الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٣٨
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تصحيح وتحقيق وتعليق : محمود القوچاني
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: حيدري
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
(في شرح شرائع الاسلام)
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الثامن والثلاثون
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه
تحقيق وتعليق وتصحيح
محمود القوچاني
الناشر
دار الكتب الاسلامية
1

نام كتاب: جواهر الكلام - جلد 38
تأليف: شيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتب الاسلامية - تهران بازار سلطاني
تيراژ: 1250
نوبت چاپ: سوم
تاريخ انتشار: زمستان 1367
چاپ از: چاپخانه حيدري
2

صورة فتوغرافية من الصفحة الأولى من كتاب اللقطة للنسخة
الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه
3

صورة فتوغرافية من الصفحة الأولى من كتاب اللقطة للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف
طاب ثراه التي هي محفوظة في خزانة مكتبة آية الله الفقيد السيد الحكيم قدس سره (العامة)
في النجف الأشرف
4

صورة فتوغرافية من الصفحة الأخيرة من كتاب إحياء الموات للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم
المصنف طاب ثراه التي هي محفوظة في خزانة مكتبة آية الله الفقيد السيد الحكيم قدس سره (العامة)
في النجف الأشرف ونقدم شكرنا المتواصل إلى مديرها حيث ساعدنا في مراجعة موارد الحاجة
عند الشبهة واختلاف النسخ.
5

صورة فتوغرافية من الصفحة الأخيرة من كتاب إحياء الموات
للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه
6

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله
الطيبين الطاهرين الغر الميامين.
كتاب احياء الموات
من الأرض
بفتح الميم وضمها الذي اتفقت الأمة على جوازه بل استحبابه،
والمرجع فيه العرف كغيره مما ليس له حقيقة شرعية.
والأصل فيه قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح (1): " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من أحيا مواتا فهو له ".
وقوله (عليه السلام) أيضا وقول أبي عبد الله (عليه السلام)
في الحسن كالصحيح (2): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله: من أحيا أرضا مواتا فهي له ".

(1) الوسائل - الباب - 1 من كتاب إحياء الموات - الحديث 6 - 5.
(2) الوسائل - الباب - 1 من كتاب إحياء الموات - الحديث 6 - 5.
7

وقول أبى عبد الله (عليه السلام) في خبر السكوني (1): " قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): من غرس شجرا أو حفر واديا بديا
لم يسبقه إليه أحد أو أحيا أرضا ميتة فهي له، قضاء من الله ورسوله ".
وقوله (عليه السلام) أيضا في صحيح ابن مسلم (2): " أيما قوم
أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها، وهي لهم ".
كقوله (عليه السلام) أيضا في الصحيح الآخر (3): " أيما قوم
أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحق بها ".
وفي النبوي (4): " من أحاط حائطا على أرض فهي له ".
وفي آخر (5): " عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني ".
وفي ثالث (6): " موتان الأرض لله ورسوله ثم هي لكم مني أيها
المسلمون ". إلى غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك بعضها إنشاء الله.
(و) كيف كان ف‍ (- النظر في أطراف أربعة:)
(الأول في الأرضين)
بفتح الراء (وهي إما عامرة وإما موات، فالعامر ملك لمالكه)
الذي هو في يده إذا كان على الوجه الشرعي الذي ستعرفه، مسلما كان
أو كافرا، مباح المال كالحربي أم لا كالذمي وإن جاز أخذه قهرا من
الحربي، فإن ذلك لا ينافي الملك كباقي أمواله.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات الحديث 4 - 3.
(3) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات الحديث 4 - 3.
(4) المستدرك - الباب - 21 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 5.
(5) المستدرك - الباب - 21 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 5.
(6) سنن البيهقي - ج 6 ص 143 مع اختلاف في ذيله.
8

وحينئذ فالمراد من قول المصنف ولو بقرينة ما يأتي له: (لا يجوز التصرف فيه
إلا بإذنه) عدا ما يجوز للمسلمين تملكه من مال الحربي
(وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب) نهرا وغيره
(والقناة) ونحوها، فإن ذلك كله من العامر الذي هو ملك لمالكه.
(ويستوي في ذلك ما كان من بلاد الاسلام وما كان من بلاد
الشرك، غير أن ما في بلاد الاسلام لا يغنم، وما في (ما كان من خ ل)
بلاد الشرك يملك بالغلبة عليه) وستعرف البحث في العامر في يد الكافر
إذا كان باحياء منه بعد أن صار للإمام (عليه السلام).
(وأما الموات فهو الذي لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه
أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو غير ذلك من موانع الانتفاع)
على وجه يكون به ميتا (فهو للإمام (عليه السلام) لا يملكه أحد
وإن أحياه ما لم يأذن له الإمام (عليه السلام) وإذنه شرط، فمتى
أذن ملكه المحيي له إذا كان مسلما، ولا يملكه الكافر، ولو قيل يملكه
مع إذن الإمام (عليه السلام) كان حسنا).
وتفصيل البحث في ذلك أن ما ذكره من الموات هو المطابق للعرف
وعرفه به في النافع وجامع الشرائع والتحرير والدروس واللمعة والمسالك
والروضة والكفاية على ما حكي عن بعضهم.
ولعله لا ينافيه ما في الصحاح ومحكي المصباح من أنه الأرض التي
لا مالك لها ولا ينتفع بها أحد. بل عن القاموس أنه اقتصر على الأول
وعن النهاية أنها الأرض التي لم تزرع ولم تعمر ولا جرى عليها ملك أحد،
بل وما في التذكرة من أن الموات هي الأرض الخراب التي باد أهلها واندرس
رسمها، ضرورة كون مراد الجميع من الموات العطلة المزبورة سواء كان
لها مالك سابقا أولم يكن، فإن ذلك لا مدخل له في صدق اسم الموات
9

كما أنه لا مدخل لبقاء رسوم العمارة وآثار الأنهار فيه أيضا.
واحتمال منع بقاء الآثار عن الاحياء كالتحجير مدفوع بالنص والفتوى
بعد حرمة القياس على التحجير المقارن لقصد العمارة.
قال الباقر (عليه السلام) في صحيح الكابلي (1): " وجدنا في
كتاب علي (عليه السلام) أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده
والعاقبة للمتقين (2) أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله تعالى الأرض، ونحن
المتقون، والأرض كلها لنا فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها ويؤد
خراجها إلى الإمام (عليه السلام) من أهل بيتي، وله ما أكل منها،
وإن تركها أو خربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها
فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤد خراجها إلى الإمام (عليه السلام)
من أهل بيتي، وله ما أكل حتى يظهر القائم (عليه السلام) من أهل
بيتي بالسيف، فيحويها ويمنعها ويخرجهم منها، كما حواها رسول الله
(صلى الله عليه وآله) ومنعها، إلا ما كان في أيدي شيعتنا فيقاطعهم
على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم ونحوه غيره في تحقق
الاحياء مع العطلة وإن بقيت الآثار السابقة، لصدق الموات عليه، فإنه
كالحي لا حقيقة لهما شرعا، ومرجعهما إلى العرف الذي ستسمع تعرض
المصنف لما يصدق به عرفا، فأحدهما حينئذ مقابل للآخر.
نعم لا يكفي مطلق استيلاء الماء أو انقطاعه أو الاستئجام، بل لا بد
من أن يكون ذلك على وجه يعد مواتا عرفا، وإلا فقد يتفق بعض
ذلك في الأرض العامرة عرفا، كما هو واضح.
وأما أن الموات أصلا أو عارضا بعد أن باد أهله للإمام (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2.
(2) سورة الأعراف: 7 - الآية 28.
10

فمها لا خلاف فيه، بل الاجماع محصلا عليه، فضلا عن المنقول في
الخلاف والغنية وجامع المقاصد والمسالك صريحا، وظاهرا في المبسوط
والتذكرة والتنقيح والكفاية على ما حكي عن بعضها عليه.
مضافا إلى النصوص التي يمكن دعوى تواترها (1) وفيها الدال على
أنه من الأنفال (2) فتدل عليه حينئذ الآية (3) بل في جملة من النصوص (4)
أن الأرض كلها للإمام (عليه السلام) وذهب إليه بعض الرواة إلا
أن التحقيق خلافه، كما حررنا ذلك في كتاب الخمس (5).
وأما أن إذنه شرط في تملك المحيا فظاهر التذكرة الاجماع، بل عن
الخلاف دعواه صريحا، بل في جامع المقاصد " لا يجوز لأحد الاحياء من
دون إذن الإمام (عليه السلام) وأنه إجماعي عندنا " وفي التنقيح الاجماع
على أنها تملك إذا كان الاحياء بإذن الإمام (عليه السلام) وفي المسالك
" لا شبهة في اشتراط إذنه في إحياء الموات، فلا يملك بدونه اتفاقا ".
مضافا إلى قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، وفي
النبوي (6) " ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامه " بل تقدم في
كتاب الخمس (7) ما يدل على ذلك أيضا فلاحظ.
إنما الكلام في اعتبار كون المحيي مسلما كما هو ظاهر أول المتن،
فلا يملكه الكافر بذلك وإذن له الإمام (عليه السلام) بل ظاهر التذكرة

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال من كتاب الخمس
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال من كتاب الخمس
(3) سورة الأنفال: 8 - الآية 1.
(4) الكافي - ج 1 ص 407
(5) راجع ج 16 ص 117 - 119.
(6) كنوز الحقائق المطبوع على هامش الجامع الصغير - ج 2 ص 77 - 78.
(7) راجع ج 16 ص 134.
11

الاجماع عليه، قال فيها: " إذا أذن الإمام (عليه السلام) لشخص
في إحياء الأرض ملكها المحيي إذا كان مسلما، ولا يملكها الكافر بالاحياء
ولا بإذن الإمام (عليه السلام) له في الاحياء، فإن أذن له الإمام
(عليه السلام) فأحياها لم يملك عند علمائنا ".
وفي جامع المقاصد " يشترط كون المحيي مسلما، فلو أحياه
الكافر لم يملك عند علمائنا وإن كان الاحياء بإذن الإمام (عليه السلام).
لكن في الدروس " الشرط الثاني أي للملك بالاحياء - أن يكون
المحيي مسلما، فلو أحياها الذمي بإذن الإمام (عليه السلام) ففي تملكه
نظر، من توهم اختصاص ذلك بالمسلمين، والنظر في الحقيقة في صحة
إذن الإمام له في الاحياء للتملك إذ لو أذن كذلك لم يكن بد من القول
بملكه وإليه ذهب الشيخ نجم الدين ".
وفي جامع المقاصد " والحق أن الإمام (عليه السلام) لو أذن له
بالتملك قطعنا بحصول الملك له، وإنما البحث في أن الإمام (عليه السلام)
هل يفعل ذلك نظرا إلى أن الكافر أهل أم لا؟ والذي يفهم من الأخبار
وكلام الأصحاب العدم.
وفي الروضة وفي ملك الكافر مع الإذن قولان، ولا إشكال فيه
لو حصل، إنما الاشكال في جواز إذنه (عليه السلام) له نظرا إلى أن
الكافر هل له أهلية ذلك أم لا؟ " ونحوه في المسالك.
قلت: لا إشكال - بعد عصمة الإمام (عليه السلام) - في حصول
الملك له بالإذن له في التملك، ضرورة أنه لو لم يكن أهلا لذلك لم
يأذن له، إلا أنه يمكن تحصيل الاجماع فضلا عن النصوص (1) على
عدم اعتبار الإذن من الإمام في التملك بالاحياء، بل يكفي الإذن منه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات
12

بالاحياء الذي هو سبب حصول الملك مع فرض وقوعه على الوجه المعتبر
إنما الكلام في اعتبار الاسلام مع الإذن وعدمه، فهو على تقديره
شرط آخر لترتب الملك على الاحياء، ولا مانع عقلا ولا شرعا في عدم
ترتب الملك على الاحياء للكافر وإن أذن في الاحياء الإمام (عليه السلام)
إذ الإذن في أصل ايجاده غير الإذن في تملكه به، وما أدري من أين
أخذ ذلك الشهيد في الدروس؟! حتى أنه أوقع في الوهم.
وقد سمعت دعوى الاجماع من الفاضل في التذكرة على عدم ترتب
الملك على إحياء الكافر وإن أذن له الإمام (عليه السلام) فيه. بل وفي
أثناء كلام الكركي أيضا، وإن كان التحقيق خلافه، لظهور النص (1)
والفتوى في كونه سببا شرعيا لحصول الملك مع حصول شرائطه التي منها
الإذن أيضا، سواء كان المحيي مسلما أو كافرا.
بل هو صريح صحيح محمد بن مسلم (2) " سألته عن الشراء من
أرض اليهود والنصارى، فقال: ليس به بأس، وقد ظهر رسول الله
(صلى الله عليه وآله) على أهل خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض
في أيديهم يعملون بها ويعمرونها، وما بها بأس إذا اشتريت منها شيئا،
وأيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحق بها، وهي لهم.
وصحيح أبي بصير (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
شراء الأرضين من أهل الذمة، فقال لا بأس بأن يشتري منهم إذا
عملوها وأحيوها، فهي لهم، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)
حين ظهر على خيبر وفيها اليهود خارجهم على أمر، وترك الأرضين في

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات.
(2) الوسائل - الباب - 71 - من أبواب الجهاد - الحديث 2 من كتاب الجهاد.
(3) الوسائل - الباب 4 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1
13

أيديهم يعملونها ويعمرونها " إلى غير ذلك من النصوص. (1)
بل لولا الاجماع على اعتبار الإذن لكان مقتضاها الملك بالاحياء
مطلقا، نعم قد سمعت ما في المرسل (2) وصحيح الكابلي (3) إلا أن
الأول غير حجة والثاني لا ينافي ما دل على الأعم.
وأما الاجماع المزبور فلم نتحققه، بل لعل المحقق خلافه، فإن
المحكي عن صريح المبسوط والخلاف والسرائر وجامع الشرائع وظاهر المهذب
واللمعة والنافع عدم اعتبار الاسلام.
قال في المبسوط: " الموات عندنا للإمام (عليه السلام) لا يملكها
أحد بالاحياء إلا أن يأذن له الإمام (عليه السلام)، وأما الذمي فلا يملك
إذا أحيا أرضا في بلاد الاسلام إلا أن يأذن له الإمام (عليه السلام) "
وبعينه عبارة محكي السرائر.
بل عنه في الخلاف نسبة الخلاف في ذلك إلى الشافعي وأنه قال:
" لا يجوز للإمام (عليه السلام) أن يأذن له، فإن أذن له فيه فأحياها
لم يملك ".
فمن الغريب دعوى الاجماع المزبور، وأغرب منه ما سمعته من
جامع المقاصد من أن الذي يفهم من الأخبار وكلام الأصحاب أن الإمام
(عليه السلام) لا يأذن.
وقد عرفت أن هذا الخلاف غير محرر في كلام الأصحاب، بل
لا وجه له، ضرورة كون الإمام (عليه السلام) مع وجوده أعرف
بالمصالح المقتضية لذلك وعدمها.

(1) الوسائل - الباب - 1 و 4 - من كتاب إحياء الموات
(2) المتقدم في ص 11
(3) المتقدم في ص 10
14

كل ذلك مضافا إلى ما يمكن القطع به من ملك المسلمين ما يفتحونه
عنوة من العامر في أيدي الكفار وإن كان قد ملكوه بالاحياء، ولو أن
إحياءهم فاسد لعدم الإذن لوجب أن يكون على ملك الإمام (عليه السلام)
ولا أظن أحدا يلتزم به.
ومضافا إلى قوله بتملك الكافر حال الغيبة، مع أنه لا تفصيل في
النصوص، قال: " لا يخفي أن اشتراط إذن الإمام (عليه السلام) إنما
هو مع ظهوره، أما مع غيبته فلا، وإلا لامتنع الاحياء، وهل يملك
الكافر بالاحياء في حال الغيبة؟ وجدت في بعض الحواشي المنسوبة إلى
شيخنا الشهيد على القواعد في بحث الأنفال من الخمس أنه يملك به،
ويحرم انتزاعه منه، وهو محتمل، ويدل عليه أن المخالف والكافر يملكان
في زمن الغيبة حقهم من الغنيمة، ولا يجوز انتزاعه من يد من هو بيده
إلا برضاه، وكذا القول في حقهم (عليهم السلام) من الخمس عند من
لا يرى، اخراجه، بل حق باقي أصناف المستحقين للخمس لشبهة اعتقاد
حل ذلك، فالأرض الموات أولى، ومن ثم لا يجوز انتزاع أرض الخراج
من يد المخالف والكافر، ولا يجوز أخذ الخراج والمقاسمة إلا بأمر
سلطان الجور، وهذه الأمور متفق عليها، ولو باع أحد أرض الخراج
صح باعتبار ما ملك فيها وإن كان كافرا، وحينئذ فتجري العمومات - مثل
قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " من أحيا أرضا ميتة فهي له " - على
ظاهرها في حال الغيبة ويقصر التخصيص على حال ظهور الإمام (عليه السلام) فيكون أقرب للحمل على ظاهرها، وهذا متجه قوي
متين ".
قلت: لكن بعد الاغضاء عن البحث في جملة مما ذكره يقتضي

(1) الوسائل - الباب 2 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1.
15

عدم الفرق بين حالي الحضور والغيبة، لاطلاق النصوص المزبورة، ولا
معارض لها بعد كون المرسل (1) غير حجة، ولا دلالة فيه على التخصيص
بل لا ظهور يعتد به في صحيح الكابلي (2) على وجه يقاوم ما عرفت.
فالمتجه الملك بالاحياء، مطلقا ولو لحصول الإذن منهم (عليهم السلام)
في ذلك حال الحضور، ولعل المصلحة فيه إرادة تعمير الأراضي.
واحتمال أن جميع النصوص لبيان السبب الشرعي - الذي لا ينافيه توقفه بعد
ذلك على شرائط أخر - يدفعه أنه لا منافاة فيه بين إرادة الإذن منه مع
ذلك ولو بطريق من طرق الدلالة، مضافا إلى ظهور بعضها في الإذن كما
أومأ إليه في التذكرة، قال في موات المفتوحة عنوة وميت الغيبة: " وإن
كان الاحياء حال الغيبة ملكها المحيي لما تضمنه كتاب علي (عليه السلام) (3)
فكأن الإذن هنا محقق ".
وحينئذ فلا وجه لدعوى سقوط الاشتراط في زمن الغيبة بدعوى
أن دليله الاجماع والمسلم منه ما كان في زمن الحضور.
على أن مقتضى السقوط ملكهم حينئذ بالاحياء حقيقة، لا من باب
الاقرار، لشبهة اعتقاد الحل.
وأيضا إن كان مقتضى العمومات المزبورة سقوط الشرطية فلا ريب
في ظهورها في حال الحضور أيضا، بل لعله أظهر من حال الغيبة.
على أن دليل الشرطية غير منحصر في الاجماع، بل يكفي فيه قبح
التصرف في مال الغير بغير إذن، والشك في الملك بالاحياء بإذنه إن لم
يكن ذلك معلوما مما ذكروه من الاجماع على اعتبارها فيه من غير إشارة

(1) المتقدم في ص 11.
(2) المتقدم في ص 10.
(3) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2.
16

إلى زمن الحضور والغيبة التي لا فرق بينهما أيضا لو فرض حصول الإذن
من هذه العمومات، ولكن الأمر سهل حيث لا فائدة تترتب على ذلك.
نعم لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في المسالك وغيرها
من تحرير أصل المسألة، والله العالم والهادي.
ولا فرق فيما ذكرنا بين الموات في بلاد الاسلام وغيره، لاطلاق
الأدلة، خلافا لما يظهر من بعض، ولا بين الذمي وغيره من أقسام
الكفار وإن كان لنا تملك، ما يحييه الحربي كباقي أمواله.
(و) كيف كان فلا خلاف أجده في أن عامر (الأرض
المفتوحة عنوة) وقهرا وقت الفتح (للمسلمين قاطبة) بلا خلاف،
بل الاجماع بقسميه عليه، ولو من يتولد أو يدخل فيه إلى آخر الأمر،
على معنى أنها لمجموعهم لا لكل واحد منهم، ف‍ (- لا يملك أحد)
منهم بالخصوص (رقبتها) بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
النصوص (1).
(و) حينئذ ف‍ (- لا يصح) لأحد بخصوصه منهم فضلا
عن غيرهم (بيعها ولا رهنها) ولا هبتها ولا غير ذلك مما يتوقف
صحته على الملك، كما ذكرنا ذلك كله مفصلا في كتاب البيع (2) ومنه
ما وقع من بعض من ملكها تبعا لآثار التصرف أو أنها تنفذ التصرفات
المزبورة فيها زمن الغيبة.
وذكرنا أيضا في كتاب المكاسب (3) البحث في الخراج المتعلق بها

(1) الوسائل - الباب - 71 - عن أبواب الجهاد - الحديث 1 من كتاب الجهاد
والباب - 21 - من أبواب عقد البيع - الحديث 4 و 5 و 9 من كتاب التجارة.
(2) راجع ج 22 ص 347 - 349.
(3) راجع ج 22 ص 180 - 201.
17

وبغيرها، فلاحظ وتأمل.
(و) حينئذ ف‍ (- لو ماتت لم يصح إحياؤها) على وجه
يترتب عليه الملك للمحيي (لأن المالك لها) بغير الاحياء (معروف،
وهو المسلمون قاطبة) المغتنمون لها، وستعرف اشتراط عدمه في الملك
بالاحياء، للاستصحاب وغيره.
(وما كان منها مواتا (موات خ ل) وقت الفتح فهو للإمام (عليه السلام)
بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه فضلا عن محكيه
مستفيضا أو متواترا، مضافا إلى النصوص (1) التي أشرنا إليها آنفا،
ومر كثير منها في كتاب الخمس (2).
ومنه يعلم أنها ليست من الغنيمة، لأنها قد كانت مالا للإمام
(عليه السلام) قبل الفتح، نعم في المسالك " يعلم كونها مواتا حينئذ
بالنقل والقرائن وبوجودها ميتة الآن مع الشك في كونها عامرة وقت الفتح
لأصالة عدم العمارة أصلا، بخلاف ما علم كونه معمورا قبل الفتح ثم
خرب وشك في وقت خرابه، فإنه يحكم بعمارته فيه استصحابا بالحكم
الموجود وعدم تقدم الحادث ".
وقال فيها أيضا قبل ذلك: " وأنه يعلم - أي العامر وقت الفتح -
بنقل من يوثق به ودلالة القرائن الكثيرة المفيدة للعلم أو الظن المتاخم له ".
وفي الروضة: " ويرجع الآن في المحيا منها والميت في تلك الحال إلى
القرائن، ومنها ضرب الخراج والمقاسمة، فإن انتفت فالأصل يقتضي
عدم العمارة، فيحكم لمن بيده منها شئ بالملك لو ادعاه ".
قلت: لا يخفى أن واقع الأمر عدم قرائن تفيد ما ذكر في هذا

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - من كتاب الخمس.
(2) راجع ج 16 ص 117 - 121.
18

الزمان الذي اشتبه الحال فيه، فلم يعلم المعمور منه وقت الفتح ومواته،
فلا بد من تأصيل أصل يرجع إليه.
وقد يقال: إن الأصل الموات، فيكون كل ما لم يعلم كونه معمورا
وقت الفتح للإمام (عليه السلام) من غير فرق بين ما لا يوجد فيه أثر
عمارة وبين ما يوجد ولكن لم يعلم أنها وقت الفتح أو متجددة بعده،
خصوصا بعد ملاحظة ما دل (1) على أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام)
فتأمل جيدا، وخصوصا بعد ظهور النصوص في كون الاحياء سببا للملك،
خرج ما علم كونه مملوكا للغير بغير الاحياء، فيبقى ما عداه على مقتضى
السببية المزبورة، والله العالم.
(وكذا) له (عليه السلام) (كل أرض لم يجر عليها ملك
مسلم (لمسلم خ ل) بلا خلاف أجده فيه، بل قيل: إنه طفحت به
عباراتهم، وفي التذكرة الاجماع عليه، نعم في التحرير وعن غيره فرضه
في موات أرض الاسلام.
وفيه أن إطلاق الأدلة وعمومها يقتضي أن الموتان جميعه للإمام
(عليه السلام) من غير فرق بين بلاد الاسلام وغيره، على أنه منقوض
بالذمي الذي ملك أرضا في بلاد الاسلام معمورة فماتت، كما أنه ينقض
به من اقتصر على تقييدها بالموات من غير ذكر بلاد الاسلام.
وبالجملة هذه الكلية المزبورة مع تقييدها بما عرفت منقوضة بما سمعت
وغيره فضلا عما لو بقيت على إطلاق المتن، مع أنه لا داعي لها من
تعبير في نص وغيره فالأولى إيكال التفصيل إلى المستفاد من الأدلة.
نعم الظاهر عدم الفرق بين الموات وبين المعدة للانتفاع في كونهما
معا للإمام (عليه السلام)، كما صرح به في المسالك وغيرها، لا لاندراجها

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 12 من كتاب الخمس.
19

في اسم الموات، فإنك قد عرفت عدمه عرفا، بل للنصوص (1) الواردة
في تعداد الأنفال بأن منها - مضافا إلى الموات - كل أرض لا رب
لها، ولا ريب في شمولها للفرض الذي يمكن أن يكون منه شطوط
الأنهار، والله العالم.
(وكل أرض جرى عليها ملك المسلم) فما دامت عامرة (فهي
له أو لورثته بعده) وإن ترك الانتفاع بها، بلا خلاف ولا إشكال،
بل في المسالك الاجماع عليه، وهو كذلك، بل إن لم يكن لها مالك
معروف كانت من مجهول المالك، بل في المسالك " وإن خربت فإن
كان انتقالها بالقهر كالمفتوحة عنوة بالنسبة إلى المسلمين أو بالشراء والعطية
ونحوها لم يزل ملكه عنها أيضا إجماعا على ما نقله في التذكرة عن جميع
أهل العلم ".
قلت: الموجود فيما حضرني من نسخة التذكرة " لو لم تكن الأرض
التي من بلاد الاسلام معمورة في الحال ولكنها كانت قبل ذلك معمورة
وجرى عليها ملك مسلم فلا يخلو إما أن يكون المالك معينا أو غير معين،
فإن كان معينا فإما أن تنتقل إليه بالشراء أو العطية وشبهها أو بالاحياء،
فإن ملكها بالشراء وشبهه لم تملك بالاحياء بلا خلاف، قال ابن عبد البر:
أجمع الفقهاء على أن ما عرف بملك مالك غير منقطع أنه لا يجوز إحياؤه
لا حد غير أربابه " إلى آخره.
وهو كما ترى إنما حكى الاجماع عمن لا نعرفه، وإنما اقتصر هو على
نفي الخلاف، فإن تم إجماعا، وإلا فقد يشكل ما كان
ملك البائع له مثلا بالاحياء بما دل (2) على أن موتان الأرض لله

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
(2) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب أحياء الموات - الحديث 2.
20

ولرسوله، فضلا عما دل (1) على أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام).
ولا يشكل ذلك باستصحاب الملك الذي لا يعارض الأدلة، خصوصا
ما دل (2) منها على ملك المحيي الأرض الميتة بالاحياء وإن كان صاحبها
موجودا من غير تفصيل بين كون ملكه لها بالاحياء أو غيره.
بل مقتضى ما ذكره أن من كان بيده أرض معمورة ثم ماتت ولم
يعلم كيفية ملكه لها تبقى ملكا له، ولا يجوز إحياؤها بدون إذنه.
وبالجملة المسلم من الاجماع المزبور إذا ملكه بغير الاحياء كالشراء
من الإمام (عليه السلام) مثلا، أما إذا كان أصل الملك بالاحياء ثم
باعه من آخر أو ورثه منه آخر فالظاهر جريان البحث في بقاء الملك
لمن هو له على نحو الملك بالاحياء، إلا أنه يسهل الخطب بقاء الملك
للمحيي الأول وإن ماتت الأرض كما ستعرف.
وعلى كل حال فإن ماتت بعد أن كانت معمورة في يد مالكها وعلم
أن ملكه لها بالاحياء فضلا عمن لم يعلم وهو أو وارثه معلوم فالمحكي عن
المبسوط والمهذب والسرائر والجامع والتحرير والدروس وجامع المقاصد
أنها باقية على ملكه أو ملك وارثه، بل قيل: إنه لم يعرف الخلاف في
ذلك قبل الفاضل في التذكرة، فإنه حكى نحو مالك ملك المحيي الثاني،
ثم قال: لا بأس بهذا القول عندي ".
نعم قيل: ربما أشعرت به عبارة الوسيلة، واختاره في المسالك
والروضة بعد أن حكاه عن جماعة منهم العلامة في بعض فتاواه، ومال
إليه في التذكرة، وفي الكفاية " أنه أقرب " وفي المفاتيح " أنه أوفق بالجمع
بين الأخبار " بل في جامع المقاصد " أن هذا القول مشهور بين الأصحاب ".

