الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٢٤
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق وإشراف : الشيخ علي الآخوندي
الطبعة: التاسعة
سنة الطبع: ١٣٦٨ ش
المطبعة: حيدري
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الرابع والعشرون
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام - جلد 24
تأليف: شيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتب الاسلامية - تهران بازار سلطاني
تيراژ: 2000
نوبت چاپ: چاپ نهم
تاريخ انتشار: بهار 1368
چاپ از: چاپخانه ء حيدري
حقوق الطبع والتقليد محفوظة للناشر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله
الطيبين الطاهرين
(الثالث) من الأمور التي يتوقف بيان الربا في البيع عليها (الصرف، وهو)
لغة الصوت وشرعا أو متشرعية (بيع الأثمان) أي الذهب والفضة مسكوكين أولا
(بالأثمان) لا غيره من النواقل بلا خلاف أجده، للأصل وغيره. نعم قد يظهر من بعض
النصوص حصوله بقصد مطلق المبادلة والمعاوضة، ويمكن إرادة ما كان المقصود منها
البيع أو يدعى تنزيلها عليه ما لم يقصد العدم.
وعلى كل حال فسمي بيعها صرفا لمناسبة اشتمالها على الصوت عند تقليبها بالبيع
والشراء، وربما قيل بكونه منقولا من التصريف، وهو كثرة التصرفات في وجوه
المعاوضات والأمر سهل، كما أن الوجه في تسميتها أثمانا وقوعها مقرونة بباء العوض
عن الأشياء غالبا، بل فيما حضرني من نسخة منسوبة للشهيد على القواعد عن قطب
الدين قال: " الذهب والفضة ثمنان وإن باعهما بعوض، ولهذا لو باعه دينارا بحيوان
ثبت للبايع الخيار بالاتفاق: قال: وإن كانا عوضين فكل منهما بايع ومشتري، ولو باعه
حيوانا بحيوان، ثبت لكل منهما الخيار ".
وإن كان قد يمنع ذلك كله عليه ضرورة اقتضاء العرف عند التحقيق كون مدخول
الباء الثمن، والاتفاق الذي ذكره لم نتحققه، كما أن ما ذكره من صدق كل من البايع
3

والمشتري عليهما لو كانا معا عوضين واضح المنع، ومثله ما ذكره أخيرا على ما عرفته
سابقا في الخيار، وقال في الدروس هنا: (الثمن ما قرن بالباء هنا وفي غيره كذلك
ويحتمل أن يكون هو النقد إذا كان أحد العوضين وإلا فالمقرون بالباء، وتظهر الفائدة في
بيع حيوان بحيوان وبيع نقد بحيوان) وظاهره أنه لا اشكال في كون الثمن مدخول
الباء في النقدين بل والمتجانسين والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (يشترط في صحة بيعها زائدا على الربويات) إذ هي منها
لأنها موزونة في الصدر الأول، حتى المسكوك منها. والاكتفاء بالعد في بعض الأزمنة
أو الأحوال بعد معلومية موزونية الأصل وهو الفضة والذهب، لا يدفع حكم الربا كما
عرفت، وخصوصا بعد موزونية نقد الزمان السابق، وإن تغيرت الهيئة وخصوصا إذا
كان عدم الوزن اعتمادا على معلومية الوزن وضبطه، والتفاوت اليسير غير قادح.
قال البجلي (1) لأبي عبد الله عليه السلام: (اشترى الشئ بالدراهم فأعطى
الناقص الحبة والحبتين قال: لا حتى تبينه، ثم قال: إلا أن يكون نحو هذه الأوضاح
التي تكون عندنا عددا) وفي خبره (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشتري
المبيع بدرهم وهو ينقص الحبة ونحوه ذلك أيعطيه الذي يشتريه منه ولا يعلمه أنه ينقص
قال: لا إلا أن يكون مثل هذه الوضاحية. يجوز كما يجوز عندنا عددا ".
وعلى كل حال فيشترط زيادة على ذلك (التقابض) من كل منهما (في المجلس
فلو افترقا قبل التقابض بطل الصرف على الأشهر) بل المشهور نقلا وتحصيلا. شهرة
عظيمة كادت تكون اجماعا. ولذا قال في الرياض: " إن عليه من تقدم وتأخر عدا من شذ
وندر، وفي المسالك وعن غيرها أن الأصحاب كلهم على خلاف ابن بابويه، فربما كان
الشرط اجماعا بل كأنه لم يعتد بخلافه الفاضل في التحرير فقال: " هو شرط بلا خلاف ".
وفي الغنية الاجماع عليه بل ظاهره اجماع المسلمين حيث نفي الخلاف منا و
منهم. وفي محكي السرائر لا خلاف في هذا الشرط وفي البطلان بدونه. وكشف الرموز

1 - الوسائل الباب - 10 - من أبواب الصرف - الحديث 7
2 - من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 141 الحديث 60
4

الاجماع على البطلان كذلك وأن المخالف الصدوق. وإيضاح النافع خلاف ابن
بابويه متروك، ورواياته ضعيفة. وفي التنقيح روايات البطلان كثيرة، وعليها انعقد
عمل الأصحاب. وفي الدروس رواياته متروكة.
فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إليه بعد ذلك كله، مضافا إلى
النصوص المستفيضة المنجبر ما يحتاج منها بما سمعت، منها - قول أبي جعفر عليه السلام (1)
في خبر محمد بن قيس (قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا
يدا بيد، ولا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد) ومنها - قول الصادق عليه السلام في صحيح منصور (2)
(إذا اشتريت ذهبا بفضة، أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه، وإن نزى حائطا
فانز معه) ومنها - خبر حريز عن محمد (3) (قال: سألته عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة
مثلا بمثلين قال، لا بأس يدا بيد).
ومنها - خبر البجلي (4) (قال: سألته عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم
بالدنانير فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو دينارا، ثم يقول: أرسل غلامك معي حتى
أعطيه الدنانير؟ فقال: ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير، فقلت إنما هم في دار
واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض، وهذا يشق عليهم، فقال: إذا فرغ من وزنها و
انتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه، ويدفع إليه الورق و
يقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق) بل لا ينكر ظهور غيرها من النصوص أو
اشعارها في المطلوب، وبها يخرج عن أصل الصحة وعمومها.
والمناقشة في سند بعضها أو دلالة متنه على ذلك غير مسموعة، سيما بعد الاعتضاد
والانجبار بما عرفت، كالمناقشة بعدم دلالتها على الشرطية، وأن المراد من اليد باليد
فيها عدم النسيئة، مع أنها لا تنافي إرادة القبض مع ذلك، والدليل غير منحصر فيها
مضافا إلى ظهور نحو هذه الأوامر والنواهي في غير المقام في إرادة الارشاد إلا ما يقتضي

1 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث 3
2 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث 8، 7، 1
3 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث 8، 7، 1
4 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث 8، 7، 1
5

الصحة والفساد، لا أن المراد الإثم خاصة.
نعم إرادته هنا معه للنصوص والآية كما عن الشيخ وابن إدريس والفاضل في
التذكرة، بل قيل: إنه جزم فيها بوجوب الوفاء به أي التقابض، والإثم بتركه اختيارا
وجعله بمنزلة الربا حتى أوجب عليها التفاسخ قبل التفرق، لو تعذر عليها التقابض،
وجعل تفرقهما قبله بمنزلة بيع الربوي نسيئة، فإن بطلانه لا يغني عن الإثم به، قيل وهو ظاهر
الدروس حيث حكم بوجوب التقابض قبل التفرق.
وفيه أن الوجوب في نحو المقام قد يراد به الوجوب الشرطي مجازا بل عدم تعرض
الأكثر للتحريم هنا كما اعترف به في المسالك يومي إلى إرادة ذلك من النصوص أيضا
من غير ضم الشرعي معه وهو قوي، وإن كان الأول أحوط، وينبغي مراعاة التقايل
حينئذ قبل التفرق، لو تعذر التقباض، بناء على مشروعية التقابل في نحو ذلك كما
هو الظاهر.
وعلى كل حال فما عن الصدوق من أنه لا يشترط التقابض في المجلس، وحكاه
الشهيد في الحواشي عن البشرى، كما أنه حكى فيها أيضا قولا بالتفصيل بين بيع الجنس
بجنسه فيشترط، وبين بيع أحدهما بالآخر فلا يشترط، والنصوص السابقة والفتاوى
على خلافه، بل وعلى خلاف الصدوق أيضا كما عرفت، وإن كان يشهد له أخبار
الساباطي الأربعة (1) عن الصادق عليه السلام المتضمنة لنفي البأس عن بيع الدارهم بالدنانير
نسيئة وعن سلف الدنانير بالدراهم كخبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام الذي في طريقه
علي بن حديد (لا بأس أن بيع الرجل الدينار نسيئة بمأة وأقل وأكثر) ومكاتبة
محمد بن عمر (3).
إلا أن الجميع قاصرة عن الأدلة السابقة من وجوه، خصوصا مع عدم صراحة
بعضها، فالأولى طرحها كما في الدروس، أو تأويلها بل الظاهر من النص والفتوى

1 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث - 10 - 11 - 12 - 14
2 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث 13 - 15
3 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث 13 - 15
6

والفتوى منع النسيئة في الأثمان ولو فرضت على وجه لا تنافي التقابض في المجلس، كما إذا
كان الأجل قصيرا جدا، بل في خبر عبد الرحمان (1) " أن الناس لم يختلفوا في النسئ
(أي في بيع الأثمان): أنه الربا ".
وعلى كل حال فظاهر ما سمعته من الفتاوى ومعاقد الشهرات والاجماعات كون
التقابض قبل الافتراق شرطا في الصحة، فقبله لا صحة فلا انتقال، وفي خبر محمد بن
قيس (2) السابق دلالة عليه، بل وفي خبر البجلي (3) وبه يخرج حينئذ عن قاعدة اقتضاء
العقد الملك، المعتضدة بأصالة عدم شرط آخر، بل وعن ما ادعى في غير المقام من الاجماع
على عدم اعتبار أزيد من القبض في الملك، ردا على القائل بتوقفه على انقضاء الخيار،
إذ قد عرفت من الأدلة السابقة اعتبار التقابض منهما معافيه، فلا يكفي قبض أحدهما بل هو
حينئذ في يده كالأمانة قبل قبض الآخر، بل إن لم نجعله كالمقبوض بالسوم، أمكن عدم
ضمانه بالتلف بغير تفريط.
نعم قد يقال بحصول الملك به لو قبض الآخر بعده من حين القبض الأول، بل و
إن تلف من يده، مع أنه لا يخلو من نظر وبحث، ضرورة امكان القول بحصول الملك في
العوضين معا عند حصول القبض المتأخر الذي هو شرط لتأثير السبب، بل به يتحقق
التقابض فلا يجدي القبض السابق، وعليه يتجه حينئذ بطلان الصرف لو تلف المقبوض
قبل القبض الآخر، بحيث خرج عن صلاحية الملك، فضلا عن تلف غير المقبوض. اللهم
إلا أن يقال بصحته، بناء على كونه مضمونا مطلقا أو حيث يكون بأن أتلفه بتفريط على
معنى انتقال الصرف حينئذ إلى بدل التالف ولكن فيه تأمل أيضا.
وكيف كان فاحتمال أن التقابض شرط لتأثير العقد الملك، فحصوله حينئذ يكشف عن
حصوله من أول العقد، وعدمه كذلك كاحتمال عدم مدخلية التقابض في ذلك، وأن العقد
أثر ما يقتضيه من الملك، إلا أنه يبطله الافتراق قبل التقابض إذ هو حينئذ كالفسخ بالخيار

1 - الوسائل الباب - 15 - من أبواب الصرف الحديث 1
2 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث - 3 - 1
3 - الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث - 3 - 1
7

أو الإقالة، مخالف لظاهر الفتاوى وبعض النصوص السابقة، وإن كان الثاني منهما
موافقا للقواعد في الجملة بل هو صريح المقداد فيما تسمعه، بل هو لا ينافي بعض
النصوص السابقة.
كما أن الأول منهما يمكن تنزيل الشرطية في عبارات الأصحاب عليه، ضرورة
توقف تأثير العقد على حصوله، فهو شرط لتأثيره ينعدم بانعدامه ويوجد بوجوده،
إلا أن كيفية الوجود بالوجود وهو جعل العقد مؤثرا من أول وقوعه نحو ما قلناه في إجازة
الفضولي بناء علي الكشف، بل لعل ذلك جار في جميع الشروط المتأخرة عن مشروطها،
لكن مما لم يكن مقتض له، بل هو مناف لما تسمعه منهم من بطلان الشراء بثمن الصرف
مثلا وإن قبضه بعد ذلك في المجلس كان المتجه ابقاء عبارات الأصحاب على ظاهرها،
من توقف حصول الملك عليه وأنه يحصل حال حصوله تماما لا قبله، وليس هو من
الشرائط المتأخرة عن زمان وصف الصحة كغسل المستحاضة بعد تمام الصيام، حتى
يلتزم كونه كاشفا، ضرورة امكان توقف الصحة عليه إلى زمن حصوله هنا بخلافه هناك
إذ لا دليل على تسبيب العقد الصحة على كل حال.
نعم هناك ظواهر يمكن تقييدها بدليل المقام من غير حاجة إلى ذلك التكلف التام،
ودعوى أن ذلك أولى باعتبار عدم تقييد تلك الأدلة على القول بالكشف كما ترى.
(ولو قبض البعض) خاصة قبل التفرق (صح فيما قبض حسب وبطل في غيره)
بلا خلاف فيهما لحصول مقتضي الصحة من العموم وغيره في الأول، ومقتضى البطلان
من التفرق قبل التقابض في الثاني، وأما صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " عن
الرجل يبتاع من رجل بدينار فيؤخذ بنصفه بيعا وبنصفه ورقا قال: لا بأس، فسألته هل يصلح
أن يأخذ بنصفه ورقا أو بيعا ويترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا، قال: ما أحب
أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا فلا تفعله ".

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث - 9
8

فلا دلالة فيه على المنع أولا، ويحتمل انصرافه إلى صحة المجموع من حيث المجموع
ولا كلام فيه ثانيا، بل قد يحتمل خروجه عن أصل ما نحن فيه ثالثا، وعلى كل حال
يتخيران معا في إجازة ما صح فيه وفسخه لتبعض الصفقة، إذا لم يكن من أحدهما تفريط
في تأخير القبض، ولو كان تأخيره بتفريطهما فلا خيار لهما، ولو اختص به أحدهما
سقط خياره خاصة كما هو واضح.
(ولو فارقا المجلس مصطحبين) قبل أن يتقابضا (لم يبطل) الصرف
بلا خلاف للأصل بعد ظهور النصوص، خصوصا قوله " وإن نزى حائطا فانز معه " في أن
المعتبر التقابض قبل التفرق، ومن هنا كان التعبير به أجود من المجلس الموهم خلاف
ظاهره، وقد تقدم في خيار المجلس تحقيق أقل ما يتحقق به الافتراق من الخطوة،
كما أنه تقدم هناك كثير مما له نفع في المقام، إلا أن الظاهر عدم اعتبار الاختيار فيه هنا، وإن
كان معتبر هناك، فلو أكرها على التفرق مثلا أمكن القول بالبطلان هنا، بخلافه هناك،
لاختلاف المدرك فلاحظ وتأمل.
(ولو وكل أحدهما) غيره (في القبض عنه، فقبض الوكيل قبل تفرقهما) أي
المتعاقدين (صح ولو قبض بعده بطل) وكذا لو وكلا معا على القبض عنهما، ولا اعتبار
بمفارقة الوكيل لهما أو لأحدهما، ولو وكلا أو أحدهما على الصرف خاصة أو مع القبض،
فالمعتبر المفارقة بين من وقع العقد معه، لأن الضابط كما في الجامع المقاصد والمسالك
والروضة والرياض التقابض قبل تفرق المتعاقدين، سواء كانا مالكين أو وكيلين.
لكن قد يشكل بمنع دلالة النصوص على البطلان بتفرق الوكيلين إن قبض
إلا لكان في ذلك المجلس، بل يصدق على بايع الذهب بالفضة إذا قبض بعد تفرق
الوكيلين أنه ما باعه إلا يدا بيد، على أن ذلك يقضي بعدم البطلان مطلقا لو كان الوكيل
على العقد متحدا عنهما، لعدم تصور الافتراق فيه والتزامه كما ترى، ضرورة صدق
بيعه حينئذ لا يدا بيد، فلعل إناطة الحكم بذلك أولى إن لم ينعقد اجماع بخلافه، بل قد يدعى
صدق اليد باليد لو تعاقدا مثلا وأرسل أحدهما وكيله مع الآخر فتقابضا قبل التفرق ففي
9

خبر البصري (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع الذهب بالدراهم، فيقول أرسل رسولا
فليستوفي لك ثمنه قال يقول هات وهلم ورسولك معه) ولا ينافيه ما سمعته في خبر البجلي (2)
بعد حمله على الندب ونحوه، إلا أن الجرئة على خلاف ما عند الأصحاب مما لا ينبغي،
وقد عرفت أن المدار عندهم على عدم تفرق المتعاقدين. نعم قد يقال بعدم اعتبارهما
في العاقدين فضولا أو أحدهما، وأن المدار على عدم تفرق المجيزين بعد الإجازة حتى
يتقابضا، مع أنه لا يخلو عن اشكال والله أعلم.
(و) مما يتفرع على اعتبار التقابض في الملك ما (لو اشترى منه دراهم)
بعقد الصرف (ثم ابتاع) بها منه دنانير (قبل قبض الدراهم لم يصح الثاني) على
المشهور بين الأصحاب، لعدم ملك الدراهم عليه لو كانت كلية وعدم ملك عينها لو كانت
شخصية، ولصحيح إسحاق بن عمار (3) كما في المختلف قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الرجل يجئ بالورق يبيعها يريد بها ورقا عندي فهو اليقين عندي أنه ليس يريد دنانير ليس
يريد إلا الورق ولا يقوم حتى يأخذ ورقى، فاشترى منه الدراهم بالدنانير، فلا تكون
دنانيره عندي كاملة فأستقرض له من جاري، فأعطيه كمال دنانيره، ولعلي لا أحرز وزنها
فقال أليس يأخذ وفاء الذي له؟ قلت بلى قال: ليس به بأس) وكأنه لما يفهم منه البأس إذا
لم يقبض الدنانير، إذ المراد أني أستقرض به الدنانير، ثم اشتريها منه بالورق الذي
يريده، كما يومي إليه ما في صدر الخبر، ويمكن أن يكون مراد السائل التوقف من
جهة عدم احراز الوزن فتخرج حينئذ عن الاستدلال.
وعلى كل حال فليس البطلان لعدم جواز الشراء بما لم يقبض قبل كيله أو وزنه
كبيعه، إذ قد عرفت بعد تسليم مساواة الشراء به لبيعه أن الأصح الجواز، ولا لأنه بيع دين
بدين إذا فرض كون الدنانير كلية في الذمة لا معينة، ضرورة عدم صدق الدينية بعد

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الصرف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الصرف الحديث - 3 - باختلاف يسير
10

اشتراط التقابض في الملك، على أنك ستعرف كون الممنوع بيع الدين قبل البيع به
كذلك، لا ما كانا أو أحدهما بعقد البيع، ومن ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن السرائر
فإنه بعد أن ذكر ما في النهاية إذا باع الانسان دراهم بدنانير لم يجزه أن يأخذ بالدنانير
دراهم مثلها إلا بعد أن يقبض الدنانير، ثم يشتري بها دراهم انشاء، قال (إن لم يتفارقا
من المجلس إلا بعد قبض الدراهم المبتاعة بالدنانير التي على المشتري الأول فلا بأس
بذلك وإن لم يكن قبضه الدنانير التي هي ثمن الدراهم الأول المبتاعة، هذا إذا عينا الدراهم
الأخيرة المبتاعة، فإن لم يعيناها فلا يجوز ذلك، لأنه يكون بيع دين بدين، وإن عيناها لم
يصر بيع دين بدين، بل يصير بيع دين بعين، كما أن منه يظهر ما في المسالك تبعا لغيره من أنه
ينبغي القول بالصحة مطلقا في مفروض المتن إذا تقابضا قبل التفرق، وغاية ما يحصل في
البيع أن يكون فضوليا فإذا لحقه القبض صح، وسيأتي أن بيع الدين بالدين على هذا
الوجه غير ممتنع، إذ فيه منع جريان حكم الفضولي عليه بعد القول بأن الملك من حين
القبض كمنعه فيما لو باع مال غيره ثم انتقل إليه.
وأغرب من ذلك كله ما في التنقيح من أن لنا أن نقول: إن بطلان البيع بالتفرق قبل التقابض
لا يستلزم عدم تملك المشتري، لجواز تملكه ملكا متزلزلا، كالمبيع في زمن الخيار، فإن
قبض لزم وإلا بطل، وإذا ملك صح البيع الثاني لأنه اشترى بثمن مملوك وصح البيع
الأول أيضا، لأنه وإن لم يقبض الدراهم لكن قبض عوضها وهو الدنانير، وقبض العوض
كقبض المعوض، إذ هو كما ترى مع مخالفته لما قدمناه من أن القبض شرط للملك، لا أن الافتراق
مانع فيه نظر من وجه آخر لا يخفى، فالتحقيق ما ذكرناه وهو الموافق لاطلاق المشهور
البطلان (و) منه يعلم أنه (لو افترقا) في مفروض المسألة قبل التقابض (بطل
العقدان) معا لانتفاء الشرط فيهما حينئذ كما هو واضح والله أعلم.
(ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها) منه (دنانير صح وإن لم يتقابضا، وكذا
لو كان له دنانير، فاشترى بها دراهم ل‍) ما في الصحيح الآتي (1) من (أن النقدين من

1 - الوسائل الباب - 4 - من أبواب الصرف الحديث 1 - 2
11

واحد) فأشبه التقابض. ولأصالة عدم اشتراطه في نحو المقام بعد صحيح إسحاق
بن عمار (1) الذي رواه المشايخ الثلاثة، وعمل به الأصحاب في الجملة قال: (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: يكون للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقاني ويقول لي كيف
سعر الوضح اليوم فأقول له: كذا وكذا فيقول: أليس لي عندك كذا وكذا ألف درهم وضح
فأقول: نعم فيقول: حولها إلى دنانير بهذا السعر وأثبتها لي عندك فما ترى في هذا؟ فقال:
إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك، فقلت: إني لم أوازنه ولم أناقده، إنما كان
كلاما مني ومنه فقال لي: أليس الدراهم والدنانير من عندك؟ فقلت: بلى فقال: لا بأس بذلك
وموثق عبيد بن زرارة أو صحيحه (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون
لي عنده دراهم فآتيه فأقول له حولها دنانير من غير أن أقبض شيئا قال: لا بأس به قلت ويكون
لي عنده دنانير فآتيه فأقول له: حولها لي دراهم وأثبتها عندك ولم أقبض منه شيئا قال: لا بأس ".
وتنزيلها على إرادة التوكيل في القبض أو فيه وفي البيع وأن ما في الذمة له وعليه
مقبوض، اجتهاد في مقابلة النص الذي يأباه من وجوه، على أن من الواضح منع كون
ما عليه لغيره في ذمته مقبوض له وإن وكله فيه، بحيث يجري عليه حكم المقبوض، وإلا -
لجاز بيع الذهب المشخص مثلا بذهب في ذمته على أن يكون المشتري وكيلا في قبضه
ومعنى قبضه له حينئذ رضاه ببقائه في ذمته.
وأفضح من ذلك دعوى أن المراد من الخبر التوكيل، وأنه قد وقع منه القبض
الحسى وأثبتها، مع أن صريح الخبر عدم وقوع غير الكلام، وبالجملة قد أطنبوا
في المقام بلا مقتض، كما أنه لا ينبغي العمل بالخبر على معنى حصول التحول بمجرد الأمر
بالتحويل، وإن أوهمه ظاهر بعض العبارات، بل المراد منه حصول المعاملة منهما بذلك،
وإن كان بعنوان المعاطاة، بناءا على كونها من البيع، وعدم اشتراط التقابض هنا، بل
يكفي قبض في ما ذمته له، وبقاء الآخر في ذمته، وحيث كانا معا عنده صار كالتقابض، ولولا
فهم الأصحاب أمكن تنزيل الخبر على معاطاة الصلح وإن كان في الخبر

1 - الوسائل الباب، 4، من أبواب الصرف الحديث 1 - 2
2 - الوسائل الباب، 4، من أبواب الصرف الحديث 1 - 2
12

منافاة ماله والله أعلم.
ومن ذلك يعلم أنه لا وجه البناء الخبرين على مقدمات كثيرة لا يخلو جملة منها
من نظر وتأمل، بل قد أفتى بالخبرين من لا يقول ببعض تلك المقدمات كما لا يخفى،
فالتحقيق ما ذكرنا كما أومى إليه في المختلف وكاد يكون صريح المتن كما هو صريح غيره
أيضا، ومنه يظهر لك النظر في كلام كثير من المصنفين، فلاحظ وتأمل جيدا والله أعلم. هذا كله
في اعتبار التقابض، وقد ظهر لك أنه متى حصل الافتراق قبله بطل إلا في مسألة التحويل.
أما لو تفرقا قبل الوزن والنقد، ففي القواعد " صح مع اشتمال المقبوض على الحق "
ونحوه ما في الدروس (لو تقابضا جزافا فيزنان في موضع آخر جاز الافتراق) ونحو
ذلك أيضا عن النهاية والتذكرة، وقال حنان بن سدير (1) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (أنه
يأتيني الرجل ومعه الدراهم، فأشتريها منه بالدنانير ثم أعطيه كيسا فيه دنانير أكثر من
دراهمه، فأقول: لك من هذه الدنانير كذا وكذا دنانير أكثر من دراهمك فيقبض الكيس
منى ثم يرده على ويقول: أثبتها لي عندك، فقال: إن كان في الكيس وفاء بثمن دراهمه
فلا بأس).
قلت: وقد يستفاد مما هنا عدم اشتراط الوزن في تحقق اسم القبض إذ احتمال
الفرق بين قبض الصرف وغيره مخالف لظاهر الفتاوى، ولا فرق في موضوع المسألة
بين كون المبيع أو الثمن كليا، ثم يدفع له في المجلس ما يزيد على حقه وإن لم يحصل
الوزن والنقد، وبين الشخصي إذا كان قد أخبره بالوزن فاشتراه من غير اعتبار ثم أراد
اعتباره بعد ذلك، والحاصل أنه لا مدخلية للوزن في تحقق القبض كما عرفت.
(و) كيف كان ف‍ (لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد ولو تقابضا) اجماعا (و)
نصا للربا كما أنه (يجوز في الجنسين) اجماعا ونصا لعدمه (ويستوي في وجوب التماثل
المصوغ والمكسور وجيد الجوهر ورديه) بلا خلاف ولا اشكال، لصدق اتحاد
الجنس فيه، نعم لو شرطت الصياغة مثلا كان زيادة.

(1) الوسائل الباب 5، من أبواب الصرف الحديث 1
13

(وإذا كان في الفضة) مثلا (غش) غير متسامح فيه (مجهول) قدره
تفصيلا واجمالا (لم تبع إلا بالذهب أو بجنس غير الفضة) الخالصة لعدم الربا حينئذ
لاختلاف الجنسين، أما فيها فلا، لعدم العلم بمقدار ما فيه منها كي يتخلص من الربا الذي
شرط عدمه في المتجانسين المساواة، فالشك فيها شك في الجواز، وكذا لا يجوز بيعه
بجنس ما فيه من الغش خاصة إذا كان ربويا لعين ما سمعته في الفضة، أما بيعها بالفضة
المغشوشة، فلا ريب في الجواز لانصراف كل جنس إلى ما يخالفه.
(وكذا) الحال في (الذهب) المغشوش وفي صحيح بن سنان (1) (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الفضة فيه الرصاص بالورق، وهي إذا أذيبت نقصت من كل
عشرة، درهمين أو ثلاثة، فقال: لا يصلح إلا بالذهب). نعم الظاهر أن هذا الحصر بناءا
على الغالب من عدم بيع المغشوش بمثله من الخالص فضلا عما زاد، وإلا لو فرض ذلك
جاز وإن جهل، لعدم الربا حينئذ، ضرورة مقابلة ما فيه من الفضة بمثلها كائنا ما كان،
وصرف الزائد إلى الغش كما أنه لو علم ما فيها من الغش ولو على الاجمال بأن لا يزيد
على الثلث مثلا جاز بيعها بما يزيد على الثلثين من الخالص زيادة تصلح لمقابلة الغش
(ولو علم) مقدار الفضة على التفصيل (جاز بيعه) بمقداره (من جنسه مع زيادة)
منه أو من غيره تصلح لأن (تقابل الغش) كما تقدم تحقيق المسألة في الربا وذكرها
في المقام من حيث تعقلها بالصرف، بناء على ما عرفت سابقا وتعرف لاحقا في بيع السيوف
المحلات أن ضميمة غير الجنس لدفع الربا لا الصرف، فلا بد من التقابض حينئذ، لكن
ينبغي أن يعلم أنه يكفي في الصحة حصول الشرط في الواقع، فلو فرض صدور البيع
حال الجهل بقدر المقابل فاتفق كونه واقعا على وجه لا ربا فيه صح، لتناول عموم الأدلة له،
ولا دليل على اشتراط الاحراز سابقا كالمعلومية في البيع.
وحينئذ فالمتجه الاختبار فيما لو وقع مثل ذلك، فلا يحكم بالصحة ولا بالفساد إلا
بعد تبين الحال، ولعل اطلاق الأصحاب عدم الجواز يراد به عدمه لو أريد البيع به من

1 - الوسائل الباب 11 من أبواب الصرف الحديث 1 باختلاف يسير
14

غير مراعاة كغيره من الأفراد، أما إذا تعذر الاختبار مثلا، فيمكن الرجوع إلى أصالة
عدم ترتب الأثر والنقل ونحوهما من الأصول بعد عدم ما يدل على أحد الأمرين، وإن كان
كل منهما مشروطا بشرط وجودي وهو التفاضل والتساوي مثلا، ويمكن القول ببقاء
العوضين على الاشتباه حتى يتحقق الحال، ولو للمقدمة باعتبار التكليف بما لا يتم إلا بالتوقف
في الفرد المخصوص من بيع المتجانسين حتى يعلم الحال، والمسألة مشكلة، ولكن
ظاهر الأصحاب في المقام وغيره معاملة المفروض نحو معاملة الفاسد في الظاهر، وتمام
التحقيق محتاج إلى اطناب تام فتأمل جيدا والله العالم.
(ولا يباع تراب معدن الفضة بالفضة) خاصة ولا بترابه أيضا (احتياطا) عن
الوقوع في الربا لعدم العلم بالمساواة (ويباع بالذهب) وبغيره لاختلاف الجنس
(وكذا تراب معدن الذهب) ولا يباع بالذهب ولا بترابه احتياطا ويباع بالفضة مثلا
لاختلاف الجنس فلا ربا، وإن تحقق الصرف باعتبار وجود الأجزاء الذهبية والفضية
في التراب لا أنه مستحيل بالعمل وإلا لم يكن لذكرها في الصرف وجه وإن جرى عليها
حكم الربا على هذا التقدير أيضا، لما عرفت سابقا من أن الفرع والأصل جنس و، لو علمت
زيادة في الثمن عما في التراب من جنسه لم يصح هنا وإن صح في المغشوش، بناء على
أن التراب لا قيمة له لتصلح في مقابلة الزائد وحينئذ فإن علمت المساواة جاز، والتراب
كعدمه فما عساه يتخيل من جواز بيع التراب بالتراب لأنهما جنس واحد ولا يقدح عدم
العلم بما يحصل منهما إذ هو كبيع اللحم باللحم المشتملين على العظام لا يخلو
من ضعف.
(ولو) مزج الترابان أو (جمعا في صفقة جاز بيعهما بالذهب والفضة معا)
لانصراف كل جنس إلى ما يخالفه وبالذهب وحده مع زيادة تقابل الفضة وبالعكس
كذلك لعدم الربا في ذلك كله كما هو واضح، وقال أبو عبد الله مولى عبد ربه (1) (سألت
الصادق (ع) عن الجوهر الذي يخرج من المعدن وفيه ذهب وفضة وصفر جميعا

1 - الوسائل الباب 11 من أبواب الصرف الحديث 5
15

كيف نشتريه فقال تشتريه بالذهب والفضة جميعا) (و) كذا (يجوز بيع جواهر الرصاص
والصفر بالذهب والفضة وإن كان فيه) أي الرصاص والصفر (يسير من الفضة أو الذهب)
بلا خلاف (لأن الغالب) عليه اسم (غيرهما) فلا يصدق بيع المجانس بمثله ولا بيع الأثمان
بمثلها فلا يجري عليه حكم الربا وإن لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير ولا حكم الصرف.
قال: معاوية (1) وغيره (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جوهر الأسرب وهو
إذا خلص كان فيه، فضة، أيصلح أن يسلم الرجل فيه الدراهم المسماة؟ فقال: إذا كان الغالب
عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك يعني لا يعرف إلا بالأسرب) وفي خبر البجلي (2) عنه
أيضا (في الأسرب يشترى بالفضة؟ فقال: إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس).
وقد ظهر منها أن المدار على غلبة الاسم حقيقة، فلا يجزي غيره حتى التسامح
للقلة ونحوها وهو كذلك، قال في المسالك: (إن مجرد الأغلبية غير كاف في جواز البيع
بذلك النقد كيف اتفق، حتى لو كان الخليط عشرا يمكن تمييزه لم يجز بيعه بجنسه إلا
مع زيادة الثمن عليه بحيث يقابل الآخر).
نعم قد يظهر من بعضهم أنه إذا كان تابعا غير مقصود لم يمنع من البيع بجنسه،
كالذي يزين به السقف والجدران والمصاحف، مع أنه قد يناقش فيه بعدم مدخلية القصد
في ذلك وجواز نحو ذلك مما ذكره لخروج النقد فيها عن الموزونية فتأمل جيدا والله أعلم.
(ويجوز اخراج الدراهم المغشوشة) والدنانير بالشراء بها وغيره من أنواع
التصرفات (مع جهالة) أصل (الغش) أو قدره (إذا كانت معلومة المصرف بين
الناس) بلا خلاف بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، فضلا عن محكيه، للسيرة القطعية
بعد الأصل وقال حريز: (3) (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه قوم من أهل
سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها فقال: لا بأس إذا كان جواز المصر) و
البقباق (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الدراهم المحمول عليها فقال: إذا أنفقت ما يجوز

1 - الوسائل الباب 17 من الصرف الحديث 2، 1
2 - الوسائل الباب 17 من الصرف الحديث 2، 1
3 - الوسائل الباب - 10 - من أبواب الصرف الحديث - 10 - 9
4 - الوسائل الباب - 10 - من أبواب الصرف الحديث - 10 - 9
16

بين أهل المدينة أو البلد فلا بأس وإن أنفقت ما لا يجوز بين أهل المدينة فلا).
ومحمد بن مسلم (1) (جاء رجل من أهل سجستان لأبي جعفر عليه السلام فقال له: إن عندنا
دراهم يقال لها الشاهية تحمل على الدراهم دانقين؟ فقال لا بأس به إذا كان يجوز بين
الناس) وعليه يحمل اطلاق خبره الآخر (2) (سألته عن الدراهم المحمول عليها فقال
لا بأس) بل وخبر عمر بن يزيد (3) (عن أبي عبد الله عليه السلام في أنفاق الدراهم المحمول عليها فقال: إذا كان الغالب الفضة فلا بأس بانفاقها) المبين بخبره الآخر (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
انفاق الدراهم المحمول عليها؟ فقال: إذا جازت الفضة الثلثين فلا بأس) على معنى
أن الجائز بين الناس في ذلك الوقت ما كانت كذلك (وإن كانت مجهولة الصرف)
وكان غشها مما لا يتسامح به (لم يجز انفاقها إلا بعد إبانة حالها) بلا خلاف بل يمكن
تحصيل الاجماع عليه، فضلا عن محكية، لما فيه من الغش المحرم نصا واجماعا وعليه
يحمل خبر المفضل بن عمر الجعفي (5) (قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فألقى بين
يديه الدراهم فألقى إلي درهما منها فقال: أيش هذا؟ فقلت: ستوق فقال: وما
الستوق؟ فقلت: طبقتين فضة وطبقة من نحاس وطبقة من فضة فقال: اكسر هذا فإنه
لا يحل بيع هذا ولا انفاقه) ومكاتبة جعفر بن عيسى (6) إلى أبي الحسن عليه السلام (ما تقول
جعلت فداك في الدراهم أعلم أنها لا تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة تصير إلي من بعضهم
بغير وضيعة لجهلي به، وإنما آخذه على أنه جيد أيجوز لي أن آخذه وأخرجه من يدي
على نحو ما صار إلي من قبلهم؟ فكتب عليه السلام لا يحل ذلك).
بشهادة ما رواه ابن أبي عمير عن ابن رئاب (7) (قال: لا أعلمه إلا عن محمد بن
مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عن الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره
ثم يبيعها، فقال: إذا كان بين ذلك فلا بأس) وغيره والظاهر الاكتفاء بالاخبار بأن فيه غشا
من غير حاجة إلى بيان قدره إلا إذا توقف عليه التخلص من الربا، كما أن الظاهر عدم

1 - الوسائل الباب - 10 - من أبواب الصرف الحديث - 6 - 1
2 - الوسائل الباب - 10 - من أبواب الصرف الحديث - 6 - 1
3 - الوسائل الباب - 10 - من أبواب الصرف الحديث - 4 - 3 وفي الأخير إذا جازت الفضة المثلين
4 - الوسائل الباب - 10 - من أبواب الصرف الحديث - 4 - 3 وفي الأخير إذا جازت الفضة المثلين
5 - الوسائل الباب - 10 من أبواب الصرف الحديث 5 - 8 - 2
6 - الوسائل الباب - 10 من أبواب الصرف الحديث 5 - 8 - 2
7 - الوسائل الباب - 10 من أبواب الصرف الحديث 5 - 8 - 2
17

وجوب الكسر وإن نص عليه في الخبر السابق (1) إلا أني لم أجد من أفتى به بل الفتاوى
وباقي النصوص على خلافه، وفي جواز دفع الظلمة بالدراهم المغشوشة وجهان أقواهما
الجواز وأحوطهما خلافه والله أعلم.
(مسائل عشر)
(الأولى: الدراهم والدنانير) عندنا معاشر الإمامية كغيرها (يتعينان) بالتعيين
في العقد (فلو اشترى شيئا بدراهم أو دنانير) معينة (لم يجز) له (دفع غيرهما ولو
تساوت الأوصاف) خلافا لأبي حنيفة فلا تتعين بالتعيين، وهو مخالف للأدلة الأربعة
كما هو واضح، وحينئذ فإن تلف قبل القبض انفسخ البيع ولم يكن له دفع عوضها، وإن
ساواه مطلقا، ولا للبايع طلبه، وإن وجد البايع بها عيبا ففي المسالك لم يستبدلها، بل
إما أن يرضى بها أو يفسخ العقد، قلت: أو يأخذ الأرش إذا كان في المجلس حيث
يكون المبيع حينئذ من الأثمان أيضا، ولا يستلزم الربا بل وإن استلزم على وجه تقدم
سابقا.
المسألة (الثانية: إذا اشترى دراهم بمثلها معينة فوجد) جميع (ما صار إليه من غير
جنس الدراهم) بل هي رصاص ونحوه (كان البيع باطلا) بلا خلاف ولا اشكال
(وكذا) في غير الصرف ف‍ (لو باعه ثوبا) مثلا (كتانا فبان صوفا) بطل البيع لتخلف
القصد عما وقع عليه العقد ولا ابدال هنا ولا أرش لوقوعه على عين مشخصة، فلا يتناول
غيرها، وعدم وقوع الصحيح والمعيب على هذه العين. وتخيل تغليب الإشارة هنا على
الاسم باطل، ضرورة إرادة مسمى الاسم منها.
(ولو كان) قد وجد (البعض) مما صار إليه (من غير الجنس بطل فيه حسب)
دون الجيد بلا خلاف أجده في شئ من ذلك إلا ما ستسمعه لوجود مقتضى الصحة فيه
بخلافه ولا مانع من التبعيض في متعلق العقد كما في غير المقام.

1 - الوسائل الباب - 10 - من أبواب الصرف الحديث - 5
18

(و) لكن (له) بل وللبايع أيضا مع الجهل بالعيب (رد الكل لتبعض الصفقة و
وله أخذ الجيد) خاصة (بحصته من الثمن) وقد ظهر لك مما تقدم أنه ليس له الرضا به،
لما عرفت من بطلان العقد فيه (وليس له) المطالبة ب‍ (بدله لعدم تناول العقد له)
ولا بالأرش وكذا لو اشترى بالدراهم دنانير أو غيرها، ضرورة اتحاد الجميع فيما عرفت
مما هو معلوم من القواعد المقررة في غير المقام، لكن عن الخلاف والسرائر أنه إذا باعه
دراهم بدراهم، وكان البعض من غير الجنس كان البيع باطلا، وقد يريدان في خصوص
البعض، وفي اللمعة (لو ظهر عيب في المعين من غير جنسه بطل فيه، فإن كان بإزائه
مجانسه، بطل البيع من أصله كدراهم بدراهم، وإن كان مخالفا صح في السليم وما قابله،
وظاهره الفرق بين المجانس والمخانف، وربما وجه باستلزام الربا فيه دونه، وذلك
لأنه لو ظهر درهم من مأة درهم نحاسا كشف عن وقوع البيع على ماءة بتسعة وتسعين
درهما، لأن وجود الدراهم المعيب كعدمه، بل قيل إنه لولا أن مراده ذلك لم يبق فرق بينه وبين
قوله، وإن كان مخالفا، بل كان في العبارة تكرار، واشتراط من غير فائدة.
وفيه أنه بعد أن قوبل صورة بالثمن خصه منه مقدار ما يساويه، فلا ربا حينئذ في
غيره، وتنزيله منزلة العدم بالنسبة إلى قصد كونه مبيعا لا بالنسبة إلى المقابلة، ويمكن
أن يريد الشهيد وإن كان بعيدا بل لا يخلو من نظر بالمجانس هنا المعيب أيضا، فإنه
لا اشكال في البطلان حينئذ والمخالف غير السليم فلا يكون مخالفا ولم يفسرها في الروضة
بما يصلح وجها للتفصيل فلاحظ وتأمل.
(و) أما (لو كان الجنس واحدا وبه عيب كخشونة الجوهر أو اضطراب
السكة كان له رد الجميع أو امساكه، وليس له رد المعيب وحده) لو فرض أن المعيب
البعض لتبعيض الصفقة، وفيه البحث السابق بل عن الشيخ وابن حمزة والفاضل
التصريح هنا بأن له ذلك وإن كان ظاهرهم في بحث العيب الاجماع على عدمه ولم يظهر
وجه للفرق فلاحظ وتأمل والله أعلم.
(ولا ابداله لأن العقد لم يتناوله) كما عرفت ولا أرش في مفروض المتن للربا به
19

بناء على تحققه بمثله، ولو تخالفا كان له الأرش في المجلس قطعا، لوجود المقتضي
وعدم المانع، ومع مفارقته ليس له أخذ الأرش من النقدين، بلا خلاف ممن تعرض له،
كالفاضل والشهيدين وغيرهم لكونه حينئذ من الصرف، وقد فرض الافتراق.
أما من غيرهما فقد صرح الفاضل في التحرير والشهيدان في الدروس والمسالك
بجوازه، لعدم كونه صرفا بل هو كالمعاوضة بغير الأثمان، فيكون جملة العقد بمنزلة
بيع وصرف، والبيع ما أخذ عوضه بعد التفرق، وظاهر أولهما في اللمعة التوقف فيه
بل جزم ثانيهما بعدمه في الروضة، لأن المعروف كون الأرش كجزء من الثمن، والمعتبر
فيه النقد الغالب على أن الحقوق المالية يرجع فيها إلى النقدين، فكيف ينحصر
الحق الواجب باعتبار نقصان في أحدهما، فإذا اختار الأرش حينئذ وحصل موجبه
لزم النقد واتفاقهما على غيره معاوضة على النقد الثابت في الذمة أرشا
لا نفس الأرش.
ودعوى - أن الثابت وإن كان هو النقد، لكن لما لم يتعين إلا باختياره الأرش إذ لورد
لم يكن الأرش ثابتا، كان ابتداء تعلقه بالذمة الذي هو بمنزلة المعاوضة اختياره، فيعتبر
حينئذ قبضه قبل التفرق مراعاة للصرف، وكما يكفي في لزوم معاوضة الصرف دفع نفس
الأثمان قبل التفرق كذا يكفي دفع عوضها قبله، بل مطلق براءة ذمة من يطلب منه،
فإذا اتفقا على جعله من غير النقدين جاز، وكانت المعاوضة كأنها واقعة به - يدفعها أن
ذلك يقتضي جواز أخذه في مجلس اختياره من النقدين أيضا، ولا يقولون به، ولزومه
وإن كان موقوفا على اختياره، إلا أن سببه العيب الثابت حالة العقد، فقد صدق التفرق قبل
أخذه، وإن لم يكن مستقرا.
ومن هنا قال في الروضة: (والحق إنا إن اعتبرنا في ثبوت الأرش السبب لزم بطلان
البيع فيما قابله بالتفرق قبل قبضه مطلقا، وإن اعتبرنا حالة اختياره أو جعلناه تمام
السبب على وجه النقل، لزم جواز أخذه في مجلسه مطلقا، وإن جعلنا ذلك كاشفا عن ثبوته
بالعقد، لزم البطلان فيه أيضا.
وعلى كل حال فالمعتبر منه النقد الغالب، وما اتفقا على أخذه أمر آخر، والوجه
20

الأخير أوضح، فيتجه مع اختياره البطلان فيما قابله مطلقا، وإن رضي بالمدفوع لزم،
وأشكله في جامع المقاصد (بأن المدفوع أرشا ليس هو أحد عوضي الصرف وإنما
هو عوض صفة فائتة في أحد العوضين، ويترتب استحقاقها على صحة العقد وقد حصل
التقابض في كل من العوضين، فلا مقتضى للبطلان إذ وجوب التقابض إنما هو في عوضي
الصرف، لا فيما وجب بسببهما، وأجاب عنه في الروضة بأن الأرش وإن لم يكن أحد
العوضين، لكنه كالجزء من الناقص منهما، ومن ثم حكموا بأنه جزء من الثمن نسبته
إليه كنسبة قيمة الصحيح إلى المعيب، والتقابض الحاصل في العوضين وقع متزلزلا،
إذ يحتمل رده رأسا وأخذ أرش النقصان الذي كتتمة العوض الناقص، فكان بمنزلة بعض
العوض، والتخيير بين أخذه والعفو عنه ورد البيع لا ينافي ثبوته، غايته التخيير بينه وبين
أمر آخر فيكون ثابتا ثبوتا تخييريا بينه وبين ما ذكر).
قلت: هو وإن أجاد بما حرر وأفاد، إلا أن التحقيق خلافه، فيجوز أخذ الأرش
من النقدين مع التفرق، لا لأنه جزء من الثمن قد انفسخ العقد بالنسبة إليه، لعدم وصف
الصحة المقابل له في المثمن فيصح أخذه حينئذ في مجلس العقد وغيره، لبقائه حينئذ على
ملك المالك، ولا صرف فيه بوجه من الوجوه، إذ هو وإن أوهمه لفظ لرد والرجوع
في النصوص، بل في بعضها (1) كان علي عليه السلام يضع من ثمن الجارية بقدر عيبها) بل و
بعض عبارات الأصحاب حتى جعل فيها الخيار بالعيب من خيار تبعض الصفقة، إلا أن المعلوم
من الأصحاب خلافه، ولذا لم يعرف الخلاف بينهم في سقوطه بالاسقاط الذي لا ينحل إلى
الابراء ولا إلى الهبة، ولم يثبتوا للبايع خيارا بسببه إذا كان جاهلا لتبعض الصفقة عليه في الثمن،
وكونه من قبله بعد فرض جهله بالعيب لا يسقطه، ولذا لم يحكموا ببطلان المعاملة الربوية
بوجود العيب في أحد العوضين المستلزم على هذا التقدير الزيادة في أحدهما، ولم يجعلوا
الأرش أيضا تابعا لخصوص الثمن، حتى أنه لو أراد البايع دفعه من غير ذلك الثمن لم
يكن له باعتبار بقاء الجزء المقابل للصحة منه على ملك المشتري مثلا، إلى غير ذلك
مما لا يخفى لزومه على هذا التقدير مما هو معلوم عدمه، بل قد يمنع صدق أسم الأرش

1 - الوسائل الباب 4 - من أبواب العيوب الحديث 1
21

عليه حينئذ، وإن كان المتجه عليه ما عرفت، من أن له أخذه بعد مجلس التفرق، بل لأن
الأرش غرامة استحقت شرعا بسبب العيب في المبيع بالمعاملة الصحيحة، فهو وإن كان
ثابتا عوض ما فات من وصف الصحة إلا أنها معاوضة شرعية قهرية، لا تدخل تحت البيع حتى
يجري عليها الصرف، ضرورة عدم قصد كل من المتعاملين كون المبيع العين مثلا مع
أرش العيب من الدرهم والدرهمين مثلا فلا بيع بالنسبة إليه قطعا، فينبغي القطع بعدم
جريان الصرف أما الربا لو فرض كونه في المتجانسين فإن علم من الأدلة شموله لمثل
ذلك جرى، وإلا جاز كما سمعته سابقا منا.
وعلى كل حال فالصرف ينبغي القطع بعدمه ومن ذلك يعرف ما في قوله والحق
إلى آخره، ومن الغريب دعوى كونه من المعاوضة الصرفية وإن كان البايع مخيرا بينها
وبين الرد وبين العفو، وإن الاختيار أو التصرف كاشف حينئذ عن الثبوت بالعقد، وإنه غير مناف
لثبوته على جهة التخيير، إذ هو كما ترى، وأغرب منه دعوى البطلان فيما قابله من الثمن
بالتفرق إذ شمول أدلة الصرف لنحو ذلك من المعلوم عدمه، بل كاد يكون ضروريا.
كما أن دعوى عدم تناول أدلة أخذ الأرش لمثل هذا المبيع معلوم عدمها،
فضلا عن ترجيح ما دل على اعتبار التقابض في الصرف على ما دل على ثبوت الأرش
مضافا إلى ما في جامع المقاصد (من أنه يمكن أن يقال قد صدق التقابض في مجموع
العوضين المقتضى لصحة الصرف واشتراط قبض الأرش إذا كان من النقدين ليس
لكونه جزء معاوضة بل لكونه من توابعها، ومن ثم لو أسقطه مستحقه لم يلزم في المعاوضة
اختلال، كما لو كان النقدان من جنس واحد) وإن كان قد يناقش فيه بأنه بناء على دخوله
في المعاوضة لا ريب في اعتبار قبضه في صحته وصحة مقابله إذا كان من النقدين، وكونه
عوض صفة فلا مقابل له من العوض الآخر، يدفعه أن أحد العوضين في مقابل الأخير
من جهة المالية، ولا فرق بين الجزء والصفة التي لها دخل في المالية.
نعم التحقيق ما ذكرناه من أن الأرش غرامة شرعية تثبت بسبب العيب فهو كالمعاوضة
القهرية، ولولا الدليل لم يكن ثبوته مقتضى القواعد، بل لو كان دفع الأرش ممن عليه من
22

الصرف باعتبار كونه نقدا في ذمة المستحق عليه ودفعه عنه شراء له من المستحق وجب
اعتبار التقابض فيه حتى في غير الصرف، وهو معلوم العدم، ودعوى اختصاص ذلك
في المعاملة الصرفية لا شاهد لها ولو أعطيت التأمل حقه في المقام بأن لك أن كثيرا من -
الكلام دخان بلا ضرام وسفسطة بلا حاصل، ومتعبة بلا طائل، ولعل مرجع ما ذكره
المحقق الثاني إلى ما قلناه فلاحظ وتأمل هذا.
ولكن في القواعد في المقام (أن له الأرش ما داما في المجلس فإن فارقاه فإن أخذ الأرش
من جنس السليم بطل فيه، وإن كان مخالفا صح) وفيه أنه لا فرق في الصرف بين جنس المعيب و
السليم، فإما أن يبطل فيهما معا، أو يصح كذلك، إذ ما قيل من أنه لو دفع من جنس السليم كما لو كان
العوضان دينار أو عشرة دراهم وكان الدينار معيبا من الجنس بما يقتضي نقصان قيمته بقدر درهم
فإن المبيع يكون دينار أو درهما بعشرة دراهم، وقد تفرقا قبل قبض الدراهم فيبطل
الصرف فيه، بعينه آت فيما لو دفع ذهبا قيمته درهم، فإنه قد تفرقا قبل قبضه، فيجب
أن يبطل كالسليم، بخلاف ما لو دفع من غيرهما، وقد يريد كما حكاه الشهيد عن بعض
تلامذة العلامة ما كان مخالفا لجنسي المعيب والصحيح معا، فالمراد حينئذ بجنس
السليم مطلق النقد فيوافق ما حكيناه عنه في التحرير.
نعم ربما ظهر من العبارة المزبورة عدم انحصار الأرش في النقد، وأنه كلي شامل
له ولغيره، وتعذر بعض أفراده بالتفرق، يعين الآخر وهو النقد أو أنه النقد إذا أمكن، فإن تعذر
فغيره، وفيه منع واضح لما عرفت من انصراف جميع الحقوق المالية إلى النقد، كما
أن ظاهر قوله بطل فيه أنه لا يجوز دفع الأرش بعد ذلك، ويشكل بأنه إذا استحق في ذمته
عوض نقصان أحد العوضين، كيف يبطل فيما لو عينه فيما لا يجوز أخذه، وتخييره في
جهات القضاء إنما هو فيما لم يمنع شرعا، بل في جامع المقاصد لو سلم تخييره بالنسبة
إليها لم يلزم البطلان، بل عدم جواز المطالبة بغيرها حتى لو تراضيا على الأداء من غير
النقدين بعد التعيين في أحدهما ينبغي القول بالجواز فتأمل جيدا والله أعلم.
المسألة (الثالثة: إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها، ووجد جميع ما صار إليه غير فضة قبل
23

التفرق كان له المطالبة بالبدل) قطعا لعدم فردية ما قبضه للكلي المبيع فهو كعدم القبض
بل ليس له الرضا به عوضا عن المبيع إلا بمعاوضة جديدة غير العقد الأول (وإن كان)
قد ظهر له ذلك (بعد التفرق بطل الصرف) لعدم التقابض في المجلس (ولو كان)
قد ظهر ذلك (في البعض) طالب بالبدل قبل التفرق وبعده (بطل فيه) لعدم التقابض
(وصح في الباقي) لوجود المقتضى وكان له خيار تبعض الصفقة (وإن) كان
(لم يخرج) المدفوع (بالعيب عن الجنسية) لأنه اضطراب سكة أو خشونة جوهر
أو نحوهما وفرض كون العيب المزبور في جميع العوض (كان مخيرا بين الرد)
لاطلاق أدلة العيب (و) بين (الامساك بالثمن من غير أرش) بناء على استلزامه الربا
أو لعدم ثبوته في فرد الكلي كما ستعرف من غير فرق في ذلك بين حالي التفرق وعدمه.
لكن قد يفهم من جميع المصنف بين الرد والابدال أن مراده من الأول فسخ العقد
من أصله، بل قوله في القواعد (له الرد والامساك مع الأرش مع اختلاف الجنس، و
مجانا مع اتفاقه، والمطالبة بالبدل وإن تفرقا على اشكال) أوضح منه كقوله في
الإرشاد (له الرد والامساك بغير أرش، والبدل وإن تفرقا) بل في الوسيلة " وعن المبسوط
تخييره بعد التفرق بين الرضا بالبيع والفسخ والابدال " ولعل وجه الفسخ أن المبيع
وإن كان كليا إلا أنه تشخص بالقبض، حتى صار كأن المبيع ذلك الشخصي فجرى
عليه حكمه إذا كان مبيعا.
وإليه أشار في التذكرة حيث احتمل الفسخ معللا له بأن المطلق يتعين بالتقابض
إلا أنه جعل الوجه قبل ذلك عدمه إلا مع تعذر تسليم الصحيح، قال: (لأن العقد يتناول
أمرا كليا) ونحوه ما في المختلف فإنه بعد أن حكى عن الشيخ ما سمعت قال: (ولي
فيه نظر فإن لقائل أن يقول ليس له الفسخ كما لو دفع المسلم فيه معيبا، فإن له المطالبة
بالصحيح دون الفسخ إلا مع تعذر التسليم، فكذا هنا إذ المعقود عليه غير معين، ولا يتعين
المعيب بالقبض، ولا يتحقق الفسخ) وأشكله في الدروس بأنهما تفرقا قبل قبض البدل
وفيه أن البحث على فرض جواز الابدال بعد التفرق كما هو صريح ما سمعته عن المبسوط
24

والوسيلة، وإلا فلا ريب أن المتجه على تقدير العدم جواز الفسخ، لكن على معنى
أن له رد المعيب فينفسخ العقد حينئذ، لعدم التقابض قبل التفرق، وحينئذ يكون من
قبيل تعذر تسليم الصحيح.
ومن هنا جعل في التحرير عدم الفسخ لازما للقول بالابدال، فقال: (ولو
وجد القابض عيبا فله المطالبة بالبدل قبل التفرق، سواء كان العيب من جنسه أو من
غيره، ولو كان العيب من جنسه ورضيه جاز، ولو طلب الأرش لم يجز مع اتحاد العوضين
ويجوز مع عدمه، ولو افترقا بعد القبض ثم وجد العيب من جنسه قال الشيخ: له الابدال،
ولو كان من غير الجنس بطل الصرف، ولو كان في البعض صح في السليم ولو طلب
واجد العيب الفسخ فعلى قول الشيخ ينبغي أنه ليس له مع الابدال، ولعل مراده أن المتجه
على قول الشيخ عدم جواز الفسخ وإن كان هو قد صرح به كما سمعت، ويؤيد ذلك
كله ما تسمعه انشاء الله في باب السلم من الحكم بالابدال وعدم فسخ العقد، ولعله لذا
اقتصر في اللمعة هنا فيما نحن فيه على أن له الابدال مضافا إلى أصالة لزوم العقد
وغيرها فالمتجه حينئذ حمل الرد في كلام المصنف على إرادة رد المبيع لا فسخ العقد
ويكون الحاصل أن له الرد على كل حال، وإن أدى ذلك لو كان بعد التفرق، وقلنا بعدم
الابدال فيه إلى بطلان العقد.
والمناقشة - في أصل جواز الفسخ بأنه قد تشخص الكلي في المقبوض، إذ الفرض
أنه فرد له، ولا دليل على أن العيب يسلط على فسخ مقتضى القبض، والأصل
براءة ذمة الدافع وبقاء ملك المدفوع إليه - يدفعها الاتفاق منهم ظاهرا على ذلك في المقام
والسلم وغيرهما، مؤيدا باطلاق ما دل على رد المعيب الشامل للمقام، وإن اختلف هو
مع الشخصي بكون رده مقتضيا لفسخ العقد، بخلاف رده هنا باعتبار أن العقد قد
وقع على ما هو أعم منه، فأقصى ما يفيد رده ابطال التشخيص السابق لا أصل العقد كما
هو واضح.
(و) حينئذ ففي المقام أن رد في المجلس كان (له المطالبة بالبدل قبل التفرق قطعا)
25

لعدم المانع من التفرق (و) نحوه أما (فيما بعد التفرق) ففي الابدال (تردد)
وخلاف فالمشهور بين من تعرض له من الشيخ وابن حمزة والفاضل والمحقق الثاني
والشهيد الثاني أن له ذلك، وفي الدروس (لا يجوز على الأقرب) وهو ظاهر اللمعة أيضا وعن أبي علي أنه يجوز الابدال ما لم يتجاوز يومين فيدخل في بيع النسيئة، لكنه لم يقيد بالتعيين و
عدمه، وكأن وجه العدم أن الابدال يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق، وأن المبيع
حقيقة إنما هو البدل، وقد حصل التفرق قبل قبضه، فيكون الصرف باطلا، فلا يجوز
له أخذ البدل، ويدفعه أن التقابض تحقق في العوضين قبل التفرق، لأن المقبوض و
إن كان معيبا، إلا أن عيبه لم يخرجه عن حقيقة الجنسية، ولأجل ذلك ملكه المشتري،
وكان نماؤه له من حين العقد إلى حين الرد، والفسخ بالرد طار على الملك بسبب ظهور
العيب، فيكون البيع صحيحا، وله طلب البدل بعد التفرق، إذ ما في الذمة
وإن كان أمرا كليا إلا أنه إذا عين في شئ وقبضه المستحق تعين وثبت ملكه له فإذا ظهر فيه
عيب كان له فسخ ملكيته تداركا لفائت حقه، فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة فتعين
حينئذ عوضا صحيحا، وبهذا ظهر أن الأول كان عوضا في المعاوضة، وقد قبضه قبل التفرق،
فتحقق شرط الصحة، فلا يلزم بطلانها بالفسخ الطارئ على العوض، المقتضي لعوده
إلى الذمة، وكون البدل عوضا لا يقتضي نفي عوضية غيره، فلا يقتضي التفرق قبل قبضه
العوض في المعاوضة.
وأما ما عن الإيضاح من أن جواز الابدال يستلزم عدمه، لأن رده هو رفع تعيين
البيع فيه، وهو يستلزم انتفاء كون المردود المبيع في الماضي والمستقبل، لأن المبيع
واحد، فلا يكون قد قبض المبيع قبل التفرق فيبطل الصرف، إذ يمكن منعه عليه بالتزام
عدم وحدة ما يتحقق به المبيع حتى في الزمان، فقد ظهر أن الأقوى جواز الابدال كما
أن الأقوى عدم اعتبار التقابض في مجلس الرد وفاقا للشهيدين في الحواشي والمسالك
والمحقق الثاني في جامعه، للأصل السالم عن المعارض، إذ القبض الأول إما أن يؤثر
في صحة البيع أو لا، والثاني يستلزم بطلان البيع من رأس والمفروض خلافه، والأول
26

يستلزم عدم اشتراط قبض البدل، وبالجملة أدلة التقابض إنما يظهر منها اعتباره في مجلس
العقد وقد حصل، فغيره على الأصل، فما عن الإيضاح من الاشتراط ضعيف كالاشكال
في القواعد، وإن كان وجهه أنه قبض عوض الصرف، لأن القبض الأول قد ارتفع، وفيه
ما عرفت، فقد بان أن الأقوى عدم الاشتراط كما أنه مما ذكرنا سابقا ظهر مستند القول
بالابدال وعدمه، وأما ما عن أبي على ففي خبر إسحق (1) عن الكاظم عليه السلام إشارة إليه
قال: (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يبيعني الورق بالدنانير وأتزن منه فأزن له حتى
أفرغ، فلم يكن بيني وبينه عمل إلا أن في ورقه نفاية وزيوفا وما لا يجوز، فيقول:
انتقدها ورد نفايتها، فقال: ليس به بأس، ولكن لا يؤخر ذلك أكثر من يوم أو يومين، فإنما
هو الصرف، قلت: فإن وجدت في ورقه فضلا مقدار ما فيها من النفاية قال: هذا احتياط
هذا أحب إلي) وهي كما ترى ولو كان العيب في البعض، فحكمه حكم الكل في جميع
ذلك، إلا أن في رده وحده أو رد الجميع لئلا تتبعض الصفقة على البايع ما عرفته سابقا، كما
أن الحكم كذلك أيضا في مختلف الجنس وإن زاد عليه بجواز أخذ الأرش في المجلس
وبعده على البحث السابق، لكن صرح في المختلف هنا (بأن له الأرش مع التفرق)
بل لعله المفهوم من عبارة القواعد أيضا وهو موافق لما قدمناه من عدم منافاته للصرف.
نعم قد أطلق هنا في المحكي عن المبسوط والخلاف والوسيلة الامساك مجانا مع
عدم تقييد الأول والثالث باتحاد الجنس وفرضه في الثاني مع اختلافه، ولعله لأن الأرش
إنما يثبت في أحد العوضين إذا تعين لأن غير المعين ماهية كلية في الذمة، وإنما يحمل
اللفظ على الصحيح، فإذا دفع إليه بعض جزئيات الكلي معيبا كان له ابداله، فلا يتعين كونه
معيبا كي يستحق جبره بالأرش، ولذا حكى عن شرح الإرشاد للفخر الجزم بعدم الأرش
أيضا، بل هو ظاهر الشهيد أو صريحه في الحواشي بل يؤيده ما تسمعه منهم فيما إذا خرج
المسلم فيه معيبا من التصريح بعدم الأرش بل ظاهر المسالك هنا أنه من المسلمات، وهو
متجه بناء على أن له الابدال هنا، إذ لا فرق حينئذ بينه وبين المسلم فيه.

1 - الوسائل الباب - 5 - من أبواب الصرف الحديث 2
27

نعم يمكن القول بثبوت الأرش فيهما معا باعتبار تشخصه بالقبض فيشمله ما دل
عليه في المبيع المعيب، ولا ينافيه جواز المطالبة بالابدال، اللهم إلا أن يقال إن الأرش
إنما ثبت عوضا عن وصف الصحة الذي لا يمكن تداركه إلا به لو كان المبيع شخصيا
أما إذا كان كليا فهو ممكن بالابدال، فلا يلزم به البايع ومن ذلك كانت المسألة محل
تردد، وإن كان الأول أقوى إن لم يكن اجماع على خلافه، والله أعلم.
ثم إنه حيث يثبت الرد لا يمنعه نقص السعر عندنا ولا زيادته، للأصل واطلاق
الأدلة خلافا لبعض العامة فجعل النقص كحدوث العيب فيه، وهو قياس ومع الفارق،
ولو تلف أحد العوضين المعينين في الصرف بعد التقابض، ثم ظهر في التالف عيب
من غير الجنس بأن بطلان الصرف، وكان العوض الآخر لصاحبه، ويضمن التالف
بالمثل إن كان نحو الذهب والفضة والدرهم والدينار وبالقيمة في الحلي ونحوها و
لو كان العيب من الجنس لم يكن له الأرش مع اتحاد الجنس، بناء على ثبوت الربا به.
نعم قيل إن له الفسخ ويرد مثل التالف أو قيمته إن لم يكن له مثل وفيه نظر، أما
مع اختلافه فله الأرش على البحث السابق، ولو كانا غير معينين وكان التالف معيبا
من غير الجنس لم يبطل الصرف قبل التفرق.
نعم هو كذلك بعده ولو كان معيبا بالجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس
قبل التفرق وبعده، على البحث السابق وليس له فسخ العقد على القول به هناك، لأن
التلف مانع له، والظاهر أن المطالبة بالبدل كذلك، أما متحد الجنس فليس له الأرش،
بناء على ثبوت الربا به، وله الرد في وجه بل قول قد تقدم، لتوقف تحصيل حقه
عليه والظاهر أن الابدال كذلك، ومن ذلك كله يعلم ما في اطلاق القواعد، قال:
(لو تلف أحدهما بعد التقابض ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بطل الصرف،
ويرد الباقي ويضمن التالف بالمثل أو القيمة، ولو كان من الجنس كان له أخذ الأرش
مع اختلاف الجنس وإلا فلا) ويمكن أن يريد المطلقين فيحتاج إلى قيد التفرق، للبطلان
والأمر سهل.
28

ولعل اضطراب كلامهم في المقام يشهد للمختار سابقا، ضرورة كون المقام من
خيار العيب في غيره، وليس له أدلة مخصوصة تخصه، وقد عرفت سابقا سقوطه بالتلف
والتصرف، فبناء على المختار من ثبوت الأرش في متحد الجنس ولا ربا، وعلى
ثبوته أيضا في مختلف الجنس بعد التفرق، ولا ينافي الصرف، وعلى ثبوته في الكلي
أيضا يتجه حينئذ القول بسقوط الرد المقتضي للفسخ أو الابدال بالتلف ويتعين الأرش
أما على غيره فيشكل مع التزامهم بسقوط الرد والأرش من حيث الربا أو الصرف
أو الهبة، بأنها معاملة ضررية لا جبر لها، وبمنافاته لاطلاق أدلة العيب، ومع التزامهم برد
المثل أو القيمة عوض رد العين كي يترتب عليه الفسخ أو الابدال، بأنه مناف لما دل هنا
من اعتبار قيام العين في الرد خصوصا الرد الموجب للابدال.
ومن ذلك يظهر لك قوة المختار المطرد على جميع الأطوار ويجوز اخلاد أحد
المتعاقدين إلى الآخر في قدر عوضه فيصح البيع فيما يشترط فيه القبض في المجلس
قبل اعتباره، فلو أخبر بوزن المعين فاشتراه بجنسه ثم وجد نقصا تبين بطلان الصرف
قبل التفرق وبعده، لاشتمال أحد العوضين على زيادة عينية يتحقق بها الربا كما صرح
به الفاضل وغيره وكذا لو كان الزايد معينا والمطلق مخصوصا بقدر ينقص عن المعين
بحسب نوعه، بل وكذا لو كانا مطلقين وكان أحدهما ينقص عن المعين
بحسب نوعه.
بل وكذا لو كانا مطلقين وكان أحدهما ينقص عن الآخر بحسب نوعه.
نعم قد يناقش في أصل تحقق الربا بذلك كما ستسمع في صورة الزيادة التي يجري مثله
في صورة النقيصة، لكن بالنسبة إلى الثمن، والأصل في المسألة أن نقصان المبيع
الشخصي وزيادته في متساوي الأجزاء يقتضي بقاء الزيادة في الثمن والمثمن على ملك
مالكهما وعقد البيع لم يؤثر نقلهما عن المالك، وإن كلا منهما ملك للبايع والمشتري، وإن
ثبت الخيار فعلى الأول لا ربا في الفرض بخلاف الثاني، والمسألة من المشكلات كما
تقدم الكلام فيها، في أحكام العقود، وكلمات الأصحاب، فيها في غاية الاضطراب،
وفيها خبر (1) في مختلف الأجزاء يوافق الأول، اللهم إلا أن يراد منه ومن الفتاوى اثبات
فرد آخر للخيار وهو الأخذ بالحصة في مختلف الأجزاء وأولى منه المتساوي من

1 - الوسائل الباب - 14 - من أبواب الخيار الحديث 1
29

غير فرق بين الثمن والمثمن، ولعله لا يخلو من قوة، وحينئذ يتجه الربا مطلقا فتأمل
جيدا، فإنه دقيق جدا.
ولو اشتراه أي المعين بغير جنسه كذلك فظهر النقص تخير بين الرد والأخذ بالحصة
إن كان متساوي الأجزاء، وإلا تخير بين الامساك بجميع الثمن والرد على ما تقدم سابقا
في أحكام العقود فلاحظ وتأمل، وكذا المطلق والمعين، والمطلقين ولو كان قد
وجده زايدا وهي.
المسألة (الرابعة) التي ذكرها المصنف فقال: (إذا اشترى دينارا بدينار
و
دفعه فزاد زيادة لا تكون إلا غلطا أو تعمدا كانت الزيادة في يد البايع أمانة وكانت للمشتري
في الدينار مشاعة) كما صرح به الفاضل والمحقق الثاني هنا وغيرهما.
نعم في المسالك (المراد أنه إذا اشترى دينارا مثلا في الذمة بدينار كذلك، وإن
كان قوله ودفعه قد يوهم التعيين، إذ لو كانا معينين لبطل الصرف من حيث اشتمال أحد
العوضين على زيادة عينية، وكذا لو كان الزائد معينا والمطلق مخصوصا بقدر ينقص
بحسب نوعه.
قلت: قد يناقش فيه بأن الزيادة بناءا على أنها غير داخلة في المبيع، للحكم بأنها
للدافع كما تقدم سابقا في أحكام العقود في متساوي الأجزاء، فكيف يلزم الربا، وبأن
الربا قد يتصور أيضا في المطلقين إذا كان أحدهما ناقصا عن الآخر بحسب نوعه.
وكيف كان فلا أجد خلافا في صحة الصرف حيث لا يستلزم الربا، بأن كان الزائد
مثلا ليس أحد عوضي المعاملة، وإنما دفع عوضا عما في الذمة، فاتفق أنه كان زائدا عن وزن
ما جعل عوضا، ولا يخرج بهذه الزيادة عن كونه فردا للكلي الذي في الذمة وإن كان مقدرا
بالوزن الناقص، إلا أنه لم يؤخذ ذلك وصفا مشخصا له على وجه يخرج الزايد عن
كونه فردا.
ولو فرض كونه كذلك، فلا ريب في بطلان الصرف إذا كان قد بان بعد التفرق
وقبله يطالب بالبدل، إلا أن ذلك غير ما نحن فيه، والزيادة في الفرض للبايع قطعا،
30

كالقطع بأنها أمانة مالكية مع التعمد، بل في المسالك (أنه محل وفاق) أما مع غيره
كالغلط أو شك فيها فالأقوى كونها كذلك أيضا، أي بالنسبة إلى عدم الضمان وفاقا لأول
الشهيدين وثانيهما ومحكي المبسوط، للأصل بعد أن كان وقوعها في يده من غير تعد منه،
بل بإذن مالكها، وليست من المقبوض بالسوم قطعا، ولا أولى منه بالضمان لو قلنا به،
والاقدام على قبضها من العوض لم يصلح تسبيبه للضمان.
وعموم (على اليد) (1) بحيث يشمل النزاع محل منع، خصوصا بعد عدم الجابر
له فيه، بل في المسالك (أن الثابت على الأخذ في الخبر غير مبين، ولعله للحفظ أو
نحوه كما يرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد، مع عدم الحكم بضمانها، والقدر المتفق
عليه وجوب حفظها.
وإن كان قد يناقش فيه بمعلومية استدلال الأصحاب به في سائر المقامات على
الضمان، فلا أقل من أن يكون ذلك مرجحا له على تقدير الحفظ، فضلا عن فهم العرف
له من لفظ على، مع أن إرادة الأمرين منه ممكن، بل ربما قيل: إنه أنسب باطلاقه، فتقييده
بأحدهما سيما الحفظ من غير داع لا وجه له، فالأولى حينئذ في رد الاستدلال به ما عرفت،
أو أن المنساق منه الأخذ عدوانا، أو من غير إذن المالك كما يومي إليه استدلال الأصحاب
به في نحو هذا المقامات، فتأمل فما عن فخر المحققين وتبعه الكركي والسيد في الرياض
من أن الأصح الضمان ضعيف.
إنما الكلام في أنها أمانة شرعية - لعدم علم المالك بها فضلا عن قصده الأمانة،
فهي كالمتاع في الصندوق والمستعار ولم يعلم به المالك - أو مالكية نظرا إلى استناد
دفعها إليه وصدق تعريفها المشهور الذي هو الاستناد إلى المالك ومن في حكمه عليها
وجهان، أصحهما الأول ضرورة إرادة تأمين المالك لها من الأمانة المالكية، لا مجرد أخذها
من يده أو دفعه إياها، ولو على وجه الأمانة كما هو واضح، بل ما ذكر من حكم الأمانة
المالكية والشرعية من عدم وجوب رد الأولى على الفور، وعدم اعلام المالك بها،

1 - سنن البيهقي ج 6 - ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257
31

بخلاف الثانية ظاهر فيما ذكرنا، إذ لا وجه لذلك فيما نحن فيه، هذا.
وفي القواعد (إن لآخذ الزيادة الفسخ للتعيب بالشركة إن منعنا الابدال مع التفرق،
وكذا لدافعها إذ لا يجب عليه أخذ العوض، نعم لو لم يفترقا رد الزايد وطالب بالبدل، وإليه
يرجع ما في المسالك قال: و " على تقدير الغلط إما أن يتبين الحال قبل التفرق أو بعده،
فإن كان قبله فلكل منهما استرداد الزايد وابداله، وليس للآخر الامتناع تحرزا من
الشركة، وإن كان بعد التفرق فإن جوزنا الابدال للمعيب من الجنس كما تقدم،
فكذلك، وإلا ثبت الخيار لكل واحد منهما لعيب الشركة ".
ونحوه في جامع المقاصد، ومقتضى الجميع عدم جواز الفسخ مع جواز
الابدال، وبه صرح في جامع المقاصد قال: (لأنه طريق إلى التخلص من العيب فلا
يثبت فسخ المعاوضة اللازمة، وفيه أن مثله جار في المسألة السابقة مع أنهم حكموا
بالرد والامساك والمطالبة بالبدل، اللهم إلا أن يدعى الفرق بين عيب الشركة وغيره،
فيتمسك في الثاني باطلاق دليل الرد به الشامل للابدال والفسخ، بخلاف الأول الذي
دليله لا ضرر، المرتفع بمشروعية الابدال والله أعلم.
المسألة (الخامسة: روى) أبو الصباح الكناني (1) عن الصادق عليه السلام في القوي
جدا إن لم يكن الصحيح ما يستفاد منه (جواز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة
خاتم) قال: (سألته عن الرجل يقول للصايغ صغ لي هذا الخاتم وأبدل لك درهما
طازجيا بدرهم غلة، قال: لا بأس) وعمل بها الشيخ في النهاية، فقال: (لا بأس أن يبيع
درهما بدرهم ويشترط صياغة خاتم أو غير ذلك من الأشياء) بل عن كشف الرموز أن الرواية
مقبولة غير مطعون فيها، وأن المشايخ اعتمدوا عليها وأن المخالف صاحب
الوسيلة، وأن العجلي متردد وأن العمل بها أظهر بين الأصحاب مستثنى من الآية وعموم
الرواية، وظاهره انحصار المخالف في ابن حمزة كالمحكي عن إيضاح النافع.
وظاهر المصنف هنا العمل بها أيضا، بل هو صريحه في النافع كالفاضل

1 - الوسائل الباب - 13 - من أبواب الصرف الحديث 1
32

في التحرير ومحكي التلخيص، بل قيل إنه ظاهره في التذكرة، وأما ابن إدريس فإنه
بعد أن ذكر ما في النهاية وجه الفتوى بذلك أن الربا هو الزيادة في العين إذا كان الجنس
واحدا، وهنا لا زيادة في العين، ويكون ذلك على وجه الصلح في العمل، فهذا وجه الاعتذار
له إذا سلم العمل به، ويمكن أن يحتج لصحته بقول تعالى (1) (أحل الله البيع وحرم
الربا) وهذا بيع، والربا المنهي عنه غير موجود، لا حقيقة لغوية ولا شرعية ولا عرفية.
وفيه ما قد عرفت سابقا من تحقق الربا بمطلق الزيادة في المتجانسين، ضروة عدم
صدق المثل بالمثل معها، وفي صحيح عبد الرحمان (2) إن الناس لم يختلفوا في النسئ
أنه الربا، كما في خبره الآخر (3) (جاء الربا قبل الشروط، وإنما تفسده الشروط)
بل يمكن دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك، لا يقال إذا كان وصف الخاتمية مثلا لا يتحقق
به الربا، ولذا جاز بيعه بمثله فضة غير خاتم، فاشتراطها غير قادح أيضا، لأنا نقول إن الشرط
هنا العمل وهو صياغتها خاتما لا وصف الخاتمية، ولا ريب في تحقق
الربا بمثله.
نعم لو كان الشرط مثلا بيعه بفضة مصوغة خاتما، أمكن عدم تحقق الربا، لعدم
اشتراط العمل، فهو كبيعه الفضة بالفضة من الدراهم مثلا، أو بفضة من جنس المصوغ على
وجه خاص، ونحو ذلك بما هو أفراد للمبيع، وبالوصف والشرط يتعين بعض أفرادها، و
مثله لا يتحقق به الربا قطعا، إذ ليس مطلق الاشتراط في أحد العوضين يتحقق به ذلك، و
لعل من ذلك اشتراط الخيار لأحدهما، فإنه لا يتحقق به الربا أيضا إذ أقصاه صيرورة
البيع بالنسبة إلى أحدهما جايزا، بل قد يقال بعدم تحقق الربا باشتراط غير موضع العقد
للتسليم، نحو ما قيل في الفرض، بل لا أجد خلافا فيه بين من تعرض لذلك، كالفاضلين

(1) سورة البقرة الآية 274
(2) الوسائل الباب - 15 -، من أبواب الصرف الحديث 1
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الصرف الحديث 1 لكنه عن خالد بن الحجاج
33

والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم والظاهر أن ذلك منهم فيه، للأصل والعمومات مع
فقد المانع من نص واجماع، لاختصاصهما بالمنع عن القرض بشرط النفع وليس
الانقاد في بلد آخر منه، ولعل ما نحن فيه كذلك، إذ ليس هو الاشتراط موضع خاص
من مواضع التسليم غير ما انصرف إليه العقد، وحينئذ فيكون ما ورد من الصحيح (1) (في
الرجل يسلف الرجل الورق على من ينقدها بأرض أخرى، ويشترط عليه ذلك، قال لا
بأس) ونحوه الخبر مؤكدا لما عرفته من القاعدة.
لكن في التحرير (يجوزان يعطى عشرة دراهم أو دنانير ويشترط عليه أن ينقدها
إياه بأرض أخرى مثلها في العدد والوزن من غير تفاضل قرضا لا بيعا) وظاهره الفرق
بين القرض والبيع في ذلك، وفيه نظر إن لم يرد من جهة الصرفية.
نعم لو اشترط عليه حمل المبيع مثلا إلى بلد آخر تحقق الربا، لا ما إذا كان كليا
واشتراط خصوص موضع للتسليم، بل قد يظهر من خبر محمد الحلبي (2) جواز اشتراط
بيع الربوي بمثله في عقد ربوي آخر، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستبدل
الكوفية بالشامية وزنا بوزن، فيقول الصيرفي لا أبدل لك حتى تبدل لي يوسفية (ببغلية) (3)
وزنا بوزن فقال لا بأس به، فقلنا له: أن الصيرفي يطلب فضل اليوسفية على (البغلية) (4)
فقال: لا بأس به: فتأمل جيدا.
وكيف كان فلا ريب في أن ما نحن فيه ليس شيئا من ذلك، بل متى اشترطه أو نظيره
من باقي الأعمال تحقق الربا، فانحصر الطريق حينئذ في الخروج عن ذلك بالخبر المزبور

1 - الوسائل الباب 14 من أبواب الصرف الحديث 1 - 3 - 4 - 5
2 - الوسائل الباب 7 من أبواب الصرف الحديث 1 مع اختلاف يسير
3 - هكذا في النسخ المصححة، والصحيح (بغلة) بكسر الغين المعجمة
كما في الوسائل والتهذيب والكافي ويأتي عن المصنف نقل تفسيرها بالمغشوش عن
الفقهاء وبعض أرباب اللغة.
4 - تقدم آنفا تحت رقم 3.
34

لكن قد يناقش فيه بعد تسليم اعتبار سنده، بأنه لا دلالة فيه على ذلك إذ مورده اشتراط
الابدال في الصياغة لا العكس، ومع فرض صحة وقوع هذا الابدال عوضا عن الإجارة
أو الجعالة يرتفع الاشكال، إذ لا ربا في نفس عقد بيع الدرهم بالدرهم، والمحرم منه
الزيادة في عقد بيعه فيكون ذلك حيلة للتخلص من الربا.
ودعوى أنه يؤول إلى كون الثمن للطازجي الغلة والعمل، يدفعها منع تحقق
الربا بنحو هذا الأول، ومع تسليمه فليست المسألة من البيع بشرط ذلك، ويمكن
أن يكون من المقاومة التي لا يترتب عليه التزام، ولكنه لا بأس به مع التراضي من غير
اشتراط، كما يمكن أن يكون ذلك من الابدال الذي هو من الأعمال، لا خصوص
البيع منه.
وبما في الروضة والمسالك من أن الصياغة وقعت من جانب الغلة، وقد حكي
عن بعض أهل اللغة وجماعة من الفقهاء أنها المغشوش، والطازج الخالص، فيكون
الغش حينئذ والصياغة في مقابلة ما زاد عليه من الطازج، وهذا لا مانع منه في البيع و
غيره، وفي شرط صياغة خاتم وغيره من الصنايع والأعيان، فتكون الرواية حينئذ
موافقة للضوابط، ولا يقتصر على مضمونها.
وباحتمال كون المراد الصياغة بأجرتها والابدال، وعدو بغير ذلك من الاحتمالات
التي تسقط الخبر عن الدلالة على ذلك الذي هو مبني على مساواة درهم الغلة والطازج
بالوزن، وأنهما مختلفان بالجودة والرداية لا غير أو بالصحة والكسر، أو أن الأول العتيق
والثاني الجديد، ونحو ذلك مما لا يجوز التفاضل فيهما، ومنه بيع أحدهما بالآخر مع
اشتراط الصياغة، والخبر إن لم يكن ظاهرا فيما ذكرناه فلا ظهور فيه في ذلك قطعا،
ولا جابر له، إذ المشهور بين المتأخرين عدم العمل به على هذا الوجه، بل صرح الفاضل
في المختلف والشهيدان والمحقق الثاني والمقداد وغيرهم بعدم العمل به بالنسبة إلى ذلك
35

وأغرب منه التعدية منه إلى مطلق الشرط وإن كان عينا، أو إذا كان زيادة حكمية من
غير فرق بين الثمن والمثمن، وقد سمعت عبارة النهاية ونحوها عن التذكرة، مع أنه لا اشعار في
الخبر بالتعدية المزبورة ولا منقح من اجماع أو عقل.
ولذا قال المصنف: (وهل يتعدى الحكم؟ الأشبه لا) وهو كذلك كما
عرفت، ولقد أجاد في الدروس في أصل تحرير المسألة حيث قال: (روى أبو الصباح
جواز جعل ابدال درهم طازج، بدرهم غلة، عوضا لصياغة خاتم، وحكم جماعة -
بجواز بيع درهم بدرهم مع شرط صياغة خاتم، قال ابن إدريس: لأن الزيادة ليست عينا ورد
بأن الربا يحصل بالزيادة الحكمية، وظاهرهم جواز التعدية إلى غير ذلك فإن اعتمدوا
على الرواية فلا دلالة لهم فيها، والأوجه المنع مطلقا، والرواية في الإجارة لا غير، و
كان العمل يجبر تفاوت ما بين الدرهمين إذ الطازج الخالص، والغلة غيره) ولا ريب في
أنه أولى من تعبير المصنف وغيره عن مضمون الرواية بأنه جواز بيع درهم بدرهم، مع
اشتراط صياغة خاتم، لما عرفت من عدم كونه كذلك والله أعلم.
المسألة (السادسة) قد عرفت من القواعد السابقة أن (الأواني المصوغة من
الذهب والفضة) يجوز بيعها بغير جنسها مطلقا وبمجموع النقدين كذلك لانصراف
كل إلى ما يخالفه، وبوزنهما أو أزيد من أحد الجنسين، لانصراف الزيادة حينئذ إلى
المخالف، وعن فخر المحققين هنا الاجماع عليه، وبالأنقص مع العلم بزيادته على ما
فيها منه، زيادة تصلح للانصراف إلى الجنس الآخر، وعن الفخر الاجماع عليه هنا
أيضا، من غير فرق في ذلك كله بين امكان تخليص أحدهما عن الآخر بحيث لا يتلف منه
شئ وعدمه، وبين العلم بقدر كل واحد منهما وعدمه، للاكتفاء في المعلومية بوزن
المجموع، وبين غلبة أحدهما على الآخر وعدمه.
لكن في نهاية الشيخ الأواني المصاغة من الذهب والفضة معا إن كان مما يمكن
36

تخليص أحدهما من صاحبه، فلا يجوز بيعها بالذهب أو بالفضة وإن لم يكن ذلك فإن كان
الغالب الذهب لم تبع إلا بالفضة، وإن كان الغالب فيها الفضة لم تبع إلا بالذهب، وإن تساوى
النقدان بيعت بالذهب والفضة معا، ونحوها ما في النافع والإرشاد والتحرير ومحكي
السرائر، وقال قبل ذلك: (ولا يجوز بيع الفضة إذا كان فيها شئ من المس أو الرصاص
أو الذهب أو غير ذلك إلا بالدنانير إذا كان الغالب الفضة، فإن كان الغالب الذهب، و
الفضة الأقل، فلا يجوز بيعه إلا بالفضة، ولا يجوز بيعه بالذهب نقدا، هذا إذا لم يحصل
العلم بمقدار كل واحد منهما على التحقيق، وإن تحقق ذلك جاز بيع كل واحد منهما
بجنسه، مثلا بمثل من غير تفاضل.
ولذا قال المصنف هنا في بيان حكمها، أي الأواني المزبورة (إن كان كل واحد
منهما معلوما، جاز بيعه بجنسه من غير زيادة، وبغير الجنس وإن زاد، وإن لم يعلم وأمكن
تخليصهما لم يبع بالذهب ولا بالفضة، وبيعت بهما أو بغيرهما، وإن لم يمكن وكان
أحدهما أغلب بيعت بالأقل، وإن تساويا تغليبا بيعت بهما) وهو محصل كلام الشيخ.
كما أنه وافقه في الجملة في القواعد ومحكي التذكرة فقال (والمصاغ من
النقدين إن جهل قدر كل واحد بيع بهما، أو بغيرهما، أو بالأقل إن تفاوتا، وإن علم بيع
بأيهما شاء مع زيادة الثمن على جنسه، ولو بيع بهما أو بغيرهما جاز مطلقا).
وقال في الوسيلة: (والمخلوط من الذهب بالفضة ضربان فإن أمكن تخليص
أحدهما من الآخر ولم يعلم مقدار ما فيه من الذهب والفضة، لم يجز بيعه بالذهب ولا
بالفضة ولا بالمخلوط، فإن أراد ذلك تواهبا وإن علم مقدارهما جاز، وإن لم يمكن
التخليص وعلم مقدار كل واحد منهما جاز أن يباع بالذهب أو بالفضة أو بكليهما و
بمخلوط مثله، وإن لم يعلم المقدار وعلم الغالب بيع بغير الغالب فإن اشتبه بيع بكليهما،
وإن صم جنس آخر معه كان أحوط، وإن كان كلا البدلين مخلوط كذلك لم يصح بيع
37

أحدهما بالآخر) وقال ابن الجنيد كما في المختلف: (وإذا اختلط الذهب بالفضة لم يجز أن
يشترى المختلط بواحد منهما وإن كان أحدهما مختلطا بنحاس أو رصاص، فإن كان معلوما
جاز أن يباع الفضة بمثلها، وأسقط الغش، وإن ابتاع المختلط منهما بشئ منهما بأن يجعل
الذهب في الثمن ثمن الفضة من السلعة، والفضة من الثمن ثمن الذهب من السلعة جاز، وقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) (بيعوا الذهب بالفضة يدا بيد كيف شئتم) مبيح لذلك في الاختلاط
والانفراد والزيادة والنقصان، فإن كان العين المختلط في أحدهما لا حكم له في نفس
الاسم كالأسرب الذي فيه فضة، لا حكم لها جاز شراؤه بفضة دون وزنه، ولو كان هذا
حكم الذهب والفضة، فغلب أحدهما كان شراء ذلك بعروض غيرهما أحب إلي)
والجميع كما ترى مخالف لتلك القواعد، أو فيه ما هو كذلك كما لا يخفى على من تأملها
وتأمله.
وقد ذكر الشهيد في المسالك جملة من مواضع المخالفة التي تظهر بأدنى التفات
هذا مع أنه لم نقف لهم على ما يشهد لهم من النصوص، سوى خبر إبراهيم بن هلال (2)
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام جام فيه ذهب وفضة اشتريته بذهب أو فضة فقال إن كان
تقدر على تخليصه فلا، وإن لم تقدر على تخليصه فلا بأس) وخبر أبي عبد الله مولى عبد ربه
(3) قال: (سألت الصادق عليه السلام عن الجوهر الذي يخرج من المعدن وفيه ذهب وفضة
وصفر جميعا، كيف نشتريه، فقال: تشتريه بالذهب والفضة جميعا) وخبر عبد الله بن سنان (4)
قال: (سألت الصادق عليه السلام عن شراء الذهب فيه الفضة بالذهب قال: لا يصلح
إلا بالدنانير والوزق)، وغير ذلك من النصوص (5) التي تسمعها في تراب الصياغة لكن

1 - سنن البيهقي ج 5 ص 282
2 - الوسائل - الباب - 15 من أبواب الصرف الحديث - 5
3 - الوسائل الباب 11 - من أبواب الصرف الحديث 5 - 3
4 - الوسائل الباب 11 - من أبواب الصرف الحديث 5 - 3
5 - الوسائل الباب - 16 - من أبواب الصرف
38

لا دلالة فيها على تمام ما ذكروه، مع أن في سند الأول منها الذي لم يتضمن التفصيل
بالتخلص وعدمه وغيره، ما يمنع من العمل به، مضافا إلى عدم القول باطلاقه منهم،
كاطلاق غيره من النصوص السابقة المحمول قطعا على الغالب من عدم العلم بالمساواة
في شراء الممتزج بأحدهما فلا تكون مخالفة حينئذ للقواعد السابقة، وقد يحمل
كلام الأصحاب أو بعضهم على ذلك أيضا خصوصا بعد معلومية عدم التغابن عادة، إلا
أن ما ذكروه من البيع بالأقل على تقدير الغلبة لا محمل له، واعتذر عنه الشهيد بإرادة المحافظة
على طلب الزيادة قال في الدروس: (والإناء المصوغ من الجوهرين أو الحلي منهما
يباع بغيرهما أو بهما مع علم وزن المبيع، وإن لم يعلم وزن كل واحد منهما، إذا لم يمكن
التخلص، ولو بيع بالجنس الواحد لم يجز، إلا أن يقطع بزيادة الثمن) وقال الشيخ
وجماعة (يباع بالأقل محافظة على طلب الزيادة) وفيه أن الزيادة المعتبرة في الثمن غير
جنسه، يمكن تحققها مع الأقل والأكثر، أو مع ذلك فالارشاد إلى الزيادة غير كاف في
التخصيص الموجب لتوهم المنع عن غيره.
لكن قد يظهر منه عدم خلاف الشيخ إلا في ذلك الذي حمله على ما عرفت، كما
عساه يظهر من المحكي عن شرح الارشاد للفخر قال: (إن المصوغ من النقدين يجوز بيعه
بأحدهما بوزن المجموع أو أزيد، اجماعا إلى أن قال وإن لم يبع بوزن المجموع
فلا يخلو إما أن يعلم زيادته على جنسه أو لا، والأول يصح اجماعا ثم قال إن لم يمكن
التخلص فالأصح عندي أنه لا يصلح بيعه به، وقيل يصح بيعه بالأنقص، وهو مشهور عند
الأصحاب، وهذا خلاف قاعدتهم لأنهم مع امكان الربا حرموا عليه الزيادة لكن بنوا
ذلك على أن العاقل لا يقع في معاملاته التغابن وهذا ليست أمارة حسية ولا عقلية بل
زعموا أنها شرعية بنص الأصحاب.
قلت يمكن أن يريدوا أنه إذا بيع بالأقل كان هناك طريق للتخلص من الربا
39

لو أريد بيعه بأحدهما بأنقص من وزن مجموعه، بأن يشتريه مثلا بوزن نصفه من جنس الأقل
للقطع حينئذ بالزيادة، لأن الفرض غلبة الجنس الآخر، بخلاف ما لو بيع بالجنس الآخر
فلا يعلم زيادة الثمن حتى يباع بوزن مجموعه، والغالب في معاملات الناس عدم شراء
المركب منهما بوزن أحدهما، ولذا أطلق في كلامهم عدم جواز بيعه بالذهب أو الفضة
كالنصوص، ونحو ما تقدم في عبارة المصنف في المغشوش، كما أن قول المصنف
بجواز بيع كل واحد منهما بجنسه مع العلم بقدره من غير زيادة متجه، ضرورة تحقق
الربا بالزيادة، ولا يدفعها تعدد الجنس، بعد أن عين الثمن لكل منهما من جنسه، إذ الانصراف
إلى المخالف إنما هو إذا بيع بالمجموع من غير تعيين.
وكيف كان إن أمكن ارجاع كلام الجماعة جميعه أو بعضه إلى مقتضى القواعد
السابقة فمرحبا بالوفاق، وإلا كان محلا للمنع، لعدم دليل صالح للخروج به عنها، كما
هو واضح.
ثم إن مقتضى الأدلة السابقة الصريحة في اشتراط المماثلة ببيع المتجانسين،
وحرمة التفاضل والمبالغة في شدة حرمة الربا اعتبار القطع هنا بزيادة الثمن على
المجانس إذا أريد البيع بجنس أحدهما، ليتخلص من الربا، بصيرورة الزيادة في
مقابلة الجنس الآخر كما صرح به في الدروس واستجوده في الروضة، وتعذر العلم
أو تعسره إلا بالتخلص الموجب ضررا بتلف البعض، لا يجوز الاكتفاء بغيره، ولو كان
ظنا غالبا، خلافا لللمعة فاكتفى به لعسر العلم اليقيني بالقدر غالبا، ومشقة التخليص
الموجب له، وفيه منع، ولو سلم فليبعه بغير الجنس أو بضمه إليه، نعم قد يقال حيث
لا يمكن التخلص من ضرر عدم العلم إلا به بالاكتفاء مع أنه لا يخلو من نظر أيضا فتأمل.
والمراد بامكان التخلص أن يتخلص من دون أن يتلف شئ أو ينقص قدره أو وصفه
والله أعلم.
40

المسألة (السابعة): - قد عرفت مما تقدم من القواعد السابقة كيفية بيع
(المراكب) والسيوف وغيرها (المحلاة) بأحد النقدين ف‍ (إن علم) قدر (ما
فيها بيعت بجنس الحلية بشرط أن يزيد الثمن عما فيها) ليتخلص من الربا بمقابلة
الزيادة لذي الحلية (أو توهب) بعد البيع أو قبله، فتكون الحلية حينئذ مبيعة منفردة
فلا يحتاج إلى (الزيادة) بل لا يجوز معها لتحقق الربا.
نعم يجب أن يكون الاتهاب (من غير شرط) في بيع الحلية بمساويها، وإلا كان
ربا كما عرفته فيما تقدم، ولو وهبه قبل البيع صح، ولو اشترط في عقد الهبة بيع الحلية
بالمساوي خلافا للمسالك فلم يجوزه أيضا وكأنه لأنه يؤل إلى البيع بشرط الهبة، وفيه
منع، هذا إذا أريد البيع بجنس الحلية (و) أما لو باعه (بغير جنسها) فلا اشكال
في الجواز (مطلقا) سواء زادت قيمته عليها أو لا وسواء اشترط الهبة لو كان البيع
للحلية خاصة أو لا (و) أما (إن جهل) المقدار فالظاهر عدم الاشكال في أصل البيع،
لعدم اشتراطه هنا بالوزن، للأصل المعتضد بالسيرة، واطلاق النصوص سواء تمكن
من النزع بلا ضرر أو لا، لكن قد يوهم قوله في المتن (ولم يمكن نزعها إلا مع الضرر،
بيعت بغير جنس حليتها) عدم الجواز مع التمكن، ونحوه الدروس، بل عن حواشي
الشهيد التصريح بأنه لا يجوز بيع المحلي المجهول إلا بعد تخليص الحلية، إلا أن
يحصل نقص أو ضرر، فيجوز مجهولا بالآخر، وفيه منع واضح.
نعم لا يرتفع حكم الربا بذلك للاكتفاء فيه بوزن جنسه، وليس هذا كالغزل
الذي خرج بالصفة عن كونه موزونا الذي قد صرح في النصوص (1) بجواز بيعه متفاضلا
بل هو كغير الموزون لكبر أو صغر بل هو أولى منهما عند التأمل، ضرورة موزونية
الحلية لو كانت منفردة إلا أنها بالوضع على المحلي، وصعوبة النزع والتضرر به بيعت

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الربا الحديث - 12 - وباب - 19 - منه أيضا
41

بلا وزن، تبعا للمحلي.
نعم يمكن التوقف في بيعها منفردة مجهولة، بل لعل الأقوى فيه العدم، وكيف
كان فما ذكره المصنف من البيع بغير جنس الحلية لا اشكال فيه ولا خلاف (و) أما
(إن بيعت بجنس الحلية) فمقتضى القواعد السابقة بل حكي الاجماع عليه هنا ونفى
الخلاف فيه آخر، مضافا إلى ما سمعت من النصوص (1) جوازه إذا كان الثمن زايدا
عليها، حتى يكون في مقابلة ذي الحلية، أما إذا كان أقل فلا يجوز اجماعا محكيا عن الخلاف،
معتضدا بنفي الخلاف من غيره، بل ومحصلا لتحقق الربا، وقد سأل منصور الصيقل (2)
أبا عبد الله عليه السلام (عن السيف المفضض
يباع بالدراهم فقال: إن كانت فضته أقل من النقد فلا بأس
وإن كان أكثر فلا يصلح) ونحوه مضمر أبي بصير (3) وهو قرينة علي وهم الراوي عنه في خبره
الآخر (4) قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: السيف أشتريه وفيه الفضة تكون الفضة أكثر أو أقل،
قال: لا بأس) أو على أن المراد به في فضته قلة أو كثرة على اختلاف أفراده فيقيد حينئذ
بخبره الأول أي إذا كان ثمنه أكثر فلا بأس، أو كان مع الضميمة أو غير ذلك، جمعا بينه
وبين ما عرفت من القواعد السابقة وغيرها.
لكن (قيل) والقائل الشيخ في النهاية (يجعل معها شئ من المتاع، وتباع
بزيادة عما فيها تقريبا دفعا لضرر النزع) قال فيها: (ومتى كانت محلاة بالفضة و
أرادوا بيعها بالفضة وليس لهم طريق إلى معرفة مقدار ما فيها ليجعل معها شيئا آخر وبيع
حينئذ بالفضة إذا كان أكثر مما فيها تقريبا، ولم يكن به بأس) ولم أجده لغيرها، نعم
نسبه في التنقيح إلى المبسوط والخلاف، وفي مفتاح الكرامة، لم أجده تعرض لذلك في
الكتابين بعد فضل التتبع، ويؤيده اقتصار جماعة على نسبته إليها.

