من المالك أو مأذونه، رعاية لمصلحة المالك، فلو سلم المبيع
حينئذ قبله فتعذر أخذه من المشتري ضمن لتضييعه إياه بالتسليم.
كذا في المسالك بل وجامع المقاصد وفيه أن المتجه تعليل ذلك بدعوى الفهم
عرفا من الاطلاق، وإلا فلا ريب في عدم دخول التسليم في مفهوم البيع المفروض إذنه
فيه، ولذا صرح في التذكرة بصحة تصريح المالك بالنهي عن التسليم مع الإذن في البيع.
قال: وكون التسليم مستحقا للمشتري لا يقتضي كون المستحق هو تسليم الوكيل
على البيع، فالممنوع منه غير المستحق، وإن ناقشه في جامع المقاصد بأنه إذا سلم المشتري
الثمن إلى الموكل انقطعت سلطنة الموكل عن المبيع، ووجب على من كان بيده
تسليمه إلى مالكه، وكذا القول في الثمن في جانب الشراء فليتأمل ذلك.
لكن فيه إن ذلك خروج عن محل البحث الذي هو تسليم الوكيل من حيث
الوكالة التي يكون فيها الوكيل قائما مقام الموكل، ومن حيث التقابض الذي اقتضاه
العقد، وإلا فهو قد صرح في التذكرة بعد ذلك بلا فصل بما ذكره.
قال: " إذا دفع المشتري الثمن إلى الموكل أو إلى الوكيل المأذون له، أو
إلى المطلق إذا جوزنا له قبض الثمن، فالوكيل يسلم المبيع، سواء أذن له الموكل
أولا أو منعه، لأن المشتري إذا دفع الثمن صار قبض المبيع مستحقا، وللمشتري
الانفراد بأخذه، فإن أخذه المشتري فذلك، وإن سلمه المشتري فالأمر محمول
على أخذ المشتري، ولا حكم للتسليم.
وهو صريح فيما قلناه من أنه لا مدخلية لذلك فيما نحن فيه من اقتضاء
الاطلاق الإذن، لا مثل هذا التسليم الذي هو واجب على كل من كان بيده المال،
من غير فرق بينه وبين غيره.
وحينئذ فمحل البحث في التسليم الذي هو مقتضى التقابض في العقد. وهذا
لا ريب في صحة نهي وكيل البيع عنه، ودعوى وجوبه على مدخل الملك من حيث
372

كونه مدخلا، وإن كان نائبا عن الغير فيه - واضحة المنع، فليس حينئذ إلا دعوى
الفهم عرفا وقد يمنع ذلك خصوصا فيما إذا كان المبيع الذي وكل عليه في يد
الموكل.
ثم إن المراد من الضمان - لو سلم الوكيل المبيع قبل قبض الثمن فتلف، على
الموكل - ضمان قيمة العين إن كانت هي والثمن متساويين، ولو كان الثمن أكثر
ففي التذكرة " لم يكن عليه إلا القيمة، لأنه لم يقبض الثمن فلا يكون مضمونا عليه،
وإنما يضمن ما فرط فيه، وهو العين حيث سلمها قبل الايفاء.
ولو كانت القيمة أكثر، فإن باعه بعين يحتمل تغابن الناس بمثله فالأقوى
أنه يغرم جميع القيمة حيث فرط فيها كما لو لم يبع بل أتلفها، وهو أصح وجهي
الشافعية، والثاني أنه يغرم القيمة ويحط عنه قدر الغبن لصحة البيع بذلك الثمن،
ولو باع بغبن فاحش بإذن الموكل احتمل الوجهان: أما الأول فظاهر، وأما
الثاني: فقياسه أن لا يغرم إلا قدر الثمن لصحة البيع به بالإذن، فإن قبض الوكيل
الثمن بعد ما غرم دفعه للموكل واسترد ما غرمه ".
قلت: قد يناقش في أصل الضمان أولا وإنما هو مجرد إثم، ولو سلم بدعوى
استفادته من قاعدة " لا ضرر ولا ضرار " ومن فحوى ما ورد من ضمان الدين لتمكين
الهرب للمديون من يد الديان، ومن تعلق حق الرهانة بقيمة الرهن لو أتلفه متلف،
وصدق الخيانة والتفريط فيما هو أمين فيه من المعاوضة على الوجه المزبور، و
غير ذلك.
فالمتجه ضمان القيمة وإن كانت أكثر من الثمن إذا كان فيها احتمال رجوع
للمالك بفسخ ونحوه، وإلا فله مقدار ما قابل ثمنه، إذا كانت أكثر، وأما ضمان
نفس الثمن فيدفعه أنه ليس وكيلا عليه حتى يكون مفرطا فيه، وإنما ضيع على
المالك حق حبس العين الذي يمكن استيفاؤه منه بوضع قيمة العين قائمة مقامها
ملاحظا جبر ضرر المالك بالطريق الذي ذكرناه، وبه يفرق بين ما نحن فيه وبين
373

ما يأتي من ضمان الثمن في الوكيل على التقابض باعتبار صدق التفريط عليه في مال
الموكل الذي هو الثمن فتأمل جيدا.
ولعله مما ذكرناه أخيرا دليلا للمطلوب ينقدح اختصاص الضمان - على الوجه
الذي ذكرنا - بالوكيل دون الأجنبي.
نعم يتجه ذلك لو كان مدرك المسألة تضييع حق الحبس من غير فرق بين الوكيل
وغيره والله العالم.
{وكذا} ذكروا أن {اطلاق الوكالة في الشراء يقتضي الإذن في تسليم
الثمن} والكلام فيه على نحو ما سمعته في تسليم المبيع {لكن} ظاهرهم الاتفاق
على أنه {لا يقتضي} اطلاق {الإذن في البيع} الإذن في {قبض الثمن، لأنه
قد لا يؤمن على القبض} وكذا اطلاق الإذن في الشراء لا يقتضي الإذن في قبض المبيع،
لأنه قد لا يؤمن عليه أيضا.
نعم إذا قامت قرائن حالية أو مقالية على ذلك اتبع مقتضاها حينئذ، بل هو
ضامن للثمن والمبيع إذا لم يقبضهما فتلفا على البايع والمشتري، لتفريطه، وظاهرهم
هنا ضمان نفس المبيع والثمن، لا قيمة المدفوع، ولعله لما عرفت من صدق كونه
مفرطا ومضيعا وخائنا فيما هو موكل فيه والله العالم.
{وللوكيل} في الابتياع مثلا {أن يرد بالعيب} مثلا المفروض صحة
العقد عليه باعتبار خفائه {لأنه من مصلحة العقد} الموكل عليه، وقد عرفت أن
للوكيل مراعاة المصلحة فيما هو وكيل فيه، مضافا إلى تناول اطلاق أدلته له في وجه،
فله حينئذ ذلك {مع حضور الموكل وغيبته و} لكن {لو منعه الموكل لم يكن
له مخالفته} ضرورة كون الحق له، وإنما كان ثبوته له باطلاق الوكالة في الابتياع
مثلا.
ولعل المصنف أراد التنبيه بذلك على عدم ثبوته له من حيث كونه عاقدا على
وجه لا مدخلية لنهي المالك عنه، نحو ما احتمل في خيار المجلس للوكيل، أو على
374

الفرق بينه وبين عامل المضاربة، بناء على عدم تسلط المالك في اسقاط خيار العيب
الثابت له، لعدم انحصار الحق فيه.
وعلى كل حال فما في المسالك - تبعا لجامع المقاصد من إشكال أصل ثبوت
الرد بأنه إنما أقامه مقام نفسه بوكالته له في العقد، لا في اللوازم التي من جملتها القبض
والإقالة وغيرهما، وليس له مباشرتها اجماعا - لا محصل له، بعد فرض الفهم عرفا،
وتناول دليل الرد له شرعا بل الظاهر ثبوت ذلك أيضا في الوكالة على شراء عين
بخصوصها، ما لم يظهر من المالك إرادته على كل حال، وإن استشكل فيه في
القواعد.
بل عن التذكرة الجزم بعدم الرد في الأول فضلا عن الثاني مشعرا بدعوى
الاجماع عليه في وجه ووافقه على ذلك ثاني المحققين والشهيدين، ولعل الفهم
عرفا وتناول الدليل شرعا حجة عليهم.
وحينئذ فلو استمهله البايع حتى يحضر الموكل لم يلزم إجابته، مع فرض
عدم مصلحة في ذلك، فإن ادعى البايع رضى الموكل، وأنه يعلم الوكيل بذلك،
استحلفه على نفي العلم، ولو رده فحضره الموكل وادعى الرضا على وجه يقتضي
سقوط خيار الرد وصدقه البايع انكشف حينئذ بطلان رد الوكيل.
لكن في التذكرة، والقواعد، وجامع المقاصد بطل الرد إن قلنا بالعزل، و
أن يعلم الوكيل، بل في الأخير زيادة، أما على القول بأنه لا ينعزل ما لم يعلم العزل،
وهو الأصح، فإن الرد ماض ولا أثر لرضا الموكل.
وفيه أنه لا وجه لبناء ذلك على المسألة المزبورة، بل الظاهر انكشاف بطلان
الرد على كل حال، ضرورة انتفاء متعلق الوكالة مع فرض سبق اسقاط المالك الخيار
قبل رد الوكيل به، كما هو واضح بأدنى تأمل.
ودعوى عموم أدلة تلك المسألة - كصحيحي ابن وهب وسالم (1) المتقدمين و

(1) الوسائل الباب - 1 و 2 من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 1.
375

غيرهما للأعم من العزل بالقول والفعل الشامل لما نحن فيه، فيكون ذلك منهما
اختيارا في المسألة لا اشتباها - يدفعها استبعاد التزام مقتضاها من مراعاة كل تصرف
للموكل بتصرف الوكيل، فإن كان قد وقع منه ولو بعد تصرف الموكل ما ينافيه
قدم عليه، وصار سببا لانفساخ تصرف الموكل الجامع لجميع شرائط الصحة و
اللزوم، وإلا مضى.
فالوكيل حينئذ بالنسبة إلى المالك أعظم من الوليين اللذين يمضي تصرف
السابق منهما، لما عرفت من مضي تصرف الوكيل وإن كان متأخرا دون الموكل،
ولا ريب في منافاته لعموم (1) " تسلط الناس على أموالهم " (2) " وأوفوا بالعقود " و
غيرها بل لا يلتزمه من له أدنى دربة في الفقه.
ودعوى أن التعارض بين هذه العمومات من وجه، يدفعها أولا: ظهور أدلة
الوكالة في بقاء الموضوع الموكل فيه، فلا تعارض حينئذ، بل يستفاد من مجموع
قوله عليه السلام " الناس مسلطون " إلى آخره ونحوه ومن قوله (3) " من وكل بأمر "
إلى آخره سوى ثبوت الولاية لكل منهما على ذلك، فأيهما سبق تصرفه نفذ وإن
اقترنا بطل.
بل هو مقتضى قيام الوكيل مقام المالك، وكونه نائبا منابه، وفرعا من فروعه،
وليس في شئ منها ما يقتضي فسخ تصرف الموكل بوقوع تصرف الوكيل بعده، بل
دعوى ذلك من غرائب الفقه، ضرورة كون العكس مظنة ذلك.
ومنه ينقدح أنه لو سلم التعارض من وجه - وإن كان هو كما ترى - فلا ريب
في كون الترجيح لتلك، باعتبار معلومية خروج مسألة الوكالة عن القواعد التي
يجب الاقتصار فيها على ما هو المتيقن، وهو العزل قولا، أو فعلا مع بقاء العين

(1) البحار جلد 2 ص 272 الطبعة الحديثة
(2) سورة المائدة الآية - 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث -.
376

الموكل عليها قابلة لتعلق فعل الوكيل فيها كما هو واضح.
وبذلك بان لك أن ما في القواعد وجامع المقاصد واضح الضعف على كل
حال، كما أن ما فيها أيضا من أنه لو رضي الوكيل بالعيب فحضر الموكل وأراد
الرد له ذلك، لا يخلو من نظر أيضا ضرورة أن فعله الموافق للمصلحة ماض على
الموكل.
نعم لو قلنا بأن الالتزام والرد للوكيل ليس من حيث الوكالة، بل للأدلة
الشرعية أمكن حينئذ اشتراك حق الخيار بينهما، فلا يمضي التزام الوكيل حينئذ
على الموكل، لكن فيه أنه ينبغي أيضا عدم مضي التزام الموكل على الوكيل،
وقد عرفت تصريحه سابقا بخلافه، اللهم إلا أن يفرق بين الموكل والوكيل في
ذلك.
الفصل {الثاني}
{في} متعلق الوكالة وقد اعتبر الفاضل فيه أمورا ثلاثة أحدها: أن يكون
قابلا للنيابة، ضرورة أنها روح الوكالة، فلا بد حينئذ من معرفة {ما لا تصح فيه
النيابة، وما تصح فيه) والمهم في ذلك تحرير أصل يرجع إليه في محال الشك.
وقد يستفاد من التأمل في كلام الأصحاب أن الأصل جواز الوكالة في كل
شئ، كما يومي إلى ذلك ذكر الدليل فيما لا تصح فيه من النص على اعتبار
المباشرة ونحوها، مما يمنع من الوكالة دون ما صحت فيه، ولعل مرجع ذلك
إلى دعوى اشتراط المباشرة ونحوها مما يمنع الوكالة، والأصل عدمها.
ولا يكفي في امتناعها ثبوت مشروعيته حال المباشرة، فإن ذلك لا ينافي عموم
ما دل على جواز الوكالة، إنما ينافيه اعتبارها شرطا، وأصالة عدم الوكالة قد انقطع
بثبوت مشروعيتها، كغيره من العقود، بل الظاهر الاكتفاء في اثبات عمومها بنحو
377

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سالم (1) " أن الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس
فأمره ماض أبدا، والوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل ".
وقوله في الصحيحين (2) أيضا " من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور
فالوكالة ثابتة أبدا، حتى يعلمه بالخروج منها، كما أعلمه بالدخول فيها " ونحو
ذلك مما لا ينافي دلالته على كون الوكالة جائزة، مسوقة لبيان توقف العزل على الاعلام،
ضرورة أنه دل على ذلك وعلى المشروعية.
بل هو كاف في اثبات المطلوب، ضرورة تناوله لكل مورد من الموارد التي
تعلقت به الوكالة من محال الشك، فإنه يصدق عليه حينئذ أنه وكل على إمضاء
أمر، فلا ينعزل حتى يبلغه العزل.
وبالجملة من أعطى التأمل حقه في هذه النصوص وما شابهها يكاد يقطع بما
ذكرنا خصوصا مع ملاحظة التمسك من الأصحاب في كل عقد بالعمومات جائزها
ولازمها، وليس في شئ منها سوى ما دل على مشروعية طبيعتها، المقتضي للمشروعية
في كل فرد من أفرادها التي حلت فيه الطبيعة، حتى يعلم فساده.
فالحكم الشرعي في خصوص الفرد الذي هو محل الشك مستفاد من الجواز
الثابت للطبيعة حينئذ، بعد فرض تحقق الاطلاق العرفي الذي لا مدخلية للصحة الشرعية
فيه، فإنها اسم للأعم من الصحيح والفاسد.
وبذلك ظهر لك مشروعية الوكالة في كل شئ إلا ما علم خروجه، وقد نبه
عليه المصنف بقوله {أما ما لا تدخله النيابة فضابطه ما تعلق قصد الشارع بايقاعه من
المكلف مباشرة} بنص أو إجماع أو نحوهما فإن الوكالة حينئذ منافية لحقيقته أو
لما يعتبر فيه {كالطهارة} من الحدث {مع القدرة} ترابية كانت أو مائية {و
إن جازت النيابة في غسل الأعضاء عند الضرورة} أو مسحها بالتراب إلا أن المتولي

1 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 1 -.
2 - الوسائل الباب - 1 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 1 -.
378

للنية هو لا النائب، وإلا لم يصح بل في المسالك " هذه الاستنابة ليست توكيلا
حقيقا، ومن ثم تقع ممن لا يصح توكيله كالمجنون " وفيه أنه لا يقتضي عدم صدق
الوكالة في تولي البالغ العاقل.
نعم قد يقال إنه فرد ثان للغسل المأمور به مباشرة حال القدرة اكتفى به الشارع،
باعتبار تهيئة أعضائه وقبول الصب ونحو ذلك حال العجز، أما الطهارة من النجاسة
فقد قيل إنه يجوز له الاستنابة فيه، لأن الغرض منه هجران النجاسة وزوالها
كيف اتفق، ومن هنا لم يعتبر في صحته النية وإن ترتب الثواب معها {والصلاة
الواجبة ما دام حيا} بالأصل إلا في مثل ركعتي الطواف في النيابة في الحج عن
الحي العاجز، بناء على شرعيته تبعا للمنوب فيه فضلا عن ركعتي الطواف المندوب،
وركعتي الزيادة.
وأما غيرهما من النوافل ومطلق الصوم المندوب ففي المسالك " في جواز
التوكيل فيه نظر، وإطلاق جماعة من الأصحاب المنع من الاستنابة في العبادات
يشملهما، وإن تقيد الاطلاق في غيرهما.
قلت: قد يستفاد من النصوص مشروعية إهداء الثواب في جميع المندوبات
للحي والميت، بل قد يستفاد منها فعلها عنه على وجه يترتب الثواب له كما أشرنا
إليه سابقا في العبادات. نعم لا دليل على شرعية النيابة فيه على وجه يسقط خطاب
الندب عن المكلف، بل هو باق على ندبيته له، وإن ترتب ثواب له على فعل الغير
بنية النيابة عنه فلاحظ وتأمل.
ومن ذلك يعلم الحال في إطلاق عدم جواز النيابة في العبادات حتى جعله في
المسالك أصلا وإن خرج منه ما خرج بالأدلة الخاصة، وفيه: أنه ليس في العبادة
إلا الفعل بقصد القربة، وإن الشارع جعل ذلك سببا لترتب الثواب عليه، وهو غير
مناف للنيابة فيه، فيندرج في عمومها الذي مقتضاه مشروعية جعل فعل الغير فعل الانسان
نفسه بالإذن والتوكيل من الطرفين.
379

وهذا أمر شامل للعبادة وغيرها فتأمل، فإنه دقيق نافع، وإنه من ثمرات
الأصل الذي ذكرناه وخصوصا بعد التأمل فيما جاز من النيابة فيها حال الحياة و
بعد الموت، وخصوصا المالية منها فتأمل جيدا والله العالم.
{وكذا} الكلام في {الصوم} الواجب والمندوب، وإن قال في جامع
المقاصد: " إن ظاهرهم عدم جواز النيابة فيه مطلقا، واجبا كان أو مندوبا ما دام
حيا " بل {و} مثله {الاعتكاف} المعتبر فيه الصوم {والحج الواجب مع القدرة}
أما مع العجز فقد عرفت البحث فيه في كتاب الحج {والايمان} حتى الايلاء
{والنذور والغصب} وسائر المعاصي المعلوم ترتب الإثم على فاعلها كالزنا و
اللواط {والقسم بين الزوجات، لأنه يتضمن استمتاعا والظهار} الذي صيغته
مختصة بالمظاهر ومنكر من القول وزور وبمعنى اليمين {واللعان} الذي حقيقته
الدعاء على نفسه إن كان مفتريا، أو شهادة أو يمين {وقضاء العدة} التي هي
لاستبراء الرحم {والجناية} ونحو ذلك مما علم في بعضه عدم قبول النيابة.
وأما البعض الآخر فإن ثبت فيه اجماع ونحو من الأدلة المعتبرة على منع
النيابة فيه كان هو الحجة، وإلا كان محلا للنظر والتأمل ومثل الظهار الذي هو
كالطلاق والصيغة موردها المباشر إذ كان هو نحو غيرها من النذر والعهد واليمين
ونحوها مما هي من الأسباب لترتب أحكام ولا مانع من النيابة فيه، والحرمة على
المظاهر لا تقتضي الحرمة على وكيله في إجراء الصيغة إذا كان جاهلا مثلا، على أن
الإعانة لا تقتضي عدم ترتب أحكام السبب، كما أن ذلك لا ينافي عمومات الوكالة و
الله العالم.
{و} أما {الالتقاط} المملك {والاحتطاب والاحتشاش} ففي القواعد
فيه نظر، وفي التذكرة الجزم بعدم الصحة في الالتقاط، ويمكن أن يريد به غير
الذي هو بحكم المباح أما هو ففيه البحث في حيازة المباحات، وقد ذكرنا في المضاربة
تحقيق الحال فيها وقبولها للنيابة باستيجار وغيره، لعدم ما يدل على الدخول في
380

ملك المحيز قهرا حتى لو قصد عدمه، بل لعل ظاهر الدليل خلافه، خصوصا مع
عدم قصد الدخول في حوزته بالاستيلاء عليه.
نعم ظاهر قوله عليه السلام (1) " من أحيى، أو حاز " أو نحوهما اعتبار قصد الفعل
بعنوان الاستيلاء عليه، والادخال تحت سلطانه الذي هو الملك عرفا في ترتب الملك
شرعا، فهو حينئذ من الأسباب الشرعية، في حصول الملك، ولا مانع من جريان
النيابة فيه، كغيره من الأسباب لعموم الوكالة كما هو واضح بأدنى تأمل.
وأما الالتقاط بمعنى ترتب حكم التعريف ونحوه عليه فقد يظهر من
بعضهم عدم الجواز فيه، ولعله لظهور أدلته في اعتبار المباشرة فيه، إلا أنه لا يخفى
عليك ما فيه، إن لم يكن إجماعا، {و} قلنا بالعموم المزبور على الوجه
المذكور.
نعم لا تجوز الوكالة في {إقامة الشهادة إلا على وجه الشهادة على الشهادة}
بل هي ليس من الوكالة بل النيابة في شئ، وإنما هي شهادة على الشهادة، ولكن
لها شبه في النيابة، ومن هنا صح الاستثناء، ولو بجعلها من الأفراد المجازية لها.
وأما القضاء والحكم بين الناس وقسمة الفيئ والغنيمة ففي جامع المقاصد
" أنه يصح التوكيل فيه " ومراده ولو بقرينة ما تقدم له سابقا ما في المسالك من
جواز تولية الإمام غيره في القضاء، وكذا تولية منصوبه الخاص لغيره مع الإذن في
ذلك، وتسمية هذا النوع وكالة مجاز، واستثناؤه من هذا الباب لكونه عبادة، بل
من أكمل العبادات، إلى أن قال: " وإنما قيدنا تولية القضاء بالإمام أو نائبه الخاص
لعدم إمكان تولية منصوبه العام وهو الفقيه في زمان الغيبة لغيره، لأن غيره إن كان
جامعا لشرائط الفتوى كان مساويا للأول في كونه نائبا للإمام فيه أيضا، وإلا لم
يتصور كونه قاضيا، لما اتفق عليه الأصحاب من اشتراط جميع شرائط الفتوى في
القاضي، نعم يمكن الاستنابة في الحلف بعد توجه اليمين.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب احياء الموات الحديث - 5 - 6.
381