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 12 - من كتاب الخمس.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 5.
21

وكيف كان فالعمدة للقول الأخير بعد العمومات السابقة وصحيح
الكابلي (1) السابق خصوص صحيح معاوية بن وهب (2) " سمعت
أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها
وكرى أنهارها وعمرها فإن عليه الصدقة، فإن كانت أرض لرجل قبله
فغاب عنها وتركها فأخر بها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله ولمن
عمرها الحديث.
وزاد في المسالك " أن هذه الأرض أصلها مباح، فإذا تركها حتى
عادت إلى كانت عليه صارت مباحة، كما لو أخذ من ماء دجلة ثم
رده إليها، وأن العلة في تملك هذه الأرض الاحياء والعمارة، فإذا زالت
العلة زال المعلول، وهو الملك، فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب
الملك، فيثبت الملك له، كما لو التقط شيئا ثم سقط من يده وضاع عنه
ثم التقطه غيره، فإن الثاني يكون أحق ".
إلا أنهما معا كما ترى لا يطابقان أصول الإمامية، وإنما ذكرهما
الفاضل في التذكرة دليلا لمالك على أصوله.
بل قد يناقش في دلالة الصحيح المزبور باحتمال كون المراد أنها
للأول الذي عمرها، خصوصا مع عدم فرض السؤال فيه عن وجود
شخص آخر عمرها.
وأما العمومات فلا دلالة فيها على ذلك، بل لعل ظاهر التمليك
المستفاد من ظاهر الكلام فيها عدم انقطاعه بموتها بعد إحيائها، كما هي
قاعدة الأملاك ومقتضى الاستصحاب الذي لا ينافيه سببية الاحياء للتمليك
في الجملة، إذ من المحتمل كونه سببا للابتداء والاستدامة وإن ماتت،

(1) الوسائل - الباب 3 - من كتاب إحياء الموات الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل - الباب 3 - من كتاب إحياء الموات الحديث 2 - 1.
22

فانحصر الدليل حينئذ في صحيح الكابلي (1) الذي هو من جملة النصوص
الدالة على أن الأرض كلها لهم (عليهم السلام) التي قد عرفت الحال
فيها في الخمس (2).
على أنه يمكن أن يكون من المتشابه الذي ينبغي أن يرد علمه إليهم
(عليهم السلام) ضرورة أنه إن كان المراد وجوب دفع الخراج على
المحيي للأرض الميتة في زمن الغيبة التي لا إمام فيها من أهل البيت إلا
القائم روحي له الفداء الذي ذكره الصحيح المزبور فهو لا يرجع إلى
حاصل، خصوصا بعد استفاضة النصوص (3) منهم (عليهم السلام) على
أن من أحيا أرضا ميتة فهي له الظاهرة في الملك للمحيي، فلا يستحق
عليه الطسق الذي هو بمنزلة الأجرة، وإن كان المراد في مقام ظهور
الأمر فهو أشد إشكالا من الأول.
كل ذلك مضافا إلى ما ذكروه من الاشكال في آخره من انتزاع
الأرض من يد مالكها، وإلى ما عرفته من إعراض المشهور عنه.
وحينئذ فيكفي دليلا للمشهور أصالة بقاء الملك المستفاد من العموم
الذي منه يعلم فساد الاستدلال به للثاني، مؤيدا بقاعدة دوام الملك وعدم
معلومية كون الخراب مزيلا له.
وبخبر سليمان بن خالد (4) المنجبر بما سمعت أنه سأل الصادق
(عليه السلام) " عن الرجل يأتي الأرض الخربة فيستخرجها ويجري
أنهارها ويعمرها ويزرعها فماذا عليه؟ قال: الصدقة، قلت:
فإن كان يعرف صاحبها، قال: فليؤد إليه حقه " بناء على إرادة

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 3.
(2) راجع ج 16 ص 116 - 123.
(3) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات
(4) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 3.
23

ما ينافي ملك الثاني من الحق فيها من أداء نفس الأرض أو الأجرة.
وبالنبوي (1) ليس لعرق ظالم حق " بناء على ما قيل في تفسيره
بأن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها وإن كان قد يناقش بمنع
كون الفرض ميتة للغير، فإنه محل البحث بعد تسليم التفسير المزبور الذي
هو عن هشام بن عروة الذي لا حجة في قوله إلا أنك قد عرفت
الغنية عن ذلك كله باستصحاب الملك وغيره مما سمعت.
ثم إن مقتضى ذلك عدم جواز الاحياء بدون الإذن، وعدم ترتب
الملك عليه لو فعل كما عن جماعة.
لكن في المسالك " عن المبسوط والمصنف في كتاب الجهاد والأكثر
جواز الاحياء، وصيرورة الثاني أحق بها، لكن لا يملكها بذلك،
بل عليه أن يؤدي طسقها إلى الأول أو وارثه، ولم يفرقوا في ذلك بين
المنتقلة بالاحياء وغيره من الأسباب المملكة حيث يعرض لها الخراب
وتصير مواتا " ولعل مستندهم ما سمعت من خبر سليمان بن خالد (2)
بناء على إرادة الطسق من الحق فيه.
وأوجب في الدروس على المالك أحد الأمرين: إما الإذن لغيره
أو الانتفاع، فلو امتنع فللحاكم الإذن، وللمالك طسقها على المأذون،
ولو تعذر الحاكم فالظاهر جواز الاحياء مع الامتناع من الأمرين،
وعليه طسقها.
وفي المسالك " إنما حاولوا في هذين القولين الجمع بين الأخبار بحمل
أحقية الثاني في الأخبار الصحيحة على أحقية الانتفاع بها بسبب الاحياء
وإن لم يكن مالكا ووجوب الطسق من خبر سليمان بن خالد (3) - إلى

(1) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3.
24

أن قال: - وفي قيود الشهيد مراعاة لحق المالك وحق الأخبار (الاحياء خ ل)
وأما القول الأول ففيه إطراح الأخبار الصحيحة جملة، فكان ساقطا ".
قلت: قد عرفت أنه لا نصوص دالة إلا صحيح الكابلي (1) الذي
سمعت البحث فيه، مع أنه مشتمل على الطسق للإمام (عليه السلام)
لا المحيي الأول، كصحيح عمر بن يزيد (2) " سمعت رجلا من أهل
الجبل يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخذ أرضا مما تركها
أهلها فعمرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس شجرا ونخلا،
قال (عليه السلام) كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: من أحيا
أرضا من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة
فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه ".
وصحيح معاوية بن عمار (3) الذي هو مجمل أو كالمجمل، وخبر
سليمان بن خالد (4) الذي يمكن بل قيل: أن الظاهر إرادة نفس الأرض
من حقه منها، فلا مخرج عن قاعدة قبح التصرف في مال الغير، فضلا
عن أن يترتب له أحقية بذلك على وجه لا يجوز للمالك انتزاعها منه،
فالمتجه حينئذ ذلك، خصوصا بعد أن لم يكن شاهد على الجمع المزبور،
سيما ما ذكره في الدروس.
بقي الكلام في وجه التقييد بالمسلم مع أن مثله جار في الذمي أيضا،
لاشتراكهما معا في الأدلة المزبورة، ومن ذلك يعلم ما في الكلية المزبورة.
كما أنه من التأمل فيما ذكرنا يعلم ما في غيرها من الكليات المذكورة
في المقام وغيره، حتى ما في أول الكتاب، نحو قولهم الأرض قسمان:
عامر وموات، فالعامر ملك لأربابه، والموات للإمام (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 1 - 3.
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 13 من كتاب الخمس.
(3) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 1 - 3.
(4) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 1 - 3.
25

ضرورة احتياج ذلك إلى تفصيل، لا أنه كذلك مطلقا.
فكان الأولى ترك الكليات المزبورة والاقتصار على تفصيل الأحكام
المستفادة من المدارك المخصوصة مع عدم استقصاء أقسام الأرضين هنا
التي منها ما صولحوا أهلها عليها، ومنها ما انجلى أهلها عنها، ومنها ما باد
أهلها وغير ذلك مما هو مذكور في الجهاد.
ولكن على كل حال ينبغي أن يعلم أن الأدلة وخصوصا ما تقدم
منها في كتاب الخمس (1) ظاهرة في الإذن منهم - (عليهم السلام)
للشيعة أو مطلقا بالتصرف في الأرض التي لهم من الأنفال، بل ظاهرة
في ملك المحيي لها وأنه لا شئ عليه غير الصدقة، أي الزكاة
بل قد يستفاد الإذن منهم (عليهم السلام) أيضا فيما لهم الولاية
عليه، كأرض الخراج فضلا عن غيره، وقد ذكرنا بعض الكلام في
ذلك في كتاب البيع (2) وفي كتاب الخمس (3).
بل قد تقدم في كتاب الجهاد ما يدل على صحة كلية كل
أرض ترك أهلها عمارتها كان للإمام (عليه السلام) تقبيلها ممن يقوم بها
وعليها طسقها لأربابها، وكلية كل أرض موات سبق إليها سابق فأحياها
كان أحق بها، وإن كان لها مالك معروف فعليه طسقها، بل ستسمع
في الاقطاع انتزاع الحاكم ما أقطعه إذا ترك المقطع العمارة، وهو مع بعض
النصوص هناك مؤيد لذلك في الجملة، والله العالم.
هذا * (و) * لا يخفى عليك أن ذلك كله * (إن) * كان للأرض

(1) راجع ج 1 ص 134 - 141.
(2) راجع ج 22 ص 186 - 189.
(3) راجع ج 16 ص 156 - 159.
(4) راجع ج 21 ص 176 - 185.
26

المزبورة مالك معروف. وأما إذا * (لم يكن لها مالك معروف) *
للجهل به أو لهلاكه وكانت ميتة * (فهي للإمام (عليه السلام) *
إجماعا محكيا عن ظاهر السرائر والتذكرة وجامع المقاصد وصريح المفاتيح
في الثاني، والخلاف في الأول.
إلا أن الجميع لم أتحققه، بل لم أعرف وجهه، ضرورة كونها من
مجهول المالك مع فرض عدم زوال ملك الأول بالموات وعدم هلاكه. نعم
لو مات هو ووارثه كانت للإمام (عليه السلام) باعتبار أنه وارث من
لا وارث له
وأولى من ذلك بذلك ما لو كانت حية، وإن أطلق في بعض العبارات
كونها للإمام (عليه السلام) حتى المتن لولا إشعار قوله: * (ولا يجوز
إحياؤها إلا بإذنه. ولو بادر مبادر فأحياها من دون إذنه (عليه السلام) *
مع حضوره * (لم تملك) * في كون الأرض ميتة.
اللهم إلا أن يثبت من الأدلة إخراج خصوص الأرض من بين
مجهول المالك في كونها للإمام (عليه السلام) ولو لاندراجها في الخربة
التي ورد في النصوص (1) أنها من الأنفال أو فيما لا رب لها، خصوصا
مع عدم العلم بوجود المالك، أو قلنا بخروجها عن ملك الأول بالموت
إذا فرض أن ملكه لها بالاحياء، ولكن قد عرفت ما في الأخير.
كل ذلك مع أنك قد عرفت سابقا أن العمومات المزبورة تقتضي
الإذن في الاحياء، فلا يكون حينئذ مورد لما ذكره المصنف إلا في
الزمان السابق على صدورها أو بمنع دلالتها على الإذن، وفيه البحث
السابق.
ومما ذكرنا يظهر لك ما في المسالك من الفرق بين الحية والميتة مع

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - من كتاب الخمس.
27

جهل المالك، فأخرج الأولى عن ملك الإمام (عليه السلام) بالخصوص
بخلاف الثانية، هذا كله مع الحضور.
* (و) * أما مع الغيبة ففي المتن وبعض كتب الفاضل أنه * (إن
كان الإمام (عليه السلام) غائبا كان المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها،
فلو تركها فبادت آثارها فأحياها غيره ملكها، ومع ظهور الإمام
(عليه السلام) يكون له رفع يده عنها) *.
ولكن - مع أنه لا دليل له على ذلك - لا يخلو من تناف بين قوله
أولا: " أحق " مشعرا بعدم الملك وبين قوله ثانيا: " ملكها " ولعله
لذا فسرها في المسالك بأنه لم يملكها المحيي ملكا تاما، لأن للإمام (عليه السلام)
بعد ظهوره رفع يده عنها، ولو ملكها ملكا تاما لم يكن له ذلك.
قلت: بل عن التذكرة التصريح بالأحقية وأنه لا يملكها، ومقتضاه
عدم جواز التصرف فيها ببيع ونحوه مما يكن القطع بخلافه ولو من السيرة
القطعية فضلا عن النص والفتوى.
فمع فرض إرادة نحو ذلك من عدم تمامية الملك التي سمعتها من
ثاني الشهيدين كان واضح الفساد، وإن أريد بها ما لا ينافي انتزاع الإمام
(عليه السلام) لها بعد ظهوره خاصة وإلا فقبله يتصرف فيها تصرف
الملاك فهو نزاع قليل الجدوى، إذ هو مع ظهوره أعلم بما يفعله.
وعلى كان حال فالمتجه بناء على ما ذكرناه سابقا ملك المحيي لها
أولا، وبقاؤها على ملكه وإن تركها وبادت آثارها ما لم تكن على جهة
الاعراض عنها بحيث يملكها غيره إن قلنا به، إما لحصول الإذن منهم
(عليهم السلام) بالعمومات السابقة أو لسقوط اشتراط الإذن في زمن
الغيبة.
وربما قيل: إن مستند التفصيل المزبور النصوص المزبورة، وفيه
28

أنه ليس في شئ منها ما يدل على ذلك في الجملة إلا صحيح الكابلي (1)
المشتمل على الطسق المؤدي للإمام (عليه السلام) من أهل البيت.
ولذا قال في المسالك: " إنه ظاهر في حال وجود الإمام (عليه السلام) "
وإن كان فيه أن قوله (عليه السلام) بعد ذلك فيه: " إلى أن يظهر
القائم " إلى آخره ظاهر في زمن الغيبة، بل قد يدعى ظهوره في عدم
الطسق حينئذ، نعم هو ظاهر في إبقائها في يد الشيعة بعد الظهور مع المقاطعة،
ولم يشر إليه المصنف.
نعم في المسالك عن التحرير أنه اشتراط ذلك، فقال: " إن
للإمام (عليه السلام) رفع يده عنها إذا لم يتقبلها بما يتقبلها غيره ".
وفيه أن ذلك غير مستفاد من الصحيح المزبور، نعم هو دال على
خصوص لطف وإكرام للشيعة في المقاطعة المزبورة، لكن قد عرفت حال
الصحيح المزبور.
بل يزيد ما ذكرنا أن مقتضاه عدم الفرق فيما ذكره بين الأراضي
جميعها وبين حالي الحضور والغيبة في عدم الملك أصلا، فالتحقيق
ما ذكرناه.
كل ذلك مضافا إلى ما في ذلك من المنافاة لما ذكره أولا من أنه
متى جرى عليها ملك مسلم كانت له ولورثته مع فرض كونه معينا،
فكيف يملكها الثاني ولو ملكا تاما؟
ومن هنا يظهر أن إرجاع الملكية في كلامه إلى الأحقية أولى، حتى
يكون موافقا لأحد الأقوال السابقة وإلا كان خارجا، لكن المتجه دفع
الأجرة للمحيي الأول، كما سمعته من القائل به.
ولعل هذا من جملة التشويش الذي أشرنا إليه في كلمات بعضهم،

(1) الوسائل - الباب - 3 من كتاب إحياء الموات.
29

ومثله ما في القواعد، فإنه بعد أن ذكر أن الميت من الأراضي يملك
بالاحياء، وأن المراد بالميت ما خلا عن الاختصاص ولا ينتفع به إما
لعطلته أو لانقطاع الماء عنه أو لاستيلاء الماء عليه أو لاستئجامه أو لغير
ذلك، وأنه للإمام (عليه السلام) خاصة لا يملكه الآخذ وإن أحياه
ما لم يأذن له الإمام (عليه السلام) فيملكه إن كان مسلما بالاحياء
وإلا فلا قال: " وأسباب الاختصاص ستة: الأول العمارة، فلا يملك
معمور، بل هو لمالكه وإن اندرست العمارة، فإنها ملك المعين أو للمسلمين
إلا أن يكون عمارة جاهلية ولم يظهر أنها دخلت في أيدي المسلمين بطريق
الغنيمة فإنه يصح تملكها بالاحياء، ولا فرق في ذلك بين الدارين، إلا
أن المعمور الحرب يملك بما يملك؟ به سائر أموالهم، ومواتها الذي لا يذب
المسلمون عنه فإنها تملك بالاحياء للمسلمين والكفار، بخلاف موات
الاسلام، فإن الكافر لا يملكها بالاحياء، ولو استولى طائفة من المسلمين
على بعض مواتهم ففي اختصاصهم بها من دون الاحياء نظر، ينشأ من
انتفاء أثر الاستيلاء فيما ليس بمملوك ".
مع أنه لا يخفى عليك ما في توقفه الأخير، ضرورة أن استيلاء
الطائفة إن كان بإذن الإمام (عليه السلام) فهو من المفتوح عنوة ومواته
للإمام (عليه السلام) إجماعا، وإلا فهو غنيمة بغير إذنه للإمام (عليه السلام) أيضا إجماعا.
ومن هنا قال في الدروس: " موات الشرك كموات الاسلام،
فلا يملك الموات بالاستيلاء وإن ذب عنه الكفار، بل ولا تحصل به
الأولوية، وربما احتمل الملك أو الأولوية تنزيلا للاستيلاء كالاحياء أو
كالتحجر، والأقرب المنع، لأن الاستيلاء سبب في تملك المباحات المنقولة
والأرضين المعمورة، والأمران منتفيان هنا " إلى آخره.
30

نعم عن أحد وجوه الشافعية الملك كالمعمور، وعن آخر الاختصاص
به كالتحجير، والثالث كما قلناه من عدم الملك بذلك وعدم التحجير،
بل قد يقال بعدم كونه من الغنيمة، ضرورة كونه ملكا للإمام (عليه
السلام) وهو في أيدي الكفار، وأقصى ما حصل باستيلاء الطائفة المزبورة
استخلاص المغصوب ورده إلى أهله.
وكذلك قوله قبل ذلك: " ومواتها " إلى آخره الصريح في الفرق
بين موات الاسلام والكفر بالنسبة للكافر، إذ فيه أنه لا دليل على ذلك.
بل المحكي عن الخلاف أنه قال: " الأرضون العامرة في بلاد الشرك
التي لم يجر عليها ملك أحد للإمام (عليه السلام) خاصة لا يملكها أحد
بالاحياء إلا أن يأذن له " ثم ادعى إجماع الفرقة وأخبارهم، ونحوه
عن المبسوط.
بل في محكي التذكرة " وإن لم تكن - أي أرض بلاد الكفر -
معمورة فهي للإمام (عليه السلام) لا يجوز لأحد التصرف فيها إلا
بإذنه عند علمائنا بل " في الدروس إن ما لم يذبوا عنه كموات الاسلام
قطعا.
كل ذلك مضافا إلى ما تقتضيه الأدلة السابقة التي لا فرق فيها بين
موات الاسلام وموات الكفر وبين من بلغه الدعوى منهم ولم من تبلغه.
هذا مع ما في كلامه السابق أيضا من عدم الملك مع العمارة وإن
اندرست، ضرورة عدم تماميته إذا باد المالك الأول وانتقل إلى الإمام
(عليه السلام) * (و) * كذا لو جهل أو لم يعلم حاله إن قلنا بأن
مثله يكون للإمام (عليه السلام) أيضا.
كما أنه لا فرق فيها بين * (ما هو بقرب العام من الموات) *
وغيره، ف‍ - * (- يصح) * حينئذ * (إحياؤه) * بلا خلاف أجده فيه بيننا،
31

بل ولا إشكال، لاطلاق الأدلة * (إذا لم يكن مرفقا للعامر ولا حريما له) *
كما ستعرفه في الشرط الأول.
خلافا لأبي حنيفة والليث، فمنعنا من إحيائه، لأنه قد يحتاجه
العامر، وهو اجتهاد فاسد في مقابل إطلاق الأدلة، مضافا إلى ما روي
عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1) من أنه أقطع بلال بن الحارث المزني
العقيق الذي هو قريب من عمارة المدينة.
والمدار في القرب والبعد العرف، لكن عن أبي حنيفة تحديده بأنه
الذي إذا وقف الرجل في أدناه وصاح بأعلى صوته لم يسمع المصغي
إليه، وعن الليث تحديده بغلوة، وهو كما ترى اجتهاد في اجتهاد.
والمرفق كمسجد ومقعد ومنبر من جملة الحريم الذي عرفه الشهيد
كما قيل بأنه الموضع القريب من موضع معمور يتوقف انتفاع ذلك المعمور
عليه ولا يد لغير مالك المعمور عليه ظاهرا حينئذ، فعطفه عليه من عطف
العام على الخاص، وربما قيل باختصاص الحريم وعموم المرفق، والله
العالم.
* (ويشترط في التملك بالاحياء) * زيادة على ما عرفته من اعتبار
الإذن وما تعرفه من انتفاء الحمى ومن كيفية الاحياء * (شروط خمسة) *
نعم زاد في الدروس على ذلك كله قصد التملك، وفي المسالك أن
المصنف أشار إليه بذكر الشرائط المزبورة للتملك الذي هو إرادة الملك،
فيستلزم القصد بخلاف ما لو جعلها شرطا للملك.
وفيه أنه لا دليل على اشتراط ذلك، بل ظاهر الأدلة خلافه،
والاجماع مظنة عدمه لا العكس، كما أن دعوى الانسياق من النصوص
ولا أقل من الشك واضحة المنع وإن مال إليه في الرياض لذلك.

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 149.
32

وعدم ملك الوكيل والأجير الخاص لا لعدم قصد تملكهما وقصد تملك
غيرهما، بل لصيرورة الاحياء الذي هو سبب الملك لغيرهما بقصد الوكالة
والإجارة، فيكون الملك له، فلا يستفاد من ذلك اشتراط قصد التملك
كما توهم
بل لا يستفاد منه اعتبار عدم قصد العدم فضلا عن المقصد، ضرورة
ظهور الأدلة في أنه متى وجد مصداق إحياء ترتب الملك عليه وإن قصد
العدم، لأن ترتب المسبب على السبب قهري وإن كان إيجاد السبب
اختياريا، اللهم إلا أن يشك في السبب حينئذ.
وفيه منع، لاطلاق الأدلة، بل لعل ما سمعته من ملك الموكل والمستأجر
بفعل الوكيل والأجير الخاص وإن لم يقصد الاحياء دليل على ما قلنا،
فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا، فالمتجه حينئذ إرادة الملك من التملك وانكار
ذلك شرطا، والله العالم.
وكيف كان ف‍ * (الأول أن لا يكون عليها يد) * تعرف
* (لمسلم) * أوما لم يعلم فسادها كي تكون محترمة * (فإن ذلك يمنع من
مباشرة الاحياء لغير المتصرف) * بلا خلاف أجده بين من تعرض له.
نعم عن بعضهم ترك هذا الشرط معللا بأن اليد إن لم ترجع إلى
أحد هذه الأمور لا أثر لها.
وفيه أن فائدتها تظهر مع اشتباه الحال، فإنها محكوم باحترامها
ما لم يعلم فسادها وإن لم يعرف خصوص الموجب لها.
وعن حواشي الشهيد أن المراد باليد اليد المصاحبة للاحياء أو العمارة
ولو بالتلقي ممن فعل ذلك أو أرض أسلم عليها أهلها طوعا لا مطلق اليد.
وفيه عدم انحصار جهة الاحترام بهما، إذ لعله بالحمى ونحوه.
نعم قيل: إن هذا الشرط مبني على ما سبق من عدم بطلان الملك
33

بالموت مطلقا، أي في زمن الغيبة والحضور، سواء كان الملك بالشراء
أو الاحياء.
وفيه أنه على البطلان تكون حينئذ من اليد المعلوم فسادها كما صرح
به في المسالك، وعلى عدمه هي ملك للأول وإن اندرست آثاره ولم
يبق له يد عليها.
نعم ربما أبدل اليد في الشرط المزبور بالملك كما وقع في بعض كتب
الفاضل، وكأنه من اقتضاء اليد ذلك مع عدم العلم بالفساد. وربما كان
حينئذ لبناء الشرط المزبور على المسألة وجه.
ولكن فيه أن الدليل كما ستعرف يقتضي عدم ترتب الملك باحياء
ما كان في اليد المحترمة وإن لم يعلم الملك بها، بل كانت محتملة له وللحق.
بل يمكن دعوى ذلك حتى مع العلم بعدم كونها مالكة ولكن محتملة
للحقية التي هي غير الملكية، لأصالة احترام اليد، وللشك في ترتب الملك
بالاحياء معه إن لم يكن ظاهر الأدلة عدمه، خصوصا بعد ملاحظة الفتوى
ومفهوم المرسل (1) " من أحيا ميتة في غير حق مسلم فهي له " وإن لم
يكن موجودا في طرقنا، ولكنه منجبر بالعمل، فيمكن أخذه دليلا
مستقلا، فضلا عن حصول الشك به، مضافا إلى فحوى ما تسمعه في
التحجير والحمى ونحوهما وصدق الظلم ونحوه، والله العالم.
الشرط * (الثاني إن لا يكون) * الموات * (حريما لعامر) *:
بستان أو دار أو قرية أو بلد أو مزرع أو غير ذلك مما يتوقف الانتفاع
بالعامر عليه * (كالطريق والشرب وحريم البئر والعين والحائط) * بلا خلاف
أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل في التذكرة " لا نعلم خلافا بين
علماء الأمصار أن كل ما يتعلق بمصالح العامر كالطريق والشرب ومسيل

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 142.
34

ماء العامر ومطرح قمامته وملقى ترابه وآلاته، أو لمصالح القرية كقناتها
ومرعى ماشيتها ومحتطبها ومسيل مياهها لا يصح لأحد إحياؤه، ولا يملك
بالاحياء، وكذا حريم الآبار والأنهار والحائط وكل مملوك لا يجوز إحياء
ما يتعلق بمصالحه، لمفهوم المرسل المزبور (1) ولأنه لو جاز إحياؤه
أبطل الملك في العامر على أهله، وهذا مما لا خلاف فيه " بل عن جامع
المقاصد الاجماع عليه.
وهو الحجة بعد قاعدة الضرر والمرسل المزبور وصحيح أحمد بن
عبد الله (2) على الظاهر " سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل تكون
له الضيعة ويكون لها حدود تبلغ حدودها عشرين ميلا وأقل وأكثر يأتيه
الرجل فيقول له: أعطني من مراعي ضيعتك وأعطيك كذا وكذا درهما
فقال: إذا كانت الضيعة له فلا بأس " ونحوه صحيح إدريس بن يزيد
أو خبره (3).
بل ربما كان ظاهرهما الملكية بناء على إرادة البيع ونحوه من الاعطاء
فيهما، كما عن الشيخ وبني البراج وحمزة وإدريس وسعيد والفاضل وولده
وغيرهم، بل في المسالك أنه الأشهر.
مضافا إلى أنه مكان استحقه بالاحياء فملك كالمحيي، ولأن معنى
الملك موجود فيه، لدخوله مع المعمور في بيعه، وليس لغيره إحياؤه
ولا التصرف فيه بغير إذن المحيي، ولأن الشفعة تثبت في الدار بالشركة
في الطريق المشترك المصرح في النصوص المزبورة (4) ببيعه معها، ولامكان

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 142.
(2) الوسائل - الباب 9 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1.
(3) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب عقد البيع - الحديث 1 عن إدريس بن زيد.
(4) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب الشفعة.
35

دعوى كونه محيا باعتبار أن إحياء كل شئ بحسب حاله.
خلافا لظاهر جماعة أو صريحهم من عدم الملك، بل هي من الحقوق
لعدم الاحياء الذي يملك به مثلها.
وفيه ما عرفت من منع عدم حصول الاحياء الذي لا يعتبر فيه
مباشرته كل جزء جزء، فإن عرصة الدار تملك ببناء الدار دونها، ومنع
توقف الملك على الاحياء بل يكفي فيه التبعية للمحيا، وتظهر الثمرة
في بيعها منفردة.
إلا أنه ينبغي أن يعلم أن السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار
تقتضي عدم اجتناب بعض ما هو حريم للقرية مثلا.
بل لعلها تقتضي في ابتداء حدوث القرية أن لكل أحد النزول قريب
الآخر وإن اقتضى ذلك بعدا في مرمى قمامته مثلا، كما إذا اتفق نزول
أحد في مرعى ماشية البلد أو القرية أو محطبهم لم يكن عليه اعتراض بعد
استبعاد نزول أهل البلد والقرية المتجاورين، وحقوق بلدهم وقريتهم
خارج عنهم دفعة، فليس هو إلا لما ذكرنا من عدم التسلط على منع
التنازل وإن استلزم بعد بعض الحقوق، وإلا لكان بين كل واحد أو
جماعة مسافة بعيدة، اللهم إلا أن يقال بعدم العلم بالحال مع كون المدار
على الضرر، والله العالم.
* (و) * على كل حال ف‍ * (- حد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج
إليه) * أي الطريق * (في الأرض المباحة خمس أذرع) * بمعنى على
المحيي بعد الأول التباعد عنه بذلك، كما يومئ إليه قوله بعد ذلك:
" فالثاني يتباعد ".
لكن فيه أن التحديد المزبور للأعم من ذلك، حتى لو أراد المحيي
الأول أن يحيي بعد ما أحياه أولا شيئا آخر يحتاج معه إلى الطريق، أو
36

