الكتاب: بلغة الفقيه
المؤلف: السيد محمد بحر العلوم
الجزء: ٤
الوفاة: ١٣٢٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : السيد حسين ابن السيد محمد تقي آل بحر العلوم
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٩٨٤ م - ١٣٦٢ ش - ١٤٠٣
المطبعة:
الناشر: منشورات مكتبة الصادق - طهران
ردمك:
ملاحظات: مكتبة العلمين العامة - النجف الأشرف

مكتبة العلمين العامة
النجف الأشرف
(12)
بلغة الفقيه
مجموعة بحوث ورسائل وقواعد فقهية لامعة تسد
ضرورة الفراغ في التشريع الاسلامي والفقه
الاستدلالي لا غنى للفقيه والقانوني عن معرفتها.
تصنيف
الحجة المحقق السيد محمد آل بحر العلوم - قدس سره -
شرح وتعليق
الفقيه الورع السيد محمد تقي آل بحر العلوم - دام ظله -
الجزء الرابع
1

منشورات مكتبة الصادق
طهران ناصر خسرو پاساژ مجيدي
الطبعة الرابعة
1984 ميلادي
1362 شمسي
1403 قمري
2

مكتبة العلمين العامة
النجف الأشرف 12
بلغة الفقيه
مجموعة بحوث ورسائل وقواعد فقيهة قيمة تسد
ضرورة الفراغ في التشريع الاسلامي والفقه
الاستدلالي، لا غنى للفقيه والحقوقي عن معرفتها.
تصنيف
الحجة المحقق السيد محمد آل بحر العلوم - قدس سره
تحقيق وتعليق
السيد حسين ابن السيد محمد تقي آل بحر العلوم
الجزء الرابع
3

وهو يحتوي على رسالتين مهمتين:
الوصية، والمواريث، وبه يتم الكتاب
4

رسالة في الوصية
5

بسم الله الرحمن الرحيم
6

كتاب الوصية
وفيه مباحث:
(المبحث الأول)
الوصية تنقسم إلى قسمين: تمليكية، وعهدية. وعرفوها (1) بأنها
تمليك عين أو منفعة، أو تسليط على تصرف بعد الموت. وهو تعريف لها
بقسميها: التمليكية والعهدية، فالأول للأول، والثاني للثاني (2) وأخذ التمليك
جنسا دون النقل، مضافا إلى الاقتصار على العين والمنفعة، يعطى عدم
تعلقها بغير المال من الحقوق كحق التحجير وحق الخيار من الحقوق المنتقلة
وهو ليس كذلك كما ستعرف. والعين تعم الموجودة بالفعل وبالقوة كالشجرة
والثمرة، والمنفعة تعم المؤقتة، والمؤبدة والمطلقة، وتقييد الموت يخرج
المنجزات في الحياة.

(1) وهذا هو تعريف الشهيد الأول صاحب اللمعة، والمحقق الحلي
صاحب المختصر النافع. إلا أن فيهما كلمة (الوفاة) بدل الموت.
والملاحظ: أن هذه التعاريف المذكورة كلها من حيث الاصطلاح الشرعي
ولم يتعرض سيدنا المصنف لمعنى الوصية لغة واشتقاقها من الثلاثي أو الرباعي
وإن كان الظاهر من كتب اللغة: أنها اسم مصدر من الرباعي المضعف أو
المهموز وبمعنى العهد، وكما يظهر ذلك من جملة من آيات الوصية ورواياتها
(2) أي جملة (تمليك..) تعريف للتمليكية، وجملة (تسليط..)
تعريف للعهدية.
7

وزاد بعضهم في التعريف قيد التبرع (1) لاخراج التمليكات العوضية
بناء على استفادة المجانية من أدلتها، وأنها قسم من العطايا والصدقات
المأخوذ فيها التبرع.
وآخر: أو فك ملك (2) لئلا يرد النقض عليه بالتدبير سواء قلنا
إنه عتق معلق أو وصية به إذ لا تمليك فيه ولا تسليط، بل هو تحرير
وفك ملك (3).
وعرفها الشهيد - قد سره - في (الحواشي) المنسوبة إليه بأنها تنفيذ حكم

(1) كما فعل العلامة الحلي في كتاب الوصايا من التذكرة، فقال:
إنها " تمليك عين أو منفعة بعد الموت تبرعا " وأما في (قواعده) فاقتصر
في تعريفها على جملة (تمليك عين أو منفعة بعد الموت) كما فعل المحقق
في شرائعه بابدال كلمة (الموت) بالوفاة.
(2) وهو السبزواري في كفايته فقال هكذا: " الوصية تمليك عين
أو منفعة أو فك ملك بعد الوفاة، أو تسليط على تصرف بعدها ".
(3) قال الشهيد الثاني في (المسالك) تعليقا على تعريف المحقق في شرائعه:
" وينتقض في عكسه أيضا بالوصية بالعتق، فإنه فك ملك، لا تمليك
للعبد نفسه، وكذلك التدبير على القول بأنه وصية، كما ذهب إليه الأكثر
والوصية بابراء المديون، وبوقف المسجد، فإنه فك ملك أيضا،: وبالوصية بالمضاربة
والمساقاة، فإنهما وإن أفادا ملك العامل للحصة من الربح والثمرة على تقدير
ظهورهما، إلا أن حقيقتهما ليست كذلك، وقد لا يحصل ربح ولا ثمرة،
فينتفي التمليك ". ولكن الأقوى منع صحة الوصية بالمذكورات سوى
التدبير، فإنه بالخصوص منصوص عليه، وأما غيره من المذكورات فلا
دليل على صحة الوصية فيه، لبطلان الانشاء المعلق - بأقسامه - بالاجماع،
سواء كان التعليق على الموت أم على غيره.
8

شرعي من مكلف أو في حكمه بعد الوفاة.
ولعمري إنه أجود التعاريف وأشملها، فيشمل الحكم التمليك والتسليط
وفك الملك من مكلف أو بحكمه كالمميز، فإنه بحكم المكلف في نفوذ وصاياه
وبالقيد الأخير يخرج ما كان من ذلك في الحياة.
ولا يتوهم أن التنفيذ فعل الوصي أو الحاكم، وهما غير الوصية التي
هي فعل الموصي دون غيره، لأن المراد من التنفيذ هنا ليس العمل بما
نفذه الموصى في ماله من أحكامه ومقاصده المشروعة، بل تنفيذ ذلك فيه
إنما هو بوصيته، ولذا تتصف الوصية بكونها نافذة في ثلث ماله فهو المنفذ.
وفي اعتبار القبول في التمليكية منها مطلقا أو عدمه كذلك أو التفصيل
بين ما كان لمعين محصور، فيعتبر القبول فيه، وما لم يكن لمحصور فلا يعتبر؟
احتمالات بل لعلها أقوال (1)
وتنقيح المسألة هو أن يقال: إن للانسان أن يعين في ماله مقدار الثلث
لمقاصده المشروعة بعد الوفاة، وحينئذ: فأما أن يعين شيئا منه للشخص قاصدا به
إنشاء التمليك له، أو يعينه للنوع كالفقهاء أو بني هاشم أو يعين لأعمال
يريد وقوعها بعده من وجوه البر كالأوقاف العامة من المدارس والخانات
والرباطات والقناطر والاطعام والزيارات وغير ذلك من وجوه الخيرات

(1) ولقد اختلف فقهاء الاسلام - من إمامية وغيرهم - في أصل
الوصية: أنها من العقود المبتنية على جانبي الايجاب والقبول، أم من
الايقاعات الحاصلة بطرف الايجاب فقط. والفريق الثاني اختلفوا في أخذ
القبول شرطا للتمليك أم شرطا للصحة أم لا يعتبر شئ من ذلك وإنما يكتفى
بمحض عدم الرد من الموصى له أم يعتبر في تحقق الوصية شئ من ذلك
مطلقا حتى عدم الرد.. راجع في تفصيل ذلك: كتاب الوصية من
الموسوعات الفقهية - من الفريقين -
9

والمبرات، ويتخذ من يتولى ذلك عنه بعده بإعطاء ولاية له على التصرف
في ذلك بالوصية، فيكون وصيا له وقائما مقامه في ذلك.
و (الأول) هو المتيقن من الوصية التمليكية. ولا إشكال في كونه عقدا
يتوقف على القبول، لأن الدخول في ملك الغير شخصا بدون رضاه نوع
سلطنة له عليه، وليس لأحد سلطنة على غيره إلا فيما ورد من الشرع
ولأنها تبطل بالرد بلا خلاف - كما قيل - ولا تبطل به لو دخل في ملكه
قبل القبول، وإن خرج به عنه، لتحقق التمليك المقصود من الوصية، مضافا إلى
حكاية الاجماع عليه المستفيضة المعتضدة بدعوى غير واحد عدم الخلاف فيه
ولا يرد النقض على الأول (1) بالإرث الموجب للانتقال إلى الوارث
قهرا، وبتمليك اللاحقة المتلقية من الواقف بجعل الوقف (2) وبنذر
النتيجة (3) لأن الإرث سبب شرعي له لا بتمليك من أحد، وتملك

(1) أي التعليل الأول لتوقف العقد على القبول، وهو المشار إليه
بقوله: لأن الدخول في ملك الغير..
(2) أي البطون اللاحقة غير الموجودة في الوقف عليهم تبعا للبطن
الموجود فعلا، فقد وردت الأدلة في تسويتهم مع الموجودين في تمليك
المنفعة ويسقط اعتبار القبض والقبول فيما سوى الطبقة الموجودة.
(3) وهو ما كان محط صيغة النذر نتيجة الفعل والمعنى الاسم المصدري
منه ككون العبد حرا والفرس ملكا، مقابلة لنذر السبب، وهو ما كان
محط الصيغة نفس الفعل والمعنى المصدري منه كعتق العبد وتمليك العبد.
وعلى التحقيق في باب النذر من أنه التمليك وجعل الحق لله سبحانه على
الناذر، لا أنه التزام الناذر بالمنذور أمام الله سبحانه - كما قيل - فهل يصح نذر
نتيجة الأفعال غير المقدورة التمليك بحد ذاتها لارتباطها بأسبابها - وهو الشرط -
أم لا يصح ذلك؟ فلا بد من إيجاز القول في الشرط في ضمن العقد ليتضح
الكلام في صحة نذر النتيجة وعدمها، فنقول: تارة يتعلق الشرط بنفس
السبب كشرط البيعية بالمعنى المصدري أي إيقاعها من قبل البائع، وتارة
يتعلق بالمسبب والنتيجة كالمبيعية والمعنى الاسم المصدري، لا شك في صحة
الأول للتمكن منه بحكم تعلقه بالملتزم فتشمله أدلة الوفاء بالشرط، بخلاف
الثاني، لعدم التمكن من المسببات المتعلقة بأسبابها الشرعية، وليس الشرط
من أسباب البيع ونحو من المسببات، فلا تصح، وعلى هذا الغرار يكون
التفصيل بين نذر السبب ونذر النتيجة بصحة الأول وبطلان الثاني إذ النذر
كالشرط ليس من الأسباب المحصلة لمسبباتها شرعا، فيصح نذر عتق العبد
وبيع الفرس، وتطليق الزوجة، ونحو ذلك من الأسباب المتعلقة بنفس
الناذر، ولا يصح نذر حرية العبد ومبيعية الفرس وكون الزوجة طالقا وأمثال
ذلك من نتائج الأفعال ومسبباتها المرتبطة في الوجود بأسبابها المجعولة شرعا
وليس النذر من أسبابها، فلو وقع النذر على ما ظاهره التعلق بالنتيجة
فلا بد من تخريجه - كما في الأمثلة الآنفة الذكر - على جعل العبد حرا أو
الفرس مبيعا أو الزوجة طالقا بجعل مستقل غير صيغة النذر، لا بنفس
صيغة النذر، إذ الصيغة الواحدة لا تصلح لجعل المنسوب الذي هو مفاد
كان التامة وجعل النسبة التي هي مفاد كان الناقصة، ولا يجتمع الأمران
في أداء واحد. ولزيادة التفصيل يراجع بابا النذر والشرط في ضمن العقد
من كتب الفقه.
10

المعدومين بعد الوجود في وقف التشريك والموجدين عند انقراض الأولى
في الترتيب إنما هو بالتبعية لتملك الموجودين المتوقفة على قبولهم صحة
الوقف الذي مقتضاه التأبيد والدوام، ولذا بطل في المنقطع الأول، ونذر
النتيجة ممنوع في التمليك، وإن سلم في فك الملك، للنص وعدم المانع
كالانعتاق الحاصل بنذر العتق.
11

وإيجابه كل لفظ دال عليه بنفسه أو بمعونة قرينة كقوله: أعطوا
لفلان بعد وفاتي كذا، فإن التقييد قرينة تصرف العطية عن التنجيز إلى
الوصية. ولو قال: (وصيت لفلان بكذا) لم يحتج إلى ذكر التعليق بالموت
لدلالة لفظ الوصية عليه. ولو قال: (هو لفلان) كان إقرارا ما لم يقترن
بما يدل على التنجيز أو الوصية.
والقبول كل ما يدل على الرضا قولا أو فعلا كالأخذ والتصرف. وعلى
الوصي تسليم الموصى به إلى الموصى له عن الموصى.
و (الثاني) - وهو التمليك للنوع - لا يعتبر فيه القبول كما عن الأكثر وإن
قيل باعتباره، كما عن صريح بعض، وظاهر من أطلق العقد على الوصية
التمليكية، لعدم الدليل عليه بعد خلو الأخبار عنه، وعدم تضمنها له مع
الحاجة إليه لو كان معتبرا دليل على عدم اعتباره، ولعدم ورود ما دل على
اعتباره في الأول: من الاجماع المفقود هنا، ومن السلطنة المنفية بأدلة
الضرر، إذ لا سلطنة على النوع فضلا عن تعقل تضرره بها، والدفع
للفرد منه ليس تمليكا له، بل هو من الانطباق عليه لكونه مصداقا للكلي
الذي يصلح أن يكون مالكا كما يصلح أن يكون مملوكا. ومع ذلك
فتملكه يتوقف على رضاه المنكشف بقبضه، لأن الدخول في ملكه قهرا
ضرر عليه. ولو انحصر النوع في فرد، فتعين الملك له لو سلم فهو بسبب
حصر الانطباق عليه لا بتمليك المالك حتى يوجب السلطنة له عليه، ومن
بطلان الوصية بتعقب الرد قبل القبول لعدم اعتبار القبول هنا حتى يكون
الرد قبله مبطلا لها، بل هو فيما كان كذلك من الايقاعات لا من العقود، بل
يجري ذلك في كل ما كان تمليكا للنوع كالأوقاف العامة بناء على ما هو
الأقوى: من كونها تمليكا لهم كالفقهاء وبني هاشم من حيث المنفعة الخاصة
أو الانتفاع، بل كذلك على الجهة العامة كالقنطرة للعابرين والحظرات
12

للخدام والزائرين، والمساجد للمصلين من حيث الجهات المخصوصة كالحقوق
العامة نحو الزكاة للفقراء والخمس لبني هاشم، غير أن التمليك فيهما من
الله سبحانه وتعالى، وفي الوقف من العبد، فلا يتوقف صحته على القبول
بل هو من الايقاع الذي يتحقق بالايجاب وحده، كيف ولو توقف على
القبول لتعذر أو تعسر، لأنه من الجميع غير ممكن، ومن البعض ترجيح
بلا مرجح، والاكتفاء بقبول الحاكم لولايته عليهم في المصالح العامة متعسر
غالبا، بل هو خلاف السيرة القطعية، سيما في الرباطات والخانات والمساجد
المبنية في الطرق والمفاوز والفرش والمعلقات والأستار المرسولة إلى الكعبة
والحضرات. والاكتفاء بقبول الناظر في تلك المصلحة - كما وقع من جدنا
في الرياض (1) وغيره - لا وجه له، ضرورة أن الناظر المتولي للوقف - مع
توقف تحقق ولايته على تحقق الوقف لتوقف ثبوت النسبة على تحقق الطرفين طبعا
فكيف يتحقق الوقف بقبوله (2) لا ولاية له على الموقوف عليهم حتى يصح
قبوله عنهم، ولا ولاية للواقف أيضا حتى يفيضها إلى الناظر، إلا إذا كان
مجتهدا، فله الولاية عليهم من حيث كونه مجتهدا لا من حيث كونه واقفا. نعم للناظر
الولاية على إصلاح الوقف وتعميره وإجارته وأخذ منافعه لايصالها إلى أربابها
أو صرفها في مصارفها - حسبما عينه الواقف عليه - من الاطلاق، والتقييد
وقياس القبول بالقبض الذي يكفي فيه قبض المتولي قياس مع الفارق، لأن تلك
التصرفات في العين المجعولة له بالوقف التي هي في الحقيقة من كيفياته
موقوفة على قبض العين، وبه يتحقق خروج العين عن سلطنة المالك

(1) يلاحظ ذلك في أوائل كتاب الوقوف والصدقات في شرح قول
المصنف " ويعتبر فيه القبض، ولو كان الوقف على مصلحة عامة كالقناطر
أو موضع عبادة كالمساجد قبضه الناظر فيها.. "
(2) للزوم الدور الظاهر وهو عقيم النتيجة - كما حقق في محله -
13

بالكلية، فهو من شؤون سلطنة المالك في وقف ملكه، إذ الوقوف على
حسب ما يقفها أهلها (1) وأين ذلك من قبوله بدلا عن قبول من لا ولاية
له عليه؟ و (أما الثالث) فهو وصية عهدية يتولى الوصي من ذلك ما كان يتولاه
الموصي لو كان حيا.
هذا ولو قيل بعدم اعتبار القبول (2) ففي مانعية الرد وعدمه؟ احتمالان:
احتملهما شيخنا في (الجواهر) حيث أضافهما إلى الأقوال المتقدمة عليهما في
كلامه قائلا: " وقد يحتمل عدم مدخليته أصلا في الملك، ولا في اللزوم
وإنما الرد مانع، بل قد يحتمل عدم مانعية الرد أيضا " (3) انتهى.
وإلى أحدهما يرجع كلام الشيخ في (الخلاف) حيث قال: " إذا
أوصى لرجل بشئ ثم مات الموصى، فإنه ينتقل ما أوصى به إلى ملك
الموصى له بوفاة الموصي - إلى أن قال بعد نقل أقوال الشافعية -: دليلنا

(1) في الوسائل باب (2) وجوب العمل بشرط الواقف حديث (2):
" محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي
محمد (ع) في الوقوف وما روي فيها، فوقع (ع): الوقوف على حسب
ما يقفها أهلها إن شاء الله ".
(2) أي في مطلق الوصية بأنواعها التمليكية والعهدية، أم في بعض
الأنواع - على الخلاف - وهذا يناسب القول بكونها من الايقاعات لا العقود
(3) أوائل كتاب الوصايا في شرح قول المحقق (ولا ينتقل بالموت
منفردا عن القبول) يقول في أول هذه العبارة: " وقد ظهر بذلك إن
الأقوال في المسألة ثلاثة: أحدها - أن القبول تمام السبب الناقل كباقي
العقود، والثاني - كونه شرطا في الملك كاشفا. والثالث كونه شرطا في
اللزوم، وقد يحتمل.. "
14

لا يخلو الشئ الموصى به من ثلاثة أحوال: إما أن يبقى على ملك الميت
أو ينتقل إلى الورثة، أو ينتقل إلى الموصى له، ولا يجوز أن يبقى على
ملكه، لأنه قد مات، والميت لا يملك، ولا يكون ملكا للورثة، لقوله
جل سبحانه: (من بعد وصية يوصي بها أو دين) فجعل لهم الميراث بعد
الوصية، فلم يبق إلا أن يكون ملكا للموصى له بالموت " (1) انتهى
إلا أنه بمعونة الاجماع (2) على تأثير الرد قبل القبول يقوي إرادته
الأول من الاحتمالين. وعليه فلا مناص حينئذ عن رجوعه إلى أحد الأقوال
الآتية - كما ستعرف -.
وكيف كان فحيثما يعتبر القبول (3) ففي كونه جزء ناقلا للملك

(1) راجع منه كتاب الوصايا: مسألة (18).
(2) كما ادعى ذلك في (الجواهر) و (الحدائق) وغيرهما من الفقهاء
المتأخرين. وهو - مع تماميته - الدليل الحاسم في التأثير، وإلا فاطلاقات
الأدلة مانعة عن ذلك.
(3) ويظهر من عبارة المصنف - قدس سره - الآتية: أن الأقوال
- بناء على اعتبار القبول في الوصية - أربعة: (الأول): كونه جزء
للعقد ناقلا للملك من حين صدوره وهو المشار إليه بقوله: (ففي كونه
جزء ناقلا). (الثاني) - كونه جزء للعقد كاشفا عن الملك من حين
موت الموصي، وهو المشار إليه بقوله: (أو كاشفا عنه.) (الثالث)
كونه شرطا في استقرار الملك ولزومه لا في أصل ثبوته وهو المشار إليه
بقوله: (أو شرطا للزوم الملك.). (الرابع) كونه شرطا في حدوث
الملكية المتزلزلة وتستقر بالقبض، وهو المشار إليه بقوله: (أو بالقبول
يملك.). والقولان الأخيران يناسبان القول بإيقاعية الوصية، كما أن
الأولين يناسبان القول بعقديتها.
15

من حينه، أو كاشفا عنه من حين الموت، أو شرطا للزوم الملك فقبله يملك
متزلزلا ويستقر بالقبول، أو بالقبول يملك متزلزلا وبالقبض يستقر؟ أقوال:
ذهب الشيخ في (المبسوط) إلى الأخير، حيث قال في موضع
منه عند ذكر صور الرد من الموصى له: " الثالثة أن يردها بعد القبول والقبض
فإنه لا يصح الرد لأن بالقبول تم عليه ملكه وبالقبض استقر ملكه..
الرابعة: أن يردها بعد القبول وقبل القبض، فإنه يجوز، وفي الناس من
قال لا يصح الرد لأنه لما قبل ثبت ملكه: إما بالموت أو بالشرطين، فإذا
حصل في ملكه لم يكن له الرد، والصحيح أن ذلك يصح، لأنه وإن
كان قد ملكه بالقبول، لم يستقر عليه ملكه ما لم يقبضه، فيصح منه الرد (1)
وفيه: أنه مبني على اعتبار القبض، وستعرف ضعف المبنى (2).
وأما الثالث: فإن أريد بالتزلزل قبل القبول: ما هو المصطلح من
معناه، الراجع إلى كونه أثرا للعقد وموجبا لانقسامه من هذه الحيثية إلى
كونه عقدا لازما أو جائزا، فليس معناه إلا كون المتعاقدين أو أحدهما
له الخروج عما ألزم به نفسه: من التمليك أو التسليط وأنه به لم تنقطع
عنه علقة الملكية والسلطنة بالكلية، فجواز الرجوع حينئذ من شؤون
السلطنة السابقة. ولذا كان من الأحكام، لا بسلطنة جديدة حدثت له بسبب شرعي
أو بشرط منه ونحوه حتى يكون من الحقوق كحق الخيار - مثلا فإن البيع
مثلا - سبب قاطع للملكية بالكلية، والخيار محدث لمن هو له سلطنة

(1) راجع ذلك منه في ج 4 ص 33 الطبعة الثانية في المطبعة الحيدرية
بطهران سنة 1388 ه‍. بعد أن ذكر الصورة الأولى وهي الرد قبل وفاة
الموصي، ولا حكم لها، والصورة الثانية: الرد بعد وفاة الموصي وحكمها
الصحة، وانتقال المال إلى ورثته.
(2) كما سيأتي قريبا في قوله (وأما قول الشيخ.. ففيه)
16

جديدة، ولذا كان من الحقوق لا من الأحكام. وحينئذ فالملك المنتقل أو
التسليط الحاصل بالعقد الجائز أو اللازم المتحقق معه ما يوجب الخيار ملك
متزلزل: إما بنفس العقد أو بما هو متحقق معه. وهو هنا بهذا المعنى
غير متصور قبل القبول، لعدم وقوعه من الموصى له حتى يكون له الخروج
عما ألزم به نفسه بالقبول، والموصي وإن كان له الخروج عن إلزام نفسه
بانشائه المعلق، إلا أنه صار إنشاؤه لازما بموته، فلا موجب لاتصاف
الملك بالتزلزل بالمعنى المصطلح المنحصر سببه بأحد الأمرين، وأما التزلزل
بمعنى أن له قبل القبول أن لا يقبل ويرد، فهو بهذا المعنى ثابت لكل قابل
قبل القبول ولو كان عقدا لازما.
وإن أريد به لا من حيث كونه أثر العقد أو أثر ما هو متحقق معه
من أسبابه، بل من حيث أنه هو وجه الجمع بين الدليلين: (أحدهما)
ما دل على خروج الموصى به عن ملك الموصي، من قوله تعالى: " من
بعد وصية يوصي بها أو دين " وكون الميت لا يملك وأنه بموت الموصى له
يكون اختيار القبول أو الرد لوارثه (الثاني) ما دل على اعتبار القبول
وأن بالرد قبله ترد الوصية من إجماع وغيره، فوجه الجمع بينهما هو الحكم
بانتقال الموصى به إلى الموصى له متزلزلا، وبقبوله يستقر، وبرده قبله يرد
لتزلزله فيرجع إلى ورثة الموصى.
(ففيه) أن ثبوت النتيجة إنما هو بعد ثبوت المقدمتين، والأولى
ممنوعة، لأن إطلاق الوصية في الآية الشريفة ونحوها ليس مسوقا لبيان
ما يعتبر فيها، بل هو مسوق لبيان عدم الانتقال إلى الوارث مع الوصية
بشرائطها، وعدم ملك الميت مسلم بالنسبة إلى حدوثه له دون دوامه: فإن
قوله (ع): " له من ماله الثلث " في جواب السائل: " الميت ماله من
17

ماله "؟؟ في بقاء الملكية إلى وقوع التصرفات الموصى بها، ولا أقل
من كونه بحكم ماله، ونقل القبول أو الرد إلى وارث الموصى له لو مات
قبل قبوله أعم من ذلك لشموله لمن تشبث به بالوصية وموت الموصي،
فهو بهذه الجهة ملك أن يملك، وهذا القدر كاف في نقله إلى وارثه، بل
هو أولى من نقله إليه لو مات قبل موت الموصي، مضافا إلى النص - كما ستعرف -
وحينئذ فلا إشكال في ضعف هذه الأقوال، وإنما الكلام في القولين
الأولين: كونه ناقلا من حينه، أو كاشفا عن النقل من حين الموت،
والترجيح بينهما.
أما القول الأول، فاستدل له بأن الملك أثر شرعي، وسببه الايجاب
والقبول، فيستحيل تحققه قبل تحقق تمام سببه.
وأما الثاني، فاستدل له بوجهين: (أحدهما) استدل به جدنا (في
الرياض) ومحصله هو: أن مقتضى أدلة الوصية الدخول في الملك، واطلاقها
وإن كان يقتضي عدم اعتبار القبول، إلا أنه من هذه الجهة مقيد بما دل
على اعتباره، فيبقى من حيث تقييد الدخول في الملك به على إطلاقه وعمومه،
والعام المخصص حجة في الباقي.
وفيه: إن ما دل على كون القبول ناقلا بعد تسليم أصل اعتباره للاجماع
وغيره: من استحالة تقديم المعلول على علته لا يبقى حينئذ إطلاق حتى يقال
بحجيته في الباقي.
(وثانيهما) هو اقتضاء العقد لذلك بعد إن كان القبول هو الرضا
بمدلول الايجاب الذي هو التمليك عند الموت، واستحالة تحقق المشروط في

(1) في الوسائل: كتاب الوصايا، باب 10 جواز الوصية بثلث المال
حديث (2) هكذا: ".. وبإسناده عن حماد بن عيسى عن شعيب بن
يعقوب عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل يموت:
ماله من ماله؟ فقال: له ثلث ماله، وللمرأة أيضا ".
18

الواقع قبل تحقق شرطه المتأخر إنما هو حيث يكون نفس الشرط بذاته
شرطا، لا محققا لموضوع الشرط المقارن للايجاب، وهو التعقيب وكونه
معقبا به. (ودعوى) أن التعقب أيضا منتزع من القبول المتأخر،
ويستحيل تقدم المنتزع على منشأ انتزاعه (يدفعها) أن المنشأ ليس وجود
القبول بذاته بل بعديته. وبعبارة أخرى: منتزع من أمر سيوجد لا من
وجوده، ولذا يصدق حقيقة قبلية اليوم على الغد قبل تحققه للعلم بتحققه
مع أن القبلية أمر منتزع، وليس إلا لكونه منتزعا من بعدية الغد المعلوم
لحوقه لا من نفسه. وهذا الوجه يجري في كل شرط متأخر.
ويمكن تصحيح الكشف بوجه آخر، وهو: أن الوصية - سيما
بعد تحقق المعلق عليه وهو الموت - تحدث ربطا - ولو في الجملة - بين
الموصى به وبين الموصى له ربط إضافة يشتد ويقوى بالقبول الناظر إلى
ذلك الربط الموجب لتحقق الملك المنبسط عليه، فالتأثير، وإن كان متأخرا
إلا أن الأثر منبسط على ذلك الربط، لصيرورة المورد به قابلا لسراية الأثر إليه.
وقد بسطنا الكلام في هذين الوجهين بالنسبة إلى الإجازة على الكشف
في بيع الفضولي فراجع - ثمة (1) - فإذا الفول بكون القبول كاشفا عن الملك
من حين الموت هو الأقوى كما عليه الأكثر.
وتظهر الثمرة بين القولين في أمور " منها " لو أوصى بعبده لغيره
ثم مات الموصي قبل هلال شوال وقبل الموصى له، فزكاته على الموصى له
كما أن نفقته عليه أيضا على الكشف، وليس عليه شئ منهما على النقل
(ومنها) لو كان العبد الموصى به كسوبا، فكسبه الحاصل بين
الموت والقبول للموصى له على الكشف، دون النقل.
(ومنها) لو ملك ابن أخ له وأوصى به لأجنبي ثم مات الموصي ولم

(1) يشير إلى الرسالة الثالثة من محتويات الجزء الثاني للكتاب.
19

يسكن له وارث سوى أخيه أب الموصى به، فعلى القول بالكشف بقي
الولد رقا مملوكا للأجنبي، وعلى النقل انعتق على أبيه لتملكه له بالإرث،
فلم يبق موضوع بعده للقبول، إلا أن قلنا ببقائه على حكم مال الميت إلى
أن يتحقق الرد أو القبول، فيبقى حينئذ على الرق.
(ومنها) لو زوج جاريته ثم أوصى بها لزوجها: فإن كان أجنبيا
ومات الموصي بطلت الزوجية من حين القبول على النقل بسبب الملك الذي
هو أقوى سببا من الزوجية، ومن حين الموت على الكشف، ولو رد
الوصية قبل القبول لم تبطل الزوجية مطلقا، إلا على القول بالملك المتزلزل
وإن القبول شرط للزوم فتبطل الزوجية بالملك ولو متزلزلا، وتبطل الملكية
بالرد، وإن كان الزوج وارثا بطلت الزوجية من حين الموت بسبب الملك:
إما بالإرث أو الوصية.
نعم بناء على بقاء الموصى به على حكم مال الميت إلى أن يقع الرد
أو القبول، لم تبطل الزوجية حينئذ قبل القبول على القول بكونه ناقلا،
لا كاشفا. ولو أوصى بها لغير زوجها وكان الزوج أجنبيا ومات الموصي لم
تبطل الزوجية مطلقا، من غير فرق بين كون الموصى له وارثا للموصي أو
أجنبيا، رد الوصية أو قبلها، ناقلا كان القبول أو كاشفا، لعدم وجود
ما يوجب بطلانها من الملك، وإن كان وارثا بقيت على الزوجية ما دام لم
يحصل الرد من الموصى له، بناء على عدم الانتقال إلى الوارث قبل القبول
على النقل، وأنه على حكم مال الميت، وإلا فتبطل بملك الوارث، وإن
خرج عنه بقبول الموصى له، إلى غير ذلك من الثمرات التي يستخرجها
الفقيه متفرعة على القولين بأدنى تأمل.
وأما قول الشيخ الذي هو رابع الأقوال المتقدمة، وهو كونه بالقبول
يملك متزلزلا، وبالقبض يستقر (ففيه) أنه مبني على اعتبار القبض في
20

الوصية، ولا دليل عليه سوى الالحاق بالهبة، وهو مع أنه قياس مع
الفارق لاختلاف أحكامهما الكاشف عن اختلاف الماهية، كان مقتضاه
كون القبض شرطا للصحة دون اللزوم، وهو لا يقول به.
وأما الاحتمالان الأخيران المبنيان على عدم اعتبار القبول (1) غير أن
أحدهما كون الرد مانعا، والآخر عدم مانعيته مطلقا ولو كان قبل القبول
(فيضعف) الأخير منهما بقيام الاجماع على بطلان الوصية بالرد قبل
القبول، مضافا إلى دعوى قيامه على اعتبار القبول فيما إذا كانت الوصية
لمعين محصور.
وكذا يضعف الأول بأنه لا وجه له يكون به مغايرا وقسيما لما تقدم
عليه من الأقوال المتقدمة، لأن الموصى به: إما أن لا يخرج بالموت عن
حكم مال الميت أو يخرج به عنه: وعلى الثاني: فإما أن يكون تملك
الغير له لازما أو متزلزلا، وحينئذ فالرد إن كان مانعا عن الصحة التأهلية
التي هي بمعنى كونه ملكا بالقوة الحاصل بالوصية وموت الموصي، ففيه:
أنه حينئذ لم يبق ما يوجب خروج الملك من القوة إلى الفعل، فلا بد من
الالتزام: إما بالقبول اللفظي لذلك، أو الفعلي من الأخذ والتصرف، وحينئذ
فإن كان ناقلا رجع إلى القول الأول، وإن كان كاشفا رجع إلى الثاني،
وإن خرج بالموت من القوة إلى الفعل: فإن كان لازما فلا وجه لمانعية
الرد بعد اللزوم - كما عرفت - وإن كان متزلزلا فلا موجب للزوم إلا
أحد الأمرين المتقدمين، فيرجع حينئذ إلى القول الثالث.
هذا كله في القبول، وأما الرد: فإن وقع من الموصى له في حياة
الموصي، كان له القبول بعده مطلقا، قبل موت الموصي وبعده، إذ

(1) كما أشار إليهما - آنفا - بقوله: (ولو قيل بعدم اعتبار القبول
ففي مانعية الرد وعدمه؟ احتمالان).
21

لا تأثير حينئذ للرد إلا إذا كان مسبوقا بالقبول فيبطله خاصة، وله تجديده
بعده مطلقا كما عرفت، وإن وقع بعد موت الموصي وقبل القبول بطلت
الوصية، سواء وقع قبل القبض أم بعده. ولو وقع بعد القبول والقبض
معا، فلا تأثير للرد حينئذ بلا خلاف أجده وإن وقع بينهما بعد القبول وقبل
القبض، ففيه الخلاف المتقدم للشيخ.
ثم إن إطلاق كلامهم بعدم تأثير الرد في حياة الموصي في الايجاب
يعطي عدم الفرق بين سبقه بالقبول وعدمه.
ولكن أشكل في (الجواهر) على الأول حيث قال: " ربما استفيد من
اطلاق المصنف وغيره عدم الفرق في ذلك بين سبقه بالقبول وعدمه. ولكن
يشكل ذلك بما ظاهرهم الاجماع عليه: من كون الوصية عقدا جائزا من
الطرفين، ومقتضاه تسلط الموصى له على فسخه حينئذ، ولا ريب في اقتضائه
بطلان العقد، إذ هو معنى الفسخ، كما أن معنى الرد والفسخ واحد، واحتمال
الالتزام بعدم الحكم لهذا الفسخ يقتضي مخالفتها للعقود الجائزة بالنسبة
إلى ذلك " (1) قلت: الرد إنما يكون رافعا لحكم الايجاب المنجز لأن أثره وجودا
وعدما موقوف على القبول وعدمه. أما المعلق على شرط فأثره لا يمكن
تحققه قبل حصول الشرط، فرده قبله واقع في غير محله، بل هو بمثابة
الطلاق قبل النكاح المنقول صحته عن أبي حنيفة (2) وحينئذ فينبغي عدم

(1) راجع ذلك في أوائل كتاب الوصية في شرح قول المحقق: (فإن
رد في حياة الموصي جاز أن يقبل بعد وفاته) وأول هذه العبارة في الجواهر)
هكذا: بقي شئ في المقام، وهو أنه ربما..
(2) المتفق عليه بين فقهاء المسلمين - باستثناء أبي حنيفة وبعض
المالكية - كما قيل - بطلان الطلاق المسبق المعلق على العقد المتأخر، باعتبار
أنه من شؤون العقد، فلا يقع قبله. ولقد عقد الحر العاملي - قدس سره -
في (الوسائل كتاب الطلاق) بابا خاصا بهذا المعنى، وهو باب 12 من مقدماته
بعنوان: أنه يشترط في صحة الطلاق تقدم النكاح ووجوده بالفعل، فلا
يصح الطلاق قبل النكاح وإن علقه عليه. واستعرض في ذلك الباب روايات
كثيرة عن أهل البيت (ع) صريحة بهذا الخصوص أمثال قول الإمام علي
ابن الحسين (ع): " إنما الطلاق بعد النكاح " وقول الإمام الصادق (ع):
" لا طلاق إلا بعد نكاح. ولا عتق إلا بعد ملك " وقوله (ع): " لا
يكون طلاق حتى يملك عقدة النكاح " ونحو ذلك المضمون كثير من الروايات
المذكورة في نفس الباب وفي نحوه من أبواب النكاح. وفي كتاب (الفقه
على المذاهب الأربعة) تأليف عبد الرحمان الجزيري ج 4 ص 280 بعنوان
أركان الطلاق قوله: " للطلاق أربعة أركان، أحدها - الزوج، فلا
يقع طلاق الأجنبي الذي لا يملك عقدة النكاح، لأنك قد عرفت أن الطلاق
رفع عقدة النكاح، فلا تتحقق ماهية الطلاق إلا بعد تحقق العقد، فلو
علق الطلاق على زواج الأجنبية كما لو قال: زينب طالق إن تزوجتها،
ثم تزوجها، فإن طلاقه لا يقع، لقوله صلى الله عليه وآله: " لا نذر لابن آدم فيما
لا يملك، ولا عتق فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك " رواه أحمد وأبو داود
والترمذي، وحسنه ".
ثم يعلق على ذلك فيقول: " والمالكية والحنفية قالوا: إذا علق طلاق
امرأة على زواجها، فإن طلاقه يعتبر ويقع عليه إذا تزوجها، فلو قال:
إن تزوجت فاطمة بنت محمد تكون طالقة، يقع عليه الطلاق بمجرد العقد
ومثل ذلك ما إذا قال: كلما تزوجت امرأة فهي طالق.. ".
ويظهر رأي أبي حنيفة في الجواز مما ذكره الكاساني الحنفي في كتابه
(بدائع الصنائع ج 4 ص 1866) باختصار منا: " إن الطلاق لا يخلو:
إما أن يكون تنجيزا، وإما أن يكون تعليقا بشرط، وإما أن يكون إضافة
إلى وقت.. إلى قوله: ولو قال لأجنبية: أنت طالق إذا تزوجتك
قبل أن أتزوجك ثم تزوجها وقع الطلاق، لأنه أوقع الطلاق بعد
التزوج، ثم أضاف الواقع إلى ما قبل التزوج، فوقع الطلاق، ولغت الإضافة
وكذلك إذا قال: أنت طالق قبل أن أتزوجك إذا تزوجتك، فتزوجها
يقع الطلاق، ويلغو قوله: قبل أن أتزوجك.. " إلى آخر العبارة
التي يترائى من خلالها القول بالجواز.
22

الاعتداد برد الوصية في حال الحياة - مطلقا - وإن قلنا بجواز القبول المعلق
فيها على نحو تعليق الايجاب.
23

وبالجملة: فالفرق واضح بين فعلية أثر العقد، وإن توقفت الصحة
على الشرط المتأخر كالقبض في الوقف والهبة، وبين تعليقه المدلول
عليه بنفسه.
إذا عرفت ذلك، بقي في المقام مسائل: (المسألة الأولى): لا يشترط
اتصال القبول بالموت، بل يجوز تأخيره عنه مطلقا بلا خلاف، فضلا
عن اعتبار مقارنته لايجاب الوصية.
وفي جواز تقديمه في حياة الموصي قبل موته بمعنى الاكتفاء به عن
تجديده بعده؟ قولان: الأكثر على الجواز. وقبل بالعدم، كما عن (المختلف)
وغيره، معللين:
بعدم وقوع القبول في محله بعد أن كان مدلول الايجاب معلقا على
الموت الراجع - في الحقيقة - إلى كونه تمليكا منجزا عند الموت، فيكون
القبول حينئذ كالقبول قبل الوصية، وبيع ما سيملك، والطلاق قبل النكاح
وهو حسن، إن تجرد الايجاب عن المعنى الانشائي وأنه محض إعلام
لتحقق التمليك المنجز عند الموت، فيكون حينئذ من قبيل الواجب المشروط
24

كالحج قبل الاستطاعة، مع أنه ليس كذلك، بل هو إنشاء للتمليك
التقديري بحيث يكون التعليق في المنشأ دون الانشاء، فيكون من قبيل
الواجب المعلق دون المشروط، وإن إنشاء الأمر موجود فعلا، وإن تأخر
زمان المنشأ والمأمور به، وبه يتحقق مدار الإطاعة والعصيان، وإلا فعند الموت
لا أمر ولا إنشاء حتى يتحقق به الامتثال وعدمه، مضافا إلى تشبثه به وحصول
ربط، ولو ضعيف، بين الموصى له والموصى به بالوصية، فامتاز عن
غيره، لأنه بها ملك أن يملك، فصار محلا للقبول، بخلافه قبل الوصية.
وبأنه لو جاز القبول في حياة الموصي لكان في الرد كذلك تأثير
في بطلان الايجاب، مع أن الأكثر لا يقولون بتأثير الرد وأن له تجديد
القبول بعده في حياة الموصى وبعد موته مع قولهم بتأثير القبول، وبعبارة
أخرى: لو كان القبول مجديا لكان الرد مؤثرا بعد أن كان تواردهما
على مدلول الايجاب وأن معنى الرد ليس إلا ضد معنى القبول.
وفيه: منع الملازمة بين تأثير القبول بمعنى إغنائه عن القبول بعد الموت
وتأثير الرد في بطلان الايجاب بمعنى الحاجة إلى تجديد الوصية. نعم له تأثير
في بطلان القبول السابق عليه بحيث يحتاج بعده إلى تجديد للقبول، دون
تجديد الايجاب.
وبأن القبول: إما كاشف أو ناقل، وهما معا منتفيان هنا، لمعلومية
اشتراط الملك بالموت.
وفيه: إن الخلاف بين كونه كاشفا أو ناقلا، إنما يتحقق موضوعه في
القبول بعد الموت، وإلا فقبله لا ملك حتى يقع الخلاف في زمان تحققه فموضوع
الخلاف في المسألتين مختلف.
وبأن القبول لو كان مقبولا حال الحياة لم يعتبر قبول الوارث ولا
رده لو مات الموصى له قبل موت الموصي.
25

وفيه: إن انتقال حق الرد والقبول إلى الوارث إنما حيث لم يتحقق
مطلق القبول من المورث، لا خصوص القبول الواقع بعد الموت، إلا بناء
على عدم تأثير القبول في الحياة، وهو عين الدعوى، فإذا لا مانع من
جواز القبول قبل موت الموصي.
ويدل على جوازه والاكتفاء به عن تجديده بعد الموت: إطلاق أدلة
الوصية ووجوب تنفيذها، وعدم ورود ما دل على افتقار الوصية إلى القبول
- هنا -: من الاجماع المفقود في المقام، ومن أن الدخول في الملك قهرا
ضرر: منفي بما دل على نفيه، لوقوع القبول منه بالفرض، ومن
اتفاقهم على كون الرد قبل القبول مبطلا للوصية الدال على توقف الملك
عليه، الممنوع تحققه فيما لو كان مسبوقا بالقبول ولو في الحياة، بل دخوله
في ظاهر اتفاقهم على بطلان الرد بعد القبول أظهر. وما قيل من عدم
صلاحية القبول المتقدم للوجوه المتقدمة، قد عرفت ضعفه، فإذا القول
الأول هو الأقوى، وعليه الأكثر.
(المسألة الثانية) لو أوصى بشئ فقبل بعضه ورد بعضه، صح فيما
قبله وبطل فيما ردة.
وتنقيح هذه المسألة هو أن يقال إن متعلق الوصية أي الموصى به:
إما أن يكون متعددا في الخارج، كأن يقول: أعطوا سيفي وفرسي لزيد
بعد الوفاة، أو يكون واحدا شخصيا كأحدهما في المثال. وعلى الثاني:
فإما أن يقبل بعضه المعين أو بعضه المشاع المقدر بأحد الكسور التسعة
كالنصف والثلث - مثلا -.
وعلى كل حال: فإما أن نقول بعدم اعتبار المطابقة بين القبول
والايجاب فيما كان التمليك فيه لمحض التبرع، أو نقول باعتبارها فيه أيضا
كسائر العقود، من غير فرق بين المعاوضات والتمليكات المجانية.
26

فإن قلنا بعدم اعتبار المطابقة بينهما، صح في خصوص ما قبله مطلقا
إلا فيما لا يمكن فيه استقلالية المقبول عن الكل بالكلية على وجه لا يمكن
تعلق الملك ابتداء به كقبول يد العبد أو رجله فيما لو قال: (أعطوا عبدي
لفلان) وغيرهما من أجزاء البدن، إلا الرأس، لشيوع استعماله في إرادة
الكل، وكذا الرقبة. وعدم الصحة فيما لا يقبل الاستقلالية كذلك أو لعدم
المطابقة، بل لعدم تعلق التمليك به بخصوصه لا ابتداء ولا استدامة.
وإن قلنا باعتبارها كسائر العقود لاتحاد المدرك: فإن كان الموصى به
متعددا في الخارج انحل الايجاب المتعلق بهما إلى إيجابين، فإن العطف على
المعمول بحكم إعادة العامل، فينحل في المثال إلى قوله: أعطوا سيفي،
وأعطوا فرسي لزيد بعد الوفاة، فبقبول أحدهما تحصل المطابقة بين القبول
وايجابه، بل ومثله يجري أيضا في عقد المعاوضة، كما لو قال: بعتك
عبدي بمأة وجاريتي بخمسين، وقبل أحدهما دون الآخر، فإن الأقرب فيه
الصحة، بخلاف ما لو ضمهما بثمن واحد، لظهوره في الاجتماع وإن لم
يكن بنحو الاشتراط.
وإن كان المتعلق واحدا شخصيا " وقبل بعضه المعين، كما لو قال:
أعطوا بساطي - مثلا - فقال: قبلت هذا الجزء منه، فإنه يبطل حتى فيما
قبله، لعدم المطابقة بعد فرض اعتبارها، بل الأقوى حينئذ البطلان
حتى لو كان البعض مشاعا أيضا بعد اعتبار المطابقة المنتفية هنا أيضا، وإن
استقرب الصحة فيه شيخنا في (الجواهر) وأشكل في البعض المعين.
ولا أرى وجها للفرق بينهما بعد اعتبار المطابقة، إلا ما عسى أن يقال
بالانحلال إلى المتعدد في المشاع كالمتعدد في الخارج، بتقريب: أن الواحد بالعدد
المؤلف منه الأعداد يتحد بالمفهوم والحقيقة مع النصفين وثلاثة أثلاث وأربعة
أرباع - مثلا - ولذا لا يمكن زيادة الكسر على مخرجه، فلو فرض زيادته
27

عليه عبر عنه بالواحد وتلك الزيادة، فيقال في ثلاثة أنصاف: واحد
ونصف، وأربعة أثلاث: واحد وثلث، وهكذا، فالواحد بلحاظ عين
النصفين، وثلاثة أثلاث: بلحاظ آخر، وفي مرتبة أخرى، فإذا قبل كسرا
منه فهو مطابق لما تعلق به من أفراد المخرج المنقسم إليها المتعدد بلحاظ آخر.
وبالجملة، فالنصفية منتزعة من الواحد بلحاظ النصفين، والثلثية منه بلحاظ
ثلاثة أثلاث، وهكذا، فمنشأ الانتزاع حينئذ متعدد بتعدد كسوره، وهو كاف
في تحقق المطابقة وتحليل الانشاء إلى متعدد.
إلا أنه مع ذلك لا يخفى ضعفه، لأن المطابقة معتبرة بين القبول
والايجاب بحسب ما تعلق به في الخارج من الوحدة والتعدد، لا بحسب التحليل
العقلي في مرتبة وجوده الذهني، فالأقوى إلحاق قبول البعض المشاع بالبعض
المعين في البطلان، لا ببعض المتعدد في الخارج في الصحة، بل حتى لو قبل
البعض المشاع من كل من المتعدد، كما لو قال: قبلت نصف كل من
العبدين أو ثلثا منهما، لعدم المطابقة أيضا.
(المسألة الثالثة) اختلف الأصحاب في انتقال حق الرد والقبول إلى ورثة
الموصى له لو مات هو قبل القبول، وعدمه على أقوال: ثالثها: التفضيل
بين موته بعد موت الموصي، وقبله: بصحة الوصية في الثاني، وبطلانها
في الأول ورجوع الموصى به إلى ورثة الموصي. ورابعها: التفصيل بين
ما لو علم تعلق غرض الموصي بخصوص الموصى له لمزيد علم أو صلاح - مثلا -
وما لم يعلم: ببطلان الوصية في الأول، وصحتها وانتقال الحق إلى الوارث
في الثاني.
والقول الأول، وهو الانتقال - مطلقا - نسبه جدنا في (المصابيح) إلى
الصدوق في (الفقيه) رواية و (المقنع) و (المقنعة) و (النهاية) و
(التهذيب) و (الإستبصار) و (المراسم) و (الكافي) و (الوسيلة)
28

و (السرائر) و (الشرايع) و (الجامع) و (كشف الرموز) و
(القواعد) و (التلخيص) و (التبصرة) و (اللمعة) و (الكفاية)
و (الثاني) وهو البطلان مطلقا منسوب إلى جماعة - كما في المصابيح -
حيث قال: " وبه - أي البطلان مطلقا - قال ابن الجنيد، واختاره العلامة
في الإرشاد، ونفى عنه البأس في (التذكرة والمختلف) وحكاه في (الشرائع)
قولا، ونسبه في (المسالك) إلى جماعة، وقواه. قال في التذكرة:
" وهو قول أكثر العامة رووه عن علي (ع): وبه قال الزهري وحماد
ابن أبي سلمة وربيعة ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي ".
و (الثالث) محكي في (المصابيح) عن جماعة حيث قال بعد
ذكره: " حكاه في الدروس عن المحقق، وفي (التنقيح): إنه ذهب
إلى ذلك في بعض فتاواه، وأسنده في (المسالك) إلى بعض الأصحاب
ومال إليه بعض الميل.
و (الرابع) يحكي فيه عن الدروس وجواهر الكلمات والروضة
وموضع من المسالك - بعدما قوى البطلان - (1).
قلت: والأول هو الأقوى، وعليه المشهور. وحكاية الشهرة عليه
مستفيضة، حكاها في (المصابيح) أيضا عن جماعة حيث قال: " والشهرة
مع ظهورها مما حررناه منقولة في كثير من كتب الأصحاب كالتذكرة
والمختلف والايضاح والدروس وغاية المرام والمهذب البارع وجامع المقاصد

(1) يستعرض الأقوال الأربعة المذكورة تفصيلا كتاب (المصابيح)
للسيد بحر العلوم - قدس سره - الذي لا يزال من نفائس المخطوطات: في
كتاب الوصية تحت عنوان (مصباح): اختلف الأصحاب في أنه إذا
مات الموصى له قبل قبول الوصية على أقوال: أحدهما - صحة الوصية
مطلقا وانتقالها إلى وارث الموصى له.. الخ
29

والمسالك، وفي التنقيح: إنه قول الأكثر، وفي (الكفاية): إنه الأشهر
وفي الشرائع: إنه أشهر الروايتين، وفي النافع: بناء الحكم به على الأشهر
وهو محتمل للأشهر فتوى ورواية. ولعل مراده الثاني كما صرح به في الشرايع
وفي كشف الرموز: إن هذا القول هو الذي انعقد عليه العمل، وظاهره
الاجماع - إلى أن قال بعد نقله ذلك - ولا ريب في أنه هو المذهب " انتهى (1)
ويدل عليه - مضافا إلى كونه حقا فيدخل في عموم: " ما ترك الميت
من حق فهو لوارثه " (2) ما رواه المحمدون الثلاثة في الكتب الأربعة (3):
" عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال: قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل أوصى
لآخر والموصى له غائب، فتوفي الموصى له قبل الموصى؟ قال: الوصية
لوارث الذي أوصى له، قال: ومن أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفي

(1) هذه العبارة بطولها ذكرها سيدنا الجد الأعلى (بحر العلوم) في المصابيح بعد
عرض الأقوال الأربعة المذكورة، وأول العبارة هكذا: " والقول الأول
هو المشهور بين الأصحاب، والشهرة.. ".
(2) بالرغم من كثرة تواجد هذا النص في موسوعاتنا الفقهية
واستشهاد فقهائنا العظام به كثيرا في كثير من أبواب الفقه، كالوصية
والمواريث والخيارات، وتعبيرهم عنه بالنبوي المقبول أو المشهور، ولكننا
لم نألوا جهدا في تطوافنا وفحصنا له على مصدر روائي معتبر من كتب
الحديث للفريقين وإنما الذي وجدناه في صحاح العامة: إذا ترك الميت مالا
فللوارث، وبهذا المضمون. على أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، والله العالم
(3) يقصد بهم: محمد بن الحسن الطوسي صاحب التهذيب والاستبصار
ومحمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي، ومحمد بن علي بن بابويه الصدوق
صاحب كتاب " من لا يحضره الفقيه " وهذه الكتب الأربعة هي مركز
اعتماد الفقهاء الإمامية كالصحاح الستة بالنسبة إلى فقهاء العامة.
30

الموصي، فالوصية لوارث الذي أوصى له، إلا أن يرجع في وصيته قبل
موته " (1) وهو نص في المطلوب بعد الأولوية فيما لو مات بعده، والصحيح
" عن مثنى قال سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها
ولم يترك عقبا؟ قال: اطلب له وارثا أو وليا فادفعها إليه، قلت: فإن
لم أعلم له وليا؟ قال: اجهد على أن تقدر له على ولي، فإن لم تجده، وعلم
الله فيك الجهد فتصدق بها " (2) بناء على إرادة كونه مات قبل القبول
ولو بقرينة قوله (ولم يقبضها) حملا للقبض المنفي على القبول الفعلي
الحاصل به غالبا في أمثال المقام: من العطايا والهدايا. وخبر الساباطي
قال: " سألت أبا جعفر (ع) عن رجل أوصى إلي وأمرني أن أعطى
عما له في كل سنة شيئا، فمات العم؟ فكتب: أعط ورثته " (3) الشامل
باطلاقه للمقام، سيما مع ترك الاستفصال.
وأورد على أول الدليلين في (المسالك): النقض أولا - بعدم
إرث القبول في غير الوصية من العقود إجماعا، وبالحل - ثانيا - بما يرجع

(1) في الوسائل، كتاب الوصايا، باب 20 من أحكام الوصايا،
حديث (1) " محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي
نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس.. " وبعد ذكر الحديث
يقول صاحب الوسائل: " ورواه الصدوق باسناده عن عاصم بن حميد،
ورواه الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم مثله ".
(2) في المصدر الآنف الذكر يذكر الحديث عن محمد بن يحيى عن
محمد بن أحمد عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر. وفي الأخير يقول:
ورواه العياشي في تفسيره عن المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله (ع)
(3) في المصدر الآنف الذكر يذكر الحديث عن الساباطي، ويذكر في الأخير:
أن الصدوق يرويه عن عمرو بن سعيد. والشيخ عن محمد بن يحيى.
31

(مرة) إلى إنكار الصغرى: من كون القبول حقا، إذ ليس كل ما يجوز
فعله كان حقا (وأخرى) إلى منع الكبرى: من كونه من الحقوق التي
تنتقل بالإرث، إذ رب حق متقوم بمستحقه لا يتعدى إلى غيره، ولعل حق
القبول من ذلك، بل الظاهر إنه كذلك، حيث أن الايجاب تمليك للموصى
له، والقبول تملك الوارث، فلا يتطابقان. وبعبارة أخرى: تملك الوارث
إن كان بتمليك الموصى له فالمفروض عدم تملكه فكيف يملك، وإن كان
بتمليك الموصي فلم يحصل منه إيجاب يوجب تمليكه (1)
وفيه: أما ثبوت الصغرى، فلأنه يكفي في ثبوت الحق حصول
سبب الملك للمورث بحيث لا يتوقف الملك إلا على شرط يحصل من قبله،
وهو الرضا به، وما يكون كذلك مما يترتب عليه المال بعد عند العقلاء
كنفس الأموال في كونه حقا يصدق عليه أنه تركه، وبه يحصل الفرق
بينه وبين القبول في سائر العقود، فإنه جزء السبب فيها، وهنا شرط
التأثير من الايجاب على تقدير الموت - على ما تقتضيه عمومات الوصية التي
هي لغة وعرفا مجرد الايجاب - فالقبول هنا كالقبض ونحوه من الشرائط
المتوقفة عليها صحة العقد، وتسميته مع ذلك عقدا لمجرد افتقاره إلى القبول
في مقابل الايجاب الذي لا يفتقر إليه. وهذا القدر من الافتقار كاف في
التسمية، وإن اختلفا في كون القبول هنا شرطا في التأثير، وفي سائر
العقود جزء السبب، وبه اتضح الفرق بين القبولين، وارتفع النقض
بعدم إرثه في سائر العقود.

(1) راجع ذلك في أول كتاب الوصايا من المسالك للشهيد الثاني في
شرح قول المحقق: " ولو مات - أي الموصى له - قبل القبول قام وارثه
مقامه.. " وأول العبارة التي يظهر منها هذا الرد المقتضب هي قوله:
وأما الاستدلال بكون القبول حقا للمورث ففيه.. الخ
32

وأما ثبوت الكبرى، فلأن الحقوق التي لا نتعدى إلى غيره ما كان
الموجب لها: إما علة تامة أو كان من قبل المقتضى ولكن اختص اقتضاؤه
به بسبب آخر، كما تقدم منا بيانه في مسألة الفرق بين الحق والحكم (1)
ولا شئ منهما موجود هنا، والمطابقة حاصلة بعد فرض قيام الوارث
مقام المورث فيما هو له.
واحتج من قال بالبطلان مطلقا - بعد الأصل - بما رواه الشيخ عن
أبي بصير ومحمد بن مسلم جميعا: " عن أبي عبد الله (ع) أنه سئل عن
رجل أوصى لرجل، فمات الموصى له قبل الموصى؟ قال: ليس بشئ " (1)
ومثله، موثقة منصور بن حازم عنه (ع) (3).

(1) راجع ذلك في ضمن الرسالة الأولى من الجزء الأول من هذا
الكتاب: طبع النجف الأشرف (ص 17 - 18) في بيان منشأ الاختلاف
في المصاديق المشتبهة بين كونها حكما أو حقا.
(2) وهي صحيحتهما لأن الشيخ رواها بإسناده عن الحسين بن سعيد
عن حماد بن عيسى عن شعيب عن أبي بصير، وعن فضالة عن العلاء عن
محمد بن مسلم جميعا: عن أبي عبد الله (ع) - على ما في الوسائل: كتاب
الوصايا باب 30 من الأحكام، حديث (4).
(3) رواها الشيخ باسناده عن علي بن الحسن بن فضال عن العباس
ابن عامر عن أبان بن عثمان عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع):
قال: " سألته عن رجل أوصى لرجل بوصية: إن حدث به حدث فمات
الموصى له قبل الموصي؟ قال: ليس بشئ " المصدر الآنف من الوسائل
حديث (5). ولعل وجه تسميتها بالموثقة لا الصحيحة، لوجود علي بن فضال
في سندها فإنه من الفطحية.
33

والجواب عن الأصل: بالخروج عنه بما تقدم (1) وعن الخبرين: بعدم
مقاومتهما لمعارضة المتقدم (2) الصريح في صحة الوصية وانتقال حق القبول
إلى الوارث، مع اعتضاده بالشهرة فتوى ورواية، ومخالفته لفتوى من
كان الرشد في خلافه (3)، فليحمل الخبران على التقية. بل وفي العدول
عن التصريح في الجواب فيهما إشعار بذلك، فإن قوله (ع) (ليس بشئ)
يحتمل قويا: إرادة أن الموت ليس بشئ ينقض الوصية، كما يعطيه تذكير
الضمير المستتر في (ليس).
واحتج من ذهب إلى القول الثالث: بالبطلان فيما لو مات قبل موت
الموصي: بالأصل، والخبرين الأخيرين، وبالصحة فيما لو مات بعده بخبري:
المثنى والساباطي، بعد تقييد إطلاقهما بالخبرين الأخيرين: حملا للمطلق
على المقيد، وبناء هذا القول على طرح حديث محمد بن قيس، مع كونه نصا
على الصحة في صورة التقدم. وبما ذكرناه ظهر لك ضعف هذا القول أيضا.
وأما الرابع: فإن أريد تخصيص البطلان بما إذا اشترط الموصي خصوصية الموصى
له دون وارثه، فهو حسن، بل الظاهر انتفاء الخلاف في ذلك - كما قيل - وإن أوهمه
إطلاق كلام الأكثر، إذ لا مجال للنسرية إلى الوارث مع التصريح بالاختصاص
بالمورث وإن أريد به التخصيص مع اختصاص الداعي إذا دلت القرائن على كونه
الباعث على الوصية اختصاص الموصى له بمزيد علم أو صلاح ونحو ذلك، ففيه خروج
عن ظاهر النص والفتوى من دون داع، فإن الدواعي لا يلتفت إليها في

(1) من أقوائية القول الأول بالانتقال إلى وارث الموصى له.
(2) وهو خبر محمد بن قيس الآنف الذكر.
(3) إشارة إلى أحد المرجحات السندية الواردة على لسان الأئمة
الأطهار (ع) في مقام تعارض الخبرين، وهي قوله (ع): " خذ بما خالف العامة
فإن الرشد في خلافهم ". ومذهب أكثر العامة هو البطلان.
34

مثل، ذلك فإذا لا مناص عن القول الأول.
هذا، وليعلم أن خبر مثنى الآمر بالصدقة يحتمل منه (ع) القبول
لكونه وارثا، وله ضع ما يخصه فيما يشاء، ويحتمل تنزيله على تحقق القبول
من الموصى له قبل موته، وحينئذ، فالقبض المنفي قبض تسلم لماله
والأمر بالصدقة - حينئذ -: إما عن نفسه (ع) أو عن مالكه أما هو أو غيره
إن كان له وارث في الواقع أخذا منه بالاحتياط، فيخرج الخبر - على الاحتمال
الثاني - عن كونه دليلا هنا: من انتقال حتى القبول للوارث.
بقي هنا شئ، وهو ما لو مات الموصى له ولم يخلف وارثا غير
الإمام (ع): فعن الشيخين والفاضلين: رجعت الوصية إلى ورثة الموصى. ونسبه
في (الدروس): إلى المعظم. وعن ابن إدريس: إنها للإمام (ع)،
لأنه الوارث عند فقد غيره، وعن (المقنع والجامع) (1) التصدق بها
بعد الطلب. وقال جدنا في (المصابيح) بعد حكاية الأقوال ما لفظه:
" وظاهر روايتي: محمد بن قيس ومحمد بن عمر المتقدمين رجوع الوصية إلى
الإمام (ع)، ولا ينافيه الأمر بالتصدق بها بعد الطلب في حديث المثنى
فإن الحق للإمام (ع)، فله أن يضعه حيث شاء، وبمثله يحصل التوافق
بين قول ابن إدريس وقول الصدوق وابن سعيد، وهو الأقوى " (2)
قلت: الصواب ما عليه معظم الأصحاب، لا لعدم انصراف الوارث
إلى الإمام (ع) - كما قيل - بل لعدم إمكان القبول منه (ع) في زمن

(1) المقنع للشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي المتوفى سنة
381 ه‍ والجامع لأبي القاسم جعفر بن سعيد المحقق الحلي صاحب الشرائع
المتوفى سنة 676 ه‍.
(2) ذكر ذلك في أوائل المصباح الرابع من كتاب الوصية والكتاب
لا يزال من نفائس المخطوطات كما أشرنا.
35

الغيبة. ودعوى القبول من الحاكم فاسدة، لعدم الولاية له على إدخال
الشئ في ملك الإمام (ع) وإن كان له الولاية على قبض ما هو له، وغير
معلوم نظره - عجل الله فرجه - حتى يتولاه عنه، بل هو كذلك بالنسبة
إلى كل غائب أوصي له. نعم على الوصي إذا كان الموصى له غائبا إعلامه
فورا، فإن أخل به عمدا كان مضمونا عليه، يغرم بدله عند التلف له إن
حضر وقبل، ولا فلورثة الموصي. ولا ينافيه أمره بالصدقة في خبر المثنى
لكونه في زمن الحضور والحق له، فله القبول، ولم يعلم كونه حكما
شرعيا مخصصا لأدلة الإرث في المورد حتى يجري ذلك في زمان الغيبة
أيضا، وحصول التوافق - بين قول ابن إدريس ومن قال بالتصدق بعد
الطلب - مبني على أن يكون مذهبه في مصرف ما هو للإمام التصدق به، مع
أن مذهبه في تلك المسألة هو وجوب الوصية به وإيداعه عند من يثق به
ولا خصوصية للوصية المنتقلة إليه من بين أمواله في مصرفه بعد أن لم
يكن حديث المثنى ظاهرا في إفادة الحكم الشرعي.
بقي هنا فروع: (منها): هو أنه لا يجبر الوارث كالمورث على القبول
بلا خلاف أجده، وإن أشعر به قوله في الأخبار: " الوصية للوارث " (1)
المعلوم منه إرادة عدم بطلانها بموت المورث قبل القبول، وإن كان الموصى
به ممن ينعتق عليه، كما لا يجب شراؤه إجماعا. نعم، لو كان الموصى به أحد عموديه
ولم يستلزم القبول ضررا عليه، فالأقرب وجوبه عليه، سيما إذا استلزم عدمه ايذاءه
(ومنها) أن الوارث يتلقى بقبوله المال من الموصي دون الموصى له

(1) في الوسائل: كتاب الوصايا، باب 15 جواز الوصية للوارث
روايات كثيرة بهذا المضمون، منها حديث رقم (4) من الباب: " محمد
ابن يعقوب، عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان بن
يحيى عن العلا عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال: الوصية للوارث
لا بأس بها ".
36

وإن ورث منه حق القبول، كما يعطيه ظاهر خبر محمد بن قيس - المتقدم -
وهو على تقدير موته قبل موت الموصي واضح. وكذا لو مات بعد موته
وقلنا بكون القبول ناقلا، وأما على القول بكونه كاشفا كشفا حكميا
أو حقيقيا (1) فعن الأكثر انتقاله إلى المورث، ثم منه إلى الوارث
بالإرث. وعليه، فاللازم نفوذ ديونه ووصاياه فيه، بخلافه
على الأول، لعدم تملكه في الواقع حتى ينفذ فيه ذلك. ويحتمل قويا -
- ولعله الأقوى بناء على الكشف أيضا - كشفه من حين ما يمكن كشف
القبول عنه، وهو حين موت المورث، فعليه أيضا ينتقل من الموصي إلى
الوارث، فلا تنفذ فيه أيضا وصايا المورث وديونه وعلى التقديرين، فالقسمة
بين الورثة في صورة التعدد مع قبولهم بحسب قسمة المواريث.
(ومنها): أنه لو كان الوارث متعددا كاثنين - مثلا - فلا إشكال
في كون الحق غير متقوم بهما بشرط الاجتماع، بل لكل منهما القبول،
لأنه حق موروث وغير متبعض بنفسه وإن تبعض متعلقه. وحينئذ: فإن
توافقا في الرد أو القبول فواضح، وإن اختلفا في ذلك صحت الوصية
فيمن قبل على النسبة وبطلت فيمن رد.
(ومنها): أنه لا إشكال في انتقال الوصية إلى الوارث مطلقا، من غير
فرق بين الوارث ووارثه، لاطلاق الدليل، ما لم يتقدم عليه بالإرث غيره
كما لو انقرضت الطبقة الأولى، فينتقل حق القبول إلى ورثتهم، ولو كان
منها أحد كما لو مات الموصى له، وله ولدان - مثلا - ومات أحدهما وكان

(1) للتعرف على المقصود من النقل والكشف بأنواعه في ما يخص
الإجازة في العقد الفضولي ليتضح المقصود من العبارة، يحسن مراجعة تعليقتنا
المفصلة في بيان المراد من الإجازة في العقد الفضولي: أنها النقل أم الكشف
بأنواعه وثمرات الخلاف: من ص 13 - 18 من الجزء الثالث من هذا الكتاب (البلغة).
37

له ولد، ففي اشتراك ولد الولد مع عمه في حق القبول، أو اختصاصه
به لأنه الوارث حين الموت؟ وجهان، مبنيان: على أن انتقال حق القبول
إلى الوارث هل هو على القاعدة وأنه من التركة كنفس المال والنص فيه
موافق لها، أو على خلاف القاعدة وإنما قيل به للنص تعبدا، فعلى الأول
شارك ولد الولد بقبوله الحق الموروث له عمه، ضرورة أنه حق موروث
له قد استوفاه بإعماله له بالقبول، وعلى الثاني اختصت الوصية بالعم لأنه
الوارث حينئذ دون ولد الولد.
(ومنها) لو أوصى بجارية وحملها حيث يملك (1) لزوجها ومات
الموصى له قبل القبول، فقبل الوارث، انتقل الموصى به من الجارية
وحملها إليه بقبوله وكان الولد رقا إن لم يكن ممن ينعتق على الوارث (2)
سواء قلنا بكون القبول ناقلا أو كاشفا من حين موت المورث أو كان
موته في حياة الموصى. ولا كذلك لو قلنا به كاشفا من حين موت الموصي
فإنه ينعتق على أبيه لانكشاف تملكه له قبل موته. ثم الوارث إن كان واحدا
انفرد بالإرث، وإن كان الولد ممن ينعتق عليه، لتأخر انعتاقه المتوقف على
قبول الوارث عن تملك الوارث الحاصل بموت المورث، وإن كان متعددا

(1) فيما إذا زوج مولى الجارية: جاريته لحر وشرط عليه رقية الحمل
في ضمن العقد، وقبل الزوج الحر ذلك الشرط: فعلى المشهور يصبح الحمل
ملكا لصاحب الجارية، أخذا بعموم " المؤمنون عند شروطهم "، والأكثر
على خلاف ذلك وبطلان الشرط. راجع تفصيل المسألة في نكاح الإماء من
الموسوعات الفقهية.
(2) كما إذا كان الوارث ابنا والحمل أنثى، إذ تكون حينئذ أخته،
والأخت النسبية من محرمات الرجل التي تنعتق عليه كالعمة والخالة.
38

وكان ممن ينعتق على بعضهم (1) انعتق عليه بقدر نصيبه ودخل معهم في
الإرث إن كان قبل القسمة، ولم يرث إن كان بعدها: على الكشف من
حين موت الموصي، شارك الوارث في الإرث مطلقا: اتحد أو تعدد، بل
يحجب من تأخر عنه في الطبقة ويختص هو بالإرث دون من كان وارثا
عند القبول، ولا يرث الولد المنعتق على الوارث أمه مطلقا: اتحد الوارث
أو تعدد. ومع التعدد: قبل القسمة أو بعدها لتأخر مرتبة انعتاقه عن
تملك الوارث له ولأمه ولم يملك المورث للجارية حتى يرثها أو يرث منها
ولدها، نعم يرثها مطلقا على القول بالكشف من حين موت الموصي،
فتنعتق على ولدها المنعتق على أبية.
هذا وقد ذهب الشيخ في " المبسوط " مع فرض انعتاق الولد إلى
عدم إرثه مطلقا، لاستلزامه الدور حيث قال: " إلا أن الولد لا يرث من
والده بحال، لأن صحة الوصية تقف على قبول جميع الورثة لأنه لو أراد
بعض الورثة أن يقبل جميع ما قد أوصى به لأبيه لم يكن له، فلو جعلنا
هذا الولد وارثا لم تصح الوصية به إلا بقبوله، والقبول منه لا يصح قبل
حريته، فكان ذلك يؤدي إلى إبطال حريته وحرية الأمة وابطال الوصية
فأسقطنا الإرث حتى حصلت الحرية له ولها " (2)

(1) كما إذا كان وارث الزوج الموصى إليه ابنا وبنتا والحمل أنثى
فإنها تنعتق على الابن لأنها أخته، ولا تنعتق على البنت، إذ لا مانع من ملك
الأخت للأخت، وإنما موانع تملك المرأة أي الذين ينعتقون عليها: هم
عموداها، وابنها وبنتها وزوجها فقط.
(2) يراجع: كتاب الوصايا (ج 4 ص 31 - 32) من الطبعة
الثانية في المطبعة المرتضوية بطهران سنة 1388 ه‍. ومبدأ المسألة قبل هذه
العبارة هكذا: " إذا زوج أمته من رجل ثم أوصى له بها ومات الموصي
ولزمت الوصية، ثم مات الموصى له قبل قبوله، فإن وارثه يقوم مقامه
في قبول الوصية، لأن الوصية من الحقوق المالية، وذلك يثبت للوارث كما
يثبت للموروث مثل الشفعة والقصاص، وفيها خلاف - إلى قوله -: فمن
قال بشرطين (يعني موت الموصي وقبول الموصى له) فالميت لم يملك شيئا
لأنه مات قبل القبول، وإنما ينتقل من الموصي إلى ورثة الموصى له فتصير
الجارية رقيقة له والولد مملوكا - إلى قوله -: ومن قال: ينتقل إليه بوفاة
الموصي فإنه يتبين بقبول الورثة أن الملك انتقل إلى الموصى له بوفاة الموصي
فيكون الحكم فيه كما لو قبل الموصى له ذلك قبل وفاته إلى قوله: إلا أن..
39

وأجاب في (المسالك) عن لزوم المحذور " بأن المعتبر قبول الوارث
في الحال لا في المآل، وقد حصل بقبول من كان وارثا حينئذ " (1)
وفيه: أنه بعد انكشاف تملك المورث من حين موت الموصي
وانعتاق الولد على أبيه من حينه بالفرض، تبين كونه كان وارثا - فعلا -
في الواقع لتعقبه بتحقق القبول من الوارث الكاشف عن تحقق الشرط
المقارن، فلا يجدي حينئذ ما ذكره في رفع محذور الدور.
نعم، الأحسن أن يجاب عن ذلك بأخصية الدليل من المدعى، لأن

(1) في أوائل كتاب الوصايا: في أحكام الموصى له أثناء شرحه
لقول المحقق (فرع لو أوصى بجارية وحملها لزوجها وهي حامل منه)
وتمام هذه الجملة قوله: " وتحرير البحث يتم بأمرين: أحدهما - إثبات أصل
الإرث، ووجهه واضح لأن ثبوته معلوم، وإنما المانع من إرثه الرق،
وقد زال بقبول الوارث حيث يعتق عليه أو على الميت، لأنه الفرض،
وقد خالف في ذلك الشيخ، فمنع من إرثه مطلقا لأنه موقوف على قبول
الوارث، فلو فرض كونه وارثا لا اعتبر قبوله في الإرث، واعتبار قبوله
موقوف على كونه وارثا فيدور. وأجيب بأن المعتبر.. "
40

محذور الدور إنما يمنع عن إرثه لحق القبول لا عن الإرث مطلقا، فحرمانه
عن إرثه بخصوص هذا الحق من التركة كحرمان غير الولد الأكبر من أعيان
الحبوة واختصاصها به.
وبالجملة: وجود المانع عن إرث حق القبول لا يوجب عدم الإرث من
سائر التركة بعد فرض عدم المانع عنه ووجود المقتضي له من البنوة
وعدم الرقية.
ثم إن ثاني الشهيدين في (المسالك) علل إرث الولد المنعتق على أبيه
من أمه بعدم القسمة بالنسبة إليها حيث قال: " والثاني ما يرث منه، فنقول:
إن كان الوارث متحدا لم يرث هذا الولد مطلقا لاختصاص الوارث بالتركة
قبل عتقه، وإن كان متعددا فلا يخلو: إما أن يكون موت أبيه الموصى
له قبل موت الموصي أو بعده، ففي الأول لا يرث أمه مطلقا - إلى أن
قال -: وفي الثاني يبنى على الكشف بالقبول، أو الانتقال، فعلى الثاني
لا يرث من أمه شيئا أيضا لأنها لم تدخل في ملك أبيه، وعلى الكشف يرث
منها لأنها صارت من جملة التركة، والحال أنها لم تقسم حين الحكم بحريته
لأن ذلك حين القبول، وإن كانت بقية التركة قد قسمت.. " (1) انتهى
وأنت خبير بما فيه: من عدم وقوع التعليل في محله بناء على انكشاف
تملك أبيه الموصى له من حين موت الموصي بالفرض لانعتاقه من حينه،
وإن تبين وانكشف ذلك من حين القبول. وعليه فقد انكشف دخوله في
الإرث من حيث الانعتاق مطلقا. نعم يأتي الفرق بين تحقق القسمة وعدمها
حيث كان الولد منعتقا على الوارث دون أبيه، وعليه فليست الجارية من
التركة حتى يعلل الإرث منها بعدم قسمتها.
ثم إن عدم الإرث من المورث مع اتحاد الوارث أو تعدده بعد القسمة

(1) يراجع ذلك في المصدر الآنف الذكر بعد الجملة المذكورة آنفا.
41

إنما يتم على النقل أو الكشف من حين موته دون موت الموصي أو كونه
منعتقا على الوارث دون المورث.
(المسألة الرابعة) لا تبطل الوصية بعروض الاغماء أو الجنون للموصي
إجماعا - كما حكاه جدنا في (المصابيح) (1) وإن بطلت بأحدهما سائر
العقود الجائزة كالوكالة ونحوها، لوضوح الفرق بينهما بشهادة بطلانها
بالموت، وهو في الوصية شرط في نفوذها، فعدم البطلان بأحد العارضين
أولى، مضافا إلى عدم انفكاك المرض غالبا عن أحدهما - سيما الأول منهما -
فيلزم بطلان وصايا المريض إلا نادرا، واشتراط العقل عند الوصية لاعتبار
الشعور في الكشف عن المقصود لا يدل على اشتراط دوامه في الصحة،
فلتكن مستصحبة ما لم يرجع عنها.
(المسألة الخامسة) لا تصح الوصية بالمحرم، للأصل، ولأنه لو صحت
لزم إما خروج المحرم بالوصية عن كونه محرما، أو وجوب ارتكاب المعصية
على الوصي والأول خروج عن الفرض، والثاني ضروري البطلان، وللنص
المفسر للآية الشريفة: " فمن خاف من موص جنفا أو إثما " (2).
ولو أوصى بما هو محلل عنده اجتهادا أو تقليدا، ومحرم عند الوصي
كذلك كالوصية بنقله المؤدي إلى الفساد إلى أحد المشاهد المشرفة، فلا
إشكال في عدم جواز تنفيذه على الوصي، فضلا عن وجوبه. وفي وجوب

(1) راجع منه آخر كتاب الوصية (مصباح): " لا تبطل الوصية
بالجنون والاغماء، سواء استمر العارض إلى الموت أو انقطع قبله إجماعا "
والفرق بين الجنون والاغماء واضح، فإن الأول زوال العقل
أو فساده، والثاني عطل الحواس أو إيقافها مع تغطية للعقل.
(2) سورة البقرة / 182. وتمام الآية: " فأصلح بينهم فلا إثم عليه
إن الله غفور رحيم ". والجنف - بالتحريك -: مصدر جنف - بالكسر
من باب تعب - معناه: الميل والعدول عن الحق.
42

بتنفيذه على الحاكم المجوز له بأن يأمر من يقوم مقامه في ذلك كما لو عرض
العجز على الوصي، لعموم أدلة الوصية، وعدمه؟ وجهان: مبنيان على
وحدة المطلوب، وتعدده (1).
ولو انعكس الأمر (2) ففي وجوب تنفيذها على الوصي لمشروعيتها
عنده، فيشمله عموم " من بدله " وإن أثم بالايصاء عنده، أو بطلانها
رأسا، لأنها عنده (3) وصية بالمعصية؟ وجهان: ولعله الأول هو الأقوى.
ولو أوصى لغير الولي بمباشرة تجهيزه - كلا أو بعضا - كالصلاة عليه مثلا -
ففي تقديمه على الولي، أو تقديم الولي عليه؟ قولان: نسب الأول منهما
إلى ابن الجنيد، وعن الكركي احتماله، وعن المدارك نفي البأس عنه:
تقديما لأدلة الوصية على ما دل على أولوية الوارث، وأن حقه مقيد بعدم
الوصية بها. والثاني هو المشهور، كما في المسالك وغيره، بل في (المختلف)
عدم اعتبار علمائنا ما عليه ابن الجنيد مؤذنا بالاتفاق، وهو الأقوى، لأن
معارضة عمومات الوصية لعمومات أولوية الولي - بعد تسليمها - من تعارض العامين
من وجه، والثانية مرجحة بما عرفت (4) فتكون الوصية حينئذ وصية في حق
الغير، وتقع لاغية. مع احتمال أن يقال: إن تجهيز الميت من فروض
الاحياء كفاية وإن تعلق به، وليس مما تركه الميت، حتى يكون له الايصاء
به، فتكون أدلة أولوية الولي سليمة عن المعارض. ويحتمل الفرق بين الدفن

(1) سقوط الوصية وعدم الوجوب بناء على الوحدة بين الوصية والوصي،
والوجوب بناء على التعدد والتفكيك بين الوصية والوصي.
(2) بأن أوصى الميت بما هو محرم عنده محلل عند الوصي.
(3) الضمير في كلمة (عنده) الأولى مرجعه الوصي. والضمير
المستتر في كلمة (أثم) والضمير في كلمتي (عنده) الأخيرتين مرجعه الميت.
(4) من الاتفاق والشهرة على الأخذ بعمومات أولوية الولي في ذلك.
43

وغيره، فيتعين المدفن بتعيينه، لكونه منه بمنزلة دار السكنى من الحي،
بل لعل الكفن كاللباس مثله دون التكفين والمواراة. مع إمكان أن يقال:
إن حق الميت بمضجعه إنما يتحقق بعد وضعه فيه لا قبله، وإن عينه.
وفي المسالك: " لا ولاية للموصى إليه بها على المشهور مع وجود الوارث
نعم لو فقد كان أولى من الحاكم " انتهى. ولعل وجه تقديمه على
الحاكم: هو أن الحاكم ولي من لا ولي له، وهذا له ولي بالايصاء.
وفيه إن ذلك إنما يتم لو قلنا بأن ولاية الحاكم هنا من حيث أنه ولي
من لا ولي له، وهذا له ولي. وأما لو قلنا بها من حيث كونه نائبا عن
الولي الوارث وهو الإمام (ع) عند فقد من هو قبله من الطبقات الراجع
في الحقيقة إلى تقديم الولي الوارث على الموصى إليه، فلا يتم الوجه المذكور.
اللهم إلا أن يدفع: إن حق تقديم الإمام من حيث الوارثية ليس
من الحقوق التي يستوفيها الحاكم بالنيابة عنه كالأموال، بل هو من الحقوق
الراجعة إليه (ع) من حيث فعله بالمباشرة أو الإذن، فافهم.
بقي فروع مبتنية على بطلان الوصية بالمحرم.
(الأول) إذا أوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم كالعود المشترك
بين عود اللهو وعود البخور، والنبل والقسي والعصا ونحو ذلك والطبل
المشترك بين طبل اللهو وطبل الحرب التي تضرب للتهويل وطبل الحجيج والقوافل
التي تضرب لاعلام النزول والرحيل، والأواني المصوغة من الذهب والفضة
والمتخذة من النحاس وغيره، سواء كان مشتركا لفظا أو معنى، انصرف
إلى المحلل فردا أو مصداقا، حتى أنه لو لم يكن المحلل في التركة وجب
شراؤه ودفعه إلى الموصى له، ولا يصلح اختصاص المحرم بالوجود في التركة
قرينة على تعيينه كي يلزم البطلان، حملا للفعل على الصحيح، وصونا
لكلامه عن اللغو، ولظهور حاله عند الوصية المقصود منها تنفيذها لتدارك
44