لكن فيه مواضع للنظر كدعوى أنه من العبادات التي من شرط صحتها النية،
وكدعوى عدم تصوره في زمن الغيبة لما ذكره مما يعتبر في القاضي لا نائبه في القضاء،
بمعنى جواز توليته قول حكمت الذي فيها الفصل بين المتخاصمين، فهي كغيرها من
الأسباب التي يصح فيها التوكيل، فالأولى الاستناد فيه إلى الاجماع على عدم
قبوله للنيابة إن كان، وتسمع إن شاء الله زيادة تحقيق للمسألة في كتاب القضاء.
وفي جامع المقاصد متصلا بالعبارة السابقة " وكذا لا يجوز للحاكم أن يوكل
من ينوب عنه في الحجر ويوكل الغرماء من يطلبه منه، أما المحجور عليه فلا
يصح له أن يستنيب من يحكم عليه بالحجر عنه " ومراده أن يكون النائب نفسه
محجورا عليه.
وأما رد السلام فقد جزم في جامع المقاصد بعدم صحة التوكيل فيه، وأنه
متعلق بمن سلم عليه، معللا له بأن وجوبه فوري والتوكيل مؤد إلى فواته، و
فيه أن مجرد ذلك لا يصلح للمانعية، لامكان تصورها مع عدم فواتها، وكذا الكلام
في كل فوري خيار وغيره، وأما التوكيل
في الاقرار ففيه بحث تعرفه إن شاء الله
تعالى فيما يأتي، هذا كله فيما لا يدخله النيابة لمعلومية اعتبار الشارع فيه ما
ينافيها.
{وأما ما تدخله النيابة، فضابطه: ما جعل ذريعة إلى غرض لا يختص
بالمباشرة} ويكفي في ذلك عدم العلم باعتبارها، لعموم مشروعية الوكالة والنيابة
كما عرفت، {كأ} نواع {البيع و} توابعه من {قبض الثمن} ودفع المثمن، و
الإقالة، واثبات الخيار والفسخ به، ونحو ذلك.
{و} كذا {الرهن والصلح والحوالة} والكفالة {والضمان والشركة
والوكالة والعارية وفي الأخذ بالشفعة والابراء والوديعة} والوصية {وقسم
الصدقات} وقبضها ودفعها {وعقد النكاح و} توابعه من {فرض الصداق} و
الفسخ بالعيب {والخلع} والمباراة {والطلاق} وغيرها {واستيفاء القصاص}
382

وإن شرع للتشفي {وقبض الديات، وفي الجهاد على وجه} لأن المقصود به
حماية الدين، وحراسة المسلمين، فلا يتعلق الغرض فيه بمعين.
نعم لو فرض تعينه بتعيين الإمام إياه لجودة رأيه في الحرب أو بتوقف الدفع
عليه، لم يجز التوكيل فيه، وفي جامع المقاصد هذا هو المراد بقوله على وجه،
{وفي استيفاء الحدود مطلقا} مع حضور المستحق وغيبته، وسواء كان الحد
لآدمي أو لله تعالى.
{و} كذا يجوز التوكيل {في اثبات حدود الآدميين} التي هي أحد
حقوقهم، {أما حدود الله سبحانه} وتعالى {فلا} يجوز عند المصنف والفاضل
في القواعد، بل تحريره المنع منه مطلقا، إلا في حد القذف.
لكن في التذكرة صرح بجوازه في اثبات حد الله فضلا عن الآدمي، محتجا
بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) وكل أنيسا في اثبات الحد واستيفائه جميعا حيث قال له
" فإن اعترفت فارجمها " وبدخول ذلك في نيابة النواب الذين كانوا يرسلونهم إلى
الأطراف، ولعله الأقوى في النظر، فيجوز للإمام ونائبه العام ذلك، ولا ينافيه
درء الحد بالشبهة. نعم ليس لأحد توكيل غيره في ذلك، لاستواء المكلفين في الحسبة،
ويمكن حمل عبارة المصنف وغيره على ذلك.
{و} كذا {يجوز التوكيل} في عقد السبق والرماية {كغيره من
العقود {والعتق والتدبير والكتابة، وفي الدعوى، وفي اثبات الحجج والحقوق}
وغيرها مما لا حاجة إلى تعدادها بعد ما عرفت من الأصل الذي ذكرناه، مع أن
هذا التعداد لا يفي بحصرها، كما أن الضابط المزبور لا يجدي في أفراد الشك.
اللهم إلا أن يريدوا به ما أشرنا إليه من الاكتفاء بعدم العلم فيه، ولعله
المقصود لهم، كما يومي إليه تعرضهم للدليل في ممنوع التوكيل، بخلاف غيره
مما اكتفوا في جواز التوكيل فيه، بعدم ما يقتضي المنع، وبذلك يتم أيضا ما ذكرناه

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 225.
383

من الأصل المزبور والله العالم.
والثاني من الأمور المعتبرة في الموكل فيه أن يكون معلوما بنوع من العلم،
كما عرفت تفصيل البحث فيه سابقا على هذا الفصل، {و} كذا عرفت الحال فيما
{لو وكل على حال قليل وكثير} وأنه {قيل لا يصح لما يتطرق من احتمال
الضرر} بعتق جميع عبيده، وتطليق جميع نسائه، وهبة جميع أملاكه ونحو
ذلك، مما لا يوجه {وقيل يجوز، ويندفع الاحتمال باعتبار المصلحة و} لكن
قال المصنف: {هو بعيد عن موضع الفرض} الذي هو العموم المزبور.
{نعم لو وكله على كل ما يملك صح لأنه يناط بالمصلحة} بعد اندفاع
معظم الغرر عنه بتخصيص المتعلق في الجملة.
وفيه أولا: أن العموم أولى باعتبار المصلحة المعتبرة في الفرد الخاص،
فضلا عنه.
وثانيا: أنه لا فرق في ضبط المصلحة بين العمومين، فإن انتشار العام لا يمنع
من ذلك، فإن مرجع المصلحة إلى نظر الوكيل فما علم فيه المصلحة فعله، وما اشتبه
امتنع، ولأنه لو فصل ذلك العام المنتشر صح، ويقيد برعاية المصلحة على ما اعترفوا
به، وذلك مشترك بينهما ويمكن حمل كلام المصنف على إرادة البحث في صحة
الوكالة ملاحظا فيه عدم التقييد بالمصلحة، وأنه يفعل كلما يشاء، وحينئذ يبقى البحث
معه في ذلك، مع فرضها على وجه يصح وقوعها من الموكل وأنها لا تؤثر سفها أو
نحوه مما يمنعه من الوكالة فإنه يكون خارجا عما نحن فيه أما مع عدمه فالوجه
الصحة لعموم الوكالة فتأمل جيدا.
الثالث: أن يكون مملوكا للموكل اتفاقا منا كما في جامع المقاصد " فلو
وكله على طلاق امرأة سينكحها أو عتق عبد سيملكه أو بيع ثوب سيشتريه لم يصح
نعم لو وكله على شراء عبد وعتقه أو ثوب وبيعه جاز، ومنه كما في جامع المقاصد
ما لو قال: طلق زوجتي ثلاثا فإنه يكون وكيلا في الرجعتين بينهما، قال: ولكن
384

يرد عليه أن ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكل وقت التوكيل، فإن الرجعة إنما
يملكها بعد الطلاق فحقه أن لا يصح.
ثم أجاب بأنه ليس ببعيد أن يقال: إن التوكيل في مثل هذا جائز لأنه وقع تابعا
لغيره، ونحوه ما لو وكله في شراء شاتين، وبيع إحديهما أما لو وكله فيما لا يملكه
استقلا لا كما لو وكل في طلاق زوجة سينكحها لم يصح، والفرق بين وقوع الشئ
أصلا وتبعا كثير، لأن التابع وقع مكملا بعد الحكم بصحة الوكالة، واستكمال
أركانها، وقد وقع الايماء إلى ذلك في التذكرة.
قلت: وقد تبعه عليه كل من تأخر عنه، ونظروه في الوقف على المعدوم أصالة
وتبعا.
لكن الانصاف أنه ليس بشئ عند التأمل، فإن النظائر لا تصلح لأن تكون
دليلا، ودعوى تناول العموم له دون الأول مجرد اقتراح، وإنكار جوازه مطلقا
مكابرة، بل مشروعية المضاربة حجة عليه، فإنها من الوكالة أيضا فلا بد أن يقال ما
يرجع منها إلى معنى التعليق باطل، باعتبار اقتضاء تأخير متعلقها تأخرها.
أما ما لا يرجع إلى ذلك بأن جعله وكيلا عنه ونائبا منابه فيما هو أهل له، ولو
بايجاد سببه المتأخر، عن حال العقد صح، وإن لم نجعله تابعا في وكالة شخص خاص،
بل وكل شخصا على الشراء وآخر على بيع ما يشتريه ذلك، لكن على الوجه المزبور
وبالجملة لا يبعد القول بمشروعية الوكالة لما ذكرناه من عمومها في جعل الشخص
نائبا منابه وقائما مقامه في كل ما هو أهل له، من غير فرق بين الموجود والمتجدد له
من ملك وغيره.
وحينئذ له أن يبيع ما يدخله في ملكه بإرث وهبة وغيرهما، ولعل من ذلك
وكلاء الأئمة ونوابهم سيما وكلاء الناحية ووكلاء المجتهدين في زمن الغيبة على
ما يتجدد من حق الخمس والزكاة وغير ذلك مما هو راجع إلى الإمام عليه السلام فتأمل
جيدا فإنه دقيق نافع لم أجد من أحاط به.
385

نعم احتمله الشهيد في حواشيه، وحكاه عن التذكرة هذا، ولعله بالتأمل فيما
ذكرناه يظهر لك أن العنوان المزبور في الشرط المذكور في غير محله، وإن انساق إلى
الذهن بعض الأفراد التي تنطبق عليه، والأمر سهل بعد معلومية الحال في كثير من
الأفراد التي هي ممنوعة مباشرة وتوكيلا، بل لا يجوز له في بعضها مباشرتها للغير
أيضا فلا يصح وكالته فيها ولا توكيله، ومنها ما يحرم عليه مباشرتها وإن جاز التوكيل
فيها ككنس الحائض والجنب المسجد.
وعلى كل حال فلو قال الموكل اشتر لي من مالك كر طعام لم يصح، إذا
كان المراد جعل الثمن في العقد من مال الوكيل لما هو معلوم من عدم جواز شراء
الانسان بماله ما يملكه غيره، فيكون وكالته فيه باطلة.
نعم لو قال: اشتر لي في الذمة واقض الثمن عني من مالك صح، لجريان الوكالة
في وفاء الدين، ولو قال اشتر لي من الدين الذي لي عليك صح، وبرء بالتسليم إلى
البايع الذي قد أقامه الموكل مقام نفسه، كما تسمعه من المصنف، ولا يكفي تشخيص
المديون قبل قبضه بعد أن لم يكن وكيلا على ذلك.
وحينئذ فلو شخص المديون الدين بنقد خاص واشترى به للموكل لم يكن
صحيحا واحتمل بعض الأفاضل صحته، وإن كان لم يبرء تماما إلا بالتسليم إلى
البايع، وحاصله أنه بذلك التشخيص يكون الملك للموكل متزلزلا ويكفي في صحة
البيع ولكن تمامه متوقف على تسليم. البايع.
إلا أنه كما ترى لا يمكن انطباقه على القواعد الشرعية، بعد فرض عدم وكالته
على التشخيص المزبور، ودعوى استفادة ذلك كله من عبارة الموكل ممنوعة، وستسمع
زيادة لذلك عند تعرض المصنف له في آخر الفصل الرابع والله هو العالم بحقيقة
الحال.
386

الفصل {الثالث: في الموكل}
{ويعتبر فيه البلوغ والعقل وأن يكون جائز التصرف فيما وكل فيه مما
تصح فيه النيابة، فلا تصح وكالة الصبي} لسلب عبارته وفعله فضلا عن عدم جواز
تصرفه {مميزا كان أو لم يكن} أذن فيه وليه أو لم يأذن، كما عرفته غير مرة.
نعم {ولو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه، كالوصية والصدقة}
والعتق {والطلاق على رواية} بل في جامع المقاصد نسبة القول بها في الثلاثة الأول
إلى الشيخ وجماعة، بل فيه " إن القول به وإن كان مشهورا إلا أن مستنده غير واضح "
قلت: ستعرف في كتاب الوصية أن الأقوى جوازها فيه، إذا كانت بالمعروف
لأرحامه وغيرهم، وفاقا للمشهور، أما غيرها فمحل بحث ومنع، وحينئذ لا بأس
بتوكيله فيها، ضرورة ترتب صحتها على جواز ذلك له، لأن احتمال اعتبار المباشرة
في الجواز له كما ترى، بل الظاهر بعد جوازه له، جواز تولية لغيره ممن يجوز منه
صبيا أيضا وغيره، كما أومى إليه المصنف بقوله {وكذا يجوز أن يتوكل فيه،}
لأن احتمال اختصاص اعتبار لفظه فيه نفسه بعيد عن مذاق الفقه.
{وكذا لا تصح وكالة المجنون} مطبقا أو أدوارا، بلا خلاف {و} لا اشكال،
بل قد عرفت اتفاقهم ظاهرا فيما تقدم على أنه {لو عرض ذلك بعد التوكيل أبطل
الوكالة} بل والإذن، وإن تأمل فيه المحدث البحراني بل مال إليه، لكنه في غير
محله، كما أوضحناه سابقا.
ولعل الشرط الثالث كان مغنيا عن ذكر الأولين، ضرورة عدم جواز التصرف
للصبي والمجنون، فلا تصح منهما الوكالة، ومن هنا عبر الفاضل عن هذا الشرط باعتبار
ملك الموكل مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية، ثم فرع عليه عدم الجواز للصبي
والمجنون وغيرهما، والأمر سهل بعد وضوح الحال.
387

وأما المملوك فلا خلاف {و} لا إشكال في أن {للمكاتب} منه المشروط و
المطلق {أن يوكل} في البيع والشراء ونحوها {لأنه يملك التصرف في الاكتساب}
فجاز له الوكالة فيه، نعم قد يتوقف في وكالته عن الغير في ذلك ما لم يكن اكتسابا،
ومقتضى الأصل المنع، كتوكيله في غير التكسب، وليس الإذن المستفاد من عقد
المكاتبة في التكسب يقتضي الإذن في غيره. لكن ستسمع إن شاء الله تحقيق الحال فيه
في محله.
{وليس للعبد القن أن يوكل إلا بإذن مولاه} وإن قلنا بملكه، لكونه
محجورا عليه فيه، نعم يجوز له التوكيل فيما يملك مباشرته بدون إذنه كالطلاق
كما سيأتي {ولو وكله انسان} بإذن مولاه بناء على اعتبار ذلك في صحة
وكالته {في شراء نفسه من مولاه صح} للعمومات ومغايرة المشتري للمبيع
يكفي فيها الاعتبار، مع أنها هنا حقيقية لأن المشتري حقيقة هو الموكل كما هو
واضح.
{وليس للوكيل أن يوكل} عن الموكل {إلا بإذن منه} بصريح اللفظ
أو ظاهره، أو قرينة حال أو مقال، بلا خلاف ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه،
ضرورة أن مجرد وكالته على البيع مثلا لا يقتضي وكالته، بل ولا الإذن في ايقاع عقد
الوكالة عنه للغير، أو الإذن له في ذلك كما هو واضح، وليس هو كالوصي الذي وصايته
ولاية، لا استنابة، فيجوز له الوكالة عن نفسه إلا مع نص الموصي على المنع، لعموم (1)
" فمن بدله " خلافا لابن حنبل في أحدي الروايتين عنه، وابن أبي ليلى إذا مرض
أو غاب، فجوزا توكيله الغير عن الموكل، وهو كما ترى، وأما وكالته عن نفسه
فظاهرهم أيضا أنها كالوكالة عن الموكل متوقفة على الإذن من الموكل.
لكن قد يشكل ذلك بعدم ثبوت حق للوكيل على وجه يصح توكيله، خصوصا
بعد ما اعتبروا في الموكل أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية، فلا تجدي

(1) سورة البقرة الآية 181.
388

الإذن من الموكل في الوكالة عنه نفسه في كون الأمر مستحقا كي يصح توكيله عن
نفسه، وإلا لاقتضت مجرد وكالته هذا الاستحقاق له، على وجه لا يحتاج إلى إذن
الموكل في توكيله، وصارت الوكالة حينئذ كالولاية.
ويمكن أن يكون وجهه أن له حق النيابة فيما له فعله، وهو المراد بملك
الموكل له إلا أن توقفه على إذن الموكل باعتبار توقف صيرورة فعل شخص لآخر
على الإذن منه فيه، والفرض أن الوكيل الثاني يفعل الفعل عن موكله للموكل
الأول، فلا يكون له إلا مع إذنه فيه، إذ مع عدمها إنما أذن في لفظ الوكيل الأول
مثلا أن يكون لفظا له، لا وكيله. كما هو واضح ونافع، ويأتي مزيد تحقيق لذلك
إن شاء الله عند تعرض المصنف له.
{ولو كان المملوك مأذونا له في التجارة} عن نفسه أو مولاه {جاز} له
{أن يوكل فيما جرت العادة بالتوكيل فيه} لغيره من المأذونين كذلك، {لأنه}
حينئذ بسبب العادة المزبورة {كالمأذون فيه} صريحا بلا خلاف {و} لا اشكال،
نعم {لا يجوز} له {أن يوكل في غير ذلك لأنه يتوقف على صريح الإذن عن
مولاه} أو كالصريح في جواز التعويل عليه من ظاهر لفظ أو غيره، {وله أن يوكل
فيما يجوز أن يتصرف فيه، من غير إذن مولاه مما تصح فيه النيابة كالطلاق} و
نحوه مما فيه المقتضي للجواز بلا مانع، إذ الرقية في حد ذاتها لا تمنع من التوكيل
{و} إنما هي كالحجر لسفه أو فلس.
فيجوز {للمحجور عليه أن يوكل فيما له التصرف فيه، من طلاق وخلع و
ما شابهه} مما هو غير داخل في الحجر أما ما حجر عليه فيه، فلا تجوز وكالته فيه،
لعدم كونه جائز التصرف حالها، وهي استنابة.
لكن الانصاف إن لم يكن إجماعا امكان القول بصحتها، وإن توقف تصرف
الوكيل على فك الحجر عن الموكل نحو الوكالة على طلاق امرأة وهي في طهر المواقعة
أو حال الحيض الذي لا خلاف نصا وفتوى في جوازه، وليس ذا من التعليق في شئ بل
389

ولا من الوكالة في طلاق امرأة سينكحها، فما في التذكرة " من أنه من جوز التوكيل في
طلاق امرأة سينكحها، وبيع عبد سيملكه، فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما
سيأذن له فيه الولي وكل هذا عندنا باطل لا يخلو من نظر.
{و} كيف كان ف‍ {لا} يجوز أن {يوكل المحرم في عقد النكاح ولا
ابتياع الصيد} بل ظاهرهم الاتفاق عليه، لعدم جواز أصل الفعل للموكل، فلا تجوز
وكالته فيه، بل لا تجوز وكالته عن الغير في ذلك كما ستعرف، لحرمة أصل الفعل
عليه.
نعم هذا كله في الوكالة لإرادة الوقوع حال الاحرام، أما لو حصلت الوكالة
حالته لإرادة الوقوع حال الاحلال ففي المسالك " ظاهر العبارة منعه، والأولى
الجواز " وهو مؤيد لما قلناه سابقا، لكن في جامع المقاصد " ظاهرهم عدم الجواز،
فلا يعتمد على هذا التوكيل لعدم كونه مالكا لمباشرة هذا التصرف الآن، وهو شرط
عندنا، فكان كما لو وكل في طلاق امرأة سينكحها " ثم حكي عبارة التذكرة السابقة،
إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، بعد الإحاطة بما ذكرناه.
مضافا إلى خصوص خبر الرازي (1) " قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: رجل وكل
رجلا بطلاق امرأته إذا حاضت وطهرت، وخرج الرجل فبدا له فأشهد أنه قد أبطل ما كان أمره به. وأنه قد بدا له في ذلك، قال: فليعلم أهله وليعلم الوكيل ".
هذا وتمام الكلام في حكم المحرم في محله وكذا المعتكف بناء على مساواته
له في حرمة الشراء ونحوه، فلاحظ وتأمل، وعلى كل حال فقد ظهر بما ذكرنا
أنه لا إشكال في صحة الوكالة مع اجتماع ما عرفت في الموكل.
{و} حينئذ فلا إشكال في أنه يجوز {للأب والجد أن يوكلا عن الولد
الصغير} في كل مالهما الولاية فيه كغيرهما من الأولياء، {و} كذا {تصح
الوكالة في الطلاق للغائب اجماعا} أو ضرورة لوجود المقتضي وعدم المانع، فما عن

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 1.
390

ابن سماعة من الخلاف في ذلك لا ينبغي الالتفات إليه، بل {وللحاضر على الأظهر
الأشهر بل المشهور، بل عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه بين المسلمين، لعموم الوكالة
وخصوص ترك الاستفصال في صحيح الأعرج (1) وغيره.
خلافا للمحكي عن الشيخ والقاضي والتقي فمنعوها في الثاني لقوله عليه السلام (2)
" الطلاق بيد من أخذ بالساق " المراد منه بقرينة معلومية جواز الوكالة في الغائب
أن أمره إليه مباشرة أو وكالة، وإطلاق خبر زرارة (3) عنه عليه السلام " لا تجوز الوكالة
في الطلاق " المقتصر في تقييده على الغائب عن البلد، جمعا بينه وبين النصوص
المزبورة.
إلا أنه كما ترى - مع قصور سنده ومنافاة اطلاقه الاجماع وإن حكي عن ابن
سماعة - لا يقاوم ما سمعت من الأدلة من وجوه، خصوصا مع عدم التعرض في شئ من
النصوص لغيبة ولا حضور، وإن صرح بعضها بالجواز في الأول، إلا أن اثباته لا ينفي
ما عداه كما هو واضح، والله العالم.
{ولو قال الموكل اصنع ما شئت كان دالا على الإذن في التوكيل} عن
الموكل وعن نفسه {لأنه تسليط على ما تتعلق به المشيئة} الذي يندرج فيه الفرض
فإن لفظ - ما - للعموم الذي لا فرق بينه وبين الخصوص في الاعتبار، وإن تفاوتا في
القوة والضعف فما في التذكرة من الخلاف في ذلك محتجا بأن التعميم فيما يفعله
بنفسه، فلا يتناول التوكيل - في غير محله.
{ويستحب} استحبابا إرشاديا {أن يكون الوكيل تام البصيرة فيما
وكل فيه عارفا باللغة التي يتحاور بها} في الموكل فيه، بحيث يكون مليا بتحقيق
مراد الموكل، بل عن ابن البراج وظاهر أبي الصلاح وجوبه، ولكنه ضعيف {و}
الوجه الندب.