كان الاحياء من الاثنين مثلا دفعة، بل ومن مباح كان يستطرق أو لا
ولكن باحيائه يستعد للاستطراق.
وبالجملة متى احتيج إلى الطريق في الأرض المباحة التي يراد إحياؤها
فحده خمس أو سبع. ويمكن حمل عبارة المتن على ذلك أيضا
وفي النافع وصف الطريق بالمبتكر، ولعله يريد ما ذكرناه من
وضع طريق لما هو معد للاستطراق لما يريد إحياؤه من الموات وإن لم
يكن في السابق هذا الموات مستطرقا، نعم فيه أيضا أن الأمر أعم من ذلك
مع إمكان إرادته له أيضا.
وفي الرياض تفسير المبتكر بالملك المحدث في المباح من الأرض إذا
تشاح أهله، فحده خمس أذرع.
وفيه أن المسألة غير خاصة في صور التشاح، بل لو اتفق المالكان
على الأقل لم يجز لهم ذلك في الطريق العام.
وعلى كل حال فظاهر المصنف اختيار الخمس، كالفاضل في بعض
كتبه ومحكي المقتصر خاصة. لكن عن الفخر نسبته إلى كثير، بل الحواشي
والإرشاد نسبته إلى الأكثر وإن كنا لم نتحققه، للموثق (1) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " إذا تشاح قوم في طريق فقال بعضهم:
سبع أذرع وقال بعضهم: أربع أذرع، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
بل خمس أذرع " مؤيدا بما في المسالك من أصالة البراءة من الزائد،
والظاهر إرادته براءة ذمة المحيي الثاني عن وجوب اجتناب الأزيد من
الخمس، وحينئذ فيوافقه إطلاق الإذن في الاحياء المقتصر في المنع منه
على المتيقن، وهو الخمس.
لكن فيه أنه يمكن معارضته بأصالة حل المنع من الأول عن مقدار

(1) الوسائل - الباب - 15 - من كتاب الصلح.
37

السبع التي هي المتقين في جواز إحياء ما تعلق به حق الغير، ومن هنا
جعل ذلك في الرياض دليلا للتحديد بالسبع وإن كان هو لا يخلو من شئ.
* (وقيل) * والقائل الشيخ والقاضي والتقي والحلي ويحيى بن سعيد
والفاضل في جملة أخرى من كتبه وولده والشهيدان والكركي وغيرهم
على ما حكي عن بعضهم: * (سبع أذرع) * وحينئذ (فالثاني يتباعد هذا
المقدار) * لخبر مسمع (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " الطريق
إذا تشاح عليه أهله فحده سبع أذرع " ونحوه خبر السكوني (2) والنبوي (3)
" إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبع أذرع ".
وفي جامع المقاصد " وقد ينزل خبر البقباق (4) على ما إذا لم تدع
الحاجة إلى أزيد من الخمس إن لم يلزم من ذلك إحداث قول ثالث،
فإن لزم فالعمل على السبع ".
ولكن في المسالك " ويمكن حمل اختلاف الروايات على اختلاف
الطرق، فإن منها ما يكفي فيه الخمس، كطرق الأملاك والتي لا تمر
عليها القوافل ونحوه غالبا، ومنها ما يحتاج إلى السبع، وقد يعرض
احتياج بعضها إلى أزيد من السبع، كالطريق التي يمر عليها الحاج
بالكنائس ونحوها، فيجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة إلى الزائد على
المقدر، أما النقصان فلا ".
وهو أولى بكونه إحداث قول ثالث وإن نفى عنه البعد في الكفاية
ومال إليه في المفاتيح، بل هو كأنه من الاجتهاد في مقابل إطلاق الأدلة،

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب إحياء الموات - الحديث - 6 - 5.
(2) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب إحياء الموات - الحديث - 6 - 5.
(3) سنن البيهقي - ج 6 ص 154.
(4) الوسائل - الباب - 15 - من كتاب الصلح - الحديث 1.
38

مضافا إلى ما فيه من منع عدم جواز النقصان مع فرض الانحصار فيهما
فإن الحق لهما.
لكن في الدروس " لا فرق بين الطريق العام أو ما يختص به أهل
قرى أو قرية في ذلك، نعم لو انحصر أهل الطريق فاتفقوا على اختصاره
أو تغييره أمكن الجواز، والوجه المنع، لأنه لا ينفك من مرور غيرهم
ولو نادرا ".
وفيه أن الملك أو الحق لهم دون غيرهم، والناس مسلطون على أموالهم،
نعم لا يجوز ذلك في الطريق العام، فيلزموا به أجمع مع التساوي وإلا
فالمحيي الثاني، بل إن يكن حاكم يلزمه بذلك وجب على المكلفين من
باب الحسبة، ولو أدى نظر الحاكم إلى تغييره أو تبديله فالظاهر الجواز.
ولو زادوها على السبع واستطرقت ففي الدروس جواز إحياء ما
زاد على السبع.
وفيه - مع منافاته لقاعدة تعلق حق الغير باحيائه - أنه مناف
للموثق (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " قلت له: الطريق الواسع
هل يؤخذ منه شئ إذا لم يضر بالطريق؟ قال: لا ".
واحتمال حمله على ما إذا كان سبعا لا داعي له، ولعله لذا جزم
في المسالك بعدم جواز إحداث ما يمنع المارة في الزائد.
والظاهر زوال حرمة الطريق باستئجامها وانقطاع المرور عليها وإن
توقع عودها، خلافا للدروس والمسالك فضلا عما لو استطرق الناس غيرها
وأدى ذلك إلى الاعراض عن الأول رأسا لكون الثانية أسهل وأخصر الذي
وافق في المسالك على أن الظاهر لحوق حكم الموات للأول مع شهادة القرائن على

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب عقد البيع - الحديث 1 من كتاب التجارة.
39

استمرار الأول على الهجران وإن كان فيه أنه لا حاجة إلى شهادة القرائن،
والله العالم.
* (وحريم الشرب) * بكسر أوله الذي هو هنا النهر والقناة
ونحوهما * (بمقدار مطرح ترابه والمجاز على حافتيه) * للانتفاع به
ولاصلاحه على قدر ما يحتاج إليه عادة بلا خلاف أجده فيه، ويومئ
إليه - مضافا إلى أنه المحتاج إليه في تنقيته لاجراء مائه - مرفوع إبراهيم بن
هاشم (1) " حريم النهر حافتاه وما يليهما ".
* (ولو كان النهر في ملك الغير فادعى الحريم قضي له به مع
يمينه) *) في وجه * (لأنه يدعي ما يشهد به الظاهر) * من الحريم الذي
لا ينفك عن النهر غالبا.
* (و) * لكن * (فيه تردد) * لأن يد مالك الأرض على ملكه
الذي من جملته موضع التحريم، وهو مانع من إثباته، ومن ثم لم يثبت
الحريم للأملاك المتجاورة، ولأن ثبوت الحريم موقوف على التقدم في
الاحياء أو المقارنة، وكلاهما غير معلوم، فسبب استحقاق الحريم حينئذ
غير متحقق، ولا يد لصاحب النهر إلا على النهر، وإنما اليد لصاحب
الأرض، وهي أقوى من اقتضاء النهر الحريم على بعض الأحوال،
فلا يترك المعلوم بالمحتمل، ولعله الأقوى.
ولا ينافي ذلك تبعية الحقوق لاطلاق البيع مثلا، فإن ذلك لا يقضي
بتبعيتها لمطلق الملك الذي يمكن حصوله مجردا عن جميعها.
فمع فرض العلم بكون النهر في ملك الغير ويمكن كونه مملوكا
بلا حريم كما لو باعه إياه كذلك يكون حينئذ وهو المدعي، وصاحب الملك
هو المنكر، لأنه الذي يدعي عليه استحقاق الزائد، وهو معنى فرض

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 4.
40

النهر في ملك الغير بلا يد لذي النهر على حافتيه ولا تصرف، وإلا فلو
فرض كونه كذلك خرج عن موضوع المسألة، وكذا لو فرض كون
النهر مملوكا لشخص وما جاوره من الأرض ملكا لآخر، إنما الكلام فيما
لو علم كون النهر في ملك الغير خاصة، فتأمل جيدا، فإنه دقيق جدا،
والله العالم.
* (وحريم بئر المعطن) * بكسر الطاء التي يستقى منها لشرب الإبل
* (أربعون ذراعا) * من كل جانب. * (وبئر الناضح) * وهو البئر
الذي يستقى عليه للزرع وغيره * (ستون) * ذراعا، فلا يجوز لأحد
إحياء المقدار المزبور بحفر بئر أخرى أو غيره كزرع أو شجر أو نحوهما
وإن ظهر من بعض النصوص (1) والفتاوى خصوص حفر بئر أخرى
إلا أن المتجه الأعم، ضرورة اشتراك الجميع في الضرر على ذي البئر
المزبورة، بلا خلاف معتد به أجده عندنا في التقدير المزبور وإن استفاض
حكاية الشهرة عليه على وجه يظهر منه الاعتداد بالمخالف.
بل في التذكرة نسبة ذلك إلى علمائنا، مشعرا بالاجماع عليه كقوله
في التنقيح: " عليه عمل الأصحاب " بل عن الخلاف الاجماع على أن
حريم البئر أربعون ذراعا.
وفي الغنية " روى أصحابنا أن حد ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن
أربعون ذراعا، وما بين بئر الناضح ستون ذراعا، وما
بين بئر العين إلى بئر العين في الأرض الصلبة خمسمأة ذراع، وفي الرخوة
ألف ذراع. وعلى هذا لو أراد غيره حفر بئر إلى جانب بئره ليسرق
منها الماء لم يكن له ذلك بلا خلاف، ولا يجوز له الحفر إلا أن يكون
بينهما الحد الذي ذكرنا ".

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 5.
41

كل ذلك مضافا إلى خبر عبد الله بن مقفل (1) المنجبر بما سمعت
عن النبي (صلى الله عليه وآله) " من احتفر بئرا فله أربعون ذراعا
حولها لعطن ماشيته ".
وقوي السكوني (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله
(صلى الله عليه وآله): " ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن أربعون
ذراعا، وما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا، وما بين العين
إلى العين خمسمأة ذراع ".
وعن قرب الإسناد (3) أنه روي مثل ذلك إلا أنه زاد " وحريم
البئر المحدثة خمسة وعشرون ذراعا ".
وفي الفقيه (4) " قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن البئر
حريمها أربعون ذراعا لا يحفر إلى جنبها بئر أخرى لعطن أو غنم ".
وحينئذ فما في صحيح حماد بن عثمان (5) المروي في الكافي " سمعت
الصادق (عليه السلام) يقول: حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها "
قال: " وفي رواية أخرى (6) خمسون ذراعا إلا أن تكون إلى عطن أو
طريق، فيكون أقل من ذلك إلى خمسة وعشرين ذراعا ". لا عامل به.
وكأنه أشار إلى خبر وهب بن وهب (7) عن جعفر بن محمد عن
أبيه (عليهما السلام) " أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول:
حريم البئر العادية خمسون ذراعا إلا أن تكون إلى عطن أو إلى طريق،
فيكون أقل من ذلك خمسة وعشرين ذراعا ".
وعلى كل حال هو غير واضح المعنى وإن قال في المسالك: " ونسبة

(1) كنز العمال - ج 3 ص 517 ط عام 1370.
(2) الوسائل - الباب - 11 - من كتال إحياء الموات الحديث 5 - 9 - 7 - 1 - 2 - 8.
(3) الوسائل - الباب - 11 - من كتال إحياء الموات الحديث 5 - 9 - 7 - 1 - 2 - 8.
(4) الوسائل - الباب - 11 - من كتال إحياء الموات الحديث 5 - 9 - 7 - 1 - 2 - 8.
(5) الوسائل - الباب - 11 - من كتال إحياء الموات الحديث 5 - 9 - 7 - 1 - 2 - 8.
(6) الوسائل - الباب - 11 - من كتال إحياء الموات الحديث 5 - 9 - 7 - 1 - 2 - 8.
(7) الوسائل - الباب - 11 - من كتال إحياء الموات الحديث 5 - 9 - 7 - 1 - 2 - 8.
42

البئر إلى العادية إشارة إلى إحداث الموات، لأن ما كان في زمن عاد
وما شابهه فهو موات غالبا، وخص عادا بالذكر لأنها في الزمن الأول
كان لها آثار في الأرض فنسب إليها كل قديم - ثم قال -: وبسبب
اختلاف الروايات وعدم صحتها جعل بعضهم حريم البئر ما يحتاج إليه
في السقي منها، وموضع وقوف النازح والدولاب، وتردد البهائم، ومصب
الماء والوضع الذي تجتمع فيه لسقي الماشية والزرع من حوض وغيره،
والوضع الذي يطرح فيه ما يخرج منه بحسب العادة ".
وكأنه مال إليه وتبعه عليه في المفاتيح إلا أنا لم نجد ذلك لأحد
منا وإن حكاه في الكفاية عن أبي علي، لكن في المختلف عنه أنه " لو
كان بقرب المكان الذي يريد الحافر حفر البئر فيه بئر عادية محفورة قبل
الاسلام وماؤها نابع يمكن شربه بالنزع فقد روي عن رسول الله (صلى
الله عليه وآله) (1) أنه قال: حريم البئر إذا كانت حفرت في الجاهلية
خمسون ذراعا، وإن كانت حفرت في الاسلام فحريمها خمس وعشرون ذراعا
- ثم قال -: ولو كان البلاد مما لا يسقى الماء فيها إلا بالناضح كان حريم
بئر الناضح قدر عمقها من الناضح، وقد جاء في الحديث (2) عن رسول الله
(صلى الله عليه وآله) أن حريم بئر الناضح ستون، وقد يحتمل أن ذلك
قدر عمق الآبار في تلك البلاد التي حكم بذلك فيها ".
وهو كما ترى أجنبي عن ذلك، بل في المسالك حكى عن ابن الجنيد
في الناضح ما سمعته أيضا، نعم هو محكي عن الشافعي.
ودعوى أنه المتجه جمعا بين النصوص يدفعها عدم التكافؤ، وبعد
تسليم الانتقال إلى الجمع المزبور وعدم الاحتياج إلى الشاهد فلا محيص حينئذ عما
عليه الأصحاب المحتمل كون حكمة تعبد التقدير فيه رفع النزاع الذي ربما

(1) المستدرك - الباب - 8 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 4.
(2) المستدرك - الباب - 8 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 4.
43

يؤدي إلى تلف النفوس وغيرها، ولولا ذلك لأمكن الجمع بوجوب
الأقل وأولوية الزائد أو بغير ذلك، إلا أن ذلك بعد النص والفتوى لا وجه
له خصوصا بعد ظهور حكمة التعبد الرافع للاختلاف.
* (و) * منه تحديد حريم * (العين) * ب‍ * (ألف ذراع في
الأرض الرخوة وفي الصلبة خمسمأة ذراع) * الذي في محكي الخلاف عليه
إجماع الفرقة وأخبارهم، والتذكرة عند علمائنا، وفي التنقيح عليه عمل
الأصحاب، وفي جامع المقاصد إطباق الأصحاب.
وفي خبر عقبة بن خالد (1) المنجبر بما عرفت وبرواية المشائخ
الثلاثة له عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " يكون بين البئرين
إذا كانت أرضا صلبة خمسمأة ذراع وإن كانت أرضا رخوة ألف ذراع ".
وبه يقيد ما في مرسل حفص (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
المروي في الكافي " يكون بين العينين ألف ذراع " وما في خبر مسمع (3)
عنه (عليه السلام) أيضا " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما
بين العين إلى العين خمسمأة ذراع " وما في خبر السكوني (4) عنه (عليه
السلام) أيضا: " ما بين العين إلى العين يعني القناة خمسمأة ذراع ".
* (و) * لكن مع ذلك * (قيل) * والقائل الإسكافي: * (حد
ذلك أن لا يضر الثاني بالأول) * ونفى عنه البأس في المختلف، وفي المسالك
أنه أظهر * (و) * إن كان * (الأول أشهر) * ومال إليه بعض أتباعه.
وربما يشهد له صحيح محمد بن الحسين (5) قال: " كتبت إلى
أبي محمد (عليه السلام) رجل كانت له قناة في قرية فأراد رجل أن

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 6 - 5.
(2) الوسائل الباب - 13 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1.
(3) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 6 - 5.
(4) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 6 - 5.
(5) الوسائل - الباب - 14 - من كتاب إحياء الموات الحديث 1.
44

يحفر قناة أخرى إلى قرية أخرى كم يكون بينهما في البعد حتى لا يضر
بالأخرى في الأرض إذا كانت صلبة أو رخوة؟ فوقع (عليه السلام)
على حسب أن لا تضر أحدهما بالأخرى إنشاء الله تعالى ".
ونحوه خبر محمد بن علي بن محبوب (1) قال: " كتب رجل إلى
الفقيه (عليه السلام)... " الحديث بأدنى تفاوت في الألفاظ،
وما فيه من جهالة الكاتب بعد نقل الثقة المكتوب إليه غير قادح.
مؤيدا ذلك كله بخبر عقبة بن خالد (2) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " في رجل أتى جبلا فشق فيه (منه خ ل) قناة جرى ماؤها
سنة، ثم إن رجلا أتى ذلك الجبل فشق منه قناة أخرى فذهبت قناة
الآخر بماء قناة الأول، قال: فقال: يتقايسان (يتقاسمان خ ل) بحقائب
البئر ليلة ليلة، فينظر أيهما أضرب بصاحبتها، فإن رأيت الأخيرة أضرت
بالأولى
فلتعور ".
وفي الوسائل ورواه الصدوق باسناده عن عقبة بن خالد (3) نحوه،
وزاد " وقضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بذلك، وقال: إن
كانت الأولى أخذت ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأول سبيل ".
وفي خبر عقبة (4) أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في

(1) أشار إليه في الوسائل - الباب - 14 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1
وذكره في الفقيه - ج 3 ص 150 الرقم 659.
(2) الوسائل - الباب - 16 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1 وهذا مروي
بطريق الكليني (قده) وليس في الوسائل والكافي ج 5 ص 294 قوله (عليه السلام):
" جرى ماؤها سنة............. فشق منه قناة أخرى " وهذه القطعة مذكورة في رواية
الصدوق (قده) التي أشار إليها (قده) بعد هذه الرواية.
(3) الوسائل - الباب - 16 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 3.
(4) الوسائل - الباب - 16 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 3.
45

رجل احتفر قناة وأتى لذلك سنة، ثم إن رجلا احتفر إلى جانبها قناة
فقضي أن يقاس الماء بحقائب (بجوانب خ ل) البئر ليلة هذه وليلة هذه، فإن كانت
الأخير أخذت ماء الأولى عورت الأخيرة، وإن كانت الأولى أخذت
ماء الأخيرة لم يكن لصاحب الأخيرة على الأول شئ ".
وبأن الموجود في خبر المشهور البئر، وهو غير محل النزاع، ولا ريب
في قوته لولا الشهرة العظيمة والاجماع المزبوران الجابران للأخبار المذكورة
سندا ودلالة، مضافا إلى غيرهما من القرائن على إرادة العين من البئر
التي قد تطلق عليها.
ويمكن مراعاة التحديد المزبور عند عدم معرفة الضرر، ولو لاختلاف
أهل الخبرة في ذلك أن لم يكن ذلك إحداث قول على وجه يكون مخالفا
للاجماع.
ثم إنه لا يخفى عليك ظهور النص فيما صرح به غير واحد من أن
الحريم هنا يمنع إحداث عين أخرى، فلا يضر حينئذ إحياء ما زاد على
ما تحتاج إليه العين من نزح ونحوه، بخلاف بئر المعطن التي قد عرفت
الحال فيها، والله العالم.
* (وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه) * وآلاته بلا خلاف
أجده فيه، بل في التذكرة عندنا مشعرا بدعوى الاجماع عليه * (نظرا
إلى إمساس الحاجة إليه لو استهدم) *.
* (وقيل) * والقائل المشهور على ما في المسالك وغيرها: * (للدار) *
حريم هو * (مقدار مطرح ترابها) * وقمامتها ورمادها وثلجها * (ومصب
مائها ومسلك الدخول والخروج) * ونحو ذلك مما يحتاج إليه عادة.
ولكن ظاهر نسبة المصنف إلى القيل التردد فيه، بل في المسالك
وغيرها عن بعضهم التصريح بعدم حريم لها، وإن كنا لم نتحققه لأحد منا
46

وإنما هو لبعض الشافعية.
ولعل وجهه عدم الدليل عليه، بل فعل الناس في سائر البلدان على
خلافه، لاستبعاد اتفاق إحيائهم دفعة.
وفيه (أولا) أن مثله جار في الحائط الذي اعترف بثبوت الحريم
له (وثانيا) بعدم معلومية حال الواقع في البلدان الجاري في الحيطان
أيضا من التراضي أو الاحياء دفعة أو غير ذلك.
فالمتجه ثبوت الحريم لها الذي يرجع في أصل ثبوته ومقداره إلى
العرف ولو بمراعاة قاعدة الضرر والضرار، فلا يحتاج إلى دليل خاص
سيما بعد ما ورد من الحريم لما عرفت المشعر بأن ذلك حق لكل ما يحتاجه
ومنه ما ورد (1) " أن حريم المسجد أربعون ذراعا من كل ناحية،
وحريم المؤمن في الصيف باع، وروي عظم الذراع " وحريم النخلة
طول سعفها (2).
اللهم إلا أن يقال: أن ذلك كله يقتضي ثبوت الحريم لما أحدثه
في المباح كالجدار والنخلة ونحوهما، لا مثل الدار التي مرجع الحريم
المفروض إلى الساكن فيها لا نفسها، إذ ليس المراد جدرانها التي
لا إشكال في ثبوت الحريم لها، ضرورة كونها من الحائط، بل المراد
ما يكون من القمامة ونحوها التي تكون من الساكن لا مما أحدثه في المباح.
ولعله لذا توقف المصنف فيه.
نعم ينبغي على هذا تخصيص محل التوقف بالحريم لما يحتاج إليه
الساكن مما لا يعد من حقوق الدار، بخلاف ما كان كذلك كالتراب الصائر
منها ونحوه مما يرجع إليها.

(1) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 10.
(2) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2.
47

على أن ما يحتاجه الساكن فيها راجع إليها أيضا، نحو بئر المعطن
المحتاجة إلى الحريم باعتبار الإبل والماشية التي تسقى منها، فتأمل جيدا.
وربما يؤيده ما في الدروس من " أن حريم القرية مطرح القمامة
والتراب والوحل ومناخ الإبل ومرابض الخيل والنادي وملعب الصبيان
ومسيل المياه ومرعى الماشية ومحتطب أهلها مما جرت العادة بوصولهم إليه،
وليس لهم المنع فيما بعد من المرعى والمحتطب بحيث لا يطرقونه إلا نادرا،
ولا المنع مما لا يضر بهم مما يطرقونه، ولا يتقدر حريم القرية بالصيحة
من كل جانب، ولا فرق بين قرى المسلمين وأهل الذمة " إذ هو كما
ترى كثير منه مما يرجع إلى الساكن، بل هو نحو ما يذكر للدار.
هذا وفي المسالك " والمراد بمسلك الدخول والخروج في الصوب
الذي يفتح فيه الباب، لا بمعنى امتداد الممر في قبالة الباب على امتداد
الموات، بل إيصاله إلى الطريق السالك ولو بازورار وانعطاف، لأن
الحاجة تمس إلى ذلك ".
وهو معنى ما في جامع المقاصد قال: " ليس المراد من استحقاق
الممر في صوب الباب استحقاق الممر في قبالة الباب على امتداد الموات
بل يجوز لغيره إحياؤها في قبالة الباب إذا أبقي له الممر، فإن احتاج
إلى ازورار وانعطاف جاز، لأن الحاجة تمس إلى ذلك ذكره في التذكرة.
لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يحصل ضرر كثير عادة، لاستدعائه إفراط
طول الطريق ونحوه ".
قلت: قد يتوقف في إحياء ذلك بعد فرض اعتياد استطراقه الذي
هو من الاحياء أو بحكمه.
ثم إن الظاهر اعتبار التحديد المزبور فيه، لاطلاق الأدلة، وإن
كان هو للسلوك إلى داره لا طريقا عاما، والله العالم.
48

* (و) * كيف كان ف‍ * (كل) * ما ذكرنا من ثبوت * (ذلك) *
الحريم له * (إنما يثبت له حريم إذا ابتكر في الموات، أما ما يعمل في
الأملاك المعمورة فلا) * بلا خلاف أجده فيه، كما عن الشيخ وابني زهرة
وإدريس الاعتراف به، بل في الكفاية نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالاجماع
عليه، ولعله لقاعدة تسلط الناس على أموالهم وغيرها، ولأنها متعارضة
باعتبار عدم أولوية أحدهما من الآخر به، ولذا كان المشاهد في البلدان عدم
الحريم لأحدهم وإن كان يمكن أن يكون لتساويهم في الاحياء أو لغيره.
ومن هنا صرح في القواعد وغيرها بأن لكل منهم التصرف في ملكه
بما شاء وإن تضرر صاحبه، وأنه لا ضمان عليه لو جعل ملكه بيت حداد
أو قصار أو حمام على خلاف العادة.
نعم في التذكرة " هذا إذا احتاط وأحكم الجدران بحيث يليق بما
يقصده، فإن فعل ما يغلب على الظن فيه أنه يؤدي إلى خلل في حيطان
جاره فأظهر الوجهين عند الشافعية الجواز، وذلك كما إذا يدق الشئ في
داره دقا عنيفا ينزعج منه الحيطان، أو حبس الماء في ملكه بحيث تنتشر
منه النداوة إلى حيطان الجار، ولو اتخذ داره مدبغة أو حانوتة مخبزة
حيث لا يعتاد فإن قلنا لا يمنع في الصورة السابقة فهنا أولى، وإن قلنا
بالمنع فهنا يحتمل عدمه، لأن الضرر من حيث التأذي بالدخان والرائحة
الكريهة، وأنه أهون، وكذا البحث في إطاعة البناء ومنع الشمس والقمر،
والأقوى أن لأرباب الأملاك التصرف في أملاكهم كيف شاؤوا، إذ لو
حفر في ملكه بئر بالوعة وفسد بها ماء بئر الجار لم يمنع منه، ولا ضمان،
ولكنه قد يكون فعل مكروها، وبه قال الشافعي، وقال مالك: يمنع،
فإن فعل وتلف شئ ضمنه ".
وتبعه في الدروس والمسالك في جميع ذلك، لكن قال في الأخير:
49

" نعم له منع ما يضر بحائطه من البئر والشجر ولو ببروز أصلها إليه
والضرب المؤدي إلى ضرر الحائط ونحوه ".
وفيما حضرني من نسخة جامع المقاصد " قال في التذكرة: هذا إذا
احتاط وأحكم الجدران بحيث يليق بما يقصده، فإن فعل ما يغلب على
الظن أنه يؤدي إلى خلل في حيطان جاره ففي منعه تردد، فلو دق دقا
عنيفا أحدث به نقصا في جدران جاره أو حبس الماء بحيث انتشرت منه
النداوة إليها أو حصل ذلك من ماء الحمام ففي الضمان تردد ".
وظاهره حكاية ذلك عن التذكرة التي سمعت ما فيها، إلا أن
المحكي عن الجامع المزبور التردد، ولعل النسخة غير صحيحة.
وعلى كل حال فالتردد المزبور في المسألة حاصل، بل في الكفاية
" يشكل هذا الحكم في صورة تضرر الجار تضررا فاحشا نظرا إلى تضمن
الأخبار نفي الضرر والاضرار (1) وهو الحديث المعمول به بين الخاصة
والعامة المستفيض بينهم، خصوصا ما تضمن الأخبار المذكورة من نفي
الضرر الواقع في ملك المضار ".
وقد يناقش بأن حديث نفي الضرر المستفيض معارض بمثله من
الحديث (2) الدال على ثبوت السلطنة على الاطلاق لرب المال، وهو
أيضا معمول به بين الفريقين، والتعارض بينهما تعارض العموم من وجه،
والترجيح للثاني بعمل الأصحاب كما اعترف به، ولا سيما إذا استلزم منع
المالك عن التصرف ضررا عليه أشد من ضرر الجار أو مساويا أو أقل
بحيث لم يتفاحش معه ضرره.
بل في الرياض " وينبغي القطع في هذه الصورة بما عليه الأصحاب

(1) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب إحياء الموات.
(2) البحار - ج 2 ص 272 - الطبع الحديث.
50

- قال - وأما فيما عداها فالظاهر أيضا ذلك، لما ذكر وإن كان الأحوط
عدم الاضرار على الاطلاق وأما الأخبار الدالة على نفي الاضرار في ملك
المضار فمع قصور سند بعضها وعدم مكافئته لما مضى يمكن حملها على
ما إذا قصد المالك بالتصرف الاضرار دون دفع الحاجة، كما يشعر به
بعض تلك الأخبار (1) ثم على تقدير تسليم ترجيح نفي الضرر فلا وجه
لتخصيصه بصورة تفاحش الضرر مع عمومه وشموله للغير ".
قلت: لا يخفى عليك ما في المسالك من الجزم بالمنع فيما يضر الحائط
مع ذكره سابقا جواز حفر البالوعة التي تفسد بئر الغير.
كما أنه لا يخفى عليك ما في التذكرة من اعتباره أولا إحكام البناء
لما يقصده وإطلاقه جواز التصرف للمالك في ملكه ثانيا مع التردد في بعض
الصور.
بل قد سمعت ما في جامع المقاصد مما هو ظاهر في عدم كون
المسألة إجماعية، بحيث يكون التفصيل مخالفا للاجماع، على أن المنساق
من العامين المزبورين تحكيم قاعدة الضرر، كما في جميع نظائره وإن كان
بينهما تعارض العموم من وجه.
وربما يشهد له نصوص سمرة بن جندب (2) وقول الصادق (عليه
السلام) (3): " إن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم " على أن باب
المقدمة يقتضي وجوب ترك التصرف تحصيلا لامتثال النهي عن اضرار
الغير، إذ لا تعارض بين الإباحة والحرمة.
بل قد ذكرنا في كتاب الغصب (4) في مسألة من أجج نارا في