ما فاته من الحسنات في مستقبل الأوقات بعد الممات بنيل الخيرات بصرف
ماله في وجوه الميراث والمثوبات، بل هو كذلك وإن كان المحرم هو
المنصرف إليه اللفظ عند الاطلاق بالأظهرية فيه، لوجوب صرف الظهور
إليه بقرائن الحال، لا بأصل الصحة تعبدا، لأن الأصل المزبور لا يصلح أن
يكون قرينة لصرف ظواهر الألفاظ التي هي من الأدلة الاجتهادية.
(الثاني) إذا أوصى بمعين له منفعة محرمة، ومنفعة محللة غير نادرة،
صحت الوصية، لصحة الانتفاع به بالوجه المحلل.
(الثالث) إذا أوصى بالفرد المحرم من ذلك كعود اللهو - مثلا -:
فإن كان بحيث يوجب زوال الصفة المحرمة، ولو بتغيير الهيأة
انتفاء مالية المادة، فلا إشكال حينئذ في بطلان الوصية به.
وإن لم يكن كذلك بل أمكن زوال الصفة مع بقاء مالية المادة، ففي
البطلان مطلقا، الصحة مع أمر الوصي بإزالتها ودفع المادة إليه، أو التفصيل
بين ما يمكن زوالها مع بقاء الاسم وعدمه: بالصحة في الأول والبطلان في
الثاني، أو بين ما كانت له مادة نفيسة كالذهب والفضة - مثلا - فالصحة
وما لم يكن كذلك ولو كانت متقومة، فالبطلان؟ احتمالات، بل أقوال:
ولعل الأول هو الأقوى، لأن الموصى به هو العين المركبة من المادة
والهيأة في قوله: أعطوا عود اللهو لزيد بعد الموت، أو أعطوا الآنية المصوغة
من الذهب له بعده، وهي بهذه الصفة غير قابلة لتعلق الوصية بها، و
خصوص المادة بعد تغير الهيئة غير الموصى به ولو مع بقاء الاسم، وإرادة
المسمى منه تجوز لا يحمل عليه إلا بالقرينة، وإزالة الصفة تصحيحا للوصية
لا تصلح قرينة لصحة الاستعمال، كما لا تصلح نفاسة المادة قرينة لذلك، كما
توهم: من أن الوصية بما كانت مادته نفيسة في الحقيقة متعلقة برضا منه
لأنه خروج عن العمل بمداليل الألفاظ، ولا يجدي إلزام الوصي بزوال
45

الصفة بعد الوصية في الصحة، ولو مراعاة لعدم القابلية حين تعلقها.
نعم لو علم تعلق الوصية بخصوص المادة المجردة عن الصفة، فلا بأس
بها، كما لا بأس بإزالة الصفة من العين ثم الوصية بها.
فظهر بما ذكرناه ضعف مستند الأقوال الباقية.
ولو كان الموصى به واحدا تعين تعلق الوصية به ولو كان متعددا
تخير الوصي والوارث في المتواطي (1) في دفع أي فرد منه، سواء أوصى
بفرد مردد أو بالماهية الصادقة على جميع الأفراد بعد تحققها في ضمن
كل فرد منها، فيتخير الوصي أو الوارث، لأنه المأمور بتنفيذ الوصية
مع حصول الامتثال بدفع ما شاء منه. ولو كان مشتركا لفظا كالقوس المشترك
بين قوس النشاب وقوس الجلاهق الذي يرسى به البندق - كما قيل - (2)

(1) الكلي: هو المفهوم الذي لا يمتنع صدقه على الأكثر من واحد
- كالانسان والبياض - والجزئي بعكسه، فهو فرد من أفراد الكلي كزيد.
ثم إن الكلي ينقسم - من حيث تساوي مصاديقه بالنسبة إلى مفهومه - واختلافها
إلى: متواطئ أي متساوي الأفراد، كالانسان والحيوان، فإن جميع أفراده متساوية
من حيث الانسانية أو الحيوانية، وإلى مشكك، أي مختلف الصدق على أفراده
من حيث القوة والضعف كالنور والنار بالنسبة إلى مصاديقها، أو من حيث
الكثرة والقلة، كالعدد بالنسبة إلى أفراده، أو من حيث العلية والمعلولية
كالوجود بالنسبة إلى الواجب والممكن، أو من حيث التقدم والتأخر، وغير
ذلك من موارد الاختلاف (عن كتب المنطق).
(2) الجلاهق - بضم أوله -: جمع جلهق - بالفتح أو الكسر: -
معرب - البندق الذي يرمى، والقوس: ومنه قول المتنبي:
كأنما الجلد لعري الناهق: * منحدر عن سبتي جلاهق
والسبتين: هما ما عطف من طرفي القوس (عن كتب اللغة).
46

وقوس الندف: فإن علم - ولو بقرائن الحال - إرادة قوس خاصة من الأقواس
تعين، ولا اعتراض عليه للموصى له بدفع المراد بإرادة غيره، لأنه ليس
إلا بقول ما يدفعه المأمور بتنفيذ الوصية، إلا إذا ادعى عليه علمه بإرادة غير
المدفوع، فعليه يمين نفي العلم. وإن علم إرادة المسمى كان مخيرا كالمتواطي
في دفعه لما شاء من الأقسام لكون الموصى به حينئذ كليا منطبقا على كل قسم منها
وإن علم إرادة قسم منها واشتبه عليه الأمر لعارض النسيان أو غيره - عينه بالقرعة
التي هي لكل أمر مشكل لم يندرج تحت قاعدة من القواعد الشرعية، ولا تخيير
هنا لعدم الدليل عليه ولا أصل يقتضيه حتى يكون واردا على دليل القرعة
ورافعا لموضوعها. وإن شك في أنه أراد قسما منها أو المسمى به مع عدم
قرينة معينة ولا صارفة الموجب لدوران الأمر بين الاجمال والتجوز، تعين
الثاني، لأن الحمل على المجاز - وإن كان على خلاف قانون الاستعمال -
أولى من الاجمال الموجب للغوية الكلام وسقوطه عن إفادة المرام، وعلى
هذه الصورة ينزل كلام الأكثر بالتخيير في المشترك اللفظي، تقديما لاحتمال
التجوز على الاحتمال الموجب للاجمال (ودعوى) ايجاب اللغوية بالاجمال
إنما هو عند تأخير البيان عن وقت الحاجة دون وقت الخطاب وهو هنا
عند الموت لا عند الوصية، فصحة الاستعمال بالحمل على الحقيقة تعين إرادة
الفرد منه مع سعة الوقت لتأخير البيان وأنه ترك لعارض النسيان ونحوه،
فتعين القرعة في هذه الصورة أيضا (فيها) من التكلف ما لا يخفى.
(المسألة السادسة) عقد الوصية جائز من الطرفين: من طرف
الموصي مطلقا ما دام حيا، من غير فرق بين متعلق الوصية بالمال أو بالولاية (1)
ومن طرف الموصى له ما لم يقبل بعد الموت، وإن قبل في الحياة. وفي

(1) فيما إذا كانت عهدية كأن يجعل شخصا وليا أو قيما على صغاره
أو يوصي لشأن من شؤون تجهيزه بعد الموت.
47

إطلاق الجواز عليه قبل القبول بالمعنى المصطلح نوع مسامحة. إذ لا عقد
بالفرض بعد حتى يتصف بالجواز. ولازم لو قبل بعده، فليس له الرد
بعد القبول إلا على القول بكون القبض شرطا للزوم، فجائز قبله ولو
بعد القبول وإنما يلزم بعده. - وبالجملة - فهو جائز من طرف الموصي
مطلقا، ومن طرف الموصى له في الجملة.
ويدل على الأول: النصوص المستفيضة (1) والاجماع - بقسميه -
ومحكيه فوق حد الاستفاضة، فله الرجوع عن الكل أو البعض، وتغيير
الوصي أو الموصى له، وإبدال الموصى به بغيره أو العين بالمنفعة أو العكس
ولو شك في الرجوع - ولو للشك في دلالة لفظ أو فعل عليه - فالأصل
عدمه الحاكم على أصالة عدم الانتقال إلى الموصى له، مع كونها متعارضة
بمثلها بالنسبة إلى ورثة الموصي، فيبقى الأول سليما عن المعارض، لو لم
نقل بالحكومة في أمثال ذلك من مجاري الأصول وقلنا بالتعارض بين الأصل
في السبب والأصل في المسبب (2)
ويتحقق الرجوع بأمرين: بالقول، وبالفعل. أما الأول فيتحقق بكل
لفظ دال عليه بإحدى الدلالات (3) نحو رجعت عن وصيتي، أو أبطلتها

(1) التي منها - رواية ابن مسكان: " عن أبي عبد الله (ع) قال
قضى أمير المؤمنين (ع) أن المدبر من الثلث وأن للرجل أن ينقض وصيته
فيزيد فيها وينقص منها ما لم يمت " كما في الوسائل: كتاب الوصايا،
باب 18 من أبواب أحكام الوصايا. وغيرها في هذا الباب كثير.
(2) ولكن الحق أن الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي ومذهب
لموضوعه، وأن الأصل المسببي في طول الأصل السببي لا في عرضه فكيف
يتعارضان؟ والتفصيل في علم الأصول
(3) أي الثلاثة: المطابقة والتضمن والالتزام، كما هي مفصلة في علم المنطق
48

أو عدلت عنها، أو نقضتها أو فسختها، أو غيرتها أو بدلتها. ونحو
ذلك مما يكون صريحا أو كالصريح في الدلالة عليه ولو قال: " هو تركتي "
لم يكن رجوعا، لأن الموصى به من التركة، إذ ليس معنى التركة إلا
كونها مالا، مات عنه المالك، لا خصوص ما يرثه الوارث.
وأما الثاني، فيتحقق بالتصرف فيه بما يكون مفاده به مضادا لمفاد
الوصية، وهو يتحقق بأمور:
(الأول): إتلاف الموصى به كما لو أوصى بطعام فأكله، فإنه
كالتلف السماوي في انتفاء الموضوع.
(الثاني): إزالة الملك عنه، منجزا كالعتق أو معلقا كالتدبير
سواء قلنا بكونه عتقا معلقا على الموت أو وصية بالعتق. وبحكمه المكاتبة
- مطلقة كانت أو مشروطة -، وليس الاعراض عن الموصى به كالتحرير
في المنافاة للوصية، وإن قلنا بصيرورته مباحا بالاعراض، لامتناع تعلق
الملك بالمعتق بعد حريته، وليس كذلك المباح لامكان تعلقه به بالحيازة
ونحوها، فلا موجب لبطلان الوصية، إذ ليس إزالة الملك بنفسها رجوعا
إلا بدعوى اشتراط صحة الوصية ببقاء ملك الموصي إلى الموت، وهي
ممنوعة، بل هو كذلك، وإن حازه غير الموصى له في حياة الموصي، لسقوط
الحيازة عن التأثير حينئذ بتعلق حق الموصى له به ولو بنحو ملك أن يملك
فهو قبل الموت من المباح المتعلق به حق، وإن لم يكن مملوكا بعد كحق
التحجير في المباح قبل الاحياء، بل ليس للموصي إبطال الوصية بعد الاعراض
لأن جواز الابطال من شؤون ملكيته، والمفروض زوال الملك بالاعراض
وإن لم يملكه الموصى له قبل موته وإن حازه، لانتفاء شرط الملك وهو
الموت، مع احتمال تملكه بها قبله وإن انضم إليه بعد الموت سبب آخر
للتملك وهو الوصية، كما لعله الأظهر، ويحتمل بطلانها بسبب التملك
49

بالحيازة نظير بطلان زوجية الأمة بملك اليمين. ثم على هذا القول: لو رجع
المعرض عن إعراضه لا يعود ملكه بنية الرجوع، لأنه كالأجنبي. ولا كذلك
لو قلنا بكون المعرض عنه بحكم المباح - كما اخترناه في محله - وإن سبقه
غيره باليد عليه، لسقوط اليد عن التأثير، لتعلق حق الموصى له به وكفاية
نية الرجوع في انتفاء حكم المباح لبقائه على الملكية بالفرض. وأولى بذلك
ما لو قيل - بما عليه المشهور - من بقاء الملكية وإباحة التصرف ولو
بعد الحيازة.
(الثالث): إيجاد ما يمنع عن نفوذ الوصية كإيلاد الأمة الموصى بها
لأنها تنعتق على ولدها، إلا إذا مات ولدها في حياة الموصي لزوال المانع
حينئذ عن صحة الوصية، والوطئ غير مانع كتزويجها، لأن ذلك من
شؤون الملكية في الحياة وغير مضاد بنفسه حتى يكون دالا على الرجوع
ولا يتوهم أن إرث الولد أمه فتنعتق عليه في مرتبة ملك الموصى له لها
بالوصية مع اتحاد زمان السببين وهو موت الموصي، فمانعيته ليست بأولى
من مانعية العكس، لأن تشبث الايلاد أقوى وأشد تأثيرا من تشبث الموصى له
بالملك بسبب الوصية، وإن قلنا بكونه ملك إن يملك، ولذا لا يجوز بيع أم
الولد إلا في موارد مخصوصة، ويجوز نقل ما أوصى به وسائر تصرفاته
المنافية للوصية، وإن ملك بها أن يملك.
(الرابع): نقله إلى غيره بعقد لازم أو جائز كالبيع والصلح
والهبة مع الاقباض، وغير ذلك مما كان مفاده مضادا لمفاد الوصية وإن عاد
إليه بفسخ أو إقالة أو رجوع، من غير فرق بين صحة العقد وبطلانه
مطلقا: علم بفساده أو جهله، إذ الدلالة في الثاني على الرجوع إنما هي من
حيث التسليط لا حصول التسلط وعدم ترتب الأثر الذي هو معنى فساد
50

العقد، إنما هو من حيث عدم التسلط لا عدم التسليط الذي به يتحقق
الرجوع.
نعم لو كان نقله مع الغفلة عن الوصية بحيث لو كان ملتفتا إلى سبق
الوصية لم يقع منه ذلك: فإن كان صحيحا نفذ وبطلت الوصية، وإن
كان باطلا، فعن المشهور هنا وفي نظائره ابطال الوصية به أيضا لكونه
رجوعا عرفا بل عقلا، لأن إرادته مستلزمة لإرادة عدم الوصية التي هي
ضده، فإن الشئ لما توقف وجوده على عدم ضده كانت إرادته مستلزمة
لإرادة مقدمته، وهي عدم الضد، فكأنه صرح بإرادة عدم الوصية،
وليس الفرق إلا الاجمال والتفصيل في الإرادة.
ونوقش فيه بأن ذلك مسلم فيما إذا لم يكن مسبوقا بفعل ضده المنافية
صحته لصحته بحيث لو كان ملتفتا إليه لما فعله، بخلاف ما لو كان مسبوقا
به لامكان الفرق - بين سبق الإرادة إلى شئ ثم إرادة ضده، غفلة عن الإرادة
السابقة، كما فيما نحن فيه، وبين حدوث إرادة الشئ غفلة عن مصلحة
ضده التي لو التفت إليها لا راد الضد - بأن الإرادة السابقة مركوزة في ذهنه
في الأول، وإن أراد ضده غفلة، بخلاف الثاني، إذ لم تحصل إرادة،
ولا عبرة بالمصلحة الداعية إليها على تقدير الالتفات. ولذا صرح بعضهم
بأنه لو نوى الصوم ثم اعتقد فساده فتوى الأكل لم يفسد الصوم، وإن
قلنا بأن نية الافطار مفسدة، وكذا لو نوى قطع الصلاة لاعتقاد فسادها
فإن ذلك لا ينافي استمرار النية في الصوم والصلاة.
ويمكن دفعها - بعد الفرق بين الإرادتين - المسبوقة بإرادة غيرها وغير
المسبوقة - في كون مريد الشئ ء مريدا لترك ضده، وصدق العدول بالثانية
عن الأولى التي لولاها لكانت باقية مستدامة، وعدم بطلان الصوم
والصلاة مع اعتقاد الفساد بمجرد نية الأكل، والقطع بفعل المنافي ما لم
51

يفعلهما إنما هو لاعتقاد الفساد وأنه لا صوم أو لا صلاة باعتقاده، لا أنه عدول
عن الصحيح وابطال له حتى ينافي شرط الاستدامة، ولذا هؤلاء يقولون
بالبطلان بمجرد نية الابطال ما لم يكن مسبوقا باعتقاد الفساد لانتفاء استدامة
النية حينئذ.
ففي التنظير نظر، والتعليل عليل، فظهر بذلك قوة ما عن المشهور:
من كون ذلك رجوعا عن الوصية وإبطالا لها.
(الخامس): فعل مقدمة أمر إن تم كان مفاده مضافا لمفاد الوصية
كالتوكيل على بيع الموصى به، وهبته قبل القبض، فإن ذلك عند العرف
يعد رجوعا عن الوصية، وليس مجرد العوض على البيع - ما لم يكن
منجزا - من الرجوع عرفا.
(السادس): انقلاب ماهيته إلى ماهية أخرى كانقلاب الحنطة قصيلا
ما لم يعلم تعلق الوصية بخصوص المادة وإن تغيرت صورتها النوعية، وإن
عاد إلى ما كان أو لا كالمصعد من ماء الورد - مثلا - فإنه كالعود إليه
بالفسخ أو الإقالة، لأنه بالانتقال تبطل الوصية، وعودها موقوف على
وصية جديدة، فضلا عما لو تولد منه بالانتقال غيره. وفي صدق
الرجوع بالمزج الرافع للتميز بأجود منه دون غيره أو العدم مطلقا؟ قولان
والثاني هو الأقوى، وإن أوجب الشركة الحكمية.
(السابع): تسليط الغير على إتلافه ولو على تقدير كالارهان، ضرورة
مضادة نفس الاقدام عليه كذلك لمفاد الوصية وإن فكه، بخلاف العكس
وهو الوصية بالعين المرهونة، فإن مرجعها إلى الوصية بها بعد الفك، فتكون
وصية عهدية.
(المسألة السابعة) لا تثبت الوصية التي هي بمعنى إعطاء الولاية على
التصرف في الأموال أو على المجانين والأطفال بعد الموت أو الوصية
52

بالايصاء كذلك (1) بشهادة النساء، لا منفردات، ولا منضمات إلى
العدل الواحد.
أما الأولى: فلاختصاص قبول شهادتهن كذلك بما يخفى - غالبا - على
الرجال كعيوب النساء ونحوها وخصوص الوصية - كما يأتي -.
وأما الثانية، فإنها تقبل شهادتهن مع الانضمام فيما إذا كانت الدعوى
على مال أو متعلقة بالمال، وليست الولاية بشئ منهما، بل تثبت بشهادة
عدلين كغيرها من الحقوق.
نعم تثبت الوصية بالمال (2) دون كونه وصيا بشاهد وامرأتين كغيرها
من الدعاوي المالية، بل بشاهد ويمين، للملازمة بينهما، فكل مورد قبل
فيه أحدهما قبل فيه الآخر. نعم تختص هي - دون غيرها - في الثبوت
بشهادة الذميين مع الضرورة وعدم عدول المسلمين، اجماعا - بقسميه -
بل كما قيل: لا خلاف فيه. والأخبار به مستفيضة، بل هي متواترة معنى
والأصل فيه قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر
أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن
أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة
فيقسمان بالله إن ارتبتم: لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة

(1) وهي الوصية العهدية التي معناها: أن يعهد الموصي إلى شخص
أو أكثر بعد موته بتنفيذ ما يريد تنفيذه في شؤون نفسه أو في شؤون ما يتعلق
به من القاصرين.
(2) أو بما يؤول إليه - وهي الوصية التمليكية. فمثبتاتها: منه ما هو
متفق عليه بين الفقهاء كشاهدين عدلين، وشاهد وامرأتين، ومنه ما هو مخلف
فيه كشاهد ويمين المدعي، وشهادة أربع نساء، وشهادة اثنين مع يمين
المدعي وشهادة الذميين والشهرة، بتفصيل يتضمنه المتن.
53

الله إنا إذا لمن الآثمين ": " فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران
يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان، فيقسمان بالله لشهادتنا
أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ": " ذلك أدنى أن يأتوا
بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم واتقوا الله واسمعوا والله
لا يهدي القوم الفاسقين " (1) وهو كالصريح في قبول شهادة غير المسلمين
عند تعذر العدلين - بعد تنزيل قيد السفر فيه على الغالب من وقوع التعذر
فيه دون الحصر - وإلا فيقتضي التخيير بينهما في السفر، وهو من
المقطوع عدمه.
مضافا إلى ظاهر التعليل في الصحيح: " هل تجوز شهادة أهل ملة
ممن غير أهل ملتهم؟ قال: نعم إذا لم يوجد من أهل ملتهم جازت
شهادة غيرهم إنه لا يصلح ذهاب حق أحد " (2) بعد تقييده بما دل على
اشتراط كونهما ذميين كما يقيد به اطلاق الآية، وبعض النصوص المطلقة
نحو ما روي عن المشايخ الثلاثة - قدس الله أرواحهم -: " عن يحيى بن
محمد قال: سألت أبا عبد الله " ع " عن قول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا
شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من
غيركم؟ قال: اللذان منكم: مسلمان: واللذان من غيركم: من أهل الكتاب
فإن لم تجدوا من أهل الكتاب، فمن المجوس، لأن رسول الله " ص "
سن في المجوس سنة أهل الكتاب في الجزية.. " (3) إلا أنه - كما قيل -

(1) سورة المائدة: الآيات: (106، 107، 108).
(2) الوسائل كتاب الوصايا، باب 20 من أبواب أحكام الوصايا
حديث (3): (وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد
عن الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته: هل تجوز.)
(3) المصدر الآنف من الوسائل حديث رقم (6)
54

لا عامل به، من حيث إلحاق المجوس بأهل الكتاب. اللهم إلا أن يكون
مندرجا في إطلاق أهل الكتاب وأهل الذمة في كلامهم، لكنه خلاف
المنساق من ذلك ومخالف للأصل، بل الأصول، فينبغي الاقتصار على
المتيقن خروجه عن ذلك، وهو الذميان خاصة.
وبالجملة: لا ريب في ثبوت الوصية بالمال بشهادتهما مع فقد العدلين، كما
لا ينبغي التأمل في تقديم الذميين على الفاسقين من المسلمين، بل العدلين
من المخالفين، وإن كان مسلمين، للنص والاجماع فبهما المفقودين في
غيرهما، والأولوية في الصورة الثانية ممنوعة، ولو سلمت فهي ظنية لا تعويل
عليها. وفي جواز شهادة الذميين مع وجود العدل الواحد نظر: من إمكان
ثبوت الوصية بالعدل الواحد مع ضم اليمين إليه، ومن فقد العدلين حين
الوصية الصادق بفقد أحدهما وهو المسوغ لاشهادهما، ولعل الثاني هو الأقرب
وإن كان الاقتصار على المتقين فيما خالف القواعد يقرب الأول، سيما
مع دعوى كون الشرط فقدهما، دون فقد أحدهما، ولو شك في التعذر
ففي رد شهادتهما، لأن الشك في الشرط شك في المشروط والأصل عدمه
أو قبولها بناء على مانعية التمكن، وإن وقع التعبير عنه بشرطية العدم؟
احتمالان: مال إلى الثاني منهما - بل قواه - شيخنا في (الجواهر) والأول
هو الأقوى، لعدم تحقق الاقتضاء في شهادة غير المسلمين حتى يمكن تصور
مانعيته، لأن مانعية الشئ ونسبة الشك إليه فرع وجود المقتضي، وليس
في شهادة غير العدلين اقتضاء للقبول، وتعتبر العدالة فيهما كالمسلمين لما
ورد من اعتبارها فيهما في بعض النصوص.
هذا ويقع الاشكال في وجه التطبيق بين الآية التي مفادها إشهاد غير
المسلم مع الضرورة على الوصية دون جعله وصيا، وسبب نزولها الذي مورده
الثاني دون الأول، لما ورد في سبب نزولها بطريق: " أن تميما الداري وابن
55

بندي وابن أبي مارية خرجوا إلى الشام للتجارة، وكان تميم الداري مسلما
وابن بندي وابن أبي مارية نصرانيين، وكان مع تميم الداري (خرج)
له فيه متاع وآنية منقوشة بالذهب وقلادة أخرجهما إلى بعض أسواق العرب
للبيع، واعتل تميم الداري علة شديدة، فلما حضره الموت دفع ما كان
معه إلى ابن بندي وابن أبي مارية، وأمرهما أن يوصلاه إلى ورثته، فقدما
المدينة وقد أخذا من المتاع الآنية والقلادة، وأوصلا سائر ذلك إلى
ورثته، فافتقد القوم الآنية والقلادة، فقال لهما أهل تميم: هل مرض
صاحبنا مرضا طويلا أنفق فيها نفقة كثيرة؟ فقالا: لا ما مر ض إلا أياما
قلائل. قالوا: فهل اتجر تجارة خسر فيها؟ قالا: لا، قالوا: فهل سرق
منه شئ في سفره؟ قالا: لا، قالوا: افتقدنا أفضل شئ كان معه آنية
منقوشة مكللة بالجواهر وقلادة. فقالا: ما دفع إلينا فقد أديناه إليكم. فقدموهما
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأوجب رسول الله صلى الله عليه وآله اليمين، فحلفا فخلى عنهما، ثم
ظهرت تلك الآنية والقلادة عليهما، فجاء أولياء تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله: قد ظهر على ابن بندي وابن أبي مارية
ما ادعيناه عليهما؟ فانتظر رسول الله صلى الله عليه وآله من الله عز وجل الحكم في
ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى: " يا أيها الذين آمنوا شهادة الخ " (1)

(1) الوسائل: كتاب الوصايا باب 21 من أبواب أحكام الوصايا،
حديث (1): عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن رجاله، رفعه،
قال: خرج تميم الداري وابن بندي وابن أبي مارية في سفر. " ومثل
ذلك في تفسير القمي - باختلاف بسيط في بعض فقرات الحديث. وتتمة
الحديث هكذا: فأطلق الله شهادة أهل الكتاب على الوصية فقط إذا كان
في سفر ولم يجد المسلمين " فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة
فيقسمان بالله إن ارتبتم: لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم
شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين " فهذه الشهادة الأولى التي جعلها رسول الله
" فإن عثر على أنهما استحقا إثما " أي إنهما حلفا على كذب " فآخران
يقومان مقامهما " يعني من أولياء المدعي " من اللذين استحق عليهم الأوليان
فيقسمان بالله " يحلفان بالله أنهما أحق بهذه الدعوى منهما فإنهما قد كذبا
فيما حلفا بالله " لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين "
فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله أولياء تميم الداري: أن يحلفوا بالله على ما أمرهم
فحلفوا، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله القلادة والآنية من ابن بندي وابن أبي
مارية، وردهما على أولياء تميم الداري.. "
56

وفي طريق آخر: مرض فدون ما معه في صحيفة وطرحها إلى متاعه
ولم يخبرهما به، وأوصى إليهما أن يدفعا متاعه إلى أهله، ومات، ففتشاه
وأخذا منه إناء من فضة وزنه ثلاث ماءة مثقال، منقوش بالذهب، فغيباه
فأصاب أهله الصحيفة، وطالبوهما بالإناء فجحدا، فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فحلفهما رسول الله صلى الله عليه وآله بعد صلاة العصر عند المنبر، وخلى سبيلهما ثم
وجد الإناء في أيديهما، فأتاهم بنو سهم في ذلك، فقالا: قد اشترينا،
فكرهنا أن نقربه، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، فنزلت: " فإن عثر
على أنهما " الخ، وليس فيه ذكر القلادة.
وكيف كان فحق مفاد المنزل: إما أن يكون مطابقا للواقعة أو أعم
منها حتى يكون بيانا لحكمها، لا أجنبيا عنها.
اللهم إلا أن يقال: لما كانت الواقعة في الوصية بمعنى الايصاء، ولو
بايصال المال إلى الورثة، كفى ذلك لبيان حكم الاشهاد على الوصية ولو
استطرادا، سيما والوصية لم تنفك غالبا عن اعتراف الميت الذي يتحمل الوصي
شهادة عليه وإن كان مدعيا في كونه وصيا.
ثم إن الآية اشتملت على أحكام مخالفة للقواعد: (منها) إحلاف
57

الشاهد مع أن الشاهد لا يمين عليه - بالاجماع -. (ومنها) إحلاف المدعي
وهو ورثة الميت المستفاد من قوله (وآخران يقومان مقامهما). و (منها)
سماع الدعوى بمجرد الظن والتهمة مع أنها لا تسمع إلا بنحو الجزم. و (منها)
سماع الدعوى في الآية من ورثة الميت وإحلافهم عليها، مع أن الدعوى
لا تسمع بعد اليمين لأنها تقطع الخصومة بها، وتذهب بما فيها - كما ورد في
بعض النصوص -
والجواب عن (الأول) مرة - بالتزام تخصيص ما دل - على عدم
إحلاف الشاهد بما دل عليه - هنا - بالخصوص: من النص، كتخصيص
عموم ما دل على اعتبار الايمان في الشاهد بقبول شهادة الذميين هنا - وأخرى -
بكون سبب الاحلاف هو دعوى الورثة خيانة الوصيين، فهي دعوى
جديدة بتوجه اليمين على منكرها.
و (عن الثاني) فبالتخصيص - أولا - بانقلاب المدعي منكرا بعد
دعوى الوصيين الشراء - ثانيا - ويحلفان على نفي العلم، ويكون دليلا
لصيرورة ذي اليد مدعيا بعد اعترافه بالملكية السابقة للمدعي لتضمنه دعوى
الانتقال منه إليه، فتلغو اليد عن كونها أمارة. (وعن الثالث) بأنها
ربما حفت بقرائن إفادة المدعي جزما بالدعوى، ولم يكن ما يدل بظاهره
على خلافه، وإن التعبير لم يكن بنحو الجزم. (وعن الرابع) بما عرفت
من انقلاب المدعي منكرا بعد ظهور الخيانة بدعوى الشراء.
وبالجملة: بعد أن كان الحكم مخالفا للقواعد، فاللازم الاقتصار على
المتيقن خروجه عنها، وهو قبول شهادة الذميين المرضيين في دينهما عند
تعذر العدلين، وما يقوم مقامها: من شهادة النساء مطلقا وإحلافهما مع
الريبة وتغليظ اليمين من حيث الوقت والمكان - كما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله -
وكذا ثبت الوصية بشهادة النساء، ولو منفردات، لكن يثبت
58

تمام الوصية بشهادة أربع نساء، وثلاثة أرباعها بشهادة ثلاث منهن،
والنصف بشهادة امرأتين، والربع بواحدة، المستفاد ذلك من ثبوت الربع
بشهادة امرأة واحدة من النصوص التي: (منها) ما رواه (في التهذيب)
في الصحيح " عن ربعي عن أبي عبد الله (ع) في شهادة امرأة حضرت
رجلا يوصي ليس معها رجل؟ فقال: يجاز ربع ما أوصى بحساب
شهادتها (1) ورواه (في الفقيه) في الصحيح: " عن حماد بن عيسى
عن ربعي " مثله بأدنى تفاوت (2) و (منها) ما عن محمد بن قيس في
الصحيح " عن أبي جعفر (ع) قال قضى أمير المؤمنين (ع) في وصية
لم يشهد لها إلا امرأة فقضى يأن تجاز شهادة المرأة في ربع الوصية " ورواه
بسند آخر: عن محمد بن قيس أيضا مثله، إلا أنه زاد: إذا كانت مسلمة غير
مريبة في دينها (3) و (منها) ما عن أبان عن أبي عبد الله (ع):
" أنه قال في وصيته لم يشهدها إلا امرأة فأجاز شهادة المرأة في الربع من
الوصية بحساب شهادتها " (4) والمراد من قوله: بحساب شهادتها، أي الربع

(1) راجع: كتاب الوصايا منه باب (7) الاشهاد على الوصية،
حديث (5): " الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن
ربعي عن أبي عبد الله (ع).. "
(2) من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 4 طبع النجف ص 142 باب
87 الاشهاد على الوصية هكذا ".. عن ربعي بن عبد الله عن أبي
عبد الله (ع) في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي ليس معها رجل؟
فقال: تجاز في ربع الوصية ".
(3) راجع ذلك بصورتيه في الوسائل: كتاب الوصايا، باب 22 من
أبواب أحكام الوصايا حديث (3، 4).
(4) المصدر الآنف من الوسائل حديث رقم (2).
59

بحساب ما شهدت به، فإذا ثبت الربع بشهادة الواحدة؟؟؟؟؟
بشهادة كل واحدة فيثبت النصف بامرأتين وهكذا. ولا يجوز للامرأة أن
تزيد في شهادتها ليثبت بقبولها في الربع تمام الحق لتضمنها الكذب الممنوع
منه، وإن استباح المشهود له تناوله مطلقا، ولو مع العلم بزيادة المشهود
به عن حقه، لعدم نفوذها إلا فيما يساوي حقه في الواقع.
ولو نقص عددهن عن الأربعة، ففي قبول شهادة الذميين، لثبوت
الكل لتحقق الضرورة بالنسبة إلى ثبوت الوصية المنساق منها تمامها، أو بالنسبة
إلى خصوص الزائد لاختصاص التعذر به، أو عدم القبول مطلقا، لعدم
التعذر المطلق؟ وجوه: أقواها: الأخير.
ولا يثبت شئ منها بشهادة الخنثى الواحد، لاحتمال كونه ذكرا بناء
على عدم ثبوت شئ بشهادته، لعدم النص، مع منع الأولوية القطعية
من المرأة بالنسبة إلى الربع، ولو زاد عددها عن الواحدة ثبت الأقل مما
دار الأمر بينه وبين الأكثر، لأنه المتيقن فيثبت الربع بشهادة الخنثيين
لدوران الأمر بينه لاحتمال كون أحدهما مرأة، وبين النصف لاحتمال كونهما
مرأتين، والكل لاحتمال كونهما رجلين، وثلاثة أرباع لو كن ثلاثة،
لدوران الأمر بينه وبين الكل، والجميع لو كن أربعا، لأنه المتيقن على
كل تقدير.
(المسألة الثامنة) لو أشهد رجل عبدين له على أن حمل جاريته
منه، ثم مات وأعتق العبدان، ثم شهد ببنوة المولود، نفذت شهادتهما
وعاد رقين (1)

(1) وذلك لانكشاف أن معتقهما - وهو أخ الميت - لا يملك عتقهما،
وإنما الذي يملك ذلك - بحكم صحة الشهادة المذكورة - هو الولد المشهود
له ببنوة الميت، فكان عتقهما باطلا، إذ لا عتق إلا في ملك - كما هو
لسان الحديث الشريف -.
60

إن كان مع الايصاء بلا خلاف - كما قيل - (1) بل عن (المسالك): " إن
عليه أصحابنا " (2) أو مطلقا على الأشهر الأظهر، للصحيح: " في رجل
مات وترك جارية ومملوكين، فورثهما أخ له، فأعتق العبدين، وولدت
الجارية غلاما، فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهدهما: أنه يقع على
الجارية وأن الحمل منه؟ قال: تجوز شهادتهما ويردان عبدين كما كانا " (3)
والموثق: " عن رجل كان في سفر ومعه جارية وله غلامان مملوكان، فقال
لهما: أنتما حران لوجه الله، واشهدا أن ما في بطن جاريتي هذه مني،
فولدت غلاما، فلما قدموا على الورثة أنكروا ذلك واسترقوهما، ثم إن
الغلامين أعتقا بعد ذلك، فشهدا بعدما أعتقا: أن مولاهما الأول أشهدهما
على أن ما في بطن جاريته منه؟ قال: تجوز شهادتهما للغلام، ولا يسترقهما
الغلام الذي شهدا له، لأنهما أثبتا نسبه " (4).
وهما باطلاقهما - بل العموم الناشئ من ترك الاستفصال - يعمان:
صورة تحقق الايصاء وعدمه، فقصر الحكم الأول منهما تخصيص لهما
من غير دليل يقتضيه، إلا ما يتوهم من توسعة أمر ثبوت الوصية، ولذا

(1) والقائل هو الشيخ الطوسي - قدس سره - فقد خص الحكم لصحة
الشهادة في صورة الوصية لأنها من الحقوق التي يتساهل في مثبتاتها.
(2) ذكر ذلك في كتاب الوصايا في شرح قول المحقق: ". ولو أشهد
إنسان عبدين.. "
(3) وهو صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في رجل مات..
(الوسائل: كتاب الوصايا) باب 71 من أبواب أحكام الوصايا حديث " 2 "
. (4) المصدر الآنف من الوسائل حديث " 1 ".
61

تثبت بشهادة الذميين، وهو كما ترى.
ثم لا تنافي بين الروايتين من حيث رقية العبدين بعد الشهادة، إذ
المراد من قوله في الموثقة (ولا يسترقهما الغلام) النهي عن إبقائهما رقين.
وهل يحرم ذلك لظاهر النهي أو يحمل على الكراهة لمناسبة التعليل
الظاهر في كونه خلاف الانصاف لأنهما صارا سببا لحرية الغلام فلا ينبغي
أن يكون سببا لرقيتهما؟ الأظهر الأشهر: هو الثاني.
ثم الوجه في اتفاقهم على قبول شهادة العبدين هنا - ولو في الجملة -
مع اختلافهم في قبول شهادة العبد في باب الشهادات على أقوال - ليس
عندي إلا التعبد بالنص هنا، وإن قلنا بعدم القبول - ثمة - لا ما ذكره
شيخنا في (الجواهر): من الوجوه التي لم أقف لها على محصل غير التعبد
بالنص منها حيث قال: " وعلى كل حال اتفاقهم ظاهرا على الحكم هنا
وخلافهم في قبول شهادة العبد على أقوال متعددة: إما أن يكون للخبرين
المزبورين المعتضدين بما عرفت، أو لأنها حران في ظاهر الشرع وفي حق
الورثة الذين شهدوا عليهم وإن استلزم ذلك رقيتهما لغيرهم أخذا باقرارهما
أو لعدم بينة على دعواهما العتق من سيدهما الأصلي ولا تنافي بين الأمرين
بعد أن كانا من الأحكام الظاهرية التي يمكن العمل بكل منهما نحو الصيد
الواقع في الماء، فإنه يحكم بميتته وطهارة الماء عملا بكلا الأصلين، وليس
ما نحن فيه مما يستلزم من وجوده عدمه لأن ذلك إنما هو في الأحكام
الواقعية دون الظاهرية " (1) انتهى.
قلت: وإن كان التفكيك بين الأحكام في مجاري الأصول غير
عزيز، إلا أن المقام ليس منه، والتنظير بالصيد الواقع في الماء القليل

(1) راجع ذلك منه في كتاب الوصايا في شرح قول المحقق: " ولو
أشهد إنسان عبدين له على حمل أمته.. ".
62

المشكوك في كونه مذكى أو ميتة غير سديد لأن الشك في نجاسة الماء وطهارته
مسبب عن الشك في كونه مذكى أو ميتة: فإن كان الميتة بمعنى غير المذكى
وأنه أمر عدمي موافق للأصل، كان الأصل في السبب مقدما على الأصل
في المسبب لحكومته عليه، وإن كان أمرا وجوديا مخالفا للأصل، لم
يثبت به كونه ميتة حتى يقدم على أصل الطهارة واستصحابها، وإن حرم
أكله، لفقدان شرط حليته: من التذكية المستفاد من قوله تعالى: " إلا ما ذكيتم "
فالأصل في المسبب: إما محكوم للأصل في السبب أو غير معارض به، فلا
معنى للعمل بكلا الأصلين فيه.
وأما رقيتهما بعد الشهادة أخذا باقرارهما، ففيه أن الحكم بالرقية ليس
من جهة اقرارهما، مع كونه ممنوعا أصله، بل لقبول شهادتهما لانكشاف
كون معتقهما لم يكن مالكا، والمالك لم يعتق، ولذا تسترد
التركة التي منها العبدان إلى المولود لانكشاف كونه وارثا، وإلا فاقرارهما
لا ينفذ على المعتق الوارث بالنسبة إلى سائر التركة، وإنكار كونه مما
يستلزم من وجوده عدمه مكابرة، ضرورة أنه يلزم من قبول شهادتهما المثبت
لعبديتهما سقوط شهادتهما بناء على عدم قبول شهادة العبد، فلا مناص حينئذ عن
القول بتخصيص عموم المنع عن قبول شهادة العبد بما إذا شهد في زمان
محكوم بحريته ظاهرا، وإن كان عبدا في الواقع، للنص فهو نوع تخصيص
في شهادة العبد.
ولا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه، ولا فيما يؤول إلى جر النفع
لنفسه - ولو بالولاية على مالكه - كما إذا شهد بمال للصغير الذي له الولاية
عليه، لاستلزامه ثبوت السلطنة له على التصرف فيه، والضابط أن لا يجر
بشهادته نفعا لنفسه، فإنها للتهمة غير مقبولة منه ولو كان عدلا، خلافا
لما عن الإسكافي حيث قال: " شهادة الوصي جائزة لليتيم في حجره وإن
63

كان هو المخاصم للطفل ولم يكن بينه وبين المشهود عليه ما يرد شهادته
عليه " ونسب إلى المقداد الميل إليه، ونفى عنه البأس في (المسالك) وإن
عين بعده العمل بالمشهور (1) واستجوده جدنا في (الرياض) (2).
ولعل نظرهم - بعد نفي التهمة عن العدل حيث أنه ليس بمالك، وربما
لم يكن له أجرة على عمله في كثير من الموارد - إلى مكاتبة الصفار، وفيها:
" كتب إليه: أيجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت: صغيرا أو كبيرا
بحق له على الميت أو على غيره وهو القابض للوارث الصغير وليس الكبير
بقابض؟ فوقع عليه السلام: نعم، ينبغي للوصي أن يشهد بالحق ولا يكتم
شهادته... " (3)
وفيه - مع عدم وجدان القول به صريحا إلا ما حكي عن الإسكافي - أنه

(1) قال في كتاب الوصايا في شرح قول المحقق " ولا تقبل شهادة
الوصي فيما هو وصي فيه.. ": " والمنع من قبول شهادة الوصي كذلك
هو المشهور بين الأصحاب، لا نعلم فيه مخالفا إلا ابن الجنيد فإنه قال:
شهادة الوصي جائزة لليتيم في حجره وإن كان هو الخاصم للطفل ولم يكن
بينه وبين المشهود عليه ما يرد شهادته عليه، ومال إليه المقداد في شرحه،
ولا بأس بهذا القول، لبعد هذه التهمة من العدل حيث أنه ليس بمالك
وربما لم تكن له أجرة على عمله في كثير من الموارد، إلا أن العمل بالمشهور
متعين ".
(2) ففي هذا الباب والكتاب المذكورين - بعد أن ينقل رأي المشهور
عن الشهيد - يقول: " وهو حسن إن بلغت الشهرة الاجماع، كما هو
الظاهر منه، وإلا فمختار الإسكافي لعله أجود ".
(3) فروع الكافي للكليني، كتاب الشهادات، باب شهادة الشريك
والأجير والوصي، حديث (3).
64

لا مقاومة للمكاتبة المزبورة، سيما مع إعراض الأصحاب عنها، لما دل على
خلافها من المنع من قبول شهادة من بجر نفعا (1) الشامل لذلك، ولو
من حيث دخوله تحت سلطنته، ودعوى عدم انصراف النفع لمثله ممنوعة
هذا، مع ما في المكاتبة المزبورة: من أنه " هل تقبل شهادة الوصي للميت
بدين على رجل آخر مع شاهد آخر عدل؟ فوقع (ع): إذا شهد معه
آخر عدل، فعلى المدعى يمين " (2) الظاهر في عدم قبول شهادة الوصي
وإنما اليمين لاثبات الحق بضمها مع العدل الواحد، وإلا لم يكن لليمين
حاجة. وهو باطلاقه يشمل المقام، فلتحمل الفقرة الأولى منها على شهادته
على مالا حق فيه من مال الكبير.
نعم تقبل شهادته فيما لا يندرج تحت ولايته، كما لو شهد بما لا يكون
وصيا فيه كالدين على الميت، أو كان وليا على الطفل في ماله الخاص فشهد
له بغيره، فإنه تقبل بلا خلاف، لعدم المانع، بل يدل عليه ما في المكاتبة
المزبورة: " من أنه كتب إليه أيضا أو تقبل شهادة الوصي على الميت
بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقع (ع): نعم من بعد يمين " (3) فإن
اليمين هنا للاستظهار بعد قيام البينة من شهادة الوصي والعدل الآخر.
(المبحث الثاني في الموصي)
ويعتبر فيه: أن لا يكون محجرا عليه لصغر أو جنون، ونحوه السكران
والمغمى عليه ممن لا قصد له ولا شعور، إجماعا - بقسميه. ولعله المراد

(1) وهي أحاديث وروايات كثيرة، مختلفة الألفاظ والمضامين،
عقد لها في الوسائل أكثر من باب واحد، في كتاب الشهادات.
(2) ذكرت هذه الجملة في صدر التوقيع الآنف الذكر بنفس المصدر.
(3) وهذه الجملة وردت في ذيل المكاتبة الآنفة الذكر والمصدر.
65

ممن اعتبر فيه كمال العقل أي العقل الكامل الجاري مجرى غالب العقلاء، وهو
بهذا المعنى مما لا خلاف فيه.
فلا تصح من المجنون مطلقا، ولو كان أدوارا إذا كانت في حالة
الجنون، وتصح منه في حالة الإفاقة. ولا تبطل بعروض الجنون - كما تقدم.
لعدم اشتراط دوام العقل إلى الموت. كيف وإطباقهم على صحتها منه
حال الإفاقة أقوى دليل على عدم البطلان بعروض الجنون بعدها.
ولا من الصبي لدون العشر مطلقا وإن بلغ سنه ثمان سنين. وأما
من بلغ سنه العشر: فعن المشهور نفوذها إذا كانت في البر والمعروف كبناء
المساجد والقناطر ووجوه الخيرات والمبرات، بل ربما يستشعر من (الدروس)
كما قيل: الاجماع عليه. بل عن (الغنية) التصريح به.
ويدل عليه - مضافا إلى ذلك - الأخبار المستفيضة: (منها) ما عن
الصدوق في (الفقيه): " عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن
عن أبي عبد الله قال قال أبو عبد الله (ع): إذا بلغ الغلام عشر سنين
جازت وصيته " (1) و (منها) الموثق في (التهذيب) " عن منصور
ابن حازم عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا بلغ الصبي خمسة أشبار أكلت
ذبيحته وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته " (2) و (منها) ما رواه الشيخ

(1) " من لا يحضره الفقيه للصدوق " في الوصايا باب 92 الحد الذي
إذا بلغه الصبي جازت وصيته، حديث (1)
(2) الرواية بهذا النص في التهذيب - باب 8 وصية الصبي والمحجور
عليه حديث (1) - هي عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله. وأما التي عن
منصور بن حازم فنصها - كما في التهذيب بنفس المصدر والباب حديث (5)
هكذا: " قال: سألته عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال: إذا كان ابن
عشر سنن جازت وصيته ".
وهكذا في الوسائل: كتاب الوصايا باب 44 من أبواب أحكام
الوصايا، فراجع.
66

في (التهذيب) في الموثق عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: " يجوز
طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته، وإن لم يحتلم " (1) بعد
تقييدها بما دل على العشر و (منها) ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيدهم عن
زرارة عن أبي جعفر (ع) قال: " إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه
يجوز له في ماله ما أعتق أو تصدق وأوصى على حد معروف وحق فهو
جائز " (2). و (منها) ما عن أبي بصير وأبي أيوب في الموثق عن أبي
عبد الله (ع): " في الغلام ابن عشر سنين يوصي؟ قال: إذا أصاب موضع
الوصية جازت " (3).
وهذه الأخبار - بعد اعتضادها بما عرفت - تنهض لتخصيص ما دل
على الحجر على الصبي ما لم يبلغ، سيما في الوصية التي قد عرفت توسعة
الأمر فيها
خلافا لابن إدريس، فمنع عن جوازها مطلقا (4) للأصل، وحديث

(1) التهذيب، الباب الآنف الذكر، من كتاب الوصايا، حديث
(9) تسلسل (734).
(2) ذكره الصدوق في " الفقيه: باب 92 " ألحد الذي إذا بلغه
الصبي جازت وصيته حديث (2)، والكليني في (الكافي كتاب الوصايا
باب وصية الغلام) حديث (1)، والشيخ في (التهذيب باب 8 وصية الصبي
والمحجور عليه) حديث (4).
(3) في المصدر والباب الآنفي الذكر من التهذيب حديث (2)
(4) فإنه قال في كتاب الوصايا من السرائر في باب شرائط الوصية:
" الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن وصية غير المكلف البالغ غير صحيحة
ولا ممضاة سواء كانت في وجوه البر أو غير وجوه البر.. " إلى آخر عبارته
التي يقول فيها: " وإنما هذه أخبار آحاد يوردها في كتاب النهاية إيرادا
وقد بينا أن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.. "
67

رفع القلم، وعمومات الحجر على الصبي، مع عدم العمل بهذه الأخبار
التي هي من الآحاد.
وهو حسن على أصله، إلا أنه ضعيف - عندنا. وحيث كان
الحكم خلاف الأصل، فليقتصر على المتيقن من بلوغ العشر دون الثمان
وإن وردت به رواية لم يعمل بها إلا شاذ (5) فلا تنهض لمقاومة مفاهيم
الأخبار المتقدمة، وتخصيص عمومات الحجر بها، وكون الوصية بالمعروف
لا مطلقا كما عن بعض، للتقييد بها في الأخبار.
وأما الحجر عليه لسفه، فعن المشهور أيضا: عدم النفوذ إلا فيما
كان في معروف، كما عن المفيد وسلار والحلي وابن زهرة وغيرهم، بل
عن الأخير دعوى الاجماع عليه، خلافا لما عن الحلي وابن حمزة، فمنعاه
وهو أحد قولي العلامة، نظرا إلى عمومات أدلة الحجر عليه، وقوله الآخر
الجواز مطلقا، وتبعه عليه جدنا في " الرياض "، ولعله الأقوى، لعمومات
أدلة الوصية، مع منع شمول أدلة الحجر لذلك، إذ المنساق منها المنع

(5) يشير - قدس سره - إلى رواية الحسن بن راشد عن أبي الحسن
العسكري (ع) قال: " إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله
وقد وجب عليه الفرائض والحدود، وإذا تم للجارية سبع سنين فكذلك "
- كما في الوسائل: كتاب الوقوف والصدقات باب 15 من أبواب أحكام
الوقوف والصدقات - واقتصر العمل بها - على ما نعلم - على ابن الجنيد
الذي طالما يخالف الإمامية في كثير من فتاواه - بالرغم من كونه من
أعاظمهم
68

عن التصرف في المال عند الحياة لا بعد الموت، مؤيدا بما دل على " أن
الميت له من ماله الثلث "، فتبقى هي سليمة عن المعارض، وإن سلم
التعارض، فالنسبة بينهما عموم من وجه، والترجيح لعمومات الوصية، لما
عرفت من الشهرة، إلا أنها تنتج قوة القول الأول.
ولا تبطل بعروض السفه، لفحوى ما دل على عدم البطلان
بعروض الجنون.
وأما المفلس فتقبل الوصية منه قطعا كما في " المفاتيح "، وبلا خلاف
كما في " الدلائل " وهو كذلك، وإن لم تكن الوصية بالأعيان المتعلق بها
حق الغرماء، ولأن مخرجها الثلث، وهو بعد الدين، وإن كانت متعلقة بها
فلا تقبل مع عدم إجازة الغرماء، ومع إجازتهم، ففي قبولها وجهان؟
من عدم المانع من مزاحمة الحق، ومن احتمال ظهور غريم، وإن كان
الأصل عدمه.
وكذا أن لا يكون مملوكا، فلا تقبل وصية العبد (1) وهو - على
المختار: من عدم تملكه - واضح، لعدم نفوذ التصرف في مال الغير،

(1) لاطلاق أدلة الحجر الواردة بعنوان العبودية كقوله تعالى:
" ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ " وكالروايات الواردة في
عدم جواز أو نفوذ نكاح العبد أو طلاقه بنحو الاستقلال باختلاف المضامين
وكالروايات الواردة في منعه عن التصرفات المالية - بما فيها الوصية -
كصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): " أنه قال في المملوك:
ما دام عبدا، فإنه وماله لأهله، لا يجوز له تحرير، ولا كثير عطاء ولا
وصية إلا أن يشاء سيده " ورواية عبد الرحمان ابن الحجاج عن أحدهما (ع):
أنه قال: " لا وصية لمملوك.. " وغيرها كثير مما ورد في باب الطلاق
والوصايا من كتب الأخبار.
69

كما لو قال: " مال زيد لعمرو بعد وفاتي " بل هو كذلك حتى لو أجاز
مولاه، ولا يقاس بالفضولي، وإن قلنا بصحته، لأنه من الفضولي لنفسه
دون المالك. وعلى القول بأنه يملك، فللحجر عليه، مع عدم إجازة السيد
ومعها فالأقوى: الجواز، لزوال السبب، من غير فرق بين القن والمدبر
وأم الولد والمكاتب الذي لم يتحرر منه شئ، ولو تحرر بعضه نفذت
بقدر نصيبه من الحرية.
ولو أوصى حال كونه مملوكا ثم أعتق وملك نفذت وصيته لارتفاع
المانع من الرقية، وقياسه بوصية الصبي، وإن بلغ بعدها، قياس مع الفارق
لأن الصبي مسلوب العبارة، بخلاف المملوك البالغ الرشيد.
ولا يعتبر الاسلام في الوصية، فتصح من الكافر، ولو كان حربيا
فيما كان سائغا، لعموم ما دل على صحة تمليكاته المنجزة، ولأنها لو لم تصح
لما صحت منه وصاياه في إخراج ديونه ورد أماناته.
هذا ولو جرح الانسان نفسه لهلاكها ثم أوصى في ثلثه، لم تقبل وصيته
على المشهور شهرة عظيمة (1) لأصالة الفساد. ولما في صحيح أبي ولاد
المروي في (الكتب الثلاثة) عن الصادق (ع): " من قتل نفسه متعمدا
فهو في نار جهنم خالدا فيها، قلت أرأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل
نفسه من ساعته: تنفذ وصيته؟ فقال: إن كان أوصى قبل أن يحدث
حدثا في نفسه من جراحة أو فعل لعله يموت أجيزت وصيته في الثلث،

(1) وخالف في ذلك ابن إدريس صريحا، فقال في (سرائره):
الذي تقتضيه أصولنا، وتشهد بصحته أدلتنا: أن وصيته ماضية صحيحة
إذا كان عقله ثابتا عليه " ثم استحسن رأيه العلامة في المختلف والقواعد
والشهيد الثاني في الروضة والمسالك، مما يستشعر منهما الميل إلى الأخذ
به، فراجع.
70

وإن كان أوصى بوصيته بعدما أحدث في نفسه من جراحة أو فعل لعله
يموت، لم تجز وصيته " (1).
وهي - بعد فتوى المشهور بمضمونها - مخصصة لعمومات الوصية،
وهو الوجه في عدم القبول، لا ما قيل: من كشف عمله عن سفهه وأن
السفيه لا تقبل وصيته، لمنع الصغرى - أولا - ومنع كلية الكبرى - ثانيا -
كما تقدم. ولا ما قيل: من أنه قاتل لنفسه فاستحق عقوبة حرمانه من ماله
كحرمان القاتل الإرث من المقتول، لأنه قياس مع الفارق، إذ الحكمة
الموجبة للحرمان - ثمة - من تعجيل الإرث مفقودة - هنا -. ولا ما قيل:
من أنه غير مستقر الحياة وأنه بحكم الميت، ومن - ثم - لا يذكى الحيوان
إذا أزال جرحه استقرار حياته، لامكان فرض استقرار الحياة بعد الجرح
إلى مدة طويلة، ولأن استقرار الحياة ليس شرطا لصحة الوصية، للاستصحاب
وعمومات الوصية المعتضدة بظاهر فتوى المعظم، وخلو الأخبار عن اشتراط
ذلك في نفوذها مع عموم البلوى به، مع غلبة وقوع الوصايا في حال اليأس
من الحياة قطعا أو ظنا. والقياس بالحيوان - لو سلم الحكم في المقيس عليه -
قياس لا نقول به (2)، ولنفوذ منجزاته فلتنفذ في معلقاته بالأولوية، من

(1) أي حفص بن سالم قال: " سمعت أبا عبد الله (ع) يقول:
من قتل نفسه.. " ذكرها الصدوق في " من لا يحضره الفقيه " في باب
98 وصية من قتل نفسه متعمدا حديث (1). وذكرها الكليني في (الكافي)
كتاب الوصايا باب من لا تجوز وصيته من البالغين، حديث (1). وذكرها
الشيخ في (التهذيب) بعد كتاب الوقوف والصدقات. باب 15 وصية
من قتل نفسه أو قتله غيره حديث (1).
(2) لأنه ليس من الأقيسة الممضية عندنا كقياس منصوص العلة،
وقياس الأولوية، وقياس تنقيح المناط، ونحوها، وإنما هو من القياس
التمثيلي الممنوع الحجية عندنا.
71

غير فرق في الموجب للهلاك بين الجرح وغيره من فعل ما يوجب ذلك في
نفسه بحيث يستند القتل إليه بالمباشرة كشرب السم وإلقاء نفسه من شاهق،
للنص المتقدم، بل ولو سبب بما يكون السبب فيه أقوى من المباشرة كالمبيت
في المسبعة والتمكين من المهلكات كالحية ونحوها من نفسه، ضرورة استناد
القتل في أمثال ذلك إلى السبب دون المباشر لكونه أقوى منه، بخلاف
ما لو سلك طريقا مخوفا من تسليط العدو على قتله وإن ظن بل ولو قطع
بأنه يقتل، وكذا الهجوم على العدو بما لا قبل له به، لاستناد القتل في
نحو ذلك إلى المباشر، وإن أثم بالتسبيب. ومنه يعلم عدم الحاجة إلى تقييد
السبب بالمحرم ليخرج الجهاد ونحوه، لعدم الفرق بين السائغ وغيره بعد
استناد القتل خصوص المباشر، إلا في الإثم وعدمه وحيث كان الحكم
مخالفا للقواعد وجب الاقتصار على المتقين خروجه منها وهو ما إذا وقع
ذلك منه عن عمد مع العلم أو الظن بالموت، فإن كان عن خطأ أو كان
عمده بحكم الخطأ كالصبي، نفذت وصيته. وكذا مع ظن السلامة فاتفق
موته به. ولو برء بعد الوصية فالأقرب عدم النفوذ، لبطلانها إلا مع التذكر
وبقاء الرضا الذي هو بحكم تجديد إنشائها، وليس انشاؤه حين الوصية
كانشاء الصبي غير المميز الذي في الحقيقة لا إنشاء له، وهو واضح.
ولا تبطل الوصية السابقة على إحداث الحدث في نفسه، لتصريح
الصحيحة به، فهو كعروض الجنون بعد الوصية.
نعم بناء على أن الوجه في النفوذ هو حرمانه - عقوبة - من
ماله، يتجه البطلان مطلقا، إلا أنه اجتهاد في مقابل النص.
ولا تصح الوصية بالولاية على الأطفال إلا من الأب والجد له، وإن
علا، لأن سلطنة الانسان على التصرف في مال غيره خلاف الأصل، خرج
72

منه ما قام الدليل عليه: من النص والاجماع، وهو الوصي عنهما بذلك بعد
ثبوت الولاية لهما معا، من دون تقييد بحياتهما، فلهما الايصاء بها وإن
سقطت بالموت مع عدمه كالثلث الذي له الايصاء به ولم يكن له مع عدمه
شئ منه، فلا ولاية للحاكم عليهم مع وجود الوصي على ذلك من أحدهما
لكونه في مرتبة ولاية الأب والجد له المقدمة على مرتبة ولاية الحاكم.
وبما ذكرنا ظهر الفرق بين ولايتهما وولاية الحاكم المقيدة بحياته،
لكونه شبه الوكيل عن الإمام (ع) الموجود في زمان، فتنقطع
وكالته بموته، لوجود إمام الأصل، ولذا ينعزل بموته وكيله على مباشرة
الفعل المعلوم عدم وجوبها عليه. ويقوم - مع فقد الحاكم - غيره من عدول
المؤمنين حسبة مقامه، لوجود الأصل
ولا يتولى الولاية غيرهما مع وجود أحدهما، ولو بالوصية من المفقود
منهما، لانعزاله عن الولاية بموته بوجود الآخر في مرتبته، اقتصارا فيما
خالف الأصل - بالنسبة إليهما أيضا - على المتيقن خروجه منه، وهو ما لو
انحصرت الولاية به لفقد من هو في مرتبته في الولاية فيجوز له حينئذ
الايصاء بها لغيره.
وبذلك ظهر أيضا: أنه ليس للوصي المزبور أن يوصى بذلك غيره بعد
موته، لتقييد ولايته عليهم بحياته، على الأصح، إلا إذا كان مأذونا من
الموصي بالايصاء كالثلث الذي ليس له الوصية به إلا مع الإذن - كما ستعرف -
ولا ولاية للأم على أطفالها بعد الأب، وإن كانت رشيدة، لعدم
الدليل على خروجها من الأصل المتقدم، مضافا إلى دعوى غير واحد
عدم الخلاف فيه إلا من الإسكافي، وهو شاذ - كما قيل - فلو أوصت لهم
بمال من ثلثها، وجعلت ولاية التصرف فيه لوصيها المجعول له ولاية
التصرف في غيره من باقي الثلث، صحت وصيتها في التمليك لهم كسائر
73

وصاياها، وبطلت الولاية عليهم بالنسبة إلى الموصى به، لما عرفت من
عدم الولاية لها على ذلك، كيف وفاقد الشئ لا يكون معطيا له.
(واحتمال) صحة الوصية - هنا - في ثلث المال لأن لها إخراجه عنهم
رأسا فيجوز إثبات الولاية عليه للغير بالأولوية (مدفوع) بمنع الملازمة
والأولوية، لأن إزالة الملك توجب عدم تعلق حق به للوارث، فلا يكون
له حتى تثبت فيه ولاية التصرف لوليه، ودخوله في ملك الوارث يصيره
من جملة أمواله في كون الولاية عليه لوليه الشرعي.
وأما لو أوصت بثلثها لأطفالها على أن يبقى بيد الوصي، ثم يملكه
لهم بعد البلوغ، فلا اشكال في عدم تسلط الولي عليه، ولو كان اجباريا
لعدم دخوله فعلا في ملك المولى عليه حتى يكون لوليه ولاية التصرف،
وإن تشبث به الطفل في الحقية بنحو ملك أن يملك، لبقاء المال إلى البلوغ
بحكم مال الميت الذي لا يقاومه تشبث الوارث بهذا النحو من التشبث.
وأوضح من ذلك في عدم الاشكال: ما إذا أوصت به على أن
يصرف عليهم بحيث يكونون مصرفا للمال، لكونها في هذه الصورة
فعلا ومالا من الوصية العهدية التي تكون الولاية فيها للوصي.
ولو نمت العين الموصى بها في الصورة الثانية، وهي الوصية بالتمليك
بعد البلوغ: فإن كان متصلا بها عند الأجل كالصوف والشعر دخل في
الملك تبعا بل هو جزء منه، وإن انفصل عنه في العادة، وإن كان منفصلا
كالنتاج لم يدخل، وبقي على حكم مال الميت لعدم تعلق الوصية به، فيصرف
فيما أوصى به مما يقبل الكثرة مع عدم التقدير فيه كالاطعام وقراءة القرآن
والزيارات ونحو ذلك من وجوه الخيرات، أو قدر بما يزيد على الثلث
مع عدم إجازة الوارث، ومع التقدير فيه بأن أوصى بأعمال خاصة لا تزيد
على أصل الثلث، فالأقرب إرجاعه إلى الورثة، لأنه مما لم يوص به، فأشبه
74

بالوصية بما دون الثلث، إذ الأصل انتقال التركة إلى الوارث إلا إذا
أوصى بالثلث فما دون منها.
(المبحث الثالث)
في متعلق الوصية. وهو الموصى به. وفيه مطالب:
(المطلب الأول): تصح الوصية في كل مقصود يقبل النقل، فيعم:
ملك العين والمنفعة، شخصيتين كانتا أو كليتين موجودتين أو متوقعتين.
وكذا كل حق مالي، أو متعلق بالمال، ولو بالقوة، كحق التحجير،
قابل للنقل بحيث لم يتعلق غرض الشارع بانتقاله إلى شخص مخصوص -
سواء كان مما لا ينقل أصلا كحق الوقف والولاية عليه والقذف والتعزير
والسبق في الأوقاف العامة كالمساجد والمدارس والخانات، بناء على كونه
من الحقوق. بل وكذا المكاتب. وأما أم الولد، فإن قيد الوصية بها
بموت ولدها في حياته، صحت وإن أطلق الوصية بها فمات الولد في حياته
احتمل الصحة للعموم، والبطلان، لوقوعها منه حين ما كان المانع
موجودا - أو كان مما ينقل، ولكن لخصوص الوارث كحق القصاص
للتشفي، لعموم أدلة الوصية.
ويعتبر في كل من الأولين (1) أمور: (الأول) قابلية دخوله في
ملك الموصي والموصى له معا، فلا تصح الوصية بالخنزير - مثلا - من
المسلم لمستحله، ولا من مستحله للمسلم، وإن صحت من المستحل لمثله
على الأظهر، بناء على إلزامهم بما التزموا به وتقريرهم عليه، خلافا
لشيخنا في (الجواهر) فيه فمنع عنه، وإن اعترف بلزوم تقريرهم عليه

(1) يقصد بهما: ملك العين والمنفعة لذكرهما قبل الحق المالي
والمتعلق به.
75

لأنهم كغيرهم مكلفون بالفروع أيضا، لقصور العلة عن إثبات المدعى بعد
الدليل على تقريرهم فيما بينهم، فلا تصح فيما لا مالية له وإن كان ملكا
كحبة الحنطة، فضلا عما لا يقبل الملك كالحشرات وفضلات الانسان، وإن
كانت ظاهرة.
(الثاني) كونه ذا منفعة معتد بها غالبا، وإن لم يصح تملكه
بل يكفي مجرد الاختصاص به باليد عليه، كالفيل وبعض المسوخ، بناء
على عدم جواز بيعه، لعموم أدلة الوصية والتوسعة فيها، فلا تصح فيما
لا منفعة فيه أصلا، أو كانت، ولكنها نادرة أو منحصرة في المحرمة كالصنم
وآلات اللهو المتخذة مما لا مالية لمادته كالطين ونحوه.
ولو أوصى بملك غيره لغيره كأن قال: مال زيد لعمرو بعد وفاته،
ثم أجاز المالك، وهو زيد، صحت الوصية، بناء على صحة الفضولي
لاستناد الوصية حينئذ إلى المالك بالإجازة، ولو علق ذلك على وفاة نفسه
بطلت الوصية، وإن أجازها المالك، لخروجها عن معنى الوصية الذي
هو التعليق على موت الموصي، وليس هو من الفضولي في شئ، لأن عقد
الفضولي بالإجازة يستند إلى المالك المجيز، وهنا غير موص - ولو
بعد الإجازة - لعدم التعليق على موته، والموصي غير مالك، وبإجازة المالك
لا يملك حتى ينفذ تمليكه المعلق على موته.
نعم لو قيد الوصية بتملكه قبل موته بأن قال: (أعطوا دار زيد
- إن ملكتها في حياتي - لعمرو بعد وفاتي) ثم ملكها، فالأقرب الصحة
بناء على صحة مثل ذلك في الفضولي فيما لو باع ثم ملك، ما لم يظهر
منه ما يستلزم العدول عنها. وإن احتمل البطلان، لما تقدم من وجهه
في أم الولد لو أطلق الوصية بها.
ولو أوصى بكلي ثم ملك فردا، صحت الوصية وأعطي الموجود أو
76

سئله للموصى له، ولم يتعين الأول، لعدم انحصار الانطباق عليه.
هذا وحيث كان مخرج الوصية هو الثلث - كما ستعرف - ظهر لك
وجه اختصاصها في اللحوق بما إذا كان متعلقا بالمال مما ينقل، لا كل ما له
نقله في حياته ولو مع أخذ العوض عنه بالصلح الذي مفاده حينئذ هو
الاسقاط والابراء، فليس له الايصاء به، لعدم الدليل على أن للميت في
حقوقه الثلث، وإنما الوارد: أن له في ماله ذلك، وأما انتقال ما ينقل
منه بالإرث إلى الوارث، فلورود الدليل عليه من قوله: " ما ترك الميت
من حقه فلوارثه " فلا تنفذ وصيته بالخيار المجرد عن نقل متعلقه مع فرض
عدم سقوطه به، وإن كان مما يورث لعدم تقديره بالمال، حتى يخرج من
ثلثه أو يشارك الورثة في نفس السلطنة لما عرفته من عدم الدليل والاستصحاب
غير جار في المقام، وإن كان الحق له في الحياة، لأن الولاية على الايصاء
عنوان مستقل غير السلطنة في حال الحياة، سيما بناء على أن الميت لا يملك
إلا فيما قال الدليل على أنه بحكم ماله.
(المطلب الثاني)
تنفذ الوصية في ثلث ماله فما دون مطلقا، مع رضاء الوارث وعدمه
مشاعا كان الموصى به أو متعينا بتعيينه أو بتفويض التعيين إلى وصيته مع
قصد ذلك وعدمه، ولو أوصى بما زاد عليه توقف في الزائد على إجازة
الوارث اجماعا - بقسميه في ذلك - معتضدا منقوله بدعوى غير واحد عدم
وجدان الخلاف فيه، إلا ما يحكى عن علي بن بابويه: من النفوذ في جميع ما أوصى
به، وإن كان في الكل، حيث قال: " فإن أوصى بالثلث فهو الغاية
في الوصية، فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعل، ويلزم الوصي انفاذ
وصيته على ما أوصى " (1)

(1) الملاحظ أن هذه العبارة مطابقة تماما لعبارة الفقه الرضوي، لولا
تقديم وتأخير بين الجملتين.
77

وهو - مع عدم كونه صريحا في المخالفة لقوة احتمال ازادة وجوب
العمل بالوصية مطلقا وإن زاد على الثلث ما لم يعلم الاجحاف بالورثة، حملا
للوصية التي هي فعله على الصحيح: من كون الموصى به مما يخرج من
الأصل، لا من حق الورثة كما يستفاد من قوله " فهو أعلم بما فعل " وهو
غير ما نحن فيه من الوصية بما يرجع إلى حق الورثة في غير الثلث الذي هو
غاية ماله أن يوصى به في ماله كما هو صريح صدر عبارته، وإن كنا لا نوافقه
في تلك المسألة أيضا، لعدم نفوذها فيما زاد على الثلث إلا فيما علم خروجه
من الأصل لا نفوذها ما لم يعلم الاجحاف بالورثة -
(مرمي) بالشذوذ مخالف لصريح النصوص المستفيضة الدالة على
رد الوصية بما زاد على الثلث إليه، فلا يتمسك له باطلاقات الوصية،
وبالرضوي (1) وما روي: " الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن
أوصى به كله فهو جائز " (2) وبخبر آخر: " رجل أوصى بتركته: متاع
وغير ذلك لأبي محمد (ع) فكتبت إليه: جعلت فداك: رجل أوصى إلى
بجميع ما خلف لك، وخلف ابنتي أخت له، فرأيك في ذلك؟ فكتب
إلي: بع ما خلف وابعث به، فبعت وبعثت به إليه. فكتب إلي قد
وصل " (3). ولو سلم التعارض بينهما، فهو من تعارض العموم من وجه،
حديث (16).

(1) ذكرت في الفقه الرضوي، نفس العبارة الآنفة المذكر بتقديم
وتأخير بين الجملتين، راجع ذلك منه في باب (الوصية للميت) المذكور
بعد باب الصيد والذبائح في الكتاب.
(2) وهي موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله (ع) - كما في الوسائل:
كتاب الوصايا، باب (11) من أبواب أحكام الوصايا، حديث (19).
(3) وهي موثقة محمد بن عبدوس - كما في المصدر الآنف من الوسائل
78

والترجيح لما دل على الرد إلى الثلث من وجوه عديدة (1)
وكيف كان فلو أوصى بما زاد على الثلث توقف نفوذها في الزائد
على إجازة الوارث. فلو أجاز بعد الموت نفذ الوصية فيه بلا خلاف،
بل الاجماع - بقسميه - عليه، سواء ردها قبل الموت أم لا، لعدم تأثير الرد
في الحياة.
ولو أجازها قبل الموت، ففي نفوذها، وإن ردها بعد الموت كما
عليه الأكثر، وعدمه كما عن المفيد وسلار وابن حمزة والحلي؟ قولان:
للأول ما رواه الشيخ: " عن ابن رباط عن منصور بن حازم قال:
سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أوصى بوصية أكثر من الثلث وورثته
شهود فأجازوا ذلك له؟ قال: جائز " (2) وما رواه المشايخ الثلاثة في
الصحيح: " عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) في رجل أوصى بوصية
وورثته شهود فأجازوا ذلك، فلما مات الرجل نقضوا الوصية: هل لهم
أن يردوا ما أقروا به؟ قال: ليس لهم ذلك الوصية جائزة عليهم إذا
أقروا بها في حياته " (3) ورواه المشايخ الثلاثة - عطر الله مراقدهم - في
الصحيح عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (ع) مثله (4).

(1) لعله يشير إلى أصحية السند وأوضحية الدلالة، وأكثرية العدد
وموافقة فتاوي الأصحاب، وإمكان الجمع بين الفريقين بحمل الثانية على
ما بعد موافقة الورثة، ونحو ذلك من التأويلات التي ذكرها الفقهاء.
(2) راجع من (التهذيب): باب 11 الوصية بالثلث، حديث (10)
(3) راجع من (الفقيه للصدوق) في الوصايا: باب 95 في من
أوصى بأكثر من الثلث، حديث (1 و 2) ومن (الكافي للكليني) كتاب
الوصايا باب بعد باب ما للانسان أن يوصى به بعد موته، حديث (1) وما
بعده، ومن (التهذيب للشيخ) كتاب الوصايا باب الوصية بالثلث حديث 7 و 8
(4) تقدم آنفا تحت رقم 3.
79

وحجة المانعين: أن الوارث لم يكن ذا حق قبل موت المورث حتى
يكون مفاد إجازته إسقاطه، فهو من إسقاط ما لم يجب، كاسقاط الصداق
قبل النكاح، وحق الشفعة قبل بيع الشريك.
وهو - مع أنه اجتهاد في مقابل النصوص المقبولة عند الأصحاب -
يمكن تطبيقه على القاعدة، لا لما قيل: من الوجوه التي يرجع محصلها إلى
ثبوت حق الوارث، وإن لم يملك قبل الموت، وأن عدم الملك لا يستلزم
عدم الحق لأنه مصادرة مختصة، سيما بناء على تعميم الحكم، لوقوعها
في حالتي الصحة والمرض - كما ستعرف - بل لأن أسباب التمليك الواقعة
من الملك موجبة لترتب المسببات عليها بنحو الدوام من دون تقييد بزمان
حياته، لاقتضاء الملك الطلق ذلك، ولذا لو آجر داره مدة تزيد على
حياته صحت الإجارة في تمام تلك المدة، وانتقلت العين مسلوبة المنفعة
في بقية المدة إلى الوارث، بخلاف الوقف لو آجره كذلك، فإنه تنفسخ
الإجارة بموته، لأن ملكه له مقيد بزمان حياته، فالموت في الوقف منتهى
زمن التملك، وفي غيره قاطع للملك. والوصية أيضا إنشاء تمليك من
المالك، لكن لما كان مشروطا بالموت صادف زمان تحقق الشرط وجود
المانع، وهو حق الوارث بالإرث، فعدم ترتب الأثر إنما هو لوجود المانع دون
عدم المقتضى، ولذا كانت الإجازة من الوارث تنفيذا للوصية لا تمليكا منه
للموصى له، فالموصى له يتلقى الموصى به من الموصي لا من الوارث، فإذا
أجاز الوارث في حياة الموصي نفذت الوصية عند موته بالإجازة التي اقتضاء
دوامها عدم المانع عند تحقق شرط التمليك بعد وجود المقتضى له من الوصية
فالموجب لعدم المانع في وقته في الحقيقة دوام الإجازة لا حدوثها.
لا يقال: إن الإجازة كالرد، فكما لا تأثير لرد الوارث قبل الموت،
فكذا الإجازة.
80

لأنا نقول: الرد في الحياة لا يبطل الوصية المستمرة ببقاء الموصى عليها
إلى الموت، ولذا تنفذ بالإجازة بعده. نعم لو وقع الرد بعد الموت لم
تؤثر الإجازة بعده، لانقطاع الوصية به، والنصوص المتقدمة إنما دلت
على عدم تأثير رد الوارث الواقع بعد الموت لا قبله، بل ولا المقارن له
بحيث يكون زمان الموت ظرفا لتحقق الشرط والمانع معا.
وإن ظهر من بعض نفوذ الإجازة في الحياة مطلقا وعدم تأثير الرد
بعدها أصلا وإن كان في الحياة. ولعله نظرا إلى إطلاق خبر المنصور
المتقدم، كاطلاق الفتاوى بالنفوذ مع الإجازة في الحياة.
وفيه: إن الاطلاق مسوق لبيان تأثير الإجازة في النفوذ دفعا لتوهم
عدم تأثيرها أصلا كما هو أحد القولين. نعم يتم ذلك بناء على أن الدليل
هو سقوط الحق بالإجازة، وقد عرفت ضعفه. وبالجملة لا دليل على أن
الرد بعد الإجازة لا تأثير له مطلقا، وإنما المسلم عدم تأثيره بعد الموت لو
وقعت الإجازة قبله. وعليه يتم ما ذكرناه من وجه تطبيق ذلك على القاعدة.
وحينئذ، فلو أجاز في الحياة ورد بعدها كذلك لم تبطل الوصية وصحت
الإجازة بعدهما مطلقا، قبل موت الموصى وبعده، لما عرفت من استمرار
الوصية، وأنها تجري مجرى تجددها آنا فآنا إلى الموت.
وكيف كان فالأظهر ما عليه الأكثر: من نفوذ الوصية فيما زاد على
الثلث لو أجاز الوارث في حياة المورث.
هذا وهل الحكم أي النفوذ فيما زاد على الثلث بإجازة الوارث في
حياة الموصي مخصوص بما إذا كانت الإجازة في مرض الموصي
أو يعم حالة الصحة أيضا قيل: بالأول ه بل نسب إلى أكثرهم، ولعله
استشعر ذلك من استدلالهم عليه بأن إجازة الوارث - ولو في الحياة - إسقاط
لحقه وإن لم يملك قبل الموت من نحو حق ملك أن يملك، ومعلوم أن ذلك
81

إنما يتم في مرض الموت بناء على ثبوت حق له فيه، ولذا كانت منجزاته
من الثلث. وفيه مع ضعف المبنى من أصله وعدم استلزام خروج المنجزات
من الثلث ثبوت حق للوارث في حياة المورث، بل هو للتعبد بالأدلة
الخاصة بناء على دلالتها عليه، وإن منعنا عن ذلك في محله وقلنا بخروجه
من الأصل - يدفعه عموم النصوص المتقدمة الناشي عن ترك الاستفصال
الشامل لما لو وقعت الإجازة في حال صحة الموصى أيضا.
وكيف كان: فإن كان الوارث واحدا فواضح، وإن كان متعددا
وأجازوا جميعا فكذلك، وإن أجاز بعضهم نفذت الوصية في حقه خاصة
بقدر ما يخصه من الزائد، كما لو كان للموصى ابن وبنت وأوصى لزيد
بنصف ماله قسمت التركة ثمان عشرة حصة، حاصلة من ضرب ثلاثة في
ستة، فللموصى له الثلث وهو ستة بلا توقف على الإجازة، والباقي وهو
اثنتا عشرة، بحسب الأصل للورثة، فللابن الثلثان منها وهو ثمانية، وللبنت
الثلث وهو أربعة، فإذا كانت الوصية بالنصف وهو تسعة من ثمانية عشر
فقد أوصى بما زاد على الثلث - وهو ستة - بثلاثة: للابن منها اثنان وللبنت
واحد فإن أجازا معا، أضيفت الثلاثة - من سهم الذكر اثنان ومن سهم
الأنثى واحد - إلى الثلث، فيبلغ التسعة الموصى به، وهو النصف، وكان بعد
إجازتهما للابن ستة وللبنت ثلاثة، وإن أجاز أحدهما دون الآخر أضيف
إلى الثلث - وهو ستة - ما هو له من الثلاثة.
ثم إنه يعتبر المجيز حال الإجازة: أن يكون جائز التصرف، فلا
تصح الإجازة من المجنون حال جنونه، وبحكمه السكران والمغمى عليه،
ولا من الصبي لدون العشر، وأما المحجر عليه لفلس: فإن وقعت الإجازة
في حياة الموصي نفذت، لأنها ليست تصرفا ماليا ولا متعلقا بماله المتعلق
به حق الغرماء، وإن وقعت بعد الموت: فإن قلنا بكون الإجازة ناقلة
82

وأن الموصى له يتلقى من الوارث المجيز - كما عليه بعض العامة - فلا تنفذ
لتعلق حق الغرماء به قبلها، وإن قلنا بأنها كاشفة، فيحتمل الأمران: الصحة
ونفوذ الوصية بالإجازة التي مفادها الرضا بتمليك الموصي عند الموت لن
أوصى، ولم يكن هو حينئذ مالا له حتى يتعلق؟ به حق الغرماء، والعدم
بناء على سببية الإرث لملك الوارث الموجب لتعلق حق الغريم به، من غير
فرق بين كون الإجازة ناقلة أو كاشفة إلا في زمان النقل من حين الإجازة
أو عند الموت، وهو لا يجدي فرقا في تعلق حق الغريم بعد الدخول في
ملك الوارث المفلس على التقديرين.
اللهم إلا أن يدعى أن ترتب ملك الموصى له على ملك الوارث على
الكشف إنما هو بالذات والعلية، لا بالزمان نحو شراء الولد أحد عموديه
ومثل هذا النحو من الملك لعدم استقراره لا يتعلق به حق الغريم (ودعوى)
أن مناط الاستقرار وعدمه بعد أن كان بيد المجيز المفلس لم تصح منه
الإجازة حتى يخرج بها عما يتعلق به حق الغريم (مدفوعة) بأن المنع عن
الإجازة فرع تعلق الحق، وهو أول الكلام، ومرجعه إلى أن المفلس
يمكنه صيرورة المال متعلقا به حق الغريم وغير متعلق به، واختياره الثاني
بالإجازة ليس تصرفا فيما تعلق به حق الغير حتى يكون ممنوعا عنه.
فإذا أول الأمرين المحتملين هو الأقوى، وإن قلنا بتقدم ملك
الوارث له طبعا على الكشف أيضا.
بقي في المقام مسائل:
(الأولى) يعتبر في المجيز أن يكون وارثا عند الموت، لأنه وقت
انتقال التركة إليه، لا عند الوصية، فلو أجاز من كان وارثا عند الوصية
وكان الوارث غيره عند الموت: إما لموته أو لغيره من الأسباب، لم تنفع
إجازته. ولو ولد له ولد بعد الوصية اعتبرت إجازته. ولو انعكس الأمر
83

بأن لم يكن المجيز عند الوصية وارثا، سواء كان أجنبيا أو قرابة ثم صار
وارثا عند الموت، لم تعتبر إجازته السابقة، لعدم التأثير ولو
شأنا عند الانشاء، وعدم الانشاء وقت التأثير، ولا يقاس ذلك بالإجازة في
عقد الفضولي، ولا فيه بمسألة (من باع ثم ملك) بناء على عدم الحاجة
فيه إلى لحوق الإجازة بعد الملك، بل نظيره في الفضولي ما لو أجار، ثم
ملك الإجازة. والاكتفاء - ثمة - بالإجازة السابقة أول الكلام، بل هو
ممنوع، وإن جوزنا إجازة الإجازة لأنها في الحقيقة هي إجازة العقد والانشاء لامضائه
ولو بتوسط إجازة الغير، وهنا نقول أيضا بكفاية إجازة إجازة الغير،
لاتحاد المناط، وهو إجازة عقد الوصية ولو بتوسط إجازة الغير.
(الثانية) لما كانت الإجازة معناها الامضاء والتنفيذ كانت إنشاء
فلا يكفي مجرد الرضا والطيب، كما يكفي ذلك في أكل طعام الغير
ولبس لباسه - مثلا - للاكتفاء في أمثال ذلك من الإباحات باحراز الرضا
بل لا يستغنى بإذنه لو أذن له بالوصية بما زاد عن لحوق الإجازة بعدها في
التنفيذ، نعم يكتفى بما يدل على تحققه قولا بإحدى الدلالات الثلاث،
وفعلا كما في سائر الأسباب المثبتة للحقوق والمسقطة لها.
(الثالث) ليست الإجازة من الوارث فيما زاد على الثلث على سبيل
الفور، للأصل، وإطلاق النص والفتوى، كقبول الموصى له وإجازة
الفضولي.
(الرابعة) لو وقع الاختلاف بين الوصي والورثة في أصل الوصية
أو في الزيادة على الثلث أو في القدر الزائد عليه أو في أصل الإجازة أو في
قدر المجاز، كان المرجع ما يقتضيه ميزان التنازع (1)