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث - 1.
(2) الجامع الصغير ج 2 ص 57 طبع أحمد حنفي.
(3) الوسائل الباب - 39 - من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث - 5.
391

كما أنه {ينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء من يتولى الحكومة}
والخصومة عنه، إذا لم يباشر هو، وكذا يوكل من يباشر عنه جميع ما يقتضيه الحال
من التصرف الممنوعين منه وكذا غير السفهاء ممن للحاكم ولاية عليه، وكذا الحكم
في الوصي وغيره من الأولياء، إلا أن ينص الموصي على عدم التوكيل {عنهم و}
لكن {يكره لذوي المروات} من أهل الشرف والمناصب الجليلة الذين لا يليق بهم
الامتهان {أن يتولوا المنازعة بأنفسهم} لهم فضلا عنها لغيرهم.
بل قد يستفاد مما روى عن علي عليه السلام " أن للخصومة قحما، وأن الشيطان
ليحضرها، وإني لأكره أن أحضرها " عموم الكراهة المتسامح فيها، وإن تأكدت
فيهم خصوصا، إذا كانت مع ذوي الألسنة البذية.
ولا ينافي ذلك مخاصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) مع صاحب الناقة إلى رجل من قريش،
ثم إلى علي عليه السلام، ومخاصمة علي عليه السلام (2)، مع رجل رأى عنده درع طلحة، فقال
له: إنها درع طلحة أخذت غلو لا يوم البصرة، فأنكره ودعاه إلى شريح القاضي فمضى
عليه السلام معه إليه، وهي مشهورة، ومخاصمة علي بن الحسين عليهما السلام مع زوجته الشيبانية
لما طلقها وادعت عليه المهر، فإن الدواعي والضرورات الرافعة للكراهة في حقهم عليهم السلام
قائمة والله العالم.

(1) الوسائل الباب 18 - من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 14 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث 6.
392

الفصل {الرابع في الوكيل}
{ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل} بلا خلاف ولا إشكال، فلا تصح وكالة
الصبي إلا فيما عرفت، والمجنون بعد سلب عبارتهما، وما عن ابن البراج من استثناء
الإذن في دخول دار الغير وإيصال الهدية من سلب عبارة الصبي خارج عما نحن فيه
من الوكالة، مع أن ذلك مسلم بالقرائن الدالة على صدقه عمن له ذلك، لا أنه إنشاء
منه، وحينئذ فتجوز وكالة البالغ العاقل، {ولو كان فاسقا أو كافرا أو مرتدا}
للعموم، والامتناع في بعض الأفراد لأمر آخر لا ينافي صحتها في الجملة.
{و} حينئذ ف‍ {لو ارتد المسلم لم تبطل الوكالة ل‍} ما عرفت من {أن
الارتداد لا يمنع الوكالة ابتداء، فكذا استدامة} بل هي أولى للأصل، نعم قد
تبطل وكالة الكافر من حيث كونها على مسلم، كما ستعرف، وهو شئ غير ما نحن
فيه من صحة أصل وكالته، وظاهرهم كما اعترف به في جامع المقاصد والمسالك عدم
الفرق بين المرتد الفطري والملي في ذلك، ودعوى خروج الأول عن القابلية ممنوعة،
والمسلم منها بالنسبة إلى نفسه.
لكن في حواشي الكتاب للمحقق الثاني على قوله، " لأن الارتداد " إلى آخره
إلا أن تكون الردة عن فطرة ويكون رجلا، أو تكون الوكالة على مسلم، فإن
كانت غير فطرة والوكالة على غير مسلم روعي في بقاء الوكالة وعدمه عوده إلى الاسلام
وعدمه، فإن عاد فوكالته باقية، وكذا سائر تصرفاته ".
وهو كما ترى حتى بالنسبة إلى المراعاة التي ذكرها، لما عرفت من عدم المانع
من كونه وكيلا وهو مرتد، وفي حواشي الشهيد المراعاة في المرتد عن ملة إذا كان
الموكل عليه مسلما، وفيه أن المتجه حينئذ البطلان، بناء على بطلان وكالته ابتداء،
فكذا استدامة، لا المراعاة.
393

{و} كيف كان فالضابط في الوكيل هو أن {كل ماله أن يليه بنفسه}
بمعنى جواز أصل الفعل له، ولو لعدم دليل الحرمة {وتصح النيابة فيه، صح أن
يكون وكيلا فيه ف‍} تخرج العبادات وما شابهها وإن جاز أن يليها بنفسه إلا
أنه لا تصح النيابة فيها و {تصح وكالة المحجور عليه لتبذير أو فلس} لا لأنهما
كما في المسالك - يجوز أن يليا لأنفسهما بعض الأفعال، فتصح وكالتهما فيها بل في
غيرها - إذ هو كما ترى، خصوصا اضرابه، بل لأن لهما مباشرة ذلك بأنفسهما
ضرورة معلومية عدم حرمة ذلك عليهما وإنما هما ممنوعان من التصرف في مالهما،
لا أن من أحكامهما حرمة ذلك عليهما، كالمحرم الذي صح تنزيله على الضابط المزبور
فقال:
{ولا تصح نيابة المحرم فيما ليس للمحرم أن يفعله، كابتياع الصيد وإمساكه
وعقد النكاح} لما عرفت في الضابط من " كل ماله أن يليه بنفسه " إذ هو ضابط
للوكيل نفيا وإثباتا، ولذا ذكر تفريعا عليه ما دخل وما خرج، ولا يشكل ذلك
في المرتد الفطري بعدم جواز فعله ما يوقعه لغيره لنفسه، إذ قد عرفت أن المدار على
حرمة المباشرة التي لا دليل عليها، في المرتد من حيث ارتداده، وإنما لم يجز ذلك
لعدم الملك والذمة له شرعا، وفرق واضح بين جواز فعل الشئ بنفسه، وبينه
لنفسه، كما هو واضح.
وأيضا فالمنع من تولي الشئ يتبع دليله، فإن كان مفاده المنع من مباشرته
بمعنى حرمة أصل الفعل عليه، بحيث لم يجز فعله له ولغيره وكالة، وولاية، وفضولا،
كما في بعض محرمات الاحرام اتبع، وإلا اقتصر عليه، فليس مجرد الامتناع
لنفسه يقتضي الامتناع عن الوكالة فيه عن الغير، بل لعل الاستقراء في كثير من
الموارد وعمومات الوكالة كذلك يشهد بخلافه.
وبذلك بان أن المدار في الضابط المزبور أمران: أحدهما: كون الفعل مما
يجوز وقوعه من النائب وليس هو من المحرمات عليه، والثاني: كون الشئ مما
394

تصح النيابة فيه فتأمل والله العالم.
{و} على كل حال فلا خلاف ولا اشكال في أنه {يجوز أن تتوكل المرأة
في طلاق غيرها} لزوجها ولغيره، بلا خلاف فيه بيننا، بل لعل الاجماع بقسميه
عليه، ولعمومات الوكالة، {وهل تصح في طلاق نفسها قيل} والقائل الشيخ {لا}
يجوز لاشتراط المغايرة بين الوكيل والمطلقة {وفيه تردد} بل منع ضرورة
اقتضاء عمومات الطلاق الاكتفاء بمثل هذه المغايرة الاعتبارية نحو ما سمعته في غير
المقام من نظائره {و} كذا {تصح وكالتها} عندنا {في عقد النكاح} ايجابا
وقبولا {لأن عبارتها معتبرة فيه عندنا} للعمومات خلافا للشافعي المانع من
توكلها فيه إيجابا وقبولا، كالمحرم وليس بشئ كما ذكرناه في محله، وحينئذ
فهي مندرجة في الضابط المزبور الذي هو مفاد العمومات، ضرورة عدم حرمة شئ
من ذلك عليها، وقابليته للنيابة.
{و} على كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أنه {يجوز وكالة العبد إذا
أذن} له {مولاه} للعمومات، فهو مندرج في الضابط المزبور، أما مع عدم الإذن
فظاهر المتن وغيره عدم الجواز، لحرمة التصرف في مال الغير، والانتفاع به
بدون إذن مالكه، من غير فرق في ذلك بين اقتضائهما منع شئ من حقوق السيد
وعدمه.
لكن في المسالك والتذكرة جواز توكيله بغير إذنه في الأشياء القليلة إذا لم
يمنع شيئا من حقوقه.
وفيه: أن المانع إن كان ملكية المولى للمنافع كما هو الظاهر، فلا فرق بين
المنافية لحق المولى وغيرها في التوقف على الإذن، وإن كان المانع المنافاة لحق المولى
لزمه الجواز في غير ما ينافيها، سواء كانت قليلة أو كثيرة، والسيرة في مكالمته ومحادثته
إن تمت فلا يتعدى منها إلى غيرها.
وقد أطنب في المسالك في الجواب عن ذلك بما لا يرجع إلى محصل، إذ هو
395

إما دعوى دلالة القرائن على إذن السيد في ذلك، وهو خروج عن وظيفة الفقيه،
أو دعوى الإذن شرعا فيه حتى تعلم الكراهة، للسيرة المستمرة، بل وإن علمت،
لأنه كالاستظلال بحائط الغير، وفيهما معا منع واضح.
نعم قد يقال بترتب الصحة على عقده وإن بطلت وكالته، مع فرض استمرار
إذن المالك به بعد عدم سلب عبارته، بل لعله كذلك حتى مع نهي السيد، فإن
أقصى ذلك ترتب الإثم لا الفساد.
وكيف كان فالمراد في صحة وكالته بالإذن أن قبوله لا يؤثر إلا معها، بل
الظاهر أن للسيد أن يقبل عنه فيكون وكيلا وإن لم يرض هو، سواء كان بجعل
أو غيره، كما له تزويج أمته قهرا، بل ليس له عزل نفسه عن الوكالة مع نهي السيد،
بل ولا مع عدم إذنه كما هو واضح.
{و} على كل حال ف‍ {يجوز أن يوكله مولاه في اعتاق نفسه} كما جاز
وكالته في بيعها وشرائها، وليس في الأدلة ما يقتضي أزيد من المغايرة الاعتبارية
بين المعتق والبايع والمشتري ومحل الصيغة كما عرفته سابقا والله العالم.
{ولا يشترط عدالة الولي ولا الوكيل في عقد النكاح} بلا خلاف فيه بيننا،
بل ولا إشكال، فيجوز للأب والجد ذلك وإن كانا فاسقين، كما يجوز الوكالة
للفاسق فيه إيجابا وقبولا، للعمومات، خلافا للمحكي عن بعض الشافعية من اشتراط
العدالة فيهما، ولا ريب في ضعفه.
نعم في اعتبار عدالتهما في ولاية المال خلاف على ما في المسالك بل حكي فيها
عن التذكرة القطع بأن الفاسق لا ولاية له، حتى لو كان عدلا ففسق انتزع المال
منه، وأنه استشكل في ذلك في القواعد في كتاب الوصايا، وعلى كل حال هو بحث
آخر غير ما نحن فيه كما هو واضح.
{ولا يتوكل الذمي على} تحصيل حق من {المسلم للذمي، ولا للمسلم
على القول المشهور} بل في التذكرة والتنقيح وعن ظاهر المهذب والمسالك و
396

غيرهما الاجماع عليه، وهو إن تم الحجة، لا الآية (1) التي لا يخفى عليك ما في
دلالتها على ذلك، خصوصا بعد ورود تفسيرها بأن المراد من السبيل الحجة، على
أن ذلك هو سبيل صاحب الحق الذي فرعه الوكيل.
ولا إشكال في جواز مضاربة الذمي، وإن باع من مسلم وطالب بالثمن، وهي
متضمنة للوكالة، أي بعد أن كان الدليل الاجماع، لا الآية، وحينئذ فلا معنى
للتعدي عن مورد الاجماع اللهم إلا أن يدعى الأولوية الممنوعة. وإن جزم بها في الرياض
تبعا للشهيد في المسالك بل قد يقال بجواز الإذن له في ذلك، وإن لم يكن وكالة فإنها
هي مورد الاجماع المزبور.
بل قد يقال: بجواز وكالة المسلم له على استيفاء ماله في ذمة المسلم، بما للمسلم
في يده من المال، لعدم اندراجه في الاجماع الظاهر في غير الفرض، كما أنه ظاهر
في الاختصاص بما إذا تضمن الوكالة نوع قهر وسلطنة للتعبير بلفظ على، والاستدلال
بالآية.
أما غيره كالوكالة في العقد معه أو إعطاؤه دينارا مثلا فالمتجه الجواز، وفاقا،
لجماعة من متأخري المتأخرين، لعموم أدلته، خلافا للمحكي عن ابن زهرة من المنع
عن توكله على تزويج المسلمة من المسلم، وعن توكيل المسلم على تزويج المشركة
من الكافر، مدعيا عليه اجماع الإمامية، معللا ذلك بأنهما لا يملكان لأنفسهما ذلك،
وفيه منع واضح، بل قد عرفت أن الضابط في الوكيل جواز مباشرته بنفسه، لا جوازه
لنفسه والله العالم.
{وهل يتوكل المسلم للذمي على المسلم فيه تردد} وخلاف، فعن ظاهر
المفيد والشيخ في النهاية والديلمي وأبي الصلاح وابن زهرة المنع، بل عن الأخير
منهم الاجماع عليه، {والوجه} كما عن عامة المتأخرين {الجواز على كراهية}

(1) سورة النساء الآية 141.
397

للعموم السالم عن معارضة ما يقتضي المنع حتى الآية، فإنه ليس اثبات سبيل للكافر،
بناء على كون المراد منه سبيل الوكالة، لا سبيل التوكيل، وإلا لجاز للمسلم
أن يوكل الذمي على المسلم، وقد عرفت أنها إحدى الصورتين المسوغتين.
بل لعل مراد الجميع الكراهة، كما عساه يومي إليه ما عن التذكرة من
الاجماع على الجواز لكن على كراهة، فإنه لا يتم إلا بحمل عبارات القدماء التي
هي بمرأى منه على ذلك.
وربما يرشد إليه أيضا ما في محكي المختلف " ويكره أن يتوكل مسلم لكافر
على مسلم، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا اجماع الفرقة، ولأنه لا دليل
على جوازه " فإنه وإن أشعرت عبارته الأخيرة بإرادة الحرمة من الكراهة في أولها،
لكن يمكن العكس، بل لعله أولى، فيراد الجواز الخالي منها، خصوصا بعد ملاحظة
ما عن مبسوطه " يكره أن يتوكل مسلم لكافر علي مسلم، وليس بمفسد للوكالة " و
بعد معلومية دليل أصل الجواز من العمومات وغيرها، ودعوى أنه من السبيل المنفي
أيضا واضحة المنع.
وعلى كل حال فما عرفت، حكم الصور الثلاثة، أما باقي الصور الثمانية
المتصورة في المقام لأن الموكل إما مسلم أو ذمي، والوكيل كذلك، والموكل
عليه كذلك، فلا إشكال في جوازها بلا كراهة، وإلى بعضها أشار المصنف بقوله
{ويجوز أن يتوكل الذمي على الذمي} والله العالم.
{ويقتصر الوكيل في التصرف على ما} استفاد من عقد الوكالة أنه {أذن
له فيه} صريحا أو ظاهرا ولو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية أ {وما تشهد
العادة ب‍} إرادة {الإذن فيه} من حيث تعلق الوكالة علي وجه يكون وكيلا فيه،
أما لو شهدت بأنه لو علم ذلك لرضي وإلا فهو حال عقد الوكالة خال عن تصور ذلك،
فهو من التصرف بالفحوى، وإن كان سببها مورد الوكالة. لا الوكالة المعتبر فيها
قصد الانشاء، وبذلك افترقت عن الأحكام التي لم يعتبر فيها تعلق قصد الانشاء العقدية
398

كما هو واضح.
اللهم إلا أن يكون قصد تعلق انشائها بما يدل عليه متعلقها بأي دلالة تكون،
وفرض الدلالة، فيتحقق الوكالة حينئذ، ولا بد من ملاحظة ذلك في الأمثلة الآتية.
{فلو أمره ببيع السلعة بدينار} مثلا {نسيئة فباعها بدينارين نقدا صح،
وكذا لو باعها بدينار نقدا إلا أن يكون هناك غرض صحيح يتعلق بالتأجيل} كالخوف
على الثمن مع الحلول ونحوه، فإنه حينئذ لا يجوز التعدي وإذا وقع كان فضولا،
بل لعل المتجه ما في المسالك وغيرها من عدم جواز التعدي مع احتمال الغرض الصحيح
احتمالا معتدا به.
وكذا الكلام في الشراء نسيئة، بمثل ما أمره به نقدا، فلا يجوز التعدي
حينئذ إلا مع تحقق عدم الغرض، وأما الثمن المعين فيمكن كون الاقتصار عليه
ارفاقا بالمشتري إن كان معينا فلا يجوز بيعه بأزيد، ولو لم يكن معينا ففي المسالك
جاز البيع بالأكثر مع عدم العلم بالغرض، وعدم التصريح بالنهي عن الزايد، لندور
الغرض في الفرض المذكور، وأغلبية إرادة الأزيد، مع إمكان أن يريد الارفاق
المطلق، أو عدم الاشظاظ في البيع، أو سهولة المعاملة، فإنه مندوب إليه شرعا، أو
عدم زيادة الربح عن مقدار معين لغرض شرعي، أو غير ذلك، لأن هذه الأمور نادرة
في المطلق، فلا يلتفت إليها مع الاشتباه.
قلت: لا ريب في عدم جواز التعدي مع فرض الاشتباه كما جزم به في جامع
المقاصد، وبأنه لا مدخلية لكون الغرض أكثريا في أحدهما دون الآخر.
نعم لا بأس به مع فرض عدم الاعتداد بالاحتمال على وجه لا ينافي الطمأنينة
عادة بإرادة المثالية كما هو واضح.
{أما لو أمره ببيعه حالا فباعه مؤجلا لم يصح} ولم يمض {ولو كان بأكثر
مما عين، لأن الأغراض تتعلق بالتعجيل} إلا أن يفهم عدم تحلل الحلول، {ولو
أمره ببيعه في سوق مخصوص فباع في غيره بالثمن الذي عين له، أو مع الاطلاق بثمن
399

المثل صح، إذا الغرض تحصيل الثمن} فيكون ذكر السوق المخصوص حينئذ مثالا
لغيره، ولو فرض احتمال الغرض له في ذلك احتمالا معتدا به لم يجز التعدي عن
عن مفاد اللفظ، ومن هنا حكي عن التذكرة اعتبار العلم بعدم الغرض في جواز
التعدي.
بل قد يحتمل عدم جوازه وإن علم عدم الغرض إلا أنه لم يحضر في بال الموكل
إلا خصوصية السوق المزبور، بمعنى أنه لم يفهم منه إرادة المثالية، إذ عدم الغرض
أعم من ذلك، ومن ذلك يعرف ما في المسالك هنا من الاكتفاء بعدم العلم بالغرض،
خصوصا بعد اعتبار العلم بعدم الغرض، في السابق مع عدم الفرق بين المقامين.
وكذا ما فيها أيضا من أنه لو علم عدم الغرض صح البيع قطعا لكن لا يجوز
نقل المبيع إليه، فلو فعله كان ضامنا، وإنما الفائدة صحة المعاملة لا غير، ضرورة أن
الحكم فيه مثل البيع مع فرض القطع بعدم الغرض في كونه في السوق المخصوص و
بإرادة المثالية من ذكره فأي فرق بين البيع وبين نقل المبيع كما هو واضح.
فما في الرياض - من أن التجاوز بالثمن للأولوية لا تقتضي الإذن في نقل العين
إلى مكان آخر، فيده حينئذ عادية، مثل البيع الزائد على المسمى الذي هو أولى -
في غير محله، بل هو غير مفروض المسألة الذي هو ما علم بإرادة المثالية من السوق
فيه فتأمل، هذا كله فيما عرفت.
{أما لو قال: بعه من فلان فباعه من غيره لم يصح ولو تضاعف الثمن، لأن
الأغراض في الغرماء تتفاوت} بتفاوت الأشخاص، فلا يجوز التخطي حينئذ مع
الاطلاق قطعا سواء علم الغرض أو جهل الحال، بل في المسالك أم علم انتفاء الغرض
على ما يظهر من اطلاقهم وقوفا مع الإذن، لكن فيه أنه مناف لكلامهم وللواقع،
مع فرض القطع بإرادة المثالية إذ لا تفاوت في ذلك بين تعيين الثمن والزمان والمكان
والمشتري في كونه المدار.
نعم هو مؤيد لما ذكرناه سابقا من أن العلم بعدم الغرض لا يقتضي إرادة المثالية،
400

بل يمكن أن يكون لعدم خطور غير تلك الخصوصية في ذهن الموكل حال انشاء
عقد الوكالة، وحينئذ يتجه الاقتصار على ذلك لعدم اقتضاء عقد الوكالة غيره، إلا
أن هذا لا يخص المقام كما هو واضح.
{وكذا} لا يجوز التخطي فيما {لو أمره بأن يشتري بعين المال} بعبارة
صريحة أو ظاهرة كاشتر بهذا المال لاقتضاء الباء المقابلة إن لم يكن عرف يصرف
عن ذلك {فاشترى في الذمة أو} أمره بالشراء {في الذمة} على الوجه المزبور
{فاشترى بالعين} بل يكون فضولا {لأنه تصرف لم يؤذن فيه، وهو مما تتفاوت
فيه المقاصد} باعتبار خلوص المال من الشبهة، وعدم إرادة بذل غيره لو تلف وبالعكس
في الشراء بالذمة.
لكن لا يخفى عليك جريان كثير مما ذكرنا فيه أيضا، ضرورة عدم الفرق في
هذه الأمثلة، بل ولا في غيرها في ذلك، ولذا لا ينبغي الاطناب في الاكثار منها والله
العالم.
{وإذا ابتاع الوكيل، وقع الشراء عن الموكل} الذي قصد نائبه الشراء
له {ولا يدخل في ملك الوكيل} عندنا خصوصا إذا كان الشراء بعين مال الموكل
لعدم القصد ولعدم ملكه العوض و {لأنه لو دخل في ملكه لزم أن ينعتق عليه أبوه و
ولده لو اشتراهما، كما ينعتق أبو الموكل وولده}.
ودعوى أنه في الزمن الثاني يدخل في ملك الموكل يدفعها عدم أولوية ذلك
من العتق المبنى على التغليب خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الانتقال إلى الوكيل
أولا ثم إلى الموكل لأن حقوق العقد تتعلق به في الشراء بأكثر من ثمن المثل، و
لم يذكر الموكل لفظا ونحوه، ولأن الخطاب إنما جرى معه، وفيه منع تعلق
الأحكام به في نفس الأمر، وإنما تعلقت في المثال ظاهرا، لعدم العلم بقصده، والخطاب
إنما وقع على سبيل النيابة مع أنه كشراء الأب والوصي الذي وافق فيه على الانتقال
منه إلى المولى عليه، وغير ذلك مما هو واضح.
401