1 - الوسائل الباب 15 - من أبواب الصرف
2 - الوسائل الباب 15 - من أبواب الصرف الحديث 7 و 8 و 9
3 - الوسائل الباب 15 - من أبواب الصرف الحديث 7 و 8 و 9
4 - الوسائل الباب 15 - من أبواب الصرف الحديث 7 و 8 و 9
42

وعلى كل حال فظاهرها كما قيل اعتبار الضميمة مع الحلية، بل عن حواشي الشهيد
نسبته إلى محققيهم، ولا وجه له، ضرورة عدم الفائدة لها بعد أن كان المحلي مضموما
إليها، بل تستدعي زيادة في الثمن في بعض الأحوال. نعم لو ضمت إلى الثمن المجانس
أفادت عدم اعتبار كثرته على المقابل، لاشتمال كل من العوضين حينئذ على جنسين، وقد
عرفت انتفاء الربا فيه فتوى ونصا، وحمل عبارة النهاية والمتن على ذلك ممكن، إلا أنه
عليه لا ينبغي اعتبار كثرة الثمن لا تحقيقا ولا تقريبا، اللهم إلا أن يريد أنه يعتبر الضميمة
أي الثمن إذا كان مجانسا إلى الحلية، ولم تكن كثرته محققة بل تقريبية، فإذا أريد بيعه على
هذا الحال اعتبر الضميمة إلى الثمن، لكن الجميع كما ترى تكلف في تكلف.
ونحوه ما قيل من الاعتذار له على تقدير إرادة الضميمة إلى الحلية بأنه لعله يريد
أن يبيعها منفردة لا يجوز مع الجهل بقدرها وجهل المقابل لها، فيضم إليها المحلي أو
شئ آخر حتى يكون سببا لتكثير الثمن على وجه يقطع بزيادته عليها، إذ هو أبعد مما ذكرنا،
ومن هنا قيل إن الشيخ قد تبع في ذلك رواية حملت على سهو الراوي، قلت: هي خبر
عبد الرحمن، (1) وقد رواه في المحكي عن كشف الرموز (سألته عن السيوف المحلاة
فيها الفضة، نبيعها بدراهم بنقد قال: كان أبي يقول يكون معها عروض أحب إلي) وعود
الضمير فيه إلى الدراهم ممكن، بل هي أقرب من السيوف والموجود في محكي التهذيب
والكافي (2) (سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب إلى أجل مسمى فقال:
إن الناس لم يختلفوا في النسئ أنه الربا، وإنما اختلفوا في اليد باليد، فقلت له: فنبيعه
بدراهم بنقد، فقال: كان أبي عليه السلام يقول: يكون معه عرض أحب إلي، فقلت: إذا كانت الدراهم
التي تعطى أكثر من الفضة التي فيها، فقال: فكيف لهم بالاحتياط بذلك، قلت له: فإنهم يزعمون أنهم

(1) المستدرك ج 2 ص 483 وهي قطعة من الرواية ولها صدر وذيل
(2) الوسائل الباب - 15 من أبواب الصرف الحديث - 1 مع اختلاف يسير
43

يعرفون ذلك، فقال: إذا كانوا يعرفون ذلك فلا بأس يجعلون معه العرض أحب إلي).
وتذكير ضمير معه وإن كان كتذكير الضمير في نبيعه المعلوم إرادة المحلي منه، و
لكن قد يشهد لرجوعه إلى النقد أو إلى الثمن المفهوم من المقام، بل لو أنث أمكن رجوعه إلى
الدراهم لا السيوف، بل قد يشهد لذلك أيضا قول السائل فقلت إلى آخره، ضرورة
ظهوره في أن السائل قد فهم إرادة العروض مع الدراهم، فسأله عن الاحتياج إليه مع فرض
كثرة الدراهم، فأجابه عليه السلام أنه لا سبيل غالبا إلى معرفة ذلك، فقال له: إنهم يزعمون المعرفة
فقال له: لا بأس على هذا الفرض، إلا أنه ومع ذلك (فالعروض أحب) لعدم كون المعرفة
على جهة اليقين من المتعاملين، وأمر الربا شديد ينبغي شدة الاحتياط في التحرز، على أن
الموجود فيما حضرني من نسخ التهذيب والكافي المعتمدة، وألا يجعلون إلى آخره،
على معنى أنهم إن لم يعرفوا ذلك يجعلون، ويكون المراد من قوله أحب حينئذ الوجوب،
نحو ما سمعته في صدره.
وعلى كل حال فقد اتضح المراد بالخبر ويمكن حمل عبارة الشيخ عليه، وإلا كان
سهوا من قلمه الشريف، كما أن ما في ظاهر الارشاد من تعين البيع بغير الجنس مع الجهل،
بل والقواعد يجب حمله على ما هو الغالب من عدم القطع بالزيادة.
ثم إن ظاهر الخبر المزبوران منع النسيئة في بيع الأثمان بعضها ببعض من جهة
الربا ولو مع اختلاف الجنس، والمعروف أن المنع في الأخير لاعتبار التقابض في
الصرف، اللهم إلا أن يكون اعتباره من جهة لزوم الربا غالبا على تقدير عدمه في أحدهما
على وجه النسيئة، كما هو صريح بعض العبارات المحكية عن المبسوط، ولا بعد فيه، إذ
غايته تحقق الربا في الأثمان بذلك مضافا إلى التفاضل في الجنس، والأمر سهل، إلا أن
قوله وإنما اختلفوا إلى آخره، ظاهر في وقوع الخلاف باعتبار التقابض فيه، لأن المراد به
اختلافهم في اعتباره فيه وعدمه بعد اتفاقهم على منع النسيئة، مع أنه لم نعرف خلافا في
44

اعتباره في بيع النقدين، اللهم إلا أن يكون ذلك إشارة إلى ما ذكره محى السنة من العامة
على ما قيل: من أن ذلك إلى التفاضل في الجنسين يدا بيد كان قديما في عصره صلى الله عليه وآله، و
نسخ، وبقي عليه أقوام لم يصل إليه النسخ.
وعلى كل حال فهو صريح في عدم جواز البيع نسيئة وقال أبو بصير (1) (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن بيع السيف المحلى بالنقد، فقال: لا بأس به، قال: وسألته عن بيعه
بالنسيئة، فقال: إذا نقد مثل ما في فضته فلا بأس، أو ليعط الطعام) وقال أيضا في خبر ابن
سنان (2): (لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بنساء إذا نقد ثمن فضته وإلا فاجعل ثمن فضته
طعاما ولينسيئه إن شاء).
فما في مرسل إسحاق بن عمار (3) ظانا أن الراوي عبد الله بن جذاعة قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن السيف المحلى بالفضة يباع بنسيئة قال: ليس به بأس، لأن فيه الحديد
والسير) يجب تقييده بما إذا نقد مثل ما فيه من الفضة، أو أن البيع كان بعرض أو غير ذلك، كما أنه
يجب حمل خبر محمد (4) قال: (سأل عن السيف المحلى والسيف الحديد المموه بالفضة
نبيعه بالدراهم قال: نعم وبالذهب وقال: إنه يكره أن تبيعه نسيئة، وقال: إذا كان الثمن
أكثر من الفضة فلا بأس) على إرادة الحرمة من الكراهة لو كان البيع بالنقد، وفي
التهذيب بع بالذهب، مكان نعم وبالذهب، ولعله أولى، ويكون قوله أخيرا إذا كان
إلى آخره تقييدا للجواز بالدراهم.
وعلى كل حال فمقتضى اطلاق النصوص المزبورة وما شابهها من الفتاوى
المتضمنة لوجوب نقد ما يقابل الحلية لو كان الثمن نقدا في المجلس وتأجيل ما عداه،
جريان حكم الصرف عليه إذا بيع بالأثمان، ولو ضم إليها غير ثمن فيقبض ما يقابل الحلية

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 3 - 6 - 10 - 4
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 3 - 6 - 10 - 4
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 3 - 6 - 10 - 4
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 3 - 6 - 10 - 4
45

منها ويؤخر الباقي إن شاء، بل صرح به في الدروس فقال: (لو جمع بين الربوبي وغيره في
عقد جاز، فإن كان مشتملا على أحد النقدين، اشترط قبض ما يوازيه في المجلس) وهو
مؤيد لما ذكرنا سابقا من أن المراد بانصراف كل جنس إلى ما يخالفه عدم الربا خاصة، لا
أن ذلك جار في غيره من الأحكام التي منها الصرف، فلا يجب التقابض، لانصراف كل
إلي ما يخالفه، فلا يكون من الصرف الذي هو بيع الأثمان بعضها ببعض، والله
أعلم هذا.
وقد عرفت فيما تقدم أنه يجب العلم بكثرة الثمن إذا كان من جنس الحلية عليها،
وفاقا للدروس والروضة وغيرهما، وظاهر الباقين، ولا يكفي الظن احتياطا من الربا، و
للشك في شرط الجواز هنا، ولغير ذلك، لكن في اللمعة هنا (وحلية السيف والمركب
يعتبر فيهما العلم إن أريد بيعها بجنسها فإن تعذر كفى الظن الغالب) وفيه ما عرفت سابقا
فلاحظ وتأمل.
المسألة (الثامنة لو باع ثوبا بعشرين درهما) مثل (من صرف العشرين بدينار لم يصح
لجهالته) كما عن المبسوط التصريح به أيضا قال: (إذا اشترى ثوبا بماءة درهم من صرف
عشرين درهما بدينار لم يصح الشراء، لأن الثمن غير معين ولا موصوف بصفة تصيره
معلوما) وفيه أن المتجه الصحة مع عدم الجهالة، ودعوى لزومها له ممنوعة، ومن هنا
قيد البطلان في القواعد بتعدد الصرف بالسعر المذكور أو جهله، وقال في الدروس: (صح
مع العلم لا مع الجهل) وفي المختلف (اطلاق الشيخ ليس بجيد، لأن مع وجود دراهم
صرفها ذلك يصح البيع) وقد يستفاد من تعليل المتن التقييد أيضا، لكن في المسالك
(إن تعليله المنع بالجهالة يقتضي اثباتها وإن وجد في المعاملة نوع صرفه ذلك وعلم به)
46

قلت: بهذا التعميم صرح في التذكرة، حتى قال: (لو كان نقد البلد صرف العشرين
بدينار لم يصح أيضا لأن السعر يختلف، ولا يختص ذلك بنقد البلد) وفيه أن المانع من
الصحة إنما هو جهل الدراهم، وهي على هذا التقدير معلومة، والاطلاق منزل على نقد البلد
أو الغالب إن تعدد، فمتى كان نقد البلد معينا لذلك الصرف، أو الغالب وعين نوعا بذلك
صح، كما أنه يصح مع فرض العلم في غيرهما أيضا، وتعدد أفراد العشرين بالصرف المزبور
إذا لم يختلف الغرض باختلافها غير قادح، إذ هو كافراد كلي الدرهم مثلا، والحاصل
هذه المسألة جزئية من مسائل الجهل والعلم، فيدور الحكم في الصحة والفساد عليهما،
ولعله مراد الشيخ من اطلاقه، كما أن اطلاق بعض من أنتقد عليه كذلك، والأمر سهل بعد
وضوح الحال.
المسألة (التاسعة لو باع ماءة درهم بدينار إلا درهما) منه (لم يصح) بلا خلاف أجده
(للجهالة) بالدينار أو الدرهم أو نسبة الدرهم إلى الدينار، لعدم تحققها باعتبار عدم ضرب
السلطان قيمة للدينار، أو لعدم علم المتعاقدين بها، بل لو علم أن الدرهم يساوى ربع مثقال من
الدينار، إلا أنه لم يعلم نسبته إليه لعدم العلم بوزن الدينار، يمكن البطلان أيضا للجهالة،
وفيه وجه بالصحة مع عدم علم الاستغراق، بل وفي سابقه وإن كان ضعيفا، أما لو علم
ذلك وعلم وزن مجموع الدينار إلا أنه لم يستحضر النسبة، أنها ربع أو أكثر أو أقل فالأقوى
الصحة فيه.
(وكذا) الحكم (لو كان ذلك ثمنا لما لا ربا فيه) ضرورة بناء المسألة
على العلم والجهل الذين يعمان كل بيع، وقد روى السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن
علي عليه السلام (في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلى أجل، قال: فاسد، فلعل الدرهم

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أحكام العقود الحديث 2
47

يصير بدينار) ومقتضى التعليل فيه بل والقواعد أنه لو اشتراه مستثنيا منه الدرهم، في وقت
العقد وكان معلوم النسبة عندهما صح، ولو كان نسيئة، بل هذا هو مراد الإسكافي فيما حكي
عنه، لو باع ثوبا بماءة درهم غير دينار نقدا جار، فإن باعه نسيئة لم يصح البيع. لأنه لا يعلم
قدر الدينار من الدرهم وقت الوجوب، وكذا كل ما اختلف جنساه.
كما أن ما عن الشيخ في المبسوط يجب حمله على عدم علم المتعاقدين حال
العقد، قال: (إذا اشترى ثوبا بماءة درهم إلا دينارا، أو بماءة دينار إلا درهما لم يصح، لأن
الثمن مجهول، لأنه لا يدري كم حصة الدرهم من الدينار، ولا حصة الدينار من الدرهم إلا
بالتقويم والرجوع إلى أهل الخبرة، ونحوه عن ابن البراج والكراهة في خبر حماد بن
ميسر (1) (عن جعفر عن أبيه عليه السلام أنه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا يدرى
كم الدينار من الدرهم) يراد بها الحرمة، أو أنه لا يعلم خصوص الثلث والربع مثلا، نحو
خبر وهب (2) عن جعفر (عن أبيه عليه السلام أنه كره أن يشتري الرجل بدينار إلا درهما أو إلا درهمين
نسيئة، ولكن يجعل ذلك بدينار إلا ثلثا، وإلا ربعا وإلا سدسا، أو شيئا يكون جزءا من
الدينار) ومنه (و) من غيره يعلم أنه (لو قدر قيمة الدرهم من الدينار) بجزء مشاع
فاستثناها (جاز لارتفاع الجهالة) بل لو قال استثنى الدرهم مع العلم منهما بما يخصه
من الدينار. فهو كناية عن إرادة استثناء ذلك الجزء صح، بل لو لم يستحضرا النسبة إلا أنهما
يعلمانها بأدنى التفات لم يبعد الجواز لارتفاع الجهالة والله أعلم.
المسألة (العاشرة: لو باع خمسة دراهم) مثلا (بنصف دينار) مثلا
(قيل): والقائل الشيخ وغيره بل لا أجد فيه خلافا صريحا (كان له شق دينار)
بمقتضى الحقيقة اللغوية (ولا يلزم المشتري) شق (صحيح) لعدم كونه شق دينار
حقيقة، وإنما هو نصف مثقال يساوي شق دينار (إلا أن) يشترط أو (يريد بذلك)
الصحيح من (نصف المثقال عرفا) فإن لم يكن عرف أو شرط أو قرينة حمل على الحقيقة
48

كما هو الضابط، لكن عن التذكرة البطلان مع عدم التعيين إذا اختلف العرف، للجهالة،
وفيه منع إذا لم يصل على حد الاشتراك (وكذا الحكم في غير الصرف) ضرورة ابتناء
المسألة على ما لا يخصه.
وعلى كل حال فلو اشترى منه مبيعا آخر بنصف دينار فعليه شقان، فإن بذل له
دينارا صحيحا زاده خيرا ولو شرط عليه في العقد الثاني اعطاء صحيح عنهما صح،
لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (1) السالم عن معارضة مقتضى البطلان من الجهالة
وغيره، سواء لزم العقد الأول أو لا، خلافا للمحكي في المختلف عن مبسوط الشيخ
فأبطل الثاني خاصة إذا كان الأول قد لزم وانقطع الخيار بينهما فيه، معللا له بأنه
لم يرض بأن يكون ثمن الثوب الثاني نصف دينار حتى يزيد في ثمن الثوب الأول، فيجعل
المكسور من دينار صحيحا، وهذه الزيادة لا تلحق بالأول لابرامه، ولأن الزيادة مجهولة،
فيكون الثمن في الثوب الثاني مجهولا فيبطل، وإن كان العقد الأول لم يلزم لبقاء الخيار
فيه بينهما فسدا معا، لأن زيادة الصفة منفردة عن العين مجهولة، فلا يصح الحاقها بالثمن
فلم تثبت فلم يرض بكون النصف دينار ثمنا حتى يكون معه هذه الزيادة في ثمن الثوب
الآخر فصار الثمن مجهولا، وفيه بعد تجشم توجيه استدلاله، خصوصا الثاني، بإرادة الفسخ
حيث لم يرض إلا بذلك المتعذر، منع الجهالة، ومنع عدم صحة لحوقها الأول، وإن كان
قد أبرم، إذ حاصله تعيين فرد من أفراد الدفع بالشرط، ولا مانع منه كما هو واضح، هذا وقد
وقع فيما حضرني من نسخة الدروس خلل في النقل عن الشيخ حيث حكى عنه عكس ما ذكرنا
فلاحظ وتأمل.
(و) أما حكم (تراب الصياغة) المجتمع فيه غالبا من الذهب والفضة
والرصاص وغيرها، فقد مر ما يستفاد منه حكمه في تراب المعدن وفي الأواني وغيرها،

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2 وباب 20 من أبواب المهور الحديث 4
49

إذ لا فرق بين الجميع في ذلك ف‍ (يباع) حينئذ (بالذهب والفضة) مثلا (معا أو بعوض
غيرهما) وبأحدهما مع القطع بزيادته على مجانسه، أو بضم جنس آخر من نحاس أو غيره
عليه، والأمر ببيعه بالطعام في الخبرين الآتيين (1) دفعا لكلفة مشقة تحصيل العلم بالزيادة
لو أريد بيعه بأحد الجوهرين لا أنه يتعين ذلك فيه للاجماع على خلافه.
إنما الكلام في حكمه باعتبار أنه مجتمع من مال الناس غالبا - وظاهر المتن وغيره
بل قيل إنه لا خلاف فيه أنه مجهول المالك فيتصدق به أو يباع (ثم يتصدق به لأن أربابه لا
يتميزون) غالبا ولو في محصور قال علي بن ميمون الصايغ (2) (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال: تصدق به، فإما لك وإما لأهله، فقلت
له: فإن كان فيه ذهب وفضة وحديد فبأي شئ أبيعه؟ قال: بعه بطعام، قلت: فإن كان
لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم) وفي خبره الآخر (3) (سألته عن تراب الصواغين و
إنا نبيعه، قال: أما تستطيع أن تستحله من صاحبه قال: قلت لا، إذا أخبرته اتهمني، قال:
بعه، قلت: فبأي شئ نبيعه؟ قال: بطعام، قلت: فأي شئ أصنع به. قال: تصدق به، إما
لك، وإما لأهله، قلت: إن كان ذا قرابة محتاجا فأصله قال: نعم.)
إلا أن الأخير منهما مناف لما صرحوا به، من غير خلاف يعرف بينهم فيه، من أنه إن
علم صاحبه ولو في محصور وجب التخلص منه، وخوف التهمة لا تبيح التصرف في مال
الغير، سيما مع امكان ايصال حقه إليه، أو الاستحلال منه، بوجه لا يوجب التهمة، فميل
بعض المحدثين إلى العمل بالخبر المزبور - الذي يمكن دعوى الاجماع على خلافه - في
غير محله، فلا بد من طرحه، أو يقال إن السيرة المستقيمة المعلوم كشفها على اعراض المالك
عن ذلك في الصياغة والخياطة والحدادة وغيرها، وإلا فلا ينكر أن الغالب معرفة الصاحب
جميعهم أو كثير منهم ولا أقل عند الفراغ من العمل، فيتجه وجوب الاستحلال منه عنده

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الصرف 1 2
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الصرف الحديث 1 و 2
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب الصرف الحديث 1 و 2
50

كما اعترف به في الروضة، مع أنه لم يعرف من أحد منهم وفيهم الثقات والأبرار
استحلال نحو ذلك أو اخباره به، وليس في الخبرين المزبورين إشارة إليه، فيمكن بناء
ذلك على ظهور الاعراض، إلا أنه لما كان يمكن أن لا يكون معرضا استفهم الإمام عليه السلام
عن ذلك، لإرادة كمال الاحتياط، وحيث أن السائل أجابه بخوف التهمة رجح الأخذ
بالظاهر المزبور والاعراض عن الاحتياط المستحب، بل لعل قوله عليه السلام فيها (امالك أو
لأهله) يومي إلى ذلك، أيضا بناء على أن المراد به هو لك إن كان ظهور الاعراض كذلك
في الواقع، وإلا فهو لأهله، لعدم الاعراض في الواقع، وإن كان هو الظاهر من حال المالك،
لا أن المراد به لك إن ظهر المالك ولم يرض بالصدقة، وإلا فهو لأهله، كما صرح به بعضهم،
بل جعلوه مؤيدا للقول بالضمان لو تصدق بمجهول المالك، ثم ظهر صاحبه ولم يرض
بالصدقة الذي منشأه عموم ما دل ضمان ما أخذت اليد خرج منه ما إذا رضي الصاحب،
أو استمر الاشتباه، بالاجماع فيبقى الباقي.
وفيه منع تناول العموم لمثل المقام المأمور شرعا بالتصدق به، الظاهر في وقوع
الصدقة عن المالك، وأنها طريق الايصال إلى المالك بعد تعذر غيرها، لحصول اليأس منه
فلو سلم أن المراد بأخذ اليد ما هو أعم من العدوان وأن الإذن الشرعية لا تنافي الضمان،
أمكن دعوى خروج المقام من الأول وظهور عدم الضمان من الأمر بالتصدق به الظاهر
فيما عرفت،
ومن هنا قيل بعدم ترتب الضمان في التصدق بمجهول المالك، وهو لا يخلو من
قوة، وحينئذ فحمل الخبر عليه كما ترى، خصوصا بعد منافاة ذلك للقواعد المعتبرة التي
لا يصلح الخروج عنها بمثل ذلك، على أن الغالب كما عرفت عدم جهل الصاحب، بل
اعترف السائل بمعرفته، إلا أنه لم يستحله لخوف التهمة، وحمله على إرادة التقصير بذلك
من أول الأمر ثم جهله تهجس يأباه الظاهر، فالأولى القول بأن مخرج الخبرين ما قلنا.
وحينئذ فلا ينبغي استفادة بعض أحكام مجهول المالك منهما، وكما عساه يظهر من
51

بعضهم، فخير بين الصدقة بعين المجهول كما هو مقتضى الأمر بها في نصوصه، أو بقيمته
للخبرين السابقين، إذ فيه ما عرفت، والمناقشة فيه بأن الاعراض ما لم يعلم لا يجوز نية
التملك بالمعرض عنه، وإذا علم لم يبق احتمال البقاء على الملك، يدفعها منع اعتبار
العلم بمعنى اليقين فيه، بل يكفي فيه ظهور ذلك من المالك ولو من فعله، كترك المسافر
حطبه وعلف دابته ونحو ذلك، بل عن الكفاية نفى البعد عن الاكتفاء فيه بالظن، مع عدم
قضاء العاداة على خلافه، ولعله يريد ما ذكرنا، فحينئذ يتجه استحباب الاحتياط بالصدقة
به، إما له أو لأهله، إن لم يكن اجماع على الوجوب.
وكذا المناقشة في أصل التملك بالاعراض وإن علم، كما في الرياض قال: (إن
كان اجماع وإلا فللنظر فيه مجال، حيث لم تنهض حجة على انتقال الملك، وجواز
التصرف بمجرد نية الاعراض، مضافا إلى اطلاق الخبرين بالتصدق، إذ يكفي في دفعها
السيرة القطعية المؤيدة برجوع الاعراض، إلى إباحة التملك لمن يريد تملكه، فتأمل هذا.
وربما يقال - في خصوص المقام من جهة النص والفتوى المشتملين على الأمر
بالصدقة به، مع عدم كونه مجهول المالك بالنسبة إلى أغلب أفراده، ولو في جملة ولا
اعراض محقق، وكون المتعارف في الصاغة أنه يصوغ لنفسه ولغيره، وتقع أجزاء منهما
- أن هذا موضوع خاص أمر بالصدقة فيه عمن هو له سواء كان الصائغ أو غيره، وحينئذ فلا
يستفاد منه حكم مجهول المالك، ولا يجري عليه حكم الاعراض.
ثم إنه بناء على أن المقام من مجهول المالك ذكر بعضهم أن مصرف هذه الصدقة
مصرف الصدقات الواجبة، ومقتضاه المنع من اعطائه الغنى والهاشمي، ومن وجبت
نفقته، بناء على منعهما منها، وغير ذلك من أحكامها. وفيه أنها غير واجبة على المالك، بل
هي مندوبة بالنسبة إليه، وإن وجبت على من في يده فالمتجه جريان أحكام المندوبة عليها.
نعم قد يقال بانصراف الاطلاق إلى إرادة الفقراء والمساكين هنا، وقد سمعت ما في
الخبرين من اعطائها القرابة المحتاج، بل في الرياض (لا خلاف بين الأصحاب فيه وفي
52

جواز الاعطاء للعيال إذا كانوا بصفة الاستحقاق) ولعله للاطلاق، ولفحوى الجواز في
دفع الزكاة ليفرقها، ويستفاد منه جواز أخذه منه لنفسه مع الشرط المذكور إن قلنا بذلك
ثمة، لو دفعت إليه للصرف للفقراء وأهل المسكنة وهو بصفتهم، ولا ريب أن الأحوط الصدقة
به على غيره، بل لا يخلو القول به إذا كان هو المتصدق من نظر، أما لو دفعه إلى الحاكم
فتصدق به عليه أمكن الجواز، ولتحقيق الحال في حكم مجهول المالك مقام آخر
والله أعلم.
المسألة الحادية عشر يجوز التصارف بما في الذمم إذا كان حالا ومختلف الجنس،
بناء على أنه ليس من بيع الدين بالدين الممنوع منه، وأنه يختص ببيع الكالي بالكالي أي
المؤجل بالمؤجل، فلو كان لواحد على الآخر ذهب مثلا، وللآخر عليه دراهم فتصارفا بما في
ذممهما صح، ولا يحتاج إلى تقابض فعلي، لما عرفت من أن ما في الذمة مقبوض، قال عبيد بن
زرارة (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له على الصيرفي ماءة دينار، ويكون
للصيرفي عنده ألف درهم فيقاطعه عليها، قال: لا بأس) لكن استشكل فيه في القواعد بل
عنه في التحرير وولده في الإيضاح الجزم بالعدم كالدروس لأنه بيع دين بدين.
نعم قال في الأخير (ولو تهاترا احتمل الجواز) قلت: بل هو قوي لعدم دليل على
كون الوفاء من البيع، بل ظاهر الأدلة خلافه، مؤيدا بعدم قصد البيع والشراء، وعدم
المحافظة على أحكامه، إذ قد يقبض وفاء ما لا يعرف قيمته وقت القبض، فما عساه يظهر من
المحكي عن الشيخ في بحث المكاتبة من أن الوفاء بيع يمكن منعه، وحينئذ يمكن
حمل خبر عبيد عليه، فلا يكون دالا على جواز التصارف.
اللهم إلا أن يستدل باطلاق نفي البأس فيه مع عدم الاستفصال فيه، ولو كان ما في الذمم
متحد الجنس والصفة حصل التهاتر قهرا من غير حاجة إلى صرف ولا إلى تراض بالتهاتر
بلا خلاف أجده فيه، سوى ما عن التذكرة فجعله كمختلف الجنس، ومقتضاه عدم

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الصرف الحديث 3
53

التهاتر قهرا، وفيه أن اعتبار تشخيص الدافع وقبض المدفوع متجه إذا لم يكن المدفوع
نفس ما ملكه المدفوع إليه، أما إذا كان كذلك فلا يحتاج إلى تراض، لأنه يكون كوصول
عين ماله إليه، إذ الفرض أن المديون قد ملك على الديان ما ملكه عليه أولا من كلي العشرة
في ذمته مثلا، فالأولى اختصاص فرض المصارفة في المختلف، هذا.
وفي القواعد وغيرها ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر ويكون صرفا بعين وذمة،
قلت: لا بأس به إذا وقع بصيغة البيع، وقبض العوض في مجلس العقد، أما إذا دفعه وفاء
فقد تقدم أنه ليس بصرف، لأن الوفاء ليس بيعا وخبري الحلبي (1) لا دلالة فيهما على ذلك،
قال في أولهما: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عليه دنانير فقال: لا بأس أن
يأخذ قيمتها دراهم) وقال في ثانيهما (2) سألته أيضا عن الرجل يكون له الدين دراهم
معلومة إلى أجل، فجاء الأجل وليس عند الرجل الذي عليه الدراهم، فقال: خذ مني
دنانير بصرف اليوم قال لا بأس فيه).
ونحوهما خبر أبي عتاب (3) بل النصوص المعتبرة - التي أفتى بمضمونها غير
واحد من الأصحاب، المتضمنة لاحتساب السعر يوم القبض - ظاهرة أو صريحة في كون
الوفاء ليس بيعا، قال إسحاق بن عمار (4) (سألت أبا إبراهيم عن الرجل يكون لي عليه
المال فيقضيني دنانير وبعضا دراهم، فإذا جاء يحاسبني ليوفيني قد تغير سعر الدنانير، أي
السعرين أحسب له الذي كان يوم أعطاني الدنانير، أو سعر يوم الذي أحاسبه؟ فقال: سعر
يوم أعطاك الدنانير، لأنك حبست منفعتها عنه.
وقال أيضا (5) (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: (الرجل يكون له على الرجل الدنانير
فيأخذ منه دراهم ثم يتغير السعر قال: فهي له على السعر الذي أخذها منه يومئذ، وإن أخذ

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الصرف الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الصرف الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الصرف الحديث 5 لكن عن زياد ابن أبي غياث
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 2 - 3
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 2 - 3
54

دنانير فليس له (وفي الفقيه) (1) وليس له دراهم عنده فدنانيره عليه يأخذها برؤوسها
متى شاء) يعني وقع الفضل بينهما بأخذه أو لامكان دنانيره، ثم أخذ دنانير ثانيا بعد ذلك،
فليس للمعطي أن يجعلها في مقابلة دنانيره التي كانت له عليه أولا، ويطلب منه دراهمه، إذ لا
دراهم له عليه حينئذ، بل ليس له إلا دنانيره التي أعطاها ثانيا يأخذها متى شاء، وروى
إبراهيم بن ميمون (2) عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون له على رجل دراهم،
فيعطيه دنانير ولا يصارفه، فيصير الدنانير بزيادة أو نقصان، قال: له سعر يوم أعطاه) وقال
عبد الملك بن عتبة الهاشمي (3) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يكون عنده دنانير
لبعض خلطائه، فيأخذ مكانها ورقا في حوائجه، وهي يوم قبضت سبعة، وسبعة ونصف بدينار،
وقد يطلب صاحب المال بعض الورق وليست حاضرة فيبتاعها له من الصيرفي بهذا السعر
ونحوه، ثم يتغير السعر قبل أن يحسبا حتى صار الورق اثني عشر درهما بدينار فهل يصلح
ذلك له، وإنما هي بالسعر الأول من يوم قبضت كانت سبعة، وسبعة ونصف بدينار؟ قال: إذا دفع
إليه الورق بقدر الدينار فلا يضره كيف الصروف ولا بأس).
ونحوه خبر إبراهيم بن عبد الحميد (4) المراد أنه إذا كان دفع إليه الورق بقدر
الدينار ثم تغير السعر فلا يضره تغير السعر، ولا عدم المحاسبة، فإنه يحاسب على السعر
الأول، وعلى كل حال فهي صريحة في أعمية الدفع وفاء من البيع) نعم لو دفع إليه ذلك لا
على جهة الوفاء بل كان قرضا أو أمانة أو نحو ذلك احتسبت له سعر يوم المحاسبة وفاء كما
هو واضح والله أعلم.

(1) الفقيه ج 3 ص 184 الحديث 829 الطبع الحديث
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 5 لكن عن يوسف ابن أيوب شريك
إبراهيم بن ميمون.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 1 - 4
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 1 - 4
55

(الفصل الثامن في بيع الثمار)
(و) تمام الكلام فيها يتوقف على (النظر في ثمرة النخل والفواكه والخضر واللواحق)
(أما النخل فلا يجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاما) اجماعا بقسميه، بل المحكي
منهما متواترا كالنصوص ولذا نسبه بعضهم، إلى الضرورة، فمن الغريب ما في الحدائق
من الجزم بالصحة، تمسكا بصحيحي ربعي والحلبي الآتيين (1) الذين لا صراحة فيهما في
ذلك، لاحتمال إرادة بيع السنتين بعد الظهور، قبل البدو، وصحيح بريد بن معاوية (2)
الآتي الذي لا بد من طرحه أو تأويله، بإرادة البدو من الطلوع فيه، أو بحمل العام فيه على ما
كان في ضمن العامين.
وأغرب منه حمل نصوص المنع - الموافقة للأصول السليمة، ضرورة كون
الثمرة معدومة لا تصلح للنقل قبل وجودها، إذ المبيع لا بد أن يكون موجودا - على
التقية أو الكراهة، ثم قال: وإلى هذا يميل كلام جملة من محققي المتأخرين كالمحقق
الأردبيلي والفاضل الخراساني، لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله غير قادح في تحصيل
الاجماع، بعد أن علم أن صدور ذلك منهم من اختلال الطريقة، نسئل الله تعالى العفو والعافية
عن ذلك وغيره، وما صدر عن الشيخ في المحكي عن كتابي الأخبار من الجمع بالكراهة،
إنما هو مجرد جمع لا فتوى، وعلى تقديرها فهي شاذة أيضا مع أن عبارته محتملة لصورة
ما بعد الظهور قبل البدو، بل قيل: إنه الذي تشعر به عبارته بعد ضم بعضها إلى بعض، (و) لذا
نسب جماعة القول بالكراهة إليه في المسألة الآتية دون هذه المسألة.
نعم (في جواز بيعها كذلك عامين فصاعدا تردد) وخلاف، فالمشهور نقلا وبين
المتأخرين تحصيلا، العدم أيضا، للانعدام، فضلا عن الغرر والجهالة، وللاجماع في
السرائر بل قال فيها: (وقد اشتبه على كثير من أصحابنا ذلك، ويظنون أنه يجوز بيعها

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 4 2
(2) الوسائل الباب - 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
56

سنتين وإن كانت فارغة لم تطلع بعد وقت العقد، وهذا خلاف ما يجدونه في تصانيف
أصحابنا وخلاف اجماعهم وأخبار أئمتهم وفتاواهم) ولمفهوم خبر أبي بصير (1) وخبر أبي الربيع (2) واطلاق موثق سماعة (3) أو عمومه وصحيح الحلبي (4) وغيرها من النصوص
التي تسمعها فيما يأتي ومنهما النصوص التي علقت الجواز على الاطعام والبلوغ والادراك
وبدو الصلاح خلافا للصدوق.
وربما أشعر قول المصنف (والمروي) فيما يأتي من صحيح يعقوب (5) وصحيح
سليمان (6) وخبر أبي بصير الآخر (7) وصحيح الحلبي (8) وصحيح ربعي (9) وصحيح
علي بن جعفر (10) كما في الحدائق (الجواز)، بل في صحاح يعقوب والحلبي وعلي بن
جعفر تعليله بأنه إن لم يخرج هذه السنة خرج من القابل، وبها تقطع الأصول والعمومات
ويخص الاطلاق في الأخبار المقابلة، وإلا طرحت لرجحانها عليها بالصحة في السند
والكثرة في العدد، والصراحة في الدلالة، والاشتمال على التعليل، وغير ذلك، واجماع
ابن إدريس مردود عليه بما عن غاية المراد للشهيد، من أن الأصحاب لم يذكروه صريحا و
لا تعرض للمنع إلا جماعة منهم، ونحو ذلك في المختلف، وفي مفتاح الكرامة ليس في
المقنعة والنهاية والمبسوط والمراسم والوسيلة والغنية وكشف الرموز ذكر ولا تصريح
بجواز ولا منع، ولم ينقل أحد ذلك عن الحسن وأبي علي والقاضي والنقي، بل لم أجد من
صرح بالمنع قبل الفاضل.
قلت: هو كذلك في جملة من كتبه لكن ظاهره أو صريحه في التذكرة الجواز وإن
احتمل المنع قويا فيها، وفي الحدائق أنه حكاه بعض عن الشيخ أيضا، بل قد سمعت اعترافه في
السرائر بأن القائل به كثير، لكن ادعى عليهم الاشتباه، ومن هنا مال جماعة من متأخري

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث - 10 - 7
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث - 10 - 7
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب الثمار الحديث 2 - 4
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب الثمار الحديث 2 - 4
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8 - 9 - 10 - 2 - 4 - 1 2
(6) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8 - 9 - 10 - 2 - 4 - 1 2
(7) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8 - 9 - 10 - 2 - 4 - 1 2
(8) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8 - 9 - 10 - 2 - 4 - 1 2
(9) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8 - 9 - 10 - 2 - 4 - 1 2
(10) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8 - 9 - 10 - 2 - 4 - 1 2
57

المتأخرين إلى الجواز، بل هو ظاهر الشهيد الثاني، وفي جامع المقاصد أنه لا يخلو من
قوة، لكن قد يناقش باحتمال الطلوع في صحيح يعقوب بدو الصلاح ويكون المراد من
قوله إن (لم يحمل إلى) آخره إن خاست، وهو وإن بعد، إلا أنه أولى من ارتكاب التأويل في
النصوص المقابلة المعتصدة بالشهرة، ومحكي الاجماع الذي لا يقدح فيه ما سمعت عند
التحقيق، وقاعدتي المعدوم والغرر والجهالة، مع أنه قد يستأنس لحمل الطلوع فيه
على البلوغ، ملاحظة الصحيح الآخر (1) حيث اشترط فيه نفي البأس عن الشراء ثلاث
سنين بوقوعه قبل البلوغ، وجعله المعيار له دون غيره، مع تضمنه التعليل المزبور في
صدره، ولو كان المعيار الظهور لكان تبديل البلوغ به أولى كما لا يخفى.
ومنه يظهر الجواب عن غيره الذي جعل غاية الجواز فيه الاطعام الذي هو عبارة
عن الادراك، وعن الصحاح: أطعمت النخلة إذا أدرك ثمرها، وأطعمت البسرة أي
صار لها طعم). كل ذلك مضافا إلى ما تسمعه في صحيح سليمان بن خالد (2) منها، بل
التعارض بين كثير منها وبين غيرها بالعموم من وجه. ضرورة شمولها لصورتي عدم
الطلوع وعدم الصلاح، كما أن غيرها شامل للعام والعامين وقد سمعت رجحانها عليها
بالشهرة وغيرها، لكن الانصاف بعد ذلك كله أن الجواز لا يخلو من قوة وإن كان الأحوط
خلافه، ثم على تقدير العدم فالظاهر مساواة غير البيع من النواقل له في عدم الجواز،
لعدم صلاحية المعدوم للنقل.
نعم يتجه جوازه بالشرط، قال في التنقيح: (كل موضع قلنا لا يصح البيع فيه،
يصح أن يجعل من شروط التملك في عقد آخر) قلت: لعموم أدلة الشروط التي لا تستدعي
ملكا فعليا للمشترط، ومنه ينقدح قوة الجواز في الصلح أيضا، وربما تسمع في
بابه زيادة تأييد انشاء الله تعالى، لكن قد يشكل في خصوص الشرط، لاقتضائه الغرر
المنافي لعقد البيع، ولو في شرطه، كما حققناه في محله.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث 2 - 9
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث 2 - 9
58

وأما الجواز مع الضميمة حتى في العام الواحد فهو وإن دلت عليه موثقة سماعة (1)
قال (سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤه قبل أن يخرج طلعها؟ قال: لا إلا أن يشتري
معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا فيقول: أشتري هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا
وكذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقلة) إلا أنها
مقطوعة ومعارضة باطلاق الأدلة ومعاقد الاجماعات وغيرها، بل في المسالك (إن
المشهور المنع مع الضميمة، حيث لا تكون هي المقصودة بالبيع، لأنه غرر.
ومن هنا حمل بعضهم الموثق المزبور عن المقصودة، وفاقا للتذكرة، وربما
اشعر به ما في ذيل الرواية من التعليل، بناء على الغالب من عدم دفع الثمن في مثل هذه
الصورة إلا بعد أن تكون الضميمة المقصودة، وكان ذلك منه ارجاع منه للمقام إلى قاعدة
ضم المعلوم إلى المجهول، ولو سلمت لهم فيه أمكن منعها هنا، باعتبار انعدام المنضم،
إلا أن يكون على جهة الشرطية، وربما تسمع لذلك تتمة انشاء الله تعالى.
(ويجوز) بيعها (بعد ظهورها وبدو صلاحها) اجماعا أو ضرورة (عاما)
واحدا (أو عامين بشرط القطع وبغيره منفردة ومنضمة) إلى المقصود بالبيع و
غيره، (ولا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها عاما إلا أن يضم إليها ما يجوز بيعه) عند
الأكثر نقلا (أو بشرط القطع أو عامين فصاعدا) أو بيعت على مالك الأصل عند الفاضل
(و) حينئذ (لو بيعت عاما من دون الشروط الثلاثة) أو الأربعة (قيل) والقائل
الإسكافي والصدوق في المقنع والتقي والمفيد على ما عن بعض نسخ المقنعة والطوسي
والقاضي وابن حمزة والفاضل في كتبه على ما حكي عن بعضهم (لا يصح) بل عن
صريح المبسوط والخلاف أو ظاهرهما والغنية الاجماع عليه.
(وقيل) والقائل الشيخ في التهذيبين والحلي والآبي والفاضل في جملة من
كتبه وولده والشهيدان والكركي والقطيفي والميسي على ما حكي عن بعضهم أيضا

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 1
59

يصح، ولكن صرح كثير منهم بأنه (يكره، وقيل) والقائل المفيد وسلار والآبي
على ما عن الأخيرين، أنه (يراعى) في الصحة وعدمها (السلامة) وعدمها و
الظاهر أن مرجعه إلى القول الثاني إذ فيما حضرني من نسخة المقنعة (يكره بيع
الثمار سنة واحدة قبل أن يبدو صلاحها: إلى أن قال في آخر المبحث: وإذا خاست الثمرة
المبتاعة قبل ظهورها كان للبايع قدر ما غلت دون ما انعقد عليه البيع من الثمن)، ومراده
بالظهور قبل بدو الصلاح، كما هو المحكي عنها أيضا وعلى كل حال فهو حكم آخر مبني
على أنه مبيع تلف قبل قبضه، كما تسمع البحث فيه عند تعرض المصنف له، ولعله لذا
جعل في المختلف المسألة ذات قولين، ناصا على أن المفيد وسلار ممن قال بالجواز.
(و) على كل حال ف‍ (الأول أظهر،) لصحيح سليمان بن خالد (1) عن
الصادق عليه السلام (لا تشترى النخل حولا واحدا حتى يطعم، وإن كان يطعم إن شئت أن
تبتاعه سنتين فافعل) وفي الوافي بعد أن رواه عن التهذيب قال: (الظاهر سقوط لفظ لم)
وربما أيد بأن الموجود في الاستبصار (وإن شئت أن تبتاعه) كموثق أبي بصير (2) قلت
يمكن صحته على ذلك أيضا، وعن بعض النسخ المعتمدة بغير واو وفي حواشي المجلسي
كان المراد منه إن كان يعلم عادة أنه يطعم بعد ذلك، وعلى نسخة عدم الواو، فالمراد إن
كان النخل من شأنه أن يطعم بأن يكون مضى من زمان غرسه خمس سنين مثلا، ويمكن أن يكون
المراد إذا كان من نيتهما أن يطعم، أي لم يشتره بشرط القطع.
وخبر أبي الربيع عنه (3) أيضا (كان أبو جعفر عليه السلام يقول إذا بيع الحائط فيه
النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعن حتى تبلغ ثمرته، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس
ببيعه بعد أن يكون فيه شئ من الخضرة) وخبر علي بن أبي حمزة (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر، فقال: لا حتى يزهو، قلت:
وما الزهو، قال: حتى يتلون) وحسن الوشاء (5) (سألت الرضا عليه السلام هل يجوز بيع النخل

(1) التهذيب ج 7 ص 88 الحديث: 374 الاستبصار ج 3 ص 85
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 10 و 7
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 10 و 7
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث 5 - 3.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث 5 - 3.
60

إذا حمل؟ قال: لا يجوز بيعه حتى يزهو، قلت: وما الزهو جعلت فداك؟ قال: يحمر ويصفر
وشبه ذلك) وخبر محمد بن شريح (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ثمرة
نخل سنتين أو ثلاثا وليس في الأرض غير ذلك النخل، قال: لا يصلح إلا سنة ولا تشتره
حتى يبدو صلاحه).
وصحيح علي بن جعفر (2) المروي عن كتابه (سأل أخاه عن شراء النخل سنة
واحدة أيصلح؟ قال: لا يشتري حتى يبلغ، قال: وسألته عن شراء النخل سنتين أيحل،
قال: لا بأس، إن لم يخرج العام خرج القابل،) وفي خبر المناهي (3) نهى عليه السلام أن تباع
الثمار حتى تزهو يعني تصفر أو تحمر) وموثق عمار (4) عن الصادق عليه السلام (سئل عن
الفاكهة متى يحل بيعها؟ فقال: إذا كانت فاكهة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل
بيع الفاكهة كلها وإذا كان نوعا واحدا فلا يحل بيعه حتى يطعم، فإن كان أنواعا متفرقة
فلا يباع منها شئ حتى يطعم كل نوع منها وحده، ثم يباع تلك الأنواع).
ومرسل إسماعيل بن الفضل (5) (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن بيع الثمرة قبل أن تدرك، فقال:
إذا كان له في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت، فبيع ذلك كله حلال) وموثق
أبي بصير (6) عن الصادق عليه السلام أيضا (سئل عن النخل والتمر يبتاعهما الرجل عاما واحدا
قبل أن تثمر قال: لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام
مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل) إلى غير ذلك.
لكن لا يخفى عليك ما في دلالة بعضها من ثبوت البأس في المفهوم، وهو أعم
من الكراهة، واضطراب موثق عمار منها، واشتماله على ما لا يقول به أحد من الأصحاب

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 13 - 22 - 14.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 13 - 22 - 14.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 13 - 22 - 14.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 5 - 2
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 5 - 2
(6) الوسائل الباب 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث 12
61

كما ستعرفه، واحتمال إرادة الكراهة من نفي الحل في مفهومه، كاحتمال إرادة
التفسير من قوله (وتأمن) في الأخير منها، كما يومي إليه تعليق الحكم فيه على الأثمار
وذيل صحيح يعقوب بن شعيب (1) قال: قال (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء النخل؟ فقال
كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرته السنة، ولكن السنتين والثلاث كان
يقول إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى، وسألته عن الرجل يبتاع النخل
والفاكهة قبل أن يطلع، فيشترى سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا؟ قال: لا بأس، إنما يكره شراؤه سنة
واحدة قبل أن يطلع، مخافة الآفة حتى يستبين) بل هو صريح في المطلوب بناء على إرادة
بدو الصلاح من الطلوع فيه، لقراين متعددة، والمعنى المصطلح من الكراهة كما هو
الظاهر من وجوه أيضا، ومنه يظهر قوة إرادتها من النهي في النصوص السابقة، سيما
بعد اتفاق الفقهاء الأربعة على المنع، كما في التذكرة، فلا يبعد أن اشتهار التعبير به
للجمع بين بيان الواقع، ودفع التقية، خصوصا بعد أن أشاروا عليهم السلام إلى إرادة
ذلك منه.
ففي صحيح الحلبي (2) (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن شراء النخل والكرم والثمار
ثلاث سنين أو أربع سنين؟ فقال: لا بأس تقول إن لم تخرج في هذه السنة تخرج من
قابل، وإن اشتريته في سنة واحدة، فلا تشتره حتى يبلغ، وإن اشتريته ثلاث سنين قبل
أن يبلغ فلا بأس وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرة تلك
الأرض كلها؟ فقال قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانوا يذكرون ذلك
فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه، ولكن فعل
ذلك من أجل خصومتهم) فهو كالصريح في أن نهيه السابق عن شراء سنة واحدة حتى
تبلغ، للكراهة، إذ هو كعبارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشمول الخبر لما قبل الطلوع بعد

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمرة الحديث 2
62

امكان منعه بظهور الغاية في وجود الثمرة، لا ينافي الاستدلال به على المطلوب، إذ أقصاه
التقييد بالأدلة السابقة.
وفي صحيح (1) ربعي (قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه و
أسمي الثمن واستثني الكر من التمر أو أكثر أو العدد من النخل؟ قال: لا بأس، قلت:
جعلت فداك بيع السنتين؟ قال: لا بأس قلت: جعلت فداك إن ذا عندنا عظيم قال:
أما إنك إن قلت ذاك لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحل ذلك فتظالموا فقال عليه السلام: لا تباع
الثمرة حتى يبدو صلاحها) ومراده بقرينة الخبر الأول أن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأجل
قطع الخصومة، لا الحرمة، وهو بعينه النهي الوارد عنهم عليهم السلام، والمناقشة
فيه - بظهوره في أن نهيه عليه السلام الذي هو للكراهة إنما هو في بيع السنتين قبل بدو الصلاح
وهو الذي يأبى عنه العامة كما عن السرائر والتذكرة التصريح به، بل تشعر به عبارة الغنية
أيضا والظاهر أن قضية التظلم الذي تعقبها النهي الذي ليس للحرمة، هي القضية التي
تضمنها الخبر السابق، فيسقط الاستدلال به حينئذ أيضا - يدفعها أن الذي حكاه في التذكرة
عن الفقهاء الأربعة المنع في مفروض المسألة أيضا ولا ينافيه قولهم به أيضا في السنتين
كما أن ما حكاه عن النبي صلى الله عليه وآله رد لهم في المقامين فتأمل جيدا.
وفي خبر تغلبة بن بريد وحسنة بريد بن معاوية (2) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن
الرطبة تباع قطعتين أو ثلاث قطعات؟ فقال: لا بأس، قال: وأكثرت السؤال عن أشباه
هذا فجعل يقول لا بأس، فقلت: أصلحك الله استحياء من كثرة ما سألته، وقوله: لا بأس
به إن من بيننا يفسدون هذا كله، فقال: أظنهم سمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النخل
ثم حال بيني وبينه رجل فسكت، وأمرت محمد بن مسلم أن يسأل أبا جعفر عليه السلام عن قول
رسول الله صلى الله عليه وآله في النخل فقال أبو جعفر عليه السلام خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فسمع ضوضاء
فقال: ما هذا؟ فقيل له: تبايع الناس النخل، فقعد النخل العام، فقال عليه السلام: أما إذا فعلوا
فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه الشئ، ولم يحرمه) وهو مع كونه مورد السنة

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الثمار الحديث 4 - 1
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الثمار الحديث 4 - 1
63

صريح في الانكار، على توهم الحرمة من النهي المزبور الذي بعينه وقع في كلامهم
عليهم السلام، ورواه العامة بهذا اللفظ وما يقرب منه، واشتماله على ما لا نقول به بعد
امكان إرادة بدو الصلاح من الطلوع فيه، أو بالنسبة إلي السنة الثانية المنظمة إلى السنة
التي ظهرت فيها الثمرة - غير قادح في الاستدلال على المطلوب.
هذا كله مضافا إلى الأصول والعمومات العظيمة الدالة على الجواز أيضا مضافا
إلى صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام (تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة
وإن شئت أكثر، وإن لم يتبين لك ثمرها فلا تستأجره) بناء على إرادة الشراء من التقبل
فيه، وإلى ما يومي إليه تعدد التعبير عن الغاية المزبورة، فتارة ببدو الصلاح، والأخرى
بالاطعام، وثالثة بالبلوغ، ورابعة بالادراك، وخامسة بالتبين، من إرادة الكراهة قبل
ذلك وأنه بها ترتفع الخصومة على اختلاف مراتبها.
بل في خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد (2) الذي (سأل فيه أخاه عن
بيع النخل أيحل إذا كان زهوا؟ فقال له: إن استبان البسر من الشيص حل بيعه وشراؤه) و
الظاهر تحقق ذلك قبل الاحمرار والاصفرار، ودعوى امكان رجوع الجميع إلى
الأول واضحة المنع خصوصا بالنسبة إلى الشجر الذي ستعرف أن بدو الصلاح فيها
عندهم الانعقاد وهو لا يتحقق به البلوغ مثلا قطعا، بل ولا في النخل إذ كثير منه لا يبلغ باحمراره
واصفراره كما هو واضح.
وقد ظهر من ذلك كله أن القول بالجواز لكن على الكراهة هو الأقوى، بل
قد يؤيده أيضا أنه لا خلاف عندهم في الجواز مع اشتراط القطع، حيث لا تكون المعاملة
معه سفها بل حكي عليه الاجماع مستفيضا أو متواترا، مع أنه لا أثر له في النصوص
فليس ذلك إلا لأن اشتراط القطع يعين كون مراد المتبايعين هذا الموجود في هذا الحال
ولا ريب في أنه مال مملوك يجوز بيعه، ولا يعتبر في الصحة تحقق القطع، بل لو رضي
المالك بعد ذلك بالبقاء مجانا أو بأجرة جاز اجماعا في التذكرة، خلافا لأحمد فأبطل البيع

1 - الوسائل الباب - 2 - 1 من أبواب بيع الثمار الحديث - 4 - 17 -
2 - الوسائل الباب - 2 - 1 من أبواب بيع الثمار الحديث - 4 - 17 -
64

لو عصى المشتري فلم يقطع ومنع البايع منه أيضا صح، وكانت الثمرة له عندنا، وإن
ثبت عليه الأجرة فلو باعه الموجود من الثمرة مصرحا له بأن المبيع هذا الموجود،
بحيث يستحق عليه القطع كان المتجه الجواز وإن لم يشترطه، ولعله عند الأصحاب
بمعنى اشتراط القطع، وقد ينقدح هنا شئ وإن نافاه جملة من عبارات الأصحاب، وهو
جواز البيع والشراء إذا كان القصد الموجود على النخل والأشجار في تلك الحال، و
العدم إذا كان المقصود شراؤه ثمرة أي بالغا، أما الأول فللأصل والعمومات، بعد انسياق
نصوص المنع إلى غيره مما يراد صلاحه وإطعامه وادراكه وبلوغه، ولذا جعل غاية
للجواز في النصوص السابقة، بل قد يدعى أن اطلاق الثمرة عليه قبل ذلك مجاز،
لعلاقة الأول.
ومنه يظهر وجه المنع في الثاني مضافا إلى أنه غير مقدور للبايع، إذ ليس هو من
أفعاله، وإنما هو من فعل الله تعالى، ولعل مبني المنع في كلام الأصحاب مع اشتراط
التبقية، حتى حكي عن المبسوط والغنية وظاهر الخلاف الاجماع على عدم جوازه معه،
بل عن بعضهم جعل الخلاف فيما إذا أطلق دونه.
وإن كان يدفعه ما عن السرائر من أن الخلاف فيه وفي الاطلاق، بل صرح في
التذكرة بالجواز معه، لعدم اشتراطه بدو الصلاح فيها ظهور اشتراط التبقية في إرادة
بيعه ثمرة، وأنه أولى من الاطلاق المنصرف إلى ذلك، حتى أن من جوز البيع بالظهور
أوجب معه على البايع الإجابة إلى البقاء إلى أوان القطع، خلافا لأبي حنيفة إذ الظاهر
إرادة الثمرة منه لا هذا الموجود، فإذا أطلق صح عند من لم يعتبر البدو، وبطل عند من
اعتبره، ولا يحمل على القطع وإن توقفت صحة العقد عليه، كما صرح به في الدروس،
وحينئذ فيكون في الحقيقة اشتراط التبقية كالاطلاق في الاندراج تحت اطلاق
أدلة المنع،
أما لو أريد من اشتراط التبقية الذي لولاه لاستحق البايع على المشتري القطع،
باعتبار كون المبيع هذا الموجود على الشجرة، فيجوز للأصل والعمومات وبعض
65

النصوص السابقة، وأنه كمشروط القطع في كون المبيع المشخص الموجود، واشتراط
تبقيته لا يصير المبيع غيره، ولعله لذا استدل في التذكرة على الجواز في المقام بأنه يجوز
بيعه بشرط القطع إجماعا، فجاز بشرط التبقية كما لو باعه بعد بدو الصلاح بشرط التبقية، و
قد يؤيد ذلك كله نصوص الزرع المتضمنة لجواز بيعه بشرط التبقية والقصيل والاطلاق،
وإن كان لا يجوز بيع السنبل منه قبل ظهوره فيه.
وقد يقوى دوران الحكم على القصد المذكور في بيع الثمرة على مالك الأصل
الذي حكم العلامة بجوازه بمجرد الظهور من دون شرط، مدعيا عليه الاجماع في القواعد،
وأنه خارج عن محل النزاع، وإن رده من تأخر عنه بعدم الدليل، إذ ما قيل في الاستدلال له
بأنه لمكان تبيعته للأصل، كان كالجمع بينهما في عقد، واضح الضعف، لعدم العقد هنا على
الجميع، بل حكي عن الخلاف والمبسوط التصريح بالمنع فيه، فيتجه الجواز إذا
كان القصد شراء ذلك الموجود، واشتراط القطع هنا كعدمه - ضرورة عدم استحقاقه ذلك
على مالك الأصل، والعدم، إذا كان القصد بيعه ثمرة، مع أنه قد يقال بالصحة فيه هنا،
باعتبار رجوع ذلك إلى إرادة الابقاء إلى بلوغ هذا الحال ضرورة عدم قدرته على صيرورته
ثمرة. وحيث كان البيع على المالك لم يكن للمشتري استحقاق في الابقاء فليس حينئذ
إلا إرادة بيعه في هذا الحال وهو لا إشكال في صحته، فيتجه للفاضل حينئذ دعوى
الاجماع عليه.
ومن هذا الأخير يظهر لك أنك إن أبيت عن تنزيل كلمات الأصحاب على ما ذكرنا،
باعتبار صراحة بعضها في خلافه كان المتجه الجواز، في بيع الثمار قبل بدو الصلاح كما قلناه
سابقا، إذ ليس مرجعه حينئذ إلا إرادة الابقاء إلى أوان صيرورته ثمرا، خصوصا مع التصريح
بذلك، وهو لا بأس به، بعد ما عرفت من تنزيل نصوصه على الكراهة أو التقية للوجوه المتقدمة.
بل ربما يظهر لك وجه ما ذكره الأصحاب هنا من غير خلاف يعرف بينهم فيه من
الجواز مع الضميمة، بل في التذكرة والتنقيح ومحكي المهذب الاجماع عليه، مع أنه
66

لم أجده فيما وصل إلى من النصوص على جهة الاطلاق وموثق سماعة (1) المتقدم سابقا
قبل الطلوع، اللهم إلا أن يحمل على إرادة بدو الصلاح من الطلوع فيه، فيكون شاهدا
للمقام، وأما النصوص الآتية التي (2) منها ضم ما بدا صلاحه مثلا إلى غيره، فهي في
موارد خاصة لا ينبغي التعدية منها إلى غيرها.
نعم قال بعض متأخري المتأخرين إطلاق النص مشيرا إلى ما تسمعه من النصوص
في المسألة الآتية، وكلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الضميمة بين أن تكون
متبوعة أو تابعة، ولا ريب في الأولى للقاعدة المطردة من صحة المعاملة مع الضميمة التي
تكون بالذات مقصودة، مخرجة لها عن الغرر والمجازفة، وقد تقدم إلى ذكرها مرارا
الإشارة، وكذا في الثانية بعد ما عرفت من إطلاق النص والفتوى المخرجة لها عما دل
على فساد المعاملة، ولو انضم ضميمة ليست بالذات مقصودة إذا اشتملت على الغرر
والجهالة.
ومن هنا انقدح وجه القدح في استدلال جماعة بقاعدة الضميمة المزبورة لصحة
هذه المعاملة مطلقا ولو في صورة الثانية، فإنها لم تنهض باثباتها إلا في الصورة الأولى
خاصة، ولعل الوجه أن الضميمة هنا ليست لدفع الغرر والجهالة حتى يأتي فيها التفصيل
المتقدم إليه الإشارة، لاختصاص مثلها بما يتصور فيه الأمر إن لو خلا عنها، وليس منه مفروض
المسألة، بناء على أن المنع عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إنما هو تعبد محض، نهض
باثباتها الأخبار المانعة، لولاها لتعين المصير إلى الجواز، نظرا إلى الأصل والعمومات
السليمة عن معارضة الغرر فالمجازفة، لاندفاعها، ولذا صار إليه جماعة بعد حملهم تلك الأخبار على الكراهة بشهادة بعضها، بل ضمها هنا ليس إلا للذب والفرار عن الدخول تحت
إطلاق تلك الأخبار، بناء على اختصاصها بحكم التبادر بغير المضمار.
قلت: قد يناقش فيه أولا - بامكان منع القاعدة التي أشار إليها، إنما المسلم منها التابع

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب بيع الثمار الحديث - 1 -
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الثمار
67

في نفسه، كأس الجدران وزخارف الدور وحمل الدابة، ونحو ذلك، لا التابع في القصد
ضرورة، تناول أدلة الغرر والجهالة له، ودعوى أنه بذلك تكون الشرط الذي لا يعتبر فيه
شئ من ذلك على التحقيق، يدفعها عدم صدق اسم الشرط عليها، بل هي بعض المبيع، -
وثانيا بمنع إخراج الضميمة هنا للمفروض عن إطلاق الأدلة، إذ دعوى اختصاصها ببيع
الثمرة خاصة واضحة الفساد، فالمتجه حينئذ الاستناد في الضميمة سواء كانت تابعة أو
متبوعة إلى إطلاق معاقد الاجماعات التي يمكن التنقيح بها للموارد الخاصة في النصوص
الآتية، فيتعدى منها حينئذ إلى غيرها، وربما يقال أن الضميمة هنا كالضميمة مع الآبق
باعتبار أن ما نحن فيه كغير المقدور على تسليمه، لعدم البلوغ حال البيع، فلا يشترط فيها
حينئذ كونها متبوعة، بناء على عدم اشتراط ذلك فيها في الآبق، بل إنما ضمت حتى لا
يصير الثمن بلا مثمن لو اتفق عدم حصول المنضم إليه والأمر سهل عندنا بناء على ما عرفت
من عدم اشتراطها في الصحة، وأنه يجوز البيع بدونها.
(و) على كل حال فمنها كما في المسالك ما (لو بيعت) الثمرة (مع أصولها)
ولذا قال المصنف: (جاز) البيع (مطلقا) قبل بدو الصلاح وبعده، بل في التذكرة
والتنقيح الاجماع عليه بالخصوص، وربما يقال أن الصحة هنا لكون الثمرة تابعة، كحل
الدابة، بل لا يندرج نحوه في إطلاق أدلة المنع الظاهر في غير ذلك لا للضميمة، ولذا
جعله غير واحد شيئا آخر غيرها.
وأما الجواز في الزيادة عن عام فلا خلاف فيه، كما عن كشف الرموز بل عن ظاهر
المبسوط والخلاف والسرائر، وصريح التذكرة والمهذب والتنقيح الاجماع عليه،
مضافا إلى ما سمعته من النصوص السابقة، وقد ظهر من ذلك كله أنه لا خلاف ولا إشكال في
جواز البيع بعد الظهور قبل البدو إذا حصل أحد الأمور الثلاثة أو الأربعة، بناء على أن
بيعها مع الأصول ليس من الضميمة، وعن الفاضل زيادة البيع على مالك الأصل، وقد
عرفت الحال فيه وبيع الأصل واستثناء المالك الثمرة.
وفيه أنه - وإن كان لا يشترط البدو فيه عندنا خلافا لأحد وجهي الشافعية فاعتبروا
68

في الصحة شرط القطع، ولا ريب في ضعفه، لأنه استدامة ملك لا ابتداؤه - ليس مما نحن
فيه من بيع الثمرة، وما يقال - من أن بيع الأصل سبب في زوال الملك، واستثناؤه سبب في
التدارك، فهو كالحادث - يدفعه أن السبب في الزوال البيع المطلق، لا مطلق البيع، و
ليس المشرف على الزوال ولما يزل، كالزائل العائد، لأنه تقدير لما لا وجود له من الزوال
فعلا، بمنزلة الموجود كما هو واضح.
ثم إن الظاهر كون الخلاف في المقام إنما هو في المبيع خاصة، أما الصلح فيجوز
مطلقا وبشرط التبقية للأصل، بعد اختصاص النصوص والفتاوى في البيع خاصة، بل وكذا
غيره من النواقل، سيما الشروط والله أعلم هذا. والضميمة على تقدير اعتبارها في الصحة
ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن، من كونها مما يجوز بيعها منفردة كما تومي إليه عبارة
المتن، وكونها مملوكة للمالك، وكون الثمن لها وللمنضم على الإشاعة ونحو ذلك، و
إن كان للنظر في هذا كله مجال، كالنظر أيضا في الصحة فيما لو تلفت قبل القبض وغيره،
إلا أنا في غنية عن إطالة البحث فيه بعد عدم اعتبارها في الصحة عندنا، وهل من الضميمة
ما لو باع الثمرة مشترطا قطع بعضها، المتجه العدم بناء على اعتبار صحة بيعها بغير عقد
الانضمام، والأمر سهل.
(و) كيف كان ف‍ (بدو الصلاح) الذي هو شرط للصحة أو الكراهة في اللغة
كما عن المقداد والصيمري (أن تصفر) البسر (أو تحمر) على المشهور بين
الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة، بل في محكي السرائر نسبته إلى أصحابنا، والمبسوط
إلى روايتهم لخبري الوشا (1) وعلي بن أبي حمزة (2) المتقدمين المنجبرين بالشهرة
المزبورة، والمعتضدين بخبر المناهي (3)، الذي فسر الزهو بهما فيه أيضا، بناء على
أنه منه النبوي أيضا المروي عن معاني الأخبار (4) (نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن المخاصرة، وهي أن
تباع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وهي خضر بعد، إلى أن قال: ونهى عن بيع الثمر قبل
أن يزهو، وزهوه، أن يحمر أو يصفر) وقال فيه وفي حديث آخر (5) (نهى عن بيعه قبل أن

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 5
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 5
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 14 - 15 - 16
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 14 - 15 - 16
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 14 - 15 - 16
69

يشقح ويقال يتشقح، والتشقيح هو الزهو أيضا) وقيل لا ينافي ذلك التعليق على الاطعام
في بعض النصوص السابقة، والادراك في آخر، والبلوغ في ثالث، بعد أن كان رجوع
الجميع إليهما، وفيه أن المشاهد خلافه بل اختلاف ذلك دليل على ما قلناه سابقا من
الكراهة قبل بدو الصلاح، ولعلها تختلف باختلاف مراتبه شدة وضعفا.
وعلى كل حال فقد عرفت أن المعروف تحقق بدو الصلاح بذلك، لكن زاد
المصنف هنا والفاضل في الارشاد فقالا: بدو الصلاح ذلك (أو أن يبلغ مبلغا يؤمن
عليها العاهة) ولم نجده لغيرهما، وإن حكي تفسير بدو الصلاح به بلفظ القيل، مع
أنه على فرض وجوده غير ما فيهما، ولعله للجمع بين ما عرفت وبين خبر أبي بصير (1) السابق
المؤيد في الجملة يخبر علي بن جعفر (2) عن أخيه عليه السلام (سألته عن بيع النخل أيحل إذا
كان زهوا قال: إذا استبان البسر من الشيص حل بيعه وشراؤه) وبالنبويين العاميين (3)
(أحدهما لا تبتاعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها، قيل وما بدو الصلاح؟ قال: تذهب عاهتها
ويخلص رطبها) والآخر (4) (نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة) إلا أنه لم يحصل
شرط الجمع من المقاومة المفقودة هنا من وجوه، والشاهد المعتبر، مضافا إلى قوة
احتمال كون الاحمرار والاصفرار بهما يحصل الأمان، واحتمال إرادة الظهور من أمن
الآفة فلا ينافي حينئذ اشتراط ذلك بعد بدو الصلاح المفسر بما عرفت، وإلى إجمال
المراد به، اللهم إلا أن يقال: بأن المرجع فيه العادة، وربما حد في النبوية العامية (5)
بطلوع الثريا الذي نفى الاعتبار به في محكي الخلاف، والله أعلم.
(و) على كل حال ف‍ (إذا أدرك بعض ثمرة البستان) المتحدة وبدا صلاحه
ولم يدرك الآخر بعد أن كان ظاهرا (جاز بيع ثمرته أجمع) بناء على اعتبار بدو الصلاح
في الجواز بلا خلاف أجده فيه، بل عليه الاجماع، منقولا مستفيضا إن لم يكن محصلا،
سواء كان متحد النوع أو مختلفة، للأصل السالم عن المعارض، بعد تنزيل ما دل على المنع

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 17
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 17
(3) سنن البيهقي ج 5 ص 300 الجامع الصغير ج 2 ص 192 طبع عبد الحميد أحمد حنفي
(4) سنن البيهقي ج 5 ص 300 الجامع الصغير ج 2 ص 192 طبع عبد الحميد أحمد حنفي
(5) سنن البيهقي ج 5 ص 302
70

على غير المفروض، سيما إذا كان البعض المدرك مما يصدق معه بدو صلاح الثمرة،
المعلوم عدم إرادة الجميع منه، ولصحيح يعقوب ابن شعيب (1) عن الصادق عليه السلام (إذا
كان الحائط فيه ثمار مختلفة، فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها أجمع) وصحيح الحلبي (2)
عن الصادق عليه السلام (تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة وإن شئت أكثر، وإن لم
يتبين لك حملها فلا تستأجره) وخبر البطائني (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
اشترى بستانا فيه نخل وشجر، منه ما قد أطعم، ومنه ما لم يطعم؟ قال: لا بأس إذا كان فيه
ما قد أطعم) بناء على إرادة ثمرة البستان منه، والمرسل (4) كالموثق (المسؤول فيه عن
بيع الثمرة قبل أن تدرك فقال: إذا كان في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت، فبيع كله
حلال) إلى غير ذلك من ذيل خبر أبي الربيع (5) ونحوه، مضافا إلى ما قيل من أنه لا إشكال
في بيع ما بدا صلاحه، لحصول الشرط، أو غيره أيضا لضمه إليه، وقد عرفت عدم الاشكال
والخلاف في جواز بيع الثمرة الظاهرة مع الضميمة، فيندرج حينئذ مفروض المسألة
فيها، خصوصا بعد ما عرفت من عدم اعتبار المتبوعية في هذه الضميمة، وأنها ليست
كضميمة المجهول.
لكن قد يناقش في تناول دليل الضميمة لمثل المقام على وجه يخرجه عن إطلاق
أدلة المنع على فرض شموله، وحينئذ ينبغي الاقتصار في الاستدلال على ما ذكرناه أولا.
لكن لا ينبغي التأمل في صدق الضميمة لو ضمها إلى بستان أخرى لم يبدو صلاحها
إلا أن المصنف، قال (ولو أدركت ثمرة بستان لم يجز بيع ثمرة البستان الآخر ولو ضم
إليه) وفاقا لمحكي الخلاف والمبسوط، بل عن الأول الاجماع عليه، ومقتضاه حينئذ
عدم تناول الضميمة لمثل ذلك، وعدم تناول نصوص الصحة المتقدمة آنفا له أيضا،

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 4 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 4 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 4 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 4 - 3 - 2
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 7
71

فيبقى مندرجا في إطلاق دليل المنع، وفيه - بعد تسليم الدعوى الأولى له الواضح
منعها عليه، وتسليم تناول إطلاق دليل المنع لذلك، - منع عدم تناول المرسل المتقدم (1)
المنجبر هنا بعمل الأصحاب كافة عدا من عرفت كما قيل.
ومنه يعلم ما في دعواه الاجماع عليه، ولعله لذا قال بعد ذلك (وفيه تردد) بل
كان الأولى الجزم بالصحة، لما عرفت، وأما موثق عمار (2) (عن أبي عبد الله عليه السلام سئل،
عن الفاكهة متى يحل بيعها؟ قال: إذا كانت فاكهة كثيرة في موضوع واحد فأطعم بعضها
فقد حل بيع الفاكهة كلها، فإذا كان نوعا واحدا فلا يحل بيعه حتى يطعم، فإن كان أنواعا
متفرقة فلا يباع منها شئ حتى يطعم كل نوع منها، ثم يباع تلك الأنواع) فمع اشتماله
على ما لا يقول به أحد من الطائفة، من اشتراط اتحاد النوع بادراك البعض في صحة بيع
الجميع، وتشويش متنه، إنما يدل بالمفهوم، وهو قاصر عن معارضة الأدلة من وجوه، فلا
ريب حينئذ في أن الأصح الجواز هذا كله في ضم الثمرة الظاهرة ولم يبدو صلاحها إلى
ما بدا بناء على اشتراطه، وإلا فيجوز بدونه.
أما المتجددة ففي الغنية (يجوز بيع الثمرة الموجود بعضها المتوقع وجود باقيها
عندنا وعند مالك) وفي القواعد ولو ظهر بعض الثمر فباعه مع المتجددة في تلك السنة،
صح سواء اتحدت الشجر أو تكثرت، وسواء اختلف الجنس أو اتحد) وفي التذكرة
(يجوز عندنا بيع الثمار بعد بدو صلاحها مع ما يحدث بعدها في تلك السنة، أو سنة أخرى،
وبه، قال مالك) وفي الدروس (ويجوز اشتراط المتجددة من الثمرة في تلك السنة و
غيرها، مع حصر السنين، سواء كان المشترط من جنس البارز أو غيره، ولو شرط ضم
ما يتجدد من بستان آخر عاما أو عامين احتمل الجواز) وظاهر اللمعة كونه من المسلمات،
لأنه قال: (ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها لقطة ولقطات، كما يجوز بيع الثمرة
الظاهرة وما يتجدد في تلك السنة وفي غيرها) أي مع ضبطه السنين، وفي الروضة (لأن
الظاهر منها بمنزلة الضميمة إلى المعدوم، سواء كانت متجددة من جنس الخارجة

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 5
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 5
72

أم غيره.
وفيه أن الأصح عدم الاكتفاء في صحة بيع المعدوم بالضميمة إليه، فينبغي
التعليل في المتجدد من ثمرة الشجر الذي فرض ظهور ثمرته، بأنه لا ينقص عن بيع ثمرته
في السنة الأخرى مثلا، فلا يقدح حينئذ انعدامها، وبظهور بعض النصوص السابقة فيه،
بل وفي غيره مما لم تخرج بعد ثمرته، فالتوقف فيه حينئذ بأنه معدوم ولا تجدي فيه الضميمة
في غير محله، بعد ما سمعت من صحيح الحلبي السابق (1) بل والمرسل (2) وذيل خبر أبي
الربيع (3) مضافا إلى نصوص الخضر (4) إلا أنه ينبغي الاقتصار في ذلك على المتقين،
وهو البستان الواحدة، أما المتعدة فالأحوط أن لم يكن الأقوى عدمه، للأصل وغيره، ولذا جعل
في الدروس الجواز احتمالا، فتأمل جيدا والله أعلم.
(وأما الأشجار) فظاهر النصوص والفتاوى اتحاد حكمها مع النخل، بالنسبة
إلى البيع قبل الظهور وغيره، ومن هنا جعل في التحرير وظاهر الدروس كما عن غيره
موضوع الأحكام السابقة، الثمرة، لا خصوص ثمرة النخل، بل صرح أولهما بأن النخل
والشجر في الحكم سواء، بل صرح في التذكرة وجامع المقاصد ومحكي الإيضاح بأن
الخلاف في بيع ثمر الشجر قبل الظهور أزيد من عام كما في النخل، بل صرح في الأول
بالاجماع على عدم جواز بيعها عاما واحدا قبل الظهور كالنخل.
وبالجملة لا يخفى على من تأمل نصوص المقام وفتاوى الأصحاب ظهور اتحاد
الحكم فيها، لكن ربما نقل عن العلامة الفرق بين ثمرة النخل وثمرة غيره، فجوز بيع
الأولى بعد ظهورها قبل بدو الصلاح عامين، ومنعه في الثانية، وفيه أن الذي وقفنا عليه
من كلامه صريح في خلافه.
وكيف كان فمقتضى ما ذكرنا أنه لا خلاف في عدم جواز بيعها قبل الظهور عاما،

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الثمار الحديث 4 - 2
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الثمار الحديث 4 - 2
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب ببيع الثمار الحديث 7
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار
73

وفي التذكرة (الاجماع عليه) وفي العامين والضميمة ما عرفت، ولا خلاف أيضا في بيعها
بعد الظهور قبل البدو بناء على انفكاكهما فيها بشرط القطع، أو الضميمة أو عامين، أما
بدون ذلك ففيه البحث السابق، وحينئذ يتجه للمصنف أن يقول (لا يجوز بيعها حتى يبدو
صلاحها) بعد تقييده في صورة الظهور بما تقدم، لما سمعته من كلامه في غير اشتراط
القطع، بناء على ما عرفت من اختياره (وحده) أي بدو الصلاح فيها (أن ينعقد الحب
ولا يشترط زيادة عن ذلك على الأشبه).
بل عن الكفاية أنه أشهر، لكن في معقد شهرة التنقيح إضافة تناثر الورد إليه، و
ظاهره أو صريحه أنه مراد من لم يضفه إليه، ولذا جعل في المسألة قولين، هذا أحدهما، و
الثاني ما تسمعه من عبارة المبسوط، ونحوه ما في غاية المرام ومحكي إيضاح النافع، إلا
أنه خص الشهرة بالمتأخرين في أولهما، ويؤيده أنا لم نجد في النصوص ما يشهد للاطلاق،
إذ ليس إلا خبر ابن شريح (1) (وبلغني أنه قال في ثمر الشجر: لا بأس بشرائه إذا صلحت
ثمرته، فقيل: وما صلاح ثمرته؟ فقال: إذا عقد بعد سقوط ورده) وموثق عمار (2)
(سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ قال: إذا عقد وصار عقودا، والعقود، اسم الحصرم
بالتبطية) كما قيل: والثاني في خصوص الكرم، والأول قد اعتبر فيه تناثر الورد، فيقوى
حينئذ اتحاد القولين، خلافا للمسالك وغيرها، ولعل الانعقاد إنما يكون بعد تناثر الورد
كما هو ظاهر الخبر.
وحينئذ ينحصر الخلاف فيما عن المبسوط والمهذب، قال في أولهما (بدو الصلاح
يختلف، فإن كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر فبدو الصلاح فيما حصول هذه
الألوان، وإن كانت مما تبيض، فبأن تتموه، وهو أن يتموه فيها الماء الحلو ويصفو لونها،
وإن كانت مما لا تتلون مثل التفاح، فبأن يحلو ويطيب أكله، وإن كان مثل البطيخ فبأن يقع
فيه النضج، قال،: وقد روى أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة، فأما ما يتورد
فبدو صلاحه أن ينتثر الورد وينعقد، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم، وإن كان مثل القثا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 13 - 6
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 13 - 6
74

والخيار الذي لا يتغير طعمه، ولا لونه، فإن ذلك يؤكل صغارا، فبدو صلاحه أن يتناهى
عظم بعضه).
وهو إن كان قد يشهد له نصوص الاطعام والبلوغ والادراك، إلا أنه - بعد اعترافه
بكون رواية أصحابنا خلافه، وقد عرفت أيضا أن عملهم على ذلك، - لا ينبغي الالتفات
إليه، سيما بعد أن حكاه في الذكرة عن الشافعي الذي قد جعل الله الرشد في خلافه، وليس
المراد من نصوص الاطعام والادراك والبلوغ، (1) بيان أول مرتبة بدو الصلاح، بل يقوى
في النفس ما ذكرناه سابقا من أن هذه غايات لرفع كراهة البيع قبلها، المختلف شدة و
ضعفا باختلافها كاختلاف الخصومة التي قد عرفت سابقا أنها سبب النهي عن البيع قبل
بدو الصلاح.
ومن ذلك يعرف ما في المحكي عن السرائر أيضا، قال: " بدو الصلاح في ثمرة
النخل الحمرة والصفرة، وما عداها فحين يتموه فيها الماء الحلو، ويصفر لونها وقال:
ولا يعتبر التلون والتموه والحلاوة عند أصحابنا، إلا في ثمرة النخل خاصة، وإن كانت
الثمرة مما تتورد، فبدو صلاحها أن ينتثر الورد وينعقد، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم، و
إن كان غير ذلك فحين يحلو ويشاهد، وقال بعض المخالفين: إن كان مثل القثا والخيار
لا يتغير طعمه ولا لونه، فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعضه، قال،: وقد قلنا إن أصحابنا لم
يعتبروا بدو الصلاح إلا فيما اعتبروه من النخل والكرم، وانتثار الورد فيما يتورد ويمكن
ارجاعه إلى المشهور، بل يمكن إرجاع كلام الشيخ إليه على إرادة أن ما ذكره
لغيرنا، فتأمل.
وعلى كل حال فقد عرفت أن الموجود في النص الانعقاد من دون ذكر الحب، وبه
عبر في اللمعة، بل وما سمعت من عبارتي المبسوط والسرائر، والظاهر إرادة انعقاد
الثمرة، فإن كانا متلازمين وإلا فالتعبير به أولى وأعم، لعدم الحب في بعض الثمار هذا و
في المسالك وغيرها أنه على ما اختاره المصنف من تفسير بدو الصلاح يتحد وقت الظهور

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار
75

وبدو الصلاح، إذ ليس بينهما واسطة، أي فلا تظهر فائدة حينئذ للقولين السابقين في النخل،
وإنما تظهر فائدتهما لو قلنا بتأخر بدو الصلاح عن الظهور.
قلت: قد يمنع اتحادهما على تفسير المصنف أيضا، خصوصا بعد أن عرفت أنه
هو المراد من القول الثاني، فلاحظ وتأمل، ويؤيده أن الفاضل في التذكرة مع قوله
فيها بأن بدو الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقاد، قال: (يجوز بيعها بعد الظهور قبل البدو
سنة وسنتين مع الضميمة إلى الأصول وغيرها) وقد سمعت سابقا دعواه الاجماع على
عدم جواز بيعها قبل الظهور سنة.
(و) كيف كان ف‍ (هل يجوز بيعها سنتين فصاعدا قبل ظهورها قيل:) و
القائل الصدوق وبعض متأخري المتأخرين (نعم) بناء على اتحاد الحكم فيها مع
النخل (والأولى المنع) بل هو الأصح (لتحقق الجهالة) كما عرفت البحث فيه في
النخل سابقا مفصلا، وربما استشعر من قوله هنا الأولى الجواز كقوله المروي هناك، و
التحقيق ما سمعت.
(وكذا) الخلاف فيما (لو ضم إليها شيئا) وباعه معها عاما من (قبل
انعقادها) بناء على إرادة الظهور منه فالبحث في صحته حينئذ نحو ما سمعته في النخل
إلا أن المصنف لم يذكره هناك، فيستفاد منه حينئذ أولوية المنع في المقامين على تقدير
عدم الفرق بينهما، واحتمال إرادته بعد الظهور قبل الانعقاد الذي هو بدو الصلاح بناء
على تأخره عنه يدفعه أن مقتضاه حينئذ الفرق بين النخل والشجر، إذ لا خلاف في جواز
بيع الثمرة الأول قبل بدو الصلاح مع الضميمة كما سمعت، وقد عرفت اتحاد الحكم
فيهما فتوى ونصا.
ومن الغريب ما في المسالك هنا من أن الأجود المنع، وموضعه ما لو كانت الضميمة
غير مقصودة بالبيع، بحيث تكون تابعة أوهما مقصودان، أما لو كانت الضميمة مقصودة
والثمرة تابعة صح كما مر، إذ فيه أن المفروض قبل الانعقاد الذي هو الظهور، وبدو الصلاح
عنده والضميمة لا تجدي في جواز بيع المعدوم وقياس هذا الضميمة إلى المجهول قد
76

عرفت أنه مع الفارق: نعم يتجه الجواز هنا بالضميمة، بناء على اختلاف حالي الظهور
والانعقاد على نحو ما سمعته في ثمرة النخل إذا ظهرت ولم يبدو صلاحها والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (إذا انعقد) ثمر الشجر (جاز بيعه مع أصوله) بلا خلاف
(ومنفردا) كذلك بناء على أنه هو بدو الصلاح (سواء كان) الثمر (بارزا)
مشاهدا (كالتفاح والمشمش والعنب أو في قشر يحتاج إليه لادخاره كالجوز في
القشر الأسفل، وكذا اللوز، أو في قشر لا يحتاج إليه كالقشر الأعلى للجوز والباقلا
الأخضر والهرطمان والعدس) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بل ولا إشكال، وفي
التذكرة الاجماع عليه اعتمادا في ذلك كله على أصل السلامة، خلافا للشافعي فلم
يجوز بيع ذي القشر الأعلى كالجوز واللوز إلا بعد نزع القشر الأعلى سواء كان ذلك على
الشجر أو وجه الأرض ولا ريب في ضعفه.
(وكذا) البحث في (السنبل) أي لا يجوز شراؤه قبل الظهور وانعقاده الذي
هو بدو صلاحه ويجوز بعده (سواء كان بارزا كالشعير أو مستترا كالحنطة، منفردا أو مع
أصوله، قائما وحصيدا) للأصل السالم عن المعارض، وأما شراء الزرع قبل أن يسنبل،
فلا إشكال بل ولا خلاف معتد به في جواز شرائه مع اشتراط التبقية، أو القصل أو بدونهما
للأصل والنصوص المستفيضة المعتبرة (1) خلافا لما عن الصدوق في باب المزارعة، فلم
يجوز بيع الزرع قبل السنبل إلا مع القصل يعلفه للدواب، وتسمع البحث فيه انشاء الله
عند تعرض المصنف له، والله أعلم.
(وأما الخضر) كالقثا والباذنجان والبطيخ والخيار (فلا يجوز بيعها قبل
ظهورها) إجماعا على الظاهر كما قيل، وفي الحدائق (الظاهر أنه لا خلاف فيه لأنها
معدومة، وللجهالة والغرر، وفحوى نصوص النخل والأشجار (2) مضافا إلى ما في موثق

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار
77

سماعة (1) سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات؟ فقال: إذا رأيت
الورق في شجره فاشتر منه ما شئت منه من خرطة) وبه يقيد خبر معاوية بن ميسرة (2) (قال: سألته
عن بيع النخل سنتين قال: لا بأس به، قلت: فالرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا وكذا
جزة بعدها؟ قال: لا بأس به، قال: ثم قال: كان أبي عليه السلام يبيع الحنا كذا وكذا خرطة) بل بناء على
إرادة بيع النخل الظاهرة ثمرته في السنة الأولى، لعدم الجواز بدونه يقوى إرادة ذلك أيضا في
الرطبة، وكذا يقيد ما في صحيح بريد السابق (3) لما سأل أبا جعفر عليه السلام (عن الرطبة
تباع قطعة أو قطعتين أو ثلاث قطعات؟ فقال: لا بأس) الحديث (و) منه وما تقدمه
يعلم أنه (يجوز) بيع الخضر (بعد انعقادها) وإن لم يتناهى عظم بعضها، بلا خلاف
أجده فيه، بناء على أنه مبدء إصلاحها دونه، أو أنه به يتحقق الظهور، ولم نشترط الجواز
بالبدو ومشاهدتها، فلو كانت مستورة في الأرض كالجزر والثوم ونحوهما لم يجز للجهالة
كما صرح به الفاضل في جملة من كتبه، بل نسبه في الدروس إلى جماعة، لكنه حكي
فيها عن أبي علي جوازه، واختاره هو تحكيما للعرف، قال: وأولى بالجواز الصلح، و
فيه منع تحكيم العرف في ذلك بعد أن لم يكن مرئيا ولا موصوفا، كما اعترف به في جامع
المقاصد، بل قال: لا يجوز بيعا بل ولا صلحا، وهو متجه بناء على عدم اغتفار مثل هذه
الجهالة في الصلح.
نعم يمكن القول بالصحة لو ضم ما ظهر من ورقه مثلا إليه، بناء على جواز بيع
المجهول إذا ضم معلوم إليه إلا أن المتجه التفصيل بالقصد وعدمه، بناء عليه في
الضميمة، وبالجملة يجري عليه حكمها، ولكن المسألة لا يخلو بعد من إشكال، أما
إذا كانت الخضرة ظاهرة ومنعقدة، فلا إشكال في جواز بيعها، (لقطة واحدة ولقطات)

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب بيع الثمار الحديث 2
(2) ذكره صدره في الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 11 وذيله في
الباب 4 الحديث 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
78

معلومة والمرجع في اللقطة إلى العرف، ومع فرض الشك فيه يبقى على
ملك المالك، (وكذا) يجوز بيع (ما يقطع فيستخلف كالرطبة والبقول جزة و
جزات وكذا ما يخترط كالحنا والتوت) بالتائين المثناتين خرطة وخرطات، بل قيل:
على الأول تنزل عبارتا النهاية والسرائر، (لا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها، لأن مختارهما
في الكتابين أن بدو الصلاح الانعقاد وتناثر الورد، وأما ما عن المبسوط من نحو ذلك،
فينبغي تنزيله على مختاره فيه الذي قد سمعته، بل حكي عنه التصريح هنا بأنه إذا باع
حمل البطيخ والقثا والحنا بعد ظهوره قبل بدو صلاحه بشرط القطع جاز. وإن شرط
التبقية أو مطلقا لم يجز، ونحوه عن القاضي.
نعم ما في الوسيلة من نحو ذلك أيضا يمكن أن يكون موافقا للمشهور، لاحتمال
أن مختاره في بدو الصلاح مختارهم، وما في المقنعة ومحكي المراسم من أنه يكره بيع
الخضروات قبل أن يبدو صلاحها، يمكن أن يكونا موافقين للشيخ في الموضوع دون
الحكم الذي قد عرفت في النخل والشجر صحته، وأنه لا يشترط بعد الظهور بدو الصلاح،
وما نحن فيه مثله على الظاهر، فيجري فيه ما تقدم سابقا فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فلا يقدح انعدام ما عدا الأولى بعد ضمها إليها كالمتجدد من الثمرة
في السنة أو في القابل إلى الثمرة الظاهرة، ولا اشعار في عبارة المتن باشتراط الوجود في
جميع اللقطات، وإن خص الجواز بالانعقاد، إلا أن مراده ولو بالأولى نحو قوله في ثمرة
النخل وغيره نعم لا يجوز بيع الثانية والثالثة مستقلة إذ هي كالأولى قبل ظهورها، لكن
عن أبي حمزة يجوز بيع الرطبة وأمثالها الجزة أو الثالثة أو جميعها، ولا ريب
في ضعفه إن أراد ذلك، نعم قد يقال: يجوز بيع ذلك قبل ظهوره إذا انضم إلى ما ظهر من
الخضراوات نحو ما قلناه في الشجر، بل المرسل السابق (1) الذي هو كالموثق شامل
للمقام، فلاحظه، بل يمكن الاكتفاء فيه بضمه إلى ما ظهر من ثمر النخل أو الشجر، لاطلاق
المرسل السابق، كما أنه يكتفى بظهور الخضروات في البستان عن ظهور ثمرات أشجارها

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الثمار الحديث 2
79

فتكون هي حينئذ كثمرة الشجرة بل لعله المراد من ذيل خبر أبي الربيع السابق (1) بل يمكن
إرادة ذلك من الرطبة والبقل في موثق سماعة (2) المتقدم آنفا دليلا لمطلق الجواز مع
الضميمة، إلا أنه ينبغي الاقتصار في ذلك على ما في الحائط الواحد أخذا بالمتقين.
(و) كيف كان فحيث (يجوز بيعها) يجوز (منفردة ومع أصولها) بل
لا يعتبر في الثاني بدو الصلاح عند القائل به، بناء على أنه غير الظهور، إذ هي حينئذ
كثمر النخل والشجر، وكذا ضم غير الأصل (ولو باع الأصول) قبل الظهور الثمرة
جاز مع الاطلاق وبشرط التبقية والقطع، إذ هو كالزرع وكأصول الأشجار ولا فرق
في ذلك بين ظهور الورد فيها وعدمه، بل الظاهر جواز بيع الورد الذي تتولد منه الثمرة
مطلقا أو بشرط التبقية بناء على جوازه في ثمرة النخل والشجر لعدم الفرق بينهما أما
مع شرط القطع أو الضميمة فلا ينبغي التأمل في الجواز كالثمرة أيضا، ولو باعها أي
الأصول في الخضر وغيرها عدا النخل (بعد انعقاد الثمرة لم تدخل في البيع إلا بالشرط)
ونحوه بلا خلاف للأصل.
نعم نظر في الدروس في تبعية ورق التوت والحنا والآس، قال: (وكذا قضيب
ما اعتيد قضيبه (قضبانه خ) كالخلاف، مع أن الأقوى عدم التبعية أيضا إذا فرض كونه
ثمرة معتدا به، ولم يكن هناك عرف يقتضي التبعية كما هو كذلك في ورق التوت في
بلداننا بحسب هذه الأزمنة.
(و) على كل حال حيث لا تدخل (وجب على المشتري ابقاؤها) مجانا
(إلى أوان بلوغها) إن كان المعتاد قطعها عنده وإلا فقبله، وهو مختلف إذ منه ما يؤخذ
بسرا مثلا ومنه رطبا ومنه تمرا ومنه عنبا، ولا يقدح عدم ضبطه بما لا يقبل الزيادة والنقصان
بعد أن لم يكن أجلا مضروبا في العقد وإنما هو كالحكم الشرعي الثابت من اطلاق
الأدلة الذي لا ريب في ظهوره في بقاء الثمرة إلى أوان صيرورتها كذلك، وخصوصا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 7
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
80

نصوص الزرع (1) بل ترك الاستفصال في غيرها مع معلومية كون المراد من السؤال
شراؤها حال كونها بالغة مدركة كالصريح في ذلك، ومرجعه حينئذ إلى اغتفار عدم
الضبط هنا وإن كان مقصودا للمتعاملين، لا أنه لم يقصداه أصلا وهو حكم شرعي تعبدي
محض، لعدم الدليل عليه على هذا الوجه، ومن ذلك وغيره يعلم أنه لا وجه للمناقشة في
الرياض، (بأنه لا دليل على وجوب التبقية المخالفة لأصالة حرمة التصرف في مال
الغير واستناد البعض إلى استلزام كون الثمرة للبايع ذلك غير بين، وحديث نفي الضرر
بالمثل معارض، فإن كان إجماع أو قضاء عادة بذلك، وإلا فالأمر ملتبس) وقد عرفت أنه
لا التباس فيه سيما بعد شهرة الأصحاب، بل لم يعرف فيه خلاف باعتراف المناقش، ومن
غريب ما اتفق له أنه هنا توقف في الحكم أشد توقف، حتى جعل الأمر عليه ملتبسا، وقد
تقدم له في باب الشروط أنه لا إشكال في الحكم المزبور.
وكيف كان فلو اختلف العادة فالأغلب إذا كان بحيث ينصرف الاطلاق إليه، و
مع التساوي احتمل وجوب التعيين، للغرر، والتنزيل على الأدنى اقتصارا فيما خالف
الأصل الدال على حرمة التصرف في مال الغير على المتيقن، والأعلى استصحابا للجواز،
وكذا لو استثناها البايع أو اشتراها خاصة من دون الأصول مشتر، وربما ظهر من بعض
نصوص الزرع (2) أن الخيار بيد من له الثمرة فإن تم وإلا كان القول بالتعيين متجها،
لعدم معلومية قصدهما الذي قد عرفت مدخليته، ولذا كان الحكم فيما لو اعتاد قوم على
قطع الثمرة قبل أوان بلوغها تنزيل الاطلاق عليه، كما صرح به الفاضل وغيره، وكذا لو تعارف
عندهم بقاؤها إلى ما بعد ذلك نزل عليه أيضا، لأن الاعتياد المفروض كالقرينة على إرادتهما
ذلك، إذ هو ظاهر في أن الحكم بالبقاء ليس تعبديا محضا، بل للقصد فيه مدخلية
نعم ألغى الشارع هنا اعتبار التعيين، فتأمل جيدا.
ولكل من مشتري الثمرة وصاحب الأصل سقى الشجرة، مع المصلحة له، وانتفاء

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 9 - 10
81

الضرر عن الآخر، ولا يجب على البايع السقي، وإن وجب عليه التبقية المنصرف الاطلاق
إليها، وما عداها إنماء لا يجب عليه، نعم يجب عليه التمكين منه مع الحاجة وعدم
ضرورة، فلو تلفت يترك السقي فإن لم يكن قد منع فلا ضمان عليه، وإن منع ضمن، وكذا
لو تعيبت، ولو تضررا بالسقي معا منعا منه، ولو كان يضر أحدهما وينفع الآخر فقد تقدم
للمصنف فيما يندرج في المبيع ترجيح مصلحة المشتري، إلا أنه فرض المسألة في بيع
الأصول وبقاء الثمرة للمالك، والظاهر أنه لا فرق بين المقامين، فالتحقيق حينئذ ما تقدم
هناك، كما أنه تقدم أيضا تحقيق الحال فيما لو استلزمت التبقية ضررا كثيرا على الأصول
فلاحظ وتأمل.
فإن منه يعلم الحال أيضا فيما ذكره الفاضل هنا في القواعد (من أنه لو انقطع الماء
لم يجب قطع الثمرة على مشتريها، وإن تضرر الأصل بمص الرطوبة) إذ ما ذكرناه سابقا
وإن كان مفروضا في بيع الأصول وبقاء الثمرة للمالك كما هو المفروض، في كثير من
كلمات الأصحاب، إلا أنك قد عرفت عدم الفرق بينهما عند التأمل، إذ ما وجه به البقاء -
هنا من أن المشتري قد دفع ثمنه عن الثمرة وبقائها، وإطلاق العقد المنصرف إليه كالتصريح
به، - والعدم بعدم انصراف الاطلاق إلى صورة الضرر الكثير ونحو ذلك - بعينه جار
في صورة العكس كما هو واضح والله أعلم.
(و) كيف كان ففي مفروض مسألة المتن جميع (ما يحدث بعد) تلك
الثمرة الموجودة عند (الابتياع للمشتري) بلا خلاف ولا إشكال، لأنها نماء ملكه،
كما أنه لو باع الثمرة الموجودة خاصة كان جميع ما يحدث بعد للبايع لذلك، إلا أن
الفرق بينهما أنه لو امتزجا في الصورة الأولى لم يتجه إلا الشركة، ولا فسخ لأحدهما
ولا انفساخ، للأصل السالم عما يقتضي أحدهما، أما الثانية ففي اللمعة (تخير المشتري بين
الفسخ والشركة، ولو اختار الامضاء فهل للبايع الفسخ بعيب الشركة؟ نظر، أقربه ذلك،
إذا لم يكن تأخر القطع بسببه، وحينئذ لو كان الاختلاط بتفريط المشتري مع تمكين
البايع وقبض المشتري، أمكن عدم الخيار، ولو قيل: بأن الاختلاط إن كان قبل القبض
82

تخير المشتري، وإن كان بعده فلا خيار لأحدهما كان قويا).
قلت: هو الذي ذكره الفاضل في المختلف والتذكرة، إلا أنه قال في أولهما:
(يفسخه الحاكم لتعذر التسليم) بل لم يذكر في الدروس غيره جازما به، واستحسنه في
الروضة إن لم يكن الاختلاط قبل القبض بتفريط المشتري، وإلا فعدم الخيار له أحسن،
لأن العيب من جهته فلا يكون مضمونا على البايع، ولعله مراد غيره ولا يسقط هذا الخيار
ببذل التفاوت كغيره من خيار الغبن ونحوه، بل لو بذل البايع الجميع لم يجب القبول،
للأصل والمنة، بل لو قبله أمكن عدم سقوط الخيار وإن زالت الشركة، اكتفاء بحصول
السبب أولا، خلافا للمحكي عن الشيخ وابن البراج من أنه يقال للبايع: إما أن تسلم الجميع
فإذا فعل أجبر المشتري وإن لم يسلم يفسخ الحاكم البيع، وهو أحد قولي الشافعي، و
الآخر الانفساخ من أول الأمر لتعذر التسليم، وضعفهما معا واضح، خصوصا الثاني الذي
لا يتم إلا قبل القبض، مع أن تعذر التسليم ممنوع، ضرورة إمكانه ولو بدفع الجميع،
كغيره من بيع المشترك.
ومنه يعلم أن المتجه الصحة حتى لو علما الاختلاط من أول الأمر، ولا يحتاج إلى
اشتراط القطع، بل احتمل في التذكرة هنا الصحة على تقدير البطلان في الامتزاج، قال:
(لأن الثمرة الآن لا موجب للبطلان فيها، والامتزاج مترقب الحصول، فلا يؤثر في صحة
البيع السابق) ومراده صحة العقد قبل الاختلاط، وإن بطل حينئذ بعد حصوله، بناء عليه
فيه، وقد عرفت ضعفه، فلا ريب في أولوية التفصيل السابق منهما، مقيدا بما سمعته
من الروضة.
نعم يمكن المناقشة في دعوى ضمان البايع مثل ذلك قبل القبض، إذ هو من قبيل
فوات صفات الكمال، والأصل في العقد اللزوم خصوصا إذا لم يكن من قبله، وأما ما ذكره
أولا في اللمعة فهو مع اضطرابه واضح الضعف، إذ حاصله بعد تقييد أول كلامه بآخره أن
الخيار لهما معا قبل القبض وبعده إذا لم يكن بتفريطهما، وإلا اختص به
غير المفرط.
83

وفيه أنه لا وجه معتد به لخيار البايع المنافي لأصالة اللزوم بجناية المشتري أو
غيره على ماله، كما أنه لا وجه لخيار المشتري بعد القبض بذلك من البايع وغيره كما هو
واضح ومنه يعلم اطلاق ما في القواعد (من أن الأقرب مع مماحكة البايع ثبوت
الخيار للمشتري بين الفسخ والشركة، ولا خيار لو وهبه البايع على إشكال) بل في كلامه
نظر من وجوه أخر تظهر بأدنى تأمل، كظهوره فيما سمعته من المختلف من فسخ الحاكم،
وكذا المبسوط، ونحوهما ما في الوسيلة من أنه إن اختلط ولم يتميز ولم يسلم البايع جميعه
فسخ العقد بينهما، ثم على الاشتراك يجب أخذ قدر ما لكل منهما من الثمرة إن علماه و
إن جهلا عينه، فإن لم يعلما تخلصا بالصلح ولو تنازعا في القدر فالقول قول صاحب اليد
منهما، إلا أن تشخيصه في الثمار مشكل، وللشافعية وجهان مبنيان على أن الجائحة من
ضمان البايع أو المشتري، وثالث أنها في يدهما جميعا وضعف الجميع واضح، وفي التذكرة
(أن الوجه كون اليد للمشتري إن كان البايع سلمه الثمرة بتسليم الأصل، وإن كان
الأصول في يد البايع والثمرة في يد المشتري فهما صاحبا يد. قلت: اليد على الأصول
لا تجدي فيما نحن فيه، مع أن الأصل أيضا موافق لصاحب الثمرة، لأصالة عدم زيادة
المتجدد والله أعلم.
(وأما) البحث في (اللواحق فمسائل)
(الأولى: يجوز) لبايع الثمرة (أن يستثني ثمرة شجرات، أو نخلات
بعينها) بلا خلاف ولا إشكال بل الاجماع بقسميه عليه، وكذا استثناء عذق معين ونحوه
نعم لو أبهم في شئ من ذلك بطل بلا خلاف بل في التذكرة الاجماع عليه للجهالة في المبيع
حينئذ، ومنه الأجود أو الأردى إذا لم يكن معلوما بينهما على وجه يكون مشخصا، ويجوز
له أيضا بلا خلاف (و) لا إشكال (أن يستثنى حصة مشاعة) كالثلث (أو) الربع،
بل الاجماع بقسميه عليه أيضا، بل المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنه يجوز له أيضا
أن يستثنى (أرطالا) مثلا (معلومة) بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن
84

الخلاف الاجماع عليه، للأصل وصحيح ربعي (1) المتقدم سابقا وخبره الآخر (2)
(في الرجل يبيع الثمرة، ثم يستثنى كيلا وتمرا؟ قال: لا بأس به قال: وكان مولى له عنده جالسا
فقال المولى: إنه ليبيع ويستثنى أو ساقا يعني أبا عبد الله عليه السلام، قال: فنظر إليه ولم
ينكر ذلك من قوله) خلافا لأبي الصلاح منا، والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل من
غيرنا، فلم يجوزوه، لأدائه إلى جهالة مقدار المبيع من المشاهد الذي طريق معرفته
المشاهدة، كما لو استثنى مشاهدا من الموزون الذي طريق اعتباره الوزن، بأن باعه
الموزون مستثنيا منه مشاهدا غير موزون، وهو اجتهاد في مقابلة النص، المعتضد بما
سمعت، وبعدم تحقق الجهالة في مثله عرفا، سيما بعد أن كان مرجع هذا الاستثناء إلى
حصة مشاعة نسبتها إلى المجموع نسبة الأرطال المعلومة إليه، وجهالة مقدارها في
ذلك الوقت بعد أن كانت مضبوطة بما لا يقبل الزيادة والنقصان غير قادح، كما لو باعه
صاعا من الصبرة على هذا الوجه، بل الظاهر الصحة لو باع مختلف الأجزاء كالأرض و
نحوها مستثنيا منها أذرعا مخصوصة على إرادة النسبة المزبورة، فتأمل جيدا.
ومنه يعلم وجه ما ذكره المصنف (و) غيره من أنه (لو خاست الثمرة سقطت
من الثنيا) إذا كانت حصة مشاعة أو أرطالا معلومة (بحسابه) بل لا أجد فيه خلافا
بينهم نعم لهم بحث سابق في بيع الصاع من الصبرة، وقد اعترف في الدروس هنا بأنه
قد يفهم من هذا التوزيع، تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة، لكن في الروضة (أنه
قد تقدم ما يرجح عدمه ففيه سؤال الفرق) قلت: قد مر لنا خلاف ذلك، وأن الراجح
تنزيله على الإشاعة، بل قلنا: هناك لو صرح بعدم إرادة الإشاعة، أمكن بطلان البيع، لأن
بيع الكلي ما لم يكن في الذمة أو منزلا على الإشاعة، يتحقق به الجهالة.
وقد يؤيده ما في التذكرة هنا من أنه لو صرح بإرادة الاستثناء مما يسلم من الثمرة

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 4
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
85

أمكن بطلان البيع، اللهم إلا أن يستند في مسألة الصاع إلى خبر الأطنان (1) أو غيره
مما مر تحقيقه هناك، فلاحظ وتأمل ما أسلفناه هناك، فإنه نافع في المقام بالنسبة إلى غير
ذلك أيضا، حتى بالنسبة إلى اشتراط صحة بيع الصاع من الصبرة، بالعلم باشتمالها عليه
وعدمه، وإن كان الظاهر عدم الصحة في المقام، مع عدم العلم، للشك في أصل وجود
المبيع، لاحتمال الاستغراق، تنزيلا لاطلاق النص والفتوى على المعهود ما يعلم فيه عدم
الاستغراق مع احتماله هنا، وتكون الصحة مراعاة كما أن النقص هناك يجبر بالخيار،
إلا أنه ضعيف جدا، خصوصا بناء على أن مدرك الصحة النص السابق، وأنه لولاه لكان
باطلا للجهالة، فتأمل.
والظاهر أنه لا فرق في استثناء الأرطال بين وجود الثمرة وبين عدمها كما لو باعه
ثمرة سنتين مستثنيا الأرطال، للاطلاق ولا ينزل إشاعة السنة الثانية على نسبة السنة الأولى
لاختلافها، بل كل منهما على نسبتها، ولو لم يخرج في السنة الثانية إلا مقدار المستثنى
فما دون، ففي الصحة والبطلان وجهان ينشئان من تنزيل ذلك منزلة ما لو خاست الثمرة
وعدمه، وعلى الأول يقدر لها حينئذ ثمرة العادة وينسب لها الأرطال الموجودة، فيستحق
المشتري على حسب تلك النسبة، لكنه كما ترى لا يخلو من بعد، بل ينقدح منه احتمال
صحة استثناء الأرطال في الثمرة المشاهدة دون غيرها.
ثم إنه قد صرح غير واحد بأن طريق معرفة الإشاعة في مسألة الأرطال تخمين الفائت
بالثلث والربع مثلا ثم تنسب الأرطال إلى المجموع، ويسقط منها بالنسبة، لكن قد
يقال: إن التخمين إن صح الاعتماد عليه باعتبار انحصار الطريق فيه، فهو بالنسبة إلى
الفائت، أما نسبة الأرطال فيمكن معرفتها على التحقيق، فلا ينبغي الاكتفاء فيها بالتخمين
بل الأولى الرجوع إلى الصلح بعد معرفتها أيضا لعدم الدليل على الاكتفاء بالتخمين
الذي يمكن أن يكون محلا للنزاع، وربما يتعسر معرفته في بعض الأحوال أو
يتعذر هذا.

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
86

وقد قيد ثاني المحققين والشهيدين وغيرهما نحو إطلاق المتن بما إذا كان التلف
بغير تفريط، قيل: والمراد إنه إذا كان بتفريط المشتري مثلا اختص التالف به، قلت:
الظاهر إرادة اختصاص الضمان به، وإلا فلا ريب في أن التالف على كل تقدير يكون
منهما، بناء على الإشاعة المزبورة، لعدم ما يقتضي اختصاص التالف أو الباقي بأحدهما،
فلا فرق حينئذ في ذلك بين كون التلف منهما أو من أجنبي أو من آفة سماوية، فيكون
الاطلاق حينئذ صحيحا، اللهم إلا أن يدعى عدم جريان حكم الإشاعة لو كان التلف من
أحدهما أو خصوص المشتري وهو كما ترى:
المسألة (الثانية: إذا باع ما بدا صلاحه) مثلا (فأصيب) الكل بآفة من الله سماوية
أو أرضية (قبل قبضه) الذي هو التخلية (كان من مال بايعه) كغيره من أفراد المبيع
للعموم وغيره مما تقدم في محله، والظاهر الحاق النهب والسرقة ونحوهما مما
لا يكون المتلف فيه شخصا معينا، بها لا بتلف الأجنبي الذي ستعرف أنه مسلط على
الخيار، دون الانفساخ، لصدق التلف بها وقد سمعت ما في خبر عقبة (1) من السرقة، و
في التذكرة هنا (لا فرق بين أن يكون التلف بأمر سماوي كالريح والثلج والبرد أو بغير
سماوي كالسرقة والحرق) إلا أن الظاهر إرادة التعريض به على خلاف أحمد، من
أنها إن تلفت بأمر سماوي كان من ضمان البايع، وإن تلفت بنهب أو سرقة كان من ضمان
المشتري فتأمل جيدا.
(وكذا لو أتلفه البايع) مباشرة أو تسبيبا لأولويته من التلف بالآفة، لكن
ظاهره الانفساخ قهرا به كالآفة، ولم أعرفه إلا للمحكي عن الشيخ في مبسوطه ومحتمل
الإيضاح، لصدق التلف وهو جيد، إلا أن الفرق بينه وبين تلف الأجنبي غير واضح، ومن
هنا كان المعروف بين المتأخرين الحاقه به، فيتخير المشتري بين الفسخ ومطالبة البايع
بالمثل أو القيمة.