(1) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 2.
(2) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب إحياء الموات 1 و 3 و 4.
(3) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 - 2.
(4) راجع ج 37 ص 59 - 62
51

ملكه أو أرسل ماء كذلك فأتلف مال الغير ما يعلم منه عدم الاجماع على
جميع صور المسألة.
بل قد تقدم أيضا مسألة تدلي أغصان الشجرة في ملك الغير، وتلفت
بفعل المالك.
وبالجملة فالغرض أن المسألة لم يكن فيها إجماع محقق على جهة الاطلاق
فيمكن أن يقال بمنع التصرف في ماله على وجه يترتب عليه الضرر في
مال الغير مثلا بتوليدية فعله، بحيث يكون له فعل وتصرف في مال الغير
وإتلاف له يتولد من فعله فعل في مال الغير، لا تلف خاصة بلا فعل
منه، وخصوصا مع زيادته بفعله عما يحتاج إليه وغلبة ظنه بالسراية،
وقاعدة التسلط على المال لا تقتضي جواز ذلك ولا رفع الضمان الحاصل
بتوليد فعله.
نعم لو كان تصرفه في ماله لا توليد فيه على الوجه المزبور وإن
حصل الضرر مقارنا لذلك لم يمنع منه، وربما كان فيما ذكرنا سابقا من
مسألة الضمان بتأجيج النار في ملكه إشارة إلى ذلك، فلاحظ وتأمل،
بل مر لنا في غير ذلك ماله نفع في المقام، والله العالم.
* (فرع:) *
* (لو أحيا أرضا وغرس في جانبها غرسا تبرز أغصانه) * لو
بقي * (إلى المباح أو تسري عروقه إليه) * كذلك * (لم يكن لغيره
إحياؤه) * لأنه من الحريم التابع للملك الذي يرجع في مثله إلى العرف.
* (و) * حينئذ ف‍ * (لو حاول الاحياء كان للغارس منعه) *
52

وإن لم يكن بعد برزت الأغصان أو سرت العروق، فإن الاستعداد كاف
بلا خلاف أجده بين من تعرض له.
ولعل قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " حريم النخل طول
سعفها " ظاهر في ذلك، بل هو صريح خبر عقبة بن خالد (2) إن
النبي (صلى الله عليه وآله) قضى في هوار النخل أن تكون النخلة والنخلتان
للرجل في حائط الآخر فيختلفون في حقوق ذلك، فقضي فيها أن لكل
نخلة من أولئك من الأرض مبلغ جريدة من جرائدها حين بعدها ".
وكذلك لو باع البستان واستثنى شجرة، فإنه يتبع مدى أغصانها
في الهواء والمدخل والمخرج وغيرهما من الحقوق التي تتبع الاطلاق المزبور.
نعم ظاهر المصنف وغيره ثبوت الحريم المزبور للغرس، أما لو أعد
الأرض لها وهيأها لذلك أو غرس جملة منها فهل يكفي ذلك في ثبوت
الحريم للغرس الذي بعد لم يغرس أو يبقى على أصل الموات؟ وجهان،
أولهما لا يخلو من قوة، والله العالم.
الشرط * (الثالث: أن لا يسميه الشرع مشعرا للعبادة، كعرفة
ومنى والمشعر) * وغيرها من الأماكن المشرفة والمواضع المحترمة التي جعلها
الله تعالى شأنه مناسك للعبادة وشرفها كما شرف بعض الأزمنة الخاصة،
فهي في الحقيقة ليست من الموات الذي هو بمعنى المعطل عن الانتفاع
فضلا عن وضع يد سائر المسلمين عليها وتعلق حقوقهم بها، بل هي
أعظم من الوقف الذي يتعلق به حق الموقوف عليهم بجريان الصيغة من
الواقف * (فإن الشرع) * الذي هو المالك الحقيقي قد * (دل على
اختصاصها موطنا للعبادة) * من دون إجراء صيغة، ومنها ما جعله الله

(1) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2 - 1.
53

مسجدا كمسجد الحرام ومسجد الكوفة ونحوهما من مراقد الأئمة عليهم
السلام التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
* (فالتعرض لتملكها) * حينئذ مناف للجعل المزبور من رب
العزة، بل فيه * (تفويت لتلك المصلحة) * من غير فرق بين جميع
أجزائها في ذلك، وبين زيادة سعتها لذلك وعدمه، ضرورة أن الله
تعالى شأنه جعل كل جزء جزء منها كذلك.
فمن الغريب ما وقع من المصنف من قوله: * (أما لو عمر فيها
ما لا يضر ولا يؤدي إلى ضيقها عما يحتاج إليه المتعبدون كاليسير لم أمنع
منه) * بل كاد يكون كالمنافي للضروري، بل فتح هذا الباب فيها يؤدي
إلى إخراجها عن وضعها.
وأغرب منه موافقة بعض من تأخر عنه على ذلك بتخيل أن المنع
من جهة مزاحمة الناسكين، فمع فرض عدمها كاليسير يتجه الجواز حينئذ
لانتفاء العلة المزبورة. وفيه ما لا يخفى بعد ما ذكرناه.
وأعجب من ذلك تفريعهم على التقدير المزبور الذي هو معلوم
الفساد أنه هل يجوز للناسك الوقوف بها مع عدم الإذن أو مع النهي أو
لا يجوز مطلقا أو مع وجود غيره من المكان بخلاف ما لو تضيق؟! مع
أن القول بالملك يأبى القول بالجواز مطلقا إلا أن يجعله مراعى بعدم
الاضرار، فيتجه التفصيل حينئذ إلا أن ذلك كله كما ترى لا ينبغي أن
يسطر، والله العالم.
الشرط * (الرابع: أن لا يكون مما أقطعه إمام الأصل ولو كان
مواتا خاليا من تحجير) * الذي لا خلاف في أن له ذلك، كما عن
المبسوط بل ولا إشكال، ضرورة كون الموات من ماله الذي هو مسلط
عليه، مع أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
54

كما * (أقطع النبي (صلى الله عليه وآله)) * عبد الله بن مسعود
* (الدور) * (1) وهي اسم موضع بالمدينة بين ظهراني عمارة الأنصار
ويقال: المعني أنه أقطعه ذلك ليتخذها دورا.
* (و) * أقطع وابل بن حجر * (أرضا بحضرموت (2)) *.
* (و) * أقطع الزبير * (حضر فرس‍ -) * ه أي عدوه، بل قيل: إن * (الزبير) *
أجرى فرسه حتى قام الفرس رمى بسوطه طلبا للزيادة فقال (صلى
الله عليه وآله) " أعطوه من حيث بلغ السوط " (3).
وأقطع بلال بن الحارث العقيق (4) * (فإنه) * إن لم يفد الملك
فلا ريب بل لا خلاف في أنه * (يفيد اختصاصا مانعا من المزاحمة،
فلا يصح دفع هذا الاختصاص بالاحياء) * بل عن المبسوط نفيه كذلك
بين المسلمين، وكذا ليس لأحد نقضه.
وما عن عمر من أنه لما تولى قال لبلال: " ما أقطعت العقيق
لتحجبه، فأقطعه الناس " (5) لا حجة فيه، وكم له من أخذ فدك
ونحوها.
على أنه يمكن ذلك كما تسمعه في التحجير إذا لم يحي المحجر، كما
صرح به في جامع المقاصد، وإن كان ذكر المصنف وغيره ذلك في التحجير
دونه يشعر بالعدم، بل لولا ظهور الاتفاق عليه هناك لأمكن إشكاله
بتعلق الحق الذي يقتضي استصحابه عدم الزوال وإن عطل.
وكأن ما ذكر من الاختصاص المزبور مبني على عدم تملك الموات

(1) نيل الأوطار ج 6 ص 59.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 144.
(3) سنن البيهقي - ج 6 ص 144.
(4) سنن البيهقي - ج 6 ص 149.
(5) رواه ابن قدامة في الشرح الكبير المطبوع في ذيل مغني ابن قدامة ج 6 ص 169.
55

بغير الاحياء، ولكن فيه منع واضح إن لم يكن اجماعا، وحينئذ فلا بد
من تنزيل الاقطاع المزبور على وجه الاختصاص والأحقية بالاحياء، وإلا
فلو فرض كونه على جهة التمليك جاز إن لم يكن إجماعا، وليس لأحد
حينئذ الاعتراض عليه بتعطيله وإن تمادى الزمان على إشكال، لاحتمال
جواز إحياء الغير له بأجرة على نحو ما سمعته في الأرض التي ملكت
بالاحياء فأهملها حتى ماتت.
هذا ويمكن الاستغناء عن هذين الشرطين بل والسابق واللاحق
بالأول، بناء على إرادة ما يشمل الحق الحاصل من الاقطاع والتحجير
وكونه مشعرا من اليد فيه، والأمر سهل.
الشرط * (الخامس: أن لا يسبق إليه سابق بالتحجير، فإن
التحجير) * عندنا كما في التذكرة * (يفيد أولوية) * واختصاصا * (لا
ملكا للرقبة) * التي لا تملك إلا بالاحياء الذي هو غير التحجير * (وإن
ملك به التصرف) * في المحجر ومنع الغير * (حتى لو تهجم عليه من
يروم الاحياء كان له منعه و) * دفعه عن ذلك، بل * (لو قاهره فأحياه
لم يملك) * بلا خلاف، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، كما أنه يمكن
تحصيله على غير ذلك مما سمعته.
بل في الرياض عليه الاجماع في كلام جماعة كالمسالك وغيرها، وإن
كنا لم نتحققه في غير المفاتيح التي حكاه فيها على إفادته الأولوية دون
الملك إلا أنه يمكن تحصيله.
وعدم ذكره في الدروس شرطا مستقلا لادراجه إياه فيما ذكره من
الشرط الرابع، وهو أن لا يكون مملوكا لمسلم أو معاهد، إلى أن قال:
" والمحجر كالمملوك على ما تقرر " بل ذكر سابقا أن التحجير يفيد
الأولوية لا الملك، فلا يصح بيعه، نعم يورث عنه، ويصح الصلح
56

عليه، نعم ستسمع في الطرف الثاني حكاية المصنف عن بعض فقهاء عصره
أن التحجير إحياء، ويأتي البحث فيه إنشاء تعالى.
وعلى كل حال فهو غير مناف لتحصيل الاجماع على عدم تملك
المحجر بالاحياء لغير المحجر، نعم يحكى عن جامع الشرائع أنه قال: " يملك
الآخر، ويكون قد أساء " ولم أتحقق ذلك.
وكيف كان فلم نجد في شئ مما وصل إلينا من النصوص هذا اللفظ
فضلا عما ذكروه في تفسير، وإنما الموجود في خبر سمرة بن جندب (1)
أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: " من أحاط حائطا على أرض
فهي له " ومقتضاه الملك به، وكما تسمعه من ابن نما، إلا أن يحمل على
أرض يتحقق إحياؤها بذلك أو يراد من اللام ولو بقرينة الشهرة أو الاجماع
الأحقية المزبورة لا الملك.
وربما يستفاد الأحقية به من صدق حيازة المباح به وإن كان لا يملك
إلا بالاحياء، ومن أنه سبق إليه نحو السبق إلى الوقف والسوق والمسجد
ونحوها، وفي حديث أبي داود المروي من طرق العامة (2) وفي الاسعاد أنه
صححه الصابي " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له " وفي بعض
كتب الأصحاب رواية " فهو أحق به " (3).
ولكن مع ذلك كله فالانصاف أن العمدة الاجماع المزبور، وإلا فما
في التذكرة والمسالك وبعض كتب الشافعية - من الاستدلال عليه بأنه إذا
أفاد الاحياء ملكا فلا بد أن يفيد التحجير الذي هو الشروع فيه أولوية نحو
البيع والاستيام - كما ترى، ضرورة عدم الملازمة، مع احتمال أن التحجير
أعم من الشروع فيه وإن فسره به في القواعد والمسالك وغيرهما.

(1) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 وسنن البيهقي
ج 6 ص 148.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 142.
(3) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 4.
57

* (و) * في المتن وكذا الإرشاد * (التحجير هو أن ينصب عليها
المروز أو يحوطها بحائط) * وزاد في القواعد " أو بحفر ساقية أو إدارة
تراب حول الأرض أو أحجار، ولا يفيد ملكا، فإن الملك يحصل بالاحياء
لا بالشروع، والتحجير شروع في الاحياء، بل يفيد اختصاصا وأولوية ".
وفي محكي المبسوط التحجير أن يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حد الاحياء
مثل أن ينصب فيه المروز أو يحوط عليها حائط أو ما أشبه ذلك من
آثار الاحياء " وعن جامع الشرائع الاقتصار على التمثيل بالحائط. وعن
التحرير أنه يكون بنصب المروز وحفر الخندق.
لكن لا يخفى عليك أن ظاهر بعض الأمثلة الاكتفاء في حصوله بنصب
ما يدل على إرادة الاحياء وإن لم يكن من آثاره، نحو ما ذكرة العامة
من حصوله بالأعلام، أي بنصب علامة تدل على ذلك، كوضع أحجار
أو غرز خشب أو قصب أو حفر أساس أو جمع تراب أو نحو ذلك.
بل في بعض الكتب أو يخط خطة.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كله من الشروع في الاحياء كما في
بعض كتب الشافعية، بل هو مقتضى ما سمعته من الفاضل، لكنه كما
ترى وإن كان هو الموافق لما سمعته من تحقق الأولوية بالسبق المحقق
بنصب العلامة المزبورة، مع احتمال القول بأن الأصل عدم ثبوت الأولوية
المقتصر في الخروج منه على المتيقن، وهو التحجير بمعنى الشروع في الاحياء
وفعل أثر من آثاره.
وبعض الأمثلة المزبورة من بعض إن لم تحمل على الاشتباه من الذاكر
لها بأنها من الشروع في الاحياء يمكن حملها على موات تكون هي أثرا من
آثاره، ولعل هذا لا يخلو من قوة.
وعلى كل حال فلا إشكال في عدم جواز بيعه، لعدم الملك، بل
58

ولا هبته وإن قال في القواعد " لم يصح على إشكال " وفي جامع المقاصد
جوز نقله بالهبة كالصلح، وهما معا كما ترى.
ومن الغريب ما عن التذكرة من احتمال صحة البيع، لأن الأرض
المفتوحة عنوة تباع بمجرد الأولوية تبعا للآثار، ولأنه حق يقابل بالمال،
فتجوز المعاوضة عليه. إذ هو كما ترى، بل قد يمنع ثبوت الأولوية هنا
بيع الآثار التي يفرض كونها ملكا للمحجر وإن أفادت ذلك بالنسبة إليه
باعتبار صدق كونه محجرا، نعم لو نقل الحق معها ولو بالشرط بناء
على صلاحيته لمثل ذلك تثبت حينئذ لذلك، لا لبيع الآثار، والله العالم.
هذا * (ولو اقتصر على التحجير وأهمل العمارة أجبره الإمام على أحد
أمرين: إما الاحياء وإما التخلية بينها وبين غيره، ولو امتنع أخرجها
السلطان من يده لئلا يعطلها) * بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالشيخ
وابن حمزة والفاضلين والشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، معللين
له بقبح تعطيل العمارة التي هي منفعة الاسلام.
نعم إن ذكر عذرا في التأخير كاصلاح آلاته (آلته خ ل) أو غيبة
العمال أو إباق العبد ونحوه أمهله الإمام بمقدار ما يزول معه العذر، وإن
لم يذكر عذرا ألزمه بأحد الأمرين، وإن أبقى له مدة قريبة يستعد فيها
للعمارة بحسب ما يراه - ولا يتقدر عندنا بقدر - فإذا مضت مدة الامهال
ولم يشتغل بالعمارة رفع يده وأذن للناس في عمارتها.
ونحو ذلك ذكر العامة أيضا، قال في الاسعاد الذي هو من أجل
كتب الشافعية: " وينبغي أن يشتغل بالعمارة عقيب الحجر، فإن أهمل
الاحياء وأطال الاهمال بأن مضى زمن يعد مثله طويلا عرفا نوزع،
فيقول له الحاكم: أحي أو ارفع يدك، لأنه ضيق على الناس في حق مشترك
فيمنع منه، كما لو وقف في شارع، فإن ذكر عذرا واستمهل أمهل
59

مدة قريبة دفعا للضرر، ولا يتقدر بثلاثة أيام على الأصح، بل باجتهاد
الحاكم، فإذا مضت ولم يشتغل بالعمارة بطل حقه، وإن استمهل ولم يذكر
عذرا فمقتضى عبارة أصل الروضة أنه لا يمهل، وقال السبكي: ينبغي
إذا عرف الإمام أنه لا عذر له في المدة أن ينزعها منه في الحال، وكذا
إذا لم تطل المدة وعلم منه الاعراض ".
وقال فيه أيضا سابقا: " وإنما يتحجر ما يطيق إحياؤه، بل ينبغي
أن يقتصر على قدر كفايته لئلا يضيق على الناس، فإن تحجر ما لا يطيق
إحياؤه أو زائدا على قدر كفايته فلغيره أن يحيي الزائد على ما يطيقه وعلى
قدر كفايته، كما قواه في الروضة بعد أن نقله فيها كأصلها عن المتولي ".
إلى غير ذلك مما ذكروه مما يناسب أصولهم التي منها القياس
والاستحسان والمصالح المرسلة ومطلق الاجتهاد بخلاف أصولنا التي مقتضاها
الوقوف على ما جاء من أهل بيت الوحي (عليهم السلام).
الذي عثرنا عليه مناسبا لذلك - مضافا إلى بعض القواعد التي
يمكن تقريرها هنا - خبر يونس (1) عن العبد الصالح (عليه السلام)
" إن الأرض لله تعالى جعلها وقفا على عباده، فمن عطل أرضا ثلاث
سنين متوالية لغير ما علة أخذت من يده ودفعت إلى غيره " الحديث.
وإن كان هو غير منطبق على تمام ما سمعت الذي مقتضاه الانتزاع من يده
من دون دفع شئ له عن تحجيره الذي لا ريب في جواز نقله بالصلح
ونحوه ويورث، اللهم إلا أن يكون إجماع على ما ذكروه.
كما أن ما في جامع المقاصد ومحكي التذكرة من تقييد ذلك بما إذا
بقيت آثار التحجير وإلا عادت مواتا كذلك أيضا، وإلا فمقتضى
الاستصحاب بقاء الحق وإن زالت الآثار، إذ هي - وإن كانت سببا في

(1) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1.
60

ثبوت الحق - لا يقتضي زواله بزوالها للأصل، وخصوصا إذا أزاله الظالم
أو غيره، لا ما إذا زالت بنفسها.
نعم لو كان ثبوت حق التحجير بها على نحو ما تسمعه في الرحل
اتجه حينئذ زوال الحق، إلا أن ذلك مقطوع بخلافه، إذ من جملة
أفراد التحجير أن لا يكون مملوكا للمحجر كالحفر ونحوه، فلا ريب في
أن مقتضى القوانين الشرعية ثبوت الحق مطلقا، إلا أن يكون إجماعا كما
عرفت، والله العالم.
هذا * (و) * في القواعد والمسالك ما في المتن من أنه * (لو بادر إليها
من أحياها) * بعد إهماله لها ومخاطبة الإمام له بأحد الأمرين * (لم يصح
ما لم يرفع السلطان يده أو يأذن في الاحياء) * بل لا خلاف أجده بين
من تعرض له، لأنه حينئذ أحيا ما هو باق في حق غيره، كما لو أحيا
قبل طلب الإمام عنه أحد الأمرين.
نعم حكى في المسالك عن بعض العامة قولا ببطلان حق المحجر
بالامتناع من أحد الأمرين وإن كان غيره ممنوعا، كما إذا دخل في سوم
غيره واشترى.
وفي محكي التذكرة " لو لم يرفع أمرها إلى السلطان ولا خاطبه بشئ
وطالت المدة قيل: يبطل حذرا من التعطيل، وقيل: لا يبطل ما لم
يرفع الأمر إليه، ويطالبه بالترك، ولعل ذلك إذا بقيت الآثار " ولا يخفى
عليك الحال بعد ما ذكرنا، والله العالم.
* (وللنبي (صلى الله عليه وآله) * الذي هو أولى بالمؤمنين من
أنفسهم * (أن يحمي) * بقعة من الأرض الموات * (لنفسه ولغيره من
المصالح كالحمى لنعم الصدقة) * والجزية والضوال ونحوها، قال في
محكي المبسوط: " للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يحمي لنفسه ولعامة
61

المسلمين بلا خلاف ".
* (وكذا عندنا لإمام الأصل (عليه السلام) * الذي هو بمنزلة
النبي (صلى الله عليه وآله) في كل ما لم يثبت أنه من خواصه بلا خلاف
ولا إشكال، ضرورة كون الموات لهم (عليهم السلام) وفي النبوي (1)
" لا حمى إلا لله ولرسوله ". وزاد في آخر " ولأئمة المسلمين ".
والأصل فيه أن الأعزاء من العرب إذا انتجع أحد منهم بلدا مخصبا
وأتى بكلب على جبل إن كان به أو على نشز إن لم يكن به جبل ثم
استعوى الكلب وأوقف من كل ناحية من يسمع صوته بالعوى فحيث
انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه، ويرعى مع العامة في ما سواه،
فنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك لما فيه من التضييق
على الناس (2).
ولا ينافي ذلك ما وقع منه (عليه السلام) كما في الخبر (3) عن
أبي الحسن (عليه السلام) " سألته عن بيع الكلأ والمرعى، فقال:
لا بأس، قد حمى رسول الله (صلى الله عليه وآله) النقيع لخيل المسلمين "
فإنه ليس حمى لنفسه.
ولذا قال في التذكرة: " إنه (صلى الله عليه وآله) لم يحم لنفسه
وإنما حمى النقيع لإبل الصدقة ونعم الجزية وخيل المجاهدين ".
وبالجملة ذلك وإن كان جائزا له ولكن لم يفعله لنفسه إيثارا للغير
وما وقع منه (صلى الله عليه وآله) إنما هو للمسلمين، ولعل ذكر

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 146.
(2) ذكره ابن قدامة في المغني ج 6 ص 166 وفي الشرح الكبير المطبوع في ذيل المغني
ج 6 ص 182.
(3) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3.
62

المصنف الإمام (عليه السلام) تنبيها على ما يحكى عن الشافعي من
اختصاص ذلك بالنبي (صلى الله عليه وآله) * (و) * فيه أنه لا دليل
على أنه من خواصه، بل الخبر المزبور المروي في طريقهم دال على
خلافه.
نعم * (ليس لغيرهما من المسلمين أن يحمي) * بلا خلاف، كما عن
المبسوط، بل إجماعا في المسالك ومحكي التحرير، وما وقع من عمر بن الخطاب
من أنه قد حمى موضعا وولى عليه رجلا (1) لا حجة فيه، بل هو
مخالف لما عرفت، وما في الخبر المزبور (2) الذي لا مطابقة فيه بين
الجواب والسؤال ظاهرا إلا على تكلف محمول على ما إذا كان المرعى
ملكا للحامي، لأن الأرض أرضه.
كما أومي إليه في بعض المعتبرة قال فيه: " إنه لنا ضياعا ولها
حدود وفيها مراعى ولرجل منا غنم وإبل يحتاج إلى تلك المراعي لإبله
وغنمه أيحل له أن يحمي المراعي لحاجته إليها؟ فقال: إذا كانت الأرض
أرضه فله أن يحمي ويصير ذلك إلى ما يحتاج إليه، فقلت: الرجل يبيع
المراعى، فقال: إذا كانت الأرض أرضه فلا بأس ".
اللهم إلا أن يكون نائبا خاصا عنهما في ذلك، بل يقوى جوازه
لنائب الغيبة أيضا إن لم نقل إنه من خواص الإمامة، أما غيره وسائر
الناس فلا إشكال في عدم الجواز لما عرفت.
مضافا مفهوم الخبر المزبور (4) وغيره مما دل على اعتبار كون

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 146.
(2) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3.
(3) الوسائل - الباب - 22 من أبواب عقد البيع - الحديث 1 من كتاب التجارة.
(4) الوسائل - الباب - 22 من أبواب عقد البيع - الحديث 1 من كتاب التجارة.
63

الأرض أرضا له في جواز الحمى، لا إذا كانت مباحة مندرجة فيما دل (1)
على اشتراك الناس في النار والماء والكلأ.
وعلى كل حال * (ف‍) * - لا خلاف أجده في أنه * (لو أحياه
محي لم يملكه ما دام الحمى مستمرا) * إذ المراد بالحمى هو منع الناس
عن التعرض لبعض الأراضي التي لا تضيق على المسلمين برعي أو غيره
لأجل كلاها، ولا ريب في اقتضاء ذلك عدم جواز الاحياء وعدم ترتب
الملك لو فعل لعدم الإذن بل النهي، ولعله لذا تركه بعضهم في الشرائط
وإن كان من ذكره شرطا قد لاحظ عدم تملكه بالاحياء، فيكون الجميع
متفقين على الحكم المزبور.
بل لا يحوز نقص الحمى ولا تغييره لأحد غيرهم (عليهم السلام)
من دون إذن منهم مع فرض بقاء المصلحة.
* (و) * إنما الكلام في أن * (ما حماه النبي (صلى الله عليه وآله)
أو الإمام (عليه السلام) لمصلحة فزالت) * هل يجوز نقضه؟ ففي
المتن * (جاز نقضه) * كما هو خيرة الفاضل والشهيدين والكركي،
للأصل وغيره.
* (وقيل: ما يحميه النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة لا يجوز
نقضه، لأن حماه كالنص) * الذي لا يجوز الاجتهاد في مقابلته، ولعله
أشار بذلك إلى ما في محكي المبسوط والخلاف " فأما ما حماه رسول الله
(صلى الله عليه وآله) فإنه لا يجوز للإمام القائم مقامه نقضه وحله،
لأن فعله حجة يجب اتباعه فيه، وما يفعله الإمام القائم مقامه لا يجوز
لأحد تغييره، وإن غيره هو أو من بعده من الأئمة أو أذن أحد منهم

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب إحياء الموات.
64

لغيره في إحياء ميت فأحياه فإنه يملكه " إلى آخره وإلا فلم نجده لغيره
نعم هو قول للعامة مبني على مذهبهم في الإمام، ولا ريب في بطلانه عندنا
ضرورة عدم الفرق بين حماهما بعد أن كانا معصومين ولا يحكمان بالاجتهاد.
وهل ينتقض بمجرد زوال المصلحة أو لا بد من التصريح بالنقض؟
وجهان أو قولان، أقواهما الأول، لأن أصل وقوعه مبني على المصلحة
فيكفي حينئذ زوالها في زواله، بل يبعد جواز تغيير الإمام له لزيادة
المصلحة في غيره فضلا عن زوالها، والله العالم.
(الطرف الثاني)
* (في كيفية) * ما يحصل به صدق * (الاحياء) *
* (و) * لا خلاف بين الأصحاب في أن * (المرجع فيه إلى
العرف، لعدم التنصيص شرعا) * علي كيفية خاصة له حتى تقدم عليه
* (و) * لا * (لغة) * لو قلنا بتقدمها عليه، وما كان كذلك
فلا إشكال في الرجوع فيه إلى العرف.
وما عن ابن نما - من أن التحجير إحياء ليس خلافا في ذلك
كما ستعرفه إنشاء الله، إلا أنه لما كان هو في بعض الأفراد محتاجا إلى تنقيح
تعرض له الأصحاب.
* (و) * لذا * (قد عرف أنه إذا قصد سكنى أرض فأحاط) *
جميع أجزاء الدار * (ولو بخشب أو قصب أو سقف) * بعضا * (مما
65

يمكن سكناه) * منها * (يسمى إحياء) * بلا خلاف أجده بين من
تعرض له، كالشيخ والقاضي ويحيى بن سعيد والفاضل والشهيدين والكركي
وغيرهم على ما حكي عن بعضهم إلا ما ستسمعه من الحلي.
وحينئذ فلا يعتبر فيه مع ذلك نصب الباب، خلافا لبعض العامة
فاعتبره، والعرف شاهد على خلافه وإن اعتيد وضعها للحفظ لا لأصل
السكنى.
كما أنه شاهد أيضا على خلاف ما يحكى عنهم أيضا من عدم اعتبار
السقف، لقوله (صلى الله عليه وآله) (1): " من أحاط حائطا على
أرض فهي له " ولأن الحائط حاجز منيع فكان إحياء، كما لو جعلها
حظيرة للغنم، إذ القصد لا اعتبار به، فإنه لو أرادها حظيرة فبناها بجص
وآجر وقسمها بيوتا فإنه يملكها وإن كان هذا العمل لا يعمل للغنم
مثله، ولأنه لو بناها للغنم ملكها بمجرد الحائط، فإذا ملكها جاز له أن
يبنيها دارا من غير اشتراط تسقيف وإن نفى عنه البأس في التذكرة، بل
في المسالك وجهه واضح.
إلا أنه كما ترى مناف لصدق الاحياء عرفا على متخذ الأرض دارا
وملكه لها لو اتخذها حظيرة للصدق باعتبار أن إحياء كل شئ بحسب
حاله لا يقتضي صدقه مع عدم قصدها وإن جاز العدول عن القصد في
الأول واتخاذها دارا، كما يجوز العدول عن قصد الدار بعد التحويط
واتخاذها حظيرة، فإنه يملكها بذلك، لصدق الاحياء عليها عرفا ولو
باعتبار إخراجها عن التعطيل الأول وصيرورتها ذات منفعة تخرج بها عن
اسم الموات.