{ولو وكل مسلم ذميا} مثلا {في ابتياع خمر لم يصح} لعدم جواز
شراء الخمر في نفسه للموكل، فلا تقع النيابة فيه كالمحرم الذي لا يجوز له توكيل
المحل في نكاحه، ضرورة أنه كما يعتبر في الوكيل جواز ايقاعه الفعل الموكل فيه في
صحة كونه وكيلا، كذا يعتبر جوازه للموكل فيه أما إذا كان أصل الفعل وطبيعته
محرمة عليه فلا يصح التوكيل فيه أيضا كما هو واضح.
{وكل موضع يبطل} فيه {الشراء للموكل} للمخالفة أو لغيرها {فإن
كان سماه عند العقد} لفظا ونية {لم يقع عن أحدهما} أما عن الوكيل فلأن
المفروض قصد غيره، وأما عن الموكل فلفرض مخالفته، فلم يكن وكيلا عنه.
نعم يكون العقد حينئذ فضولا {وإن لم يكن سماه قضى به على الوكيل في
الظاهر} المقتضي مباشرة الشراء له باعتبار كون الخطاب معه، وأما في نفس الأمر
فمع عدم إجازة الموكل تخلص بتجديد العقد مع البائع، فإن لم يتمكن أخذ المبيع
مقاصة، فلو فرض زيادته توصل لايصال الزايد للبايع.
وكذا لو كان الشراء بعين مال الموكل الذي لم يذكر في اللفظ ولا بينة على
ذلك، وحلف البايع على نفي العلم، فإنه يثبت به البيع ظاهرا ويغرم الوكيل للموكل
مع تعذر رد العين، ولو ببذل أضعاف قيمتها لمخالفته وتفريطه في دفع عينه، ثم
يأخذ هو المبيع مقاصة، أو يدفعه للموكل من أول الأمر في وجه قوي، ويغرم
له ما زاد عليه إن كان، وإن فرض زيادته توصل إلى ايصاله إليه، ولو ذكر الموكل
لفظا وقصد نفسه وقف على إجازة الموكل ظاهرا، لكن يكون الشراء في الباطن
للوكيل إن لم يكن الشراء بعين مال الموكل، وإلا كانت نيته لغوا وبنى الحكم
على الظاهر.
بل في المسالك الحكم بذلك في الأول أيضا إذا كان للبايع غرض في تخصيص
الموكل، وفيه تأمل بناء على عدم اعتبار تعيين المشتري في البيع الذي لم يرد من البايع
فيه إلا قصد النقل عنه، وأما القابل فإن قصد غيره كان له، أو فضولا وإلا وقع البيع
402

له إذا لم يقع العقد بالعين التي هي لغير القابل.
وحينئذ فلا عبرة بقصد البايع كون المشتري شخصا خاصا، وبذلك افترق
النكاح عن البيع ونحوه، باعتبار تعيين من له النكاح فيه في العقد، بخلاف البيع، وبه
أيضا حكم بصحة البيع حال جهل البايع بكون المشتري قصد الشراء لغيره فباعه
بزعم أن المبيع له، ثم بان أنه قصده لموكله، أو لمن هو ولي عنه.
اللهم إلا أن يقال: إن القصد وإن لم يكن معتبرا في الصحة، لكن مع فرض
تشخصه من البايع بالعقد يجب مطابقة قصد المشتري معه، وإلا وقع العقد باطلا
للاختلاف، والحكم بالصحة فيما تقدم ممنوع مع فرض التشخص المزبور.
نعم لا بأس بتخيله ذلك مقارنا للعقد من دون تشخيص القصد به، ومع الشك
يحكم بعدم التشخيص أيضا، لأصالة الصحة، وحينئذ يتم ما ذكره، إلا أنه ينبغي
جعل المدار ما ذكرنا، لا خصوص تعلق الغرض بالموكل، ضرورة عدم توقف
التشخيص المزبور على الغرض، بل يمكن اتفاقه وإن لم يكن له غرض بذلك كما
هو واضح بأدنى تأمل.
{وكذا} الكلام فيما {لو أنكر الموكل الوكالة} وحلف على ذلك أي
يبطل كون الشراء له، {لكن إن كان الوكيل مبطلا} ولم يذكر الموكل لفظا ولا نية
وكان الشراء بالذمة {فالملك له} أي الوكيل {ظاهرا أو باطنا وإن كان محقا}
ونواه {كان الشراء للموكل باطنا} وللوكيل ظاهرا، وتفصيل الحال أنه إن
كان الشراء بالعين التي هي للموكل مصرحا بذلك عند العقد، أو كان بينة تشهد علي
أن العين له، أو كان البايع معترفا بذلك كان العقد فضولا ظاهرا، وللموكل باطنا
مع فرض صدقه كذلك.
وحينئذ فإن رجع المالك في العين وأخذها من البايع رجع إليه مبيعه مقاصة،
مع فرض تصديقه بكونه وكيلا، وإن رجع بقيمة العين أو مثلها على الوكيل،
لتعذر أخذها من البايع أخذ الوكيل المبيع قصاصا، وتوصل إلى رد ما فضل منه
403

عن حقه إن كان هناك فضل، وإن تلفت تخير في الرجوع، فإن رجع على البايع،
رجع على الوكيل بالمبيع مع فرض وجوده أو تلفه بتفريط.
أما لو كان قد تلف منه بلا تفريط فلا رجوع له، ضرورة ظلم الموكل له بزعمه
كما أنه لو رجع على الوكيل لم يرجع على البايع بشئ، ولو لم يعلم البايع بالحال
ولا بينه، ولم يذكر في العقد لم يجب عليه الدفع، بل يحلف على نفي العلم إن
ادعي عليه، ثم يغرم الوكيل، ويأخذ العين، أي المبيع قصاصا على الوجه
المزبور.
وإن كان الوكيل كاذبا في نفس الأمر بطل الشراء، سواء نوى المالك أو نفسه،
أو لم ينو وجاء فيه التفصيل السابق بين علم البايع بذلك وعدمه.
وفي المسالك " إن كانت العين قد تلفت عند البايع وجب على الوكيل رد العين
إليه، وإن كانت باقية عنده فخلاص الوكيل أن يصالح الموكل عليها بما دفعه من
المثل أو القيمة ثم يصالح البايع على العين إن أمكن ".
وفيه أن مقتضاه عدم ضمان الثمن على البايع مطلقا وإلا كان المتجه الخلاص
المزبور على التقديرين، ولو على قيمة الثمن أو مثله، وليس ما نحن فيه كالثمن المدفوع
عن المغصوب من العالم بغصبه الذي حكي الاجماع على عدم الرجوع به مع التلف
بخلاف البقاء، ولو لاه لكان الضمان فيه متجها، لفساد المعاملة، وكون اليد يد ضمان،
والتسليط إنما كان بعنوانها لا مجانا كما هو واضح.
هذا كله في الشراء بالعين وأما إذا كان في الذمة وذكر الموكل لفظا ونية وقع
له باطنا إن كان محقا وبطل ظاهرا فيأخذ المبيع عنه حينئذ قصاصا أو على الوجه
الآتي، وإن لم يذكره لفظا ولا نية فالشراء للوكيل ظاهرا وباطنا، وإن كان مبطلا
وذكر الموكل لفظا ونية بطل البيع مطلقا، وإن ذكره لفظا ونوى نفسه صح له باطنا
وبطل ظاهرا، وإن نواه خاصة فالسلعة للبايع باطنا مطلقا. وفي المسالك " فيشتريها
منه بالثمن إن كان باقيا وإلا دفعها إليه، ولا شئ عليه " وفيه النظر السابق.
404

{و} كيف كان فلو أراد الحل واقعا في صورة صدق دعواه في الوكالة التي
اشترى بها في الذمة ف‍ {طريق التخلص أن يقول الموكل أن كان لي فقد بعته من
الوكيل} بمقدار الثمن {فيصح البيع، ولا يكون هذا تعليقا للبيع على الشرط}
ضرورة أنه معلق عليه في الواقع، ولم يثبت اعتبار عدم هذه الصورة في التسبيب المزبور
بل مقتضى اطلاق الأدلة خلافه.
وحينئذ يصح البيع، ولا يكون اقرارا منه بالوكالة {ويتقاصان} حينئذ
قهرا ضرورة أنه يكون للموكل بسبب البيع المزبور في ذمة الوكيل مقدار ماله في
ذمة الموكل، وهو الثمن الذي أداه للبايع عنه بالوكالة المفروض صحتها واقعا، وإن
لم يكن قد أدى عنه أذن له في التأدية، وكذا لو كان المبيع في نفس الأمر للبايع
فطريق تخلصه أن يقول له بعتكها إن كان هو لي بالثمن المزبور.
{و} على كل حال ف‍ {إن امتنع الموكل من البيع} المزبور لم يجبر
عليه لعدم وجوبه عليه كما لم يجب على الوكيل شراؤه من الحاكم، وإن صح ذلك
بأن يقول له أن كان للموكل فقد بعتك إياه بمقدار ما أداه من الثمن إذا فرض أنه
قيمته، وإلا باعه بعضه وبقي البعض الآخر يدسه الوكيل في مال الموكل كما أنه لو
فرض نقصانه اشتراه منه بقيمته ويترقب مالا آخر للموكل يقاصه بما بقي له ضرورة
أنه كان الأمر كما ذكره الوكيل فالحاكم ولي الممتنع وإلا كان العقد لغوا لكن
لا يجب على الوكيل مراعاة ذلك، وإن كان هو أولى بل ولا مراعاة الطريق الأول من
التخلص.
بل {جاز} له {أن يستوفي عوض ما أداه إلى البايع عن موكله من هذه
السلعة، ويرد ما يفضل عليه} ولو بالدس في ماله {أو يرجع بما يفضل له} فيترقب
له مالا يتمكن من المقاصة منه به بمجرد انكار الوكالة لاطلاق أدلة المقاصة من قوله
تعالى (1) " من اعتدى " وقوله تعالى (2) " والحرمات قصاص " وغير ذلك والله العالم.

(1) سورة البقرة الآية 194.
(2) سورة البقرة الآية 194.
405

{ولو وكل اثنين} مثلا {فإن شرط الاجتماع} من كل منهما {لم يجز
لأحدهما أن ينفر بشئ من التصرف} وإن كان في الخصومة، وإن شرطه لأحدهما لم
يجز له خاصة الانفراد بلا خلاف ولا اشكال لا في الموضوع ولا في الحكم سواء جعل
الوكيل هما أو ذكر ذلك قيدا في وكالة كل منهما ضرورة عدم اعتبار الاتحاد في
الوكالة كضرورة عدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه.
بل {وكذا لو أطلق} الوكالة لهما بأن قال وكلتكما أو أنتما وكيلاي أو نحو
ذلك مما هو ظاهر في إرادة وكالتهما من حيث الاجتماع، بل لا يبعد الاكتفاء في ذلك
بعدم ظهور إرادة الانفراد، لوجوب الاقتصار على المتيقن بعد أن لم يكن ظهور في الانفراد.
وفي دعائم الاسلام (1) عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام متصلا بما سمعته عنه
في مسألة اطلاق الوكالة: " وإن أمر رجلين أن يبيعا له عبدا فباعه أحدهما لم يجز بيعه
إلا أن يجعل البيع لكل واحد منهما على الانفراد أولهما معا إذا اجتمعا ".
نعم لو وكل أحدهما ثم وكل الآخر فالظاهر استقلال كل منهما، وليس
وكالة الثاني عزلا للأول، كما أن وكالتهما ولا يعتبر فيها الاجتماع، وإن ذكر
بعض ذلك في الوصيين على الوجه المزبور إلا أن الأقوى خلافه إلا بالقرينة،
{و} حينئذ ف‍ {لو مات أحدهما بطلت الوكالة} مع اشتراط الاجتماع، لانتفاء
المركب بانتفاء أحد جزأيه، وإلا بطلت وكالة الضميمة بموت الآخر دون العكس
لما عرفت أيضا.
{و} على كل حال ف‍ {ليس للحاكم أن يضم إليه أمينا} لعدم ولايته
على الموكل الذي قد انتفى موضوع وكالته بالموت وفي المسالك " نبه المصنف بذلك
على الفرق بين الوصي والوكيل، حيث أن موت أحد الوصيين على الاجتماع يجوز
للحاكم الضم، والفرق أنه لا ولاية للحاكم هنا على الموكل بخلاف الوصي، لأن
النظر في حق الميت واليتيم إليه، وإذا تعذر أحد الوصيين صار الآخر بالنسبة إلى

(1) المستدرك ج 2 ص 510.
406

التصرف بمنزلة عدم الوصي، إذ لم يرض برأيه منفردا فتداركه الحاكم بنصب
شريك ".
قلت: ما ذكره وإن كان مختار جماعة، لكن قد يقال: إن المتجه بناء على
ما ذكره انتفاء الوصي حينئذ، لما عرفت من قاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد
جزأيه فينتقل الأمر إلى الحاكم، كما لو ماتا معا، لا أنه يضم مع الموجود شخص
آخر لبقاء حق الوصاية له، واحتمال إرادة تقييد ذلك بما إذا كان حيا يقتضي استقلال
الباقي بالوصاية، كما عن الأكثر، ولا مدخلية للحاكم لعدم الولاية له على من كان
له وصي. كما أوضحنا ذلك في كتاب الوصية.
اللهم إلا أن يقال إن الحاكم يقوم مقام الميت الذي هو شريك لعجزه بالموت
عن أداء ما تكلف به إلا أنه كما ترى، ضرورة اقتضاء الموت بطلان هذه الولايات
لا أنه باقية معه حتى يقوم الحاكم، لعدم الدليل على ثبوتها بعده، بل ظاهر أدلتها
اختصاصها في حال الحياة فالتمسك بالاستصحاب حينئذ في غير محله، بعد فرض ظهور
الدليل في اعتبار الحياة، وإن أمكن منعه لولا ظهور اتفاق الأصحاب على ذلك،
هذا. والمراد باجتماعهما على العقد صدوره عن رأيهما وأمرهما معا لا إيقاع كل
منهما الصيغة.
وفي المسالك " وإن كان ذلك جائزا أيضا قال: فلو وكل أحدهما في ايقاع
الصيغة أو وكلا ثالثا صح إن اقتضت وكالتهما جواز التوكيل، وإلا تعين عليهما
ايقاع الصيغة مباشرة، فيوقعها كل واحد مرة، ويمكن أن يكون هذا من مواضع
جواز توكيل الوكيل ولو أحدهما للآخر، لدلالة القرائن على أنه لا يريد مباشرة
الصيغة مرتين غالبا ".
وفيه أنه لا داعي إلى التوكيل بعد تفسير الاجتماع بما عرفت ضرورة، صدور
التصرف منهما بايقاع الواحد باطلاع الآخر وإذنه في ذلك كما هو واضح، ولو
فرض اشتراط الاجتماع في نفس الصيغة كان المتجه صدور الايجاب منهما دفعه أو القبول
407

وأما قراءة الصيغة تامة من كل واحد منهما مرة مستقلة فقد يشكل بالشك في تناول
الأدلة لمثل هذا البيع خصوصا بعد الفصل بينهما بمدة بل قد ينافيه ظاهر الأدلة
على نحو ما سمعته في امتناع التعليق المنافي لظاهر دليل السببية ويمكن حمل كلامه
على الأول هذا كله في الوكالة بقيد الاجتماع.
{أما لو شرط الانفراد، جاز لكل منهما أن يتصرف غير مستصحب رأي
صاحبه} بلا خلاف ولا إشكال، بل وجب عليه مع إرادة العزيمة من الشرط، لا
الرخصة، كما ذكروا نظيره في الوصية وكذا الحال فيما لو كان ظاهر التوكيل ذلك،
وإن لم يصرح باشتراط الانفراد والله العالم.
ويجوز وكالة الواحد عن اثنين أيضا، ولو الخصومة بينهما مع عدم التضاد في
القيام بمصلحة كل منهما كما يجوز عن المتعاقدين وعن أحدهما مع نفسه، حتى
في استيفاء القصاص من نفسه والحد والدين، لاطلاق الأدلة وعمومها.
{ولو وكل زوجته} أو عبده {أو عبد غيره، ثم طلق الزوجة، وأعتق العبد
لم تبطل الوكالة} للأصل بل في جامع المقاصد ومحكي التذكرة وظاهر المسالك
عدم بطلانها بالبيع أيضا، وإن توقف فعله حينئذ على إذن المشتري إن كان غيره،
كما لو وكله ابتداء، وعدم جواز التصرف بدون الإذن لا يقتضي بطلان التوكيل.
ولكن قد يناقش بعدم ما يدل على صحة مثل هذا العقد الذي لا إشكال في
توقفه على الإذن المعتبر في الاستدامة، كالابتداء ضرورة اتحاد مدرك اعتبارها، وفرق
واضح بين وقوع العقد على عبد الغير ابتداء فإنه من الفضولي حينئذ وبين محل الفرض
الذي قد وقع فيه العقد صحيحا للمالك فلا يتصور انقلابه فضولا.
وليس هو كإجارة الموقوف عليه إذا مات في أثنائها وانتقل الوقف إلى الطبقة
الثانية التي تكفي في بقاء صحة العقد إجازتهم، باعتبار كونهم متلقين من الواقف،
والعقد من أوله في الواقع على الفضولية، بخلاف ما نحن فيه وحينئذ فما قيل - من
أنه لو لم يستأذن المشتري نفذ تصرفه وإن ترك واجبا - لا يخلو من اشكال، لعدم ثبوت
408

النيابة الشرعية.
نعم يقع العقد منه فضولا أو صحيحا بالإذن مع فرض استمرارها، ولا فرق فيما
ذكرنا بين أن يوكل عبده ثم يبيعه أو عبد غيره ثم يبيعه بل أو يشتريه هو، ومنه
يعلم ما في القواعد من النظر فلاحظ. هذا كله في الوكالة التي هي عقد على حسب
ما عرفت.
{أما لو أذن لعبده في التصرف بماله} على وجه الاستخدام به {ثم أعتقه
بطل الإذن لأنه} على الوجه المزبور {ليس على حد الوكالة، بل هو إذن تابع
ل‍} لاستخدام با {لملك} بخلاف عقد الوكالة الظاهر في الاستقلال إلا مع القرينة،
وكذا في الزوجة المأذونة على حسب استخدام الرجال بأزواجهم فطلقها.
نعم لو فرض حصول الإذن لهما المساوقة للوكالة، أمكن حينئذ القول ببقائها،
كالوكالة ما لم تكن قرينة على التقييد، فإنها تتبع حتى في الوكالة أيضا، وقد أطنب
في جامع المقاصد في وجه الفرق بين الإذن والوكالة في الفرض.
لكن ناقشه في المسالك " بأن الوكالة لا تنحصر في لفظ، بل تصح بكل ما دل
على الإذن في التصرف، وحينئذ فيشكل الفرق بينهما ببطلان الإذن دونها، اللهم
إلا أن يستفاد ذلك من القرائن الخارجة الدالة على أن مراده من الإذن ما دام في
رقه، ومراده في الوكالة أنه مأذون مطلقا وحينئذ فلا فرق بين كون الإذن بصيغة
الوكالة وغيرها مع احتماله فتزول مع الإذن المجرد لا مع التوكيل بلفظها، حملا
لكل معنى على لفظه، ويضعف بما مر من أن الوكالة ليست أمرا مغايرا للإذن،
بل تتأدى بكل ما دل عليه، ولا فرق بين الصيغتين ".
قلت: فرق واضح بين الإذن والوكالة، ضرورة اعتبار إنشاء معنى العقدية
الذي هو الربط بين الايجاب والقبول في الثاني دون الأول، ولذا لم تبطل الوكالة
بعد تحققها إلا بالعزل، ونحوه مما تقدم سابقا باعتبار تحقق أثر العقد المستصحب
بقاؤه، بخلاف الإذن التي يكفي في عدم ترتب أثرها الشك في حصولها، ولو بسبب
409

طرو حال مغائر لحال ابتدائها، بل قد يقال: بكفاية احتمال تغير الداعي في ذلك،
بخلاف الوكالة والله العالم.
{وإذا وكل انسانا في الحكومة لم يكن} ذلك منه {إذنا في قبض الحق}
ما لم تكن ثم قرائن {إذ قد يوكل من لا يستأمن على المال} فلا يجوز له حينئذ
ذلك، ولا يبرء من عليه الحق بتسليمه.
{وكذا لو وكله في قبض المال، فأنكر الغريم، لم يكن ذلك إذنا في
محاكمته، لأنه قد لا يرتضى للخصومة} لقصوره عنها، بل وإن كان أهلا لها لأنه
تعد عن الموكل فيه، كما أنه لو كان أهلا للاستيمان في الأول لم يكن القبض له
لأنه تعد كما هو واضح وكأنه عرض بذلك إلى اختلاف الشافعية بينهم والله العالم.
{فرع}
{لو قال: وكلتك في قبض حقي من فلان فمات، لم يكن له مطالبة الورثة}
لعدم اندراجه في عبارة الوكالة {أما لو قال: وكلتك في قبض حقي الذي على فلان
كان له ذلك} لعدم تعيين المقبوض منه فيدخل الوارث بل المتبرع بخلاف الأول
الذي قد ذكر فيه المقبوض منه بلفظ " من " المقتضية لحصول ابتداء القبض منه.
بل قد يشك في وكيله، فإنه وإن كان يده يده شرعا وجزم به في المسالك وغيرها
إلا أن ذلك لا يقتضي دخوله في عبارة الموكل، وحملها على إرادة ما هو الأعم منهما
ليس بأولى من حملها على إرادة الأعم من ذلك ومن المتبرع والوارث، وخصوصا إذا
كان هو الوصي على وفاء الدين، فإنه قبض منه شرعا حينئذ باعتبار قيامهم مقامه في
ذلك، ولكن لا يخفى عليك أن المدار الفهم العرفي فتأمل جيدا.
{ولو وكله في بيع فاسد} مثلا للتأجيل بأجل غير معلوم ونحوه أو ابتياع
كذلك {لم يملك} الوكالة في {الصحيح} سواء كانا عالمين أو جاهلين أو
410

متفرقين، لعدم اندراجه فيه إلا مع القرينة عرفا على إرادة الوكالة على أجل معين
منطبق على ذلك تقريبا.
وعلى كل حال فهو غير وكيل، لا على الفاسد الممنوع شرعا، ولا على الصحيح
المفروض عدم اندراجه في عبارة الموكل، فلو باع بها أو اشترى ودفع المبيع أو الثمن
فهو فضولي، ويضمن ما دفعه مع عدم الإجازة، وقاعدة " ما لا يضمن " قد عرفت عدم
الدليل عليها بحيث يشمل المقام، ونحوه من الوكالة على مغصوب وشبهه، أو أن ما
نحن فيه ليس من مقتضاها، ضرورة استناد الضمان فيها إلى دفعه الذي هو بلا إذن،
والمسلم منها عدم ضمان نفس العين إذا كانت بفساد الوكالة أمانة شرعية في يده لا
مطلقا، بناء على عدم الضمان فيها إذا كانت أمانة من المالك بإذن خارجة عن إذن
العقد المقتضي لكونها أمانة، أو غير ذلك، لا لكونه مضمونة منه كما هو واضح بأدنى
تأمل والله العالم.
{وكذا لو وكله في ابتياع معيب} لا يجوز له التخطي إلى شراء الصحيح
لتفاوت الأغراض إلا مع قرينة حال أو مقال تقتضي التعدي.
{و} كذا {لو كان لإنسان على غيره دين فو كله أن يبتاع له به متاعا
جاز} بلا خلاف ولا إشكال {و} لكن لا {يبرأ} إلا {بالتسليم إلى البايع}
ضرورة عدم تشخص الدين إلا بقبض من هوله، أو من يقوم مقامه والفرض عدم
وكالة من عليه في تشخيصه، إذ لم يأمره إلا بالشراء به المقتضي للتسليم إلى البايع.
فحينئذ إذا فرض وقوع الشراء بمثل ما في ذمته قدرا وجنسا مثلا وأراد دفع
ذلك إلى البايع وفاء عما في ذمته لم يبرء مما للمالك في ذمته إلا بتسليم البايع،
فإن ما عينه وفاء قبل قبضه لم يتعين به مال المالك، بل هو باق على ملكه، ولو
كان الابتياع وقع بماله في ذمته على وجه صار ثمنا فلا ريب في ملكية البايع حينئذ،
وما يعينه قبل قبضه له لا يكون تعيينا، إلا أن المراد بالبراءة حينئذ الخلاص من عهدة
تسليم الثمن إلى بايعه.
411