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1
87

(وإن أصيب البعض) انفسخ العقد فيه بلا خلاف فيه بيننا، و (أخذ السليم بحصته
من الثمن) وكان له خيار التبعيض، بل في التحرير (إن اختار الامساك فالأقرب تخير
البايع) وهو لا يخلو من نظر (ولو أتلفه أجنبي كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع،
وبين مطالبة المتلف) بلا خلاف أجده، فيه، جمعا بين ما دل على ضمان البايع، وعلى
ضمان من أتلف مال غيره، ولا ينحصر المراد بضمان البايع في الانفساخ قهرا الذي على
تقديره هنا تلغو قاعدة ضمان المتلف، فلا بد حينئذ من إرادة الفسخ الاختياري هنا، من
ضمان البايع ولو لوجوب التسليم عليه، وقد تعذر، ومن ذلك يظهر لك قوة الخيار في اتلاف
البايع، لا الانفساخ فتأمل جيدا، لما تقدم سابقا منا من التوقف في اقتضاء مثل هذا التعذر
الموجب ضمانا على الغير الخيار.
(ولو كان) التلف للكل أو البعض بآفة أو من أجنبي (بعد القبض وهو
التخلية) مطلقا أو في نحو الثمرة التي هي حال كونها على الشجر من غير المنقول،
(لم يرجع على البايع بشئ على الأشبه) بأصول المذهب وقواعده، لخروجه عن ضمانه
بالقبض، فلا انفساخ حينئذ ولا فسخ، لكن في المحكي عن المبسوط وإن قلنا أنه ينفسخ
في مقدار التلف أي بالآفة كان قويا.
وفي المسالك (ذهب بعض الأصحاب إلى أن الثمرة على الشجرة مضمونة على
البايع، وإن أقبضها بالتخلية نظرا إلى أن بيعها بعد بدو الصلاح بغير كيل ولا وزن على
خلاف الأصل، لأن شأنها بعده النقل، والاعتبار بالوزن أو الكيل، وإنما أجيز بيعها كذلك
للضرورة، فيراعى فيها السلامة؟) قلت: لم نعرف القائل بذلك منا نعم حكاه في التذكرة
عن الشافعي في القديم معللا له بأن التخلية ليست بقبض صحيح، ولهذا لو عطشت الثمرة
كان من ضمان البايع إذا تلفت وهو كما ترى، تعليلان عليلان، فلا ريب في أن المتجه ما
ذكرنا، بل لو أتلفه البايع أيضا لم يثبت للمشتري فسخ ولا انفساخ، لعدم الدليل وإن رجع
عليه بالمثل أو القيمة كالأجنبي.
(ولو أتلفه) أي المبيع (المشتري في يد البايع استقر العقد، وكان الاتلاف
88

كالقبض، وكذا لو اشترى جارية وأعتقها قبل القبض) فإنه بمنزلة القبض منه، ضرورة
ظهور ما دل على ضمان البايع في كونه ارفاقا بحال المشتري، فلا يشمل ما إذا كان هو المتلف،
وفي المسالك (إن إتلاف المشتري للمبيع في يد البايع أعم من كونه بإذن البايع وعدمه،
فإن كان بإذنه فهو قبض تترتب عليه أحكامه مطلقا، وإن كان بغير إذنه كما هو الظاهر فهو قبض
من حيث انتقال الضمان إلى المشتري، وإن تخلف عنه باقي الأحكام والفرض هنا انتقال
الضمان، وإنما شبه الاتلاف بالقبض ولم يجعله قبضا لأن الاتلاف قد يكون بالتسبيب، فيكون
في حكم القبض خاصة، وقد يكون بمباشرة المتلف فيكون قبضا حقيقة) قلت: مقتضى التفصيل
الأخير، عدم مراعاة الإذن في تحقق القبض وعدمه، ومقتضى التفصيل الأول عدم مراعاة
المباشرة وعدمها، على أن قد سمعت في المباحث السابقة ما في التذكرة من عدم تحقق
القبض بالاتلاف لو كان جاهلا ولو مع المباشرة، فلاحظ ما أسلفناه سابقا وتأمل.
وكيف كان ففي حواشي الشهيد هنا (أن الأقسام أربعة عشر، لأن التلف إما من
البايع والمشتري أو من غيرهما، أو من البايع خاصة، أو المشتري خاصة، أو من البايع و
أجنبي، أو من المشتري وأجنبي، أو منهما وأجنبي، فالأقسام سبعة وحينئذ إما أن يكون
قبل القبض، أو بعده، فتبلغ أربعة عشر وجها، فالسبعة التي قبل القبض دركها على البايع
إن لم يشاركه المشتري، وإن شاركه المشتري فالدرك على المشتري، والسبعة التي بعد
القبض دركها على المشتري، ففي الأول ما أتلفه المشتري فهو قبض، وما أتلفه البايع
فالمشتري بالخيار بين المطالبة بالمثل أو القيمة إن لم يكن مثليا، أو يفسخ ويغرم ما أتلف،
وفي الثاني يتخير بين مطالبة المتلف مع الإجازة، أو يفسخ ويرجع بالثمن على البايع،
وفي الثالث هو بالخيار أيضا، وفي الرابع قبض منه، وفي الخامس يتخير، وفي السادس
التلف منه ويرجع على الأجنبي بمقدار ما أتلف. وفي السابع أيضا كذلك يسقط ما أتلفه
بفعله ويرجع عليهما بما قابل فعلهما).
قلت: لا يخفى عليك زيادة الأقسام مع ضم الآفة إليها كما أنه لا يخفى عليك ما في
إطلاق قوله إن الدرك على المشتري مع المشاركة، بل ظاهر كلامه عدم الخيار في السادس
89

والسابع، والفرق بينه وبين الأول غير واضح، فالمتجه ثبوت الخيار في الجميع، مع
كون المراد بالشركة اختصاص كل بتلف البعض على جهة الاستقلال، أما إذا كان
الاشتراك على وجه يكون كل منهم بعض العلة بحيث استند التلف إلى المجموع فلا يبعد
عدم الخيار في الجميع، أي جميع الصور التي يدخل فيها المشتري، لعدم الارفاق فيه
حينئذ، والأصل اللزوم، بل لو فرض الاشتراك على هذا الوجه بين المشتري والآفة أو
البايع، بناء على أنه كالآفة لم يكن انفساخ، لعدم صدق المتلف على كل منهم، بل هو
بعض المتلف، وفرق واضح بين متلف البعض وبعض المتلف والتنصيف بالضمان مثلا،
لا لأن كلا منهما قد أتلف نصفا بل لكون المجموع مصداق من أتلف، فضمان الكل عليه،
لا على كل واحد منهما فينصرف إلى الاشتراك.
أما في نحو المقام فالأصول تقتضي لزوم العقد، فمع فرض تعليق الانفساخ مثلا
على التلف بالآفة، لم يصدق مع كونه جزء سبب، وكذلك مقتضى الخيار لو فرض كونه
كذلك نعم لو اشترك ما يقتضي الانفساخ وما يقتضي الخيار كالآفة والأجنبي، أمكن
ثبوت الخيار في المقام لأنه مقتضى كونه مضمونا على البايع مع احتمال عدمه، كما أن
الظاهر ثبوت الخيار مع شركة البايع والأجنبي كذلك أيضا، ولو اشترك البايع والآفة،
وقلنا إن إتلاف البايع مثلها في الانفساخ، فالمتجه حصولها معهما إلا أن يفرض كون
العنوان في كل منهما على جهة الاستقلال على وجهه لا يندرج فيه حال الاشتراك، وحينئذ
يتجه الخيار بناء على أن مقتضيه تعذر التسليم والفرض حصوله، فقد ظهر من ذلك أنه
حيث يدخل المشتري يرتفع الانفساخ والخيار، ويكون جزئيته في الاتلاف بمنزلة
القبض، ويرجع على من شاركه على حسب شركته في السببية فتأمل جيدا، فإن المسألة
محتاجة مع ذلك إلى التحرير، بل فيه احتمالات آخر هذا.
والظاهر جريان حكم التلف قبل القبض وبعده بالنسبة إلى ثمرة السنة الثانية لو
كانت بعض المعقود عليه ولا يقوم القبض في السنة الأولى عنه فيها، كما أنه لا ينافي ذلك
90

استقرار الثمن على المشتري لو لم تظهر ثمرة أصلا، كما يشهد لهم قوله عليه السلام (1)
(إن لم تخرج في هذه السنة تخرج في قابل) لأن ذلك مقتضى العقد على المعدوم الذي
صيره الشارع بحكم الموجود في صحة البيع، بل هو غير مندرج في المبيع التالف
قبل القبض، لعدم وجوده، بخلاف ما لو ظهرت فتلفت قبل التخلية مثلا، إذ لا ريب في
الاندراج، كما أن جميع ما تقدم بالنسبة إلى الثمرة الأولى مما يقتضي الخيار أو
الانفساخ جار فيها.
وبذلك ظهر لك الفرق بين ظهور عدم الثمرة وبين تلفها قبل القبض، فلا ضمان
على البايع في الأول، بخلاف الثاني وتحقيقه أن المبيع في الأول الثمرة الحاصلة منضما
إليها الثمرة المتجددة في السنين - نحو انضمام المعدوم إلى الموجود في الوقف على
معنى مشاركته للموجود إن حصل، وإلا فلا بطلان للوقف، - وقلنا إن تجددت ثمرة
كانت مبيعا، وإلا كان المبيع الموجودة، ومرجعه بيع ثمرة هذا النخل سنين كائنة ما كانت،
لا أن المبيع ثمرة كل سنة على وجه يكون ملاحظة مستقلة، وإنما هو ما عرفت وإن لم يعلم
مصداقه، فيحتمل كونه الموجود خاصة، ويحتمل حصول غيره معه، نحو ثمرة الشجرة
الواحدة، إذا ظهر بعض ثمرها ولم يظهر الباقي، وأريد بيع ثمرها أجمع، وبما كان في
قوله عليه السلام إن لم تخرج هذه، إلى آخره إيماء إليه، وإن كان مورده التعدد من السنين قبل
الظهور، ولكن يفيد أن المبيع ثمرة كلية لا يعلم مصداقه ولا زمان وجودها، فهو ينفع فيما
نحن فيه وشبهه من الصور الصحيحة.
بل لعل ضم البقلة والرطبة في موثق سماعة السابق (2) من هذا القبيل بناء على ما
ذكرناه من إرادة خصوص البقلة والرطبة في البستان، فيكون المبيع أحدهما مع ثمرة
البستان المحتمل حصولها، فإن خرجت كانت من المبيع، وإلا كان المبيع البقلة أو الرطبة،
وحينئذ تكون من مسألة جواز بيع ثمرة البستان التي ظهر بعضها ولم يظهر الآخر، من غير

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
91

فرق بين اتحاد النوع واختلافه، وبين الخضرة والغلة وغيرهما كما سمعته.
وبالجملة إذا كان المبيع كليا تتعدد مصاديقه في الخارج، والمفروض مشروعيته
في بيع الثمار، يتجه عدم ضمان البايع لو لم يحصل المصداق الآخر، ضرورة وجود
مصداق آخر له وهو الموجود، نعم لو فرض كون المبيع ثمرة كل سنة على وجه يكون
كل منهما مبيعا مستقلا، وقلنا بصحته في الثمار، ولو لاطلاق الأدلة، يتجه حينئذ ضمانه
على وجه يقتضي توزيع الثمن، ضرورة عدم حصول بعض المبيع المفروض إرادة
مقابلته بالثمن.
ولعل من ذلك البيع خرطتين مثلا مع فرض عدم حصول الخرطة الثانية، ولذا
صرح بعضهم بتوزيع الثمن فيه، لأن الخرطة الأولى لا تكون مصداقا للخرطتين اللتين
هما متعلق البيع، بخلاف نحو بيع ثمرة النخل إلى سنتين مثلا، فالمتجه حينئذ التفصيل ومع
الاطلاق لا يبعد تنزيله على الأول، ولا يقدح زيادة الثمن في مقابله، فإنه أعم من ملاحظة كونه مبيعا
مستقلا بل كملاحظة الأوصاف وحمل الدابة المحتمل إذا بيعت على ما هي عليه، بل هنا أقوى،
للعادة، وربما يؤيده السيرة المستمرة على عدم رجوع المشتري بما يخص بعض النخل الذي
لم يظهر حمله في بعض السنين، اللهم إلا أن يكون وجهه التسامح فتأمل جيدا فإن المسألة
غير محررة في كلامهم، وإن كان يلوح منهم الأول، والله العالم. ثم إن الضمان هنا حيث
يتحقق على البايع أو الأجنبي فهو بالمثل، حيث يكون مثليا، كما لو كان تمرا ونحوه،
أما لو كان من قبيل الطلع ونحوه فضمانه بالقيمة، فيقوم حينئذ على حاله، باقيا إلى أوان
بلوغه محتملا للعوارض، ويدفع له قيمته فتأمل جيدا والله أعلم.
المسألة (الثالثة) لا خلاف ولا إشكال في أنه (يجوز بيع الثمرة) للنخل و
غيره (في أصولها بالأثمان أو العروض) أو بهما معا، أو بغيرهما من المنافع والأعمال
ونحوها، كغيرها من أفراد المبيع، للأصل (و) إطلاق الأدلة نعم (لا يجوز بيع
ثمرة النخل) منها بماءة كر مثلا (من ثمر منها) إجماعا بقسميه، بل المحكي منها
مستفيض أو متواتر، لعدم جواز اتحاد الثمن والمثمن، (و) لأن هذه المعاملة (هي)
92

المتيقن من تحريم (المزابنة) التي علم بالنص (1) (و) الاجماع حرمتها، بل
(قيل) إنها (هي بيع الثمرة في النخل بتمر ولو كان موضوعا على الأرض، وهو
الأظهر) فيكون المجموع محرما كما هو أشهر القولين، بل هو المشهور بين المتقدمين
والمتأخرين نقلا وتحصيلا، بل عن ظاهر الغنية كالروضة الاجماع عليه، لصحيح
عبد الرحمان بن أبي عبد الله (2) عن الصادق عليه السلام (نهى رسول صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة
والمزابنة قلت: وما هو؟ قال: أن يشتري حمل النخل بالتمر والزرع بالحنطة) والظاهر
إرادة اللف والنشر المشوش، لكن في موثقة الآخر عنه (3) أيضا نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
عن المحاقلة والمزابنة فقال: المحاقلة بيع النخل بالتمر، والمزابنة بيع السنبل
بالحنطة) ومال إليه الكاشاني و المحدث البحراني إلا أن الأولى حمله على ضرب
من المجاز، كالمحكي عن سلار المحاقلة محرمة. وهي أن يبيع التمر في رؤس النخل
بالتمر، والزرع بالحنطة كيلا وجزافا، وكأنه أوهمه ما في المقنعة (لا يجوز بيع التمر
في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا، ولا يجوز بيع الزرع بالحنطة أيضا كيلا ولا جزافا،
وهذه هي المحاقلة.
إلا أن الظاهر إرادة الأخير من الإشارة، أو يحمل على وهم الراوي، لمخالفته
المنصوص عليه عند الأصحاب وأهل اللغة، ولما في خبر أبي القاسم ابن السلام (4)
المروي عن معاني الأخبار مسندا عن النبي صلى الله عليه وآله (أنه نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة،
والمحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر، والمزابنة بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر)
والأمر سهل بعد حرمتها معا وإنما تظهر الثمرة في العهد واليمين ونحوهما.
وعلى كل حال فهما دالان على حرمة البيع بالتمر مطلقا، مؤيدا ذلك بظاهر خبر
ابن سلام المتقدم حيث خص الرخصة في بيع الثمرة بالتمر بالعرية، وبخبر السكوني (5)

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار الحديث 2 - 5
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار الحديث 2 - 5
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
93

عن الصادق عليه السلام (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في العرايا أن تشتري بخرصها تمرا، قال:
والعرايا جمع عرية وهي النخلة يكون للرجل في دار رجل آخر، فيجوز أن يبيعها
بخرصها تمرا، ولا يجوز ذلك في غيره) بناء على ما قيل: من أن دلالته ظاهرة إن جوزنا بيع
ثمرة العرية بتمر من نفسها، وإلا فهي صريحة لاختصاص الرخصة حينئذ ببيعها بتمر
من غيرها، ومقتضاه رجوع الإشارة في لفظ ذلك إليه، وهو صريح في المنع
كما لا يخفى.
بل قيل أن به يضعف احتمال العهدية في اللام في الخبرين السابقين، ورجوعها
إلى ثمرة نفس النخلة المذكورة سابقا، فإن أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن
بعض، مع بعده في الخبرين الأولين، إذ لم يتقدم لتمرها ذكر فيهما سابقا، والحمل في
أحدهما والنخل في آخر أعم من الثمر فكيف يمكن جعل اللام للعهد، ولا إشارة إليهما
كل ذلك مضافا إلى اقتضاء اختصاص المزابنة بالأول عدم الخصوصية لها هنا، فإن عدم
جواز البيع ببعضه معلوم فيها وفي غيرها، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين جعل الثمن
حصة مقدرة بالمقدار المعلوم منها، وبين جعله كليا مشروطا كونه منها، ضرورة رجوعه
إلى الأول بل لو جعل مشروطا تأديته منها، كان كذلك أيضا، وإن كان في اقتضاء القواعد
بطلانه نظر، إلا أنه يكفي في عدم جوازه هنا إطلاق معاقد الاجماعات، ومضافا إلى
التعليل بعدم الأمن من الربا، وإن كان فيه منع واضح هنا، باعتبار عدم كون الثمرة على
النخل مقدرة بالكيل والوزن، وستسمع التصريح في الخبر هنا بعدم الربا فيه، وقد
عرفت اشتراطه في ذلك، وأنه لا يجدي صيرورته بعد ذلك مقدرا، كما لا يجدي موزونية
جنسه، إذا لم يكن على الأصول.
اللهم إلا أن يستند في ذلك إلى موثق سماعة (1) الأمر بشراء الزرع فيه بالورق
معللا بأن أصله طعام، مؤيدا بما يظهر منهم في العرية من جريان حكم الربا فيها في الجملة
إلا أن الاعتماد على ذلك ونحوه في الخروج عما يقتضي الجواز واضح المنع، كوضوح

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 و 4
94

منع تعدية علة النقصان عند الجفاف، ضرورة ظهور دليلها في الربا بين المقدرين بهما،
مع أنها غير عامة لساير أفراد المقام التي منها البيع لليابس باليابس، و
الرطب بالرطب.
فالأولى الاقتصار في الاستدلال للعدم بما عرفت،، خلافا للشيخ في النهاية قال:
(لا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر كيلا ولا جزافا، وهي المزابنة التي نهى النبي
صلى الله عليه وآله وسلم عنها (1) وكذلك لا يجوز بيع الزرع بالحنطة من تلك الأرض، لا كيلا ولا
جزافا، وهذه المحاقلة فإن باعه بحنطة من غير تلك الأرض لم يكن به بأس، وكذلك إن
باع التمر بالتمر من غير ذلك النخل لم يكن أيضا به بأس) قيل: والخلاف لكن المحكي
عنه في المختلف (لا يجوز المحاقلة وهو بيع السنبل التي انعقد فيها الحب، واشتد بحب
من جنسه، أو من ذلك السنبل، وروى أصحابنا أنه إن باع بحب من جنسه من غير ذلك السنبل
فإنه يجوز وقال الشافعي: لا يجوز بيعها بحب من جنسها على كل حال، وإليه ذهب قوم من
أصابنا والمزابنة بيع التمرة على رؤوس النخل بتمر موضوع على الأرض ومن أصحابنا
من قال: المحرم أن يبيع على رؤوس النخل بتمر منه، فأما بتمر آخر فلا بأس، وهو كما ترى
ظاهر مع المشهور.
نعم حكى فيه عن المبسوط، أنه قال: (بيع المحاقلة والمزابنة حرام بالاجماع،
وأن اختلفوا في تأويله، فعندنا أن المحاقلة بيع السنابل التي انعقد فيها الحب واشتد،
بحب من ذلك السنبل، ويجوز بيعه بحب من جنسه على ما روي في بعض الأخبار، والأحوط
أن لا يجوز بيعه بحب من جنسه على كل حال، لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا، والمزابنة
هي بيع التمر على رؤوس الشجر بتمر منه، فأما بتمر موضوع على الأرض فلا بأس به، و
الأحوط أن لا يجوز ذلك لمثل ما قلناه في السنابل سواء) وظاهره الجواز بناء على عدم
وجوب هذا الاحتياط عنده، وهو المنقول عن كامل بن البراج، وإن وافق المشهور في
مهذبه، وعن أبي الصلاح في ظاهر المحكي عنه في المختلف، وربما حكي عن قطب

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 2
95

الدين، وهو ظاهر تذكرة الفاضل أو صريحها للأصل والعمومات.
وصحيح الحلبي (1) (قال أبو عبد الله عليه السلام: في رجل قال للآخر بعني ثمرتك في
نخلك هذه التي فيها، بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر، يسمى ما شاء فباعه؟ قال: لا بأس
به، وقال: البسر والتمر من نخلة واحدة لا بأس به فإما أن يخلط التمر العتيق والبسر
فلا يصلح، والزبيب والعنب مثل ذلك).
وموثق الكناني (2) (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رجلا كان له على رجل
خمسة عشر وسقا من تمر، وكان له نخل فقال له: خذ ما في نخلي بتمرك فأبى أن يقبل فأتى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لفلان علي خمسة عشر وسقا من تمر فكلمه
يأخذ ما في نخلي بتمره، فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك، فقال:
يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يفي وأبى أن يفعل: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصاحب النخل: جذذ
نخلك فجذه وكاله خمسة عشر وسقا، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط ولا أعلم إلا
أني قد سمعته منه، قال إن أبا عبد الله عليه السلام قال: إن ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال: هذا ربا، قلت أشهد بالله، إنه لمن الكاذبين، قال: صدقت).
وخبر يعقوب ابن شعيب (3) عن الصادق عليه السلام (سألته عن الرجلين يكون بينهما
النخل، فيقول أحدهما لصاحبه اختر إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى و
تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص، وإما أن آخذه أنا بذلك، وأرده عليك قال: لا بأس بذلك)
وخبره الآخر (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يكون له على الآخر ماءة كر من تمر،
وله نخل فيأتيه فيقول: اعطني نخلك هذا بما عليك فكأنه كرهه) وفيه أن الأصل والعموم
مقطوعات بما عرفت، وصحيح الحلبي - بعد رجحان ما مر عليه بالشهرة وغيرها - يمكن
حمله على العرية، على أن إطلاقه مخالف للمجمع على خلافه من البيع بمقدار منها،

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 3 باختلاف يسير
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 3 باختلاف يسير
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث 2
96

بل قوله فيه البسر والتمر إلى آخره مما لا يظهر له وجه معتد به، بل رواه المحدث الحر
في الوسائل (1) في باب جواز بيع المتخلفين متفاضلا من الربا (قفيزين من بر) وموثق
الكناني (2) لا دلالة فيه على البيع، بل هو إما وفاء، أو أن المراد منه إرضاؤه بذلك، ثم
تفعل الصورة التي يسلم معها من المزابنة بالصلح، أو بالهبة والابراء، ونحو ذلك
يجري في الخبرين الأخيرين بعده، مضافا إلى عدم الجابر للمحتاج إليه منهما، فلا ريب
في أن ما تقدم حينئذ أقوى، لكن ظاهر الأدلة اختصاص المنع لو كان الثمن التمر
خاصة، فلو مزج معه غيره خرج عن إطلاق النص، وإن لم نقل أن المانع الربا كما
يخرج لو مزج مع المبيع ذلك، بل الظاهر خروجه أيضا لو بيع حمل النخل بغير التمر
من الطلع ونحوه، لاعتبار التمر في ثمن المزابنة، أما لو باع الطلع ونحوه بالتمر كان
مزابنة لأن الموجود في الخبرين السابقين الحمل وما في النخل.
نعم لا فرق على الظاهر بين كون التمر ثمنا أو مثمنا مع احتماله، اقتصارا فيما
خالف الأصل على المتيقن، بل قد يحتمل اعتبار التمرية فيما كان على رؤوس النخل أيضا،
جمعا بين الخبرين، (و) خبر ابن سلام الذي يمكن دعوى التنافي بينها من جهة
التفسير ثم إنه (هل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه) كما صرح به
جماعة، بل هو ظاهر آخرين، لاختصاص المزابنة كما عرفت بالنخل، فيبقى غيره على
القواعد (قيل) والقائل المشهور كما في الروضة وإن كنا لم نتحققه (لا، لأنه لا يؤمن
الربا) وقد عرفت ما فيه كما عرفت ما في الاستناد إلى علة النقصان بعد الجفاف، فلا
معارض حينئذ لمقتضي الجواز من الاطلاقات وغيرها.
نعم المنع متجه، فيما لو كان بمقدار منها، بناء على ما عرفت من اقتضاء القواعد
العدم فيه، إلا في صورة اشتراط التأدية منها على إشكال فيها أيضا، ومن الغريب

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث 8
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث 3
97

ما في الرياض (من أن الأصل يقتضي الجواز مطلقا ولو بالمجانس منها أو من غيرها،
ناسبا له إلى تصريح جماعة، ولم أجده لغير الفاضل في التذكرة ممن يعتد بقوله: نعم ربما
يتوهم ذلك من بعض العبارات خصوصا المتضمنة منها لعدم الحاقها بالمزابنة، الظاهرة
في عدم جريان حكمها بالتفسيرين السابقين، ولا ريب في أنه وهم واضح ضرورة اقتضاء
عدم الحاق البقاء على القواعد التي لا ريب في اقتضائها البطلان، إذا كان الثمن منها
للاتحاد، وستعرف أن المشهور المنع من ذلك في العرية، المستثناة بالخصوص من حكم
المزابنة فضلا عما نحن فيه، والله أعلم.
(وكذا لا يجوز بيع السنبل بحب منه إجماعا) بقسميه بل المحكي منه مستفيض
أو متواتر، ولاتحاد الثمن والمثمن فيه نحو ما تقدم في المزابنة (و) هذه المعاملة
(هي) المتقين من (المحاقلة) المعلوم حرمتها نصا وإجماعا، إذا كان الحب
الذي هو الثمن حنطة لسنبلها كما ستعرف، وإن كان التحريم هنا للتعليل الأخير عاما
لساير أفراد السنبل (وقيل:) والقائل المشهور نقلا وتحصيلا (بل) عن ظاهر الغنية
الاجماع عليه أيضا (هي بيع السنبل بحب من جنسه كيف كان، ولو كان موضوعا
على الأرض وهو الأظهر).
للنصوص المتقدمة (1) سابقا المعتضدة هنا لخصوص الموثق (2) (الآمر بشراء
الزرع بالورق المعلل بأن أصله طعام الظاهر في المنع عن بيعه بالطعام، خلافا لمن
تقدم في المزابنة فخصها بالأول، وجوز الثاني للعمومات وصحيح الحلبي (3) عن
الصادق عليه السلام (في حديث لا بأس أن تشتري زرعا قد سنبل وبلغ بحنطة) وصحيح
إسماعيل بن الفضل الهاشمي (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع حصائد الحنطة

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث 43 - 1
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث 43 - 1
(4) الكافي ج 5 ص 277 باب بيع المراعي في ذيل حديث 4 الطبع الحديث
98

والشعير وساير الحصايد؟ قال حلال فليبعه بما شاء) وحسن الوشا (1) (سألت أبا الحسن عليه السلام
عن رجل اشترى من رجل جربانا معلومة، بمأة كر على أن يعطيه من الأرض؟ قال: حرام
فقلت: جعلت فداك فإني أشتري منه الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها، قال: لا
بأس بذلك).
وفيه أن العموم مخصوص بما عرفت، وصحيح الحلبي قاصر عن معارضة الأدلة
السابقة المعتضدة بالشهرة وغيرها، مع أن إطلاقه شامل للمجمع على خلافه من البيع
بحنطة منه، فلا بأس بحمله على الصلح ونحوه، بل في الرياض احتمال اختصاصه
بصورة عدم التجانس بينها وبين السنبل، كما إذا كان أرزا أريد بيعه بها، ولا كلام في
الجواز حينئذ، وصحيح إسماعيل - مع أنه ظاهر في الحصائد وليس الكلام فيها، بل فيما
لم يحصد وشامل لما لا نقول به، من البيع بحب منها - ليس فيه إلا العموم المخصوص
بالأدلة السابقة، بل عن التهذيب أنه رواه إن شاء بدل بما شاء، فلا عموم فيه حينئذ
وحسن الوشا إنما هو في بيع نفس الأرض بحاصلها وغيره، أو في إجارتها بذلك، لا
في بيع السنبل فيها، وتأويله إليه باضمار أو تجويز لا داعي إليه على أن أقصاه الاحتمال
الذي لا يتم به الاستدلال، فظهر حينئذ من ذلك كله أن الأقوى التحريم، بل الظاهر أنه
من المحاقلة، إنما الكلام في تنقيح المراد بها، وفي الرياض (إن الموجود في أكثر
النصوص والفتاوى السنبل) بل في المبسوط المسالك الاتفاق عليه، وفي مفتاح الكرامة
(إن في أكثر العبارات السنبل).
قلت الموجود في المسالك (إنه اختلف عبارات النصوص والفقهاء في اسم
المبيع فيها، فبعضهم عبر عنه بالزرع، ومنه الرواية السابقة، ومنهم من عبر بالسنبل
كعبارة المصنف، ويظهر من كلامهم الاتفاق على أن المراد به السنبل، وإن عبروا
بالأعم) وقد سمعت عبارة المبسوط، بل قد سمعت غيرها أيضا وفي الغنية والوسيلة و
النافع وغيرها السنبل، كما أن في القواعد وغيرها الزرع إلا أن الذي يقتضيه النظر

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث 2
99

في الجمع بين النصوص السابقة إرادة السنبل من الزرع، حملا للمطلق على المقيد
الوارد في التفسير الذي بذلك ينافيه، مؤيدا بأصالة الجواز في غيره.
قال في التذكرة (لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس، لأنه حشيش
وهو غير مطعوم ولا مكيل، سواء تساويا جنسا أو اختلفا، مع أنه لا مخالف صريح،
إذ يحتمل إرادة من عبر بالزرع السنبل أيضا، فاحتماله حينئذ للموثق السابق الأمر
بشرائه بالورق في غير محله، بل لا بد من حمل الموثق على إرادة السنبل أو غير ذلك
هذا، ولكن أطلق أكثرها السنبل والزرع في المبيع، كما أنه قيد فيه الثمن بالحنطة و
فهم في التذكرة إرادة سنبل الحنطة بالحنطة، فقال في أكثر تفاسير المحاقلة أنها
بيع الحنطة في السنبل بحنطة ثم احتمل فيها دخول الشعير في جنس الحنطة بل احتمل
فيها صدق المحاقلة على كل زرع بيع بحب من جنسه كالدخن ونحوه، لما في بعض
ألفاظ علمائنا من تفسيرها ببيع الزرع بالحب من جنسه) قلت قد عرفت سابقا من فسرها
بذلك، بل هو فسرها في القواعد ببيع الزرع بالحب، وفي اللمعة بيع السنبل بحب
منه أو من غيره من جنسه، لكن في الدروس هي بيع السنبل من الحنطة والشعير بالحب
من جنسه وإن لم يكن منه.
والذي يظهر لي من تتبع النصوص في المقام وغيره أن إطلاق الزرع والسنبل
فيها منصرف إلى الشعير والحنطة، ولعله لأنه المتعارف في ذلك الزمان والمكان،
فالخبران المشتملان على تفسيرها ببيع الزرع أو السنبل بالحنطة لا ريب في شمول
لفظ الزرع والسنبل فيهما لهما، فيستفاد منهما حينئذ أن بيع سنبل الشعير بالحنطة محاقلة،
وما ذاك إلا لاتحاد الجنس هنا كما في الربا، بل يستفاد منه حينئذ أيضا بيع سنبل الحنطة
بالشعير بل والشعير بالشعير فتتم دلالة الخبرين على الصور الأربعة، كما أنه بناء على
عدم الفرق هنا بين جعل الحنطة ثمنا أو مثمنا نحو ما قلناه في المزابنة فتكون صور المنع
ثمانية فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع وقد تلخص من ذلك أن الاحتمالات في المحاقلة
100

ثلاثة أحدها بيع الزرع بحب من جنسه، الثاني بيع السنبل بحب من جنسه، الثالث
بيع سنبل الحنطة والشعير بحب منهما، والأول لا دليل له إلا الموثق المنزل على ما
عرفت ولو بملاحظة الخبرين الأخيرين المنافيين له من حيث التفسير، بناء على أن الحرمة
فيه من جهة المحاقلة لا تعبدا، للاجماع على كون المنع هنا لذلك، والتعليل فيه إن
أمكن إرادة الإشارة به إليها فذاك، وإلا فلا وجه له ظاهرا ضرورة انتفاء الربا هنا بعد انتفاء
شرطية الكيل والوزن، وأما الثاني فلا دليل له إلا الموثق أيضا المنزل على الخبرين
لما عرفت، فتعين حينئذ المختار. وفي التحرير (بيع المحاقلة حرام وهي بيع الزرع
بحنطة أو شعير) وهو عين ما قلناه، بل لعله يرجع إليه غيره وعن ابن المتوج التصريح
به أما غير الحنطة والشعير فلا محاقلة فيه حينئذ كما لا تحريم سواء بيع بالجنس أو بغيره
وبالرطب وغيره، لما عرفت من عدم جريان الربا فيه، ولا تعليل النقصان بعد الجفاف
كما مضى البحث فيه سابقا.
المسألة (الرابعة) لا خلاف بيننا بل وبين ساير المسلمين عدا أبي حنيفة في أنه
(يجوز بيع العرايا بخرصها تمرا) بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه في
أعلى مراتب الاستفاضة إن لم يكن متواترا، بل في المسالك (إنه أجمع أهل العلم عدا
أبي حنيفة على أنه مستثنى من تحريم المزابنة) وهو شاهد علي أن المزابنة ما ذكرنا لما
ستعرف من عدم جواز بيع العرية بخرصها تمرا منها، لأنه إن لم تكن المزابنة ذلك لم يكن
للاستثناء وجه معتبر ضرورة اتحاد الجميع في المنع إذا كان منها، والجواز إذا لم يكن.
فمن الغريب ما في الحدائق من أنه لا وجه لهذا الاستثناء إلا اشتهار المنع، وإلا فالحكم
في الجميع متحد، وفيه مضافا إلى ما سمعت ظهور نصوص العرية في الاستثناء. ففي خبر
السكوني (1) عن الصادق عليه السلام (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله في العرايا أن تشتري بخرصها
تمرا، قال: والعرايا جمع عرية وهي النخلة تكون للرجل في دار آخر فيجوز له بيعها
بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك في غيره) وفي خبر أبي القاسم بن سلام (2) المروي عن
كتاب معاني الأخبار باسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنه رخص عليه السلام في العرايا
واحدتها عرية وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا، والاعراء أن يبتاع

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 2
101

تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته، قال وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث الخراص
قال: خففوا الخرص فإن في المال العرية والوصية).
وفي مفتاح الكرامة إن الذي وجدته في الكتاب المزبور ذلك إلى قوله والاعراء
أن يجعل له ثمرة عامها، يقول رخص لرب النخل أن يبتاع تلك النخلة من المعرا بتمر
لموضع حاجتة وعلى كل حال فهما دالان على ما ذكرنا، ومن أولهما سواء قلنا أن التفسير
من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الراوي يظهر ما ذكره المصنف (و) غيره من أن (العرية هي
النخلة تكون في دار الانسان) بل لا أجد فيه خلافا بينهم إلا من المحكي عن المبسوط
ومهذب ابن البراج من أنها النخلة لرجل في بستان غيره، يشق عليه الدخول إليها، مع
أن المحكي عن خلاف أولهما أنها النخلة تكون في بستان الانسان أو غيره، وكامل
ثانيهما نخلة تكون في دار الانسان لغيره فلا ينبغي التأمل في صدق العرية عليها سيما بعد
كونها معقد إجماع جماعة.
بل صرح الفاضل والشهيد (و) غيرهما بأنه (قال، أهل اللغة، أو بستانه وهو حسن)
خصوصا بعد ما سمعت من خبر ابن سلام، الظاهر في ذلك، فالجمع بين الخبرين يقتضي
الجمع بينهما، كما هو المحكي عن أهل اللغة وفي الغنية (ورخص عليه السلام في بيع
العرايا، وهو جمع عرية وهي النخلة تكون لانسان في بستان غيره أو في داره يشق عليه
دخوله إليها، فيبتاعها منه بخرصها تمرا، بدليل الاجماع من الطائفة على هذا
التفسير، وقد فسر أبو عبيدة العرية بما قلناه، بل عن المهذب البارع تعدية الحكم إلى
المعصرة والخان والبزارة والدباسة، وتبعه في الرياض، قال: (وظاهر إطلاق خبر
ابن سلام مضافا إلى التعليل فيه ينادي بالعموم للبستان وغيره أيضا كالخان ونحوه، و
السند وإن قصر إلا أنه بالشهرة منجبر).
وفيه أنه لا شهرة علي التعميم، بل هي على العكس متحققة، والظاهر أن المذكور
102

منه ليس علة حقيقة، وإلا لدار الحكم معها حيث دارت، فلا يجوز مع عدم الحاجة، و
يجوز معها وإن كانت في داره، ومن المعلوم خلافه، والظاهر إرادة حاجة المعرا بالفتح
باعتبار حاجته إلى التمر لا المعري بالكسر، فإنه لا حاجة تدعوه إلى شرائها بالتمر
ضرورة اندفاع الهجوم على داره وبستانه بشراء ثمرتها ولو بغير التمر، اللهم إلا أن يكون
المراد أنه لمكان حاجته في عدم الهجوم على داره شرع له شراؤها بتمر إذ قد يمتنع
صاحبها من بيعها إلا بذلك، وفي جملة من العبارات ما يظهر منه أن المشقة علي البايع
الدخول إلى ملك غيره.
وعلى كل حال فليست هي علة يدور الحكم مدارها، ومنه يظهر النظر فيما ذكره
أيضا من الاستناد إلى التعليل المزبور في التعدية إلى مستعير الدار ومستأجرها،
المصرح به في كلام الفاضل والشهيدين وغيرهما، قال: (وليس في الرواية الأولى كبعض
العبارات من حيث التقييد فيها بصاحب الدار، منافاة لذلك، لصدق الإضافة بأدنى
ملابسة) لما عرفت من أن ذلك حكمة لا علة والإضافة بأدنى ملابسة من المجاز الذي لا
يحمل عليه اطلاق اللفظ.
وفي التذكرة (ظاهر كلام الأصحاب يقتضي المنع من بيع العرية على غير
مالك الدار والبستان أو مستأجرهما أو مشتري ثمرة البستان على إشكال) ونحوه في
القواعد، وعن الإيضاح أن وجهي الاشكال التضرر بتطريق الغير في ملكه، والعموم،
وفي جامع المقاصد إن ظاهر الشارحين كون الاشكال في مشتري الثمرة، والتحقيق
أن القول في شرح العرية غير منضبط، لأن كلام أهل اللغة فيه مختلف، فينبغي أن يقال:
ما ثبت القول بجوازه عند الأصحاب يجوز فيه، اعتضادا بعمومات صحة البيع، ونظرا
إلى مشاركة العلة، ولصدق إضافة الدار والبستان إلى المالك والمستأجر ومشتري الثمرة
وفي الدروس ذهب إلى الحاق المستعير بالمالك، وللنظر في هذا البحث مجال فإن
الإضافة فيما ذكر إنما هو على وجه المجاز، إلا أن يقال المشقة معتبرة في مفهوم العرية
103

حيث قال الشيخ (العرايا جمع عرية وهي النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه
لدخول إليها فيكون المناط فيها المشقة على الغير في الدخول إلى بستانه إما لمكان أهله
أو لغير ذلك، فحينئذ يجوز البيع لدفع هذه المشقة فعلى هذا حيث تثبت هذه
المشقة في النخلة الواحدة على الغير تثبت الرخصة.
قلت: لم يعد هذا التحقيق إلى حاصل يعول عليه كما أن ما ذكره أخيرا مقطوع
بعدمها في كلمات الأصحاب إذ لم يذكر أحد منهم المشقة في مفهوم العرية ولا في
شرائط صحة البيع لكن قال بعض مشايخنا: ظاهر المبسوط والخلاف والغنية والتذكرة
والمختلف والمهذب البارع والتنقيح أن المشقة معتبرة في مفهومها، وأنها مناط
الحكم إلى أن قال: وبذلك صرح في التحرير والمسالك وغيرهما، وظاهر الغنية بل
صريحها الاجماع عليه، نعم أنكره في كشف الرموز فقال: وشرط الشيخ أن يشق
على البايع الدخول، وشرط التقابض وتابعه المتأخر وصاحب الوسيلة، وليس في،
الرواية ذلك.
قلت: الذي يظهر بعد إمعان النظر في كلمات الأصحاب حتى من حكي عنهم ظاهرا
وصريحا أن مرادهم من ذلك بيان وجه المشروعية، وربما يذكرونه بصورة الدليل
تأييدا للتعدي المدعى، ولو باعتبار حصول الظن منه بذلك، كما في المختلف في ترجيح تعميم
العرية للدار والبستان بنص أهل اللغة، وباشتراك الموضعين في الحاجة الداعية إلى المشروعية
ونحوه غيره، ولذلك اختلف كلماتهم في وجهها فربما قررت بالمشقة على صاحب
الدار والبستان وربما قررت بالمشقة على مالك النخلة، وربما قررت بغيرهما،
والحاصل لا يخفى على من تأمل عدم إرادة العلية المصطلحة من ذلك، وإلا لاختل كثير من
الأحكام المسلمة عندهم فالمرجع حينئذ فيها على المستفاد من اللغة والدليل، ولو بمعونة
شهرة الأصحاب ونحوها، وما شك فيه يبقى على عموم التحريم والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (هل يجوز بيعها بخرصها) تمرا (من تمرها الأظهر)
104

بل الأشهر كما عن إيضاح النافع والأكثر كما في الرياض (لا) بل هو المشهور
المحكي عن ظاهر المبسوط وغيره وصريح الوسيلة والكتاب وما تأخر عنهما، بل لم أجد
مصرحا به ممن يعتد بقوله، نعم احتمله في المختلف لاطلاق الرخصة المنصرف إلى غير
ذلك الذي من الواضح اقتضاء قاعدة تغاير الثمن والمثمن هنا في الملك خلافه، بل في التنقيح
أن الدليل عقلي على مغايرة الثمن للثمن وبه يقيد إطلاق الرخصة، وقوله في صحيح
الحلبي (1). السابق البسر والتمر من نخلة واحدة لا بأس به، (إلى أن قال (: وكذا
العنب والزبيب) قد عرفت عدم القائل به في غير العرية ولذا نسبه في الدروس إلى
الندرة، اللهم إلا أن يكون القول به هنا لازما لتفسير المزابنة ببيع ثمرة النخل بتمر منه،
باعتبار معلومية استثناء العرية من ذلك، فيقتضي جوازه فيها، لكن لم ينقله أحد عنهم،
وليس في عبارة النهاية التي هي أصل الخلاف في ذلك إشارة إليه.
لكن في الدروس والرياض وغيرهما قيل بالجواز، وزاد في الثاني أنه فصل
بعض بين صورتي اشتراط كون التمر منها، فالأول وإلا فالثاني إن صبر عليه حتى يصير
تمرا وإلا فالعقد يجب أن يكون حالا للزوم بيع الكالي بالكالي بدونه جدا وفيه - مع ما سمعت
من عدم معروفية القائل بذلك صريحا - أن التفصيل خارج عما نحن فيه، إذ الظاهر إرادته
ما عن المهذب قال في المحكي عنه: (أنه إذا شرطه أي كون الثمن منها في العقد لم يجز،
وإن أطلق جاز أن يدفع إليه من ثمرتها إن صبر عليه حتى يصير تمرا وإلا فالعقد يجب أن
يكون حالا) وأقصاه جواز الدفع منها إن لم يشترط، وهو مما لا خلاف فيه على
الظاهر، ومراده بوجوب حلول العقد ما تسمعه من اشتراط التعجيل في ثمن العرية وأنه
لا يجوز أن يكون مؤجلا فتعليله بلزوم بيع الكالي بالكالي بدونه مما لا وجه له هنا.
فمن الغريب وقوعها منه زيادة في كلام المهذب وكأنه نظر إلى أنه لو أجل ثمن
العرية والفرض أنها حال البيع غير تمر كان من بيع الكالي بالكالي، وهو
كما ترى، وإلا لاقتضى البطلان في بيع ثمرة النخل قبل صيرورته تمرا بثمن مؤجل

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
105

ولو كان دراهم، وهو واضح الفساد.
(و) على كل حال ف‍ (لا يجوز بيع ما زاد على الواحدة نعم لو كان له في كل
دار واحدة جاز) كما في القواعد قال: (ولا يجوز ما زاد على الواحدة مع اتحاد المكان،
ويجوز مع تعدده، بل قال بعض شراحها: أني لم أجد مخالفا منا في هذين الحكمين،
وبه صرح في المبسوط والسرائر والتذكرة وشرح الارشاد للفخر والمهذب البارع
والتنقيح وجامع المقاصد وتعليق الارشاد والمسالك، وهو قضية كلام الباقين حيث
يقيدون النخلة بكونها واحدة ويطلقون البستان والدار، وهو مقتضى الأصل
والمتبادر من النص.
وفي المسالك (إنه يشترط في بيعها أمور منها الوحدة، فلا يجوز في دار أو بستان
أزيد من واحدة فلو كان لمالك اثنتان لم يجز بيع ثمرتها ولا ثمرة إحديهما، لانتفاء
العرية فيهما، نعم لو تعدد البستان والدار جاز تعددها من الواحد، وجعل ما في المتن
إشارة إلى ذلك، نحو ما في جامع المقاصد، بل في التنقيح لم ينسب الخلاف في ذلك
إلا للشافعي وظاهره عدم الخلاف فيه منا.
وفي التحرير ولا يجوز أن يبيع جميع تمر حائطه عرايا من رجل واحد، ومن رجال
في عقود متكررة، نعم لو كان له عدة نخلات في عدة مواضع جاز بيعها عرايا من رجل
واحد أو رجال في عقود متكررة، إلى غير ذلك من عباراتهم، وتنقيح المقام يتوقف على
أمرين، الأول أن الوحدة في الدار أو البستان مثلا مأخوذة في مفهوم العرية فمتى تعددت
فيه لا عرية في شئ منها ظاهر المسالك أو صريحها ذلك بل ربما كان ظاهر كل من
أخذ الوحدة في تفسيرها، بناء على عدم إرادة وحدة الأفراد التي لم يتعارف التصريح
بها في تفسيره، فمع انتفائها حينئذ ينتفي مفهوم العرية.
لكن فيه أولا أنه ينبغي تقييده مع ذلك باتحاد المالك، أما مع تعدده فالظاهر
صدق العرية على كل منهما كما أنه ينبغي تقييده أيضا بحصول الثمرة فيهما، أما لو فرض

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
106

حصولها في إحديهما دون الأخرى، فالظاهر صدق العرية فيها دونها، ولو فرض كون
النخلتين مثلا مشتركين بين اثنين أمكن صدق العرية عليهما باعتبار أن لكل واحد
منهما نخلة، إلى غير ذلك مما يتصور تفريعه على هذا التقدير، وثانيا أن النص وجملة
من عبارات الأصحاب خلت عن ذكر الوحدة في تفسير العرية، بل اقتصرت على أنها واحدة
عرايا وأنها هي النخلة في دار الغير مثلا، ومقتضاه صدق العرايا على المتعددة وإن
اتحد المكان كما هو مقتضى الجمع، لا أن مصداقه النخلات في الأمكنة المتعددة أو
مع تعدد المالك.
ومن الغريب ما في الدروس من أن العرية نخلة واحدة في دار الغير في رواية
السكوني (1) وقال الجمهور واللغويون أو بستانه، إذ قد عرفت خلو خبر السكوني عن
قيد الوحدة، ويمكن أن يريد بما في خبر السكوني الدار بقرينة ما نقله عن الجمهور،
أو لا يريد الوحدة، الداخلة في المفهوم بل هي وحدة الافراد، بل يمكن أن يريد غيره،
ممن ذكر الوحدة ذلك أيضا وبالجملة دعوى اعتبار الوحدة المزبورة على حسب
ما سمعت في غاية الصعوبة إثباتها من اللغة وكلمات الفقهاء التي منها ما سمعت
ومنها ما في السرائر (ويجوز بيع العرايا وهي جمع عرية بفتح العين وكسر
الراء وتشديد الياء، وهو أن يكون لرجل في بستان غيره نخلة يشق عليه الدخول إليها
أو في داره، إلى أن قال: وإن كان له نخل متفرق في كل بستان نخلة جاز أن يبيع كل ذلك
واحدة واحدة بخرصها تمرا بيع العرايا، إلى أن قال: وقد قيل في تفسير العرايا أقوال
كثيرة، فقال قوم: (العرايا النخلات يستثنيها الرجل من حائطه إذا باع ثمرته ولا يدخلها
في البيع، ولكنه يبقيها لنفسه، فتلك الثنيا لا تخرص عليه، لأنه قد عفي لهم عما يأكلون،
وسميت عرايا، لأنها أعريت من أن تباع أو تخرص في الصدقة، فرخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
107

لأهل الحاجة والمسكنة الذين لا ورق لهم ولا ذهب وهم يقدرون على التمر أن يبتاعوا
بتمرهم من أثمار هذه العرايا بخرصها، فعل ذلك بهم رفقا بأهل الحاجة الذين لا يقدرون
على الرطبة، ولم يرخص لهم أن يبتاعوا منه ما يكون للتجارة والذخائر).
وقال آخرون: (هي النخلة يهب الرجل تمرتها للمحتاج ويعريها إياه، فيأتي
المعرا وهو الموهوب له إلى نخلته تلك ليجتنيها فيشق ذلك على المعري الذي هو الواهب
لمكان أهله في النخل، فرخص للواهب خاصة أن يشتري ثمرة تلك النخلة من الموهوب
له بخرصها).
وقال آخرون: (شكى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم محتاجون إلى الرطب
يأتي ولا يكون بأيديهم ما يبتاعون به، فيأكلونه مع الناس وعندهم التمر، فرخص صلى الله عليه وآله
لهم أن يبتاعوا لهم العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم).
وقال آخرون: الاعراء أن يهب له ثمرة نخلة أو نخلتين أو نخلات، ومنه الحديث
أنه رخص صلى الله عليه وآله وسلم في بيع العرايا بخرصها تمرا، وذلك أن يمنح الرجل النخلة فيبيع
تمرها بالتمر، وهذا لا يجوز في غير العرايا وإنما سميت عرية لأن من جعلت له يعريها من
حملها، وأنشد الفراء:
ليست بسنهاء ولا رجبية * ولكن عرايا في السنين الجوائح
معنى سنهاء أي مرت عليها السنون المجدبة، وقوله رجبية نخلة مرجبة وهي التي يبنى
حولها البناء لئلا تسقط وهو كالتكريم لها).
وقال الهروي صاحب الغريبين: العرايا: هي أن من لا نخل له من ذوي اللحمة
والحاجة، ويفضل له من قوته التمر ويدرك الرطب ولا نقد بيده يشتري الرطب لعياله
ولا يحتل له، فيجئ إلى صاحب النخل فيقول: بعني ثمرة نخلة أو نخلتين بخرصها
من التمر، فيعطيه ذلك الفضل من التمر بتمر تلك النخلات ليصيب من أرطابها مع
الناس، فرخص النبي صلى الله عليه وآله من جملة ما حرم من المزابنة) ثم قال هذا ما وقفت عليه في
التفسير العرايا، وأشده تحقيقا قول الهروي).
108

قلت قد حكى جملة مما ذكر ابن فارس في المجمل فقال: النخلة العرية وهي
التي إذا عرض النخل على بيع ثمرة عريت منه نخلة: أي عزلت عن المساومة، والجمع
العرايا، وقال قوم: العرية النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا، فيجعل له ثمرة عامها
رخص لرب النخل أن يبتاع تمر تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته، هذا تفسير
الذي جاء في الحديث من الرخصة فيه، وقال آخرون: العرية النخلة تكون لرجل وسط نخل
كثير لرجل آخر فيتأذى صاحب النخل الكثير بدخول صاحب النخلة الواحدة فرخص له أن
يشتري ثمرة نخلته بتمر وأبو عبيدة يختار الأول لقول الشاعر، وأنشد البيت السابق) واقتصر
ابن الأثير في نهايته بعد أن ذكر أنه اختلف في تفسير العرية على ما ذكره الهروي الذي ظهر
من ابن إدريس اختياره، وهو الذي حكاه عنه في الدروس، فإنه بعد أن ذكر جواز بيع
العرية، وأنها النخلة في دار الغير أو بستانه: قال: (ولو أعرى محتاجا نخلة: أي جعل
لها تمرها عامها، ثم اشترى المعرا تمرها منه بتمر جاز على الأقرب، ولو فضل مع الفقير
تمر فاشترى به تمرة نخلة ليأكله رطبا فالأقرب جوازه، ولو اشترى أزيد من نخلة،
فالأجود المنع، ويظهر من ابن إدريس جوازه) ولعله إليه أشار في التحرير بقوله أيضا لا
يشترط في بيع العرية أن تكون موهوبة لبايعها، وتمنع اشتقاقها من الاعراء، وهو أن
يجعل الرجل لغيره ثمرة نخلته عامها ذلك، بل سميت عرية لتعريها من غيرها، وإفرادها
بالبيع، وتبعه الشهيد في حواشيه في أن وجه التسمية ذلك، لكن قد سمعت خبر ابن -
سلام (1) الذي أفتى الشهيد في الدروس به، بل قد سمعت ما ذكره أخيرا الذي لم نعثر
على نص من طرقنا به.
نعم روى العامة ذلك بعدة طرق، منها (2) (أن محمود بن لبيد قال: قلت لزيد بن ثابت
ما عراياكم هذه فسمى رجالا محتاجين من الأنصار، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن
الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس، وعندهم فضول من

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الثمار الحديث 2
(2) المغني للشربيني ج 2 ص 94
109

قوتهم من التمر فرخص أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر في أيديهم يأكلونه رطبا)
لكن القول به لا يخلو من قوة، جمعا بين ما قيل في تفسير العرية.
وعلى كل حال فدعوى اعتبار الوحدة في المكان في مفهوم العرية مما يظهر انطباق
كثير من الكلمات عليه، كدعوى اشتراط صحة البيع به وأن لم يكن ذلك في مفهومها،
وهو الأمر الثاني اقتصارا في الرخصة على المتيقن، ولأن قوله عليه السلام في خبر السكوني
(فيجوز بيعها) (1) إلى آخره ظاهر في أن المرخص به ذلك، إذ يدفعها إطلاق رخصته عليه السلام
في العرايا، وذيل خبر السكوني لو سلم ظهوره في ذلك إنما يفيد جواز بيع الواحدة من
العرايا لو تعددت، لا أن التعدد مانع من أصل البيع، وربما كان المراد من عبارة المتن
والقواعد السابقة ذلك، إن لم نقل أنه الظاهر منها.
وأظهر منها ما في التذكرة (لا يجوز بيع أكثر من النخلة الواحدة عرية، لعموم
المنع من المزابنة خرج عنه العرية في النخلة الواحدة، وبه قال أحمد للحاجة، فيبقى
الباقي على المنع، سواء اتحد العقد أو تعدد، أما لو تعدد المشتري فالوجه الجواز،
ثم قال: فروع لو باع في صفقة واحدة من رجلين، كل واحد منهما نخلة معينة جاز، وكذا
لو باعها نخلتين مشاعا بينهما، ولو باع رجلان من واحد صفقة واحدة نخلتين عرية جاز
وهو أحد وجهي الشافعية، لأن تعدد الصفقتين بتعدد البايع أظهر من تعددها بتعدد
المشتري، ولو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة، احتمل جواز أربع نخلات، و
تنزيل ذلك كله منه على المتحدة، ولو في المكان المتعدد) - كما ترى خصوصا أول
المسألة بل مقتضاه حينئذ عدم جواز بيع العرايا في الأمكنة المتعددة بعقد واحد، وهو
مع أنه لم يعرف خلافه فيه لم تساعد عليه الأدلة.
ودعوى ظهور ذيل خبر السكوني فيه ممنوعة، فالظاهر إرادته ما ذكرناه أولا ولا
ينافيه قوله سابقا: العرايا جمع عرية، والعرية النخلة في دار الانسان أو بستانه، فيبتاع
ثمرتها رطبا بخرضها تمرا كيلا، فلا يجوز العرايا في أكثر من نخلة واحدة في عقد واحد

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
110

إلى أن قال: فإذا تقرر هذا فإن العرية عندنا إنما تكون في النخلة الواحدة تكون في
دار الانسان فلا يجوز فيما زاد على النخلة الواحدة، عملا بالعموم واقتصارا في الرخصة على
موردها، ثم قال: قد بينا أن الضابط في التسويغ إنما هو النخلة الواحدة في الدار الواحدة
والبستان الواحد، ولو كان له عدة دور في كل واحدة نخلة جاز بيعها عرايا، إذ يمكن
حمل الجميع على إرادة بيع نخلة واحدة وإن كان لا يخلو من بعد
نعم يتجه البحث معهم على هذا التقدير بأنه لا دليل على اعتبار الوحدة في البيع
بل ما ذكروه في وجه المشروعية من المشقة ونحوها يقتضي التعميم، كاقتضاء إطلاق
رخصته عليه السلام في بيع العرايا الذي عبر بمضمونه غير واحد، منهم ابنا زهرة وحمزة و
غيرهما، والذيل المنساق لبيان حكم الواحدة ليعرف حكم الجمع لا دلالة فيه على تقييد
ذلك كما هو واضح هذا كله، إلا أن الوقوف على ما سمعته أولا هو الموافق للاحتياط
والله أعلم بحقيقة الحال.
(ولا يشترط في بيعها) أي العرايا (بالتمر التقابض قبل التفرق) خلافا
للوسيلة ومحكي المبسوط، بل في الدروس (أنه طرد الحكم ثانيهما بوجوب التقابض
في المجلس في الربويات تخلصا من الربا، وفيه منع واضح ولذا أطبق المتأخرون على
خلافه في المقام وغيره، عدا الصرف منه فأوجبوه فيه مع اختلاف الجنس، لظهور
الأدلة فيه، لا للتخلص من الربا، ضرورة صدق بيع المثل بالمثل في الربوي وإن لم يتقابضا
في المجلس، وما في بعض النصوص من إيجاب البيع يدا بيد على اتفاق الجنس، يراد
منه منع النسيئة في أحد المتجانسين، للزوم الربا حينئذ معه.
ومن هنا قال المصنف بعد نفي اعتبار التقابض هنا (بل يشترط التعجيل) فيهما
(حتى لا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر) بل لم يعرف فيه خلاف بينهم إلا أنه قد يناقش
في اعتبار حلول الثمن بما سمعته سابقا من أن الثمرة على النخل لا يجري فيها الربا لانتفاء
الموزونية فيها، كما أنه لا ظهور في دليل الرخصة بذلك أيضا. اللهم إلا أن يكون وجهه
الاقتصار على المتيقن، سيما بعد ما سمعت من عدم الخلاف فيه بين الأصحاب، فيشكل
التمسك بالاطلاق المزبور المحتاج إلى جابر في العمل به، لضعف سنده خصوصا
111

بعد معارضة ما دل على حرمة المزابنة لكن ومع ذلك فالانصاف أن اتفاقهم هنا على اشتراط
الحلول يؤيد القول بجريان حكم الربا على الثمرة وإن كانت على الأشجار، اكتفاء
بالوزن التقديري عن الفعلي، كقولهم هنا أيضا بعدم جواز التفاضل حال العقد بين
ثمنها وبين الثمرة المخروصة تمرا، بل حكى الاتفاق عليه بعضهم (و) إن كان (لا
يجب أن يتماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها عملا بظاهر الخبر) المعتضد
بالفتوى، إذ مبنى الخرص على الزيادة والنقيصة، فلا يقدح حينئذ لو ظهر بعد ذلك زيادة
الثمن أو نقيصته.
لكن يمكن أن يكون مستند الأول ظهور قوله عليه السلام (بخرصها تمرا) في وجوب
المطابقة بين الثمن المبذول وبين الثمرة المخروصة، معتضدا بالاقتصار على المتيقن
مما خرج عن حرمة المزابنة، وهو المراد بالمماثلة من طريق الخرص المشترطة في
الوسيلة ومحكي المبسوط وغيره، لا أن مستنده حرمة الربا، فيكون الحاصل حينئذ
إنه يجب خرص الثمرة على النخلة بتقدير حال كونها تمرا فتباع بتمر على حسب ذلك
الخرص، فلو لم يطابق الخرص الواقع بأن كانت حال التمرية المقدرة أزيد أو أنقص
لم يكن ذلك قادحا، لاطلاق الخبر السابق المعتضد بعدم الخلاف فيما أجد إلا ما حكاه
في المسالك عن بعضهم وإن كنت لم أتحققه، من اعتبار المطابقة فلو اختلفا تبين
بطلان البيع.
وهو مع ظهور ضعفه مقتض لعدم جواز التصرف فيها قبل صيرورتها تمرا حتى
يتمكن من اعتبارها، مع أن الأصل وإطلاق الدليل وظاهر الفتاوى، يقتضي عدم وجوب
إبقائها إلى حال التمر، وعدم اعتبارها لو أبقاها، مضافا إلى ما عرفت من عدم تحقق
القائل بذلك، وربما توهم ذلك من عبارة المبسوط والوسيلة التي قد سمعت المراد منها
فيتجه حينئذ دعوى الاتفاق على ما ذكرنا إلا ما عساه يظهر من التذكرة، من وجوب
اعتبار التماثل بين التمر المدفوع ثمنا وبين الثمرة حال كونها رطبا
112

قال: (إذا تبايعا العرية وجب أن ينظر إلى الثمرة على النخلة ويحرز ذلك رطبا فيتبايعاه
بمثله تمرا ولا يشترط التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها، ولا يجوز التفاضل
عند العقد، ولا يكفي مشاهدة الثمن على الأرض ولا الحرز فيه بل لا بد من معرفة مقداره
بالكيل أو الوزن (إلى أن قال) وإن كنا قد منعنا من بيع الرطب بالتمر إلا أن هذا
مستثنى للرخصة) وفيه أولا أن ظاهر دليل الرخصة المعتضد بفتوى الأصحاب ما ذكرنا
من اعتبار خرصها تمرا ثم شراؤها بمقدار ذلك المخروص، بل لا يمكن عند التأمل
تنزيل الخبر على ما ذكره، وثانيا ما عرفت سابقا من أن منع بيع الرطب بالتمر لعلة
النقصان بعد الجفاف إنما هو في المقدر بأحد الأمرين لا في مثل الثمرة
على أصلها.
نعم ما ذكره من وجوب علم مقدار الثمن وعدم الاكتفاء بمشاهدته متجه، بل لا
أجد فيه خلافا في المقام، لظهور قوله عليه السلام (بخرصها تمرا) فيه، بل مقتضاه أنه لا
يجزي جعل الثمن تمرا علي رأس نخلة أخرى، وإن كان قد خرص بما يساوي المثمن،
لعدم صدق البيع بخرصها تمرا، وبذلك افترقت عن غيرها، فما في المسالك من
أن العرية كغيرها بالنسبة إلى هذا الشرط في غير محله، ضرورة أنه ليس المانع
الجهالة حتى تكون كغيرها، بل هو ظهور دليل الرخصة فيما ذكرنا فلا يجزي مشاهدة
الثمن فيها وإن أجزى في غيرها إذا كان مما تكفي فيه المشاهدة كما
هو واضح.
لكن في حواشي الشهيد (أنه لو كان لرجلين عريتان في مكانين وخرصا هما
فبلغت كل واحدة مثلا خمسماءة رطل، جاز بيع كل واحدة بخرص الأخرى) وكأنه
أخذه مما في التذكرة، وقد صرح في التحرير بعدم جوازه قال فيها: (لو باع الرطب على
رؤوس النخل بالرطب على رؤوس النخل خرصا، أو باع الرطب على رؤوس النخل
بالرطب على وجه الأرض كيلا فالأقوى الجواز، للأصل السالم عن معارضة الربا،
لانتفائه بانتفاء شرطه) وفيه أنه في غير العرية مزابنة بناء على تحققها بالرطب، بل وفيها
لعدم معلومية الثمن إذا كان على رأس النخلة كما عرفت، أما إذا كان على الأرض وقد
علم بالكيل، فقد يمنع أيضا باعتبار ظهور دليل الرخصة في كون الثمن تمرا، فلا
113

يجزي الرطب ولا البسر ولا غيرهما فتأمل جيدا، فإنه يمكن أن يكون الجواز لانتفاء
المزابنة، باعتبار عدم كون الثمن تمرا كما ذكرنا سابقا.
نعم لولا الاتفاق ظاهرا لأمكن القول بعدم وجوب اعتبار المساواة بين ثمرتها
وبين الثمن لعدم الربا، وما في الخبر من البيع بخرصها تمرا منزل على الغالب، لكن
كفانا مؤنة ذلك ما عرفت معتضدا بعموم دليل حرمة المزابنة، ولو كانت الثمرة مما
تقطع بسرا أو رطبا ففي الاكتفاء بخرصها كذلك وجه، مع احتمال العدم اقتصارا
على المتيقن، بل قد يحتمل وإن كان ضعيفا عدم ثبوت العرية في ذلك خصوصا إذا فرض
عدم حالة تمر لها فتأمل جيدا.
ثم إنه قد تحصل من ذلك كله أنه لا بد من خرصها، إما من البايع والمشتري
أو من غيرهما بحيث يغلب على ظنهما المقدار الحاصل منها تمرا عند الجفاف، وهل
يشترط لو كان الخارص غيرهما أن يكون عدلا؟ في جامع المقاصد (لا أعلم في ذلك
كلاما للأصحاب، وامتناع الرجوع إلى خبر الفاسق قد يقتضي الاشتراط) وفيه إن
الرجوع إلى ظنه غير الرجوع إلى خبره. نعم لو فرض الشك في الاخبار بظنه،
أمكن ذلك، وهو غير ما نحن فيه، ومن هنا قال: الظاهر العدم لكن يشترط كونه
من أهل المعرفة وهو جيدا.
(و) على كل حال ف‍ (لا عرية في غير النخل) لغة وشرعا سواء قلنا بحرمة
المزابنة فيه أو لا، أما على الأول فواضح، وأما على الثاني فالجواز شامل لها ولغيرها
فلا يحتاج إلى شروط العرية وأحكامها كما هو واضح، هذا والظاهر عدم اعتبار
اتحاد المالك للنخلة في العرية ولا الدار، لكن هل يجوز بيع استحقاق أحدهما خاصة
عرية إشكال كالاشكال مع اتحاد المالك في بيع البعض، وطريق الاحتياط غير خفي
وإن كان الذي يقوى الجواز بناء على عدم اعتبار المشقة.
114

فرع
(لو قال: بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلة بهذه الصبرة من جنسها سواء
بسواء لم يصح، ولو تساويا عند الاعتبار) بالكيل والوزن (إلا أن يكونا عارفين
بقدرهما وقت الابتياع) لحصول الجهالة المانعة من صحة البيع عندنا حال العقد
(وقيل) والقائل الشيخ في المبسوط (يجوز وإن لم يعلما فإن تساويا عند الاعتبار
صح وإلا بطل) للربا (ولو كانتا من جنسين جاز إن تساويا أو تفاوتا ولم يتمانعا،
بأن بذل صاحب الزيادة، أو قنع صاحب النقيصة وإلا فسخ البيع) قال في المحكي
عن مبسوطه (إذا باع صبرة من طعام بصبرة، فإن كانا من جنس واحد نظر، فإن كانا
اكتالا وعرفا تساويهما في المقدار جاز البيع، وإن جهلا مقدارهما ولم يشترطا التساوي
لم يجز، لأن ما يجري فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض جزافا، وإن قال: بعتك
هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل سواء بسواء فقال: اشتريت فإنهما يكالان فإن
خرجتا سواء جاز البيع، وإن كانت إحديهما أكثر من الأخرى، فإن البيع باطل،
لأنه ربا، وأما إذا كانتا من جنسين مختلفين، فإن لم يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء فإن البيع
صحيح، لأن التفاضل جائز في الجنسين، فإن اشترطا أن تكونا كيلا بكيل سواء
بسواء فإن خرجتا متساويتين في الكيل جاز البيع، وإن خرجتا متفاضلتين فإن
تبرع صاحب الصبرة الزائدة بالزيادة جاز البيع، وإن امتنع من ذلك ورضي صاحب
الصبرة الناقصة بأن يأخذ بقدرها من الصبرة الزائدة جاز البيع، وإن تمانعا فسخ البيع
بينهما، لا لأجل الربا، لكن لأن كل واحد منهما باع جميع صبرته بجميع صبرة
صاحبه، وعلى أنهما سواء في المقدار، فإذا تفاضلا وتمانعا وجب فسخ
البيع بينهما).
115

وجعل في الدروس ذلك منه من باب الاكتفاء بالمشاهدة (و) حيث قد علم في
محله عدم الاكتفاء في مثل ذلك كان (الأشبه) بأصول المذهب (أنه لا يجوز) مطلقا
(على تقدير الجهالة وقت الابتياع) نعم يمكن جريان ما يقرب من ذلك على مذهبنا
فيما لو فرض مكيل وموزون في زمن الشرع تجدد وتعارف بيعه جزافا بناء على صحته،
فإن المتجه حينئذ فيه صحة بيعه صبرة بصبرة، إلا أنه يجب اختباره بعد ذلك تخلصا
من الربا، فإن تساويا أو بيع الجنسان وزنا صح البيع، لعدم ثبوت اشتراط سبق
معلومية التساوي في الصحة، والأمر ببيعه مثلا بمثل لا يقتضي أزيد من التساوي واقعا
بل الظاهر ذلك في أكثر شرائط المعاملة.
لكن مقتضى ذلك عدم الحكم بالبطلان فيما لو باع السيوف المحلاة ونحوها
بأحد النقدين بجنس أحدهما إذا لم يعلم زيادته، بل لا بد حينئذ من الاختيار، وينافيه
ظاهر كلامهم، ويمكن حمله على ما إذا لم يمكن الاعتبار وحينئذ يتجه البطلان ظاهرا
لا لترك الاحتياط الواجب، إذ هو لا يقضي بالبطلان قطعا، بل لأن الشك في الشرط
شك في المشروط والأصل عدم النقل والانتقال، فلو فرض العلم بالمساواة بعد ذلك
انكشف الصحة من أول الأمر لحصول الشرط واقعا، ونحوه لو أقدما على الربا فبانت
المساواة، كما أن المتجه الفساد لو أقدما على المساواة جهلا منهما ثم بان التفاوت
لانتفائه واقعا حينئذ فتأمل جيدا، فإنه قد تقدم لنا بعض الكلام في ذلك في الحواشي
فلاحظ، وأما اشتراط المساواة في مختلف الجنس إذا فرض الاكتفاء فيه بالمشاهدة فالمتجه
صحته عملا بعموم (المؤمنون) (1) فإذا بان عدمه تسلط على الخيار والزيادة بل و
النقيصة في بعض الأحوال والله أعلم.
المسألة (الخامسة: يجوز بيع الزرع قصيلا) أي مشروطا قطعه بلا خلاف
أجده فيه، للعمومات وغيرها، سواء كان قد بلغ أوان قصله أو لم يبلغ، وعين مدة
لبقائه ثم قطعه بعدها أو أطلق فله الابقاء حتى يصل إلى أوان قصله، وخبر معلى بن

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4
116

خنيس (1) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشتري الزرع قال: إذا كان قدر شبر) محمول
على الندب أو غيره مما لا يخالف المجمع عليه ظاهرا في الجواز بعد ظهوره بلغ أوان
القصل أو لم يبلغ) نعم ليس له شراؤه بذرا للغرر وفي الصلح وجه كالوجه لو شراه
تبعا للأرض.
(و) كيف كان ف‍ (إن لم يقطعه) الذي شرط القطع عليه ففي المتن وغيره
بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بينهم أن (للبايع قطعه) بعد استيذان الحاكم أو بدونه
على اختلاف القولين، لأنه لاحق لعرق ظالم، ولنفي الضرر والضرار وغير ذلك
(وله تركه والمطالبة بأجرة أرضه) مدة بقائه وعدم قطع البايع له مع التمكن منه
لا يقضي بسقوط الأجرة التي يكفي فيها بقاء أرض المالك مشغولة بها، بل لا يرتفع
بذلك الغصبية التي تسلطه على أرش النقصان لو حصل بسبب البقاء الذي يستحق أخذ
أجرته منه، إذ ليس ذلك رضا منه بالبقاء بالأجرة كما هو واضح.
لكن في السرائر (إنه إن لم يقطعه كان البايع بالخيار إن شاء قطعه، فإن لم
يقطعه وبلغ، كانت الزكاة إن بلغ النصاب على المشتري، وعليه أيضا أجرة مثل تلك،
هذا إذا كانت الأرض عشرية، فإن كانت خراجية كان على المبتاع خراجه) ثم إنه
حكى عن نهاية الشيخ أنه قال: (لا بأس بأن يبيع الزرع قصيلا وعلى المبتاع قطعه
قبل إن يسنبل، فإن لم يقطعه كان البايع بالخيار، إن شاء تركه، وكان على المبتاع
خراجه) ثم قال ومراده بالخراج طسق الأرض قد قبل به السلطان دون الزكاة، لأن الأرض
خراجية، وهي المفتحة عنوة دون أن تكون عشرية، لأنها إن كانت عشرية كانت عليه الزكاة
فحسب والخراجية عليها الخراج الذي هو السهم الذي قد تقبلها به، فإن فضل بعده ما فيه الزكاة،
يجب عليه الزكاة، وإن لم يفضل ما يجب فيه ذلك لا زكاة عليه فيه.
قلت: قد ذكر الخراج في المقنعة ومحكي المراسم بل في الوسيلة كان عليه
خراجه وأجرته، ومراد الجميع على الظاهر ما صرح به المتأخرون من أجرة الأرض

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 4
117

لعدم الدليل على ثبوت غيرها، والمتجه - في موثق سماعة (1) (سألته عن شراء
القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله ويبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيرا أو حنطة
وقد اشتراه من أصله على أن ما يلقاه من خراج فهو على العلج، فقال: إن كان اشترط عليه
حين اشتراه، إنشاء قطعه قصيلا، وإن شاء تركه كما هو حتى يكون سنبلا، وإلا فلا ينبغي
أن يتركه حتى يكون سنبلا، فإن فعل فإن عليه طسقه ونفقته وله ما خرج منه)
حمل لا ينبغي فيه على الكراهة، لما هو معلوم من النص والفتوى أن له الابقاء إذا
لم يكن قد اشترط عليه القطع، ولا كان عادة أو نحوها مما يقوم مقام الشرط، قال زرارة
للصادق عليه السلام: (2) (أيحل شراء الزرع الأخضر، قال: نعم لا بأس به وقال: لا بأس
بأن تشتري الزرع والقصيل أخضر ثم تتركه إن شئت يسنبل ثم تحصده، وإن شئت
تعلف دابتك قصيلا فلا بأس به قبل أن يسنبل) الحديث ونحوه غيره وحينئذ لا وجه
لكون الطسق عليه مع فرض اشتراطه على العلج الذي هو عبارة عن الزراع بل لا يقوله
الخصم، فلا بد من حمله على ضرب من الندب أيضا.
وكيف كان فقد أشار بقوله فيه (من أصله إلى أنه إذا لم يكن قد اشتراه كذلك
يمكن منع كون الحاصل للمشتري إذا فرض أنه يتولد مما بقي في الأرض للبايع،
أو كان منه كذلك، أو كان الحاصل يتولد منهما معا، ولعله لذا قال في التذكرة:
(لو اشترى الزرع قصيلا من أصوله صح، فإن قطعه فنبت فهو له، فإن شرط
صاحب الأرض قطعه فلم يقطعه كان عليه أجرة الأرض ولو لم يشترط المشتري الأصل
فهو لصاحبه، فإذا قصله المشتري ونبت كان للبايع ولو لم يقصله كان شريكا للبايع
ويحكم بالصلح.
قلت: ولا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب أن على مشتري القصيل الأجرة لو أبقاه
وله الحاصل لأنه يمكن حمله على ما إذا كان مشتريا للزرع من أصله وأن اشترط عليه القصل

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 3
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 3
118

كل ما يخرج فتأمل جيدا. وعلى كل حال فظاهر الأصحاب هنا أن ليس للبايع الفسخ
لعدم الوفاء بالشرط، ولعله لأنه متمكن من استيفاء شرطه، وفيه أنه قد يتعذر عليه ذلك
وقد يحتاج إلى مؤنة، مع أنه قد يمنع توقف ثبوت الخيار على عدم التمكن من الاستيفاء
كما عرفت البحث فيه مفصلا سابقا. نعم يمكن أن يكون مستند المقام ظاهر بعض
النصوص كما أنه يمكن أن يكون ترك الأصحاب ذكر الخيار في المقام مبنيا على ما تقدم
سابقا ولا ينافيه نصهم هنا على الأجرة والقلع.
(وكذا لو اشترى نخلا بشرط القطع) أجذاعا فتركه المشتري فإنه يأتي فيه
جميع ما تقدم نعم لا ريب هنا في أن الحمل للمشتري، لأنه نماء ملكه روى هارون بن
حمزة الغنوي (1) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري النخل يقطعه للجذوع
فيغيب الرجل فيدع النخل كهيئته لم يقطع، فيقدم الرجل وقد حمل النخل فقال: له الحمل
يصنع به ما شاء إلا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه) ونحوه غيره
والظاهر إرادة استحقاق أجرة المثل من الاستثناء المزبور إلا أنه ينبغي تقييده كما في
السرائر وغيرها بما إذا كان بإذن مالك النخل، وإن أطلق في النهاية والمحكي
عن الصدوق وابني الجنيد والبراج كالنص، اللهم إلا أن يدعى عدم الحاجة هنا إلى الإذن،
باعتبار احتياج صاحب الأرض السقي لبستانه والفرض تضرره بشرب النخل المزبور
الماء فتأمل جيدا، والأمر سهل، هذا كله في شراء الزرع قصيلا.
أما شراؤه بشرط التبقية إلى أوان بلوغه أو مطلقا فلا إشكال أيضا في جوازه،
للأصل والعمومات وخصوص المعتبرة المستفيضة (2) في المقام التي مر بعضها، بل
ولا خلاف إلا ما يحكى عن المزارعة المقنع من منع بيع الزرع إلا بشرط القصل
لعدم الأمن من الآفة ولخبر أبي بصير (3) (سألت الصادق عليه السلام عن الحنطة والشعير
اشترى زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش قال: لا إلا أن تشتريه لقصيل تعلفه الدواب
ثم تتركه حتى يسنبل) وموثق ابن عمار (4) (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تشتر

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب بيع الثمار الحديث 1
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 10 - 5
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 10 - 5
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 10 - 5
119

الزرع ما لم يسنبل فإن كنت تشتري أصله فلا بأس) وفيه أن عدم الأمن من الآفة
لا يؤثر منعا لجواز بيع الموجود وخبر أبي بصير - مع ضعفه لا جابر بل موهن بفتوى
الأصحاب بخلافه - يمكن حمله على الندب أو على إرادة شراء الحاصل منه الذي
قد عرفت منعه فيما تقدم، كالموثق الظاهر في ذلك، وفي عدم البأس مع شراء الأصل،
على كل إنهما قاصران عن معارضة غيرهما من وجوه كما هو واضح، وحينئذ قد ظهر
أنه لا بأس بشراء نفس الزرع في جميع أحواله حتى إذا كان محصودا اكتفاء بالمشاهدة
في مثله والله أعلم.
المسألة (السادسة يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزياد عما ابتاعه) به
(أو نقصان، قبل قبضه أو بعده) بلا خلاف ولا إشكال للأصل، وصحيح الحلبي (1)
سأل الصادق عليه السلام عن رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها؟ قال: لا بأس
به، إذا وجد ربحا فليبع) وصحيح محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام
(أنه قال في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يقبضها قال: لا بأس) مضافا إلى
العمومات ومحكي الاجماع إن لم يكن محصله فلا يتوهم جريان ما تقدم سابقا من منع البيع
قبل القبض في المقام، ضرورة اختصاصه في المكيل والموزون، أو خصوص الطعام
منهما، لكن في النافع هنا الجواز على كراهة، ولا وجه له إلا إطلاق بعض الأخبار
والفتاوى منع بيع المبيع قبل قبضه، وهو سابقا لم يجعل ذلك سببا للكراهية مطلقا
بل خصها بالمقدر بأحدهما، كما في كثير من النصوص والفتوى، لكن أمر الكراهة سهل.
المسألة (السابعة: إذا كان بين اثنين) مثلا (نخل أو شجر) أو زرع (فتقبل
أحدهما بحصة صاحبه) بعد خرص المجموع (بشئ معلوم) على حسب الخرص
المزبور (كان جائزا) لصحيح يعقوب بن شعيب (3) الذي رواه المشايخ الثلاثة
(سألت الصادق عليه السلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر
إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى، وتعطيني نصف هذا الكيل زاد أو
نقص، وإما أن آخذه أنا بذلك وأرده عليك؟ قال لا بأس بذلك) وصحيح الحلبي (4)

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الثمار الحديث 2 - 3
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الثمار الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 1 - 2
120

قال: (أخبرني أبو عبد الله عليه السلام أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أعطى خيبرا
بالنصف أرضها ونخلها، فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة فقوم عليهم قيمة،
وقال لهم إما أن تأخذوه وتعطوني نصف الثمن، وإما أن أعطيكم نصف الثمن وآخذه
فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض) وفي التهذيب (1) عوض الثمن في الموضعين
الثمرة، وهو الأنسب بالخرص الآتي، وإن كان الثمن أنسب بالتقويم.
وصحيح أبي الصباح الكناني (2) (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أن النبي صلى الله عليه وآله
لما افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف، فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة
إليهم فخرصها عليهم، فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وقالوا إنه قد زاد علينا، فأرسل إلى
عبد الله بن رواحة فقال ما يقول هؤلاء، فقال: خرصت عليهم بشئ، فإن شاؤوا أخذوا
بما خرصنا، وإن شاؤوا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض.) وصحيح يعقوب بن شعيب (3) الآخر عن الصادق عليه السلام أيضا (قال فيه: فلما بلغ
الثمرة أمر عبد الله بن رواحة فخرص عليهم النخل، فلما فرغ منه خيرهم فقال قد خرصنا
هذا النخل بكذا صاعا، فإن شئتم فخذوه، وردوا علينا نصف ذلك، وإن شئتم أخذناه
وأعطيناكم نصف ذلك، فقال اليهود. بهذا قامت السماوات والأرض) ومرسل
محمد بن عيسى (4) (قلت لأبي الحسن عليه السلام إن لنا أكرة فنزارعهم فيقولون قد حرزنا
هذا الزرع بكذا وكذا فاعطوناه ونحن نضمن لكم أن نعطيكم حصة على هذا الحرز
قال: وقد بلغ؟ قلت: نعم قال: لا بأس بهذا، قلت: فإنه يجئ بعد ذلك فيقول لنا
الحرز لم يجئ كما حرزت قد نقص، قال: فإذا زاد يرد عليكم: قلت: لا قال: فلكم
أن تأخذوه بتمام الحرز، كما أنه إذا زاد كان له، كذلك إذا نقص كان عليه).

(1) التهذيب ج 7 ص 193 باب المزارعة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 5 - 4
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 5 - 4
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 3 - 5 - 4
121

وخبر سهل (1) سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل يزرع له الحراث
الزعفران ويضمن له على أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا وكذا
درهما، فربما نقص وغرم وربما استفضل وزاد، قال: لا بأس به إذا تراضيا) وخبر
عبد الله بن بكير (2) عن الصادق عليه السلام سألته عن الرجل يزرع له الزعفران فيضمن له
الحراث علي أن يدفع له من كل أربعين منا زعفرانا رطبا منا ويصالحه علي اليابس
واليابس إذا جفف ينقض ثلاثة أرباع، ويبقى ربعه وقد جرب قال: لا يصلح، قلت: وإن كان عليه
أمين يحفظه لم يستطع حفظه، لأنه يعالج بالليل ولا يطاق حفظه، قال: يقبله الأرض
أولا على أن له في كل أربعين منامنا) إلى غير ذلك من النصوص التي لا أجد خلافا بين
الأصحاب في العمل بمضمونها في النخل والثمار والزرع، فهو إن كان بيعا فمستثنى
من المحاقلة والمزابنة، ومن قاعدة مغايرة الثمن للمثمن، ونحوهما مما يخالف قواعد
البيع، مع أنك ستعرف كون التحقيق أنها ليست بيعا.
لكن في السرائر وإن زارع أرضا أو ساقاها، على ثلث، أو ربع أو غير ذلك
وبلغت الغلة جاز لصاحب الأرض أن يخرص عليه الغلة والثمرة، فإن رضي المزارع
أو المساقي بما خرص أخذها وكان عليه حصة صاحب الأرض، سواء نقص الخرص
أو زادوا كان له، كما فعل عامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأهل خيبر، وهو عبد الله بن رواحة
الأنصاري الخزرجي، فإن هلكت الغلة والثمرة قبل جذاذها وحصادها بآفة سماوية
لم يلتزم العامل الذي هو الاكار بشئ لصاحب الأرض، والذي ينبغي تحصيله في هذا الخبر
والسؤال أنه لا يخلو إما أن يكون قد باعه حصته من الغلة والثمرة بمقدار في ذمته من الغلة
والثمرة، أو باعه الحصة بغلة من هذه الأرض فعلى الوجهين معا البيع باطل، لأنه داخل في
المزابنة والمحاقلة، وكلاهما باطلان، وإن كان ذلك صلحا لا بيعا فإن كان ذلك بغلة وثمرة
في ذمة الاكار الذي هو المزارع فإنه لازم له، سواء هلكت الغلة بالآفات السماوية
أو الأرضية، وإن كان ذلك الصلح بغلة من تلك الأرض، فهو صلح باطل، لدخوله في
باب الغرر، لأنه غير مضمون، فإن كان ذلك فالغلة بينهما سواء زاد الخرص أو نقص

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام المزارعة الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب أحكام المزارعة الحديث 1 - 2
122

تلفت منهما أو سلمت لهما، فليلحظ ذلك، فهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا وتشهد به
الأدلة، فلا يرجع عنها بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، وإن كررت
في الكتب.
قلت: قد لحظناه فوجدناه كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب
بل الظاهر إن الاشكال في لزومها كما في التذكرة بل في التنقيح ومحكي إيضاح
النافع والميسية، الجزم بعدمه من ذلك أيضا، ضرورة صراحة بعض النصوص السابقة
فيه، وظهور آخر كالفتاوى التي لا يقدح ما في بعضها كالمتن وغيره من التعبير بالجواز
المراد به رفع الحظر، لا نفي اللزوم الذي هو مقتضى الأمر بالوفاء بالعقود، فما في
مزارعة القواعد من أن الزايد إباحة على إشكال، في غير محله قطعا، بل هو ملك للمتقبل
كما كاد يكون صريح المرسل السابق، وظاهر غيره، والربا لو قلنا بعمومه معفو عنه
في المقام، على أنه إن كان هو منشأ الاشكال، فلا يخص الزيادة، بل آت في
النقيصة أيضا.
ثم إن المنساق من النصوص السابقة ما هو صريح جماعة، بل المشهور بل
ظاهر جامع المقاصد نسبته إلى تصريح الأصحاب من كون كيفية التقبيل المزبور
اعتبار العوض من الثمرة المخروصة، ولا بقدح في ذلك اتحاد الثمن والمثمن بعد
ظهور النصوص المعمول بها بين الأصحاب فيه، سواء قلنا أنها بيع كما احتمله في
التذكرة، وإن كان بعيدا لشدة مخالفته لقواعد البيع مع عدم ظهور شئ من النصوص
في أنه منه، وذكر الأصحاب له في بيع الثمار أعم من ذلك، أو معاملة برأسها، أو صلح
سيما بعد عدم الاتحاد حقيقة هنا، لكون المعوض عنه الحصة المشاعة، والعوض
المقدار المخصوص من مجموع الحصتين بل لا يبعد جواز مثل ذلك في الصلح مع
قطع النظر عن نصوص المقام لعموم قوله عليه السلام الصلح جائز بين المسلمين) (1) الذي
استفيد منه قيامه مقام الهبة وغيرها، فجوزوا الصلح عن المال ببعضه وإن انحل

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام الصلح الحديث 1 - 2
123

إلى الهبة.
ولعله هنا كذلك من طرف القابل والمقبل وحينئذ فبناء على أن القبالة نوع من
الصلح كما هو صريح بعض وظاهر آخر لا تكون مخالفة للقواعد أصلا إذ لا محاقلة
ولا مزابنة فيه ولا ربا أيضا وإن قلنا باختصاصه بالبيع، بل وعلى التعميم لما عرفت من
أن الثمرة والزرع ليستا من المكيل والموزون، ولا منع من مثل هذا الاتحاد فيه،
وكذا لو قلنا بأنها معاملة برأسها كما هو مقتضى جوازها بلفظ التقبيل، بل في
المسالك ظاهر الأصحاب أن الصيغة تكون بلفظ التقبيل، وإن كان قد يشكل إن أريد
الاختصاص، بخلو أكثر النصوص السابقة عن اللفظ المزبور، بل ظاهرها خصوصا
الأول الاكتفاء بغيره، وفي جامع المقاصد هل يحتاج ذلك إلى التقبيل إلى صيغة
عقد الظاهر نعم، لأنها صلح في المعنى، ولأن الأفعال لما لم تكن لها دلالة بنفسها
على المعاني تعين المصير إلى الألفاظ حينئذ، فيحمل على العقد لأنه الموظف شرعا
لنقل الملك، ولأن الأصل بقاء الملك لمالكه حتى يقطع بسببه، فإن قلت: عبارة
الصحيح الأول دالة على خلاف ذلك، قلت: ليس فيها دلالة على أن المسؤول عنه فيها
هو الجاري في المعاوضة، فيجوز أن يكون المسؤول عنه هو صحة إيقاع ما أراده).
قلت: لا ريب في اعتبار الصيغة في لزومها وخلو نصوصها عنها كخلو أكثر
نصوص العقود عن ذلك، إنما الكلام في أن صيغتها صيغة الصلح لعدم تعارف غير العقود
المعهودة المفردة بالتبويب، ولعدم ظهور في نصوص المقام بالاستقلال، إذ ليس
فيها إلا الجواز الذي يمكن أن يكون بناؤه على أنها من الصلح، بل ربما كان في بعضها
إيماء إلى ذلك، أو أن صيغتها خصوص لفظ التقبيل المعبر به في الفتاوى وبعض
النصوص، لعدم ذكرهم ذلك في باب الصلح، بل لا إشارة في شئ من كلامهم إلى
أنه منه وما في المختلف كالذي سمعته من جامع المقاصد يراد منه أنها كالصلح في
المعنى، لا أنها تنعقد بصيغته.
نعم صرح في الدروس بأنها نوع منه، ويمكن إرادته ذلك أيضا على إشكال وتردد،
124

نعم بناء على جواز الاتحاد المزبور لا ينبغي التأمل حينئذ، في صحة وقوعها، بصيغة
الصلح، وإن لم تتم قبالة، كما أنها كذلك لو وقع العوض من غيرها أو مطلقا بعقد
الصلح، بل قد يستشكل من وقوع العوض من غيرها والصيغة لفظ التقبيل، لما عرفت
من أن وضعها على كون الثمن منها، كما يشهد له ما ذكره الشيخ وابنا حمزة وإدريس
والفاضل والشهيد والمقداد وغيرهم من عدم الضمان لو تلفت الثمرة بآفة سماوية
بل في مزارعة جامع المقاصد نسبته إليهم مشعرا بدعوى الاجماع عليه، ضرورة
توقف صحته على كون الثمن منها، حتى يكون التلف حينئذ للعوض، ولا دليل على
الانتقال إلى بدله بعد عدم الدليل على ضمانه في يده، ولا ينافي ذلك صحته العقد،
إذ ليس هو بغير عوض، بل عوضه من المعوض، فمع فرض التلف بالآفة يتحقق
تلف العوضين معا من غير ضمان، فما في التذكرة من التردد فيه - كالمحكي عن تعليق
الارشاد، بل في المسالك أن دليله غير واضح. في غير محله، بل لا يحتاج ذلك إلى تنزيل
العوض على الإشاعة، إذ يمكن أن لا يكون كذلك، وإن كان كليا مضمونا في العين
بشرط السلامة، للدليل نحو ما سمعته في خبر الأطنان (1) في الجملة.
وعلى كل حال فليس مثل هذا انفساخا لا من الأصل ولا من الحين، لكن في
الدروس أن قرار ذلك مشروط بالسلامة، والمراد كما في جامع المقاصد أنه إن هلكت
لأصلح، وإن سلمت ثبت ووجب العوض، وربما أشكل بأنه لو هلك بعضها يجب
القول بعدم بقاء الصلح، فلا يلزمه ما بقي من العوض، ويدفع بأن سلامة الجميع
شرط للصلح في الجميع، وسلامة الأبعاض شرط للصلح فيها، نعم قد يشكل بأنه
قد صرح في الدروس بالجواز لو تقبلها بعوض غير مشروط فيها، ولا دليل على اشتراط
مثله بالسلامة، لأن المعوض إذا قبض بعوض وجب أن يكون مضمونا، فإذا تلف
يجب أن يكون عوضه في الذمة، ويمكن تنزيل ما في الدروس على ما إذا كان العوض
منها بالسلامة لا مطلقا بل قد سمعت سابقا أن ذلك وإن جاز، إلا أنه ليس قبالة على

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
125

الظاهر، لكن في جامع المقاصد (إن كلا من القولين لا يخلو من اشكال، أما اشتراط
كون القبالة من الثمرة المتقبلة فيه إشكالان، الأول أن اشتراط العوض من المعوض
ينافي صحة المعاوضة عند الجميع، وليس في النصوص ما يدل على الجواز هنا،
الثاني لو نقصت الثمرة بغير آفة بل كان من جهة الخرص يجب على تقدير كون العوض
منها أن لا يجب الناقص على المتقبل مع أنهم حكموا بعدم وجوبه عليه، وأما على
الجواز مطلقا فإشكالان مع ثالث، وهو عدم إمكان اشتراط السلامة في قرار القبالة
حيث يكون في الذمة لما قلناه من، امتناع كون محل العوض الذمة ويذهب
بتلف الثمرة.
وفيه ما عرفت سابقا من ظهور النصوص والفتاوى في كون العوض منها،
وحينئذ وجه عدم الضمان بالآفة واضح، بل هو قد اعترف في باب المزارعة بأن هذه
المعاوضة لا تخرج باشتراط السلامة عن نهج المعاوضات، فإن المبيع في زمان
الخيار من ضمان البايع وإن تلف في يد المشتري، لكن بغير تفريط، إذا كان الخيار
للمشتري، وهي لا تزيد علي ذلك، ومنه يعلم وجه اندفاع الآخر. نعم يبقى المطالبة
بالدليل على ذلك، فيما لو كان العوض من غيرها، وإقامته عليه - سيما مع عدم تصريح
الأصحاب بأن القبالة تكون من غير الثمرة - لا تخلو من صعوبة
وإن كان الظاهر بناء هذه المعاوضة على الزيادة والنقصان من حيث الخرص
لا غير، وربما كان من قوله عليه السلام (1) (إذا كانت الزيادة له فالنقيصة عليه) إيماء إلى
ذلك في الجملة، فيرجع حاصلها أن المتقبل ضامن للمقدار المعلوم مع سلامة الثمرة
وعدم تلفها، بل يمكن دعوى براءته لو كان المتلف غير الآفة من غاصب وشبهه، وإن
استبعده في جامع المقاصد قال: (والظاهر أن المراد بالآفة السماوية والأرضية ما يكون
ممن لا يعقل تضمينه، فلو أتلفها فتلف فالظاهر أن القبالة بحالها، عملا بالاستصحاب
ويطالب المتقبل المتلف، ويحتمل أن يراد بالأرضية ما يعم هذا، فيسقط القبالة أيضا

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 4
126

بإتلاف المتلف، وهو بعيد) وأما ما ذكره من عدم وجوب النقص على المتقبل لو كان
النقصان من حيث الخرص، فيدفعه صريح بعض النصوص السابقة، وظهور آخر و
كون الثمن منها لا ينافي ذلك، إذ يلزم بالتأدية من حصته.
نعم لو فرض نقصان المجموع من المقدار اتجه ذلك، إلا أنه نادر لا يحمل عليه
إطلاق النصوص والفتاوى، فتأمل جيدا، ثم إنه لا يخفى ظهور النص السابق في
اعتبار البلوغ كما أنه صرح غير واحد بعدم وجوب القبول على الشريك، للأصل
وغيره لكن قد يظهر من النصوص السابقة الالتزام بإحدى فردي التخيير، مؤيدا بوجه
مشروعية التقبيل من خوف الخيانة ونحوها، والظاهر أنه لا يعتبر في القبالة ما تقدم في
العرية من وجوب الأخذ بمقدار الخرص من غير زيادة ولا نقيصة، بعد ما سمعت من
عدم الربا في المقام (والناس مسلطون على أموالهم) كما أنه قد ظهر لك مما قدمنا إمكان
جريان التقبيل بالنسبة إلى غير الشريك بل في غير الثمار، بناء على أن القبالة نوع من
الصلح، وإن ذلك كله جايز فيه، لعموم قوله عليه السلام (1) (الصلح جائز بين
المسلمين) لكن ظاهر الأصحاب الاقتصار وهو مؤيد لكون القبالة قسما مستقلا برأسها،
فيقتصر في موردها على المتيقن. والله أعلم.
المسألة (الثامنة: إذا مر الانسان بشئ من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع)
أو قريب منها، بحيث لا يعد قاصدا عرفا بل كان ذلك منه (اتفاقا جاز أن يأكل من
غير إفساد) مع عدم العلم والظن بالكراهة على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا
بل في المختلف (عن السرائر إذا مر الانسان بالثمر جاز له أن يأكل منها قدر كفايته،
ولا يحمل منها شيئا على حال، من غير قصد إلى المضي إلى الثمرة للأكل، بل كان
الانسان مجتازا في حاجة ثم مر بالثمار، سواء كان أكله منها لأجل الضرورة، أو غير
ذلك، على ما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه لأن الأخبار في ذلك متواترة، والاجماع
منعقد منهم، ولا يعتد بخبر شاذ أو خلاف من يعرف باسمه ونسبه، لأن الحق مع غيره

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام الصلح الحديث 1 - 12
127

وعن الخلاف الاجماع أيضا في النخل والفواكه، وفي الرياض لم نقف على مخالف
فيه من قدمائهم إلا ما يحكي عن المرتضى في بعض كتبه، بل في شرح الأستاذ أنه قيل
بإضافة الزرع والخضر، ونقلت عليه الشهرة، ونسب إلى بعض نقل
الاجماع فيه.
وكيف كان فيدل عليه مضافا إلى ذلك قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الله بن
سنان (1) لا بأس بالرجل يمر بالثمرة ويأكل منها ولا يفسد، قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أن تبني الحيطان في المدينة، لمكان المارة، قال: وكان إذا بلغ نخله أمر بالحيطان
فخرقت لمكان المارة) ونحوه خبر أبي الربيع (2) عنه أيضا، إلا أنه قال: (ولا يفسد
ولا يحمل (كمرسل الفقيه (3) عنه أيضا من مر ببساتين فلا بأس أن يأكل من ثمارها، ولا
يحمل شيئا.
وقد قال محمد بن مروان للصادق عليه السلام في المرسل (4) المروي بطرق ثلاثة
(أمر بالثمرة فآكل منها؟ قال: كل ولا تحمل) وزاد في أحد طرقه (قلت: جعلت فداك
إن التجار قد اشتروها ونقدوا أموالهم، قال اشتروا ما ليس لهم) وسأله أيضا
يونس (5) عن الرجل يمر بالبستان، وقد حيط عليه أو لم يحط عليه، هل يجوز أن
يأكل من ثمره، ليس يحمله على الأكل من ثمرة إلا الشهوة له، وله ما يغنيه عن الأكل من
ثمرة، وهل له أن يأكل من جوع؟ قال: لا بأس أن يأكل ولا يحمله، ولا يفسده) و
سأله (ابن أبي عمير (6) (عن الرجل يمر بالنخل أو السنبل أو الثمرة، فيجوز له أن
يأكل منها من غير إذن صاحبها ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: لا بأس) وخبر علي بن
جعفر (7) عن أخيه المروي عن كتاب مسائله لأخيه قال: (سألته عن الرجل يمر على
ثمرة فيأكل منها، قال: نعم قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تستر الحيطان برفع بنيانها)

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 8 - 4 - 5 - 3 - 2
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 8 - 4 - 5 - 3 - 2
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 8 - 4 - 5 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 8 - 4 - 5 - 3 - 2
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 8 - 4 - 5 - 3 - 2
(6) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 8 - 4 - 5 - 3 - 2
(7) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 12 - 8 - 4 - 5 - 3 - 2
128

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يبعد تواترها كما سمعته من ابن إدريس، ولذا عمل
بها هو كغيره ممن لا يرى العمل إلا بالقطعيات.
فمن الغريب بعد ذلك التوقف في الحكم المزبور فضلا عن الجزم بعدمه لقاعدة
قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه، المعلومة بالعقل والنقل، كمعلومية حرمة
الظلم والجور والخيانة والسرقة، وتحريم أكل أموال الناس بالباطل، وصحيح
علي بن يقطين (1) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم
والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر أيحل له أن يتناول منه شيئا ويأكل من غير إذن
صاحبه وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة، وأمره القيم، وليس له وكم الحد الذي
يسعه أن يتناول منه؟ قال: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا) ومرسل مروان بن عبيد (2) قلت
للصادق عليه السلام: (الرجل يمر على فراخ الزرع يأخذ منه السنبلة؟ قال: لا قلت:
أي شئ السنبلة، قال: لو كان كل من يمر به يأخذه منه سنبلة لا يبقى منه شئ)
وخبر مسعدة بن زياد المروي عن قرب الإسناد (3) (عن جعفر بن محمد عليهما
السلام أنه سئل عما يأكل الناس من الفاكهة والرطب مما هو حلال لهم؟ فقال لا يأكل
أحد إلا من ضرورة ولا يفسد، إذا كان عليها بناء يحاط ومن أجل الضرورة نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله أن يبنى على حدائق النخل والثمار، بناء لكي لا يأكل منها أحد)
مؤيدا ذلك كله بنصوص التقبيل والخرص في الزكاة والخراج،
بل وبما دل على إخراج النخلة ونحوها لأجل المارة، الظاهر في التساهل
بأمر المارة وباستمرار السيرة علي بناء الجدران ووضع الأبواب ومنع الناس
وامتناعهم، مع أنه لو كان مثل ذلك جائز الشاع، حتى بلغ التواتر، لا أنه تعارف خلافه
وبأن فتح هذا الباب يقضي بأن تضمحل أموال الناس كما أومأ إليه خبر السنبلة،
سيما مع كثرة الثمار على الطرق المسلوكة، بل يبعث على التجري على الحرام،
حتى أن كل من يجئ يقول لم أكن قاصدا له، ومن كان له عداوة مع أحد يتقصد إضراره

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 6 - 10
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 6 - 10
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 6 - 10
129

وله عذر واضح، بل يلزم منه أيضا استباحة الأغنياء زكاة الفقراء غير السادات، وخمس
السادات مع القول بالتعلق بالعين.
ومن ذلك يظهر أن أدلة الجواز لا تقوى على تخصيص هذه الأدلة، سيما مع
اختلاف نقل الاجماع، وعدم خلو كثير من النصوص السابقة عن البحث في السند
أو الدلالة، وإمكان حمل جملة منها على شهادة القرينة بالإذن، كما يرشد إليه خبر
الجدران، أو على أن لذلك العصر خصوصية على شهادة القرينة بالإذن أو على حال
الضرورة أو على تعليم أهل الثمار الرخصة، وأنه ينبغي لهم ذلك نحو ما وقع من
النبي صلى الله عليه وآله، وفي المروي عن صاحب الزمان عجل الله فرجه (1) في جواب مسائل
العمري، (أما سألت من أمر الثمار من أموالنا يمر به المار فيتناول منه ويأكل هل يحل
له ذلك؟ فإنه يحل له أكله، ويحرم عليه حمله) ولا أقل من أن يفيد ذلك كله الشك
والأصل الحرمة.
هذا أقصى ما يقال في ترجيح القول بالعدم الذي هو مختار المرتضى في
المحكي عنه في المسائل الصيداوية، والفاضل في مكاسب المختلف، وإن توقف
في الأطعمة، والمحقق الثاني وغيرهم من المتأخرين ومتأخريهم، واختاره الأستاذ
الأكبر، إلا أن الجميع كما ترى، بل يشبه أن يكون اجتهادا في مقابلة النص، إذ
القاعدة بعد تسليم حكم العقل باقعادها حال عدم العلم بالكراهة يجب الخروج عنها
ببعض ما عرفت، فضلا عن جميعه كغيرها من القواعد، إذ مرجعه إلى الإذن الشرعية
التي هي أقوى من المالكية، وبها مع فرض كون موضوع البحث عدم العلم بالكراهة،
يخرج ما نحن فيه عن موضوع الظلم والخيانة والسرقة والجور والأكل بالباطل
ونحو ذلك.
والصحيح مع معارضته بغيره محتمل للحمل منها وللكراهة، ولإرادة بيان
حكم التناول مع نهي المالك وأمر القيم، ولغير ذلك، والمرسل مع عدم الجابر

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 9.
130

ومعارضته بما سمعت محتمل أو ظاهر أو صريح في غير التناول للأكل، ضرورة
استبعاده في السنبلة الواحدة لعدم تعارفه بل ظاهر السائل الاقدام على ذلك باعتبار قلة
الاكتراث بالسنبلة، فأجابه عليه السلام بالحكمة المزبورة.
وفي الحدائق (الظاهر أن هذا الخبر لا يدخل في سياق هذه الأخبار، فلا معنى
لاجرائه في هذا المضمار، فإن موضوع المسألة الأكل من الثمار في مكانه من غير
أن يحمله، والظاهر أن السنبل ليس من المأكول على تلك الحال، فالظاهر إرادة
حمله، والمنع فيه مما لا خلاف فيه وهو حسن.
لكن قيل يتعارف أكله مقلا ونحوه، وخبر قرب الإسناد محتمل
للكراهة، خصوصا مع استثنائه الضرورة، وعدم بيان حدها، بل الظاهر منها عدم
الوصول إلى حد الخوف على النفس، أو أن المراد منه المنع منه مع قيام شاهد
الحال على العدم كالحائط ونحوه، والخرص والتقبيل مع كونه في الغالب عند
البلوغ، يمكن اعتبار أمر المارة فيه وإخراج النخلة لإرادة المارة بصاحب
البستان، فإن من المتعارف بذل شئ من الثمرة لمن يمر به، والمسلم من قيام السيرة
علي ما يفسد وبناء الجدران ووضع الأبواب للخوف من ذلك، على أنه إذا كان قد
تعارف المنع خرج عن موضوع المسألة الذي هو الأكل مع عدم العلم بالمنع، وعدم
البلوغ إلى حد التواتر لا يقضي بالمنع كما في غيره من الأحكام التي هي أهم منه،
مع أنك قد سمعت دعواه ودعوى الاجماع وغيرهما، وليس في الأكل مع عدم
الافساد اضمحلال لأموال الناس، بل ربما أدى إلى البركة فيها، ومثل هذه الباعثية
لا تصلح دليلا للمنع، كوضوح العذر له، ولو أن نحو ذلك صالح لامتنع كثير من
الأحكام الشرعية، وإباحة الشارع الثمرة للمارين أغنياء كانوا أو فقراء تجري على
الجميع كما اعترف هو به في آخر كلامه، لأنه المالك الحقيقي، وليس مثل هذا
الاختلاف في نقل الاجماع قادحا، كما أن عدم خلو النصوص عن البحث في السند
أو الدلالة بعد الاعتضاد بما عرفت غير قادح أيضا.
131

ومن ذلك كله ظهر لك قوة القول بالجواز. نعم ليس في شئ من نصوصه
تعرض لغير الثمرة والنخل، واقتصار بعضهم على الثاني، كما عن الشيخ في المسائل
الحائرية في غير محله إن أراد عدم الجواز في غيره، أما الخضر فقد عرفت عن بعضهم
دعوى الشهرة عليه، وآخر نقل الاجماع، وقد يدعى تناول لفظ الثمرة له كما يشهد
به صحيح ابن يقطين (1) السابق وغيره، كتناول لفظ البستان المراد منه ما فيه، بل
قد يدعى تناولهما لمطلق الزرع خصوصا الثاني متمما حينئذ بعدم القول بالفصل مضافا
إلى مرسل ابن أبي عمير (2) السابق لكن تردد فيهما المصنف في النافع وأطعمة
الكتاب، لاختصاص كثير من الأدلة السابقة بغيرهما، وللصحيح (3) والمرسل (4) السابقين في
دليل المنع مضافا إلى الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، وفي الرياض
(لا ريب أن الترك هنا بل وسابقا أيضا أحوط وأولى، بل ربما كان متعينا، ولا وجه
لتخصيص التردد بالحكم هنا مع جريانه في غيرهما إلا وجود القائل بالمنع هنا زائدا
على المرتضى وعدم حكاية إجماع هنا مع اختصاص كثير من الفتاوي المجوزة المحكية
في المختلف بالحكم سابقا).
قلت: قد عرفت عن بعضهم نقل الاجماع، كما أنك عرفت وجه الاختصاص
بالتردد، وعلى كل حال فلا ريب أن الأحوط الترك فيهما، بل وفي غيرهما وإن اختلف
شدة وضعفا، ثم إن ظاهر المتن كغيره اشتراط الجواز بأمور ثلاثة، أحدها - كون
المرور اتفاقيا، فلو كان مقصودا لم يجز له، اقتصارا على المتيقن، وقد يظهر من
الرياض دعوى الاجماع عليه، كما في الحدائق نسبه إلى الأصحاب، وفي شرح
الأستاذ (اعتبار عدم قصد المرور منه ولا من وليه لخصوص تلك الثمرة ونحوه، لا
في مبدء المسافة، ولا في أثنائها، ليتحقق صدق اسم المرور، وللاجماع عليه، ولو عينها
بالإشارة واختلف الاسم كان قاصدا، بخلاف العكس، والعمدة ما عرفت من الاقتصار
على المتيقن وخبر عبد الله بن سنان (5) السابق مع قصور سنده وعدم الجابر له، يمكن

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 3
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 3
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 6 - 12
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 6 - 12
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 7 - 6 - 12
132

أن يكون نفي البأس فيه عن الأكل، فكأنه قال: لا بأس بالأكل بعد المرور اتفاقا).
لكن قد يقال: إن ظاهر النصوص الجواز بتحقق اسم المرور وإن كان مقصودا.
نعم إذا كان المقصود المجئ إلى البستان مثلا لم يصدق عليه اسم المرور بها، وهذا
لا يقتضي اعتبار الاتفاق في المرور، ضرورة أعمية مفاد النصوص من ذلك، فالتحقيق
دوران الحكم مداره، فيرجع هذا الشرط إلى تحقق مسماة لا أمر زايد، وقاعدة الاقتصار
على المتيقن لا وقع لها مع فرض ظهور الأدلة الذي عليه المدار في جميع الأحكام
كما هو واضح.
الثاني: عدم الافساد بلا خلاف أجده فيه بل ادعى بعضهم عليه الاجماع، وهو
الحجة بعد الاقتصار المزبور، وانصراف إرادة الشرطية من النهي في المقام في
النصوص السابقة عنه وعن الحمل، ومنه يظهر وجه الشرط الثالث الذي أشار إليه
المصنف بقوله (ولا يجوز أن يأخذ معه شيئا) بل في الرياض بعد نسبة الحكم به
إلى القطع به بين الطائفة - لعله إجماع، لكن قال بعد ذلك: (إن إثبات شرطيته و
سابقه من الأصل والنصوص مشكل، لاندفاع الأول باطلاق الرخصة، ولعدم نهوض
الثاني إلا بالنهي عنهما، وغايته الحرمة، وهي أعم من الشرطية، فاثباتها بذلك في
كلام جماعة لا تخلو من مناقشة. نعم الظاهر التلازم بينهما في النهي عن الافساد، إذا فسر
بما مر، وهو عدم الأكل كثيرا بحيث يؤثر فيها أثرا بينا، ويصدق معه مسماه عرفا
ويختلف ذلك بكثرة الثمرة والمارة وقلتهما جدا، لا إن فسر بالمعنى الآخر وهو هدم
الحائط أو كسر الغصن أو نحو ذلك)
قلت: قد عرفت ظهور النهي المزبور في الشرطية هنا كغيره من المقامات
سيما بعد الاعتضاد بظاهر كلام الأصحاب، وإن كان في ظهور العبارة ونحوها بالشرطية
نوع مناقشة، ولكن مع الالتفات إلى كلام الأصحاب - واستبعاد اقترانها بالإباحة
علي معنى إرادة الحرمة الخارجية منها على حسب غيرها من المحرمات - تندفع
المناقشة المزبورة.
133

وأما ما ذكره من التلازم المزبور فلا يخلو من مناقشة مع فرض تحقق الفساد
بالآخر، فإنه لا مانع حينئذ من القول باختصاصه بالحرمة دون الأول، نعم لو قلنا
بالأخير يتحقق الفساد في الجميع على وجه يكون تمام ما أكله مندرجا في النهي اتجه
ذلك، ولكنه خلاف المنساق، من قوله كل ولا تفسد. ثم إن الظاهر من هذا الشرط و
سابقه كونه من الشرائط الكاشفة، لو فرض تأخيرهما عن الأكل المباح، وقلنا بالشرطية
في هذا الحال، لاطلاق الأدلة، ولكن الكشف بالنسبة إلى الضمان متجه، أما بالنسبة
إلى الإباحة فلا يخلو من منع، ودعوى أن الشرط فيهما قصد الحمل وقصد الافساد
يدفعها ظهور الأدلة في خلافها، بل لا إشعار في شئ بالقصد. نعم قد يقال: بتصور
الكشف فيها على بعد، بل يمكن القطع بفساده بملاحظة الأدلة فتأمل.
وكيف كان فظاهر الأستاذ الأكبر ثبوت الحرمة بقصد الافساد بلغ حده أولا
قال: (ومع عدم القصد ينتفي الجواز عند خوفه، ولا فرق بين حصول الفساد من واحد
أو من جماعة، فلو أكلت المارة حتى قرب الفساد حرم على الأخير، وإذا علم ترتب الفساد
علي المجموع، اقترعوا على التناول، فيجوز لكل من طلعت له القرعة (ثم قال):
والمنع مع الفساد في الجملة مما يقضي به الأصل والعقل والكتاب والسنة والاجماع
محصله ومنقوله، وبعض أخبار الباب.
والظاهر أنه لا فرق بين الفساد في الشجر والثمر، وفي الجدران والسواقي و
المساقي، وبمثل ذلك يظهر قوة التحريم، لأن المار لا يعلم قدر الثمرة ابتداء حتى
يعرف الفساد، فربما أكل من صاع هو بقية ألف صاع من حيث لا يعلم، والظاهر
ثبوت الضمان عليه مع العمد في الافساد بدونه، وأجرة المثل لو مكث زائدا على
مقدار ما يحتاج إليه في التناول، إلى أن قال:، ولا بد أن يقتصر في الأكل على أكله
المعتاد على وفق المعتاد، فإن زاد ضمن الجميع، وله الخيار في اختيار أقسام الثمرة،
ولو عين المالك شيئا تعين) وفيه مواضع للنظر، كما أن ما فيه أيضا من أن الظاهر
اعتبار كون الثمرة علي الشجر، اقتصارا على المتيقن، وكون المار مسلما حيث
134

يكون المالك كذلك، إذ لا سبيل عليه لغيره، واعتبار الايمان من المؤمن لا يخلو من وجه،
واشتراط أن لا يكون له ثمر متصل بثمر الغير، وأن يكون حاملا من جنسه لا يخلو
من قوة، واشتراط عدم علم الكراهة أو ظنها، وعدم السور والباب ينافيه ما في بعض
روايات الباب، ولا محيص عن القول به كذلك) فيه مواضع للنظر أيضا.
نعم ما فيه (من أنه لا يجوز أن يهب مارا ولا غيره أو يجعله نائبا وما أكلته المارة
حين تعلق الزكاة أو الخمس جار على الجميع، فلا شئ للفقراء على المالك، وليس
حق المارة مما يجوز نقله، ولو استناب أحدا في التناول له جاز علي إشكال) جيد
بل الاشكال في الأخير ضعيف، ثم إن ظاهر خبر ابن سنان السابق (1) اعتبار البلوغ
في الثمرة فلا تباح حينئذ للمارة قبل بلوغها، كما هو مقتضى الاقتصار على المتيقن
نعم لا يبعد أن يكون المراد من ذلك الوصول إلى حد اعتياد التناول، وربما ظهر
من بعض مشائخنا تعميم الحكم للثمرة وإن لم تبلغ حد اعتياد الأكل، وهو وإن كان
قد يشهد له إطلاق كثير من النصوص، لكن ما ذكرنا أقوى وأحوط، ولا فرق بين الثمرة
المعتادة وغيرها من سائر الشجر والله أعلم.