(1) من أن على المدعي البينة، وعلى المنكر اليمين - على تفصيل في
باب الدعاوي
84

(الخامسة) للموصي تعيين ثلثه في عين مخصوصة من التركة، وله
تفويض التعيين إلى الوصي، فيتعين بتعيينه ومع الاطلاق - كما مر لو قال:
ثلث مالي لفلان - كان شريكا مع الورثة بالإشاعة.
(السادسة) لو كان الموصى به منفعة عين مؤبدة أو موقتة، وأمكن
معرفة قيمتها بنفسها، فواضح كمنفعة الدار سنة أو سنتين - مثلا. وإلا
فطريق معرفة الموصى به هو أن تقوم العين بمنفعتها وتقوم مسلوبة المنفعة
في تلك المدة، فما به التفاوت بين القيمتين هو الموصى به.
(السابعة) لو كان من رأي الموصي اجتهادا أو تقليدا نفوذ الوصية
بما أوصى، وإن زاد على الثلث قهرا على الوارث، ولم يكن من رأي
الوصي ذلك، لم يكن له تنفيذ الوصية فيما زاد، لأنه مكلف بالعمل بما
يراه مشروعا باعتقاده من تقليد أو اجتهاد.
(الثامنة) لو شك الوصي في كون الموصى به قدر الثلث أو أزيد
ففي وجوب التربص عن التصرف فيما زاد على المتيقن؟ وعدمه، وجهان:
ولعل الثاني هو الأقرب للأصل، سيما مع نص الموصي المقبول قوله بعدم الزيادة
وإن ضمن للوارث ما أتلفه عليه لو تبين أنه له. نعم جائز له التربص
حذرا من لحوق الضمان.
ولو علم بالزيادة على الثلث، ولكن شك في كونها من التبرع
الموقوف على الإجازة أو مما يخرج من الأصل أو خارجا عن ملكه،
فالأقرب وجوب التوقف حتى يعلم ذلك، لأن التركة للوارث إلا ما خرج
بالوصية من الثلث (ودعوى) جواز التصرف بما أوصى حتى يتبين الخلاف
حملا لفعل المسلم على الصحيح (يدفعها) أن الوصية بما زاد لم تكن
باطلة حتى يجب حملها على الصحيح، والتوقف على الإجازة لا ينافي الصحة
المحمول عليها فعل المسلم.
85

(المطلب الثالث)
يعتبر الثلث وقت الوفاة، لا وقت الوصية، ولا ما بينهما على المشهور
شهرة عظيمة. بل الاجماع محكي عليه، معتضدا بدعوى غير واحد عدم
وجدان الخلاف فيه، إلا ما يحكى عن بعض الشافعية، قياسا على نذر الصدقة
بثلث ماله، ورد بوجود الفارق بينهما، فإن النذر متعلق بالمال من حين
النذر، والوصية متعلقة بالمال بعد الموت
والاجماع المذكور هو الحجة، بعد الاعتضاد بما عرفت، مضافا إلى
كونه وقت توزيع التركة أثلاثا وتقسيمها بين الميت والوارث وانتقال الثلثين
إلى الوارث، وانتقال الموصى به المخرج من الثلث كسائر وصاياه
إلى الموصى له، وإلى أنه المنصرف إليه الاطلاق عرفا لو قال: (أعطوا
ثلث مالي لفلان بعد وفاتي) سواء كان الثلث حين الوفاة مساويا له حين
الوصية أو أنقص منه بتلف بعض المال أو أكثر لتجدد مال بعدها.
وإن أشكل في الأخير ثاني الشهيدين تبعا لثاني المحققين، لأصالة عدم
تعلق الوصية بالزيادات المتجددة بعدها، سيما إذا لم تكن متوقعة (1) مع

(1) قال الشهيد الثاني في المسالك - في باب أحكام الموصى به في شرح
قول المحقق (ويعتبر الثلث وقت الوفاة): " وهو يتم على إطلاقه مع كون
الموصى به قدرا معينا.. مع كونه حالة الموت أقل من زمان الوصية
أو مساويا.. أما لو انعكس اعتبار وقت الوفاة للشك في قصد الزائد
وربما دلت القرائن على عدم إرادته على تقدير زيادته كثيرا حيث لا تكون
الزيادة متوقعة غالبا ". وقال المحقق الكركي في جامع المقاصد - في نفس
الباب والشرح -: " هذا يستقيم فيما إذا أوصى بقدر معلوم. أما إذا
أوصى بثلث تركته وكان في وقت الوصية قليلا فتجدد له مال كثير
بالإرث أو بالوصية أو بالاكتساب، ففي تعلق الوصية بثلث المتجدد مع
عدم العلم بإرادة الموصي للموجود وقت الوصية والمتجدد نظر ظاهر.. "
86

إشكاله على التقييد بالوفاة (1) بأن المال قد ينقص بعدها قبل قبض الوارث
بالتلف، وقد يزيد كقتل العمد إذا صولح عن القصاص بالدية على المشهور
من كونها كدية الخطأ وشبهه من كونه يخرج منه ديونه ووصاياه، فاللازم
تقييد الثلث حينئذ بزمان قبض الوارث دون زمان الوفاة.
قلت: لا مسرح للتمسك بأصالة عدم تعلق الوصية بالمتجدد بعدما عرفت:
من كون المنصرف إليه عرفا هو الثلث حين الوفاة، الموجب لحمل إطلاق
الثلث عليه، والمتجدد بعد الوفاة قبل القبض لا ينافي التقييد بالوفاة المعلوم
إرادة عدم الاختصاص بزمان الوصية منه كما هو أحد القولين، مع أن المتجدد
كذلك: نادر الوقوع فلا ينافي التقييد بما هو الغالب. كيف ولو اختص
بالموجود حين الوصية لزم بطلانها حيث لا مال له عند الوصية، أو كان
وتلف كله ثم تجدد ماله غيره، أو بطلان بعضها لو تلف مع سعة الثلث
له بالمتجدد، ولا أظن أحدا يلتزم به.
نعم لو صرح باختصاصها بالموجود فعلا أو علم ذلك بشواهد الحال
اقتصر عليه من دون تناول ما يتجدد بعدها من غير فرق فيما ذكرنا بين
الوصية بعين شخصية كدار - مثلا - فتحسب قيمتها من الثلث، أو بقدر

(1) وقال الشهيد الثاني أيضا - في نفس المصدر الآنف بعد تلك
العبارة: " وقد تنفق زيادة التركة بعد الوفاة ونقصانها بالدية على دم
العمد وتلف بعض التركة قبل قبض الوارث، فيشكل أيضا إطلاق اعتبار
حالة الموت.. ".
87

مخصوص كمأة درهم، أو بجزء مشاع كالثلث - مثلا - أو نصف الثلث
أو ثلثه أو ربعه، غير أنه في المشاع التالف محسوب عليهما أي على الوارث
والموصى له والباقي لهما للشركة بالإشاعة.
نعم لو كانت الوصية بقدر مخصوص كمأة درهم لم ينقص منه شئ
بالتلف مع سعة الثلث له، لكونه كليا وإن اختص بالثلث، بل إن لم يبق
منه إلا قدره أعطى ذلك المقدار كبيع الصاع من الصبرة - مثلا - بناء
على ما هو المشهور، وهو الأقوى: من كون التالف من البايع دون المشتري
ما دام الصدق منه موجودا، نعم بناء على القول بتنزيله على الإشاعة كان
التالف منهما والموجود لهما بالحساب، ويجري مثله ما لو تعلقت الوصية بعين
شخصية مع سعة الثلث بعد التلف وعدمها، فتخرج قيمتها تماما في الأول
وينقص منها في الثاني بقدر ما يخصها من التوزيع.
فعلم مما ذكرنا عدم الفرق في الحمل على الثلث حين الوفاة بين ما
لو أوصى بعين أو بمعين كمأة درهم أو بجزء مشاع، زاد الثلث حين الوفاة عليه
حين الوصية أو نقص عنه أو ساواه، علم الموصي بالزيادة المتجددة أو لم
يعلم، متوقعة كانت الزيادة أو لم تكن، قصد تعلقها بالمتجدد أو لم يقصد
ما لم يقصد العدم، ملك شيئا حين الوصية أو لم يملك ثم يملك ثم ملك. كل ذلك
للانصراف إلى ما هو المتبادر عرفا من الاطلاق.
ثم إنه يجري الكلام مثل ما ذكرنا في الثلث لو أوصى بمال لأولى
الناس به: من كونه منزلا على من كان أولى الناس به حين الوفاة لا حين
الوصية ولا ما بينهما. فلو كان له حين الوصية ابن وابن ابن، ومات
ابنه قبله وبقي ابن ابنه إلى الوفاة، أعطي المال له، ولو مات ابن الابن
بعد أبيه وورث الموصي أخوه، أعطي المال لأخيه لاتحاد المدرك: من
الانصراف بينه وبين الوصية بالثلث: من كون المدار على زمن الوفاة،
88

وإن كان المحرك له حين الوصية فرط الحب لابنه الصلبي، فإنه من الدواعي
لا يوجب تبدلها تغيير الحكم إلا إذا علم منه التقييد به، وهو خروج عن
محل البحث، كما لو صرح بالاختصاص أو علم ذلك منه بشواهد الحال.
(المطلب الرابع)
تحتسب من التركة - المخرجة من أصلها ديونه، ومن ثلثها وصاياه -
دية نفسه وأرش جنايته، وإن تأخر الملك واستحقاق الإرث عن الموت،
لتقدم سببه في الحياة، ولذا يملك الصيد الواقع في الشبكة المنصوبة في
الحياة لو وقع فيها بعد الموت، ولكونها عوض النفس المملوكة له، كما
يملك بدل التالف في الضمان.
وهو في الخطأ وشبه لا خلاف فيه، إلا ما يحكى عن نادر مجهول
بل الاجماع عليه محكي عن غير واحد. وهو الحجة، سيما مع اعتضاده
بما عرفت، مضافا إلى النصوص الدالة عليه بالعموم وبالخصوص.
فمن الأول: خبر عبد الحميد: " سألت أبا الحسن الرضا (ع)
عن رجل قتل وعليه دين وأخذ أهله الدية من قاتله أعليهم أن يقضوا
الدين؟ قال: نعم، قلت: وهو لم يترك مالا، قال: أما إذا أخذوا
الدية فعليهم أن يقضوا الدين " (1) وخبر يحيى الأزرق، " عن أبي
الحسن (ع) في رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالا وأخذ أهله الدية
من قاتله: أعليهم أن يقضوا دينه؟ قال: نعم، قلت: هو لم يترك شيئا
قال: إنما أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا دينه " (2)

(1) الوسائل: كتاب التجارة، باب 24 من أبواب الدين وجوب
قضاء دين القتيل من ديته.
(2) الكافي للكليني: كتاب الوصايا باب من أوصى وعليه دين
حديث (6) ورواه الصدوق في (الفقيه) باب 19 قضاء الدين من الدية
عن صفوان بن يحيى.
89

ومن الثاني: خبر محمد بن قيس: " قلت لأبي جعفر (ع): رجل
أوصى لرجل بوصية من ماله: ثلث أو ربع، فقتل الرجل خطأ - يعني
الموصي -؟ فقال: تجاز هذه الوصية من ميراثه " (1) وخبره الآخر
أيضا: " عن أبي جعفر (ع) أنه قال: قضى أمير المؤمنين (ع) في
رجل أوصى لرجل بوصية مقطوعة غير مسماة من ماله ثلث أو ربع أو أقل
من ذلك أو أكثر، ثم قتل خطأ الموصى فودي، فقضى في وصيته: إنها
تنفذ في ماله وديته كما أوصى " (2) والمرسل " عن أبي عبد الله (ع) أنه
سئل عن رجل أوصى بثلث ماله ثم قتل خطأ؟ فقال: ثلث ديته داخل
في وصيته " (3) وخبر السكوني: " عن أبي عبد الله (ع) قال قال
أمير المؤمنين (ع): من أوصى بثلثه ثم قتل خطأ، فثلث ديته داخل
في وصيته " (4).
وضعف السند لا يضر بعد الانجبار، كما لا يضر تخصيص بعضها بالدين
مع عموم الباقي، مضافا إلى عدم القول بالفرق بين ديونه وسائر وصاياه.
وأما العمد لو صولح عن القصاص بالدية، فالمشهور، أيضا على
أنها تحسب من التركة في نفوذ وصاياه أيضا، وأن له منها الثلث، لعموم

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 14 من أحكامها، حديث (1)
باختلاف بسيط في ذيل الحديث.
(2) الوسائل: كتاب الوصايا باب 14 من أحكامها، حديث (3)
(3) من لا يحضره الفقيه للصدوق آخر باب 122 من أبواب الوصية
(4) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 14 من أحكام الوصايا،
حديث (2).
90

الخبرين الأولين، الناشئ من ترك الاستفصال، مع التصريح به في خبر
أبي بصير: " عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) قال: قلت: فإن
هو قتل عمدا وصالح أولياؤه قاتله على الدية فعلى من الدين؟ على أوليائه
من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال: بل يؤدي دينه من ديته التي
صالح عليها أولياؤه، فإنه أحق بديته من غيره " (1) مع التأييد بما تقدم
من أن الدية بدل النفس المضمونة على من أتلفها، وإن كانت مضمونة
فيه بالمثل، وهو النفس، والتبديل بالدية إنما هو باختيار الوارث بدلا
عن النفس المضمونة أو الضامنة، كما يشعر به التعبير عنه ببدل القصاص
التي مرجعها أيضا إلى بدل البدل.
فلا يلتفت مع ذلك إلى ما يحكى عن (الحلي) من اختصاصها بالوارث
لأنه ملكها بالصلح الذي هو ضرب من الاكتساب، وهو حسن في نفسه
إلا أنه اجتهاد في مقابل النص المعمول به عند الأصحاب. سيما على القول
بالتخيير بين القصاص والدية دون الترتيب بينهما، وإن أمكن القول به
عليه أيضا بدعوى أن الاختيار على القول بالتخيير أيضا نوع اكتساب.
وأما الجناية على الميت بعد موته بالمثلة كقطع رأسه وشق بطنه، فيختص
هو بديتها دون الوارث فتقضى منه ديونه ووصاياه، ويصرف له الباقي في
وجوه البر.

(1) في الوسائل: كتاب القصاص باب 59 منه، حديث (2) أوله
هكذا: " عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى (ع) قال قلت له
جعلت فداك: رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ وعليه دين وليس له
مال، وأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل؟ قال: إن وهبوا دمه ضمنوا ديته
فقلت: إن هم أرادوا قتله؟ قال: إن قتل عمدا قتل قاتله وأدى عنه
الإمام الدين من سهم الغارمين، قلت: فإن.. "
91

(المطلب الخامس)
لو أوصى إلى انسان بالمضاربة بمال ولده الصغار على حصة من الربح
صحت الوصية، ونفذت مع الاطلاق إلى البلوغ، وبعده تتوقف على
الإجازة، ومع التقييد بمدة دون البلوغ، فإلى نهاية المدة، من غير فرق
بين كون المال لهم بالإرث أو بغيره، ولا بين كون الوصية بجميع المال
أو بعضه، زاد على الثلث أولا، ولا بين كون حصة العامل من الربح
زائدة على أجرة عمله أولا.
كل ذلك - مع كونه موافقا للقواعد الشرعية - تدل عليه رواية خالد
ابن بكير الطويل قال: " دعاني أبي حين حضرته الوفاة، فقال: يا بني
اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به وخذ نصف الربح وأعطهم النصف
وليس عليك ضمان، فقدمتني أم ولد له بعد وفاة أبي إلى ابن أبي ليلى،
فقالت: إن هذا يأكل أموال ولدي، قال: فقصصت عليه ما أمرني به
أبي، فقال ابن أبي ليلى: إن كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه. ثم أشهد
علي ابن أبي ليلى إن أنا حركته فأنا له ضامن، فدخلت على أبي عبد الله (ع)
بعد ذلك فاقتصصت عليه قصتي، ثم قلت له: ما ترى؟ فقال: أما قول
ابن أبي ليلى فما أستطيع رده، وأما فيما بينك وبين الله فليس عليك ضمان " (1)
ورواية محمد بن مسلم في الموثق عن أبي عبد الله (ع): " أنه سئل
عن رجل أوصى إلى رجل بولده وبمال لهم فأذن له عند الوصية أن يعمل
بالمال، ويكون الربح بينه وبينهم؟ فقال: لا بأس به من أجل أن أباه
قد أذن له في ذلك وهو حي " (2) والأولى صريحة في الصغار، والثانية ظاهرة

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 92 من أذن لوصيه في المضاربة
بمال ولده الصغار، حديث (2).
(2) المصدر الآنف الذكر من الوسائل، حديث (1).
92

فيهم بمعونة الوصية بولده في صدرها المقصود منها القيمومة، وهي بهذا
المعنى باطلة في الكبار، فلا تحمل الوصية عليها. والتعليل في ذيلها بأن
أباه قد أذن له، وضعف السند - لو سلم - لا يضر بعد الجبر.
مضافا إلى اقتضاء القواعد ذلك أيضا أما بالنسبة إلى الصغار فلجواز
ذلك وسائر التصرفات في أموالهم للولي الاجباري قبل موته بشرط المصلحة
لهم على قول أو عدم المفسدة - كما هو الأقوى - وكذلك منصوبه القيم
عليهم بعد ورود الدليل على ولايته التي هي من شؤون ولاية الأب والجد له
وإن اعتبرنا مراعاة المصلحة بالنسبة إليه وكفاية عدم المفسدة بالنسبة إلى الولي
الاجباري توسعة له وارفاقا به رعاية للأبوة القائمة بخصوص ذاته، وفي
منصوبه يرجع إلى ما تقتضيه القواعد في غيره من الأولياء من لزوم مراعاة
المصلحة، مع احتمال مساواته للولي الاجباري في الاكتفاء بعدم المفسدة
لأن ولايته منتزعة من ولايته فتأمل (1) (ودعوى) أن المضاربة في مال
الصغير تعريض لماله إلى التلف بغير ضمان، وهو غير جائز (يدفعها) أن
هذا النحو من التعريض الذي عليه بناء العقلاء في اكتسابهم ليس من التعريض
المضر الممنوع منه في مال اليتيم.
وأما بالنسبة إلى المكلفين فليست الوصية في أموالهم إلا الوصية في مال
الغير المتوقفة على إجازته كالوصية بما زاد على الثلث: فإن أجازوا، وإلا
بطلت، فلا تشملها عمومات الوصية حتى يقال بنفوذها إلى إذا ردت
- كما توهم - ولم يقم دليل خاص يدل عليه

(1) لعل وجه التأمل راجع إلى التشكيك في مساواة منصوب الولي
الاجباري له في الاكتفاء بمحض عدم المفسدة، بل لا بد له من إحراز المصلحة
الايجابية للقاصرين، وذلك للتشكيك في مبنى انتزاع ولاية المنصوب من ولاية
الولي الاجباري، فلا تشمله إطلاقات الأدلة الموسعة.
93

وبما ذكرنا ظهر لك ما في تحرير بعضهم المسألة بنحو الاطلاق وتصريحهم
بالصحة حتى نسبه بعضهم إلى المشهور، وإن كان لي في النسبة تأمل،
بل منع، ففي (الشرايع): " لو أوصى إلى انسان بالمضاربة بتركته
أو ببعضها على أن الربح بينه وبين الورثة نصفان، صح، وربما اشترط
كونه قدر الثلث أو أقل، والأول مروي " (1) وفي (الكفاية) بعد
تحرير المسألة وتقييد الولد بالصغار قال: " وفي المشهور لم يعتبر كون
الولد صغارا، وفيه إشكال " (2) انتهى. وفي (السرائر) ما لفظه:
" وقد روي أنه إذا أمر الموصي الوصي أن يتصرف في تركته لورثته
ويتجر لهم بها ويأخذ نصف الربح، كان ذلك حلالا وجائزا له نصف
الربح، أورد ذلك شيخنا في (نهايته) إلا أن الوصية لا تنفذ إلا في ثلث
ما كان يملكه الميت قبل موته، والربح تجدد بعد موته فكيف تنفذ وصيته
وقوله فيه؟ وفي الرواية نظر " (3) انتهى، وتقييد (الحلي) النفوذ في
الثلث وعدمه فيما زاد عليه بعد أن عنون المسألة بنحو الاطلاق كما هو أحد
الاحتمالين في عبارته لا بطلانها رأسا كما استظهره بعض - لعل نظره إلى
أن الموصي إنما يملك من ماله الثلث بعد موته، فله انحاء التصرف فيه
بالوصية به من استثنائه من الإرث، وحرمان الوارث منه، والايصاء به

(1) كتاب الوصايا، الفصل الثالث في الموصى به، وفيه أمران:
الأول في متعلق الوصية.
(2) كفاية السبزواري: كتاب الوصية، الطرف الثالث في الموصى به
ومبدأ الجملة هكذا: " ولو أوصى إلى انسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها
على أن الربح بينه وبين أولاده الصغار، صح. "
(3) يراجع من (سرائر ابن إدريس) باب الأوصياء من كتاب
الوقوف والصدقات.
94

لغيره، فنفوذ الوصية فيه بالمضاربة للوارث أولى.
وأنت خبير بما فيه - أولا - أن الموصي إنما كان له أنحاء التصرف
في ثلثه حين يكون الثلث له ويريده بالوصية به، ومع عدمها فالثلث
كالثلثين للوارث، لانتقال التركة بمجرد الموت إلى الوارث إلا إذا استثنى
منها شيئا بالوصية: قدر الثلث فما دون، ومع عدم الإرادة فالتصرف في
قدر الثلث أيضا تصرف في مال الغير، من غير فرق بين كون الوارث
صغيرا أو كبيرا، غير أنه في الأول له التصرف فيه من باب الولاية ما دام
مولى عليه، وفي الثاني يكون من الفضولي، فيتوقف نفوذه على الإجازة
فهو من هذه الحيثية لم يفرق فيه بين الثلث وغيره، ولا بين التركة وغيرها.
وثانيا - تجدد الربح بالمضاربة لا يضر بعد فرض صحتها، ومع عدم
الصحة يكون الربح كله للوارث لأنه نماء ملكه أو لا ربح أصلا لفساد
البيع. ولو سلم استحقاق العامل لشئ بالعمل فإنما هو أجرة المثل. ولعله
لذا قيد بعض قدر حصة العامل من الربح بما لا يزيد على أجرة عمله. وفيه
أيضا إن ذلك مبني على فساد المضاربة أو صحتها في خصوص الثلث
المجهول حصة العامل فيه بالخصوص، والمجعول له في المضاربة من الربح
إنما هو بالمضاربة في الكل لا في خصوص الثلث منه. وقد عرفت
ضعف المبنى.
وأما على الاحتمال الآخر في عبارته، وهو بطلان الوصية رأسا لأنها
إنما تصح في الثلث الذي يرجع أمره إليه، لا في مال الغير الذي كان
فرض المسألة فيه لعدم الوصية بالثلث وإنما أوصى بالمضاربة بتركته للورثة.
ففيه أنه لا داعي إلى بطلان أصل الوصية، لما عرفت من أنهم
إن كانوا صغارا نفذت الوصية لهم بالمضاربة في أموالهم من باب الولاية
وإن كانوا كبارا توقفت على الإجازة كالوصية بما زاد على الثلث،
لا بطلانها رأسا.
95

نعم يظهر من شيخنا في (الجواهر) صحتها ونفوذها ما لم يردها
الوارث، لا التوقف إلى أن تحصل الإجازة. وتظهر الثمرة فيما لو علم بالمضاربة
قبل الرد والإجازة. فيستحق الحصة المجعولة له بها على الأول عملا
بعموم أدلة الوصية، ولا يستحقها على الثاني لعدم الإجازة التي هي شرط
الصحة والنفوذ، ولا عموم في أدلة الوصية بحيث يشمل الوصية بمال الغير
وهو الأقوى.
ثم إنه لا بد في فرض المسألة أن يعقد الوصي عقد المضاربة مع نفسه
أو غيره، وليس ايصاؤه بها عقدا حتى يختص به، لعدم وجود شرائطه
وإن أوهمه كلام بعضهم، إلا أن يكون من باب معاطاة المضاربة، أو نقول:
إنه من باب قوله (حج عني بنفسك) فإنه لا يحتاج إلى إيقاع عقد إجارة
مع نفسه، وهو كما ترى، لوضوح الفرق، ضرورة أن المستفاد من عبارة
الموصي ليس إلا الوصية بالمضاربة، لا هي بنفسها حتى يختص بالوصي.
(المطلب السادس)
إذا أوصى بوصية، فالموصى به: إما أن يكون واجبا أو غير
واجب. والواجب: إما أن يكون ماليا أو بدنيا كالصوم والصلاة، والواجب
المالي، إما أن يكون ماليا محضا أو مشوبا بالبدن كالحج والمحض منه:
إما أن يكون بأصل الشرع كالخمس والزكاة أو بسبب منه يقضى إلى المال
كالدين والمظالم والكفارات ونذر المال. وعلى التقادير: فإما أن يسع
المال: ما أوصى به، أولا وعلى الأول: فإما أن يزيد على الثلث، أولا
وعلى الأول: فما أن يجيز الوارث، أولا، وعلى التقادير: فإما أن يكون
الموصى به واحدا أو متعددا، وعلى الثاني: فإما أن يكون المتعدد من أصناف
نوع واحد من الأنواع الثلاثة: المالي والبدني والتبرعي كالخمس والزكاة
96

أو من نوعين كالمالي والبدني أو البدني والتبرعي أو المالي والتبرعي، أو من
الثلاثة. وها هنا صور:
(الأولى) ما إذا كان الواجب ماليا محضا، لا خلاف بين الأصحاب
- كما قيل - أنه يجب خروجه من الأصل، أوصى به أو لم يوص، ما لم
يوص به من الثلث، فيخرج منه تعلقه بالمال حال الحياة، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى قوله تعالى: " من بعد وصية أو دين " لعدم
القول بالفرق بين الدين وغيره من الواجبات المالية، وإلى الموثق عن الصادق (ع)
" في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته، فلما حضرته الوفاة حسب
جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة، ثم أوصى أن يخرج ذلك، فيدفع
إلى من يجب له؟ قال: فقال: جائز يخرج ذلك من جميع المال، إنما
هو بمنزلة الدين لو كان عليه، ليس للورثة شئ حتى يؤدي ما أوصى به
من الزكاة، قيل له: فإن كان أوصى بحجة الاسلام؟ قال: جائز يحج
عنه من جميع المال " (1) وغير ذلك من الأخبار الواردة فيها وفي الخمس
(الثانية) إذا كان ماليا مشوبا بالبدن كالحج، فهو كالمالي المحض
في إخراجه من صلب المال، بل هو من المالي حقيقة إجماعا - بقسميه -
مضافا إلى ذيل الموثقة المتقدمة، وغيرها من الأخبار المستفيضة، بل المتواترة
معنى الواردة في خصوص الحج، فلتطلب من موضعها (2)

(1) في الوسائل: كتاب الوصايا، باب 40 من أحكامها، حديث
(1) بسنده هكذا: محمد بن الحسن باسناده عن علي بن الحسن عن عمرو بن
عثمان عن الحسن بن محبوب عن عباد بن صهيب عن أبي عبد الله (ع).. "
(2) والروايات في هذا الشأن كثيرة، وقد عقد صاحب الوسائل لها
بابا مستقلا في أول كتاب الحج باب 25 إن من أوصى بحجة الاسلام وجب
اخراجها من الأصل.. وباب 28 أيضا و 29 وغيرهما من أبواب الحج.
97

(الثالثة) إذا كان الواجب بدنيا، فأقصى ما يمكن أن يستدل به
على خروجه من الأصل كالمالي، هو دعوى اندراجه في الدين، الذي يعم
شغل الذمة بالمال والعمل، ودعوى اختصاصه بالأول أو تعميمه لهما
والاختصاص بشغل الذمة للمخلوق دون الخالق ممنوعة، سيما بعد ما ورد
اطلاق الدين على الصلاة في غير واحد من الأخبار كما قيل، منضما إلى
ما ورد في الحج " إن دين الله أحق أن يقضى " (1)
وفيه - بعد تسليم صدق الدين حقيقة على شغل الذمة بالعمل - منع
انصرافه إليه، فلا يحمل الاطلاق على غير المنصرف إليه اللفظ، فعدم
الدليل مع اقتضاء الأصل العدم يقضي بما عليه المشهور شهرة عظيمة، بل
ادعى غير واحد - منهم جدنا في (الرياض) عدم الخلاف فيه: من كونه
يخرج من الثلث مع الوصية به، ومع عدمها ومعلومية شغل الذمة به،
ففي خروجه منه لوجوب دفع الضرر المحتمل من العقاب وإن كان أخرويا
وعدمه للأصل؟ وجهان: ولعل الثاني هو الأقوى، لاطلاق ما دل على انتقال
التركة مع عدم الوصية بها إلى الوارث عند الموت. نعم يجب عليه على
الأقوى الوصية به وبكل ما كان عليه من الحقوق المطالب بها في الآخرة
مع إمكان التخلص عنها ولو بعد الوفاة بالوصية.
هذا ونزيدك توضيحا للفرق بين الواجب المالي والبدني، وهو: إن
الواجب المالي عبارة عن ثبوت حق في ذمة إنسان متعلق بماله الخاص
كالزكاة - مثلا - أو المطلق الذي كان الموجود منه مصداقا لما اشتغلت به
ذمته، وحيث أن الميت لا ذمة له تعين الوفاء من الموجود منه لانطباق الكلي
الذي اشتغلت به ذمته على المصداق المنحصر فيه. ولذا تتعلق بالتركة حقوق

(1) ما أكثر مضامين الأخبار المعبرة عن الصلاة والحج بالدين والفرض
ونحوهما. يراجع في ذلك: كتاب الصلاة والحج من كتب الأخبار.
98

الغرماء، وأما الواجب البدني فلا تعلق له بالمال أصلا حتى يخرج منه بعد
وفاته حيث لم يكن الحق ثابتا إلا في ذمته من حيث فعله وعمله. نعم إذا
كان مما يجوز قيام الغير مقامه بعد الموت، ولو تبرعا بحيث يوجب فعله
السقوط عنه، وجب الوصية به على أقرب الوجهين كما عرفت، لتمكنه
من التوصل إلى فراغ ذمته بماله من ماله بعد الموت، وهو الثلث، إن
لم يكن له ولي يقضي عنه، وإن كان فلا يجب عليه الوصية، وإن وجب
عليه إعلامه، وهو المصدق فيما هو عليه في الكم والكيف، لأنه لا يعلم غالبا
إلا من قبله.
وأما الحج فهو مالي من حيث كون استطاعة المال شرطا في وجوبه
فالحق إنما هو ثابت على المستطيع، وبدني من حيث كونه عبارة عن نفس
تلك الأعمال الخاصة، فهو مالي مشوب بالبدن. وهذا بخلاف الواجب
المتوقف وجوده على بذل المال، فإنه بدني محض، وإن توقف ايجاده على
بذل المال كالوضوء، حيث لا يتمكن من الماء إلا بالشراء، فقياس أحدهما
بالآخر كما وقع من شيخنا في (الجواهر) قياس مع الفارق.
(الرابعة) إذا لم يكن واجبا بل كان متبرعا به، فإنه لا خلاف في
كونه يخرج من الثلث، سواء كانت الوصية تمليكية أو عهدية، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى أخبار حج غير الصرورة (1) وغيرها من الأخبار

(1) الصرورة - بالصاد المهملة المفتوحة - اصطلاح شرعي للحج
الابتدائي الواجب بالأصل المسمى بحجة الاسلام، وما عداه - وإن وجب بالعرض -
فهو غير صرورة. والروايات في خصوص أبواب الحج الواجب بهذا
الخصوص كثيرة، وقد عقد لها في الوسائل بابا أو أكثر من كتاب الحج
فمن ذلك - كما في باب 25 منه حديث (6) " عن معاوية بن عمار عن أبي
عبد الله (ع) قال: سألت عن رجل مات أوصى أن يحج عنه، قال:
إن كان صرورة حج عنه من وسط المال، وإن كان غير صرورة
فمن الثلث ".
99

الواردة في تضاعيف أبواب الوصية وهي مستفيضة بل متواترة معنى (1)
(الخامسة) إذا كان الموصى به واحدا بالنوع، وإن كان متعددا
بالصنف، فقد عرفت حكمه: من أنه: إن كان ماليا محضا أو مشوبا
كان من الأصل وإن لم يوص به. وإن كان بدنيا أو تبرعيا كان من الثلث
مع الوصية به، إن لم يزد عليه، فإن زاد توقف على إجازة الوارث، فإن
أجاز، وإلا توزع النقص على الجميع، إن كان واجبا وكان متعددا
بالصنف، وإن كان تبرعا بدء بالأول في الذكر فالأول حتى يكمل.
(السادسة) إذا كان متعددا بالنوع، فالمالي منه - بقسميه - يخرج
من الأصل ما لم يوص به باخراجه من الثلث، وغيره من الثلث، إن لم
يزد عليه، وإلا توقف الزائد على إجازة الوارث، فإن أجاز، وإلا ورد
النقص على ما يخرج من الثلث، فإن كان فيه الواجب اختص النقص
بالتبرعي، وإن تقدم على الواجب في الذكر - على الأصح - كما يعطيه
عموم التعليل من قوله: " بدء بالحج فإن فريضة من فرائض الله " في
مصححة معاوية الآتية، من غير فرق في التعدد بين الثنائي والثلاثي،
وثم مراعاة الترتيب في الذكر حيث يعلم به إنما هي لانكشاف الأهمية به

(1) وقد عقد لها في الوسائل أكثر من باب واحد، وبالخصوص
باب 41 من كتاب الوصايا هكذا: وجوب إخراج حجة الاسلام من الأصل
والمندوبة من الثلث إن أوصى بها. ومن مجموع الروايات الكثيرة الواردة
في بابي الحج والوصايا نستطيع أن نستخلص تواترا معنويا، وإن لم يكن
لفظيا بهذا المضمون. والتواتر حجة بقسميه لأنه يورث القطع وهو حجة
شرعية غير مجعولة.
100

عند التزاحم، فلو لم يعلم الترتيب أصلا وعلم أهمية أحدها قدم الأهم
وكان النقص على غيره بلا اشكال. وإن لم تعلم الأهمية أيضا كان النقص
على الجميع، وإن علم بهما قدم الأهم، وإن تأخر في الذكر - على الأظهر -
وإن كان اطلاق الأخبار وكلمات الأصحاب يعطى مراعاة الترتيب
مطلقا، وإن علم بأهمية المتأخر - سيما مع تعليل بعضهم نفوذ المقدم مما وسعه
الثلث بمصادفة الوصية به محلها - فيبطل ما زاد عليه مع عدم الإجازة لعدم
المحل له.
وأنت خبير بما فيه، لأن ذلك إنما يتم بناء على أن التقدم معتبر
من باب الموضوعية تعبدا بالنص، لا من باب الطريقية وكونه أمارة على
الأهمية اعتبرها الشارع عند عدم إحرازها بغيره من القرائن لتكون الأهمية
هي الموجبة للتقدم في الذكر غالبا، ضرورة كونه - البتة - مسببا عما
يوجبه، وإلا لزم الترجيح بلا مرجح، وليس هو إلا الأهمية. وعليه
فتكون الاطلاقات كلها ناظرة إلى الغالب: من انكشاف الأهمية بالتقدم
في الذكر. ولم نجد من صرح بتقديم المقدم حتى مع إحراز أهمية المتأخر
الذي به تظهر الثمرة بين الوجهين، بل صرح غير واحد بتقديم الواجب
البدني على التبرعي وإن تأخر عنه، حتى من قال بعدم خروجه من المال
مع عدم الوصية به، وليس ذلك إلا لكون الواجب أهم.
ويدل عليه مصححة معاوية بن عمار - إلى أن قال: - " فدخلت
على أبي عبد الله (ع): فقلت له: إن امرأة من أهلي ماتت وأوصت إلي
بثلث مالها وأمرت أن يعتق عنها ويحج ويتصدق، فنظرت فيه فلم يبلغ
فقال إبدأ بالحج، فإنه فريضة من فرائض الله سبحانه، واجعل ما بقي
طائفة في العتق وطائفة في الصدقة " (1) الصريحة في تقسيط النقص على العتق

(1) يراجع ذلك من الوسائل: كتاب الوصايا، باب 65 من
أوصى بمال للحج والعتق والصدقة، حديث (1) وأول الحديث
هكذا: " محمد بن علي بن الحسين باسناده عن محمد بن أبي عمير عن معاوية
ابن عمار قال: أوصت إلي امرأة من أهل بيتي بمالها، وأمرت أن يعتق عنها
ويحج ويتصدق، فلم يبلغ ذلك، فسألت أبا حنيفة، فقال: يجعل ذلك
أثلاثا: ثلثا في الحج وثلثا في العتق وثلثا في الصدقة، فدخلت على أبي
عبد الله (ع) فقلت له.. ".
101

والصدقة، مع أن الأول مقدم في الذكر، المنزلة على التساوي في الأهمية.
و (حملها) على عدم معلومية الترتيب في الوصية - وإن وقع في لفظ
الراوي - فمع لغوية هذا النحو من الاحتمال وإلا لا نسد باب الاستدلال
(يدفعه) ترك الاستفصال في الجواب.
وبالجملة، فقصور الثلث عن الوصايا المتعددة التي يجب العمل بها أجمع
مع سعة الثلث لها أو الإجازة نظير ضيق الوقت عن الواجبات المتزاحمة
الذي لا إشكال في تقديم الأهم منها فيه، وإن تقدم سبب غير الأهم منها
(ودعوى) نفوذ الأول فلا يبقى محل للثاني في هذه الصورة أيضا
(ممنوعة) بل هي مصادرة، ضرورة استلزام ما ذكرناه كون النفوذ
مشروطا بسعة الثلث أو إجازة الورثة، فيكون مراعى بأحد الأمرين،
بل لا ينفك المورد حينئذ عن العدول التقديري المتأخر في المرتبة عن إرادة
الجميع، لاختصاصه بصورة قصور الثلث وعدم الإجازة. وهذا عندي
بمكان من الوضوح.
ولو علم الترتيب واشتبه المقدم استخرج بالقرعة. لأنها لكل
أمر مشتبه.
ولو كان أحدهما على الفور دون الآخر ابتدئ به في العمل على الفور
ولو تساويا في الفورية تخير في تقديم ما شاء منهما ما لم يفوت تقديمه الآخر
102

وإلا قدم مالا يستلزم ذلك.
(المطلب السابع)
لو أوصى بوصايا متعددة: فإما أن يكون بينها تضاد عقلا أو عرفا
أو لا تضاد بينها.
أما الأول، كما لو أوصى بمعين شخصي لواحد، ثم أوصى به
لآخر، فبحكم العقل تكون الثانية عدولا عن الأولى، لاستحالة العمل
بهما عنده.
وأما الثاني كما لو قال: (أعطوا ثلثي لزيد بعد موتي) ثم قال:
(أعطوا ثلثي لعمرو كذلك) بإضافة الثلث فيهما إلى نفسه، فإن أهل
العرف يفهمون العدول عن الأولى بالثانية، لأنه لا يملك من ماله بعد الموت
إلا الثلث. وإن احتمل كون الإضافة باعتبار كون المال كله له في الحياة
عند الوصية، إلا أن المتبادر عندهم هو الأول.
ولو أوصى بمعنى لشخص ثم أوصى بجزء مشاع - كالعشر مثلا -
من المال أو التركة لآخر، ففي كونه عدولا عن المعين بقدر ما يختصه من
من الجزء عرفا، أو تختص الوصية بالجزء مما عداه من المال أو التركة
وجهان: ولعل الأول هو الأقرب، لعدم خروج المعين بالوصية عن ماله
قبل الموت، فيكون الجزء منه داخلا في الجزء المضاف إلى المال بالوصية
الثانية، لعدم حمل المطلق في أمثال ذلك على المقيد، فيقع التضاد فيه
عرفا بين الوصيتين، ومقتضاه العدول عن الأولى بقدره.
وأما الثالث كما لو أوصى بثلث لزيد، ثم بثلث لعمرو أو أضافهما إلى
المال أو التركة، فلا تضاد بين الوصيتين - لا عقلا ولا عرفا - حتى يحكم
بالعدول، لامكان العمل بهما، وإن توقف في الزائد على الإجازة شرعا،
103

ومع عدمهما فالمانع شرعي، وهو لا يكشف عن العدول، إذ لعل الوصية
بالزائد لحسن ظنه بالوارث في تنفيذ وصاياه، فتصح الأولى وتنفذ لعدم
المانع أصلا وتبطل الثانية لاختصاص المنع الشرعي حينئذ بما زاد على
الثلث التركة.
وبما ذكرنا ظهر لك ما لو أوصى لشخص بثلث والآخر بربع ولآخر
بسدس: من صحة الأولى، وبطلان الأخيرتين، مع عدم الإجازة، لعدم
التضاد الموجب للحكم بالعدول فلا يبقى محل لهما بعد نفوذ الأولى، لعموم
أدلة الوصية.
(ودعوى) أن الوصية ظاهرة فيما كانت نافذة، ولا تكون كذلك
إلا فيما كان يملك نفوذها فيه - وهو الثلث - دون المتوقفة فيه عليه الإجازة
فهي بمعونة الظهور المذكور تضاد الأولى، والتضاد كاشف عن الرجوع
فتبطل به الأولى، ولا يجري استصحاب الصحة فيها بعد ظهور الثانية في
النفوذ، لأنه منه بمنزلة الأصل من الدليل، بل يجري ذلك في كل عقد
يدور أمره بين النفوذ الفعلي والتوقف على الإجازة كما لو باع أحد الشريكين
نصف الدار المشتركة بينهما بالمناصفة، فإنه ينزل على النصف المملوك له
دون المركب منه ومن شريكه حتى يتوقف على إجازته، وليس ذلك إلا
لما ذكرنا من الظهور.
(يدفعها) أن إطلاق العقد يقتضي إرادة معنى ما تعلق به، فإن
صادف محله خليا عن المانع مطلقا نفذ في متعلقه لوجود سبب النفوذ: من
وجود المقتضى وعدم المناع، وإلا توقف نفوذه على عدم المانع مع رجاء
زواله أو وجود شرط متوقع، كالإجازة في الفضولي والقبض في الهبة
ولا ينافي التوقف اتصاف العقد بالصحة التأهلية، وحيث كان متعلق العقد
في بيع أحد الشريكين هو النصف من غير تعرض لكونه المستحق له
104

أو المشاع بينه وبين شريكه اقتضى نقل النصف في نفسه الذي أحد مصاديقه
ما يملكه، فيجب عليه التسليم من غير توقف على شئ، لأنه هو المخاطب
بالوفاء بعد إيجاده السبب التام، وحينئذ فيما نحن فيه نفذت الأولى لمصادفة
الوصية محلها، فلا محل للثانية حتى تنفذ فيه بلا توقف لوجود المانع من
مزاحمة الوارث، فإن أجاز، وإلا بطلت.
وإن أبيت ذلك فيمكن أن نمنع الظهور مع سبق الوصية الصالحة لأن
تكون قرينة على صرفه، كيف وظاهر الوصايا المتعددة إرادة جميعها
ولذا لو أجاز الوارث نفذ الجميع، ولو كان ذلك رجوعا لم تؤثر الإجازة
صحة الأولى بعد فرض بطلانها به.
ثم ليعلم أن التعدد في الوصايا والترتيب بينها إنما يتحقق بعد تمام
الوصية، سواء كانت الأخرى معطوفة عليها بثم أو بغيرها، فلو قال (أعطوا
زيدا وعمروا ماءة درهم) كانت وصية واحدة واشتركا في الموصى به بالسوية
ما لم يعلم التفاضل، ولو قال (أعطوا زيدا ماءة وعمروا مأة) كان ذلك ترتيبا بين
الوصيتين، وإن العطف بالواو لكفاية الترتيب الذكرى في إفادة الترتيب
في الوصية.
(المطلب الثامن)
المعروف عند الأصحاب - حتى قيل بعدم وجدان الخلاف صريحا
فيه - هو أنه لو أوصى بجزء مشاع من المال يزيد على الثلث كالنصف مثلا
وأجاز الوارث، ثم ادعى ظن قلة المال بأن قال: ظننت المال ألف درهم
- مثلا - فبان ألف دينار، قبل قوله مع يمينه وقضى عليه بما ظنه. ولو
أوصى بمعين كالعبد أو الدار يزيد على الثلث فأجاز الوارث ثم ادعى ظن
زيادته عليه بيسير لم يقبل قوله وقضى عليه بما أجازه.
105

وعللوا الفرق بينهما بما يرجع إلى محصلة: إلى أن الوارث في المشاع ربما
بنى في العلة على أصالة عدم الزائد على ما ظنه، وإلى أن دعواه يمكن أن
تكون صادقة، ولا يمكن الاطلاع على ظنه إلا من قبله، لأن الظن من
الأمور النفسانية، فلو لم يكتف فيه باليمين لزم الضرر، لتعذر إقامة
البينة على دعواه، وفي المعين بأن إجازة الوارث وقعت على معلوم له
وهو العين المخصوصة كيف كانت من التركة، فكانت ماضية عليه،
بخلاف الوصية بالمشاع، فإن العلم بقدرها موقوف على العلم بمجموع التركة
وأنت خبير بأن ما ذكروه في المشاع من الوجهين يجري في المعين أيضا
لاختلاف قدر استحقاقه منه في القلة والكثرة، والأصل عدم زيادته على ما ضنه
من القدر وأيضا لا يعلم إلا من قبله مع تعذر إقامة البينة عليه. ولا يجدي
ما ذكروه في المعين: من كون المجاز معلوما للوارث بعد جهالة مقدار حقه منه
المسبب عن جهالة قدر المال كجهالة النصف في المشاع المسبب عن جهالة قدر المال
فيتحد الحكم فيهما لاتحاد المناط، ولعله لذا استوجه القبول في المعين كالمشاع
في الدروس والتحرير والمسالك والروضة واحتمله في القواعد واستمتنه في
(مفتاح الكرامة) بعد أن قواه، بل جعله في جامع المقاصد: هو الأصح
وتردد في المشاع صريحا في الشرائع والكفاية. وحكى الثاني منهما في المعين
قولين، ولم يرجح، وظاهره التردد فيه أيضا، كظاهر (الحواشي)
المنسوبة للشهيد في التردد.
وبالجملة: فإن تم إجماع على الفرق بينهما، وإلا فوحدة المناط
تقتضي المساواة في الحكم.
قلت: مع ذلك، فالأقوى ما عليه المشهور " أولا " لأن المعين
المجاز لمعلوميته يعلم الوارث أن ما يستحقه منه لا يزيد على مقدار الثلثين،
106

وإن جهل قدر حقه منه وتردد بين أفراد أكثرها الثلثان، ويتدرج التردد
في القلة إلى ما لا يكون له فيه حق، كأن تكون الدار ثلث المال أو أقل
فطرف الأكثر من قدر حقه فيه معلوم، فقدر المجاز من المعين معلوم من
جهة ومجهول من جهة أخرى، بخلاف المجاز مشاعا، فإنه مجهول بالكلية
ولعل هذا القدر من التفاوت هو الفارق عرفا الموجب لقرب الدعوى إلى
الصدق في المشاع، وبعدها عنه في المعين. كما فرق في الاقرار بين ما يكون
لرسم القبالة وغيره. (وثانيا) لفساد دعوى جريان أصالة عدم الزيادة
على ما ظنه في المعين كما يجري في المشاع، لوضوح الفرق بين الأصلين فيهما
لأن الأصل المذكور في المشاع، يعضده أصالة عدم زيادة المال، ضرورة
عدم انفكاك زيادة المال عن زيادة النصف وقلته عن قلته، فيتعاضد فيه
الأصلان السببي والمسببي، يتعاكسان في المعين، لأن زيادة التركة تسلتزم
نقصان حق الوارث من المعين، ونقصانها يستلزم زيادته فأصالة عدم
زيادة قدر حقه - على ما ظنه - محكوم بأصالة عدم زيادة المال والتركة،
بعد أن كان الشك في الأول مسببا عن الشك في الثاني، ولا مجرى للأصل
في المسبب بعد جريان الأصل في السبب.
هذا وليعلم أن أصالة عدم الزيادة أو عدم العلم بها لا يثبت الظن
بالقلة الذي هو موضوع الحكم ولذا كان مدعيه - لكونه مخالفا للأصل -
أيضا مدعيا، وكان عليه البينة، إلا أنه حيث لم يعلم إلا من قبله قبل
قوله مع يمينه، وبما ذكرنا ظهر لك ضعف ما أورد على سماع دعواه في
المشاع بأن الإجازة مطلقة، فالرجوع إلى قول الوارث رجوع عن لفظ
متيقن الدلالة على معنى يعم الجميع إلى دعوى ظن يجوز كذبه، ضرورة أن الدعوى
بعد أن كانت مسموعة للأصل، وكان منضما إليها ميزان القضاء ثبت به
107

ما يوجب رفع اليد عن الظهور. فإذا الأقوى ما عرفت.
(المطلب التاسع)
لو أوصى بثلث ماله فما دونه من الكسور لواحد شارك الموصى له
الوارث بقدر الكسر بالإشاعة، لاقتضاء الكسر ذلك في جميع المال - عينا
كان أو منفعة أو دينا معجلا كان أو مؤجلا - حتى ما يكون له بعد الموت
كالدية، لتقدم سبب الاستحقاق في الحياة، ولا يشمل ما يكون له بسبب
متأخر عن الموت كالجناية عليه بالمثلة بعد موته.
ولو زاد الموصى به عن الثلث كالنصف والثلثين، كان كذلك مع
إجازة الوارث التي هي تنفيذ للوصية لا ابتداء عطية. وحينئذ، فلو تلف
منه شئ كان التالف منهما، والباقي لهما ما دام مشاعا.
ولو أوصى بمعين اختص به الموصى له: إن كان قدر الثلث فما دون
وليس للوارث مزاحمته فيه، لما عرفت من أن للموصي تعيين ثلثه فما شاء
من تركته، وللموصى له أنحاء التصرف فيه بعد تملكه له بالوصية والقبول
إن كان ما يبقى عند الوارث مما عداه مقدار الثلثين، وإن كان ما زاد
عليه غائبا. ولو كان غير المعين كله غائبا، توقف التصرف
في المعين على حصول مثليه من الغائب. ولو كان بعضه حاضرا
وكان قاصرا عن مثلي ما أوصى به استقر ملكه من الموصى به في قدر
ثلث المجموع، وإن كان قدر مثليه حاضرا استقر ملكه في تمام العين،
وإن تلف الباقي من الغائب، لعدم توقف استقرار ملكه على ما يزيد على
مثلي المعين. وبحكم قبض الوارث قبض وكيله أو وليه، وإن كان الحاكم
دون قبض الملتقط وإن كان اللقيط أمانة شرعية في يده، وكذا بحكم
قبضه إذنه في التصرف بالموصى به، لسقوط حقه بإذنه حتى على تقدير
108

تحقق الشركة بالتلف في الواقع كسقوط حقه بامتناعه من قبض المال الغائب
مع تمكنه منه أو ابراء من كان هو في ذمته عنه أو إتلافه قبل قبضه أو نقله
كذلك إلى غيره بأحد النواقل الشرعية، وإن لم يقبضه المشتري بعد، وكان قبله
مضمونا عليه بالمسمى، لا بنحو الهبة التي يكون القبض فيها شرطا لصحتها، لبقاء المال
فيها حينئذ على ملك الوارث. كل ذلك لأن نفوذ الوصية في المعين إنما يتحقق
حيث تكون نسبة المعين إلى الحاضر ثلثا، وإلا فالوارث يزاحم الموصى له
في المعين بقدر ما ينقص من الحاضر على مثلي المعين، وهو واضح.
(بقي شئ) وهو أن مقتضى القواعد الأولية المستفادة من أدلتها:
هو انفراز التركة من حين الموت باختصاص المعين للموصى له، إن كان
قدر الثلث فما دون، وما عداه للوارث مع عدم الوصية، إن كان المعين
دون الثلث، وأن التالف من أيهما كان كان تالفا من صاحبه. لكن لما
قام الدليل على أن ما قابل ضعف المعين من غيره إن لم يكن حاضرا أو كان
الحاضر منه قاصرا عن الضعف، وتلف الغائب أو بعضه شارك الوارث
الموصى له في المعين بقدر ما ينقص من ضعفه من حين التلف، فلا جرم
توقف استقرار ملك الموصى له - فيما زاد على ثلث المعين - على قبض
الوارث لما يقابل ضعف المعين من التركة لأن التلف سبب لحدوث الشركة
بينهما في المعين. وحينئذ فلا موجب لتوقف الموصى له عن التصرف في
ثلث المعين المعلوم كونه له باليقين بما لا يزاحم الإشاعة على تقدير انكشافها
- كما توهم - ومع التشاح قبل الانكشاف يتولى قبضه الحاكم أو من يتراضيان
عليه وحينئذ فإن تبين التلف انكشف كون الوارث شريكا من حين التلف
لا من حين الموت، فيكون نماء المعين الحاصل من حين الموت إلى التلف
للموصى له خاصة لأنه نماء ملكه والمتجدد بعد التلف مشتركا بينهما لحدوث
الشركة بالتلف. بل لولا دعوى الاجماع على الايقاف لكان المتجه جواز
109

تصرف الموصى له مطلقا في تمام المعين استنادا إلى أصالة سلامة الغائب
وعدم حدوث سبب الشركة، وإن عورض بأصالة عدم القبض، لأن
الشك في تحقق الحضور مسبب عن الشك في التلف، بناء على أن أصل
العدم أصل عقلائي. وأما بناء على كونه بمعنى استصحاب العدم، فيكون
من الأصول المثبتة. وحينئذ فغايته بعد انكشاف التلف رجوع الوارث
عليه بحقه في المعين. وإذ قد عرفت أن الحكم بحدوث الشركة على خلاف
القاعدة وجب الاقتصار في الخروج عنها على المتقين، فلا يشمل تنجيز
المعين. وإن قلنا بخروج المنجزات من الثلث وكان باقي المال غائبا، ولا
فيما إذا كانت العين الموصى بها غائبة وباقي المال حاضرا، فإنه يتصرف
الوارث في الحاضر كيف شاء، ولا في الزائد على ثلث التركة من العين
الموصى بها إن أجاز الوارث الوصية، فإن الموصى له يتسلط على مقدار
ما حصل له بالإجازة من دون إيقاف بالنسبة إلى ذلك المقدر نظرا إلى
إجازة الوارث فيه لعدم الدليل على اعتبار حضور ما يقابل الزائد المجاز
من المال الغائب، فيجوز له التصرف فيه بمجرد التملك بحصول الإجازة
ولا يحصل بتلف الغائب شركة للوارث في هذ المقدار، ولا إذا أتلف
المال الغائب أجنبي ورجع الوارث عليه بمثله أو قيمته. نعم لو لم يتمكن
الوارث من قبض العوض منه شارك الموصى له. ولو تصرف الموصى له
في العين ببيع ونحوه من النواقل قبل قبض الوارث المال الغائب: فإن
انكشف تلفه قبل البيع كان النقل بالنسبة إلى حق الوارث منه فضوليا
يتوقف على إجازته، وإن انكشف كونه بعد البيع، ففي رجوع الوارث
عليه ببدل حقه فيه من المثل أو القيمة: لأنه بحكم الاتلاف لحقه، أو يبطل
العقد في سهمه؟ وجهان: والأول هو الأقرب. ولا يجري في هذه الصورة
حكم الفضولي، لأنه كان مالكا حين التصرف، وإن حدثت الشركة
110

بعده، فيضمن بسببها بدله، وإن حصل الغائب ولو بقدر مثلي المعين
صح بيعه ونفذ، وإن كان منهيا عنه قبل الانكشاف، لأن النهي في
المعاملات لا يقتضي الفساد.
ثم يعلم أن الموصى به يتعين بتعين الموصي أو من يجعل أمر التعيين
إليه كالوصي أو الموصى له، فيتعين بتعيينه - كما تقدم - لأن ذلك من
شؤون ملكيته، كما أنه لا فرق في حضور المال بين حضوره عند الوارث
أو من يقوم مقامه ممن له الولاية عليه أو التولية منه، فيكون قبض الوكيل
وولي الصغير والحاكم قبض الموكل والصغير والغائب في استقرار ملك
الموصى له في تمام المعين.
هذا ولو أوصى بعبده لشخص، فظهر ثلثاه مستحقا للغير نفذت الوصية
في ثلثه، لاندارجه في الوصية بالكل مع خلوه عن المانع: من تعلق حق
الغير به. ومثله في الحكم لو أوصى في المثال بثلث العبد ولا يتعين
تنزيلها على الإشاعة حتى تنفذ في ثلث الثلث خاصة، لما ذكر، كما توهمه
بعض العامة، قياسا على الاقرار، وبيع الفضولي على أحد القولين فيه.
أما الاقرار فلأنه ليس معناه إلا كونه مال الغير، وإلا فملكه بوصف
كونه ملكه لا يكون لغيره، فالاقرار بثلث العبد المملوك له ولغيره لا يتحقق
معناه إلا في ثلث الثلث وهو معنى الإشاعة.
وأما بيع الفضولي كبيع ثلث العبد في الفرض بناء على بطلان
الفضولي، فإنه حينئذ ينزل على ثلث الثلث لا غير لإضافة الثلث إلى العبد
المفروض كونه مشتركا بينه وبين غيره بالإشاعة، مع فرض بطلان البيع
بالنسبة إلى ما تعلق به الغير. ومثلهما الوصية بناء على عدم جريان
الفضولي فيهما، لأن الوصية إنما تكون في ملكه دون ملك الغير
وأما الوصية بما زاد على الثلث من التركة فلأن المال كله له حين
111

الوصية وليست الإجازة من الوارث إلا بمعنى الرضاء بعدم الإرث. ولذا
كانت تنفيذا للوصية لا ابتداء عطية وليست من الفضولي في شئ - كما تقرر
في محله - فالوصية بالثلث من العبد المعتقد كونه بتمامه ملكه مع عدم جريان
الفضولي فيها مستلزمة للتنزيل على الإشاعة والنفوذ في ثلث الثلث خاصة.
هذا غاية ما يمكن من توجيه قياس الوصية على الاقرار وبيع الفضولي
على أحد القولين، إلا أن الحق نفوذها في تمام الثلث مطلقا، وإن قلنا
ببطلان الفضولي، لأنه يملك من العبد مصداق ما أوصى به، وهو الثلث
كما تقدم.
وأما بناء على صحة الفضولي وجريانه في الوصية أيضا - كما استظهرناه
في محله (1) ففي الفرض بعد تبين الشركة: إن أجاز الشريك نفذ في
تمام الثلث بالإشاعة، وإلا: فإن وسع المال ثلث العبد نفذ في تمام الثلث
المختص به، قضاء للعمل بالوصية مهما أمكن، والتبعيض تبديل لها، وإن
لم يسع توقف فيما زاد على ثلث الثلث على إجازة الوارث، فإن أجاز،
وإلا نفذ في ثلث الثلث خاصة. اللهم إلا أن يمنع جريان الفضولي في
الوصية بدعوى الفرق بينها وبين سائر العقود التي يعتبر في جريان الفضولي
فيها صحة استناد العقد إلى المالك المجيز مع عدم إمكان استناد الوصية إلى
المالك بالإجازة بحيث يكون بها موصيا، فالموصي ليس بمجيز، والمجيز ليس بموص.
وأما بطلان القياس بالاقرار فلأن الاقرار إنما يؤخذ به حيث يعلم
كونه عليه، وأما المحتمل فيه ذلك وكونه على غيره فليس باقرار حتى
يؤخذ به، فالأخبار بأن الثلث المشاع في المثال لزيد إنما يكون إقرارا
بالنسبة إلى ثلث الثلث خاصة، وأما بالنسبة إلى الثلث فليس باقرار. وهذا

(1) يراجع ذلك ضمن رسالة عقد الفضولي المدرجة في الجزء الثاني
من (البلغة).
112

بخلاف الوصية التي هي من العقود الناقلة فإنها تنفذ فيما يملك مصداقه وإن
كان غيره لغيره.
وبعبارة أخرى: الوصية من الأسباب الناقلة المشمولة لوجوب الوفاء
بالعقود، وليس الاقرار منها حتى يشمله ذلك، بل هو من الأمارات،
فاتضح بطلان القياس بهما حتى على القول ببطلان الفضولي.
(المطلب العاشر)
في الوصايا المبهمة، كالجزء والسهم والشئ، لو أوصى بجزء من المال:
فإن علم إرادة قدر مخصوص منه اتبع، وإلا، ففي تقديره شرعا روايتان:
أشهرهما رواية العشر، وفتوى - كما قيل - السبع.
والذي يدل من الأخبار على الأول: ما رواه في (الكافي):
" عن عبد الله بن سنان عن عبد الرحمن بن سيابة قال: إن امرأة أوصت
إلي وقالت: ثلثي تقضي به ديني وجزء منه لفلانة، فسألت عن ذلك ابن
أبي ليلى؟ فقال: ما أرى لها شيئا ما أدري ما الجزء؟ فسألت عنه
أبا عبد الله (ع) بعد ذلك، وخبرته كيف قالت المرأة، وما قال ابن أبي
ليلى؟ فقال: كذب ابن أبي ليلى، لها عشر الثلث، لأن الله تعالى أمر
إبراهيم، فقال: " اجعل على كل جبل منهن جزء " (1) وكانت الجبال
يومئذ عشرة، والجزء هو العشر من الشئ " (2) وفي (الإستبصار) روايته

(1) سورة البقرة آية 260 وتمام الآية هكذا: " وإذ قال إبراهيم
رب أرني كيف تحيي الموتى؟ قال أو لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن
قلبي، قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك، ثم اجعل على كل جبل
منهن جزء، ثم أدعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ".
(2) في الكافي للكليني، كتاب الوصايا (باب من أوصى بجزء من
ماله) حديث (1) بسنده هكذا: (علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن
يحيى عن أحمد بن محمد جميعا عن ابن محبوب عن عبد الله بن سنان.. ".
113

باسقاط عبد الرحمن (1) وعليه تكون الرواية من الصحيح - كما في المختلف (2)
وما رواه المشايخ الثلاثة في الموثق أو الحسن - الذي لا يقصر عن
الصحيح كما قيل -: " عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله
- عليه السلام - عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ قال: جزء من عشرة
قال الله تعالى: " ثم اجعل على كل جبل منهن جزء " وكانت الجبال
عشرة " (3) وما رواه في (الكافي والتهذيب) في الصحيح أو الحسن
- على ما قيل - " عن أبان بن تغلب قال قال أبو جعفر (ع): الجزء واحد
من عشرة، لأن الجبال كانت عشرة والطير أربعة " (4) وما رواه في

(1) فقال - في كتاب الوصايا منه (باب 79 من أوصى بجزء من
ماله) حديث (1) هكذا: أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد الله
ابن سنان قال: إن امرأة.. ".
(2) فلقد عبر العلامة في المختلف، الفصل الخامس في الوصايا من
كتاب الهبات والعطايا، مسألة: لو أوصى بجزء من ماله. هكذا:
" وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان.. "
(3) ذكرها الصدوق في (الفقيه) باب (100) الوصية بالشئ
من المال والسهم والجزء والكثير، حديث تسلسل (528). وذكرها الكليني في
الكافي كتاب الوصايا: باب من أوصى بجزء من ماله حديث (2) وذكرها
الشيخ في (التهذيب) كتاب الوصايا، باب 16 الوصية المبهمة، حديث
تسلسل (825).
(4) الكافي بنفس المصدر الآنف، حديث (3) والتهذيب بنفس
المصدر الآنف حديث تسلسل (826).
114

(التهذيب) عن أبي بصير " عن أبي عبد الله (ع) في رجل أوصى بجزء
من ماله، قال: جزء من عشرة، وقال: كانت الجبال عشرة " (1) وعن
العياشي في (تفسيره) مثله (2) وزاد: " وكان الطير الطاووس والحمامة
والديك والهدهد، فأمره أن يقطعهن " الخ. وما عن (معاني الأخبار)
" عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر (ع) في الرجل يوصي بجزء من ماله؟
قال: الجزء واحد من عشرة، لأن الله تعالى يقول: " ثم اجعل على
كل جبل منهن جزء " وكانت الجبال عشرة، والطير أربعة، فجعل
على كل جبل منهن جزء. قال: وروى: أن الجزء واحد من سبعة
لقوله تعالى: " لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم " (3) ومنها
ما عن (الكتاب المذكور) في الصحيح - على ما قيل - " عن عبد الله بن
سنان، قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن امرأة أوصت بثلثها يقضى به
دين ابن أخيها وجزء منه لفلانة وفلانة، فلم أعرف ذلك؟ فقدماني
إلى ابن أبي ليلى، قال: فما قال لك؟ قلت: قال: ليس لها شئ،
فقال: كذب - والله - لهما العشر من الثلث. (4) وما عن العياشي أيضا
في تفسيره: " عن عبد الصمد بن بشير في خبر يتضمن، أن أبا جعفر

(1) راجع منه: المصدر الآنف الذكر حديث تسلسل (827).
(2) يشير إلى ذلك الحر العاملي في الوسائل: كتاب الوصايا باب 54
من أحكامها: حكم من أوصى بجزء من ماله: حديث (8).
(3) في الوسائل: كتاب الوصايا، باب 54 حكم من أوصى بجزء
من ماله، حديث (4) هكذا: " محمد بن علي بن الحسين في (معاني الأخبار)
عن محمد بن الحسن عن أحمد بن إدريس عن محمد بن أحمد بن يحيى عن علي
ابن السندي عن محمد بن عمرو بن سعيد عن جميل عن أبان بن تغلب.. "
(4) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (6).
115

المنصور جمع القضاة، فقال لهم: رجل أوصى بجزء من ماله، فكم
الجزء؟ فلم يعلموا فأبرد بريدا لي صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمد (ع)
فسأله؟ فقال: أبو عبد الله (ع): هذا في كتاب الله بين؟ إن الله يقول
لما قال إبراهيم: " رب أرني كيف تحيي الموتى - إلى أن قال - ثم اجعل
على كل جبل منهن جزء " فكانت الطير أربعة، والجبال عشرة يخرج
الرجل من كل عشرة أجزاء جزء واحدا " (1) وما عنه فيه أيضا: " عن
محمد بن إسماعيل عن عبد الله بن عبد الله قال: جائني أبو جعفر بن سليمان
الخراساني، وقال: نزل بي رجل من أهل خراسان من الحجاج، فتذاكرنا
الحديث، فقال: مات لنا أخ بمرو وأوصى إلي بمأة ألف درهم وأمرني
أن أعطي أبا حنيفة منها جزء، ولم أعرف الجزء كم هو مما ترك؟ فلما
قدمت الكوفة أتيت أبا حنيفة فسألته عن الجزء؟ فقال: لي الربع فأبى
قلبي ذلك، فقلت: لا أفعل حتى أحج وأستبصر المسألة، فلما رأيت أهل
الكوفة قد أجمعوا على الربع، قلت لأبي حنيفة -: إلى قال - فقال
أبو حنيفة، وأنا أريد الحج، فلما أتينا مكة، وكنا في الطواف، فإذا نحن
برجل شيخ قاعد قد فرغ من طوافه، وهو يدعو ويسبح، إذ التفت
أبو حنيفة فلما رآه قال: أن أردت أن تسأل غاية الناس فأسأل هذا،
فلا أحد بعده، قلت: ومن هذا؟ قال: جعفر بن محمد (ع) فلما قعدت
واستمكنت إذا استدار أبو حنيفة خلف ظهر جعفر بن محمد (ع)
فقعد قريبا مني فسلم عليه وعظمه، وجاء غير واحد مزدلفين مسلمين
عليه، وقعدوا، فلما رأيت ذلك من تعظيمهم له اشتد ظهري، فغمزني

(1) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (8) وفي هامش الحديث
من الطبعة الجديدة للوسائل ج 13 ص 444 ذكر للحديث بطوله عن تفسير
العياشي: (ج 1 ص 143) فراجع.
116

أبو حنيفة أن تكلم، فقلت: جعلت فداك إني رجل من أهل خراسان،
وإن رجلا مات وأوصى إلي بمأة ألف درهم، وأمرني أن أعطي منها
جزء، وسمى لي الرجل، فكم الجزء جعلت فداك؟ فقال جعفر بن محمد:
يا أبا حنيفة، قل فيها: فقال: الربع، قال لابن أبي ليلى: قل فيها،
فقال: الربع، فقال جعفر بن محمد: ومن أين قلتم الربع؟ قالوا: لقول
الله عز وجل " فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك، ثم اجعل على
كل جبل منهن جزء " فقال لهم أبو عبد الله (ع): وأنا أسمع من هذا
قد علمت الطير أربعة " فكم كان الجبال، إنما الأجزاء للجبال، ليس
للطير، فقالوا: ظننا أنها أربعة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ولكن
الجبال عشرة " (1) وما عن (الفقه الرضوي): " وإذا أوصى رجل لرجل
بجزء من ماله، فهو واحد من عشرة لقول الله تعالى: " ثم اجعل على
كل جبل منهن جزء " وكانت الجبال عشرة، وروي جزء من سبعة
لقول الله تعالى: لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم " (2) انتهى
والذي يدل منها على الثاني: ما عن الشيخ في الصحيح - كما قيل -
" عن البزنطي قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أوصى بجزء من
ماله؟ فقال: واحد من سبعة، إن الله تعالى يقول: لها سبعة أبواب
لكل باب منهم جزء مقسوم. قلت: رجل أوصى بسهم من ماله؟ فقال:

(1) المصدر الآنف من الوسائل حديث (9) وبهامش ص 445 من
الجزء 13 الطبع الجديد نقل الحديث بتفصيله عن تفسير العياشي ج 1
ص 144 مطابقا لما في المتن.
(2) راجع من (الفقه الرضوي) المنسوب إلى الإمام الرضا (ع) باب
الوصية للميت طبع إيران حجري بلا ترقيم.
117

السهم واحد من ثمانية ثم قرأ: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين.. " إلى آخر
الآية (1) وعن إسماعيل بن همام الكندي عن الرضا (ع): " في الرجل
يوصي بجزء من ماله؟ فقال: الجزء من سبعة، لقوله تعالى: " لها سبعة
أبواب.. " (2) الخ. وما عن (الفقيه والتهذيب): " عن الحسين بن
خالد عن أبي الحسن (ع) " قال سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله؟
قال: سبع ثلثه " (3) وما عن الشيخ المفيد في (كتاب الإرشاد)
" عن أمير المؤمنين (ع) في رجل أوصى بجزء من ماله ولم يعينه، فاختلف
الوارث بعده في ذلك، فقضى عليهم باخراج السبع من ماله، وتلا
قوله تعالى: لها سبعة أبواب " (4) وما في ذيل عبارة (فقه الرضا) التي مر
ذكرها (5) وما عن العياشي في (تفسيره): " عن البزنطي عن

(1) الموجود في (التهذيب باب 16 الوصية المبهمة حديث تسلسل
828) ومثله في (الإستبصار باب 79 من أوصى بجزء من ماله) الرواية
عن أبي الحسن (ع) هكذا: " محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن
ابن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن (ع) عن رجل.. " (2) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 54 من أحكامه: حكم من
أوصى بجزء من ماله، حديث (13) هكذا: ".. عن أبي همام إسماعيل
ابن همام. "
(3) الفقيه للصدوق باب 100 من الوصايا: الوصية بالشئ من
المال والسهم والجزء، حديث تسلسل (529). والتهذيب باب 16 الوصية
المبهمة حديث تسلسل (831).
(4) راجع: الوسائل: كتاب الوصايا باب 54 حكم من أوصى بجزء
من ماله حديث (7) وفي الهامش ينقله عن الإرشاد.
(5) وهي جملة " وروي جزء من سبعة - كما سبق آنفا -.
118

الرضا (ع) قال: جزء الشئ من سبعة إن الله تعالى يقول: لها سبعة
أبواب " (1) الخ. وما عنه أيضا: " عن إسماعيل بن همام الكوفي عن
الرضا (ع): " في رجل أوصى لرجل بجزء من ماله؟ فقال: جزء من
سبعة، إن الله تعالى يقول: في كتابه " لكل باب الخ " (2)
وحيث اختلفت الأخبار في تحديد الجزء بالعشر، والسبع، اختلف
الفقهاء على قولين:
قول بالأول، وهو المحكي في (مفتاح الكرامة) عن الصدوقين،
والشيخ في التهذيبين والمحقق في النافع، والايضاح، والشهيدين في
الدروس واللمعة والروضة والمحقق الثاني في جامع المقاصد، وصاحب إيضاح
النافع، ونفى عنه البعد في (الكفاية) وهو ظاهر (الشرايع) حيث
جعله أشهر الروايتين، واقتصر عليه، وصريح (المختلف) حيث جعله
هو المعتمد، وهو خيرة (الجواهر) و (الشوارع) لبعض المعاصرين
وقول بالثاني، وهو السبع، وهو المحكي فيه أيضا عن المقنعة والمراسم
والنهاية والوسيلة والجامع والتذكرة والتحرير والارشاد والقواعد والتلخيص
والتبصرة والروض والتنقيح والمسالك. وحكاه أيضا عن الشيخ في الخلاف
وأبي المكارم في (الغنية) والمفيد في (إرشاده) والعياشي في (تفسيره)
وأبي علي والقاضي، وكذا (كاشف الرموز)، وإن استحسن جمع الشيخ بل
حكى فيه عن السرائر: أنه الأظهر في الأقوال والأخبار. وعن المسالك:
أنه مذهب الأكثر، وعن المفاتيح: أنه أشهر، بل فيه عن الخلاف والغنية
الاجماع عليه وفي الرياض: نسبته إلى الأكثر، واختاره هو فيه وفي شرحه
الصغير.
قلت: ولعل مستند كل من القولين إلى ما يدل عليه من الأخبار

(1، 2) يراجع من الوسائل الباب الآنف حديث (12، 13)
119

المستفيضة بعد ترجيحها - على ما يعارضها - بمرجحات، كترجيح الأولى
بالأكثرية عددا، وبالموافقة للأصل، وبسلامة متنها عن الاضطراب، وترجيح
الثانية بموافقتها للشهرة المستفيضة فتوى، والاجماع المنقول في الغنية بل
قيل: هو بنفسه حجة سيما بعد اعتضاده بالشهرة التي قد عرفت استفاضتها
وأنت خبير بأن صناعة الترجيح، وإن اقتضت قوة القول الأول
لأن أخبار السبع، وإن ترجحت بموافقتها كشهرة الفتوى بمضمونها - إلا
أن كونها من المرجحات محل كلام، مع معارضتها بشهرة الأولى رواية
التي هي من المرجحات المنصوصة، وكون الشئ مرجحا ككونه دليلا
يحتاج إلى دليل يدل عليه. ورواية (الإرشاد) المتضمنة لقضاء علي (ع)
حكاية فعل لا عموم فيه، ولعله لقرينة دلت عليه، ورواية الحسين بن خالد
- مع تضعيفه في (المسالك) بجهالته - تضمنت السبع من الثلث مع إضافة
الجزء في السؤال إلى المال - شاذة نادرة لا عامل بمضمونها - كما قيل -
وحملها على إرادة ماله بعد الموت أو ما له الوصية به في السؤال لتوافق
أخبار السبع تأويل. وباقي الأخبار لا تكافؤ أخبار العشر المرجحة بأشهريتها
وبموافقتها للأصل لأن العشر هو المتيقن، وبما ظاهرهم التسالم عليه: من
إعطاء من أوصى له بمثل نصيب أحد الورثة نصيب أقلهم عملا بالمتيقن.
وأما الاجماع المنقول عن الغنية على السبع، فموهون بدعوى الشيخ في
(الخلاف) الاجماع على القولين في قبال العامة، وبنسبة القولين في المبسوط
إلى الأصحاب من دون ترجيح، ومثله في ذلك عن (التهذيب)
والمقتصر والمفاتيح.
فإذا يقوى القول الأول، إلا أن مع ذلك كله رفع اليد عن أخبار
السبع مع استفاضتها واستفاضة شهرة العمل بها لا يخلو من جرأة. ولذا
جعل صاحب (الحدائق) وجدنا في (الرياض) بعد ذكر دليل القولين:
120

الاحتياط في الصلح.
والذي يختلج في البال على الاستعجال: هو أن الجزء بحسب اللغة
والعرف إنما هو بعض الشئ، ولم تثبت له حقيقة شرعية، وإن ثبت
إطلاقه في الكتاب على العشر والسبع. ولعله من حيث كونهما مصداقا،
فإذا وقع في كلام الموصي فالظاهر منه - بمعونة ما عرفت - تفويض تعيين
مقداره إلى الوصي أو الوارث، فيكون مخيرا في دفع ما شاء كما هو المتعارف
في غير الوصية من أمر المولى لعبده باعطاء شئ للسائل المعلوم منه تفويض
قدر التعيين إليه. وحينئذ فالأخبار محمولة على الترجيح له في الاختيار،
لا على التحديد بأحدهما.
وأن أبيت إلا ذلك لظهور كل من الطائفتين في التحديد، فيكون
لهذا اللفظ المبهم من حيث المصداق تقدير شرعي، إذ لا تعيين فيه ولا حد
لأقله، فيجب الاقتصار فيه على التقدير الشرعي. والمفروض ثبوت
التقدير بهما معا، فيكون مخيرا بينهما، لثبوت التقدير بكل منهما، فليقتصر
في التخيير عليهما، كما يخير الوارث - فيما ستعرف من الوصية - بالقسط
والنصيب، غير أن التخيير هناك أوسع منه هنا، لورود التقدير هنا
بخصوص السبع والعشر. وعليه فتكون الوصية حينئذ عهدية لا تمليكية،
لعدم صحة التمليك مع جهالة المملوك، فإن تم إجماع على خلاف ذلك،
وإلا فهو قوي متين.
هذا وينسحب الحكم المذكور: من تعيين أحدهما إلى جزء الجزء
لو أوصى به، فيدفع عشر العشر أو سبع السبع على الخلاف، لعدم
الاختلاف من حيث الجزء المضاف، وإنما الاختلاف في المضاف إليه لفظ
الجزء: من المال أو الثلث أو الجزء.
نعم لا يسري ذلك إلى غير الوصية التي هي مورد النصوص، لاختصاص
121

التعبد بها على القول به.
ولو أوصى بسهم فالأشهر بل المشهور: إنه الثمن، بل في (الرياض)
نسبته إلى عامة من تأخر، بل عن ظاهر (إيضاح النافع): الاجماع عليه.
ويدل عليه صحيح البزنطي: أنه سأل أبا الحسن (ع) عن رجل
أوصى بسهم من ماله؟ فقال: السهم واحد من ثمانية، ثم قرأ: إنما
الصدقات للفقراء... " (1) وكذا حسن صفوان عن الرضا (ع) (2)
وموثق السكوني عن أبي عبد الله (ع) (3) وعن (إرشاد المفيد) نسبة
ذلك إلى قضاء أمير المؤمنين (ع) معللا بآية " إنما الصدقات " (4)

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 55 حكم من أوصى بسهم من
ماله، حديث (1).
(2) في المصدر الآنف الذكر من الوسائل حديث (2) ينقله عن
التهذيب والكافي عن صفوان وابن أبي نصر، وعن " معاني الأخبار "
عن صفوان وحده. والحديث هكذا ". عن صفوان وأحمد بن محمد بن أبي
نصر قال: سألنا الرضا (ع) عن رجل أوصى لك بسهم من ماله،
ولا ندري السهم أي شئ هو قال (ع): ليس عندكم فيما بلغكم عن
جعفر، ولا عن أبي جعفر فيها شئ؟ فقلنا له: ما سمعنا أصحابنا يذكرون
شيئا من هذا عن آبائك (ع) فقال: السهم واحد من ثمانية - إلى أن
قال -: قول الله عز وجل " إنما الصدقات للفقراء " إلى آخر الآية..
(3) يراجع: المصدر الآنف من الوسائل حديث (3)، وفيه:
" أنه سئل عن رجل يوصي بسهم من ماله؟ فقال: السهم واحد من
ثمانية، لقول الله تعالى " إنما الصدقات.. ".
(4) المصدر الآنف من الوسائل حديث (7) هكذا: " محمد بن محمد
المفيد في الإرشاد قال: قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل أوصى عند
الموت بسهم من ماله ولم يبينه، فاختلف الورثة في معناه، فقضى
عليهم بإخراج الثمن من ماله، وتلا عليهم: " إنما الصدقات للفقراء
والمساكين " الآية: " وهم ثمانية أصناف لكل صنف منهم سهما من
الصدقات ".
122

فما في خبر طلحة بن يزيد: من أنه العشر (1) فقد قيل: إنه لا عامل
به: بل عن جماعة الاعتراف بعدم معرفة قائله، وإن ظهر من (مفتاح
الكرامة) نسبته إلى الصدوق، وعن الشيخ: حمله على وهم الراوي،
سمع ذلك في تفسير الجزء فرواه في تفسير السهم (2)
وقيل فيه: بالسدس: وهو محكي في (مفتاح الكرامة) عن الصدوق
في (المقنع) (3) ووالده، والشيخ في المبسوط. بل في الغنية والخلاف:
الاجماع عليه. وقيل بعدم رواية تدل عليه إلا ما رواه العامة عن ابن مسعود:
" أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله: السدس " (4)

(1) في " التهذيب. باب 16 في الوصية المبهمة " حديث تسلسل
(834): ".. علي بن الحسن بن فضال عن عمرو بن عثمان عن عبد الله
بن المغيرة عن طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (ع) عن أبيه (ع) قال:
من أوصى بسهم من ماله فهو سهم من عشرة ".
(2) فإنه قال - في نفس المصدر الآنف من التهذيب بعد ذكره
للحديث -: " فيوشك أن يكون قد وهم الراوي، وإنما يكون سمع
هذا في من أوصى بجزء من ماله، فظن في من أوصى بسهم، أو يكون
قد اعتقد أن الجزء والسهم واحد، فرواه على ما ظنه ".
(3) عبارة (المقنع) المطبوع ضمن (الجوامع الفقهية في إيران)
أول باب الوصايا هكذا: " وإن أوصى بسهم من ماله فهو واحد من ستة "
(4) وإليها يشير الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) باب 100
الوصية بالشئ من المال والسهم والجزء. حديث تسلسل (7، 5 - 3)
بقوله: " وقد روي: أن السهم واحد من ستة ".
123

وهو كما ترى، كما لا يخفى وهن الاجماع بمخالفة جل الفقهاء ممن تقدم عليهما
وتأخر عنهما، وإن روى ذلك في " فقه الرضا " (1)
ولو أوصى بشئ كان له السدس، لما عن غير واحد دعوى الاجماع
عليه، ولخبر أبان: " عن علي بن الحسين (ع): أنه سئل عن رجل
أوصى بشئ من ماله؟ فقال: الشئ في كتاب علي (ع) من
ستة " (2).
هذا ولا يخفى أن الكلام الذي قدمناه في الجزء آت في السهم والشئ.
ولو أوصى بما لا تقدير له شرعا كما لو قال: (أعطوا زيدا من مالي
قسطا أو نصيبا أو حظا) ونحو ذلك من الألفاظ المجملة مصداقا المبينة
دلالة، لكونها مطلقة الصادقة على القليل والكثير، كان الوارث مخيرا في تعيين
ما شاء من مصاديقها بلا خلاف أجده ممن تعرض له، كما صرح به في
(التحرير) وغيره.
قلت: هو كذلك حيث يكون الوارث هو المخاطب به، لا لما تخيله
بعض المعاصرين: - من أن تخيير الوارث في التعيين لأنه إن دفع الأقل
فذاك، وإن دفع الزائد فقد سمح به من ماله فيصير كالمجيز للوصية بالزائد
عن الثلث في دفعه الزائد عن أقل المسمى - إذ فيه: أن دفع المعين بعد
تعيينه إنما هو دفع لما صدق عليه المسمى الذي هو الموصى به من باب انطباق

(1) ففي أوائل باب الوصية للميت منه هذه الجملة: " فإن أوصى
بسهم من ماله فهو سهم من ستة أسهم ".
(2) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 56 حكم من أوصى بشئ من
ماله، حديث (1).
124

الكلي على أحد مصاديقه، فلو كان الأكثر كان من دفع الواجب عليه
بعد الاختيار من مال الموصي لا من ماله حتى يقاس بالمجيز، وإن قلنا
إن الإجازة في الوصية تنفيذ لها، لوضوح الفرق بين الوصية بالزائد على
الثلث، وبين المردد بين المصاديق المندرجة فيه وكان له تعيينه.
بل لأن الوارث هو المخاطب في تنفيذ الوصية في حقه من تمكينه
لاخراج الموصى به من المال الذي كله له إلا ما استثنى منه بالوصية، فإذا
كان المستثنى الصادق على القليل والكثير مضافا إلى المال كان هو المخير
في دفع أيهما شاء، لحصول الامتثال به بعد انطباق الكلي عليه، ويكون
المدفوع من دفع الواجب عليه، كتخييره في دفع ما شاء من أفراد المتواطي
وليس ذلك إلا لتفويض التعيين إليه، لأنه المخاطب بالتنفيذ والتمكين من
نفسه في إرثه، ووجوب التنفيذ حينئذ على الوصي معناه المباشرة لما أمر
به بالوصية ومطالبة الوارث بما أوصى به لو تسامح عن التنفيذ.
ومرة يكون المخاطب بمثل ذلك هو الوصي حيث يضاف الموصى به
إلى الثلث بعد استثنائه من المال بحيث يكون مندرجا في الأمور الموصى بها
للوصي بالوصية، فهو المنفذ لاخراج الموصى به من الثلث فيكون حينئذ هو
المخير في دفع ما شاء من مصاديق المطلق، لأنه المكلف به، فيكون
التفويض إليه، وبالجملة، فالتخيير لمن كان تفويض التعيين إليه، وارثا
كان أو وصيا أجنبيا، ونسبة التخيير إلى الوارث في كلام من تعرض لهذا
الفرع ليس لخصوصية في الوارث، بل هو من باب المثال لمن كان إليه التفويض
ثم إن التخيير: هل هو ابتدائي، فيتعين بعد الاختيار أو استمراري
إلى حين الدفع فله العدول عما عينه قبله؟ وجهان: و (الأول) هو
الأقرب لخروجه بالتعيين عن المال كالتعيين بالعزل في الزكاة وغيرها
هذا ولو تعدد الوارث، فاختار أحدهما: الأقل والآخر: الأكثر، ففي
125