وأما لو عين مقداره وأوقع الشراء به فمقتضى الضوابط الشرعية انتقال المبيع
إلى من عليه الدين، ضرورة كون ما عينه باقيا على ملكه، فينبغي أن يكون المبيع
له، لا لمن له الدين.
إلا أنه احتمل - في جامع المقاصد كما تقدم سابقا وتبعه في المسالك هنا -
الاكتفاء بمثل هذا الاقرار في صحة البيع لمن له الدين، وإن لم يحصل تمام الوفاء
إلا بتسليم البايع، للاكتفاء في الأول بنحو هذا المقدار من الملكية، بخلاف الثاني
وحاصله أنه بالاقرار المزبور يملكه من له الدين ملكا متزلزلا، ويتبعه التزلزل في
براءة الذمة إلى أن يتسلم البايع ذلك منه، فتستقر البراءة حينئذ من هذه الجهة.
إلا أن ذلك مناف للضوابط الشرعية، ضرورة عدم حصول الملك ولو متزلزلا
لمن له الدين بعد أن لم يكن وكيلا فيه، ودعوى استفادة ذلك من عبارة الوكالة
المزبورة ممنوعة، ولو سلم فالمتجه حصول تمام البراءة باقراره وتشخيصه، لأن
الفرض كونه وكيلا في ذلك، والتسليم إلى البايع أمر آخر، قد وكل فيه أيضا،
فلا يقتضي عدم حصول الوفاء تماما إلا بالتسليم، كما هو واضح بأدنى تأمل والله العالم.
الفصل {الخامس فيما به تثبت الوكالة}
على وجه تجري عليه جميع أحكامها {و} لا خلاف كما لا اشكال في أنه {لا
يحكم ب‍} ثبوت {الوكالة بدعوى الوكيل} وإن جاز الأخذ مما في يده مع عدم
المعارض {ولا بموافقة الغريم} وإن ألزم باقراره، إلا أنه ليس اثباتا شرعيا يمضي
على الموكل لو أنكر {ما لم يقم بذلك بينة، وهي شاهدان} جامعان للشرائط،
وكذا بالاستفاضة التي لا تفيد العلم، بل في الكفاية الاشكال فيها معه، وإن كان في
غير محله، ضرورة أنه ما وراء العلم من شئ.
وما أبعد ما بين ذلك وبين احتمال الثبوت بها، وإن لم تفد العلم، لدعوى عدم
412

الفرق بينها، وبين ما صرحوا بثبوته بها، كالهلال ونحوه، وإن كان هو أيضا كما ترى
بعد حرمة القياس، وبعد فرض ثبوت المقيس عليه بها وإن لم تفد العلم.
{و} على كل حال ف‍ {لا تثبت} أيضا {بشهادة النساء، ولا بشاهد
واحد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين، على قول مشهور} في الجميع، بل في المسالك
" لا أعلم به مخالفا " بل في جامع المقاصد والتنقيح نفيه، بل في التذكرة ومجمع
البرهان الاجماع عليه، لكن في مفتاح الكرامة عن كشف اللثام عن الشيخ في المبسوط
في كتاب الشهادات أنه قوى قبول شاهد وامرأتين في الطلاق والخلع والوكالة والوصية
والنسب ورؤية الأهلة.
بل حكي عن الصدوق والمفيد والشيخ في النهاية وسلار وابني حمزة وزهرة
ما هو ظاهر في قبول شهادة النساء فيها، وإن كان الذي تقتضيه قواعد المذهب الأول
لما عرفته من الاجماعات المعتضدة بنفي الخلاف، وبقاعدة أصالة عدم ثبوت الحق وغيرها،
فلا ريب حينئذ في ذلك، لعدم كونها مالا، وإن تعلقت به، باعتبار كونها ولاية عليه،
إلا أن ذلك لا يقتضي صحة اثباتها بالمزبورات التي ستعرف إن شاء الله في محله اشتراط
قبولها بما لا يكفي فيه مثل هذا التعليق، وإن كان في صحيح ابن مسلم (1) والاكتفاء
بالشاهد واليمين في حقوق الناس، إلا أن الظاهر إرادة ما لا يشمل ذلك منه في مقابلة
العامة المنكرين حجية ذلك بالمرة إلا أن الانصاف ما تسمعه إن شاء الله في كتاب القضاء.
نعم لو ادعى جعلا على وكالة قد فعل مقتضاها أمكن ثبوت الجعل نفسه بها،
لأنه مال دونها، ولا يستلزم ذلك تبعض مقتضى الشهادة، بل هو بمنزلة دعويين
ثبتت إحديهما دون الأخرى، نحو ما ذكروه في السرقة من اثبات نفس المال بذلك،
دون القطع، وإن تأمل فيه في مجمع البرهان على ما قيل.
بل عن بعض متأخري المتأخرين أن ثبوت الجعل والمال دون الوكالة والسرقة
لا ينطبق على القواعد والأصول، بل هو مما تنكره بديهة العقول إلا أنه كما ترى،

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث - 12.
413

ضرورة صدق اشتمال الفرض على المال، فيشمله ما دل على حجية ذلك فيه، وغيره
مما اعتبر الشارع في اثباته شيئا مخصوصا والله العالم.
وكيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في ثبوتها بتصديق الموكل، وبالشاهدين
الجامعين للشرائط المجتمعين على مشهود عليه متحد في الزمان والمكان وغيرهما من
عقد خاص أو إقرار كذلك، بل الظاهر عدم الحاجة إلى حكم الحاكم بهما، لعموم
دليل الحجية وللسيرة، {و} لغير ذلك مما ذكرناه في نظائر المسألة.
أما {لو شهد أحدهما بالوكالة في تاريخ والآخر في تاريخ آخر قبلت شهادتهما
نظرا إلى العادة في الاشهاد، إذ جمع الشهود لذلك في الموضع الواحد قد يعسر} ولأن
المشهود عليه في الحقيقة متحد، إذ هو كونه وكيلا، والاختلاف في تاريخ الشهادة عليه
أو في مكانه لا يقتضي اختلافا فيه، بعد أن لم يذكرا سببه من اقرار أو انشاء، على أن
ذا التاريخ السابق شاهد بكونه وكيلا في اللاحق، وكذا بالنسبة إلى المكان، فلا ريب
في اتحاد المشهود عليه وإن اختلف تاريخ شهادتهما أو مكانها.
{وكذا لو شهد أحدهما} باستفادة {أنه وكله بالعجمية} من الموكل
{والآخر بالعربية، لأن ذلك يكون إشارة إلى المعنى الواحد} وهو الاتصاف
بكونه وكيلا {و} إن اختلفا في طريق استفادتهما له.
{لو اختلفا في لفظ العقد بأن يشهد أحدهما أن الموكل قال} في عقده:
{وكلتك ويشهد الآخر أنه قال: استنبتك لم تقبل} في المشهود {لأنها شهادة
على عقدين، إذ صيغة كل واحد منهم مخالفة للأخرى} والفرض عدم ثبوت كل
منهما {و} لكن مع ذلك {فيه تردد} عند المصنف {إذ مرجعه إلى أنهما
شهدا في وقتين} على تحقق وصف الوكالة بتعدد إنشاء أو تعدد اقرار أو إنشاء
وإقرار.
{أما لو عدلا عن حكاية لفظ الموكل واقتصرا على ايراد المعنى} الذي هو
كونه وكيلا {جاز وإن اختلفت عبارتهما} بلا خلاف ولا إشكال، وبذلك ظهر
414

لك أن الاطناب من المسالك أو غيرها في الايراد على عبارة المصنف الأولى - وأنها
منافية للمشهور من عدم قبول الشهادة مع الاختلاف في التاريخ إلا في الاقرار الذي
له نسبة في الخارج وقد حصل المقتضى وهو اتفاقهما على الاقرار بها والأصل عدم
تعدد نسبته بخلاف الانشاء - في غير محله.
بل قال في ذيل كلامه بعد الاطناب في بيان الفرق بين الاقرار وغيره " هذا
غاية ما يمكن توجيه ما ادعوه من الفرق، ومع ذلك لا يخلو من نظر. فكيف بما
أطلق المصنف " إذ قد عرفت أن عبارة المصنف الأولى صريحة أو كالصريحة في اطلاق
الشهادة بالوكالة، من دون تعرض للاقرار والانشاء، كما أن المراد من الثانية
الاختلاف في استفادة الوكالة من الموكل بالعربية وغيرها خصوصا بعد ملاحظة تعليله
وقوله بعد ذلك " ولو اختلفا في لفظ العقد " الذي قد أفتى به على وفق المشهور، ثم
تردد فيه.
إنما الكلام فيما تردد فيه فنقول إن مبنى قبول الاقرار في وقتين الاتفاق على
حصول المقتضي مع عدم العلم بحصول الاختلاف، لا حصول الاتحاد فيهما، ضرورة عدم
العلم، لاحتمال كون الاقرار الثاني بوكالة جديدة متعقبة لفسخ الأولى مثلا، و
أصالة عدم الاختلاف لا يقتضي العلم بحصول الاتحاد فليس المبنى حينئذ إلا ما عرفت،
وهو بعينه يمكن تقريره في الصيغتين في وقتين المقتضي لعدم تكاذبهما فيما شهدا به،
إذ ليس هو كشهادتهما باختلافهما في الوقت الواحد المقتضي للتناقض المانع من قبول
ذلك منهما.
وحينئذ مع فرض شهادة كل منهما بصيغة في وقت، أو بصيغة واحدة في وقتين
يقال أيضا: أن مقتضى التوكيل قد حصل، وقد اتفقا على حصول مقتضاهما الذي هو
الوكالة، والأصل عدم اختلاف مقتضى الثانية مع الأولى، إذ يمكن تكريرها للاحتياط،
أو إرادة الاشهاد على الانشاء، بل قد يقال بعدم المانع في الوكالة ونحوها من تجديد
صيغتها.
415

ودعوى أن الثانية بعد الأولى لغو، لا وجه لها، على أن الحكم بذلك متوقف
على العلم بحصول الأولى، وحينئذ يتم المشهود عليه، وبالجملة التأمل الصادق يقتضي
عدم الفرق بين الشهادة على الاقرار في وقتين أو الانشاء في وقت والاقرار في آخر،
الذي صرح في المسالك بأنه مقتضى التعليل في المتن وبين ما نحن فيه.
بل لعله أولى بالقبول من الأخير الذي لم يحصل شاهدان على إنشائه ولا على
إقراره، إلا أنهما متفقان على حصول وصف الوكالة وهو كاف، ولعله لذلك ونحوه
حكي عن الأردبيلي الجزم بموافقة المصنف على مقتضى تردده.
نعم بناء على كون الاتحاد شرطا ويعتبر العلم به يتجه عدم القبول فيه، وفي
الاقرار أيضا ولو حمل عبارة المصنف على إرادة الشهادة على لفظ العقد في وقت ولفظه
في وقت آخر على معنى أن الشاهد الثاني يشهد على صدوره من الموكل مكررا له
ولو باقرار منه حينئذ يكون الوجه في قبوله أوضح، إذ ليس فيه إلا اختلاف الوقت
فتأمل جيدا وقد يأتي في كتاب القضاء والشهادات ما ينفع في المقام إن شاء الله.
ولو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده، والآخر أنه وكله وزيدا، أو
أنه قال: لاتبعه حتى تستأمر زيدا فلا ريب في عدم ثبوت أحدهما كما جزم به في
القواعد وغيرها.
لكن قد يقال: يمكن الحكم بالصحة حينئذ لو باع هو وزيد أو مستأمرا لزيد
على وجه يمضي على الموكل لو أنكر، ضرورة عدم نفي الأول للثاني، وحينئذ
يدخل فيه ويتم اتفاقهما على هذا الفرد.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك منهما يقتضي الاختلاف في العقد، ويأتي فيه الكلام
السابق، وكذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده والآخر في بيع عبده وجاريته
صفقة، فإنه وإن لم يثبت الوكالة في أحدهما بالخصوص، لكن لو باع صفقة يمكن
القول بحصول الاتفاق منهما على مضي بيع العبد في حق الموكل، دون الجارية بعد فرض
عدم أخذ الانفراد في بيع العبد، أما إذا لم يقل صفقة فلا ريب في ثبوت الوكالة في العبد،
416

دون الجارية، كما لو شهد أحدهما في بيعه لزيد، والآخر في بيعه له وإن شاء
لعمرو، ولو شهدا بوكالته ثم قال أحدهما: عزله، لم تثبت الوكالة، ولو كان الشاهد
بالعزل ثالثا ثبتت الوكالة دونه، بناء على اعتبار التعدد فيه.
بل في جامع المقاصد ومحكي التذكرة الاجماع على عدم ثبوته بخبر العدل، بل
قال في الأول: إن المراد مما في النص والفتوى من الاكتفاء بخبر العدل الانعزال
به بعد ثبوت العزل، وفائدة الأخبار حينئذ كون العزل الواقع غير نافذ لولاه لجهل
الوكيل به لا ثبوت العزل به.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه من منافاته لظاهر صحيح هشام بن سالم (1) المتقدم
سابقا من ثبوت العزل به، وأنه كالمشافهة فلا يبعد القول بأن الصحيح المزبور من
باب الأخبار، لا الشهادة، بل لعله ظاهر بعضهم أو صريحه، والاجماع المزبور لم
نتحققه، بل لعل المتحقق خلافه كما أوضحنا بعض ذلك فيما تقدم.
{و} كيف كان فلا خلاف ولا اشكال في أنه {إذا علم الحاكم بالوكالة حكم
فيها بعلمه}، كغيرها من حقوق الناس وحقوق الله تعالى، بل عن الانتصار والخلاف
والغنية والسرائر الاجماع عليه، فما عن أبي علي من الخلاف في ذلك، في غير محله،
بل قيل: إنه مناف لضروري المذهب حيث أطبق الإمامية على الانكار على أبي بكر
في طلب البينة من سيدة النساء التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا. والله
العالم.
{تفريع}
{لو ادعى الوكالة عن غائب} مثلا {في قبض ماله من غريم، فإن أنكر
الغريم فلا يمين عليه} بناء على عدم إلزامه بالتسليم لو صدقه في العين والدين

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 1.
417

الذي ستعرف الكلام فيه، ومنه تعرف ما في كلامنا في اليمين هنا حتى في الدين مع
فتواه بالالزام لو صدق.
{و} على كل حال ف‍ {إن صدقه فإن كانت عينا لم يؤمر بالتسليم} من
الحاكم عند الترافع إليه لتعلق إقراره في حق الغير الذي لم تثبت الوكالة في حقه،
لتصديقه المحتمل لكذبه، ولغيره، ولكن لا يمنعه لو دفع باعتبار عدم المعارض، و
من هنا لم أجد خلافا في شئ من ذلك إلا ما عن مجمع البرهان من التأمل في عدم
وجوب التسليم مع التصديق، وإنه إن تم لم يجز له الدفع.
وفيه أن وجوب التسليم إن قلنا به فهو في حقه باعتبار اقراره الذي لا كلام
لنا فيه، بل قد يقال بترتب الضمان عليه من هذه الجهة، لو بان أنه وكيل إلا
أنه لا يقتضي إلزام الحاكم له به على وجه الحكومة القاطعة للنزاع بحيث يترتب عليها
مباشرته للدفع مع فرض الامتناع منه، وهو المراد من قول المصنف وغيره " لم يؤمر "
بل لعل ذلك هو الداعي للتعبير به دون عدم الوجوب.
وليس المقام كمن في يده مال وادعى الوكالة في بيعه مثلا، فإنه يؤمر بالتسليم
لو باعه، وإن كانت دعواه غير نافذة أيضا على المالك، إلا أنه لما كان يده على المال وهو
يصدق فيه كان معاملا في الظاهر معاملة الثابت، بخلاف ما نحن فيه فتأمل فإنه
لا يخلو من دقة.
{و} كيف ف‍ {لو دفع إليه كان للمالك} الذي لم يثبت في حقه الوكالة
ولو بيمينه {استعادتها} من كل منهما للعدوان المتحقق فيهما يظاهر الشرع
{فإن تلفت} بغير تفريط {كان له إلزام أيهما شاء} بالكل أو البعض لذلك
{مع} فرض {إنكاره الوكالة، ولا يرجع أحدهما على الآخر} لو رجع عليه،
لكونه ظالما عندهما في رجوعه، أما مع التفريط فيتجه رجوع الدافع لو رجع عليه
المالك على الوكيل بعد غرامته أو قبلها بالمطالبة في وجه.
418

{وكذا} الكلام بالنسبة إلى الأمر بالتسليم لو صدقه فيما {لو كان الحق}
الذي ادعى الوكالة عليه {دينا و} لكن {فيه تردد} وخلاف، بل لعل الأقوى
هنا أنه يؤمر بالتسليم وفاقا للمحقق الثاني والشهيد الثاني والخراساني وعن الحلي،
لاختصاص الاقرار في حقه، ضرورة أنه يدفع الدين من خالص ماله، وإذا أنكر من
له ذلك فهو على حجته، خلافا للمحكي عن الشيخ ويحيى بن سعيد، والفاضل في
الإرشاد والده والكاشاني، من مساواته للعين، لأن تسليمه إنما يكون عن الموكل
ولا ينفذ إقرار الغريم عليه باستحقاق غيره لقبض حقه، ولأنه لا يؤمر به إلا إذا كان
مبرء للذمة على وجه يطالب به بعد ذلك، ومن ثم يجوز لمن عليه الحق الامتناع من
التسليم للمالك للاشهاد عليه، وهنا ليس كذلك كما عرفت، ولأن الدافع على جهة
كونه مال الغائب لم يثبت ما يقتضيه، والدفع على غير هذا الوجه غير واجب.
والجميع كما ترى، ضرورة عدم توقف الأمر بتسليمه على نفوذ إقراره في
حق الغريم، بل يكفي فيه تعلقه في حقه من غير معارضة لحق الغير، فهو كما لو
أقر بالحوالة عليه من الغريم لشخص خاص، فإنه لا إشكال في أمره بالدفع إليه.
وإن لم ينفذ ذلك في حق الغريم، بل هو على حجته بلا خلاف أجده بين من تعرض
لذلك.
نعم قد احتمل بعضهم عدم وجوب الدفع فيه أيضا، لكنه في غير محله، بل
اعترف بعضهم بأنه في غاية الضعف، بعد أن نسب إلى الشافعي، ضرورة عدم انقطاع
الاحتمال حتى مع الاشهاد على المالك لامكان موتهما وفسقهما وغيبتهما وغير ذلك،
وحينئذ فاحتمال الضرر مع إمكان دفعه بطريق من الطرق لا يصلح مانعا لدفع الحق
إلى وكيل مالكه باعتراف الغريم، مع أنه يمكن فرض المسألة في حال القطع بعدم
الضرر للغريم.
بل من المعلوم أن جهة البحث هنا غير ذلك، والدفع على أنه مال الغائب
يكفي في ثبوت مقتضيه بالنسبة إلى ذلك الاقرار المزبور الذي لا يتوقف إلزامه بمقتضاه
419

عملا " باقرار العقلاء " (1) وبوجوب دفع الحق إلى صاحبه المطالب به على نفوذه في
حق الغير، كما هو واضح بأدنى تأمل.
و {لكن} ينبغي أن يعلم أنه على كل حال {في هذا لو دفع‍} ه الغريم
للوكيل و {لم يكن للمالك} بعد إنكاره الوكالة وعدم إجازته القبض {مطالبة
الوكيل، لأنه لم ينتزع عين ماله، إذ لا يتعين إلا بقبض وكيله وهو ينفي كل
واحد من القسمين} وبذلك افترق عن العين التي عرفت مطالبة كل {و} أحد
منهما بها.
نعم {للغريم أن يعود} بعد غرامته أو قبلها في وجه {على الوكيل إن كانت
العين باقية أو تلفت بتفريط منه ولأدرك عليه لو تلفت بغير تفريط} لتصديقه بوكالته
المقتضية عدم ضمانه.
وقد ظهر لك بما ذكرنا أنه على المختار يجب على الغريم اليمين لو ادعى
الوكيل عليه العلم بوكالته في الدين دون العين، للقاعدة المشهورة المعلومة {و}
هي " {كل موضع يلزم الغريم التسليم} فيه {لو أقربه يلزمه اليمين إذا أنكر}
وقد عرفت أنه يؤمر الغريم بالدفع مع التصديق، فيتوجه عليه اليمين مع إنكاره.
ومن ذلك يعلم أنه لا وجه لاطلاق نفي اليمين ممن قال بأنه يؤمر بالتسليم،
وكذا يجب اليمين لو ادعى عليه العلم بأنه الوارث لصاحب الحق الذي في ذمته،
للقاعدة المزبورة، أما إذا ادعى عليه العلم بأنه وارث في الجملة فقد قيل بعدم وجوب
اليمين عليه، لأنه لا يؤمر بالتسليم لو صدقه، لعدم إمكان القسمة، وفي إطلاق ذلك
نظر واضح.