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار الحديث 12
135

(الفصل التاسع)
(في) البحث عن (بيع) الأناسي من (الحيوان و) تمام القول فيه يتوقف
على (النظر فيمن يصح تملكه وأحكام الابتياع ولواحقه).
(أما الأول) فلا خلاف في أن (الكفر الأصلي) بأحد أسبابه (سبب
لجواز استرقاق) الكافر (المحارب) الخارج عن طاعة الله ورسوله، ولم يكن
معتصما بذمة أو عهد أو نحوهما (و) يلحقه في هذا الحكم (ذراريه) وإن لم يتصفوا
بوصفه (ويسري الرق في أعقابه وإن زال) وصف (الكفر) عنه، لأنهم نماء
الملك الذي قد فرض حصوله بحصول سبب التملك حال الاسترقاق، (ما لم يعرض
الأسباب المحررة) فيتبعه حينئذ أعقابه بعد الحرية فيها، لخروجه عن الملك المقتضي
لملكية النماء حينئذ، وخرج بالأصلي المنتحل للاسلام المتحصن به عن الاسترقاق
إجماعا، والمرتد الذي خرج كفره المتجدد بتخلل الاسلام أو ما في حكمه عن
كونه أصليا، لأصالة الحرية السالمة عن المعارض بعد اختصاص الفتاوى والنصوص
ولو بحكم التبادر في غيره، بلا خلاف أجده في ذلك هذا.
وفي الحدائق (المرتد وإن كان بحكم الكافر في جملة من الأحكام إلا أنه لا
يجوز سبيه، وفي جواز بيع المرتد الملي قول قواه في الدروس وأما الفطري، فلا،
قولا واحدا فيما أعلم) قلت: الموجود في الدروس هنا (ويصح بيع المرتد عن ملة
136

لا عن فطرة على الأقوى) والظاهر كون المراد بيع المالك للعبد المرتد عن ملة لا عن
فطرة، وغير الأقوى جواز بيعهما معا، قال في التذكرة: (المرتد إن كان عن فطرة ففي
صحة بيعه نظر، ينشأ من تضاد الحكمين، ومن بقاء الملك، فإن كسبه لمولاه، وأما
عن غير الفطرة فالوجه صحة بيعه، لعدم تحتم قتله لاحتمال رجوعه إلى الاسلام).
وعلى كل حال فهذا غير ما نحن فيه، ثم إن مقتضى إطلاق المتن وغيره ما هو
صريح الفاضل وغيره من عدم الفرق في سبب الملك بين الكافر والمسلم، بل في
شرح الأستاذ أن الاجماع بقسميه عليه، وقال رفاعة في الصحيح (1) (لأبي الحسن
عليه السلام: إن القوم يغزون على الصقالبة والروم (2) فيسترقون أولادهم من الجواري
والغلمان، فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار فما
ترى في شرائهم ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وإنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت
بينهم فقال لا بأس بشرائهم، إنما أخرجوا من الشرك إلى دار الاسلام).
وفي خبر إبراهيم بن عبد الحميد (3) عن أبي الحسن عليه السلام أيضا (في شراء
الروميات فقال: اشترهن وبعهن)) وسأل عبد الله اللحام (4) أبا عبد الله عليه السلام
(عن رجل يشتري من أهل الشرك ابنته فيتخذها قال: لا بأس) وسأله أيضا (عن الرجل
يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها قال: فقال: لا بأس) بل ظاهر خبر اللحام
الأول ملكه من ينعتق عليه، وقد استشكل فيه الفاضل من دوام القهر المبطل للعتق لو
فرض، ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر، قال: (والتحقيق صرف الشراء إلى

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
(2) هكذا كان في النسخ المصححة، وفي الكافي " إن الروم يغيرون على الصقالبة،
إلى آخر الحديث
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2
137

الاستنقاذ، وثبوت الملك للمشتري بالتسلط) قلت: المتجه على هذا عدم لحوق
أحكام البيع من الخيار والأرش ونحوهما، لكن مع ذلك توقف فيه الفاضل، وهو
في غير محله قطعا.
نعم قد يقال ببقاء الملك لأنه إن قلنا بتوقف العتق على تقدمه زمانا، فمن
الواضح حينئذ عدم وقوعه مع المقارنة، لأن كل حين من أحيان العتق يقارنه سبب
الملك، فلم يزل مملوكا عتيقا، وإن قلنا بتوقفه على التقدم الذاتي فكذلك أيضا، إذ
السببان كفرسي رهان، وقاعدة سلطان الملك (وتسلط الناس على أموالهم) أصل لا
يخرج عنه في محل الشك، أو يقال إن عدم جواز التمليك عندنا، مع الجواز عندهم
غير قادح في جواز الأخذ منهم، الزاما لهم بمذهبهم، ولو قلنا بعدم الجواز فالظاهر
جواز أخذ الثمن منهم، لو وقع البيع بينهم، وإن كان الدافع ذميا أو معاهدا
هذا.
ولكن الانصاف عدم خلو أصل المسألة من إشكال إن لم يكن إجماع على
كون الاستيلاء من بعضهم على بعض مملكا، كاستيلاء المسلم، خصوصا بعد أصالة
الحرية وعدم ملك الناس بعضهم لبعض، والنصوص المزبورة محتملة لإرادة التسلط
العرفي من الشراء فيها خصوصا في الرواية الأولى المقتضي خصي الغلمان فيها
العتق، لكونه تنكيلا، بل من المحتمل إرادة المخالفين من ملوك أهل الجور من
القوم فيها، ومن الغريب الجزم من بعض الناس بالملكية في السبب بالتقرير الذي
سمعته، مع أنه يمكن منع كون السببين فيه على ما ذكر، باعتبار تقدم القرابة المتحققة
بانعقاد النطفة، ولا ريب في أنها قبل القهر والله أعلم.
(ويملك اللقيط من دار الحرب) التي ليس فيها مسلم يمكن تولده منه
بالاستيلاء عليه، بلا خلاف أجده فيه، إلحاقا له بأهل الدار الذين قد عرفت كون
حكمهم ذلك، ولا يملك إذا كان فيها مسلم يمكن تولده منه بلا خلاف أجده فيه، بل
عن بعضهم دعوى الاجماع عليه لأصالة الحرية، لكن قد يناقش فيها بظهور الوجدان
138

في الدار في كونه منهم، وهو كاف في قطع الأصل، وإلا لم يترتب الملك على
الالتقاط إلا نادرا، لندرة عدم الاحتمال، ولو جرى الحكم في الأسر أيضا لوحدة
المدرك، لقل ما يحكم بترتب الملك فيه أيضا، ولوجب في الغالب الفحص والسؤال
إذ قل ما ينتفي الاحتمال، قلت: يمكن أن يكون المستند في ذلك إطلاق النصوص
لا الأصل المزبور، كقول الصادق عليه السلام في خبر زرارة (1) (اللقيط لا يشترى ولا
يباع) وفي خبر المدايني (2) (المنبوذ حر، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه
ولا فإن طلب منه الذي رباه النفقة، وكان مؤسرا رد عليه، وإن كان معسرا كان
ما أنفق عليه صدقة):
وفي خبر عبد الرحمن العرزمي (3) عن أبيه عن الباقر عليه السلام (المنبوذ حر فإذا
كبر فإن شاء يوالي الذي التقطه، وإلا فليرد عليه النفقة، وليذهب فليوال من يشاء)
وسأله محمد بن مسلم (4) في الصحيح (عن اللقيطة فقال: حرة لا تباع ولا تشترى ولا
توهب) اللهم إلا أن يدعى أن الأخبار لا يفهم منها إلا ما في دار الاسلام، كما يفهم
من أخبار لقطة المال والحيوان ويدفع بمنع اختصاصها في ذلك، ولو بمعونة فهم
الأصحاب.
نعم لا ريب في خروج ما كان منه في دار الحرب علي الوجه السابق منها، ترجيحا
لما دل على جواز تملك مثله عليها إن قلنا بشمول إطلاقها لمثله، كما أنه لا ريب
في اختصاص الحكم المزبور بالالتقاط، لما عرفت من اطلاق النصوص الحرية،
أما الأخذ ونحوه مما لا يعد التقاطا فيترتب عليه أحكام الملك، بظاهر الدار، ولا يلتفت
إلى الاحتمال المذكور، بل قد يمنع الحاق المعتصم بالمسلم في الالتفات إلى
الاحتمال المزبور، لعدم انجبار الاطلاق بالفتوى، بل ظاهر الفتوى القطع بوجود
المسلم الممكن التولد منه) فلا يجزي الظن بوجوده، فضلا عن الاحتمال لأصالة عدمه

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب اللقطة الحديث 1 - 2 - 3 - 5
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب اللقطة الحديث 1 - 2 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب اللقطة الحديث 1 - 2 - 3 - 5
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب اللقطة الحديث 1 - 2 - 3 - 5
139

السالمة هنا عن المعارض، بخلاف أصالة عدم التولد منه.
(و) على كل حال فقد ظهر أنه (لا يملك) اللقيط (من دار الاسلام)
بلا خلاف، فتوى ونصا، إلا إذا علم انتفاؤه عن المسلم ومن في حكمه بالنسبة إلى ذلك
(فلو بلغ وأقر) جامعا لشرائط صحة الاقرار بالرق، أو ببعض علله أو نحو ذلك
مما يقتضيه (قيل) والقائل ابن إدريس ناسبا له إلى محصلي الأصحاب (لا يقبل)
لأن الشارع حكم عليه بالحرية، (وقيل) والقائل غيره، بل قيل إنه إجماع (يقبل
وهو أشبه) بعموم جواز إقرار العقلاء على أنفسهم، وبما سمعه ابن سنان (1) عن
الصادق عليه السلام (إن عليا عليه السلام كان يقول الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه
بالعبودية وهو مدرك، من عبد أو أمة، ومن شهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا)
وسأله الفضل (2) (عن رجل أقر أنه عبد قال: يؤخذ بما أقر به) ولا ينافيه الحكم الشرعي
ظاهرا بالحرية كما في غيره مما يعترف الخصم به.
ودعوى ظهور نصوص اللقيط في التحرير شرعا لا الحكم بها، ظاهر ينفيها
اتفاق الأصحاب على خلافها ظاهرا، بل يمكن دعوى انسياق ذلك منها، مع قطع
النظر عنها، خصوصا بعد معلومية خروج المعلوم انتسابه إلى أهل الحرب منها، ثم إنه قد يظهر
من إطلاق المتن وغيره في باب اللقطة عدم اعتبار الرشد في صحة الاقرار المزبور
لأنه ليس اقرارا بالمال، وإن ترتب عليه، كما يسمع إقراره بما يوجب القصاص،
وإن أمكن رجوعه إلى المال بوجه وأشكل بما لو كان في يده مال، فإن إقراره على
نفسه بالرقية يقتضي كون المال له، إلا أن يقال بثبوته تبعا لثبوت الرقية، لا أنها
إقرار بالمال، وفيه بحث، ومن هنا مال بعضهم إلى اشتراطه، بل جزم به شيخنا في
شرحه بذلك، لما عرفت، ولأنه نفسه مال، فلا يقبل إقراره، وفيه أنه لا دليل معتبر
صالح لتقييد أدلة جواز الاقرار التي يجب الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن
الذي هو غير مفروض البحث قطعا، كما هو واضح بأدنى تأمل، وتفسير المدرك

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب العتق الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب العتق الحديث 1 - 2
140

بالرشيد في الخبر المزبور لا شاهد له بل ظاهره إرادة كونه بالغا عاقلا، هذا وتسمع
تمام البحث في أطراف المقام إنشاء الله تعالى.
(ويصح أن يملك الرجل كل أحد) لعموم الأدلة أو إطلاقها (عدا أحد
عشر) فلا يستقر ملك الرجل عليهم، بل ينعتقون عليه قهرا (وهم الآباء والأمهات
والأجداد والجدات) لهما أو لأحدهما (وإن علوا والأولاد وأولادهم ذكورا وأناثا)
وخناثا (وإن سفلوا والأخوات والعمات والخالات) وإن علتا، لا عمة العمة ولا
خالة الخالة ولا عمة الخالة ولا خالة العمة إذا لم تكن عمة وخالة (وبنات الأخ
وبنات الأخت) بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى، إذ اقتصار البعض على ذكر البعض ليس
خلافا في المقام قطعا كما لا يخفى على من لاحظ بل الاجماع بقسميه
على ذلك.
نعم قيل بل نسبه بعضهم إلى ظاهر الأكثر أن المراد من نحو ما في المتن
عدم استقرار الملك، فيدخل في الملك آنا ما بعد الشراء مثلا، ثم ينعتق ولعله للجمع
بين قاعدة (لا عتق إلا في ملك) وقاعدة (ترتب الملك على أسبابه) وبين ما دل
على الانعتاق هنا قهرا، مضافا إلى ظهور بعض نصوص المقام في حصول الملك
بالشراء ثم العتق، كقوله (إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته عتقوا) وقوله (إذا
ملكهن عتقهن) ونحو ذلك، فالجمع بين ذلك وبين التبعض الآخر الدال على عدم
الملك بإرادة المستقر من الثاني وغيره من الأول هذا.
وقد يقال أن ظاهر جملة من النصوص ترتب العتق على نفس الشراء مثلا، فيمكن
أن يكون تقدم الملك علي العتق تقدما ذاتيا لا زمانيا، ومثله كاف في مثل (لا عتق إلا
في ملك) ضرورة أنه على تقدير إرادة الزمان يستلزم تخلف المعلول عن العلة، وهو
ممتنع عقلا من غير فرق بين قصر الزمان وطوله، فالشراء مثلا سبب لحصول الملك
والعتق معا، إلا أنه لما كان الأول سببا في الثاني كان متقدما عليه في الذات لا الزمان
كتقدم الشراء على الملك وغيره من العلل والمعلولات، وحينئذ فيمكن الجمع بين
141

النصوص بذلك، بل هو أقرب من الأول إلى الضوابط، فتأمل جيدا، والله أعلم هذا.
وستسمع الحكم في الصبي والصبية والخنثى المشكل.
(و) على كل حال ف‍ (هل يملك) الرجل (هؤلاء من الرضاع قيل:)
والقائل القديمان والمفيد والديلمي وابن إدريس، بل نسبه الأخير إلى المحصلين
من الأصحاب (نعم، وقيل) والقائل الشيخ وابنا البراج وحمزة وغيرهم (لا،
وهو الأشهر) بل المشهور بين المتأخرين، بل عن بعضهم دعوى الاجماع عليه،
لقول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير وأبي العباس وعبيد (1) الذي رواه الصدوق
بأسانيد متعددة، ولا يملك (أي الرجل) أمه من الرضاع ولا ابنته ولا عمته ولا
خالته، فإنهن إذا ملكن عتقن، وقال: ما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع مثل
ذلك، وقال: يملك الذكور ما خلا والدا وولدا، ولا يملك من النساء ذات رحم
محرم، قلت: يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال: نعم يجري في الرضاع مثل ذلك)
ونحوه خبر أبي بصير الآخر (2) وزاد يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
وصحيح الحلبي وابن سنان (3) في امرأة أرضعت ابن جاريتها؟ فقال:)
تعتقه) وعن المقنع أنه رواه مرسلا، وفي صحيح عبيد (4) (ولا يملك أمه من الرضاعة
وسأله ابن سنان (5) أيضا (عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتى تفطمه،
يحل لها بيعه؟ قال: لا، حرم عليها ثمنه، ثم قال: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب، قد صار ابنها، فذهبت أكتبه فقال أبو عبد الله عليه السلام:
ليس مثل هذا يكتب) ونحوه صحيحه الآخر (6) إلا أن فيه سئل وأنا حاضر،

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 - 3
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الحديث 7
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الحديث 3
(6) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1
142

وعن المقنع (1) أنه (روي في مملوكة أرضعتها مولاتها بلبنها أنه لا يحل بيعها)، وخبر
علي بن جعفر المروي عن كتابه (2) (سأل أخاه عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله؟
قال: إذا أرضعته عتق).
وصحيح عبد الرحمان (3) عن الصادق عليه السلام أيضا قال (سألته عن المرأة ترضع
عبدها، أتتخذه عبدا، قال: تعتقه وهي كارهة) قيل ورواه الشيخ بسند آخر مثله،
إلا أن فيه (ويعتقونه وهم له كارهون) والظاهر إرادة الانعتاق قهرا، ومنه يعلم المراد
من صحيح الحلبي وابن سنان السابق، كما أن الظاهر عدم إرادة الاقتصار على الأم
من صحيح عبيد، للاجماع المركب على خلافه، ولظهور النصوص في أن العلة علقة
الرضاع، فهذه النصوص مع صحة السند وكثرة العدد وشهرة العمل والمخالفة للعامة
لا محيص عن العمل وقطع الأصول بها، بل ربما ظهر من بعضهم تأييدها بدعوى
اندراج ذي العلقة الرضاعية في اسم الأسماء فتزداد حينئذ النصوص الدالة على
المطلوب.
لكن لا يخفى ما فيه إلا أنا في غنية عنه بما عرفت مما لا يصلح لمعارضته خبر ابن
سنان (4) عن الصادق عليه السلام (إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر إلا ما كان
من قبل الرضاع) وصحيح الحلبي (5) عنه أيضا، في بيع الأم من الرضاع؟ (قال:
لا بأس بذلك إذا احتاج).
وخبر أبي عيينة (6) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: غلام بيني وبينه رضاع، يحل
لي بيعه، قال إنما هو مملوك، إن شئت بعته، وإن شئت أمسكته، ولكن إذا ملك
الرجل أبويه فهما حران) مع أن الأخير منهما ظاهر في الأخ، وقد عرفت صحة ملكه

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 4
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 - 4
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الحديث 2
(4) التهذيب ج 8 ص 245 الحديث 118 - 119 الطبع الحديث
(5) التهذيب ج 8 ص 245 الحديث 118 - 119 الطبع الحديث
(6) الوسائل الباب 4 من أبواب بيع الحيوان الحديث 4
143

في النسب فضلا عن الرضاع، بل الاستدراك فيه ظاهر في إرادة الأبوين من الرضاع
فهو شاهد على المطلوب حينئذ.
ويمكن إرادة بيع الأم من الرضاع لأبي الغلام من الثاني الذي قيد البيع فيه
بالاحتياج، والمعروف بين المخالف عدمه، أو يحمل الرضاع فيه على غير المحرم
أو نحو ذلك كالأول المشتمل على ما يخالف الاجماع وباقي النصوص من عدم حرية
الأخ، بل ربما احتمل كون (أو) فيه بمعنى الواو، إلا أنه لا يخفى عليك بعده، لكن
لا بأس به جمعا بعد ظهور المرجوحية في السند والعدد والعمل، وإن كان الأولى الحمل
على التقية فيما عليه اتفاق العامة كما قيل، وربما كان في صحيح ابن سنان (1) السابق
إشارة إليه إن لم يحمل الانكار فيه على إرادة الظهور والوضوح والله أعلم.
وكيف كان فلا خلاف في ملك الرجل غير من عرفت من الذكور، وقد سمعت
قول الصادق عليه السلام في الصحيح الأول (2) وفيه أيضا، (ويملك ابن أخيه وعمه وخاله)
كقوله في صحيح عبيد (3) بعد ذكر العمودين والإناث المحارم، (ويملك ما سوى
ذلك من الرجال من ذوي قرابته)، وقول أبي جعفر عليه السلام في خبر محمد بن مسلم (ويملك
أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال) وسأل عبد الرحمن (4) أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يتخذ أباه وأمه وأخاه وأخته عبيدا؟ فقال: أما الأخت فقد عتقت حين يملكها
وأما الأخ فيسترقه، وأما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما، وقال أيضا في خبر كليب
الأسدي (5): (إذا ملك الأبوين، فقد عتقا، وقد يملك إخوته فيكونون مماليك ولا ينعتقون).
لكن في خبر عبيد (6) لا يملك الرجل أخاه من النسب ويملك ابن أخيه)
وفي موثق سماعة (7) (عن الصادق عليه السلام في رجل يملك ذا رحمه، هل يصلح له أن

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب العتق الحديث 3
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الحديث 1 - 4
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الحديث 1 - 4
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الحديث 5 - 8 - 6
(5) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الحديث 5 - 8 - 6
(6) الوسائل الباب 7 من أبواب العتق الحديث 5 - 8 - 6
(7) الوسائل الباب 4 من أبواب بيع الحيوان الحديث 6
144

يبيعه أو يستعبده قال: لا يصلح بيعه ولا يتخذه عبدا، وهو مولاه وأخوه في الدين،
وأيهما مات ورث صاحبه إلا أن يكون له وارث أقرب منه) وسأله أيضا في موثقه
الآخر (1) عن ذلك (فقال: لا يصلح له أن يبيعه وهو مولاه وأخوه في الدين، فإذا
مات ورثه دون ولده، وليس له أن يبيعه ولا يستعبده) وحملها على الكراهة متجه،
ولذا قال: المصنف:
(ويكره أن يملك ما عدا هؤلاء من ذوي قرابته، كالأخ والعم والخال
وأولادهم) وإن كان في استفادة تمام ذلك من النصوص السابقة إشكال، إذ حاصله
كراهة ما يملكه مختارا، وكراهة الابقاء على الملك في القهري، لكن أمر الكراهة
سهل، ويكفي فيها الفتوى مع قوله (لا يملك الرجل أخاه) وعدم القول بالفصل
والظاهر حمل الفرق فيه بين الأخ وولده على الشدة والضعف، كل ذلك مع المنافاة
لصلة الأرحام والاخلال بالاحترام فلا ينبغي البيع ولا غيره من النواقل ولا
الاستعباد، بل قيل أنه لا ينبغي ذلك في المحترم شرعا لفضيلة علم أو صلاح أو شيخوخة
أو علقة بنسب شريف كالهاشمي على اختلاف مراتبها، وكذا من كان له حق لصداقة
أو إحسان أو تأديب أو تعليم ونحو ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (تملك المرأة كل أحد عدا الآباء وإن علوا والأولاد
وإن نزلوا نسبا) بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى في المستثنى، وقد سأل أبو حمزة
الثمالي (2) الصادق عليه السلام (عن المرأة ما تملك من قرابتها، قال: كل أحد إلا خمسة،
أباها وأمها وابنها وابنتها وزوجها) وأما المستثنى منه، فللأصل والعمومات السالمة
عن المعارض، لكن في المقنعة لا يصح استرقاق المرأة أبويها ولا أولادها، ولا
أخاها ولا عمها ولا خالها من جهة النسب وتملكهم من جهة الرضاع، ولتمام البحث
معه محل آخر.

1 - الوسائل الباب 13 من أبواب العتق الحديث 1
2 - الوسائل الباب 9 من أبواب العتق الحديث 1
145

(وفي العمودين والأولاد لها من الرضاع تردد) يظهر وجهه مما عرفت (و
المنع) أشبه و (أشهر) لما تقدم من أنه يحرم منه ما يحرم بالنسب، وقرابة الشبهة
في المرأة والرجل بحكم الصحيح، بخلاف قرابة الزنا على إشكال، أقواه عند الشهيدين
ذلك، لأن الحكم الشرعي يتبع الشرع لا اللغة، وفيه ما لا يخفى، بعد عدم ثبوت
الحقيقة الشرعية فيه، وعدم قرينة على المراد الشرعي، اللهم إلا أن يقال: باستفادة
عدم النسب شرعا بالزنا من غير المقام، كقول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة (1) في
النهج التي تعرض فيها لانتفاء زياد عن أبي سفيان، بل لعل قول النبي صلى الله عليه وآله (2) (الولد
للفراش وللعاهر الحجر) دال عليه، بناء على كون المراد من الأول أنه لا ولد شرعا
إلا للفراش، لا أنه خاص في التعارض بينه وبين الزنا، بل قد يستفاد ذلك من مقامات
كثيرة، بل كأنه من المعلوم في مقات متفرقة، وحينئذ فثبوت أحكام النسب فيه
كحرمة نكاح البنت منه مثلا، للدليل الخاص ولو الاجماع إن لم تكن
الضرورة هذا.
وفي الروضة قد يفهم من إطلاق المصنف كغيره الرجل والمرأة، أن الصبي
والصبية لا يعتق عليهم ذلك لو ملكوه إلى أن يبلغوا. والأخبار مطلقة في الرجل والمرأة
كذلك، ويعضده أصالة البراءة، وفيه أن ظاهر النصوص والفتاوى كون ذلك من
خطاب الوضع الذي لا يخص المكلف، وقد سمعت ما في صحيح أبي بصير (3)
السابق من ظهور كون السبب الملك خصوصا بعد ملاحظة التعليل في بعض النسخ
بل في نصوص أم الولد (4) وانعتاقها من نصيب ولدها، إيماء إلى ذلك أيضا، فلا ريب
في أن الأقوى عدم الفرق، بل في شرح الأستاذ الاجماع على ذلك، أما الخنثى

(1) النهج الجزء الثالث طبعة مصر ص 76 الكتب 44 من كتاب له عليه السلام إلى زياد
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب ميراث ولد الملاعنة وما أشبهه الحديث 1
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الحيوان الحديث 1
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب الاستيلاد
146

المشكل ففي إلحاقها إذا كانت مالكة بالرجل أو المرأة نظر، من الشك في الذكورية
التي هي سبب عتق غير العمودين والأولاد، فيوجب الشك، في عتقهم، والتمسك
بأصالة بقاء الملك، ومن امكانها، فينعتقون لبنائه على التغليب، وكذا الاشكال لو
كان مملوكا، ولعل الأقوى إلحاقها بالأنثى في الأول، والذكر في الثاني، تمسكا
بالأصل فيهما، وتوقف في الدروس في الثاني منهما، واستقرب في الأول ما ذكرنا ثم
لا فرق في جميع ما ذكرنا بين الملك القهري والاختياري ولا بين الكل والبعض،
فيقوم عليه باقيه إن كان مختارا. والله أعلم.
(وإذا ملك أحد الزوجين صاحبه) بشراء أو اتهاب أو نحوهما (استقر الملك)
كما هو مقتضى العمومات (ولم تستقر الزوجية) المنافية للملك فلا تجتمع معه
بل تبطل اجماعا بقسميه، لظهور التفصيل في قطع الشركة بين الأسباب المسوغة
للوطئ، بل قيل إنه اجماع فضلا عن ظهور الكتاب والسنة، ولعله لاختلاف اللوازم
والتوابع لكل من الأسباب، لكن قضية الاستصحاب بطلان اللاحق وبقاء السابق، و
هو كذلك فيما عدا لحقوق النكاح للتحليل فإن الظاهر بطلانه به، لقوته عليه نحو
ما نحن فيه من بطلان النكاح بالملك لمثل ذلك، ولا يترجح بقاء الزوجية على ما
يقتضي الملك من العمومات وغيرها.
قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن قيس (1) (قضى أمير المؤمنين عليه السلام
في سرية رجل ولدت لسيدها ثم اعتزل عنها فأنكحها عبده ثم توفي سيدها وأعتقها
فورث ولدها زوجها من أبيه، ثم توفي ولدها فورثت زوجها من ولدها فجاءا
مختلفين، يقول الرجل لا أطلقها، وتقول المرأة عبدي لا يجامعني، فقالت المرأة:
يا أمير المؤمنين إن سيدي شراني، فأولدني ولدا ثم اعتزلني، فأنكحني من عبده
هذا، فلما حضرت سيدي الوفاة فأعتقني عند موته، وأما زوجي هذا فإنه صار مملوكا

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء
الحديث 3
147

لولدي الذي ولدته من سيدي، وإن ولدي مات فورثته، فهل يصلح له أن يطأني؟
فقال لها: هل جامعك منذ صار عبدك وأنت طائعة؟ قالت: لا يا أمير المؤمنين، قال:
لو كنت فعلت لرجمتك إذهبي، فإنه عبدك ليس له عليك سبيل، إن شئت أن
تبيعه وإن شئت أن تعتقيه).
وسمع عبد الله سنان (1) أبا عبد الله في الصحيح (يقول في رجل زوج أم
ولد له مملوكا ثم مات الرجل فورثه ابنه، فصار له نصيب من زوج أمه، ثم مات
الولد أترثه أمه فقال: نعم، قال: فإذا ورثته كيف تصنع وهو زوجها؟ قال: تفارقه
وليس له عليها سبيل وهو عبد) وقال أيضا في موثق إسحاق بن عمار (2) (في امرأة
لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته؟ قال: ليس بينهما نكاح).
وسأله أيضا سعيد بن يسار (3) (عن امرأة تكون تحت المملوك فتشتريه،
هل يبطل نكاحه؟ قال: نعم لأنه عبد مملوك لا يقدر على شئ) وهذه النصوص و..
إن كانت خاصة في إحدى الصورتين إلا أني لم أجد قائلا بالفصل
بينهما.
مضافا إلى ما عرفت وعلل مع ذلك، بأن بقاء الزوجية يستلزم اجتماع علتين
على معلول واحد شخصي، وفيه أن علل الشرع معرفات، وبأن اختلاف الأسباب
يقتضي اختلاف المسببات، وفيه بعد تسليم عدم الاختلاف هنا، منع اعتبار ذلك
فيها بعد كونها معرفات، ولو فرض أن لكل منها لازما يناقض الآخر، فأقصاه التعارض
بين اللوازم بعد الاتفاق على الحل، فيرجع فيه إلى الترجيح إن كان، وإلا فالتخيير،
أو غير ذلك مما يقتضيه الضوابط.
هذا بعد فرض ذلك، وإلا فالمقام لا تناقض بين أحكامه غالبا، فإن عدم القسم
للمملوكة مثلا من حيث الملك، لا من حيث الزوجية وهكذا، فالأولى الاستدلال
بما عرفت، والظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين ملك الكل والبعض،

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 4 - 2
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 4 - 2
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 4 - 2
148

إذ البضع لا يتبعض، وقد عرفت انقطاع الشركة بالتفصيل، كما أنك سمعت ما يستفاد
منه حكم ملك البعض من النصوص، بل قيل إنه اجماع.
وكذا لا فرق بين الدائم والمنقطع والتحليل، لاتحاد المدرك، ولو ملك
فزال الملك لفسخ بخيار ونحوه، لم يعد النكاح، والحكم في المعاطاة وزمن
الخيار وقبل القبض يتبع الملك وعدمه، ولا فسخ في الفضولي قبل الإجازة على
القول بالنقل، ولا يمنع عن الوطئ، وعلى الكشف ففي شرح الأستاذ يمنع عنه إن
كانت الزوجة هي المشترية ويتوقف العلم بحصول الفسخ من حين العقد عليها.
وفيه أن أصالة عدم حصول الإجازة تكفي في ذلك، اللهم إلا أن يفرق بين
الوطئ وغيره، والموقوف عليه خاصا مالك دون العام، فلا ينفسخ به النكاح على
الأقوى، كما صرح به شيخنا في شرحه، قال: وكذا الحال في المشتري من مال الزكاة
ونحوها مما يملكه الفقراء أو مما يدخل في ملك المسلمين، مع دخول الآخر في
المالكين وهو جيد، ولو أريد العقد على الجارية المفروض كونها من ذلك ابتداء
تولاه الحاكم القائم مقام المسلمين، فتأمل جيدا. والله أعلم.
(ولو أسلم) العبد (الكافر) وهو (في ملك مثله) في الكفر (أجبر)
المولى (على بيعه من مسلم ولمولاه ثمنه) كما تقدم سابقا لعدم السبيل، وقال
الصادق عليه السلام في المرفوع إلى حماد بن عيسى (1) (أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي بعبد
لذمي قد أسلم، فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين، وادفعوا ثمنه إلى صاحبه، ولا
تقروه عنده) وهو ظاهر في بيع غيره له، وإن لم يتعذر جبره على البيع ولا بأس به
ولتحقيق البحث في ذلك كله وفروعه مقام آخر، ومنها أن بحكم إسلامه اسلام أحد أبويه
صغيرا أو أحد أجداده بناء على ثبوت حكم الاسلام له، فينتفي سبيل الكافر عليه، والله أعلم.
(ويحكم برق من أقر على نفسه بالعبودية إذا كان مكلفا) رشيدا (غير مشهور
بالحرية) ولا معلوم الانتساب ولو شرعا إلى ما يستلزمها، بلا خلاف أجده، لعموم

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب العتق الحديث 1
149

(إقرار العقلاء) (1) ولصحيح عبد الله بن سلام (2) قال: (سمعت أبا عبد الله يقول:
كان علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية
وهو مدرك من عبد أو أمة) وفي خبر زكريا بن آدم (3) (إني سألت الرضا عليه السلام عن
سبي الديلم؟ ويسرق بعضهم من بعض، ويغير المسلمين عليهم بلا إمام، أيحل شراؤهم؟
قال: إذا أقر بالعبودية فلا بأس بشرائهم) إلى غير ذلك.
وخلاف ابن إدريس في اللقيط خاصة للنصوص السابقة، وأصالة الحرية لا
تعارض الاقرار الذي هو بمنزلة البينة بالنسبة إلى ذلك، بل قد يظهر من المصنف و
غيره عدم اعتبار الرشد في ذلك، وفيه البحث السابق، ودعوى توقف صحة الاقرار
على الحرية حتى لا يكون اقرارا في حق الغير واضحة الفساد بالنسبة إلى الاقرار
على النفس. نعم إنما يمضي الاقرار في حق المقر، فإقرار المرأة تحت الزوج
لا يسمع في حقه، وكذا إقرار من عقد عقدا لازما أو عمل متبرعا أو أباح شيئا فتلف إلى
غير ذلك مما يمضي على تقدير الحرية، إلا إذا كان الغير مصدقا ولو استلزم رفع حد
أو تخفيفه أو رفع وجوب نفقة أو نحوها فيما له، لا فيما عليه إلا في خصوص الحد
وشبهه، للشبهة.
(و) كيف كان ف‍ (لا يلتفت إلى رجوعه) عن الاقرار السابق الذي
لم يذكر له تأويلا محتملا وإن أقام بينة على ما رجع إليه من دعوى الحرية، لأنه كذبها
باقراره السابق فلم يثبت حجيتها في هذا الحال، أما لو ذكر تأويلا محتملا كان يقول
كنت أرى أن رقية أحد الوالدين تقتضي برقية الولد، أو لم أعلم بانعتاق أحد أبوي
حال الانعقاد، أو نحو ذلك، أمكن قبول البينة، كما صرح به جماعة في المقام وغيره،
لعموم دليل حجيتها، وارتفاع معارضة الاقرار لها بذكر الاحتمال المزبور الذي به

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب الاقرار الحديث 2
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب العتق الحديث 1
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2
150

ترجح قبولها، كما أنه أرجح منها إذا لم يذكر، ومجرد الاحتمال إن لم يذكر
غير مجد على الظاهر مع احتماله، كاحتمال عدم قبول البينة كما هو مقتضى إطلاق
المصنف وغيره، وإن ذكر الاحتمال المزبور، لأنه مجرد دعوى لا يرتفع بها ظهور
تكذيب البينة المسقط لها عن القبول، والمسألة محتاجة إلى التأمل التام، وربما يأتي
لها مزيد تحقيق إن شاء الله تعالى.
ولو كان اقراره لمعين فأنكره وجب عليه ايصال نفسه إليه، بادخاله في ماله سرا
وبنحو الهدية وغير ذلك، لأن الاقرار حجة، وافقه المقر له أو لا، على أصح القولين
والوجهين، عملا بعموم ما دل على صحة الشامل للصورتين، ودعوى اعتبار الموافقة
في مفهومه أو في حجيته واضحة المنع، ولو علم الحاكم بالحال، ففي شرح الأستاذ
(أخذه قهرا مع تجويز صدقهما وأجرى عليه حكم مجهول المالك، كما كان الاقرار
بمبهم، وامتنع عن التصريح) ولعله لما عرفت من حجية الاقرار، فهو به حينئذ صار
مالا، وقد امتنع عن المقر له شرعا بانكاره، فيبقى بلا مالك ظاهرا فيجري عليه حكم
مجهول المالك، ومثله المال المقر به لشخص فأنكره، وفيه مناقشة بعد علم المقر
بالمالك وكان تكليفه الدس ونحوه، اللهم إلا أن يدعى أن للحاكم اجراء الحكم ظاهرا
وإن كان للمقر امضاء ما هو مكلف فيه، وقد ذكر المصنف في باب الاقرار في نحو
ذلك أن للحاكم الانتزاع من يد المقر، وله الابقاء فلاحظ وتأمل.
ولو رجع المقر له إلى التصديق قوى قبوله إن لم يسنده إلى مالك آخر، لعدم
المعارض، وانكاره السابق غير صالح لمعارضة ما دل على قبول دعوى المسلم التي لا
معارض لها، مع احتمال العدم، لأن إنكاره يؤل إلى إقرار في حقه فلا يسمع، وفرق
واضح بين المقام، وبين إنكار كون المال الذي في يده مثلا لزيد، ثم الاقرار به الذي
لا إشكال في سماع الاقرار به حينئذ فتأمل.
ولو رجع المقر بعد إنكار المقر له إلى دعوى الحرية أمكن قبولها أيضا، كما
صرح به بعضهم لعدم المعارض، والاقرار السابق إنما يفيد التزامه به بالنسبة إلى المقر له
151

ومثله لو أقر بالرقية لغير معين ثم ادعى الحرية، مع احتمال طلب الحاكم اليمين
منه، بل قد يحتمل عدم قبوله مطلقا، لأنه قد صار ما لا ينبغي للحاكم إيصاله إلى صاحبه
ولو بالصدقة، لكن ضعفه واضح.
وكذا البحث في المال المقر به لشخص معين فأنكره، ثم ادعاه المقر أو أقر به
لشخص ما، ثم ادعاه، ولعل وجه قبول دعواه فيه أن إقراره إنما هو رفع حكم يده الظاهرة
في الملك عنه، فيبقى هو حينئذ كغيره مما إذا ادعى حكم بكونه له، لعدم المعارض،
لا أن الاقرار أخرجه عن صلاحية الدخول ولو بالدعوى المستأنفة، وإن كان هو كما
ترى، مع عدم احتمال تجدد الملك، وقد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الاقرار
فلاحظ.
ولو رجع المقر له إلى التصديق بعد رجوع المقر إلى الدعوى الحرية أو إلى
دعوى المملوكية لشخص آخر قد صدقه لم يؤثر رجوعه، كما لم يؤثر رجوع المقر
بعد رجوع المقر له إلى التصديق، للاقرار المفروض استمراره إليه، ولو اقترن رجوع
كل منهما، أمكن اعتبار رجوع المقر دون المقر له فتأمل جيدا، ولو فرض تعدد الاقرار
بالرقية لشخصين أمكن العمل بكل منهما لكن لا على وجه الفردية، بل على معنى أنه
إذا اتفق تحريره ممن هو له في الظاهر استرقه الآخر، عملا باقراره كما أوضحنا نظير
ذلك في كتاب الاقرار فلاحظ وتأمل.
وكيف كان يقبل إقراره بالرقية (ولو كان المقر له كافرا) لأنه إخبار عن
ملك لا تمليك مبتداء، فيخبر حينئذ على بيعه لو كان مسلما كما هو واضح (وكذا)
في الحكم بالرقية (لو اشترى عبدا) مثلا صغيرا أو ساكتا حين الشراء والتعريض
للبيع (فادعى الحرية) بعد ذلك لأصالة صحة فعل المسلم (لكن هذا يقبل دعواه
مع البينة) لعدم تكذيبه إياها بالسابق، بل لا فيقبل دعواه بدونها إذا كان معرضا في
الأسواق مشهورا في الرقية أو لا صغيرا أو كبيرا مجنونا أو عاقلا ساكتا أو مقرا حملا
للتعريض الذي هو فعل مسلم على الصحة، فلا تقبل دعوى الحرية منه ولو كان قبل
152

الشراء، وعليه يحمل خبر حمزة بن حمران (1) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أدخل
السوق فأريد أن أشتري الجارية فتقول: إني حرة؟ فقال: اشترها، إلا أن يكون
لها بينة) أو على الجارية المعلوم سبق مملوكيتها إلا أنها تدعي حصول التحرير لها
بعد ذلك.
وبالجملة متى كان للمسلم على آخر يد وتصرف ملك أخذ به حتى تقوم البينة على
خلافه، وأصالة الحرية لا تعارض يد المسلم وتصرفه، لكن في التذكرة (العبد الذي
يوجد في الأسواق يباع ويشترى يجوز شراؤه وإن ادعى الحرية لم يقبل منه ذلك إلا
بالبينة، وكذا الجارية، إلى أن قال، أما لو وجد في يده وادعى رقيته ولم يشاهد شراؤه
له ولا بيعه إياه، فإن صدقه حكم عليه بمقتضى اقراره، وإن كذبه لم تقبل دعواه الرقية
إلا بالبينة، عملا بأصالة الحرية، وإن سكت من غير تصديق ولا تكذيب، فالوجه أن
حكمه حكم التكذيب إذ قد يكون لأمر غير الرضا، وإن كان صغيرا إشكال، أقربه
الحرية فيه).
وهو كما ترى يقتضي عدم جواز شراء الأطفال من ذوي الأيدي عليهم الذي من
المعلوم ضرورة خلافه، بل صرح غير واحد أنه لا تقبل دعوى الكبير الحرية مع شهرة
الرقية إلا بالبينة، وإن لم تجر عليه أحكام الرقية من قبل ولا حصل عليه يد ظاهرة في
الملك، بل في شرح الأستاذ (سواء بلغت الشهرة حد الشياع وعدمه على أصح
الوجهين) وإن كان لا يخلو الأخير من البحث. نعم قد يقال: إن مدعى رقية الصغير لا
تسقط دعوى الصغير الحرية بعد البلوغ، بل الظاهر كون القول قوله، حتى يقيم المدعي
البينة وإن كان قد أثبت يده وتصرف فيه بتلك الدعوى على معنى أنه قد علم استنادهما
إلى الدعوى المزبورة، إلا أن الانصاف عدم خلو ذلك عن الاشكال أيضا
والله العالم.
وأما (الثاني) وهو النظر (في أحكام الابتياع)
فقد تقدم في المباحث السابقة جملة منها، كالبحث فيما (إذا حدث في الحيوان

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2
153

عيب بعد العقد وقبل القبض) وقد قلنا هناك أنه إذا (كان) ذلك ف‍ (المشتري بالخيار
بين رده وإمساكه، وفي الأرش تردد) عند المصنف تقدم وجهه، والترجيح فيه
(و) كذا تقدم البحث فيما (لو قبضه ثم تلف أو أحدث فيه حدث في الثلاثة)
وقد قلنا هناك أنه إذا (كان) ذلك فهو (من مال البايع ما لم يحدث فيه المشتري حدثا
و) كذا تقدم البحث فيما (لو حدث فيه عيب من غير جهة المشتري) وأنه (
لم يكن ذلك العيب مانعا من الرد بأصل الخيار، وهل يلزم البايع أرشه؟ فيه تردد) عند
المصنف، كالتردد فيما تقدم (و) لكن قال هنا: (الظاهر لا و) أما (لو حدث
العيب بعد الثلاثة، منع الرد بالعيب السابق) كما عرفت الكلام فيه مفصلا فلاحظ
وتأمل والله أعلم.
(وإذا باع الحامل) من الانسان أو الحيوان ولم يكن عرف بالتبعية
(فالولد للبايع) وإن لم يشترطه (على الأظهر) الأشهر بل المشهور، بل ربما
ادعي عدم الخلاف فيه، بل في السرائر الاجماع عليه للأصل بعد عدم دخول الحمل
في متعلق البيع، إذ دعوى الجزئية الحقيقية التي هي بعض المبيع واضحة المنع،
سيما بعد ثبوت الأحكام الشرعية له مستقلا، كالتحرير والتدبير والوصية والعتق
والإرث وغيرها وخبر السكوني (1) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام (في رجل
أعتق أمة وهي حبلى، فاستثنى ما في بطنها، قال: الأمة حرة وما في بطنها حر، لأن
ما في بطنها منها) مع ضعف سنده وإعراض المشهور عنه في ذلك الباب أيضا معارض
بغيره كالموثق (2) (سألت أبا الحسن الأول عليه السلام، عن امرأة دبرت جارية لها،
فولدت الجارية، جارية نفيسة فلم تدر المرأة حال المولودة هي مدبرة أم غير مدبرة، فقال
متى كان الحمل بالمدبرة؟ أقبل ما دبرت، أم بعد ما دبرت؟ فقلت: لست أدري، ولكن
أجبني فيهما جميعا، فقال: إن كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها
فالجارية مدبرة والولد رق، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير، فالولد مدبر
في تدبير أمه) ورواه الصدوق مرسلا (3) وزاد لأن الحمل إنما حدث بعد التدبير

(1) الوسائل الباب 69 من أبواب العتق الحديث 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب التدبير الحديث 2
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب التدبير الحديث 2
154

ولو حدث الحمل عند المشتري كان له بلا خلاف أجده هنا، لأنه نماء ملكه، بل لو
شك في زمان حدوثه كان له أيضا، وقال بعض مشايخنا: إلا أن يعلم تاريخ الحمل
ويجهل تاريخ العقد ففيه إشكال، قلت: منشأه أصالة تأخر المجهول عن المعلوم، وفيها
بحث ذكرناه في محله، وحينئذ يكون كمجهولي التاريخ الذي ينفي الاقتران فيه
الأصل، والظاهر كونه هنا للمشتري، لكونه نماء ملكه في الظاهر، فلا يخرج عنه إلا
بالعلم بسبقه على ملك المشتري فتأمل جيدا.
فإنه قد يمنع الظهور المزبور، بعد عدم الدليل عليه، لا من أصل ولا قاعدة،
فيتجه حينئذ الرجوع إلى القرعة أو القسمة بينهما مع فرض دعوى كل منهما، اللهم
إلا أن يكون دليله ما تسمعه انشاء الله تعالى فيما يأتي من الحكم بالملكية لما يوجد في
الصندوق مثلا إذا لم يكن عليه يد غيره، ولما يوجد في داره ونحو ذلك، وإن لم يكن
صاحب الدار والصندوق عالما أنه له، فإنه يمكن أن يقال هنا بعد أن صار ذو النماء
ملكا له، يملكه لما يوجد من النماء تبعا لأصله، ما لم يعلم سبقه، ولو حدث بين العقد
والإجازة، كان للناقل على النقل، لعدم حصول الملك قبلها، ونحوه غيره مما حصل
قبل تمام شروط الملك، أما على الكشف فهو للآخر، كما هو واضح، ولو حدث بعد
العقد، ثم فسخ المشتري ببعض أسباب الخيار كان له كغيره من النماء،
والمرجع في تحقق الحمل العرف، وفي شرح الأستاذ (أنه يتحقق بالتكون علقة فما
بعدها، وفي انعقاد النطفة بحث).
وكيف كان فهو للبايع مع الشرط، أو الاطلاق (إلا أن يشترطه المشتري)
فإنه يكون له بلا خلاف، للأصل والعمومات، بل قد ظهر لك ضعف الخلاف في
الأولين، وإن حكي عن المبسوط والقاضي في المهذب والجواهر، فقالا إنه
للمشتري مع الاطلاق للجزئية، بل مقتضاه عدم جواز استثناء البايع له بناء على عدم
جواز استثنائه، كما تسمعه في الجلد والرأس.
بل في السرائر (عن المبسوط والجواهر التصريح بأنه لا يجوز له أن يشترط
155

الحمل، لأنه كعضو من أعضاء الحامل، ثم قال: وبينا أن هذا مذهب الشافعي، لا اعتقاد
شيخنا أبي جعفر، لأنه يذكر في كتابه المشار إليه مذهبنا ومذهب غيرنا، فابن البراج
ظن أنه اعتقاد شيخنا أبي جعفر ومذهبه، فقلده ونقله وضمنه كتابه جواهر الفقه، وإنما
قلنا ذلك، لأن اجماع أصحابنا بغير خلاف بينهم منعقد على أنه بمجرد العقد يكون
الحمل للبايع، إلا أن يشترطه المبتاع، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في جميع
تصنيفاته وكتبه، عدا ما ذكرناه واعتذرنا له به من ذكره مذهب المخالف لنا) وهو
إن كان جيدا موافقا للمختار، إلا أنه لا يخلو بعض ما ذكره من منع.
وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت من عدم دخوله في ملك المشتري حتى يشترطه
فيثبت له معه حينئذ، بل قيل على حسب شرطه وحدة، وتعددا، ذكورة وضدها، كما
أنه قيل أيضا في جواز اشتراطه مع جهلهما أو جهل إحديهما بوجوده، أو في سنة منفصلة
عن العقد أو حمل سوى الموجود - وجهان، وفيهما معا بحث وإن اقتضاهما عموم (1)
(المؤمنون عند شروطهم) ولا تقدح جهالة المشترط بعد أن لم تكن راجعة إلى الثمن
والمثمن، وعدم الاكتراث فيهما عرفا للتبعية، بل الظاهر لها جواز الضم على جعل الحمل
بعض المبيع، كان يقول بعتك الدابة وحملها بكذا، خلافا للتذكرة فلم يجز لجهالة
بعض المبيع، وفيه منع قدحها هنا مع إرادة الضم، للسيرة المستمرة وغيرها، بل
في شرح الأستاذ أن القول بجواز بيعه معها بدون قصد الضم قوي.
نعم لو بيع الحمل منفردا فلا بد من اعتبار الشرائط في البيع المستقل، ومثله
لو جعل له ثمن مستقل في ذلك العقد، إذ المتيقن من السيرة بيع الحمل مع الحامل
بثمن واحد بقصد الانضمام أو بدونه، لا مع قصد عدم الانضمام، والفرق بين أخذه شرطا
وشطرا في عموم ظهور العدم، فإن له الابقاء مجانا والرد على الأول، ويضاف إليها
على الثاني استرداد ما قابل الحمل من الثمن مع الابقاء، ولو انكشف موته حين
العقد، تبعضت الصفقة على الثاني، وعلى الأول وجهان.

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4
156

ولعل قول المصنف (ولو اشتراهما فسقط الولد) بآفة سماوية مثلا (قبل
القبض رجع المشتري بحصة الولد من الثمن) يوافق التبعيض، لعدم ذكره الدخول
في غير صورة الشرط (و) كيف كان ف‍ (طريق ذلك أن تقوم الأمة) مثلا (حاملا)
ومجهضا (لا حائلا ويرجع بنسبة التفاوت من الثمن) ولو جني عليه أعابته أخذ منه
أرش يوم الجناية إن شاء مع اختيار البقاء، ولو لوحظ نفس الحمل لا صفة الحاملية
اعتبرت قيمته لا تفاوت الصفتين في وجه، ولو اختلفا ففي شرح الأستاذ قدم قول
مدعى اعتبار الصفة دون عين الحمل، قال: وفي الشرطية وعدمها يقدم قول الثاني
وفيها وفي الشرطية يقدم مدعى الشرطية، ويحتمل التداعي، وفي اتحاد الحمل
تعدده يقدم قول مدعى الاتحاد فتأمل جيدا والله أعلم.
(ويجوز ابتياع بعض الحيوان) الحي مأكول اللحم أو غيره (مشاعا)
إذا كان معينا على وجه يعلم نسبته إلى الجملة (كالنصف والربع) ونحوهما بلا
خلاف ولا إشكال، بل الاجماع بقسميه عليه مضافا إلى العمومات وغيرها أما المذبوح
فقد جزم بعض مشايخنا بعدم جواز بيع البعض المشاع منه، وأولى منه المسلوخ، وهو
مبنى على أنه بالذبح يكون موزونا وفيه بحث، وأما بيع جزء معين من الحي كيده
ورجله، أو نصفه الذي فيه رأسه، أو الآخر الذي فيه ذنبه، أو نحوهما فغير جائز إجماعا
بقسميه على ما في شرح الأستاذ، وظاهر المختلف وغيره أنه من المسلمات، بل في
الأول (أنه فيما لا يؤكل لحمه أو إذا لم يكن المراد منه اللحم، بل الركوب والحمل
نحوهما من الواضحات التي لا تحتاج إلى شاهد).
وهو جيد، إلا أنه قد يشكل الفرق بين الأول: أي ما أريد ذبحه للأكل، وبين
ما تسمعه من الخلاف في استثناء الرؤوس والجلد، بل الصحيح الغنوي (1) أو حسنه
الذي ستعرف عمل الأصحاب به صريح في بيع الرأس والجلد، واحتمال اختصاصهما
بالحكم المزبور بيعا أو استثناء، مناف لتصريح البعض بعدم الفرق بينهما وبين
غيرهما في حكم الاستثناء، ولما تعرفه من الاتحاد في المدرك، والجهالة الناشئة
من عدم تعيين موضع القطع كالتشاجر إذا اختلفا في إرادة بقاء الحيوان وذبحه،

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
157

المترتب على كل منهما تعطيل مال شخص وضرر الآخر - مشترك بين الجميع.
فالعمدة في الفرق حينئذ ليس إلا الاجماع إن تم، وفي التحرير (إن في استثناء
الشحم إشكالا) ثم جزم بالبطلان في التذكرة (في الحي والمذبوح) وأما بيع مقدار
معين منه بالوزن، فلا ريب في بطلانه مع الجهالة للاختلاف، بل ظاهر شرح الأستاذ
أن الاجماع بقسميه عليه، ولعله كذلك، اللهم إلا أن يدعى انسحاب خلاف سلار في
جواز استثناء ذلك إليه قال كما في المختلف: (وكل شرط شرطه البايع على المبتاع
من رأس ذبيحة يبيعها وحدها أو بعضها بالوزن جايز) ولا ريب في ضعفه.
(و) كيف كان ف‍ (لو باع واستثنى) البايع لمأكول اللحم كما في التحرير
وظاهر النهاية، أو ما تقع عليه التذكية كما في حواشي الشهيد، وعلى كل حال فظاهرهم
أن محل الخلاف في ذلك، ولعل الأول أوفق بخبري الباب، وإن أمكن بالتنقيح
التعدية إلى ما تقع عليه التذكية، فلو كان الاستثناء من غيرهما بطل، بل الظاهر أن محل
النزاع في صحة الاستثناء من الحيوان المراد ذبحه، فليس له الاستثناء من الحيوان المراد
بقاؤه، لما عرفت سابقا، ولأنه لم يعهد ملكية الحيوان المزبور كذلك.
أما إذا كان مأكول اللحم وأريد ذبحه فباعه واستثنى (الرأس والجلد) أو -
أحدهما (صح).
(و) لكن (يكون شريكا) مع المشتري في الحيوان (بقدر قيمة ثنياه
على رواية السكوني) (1) عن الصادق عليه السلام (قال: اختصم إلى أمير المؤمنين عليه السلام
رجلان اشترى أحدهما من الآخر بعير أو استثنى البيع الرأس والجلد ثم بدا للمشتري
أن يبيعه؟ فقال: للمشتري هو شريكك في البعير على قدر الرأس والجلد) وما رواه
الصدوق (2) في المحكي العيون بسنده إلى الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي -
عليهم السلام (أنه قال: اختصم إلى علي عليه السلام رجلان أحدهما باع الآخر بعيرا فاستثنى

(1) و 2 الوسائل الباب 22 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 - 3
158

الرأس والجلد، ثم بدا له أن ينحره، قال: هو شريكك في البعير على قدر الرأس
والجلد) بناء على أن المراد البداية له في أن لا ينحره، بقرينة الخبر السابق وبهما
أفتى في النهاية والارشاد، ومحكي الخلاف والمبسوط والقاضي، وتعجب منه
الشهيد في حواشيه حيث أنه منع من بيع الحامل مستثنى حملها، لأنه كالجزء، وجوز
استثناء الرأس والجلد، مع أنه جزء حقيقة.
وفيه أنه يمكن دعوى خصوصيتهما للنص الذي يصلح فارقا بين المقامين، ومنه
اتجه الحكم بالشركة المزبورة، وإلا كان المتجه على تقدير الصحة اعتبار خصوص
ما استثناه، ولذا أنكر غير واحد على الشيخ بأن ما اختاره مناف لتبعية العقد للقصد في
حق كلا المتعاقدين، وقاعدة تسلط الناس على أموالهم (1) وأنه لا يحل مال امرء مسلم إلا
بطيب نفسه (2) وتوقف الأكل حلالا على التجارة بالتراض (3) ودعوى أن المراد
من الاستثناء المزبور الشركة المذكورة أوضح فسادا كل ذا مع عدم الجابر للخبرين
بل الشهرة بسيطة أو مركبة على خلافهما، قلت: لكن لا يخفى أنه لا يسع الفقيه
المنتقد طرح الخبرين المزبورين المعمول بهما في الجملة، المؤيدين بما تسمعه من
صحيح الشركة الآتي (4) المخالفين للعامة.
نعم تحقيق الحال هو أن الحاصل من التأمل في أخبار المقام صحة الاستثناء بل
البيع للرأس والجلد من الحيوان المشترى للذبح، لأنه حينئذ بمنزلة شرائهما منفصلين
فإن حصل الذبح كان للبايع ما استثناه، وإن بدا لهما أو للمشتري خاصة بيعه مثلا
وعدم الذبح فليس إلا الشركة في الحيوان بمقدار قيمة الرأس والجلد، ضرورة أنهما
بالاستثناء المزبور على الفرض المذكور ملك للبايع، فبيع الحيوان جملة بيع
لمملوكين لمالكين بثمن واحد إلا أن زيادة القيمة الحاصلة للحيوان بالبقاء تلحقها

32 (1) البحار ج 2 ص 272 المطبع الحديث
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 3
(3) سورة النساء الآية 29
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
159

أيضا لتوقف حياة الحيوان أو بقائه عليهما، فما حصل من الاجتماع ملك لهما، وهذا هو
المراد بالشركة في الحيوان بمقدار قيمة الرأس والجلد وحينئذ فلا مخالفة للقواعد في
هذه الشركة، ولا يتجه الرد على مضمون النصوص، بأنه مخالف لقاعدة تبعية العقد للقصد إذا لم
تكن الشركة مقصودة لكل من المتعاقدين، ضرورة إنك قد عرفت كون المراد بالشركة
ما سمعت الذي لا يرد عليه نحو ذلك، ويؤيده أيضا في الجملة ما قيل أيضا من أن تعذر أخذ
العين يوجب الشركة بحسب القيمة إذ (لا يسقط الميسور بالمعسور) (1) و (ما لا يدرك
كله لا يترك كله) (2) (وإذا أمرتكم) (3) ولعله إلى ذلك كله أو بعضه أومئ في الدروس
بقوله: (ولو استثنى الرأس والجلد فالمروي الصحة، فإن ذبحه فذاك وإلا كان البايع
شريكا بنسبة القيمة،) إذ مرجعه بعد التأمل إلى ما ذكرنا، كما أن قوله أيضا (ولو شرط
ذبحه فالأقرب جواز الشرط إذا كان مما يقصد بالذبح، فإن امتنع فالأقرب تخير البايع
بين الفسخ وبين الشركة بالقيمة) منطبق عليه أيضا إذ الفسخ لعدم الشرط، والشركة لما
عرفت، فإن أراد من أفتى بمضمون النصوص ما ذكرناه، فذاك، وإلا كان في غاية الاشكال،
ضرورة عدم ظهور النصوص في أن الاستثناء المزبور يوجب الشركة المذكورة في
الحيوان على كل حال، سواء ذبح أو لا، بل لو سلم ظهورها في ذلك لم يكن ليجبر بها على
هذا الحكم المخالف للقواعد العظيمة أي مخالفة، بل لا نظير له في الشريعة كما
هو واضح.
وأما القول بالصحة كما عن المرتضى والإسكافي والتقي والحلي، بل نسبه
بعض إلى جميع من المتقدمين والمتأخرين، بل في الإنتصار أنه مما انعقد عليه اجماع
الإمامية، فإن أريد بها على الوجه الذي ذكرنا فمرحبا بالوفاق، وإن أريد بها مطلقا أي
سواء كان القصد ذبح الحيوان أو لا، وسواء ذبح أو لا، فهو في غاية الاشكال، بل يمكن
دعوى ضرورة الشرع على خلافه فيها هو أوسع دائرة من العقود المملكة كالصلح

(1) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
(2) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
(3) سنن البيهقي ج 1 ص 215
160

والوصية، فضلا عن البيع، والاستناد إلى الأصل - المستفاد من العموم في جنس
العقود وأنواعها، واندفاع الغرر بتميز الثنيا ومعرفة الحدود - كما ترى، خصوصا
مع وضوح رجوع هذا الاستثناء إلى بيع الأجزاء المعينة من الحيوان الذي قد
ادعي الاجماع على بطلانه، بل يمكن تحصيله في الحيوان الذي لم يقصد به الذبح
بل كان المقصود منه البقاء للركوب ونحوه.
وأما القول بالتفصيل بين المذبوح وغيره كما في القواعد، فيصح الاستثناء في
الأول دون الثاني، فهو متحد مع ما قلناه في الأول، وما في شرح الأستاذ من إشكاله
- بعدم ارتفاع الغرر بالذبح حتى بعد اتمام السلخ قبل الوزن مع اتصالهما وانفصالهما،
أو فصل أحدهما - يدفعه ما عرفت سابقا من منع اعتبار الوزنية في المذبوح قبل
السلخ، بل يمكن منعه أيضا في المسلوخ قبل التفريق كما جرت به السيرة في زماننا،
على أن المانع حينئذ على هذا التقدير الجهالة التي يمكن الاحتيال في رفعها، لا كون
المستثنى جزء معينا كما هو واضح، وأما منعه في غير المذبوح فهو متجه في الذي
لم يرد ذبحه.
وأما ما أريد ذبحه، فهو على مقتضي الأصل والعمومات وخصوص الروايات
ومحكي الاجماع وغيره، ومن هنا جزم بالصحة فيهما ثاني الشهيدين، بل والفاضل في
المختلف، إلا أنه ينبغي اعتبار ما سمعت فيما لو عدل من إرادة الذبح وأريد البيع
مثلا، كما عرفته مفصلا.
وأما ما حكاه في التنقيح - عن بعض فضلاء المتأخرين (من أنه إن كان المستثنى
الجلد أو ما منه الجلد فهو باطل لجهالته، لأن الجلد يتفاوت ثمنه بتفاوته في الثخن
والرقة، لكن لا يبطل البيع لأن جهالة المستثنى في هذه الصورة لا يستلزم جهالة المبيع،
فيكون البايع شريكا بنسبة قيمة المستثنى كما دلت عليه الرواية، وإن كان المستثنى هو
الرأس والقوائم فهو صحيح، لأنه استثناء معلوم من معلوم، والضرر في ذلك معارض
باستثناء الجزء المشاع، فإنه جائزا اتفاقا، مع أن الضرر المدعى حاصل فيه) - فهو
161

من غرائب الكلام، وكالاجتهاد في مقابل النص، بل اجتهاد من غير وجه وجيه، ومن
الغريب حكمه بجهالة المستثنى لجهالة قيمته مع حكمه بالشركة بمقدارها وقياسه
الجزء المشاع على المعين.
ومن هنا احتمل بعض مشايخنا عكس ما ذكره، فأبطل استثناء الرأس لجهالة
حده فلا يؤل إلى علم بخلاف الجلد، والتحقيق خلافهما معا كغيرهما من الاحتمالات
المذكورة في المقام، منها - الجمود على مدلول الروايتين، اقتصارا على المتيقن فيما
خالف الأصل، ومنها - تخصيص المنع بالمذبوح لدخوله تحت الموزون الذي لا
يدفع غرر جهالته وزنه مع الجلد والرأس، ومنها الاقتصار في المنع على المسلوخ
مع بقاء الرأس، ومع عدمه بشرط عدم الوزن، لدخوله تحت الموزون، ومنها - قصر
المنع على ما لا يؤكل لحمه، إذ الجميع كما ترى، بل قيل أن مرجع الأخير منها على
الظاهر إلى القول بالجواز المطلق، لأنه إنما يعقل في المأكول.
قلت قد عرفت في أول البحث أن النزاع فيما يقبل التذكية، بل يظهر من بعضهم
ذلك في المأكول منه خاصة بل قد يقال أن محل النزاع في الذي أريد ذبحه للأكل
منه وإن أطلق الأصحاب، وتحقيق الحال ما عرفت، والله أعلم.
بل يزيد ذلك تأكيدا ما ذكره المصنف وغيره من قوله (وكذا لو اشترك اثنان
أو جماعة) حيوانا (وشرط أحدهما لنفسه الرأس والجلد، كان شريكا بنسبة ماله)
لصحيح الغنوي (1) عن الصادق عليه السلام (في رجل شهد بعيرا مريضا وهو يباع،
فاشتراه رجل بعشرة دراهم، وأشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس والجلد، فقضى أن
البعير برئ، فبلغ ثمنه ثمانية دنانير قال: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ،
فإن قال: أريد الرأس والجلد، فليس له ذلك، هذا الضرار، وقد أعطى حقه إذا أعطى
الخمس) وقد أفتى بمضمونه من أبطل الاستثناء المزبور في المسألة السابقة
كالفاضل وغيره.

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
162

وأشكله بذلك في جامع المقاصد وقال: (لا جواب له إلا بأحد أمرين، إما أن
يكون الحكم في مسألة الشريك مجمعا عليه، فعمله بالاجماع في موضعه، أو أن رواية
هارون صحيحة، بخلاف رواية السكوني، والذي يقتضيه النظر البطلان مطلقا إن لم
يلزم من ذلك مخالفة الاجماع) وفي الرياض بعد أن ذكر الصحيح المذكور قال:
(ويأتي فيه ما مر مع ظهوره كما سبق فيما يقصد ذبحه لا مطلقا، فلا وجه للتعميم على تقدير
العمل بهما بعد القول بالفصل بين مورده، فالجواز وغيره فالمنع كما مضى، إلا أني
لم أقف على مخالف هنا عدا شيخنا الشهيد الثاني ومن تبعه من بعض أصحابنا، حيث
جعلوا الحكم فيه وفيما سبق واحدا، وهو كذلك إن لم يكن انعقد الاجماع على خلافه،
وربما احتمله في شرح القواعد المحقق الثاني، ولعله وجه الفرق بينهما في العبارة
وغيرها من التردد في الأول والجزم بالحكم هنا وهو حسن إن تم، وإلا فمجرد صحة
السند على تقديرها غير كاف في الخروج عن مقتضى القواعد المتقدمة مع امكان
تأويلها إلى ما يلائمها).
قلت: لا يخفى عدم الفرق في الحكم بين مورد الصحيح وغيره، بل مورد الأول
بيع الرأس والجلد فضلا عن استثنائهما، ولكن المراد من الجميع ما ذكرناه سابقا من
الحيوان المقصود بالذبح للأكل كما اعترف به هنا الفاضل المزبور فيصح استثناؤهما،
وما تضمنه الصحيح المزبور من بيعهما على الوجه المذكور، وأنه ينتقل إلى
الشركة إذا بدا لهما أو للمشتري منهما بقاؤه، لا إذا ذبح كما يقتضيه اطلاق
الجماعة الذي يمكن تنزيله عليه، ووجه الشركة ما عرفت الذي منه يظهر أن المراد
الشركة على حسب قيمة الرأس والجلد، ولا ينافيه ملاحظة الثمن في الصحيح المزبور
فإنه يمكن رجوعها إليه كما هو واضح.
فقد ظهر أن الصحيح المزبور المفتى به من الجماعة حتى احتمل أنه اجماع، بل
لعله الظاهر مؤيد لما ذكرناه سابقا، كما أنه ظهر أن عبارات الأصحاب ليست منطبقة على
المراد من الصحيح المذكور الذي هو المستند لها على الظاهر، وتحقيق الحال
163

ما عرفت، والمراد بالمال في المتن وغيره قيمة الرأس والجلد كما هو صريح التحرير
والإرشاد وغيرهما لا الثمن كائنا ما كان على أن يكون المراد لغو الشرط والرجوع
إلى الشركة بمقدار الثمن، ضرورة عدم استفادة ذلك من الصحيح وعدم انطباقه على
ما تقدم من اقتضاء فساد الشرط فساد العقد المشترط فيه.
وما في الدروس هنا (من أنه لو اشتركوا في الحيوان بالأجزاء المعينة لغي
الشرط، وكان بينهم على نسبة الثمن) غير ما فرضه الأصحاب من المسألة التي مستندها
الصحيح المزبور، ويمكن أن يكون مراده من الشرط التواطي في غير العقد على وجه
لا يلتزم به شرعا مع كون الشراء على جهة الشركة بسبب مزج الثمن ونحوه، ولعله
إليه يرجع ما في حواشيه على قوله في القواعد ولو اشتركا في الشراء واشترط
أحدهما الرأس والجلد لم يصح، وكان له مقدار ماله) قال: (أي تصح الشركة ويبطل
الشرط، وإن كان في بيع بطل، لتوقف العقد على الشرط الفاسد) هذا.
ولكن في النهاية التي هي متون أخبار قال: (وإذا اشتركا نفسان في شراء إبل
أو بقر أو غنم، ووزنا المال، وقال أحدهما أن لي الرأس والجلد بمالي من الثمن كان
ذلك باطلا، ويقسم ما اشترياه على أصل المال بالسوية) وظاهره أن المراد بالصحيح
ذلك، وفيه - مضافا إلى ما عرفت وإلى أنه خلاف فهم الأصحاب - أن الصحيح خال
عن ذكر الاشتراط، وإنما هو ظاهر في شراء الرأس والجلد من البايع، وشراء الآخر
ما عداهما، أو أن المشتري باع الرأس والجلد من الآخر الذي أراد شركته، اللهم إلا
أن يدعى أن المراد منه أنهما اشتركا في الدراهم المجعولة ثمنا للبعير على أن يكون
الرأس والجلد لواحد منهما عوض حصته في الثمن، لكنه كما ترى.
والحاصل أن عبارات جملة من الأصحاب غير منطبقة على ما في الصحيح،
إذ الاشتراط المذكور فيها إما أن يكون على البايع، ومرجعه حينئذ إلى شراء أحدهما
مستثنى منه نصفهما وشراء الآخر، النصف الآخر مع تمامهما، ويكون حينئذ
شبه شراء الكل مع استثنائهما، وإما يكون الشراء لأحدهما ثم باع النصف الآخر
164

مستثنيا منه الرأس والجلد، فيكون من قبيل استثناء الكل منهما في بيع الكل، أو
بالعكس بأن يشترطهما للمشتري، فيكون من بيع الأعضاء، لأنه باعه النصف المشتمل
على تمام الرأس والجلد.
وعلى كل حال هو خلاف ظاهر الصحيح، على أن مقتضى ما ذكره الفاضل
وغيره من بطلان الشرط بطلان العقد، بل لو بني على القول بعدم التلازم بينهما لا وجه
للشركة المزبورة، ودعوى - أنه لما امتنع تنزيله على الصحة مع البقاء على ظاهره
نزل على الإشاعة، ويكون الصحيح مستندا لذلك - واضحة الفساد، لاقتضاء مخالفة
الأصول الشرعية والقواعد المرعية بالغاء ظاهر العقد، وعدم تبعيته للقصد، وحصول
الضرر التام غالبا إما على البايع أو المشتري.
بل لا يبعد أن يكون العمل بالرواية على هذا الوجه تهجما على الشرع،
وخروجا عن مذاق الفقه، فلا محيص عن تنزيلها على ما ذكرنا، بل هو الظاهر منها عند
التأمل، والمناقشة فيها - باحتمال إرادة الاشتراك بنسبة الدرهمين ثم طلب منه الرأس
والجلد، أو إنما اشترك لأجل الرأس والجلد، معللا لا مشترطا كما عساه يومي إليه
قوله، (وقد أعطا حقه) إلى آخره أو أنه سبق الوعد باعطائه ومطالبته من جهته، لا من
جهة الاستحقاق ونحو ذلك - كما ترى، وكل ذلك ناش عن عدم الوصول إلى
ما ذكرنا ببركة الله ومحمد وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم نعم الانصاف أن الأصحاب لم يحسنوا التأدية
بمضمون الخبر وأحسن ما وقفت عليه من كلماتهم في أصل المسألة ما سمعته من
الدروس والله أعلم.
(ولو قال) شخص لآخر (اشتر حيوانا) مثلا (بشركتي صح ويثبت
البيع لهما، وعلى كل واحد منهما نصف الثمن) بلا خلاف ولا إشكال لأنه توكيل
في شراء النصف المنساق من لفظ الشركة، إلا إذا أراد الأقل أو الأكثر، فإنه يتبع
حينئذ مع التصريح، ولو تنازعا في القدر ففي الدروس أنه إن كان في الإرادة حلف الآمر
وإن كان في نية الوكيل حلف الوكيل إن نقص عما يدعيه الموكل، وإن زعم الموكل
165

أنه اشترى له الثلث فقال: النصف، احتمل ذلك، لأنه أعرف، وتقديم الموكل،
لأن الوكيل يدعي زيادة، والأصل عدمها، وفيه مع كون الواقع من الأمر العبارة
المزبورة ما لا يخفى، بل فيه منافاة لقاعدة تصديق الوكيل، كما هو واضح.
(ولو أذن أحدهما لصاحبه أن ينقد عنه) ما عليه من الثمن (صح) قطعا
(ولو تلف) الحيوان الذي اشتري على وجه المزبور (كان بينهما) لما عرفت
من كونه مشتركا بينهما (و) كان (له الرجوع على الآمر بما نقد عنه) بإذنه
الظاهر في إرادة الدفع عنه، والرجوع به عليه، فهو كالوكيل عنه في القرض، و
احتمال أن الأمر بالدفع عنه أعم من ذلك واضح الفساد، إنما البحث في الدفع عنه
بمجرد الأمر بالشراء على الشركة، والأقوى عدم الرجوع إذا لم يكن قرينة تقتضي
الدفع عنه، كالشراء من مكان بعيد، لا يدفع المبيع حتى يدفع الثمن، وظاهر
ابن إدريس أن قضية الأمر الإذن في النقد، وإلا لم تتحقق الشركة، وفيه منع ظاهر،
وإن أطال فيه في المختلف.
نعم قد يشهد له موثق إسحاق (1) (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يدل
الرجل على السلعة، فيقول: اشترها ولي نصفها، فيشتريها الرجل، وينقد من ماله،
قال: له نصف الربح، قلت: فإن وضع يلحقه من الوضعية شئ؟ قال: نعم عليه
من الوضعية كما أخذ من الربح) لكن مع أنه لم يذكر فيه الرجوع عليه بما نقد،
يمكن وجود قرائن حالية تدل على الإذن بالنقد عنه فتأمل جيدا.
(ولو قال له): اشتر حيوانا مثلا بالشركة و (الربح لنا) جمعيا (ولا خسران
عليك) لو خسر ف‍ (فيه تردد) ينشأ من عموم " المؤمنون " (2) وتجارة عن
تراض " (3) وصحيح رفاعة (4) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل شارك آخر في جارية

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام الشركة الحديث 4
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4
(3) سورة النساء الآية 29
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
166

له، وقال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح وإن كانت وضعية فليس عليك
شئ؟ فقال: لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية) وخبر أبي
الربيع (1) (عن الصادق عليه السلام في رجل شارك رجلا آخر في جارية له فقال: له:
إن ربحت فلك نصفه، وإن وضعت فليس عليك شئ فقال: لا بأس بذلك إذا
كانت الجارية للقائل).
وإلى ذلك أشار المصنف بقوله (والمروي الجواز) وظاهره الميل إليه،
بل إليه ذهب جماعة كالشيخ والفاضل في المختلف والشهيد في الدروس، ومن
أنه مخالف لما دل على تبعية الربح والخسران لرأس المال، فيكون مخالفا للسنة
التي بمخالفتها يكون مخالفا للكتاب أيضا، وبه جزم الحلي في السرائر، قال بعد أن
حكى ذلك عن الشيخ (أنه غير واضح ولا مستقيم، لأنه مخالف لأصول المذهب،
لأن الخسران على رؤس الأموال بغير خلاف، فإذا اشترطه أحدهما على الآخر كان
مخالفا للكتاب والسنة؟ ورده في الدروس بأنه لا نسلم لزوم تبعية المال لمطلق
الشركة، بل للشركة المطلقة، ومن هنا قال: إن الأقرب تعدي الحكم إلى غير
الجارية من المبيعات، ضرورة عدم كون المستند خصوص الخبرين، بل هما مؤكدان
لمقتضى العموم.
وفيه - مضافا إلى ما في التنقيح من الاجماع على عدم إطراد الحكم في غير هذه
الصورة - منع شمول العمومات لمثل ذلك، الذي لم يعلم شرعيته في نفسه، كي
يكون الشرط ملزما له، وأما الخبران فغير صريحين في المطلوب، مع أن موردهما
الجارية، وكون المشارك هو المالك، واحتمال الصحيح منهما طيب النفس بعد
ظهور الخسران من باب الاحسان، ولذا قال في التنقيح: (إنا نقول بموجب الأول
منهما) إذ معناه أنه إذا شرط عدم الخسران عليه جاز له أن يفي بقوله، وهو صحيح،
إذ (الناس مسلطون على أموالهم)، فإذا ترك ماله فلا حرج عليه، وأما لزوم الشرط

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2
167

فلا دلالة للرواية عليه، ولذلك أردف نفي البأس بقوله (إذا طاب نفس صاحب الجارية)
ولعل قوله عليه السلام في ذيل الخبر الآخر (إذا كانت الجارية للقائل) مشعر بنحو ذلك.
ويقوى في النفس أن ذلك كانت مقاولة بين المالك وغيره، ليساعده على
البيع، أو نحو ذلك، لا أنها شركة حقيقة، وبالجملة هما غير صالحين لاثبات الحكم
المزبور، مع فرض مخالفته، وعدم اقتضاء العمومات صحته، كما هو الأقوى
، وفاقا لجماعة منهم الفاضل في القواعد وغيره في بطلان العقد الذي وقع عليه هذا
الشرط في ضمنه، كما لو باع أحدهما صاحبه بهذا الشرط البحث السابق.
وتسمع إنشاء الله في كتاب الصلح البحث فيما لو صالح أحد الشريكين الآخر
على أن يكون له رأس ماله، والباقي لشريكه زاد أو نقص، وفي كتاب الشركة
البحث في شرط التفاوت في الربح في عقد الشركة مع تساوي المالين، والتساوي
فيه مع تفاوت المالين، مع زيادة العمل من أحدهما وبدونه، فلاحظ، فإن له دخلا
في المقام، ومنه يعلم التنافي بين ما في الدروس في المقامين.
(و) كيف كان ف‍ (يجوز النظر) من دون إذن المولى (إلى وجه
المملوكة ومحاسنها) التي هي محال الزينة منها كالكفين والرجلين ونحوهما
(إذا أراد شراءها) لنفسه أو لغيره بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك في باب
النكاح أن جواز النظر إلى الوجه والكفين والمحاسن والشعر موضع وفاق، وإن لم
يكن بإذن المولى صريحا، لأن عرضها للبيع قرينة الإذن في ذلك، ولأن
أبا بصير (1) (سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها؟ فقال: لا بأس أن
ينظر إلى محاسنها ويمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي له النظر إليه) وقال له أيضا حبيب
بن المعلى الخثعمي (2) إني اعترضت جواري المدينة فأمذيت، فقال: أما لمن يريد
الشراء فليس به بأس، وأما من لا يريد أن يشتري فإني أكرهه) وقال هو أيضا لعمران

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 - 2
168

بن حارث الجعفري (1) (لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد شراءها).
وفي المروي عن قرب الإسناد (2) (مسندا إلى جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام
أنه كان إذا أراد أن يشتري الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها) بل قد يستفاد من هذه
النصوص ما في تذكرة الفاضل من جواز النظر إلى ما دون العورة، ومال إليه في الحدائق
وإن استبعده كثير ممن تأخر عنه، وتردد فيه في الدروس، بل وفي العورة ثم استقرب
مراعاة التحليل من المولى، بل قد يستفاد من خبر حبيب جوازه مع التلذذ، بل قد
يدعى لزومه للإباحة غالبا إذا كانت المنظورة من الجوار الحسان.
لكن صرح في السرائر وغيرها بالحرمة حينئذ، ومقتضى اطلاق النص
والفتوى عدم الفرق في جواز النظر بين المزوجة وغيرها، وفي إلحاق نظر المرأة
إلى المملوك إذا أرادت شراءه بالرجل المريد شراء الأمة وجه قوي، خصوصا مع
ملاحظة ما ورد في باب النكاح في تعليل جواز النظر لشعر الامرأة التي يريد تزويجها (3)
(بأنه إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن) وفي آخر (4) (تعليل النظر إلى المحاسن
بأنه مستام) الظاهر في أن الوجه في النظر رفع الغرر والضرر الناشئ من عدم
الرؤية هذا.
والأحوط الاقتصار في جواز النظر على إرادة الشراء لا أن المراد النظر
أولا، ثم الشراء هذا وقد سمعت اشتمال بعض النصوص السابقة على جواز اللمس،
واستحسنه في نكاح المسالك مع توقف الغرض عليه، ولا ريب أن تركه أحوط، ثم إن
الحكم مختص بالمشتري، فلا يجوز للأمة النظر إليه زيادة على ما يجوز للأجنبي،
وفي نكاح المسالك بخلاف الزوجة، والفرق أن في الشراء لا اختيار لها، بخلاف
التزويج.