تعين الأقل حينئذ مطلقا لحصول الامتثال به، ودفع الزائد عليه ضرر على من
اختاره، أو مع عدم سبق الآخر في تعيين الأكثر لتعينه حينئذ بتعيينه وانطباق
الكلي عليه، ولا إجحاف إلا من حيث الاختيار، وإلا فهو عمل بالوصية
وفي شمول (نفي الضرر) له تأمل، أو يجبرهما الحاكم مع التشاح على
الاتفاق كاجباره الوصين على الاتفاق في النظر بناء على أن التخير قائم
بالمجموع؟ احتمالات.
هذا ولو تعذر الرجوع إلى من إليه التفويض لغيبة - مثلا - أو لم
يكن أهلا لصغر أو جنون ونحوهما، ناب وليه من الحاكم وغيره عنه
في دفع الأقل خاصة لأنه المتيقن مع ما فيه من رعاية مصلحة من تجب
رعايته، هذا وحيث يختار الأقل فيعتبر فيه أن يكون متمولا لأنه المتبادر
منه عرفا.
(المطلب الحادي عشر)
لو أوصى بأمور، فنسي الوصي بعضها، صرف قسطه في وجوه
البر، كما في (مفتاح الكرامة) عن عدة كتب تبلغ نفيا وعشرين، بل
فيه عن بعضها أنه الأشهر. وعن آخر: أنه مذهب الأكثر، وآخر أنه
المشهور، بل في (التنقيح): إن عليه الفتوى، وفي الرياض: " بلا خلاف
إلا من الحلي تبعا للطوسي في بعض فتاواه " (1)
ويدل عليه مكاتبة ابن الريان: " قال كتبت إلى أبي الحسن (ع)
أسأله عن إنسان لو أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها،
كيف يصنع في الباقي؟ فوقع (ع): الأبواب الباقية اجعلها في البر " (2)

(1) راجع منه: كتاب الوصايا، الثاني في الوصايا المبهمة - في شرح
قول المحقق " ولو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها.. "
(2) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 61 أن الوصي إذا نسي بعض
مصاريف الوصية، وفيه نفس هذا الحديث: عن محمد بن ريان..
126

المنجزة أو المعتضدة بالشهرة العظيمة، وظاهر الاجماع عن بعض مؤيدة
ببعض النصوص الواردة في جزئيات الوصايا مما يستفاد من ضم بعضها إلى
بعض قاعدة كلية.
هذا ولكن تنقيح المسألة: هو أن يقال: إن متعلق النسيان وما
بحكمه من الجهل: إما أن يكون وصية تمليكية أو عهدية. والتمليكية:
إما أن تكون شخصية أو نوعية - بناء على تملك النوع -
أما الأولى (فتارة) يكون نسيان الشخص فيها بعد إحراز قبوله
و (أخرى) مع إحراز عدم ملكيته لعدم قبوله بعد، أو مع الشك فيها
للشك فيه. فإن جهل المالك مع العلم بالملك ودار بين أشخاص محصورين
فالقرعة، ولا توزيع عليهم - لما ستعرف - فإن دار بين غير محصورين
كان الموصى به بحكم مجهول المالك، بل هو منه حقيقة، ضرورة أنه
مملوك لمالك مجهول، فيجري فيه حكمه.
وأما مع الشك في الملكية أو العلم بعدمها، فيرجع فيهما إلى الوارث
لعدم تحقق المالك مع تعذر استكشاف الحال بناء على شرطية القبول في
الملك، فهو بحكم الرد في ذلك. نعم على القول بمانعية الرد - فضلا
عن القول بعدم مانعيته أيضا - تكون كالأولى لتحقق الملكية بمجرد
الايجاب بالفرض وعدم إحراز المانع من الرد أو عدم تأثيره في المنع.
وأما الثانية: فإن تردد المنسي فيها بين أنواع بينها جامع - كما إذا
تردد بين كونه لبني هاشم أو العلماء - أعطي للعلماء منهم، فإن لم يكن
جامع كالمتباينين وكان دائرا في محصور، فالقرعة أيضا. (واحتمال)
التوزيع لأنه عمل بالوصية في الجملة لتعذر العمل بتمامها (يدفعه) إمكان
العمل بتمام الوصية بعد فرض الانكشاف بالقرعة لعموم دليلها. وإن تردد
127

في غير محصور كان من مجهول المالك أيضا، لعدم الفرق بين كون
المالك شخصا أو نوعا، مع احتمال صرفه في وجوه البر. وإن تردد
المنسي بين شخص معلوم والنوع: فإن كان الشخص مندرجا في النوع
أعطي له خاصة، مع قبوله احتياطا لأنه المتيقن. وإن لم يسكن مندرجا
فيه فالقرعة أيضا. فإن تعين الشخص بها اعتبر قبوله مع الشك فيه فضلا
عن العلم بعدمه. وأما لو كان الشخص مجهولا أيضا، فهو من مجهول
المالك إلا إذا علم عدم القبول أو شك فيه على تقدير كونه شخصا، فيحتمل
الرجوع إلى الوارث لعدم احراز أصل المالك، أو كونه من مجهول المالك
عملا بظاهر الوصية.
وأما الثالثة، وهي العهدية: فإن كان المنسي منها دائرا بين محصور
كأن دار بين صرفه في الحج أو قضاء الصلاة، فالقرعة بناء على شمول
دليلها لذلك أيضا. وإن كان دائرا بين غير محصور بأن كان منسيا
- بالمرة - صرف في وجوه البر، وعليها يتنزل ما تقدم من كلمات الفقهاء
والتوقيع المتقدم، وهو وإن كان فيه ترك الاستفصال إلا أن الظاهر انصرافه
إليها. وأما لو تعلق النسيان بالموصى به: فإن تردد بين الأقل والأكثر
أعطى الأقل، لأنه المتيقن، والزائد منفي بالأصل، وإن تردد بين المتباينين
كالسيف والفرس استخرج بالقرعة.
وقيل - كما عن الشيخ في (الحائريات) وابن إدريس في (السرائر)
والآبي في (كشف الرموز) - يرجع ميراثا. ولعله لبطلان الوصية بتعذر
العمل بهما بسبب النسيان أو الجهل، والصرف في غير المنسي تبديل لها مع
ضعف المكاتبة المتقدمة، وفيه: إن العود إلى الوارث بعد الخروج عن الإرث
بالوصية يتوقف على الدليل مع أن القربة المخصوصة إذا تعذرت الخصوصية
كان مطلق القربة أقرب إلى المراد. ودعوى وحدة المطلوب على عهدة
128

مدعيها، والمكاتبة منجبرة أو معتضدة بما عرفت.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا بين النسيان والجهل ابتداء، ولا بين بعض
الوجوه أو كلها، ولا بين الوصية بوجه أو وجوه، ولا بين الوصي
بالخصوص أو بالعموم كالحاكم لمن لا وصي له، لوحدة المناط، لكن ذلك
بعد التربص والرجوع إلى ما يتذكر به كدفتر وشبهه، والتذكر إلى أن
يحصل له اليأس العادي، فلو صرفه بعد ذلك فيما أمر به شرعا، ثم
انكشف؟ الخلاف لم يضمن لاستلزام الأمر به سقوط الضمان عنه إلا فيما
ورد الدليل عليه كالتصدق بمجهول المالك ثم ظهر مالكه.
(المطلب الثاني عشر)
إذا أوصى بعتق مملوكه، ولم يكن عنده سواه وعليه دين: فإن
استوعب قيمة العبد بطلت الوصية (1) وإن كان نصف قيمته فما دون عتق
ثلث الباقي بعد الدين واستسعى فيما بقي للدين أولا، ثم للوارث، بلا خلاف
فيهما، وإن زاد على النصف بحيث يملك العبد دون سدس قيمته فالأقوى
- كما عن غير واحد - بطلانها أيضا لروايات: (منها) صحيح زرارة
عن أحدهما (ع): " رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين؟ قال:
إن كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه، وإلا لم يجز " (2) وفي صحيح

(1) وذلك لتقديم الدين على الوصية إجماعا وعليه الأخبار الصحيحة
التي منها - كما في الفقيه في الوصايا، باب 88 أول ما يبدأ به من تركة
الميت، حديث تسلسل 489 - " عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع)
قال قال أمير المؤمنين (ع): إن الدين قبل الوصية، ثم الوصية على
إثر الدين، ثم الميراث بعد الوصية " وغيرها كثير. ولروايات خاصة
بهذا المضمون أوردها في الوسائل: باب 39 من كتاب الوصايا.
(2) الوسائل: كتاب الوصايا باب 39 من أحكامها: إن من
أعتق مملوكا لا يملك غيره في مرض الموت حديث (6).
129

آخر: " إذا ملك المملوك سدسه استسعى " (1) الدال بمفهومه على ذلك
وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج: قال: " سألني أبو عبد الله (ع):
هل يختلف ابن أبي ليلى وابن شبرمة؟ فقلت: بلغني أنه مات مولى لعيسى
ابن موسى وترك عليه دينا كثيرا، وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم
عند الموت، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك؟ فقال ابن شبرمة: أرى
أن يستسعيهم في قيمتهم فيدفعها إلى الغرماء فإنه قد أعتقهم عند موته
وقال ابن أبي ليلى: أرى أن أبيعهم وأدفع أثمانهم إلى الغرماء فإنه ليس
له أن يعتقهم عند موته وعليه دين يحيط بهم، وهذا أهل الحجاز - اليوم -
يعتق الرجل عبده وعليه دين كثير فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير
فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء فقال: سبحان الله، يا بن أبي ليلى: متى
قلت هذا القول؟ والله ما قلته إلا طلب خلافي، فقال أبو عبد الله (ع):
وعن رأى أيهما صدر؟ قال قلت: بلغني أنه أخذ برأي ابن أبي ليلى،
وكان له في ذلك هوى، فباعهم وقضى دينه، قال: فمع أيهما من قبلكم؟
قلت له: مع ابن شبرمة، وقد رجع ابن أبي ليلى إلى رأي ابن شبرمة
بعد ذلك، فقال: أما والله إن الحق لفي الذي قال ابن أبي ليلى، وإن
كان قد رجع عنه، فقلت له: هذا ينكسر عندهم في القياس، فقال:
هات قايسني؟ فقلت: أنا أقايسك؟ فقال: لتقولن بأشد ما يدخل فيه
من القياس، فقلت له: رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره، وقيمة
العبد ستماءة درهم ودينه خمسماءة درهم، فأعتقه عند الموت: كيف يصنع؟
قال: يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسماءة درهم ويأخذ الورثة مأة درهم،
فقلت: أليس قد بقي من قيمة العبد مأة درهم من دينه؟ فقال: بلى،

(1) المصدر الآنف الذكر من الوسائل حديث (1).
130

قلت: أليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال: بلى، قلت: أليس قد
أوصى للعبد بالثلث من المأة حين أعتقه؟ فقال: إن العبد لا وصية له
إنما أمواله لمواليه، فقلت له: فإن كان قيمة العبد ستمأة درهم ودينه
أربعمأة؟ قال كذلك يباع العبد، فيأخذ الغرماء أربعمأة درهم ويأخذ
الورثة مأتين، ولا يكون للعبد شئ، قلت له: فإن قيمة العبد ستمأة
درهم ودينه ثلثمائة درهم، فضحك (ع) وقال: من هيهنا أتى أصحابك
جعلوا الأشياء شيئا واحدا، ولم يعلموا السنة: إذا استوى مال الغرماء،
ومال الورثة أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء ولم يتهم الرجل على
وصيته أجيزت وصيته على وجهها، فالآن يوقف هذا، فيكون نصفه للغرماء
ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس " (1)
خلافا لما عن جماعة فأجازوا عتق العبد مطلقا، إلا فيما إذا كان
الدين مستوعبا لقيمته، جريا منهم على القاعدة: من نفوذ الوصية في
ثلث الفاضل بعد الدين، ولاطلاق صحيح الحلبي: " قال: قلت لأبي
عبد الله (ع): رجل قال: إن مت فعبدي حر وعلى الرجل دين؟
فقال: إن توفي وعليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد، وإن لم
يكن قد أحاط بثمن العبد استسعى العبد في قضاء دين مولاه، وهو حر
إذا أوفى " (2)
وأنت خبير بما فيه، لوجوب تقييده بما تقدم من الصحاح المفصلة
الموجبة للخروج بها عن القاعدة أيضا.
وأما إذا كان له مال سواه، فإن كان مساويا للدين تعين الوفاء به

(1) الكافي للكليني: كتاب الوصايا، باب من أعتق وعليه دين
حديث (1).
(2) المصدر الآنف الذكر من الوسائل، حديث (3).
131

وأعتق العبد كله إن أجاز الوارث، وإلا فثلثه، ولو زاد عليه انعتق من
العبد ثلث ما يساوي المجموع منه ومن الزائد، وإن نقص عن الدين، فإن
بقي منه ما يزيد على نصف العبد بطلت الوصية، وإن كان قدر النصف
فما دون بحيث يملك العبد سدسه فما زاد، صحت، والبدأة بالدين إنما
هي لتقديمه على الإرث، فلا ينتظر الديان في وفائه إلى ما يحصل من السعي
مع إمكان عدمه.
(المبحث الرابع)
في الموصى له، وفيه مسائل:
(المسألة الأولى) يشترط في الموصى له: الوجود، فلا تصح الوصية
للمعدوم، كما لو أوصى للميت أو لمن تحمله المرأة في المستقبل أو لمن يوجد
من ولد فلان: أو لمن ظن وجوده فبان عدمه حين الوصية، بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك - كما قيل - بل عن (التذكرة ونهج الحق):
الاجماع عليه (1) وهو الحجة، سيما بعد اعتضاده - بما عرفت من عدم
الخلاف فيه - مضافا إلى الأصل بعد انصراف إطلاقات الوصية إلى الموجود
وإلى عدم قابلية المعدوم للتملك لأن التمليك الذي معناه الادخال في ملك
الغير لا بد فيه من وجود للغير حتى يدخل في ملكه، فإن النسبة لا تتحقق

(1) تذكرة الفقهاء ونهج الحق كلاهما من تأليف العلامة الحلي
قدس سره. قال في (التذكرة ج 2) كتاب الوصية، الفصل الثالث
الموصى له طبع إيران حجري: " الوصية إن كانت بجهة عامة فالشرط
فيها أن لا تكون جهة معصية.. وإن كانت لمعين فشرطه أن نتصور
فيه الملك، وإنما يتحقق هذا الشرط لو كان الموصى له موجودا، فلو
أوصى لمعدوم لم تصح وصيته إجماعا ".
132

إلا بعد وجود الطرفين، وهو واضح.
إلا أنه ربما يتوهم النقض - أولا - بملك المعدوم من الطبقات اللاحقة
في الوقف، بناء على كونه تمليكا لهم - وثانيا - بملكية المعدوم، إذ المانع
من كونه مالكا يمنع من كونه مملوكا لوحدة المناط مع تحقق الثاني في كثير
من النواقل، كبيع الكلي والنماء المتجدد كالثمار ونحوها، وتمليك المنافع
بالعقد مع أن وجودها باستيفائها الذي لا يكون إلا بعده، بل هو ثابت
في الوصية أيضا إجماعا - بقسميه - كما عرفت من جوازها بالعين والمنفعة.
لكن يدفع الأول منهما: أن تبعية المعدوم في الوقف للموجود في
الملك ليس معناه إلا كون عقد الوقف سببا لملك المعدوم بعد وجوده لا في
حال عدمه، وإلا لزم كون وجوده كاشفا عن تحقق شركته حال عدمه
مع الموجود من أول الأمر، وهو ضروري البطلان، فيكون الوجود
حينئذ جزء السبب الناقل كالقبض في الهبة، بناء على كونه شرطا في صحتها
ومثله وإن أمكن فرضه في الوصية، إلا أنه لم يثبت ذلك شرعا فيها كما
ثبت في الوقف، بل الثابت كونها كغيرها من النواقل في المليك الذي هو
فيها مغاير له في الوقف من حيث الفعلية والتعليق بالوجود ودوام الملك
وتوقيته، فإن الملكية - التي هي أثر العقود - مقتضاها الدوام، والموت قاطع
لها. وفي الوقف يكون الموت محققا لانتهاء زمان التملك وهو الحياة.
وهذا النحو من الملك - وهو الموقت لم يثبت إلا في الوقف، ولو كان
ثابتا في غيره لقلنا به أيضا فيه.
ويدفع الثاني: أن الملكية في جميع مواردها إنما تتعلق بالأعيان، وإنما
تختلف مراتبها في جهات التعلق: فإن كانت محيطة بجميع جهاتها أضيفت
إلى العين فيقال: ملك العين، وملك الرقبة، لعدم الاختصاص بجهة خاصة
من جهاتها: وإن كان التعلق بها من حيث جهة خاصة كالمنفعة أو الانتفاع
133

أضيفت إلى تلك الجهة لأنها هي الغاية في التعلق بالعين دون غيرها، وإلا
فالتعلق ليس إلا نفس العين، وإن اختصت الإضافة بالجهة، وأما ملك
ما في الذمة كالكلي وعمل الأجير ونحوهما فمعناه السلطنة على النفس من
حيث ماله الخاص أو المطلق، موجودا كان أو مما يوجد بعد، وبهذا
المعنى صح صدق الملك على النفس في قوله تعالى: (إني لا أملك إلا نفسي
وأخي هارون) وملك البضع، فإن الزوج يملك بضع زوجته، وليس معناه
إلا أنه يملك الزوجة من حيث الانتفاع ببضعها. وتجتمع الملكية بهذا المعنى
مع ملكية العين بالمعنى المتقدم، وقد سبق تحقيق ذلك منا مكررا، وبهذا
اتضح لك أن تعلق الملك في بيع الكلي وتمليك المنافع إنما هو بالموجود
نفسا أو مالا من جهة خاصة لا مطلقا ونسبة المملوكية إلى المعدومين منهما
إنما هي باعتبار الجهة لا المتعلق، والممنوع كون المعدوم متعلقا لا جهة للتعلق
كما في الوصية التي معناها تمليك الموصى به للموصى له، ولذا اتفقوا على
بطلان الوقف في المنقطع الأول.
وهذا هو الوجه في الفرق، لا ما ذكره شيخنا في (الجواهر) حيث قال:
ولا يرد عليه أن المعدوم لو كان غير قابل للتمليك والملك لم يكن قابلا
للتملك مع أن الاجماع - بقسميه - على صحة الوصية بالمعدوم عينا ومنفعة
وعلى جواز بيع الثمار، ونحو ذلك مما هو من ملك المعدوم، لأنا نقول:
بعد الفرق بينهما بالاجماع ونحوه: أنه يمكن منع تحقق الملك في ذلك كله
حقيقة، بل أقصاه التأهل للمالك والاستعداد له على حسب ملك النماء
لمالك الأصل وملك المنفعة لمالك العين، فهو من ملك أن يملك، لا أنه
ملك حقيقة " (1) انتهى.

(1) راجع منه: كتاب الوصايا، الفصل الرابع في الموصى له، أثناء
شرح قول المحقق: " ويشترط فيه الوجود، فلو كان معدوما لم تصح الوصية.. ".
134

لما فيه: (أولا) إن الاجماع لا يصير غير المعقول معقولا (وثانيا) قد
عرفت تعلقه مع ذلك بالموجود، وإن كانت الجهة معدومة قبل الاستيفاء
وهو غير المتعلق بالمعدوم المفروض امتناعه.
(المسألة الثانية) تصح الوصية للوارث وغيره، قرابة كان أو أجنبيا،
بلا خلاف أجده فيه - عندنا - والاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى أن له من
ماله الثلث فله وضعه فيما شاء (1) وإلى إطلاقات الوصية (2) وخصوص
المعتبرة الواردة في الوصية للوارث: من الصحاح، وغيرها (3) واختصاص
الأسئلة فيها بالوارث (4)؟ لوقوع الخلاف فيه من أكثر المخالفين،

(1) بهذا المضمون روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (ع) من
ذلك رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (ع): " في الرجل له الولد:
يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه
الموت، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث " وغيرها بمضمونها كثير أدرجها
في الوسائل: كتاب الوصايا باب 10 من أحكامها: جواز الوصية بثلث
المال للرجل والمرأة..
(2) من حيث أنها حق على كل مسلم ومسلمة، وأن الميت أحق بماله
ما دام فيه الروح، كما هي مضامين أحاديث كثيرة. بالإضافة إلي آية الوصية
الظاهرة الاطلاق من حيث الموصي والموصى إليه..
(3) وهي روايات تتجاوز العشرة، أكثرها صحاح، ذكرها في
(الوسائل) كتاب الوصايا، باب 15 من أحكامها بعنوان (جواز الوصية
للوارث).
(4) فإن عامتها تركز السؤال عن الوارث بمضمون: سألته عن
الوصية، فقال: تجوز، قلت لأبي عبد الله (ع): تجوز للوارث وصية؟
قال: نعم ونحو ذلك.
135

فمنعوا من الوصية للوارث، تمسكا بما رووه عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا وصية
للوارث " (1).
واختلفوا في التفصي عن آية " كتب عليكم " (2) الدالة بظاهرها
على وجوب الوصية لهم، فضلا عن الجواز: فذهب بعض إلى نسخ
الآية بجملتها بآية المواريث (3) وبعض إلى اختصاص النسخ بالوالدين
مع تقييد الأقربين بغير الوارث، لرواية (4) وبعض إلى حمل الوالدين
بالخصوص على الكافرين حتى لا يكونا وارثين، جمعا بينهما وبين الحديث.
وأنت خبير بما في ذلك من التمحل من دعوى النسخ مع مخالفته
للأصل، فهي على عهدة مدعيها، والحمل للجمع فرع ثبوت الرواية،
فما ورد من طرقنا مما يوافقهم على المنع محمول على التقية. وأما الآية
الشريفة، فمحمولة على الاستحباب دون الوجوب.
(المسألة الثالثة) اختلفوا في صحة الوصية للكافر: فبين من منع عنها
مطلقا، وبين من جوزها كذلك، وبين من فصل بين الذمي والحربي
فخص المنع بالثاني، وبين من فصل بين القرابة فتصح - وإن كان حربيا -
والأجنبي فتبطل - وإن كان ذميا وبين من فصل بينهما في خصوص

(1) وقد أشار إليه في (الوسائل الباب الآنف حديث 13) وذكر
تأويل الشيخ الصدوق له بأنه لا وصية لوارث بأكثر من الثلث، لا مطلقا،
فراجع.
(2) تمام الآية هكذا: " كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن
ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين " - سورة
البقرة آية 180 -
(3) وهي قوله تعالى: " يوصيكم الله في أولادكم.. " النساء / 11
(4) وهي التي أشار إليها آنفا " لا وصية لوارث ".
136

الذمي، وأبطلها في الحربي مطلقا.
وربما يستدل للأول منها: بكون الوصية له نوع موادة منهي عنها
بقوله تعالى: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد
الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم " الخ (1)
بناء على أن المحادة لله لا تختص بالقاتل منهم، وقوله تعالى: " يا أيها
الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة، وقد
كفروا بما جائكم من الحق - إلى أن قال -: ومن يفعله منكم فقد ضل
سواء السبيل ": " إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم
وألسنتهم بالسوء، وودوا لو تكفرون " (2) وبالأخبار المستفيضة الواردة
في النهي عن إطعام مطلق الكفار والصدقة عليه، وبرة حتى بسقيه الماء (3)
ونحو ذلك المشعر بالمنع من الوصية له بالأولوية.
ويستدل للثاني - أولا - بمنع الملازمة بين الوصية والموادة، فإنها
ربما تكون لأغراض أخر، كالمكافأة والتأليف، ونحوهما - وثانيا - بمنع
المنع عن الموادة مطلقا، بل الممنوع منها: ما إذا كانت الموادة من حيث
كونه كافرا ومحادا على أن تكون الحيثية هي الداعية لها وهو بنفسه كفر
- وثالثا - بالنقض بالهبة والعطية حال الحياة، وليست الوصية إلا عطية
بعد الموت، ولا وجه للتفرقة بينهما بالموت والحياة، على أن النهي هنا
لا يدل على عدم صحة الوصية كالبيع وقت النداء
ويستدل للثالث وهو التفصيل بين الذمي فتصح وغيره فتبطل: أما

(1) آخر آية سورة المجادلة.
(2) الآية الأولى والثانية من سورة الممتحنة.
(3) وردت روايات كثيرة بهذه المضامين في أبواب شتى في استحباب
إطعام الطعام والصدقة والبر وسقي الماء - من كتب الأخبار، فراجع.
137

الأول فلقوله تعالى: " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين - إلى
قوله -: إن تبروهم وتقسطوا إليهم " (1) وأهل الذمة هم الموصوفون بذلك
وأما الثاني فلقوله تعالى: " إنما ينهاكم الله " الخ (2) مضافا إلى أن الحربي
هو المتيقن من قوله: " من حادا لله " وقوله: " عدوي وعدوكم "
في الآيتين السابقتين، على أن الحربي - كما قيل -: لا يملك لأنه هو وماله
في للمسلم.
ويستدل للرابع، وهو التفصيل بين القرابة والأجنبي مطلقا - بعموم
ما ورد من الحث على صلة الأرحام، سيما في خصوص الوالدين من قوله
تعالى: " وإن جاهداك على أن تشرك - إلى قوله -: وصاحبهما في الدنيا
معروفا " (3) وقوله تعالى: " كتب عليكم " الخ وبعد صرف ظاهرها
إلى الاستحباب.
ويستدل للخامس، وهو تخصيص القرابة في الجواز في الذمي خاصة
بما تقدم، مع خروج الحربي عن ذلك، بما دل على المنع عن موادة من
حاد الله.
قلت: يضعف الأول منها - مع أنه لم يعرف قائله صر؟ ا - بآية:
لا ينهاكم الله " الخ، مع ما عرفت من الكلام في الموادة، مضافا إلى حكاية

(1، 2) الآية الثامنة والتاسعة من سورة الممتحنة. وتتمة الآية الثانية
".. عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على
إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ".
(3) وتمام هذه الآية وما قبلها هكذا: " ووصينا الانسان بوالديه حمله
أمه وهنا على وهن - إلى -: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك
به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا. " آية (14، 15 من
سورة لقمان).
138

الاجماع على الجواز في بعض صور المسألة، وهو كاف في الرد على القول
بالمنع المطلق
ويضعف الأخيران بما دل على جوازها في الذمي، وإن كان أجنبيا
وما دل على جوازها في الأرحام من الصلة وغيرها لا ينافي الجواز لغيرهم
بعد قيام الدليل عليه.
وأما القولان المتوسطان: فيضف الثاني منهما - وهو التفصيل بين
الذمي والحربي مطلقا - بما عرفت: من أن النهي عن الموادة لمن حاد الله
إنما هو من حيث المحادة لا مطلقا، وإلا لمنع من العطية له في الحياة، مع
أن الوصية لا تستلزم الموادة - كما تقدم -
فإذا: القول بالجواز مطلقا هو الأقوى، لما عرفت من تضعيف أدله
غيره، مضافا إلى ما ورد من مصححة الريان بن شبيب: قال " أوصت
مارية لقوم نصارى فراشين بوصية؟ قال أصحابنا: أقسم هذا في فقراء
المؤمنين من أصحابك فسألت الرضا (ع) فقلت: إن أختي أوصت بوصية
لقوم نصارى، وأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا؟ فقال (ع):
أمض الوصية على ما أوصت به، قال الله تعالى: " فإنما إثمه على الذين
يبدلونه " (1) وعن كتاب غياث سلطان الورى - نقلا من كتاب الحسين
ابن سعيد بسنده إلى محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل
أوصى بماله في سبيل الله؟ قال أعطه لمن أوصى له: وإن كان يهوديا
أو نصرانيا " (2) وعن الشيخ روايته له بطريقين صحيح وحسن بإبراهيم (3)

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 35 من أحكامها، حديث (1)
(2) المصدر الآنف الذكر من الوسائل، حديث (5).
(3) فالطريق الأول - كما في التهذيب في الوصية، باب 13 الوصية
لأهل الضلال حديث (1): " محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن
علي بن الحكم عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) في رجل
.. والطريق الثاني بنفس الباب حديث (5): " علي بن إبراهيم عن
أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله (ع)
عن رجل أوصى.. "
139

وعن الحسين بن سعيد في حديث آخر عن الصادق (ع): " قال لو
أن رجلا أوصى إلي أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعت فيهم.. " (1)
ضرورة أن اليهودي والنصراني يعمان الحربي، والمقابل له إنما هو الذمي
سيما وأغلب اليهود والنصارى - خصوصا في السابق - حربيون غير داخلين
في الذمة، بل لا يبعد دعوى ظهور مثل هذا التعبير في إرادة بيان عدم
فرد آخر شر من ذلك نحو قوله فيمن ترك الحج " إن شاء يموت يهوديا
أو نصرانيا " (2) فهو وإن أشعر بخصوص الآخر وهو الحربي، إلا أن
الحكم يعم الأولوية.
وأما ما قبل: من أن الحربي لا يملك، فليت شعري كيف يمكن دعوى
ذلك مع أن الحربي مكلف بالفروع المالية - كالخمس والزكاة والحج وغير
ذلك مما يتوقف على الملك - وما ورد: من " أنه وماله فئ للمسلم " (3)
فالمقصود منه جواز مزاحمته في ماله والأخذ منه بأي وسيلة أمكنت، ولو
بالغيلة، لسقوط احترامه في نفسه وماله.

(1) المصدر الآنف الذكر من الوسائل حديث (6).
(2) بهذا النص وبمضمونه وردت روايات كثيرة عن النبي وأهل
بيته (ع) عقد لها في الوسائل - في مقدمة كتاب الحج - بابا مستقلا
أسماه. باب ثبوت الكفر والارتداد بترك الحج.
(3) بهذا النص وبمضامينه وردت أحاديث كثيرة عن النبي وأهل بيته الأطهار (ع) حفلت بها كتب الأخبار في كتابي الجهاد والخمس.
140

وأما النواهي عن إطعامهم والصدقة عليهم، فمحمولة على ضرب من
التجوز أو الكناية عن الترفع عنهم وترك مخالطتهم بما ينجر إلى الموادة
لهم، وإلا فالترحم عليهم لكونهم مخلوقين لله حسن، كيف لا ولكل
كبد حرى أجر.
نعم ربما يشكل في الحربي بأن مقتضى جواز مزاحمته في ماله عدم
وجوب التسليم إليه على الوصي ولا نعني بالبطلان إلا ذلك. والجواب عنه
- أولا - بأن عدم التسليم منبعثا عن جواز الأخذ غيره منبعثا عن عدم
العمل بالوصية، والتبديل إنما يتحقق في الثاني دون الأول، بل لعل الأخذ
بذلك العنوان هو عين العمل بالوصية - وثانيا - لا يضرنا الالتزام بوجوب
التسليم له، وإن جاز الأخذ منه بعده، تقديما لأدلة الوصية على ما دل على
جواز التغلب عليه: إما لحكومتها عليه، أو ترجيحا لها باستدلال
الرضا (ع) في صحيحة (الريان) المتقدمة، وغير ذلك.
(المسألة الرابعة) الأقوى عدم صحة الوصية لمملوك الغير، وإن أجاز
المالك: من غير فرق بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب، ما لم يتحرر
بعضه، فإن تحرر أعطي منها بحسابه.
لا لما ذكره في (الروضة) من " إن العبد لا يملك بتمليك سيده
فبتمليك غيره أولى " (1) لما فيه: من أن المانع من تمليك المولى لعبده
إنما هو عدم تعقل تمليك الانسان مال نفسه لنفسه، وهو مفقود في تمليك عبد
الغير، بل لعل الأولوية بالعكس، لجواز وصية المولى لعبد نفسه - كما
ستعرف - فتنفذ الوصية لعبد الغير بالأولوية.

(1) راجع ذلك في أوائل كتاب الوصايا من (الروضة البهية في
شرح اللمعة الدمشقية) للشهيد الثاني، في شرح قول المصنف: " ولو
أوصى للعبد لم يصح ".
141

بل للاجماع بقسميه عليه في القن، وإن نقل في (المختلف) عن
الشيخ في (المبسوط) وتبعه ابن البراج صحة الوصية لعبد الوارث ومكاتبة
معللا لها بصحة الوصية للوارث فتصح لعبده ومكاتبه (1)
وأنت خبير بما في التعليل، لأنه مشترك الورود بينه
وبين عبد الأجنبي، إلا أن يكون كلامه في التعليل مسوقا لابطال ما عليه
العامة: من بطلان الوصية للوارث، بعد أن كانت الوصية للمملوك مرجعها
إلى الوصية للمالك، فلا يصلح أن يكون هذا الوجه مانعا للوصية، وإن
منعنا عنها من وجه آخر، وهو كونه عبدا للغير، وعلى المشهور في غيره
شهرة عظيمة، بل عن بعض دعوى الاجماع عليه، بل لا يبعد عدم
الخلاف فيه، إلا ما حكاه في (التنقيح) عن المفيد وسلار فجوزاها
المدبر الغير ومكاتبه، وقواه هو أيضا في المكاتب، وقال في أم الولد
للغير: لا نعرف خلافا في منع الوصية لها، وإلا ما يحكى في المكاتب عن
الدروس: في باب المكاتب (والحواشي) المنسوبة إليه في الوصية، وإيضاح
النافع. وعن المسالك والروضة إنه أقوى، وعن جامع المقاصد: إنه لا يخلو
من قوة.
ويدل على ما قويناه - مضافا لي ما عرفت من الاجماع، وأن العبد
لا يملك مطلقا على الأقوى أو إلا ما ملكه مولاه أو فاضل الضريبة أو أرش
صحيحة ".

(1) قال العلامة في (المختلف) ضمن الفصل الخامس فيما يتعلق
بالوصية: " مسألة: المشهور أنه لا تصح الوصية لعبد الغير ولا لمكاتبه
المشروط وغير المؤدي. وقال الشيخ في المبسوط، وتبعه ابن البراج: إذا
أوصى لعبد نفسه أو لعبد ورثته كان ذلك صحيحا، لأن الوصية للوارث
عندنا تصح، وكذلك إذا أوصى لمكاتبه أو لمكاتب ورثته كانت الوصية
142

الجناية، وليس ما نحن فيه من ذلك -:
عموم قوله (ع): " لا وصية لمملوك " (1) بناء على كون الإضافة فيه
إلى المفعول، ولو بمعونة غيره من الأخبار وصحيح عبد الرحمان - المتقدم -
خصوصا قوله (ع) فيه: " إن العبد لا وصية له إنما أمواله لمواليه " (2)
و (دعوى) عدم استلزام كون أمواله لمواليه بطلان الوصية له لامكان
كون الموصى به من أمواله التي ترجع لمواليه على أن يكون مفاد الوصية
له هو التمليك لمولاه (يدفعها؟) منافاة ذلك لكون العقود تابعة للقصود.
وخصوص ما ورد في المكاتب، نحو صحيح محمد بن قيس الذي رواه
المشايخ الثلاثة عن أبي جعفر (ع): قال " قضى أمير المؤمنين (ع) في
مكاتب كانت تحته امرأة حرة، فأوصت له عند موتها بوصية، فقال
أهل الميراث، لا تجوز وصيتها له أنه مكاتب لم يعتق، فقضى: إنه يرث
بحساب ما أعتق منه ويجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه. قال:
وقضى (ع) في مكاتب أوصي له بوصية وقد قضى نصف ما عليه فأجاز
له نصف الوصية. (ع) في مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصي له
بوصية فأجاز له ربع الوصية، وقال في رجل حر أوصى لمكاتبته
- وقد قضت سدس ما كان عليها - فأجاز لها بحساب ما أعتق منها " (3)

(1) الرواية في الوسائل كتاب الوصايا، باب 79 حكم الوصية للعبد
بمال، حديث (3) عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أحدهما (ع)
(2) تقدم نص الحديث وتخريجه في أوائل (المطلب الثاني عشر)
من هذا الكتاب.
(3) ذكرها الصدوق في (الفقيه) - في كتاب الوصايا، باب 107
الوصية للمكاتب وأم الولد، حديث تسلسل (558 - 1) وذكرها الكليني
في (الكافي) كتاب الوصايا باب: الوصية للمكاتب حديث (1)
وذكرها الشيخ في تهذيبه: كتاب الوصايا، باب 18 وصية الانسان
لعبده، حديث 26 تسلسل (876).
143

المعلوم من ذلك كون المانع من تنفيذ الوصية في غير ما تحرر منه إنما
هو الرقية، فيلزم منه بطلانها رأسا لو لم يتحرر منه شئ (ودعوى)
تشبث غير القن من أقسامه بالحرية فيملك بهذا النحو من الملكية، وهي
المعلقة على تحقق شرطها من الحرية (فاسدة) لعدم قابلية المملوك للتملك
ولو بنحو ملك أن يملك، مع أن التمليك بالوصية إنشاء تمليك فعلي، وإن
كان تحقق المنشأ موقوفا على شرط.
نعم ربما يشكل في المكاتب بأن قبول الوصية نوع اكتساب، فيباح
له على حد غيره من أنواعه، وهو قوي لولا أنه اجتهاد في مقابل النص.
وأما لو أوصى لعبده صحت وصيته له مطلقا، بجميع أقسامه المتقدمة
مطلقا من غير فرق بين كون الوصية بجزء مشاع، أو معين على المشهور
شهرة عظيمة، بل قيل: لا خلاف فيه إلا من العلامة في (التذكرة) و
(المختلف) حيث صححها في الأول خاصة وقد سبقه في ذلك ابن الجنيد
كما عنه في المختلف، واستحسنه في التنقيح، واستظهره في الحدائق،
واستمتنه في المهذب، وإن جعل موافقة الأصحاب أمتن. ونسب بعض
تعميم الحكم لهما إلى إطلاق الأصحاب، وبعض إلى ظاهرهم وآخر إلى
أكثرهم، والمهذب إلى إطباقهم، عدا من عرفت.
قلت: مستند التفصيل: بالبطلان في المعين هو الأصل، وما دل على
بطلان الوصية للمملوك، وبالصحة في المشاع كما لو أوصى له بثلث ماله
- مثلا - فتصح الوصية في رقبته بنسبتها إلى الموصى به لاندراجها فيه،
فيتحرر منه ما يملك من نفسه بالنسبة، إذ مفاد تمليكه ليس إلا فك ملكه
فهو بحكم ما لو أوصى بعتقه. وهذا هو الفارق بينه وبين المعين لعدم الاندراج
144

في المعين، فالعمل بها حينئذ لا يخلو من أحد أمرين: إما باعطائه المعين
وهو غير ممكن لأن العبد لا يملك، أو بصرفه إلى رقبته وهو تبديل للوصية
لا يقال: إن التبديل لازم في المشاع أيضا بالنسبة إلى الزائد عما يتحرر
بحسابه، إذ الوصية ليست إلا بدفع أعيان التركة، ودفعها له ممتنع لأنه
مملوك، والتخطي إلى رقبة بالنسبة إلى الزائد تبديل أيضا.
لأنا نقول: تحرير قدر ما يملكه من نفسه هو مفاد تمليكه ودفع
ما يساوي باقيه من الثلث إلى الوارث إنما هو للسراية، فليس من التبديل
أصلا. وهذا بخلاف المسمى فإنه لم يتحرر منه شئ حتى يملك المسمى
فيدفعه بدلا من أجل السراية، بل هو صرف التبديل. ودعوى أن التخطي
إلى الرقبة عمل بالوصية بحسب الممكن، فمع أنها موهونة في نفسها جدا
مبنية على تعدد المطلوب وهو في حيز المنع.
وإن أبيت ذلك فلنا في وجه التفصيل تخريج آخر، وهو أن الموصي
ليس له إلا الثلث من ماله، وله التعيين في عين خاصة، ويكون غيرها
للوارث، سواء كان الموصى به قدر الثلث أو أقل: فلو أوصى لعبده
بالمسمى فقد عين ثلثه فيه، وكان العبد وغيره للورثة والتخطي إلى رقبته
بعتقه من قيمته، مع أنه تبديل مستلزم لمزاحمة الوارث في ملكه، وهو
خارج عما له الوصية به: من إرادة الثلث وتعيينه، فليس له ذلك: وهذا
بخلاف المشاع، فإنه يتحرر من العبد بنسبته إلى الثلث بالتمليك الذي قد
عرفت أن مفاده العتق، والتخطي في الباقي إلى القيمة من جهة السراية،
فلا تبديل فيه للوصية.
وأما نسبة التعميم إلى اطباق الأصحاب وظاهرهم ونحو ذلك، فيمكن
منعها، كيف وبعض من عنون المسألة عنونها بإضافة الوصية إلى كسر
الثلث ونحوه من الكسور ككثير من الأخبار، وهو كالصريح في الإشاعة
145

وإن كان متعلقه أعيان التركة، ولذا لو أوصى كذلك كان الموصى له
شريكا مع الوارث بالإشاعة. نعم من لم يعنونها بهذا النحو أمكن نسبة
التعميم إليه.
فإذا: القول بالتفصيل متين، إلا أن القول بالتعميم أمتن لبعض
الأخبار الآتية، الصريح بعضها في المعين بخصوصه، وبعمومه الناشئ من
ترك الاستفصال، وبذلك يخرج عن الأصل وعموم " ولا وصية لمملوك ".
وأما دعوى التبديل في التخطي إلى الرقبة في المعين، فمع قيام الدليل على
هذا النحو منه، يمكن إنكار كونه تبديلا بدعوى أن تمليك المعين له
بالوصية بعد أن كان مفاده العتق - كما عرفت - كان مرجعه في الحقيقة
إلى إرادة العتق بقدر ما يخصه من قيمة المعين، ويكون الفضل له إن
كان، فتعيين المسمى كالدار - مثلا - أو البستان إنما هو لجعله ميزانا لما
يعتق منه، فكأنه أوصى بالعتق بقدر قيمة الدار وإعطائه الزائد إن كان،
فليس ذلك من التبديل في شئ.
وكيف كان فلنرجع إلى أصل المسألة وهي صحة الوصية لعبد الموصي
مطلقا، فالذي يدل عليها بعد الاجماع بقسميه - المعتضد منقوله مستفيضا
بعدم الخلاف في الصحة ولو في الجملة - الأخبار الواردة في عبد الموصي
دون غيره (منها) الصحيح عن محمد بن الحسن الصفار: " إنه كتب إلى
أبي محمد بن الحسن بن علي (ع): رجل أوصى بثلث ماله لمواليه ومولياته
الذكر والأنثى فيه سواء أو للذكر مثل حظ الأنثيين من الوصية؟ فوقع (ع):
جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء الله " (1) و (منها)
الصحيح عن محمد بن علي بن محبوب: " قال كتب رجل إلى الفقيه (ع)

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 63 حكم من أوصى لمواليه
حديث (1).
146

رجل أوصى لمواليه وموالي أبيه بثلث ماله فلم يبلغ ذلك؟ قال: المال لمواليه
وسقط موالي أبيه (1) وعدم البلوغ ظاهر في إرادة العتق الموجب للاعواز
دون الاعطاء لهم الممكن بتوزيع المال عليهم، كيف ما بلغ، وهو قرينة
على إرادة العبد من الموالي دون غيره، فسقط ما عن (الروض): من
المناقشة باشتراك لفظ المولى وكون الظاهر الاعطاء دون الاحتساب، فلعل
الظاهر إرادة غير العبد انتهى. ولعل سقوط موالي الأب لكونهم موالي
الغير أو لتقدم مواليه في الذكر مع الاعواز و (منها) الصحيح بالحسن
بن محبوب عن الحسن بن صالح عن أبي عبد الله (ع): (في رجل
أوصى لمملوك له بثلث ماله؟ قال فقال (ع): يقوم المملوك بقيمة
عادلة: قال (ع): ثم ينظر ما ثلث الميت؟ فإن كان الثلث أقل من
قيمة العبد بقدر ربع القيمة استسعى العبد في ربع القيمة، وإن كان الثلث
أكثر من قيمة العبد أعتق العبد ودفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة " (2)
و (منها) صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي: " قال نسخت
من كتاب بخط أبي الحسن (ع): فلان مولاك توفى ابن أخ له، فترك
أم ولد له ليس لها ولد فأوصى لها بألف درهم: هل تجوز الوصية،
وهل يقع عليها عتق وما حالها؟ رأيك فدتك نفسي، فكتب (ع):
تعتق من الثلث ولها الوصية " (3) و (منها) الصحيح بابن أبي عمير
عن حسين بن خالد الصيرفي عن أبي الحسن الماضي (ع): " قال كتبت
إليه في رجل مات وله أم ولد، وقد جعل لها شيئا في حياته، ثم مات؟

(1) المصدر الآنف من الوسائل، باب 69 عن الأحكام، حديث (2)
(2) المصدر الآنف من الوسائل، باب 79 من الأحكام،
حديث (2).
(3) المصدر الآنف من الوسائل، باب 82 من الأحكام، حديث (1)
147

قال فكتب: لها ما أمر به سيدها في حياته معروف ذلك لها، يقبل على
ذلك شهادة الرجل والمرأة والخادم غير المتهمين " (1) و (منها) مرسل
محمد بن يحيى عمن ذكره عن أبي الحسن الرضا (ع): " في أم الولد
إذا مات عنها مولاها، وقد أوصى لها؟ قال: تعتق في الثلث ولها الوصية (2)
و (منها) صحيح أبي عبيدة " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل كانت له أم ولد
له منها غلام فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو أكثر للورثة أن يسترقوها؟
قال فقال: لا بل تعتق من ثلث الميت، وتعطى ما أوصى لها به " (3)
و (منها) الرضوي " فإن أوصى لمملوكه بثلث ماله قوم المملوك قيمة
عادلة فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضلة " (4)
وجملتها كافية في الدلالة على صحة وصيته لعبده. نعم وقع الخلاف
في استسعاء العبد لما زاد من قيمته على الموصى به: فذهب بعض، إلى
الاستسعاء مطلقا، وإن كان الموصى به نصف قيمته فما دون، كما عن جم
غفير. بل عن إيضاح النافع: إنه المشهور، وعن الخلاف: الاجماع عليه
وقيده بعض بما إذا كان الموصى به أكثر من نصف قيمته بأن يملك العبد
من نفسه أكثر من ضعفه - كما عن الشيخين في المقنعة والنهاية والقاضي
في المهذب والكامل والمراسم وظاهر الشرائع - أولا - وإن استحسن الأول
- ثانيا - ولا حجة لهم عليه إلا مفهوم خبر الحسن بن صالح المتقدم، بعد
تنزيل الربع على المثال لما دون النصف، وهو - مع ضعف دلالة المفهوم

(1) نفس المصدر والباب الآنفين من الوسائل، حديث (2).
(2) نفس المصدر الآنف الذكر من الوسائل، حديث (3).
(3) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (4).
(4) راجع من الفقه الرضوي طبع إيران حجري، أوائل باب
الوصية للميت.
148

وعدم العلم بظاهره إلا بالتنزيل المذكور - لا يكافؤ غيره من الأخبار المطلقة
وإن كان أخص، سيما مع ترك الاستفصال في بعضها واعتضادها بالشهرة
المحققة والاجماع المنقول. فإذا القول بالاستسعاء مطلقا هو الأقوى.
وبالجملة إذا أوصى لعبده بشئ، ينظر إلى الموصى به وقيمة العبد:
فإن تساويا عتق العبد ولا شئ له ولا عليه، وإن تفاضلا، وكان الموصى به
أكثر عتق وأعطي الفاضل، وإن كان أقل عتق بقدره واستسعى في الباقي
مطلقا - على الأقوى - خلافا لمن عرفت، والموصى به للوارث في الصور كلها
بدلا عن عتق العبد أو ما يعتق منه ومخرج الموصى هو الثلث، فإن
زاد عليه توقف على إجازة الوارث. ولو كانت الوصية لأم ولده عتقت
منها لا من نصيب ولدها، لا لما قيل: من تأخر مرتبة الإرث عن الوصية
لأن المقصود من التأخر هنا أن ما زاد على الدين والثلث يرثه الوارث
لا التأخر في الزمان، بل للأحبار المتقدمة المصرحة بذلك، وهي أخص
مما دل على عتقها من نصيب ولدها.
(الخامسة) تصح الوصية للحمل الموجود حين الوصية " ولو قبل
ولوج الروح فيه، إذا تولد حيا (1) فإن انفصل ميتا - ولو كان سقطا
بالجناية - بطلت بلا خلاف في ذلك - كما قيل - بل عن (التحرير)
وغيره الاجماع عليه.
ويدل عليه - مضافا إليه - عمومات الوصية (2) ولا يشك في قابلية

(1) وهذه المسألة من تفريعات شرط الوجوه في تصحيح الوصية
- كما عليه عامة الفقهاء - وإنما صححوا له الوصية بشرطين: وجوده حال
الوصية، وانفصاله حيا - كما في المتن.
(2) من آيات وروايات فإنها مطلقة وعامة من هذه الجهة، فتشمل
الحمل.
149

للتملك حتى لا يصح التمسك بالعمومات (1)، ولذا يقبل الملك بالإرث
ويعزل له نصيبه من الميراث، وفي كون انفصاله حيا شرطا لأصل الملك
فلا يملك قبله، أو لاستقراره كما في (الشرائع) و (القواعد) وغيرهما
ممن عبر بهذه العبارة الظاهرة في تحقق الملك قبله - في الجملة - أو كونه
كاشفا عن الملك التام من حين موت الموصي كما في إجازة الفضولي، وبانفصاله
ميتا ينكشف البطلان رأسا، كما هو أحد الاحتمالين في عبارة من قال
(تصح للحمل أن ولد حيا) أو بشرط انفصاله حيا، كما عن الكافي
والجامع، والنافع، والتذكرة، والتحرير، والارشاد، والتبصرة، والدروس
والروضة، وإن استظهر منها في (مفتاح الكرامة) أنه إنما يملك بعد
انفصاله لا من حين موت الموصي؟ وجوه، خيرها أخيرها (2)
والنماء المتخلل بين الوصية والولادة يتبع العين في الملكية، فيملكه
الحمل إن تولد حيا من حين موت الموصي على الأخيرين، دون الأول (3)
وفي اشتراط القبول هنا أيضا، كغيره من الوصية التمليكية لمعين
محصور فيقبل وليه عنه، لعموم أدلة الولاية، ودعوى انصرافها إلى غير
الحمل ممنوعة، ولو سلم فبدوي لا تعويل عليه، ولو سلم أيضا فإنما هو
بالنسبة إلى الجنين وإلا فالمولود مولى عليه في جميع ما يرجع إليه، أو عدمه

(1) فإن أهلية الموجود للتملك مأخوذة في تصحيح الوصية فالموجود
حال الوصية إذا لم تتوفر فيه أهلية التملك كالحيوان - مثلا - لا تصح الوصية
إليه ولا له - كما عرفت -.
(2) وهو إناطة الملكية بالانفصال حيا لا بمحض موت الموصي.
(3) حيث أن مفاد الأول عدم الملكية قبل انفصاله حيا، فلا
نماء له حينئذ، بخلاف مفاد الآخرين اللذين يعطيان الملكية غير المستقرة
قبل الانفصال حيا.
150

كما في التمليك للجهات العامة لأن القبول عن الطفل كسب له ولا يجب
على الولي الاكتساب؟
قولان والأول هو الأقوى، لما تقدم: من أنها عقد يفتقر إلى
الايجاب والقبول وحينئذ فالانتظار في القبول إلى البلوغ تعريض للمال
إلى التلف فيقبل عنه الولي، وليس القبول عن الطفل من الكسب له
بل يعد عدمه تفويتا لما له عرفا، وإن كان الأقرب كون القبول منه بعد
الولادة لا في حال الحمل، وحكم تأثير الرد وعدمه قبل القبول وبعده قد
تقدم سابقا في الوصية.
ولو انفصل حيا ثم مات بعده ولو بيسير كانت الوصية لوارثه بالإرث
لا بالوصية، مع سبق القبول، وإلا فبعد قبوله، لانتقال حق القبول
إليه أيضا كما تقدم في أصل الوصية.
ولو تعدد الحمل وزع عليه بعد التولد على عددهم بالسوية، وإن
اختلفوا في الذكورة والأنوثة ما لم ينص على التفاضل، لأنه عطية لا ميراث.
ولو رضعت حيا وميتا، ففي استحقاق الحي الكل أو النصف
احتمالان: أقواهما الأول أما بناء على النقل والكشف فواضح: وأما بناء
على كونه شرطا للاستقرار، فلأن الملكية حال الحمل ليست موضوعا
للحكم لضعفها في مرتبة الملكية، لأنها نظير ملك أن يملك ما لم تشتد وتتقو
بانفصاله حيا، والمفروض كون الوصية للحمل من حيث هو الذي مصداقه
هو المنفصل حيا فتختص الوصية به.
(البحث الخامس)
في الأوصياء، ولنذكر المهم من مسائله، فنقول: الوصاية هي الولاية
على إخراج حق واستيفائه أو على طفل أو مجنون يملك الموصى الولاية
عليه أصالة كالأب والجد له أو بالعرض كالوصي عن أحدهما المأذون له
151

في الايصاء، وتمام الكلام فيها يتم في مسائل.
(الأول) يشترط في الوصي أمور:
(الأول) البلوغ: فلا تصح الوصية إلى الصغير لقصوره عن أهلية
الولاية، وكونه مولى عليه، فكيف يكون وليا، وليس المراد كون
الصغير مانعا عن تصرفه كالمحجور، كما لعله يظهر ممن جعل حيثية التصرف
قيدا للمنع، بل المقصود قصوره عن منصب الولاية التي لا تكون إلا لتكميل
الغير - كما تقدم مفصلا في البحث عن الولاية (1) فكيف تعطى لفاقد
الكمال، فلو ضم إلى كامل كانت الوصاية إلى الكامل مستقلا إلى بلوغ
الصغير، فيشتركان بعده. ومرجع ذلك في الحقيقة إلى تعليق الوصاية
على زمن البلوغ بحيث لا يحتاج بعده إلى إنشاء جديد، لا أنه وصي فعلا
وزمان البلوغ، وقت للتصرف. ومن ثم لم يكن لولي الطفل المداخلة
مع الكامل، ولو كانت الوصاية فعلية: لواجب قيام الولي نيابة عنه،
ويأتي لذلك مزيد توضيح إن شاء الله.
(الثاني) العقل، فلا تصح الوصية إلى المجنون إذا كان مطبقا بلا خلاف
فيه، بل إجماعا بقسميه، مضافا إلى ما عرفت في الصغير: من قصوره عن أهلية
الولاية، ولعل المجنون أولى فهو شرط ابتداء واستدامة، فتبطل بطرو
الجنون عليه. وهل تعود بعوده؟ وجهان: مبنيان على بطلان الولاية
بعروضه فلا تعود إلا بدليل مع أن الأصل عدمه، وعدم البطلان وإن
منع عن التصرف حينه كالأب والجد له مع طرو الجنون على أحدهما،
والأقرب هو الأول، لما عرفت. والقياس بالأب قياس مع الفارق، لأن السبب لها
فيه هو عنوان الأبوة غير المنفك عنه بطرو الجنون عليه، بخلاف الوصي

(1) وهي الرسالة الرابعة من محتويات الجزء الثالث المطبوع في
النجف سنة 1396 ه‍.
152

فإن الجنون يزيل سبب ولايته، وهو الوصاية، والحاكم يتولى الأمر، في
الموردين، غير أنه في الوصي أصالة لفرض انتفاء الوصاية، وفي الأب
بالنيابة عنه ما دام مجنونا لقصوره عن المباشرة.
وهل تصح إلى الأدواري فتنصرف الوصية إلى أوقات إفاقته، وهو
الفارق بينه وبين طرو الجنون، لانصرافها فيه إلى دوام عقله المفروض
عدمه، أو لا تصح كالوصية إلى المطبق والصبي منفردا لقصور المجنون
مطلقا عن منصب الولاية؟ قولان: ولعل الأول هو الأقرب فتنحل
الوصاية حينئذ إلى التعليق على أوقات الإفاقة بحيث لا يحتاج فيها إلى إنشاء
جديد كالوصية إلى الصبي منضما، بل ومنفردا أيضا المعلقة على بلوغه
أن لم يقم اجماع على المنع عنه بخصوصه الذي قيل: دون ثبوته خرط القتاد
(الثالث) الاسلام، فلا تصح وصية المسلم إلى الكافر مطلقا،
وإن كان ذميا بلا خلاف فيه، بل الاجماع يحكم عليه وهو الحجة، مضافا
إلى أن الولاية على المسلم - ولو في ماله - نوع سبيل، ولا سبيل للكافر
على المسلم (1) وإلى أنها نوع ركون إلى الظالم المنهي عنه (2)
وتصح وصية الكافر إلى المسلم قطعا فيما يكون العمل به مشروعا.
وأما وصيته إلى مثله فلا حاجة لنا في التعرض لمعناها ولا لحكمها
وفي اعتبار الايمان زيادة على الاسلام - إن لم تعتبر العدالة في الوصي -
احتمال، لكنه على تقدير عدم الاعتبار ينفيه إطلاق الوصية.
وهل تعتبر فيه العدالة مع ذلك كما عن المشهور، أولا كما عن

(1) بحكم الآية الكريمة: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين
سبيلا " سورة النساء / 141
(2) بحكم الآية الكريمة: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم
النار " سورة هو / 113
153

بعض منهم العلامة في (المختلف) ويكتفي بعدم ظهور الفسق فيه،
أو يفصل بين ما يكون متعلقها حق الغير - ولو كان بنحو العموم كالفقراء
والجهات العامة وبين ما لا تتعلق إلا بنفسه فتعتبر في الأول دون الثاني؟
احتمالات، بل غير الأخير منها أقوال. وقد عرفت المشهور منها.
ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع المحكي عن (الغنية) المعتضد بالشهرة
المحققة فضلا عن منقولها مستفيضا - أن الوصية استيمان، والفاسق ليس
أهلا له لوجوب التثبت عند خبره (1) وأنه حق للغير - ولو بالوصية -
وتسليط الفاسق عليه تعريض له إلى التلف وجعل صاحبه عرضة للضرر،
بل هو كذلك حتى فيما يرجع صرفه إلى نفسه من المثوبات والخيرات ونحو
ذلك بعد حبس المال في صرفه على المصرف الخاص وارتفاع سلطنة عليه
بعد موته. ولذا ذهب المشهور - كما قيل - إلى اعتبارها في وكيل الوكيل
مع أنه منجز بنظر الموكلين، فهنا أولى لانقطاع سلطان الموصي بموته وعدم
مداخلة أحد في عمل الوصي حتى ينكشف له الحال، ومداخله الحاكم بعد
انكشافه لا توجب الصحة حتى يجبر عند ظهور الخيانة. (ودعوى) أن
المنع عن تسليطه على حق الغير فرع كونه حقا للغير - أولا - والمفروض
أن كونه حقا للغير والتسليط عليه مجعولان بجعل واحد، وهو الوصية،
فيكون هذا التسليط نحوا من كيفياتها. وبعبارة أخرى حقيته له منوطة
بهذه الكيفية (مدفوعة) بمنع كون التسليط من الكيفيات المقومة للوصية
ولذا لا يلزم من موت الوصي أو عجزه أو خيانته انتفاءها - إجماعا - مع
أن القيود المقومة يلزم من انتفائها انتفاء المقوم، واطلاق الوصية لا يثبت

(1) لقوله تعالى - كما في سورة الحجرات / 6 -: " يا أيها الذين
آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على
ما فعلتم نادمين ".
154

كونه من كيفياتها المقومة، فهو نظير الشرط في ضمن العقد اللازم.
مؤيدا ذلك كله بما قيل: من أن ذلك ركون إلى الظالم المنهي عنه (1)
إذ الفاسق ظالم، ولو لنفسه.
وبالنصوص المستفيضة الواردة، في من مات وله مال وورثته صغار
ولا وصي له، حيث اشترطت عدالة المتولي لذلك (2) وليس ذلك إلا
لاعتبارها في التسليط على حق الغير، وهذا المناط موجود هنا، وإن كان
خارجا عن مورد تلك النصوص، لعدم الفرق بينهما من حيث التسليط إلا
كونه - هناك - منصوبا من الشرع، وهنا من الموصي الذي لا سلطنة له
على المال بعد موته، الذي هو وقت التسليط.
حجة القول بعدم اعتبارها أصلا، أنها نيابة، فنتبع اختيار
المنوب عنه.
وأن إيداع الفاسق وتوكيله جائزان - إجماعا - مع أنهما استيمان
وأن للميت الثلث من ماله فله وضعه حيثما شاء (3)

(1) لقوله تعالى: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا.. " هود / 113
(2) وقد عقد لها في الوسائل. كتاب الوصايا بابا مستقلا عنونه
هكذا (88 باب حكم من مات ولم يوص) من ذلك: رواية علي بن رئاب
يسأل الإمام الكاظم (ع) عمن يتولى شؤون المماليك والصغار فيبيع عليهم
ويشتري منهم، فيجيبه الإمام (ع) بجواز ذلك " إذا باع عليهم القيم
لهم الناظر فيما يصلحهم "، ورواية سماعة عن الإمام الصادق (ع) يسأله
بمضمون ذلك فيجيبه الإمام (ع) بقوله: " إن قام رجل ثقة قاسمهم
ذلك كله فلا بأس " وغيرهما إلى هذا الباب وفي باب الولاية كثير بهذا
المضمون.
(3) أشار الماتن - قدس سره - إلى مضمون هذا الحديث فيما سبق
في طي المسألة الثانية من المبحث الرابع - وأشرنا هناك إلى تخريج تلك
المضامين فراجع.
155

وما ورد من النصوص؟ في جواز نصب المرأة وصيا، ونصب
الصبي قبل البلوغ - ولو منضما إلى الكامل - فيشترك معه في التصرف
عند البلوغ (1) مع منع غلبة العدالة في النساء وعدم معلومية حصولها في
الصبي عند بلوغه، بل لعل الغالب عدم تحققها فيه.
وإن تحصيل العدل مما يتعسر غالبا مع مسيس الحاجة إلى الوصاية
فالتوقف عليه موجب للتعطيل غالبا
ويضعف الأول: بأنها شرط في الاستنابة، لا في أصل النيابة، ولذا
يجب على العاجز عن الحج استنابة العادل دون غيره، وإن جاز للفاسق
التبرع عن الغير بالنيابة فيه.
ويضعف الثاني: بأن جواز ذلك في الوكالة والوديعة لكون الحق
فيهما راجعا إلى نفسه، فله انحاء التصرف فيه، ولذا جاز هبته للفاسق،
فلا يقاس به ما يرجع إلى الغير.
ويضعف الثالث: بأنه - مع كونه أخص من المدعى لاختصاصه
بثلث ماله دون الولاية على صغار ولده - نمنع دلالة عمومه أو إطلاقه على
ما يشمل المقام، لكونه مسوقا لجواز اختياره ما شاء من كيفيات الصرف
والمصرف، نظير قوله: " الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها " فيكون
مهملا من هذه الحيثية. وبالجملة: لا دلالة في أدلة الوصية حتى مثل
قوله: " جائز للميت ما أوصى على ما أوصى به انشاء الله " على (2) جواز تلك

(1) كما سيذكرها المصنف - قدس سره - في المسألة الثانية من مسائل
التكميل الآتية: في عدم صحة الوصية إلى الصبي منفردا.
(2) في الوسائل: كتاب الوصايا، باب 63 من أحكامها بعنوان
(حكم من أوصى لمواليه ومولياته) حديث واحد، وهو " محمد بن علي
ابن الحسين باسناده عن عن محمد بن الحسن الصفار: أنه كتب إلى أبي محمد
الحسن بن علي - عليهما السلام - أوصى بثلث ماله في مواليه ومولياته:
الذكر والأنثى فيه سواء، أو للذكر مثل حظ الأنثيين من الوصية؟
فوقع (ع): جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى إن شاء، ونقل
الحديث نفسه عن الكليني وعن الشيخ - قدس سرهما -
156

التسليط المذكور: إما لاختصاصها بالقيود المقومة لها، أولاهما لها من هذه
الحيثية، ولو سلم شمولها لذلك، فهي معارضة بعموم ما دل على وجوب
التثبت في خبر الفاسق المستفاد ومن عموم التعليل فيه، وهو خوف الندامة
من الاعتماد عليه (1) النهي عن مطلق الاعتماد على أموره: تعارض العموم
من وجه (2) والترجيح له بما عرفت من الاجماع المحكى والشهرة المحققة
على اعتبار العدالة، إن لم نقل بحكومة ما دل على التثبت عليها.
ويضعف الرابع بعد معارضة ما دل على جواز نصبهما لما دل على
اشتراط العدالة، لكونه مسوقا لبيان أصل الصحة، غير ناظر إلى ما يعتبر
فيه من الشرائط حتى يؤخذ باطلاقه، ولو سلم فهو مقيد بأدلة اشتراطها.
ومنه يظهر الجواب عن الوجه الخامس، كيف ولو كان مسيس
الحاجة بنفسه مسقطا لاعتبار العدالة، لجرى مثله فيما كان المسيس إليه أكثر
كالجماعة والطلاق وغيرهما مما تعتبر فيه.
وأما الاكتفاء بعدم ظهور الفسق، لاختصاص وجوب التبين بخبر

(1) أشار إلى قوله تعالى - في آية النبأ -: " فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين ".
(2) كلمة (النهي) مرفوعة في مقام نيابة عن كلمة (المستفاد)
وكلمة (تعارض) منصوبة على المفعول المطلق من كلمة (معارضة)
157

الفاسق مع عدم الملازمة بين عدم الفسق والعدالة لثبوت الواسطة بينهما،
فيدفعه عموم العلة الموجبة للتثبت، وهو خوف الوقوع في الندامة الذي
لا يؤمن منه إلا باحراز العدالة، إذ لا واسطة بينهما، مضافا إلى أن جواز
التسليط على مال الغير منوط بما يوجب إحراز حفظه، لا بعدم إحراز
تلفه حتى يكتفي فيه بمجهول الحال.
وأما التفصيل بين ما يرجع إلى نفسه أو إلى غيره، فقد ضعفه
بتساوي الحكم فيهما، بعد حبس المال بالوصية على المصرف الخاص في وقت
لا ولي عليه.
فإذا القول باعتبار العدالة مطلقا هو الأقوى:
هذا وليعلم أن العدالة بناء على اعتبارها ليست شرطا واقعيا بمعنى
توقف صحة العمل عليها في الواقع، قال جدي في (الرياض) تبعا
للتذكرة والروضة: " واعلم أن هذا الشرط إنما اعتبر ليحصل الوثوق
بفعل الوصي ويقبل خبره به كما يستفاد ذلك من دليله، لا في صحة
الفعل في نفسه، فلو أوصى إلى - من ظاهره العدالة - وهو فاسق في نفسه -
ففعل مقتضى الوصية، فالظاهر نفوذ فعله وخروجه عن العهدة ويمكن
كون ظاهر الفسق كذلك لو أوصى إليه فيما بينه وبينه وفعل مقتضاها، بل لو
فعله كذلك لم تبعد الصحة، وإن حكم ظاهرا بعدم وقوعه وضمانه ما ادعى
فعله، وتظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصية باطلاع عدلين أو باطلاع
الحاكم " (1) انتهى.
وهو حسن ومرجع ذلك إلى اعتبار الوثوق الخاص الحاصل بالعدالة

(1) راجع ذلك في كتاب الوصايا منه، الفصل الرابع في الأوصياء
وما يعتبر فيهم من التكليف والعقل والاسلام. في شرح قول المحقق (وفي
اعتبار العدالة تردد).
158

في جواز التسليط على حق الغير، لقيام الاجماع على الاكتفاء به في ذلك
وأما مطلق الوثوق فلم يقم دليل معتبر على الاكتفاء به فيه، إلا إذا بلغ
حد القطع يعدم التخلف الذي دون تحققه خرط القتاد، فهو نظير الظن
الخاص والظن المطلق في حجية الطريق.
وبما ذكرنا ظهر الجواب عما قيل: من أن مقتضى ذلك اعتبار الوثوق
دون العدالة التي نصوا على اشتراطها في كلامهم فمن الغريب استغراب
شيخنا في (الجواهر) هذا الكلام من هؤلاء الأعلام، مع أنه في غاية المتانة
وكيف كان فلو أوصى إلى عادل ثم فسق بعد موت الموصي بطلت
الوصاية، بناء على اشتراطها لأنها شرط حينئذ ابتداء واستدامة وانعزل
عن العمل من غير توقف على عزل الحاكم، وإن أوهمه ظاهر عبارة
(الشرايع) وغيرها، إلا أن المقصود من عزله منعه عن التصرف، ولا
تعود بعود العدالة، لما تقدم في طرو الجنون. وأما على القول بعدم
الاشتراط، ففي بطلانها نظر: ينشأ: من استلزام عدم اعتبارها ابتداء
عدمه استدامة مع أن الأصل يقتضي بقائها أيضا، ومن - دعوى ظهور
تخصيص الوصاية به في كون الباعث عليها هو وصف العدالة فتنتفي بانتفائه
دون ذاته المقارنة للوصف، إلا أنها عهدة مدعيها. نعم لو علم كون
الايصاء إليه من حيث كونه عدلا على وجه كانت الحيثية قيدا فلا إشكال
- بل لا خلاف - في بطلانها. وعليه تنزل عبارة من ادعى عدم الخلاف فيه
هذا ولو فسق ثم عادت إليه العدالة قبل موت الموصي فلا ينبغي الاشكال
في استمرار صحة الوصية، لأن المانع يضر وجوده عند الموت.
(الخامس): الحرية، فلا تصح الوصية إلى المملوك بغير إذن سيده
وتصح بإذنه، بلا خلاف فيهما - كما قيل - بل الاجماع محكي في (الغنية)
على الأول منهما، مضافا إلى استلزامها تصرفاته الممنوع عنها شرعا
159

لكونها مزاحمة لحق المولى، فيرتفع المانع بإذنه - كما عللوا به في المنع
والجواز - وهو يعطي المفروغية عندهم: من قابليته للوصاية بذاته، غير
أنه محجور عليه مع عدم الإذن.
من غير فرق في المنع بين عبد الغير وعبد نفسه، والوصية إليه في
الثاني حين كونه ملكه لا تجدي بعد أن كان عند المباشرة ملك الوارث فيعتبر
إذنه (واحتمال) كون ذلك من باب الوصية ببعض منافعه (يدفعه)
عدم اندراجه في ذلك عرفا، بل هو اثبات ولاية له، ولذا لا يلتزم
بتقويمها وإخراجها من الثلث.
وكذا لا فرق عند الأكثر بين القن وغيره ممن تشبث بالحرية، نعم
عن المفيد وسلار: جواز الوصية إلى المدبر والمكاتب: إما مطلقا - كما
عنهما في ظاهر المختلف والدروس - ومقيدا بعبد نفسه - كما في التنقيح -
ومال إليه، وهو قوي في المدبر، لحصول الإذن من مولاه بالوصية لتضمنها
الإذن بالقبول حينما ملكه مع ارتفاع الحجر عنه عند الموت بالحرية،
فلا مانع من الوصية - فيه لا فعلا ولا مألا إلا احتمال قصور الثلث عن
قيمته الموجب لتبعضه في الحرية، ولكن غايته المراعاة والتوقف إلى انكشاف
الحال دون البطلان رأسا. نعم تعليلهم الجواز في المكاتب بلزوم عقد
الكتابة لا يجدي نفعا حتى لو تحرر بعضه، لأن مقتضاه - وإن كان جواز
الاكتساب - إلا أن كون الوصية منه ممنوع، وإن استلزم العمل بها
الأجرة في بعض الأحوال.
المبعض منه بحكم الرق، إذ لا يعقل تجزي الولاية في حقه، وإن
قلنا باستحقاقه من الوصية له بقدر حريته، لوضوح الفرق بين الوصية
والوصاية، فإن الملكية تتبعض، بخلاف الولاية، فإنها لا تتجرأ بنفسها،
وإن تبعض متعلقها.
160

وحيثما أذن المولى لعبده، فليس له الرجوع بعد الوصية وموت الموصي
لاقتضاء الوصية الدوام (والإذن في الشئ إذن في لوازمه) كما لا تأثير
لرجوعه قبله إذا كان بحيث لا يبلغ الموصي ذلك، وله الرجوع عن إذنه
مع إعلامه به.
(تكميل)
وفيه مسائل:
(الأولى) اختلف الأصحاب في وقت اعتبار الأوصاف المذكورة
في الوصي على أقوال (أولها) كفاية اتصافه بها حال الوفاة، فلو أوصى
إلى ناقص ثم مات بعد كماله، صحت الوصية (ثانيها) كفايته حال
الوصية، حكاه قولا في (الدروس) (ثالثها) اعتباره في الحالين معا
دون ما بينهما، اختاره في (المبسوط) (رابعها) اعتباره في الحالين معا
وما بينهما، فتعتبر من حين الوصية مستمرة إلى بعد الموت، وهو الأقوى
وعليه الأكثر وفي (المسالك) حكى: قولا آخر، وهو: اعتباره من
حين الوصية إلى أن ينفذها بعد الموت، إلا أنه لا أرى وجها لعده قولا
مغايرا للقول الأخير لأن من يعتبر الكمال من حين الوصية إلى حين الوفاة
يعتبره أيضا بعده إلى نهاية العمل غير أنه في الأول يعتبره شرطا في أصل
الصحة، وفي الثاني شرطا في استمرارها بحيث لو عرض نقض في أثناء
عمل أو بين الأعمال انعزل من حينه ولم يستأنف العمل السابق وقام
الكامل مقامه في الباقي. وبالجملة، فالكمال المستمر إلى الوفاة شرط في
الصحة، والكمال المستمر بعدها إلى نهاية العمل شرط في استمرار
الصحة ودوامها.
واستدل للمختار كما في (جامع المقاصد) وغيره: بأن الشرائط إذا
انتفت عند الوصية لم إنشاء العقد صحيحا، ولا بد أن يكون شرط
161

الصحة سابقا على إنشاء العقد كما في سائر العقود.
وبأنه في وقت الوصية ممنوع من التفويض إلى من ليس بالصفات
والنهي في المعاملات - إذا توجه إلى ركن العقد - دل على الفساد. ومحصله
- بتوضيح منا - يرجع إلى أن الوصاية عقد مفاده تفويض الولاية التي هي من
المناصب إليه بالوصية، فالتفويض فعلي منجز غير معلق على الوفاة الذي هو زمان
التصرف حينئذ فلا تعليق في الانشاء، وإنما التعليق في المنشأ كالوكالة المنجزة
إذا عين العمل بها في وقت متأخر كيف ولو كانت الوصية معلقة لم يتحقق
انشاء بالفرض، لا حين الوصية، ولا حين الوفاة، والناقص عن الكمال غير
قابل للتفويض منصب الولاية إليه، فلذا اعتبر الكمال حين الوصية.
وأما اعتبارها حين الوفاة، فلأنه وقت العمل الذي لا ريب - بل
لا خلاف كما في التذكرة - في اعتبارها فيه، فالصحة مشروطة به في
الوقتين، فيلزم اعتباره فيما بينهما، لأن المشروط وهو الصحة ينتفي
بانتفاء شرطه.
وأما بقاؤه على الكمال بعد الوفاة إلى انتهاء العمل فهو شرط لاستمرار
الصحة دون أصلها - كما تقدم -
ولا يرد النقض بصحة الوصية إلى الصبي - منضما إلى الكامل -
مع عدم تعلق الانشاء بالنسبة إليه حال الصغر ولا إنشاء بالفرض عند
البلوغ.
لأنا نقول بها أولا للنص - وثانيا - لامكان كون اشتراكه مع الكامل
بعد بلوغه من كيفيات الولاية المجعولة بانشاء الوصية وتطوراتها نظير ما لو
قال: (أنت وصيي فإذا حضر فلان فهو شريكك) ونظير تملك المعدوم
بعد وجوده للوقف تبعا للموجود بانشاء الواقف، ولذا يتلقاه منه بجعل
الوقف وإنشائه فتكون الوصية إلى الصبي - منفردا أو منضما إلى الكامل -
162

نظير الوقف على المعدوم المعبر عنه بمنقطع الأول، والمعدوم بعد وجوده
تبعا للموجود قبله في البطلان في الأول والصحة في الثاني.
وبما ذكرنا ظهر لك ضعف ما أورد على الدليل بالمصادرة - كما في
(الجواهر) - وضعف مستند الأقوال الباقية. مع أن القول الثاني منها
لا أظن به قائلا منا.
وأما الثالث ففيه - مع ذلك - أنه يلزم على القول به عود الولاية
بعد بطلانها بعروض النقض بعود الكمال قبل الوفاة، وثبوته فيه موقوف
على الدليل، مع أن الثابت بالأصل عدمه، وقياسه بالأب قياس مع الفارق
لأن الموجب لها فيه ذاتي وهو الأبوة، وفيما نحن فيه إنما ثبتت بالوصاية
التي قد بطلت بعروض النقض.
(الثانية) لا تصح الوصية إلى الصبي منفردا، بلا خلاف يظهر، بل
الاجماع محكى عليه، وهو الحجة، مضافا إلى ما تقدم: في اشتراط البلوغ (1)
وتصح إليه منضما إلى الكامل من غير حاجة إلى تجديد الانشاء عند
بلوغه، بلا خلاف أيضا - كما قيل - للنص الفارق بينهما، ففي صحيحة
علي بن يقطين أو حسنة: " قال سألت أبا الحسن (ع) عن رجل أوصى
إلى امرأة وأشرك في الوصية معها صبيا، فقال: يجوز ذلك وتمضي المرأة
الوصية ولا تنتظر بلوغ الصبي فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلا ما كان
من تبديل وتغيير فإن له أن يرده إلى ما أوصى به الميت (2) وفي الصحيح
(عن محمد بن الحسن الصفار قال: كتبت إلى أبي محمد (ع): رجل أوصى

(1) وهو الشرط الأول من شروط الوصي، وذلك لقصوره عن
أهلية الولاية وكونه مولى عليه - إلى آخر ما ذكر هناك.
(2) ذكرهما الكافي للكليني: كتاب الوصايا، باب من أوصى إلى
مدرك وأشرك معه الصغير.
163

إلى ولده وفيهم كبار قد أدركوا فيهم صغارا يجوز للكبار أن ينفذوا
وصيته ويقضوا دينه إن صح على الميت بشهود عدول قبل أن يدرك
الأوصياء الصغار؟ فوقع (ع): نعم على الأكابر من الولد أن يقضوا
دين أبيهم ولا يحبسوه بذلك " (1) ولامكان كون اشتراكه مع الكامل
عند البلوغ من كيفيات الولاية المجعولة بالوصية - كما تقدم - وفي الحاق
غير الصبا من الموانع عن صحة الوصية به في جواز الانضمام وعدمه؟
وجهان: مبنيان على كون النص: هل هو على خلاف القاعدة، فيقتصر
على مورده، أو موافق لها فيلحق به غيره - كما لعله هو الأقرب -.
وعلى كل حال يستقل الكامل بالتصرف، لفرض استقلاله بالولاية
حتى يبلغ الصبي، فإذا بلغ شاركه فيه. وليس له إلا الرضا بما استقل به
الكامل ما لم يكن فيه تبديل وإلا رده لأنه من شؤون ولايته الفعلية - كما هو
مفاد الخبرين -
(الثالثة) لو أوصى إلى اثنين كاملين فلا يخلو: إما أن ينص على
اجتماعهما أو على جواز الانفراد لكل منهما، أو يطلق:
فعلى الأولين يتبع نصه، ففي الأول منهما: لو اختلفا جبرهما
الحاكم على الاتفاق، لأن الولاية مشتركة بينهما؟ وقائمة بهما: إما على وجه لا ولاية
لكل منهما بنفسه، أو هي لكل منهما لا بنحو الاستقلال على وجه يكون
القيد من صفات الولاية الثابتة لكل منهما ولو باعتبار متعلقها. وعلى
التقديرين يكون الاستقلال من التبديل، فإن تعذر الاتفاق منهما أو من
أحدهما، فستعرف حكمه. وأما في الثاني فيجوز الانفراد لكل منهما في
الكل فضلا عن البعض للإذن به بالفرض فيصح لهما اقتسام المال وتصرف

(1) ذكرهما الكافي للكليني: كتاب الوصايا، باب من أوصى إلى
مدرك وأشرك معه الصغير.
164

كل منهما فيما يخصه، لكن القسمة غير ملزمة، فيجوز فيها التفاوت
والرجوع عنهما وتصرف كل منهما فيما خص به الآخر.
وأما لو أطلق فحكمه - على الأقوى وعليه المشهور - حكم النص على
الاجتماع لظهور التشريك فيه، مضافا إلى صحيح محمد بن الحسن الصفار
" كتبت إلى أبي محمد (ع): رجل كان أوصى إلى رجلين: أيجوز لأحدهما
أن ينفرد بنصف التركة، والآخر بالنصف؟ فوقع (ع): لا ينبغي لهما
أن يخالفا الميت ويعملان على حسب ما أمرهما إن شاء الله تعالى " (1) ولفظ
(لا ينبغي) وإن كان بنفسه ظاهرا في الكراهة إلا أن عده (ع) ذلك
مخالفة قرينة على إرادة الحرمة، إذ هي من تبديل المنهي عنه وأصرح منه
(الرضوي): و " إذا أوصى رجل إلى رجلين فليس لهما أن ينفرد
كل واحد منهما بنصف التركة وعليهما إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت " (2)
وضعف سنده - لو سلم - مجبور بالعمل.
خلافا لما عن الشيخ في (النهاية) وابن البراج، فجوزا - في ظاهر
إطلاق عبارتهما - الانفراد لهما، نظرا إلى الموثق ".. إن رجلا مات
وأوصى إلى رجلين، فقال أحدهما لصاحبه: خذ نصف ما ترك وأعطني
النصف ما ترك، فأبى عليه الآخر، فسألوا أبا عبد الله (ع) عن ذلك
فقال: ذاك له " (3) بناء على أن مرجع الضمير هو طالب القسمة، وهو
- مع قوة احتمال رجوعه إلى من أباها ولا أقل من الاجمال - لا يكافؤ
ما تقدم من الخبرين من وجوه عديدة، مع إمكان حمله على صورة الإذن

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 51 من أحكامها، حديث (1)
(2) راجع ذلك في أوائل باب الوصية للميت من (الفقه الرضوي)
(3) راجع: المصدر الآنف من الوسائل حديث (3) والرواية عن
بريد بن معاوية، قال: إن رجل..
165

بالانفراد، لو سلم رجوعه إلى الطالب.
(الرابعة): لو امتنع انفاق الوصيين المشروط اجتماعهما نصا أو
ظاهرا، فلا يخلو: ما أن يكون الامتناع لانتفاء الموضوع، كما لو مات
أحدهما، أو لانتفاء الولاية كما لو جن أو فسق أو لامتناعهما، أو امتناع
أحدهما عن التوافق بما لا يوجب الفسق، فهنا صور.
(الأولى) لو مات أحدهما، ففي استقلال صاحبه أو ضم الحاكم إليه
قولان: المشهور - كما قيل - هو الأول. ولعله هو الأقوى، لأن المشاركة
المنتزع منها وصف عدم الاستقلال إذا انتفت بانتفاء الشريك تحقق
الاستقلال، لانتفاء المنتزع بانتفاء منشأ انتزاعه وبقاء الشركة بتبديل الشخص
مبني على تعدد مطلوب الموصي: من الشركة، وكونها مع صاحبه،
فلا يلزم من انتفاء الخصوصية انتفاء أصل الشركة، إلا أنه في حيز المنع
ولا أصل يقتضيه إن لم نقل باقتضاء الأصل عدمه، ولا مداخلة للحاكم،
لعدم ولايته مع وجود الوصي للميت (ودعوى) اختصاص منع ولايته
بوجود الوصي المنفرد لا مطلق الوصي فمع كونها ممنوعة في نفسها (يدفعها)
ثبوت الاستقلال بالفرض - كما عرفت -
وذهب جمع إلى وجوب الضم نظرا منهم إلى عدم كونه وصيا
بالانفراد، إذ الوصاية مشروطة بالاجتماع الذي مقتضاه انتفاؤها مع
الانفراد وإلى ظهور الوصاية لهما في إرادة تعدد النظر الذي ينافيه الانفراد
وأنت خبير بما فيه: أما الأول، فهو مبني على كون الاجتماع شرطا لأصل
الولاية. وهو ممنوع، والمسلم كون الاجتماع الخاص مع الامكان شرطا
لتصرف الولي فيما هو ولي عليه، فهو ولي محجور عليه من التصرف بالانفراد
مع وجود صاحبه، فلو مات استقل. وبالجملة: فمع موت أحدهما لم يبق
166