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كتاب الاقرار الحديث - 2 -.
420

الفصل {السادس: في اللواحق وفيه مسائل}
{الأولى:} لا خلاف بين المسلمين ولا إشكال في أن {الوكيل} سواء كان
بجعل أو غيره كما هو صريح بعض وظاهر الباقين {أمين} بالنسبة إلى أنه {لا
يضمن ما تلف في يده إلا مع التفريط أو التعدي} كغيره من الأمناء الذين قد
عرفت الدليل على عدم ضمانهم من النص والاجماع فيما مضى من الكتب السابقة
وكذا بالنسبة إلى تصديقه بدعوى التلف، إلا ما يحكى عن بعض العامة، فيما
إذا ادعاه بأمر ظاهر، وأما بالنسبة إلى قبوله في الرد، وفي الاقرار على الموكل
وغير ذلك، فسيأتي البحث فيها.
المسألة {الثانية:} قد عرفت فيما مضى أنه لا اشكال ولا خلاف عندنا في أنه ليس
للوكيل أن يوكل غيره، ولو عن نفسه إلا بإذن الموكل التي بها يكون قول
الوكيل الثاني، حيث يكون وكيلا عن الوكيل نفسه قولا للموكل، فهو حينئذ
له تعلق بهما معا.
وحينئذ ف‍ {إذا كان أذن لوكيله أن يوكل} عنه أو عن نفسه فلا اشكال
وإن أطلق، فظاهر القواعد ومحكي السرائر والتذكرة وصريح جامع المقاصد ومحكي
مجمع البرهان أنه يوكل عن الموكل، واحتمل غير واحد أنه يوكل عن نفسه
لأن المراد التسهيل عليه، ولكن ظاهر المتن التخيير بينهما.
وعلى كل حال {فإن وكل عن موكله كانا وكيلين له} بلا خلاف {و} لا
اشكال ف‍ {تبطل وكالتهما} معا {بموته} وجنونه، {ولا تبطل بموت أحدهما
ولا بعزل أحدهما، صاحبه} لعدم ارتباط وكالة أحدهما بوكالة الآخر، {و}
إنما كان الأول واسطة عن الموكل في وكالته.
نعم {إن وكله عن نفسه} حيث يكون له ذلك بالإذن من الموكل فيه
421

أو بالاطلاق بناء على اقتضائه ذلك {كان له عزله} وتبطل وكالته بموته وجنونه،
وبعزل الموكل له، بلا خلاف ولا اشكال، ضرورة أنه فرعه، خلافا للمحكي عن
الشافعي، في أحد قوليه، فلا ينعزل بعزل الوكيل، لأن التوكيل فيما يتعلق
بالموكل وبإذنه يقتضي كون الحق له.
وفيه ما سلف من أن الإذن من الموكل إنما هي في صيرورة فعل وكيل الوكيل
فعلا له بالواسطة، فالتوسط حينئذ ملحوظ، ووكالته مركبة منهما، {فإن مات
الموكل} أو جن أو أغمي عليه أو عزل الأول {بطلت وكالتهما} معا {وكذا
إن مات وكيل الأول} أو جن تبطل وكالة الثاني وهذا كله لا إشكال في شئ منه،
إلا في دعوى تعيين المراد من الاطلاق الذي هو إن كان منشؤه الانسياق منه عرفا أمكن
منعه، وأنه إلى الاجمال أقرب من ذلك، حتى التغيير الذي لم نجد به قائلا إلا دعوى
ظهور عبارة المصنف، واستقر به في المسالك إن كان قولا.
قال: " فإن العبارة على تقدير انحصار الأمر في الوجهين الأولين يمكن
حملها على ما يوافقهما، بأن يجعل قوله " فإن وكل عن موكله " بأن كان مضمون
توكيل الموكل له ذلك، وكذا القسم الآخر إلا أنه لا ضرورة إلى ذلك، فإن
المسألة محتملة، والوجه ليس أبعد منهما ".
قلت: ما ذكره في حمل العبارة لا يصلح لتنزيل الاطلاق عليه، بل يكون مبنيا
على تصريح الموكل له بذلك، وهو ليس محلا للبحث، كما أن دعوى عدم بعده لا
يقتضي رجحانه على غيره مع أن كلا منهما مفهوم مغاير للآخر، وإرادتهما معا خصوصية
كخصوصية أحدهما، ولذا حكموا ببطلان التوكيل بعدم ذكر الموكل فيه، ولم
ينزلوا ذلك على الاطلاق الذي هو أحد الأفراد، ولذا كان مجملا.
وما نحن فيه وإن لم يكن كذلك باعتبار ذكر المتعلق، وهو توكيل الغير،
إلا أنه قريب منه باعتبار عدم ذكر الموكل عنه أنه الموكل أو الوكيل، أو كل
منهما، ولم يستعمل لإرادة الاطلاق، بل ولا يفهم منه إلا بالقرينة الدالة على ذلك،
422

ولو قطع النظر عن مفاد العبارة فليس في الأدلة ما يقتضي تعيين فرد من الأفراد الثلاثة.
والتأمل في كلامهم يعطي كمال التشويش في مبنى ما ذكروه من التعيين ويزيده
ما في المسالك من أنه لو كان مستند الإذن في التوكيل القرائن الحالية يحتمل الأوجه
الثلاثة، وتوقف في التذكرة، وقطع في السرائر أن الثاني يكون وكيلا للوكيل،
وهو متجه، ضرورة أن الحكم في القرائن اتباع خصوص ما دلت عليه، ومع فرض عدم
دلالتها على خصوص فرد من الثلاثة فالمتجه الاجمال، لا ما ذكره عن التحرير، نعم
ما ذكره من أنه " لو كان المستند في الإذن القرينة المقالية يكون كما لو أطلق " قد
يكون له وجه، في بادي النظر، مع أن التأمل الصادق يقتضي خلافه، مع فرض
كونها قرينة، لا أنها إطلاق لفظ، وحينئذ فالمتجه اتباع ما أفادته من أحد الأفراد،
وإلا فالاجمال إلا أن يثبت أصل من الشرع يقتضي الوكالة عن الموكل، أو عن الوكيل
أو عنهما بمجرد الإذن في التوكيل، هذا وقد ذكر الفاضل وغيره اعتبار الأمانة في
وكالة الوكيل، بل قيدها بعضهم بالعدالة إلا أن يعين الموكل غيره، بل في القواعد
وغيرها أنه لو تجددت الخيانة وجب العزل.
ولكن لا يخفى عليك عدم الدليل الشرعي على اعتبار ذلك في خصوص الفرض
بل هو ليس إلا من مراعاة المصلحة التي هي مناط تصرف الوكيل ومن المعلوم عدم
اختصاصها بذلك، خصوصا فيما إذا أراد توكيله على ايقاع الصيغة ونحوها، مما لم
تكن له يد على مال، كما هو واضح. ويمكن تنزيل كلامهم على ذلك فلاحظ وتأمل
والله العالم.
المسألة {الثالثة} لا خلاف ولا إشكال في أنه {يجب على الوكيل تسليم ما
في يده إلى الموكل} أو وكيله {مع المطالبة وعدم العذر فإن امتنع} حينئذ على
وجه نافى خطاب الرد عرفا {من غير عذر ضمن} قطعا بل {و} إجماعا للعدوان
في استمرار يده بعد انقطاع الإذن في ذلك بالمطالبة.
نعم {لو كان} له {هناك عذر لم يضمن} بلا خلاف أجده فيه، كما عن
423

التذكرة الاعتراف به، إلا أنك قد عرفت سابقا في الوديعة أنه ليس في شئ من النصوص
تعليق الحكم وجودا وعدما على العذر كي يكون المدار عليه، ويتجه القول بأنه
عذر عقلي وشرعي وعرفي وإن من الأخير التشاغل باتمام الحمام، والطعام، والنافلة،
وانتظار انقطاع المطر ونحو ذلك أولا حتى اضطرب كلام بعضهم فيها، فحكم هنا به
بأنها أعذار دون الوديعة التي تناسب السهولة فيها.
بل هي أولى بعد مثل ذلك فيها عذرا باعتبار اختصاص المصلحة فيها للمالك،
بخلاف الوكيل الذي يمكن أن يكون له جعل، وظاهرهم المفروغية من عذرية
الواجب الشرعي وإن استلزم ذلك طول التأخير، كالحج الواجب، والاعتكاف
المنذور ونحوها، إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع بعد ما عرفت من خلو الأدلة عن
العنوان المزبور.
فالمتجه حينئذ المحافظة على صدق الفورية العرفية في الأداء التي لا ينافيها
إتمام بعض الأعمال، ولا عدم الاسراع في المشي مثلا، وعلى الترجيح عند التعارض مع
الواجبات المنافية لذلك، كما أوضحنا ذلك في كتاب الوديعة.
بل إن لم يكن ثم اجماع اتجه القول بالضمان مع التأخير المنافي للفور عرفا،
لعذر شرعي لأصالة الضمان في مال المسلم المحترم كدمه، أو لقاعدة على اليد التي
لا ينافيها عدم الإثم في الامتناع، وإن انفسخت الوكالة والوديعة.
وليس في الأدلة ما يقتضي عدم الضمان في كل ما أذن شرعا ببقائه في يده على
وجه يشمل القرض، وقد أشرنا سابقا إلى احتمال الضمان مع تصديق الوكيل، وإن
جاز له التأخير لعدم البينة كما أنه محتمل أيضا في التأخير لإرادة الاشهاد فتأمل
جيدا فإنه يمكن القول بأن المفروض من الأمانة الشرعية التي لا تندرج في العموم
المزبور، باعتبار عدم صدق الأخذ على الاستدامة، نحو وقوع الثوب في اليد بإطارة
الريح ونحوه فيبقى أصل البراءة سالما كما أشرنا إليه سابقا في نظائر المقام، بعد منع
أصالة الضمان الذي حصروا أسبابه في أسباب مخصوصة والله العالم.
424

{و} كيف كان ف‍ {لو زال العذر فأخر التسليم ضمن} بلا خلاف ولا إشكال،
لأنه من المغصوب باعتبار كون الاستيلاء عليه بغرض، فتندرج في قوله عليه السلام (1) " كل
مغصوب مردود "، أي ولو بالمثل أو القيمة كما هو واضح.
{ولو} امتنع مثلا من الرد بعد المطالبة به مع الاعتراف به ثم {ادعى بعد
ذلك أن تلف المال} قد كان {قبل الامتناع، أو ادعى الرد قبل المطالبة، قيل
لا تقبل دعواه، وإن أقام بينة} لتكذيبه لها بالاقرار المفروض سابقا واختاره جماعة
{والوجه} عند المصنف {أنها تقبل} لعموم البينة على المدعي، خصوصا إذا
أظهر لإقراره الأول وجها ممكنا، كنسيان أو اعتماد على كتابة ونحوها، إلا
أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا في الوديعة من أن المتيقن من
الخبر المزبور ما إذا لم يكذبه.
على أنه معارض بما دل على حجية الاقرار، بل هو كذلك لو أنكر أصل المال،
فإنه وإن كان إنكارا إلا أنه إقرار في حقه، على وجه ينافي سماع بينته.
نعم إذا لم يكن حال امتناعه من الرد معترفا بوجود المال، ولا منكرا لأصل
قبضه، ولكن كان ذلك مماطلة، اتجه حينئذ سماع بينته.
نعم إذا لم يكن حال امتناعه من الرد للخبر، ولعدم صدور ما ينافيها منه كما
أنه يتجه ذلك لو ادعى الرد بعد الامتناع منه، بل والتلف بالنسبة إلى عدم الالزام
بالعين، فتسمع حينئذ البينة منه، كما هو واضح.
بل قد يقال في الأول بسماع قوله في التلف فضلا عن بينته، لأن ذلك المطل
الذي قد كان منه لا يقتضي عدم قبول قوله في التلف أو الرد بناء على القول به لعموم
ما دل عليه أو إطلاقه والمطل المزبور يمكن أن يكون حياء من المالك أو لغير ذلك من
الوجوه الصحيحة، لكن في القواعد ومحكي التذكرة والسراير التصريح بعدم قبول
غير البينة منه في الفرض المزبور والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الغصب الحديث - 3 - وفيه " لأن الغصب
كله مردد ".
425

المسألة {الرابعة: كل من في يده مال لغيره} ممن تتوجه له الدعوى به ولو غصبا لا مثل الزكاة والخمس {أو في ذمته} كذلك {فله أن يمتنع من التسليم حتى
يشهد صاحب الحق بالقبض} حال وقوعه {ويستوي في ذلك ما يقبل قوله في رده
وما لا يقبل إلا ببينة، هربا من الجحود المفضي إلى الدرك أو اليمين.
وفصل آخرون بين ما يقبل قوله في رده} كالوديعة {وما لا يقبل} كالعارية
{فأوجبوا التسليم في الأول} وإن لم يشهد {وأجازوا الامتناع في الثاني إلا مع الاشهاد}
بل عن آخرين أيضا التفصيل في الثاني بين أن يكون بينة على أصله وعدمه، فيجب
التسليم في الثاني لتمكنه حينئذ من الانكار بنحو " لا تستحق عندي شيئا " وشبهه،
دون الأول.
{و} على كل حال ف‍ {الأول أشبه} عند المصنف ومن تأخر عنه، بل عن
بعض متأخري المتأخرين نفي القائل منا بالتفاصيل المزبورة وإنما هي للشافعية، وإن
كان فيه ما فيه، لأن الأول محكي عن المبسوط والثاني عن يحيى بن سعيد.
بل في محكي السرائر تقييد الحكم بما إذا لم يؤد الاشهاد إلى تأخير الحق،
فإن أدى إلى ذلك فالوجه وجوب الدفع فيما يقبل فيه قوله باليمين، بل عن الأردبيلي
التوقف في أصل الحكم ولعله كذلك للعقل والنقل كتابا وسنة في وجوب دفع الحق
إلى صاحبه مع مطالبته، وخصوصا مع الضرر العظيم في تأخيره عنه، وتعذر الاشهاد
المعتبر أو تعسره في كثير من المقامات، فلا يخالف ذلك الاحتمال ترتب ضرر عليه
بالانكار، مع أن الأصل عدمه، وربما يطمئن الدافع في كثير من المقامات بعدم
وقوعه منه.
على أن الاشهاد المزبور لا يرفع الاحتمال المذكور، لامكان موت الشهود و
غيبتهم وخروجهم عن تأهل الشهادة، بل يمكن أن يدعى عليه العلم بخطاء الشهود
ونحو ذلك، فيتوجه عليه اليمين الذي يمكن إنكار كونها ضررا على الحالف بحيث
يجوز له منع الحق عن مستحقه، إلى غير ذلك مما لا يخفى وروده على اطلاق الحكم
426

المزبور، ولذا سمعت من الفاضل في التحرير التقييد المزبور، وإن كان هو غير مجد في
رفع الاشكال من أصله، كما أن التفاصيل المزبورة كذلك أيضا.
نعم قد يقال: إن من في يده مال الغير مثلا لما كان مأمورا بدفعه وايصاله إلى
من له الحق، فهو مخير في طرق الايصال التي لا تنافي الفورية العرفية، وليس فيه
ضرر على المالك، فمع فرض التشاح فيها منهما بأن أراد من عليه الحق الايصال
المشتمل على الشهادة بالوصول إليه، وأراد المالك خلافه، كان الدافع هو المقدم،
لأنه المخير والفرض عدم الضرر على المالك، مع احتمال الضرر على الدافع في غيره.
أما حال تعذر الشهود أو تعسر هم أو نحو ذلك مما كان فيه الضرر، بتأخير الحق
عن صاحبه المطالب به فلا ريب في تقديم جانب المستحق كما سمعته من الفاضل في
التحرير، فإن أمكن حينئذ حمل كلام المصنف وغيره من الأصحاب على ذلك، أو
أما يقرب منه كان له وجه، لا ما عساه يظهر منه من جواز الامتناع حتى يشهد، وإن
استلزم ذلك التأخير سنة أو أزيد، لتعذر الشهود أو تعسرهم وغير ذلك مما لا ينطبق
على القواعد الشرعية من دون نص معتبر، أو إجماع كذلك، بخلاف ما قلناه المبني
على ترجيح المستحق عليه على المستحق، في اختيار بعض طرق الايصال التي لا ضرر
فيها على المالك على الوجه المزبور.
ولعل ذلك مبنى القول بالتفصيل، وإن لم ينقحوه على القواعد، ولم يلحظوا قاعدة
تزاحم الحقين، وميزانه الموافق للضوابط فلاحظ وتأمل فإن المقام منه، بعد تسليم
كون حق الاشهاد لمن عليه الحق معلوما من الكتاب والسنة وعلى كل حال فلا يلزمه
دفع الوثيقة إذا كانت ملكا له، وقد أشهد على نفسه بالقبض، للأصل مع اندفاع الضرر.
المسألة {الخامسة: الوكيل في الايداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن}
إذا أنكر الودعي بلا خلاف محقق أجده فيه، وإن حكى في المسالك القول بوجوب
الاشهاد، إلا أنا لم نجده لأحد من أصحابنا.
نعم عن التذكرة الاشكال فيه، وهو في غير محله، ضرورة عدم كون ذلك
427

تفريطا عرفا، خصوصا في الوديعة المبنية على الاخفاء، ولذا لم يكن تركه كتركه
في ردها إلى وكيل المالك، تفريطا بها، بلا خلاف أجده فيه أيضا، ولو أنكر المالك
الدفع إلى الودعي، فالقول قول الوكيل الذي هو أمين على ذلك، هذا كله في وكيل
الايداع.
{و} أما {لو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن} لو أنكره
كما عن الشيخ والفاضل في جملة من كتبه، وولده والشهيدين والمحقق الثاني
للتفريط {و} لكن في المتن {فيه تردد} وكذا القواعد، بل كأنه قال به في
محكي المختلف، بل عن الأردبيلي الجزم بذلك ولعله لعدم صدق التفريط عرفا،
لا أقل من الشك، والأصل عدم الضمان، مضافا إلى السيرة والله العالم.
المسألة {السادسة: إذا تعدى الوكيل في مال الموكل} بلبس ونحوه
{ضمنه} قطعا {و} لكن {لا تبطل وكالته} على بيعه مثلا بلا خلاف أجده بين
من تعرض له، إلا ما يحكي عن أبي علي وأحد وجهي الشافعية {لعدم التنافي} بين
الضمان بسببه الشرعي، وبقاء الوكالة المستصحب المحتاج رفعه إلى فاسخ شرعي أو
انشاء عزل المالك، كما تقدم الكلام في نظائره من الرهن، ومال القراض، والعارية
بل والوديعة، وإن ظهر من بعض العبارات انفساخها بذلك، لكنه في غير محله، بل
الظاهر بقاء أحكام الأمانة غير الضمان.
نعم لو فرض اعتبار عدالته في وكالته، أمكن انعزاله حينئذ بالفسق بالتعدي
كما هو واضح، {و} حينئذ ف‍ {لو باع الوكيل ما تعدى فيه وسلمه إلى المشتري
برئ من ضمانه} بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في المسالك، بل في محكي
التذكرة الاجماع عليه {لأنه تسليم مأذون فيه فجرى مجرى قبض المالك} المعلوم
انقطاع الضمان به، ولا يكون الثمن مضمونا لعدم التعدي فيه.
نعم رجح ثاني المحققين والشهيدين عدم زوال ضمانه بالبيع قبل القبض، لأنه
ربما بطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري، فيكون التلف من ملك الموكل، وفيه أن
428

ذلك يقتضي الانفساخ من حينه على الأصح، فيكون قد تلف وهو ملك المشتري وإن
اقتضى ذلك انفساخ البيع، كما لورده المشتري على الوكيل بعيب، حيث يكون وكيلا
عليه أيضا بعد الرد ولو بالوكالة الأولى، فإنه قد صرح في المسالك بعدم الضمان فيه
والفرق بينهما غير واضح.
اللهم إلا أن يكون قد بنى الأول على الانفساخ من الأصل به كما لعله -
الظاهر من آخر كلامه، وبما ذكرنا يظهر لك النظر أيضا فيما عن التحرير من
التوقف في الضمان في الأول، والجزم به في الثاني، كما عن التذكرة، كما أنه يظهر
منه أيضا انقطاع الضمان عنه ببيعه بالخيار إلى مدة يفسخ فيها، فضلا عن أن يكون
الفسخ من المشتري، لانقطاع أثر سبب الضمان للأول بالخروج عن ملكه ولو
متزلزلا، واحتمال تبعية وصف الضمان لتزلزله لا دليل عليه، بعد معلومية انقطاعه
بالانتقال المزبور، فليس العود حينئذ إلا كعوده من المالك، بعد وصوله إليه فهو
كالاستيمان الجديد فتأمل جيدا والله العالم.
المسألة {السابعة إذا أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع جاز}
بناء على جواز اتحاد الموجب والقابل، كما هو المشهور بل المجمع عليه بين المتأخرين
بل عن التذكرة الاجماع عليه في ثلاثة مواضع، لاطلاق الأدلة وعمومها، وخصوص
ما ورد منه في الجد والأب والوصي وبعض النصوص الآتية.
{و} لكن مع ذلك {فيه تردد} مما عرفت، ومن أن المنساق من الأدلة
التغاير، لا أقل من الشك، والأصل عدم ترتب الأثر، ولذا حكي الخلاف فيه عن
جماعة، بل عن غاية المراد نسبته إلى كثير من أصحابنا إلا أنه قد ذكرنا في البيع
{وكذا في النكاح} أن الأصح الأول، وأنه لا شك في تناول الأدلة، إنما
الكلام فيما إذا أطلق الموكل البيع أو الشراء مثلا.
فهل يدخل الوكيل - فيجوز له البيع والشراء من نفسه من دون اعلام الموكل
لصدق البيع والشراء، فيندرج - في الموكل فيه -
429

ولخبر إسحاق بن عمار (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام يجئ الرجل بدينار
يريد مني دراهم فأعطيه أرخص مما أبيع، قال: اعطه أرخص ما تجد له أولا؟
لانسياق غيره من الاطلاق، ولو لسبق التهمة إلى الذهن، أو الشك في تناوله له.
وللنصوص، كخبر ابن الحكم (2) عن الصادق عليه السلام إذا قال لك الرجل اشتر
لي فلا تعطه من عندك، وإن كان الذي عندك خيرا منه.
وخبر إسحاق (3) سألته عليه السلام أيضا عن الرجل يبعث إلى الرجل، فيقول له:
ابتع لي ثوبا، فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له بالسوق فيعطيه من
عنده قال: لا تقربن هذا ولا يدنس نفسه إن الله عز وجل يقول " إنا عرضنا الأمانة "
إلى آخره وإن كان ما عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده ".
وخبر القلانسي (4) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل - يجيئني بالثوب
فأعرضه، فإذا أعطيت به الشئ زدت فيه وأخذته قال: لا تزده.
وخبر ابن أبي حمزة (5) " سمعت الزيات يسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال: جعلت
فداك إني رجل أبيع الزيت يأتيني من الشام فآخذ لنفسي مما أبيع قال: ما أحب
لك ذلك، قال إني لست أنقص لنفسي شيئا مما أبيع، قال: بعه من غيرك ولا تأخذ
منه شيئا، أرأيت لو أن الرجل قال لك: لا أنقصك رطلا من دينار كيف كنت تصنع
لا تقربه " خلاف:
فعن الفاضل في التذكرة والمختلف والنهاية والتلخيص ولواحق رهن القواعد
وولده في الإيضاح والشهيد في الحواشي وصريح أبي الصلاح أو ظاهره الأول، وعن
المبسوط والخلاف والإرشاد ووكالة القواعد الثاني بل عن التذكرة أنه المشهور
ولعل الأقوى الأول للصدق عرفا وامكان حمل النصوص المزبورة بعد الغض

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب آداب التجارة الحديث 3 - 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب آداب التجارة الحديث 3 - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب آداب التجارة الحديث 3 - 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب آداب التجارة الحديث - 1.
(5) الوسائل الباب - 6 - من أبواب آداب التجارة الحديث - 2.
430