(1) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 3 وسنن البيهقي
ج 6 ص 148.
66

وفي التذكرة إشارة إلى ما ذكرنا، قال: " لو قصد نوعا وفعل
إحياء يملك به نوعا آخر - كما إذا حوط بقعة بقصد السكنى، وهذا الاحياء
إنما يتحقق في ملك حظيرة الغنم وشبهها هل يفيد الملك؟ الوجه عندي
ذلك، فإنه مما يملك به الحظيرة لو قصدها، وهو أحد وجهي الشافعية،
والثاني أنه لا يملك به وإلا لزم الاكتفاء بأدنى العمارات أبدا، واستحالة
التالي ممنوعة " بناء على أن المراد ملكه حظيرة بالقصد ولو أخيرا.
نعم قد يقال فيمن قصد أصل الاحياء من دون أمر مخصوص
بكفاية إخراج الأرض عن التعطيل إلى الانتفاع، فتأمل.
وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في محكي السرائر، فإنه بعد أن
ذكر أن الرجوع في الاحياء إلى العرف هو الحق اليقين الذي يقتضيه أصل
المذهب قال: " ولا يلتفت إلى قول المخالفين، فإن لهم تعريفات
وتقسيمات، فلا يظن ظان إذا وقف عليها أن يعتقدها قول أصحابنا وأنها
مما ورد بها خبر وقال به مصنف من أصحابنا، وإنما أورد شيخنا
أبو جعفر ذلك بعد أن حقق ما يقتضيه مذهبنا، وجملة ما عند المخالف
في ذلك أن الأرض تحيى للدار والحظيرة والزراعة، فاحياؤها للدار عندهم
بأن يحوط عليها بحائط ويسقف عليها، وأما عندنا فلو خص عليها خصا
أو حجرها أو حوطها بغير الطين والآجر والجص ملك ".
ثم ذكر تعريفهم لاحياء الحظيرة بما ذكره المصنف وفاقا لما عن
المبسوط وغيره كما ستسمع، ثم قال: " ولا يتوهم من يقف عليها في
المبسوط أنها مقالة أصحابنا، فإن هذا الكتاب أعني المبسوط قد ذكر
فيه مذهبنا ومذهب المخالفين، ولم يميز أحد المذهبين تمييزا جليا، وإنما
يحققه ويعرفه من اطلع على المذهبين وسبر قول أصحابنا وحصل خلافهم
وإلا فالقارئ فيه يخبط خبط عشواء ".
67

وكأنه عرض بذلك بابن البراج الذي ذكر فيه ما عن المبسوط من
التعريفات المزبورة التي ذكرها أيضا من تأخر عنه كالفاضلين والشهيدين
وغيرهم.
ومنه يعلم أنه هو وقع في خبط العشواء، ضرورة عدم مدخلية
الموافق والمخالف في تحقيق الصدق العرفي المعلوم عدمه بالتحجير، كما توهمه
وإن قلنا إنه الشروع في أثر الاحياء، إذ بناء بعض الحائط لا يسمى في العرف
معه شئ من المذكورات كما هو واضح.
نعم قد يقال بصدق اسم الدار مع الحائط المزبور وبناء بعض البيوت
ولو بقصب ونحوه بل وخيمة ونحوها.
* (وكذا) * يتحقق الاحياء عرفا * (لو قصد الحظيرة) * للغنم
أو لتجفيف الثمار أو لجمع الحطب ونحوه * (فاقتصر على الحائط) * ولو
بقصب أو خشب أو نحوهما * (من دون السقف) * بلا خلاف أجده
فيه بل ولا إشكال في ذلك * (و) * لا في أنه * (ليس تعليق الباب
شرطا) * في الصدق المزبور، بل عن غير واحد الاجماع على عدم اشتراط
السقف وإن كان هو لا وقع له في المسائل العرفية، والله العالم.
* (ولو قصد) * باحياء الأرض * (الزراعة كفى في تملكها التحجير
بمرز أو مسناة وسوق الماء إليها بساقية أو ما شابهها) * كما في جملة من
كتب الفاضل ومحكي المبسوط والمهذب وإن أبدل التحجير بالترتب في
بعضها.
وظاهر ما حضرنا من نسخة الأصل اعتبار الأمرين، لكن في المسالك
حكاية الاكتفاء بأحدهما عن المصنف في شرح العبارة ثم استحسن الجمع
بينهما، ولعل نسخته كانت بأو.
نعم في التذكرة زيادة على ذلك قال في الفرض: " يعتبر فيه أمور:
68

الأول جمع التراب حواليه ليفصل المحيا عن غيره ويسمى المروز، وفي
معناه نصب قصب وحجر وشوك وشبهه، ولا حاجة إلى التحويط إجماعا،
فإن معظم المزارع بارزة. الثاني تسوية الأرض بطم الحفر التي فيها
وإزالة الارتفاع من المرتفع، وحراثتها، وتليين ترابها، فإن لم يتيسر
ذلك إلا بماء يساق إليهما فلا بد منه لتهيأ الأرض للزراعة. الثالث ترتيب
ماؤها إما بشق ساقية من نهر أو حفر بئر أو قناة وسقيها إن كانت
عادتها أنها لا تكفي في زراعتها بماء السماء، وإن اكتفت به فلا حاجة إلى
سقي ولا ترتب ماء، وإذا احتاجت في السقي إلى النهر وجب تهيأ ماء من
عين أو نهر أو غيرهما، فإذا هيأه فإن حفر له الطريق ولم يبق إلا
إجراء الماء فيه كفى، ولم يشترط إجراء الماء ولا سقي الأرض، وإن لم
يحفر بعد فللشافعية وجهان، وبالجملة السقي نفسه غير محتاج إليه في تحقق
الاحياء، إنما الحاجة إلى ترتب ما يمكن السقي منه، وأراضي الجبال التي
لا يمكن سوق الماء إليها ولا يصيبها إلا ماء السماء قال بعض الشافعية:
لا مدخل للاحياء فيها وبنى عليه، أما إذا وجدنا شيئا من تلك الأراضي
في يد انسان لم يحكم بأنه ملكه، ولا يجوز بيعه وإجارته، والوجه أنها
تملك بالحراثة وجمع التراب على الحدود، وكثير من المزارع يستغنى عن
سوق الماء إليه بالمطر ".
وفيه مع أنه متدافع بالنسبة إلى اعتبار السقي كما في جامع المقاصد
اللهم إلا أن يفرق بين السقي للتهيئة والسقي لغيرها، وكذا الكلام في
الحرث - أن الأمر الثاني لم أجد من اعتبره.
نعم في جامع المقاصد حكايته عن بعض الشافعية، ثم قال: " واعتبار
تسوية الأرض وإزالة الارتفاع ليس ببعيد، لعد صيرورتها مزرعا من
دونه، أما الحرث والسقي فلا دليل على اعتبارهما، ولأنهما بمنزلة
69

الزرع، وهو غير شرط ".
قلت: اعترف هو به، بل في المتن * (و) * القواعد والتحرير
والدروس ومحكي المبسوط والمهذب وغيرها أنه * (لا يشترط حراثتها
ولا زراعتها، لأن ذلك انتفاع كالسكنى) * وستسمع ما في الحكم الذي
ذكره في أراضي الجبل التي تسقى بماء المطر كغيرها من الأراضي المهيأة
بنفسها للانتفاع.
بل قد يقال بعدم اعتبار ما ذكره هو وغيره من المرز الذي فسر
بجمع التراب حول ما يريد إحياءه أو المسناة المفسرة بأنها نحو المرز،
وربما كانت أزيد منه ترابا، فإن التمييز لا يتوقف عليه صدق الاحياء
عرفا، كالتحويط الذي سمعت في التذكرة الاجماع على عدم اعتباره،
والتمييز يحصل بانتهاء قابلية الانتفاع لا بالمرز ونحوه.
بل قد يشك أيضا في سوق الماء إن أريد به حصوله فعلا كما فهمه
في جامع المقاصد، قال: " وكلام الأصحاب في اشتراط سوق الماء
يقتضي عدم الاكتفاء بالتهيئة " ضرورة عدم توقف الاحياء عليه، بل
يكفي فيه تهيئة ذلك عند الاحتياج كما سمعته من التذكرة.
نعم ينبغي اعتبار عضد الأشجار وإن كان فيها وقطع المياه الغالبة
كما صرح به في اللمعة، قال: " والمرجع أي في الاحياء إلى العرف،
كعضد الشجر وقطع المياه الغالبة والتحجير بحائط أو مرز أو مسناة وسوق
الماء إليها أو اعتياد الغيث لمن أراد الزرع والغرس ".
ولكن ظاهر هذه العبارة كما اعترف به في الروضة أن الأرض التي
يراد إحياؤها للزراعة لو كانت مشتملة على شجر والماء مستولى عليها
لا يتحقق إحياؤها إلا بعضد شجرها وقطع الماء عنها ونصب حائط وشبهه
حولها وسوق ما تحتاج إليه من الماء إليها إن كانت مما يحتاج إلى السقي به،
70

فلو أخل بأحد هذه لا يكون إحياء، بل تحجيرا، وإنما جمع بين قطع
الماء وسوقه إليها لجواز أن يكون الماء الذي يحتاج إلى قطعه غير مناسب
للسقي بأن يكون وصوله على وجه الرشح المضر بالأرض من غير أن ينفع
بالسقي ونحو ذلك، وإلا فلو كان كثيرا يمكن السقي به كفى قطع القدر
المضر منه وإبقاء الباقي للسقي، وحينئذ فيشكل بما ذكرناه.
ولو جعل الواو في هذه الأشياء بمعنى " أو " كان كل واحد منها
كافيا في تحقق الاحياء، فهو أشد إشكالا، لعدم صحته في بعضها.
وفي الدروس اقتصر على حصوله للزرع بعضد الأشجار والتهيئة
للانتفاع وسوق الماء أو اعتياد الغيث والسيح، قال: " ويحصل الاحياء
أيضا بقطع المياه الغالبة ".
وظاهره الاكتفاء به عن الباقي أجمع كما في الروضة، ويمكن
أن يريد أن ذلك مع فرض عدم احتياجها إلى غيره. نعم يرد عليه بعض
ما ذكرناه.
وفي الروضة أيضا " عبارات الأصحاب مختلفة في ذلك كثيرا،
والأقوى الاكتفاء بكل واحد من الأمور الثلاثة السابقة مع سوق الماء
حيث يفتقر إليه، وإلا اكتفى بأحدها خاصة، هذا إذا لم يكن المانعان
الأولان أو أحدهما موجودا وإلا لم يكتف بالباقي، فلو كان الشجر
مستوليا عليها والماء كذلك لم يكف الحائط وكذا أحدهما، وكذا لو
كان الشجر لم يكف دفع الماء وبالعكس، لدلالة العرف على ذلك كله،
أما الحرث والزرع فغير شرط فيه قطعا، لأنه انتفاع بالمحيا كالسكنى
لمحيي الدار، نعم لو كانت الأرض مهيأة للزراعة والغرس لا تتوقف
إلا على الماء كفى سوق الماء إليها مع غرسها أو زرعها، لأن ذلك يكون
بمنزلة تمييزها بالمرز ".
71

وفيه منع الاكتفاء بالحائط خاصة عرفا، لمنع صدق الاحياء بسوق
الماء مع الغرس والزرع في الأخيرة، ضرورة كونها حية فملكها يكون
بالاستيلاء عليها لمن أبيح ذلك من الأنفال.
وفي الدروس أيضا " ولا يشترط الحرث ولا الزرع ولا الغرس
على الأقرب، نعم لو زرع أو غرس وساق الماء فهو إحياء، وكذا
لا يشترط الحائط والمسناة في الزرع، نعم يشترط أن يبين الحد بمرز
وشبهه، وأما الغرس فالظاهر اشتراط أحد الثلاثة مصيرا إلى العرف،
ولو فعل دون ذلك واقتصر كان تحجيرا يفيد أولوية لا ملكا " إلى آخره.
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
واكتفي في المسالك في الزرع بالمرز أو المسناة أو نصب القصب
ونحوه وترتيب الماء لم يكن فيه أشجار أو مياه غالبة، وإلا اعتبر
عضدها وقطعها أيضا.
وفيه ما عرفت من عدم اعتبار المرز عرفا، ضرورة كون الموات
المعطلة، والحية المهيأة للانتفاع الذي قد أشير إليه في بعض النصوص
السابقة بكري الأنهار ونحوه.
ولعله إلى ما ذكرناه يرجع قول المصنف: * (ولو غرس أرضا
فنبت فيها الغرس وساق إليها الماء تحقق الاحياء، وكذا لو كانت
مستأجمة فعضد شجرها وأصلحها، وكذا لو قطع عنها المياه الغالبة وهيأها
للعمارة، فإن العادة قاضية بتسمية ذلك كله إحياء، لأنه أخرجها بذلك
إلى الانتفاع الذي هو ضد الموات) *.
لكن في المسالك في تفسير العبارة أنه اعتبر أحد أمور: إما غرسها
بالفعل ونبات غرسها وسوق الماء إليها، وإما عضدها شجرها وإصلاحها
72

بإزالة الأصول وتسوية الأرض إن كانت مستأجمة، أو بقطع المياه الغالبة
عليها وتهيئتها للعمارة.
وظاهره أن كل واحد من هذه الثلاثة كاف في الاحياء، محتجا
بدلالة العرف عليه، وإنما اعتبر غرس الأشجار ونباتها لأن اسم البستان
لا يقع على الأرض المهيأة له قبل الغرس، بخلاف المزرعة، فإنها تقع
على الأرض قبل الزراعة، ولأن الغرس يدوم فألحق ببناء الدار، والزرع
بخلافه.
ويشكل بأن قصد الغرس أعم من جعله بستانا، ولا يلزم من توقف
اسم البستان على الشجر توقف غيره.
ولا يخفى عليك ما في ذلك كله، إذ المصنف لم يعتبر الغرس في
الاحياء، بل ذكر تحققه بوقوع الغرس مع سوق الماء، ولا إشعار في
شئ من كلامه بتوقف صدق الاحياء على ذلك، بل ولا بكفاية أحدها
وإن لم يتحقق معه اسم التهيئة، بل صريح كلامه الأخير الاكتفاء بالتهيئة
للانتفاع.
ثم قال فيها: " والأقوى عدم اشتراط الغرس مطلقا، وعدم
الاكتفاء بكل واحد من الثلاثة على انفراده على تقدير الحاجة إليها أجمع
بأن كانت الأرض مستأجمة والماء غالبا عليها، بل لا بد حينئذ من الجمع
بين قطع الأشجار ودفع الماء وأن وجد أحدهما خاصة اكتفى بزواله، وإن
خليت عنهما واحتاجت إلى الماء فلا بد من تهيئته للسقي كما ذكرناه في الزرع.
ولو خلت عن الجميع بأن كانت غير محتاجة إلى السقي ولا مستأجمة ولا
مشغولة بالماء اعتبر في إحيائها التحجير عليها بحائط ونحوه، وفي الاكتفاء
بغرسها مع نبات الغرس وجه، وفي كلام الفقهاء اختلاف كثير في اعتبار
ما يعتبر من ذلك، والمحصل ما ذكرناه ". وتبعه على ذلك كله في الكفاية.
73

وفيه أن ما ذكره عين ما اختاره المصنف، ولعل ما ذكره من
اختلاف الفقهاء هو نحو ما ذكره في كلام المصنف من إرادة الجميع
التهيئة المزبورة وإن اقتصر بعضهم على ذكر بعض باعتبار حصولها معه،
لفرض عدم مانع غيره لها، وحينئذ فلا فرق في صدق الاحياء بذلك
بين الزرع والغرس.
وأما ما ذكره أخيرا فقد عرفت أن الظاهر عدم تحقق إحياء فيها،
لصدق كونها حية، فملكها إنما يكون كملك غيرها من الأنفال لمن أبيحت
له، إذ قد ذكرنا سابقا أنها للإمام (عليه السلام) وإن كانت غير ميتة
باعتبار اندراجها في الأراضي التي لا رب لها، والله العالم.
* (و) * كيف كان ففي المتن * (من فقهائنا الآن) * أي شيخه
الفقيه نجيب الدين بن نما (رحمه الله) * (من يسمي التحجير إحياء) *
مفيدا للملك، كما عن بعض الشافعية، لخروجه بالشروع في إحيائه عن
حد الموات، ومن ثم أفاد به حقا في الجملة إجماعا، والاحياء كما تقدم
غير منضبط شرعا ولا عرفا.
وزاد في المسالك أنه قد وافق الجماعة على أن الأرض إذا كانت غير
مستأجمة ولا مشتملة على مانع ولا مفتقرة إلى السقي بالماء المجتلب يكفي تمييز
المحيا عن غيره بتراب ونحوه في تحقق الاحياء، وهذا من أضعف أفراد
التحجير.
* (و) * على كل ف‍ - * (- هو بعيد) * جدا، ضرورة عدم
تحقق الاحياء بالتحجير الذي هو الشروع فيه أو نصب ما يدل على إرادة
الاحياء، ودعوى عدم انضباط الاحياء عرفا واضحة الفساد، كدعوى
حصول الملك بالتحجير في الأرض المزبورة.
ومن هنا حمل في الدروس كلامه على أرض ليس فيها استئجام
74

ولا ماء غالبا وتسقيها الغيوث غالبا، فإن فعل ذلك يعد إحياء وخصوصا
عند من لا يشترط الحرث والزرع، لأنهما انتفاع، وهو معلول الملك،
فلا يكون علة له.
وفيه ما عرفت من منع صدق تحقق الاحياء بذلك، ومنه يعلم ما في
الزيادة التي سمعتها في المسالك.
بل وكذا قوله فيه أيضا: " وحيث كان المحكم في الاحياء العرف
فإن وافق التحجير في بعض الموارد كفى وإلا فلا " ضرورة أنه بناء على
ما عرفت لا يمكن موافقته للاحياء أصلا، ولذا أطلقوا إفادته الحق
دون التمليك، كما هو واضح.
ويمكن حمل كلام ابن نما - إن لم يكن قد صرح بالملك - على إرادة
كون التحجير كالاحياء في إفادته الأولوية دون الملك، كما هو المحكي عن
المبسوط والمهذب والسرائر.
قال في الأول: " إذا حجر أرضا وباعها لم يصح بيعها، ومن
الناس قال يصح، وهو شاذ، فأما عندنا فلا يصح بيعه، لأنه
لا يملك رقبة الأرض بالاحياء، وإنما يملك التصرف بشرط أن يؤدي
للإمام (عليه السلام) ما يلزمه عليها، وعند المخالف لا يجوز، لأنه
لا يملك بالتحجير قبل الاحياء، فكيف يبيع ما لا يملك " ونحوه عن
المهذب وكذا السرائر.
وهو كالصريح في اتحاد مفاد التحجير والاحياء وإن اختلف مسماهما.
ولو نزل منزلا فنصب فيه خيمة أو بيت شعر لم يكن إحياء،
وكذا لو أحاط بشوك ونحوه، نعم ذكر غير واحد من الأساطين أنه
يكون تحجيرا يفيد أولويته به إلى أن يرحل، بل في التذكرة وجامع المقاصد
أنه يكون أولى أيضا بما حواليه مما يحتاج إليه للارتفاق، ولا يزاحم في
75

الوادي الذي سرح فيه مواشيه إلا أن يفضل، وإذا ارتحل بطل الاختصاص
وإن بقيت آثار الفساطيط والخيم.
وهو وإن كان موافقا لما أشرنا إليه سابقا من ثبوت الحريم بالتحجير
كالملك لكن ما ذكره أخيرا لا يخلو من نظر بل منع، بل قد يمنع كون
مثله تحجيرا، لعدم كونه شروعا في إحياء، لعدم قصده، وإنما هو سبق
إلى الموات، فيكون من قبيل ما تسمعه في.
(الطرف الثالث)
الذي هو * (في المنافع المشتركة، وهي الطرق والمساجد) * والمشاهد
* (والوقوف المطلقة كالمدارس) * والربط والخانات والمقابر
* (والمساكن) * ونحوها مما هو مشترك المنفعة بين الناس أجمع حتى الموات
الذي لم يرد إحياؤه.
وفي التذكرة كل رقبة أرض فإما أن تكون مملوكة ومنافعها تتبع
الرقبة فلمالكها الانتفاع بها دون غيره إلا بإذنه بالاجماع، وإما أن لا تكون
مملوكة، فإما أن تكون محبوسة على الحقوق العامة كالشوارع والمساجد
والربط أو تكون منفكة عن الحقوق الخاصة والعامة، وهي الموات " ونحوه
في المسالك.
ومقتضاه عدم ملك المسلمين لها على نحو ملكهم للمفتوحة عنوة،
وربما يترتب على ذلك ثمرة، كالبيع ونحوه من الحاكم لو اقتضت مصلحة
لذلك، كما أشرنا إليه سابقا.
وعلى كل حال ففي المتن وغيره * (أما الطرق ففائدتها الاستطراق
76

والناس فيها شرع، فلا يجوز الانتفاع فيها بغيره إلا ما لا يفوت به
منفعة الاستطراق كالجلوس غير المضر بالمارة) * لاجماع الناس عليه في
جميع الأمصار كما في التذكرة وجامع المقاصد والمسالك والروضة.
بل قد يقال: إن السيرة تقتضي جواز الاتفاق بالطرق بغير الاستطراق
كوضع الأحمال ووقوف الدواب فضلا عن وقوف الشخص نفسه لأغراض
تتعلق له بذلك، فيتجه حينئذ عدم تسلط المستطرق على ما كان كذلك،
لاشتراك الجميع في حق الارتفاق.
وحينئذ فما في المتن كقول الفاضل في الإرشاد: " لا يجوز الانتفاع
بالطرق في غير الاستطراق إلا بما لا يفوت معه منفعة " لا يخلو من نظر.
ولعله لذا قال في المفاتيح: " قيل: لا يجوز الانتفاع في الطرق
بغير الاستطراق إلا ما لا يضر به، كالوقوف والجلوس للاستراحة والمعاملة
ونحوهما إذا لم يتضيق على المارة - إلى أن قال -: وقيل: بالمنع من ذلك
مطلقا، والأول أشهر " إلى آخره. وإن كنا لم نعرف القول المزبور
لأحد.
إنما الكلام في الأول الذي قد عرفت الاشكال فيه، بل قيل إنهم
بنوا ضمان الواقف على الماشي فيما إذا تعثر بواقف غير مضر بالمارة وماتا
قالوا: إن دم الماشي هدر، لأنه باشر تلف نفسه بلا تفريط من الواقف،
مستندين إلى ما ذكر من أن الوقوف من موضوعات الطريق، لأن الماشي
قد يحتاج إلى الوقوف، ومقتضى ذلك أن الوقوف في الطريق من
موضوعاته أيضا.
لكن قيل: إنهم قالوا فيما إذا تعثر الماشي بالقاعد غير المضر بالمارة
أن ضمان الماشي على القاعد، لأنه بجلوسه مفرط، لوضع الطريق للمشي
وقالوا: إنه لو تلف القاعد أو شئ منه كان الضمان على العاثر أو أنه هدر.
77

قلت: قد يقال: إن ذلك كله منهم غير مناف لما هنا من كون
المنفعة الأصلية من الطريق الاستطراق، والضمان وعدمه يتبع موجباته
لا مدخلية للجواز وعدمه فيه، كما تعرفه في محله إنشاء الله تعالى.
إنما الكلام فيما أشرنا إليه من تقديم حق الاستطراق على باقي المرافق
عند التعارض، ولعل السيرة خصوصا في بعض الأفراد تقتضي خلافه،
فيتجه أن يقال: إن جميع ما يعرض للمستطرق من المرافق التي يحتاجها
في استطراقه من جلوس ووقوف ونحوهما لا فرق بينها وبين الاستطراق.
ومنه ما يحتاج إليه من كانت باب داره إلى الطريق من إدخال
الأحمال والدواب ونحوها باعتبار أن ذلك كله من توابع استطراقه، أما
إذا لم يكن كذلك بل كان مرفقا لا من حيث الاستطراق كالجلوس
للبيع ونحوه فلا ريب في تقدم حق الاستطراق عليه عند التعارض،
والله العالم.
* (و) * كيف كان ف‍ * (- إذا قام) * الجالس غير المضر بالمار
بعد استيفاء غرضه وعدم نية العود * (بطل حقه) * الذي لم يعلم ثبوته
له زائدا على ذلك، بل لعل المعلوم عدمه، بل يمكن تحصيل الاجماع
عليه.
* (و) * حينئذ ف‍ * (- لو عاد) * إليه * (بعد أن سبق إلى
مقعده) * غيره * (لم يكن له الدفع) * ضرورة ثبوت الحق حينئذ
للسابق دونه.
* (أما لو قام قبل استيفاء غرضه لحاجة ينوي معها العود قيل) *
وإن كنا لم نعرف القائل: * (كان أحق بمكانه) * للأصل الذي يمكن
منعه، ومن هنا نسبه إلى القيل مشعرا بضعفه، بل صرح الفاضل وغيره
بعدم بقاء حقه.
78

نعم لو كان له فيه رحل ففي محكي المبسوط وجملة من كتب
الفاضل والدروس وغيرها بقاء حقه، لفحوى ما ورد (1) من ذلك في
المسجد، وعن التذكرة أنه أحق به إلى الليل، لقول الصادق (عليه
السلام) (2): " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سوق المسلمين
كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل " ولكن الجميع
كما ترى.
ومن هنا أطلق غير واحد عدم بقاء حقه، سواء استوفى غرضه
أو لا، وسواء كان له رحل أو لا، وسواء كان مع نية العود أو لا،
وسواء كان الزمان طويلا أو لا، وسواء أذن الإمام أو لا.
ولعل الوجه في أصل المسألة أن حقية الطريق للجالس بالسبق ووضع
الرحل ونحو ذلك ليست كحقية التحجير التي تنتقل بالصلح والإرث
ونحوهما، بل هي لا تزيد على حرمة الظلم بدفعه عن مكانه وبالتصرف
برحله الموضوع في مكان كان يجوز له وضعه فيه.
ومن هنا صرح في التذكرة بأنه لو دفعه عن مكانه أثم وحل له
مكثه فيه وصار أحق من غيره به.
وبذلك يظهر أنه لا يدخل في موضوع الغصب ولا يترتب عليه
ضمان، ضرورة عدم كونه من الأموال أو الحقوق المالية كما تقدم بعض
الكلام في الغصب.
وهذا وإن كان قد ينافيه لفظ الحق والأحق في كلامهم بناء على

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة والباب - 17 -
من أبواب آداب التجارة من كتاب التجارة.
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب آداب التجارة - الحديث 1 من كتاب التجارة.
79

انسياق المعنى الزائد على الظلم منه، لكن بمعونة عدم ذكر اللفظ المزبور
هنا في شئ من النصوص المعتبرة - ومعلومية عدم انتقاله للغير بالصلح
ونحوه على وجه يكون للمصالح وإن لم يجلس فيه، وعدم انتقاله بالإرث،
وعدم الفتوى ببقاء حقه لو انتقل عنه بنية العود مع عدم استيفاء
الغرض الذي هو مقتضي الأصل لو كان هو من الحقوق الزائدة على الظلم -
يقوى إرادة عدم جواز دفع أحد له عن المكث فيه وإن كان هو بالأصل
مشتركا بين الناس. وبهذا المعنى ملاحظا فيه الاشتراك المزبور أطلق عليه
لفظ الأحق في عباراتهم.
بل لعله كذلك فيما ورد (1) فيه ذلك من حق المسجد والوقف
ونحوهما باعتبار عدم الجابر لتلك النصوص على وجه يحصل الوثوق بإرادة
المعنى الزائد من الظلم منه، والفرض قصورها أجمع عن درجة الحجية.
وبذلك يتضح أن وضع الرحل الذي صرحوا فيه بالحق معه في المقام
وفيما يأتي من المساجد ونحوها إنما هو باعتبار حرمة التصرف بنقل الرحل
من الموضع الذي كان يجوز له وضعه فيه، فهو من الاحتيال للاختصاص
بالمكان، لا لأن وضعه يثبت حقا للشخص في المكان على نحو آثار التحجير،
فإنه لم نجد في شئ من النصوص إشارة إلى ذلك.
وحينئذ فلو أطاره الريح أو نقله ظالم له أو غيره فالمكان على شركته
الأصلية، للغير المكث فيه والصلاة. وبالجملة وجود الشخص أو رحله
السابق على مجيئه أو المتأخر عنه لا يرفع الاشتراك الأصلي في ذاته وإن
حرم الدفع ونقل المتاع والبساط ونحوه.
وبهذا التحقيق ينكشف لك الحال في المقام بل وغيره مما يأتي،
إلا أنه مع ذلك كله يمكن أن يقال: إن الأحقية تحصل أيضا ما دام

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب آداب التجارة - من كتاب التجارة.
80