1 - الوسائل الباب 20 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3 - 4
2 - الوسائل الباب 20 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3 - 4
3 - الوسائل الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه الحديث 1 و 7 و 8 و 12
4 - الوسائل الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه الحديث 1 و 7 و 8 و 12
169

(ويستحب لمن اشترى مملوكا أن يغير اسمه) عند الشراء قال: زرارة (1)
(كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل ومعه ابن له فقال: أبو عبد الله عليه السلام ما تجارة
ابنك؟ فقال التنخس فقال: له أبو عبد الله عليه السلام لا تشتر شيئا ولا عيبا فإذا اشتريت رأسا
فلا ترين ثمنه في كفة الميزان، فما من رأس يرى ثمنه في كفة الميزان فأفلح، فإذا اشتريت
رأسا فغير اسمه وأطعمه شيئا حلوا إذا ملكته، وتصدق عنه بأربعة دراهم).
(و) منه يعلم استحباب (أن يطعمه شيئا من الحلاوة وأن يتصدق عنه
بشئ) وإن لم يكن المقدار المعلوم، لظهور عدم إرادة الاشتراط فيه، وفي
الدروس أن الأقرب استحباب تغيير الاسم في الملك الحادث، قال: (وروي كراهة
التسمية بمبارك وميمون وشبهه) وفي شرح الأستاذ استحباب الثلاثة في كل تملك،
واختيار الأسماء الشريفة كعبد الله وعبد النبي وعبد علي، وبما يسمى به عبيدهم كقنبر
وبلال وفضة ونحوها، وأما التسمية بأسماء الأنبياء والأئمة فالأولى تركه، لخوف
إهانة الاسم باستخدامه، والأمر سهل.
(ويكره وطئ من ولدت من الزنا) من الأبوين، وأحدهما في وجه
(بالملك والعقد) ولو تحليلا (على الأظهر) للفضاضة وفوات النجابة ولخوف
العار والنصوص كحسنة الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام (قال: سئل عن الرجل
يكون له الخادم ولد زنا هل عليه جناح أن يطأها قال: لا وإن تنزه عن ذلك فهو أحب
إلي) وهي وغيرها الحجة على ابن إدريس المحرم ذلك بناء منه على كفر ولد الزنا،
وتحريم الكافرة، وفي المقدمتين منع، وفي الدروس أن العقد أشد كراهية من الملك،
وفي شرح الأستاذ إنه تشتد الكراهة بطلب النسل، لترتب معظم الفساد عليه، قلت:
ولعله لذا قال: في القواعد إنه إن فعل فلا يطلب الولد منها، أي إن وطئ غير مبال
بالكراهة فلا يطلب النسل منها بأن يترك الامناء أو يعزل أو يطأ في غير القبل أو اليائس

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
(2) الوسائل الباب 60 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3
170

أو الصغيرة أو نحو ذلك).
وفي الدروس أيضا (ويكره الحج والتزويج من ثمن الزانية) وعن أبي
خديجة لا يطلب ولد من امرأة أمهرت مالا حراما أو اشتريت به إلى سبعة آباء، والأمر
في ذلك كله سهل (و) وقد ظهر لك من خبر زرارة السابق كراهة (أن يرى المملوك
ثمنه في) كفة (الميزان) وفي خبر قيس (1) (عن الصادق عليه السلام من نظر إلى
ثمنه وهو يوزن لم يفلح) وربما قيل بهما مطلقا ولو لم يكن في الميزان حملا للنص
على المتعارف من وضع الثمن في كفة الميزان عند الشراء، وفي الرياض أنه حسن
لو قام دليل على الكراهة مطلقا وهو غير واضح، قلت: قد يقال يكفي فيها خروج القيد
عن إرادة التقييد نعم في تعدية الحكم إلى مطلق العوض وإلى اللمس اشكال سيما
الأخير والأمر سهل والله العالم.
(الثالث: في لواحق هذا الباب)
(وهي مسائل)
(الأولى) الأمة و (العبد) قنا أو مدبرا أو أم ولد إلى غير ذلك من أحواله
التي لا تخرجه عن الرقية عدا المكاتب الذي ستسمع الكلام فيه في محله، وظاهرهم
هناك الملك كما ستعرف انشاء الله (لا يملك) عينا ولا منفعة مستقرا ولا متزلزلا من
غير فرق بين ما ملكه المولى، وفاضل الضريبة وأرش الجناية وبين غيرها عند أكثر
علمائنا كما في التذكرة بل في السرائر عندنا مشعرا بالاجماع عليه، كالمحكي عن
الإنتصار وكفارات المبسوط، بل في زكاة الخلاف ونهج الحق الاجماع عليه بل الأول
منهما صريح في نفي الملك لما ملكه مولاه، بل في شرح الأستاذ أنه المشهور غاية الاشتهار

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الحيوان الحديث 2
171

بين المتقدمين والمتأخرين المدعى عليه الاجماع، معبرا عنه بلفظه الصريح من جماعة
وبما يفيده بظاهره بعبارات مختلفة من نقلة متعددين، كمذهب الإمامية ومذهب أصحابنا
وعندنا.
وفي الرياض أنه الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منا، وهو الظاهر من تتبع
كلماتهم جدا حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك إلا نادرا للأصل في كثير من
الموارد مؤيدا بأنه مملوك، فلا يكون مالكا، لأن مالكيته لغيره فرع مالكيته لنفسه
وبأن ما يكتسبه العبد من فوائد ملك المولى، فيكون تابعا له بل قيل أنه لا يعقل ملك المملوك
على وجه يختص به دون مولاه، لأن نفسه وبدنه وصفاته التي من جملتها سلطانه مملوكة
فسلطان السلطان غالب عليه، وإليه يرجع ما عن المختلف من أنه لو ملك لما جاز
للمولى أخذه منه قهرا، والتالي باطل اجماعا ولما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح (1)
عن الرضا عليه السلام (سألته عن رجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها بغير طيب نفسها
من خدم أو متاع أيجوز ذلك؟ قال: نعم إذا كانت أم ولده).
وفي شرح الأستاذ (أنه يجوز للسيد أن يأخذ ما في يد العبد قهرا بالاجماع
محصلا ومنقولا) بل ظاهره في مقام آخر أن المراد بالأخذ ما يشمل التملك، فضلا
عن التصرف، وبغير ذلك ولقوله تعالى (2) (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على
شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون) فإن وصف العبد
بعدم القدرة بمنزلة الحكم عليه بذلك، لأن الصفة كاشفة بقرينة السياق والمقام، وإن
كان الأصل فيها التخصيص، بل قيل أن قصد التقييد لا يبقى للمملوكية خصوصية، على
أن الاقتضاء الذاتي أدخل في ضرب المثل، وأوفق بإرادة البرهان على
عدم القدرة.
هذا كله مضافا إلى صحيح زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام المستفاد منه المراد

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستيلاد الحديث 2
(2) سورة النحل الآية 75
(3) الوسائل الباب 45 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه الحديث 1
172

من الآية (قال: المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده، قلت، فإن السيد كان
زوجه بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيد (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا) إلى آخره
أفشئ الطلاق) وموثق شعيب (1) سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا عنده عن طلاق العبد؟
فقال: ليس له طلاق ولا نكاح أما تسمع قوله عبدا مملوكا) الحديث
إلى آخره.
وحينئذ فالحكم على العبد بعدم القدرة على شئ يقتضي نفي القدرة له على
الملك الحاصل بواسطة الأسباب الاختيارية، لأن الشئ نكرة في سياق النفي
فيكون للعموم، ولدلالة الاخبار على إرادته منه، فيتناول ما ذكرناه، ومتى ثبت امتناع
الملك الاختياري للعبد ثبت امتناع الملك القهري له أيضا للاجماع كما في مصابيح
العلامة الطباطبائي على نفي التفصيل بهذا الوجه، ولقوله تعالى (2) (ضرب لكم
مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم، فأنتم فيه سواء)
فإن الاستفهام فيه انكاري تقتضي امتناع الشركة بين الأحرار والمماليك بوجه، ولو صح
ملك العبد لأمكن ذلك قطعا، والمراد من الموصول في قوله فيما رزقناكم جنس
الأموال التي رزق عباده لا خصوص الأعيان التي رزقها الأحرار، إذ لا دلالة في ذلك
حينئذ على رفعة شأن الموالي وضعة المماليك ونقصهم لأن التساوي بهذا الوجه منفي
في حق الأحرار أيضا.
وعلى كل حال ففي الآيتين إشارة إلى تقرير الامتناع العقلي في تملك المماليك
وللنصوص التي تسمعها في المسألة الثانية الدالة على أن العبد إذا بيع كان ما في يده
قبل البيع لسيده، إلا أن يدخل في المبيع أو يشترطه المشتري، ولو كان العبد مالكا
لاستمر ملكه له بعد البيع، ولم يكن شئ من ذلك للبايع ولا للمشتري لانتفاء الناقل

(1) الوسائل الباب 66 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 2
(2) سورة الروم الآية - 28
173

عنه، ولا كان للسيد بيع المال معه، لعدم مالكيته له وهو ظاهر.
ومن ذلك يعلم وجه دلالة النصوص المتضمنة أن العبد إذا أعتق كان ما في يده
قبل العتق لمولاه، إلا إذا أقره في يده، فهي دليل آخر على المطلوب أيضا، ولأن العبد
إذا مات وترك مالا كان في يده، فإنه لمالكه بالاجماع والنصوص المستفيضة، ولو صح
ملك العبد لزم أن يكون المال ميراثا للمولى، لأنه مال انتقل إليه بموت مالكه، ولا
نعني بالميراث إلا ذلك والتالي باطل للاجماع كما في المصابيح على أن الحر لا يرث
عبدا وفي الصحيح المروي (1) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام بطرق
متعددة (أنه لا يتوارث الحر والعبد) فالمقدم أعني مالكية العبد مثله، ولا يلزم ذلك
على القول بانتفاء الملك، لأن ما في يد العبد ملك للمولى قبل موته فلا يكون منتقلا إليه
بعده حتى يكون ميراثا.
وللصحيح (2) عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام (أنه قال: في المملوك
ما دام عبدا فإنه وماله لأهله لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصية إلا أن يشاء سيده)
بل عن المصابيح أنه صريح في المطلوب، وقوله (إلا أن يشاء سيده) إنما يدل على
جواز تصرف العبد بإذن مولاه، ولا دلالة فيه على الملك بوجه والمراد من الوصية أن
يوصي بماله لغيره، فإنه جائز مع إذن المولى، لا أن يوصى له، حتى يدل على الملك،
مع أن في دلالته عليه نظر فتأمل.
ولصحيح محمد بن مسلم (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ينكح أمته
من رجل أيفرق بينهما إذا شاء؟ إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء، إن
الله تعالى يقول (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ فليس للعبد شئ من الأمر) فإن قوله

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب موانع الإرث الحديث 1 إلى 5
(2) الوسائل الباب 78 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1
(3) الوسائل الباب 64 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 8
174

فليس للعبد شئ من الأمر بعمومه يشمل التصرف والملك، فيدل على عدم الملك
ولصحيح عبد الله بن سنان (1) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: مملوك في يده مال أعليه زكاة؟
قال: لا قلت: ولا على سيده قال: لا لأنه لم يصل إليه، وليس هو للمملوك).
إذ حكمه بنفي الملك عن العبد لما في يده يدل على استحالة ملكه، وإلا أمكن أن
يكون له قطعا، فلا يصح الحكم بأنه ليس له مطلقا، ولا يتم التعليل بانتفاء الملك في
عدم الزكاة، وللنصوص الواردة في الوصية وغيرها على اختلاف في الدلالة في
الظهور، كالصحيح (2) (في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية
فقال: أهل الميراث لا تجيز وصيتها أنه مكاتب لم يعتق ولا يرث، فقضى أنه يرث
بحساب ما أعتق منه، ويجوز له الوصية بحساب ما أعتق منه، وقضى في مكاتب أوصى
له بوصية وقد قضى نصف ما عليه، فأجاز نصف الوصية) الحديث الدال على المطلوب
من وجوه.
أقواها تعليل الورثة عدم الإجازة بأنه عبد مملوك لم يعتق، ضرورة ظهوره في
اشتهار عدم ملكه للوصية بالعبودية في تلك الأزمنة، وكالأخبار المتواترة (3) المجمع
عليها الدالة على نفي الموارثة بالرقية، بل جعل بعضهم ذلك دليلا مستقلا، فقال:
إنه لو ملك لدخل المال في ملكه، بالأسباب الموجبة للدخول من غير اختيار،
كالميراث وشبهه، والتالي باطل إجماعا فكذا المقدم، وإن كان قد يناقش في الملازمة
بعدم الدليل عليها، فيحتمل المنع تعبدا، كالقاتل المعلوم صلاحيته للملك إجماعا،
وكالنصوص (4) الواردة في وصية المولى لمملوكه بثلث ماله، وأنه يعتق بحسابه،
ومن هنا قيل: إن تتبع المقامات المتفرقة في الفقه، المسلمة بين الجميع، كعدم وجوب

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 4
(2) الوسائل الباب 80 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1
(3) الوسائل الباب 16 من أبواب موانع الإرث
(4) الوسائل الباب 82 من أبواب أحكام الوصايا
175

الزكاة بل استحبابها، مع ثبوتها في مال الطفل والخمس والحج والكفارات ونفقة
القريب، ومن في يده من العبيد، ومنعه من التصرفات وإن لم يكن مولاه قابلا للولاية،
وعدم ابقاء ما في يده مع بيعه واعتاقه، وعدم ضمانه لمتلفاته إلا بعد عتقه، وعدم
استحقاقه للإرث إلا بعد عتقه، وانتقال ماله بموته للمولى، وعدم جواز الوصية له،
والوقف عليه، وعدم حرمة التصرف بضروبه حتى التملك على مولاه، مع حرمة التصرف
بأموال الناس، وتملك المولى ما كان من فوائد البدن كالحمل واللبن وعوض البضع
ونحوه مما لا ريب في أولوية الخارج منه، وصرف الوصية له من المالك إلى عتقه،
كصرف الوصية لأم الولد إلى عتقها من الثلث ثم اعطاء الوصية وغير ذلك - مما
يورث الفقيه القطع بعدم قابليته للملك، فلا تقدح المناقشة في كل واحد منها.
مضافا إلى أن القول بملكه يستلزم جواز تملك كل من العبدين صاحبه في بعض
الصور، اللهم إلا أن يمنع الملازمة، فإن القابلية للملك أعم من اقتضائها ذلك كيف
كان، إذ الحر يملك ولا يملك أبويه، وقد يناقش بأن الحر يملك إلا أنهما ينعتقان عليه
قهرا، فالملك حاصل زمانا ما قبل العتق، أو متقدم عليه ذاتا كتقدم العلة على المعلول
فتأمل جيدا والله أعلم.
هذا كله في القول بعدم الملك (وقيل يملك فاضل الضريبة) خاصة التي
يضربها عليه مولاه، إلا أني لم أعرف القائل به بالخصوص، وإن نسب إلى الشيخ
في النهاية والقاضي إلا أن الذي عثرت عليه في الأول مع عدم اختصاصه بفاضل
الضريبة، صريح في إرادة ملك التصرف كما حكاه عنه في الدروس لا الرقبة، قال
(المملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا، فإن ملكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه
بجميع ما يريده، وكذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤديها إليه، وما يفضل بعد ذلك
يكون له جاز ذلك، فإذا أدى إلى مولاه ضريبة كان له التصرف فيما بقي من المال،
وكذلك إذا أصيب العبد في نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك، وحل له التصرف
فيه، وليس له رقبة المال على وجه من الوجوه.
176

ونحوه عن القاضي ولذا نسبه إليهما في المحكي عن المهذب نعم قيل إن القول بذلك
محكي عن الصدوق والإسكافي حيث قالا: يملك العين لكن لا مستقرا، وفيه أنه أيضا
غير خاص بفاضل الضريبة.
(و) على كل حال ف‍ (هو المروي) صحيحا قال عمر بن يزيد (1)
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له، وقد كان مولاه يأخذ ضريبة
ضربها عليه في كل سنة ورضي بذلك المولى، فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى
ما كان يأخذ مولاه من الضريبة قال: فقال: إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه، فما
اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أليس قد فرض الله تعالى
على العباد فرائض، فإذا أدوها إليه لم يسألهم عما سواها، قلت: للملوك أن يتصدق مما
اكتسب ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال: نعم وأجر ذلك له، قلت:
فإن أعتق مملوكا مما اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء العتق؟ قال: فقال:
يذهب فيتولى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه ووارثه، قلت:
أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الولاء لمن أعتق؟ قال: فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه
لعبد مثله، قلت فإن ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه أيلزمه ذلك ويكون مولاه
ويرثه؟ قال: فقال: لا يجوز ذلك ولا يرث عبد حرا)
مضافا إلى ما في كشف الأستاذ من أن عقد الكتابة يقتضي عدم استحقاق
المولى سوى ما فرضه لنفسه، فلو لم يكن الفاضل للعبد، بقي بلا مالك، ونوقش في
الأول بأنه - مع قصوره عن معارضة غيره مما عرفت من وجوه ولو كان بالاطلاق أو العموم
ومنافاته لما دل على الحجر عن التصرف على تقدير الملك - قابل للحمل على إرادة
إباحة التصرف له بإذن المالك لا لأجل الملك، لعدم اختصاص اللام به لغة، والحكم
فيها بصحة العتق والتصدق عن العبد يمكن أن يكون كذلك أيضا، لأن توقفهما على
المك ليس بمعنى عدم صحتها من غير المالك مطلقا، بل مع عدم الإذن منه في التصرف

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 باختلاف يسير
177

والإذن هنا متحقق بالفرض، وأما اختصاص الأجر به فلأن العبد هو المباشر للعتق
والسبب التام فيه، لأن المالك لم يقصد شيئا منها بعينه، بل لم يطلب من العبد التصرف بما
فيه الأجر فضلا عن خصوص العتق والتصدق، ولذا أجاز أنواع التصرفات بأسرها،
وإن لم يكن فيها أجر، وفي الثاني بأنه لا منافاة بين كونه مالا للمولى وكونه محجورا
عليه. يملكه بعد تمام عتقه أو بعد وفاء بعضه فتأمل جيدا. فإنك تسمع انشاء الله في
كتاب المكاتب المفروغية من ملك العبد فلاحظ وتأمل.
(ويملك أرش الجناية) خاصة أو مع فاضل الضريبة خاصة (على قول
آخر) لم أعرف القائل بكل منهما، كالقول بأنه يملك ما ملكه مولاه خاصة، أو مع أرش
الجناية خاصة أو مع فاضل الضريبة فقط، أو الثلاثة وإن حكى جميع ذلك شيخنا في
شرحه، بل وغيرها، فإنه قال بعد أن اختار عدم الملك، واستدل عليه: (فلا وجه للقول
بأنه يملك مطلقا، ونسب إلى الأكثر في رواية، وإلى ظاهر الأكثر في أخرى، أو يملك
فاصل الضريبة فقط، أو أرش الجناية كذلك ونسبا إلى الشيخ وأتباعه، أو ما ملكه مولاه
وربما عد منه فاضل الضريبة، وما أذن له في ملكه أو المركب منها على اختلاف أقسامه،
أو يملك ملكا غير تام أو التصرف خاصة) ويمكن أن يكون المراد من ذلك الأعم من
القول والاحتمال.
وعلى كل حال فلم أجد ما يشهد للقول بملك أرش الجناية سوى ما قيل من أن
المولى إنما يملك خدمته والانتفاع به، وأما النفس فنفسه، وأما البدن فبدنه، وأرشهما
له، ولم تتعلق التكاليف بهما، وفيه ما لا يخفى.
وسوى موثق إسحاق بن عمار (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل
يهب لعبده ألف درهم، أو أقل أو أكثر فيقول: حللني من ضربي إياك، ومن كل ما كان
مني إليك، ومما أخفتك وأرهبتك، ويحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه، ثم إن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3 مع
اختلاف يسير
178

المولى بعد أن أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع وضعها فيه العبد فأخذها السيد
المولى أحلال هي له؟ قال: فقال: لا تحل له، لأنه افتدى بها نفسه من العبد، مخافة
العقوبة والقصاص يوم القيامة، قال: فقلت له: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليها
الحول؟ قال: لا إلا أن يعمل له فيها، ولا يعطي من الزكاة شيئا).
وفيه - مع أنه ليس من أرش الجناية، اللهم إلا أن يدعى أولويته مما الذي هو ليس
عوض جناية، مع أنه من المولى، فالجناية من الغير حينئذ أولى، ويناقش بمنع
الأولوية، ومنع القول بما في مضمونة، حتى تكون الأولوية معتبرة.
- أنه قاصر عن معارضة غيره سندا بل ومتنا، خصوصا مع اشتماله على ما حكي
الاجماع على خلافه، من منع المولى انتزاع ما في يد العبد، وثبوت الزكاة على العبد
وخصوصا مع ظهور ذيله في موافقة العامة هذا. وتسمع انشاء الله في كتاب القصاص
والديات المفروغية من ملك السيد أرش جناية العبد الذي هو مملوك له، والأرش جبر
تفاوت ما مضى من ملكه.
وعلى كل حال فقد ظهر لك ضعف القول بملك ذلك خاصة، وقوة القول بعدم
ملكه، ولكن مع ذلك مال المصنف إلى القول بالملك مطلقا، فقال: (ولو قيل
يملك مطلقا لكنه محجور عليه بالرق حني يأذن له المولى) للآية (1) والاجماع
بقسميه كالاجماع الذي سمعته سابقا على أن للمولى انتزاع ما في يد العبد قهرا عليه
(كان حسنا) بل ظاهر الشهيد في الحواشي اختياره، وقد سمعت أن الأستاذ حكى
نسبته إلى الأكثر في رواية، وإلى ظاهر الأكثر في أخرى، لكن الذي عثرت عليه من
ذلك ما في الدروس والمسالك، ففي الأول (اختلف في كون العبد يملك، فظاهر
الأكثر ذلك) وفي النهاية (يملك ما ملكه مولاه) إلى آخره وفي المسالك (القول
بالملك في الجملة للأكثر) وهما معا ليس في الملك مطلقا.
وكيف كان فيدل على ذلك - مضافا إلى أنه يحصل به الجمع بين ما يقتضي

(1) سورة النحل الآية - 75
179

الملك، وبين ما يقتضي عدمه، بحمل الثاني على الحجر وجواز الانتزاع، فكان ملكه
غير ملك، لانتفاء هذين اللازمين اللذين هما كالركن في الملكية - إطلاق ما دل على
حصول الملك بتحقق أسبابه، فإنه يشمل الحر والمملوك ودعوى الانصراف إلى
الأول - ولو بسبب معلومية حجر العبد، وعدم جواز تصرفه، - ممنوعة خصوصا في
نحو الحيازات للمباحات، إذ دعوى عدم ملكه لها - وإن وقع منه الحيازة كدعوى ملك
المولى لها، بمجرد حيازة العبد لها بغير إذنه - لا تخلو من نظر اللهم إلا أن يدعى أن مثل
ذلك نماء الملك فيتبعه فيه، لأن نماء كل شئ بحسب حاله، فتأمل جيدا.
وما يستفاد من تضاعيف الأدلة من قابلية العبد للملك في الجملة، منها ما سبق،
ومنهما ما تسمعه، فلا مانع حينئذ لأن يعمل السبب مقتضاه، وليس في الأدلة ما يصلح
للتقييد والتخصيص، كما أنه ليس فيها ما هو صريح في نفي قابلية الملك، إذ المنساق
من الآية الأولى (1) إرادة الحجر في التصرفات، خصوصا بعد قوله (ومن رزقناه)
إلى آخره، لا أن المراد عدم قابلية الملك أصلا حتى مع إذن المولى.
والنصوص المتضمنة لتفسير الآية - مع أنه يجب تقييدها بما إذا كان متزوجا أمة
المولى بما تعرفه في باب النكاح من أن المشهور كما قيل كون طلاق غيرها بيده -
كالصريحة في إرادة عدم القدرة بدون الإذن خصوصا مثل صحيح العقرقوفي (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد؟ قال: ليس له
طلاق ولا نكاح، أما تسمع الله يقول (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ)، قال: لا يقدر على
نكاح ولاطلاق إلا بإذن مولاه).
هذا كله بعد الاغضاء عن دعوى كون الوصف كاشفا غير مخصص، ومن الآية
الثانية (3) إرادة عدم الاشتراك من حيث العبودية، لا ما يحصل بالأسباب الأخر التي منها

(1) سورة النحل الآية 75
(2) الوسائل الباب 66 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 2
(3) سورة الروم الآية 28
180

تمليك السيد، خصوصا بعد المروي في دعائم الاسلام (1) عن علي وأبي جعفر وأبي
عبد الله عليهم السلام (أنهم قالوا العبد لا يملك شيئا إلا ما ملكه مولاه، ولا يجوز له أن
يعتق ولا يتصدق مما في يده إلا أن يكون المولى أباح له ذلك أو أقطعه مالا من ماله أباح
له فعله أو جعل عليه ضريبة يؤديها إليه وأباح له ما أصاب بعد ذلك، هذا معنى ما
رويناه عنهم عليهم السلام وإن اختلف لفظهم فيه) بل هو من أدلة المسألة كالمروي
فيها أيضا عنه (2) عن جعفر بن محمد عليه السلام (أنه سئل عن رجل باع عبدا فوجد
المشتري مع العبد مالا قال: المال رد على البايع إلا أن يكون قد اشترطه المشتري،
لأنه باع نفسه، ولم يبع ماله) الحديث.
وصحيح زرارة (3) سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أعتق عبدا وللعبد مال،
لمن المال؟ فقال: إن كان يعلم أن له مالا تبعه ماله، وإلا فهو له) وصحيحه الآخر (4)
عن أبي عبد الله عليه السلام (إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه وهو يعلم أن له مالا ولم يكن
السيد استثنى المال حين أعتقه، فهو للعبد) ونحوهما صحيح عبد الرحمان (5)
والنصوص جميعها يمكن الجواب عنها بالتزام ما في بعضها، وإن كان مخالفا
لقواعد الملك كما قلناه في الحجر، وجواز الانتزاع وتخير الأمة بعد العتق بالبقاء على
التزويج وعدمه، وغير ذلك مما قيل به للأدلة، وبحمل الآخر على إرادة الحجر
وجواز الانتزاع، فملكه في الحقيقة ليس ملكا، أما قابليته للملك كقابليته لساير التصرفات
إذ هو انسان عاقل، وربما فاق الكثير من الأحرار، فلا يقاس على البهائم فلا دلالة فيها
على نفيه.
نعم سلطان المولى عليه، وعلى ما في يده كسلطان الله على العباد وما في أيديهم

(1) المستدرك ج 2 ص 485
(2) المستدرك ج 2 ص 485
3 - الوسائل الباب 24 من أبواب العتق الحديث 2
(4) الوسائل الباب 24 من أبواب العتق الحديث 1 - 6
(5) الوسائل الباب 24 من أبواب العتق الحديث 1 - 6
181

على وجه لا ينافي الملك الذي أناطه الله تعالى بأسبابه لاجراء بعض الأحكام
عليه، ولعل في الآية الثانية (1) إشعارا بذلك، ضرورة كون المراد نفي شركة العبد
مع المولى كنفي شركة العباد مع الله تعالى شأنه.
ويؤيد ذلك كله إضافة المال إلى العبد في النصوص الكثيرة المتفرقة في
الأبواب الذي لا يسع الفقيه حصرها، على وجه يقطع بعدم إرادة الأدنى ملابسة منها
الذي هو ضرب من المجاز فيها، ولا يناسبه هذه الكثرة المجردة عن القرينة، وما تقدم
في باب الربا من نفيه بين السيد والعبد، كالولد والوالد الظاهر في ثبوت الملك
له أيضا.
وقوله تعالى (2) (وأنكحوا الأيامى منكم) الآية بناء على أن الضمير في قوله
يكونوا راجع إلى المذكورين سابقا ومن جملتهم العبيد والإماء، فيدل الجزاء على
توقع الغناء وإمكانه في حقهم، وهو يدل على الملك إذ لا غناء بمال مملوك، ودعوى أن
المراد من الغناء رغد العيش وسعته ولو بالإباحة، فلا ينافي ثبوته للعبيد، فإن حالهم في
ذلك تابع لحال الموالي غالبا واضحة المنع.
نعم قد يقال أن المراد من الضمير غير العبيد، إذ لو أريد الأعم لم يكن عدمه في
حق المماليك مانعا لهم من التزويج، لثبوت المهر والنفقة على المولى إذا كان النكاح
بإذنه، ولا وجوده مرغبا، لتحقق الحجر المانع من التصرف وإن حصل الملك، وهو خلاف
ما يقتضيه سياق الآية، والصحيح عن أبي جرير (3) (قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن
رجل قال لمملوك له: أنت حر ولي مالك، قال: لا يبدء بالحرية قبل المال، يقول لي:
مالك وأنت حر برضاء المملوك).
والمناقشة في سنده - باشتراك أبي جرير، وبالاضطراب، لأن ثاني الشهيدين

(1) سورة الروم الآية 28
(2) سورة النور الآية 32
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب العتق الحديث 5
182

رواها في موضعين عن جرير أحدهما عن أبي الحسن عليه السلام، والآخر عن الصادق عليه السلام
مع أن عن بعضهم نفى روايته عن الأول بلا واسطة، وفي روايته عن الثاني كذلك الكلام
المشهور، وعن النجاشي عن يونس أنه لم يسمع من الصادق عليه السلام إلا حديثين - لا تقدح
بعد الانجبار والاعتضاد بما عرفت، كالمناقشة في متنه - بأن الإضافة على التوسع،
واعتبار رضا المملوك على الندب، كما يشهد له وقوع الأمر باعتباره في حيز النهي عن
تقديم العتق على ذكر المال، المعلوم أنه ليس على التحريم، إذ هي كما ترى تكلف
بلا داع ولا شاهد.
والصحيح عن الفضيل بن يسار (1) قال: (قال: لي عبد مسلم عارف أعتقه
رجل فدخل به على أبي عبد الله عليه السلام فقال له: من هذا السندي فقال: رجل عارف
وأعتقه فلان فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليت إني كنت أعتقته، فقال السندي لأبي عبد الله عليه السلام
إني قلت لمولاي: بعني بسبعماءة درهم، وأنا أعطيك ثلاثمأة درهم، فقال له أبو عبد الله
عليه السلام: إن كان يوم اشترطت لك مال فعليك أن تعطيه، وإن لم يكن لك يومئذ مال فليس
عليك شئ).
والمناقشة في سنده - بأن الراوي فيها العبد الذي لم يظهر من الرواية إلا كونه
مسلما عارفا، ولا يكفي ذلك في التوثيق، وفي المتن بأن الإضافة بأدنى ملابسة،
وايجاب الدفع عليه بكون المال ملكا للبايع، وإنما جوز له بتعيينه المقدار تصرفه فيما عداه
فيبقى المنع فيه ثابتا، فلا يكون دالا على الملك - كما ترى خصوصا الثانية، وموثق
إسحاق بن عمار (2) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام، (أن عليا عليه السلام أعتق عبدا له فقال
إن ملكك لي ولك وقد تركته لك).
والمناقشة فيه - بأنه، غير دال على ملك العبد بوجه، لأن الخلاف في ملك
العبد للمال، ومقتضى الرواية ملك الرقبة مجازا بناء على أن له في نفسه حقا وليس ذلك

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب العتق الحديث 1
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب العتق الحديث 7
183

من محل النزاع في شئ، وحمل الملك هنا على ملك المال مع مخالفته لظاهر اللفظ لا وجه له،
لانتفاء الشركة فيه على القولين، فإن ما يكتسبه العبد لنفسه إما أن يكون له بأسره، أو ينتفي
عنه بأسره، فالتفصيل خلاف الاجماع، وحمل الشركة على المجاز يقتضي سقوط
الاستدلال - يدفعها انسياق إرادة الأخير منها على أن للمولى انتزاع ما في يد العبد
وتملكه فهو له حينئذ من هذه الجهة، وللعبد باعتبار ملكيته لنفس المال على الوجه المزبور
بل لا ريب في صلاحية ذلك وجها للجمع بين ما يقتضي ملك السيد وما يقتضي ملك
العبد متمما نفيه عنه بإرادة الحجر عليه فيه، بل هو أولى من الجمع بحمل الأول على
الحقيقة، والثاني على إباحة التصرف بإذن المولى، وأن الإضافة لأدنى ملابسة، ونحو
ذلك مما لا يخفى على المتأمل عدم قابلية مجموع الأدلة له، فظهر من ذلك كله قوة ما
استحسنه المصنف، وما يقال - من منع المكافاة لما دل على نفي الملك لكثرته، ووضوح
سند أكثره، واعتضاده بالشهرة، كما عن التذكرة وموافقة ظاهر الآيتين المتقدمتين،
ومطابقة الأصول والقواعد، ومناسبة الأحكام الكثيرة المتفرقة في مسائل الفقه وأبواب
الحديث، كما سبقت إليه الإشارة، فيجب تأويل ما دل على الملك، أو حمله على
التقية، لموافقته لمذهب كثير من العامة، فقد نقلوا القول بالملك عن مالك والشافعي
في القديم وأهل الظاهر وأحمد بن حنبل.
قد عرفت اندفاع كثير منه وربما كان حمل ما دل على نفي الملك على التقية
أولى، لأنه مذهب أبي حنيفة المعلوم شدة التقية منه، والثوري وإسحاق وأحمد في
إحدى الروايتين، والشافعي في الجديد، وأيضا قد يقال، إن المراد من النصوص الدالة
على أن ماله لمولاه إذا بيع أو أعتق أو مات هو بقاء سلطنة البايع عليه التي ثبتت على
المال حال العبودية، ولا دليل على زوالها بزوال الملك، بل ظاهر قوله عليه السلام إنما باع
نفسه ولم يبع ماله) خلافه، ودعوى الاجماع على الانتقال إلى ملك المولى ممنوعة
أشد المنع، ولو سلمت ثبت المطلوب، ضرورة اقتضاء الانتقال كون المال ملكا للعبد
حتى يتجه انتقاله.
184

نعم المسلم منه ومن النصوص بقاء السلطنة التي كانت للمولى قبل البيع
والعتق والموت، فلا يبعد التزام كون الرقية باقية على حكم مال العبد، وإن كان سلطان
التصرف للمولى ولا يعارضه سلطان المولى الثاني أو حرية العبد نفسه، بعد تعلق حق
المولى الأول على وجه لا شركة معه، وبذلك ينكشف الاشكال عن الحكم في النصوص
المزبورة، كما أنه يظهر منه عدم كون ذلك من الإرث في حال الموت، بل هو شئ
ثابت للسيد حال الحياة هذا.
ومن مجموع ما ذكرناه يظهر لك وجوه المركبات، ولعل القول السادس الذي هو
ملك غير تام يرجع إلى ما قلناه كما يومي إليه ما ذكر مستندا له، من أنه مقتضى الجمع
بين ما دل على سلطان المولى على منعه من التصرف، بل عدم جواز تصرفه إلا بإذنه، وبين
ما دل على ملك العبد، بالحمل على الملك الغير التام، وأما السابع فقد قيل: إن مستنده
قيام الاجماع وشهادة الأخبار بأن المولى إذا أذن لعبده في التصرف جاز للعبد ذلك،
وهو ملك التصرف، ففيه أن الفرق بين ملك التصرف وإباحته غير واضح، والقياس
على النكاح والتحليل يدفعه أن للبضع حكما آخر، ولذلك لا يدخله صلح ولا معاوضة
بوجه من الوجوه والله أعلم.
وعلى كل حال فلو كان في يد المسلم عبد مسلم، ومولاه كافر ففي شرح
الأستاذ بيع على جميع الأقوال، ولو انعكس بأن كان المولى مسلما والعبد كافرا،
وكان في يده عبد بيع على القول بملكية العبد، أو تملكه المولى بناء على أن له الانتزاع
الشامل للملك، دون القول بعدم ملكيته، ولو وطئ العبد جاريته من دون إذنه، حد على
القول بعدم ملكه حد الزاني، وعزر على القول بالملك، ولا يجوز للمولى وطئ من
تحت يد مملوكه من دون إذنه على القول بملكه إلا أن يقصد الملك.
وفي شرح الأستاذ لا يبعد جعل التصرف مملكا، وفيه بحث، ولا يصح له نكاحها
إلا على القول بملكية العبد، ولو وهب كل من السيدين عبده لعبده الآخر دفعة بطل
على القول بالملك، إذ لا يكون السيد ملكا لعبده، وكذا مع جهل التاريخ، ومع
185

العلم به يملك السابق اللاحق دون العكس، ولو علم تاريخ أحدهما ففي الحكم بتأخير
المجهول عنه إشكال ذكرناه غير مرة، إلى غير ذلك من الأحكام المتفرعة على القولين
من الاستطاعة ووجوب وفاء الدين، والانفاق ونحو ذلك كما هو واضح وليس منه على
الظاهر.
المسألة (الثانية) التي هي (من اشترى عبدا له مال كان ماله لمولاه، إلا أن
يشترطه المشتري) أو تكون قرينة على التبعية لثبوت الحكم المزبور على القولين، أما على
القول بأن الملك للسيد فواضح، ضرورة عدم اندراج المال في اسم العبد، بل إضافته إليه إنما
هي لأدنى ملابسة، وأما على القول بأن الملك للعبد، فلانتقاله عنه بالبيع إجماعا
محكيا في شرح الأستاذ بل فيه الاستدلال عليه به، وبظاهر الأخبار على تقدير الملك،
لكن ستسمع في المسألة الثالثة عبارة عن المبسوط تنافي ذلك، للحكم فيها بالبقاء على
ملك العبد.
وعلى كل حال فهما إن تم أولهما الحجة في ذلك، كما أن الأخبار الحجة على
انتقاله إلى البايع دون المشتري، قال محمد بن مسلم (1) (سألت أحدهما عليه السلام عن
رجل باع مملوكا، فوجد له مال، فقال: المال للبايع، إنما باع نفسه، إلا أن يكون شرط
عليه أن ما كان له من متاع فهو له، وفي خبر يحيى وأبي العلا (2) (عن أبي عبد الله عن
أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام قال: من باع عبدا وكان للعبد مال فالمال للبايع
إلا أن يشترطه المبتاع، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك) إلى غير ذلك من النصوص، ولا
استبعاد في ذلك، لجواز اشتراط ملكه ببقائه في يد مولاه، ويكون خروجه بمنزلة
موته الناقل لماله إليه، أي على حسب انتقال مال الوصية إلى الموصى له، لا انتقال
إرث، لما عرفت من عدم التوارث بين العبد والحر، وتغير الحكم بالانتقال غير عزيز،

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الحيوان الحديث 4 لكن عن يحيى
بن أبي العلا مع اختلاف يسير
186

كما في رجوع أمر نكاح العبد إلى مشتريه وإلى زوجته إذا أعتقت.
ومن ذلك يظهر لك ما في المسالك من إشكال الحكم بكونه للبايع على تقدير
الملكية، بأن ملك مالك لا ينتقل عنه إلا برضاه، والحال أن العبد لا مدخل له في هذا
النقل، ثم إنه بعد أن اعترف بأن هذه المسألة ذكرها من ملكه ومن أحاله، قال: (ولا
يندفع الاشكال إلا إذا قلنا بأن المراد بملكية العبد تسلطه على الانتفاع بما قيل تملكه
له، لا ملك الرقبة كما نقله في الدروس عن بعض القائلين بالملك، فيكون الملك على
هذا الوجه غير مناف لملك البايع، لرقبته على وجه يتوجه به نقله إلى المشتري أو
بقاؤه على ملكه، وفيه ما عرفت مضافا إلى ما تقدم سابقا من عدم وضوح الفرق بين ملك
التصرف وإباحته فتأمل جيدا.
على أنه لا يتم على ظاهر المصنف فإنه مال إلى ملك العبد مطلقا مع حكمه بذلك،
وهو صريح في إرادة ملك الرقبة كما اعترف هو به بعد ذلك، وقال اللهم إلا أن يحمل
على ظاهر النص الدال على هذا الحكم، فيرد حينئذ بأنه دال على عدم ملك العبد لئلا
يناقض الحكم المتفق عليه من عدم ملكية شخص مال غيره إلا برضاه، وهو كما ترى
لا يخلو من تناقض، وما ذكره من الاتفاق بحيث يشمل ملك العبد المخالف لأحوال الملك
بالحجر وبجواز الانتزاع وبغيرهما واضح المنع، فتأمل.
وكذا يظهر ما في المصابيح من الاستدلال بهذه النصوص على عدم الملكية،
قال: (لأنه لو كان ما في يد العبد له، لاستمر ملكه له عليه بعد البيع، ولم يكن شئ من
ذلك للمشتري، ولا البايع، لانتفاء الناقل عنه، ولا كان للسيد بيع المال معه، لعدم مالكيته
له، وهو ظاهر، بل تعجب من الأصحاب حيث استدلوا بهذه على مالكية العبد، استنادا إلى
إضافة المال إليه فيها، والظاهر منها الملك وهو ضعيف جدا لأن الإضافة يكفي فيها
أدنى ملابسة وظهورها في الملك مع تسليمه مدفوع بقيام القرينة الصارفة).
قلت: قد عرفت عدم صرفها وأنه لا مانع عن القول بملكه ثم الانتقال عنه بالبيع
للبايع كالموت، على أنه لو سلم كون مثل ذلك قرينة صارفة أمكن حمل هذه النصوص
187

على أن المراد من مال العبد فيها ما كان للمولى، وأضيف إليه ككسوته وفراشه
ونحوهما، لا أن العبد لا يصلح للملك أصلا، فلا يستدل بها عليه كما هو واضح ولولا
الاجماع المدعى على الانتقال عن العبد على القول بملكه، لكان وجها جيدا
لهذه النصوص.
وربما يقال استثناء الاشتراط في هذه النصوص إنما يتجه على القول بالملكية،
إذ معناه حينئذ أن مال العبد إذا بيع للبايع، إلا إذا اشترط المشتري بقاؤه للعبد، لعموم
قوله عليه السلام (1) (المؤمنون عند شروطهم) أما على القول بأنه ملك للبايع فقد يشكل
اشتراطه للعبد بعدم قابليته للملك فلا يصح الاشتراط، وحمله على إرادة إبقاء الإباحة
خلاف الظاهر بل معلوم البطلان لظهور النصوص في خروجه بذلك عن كونه ملكا
للبايع، وأما اشتراطه للمشتري، فيشكل أيضا بأن المعلوم من الشرط في الأعيان
تمليكها بأسبابها من بيع أو هبة أو نحو ذلك، لا أنه هو بنفسه مملكا لها، بل أقصاه
الالزام بما يقتضي تمليكها من الأسباب، ولو سلم أعمية الشرط من ذلك، أمكن منع
جريان حكم المبيع عليه من القبض في المجلس لو كان صرفا، وعدم جواز التفاضل
لو كان ربويا، والجهل وغيرها، مع أن الأصحاب جريان جميع ذلك
عليه لو اشترط.
اللهم إلا أن يلتزم الحاق ذلك بالمبيع، أو يراد بالشرط المذكور في كلامهم
الذي أجروا عليه الأحكام المزبورة بشرط التبعية في البيع للعبد، على معنى كونه
مع ماله مبيعا فهو حينئذ ولو كان بالشرط كالمسألة الآتية التي ليست بصورة الشرط،
بل قد يوجه الشرطية للمشتري على القول بالملكية أيضا على وجه يكون مبيعا أيضا،
بأن للمولى التصرف بمال عبده قهرا عليه، ومنه حينئذ بيعه فله اشتراطه حينئذ على وجه
يكون مبيعا وإن لم يكن مالكا، وعدم البيع إلا في ملك مخصوص بذلك حينئذ،

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2 وباب 20 من أبواب المهور
الحديث 4.
188

أو يقال إن هذا التصرف بنفسه مملكا، نحو ما سمعته في وطئ المولى جارية عبده، وإن
كان فيه ما لا يخفى.
نعم قد يشكل على الأول جريان أحكام الربا ونحوه على مثل هذا البيع لامكان
دعوى ظهور أدلته في البيع للمالك، لا لنحو المقام الذي فرضنا المالك فيه العبد،
والبيع للمولى، لكن ظاهر الأصحاب هنا جريان أحكام البيع بأسرها على تقدير
الملك وعدمه كما يوضحه ما ذكروه في المسألة الآتية ولعله لاطلاق الأدلة
أو عمومها.
نعم في شرح الأستاذ أنه هل يلحق مال العبد بالتوابع كالشرب والطريق
والحريم ونحوهما، فيسوغ فيه ما لا يسوغ فيما يدخل في المبيع أصالة أو لا؟ بل يجري
فيه حكم الأصالة وجهان، قلت: لا ريب في قوة الثاني منهما، لعدم التبعية المحققة
في المقام، فليس هو إلا بيعا أصليا، بل لا فرق في المشهور هنا بين جعله شطرا أو شرطا
لما عرفت من رجوع الثاني هنا عند التأمل إلى الأول، لكن في شرح الأستاذ الأقوى
أنه يجري في الثاني من المسامحة مالا يجري في سابقه، فتأمل جيدا، هذا.
وفي المختلف بعد أن حكى عن ابن حمزة صحة البيع بغير جنس ما عند
البيع إذا لم يعرف مقدار ما معه، وفساده إذا باع بالجنس لجواز تطرق الربا، قال:
(لكن يبقى فيه إشكال من حيث أنه باع مجهولا، إلا أن يقال إن المال تابع فجهالته لا
تمنع صحة البيع، وهو مؤيد لما احتمله الأستاذ في شرحه، ولا ريب في ضعفه إذا
كان المراد كل ما كان للعبد، لا مثل ثيابه ونحوها، والله أعلم.
(و) على كل حال فما (قيل:) في أصل المسألة كما عن ابن البراج
من التفصيل بأنه (إن لم يعلم به البايع) أي بمال العبد (فهو له وإن علم فهو
للمشتري) لحسن زرارة (1) (قلت: لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يشتري المملوك

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2
189

وله مال، لمن ماله؟ قال: إن كان علم البايع أن له مالا فهو للمشتري، وإن لم يكن علم
فهو للبايع) فواضح الضعف إذ الملك لا ينتقل إلى المشتري بمجرد العلم من دون
صيغة، والخبر المزبور قاصر عن مقاومة ما تقدم، المعتضد بما سمعت، وبأصالة بقاء
ملك المولى بناء على ملكه، وبقاء سلطانه بناء على عدمه، وحيث سمعت الاجماع
على الخروج عن العبيد بقي سلطان مولاه بلا معارض، إذ لا دليل يدل على دخوله في
ملك المشتري بعد فرض خروجه عن ملك العبد الذي ثبت سلطنة مولاه على ما هو
مملوك له كما هو واضح (و) لذا كان (الأول) مع كونه أظهر (أشهر)
فيمكن حل الخبر المزبور حينئذ على اشتراط البايع للمشتري ذلك، أو على أن ذلك
قرينة عليه والله أعلم.
(ولو قال) المملوك (للمشتري) مثلا (اشترني ولك علي كذا لم)
يصح فلا (يلزمه) ما جعل له، (وإن اشتراه) أما على عدم الملك فواضح،
وأما على الملك فللحجر عليه، فيتوقف على إجازة المولى كما في المسالك وغيرها،
لكن في شرح الأستاذ (لا يصح ولا تشتغل ذمة العبد له بشئ لو أتى بالعمل، سواء
كان للعبد مال أولا، ملكناه أولا، أذن السيد أولا إلا أن يعود إلى السيد فتشتغل ذمته
دون العبد كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة تفيد الاجماع، لأن كل من ذكر هذا
الفرع حكم بذلك، والساكت بعد أن مهد قاعدة لا أهلية له لتملك عين ولا منفعة،
يستفاد منه امتناع أن يملك في ذمة المجعول له عملا، لا بعد العمل ولا قبله، وأنه لا
قابلية له في المعاملة الشاغلة للذمة، وعموم نفي قدرته في الكتاب أبين شاهد في
هذا الباب).
وفيه أنه لا وجه للمنع على القول بالملك مع الإذن من المولى في التصرف
له فيما عنده من المال، سواء كان الجعل عينا أو في الذمة، ودعوى الشهرة التي يستفاد
منها الاجماع على ذلك ممنوعة أشد المنع، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم،
190

خصوصا ما ذكروه فيما لو جعل للمولى ذلك على بيعه، الذي رواه الفضيل (1) عن
الغلام السندي عن الصادق عليه السلام، المتقدم سابقا فإنهم قد صرحوا بالصحة حينئذ
لحصول الإذن من المولى بسبب كون المعاملة معه، قال في الدروس: (وروى
فضيل (أنه لو قال لمولاه: بعني بسبعمأة ولك علي ثلاثمأة لزمه إن كان له مال)
وأطلق في صحيح الحلبي (2) (لزوم الجعالة البايعة) وقال الشيخ وأتباعه: (ولو
قال لأجنبي اشترني ولك على كذا لزمه إن كان له مال حينئذ) وهذا غير المروي،
وأنكر ابن إدريس ومن تبعه اللزوم وإن كان له مال، بناء على أن العبد لا يملك، والأقرب
ذلك في صورة الفرض، لتحقق الحجر عليه من السيد، فلا يجوز جعله لأجنبي، أما
صورة الرواية فلا مانع منها على القولين، أما على أنه يملك فظاهر، وأما على عدمه
فأظهر، ونحوه غيره وهو جيد جدا.
ومنه يعلم النظر فيما ذكره الأستاذ أيضا بعد ذلك (من أنه لو قال العبد لسيده:
بعني أو ملكني من معين أو مطلقا ولك علي كذا، فكما إذا قال للمشتري لما ذكر هناك،
ولأنه لا يكون لصاحب المال على ماله مال، وما في بعض الأخبار مما ينافيه مطرح
أو مأول بإرادة الوعد ونحوه، لقوة المعارض، ولأنه في الصورتين يلزم على القول
بالصحة أما اشتغال ذمته بالدفع قبل انتقاله، فذلك استحقاق قبل العمل، مع أنه لا
تصرف له بشئ ملكناه أو لا وإن كان بعده كان ما في يده للبايع أو للمشتري فلا شئ
له في الحالين حتى على القول بملكه، لزواله بانتقاله، فالاستحقاق عليه بعد
انتقاله الملزوم لذهاب ماله واستحقاق المطالبة بعد العتق لا تصحح معاملته، لأن
الاقدام عليه سفه، ولو جاز ذلك لصحت إجاراته وجعالاته، وباقي معاملاته).
وهو كما ترى فيه نظر من وجوه حتى في نفي الذمة للعبد على وجه المزبور،
وقاعدة عدم استحقاق المال على المال يمنع شمولها لنحو المقام، وأقصى ما يسلم

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 - 2
191

منها في جناية العبد على المولى مثلا، فتأمل جيدا (وقيل) في مفروض المتن
والقائل الشيخ وأتباعه كما سمعته من الدروس (إن كان له مال حين قال له لزم وإلا فلا
وهو) غير (المروي) لما عرفت من مضمون خبري الفضيل (1) والحلبي (2)
في الجعل للمولى، فلا ريب حينئذ في ضعفه على القول بالملك وعدمه لما سمعت
والله أعلم.
ولو قال للمولى اعتقني فلك علي كذا ففي شرح الأستاذ (توقف شغل ذمة
المولي بالاعتاق على شغل ذمة العبد الموقوف على الملك للعمل في ذمة المولى الموقوف
على الاعتاق وأما الكتابة فحكم خاص) وفيه نظر يعرف مما تقدم أيضا والله أعلم.
المسألة (الثالثة): قد تقدم ما يدل على أن مولى المملوك مثلا (إذا
ابتاعه وماله) بناء على أنهما معا ملك له، (فإن كان الثمن من غير جنسه جاز مطلقا
وكذا يجوز بجنسه إذا لم يكن ربويا) أو كان الربا بينهما منفيا، (ولو كان ربويا
وبيع بجنسه) على من يثبت الربا معه (فلا بد من زيادة عن ماله تقابل المملوك)
تخلصا من الربا كما هو واضح، وفي الدعائم (3) عن جعفر بن محمد عليه السلام (فإن باعه
بماله وكان المال عروضا وباعه بعين فالبيع جائز كان المال ما كان، وكذلك إن كان
المال عينا وباعه بعروض، وإن كان المال عينا وباعه بعين مثله لم يجز إلا أن يكون الثمن
أكثر من المال، فيكون رقبة العبد بالفاضل، إلا أن يكون المال ورقا والبيع بتبر
أو المال تبرا والبيع بورق فلا بأس بالتفاضل، لأنه من نوعين) أما لو قلنا بملكه حقيقة
لم يشترط في الثمن ما ذكر لأن ماله حينئذ ليس جزء من المبيع، فلا يقابل بالثمن.
قلت: قد عرفت فيما تقدم أنه كذلك لو اشترط المشتري إبقاء مال العبد له،

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 - 2
(3) الدعائم ج 2 ص 54
192

أما لو كان الشرط كون المال للمشتري، فقد سمعت قوة جريان الربا فيه أيضا، بناء
على جواز هذا التصرف للسيد، فلاحظ وتأمل جيدا هذا. ولكن في الدروس (ولو
اشتراه وماله صح ولم يشترط علمه ولا التفصي من الربا إن قلنا يملك وإن أحلناه
اشترطناه، ورواية زرارة مصرحة باطلاق جواز زيادة ماله على ثمنه).
قلت: هي قول زرارة في الصحيح (1) لأبي عبد الله عليه السلام (الرجل يشتري
المملوك وماله فقال: لا بأس به، قلت: فيكون مال المملوك أكثر مما اشتراه به قال:
لا بأس به) وظاهر الشيخين في المقنعة والنهاية والمحكي عن سلار الفتوى بمضمونه
بل هو مقتضى اطلاق المحكي عن ابن البراج وأبي الصلاح، ومقتضاه حينئذ عدم
الربا في ذلك للصحيح المزبور.
والقدح في سنده في المختلف إنما يتم على طريق الشيخ، أما على طريق الصدوق فهو صحيح
كما ذكرنا، ويكون حينئذ مستثنى من حكم الربا أو يكون ذلك بعنوان الشرط الخارج عن
اسم البيع، بناء على اختصاصه فيما لا يشمل ذلك، أو يكون هذا الصحيح مؤيدا للقول
بالملك، فإنه لا ربا عليه إذا كان المراد بقاء المال على الملك العبد، قال: في المحكي
عن المبسوط إذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمسمائة صح البيع على قول من يقول أنه يملك،
ولو باع ألفا بخمسمائة لم يصح لأنه ربا، والفرق بينهما أنه إذا باع العبد فإنما يبيع رقبته
مع بقاء ما ملكه عليه، فصح ذلك، ولم يصح بيع الألف بخمسمائة أو يكون ذلك مؤيدا
لما قلناه من أنه على تقدير الملك، وأن للسيد البيع، وإن كان ملكا للعبد يمكن نفي
الربا لما قد عرفت سابقا أو غير ذلك فلاحظ وتأمل جيدا والله أعلم.
المسألة (الرابعة) لا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم في أنه (يجب)
على المالك أو وكيله أو وليه (أن يستبرء الأمة قيل بيعها) مثلا على الأصح في
لحوق غير البيع به كما ستعرف، (إن كان وطأها) أي (المالك) وما في
المقنعة من التعبير عن ذلك بلفظ ينبغي مما يشعر بالخلاف، يصرفه ما في باب لحوق

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
193

الأولاد منها من التعبير عنه بلا يجوز، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه المروي عن قرب الإسناد
(1) (سألته عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها أيصلح بيعها من الغد، قال:
لا بأس) محمول على إرادة صحة البيع منه، أو على التي يسقط استبراؤها باليأس
ونحوه أو غير ذلك لمخالفته الفتوى، بل النصوص.
قال الصادق عليه السلام في صحيح حفص (2) في حديث (في رجل يبيع الأمة من رجل، عليه
أن يستبرئ من قبل أن يبيع) وسأله أيضا ربيع بن القاسم (3) (عن الجارية التي لم
تبلغ المحيض ويخاف عليها الحبل؟ قال: يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمسة
وأربعين ليلة، والذي يشتريها بخمسة وأربعين ليلة) وقال أيضا في الموثق (4) (الاستبراء
واجب على الذي يريد أن يبيع الجارية إن كان يطأها، وعلى الذي يشتريها الاستبراء
أيضا) إلى غير ذلك، ولعله لذا وغير نسب الوجوب المزبور إلى ظاهر روايات
أصحابنا.
نعم صرح غير واحد بأنه لو باعها من غير استبراء أثم وصح البيع، لرجوع النهي
إلى أمر خارج ولا بأس به، وإن كان لا يخلو من بحث إن لم ينعقد الاجماع على
خلافه، وعليه فالمتجه حينئذ تعين تسليمها إلى المشتري إذا طلبها، لأنها قد صارت
ملكا من أملاكه.
نعم في المسالك احتمال بقاء وجوب الاستبراء قبله، ولو بالوضع على يد عدل
لوجوبه قبل البيع فيستصحب، قال: (وأما بقاؤها عند البايع فلا يجب قطعا، لأنها
صارت أجنبية منه) بل في جامع المقاصد (أنه لا وجه لسقوط الاستبراء عنه، فإن قيل
بعد وقوع البيع صارت حقا للمشتري، فلا يجوز منعه منها، قلنا: قد ثبت وجوب
الاستبراء سابقا على البايع فلا يسقط، غاية ما في الباب أن للمشتري إذا جهل الحال
الفسخ، فإن قيل: الاستبراء حق لله، والمبيع حق للآدمي، وحق الله لا يعارض حق

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 7 - 2 - 3
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 7 - 2 - 3
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 7 - 2 - 3
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5
194

الآدمي، قلنا: الاستبراء حق للبايع فلا يكون حقا لله محضا إلى أن قال: والتحقيق
أن يقال: إنه لو باع قبل الاستبراء يكون البيع مراعى، فإن ظهر حمل تبين بطلانه،
لأنه من المولى حيث كانت فراشا له، وإلا ثبتت الصحة، فلا يكون ملكا للمشتري، فلا
يتعين التسليم إليه، بل ولا يجوز استصحابا لبقاء وجوب الاستبراء).
وهذا واضح لا شبهة فيه، وقد يشكل بأن الحكم في الظاهر كونها ملكا للمشتري
لوجود المقتضي وعدم المانع ولو بالأصل، فلا ريب في جريان حكم الملك عليه،
ومنه وجوب التسليم إليه مع الطلب، إلا أن الظاهر عدم سقوط الاستبراء عنه، للأصل
ووجود حكمة الاستبراء وعدم إرادة الوصف المفوت للمأمور به من قوله عليه السلام (قبل
البيع) وإنما هو لتمكين البايع من الاستبراء.
ومنه ينقدح أنه مع البيع ترتفع سلطنته على العين، فليس له حبسها للاستبراء
بدون رضا المشتري، فإن كان عامدا في البيع قبله ولم يتمكن من إرضاء المشتري
بالاستبراء، كان آثما وإن تعذر عليه إلا أنه بسوء اختياره، وإن لم يكن عامدا وجب
عليه بالاستبراء مما يحصل به رضا المشتري، فإن لم يتمكن سقط عنه ولا إثم عليه، كما
هو مقتضى الضوابط، ومن ذلك يعلم أنه لا يجب الوضع عند عدل أو الابقاء في يد البايع
في استبراء المشتري قطعا، للأصل وظاهر الأدلة، سواء كانت جميلة أو قبيحة، خلافا
لمالك فلم يوجب تسليم الجميلة، وإنما توضع على يد عدل إلى تمام مدة الاستبراء
للحوق التهمة فيها، ولا ريب في فساده لمخالفته لأصول المذهب وقواعده، ولو جامعها
المالك بعد العقد قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض، فعليه الاستبراء قبل الاقباض، وكذا
لو عادت إليه بفسخ بعد الوطئ أو كان قد وطأها قبل تملكها والله أعلم. هذا
والمراد باستبراء البايع - من الوطئ في ذلك الطهر (بحيضة أو خمسة وأربعين
يوما إن كانت مثلها تحيض ولم تحض - هو انتظار حيضتها المتعقب لذلك الطهران كانت ممن
تحيض، وترك الوطئ قبلا ودبرا خمسة وأربعين يوما إن كان مثلها تحيض ولم تحض، ولا يجب
عليه ترك الوطئ فضلا عن باقي الاستمتاعات في الأول، إذ لا ثمرة له بعد اشتراط تعقب الحيض.
نعم لو وطأها بعد تمام الحيض احتاج في جواز البيع إلى حيض آخر،
195

للاستبراء من الوطئ المتجدد كما هو واضح، فما في الرياض وشرح الأستاذ من اعتبار
ترك الوطئ دون باقي الاستمتاعات في استبراء البايع لا وجه له، نعم هو كذلك في
استبراء المشتري، بل عن المبسوط اعتبار ترك باقي الاستمتاعات فيه أيضا، بل في
التحرير - ما يوافقه -: (من اشترى جارية حرم عليه وطؤها قبلا وغيره، وتقبيلها ولمسها
بشهوة حتى يستبرئها) وعن حواشي الشهيد أنه حرم في الدروس القبلة خاصة، وإن
كانت النصوص المعتضدة بالفتاوى والأصل وانتفاء وجه الحكمة والمحكي عن
الخلاف من اجماع الفرقة وأخبارهم على خلافهما، ففي صحيح محمد بن إسماعيل (1)
(قلت أيحل للمشتري ملامستها؟ قال: نعم، ولا يقرب فرجها) والموثق (2) (فيحل
له أن يأتيها فيما دون فرجها؟ قال: نعم، قبل أن يستبرئها) وخبر (محمد عن أبي عبد الله)
عليه السلام (3) (لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها وإن صبرت فهو خير لك) مع أنه لم
نقف على معارض لذلك، سوى ما قيل من قياس الاستبراء على العدة الذي هو مع
كونه مع الفارق لا يجوز العمل به في مذهبنا، وما في الموثق (4) (عن الرجل يشتري
الجارية وهي حبلى أيطأها قال: لا قلت: فدون الفرج؟ قال: لا يقربها) وهو مع
أنه في الحبلى التي لا استبراء فيها يتجه حمله على الكراهة كما أومي إليه الخبر الأخير، فظهر
من ذلك الفرق بين استبراء البايع والمشتري في ذات الحيض، بل ظني أن الخلاف المزبور
في ضم باقي الاستمتاعات إلى الوطئ إنما هو في استبراء، المشتري دون البايع، وإن
كان يوهمه عبارة التحرير.
نعم قد يتوقف في اعتبار ترك الوطئ دبرا في الاستبراء، بل وفي استبراء منه،
للأصل بعد اختصاص الموجب من النص بحكم التبادر وإن كان فيه لفظ الفرج بمحل

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 5
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 لكن عن عبد الله
بن محمد
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5
196

الفرض فلا يجوز التعدي إلى الغير، بل مال إليه في الرياض، فإنه بعد أن حكى عن
بعض المحققين الخلاف في تعميم الوطئ للدبر، فخصه بالقبل، وأنه هو الظاهر من
الحلي حيث أوجب الاستبراء بتركه خاصة للمشتري، قال: (ولا يخلو من قرب إن
لم يحصل بوطئ الدبر خوف سبق الماء في القبل، الموجب لخشية الحبل، بل حصل
القطع بعدمه بالعزل نحوه.
ومنه يظهر وجه الاشكال في التعميم الوطئ له مع العزل الموجب للقطع بعدم الحبل
من هذا الوطئ، ولا فرق فيه بين القبل والدبر، قلت: لا أجد خلافا في اعتبار ترك الوطئ
في القبل من الاستبراء، ولو مع العزل كما لا أجده في اعتبار الاستبراء منه، إذا كان
كذلك أيضا، لاطلاق النص والفتوى، ولعله لعدم القطع بعدم الحبل منه، ولذا يلحق
به الولد معه، ضرورة إمكان سبق الماء من غير شعور، وغير ذلك
ومنه يتجه حينئذ ما عند الأصحاب من اعتبار ترك الوطئ فيهما خصوصا بناء
على إمكان تحقق الحبل بالوطئ في الدبر لوجود المسلك منه إلى الفرج فلا يجدي
حينئذ العزل كما لا يجدي لو كان في الفرج، وفرض حصول القطع بعدم الحبل من
الوطئ نادر، لا تنزل عليه النصوص والفتاوى، مضافا إلى أن ذلك هو الموافق للاحتياط
المؤكد طلبه في الأنساب.
هذا كله مع ما في الصحيح (1) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (قال: سألته عن رجل
يبيع جارية كان يعزل عنها، هل عليه منها استبراء قال: نعم) وأيضا ظاهر النهي في
النصوص وغيرها التعبد إذ ليس في شئ منها ما يقتضي كون ذلك من جهة الحبل على
وجه يكون عليه المدار ودعوى أن المنساق منها ذلك، واضحة المنع، خصوصا صحيح
العزل الذي لا حمل معه غالبا، ثم إنه لا خلاف أيضا في حصول الاستبراء بحيضه، بل
عن ظاهر الغنية الاجماع عليه، وبه نطقت النصوص أيضا، فما في الصحيح (2) (عن

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5
197

جارية تشتري من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها أيجزي ذلك أم لا بد من استبرائها؟
قال: يستبرئها بحيضتين) والصحيح (1) عن الرضا عليه السلام (قال: سألته عن أدنى ما
يجزي من الاستبراء للمشتري والبايع قال: أهل المدينة يقولون حيضة، وكان جعفر عليه السلام
يقول حيضتان) فشاذ مردود بصريح النصوص والفتاوى، وفحوى ما دل على الاكتفاء بتام
الحيضة أو محمول على الندب، كما يومي إليه في الجملة موثق سماعة (2) (سألته عن رجل
اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو يكفيه هذه الحيضة، قال
لا بل تكفيه هذه الحيضة، فإن استبرأها بأخرى فلا بأس هي بمنزلة فضل) ولعل العامة في المدينة
كانوا ينكرون استحباب الحيضتين، وأما المدة فلا خلاف نصا وفتوى في الاكتفاء
بها، إلا من المفيد في المقنعة في المقام فجعلها ثلاثة أشهر، وهو مع أنه مخالف لأصالة
عدم الزائد في وجه، - ولا مستند له سوى القياس على الحرة المطلقة، المردود بأن
مقتضاه القياس على الأمة المطلقة، وعدتها إذا لم تكن مستقيمة الحيض خمسة وأربعون
يوما بالاجماع والأخبار - قد وافق الأصحاب في باب لحوق الأولاد من المقنعة،
ولو شك في انتهاء المدة وعدمه، فالأصل مع الثاني وهو غير أصالة عدم الزائد المتقدمة
ومن خبر عبد الله بن سنان (3) سأل أبا عبد الله على السلام عن الرجل يشتري الجارية ولم تحض
فقال: يعتزلها شهرا إن كانت قد مست) المحمول في الوسائل على الغالب من حصول
الحيضة في الشهر وإن كان بعيدا، ويمكن حمله على مجهولة البلوغ بإرادة الندب من
الاعتزال المزبور احتياطا هذا.
وقد اتفق ما عثرنا عليه من الفتاوى على التعبير باليوم كبعض النصوص لكن في آخر ليلة،
ويمكن إرادته منها، والظاهر دخول المنكسر بعد التلفيق، كما في غيره، وفي شرح
الأستاذ أنه تدخل في الخمسة وأربعين الليالي المتوسطة دون الأولى، والآخرة

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 4
198

والمنكسر لا يحسب يوما مستقلا، ويقوى احتسابه بالاكمال، وهو جيد والله أعلم.
(وكذلك يجب على المشتري) استبراء الأمة بما عرفت (إذا جهل حالها)
بالنسبة إلى وطئ المالك الذي لم يستبرئها منه وعدمه، فضلا عما حالها أنها
كذلك، من غير خلاف يعرف فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، كما أن النصوص كادت
تكون متواترة فيه، بل في بعضها (1) (إن الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن
يستبرؤوهن فأولئك الزناة بأموالهم) أما إذا علم العدم ففي الرياض (لا يجب اتفاقا
نصا وفتوى) والمراد العلم بعدم وطئ خصوص المالك، وإن قام احتمال وطئ
غيره، وهو كذلك، للأصل السالم عن المعارض بعد الاقتصار في النصوص
على المتقين.
نعم قد يشكل الحال فيما إذا علم وطئ غير المالك لها بغير زنا، فإن سقوط
الاستبراء فيه والعدة كما يقتضيه ظاهر بعض الفتاوى هنا في غاية الاشكال بل جزم الأستاذ
في شرحه بوجوب الاستبراء فيه، وهو ظاهر كلامهم في باب النكاح، بل هو مقتضى كونه
وطئا محرما، وقد علم من وضع العدد والاستبراء ونحوهما عدم إرادة الشارع اختلاط
الأنساب، بل يمكن دعوى كون ذلك مجمعا عليه بينهم، على أن ذلك هو مقتضى إطلاق
أدلة الاستبراء، وفي صحيح الحلبي (2) عن الصادق (ع) في رجل اشترى جارية لم يكن
صاحبها يطأها أيستبرئ رحمها؟ قال: نعم) اللهم إلا أن يحمل على أخبار
صاحبها بذلك ولم يكن ثقة مأمونا.
نعم قد يتوقف في أن الواجب العدة أو الاستبراء، وهو مبني على تحقق كون أيهما
الأصل في الإماء ومع فرض عدم ثبوت ذلك يتجه مراعاة الأصول في مقتضى كل منهما،
فلا يجوز الوطئ حتى تمضي مدة العدة، للأصل، ولكن لا يجري حكم العقد في العدة

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 5
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
199

وهكذا، ومقتضى خبر الحسن بن صالح (1) الاكتفاء بالحيضة وإن سبق النكاح، وقد
ذكرنا في كتاب نكاح الإماء ماله مدخلية في المقام فلاحظ وتأمل.
ولا يجب على البايع الاستبراء من احتمال وطئ غيره، للأصل، أما مع العلم
بالمحترم منه فقد يحتمل القول بالاستبراء فيه، لكن مقتضى الأصل وظاهر المتن وغيره
بل صريح بعضهم خلافه، فصار الفرق بين البايع والمشتري أن الأول إنما يجب الاستبراء
عليه من وطئه خاصة إذا أراد البيع دون وطئ غيره المعلوم، فضلا عن المحتمل،
وأما المشتري فيجب عليه من وطئ المالك المعلوم أو المحتمل، ومن وطئ الغير
إذا كان معلوما محترما دون المحتمل، لكن تحصيل تمام هذا التفصيل من النصوص لا يخلو من
إشكال، وإن كان الحكم في البايع موافقا للأصل، كموافقة عدم وجوب الاستبراء
على المشتري من احتمال وطئ الغير، لكن إطلاق النصوص لا ينطبق على ذاك،
اللهم إلا أن تنزل عليه بمعونة الفتاوى فتأمل.
ثم إن المشهور نقلا وتحصيلا عدم اختصاص الاستبراء بالبيع، بل كل من ملك
أمة بوجه من وجوه التملك من بيع أو هبة أو إرث أو صلح أو استرقاق أو غير ذلك وجب
عليه قبل وطئها الاستبراء، وعن الخلاف الاجماع عليه، بل قيل: إنه أي الاجماع
قد يظهر من الغتية أيضا، خلافا للمحكي عن ابن إدريس فخصه بالبائع والمشتري،
للأصل، لكن المحكي عنه في باب السراري موافقة الأصحاب، فتكون المسألة
حينئذ إجماعية، وبذلك يتأيد فهم التعدية من النصوص وأن ذكر البيع فيها مثال.
خصوصا في نحو صحيح الحلبي (2) وخبر عبد الله بن عمر (3) وغيرهما مضافا
إلى خبر الحسن بن صالح (4) عن الصادق عليه السلام (نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 8
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 8
(4) الوسائل الباب 17 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
200

أوطاس استبرؤا سباياكم بحيضة) متمما بعدم القول بالفصل وكذا بالنسبة إلى البايع
فيلحق به حينئذ الواهب والمصالح وغيرهما، ولو كان العقد موقوفا على الإجازة
تعلق الحكم بها فيتوقف إيقاعها عليه، قيل: ويختلف حال الكشف والنقل هنا،
في بعض الأحوال.
وعلى كل حال فلو وطأها قبل الاستبراء عامدا أو غافلا لحق به الولد على ما صرح
به غير واحد، لأنها فراشه حينئذ، وقد يحتمل بقاء فراش الأول تمام مدة الاستبراء كما
يومي إليه الحكم بكون المالك زانيا فيما سمعته سابقا من النص، وعليه يتجه عدم
سقوط وجوب الاستبراء عنه بعد الوطئ بل احتمل وجوبه على الأول، لاطلاق
الأدلة، وفيه أنه لا فائدة له حينئذ، ويمكن منع شمول الاطلاق له، فتأمل.
وفي شرح الأستاذ (أنه يقوى عدم السقوط مع العزل وعدم الامناء أو الوطئ
قبل البلوغ فبلغ قبل انقضاء المدة) وهو جيد، وفيه أيضا (أنه لو وطئ أحد الشريكين
لم يبعد سقوط الاستبراء في منقوص الوطئ لو اشترى حصة شريكه، ولعله للحوق الولد به،
فلا استبراء عليه من احتمال وطئ الشريك، ولو أراد الشريك شراء حصة الواطئ
فقد يقال: إن المتجه عدم الاستبراء إذا كان زنا، وإن لحق به الولد، وإلا اتجه الاستبراء
لكن التصريح في النص بعدم جواز الشراء حتى يحصل الاستبراء فلاحظ
وتأمل هذا.
وقد ينزل على ما سمعته في أصل المسألة خبر الصيقل (1) قال: (سمعت
الصادق عليه السلام يقول: وقد سئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ
رحمها قال: بئس ما صنع يستغفر الله ولا يعود، قلت: فإن باعها من آخر ولم
يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها، ولا استبرئ رحمها
فاستبان حملها عند الثالث؟ فقال: أبو عبد الله عليه السلام الولد للفراش وللعاهر الحجر
فإن أرادته الأخير هذا، والذي يقتضيه أصول المذهب وقواعده عدم الفرق بين

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3
201

الجارية مدة الاستبراء وغيرها، في كون التلف من البايع إذا لم يقبضها المشتري
وإلا كان منه إذا لم يكن مختصا بالخيار، فما عن المفيد والنهاية من اطلاق كون
التلف من البايع إذا تلفت معزولة عند انسان للاستبراء في غير محله، إلا أن ينزل
على عدم وكالة الانسان عن المشتري في القبض، وكذا ما عنهما وابن حمزة
والفاضل في بعض كتبه من أن النفقة مدة الاستبراء على البايع، إذ المعهود منها
تبعيتها للملك، فالمتجه كونها على المشتري حتى لو وضعت على يد عدل، خلافا
للمحكي عن الفاضل فجعلها على البايع معه والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (يسقط استبراؤها) بالعلم ببراءة الرحم، بل لا
موضوع له حينئذ و (إذا أخبر الثقة أنه استبرأها) أو لم يطأها على المشهور،
بل عن ظاهر الغنية الاجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة المحمول مطلقها - كقول العبد
الصالح عليه السلام في خبر محمد بن حكيم (1) (إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها
أنها على طهر فلا بأس أن تقع عليها) على مقيده بالوثاقة، كحسن حفص البختري (2)
عن الصادق عليه السلام (في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول إني لم أطأها؟ فقال:
إن وثق به فلا بأس أن يأتيها) وكصحيح أبي بصير (3) قلت للصادق عليه السلام الرجل
يشتري الجارية وهي طاهر ويزعم صاحبها أنه لم يمسها منذ حاضت؟ فقال: إن
ائتمنه فليمسها)
كقوله عليه السلام في خبر ابن سنان (4) (إن كان عندك أمينا فمسها) وفي
المقنعة روي (5) (أنه لا بأس للانسان أن يطأ الجارية من غير استبراء لها إذا كان
بايعها قد أخبره باستبرائها وكان صادقا في ظاهره مأمونا) لكن قال:
ابن سنان (6) للصادق عليه السلام (أفرأيت إن ابتاع الجارية وهو طاهر وزعم صاحبها أنه
لم يطأها منذ طهرت؟ فقال: إن كان عدلا أمينا فمسها، وقال: إن ذا الأمر شديد

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 6 - 2
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 6 - 2
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 6 - 2
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 6 - 2
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 6 - 2
(6) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 1 - 4 - 2 - 6 - 2
202

فإن كنت لا بد فاعلا فتحفظ لا تنزل عليها) وعن بعضهم أنه حمله على كونه أمينا
بحسب الظاهر، لا المعاشرة، ولعل حمله على الندب أولى.
وعلى كل حال فظاهر النص والفتوى اعتبار كون المخبر، البايع مع ذلك
، لكن في شرح الأستاذ أنه يسقط الاستبراء بشهادة عدلين وبإخبار ولي المشتري أو
وكيله وإن لم يكونا ثقتين، وكذا لو أخبر الثقة ذكرا كان أو لا، مالكا كان أو لا،
بالاستبراء كما ينسب إلى الأكثر، ويظهر نقل الاجماع فيه للأصل الجاري على
بعض الوجوه وللأخبار وهو كما ترى، وعليه فرع أنه لو تعارض خبر الثقتين
وأحدهما مالك احتمل ترجيحه، وترجيح خبر المثبت أو النافي، ثم قال: ولو
اختلف الشركاء فيها أخذنا بالترجيح، كما لو اختلف الخارجون ومع التساوي
يلزم الاستبراء هذا.
وفي أكثر العبارات الثقة كالمتن، وفي بعض منها العدل، وفي جامع
المقاصد أنه المراد من الثقة. لأن غير العدل لا يعد ثقة، وفي الأخبار اعتبار وثوق
المشتري، ولا ريب أنه لا يتحقق الوثوق غالبا بدون العدالة، واحتمل ثاني
الشهيدين الاكتفاء بمن تسكن إليه النفس، وتثق بخبره، بل جزم به بعض متأخري
المتأخرين لخلو النصوص عن اعتبار الثقة بمعنى العدل، سوى ما عن الفقه المنسوب
إلى الرضا عليه السلام (1) الذي لم تثبت حجيته، قال: (إن كان البايع ثقة وذكر أنه
استبرأها جاز نكاحها من وقته، وإن لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة).
وفيه أنه يمكن أن يكون ما في النصوص من الموثوق والأمانة إشارة إليه، مضافا
إلى ما سمعته من خبر ابن سنان، وظاهر الأستاذ في شرحه الفرق بين الوثاقة
والعدالة فقال: (وفي الاكتفاء بمجرد الوثاقة كما في ظاهر الأكثر ويظهر من أكثر
الأخبار للتعبير بلفظها في بعضها، وبالأمانة منفردة أو مع قيد الصدق في بعض
آخر منها وجه قريب، واعتبارها بشرط العدالة كما صرح به بعض، لأن الظاهر

(1) المستدرك ج 2 ص 486
203

من إطلاق الوثاقة دخول العدالة فيها أقرب، وأما الاكتفاء بمجرد العدالة كما يظهر
من إطلاق آخرين فبعيد، ويمكن إرادة الوثاقة منها والاجتزاء بذكرها عنها) وفيه ما
قد عرفت من أن ظاهر الفتاوى اتحاد المراد منهما، وأما النصوص فتحتمل ذلك،
وتحتمل إرادة من تسكن إليه النفس، والأول أولى فاحتمال إرادة أمر زائد على العدالة
بعيد عن النص والفتوى.
وعلى كل حال ففيه أيضا أنه لو أخبر عدل وفسق قبل الوطئ عول عليه،
بخلاف العكس، إلا أن يعيد الخبر، ولو وطئ اعتمادا على الخبر فعدل أو خرج عن
العدالة فلا استبراء، ولو كذب في دعوى الاستبراء ثم ظهر الحمل منه ردت إليه
ورجع المشتري بالثمن وكل غرامة غرمها، أما لو علم بكذبه فأقدم رجع بالثمن
مع بقائه، وفي الرجوع به مع التلف وبالغرامة وجهان، ومع العلم بفسقه وعدم
المعذورية شرعا يضعف احتمال عدم الرجوع وإن عصى في وطئه، وفي اعتبار
خبر الأمة مع الوثاقة وجهان، أقواهما القبول، وهو جيد في البعض، لا يخلو من
نظر في الآخر.
وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك ضعف ما عن ابن إدريس وفخر الدين من
وجوب الاستبراء وإن أخبر الثقة، لنصوص ما بين قاصرة السند أو ضعيفة الدلالة،
أو مخالفة للمجمع عليه في الظاهر، كصحيح الحيضتين (1) المتقدم سابقا وكصحيح
الحلبي (2) المحمول كما عرفت على عدم أمانة المخبر أو على الاستبراء من وطئ
غير المالك، وأما الخبر (3) (أشتري الجارية من الرجل المأمون فيخبر في أنه لم
يمسها منذ طمثت عنده وطهرت؟ فقال: ليس بجايز أن تأتيها حتى تستبرأها بحيضة)
فيجب حمله على الندب الذي أشعرت به بعض النصوص السابقة به أو يطرح لقصوره

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الحيوان الحديث 5
204

عن المعارضة من وجوه لا تخفى، كما أنه قد ظهر لك أيضا مما ذكرنا من النصوص أنه
لا فرق في الأخبار بين كونه بعدم الوطئ الموافق للأصل وبالاستبراء المخالف
له، لا إنها تضمنت الأول خاصة، والحق الثاني به، حتى يتجه ما يقال من وضوح الفرق
بينهما، والله أعلم.
(وكذا) يسقط استبراؤها عن المشتري (لو كانت) الجارية
(لامرأة) على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة، للأصل
والمعتبرة المستفيضة منها الصحيح (1) (عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها؟ قال: لا
بأس أن يطأها من قبل أن يستبرأها) ونحوه الموثق كالصحيح بل قيل أنه صحيح،
وفي صحيح زرارة (2) (اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد
فوقعت عليها ولم استبرئها، فسألت عن ذلك أبا جعفر عليه السلام فقال: هو ذا، أنا قد فعلت
ذلك وما أريد أن أعود).
نعم في الرياض أنه ربما يستشعر منه اشتراط الحكم هنا بعدم معلومية وطئ
في ملك الامرأة بتحليل ونحوه، بل مطلقا، ومقتضاه وجوب الاستبراء عند عدم
الشرط، ولعله كذلك ويعضده انسحاب وجه الحكمة هنا أيضا إلا أن مقتضاه الاكتفاء
باحتمال الوطئ لا اشتراط العلم به، ولا ريب أنه أحوط إذا لم تخير بعدم الوطئ
بل مطلقا كما عن الحلي وفخر المحققين، وإن كان في تعيينه نظر لاطلاق
الصحيحين الأولين المعتضدين بالأصلين، وباطلاق الفتاوى فيقيد بهما الحكمة
إن عمت، مع أن عمومها محل نظر، لاحتمال الخوف الذي هو الأصل فيها الغالب
في الشراء من الرجل، لا مطلقه، وينبغي القطع باشتراط عدم المعلومية التقاتا إلى
الحكمة، وعليه ينزل الاطلاقات ويفرق حينئذ بين الشراء منها ومن الرجل بوجوب
الاستبراء في الثاني مطلقا إلا مع العلم، أو ما في حكمه بعدم الوطي أصلا، وعدمه

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2
205

في الأول كذلك إلا مع العلم بدخول المحترم أو المطلق، وهو الأقوى).
قلت لا بأس بتنزيل إطلاق النص والفتوى على ذلك، لخوف لزوم الفساد
باختلاط الأنساب الذي هو الحكمة في وضع العدد والاستبراء، كما استفيد من تتبع
الأخبار وكلام الأصحاب في تضاعيف الأبواب، لكن قد يقال أن المتيقن من تقيدهما
إذا علم حصول وطئ محترم لم يتعقبه حيض، وإلا فالعلم بالتزويج أو التحليل
أو نحو ذلك أعم منه، والأصل براءة الذمة من الاستبراء، مضافا إلى إطلاق النص
وليس في صحيح زرارة ما يصلح للتقييد.
نعم قد يقال بملاحظة كلامهم في باب النكاح أنه من المعلوم وجوب
العدة أو الاستبراء لكل سبب مزيل للنكاح، وإن كان باختيار المشتري الفسخ
فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فيلحق بها كل من لا قابلية له للوطئ لصغر أو كبر أوجب أو عنن
أو عروض مرض، لا للقياس الباطل في مذهبنا، بل لما عرفت من اشتراط الاستبراء
بالعلم بوطئ المالك، أو احتماله أو العلم بوطئ محترم من غيره لم يتعقبه حيض
مثلا ولو بالاستصحاب، فما في المسالك (من أن المناسب للأصول الشرعية عدم
الالحاق) في غير محله، خصوصا بعد قوله فيها: (وليس من مواضع الاشكال
ما لو باعتها المرأة لرجل في المجلس فباعها حينئذ، بل لا يجب الاستبراء هنا قطعا،
للعلم بعدم وطئ البايع ثم قال: وقد يحتال لسقوط الاستبراء ببيعها لامرأة ثم شراؤها
منها، لاندراجها حينئذ في أمة المرأة نظرا إلى إطلاق النص من غير تعليل، وكذا
لو باعها لرجل ثم اشتراها منه قبل وطئه لها، حيث يجوز ذلك).
وقد تبع في بعض ذلك الكركي في جامعه فإنه قال: (وقد يحتال لاسقاط
وجوب الاستبراء بأمور منها - إعتاقها ثم العقد عليها، فقد ورد جواز الوطئ معه من
غير استبراء في غير حديث، ومنها - بيعها من امرأة ثم شراؤها منها - لاندراجها في
أمة المرأة، ولو ألحقنا بالمرأة غيرها كالطفل أمكن ذلك. ولو باعها لرجل ثم اشتراها
206

منه حيث يجوز، أمكن الحكم بالسقوط أيضا، ومنها - ما لو زوجها فطلقها الزوج
قبل الدخول فإنها مطلقة غير مدخول بها، فلا عدة ولا استبراء عليها، وما كان واجبا
قبل ذلك فقد سقط بالعقد عليها، مع احتمال بقاء الوجوب هنا، نعم لو باعها لغيره ثم
تزوجها منه أو أحله وطأها فإنه لا استبراء هنا، لأن النكاح لا يجب الاستبراء قبله، إلا
أن يعلم الوطئ، ولهذا لو أعتقها جاز أن يتزوجها في الحال، فلو شراها حينئذ فلا
استبراء، لما عرفت من أن السابق قد سقط، واللاحق لا يقتضي وجوب الاستبراء
حينئذ، وهذا وجه قوي، ويكون هذا من المواضع التي يسقط فيها الاستبراء)
قلت: ولكن ينبغي أن يعلم أولا أن ذلك كله إذا لم يعلم بالوطئ المحترم
الذي يجب الاستبراء منه، وإلا فلا حيلة لاسقاطه على الظاهر، كما أومى إليه الفاضل
المزبور في حيلة التزويج، وإن كان مقتضى بعض إطلاقات الحيل المزبورة
سقوطه، إلا أنه لا بد من تقييده، لما عرفت من اختلاط الأنساب، كما أنه ينبغي أن
يعلم أن الاستبراء الواجب على المشتري ولو باحتمال وطئ المالك إنما هو للوطئ،
أما البيع ونحوه فلا يجب الاستبراء له عليه، فيجوز له حينئذ بيعها قبله، فإذا باعها
من الامرأة أو الرجل ثم شراها منه في المجلس مثلا سقط الاستبراء الاحتمالي عنه،
لاحتياج عود وجوبه عليه إلى دليل.
لكن ومع ذلك ففي النفس منه شئ خصوصا في أمر الفروج المأمور بشدة
الاحتياط فيها، مخافة اختلاط الأنساب، بل قد يقال: إن السقوط من جهة صدق
كونها جارية امرأة لا ينافي الثبوت من حيثية أخرى، وهي أنها جارية قد اشتريت ممن
يجب استبراؤها منه لاحتمال الوطئ، بل نحو ذلك يجري أيضا في باقي الحيل،
وإن اختلف قوة وضعفا، بل ربما كان في بعضها من تعارض العموم من وجه فتأمل جيدا.
وطريق الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة غير خفي، وتسمع انشاء الله في كتاب
النكاح جملة من الكلام في ذلك، والله أعلم.
وبالجملة يسقط استبراؤها بذلك (أو) كانت (في سن من لا تحيض لصغر)
207

فلم تبلغ التسع (أو) ل‍ (كبر) بلغت حد اليأس، بلا خلاف أجده في شئ منهما،
وقد سأل عبد الرحمان (1) أبا عبد الله عليه السلام (عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ
حد الحيض أو لم تحض؟ فقال: لا عدة عليها) الحديث، وقال له أيضا عبد الله بن عمر (2)
الجارية الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك، أو قد يئست من المحيض؟
فقال: لا بأس بها أن لا يستبرأها) ونحوه رواه الصدوق (3) مرسلا عن الباقر عليه السلام،
وقال الصادق عليه السلام أيضا في صحيح الحلبي: (4) (في رجل ابتاع جارية لم تطمث
إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحمل فليس عليها عدة فليطأها، إن شاء)
وقال أيضا في خبر ابن أبي يعفور: (5) " في الجارية التي لم تطمث ولم تبلغ
الحمل إن اشتراها الرجل ليس عليها عدة يقع عليها " والمراد من التي لم تبلغ الحيض
ويخاف عليها في خبري ربيع ابن القاسم (6) ومنصور بن حازم (7) (الذي أمر
فيهما بالاستبراء بالمدة من بلغت تسعا، ولكن لم تبلغ المعتاد من زمن الحيض، فإن
مثلها تستبرئ بالمدة) كما في الخبرين المزبورين، إذ المراد بالصغيرة عندنا من لم
تبلغ ذلك، خلافا لبعض متأخري المتأخرين فمن لم تبلغ الحيض عادة، والنص
والفتوى بخلافه، كما تسمعه في باب العدد وغيرها من محاله، كما أن المراد ممن لم تحض
أو قعدت عن المحيض في خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله (8) عن الصادق عليه السلام، من كانت
في سن من تحيض ولم تحض، قال: فيه (في الرجل يشتري الجارية ولم تحض أو
قعدت عن المحيض كم عدتها قال: خمس وأربعون ليلة) وإن كان المراد في
خبره السابق الصغيرة واليائسة، فلا تنافي حينئذ بين النصوص، بناء
على ما ذكرنا.

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 8
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 8
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 10 - 1
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 10 - 1
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 7
(6) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 7
(7) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 6
(8) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 6
208

نعم قد يستشكل في النصوص السابقة بظهورها في جواز وطئ الصغيرة وهو
معلوم البطلان، بناء على تفسير الصغيرة بما ذكرنا، ويدفع بمنع ظهورها في ذلك،
بل يمكن حملها على إرادة أنها صغيرة عند البايع ثم بلغت عند المشتري، ولا مانع من
حيث الاستبراء، أو يراد لا استبراء عليها، وإن وطأها البايع محرما أو غير ذلك، مما
يمكن تنزيلها عليه، كما أنه قد يستشكل في خصوص مضمر سماعة (1) الذي هو ما
في صحيح الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام (في جارية لم تحض قال أمرها شديد، غير
أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتى تستبين له إن كان بها حبل، قلت: وفي كم تستبين له
حبل؟ قال: في خمسة وأربعين ليلة "، لأن قوله فيهما " لم تحض " إما أن يراد به الكتابة
عن الصغيرة، أو البالغة ولكن لم تحض فعلا، والأولى لا يجوز وطؤها ولو مع عدم
الانزال، كالثانية قبل الاستبراء بالمدة.
ويمكن دفعه بأن المراد عدم الوطئ في الفرج من عدم الانزال، وشدة الأمر
حينئذ باعتبار عسر الصبر في هذه المدة، أو بما في الحدائق من أن المراد أنه اشترى
الجارية بعد افتضاضها وزوال بكارتها ولكن في ظنه أنها لم تبلغ سيما مع عدم طمثها
فقال عليه السلام: (إن هذه باعتبار عدم معلومية البلوغ وعدمه محل إشكال، وأمرها شديد)
سيما إذا كانت مثلها ومن هي في قدر جثتها وصورتها يحصل له الحمل، فالواجب الاستبراء
كما أومى إليه في خبر منصور وغيره في التي لم تبلغ الحيض ولكن يخاف عليها إذا
كانت بهذه الكيفية، فيكون المراد من قوله لم تحض عدم العلم بالبلوغ بالحيض،
وإن كانت للبلوغ بالسن محتملة، وشدة الأمر حينئذ من حيث أصالة عدم البلوغ، ومن
حيث خوف الحمل فالذي ينبغي حينئذ استبراؤها، فإن أتاها فالذي ينبغي له العزل
عنها، لكنه كما ترى فيه ما فيه، ويمكن أن يراد ممن لم تحض فيه البالغة عددا لكنها
لم تبلغ الحيض، وشدة أمرها باعتبار عدم الحيض، وهذه وإن كان الواجب استبراؤها
بالمدة، إلا أنه لو أثم وأتاها ينبغي أن يعزل عنها مخافة اختلاط الأنساب فتأمل جيدا والله أعلم

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 وذيله
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 وذيله
209

(أو) كانت الأمة المشتراة مثلا (حائضا) فإنه يسقط استبراؤها فيجوز له
وطؤها (إلا زمان حيضها) على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا شهرة عظيمة
فيكتفى في جواز وطئها باتمام حيضها، كما عن الخلاف الاجماع عليه، لا لأن ذلك
استبراؤها، بل لعدم جواز الوطئ حال الحيض، وفي موثق سماعة (1) (سئلته عن
رجل اشترى جارية وهي طامث أيستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة
فقال: بل تكفيه هذه الحيضة، فإن استبرأها بحيضة أخرى فلا بأس هي بمنزلة فضل)
وفي صحيح الحلبي (2) (سألت الصادق عليه السلام عن رجل اشترى جارية وهي حائض
فقال إذا طهرت فليمسها إن شاء).
خلافا لابن إدريس فلم يكتف باتمام الحيضة، وكأنه اجتهاد في مقابلة النص
بل والاعتبار، ضرورة أنه إذا كان الاستبراء يحصل بالحيضة فمع فرض أنه اشتراها
حائضا قد علم بذلك براءة رحمها، فهي كالجارية التي علم أن البايع قد استبرأها أو لم
يطأها كما هو واضح، هذا وفي النافع يجب على البايع استبراء الأمة قبل بيعها بحيضة
و مزجها في الرياض فقال واحدة إن لم تبع في أثنائها وإلا فيكفي تمامها على الأشهر الأقوى.
وفيه أن خلاف ابن إدريس في المشتري على الظاهر، ولعل قوله على الأشهر
الأقوى راجع إلى الاتحاد، فإن المحكي عنه اعتبار التعدد، فلاحظ وتأمل.
نعم قد يستشكل في الاكتفاء باتمام الحيضة إذا وقع الوطئ من المالك
في أثناء الحيض عصيانا، اللهم إلا أن يقال: إن إطلاق ما دل على الاكتفاء وإن كان
منصرفا إلى غير الفرض، لكن قد يمنع شمول ما دل على الاستبراء لنحوه أيضا، فيبقى
على أصل البراءة فتأمل والاحتياط لا ينبغي تركه.

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
210

(أو حاملا) أي وكذا يسقط استبراؤها إذا كانت حاملا، ضرورة معلومية
مشغوليتها بالحمل، ولا فائدة للاستبراء المفسر بترك الوطئ حتى يتبين حالها. نعم
لو فسر بترك الوطئ حتى يبرء رحمها مما اشتغل به من ماء أو حمل، أمكن القول بأن
ترك الوطئ للحامل حينئذ حتى تضع أو إلى مضي المدة كما ستعرف الخلاف فيه
للاستبراء بهذا المعنى، ولعل مراد المصنف وغيره ممن أسقطه عنها بالاستبراء
ما ذكرناه أولا ولذا قال:
(نعم لا يجوز وطئ) الجارية (الحامل قبلا) بما يسمى وطيا فيه عرفا، إلا
أن يكون من الأفراد النادرة التي لا ينصرف إليها الاطلاق، بل لولا ظهور الفتاوى في
الاطلاق لأمكن دعوى إرادة المشتمل منه إلى الامناء من النصوص، ولا فرق في
الحامل بين أن يكون حملها بحر أو مملوك أو مبعض، (قبل أن يمضي لحملها أربعة
أشهر وعشرة أيام) وفاقا للمقنعة والنهاية والوسيلة والكافي والنافع والمفاتيح
والغنية إلا بشرط العزل، والإرشاد والتحرير والإيضاح وإيضاح النافع والمسالك في
الجملة على ما حكي عن بعضها، وإن اختلفت في التقييد في القبل وعدمه.
فترك في الستة الأول، ولعله مراد لها، وفي زيادة العشرة وعدمها، فتركت في
الأول والرابع والخامس والسابع، بل في الدروس المشهور أنه يستبرئها بأربعة أشهر
وعشرة أيام وجوبا عن القبل لا غير، وفي ظاهر الغنية الاجماع على ما فيها، وفي الرياض
لا ريب في الحرمة قبل انقضاء هذه المدة، للمعتبرة المستفيضة التي كادت تكون
متواترة المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل ظاهر المصنف والأكثر، بل نسبه غير واحد إلى
الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين الزنا وغيره، بل لا أجد خلافا في التحريم فيها إلا
من الشيخ في الخلاف وكتابي الأخبار، وابن إدريس، فالجواز. نعم نص الأول منهما
على الكراهة مدعيا الاجماع عليها، ومن الفاضل وثاني الشهيدين وغيرهما في خصوص
الحمل من الزنا، فالكراهة فيها أيضا، وربما الحق المجهول به، لكن ليس في شئ مما وصل
211

إلينا من نصوص المسألة إشارة إلى الفرق بين الزنا وغيره، فضلا عن المجهول، بل ربما كان
ظاهرها خلافه، خصوصا ترك الاستفصال مع انصراف الحمل إلى النكاح الصحيح
كما في ساير أفعال المسلمين، وعدم الحرمة لمائه إنما هو بالنسبة إلى إلحاق الولد وعدمه،
لا بالنسبة إلى وطئ من علم حملها منه، المعلل بتغذية الولد ونحوه، ودعوى أن
المعهود من الشرع الغاء اعتبار الزنا في العدة والاستبراء، يمكن تسليمها في غير المقام
الذي يمكن أن يكون عدم الوطئ فيه تعبديا وليس لعدة ولا استبراء، بل هو ظاهر المصنف
وغيره ممن نفى الاستبراء عن الحامل بل منع في الحدائق عدم العدة والاستبراء للزنا
محتجا بخبر حريز (1) قال لأبي عبد الله عليه السلام: (الرجل يفجر بالامرأة ثم يبدو له في
تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها
من ماء الفجور، فله أن يتزوجها وإنما يجوز له تزويجها بعد الوقوف على توبتها) وما
رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (2) عن أبي جعفر الجواد عليه السلام
(أنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟ فقال: يدعها حتى يستبرئها
من نطفته ونطفة غيره إن لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت معه، ثم يتزوج بها إذا أراد،
فإن مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا) وإطلاق ما دل
على وجوب العدة والغسل والمهر والرجم بالدخول، وأن العدة من الماء وإن كان
هو كما ترى، بل ينبغي الجزم بإرادة الندب من الخبر الأول، إذ لا استبراء عليه من مائه
بل والخبر الثاني خصوصا بعد استفاضة النصوص وباطلاق جواز
تزويج الزانية.
نعم قد يقال في خصوص المقام بحرمة الوطئ وإن كان الحمل من زنا، لا للعدة
والاستبراء، بل لاطلاق النصوص، وعدم إشعار شئ منها به، كما أنه قد يقال إن ظاهرها
مجهولة حال الحمل على وجه لم يعلم كونها من ذات العدة بالوضع، كالمطلقة ونحوها،

1 - الوسائل الباب 11 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها الحديث 4 -
2 - تحف العقول ص 338 المطبوع بالنجف الأشرف سنة 1385
212

أو من غيرها كالحامل من زنا، بناء على عدم العدة له بذلك، والمساحقة ونحوها، إذ
المعلوم عدم كونها من ذوات العدد بالوضع وإنما هي من ذوات الاستبراء المفروض
سقوطه بالحمل، بل لعل ذلك هو الغالب في الإماء، وحينئذ يتجه جريان الأقوال
المزبورة للنصوص، وأما إذا علم حال حملها وكونه عن وطئ صحيح تعقبه طلاق
أو فسخ أو نحو ذلك، أو غير صحيح كالزنا مثلا وقلنا بعدم الحرمة لمائه، فهو على حكمه
بالنسبة إلى كل فرد، لا أن المراد من النصوص الاطلاق الشامل للمطلقة مثلا ونحوها مما
كان عدتها الوضع، ضرورة إمكان تحصيل الاجماع على خلاف ذلك، كما يظهر لك
الحال بأدنى ملاحظة لكلامهم في العدد، مضافا إلى إطلاق الآية والنصوص
فلاحظ وتأمل جيدا، فإن هذا هو التحقيق في المسألة.
وهذا الحكم مختص - بالأمة المشتراة التي كان حكمها الاستبراء، وسقط بالحمل،
كما عساه الظاهر من المصنف وغيره مع إلحاق غير الشراء من أسباب الملك الاختيارية
والقهرية، كما هو مقتضى كلامهم في أصل موضوع المسألة، وعدمه جمودا على مقتضى
النص المفصل - أو أنه شامل لكل جارية حامل مجهولة الحال أو معلوم أنها من غير ذات
العدة بالوضع، فيندرج فيه أمة السيد لو حملت كذلك، كما عساه يظهر من إطلاق
العنوان في بعض العبارات وجهان، من أصالة الجواز بعد عدم معلومية سبب التحريم،
ومن إطلاق النهي عن وطئ الحبلى حتى تضع، لا يخلو أولهما من قوة، فحمل
صحيح رفاعة - (1) المقيد فيه بالأربعة أشهر وعشرة أيام عليه مرادا من النهي فيه في المدة
الكراهة، وبعدها لا كراهة، أو مرادا منه الحرمة وبعدها لا حرمة، بخلاف الحمل من
غيره فإنه محرم إلى حال الوضع - لا شاهد له سوى دعوى معلومية عدم احترام
ماء الزاني.
وفيه أن المقام يمكن أن لا يكون من الاحترام، على أن مثله يرد بناء على إرادة
الحرمة من النهي في الصحيح المزبور، فلا ريب حينئذ في ضعف القولين معا كضعف
القول بحرمة الوطئ إلى حال الوضع مطلقا، تمسكا باطلاق النصوص كموثق

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3
213

إسحاق بن عمار (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجارية يشتريها الرجل وهي حبلى
أيقع عليها؟ قال: لا) وقوله عليه السلام أيضا في موثق مسعدة (2) (يحرم من الإماء عشر،
لا تجمع بين الأم والبنت، ولا بين الأختين، ولا أمتك وهي حبلى من غيرك حتى تضع)
كقوله أيضا في خبر مسمع بن كردين (3) (قال أمير المؤمنين عليه السلام: عشر لا يحل
نكاحهن ولا غشيانهن، أمتك وأمها، إلى أن قال، وأمتك إن وطئت حتى تستبرئ
بحيضة، وأمتك وهي حبلى من غيرك) الحديث.
وفي المروي عن العيون مسندا إلى الرضا عن آبائه عليهم السلام (4) (قال:
نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن وطئ الحبلى حتى يضعن) وعن قرب الإسناد عن إبراهيم بن
عبد الحميد (5) (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يشتري الجارية وهي حبلى أيطأها
قال: لا قلت: من دون الفرج؟ قال: لا يقربها) وفي خبر محمد بن قيس (6) (عن أبي جعفر عليه السلام في الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلى؟ قال: لا يقربها حتى تضع ولدها)
وخبر أبي بصير (7) (قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يشتري الجارية وهي حامل ما يحل
له منها؟ قال: ما دون الفرج) إلى غير ذلك من النصوص المطلقة والمقيدة بالوضع.
مضافا إلى آية (8) (أولى الأحمال) المرجحة على آية الملك (9) في صحيح
رفاعة (10) عن أبي عبد الله عليه السلام (في الأمة الحبلى يشتريها الرجل فقال: سئل أبي عن
ذلك فقال: أحلتها آية وحرمتها آية أخرى، فأنا ناه عنها نفسي وولدي، فقال الرجل:
أنا أرجو أن أنتهي إذا نهيت نفسك وولدك) إذ النهي حقيقة في التحريم، وكان الذي دعاه
إلى هذا التعبير والنسبة إلى أبيه التقية كما قيل، فإنهم كانوا يرون الجواز، فلم يمكنه

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6 - 4 - 5 - 7 - 8 - 1
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6 - 4 - 5 - 7 - 8 - 1
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6 - 4 - 5 - 7 - 8 - 1
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6 - 4 - 5 - 7 - 8 - 1
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6 - 4 - 5 - 7 - 8 - 1
(6) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6 - 4 - 5 - 7 - 8 - 1
(7) الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3
(8) سورة الطلاق الآية 3
(9) سورة المؤمنون الآية 3
(10) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2
214

التعبير عنه صريحا.
وإلى الاجماع المحكي عن شرح الارشاد للفخر على ذلك في غير الزنا، بل
ظاهر غيره أن ذلك من المفروغ منه، وأنه من المسلمات التي لا يعتريها الشك، وأنه
لذلك حمل صحيح المدة (1) على الزنا، لعدم إمكان الحمل في غيره، وإلى معلومية
حرمة وطئ الحامل في غير المقام، في طلاق ووفاة وغيرهما مما يكشف أن
لذي الحمل تعلقا بالرحم ما دام مشغولا بالحمل، ومن هنا لم يجعل أجلا دونه
إلى غير ذلك.
إذ فيه أنه مستلزم لطرح صحيح رفاعة المعمول به بين الأصحاب في الجملة
كما اعترف به فخر المحققين وغيره بلا مقتض، أو تأويله من دون شاهد، قال على ما رواه
في التهذيب (2) (سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: أشتري الجارية فتمكث عندي
الأشهر لا تطمث، وليس ذلك عن كبر فأريها النساء فيقلن ليس بها حمل، فلي أن أنكحها
في فرجها؟ فقل: إن الطمث قد يحبسه الريح من غير حبل، فلا بأس أن تمسها في الفرج
قلت: فإن كانت حبلى فما لي منها؟ فقال: لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حبلها
أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في
الفرج. قلت: إن المغيرة وأصحابه يقولون لا ينبغي للرجل أن ينكح امرأته وهي حامل
وقد استبان حملها حتى تضع فتغذو ولده قال: فقال: هذا من أفعال اليهود) فلا بأس
بتأييد الاطلاق المتقدم به، كما أنه لا بأس بالجمع بينه وبين نصوص الوضع، بجعل
الغاية أحدهما، كما هو مقتضى الأمر بهما. واعتضاد نصوص الوضع بالأصل
واطلاق النهي السابق، وبظاهر صحيح رفاعة السابق (3) من حيث دلالته على انحصار
الأمر بين الإباحة المطلقة، كما دلت عليه الآية الأولى، أي آية الملك، (4) أو الحرمة

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3
(2) التهذيب ج 7 ص 468 الحديث 1878
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2
(4) سورة المؤمنون الآية 4
215

كذلك، كما صرحت به الثانية (1).
وحيث ظهر لنا الحرمة في الجملة بالأدلة السابقة تعين ترجيح الآية وهي في
الحرمة إلى الوضع صريحة، ولا آية هنا تدل على التفصيل بين المدتين، بالبديهة لا
يمنع من الجمع المزبور بعد الاغضاء عن جريان الأصل المعلوم قطعه بآية الملك،
والصحيح ظاهر في ترجيح آية الملك، وأن المراد من النهي الكراهة، بل يمكن دعوى
ظهور آية الحمل في غير المقام من ذوات العدد، فلا ريب حينئذ في أن مقتضى أصول
المذهب الجمع بين النصوص بما عرفت، وأن المطلق منها يقيد بذلك.
وما يقال - من أن التقييد فرع المقاومة، وليس لقصوره عددا عن ذلك، مع بعد
التقييد فإن أظهر أفراد الحبلى من استبان حملها، وليس إلا بعد انقضاء المدة المزبورة
- مدفوع بأن كثرة عدد المطلق لا تنافي تقييده بالمتحد المعمول به بين الأصحاب،
وبمنع كون الأظهر ذلك بحيث ينصرف إليه الاطلاق، وخلو الصحيح - عن زيادة التقييد
بالأربعة وعشر في الكافي - غير قادح، كما أن اختلاف عبارات الأصحاب من حيث
التقييد بالعشر وعدمه كذلك، ضرورة كون الصحيح المزبور حجة على تارك التقييد
فلا ريب في رجحان هذا القول على غيره.
نعم لولا الشهرة العظيمة والاجماع المحكي لكان القول بالكراهة كما سمعته
من الشيخ وابن إدريس في غاية القوة لظهور صحيح رفاعة (2) السابق فيها والخبر (3)
(ما أحب للرجل المسلم أن يأتي الجارية الحبلى قد حبلت من غيره) إلى آخره وترك
النهي عنه في خبر السكوني (4) عن الصادق عليه السلام (أن رسول الله صلى الله عليه وآله دخل على رجل
من الأنصار وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف فسأل عنها، فقال: اشتريتها يا رسول الله

(1) سورة الطلاق الآية 4
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب نكاح العبيد والإماء في ذيل الحديث 1
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3
216

وبها هذا الحبل، قال: أقربتها؟ قال: نعم قال: أعتق ما في بطنها، قال: يا رسول الله
وبما استحق العتق؟ قال: لأن نطفتك أغذت سمعه وبصره ولحمه ودمه ") بل التعليل
فيه ظاهر في الكراهة، وأن المراد من النهي في غيره للارشاد، لأنه بالوطئ يرجح له
أو يتعين عليه عتق الولد، بل قول الصادق عليه السلام في خبر غياث (1) (من جامع أمة حبلى
من غيره، فعليه أن يعتق ولدها ولا يسترق، لأنه شارك فيه الماء تمام الولد) لا يخلو من إشعار
بجواز الجماع، إلى غير ذلك مما يشهد للجواز من إطلاق أدلة الملك وغيره، فلولا
ما عرفت لكان القول به في غاية القوة، فحيث انتفى لذلك كان القول بما في المتن أقوى
من غيره قطعا، لما عرفته من دليل الحرمة في المدة وغيرها، للأصل والصحيح أيضا،
وجواز التصرف في ملك اليمين والأمن من اختلاط الأنساب في غيرها.
ومن ذلك كله بان لك الوجه في جميع الأقوال على اختلافها في الوطئ بعد
مضي المدة وقبله وأن الأقوى منها قبله الحرمة (ويكره بعده) الذي في الدروس
وغيرها أنه المشهور، ولعل حكم المصنف بكراهته لقوله عليه السلام (لا أحب) وتنزيل
صحيح رفاعة المشتمل على نهيه عليه السلام لنفسه وولده عليه، وللتخلص من شبهة الخلاف
ومن احتمال إرادة النهي من المطلقات إلى حال الوضع، ومن نحو ذلك مما يصلح
دليلا للكراهة، فتأمل جيدا.
فإن المسألة من المشكلات وقد اضطرب فيها كلام الأساطين، حتى أن العلامة منهم
قال هنا في القواعد: (ويحرم وطئ الحامل قبلا قبل مضي أربعة أشهر وعشرة أيام،
ويكره بعده إن كان عن زنا وفي غيره إشكال) وقال في النكاح منها: (ولو اشتراها حاملا
كره له وطؤها قبلا قبل الوضع أو مضي أربعة أشهر وعشرة أيام إن جهل حال الحمل،
لأصالة عدم إذن المولى، وإن علم إباحته بعقد أو تحليل حرم حتى تضع، وإن علم
كونه عن زنا فلا بأس) وقال في الطلاق منها (كل من ملك جارية موطوءة ببيع أو غيره
من استغنام أو صلح أو ميراث أو أي سبب كان لم يجز له وطؤها إلا بعد الاستبراء، فإن
كانت حبلى من مولى أو زوج أو وطئ شبهة لم ينقض الاستبراء إلا بوضعه، أو مضي

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2
217

أربعة أشهر وعشرة أيام، فلا يحل له وطؤها قبلا قبل ذلك، ويجوز في غير القبل، ويكره
بعدها، وهو كما ترى غير الأولين، هذا كله في الوطئ في القبل.
أما الدبر فقد يمنع الحرمة فيه تنزيلا لاطلاق النصوص بل والفتاوى على المتعارف
حتى قوله عليه السلام (لا يقربها) خصوصا بعد ما في النصوص من أنه (يعتق الولد مع الوطئ
لأنه غذاه بنطفته)، وفرضه في الدبر بعيد جدا، خلافا للكركي ومن تبعه فحرمه أيضا
لصدق اسم الفرج، ولقوله عليه السلام (لا تقربها) الذي لا ينافيه خروج ما عدا الوطئ
منه بالدليل، وفيه ما عرفت، بل الظاهر عدم استحباب العزل عن الوطئ فيه.
(و) كيف كان ف‍ (لو وطأها) مثلا حيث يجوز على ما عرفت من الخلاف
فيه (عزل عنها استحبابا) بلا خلاف أجده بين من تعرض له، إلا من ظاهر المحكي
عن التقي وابن زهرة فأوجباه في الوطئ بالأربعة بناء على جوازه، ولا ريب في
ضعفه، ضرورة عدم وجوبه مطلقا حيث يجوز، للأصل السالم عن المعارض، بل لولا
التسامح في السنن لأمكن الاشكال في ثبوت استحبابه، اللهم إلا أن يدعى اشعار
الموثق به (1) قال: (سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى جارية حاملا وقد استبان
حملها؟ فقال: بئس ما صنع قلت: فما تقول فيه قال: أعزل عنها أم لا؟ فقلت: أجبني
على الوجهين، قال: إن كان عزل عنها فليتق الله ولا يعود، وإن كان لم يعزل عنها فلا
يبيع ذلك الولد ولا يورثه، ولكن يعتقه ويجعل له شيئا من ماله يعيش به، لأنه غذاه
بنطفته) وهو كما ترى ضرورة أنه لو تم اشعاره لاقتضى ثبوت الاستحباب حيث يحرم
الوطئ وهو بعيد.
(و) على كل حال ف‍ (لو لم يعزل كره له بيع ولدها) وفاقا لجماعة،
تنزيلا للنهي عنه في الموثق المزبور عليها، لكن فيه أنه لا قرينة على ذلك، اللهم إلا
أن يدعى ظهور التعليل فيها ضرورة كون المتصرف منه أنه يكون بذلك كالولد فلا يملكه،

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
218

لكن قد يمنع بل ظاهر المحكي عن الشيخين والحليين والطوسي والديلمي حرمة
البيع، بل ظاهر ابن زهرة منهم أو صريحه الاجماع عليه، ومن هنا جزم به بعض
متأخري المتأخرين بل جزم بوجوب عتقه، وجعل شئ له من ماله يعيش به، للأمر
بهما فيما سمعته من النصوص، بل هو ظاهر النهاية والوسيلة والغنية مدعيا عليه الاجماع
في الأخير هذا.
(و) لكن في المتن وغيره أنه (استحب له أن يعزل له من ميراثه قسطا)
وإن كنت لم أجده في شئ مما وصل إلي من نصوص المسألة بل الموجود فيها عتقه،
وجعل شئ له من المال يعيش به، فبناء على إرادة الندب من هذا الأمر كان المتجه جعل
المستحب ذلك. نعم بقي شئ وهو أنه لا فرق في ثبوت ذلك بين الوطئ في المدة وبعدها
أو هو مختص به بعدها، ظاهر المقنعة الأول، قال: (فإن وطأها قبل مضي الأربعة أشهر أو
بعد ذلك ولم يعزل عنها لم يحل بيع الولد، لأنه غذاه وأنماه بنطفته، وينبغي أن يجعل
له من ماله بعد وفاته قسطا يعزله في حياته، ولا ينسب إليه بالبنوة) وفي الوسيلة (فإن
مر عليها أربعة أشهر وعشرة أيام جاز له وطؤها ولم يجز له وطؤها قبل ذلك، فإن وطأها
لم يجز له بيع ولدها، لأنه غذاه بنطفته، وعليه أن يعتقه ويعطيه شيئا من ماله) وفي الغنية
(فإن كانت حاملا لم يجز له وطؤها في الفرج حتى يمضي لها أربعة أشهر إلا بشرط عزل
الماء، فإن لم يعزل لم يجز له بيع الولد، ولا أن يعترف به ولدا، بل يجعل له قسطا من
ماله لأنه غذاه بنطفته، بدليل إجماع الطائفة وعن التقي (لا يحل وطئ الحامل من غيره حتى
يمضي لها أربعة أشهر إلا دون الفرج، وفيه بشرط عزل الماء، واجتنابها حتى تضع
أولى، وإذا وطأ الحامل لم يحل له بيع ولدها، ولا الاعتراف به ولدا) وفرق في النهاية
فقال: (إذا اشترى جارية حبلى فوطأها قبل أن يمضي عليها أربعة أشهر وعشرة، فلا
يبيع ذلك الولد لأنه غذاه بنطفته، وكان عليه أن يعزل له من ماله شيئا ويعتقه، وإن
كان وطؤه لها بعد انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام، جاز له بيع الولد على كل حال، وكذلك
إذا كان الوطئ قبل انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام، إلا أن يكون قد عزل، جاز له
219

بيع ولدها على كل حال، وأما النصوص فليس فيها تصريح بالفرق بالنسبة إلى
ذلك. نعم قيل إن ظاهر الموثق المزبور كون الوطئ بعد الشراء وبعد المدة المذكورة
لأن استبانة الحمل لا تكون إلا بعد المدة المذكورة، والأمر سهل بناء على المختار
والله أعلم.
المسألة (الخامسة التفرقة بين الأطفال) المماليك وإن لم يكونوا رشدة
(وأمهاتهم) كذلك (قبل استغنائهم عنهن محرمة) عند الكاتب والشيخين
والتقي والقاضي وابن حمزة والفاضل في التذكرة وظاهر القواعد والمقداد في التنقيح
والعليين وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور بل عن
الخلاف الاجماع عليه (وقيل): والقائل الشيخ في باب العتق من النهاية والحلي
والفاضل في جملة من كتبه، وأول الشهيدين وابن فهد في المقتصر (مكروهة
وهو الأظهر).
جمعا بين ما دل على الجواز من الأصل، وعموم تسلط الناس على أموالهم (1)
وعلى خصوص العقود عليها وغيرهما، وما دل على المنع كصحيح معاوية بن عمار في
الصحيح (2) (قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبي من اليمن
فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم، فلما قدموا
على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع بكاؤها فقال: ما هذا البكاء فقالوا يا رسول الله احتجنا نفقة
فبعنا ابنتها، فبعث بثمنها فأتي بها، وقال: بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا)
وموثق سماعة المرسل في الفقيه (3) (عنه عن الصادق عليه السلام عن أخوين مملوكين هل
يفرق بينهما؟ وعن المرأة وولدها هل يفرق بينهما؟ فقال: لا هو حرام إلا أن يريدوا
ذلك) وصحيح هشام ابن الحكم (4) (قال: اشتريت للصادق عليه السلام جارية من الكوفة

(1) البحار ج 2 ر 272 الطبع الحديث
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 - 4 - 3
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 - 4 - 3
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 - 4 - 3
220