عما في السند والاجمال في الجملة في خبر القلانسي منها كما يظهر من حواشي التهذيب
على ضرب من الكراهة للتهمة ونحوها، خصوصا مع اشعار قوله فيها لا يدنس ونحوه
بذلك.
مضافا إلى خبر ميسر (1) " قلت له يجيئني الرجل فيقول تشتري لي ويكون
ما عندي خيرا من متاع السوق قال: إن أمنت أن لا يتهمك فاعطه من عندك، وإن خفت
أن يتهمك فاشتر له من السوق " مؤيدا ذلك كله بما ورد (2) من جواز أن يأخذ
لنفسه من وكل على تقسيم مال للمحاويج، وكان بصفتهم، وجواز حج الوصي بنفسه
عمن هو وصي عنه والله العالم.
الفصل {السابع في التنازع وفيه مسائل}
{الأولى: إذا اختلفا في الوكالة، فالقول قول المنكر لأنه ا} لموافق ل‍ {لأصل
المقتضي لاندارجه في قوله عليه السلام (3) " البينة على المدعي واليمين على من أنكر "
سواء كان المنكر الموكل، أو الوكيل الذي قد يدعي غيره وكالته لغرض من الأغراض
كما لو كان قد اشترى شيئا ادعى الموكل أنه اشترى له بالوكالة عنه، فأنكر المشتري
أصل الوكالة، أو كانت الوكالة مشروطة في عقد لازم لأمر لا يتلافى حين النزاع للتوقيت
أو لتلف العين التي اشترط الوكالة عليها، فادعى البايع مثلا أنه قد وكله لإرادة
لزوم العقد، وأنكر هو ذلك لإفادة التسلط على الفسخ.
{ولو اختلفا في التلف} وعدمه {فالقول قول الوكيل} وإن كان مخالفا
للأصل {لأنه أمين} بالنسبة إلى ذلك، بمعنى كونه مقبول القول فيه، بلا خلاف
أجده، بل لعله كذلك بين المسلمين، فضلا عن صريح الاجماع في المبسوط والسرائر

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب آداب التجارة الحديث - 4.
(2) الوسائل الباب - 84 - من أبواب ما يكتسب به.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث - 3.
431

وجامع المقاصد والمسالك على ما حكي عن بعضها، بل ظاهر الأكثر ومعقد الاجماع
ونفي الخلاف ما هو صريح بعض من عدم الفرق بين كونها بجعل وبدونه، ضرورة
كونه أمينا على كل حال، بل وبين كون التلف المدعى بسبب ظاهر، كالغرق و
الحرق، أو خفي كالسرقة ونحوها، وإن حكي عن الشيخ في الوديعة الخلاف في ذلك
إلا أن المحكي عنه هنا التصريح بذلك، ولعله لذا كان ظاهر المسالك الاجماع على
ذلك هنا.
وقد عرفت فيما مضى من الكتب السابقة ما يدل من النصوص وغيرها على قبول
دعوى الأمين في ذلك مطلقا، حتى في الصناع {و} إن سمعت الخلاف فيه في كتاب
الإجارة، على أنه {قد يتعذر إقامة البينة بالتلف غالبا فاقتنع بقوله دفعا لالتزام}
الأمين المحسن وغيره ب‍ {ما تعذر غالبا} لقاعدة العسر والحرج والاحسان والأمانة.
بل قد يستفاد من التعليل في بعض النصوص الواردة في قبول قول الامرأة في الحيض
والطهارة منه (1) ونحو ذلك، اقعاد هذه القاعدة أيضا وهي " أن كل أمر يتعذر إقامة
البينة عليه غالبا أو يتعسر، يقبل قول مدعيه بيمينه " ولعله إليه أومى المصنف بما
ذكره {ولو اختلفا في التفريط} ولو بالتعدي فيه {فالقول قول منكره، لقوله
عليه السلام (2) " البينة على المدعي، واليمين على من أنكر} كما هو واضح و
الله العالم.
المسألة {الثانية إذا اختلفا في دفع المال} الذي هو في يد الوكيل من حيث
وكالته {إلى الموكل فإن كانت} الوكالة {بجعل كلف البينة، لأنه مدع} و
قابض لمصلحة نفسه، فلا يساوي الوديعة {وإن كانت بغير جعل، قيل: القول قوله
كالوديعة} في الاحسان {وهو قول مشهور} كما عن الصيمري والكفاية، بل عن
غاية المراد أنه مذهب الشيخ والاتباع، بل عن ظاهر المهذب البارع أو صريحه

(1) الوسائل الباب - 47 - من أبواب الحيض.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث - 3.
432

الاجماع عليه.
{وقيل} كما عن ابن إدريس وجماعة من المتأخرين {القول قول المالك
وهو الأشبه} بأصول المذهب وقواعده التي منها " البينة على المدعي واليمين
على من أنكر " ومنها أصالة عدم الرد وغيرها، ولا ينافي ذلك قبول قوله في الوديعة
للنص والاجماع، بعد حرمة القياس، وإن حصل الجامع الذي هو الأمانة،
والاحسان، والقبض لمصلحة المالك وتأدية عدم القبول إلى انسداد باب قبول الأمانة
إلا أن الجميع كما ترى، لا يطابق المذهب بعد عدم معلومية كون ذلك هو العلة
شرعا، والأمانة أعم من قبول القول في الرد، كما أن النهي عن الاتهام لا يقتضي
ذلك، بل ظاهره خلاف ذلك.
بل وكذا قاعدة الاحسان الظاهرة في نفي السبيل على المحسنين في إحسانه، لا
في قبول دعواه، على أنه لو سلم أن من مقتضاها ما نحن فيه لاتجه القبول بلا يمين
لأنه نوع سبيل، كما أوضحنا ذلك في الوديعة والعارية.
{أما الوصي فالقول قوله في الانفاق} على الطفل أو على دوابه أو على
عقاره فضلا عن دعوى التلف من غير تعد ولا تفريط بلا خلاف أجده فيه، لأنه أمين
بالنسبة إلى ذلك و {لتعذر البينة فيه} بل والبيع للمصلحة والقرض لها ونحو
ذلك مما ادعاه حال أمانته {دون} دعوى {تسليم المال إلى الموصى له} بعد
بلوغه ورشده الذي هو كدعوى الرد في المسألة السابقة.
بل في المسالك أن ظاهرهم عدم الخلاف في تقديم قول الموصى له، واليتيم في
عدم القبض هنا، ولعله كذلك للفرق بينه وبين ما تقدم بأن دعوى الرد هنا على
من لم يأتمنه، بخلافه هناك، وفي محكي المبسوط قد جعل ذلك ضابطا في كل أمانة
حتى في الوديعة لو ادعي ردها على الوارث، وإن كان قد عرفت عدم الفرق عندنا
بين الجميع في أن القول قول منكر الرد إلا في الوديعة المدعى ردها على المالك أو
وكيله للنص والاجماع لما عرفت.
433

{وكذا القول في الأب والجد ومن حصل في يده ضالة} أو لقطة لاتحاد
المدرك في الجميع وهو عموم قوله " البينة على المدعي واليمين على من أنكر "
بعد عدم اقتضاء الأمانة وقاعدة الاحسان القبول في ذلك وبعد حرمة القياس على
الوديعة كما عرفت الكلام فيه والله العالم.
المسألة {الثالثة: إذا ادعى الوكيل} وقوع {التصرف} الذي وكل
عليه {وأنكر} ذلك {الموكل مثل أن يقول: بعت} المتاع وتلف الثمن منى
مثلا {أو} قال {قبضت} المبيع لك مثلا وتلف مني وأنكر ذلك الموكل ليترتب
على الأول غرامة الوكيل المبيع عينا أو قيمة وفي الثاني عدم غرامة الثمن من الموكل
لكون المبيع قد تلف قبل قبضه فلا ثمن عليه.
{قيل} والقائل غير واحد أن {القول قول الوكيل، لأنه أقر بماله أن
يفعله} فيندرج تحت الأصل المعروف الذي " هو من ملك شيئا ملك الاقرار به "
وعليه بنوا نفوذ اقرار الصبي فيما له أن يفعله كالوصية والعتق والتصدق،
وكذا قبول قول العبد المأذون في التجارة فيما يتعلق بها، والولي في تصرفه بمال
المولى عليه.
{ولو قيل: القول قول الموكل} لأصالة لعدم {أمكن} بل في جامع
المقاصد هو أمتن دليلا، وعن مجمع البرهان كأنه أظهر وعن موضع من التذكرة
أن القول قوله خصوصا إذا كان النزاع بعد العزل وإن كنت لم أتحققه.
و {لكن} مع ذلك كله {الأول أشبه} بأصول المذهب وقواعده التي
منها ما سمعت، ومنها أنه أمين قد نهى عن تخوينه الذي منه تكذيبه، وأنه محسن،
وإن كان في عدم تصديقه العسر والحرج المنفيين بالآية (1) والرواية واختلال نظام
المعاملات بانصراف رغبة الناس عن معاملات الأولياء والوكلاء والمأذونين خصوصا
في المضاربات، ولأنه بتوكيله أقدم على قبول قوله فيما يفعله، فيجب أن يصدقه كما

(1) سورة الحج الآية 78.
434

ألزم بتصديقه في دعوى التلف التي هي عند القائل ليس إلا لأنه أمين وصاحب يد على
ما اؤتمن عليه.
وبذلك كله ظهر لك أن تقديم قول الوكيل في هذه المسألة ليس لأن اقراره
إقرار من الموكل، ضرورة عدم ما يقتضي ذلك في شئ من الأدلة بل فيها ما يقتضي
خلافه، ولذا كلف باليمين بل إنما هو للنهي عن تهمة الأمين المراد منه تقديم قوله
على قول المالك عند التنازع، ومنه المقام الذي لم أجد خلافا صريحا فيه بل في
مصابيح الفاضل الطباطبائي نسبته إلى تصريح الأصحاب إلا من شذ بل فيها عن الصيمري
اتفاق الفتوى على ذلك، بل قد تشعر عبارة المتن بذلك أيضا حيث نسبه إلى الامكان
على تقدير القول به وستسمع الكلام في المسألة العاشرة.
المسألة {الرابعة: إذا اشترى انسان سلعة، وادعى} بعد ذلك {أنه وكيل
لإنسان فأنكر} الانسان وكالته {كان القول قوله مع يمينه} لأن الأصل عدم
الوكالة {ويقضى على المشتري بالثمن} لظهور مباشرة العقد في كون الشراء له
{سوا اشترى بعين أو في الذمة، إلا أن يكون ذكر أنه يبتاع له في حالة العقد}
أو قامت البينة على أن عين الثمن للموكل أو نحو ذلك، كما تقدم الكلام في ذلك
مفصلا.
مع أنه {و} اضح كوضوح الحكم فيما {لو قال الوكيل: ابتعت} بقصد
أنه {لك فأنكر الموكل أو قال ابتعت} بقصد أنه {لنفسي فقال الموكل: بل لي
فالقول قول الوكيل} بيمينه {لأنه أبصر بنيته} المتعلقة بفعله بلا خلاف ولا
اشكال، مع فرض كون الاختلاف في النية التي لا تعلم إلا من قبله.
بل ربما استظهر من عبارة المتن قبول قوله بلا يمين لعدم تصور الدعوى عليه
إلا على القول بسماعها مع التهمة أو أن اليمين حق له على كل حال أما لو فرض
إمكان الاطلاع على قصده ولو باقراره فقد توقف بعض متأخري المتأخرين في قبول
قول الوكيل للأصل، لكن فيه ما عرفت من لزوم تقديم قوله مع فرض التداعي معه
435

لأنه أمين والله العالم.
المسألة {الخامسة: إذا زوجه امرأة} بعنوان التوكيل كما فرضه جماعة،
أو مطلقا كما هو مقتضى اطلاق المصنف وغيره، بل والدليل خصوصا صحيح الحذا (1)
الذي تسمعه {فأنكر الوكالة ولا بينة كان القول قول الموكل مع يمينه} لأنه
منكر بلا خلاف ولا اشكال.
{ويلزم الوكيل مهرها} الذي أوقع العقد عليه كما عن النهاية والوسيلة
والنافع وكشف الرموز والتحرير والإرشاد والقواعد والقاضي والكيدري لا
لأن المهر يجب بالعقد كملا ولا ينتصف إلا بالطلاق المفقود في المقام وقد فوته الوكيل
عليها بتقصيره في الاشهاد، ولا لأنه أقر بأنه أخرج بضعها عن ملكها بعوض لم يسلم
إليها فكان عليه الضمان، فإن كل من أقر باخراج ملك عن غيره لعوض لم يسلم
ضمنه له، لتفريطه - إذ هما كما ترى.
بل لخبر محمد بن مسلم (2) عن الباقر عليه السلام " في رجل زوجته أمه ولم يقبل
فقال: إن المهر لازم " لأنه بناء على تنزيله على دعوى الوكالة، بل عن الشيخ وأتباعه
العمل به على ظاهره، {و} لكن يمكن حمله على ما {روي} من لزوم {نصف
مهرها} كما تسمعه في صحيح الحذاء فتتفق النصوص جميعا حينئذ على النصف
الذي عمل به الشيخ والحلي ويحيى بن سعيد والفاضل في التذكرة والفخر و
غيرهم على ما حكي به في المسالك وغيرها أنه المشهور.
لخبر عمر بن حنظلة (3) " عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل قال لآخر اخطب لي
فلانة فما فعلت من شئ مما قاولت من صداق، أو ضمنت من شئ أو شرطت فذلك
رضائي وهو لازم لي، ولم يشهد على ذلك، فذهب وخطب له وبذل عنه الصداق و

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث - 1.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث - 3.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أحكام الوكالة الحديث - 1.
436

غير ذلك مما طلبوه وسألوه. فلما رجع إليه، أنكر ذلك كله، قال يغرم لها نصف
الصداق عنه، وذلك أنه هو الذي ضيع حقها، فلما لم يشهد لها عليه بذلك الذي
قال له، حل لها أن تتزوج، ولا يحل للأول فيما بينه وبين الله عز وجل إلا أن
يطلقها، لأن الله تعالى يقول: فامساك بمعروف أو تسريح باحسان " فإن لم يفعل
فإنه مأثوم فيما بينه وبين الله عز وجل. وكان الحكم الظاهر حكم الاسلام وقد أباح الله
عز وجل لها أن تتزوج ".
وصحيح أبي عبيدة (1) عنه عليه السلام أيضا " في رجل أمر رجلا أن يزوجه امرأة
من أهل البصرة من بني تميم فزوجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم، قال:
خالف أمره، وعلى المأمور نصف الصداق لأهل المرأة ولا عدة عليها ولا ميراث بينهما
فقال بعض من حضر فإن أمره أن يزوجه امرأة ولم يسم أرضا ولا قبيلة ثم جحد الآمر أن
يكون أمره بذلك بعد ما زوجه، فقال: إن كان للمأمور بينة أنه كان أمره أن يزوجه
كان الصداق على الآمر وإن لم يكن له بينة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة
ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها، ولها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقا وإن لم
يكن سمى لها فلا شئ لها ".
ومن ذيله يعلم أن المراد بالصداق أولا النصف، كما يعلم إرادة المرأة من
" الأهل " فيه وإلا كان دالا على وجوب مهر ونصف ولم يقل به أحد ولا وجه له
ولعله لعدم تنقيح المراد من هذا الصحيح واشتمال الأول على التعليل الذي لا يوافق
الضوابط واستبعاد الالتزام بمقتضاها الشامل للوكالة التي أخبرها بها، وللفضولية ونحو
ذلك مما لا غرور فيه واحتمالها ضمان الوكيل المهر بعد العقد والاعتراف بالوكالة،
{و} التنصيف حينئذ تنزيلا لانتفاء النكاح ظاهرا منزلة الفسخ بالطلاق.
{قيل:} وإن لم نعرف القائل به غير واحد قبل المصنف {يحكم ببطلان
العقد في الظاهر} لعدم ثبوت الوكالة {و} عدم غرامة شئ على أحد منهما.

(1) الوسائل الباب - 26 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث - 1.
437

نعم {يجب على الموكل أن يطلقها} فيما بينه وبين الله تعالى بلا خلاف
أجده فيه، بل في جامع المقاصد لا ريب فيه وقد نطق به الكتاب والسنة من قوله تعالى (1)
" فامساك بمعروف " وقاعدة الضرر والضرار وحفظ الأنساب ونحو ذلك {إن كان
يعلم صدق الوكيل، وأن يسوق إليها نصف المهر} {و} لا ريب في أن {هذا}
القول {قوي} بحسب القواعد، بل مال إليه جماعة منهم الفاضل وولده وثاني
الشهيدين، بل جزم ثاني المحققين بأنه أصح.
لكنه مخالف للشهرة البسيطة، أو المركبة، أو الاجماع كذلك، الجابرة
للنصوص المزبورة التي لا أقل من الفتوى بالمتيقن منها وهو النصف فيما لو غرها
بدعوى الوكالة صريحا وعدم علمها بصدقه، دون باقي الصور، وإن دل عليه الخبران أو
أحدهما.
وعلى كل حال فلا اشكال في صحة طلاق الموكل لها وإن لم يعترف بالزوجية.
بل صرح غير واحد بصحته منه وإن أوقعه معلقا، كقول إن كانت زوجتي فهي طالق،
لعدم كونه تعليقا مانعا، ضرورة عدم اقتضائه تأخير الأثر، على أنه عالم بالحال
وعلقه على أمر معلق عليه في الواقع، وإليه يرجع ما في الروضة " لأنه أمر يعلم
حاله، وكذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم جمعة: إن كان اليوم الجمعة،
فقد بعتك كذا أو غيره ".
لكن في الرياض " إنه كذلك إذا لم يكن الانكار مستندا إلى نسيان التوكيل،
وإلا فلا يصح " وفيه أن الظاهر الصحة حتى مع ذلك، ولعدم دليل يقتضي بطلانه
كذلك بل مقتضى الاطلاقات الصحة، ومن هنا أطلق من عرفت. ومنه يعلم ما في
تعليل الروضة السابق.
وأما المرأة فلا إشكال ولا خلاف في أن لها التزويج وإن لم يطلق الموكل
إذا لم تكن عالمة بالوكالة، لأنها خلية في ظاهر الشرع كما أفصح به الخبر المزبور.

(1) سورة البقرة الآية - 229.
438

نعم لو كانت عالمة بصحة الوكالة لم يكن لها ذلك، وليس للحاكم اجبار الزوج
عليه. نعم قد يقال: بأن له الطلاق عنه مع امتناعه من وقوعه، فيؤثر أثره حينئذ مع
فرض الزوجية في الواقع للامتناع عن القيام بها والطلاق، وإلا لم يحتج إلى طلاق.
وربما احتمل أن لها الفسخ أو للحاكم، أو البقاء على الزوجية حتى يفرج الله
عنها بموت ونحوه، ولعل ما ذكرناه أولى بعد عموم ولاية الحاكم لمثل ذلك،
لقاعدة الضرر وغيرها، وللآية (1) ونحوها والله العالم.
المسألة {السادسة: إذا وكله في ابتياع عبد ف‍} ادعى أنه {اشتراه}
له {بمئة، فقال الموكل: اشتريته بثمانين، فالقول قول الوكيل} كما اختاره
جماعة منهم الشيخ في المحكي من مبسوطه {لأنه مؤتمن} والفعل فعله من غير
فرق بين كون الثمن من غير مال الموكل. أو في ذمته، {و} لكن {لو قيل:
القول قول الموكل. كان أشبه} بأصالة البراءة من الزايد ونحوها {لأنه غارم}
بالأخذ من ماله المعين المجهول ثمنا أو الأداء عن ذمته، بل عن الارشاد ومجمع
البرهان اختياره، بل لعله مقتضى ما تقدم للتذكرة، إلا أنه مناف لما سمعته من
المصنف في المسألة الثالثة. ولما يأتي له في العاشرة.
والتحقيق ما عرفت وتعرف من أن التداعي إن كان بين الموكل والوكيل
كان القول قول الوكيل لما سمعت، وإن كان بين الموكل والبايع فالقول قول الموكل
وإن صدق الوكيل البايع لما ستعرفه من اقتضاء الأدلة تقديم قوله في التداعي معه خاصة،
لا أن اقراره اقراره مطلقا كما تسمع تفصيل الحال فيه في المسألة العاشرة.
وعلى كل حال فما عن أبي حنفية من التفصيل بين الشراء بالعين فالقول قول
الوكيل، لأنه الغارم لما زاد على الثمانين، والموكل إن كان الشراء في الذمة لأنه
الغارم واضح الضعف، ضرورة أخذ الثمن من مال الموكل على كل حال، كمان ما في
المسالك وغيرها من فرض موضوع المسألة بما إذا كان المبيع يساوي مائة، وإلا لم
يكن الشراء صحيحا لا يخلو من نظر، ضرورة امكان الغبن في حق الوكيل، ولا

(1) سورة البقرة البقرة الآية - 229.
439

يقتضي خروجه بذلك عن الوكالة، وإنما أقصاه الخيار كما أوضحناه في محله.
المسألة {السابعة} قال في محكي المبسوط {إذا اشترى} الوكيل
{لموكله} مصرحا بذلك في العقد {كان البايع بالخيار إن شاء طالب الوكيل،
وإن شاء طالب الموكل} ويكون دخول الوكيل في هذا التصرف بمنزلة دخول الضامن
في الضمان، فإن أعطاه كان له الرجوع بما وزن، لأنه توكل بإذنه في الشراء، وذلك
يتضمن تسليم الثمن، وكان الإذن في الشراء إذنا فيه وفيما يتضمنه.
وربما أشكل بأنه لا وجه لرجوعه على الوكيل مع فرض العلم بالوكالة،
ضرورة كون الثمن فيما فرضه في ذمة الموكل، لأن الشراء له، ولا ضمان من الوكيل.
نعم مع الجهل بالوكالة يتجه مطالبة الوكيل لظهور مباشرة الشراء في كونه
له، ولكن يتوجه حينئذ اختصاص المطالبة به مع فرض استمرار الجهل بذلك.
ومن هنا قال المصنف {و} تبعه بعض الناس أن {الوجه اختصاص المطالبة
بالموكل مع العلم بالوكالة، واختصاص مطالبة الوكيل مع الجهل بذلك} إلى
حين القبض أو مطلقا، كما احتمله في المسالك للاكتفاء بالجهل حال العقد في استحقاق
المطالبة، وإن علم بعد ذلك استصحابا لما كان، ولامكان عدم رضاه بمطالبة الموكل
لو علم ابتداء.
وعلى كل حال فلا يكفي في ثبوت الوكالة المقتضية لسقوط حق المطالبة عن الوكيل
اعتراف الموكل بها، إذ يمكن أن يكون تواطيا منهما لاسقاط حق المطالبة خصوصا إذا
كان قويا.
هذا كله إذا كان الثمن في الذمة ولم يكن قد دفعه الموكل إلى الوكيل،
أما إذا كان عينا قد وقع العقد عليها، فقد صرح في جامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان
والتنقيح على ما قيل بمطالبته لمن هي في يده من غير فرق بين الوكيل والموكل، وإن كان
في الذمة، ولكن كان قد دفع الموكل إليه ما يجعله ثمنا، ففي القواعد ومحكي
الكتب السابقة والتذكرة تخير في مطالبة الوكيل لأن الثمن في يده، والموكل لأن
440