يصدق كون الشئ في يد المستحق وفي تصرفه وتحت قبضته، فأخذه منه
حينئذ كدفعه الحسى ظلم.
ولعله لذا اعتبروا الرحل مع نية العود في الطريق والمسجد، بخلاف
ما إذا لم يكن له رحل، فإن نية العود لا تكفي في صدق كون الشئ
في اليد وتحت القبضة.
نعم هو كذلك في سكنى بيوت المدارس والربط ونحوها، ولذا لم
يعتبر أحد منهم بقاء الرحل في الاستحقاق لو خرج الخروج الذي لا ينافي
صدق كونه في قبضته عرفا في مثل الخروج لقضاء حاجة ونحوها، وإن
كان هو لا يخلو من نظر إن لم يكن إجماعا، كما ستعرف إنشاء الله
فتأمل جيدا.
ثم إنه حيث يجوز له الجلوس يجوز له التظليل بما لا يضر بالمارة كما
نص عليه غير واحد وعلى أنه لا يجوز له بناء دكة، بل في الدروس ولا
تسقيف، وإن كان قد يشكل مع فرض عدم الاضرار بالمارة بأن مقتضى
الأصل الجواز.
وفي المسالك " وله أن يظلل عليه موضع جلوسه بما لا يضر بالمارة
من ثوب وبارية ونحوها، لا بناء دكة إلا مع سعة الطريق بحيث لا يتضرر
به المارة أصلا، فيتجه الجواز ". وفيه ما لا يخفى من عدم الفرق مع
فرض عدم الضرر.
ومنه يعلم ما في إطلاق المحكي عن المبسوط " إذا سبق إلى موضع
كان أحق به من غيره، لأن بذلك جرت عادة أهل الأمصار، يفعلون
ذلك. ولا ينكره أحد غير أنه لا يجوز أن يبني دكة ولا ينصب مستندا ".
وتحقيق ذلك هو أن الأصل والسيرة القطعية يقتضيان جواز سائر
وجوه الانتفاع بالمنافع المشتركة إذا لم تعارض أصل المنفعة المقصودة منه
81

الذي أعد لها باحياء المحيي أو بوقف الواقف أو بتسبيل المسبل أو بغير ذلك
من غير فرق بين ما يدوم أثر التصرف كالبناء ونحوه وبين ما لا يدوم
مع فرض عدم إخراجه بذلك عما أعد له، فلو بنى بعض أرض الطريق
بآجر مثلا على وجه لا يخرجه عن أصل الاستطراق لم يكن بذلك بأس
وإن كان مراده بذلك الاستئثار به لو أراد الجلوس عليه غير المضر بالمارة،
باعتبار أنه ملكه نحو وضع البساط نحوه.
وكذلك الكلام في السقف، ولا ينافي ذلك ثبوت حق الاستطراق
بعد ما سمعت من الاجماع على جواز الارتفاق بغير المضر به، فليس
للمستطرق حينئذ اختيار هذه القطعة لاستطراقه بعد فرض وجود ما يصلح
له غيرها، إذ الثابت له حق الاستطراق في المجموع لا في كل جزء، ومن
هنا لم يكن له إزعاج الجالس غير المضر، واستمرت الطريقة على وضع
القمامة وغيرها في الطرقات إذا تكن مضرة بالمستطرق، لوجود ما يصلح
لاستطراقه غيرها.
ولا ينافي ذلك اشتراك الناس فيها بعد أن كان الثابت من الاشتراك
كونه على الوجه المزبور، بل هو مؤكد له، ومن ذلك استمرار الناس
على الانتفاع بالمساجد بغير العبادة مع عدم المزاحمة لأهل المنفعة المقصودة.
ودعوى حرمة الانتفاع بغيرها إلا ما جرت السيرة عليه لا حاصل
لها بعد أن علم منها الجواز على وجه الكلية، لا خصوص أفراد من
الارتفاق، بل صريح كلمات الأصحاب أن المدار على تضرر ذوي المنفعة
المقصودة وعدمه، كما هو واضح، والله العالم.
* (ولو جلس للبيع أو الشراء) * في الطريق * (فالوجه) * عند
المصنف * (المنع إلا في المواضع المتسعة كالرحاب نظرا إلى العادة) *
ونحوه ما في التحرير، غير أنه قال: احتمل المنع. وفي القواعد " ولو
82

جلس للبيع والشراء في الأماكن المتسعة فالأقرب الجواز " وفي الإرشاد
" ولو كان أي الجلوس للبيع أو الشراء في الرحاب فكذلك ".
لكن لا يخفى عليك ما في الجميع من الاجمال، ضرورة أنه إن أريد
بالرحاب المتسعة الأماكن التي ليست طرقا فهو - مع أنه خارج عن
مفروض البحث فلا يصح استثناؤه - أنه لا يناسبه ذكر الوجه والأقرب
والاحتمال فيه، ضرورة عدم المانع من ذلك فيها.
وإن أريد خصوص ما زاد على النصاب مما هو مستطرق فكذلك
أيضا بناء على عدم جريان حكم الطريق على الزائد المزبور، بل لو قلنا
بكونه مثله أشكل الفرق حينئذ بينه وبين غيره مع فرض عدم الضرر،
وربما احتمل إرادة غير المضرة بالاستطراق من المتسعة كما عبر به جماعة،
لكنه كما ترى.
وأوحش منه ما في المسالك وأتباعها في شرح المتن المزبور من أنهم
اختلفوا في جواز الجلوس للبيع والشراء، فمنعه بعضهم مطلقا، لأنه
انتفاع بالبقعة في غير ما أعدت له فكان كالانتفاع بالوقوفات الخاصة في
غير ما عينت له من الجهة، والمشهور التفصيل، وهو المنع من ذلك
في الطريق المسلوك الذي لا يؤمن تأذي المارة به غالبا، وجوازه في
الرحاب المتسعة في خلاله بحيث يؤمن تأذي المارة به.
إذ هو - مع أن ما حكاه من القول الأول لم نعرفه لأحد من العامة
والخاصة، وقد نقل هو وغيره إجماع الناس في جميع الأعصار على فعل
ذلك مع عدم التضرر من غير فرق بين الجلوس للبيع وغيره - أن التفصيل
المزبور لم نعرفه أيضا لأحد إن لم يكن المراد به ما أشرنا إليه من ضرر
المارة وعدمه.
كما أن ما ذكره من قوله: يؤمن ولا يؤمن لا حاصل له أيضا،
83

ضرورة كون المدار في المنع على الضرر المزبور الذي يمكن معه القول
بالجواز حتى يحصل، لا المنع حتى يعلم العدم وإن كان هو محتملا أيضا،
إلا أن الأول أقوى.
وعلى كل حال فلا فرق بين الجلوس للبيع والشراء وبين غيره حتى
الجلوس للنزهة ونحوه، ولو على جهة اتخاذ ذلك موطنا مع فرض عدم
تضرر المارة.
ومن ذلك يعلم ما في المتن والقواعد من جعل حكم الجلوس للبيع
مستقلا عما ذكره أولا من مطلق الجلوس الذي نسب القول فيه لبقاء
حقه مع القيام ونية العود إلى القيل، ولم يشر إلى مسألة الرحل،
ضرورة اتحاد الجميع في مدرك الجواز أو العدم.
وحينئذ فقوله هنا كالفاضل: * (ولو كان كذلك) * أي جلس للبيع
حيث يجوز له ذلك * (فقام ورحلة باق فهو أحق به) * لا يختص
بخصوص البيع، ولعله لذا حكى غير واحد ما هنا في المسألة السابقة
فيما إذا كان الرجل باقيا، فلاحظ تأمل فإنه قد قدمنا تحقيق الحال في
ذلك، والله العالم.
* (ولو رفعه ناويا للعود فعاد قيل) * ولم أعرف القائل به منا:
* (كان أحق به لئلا يتفرق معاملوه فيستضر) *.
نعم في التذكرة عن الجويني من العامة أنه إن مضي زمان ينقطع
فيه الذين ألفوا المعاملة معه ويستفتحون المعاملة مع غيره بطل حقه، وإن
كان دونه لم يبطل، لأن الغرض من تعيين الموضع أن يعرف فيعامل،
فلا فرق بين أن تكون المعاملة لعذر كسفر أو مرض أو لغير عذر، وعلى
هذا فلا يبطل حقه بأن يرجع بالليل إلى بيته، وليس لغيره مزاحمته في اليوم
الثاني، وكذلك الأسواق التي تقام في كل أسبوع أو في كل شهرة مرة
84

إذا اتخذ منها مقعدا كان أحق به في النوبة الثانية وإن تخللت بينهما أيام.
وهو كما ترى مبني على استحسان ونحوه، ضرورة عدم مدخلية
تضرره بثبوت الحق المشترك بين الناس أجمع من الذين يتضررون بذلك
أيضا، وخصوصا من سبق إليه.
* (و) * من هنا * (قيل) * والقائل من عثرنا على كلامه من
الأصحاب وأن تفاوتوا بالاطلاق والتصريح عدا الفاضل في التذكرة:
* (يبطل حقه، إذ لا سبب للاختصاص، و) * لا ريب في أنه * (هو
أولى) * لأصالة الاشتراك السالمة عن المعارض والخبر المزبور (1) الذي
استند إليه الفاضل في التذكرة في كونه أحق به إلى الليل لا جابر له،
مع أن مقتضاه وإن لم ينو العود، بل وإن نوى عدمه.
هذا وفي التذكرة أيضا أنه حيث يختص الجالس بموضعه يختص أيضا
بما حوله على قدر ما يحتاج إليه لوضع متاعه ووقوف المعاملين فيه،
وليس لغيره أن يقعد حيث يمنع من رؤية متاعه أو وصول المعاملين إليه
أو يضيق عليه الكيل والوزن والأخذ والعطاء، وتبعه عليه في المسالك.
ولكن الانصاف عدم دليل معتبر عليه على وجه ينطبق على أصول
الإمامية، خصوصا على مختاره فيها المقتضي لعدم ثبوت حق للسابق
زائد على الظلم الذي ذكرناه سابقا، وخصوصا بعد ما ذكرناه فيمن
نصب خيمته، فلاحظ وتأمل.
اللهم إلا أن يقال: إن الدليل على ذلك صدق السبق إلى ما لا
يسبق إليه مسلم مع كون المسبوق إليه في يده وفي قبضته وفي تصرفه.
ثم قال فيها متصلا بذلك: " هذا في المستوطن، أما المتردد الجوال
الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق يبطل حقه إذا فارق المكان،

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب آداب التجارة - الحديث 1 من كتاب التجارة.
85

وما تقدم من أولوية الجالس إنما هو مفروض في غيره ".
وفيه أن إطلاق الخبر الذي ذكره سندا له يقتضيه.
. وفي المسالك بعد أن ذكر ما سمعته من التذكرة قال: " هذا كله
في المستوطن أما الجوال الذي يقعد كل يوم في موضع من السوق
فلا إشكال في بطلان حقه إذا فارق المكان، بل هذا خارج بنية المفارقة
فلا يدخل في قسم ناوي العود، ولا يفتقر إلى استثناء ".
وفيه أنه لا يستحيل فرض نية العود منه، وخصوصا في بعض
اليوم، إذ الكلام أن نية عوده تقوم مقام مكثه في بقاء الحق أو لا،
فيجري فيه حينئذ ما يجري في غيره، نعم لا يجئ على كلام الجويني
الذي جعل المدار على التضرر بمعرفة المكان، فتأمل فإن المقام في بعض
الكتب غير نقي، والله العالم والهادي.
* (و) * كيف كان ف‍ * (ليس للسلطان) * فضلا عن غيره
* (أن يقطع ذلك) * أو بعضه * (كما لا يجوز إحياؤه ولا تحجيره) *
بلا خلاف أجده فيه عدا ما تسمعه من التذكرة، وذلك لأن مورد
الثلاثة الموات لا ما تعلق به حق المسلمين.
خلافا لبعض العامة فجوز إقطاع الإمام، لأن له يدا وتصرفا فيما
يصلح المسلمين، كما أن له إزعاج بعض الجالسين.
وهو مبني على أصولهم لا أصولنا التي منها عصمة الإمام الذي هو
وإن كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، إلا أن تصرفه في ذلك يكون على
القوانين الشرعية، نعم لو فعل كان هو القانون الشرعي.
هذا ولكن في التذكرة " يجوز أن يقطع إنسانا الجلوس في المواضع
المتسعة في الشوارع، فيختص بالجلوس فيه، وإذا قام عنه لم يكن لغيره
86

الجلوس فيه للاقطاع، وبه فرق بينه وبين السابق الذي يزول حقه
بانتقاله ".
ولا يخفى عليك ما فيه، خصوصا إذا أراد عدم جواز انتفاع غيره
حتى وقت انتقاله عنه، واحتمال أن ما لا يتضرر به المارة يبقى حكمه
حكم الموات للإمام (عليه السلام) يدفعه أن الطريق قد أحيي طريقا
وتعلق به حق المستطرقين بأجمعه وإن اتفق في بعض الأزمنة عدم الضرر
على المارة ولكن ذلك لا يجعله موتا، كما هو واضح.
ثم إن الظاهر عدم الفرق في استحقاق الاستطراق بين المسلمين
وغيرهم من أهل الذمة، بل لهم الانتفاع به أيضا فيما لا يضر بالمارة على
نحو المسلم، للسيرة المستمرة على ذلك.
ولو استبق اثنان على وجه تعلق حقهما به معا ولم يمكن الجمع
فالأقرب القرعة، بناء على ما ذكرناه غير مرة من أنها لكل أمر مشكل
لجهل به أو لغيره، ولا ريب في تحققه هنا بعد أن لم يكن معينا شرعيا.
فما عن بعض العامة من أن التعين للإمام بحسب المصلحة من أحوجية
ونحوها واضح الضعف وإن احتمل في المحكي عن حواشي الشهيد تقديم
الأحوج قال: " لأن القرعة لتعيين المجهول عندنا إذا كان متعينا في
نفس الأمر، وليس كذلك هنا " لكنه كما ترى، على أنه ما ندري ماذا
يقول مع تساويهما في الاحتياج.
ولو اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي النهاية ومحكي السرائر
إذا لم يعلم المشتري ثم علم بعد ذلك لم يكن عليه شئ إذا لم يتميز
الطريق، فإذا تميز وجب عليه ردها إليه، ورجع على البائع بالدرك.
ولعله لموثق ابن مسلم (1) عن أحدهما (عليهما السلام) " سألته

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب عقد البيع - الحديث 3 من كتاب التجارة.
87

عن رجل اشترى دارا فيها زيادة من الطريق، قال: إن كان ذلك في
ما اشترى فلا بأس " وخبر عبد الله بن أبي أمية (1) " سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) عن دار يشتريها يكون فيها زيادة من الطريق، قال:
إن كان ذلك دخل عليه في ما حدد له فلا بأس ".
وفيه أن الخبر الثاني ضعيف لا جابر له، بل الظاهر تحقق الموهن.
وأما الأول وإن كان موثقا إلا أنه مخالف لما عرفت من عدم جواز
تملك أحد للطريق.
وما سمعته من الشيخ والحلي من عدم التمييز لا يقتضي الحل،
إذ أقصاه جهل المغصوب، وذلك لا يقتضي حله، فالمتجه حينئذ بطلان
البيع للجهالة. أما مع عدم جهالته ولكن لم يعلم بغصبه كذلك فللمشتري
الخيار بتبعيض الصفقة.
ويمكن حمل الخبرين المزبورين على عدم تبين الغصب حملا لفعل
المسلم على الوجه الصحيح، إذ يمكن كون الطريق مرفوعا وأخذه بإذن
أربابه، ويمكن أن يكون مسلوكا ولكن كان فيه زيادة على المقدر
الشرعي، بناء على بقاء مثله على الإباحة أو أن للحاكم المصالحة عنه
مصلحة للمسلمين.
وبالجملة لا صراحة فيهما بدخول الزيادة على الوجه الغصبي وإلا
كانا مطرحين، لمخالفتهما للضوابط مع قلة العامل، بل عدمه صريحا
على الوجه المزبور، والله العالم.
* (وأما المسجد ف‍) * - لا إشكال ولا خلاف في أن * (من سبق إلى
مكان منه فهو أحق به ما دام جالسا) * فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع
أو الضرورة عليه، بل في المسالك وغيرها سواء كان جلوسه لصلاة أم

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب عقد البيع - الحديث 4 من كتاب التجارة.
88

لمطلق العبادة أم لتدريس العلم والافتاء ونحو ذلك.
قلت: بل وإن لم يكن لشئ من ذلك، بل لنفس الجلوس فضلا
عن الاشتغال بأمر آخر، نعم ليس له ذلك مع مزاحمة المصلين على نحو
ما سمعته في الطريق.
وهل الصلاة مقدمة على غيرها من العبادات كقراءة القرآن؟ وجهان،
أقواهما ذلك، ولكن لم أجده في كلام أحد من الأصحاب، بل ولا غيره
من صور التعارض المتصور في المقام.
وعلى كل حال * (فلو قام مفارقا) * رافعا يده عنه * (بطل
حقه) * بلا خلاف * (و) * لا إشكال حتى * (لو عاد) * وقد
شغله غيره.
* (وأن قام ناويا للعود) * إليه * (فإن كان رحله باقيا فيه فهو
أحق به، وإلا كان مع غيره سواء) * كما صرح، به الفاضل والشهيدان
والكركي وغيرهم، بل في جامع المقاصد أنه المشهور، بل في محكي المبسوط
نفي الخلاف فيه، قال: " فمن سبق إلى مكان في المسجد كان أحق به،
فإن قام وترك رحله فيه، فحقه باق، وإن حول رحله منه انقطع حقه
منه، ولا خلاف فيه، وفيه نص لنا عن الأئمة (عليهم السلام) ".
بل ليس فيه نية العود كالإرشاد والدروس، ففي الأول " ولو قام
ورحله فيه فهو أولى عند العود وإلا فلا " وفي الثاني " فإذا فارقه بطل
حقه إلا أن يكون رحله باقيا " بل في الروضة " هذا الشرط - أي نية
العود - لم يذكره كثير " وإن كنا لم نتحققه.
بل ربما مال إليه بعض مشائخنا، لنفي الخلاف والمرسل المزبورين
في المبسوط المؤيدين بالخبر (1) " إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 151 وفيه " إذا قام الرجل من مجلسه ثم عاد إليه فهو أحق به ".
89

أحق به إذا عاد إليه " " بل والخبر (1) السابق " سوق المسلمين كمسجدهم
فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل ".
لكن فيه أنه لا وجه لبقاء الأحقية مع الاعراض عنه، ضرورة
معلومية اشتراك الناس فيه، وبقاء الرحل ليس تحجيرا، ونفي الخلاف في
الفرض غير متحقق، بل لعل عكسه كذلك، فلا جابر للمرسل المزبور،
بل ولا للخبرين المذكورين المقتضيين ثبوت الأولوية حتى مع عدم بقاء
الرحل.
نعم قد يقال بالحكم بها مع بقاء الرحل في صورة الجهل بالحال
اعتمادا على شاهد الحال الذي هو بقاء الرحل، أما مع العلم بالعدم فلا ريب
في عدمها، بل لو علم تردده في المجئ، وعدمه لم يكن له حق وإن كان
مقتضى إطلاق ما سمعت ذلك، لكن لا جابر له، فلا يكون حجة.
نعم مقتضى إطلاق النص عدم الفرق بين طول الزمان وقصره،
لكن في المسالك عن الذكرى تقييده بأن لا يطول زمان المفارقة، وإلا بطل
حقه أيضا، قال: " ولا بأس به خصوصا مع حضور الجماعة واستلزام
تجنب موضعه وجود فرجة في الصف، للنهي (2) عن ذلك، بل استثنى
بعضهم ذلك مطلقا وحكم بسقوط حقه حينئذ، ولا بأس به ".
وفيه أن ذلك مجرد اعتبار لا يقتضي سقوط الحق الثابت بالدليل.
نعم قد يقال: إن المراد بالأحقية تقدمه على غيره عند التعارض
لا جواز الانتفاع بالمكان حال عدمه، فحينئذ يجوز لغيره الوقوف فيه،
فإذا جاء تنحى عنه ولو في أثناء الصلاة مع فرض عدم اقتضاء ذلك
التصرف برحله وإلا لم يجز له لذلك لا للأحقية المزبورة.

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب آداب التجارة - الحديث 1 من كتاب التجارة.
(2) الوسائل - الباب - 70 - من أبواب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة.
90

وفي المسالك متصلا بما حكيناه " ثم على تقدير سقوط حقه يجوز
رفع رحله إن استلزم شغل موضعه التصرف فيه وتوقف تسوية الصف
عليه، ويضمن الرافع له إلى أن يوصله إلى صاحبه جميعا بين الحقين، مع
احتمال عدم الضمان للإذن شرعا ".
قلت: لا يخفى عليك ضعف الاحتمال المزبور، لما ذكرناه غير مرة
من أصالة الضمان مطلقا، لقاعدة اليد وغيرها.
بل قد يقال: إن سقوط أحقيته لا يقتضي جواز التصرف في ماله
بعد أن كان وضعه بحق ولم تنحصر الصلاة في الموضع المخصوص، فتأمل
جيدا.
ثم لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه أنه لا خلاف في سقوط
حقه مع عدم الرحل وإن نوى العود وكان قيامه لضرورة من تجديد طهارة
* (و) * نحوها.
لكن في المتن * (قيل: إن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة وما
أشبهه لم يبطل حقه) * ولكن لم نعرف القائل من تقدمه، نعم هو للفاضل
في التذكرة والشافعي في أحد قوليه، لاطلاق الخبر (1) السابق الذي
لا جابر له فيه، بل الموهن متحقق.
أما إذا كان قيامه لغير ضرورة فلا ريب ولا خلاف في سقوط حقه،
لكن في المسالك نسبته إلى المشهور مشعرا بوجود الخلاف فيه، قال:
" وفرقوا بينه وبين مقاعد الأسواق بأن غرض المعاملة يختلف باختلاف
المقاعد، والصلاة في بقاع المسجد لا تختلف " ثم نظر فيه بمنع عدم
اختلاف بقاع المسجد في الفضيلة، لأن ثواب الصلاة في الصف الأول

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 151.
91

أكثر، وقد يألف الانسان بقعة من المسجد ويتضرر بفواتها كتضرره
بفوات المتعاملين.
قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت سابقا من أن أحدا من
أصحابنا لم يقل بذلك فضلا عن أن يكون هو المشهور كما هو مقتضى
كلامه حتى يحتاج إلى الفرق المزبور، والنظر المذكور مع أن فيه ما
فيه إنما ذكر ذلك الجويني كما عرفت الكلام فيه سابقا.
وكذا الكلام في قوله متصلا بما سمعت: " وظاهر الأصحاب عدم
الفرق هنا بين من يألف بقعة ليقرأ عليه القرآن ويتعلم من الفقه ونحو ذلك
وغيره، لعموم قوله تعالى (1): " سواء العاكف فيه والباد " وفرق
بعضهم فأوجب أولوية المذكورين، كمقاعد الأسواق خصوصا في الجوامع
الكبيرة، لأن له غرضا في ذلك الموضع ليألفه الناس " فإنه لم نجد الفرق
المزبور لأحد من أصحابنا، وإنما هو لبعض الشافعية الذين يناسب أصولهم
الاعتبارات المزبورة.
وأغرب من ذلك قوله متصلا بما سمعت: " وإن كان قيامه
لضرورة لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة وقضاء حاجة ففي بطلان حقه
وجهان: أحدهما - وهو الذي قطع به المصنف - عدم البطلان، لمكان الضرورة
واحتج له في التذكرة بقول النبي (صلى الله عليه وآله) (2): " إذا
قام " إلى آخره. وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (3): " سوق "
إلى آخره. ويشكل مع قطع النظر عن السند بأنه أعم من المدعى وأنتم
لا تقولون به على العموم، والمخصص لهما مع عدم الضرورة مخصص

(1) سورة الحج: 22 - الآية 25.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 151.
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب آداب التجارة - الحديث 1 من كتاب التجارة.
92

معها. والوجه الثاني بطلان حقه، لحصول المفارقة " إذ هو كما ترى
نسب إلى المصنف الأول وصريح كلامه خلافه، بل قد عرفت أنه لم
نعرفه قولا لأحد من أصحابنا. ومنه يعلم ما قوله: " وجهان " المشعر
بالتردد.
ثم أن ظاهر الأصحاب عدم الفرق في بطلان الحق مع عدم الرحل
بمفارقة المكان للعذر بين كونه قبل الصلاة أو في أثنائها، لكن في الدروس
الفرق فحكم ببقاء الأولوية في الثاني إلا أن يجد مكانا مساويا للأول أو
أولى منه، وسقوطها في الأول محتجا بأنها صلاة واحدة فلا يمنع من
إتمامها.
وفيه أن حقه تابع لاستقراره بعد فرض عدم الرحل، وإتمامها
لا يتوقف على مكان الشروع، وفرض كونه أقرب للعود لا يقتضي بقاء
الأولوية المزبورة وإن أدى ذلك إلى بطلان صلاته، كما هو واضح.
ثم إن ظاهر الأصحاب هنا بيان حكم المفارقة مع بقاء الرحل الذي
قيل إنه شئ من أمتعته وإن قل.
أما السبق بذلك فهل يوجب الأحقية أو لا بد من وصوله إليه نفسه
واستقراره عليه؟ قد يظهر الثاني من المحكي عن الشهيد، فإنه حكى عن
الفاضل في التحرير في كتاب الصلاة أنه لا تحصل الأولوية بالرحل في
المسجد، وجمع بين ذلك وبين كلامه هنا بحمل الأول على تقدم رحله
من غير استقرار عليه وكلامه هنا على الاستقرار ثم الخروج بعد ذلك.
ولعل مراده من الاستقرار مطلق الكون، ضرورة عدم مدخليته في
ثبوت الأحقية مع الوصول إليه.
وقد يقال بتحقق السبق بمثل ذلك عرفا وإن لم يصل إليه، لكنه
محل شك، والأصل عدمه خصوصا بعد ظهور كلمات الأصحاب في الثاني.
93

لكن لا يخفي عليك أنه بناء على ما حققناه سابقا في الطريق يتجه
عدم ثبوت الأحقية ببقاء المتاع إذا كان صغيرا بحيث لا يستلزم المكث
في المكان التصرف فيه، نعم لو كان كبيرا مشغلا للمكان مثلا اتجه
وجوب الاجتناب، لحرمة التصرف بمال الغير، لا لأن وضعه يفيد أحقية
في المكان نحو التحجير وإن كان جملة من العبارات توهم ذلك، لكن
قد عرفت عدم الدليل له.
وعليه لا فرق حينئذ بين الصغير والكبير بعد صدق اسم الرحل لا غيره
كالتربة ونحوها.
* (و) * بذلك يظهر لك النظر في بعض كلمات بعض. كما أنه ظهر لك
أيضا مما ذكرناه سابقا في الاستباق للجلوس للبيع مثلا في الطريق مع عدم
الضرر بالمارة الوجه فيما * (لو استبق اثنان) * هنا مثلا إلى موضع من
المسجد * (فتوافيا) * إليه على حد سواء * (ف‍) * - إن الحكم فيهما متحد
* (إن أمكن الاجتماع جاز وإن تعاسرا أقرع بينهما) * فلاحظ وتأمل،
والله العالم.
و * (أما المدارس والربط) * جمع رباط ككتاب وكتب * (فمن
سكن بيتا) * منها مثلا * (ممن له السكنى) * بأن كان متصفا بالوصف
المعتبر في الاستحقاق إما في أصله بأن يكون مشتغلا بالعلم في المدرسة
أو بحسب الشرط بأن تكون موقوفة على قبيل مخصوص أو نوع من
العلم يتصف به الساكن، وحينئذ * (فهو أحق به) * بمعنى عدم جواز
إزعاج أحد له بلا خلاف أجده فيه، لأنه أحد المستحقين لذلك، فازعاجه
ظلم قبيح عقلا ونقلا * (وإن تطاولت المدة ما لم يشترط الواقف أمدا
فليزمه الخروج عند انقضائه) * بلا فصل وإن لم يؤمر به.
نعم في الدروس " ويحتمل في المدرسة ودار القرآن الازعاج إذا تم
94

غرضه من ذلك، ويقوى الاحتمال إذا ترك التشاغل بالعلم والقرآن وإن
لم يشترطهما الواقف، لأن موضوع المدرسة ذلك، أما الربط فلا غرض
فيه، فيجوز الدوام فيه ".
وفيه أنه إن خرج عن الموضوع بتمام الغرض أزعج قطعا، وإلا
فلا وجه للاحتمال، بل ولا لما قواه فيه، ضرورة أنه إن لم يشترطها ولكن كانت
هي المنفعة المقصودة فالمتجه حينئذ عدم معارضة لأهلها، كما سمعته في
الطريق والمسجد، وإلا كان الناس فيها شرعا سواء.
نعم احتمل في التحرير جواز الازعاج مع طول المكث على وجه
يكون كالملك، قال: " ولو طال الاستيطان على هذه الانتفاعات المشتركة
وصار كالملك الذي يبطل به أثر الاشتراك ففي الازعاج إشكال ".
وفيه أنه لا إشكال مع فرض منافاة مصلحة الوقف، أما مع عدمها
لوجود ما يحترز به عن ذلك فالمتجه عدم جواز الازعاج.
ومنه يعلم ما في جامع المقاصد قال: " ولو أدى طول المدة إلى
التباس الحال بحيث يمكن لو ادعى الملك أن يلتبس على الناس عدم صحة
دعواه احتمل جواز الازعاج أيضا لأنه مضر بالوقف ". * (و) * على
كل حال فهو أمر آخر.
نعم * (لو اشترط مع السكنى التشاغل بالعلم) * مثلا * (فأهمل
ألزم الخروج) * إن لم يخرج بنفسه بلا خلاف ولا إشكال، إذ الوقوف
على حسب ما يقفها أهلها المقتضي لعدم جواز سكنى المفروض * (وإن
استمر على الشرط لم يجز إزعاجه) * لكونه حينئذ من المستحق.
وكيف كان ففي التذكرة " ولا يبطل حقه بالخروج لحاجة كشراء
مأكول أو مشروب أو ثوب أو قضاء حاجة وما أشبه ذلك، ولا يلزمه
تخليف أحد في الموضع، ولا أن يترك متاعه فيه. لأنه قد لا يجد غيره
95