قال: فذهبت تقوم في بعض حوائجها، فقالت: يا أماه فقال لها أبو عبد الله عليه السلام: ألك
أم؟ قالت: نعم فأمر بها فردت، فقال: ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره)
وخبر عمرو بن أبي نصر (1) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجارية الصغيرة يشتريها الرجل
فقال: إن كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس) وصحيح ابن سنان (2) (عن الصادق عليه السلام
في الرجل يشتري الغلام والجارية وله أخ أو أخت أو أم بمصر من الأمصار؟ قال: لا
يخرجه إلى مصر آخر إن كان صغيرا ولا تشتره، وإن كان له أم فطابت نفسها
ونفسه فاشتره إن شئت) والنبوي (3) (من فرق بين والدة وولدها، فرق بينه
وبين أحبته).
ضرورة أنه لا يخفى على الفقيه العارف بلسانهم عليهم السلام، إرادة الكراهة من أمثال
هذه الخطابات، خصوصا مع عدم تقييد الموثق بالاستغناء، واشتماله على الأخوين،
ولم أجد من أفتى به عدا بعض المتأخرين كثاني المحققين والشهيدين، وما تسمعه من
المحكي عن الإسكافي، بل الفاضل في التذكرة مع قوله بالتحريم في الطفل والأم صرح
بالكراهة فيهما، بل غيره صرح بالجواز فيهما من غير تعرض لها، بل قد يستفاد ذلك
أيضا من اقتصار الأكثر على الطفل وأمه.
فما في الرياض - من أن الأصح التعدية لغير الأم من الأرحام المشاركة لها في
الاستيناس كالأب والأخ والعمة والخالة، وفاقا للإسكافي وجماعة، لتصريح الصحيح
والموثق بمن عدا الأخيرين، وظهور الحكم فيهما بعدم القائل بالفرق - في غير محله
بناء على الحرمة، خصوصا بعد المحكي عن المبسوط من التصريح بجواز التفريق بين
الولد والوالد، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه، وفي جهاد التحرير قال الشيخ:
(يجوز التفرقة بين الولد والوالد، وبينه وبين الجدة أم الأم، وبين الأخوين والأختين،
وبين من خرج من عمود الأبوين من فوق وأسفل مثل الإخوة وأولادهم والأعمام وأولادهم

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الحيوان الحديث 5 - 1
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الحيوان الحديث 5 - 1
(3) المستدرك ج 2 ص 486
221

وساير الأقارب ولا خلاف في جواز التفريق بينه، وبين الرحم غير المحرم، وبينه وبين الأم
من الرضاعة والأخت منها،) وفي جواز التفرقة بينهما في العتق، بل في باب البيع منه الوجه عدم
كراهية التفريق بين الولد والأب، أو بين غيره من ذوي الأرحام وبينه سواء قرب أو
بعد، ذكرا كان أو أنثى.
والمحكي عن أبي علي أنه طرد الحكم فيمن يقوم مقام آلام في الشفقة، وتبعه
عليه غيره، فلعله لا يريد الأخوين، على أنه يمكن أن يكون بناه على ما ذهب إليه من
حجية العلة المستنبطة المعلوم بطلانها عندنا، كل ذلك مع إطلاق التفريق فيه الشامل
للبيع وغيره، مع أنك قد عرفت نفي الخلاف في التحرير عنه في العتق، وعن
التذكرة النص على نفي البأس عنه في السفر، بل وفي الوصية معللا له بإمكان كون
الموت بعد انقضاء زمان التحريم، لكن قال: فإن اتفق قبله فإشكال، ونص أيضا على
أنه لو كانت الأم مملوكة والولد حرا أو بالعكس لم يمتنع بيع الرقيق، على أن القول
بضم من سمعت من الأرحام إلى الأم يقتضي عدم جواز بيع الطفل ولو مع أمه إذا
كان له استيناس ببعض أرحامها، فلا يجوز للمالك إلا بيع الجميع وإن كثر العدد،
وهو مما لا يلتزمه فقيه، خصوصا إذا قلنا بعدم اعتبار اتحاد المالك كما يقتضيه إطلاق
بعض النصوص، فيعتبر حينئذ في صحة البيع اتفاق الملاك أجمع، وإلا فلا يجوز
لكل واحد منهم منفردا إلى غير ذلك مما هو منكر في مذاق الشرع، وأما الصحيح
فظاهر في استغناء البنت التي قامت في بعض حوائجها، فلا بد من حمله على الكراهة
خصوصا بعد كون المشتري مثل هشام الذي يبعد عدم معرفته بهذا الحكم، بل التعليل
فيه وتصديقها بمجرد دعواها كالصريح في ذلك، وخبر عمرو إنما يدل على ثبوت
البأس الذي هو أعم من الحرمة، وصحيح ابن سنان قد اشتمل على غير الأم وولدها
ممن عرفت الحال فيه، والنبوي لا يخلو من إشعار بالكراهة كما لا يخفى على من
مارس كثيرا من خطاباتها.
ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه في التفرقة بالبيع، بل وغيره من النواقل
222

كالهبة وغيرها، المصرح بمساواتها للبيع، كما قيل في التحرير والتنقيح وجامع
المقاصد وإيضاح النافع والميسية والمسالك والروضة وغيرها، وإن كان ينبغي
تقييده بالاختيارية وإلا فلا، ومنه ما لو ظهر استحقاق أحدهما بوجه شرعي فانتزعه
المستحق، فإن الظاهر عدم المنع، أما الرد بالعيب مثلا ففي التذكرة إشكال
أقربه المنع.
وعلى كل حال فالظاهر عدم المنع مع الرضا منهما بالتفرقة، للموثق المزبور،
بل يمكن القول بعدم الكراهة معه أيضا. نعم في التحرير لا تزول الكراهية برضا الأم،
ولعله لمراعات حق الولد خصوصا بعد التعليق في الموثق على إرادتهما، وفي آخر على
طيب نفسهما، فينبغي مراعاتهما معا لا الأم خاصة، مع فرض كون الولد ممن يتأذى
بفراقها هذا، وفي المحكي عن التذكرة أنه إن لم تحصل التفرقة الحسية فالأقوى جواز
البيع كمن يبيع الولد ويشترط استخدامه مدة البيع، وهو جيد اقتصارا
على المتيقن.
ثم إن الظاهر بناء على المنع فساد البيع كما صرح به جماعة، بل في التذكرة
ما يشعر بدعوى الاجماع عليه لظاهر النصوص السابقة المشتملة على غير النهي من رد
الثمن ونحوه، لكن عن جهاد المبسوط أنه جايز على الظاهر من المذهب، بل عنه في
الخلاف أنه قواه كالسرائر، إلا أنك قد عرفت أنه ممن يقول بالكراهة هذا، وصرح جماعة
أن الخلاف في الحرمة والكراهة بعد سقي اللبا، أما قبله فلا يجوز لأنه سبب لهلاك الولد،
وهو جيد إن كان كذلك، لكن في الحدائق أنه رأى كثيرا من الأطفال قد عاش بدون
ذلك، بأن يشرب من لبن غير أمه بعد الولادة، وربما تعذر وجود اللبن من أمه لمرض
ونحوه بعد الولادة مدة، بل قيل إنه قد لا يوجد اللبا في كثير من النساء.
نعم محل الخلاف كما عرفت قبل الاستغناء أما بعده فلا إشكال في الجواز نصا
وفتوى، بل في التنقيح نفي الخلاف عنه، بل عن إيضاح النافع الاجماع عليه. نعم في
الأول في فرع ذكره قال: ظاهر الأصحاب أن الفرقة بعد الاستغناء مباحة، وقيل يكره،
223

ويقرب التفصيل وهو أنه مع التمييز وإصلاح القيام بالضروريات لا كراهة، وإلا فالكراهة،
وهو ليس خلافا في أصل الجواز وأمر الكراهة سهل.
(و) على كل حال فالمشهور كما في التذكرة أن (الاستغناء يحصل ببلوغ
سبع) من غير فرق بين الذكر والأنثى، (وقيل: يكفي استغناؤه عن الرضاع)
ولعل ذلك مقتضى إطلاق المحكي عن المقنعة والنهاية والمراسم الاستغناء، بل قيل
إن الشيخ والجماعة كذلك في باب الجهاد (والأول أظهر) عند المصنف استصحابا
للحكم، ولغلبة الأذية قبلها، إلا أن الأظهر منه جعل المدار على تحقق الاستغناء عرفا،
وهو مختلف باختلاف الأطفال والأمهات، لاطلاق الدليل السالم عما يقتضي تقييده
بالسبع أو غيره، واحتمال نظر الأصحاب في المقام إلى الحضانة يدفعه
ما عرفت من شهرة السبع هنا من غير فرق بين الذكر والأنثى، والمعروف فيها
هناك كذلك.
ومن ذلك يظهر لك ما في جامع المقاصد وإن تبعه عليه في الروضة والمسالك
والرياض ومحكي الميسية. قال: (الذي يقتضيه صحيح النظر الفرق بين الذكر
والأنثى، لأن الفرق في حضانة الحرة قد وقع، فجوز التفرقة بعد سنتين في الذكر وبعد
سبع في الأنثى على المشهور بين المتأخرين، فينجر ذلك في الأمة، لأن حقها لا يزيد
على حق الحرة، ولأن الناس مسلطون على أموالهم، خرج منه ما دل الدليل على منع
التفرقة بين مطلق الأمهات والأولاد، فيبقى الباقي على الأصل ولأن الأخبار الدالة على
عدم جواز التفريق لأحد فيها، فيحمل إطلاقها على المدة المحرمة، بمقتضى الحضانة،
لأن ذلك هو الحق المقرر للأم، وكون الولد معها في نظر الشارع وإطلاق الأصحاب
يحتمل أمرين، إما الحوالة على ما هناك، أو عدم الظفر بما يعين المراد، وقد صرح بعض
الأصحاب وهو الشيخ أحمد بن فهد بأن المسألة هنا مبنية على الأقوال في
الحضانة فكان شاهدا بما قلناه، وهذا هو الصواب الذي ينبغي المصير إليه).
224

وفيه أن ملاحظة كلامهم في المقامين تقضي بالقطع بعدم بناء هذه المسألة عندهم
على تلك المسألة التي فصل المشهور فيها بين الذكر والأنثى، بخلاف هذه، كما
أن الأولوية واضحة المنع، لأن المراد هنا التفرقة بالبيع ونحوه، بخلافه في الحرة،
وقد عرفت تصريح الفاضل بجواز التفريق بينهما ببيع الرقيق منهما لو كان أحدهما
حرا من غير ملاحظة للحضانة، بل قد عرفت غير ذلك مما لا ينطبق عليها، فأحسن شئ
حمل كلام المشهور هنا على إرادة حصول الاستغناء غالبا بالسبع، وإلا فالمدار ما قلناه
خصوصا بعد ما عن التذكرة من تعليل كون الغاية السبع بكونها سن التمييز، فيستغنى
عن التعهد والحضانة.
وأقرب منه إرادة من أطلق التحديد بالاستغناء، لمقنعة والنهاية والمراسم ما
ذكرنا من الايكال إلى العرف، ومن ذلك يعلم جودة ما عن إيضاح النافع حيث أنه بعد
أن حكى عن ابن فهد ما عرفت، قال: إنه ليس بشئ إذ هو كذلك، وليس في شئ من
كلام الأصحاب ما يشعر بذلك، سوى ما عن مبسوط الشيخ من تعليله الحاق الجدة
بالأم، بأنها بمنزلتها في الحضانة، ويمكن عدم إرادة دوران الحكم على ذلك والله
أعلم. هذا كله في الأناس، أما البهائم فقد صرح غير واحد بجواز التفرقة فيها بينها قبل
الاستغناء عن اللبن وبعده، نعم قيده بما إذا كان مما يقع عليه الذكاة أو كان له ما ينمو به
من غير لبن أمه، ولعله لعدم جواز إتلاف المال أو خصوص الحيوان منه بغير الطريق
الشرعي كالذبح، ولتحقيق ذلك محل آخر والله أعلم.
المسألة (السادسة من أولد جارية) قد اشتراها مثلا جاهلا (ثم ظهر أنها مستحقة)
للغير ببينة شرعية أو نحوها (انتزعها المالك) منه بلا خلاف ولا إشكال (و) المشهور
نقلا وتحصيلا شهرة عظيمة، بل عن الخلاف الاجماع، أنه يجب (على الواطئ
عشر قيمتها) بدخول أرش الجناية على الأقوى (إن كانت بكرا) أي لم يمسها رجل
ولم تذهب عذرتها، وقد يقوى الاكتفاء بالثاني وفي شرح الأستاذ أن الاكتفاء بالأول
225

أقوى (ونصف العشر إن كانت ثيبا) لصحيح الوليد بن صبيح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
(في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها؟ فقال: إن كان الذي زوجه
إياها من غير مواليها فالنكاح فاسد، قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ فقال:
إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه وإن لم يجد شيئا فلا شئ له عليها وإن كان الذي...
زوجه إياها ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه، ولمواليها عليه عشر قيمتها إن
كانت بكرا، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها، وتعتد منه
عدة الأمة، قلت: وإن جاءت منه بولد قال: أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن
المولى) والصحيح الآخر (2) (أرأيت أن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فاقتضها
فقال لا ينبغي له ذلك: قلت: فإن فعل يكون زانيا؟ قال: لا ويكون خائنا، ويغرم
لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها) وغيرهما، و
مغايرة المورد للمقام يدفعه اتحاد طريق المسألتين، واشعار الأول بالعموم بالتعقيب
بما هو كالتعليل من استحلال الفرج المحقق هنا بل عن بعض أصحابنا الاستدلال به
بالفحوى، كل ذلك مع أن عبارة المصنف كما سمعت غير خاصة بالبيع، ونحوها
عبارة القواعد، بل في شرح الأستاذ جعل موضوع المسألة ظهور استحقاق الأمة
الموطوءة بزنا أو غيره من نكاح أو تحليل أو ملك أو شبهة بأحدها، لعدم مالكية المالك
أو ظهور فساد العقد له (و) لعله كذلك.
(قيل) والقائل الشيخ في المحكي من غصب المبسوط وابن إدريس (يجب
مهر أمثالها) الذي هو عوض منفعة البضع شرعا مع عدم التسمية من غير فرق بين الحرة
والأمة، بل عن بعضهم إتمام ذلك بأن الرواية (3) إنما وردت فيمن اشترى جارية و
وطأها وكانت حاملا من سحق أو غيره، وأراد ردها فلا يقاس عليه، (و) لكن قد

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب أحكام العيوب الحديث 4
226

عرفت أن (الأول) مع كونه مشهورا شهرة عظيمة بل قد سمعت دعوى الاجماع عليه
(مروي) في الصحيحين وغيرهما مضافا إلى المرسل المزبور المتمم على تقديره
بعدم القول بالفصل، فلا مناص حينئذ عن القول الأول بل في شرح الأستاذ أن الأقوى
التوزيع في المبعضة، فضلا عن مفروض المقام، لا الرجوع إلى مهر المثل.
وكيف كان فالظاهر عدم الفرق بين علم الأمة بالحال وعدمه على القولين، بل
صحيح صبيح ظاهر في الأول ونفى المهر للبغي إنما هو في الحرة كما يشعر به اللام الظاهرة
في الاستحقاق، بل لعل لفظ المهر كذلك، ولذا يطلق على الحرة المهيرة فما في
الدروس هنا من نفي المهر لها مع العلم وعدم الاكراه واضح الضعف، وإن حكى
عن جماعة المحقق الثاني وغيره اختياره في باب الغصب.
ولو اختلفا في البكارة وعدمها قدم قول الواطئ، ويحتمل تقديم قول المالك
عملا بالأصل، وفي الممسوسة في القبل من دون فض البكارة أو في الدبر وجهان أقواهما
عند الأستاذ إجراء حكم البكارة فيها، والأظهر خلافه، كما أن الظاهر اجراء حكم الواحد
على تكرر الوطئ في الوقت الواحد قبل الغرامة، أما إذا كان بعد الغرامة فالظاهر التعدد
بل قيل إن مثله اختلاف الوقت، وفيه منع، ضرورة ظهور النص والفتوى في أن الغرم
ذلك ولو استمر الاشتباه إلى الولادة، والغالب التعدد مع ذلك.
(و) على كل حال ف‍ (الولد حر) للأصل والتبعية لأشرف الأبوين وصحيح
الوليد (1) السابق وغيره، ومحكي الاجماع عن المبسوط والخلاف وغيرهما، بل
لا أجد فيه خلافا إلا ما عن المقنعة من رقية الولد إلا أن يرضيه الأب عنه بشئ، بل قيل:
إن مثلها النهاية إلا أنه قال: (وقبض ولدها) إلى آخره، ولعله لما في موثق سماعة (2)

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 - 2
227

" من أن ولده مملوك إلا أن يقيم البينة، أنه شهد له شاهدان أنها حرة، فلا يملك ولده
ويكونون أحرارا " وخبر زرارة (1) " إلا أنهما مع عدم شهادتهما بتمام المدعى. و
إمكان حملهما على صورة الزنا وغير ذلك، معارضان بما هو أقوى سندا وأكثر عددا
من النصوص المعمول بها بين الأصحاب، (و) حينئذ فلا ريب في ضعف القول
المزبور.
نعم (على أبيه قيمته يوم ولد حيا) لقول الصادق عليه السلام في مرسل جميل (2)
(ويأخذ الرجل ولده بقيمته) وفي موثقة (3) (ويدفع المبتاع قيمة الولد، ويرجع على
من باعه بثمن الجارية، وقيمة الولد التي أخذت منه) إلى غير ذلك من النصوص المراد
منها وجوب القيمة تعبدا لا شرطية الحرية بها، (و) قد عرفت تصريح الموثق أنه
(يرجع) المشتري (على البايع) بالثمن، و (بما اغترمه من قيمة الولد) لمكان
الغرور، وتعرف إنشاء الله في المسألة العاشرة تمام الكلام في كثير مما له تعلق في
المقام كقيمة الولد وغيرها.
(وهل يرجع) المشتري على البايع (بما اغترمه من مهر وأجرة) ونحو
هما (قيل: نعم لأن البايع أباحه من غير عوض) فهو مغرور متضرر برجوع المالك
عليه بذلك، ونحوه الذي صرح به في خبر زرارة (4) (قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثم إنه
أتاها من يزعم أنها له، وأقام على ذلك البينة، قال: يقبض ولده، ويدفع إليه الجارية،
ويعوضه قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها) وربما كان في الرجوع بقيمة الولد إشارة
إليه في الجملة، (وقيل لا لحصول عوض في مقابلته) وقد تقدم تحقيق ذلك في بحث

(1) الوسائل الباب 67 من أبواب نكاح والعبيد والإماء الحديث 3
(2) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 5.
(3) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 5.
(4) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4
228

الفضولي والبيع الفاسد فلاحظ وتأمل.
المسألة (السابعة: ما يؤخذ من دار الحرب) أو من أهلها في غيرها (بغير
إذن) النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو (الإمام) القائم مقامه عليه السلام من أموال وأعراض وأراضي
وأشجار وسرايا أو نحو ذلك بسرقة أو خيانة أو خدعة أو أسر أو قهر من غير جيش
أو جيش من غير قهر أو غير ذلك، فهو لآخذه، كالمأخوذ بإذنه لاطلاق ما دل
من كتاب وسنة وإجماع على جواز اغتنام مال الكفار وسبيهم، بل ظاهرهما كونهم وما
في أيديهم من المباحات التي يملكها من يحوزها، ويستولي عليها، وإنما يلزم فيه الخمس
كساير الغنايم، كما أومئ إليه عليه السلام في قوله (1) (خذ مال الناصب حيث وجدته، وادفع
إلينا الخمس).
فما في الحدائق - من التوقف في الحكم من أصله لعدم الوقوف على نص يدل
عليه، وأخبار الناصب لا دلالة فيها على التعميم - واضح الضعف، بل في شرح الأستاذ
أن تملك الإمام بحيازة الغير هنا مخالف للأصل وللاجماع والأخبار، قلت: مضافا
إلى خصوص بعض النصوص (2) الدالة على جواز شراء الكفار بعضهم من بعض،
وقد تقدم سابقا بعض منها.
نعم ما يؤخذ بغير إذن الإمام بقهر جيش أو سرية، كله للإمام عليه السلام خاصة، لا
للغانمين، ولا لغيرهم بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم الاجماع عليه. وفي خبر
الوراق (3) (عن رجل سماه عن الصادق عليه السلام إذا غزى قوم بغير إذن الإمام فغنموا
كانت الغنيمة كلها للإمام عليه السلام وإن غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام الخمس) و
الحسن كالصحيح (4) (قلت للصادق عليه السلام ببعثها الإمام عليه السلام فيصيبوا غنائم

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الحيوان
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 16 - 3
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 16 - 3
229

كيف تقسم؟ قال إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام أخرج منه الخمس لله تعالى
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقسم بينهم ثلاثة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان
كلما غنموا للإمام عليه السلام يجعله حيث أحب) وما فيه من قسمة الخمس ثلاثة أخماس مما هو شاذ
لا قائل به، غير قادح في الدلالة على المطلوب.
نعم قد تقدم في كتاب الخمس أن المصنف توقف في النافع في ذلك، بل في
المنتهى (قوة قول الشافعي الذي هو المساواة في الفرض للمأذون فيه) بل في المدارك
إنه جيد لاطلاق الأدلة الواجب تقييده بما سمعت مع أنها من خطاب المشافهة ولخصوص
حسن الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام (في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون
معهم فيصيب غنيمة، فقال: يؤدي خمسا ويطيب له) مؤيدا بما في صحيح ابن مهزيار (2)
المشتمل على ذكر ما يجب فيه الخمس إلى أن قال: (ومثل عدو يصطلم فيؤخذ
ماله) ولما يظهر من بعض أخبار التحليل (3) من كون الإباحة لنصيبهم في الفئ لا
إباحة جميعه، ولا نصيب لهم إلا الخمس.
قال أمير المؤمنين عليه السلام في المروي عن العسكري عليه السلام (4) (يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قد علمت أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولى على خمسي من السبي والغنائم
ويبيعونه، ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه وقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك منه
شيئا من شيعتي) إلى آخره، ونحوه غيره، إلا أن ذلك كله يجب الخروج عنه، وحمله
على ما لا ينافي المطلوب لما عرفت من المفروغية من الحكم، والله العالم.
والظاهر عدم تأثير الإجازة اللاحقة وإن كان لم يستبعده شيخنا في شرحه
الحاقا له بمسألة الفضولي، ولو اختلف الآخذون بالإذن وعدمه لحق كلا حكمه كما أنهم
إذا أخذ بعض الجيش غيلة وبعض قهر الحق أيضا كلا حكمه.

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8 - 5
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8 - 5
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 20
230

وكيف كان فالأصول والضوابط تقتضي حرمة التصرف فيما كان للإمام عليه السلام
ضرورة كونه من العدوان وأكل مال بالباطل، ولكن (يجوز) لخصوص الشيعة
تملكه في حال الغيبة) رخصة منهم عليهم السلام في ذلك إجماعا بقسميه والنصوص (1)
نعم الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار قصد التملك أو عقده بل في شرح الأستاذ اعتبار
ذلك، وأنه بدونه يبقى أمانة له عليه السلام ويجري عليه حكم التحجير، ولا استبعاد في خصوص
الملك للتملك بعد إذنه عليه السلام في ماله، أو فيما له الولاية عليه، بل لا استبعاد في دعوى
الملك لخصوص الشيعة بمجرد الاستيلاء، وأنهم أباحوا لهم أموالهم إباحة صيرتها لهم
كالمباحات الأصلية، ضرورة رجوع ذلك كله إلى الشرع الذي لا ينبغي الاستبعاد معه
كما هو واضح.
وعلى كل حال متى ملكه الشيعي جاز تملكه لغيره منه ولو كان الغانم غير شيعي
جاز الشراء منه والاتهاب ونحوهما من العقود المملكة، استنقاذا لا شراء حقيقيا
ومن هنا ينقدح جواز الأخذ منهم قهرا مع عدم منافاة التقية، وفي شرح الأستاذ أن جواز
ذلك وجه وجيه.
(و) على كل حال فله أي الشيعي (وطئ الأمة) المغتنمة إذا تملكها باغتنام
أو شراء من المغتنم إذا لم يكن استنقاذا وإلا فبالاستيلاء أو قصد التملك بعده، أو أحلها
له المغتنم أو أنكحها إياه إذا كان ممن له ذلك، وإلا فبالاستيلاء المزبور، ومن هنا يظهر
لك وجه خبث ولادة غير الشيعة الذين لم يرخص لهم، فإن وطأهم للإماء المملوكة لغيرهم
زنا، نعم يمكن اجراء حكم الشبهة على أولادهم على اشكال في بعض الأفراد.
(و) كيف كان ف‍ (يستوي في ذلك) الحكم الذي ذكرناه (ما يسبيه المسلم
وغيره) إلا أن الرخصة المزبورة خاصة للشيعة (وإن كان فيها حق للإمام) مثل

1 - الرسائل الباب 4 من أبواب الأنفال
231

القسم الأول (أو كانت) كلها (للإمام عليه السلام) مثل القسم الثاني إلا أن الظاهر قصر
الرخصة في الأول على خصوص المناكح والمساكن والمتاجر، ويحتمل أن يكون
الترديد إشارة لما سمعته من القولين في الغنيمة بجيش وأمير من دون إذن الإمام، من
أنها أجمع للإمام، أو الخمس كما عرفت الكلام فيه، وقد تقدم في باب الخمس تمام
الكلام في ذلك فلاحظ وتأمل، ومنه تعرف نوع إجمال في عبارة المتن وغيره، و -
الله أعلم.
المسألة (الثامنة: إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري به نسمة ويعتقها، ويحج عنه
بالباقي فاشترى أباه ودفع إليه بقية المال فحج به، ثم اختلف مولاه، وورثة الأمر ومولى
الأب، وكل يقول اشترى) بعين (مالي فقيل) والقائل الشيخ في النهاية والقاضي
على ما حكي عنه (يرد إلى مولاه رقا، ثم يحكم به لمن أقام البينة على رواية ابن أشيم)
عن أبي جعفر عليه السلام (1) المشهورة كما في الدروس، ولعله يريد رواية لا فتوى، قال:
له عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال: إشتر بها نسمة وأعتقها
عني وحج عني بالباقي ثم مات صاحب الألف فانطلق العبد فاشترى أباه وأعتقه عن الميت
ودفع إليه الباقي ليحج عن الميت فحج عنه، وبلغ ذلك موالي أبيه، ومواليه وورثة
الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق إنما اشتريت أباك
بما لنا، وقال الورثة: إنما اشتريت أباك بما لنا، وقال: موالي العبد إنما اشتريت أباك
بما لنا؟ فقال: أبو جعفر عليه السلام أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد، وأما المعتق فهو رد
في الرق لموالي أبيه، وأي الفريقين بعد أقاموا البينة، على أنه اشترى أباه من أموالهم
كان له رقا.
(وهو) أي القول (ضعيف) كضعف الخبر لجهالة الراوي أو غلوه وسبق
بعض أصحاب الاجماع عليه غير مجد على الأصح، ولمخالفته أصول المذهب وقواعده
باعتبار اشتماله على الأمر برد العبد إلى مولاه مع اعترافه ببيعه ودعواه الفساد التي يقدم

1 - الوسائل الباب 25 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
232

مدعى الصحة عليها، وعلى مضي الحجة، مع أن ظاهر الأمر حجة بنفسه، وعلى مضي الحج
مع العود إلى الرق المقتضي لوقوع حجه بغير إذن سيده.
بل في شرح الأستاذ أن ظاهر الخبر الإذن في التجارة للمولى، فكيف تصح المعاملة حتى يترتب عليها صحة الحج، كما أن ظاهره أيضا الوكالة عن الدافع فتنفسخ بموت
الموكل فيبطل البيع والعتق والحج، وبعد تسليم أنها وصاية فليست هي من التجارة
فلا تصح، ولا يصح ما تفرع عليها من الثلاثة بل الاحجاج لا يدخل في التجارة لسيده ولا
لغيره، فكيف يمكن شراء مال شخص بمال منه.
وإن كان قد يناقش بمنع ظهور الخبر في الأول ولو بقرينة عدم دعوى مولى -
المأذون بذلك بل والثاني، ضرورة ظهور عبارة الدافع في فعل ذلك بعد موته، الظاهر
في كونه وصاية، وعدم انكار مولى المأذون ذلك على العبد قرينة على إرادة الأعم من الإذن
في التجارة، فالاحجاج بعد تسليم أنه ليس من التجارة لغير سيده من المأذون فيه حينئذ
كالعتق والغقلة ونحوها عن شراء مال شخص بمال منه غير مستنكرة، فانحصرت المخالفة
حينئذ فيما ذكرناه أولا، ولها وللضعف مع عدم الجابر طرح الخبر المزبور.
وقيل أنه يرد العبد (إلى مولى المأذون ما لم يكن هناك بينة، وهو أشبه) عند
المصنف والعجلي وتبعهما الفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم، بل نسب إلى
الأكثر، لأن يد السيد على العبد وما في يده، ولا يقبل إقراره عليه وإن كان وكيلا،
بخلاف الحر، كما لا يقبل بعد حدوث يد المأذون دعوى الملكية من - مولى الأب
بلا بينة، فضلا عن دعوى الفساد، وكذا دعوى ورثة الدافع، بل قد لا يتصور دعواهم بعد
اعترافهم بأمر مورثهم بذلك كله.
نعم إن أنكروه كلا أو بعضا اتجه لهم الدعوى، بل من الواضح أنه على هذا
233

القول لا فرق بين كون العبد الذي أعتقه المأذون أبا له، أو لا، وإن كانت الرواية تضمنت
الأول، لاشتراكهما في المعنى المقتضي لترجيح قول ذي اليد، ولا بين دعوى مولى
الأب شراؤه من ماله، بأن يكون قد دفع للمأذون مالا ليتجر به، فاشترى أباه من سيده بماله
وعدمه، لأنه على التقدير الأول يدعى فساد البيع، ومدعي صحته مقدم، وعلى الثاني
إما أن يدعيه أيضا بأن يدعي سرقة عين الثمن منه مثلا، أو ينكره فيكون خارجا لمعارضة
يده القديمة يد المأذون الحادثة فتقدم، والرواية تضمنت الأول، كذا في الرياض وفيه
نظر، ولا بين استيجاره على حج وعدمه، لعدم مدخلية ذلك في الترجيح، وإن كانت
الرواية تضمنت الأول كما هو واضح.
وفيه عدم قبول الاقرار من العبد على السيد بعد فرض كونه مأذونا في -
التجارة وغيرها وللسيد وغيره، ضرورة كونه حينئذ كالحر في الأمانة فتشمله الأدلة كما
أنه ليس لورثة الدافع الدعوى بعد تسليم الوصاية من مورثهم بذلك، وعدم ما يمنع
من أنفاذها فتنحصر الدعوى حينئذ في مولى الأب الذي هو مدعى الفساد فلا يسمع
قوله بلا بينة.
ومن هنا قال المصنف في النافع إن الذي يناسب الأصل في المسألة الحكم
بامضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة تنافيه، وقواه في الدروس مع الاقرار بذلك، والذي
يقوى في النظر بعد طرح الخبر المزبور ملاحظة موضوع المسألة، إذ المأذون إن قصرت
إذنه على التجارة لمولاه فهو عاد في فعله، باطل عمله، ولا يدله حتى يصدق في قوله، إنما اليد
لمولاه، وهو مصدق فيما ادعاه فيبطل العقد ويرجع المال إلى المولى وإن عمت إذنه في التجارة
له ولغيره وكان الشراء بالوكالة مع حياة الدافع صح الشراء، وكان القول قول المأذون في أنه
للدافع وورثته مع اليمين، وتسقط دعوى مولاه ودعوى مولى الأب بعد الاقرار ببيعه
ويحكم بفساد العتق والحج، وإن كانت عامة للتجارة وغيرها له ولغيره كان القول قول -
المأذون كما عرفت، ولو سلم ورثة الدافع الإذن في الشراء فقط، كان الملك ولا عتق،
234

ولا حج، فيرجع الباقي إليهم، وإن اعترفوا بالعتق دون الحج، صح العتق وطولب بما
بقي للحج وإن أنكروا الجميع كانت الألف لهم، إلى غير ذلك مما لا يخفى انطباقه
على الضوابط لو فرض.
هذا كله بعد طرح الخبر المزبور، وقد يحتمل العمل وتدفع المخالفة الثانية بأن
المراد حصول الحج ولو بغيره، خصوصا والخطاب مع المأذون فيتبع فهمه من خطابه
والفرض أنه فهم منه ذلك، والثالثة بأن صحة الحج أمر أخروي لا يجري على الحكم
الظاهري فقد يحكم بصحة الحج لعلم الوصي مثلا، وإن لم يثبت ظاهرا بل يمكن ابتناء
صحته على الإذن لأب المأذون في الحج تبرعا عن الميت أو مطلقا - وليس في الرواية
ما يفيد استحقاق العبد شيئا من المال. أو على أنه قد استعمل في ذلك مع عدم العلم بالفساد
فحجه حينئذ صحيح، وإن استحق أجرة المثل، وليس في الرواية ما ينفيها أو على
غير ذلك.
وأما المخالفة الأولى ففي القواعد دفعها بأن المراد إنكار مولى الأب البيع من
أصله، وفيه أنه مخالف لصريح الرواية اللهم إلا أن يكون ما أقر به ليس بيعا لغة لعدم
المبادلة فيه، أو يكون المراد إنكار البيع للآخرين، ولا ينافيه دعوى البيع بماله. إذ هي أمر زائد
على الانكار، وبذلك يخرج عن قاعدة تقديم مدعي الصحة على مدعى الفساد، إذ هي في
الدعوى المتحدة، لا في مثل الفرض الذي ضم إلى الانكار دعوى الفساد بشراء عين لا يصح
شراؤها كما لو قال: بعتك الدار فأنكر المدعى عليه ثم قال: بعتني خنزيرا، وتقديم الأصحاب
مدعى الصحة في مسألة الخل والخمر. والشاة والخنزير، إنما هو فيها إذا اتفقا على
تعين المبيع، واختلفا في كونه خلا أو خمرا أو شاة أو خنزيرا لا في نحو الفرض الذي
لا دليل على تشخيص أصل الصحة فيه موضوع البيع الذي هو لاثبات الوصف بها دون
غيره، ولعل هذا أولى مما تسمعه من الشهيد، لما تسمعه من المناقشة، ولأنه لا يتم مع
235

مع فرض الدعوى من الورثة أو المولى خاصة، ضرورة عدم التصادم، وظاهر النص
تقديم دعوى مولى الأب، وإن لم يكن المدعي إلا أحدهما للحكم فيه باحتياج كل منهما
إلى البينة، ثم لا يخفى عليك الداخل والخارج على هذا التقدير، كما لا يخفى عليك
ترجيح أي البينتين بعد الإحاطة بما ذكرناه في كتاب القضاء فلاحظ وتأمل جيدا، وفي
الدروس بأنه قد يقال أن المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره، وبتصادم الدعاوي
المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على يد مالكه، ولا يعارض فتواهم بتقديم دعوى
الصحة على الفساد، لأن دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين فيتساقطان
وهذا واضح لا غبار عليه، وقد يناقش بمنع تكافؤ الدعاوي بعد تسليم أن بيده مالا للجميع لأن
من عدا مولاه خارج والداخل مقدم فسقط مولى الأب وورثة الأمر فلم يتم الرجوع إلى
أصل بقاء الملك على مالكه، وبذلك يظهر فساد دعوى اشتراط الصحة بين متكافئين
فإن الخارجة لا تكافي الداخلة، فإذا قدمت لم يبق لرد الدعوى المشتملة على فساد
البيع مانع إذا لم ينقدح توجهها إلا بسبب تساقط تلك الدعويين ولم يتم، وقد تدفع
بمنع كون المولى داخلا بعد فرض استناده إلى السبب الخاص وبعد فرض كون العبد مأذونا
مطلقا وبيده مال للجميع، نعم المتجه بناء على ما ذكرنا نفوذ اقراره على السيد وغيره ممن
وكله فلم تتصادم الدعاوي المتكافئة كما أنه قد يمنع اعتبار عدم تصادم دعوى الصحة في
التقديم على دعوى الفساد، بل يقدمان عليها ثم ينظر في الترجيح بينهما، فإن لم يكن
فالقسمة أو القرعة أو نحوهما فتأمل جيدا.
هذا كله مع عدم البينة ومعها تقدم إن كانت لواحد، وإن كانت لاثنين أو للجميع
وقلنا بأن مولى المأذون منهم داخل وما عداه خارج، وإن بينة الداخل مقدمة على الخارج
عند التعارض، كان الترجيح لبينة مولى المأذون حينئذ بلا يمين حينئذ وإن لم يكن له بينة
أو كانت وقلنا بترجيح بينة غيره عليه، لأنه خارج تعارض الخارجان حينئذ، ولعل
الأقوى وفاقا لجماعة تقديم بينة الدافع عملا بمقتضى الصحة، مع احتمال تقديم بينة
236

مولى الأب لادعائه ما ينافي الأصل، وهو الفساد فمولى لأب بالنسبة إلى ورثة الدافع مدع
خارج، فتقدم بينته لأنه مدع بأحد تفاسير المدعي لأنه يدعي ما ينافي الأصل ويضعف بأنه مدع
وخارج بالإضافة إلى المولى المأذون كما أن الآخر أيضا مدع وخارج بالإضافة إليه، ولا يلزم
من كون دعوى أحدهما توافق الأصل ودعوى الآخر تخالفه أن يكون أحدهما بالإضافة إلى
الآخر مدعيا، وخارجا فترجح بينته، وتقديم بينة مدعى الفساد إنما يكون حيث لا يقطع بكون
الآخر مدعيا: فأما إذا قطع به وأقاما بينتين، فلا بد من الترجيح وهو ثابت في جانب مدعي
الصحة، ومن ذلك يعلم الحال بناء على خروج مولى المأذون أيضا وأقام بينة فترجح
حينئذ على بينة ذي الفساد بأصالة الصحة مع احتمال تقديم مدعى الفساد هنا لكونه
مدعيا حينئذ بالنسبة إليهما، وعلى الأول يبقى الترجيح بين دعوى مولى المأذون
وورثة الدافع. والله أعلم.
المسألة (التاسعة) روى ابن مسلم (1) عن الباقر عليه السلام في الضعيف أنه (إذا
اشترى) رجل من رجل (عبدا) أي موصوفا (في الذمة) وكان عنده عبدان
ف‍ (دفع البايع إليه عبدين وقال:) للمشتري اذهب بهما ف‍ (اختر أحدهما) ورد -
الآخر، وقد قبض المال فذهب بهما المشتري (فأبق أحدهما) من عنده، فقال عليه السلام
ليرد الذي عنده منهما ويقبض نصف الثمن مما أعطي من المبيع، ويذهب في طلب
الغلام، فإن وجده اختار أيهما شاء، ورد النصف الذي أخذ وإن لم يجده كان العبد
بينهما، نصف للبايع، ونصف للمبتاع) وقد عمل بها الشيخ في نهايته وابن البراج
بل في الروضة نسبة العمل إلى أتباعه، بل في الدروس نسبة إلى الأكثر وإليه أشار
المصنف بقوله: (قيل يكون التالف بينهما ويرتجع نصف الثمن فإن وجده اختار
وإلا كان الموجود لهما وهو بناء على انحصار حقه فيهما) وزاد في الدروس وعلى
تساويهما في القيمة ومطابقتهما للوصف، وعدم ضمان المشتري هنا، لأنه لا يزيد على

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
237

المبيع المعين الهالك في مدة الخيار فإنه من ضمان البايع، وقد يشكل الأول بأن
المبيع أمر كلي لا يتشخص بتشخيص البايع، ودفعه الاثنين ليتخير أحدهما ليس تشخيصا
وإن حصر الأمر فيهما، لأصالة بقاء الحق في الذمة، إلا أن يثبت شرعا كون ذلك كافيا
كما لو حصره في عشرة فصاعدا، وقد يدفع بأنه يكفي فيه دفع البايع ذلك بعنوان كون
الحق فيه ورضا المشتري بذلك، فقبضه على هذا، فهو في الحقيقة كدفع المتحد و
قبضه، إلا أنه لما كان التحقيق الذي قد مر في مسألة الصاع من الصبرة، أن الأصل عدم
ملك الكلي المعين في غير الذمة، وجب حينئذ تنزيل الكلي فيهما حينئذ على الإشاعة
تخلصا من ذلك، فملك المشتري حينئذ نصفا من كل منهما، إلا أن له الخيرة في تعيين
النصفين بواحد، بل للبايع الزامه بذلك، باعتبار أنه هو الذي وقع عليه العقد، فإذا
تلف أحدهما قبل التعيين كان مقتضى قاعدة الشركة كونهما منهما، إلا أنهم حكموا
بارتجاع النصف، لعدم ضمان المشتري هنا، لأنه لا يزيد على المبيع المعين الهالك
في مدة الخيار، فلا أقل من أن يكون هذا الخيار كذلك، أو ينزل على كون الإباق في
الثلاثة، بناء على الحاق المدفوع مصداقا بما وقع عليه البيع من الحيوان، أو لأنه باعتبار
بقاء الخيار فيه كان كالمقبوض بالسوم، بناء على أنه غير مضمون، أو أنه وإن قلنا بضمانه
إلا أنه فرق بينه وبين المقام كما ستعرف.
نعم قد يقال المتجه بناء على ذلك عدم الفرق بين التساوي في القيمة وعدمه، وبين
التطابق وعدمه، بعد فرض الرضا منهما جميعا بانحصار الحق في المدفوع، وإن كان
ظاهر موضوع الخبر ذلك، لكن الانصاف أن جميع ذلك دعوى مخالفة لأصول المذهب
وقواعده بلا شاهد معتبر حتى الخبر المزبور، لعدم الجابر له، إذ الأكثرية لم نتحققها،
بل المتحقق خلافها فطرحه خير من تنزيله على ذلك، أو على تساوي العبدين من كل
وجه ليلحق بمتساوي الاجزاء، كما عن المختلف فجوز بيع عبد منهما كما يجوز
بيع قفيز من الصبرة، وينزل على الإشاعة إذ فيه أولا وضوح الفرق بين العبد والصاع
238

لعدم إمكان تساويهما من كل وجه، ولذا كان ضمانه لو تلف بقيمته لا مثله، وثانيا منع التنزيل
على الإشاعة في الصاع من الصبرة كما عرفت البحث في محله، وثالثا أنه يحتاج أيضا
في عدم ضمان المشتري فيه على هذا التقدير إلى ما عرفت مما هو محل للنظر
بل المنع.
مضافا إلى إمكان دعوى صراحة الخبر المزبور في عدمه خصوصا ما في ذيله،
ومن هنا طرح الخبر غير واحد، بل هو الذي استقر عليه رأي المتأخرين عدا النادر،
لعدم انطباقه على القواعد، إذ المبيع إن فرض كليا موصوفا بوصف يرفع الجهالة
منطبقا على كل من العبدين كما هو الظاهر، ففي شرح الأستاذ أن الحكم فيه بقاء التخيير
بين قبول التالف ورد الباقي، وبين قبول الباقي وغرامة قيمة التالف، ثم احتمل قويا
تارة ولم يستبعده أخرى إلزامه بالتالف، لحصول التقاص قهرا وقد يناقش بأن الحق
فيه مختلف، لأن البايع مستحق عليه المشتري نفس العبد الموصوف، وهو يستحق عليه
قيمة العبد التالف، فلم يحصل شرط التقاص القهري، ومنه ينقدح حينئذ أن خياره بين
قبول التالف بمعنى رضاه بما للبايع عليه من القيمة عوض ما يستحقه عليه من العبد، إلا أن المتجه
اعتبار رضاهما معا بذلك، ضرورة كونها معاملة جديدة فليس للبايع الاستقلال بذلك
ولا على المشتري إجابته إليه وبالعكس كما هو واضح، فالموافق للضوابط الذي
صرح به غير واحد من الأصحاب ضمان المشتري التالف واستحقاقه المبيع وإليه أشار
المصنف بقوله.
(ولو قيل التالف مضمون بقيمته وله المطالبة بالعبد والثابت في الذمة كان حسنا)
نعم قد يناقش في الضمان بأن الأصل البراءة، إذ الظاهر كونه في يده أمانة، فلا يستعقب
ضمان، والقياس على المقبوض بالسوم بعد تسليم الحكم في المقيس عليه غير جايز
في مذهبنا، بل قد يفرق بينهما، بأن المقبوض بالسوم مبيع بالقوة أو مجازا بما يؤل إليه
وصحيح البيع وفاسده مضمون، بخلاف صورة الفرض، لأن المقبوض ليس كذلك
239

لوقوع البيع سابقا، وإنما هو محض استيفاء حق.
وتدفع بمنع كون ذلك قياسا بل اتحاد طريق المسألتين وهو اطلاق قوله عليه السلام
(1) (على اليد) المشترك بينهما، ولا خصوصية له، على أن المبيع لما كان أمرا كليا و
كان كل من المدفوع صالحا لكونه فردا له كان في قوة المبيع، بل دفعهما للتخيير حصر
له فيهما، فيكون بمنزلة المبيع، حيث أنه منحصر فيهما، فالحكم بالضمان هنا أولى
كما هو واضح، وإن فرض انطباقه على أحدهما فقط، فإن كان الموجود صح له أخذه
وغرم قيمة التالف، إلا مع التراضي مع الدافع بالمعاوضة ودفع الباقي إليه، وإن كان التالف
ضمنه وطالب الدافع بالكلي، بل قد يقال بتعينه حقا له، لأنه قد قبضه بعنوان الاستيفاء، إلا أنه
لم يكن متعينا باعتبار وجود الفرد الآخر، فمع فرض انتفائه تعين هو للحق،
فتأمل جيدا.
وفي شرح الأستاذ جاز للدافع احتسابه عليه وأخذ الباقي، بل لا يبعد لزوم
ذلك بالتقاص القهري، وللمدفوع إليه احتسابه على نفسه لجعل الاختيار إليه، وفيه
ما عرفت، وإن فرض عدم انطباقهما معا ضمن قيمة التالف ودفع الباقي، وطالب بماله
إلا مع التراضي المزبور، وإن كان المبيع نصفا من العبدين مشاعا فيهما فالتالف مضمون
نصفه عليه، وعليه رد نصف الباقي، فلا ينطبق الخبر حينئذ على شئ من ذلك إلا على
ما سمعته من التكلفات السابقة، التي يرجح الطرح عليها، وتنزيل الخبر على كون
المبيع مجهولا لتردده بين العبدين المدفوعين يقضي بضمان التالف بالقيمة، أو المسمى
ورد الباقي، لبطلان العقد حينئذ كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا،
بل هي كذلك، وإليه أشار المصنف بقوله.
(وأما لو اشترى عبدا من عبدين لم يصح العقد وفيه قول موهوم) وفي السرائر
بعد أن حكى ما في النهاية الذي هو مضمون الخبر السابق، قال: ما ذكره شيخنا في

1 - سنن البيهقي ج 6 ص 90 العمال ج 5 ص 527
240

نهايته خبر واحد لا يصلح ولا يجوز العمل به، لأنه مخالف لما عليه الأمة بأسرها، مناف
لأصول مذهب أصحابنا وفتاواهم وتصانيفهم وإجماعهم لأن المبيع إذا كان
مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف، وقوله يقبض نصف الثمن، ويكون العبد الآبق
بينهما، ويرد الباقي من العبدين، فيه اضطراب كثير وخلل كبير، لأنه إن كان الآبق
الذي وقع عليه البيع فهو من مال مشتريه، والثمن بكماله لبايعه، وإن كان الآبق غير
من وقع عليه البيع فالباقي الذي وقع عليه البيع، فلأي شئ يرده، وإنما أورد شيخنا
هذا الخبر على ما جاء إيرادا لا اعتقادا، لأنه رجع عنه في مسائل خلافه، في كتاب
السلم وهو جيد
وإن كان قد يوهم ظاهره عدم جواز بيعه كليا موصوفا بصفات ترفع الجهالة،
وهو واضح المنع.
ولعله إليه أو غيره أشار في اللمعة بقوله (ويجوز شراء العبد موصوفا سلما، و
الأقرب جوازه حالا، إلا أن ظاهره كون غير الأقرب التفصيل بين السلم وغيره، وهو
أوضح من الأول فسادا لتساويهما في المعنى المصحح للبيع، وعلى كل حال فما
أبعد هذا القول من القول بجواز بيع أحد العبدين مطلقا، كما عساه يظهر في باب
البيع من الخلاف ناسبا له إلى رواية الأصحاب وإجماعهم، أو بشرط تساويهما من كل
وجه حتى يكون كالصاع من الصبرة، كما سمعته من الفاضل في المختلف، وإن
كان هو في غاية الضعف، بل الشيخ كما قيل قد رجع عنه في باب السلم فقال (إذا قال
اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا، أو أحد هذه العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز لأن هذا غرر يسير،
وأما في الأربعة فما زاد عليها فلا يجوز، دليلنا أن هذا بيع مجهول فلا يجب أن يصح بيعه
241

ولأنه بيع غرر لاختلاف قيمتي العبدين، فإن قلنا به تبعنا فيه الرواية، ولم نقس عليها غيرها
والاجماع الذي ادعاه مظنة العكس، كما سمعته من الحلي) والرواية التي
أشار إليها هي الخبر المزبور على الظاهر، وهو مع عدم تعين تنزيله على ذلك، قد
عرفت مخالفته للأصول والقواعد، والاستدلال بالاطلاقات والعمومات يدفعه ما
دل على المنع من بيع الغرر الذي هذا منعه قطعا، كما أنه يدفع الثاني منع التساوي
على وجه يلحق بالمثلى على أنك قد عرفت ما في تنزيل الخبر عليه.
وكيف كان فلا ريب في ضعف ذلك كله فالأولى الرجوع إلى ما تقتضيه الضوابط وهو
ما عرفت وعليه لا فرق بين العبدين والأكثر، ولا بين العبيد والإماء، بل ولا بين الثياب ونحوها
ولا بين إباق العبد وموته، أما بناء على العمل بالخبر ففي انسحابه في الزيادة على اثنين تردد،
من صدق العبدين في الجملة وعدم ظهور تأثير الزيادة مع كون محل التخيير زائد على
الحق، ومن الخروج عن المنصوص المخالف للأصل، فإن سحبنا الحكم وكانوا
ثلاثة فأبق واحد فات ثلث المبيع وارتجع ثلث الثمن إلى آخر ما سمعت، وقد يحتمل
بقاء التخيير وعدم فوات شئ، سواء حكمنا بضمان الآبق أم لا، لبقاء محل التخيير
الزائد عن الحق، وكذا التردد لو كان المبيع غير عبد، كأمة فدفع إليه أمتين أو إماء
وإن قطع في الدروس بثبوت الحكم هنا، بل في أية عين كانت، كثوب وكتاب
من المشاركة في العلة للحكم، وبطلان القياس، ولعله أقوى كما أن الأقوى عدم الحاق
الهلاك بالإباق، وإن جعله بعضهم أحد الوجهين لأولويته منه، لكن قد يفرق بينهما
بتنجيز التنصيف معه من غير رجاء لعود التخيير بخلاف الإباق، والله أعلم.
المسألة (العاشرة إذا وطئ أحد الشريكين) أو الشركاء الوطئ الذي تدور عليه
الأحكام (مملوكة بينهما) أو بينهم (يسقط الحد مع الشبهة) بلا خلاف بل الاجماع
242

بقسميه عليه لدرء الحدود بها، وإن استحق التعزير بالعصيان بترك السؤال (ويثبت مع
مع انتفائها) إذا لم يكن الشريك ولداله إجماعا أيضا بقسميه، ونصوصا مستفيضة
جدا، مضافا إلى ما قيل من تناول ما دل في الزنا له الشامل للمقام بالصدق من
جهة الشريك أو مطلقا فيلزم تمام الحد، لولا قيام الدليل على خلافه، وبعد خروج الخارج
يبقى الباقي على حاله، وإن كان لا يخلو من نظر، (لكن يسقط منه) أي الحد (بقدر
نصيب الواطئ) للنص والاجماع المحكي، إن لم يكن المحصل، وما قيل من
عدم كونه زانيا من جهته، ولا هاتكا للحرمة كذلك، ولحصول معنى الشبهة باستحقاقه
ولقاعدة تبعض الأحكام بتبعض الأسباب كما يظهر بعد التتبع التام، ولا سيما في تبعيض
المماليك وإن كان فيه ما فيه، وأولى منه تعليله بعد النص عليه أن أمر الحدود مبني على
التخفيف، ولذا سقطت بالشبهة ونحوها، وإلا فالعمدة النص.
قال عبد الله بن سنان: (1) (سألت الصادق عليه السلام عن رجال اشتركوا في أمة،
فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده، فوطأها؟ فقال: يدرء عنه من الحد بقدر
ماله من النقد، ويضرب بقدر ما ليس له فيها، وتقوم الأمة عليه بقيمة يلتزمها، فإن كانت
القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الجارية، ألزم ثمنها الأول، وإن كان قيمتها في
ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها ألزم ذلك الثمن وهو صاغر، لأنه استفرشها،
قلت: فإن أراد بعض الشركاء شراؤها دون الرجل قال: ذلك له، وليس له أن يشتريها
حتى تستبرأ، وليس على غيره أن يشتريها إلا بالقيمة).
ونحوه آخر (2) بتفاوت يسير، قال فيه: (قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا

1 - الوسائل الباب 17 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
2 - الوسائل الباب 22 من أبواب حد الزنا الحديث 4
243

بعضهم وجعلوا الجارية عنده فوطئها قال عليه الحد، ويدرء عنه من الحد بقدر ماله فيها،
وتقوم الجارية ويغرم ثمنها للشركاء، فإن كانت القيمة في اليوم الذي وطئ أقل مما
اشتريت به، فإنه يلزم أكثر الثمن، لأنه قد أفسد على شركائه، وإن كان القيمة في
اليوم الذي وطئ أكثر مما اشتريت به يلزم الأكثر) وفي خبر إسماعيل الجعفي (1) عن أبي جعفر
عليه السلام (في رجلين اشتركا في جارية فنكحها أحدهما دون صاحبه، فقال: يضرب نصف
الحد، ويغرم نصف القيمة إذا حبلت، وفي المرسل (2) في الفقيه المسند عن عدة
أصحابنا في الكافي عن الصادق عليه السلام (سئل عن رجل أصاب جارية من الفئ فوطئها
قبل أن تقسم؟ فقال: تقوم الجارية، وتدفع إليه بالقيمة، ويحط له منها ما يصيبه من
الفيئ، ويجلد الحد، ويدرء عنه من الحد بمقدار ما كان له فيها، فقلت: فكيف
صارت الجارية تدفع إليه بالقيمة دون غيره، فقال: لأنه وطأها ولا يؤمن
إن يكون ثمة حبل).
وفي الصحيح (3) (سمعت عباد البصري يقول كان جعفر عليه السلام يقول: يدرء عنه
من الحد بقدر حصته منها ويضرب ما سوى ذلك، يعني في الرجل إذا وقع على جارية
له فيها حصة) وفي الخبر (4) (في جارية بين رجلين وطأها أحدهما دون الآخر فأحبلها
فقال: يضرب نصف الحد ويغرم نصف القيمة) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على
المطلوب، حتى الصحيح (5) (في رجلين أعتق أحدهما نصيبه منها، فلما رأى ذلك
شريكه وثب على الجارية فوقع عليها؟ قال: فقال: يجلد الذي وقع عليها خمسين جلدة

1 - الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام الشركة الحديث 1
2 - الوسائل الباب 22 من أبواب حد الزنا الحديث 6.
3 - الوسائل الباب 22 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 7 - 1
4 - الوسائل الباب 22 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 7 - 1
5 - الوسائل الباب 22 من أبواب حد الزنا الحديث 3 - 7 - 1
244

ويطرح عنه خمسون جلدة، ويكون نصفها حرا، ويطرح عنها من النصف الباقي الذي
لم يعتق إن كانت بكرا عشر قيمتها، وإن كانت غير بكر نصف عشر قيمتها وتستسعى
هي في الباقي ونحوه خبر آخر (1) وكان بعض مشايخنا لم يقف إلا على خبر واحد،
فاستدل به جابرا له بالشهرة بل الاجماع.
وأغرب منه ما في نكاح المسالك من نفي الحد على الواطئ، لأنه ليس زانيا وإن
كان عاصيا يستحق التعزير، ويمكن أن يكون مراده نفي حد الزنا، لأن الظاهر ترتبه
على غير محل الفرض لا أقل من الشك. والأصل البراءة، وحينئذ فما في النصوص من
جلد المقدار المخصوص أمر آخر ليس حدا من حيث الزنا، وربما يؤيد ذلك إطلاق
النصوص في المقام عدا النادر الحكم المزبور من غير فرق بين المحصن وغيره، وإلحاق
الولد به أيضا فتأمل.
ثم إن الظاهر جريان الحكم المزبور على الأمة أيضا فيدرء عنها ما درء عن
الواطئ وتضرب قدر ما ضرب وكيف كان فالحكم مما لا إشكال فيه، نعم قد يستشكل
فيما إذا كان في استحقاقه كسر بالنسبة إلى كيفية ما يسقط في مقابلته من الحد، فقيل إنه
يعتبر بالسوط فيأخذ بنصفه، إن كان نصفا، وبثلثه إن كان ثلثا، كما تضمنه (2) صحيح
هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: في نصف الجلدة وثلثها يؤخذ بنصف السوط
وثلثه) وعن بعض المحققين أنه يحصل باعتبار مقدار السوط، وكيفية الضرب، وفي
الحدائق احتمال رجوعه إلى الأول وفي شرح الأستاذ (أنه لو اعتبر التوزيع بالنسبة
إلى قوة الضرب وضعفه مع قبض السوط على المعتاد أو دقة السوط وغلظه لم

1 - الوسائل الباب 22 من أبواب حد الزنا الحديث 2
2 - الوسائل الباب 3 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها الحديث 1
245

يكن بعيدا.
قلت: هو كذلك لولا مخالفته لظاهر النص، اللهم إلا أن يحمل عليه لكنه كما
ترى، بالنسبة إلى الدقة والغلظ.
نعم هو لا يخلو من قوة بالنسبة إلى الأول ضرورة أنه يمكن أن يكون الكسر
بحيث لا يمكن تحقق مسمى الجلد به لو قبض على مقداره من السوط المعتاد، بل يمكن
دعوى أن الأقرب إلى الحقيقة ذلك بعد انتفائها فتأمل جيدا.
ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى تعين كون الحد هنا الجلد، وإن كان الواطئ هنا
محصنا لعدم تصور السقوط في القتل والرجم، وما في بعض المعتبرة (1) (عن رجل
وقع على مكاتبته فقال: إن كان أدت الربع جلد، وإن كان محصنا رجم، وإن لم تكن
أدت شيئا فليس عليه شئ) بعد الاغضاء عما فيه من التقييد بالربع، معارض بما سمعت
خصوصا ما ورد في المبعضة، وحمل نصوص التبعيض جميعها على ما إذا كان الحد
قابلا له، كما إذا كان الواطئ غير محصن مع عدم مقاومة المعارض، مخالف لأصول
المذهب وقواعده، كما هو واضح، بل على ما ذكرنا سابقا لا يحتاج إلى دليل في عدم
ثبوت حد المحصن عليه، لأن التحقيق عدم اندراجه فيما دل عليه في الزاني فيبقى الأصل
حينئذ سالما عن المعارض، ولو وطئ الشريك قبل تمام ملكه، كما لو كان موهوبا ولم
يقبض حد تمام الحد مع عدم الشبهة، وكذا الفضولي على القول بالنقل، وعلى الكشف
ففي البدار أو الانتظار أو العدم مطلقا وجوه، أقواها عند الأستاذ الأخير، لكنه يعزر
لعصيانه، وهو جيد مع حصول الإجازة، ولو ادعى في حصته الزيادة على شريكه ولم
يعلم بكذبه.

1 - الوسائل الباب 24 من أبواب حد الزنا الحديث 2
246

يكذبه ولا قامت بينة بصدقه درأ عنه بنسبتها من الحد على الأقوى، لاندراج مثله في الشبهة
المسقطة للحد.
وكيف كان فلا ريب نصا وفتوى في لحوق أحكام الولد في الجملة لهذه
الجارية لو حملت من الواطئ وإن كان عاصيا بالنسبة إليه بل وإلى شركائه بالنسبة إلى
غير الواطئ، فليس لهم بيعها بل ولا نقلها بأحد النواقل إلى غيره، ولكن تقوم عليه إنما -
البحث في أنها تقوم عليه بنفس الوطئ وإن لم يظهر حملها أو ينتظر الحمل، فعند المصنف تبعا
للحلي (و) عليه استقر رأي المتأخرين أنها (لا تقوم عليه نفس الوطئ) لكن قال
هنا (على الأصح) مشيرا به إلى ما في النهاية من التقويم بنفس الوطئ قال: (إذا كانت
الجارية بين شركاء، فتركوها عند واحد منهم فوطأها فإنه يدرأ عنه من الحد بقدر ماله
من الثمن ويضرب بمقدار ما لغيره، وتقوم الأمة قيمة عادلة ويلزمها، فإن كانت القيمة أقل
من الثمن الذي اشتريت به ألزم ثمنها، وإن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر
من ثمنها ألزم ذلك الأكثر، وإن أراد واحد من الشركاء الجارية كان له أخذها، ولا يلزمه -
إلا ثمنها الذي يسوى في الحال، الذي هو مضمون ما سمعته من خبر عبد الله بن سنان (1)
المتقدم لكن قد عرفت أن فيه وليس له أي الشريك أن يشتريها حتى تستبرئ.
ومنه ينقدح إشكال في الخبر المزبور، وهو أن الشريك إذ كان ليس له شراؤها إلا
بعد الاستبراء فهو والواطئ على حد سواء في عدم الالزام إلا بالثمن إذا ظهر كونها
بريئة من الحمل، إذ احتمال التقويم على الواطئ وإن لم يتعقبه حمل في غاية البعد، وإن
توهم من إطلاق النهاية والخبر، بل هو الذي فهمه ابن إدريس وغيره، ممن تأخر عنه
منه، حتى أنه فرع عليه بعض مشائخنا فقال: هل يفرق بين الفرج والدبر والتقاء الختانين
والانزال وخلافهما أولا، وجهان، أقواهما عدم الفرق في الطرفين دون الواسطة إلا أنه

1 - الوسائل الباب 17 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
247

في غاية البعد، بل التعليل في خبر العدة الصريح في كون التقويم بالوطئ كالصريح بخلافه،
بل التعليل في خبر ابن سنان بنفسه ظاهر في ذلك، ضرورة كون المراد منه أنه صيرها بالوطئ
فراشا له بحيث يلحق به الولد، وإلا فلو أريد منه بمجرد الوطئ وإن كانت آيسة مثلا،
لم يكن للتعليل به وجه، كالتعليل بالافساد في الخبر الآخر، إذ لا وجه للافساد بمجرد الوطي،
خصوصا في الثيب، بل وبالكبر بعد غرامة أرش البكارة، إذ ليس هو حينئذ أسوء حالا
من الأجنبي بالنسبة إلى ذلك، فليس المراد من الافساد حينئذ إلا احتمال الحمل الذي يلحق
به، ويمتنع على الشركاء بسببه نقلها بساير النواقل، وإن لم تكن أم ولد بالنسبة إليهم،
فتتفق حينئذ النصوص الثلاثة على معنى واحد، ويكون المراد حينئذ مما في خبر عبد الله بن -
سنان أنه للشريك شراؤها بعد الاستبراء والعلم بخلوها عن الحمل ولا يجب عليه التقوم
على الواطئ بمجرد وطئه، وكذا المراد أنه ليس على غير الواطي من الشركاء فضلا عن
غيرهم في ساير الأحوال إلا بالقيمة التي تسوى في الحال بخلاف الواطئ فإن عليه الالزام
بأكثر الأمرين لو أراده الشريك قبل الاستبراء أو بعد ظهور الحمل، أو يحمل على ما إذا -
نقصت القيمة المساوية للثمن الذي اشتريت به بالوطئ فإنه يجب عليه تمام الثمن لحصول
النقصان بفعله.
وعلى كل حال فبما ذكرنا يندفع ما في التذكرة من أن هذا الخبر غير دال على وجوب
التقويم بنفس الوطئ، لأنه يسوغ لغيره من الشركاء شراؤها فلو وجب التقويم لم يجز ذلك،
ونحوه يرد على عبارة الشيخ لأنها كما سمعت مثل الخبر فلا بد حينئذ من حملها على
ما ذكرناه أو يدعي أن الشيخ، يوجب التقويم بنفس الوطئ ارفاقا للشركاء، فإذا أسقطوا حقهم
كان لهم شراؤها منه برضاه، إلا أنك قد عرفت أنه ليس للشركاء الشراء من الواطئ إلا بعد الاستبراء
بل لا يبعد القول بأنه ليس للشريك الذي لم يطأ بيع نصيبه إلا بعد الاستبراء، وإن قلنا أن البايع
لا يجب عليه الاستبراء من وطئ غيره لكن في المقام قد يقال بوجوبه، باعتبار أن الحمل ولو من -
248

الشريك الواطئ يمنع الآخر من نقلها إلى غيره، فهي حينئذ كأم الولد بالنسبة إليه، وكان
وطئ الشريك كوطئ نفسه بالنسبة إلى ذلك، فيتجه حينئذ عدم جواز البيع له إلا بعد
الاستبراء فتأمل جيدا، فإنه في غاية الجودة، وبه يتم ما قلناه حينئذ من التقويم عليه بنفس
الوطئ الذي يخشى منه الحمل، لأنه قد عطل مال الشركاء عليهم، فإذا لم يقوموها عليه حتى
استبرأت وعلم عدم حملها كان حال الواطئ حينئذ كحالهم لا يستحقون عليه تقويما ولا
غيره، إلا العقر يعد إسقاط نصيبه.
ومن الغريب ما في مختلف الفاضل من حمل الخبر، وما في النهاية على صورة الحمل
مع أنه ليس في شئ منهما ما يومي إليه بل ما في الذيل من جواز البيع على الشركاء صريح
في خلافه، لعدم جواز بيعها مع الحمل قطعا وإجماعا، بل قوله فيه (لا يجوز أن يشتريها
حتى تستبرئ صريح أيضا في عدم كونها حاملا، وتقييد الصدر بالحامل بخلاف الذيل
تفكيك في الخبر يقطع بفساده وأوضح منه فسادا المناقشة في خبر العدة بأنه ظاهر في أن
سبب التقويم الحمل فلا يتحقق قبل تحققه، إذ هو كما سمعت صريح في أنه علة التقويم
الوطئ لأنه لا يؤمن معه الحبل كما هو واضح.
كل ذلك مع عدم المعارض عدا المفهوم في خبر الجعفي إذ الحبل في غيره في -
السؤال دون الجواب، فلا دلالة فيه، وهو مع أنه مفهوم لا يعارض المنطوق، يمكن أن
يكون المراد منه نفي الغرم مع عدم الحبل، ونحن لا ننكره، ضرورة أنه إذا تأخر الشريك
عن التقويم حال الوطئ فبان عدم حبلها لم يكن على الواطي غرم، كما أنه يغرم قطعا القيمة
بالحبل كما هو واضح والحاصل أن القول بأن للشركاء التقويم على الشريك الواطئ الذي
يخاف من وطئه الحبل وأنه لا يجوز لهم نقل الجارية إلى غيره قبل الاستبراء إذا لم يريدوا
التقويم عليه، لعدم وجوبه عليهم للأصل، ولأن مشروعيته للارفاق بهم لا يخلو من قوة،
فإذا اشتريت حينئذ كان لهم نقلها من كل أحد، كما أنه بناء على التقويم بالحمل إذا أخروا
249

التقويم فاتفق سقوط الحمل قبله تعود على الحال الأول، ولا يلزم الواطئ بالتقويم، و
يمكن حمل كلام الشيخ وغيره ممن قال بالتقويم بالوطئ على ذلك، لا مطلق الوطئ و
إن بان عدم تعقبه للحمل.
(و) لكن الذي استقر عليه رأي المتأخرين أنها (لو حملت قومت عليه حصص
الشركاء) ولا تقويم عليه قبل الحبل، بل في شرح الأستاذ دعوى تحصيل الاجماع
عليه، لأن المخالف مسبوق ملحوق به، وإن كان فيه ما لا يخفى نعم هو مقتضى الأصل
والمفهوم في الخبر السابق المنجبر بالشهرة المتأخرة، بل لعلها إجماع منهم، وأنه به
يتحقق الافساد الموجب لعدم إمكان التصرف بالأمة، إلا أنه مما ذكرنا تعرف ما في
جميع ذلك، ومنه يعلم أن الاحتياط لا ينبغي تركه في المقام.
ثم إنه عليه فهل العبرة بالقيمة وقت الاحبال كما اختاره شيخنا في شرحه، أو من
يوم الوطئ كما في التحرير، وقواه الشهيد في حواشيه، أو وقت التقويم كما عن
بعضهم، أو أكثر الأمرين من يوم الوطئ إلى الاحبال كما مال إليه ثاني الشهيدين
في المسالك، أو أكثرهما من حين الاحبال إلى وقت التقويم كما في المختلف، أو أكثر
الأمرين من الثمن والقيمة وقت التقويم، كما سمعته في الخبر، أو أكثرهما من يوم
الوطئ كما يقضي به الخبر الآخر، وجوه، بل أقوال، وزاد في شرح الأستاذ احتمال
القيمة زمان الانتقال، وأعلى القيم من زمان الحمل إلى زمان الانتقال، ومن زمان
التقويم إلى زمان الانتقال، ومن زمان الوطئ إلى زمان الحمل، وإلى زمان التقويم
والأعلى من زمان الانعقاد إلى حين الولادة، وما يختاره المظلوم من الشريكين، بل قال:
أن لكل وجها، وهو مع أنه مبني على مغايرة زمان التقويم لزمان الانتقال في غاية الضعف
بالنسبة إلى البعض، إن لم يكن الجميع، ولعل الأقوى مراعاة حال التقويم الذي
250

هو بمعنى الدفع إليه بالقيمة، لأصالة براءة الذمة من ضمان الزائد، ولأنه هو وقت
المعاملة، ووقت دفع الجارية إليه بالقيمة، سيما إذا كان النقص الداخل على الشريك
بالتأخير في التقويم من قبله، إذ الظاهر أنه لا يجوز للواطئ الامتناع من قبول التقويم
عند طلب الشريك له، فإذا امتنع جبره الحاكم بل له القبول عنه، أما إذا طلبه الواطئ
فقد يقوى عدم وجوب الإجابة عليه ما لم يستلزم تعطيلا للمال.
لكن في شرح الأستاذ إن التقويم قهري بالنسبة إلى الواطئ والشركاء فحالها
كحال أمهات الأولاد، وليس فوريا لكن لا يسوغ الاهمال الباعث على التعطيل، و
متى طلبه أحدهما أجابه الآخر، ولو امتنع أحد الطرفين عن التقويم جبره الحاكم
عليه، فإن لم يتمكن منه قام مقامه.
وفيه أن الظاهر من النصوص كون التقويم إرفاقا بحال الشريك، فهو حينئذ
حق له لا يجبر عليه إلا إذا أدى إلى الاضرار بالآخر فتأمل جيدا فإنه يمكن الفرق بين
ما ذكرناه سابقا من التقويم بالوطئ وبين ما هنا من التقويم بالحمل بالنسبة إلى القهرية
وعدمها، ضرورة تحقق كونها أم ولد بالانعقاد بخلاف الأول.
وكيف كان فلا تدخل في ملك الواطئ ابتداء كما صرح به غير واحد، بل قيل
إنه إجماع للأصل بل والنص، ضرورة إرادة النقل بالقيمة من التقويم عليه، فحق
الشريك في المنافع ثابت حينئذ، كما أن الظاهر عدم إغناء التقويم عن الصيغة إذا
أريد ما رتب الشارع عليها من الأحكام، بل الظاهر عدم كون التقويم من النواقل المستقلة
وإنما المراد ما عرفت من النقل بالنواقل المعهودة، إلا أنه بالقيمة على الواطئ، لكن
في شرح الأستاذ أنه يغني التقويم عن الصيغة كما هو ظاهر كلام المعظم، وظاهر الأخبار
ويكون كاستحقاق العوض بالتلف إلى أن قال: ولا تجري عليه أحكام البيع، فلا خيار
251

مجلس أو حيوان ونحوهما ويتعين عليه أخذ الأرش وعوض النقص ونحوه، ولا يجوز
له الرد.
وفيه ما عرفت وخلو النصوص عن الصيغة لتعارف المعاطاة في ذلك الزمان
كما خلت عنها أكثر النصوص في أكثر المقامات بل التأمل في ذيل خبر ابن سنان (1)
يورث القطع بإرادة ما ذكرنا من التقويم على الواطئ فلاحظ وتأمل، وكذا فيه
أيضا أنه لو فسخها بخيار من الخيارات كان عليه تقويم الجميع، وفيه أن جواز الفسخ
له محل بحث كالبحث في لزوم التقويم عليه بعد الجواز فتأمل جيدا.
ولو اشترك شريكان في الاحبال أقرع بينهما، للنصوص التي منها الصحيح
(2) (إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت وادعوه جميعا أقرع الوالي
بينهم، فمن خرج كان الولد ولده، ويرد قيمة الولد على صاحب الجارية). ونحوه
غيره، على أن الاشتراك في الولد بينهم على حسب الغرامة غير معهود بالشرع في غير
المماليك.
ثم إن الظاهر لزوم العقر العشر أو نصفه مع القيمة، لأنه عوض الانتفاع
بالبضع، بل لعل ما دل عليه في غير المقام كالأمة المدلسة نفسها وغيرها لا يخلو من ظهور
في الجميع - خصوصا خبر الجارية (3) التي أعتق نصفها المتقدم آنفا الذي يراد منه
إسقاط ما يخصها بنصيب الحرية من العقر من نصيب الواطئ، فما قيل من الاكتفاء بالقيمة
عن ذلك في غير محله، وخلو النصوص هنا عن التعرض له أعم من عدمه، بل قيل أنه

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
(2) الوسائل الباب 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أحكام حدود الزنا الحديث 1
252

يلزم مع ذلك، أرش البكارة، لكن فيه ما عرفت سابقا من ظهور النصوص في أن الزيادة
في عقر البكر عوض عن أرش البكارة.
نعم الظاهر عدم الفرق بين اتحاد الوطئ وتعدده إذا كان منشؤه واحدة، ولم
يتخلل العزم أما لو وطأها أو لا للشركة، ثم وطأها ثانيا بزعم أنها صارت له خالصة،
وثالثا أنها زوجته، فقل يحتمل التعدد كما في شرح الأستاذ والله أعلم.
(و) على كل حال ف‍ (ينعقد الولد حرا) لأصالة الحرية والتبعية، والنصوص
المتقدمة الآمرة بالتقويم فيها، لمكان الحمل الذي تصير به أم ولد بالنسبة إليه، بل هي
كالصريحة في فرض الوطئ فيها بغير الشبهة، لاشتمالها على الحد المعلوم درؤه بها
فحينئذ لا فرق في انعقاده حرا بين كون الوطئ لشبهة أو لا كما هو صريح جماعة بل
لا أجد خلافا فيه بينهم، ولعل الحكمة إنه ليس زنا محضا بسبب الملك للبعض الموجب
لحصول الفراش، كما أومئ إليه بعض النصوص المتقدمة.
ومنه ينقدح حينئذ أن الوجه في الحرية انعتاق مقدار نصيبه عليه، ثم يسري
إلى غيره، إلا أنه لما كان هو السبب في ذلك أغرمه الشارع قيمة حصص الشركاء منه
نحو ما سمعته في غرامته جميع القيمة عن ولده من الأمة التي ظهر استحقاقها للغير
الذي اشتملت عليه النصوص السابقة، مضافا إلى بعض النصوص المتقدمة في المسألة.
بل الظاهر مما دل على التقويم بالحبل عدم توقف الحرية على الولادة وإلا لم
يلزم تقويمها بالحبل، وإلى ذلك أشار المصنف وغيره، بل لم يعرف خلاف فيه
بينهم، بل ربما ادعى الاجماع عليه بالتعبير بالانعقاد حرا المتحقق بانعقاد النطفة أو
العلقة، بل ظاهر النصوص والفتاوى عدم الفرق في ذلك بين دفع القيمة وعدمها،
وإن كانت هي مستحقة على الوالد فما عساه يتوهم من بعض نصوص الأمة المستحقة
253

من التوقف على دفع القيمة لا بد من تأويله وطرحه، مع أنه لا صراحة فيه، بل ولا ظهور
في توقف الحرية، بل قد صرح فيه بعدم ملك ولد الحر بل أقصاه توقف دفع الولد على
دفع القيمة، وهو مع أنه غير ما نحن فيه مطرح أو مأول.
وعلى كل حال فاحتمال كونه رقا إلى حين الولادة أو حين التقويم لا يلتفت إليه،
وتظهر الثمرة في الوصية به وله في الجناية عليه، وفي عزل نصيبه من الإرث فضلا عن
نمائه، وفي غير ذلك مما لا يخفى.
(و) كيف كان ف‍ (على أبيه قيمة حصصهم يوم ولد) وإن تأخر التقويم عنه
إن تقوم حاملا وإلا دخلت قيمة الولد معها كما صرح به ثاني الشهيدين، وبعض من
تأخر عنه، كفاضل الرياض وشيخنا في شرحه نعم ظاهر الأخير اعتبار التراضي منهم
بذلك، قال (فإن اختلفا فالمدار على حين الولادة، إلا إذا خرج ناقصا فيتعين
اعتبار قيمة الحمل إن زادت على قيمته حين الولادة، مع احتمال تقويمه تاما و
مع الخروج ميتا يفرض حيا سليما ويقوم، والأم باقية على حالها، ويقوى اعتبار
أعلى القيم من حين الحمل إلى حين الولادة أو إلى حين التقويم، ثم قال: بعد ذلك
ويغني مجرد التقويم من دون عقد، لظاهر الاطلاق في الأخبار وكلام الأصحاب،
ولذلك يصلح تقويمه ميتا، ولو خرج مريضا بجناية قوم صحيحا).
قلت: لا أجد خلافا في النص والفتوى في عدم اعتبار زمان التقويم المتأخر عن
زمن الولادة، بل هو صرح قبل ذلك بأنه لو تأخر وقت التقويم عن يوم الولادة لوحظ
الحال السابق بل ستسمع نسبة الخلاف إلى أبي حنيفة في نظير المقام من الفاضل، و
هو مشعر بالاجماع على أن الأصل براءة ذمة الأب من الزائد لو فرض علو القيمة كما هو
الغالب، وبراءة ذمة غيره من وجوب الالتزام بالناقص لو فرض حصوله بالتأخر.
254

مضافا إلى أن المتيقن من النصوص يوم الولادة، لأنه هو أول يوم تحقق اسم
الولد فيه، بل المعتبر حال الخروج إلى الدنيا، بل منها مضافا إلى الأصل يستفاد عدم
اعتبار أعلى القيم، خصوصا إذا كان الشريك هو الذي طلب التأخير إلى يوم الولادة،
ضرورة أنه باختياره ذهب الزائد عليه، بل وإن كان الطالب الواطئ، لعدم الالتزام
بالتقويم حملا إذ النصوص أوجبت قيمة الولد، على أن الحمل لا طريق إلى تقويمه
كما صرح به الفاضل وغيره لكن قد يقال إنه يمكن تقويم الحمل على احتمالاته.
نعم لا يقوم ولدا تاما حيا وهو حمل لعدم العلم بحاله، ولعل ذلك هو المراد بعدم
إمكان تقويمه حملا إلا أن يلحظ تبعا فتقوم الحامل حينئذ باعتباره، فالزيادة التي
تفرض على كونها حائلا بسببه بمنزلة القيمة له، وفيه أنه ربما تنقص قيمته الجارية
بحملها، لقلة الانتفاع بها، ومخافة الحادث عليها بالطلق ونحوه ومن هنا اعتبر في
النصوص الواردة هنا وفي الأمة المستحقة للغير وفي المدلسة نفسها وغير ذلك قيمة
الولد، وليس في شئ منها تقويمه حملا ولو بالتبعية للأم، كما أن أكثر الفتاوى على
غرامة قيمة الولد يوم ولد حيا اللهم إلا أن يدعى ظهور بعض نصوص المقام الذي اشتمل
على التقويم إذا أحبلها في ذلك وفيه منع.
نعم قد يقال: إن المراد بدخوله في قيمة الحامل أنه يضاف إلى قيمتها ما يكون
قيمة له، فتكون القيمة التي لها عوضا عنه وعنها، لا أنه قيمة للحمل، ولذا اعتبر التراضي
بينهما على ذلك فليس لأحدهما اقتراحه على الآخر هذا.
وفي الرياض في شرح عبارة النافع التي هي يجب على الواطئ
قيمة حصص الشركاء منه عند الولادة قال: (والسقوط حيا إن قومت حائلا،
255

وإلا دخلت قيمة الولد معها كما ذكره جماعة من الأصحاب والظرف يتعلق بالقيمة،
أي القيمة عند الولادة بلا خلاف، توفية لحق الشركاء من النماء والتفاتا إلى فحوى
المعتبرة الواردة في وطئ الشركاء للأمة المشتركة) ثم ذكر الصحيح المتقدم المشتمل
على القرعة، وربما يتوهم منه اعتبار القيمة المزبورة ولو حال الحمل للتوفية وللنصوص
المشتملة على قيمة الولد، فيكون وقت الضمان وقت انعقاد الحمل باعتبار أنه كوقت
التلف، والمضمون حينئذ قيمة ولد، للنصوص، ولعله على ذلك بنى شيخنا فيما سمعته
من شرحه ضمانه لو خرج ميتا بأن يفرض حيا، ومريضا بأن يفرض صحيحا، بل قد سمعت
احتمال تقديره تاما لو خرج ناقصا.
لكن فيه أن المنساق من عبارات الأصحاب اشتراط الحياة في ضمانه فلو خرج
ميتا لم يكن عليه شئ أصلا، حتى قيمته حملا، كما يقوم يوم خروجه حيا على أي
الأحوال كان من الصحة والمرض والتمام والنقصان والذكورة والأنوثة والمسخ و
الخنوثة، بل هو كصريح الدروس في الأمة المستحقة التي لم يظهر لنا فرق بينها وبين
المقام بالنسبة إلى ضمان قيمة الولد فقال: وعليه قيمة الولد إن سقط حيا كما أنه قال:
في المقام وعليه قيمة نصيب الشريك يوم وضع حيا، بل قال الفاضل في القواعد في
المقبوض بالبيع الفاسد لفساد الشرط إذا كان جارية ولو وطأها لم يحد أي مع عدم
علم الفساد، وعليه المهر وأرش البكارة والولد حر وعلى أبيه قيمته يوم سقط حيا
ولا شئ لو سقط ميتا وأرش ما نقص بالولادة.
وفي التحرير في أحكام البيع الفاسد أيضا لو كان المبيع أمة، انعقد الولد
حرا لا ولاء عليه ويلحق به، ويجب على الواطئ قيمته يوم سقط لا يوم المحاكمة،
256

ولا تجبر قيمة الولد النقصان وإن ساواه في القيمة ولو سقط ميتا لم يضمنه أما لو ضرب
أجنبي بطنها فألقته ميتا تاما وجب على الضارب مأة دينار وللسيد منها أقل الأمرين
من دية الجنين أو قيمته حين سقوطه، وباقي الدية لورثته، إلى أن قال: ولو كان الضارب
الواطئ فألقته ميتا فعليه دية الجنين يأخذ السيد منها أقل الأمرين والباقي لورثته
غير الواطي. (وقال): (في الأمة المستحقة وينعقد الولد حرا وعلى الأب قيمته يوم
ولد، وفي وطي الشريك يغرم ثمن ولدها يوم سقوطه حيا) والظاهر عدم الفرق في الحكم
بين الجميع فيكون المراد الضمان بشرط الحياة:
وأصرح من الجميع ما في التذكرة قال في البيع الفاسد منها: (ويجب على
الواطئ قيمة الولد للبايع: لأنه نماء ملكه وقد حال بينه وبينه بالحرية فكان عليه
ولقول الصادق عليه السلام (1) (في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة
قال: يأخذ الجارية صاحبها، ويأخذ الرجل ولده بالقيمة) (إلى أن قال) تعتبر قيمة
الولد يوم سقوطه حيا، لأنه وقت للحيلولة بينه وبين صاحبه، ولو سقط ميتا
فلا شئ لأنه لا قيمة له حينئذ، ولا يقوم قبل سقوطه لأنه لا قيمة له حينئذ، فإذا لم يكن
له قيمة حين سقط لم يضمن، وهو قبل ذلك لا قيمة له، لا يقال لو ضربه أجنبي فسقط ميتا
وجب عليه الضمان وكان للسيد من ديته أقل الأمرين من دية الجنين ومن قيمته يوم
سقط، لأنا نقول الواطئ يضمنه بالحيلولة بينه وبين سيده، ووقت الحيلولة حين السقوط
وكان ميتا فلم يجب ضمانه، وضمان الضارب قائم مقام خروجه حيا، فلهذا ضمنه البايع
وإنما ضمن الأقل، لأن دية الجنين إن كانت أقل لم يضمن أكثر من ذلك، وإن كانت القيمة
أقل كان الباقي لورثته ويطالب المالك من شاء من البايع والمشتري، وقال أبو حنيفة يغرم
قيمة الولد يوم المحاكمة) إلى آخره.

(1) الكافي ج 5 ص 215 الحديث 10 الطبع الحديث
257

وقال في المقام (وعلى أبيه قيمة حصة الشريك منه يوم الولادة، لأنه وقت الحيلولة
وأول أوقات التقويم) وقال في الأمة المستحقة الولد حر وعلى أبيه قيمته لمولاه
يوم سقط حيا وبه قال الشافعي لأنه أتلف على مولاه رقيقا باعتقاد أنه ملكه، ولا يقوم
حملا لعدم امكان تقويم الحمل، فيقوم في أول حالة انفصاله لأنها أول حالة امكان تقويمه
ولأن ذلك هو وقت الحيلولة بينه وبين سيده) إلى آخره والجميع كما ترى ما بين صريح
فيما قلنا وظاهر.
بل قال شيخنا في شرحه في ظهور استحقاق الأمة وعلى الأب قيمته للمولى يوم سقوطه
بل حين سقوطه إن سقط حيا مستقرا لحياة على نحو يكون مقوما لأنه أول أزمنة التقويم،
للاجماع والأخبار بأن يقوم على ما هو عليه من نقص عضو أو صفة، مع ملاحظة بقاء
الرقية دون الأول إلى الحرية، ولو خرج ميتا لا قيمة له فليس على الأب شئ، وقوى
بعضهم تغريمه دية جنين أمة، وليس بقوي، ويقوى مراعاة التفاوت بين القيمتين، ولو
اشتبه الحال، فالأقوى عدم التغريم ويحتمل ثبوته عملا بالأصل، و هو مناف لما سمعته
سابقا منه هذا.
ولكن في الكتاب في باب الغصب، فيما لو كان المغصوب جارية فوطئها جاهلين
بالتحريم قال: (ولو أحبلها لحق به الولد، وعليه قيمته يوم سقط حيا وأرش ما ينقص
من الأمة بالولادة، ولو سقط ميتا قال الشيخ رحمة الله عليه لا يضمنه، لعدم العلم بحياته
وفيه اشكال ينشأ من تضمين الأجنبي، وفرق الشيخ بين وقوعه بالجناية ووقوعه بغير
جناية، ولو ضربها أجنبي فسقط ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر وضمن الغاصب
للمالك دية جنين أمة)، وظاهره التوقف في عدم الضمان لو خرج ميتا.
كالفاضل في القواعد في هذا الباب أيضا حيث قال: (ولو سقط ميتا فاشكال
ينشأ من عدم العلم بحياته ومن تضمين الأجنبي، بل في المسالك في هذا الباب
258

(إن الوجه ضمان الغاصب دية جنين أمة سواء سقط بجناية أم لا، لكن على تقدير
كونه بجناية، للمالك دية جنين أمة، وباقي دية جنين الحرة للإمام لأن القاتل
لا يرث والأمة رقيقة لا ترث إلى غير ذلك من كلماتهم التي بملاحظتها جميعا يحصل
الشك في المسألة، ولعل مقتضى الأصل معه عدم الضمان، لعدم صدق تلف المال بانعقاد
الحرية، بل أقصاه أنه لو لم يكن مشتبها لكان الولد رقا، ومثله ليس سبب ضمان،
والضمان ولدا للنصوص، وأما ضمان الجنين بجناية جان فلأنه كالخروج حيا كما سمعته
من الفاضل، فتأمل جيدا، فإن المسألة من المشكلات، هذا وقد يفرق بين المقام
وبين الغصب والمقبوض بالبيع الفاسد وغيرهما مما تكون للعبد فيه يد ضمان، باقتضاء
عموم (على اليد) (1) الضمان في الثاني دون الأول، بل ينبغي الجزم به فيما لو طرء
الفساد عليه ضرورة كونه كموت المغصوب في يد الغاصب حتف أنفه ولعله لذا جعل
الوجه في المسالك الضمان مطلقا.
نعم قد يقال بعدم الضمان فيما لو علم الفساد بأصل النمائية على وجه لم يتحقق
نمائيته بحيث يكون مالا متقوما كما في الفرض فإنه مع فرض سقوطه لفساد في أصل
تكونه لا يكون مالا، بخلاف طلع النخل المغصوب مثلا إذا فرض فساده في يد الغاصب
فإنه مال متقوم فيضمن على حاله، لا أنه يفرض كونه تمرا كل ذا والمسألة بعد محتاجة
إلى تنقيح.
وأما ضمان أقل الأمرين فلأن المملوك لا يضمن بأزيد من دية الحر ولعل
اطلاق المسالك منزل عليه كما أن قوله ينتقل إلى الإمام مبني على عدم وارث غير
الأب والأم، وإلا انتقل إليه، وقد عرفت مما قدمنا أن الاعتبار بالقيمة حين الولادة لا حين

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257
259

التقويم الذي هو بمعنى المحاكمة كما قال أبو حنيفة والله أعلم.
المسألة (الحادية عشرة المملوكان المأذون لهما) في التجارة (إذا ابتاع كل واحد
منهما صاحبه من مولاه) له بناء على ملك العبد (حكم بعقد السابق) وبطلان
اللاحق، لعدم صحة تملكه سيده (فإن اتفقا في وقت واحد) أي اتحد الزمان للجزء
الأخير من قبولهما (بطل العقدان) لعدم صحة ترتب أثر كل منهما، وترجيح
أحدهما على الآخر ترجيح بلا مرجح، واحتمال الرجحان في الواقع فيستخرج بالقرعة
معارض باحتمال عدمه، على أن التكليف منوط بالأسباب الظاهرة وإلا لزم التكليف
بالمحال، وليس كالقرعة في عتق العبيد، لأن الوصية بالعتق، بل نفس العتق قابل
للابهام، بخلاف البيع وساير المعاوضات.
ومرسلة الكافي الآتية التي أشار إليها المصنف بقوله (وفي رواية يقرع
بينهما) (1) قد عمل بها الشيخ وغيره، مع أنها ليست حجة في نفسها معارضة.
بخبر أبي خديجة الآتي نعم إذا علم السبق ولم يتعين السابق اتجه اخراجه بالقرعة
التي هي لكل أمر مشكل) (2) من موضوعات الأحكام، وهذا منه، بل يقوى لذلك
أيضا جريانها فيما لو اشتبه السبق والاقتران، فلم يعلم أيهما الذي وقع، وجواز الاقتران
مع عدم معلومية السبق المصحح للبيع. فلا يجوز الحكم بالمسبب مع الجهل بالسبب
لا يصلح مخصصا، ولا فرق بين علم تاريخ أحدهما وجهله على الأصح.
نعم قيل يحتاج في الصورة الأولى إلى رقعتين يكتب في أحدهما السابق، وفي

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث 11
باختلاف يسير.
260

الأخرى المسبوق، وفي الثانية إلى ثلاث رقع، يكتب في الثالثة الاقتران، ليحكم
معه بالبطلان، وأما قول المصنف (وفي) رواية (أخرى يذرع الطريق) بينهما
(ويحكم للأقرب) فلم نجدها بل لو وجدت لم يكن لها معنى محصل، إذ الفرض
حصول الاتفاق في الوقت الواحد، فلا مدخلية لذرع الطريق (و) حينئذ فلا ريب في أن (الأول) أي البطلان (أظهر) لما عرفت كما أنك قد عرفت أن الأقوى
القرعة في غيره.
لكن روى أبو خديجة (1) كما في الدروس وغيرها وفيما حضرني من نسخة
الوسائل والحدائق أبو سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام (في رجلين مملوكين مفوض إليهما
يبيعان ويشتريان بأموالهما، كان بينهما كلام فخرج هذا يعدو إلى مولى هذا وهذا
يعدو إلى مولى هذا، وهما في القوة سواء فاشترى هذا من مولى هذا العبد والآخر كذلك
وانصرفا إلى مكانهما فتشبث كل واحد منهما بصاحبه، وقال له أنت عبدي وقد اشتريتك
من سيدك قال: يحكم بينهما من حيث افترقا بذرع الطريق فأيهما كان أقرب فهو الذي
سبق الأبعد وإن كانتا سواء فهما ردا على مواليها جاءا سواء وافترقا سواء إلا أن يكون
أحدهما سبق صاحبه، فالسابق هو له، انشاء باع، وانشاء أمسك وليس له أن يضربه)
قال الكليني والشيخ وفي رواية أخرى (2) (إن كانت المسافة سواء أقرع بينهما، فأيهما
وقعت القرعة عليه كان عبده) وهو كما ترى صريح في أن المسح للاشتباه لا للعلم بالاتفاق
الذي هو كالصريح في البطلان معه، وإن كان فيه من الحكم بذلك لتساوي الطريقين

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 - 2
261

واضح الاشكال، كالاشكال فيما فيه من الحكم بالسبق لأقربية الطريق إذ هو مع
قصوره عن الحجية بالضعف، واعراض الأكثر بل لم يعمل به إلا النادر كالشيخ في النهاية
التي هي متون أخبار وبعض أتباعه، ومخالفته للضوابط الشرعية محتمل لإرادة حصول
اليقين بذلك.
وعلى كل حال فلا دلالة فيه على المسح مع الاقتران بل هو دال على خلافه،
بل قيل إن مرسل القرعة لا دلالة فيه أيضا، على أن محله الاقتران وإن كان
قد يناقش فيه بأن الظاهر إرادة الكليني والشيخ من قولهما وفي رواية أخرى
إلى آخره أنها كهذه الرواية في السؤال والجواب إلى قوله وإن كانتا سواء اختلفا
فالأولى حكم فيها بالبطلان، وفي الأخرى بالقرعة، ولا ريب أن رواية القرعة أولى
لاعتضادها بعموم ما دل على أنها لكل أمر مشكل) (1) ولأن استواء الطريق أعم من
الاقتران فهي مؤيدة لما ذكرناه من مشروعيتها للاشتباه في السبق أو السابق لكن قد
يقال إن الخبر صريح في القرعة ليتعين أحدهما خاصة من دون تعرض لاستخراج الاقتران
المقتضي للبطلان. بل ظاهره أو صريحه عدمه.
هذا كله إذا كان الشراء لهما، أما إذا كان لسيدهما فعقد السابق منهما صحيح
ماض، والآخر محتاج إلى الإجازة، بناء على انقطاع الإذن عنه بزواله عن ملك السيد وأن به
تفترق الإذن عن الوكالة وإن عقده حينئذ للغير فضولي موقوف على إجازة ذلك الغير، وإن
اقترنا، فالمعروف بين المتأخرين البطلان، لتوقف الصحة على بقاء الإذن الموقوف على عدمها
لكن الظاهر إرادة التوقف على الإجازة من البطلان، إذ لا وجه له معها فيصحان معا
لو أجيزا، وإلا فالمجار منهما، لعدم استناد الصحة حينئذ إلى الإذن بل إليها وفيه

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى الحديث 11
باختلاف يسير
262

أنه يمكن القول بالصحة من دون توقف على إجازة بل به جزم الكركي لأن الإذن
مقارنة لتمام العقد، فالانتقال وانقطاع الإذن قد ترتبا معا على تمام العقد ترتبا ذاتيا، ولا
يعتبر في الإذن أزيد من ذلك فتأمل جيدا.
وإن علم السبق واشتبه السابق، وقد حصل الرد من أحدهما فالقرعة، ولو
كانا وكيلين صح العقدان على كل حال، بناء على عدم انقطاعها بالخروج عن الملك
وفي شرح الأستاذ (إلا مع قرينة التقييد، فلو عقد على أنه عبد مأذون فظهر حرا، أو
ملكا لغير الإذن بطل عقده على نحو ما تقدم، ولو كان وكيلا صح ولو توكل على أنه
حر فعقد فظهر عبدا لغير موكله، بطل، ومع الإجازة من مولاه تقوى الصحة كما لو
ظهر عبدا لموكله.
وفيه سؤال الفرق بين الإذن والوكالة، ولو أذن له ثم باعه فعاد إليه لم تعد إذنه
على الأقوى، كما لو حرر فعاد ملكا له، والزوجة والخادم والشريك المأذونون تزول
الإذن عنهم بزوال الصفات ولا تعود، لو عادت، على الأقوى) وهو جيد على الفرق بين
الإذن والوكالة، وفيه بحث، وعليه فلو كان أحد العبدين وكيلا والآخر مأذونا صح
شراء الوكيل مطلقا، وأما المأذون فإن تقدم شراؤه صح، وإلا كان موقوفا على
الإجازة والله أعلم.
المسألة (الثانية عشر من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح) قطعا أو بمنزلته،
وإلا فلو سرقت من أرض الحرب مع احتمال كونها من أهل الحرب أو منهم ولو في غير
أرضهم، فللسارق، بل في شرح الأستاذ أنها لو سرقت من كافر في غير تلك الأرض، ولا يعلم حاله
أو بين الحدين ولا يعلم حاله احتمل عدم العصمة وثبوتها وهو الأقوى، وإن كان فيه أن ما ذكره
احتمالا هو الأقوى على الظاهر، (و) على كل حال ففي مفروض المسألة (كان له ردها على
263

البايع واستعادة الثمن ولو مات أخذ من وارثه ولو لم يخلف وارثا استسعيت في ثمنها) على
ما رواه مسكين السمان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام (سألته عن رجل اشترى جارية سرقت من أرض
الصلح فقال فليردها على الذي اشتراها منه، ولا يقربها إن قدر عليه، أو كان مؤسرا
قلت جعلت فداك إنه مات ومات عقبه قال: فليستسعها) واو فيه بمعنى الواو أي لا يقرب
الجارية باستسعاء إن قدر على البايع وكان مؤسرا، ويحتمل أن يكون المراد أو كان
المشتري موسرا أي لا يقربها مع أحد الأمرين، إلا أنه مع قصوره سندا ولا جابر مخالف
للقواعد الشرعية بالرد إلى البايع الذي هو ليس مالكا ولا وليه ولا وكيله، بل ربما كان
هو الظالم السارق، وباستسعاء مال الغير فيما لم يصل إليه وهو ظلم فوق ظلم.
وزاد في شرح الأستاذ مخالفته باطلاق ما دل فيه على رد الثمن، مع أنه لا يتم بناء
على عدم الرجوع به مع تلفه وعلم المشتري، وبترتيب الاستسعاء على موت الوارث
وعقبه - من غير اعتبار لفقد باقي الورثة وعدمه، وبقاء مال للميت وعدمه، وبأن ظاهره أنه
إن لم يكن قادرا على البايع أو الرد عليه وكان البايع معسرا، أو المشتري على اختلاف
الوجهين فلا رد، ويكون له عوض الثمن، وإن كان يمكن دفع ما ذكره جميعا، بل بعضه
واضح الدفع. فالعمدة حينئذ الأولان اللذان اقتصر عليهما الأصحاب.
لكن في الدروس (والأقرب المروي تنزيلا على أن البايع مكلف بردها إلى أهلها
إما لأنه السارق، أو لأنه ترتبت يده عليها، أي فهو أقدم، وخطابه بالرد ألزم خصوصا
مع بعد دار الكفر واستسعاؤها جمعا بين حق المشتري. وحق صاحبها، والأصل فيه أن
مال الحربي فيئ في الحقيقة، وفيه أن ذلك يصلح أن يكون تقريبا للنص الجامع
لشرائط الحجية لا أنه به يكون موافقا للقواعد، ضرورة عدم اقتضاء سرقته، وترتب

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
264

يده، وخطابه بالرد جواز تمكينه من مال الغير بعد الوصول إلى يد غيره الذي صار
مخاطبا بالرد، ومع الاحتياج إلى المؤنة يلتزم بها السارق.
نعم قد يحتمل ذلك في خصوص ما لو كانت في يد البايع أمانة شرعية، كما أنه
لا معنى للجمع بين حق المشتري والمالك بذلك، بعد أن لم يكن حق له عليه،
إذ لا تزر وازرة وزر أخرى (1) والمحترم بالعارض كالمحترم بالأصل، كما هو
واضح (و) من هنا (قيل) كما عن الحلبي أنها (تكون بمنزلة اللقطة)
والموجود في السرائر بعد ذكر الخبر السابق (كيف تستسعى هذا الجارية بعير إذن
صاحبها، وكيف تعتق ولا على ذلك دليل، وقد قدمنا أنها ملك الغير، والأولى أن تكون
بمنزلة اللقطة، بل يرفع خبرها إلى حاكم المسلمين ويجتهد على ردها على من سرقت
منه، فهو الناظر في أمثال ذلك، ولعله يريد ما ذكره المصنف بقوله (ولو قيل تسلم
إلى الحاكم ولا تستسعى كان أشبه) بأصول المذهب وقواعده واختاره جماعة ممن
تأخر عنه بل في الرياض (نسبته إلى كثير من المتأخرين) لكن في الرياض (إن ذلك بعد
تعذر الرد على المالك ووكيله، وقال يمكن تنزيل الاطلاق عليه، لغلبة بعد دار
الكفر، ووجهه حينئذ واضح).
قلت: هو كذلك بعد أن تكون من مجهول المالك في يده، بل قد يقال: بجواز
تسليمها له قبل وصولها حد مجهول المالك كما هو صريح شيخنا في شرحه، باعتبار أنه
ولي الغائب فيبحث حينئذ هو عن صاحبها ويردها إليه وإلا وضعها في بيت المال أو تصدق بها
عن صاحبها من دون شرط الضمان أو مع نيته من بيت المال أو من البايع أو من المشتري

(1) سورة النجم الآية 37
265

أو وكيلهما، وإن كان قراره على الغار والظالم. وعدم وصول العوض لا ينافي التعبد
ومؤونة الرد على البايع، قيل أو المشتري إن لم يكن مغرورا، وإلا فعلى الغار كساير
الغرامات، وفيه أنه يمكن التشريك بينهما فيهما مع عدم الغرور، وكذا قيل إن النفقة
لو أدخلها في بيت المال من كسبها أو منه ونفقة مدة البقاء لو قبضها عن الفقراء من كسبها
أو منهم، ولو قبضها لصاحبها فالنفقة عليه، وفيه أنه يقوى كون النفقة في الأخير
على الظالم.
وكيف كان فظاهر من قال بالدفع إلى الحاكم إن ذلك لأنه ولي عن الغائب،
لا أنه لكون الجارية للإمام الذي هو وارث من لا وارث له، وهو نائب عنه، كما عن
الأردبيلي، إذ ليس في شئ من النص والفتوى ما يشهد بذلك، والموت في الرواية
لغير المالك قطعا، كما هو واضح.
ثم إنه على العمل بالخبر المزبور ينبغي الاقتصار فيه على مضمونه ولا يتعدى منه
إلى غيره حتى بالنسبة إلى خصوص الجارية فلا يتعدى إلى غيرها من الأموال الصامتة
والناطقة وخصوص أرض الصلح ولا يلحق بهم غيرهم من محترمي المال، بل لا يبعد
الاقتصار على كون المشتري رجلا، وبالجملة متى قام احتمال الفرق وجب العمل على مقتضى
القواعد والضوابط، أوجب الله لنا كتابة ذلك في صحائف الحسنات وأقالنا من موبقات
العثرات بحق خير خلقه محمد وأهل بيته السادة الهداة.
تم المجلد الثاني من العقود بعون الله الرؤف الودود ويتلوه في المجلد
الثالث السلف نرجو من الله التوفيق لاتمامه
والعفو عما سلف والحمد لله
266

(الفصل العاشر)
من فصول كتاب التجارة (في السلف والنظر فيه يستدعي مقاصد)
(الأول) في حقيقة (السلف) بفتح السين واللام الذي هو مرادف للفظ السلف
قال في مختصر النهاية السلف السلم، وفي المجمل بالعكس، وزاد والسلم معروف
كما أنه في الأول عطف القرض عليه، ولعل اشتراكهما لفظا فيه لاشتراكهما في أن
كلا منها اثبات مال في الذمة بمبذول في الحال والأمر سهل، وعلى كل حال فالظاهر
جريان البحث السابق في لفظ البيع أنه اسم للعقد أو النقل والانتقال أو غير ذلك من
الاحتمالات السابقة في لفظه أيضا، فقول المصنف هنا (هو ابتياع مال مضمون إلى
أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه) مما يؤيد كون لفظ البيع عنده للانتقال المرا
من الابتياع هنا، لا خصوص الشراء.
كما أنه في الدروس عرفهما معا بالعقد، وانسياق الكلي في الذمة من المضمون
خصوصا بعد قوله إلى أجل معلوم، أغنى عن ذكر ما يحترز به عن المبيع المضمون
قبل القبض، فلا وجه لما في التنقيح، كما أن ذكر اشتراط المعلومية في المبيع والثمن
سابقا ولاحقا أغنى عن ذكر ذلك في التعريف، وأخرج بقوله بمال حاضر أو في حكمه
النسيئة لعدم اعتبار ذلك فيها، إذا المراد بالحاضر المشخص الموجود في مجلس العقد
والذي في حكمه المقبوض قبل التفرق وإن لم يكن موجودا في مجلس العقد، أو يراد
بالحاضر المشخص، وما في حكمه الكلي في الذمة المدفوع قبل التفرق، أو الدين
الذي في ذمته بناء على جواز جعله ثمنا للسلم، أو نحو ذلك مما لم يعتبر في النسيئة
قطعا، وأما اعتبار الأجل فيه فهو المشهور على الظاهر، وقيل بجوازه حالا، وستعرف
تحقيق الحال فيه، وكان المناسب ممن يقول بعدم اعتباره فيه كالشهيد في الدروس
267

عدم أخذه في التعريف.
وكيف كان فقد أجمع المسلمون على جوازه، كما أن السنة قد تواترت فيه
بل عن ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه، أي
في قوله (1) (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) (و)
لعله لعموم اللفظ، نعم هو نوع من البيع قطعا فلا بد فيه من ايجاب وقبول، بل
(ينعقد بلفظ أسلمت) إليك (أو أسلفت) - ك كذا في كذا إلى كذا من المشتري،
فيقول المسلم إليه أي البايع قبلت وشبهه، بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع عليه
ولا يقدح كون الايجاب فيه من المشتري والقبول من البايع إذ ذلك من جملة أحكامه
التي اختص بها عن باقي أفراد البيع وشارك الصلح بها بل الايجاب بهذا اللفظ مختص
بالمشتري، ضرورة عدم تعقل معناهما من غيره، كما صرح به في جامع المقاصد
(و) قد ألحق بهما المصنف والفاضل في القواعد جميع (ما أدى معنى
ذلك) وظاهرهما جواز العقد به وإن كان مجازا، وفيه بحث ليس ذا محله، والأولى
الاقتصار عليهما، وسلفت في ايجاب المشتري، وأما سلم فقد قيل إن الفقهاء لم يستعملوه
ومنه ينقدح الشك في العقد به، إذ الواجب الاقتصار على المتقين فيما خالف أصالة
عدم النقل وآية (2) (أوفوا بالعقود) غير مراد منها العموم قطعا وإلا لكان الخارج
أضعاف الداخل، بل لا يبعد كون المراد منها الأمر بالوفاء بعقد البيع، وعقد الإجارة
وغيرهما، لا أن البيع مثلا ينعقد بكل لفظ، ولتمام الكلام محل آخر هذا كله في الايجاب
من المسلم أي المشتري.