موضوع من تعتبر موافقته، ولا دليل على اعتبار موافقة غيره معه: من
الحاكم أو عدول المؤمنين. فاتضح من جميع ما ذكرناه الجواب عن
الوجه الثاني.
هذا كله فيما لو مات أحدهما. أما لو ماتا معا، فالأمر يرجع إلى
الحاكم، وهل يتعين عليه حينئذ تولية شخصين رعاية للتعدد المطلوب
بالوصية، أو يكفي توليته واحدا لرجوع الأمر إليه عند انتفاء الوصي
المنصوب من قبل الميت فهو الوصي عنه شرعا، والاجتماع إنما اعتبر في
المنصوب من الميت دون المنصوب من الشرع. وبالجملة: ليس الحاكم
نائبا عن الميت في الايصاء، بل هو منصوب من الشرع في القيام بالوصية؟
قولان: والثاني هو الأقوى. ويلحق بالموت في الحكم كل سبب موجب
للخروج عن أهلية الولاية كالجنون والغيبة المنقطعة والفسق، بناء على اشتراط
العدالة في صحتها.
وأما لو امتنعا أو امتنع أحدهما عن التوافق بما لا يؤدي إلى الفسق:
فإما أن يمكن بالجبر اجتماعهما، أو لا يمكن.
فإن أمكن جبرهما الحكم على التوافق حيث لا يكون سبب الاختلاف
هو الاختلاف في الرأي والنظر بما لا ينافي قصد الموصي، وإنما إرادة كل
منهما لخصوصية لغرض لا ينافي الوصية إذ لا معنى للجبر على التوافق بعد أن
كان كل منهما يرى فساد رأي صاحبه.
وإن لم يمكن الجبر: فإن كان الامتناع منهما، استبدل بهما آخرين
ينوبان عنهما يشترط عليهما التوافق، ولا يتوهم هنا كفاية الاستبدال عنهما
بواحد، إذ المفروض عدم خروجهما بالامتناع عن الولاية، وإن منعا
عن التصرف كما لو عجزا بالمرض حتى عن الرأي، فإن الظاهر
عدم الخروج بذلك عن أهلية الولاية. بل الأظهر جواز الوصاية إلى
167

العاجز كذلك في الابتداء فضلا عن الاستدامة.
وإن كان الامتناع عن أحدهما استبدل به من ينوب عنه منضما إلى
صاحبه، فلا يستقل كما لو مات صاحبه لعدم الخروج بالعجز المذكور عن
أهلية الولاية وهذا هو الفارق بينه وبين موته أو فسقه، ونحوهما، لعدم
انتفاء الولاية في الأول وانتفائها في الثاني.
نعم لو ألحقنا الاختلاف بينهما مع تعذر التوافق بالفسق والجنون في
الخروج عن أهلية الولاية - كما يظهر من جدنا في (المصابيح) اتحد الحكم
فيهما، وجرى الخلاف السابق هنا أيضا لاتحاد المدرك، والله العالم.
(الخامسة) الوصي أمين، فلا يضمن إلا مع التعدي أو التفريط،
ولو بمخالفة الوصية، فيضمن باليد لو تلف، فضلا عما لو أتلفه،
لعموم (على اليد) بعد خروج يده عن الأمانة بذلك.
مضافا إلى أخبار (منها): خبر زيد النرسي - الذي هو كالصحيح
بابن أبي عمير -: " عن علي بن مزيد أو فرقد صاحب السابري قال أوصى
إلي رجل بتركته فأمرني أن أحج بها عنه، فنظرت في ذلك، فإذا هي شئ
يسير لا يكفي للحج، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة؟ فقالوا:
تصدق بها عنه - إلى أن قال - فلقيت جعفر بن محمد (ع) في الحجر،
فقلت له: رجل مات وأوصى إلي بتركته أن أحج بها عنه، فنظرت في
ذلك فلم يكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها
فقال (ع) ما صنعت؟ قلت: تصدقت بها، قال: ضمنت إلا أن
لا يكون يبلع ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة،
فليس عليك ضمان، وإن كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن (1)

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 37 من أحكامها: إن الوصي
إذا كانت الوصية في حق فغيرها فهو ضامن حديث (2)
168

فإن التصدق بالمال مع كفايته لحج الميقات إتلاف للمال بصرفه في غير
الوصية (ومنها): صحيح محمد بن مسلم أو حسنه بإبراهيم بن هاشم:
" قلت لأبي عبد الله (ع): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم، فضاعت
هل عليه ضمانها حتى تقتسم؟ فقال (ع): إذا وجد لها موضعا فلم
يدفعها، فهو لها ضامن - إلى أن قال - وكذلك الوصي يوصي إليه يكون
ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، فإن لم يجد فليس
عليه ضمان (1) المنزل على ما لو كان عدم الدفع إليه ناشئا من التهاون،
لا لعذر شرعي، وإلا فلا ضمان، كما لو لم يجده، لأن العذر الشرعي
كالعذر العقلي (ومنها): صحيح الحلبي عن الصادق (ع): " أنه
قال في رجل توفى فأوصى إلى رجل، وعلى الرجل المتوفى دين، فعهد
الذي أوصي إليه، فعزل الذي للغرماء فرفعه في بيته، وقسم الذي بقي
بين الورثة فسرق الذي للغرماء من الليل ممن يؤخذ؟ قال: هو ضامن
من حين عزله في بيته يؤدي من ماله (2) المنزل أيضا على التفريط في الحفظ
أو يتأخر الدفع إلى أهله (ومنها): ما في (الكافي) في الصحيح عن
ابن محبوب عن محمد بن مادر: " قال سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل
أوصى إلى رجل وأمره أن يعتق عنه نسمة بستماءة درهم من ثلثه، فانطلق
الوصي وأعطى الستماءة درهم رجلا يحج بها عنه؟ فقال أرى أن يغرم
الوصي من ماله ستماءة درهم، ويجعل الستماءة فيما أوصى به الميت، (3)
قال: في (الجواهر) بعد ذكر هذا الخبر: " وربما كان فيه إنماء إلى

(1) المصدر الآنف من الوسائل، باب 36، حديث (1).
(2) المصدر الآنف الذكر من الوسائل حديث (2).
(3) كتاب الوصايا، باب (أن الوصي إذا كانت الوصية في حق
فغيرها فهو ضامن) حديث (3).
169

عدم انعزال الوصي بالخيانة، اللهم إلا أن يكون ذلك ليس عنها، بل
هو شئ قد فعله الوصي بجهله تخيل أنه أنفع للميت " (1) انتهى. وهو
حسن بناء على قراءة (يجعل) مبنيا للفاعل، وأما لو قرء مبنيا للمفعول
ففيه إيماء إلى الانعزال، وعدم الانعزال على الأول لعدم صدق الخيانة بعد
الحمل على الجهل، وإن كان من التبديل الموجب للضمان، إذ ليس كل
تبديل تصدق معه الخيانة وإن أوجب الضمان (ومنها) ما في الكافي أيضا
باسناده إلى محمد بن سنان عن ابن مسكان عن أبي سعيد عن أبي عبد الله (ع)
قال: سئل عن رجل أوصى بحجة، فجعلها وصية في نسمة؟ فقال:
يغرمها وصية ويجعلها في حجة كما أوصى به، فإن الله تبارك وتعالى يقول
" فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه (2) وهو كما ترى
صريح في عدم الانعزال المحمول على ما سمعت، فيكون قرينة على قراءته
(يجعل) مبنيا للفاعل في الخبر السابق.
(السادسة) اختلف الأصحاب في استيفاء الوصي بنفسه دينه على
الميت من التركة إذا كان وصيا على قضاء ديونه يشمله: على أقوال:
(أحدهما) الجواز مطلقا. تمكن من إقامة الحجة عليه، أولا - كما
في (النافع) و (القواعد) و (التحرير) و (جامع المقاصد) وهو
المحكي عن الشهيدين وغيرهما، لأنه - بالفرض - وصي في قضاء الديون
فيقوم مقام الموصى في ذلك، ويكفي علمه بالدين، لأن الوصية منوطة
بقضاء الدين الثابت في نفس الأمر. ولا فرق في ذلك بين دينه ودين

(1) راجع ذلك في أوائل الفصل الخامس في الأوصياء من كتاب
الوصايا - في شرح قول المحقق: (والوصي أمين لا يضمن ما يتلف).
(2) راجع: نفس الكتاب والباب الآنفي الذكر من الكافي
حديث (2).
170

غيره، ولأنه بقضاء الدين محسن " وما على المحسنين من سبيل ".
(ثانيهما) المنع كذلك فلا تستوفي إلا بإذن الحاكم بعد إقامة الحجة
عنده، كما عن القاضي، والشيخ في (النهاية) للأصل، وموثق بريد
ابن معاوية عن أبي عبد الله (ع): " قلت له: إن رجلا أوصى إلي
فسألته أن يشرك معي ذا قرابة له ففعل، وذكر الذي أوصى إلي أن له
قبل الذي أشركه في الوصية خمسين ومأة درهم وعنده رهنا بها حاما
من فضة فلما هلك الرجل إن شاء الوصي يدعي أن له قبله أكرار حنطة؟
قال: إن أقام البينة، ولا فلا شئ له، قال قلت له: أيحل أن يأخذ
مما في يده شيئا؟ قال: لا يحل له، قلت أرأيت لو أن رجلا عدا عليه
فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ: أكان ذلك له؟ قال:
إن هذا ليس مثل هذا " (1).
(ثالثها) الجواز مع العجز عن الاثبات، كما عن الحلي في (السرائر)
والمحقق في (الشرائع) وغيرهما من باب التقاص، لأن العجز عن الاثبات
بحكم امتناع العزيم في عدم وصول حقه إليه، إذ المناط فيه هو امتناع
الاستيفاء الحاصل هنا، ولو مرحلة الظاهر، بخلاف ما لو تمكن من الاثبات
فإنه بحكم العزيم الباذل الذي لا يجوز معه التقاص، اجماعا، ولا ينافيه:
ما في الموثق: من نفي المماثلة بينه وبين التقاص، لكون السائل هو شريكه
في الوصية، وسؤاله إنما هو تكليفه: من تمكين صاحبه من الاستيفاء
بدون حجة، ولأنه - حينئذ - محسن بقضاء الدين " وما على المحسنين
من سبيل ".
وهذا هو الأقوى بناء على ما هو الأقوى: من انتقال التركة إلى
الوارث متعلقا بها حق الاستيفاء، كالرهن، ويكون الوارث هو المخير

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 93 من أحكامها، حديث (1).
171

في القضاء منهما أو من غيرها كتخير المديون بين وجوه القضاء، ولا ينافيه
كونه وصيا على قضاء الديون الذي مرجعه إلى مباشرته لذلك بدفع ما يتعين
الوفاء به إليه وإلزام الوارث به لو امتنع عنه، وليس مرجعه إلى تفويض
الولاية له على تعيين ما يستوفى منه من أعيان التركة، لامكان منع أن
للموصي الايصاء بذلك، وإن يثبت له تعيين ثلثه بالدليل الخاص، فيكون
استيفاؤه بنفسه نوع مزاحمة للوارث في حقه من التخيير في القضاء أولا كذلك
مع عدم الحجة لجواز التقاص - حينئذ - بعد فرض تحق ما هو المناط لجوازه
في الممتنع من فوات الحق مع كونه حينئذ محسنا على الميت ببراءة ذمته.
فظهر عدم الفرق بين الوصي والأجنبي في ذلك كله، ولا بين الوصي المنفرد
والمتعدد لو تمكن من الاستيفاء من دون علم شريكه، وإلا لم يجز لشريكه
تمكينه منه بلا حجة.
(السابعة) لو أوصى إليه بعمل خاص أو قدر مخصوص، اقتصر
عليه، ولم يتجاوزه إلى غيره، لاختصاص ولايته به دون غيره، وهو
واضح، وأما لو أطلق بأن قال: (أنت وصيي) من دون ذكر المتعلق
ففي وقوعه لغوا كما عن الأكثر، كما لو قال: وكلتك أو أنت وكيلي
ولم يعين فأوكل فيه، بل في (الإيضاح) عدم: الخلاف فيه، وفي
(الكفاية): نسبة إلى الأصحاب وإن قال بعده: (ولا يبعد كونه وصيا
على الأطفال، لأنه المفهوم في المتعارف) (1) واستحسنه جدنا في (الرياض)
أن ثبت ذلك، وإلا فاللغوية أثبت (2) أو اختصاصها بقضاء ديونه

(1) راجع ذلك في كتاب الوصية، أخريات الطرف السادس في الوصايا
(2) ذكر ذلك في باب الأوصياء من كتاب الوصايا في شرح قول
(النافع). " وتختص ولاية الوصي بما عين له الموصي ". وتمام العبارة
هكذا: " ولو قال: أنت وصي، وأطلق، قيل: كان لغوا، وعن
المحقق الثاني أنه حكى عن الشارع الفاضل عدم الخلاف فيه ونسبه في
الكفاية إلى كلام الأصحاب كافة، قال: ولا يبعد كونه وصيا على الأطفال
لأنه المفهوم المتعارف، وهو حسن حيث ثبت، وإلا فالأول ثبت ".
172

واستيفائها ورد الودايع ونحوهما، أو يعم ذلك وإرادة ثلثه وتفويض المصرف
إلى نظره، أو يعم ذلك أيضا وإرادة الولاية على أيتامه؟ أقوال. والأول
هو الأقرب، ما لم يكن هناك عرف خاص أقرينة حال يدل على المراد
وإلا كان هو المتبع كما يدعى في عرفنا الآن من إرادة الثلث عند الاطلاق
فضلا عن الديون وفاء واستيفاء، ورد الأمانات دون القيمومة على الأيتام
وهو كذلك، فيختلف باختلاف الأعصار والأمصار.
(الثامنة) لا يبغي الاشكال في جواز رد الموصى إليه الوصية ما دام
الموصي حيا بشرط أن يبلغه - الرد كما عن الأكثر - بل قيل: لا خلاف
فيه، إلا من (الصدوق) فأوجب القبول فيما إذا كان الموصى أبا أو كان
الأمر منحصرا في الموصى إليه، ومال إليه في (المختلف) مؤيدا للأول
بأن مخالفة الوالد نوع عقوق، وللثاني بأنه فرض كفاية فيتعين عليه حيث
ينحصر به. ثم قال: " وبالجملة فأصحابنا لم ينصوا على ذلك " ولا بأس
بقوله (1) واستحسنه جدنا في (الرياض) حيث قال بعد نقله ما فيه:
" وهو كذلك إن لم ينعقد الاجماع على خلافه " ولا يمكن دعواه باطلاق
عبارات الأصحاب بجواز الرد مطلقا لعدم تبادر المقامين منه جدا. ومنه يظهر
الجواب عن إطلاقات النصوص بذلك أيضا، مضافا إلى وجوب حمل
المطلق على المقيد حيث تضمن شرائط الحجية كما هنا " (2).

(1) راجع ذلك في آخريات الفصل الخامس في الوصايات: آخر
" مسألة قال الصدوق: إذا دعا الرجل ابنه إلى قبول وصيته. "
(2) راجع ذلك منه في كتاب الوصايا، الرابع في الأوصياء
في شرح قول النافع -. " وللموصي إليه رد الوصية ".
173

قلت الأظهر ما عليه الأكثر: من عدم وجوب القبول مطلقا، للأصل
ولا يخرج عنه بصحيح علي بن الريان: " كتبت إلى أبي الحسن (ع):
رجل دعاه والده إلى قبول وصيته: هل له أن يمتنع من قبول وصيته؟
فوقع (ع): ليس له أن يمتنع (1) بناء على كون النهي عن الرد يقتضي
عدم تأثيره، لأن النهي في مثله يدل على الفساد، لا مجرد الحكم التكليفي
وصحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (ع): " في رجل يوصى إليه
قال: إذا بعث بها إليه من بلد فليس له ردها، وإن كان في مضر يوجد
فيه غيره فذلك إليه " (2) فإن الأول دال بمنطوقه على الأول والثاني
بمفهومه على الثاني (3) لعدم المكافئة، لاطلاق غيرهما من النصوص الدالة
على الجواز من وجوه، سيما مع إعراض جل الأصحاب - عدا الصدوق
عنهما - مع أن في طريق الأول سهل بن زياد (4) وإن قيل: " إن الأمر
سهل في سهل " فليحمل الأول على ما ذا استلزم إيذاء الوالد - كما في الغالب -
ومع فرضه فهو خارج عن الفرض، إذ هو مجرد حكم تكليفي والثاني
مع كونه مفهوما - فهو محمول على تأكد استحباب القبول، أو ما قيل:

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 24: " وجوب قبول الولد
وصية والده " حديث (1)
(2) المصدر الآنف من الوسائل، باب 23 حديث (2).
(3) أي الصحيح الأول دال بمنطوقه على الفرع وهو عدم رد الولد
لوصية والده والصحيح الثاني دل بمفهومه على الفرع الثاني وهو عدم جواز
الرد مع الانحصار.
(4) فإنه - كما في الكافي - عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد
عن علي بن الريان..
174

من أنه بارز مبرز الغالب لبيان الحكمة في صحة الرد إذا بلغ الموصي،
وبطلان الرد إذا لم يبلغه فتأمل.
وأما دعوى كون قول الوصاية من فروض الكفاية - فيتعين مع
الانحصار، فهي ممنوعة جدا، سيما وأمثال ذلك من الأمور وظيفة الحاكم
وبالجملة، كما أن للموصي عزل الوصي في حياته، فكذا للوصي ردها،
ولو بعد القبول مع الشرط، لأنها من العقود الجائزة
وأما الرد بعد موت الموصي أو في حياته - حيث لا يبلغه الرد - فإن
كان بعد القبول، فلا تأثير للرد - بلا خلاف كما قيل - بل حكاية الاجماع
عليه مستفيضة، وإن كان قبل القبول فكذلك على المشهور شهرة عظيمة
بل يجب عليه القبول، بل عن صريح (الغنية) وظاهر (الدروس) الاجماع
عليه، وهو الحجة، مضافا إلى النص المتقدم بعد معلومية عدم مدخلية
غيبته إلا من حيث عدم بلوغ الرد معه غالبا، وإلى صحيح محمد بن مسلم
أو حسنه بإبراهيم بن هاشم - كما قيل - " عن أبي عبد الله (ع) قال:
إن أوصى رجل إلى رجل - وهو غائب - فليس له أن يرد وصيته. وإن
أوصى إليه - وهو في البلد - فهو بالخيار إن شاء قبل وإن شاء لم يقبل " (1)
وهو كسابقه في الكناية عن عدم البلوغ إليه و " الرضوي ":
إذا أوصى رجل إلى رجل وهو شاهد فله أن يمتنع من قبول الوصية.
وإن كان الموصى إليه غائبا ومات الموصي من قبل أن يلتقي مع الموصى
إليه فإن الوصية لازمة للموصى إليه " (2) مع أن الرد بعد
القبول إذا لم يبلغه مستلزم للتغرير الممنوع عنه شرعا وعقلا

(1) الوسائل: كتاب الوصايا، باب 23 من أحكامها، حديث (1)
(2) راجع ذلك من (الفقه الرضوي) في أوائل باب الوصية للميت.
175

خلافا لما عن (المختلف) و (التحرير) و (المسالك) فجوزوا
الرد قبل القبول مطلقا، ولو بعد الموت، للأصل المانع من إثبات حق
على الموصى إليه على وجه قهري، وكون الموصي مسلطا على تنفيذ وصايته
على الغير بغير اختياره الموجبين للضرر والحرج المنفيين آية ورواية.
وهو جيد إلا أنه - كما ترى - اجتهاد في مقابل النصوص
المعتبرة المعمول بها. فظهر وجوب القبول بعد موت
الموصى وقبله مع عدم بلوغ الرد وعدم تأثير
الرد معه مطلقا قبل القبول وبعده.
والله العالم بحقايق أحكامه
تم ما أردنا بيانه من
كتاب الوصية والحمد
لله أولا وآخرا
وظاهرا وباطنا
176

رسالة في المواريث
177

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على كل حال، وبه نستعين
178

كتاب المواريث
والكلام فيه يتم في ضمن مقدمات، ومباحث، ولواحق:
(المقدمة الأولى في موجبات الإرث)
وهي: إما نسب أو سبب. والثاني قسمان: زوجية وولاء. والثاني
أصناف ثلاثة: ولاء المعتق، وولاء ضامن الجريرة، وولاء الإمام.
أما النسب فهو اتصال الشخصين بالولادة شرعا: إما بانتهاء أحدهما
إلى الآخر: ولو بوسائط كثيرة، أو بانتهائهما إلى ثالث مع صدق القرابة
عرفا، وإلا لعم النسب وبطل الولاء، لانتهاء الكل إلى آدم (ع).
فيخرج بقولنا (شرعا) ولد الزنا، ويدخل فيه المولود من الشبهة ونكاح
أهل الملل الفاسدة، وبقيد (الصدق عرفا) في الحاشية: من كان بعيدا
لكثرة الوسائط بحيث يخرج عرفا عن كونه قريبا.
فللنسب عمود، وحاشية، فالعمود: هو الانتهاء إلى الغير من الآباء
وإن علوا، والأبناء وإن نزلوا، وإن تكثرت الوسائط.
وحاشية النسب: هو الانتهاء مع الغير إلى ثالث: فإن كان بلا
واسطة فهم الإخوة ذكرانا أو إناثا، وأولادهم أولاد الإخوة.
وإن كان بواسطة واحدة كان عما أو عمة وخالا أو خالة حقيقة
فالعم أخو الأب، والعمة أخته، والخال أخو الأم، والخالة أختها.
وإن كان بواسطتين، فهو عم الأب، وأخته عمته، وخال الأم وأخته خالتها
179

وإن تكثرت الوسائط كان الذكر عم الجد والجدة أو خالهما،
والأنثى عمتهما أو خالتها.
والولاء لا تقدير فيه أصلا.
والمصاهرة فيها تقدر على كل تقدير، فإن الزوج له النصف على تقدير
والربع على تقدير آخر، والزوجة لها الربع أو الثمن كذلك.
والأرحام: منهم كالولاء في عدم التقدير أصلا، وهم: الذكور
من الأولاد منفردين أو منضمين إلى البنات. ومنهم كالمصاهرة في التقدير
على كل تقدير، وهم: الأم فإن لها الثلث مع عدم الحاجب، والسدس
معه، وكلالتها، فلها السدس إن اتحدت، والثلث إن تعددت، ومنهم
من له تقدير على تقدير وليس له على تقدير آخر، كالبنت والبنتين والأخت
والأختين من الأبوين أو من الأب مع فقد المتقرب بهما، فلها النصف
أو الثلثان مع عدم الذكر، ولا تقدير لهن معه، وكالأب مع الولد، فله
السدس ولا تقدير له مع عدمه.
ثم النسب: له طبقات ثلاثة، ولكل طبقة درجات لا تشارك اللاحقة
سابقتها، ولكل طبقة - عدا الثالثة - صنفان يتشاركان في الإرث لا يمنع
أحدهما الآخر.
فالطبقة الأولى: الأبوان من غير ارتفاع، والأبناء وإن نزلوا، غير
أن ولد الولد لا يشارك الولد، وولد الميت يشارك أباه وأمه " ولا يشاركه
أجداده وجداته.
والطبقة الثانية: الإخوة وأولادهم، وإن نزلوا، والأجداد وإن علوا، إلا أن
الدرجة العالية من الأولاد تمنع النازلة، والدانية من الأجداد تمنع العالية، لما عرفت
من أن لكل صنف درجات، ولا يمنع القريب من أحد الصنفين البعيد
من الآخر.
180

والطبقة الثالثة - وهم الأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات - صنف
واحد، خلافا لنادر منا - كما ستعرف - إلا أن الداني منهم يمنع العالي، ذكرا كان
أو أنثى، فإن العم يمنع عم الأب، وهو يمنع عم الجد، وهكذا ما تصاعدوا وكذا
الخال الأدنى يمنع الخال الأبعد، والعمة والخالة كالعمة والخال، وأولادهم أولاد
الأعمام وأولاد الأخوال، ما تنازلوا، غير أن القريب منهم يمنع البعيد
مطلقا، فالعم يمنع ابني الخال والخالة، وكذا الخال يمنع ابني العم والعمة
وابن القريب - وإن بعد - يمنع البعيد وأولاده، والقريب من أولاد أحدهما
يمنع البعيد من أولاد الآخر، لأنهم صنف واحد، إلا ابن العم للأبوين
فإنه يمنع العم للأب - وحده - للدليل الخاص - كما ستعرف - ولا يمنع
البعيد القريب في غيره، ولا يرث معه، إلا إذا لم يزاحمه في استحقاقه
كما جزم به جدنا (في المصابيح) تبعا للدروس، مثل أخ حر وولد نصفه
حر: فإن المال بينهما نصفان، وقد يتفق ذلك في الإخوة والأجداد بغير
حجب، كما لو اجتمع الجد الأعلى لأب مع الأدنى لأم - وكان معهما
أخوة للأب - فللجد للأم فرضه، والجد البعيد لا يزاحمه فيه، فلا يحجب
به، وإنما يزاحم الإخوة، وهم لا يحجبونه، ولو كان الجد الأدنى للأم
يحجب الجد الأعلى للأب لبعده لما شارك الجد الأعلى مع الإخوة، مع
أنه يشاركهم، وكما لو اجتمع الجد الأعلى لأم مع الأدنى لأب
- ومعهما إخوة للأم - فإن الجد الأدنى للأب لا يحجب الأعلى للأم
لاختصاصه بالثلثين، والجد الأعلى - لكونه غير محجوب بالأدنى - يشارك
الإخوة للأم، وسيأتي تحقيق ذلك في الحجب، والمتقرب بالأبوين يمنع المتقرب
بالأب خاصة.
181

(المقدمة الثانية في الموانع وهي أمور)
(الأول) الكفر. وهو: مقابل الايمان (1) الذي هو التصديق

(1) الذي يستعرض كتب اللغة والتفسير والعقائد وبعض كتب الأخبار
في هذا الشأن يلمس الايجابية في حقيقة الكفر ودخل عدم الايمان في ذلك
ففي القاموس - مثلا - يعرفه بأنه ضد الايمان. وكذلك غيره من كتب اللغة
فإن عامتهم يأخذون في حقيقته: الجحد والمعاندة والتغطية أيضا. وكذلك
نلمس المقابلة واضحة في تعاريف الكفر والايمان معا الواردة على ألسنة أهل التفسير
والعقائد والحديث، ففي التجريد للخاجة نصير الطوسي: " والايمان التصديق
بالقلب واللسان - إلى قوله - والكفر عدم الايمان إما مع الضد أو بدونه. "
وفي شرحه للعلامة الحلي: " الكفر في اللغة هو التغطية، وفي العرف الشرعي
هو عدم الايمان إما مع الضد، بأن يعتقد فساد ما هو شرط في الايمان،
أو بدون الضد كالشاك الخالي من الاعتقاد الصحيح والباطل " وتتضح
المقابلة أكثر لو استعرضنا بعض الآيات والروايات في المقام كقوله تعالى:
" ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين ".
وقول الإمام الصادق (ع) - كما في أصول الكافي -: " الكفر في كتاب
الله على خمسة أوجه، فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين وكفر
النعم، والكفر بترك ما أمر الله، وكفر البراءة: " فالمقابلة بين الكفر
والايمان إيجابية واضحة حتى كأنهما - أو هما - من المعاني المتضايفة التي يدخل
أحدهما في تعريف الآخر كالفوقية والتحتية، والإمامية والورائية ونحوهما
الأمر الذي يعطى أن تقابلهما من باب العدم والملكة أو الضدين، لا من
باب السلب والايجاب - كما قيل -، فهي مقابلة بالمعنى الأخص. وقد تكون
المقابلة بين الكفر والاسلام، ولكن لا على هذا الغرار، بل بالمعنى
الأعم أي مقابلة السلب والايجاب.
وبالجملة: فقد يراد بالكفر: ما يقابل الاسلام من حيث
ترتيب الآثار الشرعية: من النجاسة والهدر وقطع المناكحات والتوارث
ونحوهما مما يترتب على محض اظهار الاسلام. وملاكه: إنكار ما يعتبر في
حقيقة الاسلام بالمعنى الأعم من الاعتراف بالشهادتين والمعاد. وقد يراد
بالكفر: ما يقابل الايمان الذي هو الاسلام بالمعنى الأخص -: من الاعتراف
بجميع ما يعتبر في الاسلام وزيادة الإمامة والعدل ونحوهما من ركائز الايمان
- كما هي مدرجة في كتب العقائد -. وقد لا يستلزم انكار ذلك ترتب
الآثار الشرعية المذكورة ظاهرا: من النجاسة ونحوها " ولكنه معدود في
الآخرة من الكافرين.
182

بالمعارف الخاصة مطلقا، أو منضما إليه الاقرار باللسان فقط، أو هو مع
العمل بالأركان (1).
والاسلام أعم منه مطلقا على قول (2) أو متحد معه صدقا لا مفهوما

(1) ولقد عرفه الشيخ المفيد - قدس سره - في كتبه العقائدية باحتواء
هذه المفاهيم الثلاثة فقال: " الايمان: التصديق بالجنان والاقرار باللسان
والعمل بالأركان " آخذا ذلك من كثير من الروايات، من ذلك ما أخرجه
(ابن ماجة وابن مردويه والطبراني والبيهقي) - في شعب الايمان - عن
علي بن أبي طالب (ع) قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " الايمان معرفة
بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان ".
(2) بمعنى أن النسبة بين الاسلام والايمان من العموم والخصوص
المطلق، والخصوصية في جانب الايمان. وهذا المعنى يظهر لكل من يصوب
نظره في كتب اللغة والتفسير والحديث والعقائد، فكتب اللغة تعرف
الاسلام بالاذعان والانقياد والاستسلام والدين ونحو ذلك من المفاهيم العامة
وتعرف الايمان بالتصديق والاذعان والاعتقاد ونحو ذلك من تركيز تلك
المفاهيم. وهكذا كتب التفسير، ففي تفسير قوله تعالى: " قالت الأعراب
آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم "
يقول الأزهري - كما في لسان العرب -: " فالاسلام إظهار الخضوع
والقبول لما أتى به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وبه يحقن الدم، فإن كان مع
ذلك الاظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الايمان الذي هذه صفته: "
وكذلك يظهر هذا المعنى من الكليني في أصول الكافي، والبرقي في
محاسنه - عن أحدهما (ع) حيث يقول: " الايمان إقرار وعمل، والاسلام
إقرار بلا عمل "، وما في خصال الصدوق - بسنده عن الأعمش - عن
جعفر بن محمد (ع) - في حديث -: " والاسلام غير الايمان، وكل مؤمن
مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا ". وغيرها كثير مما يدل على هذا المعنى.
183

على قول آخر، أو متحد معه فيهما وإن اختلفا حكما على قول ثالث، وهو
الأقوى، فالتصديق معتبر فيهما.
والكفر: عدم التصديق بما يكون التصديق به إيمانا، سواء صدق
بعدمه أو لا: وقيل بالأول. والأول هو الأشهر الأظهر، فالخالي عن
التصديقين ممن يكون من شأنه التصديق - سواء كان ملتفتا كالشاك أو غير
ملتفت كمن لم تبلغه الدعوة - كافر على الأول، وواسطة على الثاني.
مع امكان دعوى كون الثاني خارجا عن المقسم، لأن التقسيم إنما هو
بالنسبة إلى الملتفت دون الغافل.
وأما الصغير ومن بلغ مجنونا، فهما واسطة على كل تقدير، لعدم
الشأنية فيهما الموجب للخروج عن المقسم، ولعلهما يندرجان في المستضعفين
ولا يتوهم النقض بما يوجب الكفر من الأقوال والأفعال كالسب
وإلقاء المصحف في القاذورات مع وجود التصديق بأصول الايمان.
184

أما أولا، فلمنع اجتماع مثل ذلك مع الايمان وانكشاف زوال التصديق
بصدور واحد منهما كالاقرار الكاشف عما في القلب. وأما - ثانيا - فلو
سلم بقاؤه فلعل الحكم بكفره من الشارع إنما هو لحسم التجري على مثل
ذلك، ولا استبشاع في كون الشخص الواحد في الزمان الواحد كافرا
ومؤمنا باعتبار الظاهر والباطن، كمن أقر بالشهادتين المحكوم باسلامه
مع عدم الاعتقاد بما أقر به.
وكيف كان، فالكافر لا يرث المسلم باجماع المسلمين، والمسلم - عدا
الإمام - وإن كان بعيدا يرث الكافر، وإن كان له وارث قريب، ويحجبه
إجماعا منا، خلافا لمن خالفنا، تمسكا منهم بحديث: " لا توارث بين أهل
ملتين " (1) وفيه - مع إمكان دعوى ظهوره في نفي التوارث من الطرفين
لا نفيه من طرف واحد - إنه مفسر بذلك في عدة من أخبارنا.
ويدل على ذلك كله - مضافا إلى الاجماع بقسميه - النصوص المعتبرة
المستفيضة، بل المتواترة معنى وفيها الصحيح وغيره.
ففي الخبر عن أبي ولاد: " قال سمعت أبا عبد الله - عليه السلام -

(1) في (مجمع الزوائد للهيثمي: ج 4 ص 225) الطبعة الثانية
سنة 1967 م طبع دار الكتاب بيروت: " عن أبي هريرة قال قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: لا ترث ملة ملة. رواه البزاز والطبراني في الأوسط.
وفيه عمر بن راشد، وهو ضعيف عند الجمهور ".
وفي (التاج الجامع للأصول) تأليف الشيخ منصور علي ناصيف:
ج 2 ص 251 الطبعة الثانية سنة 1381 ه‍ - كتاب الفرائض والوصايا
والعتق: " عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله: لا يرث المسلم الكافر
ولا يرث الكافر المسلم. رواه الأربعة، ولأصحاب السنن: لا يتوارث
أهل ملتين شئ ".
185

يقول: المسلم يرث امرأته الذمية، وهي لا ترثه " (1) وخبر الحسن بن صالح
" عن أبي عبد الله (ع) قال: " المسلم يحجب الكافر ويرثه، والكافر لا يحجب
المسلم ولا يرثه " (2) وخبر أبي خديجة: " عن أبي عبد الله (ع) قال: لا يرث
الكافر المسلم، وللمسلم أن يرث الكافر إلا أن يكون المسلم قد أوصى
للكافر بشئ " (3) وخبر عبد الرحمان بن أعين عن أبي عبد الله (ع)
قال: " لا يتوارث أهل ملتين نحن نرثهم ولا يرثونا إن الله عز وجل لم
يزدنا بالاسلام إلا عزاء " (4) وخبر أبي العباس قال: " سمعت أبا
عبد الله (ع) يقول: لا يتوارث أهل ملتين يرث هذا هذا ويرث هذا
هذا، إلا أن المسلم يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم " (5) إلى غير ذلك
من النصوص الوافية ببيان ذلك.
وأما الإمام، فلا يرث من الكافر، وإلا لامتنع التوارث بين الكفار
إلا المرتد، فميراثه مع عدم المسلم الوارث للإمام - كما ستعرف -
ولو مات الكافر عن ولد كافر وزوجة مسلمة كأن أسلمت ومات
في العدة أو طلقها في المرض فمات وأسلمت في العدة، فالأصح - وفاقا
لظاهر المعظم كما في (مصابيح) جدي العلامة - أن للزوجة الربع، والفاضل
للإمام، ولا شئ للولد: أما كون الزوجة لها الربع فلأن الولد الكافر
بحكم المعدوم مع الوارث المسلم - وهو هنا الزوجة - فلا يرث ولا يحجبها
عن نصيبها الأعلى بعد تنزيله منزلة العدم، وأما كون الفاضل للإمام (ع)
فلأنه إن لم يكن له، فلا يخلو: إما أن يكون للولد أو للزوجة. لا سبيل
إلى الأول، لأنه محجوب بالوارث المسلم وهو الزوجة، لعدم مشاركة
الكافر مع المسلم في الإرث فلا يحجب الإمام أيضا، والإمام (ع) إنما

(1 - 5) الوسائل: كتاب الفرائض والمواريث، باب 1 من أبواب
موانع الإرث، حديث (1) و (2) و (3) و (6) و (15)
186

يحجب عن إرث الكافر بالكافر الوارث المفقود في المقام لا مطلقا ولا سبيل
إلى الثاني أيضا، لما دل على عدم الرد على الزوجة مطلقا، كما هو الأقوى
فإذا بطل الأولان تعين الثالث، وهو كونه للإمام (ع).
واحتمل في (القواعد) في المسألة احتمالات، وقوى كون الثمن
للزوجة والباقي للولد حيث قال: " فإن قلنا بالرد فلا بحث، وإلا فأقوى
الاحتمالات: أن للزوجة الثمن، والباقي للولد، ثم الربع والباقي له أولها
أو للإمام (ع) (1)
ولنبين أولا وجوه الاحتمالات حتى يمتاز القوي منها على الضعيف:
أما وجه القول بكون الربع لها والباقي للإمام (ع) فقد عرفته (2)
وأما وجه القول بأن لها الثمن والباقي للولد: أما كون الثمن لها،
فلدخولها في عموم أو إطلاق (فلهن الثمن إن كان له ولد) وهذا ولد
وأما كون الباقي للولد، فلأنه إن لم يكن له: فإما أن يكون لها
أو للإمام (ع)، لا سبيل إلى الأول لأنها بالنسبة إلى الباقي كالمعدوم
لفرض عدم الرد عليها، ولا إلى الثاني لأن الكافر يرث من الكافر مع
عدم مسلم غير الإمام، والمفروض عدمه هنا حكما بالنسبة إلى الباقي.
ويضعفه عموم حجب الكافر بالمسلم وإطلاق الأصحاب عدم إرث
الكافر مع وجود مسلم غير الإمام، وتنزيلهم الكفار منزلة الموتى في الإرث
وأنه لو ورث، فأما أن ترث الزوجة الربع، وهو خلاف فرضها مع
الولد الوارث، أو الثمن فيلزم حجب المسلم بالكافر، وهو باطل بالنص

(1) راجع ذلك في كتاب الفرائض، أوائل الفصل الثاني في موانع
الإرث، المطلب الأول - في الكفر. وأول العبارة هكذا " ولو كان مع
الولد الكافر زوجة مسلمة، فإن.. ".
(2) آنفا من قوله: " أما كون الزوجة لها الربع.. " الخ
187

والاجماع من الأمة عدا ابن مسعود - كما قيل -
وأما وجه القول بأن لها الربع والباقي له: أما كون الربع لها، فلأن
الكافر لا يحجب المسلم، فلها الربع مع عدم الحاجب. وأما كون الباقي له
فلعين ما تقدم: من كون الباقي - عدا الثمن - له لا لها، ولا للإمام (ع)
وضعفه يظهر مما تقدم.
وأما وجه القول بأن الباقي لها بالرد، فهو ما دل على عدم إرث
الكافر مع وجود المسلم وعدم إرث الإمام من الكافر، وهو حسن بالنسبة
إلى عدم كون الباقي للولد.
وأما الرد عليها، فيضعفه ما دل على المنع عنه مطلقا، ولا دليل
يوجب تخصيص منع الرد عليها بغير المقام.
وأما الإمام، فقد عرفت أنه إنما يحجب بالكافر الوارث لا مطلقا،
والوارث المسلم هنا - وهو الزوجة - يجتمع مع الإمام في الإرث.
وبالجملة: لا سبيل إلى إرث الولد ما فضل عن نصيب الزوجة، لأنه
حينئذ: إن كان لها الربع كان منافيا لما دل على أن نصيبها الثمن مع الولد
الوارث، وإن كان لها الثمن كانت محجوبة في نصف الربع بالكافر،
والكافر لا يحجب المسلم. فإذا بطل كون الفاضل له: فإما أن يكون لها
أو للإمام، لا سبيل إلى الأول أيضا، لعدم الرد عليها مطلقا، فتعين كونه
للإمام، وحيث لا يكون الولد وارثا لا يكون حاجبا عن نصيبها الأعلى.
(والنقض) بالأخوة الحاجبة للأم عن نصيبها الأعلى مع عدم إرثهم
(مدفوع) بأنه قياس مع الفارق، لقيام الدليل على حجب المسلم غير
الوارث للمسلم، ولم يقم دليل على حجب الكافر كذلك للمسلم، بل عموم
ما دل على عدم حجب المسلم بالكافر دليل على العدم.
فظهر قوة ما قويناه من الاحتمالات، وضعف الباقي منها.
188

هذا وظاهر عبارة (القواعد) التنافي بين كلاميه، حيث بنى الاحتمالات
على القول بعدم الرد عليها وجعل منها احتمال الرد عليها.
(ووجهه في كشف اللثام) (1) بما يرجع محصله - بتوضيح منا -
إلى أن المبنى هو نفي عموم الرد، لا عموم نفيه، فإنه في مقابل الايجاب
الكلي وهو قوله " فإن قلنا بالرد فلا بحث " يكفي السلب الجزئي الذي
يجتمع مع القول بالتفصيل: من كونه للإمام في زمان حضوره، والرد
عليها في غيبته، وبعبارة أخرى: إن لم نقل بالرد مطلقا سواء قلنا بعدمه
مطلقا أو في خصوص زمان الحضور وحينئذ فاحتمال كون الباقي لها منزل
على زمان الغيبة، واحتمال كونه للإمام منزل على زمان الحضور أو القول
بالعدم مطلقا.
وفيه: مع أنه تفكيك ركيك أن القول بالرد في الغيبة أيضا يناسب
عدم البحث فيه، لأنه كالقول بالرد عليها مطلقا من حيث كون الباقي لها
فالمناسب أن يكون المقابل الذي فيه البحث عدم الرد عليها مطلقا في زمان
الحضور والغيبة.
فالأحسن أن يجاب عنه: بأن الرد المنفي الذي لا بحث فيه إنما هو
الرد عليها بالأصل، فلا ينافي الرد عليها هنا بالعرض، للانحصار فيه
بعد بطلان كون الباقي للولد، لأنه محجوب بالزوجة المسلمة، وبطلان
كونه للإمام: لأنه لا يرث الكافر غير المرتد، وإلا لامتنع التوارث بين
الكفار، فانحصر كونه لها في خصوص المقام.
هذا ولا يتوهم منافاة ما ذكرناه آنفا: من اشتراط الحجب بالمزاحمة

(1) كشف اللثام في شرح قواعد الأحكام لمحمد بن الحسن الأصفهاني
الشهير بالفاضل الهندي. راجع ذلك منه في كتاب الفرائض: أوائل المطلب
الأول في الكفر من الفصل الثاني في موانع الإرث.
189

بحيث ينتفي بانتفائها، لما ذكرنا هنا: من حجب الزوجة المسلمة الولد
الكافر مع عدم مزاحمته لها فيما زاد على نصيبها الأعلى، لأن حجب
القريب للبعيد في " أولى الأرحام " إنما هو إذا زاحمه على وجه يكون المال
له لولاه، ضرورة اختصاص الأولوية آية ورواية بالميراث فحيث لا ميراث
لا أولوية. وسبب الحجب في المقام إنما هو حيثية الاسلام والكفر، زاحم
أو لم يزاحم، فأثر الحجب هنا توريث الإمام كأثر حجب الإخوة للأم
للتوفير على الأب.
ولو كان الكفر تبعيا بأن مات الكافر وله أولاد صغار وله ابن أخ
وابن أخت مسلمان، فعن مالك بن أعين قال: سألت أبا جعفر (ع) عن نصراني
مات وله ابن أخ مسلم وابن أخت مسلم، وللنصراني أولاد صغار وزوجة
نصارى؟ قال فقال: أرى أن يعطى ابن أخيه ثلثي ما ترك ويعطى ابن
أخته المسلم ثلث ما ترك، إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد
صغار فإن على الوارثين أن ينفقا على الصغار مما ورثا من أبيهم حتى يدركوا
قيل كيف ينفقان؟ قال فقال: يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج
وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطعا النفقة عنهم، قيل له: فإن
أسلموا وهم صغار؟ قال: يدفع ما ترك أبوهم إلى الإمام حتى يدركوا، فإن
بقوا على الاسلام دفع الإمام ميراثهم إليهم، وإن لم يبقوا على الاسلام إذا
أدركوا دفع الإمام الميراث إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمين: يدفع إلى ابن
أخيه ثلثي ما ترك، ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك " (1)
وتنقيح المسألة: هو أن يقال: الكفر التبعي الحاصل بالتولد من
الكافرين: هل يزول بموتهما كما في (كشف اللثام) حيث علل بأن كل

(1) الكافي للكليني: كتاب المواريث. باب آخر ميراث أهل الملل
حديث (1).
190

مولود يولد على الفطرة، وإنما حكم بكفر الصغير تبعا لأبويه، فإذا
ماتا زالت التبعية، أو لا يزول؟ وهو الأقوى، بل هو ظاهر إطلاق
الأصحاب في مباحث النجاسات وأحكام الموتى والنكاح والقصاص
والديات والاسترقاق وغيرها.
وعليه، فهل يزول بالاسلام مطلقا، أو يتوقف على إسلامه عند البلوغ؟
الأقوى الأول، بعد تنزيل ما دل على التبعية على الغالب من نقصان
الصبي عن إدراك الأديان وتميز ما هو الحق منها، وإلا فلو فرض معرفته
بأصول الايمان معرفة تامة وتصديقه بها، فهو مسلم حقيقة غير محكوم
عليه بالتبعية - البتة - ولو مع وجود الأبوين، إلا أن إسلامه غير مستقر
ما لم يبلغ، فإذا بلغ كذلك استقر. كما أن الكفر التبعي لا يستقر إلا بالبلوغ
كافرا، فكل: من الكفر والاسلام متزلزل لا استقرار له إلا بعد البلوغ
بل ما دل على أن الكافر لو أسلم قبل القسمة شاركهم في المال أو حازه
كله (1) يدل على أن حجب الكافر من الإرث بالمسلم يتوقف على أمرين:
البلوغ والقسمة، ولذا لو أسلم قبلها ورث المال - كلا أو بعضا - لوجود
العلقة النسبية وزوال المانع، فالحجب حين الكفر في الصغر حجب متزلزل
لا يستقر إلا يتحقق الأمرين. وحينئذ فمن حيث حجبهم ولو متزلزل يعطى
المال للمسلمين يحفظانه ولا يتصرفان فيه، لعدم استقرار الحجب قبل البلوغ

(1) أي شاركهم إن كان معه غيره، وحازه كله، إن إنفرد بحق
الإرث. ولقد عقد في الوسائل كتاب الفرائض والمواريث بابا مستقلا في
هذا المعنى أسماه: (باب أن الكافر إذا أسلم على ميراث قبل قسمته
شارك فيه إن كان مساويا، واختص به إن كان أولى) استعرض فيه
الروايات الدالة على ذلك، كقول الإمام الصادق (ع): " من أسلم على
ميراث قبل أن يقسم فله ميراثه، وإن أسلم وقد قسم فلا ميراث له ".
191

والقسمة، وينفقان عليه لاحتمال زواله قبلها الكاشف عن إرثه من أول
الأمر، كما أن بقاءه على الكفر بعد البلوغ مع عرض الاسلام عليه
وإبائه عنه يكشف عن إرث المسلم من حين الحجب. وأما إذا أسلم في حال
الصغر ارتفع الحجب لزوال الكفر التبعي بعروض الاسلام وتحققه
حقيقة، ولكن يتوقف استحقاقه الإرث على الاتصاف به بعد البلوغ
كالحمل المتوقف إرثه على تولده حيا بحيث لو ولد ميتا انكشف عدم إرثه
إلا أنه لعدم استقراره قبل البلوغ تولى حفظه ولي المسلمين، وهو الإمام (ع)
وأنفق عليه ما يحتاج إليه، وإن لم ينص عليه في الرواية إلا أنه معلوم
بالأولوية: من إنفاق المسلمين الوارثين، فإن بقي على إسلامه بعد البلوغ
دفع إليه إرثه، وإلا دفعه إلى الوارث المسلم، وهذا القسم من الاسلام
لعدم كونه فطريا لا يوجب الارتداد عنه الارتداد عن فطرة، كما أن
الارتداد عنه في حال الصغر لعدم المؤاخذة عليه لرفع القلم لا يجري عليه
أحكام المرتد الفطري، وإن حكم بكفرة حقيقة.
وبالجملة، ما ذكرناه هو مفاد (الرواية) على تقدير صحة سندها،
إلا أن الشأن في ذلك، حيث وقع الخلاف فيه: فمنهم من وصفها بالصحة
كالعلامة في بعض كتبه والشهيد في الدروس ومحكى (شرح الإرشاد)
وابن فهد في (محكي المهذب) بل عن جدنا المجلسي نسبته إلى أكثر
الأصحاب، ومنهم من ضعفها لتردد مالك بن أعين بين أخي زرارة
الضعيف والجهني المجهول، وفي بعض نسخ (الفقيه) أسندها إليه وإلى
عبد الملك، وعليه الحر في (الوسائل) بل أكده بعد العطف بالواو بلفظ
(جميعا) وعبد الملك - وإن كان ممدوحا - إلا أنه بغير توثيق، وعليها
فتكون الرواية بطريق (الفقيه) حسنة، وأين الحسن من الصحيح؟ وفي
بعض نسخه - على ما حكاه جدنا في (المصابيح) - الترديد بين مالك
192

وعبد الملك بلفظ أو، بل خطأ فيه الوسائل في العطف بالواو، وعن (الوافي)
أيضا: الترديد بأو، دون العطف بالواو، ومع الاحتمالين لا يوصف السند
إلا بالأخس بل ذكر عبد الملك بن أعين في طريق الصدوق يؤيد كون
مالك أخا زرارة وهو مذموم
وعلى كل حال، فالرواية ضعيفة السند، إلا أن يقال بانجبارها
بالشهرة - بقسميها - رواية وفتوى، لظهور رواية الراوين لها في العمل
بها، مضافا إلى نسبة الفتوى بها إلى المفيد والقاضي والحلبي وابن زهرة
والكيدري ونجيب الدين وابن سعيد في الجامع، بل في الدروس: أن عليها
معظم الأصحاب. وعن (المسالك) نسبة ذلك إلى أكثرهم، وإن اختلفوا
فبعض اقتصر على موردها، ونسب المقتصر على موردها في (المصابيح)
إلى الندرة، وبعض عنون المسألة بما إذا اجتمع مع الأولاد الإخوة للأب
والإخوة للأم، وهو المحكي في (المصابيح) عن الشيخين والقاضي، وبعض
طرد الحكم في اجتماع القرابة مطلقا معهم كالحلبيين والمحقق الطوسي والكيدري
على ما حكاه عنهم في (المصابيح) والظاهر من المقتصر على مورد الرواية
أو على إخوة الأب والأم في الذكر إنما هو من باب المثال، وإلا فالحكم
عندهم مطرد كمن أطلق الحكم من غيرهم.
واختلف بعض المتأخرين: فبين من طرحها لضعفها كثاني الشهيدين
في (المسالك) وجدنا في (المصابيح) وغيرهما، وبين من توقف في العمل
لضعف السند، ومخالفة المتن للأصول المقررة والقواعد المسلمة: من
إيجاب النفقة على الورثة بلا سبب وذهابها ممن يستحقها من غير عوض،
واعتبار إسلام الصغير في الحكم بإرثه مراعى وتوريث من أسلم بعد القسمة
ومنع الوارث المسلم من دون حاجب، فإن الطفل تابع لأبويه في الكفر
إجماعا، ولولا التبعية لاطرد الحكم في الأطفال مطلقا ولكان المتصرف
193

بالانفاق عليهم الولي الشرعي دون القرابة، ولم يقل به أحد.
وأنت خبير بما في موجبات الطرح أو التوقف: أما ضعف السند،
فمع كونه مجبورا فطريقه صحيح إلى مالك بن أعين: وفيه الحسن بن
محبوب، وهو من أصحاب الاجماع، ولعله لذا وصفها الأكثر بالصحة
واعترفوا بكونها من المشاهير، فهي - إذا - حجة لا بأس بتخصيص
العمومات بها. وأما مخالفة المتن للأصول فيما ذكرنا ظهر لك عدم مخالفته
لشئ منها، لأن بذل النفقة إنما هو لكون علقة النسب مقتضية للإرث
والمانع - وهو الكفر التبعي - وحجبه بالمسلم لعدم استقراره قبل البلوغ
غير معلوم، ولذا لا يرجع عليه بعوضها، وقبض الوارث المسلم أو المسلمين
للحجب المتزلزل إنما هو مراعى باستقرار الحجب عند البلوغ، فليس
قبض استحقاق للإرث حتى كون قسمة، فمن بلغ وقبل الاسلام كان
أحق بالإرث ولم يندرج في مسألة (من أسلم بعد القسمة) لعدم تحققها
وإن بقي على الكفر تحقق المانع واستقر الحجب وكان الإرث للوارث المسلم
أو المسلمين.
ولو أسلم الصغير زالت التبعية وينفق عليه بالأولوية، ويتولى قبض
المال ولي المسلمين، إلا أن إسلامه لتزلزله وعدم استقراره قبل البلوغ
لا يكون كالصغير المتولد من المسلم في استحقاق الإرث من حينه، بل يكون
مراعى بانكشاف حاله عند البلوغ: فإن بقي على إسلامه إلى البلوغ
دفع إليه إرثه لاستقرار إسلامه، وإلا حجب بالوارث المسلم ودفع إليه
وبالجملة، فمن حيث تحقق الاسلام وزوال الكفر التبعي به لم يتول
الوارث المسلم قبض المال، ومن حيث عدم استقراره قبل البلوغ تولى
قبضه الإمام.
فقد ظهر لك مما ذكرنا عدم مخالفة الرواية بشيء من القواعد.
194

وإن أبيت عن ذلك فنقول: بعد حجية الخبر لما تقدم يكفي الخروج به
عن تلك القواعد. وإن سلمت مخالفته لها، فالأظهر ما عليه الأكثر،
وإن كان الاحتياط مع الامكان لا ينبغي تركه.
بقي هنا مسائل:
(الأولى) الكفار يتوارثون على اختلاف أصنافهم في الملة، ما لم
يكن مسلم وارث غير الإمام - وإن بعد - فيرث الذمي بأصنافه الحربي
بأصنافه، وبالعكس. وما ورد، من أن أهل ملتين لا يتوارثون، فالمراد
ملة لكفر وملة الاسلام (1) وإلا فالكفر - كما ورد - ملة واحدة - كما أن المسلمين
يتوارثون على اختلاف مذاهبهم، لاتجادهم في الملة، إلا الغلاة والنواصب
وشبههم، فإنهم كفار وإن انتحلوا دين الاسلام، فنرثهم ولا يرثوننا،
والطفل يتبع أشرف الأبوين إذا اختلفا في الكفر والاسلام.
فالكلام في هذه المسألة يتم في ضمن ثلاثة مطالب:
(المطلب الأول) في توارث الكفار الأصليين بعضهم من بعض
مطلقا. ويدل عليه - مضافا إلى عموم ما دل على سببية النسب والسبب
للإرث - خصوص المعتبرة المستفيضة - بل المتواترة معنى - الدالة على ذلك
منطوقا ومفهوما (2)، والاجماع المستفيض المعتضد بعدم وجدان الخلاف
فيه، إلا ما يحكى عن (الديلمي) فيتوارثون ما لم يكونوا حربيين، وما
يحكى عن (شارح الايجاز) فالحربي لا يرث الذي. ولعل الوجه في ذلك:

(1) كما مرت - آنفا - الروايات الواردة عن الأئمة الأطهار (ع)
في هذا المعنى.
(2) ولقد عقد في الوسائل - كتاب الفرائض والمواريث - لذلك بابا
خاصا في ضمن أبواب موجبات الإرث، فقال: باب أن الميراث يثبت
بالنسب والسبب.
195

أن أموالهم في، فلا يملكها أحد منهم، والذمي يملك منهم ولا يملكون
منه، وفيه - مع مخالفته لعموم ما دل على توارث الكفار - أن غايته
سقوط احترام ماله وجواز مزاحمته فيه، لا عدم تملكه له بالإرث وغيره
(المطلب الثاني) في توارث المسلمين: بعضهم من بعض، وإن اختلفوا
في المذهب، وهو مدلول عليه بالكتاب والسنة والاجماع: عموما وخصوصا
بل هو من ضروريات الدين.
نعم يستثنى منهم من حكم بكفره من الفرق التي:
(منها) من أنكر ضروريا من ضروريات الدين كمستحل الخمر
والخنزير، وترك الصلاة والزكاة، بالاجماع المحكي فوق حد الاستفاضة
المعتضد بعدم الخلاف فيه، وإن اختلفوا في كون الانكار: هل هو بنفسه
سبب مستقل على حد إنكار التوحيد والرسالة - كما نسب إلى الأكثر بل
عن بعض إلى ظاهر الأصحاب - ولعله لاطلاق حكمهم بكفر منكر الضروري
أو لاستلزامه عدم تصديق النبي أو تكذيبه فيما جاء به، كما هو قضية من
قيد الانكار بعدم الشبهة المحتملة في حقه كالمقدس الأردبيلي في (مجمعه)
والمحقق الخونساري في (حاشيته الجمالية) والوحيد البهبهاني في (شرح
المفاتيح) (1) وغيرهم، لأن مرجع الشبهة إلى إنكار كونه مما أخبر به

(1) مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد العلامة، للمقدس المولى
أحمد بن محمد الأردبيلي المتوفى في النجف الأشرف سنة 993 ه‍. طبع
بإيران في مجلد ضخم بالشكل الحجري، وحاشية شرح الإشارات للمحقق
الآقا حسين بن جمال الدين محمد الخوانساري المتوفى سنة 1099 في الفلسفة
والعقائد. ولعله لا يزال من نفائس المخطوطات، وربما توجد نسخة منه
في مكتبة آل كاشف الغطاء في النجف الأشرف. وشرح مفاتيح الشرائع
للأستاذ الأكبر الآقا الوحيد البهبهاني المتوفى 1206 في كربلاء، ودفنه
تلميذه الأعظم السيد المهدي بحر العلوم مع أبيه السيد المرتضى في الرواق
الحسيني مما يلي قبور الشهداء. خرج منه ثمان مجلدات في العبادات وتوجد
بعض مجلداته في مكتبة أمير المؤمنين (ع) في النجف الأشرف.
196

النبي، لا إنكار ما أخبر به (1).
وعليه فيختص الحكم به بأهل المعرفة بكونه من الضروريات دون
من جهله، فيعم الحكم من أنكر ضروريا من ضروريات المذهب، وكان
هو من أهل ذلك المذهب كمن أنكر حلية التمتع، أو قال بالعول والتعصيب
وهو من الإمامية، لعلمه بأن حلية الأول وعدم ثبوت الثاني من ضروريات
مذهبه الذي يستند إلى إخبار النبي به، بل يعم الحكم لكل ما قطع بكونه
مما أخبر به، ولو من اجماع محصل، فإنه حينئذ انكار لما هو من الدين.
ولا بأس بنقل بعض عباراتهم في ذلك:
ففي (مجمع الأردبيلي) ما لفظه: " الضروري الذي يكفر منكره: الذي
ثبت عنده يقينا كونه من الدين ولو بالبرهان ولو لم يكن مجمعا عليه، إذ
الظاهر أن دليل كفره هو إنكار الشريعة وإنكار صدق النبي في ذلك مع
ثبوته يقينا عنده، وليس كل من أنكر مجمعا عليه يكفر، بل المدار على
حصول العلم والانكار وعدمه، إلا أنه لما كان حصوله في الضروري غالبا
جعلوا ذلك مناطا، وحكموا به، فالمجمع عليه ما لم يكن ضروريا لم يؤثر "
وفي (الحاشية الجمالية) قال: " ثم بعض ما علم ثبوته من الدين
ضرورة إنما يكون إنكاره كفرا إذا لم يكن ذلك لشبهة كأن يكون - مثلا -

(1) وبتعبير أوضح: هل أن انكار الضروري سبب مستقل للكفر
على نحو الموضوعية أو أنه يوجب الكفر من باب الطريقية لانكار الرسالة
ولا يتحقق ذلك إلا بالالتفات؟ المشهور هو الأول، والتحقيق هو الثاني
لأنه القدر المتيقن من الأدلة، ولتوقف الصدق العرفي للعنوان على ذلك المعنى.
197

قريب العهد بالدين، ولم ينشأ بين أهله، فلو كان لشبهة لا يحكم بكفره
وذلك لأن الحكم بكفر منكر الضروري كالصلاة إنما هو باعتبار أن كل
من نشأ بين المسلمين وعاشرهم يعلم بديهة وجوب الصلاة في شرعنا
وإخبار نبينا به، فانكاره لا يحتمل أن يكون باعتبار إنكار إتيان النبي صلى الله عليه وآله
به، بل ليس منشأه إلا عدم الايمان بالنبي والتصديق به، وإن كان يظهر
الايمان، ويقول بحسب الظاهر أن النبي لم يحكم بوجوبه، فإن ذلك للتقية
أو نحوها. وأما في الباطن فلم يؤمن، وليس منشأ الانكار إلا ذلك،
وظاهر أن هذا إنما يتمشى مع عدم الشهبة - كما ذكرنا - إذ من كان قريب
العهد والصحبة بالاسلام والمسلمين ونشأ في بلاد الكفر بلا اطلاع منه
على عقائد المسلمين، فربما خفي عليه بعض ضروريات الاسلام وإخبار
النبي صلى الله عليه وآله فلو أنكره لم يعلم من إنكاره إنكار النبي فتفطن "
وفي (شرح المفاتيح) للوحيد ما نصه: " إن كل من أنكر ضروري
الدين يكون خارجا عنه عند الفقهاء إذا لم يحتمل فيه الشبهة إلا أن يكون
قريب العهد بالاسلام أو ساكنا في بلاد الكفر معيشا فيها بحيث أمكن في
شأنه عروض الشبهة " انتهى.
قلت: ولعل الذي ألجأ هؤلاء إلى ما ذكروه، هو عدم الدليل على
سببية العنوان المتقدم بنفسه للكفر، فالتجأوا إلى إرجاعه إلى حيثية استلزامه
لعدم تصديق النبي أو تكذيبه الذي لا شك في سببيته له، ولذا قيدوا
الانكار بما يستلزم ذلك من عدم احتمال الشبهة، وجعلوه وهو الوجه
في ذلك.
وهنا وجه آخر، لعله أولى بالركون إليه يجتمع مع الوجه المذكور
ويفترق عنه، وهو: إن إنكار الضروري مستلزم لتحقق عنوانه الخروج
عن الدين الذي لا شك في سببيته للكفر، ضرورة أن التدين بدين الاسلام
198

معتبر في صحة الاسلام، لأن (أسلم) عرفا وشرعا بمعنى (دان) بدين الاسلام
بل ليس المراد من التكليف بالاسلام إلا التدين به واتخاذه دينا له والالتزام
بنحو التدين بجميع ما هو معتبر فيه: من الأصول والفروع من التوحيد
والنبوة، والتصديق بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله ولو بنحو الاجمال، ولا شك
في صدق الخروج عن الدين الموجب للكفر بعدم التدين بحكم من أحكامه
أو التدين بعدمه، لتضمن الكتاب والسنة: أن من خرج عن دين الاسلام
فهو كافر.
ففي الحديث: " أدنى ما يكون العبد به كافرا من زعم أن شيئا نهى الله
عنه أن الله أمر به ونصبه دينا... " (1) الحديث
وفي صحيحة أبي الصباح الكناني، قال: " قلت لأبي جعفر (ع)
إن عندنا قوما يقولون: أشهد أن لا أله إلا الله وأن محمدا رسول الله فهو
مؤمن؟ قال (ع): فلم يضربون الحدود ولم يقطع - إلى أن قال: فما بال
من جحد الفرائض كافرا " (2)
وفي مكاتبة عبد الرحيم الصحيحة، وفيها "... ولا يخرجه إلى الكفر
إلا الجحود والاستحلال بأن يقول للحلال: هذا حرام وللحرام: هذا
حلال، ودان بذلك، فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان، داخلا
في الكفر " (3)

(1) حديث مفصل ذكره الكليني في (ج 2 من أصول الكافي)
باب: أدنى ما يكون به العبد مؤمنا.
(2) الوسائل: باب (2) من أبواب مقدمة العبادات، حديث 3.
(3) وهو عبد الرحيم القصير عن أبي عبد الله (ع) - في حديث -:
" أنه كتب إليه مع عبد الملك بن أعين: سألت - رحمك الله - عن
الايمان. والايمان هو الاقرار - إلى أن قال -: والاسلام قبل الايمان.. "
(راجع الوسائل، كتاب الحدود والتعزيزات، باب 10 جملة مما
يثبت به الكفر والارتداد، حديث (50)
199

وفي صحيحة عبد الله بن سنان " قال: سألت أبا عبد الله - عليه السلام -
عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت: هل يخرجه ذلك عن
الاسلام - إلى أن قال - فقال (ع): من ارتكب كبيرة من الكبائر
فزعم أنها حلال أخرجه ذلك عن الاسلام... " الخ (1)
ونحوها رواية مسعدة بن صدقه المروية في (الكافي) في باب
الكبائر. (2)
وصحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر (ع) " قال: سألته عن أدنى
ما يكون به العبد مشركا؟ قال (ع): من قال للنواة: حصاة وللحصاة:
إنها نواة ثم دان به " (3)
وما رواه في (الوسائل) عن تحف العقول عن الصادق (ع) - في حديث -
قال: "... ويخرج من الايمان بخمس جهات من الفعل، كلها
متشابهات معروفات: الكفر والشرك والضلال والفسق وركوب الكبائر
فمعنى الكفر كل معصية عصي الله بها بجهة الجحد والانكار والاستخفاف
والتهاون في كل ما دق وجل، وفاعله كافر، ومعناه معنى كفر من أي ملة كان
ومن أي فرقة كان بعد أن يكون بهذه الصفات فهو كافر - إلى أن قال -: فإن
كان هو الذي مال بهواه إلى وجه من وجوه المعصية لجهة الجحود
والاستخفاف والتهاون فقد كفر، وإن هو مال بهواه إلى التدين لجهة

(1) الوسائل: كتاب الطهارة، باب 2 من أبواب مقدمة العبادات، حديث (10، 11).
(2) الوسائل: كتاب الطهارة، باب 2 من أبواب مقدمة العبادات، حديث (10، 11).
(3) أصول الكافي للكليني: كتاب الايمان والكفر باب الشرك،
حديث (1).
200

التأويل والتقليد والتسليم والرضا بقول الآباء والأسلاف فقد أشرك " (1)
ومفاد هذه الأخبار لا ينفك عن العنوان المنتزع منها، وهو الخروج
عن الدين الذي هو سبب للكفر، بل هو الكفر حقيقة، من غير فرق
في عدم التدين بين ما كان من أصول الدين أو من فروعه بعد العلم - أو ما بحكمه -
بأنه من الدين.
وهذان الوجهان (2) يشتركان في التكفير بانكار ضروري المذهب من
أهل المذهب، بل كل ما قطع من دليله بأنه حكم النبي فحكم بخلافه وإن لم
يكن ضروريا، وكذا إذا اعترف بالقطع به بل الأخيران أولى لحصول العلم
الفعلي له فيهما، وفي الأول علمه بالضرورية من حيث وجوب التدين به
لبطلان الشبهة في مقابل الضرورة بحكم العلم بالمخالفة لعدم اتصافه في الحقيقة
بالعلم الذي هو من الصفات النفسانية.
ويفترقان في من أنكر الضروري مع علمه بأنه ضروري لشبهة أوجبت
له إنكار كونه مما أخبر به النبي، فلا يحكم بكفره على الأول لعدم
تكذيبه للنبي، ويحكم به على الثاني لخروجه به عن الدين بعد أن لم يكن
مسرح للشبهة في مقابل الضرورة، وبعبارة أخرى: العلم بضروريته من
الدين بحكم علمه بكونه منه في وجوب التدين به والخروج عن الدين

(1) الوسائل: كتاب الطهارة، باب 2 من أبواب مقدمة العبادات
حديث (15).
(2) اللذان وجه المصنف بهما القول المخالف للمشهور في تقييد عنوان
المنكر للضروري باستلزام عدم تصديق النبوة وتكذيب النبي، وقد أشار
إلى الأول منهما بقوله: (قلت ولعل الذي) وإلى الثاني بقوله: (وهنا
وجه آخر..) وملاك الوجه الأول: الانكار والتكذيب، وملاك الثاني:
الخروج عن الدين مطلقا.
201

بمخالفته، ولذا قيدنا إنكار الضروري بكون ضروريته معلومة للمنكر.
والأخبار - وإن كان مفادها أعم من المدعى لشمولها مطلق المخالف
لما هو من الدين - ضروريا كان أو نظريا، عالما بضروريته أو جاهلا،
قاصرا كان الجاهل أو مقصرا، لعموم العنوان المستفاد منها من الخروج
عن الدين - إلا أن ذلك لا ينافي خروج ما خرج بالدليل من المخالفة في
النظريات لجواز الاجتهاد فيها وتنزيل مؤداه منزلة الواقع لأن هذا التنزيل
أيضا مما جاء به النبي، فيبقى تحت العموم.
ويفترقان عن القول بالسببية المستقلة تعبدا المنسوب إلى الأكثر في انكار
ضروري المذهب ممن كان من أهله، فيحكم بكفره عليهما، ولا يحكم به
على الأول لانحصار السبب حينئذ بما إذا كان المنكر ضروري الاسلام
لوقوع الاقتصار في معقد إجماعهم على ذلك، فلا يتسرى إلى غيره من
ضروري المذهب.
وإن كان لا يبعد تنزيل إطلاق كلامهم أيضا على صورة الاطلاع على
كونه ضروري الاسلام، فيرجع مستندهم حينئذ إلى الوجه الذي ذكرناه:
من استلزامه الخروج عن الدين. وإن افترقا في اختصاص الضروري
بضروري الاسلام أو تعميمه لضروري كل مذهب بالنسبة إلى أهله (1)
لا يقال: المنكر لشبهة غير المطلع على ضرورية المنكر - بالفتح - على
ما ذكرنا من الوجه محكوم بكفره لصدق عنوان (الخروج عن الدين)
عليه، وحينئذ فالتقييد بالاطلاع: إما لغو أو يوجب عدم الخروج.
لأنا نقول: إن مرجع التقييد إلى تقييد سببية إنكار الضروري الذي هو محل الكلام
بالاطلاع، لا حصر وجه الخروج عن الدين به، فلا ينافي كفره بسبب آخر.
ولعل وجهه هو إمكان اجتهاده بغير تقصير في الفحص عن طلب الحق.

(1) فالأول بناء على القول المشهور، والثاني بناء على الوجه المذكور.
202

هذا وقد ناقش شيخنا المرتضى - قدس سره - في شمول الأخبار
المتقدمة للقاصر المنكر للحكم الفرعي الضروري حيث قال: " إلا أن
الانصاف أن في شمول الأخبار المطلقة المتقدمة الدالة على حصول الكفر
بالاستحلال للقاصر نظرا ظاهرا، ومنع وجود القاصر في الكفار كلام
آخر - إلى أن قال - ولو سلم ما ذكر من الاطلاق، فإنما هو في العقائد
الضرورية المطلوب من المكلفين التدين بالاعتقاد بها دون الأحكام العملية
الضرورية التي لا يطلب فيها العمل، فالأقوى التفصيل بين القاصر وغيره في
الأحكام العملية الضرورية دون العقائد، تمسكا في عدم كفر منكر الحكم
العملي الضروري بعدم الدليل على سببية للكفر مع فرض عدم التكليف
بالتدين بذلك الحكم ولا بالعمل بمقتضاه، لأنه المفروض، ويبعد أن
لا يحرم على الشخص شرب الخمر ويفكر بترك التدين بحرمته " (1)
وأنت خبير بأنه لا إشكال في وجوب التدين - ولو بنحو الاجمال -
بجميع ما جاء به النبي من غير فرق بين أصول العقائد والأحكام الفرعية
إذ مرجعها أيضا إلى تصديق النبي صلى الله عليه وآله والانقياد إليه من حيث كونه
مبلغا وحاملا للدين، فالانقياد له انقياد لرب العالمين (وكون) الغرض
الأصلي في العمليات هو العمل من حيث الفعل والترك (لا ينافي) وجوب
التدين والانقياد إليه لذلك، فهو بتدينه بالرسالة متدين بأحكام الرسول صلى الله عليه وآله
ومكلف بها في ضمن التكليف باعتقاد الرسالة - ولو بنحو الاجمال -
الذي يكفي في صدق دخوله في الاسلام، وإن كان القاصر الغافل غير

(1) وهذا تعقيب لعبارته المفصلة التي أولها: " والحاصل أن المنكر
للضروري الذي لا يرجع إنكاره إلى إنكار النبي صلى الله عليه وآله إما أن يكون
قاصرا وإما أن يكون مقصرا.. " راجع ذلك في كتاب الطهارة، النظر
السادس في النجاسات، الثامن - الكافر بأقسامه.
203

منجز في حقه التكليف كالنائم، لا أنه غير مكلف به أصلا كالصغير
والمجنون، فحرمة شرب الخمر - مثلا - مكلف بالتدين بها القاصر،
وإن لم يكن - لقصوره - منجزا عليه، وهو متدين به أيضا بالنحو الاجمالي
بتصديقه النبي صلى الله عليه وآله فإذا استحل شربه ودان به خرج عما تدين به أولا
بالاجمال وبه يحكم بكفره، وإن لم يشربه. نعم لو شرب مع ذلك عوقب
من حيث الكفر بالاستحلال، ومن حيث العمل أيضا، ولو لم يشرب
عوقب من حيث الكفر دون العمل، لعدم الشرب. لكن القاصر إن
فرض تحققه لا يؤاخذ بشئ من ذلك، وإن حكم بكفره لصدق الخروج
عن الدين عليه، والكفر ملازم لمخالفة أصل التكليف دون تنجزه.
فظهر بما ذكرنا مواقع التأمل في كلامه - قدس سره - اللهم إلا أن
يفرق في القاصر بين المستحل المتدين به، وغير المتدين المنبعث بناؤه عن
مجرد عدم المعرفة بدعوى خروج الثاني عن مفاد الأخبار، بتقريب: أن
القاصر كما ذكرنا - متدين بالحكم الفرعي الواقعي إجمالا، وإن لم
يعرفه تفصيلا، ولذا كان مسلما بمحض التصديق الاجمالي الشامل لجميع
الأحكام التي منها ما استحله، غير أن الاستحلال (مرة) يكون لعدم
المعرفة بكونه حراما لعدم تطرق الحرمة في ذهنه والبناء على الإباحة العقلية
(وأخرى) بأن يتدين بالاستحلال ويتخذه دينا له، لا مجرد الجواز الذي
يبنى على ما لم يعلم دليل الحرمة، والذي يوجب الخروج إنما هو الثاني لزوال
ما تدين به أولا - ولو اجمالا - بعروض التدين بالثاني. ولا كذلك الأول
لبقاء التدين الاجمالي معه، وإن بنى على الجواز لعدم المعرفة بأنه من
مصاديق ما تدين به إجمالا، فالخطأ - هنا - إنما هو في الصغرى، وإلا
فهو باق على تدينه به في ضمن تدينه بأحكام النبي صلى الله عليه وآله، ولذا وقع
التقييد بما إذا دان به في جملة من الأخبار المتقدمة المحمول عليها الباقي
204

منها، والظاهر منه كون القيد احترازيا، لا توضيحيا.
ويؤيد ما ذكرنا - بل يدل عليه - ما ورد عن أمير المؤمنين (ع):
أنه دفع الحد عن شارب الخمر معتذرا بأني لم أعرف حرمته (1)
وحينئذ، فالأظهر التفصيل في القاصر المستحل: بين التدين به،
وغيره. هذا، والمسألة بعد محتاجة إلى التأمل.
(ومنها الخوارج) وهم الذين حاربوا عليا (ع) (2) بل منهم

(1) في الوسائل: كتاب الحدود والتعزيرات، باب (10) من أبواب
حد المسكر، حديث (1) " محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه
عن ابن فضال عن ابن بكير عن أبي عبد الله (ع) قال: شرب رجل
الخمر على عهد أبي بكر فرفع إلى أبي بكر، فقال له: أشربت خمرا؟
قال: نعم. قال: ولم - وهي محرمة - قال فقال الرجل: إني أسلمت
وحسن اسلامي ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلون، ولو علمت
أنها حرام اجتنبتها. فالتفت أبو بكر إلي عمر فقال: ما تقول في أمر هذا
الرجل؟ فقال عمر: معضلة وليس لها إلا أبو الحسن. فقال أبو بكر
أدع لنا عليا، فقال عمر: يؤتى الحكم في بيته. فقام والرجل معهما
ومن حضرهما من الناس، حتى أتوا أمير المؤمنين (ع) فأخبراه بقصة
الرجل، وقص الرجل قصته، فقال (ع): ابعثوا معه من يدور به على
مجالس المهاجرين والأنصار من كان تلا عليه إرث التحريم فليشهد عليه.
ففعلوا ذلك به، فلم يشهد عليه أحد بأنه قرأ عليه آية التحريم، فخلى
سبيله، فقال له: إن شربت بعدها أقمنا عليك الحد ".
(2) وهم فرق كثيرة كالأباضية - اتباع عبد الله بن أباض -
والأزارقة - أتباع نافع بن الأزرق - والأصفرية - أتباع زياد بن الأصفر -
والبهيسية - أتباع بهيس بن الهيصم بن جابر - والعجاردة - أتباع
عبد الرحمن بن عجرد - والنجدات - اتباع نجدة بن عامر النخعي -
والمحكمة وهم الذين خرجوا على علي (ع) وكفروه عند التحكيم، وهم
زهاء اثني عشر ألفا، وكانوا من أهل العبادة، ولكل من هذه الفرق
فروع وأتباع وعقائد فصلتها كتب الفرق والمقالات - وقاسمهم المشترك
تكفيرهم لعلي (ع) وبغضهم إباه، ولعل منطلق الفرق كلها هم:
الناكثون أصحاب النهروان والقاسطون أصحاب صفين معاوية وحزبه
205

من حارب شبليه: الحسن والحسين (ع) (1)، وإن صار هذا اللفظ
علما بالغلبة لخصوص الأول فلا خلاف في كفرهم، بل الاجماع عليه
مستفيض النقل (2)
ويدل عليه - مضافا إلى ذلك، وإلى كونهم منكرين لعدة من
ضروريات الاسلام كتكفيرهم أمير المؤمنين (ع) وسبهم له وقتالهم إياه

(1) وذلك بعموم الملاك ووحدة المناط - فإن الخروج على أمير المؤمنين
عليه السلام إنما يوجب الكفر من حيث التمرد على الإمامة الكبرى التي
هي من ضروريات الدين، وذلك المعنى شامل للخروج على كل إمام مفترض
الطاعة. قال ابن أبي الحديد - في شرح النهج ج 1 ص 9 طبع دار إحياء
الكتب العربية -: " ولا ريب في أن الباغي على الإمام الحق والخارج عليه
بشبهة أو بغير شبهة فاسق، وليس هذا مما يخصون به عليا عليه السلام فلو
خرج قوم من المسلمين على غيره من أئمة الاسلام العدول، لكان حكمهم
حكم من خرج على علي صلوات الله عليه ".
(2) قال ابن أبي الحديد في المصدر الآنف: " أما أصحاب الجمل
فهم عند أصحابنا هالكون كلهم إلا عائشة وطلحة والزبير فإنهم تابوا
ولولا التوبة لحكم لهم بالنار لاصرارهم على البغي وأما عسكر الشام بصفين
فإنهم هالكون كلهم عند أصحابنا، لا يحكم لأحد منهم إلا بالنار، لاصرارهم
على البغي وموتهم عليه: رؤساؤهم والاتباع جميعا، وأما الخوارج فإنهم
مرقوا عن الدين بالخبر النبوي المجمع عليه، ولا يختلف أصحابنا في أنهم
من أهل النار ".
206

الأخبار المستفيضة الصريحة والظاهرة في كفرهم (1) بل تشملهم أخبار كفر
النواصب، لاندراجهم فيهم حقيقة.
(ومنها النواصب) وكفرهم - مع كونه منصوصا عليه مستفيضا (2) -
مما لا خلاف فيه، بل الاجماع مستفيض عليه (3).