وقد لا يأمن متاعه سواه " ونحوه في المسالك وبعض أتباعها مع زيادة
لفظ " قطعا " فيها.
لكن ستسمع من الكركي نوع تردد فيما يقرب منه، ولعله لامكان
منع صدق كونه في يده وقبضته مع فرض عدم دخل له فيه، ولأن
منافع الوقف العام لا تستحق إلا بالاستيفاء إذا لم يكن بإجارة من حاكم
مثلا، فالساكن حينئذ ليس له إلا حق الاستيفاء التدريجي، بمعنى عدم
مزاحمة الغير له، فهو في الحقيقة سبق استيفائه مقدم على غيره إلا أنه حصل
له حق بالسبق على وجه يثبت له حق الاستيفاء المستقبل وإن لم يكن له
رحل وإلا لثبت ذلك في المسجد والطريق، فإن الجميع من واد واحد
من حيث الدليل.
اللهم إلا أن يقال بملاحظة ذلك للواقف، وفيه تأمل أو منع، أو
يقال باختلاف أفراد المسبوق إليه بالسبق عرفا، ففي المدارس مثلا يصدق
أنه في يده وفي قبضته نحو باقي الأعيان الموقوفة كالكتاب ونحوه، فإنه
إذا كان في يد شخص لا يستحقه آخر بمجرد وضعه من يده الحسية،
بخلاف المسجد والطريق.
ولكن لا يخفى عليك أن ذلك كله تهجس، وإلا فالموافق لما عليه
سيرة الناس وعملهم في جميع الأعصار أن المدرسة والرباط ونحوهما إذا
لم يشترط الواقف كيفية خاصة وحالا مخصوصا أو لم يعلم بحاله كالمسجد
في جواز الانتفاع، وأنه أحق من غيره في استيفاء المنفعة المشتركة بينه
وبين غيره بالسبق على الوجه الذي ذكرناه، والمنفعة المقصودة للواقف
الملاحظة لا على جهة الشرطية فائدتها الترجيح عند المعارضة، لا عدم
جواز الانتفاع بغيرها مع عدم المعارضة.
وحينئذ فقد يقال: إنه بعد أن كان المتعارف في العمل ذلك يمكن
96

أن يكون الواقف مدرسة مثلا أو رباطا يكون مقصود ذلك، نحو
الوقف مسجدا الذي قد ورد فيه أنه " بيت الله " (1) وأنه " منزل
للغرباء والضعفاء " ونحو ذلك مما هو راجع إلى الشرع لا مدخلية
للواقف في ملاحظته.
بل قد يحتمل أن ذلك إذن شرعية باعتبار خروج المال عن يد
الواقف لا على جهة خاصة، فصار أمره إلى الشرع الذي مقتضاه ما عرفت.
وكون المراد من المسجد بيتا للعبادة مثلا بخلاف المدرسة - فإن
المراد فيها السكنى - غير مجد، ضرورة أن التشاغل بها لا يقتضي ثبوت
الحق له في مستقبل الزمان وفي حال عدم قابليته لها، نعم لا يبعد إلحاق
المفارقة لها في الأزمنة التي لا تنافي صدق التشاغل فيها بها، ولو للسيرة
المستمرة على ذلك، فكل ما لا يكون كذلك سقط حقه حينئذ، كما يشهد
له ما تسمعه منهم في صورة المفارقة، والله العالم.
* (و) * كيف كان ف‍ * (- له) * أي السابق المستحق * (أن
يمنع من يساكنه ما دام متصفا بما به يستحق السكنى) * إذا كانت العادة
أو الشرط من الواقف يقتضي انفراد الواحد، أما لو فرض كون البيت
الواحد معدا لجماعة باشتراط الواقف أو باقتضاء العادة لم يجز لأحد منع
غيره إلا أن يبلغ العدد النصاب فلهم حينئذ منع الزائد، والله العالم.
* (ولو فارق) * الساكن المسكن على وجه خارج عما عرفته من
الأمور الضرورية للساكن، بل كان * (لعذر) * وغرض ناويا للعود
إليه كسفر لزيارة مثلا * (قيل) * ولم نعرف القائل ممن تقدمه:

الوسائل - الباب - 70 - من أبواب أحكام المساجد - الحديث 1 من كتاب
الصلاة وفيه " بيوت الله ".
97

* (هو أولى عند العود) * وإن لم يكن له فيه رحل، لصدق كونه
سابقا، وأن ما سبق إليه في يده وفي قبضته.
* (و) * لكن * (فيه تردد) * مما عرفت ومما ستعرف لا لصدق
المفارقة التي هي ليست عنوانا في شئ من الأدلة * (ولعل الأقرب سقوط
الأولوية) * التي مقتضى الأصل عدمها في مثل الفرض، بل في القواعد
والإرشاد الجزم بذلك، بل في الروضة نسبته إلى الأكثر.
لكن في التذكرة " ولو فارق لعذر أياما قليلة فهو أحق إذا عاد،
لأنه ألفه، وإن طالت غيبته بطل حقه " واستحسنه في المسالك، وقواه
في الروضة، بل قد يظهر من اللمعة عدم البطلان مطلقا.
وفي جامع المقاصد " والظاهر أن مفارقته من غير أن يبقى رحله
مسقط لأولويته ولو قصر الزمان جدا، كما لو خرج لغرض لا ينفك عن
مثله عادة ولا يخرج في العادة عن كونه ساكنا، ففي بقاء حقه قوة ".
وعن تعليق الإرشاد له أيضا فيما إذا لم يبق رحله وقصر الزمان
وجهان، وعن التحرير " لا إشكال في بقاء حقه حيث فارق لعذر " ونحوه
عن الكفاية.
وفي الدروس " لو فارق ساكن المدرسة والرباط ففيه أوجه، زوال
حقه كالمسجد، وبقاؤه مطلقا، لأنه باستيلائه جرى مجرى الملك، وبقاؤه
إن قصرت المدة دون ما إذا طالت لئلا يضر بالمستحقين، وبقاؤه إن
خرج لضرورة كطلب تأدية مهمة وإن طالت المدة، وبقاؤه إن بقي رحله
وخادمه، والأقرب تفويض ذلك إلى ما يراه الناظر ".
وقد يشكل بأن الناظر ليس له إخراج المستحق اقتراحا، فرأيه فرع
الاستحقاق وعدمه، نعم لو فوض إليه الأمر مطلقا فلا إشكال.
أما إذا أبقى رحله ففي القواعد الاشكال فيه، قيل من أنه وضع بحق
98

سابق اقتضى الأولوية على غيره فلا يزال، ومن أن المدرسة للسكنى
لا لوضع الرحل وإنما جاز وضعه تبعا لها وقد زالت فيزول التابع.
ورده الكركي بأن المتنازع فيه هو زوال السكنى بالخروج مع بقاء
الرحل، ومن خرج عن بيت مع بقاء متاعه فيه لغرض لا يخرج عن كونه
ساكنا فيه عادة.
ومن هنا قال في جامع المقاصد: " الأقرب بقاء الحق إن لم تطل
المدة بحيث يؤدي إلى التعطيل " ونحوه عن تعليقه على الإرشاد وحواشي
الشهيد، وفي الروضة " الأقوى أنه مع بقاء الرحل وقصر المدة لا يبطل
حقه، وبدون الرحل يبطل إلا أنه يقصر الزمان بحيث لا يخرج عن
الإقامة عرفا ".
هذا كله في المفارقة لعذر، أما إذا كانت لغير عذر فظاهر المتن
وغيره بطلان حقه مطلقا، بل هو صريح المسالك والروضة وغيرهما، بل
في الكفاية أنه الأشهر.
قلت: قد ذكرنا ما يظهر لك منه ما في كثير من هذه الكلمات
وغيرها المنبئة عن عدم تحقيق الحال عندهم في ذلك، والمتجه ما عرفت
من عدم ثبوت حق للسابق إلا على معنى عدم مزاحمة الغير في استيفائه
على الوجه الذي ذكرناه.
وبقاء الرحل ليس هو من التحجير، ولذا لا يورث ولا يصالح
عنه ولا غير ذلك مما يجري على الحقوق المالية، وإنما هو طريق شرعي
لحبس المكان باعتبار حرمة التصرف فيه للغير مع فرض عدم المعارضة
لذي المنفعة المقصودة، ونحوه جار في المدارس والربط أيضا ما لم يلزم
التعطيل المنافي لغرض الواقف، وإلا فليس لأحد التصرف فيه بعد أن
كان وضعه بحق.
99

والأصل في ذلك عدم أدلة شرعية يتضح منها الحال، إذ ليس إلا
النصوص التي هي غيره جامعة لشرائط الحجية حتى الجبر بشهرة ونحوها في
محال الشك، لما عرفته من الاشكال والاضطراب.
ومن هنا لا وجه لدعوى استصحاب بقاء الحق ونحوه بعد أن لم
يعلم كون الحق الثابت مما يستصحب أو لا، إذ المحتمل كونه ما ذكرناه،
وكلمات الأصحاب وإن اشتملت على التعبير به أيضا إلا أنها أيضا غير
منقحة بالنسبة إلى ذلك، كعدم تنقيحها في مفروض المسألة الذي جزموا
بسقوط الحق بالمفارقة لغير عذر وإن قصر الزمان، بل ومعه إلا من
سمعت مع صدق السكنى العرفية التي يمكن أن يكون بناؤها على التسامح
ومعاملة الوقف معاملة الملك، وكذا كلامهم مع الرحل، فلا مناص
حينئذ إلا ما ذكرناه، والله العالم والهادي.
(الطرف الرابع)
* (في المعادن) *
جمع معدن، وقد تقدم الكلام فيه في كتاب الصلاة (1) وقيل:
إن المجتمع من كلمات (كلام خ ل) الفقهاء واللغويين هو ما استخرج
من الأرض مما كانت أصله واشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها،
وإليه يرجع ما في المسالك من أنها هي البقاع التي أودعها الله شيئا من
الجواهر المطلوبة.

(1) راجع ج 8 ص 412.
100

وعلى كل حال ف‍ * (- الظاهرة منها وهي التي لا تفتقر إلى
إظهار) * بمعنى عدم احتياج الوصول إليها مؤونة * (كالملح والنفط
والقار) * والكبريت والموميا والكحل والبرام وغيرها مما هي ظاهرة
بلا عمل وإنما السعي والعمل لأخذه * (لا تملك بالاحياء) * معدنا، لعدم
تصوره بعد أن كان هو الحفر ونحوه لاظهاره، كما ستعرفه في المعادن
الباطنة، والفرض هنا ظهوره.
نعم لو أراد إحياؤها دارا مثلا أو غيرها مما لا ينافي كونها معدنا
أمكن القول بصحته، فيملكه حينئذ إن لم يكن إجماعا على خلافه ولو
لاطلاقهم عدم إحيائها ولكن لم أجد ذلك محررا في كلامهم.
* (و) * عليه ف‍ * (لا يختص بها المحجر) * الذي هو الشارع
في الاحياء الذي عرفت انتفاؤه.
* (وفي جواز إقطاع السلطان المعادن) * المزبورة * (والمياه تردد) *
من عموم ولايته المستفادة من قوله تعالى (1): " أولى بالمؤمنين من أنفسهم "
وغيره، وكونها من الأنفال في خبر إسحاق بن عمار المروي عن تفسير
علي بن إبراهيم (2) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأنفال
فقال: هي التي خربت - إلى أن قال -: والمعادن منها " وفي المرسل (3)
عن الصادق (عليه السلام) " أنه سئل عن الأنفال، فقال: منها
المعادن والآجام " الحديث. " والناس مسلطون على أموالهم " (4)

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 6.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 20 من كتاب الخمس.
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 28 من كتاب الخمس.
وهو خبر أبي بصير عن الباقر (عليه السلام) كما نقله (قده) في كتاب الخمس
راجع ج 16 ص 121.
(4) البحار - ج 2 ص 272 - الطبعة الحديثة.
101

خصوصا بعد ما في بعض نصوص (1) الأنفال " أن ما كان لله فهو
لرسوله يضعه حيث شاء وكذلك الإمام بعده ".
ومن أن مورد الاقطاع الموات باعتبار كونه كالتحجير، وقد
عرفت أنه لا تندرج فيه المعادن، ولو لما ستسمع من أن المشهور كون
الناس فيها شرعا فلا وجه لاقطاعها حينئذ.
وعن حنان (2) قال: " استقطعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
معدنا من الملح بمازن فأقطعنيه، فقلت: يا رسول الله أنه بمنزلة الماء العد،
- يعني أنها لا تنقطع ولا تحتاج إلى عمل - فقال رسول الله (صلى الله عليه
وآله): فلا آذن ".
لكن في المسالك " هذه الرواية على تقدير صحتها محتملة للقولين،
لكنها قد تشكل على أصول أصحابنا، لتغيير رأيه في الحكم بسبب اختلاف
النظر في المعدن، وهي نظير ما روي عنه (صلى الله عليه وآله) (3)
" لو بلغني هذه الأبيات قبل قتله لما قتلته " يعني النظر بن الحارث لما
بلغه أبيات أخته ترثيه بها، والجواب عنهما واحد ".
قلت: لعله هو من تغير الحكمة التي يدور معها الحكم الشرعي،
كما أنه قد يجاب عن رواية المقام بأن ظاهر استقطاع السائل كون المعدن
مواتا يحتاج إلى إحياء، فلما أظهر للنبي (صلى الله عليه وآله) كون
المعدن ظاهرا حيا منع من إقطاعه، فلا دلالة فيها حينئذ إلا على منع

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال الحديث 1 و 10 و 12.
(2) نقله ابن قدامة في المغني ج 6 ص 156 عن أبيض بن حمال وفيه " بمأرب "
بدل " بمازن " ورواه البيهقي باختلاف يسير في سننه ج 6 ص 149.
(3) سيرة ابن هشام ج 3 ص 45 ط مصر عام 1355
102

إقطاع الظاهرة منها التي هي محل البحث، إذ لا كلام في جواز إقطاع
الباطنة كما ستعرفه.
وبالجملة هذه المسألة كنظائرها المذكورة في هذا الكتاب قد ذكرها
العامة بناء على أصولهم في أئمتهم الذين يجوز عليهم - إن لم يكن قد وقع
منهم - كل قبيح، لأن الأحكام الصادرة منهم عن اجتهاد ورأي وغير
ذلك من الأمور الفاسدة، كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بأحوالهم
بخلاف الإمام (عليه السلام) عندنا الذي لا ينطق عن الهوى، وإن هو
إلا وحي يوحى، ولاطلاعه على المصالح الواقعية وكونه معصوما عن
ترك الأولى فضلا عن غيره صار أولى من المؤمنين بأنفسهم. فالمتجه حينئذ
سقوط هذا البحث، ضرورة أن له الفعل وإن لم يسم؟ إقطاعا عرفا.
نعم لا يجوز ذلك ونحوه عما هو متوقف على المصالح الواقعية للنائب
العام، لعدم عموم لنيابته على وجه يشمل مثل ذلك مما هو مبني على معرفة
المصالح الواقعية، وليس له ميزان ظاهر أذنوا (عليهم السلام) فيه
فهو من خواص الإمامة لا يندرج في إطلاق ما دل (1) على نيابة الغيبة
المنصرف إلى ما كان منطبقا على الموازين الشرعية الظاهرة، كالقضاء
والولاية الأطفال ونحو ذلك لا نحو الفرض.
* (وكذا) * التردد * (في) * جواز * (اختصاص) * السلطان
* (المقطع بها) * مما سمعت من كونه أولى وغيره، ومن أن الناس فيها
شرع سواء، ولكن قد عرفت تحقيق الحال.
* (و) * كيف كان فكل * (من سبق إليها فله أخذ
حاجته) * بلا خلاف ولا إشكال * (بل ولو تسابق اثنان) * مثلا
* (فالسابق أولى) * بلا خلاف ولا إشكال، لعموم (2) " من سبق

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 9 من كتاب القضاء.
(2) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 4 وسنن البيهقي
ج 6 ص 142.
103

إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به " ولغيره مما تقتضيه من حرمة
الظلم ونحوه بعد أن كان الشئ مشتركا بين الجميع وسبق إليه أحدهم،
فيأخذ حينئذ بغيته وإن زاد على ما يعتاد لمثله، وفاقا للفاضل والشهيدين
والكركي ومحكي المبسوط وغيرهم خلافا للمحكي عن بعض، فلا يجوز له
إلا ما يعتاد لمثله، ولا ريب في ضعفه، لاطلاق الأحقية.
لكن في المسالك " وعليه فلو أراد الزيادة على ما يقتضيه حق السبق
ففي إجابته وجهان من تحقق الأولوية بالسبق، ومن أن عكوف غيره
يفيد أولوية في الجملة، والأصح الأول " وفيه أن ما ذكر من الوجه
الأول لا يوافق ما فرضه، ومنه يعلم في قوله: " الأصح ".
والأولى من ذلك ما ذكرناه إلا مع وصول الأمر إلى حد المضارة
بالغير، ولعله إلى ذلك يرجع ما في جامع المقاصد من التقييد بما إذا لم
يصر مقيما.
كما أن مرجع قول بعض الأصحاب: أخذ بغيته وحاجته ونحوهما إلى
شئ واحد، وهو جواز الأخذ ولو زائدا على الحاجة ما لم تحصل المضارة،
والله العالم.
* (و) * كيف كان ف‍ - * (- لو توافيا) * على وجه لم يسبق
أحدهما الآخر * (و) * لكنهما بالنسبة إلى غيرهما سابق فإن * (أمكن أن
يأخذ كل منهما بغيته) * دفعة أو تدريجا برضاهما * (فلا بحث، وإلا
أقرع بينهما مع التعاسر) * ولو بالنسبة إلى تقديم أحدهما إذا فرض وفاء
المعدن بحاجتهما معا ولكنه ضيق عن اجتماعهما في الأخذ.
كما أومأ إليه في المحكي عن جامع الشرائع بقوله: " فإن ضاق أقرع "
كقوله في القواعد وغيرها: " فإن تسابق اثنان أقرع مع تعذر الجميع "
بل وكذا قوله في الإرشاد: " أقرع مع تعذر الاجتماع ".
104

وعليه ينزل إطلاق ما عن الخلاف والمبسوط والسرائر: فإن تسابق
اثنان أقرع بينهما الإمام (عليه السلام) كما ينزل إقراع الإمام مع فرض
رجوعهما إليه وإلا رجعا بأنفسهما إلى القرعة، لأن ذلك حكمهما في الواقع.
وعلى كل حال فقد قيل: إن الوجه في ذلك استوائهما في الأولوية
وعدم إمكان الاشتراك واستحالة الترجيع، فأشكل المستحق فيقرع لذلك،
وقد يناقش بمنع عدم إمكان الاشتراك بعد استوائهما في السبب المقتضي له.
ولعله لذا قال في المتن: * (وقيل: يقسم، وهو حسن) * وعن
الإيضاح أنه قواه وإن كنا لم نتحقق القائل المزبور منا ممن تقدم عليه،
وإنما هو بعض وجوه الشافعية، وفي التذكرة عن بعض علمائنا أن الحاكم
ينصب من يقسم بينهما، نعم في الدروس واللمعة إن تعذرت القسمة أقرع،
وإليه يرجع ما في المسالك من أن القول بالقسمة جيد مع قبوله لها، أما
مع عدمه فالقرعة أحسن.
ولعل المراد بما في الأولين من عدم قبول القسمة كونه واسعا،
لا كما في الروضة من حيث القلة ونحوها.
وحينئذ فيرجع إلى ما أطنب فيه في جامع المقاصد، فإنه بعد أن
ذكر وجه القسمة قال: " وهذا إنما يكون في غير المعدن الواسع جدا
بحيث يزيد على مطلوب كل واحد منهما، إذ لا معنى للقسمة حينئذ، نعم
ما قل عن مطلوبهما لا يبعد القول فيه بالقسمة، لامكانها واستوائهما في
سبب الاستحقاق، والقرعة إنما هي في الأمور المشكلة التي لا طريق إلى
معرفة حكمها، أما ما ثبت حكمها بدليل شرعي فلا وجه لاجراء القرعة
فيها، فإن تشاحا في التقدم في النيل لضيق المكان فليس ببعيد القول
بالقرعة حينئذ، فمن أخرجته أخذ حقه من المقسوم، فتلخص من هذا
أنه مع السعة لمطلوبهما المرجع في القرعة في التقديم، ومع عدمه فالقسمة
105

فإن تشاحا في التقديم أقرع، ولو أن أحدهما قهر الآخر وأخذ مطلوبه
أثم قطعا، ثم إن كان المعدن واسعا ملك ما أخذه، لأنه لم يأخذ ما استحقه
الآخر وإلا لم يملك إلا ما تقضي القسمة استحقاقه إياه، ومثله ما لو
ازدحم اثنان على الفرات مثلا فقهر أحدهما صاحبه وحاز ماء، فإن
الظاهر أنه يملكه، بخلاف ما لو ازدحما على ماء غدير ونحوه مما لا يقطع بكونه
وافيا بغرضهما، فإن الأولوية لهما، فلا يملك القاهر ما أخذه إلا بعد
القسمة ".
وتبعه على ذلك في الروضة بل والمسالك، ولكن زاد عليه العمل
بالقرعة مع عدم إمكان القسمة لقلة المطلوب أو لعدم قبوله لها.
ولكن لا يخفى عليك عدم جريان ذلك على ما قلناه من أن الأحق
في هذه المقامات لا يزيد على ما يقتضيه الظلم، ضرورة عدم حصول
الملك إلا بالحيازة التي هي النيل، وإنما السبق في الفرض قد أفاد عدم
جواز مزاحمة الغير لهما من حيث إنه ظلم، وحيث أشكل الحال في استحقاق
كل منهما إيجاد السبب الذي يحصل به الملك فلا طريق لترجيح أحدهما على
الآخر إلا القرعة، لا قسمة الباقي على الإباحة ولم يتعلق لأحدهما في عينه
حق، وكونهما سابقين مشمولين لعموم " من سبق " (1) لا يقتضي إلا
ما ذكرناه، لا أزيد منه من تعلق حق بالعين نفسها فضلا عن الملك.
ولا فرق في ذلك بين الواسع والضيق.
ومن الغريب دعوى القرعة بينهما في التقديم للنيل مع ضيق المكان
وعدم الزيادة على الحاجة، ثم إن من خرجت القرعة له يأخذ حقه من
المقسوم.
وأغرب منه دعوى عدم ملك الظالم في غير الواسع ما زاد على القسمة

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب آداب التجارة - الحديث 1 من كتاب التجارة.
106

أو ما أخرجه إن لم يكن قابلا لها، بناء على إرادة ذلك من عدم قبولها
مع فرض حصول السبب المملك منه الذي ليس في شئ من الأدلة ما
يقتضي منع تعلق الحق المزبور عن الملك به، بخلاف ما لو كان المعدن أو
الماء زائدا على الحاجة، فإنه يملك الظالم وإن أثم مع إمكان أن يقال
بسبقهما ملكا أيضا مقدار حاجتهما أو مقدار ما ينالان منه أو غير ذلك.
وبالجملة كل ذلك مجرد تهجس لا تطابق عليه الأدلة التي مقتضاها
ما ذكرناه، مضافا إلى منع عدم قبول القسمة للقلة ونحوها على ما فسره
به في الروضة، للاشتراك وإن قل، إذ أقصاه البقاء على الإشاعة في
مثل الياقوتة ونحوها.
بذلك كله ظهر أن الأولى القرعة في التقديم مع فرض ضيق المكان
سواء كان المعدن واسعا أو ضيقا، فيملك حينئذ من أخرجته القرعة ولا
يشاركه الآخر.
بل المتجه أيضا ترتب الملك على الحيازة المزبورة لو قهر صاحبه
فمنعه منها وإن كان ظالما.
نعم لو كان المعدن لا يفي بحاجتهما ومكان النيل غير ضيق فكل
من حصل منه النيل ملك به ما ملكه، ونحو ذلك في ماء الفرات والغدير.
ولعله لذا قال في الكفاية: " المشهور أنه إذا تغلب أحدهما على
الآخر أثم " وفيه إشكال، ولعله لما سمعته من تعلق الحق الذي لم يثبت
كونه مانعا عن الملك بالسبب، بل مقتضي إطلاق الأدلة ترتبه عليه وإن
أثم في مقدماته أولا.
هذا وعن بعض الشافعية احتمال أن الإمام يجتهد ويقدم من يراه
أحوج وأحق، لأن سبب الاستحقاق الحاجة، ومتى كان سببه أقوى
استحق التقديم. واحتمله بعض أصحابنا أيضا.
107

لكنه واضح الضعف، ضرورة عدم أثر في شئ من الأدلة يقتضي
ترجيح الأحوج على غيره. نعم قد تقدم في المباحث السابقة وجوب بذل
الماء مثلا في إحياء النفس المحترمة، وهو أمر آخر غير ما نحن فيه كما هو
واضح، والله العالم.
* (و) * كيف كان ف‍ - * (- من فقهائنا) * وهو المفيد وسلار
بل حكي عن الكليني وشيخه علي بن إبراهيم وعن الشيخ أيضا * (من
يخص المعادن) * مطلقا * (بالإمام (عليه السلام) فهي عنده) * حينئذ
* (من الأنفال) * للخبر المزبور (1) أو لأنها من الأرض التي لا رب لها.
* (وعلى هذا لا يملك ما ظهر منها و) * لا * (ما بطن) * إلا
بتمليك منه * (ولو صح تملكها بالاحياء) * بفرضه فيما تصور حصوله
فيها * (لزم من قوله اشتراط إذن الإمام) * (عليه السلام) حال
حضوره أو مطلقا على الكلام السابق.
* (و) * لكن * (كل ذلك لم يثبت) * لعدم جابر للخبر المزبور (2)
بل الموهن متحقق، فإن المشهور نقلا وتحصيلا على أن الناس فيها
شرع سواء. بل قيل: قد يلوح من محكي المبسوط والسرائر نفي
الخلاف فيه
مضافا إلى السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار في زمن تسلطهم
وغيره على الأخذ منها بلا إذن، حتى ما كان في الموات الذي قد عرفت
أنه لهم منها، أو في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين، فإنه وإن كان ينبغي أن
يتبعها، فيكون ملكا للإمام (ع) في الأول وللمسلمين في الثاني لكونه من
أجزاء الأرض المفروض كونها ملكا لهما، بل لو تجدد فيهما فكذلك أيضا -

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 20 من كتاب الخمس.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - الحديث 20 من كتاب الخمس.
108

إلا أن السيرة المزبورة العاضدة للشهرة المذكورة ولقوله تعالى (1):
" خلق لكم ما في الأرض " ولشدة حاجة الناس إلى بعضها على وجه
يتوقف عليه معاشهم نحو الماء والنار والكلأ وفي خبر أبي البختري (2) عن
جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) " لا يحل منع الملح والنار "
وغير ذلك مما لا يخفى على السارد لأخبارهم يوجب الخروج عن ذلك.
فما عن بعضهم من التفصيل فيها بين ما كان في مواته (عليه السلام)
وبين غيره واضح الضعف.
ومن الغريب ما في الدروس من أنه قال: " وبعض علمائنا يخص
المعادن بالإمام، سواء كانت ظاهرة أو باطنة، فتوقف الإصابة منها على
إذن في حضوره لا مع غيبته، وقيل باختصاصه في الأرض المملوكة له،
والأول يوافق فتواهم بأن موات الأرض للإمام، فإنه يلزم من ملكها
ملك ما فيها، والمتأخرون على أن المعادن للناس شرع، إما لأصالة
الإباحة، وإما لطعنهم في أن الموات للإمام، وإما لاعترافهم به وتخصيص
المعادن بالخروج عن ملكه، والكل ضعيف " إذ هو كما ترى بعد الإحاطة
بما ذكرناه.
ثم إنه قال في المسالك تفريعا على الأول: " ما كان منها ظاهرا
لا يتوقف على الاحياء يجوز في حال الغيبة أخذه كالأنفال، وما يتوقف
على الاحياء فإن كان الإمام (ع) ظاهرا فلا إشكال في عدم تملكه بدون إذنه
ومع غيبته يحتمل كونه كذلك عملا بالأصل وإن جاز الأخذ منه كغيره
من الأنفال، لأن تملك مال الغير يتوقف على إذنه، وهو مفقود وإنما
الموجود الإذن في أخذه ".