(1) سورة البقرة آية 282
(2) المائدة الآية 1
268

(و) أما الايجاب من البايع فيقع (بلفظ البيع) فإذا قال المسلم إليه أي
البايع بعتك كذا، وصفته كذا إلى أجل كذا، بثمن كذا، وقال المشتري: قبلت ودفع
الثمن في المجلس انعقد سلما، لا بيعا مجردا عن كونه سلما، ولا تجوز فيه على حسب
باقي استعمال العام في الخاص، ومنه يعلم حينئذ عدم اعتبار قصد السلمية في صيرورته
سلما. بعد أن كان مورده متشخصا في نفسه، إذ ظاهر النص والفتوى تحقق مسماه
بذلك من دون اعتبار آخر بل قد يقال: إنه لا يقدح قصد غير السلمية في تحقيق
كونه سلما فضلا عن عدم القصد وإن أقصاه الغلط في القصد بعد أن كان ذلك وظيفة الشارع
ضرورة أن مرجعه إلى اثبات أحكام شرعية، كالقبض في المجلس ونحوه على هذا الموضوع
الخاص، فقصد عدمها كالمعارضة للشارع ولئن فرض كونه تشريعا على وجه لا يريد أن النقل
والانتقال إلا على هذا التقدير لم يبعد القول بالبطلان فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فما عن بعض الشافعية من أن ذلك بيع لا سلم فلا يجب القبض
في المجلس وغيره من أحكامه نظرا إلى كون الايجاب بلفظ البيع فواضح الفساد،
إذ مع كون الأولى النظر إلى المعاني لا تنافي هنا بين اللفظ والمعنى، ضرورة كون السلم
نوعا من البيع، فليس في لفظ البيع ما يقتضي كونه غير سلم، حتى يحتاج إلى ترجيح
النظر إلى اللفظ على المعنى، كما سمعته عن بعض الشافعية، أو العكس كما في قواعد
الفاضل، فمعنى السلم حينئذ لا معارض له، أقصاه عدم وجود اللفظ المخصوص كما هو واضح،
وكذا يقع بلفظ استلفت واستلمت، وتسلفت وتسلمت، بناء على جواز سلم فيقول
المسلم: قبلت ونحوه.
(و) أما عقده بلفظ (الشراء) الذي ليس بمعنى البيع، فالظاهر كونه من
269

السلم قال في التذكرة: (ولو أسلم بلفظ الشراء فقال: اشتريت منك ثوبا أو طعاما
صفته كذا إلى كذا بهذه الدراهم، فقال: بعته منك انعقد)، قلت: لكن فيه تقديم
القبول على الايجاب، أما لو قال قبلت ونحوه فقد يقال بصحته هنا، بناء على ما سمعته
من اختصاص السلم بجواز كون الايجاب من المشتري، والقبول من البايع، فيكون
حينئذ هذا منه. (و) كيف كان ف‍ (هل ينعقد البيع) الذي ليس بسلم (بلفظ
السلم كان يقول: أسلمت إليك هذا الدينار في هذا الكتاب، الأشبه نعم) عند المصنف
والفاضل والكركي والشهيدين، بل قال ثانيهما أنه مذهب الأكثر (اعتبارا
بقصد المتعاقدين) وإن لم يكن اللفظ حقيقة فيه، وفي التحرير كما عن الايضاح
التوقف فيه.
قلت: تفصيل القول في ذلك أن النزاع إن كان في قيام صيغة أسلمت مقام بعت
كالعكس فمحله في صيغة البيع، ولعل التحقيق عدم الجواز، لأنه مجاز بخلاف
العكس، فإنه حقيقة مع عدم قصد الخصوصية، إذ السلم نوع من البيع، فاستعمال
صيغة البيع فيه استعمال للفظ فيما وضع له، أقصاه أن لهذا الفرد من البيع أحكاما
خاصة، أما استعمال صيغة أسلمت مرادا منها معنى بعت المجردة عن السلم، فإن جاز
فإنما هو مجاز، والاحتياط في العقود اللازمة باعتبار الاقتصار فيها على المتقين من
العقود في النقل الذي مقتضى الأصل خلافه يقتضي عدمه. ومن هنا قال في المسالك:
أن القول بالعدم لا يخلو من قوة.
ودعوى - أن البيع يصح بكل ما أدى ذلك المعنى المخصوص، والسلم نوع
منه اعتبره الشارع في نقل الملك فجاز استعماله في الجنس مجازا تابعا للقصد - واضحة
المصادرة، كدعوى أنه إذا جاز استعماله لما في الذمة المحتمل للغرر، كان مع
المشاهدة أدخل، لأنه أبعد من الغرر، إذ مع المشاهدة يحصل العلم أكثر من الوصف
270

والحلول يتيقن معه امكان التسليم والانتفاع، بخلاف الأجل فكان أولى بالصحة،
إذ هي أوضح من الأولى بطلانا، كالقول بأن البيع ينعقد بملكتك كذا بكذا، ولا ريب
إن السلم أقرب إلى حقيقة البيع من التمليك المستعمل استعمالا شايعا في الهبة،
فإذا انعقد بالأبعد لتأدية المعنى المراد، فالأقرب إذا أداه أولى، إذ فيه بعد امكان
الفرق منع الانعقاد به على تقدير المجازية هذا.
ولتحقيق المسألة مقام آخر إلا أن المتجه على تقدير كون المراد من النزاع
هنا ذلك أن يكون المقال أسلمت هذا الكتاب في هذا الدينار حتى يكون النقد
ثمنا كما هو الغالب، وبه مثل في القواعد، اللهم إلا أن يكون مراده انعقاد البيع بعقد
السلم، بمعنى أن عقد السلم بكيفية يصح عقد البيع به فيقول المشتري حينئذ أسلمت
إليك هذا الدينار في هذا الكتاب فيقول البايع: قبلت فينعقد بيعا باعتبار أن مورده
العين التي لا يصح السلم فيها، وربما يومي إليه ما في المسالك من تفسير ما في المتن
أي قال ذلك المشتري فيكون ذلك على نهج السلم من كون المسلم الثمن والمسلم
فيه هو المبيع وهذا وإن كان يناسب وضعه في هذا الباب إلا أن الأصح العدم فيه إذ لا
يخلو من أن يكون للعاقد قصد في هذا العقد السلم ولو للجهل منه بأنه (1) (يصح)
أن يكون مورده العين، فيصح حينئذ بيعا قهرا عليه لعدم مدخلية قصد الخصوصيات
ضرورة أن من قصد الصرف مثلا في غير مورده لا يبطل كونه بيعا وربما أومى إلى ذلك
قولهم يشترط كون المسلم فيه دينا فلا ينعقد في عين نعم ينعقد بيعا أو يكون قد قصد
البيع في ذلك من الأول الأمر.
وعلى كل حال فهو باطل إذ مرجع الأول إلى الغلط الذي لا يصلح لأن يكون
عقدا إذ ليس هو من الحقيقة والمجاز وقصد الصرف في مورد غيره أمر خارج لا يورث

(1) هكذا في النسخة المصححة، لكن الصحيح (لا يصح) كما هو واضح
271

استعمالا للفظ، لعدم جعل الشارع إياه قسما مستقلا له صيغة تخصه، ومرجع الثاني
إلى استعمال عقد السلم في البيع، ولا دليل على صحة عقد غيره به، سيما إذا كان بكيفية
وقوع الايجاب فيه من المشتري والقبول من البايع الذي لا يصح في غير السلم من
البيع، هذا وفي القواعد بعد أن ذكر أن الأقرب انعقاد البيع بلفظ السلم قال: (وكذا
لو قال: بعتك بلا ثمن أو على أن لا ثمن عليك فقال: قبلت ففي انعقاده هبة نظر، ينشأ
من الالتفات إلى المعنى واختلال اللفظ، وهل يكون مضمونا على القابض فيه اشكال
ينشأ من كون البيع الفاسد مضمونا، ودلالة لفظه على اسقاطه، ولو قال: بعتك ولم يتعرض
للثمن فإنه لا يكون تمليكا ويجب الضمان).
ونحوه في التذكرة (وفيه أن التنافي يندفع إذا عدل باللفظ عن مدلوله إلى معنى آخر
لا يكون سببه التنافي، لأن هذا غير كاف في الصحة، وإلا فلا يبطل شئ من العقود المشتملة
على ما ينافيها، لوجود المندوحة في المعدول به إلا ما لا ينافي، والأولى جعل منشأ
النظر وجود لفظ البيع المقتضي للثمن، ووجود المنافي لصحته وهو اشتراط عدم الثمن
فيكون بيعا فاسدا، ومن أن التقييد بعدم الثمن قرينة على أراد الهبة من لفظ البيع
لأن الهبة هي التمليك بغير عوض، فهو مساو لها في المعنى) وفيه (أن عقد الهبة وإن
كانت من الجايز إلا أن عقدها بمثل ذلك محل نظر أو منع)
ومنه يعلم ما في المحكي عن بعضهم من أن المدار في ذلك على القصد، فإن قصد
الهبة صح وإن قصد البيع. بطل بل وما عن حواشي الشهيد من أن ذلك مبني على أن العقود
توقيفية أو اصطلاحية، فعلى الأول لا يصح، لأن البيع لا بد فيه من العوض، وانتفاء
الجهالة، وعلى الثاني يصح، إذ من الواضح أن الثاني ليس قولا لأحد منا، بل ولا احتمالا،
وأما الضمان فهو المتجه بناء على أنه بيع فاسد، ضرورة كون المنع في العبارة على
272

تقدير صحة هذا العقد فمع عدمها يبقى ما دل عليه من عموم (على اليد) وغيره سالما
اللهم إلا أن يقال إن ذلك هبة فاسدة (وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده) وهو لا يخلو
من وجه بناء على أنه قصد بذلك الهبة فتأمل جيدا والله أعلم.
(و) على كل حال ف‍ (يجوز اسلاف الاعراض في الاعراض إذا اختلفت)
أو اتفقت ولم تكن مقدرة بأحد الأمرين أو الثلاثة لاطلاق الأدلة وفي خبر وهب (1)
(لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن) والمناقشة في سنده يدفعها
الانجبار بالشهرة العظيمة، بل في المختلف عن المرتضى الاجماع عليه، وأنه قال: يجوز
عندنا أن يكون رأس المال في السلم غير ثمن من ساير المكيلات والموزونات ويجوز أن
يسلم المكيل في الموزون، والموزون في المكيل ليختلف جنساهما، وما أظن في ذلك
خلافا بين الفقهاء، فما عن ابن أبي عقيل من أنه لا يجوز السلم إلا بالعين والورق ولا يجوز
بالمتاع واضح البطلان، وكالمحكي عن أبي على من أنه لا يسلم في نوع من المأكول
نوعا منه إذا اتفق جنساهما في الكيل والوزن والعدد وإن اختلفت أسماؤها كالسمن
في الزيت لأنه كالصرف نسيئة وإن كان قد يوهمه صحيح عبد الله بن سنان (2) عن
الصادق عليه السلام (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أسلف رجلا زيتا على أن يأخذ سمنا
قال: لا يصلح، كحسنه (3) (سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا ينبغي اسلاف السمن
بالزيت، والزيت بالسمن) إلا أن الظاهر إرادة الكراهة منهما، وأوضح من ذلك فسادا
ما حكي عنه أيضا لا اختار أن يكون ثمن السلم فرجا يوطأ، لأنه قد يتطرق الفسخ

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب السلف الحديث 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب السلف الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب السلف الحديث 2 - 3
273

إلى العقد، بسبب تعذر المسلم فيه فيصادف الفسخ الحبل، وهو يوجب انتقال أم الولد
إذ هو كما ترى.
(و) أما اسلاف الاعراض (في الأثمان) فقد نص عليه غير واحد لاطلاق
الأدلة خلافا لأبي حنيفة فلا يجوز، لأنها لا تثبت في الذمة إلا ثمنا فلا تكون مثمنة،
وفيه منع واضح، إذ لا ريب في جواز بيع الذهب والفضة بهما، اللهم إلا أن يريد
إذا كان أحد المقابلين عرضا، وفيه منع واضح أيضا، (و) في خبر غياث (1) (عن
جعفر عن أبيه عليه السلام قال: لا بأس بالسلف في الفلوس) فالحق أنه يجوز كجواز
(اسلاف الأثمان في الاعراض) الذي لا خلاف فيه بيننا بل (و) لا بين المسلمين
نعم (لا يجوز اسلاف الأثمان في الأثمان ولو اختلفا) لا لأن التقابض شرط، إذ يمكن
فرض حصوله بقصر الأجل في المسلم فيه ونحوه، بل لظهور النصوص (2) المتقدمة
سابقا في عدم جواز الأجل في النقدين إذا بيع أحدهما في الآخر، وأنه لا بد من
الحلول في بيعهما والتقابض في المجلس، كما أوضحناه سابقا، فتوقف ثاني الشهيدين
فيه هنا في غير محله، هذا كله بناء على اشتراط الأجل في السلم، وإلا جاز
اسلافها فيها مع التقابض، وجاز اسلاف الربويات بعضها في بعض كما هو واضح،
والله أعلم.
المقصد * (الثاني في شرائطه) *
الزايدة على شرايط البيع (و) قد قيل (هي ستة الأول والثاني. ذكر
الجنس) أي الحقيقة النوعية كما سمعته في الربا (والوصف) المائز بين أفراد ذلك

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب السلف في ذيل الحديث 12
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب الصرف
274

النوع. وقد يستغنى به عن ذكر الجنس، لكن قد يناقش في ذلك بأنه غير خاص في
السلم، ضرورة كون المدرك في ذلك رفع الجهالة التي لا فرق في اعتبار رفعها بين
السلم وغيره، (و) من هنا قال المصنف وغيره: (الضابط) فيه (أن كلما يختلف
لأجله الثمن) اختلافا لا يتسامح بمثله في السلم (فذكره لازم) والمرجع في ذلك
إلى العرف، ضرورة أنه ربما يكون العامي أعرف من الفقيه في ذلك، ولذا كان حظ
الفقيه منها الاجمال، وستسمع تعرض جملة من الأصحاب إلى جملة منها، وإن
أوكلوا الأمر فيه أيضا إلى ما عرفت، كما أن المرجع إليه أيضا في معرفة الوصف
الذي يحصل الجهالة بترك التعرض له وغيره، فإن كثيرا من الأوصاف تخلف الثمن
بها اختلافا لا يتسامح فيه، لكن لا جهالة في عدم التعرض لها، وإنما ينص عليها من له
غرض خاص فيها، وإلا فلا.
وكان اطلاق المصنف اتكالا على قوله (ولا يطلب في الوصف الغاية، بل
يقتصر على ما يتناوله الاسم) بناء على أن المراد منه عدم وجوب الاستقصاء في
الوصف، بل يجوز الاقتصار منه على ما يتناوله اسم الموصوف بالوصف الذي يزيل
اختلاف أثمان الأفراد الداخلة في العين، إذ مرجعه حينئذ إلى العرف، وعلى ذلك
فإن استقصى كذلك ووجد الموضوع صح السلم، وإن عز وجوده بطل، فعلى هذا
النهي والأمر الواقعان في العبارة قد يكونان على وجه المنع واللزوم، كما إذا
استلزم الاستقصاء عزة الوجود، وقد يكونان على وجه نفي اللزوم والجواز كما إذا
لم يستلزم ذلك.
ومن هنا قيل أنها أحسن من عبارة القواعد، حيث يجوز، فجمع بين الفردين
المختلفين في الصحة وعدمها، (فقال: ولا يجب في الأوصاف الاستقصاء لعسر الوجود،)
275

إذ التعليل بعسر الوجود لعدم الجواز، لا لعدم الوجوب كما قد عرفت، ويمكن أن يراد
مما في المتن أنه لا يجب أن يطلب في الوصف الغاية، بل يقتصر على ما يتناوله
اسم الوصف، فيكتفى حينئذ في وصف الحنطة مثلا بالحمراء، ولا يطلب الغاية في
الاحمرار، وهو وإن كان ألصق بقوله بل يقتصر إلى آخره، لكنه فيه أولا أنه لا يجوز
الاقتصار على اسم الوصف مع فرض اختلاف أفراده بما لا يتسامح فيه، ويؤدي تركه
إلى الجهالة، وثانيا لا تكون العبارة عامة، للمعروف من الأصحاب هنا النص عليه من
المبالغة في كثرة الأوصاف، فلا ريب في أن حمل العبارة على الأول الذي هو أعم من
ذلك أولى، ولا ينافيه الاضراب بناء على ما عرفت.
نعم لولاه لأمكن حمل النهي في العبارة على حقيقته، على معنى أنه لا يفعل
ذلك بحيث يؤدي إلى عزة الوجود، لبطلان السلم فيه حينئذ لما ستعرف من اشتراط
كون وجوده غالبا، مع احتمال أن يقال فيه أن المراد من الأمر بالاقتصار، بيان
ابتداء الرخصة في جواز ذلك، حتى ينتهي إلى الوصف المؤدي إلى عزة الوجود،
والأمر في ذلك سهل بعد وضوح كون المراد على كل حال بيان جواز السلم في غير
عزيز الوجود، والمنع فيه، بل قيل إنه لا خلاف فيه، بل ربما ادعى الاجماع عليه
بل قيل إنه الدليل له، مضافا إلى التعليل بأن عقد السلف مبني على الغرر، لأنه
بيع ما ليس بمرئى، فإذا كان عزيز الوجود كان مع الغرر مؤديا إلى التنازع والفسخ
فكان منافيا للمطلوب من السلف، وإن كان هو كما ترى.
وعن الإيضاح توجيهه بأنه لما جل جناب الحق جل شأنه عن التكليف بما لا يطاق
واقتضت حكمته البالغة عدم خرق العادات غالبا بمجرد ما يرد على العبد من متناقض الإرادات
أبطل السلم فيما يؤدي إلى أحدهما قطعا، وما تجد أداؤه تجدد بطلانه، قال: فظهر من ذلك
276

أن ما يعز وجوده لا يصح السلم فيه، وبقي ما لا يعز، لكن وجوده اقلى في الأغلب لاستقصاء الصفات
والأقرب فيه الصحة. لعدم استلزامه المحال، مع امكانه في نفسه، وجواز ثبوته في الذمة
ولوجود المقتضي وهو عقد البيع، وانتفاء المانع: وهو عزة الوجود، وفي التذكرة (قد بينا
إن الاستقصاء في ذكر الأوصاف المخرج إلى عزة الوجود وعسر التحصيل مبطل للسلم،
لما فيه من تعذر التسليم الذي هو مانع من صحة البيع، (إلى أن قال) والضابط عزة الوجود
وتعذره يبطل معه، ويصح بدونه)
قلت ومن ذلك يعلم أن المراد بعزيز الوجود ممتنعه، وبطلان السلم فيه حينئذ
واضح - وصحيح عبد الرحمن (1) وغيره دال عليه، مضافا إلى معلومية اشتراط القدرة على
التسليم، بل الظاهر بطلان غير السلم فيه من المعاوضات، كجعله ثمن مبيع ونحوه، بل
لا يبعد الحاق الندرة التي تعد المعاملة معها سفها به. نعم لا بأس بها إذا لم تكن كذلك
وإن حصلت المشقة معها، كما نص عليه في القواعد والدروس وغيرهما، وتسمع تمام
الكلام في ذلك في اشتراط غلبة الوجود، بناء على أن المنع في عزيز الوجود يؤول إلى
فقدان هذا الشرط، لا أنه شرط آخر فتأمل جيدا والله أعلم.
(ويجوز اشتراط الجيد والردي) بلا خلاف، للاطلاق السالم عن المعارض من
عزة الوجود وغيرها، بل قد يقال بكونهما من الأوصاف التي يتوقف رفع الجهالة
على ذكرهما، ومن هنا حكى عن المبسوط والتذكرة وجوب التعرض لهما، بل في
التحرير الاجماع واقع على ذكر الجودة، وفي الدروس قيل يجب ذكر الجودة
والرداءة بالاجماع، وإن قال فيه نظر ولعله كذلك ولو بالنسبة إلى البعض (و)
على كل حال فلا ريب في جواز ذكرهما. نعم (لو شرط الأجود لم يصح لتعذره)

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 3
277

بلا خلاف أجده، بل في التذكرة اجماعا، وفي الروضة أنه موضع وفاق، لعدم تناهي
مراتبهما، وعلى كل تقدير فهو غير معلوم، لكن في التذكرة بعد دعوى الوفاق المزبور
قال: (فيه اشكال لامكان ضبطه في بعض الأمتعة كالطعام، فإنه قد يتناهى جودته)
قلت: لا ريب في جوازه مع هذا الفرض وأنه لا يؤدي إلى عزة الوجود، بل
ينبغي الجواز أيضا مع إرادة ما يصدق عليه أنه من الأجود عرفا، لا المرتبة التي ليس
فوقها أجود منها، وكأنه إلى ذلك نظر الأردبيلي وصاحب الكفاية فيما حكى عنهما من
احتمال الجواز، كما أن نظر الأصحاب لإرادة حقيقة اللفظ لغة، فيتجه المنع حينئذ
(وكذا لو شرط الأردى) فإنه ما من ردي إلا وهناك أردى منه. ويأتي فيه
ما سمعت.
بل قال المصنف: (ولو قيل في هذا بالجواز لكان حسنا لامكان التخلص)
بدفع الردي، لأنه إن كان هو الأردى، فهو عين الحق وإلا زاده خيرا ويجب عليه القبول
لأنه وفاء وزيادة، كما يومي إليه النصوص في باب القرض (1) بل عدته من حسن
القضاء، وأنه من الفضل الذي قد نهينا عن نسيانه (2) بل في التحرير والإرشاد الحكم
بالصحة، وحكاه في التذكرة قولا لبعض أصحابنا،، وإن كنت لم أجده لأحد قبله، بل
هو قد استشكل في القواعد، وحكم بالبطلان في التذكرة، كالشيخ وفخر المحققين
والشهيدين والكركي وغيرهم، لعدم الضبط، ووجوب قبض الجيد عنه لو دفع لا يصيره
مضبوطا عند العقد، لأنه ليس من أفراده، على أنه إذا امتنع من الأداء لم يتمكن
الحاكم من اجباره. لعدم ضبط الأردى، وعدم استحقاق غيره عليه، (و) التحقيق

(1) الوسائل الباب 19 و 20 من أبواب القرض وباب 12 من أبواب الصرف
(2) سورة البقرة الآية 237
278

ما سمعته في الأجود، فتأمل جيدا.
ثم إنه (لا بد) مع ذلك (أن تكون العبارة الدالة على الوصف معلومة بين
المتعاقدين ظاهرة في) العرف أو (اللغة حتى يمكن استعلامها عند اختلافهما)،
فلو جهلاها أو أحدهما بطل، ولا يكفي الإحالة على المراد لغة أو عرفا. ضرورة عدم
صدق ارتفاع الجهالة بذلك، بعد ظهور ما دل على شرطيته فيما بين المتعاقدين، و
والمراد بظهورها في العرف أو اللغة معروفية اتصاف العين بالوصف المشترط في
أحدهما: كي يحصل به قطع النزاع لو حصل، ولعله لذا قال في القواعد (الصفات
إن لم تكن مشهورة عند الناس لقلة معرفتها كالأدوية والعقاقير، أو لغرابة لفظها،
فلا بد أن يعرفها المتعاقدان وغيرهما، وهل تعتبر الاستفاضة أم يكفي معرفة عدلين؟
الأقرب الثاني)، كما عن الإيضاح أيضا، بل في جامع المقاصد أن الأقرب الأول،
لامكان موت أحدهما أو غيبته، لكن قال: إن هذا أي ما ذكره المصنف لا يناسب ما
بنى عليه الباب من عدم الجواز فيما لا يعم وجوده، ويعز حصوله، وفي المسالك
(المراد بظهورها في اللغة كونها على وجه يمكن الرجوع إليها عند اختلافهما كما قيده،
وإنما يتم ذلك إذا كان مستفاضا، أو يشهد به عدلان.
وعلى كل حال فلو ذكرا وصفا لا يمكن معرفته وتحققه في أحدهما بطل السلم
فلا يجوز، ولعل من ذلك بعض الأوصاف التي يذكرها الأطباء من درجات الحرارة
أو البرودة ونحوهما، وكان المرجع في ذلك إما الجهالة عرفا أو ما يساويها في الأول
إلى النزاع الذي أراد الشارع حسم مادته بالعقود المعروفة، لا إثارته، بأن يشرع
منها ما يؤدي إليه مما نحن فيه وغيره، فتأمل جيدا، فإنه لا دليل واضح على اعتبار
ظهور العبارة في العرف واللغة بعد فرض المعلومية بينهما، واحتمال الاختلاف
279

يرجع فيه إلى قواعد التداعي، فما في المتن مجرد اعتبار. نعم لو كان المراد
ما يؤدي إلى المعلومية في المبيع اتجه حينئذ، أما الزائد على ذلك فلا دليل عليه
والله العالم.
(و) كيف كان فقد بان لك من ذلك كله أنه (إذا كان الشئ مما لا ينضبط
بالوصف) على وجه يرتفع جهالته ولا يؤدي إلى عزة وجوده (لم يصح السلم فيه) قطعا.
نعم قد يشك في بعض أفراده (كاللحم نيه ومشويه والخبز) وإن نفى الخلاف
في الرياض فيهما، بل حكى عن الغنية الاجماع عليه، فإنه ربما استشكل في الأول بأنه
لا فرق بين الحيوان ولحمه، وبينه وبين الشحم، فإذا جاز فيهما جاز في الآخر، وفي الثاني
بأن النصوص (1) قد جوزت قرضه، وأنه لا بأس بالتسامح فيه، ولو كان مما لا ينضبط
وصفه لم يجز قرضه مضمونا بمثله، وقد يجاب عن الأول بأن الشارع قد كشف عن عدم
ضبطه بالوصف. ففي خبر جابر (2) (سألت الباقر عليه السلام عن السلف في اللحم فقال:
لا تقربنه، فإنه يعطيك مرة السمين، ومرة التاوى، ومرة المهذولة، واشتر معاينة
يدا بيد. (بل قال أيضا) وسألته عن السلف في روايا الماء فقال: لا تقربنها فإنه يعطيك
مرة ناقصة، ومرة كاملة) اللهم إلا أن يحمل ذلك منه عليه السلام على الارشاد لعدم الوفاء
كما استظهره في الحدائق حاكيا عن بعض مشايخه. أنه حمله على الكراهة، لا أن مراده
عدم جواز السلم فيه، لعدم الانضباط بالوصف، وعن الثاني بالفرق بين القرض والسلم:
فإنه قد يتسامح في الأول بما لا يتسامع في الثاني، المبني على رفع الغرر والجهالة،
كما لا يخفى على من لاحظ أحكامهما معا، وما ورد فيهما من النصوص.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب السلف وباب 21 من أبواب الدين والقرض
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب السلف الحديث 1
280

وعلى كل حال فالأمر سهل بعد معرفة الضابط في الجواز والعدم، وإن
ما شك فيه فالاطلاقات تقتضي جوازه، لعدم تحقق الجهالة المانعة من الصحة إذ المناقشة
في الأمثلة ليست من دأب المحصلين، خصوصا بعد اختلاف حالها في الأمكنة
والأزمنة، وخصوصا بعد ملاحظة جواز بيع الشخص الموصوف بالأوصاف الرافعة
للجهالة عنه، ضرورة امكان فرض ذلك في الكلي على وجه لا يؤدي إلى عزة الوجود
كما هو واضح والله العالم.
(و) من ذلك السلم (في الجلود) وإن قال المصنف فيه (تردد)
ينشأ من عدم امكان ضبطها ومعرفتها على وجه ترتفع جهالتها، ولا يؤدي إلى عزة الوجود
إلا بالمشاهدة التي يخرج معها عن السلم، لشدة اختلاف قيمتها معها، بحيث لا يقوم
الوزن مقامها ولا غيره، ومن هنا كان المشهور نقلا وتحصيلا المنع، (وقيل) والقائل
الشيخ والقاضي فيما حكى عنهما: (يجوز مع المشاهدة التي تدفع المحذور السابق،
(وهو) وإن كان كذلك إلا أنه رده المصنف بأنه (خروج عن السلم) الذي
قد عرفت وجوب كونه كليا مضمونا في الذمة، وأجاب منه في المسالك بأنه إنما
يخرج مع تعيين المبيع، وكلام الشيخ أعم منه، فيمكن حمله على مشاهدة جملة
كثيرة يكون المسلم فيه داخلا في ضمنها، وهذا القدر لا يخرج عن السلم كما لو شرط
الثمرة من بلد معين، أو الغلة من قرية معينة لا تخيس عادة، إلا أنه قال بعد ذلك: والأجود
المنع للاختلاف، وعدم الانضباط.
وفيه أن الأجود الجواز بناء على ما ذكره، إذا جعل المسلم فيه كليا معلوما
مضمونا في الذمة، ثم اشتراط الأداء من المشاهد، وإلا فاشتراط الأداء من المشاهد
لا يرفع الجهالة عن المبيع الكلي، إذ هو ليس من أوصافه، لا أنه جعل المسلم فيه
واحدا منها، كما عساه يفهم من كلامه أولا، إذ هو إن صح كان على سبيل الإشاعة،
281

وهو خارج عن السلم، كخروج الكلي غير المضمون في الذمة عنه، أما الأول فلا -
اشكال في صحته، بل قيل: إن ظاهر الخبرين يقتضي الصحة مطلقا، قال في أحدهما (1)
(إني رجل قصاب أبيع المسوك قبل إن أذبح الغنم؟ فقال: ليس به بأس، ولكن
أنسبها إلى غنم أرض كذا وكذا) وفي الآخر (2) (رجل يشتري الجلود من القصاب،
فيعطيه كل يوم شيئا معلوما؟ قال: لا بأس به).
وإن كان فيه أنهما - مع ضعفهما وعدم الجابر بل الشهرة على خلافهما، بل الثاني
منهما غير دال على المطلوب، بل لا صراحة فيهما بالسلم - يمكن تنزيلهما على الصورة
الصحيحة، أو الشراء بصلح ونحوه أو غير ذلك، هذا، وقد يقال: بالصحة لو فرض امكان
المعلومية بمشاهدة أنموذج يرفع الجهالة، ولا يؤدي إلى عزة الوجود، ولعل مراد
الشيخ ذلك من المشاهدة التي حكم بالجواز معها، والله العالم.
(و) كيف كان فالمشهور كما عن الكفاية أنه (لا يجوز) السلم (في
النبل المعمول) للمانع المزبور، ضرورة كونها تجمع اخلاطا مقصودة، لأن فيها
خشبا، وعصبا، وريشا، بل قيل: إن الأقرب عدم جوازه في المنحوت منها لعدم
القدرة على معرفة تحتها، وتتفاضل في الثمن، وتتباين فيه، مع كونها مخروطة
خفيفة الأطراف، ثخينة الوسط، فلا يمكن ضبطها، قيل، وكذا القسي، وفيه أنه
يمكن فرض الضبط في العيدان على وجه يرتفع المانع المزبور، بل قد يدعى
ذلك في المعمول منها أيضا، بل والقسي، وأما غير المنحوت منها فلا ريب في جوازه،
لامكان الضبط الذي لا يقدح فيه ما لا يتفاوت به الثمن من الاختلاف، (و)

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب السلف الحديث 4
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب السلف الحديث 7
282

(و) من هنا قال المصنف: (يجوز في عيدانه قبل نحتها) نعم لا بد من التقدير بالعدد
أو الوزن والله أعلم.
(و) كذا (لا) يجوز (في الجواهر واللآلي لتعذر ضبطها) بحيث ترتفع
جهالتها (و) لا يؤدي إلى عزة الوجود ل‍ (تفاوت الأثمان مع اختلاف أوصافها)
بالحجم والوزن وغيرهما، لكن ظاهره كغيره ممن أطلق عدم الفرق في ذلك بين الكبار
والصغار، وما يراد منه للدواء وغيره، وهو لا يخلو من اشكال، إذ قد صرح بجوازه
في الصغار الشهيدان والكركي وغيرهم، بل في الدروس أن الأقرب جوازه في العقيق
وشبهه، من الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتا بينا، قيل: وضابط الصغار
من اللآلي كلما يباع بالوزن، فلا يلاحظ فيه الأوصاف الكثيرة عرفا، وعن بعضهم
تحديدها بما يطلب للتداوي دون التزين، أو ما يكون وزنه سدس دينار، والأولى
إناطة ذلك بالعرف.
(ولا) يجوز أيضا (في العقار والأرضين) للمانع المزبور، والأمر في ذلك
كله سهل بعد ما عرفت الضابط في الجواز والعدم، خصوصا بعد ما سمعت أن العامي
ربما يكون أعرف من الفقيه في ذلك، وإن أكثر الأصحاب في الأمثلة للجايز و
الممنوع، كما أكثروا في بيان الأوصاف للموصوفات، مع أنه أطلق في النصوص (1)
(أنه لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول والعرض،) ولا بأس به في
الحيوان إذا وصفت الأسنان) اتكالا على العرف، فكان الأولى بالأصحاب ذلك
أيضا، (و) لعل المقصود التنبيه اجمالا، فلا بأس بالتأسي بهم والاقتداء
بأنوارهم.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب السلف الحديث 1 - 3
283

فنقول قد عرفت أنه (يجوز السلم) في كل ما يمكن ضبطه بالوصف المعلوم
بين المتعاقدين وغيرهم، من غير تأدية إلى عزة الوجود، فلا اشكال حينئذ في جوازه
(في الخضر والفواكه، كذا كل ما تنبته الأرض، وفي البيض والجوز واللوز)
وغيرهما مما هو كذلك، لامكان ضبطها بالوصف المزبور الذي مرجعه عند التحقيق
إلى العرف، لكن في الدروس (أنه يذكر في الفواكه البلد والنوع، والطراوة أو ضدها
واللون إن اختلف، وفي الزبيب البلد والنوع والكبر أو الصغر، واللون إن اختلف
نوعه أو غيره، وفي التمر البلد والنوع، والكبر والصغر، والحداثة والعتاق، واللون
إن اختلف النوع، وفي الرطب ذلك كله إلا العتاقة، ويجب الفارق، ولو شرط المنصف
والمذنب لزم، وله الجاف من التمر والزبيب الخالي من الحثالة، ولا يجب تناهي
الجفاف، وفي الحنطة البلد والحداثة والعتق واللون، والكبر والصغر، والصرابة
وضدها، ولا يشترط ذكر حصاد عام أو عامين، وإن ذكره جاز، وفي الشعير ذلك كله)
قلت: وكذا غيرهما من الحبوب، لكن عن المبسوط أن جملة وصف الحنطة
ستة، إلا أنه أبدل الصرابة بالجودة والرداءة، وزاد المحمولة والمولدة، وتبعه في
التذكرة (يصف الحنطة بأمور ستة، البلد فيقول شامية أو عراقية، فإن أطلق حمل على ما
يقتضيه العرف إن اقتضى شيئا وإلا بطل، ويقال محمولة أو مولده يعني محمولة من
البلد التي تنسب إليه، أو تكون مولدة في غيره، ويذكر الحداثة والعتق، والجيد
والردي، واللون كالحمراء والبيضاء والصفراء إن اختلفت، وبالحدارة وهي امتلاء
الحب، والدقة وصفائه، ويذكر الصرابة أو ضدها: وينبغي أن يذكر القوي أو ضده،
(إلى أن قال) وكذا حكم كل صنف من الحبوب من أرز أو دخن أو شعير أو سلت)
وفي القواعد (أنه يذكر في البر وغيره من الحبوب البلد والحداثة، والعتق
284

والصرابة أو ضدها) وظاهره الاكتفاء في رفع الجهالة عرفا بالثلاثة، وأما الرطب فهو وإن كان
لا يكون عتيقا إلا أن له اشتراط لقطة يومه، أو أمسه، بل لعل حداثته وعتقه بذلك،
بل قد يقال بلزوم التعرض لذلك كما عن بعض الشافعية، لاختلاف الثمن والرغبة
باختلافهما اختلافا يؤدي عرفا إلى الجهالة بدونهما والله أعلم
(وفي الحيوان كله) غير الأناسي منه (والأناسي) لكن في الدروس (أنه
يذكر في الإبل السن والذكورة أو ضدها، واللون والصنف، كالعرابي والبخاتي
والنتاج إذا كان معروفا عام الوجود، وكالعبادي نسبته إلى عباد بالفتح، وهم قبائل شتى
من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة - وفي الخيل الذكورة والسن والنوع،
كالعربي والتركي واللون، وفي البقر والحمر، السن والنوع والذكورة واللون والبلد،
وفي الطير النوع واللون وكبر الجثة، لعدم العلم بسنه، وفي الرقيق الذكورة والنوع
واللون والسن والقد كالطويل والقصير والربعة. ولو قدره بالأشبار احتمل المنع.
لافضائه إلى عزة الوجود، ويحتمل وجوب ذكر الكحل والدعج والزجج وتكلثم
الوجه في الجارية وكونها خميصة ريافة الملمس، ثقيلة الردف، أو اضداد ذلك، لتفاوت
الثمن به، وعدم عزته، والأقرب وجوب تعيين البكارة والثيبوبة في الأمة، فلو أطلق بطل،
ولا يشترط ذكر الملاحة فلو ذكرها روعى العرف، ويحمل على أقل درجته، ويحتمل
البطلان لعدم انضباطها فإن مرجعها إلى الاستحسان والشهوة المختلفين باختلاف الطباع،
ولا يجب التعرض لآحاد الأعضاء لعدم تفاوت الثمن فيه بينا، وربما أدى إلى عزة الوجود)
وفي القواعد (أنه يذكر في الحيوان النوع واللون والذكورة والأنوثة والسن
وفي الأناسي زيادة القد كرباعي أي أربعة أشبار أو خماسي، فيقول عبد زكى اسمه ابن
سبع طويل أو قصير أو ربع، إلى أن قال: ولو اختلف النوع الواحد في الرقيق وجب
ذكر الصنف، ولو اتحد لونه كفى نوعه عنه، ثم قال: ويذكر في الإبل الذكورة أو الأنوثة
285

والسن كبنت مخاض، واللون كالحمرة، والنوع كنعم بني فلان أو نتاجهم كبختي أو
عربي أن كثروا وعرف لهم نتاج، وإلا بطل كنسبة الثمرة إلى بستان، وفي الخيل السن
واللون والنوع كعربي أو هجين، ولا يجب التعرض للشيات كالأغر والمحجل، وفي
الطير والنوع والكبر والصغر من حيث الجسة، ولا نناج للبغال والحمير، بل يذكر عوضه
النسبة إلى البلد،)
ويقرب من ذلك كله ما في التذكرة لكن لا يخفى عليك ما في دعوى توقف رفع
الجهالة له عرفا على ذكر بعض ذلك، أو مقتض غيره، أو دليل بالخصوص، ولعل عرفهم
غير عرفنا الآن في ذلك، بل وفي عزة الوجود وعدمه، فإنه يمكن دعوى عدمها في جملة
مما ذكروا أنه مقتض لها، والأمر سهل بعد ما عرفت من كون المدار على رفع الجهالة
عرفا وعدم عزة الوجود، ومع الشك فالعمومات تقتضي الجواز والله أعلم.
(و) كذا الكلام في السلف في (الألبان والسمون والشحوم والأطياب
والملابس والأشربة والأدوية بسيطها ومركبها ما لم يشتبه مقدار عقاقيرها) وإن ذكر
في القواعد والدروس وجوب التعرض في الأول إلى النوع كالمعز والمرعى، بل في
الأول منهما وإن قصد به الجبن أو الكشك، احتمل ذكر الزمان بالصفاء والغم، فإن
لهما أثرا بينا في ذينك عند أهله، وقالا معا ويلزمه مع الاطلاق حلبة يومه، كما
أنهما قالا أيضا يعتبر في الثاني ذكر النوع، كالبقر، واللون كالأصفر والمرعى والحداثة
أو ضدها، وينبغي أن يذكر في الثالث النوع واللون والصفاء ونحو ذلك مما يتوقف رفع
الجهالة عليه، وكذا الرابع - وأما الملابس ففي الدروس أنه يذكر في الثياب النوع والبلد
والعرض والصفاقة والغلظ والنعومة أو اضدادها، ولا يجوز ذكر الوزن لعسره، وله الخام عند
الاطلاق، وإن ذكر المقصور جاز، فإن اختلف البلد إن ذكر بلد القصارة، كالبعلبكي
286

والقبطي، ويجوز اشتراط المصبوغ فيذكر لونه واشباعه أو عدمه، ولا فرق بين المصبوغ
بعد نسجه أو قبله على الأقوى، ومنعه الشيخ إذا صبغ بعد غزله، لأن الصبغ مجهول
ولأنه يمنع من معرفة الخشونة والنعومة، وفي وجوب ذكر عدد الخيوط نظر أقربه
ذلك، لاشتهاره بين أهله وتأثيره في الثمن)
ويقرب منه ما في القواعد وإن قال (أنه يذكر في الثياب ثمانية النوع كالكتان
واليلد واللون والطول والعرض والصفاقة والرقة والنعومة أو أضدادها) ثم ذكر بعد ذلك
أوصاف الغزل والقطن والصوف كما أنه في الدروس كذلك أيضا وذكر الحرير والكرسف
والكتان وغير ذلك، إلا أنه أجاد بعد ما أطنب وتعرض لثلاثة عشر مما تعم به البلوى
قال: ومدار الباب على الأمور العرفية وربما كان العوام أعرف بها من الفقهاء وحظ
الفقيه البيان الاجمالي وهو جيد جدا
ومنه يعرف الحال فيما ذكره المصنف وغيره، لكن ظاهر المصنف عدم
جواز السلم في الأدوية المركبة مع اشتباه مقدار عقاقيرها أي أجزائها التي تتركب
منها، بل في المسالك أنه يعلم من ذلك اشتراط العلم بمقدارها نفسها بطريق أولى،
لترتفع الجهالة، لكن قال: وفي اعتبار ذلك في المشاهد نظر، من توقف العلم
عليه، ومن مشاهدة الجملة وهو أجود، قلت: لا ينبغي التأمل في عدم وجوب
المعرفة مقدار الأجزاء إذا لم يكن له ضابط معين مقصود، كما أنه لا ينبغي التأمل
في وجوب المعرفة معه، وأما الجملة فإن كانت من المعتبرات وجب، وإلا ضبطت فيه،
ليتمكن من الوفاء، وتسمع قوة عدم اعتبار الضبط بالوزن والكيل المتعارف والله أعلم هذا.
(و) لا ريب في أنه يجوز السلف (في جنسين مختلفين صفقة واحدة) مع
جمع كل منهما لشرائط السلم، اتحدا في الأجل أو اختلفا، وكذا الثمن لاطلاق الأدلة
287

بلا معارض، (و) كذا (يجوز السلم في شاة لبون) بلا خلاف أجده لوجود المقتضي
وارتفاع المانع، خلافا للشافعي في أحد قوليه، فمنعه لمجهولية اللبن وفيه مع أنه
من التوابع أن ذلك وصف للنوع لا سلم في اللبن (و) لذا (لا يلزم) عليه (تسليم ما
فيه لبن) من الشياة (بل) يكفيه (شاة من شأنها ذلك) بل لو كان فيها لبن فعلا كان
له حلبها وتسليمها بلا لبن. نعم المفهوم عرفا من ذلك كونها ذات لبن بالقوة القريبة من
الفعل. ومن هنا جزم في المسالك بعدم الاجتزاء بتسليم الحامل وإن قرب أوان ولادتها
أما لو كانت حاملا وقد در اللبن أمكن وجوب القبول للصدق، والأمر سهل بعد أن كان
المدار على العرف كما هو واضح.
(و) كذا (يجوز) عندنا كما في التذكرة (في شاة معها ولدها) وفاقا
للمشهور كما في المسالك، لامكان الضبط بالوصف الرافع للجهالة، ولا يؤدي
إلى عزة الوجود، وكذا الجارية معها ولدها (وقيل) والقائل الشيخ في المحكي
عن مبسوطه والشهيد في اللمعة (لا يجوز) فيهما معا (لأن ذلك مما لا يوجد إلا
نادرا) وربما ظهر من المتن نوع تردد فيه، لقوله وكذا إلى آخره، وعلى كل حال
ففيه منع واضح. نعم في التذكرة (المنع في الجارية الحسناء معها ولد صفته كذا و
كذا، أو أخت أو عمة بحيث يتعذر حصوله) وهو كذلك وفي الدروس (المنع من اشتراط
الولد مع الأم المقصود بها التسري، قال: (ولو قصد بها الخدمة كالزنجية جاز لقلة
التفاوت) وفيه منع عزة وجود الأولى أيضا كما جزم به ثاني الشهيدين، ومن الغريب
أنه جزم في الدروس بجوازه أيضا في الجارية الحامل، سواء كانت حسناء أو شوهاء
وفي اللمعة بالعدم موافقا للمحكي عن المبسوط.
ومن هنا قال في المتن: (وكذا التردد) في السلم (في جارية حامل لجهالة
288

الحمل) وفيه أنه تابع (و) لا عزة وجود (في) الجارية الحامل الموصوفة بما
يرتفع معها جهالتها، فالأجود الجواز في الجميع بعد أن كان المدار في المنع على
عزة الوجود المعلوم منعها في المقام كما هو واضح، كوضوح (جواز الأسلاف في
جوز القز) لذلك بعد الوصف بالطراوة واليبس واللون والبلد، لكن قال المصنف
فيه (تردد) بل عن الشيخ الجزم بالعدم لأن في جوفه دودا يفسده إذا خرج منه
حيا ويمتنع بيعه إذا مات، وفيه أن السلم في غير الدود الذي هو كنوى التمر في بلد
لا قيمة له فيه والله أعلم.
(الشرط الثالث) من الشرائط (قبض رأس المال قبل التفرق شرط في
صحة العقد).
اجماعا في الغنية والمسالك (و) حينئذ ف‍ (لو افترقا قبله بطل) عند علمائنا أجمع في التذكرة وهو الحجة فيه بعد شهادة التتبع وانحصار الخلاف في
المحكي من قول أبي علي: لا اختار تأخير قبضه أكثر من ثلاثة أيام الذي قال في الدروس
وغيرها: (إنه متروك) نعم عن صاحب البشرى التوقف فيه كصاحب الحدائق معللا له في
الأخير بعدم النص، لكنك خبير بأن في الاجماع المحكي المعتضد بما عرفت بلاغا،
مع احتمال القول بأن أصالة عدم النقل والملك قبله محققة ولو للشك في تسبيب
العقد هنا للملك، للاتفاق المزبور، ولأن الأمر بالوفاء بالعقد أعم منه، بل قد يقال:
باعتبار تسليم الثمن في حقيقة السلم، وأنه بدونه منتف حقيقة السلم، إلا أن
الانصاف كون العمدة الاجماع المزبور إنما الكلام في المراد من معقده والظاهر من
الأولين توقف الملك عليه كشفا أو نقلا، بل الظاهر الثاني منهما.
وعلى كل حال فقبله لا ملك وحينئذ فلو كان الثمن فيه كليا لا شيئا معينا لم
تشتغل الذمة به، فلا تصح الحوالة حقيقة به وعليه، ولا ضمانه ولا الصلح به وعليه،
ولا يحصل به التقاص قهرا، ولا غير ذلك مما يعتبر فيه شغل الذمة المتوقف على ملك
289

الكلي للمستحق، والفرض عدم حصوله قبل القبض، لكن في القواعد والتذكرة
أنه لو أحاله بالثمن فقبضه البايع من المحال عليه في المجلس فالأقوى الصحة،
ونحوه ما في الدروس من أنه لو أحال بالثمن فقبضه البايع قبل التفرق صح وإلا فلا
على الأقرب فيهما، وزاد لو أحال البايع على المشتري اشترط قبض المحتال في
المجلس على الأصح، قال: ووجه الجواز أن الإحالة كالقبض ثم قال: ولو صالح
البايع عن الثمن على مال فالأقرب الصحة واشتراط قبض مال الصلح، بل في
التذكرة احتمال الصحة في الأول، وإن لم يقبض البايع في المجلس و، لعله
المتجه بناء على كونها حوالة حقيقة، إذ هي كالقبض، ودعوى أنها هنا ليست
كذلك كما ترى.
وفي الدروس والمسالك أنه يقع التقاص قهرا لو كان للمسلم في ذمة المسلم
إليه مماثل الثمن الكلي جنسا ووصفا قال في الأخير: وإلا توقف على التراضي،
وفي التذكرة لو كان الثمن عبدا فأعتقه البايع قبل القبض صح، وفيها أيضا لو كان
رأس المال دراهم في الذمة فصالح عنها على مال فالأقرب عندي الصحة، إلى غير ذلك
مما ينافي ما ذكرنا، وتجشم دفعه - بأن عقد السلم وإن كان تأثيره الملك موقوفا على
القبض، إلا أنه يوجب الاقباض على المشتري والقبض على البايع للأمر بالوفاء بالعقد
وحيث يكون الثمن عينا يتصور انفكاك وجوب الدفع عن كونها ملكا للمدفوع،
إذ لا مانع من وجوب دفعها إليه، وإن لم تكن ملكا له، أما إذا كان كليا فليس وجوب
دفعه إلا شغل الذمة به فيترتب عليه ما سمعت.
- يدفعه - مع أنه لا يتم في العتق والصلح - أنه يمكن تصور انفكاكه في الكلي
أيضا، ضرورة تصور وجوب الدفع تعبدا من غير شغل للذمة، بحيث لو مات لم يخرج
من تركته، بل لعله كذلك بناء على ما عرفت فلا تلازم بين وجوب الدفع وبين
عدم حصول الملك للكلي على المسلم الذي هو معنى شغل الذمة به، كما أن تجشم
290

دفعه - بأن المراد كونه شرطا كاشفا فيصح الصلح والعتق والحوالة مع تعقب القبض
يبطله أولا أنه خلاف المنساق من اطلاق الشرطية، وثانيا عدم تقييد ما سمعته في
التذكرة من صحة الصلح والعتق بالقبض وثالثا أنه لا يتم معه ما سمعته من الشهيدين
من المقاصة قهرا. نعم قد يقال: إن المراد من الصحة التي هو شرطها اللزوم فالملك
حينئذ يحصل بالعقد ويستقر بالقبض، فمتى افترقا قبله بطل من حينه، ولعله يومي إليه ما في التذكرة فإنه بعد أن ذكر نحو عبارة الأصحاب من أنه يشترط في السلم قبض
الثمن في المجلس، وخص معقد اجماعه بالبطلان مع التفرق قبله.
قال: مسألة ولا يشترط استمرار قبض الثمن فلو سلمه المشتري إلى البايع
ثم رده البايع إليه ودفعه إليه قبل التفرق جاز، ولو رده عليه بدين كان له عليه قبل
التفرق صح، لأنه ملكه بالعقد واستقر ملكه بالقبض، وهو كالصريح فيما قلناه خصوصا
مع ما سمعته سابقا من الفروع التي لا تتجه إلا عليه، فلا بد حينئذ من التزام ذلك أو رفع
اليد عن جميع الفروع السابقة، والاحتياط لا ينبغي تركه، هذا. وقد تقدم في باب
الصرف وخيار المجلس ما يغني عن إعادة كثير من المباحث السابقة المتصورة في
المقام، كما أنه قد تقدم في باب القبض ما يعلم منه المقدار الذي يجتزى به هنا،
والظاهر صدق تسليم المنفعة لو وقعت ثمنا مثلا بتسليم العين في نحو العبد والدار، أما
عمل الحر فلا يكفي تسليم عينه فيه والله أعلم،
(و) كيف كان ف‍ (لو قبض بعض الثمن) قبل التفرق دون بعض (صح في
المقبوض) لوجود المقتضي من العقد والقبض (وبطل في الباقي) لحصول
الافتراق قبله الذي قد عرفت الاجماع على حصول البطلان به. نعم صرح غير واحد
بأن للبايع الخيار في الفسخ إذا لم يكن بتقصيره للتبعيض الذي قد عرفت سابقا التسلط
به على الخيار، إلا أن الظاهر عدم الفرق في ذلك بين البايع والمشتري، ولعل
اقتصارهم على الأول هنا لأن الغالب كون التقصير في عدم القبض من المشتري فيسقط
291

خياره، أما لو فرض عدمه مع حصول التبعيض فلا ريب في تسلطه على الخيار لذلك
كما هو واضح.
وعلى كل حال فما نحن فيه ليس كعوض المتلفات ونحوها من الديون في عدم
جواز امتناع الديان من قبض البعض، ضرورة عدم الصفقة فيه، مضافا إلى تطرق
الانفساخ، بل لعل التعيب بالتبعض كاف، ومن هنا قال في جامع المقاصد: (يجب
تقييد ذلك بما لم يكن الدين مبيعا، أما إذا كان مبيعا جاز للمشتري الامتناع من
قبض البعض إلى تسليم الجميع، للتعيب بالتبعيض، وليس لقائل أن يقول: إن المقتضي
لعدم وجوب قبض البعض هنا ليس هو التعقيب بالتشقيص فقط، بل هو مع تطرق انفساخ
العقد في الباقي للتفرق قبل قبضه، لأنا نقول: إن التبعيض وحده كاف في ثبوت العيب
وإن قارنه الأمر الآخر، فيجب أن يثبت الحكم في الموضع الذي ذكرناه، وقد اقتصر
في التذكرة على التعليل به، وإن كان قد يناقش فيه في المقام فضلا عن غيره بأن
تسلم البعض لا ينافي التسلط عن الخيار مع التعيب بعده بالتبعيض، فحينئذ يجب
عليه تسليم المدفوع وهو على خياره لو تبعض بعد ذلك، فتأمل جيدا.
ولو أسلم مأة في حنطة ومثلها في شعير في عقد واحد، ثم دفعهما قبل التفرق
ووجد بعضها زيوفا من غير الجنس وزع بالنسبة، وبطل من كل جنس بنسبة حصة
من الزيوف كما في القواعد وغيرها، لعدم الأولوية، ولو كان الثمن كليا فدفع
المعيب من غير الجنس أبدله إذا لم يتفرق المجلس وإلا بطل العقد، وقد تقدم في
الصرف تمام البحث في نحو ذلك، بل تقدم هناك ما يعلم منه حكم ما لو كان العيب
من الجنس في المعين وغيره قبل التفرق وبعده، وجواز أخذ الأرش بعده وعدمه
فلاحظ وتأمل.
(ولو شرط) المسلم إليه (أن يكون الثمن من دين عليه) بمعنى أنه
يسلمه ماله في ذمته في كذا حنطة مثلا (قيل) والقائل الأكثر في المسالك والأشهر
292

في الرياض، والمشهور في الحدائق (يبطل لأنه بيع دين بمثله) فيشمله خبر
طلحة بن زيد (1) عن الصادق عليه السلام (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يباع الدين
بالدين مضافا إلى الصحيح (2) على ما في بعض الكتب (عن الرجل يكون له على
الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك فأتى الطالب المطلوب يبتاع منه شيئا؟ فقال:
لا يبعه نسيئا، وأما نقدا فليبعه بما شاء) بناء على أن المراد شراء الطالب منه شيئا
بما له في ذمته، فليس النسئ حينئذ هنا إلا السلم، ولكن الموجود في نسخ التهذيب
المعتبرة (فأتى المطلوب الطالب) واستدل به في الرياض على المطلوب على هذا
التقدير، ولعله حمله على أن المراد اتيان المطلوب الطالب ليشتري الطالب منه
بماله في ذمته، فيتحد حينئذ مع الأول، ولكنه خلاف الظاهر. أو أن المراد
الاستدلال بفحواه، بناء على ظهوره في عكس المسألة وهو مبني على ثبوت الحكم في
الأصل وهو ممنوع.
وعلى كل حال فقد يناقش في ذلك كله بمنع تناول النهي عن بيع الدين بمثله
لما صار دينا في العقد، بل المراد منه ما كان دينا قبله، والمسلم فيه من الأول،
لا الثاني الذي هو كبيع ماله في ذمة زيد بمال آخر في ذمة عمرو ونحوه مما كان
دينا قبل العقد، واطلاق البيع بالدين عرفا على النسيئة محمول على ضرب من التجوز
وبمعارضة الصحيح على تقدير دلالته بخبر إسماعيل بن عمر (3) (قال إنه كان له على
رجل دراهم فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاما إلى أجل مسمى، فأمر إسماعيل

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب السلف الحديث 2
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام العقود الحديث 8 وفيه أتى المطلوب
الطالب كما نقله المصنف عن نسخ التهذيب المعتبرة
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب السلف الحديث 1
293

من يسأله عن ذلك فقال: لا بأس بذلك، قال: ثم عاد إليه إسماعيل فسأله عن ذلك و
قال: إني كنت أمرت فلانا فسألك عنها فقلت: لا بأس، فقال: ما يقول فيها من عندكم،
قلت: يقولون فاسد، قال: لا يفعله فإني أوهمت) الذي لا يقدح ما في ذيله بعد
معلومية كون ذلك منه تقية، بل منه ينقدح الوجه في حمل الصحيح المزبور على
ذلك، مضافا إلى المروي عن قرب الإسناد (1) عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام
(قال: سألته عن السلم في الدين قال: إذا قال: اشتريت منك كذا وكذا بكذا وكذا
فلا بأس) بناء على أن المراد بكذا وكذا مما له في ذمته، لا أن المراد كلي ثم يحاسبه بعد
ذلك ما في ذمته.
(و) من هنا (قيل) إنه يصح ولكن (يكره) خروجا عن شبهة الخلاف
والنهي في الصحيح المزبور (وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده عند المصنف و
تلميذه الآبي والفاضل في التحرير والمقداد والقطيفي على ما حكى عن بعضهم، و
لا يحتاج إلى قبض، لأن ما في الذمة مقبوض لمن عليه، ولكن مع ذلك لا ريب أن
الأول أحوط خصوصا بعد ما قيل من صدق بيع الدين على المؤجل ولو بالعقد، ولذا
منع بيع الكالي بالكالي، إذ ليس في نصوصنا هذا اللفظ، إنما الموجود فيما ما عرفت
من بيع الدين بالدين، وقد ادعى غير واحد منهم ثاني الشهيدين في المقام الوضوح
في صدق بيع الدين على المسلم فيه وإن كان قد صار دينا بالعقد. وأما الثمن فالفرض
أنه كان دينا سابقا، وحلوله لا ينافي صدق اسم الدين عليه.
نعم قد يمنع صدقه على الثمن الكلي الحال المقطوع بجواز أسلافه، وأنه
ليس من بيع الدين بالدين، ومن هنا قالوا في المقام أنه إذا أراد التخلص من شبهة
بيع الدين أسلمه كليا في ذمته، ثم حاسبه به بماله في ذمته بعد العقد، فيكون

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب السلف الحديث 3
294

حينئذ استيفاء لا ثمن سلم، بل في الدروس والمسالك وغيرهما أنه يحتاج إلى المحاسبة
إذا اختلفا في الجنس أو الوصف، وإلا وقع التقاص قهرا، وإن كان قد يشكل بأنه
يلزم منه كون مورد العقد دينا بدين، وبأنه معاوضة على ثمن السلم قبل قبضه، فتكون
فاسدة، ويدفع بأن الثمن أمر كلي، وتعينه في شخصي لا يقتضي كونه الثمن الذي جرى
عليه العقد، ومثل هذا التقاص والتحاسب استيفاء لا معاوضة.
نعم يشكل أصل اشتغال الذمة بالكلي بمجرد عقد السلم الذي قد عرفت كون
القبض شرطا في صحته، وقد تقدم البحث فيه سابقا، فتأمل جيدا، فإن ذلك كله
محل للنظر، لاحتمال اعتبار سبق الدينية في صدق بيع الدين بالدين، وصدقه على
السلم إنما هو بعد تمامه لا قبله، والمنع من بيع الكالي بالكالي وإن لم يكن موجودا
في طرقنا، وإنما هو من طرق العامة (2) - ولكن قد عمل به الأصحاب، وقد ذكروا
في تفسيره ما يشمل ما كان منه بالعقد فيختص به حينئذ، أما غيره مما لم يكن سابق
الدينية ولا هو من بيع الكالي بالكالي فباق على مقتضى العمومات، ومنه المسألة
وعكسها، ولكن الانصاف عدم خلو المسألة عن البحث، ولعلك تسمع فيما يأتي في
مسألة بيع الدين التحقيق انشاء الله تعالى، والله أعلم.
ولو شرط تأجيل الثمن بطل، بلا خلاف أجده لا لأن التقابض شرط، إذ يمكن
فرضه فيما لا ينافيه لقصر الأجل ونحوه، بل لأنه من بيع الدين بالدين كما ستعرف
تحقيقه في محله، بل والكالي بالكالي، وهو مؤيد لما قلناه سابقا من صدقه على ذلك
وإن كان دينا في العقد، والحاصل أن الحالين أو أحدهما بالعقد لا سابقا لا يصدق عليه بيع
الدين بالدين، بخلاف المؤجلين، فإنه يصدق عليه ولو بالعقد كالحالين قبل العقد
أو أحدهما حال قبله، والآخر مؤجل كذلك، فتأمل جيدا.

(1) الجامع الصغير ج 2 ص 192 طبع عبد الحميد أحمد حنفي
295

ولو شرط التأجيل في بعض الثمن بطل فيه قطعا، وفي القواعد والتذكرة
والدروس وغيرها بطل في الجميع، لجهالة ما يوازي المقبوض، ولعله لأن الأجل
ليس له قيمة معلومة، وليس هذا كبطلان البعض في مثمن النسيئة في بعض الثمن،
ضرورة اقتضائه التوزيع في الحال والمؤجل، فلا جهالة. نعم قد يقال إن أهل العرف
كما أنهم علموا التفاوت فيما بين الحال والمؤجل كذلك يعلمون مقداره، فإذا بان
عندهم أن الحال يقابل الثلثين، والمؤجل ثلثا بطل في الثلث وصح في الثلثين وهكذا،
ومن هنا احتمل في الدروس الصحة في المقام والتقسيط فيما بعد، كبيع سلعتين
فيستحق إحديهما فتأمل جيدا، فإنه يمكن أن يكون البطلان في الجميع باعتبار أن
الشرط في السلم استحقاق القبض في جميع الثمن في المجلس من حين العقد مع فعلية
القبض، والأول لا تبعيض فيه بخلاف الثاني، فيبطل حينئذ، ولو في البعض لفوات الشرط
الأول والله العالم.
(الشرط الرابع) من الشرائط (تقدير المسلم) فيه بالكيل أو الوزن
العامين)
في المقابلة بلا خلاف أجده إذا كان من المكيل والموزون، بل ولا اشكال
ضرورة توقف المعلومية فيهما عليهما في المشاهد، فضلا عن الغائب (و) حينئذ
ف‍ (لو عولا على صخرة مجهولة) عند العامة (أو مكيال مجهول) كذلك (لم
يصح ولو كان) كل منهما (معينا) عندهما لعدم ارتفاع الجهالة شرعا بل وعرفا
بذلك، ولأنه قد تهلك الصخرة والمكيال فيتعذر معرفة المسلم فيه، ولو عينا مكيالا
معينا أو صبخة كذلك من العامين ففي القواعد والتذكرة لغى الشرط لعدم الفائدة وصح
العقد وفيه أنه يمكن فرضه مفيدا.
نعم قد يقال إن المانع ما تسمعه من عدم الطمأنينة ببقائهما إلى وقت الأداء فيحصل
النزاع والغرر، لكن ستعرف المناقشة فيه، ثم إن المستفاد من النص والفتوى إرادة الكيل
296

في المكيلات، والوزن في الموزونات خصوصا ما عبر فيها بأو، لا أن المراد الجمع بينهما
بل ربما أدى الجمع بينهما كان تقول مثلا مأة صاع وزنها كذا أو بالعكس في بعض
الموضوعات إلى عزة الوجود، فيبطل كما هو واضح، وفي قيام كل منهما مقام الآخر وعدمه
أو الوزن خاصة البحث السابق، هذا كله في المكيل والموزون عادة.
أما إذا لم يكن من المكيل أو الموزون في المشاهدة بل كان يباع جزافا
فقد صرح غير واحد بوجوب تقديره في السلم بهما، لعدم المشاهدة الرافعة للغرر
فيه وهو جيد، لكن قد يناقش في اعتبار الكيل والوزن العامين فيه، ضرورة كون
المدار فيه على ما يقوم مقام المشاهدة في رفع الغرر فيه، وهو حاصل بهما و
بغيرهما مما يتفقان عليه مما لا يتعارف المعاملة بهما، واعتبار الكيل والوزن في
المسلم فيه في النصوص مبني على الغالب مما يعتبر فيه ذلك، أو ما لا ينضبط إلا بهما،
إذ احتمال اعتبار ذلك في السلم تعبدا وإن ارتفع الغرر بغيرهما بعيد، وإن اقتضاه
ظاهر اطلاق بعض الفتاوى، ودعوى - أن التقدير بغير العامين لا يؤمن معه تلفهما فيتعذر
معرفة المسلم فيه ويحصل النزاع، بل بذلك يتحقق الغرر والخطر - يدفعها
منع صلاحية مثل ذلك مانعا من الصحة، مع أنه يمكن فرضه فيما يقطع فيه بعدم
التلف. لقصر الأجل ونحوه، أو لضبطه في صنف يؤمن معه ذلك، كما هو واضح،
والله أعلم.
(و) كذا الكلام في الذراع ف‍ (يجوز الأسلاف في الثوب أذرعا) متعارفة
أو ليست متعارفة، إذا كان المسلم فيه تكفي فيه المشاهدة لو كان موجودا، وإنما المراد
بالذرع ضبطه بحيث يقوم مقام المشاهدة، وحينئذ فلا يختص المعتاد بل يجوز الأسلاف
بالأشبار ونحوها مما يضبط بها ويقوم مقام المشاهدة، (وكذا) الكلام في (كل
مذروع) بل قد سمعت من الشيخ في الجلود ما يمكن السلم معه من دون ذلك
كله إذا كان المسلم فيه من جملة مشاهدة، وإن كان لم يحك عنه اعتباره في المقام
297

فلاحظ وتأمل.
(وهل يجوز الأسلاف في المعدود عددا الوجه) عند المصنف والشيخ في
المبسوط وابني زهرة وإدريس والفاضل في التذكرة أنه (لا) يجوز، لعدم ارتفاع
الغرر به لكثرة اختلاف المعدود في الكبر والصغر وغيرهما، والاكتفاء به في المشاهدة
لارتفاع الغرر بها، لا به، وعليه بني المنع في محكي الخلاف في الجوز والبيض
إلا وزنا، خلافا لأبي حنيفة، قال: وأما البطيخ فلا يجوز اجماعا، وعن المبسوط
بعد نفي الجواز في المعدود عددا قال: كلما أنبتته الأرض لا يجوز السلم فيه إلا وزنا،
ثم نص على المنع في اللوز والفستق والبندق.
قلت: التحقيق الجواز فيما لا يكثر فيه التفاوت بل كان التفاوت فيه يتسامح
فيه بالعادة، وفاقا للفاضل في جملة من كتبه والشهيدين وغيرهما، لعدم الغرر فتشمله
الاطلاقات، بل الوجه الجواز أيضا فيما يكثر فيه التفاوت إذا أمكن ضبط صنف منه
بالوصف الذي لا يؤدي إلى عزة الوجود لذلك أيضا، ومن هنا قال: في المسالك هنا
(الضابط للصحة الانضباط الرافع لاختلاف المثمن، ولعل فيه ايماء إلى ما ذكرناه
سابقا، ودعوى - أن المعدود جميعه متفاوت تفاوتا لا يتسامح فيه، ولا يمكن ضبط صنف
منه بالوصف الرافع للجهالة، ولا يؤدي إلى عزة الوجود. فليس إلا الكيل والوزن
العامان الذي لا عبرة بالعدد معهما - واضحة المنع من وجوه.
(و) على كل حال ف‍ (لا يجوز الأسلاف في القصب أطنانا ولا في الحطب
حزما، ولا في المجزور جزا ولا في الماء قربا) للاختلاف الذي لا يرفعه العد كما
أومئ إليه الصحيح السابق في الأخير، ومنه يعلم وجه الصحة إذا فرض امكان
الضبط على وجه يرتفع به الاختلاف المزبور، ويقوم مقام المشاهدة في ذلك، من
غير فرق بين الكيل والوزن العامين وغيرهما، نعم قد يتوقف كما سمعت في خصوص
ما لو كان الضابط شيئا معينا لا يؤمن بقاؤه إلى حين الوفاء، فيؤدي إلى التنازع،
298

وإلى الغرر الذي هو بمعنى الخطر، أما إذا كان الضابط مما يؤمن عليه ذلك لكثرة
صنفه أو غير ذلك اتجه الجواز: لاطلاق الأدلة، فتأمل جيدا. ثم إنه من المعلوم
جواز ضبط ذلك كله بالوزن بل وبالكيل فيما يمكن أن يكال منه على وجه لا يتجافى
في المكيال كما هو واضح. والله أعلم.
(وكذا لا بد أن يكون رأس المال مقدارا بالكيل العام أو الوزن) كذلك
إذا كان مما يعتبر فيه ذلك، (ولا يجوز الاقتصار) في ذلك (على مشاهدته) للغرر
المنفي (1) في البيع الشامل للسلم وغيره، (و) حينئذ ف‍ (لا يكفي دفعه مجهولا
كقبضة من دراهم وقبة من طعام) ونحو ذلك. خلافا للمرتضى فجوزه مكتفيا
بالمشاهدة (ولا دليل يعتد به له، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا ما اعتبر المعلومية
في الثمن من النصوص التي لا تحصل قطعا في نحو ذلك إلا بهما. نعم يتجه الاكتفاء
بالمشاهدة فيما لا يعتبر في بيعة غيرها، ضرورة عدم الفرق بين ثمن السلم وغيره في
ذلك، فاطلاق المصنف حينئذ غير جيد إن لم ينزل عليه، كما هو واضح.
(الشرط الخامس تعيين الأجل).
أي الأجل المتعين، ضرورة عدم اختصاص السلم بكون الأجل متعينا (ف‍)
أنه (لو ذكر أجلا مجهولا) فيه أو غيره من العقود التي يشترط فيها المعلومية
(كأن يقول متى أردت أو أجلا يحتمل الزيادة والنقصان كقدوم الحاج) أو نحو
ذلك مما يؤدي إلى الجهالة كالدياس والحصاد (كان باطلا) بلا خلاف أحده بيننا
بل عن نهج الحق والغنية الاجماع عليه، وهو الحجة بعد ما دل على نفي الغرر
والنبوي (2) في المقام كالنصوص المستفيضة (3) التي لا يقدح فيها أخصية مواردها

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3 الدعائم ج 2 ص 19
(2) الجامع الصغير ج 2 ص 164 طبع عبد الحميد أحمد حنفي
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب السلف
299

لعدم القائل بالفرق فلا بد حينئذ أن يكون المراد اشتراط أصل الأجل أو يكون
هو ممن لا يشترط فيه، وحينئذ فالسلم عنده أعم من المؤجل والحال، كما عساه يومي إليه قوله.
(ولو اشتراه) سلما (حالا) فإنه (قيل يبطل) لعدم الشرط المستفاد من
اجماع الغنية والمحكي عن الشيخ وظاهر التذكرة، والمحكي عن مجمع البرهان
والكفاية، والنسبة إلى الإمامية فيما عن نهج الحق والنبوي (1)) من أسلف فليسلف
في كيل معلوم إلى أجل معلوم) وخبر سماعة (2) (سألت عن السلم، وهو السلف في
الحرير والمتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه قال: نعم إذا كان إلى أجل
معلوم) وغيره بل قد اشتملت أكثر النصوص على ذكر الأجل وإن لم يكن في سياق اشتراطه
إلا أنه لا ينكر ظهورها في أن المعروف من السلم المؤجل، بل لا ينكر انسياق التأخير
فيه منه، خصوصا بعد ملاحظة أن مشروعيته للارفاق بالمحتاجين، فيكون حقيقة
في المؤجل مجازا في غيره، كما صرح به في التذكرة.
(وقيل يصح) سلما للأصل، بعد منع اعتبار الأجل في مفهومه، كما يومي إليه
جعله شرطا عند من اعتبره فيه، والانسياق المزبور إنما هو للغلبة لا لمجازية غيره، وإلا
لم يتم في الذي أجله يوم أو نصف يوم ونحوهما مما هو سلم حقيقة قطعا، إذ التحقيق عندنا عدم
اعتبار كون الأجل له وقع في الثمن، للأصل والاطلاق وغيرهما، خلافا لأحمد والأوزاعي
وأبي علي فاعتبروه وأقله ثلاثة ولا دليل عليه كما أنه لا دليل على تحديده في الكثرة، فمنع من
الثلاث سنين للنهي (3) عن بيعه سنين: المحمول على الكراهة عندنا، وعلى كل حال

(1) الجامع الصغير ج 2 ص 164 طبع عبد الحميد أحمد حنفي
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب السلف الحديث 4
(3) الجامع الصغير ج 2 ص 192 طبع عبد الحميد أحمد حنفي
300

فالمؤجل قليلا ليس بمنسان قطعا، ومنه يعلم ما في الاستناد إلى الارفاق الذي هو
الحكمة في مشروعيته، بل لعل المراد من النبوي وما شابهه إرادة بيان اعتبار المعلومية
في الأجل، لا اعتبار أصل الأجل، وكان اطلاقه مبني على غلبة الأجل في السلف،
بل قلما يقع سلم بدونه، بل إن أرادوا الحال أوقعوه بيعا لا سلما، كل ذلك مع
استبعاد اعتبار الأجل الذي مع اشتماله على الغرر، يمكن التوافق على اسقاطه
في صحته.
بل هو إذا جاز في المؤجل ففي الحال أولى، كما أومئ إليه صحيح ابن
الحجاج (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده
فيشترى منه حالا؟ قال: ليس به بأس، قلت: إنهم يفسدونه عندنا قال: فأي شئ
يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون فيه بأسا يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان إلى
غير أجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح. فقال: إذا لم يكن أجل كان أحق به، ثم
قال: لا بأس أن يشتري الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل أو حالا
لا يسمى له أجلا، إلا أن يكون بيعا لا يوجد، مثل العنب والبطيخ في غير زمانه،
فلا ينبغي شراء ذلك حالا) ونحوه آخر (2) بل ربما كان أظهر منه.
ولعله إليه أشار المصنف بقوله: (وهو المروي لكن بشرط أن يكون عام
الوجود في وقت العقد) وإن كان قد يناقش في إرادة جواز ذلك سلما منه الذي
يمنعه أبو حنيفة ومالك والأوزاعي، ويتوهم إرادتهم من لفظ الناس في كلام الراوي
بامكان إرادة مطلق الشراء حالا، بل هو الظاهر، ويكون المنع فيه لأنه ليس عنده
فيندرج فيما دل على المنع عنه (3) بل كان الخبر صريح في ذلك، بل ربما كان في

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 1 - 3
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 1 - 3
(3) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 2 و 5
301

كلام السائل ايماء إلى اعتبار الأجل في السلم، اللهم إلا أن يرجع قوله عليه السلام (إذا
لم يكن أجل إلى آخره) إلى السلم، كما أنه يمكن دعوى ظهور ذيله في التسوية
بين الحال والمؤجل في كيفية البيع، مضافا إلى اطلاق جملة من المعتبرة النافية
للبأس عن السلم مع الضبط بالمقدار من دون تعرض للأجل، ولا ينافيها ذكرها في
غيرها بعد أن كان المراد من بيانه الفرد المتعارف من السلف، خصوصا مثل النبوي
الوارد (1) بلفظ الاستسلاف الذي هو حقيقة في المؤجل مثمنه، لأبيع السلم الذي
هو عند الفقهاء الذي يقع من البايع مثلا بلفظ بعت ونحوه، فتأمل.
وعلى كل حال فظاهر المصنف الميل إليه كالفاضل في القواعد حيث إنه في
بحث اشتراط الأجل قال: (والأقرب عدم اشتراط الأجل فيصح السلم في الحال،
لكن يصرح بالحلول) في التحرير (ولا يشترط في المسلم فيه كونه مؤجلا ويصح
السلم في الحال لكن ليصرح بالحلول، فإن أطلق فالوجه البطلان، سواء ذكر الأجل
قبل التفرق أو لا، وكذا الشهيد في اللمعة قال: (والأقرب جوازه حالا مع عموم الوجود
عند العقد) وأصرح منه ما في الدروس (الشرط الثالث أن يكون المسلم فيه دينا
لأنه موضوع لفظ السلم لغة وشرعا، فلو أسلم في عين كانت بيعا، ولو باع موصوفا كان
سلما نظرا إلى المعنى في الموضعين، وليس المانع من السلف في العين اشتراط
الأجل الذي لا يحتمله العين، لأن الأصح أنه لا يشترط الأجل.
نعم يشترط التصريح بالحلول وعموم الوجود عند العقد، ولو قصد الحلول و
لم يتلفظ به صح أيضا، ولو قصد الأجل اشترط ذكره، فيبطل العقد بدونه، ولو أطلقا
العقد حمل على الحلول) ومن الغريب بعد ذلك كله ما في جامع المقاصد حيث
فسر عبارة القواعد السابقة، بإرادة وقوع البيع بلفظ السلم، قال: وجه القرب دلالته

(1) الجامع الصغير ج 2 ص 164 طبع عبد الحميد أحمد حنفي
302

على المراد من البيع، لأنه يؤدي معنى ايجابه كما سبق، لأن السلم بيع لأنه من
جملة أفراده، فلا يكون استعمال لفظه في بيع آخر استعمالا أجنبيا إلا أنه يجب
أن يصرح بالحلول، لأن جزء مفهوم السلم التأجيل فلا بد من صارف يصرفه عن مقتضاه،
وذلك هو التصريح بالحلول.
وتبعه على ذلك ثاني الشهيدين في تفسير عبارة اللمعة، إلا أنه اعترف بعد
ذلك بأن الظاهر منها وفي الدروس وكثير أن الخلاف مع قصد السلم وأن المختار
جوازه مؤجلا وحالا مع التصريح بالحلول، ولو قصدا بل مع الاطلاق أيضا، و
يحمل على الحلول وكان الذي أوهمهما ذلك حتى أنهما فسرا العبارة بما يرجع إلى
النزاع في الصيغة المذكورة سابقا ما في المختلف، فإنه أجاب عما ذكره حجة للشيخ
وابني أبي عقيل وإدريس على اشتراط الأجل في السلم، من النبوي السابق وغيره، بأنا
نقول بموجبها، فإنا نسلم وجوب ذكر الأجل مع قصد السلم، وليس محل النزاع بل
البحث فيما لو تبايعا حالا بحال بلفظ السلم، ضرورة ظهوره في أن ذلك ليس محلا
للنزاع، بل إنما هو فيما يرجع إلى الصيغة.
لكنك خبير بما فيه بل المحكي عن الشيخ وابني أبي عقيل وإدريس صريح
في أن المراد اشتراط الأجل، وأنه يبطل كونه سلما، كما أن العبارات السابقة
صريحة في خلافه، وأن نظرهم في تلك العبارات إليه، فلا داعي إلى تأويل الجميع
بما هو مقطوع بفساده عند التأمل، خصوصا بعد ما عرفت من قوة القول بعدم
اشتراط الأجل فيه، وأنه يصح سلما فيعتبر فيه حينئذ القبض في المجلس وغيره
مما يعتبر فيه. والمراد بالتصريح بالحلول ما يشمل اتفاقهما عليه ضرورة عدم مدخلية
اللفظ في ذلك.
بل قد عرفت ما في الدروس والروضة من الصحة مع الاطلاق المحمول على
303

قصد الحلول، وإن كان قد يناقش فيه بالفرق بين المسلم وغيره في ذلك باعتبار غلبة
تعارف استعماله في المؤجل، فيشكل تنزيل اطلاق عقده عليه مع فرض خلوهما عن
قصد الحلول، اللهم إلا أن يراد به وقوع الاطلاق المعلوم فيه عدم إرادة التأجيل
ولا الحلول فإن التنزيل حينئذ على الحلول شرعي باعتبار تسبيب العقد الملك حال
وقوعه فيستحق عليه حينئذ المطالبة والأداء، لا عرفي فلا مدخلية لغلبة الاستعمال و
عدمها فيه، فتأمل جيدا، وأما اعتبار عموم الوجود فيه فمرجعه إلى.
(الشرط السادس) وهو (أن يكون وجوده) أي المسلم فيه (غالبا)
بحسب العادة (وقت الحلول، ولو كان معدوما وقت العقد) لصدق القدرة على التسليم
بذلك، إذ العاديات بمنزلة الموجودات، فلا تقدح المعدومية وقت العقد، وإن كان
مقتضى الاستصحاب بقاؤها، بل الظاهر أن ذلك ليس من ملك المعدوم في شئ، ضرورة
أن الحاصل بالعقد أنه يملك عليه ذلك، فهو أشبه شئ بالخطاب التعليقي الذي لا قبح
فيه، ومنه يظهر الفرق بين ملك المعدوم، والمضمون في الذمة، كما أنه لا فرق بين
السلم وغيره في جواز المعاوضة على المعدوم في وقت العقد الموجود في غيره، إذا كان
مورده الذمة، فلا بأس بوقوع ذلك ثمنا لمبيع ونحوه، بل الظاهر أن مرجع هذا
الشرط إلى القدرة على التسليم الذي لا فرق فيها بين السلم وغيره، ولذا
عبر عنه في الدروس به فقال: السادس القدرة على التسليم عند الأجل فلا يضر العجز
حال العقد ولا فيما بينهما، ونحوه عن الكفاية، وفي التذكرة (البحث الرابع امكان
وجود المسلم فيه، مسألة يشترط كون المسلم فيه مسألة يشترط المسلم فيه موجودا
وقت الأجل ليصح امكان التسليم فيه، وهذا الشرط ليس من خواص السلم بل هو شرط
في كل مبيع) وليس مراده من الامكان الذي عبر به هنا وفي القواعد مجرد الاحتمال
قطعا، بل المراد امكان وجوده عادة، فإن الممكن وجوده عادة هو الذي لا يعز وجوده
304

ومن هنا فرع عليه (أنه لو أسلم في منقطع عند الحل كالرطب في الشتاء
لم يصح، وكذا لو أسلم فيما يندر وجوده، ويقل وقت الأجل حصوله، كالرطب أول
وقته، لتعذر حصول الشرط، ولو غلب على الظن وجوده وقت الأجل، لكن لا يحصل
إلا بمشقة عظيمة كالقدر الكثير من الرطب في الباكورة، فالأقرب الجواز، لامكان
التحصيل عند الأجل، وقد التزمه المسلم إليه، خلافا لأكثر الشافعية) إلى آخره وظاهر
الجميع ما قلناه.
وفي مفتاح الكرامة (إن الخلاف والسرائر والمبسوط والتذكرة في موضع
منها والتحرير ونهج الحق عبروا عنه بكونه مأمون الانقطاع، وزيد فيما عدا الأولين
كونه عام الوجود، وفي الخلاف الاجماع على ذلك، وفي التحرير نفي الخلاف عن
الأولين، وفي نهج الحق إن ذلك مذهب الإمامية).
وفيه أن ما حضرني من هذه الكتب لم يعبروا بذلك في بيان الشرطية لأصل السلم
بل ذكروا ذلك في السلف في خصوص المعدوم، للرد على أبي حنيفة، وستسمع عبارة
التحرير ونهج الحق والسرائر وغيرها، وفي التذكرة بعد أن ذكر الشرط بالعبارة
التي سمعتها قال: (مسألة يجوز السلم في كل معدوم إن كان مما يوجد غالبا في محله،
ويكون مأمون الانقطاع في أجله)، ثم ذكر خلاف أبي حنيفة وضعفه. نعم في الوسيلة
(إنما يصح السلف إذا اشتمل على تسعة شروط، وصف المبيع، وبيان النوع، والمقدار بالشئ
المعلوم، وبيان الأجل، وإن يأمن انقطاعه المسلف فيه عند محله، وعام الوجود، وتعيين
موضع التسليم إن كان لنقله أجرة، ومشاهدة رأس المال أو وصفه، وتبيين مقداره وقبضه
قبل التفرق) ويمكن أن يريد بعام الوجود سنته.
وكيف كان فالمراد على تقدير التعبير عنه بذلك ما ذكرناه أيضا، ضرورة كون المأمون
انقطاعه الذي يعتاد وجوده، بل كان من أردفه بعموم الوجود أراد تفسيره بذلك، فيرجع
الجميع إلى معنى واحد، ولذا قال: في التحرير (يجب كون المسلم فيه عام الوجود عند الحلول
305

بلا خلاف) وكان الغرض من التعرض إلى هذا الشرط الذي لا يختص بالسلم الرد على الثوري
والأوزاعي وأبي حنيفة الذين لم يجوزوا السلم في المعدوم، وأنه يجب أن يكون جنسه موجودا
حال العقد إلى حال المحل، محتجين بأن كل زمان من ذلك يجوز أن يكون محلا
للمسلم فيه، بأن يموت المسلم إليه فيعتبر وجوده فيه كالمحل، وهو واضح البطلان،
بل قول الأصحاب وإن كان معدوما وقت العقد كالصريح في التعريض به، ومن هنا قال في
كشف الحق. (ذهبت الإمامية إلى جواز السلف في المعدوم إذا كان عام الوجود وقت الحلول.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز إلا أن يكون جنسه موجودا في حال العقد والحلول وما
بينهما) إلى آخره وهو كالصريح في أن المراد ما ذكرنا.
وفي السرائر لم يذكر ذلك في شرائط السلم، وإنما قال بعد الفراغ من جملة من
أحكامه: (ويجوز السلف في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع) وقال في المقنعة باب
البيع المضمون: (ومن ابتاع شيئا معروفا بالصفات كان ذلك ماضيا وإن لم يكن الشئ
حاضرا وقت الابتياع، فإذا ابتاعه على ما ذكرناه كان في ضمان البايع حتى يسلمه إلى
المبتاع، (إلى أن قال) ولا يصح بيعه مشترطا من أصله، ولا بأس ببيعه مطلقا بغير اشتراط
والمشترط من أصله بيع الحنطة من أرض مخصوصة، والثمرة من شجرة بعينها، والسخولة
من غنم على حيالها والزيت من الزيتون الفلاني، والدهن من السمسم المعين،
والثوب من غزل امرأة مسماة، لأن ذلك ربما خالف الصفة، بل هو غير مضمون لجواز فوته،
ولا بأس ببيع ذلك مطلقا من غير إضافة إلى أصل مخصوص من بين الأصول، بعد أن
تميزه بالصفات) إلى آخر الباب.
وليس في شئ من كلامه تعرض لعموم الوجود وكذلك الشيخ في النهاية،
بل ظهر اطلاق كلامهما عدم ذلك، ونصهما على المنع اشتراط التعيين في الأرض
بعد تعليلهما ذلك بعدم ضمانه ليس مبناه ذلك قطعا كما هو واضح. وكيف كان فمن الغريب
تخيل المخالفة من عبارتي القواعد والدروس لما عند الأصحاب حيث اكتفيا بالامكان
306

والقدرة، وهما أعم من عموم الوجود وغلبته واعتياده.
وفيه ما عرفت من أن المراد بالامكان ذلك - وأما القدرة فهي أوضح في هذا
المعنى منه، ضرورة عدم احرازها في غير العاديات التي لم يعلم حصول القدرة عليها،
للشك في أصل وجودها المقتضي للشك في القدرة عليها الذي هو معنى الغرر المنهي
عنه، مع أنه قدر صرح في الدروس بأنه لو أسلم فيما يعسر وجوده عند الأجل مع امكانه،
كالكثير من الفواكه في البواكير، فإن كان وجوده نادر بطل، وإن أمكن تحصيله
لكن بعد مشقة فالوجه الجواز مع امكانه، ويحتمل المنع لأنه غرر.
وكيف كان فلا ريب في اعتبار هذا الشرط بناء على ذلك إذ صحيح عبد الرحمن (1)
والاجماع بقسميه وأدلة الغرر (2) وغيرها حجة عليه أما إذا أريد منه أمر زائد
على ما في البيع، وأنه لا يجوز السلم فيما يجوز نقله بغيره مما لم يكن عام الوجود
وغالبه، كما عساه يوهمه ظاهر بعض العبارات، وبعض الفروع المذكورة، فلا أجد دليلا
عليه بل اطلاق الأدلة يقضي بخلافه بل شدد النكير المقدس الأردبيلي على اشتراط هذا الشرط،
وادعى أن موثقة عبد الرحمن المتقدمة سابقا دالة على خلافه، بل وصحيح زرارة (3)
(سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل اشترى طعام قرية بعينها فقال لا بأس إن خرج فهو له، وإن
لم يخرج كان دينا عليه).
وخبر خالد بن الحجاج (4) عن الصادق عليه السلام أيضا (في الرجل يشتري طعام
قرية بعينها وإن لم يسم له طعام قرية بعينها أعطاه حيث شاء) وكان في الخبر سقطا
إلا أنه لا يقدح في الاستدلال، قلت: بل وخبر الكرخي (5)، عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 3
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب السلف الحديث 1 - 3 - 2
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب السلف الحديث 1 - 3 - 2
(5) الوسائل الباب 13 من أبواب السلف الحديث 1 - 3 - 2
307

(كل طعام اشتريته في بيدر أو طسوج (أي ناحية) فأبى الله عليه، ليس للمشتري
إلا رأس ماله، ومن اشترى من طعام موصوف ولم يسم فيه قرية ولا موضعا فعلى
صاحبه أن يؤديه) والجميع كما ترى منافية للشرط المزبور الذي قد عرفت خلو
جملة من العبارات عنه على هذا النحو المذكور في كلام بعض المتأخرين.
وفي الغنية (وأما السلم فشرائطه الزائدة التي تخصه أربعة، ذكر الأجل
المعلوم، وذكر موضع التسليم، وأن يكون رأس المال مشاهدا، وأن يقبض في
مجلس العقد، بدليل الاجماع من الطائفة، ولأنه لا خلاف في صحته مع تكامل هذه
الشروط، ولا دليل على ذلك إذا لم تتكامل) وهو كما ترى قد نفى الخلاف عن الصحة
مع هذه الشروط التي ليس منها عموم الوجود فعلم أن مرجعه إلى القدرة على التسليم
التي لا فرق فيها بين السلم وغيره.
ومما يؤكد ذلك أنه بناء على هذا الشرط وأنه غير القدرة على التسليم ينبغي
بطلان السلم فيما اتفق انحصاره في بعض الناس من غلة أو قهوة أو إبل أو غنم أو عبيد
أو غير ذلك، وإن كان الموجود فعلا عنده كثيرا فليس له أن يبيع شيئا منه مضمونا
حالا منه، أو على أنه سلم أو مؤجلا بساعة مثلا، لاشتراط عموم الوجود والفرض
انتفاؤه، والبديهة تقضي بفساد ذلك، كاقتضائها فساد دعوى بطلان السلم في غلة
بلد بعيدة عن بلد العقد لا يعتاد النقل منها إليه، مع أنك قد سمعت ما في الدروس
من الصحة مع قصد البلد، بل الظاهر الصحة ولو شرط التسليم في بلد العقد، وعدم عموم
وجوده فيه غير قادح بعد أن كان عاما في بلده، فينقله حينئذ منها مقدمة للتسليم،
ولو صرح باشتراط النقل كان أوضح في الصحة.
نعم يتجه البطلان فيما لو أسلم في غلة لا توجد إلا في بلد بعيدة لا يعتاد النقل
منها على أن يكون المراد هذه الغلة في هذا البلد، ضرورة عدم القدرة على التسليم
ولا يكفي وجودها في تلك البلاد، ولانصراف عقد السلم عرفا في غلة بلد العقد وما
308

قاربها مما يتعارف النقل منها لا مثل ذلك، ولذا لا يكلف النقل من أمثال ذلك في
الآفة مع المشقة والبعد المفرط، ومن ذلك كله يظهر لك ما تسمعه من الروضة،
بل كان شبه التدافع بين أول كلامه وذيله، إلا أن يريد بالبلد التي اشترط التسليم
فيها ما كانت من بلاد المسلم فيه، فيتفق حينئذ كلاما، بل لعله بذلك يرجع إلى ما
ذكرناه كغيره من كلام الأصحاب، وستسمع عبارة التذكرة وغيرها في آخر البحث
فتأمل جيدا.
ومن ذلك كله يظهر لك أن ما ذكروه سابقا من أنه لا يجوز الاستقصاء في
الوصف المؤدي إلى عزة الوجود مرجعه إلى ذلك عند التأمل، وإن عللوه بأن
عقد السلف مبني على الغرر، لأنه بيع ما ليس بمرئى، فإن كان عزيز الوجود كان
مع الغرر مؤديا إلى التنازع والفسخ، فكان منافيا للمطلوب من السلف مع أنه يمكن
ارجاعه إلى ما قلناه.
وفي المحكي عن الإيضاح تعليله بأنه لما جل جناب الحق جل شأنه عن التكليف
بما لا يطاق، واقتضت حكمته البالغة عدم خرق العادات غالبا بمجرد ما يرد على
العبد من تناقض الإرادات، أبطل السلم فيما يؤدي إلى أحدهما قطعا، وما تجدد
أدائه تجدد بطلانه، قال: فظهر من ذلك أن ما يعز وجوده لا يصح السلم فيه، وبقي
ما لا يعز، لكن وجوده أقل في الأغلب لاستقصاء الصفات والأقرب فيه الصحة لعدم
استلزامه المحال مع امكانه في نفسه، وجواز ثبوته في الذمة، لوجود المقتضى
وهو عقد البيع، وانتفاء المانع وهو عزة الوجود، ثم احتمل بطلانه.
قلت: لا ريب في ضعف الاحتمال إذا كانت القلة بحيث لا تعد المعاملة معها
سفها، ومنه يعلم ما في القواعد من أن الأقرب جواز اشتراط ما لا يعز وجوده، وإن
كان استقصاء كالسمن والجودة، إن كان مراده البطلان بغير الأقرب. ومن هنا قيل
أن غير الأقرب الوجوب. وإن كان فيه أنه مساو للأول في الضعف، أو أضعف إذا فرض
309

عدم توقف المعلومية عليه كما هو واضح.
وكيف كان فالظاهر أن مرجع المنع في عزة الوجود إلى فقد هذا الشرط معها
لا أنه، أمر آخر زايد على ذلك، لعدم الدليل إلا الاجماع المحكي الظاهر في أنه هو
الاجماع الذي حكى على هذا الشرط، وقد عرفت أن مرجعه إلى القدرة على التسليم
التي لا يطمأن بها إلا في معتاد الوجود، بل لا تخرج المعاملة عن كونها سفهية إلا بنحو
ذلك نعم قد اعتبر في الروضة غلبة وجوده في البلد الذي اشترط تسليمه فيه أو بلد
العقد حيث يطلق بناء على انصرافه إليه عند الاطلاق، أو فيما قاربهما بحيث ينقل
إليهما عادة، فلا يكفي الوجود فيما لا يعتاد نقله في غرض المعاملة، بل ينقل هدية
ونحو ذلك، ثم ذكر أنه لو عين غلة بلد لم يكف وجوده في غيره وإن اعتيد نقله إليه،
ولو انعكس بأن عين غلة غيره مع لزوم التسليم شارطا نقله إليه فالوجه الصحة، وإن
كان يبطل مع الاطلاق، والفرق أن بلد التسليم حينئذ بمنزلة شرط آخر، والمعتبر هو بلد
المسلم فيه.
وكأنه أخذ ذلك مما في الدروس قال: (ولا يكفي وجوده أي المسلم فيه في
بلد لا يعتاد نقله إليه إلا نادرا كالهدية، ولو عين بلدا لم يكف وجوده في غيره وإن
اعتيد نقله، إلى أن قال: لو شرط نقل الفاكهة من بلد بعيدة إلى بلده قبل وجودها في
بلده صح، وإن كان يبطل مع الاطلاق، ولا يجب عليه السعي فيها، والفرق بينه
وبين البواكير أنها مقصودة عند العقد بخلاف تغاير البلدين، ولو فرض قصد ذلك
البلد صح.
وعلى كل حال فقد يتوهم منه أمر زائد على القدرة على التسليم المشترطة في
البيع، ضرورة أن المدار فيها على صدقها من غير مدخلية لبلد التسليم وغيره فيجب
عليه حينئذ نقله إليه إن لم يكن فيه مقدمة لتسليمه فيه، لا أن الوجود فيه مقدمة
لوجوب دفعه، لكن قد عرفت فيما مضى احتمال إرادته ما لا ينافي ما ذكرناه، مع أنه قد
310

يؤيده ما في التذكرة قال: (يجوز أن يسلم في شئ ببلد لا يوجد ذلك الشئ فيه، بل
ينقل إليه من بلد آخر لامكان التسليم وقت الأجل، وكان سائغا كغيره، ولا فرق بين
أن يكون بعيدا أو قريبا، ولا أن يكون مما يعتاد نقله إليه أولا، ولا يعتبر مسافة القصر
هنا، وهو قول بعض الشافعية، وقال بعضهم إن كان قريبا صح وإن كان بعيدا لم يصح، وقال:
آخرون إن كان مما يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة لا في معرض التحف والهدايا والمصادرات
صح السلم وإلا فلا، أما لو أسلم في شئ يوجد غالبا في ذلك البلد وقت الحلول، فاتفق انقطاعه
فيه وأمكن وجوده في غيره من البلاد، فهل يجب على البايع نقله، الأقرب ذلك مع
انتفاء المشقة وعدم البعد المفرط، ولا عبرة بمسافة القصر ولا امكان الرجوع من يومه،
إلا أنه لا يخفى منافاته لأول فروع الروضة إلا مع التأويل.
وفي التنقيح (لو كان يوجد في بلد آخر لم يجب نقله، لا مع المشقة ولا مع عدمها
إذا كان قد عين البلد، وإلا وجب فتأمل جيدا، فإن المسألة من المشكلات)، وكان منشأ
الوهم فيها تلك العبارة التي وقعت للرد على أبي حنيفة في السلف في المعدومات، ولكن
ينبغي أن يعلم أنه لو ذكر بلد المسلم فيه على وجه يكون من صفاته لم يكف وجوده في
غيره، وكذا لو أطلق وكان الاطلاق منصرفا إلى ذلك على هذا الوجه، أما إذا كان
استحقاق السلم من حيث الدينية، وكان قد اشترط بلدا مخصوصة، أو كان اطلاق العقد
مقتضيا ذلك، فلا يعتبر وجوده في ذلك البلد، بل يكفي الاتيان بالكلي الثابت في
الذمة على وصفه من أي بلد كان، من غير فرق بين بلد العقد وغيره، ولعل هذا مراد
ثاني الشهيدين إذا لم يكن ثم عرف أو قرينة تقتضي إرادة غلة بلد السلم على وجه الوصفية،
ولو لجهل بحالها والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لا بد أن يكون الأجل) الذي قد عرفت وجوب تعيينه
وأنه لا يجوز أن يكون محتملا للزيادة والنقصان (معلوما للمتعاقدين) مصداقه
فلا يكفي انضباطه في نفسه وإن احتمل، إلا أنه واضح الضعف، للغرر، وانسياق العلم
311

عندهما مما اعتبر معلوميته من النص ومعقد الاجماع وغيرهما، فلا يجوز التأجيل
بالنيروز بانتقال الشمس إلى برج الحمل المسمى بالنيروز، أو برج الميزان المسمى
بالمهرجان، وبفصح النصارى وهو عيد من أعيادهم كالسعانين والفطير اللذين هما
عيدان، من أعياد أهل الذمة، ولا بالأشهر الفرسية كتير ماه أو مرداد ماه، والرومية
كحزيران وتموز، أو غير ذلك، إلا إذا كان يعلمان ذلك مفهوما ومصداقا حتى
ترتفع الجهالة.
ولعل اطلاق الفاضل في التذكرة والقواعد جواز ذلك محمول على صورة علمهما،
وإن كان قد يوهم بعض عبارات الأول خلاف ذلك، لكن يقوى أن مراده الرد على بعض
من أطلق المنع من العامة كما يومي ذكره بعد ذلك اعتبار علم المتعاقدين وعدمه، وربما
ظهر من بعض عباراته التوقف في ذلك، والتحقيق ما ذكرنا. ولا يرد عليه التأجيل
بالشهر الهلالي الذي لم يعلم نقيصته وتماميته، للتسامح العرفي في ذلك وعدم عد مثله
جهالة عندهم.
(وإذا قال: إلى جمادى حمل على أقربهما، وكذا إلى ربيع، وكذا إلى الخميس
والجمعة) بلا خلاف أجده في الأخيرين، بل ولا اشكال معتد به فيه في العرف، وكان
التعريف فيهما وأشباههما للعهدية كما أن المجرد منهما من أسماء الأشهر كرمضان وشعبان
كذلك أيضا في الحمل على الأقرب، أما ربيع وجمادى فظاهر التذكرة عدم حملهما
على الأقرب، ولعله لتخيل الاشتراك اللفظي، وفيه منع واضح، ضروة أنهما من المشترك
المعنوي، إذ معنى الأول كل ثلاثين بين صفر وجمادى في كل سنة والثاني كل ثلاثين بين
ربيع الثاني ورجب في كل سنة، فهما حينئذ كخميس وجمعة لليوم المخصوص من
كل أسبوع، ومن هنا ساوى بعضهم بين الجميع في الصحة والبطلان، وقد عرفت أن الفهم
العرفي على التنزيل على الأقرب في الجميع وإن اختلفا في مرتبة الظهور، وهو العمدة لا التعليق
على الاسم الصادق بحصول الأقرب، لعدم رجوعه بعد التأمل إلى محصل يعتمد عليه.
312

وتظهر ثمرة الحمل فيما لو ماتا ولم يصرحا بالقصد، أو فيما إذا اختلفا بعده فيه
فإنه يقدم مدعى الأقرب، بل تظهر أيضا فيما إذا أوقعا العقد غير مستحضرين الأقرب
إلا أنهما من أهل العرف اللذان يحملانه عليه لو سمعاه، فإنه يحكم بصحة العقد
ويحمل على الأقرب، لأن عدم الاستحضار ليس جهالة. نعم لو لم يعلما العرف وأوقعا
العقد معتمدين على السؤال عنه بعد ذلك، اتجه البطلان، لما عرفت من أن المدار
في رفع الغرر علمهما بذلك، لا مضبوطيته في الواقع، كما هو واضح فتأمل جيدا
والله أعلم.
(ويحمل الشهر عند الاطلاق على عدة بين هلالين) مع الامكان كما إذا
وقع العقد فيما يقال عليه عرفا أنه أول ليلة الهلال بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهرهم
أنه المعنى الحقيقي للشهر، بل هو المراد مما في التذكرة من أن الشهر الشرعي ما بين
الهلالين، إذ من المعلوم عدم الحقيقة له شرعا، نعم لو تعذر إرادة الهلالي للقرينة
(أو) كان العقد في الأثناء إلى شهر والفرض اتصال الأجل بالعقد حمل على
(الثلاثين يوما) لأنه المنساق بعد تعذر الحقيقي، فليس هو من المشترك لفظا
بينهما لأصالة عدمه، ولا من المشترك معنى، لعدم القدر المشترك بينهما بحيث يطمئن
بوضعه لهما، والاكتفاء بكل منهما في نحو من أقام ستة أشهر، أو إذا قال السيد لعبده
أقم في هذه البلاد شهرا أو غير ذلك يمكن أن يكون لظهور إرادة عموم المجاز كاليوم
المنكسر في إقامة عشرة أيام، المعلوم أنه مع التلفيق ليس يوما حقيقة، كمعلومية
بطلان عدم اعتباره أو احتسابه يوما فليس إلا التلفيق، مع دعوى كون المراد من
العبارة ما يشمله، ولو من عموم المجاز فتأمل جيدا.
نعم قد يناقش في الفرض بمنع انسياق الثلاثين منه، ضرورة صدق الشهر على ما
إذا أكمله بقدر الفائت من الشهر المقبل نصفا أو ثلثا أو غيرهما كما تسمعه فيما لو كان
الأجل شهرين فصاعدا وكان العقد في أثناء الأول، ودعوى اختصاص النزاع فيه دونه
313

كما هو ظاهر الثاني الشهيدين وغيره، بل لعله ظاهر المتن أيضا لا مستند لها، كما لا يخفى
على من لاحظ أدلة الطرفين في المسألة الآتية فتأمل. اللهم إلا أن يقال إن ظاهر الشهرين
كونهما على نسق واحد، فإذا كان أحدهما هلاليا نطقا لامكانه وجب تلفيق الثاني
كذلك، بخلاف الشهر الواحد المنكسر.
(ولو قال) المتعاقدان في بيان الأجل (إلى شهر كذا) وكان زمان فاصل
بينه وبين ما جعله غاية (حل بأول جزء من ليلة الهلال، نظرا إلى العرف) في خروج
الغاية هنا، وأن المراد كون غاية التأخير دخول رجب مثلا أما إذا قال إلى شهر وأبهم
فالعرف قاض بأن المراد مضي شهر لا الشروع في مسمى الشهر القاضي بعدم الأجل
للسلم حينئذ، ضرورة تحقق ذلك بأول لحظة متصلة بالعقد، وليس مبني الفرق في
هذا الفهم العرفي أن الشهر المبهم اسم لمجموع المدة، فلا يتحقق إلا بعد مضيها،
بخلاف رجب الذي يتحقق بأول جزء منه، إذ فيه أن رجب أيضا مجموع المدة.
نعم قد يقال إن مبناه ما أشرنا إليه من أنه لو كان المراد به من المعين
كان السلم بلا أجل، والفرض إرادة المؤجل قطعا، ومنه ينقدح وجه الصحة فيما
لو فرض التأجيل بالمعين على نحو ذلك، كما لو قال: إلى رجب وهو في أول رجب،
فيحمل حينئذ على إرادة مضي رجب، وإن كان قد يناقش فيه أولا بأنه لا مانع فيه من
حمله على الحلول، بناء على وقوع السلم كذلك، وعلى القول بعدمه يتجه البطلان
كما في المسالك بفقد شرط الصحة، ومخالفة الظاهر لتحصيل حكم شرعي غير لازم،
لأن البطلان شرعي أيضا، ولو قال محله في شهر كذا أو في يوم كذا بطل، وفاقا للفاضل
والكركي وغيرهما، للجهالة بعدم التعيين، اللهم أن يدعى التسامح في ذلك
كالتسامح في تمامية الشهر ونقصانه، أو يدعى الحلول بأول جزء منهما، كما لو جعلا
غاية كما هو المحكي عن مبسوط الشيخ وخلافه، وفيه منع فهم العرف ذلك كمنع
المساواة بين التسامحين خصوصا في الشهر، ولو قال: إلى أول الشهر أو آخره ففي
314