(1) كما في سفينة البحار وغيره من كتب الأخبار: من النبوي المرسل
عنه صلى الله عليه وآله في وصفه للخوارج بأنهم: " يمرقون من الدين كما يمرق السهم
من الرمية " ومن قول الإمام الباقر (ع) للفضل - وقد دخل عليه رجل
محصور عظيم البطن فجلس معه على سريره فحياه ورحب به، فلما قام
قال: هذا من الخوارج كما هو، قال قلت: مشرك؟ فقال: مشرك،
والله مشرك "، ونحوهما من الأخبار كثير.
وراجع أيضا: الوسائل: باب 10 من أبواب حد المرتد.
(2) من ذلك: رواية الفضيل بن يسار، قال: " سألت أبا جعفر (ع)
عن المرأة العارفة: هل أزوجها الناصب؟ قال: لا، لأن الناصب كافر "
- كما في الوسائل: كتاب النكاح، باب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر،
حديث (15).
(3) قال الشيخ البحراني في (حدائقه ج 5 ص 175) طبع النجف:
" المشهور بين متأخري الأصحاب هو الحكم باسلام المخالفين وطهارتهم،
وخصوا الكفر والنجاسة بالنواصب، وهو عندهم: من أظهر عداوة
أهل البيت (ع) والمشهور في كلام أصحابنا المتقدمين هو الحكم بكفرهم
ونصبهم ونجاستهم، وهو المؤيد بالروايات الإمامية ".
207

وإن اختلفوا في معنى النصب: فبين قائل: إنه البغض لعلي (ع)
على وجه التدين، وهو موافق لما عن (القاموس): " النواصب والناصبية
وأهل النصب: المستدينون ببغضة علي (ع)، لأنهم نصبوا له، أي
عادوه " وقائل: إنه التظاهر بالبغض لأهل البيت، وقائل: إنه مطلق
بغضهم (ع)، وقائل: إنه البغض لشيعتهم من حيث كونهم شيعتهم (1)
والمتيقن منها في الحكم بالكفر: هو التدين ببغضهم (ع) أعلن
أو لم يعلن - بل هو مندرج في عنوان منكر ضروري الدين، فيكون
مدلولا عليه أيضا بما دل على كفر منكره: من الاجماعات والنصوص.
ولعل إطلاق الكفر في بعض الأخبار على مطلق البغض مع عدم
العلم بضروريته به، كناية عن الخبث الذاتي والكفر الباطني، دون ما هو
موضوع للأحكام الخاصة (2) إلا أن يدعى - وهو غير بعيد - أن بغضهم (ع)
من حيث هو سبب مستقل للكفر، فتكون مودة (ذوي القربى) على
حد الرسالة، إلا أن الأقرب أن كفرهم لانكار الضرورة، فإن حرمة
معاداة أهل البيت (ع) من ضروريات الاسلام المعلوم عند الخواص والعوام
(ومنه الغلاة) (3) وهم الذين ادعوا ربوبية علي (ع)، وعن

(1) كل هذه الأقوال مستقاة من ظواهر روايات كثيرة عن أئمة
أهل البيت عليهم السلام، لا يسع المجال لاستعراضهما، وقد حفل بها كتاب
أصول الكافي للكليني وغيره من كتب الأخبار الموسعة، فراجع: خصوصا
باب الايمان والكفر.
(2) من النجاسة وهدر الدم والمال وانفصال المناكحات والمبايعات،
ونحو ذلك من الأحكام المترتبة على الكافر غير الملتزم بمراسيم الاسلام.
(3) وأصل الغلو - كما في الكتاب والسنة وكتب اللغة -: الارتفاع
والتجاوز عن الحد، والافراط في الشئ. وبهذا المعنى ورد المصطلح الشرعي
للغلاة - مهما اختلفت موارد غلوهم وإفراطهم بالمستوى البشري إلى
أوج الألوهية أو الرسالة.
208

بعض العبارات: ربوبية أحد الأئمة (ع)، وعن بعض قد يطلق على
من قال بآلهية أحد من الناس (1).
وعلى كل حال: كفر من يدعى شيئا من ذلك إجماعي، بل ضروري
ولو بنحو الحلول فيه، ولذا يحكم بكفر بعض المتصوفة المدعي: أن ليس
في جبته إلا الله - كما يحكى عنه (2) - أعاذنا الله من هذه الخرافات، ومن

(1) كالسلمانية من فرق المغالين، وهم القائلون بآلهية سلمان الفارسي.
(2) وقد نسبت هذه الكلمة الكافرة إلى الحسين بن منصور الحلاج
المقتول سنة 309 ه‍ ومثل ذلك في قول الكفر كلمة أبي يزيد البسطامي المتوفى
سنة 261 ه‍ " سبحاني ما أعظم شأني ". ونحو ذلك من الكلمات الكافرة
المنسوبة إلى الصوفية المتطرفة القائلين بوحدة الوجود بمعنى الوحدة الحقيقية
بين كل الموجودات، فلا تعدد في الوجود كما لا تعدد في الموجود، على
أساس أن كل واحد من مظاهر الممكنات بالنظر إلى وجوده تعالى هي
هو بلا فرق بين مراتب الوجود من حيث الكمال والنقصان. وهذا المعنى
من تفسير وحدة الوجود لا شك بكونه مما ينكره العقل والنقل، ومعتقده
كافر بالصانع.
وأما لو فسرت (وحدت الوجود) بمعنى الوحدة بين مراتب الوجودات
مع الاعتراف بأنها ذات مراتب عالية لا محدودة ودانية محدودة: الأولى تتمحض
بوجوده تعالى، والثانية وجود الممكنات فالقول بوحدة السنخية بهذا المعنى
ليس فيه أي منافاة للشرع وإنما الاشكال في ملائمة البراهين العقلية لهذا
التفسير من السنخية وعدمها، وهذا بحث آخر.
وبالجملة، فالقول بوحدة الوجود إن أدى إلى الالتزام بوحدة
الموجود - كما عليه بعض المتصوفين - فذلك هو الكفر، وإلا فلا كفر
فيه، والله العاصم.
209

ادعى شيئا من ذلك فكفره، إن لم نقل بكونه ذاتيا - كما لعله الأظهر
وعليه كاشف الغطاء، فلا أقل من كونه منكرا لما علم من الدين ضرورة.
(ومنها المجبرة) وهم: المنكرون لاختيار العبد في أفعاله، بل هو
مجبور عليها.
(والمفوضة) وهم: القائلون بتفويض الخلق والرزق إلى حجج الله (1)
فهم وإن وقع الخلاف في كفرهم، إلا أن الأظهر ذلك لدخولهم
في منكر الضروري (2) مع ورود النص بكفرهم كخبر يزيد بن عمر الشامي

(1) والقائلون أيضا في التفويض واستقلال العباد في أفعالهم، في مقابل
المجبرة القائلين بجبرهم عليها، وإنما قال هؤلاء بالتفويض مبالغة في تنزيه
الله تعالى - بزعمهم - عن نسبة الظلم إليه باستناد جميع الأفعال الخيرة
والشريرة إليه، فإن العقاب على غير المقدور ظلم قبيح، ولكنهم وقعوا
في أشد مما فروا منه من القبح، وهو جعل الشريك لله والوهن في سلطانه
ولذلك ورد عن الإمام الصادق - عليه السلام - شجب القولين المتطرفين
في خطي الافراط والتفريط، واثبات حد وسط بينهما، فقال (ع):
" ولا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين " - كما حفلت بذلك كتب
الأخبار - وذلك لأن لأفعال العباد نسبتين حقيقيتين إلى الله تعالى من حيث
الإفاضة والاقدار وإلى العبد نفسه من حيث الصدور والايجاد، فاتضح
معنى قوله (ع) أمر بين أمرين.
(2) إن التزموا - ملتفتين - باللوازم المترتبة على قولهم بالجبر من حيث
إنكار ترتب الثواب والعقاب الموجب للتكذيب، أو قولهم بالتفويض من حيث
الشرك لله تعالى، وبعكس ذلك فلا يمكن القول بكفرهم - أو نجاستهم
بعد اعترافهم بأسس الاسلام من الاقرار بالشهادتين وما يتفرع عليهما
من الضروريات الدينية
وأما اللوازم العقلية المترتبة على ذلك فلا توجب الكفر، فإن الطرفين
إنما ذهبوا إلى ما ذهبوا إليه لشبهات بدوية حصلت لهم من عدة آيات
وروايات، وغفلوا عن تأويلها على ضوء المذهب الحق من الحد الوسط
- كما عرفت - والله العالم.
210

عن الرضا (ع) في حديث: " من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها
فقد قال بالجبر، ومن زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه
فقد قال بالتفويض، والقائل بالجبر كافر، والقائل بالتفويض مشرك " (1)
وقول الصادق (ع): " الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل يزعم
أن الله أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله في حكمه فهو كافر، ورجل
يزعم أن الأمر مفوض إليهم فهذا قد أوهن الله في سلطانه فهو كافر " (2)
وما عن الرضا (ع): " إن كل من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر
مشرك " (3)
وهذه النصوص - سيما مع مطابقتها لمقتضى القواعد العدلية - وكونها
وافية الدلالة - كافية في الخروج عن مقتضى الأصل، ونحلة الاسلام.
(ومنها المجسمة) وقد وقع الخلاف في كفرهم على أقوال:

(1) الوسائل: كتاب الحدود والتعزيرات، باب 10 من حدود الارتداد
حديث (4).
(2) وهي رواية حريز بن عبد الله، راجع المصدر الآنف من الوسائل
حديث (10).
(3) وهي رواية الحسين بن خالد، راجع المصدر الآنف من الوسائل
حديث (5).
211

(ثالثها) التفصيل بين المجسمة بالحقيقة أو بالتسمية بدعوى أنه جسم
لا كالأجسام (1) فيحكم بالكفر في الأول، لاستلزامه الحدوث والافتقار
والتحديد لزوما بينا بحيث لا ينفك تصور الملزوم عن لازمه، فهو مندرج
في منكر الضروري. ولا يحكم به في الثاني، لعدم اعتقاد النقص بما
تنزه عنه ساحة الربوبية، وإن أخطأ في التسمية إذ ليس هو إلا خطأ
في اللغة، ولا أقل من الشك في خروجه به عن الاسلام. ولعل هذا
هو الأظهر.
ويلحق بهم (المشبهة) وهم: القائلون بأنه تعالى في جهة الفوق،
بل هم من المجسمة، إن أرادوا اختصاصه تعالى بجهة الفوق، كما هو
ظاهر كلامهم، وأما التوجه إلى جهة الفوق عند الدعاء والمسألة منه تعالى
فهو كالتوجه إلى الكعبة عند الصلاة، ليس من التشبيه في شئ، وإنما
المراد منه شرف الجهة، وإلا " فأينما تولوا وجوهكم فثم وجه الله " ضرورة
أنه تعالى لا يحويه مكان ولا يخلو منه مكان.
ويدل على كفر المشبهة - مضافا إلى ما عرفت - قول الرضا (ع)
" كل من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك " (2)
وبالجملة، فالمدار في الكفر على ما دار عليه العنوان الجامع: من
إنكار ضروري الدين. ولذا اقتصر عليه بعض كالمحقق في (الشرايع)
حيث قال: " وضابطه من خرج عن الاسلام أو انتحله وجحد ما يعلم
من الدين ضرورة كالخوارج والغلاة " انتهى، فيعم الضابط: ما كان من

(1) كما ورد عن أئمة أهل البيت (ع): أنه شئ لا كالأشياء
- كما في أصول الكافي -.
(2) الوسائل: كتاب الحدود والتعزيرات، باب 10 من أبواب حد
المرتد، حديث (5).
212

أصول الدين أو فروعه.
(المطلب الثالث) في كفر أطفال الكفار. فنقول: ولد الكافر
يتبع أبويه في الكفر والنجاسة، إجماعا مصرحا به في كلام جماعة، وهو
الحجة، مضافا إلى صحيح ابن سنان: " عن أولاد المشركين يموتون قبل
أن يبلغوا الحنث؟ قال: كفار والله أعلم بما كانوا عاملين، يدخلون
مدخل آبائهم " (1) وخبر وهب بن وهب عن جعفر بن محمد (ع): " عن أبيه
قال قال علي (ع): أولاد المشركين مع آبائهم في النار، وأولاد المسلمين
مع آبائهم في الجنة " (2) وفي حديث: " فأما أطفال المؤمنين فأنهم
يلحقون بآبائهم، وأولاد المشركين يلحقون بآبائهم وهو قول الله عز وجل
والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم " بايمان ألحقنا بهم ذريتهم (3) كما أن أولاد
المسلمين مضافا إلى الفطرة يتبعون آباءهم في الاسلام.
وتنقيح المسألة بنحو الاجمال: هو أن الأبوين: إما أن يكونا مسلمين
أو كافرين، أو مختلفين، وعلى التقادير: إما أن يكون التولد عن نكاح
محلل من الطرفين، أو محرم منهما، أو مختلفا فيهما بأن يكون عن زنا من
أحد الجانبين.
أما المتولد من المسلمين فمسلم بصوره الثلاثة، وإن كان عن زنا من

(1) الوافي ج 3 ص 100. والحنث - بالكسر -: الإثم والذم،
والمقصود من قوله (ع) " قبل أن يبلغوا الحنث " أي دور المعصية والطاعة
ووضع القلم.
(2) المصدر الآنف الذكر من الوافي.
(3) المصدر الآنف من الوافي وهي مرسلة الكافي. والآية 21 من
سورة الطور.
213

الطرفين، للفطرة وعلو الاسلام، مع صدق الولد لغة وعرفا (1) وإن
لم يلحق بهما شرعا في النسب.
وأما المتولد من الكافرين فكذلك كافر بصورة الثلاثة حتى المتولد
عن الزنا منهما، وإن لم يلحق بهما في النسب لكفاية صدق التولد منهما
لغة وعرفا أيضا مع احتمال إسلامه، للفطرة وعدم التبعية لعدم النسب
شرعا، والأصل عدمها.
وأما المتولد من المختلفين، فيتبع أشرف الأبوين إن كان الحل منهما
أو من طرف المسلم، ولو كان عن زنا منه وحل من الكافر، ففي تبعيته
للكافر للحوقه به في النسب، وعدمه في المسلم، أو للمسلم لفطرة وعلو الاسلام
وصدق الولد حقيقة مع الشك في جريان التبعية هنا - ولو للشك في شمول
الاجماع له - مع أن الأصل عدم التبعية؟ وجهان: لعل الأقرب هو الأخير
ومنه يظهر بالأولوية لحوقه بأشرف الأبوين لو كان الزنا من الطرفين.
ولو بلغ ولد الكافر مجنونا لم يرتفع حكم التبعية، ولو بلغ عاقلا في فسحة
النظر، فهو مستصحب الحكم إلى أن يظهر الاسلام، والقصور إنما يرفع
المؤاخذة، ولو كان لولد الكافر جد مسلم، ففي لحوقه بالأب لأن
التبعية بالقرابة، وهو أقرب، أو بالجد مطلقا لاشتراكهما في القرابة وشرفية

(1) بل وشرعا أيضا، أما العرف واللغة، فلأن المراد من الولدية
- فيهما - هو التكون والخلقة من ماء الرجل وفي رحم المرأة وهذا المعنى
متوفر هنا، وأما الشرع، فلعدم ورود ما ينفي الولدية واقعا من الأدلة
وأن معنى الحديث المستفيض النقل: " الولد للفراش وللعاهر الحجر "
هو بيان الحكم الظاهري لا الواقعي. فعدم الالحاق في النسب - كما في
المتن - لعله يقصد عدم ترتب الآثار الشرعية من التوارث، لا نفي الصلة
الواقعية.
214

الاسلام أقوى، ولولايته على الأب فعلى ولده بالأولوية، أو بالجد مع فقد
الأب لبقاء ولايته؟ أقوال أوجهها الثاني. والجد والجدة من طرف الأم
كالأم في اللحوق بهم في الاسلام، أو أن لم تكن لهم ولاية لشرفية
الاسلام وعلوه.
(المسألة الثانية) في المرتد. وهو من عدل عن الاسلام - وإن كان
تبعيا - إلى الكفر. وهو: إما فطري أو ملي.
(والأول) هو المتكون من مسلمين أو من أحدهما، فالحمل محكوم
باسلامه. وعليه ينزل تعريف من عبر بالمتولد منهما أو من أحدهما أي صار
له ولدا لأن مبدء نشوء الانسان انعقاد نطفته. ولذا تدفن الذمية الحامل
من المسلم في مقابر المسلمين، مستدبرا بها القبلة رعاية لاستقبال حملها.
ولولا الحكم باسلام الحمل لم يكن وجه لدفنها بين المسلمين ولو للاستدبار
بها لاستقباله، وهو كاف للاستدلال به على الحكم بإسلامه، وإن لم يرد
نص - كما قيل - على إسلام الحمل بخصوصه إلا أن ذلك مع حكاية الاجماع
عليه في (المبسوط) (مرة) ونفى الخلاف عنه (أخرى) كاف في ذلك. ولو
ولد كذلك، بل ولو عدل أبواه أو المسلم منهما إلى الكفر بعد الانعقاد
وقبل الولادة أو بعدها وقبل البلوغ، بقي على الاسلام التبعي حتى يبلغ
فإن عدل عند البلوغ كان مرتدا فطريا. ولو كان انعقاده في حال كفر
الأبوين ثم أسلم ولو أحدهما، تبعه الولد في الاسلام، ولم يرتفع عنه
حكمه. وإن عدل المتبوع: فإن بلغ وعدل عن الاسلام، فهو مرتد ملي
لانعقاده حال الكفر أبويه، فالمدار فيه على الانعقاد مطلقا، خلافا لكاشف
اللثام، فاعتبر فيه - مع ذلك - وصفه الاسلام بعد البلوغ، ولم يكتف
بمجرد الاسلام التبعي في صدق الفطري عليه ما لم ينضم إليه الاسلام الحقيقي
الاستقلالي بعد تنزيل عبارته في المبدء بالمتولد على ما يعم الحمل، وإلا
215

فهو مخالف في المبدأ والمنتهى حيث قال في الحدود: " والمراد به من لم
يحكم بكفره - قط - لاسلام أبويه أو أحدهما حين ولد، ووصفه الاسلام
حين بلغ " (1) إلا أن عبارته في المواريث صريحة في مخالفته في المبدأ أيضا
لاكتفائه فيها باسلام أحد أبويه، وهو طفل حيث قال هنا: " أما المرتد
فإن كان عن فطرة الاسلام بأن انعقد حال إسلام أحد أبويه أو أسلم أحد
أبويه، وهو طفل، ثم بلغ ووصف الاسلام كاملا، ثم ارتد " (2)
وهو منه غريب، وإن علله بقوله: " وإنما فسرنا المرتد عن فطرة
بمن ذكرناه لنصهم على أن من ولد على الفطرة فبلغ فأبى الاسلام استتيب
كما مر " (3) انتهى.
واستدل عليه في صدر المسألة بقول علي (ع): " إذا أسلم الأب
جر الولد إلى الاسلام فمن أدرك من ولده دعي إلى الاسلام، فإن أبى
قتل " (4) وقول الصادق (ع) في مرسل أبان بن عثمان في الصبي إذا
شب فاختار النصرانية وأحد أبويه نصراني أو مسلمان: قال " فلا يترك
ولكن يضرب على الاسلام " (5) وخبر عبيدة بن زرارة في الصبي يختار

(1) كشف اللثام للفاضل الهندي ج 2 كتاب الحدود، الفصل الثاني
في أحكام المرتد، في شرح قول المصنف (ولو تاب لم تقبل توبته).
(2) راجع ذلك منه في كتاب المواريث، الفصل الثاني في موانع الإرث
المطلب الأول الكفر.
(3) ذكر ذلك في نفس المصدر والموضع، بعد تلك الجملة الآنفة
الذكر.
(4) في الوسائل: كتاب الحدود والتعزيرات، باب 3 من أبواب
حد المرتد، حديث (7).
(5) الكافي للكليني كتاب الحدود، باب حد المرتد، حديث (7).
216

الشرك وهو بين أبويه قال: " لا يترك وذلك إذا كان أحد أبويه نصرانيا " (1)
وتقريب الاستدلال: لعل هو أن الدعوة إلى الاسلام وقهره عليه ليس
إلا لكونه مليا، لعدم العدول إلا عن الاسلام الحكمي فقط ولو كان كفره
فطريا لوجب قتله دون الاستتابة التي هي فرع قبول التوبة.
قلت: أما نسبة ما ذكره إليهم، فإن تم إجماع، وإلا فالحكم به ممنوع
كيف، والمحكي عن صريح (التذكرة) خلافه حيث قال: " من كان
حين العلوق أحد أبويه مسلما فإذا بلغ ووصف الكفر فهو مرتد عن فطرة
يقتل ولا يستتاب " وفي (حدود المسالك) في شرح قول مصنفه في استتابة
ولد المرتد قال: " وإن أظهر الكفر فقد أطلق المصنف وغيره استتابته،
فإن تاب وإلا قتل، وهذا لا يوافق القواعد المتقدمة: من أن المنعقد حال
إسلام أحد أبويه يكون ارتداده عن فطرة، ولا تقبل توبته، وما وقفت
على ما أوجب العدول عن ذلك هنا. ولو قيل بأنه يلحقه حينئذ المرتد
عن فطرة كان وجها، وهو الظاهر من الدروس، لأنه أطلق كون الولد
السابق على الارتداد مسلما، ولازمه ذلك " انتهى (2) وفي الاستظهار منه تأمل
وأما الأخبار، فإن لم تكن ظاهرة في إسلام الأبوين أو أحدهما بعد
تولد الصبي، فلا ظهور فيها على انعقاده بعد الاسلام، ولو سلم تناول
الاطلاق للاسلام قبل الانعقاد، فمعارضتها لما دل على عدم الاستتابة
ووجوب القتل - نحو صحيحة الحسين بن سعيد: " رجل ولد على الاسلام

(1) المصدر الآنف الذكر من الكافي حديث (4) عن أبي عبد الله
عليه السلام.
(2) راجع كتاب الحدود القسم الثاني: من أسلم عن كفر ثم ارتد،
في شرح قول المحقق: " وولده بحكم المسلم... "
217

ثم كفر وأشرك لا يستتاب " (1) ومرفوعة عثمان بن عيسى: وتوقيع علي
عليه السلام لعامله: " أما من كان من المسلمين ولد على الفطرة ثم تزندق
فاضرب عنقه ولا تستتبه " (2) وغيرها من الأخبار المستفيضة - من تعارض العامين
من وجه: والترجيح للمستفيضة من وجوه عديدة.
وأغرب من ذلك تعريفه للفطري في الحدود بمن لم يحكم بكفره قط
مع أنه في المواريث حكم بدخول من أسلم أحد أبويه - وهو طفل - في
المرتد الفطري، مع أنه محكوم بكفره تبعا لكفر أحد أبويه قبل إسلامه
وهل ذلك إلا تناف بين دعوييه؟
(الثاني) الملي، وهو من عدل عن الاسلام المتجدد الحقيقي كمن
أسلم عن كفر حقيقي، ثم عدل عنه إلى الكفر: (والتبعي) كمن أسلم أحد
أبويه بعد ولادته المحكوم باسلامه تبعا، ثم بلغ مظهرا للكفر، فإنه ملي
أيضا - على الأصح كما عرفت.
هذا ولبسط الكلام في هذه المسألة محل آخر. وإنما المقصود بالبيان
هنا هو: إن المرتد بقسميه - الملي والفطري - لا يرث من المسلم ولا يرث
منه الكافر، بل ميراثه للوارث المسلم، إن كان وإلا فللإمام عليه السلام
اتفاقا في الأول، وعلى المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل
لعله كذلك في الثاني أيضا، لتحرمه بالاسلام ولذا لا يسترق، ولا يصح
نكاحه لمسلمة ولا كافرة - كما قيل - وإن نسب الخلاف فيه إلى ظاهر
الصدوق، لرواية تضمنت: أن ميراثه لولده النصارى، إلا أنها مرمية هي

(1) في الوسائل: كتاب الحدود والتعزيرات: باب 1 من أبواب
حد المرتد حديث (6).
(2) المصدر الآنف من الوسائل باب 25 حديث (5)
218

والقول بمضمونها بالشذوذ، فهي مع ضعف سندها - كما في المصابيح - (1)
متروكة الظاهر، لشمول إطلاقها ما لو كان معهم مسلم. ولم يقل به أحد -
محمولة على التقية لموافقتها مذهب العامة كما قيل.
ثم إن الفطري منهما: إن كان رجلا يقتل بمجرد ارتداده، ولا يستتاب
وتقسم أمواله بين ورثته في حياته، وتبين زوجته منه كذلك وتعتد عدة
الوفاة وإن لم يقتل، تنزيلا له منزلة المعدوم، لوجوب قتله، للاجماع
- بقسميه - والمستفيضة الدالة عليه (2) وفي قبول توبته فيما بينه وبين الله
عن غير الأحكام المذكورة؟ خلاف، والأظهر القبول (3) وتفصيله موكول
إلى محل آخر.

(1) راجع تحقيق المسألة وتفنيد الرواية في أول كتاب الإرث من
(المصابيح) للسيد بحر العلوم - قدس سره - تحت عنوان (مصباح:
الكفر يمنع الإرث) والرواية التي أشار إليها سيدنا المصنف - قدس سره -
هي ما رواها الصدوق في (الفقيه): باب 171 ميراث أهل الملل، حديث
(14) هكذا: " وروى ابن أبي عمير عن إبراهيم ابن عبد الحميد قال قلت
لأبي عبد الله (ع) نصراني أسلم ثم رجع إلى النصرانية ثم مات؟ قال:
ميراثه لولده النصارى، ومسلم تنصر ثم مات؟ قال: ميراثه لولده
المسلمين ".
(2) إشارة إلي صحيحة محمد بن مسلم قال: " سألت أبا جعفر (ع)
عن المرتد؟ فقال: من رغب عن الاسلام وكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت منه امرأته، ويقسم ما ترك
على ولده " ونحوها وغيرها.
راجع: كتاب الحدود، حد المرتد من كتب الأخبار كالكافي وغيره.
(3) كما عليه صحيح الروايات عن أهل البيت (ع) وقد عقد
لها - في كتاب الحدود من كتب الأخبار - باب مستقل بعنوان: (من
أتى حدا فلم يقم عليه الحد حتى تاب).
219

وإن كانت امرأة استتيبت؟ فإن لم تتب حبست مخلدة وضربت
أوقات الصلوات، لقول الصادق (ع) في مرسل الحسن؟؟؟:
" والمرأة إذا ارتدت عن الاسلام استتيبت، فإن تابت ورجعت، وإلا
خلدت السجن وضيق عليها في حبسها " (1) وقول الباقر في خبر غياث بن
إبراهيم: " لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام والشراب إلا
ما يمسك نفسها، وتلبس خشن الثياب وتضرب على الصلوات " (2) الخبر
ولا تقسم تركتها حتى تموت لاحتمال توبتها.
وأما الملي، فيستتاب وإن وقع الخلاف في مدة الاستتابة فإن تاب وإلا
قتل نصا واجماعا، ولا يقسم ماله حتى يموت، وإن التحق بدار الحرب
استصحابا لبقاء ملكه والأصل عدم انتقال مال الحي في حياته إلا بدليل
كالمرتد الفطري، خلافا لمحكي (النهاية والمهذب) فيورث إن كان حيا
لصيرورته بوجب القتل كالفطري، وهو ضعيف، وقد رجع عنه الشيخ
كما حكيت حكايته عن الحلي، وتعتد زوجته عدة الطلاق من حين اختلاف
دينهما، فإن عاد خروجها من العدة فهو أحق بها بل هي زوجته،
وإن خرجت من العدة ولم يعد فلا سبيل له عليها. و (في كشف اللثام)
في شرح قول مصنفه (ولا تقسم تركته) الخ قال: " قطع الأصحاب
بالحكمين فكأنهم اتفقوا عليه " انتهى.
قلت: وهو كذلك، ويدل عليه - مع ذلك - قول الصادق (ع)

(1) كتاب الحدود من الكافي للكليني باب حد المرتد، حديث (3).
(2) هذا النص ذكر في كتاب الحدود من الوسائل، باب أن المرأة
المرتدة لا تقتل حديث (1) باسناده عن حماد عن أبي عبد الله (ع) فلاحظ.
220

في صحيح أبي بكر الحضرمي على ما رواه المشايخ الثلاثة، ففي (الكافي)
باسناده عن أبي بكر: " عن أبي عبد الله (ع) قال إذا ارتد الرجل
المسلم عن الاسلام: بانت منه امرأته كما تبين المطلقة، فإن قتل أو مات
قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة، ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن
الاسلام " (1) وفي (التهذيب) رواه هكذا قال: " إن ارتد الرجل
المسلم عن الاسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا وتعتد منه كما تعتد
المطلقة، فإن رجع إلى الاسلام وتاب قبل أن تتزوج فهو خاطب ولا عدة
عليها منه له وإنما عليها العدة لغيره، فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة
اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها وهي ترثه في العدة ولا يرثها إن
ماتت وهو مرتد عن الاسلام (2) وفي (الفقيه) مثله.
وهو صريح في بينونة الزوجة، وأنها تعتد منه عدة المطلقة، وفي
قبول توبته إن تاب وكون الإرث منه بعد الموت لا من حين الارتداد،
ولذلك تحمل على خصوص الملي.
نعم يبقى الكلام في وجه الشبه بالمطلقة ثلاثا في طريقي الشيخ والصدوق
وفي أن مفادها - عليهما - عدم الأولوية لقوله فيها: " فهو خاطب " فإن
حمل على ما بعد العدة، فلا معنى للتفصيل فيها بين العدة له أو لغيره،
وإن كان في العدة فلا معنى لكونه خاطبا مع فرض كونه أولى وأحق
بها من غيره.
فنقول: وجه الشبهة اشتراكهما في امكان التزويج وتوقفه على شرط،
وإن اختلف فهو هنا الرجوع إلى الاسلام، وهناك أن تنكح زوجا غيره

(1) راجع منه كتاب المواريث، باب ميراث المرتد عن الاسلام
حديث (3).
(2) كتاب الفرائض والمواريث باب 40 ميراث المرتد حديث (1)
221

لا كالمطلقة تسعا التي تحرم مؤبدا، ولا كالرجعية التي لا يتوقف حلها على
شرط، وأما قوله (فهو خاطب) مع ذكر التفصيل في العدة، فهما حكمان
مرتبان على إسلامه قبل تزويجها، لأنه إما أن يكون إسلامه بعد خروجهما
عن العدة فيكون حينئذ خاطبا من الخطاب، وأما أن يكون فيها فلا
تعتد منه، وإنما العدة عليها لغيره، فذكر حكم كل من الفردين المندرجين
في إطلاق قوله (فإن رجع إلى الاسلام وتاب قبل أن تتزوج).
(المسألة الثالثة) لو أسلم الكافر على ميراث قبل القسمة حاز المال
كله، إن انفرد، وإلا فما يستحقه منه: اجماعا - بقسميه - وللمعتبرة
المستفيضة التي منها ما رواه (الكليني) باسناده عن أبي بصير: " قال سألت
أبا عبد الله (ع) عن رجل مسلم مات وله أم نصرانية وله زوجة وولد
مسلمون؟ فقال: إن أسلمت أمه قبل أن يقسم ميراثه أعطيت السدس،
قلت: فإن لم يكن له امرأة ولا ولد ولا وارث له سهم في الكتاب
من المسلمين وأمه نصرانية وله قرابة نصارى ممن له سهم في الكتاب لو كانوا
مسلمين: لمن يكون ميراثه؟ قال: إن أسلمت أمه فإن جميع ميراثه
لها، وإن لم تسلم أمه، وأسلم بعض قرابته ممن له سهم في الكتاب فإن ميراثه
له، فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام " (1) ورواه الصدوق
والشيخ أيضا باسنادهما عن الحسن بن محبوب مثله، وبإسناده عن عبد الله
ابن مسكان عن أبي عبد الله (ع) قال: " من أسلم على ميراث قبل أن
يقسم فله ميراثه، وإن أسلم وقد قسم فلا ميراث له " (2) وبإسناده عن
محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: " من أسلم على ميراث قبل أن
يقسم الميراث فهو له، ومن أسلم بعد ما قسم فلا ميراث له، ومن أعتق

(1) الكافي، كتاب المواريث، باب آخر في ميراث أهل الملل،
حديث (2).
(2) المصدر الآنف للكافي، حديث (3 و 4).
222

على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له، ومن أعتق بعدما قسم فلا ميراث
له، وقال في المرأة إذا أسلمت قبل أن يقسم الميراث فلها الميراث " (3)
ورواهما الشيخ أيضا.
ومقتضاهما الانتقال إليه بالإرث من حين الموت، فيكون الكفر المانع
هو المستمر إلى القسمة دون غير المستمر، فيكشف إسلامه قبلها عن تملكه
من حين الموت كشفا حقيقيا، لانكشاف فقد المانع حقيقية، وليس هو
من الشرط المتأخر كالإجازة في الفضولي حتى يكون الكشف حكميا، أو من
حين الاسلام، وحينئذ فالنماء المتجدد بين الموت والاسلام يتبع العين في
الانتقال إليه.
فمن الغريب ما في (الكشف) (والكفاية) ومحكي (الكنز) و
(الإيضاح): من التوقف فيه مما ذكر ومن حجب الكافر عن الأصل
قبل أن يسلم، فيملكه الورثة ملكا متزلزلا مستتبعا للنماء، فلا يخرج عنهم
بخروج الأصل وعدم جريان ملك المورث عليه، فلا يكون ميراثا.
وأنت خبير بما فيه، لما ذكرنا، ولعدم حجب الكافر في الواقع
بالفرض، ولأن توريث المسلم يقتضي الانتقال إليه بموت المورث فلو صار
إلى الورثة لزم انتقاله إليه من الوارث الحي، وليس من الإرث في شئ،
بل تجري تبعية النماء للعين في الانتقال حتى على ما احتمل من بقاء التركة
قبل الاسلام والقسمة على حكم مال الميت إلى أن يتحقق أحدهما، لعدم
الفرق في ذلك بين الانتقال من حين الموت أو من حين الاسلام قبل القسمة.
أما لو أسلم بعد القسمة فلا شئ له اجماعا، ولعموم الأدلة وخصوص
النصوص المتقدمة.
ويلحق به الاسلام المقارن للقسمة في عدم الإرث، لعموم ما دل على

(1) المصدر الآنف للكافي، حديث (3 و 4).
223

مانعية الكفر بعد تعارض مفهومي النصوص المصرحة بهما في صورة الاقتران
والمتيقن خروجه منه هو الاسلام قبلها، فيبقى الباقي مندرجا في العموم
لأن الشبهة مفهومية، والعموم محكم فيها، وليس المرجع - بعد تعارض
المفهومين - عمومات المواريث حتى يقال: خرج منها الاسلام بعد القسمة
فيبقى الباقي مندرجا فيها، لتخصيصها قطعا بما دل على عدم إرث الكافر
الشامل بعمومه أو إطلاقه لمن لم يسلم أو أسلم بعد موت المورث مطلقا خرج
منه من أسلم قبل القسمة، فيبقى الباقي تحت عموم الخاص.
وبعبارة أخرى: الخاص بعمومه بالنسبة إلى أفراده المندرجة فيه -
وإن خرج بعضها - أخص مطلقا من العام، وحينئذ فالمرجع في الأفراد
المشكوكة منه هو عموم الخاص، دون العام المخصص.
بقي هنا فروع
(الفرع الأول) لو تحقق الاسلام والقسمة وشك في السابق منهما:
فإن علم تأريخ أحدهما فواضح، لأصالة تأخر المجهول عنه، وأما إن
جهل تأريخهما فلا يتمسك بعموم ما دل على مانعية الكفر، لأن الشبهة حينئذ
مصداقية، وليس الشك في المراد ليتمسك بالعموم، بل يرجع فيه إلى
عموم أدلة المواريث، وإن كانت الشبهة بالنسبة إليه أيضا مصداقية للشك
في كونه مصداقا للخاص وعدمه، إلا أن مرجع الشك حينئذ إلى مانعية
الكفر وعدمها بعد انقسام الكفر إلى ما هو مانع وما ليس بمانع، والشك في
مانعية الموجود كالشك في وجود المانع في كون الأصل عدمه، بناء على
كونه من الأصول العقلائية، فيرجع إلى عموم مقتضى الإرث حتى يتحقق
المانع، وأما بناء على أن مرجع أصل العدم إلى استصحابه، فيشكل جريانه
في الأول، لأنه لم يكن عدم مانعيته معلوما حتى يستصحب، ولا يجدي
استصحاب الحكم الظاهري من حرمانه للكفر المستصحب ظاهرا عند طرو
224

الحادثين، من الاسلام والقسمة المجهول تأريخهما، لأن مرجع الشك فيه
إلى الشك في أصل الحرمان وموجبه، دون بقائه حتى يستصحب نعم يتمشى ذلك
على القول بانتقال التركة إلى الورثة المسلمين ملكا متزلزلا، إلا أنه قد
عرفت ضعفه.
هذا بناء على مانعية الكفر، وأما بناء على شرطية الاسلام للإرث
فيشكل التمسك بعموم المقتضى، للشك في وجوده الناشي من الشك في وجود
جزئه الصوري وهو الشرط، فيحكم بصحة القسمة لعدم إحراز بطلانها
حينئذ، مضافا إلى أصالة الصحة بالنسبة إليها، مع احتمال معارضة الشك
في الشرط بمثله في المقتسمين لأن إرثهم أيضا مشروط بعدم سبق إسلام
الوارث الذي لا يمكن إحرازه بالأصل، لتعارض أصالة التأخر فيهما، والشك
في الشرط شك في المشروط.
إلا أن الأقوى هو مانعية الكفر لا شرطية الاسلام، فظهر مما ذكرنا
أن الأقرب هو منع المتجدد إسلامه في خصوص صورة العلم بتأريخ القسمة
وجهل تاريخ الاسلام، وتوريثه فيما عدا ذلك مطلقا، وإن جهل تأريخهما.
هذا حكم المسألة من حيث هي. ومنه يعلم الحكم في صورة التنازع
كما لو أنكر الوارث المتجدد القسمة، فالقول قوله مع يمينه اتفاقا، وكما
لو ادعى تأخر القسمة مع تعين زمان الاسلام أو مع جهل تأريخهما فالقول
قوله أيضا مع يمينه، خلافا للدروس وكشف اللثام ومصابيح جدي العلامة
في الثاني.
وعلله في الدروس بأصالة عدم الإرث إلا مع تعين السبب.
وفيه: إن ما ذكره من العلة مشترك الورود بين الوارث المتجدد
والورثة المسلمين لتوقف إرثهم أيضا على استمرار كفره إلى القسمة أو عدم
إسلامه قبلها غير المعلوم ذلك بعد تساقط الأصل من الجانبين بالتعارض.
225

وخلافا للقواعد فيهما حيث قال: " ولو ادعى الاسلام قبل القسمة
فالقول قول الورثة مع اليمين، وإطلاقه يشمل حتى ما لو كان زمان الاسلام
معلوما، فضلا عما لو جهل تأريخهما.
وعلله في (الكشف) بأصالة عدم الإرث إلا مع تعين السبب
وارتفاع المانع بعد تيقن حصوله واستقرار ملك الورثة، وعدم جواز
الاستنقاذ من أيديهم.
وأنت خبير بما فيه. أما الأول، فلما عرفت من كون العلة مشتركة
الورود، وأما الثاني فيما عرفت: من عدم تيقن حصول المانع للشك في
مانعيته المسبب عن الشك في استمراره المنكشف على تقدير عدمه عدم
مانعيته، وأما الثالث فهو حسن بناء على القول بانتقال التركة إلى الورثة
متزلزلا حين الموت دون القولين الأخيرين، وأما لو أنكر الورثة اسلامه
أو ادعوا اقترانه بالقسمة أو تأخره عنها مع تعين زمانها فالقول قولهم مع
يمينهم لأصالة عدم الحادث أو تأخره.
هذا وبعد تحرير المسألة استقربت القول بملك غير الكافر من الورثة ملكا
متزلزلا بتقريب: إن المستفاد مما دل على حجب الكافر بالمسلم وعلى إرثه
لو أسلم قبل القسمة: هو مانعية الكفر عن الملك الفعلي بالإرث وعدم
مانعيته عن أهلية التملك به، والمستمر منه إلى القسمة موجب لسقوطه عن
الأهلية أيضا، فالملكية التأهلية حاصلة من حين الموت ومستمرة إلى القسمة
والفعلية منتفية بالكفر من حين الموت إلى الاسلام قبل القسمة في جميع
أناته لعدم إرث الكافر من مسلم أو مع مسلم، ومقتضاه انتقال جميع
التركة أو ما يخصه منها إلى غيره من الورثة متزلزلا ما دامت الملكية التأهلية
باقية، وهي كافية في صدق الإرث عند تحقق الملك الفعلي بتحقق شرطه
وهو الاسلام قبل القسمة، وعليه، فلو اختلفا في مجهولي التأريخ، فالقول
226

قول الورثة مع يمينهم، لحصول الحجب واقعا بوجود المانع عن الملك
كذلك مع الشك في زواله، مضافا إلى استصحاب كلي الملك للورثة،
وكيف كان، فلو صدقه أحد الورثة؟؟ في نصيبه، وإن كان عدلا
وشهد معه ثقة آخر ثبت تمام حقه لقيام البينة عليه، وإن انفرد: ففي
إثبات حقه باليمين مع الشاهد نظر: من كون المشهود به تقدم الاسلام،
ومن أن المقصود هو المال وكذا الشاهد والمرأتان.
(الفرع الثاني) لو أسلم على ميراث انقسم بعضه، ففي حرمانه
مطلقا لصدق الاسلام بعد القسمة، ولو في الجملة، أو إرثه من الجميع
كما في (الإرشاد) ذكره في مانعية الرق، ومحتمل التحرير والقواعد
لأن الميراث هو المجموع ولم يقسم، أو تبعيض الإرث لتبعيض القسمة؟
وجوه: أوجهها الأخير، لأن الميراث جنس يصدق على الكل والبعض،
فيصدق في المقسوم أنه أسلم بعد القسمة، وفي المشاع أنه أسلم قبلها، ويعطى
لكل حكمه.
(الفرع الثالث) لو قسم الميراث بين صنفين من الورثة، وأسلم
الكافر من أحدهما قبل قسمة المال بين أفراد صنفه، ففي إرثه لصدق
الاسلام قبل قسمة من يزاحم به وإن اقتسم الصنف الآخر، وعدمه لصدق
الاسلام بعد قسمة التركة ولو بين صنفين؟ وجهان: والأقرب
الأول لظهور اعتبار القسمة وعدمها في ميراث يرثه أو يرث بعضه دون
ما لا نصيب له فيه على كل تقدير، كما لو أسلم مع الإخوة للأب والإخوة
للأم أخ بعد اقتسامهم المال أثلاثا وقبل اقتسام الثلث والثلثين: فإن كان
للأبوين اختص بالثلثين لحجب كلالة الأب بكلالة الأبوين وصدق إسلامه
قبل القسمة بينهم، وإلا شارك فيهما إن كان للأب، أو في الثلث إن كان
للأم. وكما لو أسلم مع الأعمام والأخوال عم أو خال فإنه يختص بحصة
227

فريقه على تقدير حجبهم به - كما عرفت - ويشارك على تقدير عدمه، وكما
لو أسلم مع الأبوين والأولاد ولد شارك الأولاد، وإن وقعت القسمة بينهم
وبين الأبوين، لأنه لا يزاحم الأبوان فيما يخصهما من الثلث، وإنما المزاحمة
مع الإخوة، ولا يلزم من توريثه في مثل ذلك انتقاض القسمة. أما لو استلزم
ذلك فحكمه حكم ما لو أسلم بعد القسمة في أنه لا يرث كما لو خلف ثلاثة
بنين أحدهم كافر وبنتين مسلمتين، فإذا قسموا التركة قسموها أثلاثا:
للولدين الثلثان وللبنتين الثلث. ثم إن أسلم الابن الكافر قبل قسمة الذكور
فيما بينهم وورثناه لزم كون القسمة أرباعا، فإن توريث المتجدد بعد القسمة
بين الذكور والإناث يوجب انتقاضها، لوجوب استرجاع ما به التفاوت بين
الثلث والربع من الإناث، فالضابط: أنه كلما استلزم توريث متجدد
الاسلام ابطال القسمة كان حكمه حكم الاسلام بعدها في عدم التوريث.
(الفرع الرابع) لو أسلم بعد قسمة الورثة الأعيان بالقيم، لم
يرث لحصول ما هو المناط في قسمة الأعيان من تمييز الحقوق، وكذا لو
انتقل نصيب أحد الوارثين إلى الآخر أو غيره بإرث أو بيع أو غيرهما
- كما عن جماعة - إذ لا اشتراك حينئذ بين الورثة خلافا لمحكي (الإيضاح)
لانتفاء القسمة التي هي مدار الحرمان في النصوص. ويضعف بوجود ما هو
مناطها: من عدم الاشتراك والإشاعة، وكذا بل أولى منه: ما لو باعوا
التركة مشاعا وأسلم قبل قسمة أثمانها، ضرورة عدم كون الأثمان تركة
حتى يكون الاسلام قبل قسمتها إسلاما قبل قسمة التركة.
(الفرع الخامس) لو خلف ما لا يقبل القسمة بنفسه - كالجوهرة
والحمام ونحوها - ففي توريث المتجدد، وعدمه نظر: من بقاء الإشاعة
التي هي مدار توريث المتجدد قبل القسمة، ومن أن الظاهر من القسمة
المعلق على عدمها قبل الاسلام الحرمان عدم القسمة عما من شأنه قبولها،
228

لظهور العدم هنا في إرادة عدم الملكة دون عدم السلب. والأول هو
الأقرب للاشتراك مع إمكان الاختصاص به، ولو بالتراضي عليه، إذ المقصود
من القسمة تمييز الحقوق المتعلقة بأعيان التركة وإفرازها من غير فرق بين
ما يقبل بنفسه القسمة وغيره، فإن القسمة في كل شئ بحسبه، فيكون أيضا
محققا لصدق القبلية أو البعدية.
ومنه يظهر ضعف ما في (مفتاح الكرامة): من النقض بالوارث
الواحد حيث قال: " ووجه الإرث هو الدخول في عموم الاسلام قبل
القسمة، وقد علمت ما فيه مضافا إلى أنه لو أبقى على عمومه وأريد بعدم
القسمة، عدم السلب لجرى فيما إذا كان الوارث واحدا فإنه يصدق فيه
أنه أسلم قبل القسمة " انتهى، لوضوح الفرق بين المشاع وإن لم ينقسم
بنفسه وبين ما لا اشتراك فيه لاتحاد المالك في صدق القسمة وعدمه.
(الفرع السادس) لو كان الوارث واحدا غير الإمام وأحد الزوجين
فلا إرث لمن أسلم، لعدم صدق القسمة مع وحدة المالك فينتقل إليه المال
من حين الموت ويملكه مستقرا، وللاجماع المحكي عن السرائر والتنقيح
وظاهر (النكت) وظاهر (المصابيح) دعواه أيضا، خلافا للمحكي
عن ابن الجنيد، فورثة مع بقاء عين التركة في يد الأول، وهو شاذ
- كما في المصابيح -
ولو كان الواحد هو الإمام، ففي كونه له مطلقا، أو لمن أسلم كذلك
أوله قبل النقل إلى بيت المال وللإمام بعده؟ أقوال: وسطها أوسطها.
ويدل عليه الصحيح المتقدم عن أبي بصير في مسألة من أسلم قبل
القسمة، فإن قوله فيه " فإن لم يسلم أحد من قرابته فإن ميراثه للإمام "
صريح في أنه متى أسلم كان أولى من الإمام، كما أن إطلاقه يعم الاسلام قبل
النقل وبعده.
229

وما رواه أبو ولاد في الصحيح والحسن أنه: " سأل الصادق (ع)
عن رجل مسلم قتل مسلما عمدا فلم يكن للمقتول أولياء من المسلمين،
ولو أولياء من أهل الذمة من قرابته؟ فقال: على الإمام أن يعرض على
قرابته من أهل بيته الاسلام، فمن أسلم منهم فهو وليه، يدفع القاتل
إليه، إن شاء قتله، وإن شاء عفا عنه وإن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم أحد
كان الإمام ولي أمره: فإن شاء قتله وإن شاء أخذ الدية فجعلها في بيت
مال المسلمين، لأن جناية المقتول كانت على الإمام فكذلك تكون ديته
لإمام المسلمين، قال قلت: فإن عفا عنه الإمام؟ فقال إنما هو حق جميع
المسلمين، وإنما على الإمام أن يقتل أو يأخذ الدية، وليس له أن يعفو " (1)
وبذلك يضعف ما استدل به للأول: من أنه كالوارث المنفرد في
عدم تأثير الاسلام في استحقاق الإرث، لأنه - مع كونه اجتهادا في مقابل
النص الذي أفتى بمضمونه كثير من الأصحاب - كما عن فخر المحققين -
والمشهور - كما في الكفاية - لا دليل على المقيس عليه، وهو الوارث المنفرد
غيره، إلا الاجماع المفقود في المقام.
كما يضعف به الأخير أيضا مع عدم نص عليه: من التفصيل بين
النقل وعدمه - كما قيل - ويحتمل أن يكون مراد المفصل من النقل تصرف
الإمام، والتعبير بالنقل كناية عنه لأنه أظهر أفراده، فيكون هو المناط
وإن لم ينقل: أو إرادته بخصوصه فلا يجدي تصرفه إن كان قبله، وعلى
التقديرين، فلا دليل عليه حتى تخصص به الأخبار المتقدمة، وإن
ذهب إليه جماعة، لكن المستفاد من الصحيح الثاني تعليق إرث الإمام
على امتناع الوارث عن الاسلام بعد عرضه عليه. والظاهر هو ذلك مطلقا

(1) الوسائل: كتاب القصاص، باب 60 إن المسلم إذا قتله مسلم
وليس له ولي إلا الذمي، حديث (1).
230

فيكون ملك الإمام له متزلزلا، ويستقر بالامتناع عن الاسلام بعد عرضه
عليه وهو كذلك في غير مورد القتل أيضا، وإن اختص الصحيح به،
ويوافقه الاعتبار، إذ لولاه لوجب الانتظار إلى أن يسلم ولو بعد الامتناع
أو يموت هو وينقرض غيره من طبقات الوارث، وهو موجب لتعطيل
الحق بل قد يؤول إلى تضييع المال.
ثم إن ظاهره - وإن أعطى كون المال للمسلمين فيكونون هم الورثة
دون شخص الإمام (ع)، وعليه فلا يكون له إلا ولاية التصرف وهو
مستلزم لصرفه في المصالح العامة كالأراضي المفتوحة عنوة إلا أنه خلاف المذهب
لأن الوارث - عندنا - هو الإمام من حيث الإمامة دون المسلمين، وأنه من
الأنفال - كما ستعرف ذلك في ولاء الإمامة - فليحمل هو وأمثاله على التقية.
(الثاني من الموانع): الرق، فالرقيق لا يرث ولا يورث منه، وإن
قلنا بملكه للانتقال إلى مالكه بالملك، لا بالموت حتى يكون بالإرث،
للاجماع بقسميه والنصوص المستفيضة (1) من غير فرق بين القن
والمتشبث بالحرية كالمدبر وأم الولد والمكاتب، وإن كان مطلقا ما لم يؤد
شيئا من مال الكتابة. والمبعض - وهو الذي تحرر بعضه - يملك بقدر
نصيبه من الحرية، فيكون لوارثه الحر، ويرث من غيره بقدر حريته
بتقديره حرا كاملا، ويعطى بنسبة ما فيه من الحرية مما يرثه على تقدير
الكمال، ويختص الباقي بغيره، وإن تأخر عنه، لا يحجبه عن الإرث
كما في الخبر (2)

(1) ولقد عقد لها في الوسائل: كتاب الفرائض والمواريث باب
خاص يحتوي الروايات الواردة بهذا المضمون برقم (باب 16).
(2) إشارة إلى روايات ظاهرة بهذا المضمون، احتواها باب 19 من
أبواب كتاب الفرائض والمواريث من الوسائل.
231

ولو تعدد واتحدت النسبة، ففي (مصابيح) جدي العلامة " اقتسموا
ما يستحقونه على الانفراد بالسوية، وإلا اشتركوا فيما يستحقه الأكثر حرية
لو انفرد بنسبة الحرية، فلو خلف مع ابن نصفه حر ابنا حرا فللمبعض
الربع وللحر ثلاثة أرباع، أو أخا وحرا، فالمال بينهما نصفان أو أخا نصفه
حر وعما حرا فللابن النصف وللأخ الربع والباقي للعم، ولو خلف ابنين
نصفهما حر فالنصف بينهما نصفين. ولو كان ثلثا أحدهما وثلث الآخر
حرا فالثلثان بينهما أثلاثا. ولا فرق في ذلك بين الوارث بالفرض والقرابة
فلو كان ذو الفرض نصفه حر فله النصف مما يرثه بالفرض والرد بفرض
الحرية، وقطع العلامة بأن له نصف الفرض خاصة. واحتمل حجب
المبعض لمن تأخر عنه في الدرجة، وتكميل الحرية في المبعضين المتساويين
فيهما، وإرثهما بتنزيل الأحوال، والكل ضعيف " (1) انتهى.
وما اختاره - قدس سره -: من عدم حجب المبعض لمتأخر عنه،
وعدم التكميل هو الأقرب، وإن كان لنا في كيفية تقسيمه في صورة
الاختلاف في نسبة الحرية تأمل - كما ستعرف -.
وبالجملة فالضابط في التقسيم - بناء على ما ذكره - هو: أنه: إن
تساووا في النسبة قسم ما يكون له على تقدير الانفراد بينهم بالسوية، وإلا
اشتركوا فيما يستحقه الأكثر حرية لو انفرد بنسبة الحرية إن لم يكن أحدهم
حرا كله، وإلا ورثوا على أقلهم حرية، واختص الكامل بما يزيد
عليهم في الحرية.
هذا ولا بأس بالتعرض إلى ما احتمله العلامة في (القواعد) بأمثلتها

(1) راجع ذلك في كتاب المواريث بعنوان (مصباح: الرق يمنع
الإرث).
232

مع زيادة توضيح تشريحا للذهن، فنقول:
قال في (القواعد) (1) فروع: الأول إن كان المعتق بعضه ذا
فرض أعطي بقدر ما فيه من الحرية من فرضه.. "
أقول: لعل نظره في اختصاص إرثه بالفرض دون الرد إلى أن الرد
خلاف الأصل، والمتيقن منه هو الرد على الحر التام دون المبعض. وفيه
إمكان معارضته بالمثل بدعوى اختصاص الإرث بالفرض بغير المبعض
فيبقى هو مندرجا في عمومات الإرث بالقرابة بعد أن كان كل من الفرض
والرد مستفادا من أدلة المواريث وإمكان دعوى الانصراف في كل منهما
قوله - رحمه الله -: " ولو تعدد من يرث بالقرابة كابنين نصفهما حر، احتمل أن
تكمل الحرية فيهم بأن تضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر منهما.. "
أقول: مبنى الاحتمالات هو أن المبعض على تقدير انفراده: هل
يمنع المتأخر عنه عن إرثه أولا؟ وعلى الثاني، فمع التعدد: هل لا يمنع
مطلقا حتى لو تلفق من المجموع قدر حرية واحد بالتمام بناء على اشتراط
الحجب بالكامل في الحرية دون التكميل بها، أو يكفي الكمال، ولو بالتلفيق
مع التساوي في الدرجة أو مطلقا؟ أما الأول، فلا إشكال في عدم منع
غيره عما يزيد على إرثه بنسبة الحرية لعدم مزاحمته له فيه بعد حرمانه
منه بالرقية. وأما الثاني، ففيه وجهان: ظاهر (القواعد) وخيرة (الإيضاح)
على ما حكى عنه: هو الثاني لأن نصفي الشئ - مثلا - شئ كامل، ولا
مدخل للصورة بعد تحقق الكمال بالتلفيق، فإذا كمل حر تام كابنين
منصفين أو ثلاثة قد تحرر من كل الثلث، أو من أحدهم النصف ومن
كل من الآخرين الربع وهكذا، ورثوا المال كله، فإن جاء معهم أخ

(1) راجع ذلك في كتاب الفرائض منه ضمن الفصل الثاني في موانع
الإرث، المطلب الثالث في الرق (فروع - آ) طبع إيران حجري.
233

لم يرث شيئا ومنعوه كما يمنعه الحر التام المتحد، ثم يقسم فيما بينهم على
حسب الحرية فللمنصف النصف، ولذي الثلث الثلث ولذي الربع الربع
وهكذا، والأقرب هو الأول، لأنه - على القول بكفاية التلفيق - لم يظهر
للرق أثر، سيما مع التساوي في النسبة، ويوجب تخصيص ما دل على مانعية
الرق من غير دليل، وحجب البعيد بالقريب إنما هو بسبب إرثه (ودعوى)
إرث المجموع للجميع (مصادرة) محضة، ففي المثال للابنين المنصفين
نصف المال يشتركان فيه بالمناصفة والنصف الآخر لمن تأخر، وللثلاثة
المثلثة الثلث يشتركون فيه بالسوية أثلاثا، والثلثان لمن تأخر عنهم، وفي
الأخير يشتركون في النصف: للمنصف نصفه، ولكل واحد من الآخرين
ربعه، وهو ثمن المال، والنصف الآخر - وهو أربعة أثمان - لغيرهم.
اللهم إلا أن يقال بظهور تأثير الرقية على التكميل أيضا مطلقا، سواء
اختلفا في قدر الحرية أم تساويا فيه، أما على الأول، فباختلاف كمية
الإرث على نسبة الحرية فيهما، وأما على الثاني، فالمال وإن كان بينهما
بالمناصفة على التكميل أيضا كالحرين الكاملين فلا يظهر حينئذ أثر في كمية
الإرث، إلا أن الفرق بينهما في السبب الموجب له، ضرورة أن في الحرية
التامة اقتضاء لاستحقاق جميع المال، ولذا يجوزه على تقدير انفراده،
وحيث كانت العلة موجودة في الآخر أيضا أوجب ذلك الاشتراك في المعلول.
والتنصيف بينهما إنما هو بسبب المزاحمة لا لقصور الاقتضاء عن الكل
واختصاصه بالنصف، بخلاف المبعض فإنه لا اقتضاء فيه للإرث على أزيد
من قدر الحرية، ولذا لا يرث أزيد من النصف حتى لو انفرد: إما لعدم
الشرط وهو الحرية أو لوجود المانع وهو الرقية، فالتنصيف في المبعضين
المنصفين إنما هو بحسب الاقتضاء لا بسبب المزاحمة، فالقول بالتكميل قريب
وإن كان القول بالعدم لعله الأقرب.
234

لكن إن قلنا به فإنما نقول به مع اتحاد الطبقة. وأما مع اختلافها
كالابن المنصف مع أخ كذلك فلا يتجه التكميل، لأن الشئ لا يكمل
بما يسقطه، ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه - كما في القواعد - خلافا لولده
في (الإيضاح) فاختار التكميل فيه أيضا، معللا باشتراكهما في كونهما
أقرب من العم وأولى منه، ثم قال " وقوله: لا يكمل بما يسقطه ممنوع
فإنه إنما يسقطه لو كان كله حرا أما على تقدير رقية البعض فلا يسقطه
بالكلية، لأنا نبحث على ذلك التقدير " (1) انتهى فتأمل
قوله - رحمه الله -: " ويحتمل أن يكون لكل واحد ثلاثة أثمان المال... " (2)
أقول: وهذا هو الاحتمال الثالث في الولدين المنصفين، وهو احتمال
التنزيل على الأحوال في طريق معرفة قدر إرث كل منهما قياسا على إرث
الذكر والخنثى: فعن المشهور، يفرض الخنثى (تارة) ذكرا فالمال على
التنصيف بينهما (وأخرى) أنثى، فيكون على التثليث ومخرج النصف
اثنان بضرب في مخرج الثلث ثلاثة لمكان التباين، فالفريضة من ستة:
للذكر نصفه ثلاثة على الأول، وأربعة على الثاني، فله على التقديرين
سبع، وللخنثى كذلك خمس: يعطى لكل منهما نصف ماله على الاحتمالين
فيضرب الاثنان في الست تحصيلا للعدد الصحيح للقسمة، فالمرتفع اثنا عشر
فللذكر منها على تقدير ستة، وعلى تقدير آخر: ثمانية، فالمجموع

(1) - قال فخر المحققين في إيضاحه في التعليقة على هذا الفرع من
كلام القواعد: " أقول: ويحتمل التكميل لاشتراكهما في كونها أقرب
من العم وأولى منه.. " ويختم كلامه بقوله: " والأصح عندي التكميل
هنا ".
(2) المصدر الآنف من القواعد بحرف (ب): ابن نصفه حر
وآخر كذلك.
235

أربعة عشر، يعطى نصفه - وهو سبعة - وللأخرى منها على تقدير ستة
وعلى تقدير أربعة، فالمجموع على التقديرين عشرة، يعطى لها نصفها
- وهو خمسة -. وعلى هذا التنزيل: ففي المقام: الأحوال التي يمكن
أن يكون عليها أربعة، وهي: حران، رقان، الأكبر حر والأصغر رق
والعكس، وكان الحاصل لكل منهما في الأحوال الأربعة: مال ونصف،
لاحتمال اختصاص الحرية التامة به، فالمال كله له، واحتمال حرية نصفه
فنصفه له، ولا شئ له على الرقية التامة، وحيث لم يكن في الواقع إلا
واحد منها ناسب أن يحكم له بربع ذلك الحاصل تنزيلا له على الأحوال
الأربعة، وقد علمت أنه مال ونصف، فالمال ثمانية أثمان، والنصف أربعة
أثمان، فالمجموع اثنا عشر ثمنا: ربعها ثلاثة أثمان: فأقل عدد يخرج
منه ثلاثة أثمان إنما هو ثمانية، فكانت الفريضة من ثمانية، فلكل واحد
منهما ثلاثة أثمان منها، فيبقى ثمنان للبعيد.
ويضعف بوضوح الفرق بين المقام وما يجري فيه التنزيل على الأحوال
لأنه يعتبر في مجراه الجهل بالحال فينزل على اختلاف الأحوال، والمقام
معلوم الحال، فكيف يقاس معلوم الحال بمجهوله؟.
قوله - رحمه الله -: " ولو كان معهما ابن ثالث ثلثه حر الخ.. " (1)
أقول: على القول بالتكميل يقسم المال كله بينهم على ثمانية، لأن
النصف ثلاثة أسداس، والنصف الآخر كذلك، والثلث سدسان، فالمجموع
ثمانية أجزاء فالقسمة من ثمانية، لأنها أقل عدد يخرج منه الثمن فلكل من
المنصفين ثلاثة، وللمثلث اثنان. أو نقول مجموع الحرية: الحرية وثلث.
وذلك في تقدير أربعة أثلاث، فيقسم ما تساووا - وهو الحرية - بالتسوية
لكل واحد ثلث، ويبقى ثلث آخر يقسم بين الاثنين بالسوية، وليس

(1) المصدر الآنف من القواعد بنفس عنوان (ب).
236

له نصف صحيح فنضرب اثنين في أربعة لأن أصلها أربعة أثلاث، فالمرتفع
ثمانية، ومرجع ذلك إلى تحقق العول فيهم بجزئين على الستة لأن المجموع
حر تام وثلث، فتعول القسمة إلى ثمانية.
قوله - رحمه الله -: " وعلى الثاني يقسم النصف على ثمانية " (1)
أقول: وجهه يعرف مما تقدم في الأول، غير أنه - هنا - يجري ذلك في
النصف لعدم التكميل وحرمانهم من النصف بالرقية واشتراكهم في النصف
بالحرية، فتوريثهم النصف على نسبة ما فيهم من الحرية، وذلك ثمانية -
على ما تقدم - وإن كان لي فيه تأمل - كما ستعرف -.
قوله - رحمه الله -: " ويحتمل قسمة الثلث أثلاثا والسدس بين صاحبي النصف
نصفين " (2).
أقول: هذا احتمال ثان في التقسيم على الاحتمال الثاني، ونظره إلى
تساوي الثلاثة في حرية الثلث، فيبقى السدس الزائد على الثلث في من
نصفه حر، فيقسم بينهما خاصة بالسوية، فتصح القسمة من ستة وثلاثين
لأنه أقل عدد يكون له نصف ولنصفه ثلثان ينقسمان على ثلاثة وثلث ينقسم
على اثنين، فيقسم على ثلثها وهو اثنا عشر أثلاثا بين الثلاثة، لاشتراكهم
في حرية الثلث، فيكون لكل واحد منهم أربعة، ويقسم سدسها - وهو
ستة - بين المنصفين خاصة بالسوية، لاختصاصهما بزيادة الحرية مقدار
ما به التفاوت بين الثلث والنصف، وهو السدس، فيكون لكل من المنصفين
سبعة، ولذي الثلث أربعة، فالمجموع ثمانية عشر: نصف الفريضة،
ويعطى النصف الباقي للبعيد لحرمانهم منه بالرقية.

(1) المصدر الآنف، والجملة شق ثان لقوله: (فعلى الأول يقسم المال
بينهم على ثمانية).
(2) نفس المصدر، بعد الجملة الآنفة بلا فصل.
237

وأنت خبير بما في الاحتمالين: من الاختلاف في القسمة، ضرورة أنه على
الأول: لذي الثلث اثنان من ثمانية لكون القسمة من ستة عشر، وعلى
الثاني له أربعة من ثمانية عشر، لكونها من ستة وثلاثين، فله حينئذ
اثنان من تسعة لا من ثمانية.
والأصح عندي هو الاحتمال الثاني إذ حق القسمة يقتضي ذلك، لأنه
ليس لذي الثلث سدسان من الستة حتى يضاف إليها، بل له دون ذلك
لاشتراك أخويه معه فيه. وإن كان مخرج الثلث من الستة من حيث هو
اثنان، بل لذي الثلث في المقام تسعان: اثنان من تسعة، لأن له الثلث
من ثلث الأصل، فيضرب مخرج كل منهما في مخرج الآخر، وهو الثلاثة
فالمرتفع تسعة، هي نصف أصله بالفرض، فيقسم ثلثاها بينهم بالسوية،
لكل اثنان، والزائد بين المنصفين بالسوية، فلكل منهما ثلاثة ونصف
ولذي الثلث اثنان، فيضرب الاثنان - مخرج النصف - في التسعة تحصيلا
للعدد الصحيح، فالمرتفع ثمانية عشر، نصف الفريضة التي هي ستة وثلاثون
كما تقدم، لكل من المنصفين سبعة، ولذي الثلث أربعة، فلا عول في
المقام حتى تبتنى عليه القسمة.
قوله: " وعلى تنزيل الأحوال يحتمل أن يكون لكل واحد ممن
نصفه حر سدس المال وثمنه، ولمن ثلثه حر ثلثا ذلك، وهو تسع المال
ونصف سدسه " (1)
أقول: مراده إن في المثال احتمالا آخر غير الاحتمالين الأولين مبنيا على
تنزيل الأحوال، وليس المقصود أن فيه احتمالين، غير أنه تعرض لأحدهما
ولم يتعرض للآخر - كما فهمه السيد العميدي في (الكنز) حيث قال -
بعد ذكر عبارة مصنفه ما لفظه: " ولم يذكر احتمالا آخر والحق أن يقال

(1) نفس المصدر الآنف بعد الجملة الآنفة بلا فصل
238

على تنزيل الأحوال لا وجه لغير هذا الاحتمال فيكون متعينا " (1) انتهى.
ولعل استظهاره من تقديم الظرف على العامل، ولو تأخر لكان
ظاهرا فيما ذكرناه، وعلى كل حال فوجهه: هو أن الأحوال - على اختلافها
في المثال - ثمانية: إما أحرار أو عبيد أو حر ورقان، والحر إما هو
الأكبر أو الأوسط أو الأصغر، أو رق وحران، والرق أيضا دائر بين الثلاثة
فالمجموع ثمانية، والمال يقسم أثلاثا على الأول، ولا شئ لهم على الثاني
وكله للحر في الثالث بفروضه الثلاثة، وعلى النصف: للحرين في الرابع
بفروضه الثلاثة أيضا، فالحاصل لكل واحد على الأحوال مالان وثلث. ولما لم
يكن في الواقع إلا واحد منها ناسب أن يكون له ثمن ذلك لو كانوا
متساوين في الحرية. وحيث كانوا مختلفين، فللأكثر منهم حرية: ثمن
المجموع، وهو سدس المال وثمنه، ولذي الثلث: ثلثا ذلك، ضرورة
أن الثلث ثلثا النصف، ولو أعطينا كلام منهم ثمن المجموع لزم تسويتهم
مع فرض اختلافهم في الحرية، وهو باطل بالضرورة، فنطلب عددا له
ثمن وسدس، ولهما ثلث، وأقل عدد له ثمن وسدس (أربعة وعشرون)
الحاصل من ضرب نصف أحدهما في الآخر، للتوافق في النصف، وحيث
احتجنا أن يكون لهما ثلث ضربنا الثلاثة - وهي مخرج الثلث - في الأربعة
والعشرين، فالمرتفع اثنان وسبعون لكل من المنصفين، ثمن ذلك تسعة،
وسدسه اثنا عشر فالمجموع أحد وعشرون، وللآخر مثله، ولذي الثلث
ثلثاها، وهو أربعة عشر، فمجموع استحقاقهم ستة وخمسون، والباقي

(1) كنز الفوائد في حل مشكلات القواعد للسيد عميد الدين عبد المطلب
ابن مجد الدين أبي الفوارس محمد بن محمد بن علي الأعرجي ابن أخت العلامة
الحلي (ولد سنة 681 وتوفي سنة 754) والكتاب لا يزال من نفائس
المخطوطات.
239

وهو ستة عشر للعيد.
قوله: " الثالث ابن حر وآخر نصفه حر " الخ (1)
أقول على القول بالتكميل يقسم المال بينهما أثلاثا: للمنصف الثلث
وللحر الثلثان، لأن الثلث نصف الثلثين وقدر الحرية في المنصف نصف
قدرها في الكامل. وعلى القول بعدمه يقسم بينهما أرباعا، لأن قضية
عدم التكميل توزيع ما اشتركا فيه بينهما بالسوية، واختصاص الكامل
بالزائد، فيقسم النصف بينهما نصفين لاشتراكهما فيه في الحرية، فيكون
له الربع وللآخر ثلاثة أرباع. وعلى تنزيل الأحوال مثله، لأن للحر المال
كله في حال رقية الآخر بتمامه، ونصفه في حال حريته لاشتراك الحرين
فيه بالسوية، فله نصفهما وهو ثلاثة أرباع وللآخر نصفه في حال حريته
وليس له شئ في حال رقيته، فليس له في الحالين إلا النصف،
وهو الربع قوله: " الرابع ابن ثلثاه حر وآخر ثلثه حر " الخ (2).
أقول: على التكميل المال بينهما أثلاثا: لذي الثلثين الثلثان، ولذي الثلث
الثلث، تقسيما للمال بينهما على نسبة الحرية. وعلى القول بعدمه يقسم
الثلثان لحرمانهما من الثلث بالرقية بينهما أثلاثا بناء على ما تقدم في كلام
جدنا: من تقسيم الأكثر بينهما على نسبة الحرية مع الاختلاف في قدرها
الذي قد عرفت ما فيه، وأن الأقوى فيه تقسيم الثلث بينهما بالسوية
لاشتراكهما فيه بالحرية، ويضاف لذي الثلثين ثلث آخر، فيكون له النصف
ولذي الثلث السدس، والثلث الباقي لمن تأخر، فالفريضة على الأول:
من تسعة، لأنه أقل عدد يكون له ثلث ولثلثيه ثلث، فالثلثان منها وهما
ستة يقسم بينهما أثلاثا، فلذي الثلث تسعان، ولذي الثلثين أربعة أتساع

(1) نفس المصدر الآنف من القواعد بعنوان (ج).
(2) المصدر الآنف من القواعد بعنوان (د)
240

والثلاثة أتساع الباقية لمن تأخر. وعلى الثاني، فالفريضة من ستة، يقسم
ثلثها، وهو اثنان بينهما بالسوية، ويختص صاحب الثلثين بثلث آخر،
والثلث الباقي لمن تأخر، فلذي الثلث السدس، ولذي الثلثين ثلاثة
أسداس، وسدسان وهو الثلث لمن تأخر، وعلى الخطاب، فلذي الثلث
السدس، ولذي الثلثين ثلثا خمسة أسداس، وهما خمسة أتساع، وهي
عشرة من ثمانية عشر. وتوضيح ذلك موقوف على بيان ما ذكروه: من
قاعدة كلية جارية في معرفة كمية إرث المبعض مع من كان في طبقته - حرا
كان أو مبعضا - بناء على الخطاب، وهي أنه: إذا كان أحدهما بعضه
حرا وبعضه رقا فإنما تمنع حرية البعض جزء نسبته إلى ما يمنعه الكل
كنسبة الجزء الحر إلى الكل، وبعبارة أخرى نقول: نسبة ما حجب بجزء
الحرية إلى ما حجب بكلها كنسبة جزء الحرية إلى كلها، ففي المقام
يقال: إنه لو كان من ثلثه حر حرا كله لمنع من كله حر عن نصفه التركة،
فثلث الحر يمنع ثلث النصف وهو السدس، لأن الوارث المساوي في الطبقة
يحجب مساويه عن نصيبه، والنصيب يتقدر بقدر الحرية إذا لم تكن كاملة
ونسبة السدس إلى النصف كنسبة ثلث الحرية إلى تمام الحرية، فيكون
لمن كله حر خمسة أسداس المال التي بقيت بعد إخراج السدس، وإذا
لم يكن كله حرا - بل ثلثاه كما في المثال المفروض - لم يستحق الخمسة
أسداس، وإنما يستحق بثلثي حريته ثلثي ما كان يستحقه بكل حريته فله
ثلثا خمسة أسداس، وهما خمسة أتساع، وهي عشرة من ثمانية عشر - كما تقدم - وإلى
ذلك أشار - قدس سره - بقوله: " فلك بثلثي حرية خمسة أتساع، ويقال
للآخر: يحجبك أخوك بثلثي حربته عن ثلثي النصف وهو الثلث يبقى لك الثلثان،
ولك بثلث حرية ثلث ذلك وهو التسعان، ويبقى التسعان لباقي الأقارب " (1)

(1) راجع من المصدر الآنف من القواعد: آخر ما يحويه عنوان (د)
241

قوله " الخامس ابن حر وبنت نصفها حر: للابن خمسة أسداس المال
وللبنت سدسه. في الخطاب والتنزيل معا. " (1)
إذ يقال في الخطاب للابن: لو كانت البنت حرة حجبتك من
ثلث المال فتحجبك بنصف حريتها عن السدس، وللبنت: لو كنت حرة
كان لك الثلث فلك بنصف الحرية السدس، وعلى تقدير جمع الحرية
يكون له أربعة أخماس المال، ولها الخمس، فتكون التركة بينهما أخماسا
لأنه ابن كامل وربع ابن، لأن نصف البنت ربع الابن، فأصل الفريضة
خمسة: للابن أربعة وللبنت واحد.
هذا وأنت بعد الإحاطة بما ذكرناه تقدر على استخراج بقية الفروع
التي ذكرها - قدس سره - بأدنى تأمل، فلا حاجة إلى إطالة الكلام فيها
سيما بعد ضعف الاحتمالات - كما ذكره في المصابيح - مضافا إلى أن طرق
الاستخراج وتمييز قدر الاستحقاق بها في المؤدى مختلفة - كما في كشف اللثام -
ففي بعضها يجري الجميع، وفي بعضها بعضها، وقد يتفق المؤدى مع اختلاف
الطرق، وقد يختلف باختلافها، ولا يكون المؤدى في الجميع واحدا حتى
يكون مخيرا في طريق الاستخراج، ولا يمكن القول بتوقف تعين قدر
الاستحقاق على اختيار طريق منها لاستخراج لعدم دوران الواقع مدار
اختيار طريق منها، فصرف الوقت فيه تضييع للعمر، مع كفاية ما ذكرناه
في تشريح الذهن.
بقي في المقام مسائل:
(المسألة الأولى) لا يمنع الرق عن إرث من يتقرب به، فولد المملوك
الحر يرث من يتقرب به إليه، بلا خلاف فيه، بل الاجماع مستفيضا محكي

(1) المصدر الآنف من القواعد أول عنوان (ه‍) كناية عن الخامس.
242

عليه، مضافا إلى ما روي عن الصادق (ع) في خبر مهزم: " في عبد
مسلم له أم نصرانية وابن حر، فماتت الأم يرثها ابن ابنها الحر " (1).
(المسألة الثانية) لو أعتق المملوك قبل القسمة شارك مع المساواة في
الطبقة، واختص بالمال إن كان أولى، وليس له شئ لو أعتق بعدها،
للاجماع - بقسميه - والنصوص المستفيضة التي (منها): رواية عبد الله بن
سنان عن أبي عبد الله (ع): " قال قضى أمير المؤمنين (ع) فيمن ادعى
عبد انسان أنه ابنه: أنه يعتق من مال الذي ادعاه، فإن توفى المدعي
وقسم ماله قبل أن يعتق العبد فقد سبقه المال، وإن أعتق قبل أن يقسم
ماله فله نصيبه منه " (2).
ورواية ابن مسكان عنه أيضا: " قال من أعتق على ميراث قبل
أن يقسم فله ميراثه، وإن أعتق بعدما يقسم فلا ميراث له " (3).
ورواية محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال: " من أسلم على ميراث
من قبل أن يقسم فهو له، ومن أسلم بعدما قسم فلا ميراث له، ومن أعتق
على ميراث قبل أن يقسم الميراث فهو له، ومن أعتق بعدما قسم فلا ميراث
له " (4) وغير ذلك، وفي كون العتق قبلها كاشفا عن الملك من حين
الموت فيكون المانع الرقية المستمرة، أو ينتقل عند الموت إلى الوارث غيره
متزلزلا ويستقر بالقسمة وفي ما لو أعتق في أثنائها، أو بعد قسمة البعض
وتبعية النماء للعين وعدمها: ما تقدم في إسلام الكافر.

(1) مضمون رواية ذكرت في الوسائل: كتاب الفرائض، باب 17
من أبواب موانع الإرث حديث (1).
(2، 3) المصدر الآنف من الوسائل، باب 18 حديث (1، 2)
(4) المصدر الآنف من الوسائل باب 3 الكافر إذا أسلم على ميراث
قبل قسمته حديث (3).
243

(المسألة الثالثة) لو لم يكن للميت سوى المملوك وارث عدا الإمام
أشتري من التركة وأعطي له الفاضل منها، بلا خلاف في أصل الفك وإن
اختلفوا فيمن يفك. ودعوى الاجماع عليه - في الجملة - كالنصوص مستفيضة:
(منها): رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال: " كان
أمير المؤمنين (ع) يقول في الرجل الحر يموت وله أم مملوكة؟ قال:
تشترى من مال ابنها: ثم تعتق ثم يورثها " (1).
(ومنها): رواية عبد الله بن سنان قال: " سمعت أبا عبد الله (ع)
يقول في رجل توفي وترك مالا وله أم مملوكة؟ قال: تشترى أمه
وتعتق ثم يدفع إليها بقية المال " (2).
(ومنها): رواية ابن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع)
قال: " إذا مات الرجل وترك أباه وهو مملوك أو أمه وهي مملوكة أو أخا
أو أختا وترك مالا والميت حر أشتري مما ترك أبوه أو قرابته وورث
ما بقي من المال " (3).
(ومنها): رواية جميل بن دراج " قال قلت لأبي عبد الله (ع)
الرجل يموت وله ابن مملوك؟ قال: يشترى ويعتق ثم يدفع إليه ما بقي " (4)
(ومنها): رواية عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله (ع) قال:
" سألته عن رجل مات وترك مالا كثيرا وترك أما مملوكة وأختا مملوكة
قال: تشتريان من مال الميت ثم تعتقان وتورثان، قلت: أرأيت إن أبى

(1) الوسائل: كتاب الفرائض والمواريث، باب 20 من أبواب
موانع الإرث، حديث (1).
(2) المصدر الآنف من الوسائل حديث (2).
(3) المصدر الآنف من الوسائل حديث (3).
(4) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (4).
244

أهل الجارية، كيف يصنع؟ قال: ليس لهم ذلك يقومان قيمة عدل
ثم يعطى مالهم على قدر القيمة، قلت: أرأيت لو أنهما اشتريا ثم أعتقا
ثم ورثاه من بعد: من كان يرثهما؟ قال: يرثهما موالي أبيهما لأنهما اشتريا
من مال الأب " (1).
(ومنها): رواية إسحاق بن عمار " قال مات مولى لأمير المؤمنين (ع)
فقال: انظروا: هل تجدون له وارثا؟ فقبل له ابنتين باليمامة مملوكتين،
فاشتراهما من مال الميت ثم دفع إليهما بقية الميراث " (2).
(ومنها): رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع): " قال
قضى أمير المؤمنين (ع) في الرجل يموت وله أم مملوكة وله مال: أن
تشترى أمه من ماله ثم يدفع إليها بقية المال إذا لم يكن له ذووا قرابة لهم
سهم في الكتاب " (3).
(ومنها): رواية دعائم الاسلام: " إذا مات الميت ولم يدع وارثا
وله وارث مملوك يشترى من تركته فيعتق ويعطى باقي التركة "
(ومنها): رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) في رجل
مات وترك ابنا مملوكا ولم يترك وارثا غيره، فترك مالا فقال: يشترى
الابن ويعتق ويورث ما بقي من المال (4)
واطلاق أكثرها، وإن كان يعطي الفك مع وجود القرابة أيضا
إلا أنه مقيد - بعد الاجماع - بما دل على أن الإرث للحر، وإن كان
بعيدا، دون المملوك وإن كان أقرب.

(1) المصدر الآنف من الوسائل حديث (5) تسلسل (32455)
(2) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (8).
(3) المصدر الآنف من الوسائل حديث (6).
(4) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (10) تسلسل (32460)
245

وبرواية عبد الله بن سنان المتقدمة المعلق فيها الحكم على فقد ذي
القرابة، بل في غيرها على فقد الوارث الشامل للضامن أيضا، فلا كلام في
توقف الفك على فقد القرابة وإن بعد، كما لا كلام في وجوبه لو انحصر
الوارث بالإمام (ع)، وإلا لم يكن مورد لوجوب الفك، لوجود
الإمام (ع) في كل زمان، وإنما الكلام في اختصاص الحكم بفقد القرابة
خاصة كما لعله يعطيه ظاهر خبر ابن سنان المعلق فيه الحكم عليه، الشامل
باطلاقه لوجود وارث غيره، وعدم الوارث أصلا أو فقد مطلق الوارث
حتى الضامن كما يعطيه عموم ما دل على إرثه الذي بينه وبين ما هنا تعارض
العموم من وجه، المرجح باطلاق الأصحاب تعليق الحكم على عدم الوارث
عدا الإمام (ع) بل صرح بعضهم منهم جدنا في (الرياض) بفقد
الوارث حتى الضامن.
وبمرسل (الدعائم) المنجبر بما عرفت، المعلق فيه الحكم على عدم
الوارث الشامل باطلاقه للضامن أيضا.
وحمله على إرادة الغالب منه - وهو القرابة - ليس بأولى من تنزيل
التقييد بالقرابة في خبر ابن سنان على الغالب، بل الثاني هو الأولى في
كل ما كان من هذا القبيل: من تعليق الحكم على المطلق في خبر، وفي
آخر: على أفراده الشايعة الدائر أمره بين تنزيل المطلق على الغالب أو المقيد
عليه مع بقاء المطلق على اطلاقه، والثاني هو المتعين، سيما لو كان الانصراف
منبعثا عن غلبة الوجود دون الاستعمال لأن مرجع الاختصاص في المعلق
على الخاص ليس إلا من جهة الاختصاص بالذكر، بخلاف صدق المطلق
على أفراده الذي هو من دلالة اللفظ عليه، فنسبة غير مورد الخاص إليه
كنسبة الأصل إلى الدليل التي مرجعها في الحقيقة إلى عدم التعارض، ففي
المقام ينزل التقييد بفقد القرابة على الغالب: من عدم الوارث غيره، لا تنزيل
246

الوارث على خصوص القرابة.
فإذا ما عليه المشهور من تعليق الفك على فقد الوارث مطلقا عدا الإمام (ع): هو الأقوى.
هذا وهل يختص الفك بالأبوين - كما هو ظاهر المرتضى والديلمي،
أو الأم وحدها - كما عن ظاهر الصدوقين - أو هما مع الأولاد للصلب -
كما في السرائر، وهو المحكي عن المفيد والمحقق والآبي وظاهر الطوسي،
وفي الروضة: إنه موضع وفاق، بل في السرائر: دعوى الاجماع عليه، وإن
نسبه مع ذلك إلى الأكثر، أو مطلق الأقارب كما اختاره في (المصابيح)
وحكاه عن الشيخ وأبي علي والشاميين الخمسة، والقطبين الراوندي
والكيدري، والمحقق الطوسي والعلامة ونجيب الدين وفخر المحققين والسيوري
وأبي العباس والصيمري، وفي الروضة نسبته إلى الأكثر، بل في (الخلاف)
الاجماع على فك المستحق الظاهر في مطلق الوارث؟ أقوال: والكل منصوص
وإن كان في سند بعض النصوص ضعف، ولذا وقع الخلاف في القدر
الخارج عما اقتضته قاعدة حرمان الرقيق من الإرث، والأقرب وجوب
فك الأقارب مطلقا لورود النص بفك بعضها كالأخ والأخت مع دعوى
الاتفاق على عدم الفرق بين الأقارب، فيتم في غير المنصوص منهم بالاجماع
المركب، مضافا إلى المرسلة في (الوسيلة) في الجد والجدة والأخ والأخت
وجميع ذوي الأرحام المنجبر - كغيرها - بما عرفت، وإلى مرسل (الدعائم)
المنجبر الناص بشراء المملوك والوارث الشامل لمطلق الأقارب بل مطلق
الوارث.
وأما الزوج والزوجة، ففي فكهما وعدمه قولان: والأول محكي
في (المصابيح) عن صريح النهاية والارشاد والمسالك وظاهر المبسوط
والايجاز وغيرهما، بل ظاهر اجماع (الخلاف) وإطلاق مرسل (الدعائم)
247

الشمول لهما، مضافا إلى خصوص الصحيح: " كان علي (ع) إذا مات
الرجل وله امرأة مملوكة اشتراها من ماله فأعتقها ثم ورثها " لظهور التكرر
المستفاد من قوله (وكان علي) مع قوله (ثم ورثها) في كون فكها
وتوريثها البقية حكما إلهيا لا تبرعيا، كما احتمل، واحتمال تصحيف الأم
بالامرأة لا يلتفت إليه، فإذا ثبت في الزوجة ثبت في الزوج بالأولوية، مع
دعوى الاتفاق على عدم الفرق بينهما، إلا أنه يشكل ذلك بناء على عدم
الرد على الزوجة، إذ لا نريد شراء المملوكة على الحرة، إلا أن يدفع
بالجمود على النص في المورد مع التسري إلى الزوج بالاجماع المركب
والثاني محكي في (المصابيح) عن الديلمي والحلي وابني سعيد
والآبي وأبي العباس وظاهر المقنعة والأحمدي والجواهر والوسيلة والقواعد
والتلخيص والتنقيح، وعن المقتصر نسبته إلى الأكثر.
فروع (الأول): لو امتنع المالك عن البيع، أجبر عليه، فإن امتنع
- مع ذلك - تولى بيعه الحاكم، لأنه ولي الممتنع، ولا يجب - بل لا يجوز -
بذل الزائد على القيمة لو توقف رضاؤه عليه، لقوله (ع) في رواية
عبد الله بن طلحة المتقدمة: " يقومان قيمة عدل " الدالة على عدم تسلطه
على طلب الزيادة، ولدفع الضرر عنه بالقيمة، ودخول الضرر على الوارث
ببذل الزيادة وإن رضى به، لعدم كونه مالكا قبل الشراء حتى يجدي
رضاه، ولو كان له وصي، فالأوجه: أنه هو الذي يتولى الشراء، لأن
المال قبله بحكم مال الميت كالثلث الذي تنفذ فيه وصيته، وإن اختص
صرفه بالشراء. اللهم إلا أن يدعى المنع عن كونه مما له الايصاء به، ولا
أقل من الشك فيه فتأمل. وليس له قهره عليه لو امتنع لأنه وظيفة الحاكم
(الثاني) لو ساوى المال قيمة المملوك وجب شراؤه، وإن لم يفضل
منه شئ يرثه: بلا خلاف أجده، بل الاجماع محكي عليه، وإن تضمنت
248

النصوص للزيادة، لأنها في مقام بيان كون الفاضل له بالإرث إن كان
لا أن نصيبه من التركة مقدار ثمنه.
(الثالث) لا يجبر المالك على المعاوضة بعين التركة كالسيف والفرس
- مثلا - مع تعذر القيمة ولو ببيعها ودفع ثمنها ثمنا للمملوك، فيكون
للإمام (ع)، قصرا للحكم فيما خالف الأصل من وجوه على المتيقن،
وهو الشراء بالقيمة الظاهرة في النفوذ، دون الأعيان. نعم مع إمكان التوصل
إليها ببيع العين وجب مقدمة، لأن المقدور بالواسطة مقدور، كما تجب
المعاوضة بها مع تعذر القيمة لو رضي المالك بها، بل وهو كذلك، وإن
زادت قيمتها عن قيمة المملوك وأبى المالك إلا المعاوضة بها تماما، وإن
قلنا بعدم وجوب بذل الزائد على الثمن، لوجوب البيع بالقيمة عليه هناك
دون المقام.
(الرابع): لو قصرت التركة عن القيمة، ففي وجوب الشراء
والسعي للباقي مطلقا أو فيما اتفق على فكه أو العدم مطلقا؟ أقوال:
والأول محكي عن الشيخ. وابن الجنيد نقله عن بعض الأصحاب،
وعن (الجواهر): نفي البأس عن العمل به، وفي (المختلف): ليس
بعيدا عن الصواب، وعن المسالك: إنه قول متجه.
ونظرهم إلى أن عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأمور المطلوبة
شرعا، فيساويه في الحكم.
وفيه: أنه إن أرادوا من مساواة حكمهما بعد الحرية فمسلم، ولكن
لا يستلزم وجوب تحرير الجزء عند تعذر الكل، وإن أرادوا ما يعم ذلك
فهو قياس أو مصادرة، والاستناد فيه إلى عموم " ما لا يدرك " و " عدم
سقوط الميسور " و " إذا أمرتكم بأمر " فمع منع شموله للمقام معارض
بما دل على نفي الضرر، لاستلزامه تشطير المملوك المرجح عليه بوجوه عديدة
249

والثاني هو متجه (الروضة) وغيرها، لم أر له وجها لعدم الفرق
بين ما اتفق على فكه وبين غيره بعد اشتراكهما في وجوبه للدليل، سواء
كان الاتفاق أو غيره.
والثالث - وهو الأقوى - اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن: هو
المشهور نقلا وتحصيلا، بل في (المصابيح): دعوى الاجماع عليه ونسبة
الخلاف إلى الانقراض والشذوذ، وعليه فالتركة للإمام (ع).
(الخامس) لو تعدد المملوك ولم تف التركة إلا بقيمة واحد
لا بعينه، فالأقرب وجوب شراء من تعينه القرعة، لوجود المقتضي للإرث
من القرابة وإمكان زوال المانع ولو في البعض. وقول بالعدم - كما هو المشهور -
للأصل وكون الوارث هو المجموع، فهو كالواحد الذي لا يجب شراء
بعضه لو قصر المال عن كله، والأول مقطوع بما عرفت، والثاني قياس
لا نقول به. ولو وفى نصيب واحد بقيمته: إما لزيادة النصيب أو لقلة
القيمة، فالأقرب تعيين شرائه وتوريثه الباقي، لوجود المقتضي وامكان
زوال المانع بالنسبة إليه، ويحتمل التعيين بالقرعة أيضا، لعدم النصيب له
قبل الشراء حتى يتعين به، ولذا لو وفى المال بقيمة الكل وجب شراء
الجميع بالاجماع المحكي، وإن اختلفا في النصيب أو القيمة، وقول بالعدم
وأن الميراث للإمام لكون الوارث هو المجموع، فهو كالواحد الذي
لا يتحرر بعضه لو قصر المال عن قيمة كله. ويضعفان بما عرفت.
(السادس) هل يجب العتق بعد الشراء، أم يكتفى به عنه في حصول
الانعتاق؟ وجهان، بل قولان: ولعل الأقرب هو الثاني، بناء على أن
البيع في أمثال المقام كشراء أحد العمودين، والعبد المشترى من مال
الزكاة مفاده الانعتاق لا التملك ولو آنا ما ثم العتق بعده، وذكر العتق
بعد الشراء - ولو بالعطف بثم في بعض الأخبار - كناية عن زوال الرقية "
250

ويشهد له خلو بعضها عنه، وإن أمكن القول به بدعوى أن الخلو عنه
غايته الاطلاق فيقيد بما نص عليه، ولتحقيق ذلك مقام آخر.
(الثالث من الموانع): القتل، والعمد منه بغير حق مانع عن
الإرث بالاجماع - المحصل والمنقول - مستفيضا، وللنصوص المستفيضة الدالة
عليه بالعموم والخصوص.
فمن الأول: صحيحة هشام: " لا ميراث للقاتل " (1) ورواية أبي
بصير قال: " لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه " (2) ورواية القاسم
ابن سليمان قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل قتل أمه أيرثها؟
قال سمعت أبي (ع) يقول: أيما رجل ذو رحم قتل قريبه لم يرثه " (3)
وصحيحة الحذاء: " في رجل قتل أمه؟ قال: لا يرثها " (4) وصحيحة
الحلبي: " عن الرجل يقتل ابنه: أيقبل به؟ قال: لا ولا يرث أحدهما
الآخر " (5) وحسنته " إذا قتل الرجل أباه قتل به وإن قتله أبوه لم
يقتل به ولم يرثه " (6)

(1) الوسائل: كتاب الفرائض والمواريث، باب 7: إن القاتل
ظلما لا يرث المقتول، حديث (1) عن أبي عبد الله (ع) عن آبائه عن
رسول الله صلى الله عليه وآله.
(2) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (5) عن أبي عبد الله (ع)
(3) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (6).
(4) المصدر الآنف من الوسائل حديث (2) والحذاء هو أبو عبيدة وتكملة
الرواية: - كما في الكافي -: " ويقتل به صاغرا، ولا أظن قتله بها كفارة لذنبه "
(5) المصدر الآنف الوسائل حديث، (7) آخر الباب وهي عن
أبي عبد الله (ع)
(6) نفس المصدر من الوسائل. حديث (4).
251

مؤيدا بالحكمة الظاهرة، وهي عصمة الدماء من معاجلة الورثة،
وعقوبة القاتل بحرمانه من الإرث ومقابلته بنقيض مطلوبه.
ومن الثاني صحيحة ابن سنان: " عن رجل قتل أمه أيرثها؟
قال: إن كان خطأ يرثها وإن كان عمدا لم يرثها " (1) وصحيحة محمد بن
قيس قال: " قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل قتل أمه إن كان
خطأ فإن له ميراثه وإن كان قتلها متعمدا فلا يرثها " (2).
وما كان منه بحق لم يمنع عن الإرث وإن جاز تركه كالقصاص:
للاجماع، ورواية حفص بن غياث: " عن طائفتين من المؤمنين إحداهما
باغية، والأخرى عادلة: اقتتلوا فقتل رجل من العراق أباه أو ابنه أو أخاه
أو حميمه، وهو من أهل البغي وهو وارثه أيرثه؟ قال: نعم لأنه قتله
بحق " (3)
وأما الخطأ ففي المنع عنه مطلقا، أو عدمه كذلك، أو التفصيل،
فيمنع عن الدية دون غيرها من التركة؟ أقوال:
والأول منسوب إلى الفضل والعماني وظاهر الكليني، ونظرهم إلى
عموم منع القاتل، وخصوص الخبر: " لا يرث الرجل الرجل إذا قتله
وإن كان خطأ " (4). والمرسل: من قتل أخاه عمدا أو خطأ لم يرثه.