الشراء له وما دفعه له لم يتشخص ثمنا هذا خلاصة ما حصلناه من كلماتهم.
لكن قد يقال إن من مقتضيات العقد استحقاق تسليم الثمن والمثمن من مباشرة
سواء كان مالكا أو وليا شرعيا ولو وكيلا عليه، وعلى ما يقتضيه من القبض والاقباض
لا أنه وكيل على مجرد الصيغة، ويكون الإذن حينئذ مقدمة لتحقق العقد مقتضاه
لأن المباشر له بها يكون متأهلا للمطالبة بالتسليم.
ومن هنا يتسلط البايع أو المشتري على الخيار بامتناع الوكيل، عن التسلم
والتسليم إذا كان وكيلا على ذلك ولا يسقط خيار البايع أو المشتري بامتناع الوكيل
لأن الشراء إنما هو للموكل، إذ هو وإن كان كذلك إلا أن ما ذكرناه من أحكام
ولي العقد وتوابعه.
ولا يتوهم أن لا يقتضي اختصاص المطالبة به ضرورة ثبوتها أيضا لمن كان الشراء
له باعتبار ثبوت الحق عليه أيضا ولو لمباشرة وكيله، ومن هنا يتجه التخيير الذي ذكره
الشيخ في المحكي من مبسوطه.
بل قد يقال به أيضا فيما إذا كان الثمن عينا أيضا ضرورة عدم منافاة ذلك
للمطالبة بتسلمها للوكيل الذي باشر العقد إذا لم تكن في يده أو للموكل كما هو
واضح بأدنى تأمل، فلا تختص بمن كانت هي في يده ضرورة اقتضاء العقد التسليم كما
عرفت بل مما ذكرنا يظهر لك ما في اطلاق جملة من عبارات الأصحاب، وأنها محتاجة
إلى التقييد ببعض القيود التي لا تخفى على من أحاط بقواعد الفقه والله العالم.
المسألة {الثامنة إذا طالب الوكيل} الثابتة وكالته بما وكل عليه {فقال
الذي عليه الحق: لا تستحق المطالبة} لي ولم يذكر أزيد من ذلك {لم يلتفت
إلى قوله} كما عن المبسوط وغيره {لأنه مكذب لبينة الوكالة}.
لكن في القواعد " على اشكال " ولعله مما عرفت، ومن أعمية ذلك من التكذيب
ضرورة إمكان كونه لابراء أو لطرو عزل أو أداء إلى الموكل أو نحو ذلك، وقد يدفع
بما في جامع المقاصد والمسالك بما حاصله أنه يكفي في سماعها عدم تحريرها بعد أن
كانت مشتركة بين المسموعة وغير المسموعة فلا تعد دعوى شرعية تستحق الجواب.
441

اللهم إلا يقال إن أن حجية قول المسلم وأصالة صحة دعواه وعموم البينة على
المدعي ونحوه تقضي بالقبول حتى يعلم فسادها بتكذيب للبينة ونحوه وإلا فهي مقبولة
يترتب عليها توجه اليمين وإقامة البينة ونحو ذلك والله العالم.
{ولو قال: عزلك الموكل} سمعت بالبينة مثلا لأنها دعوى شرعية لكن {لم
يتوجه على الوكيل اليمين إلا أن يدعي عليه العلم} ضرورة أن العزل فعل الغير
واليمين عليه إنما هو على نفي العلم به {وكذا لو ادعى أن الموكل أبرأه} من الحق
أو أداه إليه كما هو واضح.
المسألة {التاسعة} لا خلاف بيننا بل وبين كافة المسلمين ولا اشكال في أنه {تقبل
شهادة الوكيل لموكله فيما لا ولاية له فيه} كما تقبل عليه لعموم ما دل على قبول
خبر العدل بخلاف ما هو وكيل فيه، فإنها لا تقبل فيه للتهمة كما عن الشيخ والحلي
والفاضل وغيرهم التصريح به بل هو المشهور بل لم أجد فيه خلافا لها {و} كذا
صرحوا أيضا بعدم قبول شهادته في جرح شهود المدعي على الموكل.
نعم {لو عزل قبلت} عندنا {في الجميع} ولو فيما له ولاية عليه لعدم
التهمة حينئذ وعدم الخصومة فهو كما لو شهد قبل التوكيل في شمول أدلة القبول
له وما عن بعض العامة من عدم القبول بمجرد التوكيل واضح الضعف فلا إشكال
حينئذ في القبول {ما لم يكن أقام بها} وردت للتهمة كما عن التحرير وغيره {أو
شرع في المنازعة} التي هو وكيل فيها فلا تقبل حينئذ للتهمة بإرادة إظهار ما ادعي به
ولتحقق الخصومة لكن قيده بعض الناس بما إذا جرى الأمر على التواصل.
وإما إذا طال الفصل فربما استظهر من كلام الفاضل في القواعد القبول،
وفي جامع المقاصد أنه محتمل وهو كذلك اللهم إلا أن يدعي خروجه بذلك عن
تأهل الشهادة وقبولها، وإن زالت التهمة وارتفعت الخصومة، وبذلك يفرق بينه
وبين الفاسق إذا عاد للعدالة، والصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم، فلا تقبل حينئذ
شهادة الشريك لشريكه بعد أن ردت بذلك ولو صالح شريكه بعد ذلك على وجه
صار الحق كله للشريك الآخر فتأمل جيدا، هذا.
442

ولكن عن أبي علي قبول شهادة الوصي بمال اليتيم، بل عن كشف اللثام الميل
إليه مؤيدا له بمكاتبة الصفار، ولعل الوكيل أولى فما عن الأخير من الجزم بعدم
القبول فيه وصيلة إلى القبول في الوصي في غير محله، اللهم إلا أن يكون الوجه الجمود
على مكاتبة الصفار.
ولعله لذا حكى عن الأردبيلي منع كون مطلق الوكالة والولاية نفعا يمنع
من شهادة العدل المقبول، وتبعه على ذلك صاحب الحدائق، لكنه كما ترى كالاجتهاد
في مقابلة الاجماع، بل قد يشك في تناول الشهادة لمثله، ضرورة كونه شهادة له في
الحقيقة ولو من حيث الوكالة والولاية نحو شهادة المرتهن وشبهه، وتسمع الكلام
فيه في محله إن شاء الله.
المسألة {العاشرة: لو وكله بقبض دينه} مثلا {من غريم له فأقر الوكيل
بالقبض وصدقه الغريم} وأنه تلف من يده {وأنكر الموكل} القبض منه
{فالقول قول الموكل} وفاقا للمبسوط والتذكرة والقواعد وغيرها، هي بل في شرح
الصيمري نسبته إلى فتوى الأصحاب إلا الفخر، لأن الدعوى إنما هي بين المالك
والغريم، ولا نزاع بينه وبين الوكيل، وليس في الأدلة ما يقتضي إلزام الموكل
باقرار الوكيل فيما وكل فيه مع عدم الخصومة معه، وما تقدم في المسألة الثالثة
من تقديم قول الوكيل إنما هو مع كون التداعي معه.
{و} لكن مع ذلك قال في المتن {فيه تردد} وفي القواعد على اشكال
مما سمعت، ومن نفوذ قول الوكيل على الموكل باعتبار كونه أمينه، والفعل فعله،
إلا أنه كما ترى لا دليل عليه إذا كانت الدعوى مع غيره، وتقديم قوله حيث تكون
الدعوى معه لا يقتضي سقوط دعواه على الغير إذ لا يزيد تقديم قوله في ذلك على تقديم
قوله في التلف بغرق أو حرق، مع أنه لا يسقط الدعوى من المالك على أجنبي بماله
كما هو واضح، خصوصا إذا أعرض المالك من أول الأمر عن الدعوى مع الأمين،
وخص الدعوى بالأجنبي، وخصوصا في مثل المقام الذي لا دعوى أصلا بين المالك
والوكيل، لعدم القبض منه بزعم المالك، وإنما هي مختصة بينه وبين الغريم.
443

ودعوى أن اعتراف الوكيل بذلك وإن لم تكن الخصومة معه مسقط لدعوى
المالك المقتضية تكذيبه فيما ذكره، وقد نهى عن تهمته على وجه يراد منه عدم
سماع التهمة في حقه وإن كانت تكذيبا خاصة بلا تغريم - ممنوعة على مدعيها كل
المنع، بل لا ينبغي أن تصدر من فقيه ماهر، ضرورة عدم ما يقتضي أن اقرار الوكيل
اقرار الموكل، بل في الأدلة ما يقتضي عدمه، خصوصا قاعدة الاقرار في حق الغير.
وتقديم قوله حال كون الخصومة معه، إنما هو لكونه موتمنا، وصاحب يد
على فعله، كتقديم قوله في التلف في الخصومة معه، لا لأن اقراره اقرار الوكيل،
وإلا لم تحتج إلى اليمين كما هو واضح بأدنى تأمل، والنهي عن تهمته إنما يراد
منه تقديم قوله في التداعي معه، ولو بما يقتضي تكذيبه، فضلا عن اتهامه، لا أن
المراد منه عدم تكذيبه ولو بالدعوى على الغير المقتضية لذلك.
وحينئذ فإذا حلف المالك على بقاء حقه في ذمة الغريم أخذه، ولا رجوع
للغريم على الوكيل مع تلف المال في يده بغير تفريط، لكونه ظالما بزعمه في أخذه
منه، ولا رجوع له بالظلم. هذا كله في مفروض المسألة.
{أما لو أمره ببيع سلعة} مثلا {وتسليمها وقبض ثمنها فتلف} الثمن
{من غير تفريط} على دعوى الوكيل {فأقر الوكيل بالقبض، وصدقه المشتري،
وأنكر الموكل فالقول قول الوكيل} هنا بلا خلاف أجده فيه.
بل في شرح الصيمري اتفاق الفتاوى عليه {لأن الدعوى هنا على الوكيل
من حيث أنه سلم المبيع ولم يتسلم الثمن فكأنه يدعي} الموكل {ما يوجب الضمان}
على الوكيل باعتبار تفريطه بذلك، والأصل براءة ذمته مع أنه أمين بالنسبة إليه،
وقوله مقبول فيما اؤتمن عليه {وهناك} أي في المسألة الأولى {الدعوى على
الغريم} دون الوكيل.
ولكن مع ذلك قال المصنف وتبعه غيره {وفي الفرق نظر} لأن الاختلاف في المقامين
في فعل الوكيل فمع فرض كون قوله مقبولا لا فيه ينبغي عدم سماع دعوى المالك في المقامين
444

وإلا قبلت فيهما، وقد عرفت أن الأشبه عند المصنف في المسألة الثالثة الأول، بل قد
عرفت أنه تردد في قبول قول الموكل وحينئذ يكون نظره رجوع الأولى إلى الثانية
في الحكم كما عن فخر المحققين لا العكس إلا أنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما
ذكرنا في المسألة الثالثة وهنا تحقيق الحال.
ونزيده وضوحا بأن الدعوى متى كانت من الموكل على الوكيل لإرادة تغريمه
مثلا فالقول قول الوكيل لأنه أمينه والفعل فعله، ومتى كانت على أجنبي لم يكن
اقرار الوكيل مؤثرا في عدم سماعها بل تبقى على حكم سائر الدعاوي ففي مثل المقام
للمالك توجيه الدعوى على كل منهما، فإذا أعرض عن الوكيل، ووجه الدعوى
على المشتري وطالبه بالثمن كان له ذلك بعد يمينه أنه باق في ذمة المشتري، ولا يكون
إقرار الوكيل بالقبض مسقطا للدعوى، بعد أن لم تكن الخصومة معه.
ولو طالب الوكيل من حيث دعوى ضمانه للثمن بتسليم المبيع قبل تسليم
الثمن المفروض عدم إذنه فيه كان القول قول الوكيل هنا للأدلة التي سمعتها في المسألة
الثالثة وفي المقام.
بل الأقوى في النظر عدم سقوط الدعوى عن المشتري مع ذلك، خلافا للتذكرة
والمسالك وغيرهما إذ لم يفد تقديم قوله على قول المالك بيمينه إلا عدم ضمان الوكيل
وسقوط الدعوى بالنسبة إليه خاصة لا أنه وصول للثمن واقعا على وجه يسقط الدعوى
عن المشتري ضرورة مساواة تقديم قوله هنا لتقديم قوله في التلف المعلوم عدم اقتضائه
سقوط الدعوى لو أرادها بعد ذلك على أجنبي كما قدمناه سابقا هذا كله في الدعوى
عليهما وبدء بالوكيل.
أما إذا كانت الدعوى مختصة من الأصل بغير الوكيل كما في قبض الدين
من الغريم ونحوه أو كانت مشتركة ولكن أعرض عن الوكيل، ووجه الدعوى على
الغير فلا وجه لسقوط الدعوى باعتراف الوكيل الذي لم تكن خصومة بين الموكل
وبينه.
445

وبذلك كله ظهر لك ما في كلام المصنف ومن تأخر عنه كالفاضل وولده
والمحقق الثاني والشهيد الثاني والصيمري والعلامة الطباطبائي وإن أطنب رحمه الله
في مصابيحه بذكر كلام جميع من تعرض للمسألة، اللهم إلا أن يتكلف رجوع
بعض كلماتهم إلى ما ذكرنا، والأصل في هذه المسألة ما في محكي المبسوط، وهو مع
التأمل كالصريح فيما قلناه في تحقيق المسألة.
قال: " إذا وكل رجل رجلا في قبض دين له على غيره، فادعى الوكيل أنه قبضه
منه وسلمه إليه، أو قال: تلف في يدي، وصدقه من عليه الدين، وقال الموكل لم
يقبضه منه، قال قوم: إن القول قول الموكل مع يمينه ولا يقبل قول الوكيل
ولا المدين إلا ببينة، لأن الموكل يدعي المال على المدين دون الوكيل لأنه يقول
أنا لا أستحق عليك شيئا، لأنك لم تقبض المال، وإنما مالي باق على المدين، ولهذا
إذا حلف طالب الذي عليه الدين ولا يثبت بيمينه على الوكيل شيئا فإذا كان كذلك
كان بمنزلة أن يدعي من عليه الحق دفع المال إليه، وهو ينكر، فالقول قوله، و
كذلك ها هنا وهذا أقوى.
وإذا كله بالبيع والتسليم وقبض الثمن فباعه، وسلم المبيع فادعى قبض
الثمن وتلفه في يده أو ادعى دفعه إليه، فأنكر الموكل أن يكون قبضه من المشتري
كان القول قول الوكيل مع يمينه لأن الأصل أنه أمين، وأنه لا ضمان عليه.
ويخالف المسألة الأولى، لأن المدعى عليه فيها هو الذي عليه الدين، وهو
الخصم فيه، وإذا جعلنا القول قول الموكل في المسألة الأولى لم توجب على الوكيل
غرامة، وفي المسألة الثانية توجب غرامة، فجعلنا القول قول الوكيل في الثانية " و
تبعه غيره في ذلك.
وهو بعد تهذيبه يرجع إلى ما ذكرنا فلاحظ وتأمل جيدا لتعرف الحكم
في جميع موارد المسألة التي منها ما لو وكله على طلاق زوجة مثلا فقال الوكيل طلقت
وادعى الموكل على الزوجة عدم ذلك، كان القول قوله، لأن الدعوى بينه وبين
446

الزوجة، والوكيل لا دعوى عليه، وكذا الوكالة في العتق.
أما لو كان وكيلا على القرض فقال: استقرضت لك ألفا مثلا وتلفت، أو
أنفقتها فيما وكلتني فيه أيضا، ولم يكن هناك ثالث تكون الدعوى بين الموكل و
بينه كان القول قول الوكيل ولو بعد عزله عن الوكالة، لأنه أمينه وهكذا.
نعم بقي شئ هل للموكل الدعوى على الأجنبي مع أخبار الوكيل بالقبض
منه أو الطلاق أو العتق بأصالة العدم ونحوها وإن احتمل صدقه، أو لا بد في ذلك
من العلم بتكذيب الوكيل، قد يظهر من المحكي من بعض كلمات الأردبيلي الثاني،
ويحتمل الأول لعدم ما يدل على وجوب قبول خبره فيما أوتمن عليه في غير مقام
التداعي معه، وإن كان له التناول باخباره والتصرف فيما يأتيه له بعنوان الوكالة
ولكن لا ريب في أن الأحوط الثاني والله العالم.
{و} كيف كان ف‍ {لو ظهر في المبيع عيب رده على الوكيل دون الموكل
لأنه لم يثبت وصول الثمن إليه} وإن سقط مطالبته به للوكيل بدعواه أنه قبضه و
تلف منه مع يمينه، بل والمشتري بناء على أن ذلك يقتضي سقوط الحق عنه لاتحاده
إلا أن هذا السقوط لا يقتضي الوصول إليه، ولو بقبض الوكيل، إلا أنه لا يخفى
عليك ما فيه، ضرورة أن المال مال الموكل، لأن الفرض علم المشتري بذلك، و
وصول الثمن إليه وعدمه لا مدخل له في ذلك، بل قد لا يجوز له رده على الوكيل
إذا لم يكن وكيلا على قبضه على تقدير رده بالعيب.
وحينئذ فقول المصنف - {ولو قيل: برد المعيب على الموكل كان أشبه)
والفاضل في القواعد أقرب والفخر في محكي الايضاح أصح، وثاني الشهيدين في
المسالك أقوى - في غير محله، لعدم وجه لاحتمال المنع، بل المحكي من عبارة المبسوط
خال عن ذلك.
قال: " إذا وكل رجلا في بيع ماله وقبض ثمنه فادعى أنه قبض الثمن وتلف
في يده أو دفعه إليه، وصدقه المشتري على ذلك، وقال الموكل ما قبضه الوكيل كان
447

القول قول الوكيل على أصح الوجهين، فإذا حلف برء، فإذا وجد المشتري بالمبيع
عيبا كان له رده بالعيب، فإن أقام البينة على أنه دفع ثمنه إلى الموكل أو الوكيل
كان له رد المبيع على أيهما شاء ومطالبته بالثمن، وإن لم تكن بينة لم يكن له مطالبة
الموكل بالثمن ورد المبيع عليه، لأنه ما أقر بقبض الثمن منه، وليس للوكيل مطالبة
الموكل ويكون القول قول الموكل مع يمينه أنه لا يعلم أنه قبض الثمن من المشتري
فإذا حلف لم يكن له مطالبته إلا أن يقيم بينة على ما يدعيه من قبض الثمن من
المشتري وتلفه في يده أو دفعه إليه ".
وهو كما ترى ظاهر أو صريح في الرد من دون مطالبة بالثمن، وأما ما ذكره
من التخيير في المطالبة بالثمن مع البينة، فلعله لاقتضاء الفسخ عنده تسليم الثمن على
نحو اقتضاء العقد، بخلاف ما إذا لم تكن بينة، فإنه ليس له إلا الرد على الموكل
وإن سقطت المطالبة بالثمن على الوكيل والمشتري، أما المشتري فلما عرفت، وأما
الوكيل فلاعترافه بوكالته وتلف الثمن في يده.
نعم له أخذ العين باطنا - أي إذا لم يعلم منه الفسخ - مقاصة عن ثمنه مع دفع
الزائد إن كان للمالك والتوصل إليه من مال الموكل وغير ذلك مع فرض النقصان
هذا.
ولكن في التذكرة " فإذا حلف الوكيل أنه قبض وتلف الثمن في يده وقلنا
ببراءة المشتري، ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا، فإن رد على الموكل وغرمه الثمن
لم يكن له الرجوع على الوكيل لاعترافه بأن الوكيل لم يأخذ شيئا وإن رد على
الوكيل وغرمه لم يرجع على الموكل، والقول قوله، مع يمينه في أنه لم يأخذ منه
شيئا، ولو خرج المبيع مستحقا رجع المشتري بالثمن على الوكيل، لأنه دفعه إليه
ولا رجوع له على الموكل ".
وفيه ما لا يخفى من عدم جواز رجوعه على الوكيل في الأول بعد اعترافه
بوكالته وتلف المال في يده، وأما رجوعه على الموكل فهو مبني على وصول ذلك إليه
448

باقرار الوكيل بناء على أنه كالبينة بالنسبة إلى ذلك.
لكن على هذا ينبغي أن يكون له الرجوع عليه في الثاني، أو يختص به بناء
على أن قبض الوكيل في الظاهر قبض للموكل، كما في القواعد الجزم به، فإنه بعد أن
ذكر فيها أنه لو تلف المبيع في يد الوكيل بعد أن خرج مستحقا طالب المستحق
البايع أو الوكيل أو الموكل الجاهلين ويستقر الضمان على البايع، وهل للوكيل
الرجوع على الموكل؟ اشكال قال: " ولو قبض وكيل البيع الثمن وتلف في يده فخرج
المبيع مستحقا رجع المشتري على الوكيل مع جهله، أي بالوكالة ويستقر الضمان
على الموكل، وإلا فعليه " وإن كان كلامه فيها أيضا لا يخلو من نظر، ضرورة
منافاة الاشكال لما ذكره أولا من الرجوع على الثلاثة الذي لا وجه له في الموكل إلا
دعوى سببية القبض من الوكيل الضمان عليه باعتبار أنه قبض له لأنه وكيل عنه على
قبض المبيع في الظاهر.
بل قد يتوهم من ذلك اختصاصه بالموكل بعد العلم بكون القبض وكالة، كما
هو مقتضى كلامه الأخير، وإن كان التحقيق خلافه إذ الظاهر سببية القبض لضمانهما
معا بعد فرض كونه وكيلا عنه في قبض ما هو مبيع ظاهرا لأنه وإن كان قبضه قبض
الموكل، إلا أنه لا ينافي الرجوع على بعموم (1) " على اليد " وإن كان هو يرجع
على الموكل.
وبذلك يظهر أنه لا وجه لاختصاص الضمان بالموكل في الأخير مع العلم بالوكالة
إذ هو كرجوع مستحق المبيع على الثلاثة وإن علم بأن الوكيل قد قبض على جهة
الوكالة فتأمل جيدا فإن المسألة لا تخلو من دقة والله العالم بحقائق أحكامه والحمد الله
أولا وآخرا.

(1) المستدرك ج 2 ص 504.
449

هذا آخر كتاب الوكالة من جواهر الكلام شرح شرائع الاسلام ونسأل
الله بمحمد وآله الإعانة على اكماله واتمامه والحمد لله وصلى الله على خير خلقه
محمد وآله الطاهرين.
* * *
إلى هنا تم الجزء السابع والعشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ومنه
وقد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه ومقابلته للنسخة المصححة التي قوبلت بنسخة
الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه.
ويتلوه الجزء الثامن والعشرون في أحكام الوقوف والصدقات إن شاء الله تعالى.
علي الآخوندي
450