القواعد احتمل البطلان، لأنه يعبر به عن جميع النصف الأول والنصف الآخر، وفيه
أنه مجاز، والحقيقة أول جزء منه وآخره فالوجه الصحة كما إذا لم يذكر الأول
والله أعلم.
(ولو قال إلى شهرين) مثلا (وكان) العقد (في أول الشهر عد شهرين
أهلة) لما عرفت من أنه المعنى الحقيقي وإرادته ممكنة، (وإن) كان قد
(أوقع العقد في أثناء الشهر) احتسب الثاني هلاليا لامكانه و (أتم من الثالث
بقدر الفائت من شهر العقد) نصفا أو ثلثا أو نحوهما، حتى لو كان ناقصا كفى اكمال ما يتم
به تسعة وعشرون يوما لأن النقص جاء في آخره، وهو من جملة الأجل، والثابت
من الأول لا يختلف بالزيادة والنقصان، وبذلك يكون الشهران هلاليين، وهو ظاهر
اللمعة وعن المبسوط أنه قواه، ولعله للصدق عرفا بذلك، ولأنه أقرب إلى مراعاة
الحقيقة فيما بقي وفيما مضى (وقيل) والقائل الأكثر كما في المسالك يعتبر ما عدا
الأول هلاليا لامكانه وأما هو ف‍ (يتمه) من الثالث (ثلاثين يوما) لأنه المنساق بعد تعذر
الهلالي حقيقة، ضرورة اقتضاء مراعاته اطراح المنكسر فيتأخر الأجل عن العقد،
فيتعين اعتباره عدديا، ولا يقدح اتمامه من الشهر المتأخر، دون الذي يليه محافظة
على ابقاء الهلالي حقيقة فيه. ولأن الاكمال صادق سواء أكمل من الذي يليه أم من
غيره، إلا أن الاكمال مما يليه مقتض لاختلال الهلالي في الآخر مع امكانه، فيتعين
الثاني ولا محذور فيه، بعد أن كان جميع الأجل بحكم واحد، فلم يكن المتخلل
لشئ آخر فتأمل.
ولذلك وغيره قال المصنف: (وهو أشبه) وفاقا للفاضلين والشهيدين والمحكي
عن المبسوط وغيره، لكن زاد في الاستدلال في المسالك بأن الأجل إذا كان ثلاثة
أشهر مثلا فبعد مضي شهرين هلاليين وثلاثين يوما ملفقة من الأول والرابع يصدق أنه
قد مضى ثلاثة أشهر عرفا، فيحل الأجل وإلا كان أزيد من المشترط وبأنه إذا وقع
315

العقد في نصف الشهر مثلا ومضى بعده شهران هلاليان يصدق أنه مضى من الأجل شهران
ونصف، وإن كانت الثلاثة ناقصة، وهذا أمر ثابت في العرف حقيقة، فيكفي اكمالها
خمسة عشر يوما لصدق الثلاثة معها، وفيه أنه لم يظهر لنا وجه معتد به لتغيير المثال بالشهرين
إلى الثلاثة مع أنهما سواء في الصدق العرفي، وقوله (وإلا) إلى آخره لا يتم في نفي
احتمال اعتبار اتمامه هلاليا، ضرورة عدم اقتضائه أزيد من المشترط كما هو واضح، وظاهر
القائل باعتباره ثلاثين يوما عدم اكتفائه بالنصف الناقص، ومن هنا كان يلزم على هذا
القول أنه لو جعل الأجل ثلاثة أشهر مثلا ووقع العقد في صفر بعد مضي ساعتين وجاء
ناقصا، فإنه يكمل من جمادى الأولى يوما وساعتين فيحصل من ذلك ثلاثة أشهر
هلالية زائدة يوما وساعتين والعرف واضح الصدق بدون ذلك.
وأما القول بانكسار الجميع الذي نفى عنه البعد في المختلف بل حكى عن أحد
قولي المبسوط، فهو وإن احتج له بأن الأيام الباقية من الشهر المنكسر إما أن لا تحسب
من أحدهما أو من الثاني وكلاهما محال، فليس إلا احتسابها من الأول، وحينئذ
لا يعقل دخول الثاني حتى يتم الأول مما يليه فينكسر حينئذ وهكذا، لكن قد يناقش
فيه أولا بعدم اعتبار الهلالي في الممكن منه، وقد عرفت ما يعين التلفيق من الأخير،
وأنه لا محذور فيه، وثانيا بأنه تقتضي بناء على اعتبار الجميع ثلاثين يوما زيادة ثلاثة
أيام مثلا لو فرض كون الأجل ثلاثة أشهر واتفق نقصانها، اللهم إلا أن يريد انكسارها
جميعا واعتبارها هلالية باتمام كل منها بقدر الفائت منه.
وفيه حينئذ منع صدق تمام الشهر عرفا لو كان ناقصا باتمامه أربعة عشر يوما ونصف
من الشهر الآخر، ومن ذلك ينقدح الضعف في القول الأول، ولعل القول باتمامه هلاليا بأن
يؤخذ نصف الهلالي الثاني مكملا به الشهر الأول وإن كان ناقصا أولى في الصدق العرفي
إلا أنه لما كان الثاني غير معلوم هلاله ناقصا أو تاما، وكان الأصل عدم خروج الهلال
والأصل عدم الحلول، وجب الاقتصار في نصفه قبل إن يتبين على الخمسة عشر، وهكذا
316

الثلث والربع، ونحوه لو كان الأجل نصف الشهر المعين.
ومن ذلك كله يظهر لك أن الاحتمالات خمسة أو أزيد. وبعضها أقوال، ولعل الأولى
من ذلك الإحالة على أقل ما يصدق عليه العرف وربما اختلف فتأمل جيدا والله أعلم،
(ولو قال إلى يوم الخميس، حل بأول خميس وأول جزء منه) لما عرفته
سابقا إذ لا فرق بينه وبين الشهر المعين (و) كيف كان ف‍ (لا يشترط) في صحة السلم
(ذكر موضع التسليم على الأشبه) الأشهر بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا (ولو كان
في حمله مؤنة) ولو كان العقد في مكان من قصدهما أو أحدهما مفارقته، لاطلاق
الأدلة الواردة في معرض البيان المؤيدة بعدم ظهور مانع سوى تخيل تفاوت الأغراض
بذلك، تفاوتا يختلف فيه الثمن في الجميع أو في بعض الأحوال وهو واضح الفساد، ضرورة
عدم اقتضاء ذلك الاشتراط إذا لم يكن عدمه مؤديا إلى جهالة في الثمن والمثمن.
ومن هنا لم يجب الاستقصاء في الوصف وإن اختلف الثمن به ولا ريب في عدم
الجهالة عرفا بترك ذكر موضع التسليم، إذ هو أمر خارج عن المبيع فالمكان حينئذ
كالزمان لا يجب التعرض له في رفع الجهالة، وإلا لوجب في النسيئة ونحوها،
ودعوى الخروج بالاجماع كما ترى، وله المطالبة به حيث شاء، إلا إذا كان هناك عرف
يقتضي الانصراف إلى مكان مخصوص فيتبع حينئذ. إذ هو حينئذ كالمشروط كما هو ظاهر
الأصحاب في المقام، ونحوه من العقود التي تنصرف إلى إرادة التسليم في بلد العقد
وإن كان للنظر فيه مجال، خصوصا إذا كان قد وقع العقد مؤجلا، وفي مكان من قصدهما
أو قصد أحدهما مفارقته.
وعلى كل حال فذلك بحث آخر خارج عما نحن فيه، فلا يقال إنه لا ينافي القول
بالاشتراط المبني قطعا على عدم الانصراف، ضرورة أنه غير متجه بناء على الانصراف،
لارتفاع الجهالة المقتضية للاشتراط بذلك، إذ الظاهر أن القول بالعدم ليس مبناه
الانصراف الذي قد يفقد، كما إذا كانا في مكان من قصدهما مفارقته أو غير ذلك، بل
317

مبناه ما ذكرنا من عدم قدح مثل هذه الجهالة بعد أن لم تكن في الثمن والمثمن فتأمل.
وكيف كان فقد ظهر لك ضعف القول باشتراطه مطلقا الذي اختاره في الدروس،
بل نسبه بعضهم إلى الخلاف، وإن كان المحكي من عبارته غير ظاهرة في ذلك قال:
(إذا كان السلم مؤجلا فلا بد من ذكر موضع التسليم، فإن كان في حمله مؤنة فلا بد
من ذكره، إلى أن قال: الصحيح أنه يجب ذكر الموضع والمؤنة. دليلنا طريقة الاحتياط
لأنه إذا ذكر الموضع والمؤنة صح السلم بلا خلاف، وإذا لم يذكرهما لا دليل على صحة
هذه) وفي التحرير نسب إليه ما عن المبسوط الذي قواه الكركي من التفصيل بين
ما يكون لحمله مؤنة فيجب، أو لا يكون كذلك فلا يجب. ووجهه كسابقه، وجوابه
يظهر مما ذكرنا، بل في السرائر أنه لم يذهب إليه أحد من أصحابنا، ولا ورد به خبر
عن أئمتنا عليهم السلام، وإنما هو أحد قولي الشافعي اختاره شيخنا، إلا تراه في استدلاله
لم يتعرض لاجماع الفرقة، ولا أورد خبرا في ذلك.
ومن الغريب مناقشته في المختلف بأنهم نصوا على اشراط الوصف وهو يتناول
المكان، لأن الأين من جملة الأوصاف اللاحقة للماهية، فتكون الأخبار دالة عليه،
ضرورة عدم إرادة ذلك من الوصف المعتبر في المسلم فيه الذي قد عرفت أن اعتباره
لرفع الجهالة التي لا فرق بين السلم وغيره، وفرض احتياج الحمل إلى المؤنة
لا يوجب التعيين، خصوصا مع انصراف العقد بناء عليه، بل وأن ينصرف إذ المرجع
حينئذ في ذلك إلى الشرع، ولعل قواعده تقتضي وجوب الحمل إلى المسلم، لأنه يستحق
التسليم على المسلم إليه من حيث المعاوضة، فيجب الحمل حينئذ مقدمة إلا إذا
استلزمت قبحا يسقط التكليف بها معه، ويحتمل عدم الوجوب، للأصل فيبقى في ذمته
على نحو الأمانة.
وأما التفصيل بين ما كانا في مكان من قصدهما أو أحدهما مفارقته، برية كان
أو غيره، وعدمه فيجب التعيين في الأول، دون الثاني وهو القول الرابع فكان مبناه
318

عدم انصراف العقد حينئذ، فيتحقق الجهالة، وفيه ما عرفت. ومنه يظهر ضعف القول
بالتفصيل بين ما كان في حمله مؤنة أو كانا في مكان من قصدهما مفارقته وعدمهما،
فيجب مع واحد منهما، ولا يجب مع عدمه، وحينئذ فالأقوى ما عرفت، وحينئذ
يكون كالحال الذي قطع في المسالك بعدم الاشتراط فيه، وأنه ليس محلا للخلاف
فيكون حينئذ كغيره من البيوع يستحق المطالبة به في محل العقد أو في محل المطالبة
إن فارقاه هذا.
وفي المسالك أن المعتبر في تشخص المكان ذكر محل لا يختلف الحال في جهالة
وأجزائه عرفا كالبلد المتوسط فما دونه، والقطعة من الأرض كذلك، بحيث لا يفرق
بين أجزائها ولا يحصل كلفة زائدة في جهة منها دون جهة. لا مطلق البلد، ولا
الموضع الشخصي الصغير، وفيه أنه يمكن القول بصحة الأول بناء على عدم اشتراط
موضع التسليم، بل والأخير إذا كان فيه غرض معتد به، لعموم المؤمنون عند
شروطهم (1) وقد يدفع الأول بأنه وإن قلنا بعدم الاشتراط إلا أنه مع التعرض له
تجب المعلومية لأنه إذا كان مجهولا أفسد العقد، باعتبار عود جهالته إلى غيره
بخلاف ما إذا لم يتعرض له كما أنه قد يدفع الثاني بأن الفرض فيه عدم الغرض المعتد بها
والأمر سهل.
(المقصد الثالث في أحكامه وفيه مسائل)
(الأولى: إذا أسلف في شئ لم يجز بيعه قبل حلوله) لا لعدم ملكيته قبل الأجل
ضرورة عدم مدخلية فيها. إذ العقد هو السبب في الملك، والأجل إنما هو للمطالبة،
ولا لعدم القدرة على التسليم إذ من المعلوم أنها في المؤجل عند الأجل. ولا لغير ذلك من

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4
319

الأمور المعلوم بطلانها - بل للجماع المحكي في التنقيح وظاهر الغنية وجامع المقاصد
وغيرهما وعن كشف الرموز إن لم يكن محصلا، بل لعله كذلك ولا يقدح ظاهر ما في الوسيلة
قال: (وإذا أراد أن يبيع المسلف ما أسلف فيه من المستسلف عند حلول الأجل أو قبله
بجنس ما ابتاعه بأكثر مع الثمن الذي ابتاعه لم يجز ومن باع بجنس غير ذلك جاز)
بعد سبقه بالاجماع ولحوقه به فضلا عن خلاف بعض متأخري المتأخرين في ذلك
لعمومات البيع ونحوها، مما لا يخفى على أصاغر الطلبة فضلا عن رؤساء الدين والمحامين
عن شريعة سيد المرسلين.
(و) أما أنه (يجوز بعد حلوله) وقبضه، فلا خلاف فيه ولا اشكال، بل
الأقوى الجواز (وإن لم يقبضه على من هو عليه وعلى غيره) بجنس الثمن ومخالفه
بالمساوي له أو بالأقل أو بالأكثر ما لم يستلزم الربا، سواء كان المسلم فيه طعاما
أو غيره مكيلا أو موزونا أو معدودا أو غيره، لاطلاق الأدلة وعمومها، وخصوص مرسل
أبان (1) عن الصادق عليه السلام (في رجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل
الطعام، فيقول: ليس عندي طعام، ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه فقال: لا بأس
بذلك) وموثق ابن فضال (2) (كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام الرجل يسلفني الطعام فيجئ
الوقت وليس عندي طعام، أعطيه بقيمته دراهم، قال: نعم).
وخبر علي بن محمد (3) (قال: كتبت إليه رجل له على رجل تمر أو حنطة أو شعير، فلما
تفاضاه قال: خذ بمالك عندي دراهم، أيجوز ذلك أم لا فكتب عليه السلام: يجوز ذلك عن تراض
منهما) وخبر العيص بن القاسم (4) عن الصادق عليه السلام (قال: سألته عن رجلا أسلف رجلا

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 5 - 8
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 5 - 8
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 11 - 6
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 11 - 6
320

دراهم بحنطة حتى حضر الأجل لم يكن عنده طعام، ووجد عنده دوابا ورقيقا ومتاعا أيحل
له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه؟ وقال: نعم يسمى كذا وكذا بكذا وكذا صاعا) بناء على أن
المراد بذلك كله خصوصا الأخير البيع لا الوفاء بدونه، وقصورها سندا أو دلالة منجبر
بالشهرة المحكية والمحصلة، كما أن اختصاص مواردها بالبيع على من له عليه غير قادح
بعد تتميمه بما في الرياض من أنه لا قائل بالفرق بين الطائفة.
وإن كان قد يناقش بما في التنقيح من الاجماع على صحة بيع السلم بعد حلوله
قبل قبضه على من هو عليه، أما على غيره ففيه خلاف، قال الشيخ يصح، ومنعه ابن إدريس
وهو كذلك، لأنه في السرائر في باب السلم بعد أن حكى عن الشيخ الجواز مطلقا قال:
قد حررنا القول في بيع الدين وقلنا: إنه لا يجوز إلا على من هو عليه، وشرحناه وأوضحناه
في باب الديون بما لا طائل في إعادته، فجعل ما نحن فيه من جزئيات تلك المسألة
وكيف كان ففي الرياض أنه قد خالف في ذلك الشيخ في التهذيب حيث منع
من البيع بالدراهم إذا كان الثمن الأول كذلك، لخبر علي بن جعفر (1) قال (سألته عن
الرجل له على الآخر تمر أو شعير أو حنطة يأخذ بقيمته دراهم قال: إذا قومه دراهم
فسد، لأن الأصل الذي اشترى به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم) قال: وضعف سنده يمنع من
العمل به مع احتماله. ككلام التهذيب الحمل على صورة التفاوت بالزيادة والنقيصة،
كما فهمه الجماعة، ولذا لم ينسبوا إليه القول الأول بالمرة، بل نسبوه إلى هذا القول
وله فيه موافق من الطائفة، كالإسكافي والعماني والقاضي وابن حمزة والحلبي وابن
زهرة، وادعى في الدروس أنه مذهب الأكثر، وعن الحلبي دعوى الاجماع عليه، وهو ظاهر
الغنية. واختاره جمع من تأخر.
قلت: بل هو مال إليه في الرياض للاجماع المحكي والنصوص المستفيضة

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 12
321

كصحيح محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام (قال: قال: أمير المؤمنين عليه السلام من
اشترى طعاما أو علفا إلى أجل، فإن لم يجد شرطه وأخذ ورقا لا محالة قبل أن يأخذ شرطه
فلا يأخذ إلا رأس ماله لا يظلمون ولا يظلمون) وصحيحة الآخر (2) عنه أيضا (قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعطى رجلا ورقا في وصيف إلى أجل مسمى،
فقال له صاحبه: لا أجد لك وصيفا خذ مني قيمته وصيفك اليوم ورقا فقال: لا يأخذ
إلا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة ولا يزداد عليه شيئا).
وصحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام (أنه سئل عن الرجل يسلف في الغنم ثنيان
وجذغان وغير ذلك إلى أجل مسمى قال: لا بأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه
يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثا أو ثلثيها ويأخذ رأس ماله ما بقي من الغنم دراهم) وصحيح
يعقوب بن شعيب (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلف في الحنطة والتمر بماءة
درهم فيأتي صاحبه حين يحل الذي له فيقول: والله ما عندي إلا نصف الذي لك فخذ
مني إن شئت بنصف الذي لك حنطة وبنصفه ورقا فقال: لا بأس إذا أخذ منه الورق
كما أعطاه).
وفيه أن الاجماع المحكي موهون بمصير أكثر المتأخرين إلى خلافه، بل ادعى
جماعة كما قيل عليه الشهرة مع أن الموجود في الغنية (فإذا حل جاز بيعه من المسلم إليه
بمثل ما نقد فيه وبأكثر منه من غير جنسه، ومن غير المسلم إليه بمثل ذلك. وأكثر
منه من جنسه وغيره بدليل اجماع الطائفة، وظاهر القرآن، ودلالة الأصل إلا أن يكون المسلم فيه طعاما فإن بيعه قبل قبضه لا يجوز اجماعا على ما قدمناه)
وهو صريح في التفصيل بين بيعه على من هو عليه، وعلى غيره كظاهر ما سمعته
سابقا من الوسيلة، والمحكي من عبارة أبي الصلاح في المختلف خال عن الاجماع،

(1) الباب 11 من أبواب السلف الحديث 15 - 9 - 161
(2) الباب 11 من أبواب السلف الحديث 15 - 9 - 161
(3) الباب 11 من أبواب السلف الحديث 15 - 9 - 161
(4) الباب 11 من أبواب السلف الحديث 15 - 9 - 161
322

وظاهر في غير المنقول عنه، قال: العقد يقتضي تسليم المعجل وتأخير المؤجل،
وتسليمه عند حلول أجله سواء كان التأخير مشروطا في البيع أو الثمن فإذا حل ولم
يكن عنده عين ما عقد عليه، فعليه احضاره، ويصح إقامة العروض عنه من غير جنسه، ولا
يجوز له ابتياعه من مستحقه بمثل ما باعه منه في الجنس ولا بزيادة عليه نقدا، ولا نسيئة
ولا نقله إلى سلف آخر، ويجوز له ابتياعه بغير ما قبضه منه نقدا، وهو كما ترى ظاهر
في المنع حتى بالمماثل.
نعم حكاه عنه في المختلف أيضا أنه قال بعد كلام طويل: ولا يجوز لمن أسلم
في متاع أن يبيعه من مستسلمه ولا غيره قبل أجله، فإذا حل أجله جاز بيعه منه بمثل
ما نقد، وأكثر منه من غير جنسه، ومن غير المستسلم بمثل ذلك وأكثر منه من جنسه
وغيره، وهو كالغنية والوسيلة، ولعل حجته على التقدير الأول خبر علي بن جعفر (1)
السابق فإنه قد اعترف في المختلف بدلالته على ذلك، فكان نسبة هذا القول إليه أولى
مما في الرياض من نسبته إلى تهذيب الشيخ كما سمعت، مع أن المحكي من عبارة
التهذيب في المختلف صريحة في خلافه، ولذا لم ينسبه إليه فيه، بل جعله من
القائلين بالمنع من الزيادة فلاحظ وتأمل جيدا.
نعم قد حكى عن مبسوطه في المختلف أنه قال إذا حل عليه طعام بعقد السلم فدفع
إلى المسلم دراهم نظر، فإن قال: خذها بدله الطعام لم يجز، لأن بيع المسلم قبل
القبض غير جائز، سواء باعه من المسلم إليه أو من الأجنبي اجماعا، وحكى عنه أيضا
أنه لو كان له طعام من سلف وعليه مثله من سلف آخر فأحاله بما عليه لا يجوز، لأن
بيع التسلم لا يجوز قبل القبض اجماعا، وظاهره عدم الجواز قبل القبض مطلقا،
وحينئذ تكون الأقوال ستة أو سبعة، والصحيح منها ما ذكرناه.

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 12
323

والمراد من خبر محمد بن قيس (1) بعد الاغضاء عن الاضطراب في متنه على ما
في التهذيب وغيره أن المسلم إذا لم يوجد شرطه لآفة في المسلم فيه أو لعدم مطالبته
به إلا بعد انقطاعه، ولم يرد الانتظار إلى زمن حصول شرطه بل أراد الورق، فليس له
أن يأخذ إلا رأس ماله، لا يظلم ولا يظلم، فيفسخ العقد حينئذ ويسترد الثمن، لا أن
المراد بيعه عليه برأس ماله وكذا صحيحه الآخر، ومما يؤيد ذلك أن الخصم لا يعين
ذلك عليه في مفروض البحث، إذ يجوز له عنده بيعه بغير الجنس بما يساوي الثمن
أضعافا مضاعفة، من أن الخبر قد تضمن أنه ليس له إلا ذلك كما هو واضح.
وأما صحيح الحلبي (2) فلا دلالة فيه أصلا ضرورة عدم البأس فيما تضمنه بعد
التراضي منهما، مع أنه لم يعلم أن رأس مال المسلم فيه دراهم، ولا تعرض فيه للزيادة
والنقيصة وبالجملة هو غير ظاهر في إرادة البيع وصحيح يعقوب (3) يمكن حمله على
إرادة السؤال عن جواز الفسخ في البعض ولو مع التراضي، فأجابه عليه السلام بأنه
لا بأس به إذا أخذ منه كما أعطاه حتى لا يترتب عليه الربا، لا أن المراد أن بيعه عليه
بذلك، إذ لا يتصور ترتب الربا عليه بعد أن كان في ذمة المسلم إليه الحنطة والتمر
أو غير ربوي كالإبل ونحوها، لا الدراهم التي هي ثمنهما.
ومنه يعلم أنه لا وجه للإشارة بآية الربا إلى ذلك في الخبر الأول، وأنه لا بد
من حمله على ما قلنا، وبذلك يظهر لك ضعف هذه عن الأدلة المعارضة لها من الأصل
والعمومات، وخصوص النصوص السابقة التي قد يناقش فيها بأن ما فيها من الوفاء
لا البيع، فلا تدل على المطلوب فيها أيضا، لكن لا يخفى بعد امكان منع هذه المناقشة
فيها بظهورها سيما بعضها في غير ذلك أن الأصول والعمومات كافية في الصحة، فميل
الفاضل في الرياض إلى القول بعدم الجواز في البيع بالجنس مع الزيادة في غير محله قطعا.

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 15 - 1 - 16
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 15 - 1 - 16
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 15 - 1 - 16
324

وأما البيع بغير الجنس زاد أو نقص فلا خلاف في جوازه، وفي المختلف أنهم
قد أجمعوا عليه، وفي الرياض (أنه لا ريب فيه وفي البيع بالجنس مع عدم الزيادة فتوى
ورواية) قلت: قد سمعت كلام أبي الصلاح وإن كان لا ريب في ضعفه، وعلى كل حال
فقد ظهر لك قوة القول بالجواز مطلقا، كما أنه قد ظهر لك بمقتضى اطلاق الأدلة وخصوص
بعضها عدم الفرق في ذلك بين كون المسلم فيه مكيلا وموزونا بين غيرهما، ولا بين
كونه طعاما وغيره، فما سمعته من الغنية هنا من الاجماع على عدم الجواز في الطعام
في غير محله، ولعل مبناه ما تقدم سابقا في مبحث القبض من قول بعضهم بالمنع عن
بيع المبيع إذا كان مكيلا أو موزونا قبل قبضه، ومن آخرين منهم ابن زهرة في خصوص
الطعام منهما.
لكن قد تقدم لك هناك ضعفهما وضعف غيرهما، مع أنه يمكن القول به هنا وإن
لم نقل به هناك، للأدلة الخاصة الحاكمة على غيرها، وخصوص مواردها بمن عليه
غير قادح بعد عدم الدليل الصالح للفرق، بل لولا التسامح في دليل الكراهة لأمكن
المناقشة في ثبوتها في الطعام، فضلا عن مطلق المكيل والموزون، وفضلا عن غيرهما
كما هو مقتضى اطلاق قوله في المتن (على كراهة) لعدم الدليل.
بل لعل ظاهر أدلة المقام عدمها في المبيع على من هو عليه، لكن للتسامح
فيها يمكن القول بها، ولو لاحتمال الاندراج فيما تقدم في ذلك المقام، وللخروج
عن شبهة الخلاف في الطعام، والاجماع المدعى عليه هنا، ولغير ذلك وعلى كل
حال فقد اتضح بذلك كله أنه يجوز بيعه قبل قبضه بأزيد من رأس المال أو أنقص.
(وكذا يجوز بيع بعضه) كذلك (وتوليته وتولية بعضه) والشركة فيه وفي بعضه
لعدم الفرق بين الجميع في مقتضى بعض الأدلة السابقة، خلافا للمحكي عن الشافعي
فلم يجوز للمسلم أن يشرك غيره في السلم. فيقول له شاركني في نصفه بنصف الثمن ولا
أن يوليه، فيقول ولني جميعه بجميع الثمن، ونصفه بنصف الثمن لأنها معاوضة في المسلم فيه
325

قبل قبضه، فلم يجز كما لو كانت بلفظ البيع، وهو كما ترى، لا يقال إن اطلاق الأصحاب هنا
الجواز مبني على ما ذكروه في باب القبض من منع بيع المبيع قبل قبضه إذا كان مكيلا
أو موزونا أو إذا كان طعاما خاصة، أو إذا لم يكن البيع تولية على اختلاف الأقوال السابقة
وكان الاطلاق هنا لرفع المنع من حيث كونه دينا، لا مطلقا، فيبقى المنع من حيث
كونه مبيعا قبل قبضه على البحث السابق فيه، كما هو صريح الكركي وثاني الشهيدين.
لأنا نقول: أولا قد بان لك في ذلك المبحث ضعف الجميع، وأن الأقوى القول
بالجواز مع الكراهة هناك، وثانيا أنه يمكن الفرق بين المسألتين باعتبار الأدلة الخاصة
هنا كما جزم به المحدث البحراني في حدائقه فقال بالمنع هناك وبالجواز هنا، محتجا
باختلاف موضوع المسألتين في نصوص المقامين لاتفاقها هنا على البيع على من عليه
وهناك على البيع على غيره.
قلت وربما يؤيده ملاحظة بعض كلماتهم في المقامين، ولولا خوف الاطناب -
وأنه لا فائدة مهمة في ذلك، إذ الظاهر الجواز على التقديرين: أي سواء قلنا بكون
المسألتين من سنخ واحد من حيث البيع قبل القبض، أو مختلفين في ذلك على معنى
اختصاص المنع على القول به في غير السلم دونه - لنقلنا جملة منها فلاحظ وتأمل، والأمر
سهل (و) كيف كان ف‍ (لو قبضه ثم باعه زالت الكراهة) وهو واضح والله أعلم.
المسألة (الثانية) لا خلاف في أنه (إذا دفع المسلم إليه) المسلم فيه
(دون الصفة) أو المقدار المشترطين فيه لا يجب على المسلم قبوله، وإن كان أجود
من وجه آخر لأنه ليس نفس حقه مع تضرره به (و) لو (رضي المسلم) به (صح وبرئ)
المسلم إليه مما كانت ذمته مشغولة به (سواء شرط) المسلم إليه (ذلك لأجل
التعجيل) إذا كان قد دفعه قبل الأجل (أو لم يشترط) بل في الغنية يجوز التراضي
على تقديم الحق عن أجله بشرط النقص منه، بدليل الاجماع وقال: أبو بصير (1) (سألت

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب السلف الحديث 2
326

أبا عبد الله عليه السلام عن السلم في الحيوان قال: ليس به بأس قلت: أرأيت إن أسلم
في أسنان معلومة، أو شئ معلوم من الرقيق فأعطاه دون شرطه أو فوقه بطيبة النفس
قال: لا بأس) ومعاوية (1) سألته أيضا عن الرجل أسلف في وصفاء أسنان معلومة
وغير معلومة، ثم يعطى دون شرطه فقال: إذا كان بطيبة نفس منك ومنه فلا بأس).
والحلبي (2) سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلم في وصفاء بأسنان معلومة
ولون معلوم ثم يعطى دون شرطه أو فوقه؟ فقال: إذا كان عن طيبة نفس منك ومنه فلا بأس)
وسأل يعقوب بن شعيب (3) أبا جعفر أو أبا عبد الله عليهما السلام (عن الرجل يكون لي عليه جلة
من بسر فأخذ منه جلة من رطب مكانها: وهي أقل منها قال: لا بأس قال: قلت:
فيكون لي عليه جلة من بسر فأخذ مكانها جلة من نمر وهي أكثر منها قال: لا بأس
إذا كان معروفا بينكما) إلى غير ذلك من النصوص الدالة على الجواز مع التراضي
المؤيدة بأنه لا بأس في اسقاط حقه من الوصف ومن المقدار وغيرهما مما اشترطه.
ومن هنا صرح غير واحد بعدم البأس مع التراضي لو دفع له غير الجنس أيضا
وهو جيد إلا أن الظاهر كون الفرق تحقق الوفاء بنفس المدفوع الفاقد للوصف الذي
اشترط في المسلم فيه، زائدا على ما ارتفع به الجهالة من الوصف، بل وكذا ما
ارتفع بها منه، لأنه بعد اسقاط الحق من الوصف المشترط يصدق المسلم فيه حينئذ
على المدفوع، بخلاف ما إذا كان المدفوع من غير الجنس، فإن تحقق الوفاء
به كالمعاوضة وقد يحتمل قويا كون الجميع كذلك، خصوصا إذا كان الوصف مما ارتفع به
الجهالة، والاتحاد في الجنس غير كاف، ضرورة عدم صدق المسلم فيه على الجارية
السوداء المدفوعة عوض البيضاء التي هي المسلم فيها، وإنما هو تراض على المعاوضة
بذلك فتأمل جيدا فإنه قد تترتب ثمرات على ذلك.

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب السلف الحديث 4 - 1 - 7
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب السلف الحديث 4 - 1 - 7
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب السلف الحديث 4 - 1 - 7
327

منها - وجوب الدفع مع رضا صاحب الحق بما هو دون الوصف على الأول،
بخلاف الثاني، وربما يفرق بين الأوصاف، فلا يجب فيما كان منوعا منها دون غيره
الذي يراد منه ثبوت الاستحقاق لذي الوصف، ثم على تقدير الوجوب في الأول الظاهر
بقاء استحقاقه المطالبة أيضا بالفرد الأول، ومجرد رضاه بدون قبض لا يسقط استحقاقه
الأول، إذ هو ليس كحق الخيار والشفعة. وحينئذ فيكون مراد المصنف وغيره بالبراءة
مع الرضا في صورة ما لو قبضه راضيا به عوض الحق، لا المراد سقوط حقه بمجرد
الرضا. وإن رجع قبل القبض مع احتماله وإن كان بعيدا (وإن أتى) المسلم إليه
(ب‍) المسلم فيه على (مثل صفته) التي اشترطت (وجب) على المسلم مع عدم
العذر (قبضه أو ابراء المسلم إليه) مما اشتغلت ذمته كما تقدم الكلام في ذلك
(و) في أنه (لو أبى) المسلم عنهما (قبضه الحاكم إذا سأل المسلم إليه ذلك)
مفصلا في بحث النقد والنسيئة فلاحظ وتأمل (و) أما (لو دفع فوق الصفة)
بمعنى الجامع للأوصاف المشترطة عليه مع زيادة أو الفرد الأعلى من مصداق الصفة
(وجب قبوله) بلا خلاف معتد به ولا اشكال لتحقق المسلم فيه بذلك، ضرورة عدم منافاة
الزيادة فهو حينئذ من المسألة السابقة.
واشتراط طيب النفس منهما في النصوص السابقة لدفع دون الشرط أو فوقه،
يراد منه التوزيع لغلبة عدم رضا المسلم إليه بالفوق والمسلم بالدون فبين عليه السلام
(أنه لا بأس بكل منهما مع الرضا من كل منهما) نعم لو دفع ذا الصفة الحسنة عوض
ذي الصفة الردية المشترطة من النوع الواحد ولعله غير المراد هنا من العبارة - اتجه
عدم الوجوب، كما عن الأردبيلي للأصل ولأنه قد يتعلق له الغرض بما اشترطه،
وللمنة إذ الفرض استحقاق الردي لا غير، ولغير ذلك، لكن هذا إذا لم يكن المراد
من عبارة الشرط أن المسلم فيه هذا فما فوقه، لا أنه هو لا غير، فإنه يجب القبول حينئذ
وعليه بنوا وجوب قبول الجيد المدفوع عن الأردى كما سمعته فيما تقدم.
328

(و) على كل حال (لو دفع) المسلم إليه (أكثر) من المقدار المطلوب منه
(لم يجب قبول الزيادة) للأصل وللمنة التي لا يخفى ما في تحملها من المشقة،
لعدم استحقاق الزيادة، وبذلك افترق هذا عن السابق الذي هو من أفراد المسلم فيه
وإن لم يكن للمسلم الالزام به، وصحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلا (أنه سئل
عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك إلى أجل مسمى قال: لا بأس إن
لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها
أو ثلثيها ويأخذ رأس ما بقي من الغنم دراهم، ويأخذون دون شرطهم ولا يأخذون
فوق شرطهم، قال: والأكسية أيضا مثل الحنطة والشعير والزعفران والغنم) مع احتمال
إرادة رأس المال من الشرط فيه الذي لو أخذ الجاهل الفوق منه ربما ضمه إلى رأس
المال فيقع في الربا بخلاف الدون، واضطراب متنه باسقاط الدون في بعض النسخ
ولعله أصوب.
يراد منه أنه ليس لهم ما فوق لا أنه لا يجب عليهم القبول لو كان مما فرضناه، فما
عن ابن الجنيد من مساواة زيادة الصفة لزيادة العين في عدم وجوب القبول ومال
إليه المحدث البحراني وتبعه فاضل الرياض واضح الضعف كما عرفت، هذا كله إذا كان
المدفوع من الجنس (أما لو دفع من غير جنسه لم يبرأ إلا بالتراضي) مع التمكن
من الجنس قطعا، لأنه معاوضة موقوفة عليه كما هو واضح والله أعلم.
المسألة (الثالثة) قد تقدم البحث في أنه (إذا اشترى كرا من
طعام) مثلا مؤجلا (بماءة درهم واشتراط تأجيل خمسين بطل في الجميع على
قول) وأنه يحتمل البطلان فيها خاصة (و) كذا (لو دفع خمسين وشرط الباقي
من دين له على المسلم إليه صح فيما دفع) قطعا (وبطل فيما قابل الدين) في

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 1
329

قول (وفيه تردد أشبهه) عند المصنف (الكراهة) كما عرفت بل وتقدم ما
يستفاد منه حكم.
المسألة (الرابعة) وهي (لو شرطا موضعا للتسليم فتراضيا بقبضه في غيره
جاز) ضرورة أنه لهما اسقاط حقهما من الشرط، (و) إن كان الموضع المشترط ما انصرف
إليه العقد شرعا نعم (إن امتنع أحدهما لم يجبر) عليه لقوله عليه السلام (1) (المؤمنون
عند شروطهم) بل وتقدم في باب الصرف ما يستفاد منه حكم.
المسألة (الخامسة) وهي (إذا قبضه) أي المسلم المسلم فيه (فقد تعين
وبرئ المسلم إليه فإن وجد به عيبا) كان له الرد بالعيب (ف‍) إذا (رده زال ملكه
عنه، وعاد الحق إلى الذمة سليما من العيب.) لكن في المسالك هنا أنه لا أرش له،
لأنه لم يتعين للحق بل وقع عوضا عن الحق الكلي مملوكا له ملكا متزلزلا يتخير معه بين
الرضا به مجانا فيستقر ملكه عليه، وبين أن يرده فيرجع الحق إلى ذمة المسلم
إليه سليما، بعد أن كان قد خرج عنها خروجا متزلا. ونبه بقوله عاد على ذلك،
حيث إن العود يقتضي الخروج بعد أن لم يكن، فإنه مصير الشئ إلى ما كان عليه بعد
خروجه، وتظهر الفائدة في النماء المنفصل المتردد بين القبض والرد، فإنه يكون
للقابض، لأنه نماء ملكه كنظائره من النماء المتجدد زمن الخيار، أما المتصل فيتبع
العين، ويتفرع عليه أيضا ما لو تجدد عنده عيب قبل الرد، فإنه يمنع من الرد لكونه
مضمونا عليه، ولم يمكنه بعده رد العين كما قبضها.
وبه قطع في التذكرة وزاد أن له حينئذ أخذ أرش العيب السابق وإن لم يكن
ثابتا لولا الطاري، فإن المنع منه إنما كان لعدم انحصار الحق فيه، حيث أنه أمر كلي
والعيب غير تام في جملة أفراد الحق. فلما طرء العيب المانع من الرد تعين قبوله،

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4
330

فصار كالمبيع المعين إذا كان معيبا فإنه يجوز أخذ أرشه، ويتعين عند مانع من رده،
وربما قيل بجواز رده هنا، لعدم تعيينه ابتداء والعيب الطاري لم يوجب تعينه. غاية
ما في الباب أن يلزم بأرشه.
قلت: ونحوه يأتي أيضا في التلف فيلزم بالقيمة لو أراد الرجوع بالبدل، وفيه
أن ذلك مناف لما سمعته منهم في باب الصرف، كما أنه مناف لمقتضى الحكم بالرد
ضرورة أنه لا دليل على الرد إلا الاندراج فيما دل عليه في المبيع، بتقريب أنه بالدفع
والقبض صار كأنه مورد العقد، إلا أنه لا يقتضي رده فسخ العقد، كما اقتضاه لو كان
المبيع معينا، باعتبار توقف عوده إلى ملك مالكه الذي هو المراد من الرد على انفساخ
العقد: بخلافه في الفرض، إذ عوده إلى ملك المالك إنما يقتضي فسخ مقتضى القبض
الذي هو السبب في ملك هذا الشخص فيبقى مقتضى العقد على حاله، وحيث كان
مبني الرد الاندراج المزبور اتجه حينئذ أن له الرجوع بالأرش، لاطلاق ما دل عليه
في المبيع.
اللهم إلا أن يقال إنه مخالف لمقتضى الأصل فيقتصر فيه على المتيقن، وهو إذا
لم يمكن تحصيل المبيع سالما كما إذا كان معينا أما إذا أمكن كما في الفرض لأن له الرد
والابدال فلا يتجه الرجوع بالأرش.
نعم لو تعيب عنده أو تلف مثلا فتعذر الرد على حسب ما أخذه كان له الأرش كما
سمعته من التذكرة، والزامه بالأرش للعيب الحادث، أو القيمة لو أراد الابدال ليس
بأولى من الزام البايع بالأرش، بل هو أولى، ولذا تعين في المبيع المعين، لكن فيه
أنه مخالف لما سمعته منهم في باب الصرف، بل لم يعرف فيه خلاف هناك.
نعم حكى هناك عن الشيخ وغيره أن له فسخ العقد أيضا، مضافا إلى الابدال
والأرش، وناقشه الفاضل فيه كما سمعته هناك مفصلا، فلاحظ وتأمل، حتى تعرف قوة
القول بالخيار هنا بين الرد والابدال، وبين الأرش، بل وتعرف أيضا فساد ما قيل هنا
331

على العبارة وما شابهها، من أن زوال الملك عند رده إنما يكون بعد ثبوته، والمعيب
ليس من المسلم فيه، فلا ينتقل عن المسلم إليه وإن عود الحق إنما يكون بعد زواله،
وهو مستلزم لأحد محذورين.
أما الحكم بالشئ مع وجود نقيضه، أو اثبات الحقيقة من دون لوازمها، وذلك
لأن الحكم بالبراءة إن كان صادقا لزم الأول، وإلا لزم الثاني، إذ لا بأس بالتزام
كون المقبوض المعيب صالحا للأداء عن الحق إذا رضي به المستحق، لأنه من جنس
الحق ومن أفراد المسلم فيه، وعيبه ينجبر بالخيار، فيتم الزوال والعود، ولا بعد في
تحقق الملك متزلزلا لمكان العيب، ومعلومية إرادة الصحيح لا تقتضي كون المسلم
فيه الموصوف بالصحة كما هو واضح، فالنماء المتخلل حينئذ بين القبض إلى حال
الرد للقابض.
ومن ذلك يظهر ما في جواب الشهيد عن ذلك في حواشيه بأن الحكم بالزوال
والعود مبني على الظاهرة حيث كان المدفوع من جنس الحق، وصالحا لأن يكون
من جملة أفراده قبل العلم بالعيب، فإذا علم بالعيب زال ذلك الملك الذي حصل ظاهرا
وإن لم يزل في نفس الأمر، فصح اطلاق الزوال والعود بهذا الاعتبار إذ قد عرفت أن
الملك حاصل ظاهرا وباطنا، غاية أمره التزلزل وهو غير مانع كنظائره، وقد تقدم لنا في
باب الصرف ما له نفع تام في المقام بل منه يستفاد كثير من أحكام.
المسألة (السادسة) وهي (إذا وجد برأس المال) المعين (عيبا فإن كان من
غير جنسه) بأن كان فضة فبان نحاسا مثلا (بطل العقد) من أصله إن كان الجميع
كذلك، وإلا فبالنسبة وله حينئذ خيار التبعيض، ولو كان العقد بكلى أبدلت إذا لم
يتفرق المجلس وإلا بطل أيضا (وإن كان) العيب في المعين (من جنسه) كالخشونة
واضطراب السكة (رجع بالأرش انشاء) قبل التفرق قطعا، وبعده على الأصح، ويحتمل
انفساخ العقد فيما قابله (وإن اختار الرد كان له) كما في غيره من الثمن المعيب
332

وينفسخ العقد، ضرورة توقف الرد إلى ملك الأول عليه. وإن كان كليا فله الأرش بناء
على المختار، وله الرد ولكن لا ينفسخ العقد، لما عرفت من أنه إنما يقتضي فسخ
مقتضى القبض.
نعم قد يقال به في المقام لا لذلك، بل لاستلزامه عدم قبض الثمن قبل التفرق
وفيه أن المقبوض المعيب ثمن، فيكفي قبضه قبل التفرق في الصحة، وإن تعقبه فسخ
مقتضى القبض بعد التفرق، بل لا يبعد لذلك عدم وجوب قبض البدل في مجلس الرد،
للأصل بعد ظهور الأدلة في غيره، كما أنه لا يجب قبض الأرش في مجلس اختياره،
باعتباره أنه كالجزء من الثمن.
وقد تقدم تحقيق كثير من هذه المطالب في باب الصرف فلاحظ وتأمل كي تعرف
الحكم في جملة أقسام المسألة، إذ العيب إما أن يكون من الجنس أو من غيره، ثم إما أن يكون في جملة الثمن أو في بعضه، ثم إما أن يظهر قبل التفرق أو بعده، ثم إما أن يكون
الثمن معينا أو كليا فالأقسام ستة عشر والله أعلم.
المسألة (السابعة إذا اختلفا) المسلم والمسلم إليه (في القبض) للثمن
(هل كان قبل التفرق أو بعده، فالقول قول من يدعي الصحة) لأصالتها فيه بعد
اعترافهما معا بحصوله، إذ هو أيضا مما يقع على وجهين.
فالأصل فيه الصحة كباقي أفعال المسلمين وأقوالهم التي تقع على وجهين، وقد رتب
الشارع أثرا على أحدهما دون الآخر، وبذلك يظهر أنه لا حاجة، أو لا وجه إلى تقرير
ذلك بأنه لما تعارض أصالة عدم القبض قبل التفرق مع أصالة عدم التفرق قبل القبض
تساقطا، فيحكم باستمرار العقد، وفي الحقيقة لا نزاع بينهما في أصل الصحة، وإنما
النزاع في طرو المفسد، والأصل عدمه، إن لم يرجع إلى ما ذكرنا الذي من الواضح
الفرق بينه وبين ما لو اختلفا في أصل قبض الثمن، فإن القول قول منكر القبض
فيه وإن تفرقا، واستلزم بطلان العقد، لأن الأصل عدمه فلا يجري أصل الصحة المتوقف
333

على ثبوت الموضوع ذي الوجهين، ويقع الشك في صحته، وأصالة صحة العقل لا تقضى
بثبوت ما كان مقتضى الأصل عدمه من الشرائط المتأخرة، وأصالة عدم طرو المفسد
معارضة بأصالة عدم وجود المصحح.
ونحو ذلك تجري في قبض الصرف، إذ المسألة من واد واحد، إلا إذا قلنا
هنا بأن التفرق قبل القبض مانع، لا أن القبض قبله شرط، بخلافه في الصرف فإنه يتم
حينئذ التمسك باستصحاب أثر العقد ما لم يعلم المانع فتأمل جيدا، ولو أقام كل منهما
في مفروض المتن بينة بنى على تقديم بينة الداخل وهو هنا مدعى الصحة أو الخارج
لكن الفاضل هنا قدم الأول لقوة جانبه بأصالة عدم طرو المفسد، ولأن دعواه مثبتة و
الأخرى نافية، وبينة الاثبات مقدمة، وهو كما ترى، خصوصا الأخير ضرورة كون
البطلان اثباتا أيضا كما هو واضح.
(و) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه (لو قال البايع قبضته) أي الثمن (ثم
رددته إليك قبل التفرق) وأنكر المشتري ذلك بمعنى عدم القبض أصلا فضلا عن
الرد (كان القول قوله) أي المشتري (مع يمينه) لا البايع كما في القواعد
والدروس (مراعاة لجانب الصحة) التي قد عرفت احتياج جريان أصلها إلى وجود
الموضوع المدعى عدمه، كما هو مقتضى الأصل، بل هذا عين المسألة السابقة التي
قد ذكرناها، وقلنا فيها أن القول قول منكر القبض أصلا، ولو فرض كون الانكار لما
قبل التفرق خاصة، على معنى الاعتراف بقبضه والرد لكن بعد التفرق، كان عين
المذكور في المتن سابقا، ولا ثمرة معتد بها لإعادته، كما أنه لا وجه لفرض الانكار
فيه للرد خاصة ضرورة أن القول قوله فيه لا البايع، فضلا عن تعليله بمراعاة الصحة
وحينئذ فما في المسالك في شرح العبارة لم يظهر لنا وجهه قال: (المراد أنها
اتفقا الآن على كون الثمن في ذمة المشتري أو عنده، ولكن اختلفا في كون ذلك
على وجه مفسد للعقد بأن لا يكون تقابضا أصلا أو على وجه مصحح بأن يكون البايع
334

قبضه ثم رده إليه والمصنف هنا قدم قول البايع ترجيحا لجانب الصحة، مع أن
الأصل عدم القبض أيضا، وتحقق صحة العقد سابقا كما مر ويمكن أن يقال حينئذ
تعارض الأصلان، فيحصل الشك في طرو المفسد والأصل عدمه فيتمسك بأصل
الصحة لذلك.
وفيه ما عرفت سابقا من أن ذلك لا يستقيم على فرض كون القبض قبل التفرق
شرطا، لأن أصالة صحة العقد لا تقتضي بوجود ما يقتضي الأصل عدمه من الشرائط
المتأخرة كما عرفت. نعم قد يقال: الاختلاف هنا كالاختلاف في السابقة في كون
القبض قبل التفرق أو بعده، ولكن أعادها لبيان أنه لا فرق في حكم هذا الاختلاف
بين كون الثمن في يد البايع أو يد المشتري، إذ ظهور اليد في الملك بعد اعترافه هنا
بوقوع القبض لكن بعد التفرق غير مجد.
وحينئذ فلا وجه لما في المسالك حيث قال بعد الكلام السابق: (ويبقى
في المسألة شئ، وهو أن دعوى البايع الرد غير مقبولة كنظائرها، إذ لا دخل له في
الصحة، وإنما قدم قوله في أصل القبض مراعاة لجانبها، وحينئذ فمع قبول قوله في
القبض هل له مطالبة المشتري بالثمن، يحتمل عدمه لما قلناه من عدم قبول قوله
في الرد مع اعترافه بحصول القبض، ويحتمل جواز المطالبة لاتفاق المتبايعين على
بقاء الثمن عند المشتري الآن، أما على دعوى البايع فظاهر، وأما على دعوى المشتري
فلاعترافه بعدم القبض، فإذا قدم قول البايع في صحة العقد ألزم المشتري بالثمن،
ويشكل بأن المشتري حينئذ لا يعترف باستحقاق الثمن في ذمته لدعواه فساد البيع
فلا يبقى إلا دعوى البايع، وهي مشتملة على الاعتراف بالقبض ودعوى الرد، وهي
غير مقبولة في الثاني والمسألة موضع اشكال ولعل عدم قبول قوله في الرد أوجه)
وهو من غرائب الكلام خصوصا إذا كان الثمن الذي اتفقا عليه معينا، ويد
المالك بعد استنادها فيه إلى بقاء الملك السابق الذي قطعه دعوى البايع الذي فرض
335

تقديمها على دعواه، لا تجدي، ولو كان الاختلاف في المسلم فيه أنه حنطة مثلا أو شعير
تحالفا وفي قدره أو قدر الثمن أو قدر الأجل فالقول قول منكر الزيادة، أما لو اختلفا في
الحلول فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر، ولو اختلفا في اشتراطه فالقول قول منكره
بناء على صحته حالا، وفي القواعد ومحكي التذكرة (الأقرب أن القول قول مدعيه أن
كان العقد بلفظ السلم على اشكال، وعلى قولنا بصحة الحال فالاشكال أقوى)، وقد
أشكل على بعض الشارحين فهم هذه العبارة، ولعله بناء منهم على عدم صحة السلم
بلا أجل وأن الفاضل ممن لا يقول بذلك، وعلى ما قلناه سابقا من أن النزاع فيه فالمراد
واضح، والله أعلم.
المسألة (الثامنة: إذا حل الأجل) وكان المسلم فيه منقطعا لآفة ونحوها
(وتأخر التسليم لعارض) لا لتقصير من المسلم (ثم طالب) به (بعد انقطاعه كان بالخيار
بين الفسخ والصبر) بلا خلاف أجده في الأخير، بل ولا اشكال، لأن مورد العقد
الذمة، والأجل إنما هو للتسليم، فاحتمال الانفساخ كما عن أحد قولي الشافعي لكونه
كالمبيع التالف قبل قبضه، في غاية الضعف، لمخالفته للأصل والنص والفتاوى كاحتمال
تعين دفع قيمة عوضه، فيلزم بها المسلم لأنها البدل عن كل معتذر، بل هو أضعف من
الأول لعدم الخطاب الآن بالعين كي ينتقل إلى القيمة لتعذرها، بل التعذر مسقط لأصل
خطاب الدفع.
ودعوى أن ذلك من خطاب الوضع لا التكليف واضحة المنع، فلا ريب حينئذ
في أن له الصبر إلى وجود المسلم فيه، بل عينه الحلي عليه، ولم يجوز له الفسخ
لأصالة اللزوم، إلا أن قاعدة عدم الوفاء بالشرط كما في المختلف والشهرة بقسيمها
على خلافه، بل ربما أشعر نسبته في الدروس إلى الندرة، وفي غيرها إلى الخطأ
336

بالاجماع عليه، بل في المختلف (أنه لم يوافقه عليه أحد من علمائنا، ولا أظن أحدا
أفتى به.
وفيه أيضا، أن أقوال الفقهاء متطابقة على تسليط المشتري على الفسخ، وعموم
الكتاب، لعدم حصول التراضي إذا تعذر المسلم فيه، والأحاديث متظافرة بذلك).
وحاصل مراده الرد على الحلي بأن الكتاب والسنة والاجماع على ذلك وفي
موثق ابن بكير (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أسلف في شئ يسلف
الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه، قال: فليأخذ رأس ماله أو لينظره)
بل قيل: إنه يدل عليه الأخبار المستفيضة المتقدم أكثرها سابقا في بيع السلف بعد حلوله فإنها
وإن لم تكن ظاهرة في انقطاع المسلم فيه، إلا أنها إذا جوزت الفسخ مع عدمه، فمعه
بطريق أولى، وفيه أن المستفاد منها بعد ملاحظتها جميعا وارجاع مطلقها إلى مقيدها
جواز أخذ رأس المال إذا عجز المسلم إليه خاصة عن الأداء، وظاهرها كون ذلك
مرادا للبايع مسؤولا له، وأنه كالاحسان من المشتري إليه، بل قد عرفت أن المحكي
عن الأكثر كون المراد منها المعاوضة عن المسلم إليه بقدر رأس المال لا الفسخ.
وعلى كل حال فهي غير ما نحن فيه من أن له الفسخ قهرا رضي البايع به أو لا،
والأولوية المزبورة فرع القول بالأصل، وهو ممنوع، لأصالة اللزوم، إذ المسلم إليه
إن وصل عجزه إلى حد الاعسار شرعا، فالحكم الأنظار إلى الميسرة، بل الفسخ غير
مفيد، وإلا فالمتجه أن له الزامه به كغيره من الديون، ولعله لذلك كله أو بعضه توقف في
الاستناد إلى هذه النصوص لاثبات هذا الحكم في الرياض.
لكن قد يقال: بمنع ظهور بعضها في كون الفسخ بالتراضي منهما، خصوصا نحو

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 14
337

صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام (لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سميت الذي تسلم
فيه ووصفته، فإن وفيته وإلا فأنت أحق بدراهمك) بل الظاهر أن مدار الفسخ فيها
على قاعدة الشرائط، ضرورة كون الأداء في الوقت المخصوص منها، فالمتجه جعل
المدار فيه على ذلك، وقد تقدم لنا سابقا أن المتجه أولا جبره على أداء الشرط، ومع
التعذر يتسلط على الفسخ. وقد مضى تحقيق الحال فيه فلاحظ وتأمل جيدا، فإنه قد
يمنع استفادة الشرطية من ذلك على الاطلاق، وإلا لثبت مثله في النسيئة على أن
المراد من اشتراط الأجل هو عدم استحقاق المطالبة إليه فيعود الاستحقاق الذي هو
حاصل من مقتضى العقد.
نعم قد يقع على جهة الشرطية فيترتب عليه الخيار حينئذ من هذه الجهة، فالعمدة
في ثبوت الخيار هنا إنما هو من جهة النصوص والفتاوى، ثم إن الظاهر عدم الفرق
في الخيار المزبور بين كون التأخير لتفريط من البايع وبين غيره كما إذا لم يطالبه به
المشتري حتى انقطع، نعم قد صرح غير واحد بسقوط الخيار لو كان بتقصير من المشتري
بمعنى أنه عرض عليه فامتنع عن القبض، ولعله كذلك لأصالة اللزوم، وكونه السبب في
ادخال الضرر على نفسه فلا يندرج في اطلاق الخبر المزبور.
وكيف كان ففي حواشي الشهيد عن السيد العميد أن له مضافا إلى الفسخ والصبر
المطالبة بقيمة المسلم فيه عند الأداء واستحسنه في المسالك، ومحكي الميسية، بل
جزم به في الروضة كما مال إليه في الرياض، لأنها البدل عند تعذر الحق، فهو كتلف
المثلى الذي يتعذر مثله فإنه ينتقل إلى القيمة، وفيه أولا أنه خلاف ظاهر النص، بل
والأصحاب كما عن القطيفي الاعتراف به، بل صرح بعدمه الكركي في حاشية الارشاد
في شرح قوله فيه، ولو أخر التسليم فللمشتري الفسخ أو الالزام قال: (ظاهر العبارة

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 17
338

مشكل. لأن تأخر التسليم إما أن يكون مع وجود المسلم فيه وامكان تسليمه فليس
للمشتري فسخ، بل له الزامه بالتسليم أو مع انقطاعه وتعذر تسليمه، وحينئذ يتخير
بين الفسخ وأخذ الثمن أن كان باقيا أو مثله في المثلى والقيمة في غيره، وبين الصبر
إلى قابل، وليس له الزامه بشئ حينئذ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون تعذر التسليم
بتفريط المسلم إليه بأن أخره حتى أنقطع أو لا، وليس له في شئ من ذلك الزامه
بالقيمة، لكن يجوز المعاوضة عليه بالتراضي (إلى أن قال) ومن حملها على أن المراد
إذا أخر البايع التسليم حتى أنقطع المسلم فيه بتفريطه، يتخير المشتري بين الفسخ
والالزام بقيمة يومئذ).
فقد أغرب لبعد الحمل عن العبارة، وفساد الحكم في نفسه، إذ ليس له الزامه
بالقيمة في المذكور إلا بالتراضي كما قدمناه.
وكيف كان فالعبارة مشكلة والحكم أشكل، وهو صريح فيما ذكرنا، وإن كان
لا يخلو من نظر إذا كان التأخير بتفريط من البايع كما أنه لا يخلو من نظر في أصل
اشكال العبارة، إذ يمكن حملها على إرادة الصبر من الالزام فيها، بل هو متعين بملاحظة
فتواه في باقي كتبه.
نعم ما ذكره من عدم الالزام بالقيمة جيد مع عدم التقصير من البايع، إذا كان عدم
الأداء لانقطاع المسلم فيه بآفة سماوية ونحوها، إذ لا خطاب بالأداء أصلا كي ينتقل إلى
القيمة، فأصل وجود المسلم فيه مقدمة لوجوب أدائه فيسقط بعدمها حينئذ ولا دليل
على الانتقال إلى القيمة فالأصل براءة ذمة المسلم إليه منها، كما أن الأصل براءة ذمة
المسلم من وجوب قبولها عليه لو بذلت له، بل قيل إن صحيحي محمد بن قيس (1) المتقدمين
سابقا في بيع المسلم إليه بعد حلوله ظاهران أو صريحان في عدم الالزام بالقيمة،

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 9 - 15
339

بل قد ينقدح من ذلك محمل آخر للنصوص السابقة التي ادعى دلالتها على عدم جواز
الزام المسلم إليه بأزيد من الثمن، على أن يكون المراد منها عدم الالزام بالقيمة عوض
المسلم فيه فلاحظ وتأمل.
ومما يزيد ذلك كله تأييدا ما ذكره غير واحد من الأصحاب بل لا خلاف أجده
فيه بينهم، من أن في حكم انقطاعه عند الحلول موت المسلم إليه قبل وجوده وقبل
الأجل، نظرا إلى أنه دين فيشمله عموم ما دل على حلول ما على الميت من الدين
بالموت، ودعوى أن للمسلم الالزام بالقيمة فيه مع عدم التقصير فيه بوجه من الوجوه
كما ترى.
نعم له المعاوضة عليه بأزيد من ثمنه وانقص ومساوي كما عرفته سابقا، وهو
غير ما نحن فيه من الالزام بالقيمة، بل قد يقال: إن ذلك لا يجتمع مع خيار الفسخ
والصبر، ضرورة وجوب القبول على المشتري لو بذلها له فليس له الفسخ ولا الصبر،
وقد عرفت أن مبني الالزام بالقيمة أنها عوض مال له قد تعذر، ففي الحقيقة قد رجع
دينه الآن إلى القيمة، فمع بذله له يتعين القبول كالمثلي إذا تعذر مثله وهو كما ترى.
وليس هذا الخيار فوريا للأصل واطلاق النص، بل صرح ثاني الشهيدين بعدم
سقوطه لو صرح بالإمهال، وإن كان لا يخلو من اشكال، ولذا توقف فيه في التذكرة
والدروس والتنقيح، فاحتمل في الأول بعد أن جعل عنوان المسألة أنه لو أجاز ثم بدا له
في الفسخ وجوب الصبر وأنه كإجازة زوجة العنين، واحتمل أن له الفسخ، ولا يكون
ذلك اسقاط حق، فكان كزوجة المولى إذا رضيت بالمقام ثم ندمت، ونحوه ما في الدروس
قال ولو صرح بالإمهال ففي بطلان خياره نظر من تجدد الحق حالا فحالا فهو كخيار
المولى منها ولأنه كتأخير الدين المؤجل، ومن أن الامهال أحد شقي التخيير وقد أثره
وأولى بالابطال ما إذا قال: أبطلت خياري.
قلت: لا اشكال في السقوط مع إرادة اختيار الصبر خاصة من الامهال، ضرورة
340

كونه حينئذ كالاسقاط، أما إذا أمهل لا بهذا العنوان بل لأن له عدم الفسخ، لم يكن
ذلك اسقاطا والشك كاف في بقاء الخيار مع الاطلاق والأمر سهل. ولو علم الانقطاع
قبل الأجل ففي الخيار وجهان، لم يرجح أحدهما في القواعد والتذكرة والدروس
وغيرها، ولكن الأولى العدم، وفاقا للروضة والمسالك وغيرهما، اقتصارا فيما خالف
الأصل الدال على اللزوم على المتيقن، والتفاتا إلى عدم وجود المقتضى الآن، إذ لم
يستحق عليه شيئا، ومنه يعلم وجه ترجيح تأخير الحنث في الحالف على أكل الطعام
غدا فأتلفه قبل الغد، لتصريح غير واحد بابتناء ما هنا عليه فلاحظ وتدبر.
ولو كان المسلم فيه يوجد في بلد آخر ففي الدروس (لم يجب نقله مع المشقة
ولا مع عدمها إذا كان قد عين البلد، والأوجب) لكن في التذكرة (يحصل الانقطاع
بأن لا يوجد المسلم فيه أصلا بأن يكون ذلك الشئ ينشأ من تلك البلدة، وقد أصابته
جايحة مستأصلة، وهو انقطاع حقيقي، وفي معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة،
ولكن إذا نقل إليها فسد، وإذا لم يوجد إلا عند قوم مخصوصين وامتنعوا من بيعه فهو
انقطاع، ولو كانوا يبيعونه بثمن غال فليس انقطاعا، ووجب تحصيله ما لم يتضرر المشتري
به كثيرا، وإن أمكن نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة إليها وجب نقله مع عدم
التضرر الكثير)، وهو جيد.
(و) كيف كان ف‍ (لو قبض) المسلم (البعض) من المسلم فيه وتعذر
الباقي (كان له الخيار في الباقي) بين الفسخ فيه - واسترداد ما يخصه من الثمن،
لوجود المقتضى فيه إذ احتمال كونه لتعذر الكل خاصة مقطوع بعدمه نصا وفتوى،
وبين الصبر إلى وجوده كتعذر الكل، (وله) أيضا (الفسخ في الجميع) لتبعض
الصفقة عليه بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، لكن قد يشكل الأول بما ذكروه في
خيار العيب من أنه ليس له تبعيض الصفقة اختيارا، فلا يجوز له الفسخ في أحد المبيعين
صفقة إذا ظهر فيه عيب، بل ليس لأحد المتبايعين الفسخ لو كان المبيع معيبا دون
341

الآخر ومثله آت في المقام.
اللهم إلا أن يمنع عليهم كون المدرك في المنع هناك التبعيض بل الاجماع
أو غيره، كما سمعته سابقا فلاحظ فتأمل، بل قد يشكل أيضا بأنه لا تبعض صفقة.
وإنما هو تأخير أداء لبعض المسلم فيه، وما في صحيح عبد الله بن سنان (1) (عن
أحدهما عليهما السلام أرأيت إن أوفاني بعضا (أي من المسلم فيه) وعجز عن بعض
أيجوز أن آخذ بالباقي رأس مالي؟ قال: نعم ما أحسن ذلك) وغيره كصحيح الحلبي (2)
ونحوه ظاهر في نفي البأس عن أخذ ذلك بالتراضي منهما، مع أنها لا ظهور فيها في
انقطاع المسلم فيه، وعدم امكان تحصيله، ويدفع بأن تأخير الأداء ولو في البعض
كاف في ثبوت الخيار في الجميع للتضرر، خصوصا إذا قلنا بأن منشأ جواز الفسخ
عدم حصول الشرط، وعلى كل حال فقد صرح بعضهم بأن للبايع الخيار إذا اختار المشتري
الفسخ في البعض، لتبعض الصفقة عليه أيضا، وقواه جماعة وهو كذلك إذا لم يمكن ذلك
بتفريط منه وتقصير، والله أعلم.
المسألة (التاسعة) لا خلاف في أنه (إذا دفع إلى صاحب الدين عروضا على
أنها قضاء) عن الدين (ولم يساعره احتسبت بقيمتها يوم القبض) بل في المسالك الاتفاق
عليه، وقال محمد بن الحسن الصفار (3) (كتبت إليه في رجل عليه مال فلما حل عليه
المال أعطاه به طعاما أو قطنا أو زعفرانا ولم يقاطعه على السعر (الثاني) (4) بعد
شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام والزعفران والقطن أو نقص، بأي السعرين يحسبه؟ هل
لصاحب الدين سعر يومه الذي أعطاه وحل ماله عليه أو السعر الثاني بعد شهرين أو

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 2 - 1
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب السلف الحديث 2 - 1
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب أحكام العقود الحديث 5 مع اختلاف يسير
(4) هكذا كان في النسخ المصححة لكن في الوسائل والتهذيب (فلما كان)
وهو الصحيح.
342

ثلاثة يوم حاسبه فوقع عليه السلام ليس له إلا على حسب سعر وقت ما دفع إليه الطعام
انشاء الله).
ولا ينافيه قوله أيضا (وكتبت إليه الرجل استأجر أجيرا ليعمل له بناء أو غيره
من الأعمال وجعل طعاما أو قطنا وغيرهما ثم تغير الطعام والقطن عن سعره
الذي كان أعطاه، إلى نقصان أو زيادة أيحسب له سعره يوم أعطاه أو سعر يوم حاسبه؟ فوقع
عليه السلام يحسب له سعر يوم شارطه فيه) بعد إرادة يوم القبض من يوم الشرط بناء
على أنه يوم الشرط أولم يتغير السعر إلا بعد يوم القبض فلا يقدح الفصل بينه وبين
يوم الشرط، خصوصا بعد أن رواه في الكافي كذلك.
وبعد وضوح عدم الفرق بينه وبين الدين الذي قد حل في كون المدفوع ملكا
للقابض الذي هو صاحب الدين، وحيث كان من غير جنس الدين لو فرض كونه نقدا
وجب ملاحظة قيمته في ذلك الوقت حتى يكون وفاء، بل يكون كدفع المجانس. نعم
قد يقال: مقتضى ذلك لو كان الدين عرضا وقد دفع عرضا آخر وجب ملاحظة ما يساوي
العرض المدفوع من العرض الذي هو دين في يوم القبض فيبرء منه بذلك المقدار،
لا أنه يلاحظ القيمة فيهما، لكن في المسالك لو كان الدين من غير النقد الغالب
أحتسب أيضا به يوم دفع العوض قضاء، ولعل ذلك لعدم معرفة القيمة بغير النقد الذي
هو المرجع في أمثال ذلك، وتنصرف إليه الأروش والجنايات وغيرها، ولو كان
الدين قسما خاصا من النقد فدفع عنه آخر احتسب بما يساويه منه في يوم القبض،
كما استفاضت به النصوص، منها ما رواه إبراهيم بن ميمون (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام (في الرجل يكون له على الرجل دراهم فيعطيه دنانير ولا يصارفه فتصير

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 5 لكن عن يوسف بن أيوب شريك
إبراهيم بن ميمون.
343

الدنانير بزيادة أو نقصان قال: له سعر يوم أعطاه) وفي بعضها (1) تعليل ذلك
(بأنه قد حبس منفعتها عليه) والظاهر أن ذلك كناية عن انتقالها إلى القابض، وزوال
ملك الدافع عنها، وبه يحصل حبس منفعتها عنه، وإذا انتقلت إلى ملك القابض
سقط بإزائها ما يساويها من ذلك الدين بصرف ذلك اليوم، لأنها لم تنتقل
إليه مجانا وإنما انتقلت عوضا، فلا بد من سقوط عوضها ذلك اليوم بصرف ذلك
اليوم الذي هو يوم المعاوضة، وحينئذ فهو إشارة إلى ما قدمناه هذا وتقدم،
ويأتي ماله نفع في المقام إذ المسألة، غير خاصة بالسلم وليست هي في الحقيقة من
البيع، وإلا لوجب معرفة المقدار وغيره من أحكام البيع، بل هي معاوضة مستقلة
كما أن المسألة (العاشرة) كذلك لا مدخلية لها في السلم إذ قد عرفت الحال في
بيعه قبل الحلول، (و) بعده أما غيره ف‍ (يجوز الدين بعد حلوله على الذي هو
عليه) بلا خلاف فيه بيننا ولا اشكال بل (وعلى غيره) وفاقا للمشهور، شهرة عظيمة كادت
تكون اجماعا، بل لعلها كذلك بعد انحصار الخلاف في الحلي، لوجود المقتضى و
ارتفاع المانع عدا ما يحكى عنه من الاجماع المتبين خطاؤه في تحصيله، بعدم موافقة
أحد ممن تقدمه أو تأخر عنه له في ذلك، بل ليس فيما حضرني من نسخة السرائر
ذلك، وإن أطال في ترجيح ما ذهب إليه من المنع، بأنه ليس بيع عين مشاهدة، ولا مشخصة
موصوفة ولا كلية موصوفة إذ الأخير سلم وليس هو منه قطعا، كما أنه ليس من الأولين كذلك لعدم
تعين الدين وتشخصه إلا بالقبض، بل أورد على نفسه أن الاجماع منعقد بغير خلاف على
صحة بيع الدين وامضائه وعموم أخبارهم على ذلك، وأجاب بأنا عاملون بالاجماع
ومتبعون لظواهر القرآن في بيع الدين على من هو عليه دون غيره، وظاهره وجود
معقد اجماع مطلق.

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 2
344

وعلى كل حال فلا ريب في ضعف قوله، إذ لا مانع من كونه بيع عين موصوفة، وإن
لم يكن سلما ولا مشخصة لعموم أدلة البيع، بل مقتضاها جواز البيع قبل الأجل كما هو
صريح التذكرة والروضة، وظاهر المختلف واللمعة وجماعة، ولا معارض لها، إذ
الاجماع المدعى إنما هو في السلم خاصة، ودعوى عدم الفرق واضحة المنع، كدعوى
عدم الملكية للبايع قبل الأجل في نحو القرض المؤجل، ومهر الزوجة ونحوهما
من أفراد الدين، وكذا عدم القدرة على التسليم بعد ما عرفت من عدم اعتبار القدرة
فعلا من صحة البيع، فما في الدروس وظاهر الارشاد ومحتمل النافع أو ظاهره من
المنع ضعيف، هذا كله في أصل جواز البيع.
وأما يباع به (فإن باعه بما هو حاضر) مشخص (صح) بلا خلاف
ولا اشكال (و) كذا (إن باعه بمضمون) في العقد (حال صح أيضا) لعدم صدق
الدين عليه، ضرورة عدم كون المراد منه التأخير بل غاية المراد منه الكلي الصادق
على أفراد متعددة، أما إذا كان مضمونا قبل العقد بأن يكون مؤجلا ثم يحل الأجل
فالمتجه فيه المنع، لأنه بيع دين بدين كالحال بالمؤجل السابق، واعتبار الأجل في الدين
على تقدير تسليمه كما نص عليه بعض أهل اللغة بل تسب إلى ظاهر بعض الأصحاب
إنما يراد منه اعتباره حين ثبوته بمعنى أن الدين ما يضرب فيه الأجل أول مرة،
ولا ينافيه خلوه عنه في ثاني الحال، ولذا أطلق الأصحاب على الدين بعد حلول أجله
لفظه اطلاقا حقيقيا وهو المتداول عرفا ولا يصح السلب عنه فيه حينئذ.
لكن في الرياض في شرح عبارة النافع التي هي كعبارة المتن هنا، اطلاق
العبارة يقتضي عدم الفرق بين ما لو كان مؤجلا ثم حل الأجل أو كان غير مؤجل في
الأصل، كما إذا بيع بدينار كلي غير مستقر في ذمته قبل البيع، ولا اشكال فيه
لما مر، مع عدم صدق الدين عليه حقيقة كما يأتي، ويشكل في الأول إن لم يكن
اجماع كما هو ظاهر الروضة حيث جعل الجواز أقوى وهو مشعر بل ظاهر في
345

وقوع الخلاف، ووجهه قوة احتمال صدق الدين عليه، بناء على تضمنه الأجل، ولو في
الزمان السابق على العقد، فيلزم حينئذ بيع الدين بالدين، ووجه الجواز أما الشك في
الصدق، أو لزوم الاقتصار في المنع في بيع الدين بالدين المخالف للأصل على محل الوفاق،
وليس منه محل الفرض، لوقوع الخلاف، والخبر المانع عنه وإن كان عاما إلا أنه قاصر
سندا يشكل الاعتماد عليه فيما عدا الاجماع.
وربما يوجه باختصاص الدين بالمؤجل كما في كلام الأصحاب وجماعة من أهل
اللغة، ومحل الفرض بعد انقضاء أجله ليس كذلك إلى آخره، وهو من غرائب الكلام،
ضرورة ظهوره في أن الجواز بالمضمون السابق مظنة الاجماع، وفيه أن المراد
بالمضمون في كلام الأصحاب ما قابل العين، أي الكلي في العقد فلا يشمل المضمون
سابقا، بل ينبغي القطع بذلك، إذ لا خلاف بينهم في أن بيع المضمون المؤجل
سابقا بمضمون سابقا كذلك من بيع الدين بالدين، سواء كانا حالين أو مؤجلين
أو أحدهما حالا والآخر مؤجلا، إنما البحث فيما صار دينا بالعقد، وهو الذي أشار
إليه المصنف بقوله.
(وإن اشترط تأجيله) أي الثمن في بيع الدين بعد حلوله (قيل) والقائل
المشهور (يبطل لأنه بيع دين بدين) فيشمله النص والاجماع (وقيل يكره
وهو الأشبه) عند المصنف وجماعة، للأصل والعمومات التي يجب الاقتصار في
الخروج عنها على المتيقن، وهو ما كان عوضا حال كونه دينا، كما هو مقتضى
تعلق الباء به، والمضمون عند العقد ليس بدين، وإنما يصير دينا بعده، فلم
يتحقق بيع الدين به وإلا لزم مثله في بيعه بالحال الذي لم يعرف من أحد المنع فيه،
والفرق غير واضح. ودعوى اطلاق اسم الدين عليه إن أرادوا به قبل العقد فممنوع،
وبعده فمشترك بين الحال والمؤجل، فيلزم أن لا يصح بحال كما عرفت، واطلاق
بيع الدين بالدين عليه عرفا مجاز، على معنى أن الثمن بقي في ذمته دينا بعد
346

البيع، ولو اعتبر مثل هذا الاطلاق جاء مثله في الحال إذا لم يقبضه، خصوصا إذا
أمهله به من غير تأجيل.
وفيه منع كون المراد من النص ذلك لا غير، وتعلق الباء أعم، إذ يمكن كون
المراد المنع من بيع الدين بالدين المقابل للعين والحال أي لا تبع الدين بهذا الصنف
من البيع فيكون التعريف إشارة إلى هذا القسم من البيع المعهود في الذهن وحينئذ
فأظهر الفردين المؤجل في العقد لا العكس وقد تقدم في تأجيل ثمن السلف ما يستفاد
منه المفروغية من تناول بيع الدين بالدين للمؤجل ثمنه بالعقد، وأنه من الواضحات
فلا ريب حينئذ في أن الأشبه خلاف ما ذكره المصنف.
وقد تحصل من مجموع ما ذكرنا المنع من بيع الدين السابق بالدين السابق في
الصور الأربعة أي الحالين والمؤجلين والمختلفين، وأما إذا كانا مضمونين بالعقد
فالمؤجلان منهما لا ريب في بطلانه، بل يمكن اندراجه في بيع الكالي بالكالي وقد
عرفت الحال فيه في تأجيل ثمن السلف إذ هو، والحالان منهما لا اشكال في صحتهما
للعمومات كالمختلفين، وأما إذا كان أحدهما مضمونا بالعقد والآخر قبله فإن كان
المضمون سابقا سلما لم يجز بيعه قبل حلوله مطلقا وجاز بعده إذا كان الثمن حالا،
وإن لم يكن سلما جاز قبل حلوله بعين حاضرة، وبكلي مضمون بالعقد حال لا مؤجل
على الأقوى، ولو جعل المضمون سابقا ثمنا لعين أو كلي حال جاز قطعا إذا كان حالا،
من غير فرق بين السلم وغيره وإن كان مؤجلا فوجهان، إذا كان سلما أقواهما العدم،
بناء على عدم الفرق في المنع بين جعله ثمنا أو مثمنا قبل حلول أجله وإن لم يكن سلما
فالأقوى الجواز بل ينبغي القطع به إذ هو كالعكس فتأمل جيدا.
وقد تلخص مما ذكرنا جواز بيع الحال بالحال مع عدم أجل لهما في السابق فضلا
عن الحالين بالعقد، وعن الحال كذلك بالمؤجل السابق أو بالعقد، لما عرفته من عدم
إرادة ما يشمل الكلي المضمون حالا، وقيمة المغصوب ونحوها من بيع الدين بالدين
347

ومدار البحث على اعتبار الأجل في صدق اسم الدين هنا وصدقه عليه بعد حلوله وعلى
عدم اعتبار سبق الدينية في صدق بيع الدين بالدين والله العالم.
المسألة (الحادية عشر) لا خلاف في أنه (إذا أسلف في شئ وشرط مع السلف
شيئا معلوما صح) من غير فرق بين الرهن والضمين وغيرهما وإن كانا معقد نفى
الخلاف المحكي عن التذكرة، إذ المدرك في الجميع وهو عموم الوفاء بالعقود، و
المؤمنون، وغيرهما مما دل على صحة الشرط متحد، ونهى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم (1) (عن السلف والبيع، وعن البيعين) في الخبر القاصر سندا المجمل
دلالة غير معارض، خصوصا بعد ما قيل من أن المراد منه النهي عن بيع من من طعام
مثلا حالا بكذا، وسلفا بكذا، وقد تقدم الكلام فيه سابقا، فعموم أدلة الشرائط
حينئذ بحالها لا معارض لها. نعم يعتبر في الشرط المعلومية ونحوها كما في غير السلم
من أنواع البيع، وليس الشرط في عقد السلم سلما بل ليس هو في عقد البيع بيعا بل هو
مملك مستقل في عقد البيع.
(و) حينئذ ف‍ (لو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات معينة) اتجه ما نسبه
المصنف إلى القيل بقوله (قيل: يصح) والقائل الشيخ والفاضل والشهيدين
والمقداد والكركي وغيرهم (وقيل) كما عن السرائر (لا) يصح (وهو الأشبه)
عند المصنف والموجود في السرائر أن جعل في جملة السلف أصواف النعجات المعينة
فلا يجوز السلف في المعين، وبيع الصوف على ظهر الغنم أيضا لا يجوز سواء كان سلفا أو
بيوع أعيان وهو غير ما نحن فيه، إذ لا ريب في البطلان إذا جعله من جملة السلف لمعلومية
اشتراط كونه مضمونا في الذمة، إنما الكلام في ملكها بالشرط في عقد السلم وهو ليس
سلما بل ولا بيعا غير سلم، فلو قلنا بعدم جواز بيعها لأنها من الموزون - مع أن الأصح

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 2
348

الجواز مع المشاهدة لعدم موزونيتها بهذا الحال كالثمرة على النخل - أمكن القول
بالجواز من حيث الشرط لعموم أدلته، اللهم إلا أن يدعى رجوع الجهالة إلى أحد
العوضين، وفيه منع واضح.
وعلى كل حال فما ذكره من المنع فيما فرضه ليس مما نحن فيه: وبذلك ظهر
انفراد المصنف في مختاره نعم حكى عن تلميذه الآبي أنه مال إليه أو قال به، ولا ريب في
ضعفه إن أريد البطلان من حيث الاشتراط في عقد السلم، أما إذا أريد به بطلان هذا الشرط
في نفسه من غير فرق بين السلم وغيره فله وجه، وإن كان الأوجه خلافه خصوصا بناء
على التحقيق من جواز البيع على الظهر مع المشاهدة.
كما أنه ظهر بما ذكرنا ما في رد المختلف على ابن إدريس فإنه بعد أن حكى كلامه
قال: يجوز إذا كان الصوف مشاهدا أن يكون شرطا في السلم لأجزأ من البيع ثم قال:
ولو فرضنا جزأ لم يكن محالا لأنه يجوز السلف حالا فيمكن أن يكون بعضه كذلك
ونحوه في المسالك وغيرها إذ فيه أنه إن جاز كونه حالا فلا بد أن يكون كليا في الذمة
ولا يجوز أن يكون مشخصا واحتمال إرادته بالجواز حالا أنه يباع بلفظ السلم خلاف
الظاهر، هذا. وعن المهذب البارع أن موضوع المسألة أن يكون شرط الأصواف أن
تجز حالا، فلو عينها وشرط تأجيل الجز إلى أمد السلف أو شرط أصواف نعجات في
الذمة غير مشاهدة لم يصح قولا واحدا، وكأنه نظر إلى ظاهر ما وقع فيه الخلاف،
وإلا فالاجماع ممنوع كما اعترف به في المسالك وغيرها.
وفي حواشي الشهيد (التحقيق أنه إن كان شرط الصوف الموجود أو ما يتجدد
مقيدا بمدة معينة صح، وإن لم يكن موجودا حال الشرط لم يصح) بل عن إيضاح
النافع أنه بعد أن ذكر ما ذكر الشهيد قال: (وإن شرط الصوف مؤجلا ففيه نظر،
ولعل الأقرب الصحة، لأن المشروط لا يشترط معرفته ولا حصوله، فإنه قد يشترط حمل
الأمة والشجرة فيكون معناه ما تحمل إن حملت).
349

وفي المسالك بعد أن قوى الصحة مع شرط الجز حالا والاطلاق قال: (ولو شرط
تأجيل الجز إلى أجل السلم فلا يخلو إما أن يشترط دخول المتجدد أو لا، وفي الأول
يحتمل الصحة، لأنه شرط مضبوط، وقد صرح جماعة من الأصحاب بجواز مثل ذلك
في الصوف واللبن استقلالا، ونحن فيما سلف شرطنا فيه كون المجهول تابعا، فحينئذ
لا اشكال أيضا مع الشرط، وفي الثاني يبنى على أمرين، أحدهما أن شرط تأجيل الثمن
إذا كان عينا هل هو جايز أم لا والحق جوازه. بل ادعى عليه في التذكرة الاجماع،
ومثله الثمن المعين، والثاني إن اختلاط مال البايع بالمبيع هل هو مانع من صحة البيع
أم لا ولا شبهة في عدم منعه، وقد تقدم نظيره فيمن اشترى لقطة أو جزه وآخر قطعها
فامتزجت بمال البايع، وحينئذ فطريق التخلص الصلح قلت: وبهذا يظهر لك ما في
اجماع المهذب، بل لا يبعد جواز ما ذكره من الصورة الأخيرة إذا فرض الضبط على وجه
ترتفع به الجهالة القادحة في الشرط، والله أعلم.
(ولو شرط) المسلم إليه (أن يكون الثوب من غزل امرأة معينة، أو الغلة
من قراح بعينه لم يضمن) المسلم إليه المسلم فيه أي لم يصح السلم، فلا ضمان،
إذ هو لازم لها، وعلله في المسالك بامكان أن لا يتفق ذلك للمرأة بأن تمرض أو تموت
أو تترك العمل امكانا مساويا لنقيضه، وكذا القراح يمكن أن يخيس، ولا يظهر منه
ما يطابق الوصف وهو جيد، وأجود منه قوله والضابط اعتبار ما لا يتخلف عنه المسلم
فيه عادة، كالبلد الكبير بالنسبة إلى الأرض والأهل، بل ظاهره قبل ذلك عند البحث
عن السلم في الجلود أنه لا اشكال في جوازه مع اشتراط الغلة من قرية معينة لا يخيس
عادة، وهو كذلك، وعليه يحمل الصحيح (1) (عن رجل اشترى طعام قرية بعينها فقال
لا بأس إن خرج فهو له، وإن لم يخرج كان دينا عليه) وفي الخبر الآخر (2) (الرجل

(1) الباب 13 من أبواب السلف الحديث 1 - 3
(2) الباب 13 من أبواب السلف الحديث 1 - 3
350

يشتري طعام قربة بعينها وإن لم يسم له قرية بعينها أعطاه من حيث شاء).
لكن في تقييده ذلك بالنسبة إلى الأرض والأهل لا يخلو من مناقشة، إلا أن
يكون المراد منه ارتفاع عزة الوجود بذلك، لكثرة الأهل والأرض فهو ليس كامرأة
معينة، ولا كقراح معين، كما أن تعليل أصل الحكم في الرياض لا يخلو منها أيضا
قال: (المسألة الثانية لا يجوز استناد السلف إلى معين، لأنه ابتياع مضمون كلي في الذمة
غير مشخص، إلا بقبض المشتري، ويتفرع عليه أنه لو شرط ثوبا من غزل امرأة
بعينه، أو غلة من قراح، أي مزرعة معينة لم يضمن ولا يصح، لأن تشخيص المسلم فيه
بأحد الأمور المزبورة خروج عن حقيقة السلف، كما مرت إليه الإشارة.
نعم لو استند إلى معين قابل للإشاعة ولا يقتضي التعيين فيه إلى عسر التسليم عادة
جاز، كما لو أسلف على ماءة رطل من تمر البصرة، فإن ذلك يجري مجرى الصفات
المشترطة في السلف كالحدارة والصرابة، وعليه يحمل الخبران) وفيه أنه لا دلالة
في الشرط المزبور على التشخيص المذكور، فالمدار في المنع فيه ونحوه على عزة
الوجود وغلبته التي قد عرفت البحث فيها، وأنها ترجع إلى القدرة على التسليم أولا
فلاحظ وتأمل والله أعلم.
(المقصد الرابع)
من المقاصد التي استدعاها النظر في السلف (في الإقالة) وإن كانت هي غير
مختصة، فيه بل ولا مختصة بالبيع ولذا كان الأولى جعلها بمنزلة الخاتمة لكتاب
البيع كما فعله بعضهم إلا أنه لما منع بعض العامة وقوعها في بعض السلف ناسب جعل
البحث فيها مقصدا من مقاصده كمناسبة جعل القرض ودين المملوك كذلك لاشتراك
الجميع في تحقق صدق الدين والأمر سهل.
وعلى كل حال فلا ريب في مشروعيتها بل رجحانها للنادم المسلم قال الصادق عليه السلام
351

في خبر ابن حمزة (1) (أيما عبد أقال مسلما في بيع أقال الله عثرته يوم القيامة) وأرسله في
الفقيه، لكن قال: (أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع وقال أيضا في خبر سماعة
بن مهران (2) (أربعة ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة أحدهم من أقال نادما) وفي
مرسل الجعفري (3) (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن لحكم بن حزام في التجارة حتى ضمن
له إقالة النادم) الحديث إلى غير ذلك من النصوص.
(و) كيف كان ف‍ (هي) عند (فسخ في حق المتعاقدين) أو ورثتهما، بناء
على قيامهم مقامهما في ذلك، كما صرح به في التذكرة (وغيرهما) كالشفيع، لا بيع
سواء كان المبيع عقارا أو غيره، وسواء وقعت قبل القبض أو بعده، وسواء كانت بلفظ
الإقالة أو الفسخ، بل لو وقعت بلفظ البيع بناء على صحتها به إذا كان المقصود به
محض الفسخ، كما في التذكرة، وظاهر جامع المقاصد، وإن كان لا يخلو من اشكال،
خلافا لمخالفينا فبين مطلق أنها بيع، ومقيد لها في حق الشفيع، وآخر بالعقار، ورابع
بما بعد القبض، وخامس إذا كانت بلفظ الإقالة، ولا ريب في ضعف الجميع، لعدم قصد
معنى البيع، بل المقصود خلافه، ورد الملك ليس تمليكا جديدا فلا يجري عليها شئ من
أحكام البيع، بل ولا غيره من المعاوضات الموجبة ملكا جديدا لما عرفت من أنها تفيد رد
الملك بفسخ العقد الذي قد اقتضى خلافه.
(و) من هنا (لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن) لعدم ما يصلح مملكا
للزيادة المفروضة (ولا نقصان) لعدم ما يصلح مملكا لما بقي من الثمن مثلا بعد فسخ

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 5 - 1
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 5 - 1
352

العقد فيما قابله تماما، بلا خلاف أجده فيهما إلا ما حكاه الشهيد في حواشيه عن الإسكافي
قال: ولو اصطلح المتبايعان بزيادة أو نقيصة صح عند ابن الجنيد، والأصحاب على
خلافه، لأنها فسخ لا بيع، قلت: مضافا إلى صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(سألته عن رجل اشترى ثوبا ولم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثم رده على صاحبه فأبى
أن يقبله إلا بوضيعة قال: لا يصلح له أن يأخذه بوضيعة فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من
ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد).
بناء على أن مبنى ذلك فساد الإقالة وبقاء الثوب على ملك المشتري، بل الظاهر
عدم الصحة حتى لو ذكرت الزيادة والنقيصة بصورة الشرط الذي هو مملك بنفسه وإن
كان بواسطة العقد، لبطلان هذا الشرط باعتبار مخالفته لمقتضى الإقالة التي هي بمعنى
الفسخ، ورد كل عوض إلى مالكه.
(و) حينئذ (تبطل الإقالة بذلك لفوات الشرط) في صحة عقد الإقالة
كالمعلومية في المبيع أو فوات الشرط في ضمن عقدها الذي علق الرضاء بالفسخ عليه،
كما في كل شرط فاسد في العقد، بناء على فساد العقد بفساده بل ربما ظهر من بعضهم
عدم بناء ذلك على الخلاف في اقتضاء فساد الشرط فساد العقد وعدمه أما لخصوص النص
المزبور المتمم بعدم القول بالفصل، بناء على أن المراد منه ما يشمل المعاوضة
والشرطية، وإن ذكر لفظ الباء بل لعله الظاهر منه عند التأمل، أو لأن بطلان الشرط هنا
باعتبار منافاته لمقتضى العقد كما عرفت، ولا خلاف في اقتضائه فساد العقد لعوده عليه
بالنقض، إنما الخلاف في غيره أو لغير ذلك.
لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من النظر إن لم يقم اجماع عليه، كما لعله الظاهر
من بعضهم حتى أنه صرح بأنه لا فرق في المنع عن الزيادة والنقيصة بين الحكمية

(1) الباب 17 من أبواب أحكام العقود الحديث 1
353

والعينية، فلو أقاله على أن ينظره بالثمن أو يأخذ الصحاح عوض المكسر ونحوه لم يصح
ولكنك خبير بأن ذلك أن تم فهو في خصوص زيادة الثمن ونقصانه عينا أو حكما
كانظار الثمن واعطاء الصحيح عوض المكسر كما صرح به في التذكرة وغيرها، أما إذا
لم يرجع إلى شئ من ذلك بحيث يكون شرطا خارجا عن الثمن، فقد يقال: إن
مقتضى عموم (المؤمنون) وغيره صحته، وليس هذا تمليكا بالإقالة بل هو بالشرط
الذي ألزمه عقد الإقالة، ودعوى رجوع كل شرط إلى زيادة الثمن ونقصانه واضحة
المنع، اللهم إلا أن يقال: إن فائدة الشرط التسلط على فسخ العقد الذي قد اشترط فيه
إن لم يوف بالشرط، ولذا قيل إن الشرائط في العقود اللازمة إنما هي للزومها، بل
قيل إن فائدتها قلب اللازم جائزا من أول الأمر وإن كان التحقيق خلافه.
وعلى كل حال فهو غير صحيح في الإقالة لعدم معهودية تزلزل الفسخ، فلا يصح
فسخ الإقالة حينئذ بعدم الوفاء بالشرط، ويعود العقد على ما كان، فلا يصح أصل الشرط،
وفيه منع انحصار فائدة الشرط في ذلك، إذ لا مانع من كونه حينئذ كالشرط في العتق
والوقف ونحوهما مما لا يتسلط المشترط به على الفسخ، وأن المراد به مجرد الالزام
وانسلاخ الشرطية التي هي بمعنى التعليق منه غير قادح، لكن ومع ذلك كله فالمسألة
لا تخلو من اشكال. وإن كان مقتضى ذلك عدم جواز اشتراط الخيار في الإقالة، بل
ولا يتسلط على فسخها بعيب ونحوه لما عرفت، بل مقتضاه أيضا عدم الجواز في معاطاتها،
بناء على صحتها فيها للسيرة المستمرة، وأنها تفيد فائدة عقدها كمعاطاة البيع في
إفادة الملك، لصدق اسمها عليها، لما عرفت من أن الفسخ مني تحقق لزم، لعدم
معهودية تزلزله، فلا يكون فرق حينئذ في ذلك بين المعاطاة والعقد، بخلافه في
البيع ونحوه، فإن المعاطاة فيه وإن إفادة الملك إلا أنه يصح الرجوع فيه قبل التلف
والتصرف، بخلاف العقد.
نعم قد يمنع كون الإقالة من العقود المصطلحة، ولذا لم يصرح الأكثر إن لم يكن
354

الجميع بكونها عقدا، بل اقتصروا على أنها فسخ، بل أطلق في الدروس وقوعها بقول
تقايلنا وتفاسخنا ومقتضاه ولو مع الاقتران، بل صرح بذلك في الروضة ولو أنها منها
لوجب فيها تقديم الايجاب على القبول، بل احتمل في الدروس قيام الالتماس مقام
قبولها، فيجري حينئذ الالتماس عليها من أحدهما فبقول الآخر أقلتك، بل احتمل
الاكتفاء بالقبول الفعلي لو قال أحدهما ابتداء من دون سبق التماس أقلتك، ومن المعلوم
عدم الاجتزاء بنحو ذلك في العقود اللازمة، فرجع حاصل المسألة إلى أن الإقالة كفسخ
الخيار، وإن افترقا بتوقفها على تراضيهما به فيها - بخلافه، فكل لفظ دل عليه يكتفى
به، وأما الأفعال المقصود إرادة الفسخ بها الدالة عليه فقد يقال: بالاجتزاء بها، لكون
المدار على ما يدل على طيب النفس بالفسخ، كما عساه يشعر به خبر هذيل بن صدقة
الطحان (1) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب فينطلق
به إلى منزله ولم ينفذ شيئا فيبدو له فيرده هل ينبغي ذلك له؟ قال: لا إلا أن تطيب نفس
صاحبه) ويحتمل العدم اقتصارا على المتيقن، وكذا الكلام في المركب من القول والفعل
على اختلاف الاحتمالين قوة وضعفا في الايجاب والقبول.
وعلى كل حال فذلك على تقدير الفسخ به ليس من المعاطاة التي ذكروها في عقود
المعاوضات، وكان منشأ توهم عقديتها حتى انقدح منه البحث في جريان المعاطاة
فيها وجود صورة العقد في بعض عباراتها، وهو أقلتك وقبلت ومراعاة الاتصال بينهما،
ونحو ذلك من أحكام العقد، لكنك خبير بأعمية ذلك من العقد الذي يذكر فيه
حكم المعاطاة فتأمل جيدا ومن ذلك ينقدح أن المراد بالبطلان مع اشتراط الزيادة
والنقصان من حيث كون ذلك شرطا في صحتها، كالمعلومية في المبيع لا من حيث
الاشتراط فيها، وأنه شرط باطل، بل لعل ذلك أولى مما ذكرناه سابقا في شرح

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 3
355

العبارة، والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (تصح الإقالة في) جميع ما وقع عليه (العقد وفي بعضه
سلما كان) العقد (أو غيره) لاطلاق أدلة الإقالة معتضدا بعدم الخلاف فيه عدا ما
حكاه الشهيد في حواشيه عن ابن المتوج إذا اتحد البائع والمشتري والعقد فإن
الإقالة لا تصح إلا في الكل دون البعض رادا عليه بأن المنقول خلافه، بل وضعفه واضح
ودعوى عدم معقولية الفسخ في البعض دون البعض غير مسموعة كدعوى أن الإقالة في
بعض السلم مطلقا أو إذا لم يكن يسيرا مستلزم ما (نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه من البيع والسلف
في بيع واحد) (1) لأنه إذا أقاله في بعض ورد بعض رأس المال يصير في معنى القرض لأنه رد
مثله ويصير الباقي بيعا.
وفيه مع أن السلف حينئذ بمعنى القرض لا المصطلح أنه منقوض بأرش العيب
وباليسير بناء على جوازها فيه، ورد المثل لا يوجب كونه قرضا. وإلا لزم كون البيع
إذا أقيل ولم يكن العوض موجودا كذلك، على أنه قد يمنع الاجتماع، لأنه إنما يكون
إذا شرط في البيع ذلك، وأما لو أسلفه شيئا وباعه شيئا آخر ولم يشترط أحدهما
في الآخر جاز عندهم، ويمكن إرادة المستدل بناء على أن الإقالة بيع، وقد عرفت بطلانه
كل ذلك بعد التسليم الخبر المزبور وتسليم كون المراد منه ذلك، فلا ريب
حينئذ في جواز الإقالة في الكل والبعض في السلم وغيره، ويتقسط الثمن حينئذ
على النسبة، والجهالة في مثله غير قادحة قطعا: نعم في التذكرة لو أقاله في بعض
السلم ليعجل له الباقي، أو عجل المسلم إليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة، أما
لو قال للمسلم إليه عجل لي حقي وأخذ دون ما استحقه بطيبة من نفسه كان جائزا، لأنه نوع
صلح وتراض والله أعلم.

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 2
356

* (فروع ثلاثة) *
(الأول) قد ظهر لك أنه (لا تثبت الشفعة بالإقالة) ولا خيار مجلس ولا صرف
ولا غيره من أحكام البيع، (لأنها تابعة للبيع) وهي فسخ ليست بيعا، عندنا،
لا في حق الشفيع ولا غيره، بل ولا عقد معاوضة فلا يجري عليها شئ من أحكام
عقود المعاوضة.
الفرع (الثاني) من الواضح أنه (لا تسقط أجرة الدلال) والوزان والناقل
ونحوهم بالتقايل، لسبق الاستحقاق الذي لا ينافي ثبوته القابل الطاري الذي هو
فسخ من حينه.
الفرع (الثالث: إذا تقايلا رجع كل عوض إلى مالكه) لانفساخ العقد الذي
نقلهما عنهما وحينئذ (فإن كان موجودا) عندهما على مقتضى العقد الذي تقايلا
فيه (أخذه وإن كان مفقودا) مثلا (ضمن بمثله إن كان مثليا وإلا بقيمته)
يوم التلف كما صرح به جماعة كنظائره، لأن الضمان متعلق بالعين ما دامت، فإذا تلفت
تعلق بقيمتها يومئذ، وليس المراد من الضمان اشتغال الذمة بالقيمة يوم التلف،
إذ لا يعقل اشتغال ذمة المالك بقيمة ماله، بل المراد قيام القيمة يوم التلف مقام العين في
صحة تعلق الإقالة، لمعلومية بدلية المثل والقيمة عن العين في كل ما يتعلق بها،
وربما احتمل القيمة يوم القبض لأنه ابتداء الضمان، وضعفه واضح، كوضوح ضعف
احتمال الأعلى من يوم القبض إلى يوم التلف أو الإقالة.
نعم قد يقال: بضمان القيمة يوم الإقالة، لأنه يوم التعلق، وفيه أن الإقالة
لا تشغل ذمة، بل ليست إلا فسخا للعقد، فلا بد من قيام بدل العين قبلها، اللهم إلا أن يقال
أن القيمة يوم التلف قامت مقام العين، فمع فرض تغيرها إلى يوم الإقالة تقوم كل
357

قيمة مقام الأخرى إلى قيمة يوم الإقالة، إذ ليس قيام القيمة يوم التلف مقام العين بأولى
من قيام كل من أفراد القيمة عن الآخر، بل هو أولى، بل الظاهر الذي قام مقام العين كلي
القيمة، وإن قارنت تلك الخصوصية في يوم التلف، ولا تشغل ذمة بها حتى يتشخص،
فيبقى كل فرد من أفرادها قائما مقام الآخر إلى يوم الإقالة، فيتعين ذلك الفرد،
لأنه هو الذي قارن الاستحقاق، فتأمل جيدا فإنه دقيق، ومنه يظهر الفرق بين القيمة
في الإقالة وبين الإقالة في تلف المغصوب.
وعلى كل حال فالتلف غير مانع من صحة الإقالة كما أنه غير مانع من الفسخ
بالخيار، للاطلاق الأدلة. نعم ينافيها التلف بناء على أنها بيع لعدم معقولية بيع المعدوم.
نعم احتمل في التذكرة فيما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما صحتها على هذا التقدير،
لأنها تصارف القائم فيستتبع التالف، مع أن الأقوى خلافه، ولو تقايلا والمبيع في
يد المشتري، نفذ تصرف البايع فيه، لأنها فسخ، ولا يصح بناء على أنها بيع، وأنه لا يجوز
التصرف في المبيع قبل قبضه، ولو تلف في يده انفسخت الإقالة بناء على أنها بيع، لأن كل
مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه، وصحيحة عندنا إلا أن الظاهر كونه مضمونا
على المشتري لأنه مقبوض على حكم العوض كالمأخوذ قرضا وسوما، لكن في
التذكرة أن الواجب فيه إن كان متقوما، أقل القيمتين من يوم العقد والقبض،
وفيه بحث، وكذا لو تعيب في يده فإنه يأخذ الأرش منه عندنا، أما على أنها بيع
تخير بين إجازة الإقالة مجانا وبين فسخها وأخذ الثمن، بناء على أن حكم البيع
كذلك، ولو كان العيب في يد المشتري قبل الإقالة اقتصر عندنا على أخذ الأرش،
لأنه كتلف الكل، أما على البيع والجهل به يتجه جواز الرد، إلى غير ذلك مما
لا يخفى عليك جريانه على القولين. نعم ينبغي أن يعلم أن الإقالة تسبب رد كل من العوضين
إلى المالك إذا كان باقيا على مقتضى العقد الأول أما إذا فرض أن المشتري مثلا باعه
ثم استوهبه، أو اشتراه أو ورثه أو نحو ذلك، فقد يقال: بعدم اقتضاء الإقالة رد العين
358

ضرورة عدم اقتضاء فسخ العقد الأول ذلك، لأن الفرض انتقاله إليه بعقد آخر، مع
احتمال القول بأنه بالإقالة يخاطب برد العين مع التمكن منها كيف ما كان، وفيه
منع واضح، ولذا لا يجب عليه شراؤها وإن كان متمكنا منه، بل قد يقال: بعدم وجوب
الفسخ عليه لو فرض انتقالها عنه بعقد جائز اللهم إلا أن يدعى أن الإقالة منه فسخ له، وفيه منع
بل قد يقال: بعدم وجوب دفع العين لو كان قد فسخ العقد بعد الإقالة، لأنه دخول
جديد في ملكه بعد تعلق حق المقال بالقيمة، وإن كان لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا
والله أعلم.
وعلى كل حال فقول المصنف (وفيه وجه آخر) فسره في المسالك بأن القيمي
يضمن بمثله، ثم ضعفه وهو كذلك، بل لم يعرف نقل هذا الوجه عن أحد في نظائر
المسألة، وربما فسر بعدم صحة الإقالة مع التلف، وهو أضعف من السابق، إذ لا خلاف
بيننا في صحتها معه نعم في التحرير بعد أن صرح برد الثمن مع الإقالة إن كان باقيا،
ومثله إن كان تالفا أو قيمته إن لم يكن مثليا قال: (لو تقايلا بالثمن رجع كل عوض
إلى مالكه، فلو كان المعوض تالفا فالوجه صحتها، وكان الحكم كما قلناه في الثمن)
وظاهره الفرق بين الثمن والمثمن حيث جزم في الأول وجعله الوجه في الثاني، لكن
ضعفه واضح والله أعلم.
إلى هنا تم الجزء الرابع والعشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ومنه وقد
بذلنا غاية جهدنا في تصحيحه ومقابلته للنسخة المصححة التي قوبلت بنسخة الأصل
المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه وقد خرج بعون الله تبارك وتعالى خاليا من
الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر ويتلوه الجزء الخامس والعشرون في أحكام
القرض انشاء الله تعالى.
علي الآخوندي
359