(1) الوسائل: كتاب الفرائض، باب 9 من أبواب الموانع إن القاتل خطأ لا يمنع
من الميراث، حديث (2) عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع)
(2) المصدر الآنف من الوسائل - كتابا وبابا - حديث (1) عن أبي
جعفر (ع) بهذا المضمون.
(3) الوسائل: كتاب الفرائض، باب 13 من أبواب الموانع وحديث
تسلسل (32430) قال: سألت جعفر بن محمد عن طائفتين..
(4) الباب التاسع من كتاب الفرائض من الوسائل، حديث (4)
باسناده عن العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله (ع)..
252

ويضعف الأول (1) بلزوم التخصيص بالنصوص المقيدة بالعمد.
والثاني بضعف (2) الخبرين وانتفاء الجابر، بل مخالفة القول به للمشهور
- عندنا - وموافقته للمشهور عند غيرنا، فالمتجه طرحهما أو الحمل على
التقية، سيما مع معارضتهما للنصوص الدالة على الإرث مطلقا (3) والمفصلة
بين الدية وغيرها من التركة (4)
(والثاني) منسوب إلى (الشرائع) و (النافع) و (جامع المقاصد)
والتلخيص وغيرها، بل في (الشرائع) و (التحرير) إنه الأشهر، لما
تقدم: من الصحيحتين المفصلتين بين العمد والخطأ، مؤيدا بعمومات
الإرث (5) وانتفاء حكمة المنع.
ويضعف بأن إطلاق إرث القاتل خطأ مقيد بما دل على حرمانه من
الدية خاصة كالنبوي: " ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ويرث الرجل
من مالها وديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمدا فلا يرث من ماله ومن
ديته وإن قتل خطأ ورث من ماله ولا يرث من ديته " (6) والصحيح:

(1) وهو عموم المنع من الإرث كالنبوي القائل: " لا ميراث
للقاتل،.
(2) أي الاستدلال بخصوص الخبر والمرسل الآنفي الذكر.
(3) وقد عقد لها في الوسائل: كتاب الفرائض بابا مستقلا وهو
الباب التاسع من أبواب المنع بعنوان أن القاتل خطأ لا يمنع من الميراث.
(4) يراجع من المصدر الآنف من الوسائل: بابي العاشر والحادي عشر.
(5) من الآيات والروايات، خرج منه المتعمد الظالم، وبقي الباقي
تحت العموم.
(6) في الباب الثامن والتاسع من كتاب الفرائض من الوسائل:
روايات كثيرة بهذا المضمون ولم نعثر على نبوي بهذا النص المذكور.
253

" في امرأة شربت دواء وهي حامل ولم يعلم بذلك زوجها، فألقت ولدها؟
قال فقال: إن كان له عظم وثبت عليه اللحم عليها دية تسلمها إلى أبيه
وإن كان حين طرحته علقة أو مضغة فإن عليها أربعين دينارا أو غرة
تؤديها إلى أبيه، قلت: فهي لا ترث ولدها من ديته مع أبيه؟ قال: لا
لأنها قتلته " (1) الظاهر في الخطأ أو الشامل له وللعمد مؤيدا ببعد
استحقاقه ما ثبت عليه أو على العاقلة بجنايته من غرامة الدية - كلا أو بعضا -
كيف وهو مما يلزم من ثبوته سقوطه وإن اختلف السبب بل لعله بحكم
الطل المنفي في دم المسلم إن لم يكن منه.
هذا مع تقييد الدية بالمسلمة في قوله تعالى: " فدية مسلمة إلى أهله "
اللهم إلا أن ينزل القيد على الغالب كتقييد الربائب بالحجور.
فيما ذكرنا ظهر لك أن القول الثالث - وهو التفصيل بين الدية
وغيرها بالحرمان من الأول، والإرث من الثاني - هو الأقوى، كما هو
المنسوب إلى المشايخ الأربعة والحلبيين والطوسيين والقاضي والحلي والكيدري والعلامة
وولده والشهيدين وأبي العباس والصيمري وغيرهم بل في (الدروس) وعن
تلخيص (الخلاف): إنه المشهور، بل عن الانتصار والخلاف والغنية
والسرائر الاجماع عليه، وهو الحجة، مضافا إلى النبوي المتقدم.
وأما الخطأ الشبيه بالعمد فالأظهر أن حكمه حكم المحض في الإرث
مطلقا أو على التفصيل، وفاقا لما عن صريح الديلمي والعلامة في (المختلف)

(1) صحيح علي بن رئاب عن أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر (ع)
عن امرأة شربت دواء.. كما في الوسائل: كتاب الفرائض، باب 8
من أبواب موانع الإرث حديث (1).
والغرة - بالضم -: العبد والأمة - كما عن كتب اللغة -.
254

و (التحرير) وابن فهد والمقداد في (غاية التنقيح) بل عن الصيمري
الميل إليه في كتابيه. وعن أبي العباس حكايته عن الطوسي وشارح النصيرية
عنه، وعن كثير من المتأخرين، وهو ظاهر الشرائع، وغيره، بل المعظم
حيث قابلوا العمد بالخطأ، الظاهر في إرادة ما يشمل شبيه العمد، لبعد
إهمالهم حكم شبيه العمد، مع كثرة وقوعه ومسيس الحاجة إليه، فليس
هو إلا لكون المراد بالخطأ الذي ذكروا حكمه ما يشمله، خصوصا مع
وقوع ذلك منهم في مقام الاستقصاء، وعليه جدنا في (المصابيح)
خلافا للمحكي فيها عن الفضل والقديمين والعلامة في القواعد ووالده
وولده والشهيدين وابن القطان وشارح النصيرية: من أنه كالعمد.
واستدل له بعموم حجب القاتل، والجمع بين الصحيحين والخبرين
المتقدمين بحمل الأخيرين على الشبيه بالعمد.
ويضعف الأول بتخصيص العموم بما دل على عدم مانعية قتل الخطأ
عن الإرث مطلقا أو من غير الدية الذي قد عرفت شموله لشبه العمد.
والثاني بأنه جمع حسن لو كان له شاهد، ولا شاهد عليه.
ولا يلحق المسبب بالقاتل في المنع وإن اقتضته الحكمة، إلا إذا كان
السبب أقوى من المباشر بحيث يستند القتل إليه عرفا.
ولعل منه تسبيب شاهد الزور لحكم الحاكم بالقتل، وداس السم
في طعام الضيف، وإن كان المباشر غيرهما.
ولو اشترك اثنان في القتل منعا عن الإرث، لاستناد القتل إليهما،
أو إلى كل منهما.
ولو كان أحدهما وارثا دون الآخر، وكان القتل مستندا إلى مجموعهما
بحيث لا تأثير لفعل أحدهما لو انفرد، فقد يتوهم عدم المنع عن الإرث،
لأن القتل قائم بهما معا، فلا يتصف به خصوص الوارث حتى يمنع عن
255

إرثه، إلا أنه توهم فاسد، لاستناد القتل إلى كل واحد منهما لا بنحو
الاستقلال، والمنفي إنما هو انفراده بالقتل دون اتصافه به الذي يكفي
ذلك في المانعية عن الإرث، ولذا يفرق في الأدلة بين الواحد والمتعدد،
ويشهد له - بل يدل عليه - جواز قتلهما وإن ضمن دية الواحد لوارثيهما
بالتوزيع إذا كانا رجلين، وإذا كانا امرأتين فلا ضمان للدية، وليس ذلك
إلا لصدق القاتل على كل منهما، وإن لم يكن بنحو الاستقلال.
(مسائل: الأولى) يرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة
بلا خلاف أجده، بل الاجماع مستفيضا محكي عليه، وللنصوص المستفيضة
نعم يرثان من الدية لو صولح عليه بها كما يأتي، عدا كلالة الأم - على
الأظهر - كما ستعرف.
(الثانية) لو لم يكن للمقتول وارث سوى الإمام جاز له القود
أو أخذ الدية، وليس له العفو، للنصوص المصرحة بذلك، وإن اشتملت
على ما لا نقول به: من التعليل بكونه حقا للمسلمين.
خلافا للحلي فأجاز له العفو كغيره من الوراث، بل هو أولى منهم بالعفو
وهو كالاجتهاد في مقابل النص المعمول به، مع إمكان منع الأولوية
لقيامه (ع) بالرياسة العامة الموجبة لرعاية مصالحهم، التي منها المحافظة
على حقن الدماء وإبقاء الحياة المخل به تسويغ العفو له (ع)، لأنه لو
جاز له لما انفك عنه - غالبا - لرجحانه، وهو الفارق بينه وبين غيره
في تسويغ العفو وعدمه، مع أنه لو سلم، فالأولوية ظنية لا تعويل عليها
(الثالثة): الدية بحكم مال الميت وإن تجدد المال بعد الموت،
لتقدم السبب المفضي إليه قبله، فتكون للوارث " من بعد وصية يوصي
بها أو دين " من غير فرق بين ما وجب بالأصل كدية الخطأ وقتل الوالد
ولده، ولو عمدا، أو بالعارض كالقصاص إذا صولح عليه بالمال، فإنه
256

يرثه الوارث، وإن كان لا يرث القصاص كالزوج والزوجة، للاجماع
المحكي مستفيضا المعتضد بدعوى غير واحد الوفاق عليه، والنصوص
الدالة عليه عموما وخصوصا التي لولاها لأمكن أن يقال: إن الدية عوض
حق القصاص الذي هو لغيرهما، فلا وجه لإرثهما من عوض ما ليس للميت
ولا لهما، سيما لو قلنا بأنها عوض دم القاتل دون المقتول وإن كان التعبير
بالدية دون الفداء ظاهرا في الثاني.
نعم بناء على كون الحق للميت، لأنه بدل نفسه التالفة وإن كان
استيفاؤه للوارث - كما في الجواهر - اتجه إرثهما من الدية، لكونها حينئذ
من التركة. لكنه خلاف الظاهر، إذ لو كان حقا للميت لما سقط بالعفو
عنه، لأنه من إسقاط حق الغير، والمفروض جواز إسقاطه بالعفو اتفاقا
فليس الوجه في توريثهما إلا التعبد بالدليل الذي قد عرفته.
وبالجملة فالدية يرثها من يرث المال مطلقا عدا كلالة الأم - على
الأقوى - للنصوص المستفيضة التي (منها) صحيحة ابن سنان قال:
" قضى أمير المؤمنين (ع): أن الدية يرثها الورثة إلا الإخوة والأخوات
من الأم فإنهم لا يرثون من الدية شيئا " (1) وصحيحة محمد بن قيس عن أبي
جعفر (ع) قال قال: " الدية يرثها الورثة على فرائض المواريث إلا الإخوة
من الأم فإنهم لا يرثون من الدية شيئا " (2) وصحيحة سليمان بن خالد
عن أبي عبد الله (ع) " قال قضى أمير المؤمنين (ع) في دية المقتول
أنه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دين

(1) الوسائل: كتاب الفرائض، باب 10 حديث (2) هكذا "..
عن عبد الله بن سنان قال أبو عبد الله (ع): قضى.. ".
(2) المصدر الآنف من الوسائل حديث (4).
257

إلا الإخوة والأخوات من الأم، فإنهم لا يرثون من ديته " (1) وضعيفة
عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (ع) قال: " لا يرث الإخوة من الأم من
الدية شيئا " (2). ومثلها ضعيفة أبي العباس (3) المنجبرتين بنسبة الفتوى
به إلى الأكثر، بل عن (الخلاف) دعوى الاجماع عليه، مع أن في
الصحاح المتقدمة كفاية في تخصيص عمومات الإرث، فإذا ثبت عدم إرثهم
من الدية ثبت عدم إرثهم من القصاص، لأنه لو كان له حق القصاص
لجاز له أخذ الدية بدلا عنه بالاجماع والنصوص فإن إرث القصاص مستلزم
لإرث الدية، وانتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم.
وإن كانت الملازمة بدعوى: أن الحق للميت، وإن كان الاستيفاء
للوارث - والمعاوضة إنما هي عن حق الميت لا عن حق الوارث حتى تثبت
الملازمة - قد عرفت ضعفه كضعف دعوى انصراف الدية في الأخبار المانعة
عن إرث كلالة الأم إلى ما وجب بالأصل كالخطأ ونحوه، فيبقى إرث
القصاص ودية العمد تحت عموم أدلة المواريث: مؤيدا ما ذكرناه بما عن
موضع من (السرائر): إن كلالة الأم لا ترث الدية ولا القصاص ولا
القود بلا خلاف.
هذا وأما قولهم: إن الدية التي تثبت صلحا في القصاص يرثها من يرث
المال فهو مسوق لبيان كونها موروثة لتقدم سببه قبل الموت لا يختص به
الميت كما يختص به ما وقع مسببه بعده كالمثلة، فإنها تصرف في مصالحه
خاصة.

(1) المصدر الآنف من الوسائل حديث (1).
(2) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (5).
(3) المصدر الآنف من الوسائل حديث (6) ".. عن أبي عبد الله (ع)
قال: سألته هل للإخوة من الأم من الدية شئ؟ قال: لا ".
258

(بقي شئ)
وهو أن حرمان الكلالة من إرث الدية: هل يختص بالإخوة والأخوات
- كما عن بعض - قصرا على مورد النص في تخصيص العمومات، أو يعم
مطلق من يتقرب بالأم إلى الميت بالأولوية، وذكر المنصوص من باب المثال
- كما عن غير واحد من الأصحاب -؟ قولان: أظهرهما الثاني.
(الرابعة) يلحق بموانع الإرث أمور:
(الأول) اللعان، وهو مانع عن ترتب الأثر عن لحوق الولد على
المقتضي له وهو الفراش، وبهذا اللحاظ اعتبرت فيه المانعية، ومن حيث
استلزامه نفي السبب المقتضي لترتب الإرث عليه كان ملحقا بالموانع، لا منها
فلا توارث بين الوالد وولد الملاعنة.
نعم لو اعترف به ورثه الابن ولم يرث هو ابنه، للاجماع - بقسميه -
والنصوص المعتبرة، نحو صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) ".. فإن
ادعاه أبوه لحق به وإن مات ورثه الابن ولم يرثه الأب " (1) وآخر:
عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع)، وفيه: " فقلت: إذا أقربه
الأب هل يرث الأب؟ قال: نعم ولا يرث الأب الابن " (2) وآخر
أيضا عن أبي عبد الله (ع)، وفيه: " قلت: يرد إليه الولد إذا أقربه
قال لا ولا كرامة ولا يرث الابن ويرثه الابن " (3) المحمول نفي اللحوق

(1) الوسائل، كتاب الفرائض الباب الثاني من أبواب ميراث ولد
الملاعنة، حديث (1)
(2) المصدر الآنف الذكر من الوسائل حديث (2).
(3) المصدر الآنف من الوسائل حديث (4) عن زرارة عن أبي عبد الله (ع).
259

فيه على ما يوجب التوارث من الجانبين، مضافا إلى عموم دليل الاقرار (1)
كما تمسك به جماعة.
(وأما المناقشة) فيه بأن الاقرار إنما ينفذ فيما هو عليه كوجوب النفقة
ونحوها. وأما بالنسبة إلى الإرث الذي لا يتحقق إلا بعد الموت فهو إقرار
في حق الغير وهو الوارث غيره لولا الاعتراف. نعم لو كان الاقرار
يثبت به عنوان الولد لتترتب عليه أحكامه مطلقا، وتحققه مستلزم لتحقق
عنوان الولد، الموجب حينئذ للتوارث المعلوم عدمه بالنص والاجماع.
(ففيها) مع أن الاقرار ينفذ بالنسبة إلى ما يترتب عليه من الأثر،
وإن تأخر في الزمان، فلا يصير بالاقرار ملكا للغير حتى يكون الاقرار
به إقرارا في حق الغير - يدفعها أن الاقرار يثبت لحوق الولد به، لأنه
تولد على فراشه، فهو ولده شرعا، وإن لم يكن معلوما تكونه من مائه
الذي هو معنى الولد لغة، والولد الشرعي هو الموضوع لغالب الأحكام
الشرعية، ويختلف باختلاف ما أخذ موضوعا للحكم، لأنه موضوع جعلي
يتبع الجعل، كنفس الأحكام المجعولة القابلة للتفكيك بينها، والملازمة
بين عنوان صدق الولد وصدق الوالد، إنما هي في الولد التكويني،
دون الشرعي.
ومنه يظهر وجه الفرق فيما لو وقف بعد اللعان على أولاده: بين
ما لو اعترف به قبل الوقف أو بعده، فيشاركهم فيه على الأول لصدق
الولد عليه شرعا قبل الوقف بالاعتراف، دون الثاني لاختصاص الوقف
بهم وتملكهم إياه من حين الوقف قبل اللحوق بالاعتراف وإن ثبت الحكم
الخاص من الإرث بالاعتراف للدليل، فيكون الاقرار بعد الوقف إقرار
في حق الغير، ولو وقف كذلك قبل اللعان خرج منهم ولد الملاعنة باللعان

(1) وهو قوله (ع): " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " كما
هو المذكور في بابه من كتب الأخبار.
260

ولو اعترف به بعده، ففي العود ودخوله معهم نظر: من أنه كالاعتراف
المتأخر عن الوقف بعد اللعان في كونه إقرارا في حق الغير، ومن أن
المتيقن خروجه ما دام لم يعترف به، وبعده يجري عليه حكمه السابق على
اللعان، سيما لو قلنا بكون الوقف على العنوان وإن كان خاصا ولذا يدخل
معهم من يولد بعدهم، بل وعليه يجري أيضا مثله على بعد لو تأخر
الاعتراف عن الوقف بعد اللعان.
اللهم إلا أن يدعى الانصراف إلى غير هذا النحو من الولد الملحق
به بالاعتراف. هذا وحكم الوصية للأولاد حكم الوقف عليهم في ذلك.
ثم إن في ثبوت التوارث بينه وبين أقارب أبيه وعدمه؟ خلافا يأتي
في محله.
(الثاني) من ملحقات موانع الإرث: الغيبة المنقطعة، وهي التي
انقطعت آثاره، وأخباره بحيث لا يدرى: أحي هو أم ميت، فيتربص
بماله بلا خلاف في وجوب أصل التربص، بل الاجماع - بقسميه - عليه
وإن وقع الخلاف في مدته.
فالمشهور - كما قيل - التربص به إلى أن يعلم موته ببينة أو بخبر
محفوف بما يفيده أو مضى زمان من ولادته لا يعيش أزيد منه عادة،
ويختلف ذلك باختلاف الأعصار والأمصار، فيحكم به لورثته الموجودين
حين الحكم، إلا إذا قامت البينة على موته قبله، فللوارث حين الموت
إذ العبرة بزمان المعلوم لا بزمان العلم.
للأصل المقرر بوجوه بعد تضعيف ما يتوهم الخروج به عن مقتضاه
ولصحيحة هشام بن سالم قال: " سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم (ع)
وأنا جالس، فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة، ففقدناه
وبقي من أجره شئ - وفي التهذيب: ولا نعرف له وارثا -؟ قال: فاطلبوه
261

قال: قد طلبناه فلم نجده، فقال: مساكين - وحرك يديه - قال: فأعاد
عليه، فقال: اطلب واجهد، فإن قدرت عليه، وإلا فهو كسبيل مالك
حتى يجئ له طالب، فإن حدث بك حدث فأوص به: إن جاء له
طالب أن يدفع إليه " (1).
فإن الأمر بالوصية ظاهر في البقاء على ملكه، ووجه التشبيه بسبيل
ماله: وهو جواز التصرف فيه.
ولرواية معاوية بن وهب التي هي صحيحة أو كالصحيحة: " عن أبي
عبد الله (ع) في رجل كان له على رجل حق، ففقده ولا يدري: أين
يطلبه ولا يدري: أحي هو أم ميت، ولا يعرف له وارثا ولا نسبا ولا
والدا؟ قال: اطلبه، قال: فإن ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال: اطلبه " (2)
والأمر بالطلب والاجتهاد فيهما ظاهر في الفحص والسؤال والارتقاب
عن حاله، دون الضرب في الأرض المؤدي - غالبا - إلى صرف مال
كثير أضعاف الأصل المستلزم للضرر الفاحش عليه، وعدم تعيين المدة
دليل على كون الغاية هي العلم بحاله الحاصل بأحد الأمور المتقدمة، سيما
مع إعراضه في الخبر الثاني عن سؤال التصدق، والأمر بالوصية في الأول، وموردهما
- وإن كان غير الميراث - إلا أنه يتم فيه بعدم القول بالفرق بين الحقوق.
وقد استدل عليه أيضا بروايات أخر، لا بأس بالتأييد بها إن لم تصلح
دليلا عليه.
وقيل بتحديده إلى عشر سنين لخبر ابن مهزيار (3) المتضمن للتحديد

(1) الوسائل: كتاب الفرائض والمواريث، باب 6 حكم ميراث
المفقود، حديث (1).
(2) المصدر الآنف من الوسائل، حديث (2) تسلسل (33015).
(3) في المصدر الآنف من الوسائل، حديث تسلسل (33020)
" عن علي بن مهزيار قال: سألت أبا جعفر الثاني (ع) عن دار
كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة، فغاب الابن بالبحر وماتت المرأة، فادعت
ابنتها أن أمها كانت صيرت هذه الدار لها وباعت أشقاصا منها وبقيت في
في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا، وهو يكره أن يشتريها
لغيبة الابن.. فقال لي: ومنذ كم غاب؟ قلت: منذ سنين كثيرة، قال:
ينتظر به عشر سنين ثم يشترى ".
262

بها المحمول على وجوه لولاها لوجب طرحه، لعدم العامل به، إلا ما يحكى
عن الإسكافي. وهو - مع كون عبارته المنقولة عنه لا تعطى التحديد بها على
الاطلاق حتى في المفقود في هزيمة العسكر والمأسور في قيد العدو فتأمل -
مرمى بالشذوذ، وما يحكى عن المفيد في (المقنعة) من الانتظار إلى المدة
المذكورة في بيع عقاره خاصة، وجواز اقتسام الورثة ما عداها من سائر
أمواله بشرط الملائة وضمانهم لها على تقدير ظهوره، وهو - مع عدم
معلومية كونه قولا برأسه لأن جواز البيع أعم - لا يخفى ضعفه.
وقبل بالتحديد إلى الأربع كما في الانتصار والغنية ومحكي الفقيه والكافي
واختاره جدنا في الرياض بعد أن حكاه عمن عرفت، وقال: ونفى عنه
البأس في المختلف وقواه الشهيدان في (الدروس) و (المسالك) و (الروضة)
ومال إليه جملة من متأخري المتأخرين، كالمحدث الكاشاني وصاحب
(الكفاية) وغيرهما.
ونظرهم في ذلك إلى الاجماع المحكي في الأولين، والموثقين في أحدهما:
" المفقود يحبس ماله على الورثة قدر ما يطلب في الأرض أربع سنين فإن
لم يقدر عليه قسم ماله بين الورثة " (1)

(1) إشارة إلى موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) كما في المصدر
الآنف من الوسائل حديث (9).
263

ونحوه الثاني (1) لكنه مطلق غير مقيد بالطلب، فيقيد به: مؤيدا ذلك
بفحوى ما دل عليه في الزوجة من اعتدادها - بعد تلك المدة - بعد الوفاة
وتزويجها بالأجنبي، إذ عصمة الفروج أشد من عصمة الأموال.
وفيه: أما إجماع الغنية فغير ظاهر في المدعى، وأما اجماع الانتصار
فموهون بمصير أساطين معاصري ناقله إلى الخلاف، بل قيل كأنه استقرار
الاجماع على خلافه باعتبار مضي جملة من الأعصار المتخللة بين زمان الأول
والموافق له من المتأخرين. وأما الخبران، فمنع ضعفهما وعدم معلومية
الجابر لهما - معارضان بما دل على اشتراط الملائة في القسمة بين الورثة،
كقول الكاظم (ع) لإسحاق بن عمار - المردد بين الموثق والثقة -: " إن
كان الورثة ملاء اقتسموا ميراثه فإن جاء ردوه عليه " (2).
وربما قيل به قولا، ولم نعثر عليه إلا ما تقدم عن المفيد في " المقنعة "
وإن أجل في بيع العقار إلى عشر سنين معبرا في الحكمين بلا بأس، مع قوة
احتمال رجوعه إلى القول بالأربع مطلقا، وأن التأجيل فيه إلى العشر للاحتياط.
وإن عورض بمثله في غيره وفيما إذا كان فيهم وارث صغير، فلا وجه
للاختصاص بالعقار، إلا الجمع بينه وبين خبر ابن مهزيار الذي مورده
العقار، فيكون حينئذ قول بالتفصيل، فالمسألة: إما ثلاثية الأقوال أو رباعيتها
إذ لم نعثر على قائل بالانتظار إلى العشر مطلقا.
قلت: والأظهر عندي - جمعا بين الأقوال وكذا الأخبار - جواز
القسمة بين الورثة بعد الأربع سنين مع الطلب بشرط الملائة وضمانهم المال
على تقدير ظهور المفقود: بتنزيل القسمة على إرادة نحو القرض دون

(1) لعله إشارة إلى رواية إسحاق بن عمار، المذكور في المصدر
الآنف من الوسائل حديث (5).
(2) مضمون حديث (8) من المصدر الآنف من الوسائل.
264

التملك بالإرث، وهو الموافق لأصالتي الحياة وبقاء الملك لمالكه، والأمر
بالضمان فيها أقوى شاهد عليه، كما يشهد له الأمر بالانفاق على الزوجة
من مال المفقود وطلاق الولي أو الحاكم لها بعد الطلب أربع سنين (1)
وكيف يتجه الأمر بالانفاق من مال الزوج بعد المدة المذكورة مع كون
المال حينئذ للورثة، فالانفاق والطلاق شاهدان على اعتبار أصالة الحياة.
ولا ينافيه اعتدادها بعدة الوفاة، سواء قلنا بها لاحتمال الموت أو لاختصاص
هذه الطلاق بمساواة عدته لعدة الوفاة، ولعله بما ذكرنا يمكن إرجاع
الأقوال إلى القول المشهور الذي هو الأقوى.
(الثالث) الحمل، وهو يرث بشرط انفصاله حيا استهل أو لم
يستهل، بالنص المستفيض والاجماع.
فمن الأول: الصحيحان وغيرهما، قال في أحدهما: " سأل الحكم
ابن عتيبة أبا جعفر (ع) عن الصبي يسقط من أمه غير مستهل: أيورث؟
فأعرض عنه، فأعاد عليه، فقال: إذا تحرك تحركا بينا ورث
فإنه ربما كان أخر س " (2) وفي آخر: إذا تحرك بحركة الاحياء ورث
أنه ربما كان أخرس " (3) وما ورد من النصوص مقيدا بالاستهلال (4)

(1) مضمون أحاديث كثيرة ذكرت في الوسائل: كتاب الطلاق،
باب حكم طلاق زوجة المفقود وعدتها وتزويجها.
(2) الوسائل: كتاب الفرائض، باب 7 إن الحمل يرث ويورث
إذا ولد حيا. حديث (8)؟.
(3) لعله إشارة إلى روايتي: ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع):
الواردتين في ضمن الباب الآنف الذكر من الوسائل.
(4) إشارة إلى الحديث الثاني من نفس الباب الآنف من الوسائل: " إن المنفوس لا يرث من الدية شيئا حتى يستهل ويسمع صوته " ونحوها وغيرها.
265

منزل على الغالب أو التقية ممن يرى اعتباره في ميراثه من العامة بقرينة
الأمر بالصلاة عليه في بعضها (1) الموافق لهم أيضا.
ولا يعتبر الاستقرار في الحياة، لتعليق الحكم في الأول من الخبرين
على تبين الحركة، الظاهر في إرادة حركة الحياة دون التقلص ومجرد القبض
والانبساط، وفي الثاني على الحياة الشاملة للمستقر وغيره، فما عن الشيخ
من اعتبار الاستقرار في الحياة في غير محله.
وهل هو شرط في استقرار الملك بالإرث فيملك متزلزلا حين الحمل
ويستقر بالانفصال حيا، أو هو كاشف عن الملكية التامة من حين الموت
وأن انفصاله ميتا يكشف عن عدمه؟ وجهان: ولعل الأول هو الأقرب
(فما عن الجواهر): من اشتراط الملك بالإرث بالولادة، وإن علم حياته
في بطن أمه بأخبار المعصوم - مثلا - وإن الحصة الموزعة له بحكم مال الميت
(متجه) إن أريد به الملكية التامة وإلا فغير متجه، إذ لا يشهد له
إلا اشتراط الإرث بالانفصال حيا، وهو ظاهر في الملك التام على حد إرث
غيره من الورثة، فلا ينافي تزلزل الملك قبله، بل يشهد على خلافه حجبه
لغيره عن الحصة الموزعة له ما دام حملا (ودعوى) عدم الملازمة بين
الحجب والوارثية كما تحجب الأخوة الأم عن نصيبها الأعلى مع عدم إرثهم
للمال (ضعيفة) لأن الموجب للحجب هنا إنما هو من حيث الوراثية كحجب
الطبقة المتقدمة للمتأخرة عنها، فلا يقاس بالحجب تعبدا كالأخوة، فالحجب
هنا: إما للملك التام المنكشف بالولادة أو المتزلزل المستقر بها، فالحيثية
ملحوظة في الحجب في المقام دون غيره

(1) كرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) وفيها: " فإذا
استهل فصل عليه وورثه " حديث (5) من المصدر الآنف من الوسائل.
266

وكيف كان فلو خرج، وكان نصفه حيا ثم سقط ميتا، لم يرث
ولم يورث، كما عن صريح جماعة، بل في (الرياض): لم أجد
الخلاف فيه وإن أشعرت به عبارة التحرير ولعل المخالف من العامة للأصل
واختصاص النصوص بحكم التبادر بالساقط متحركا بجميعه (1)
هذا ولا خلاف في أنه متى كان هناك حمل وطلب الورثة القسمة
عزل للحمل نصيب ذكرين حتى ينكشف حاله بالولادة، احتياطا من تولده
كذلك، ولو ندرة الزائد لكان الاحتياط المرعى هنا في عزل الأزيد.
وبالجملة: لا تعطل القسمة إذا طلبها الوارث إلا إذا كان محجوبا
بالحمل على تقدير انفصاله حيا، كمن خلف مع الحمل أخا أو ولدا ولد
فيمنعان عن الإرث إلى أن ينكشف حال الحمل بالولادة.
ومن لم يحجب به وكان ذا فرض لا يختلف فرضه أعطى نصيبه كمن
خلف ولدا مع أبوين، وإن كان يختلف فرضه أعطي الأدنى من الفرضين
لأنه المتيقن على كل تقدير كمن، خلف مع الحمل أما أو زوجة، فتعطى
السدس أو الثمن، وينتظر بالزائد إلى الولادة
ولو كان له ولد واحد أعطي الثلث: إن كان ذكرا، والخمس إن
كان أنثى، وينتظر بالباقي إلى تبين حال الحمل بالولادة، من كون المولود
واحدا أو متعددا بولد حيا أو ميتا وكان ذكرا أو أنثى أو خنثى، فتنتهي
الصور المحتملة إلى عشر، فإن كان كما عزل فهو، وإلا قسم المال بعد
الولادة على ما يقتضيه الحال.
وهل بالعزل يتعين حق الحمل في المعزول بحيث لو تلف قبل الولادة
لم يكن للحمل شئ فيما قبضوه فتكون قسمة حقيقة، أو هو للاحتياط

(1) راجع ذلك في خاتمة كتاب المواريث، آخر المسألة الثانية -
الحمل يرث إن سقط حيا.
267

جمعا بين حقي الموجود والحمل فلا تترتب عليه أحكام القسمة؟ الأقرب
هو الأول، فيتولى القسمة ولي الحمل لامكانها مع طلب المستحق لها
وتأخير التملك ضرر منفي.
خلافا لشيخنا في (الجواهر) حيث جعل العزل للاحتياط اللازم
مراعاته جمعا بين الحقين، لا أنه قسمة حتى تجري عليه أحكامها.
وهو متجه على مبناه: من كون الحمل إنما يملك بالولادة، وقبلها
لا ملك أصلا حتى يتصور القسمة مع وليه، وأما على القول بملك الحمل -
ولو متزلزلا يستقر بالولادة فضلا عن كونها كاشفة عن الملكية التامة
قبلها - فلا مانع من تحقق القسمة لامكانها مع ولي الحمل، فتجري
عليه أحكامها. (الرابع) جعل بعض من ملحقات الموانع: الدين المستوعب للتركة
وغير المستوعب بالنسبة إلى ما قابله منها، دون الفاضل، وهو مبني على كونها
ما لم يستوف الدين على حكم مال الميت لم تنتقل إلى الورثة (1) إلا أن الأقوى
انتقال التركة إلى الوارث، وإن تعلق بها حق الاستيفاء للديان. وإن وقع
الخلاف في كيفية تعلق الحق بها، من كونه كتعلق حق الرهانة أو حق
الجناية (2) أو تعلق مستقل لا يدخل في أحد التعلقين لخروجه عن موضوعهما
وإن أشبه بكل منهما من وجه، فليس الدين مانعا عن الإرث، وإن كان مانعا

(1) استنادا إلى ظاهر قوله تعالى: " من بعد وصية يوصي بها أو دين "
وظاهر صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال: " قضى
أمير المؤمنين (ع) في دية المقتول إنه يرثها الورثة على كتاب الله تعالى
إذا لم يكن على المقتول دين.. " الحديث
(2) ولعل الفرق بينهما: إن الأول يسقط بالرضا ولا ضمان فيه،
والثاني يترتب عليه الضمان أيضا.
268

عن التصرف أو نفوذه في الميراث (1).
(المقدمة الثالثة في الحجب)
وهو: إما عن أصل الإرث، ويسمى بحجب (الحرمان) أو عن
بعض الفرض، ويسمى بحجب (النقصان).
وضابط الأول في المناسب: الأقربية إلى الميت، وقد عرفت في
(المقدمة الأولى): طبقات النسب، ودرجات كل طبقة منها، وإن
السابقة من كل طبقة أو درجة تحجب اللاحقة منها، كما يدل عليه الخبر
الجامع لها المروي في (الوسائل) باسناده إلى يزيد الكناني عن أبي جعفر (ع)
قال: " ابنك أولى بك من ابن ابنك، وابن ابنك أولى بك من أخيك
قال: وأخوك لأبيك وأمك أولى بك من أخيك لأبيك، وأخوك لأبيك
أولى بك من أخيك لأمك، قال: وابن أخيك لأبيك وأمك أولى بك
من ابن أخيك لأبيك، قال: وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمك
قال: وعمك أخو أبيك من أبيه وأمه أولى بك من عمك أخي أبيك من
أبيه. قال: وعمك أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمك
أخي أبيك
لأمه. قال: وابن عمك أخي أبيك من أبيه وأمه أولى بك من
ابن عمك
أخي أبيك لأبيه. قال: وابن عمك أخي أبيك من أبيه أولى بك من
ابن عمك أخي أبيك لأمه " (2).
قلت: أولوية المتقرب بالأب - وحده - على المتقرب بالأم - وحدها -
حديث (2).

(1) وعلى هذه التخريجات تحمل الآية والصحيحة ونحوهما، يعني أن
الوارث لا يملك التركة ملكا مستقرا مستقلا إلا من بعد الدين..
(2) راجع منه: كتاب الفرائض باب 1 من أبواب موجبات الإرث
269

من الإخوة والأعمام وأولادهم بمعنى زيادة الميراث، وفي غيرهم بمعنى
الحجب
المناسب مطلقا يحجب ولاء العتق، وهو يحجب ضامن الجريرة
والضامن يحجب الإمام (ع)، والزوج والزوجة يشاركان في الإرث
جميع الطبقات، مناسبا كان أو مساببا، كل ذلك مدلول عليه بالنص
والاجماع المستفيضين.
وأما الثاني وهو حجب النقصان فاثنان: (الأول) حجب الولد،
وهو، وإن نزل ذكرا أو أنثى يحجب الأبوين عما زاد على السدسين،
إلا البنت الواحدة معهما، فإنه يبقى سدس يرد عليهم أخماسا - عندنا -
على نسبة سهامهم: من عدد الأسداس، إذا لم تكن معهم إخوة حاجبة
وإلا اختص الرد بغيرها من الأب والبنت، فللبنت حينئذ بالفرض والرد
النصف، وثلاثة أخماس السدس، ولكل من الأبوين السدس وخمس
السدس، ومع أحدهما يبقى ثلث يرد عليهما أرباعا على النسبة، وإلا
البنتين مع أحد الأبوين، فإنه يبقى أيضا سدس يرد عليهم أخماسا على
النسبة، ويحجب الزوجين عن نصيبهما الأعلى إلى الأدنى من النصف إلى
الربع أو منه إلى الثمن.
وأما حالهما مع فقد المناسب والمسابب عدا الإمام، ففي رد الفاضل
عليهما أو العدم بالنسبة إلى كل منهما أو التفصيل فيرد على الزوج دون
الزوجة مطلقا، أو في زمان الحضور دون الغيبة؟ أقوال:
(ثالثها) أقواها (1) وعليه المشهور، بل نقل الاجماع عليه مستفيض،
مضافا إلى الأخبار المستفيضة - بل المتواترة معنى بالأمرين -

(1) وهو التفصيل بين الزوج والزوجة بالرد مطلقا في الأول دون
الثانية.
270

فمن الدال على الرد في الزوج: ما رواه في (الوسائل) باسناده عن محمد بن
قيس عن أبي جعفر (ع) " في امرأة توفيت، ولم يعلم لها أحد ولها
زوج؟ قال: الميراث لزوجها "، وفيه عن الكليني باسناده عن عاصم
ابن حميد مثله، إلا أنه قال: الميراث كله لزوجها، وفيه عن أبي بصير
قال: " كنت عند أبي عبد الله (ع) فدعا بالجامعة، فنظر فيها، فإذا
امرأة ماتت و تركت زوجها لا وارث لها غيره، المال له كله " وفيه عن
الكليني باسناده عن يحيى الحلبي مثله، وفيه عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع)
قال: " سألته عن المرأة تموت ولا تترك وارثا غير زوجها؟ قال: الميراث
له كله، وفيه عن علي بن أبي حمزة نحوه، وفيه أيضا عن أبي بصير قال: " سألت
أبا جعفر (ع) عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره قال:
إذا لم يكن غيره فله المال " الحديث. وفيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
في حديث " قال قلت له: امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال المال له
وفيه عن مثنى بن الوليد الخياط عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال:
" قلت امرأة ماتت وتركت زوجها؟ قال: المال كله له إذا لم يكن
لها وارث غيره " وفيه عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: " سألته
عن المرأة تموت ولا تترك وارثا غير زوجها؟ فقال الميراث له كله " وفيه
عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) في مرأة توفيت وتركت زوجها؟
قال: المال كله للزوج " وفيه أيضا عن أبي بصير مثل ذلك. وفيه عن
إسماعيل بن عبد الجعفي عن أبي جعفر (ع): " في امرأة ماتت وتركت
زوجها؟ قال: المال للزوج " وفيه عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال:
" قلت له امرأة هلكت وتركت زوجها؟ قال: المال كله للزوج " وفيه
عن سويد بن أيوب عن أبي جعفر (ع): " قال كنت عنده فدعا
بالجامعة فنظر فيها أبو جعفر (ع)، فإذا فيها امرأة تموت وتترك زوجها
271

ليس لها وارث غيره؟ فقال: له المال " (1)
ومن الدال على عدم الرد على الزوجة مطلقا: ما رواه فيه أيضا عن
علي بن مهزيار قال: " كتب محمد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني (ع):
مولى لك أوصى بمأة درهم إلي وكنت أسمعه يقول: كل شئ هو لي فهو
لمولاي، فمات وتركها ولم يأمر فيها بشئ، وله امرأتان: إحداهما ببغداد
ولا أعرف لها موضعا الساعة، والأخرى بقم: ما الذي تأمرني في هذه المأة
درهم؟ فكتب إليه: انظر أن تدفع من هذه المأة درهم إلى زوجتي الرجل
وحقهما من ذلك الثمن إن كان له ولد، وإن لم يكن له ولد فالربع،
وتصدق بالباقي على من تعرف أن له إليه حاجة إن شاء الله " والأمر
بالصدقة لكونه ماله (ع) تصدق به. وفيه " عن محمد بن نعيم الصحاف
قال: مات محمد بن أبي عمير بياع السابري، وأوصى إلى وترك امرأة لم
يترك وارثا غيرها، فكتبت إلى (العبد الصالح (ع)، فكتب إلي أعط
المرأة الربع واحمل الباقي إلينا " وفيه: عن الشيخ باسناده عن الحسن بن
محمد بن سماعة مثله. وفيه: عن أبي بصير " قال قرأ علي أبو جعفر (ع)
في الفرائض: امرأة توفيت وتركت زوجها، قال: المال للزوج، ورجل
توفي وترك امرأة قال للمرأة الربع وما بقي فللإمام (ع) " وفيه عن
أبي بصير " عن أبي جعفر (ع) في رجل مات وترك امرأة قال للمرأة
الربع وما بقي فللإمام " وفيه عن محمد بن مسلم " عن أبي جعفر (ع)
في رجل مات وترك امرأة؟ قال: لها الربع، ويرفع الباقي إلينا " وفيه
عن محمد بن مروان عن أبي جعفر (ع) " في زوج مات وترك امرأته؟
قال لها الربع ويدفع الباقي إلى الإمام ": وفيه عن أبي بصير " قال سألت

(1) هذه الأخبار ذكرت في الوسائل ضمن كتاب الفرائض والمواريث
الباب الثالث من أبواب ميراث الأزواج.
272

أبا جعفر (ع) عن امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره؟
قال: إذا لم يكن غيره فله المال، والمرأة لها الربع وما بقي فللإمام " (1)
وأما القول الأول (2) فهو المنسوب إلى المفيد، لظاهر عبارته
المحكية عنه، وهي: " إذا لم يوجد مع الأزواج قريب ولا سبب رد باقي
التركة على الأزواج " بناء على إرادة الأعم من الزوجة من لفظ الأزواج
ولو بمعونة خلو عبارته عن حكمها عند انفرادها ومستنده الصحيح: " رجل
مات وترك امرأته؟ قال: المال لها، قلت امرأة ماتت وتركت زوجها؟
قال: المال له " (3)
وهو ضعيف لشذوذ الصحيح وعدم معلومية العامل به لعدم ظهور
عبارة (المقنعة) فيه، وإن أشعرت به (4) ولو سلم الظهور فهو شاذ.
(والثاني) محكي (5) عن ظاهر (المراسيم) حيث ابتدأ في حكم
الأزواج بقوله: " وفي أصحابنا من قال: إنه إذا ماتت امرأته ولم تخلف
غير زوجها، فالمال كله له بالتسمية والرد، فأما الزوجة فلا رد لها بل
ما يفضل من سهمها لبيت المال، وروي: أنه يرد عليها كما يرد على

(1) ذكرت هذه الأخبار في المصدر الآنف من الوسائل، باب 4
من أبواب ميراث الأزواج
(2) وهو رد الفاضل من الحق على كل من الزوج والزوجة إليه.
(3) هذا المضمون ذكر في روايتي أبي بصير عن أبي عبد الله (ع)
ذكرتا في الوسائل كتاب الفرائض باب 4، حديث (6، 9).
(4) راجع من (المقنعة) باب ميراث الأزواج من أبواب فرائض
المواريث.
(5) أي عدم الرد بالنسبة إلى كل من الزوج والزوجة.
273

الزوج " (1) بناء على ظهور الاقتصار على النقل في اختيار عدم الرد
مطلقا، وحكى الميل إليه عن الديلمي.
ولعل المستند - مضافا إلى الأصل، وظاهر الآية (2) رواية جميل
ابن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال " لا يكون رد: على زوج ولا على
زوجة " (3) وحديث العبدي عن علي (ع) وفيه " قال: لا يزاد الزوج
على النصف ولا ينقص عن الربع ولا تزاد المرأة عن الربع ولا تنقص
عن الثمن " (4)
وهو ضعيف أيضا لشذوذه على تقدير وجود القائل به، والأصل
يخرج عنه بالأخبار المتقدمة التي لا تكافؤها ورواية جميل حتى قيل بعدم
العامل بها. والآية - لو سلمت دلالتها - فبمفهوم الوصف واللقب الذي
لا تعويل عليه، ونفي الزيادة في حديث (العبدي) مسوق لبيان فرضيهما
الأعلى والأدنى.

(1) راجع ذلك في (كتاب المراسيم) لسلار، المطبوع ضمن الجوامع
الفقهية في إيران
(2) فإنهما قاضيان بعدم رد الفاضل على كل من الزوج والزوجة
بعد تسلم كل منهما حقه المفروض من الإرث في الكتاب والسنة، إذ الأصل
يحكم بالعدم في حالة الشك بالتكليف بالرد بعد إيصال الحق المفروض،
وآية المواريث يظهر منها عدم الامتياز الإضافي بعد بيانها لأصل الفرض.
(3) الوسائل: كتاب الفرائض، باب 3 من أبواب ميراث الأزواج
حديث (8).
(4) الوسائل: كتاب الفرائض باب 2 من أبواب ميراث الأزواج
حديث (1) عن أبي عمر العبدي...
274

ومستند الأخير (1) ليس إلا الجمع في الزوجة بين ما دل على عدم
الرد عليها، وإن الفاضل عن نصيبهما للإمام (ع) وبين الصحيح المتقدم
المصرح بأن المال لها: يحمله؟ على زمان الغيبة، والأول على زمان الحضور،
وهو - مع أنه لا شاهد عليه - حمل بعيد، حتى قيل إنه أبعد مما بين
المشرق والمغرب، فليحمل - لا أقل - على كونها قريبة الميت.
(الثاني) حجب الإخوة وهم يحجبون الأم عما زاد على السدس:
إجماعا - بقسميه - ومنقولة فوق حد الاستفاضة، وللنصوص المستفيضة
- بل المتواترة معنى - لكن بشروط يأتي بيانها.
وليعلم - أولا - أن حجب الولد والإخوة قد ينفرد أحدهما عن الآخر
وقد يجتمعان، وكل منهما (مرة) يحجب الأم عن الثلث وينقصها إلى
السدس (وأخرى) لا يكون كذلك، فالولد الذكر يحجب الأم عن
الثلث إلى السدس، والبنت الواحدة تحجبها عن الثلث، ولكن يرد عليها
مما فضل بالنسبة - كما تقدم -، والإخوة مع عدم الولد - أصلا - تحجب
الأم عن الثلث إلى السدس، ومع البنت الواحدة تحجب الأم عن الرد
خاصة، لأنها محجوبة عن الثلث بالبنت، وعن الرد بالإخوة، فكل
من الحاجبين له أثر مستقل، إلا أن ذلك لا يتمشى في غير اجتماع الإخوة
مع البنت الواحدة، لأن حجب الأم عما زاد على السدس فيما لو اجتمعوا
مع الولد الذكر مستند إلى الولد خاصة، لاختصاص حجب الإخوة بما
يوجب توفير المال على الأب، ولذا اعتبر وجوده في حجبهم، ولا توفير
مع وجود الولد، لأن الفاضل عن فرض الأبوين له.
وأما الشروط المعتبرة في حجب الإخوة فأمور:
(الأول) العدد، وأقله أن يكونوا أخوين أو أخا وأختين أو أربع

(1) أي القول بالتفصيل بين زماني الحضور والغيبة بالرد في الأول
دون الثاني.
275

أخوات: اجماعا بقسميه - على الحجب بذلك، والنصوص به مستفيضة
بل متواترة معنى كاستفاضتها على عدمه بدونه، بل الضرورة قائمة عليه.
فما عن ابن عباس: من عدم الاكتفاء بالأخوين نظرا إلى ظاهر
الإخوة في الآية بناء على أن أقل الجمع ثلاثة، فمع إمكان إنكار ذلك
لشيوع استعمال الجمع في الجمع اللغوي - لا يلتفت إليه بعد الاجماع - بل
الضرورة والنصوص المستفيضة - على خلافه. نعم لا دلالة في الآية على
الاكتفاء بالنساء، وإن كن أربعا إلا أنه مستفاد من النص والاجماع المستفيضين
وأما الاكتفاء بالأخ والأختين، فمع عدم القول بالفصل بينه وبين الأربع
يمكن استفادته من التعليل في الحسن بقوله: " إذا كن أربع أخوات حجبن
الأم من الثلث، لأنهن بمنزلة أخوين (1) مضافا إلى التصريح به فيما رواه
في (الوسائل) عن أبي العباس قال: " سمعت أبا عبد الله (ع) يقول:
لا يحجب عن الثلث الأخ والأخت حتى يكونا أخوين أو أخا وأختين.. " (2)
الخبر. وما عن (فقه الرضا (ع): " فإن ترك أبوين وأخوين أو أربع
أخوات أو أخا وأختين فللأم السدس وما بقي فللأب " (3) وما في
(الفقيه) بطريقة الحسن إلى العلاء بن فضيل عن أبي عبد الله (ع)
".. ولا يحجب الأم عن الثلث الإخوة والأخوات من الأم ما بلغوا
ولا يحجبها إلا أخوان أو أخ وأختان أو أربع أخوات لأب أو لأب وأم

(1) فقرة من رواية مفصلة عن أبي العباس - ولعله البقباق - عن
أبي عبد الله (ع): ذكرت في الوسائل: كتاب الفرائض والمواريث باب
11 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد، حديث (1).
(2) المصدر الآنف الذكر من الوسائل، حديث (7).
(3) راجع منه: أوائل باب الفرائض والمواريث. طبع إيران حجري
276

لو أكثر من ذلك " (1) وإن تضمن صدرها لما لا نقول به: من عدم
حجب الوليد لعدم خروج الباقي به عن الحجة.
وأما الخنثى المشكل، فكالأنثى في الحكم - على المشهور - للأصل
واحتمل في (الكشف) القرعة، وجعله هنا قويا في (الدروس) وهو
متجه بناء على رجوع أصل العدم إلى الاستصحاب، لأن الشك - هنا -
في حاجبية الموجود ولم يكن معلوما عدمه حتى يستصحب، وإصالة عدم
وجود الحاجب لا تثبت عدم حاجبية الموجود، بل وكذا لو قلنا بكونه
أصلا عقلائيا، لأن الشبهة مصداقية، والشك في قدر اقتضاء الإرث في
الأم بعد تنويعها في الاقتضاء وإن كان لا يخلو من تأمل.
(الثاني) أن يكونوا للأبوين أو للأب خاصة، فلا يحجب إخوة
الأم بلا خلاف فيه، بل الاجماع - بقسميه - عليه، والنصوص مع ذلك
به مستفيضة. منها قول الصادق (ع) في موثقة إسحاق بن عمار " في رجل مات
وترك أبويه وإخوة لأم: الله سبحانه أكرم من أن يزيدها في العيال وينقصها
من الميراث الثلث " (2).
(الثالث) أن يكون الأب موجودا، لقوله تعالى: " فإن لم يكن
له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له أخوة فلأمه السدس " الظاهر
في كون الحجب إنما هو حيث يرثه أبواه، ولقوله الصادق (ع) في
خبر بكير: " الأم لا تنقص من الثلث أبدا إلا مع الولد والإخوة إذا كان

(1) جملة من حديث مفصل ذكر في المصدر الآنف من الوسائل،
باب 11 من أبواب ميراث الأبوين، حديث (1).
(2) الوسائل كتاب الفرائض والمواريث، باب 10 من أبواب ميراث
الأبوين، حديث (5).
277

الأب حيا " (1) وللصحيح عنه (ع) وعن أبي جعفر (ع): " إن
مات رجل وترك أمه وإخوة وأخوات لأب أو إخوة وأخوات لأب
وأم وإخوة وأخوات لأم وليس الأب حيا، فإنهم لا يرثون، ولا يحجبون
لأنه لم يورث كلالة " (2) مضافا إلى تعليل حجب الإخوة بالتوفير على
الأب للانفاق فيما ذكره زرارة لعمر بن أذينة وعلي بن سعيد (3) وإلى
إشعار الموثقة المتقدمة به.
فما عن ظاهر (الصدوق): من عدم اعتباره حيث قال: " إن
خلفت زوجها وأمها وأخوة، فللأم السدس والباقي يرد عليها، لأنه
جعل فرضها السدس، وليس إلا بسبب الحجب الباقي ردا عليها، ولا
يكون إلا مع فقد الأب إذ مع وجوده كان الفاضل له ".
شاذ لا دليل عليه عدا خبرين مخالفين للمجمع عليه بين الإمامية (أحدهما)
خبر زرارة قال: " قلت لأبي عبد الله (ع): امرأة تركت زوجها
وأمها وإخوتها لأمها وإخوتها لأبيها وأمها؟ فقال: لزوجها النصف
ولأمها السدس، وللإخوة من الأم الثلث وسقط الإخوة من الأب والأم "
و (ثانيهما) خبره عنه أيضا " في أم وأخوات لأب وأم وأخوات لأم
أن للأم السدس ولكلالة الأب الثلثين، ولكلالة الأم السدس من توريث
الإخوة مع الأم " (4)

(1) المصدر الآنف من الوسائل باب 12 حديث (1).
(2) المصدر الآنف من الوسائل آخر باب الثاني عشر.
(3) إشارة إلى حديثي (3، 4) من الباب العاشر من أبواب ميراث
الأبوين من المصدر الآنف من الوسائل.
(4) أوردهما الوسائل في كتاب الفرائض، في الباب الأول من أبواب ميراث الإخوة والأجداد.
278

(الرابع) انتفاء موانع الإرث: من الكفر والرق والقتل. وعدم
الحجب في الأولين بمعنى مانعيتهما عن الحجب مدلول عليه بالنص والاجماع
المستفيض، من غير فرق في المملوك بين المبعض والقن، ولا بين ارتفاع
المانع قبل القسمة وبعدها. وأما القتل ففي ما نعيته عن الحجب وعدمها
قولان: ناشئان: من أصالة عدم الحجب والاشتراك مع الأولين في العلة
وهي المنع عن الإرث، ومن عموم الآية ومنع العلة لعدم ثبوت الملازمة بين
الحجب وقابلية الإرث، وهو المحكي عن الصدوق والحسن. وعن (المختلف)
نفي البأس عنه، وإن استدل قبله على الأول بقوله: " لنا إنه
المشهور بين علمائنا، فيتعين العمل به " ولولا نفيه البأس عن قول الصدوق
لاحتمل إرادته الاجماع من المشهور لمعلومية عدم حجية الشهرة عنده،
فكيف يستدل بها على مطلوبه؟
والأول هو الأقوى، وعليه المشهور شهرة عظيمة، للاجماع المنقول
عن الأمة جميعها - عدا ابن مسعود كما صرح به في المختلف وظاهر المبسوط -
المعتضد بالشهرة بقسميها، وعدم قدح المخالف لمعلوميته وندرته، وهو
الحجة في تقييد إطلاق الإخوة الذي قد يشك في إرادة ما نحن فيه منه.
(الخامس) أن يكونوا منفصلين أحياء عند موت المورث، فلا
يحجب الحمل، وإن كان حيا، بلا خلاف معتد به، للأصل، وعدم
انسباقه من الإخوة إلى الفهم، ولما تضمنه صدر خبر العلاء بن الفضيل
المتقدم: " إن الطفل والوليد لا يحجبك ولا يرثك إلا ما يبان بالصراخ ولا
شئ أكنه البطن وإن تحرك إلا ما اختلف عليه الليل والنهار " فلا اشكال
فيه، كما لا إشكال في كون المدار على كونهم أحياء عند موت المورث
فلا يحجب مع التقارن، فضلا عن سبق موتهم، ومع الشك في السبق
واللحوق، فإن علم تأريخ أحدهما فواضح، وإن لم يعلم فلا حجب،
279

لأصالة عدم وجود الحاجب عند أخذ فرضها، من غير فرق بين الغرقى
وغيرهم في الحجب، وإن كان فرض موت كل منهم يستدعي حياة الآخر
إلا أن ذلك حكمهم من حيث الإرث، فلا يقاس به الحجب
(المقدمة الرابعة)
في مقادير السهام وأهلها وكيفية اجتماعها
وهي سنة: النصف، ونصفه، ونصف نصفه، والثلثان، ونصفه
ونصف نصفه.
وأهلها خمسة عشر: (النصف) لأربعة: البنت الواحدة مع عدم
الولد الذكر (1) والأخت للأبوين، أو للأب خاصة كذلك (2) والزوج
مع عدم الولد لها - وإن نزل (3)
(والربع) لاثنين: الزوج مع الولد لها وإن نزل (4)، والزوجة
وإن تعددت مع عدمه له كذلك (5).
(والثمن) للزوجة وإن تعددت مع الولد له وإن نزل (6)
(والثلثان) لثلاثة البنتين فصاعدا مع عدم الولد الذكر (7) والأختين

(1) لقوله تعالى: " وإن كانت واحدة فلها النصف ".
(2) أي مع عدم الولد الذكر لقوله تعالى: " إن امرؤ هلك ليس
له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك " والأخت باطلاقها تشمل النوعين.
(3) أي مع عدم الولد لزوجته، لقوله تعالى: " ولكم نصف
ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ".
(4) لقوله تعالى: " فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن ".
(5) لقوله تعالى: " ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ".
(6) لقوله تعالى: " فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم ".
(7) لقوله تعالى: " فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك ".
280

فصاعدا للأبوين، أو للأب خاصة كذلك (1)
(والثلث) لاثنين: الأم مع عدم الحاجب من الولد - وإن نزل (2)
والإخوة، والاثنان فصاعدا من كلالة الأم خاصة (3)
(والسدس) لثلاثة: الأبوان مع الولد، لكل واحد منهما السدس (4)
والأم مع الحاجب الواحد من كلالة الأم (5)
وكل ذلك من السهام وأربابها مدلول عليه بالكتاب والسنة والاجماع
وصور اجتماعها الثنائي المتصورة ست وثلاثون، حاصلة من ضرب الستة
- التي هي الفريضة - في مثلها، وهو ضرب النصف: في مثله وفي الربع
وفي الثمن وفي الثلثين وفي الثلث وفي السدس، وهكذا. ويسقط المكرر
منها، وهو خمس عشرة، واحد في الصورة الثانية، وهو الربع في
النصف، واثنان في الثالثة وهما الثمن في النصف وفي الربع، وثلاثة في
الرابعة: الثلثان في النصف وفي الربع وفي الثمن، وأربعة في الخامسة: الثلث
في الثلثين، وفي الثلاثة الأول (6) وخمسة في السادسة: السدس في
الخمس الأول (7)

(1) أي مع فقد الولد الذكر، لقوله تعالى: " فإن كانتا اثنتين
فلهما الثلثان مما ترك ".
(2) لقوله تعالى: " فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث "
(3) لقوله تعالى: " فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث "
(4) لقوله تعالى: " فلأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك
إن كان له ولد ".
(5) لقوله تعالى: " فإن كان له إخوة فلأمه السدس ".
(6) وهي: النصف والربع والثمن، فالثلث مع كل منهما مكرر.
(7) أي مع النصف والربع والثمن والثلثين والثلث.
281

ويبقى إحدى وعشرون صورة غير مكررة (1).
وبتقرير آخر: كل من الطرفين - وهما النصف، والثلثان ونصفهما
ونصف نصفهما - إذا ضرب في مثله، وفيما هو في طوله: من نصفه ونصف
نصفه، كان الحاصل تسع صور، ثلاث منها مكررة، وهو الربع في
النصف، والثمن في كل منهما، وكذا الثلث في الثلثين، والسدس في
كل منهما. وستة غير مكررة. فمجموع المكرر منهما ستة، وغير المكرر
اثنا عشر.
ثم يفرض ضرب كل من الطرفين في الآخر، فالطرد منهما بصوره
التسعة لا تكرار فيه، والعكس كله مكرر.
فالمكرر من مجموع الصور المتصورة خمس عشرة صورة، وغير
المكرر إحدى وعشرون.
إلا أن ثمانية منها ممتنعة عقلا، أو شرعا.
(فالأول) منهما: اجتماع الربع مع مثله، لأن الربع فرض إرث
الزوج من الزوجة مع الولد لها، وفرض الزوجة من الزوج مع عدم الولد
له، فلا يعقل اجتماعهما، والثمن مع مثله، لأنه فرض واحد، ومع الربع
لأنهما فرض الزوجين كل منهما من الآخر، ومع الثلث لأنه فرض الزوجة
مع الولد وهو يحجب الأم عن الثلث (حجب نقصان) والإخوة
(حجب حرمان) فلا يعقل اجتماعهما، والثلثان مع مثلهما لأنهما فرض
البنتين فصاعدا وفرض الأختين المحجوبتين بالبنتين، والثلث مع مثله

(1) وهي: نصف مع مثله ومع الربع ومع الثمن ومع الثلثين ومع
الثلث ومع السدس، والربع مع مثله ومع الثمن ومع الثلثين ومع الثلث ومع
السدس. والثمن مع مثله ومع الثلثين ومع الثلث ومع السدس والثلثان مع مثلهما
ومع الثلث ومع السدس. والثلث مع مثله ومع السدس. والسدس مع مثله.
282

لأنه فرض الأم مع عدم الحاجب، والثاني فرض الواحد من كلالتها
المحجوب بها.
(والثاني) وهو ما يمتنع الاجتماع فيه شرعا: النصف مع الثلثين
لاستلزامه العول والنقص على ذوي المغروض - عدا الزوج والزوجة
وكلالة الأم - فيكون حينئذ إرثهم بالقرابة.
والباقي ثلاث عشرة صورة لا يمتنع الاجتماع فيها - لا عقلا ولا شرعا (1)
غير أن بعض صورها يستلزم الرد على من يرد عليه ممن ستعرف
فيكون الإرث حينئذ بالفرض والرد معا.
ثم الفريضة - وهي أقل عدد يخرج منه ما فرض من السهام صحيحا:
قد تكون وفق السهام، كما في الزوج مع الأبوين إذا لم يكن للأم
حاجب: للزوج النصف، وللأم الثلث، والباقي - وهو السدس - للأب
وكالبنتين مع الأبوين: للبنتين الثلثان، والثلث بين الأبوين لكل واحد
منهما السدس، وحكمه واضح، وقد تزيد، وقد تنقص.
فهنا أمران: التعصيب، والعول.
(أما الأمر الأول) ففيه الخلاف المعروف بين الفريقين بالنسبة إلى من
يرث الزائد من السهام المفروضة في كتاب الله، فإنه - عندنا - يرد الفاضل
على ذوي الفروض بنسبة فروضهم، عدا الزوج والزوجة، وعندهم:
يعطى للعصبة.
وحيث كان وجوب الرد وبطلان التعصيب من ضروريات مذهبنا،

(1) وهي: النصف مع مثله، ومع الربع، ومع الثمن، ومع الثلث
ومع السدس، والربع مع الثلثين، ومع الثلث، ومع السدس والثمن
مع الثلثين، ومع السدس. والثلثان مع الثلث، ومع السدس. والسدس
مع مثله.
283

فلا حاجة إلى إطالة الكلام في الاستدلال عليه (1) بل المهم هنا البحث في
مطالب ثلاثة: في موضوع العصبة، وموارد إرثها عندهم، وطريق
معرفة توزيع الرد الواجب - عندنا -.
(أما المطلب الأول) فالعصبة: إما نسبية، أو سببية.
(والأولى) قسمان:
(أحدهما) عصبة بنفسه، وهو كل ذكر يدلي إلى الميت بغير واسطة
أو بتوسط الذكور، وهم أصناف أربعة: (الأول) الابن وأولاده الذكور
(والثاني) الأب وآباؤه (والثالث) الإخوة وأبناؤهم (والرابع)
أعمام الميت لأب وبنوهم وأعمام الأب وبنوهم، والأقرب من هؤلاء يمنع
الأبعد عن ميراث الفاضل.
(وثانيهما) عصبة بغيره، وهن: البنات وبنات الابن، والأخوات
للأب، فإنهن لا يرثن بالتعصيب - عندهم - إلا بالذكور في درجتهن
أو فيما دونهن، ولذا لو خلف - مثلا - بنتين وبنت ابن كان للبنتين
الثلثان، ولم يكن لبنت الابن شئ، إلا إذا كان لها أخ أو ابن أخ، أو
خلف أختين وبنت أخ لم يكن لبنت الأخ شئ إلا إذا كان لها أخ أو
ابن أخ.
(والثانية) عصبة الولاء، والبحث عنه يأتي في محله إن شاء الله
(وأما المطلب الثاني) فموارد الرد:
(في الطبقة الأولى): مع عدم أحد الزوجين ثلاثة: (الأول)
البنت مع أحد الأبوين، فالزائد على فرضهما - وهو الثلث - يرد عليهما

(1) ولقد عقد في الوسائل بابا خاصا بهذا المعنى، وهو الباب الثامن
من أبواب موجبات الإرث بعنوان: باب بطلان التعصيب، ذكر فيه
الروايات المتضمنة لذلك المعنى.
284

- عندنا - وترثه العصبة - عندهم - (والثاني) البنت معهما، فالفاضل
- وهو السدس - يرد عليهم، لا للعصبة (والثالث) البنات وأحد
الأبوين، فالفاضل السدس أيضا يرد عليهم. ومع أحد الزوجين أربعة:
البنت، وأحد الأبوين، وزوج، أو زوجة فالفاضل في (الأول) وهو
نصف السدس يرد على غير الزوج منهم، وفي (الثاني) وهو خمسة
من أربع وعشرين حصة، يرد على غير الزوجة منهم (والثالث)
البنت وأبوان وزوجة، فالفاضل واحد من المخرج المتقدم يرد على غير
الزوجة (والرابع) البنات وأحد الأبوين وزوجة، فالفاضل كالصورة
التي قبلها.
و (في الطبقة الثانية) أربعة: (الأول) واحد من كلالة الأم
وأخت لأب، يبقى ثلث يرد عليهما (الثاني) واحد من كلالة الأم
وأخوات لأب، يبقى سدس يرد عليهم (الثالث) اثنان فصاعدا من
كلالة الأم وأخت لأب، يبقى أيضا سدس يرد عليهم (الرابع) واحد
من كلالة الأم وأخت لأب وزوجة، فالفريضة من اثني عشر: للكلالة
اثنان، وللأخت ستة، وللزوجة ثلاثة، يبقى واحد يرد على من عدا
الزوجة، فالرد ثابت في المواد الأربعة، وإن وقع الخلاف في الرد على
كلالة الأم مع وجود كلالة الأب.
(وأما المطلب الثالث) فلمعرفة توزيعه طريقان: (أحدهما) نسبه
في (مفتاح الكرامة) إلى المعروف، وهو أن تضرب مخرج الرد في
أصل الفريضة، ففي ما لو ترك بنتا وأبوين، فللبنت ثلاثة وللأبوين اثنان
يبقى واحد يرد أخماسا، وذلك بأن تضرب مخرج الرد أي من يرد
عليه (وهو خمسة - في أصل الفريضة - وهو ستة - فالحاصل ثلاثون:
يعطى للبنت ثمانية عشر، ولكل من الأبوين ستة (والثاني) نسبه إلى
285

(المبسوط) و (السرائر) وهو أن تجمع مخرج فرائض من يجب عليه
الرد، وتضربه في أصل الفريضة، ففي المثال: تأخذ مخرج السدسين
- وهو الثلث من ثلاثة ومخرج النصف من اثنين، فيكون خمسة تضربها
في ستة، وهكذا في غيره
(وأما الأمر الثاني) فأجمعت الإمامية على بطلان العول بمعنى دخول
النقص على جميع ذوي الفروض - كما عليه الجمهور - بل عندنا يدخل
النقص على البنت والبنات والأخت والأخوات من الأبوين أو الأب
وفي دخوله على الأب خلاف يأتي في محله إن شاء الله.
ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع، بل وضرورة المذهب - الأخبار
المستفيضة، بل المتواترة معنى (1) بل الظاهر: أنه مذهب غير واحد
من الصحابة.
فعن ابن عباس أنه كان يقول: " من شاء باهلته عند الحجر الأسود
أن الله تعالى لم يذكر في كتابه نصفين وثلثا ": وقال أيضا: " سبحان
الله العظيم، أترون أن الذي أحصى رمل عالج (2) عددا جعل في مال
نصفا ونصفا وثلثا، فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟
فقال له زفر بن أوس البصري: يا بن عباس فمن أول من أعال الفرائض؟
فقال: عمر بن الخطاب لما التفت الفرائض عنده، ودفع بعضها بعضا
فقال: والله ما أدري: أيكم قدم الله وأيكم أخر وما أجد شيئا أوسع

(1) وقد عقد لها في الوسائل بابا خاصا، وهو الباب السادس من
أبواب موجبات الإرث بعنوان: باب بطلان العول استعرض فيه كثيرا
من روايات الباب.
(2) والمقصود من (رمل رمل عالج) هو الرمل المتراكم بعضه على بعض
لكثرته في ذلك المكان.
286

من أن أقسم عليكم هذا المال بالحصص.. قال ابن عباس: وأيم الله
لو قدم من قدم الله، وأخر من أخر الله ما عالت الفريضة فقال له زفر: وأيها
قدم وأيها أخر؟ فقال: فكل فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلا إلى فريضة
فهذا ما قدم الله. وأما ما أخر فكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها
إلا ما بقي فتلك التي أخر: فأما التي قدم فالزوج له النصف، فإذا دخل
عليه ما يزيله عنه رجع إلى الربع ولا يزيله - عنه شئ - والزوجة لها الربع
فإذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت إلى الثمن لا يزيلها عنه شئ. والأم لها
الثلث، فإذا زالت عنه صارت إلى السدس ولا يزيلها عنه شئ وأما
التي أخر ففريضة البنات والأخوات لها النصف والثلثان فإذا أزالتهن الفرائض
عن ذلك لم يكن لهن إلا ما بقي، فإذا اجتمع ما قدم الله وما أخر بدئ
بما قدم وأعطي حقه كاملا، فإن بقي شئ كان لما أخر.. " الحديث (1)
ولعمري إن ابن عباس أشار إلى معنى يناسبه اليمين، ولا ينافيه
التعليل، ضرورة أنهم لو قدموا من قدمه الله لعلموا أن الفرائض لا تعول
ومستندهم - بعد التعويل على فتوى عمر - القياس بالدين مع قصور
التركة عن وفائه، والوصية إلى جماعة بمال مع القصور، فإن النقص فيهما
يدخل على الجميع، فكذا الفرائض إذا اجتمعت مع قصور التركة عنها.
وهو من القياس مع الفارق: أما في الدين، فلأن حقوق الديان
التي يجب الخروج عنها على كل حال، وإن قصر المال عنه لبقاء الباقي في
الذمة وإن كان ميتا ولذا جاز احتسابه عليه - متعلقة بخصوص التركة تعلق
الاستيفاء دون اختصاص أصل الحق بها بحيث لا حق له في غيرها ولو في
الذمة حتى تقاس عليه الفرائض التي هي كمية في الاستحقاق بالإرث.

(1) راجع: الباب السادس والسابع من أبواب موجبات الإرث
من كتاب الفرائض من الوسائل.
287

وأما في الوصية فلأن التوزيع في جميع صورها ممنوع لأنها لا تخلو: إما
تكون مرتبة ولو في الذكر، أو غير مرتبة كما لو قال: (أعطوا ألفا إلى
هؤلاء) مع قصور المال عن القدر الموصى به، أو مشكوكة. أما المرتبة
فليبدء فيها بالأول فالأول، ويختص النقص بمن قصر المال عنده فلا توزيع
فيها. وأما غير المرتبة فلتعلق حقوق المجموع بالجميع وبطلان الوصية
فيما زاد عليه لعدم الموضوع لها، ولا يستحيل على الموصي الوصية بمقدار
لا يفي المال بقدره جهلا منه به لعدم استحالة الجهل عليه، فكيف يقاس
به من يستحيل في حقه الجهل وأما المشكوكة (فمرة) يكون الشك
في المرتب بعد العلم بالترتيب لنسيان - مثلا - والحكم فيه القرعة (وأخرى)
يكون الشك في الترتيب وعدمه، والأقرب فيه التوزيع، خلافا للروضة
فبنى فيه على القرعة، وقد تقدم الكلام فيه مفصلا في الوصية على كل
تقدير فالقياس باطل.
ثم إن العول لا يتحقق إلا بدخول الزوج أو الزوجة، لأن النصف
فيما عدا الزوج فرض البنت الواحدة أو الأخت كذلك للأب، وهو لا يجتمع
مع مثله، وكذا مع الثلثين الذي هو فرض البنتين أو الأختين للأب،
لاختلاف الطبقة، وهو مع الثلث كالبنت مع الأبوين أو الأخت للأب
مع إخوة الأم مورد التعصيب الذي لا نقول به، وكذا اجتماعه مع
السدس كالبنت مع أحد الأبوين أو الأخت مع الواحد من كلالة الأم،
فلا عول إلا حيث يدخل أحد الزوجين، كما إذا كانت الفريضة ستة
فعالت إلى سبعة في مثل زوج وأختين لأب، فإن له النصف ثلاثة من ستة
ولهما الثلثان أربعة، فزادت الفريضة واحدا، أو إلى ثمانية كما إذا كان معهم
أخت لأم، أو تسعة بأن كان معهم أخ لأم، كذا لو دخل الربع
- الذي هو فرض الزوج مع الولد والزوجة مع عدمه - مع الثلثين
288

والسدس أو السدسين، فتعول الفريضة - وهي اثنا عشر - إلى ثلاثة عشر
في الأول، وخمسة عشر في الثاني، أو دخل الثمن مع البنتين والأبوين
فتعول من أربع وعشرين إلى سبع وعشرين.
هذا تمام الكلام في المقدمات.
وأما المقاصد فثلاثة:
(الأول) في ميراث الأنساب: فقد تقدم أن للنسب طبقات وأن
لكل طبقة درجات، وأن الأقرب من كل منهما يمنع الأبعد.
فالطبقة الأولى: الأبوان من غير ارتفاع والأولاد وإن نزلوا.
فلكل من الأبوين - إذا انفرد عمن في مرتبته وعن الزوجين - المال
كله غير أن الأب يرث بالقرابة، إذ لا فرض له مع عدم الولد، والأم
ترث الثلث بالفرض، والباقي بالقرابة: بالاجماع الذي لا ينافيه ما عن ابن
أبي عقيل: " من أنها مع الانفراد ترث بالقرابة لا بالفرض والرد " معللا
بأن التسمية لها بالسدس أو الثلث إنما هي إذا اجتمعت مع الأب أو الولد
وإلا فليست بذات سهم.
ولو اجتمع الأبوان فللأم الثلث مع عدم الحاجب (1) والسدس معه
تسمية، والباقي في الموردين للأب بالقرابة.
ولو اجمتع معهما، أو مع أحدهما زوج أو زوجة فلهما النصيب
الأعلى: من النصف والربع (2) بالفرض، وللأم الثلث أو السدس (3)
والباقي للأب

(1) من الإخوة - مثلا -
(2) الأول إذا كان زوجا، والثاني إذا كان زوجة.
(3) الأول مع عدم الحاجب كإخوة الميت، والثاني مع وجوده.
289

ولو كان مع الزوج الأب خاصة فللزوج النصف والباقي للأب
بالقرابة.
ولو كان معه الأم خاصة فله النصف بالفرض، وللأم الباقي: ثلث
بالفرض وسدس بالقرابة.
وللابن المال إذا انفرد بالقرابة لعدم الفرض له.
وإن تعدد فالمال بينهم بالسوية لاشتراكهم في السبب وعدم الترجيح
الموجب للتساوي.
وللبنت الواحدة النصف بالفرض، والباقي رد عليها بالقرابة.
وللبنتين أو أكثر الثلثان بالفرض، والباقي رد عليهما أو عليهم
بالقرابة، خلافا لما عن الفضل وابن أبي عقيل، فخصا الفرض بحال
الاجتماع مع الأب، وجعلا البنت والبنتين عند الانفراد كالابن في انتفاء
الفرض وكون الإرث بالقرابة.
ولو اجمتع الذكر والأنثى فللذكر مثل حظ الأنثيين بالقرابة لاختصاص
الفرض بالبنت والباقي بعد الذكر معهن.
ولو اجتمع مع الولد الأبوان أو أحدهما، فله أو لكل منهما
السدس بالفرض، والباقي للولد أو الأولاد بالقرابة إن، كانوا ذكورا أو
ملفقين منهم ومن الإناث، وإن كانوا إناثا فالباقي لهن بالفرض وبالقرابة
غير أنه إذا كان في المال زيادة على الفروض كالبنت الواحدة مع الأبوين أو
أحدهما، أو البنتين مع أحد الأبوين، رد الزائد عليهما أو عليهم أرباعا (1)

(1) هذا في صورة ما إذا كان مع البنت والأبوين حاجب فللبنت
النصف بالفريضة (أي 12 من أصل 24) مثلا والأب له السدس أي
(4) بالفريضة وللأم كذلك، فالباقي - وهو أربعة - يوزع على البنت
والأب فقط أرباعا، للبنت ثلاثة إضافة على فريضتها، فيجتمع لها
(15 من الأصل) وللأب واحد، فيجتمع له (5 من الأصل)
وليس للأم رد.
290

أو أخماسا - كما تقدم - (1)
ولو اجتمع معهم الزوج أو الزوجة، كان لكل منهما نصيبه الأدنى
من الربع أو الثمن، كل ذلك مدلول عليه بالنص والاجماع.
(تكملة) (2) في بيان من ينقص منه، ومن يرد عليه.
فاعلم أن النقص يدخل على البنت والبنات والأخت والأخوات من
الأب، وفي دخوله على الأب وعدمه؟ قولان: ذهب إلى الأول المحقق
في الشرايع والنافع والشهيد في اللمعة والعلامة في جملة من كتبه بناء منهم
على أن الضابط دخول النقص على من له فرض واحد يرث به - تارة -
وبالقرابة - أخرى - كالبنت - مثلا - فإن فرضها النصف مع عدم الابن
ومعه ترث بالقرابة وكذا البنات والأخت والأخوات مع عدم الأخ.
ومن له فرضان بحيث لو أزيل عن فرضه الأعلى سقط إلى الأدنى
كالزوج والزوجة والأم وكلالتها لا يدخل عليه النقص، وحيث كان الأب
له فرض واحد - وهو السدس مع الولد - لا ينقص عنه، ومع عدمه
إنما يرث بالقرابة كان داخلا في ضابطة: من يدخل النقص عليه.
وهو ليس بجيد - لا لما ذكره في (الروضة) حيث قال: " إن
ذكر المصنف الأب مع من يدخل النقص عليهم من ذوي الفروض ليس

(1) هذا في صورة ما إذا كان مع البنتين أحد الأبوين خاصة،
فللبنتين ثلثان بالفرض أي (20 من 30 مثلا) ولأحد الأبوين سدس أي
(5 من الأصل) والباقي (وهو 5) يوزع على البنتين والأب أخماسا: (4)
إلى البنتين وواحد إلى الأب.
(2) الظاهر أن هذا الموضوع هو ثاني المقاصد الثلاثة.
291

بجيد لأنه مع الولد لا ينقص عن السدس ومع عدمه ليس من ذوي الفروض
ومسألة العول مختصة بهم (1).
لورود النقض عليه بالبنت، فإنها مع عدم الأخ لا تنقص عن فرضها
النصف، ومعه ليست من ذوي الفروض، وكذلك غيرها من البنات
والأخت والأخوات، فإنهن لا ينقصن عن فرضهن مع عدم الأخ، ومعه
لسن من ذوي الفروض.
بل لأن الضابط في ذلك هو كل ذي فرض ينقص عن فرضه - تارة -
ويزيد عليه - أخرى - سواء كان ذا فرض أو فرضين بعد إحراز قبوله
النقص عن فرضه كالبنت، فإنها تنقص بوجود الأخ معها عن فرضها إلى
الثلث، إن كان واحدا، إلى الخمس إن كان اثنين " وإلى السبع، إن كان
ثلاثا وهكذا تنقص بنسبة عدد الذكور لقوله تعالى: " فللذكر مثل حظ
الأنثيين " وما لم يعلم قبوله النقص كالأب مع الولد فضلا عما لو علم
عدمه كالزوجين والأم وكلالتها، لا يدخل النقص عليه لعدم إحراز قبوله
له بدليل يدل عليه.
ومنه يظهر الفرق بين الأب والبنت والبنات. فإذا الأقوى - وعليه
الأكثر - هو القول الثاني.
وأما الرد على ذوي الفروض - عدا الزوجين - فلعموم آية: " أولوا
الأرحام " والمنع فيهما لورود الدليل على عدم قبولهما النقص والزيادة.
وبالجملة: فالوارث مطلقا: أما يرث بالقرابة خاصة، وهو من دخل
في الإرث بعموم الكتاب، أو بالفرض خاصة وهو الزوج والزوجة ما لم
ينحصر الوارث بالإمام (ع) أو يرث بالفرض - تارة - وبالقرابة
- أخرى - كالأب والبنت والبنات والأخت والأخوات مع عدم الذكر

(1) راجع ذلك في أخريات الفصل الثاني في بيان السهام المقدرة.
292

أو يرث بهما معا، وهو ذو الفرض على تقدير الرد عليه، فلا يختص
الرد بمن يدخل النقص عليه، ولذا يرد على الأم، وكذا كلالتها مع
عدم دخول النقص عليهن.
(بقي هنا مسائل الأولى) (1)
ولد الولد يقوم مقام أبيه أو أمه عند فقده أو فقد من هو في درجة
أحدهما، سواء وجد الأبوان أو أحدهما أو لم يوجد، فينفرد بالمال لو
انفرد، ويقاسم الأبوين أو أحدهما مع وجوده أو وجودهما، فلو خلف مع
الأبوين أو أحدهما ولد الولد - وإن سفل - كان لكل من الأبوين السدس
والباقي لولد الولد - ذكرا كان أو أنثى - بلا خلاف أجد في ذلك، إلا
ما يحكى عن (الصدوق)، فخص المال بالأبوين، ولم يشارك معهما أولاد
الأولاد حيث قال رحمه الله في (الفقيه): " أربعة لا يرث معهم أحد إلا
زوج أو زوجة: الابن والابنة، هذا هو الأصل لنا في المواريث، فإذا
ترك الرجل أبوين وابن ابن أو ابنة ابنة، فالمال للأبوين: للأم الثلث وللأب
الثلثان، لأن ولد الولد إنما يقومون مقام الولد إذا لم يكن هناك ولد ولا
وارث غيره، والوارث هو الأب والأم " (2) وعن (المقنع): " فإن
ترك ابن ابن وأبوين، فللأم الثلث، وللأب الثلثان وسقط ابن الابن " (3)
ويدل على المختار - بعد الاجماع بقسميه وشذوذ المخالف بل عن بعض
إنه مسبوق بالاجماع وملحوق به - النصوص المستفيضة التي هي بين ظاهرة
ومصرحة بذلك.

(1) ومن هنا الشروع في ثالث المقاصد - على الظاهر -
(2) الجزء الرابع من الكتاب طبع النجف، باب 141 ميراث الأبوين
مع ولد الولد:
(3) المقنع للصدوق - أيضا - طبع ضمن الجوامع الفقهية في إيران.
293

ففي الصحيح عن عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي عبد الله (ع):
" بنات الابنة يرثن إذا لم يكن بنات كن مكان البنات " (1) وفي الموثق
عنه أيضا: " ابن الابن يقوم مقام أبيه " (2) وحسن عبد الرحمان عنه
أيضا: " ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن،
قال: وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام
البنت " (3).
وخبر الحسن بن محمد بن سماعة قال: " دفع إلي صفوان كتابا لموسى
ابن بكير، فقال: هذا سماعي عن موسى بن بكير، وقرأته عليه، فإذا
فيه: موسى بن بكير عن علي بن سعيد عن زرارة قال: هذا ما ليس فيه
اختلاف عند أصحابنا: عن أبي عبد الله عليه السلام وعن أبي جعفر (ع)
- وذكر مسائل إلى أن قال -: ولا يرث أحد من خلق الله تعالى مع
الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة، فإن لم يكن ولد وكان ولد الولد
- ذكورا كانوا أو إناثا - فإنهم بمنزلة الولد، وولد البنين بمنزلة البنين
يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات.
ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر، وإن سفلوا ببطنين
وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث الولد الصلب ويحجبون ما يحجب الولد الصلب " (4)
وهو نص في المطلوب. والخبر المروي عن (دعائم الاسلام): " عن

(1) الوسائل، كتاب الفرائض، أبواب ميراث الأبوين والأولاد
باب 7 أن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم.
(2) أي موثق إسحاق بن عمار، المصدر الآنف من الوسائل حديث (2).
(3) المصدر الآنف من الوسائل حديث (5).
(4) ذكره الشيخ الطوسي في (التهذيب: كتاب الفرائض) باب
(7) ميراث الأزواج حديث (3).
294

جعفر بن محمد (ع): أنه قال في رجل ترك أبا وابن ابن قال: للأب
السدس وما بقي فلابن الابن، لأنه قام مقام أبيه إذا لم يكن ابن، وكذلك
ولد الولد ما تناسلوا إذا لم يكن أقرب منهم من الولد، ومن قرب منهم
حجب من بعد، وكذلك بنو البنت " الحديث.
وضعفهما منجبر بعمل الأصحاب، والموافقة لظاهر الكتاب والسنة
المستفيضة - بل المتواترة كما عن النهاية - واحتج الصدوق بما رواه المشايخ
الثلاثة في الصحيح: " عن سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الأول (ع)
قال: بنات الابنة يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث
غيرهن، وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميت أولاد ولا وارث غيرهن " (1)
وما رواه الشيخان في (الكافي والتهذيب) في الصحيح عن عبد الرحمان
ابن الحجاج عن أبي عبد الله (ع) قال: " بنات الابنة يقمن مقام الابنة
إذا لم يكن للميت بنات ولا وارث غيرهن، وبنات الابن يقمن مقام الابن
إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيرهن (2) " وفي (مصابيح) جدي
العلامة - بعد ذكر احتجاج الصدوق بالخبرين - ما لفظه: " قال الشيخ في
كتابي الأخبار. فأما ما ذكره بعض أصحابنا: من أن ولد الولد لا يرث مع الأبوين
واحتجاجه في ذلك بخبر سعد بن أبي خلف وعبد الرحمان بن الحجاج في

(1) ذكره الكليني في الكافي: كتاب المواريث، باب ميراث ولد
الولد، حديث (1) وذكره الصدوق في (الفقيه) (140 باب ميراث
ولد الولد) حديث (1). وذكره الشيخ في الاستبصار: كتاب الفرائض
باب 99 إن ولد الولد يقوم مقام الولد، حديث (2).
(2) الكافي للكليني: كتاب المواريث، باب ميراث ولد الولد،
حديث (4) والتهذيب للشيخ الطوسي: كتاب الفرائض والمواريث باب
28 ميراث من علا من الآباء وهبط من الأبناء حديث (57).
295

قوله: إن ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث
غيره، قال: ولا وارث غيره إنما هو الوالدان لا غير، فغلط لأن قوله (ع)
(ولا وارث غيره)، المراد بذلك: إذا لم يكن للميت الابن الذي
يتقرب ابن الابن به، أو البنت التي تتقرب بنت البنت بها، ولا وارث
غيره من الأولاد للصلب غيرهما. واستدل على ذلك برواية عبد الرحمان
ابن الحجاج المتقدمة في أدلة المشهور - إلى أن قال - وما ذكره الشيخ في
معنى الخبرين تأويل جيد. لكن لا حاجة فيه إلى تقييد الابن والبنت بالذي
يتقرب به هذا الوارث، بل لو أبقى على عمومه كما هو الظاهر صح أيضا
وكان المعنى: إن بنت البنت تقوم مقام البنت إذا لم يكن للميت بنت
مطلقا سواء كان أم هذه البنت، أو غيرها، وكذا ابن الابن يقوم مقام
الابن إذا لم يكن للميت ابن سواء كان أبا هذا الابن أو غيره، ولا
وارث غيره، يريد به: الابن في الأول، والبنت في الثاني، ويحتمل
أن يراد بالوارث فيهما الأعم من ولد الصلب والأقرب من أولاد الأولاد
فإن المراد ببنات الابن أو البنت ما يشمل السافلات، والأقرب منهن ومن
غيرهن من الأولاد يمنع الأبعد. ويحتمل أيضا أن يكون (لا) في قوله:
(ولا وارث) لنفي الجنس لا لتأكيد النفي، والمراد: إن بنات الابن
أو البنت يرثن عند فقد الأولاد، ولا وارث غيرهن حينئذ، ويختص بما إذا
لم يكن هناك أب أو أم أو زوج أو زوجة، ويحتمل أيضا: أن يكون
المراد أنها ترث المال كله إن لم يكن ولد ولا وارث آخر كالأبوين وإلا
كانت مشاركة، وفي بعض هذه الوجوه بعد، والأوجه ما ذكرناه أولا.
قال في (الوسائل): والذي يظهر أن وجه الاجمال ملاحظة التقية لأن
كثير من العامة وافقوا الصدوق فيما تقدم كما نقله الكليني وغيره. وقال
المحدث المجلسي في (شرح الفقيه): " ويمكن أن يكون التعبير كذلك
296

للتقية - كما ذهب إليه كثيرون منهم، وكيف كان، فهذه العبارة المجملة
لا تكاد تعارض ما تقدم من الأدلة الواضحة " انتهى كلامه رفع في الخلد
مقامه " (1)
وهو كلام متين في غاية القوة والمتانة، (والاحتجاج) للصدوق بالأقربية
لأن الأبوين يشاركان الولد المقدم في الدرجة على ولد الولد (يضعفه) أن
الأقربية إنما تمنع مع الاتحاد في الصنف والاختلاف في الدرجة، لا مع
الاختلاف فيه كالأبوين مع الأولاد - الذي قد عرفت فيما تقدم - أنهما
صنفان.
(المسألة الثانية) ولد الولد - ذكرا كان أو أنثى - يرث نصيب من
يتقرب به إلى الميت، فلابن البنت ثلث المال نصيب أمه، ولبنت الابن
الثلثان نصيب أبيهما.
للاجماع المحكي صريحا في (الغنية) (وكنز العرفان) المعتضد بالشهرة
بقسميها، بل في (الرياض): عليه عامة من تأخر، بل عن (الإيضاح)
و (غاية المراد): نسبته إلى فتوى الأصحاب.
ولظهور الأخبار المتقدمة في كون القيام مقامهم وتنزيلهم منزلتهم في
أصل الإرث وكيفيته، لا حصول الأول منهما، كيف ولو كان المراد من
المنزلة إثبات أصل التوارث لا الكيفية لا اكتفي في النصوص بذكر أولاد
الأولاد، واستغني عن ذكر التفصيل الذي يكون حينئذ تطويلا لا حاجة إليه
مضافا إلى ما في ذيل (خبر سماعة) المتقدم المصرح بأن ولد البنين

(1) راجع هذه العبارة المفصلة من (المصابيح) في كتاب الفرائض
أخريات) (مصباح): قال الصدوق في الفقيه: " أربعة لا يرث معهم
إلا زوج.. ".
297

بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون
ميراث البنات.
ويؤيد ذلك - بل يدل عليه - أن تقرب ولد الولد ونسبته إلى الميت
إنما هو بواسطة من يتقرب به إليه، فإذا كان أحد السببين أقوى من
الآخر، ولو من حيث الأكثرية في النصيب، كان المناط في كيفية الإرث
اعتبار ما هو السبب فيه، كيف والفرع لا يزيد على أصله، والتفاضل بين
الذكر والأنثى يختص بما إذا تساووا في جميع المرجحات إلا الذكورة والأنوثة
وليس المقام منه لوجود المرجح، وهو أقوائية السبب الذي يتقرب به
إلى الميت.
وبالجملة، المستفاد من مجموع أدلة المواريث أولوية بعض الورثة من
بعض في أصل الإرث، كالأولوية في الطبقات أو الدرجات، والأولوية
في أكثرية النصيب كالذكر والأنثى، إلا أن الثانية مشروطة بالتساوي في
جميع المرجحات إلا الذكورة والأنوثة، فالقسمة بينهم بالتفاضل: للذكر
مثل حظ الأنثيين، وليس ذلك تخصيصا لعموم: " يوصيكم الله في أولادكم "
الخ، بل هو مخصص لخروجه عن موضوع التفاضل بوجود المرجح،
وهو واضح بعد إمعان النظر في مجموع الأدلة.
خلافا للمحكي عن (المرتضى) والحسن والحلي ومعين الدين المصري
فقالوا يقتسمون تقاسم الأولاد للصلب من غير اعتبار من تقربوا به،
لأنهم أولاد حقيقة فيدخلون في العموم المتقدم.
وبما ذكرنا ظهر لك ضعف هذا القول ومستنده.
(المسألة الثالثة) أولاد البنين يقتسمون نصيبهم فيما بينهم مع الاختلاف:
للذكر مثل حظ الأنثيين: للاجماع المستفيض، بل المحصل، واندراجهم
في عموم آية الوصية، وإن منعنا صدق الولد عليهم حقيقة للاجماع المحكي
298

على إرادة ما هو الأعم من ولد الصلب وولد الولد وإن نزل هنا وفي
أمثاله، وكذا أولاد البنات على الأشهر بل المشهور، بل الاجماع محكي
عليه أيضا، مضافا إلى اندراجهم في عموم آية الوصية - كما تقدم -
خلافا للقاضي تبعا لبعض القدماء، فقالوا: يقتسمون نصيبهم بالسوية
مطلقا لتقربهم بالأنثى.
وهو مع شذوذه - كما قيل ومخالفته للنص والاجماع - منقوض بما
اعترف به موافقا للقوم في اقتسام أولاد الأخت للأبوين أو للأب بالتفاوت
مع مشاركتهم لأولاد البنت في إرث نصيب الأم، والقياس بكلالة الأم
في الاقتسام بينهم بالسوية قياس مع الفارق، لثبوت التسوية - هناك - بالدليل
المفقود - هنا - والأصل في المقام لو سلم مقطوع بما عرفت: من النص
والاجماع.
(المسألة الرابعة) في الحياة (1) وتمام الكلام فيها يقع في مواضع:
(الأول) في كونها على الوجوب أو الاستحباب (الثاني) في كونها
هل يكون استحقاقها بنحو المجان أو العوض؟ (الثالث) في من يحبى

(1) ولقد لاحظنا من خلال مراجعتنا الكتب اللغوية كالصحاح
والمصباح واللسان والقاموس وشرحه والمجمع والنهاية وغيرها في خصوص
هذه المادة فرأيناها متقاربة المضامين في أن الحبوة اسم من الحباء بمعنى العطاء
بلا من ولا جزاء، وأن بنيتها على تثليث الأول وإن كثر استعمالها على
الفتح. وقد استعملها الفقهاء في نفس معناها اللغوي - العطاء - بلا نقل إلى
مصطلح جديد - كما قد يقال -. إذ ليس في الأخبار تعرض في لنفس المادة
بمشتقاتها، وإنما الموجود فيها مضمون: أن للولد الأكبر من التركة كذا
وكذا.. وهذا لا يعطي اصطلاحا شرعيا لنفس المادة، وإنما المستعمل فيه
هو نفس المعنى اللغوي - على الظاهر -.
299

من الورثة، ويندرج فيه من يحبى من تركته (الرابع) فيما يحبى به من
أعيان التركة (الخامس) في بعض الشرائط المعتبرة في ثبوتها.
ويستخرج من هذه المواضع التي وقع الخلاف في جميعها الأقوال في
المسألة - كما ستعرفها مفصلة -.
ولنبدأ تيمنا بذكر الأخبار الواردة في هذا المضمار:
ففي (الوسائل) باسناده عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال: " إذا
مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده، فإن
كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور " وفيه أيضا عن الشيخ باسناده عن أحمد بن
محمد بن خالد، وعن الصدوق باسناده عن حماد بن عيسى مثله، إلا أنه
أسقط (وراحلته) (1)
وفيه باسناده عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع) قال:
" إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه " ورواه
أيضا عن الشيخ باسناده عن الفضل بن شاذان مثله (2).
وبإسناده عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " إذا هلك
الرجل وترك بنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف فإن حدث
به حدث فللأكبر منهم " (3)
وبإسناده عن ابن أذنيه عن بعض أصحابه عن أحدهما (ع) إن الرجل
إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه، فإن كان له بنون، فهو لأكبرهم. ورواه
أيضا عن الشيخ باسناده عن علي بن إبراهيم نحوه. وكذا الذي قبله (4).
وفيه باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال: " الميت إذا
مات فإن لابنه الأكبر السيف والرحل والثياب ثياب جلده " (5)

(1 - 5) راجع: كتاب الفرائض والمواريث منه، باب 3 من أبواب
ميراث الأبوين والأولاد، حديث (1) - (5).
300

وبإسناده عن زرارة ومحمد بن مسلم وبكير وفضيل بن يسار عن
أحدهما (ع): " إن الرجل إذا ترك سيفا وسلاحا فهو لابنه، فإن كانوا
اثنين فهو لأكبرهما " (1) وبإسناده عن شعيب العقرقوفي قال: " سألت أبا عبد الله (ع) عن
الرجل يموت: ماله من متاع بيته؟ قال: السيف، وقال: الميت إذا
مات فإن لابنه السيف والرحل والثياب ثياب جلده " (2)
وبإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: " كم من انسان
له حق لا يعلم به، قلت: وما ذاك أصلحك الله؟ قال: إن صاحبي الجدار
كان لهما كنز تحته لا يعلمان به، أما إنه لم يكن بذهب ولا فضة، قلت:
وما كان؟ قال: كان علما: قلت فأيهما أحق به؟ قال الكبير
كذلك نقول نحن " (3)
وبإسناده عن علي بن ساباط عن أبي الحسن الرضا (ع) " قال
سمعناه - وذكر كنز اليتيمين - فقال: كان لوحا من ذهب - إلى أن قال -
فقال حسين بن أسباط: فإلى من صار؟ إلى أكبرهما؟ قال: نعم " (4)
وبإسناده عن سماعة قال: " سألته عن الرجل يموت ماله من متاع
البيت؟ قال: السيف والسلاح والرحل وثياب جلده " (5)
إذا عرفت ذلك فنقول: أجمعت الإمامية على مشروعية الحبوة حتى
عد ذلك من متفرداتهم (6).

(1 - 5) راجع كتاب الفرائض والمواريث منه، باب 3 من أبواب
ميراث الأبوين والأولاد، حديث (1) - (5).
(6) قال السيد المرتضى - قدس سره في (الإنتصار): مسائل
المواريث والفرائض والوصايا -: " مسألة ومما انفردت به الإمامية:
القول بأن الولد الذكر الأكبر يفضل دون سائر الورثة بسيف أبيه
وخاتمه ومصحفه، وباقي الفقهاء يخالف في ذلك ".
301

وإن وقع الخلاف بينهم: في أن الأحباء له: هل هو على جهة
الوجوب، أو الاستحباب؟.
والأقوى هو الأول، وعليه المشهور، بل الاجماع عليه محكي في (السرائر)
حيث قال - بعد ذكر القولين مقدما للقول بالوجوب ما لفظه -: " والأول من
الأقوال هو الظاهر المجمع عليه عند أصحابنا المعمول به، وفتاويهم في
عصرنا هذا - وهو سنة ثمان وثمانين وخمسمائة - عليه بلا خلاف بينهم في
ذلك " (1) وهو الحجة، سيما بعد اعتضاده بما عرفت. مضافا إلى ظهور
النصوص المتقدمة في ذلك بمعونة اللام التي هي - وإن كانت للاختصاص
على الأقرب - إلا أن مراتبه مختلفة في الشدة والضعف بحسب الموارد
مفيدا للملك - مرة - وللحق - أخرى - كحق الخيار وحق الشفعة ونحوهما
- وثالثة - للخصوصية الحاصلة من مجرد الإضافة ومحض الانتساب كالقميص
للعبد والسرج للفرس. لكن من المعلوم أن مفادها في المقام وأمثاله من
الأقارير والوصايا والنذور والجعالات والسهام المورثة، إنما هو الملك
ولذا لا يتوقفون في الحكم به لهم، وليس إلا لظهور اللام في ذلك. ومن
الواضح أن ذلك ثابت للولد الأكبر بنحو التنجيز عند موت أبيه، فيكون
تمكين الورثة له من ذلك مسببا عن الحق الثابت، لا أنه سبب لأحداث

(1) وقبل هذه الجملة - كما في كتاب الفرائض آخر فصل " وإذا
انفرد الولد من الأبوين وأحد الزوجين " قوله: " ويخص الولد الأكبر من
الذكور - إذا لم يكن سفيها فاسدا الرأي - بسيف أبيه ومصحفه وخاتمه
وثياب جلده إذا كان هناك تركة سوى ذلك - إلى قوله -: وذهب بعض
أصحابنا إلى أن ذلك يستحب تخصيصه به، دون أن يكون ذلك مستحقا
له على جهة الوجوب... "
302

حق له حتى يجتمع مع القول بالاستحباب الذي مرجعه إلى محض التكليف
دون حكم الوضع، إذ لا حق له حينئذ قبل الأحباء، وهو مناف لتنجيز
الحق المستفاد من الأخبار بمعونة اللام، فلا يتم ذلك إلا على نحو الوجوب
خلافا للمحكي عن الإسكافي وأبي الصلاح في (الكافي) والمرتضى
في (الإنتصار) وأبي المكارم في (الغنية) والطوسي في (الرسالة النصيرية)
فنسب إليهم الاستحباب، واختاره العلامة في (المختلف) والفاضل الهندي
في (الكشف) والسبزواري في (الكفاية) ومال إليه في (الإيضاح)
والمسالك.
قلت: في نسبة الاستحباب إلى بعضهم تأمل، حيث أن عباراتهم
المنقولة عنهم ليست صريحة، بل لعله ولا ظاهرة فيه، حيث قال في
(الكافي): " ومن السنة أن يحبى الأكبر من ولد المورث " الخ، إذ
لعل مراده المستفاد من السنة أي الأخبار، دون الكتاب، وقال في (الإنتصار):
" ومما انفردت به الإمامية القول بأن الولد الأكبر يفضل دون سائر
الورثة بسيف أبيه وخاتمه ومصحفه وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك "
والتفضيل أعم، والانفراد إنما هو المشروعية في مقابل العامة المنكرين لها
نعم عبارة الإسكافي المحكية عن كتابه (الأحمدي) صريحة في
الاستحباب حيث قال: " ويستحب أن يؤثر الولد الأكبر إذا كان ذكرا
بالسيف وآلة السلاح والمصحف والخاتم وثياب الأب التي كانت لجسده
بقيمة، وليس ذلك عندي بواجب إذا تشاجروا عليه ". وكذا عبارة
(الغنية) بل فيها: دعوى الاجماع عليه، قال، ويستحب أن يخص
الأكبر من الولد الأكبر من الولد الذكور بسيف أبيه ومصحفه وخاتمه وثياب جلده إذا
كان هناك تركة سوى بذلك بدليل اجماع الطائفة ".
وكيف كان فلا أرى للاستحباب مستندا إلا أحد أمرين:
303

أحدهما - الجمع بين عمومات الإرث الدالة على استحقاق الورثة في
جميع التركة حتى التي يجبى بها، وما عليه اتفاق الأصحاب من مشروعية
الأحباء - بالحمل على الاستحباب الذي يجتمع مع عموم الكتاب، بخلاف
الوجوب الذي يلزم منه تخصيصه بعد طرح هذه الأخبار، لكونها آحادا
بناء على طريقتهم: من عدم العمل بها: إما مطلقا أو حيث يعارض
عموم الكتاب لعدم تخصيصه بها، وإن جاز العمل بها مع عدمه.
(والثاني) الأصل مع عدم دلالة الأخبار على الوجوب لعدم ظهور
اللام في الملك أو الحق، بل غايته الاختصاص الذي يجتمع مع الندب
بإرادة أن من يخصص ويؤثر بملك الأعيان - وإن لم يجب أصل التخصيص -
هو الولد الأكبر.
مؤيدا - كما قيل -: باختلاف الأخبار في أعيان الحبوة بالزيادة والنقيصة
المنافي للوجوب دون الندب الذي يتسامح في أدلته، نحو الاختلاف في
منزوجات البئر، وبحسنه حريز المتقدمة، بناء على ظهورها في أن هلاك
الأكبر بعد هلاك أبيه، ومقتضاه على الوجوب كونها موروثة لورثته
دون الأكبر من ولد أبيه الذي لا يتم إلا على الندب، فيكون المعنى حينئذ:
إذا هلك الأكبر لا يسقط الاستحباب، بل يعطي للأكبر الموجود من
ولد الرجل.
ويضعف الأول بحجية أخبار الآحاد وجواز تخصيص الكتاب بها
على الأقوى - كما قرر في محله - سيما مع عمل جل الأصحاب بها.
(والثاني) بما عرفت: من اقتضاء الاختصاص المنجز عند موت
المورث الوجوب دون الندب الذي يتوقف على رضاء الورثة (ودعوى)
إرادة اختصاص الأعيان بالأكبر المستفاد من اللام بمعنى كون الأكبر موردا
لهذه الخصوصية التي هي الحكم بندب الايثار الذي موضوعه تلك الأعيان
304

وبهذه الملاحظة اتصف بالاختصاص به، فاختصاص الأكبر نظير مرتبة
" ملك أن يملك " من مراتب الملك، وهذا القدر من الخصوصية ثابت
له بمجرد الموت قبل الأحباء " موهونة " جدا، والأصل مقطوع بالنصوص
وإجماع (الغنية) موهون بما عرفت، إن أريد به الاجماع على الندب.
ويضعف التأييد الأول (1) أولا بأن الاختلاف المحمول على الندب
للتسامح في دليله إنما هو حيث لا يعارض بما يدل على المنع، ولو بنحو
العموم، كما في المقام من عمومات أدلة الإرث، مع عموم حرمة التصرف
في مال الغير، خصوصا مع وجود صغير في الورثة، فندب الاحياء يشمله
لكونه استحبابا ماليا كزكاة مال الطفل يباشر إخراجها الولي، فلا يصلح
له من الدليل إلا حجة قاطعة، ومتى وجد كذلك صلح لاثبات الوجوب أيضا
وثانيا بلزوم علاج الاختلاف على كل من القولين لأن القائلين
بالندب جلهم - بل كلهم كما قيل - اقتصروا على أربعة منها، عدا الإسكافي
فأضاف إليها آلة السلاح الشامل للسيف وغيره.
ويضعف التأييد بالثاني، بأن المراد من قوله في الحسنة " فإن حدث به حدث "
هلاك الولد قبل هلاك أبيه دفعا لتوهم سقوط الحبوة بموت من كان أكبر
ولده لانتفاء موضوعها. كيف ولو كان هلاكه بعد هلاك أبيه كانت الحبوة
كلها على القول بالوجوب أو ما يخصه منها بالإرث على الندب موروثا
لولده دون الأكبر من ولد أبيه.
(الموضع الثاني): المشهور شهرة عظيمة على كون الاستحقاق
مجانا لا بعوض، بل نسبه ثاني الشهيدين في (رسالته) إلى عامة المتأخرين
بل هو مندرج فيما ادعى عليه الاجماع في (السرائر) وهو الحجة

(1) وهو اختلاف الأخبار في أعيان الحبوة بالزيادة والنقيصة.
305

سيما مع اعتضاده بالشهرة - بقسميها (1) مضافا إلى الأصل، وظواهر
النصوص المتقدمة في عدم اعتبار القيمة، إذ لو كان مشروطا بها لزم
تأخير البيان عن وقت الحاجة، خلافا للمرتضى والإسكافي.
واحتج السيد بما يرجع ملخصه إلى الجمع المتقدم بين عمومات الكتاب
وعدم المخالفة لما عليه الأصحاب، وفي (المختلف) - بعد ذكر قول
السيد ودليله - نفى عنه البأس، وأيده بلزوم الاجحاف على الورثة لو
عمل بما دلت عليه الأخبار. ونفى عنه البأس أيضا الأردبيلي في (المجمع)
واختاره كاشف اللثام، وصاحب الكفاية، ظاهر (الروضة) (والمسالك):
التوقف.
قلت: ما اختاره (السيد) حسن على طريقة من لم يعمل بأخبار
الآحاد. لكن يبقى عليه أن الجمع يحصل بمجرد الحمل على الاستحباب
من غير توقف على الاحتساب، ومرجعه إلى محض ندب الايثار الذي لا يلزم
منه تخصيص الكتاب، ولا مخالفة اتفاق الأصحاب، بعد إن كان الاتفاق
على أصل المشروعية.
وحينئذ فاللازم على طريقة من لا يعول على أخبار الآحاد: إما
القول بالاستحباب مجانا، أو القول بالوجوب والاحتساب. وأما من يرى
حجيتها وجواز تخصيص الكتاب بها، فلا وجه للعدول عما تقتضيه ظواهرها:
من كونها له مجانا كالعلامة في (المختلف) ومن قواه ممن عرفت. والاجحاف
بالأربعة - التي لا نقول بأزيد منها - مع أنه غير متحقق في الغالب لا يضر
مع قيام الدليل عليه.
ثم إن هاهنا فروعا مبنية على القول بالاحتساب، سواء قلنا بالوجوب

(1) أي الشهرة الفتوائية، والشهرة الروائية.
306

أو الاستحباب:
(منها) إن المدار هل هو على القيمة عند الموت أو عند الدفع؟
لا اشكال في أن العبرة بها عند الاحتساب - على القول بالاستحباب لأنه
زمان انتقال الحبوة إلى المحبو، وقبله ملك الورثة، وإن استحب له
الايثار. وأما على القول بالوجوب فالأقرب اعتبار القيمة عند الموت، لأنه
زمان انتقالها إلى المحبو، وإن كانت معوضة بما يقابلها من التركة، وإن
قلنا بتزلزل الملك إلى الاحتساب، لأن التعويض ثابت أيضا من حين الملك
لا من حين الاستقرار. وأما على ما هو الأقرب: - من استقرار الملك من
حين الموت معوضا بالقيمة قهرا كما هو مفاد ظواهر النصوص التي لا ينافيها
صدق الحبوة عليها لامتيازه باختصاصه بمختصات آبية وهذا القدر كاف
في الصدق - فلا إشكال في أن العبرة بقيمتها عند الموت.
ومنه يظهر لك ضعف ما وجه به الاحتمال الآخر: من أنه ليس تملكا
قهريا بمجرد الموت، بل هو منوط باختيار المحبو، فالعبرة بزمانه لأن
ثبوت الاختيار خلاف ظواهر الأخبار.
(ومنها) إن العوض هل يختص دفعه من نصيبه من باقي التركة، أم
هو دين في ذمته غير متعين في مال مخصوص؟ نسب الأول في (السرائر)
إلى بعض الأصحاب، وظاهره نسبة ذلك إلى أهل القول باعتبار القيمة
واختاره عمنا الأستاذ (1) في (رسالة الحبوة من ملحقات برهانه) وأطنب
في تقوية ذلك بما يرجع ملخصه إلى: أن الاحتساب من نصبيه أدخل
بالإرث من المال الأجنبي بعد أن كان اعتبار القيمة للجميع بين العمل

(1) يقصد: الحجة المحقق السيد علي بن الرضا بن السيد بحر العلوم - قدس سره -
صاحب (البرهان القاطع في شرح المختصر النافع) المولود سنة 1224
والمتوفى سنة 1298 ه‍. والرسالة المشار إليها لا زالت من نفائس المخطوطات
307

بعمومات الإرث وعدم مخالفة الأصحاب، أو بينها وبين النصوص بناء
على اعتبارها، مؤيدا باشعار لفظ الاحتساب في كلامهم بذلك.
والأقرب هو الثاني، لعدم الدليل على اختصاص القيمة بما يرثه من
التركة، بل الأصل يقتضي العدم، ومجرد الأدخلية لا يصلح دليلا على
التعيين بعد إن كان الجمع حاصلا باستحقاقه قيمة ما ورثه من الحبوة.
(ومنها) قد عرفت أن الأقرب تملك الحبوة معوضا بالقيمة قهرا
من غير توقف على اختيار المحبو، خلافا لما في (ملحقات البرهان): من اختيار
الثاني، مستدلا فيه بأمور لا تصلح لأن تكون دليلا على مدعاه، تركناه
خوف الإطالة.
وكيف كان، فعلى القول بكون المعاوضة قهرية: لو تلفت الحبوة
قبل قبض المحبو بلا تفريط منه سقطت القيمة بناء على بطلان المعاوضة
لو تلف قبل تسليم العوضين، نظير تلف المبيع قبل قبضه، إن قلنا بكون
الضمان بالمسمى هناك على القاعدة، وإلا فاللازم هنا غرامة القيمة لحصول
التملك بالعوض بمجرد الموت مع احتمال أن يقال بالغرامة هنا، وإن قلنا
يكون الضمان بالمسمى في تلك المسألة على القاعدة بدعوى اختصاص تلك
القاعدة بالمعاوضات الاختيارية دون القهرية.
وعلى القول بكونها منوطة باختيار المحبو، فلا غرامة عليه منها
لبدل التالف قبل الاختيار.
ثم على كل من القولين ليس له التصرف في الحبوة قبل دفع القيمة
إلى مستحقها لاشتراك الجميع في إرث مالية الحبوة وإن اختص المحبو
بأشخاص أعيانها فهو كارث الزوجة مطلقا، أو غير ذات الولد: من
قيمة عمارة الرباع دون عرصتها على ما قويناه في محله.
(ومنها): إن اختيار المحبو - بناء على التوقف عليه - هل هو
308

على الفور كحق الشفعة للشريك لمساواته له في المقتضى للفورية، وبعد
من العذر هنا ما يعد هناك من العذر في بعض صور التأخير كعدم العلم بالحقية
أو الفورية وعدم التمكن من الأخذ به لضرورة فيه من غيبة وحبس وإغماء
إلى غير ذلك، أم هو التراخي ما لم يستلزم الابطاء ضررا على الورثة؟
وجهان: ولعل الثاني هو الأقرب، للأصل.
(ومنها) بناء على تعليق استيفاء القيمة بنصيب المحبو من التركة دون
المال الأجنبي: لو نقص نصيبه منها عما يلزمه من القيمة، فهل يختص
مع ذلك أيضا بتمام أعيان الحبوة مجانا، أم بمال خارجي في ذمته، أم
يكمل به، أم يبطل اختصاصه بها أصلا لعدم وجود العوض، أم يبطل
في القدر الزائد على نصيبه الموجود في الباقي لعدم العوض ويصح فيما يفي به
نصيبه لعدم المانع منه لوجود عوضه؟ احتمالات: أقربها الأخير، ويتلوه
في القرب الاحتمال الثالث. ثم على الأخير: هل تعين ما يصح فيه الحبوة
للمحبو أو للورثة، أو يفصل بين ما إذا وجد في أعيانها ما يساوي قيمته
نصيبه فهو المتعين؟ وجوه:
هذا والتعرض لبقية فروع المسألة تطويل، لا حاجة إليه، سيما بناء
على ما اخترناه من الانتقال إليه مجانا
(الموضوع الثالث في المحبو) وهو الولد الذكر، وإن كان الانتساب
إليه بوطئ الشبهة، لشمول إطلاق النصوص له بعد صدق الولد شرعا
عليه، بخلاف المتولد من الزنا لعدم اللحوق به شرعا وإن كان ولده لغة
فلا حبوة للأنثى لعدم الدليل عليه، بل الدليل على عدمه: من الأصل
والاجماع على اشتراط الذكورة.
فإن كان الولد واحدا كانت الحبوة له، وإن متعددا فللأكبر ولا يعطي ذكر
الأكبر في النصوص الاختصاص بالمتعدد لمكان ظهور التفضيل في المشاركة لعدم
309

الخلاف - كما قيل - في إحباء المنفرد بل صرح به غير واحد، وحكى في
(مفتاح الكرامة) عن المبسوط سقوط الحكم مع الانفراد حيث قال:
" وأما إذا كان واحد ففي المبسوط: سقط هذ الحكم، وفي المجمع:
إنه يحبى ".
وهو منه عجيب، إذ توهم ذلك من عبارة فيه وهي قوله: " فإن
كانوا جماعة في سن واحد اشتركوا فيه، وإن كان لم يخلف غير ذلك
يسقط هذا الحكم " وهو كما ترى، إذ مراده سقوط حكم الحبوة إن لم
يخلف غير أعيانها كما هو قول جماعة، ولا طلاق مصححة العقرقوفي
وصريح موثقة الفضلاء، ومرسلة ابن أذينة - المتقدمة - مع أن اعتبار وجود
المفضل عليه في أفعل التفضيل أكثري لا كلي، بل لا يبعد دعوى سوق
الأخبار المصرحة بلفظ الأكبر لبيان الاختصاص به، مع التعدد لا الاشتراك
مع الأصغر وحينئذ فالأكبر يراد منه من لا أكبر منه، كما أن المراد
منه، الأكبرية في السن وإن بلغ الأصغر قبله، لأنه المتبادر من
الأكبر عرفا، فلا يتوهم تقديم البالغ المكلف نظرا إلى حكمة
مقابلة الحبوة بقضاء الأكبر ما فات أباه من الصلوات، مع كونها حكمة
ولذا يحبى، وإن لم يكن على أبيه قضاء. ولو ولدا توأمين فالأكبر - عرفا -
هو الخارج أولا، دون الأخير، وأن الفصل - أولا - من صلب أبيه وإن نص عليه فيما
روي " أن أبا عبد الله (ع) هنأ من أصحابه رجلا بولدين ولدا له توأم، ثم قال
له: أيهما أكبر؟ فقال الرجل: الذي خرج أولا، فقال أبو عبد الله (ع) الذي خرج
أخرا هو أكبر، أما تعلم أنها حملت بذلك - أولا - وأن هذا دخل على
ذلك فلم يمكنه أن يخرج حتى يخرج هذا، فالذي خرج أخرا هو أكبر " (1)

(1) الوسائل: كتاب النكاح، باب 99 من أبواب أحكام الأولاد
حديث (1).
310

لشذوذ الرواية - كما قيل - وإمكان معارضتها بما عن (الفقيه) عن أبي عبد الله (ع)
أنه قال: " أكبر ما يكون الانسان يوم ولد وأصغر ما يكون يوم يموت "
بدعوى ظهوره في كون مناط الأكبرية على الولادة دون الحمل، وإن
قبل باشتراكهما في الأكبرية لعدم الاعتداد بمثل هذا التفاوت فلا يقدح في
صدق التساوي عرفا.
إلا أن المنع عن الصدق عرفا في حيز المنع، مع كون الأول متيقن
الاستحقاق والأخير مشكوك، والاشتراك فرع إحراز التساوي لو قلنا
به فيه.
وبما ذكرنا يعرف الأكبر من اللذين ولد أحدهما لأقل الحمل والآخر
لا كثره - مثلا - بعد ما عرفت من كون المدار عرفا على الولادة دون
سبق الحمل.
ولو اتحد زمان ولادتهما تحقيقا كما إذا كان من زوجتين، ففي سقوط
الحبوة أو الاشتراك فيها؟ قولان.
صرح بالأول ابن حمزة في (الوسيلة) حيث اشترط في الحبوة أمورا
عدمية فقد آخر في سنه، وهو صريح في سقوطها مع وجود المساوي، ولعل
نظره إلى انفراد لفظ الابن والأكبر في الأخبار المستفاد منه اشتراط الوحدة
في أصل الاستحاق، والأكبرية مع التعدد معينة للواحد المستحق. وحينئذ
فمع التساوي يسقط الحكم لأن الاشتراك ينافي اعتبار الوحدة في المستحق،
ولا مرجح لأحدهما على الآخر، والحكم مخالف للأصل، والعمومات،
فليقتصر على المتيقن في الخروج عنهما، وهو المفرد والأكبر في المتعدد.
(والثاني) هو مختار المبسوط والجامع والايضاح والمهذب والدروس
والتنقيح وغاية المرام والكفاية - على ما حكى عن بعضهم - بل عن (غاية
المرام): إنه المشهور. وفي (الكفاية): أنه الأشهر، بل في (ملحقات
311

البرهان): إن شهرته شهرة عظيمة مقاربة للاجماع.
وهو الأقوى لمنع اعتبار الوحدة في المستحق لأن الأفراد في المقام
أفراد الجنس الشامل للواحد والمتعدد، وإن اختص بها الأكبر في الأخير،
فيكون حاصل مفاد النصوص: أن الحبوة للابن مطلقا إلا مع التعدد والاختلاف
في السن، فهي للأكبر، فظهر لك بذلك ضعف القول الأول ومستنده
وحينئذ فالمراد بالأكبر من لا أكبر منه، وعليه فيحكم
بالاشتراك في خصوص ما لو علم التساوي لأن كلا منهما يصدق عليه أنه
لا أكبر منه فاشتركا في السبب الذي هو مناط استحقاقها في صورة التعدد بعد
تفسير الأكبر بمن لا أكبر منه.
وأما لو احتمل التساوي وأكبرية كل منهما من الآخر، ففي سقوط
الحبوة للأصل بناء على أن الاختصاص بواحد أو الاشتراك مرتبان على إحراز
الأكبرية أو التساوي، وليس في المقام أصل موضوعي يشخص أحدهما
أو القرعة للعلم بوجود المستحق والشك في قدر الاستحقاق؟ وجهان:
والثاني هو الأقرب. وعليه: فإما أن تضرب قرعة واحدة بأن يكتب التساوي
وأكبرية كل منهما بخصوصه في ضمن ثلاث رقعات، فالمستخرج هو المتعين
أو تضرب مرة بين التساوي والأكبرية - وأخرى - لتعيين الأكبر على الثاني
وأما لو علم أن أحدهما المعين لا أكبر منه، وشك في الآخر: أنه
مساو له أو أصغر، فالأقرب اختصاصها به لأنه المتيقن في صدق العنوان
عليه وغير مشكوك.
نعم لو علمت الأكبرية وشك في الأكبر، فلا محيص عن التعيين
بالقرعة.
وأما الخنثى المشكل فلا اشكال في سقوط الحبوة له، سواء قلنا بكونها
طبيعة ثالثة أو مرددة بين الطبيعتين. أما على الأول فواضح، وأما على
312

الثاني، فلأن الشك في الشرط شك في المشروط، والأصل عدمه.
وقيل يحبى النصف كما يرث نصف النصيبين، لأنها إرث أيضا.
وفيه: إنه قياس مع الفارق، للنص هناك المفقود في المقام إذ لولاه لكان
اللازم بعد التحري القرعة - كما هو قول - ولذا يجب التحري - أولا -
هناك، ولا يجب هنا، وليس إلا لدوران موضوع الإرث في غير الحبوة
بين العنوانين المتباينين: الذكر والأنثى، وفيها مرتب على موضوع واحد
وهو الذكر، ويكفي في نفيه الشك في موضوعه.
وهذه الشروط: من الولدية، والذكورية، والأكبرية وفاقية،
وهناك أمور اختلفوا في اعتبارها في المحبو.
(منها) هل يعتبر انفصاله حيا عند موت أبيه، فلا حبوة للحمل
مطلقا. أولا يعتبر فيحبى مطلقا كغيرها من الميراث، أو يفصل في الجنين
بين كونه تاما وقبله: فيحبى في الأول دون الثاني؟ وجوه بل أقول:
مستند الأول: عدم صدق ولد ذكر عرفا حال الحاجة إلى تحقق
صدقه، وهو زمان موت أبيه، لأنه زمان استحقاقه، ولأن إفراز الحبوة
ذلك الوقت إن حكم بها له كان حكما غير مطابق للواقع، إذ ليس هناك
مذكر، وإن حكم بها للورثة استصحب الحكم وعمل بأصالة عدم المزيل
إلى أن يتحقق، وإن انتفى الأمران لزم بقاء المال بغير مالك.
وفيه، إن الدليل أخص من المدعى، إذ غاية مفاده - لو سلم - عدم
استحقاقه قبل وجوده عند الموت في نفس الأمر كما لو كان علقة أو
مضغة، لا عدم استحقاقه قبل انفصاله، الذي هو المدعى، والافراز له
في ذلك الوقت مراعى بتحقق الذكورية كافراز نصيب الذكر.
ومستند الثاني: استحقاق الحمل مطلقا ولو كان علقة الإرث نصيب الذكر
إن تحققت الذكورية فالذكورية المتأخرة كاشفة عن تملكه نصيب الذكر من أول
313

الأمر، وليس ذلك إلا لكفاية تعقب الذكورية في إرث النصيب والحبوة
إرث المذكر، فيجري فيها ما يجري في نصيبه من سائر التركة.
ومستند الثالث: أن الذكورية - التي هي موضوع حكم الحبوة - إنما
تلحق في الواقع عند تمام الخلقة، الظاهر في كونه عند انتهاء أربعة
أشهر، لصحيحة زرارة " إذ وقعت النطفة في الرحم استقرت فيها
أربعين يوما، وتكون علقة أربعين يوما، وتكون مضغة أربعين يوما،
ثم يبعث الله ملكين خلاقين فيقال لهما: أخلقا كما يريد الله ذكرا كان
أو أنثى " وقبله لا مذكر في الواقع حتى يمتاز باختصاص الحبوة به.
لا يقال: هذا بعينه وارد في إرث الحمل نصيب الذكر قبل تمام
خلقته وتملكه له قبل لحقوق عنوان الذكورية به، ولذا يفرز له حصة
الذكر وإن كان علقة فيكشف عن كون لحوق عنوان الذكورية كافيا في
استحقاق نصيب الذكر قبله، فليكن في الحبوة كذلك، لاتحاد موضوعهما
الذي هو الولد الذكر.
ولوضوح الفرق - بعد الاجماع الفارق بين الموردين - بأن الحمل
يرث من حيث هو لصدق الولد عليه قبل كونه ذكرا أو أنثى أو خنثى،
ولكل من الأصناف الثلاثة نصيب مقدر يستحقه بذلك الإرث لا بسبب
آخر، ومقتضى الجمع هو إرث الولد المعقب بالذكورية نصيب الذكر
والمعقب بالأنوثية نصيب الأنثى، نظير الإجازة في الفضولي - بناء على
كونها كاشفة عن الملك من حين العقد - فالذكورة والأنوثية شرطان لمقدار
النصيبين من التركة، لا لأصل الإرث منها. والذكورية في الحبوة شرط
لأصل الإرث، لا لمقداره، فلا موجب لجعل المحبو الولد المعقب
بالذكورية بعد إن كان موضوعه - عند موت أبيه - هو المذكر الغير
المتحقق قبل تمام الخلقة، وليس موضوع الإرث عند موت الموروث إلا
314

وجود حمل، لا وجود مذكر، وإن كان الحمل الذي هو موضوع
الإرث معقبا بأحد العناوين.
نعم لو كان للأنثى نصف الحبوة؟ - مثلا - بحيث يكون لكل منها
ومن الذكر نصيب فيها، لتم النقض، فإذا: القول بالتفصيل قوي جدا
(ومنها): البلوغ، فقد اعتبره بعض للحكمة المتقدمة، وقد
عرفت ما فيه.
(ومنها) أن لا يكون سفيها، ولا فاسد الرأي، أما الأول،
فلا أرى وجها لاعتباره في الحبو بعد اندراجه في إطلاقات أدلة الحبوة إلا
ما عسى أن يتوهم - بل توهم كما في مفتاح الكرامة - اندراجه فيما ادعى
عليه في (السرائر): من الاجماع، فيكون - بعد اعتضاده بالشهرة
المحكية - مخصصا لاطلاق الأدلة.
وفيه: إن اجماع (السرائر) ظاهر في انعقاده على الوجوب بنحو
المجان في مقابل القول بالتعويض أو الاستحباب الذي حكاه عن (المرتضى)
وغيره، لا على ما أخذه شرطا في عنوان الفرع، فلم يبق إلا الشهرة المحكية
التي بنفسها - بعد تسليمها - لا تنهض حجة لتقييد المطلقات، بل وكذا
لا يمنع الجنون عن الأحباء لما ذكر، إلا على جعل الحبوة عوضا عن القضاء
- كما عليه ابن حمزة -.
وأما الثاني، فلا دليل أيضا على تخصيص أدلة الحبوة بغيره إلا ما يقال:
من دخوله في عموم " ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم " (1) إذ لا يقولون

(1) في الوسائل: كتاب الطلاق باب 30 من أبواب مقدماته وشرائطه
حديث (5) بسنده عن علي بن أبي حمزة: " إنه سأل أبا الحسن (ع)
عن المطلقة على غير السنة: أيتزوجها الرجل؟ فقال: الزموهم من ذلك
ما ألزموه أنفسهم، وتزوجوهن فلا بأس بذلك ". ونحوها غيرها في
نفس الباب والكتاب: ومن ذلك كون الفقهاء - رضوان الله عليهم -
قاعدة عامة في جواز إلزام المخالفين بما يعتقدونه، وأسموها (قاعدة
الالزام) وهي من القواعد الفقهية المشهورة المذكورة في مظانها من الموسوعات
الفقهية والظاهر أن مفاد القاعدة من الأحكام الثانوية لا الأولية، إذ معنى
" ألزموهم.. " في القاعدة هو صحة إلزامهم بما يعتقدونه وإن كان باطلا
بالنسبة إلينا فالحكم الأولى - عندنا البطلان. والحكم الثانوي الصحة
بموجب القاعدة والله العالم.
315

بالحبوة نظير الأخذ منهم بالعصبة وتزويج مطلقتهم ثلاثا بلا تخلل الرجوع
والتعارض بينها وبين أدلة الحبوة من تعارض العامين من و ج؟؟؟
الترجيح، وهو في عموم " ألزموهم " لاعتضادها بالشهرة - كما قيل - إن
لم نقل بحكومتها على أدلة الحبوة.
وفيه - مع أخصية الدليل من المدعى لاختصاصه بخصوص المخالف الذي
لا يرى الحبوة أصلا فلا يشمل من يقول بها من غيرهم كالواقفية (1)
على ما قيل - إنه لا يتم الاستدلال به لأن غاية مفاده جواز مزاحمته في المنع
عن الحبوة، دون عدم استحقاقه كما هو المدعى.

(1) تطلق (الواقفية) على فرق ثلاثة: (الباقرية) وهم الذين
وقفوا بعد وفاة الإمام محمد بن علي الباقر (ع) عليه ولم يسوقوا الإمامة
لولده الصادق (ع) وربما قال بعضهم برجعته وتوليه الإمامة (والجعفرية) وهم
الذين وقفوا - بعد وفاة الإمام الصادق (ع) - عليه ولم يعترفوا بإمامة أحد من
أولاده، وانتقلوا بعد ذلك إلى رأي الزيدية. (والرضوية) وهم الذين وقفوا
- بعد وفاة الإمام الرضا (ع) - عليه، ولم يدروا من الإمام بعده،
وربما يطلق هذا العنوان على غير أولئك من فرق الشيعة. تراجع: كتب
الفرق والمقالات في تفصيل ذلك.
316

(ومنها) أن لا يكون ممنوعا من الإرث بأحد الموانع المتقدمة: من
القتل والكفر والرقية، فلا يحبى الممنوع، لأن الحبوة إرث، وهو ممنوع
عنه، ولا يحبى غيره من الذكور لعدم كونه أكبر منه، ويحتمل - على
بعد - تنزيله منزلة المعدوم: فيحبى الأكبر بعده خصوصا لو كان السبب
هو الارتداد عن فطرة لوجوب قلته، ولذا تعتد زوجته عدة الوفاة،
وتقسم أمواله في ورثته.
نعم لو سلم الكافر أو أعتق العبد قبل القسمة جازت الحبوة كما
يجوز نصيبه من الإرث، سيما بناء على كون المانع هو الكفر المستمر إلى
القسمة، والرقية كذلك، ولو قلنا بالانتقال إلى الورثة متزلزلا ويستقر
بالقسمة، فالأقرب كذلك، ويحتمل - على بعد - السقوط هنا، للأصل
واختصاص الدليل بالرجوع إليه في غيرها من التركة
وأما المبعض فلا يحبى حتى يقدر نصيبه من الحرية وإن ورث
به من التركة بقدره، للأصل، مع انصراف الاطلاقات إلى غيره، واحتمال
التبعيض بعيد جدا
وأما ما يحبى منه، فهو الأب دون غيره من الأقارب، لأنه المستفاد
من النصوص، ولا يعتبر فيه الاسلام ولا غيره مما اعتبره بعضهم في المحبو
لاطلاق النصوص وعدم مؤاخذة المحبو بجرم الميت.
ولو كان الميت خنثى وفرض تكون الولد منه، ففي استحقاق
ولده الحبوة؟ قولان:.
قوى ثانيهما الشهيد الثاني في (رسالته) حيث قال: " ولو كان الميت
خنثى وقد اتفق تولد الولد منه: إما لشبهة أو بناء على تزويجه كما فرضه الشيخ
وجماعة - رحمهم الله - في باب الميراث وحكموا بأنه لو كان زوجا أو زوجة
فله نصف النصيبين، ففي استحقاق ولده الحبوة نظر: من ظهور الأبوة
317

وعموم النصوص، ومن الشك في إطلاق الأبوة هنا للشك في الذكورية.
والأقوى عدم الاستحقاق للشك فيرجع إلى الأصل.
قلت: فرض الفرع إنما هو في الخنثى المشكل، وبالتولد منه لكونه
أمارة قطعية يخرج عن الاشكال، وحينئذ فلا إشكال في إحباء ولده، ومع
التنزل وفرض بقاء الاشكال، فلا إشكال أيضا في الأحباء لصدق الأبوة الكافي
في إحباء ابنه وإن فرض الشك في ذكوريته، لعدم أخذ الذكورية قيدا في
الأب بعد فرض انفكاكهما، وليس أما، لأن الأم هي الموطوءة التي حملته
في بطنها فلا يكون إلا أبا، وذكر الرجل في بعضها - مع أنه لا ينفي من
شك في ذكوريته - منزل على الغالب. ودعوى الانصراف لا تجدي لأنه
من ندرة الوجود، دون الاستعمال
(الموضع الرابع): في أعيان الحبوة، وهي أربعة: السيف
والمصحف، والخاتم، والثياب: على المشهور شهرة عظيمة بل ادعى عمنا
الأستاذ في (ملحقات برهانه) الوفاق عليه، وادعاه جدنا في (الرياض)
أيضا، وفي (مفتاح الكرامة) - بعد دعواه الاجماع - حكايته (عن السرائر)
وفي المبسوط والروضة: نسبته إلى الأصحاب.
ويدل عليه - مضافا إلى ذلك - أن الأربعة هي المستفادة من مجموع
الأخبار، بعد ضم بعضها إلى بعض، وإن اقتصر بعضها على بعض
واشتمل بعضها على غيرها: كالسلاح الشامل للسيف وغيره، سيما بعد
عطفه وعليه والرحل والراحلة والدرع بل لم يكن في الأخبار خبر جامع
للأربعة، وأشملها لها: الصحيحان المتقدمان (1) وقد تضمنا ثلاثة منها
ولم يتضمنا الثياب، بل تضمنا الدرع بدلها، إلا أن الاقتصار على

(1) إشارة إلى صحيحتي ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله (ع)
وحريز عن أبي عبد الله (ع) الحاويتين ذكر السيف والمصحف والخاتم والدرع
318

البعض منها لا ينافي ضم غيره إليه من خبر آخر (1) مع قوة احتمال إرادة
القميص من الدرع في الصحيحين دون درع الحديد الذي لم نعثر على قائل به
وما اشتمل منها على غير الأربعة بعد إعراض الأصحاب عنه بالنسبة إلى
الزائد لا يسقط عن الحجية بالنسبة إلى ما عملوا به نظير العام المخصص الذي
هو حجة في الباقي - كما قرر في محله -.
فإذا ما عليه المشهور: من الاختصاص بالأربعة، هو الأقوى، وظهر
بذلك ضعف ما يحكى عن بعض خلافه مما هو عليه عن (أعلام المفيد):
من الاقتصار على ثلاثة بحذف الثياب، والمحكي عن الإسكافي من زيادة آلة
السلاح بعد ذكر السيف، وما عن الصدوق حيث روى في (الفقيه)
إحدى صحيحتي الربعي، وهي: " إذ مات الرجل فسيفه وخاتمه ومصحفه
وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لا كبر ولده " (2) بناء على ما ذكره في
صدر كتابه: من أنه لا يذكر فيه إلا ما يعتمد عليه ويدين الله به. إلا أن
المحكي عنه العدول عن ذلك إلى ايراد نحو المصنفين وما عن أبي الصلاح
في (الكافي): من تقييد الثياب بثياب صلاته، ولعل التقييد لغلبة
استعماله ثياب الصلاة عند تعدد الثياب، وإلا فلا وجه للتقييد بها.
وينبغي التنبه على أمور:
(الأول) ما ورد من أعيان الحبوة في النصوص بلفظ الجمع
كالثياب أخذ المحبو جميعه، للعموم المستفاد من الجمع المضاف، وما ورد
بلفظ المفرد من باقي الأعيان: فإن كان متحدا فواضح، وإن كان متعددا
ففي كون الجميع حبوة، أو واحد منهما مبهما، أو ما غلب استعماله؟ أوجه:
بل أقوال:

(1) كالرحل والراحلة والكسوة والكتب ونحوها.
(2) راجع ذلك: في نوادر المواريث باب (175) حديث (1).
319

مستند الأول: ورودها في الأخبار مفردا محلى باللام أو مضافا، وهو
يفيد العموم عند بعض.
ومستند الثاني: منع العموم وكون الواحد هو المتيقن، والزائد منفي
بالأصل.
ومستند الثالث أن مزيد الاختصاص به والانتساب إليه موجب لتبادر
إرادته منه، فتكون غلبة الاستعمال معينة لذلك الواحد.
ولعل الأخير هو الأقوى. ويضعف الأول بضعف المبنى من إفادة
المفرد المحلى بالألم أو المضاف العموم، والثاني بصلاحية أشدية الانتساب
لأن تكون قرينة معينة لذلك الواحد، فكما أن مطلق الاختصاص المسبب
عن محض الملكية غير مجد في تحقق الأحباء، وإلا لاستلزم أن تكون
الأعيان المعدة للتجارة والعطايا ونحوهما لكونها مملوكة له ومنسوبة إليه
حبوة أيضا، ولم يقل به أحد، فعلم لأن الموجب هو الاختصاص الخاص
زائدا على الحاصل بالملك، فكذا ما كان منها أشد اختصاصا به بغلبة
الاستعمال كان هو المتعين في الإرادة عند الدوران بينه وبين ما لم يستعمله
أو لم يغلب استعماله بعد نفي العموم وفرض إرادة الواحد منها.
وعلى القول الثاني أو الثالث - مع فرض عدم غلبة واحد منها في
الاستعمال - فهل يتخير في التعيين، أو يتعين بالقرعة؟ الأقوى هو الثاني
وعلى الأول، فهل التخيير للمحبو، أو للوارث غيره؟ قولان:
اختار (ثانيهما) عمنا الأستاذ في (ملحقات برهانه) مستدلا عليه
بما يرجع محصلة إلى إلحاقه بأشباهه ونظائره في الحكم من كل ما وجب
على الانسان إعطاء فرد من كلي لغيره كما، إذا نذر للفقير عشرة من
ألف درهم معينة، فإن تعيين العشرة إلى الناذر، وأعظمها الشاة التي
منها الفقير من شياة المالك زكاة، فإن تعيينها إلى المالك، وهكذا.
320

ولا يخفى ما فيه، لوضوح الفرق: بين ما إذا كان الحق كليا مكلفا
بدفعه من هو عليه ولو في ماله المخصوص كالنذر وبيع صاع من صبرة
مخصوصة، وكذا تخيير الوصي أو الوارث في تعيين الموصى به ودفعه
إلى الموصى له، وبين ما إذا كان الحق في ضمن مال منتقل إليه وإلى
غيره بسبب واحد كالإرث - مثلا - فإن الحق هنا، وإن كان لواحد
مخصوص، لكن ليس على غيره حتى يكون هو المكلف بالدفع، بل
في المال المنتقل إليهما، فغاية ما يجب على غيره التمكين منه دون الدفع حتى
يكون الاختيار له.
ومنه يظهر الوجه في كون الاختيار للمالك في الزكاة، مضافا إلى
ثبوت الاختيار له بما دل على أن ولاية العزل والتبديل.
هذا والمراد بالثياب ما أعده للبسه ولو بمجرد الخياطة، بل والتفصيل
فلا يكفي مجرد العزم على ذلك، ويدخل فيها: العمامة والقلنسوة وما
يشد به الوسط، وإن كان نحو السيور. وفي دخول الخف والنعلين تأمل
ويدخل في السيف: جفنه وحمائله تبعا، وكذا في المصحف بيته، وفي
اختصاصه بما يقرأ به دون ما يتحرز به تأمل. ولعل التعميم أقرب، والانصراف
إلى الأول - لو سلم - بدوي.
(الثاني) بناء على عدم العموم: لو تلف من المتعدد كانت الحبوة
في الباقي ما دام المصداق موجودا إذ ليس الحق فيه بنحو الإشاعة حتى يكون
التالف من الجميع نظير ملك صاع من صبرة معينة.
(الثالث) الاختيار - بناء على التخيير - لا فرق فيه بين كونه بالقول
كما لو قال (اخترت هذا لي أو اخترت هذا له) أو بالفعل من التصرفات
الكاشفة عن الاختيار كصياغة الخاتم وتصحيف المصحف ونقله إلى غيره
بأحد النواقل اللازمة أو الجائزة.
321

(الرابع) بناء على التخيير وكون الاختيار للوارث، فهل ينقطع
بمجرد الاختيار، أو يستمر إلى قبض المحبو؟ وجهان:
قوى (ثانيهما) ثاني الشهيدين في (الرسالة)، والأقوى (الأول) لأن
قضية إناطة الحكم بالاختيار تعينه به، فهو كالعزل المعين لحق الفقير في
الزكاة الذي مقتضاه كونه بيد المالك أمانة لا يضمنه لو تلف بغير تفريط.
وعلى (الوجه الثاني) كان التعيين مراعى بقبض المحبو، فلو تلف
بغير تفريط بطل الاختيار، وحينئذ ففي رجوع المحبو على الغير بالفسخ لو نقلها
الوارث بناقل ملزم، أو على الوارث بالمثل أو القيمة؟ وجهان:
ظاهر الشهيد الثاني هو الأول، وقوي الثاني عمنا الأستاذ في (رسالته)
مستدلا عليه بأنه جمع بين جواز رجوع المحبو عن تعيين الوارث واستصحاب
لزوم البيع الواقع قبل رجوع المحبو.
وهو لا يخلو من تأمل، لمنافاة ذلك لكون التعيين مراعى بقبض
المحبو المنكشف عدمه بالتلف الذي مقتضاه كون الفسخ - بل الانفساخ -
من أصله لا من حينه، وتظهر الفائدة في النماء المتخلل. بل لنا أن نقول
بذلك هنا، وإن قلنا برجوع البائع على المشتري بالمثل أو القيمة لو نقله
في زمن الخيار بناقل ملزم، لوقوع النقل منه على ملكه في الواقع في زمن
الخيار، فيكون المنقول شرعا بحكم المعدوم، بخلاف المقام الذي كان الملك
بالتعيين فيه مراعى في الواقع بقبض المحبو المنكشف عدمه بالتلف قبله.
(الموضع الخامس) في شرائط استحقاق الحبوة، وهي أمور:
(الأمر الأول) شرط ابنا حمزة، وإدريس في استحقاق الحبوة أن يخلف
الميت تركة غيرها، ونسبه ثاني الشهيدين في (المسالك) إلى المشهور،
وفي (الرسالة) إلى أكثر المتأخرين. بل ظاهر (كشف اللثام): دعوى
الاتفاق عليه، إلا أن خلو كلام الشيخين وجماعة عنه - كما قيل - الظاهر
322

في عدم الاشتراط ينافي دعوى الاتفاق عليه.
نعم في (مفتاح الكرامة) بعد دعواه الاجماع عليه: نسبته إلى
(الغنية) وإن كان لنا في النسبة تأمل، بل لا أرى وجها لاعتباره بعد
الأصل واطلاق نصوص الحبوة إلا ما استدل به من أمرين: (الأول)
خبر شعيب العقرقوفي: " سألته (ع) عن الرجل يموت ماله من متاع
بيته؟ قال: له السيف.. " (1) الخ فإن كلمة (من) الظاهرة هنا
في التبعيض تشعر بوجود متاع غيره. مؤيدا بإشعار لفظ الحباء بذلك
(والثاني): لزوم الاجحاف على الورثة لو لم يخلف تركة غيرها.
وفي كلا الأمرين نظر: أما الخبر فمع أن كلمة (من) في السؤال
والعبرة إنما هي بالجواب الذي ليس إلا قوله (له السيف) الخ: لا ينهض
بهذا القدر من الاشعار لتقييد تلك المطلقات المستفيضة. والتأييد باشعار
لفظ الحبوة - مع أنه غير موجود في النصوص - ليس بجيد، لأن معناها
العطية للمحبو، سواء كان بعدها شئ أم لا، وأما الاجحاف بالورثة -
فمع أنه غير مطرد مطلقا وعلى تقديره لا يزيله مطلق وجود شئ غيرها
تركة كما هو ظاهر اطلاق من اعتبره شرطا في الاستحقاق - لا يصلح دليلا
بعد دلالة النصوص باطلاقها على عدم اعتباره خصوصا مع معهودية ذلك
في المواريث كحرمان المحجوبين من التركة والزوجة من بعض أعيانها.
وبالجملة، فإن تم إجماع، وإلا فالأقرب عدم الاشتراط.
ثم على القول بالاشتراط، فهل يكتفى بوجود شئ متمول سواها

(1) نص الخبر - كما في الوسائل: كتاب الفرائض والمواريث، باب
3 ما يحبى به الولد الذكر الأكبر من أبواب ميراث الأبوين حديث (7)
- هكذا: " قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يموت: ماله من
متاع بيته؟ قال: السيف.. "
323

أو يعتبر بقاء ما يعتد به بحيث يزول به الاجحاف على غير المحبو؟ مقتضى
دليل الاشعار هو الأول، ومقتضى دليل الاجحاف هو الثاني، وعليه فمع
تعدد الورثة: هل يكفي كونه في نفسه معتدا به أو يعتبر ذلك في نصيب
كل واحد منهم كي لا يتحقق الاجحاف على أحد منهم لأن الملحوظ
بالمراعاة هو كل واحد منهم هو دون المجموع، وعليه فهل يكتفى بمجرد
كونه معتدا به أو يعتبر كونه بقدر الحبوة؟ نظر: من تحقق الوصف،
ومن دعوى اختصاص زوال الاجحاف بهذا القدر، وعليه فينبغي مراعاة
نصيب من ساوى المحبو في الخصوصية كالولد الذكر لا مطلق الوارث
كالأم والبنت " إذ لا وجه لاشتراط مساواتهما للابن شرعا وعقلا، ولا
يلتفت إلى ما عسى أن يتوهم من كونه يشاركهما بسهمه في باقي التركة،
فيجحف بهما من جهة هذه الزيادة، لأن ذلك لا يوجب الحكم بكون
نصيبهما من التركة بقدر الحبوة
(الأمر الثاني) أن لا يكون على الميت دين مستوعب التركة حتى
الحبوة منها، فإن الظاهر في هذه الصورة أنه لا خلاف في عدم سلامة
الحبوة للمحبو إلا بعد دفعه ما يصيبها من الدين بالتوزيع سواء قلنا بعدم انتقال
التركة إلى الورثة قبل الوفاء أم قلنا بانتقالها إليهم متعلقا بها حق الاستيفاء
كحق الرهانة - أما على الأول فواضح، وأما على الثاني، فللحجر عن
التصرف فيها بعد تعلق حق الغير بها.
بل هو كذلك بالنسبة إلى بعضها لو كان الدين مستغرقا للتركة وبعض
الحبوة دون جميعها، إلا أن الفاضل منها عما يقابله من الدين بالتوزيع
يسلم له حبوة، لعدم اشتراط استحقاقه لها بوجود جميع أعيانها.
وإنما يتمشى ذلك كله - أي مانعية الدين عن سلامة الحبوة كلا،
أو بعضا - بناء على ما هو الحق: من تعلق حق الاستيفاء بالتركة التي منها
الحبوة بعد إن كان استحقاقها إنما هو بالإرث ولا إرث إلا بعد الدين،
واختصاص المحبو بها وتسميتها حبوة لا يوجب المغايرة في الحكم.
324

نعم لا يتمشى ذلك لو قيل بعدم تعلق حق الاستيفاء بأعيان الحبوة وإنما
هي للمحبو، وإن كان الدين مستغرقا لجميع التركة فضلا عما لو كان
مستغرقا لما عداها، حتى لو لم يكن في مقابل الدين سواها " أو كان
ولكن لا يفي المجموع بالوفاء كان الدين أو الفاضل منه بلا وفاء. إلا أن
ذلك - مع أنه لا قائل به كما قيل - لا وجه له بعد أن كان استحقاق الحبوة
إنما هو بالإرث لا بسبب مستقل، ولا إرث إلا بعد الدين. واطلاقات
أدلة الحبوة للمحبو مسوقة لبيان اختصاصها به دون سائر الورثة، فلا عموم
فيها حتى يقال بمعارضتها لعموم ما دل على تقدم الدين على الإرث تعارض
العامين من وجه فيلتمس الترجيح وإن كان هو لعمومات تقدم الدين،
لعدم التعارض بينهما لما ذكرنا.
وأما غير المستوعب للتركة. فإما أن يكون مستوعبا لغير الحبوة
منها، أو غير مستوعب له أيضا. أما على الأول فلا حبوة بناء على
اشتراط وجود شئ عداها لأن غيرها من التركة بحكم العدم في مقابلة
الدين، وأما بناء على عدمه ففي سلامتها من التوزيع عليها وعدمها بل
يتحمل من الدين بقدر ما يقابلها بالتوزيع؟ وجهان: ولعل الثاني هو
الأقرب لعدم الدليل على اختصاص تعلق حق الاستيفاء بغير الحبوة، مع
أن مقتضى النصف هو بسط التوزيع على الجميع.
بل وكذلك على الثاني أيضا، وهو ما إذا لم يستوعب الدين غير
الحبوة أيضا بعد فرض تعلق حق الاستيفاء بجميع التركة أو مجموعها - وإن
استبعد ذلك - لأمور ذكرها شيخنا الشهيد الثاني في (الرسالة) حيث
قال: " وهذا متجه إلا أن ظاهر الأصحاب عدم مانعيته أصلا، لأن كثيرا
منهم ذكر مانعية الدين المستغرق، ولم يتعرضوا لغيره بل يظهر من بعضهم
عدم مانعية غيره عملا بعموم النصوص، ويؤيد هذا الوجه إطلاق النصوص
325

الكثيرة والفتوى باستحقاق الولد جميع الحبوة بشرطها، مع أن الميت
لا يكاد ينفك عن دين في الجملة - وإن قل - إلا نادرا فلو أثر مطلق
الدين لنهت على اعتباره النصوص والفتاوى. وأيضا، فإن الكفن
الواجب ومؤنة التجهيز كالدين، بل أقوى منه، وهي مقدمة على غيرها
من الإرث والدين والوصايا وغيرها ومتعلقة بالتركة أيضا على الشياع
من غير ترجيح لعين على الأخرى، والحبوة من جملتها، فلو أثر مطلق
الدين في الحبوة لأثر الكفن الواجب ونحوه فيها. فيلزم أن لا تسلم لأحد
البتة وهو مناف لحكمة الشارع من إطلاق إثباتها في النصوص الكثيرة
من غير تقييد بذلك كله " انتهى.
إلا أن هذه الأمور مجرد استبعاد لا تنهض لمقاومة ما تقدم، كما اعترف
به هو، مع أن النصوص إنما هي مسوقة لبيان اختصاص أعيان الحبوة
بالمحبو دون غيره من الورثة، وليست ناظرة إلى التحمل بما يصيبها مما
يخرج عن الأصل وعدمه حتى يكون الخلو عن بيانه ظاهرا في العدم، بل
هو راجع إلى ما تقتضيه القواعد فيما يخرج من أصل التركة من التعلق
بنحو الشياع.
وكيف كان فلو وفي الدين متبرع أو غير المحبو من غير التركة لا بنية
الرجوع عليه أو مع نيته من دون ظهور امتناع المحبو عن دفع ما يخصه
بالتوزيع، اختصت الحبوة به من دون تحمل شئ بإزائها، لسلامة الحبوة
حينئذ عن الدين بعد الوفاء تبرعا أو بحكم التبرع، وليس دفع الورثة
بالفرض كاستيفاء الديان من التركة حتى يستحق الرجوع به عليه، فلا تسقط
الحبوة بل يستحقها من دون دفع عوض الدين، وإن احتمل ارتفاع حق
المحبو في أعيان الحبوة، نظرا إلى عدم الحكم بثبوته ابتداء مطلقا. أو بشرط
عدم فكه لها، وهما حاصلان، وما بذله الورثة من الدين بمنزلة أخذ
326

الديان لها لأن تلك معاوضة جديدة على التركة، إلا أنك قد عرفت ضعفه.
نعم لو امتنع المحبو عن الفك كان للوارث الرجوع عليه بما دفعه للديان،
وإن كان الأولى والأحوط الرجوع أولا إلى الحاكم لأنه ولي الممتنع.
(الأمر الثالث): أن لا تكون الحبوة مما تعلقت به الوصية لانتفاء موضوعها
حينئذ بتعلق الوصية بها التي هي - لنفوذها - بحكم إتلافها عند الموت بسبب
قبله وإن احتسب من الثلث، بعد إن كان له تعيينه فيما شاء من أعيان
التركة، ضرورة أن الحبوة إرث، والإرث إنما يكون في غير الثلث.
وحينئذ فليس للمحبو الرجوع على غيره من الورثة ببذل ما زاد على ما يصيب
الحبوة من الثلث بدعوى أن له الثلث مشاعا في جميع التركة، وقصارى
ما هو له: تعيين المشاع كالقسمة في بعضها، وهو لا يوجب فوات ما هو
للمحبو من الزيادة على ما يصيب حبوته من الثلث، ومقتضى الجمع بين
أدلة الحبوة ونفوذ الوصية المعينة تعينه، والاحتساب على الورثة بالزائد،
وإلا كان جنفا (1) على المحبو، لما عرفت من أنه حينئذ لا يستحق الحبوة
أصلا، لعدم كونه إرثا بعد التعيين حتى يستحقه حبوة، فلا جنف،
لأن الجنف إنما يتحقق بعد استحقاقه الإرث والميل عليه بشئ منه.
وبذلك ظهر ضعف ما قواه عمنا الأستاذ في (رسالته) من نفوذ
الوصية فيما أوصى به، ورجوع المحبو بالقدر الزائد على ما يصيبه بالنسبة
إلى باقي الورثة، وأن غاية نفوذ الايصاء إنما هي في مجرد تعيين العين ثم
الوصية بها: إما أن تساوى الثلث، أو تنقص عنه، أو تزيد عليه: أما
في الأولين، فقد عرفت سقوط الحبوة فيها، وأما الثالث، فيتوقف في
الزائد على إجازة المحبو خاصة، لأنه المستحق له دون باقي الورثة، كما
احتمله الشهيد الثاني في (رسالته) لاطلاق ما دل على إجازة الورثة فيما زاد

(1) الجنف - بالفتح والتحريك -: الجور والعدول عن الطريق.
327

على الثلث، وإن استظهر بعده تقييده بالمستحق وهو كذلك.
وأما لو أوصى بغير الحبوة من أعيان التركة، فلا تسقط الحبوة وإن
تحمل المحبو بقدر ما يصيب حبوته من الوصية، لأنها محسوبة من الثلث
الموزع على جميع التركة التي منها الحبوة، بعد إن كان للموصى تعيينه
في عين خاصة. نعم لو كان الموصى به أزيد من الثلث توقف في الزائد
على إجازة الورثة جميعا، لاستحقاق الجميع له.
ولو أوصى بثلث ماله نفذت الوصية في ثلث الحبوة أيضا لأنها من جملة
ماله الذي له فيه الثلث، فهو كالتصريح بإرادة الثلث منها الذي لا إشكال
في نفوذ الوصية فيه، والحباء إنما يزاحم الوارث لا الوصية.
واحتمل في (الجواهر) سلامة الحبوة عن تعلق الوصية بثلثها لو أطلق
الوصية بالثلث بدعوى: اختصاصها بماله فيه الثلث وأما أعيان الحبوة
فجميعها له، كما هو مقتضى خبر سماعة (1) وإن حبي بها ولده الأكبر.
وبذلك يفرق بين التصريح والاطلاق.
ولا يخفى ضعفه سيما بعد إعراض الأصحاب عن ذلك - لو سلم
ظهوره فيه -.
ولو أوصى بمأة درهم - مثلا - ولم يكن موجودا في التركة، تحمل
المحبو بقدر ما يصيب الحبوة منها لأنها تقدر من الثلث المشاع في جميع التركة
التي منها الحبوة.
ولو أوصى بصرف الحبوة فيما يخرج من أصل التركة كتكفينه في ثياب
بدنه - مثلا - ففي احتسابها من الأصل كما هو مقتضى قاعدة كونها مصروفة

(1) فإن الظاهر من قوله: " سألته عن الرجل يموت: ماله من
متاع البيت؟ قال (ع): السيف والسلاح.. "
أن هذه الأعيان المذكورة هي ملك الميت بمجموعها لا أن له ثلثاه منها.
328

في الحق الواجب، أو من الثلث؟ قولان:
ذهب إلى الأول عمنا في (رسالته)، واستجود (الثاني) منهما
ثاني الشهيدين في (رسالته) نظرا إلى تحقق الفرق بين الحبوة وغيرها من
أعيان التركة، فإن ما ينفذ من الأصل من أعيانها يفوت على جميع الورثة
على السواء، بخلاف الحبوة، فإنها تفوت على المحبو خاصة، وهو مستلزم
للجنف والاجحاف، فليحتسب هنا بالخصوص من الثلث على خلاف القاعدة
حتى يكون منتزعا من الجميع.
وفيه - مع أن الضرر الوارد على المحبو لو احتسب من الأصل معارض
بالضرر الوارد على الميت لو احتسب من الثلث لدخول النقص عليه حينئذ
في ثلثه - أن الضرر الوارد على وفق القواعد الشرعية غير ممنوع.
والأقرب عندي في المقام نفوذ الوصية، لعموم أدلتها وسقوط الحبوة
لانتفاء موضوعها بالوصية النافذة - كما تقدم فيما لو أوصى بها لأجنبي -
من غير فرق بينهما إلا في الاحتساب من الأصل هنا ومن الثلث هناك،
ولا رجوع في المقامين على الورثة، لما عرفت من أن الحبوة إرث،
والإرث إنما هو في الثلثين بعد إخراج الحقوق الواجبة من الأصل.
ولو كانت الحبوة رهنا بإزاء دين على الميت، فقد ذهب الشهيد
الثاني في (رسالته) إلى عدم وجوب الفك على الورثة، ولو فكه المحبو
اختص به، وليس له الرجوع بشئ على الورثة، لأنه كالمتبرع بالوفاء
وتبعه على ذلك النراقي في (مستنده) وعمنا في (رسالته) وقد أرسلوا
ذلك إرسال المسلمات.
وهو حسن إن قلنا باختصاص تعلق حق الاستيفاء به وعدم تعلقه
بغيره ما دام موجودا إلا إذا تلف فيحدث تعلق الحق بغيره من أعيان التركة
329

وأما لو قلنا - كما هو الأقوى - بتعلق حق الاستيفاء عند الموت
بغيره من التركة أيضا - وإن كان تعلق الحق به بسببين، وفي غيره بسبب
واحد، ضرورة أن ما دل على أن تركة الميت بدل ذمته في تعلق الحق
به غير مقيد بعدم تعلق الحق قبله بشئ منها لجواز تعدد الرهن بنحو التعاقب على
دين واحد فيتعلق حينئذ حق الاستيفاء بالجميع وإن اختص المتعلق قبله ببعضه
فليس للورثة الامتناع عن الفك، فلو فكه المحبو مع امتناعهم رجع عليهم بما عزم
وبذلك ظهر أيضا ضعف ما تمسكوا به من الأصل.
ولو فكه الوارث بمعنى أنه وفى الدين فافتك الرهن: فإن كان
مع امتناع المحبو رجع عليه بما عزم عنه، وإلا كان كالمتبرع بالوفاء،
كما تقدم في الدين الغير المستغرق من التفصيل ولا يملك الرهن على
التقديرين. نعم يملكه لو كان الاحتكاك بعنوان الشراء من المرتهن حيث
يسوغ له بيعه لاستيفاء حقه.
(الأمر الرابع) اشترط ابن حمزة في استحقاق الحبوة قيام المحبو بقضاء
ما فات أباه من صوم وصلاة، ومقتضاه عدم الاستحقاق مع عدم القيام به
مطلقا، سواء كان عن قصور لصغر أو جنون أو تقصير، بل وكذلك
لو لم يكن على الميت قضاء لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه.
ولا يخفى ما فيه: من ضعف الاشتراط من أصله، فضلا عن سعة
إطلاق مقتضاه، سيما مع ظهور القيام في كلامه في القيام بالفعل الظاهر
في عدم الاكتفاء بالعزم عليه، إذ ذلك كله مبني على كون مقابلة الحبوة
بالقضاء بنحو المعاوضة المعلوم عدمه وإنما هي من باب الحكمة. والحمد
لله رب العالمين.
إلى هنا جف قلمه الشريف في ضحى يوم الأربعاء واحد وعشرين
من شهر رجب من السنة السادسة والعشرين بعد الألف والثلاثاء هجرية
330

على مهاجرها آلاف الثناء والتحية، وقد انتقل ليلة ذلك اليوم وهو ليلة
الخميس إلى رحمة الله ورضوانه ونعيمه الدائم وجنانه بموت الفجائة.
وكان ميلاده الشريف عن مضي النصف من ليلة الأحد الرابع
والعشرين من محرم الحرام من شهور سنة الإحدى والستين بعد الألف والمائتين
هجرية في النجف الأشرف.
قرأ شطرا من المعقول على المرحوم الملا باقر الشكي، وأصول الفقه على
المرحوم العلامة السيد حسين الترك، والفقه على المرحوم العالم الرباني
والعلامة الثاني إمام الفقهاء والمجتهدين آية الله في العالمين مروج الدين
المبين حامي شريعة جده سيد المرسلين محيي السنن ومميت الفتن ذي النور
الساطع والسناء اللامع صاحب " البرهان القاطع " عمه السيد علي آل بحر
العلوم " قدس سره " اختاره من بين علماء زمانه، لأنه كان - يومئذ -
فقيه عصره وأوانه، وكان عمدة تحصيله للفقه عنده، وحضر عليه إلى أن
توفى " قدس سره " فاستقل بالتدريس والبحث الخارج، وكان مجدا
كمال الجد، باذلا نفسه للغاية في تحقيق مسائل الفقه، حتى كان يتفق له
- غير مرة - أنه يستغرق ليله إلى الصبح بل إلى قريب طلوع الشمس في
المطالعة. وباحث أبوابا من الفقه وشطرا وافرا منه من غير تحرير وكتابة
ثم أخذ في البحث في كتاب الطهارة من أولها، وحرر مسائلها تعليقة
على (الشرائع) وهي - إلى الآن - بعدها كراريس لم تخرج إلى التبييض
ثم اعتراه ضعف في بصره الشريف وأخذ شيئا فشيئا في الزيادة حتى أفجع
بفقده أكبر ولده، كان له حظ وافر من العلم والأدب، فضاق - إذ ذاك -
صدره واشتد عليه أمره التجأ إلى ربه الجليل فألهمه الصبر والجميل.
وكان يومئذ بحثه في الفقه وتحرير مسائله في (أحكام الكعب) في
الوضوء، فنقله إلى أحكام المعاملات، لتوقف الأول على إعمال النظر أكثر
331

من الثاني، فأخذ في مباحثه (كتاب الرهن) وكان كثير التتبع والفحص
في كلمات العلماء - قدس الله أسرارهم - ولما بلغ مسألة (حكم القبض
في الرهن) بسط الكلام في معنى القبض وأحكامه، وفي قاعدة (ما يضمن
بصحيحه يضمن بفاسده) حتى أفرد كلا برسالة مستقلة، ومنه تغير
عنوان بحثه وتصنيفه إلى خلاف الطرز المتعارف في تحرير مسائل الفقه،
فجعل كل قاعدة ومسألة يحررها يبسط فيها كمال البسط، وهي رسائل
هذا الكتاب المسمى ب‍ (بلغة الفقيه) واختيار هذه الكيفية الصعبة من البحث
والتحرير على ما كان عليه - قدس سره - من الاحتياج على من يقرئه
ويكتب بعد الاملاء عليه مما يدل على طول باعه وتبحره في الفقه وذلك
منحه من الله سبحانه لا تكاد نتفق إلا للأوحدي وعناية من عناياته يرزق
بها من اختاره للطفه الجلي.
ثم إنه في أثناء تحرير مسائل الولايات وأقسامها أفجع بولد آخر بلغ
الكمال في العلم والتقوى - كما أشار إليه قدس سره هناك - وتتابعت عليه
الصروف، فالتجأ إلى رحمة ربه الرؤف فرزق مزيد حلاوة الاشتغال بالعلم
وشدة الشوق في الخوض فيه ليلا ونهارا حتى صار كلما تتوالى عليه
الهموم والأكدار العائقة عن الاشتغال المشوشة للبال والمفرقة للخيال، لا تشغله
عن الجد والاجتهاد في العلم، بل به ينشغل عنها، لا بها عنه، وذلك
فضل الله يؤتيه من يشاء.
قد تمت النسخة الشريفة بيدا أقل الكتاب سيف الله الأصفهاني
في سنة 1328 ه‍
* * *
(بهذا ينتهي الكتاب بأجزائه الأربعة والحمد لله)
332