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 29.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2.
109

وفيه (أولا) مع فرض شمول دليل التملك بالاحياء له لا ينبغي
التوقف في ملكه، ضرورة كونه حينئذ كالموات من الأرض إن لم يكن
منها. و (ثانيا) أن الإذن منهم في الأنفال لمن هي له ظاهرة أو صريحة
في لوازم الملك كالبيع والنكاح ونحوها، فلا محيص عن القول بالملك فيما
يؤخذ منها لمن أذنوا له فيها، كما هو واضح، والله العالم.
* (ولو كان إلى جانب المملحة أرض موات إذا حفر بها بئر وسيق
إليها الماء صار ملحا صح تملكها بالاحياء) * الذي منه حفرها لذلك
* (واختص بها المحجر) * الذي شرع في حفرها. * (ولو أقطعها
الإمام (عليه السلام) صح) * بلا خلاف أجده في شئ من الثلاثة،
بل ولا إشكال، ضرورة كون الأرض حينئذ من الموات الذي عرفت
صحة الثلاثة فيه وصيرورة الماء فيها ملحا لا يجعلها معدنا، كما أن كونها
بجنب المملحة كذلك أيضا، فإن كلا منهما حينئذ على حكمه، كما هو واضح
والله العالم. هذا كله في المعادن الظاهرة.
* (و) * أما * (المعادن الباطنة التي لا يظهر إلا بالعمل) * والمعالجة
* (كمعادن الذهب والفضة والنحاس و) * الرصاص ونحوها حيث تكون
كذلك، وإلا فلو فرض احتياج بعضها إلى كشف تراب يسير أو كانت
على وجه الأرض لسيل ونحوه فلها حكم المعادن الظاهرة، وهو الملك
بالحيازة لا غيره على حسب ما عرفت، كما أن ما كان من الظاهرة لو
فرض كونه في طبقات الأرض على وجه يحتاج إلى حفر وعمل كان له
حكم ما تسمعه من حكم الباطنة.
وعلى كل حال * (فهي) * أي الباطنة * (تملك بالاحياء) *
الذي هو العمل حتى يبلغ نيلها بلا خلاف أجده بين من تعرض له كالشيخ
وابني البراج وإدريس والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي
110

عن بعضهم، بل عن ظاهر المبسوط والمهذب والسرائر الاجماع على ذلك.
بل الظاهر أن الحكم كذلك سواء قلنا أنها للإمام أو للناس، ولعله
لصدق الاحياء الذي هو سبب الملك،، ولو بملاحظة ما سمعته من فتوى
الأصحاب، فإن إحياء كل شئ بحسبه، ومن هنا يملك البئر ببلوغه الماء
الذي فيها، إذ هو كالجوهر الكائن فيها ويبلغه بحفرها. وحينئذ فلو
قهره ظالم وأخرج منه شيئا كان ملكا للمحيي، بل ولا أجرة للظالم.
* (و) * كيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أنه * (يجوز للإمام
إقطاعها قبل أن تملك) * بل ربما ظهر من التذكرة الاجماع عليه، لأنه
إن لم يكن مواتا داخلا في ملكه فهو بحكم الموات المندرج في عموم ولايته
وللخبر (1) السابق الدال على جواز إقطاع المعدن الباطن.
نعم عن الشافعي أنه لا يقطع إلا بقدر ما يتمكن المقطع من العمل
عليه والأخذ منه حذرا من التعطيل والتضييق على الناس.
مع أنه في التذكرة مقابلا لذلك " وقال علماؤنا: للإمام أن يقطعه
الزائد " بل قيل: إنه ظاهر إطلاق المبسوط أو صريحه وظاهر إطلاق
الباقين، وإن كان قد يقال بأن ما ذكره الشافعي مناسب لما تسمعه من
المصنف والشيخ وابن البراج والفاضل والكركي وغيرهم على ما حكي عن
بعضهم من أنه إذا أهمل المحجر له بعض العمل أجبره الإمام على إتمامه
أو الترك، فإن اعتذر بعذر ينتظر أنظره، ثم يلزمه أحد الأمرين نحو
ما سمعته سابقا، إذ ليس ذلك إلا لما سمعته من الشافعي من التعطيل
والضيق. ولعله لذا اختار في التحرير مذهب الشافعي.
بل لو اعتذر بالاعسار أمكن عدم إجابته كما في جامع المقاصد،
لعدم الأمد الذي يخشى منه التطويل المفضي إلى التعطيل، هذا.

(1) راجع التعليقة.
(2) من ص 102.
111

* (و) * قد عرفت أن * (حقيقة إحيائها أن يبلغ نيلها) * بلا خلاف
أجده، نعم زاد بعضهم مع ذلك قصد التملك، وهو جيد مع فرض
اشتراطه في مطلق الاحياء وإن كان قد عرفت البحث فيه، ضرورة أن
المقام كغيره، وإلا فلا وجه له قطعا، لعدم احتمال ما يخصه من بين
أفراد الاحياء.
* (و) * على كل حال ف‍ - * (- لو حجرها وهو أن يعمل فيها
عملا لا يبلغ به نيلها كان أحق بها ولم يملكها) * على حسب ما سمعته
في التحجير الذي ما نحن فيه فرد منه، إذ هو شروع في إحيائها.
* (و) * من هنا قد عرفت عدم الخلاف في أنه يجري فيه ما
تقدم في التحجير من أنه * (لو أهمل أجبر على إتمام العمل أو رفع يده
عنها، ولو ذكر عذرا أنظره السلطان بقدر زواله ثم ألزمه أحد الأمرين) *
كما عرفت الكلام في ذلك كله مفصلا.
ثم قد عرفت سابقا أيضا أن من ملك مواتا باحيائه ملك حريمه
معه، وهو مرافق ذلك العامر التي يرجع فيها إلى العرف المختلف
باختلاف الأحوال والأمكنة، وهو معنى ما عن المبسوط والمهذب من
أنه إذا أحيا المعدن فهو أحق به وبمرافقه التي لا بد منها على حسب الحاجة
إليه إن كان يخرج منه ما يخرج بالأيدي، وإن كان يخرج بالأعمال فكما
ذكرناه في الموات، وقد ذكرا هناك أن المدار على الحاجة مما يتوقف
عليه الدواب والدولاب والمستقى ونحو ذلك.
لكن في القواعد " لا يقتصر ملك المحيي على محل النيل، بل الحفر
التي حواليه وتليق بحريمه يملكها أيضا " وقيل: إن مراده بها ما يريد
أن يحفرها، فهي الحفر بالقوة لا بالفعل، ولكن لا يخفى عليك ما
في ذلك.
112

ونحوه ما في المسالك " وإذا اتسع الحفر ولم يوجد المطلوب إلا في
بعض جهاته لم يقتصر الملك على محله، بل كما يملكه يملك ما حواليه مما
يليق بحريمه، وهو قدر ما يقف فيه الأعوان والدواب، ومن جاوز ذلك
وحفر (بئرا خ) لم يمنع وإن وصل إلى العرق " ولا يخفى عليك ما فيه
من الاجمال أيضا.
وكذا ما في الدروس وغيرها " من ملك معدنا ملك حريمه، وهو
منتهى عروقه ومطرح ترابه وطريقه وما يتوقف عليه عمله إن عمله عنده "
فإنه إن لم يحمل على إرادة ما لا يزيد على حريمه من منتهى عروقه أشكل
بما هو المعلوم المصرح به في كلام غير واحد من أنه لو حفر فبلغ المعدن
لم يكن له منع غيره الحفر في ناحية أخرى، فإذا وصل إلى ذلك
العرق لم يكن له منعه، لأنه يملك المكان الذي حفره وحريمه.
وما في التحرير من أنه " إن وصل الأول إلى العرق فهل للثاني
الأخذ منه من جهة أخرى؟ الوجه المنع، فإن الأول يملك حريم المعدن "
محمول بقرينة التعليل وغير ذلك من كلامه على ما إذا كان موضع الآخر
حريما للأول، والله العالم.
* (فرع) * بل
فروع:
الأول:
* (لو أحيا أرضا وظهر فيها معدن) * باطن * (ملكه تبعا لها) *
بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط والسرائر الاعتراف به، بل قيل:
113

إن ظاهر الأول بل الثاني نفيه بين المسلمين * (لأنه) * جزء * (من
أجزائها) * وإن استحال إلى حقيقة أخرى غيرها، إلا أن ذلك لا يخرجه
عن ملكه فيها، سواء كان عالما به حين أحياها أو لا، خلافا للشافعي
فملك الثاني دون الأول.
وفيه ما لا يخفى من أنه على الحالين من أجزاء الأرض التي ملكها
بالاحياء. ومن هنا افترق عن الكنز المدفون فيها الذي هو إن كان ركازا
لا أثر للاسلام عليه جاز تملكه كالمعادن الظاهرة بعد إخراج خمسه، وإلا
كان لقطة. وكذا لو اشترى أرضا فظهر فيها معدن.
وكيف كان فلا ينافي ذلك ما تقدم سابقا من عدم ملك الإمام (ع)
المعدن في مواته المملوك له، بل وكذا المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين
وإن كان مقتضى ذلك كونه تابعا للملك.
لكن قد عرفت سابقا ما يقتضي خلافه، ولعله للفرق بين ملك
الإمام (عليه السلام) والمسلمين وبين ملك المحيي المخصوص، بل لا يتم
ذلك إلا بذلك، فتأمل جيدا، والله العالم.
الثاني:
لو حفر أرضا فوصل إلى معدن ثم فتحها المسلمون فعن المبسوط
والمهذب والتذكرة والتحرير أنه غنيمة للغانمين لا أنه للمسلمين كالأرض،
وعن الفخر أنه قواه، والكركي استظهره.
لكن في القواعد الاشكال في ذلك، ولعله من كونه بحكم المنقول
وغير مندرج في الأرض التي دلت الأدلة أنها للمسلمين، ولعدم علم قصد
التملك للحافر له، فيكون حينئذ على أصل الإباحة، نحو من حفر بئرا
114

في البادية ثم ارتحل عنها، ومن أنه جزء من الأرض التي لا تنقل أو مشابه
لها في ذلك.
ولكن لا يخفى عليك ضعف الأخير، بل ولا بعض ما ذكر للأول
الذي لا يقدح في قوته ذلك، والله العالم.
الثالث:
لو قال رب المعدن لآخر: " أعمل فيه ولك نصف الخارج " ففي
القواعد وجامع المقاصد ومحكي المبسوط والتذكرة بطل، لجهالة العوض
إجارة كان أو جعالة، وهو كذلك في الأول، أما الثاني فقد تقدم في
كتاب الجعالة ما يعلم منه صحة ذلك وعدمه بعد فرض كون المعدن مملوكا
للجاعل بالاحياء أو بغيره.
ولو قال له: " أعمل فما أخرجته فهو لك " ففي محكي المبسوط
" لا يصح، لأنه هبة مجهول، فكل ما يخرجه حينئذ فهو لصاحب المعدن
إلا أن يستأنف له هبة، ولا أجرة للعامل، لأنه عمل لنفسه " إلى آخره
ونحوه عن المهذب، بل عن التذكرة اختياره.
لكن قد يشكل ذلك بعد توجيهه بإرادة المعدوم حال الهبة من
الجهل، فإن ما يخرجه لم يكن حاصلا قبله - بأنه إباحة تملك، كما أومأ
إليه في محكي التحرير قال: " يكون ذلك إباحة للاخراج والتملك وإن
كان للمالك الرجوع في العين مع بقائها ولا أجرة له " إلى آخره.
وبعد التسليم قد يمنع عدم استحقاق الأجرة مع جهالته بالحكم،
لأصالة احترام عمل المسلم الذي صار في الواقع لصاحب المعدن وإن زعم
أنه له. كما أومأ إليه في الدروس، اللهم إلا أن يمنع جعل الجهل بالحكم
115

عذرا لعدم تحقق الاغراء.
* (وأما الماء) * الذي هو أحد المشتركات للأصل والاجماع بقسميه
والنبوي (1) " للناس شركاء في ثلاثة: النار والماء والكلأ " والكاظمي (2)
" إن المسلمين شركاء في الماء والنار والكلأ " * (ف‍ -) * - قد يعرض له
الملك بالاحراز في آنية أو مصنع أو حوض أو نحوها بلا خلاف فيه،
بل الاجماع بقسميه عليه، بل لعله ضروري، وإن حكي عن بعض العامة
عدم الملك بذلك، وإنما يفيد الأولوية، لاطلاق النص المزبور إلا أن
مثل ذلك لا ينافي الضرورة المزبورة، كما أن الخبر المزبور لا ينافي عروض
الملك بالحيازة التي هي أحد أسبابه.
مضافا إلى قوله * (صلى الله عليه وآله) * (3): " من سبق إلى ما
لم يسبق إليه مسلم فهو له " وغير ذلك من السيرة المستمرة في سائر
الأعصار والأمصار على تملك ذلك وبيعه وجريان جميع أحكام الملك،
من غير فرق بين المسلمين وغيرهم.
ولا يجب عليه بذل الفاضل عن حاجته من هذا الماء المحوز بلا خلاف،
كما عن الشيخ وغيره الاعتراف به، إذ ليس هو كالبئر التي ستسمع
الكلام فيها مع أن المشهور أن * (من حفر بئرا في ملكه أو (في خ)
مباح ليملكها فقد اختص بها كالمحجر، فإذا بلغ الماء فقد ملك الماء
والبئر) * بل لا أجد خلافا في التحجير المزبور وإن كان هو غير واضح
الوجه في الملك، وإن قيل: المراد به أنه يختص بمائها فلو أن أحدا

(1) المستدرك - الباب - 4 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1.
(3) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 4 وسنن البيهقي
ج 6 ص 142.
116

غلبه عليها وتمم حفرها لم يملك ماءها.
ولا كذلك لو حفرها غاصب في ملكه ابتداء، فإنه يملكه أو يكون
أولى، إلا أنه كما ترى، ضرورة كونه كذلك قبل الحفر، ودعوى ملك
الغاصب الماء أو كونه أحق لو حفر ابتداء في غاية الفساد، كما تقدم في
كتاب الغصب (1) وعلى كل حال فالأمر سهل بعد وضوح الأمر.
نعم قد يقال بظهور الفائدة في ذلك بالنسبة للحريم لمن أراد حفر
بئر أخرى في المباح المجاور لملكه، فإنه إذا كان حافرا فيها له منعه مع
فرض تضرره، بخلاف ما إذا لم يكن حافرا.
وأما ملك الماء ببلوغه الذي نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعرا
بالاجماع عليه، بل لعله كذلك نظرا إلى السيرة المستمرة فقد يقال. إن
الوجه فيه إمكان دعوى أنه نماء ملكه، كثمرة الشجرة ولبن الدابة مثلا،
أو دعوى أن ذلك حيازة له أو سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فيكون
له، وفحوى ما تسمعه من نصوص (2) بيع الشرب، أو أنه إحياء
للأرض بالسراية على نحو ما سمعته في المعدن، أو أن ملك الأرض
يقتضي ملك الماء الكامن فيها وإن لم يكن من أجزائها، أو غير ذلك.
لكن عن الشيخ في المبسوط بعد أن ذكر الملكية على نحو ما ذكرها
الأصحاب أنه قال: " كل موضع قلنا فيه بملك البئر فإنه أحق بمائها
بقدر حاجته لشربه وشرب ماشيته وسقي زرعه، فإذا فضل بعد ذلك
شئ وجب بذله بلا عوض لمن احتاج إليه لشربه وشرب ماشيته إلى
أن قال: أما لسقي زرعه فلا يجب عليه لكنه يستحب " واستدل على

(1) راجع ج 37 ص 206 - 207.
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب عقد البيع - من كتاب التجارة.
117

ذلك بخبر ابن عباس (1) " الناس شركاء " إلى آخره، وبخبر جابر (2)
عن النبي (صلى الله عليه وآله) " أنه نهى عن بيع فضل الماء ".
ونحوه عن الخلاف مع زيادة الاستدلال بخبر أبي هريرة (3) عنه
(صلى الله عليه وآله) " من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله
فضل رحمته ".
وفي المختلف حكايته أيضا عن أبي علي، بل وعن الغنية، لقوله:
" إذا كانت البئر في البادية فعليه بذل الفاضل لغيرة لنفسه وماشيته "
لكن يمكن أن يريد السابق لها لا حافرها، فلا يكون مخالفا.
هذا وفي المسالك " أن الفرق بين سقي الحيوان والزرع حيث منع
من منعه للأول دون الثاني أن الحيوان محترم لروحه بخلاف الزرع ".
وفيه أن ذلك غير مجد بعد فرض كون أحقيته بقدر حاجته، كما
هو ظاهر ما سمعته منه.
ثم قال في جوابه فيها أيضا: " إن هذه الأخبار كلها عامية، وهي
مع ذلك أعم من المدعى، ومدلولها من النهي عن منع فضله مطلقا
لا يقول به ولا غيره ممن يعتمد هذه الأحاديث، وهي ظاهرة في إرادة
الماء المباح لم يعرض له وجه تملك، كمياه الأنهار العامة والعيون
الخارجة في المباح والسابقة على إحياء الأرض الموات ومياه العيون والآبار
المباحة، فإن الناس في هذا شرع حتى لو دخل شئ منه في أملاك الناس
لم يملكوه إلا بنية الحيازة، كما لو نزل مطر واجتمع في ملكهم، لكن
ليس لأحد أن يدخل الملك لأخذه من حيث التصرف في الملك لا من

(1) المستدرك - الباب - 4 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 15.
(3) كنز العمال - ج 3 ص 518 - الرقم 3975 ط عام 1370 عن أبي قلابة.
118

حيث الماء ولو فرض دخوله أساء وملك ما أخذه من الماء ".
وفيه أن الأخبار المزبورة كما هي موجودة في طرق العامة موجودة
في طرق الخاصة (1) بسند معتبر كما ستعرف، وما دل (2) على الاشتراك
منها غير مانع من الملك بسببه كحيازة أو إحياء أو نحو ذلك، كما أن
ما دل منها على منع الفضل منزل على منع مباح الماء وبيعه بالتغلب ونحوه
أو على الكراهة.
كموثق أبي بصير (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " نهى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن بيع النطاف والأربعاء، قال:
والأربعاء أن تسنى مسناة لتحمل الماء وتسقي به الأرض ثم يستغنى عنه،
قال: فلا تبعه، ولكن أعره جارك، والنطاف أن يكون له الشرب
فيستغني عنه، فقال: لا تبعه أعره أخاك وجارك ".
وموثق عبد الرحمان (4) عنه (عليه السلام) " نهى رسول الله
(صلى الله عليه وآله) عن المحاقلة - إلى أن قال -: والنطاف شرب
الماء ليس لك إذا استغنيت عنه أن تبيعه جارك تدعه له، والأربعاء المسناة
تكون بين القوم فيستغني عنها صاحبها، قال: يدعها لجاره ولا يبيعها
إياه " لقصورهما عن معارضة ما يقتضي صحة البيع من إطلاق الأدلة
والاجماع وخصوص صحيح سعيد الأعرج (5) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " سألته عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة له فيها

(1) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 0 - 1.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب إحياء الموات الحديث 1.
(3) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 0 - 1.
(4) ذكر صدره في الوسائل - الباب 13 - من أبواب بيع الثمار - الحديث 1 وذيله في الباب
- 24 - من أبواب عقد البيع - الحديث 4 من كتاب التجارة.
(5) الوسائل الباب - 24 - من أبواب عقد البيع - الحديث 1 من كتاب التجارة.
119

شركاء فيستغني بعضهم عن شربه أيبيع شربه؟ قال: نعم إن شاء باعه
بورق، وإن شاء بكيل حنطة " ونحوه رواية سعيد بن يسار (1) وفي
حسن الكاهلي أو صحيحه (2) " سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام)
وأنا عنده عن قناة بين قوم لكل منهم شرب معلوم فاستغنى رجل منهم
عن شربه أيبيعه بحنطة أو شعير؟ قال يبيعه بما شاء، هذا مما ليس فيه
شئ " وفي المروي عن قرب الإسناد (3) " عن قوم كانت بينهم قناة
لكل إنسان منهم شرب معلوم، فباع أحدهم شربه بدراهم أو بطعام هل
يصلح؟ قال: نعم " وغير ذلك مما دل على بيع الشرب.
فظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال في ملك الماء المستبطن (4)
* (و) * حينئذ * (لم يجز لغيره التخطي إليه) * إلا بإذنه كغيره من
الأموال المحترمة * (ولو أخذ منه) * شيئا من دون إذنه * (أعاده) *.
* (ويجوز بيعه كيلا ووزنا) * بلا خلاف ولا إشكال، بل
ومشاهدة إذا كان محصورا على وجه لا يتعذر تسليمه باختلاطه بما يتجدد
من غيره * (و) * إلا ف‍ - * (- لا يجوز بيعه أجمع، لتعذر تسليمه،
لاختلاطه بما يستخلف) * فيتعذر تسليمه، نعم قد يقوى جواز بيعه
على الدوام، لما سمعته من النصوص المزبورة.
ولعله لذا قال في الدروس: " يباع كيلا ووزنا ومشاهدة إذا
كان محصورا، أما ماء البئر والعين فلا إلا أن يريد على الدوام، فالأقرب
الصحة، سواء كان منفردا أو تابعا للأرض ".
ولا يقدح عدم معلومية المتجدد التي يكفي فيها معرفة حالها في الزمان

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب عقد البيع - الحديث 1 - 3 - 5 من كتاب التجارة.
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب عقد البيع - الحديث 1 - 3 - 5 من كتاب التجارة.
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب عقد البيع - الحديث 1 - 3 - 5 من كتاب التجارة.
(4) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة، وفي المسودة بقلمه الشريف " المياه المستبطنة ".
120

السابق على حال البيع، وإشكال بالجهالة بعدم العلم بقدر ما يسلم إليه كأنه
من الاجتهاد في مقابلة النص، مع إمكان منع تحققها عرفا في مثله، فإن
العلم المزبور كاف، إذ لا دليل على اشتراط أزيد من ذلك.
ودعوى أن الشهرة هنا محكية على عدم جواز البيع - فتكون عاضدة
لما دل (1) على النهي عن بيع الغرر. مضافا إلى إمكان إرادة غير البيع
من البيع في النصوص المزبورة، فإنه مجاز شائع، وإلى أنها غير مساقة
لبيان ذلك، وإنما هي لبيان جواز بيعه بما يشاء - يدفعها منع تحقق الشهرة
في الفرض المزبور.
بل ظاهرهم في صورة الاختلاط التي لولاها لأمكن القول بالجواز
فيها أيضا بعد مشاهدته ومعلوميته والاقباض بالتخلية بينه وبينه، وإن
اقتضى ذلك اختلاطه بما يتجدد من الماء فإن أقصاه حينئذ الشركة؟ المقتضية
للصلح بينه وبين البائع، لا بطلان البيع الذي مقتضى إطلاق الأدلة صحته
على وجه لم يثبت مثل ذلك مانعا لها، بل يمكن منع الشهرة في مثل
ذلك، كما لا يخفى على من لاحظ وتأمل.
وأولى من ذلك نقله بالصلح أو الهبة غير ذلك مما هو أوسع
دائرة من البيع.
ثم إن ظاهر المتن التقييد بقصد الملك في المباح دون الحفر في الملك
الذي لا يحتاج إليه، بل هو ملكه حتى لو قصد العدم، لكونه من نماء
ملكه.
لكن في المسالك " يفهم من قيد التملك الاحتياج إليه في ملكه وفي
المباح، لجعله علة لهما، وهو يتم في المباح، أما المملوك فالأظهر أن ما
يخرج منه من الماء مملوك تبعا له، كما تملك الثمرة الخارجة، وربما قيل
121

بعدم تملكه وإن كان أولى به، ومثله القول في الكلأ النابت فيه بغير قصد ".
وفيه منع كونه علة لهما، بل هو للمباح المتصل به، كما هو المحكي
عن صريح المبسوط والسرائر، بل قد يناقش في أصل اعتبار ذلك في
المباح، خصوصا بعد عدم ذكره في شرائط الاحياء كما ذكرنا الكلام
فيه مفصلا.
واحتمال اختصاص البئر بالشرط المزبور واضح الفساد.
نعم قد يقال: إن نظر المصنف إلى الحفر المقصود به عدم التملك
الذي سيذكره، فلا دلالة فيه على اشتراط القصد، بل يكفي عنده عدم
قصد العدم الذي قد عرفت البحث فيه أيضا إن لم يكن المنساق والمتيقن
من الاطلاق المزبور الظاهر في تسبيب الاحياء الملك عن غير اشتراط أمر
آخر كما عرفت سابقا، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
* (ولو حفرها) * في المباح مثلا * (لا للتملك بل للانتفاع) *
بها ما دام في ذلك المكان * (فهو أحق بها مدة مقامه عليها) * كما
صرح به الشيخ وابن إدريس والفاضل والشهيدان والكركي على ما حكي
عن بعضهم، معللين له بأنه لا ينقص عن التحجير بعد انتفاء الملك بعدم
قصده للمحيي، وحينئذ فإذا تركها حل لغيره الانتفاع بها.
بل لو عاد الأول بعد المفارقة ساوى غيره على ما صرح به غير
واحد، بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له.
لكن قد يناقش في الأول بمنع كونه كالتحجير الذي هو الشروع في
الاحياء الملك في الأحقية المزبورة بعد فرض عدم قصده التملك بالاحياء
بناء على اعتباره فيه، نعم قد يكون مندرجا في " من سبق إلى ما لا يسبق
إليه مسلم فهو أحق به " فلا يكون كحق التحجير الذي قد عرفت مخالفته
لغيره في كثير من الأحكام.
122

* (و) * كيف كان ف‍ * (قيل) * ولكن لم نتحقق القائل،
ولعله الشيخ باعتبار لزوم ذلك، لقوله السابق إن لم يكن أولى: * (يجب
عليه بذل الفاضل من مائها عن حاجته) * نعم عن موضع من التذكرة
لو حفر البئر ولم يقتصد التملك ولا غيره فالأقوى اختصاصه به، لأنه
قصد بالحفر أخذ الماء فيكون أحق، وهذا ليس له منع المحتاج عن الفاضل
عنه، لا في شرب الماشية ولا الزرع.
وعلى كل حال ففيه أن مقتضى الأصل عدم وجوب بذله أيضا بعد
أن كان له فيه حق نحو حق التحجير، ضرورة كونه حينئذ كالملوك
بالنسبة إلى ذلك.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك لا يزيد على السبق إلى الماء المباح
الذي لا يجوز له المنع عما زاد على حاجته، لاطلاق ما دل (1) على أن
الناس فيه شرع سواء وغيره مما سمعته سابقا، ولعله، لذا ذكر في التذكرة
ما سمعته، بل عنها أيضا أن الأقرب الوجوب دفعا لحاجة الغير، لكنه
كما ترى، ضرورة الفرق بينهما.
* (وكذا قيل في ماء العين والنهر) * لما سمعته من الأدلة السابقة،
وفيه ما عرفت.
* (و) * من هنا قال المصنف: * (لو قيل: لا يجب) * بذل
الزائد مطلقا مع قصد التملك * (كان حسنا) * لعموم " الناس مسلطون
على أموالهم " (2) وغيره، بل قد عرفت ندرة المخالف، وأما مع
عدم قصد التملك فقد يشكل عدم الوجوب بما عرفت بناء على أن ذلك
كالسبق إلى المباح.

(1) المستدرك - الباب - 4 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2.
(2) البحار - ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
123

ودعوى معلومية خلاف ذلك شرعا يمكن شهادتها على حصول
الملك بذلك وإن لم يقصد الدوام، كما سمعته سابقا في الاحياء الذي ما نحن
فيه فرد منه عندهم على ما هو الظاهر من كلماتهم بل هو صريح بعضهم.
* (و) * على كل حال ف‍ - * (- إذا فارق) * مفارقة إعراض
* (فمن يسبق إليها فهو أحق بالانتفاع بها) * بلا خلاف بين من
تعرض له ولا إشكال، بناء على سقوطه بمثل الاعراض المزبور، وإلا
كان مشكلا، وأولى منه بذلك إذا لم يكن مفارقة إعراض، ضرورة أنه
لو كان كحق التحجير لم يسقط بمطلق المفارقة، كما هو مقتضى المتن
وغيره، نعم لو كان كحق السبق إلى الماء المباح اتجه حينئذ ذلك، ولكن
كان عليه وجوب بذل الزائد نحو غيره من المياه المباحة التي يكون للسابق
حق فيها بقدر حاجته.
ومن ذلك يظهر لك أن كلامهم في ذلك غير منقح، لأن مقتضى
السقوط بمطلق المفارقة كونه كالسبق إلى المباح، ومقتضى عدم وجوب
بذل الزائد أن يكون له حق كحق التحجير، ولكن قد عرفت عدم
الدليل عليه، فالمتجه إن لم نقل بالملك قهرا بالحفر الذي هو فرد من
الاحياء الذي سمعت البحث فيه سابقا حتى مع قصد العدم أن يكون ذلك
كالسبق إلى المباح، والله العالم.
* (وأما) * ما كان منها مباح الأصل ك‍ - * (- مياه العيون والآبار) *
غير المملوكة لأحد * (والغيوث فالناس فيها سواء) * كما تقدم سابقا.
* (و) * حينئذ ف‍ - * (- من اغترف منها شيئا بإناء أو حازه) *
قاصدا لتملكه * (في حوضه أو مصنعه فقد ملكه) * بلا خلاف ولا إشكال
كما عرفت الكلام فيه سابقا.
والبئر العادية إذا طمت وذهب ماؤها فاستخرجه انسان ملكها،
124

كما صرح به في القواعد، وهو كذلك مع فرض كونها من الموات الذي
يملك بالاحياء، أما إذا كانت لمسلم فينبغي أن يكون فيها البحث السابق
في الأرض الميتة بعد إحياء المسلم لها.
ومنه ينقدح البحث في ملك ماء البئر في الملوك للمسلمين من الأرض
المفتوحة عنوة، ويتجه فيه عدم ملكه لها، لما عرفته من اشتراط الملك
به أن لا يتعلق به حق مسلم.
بل لعل الأمر كذلك في المعدن الباطن فيها أيضا بناء على أن
إخراجه من الاحياء.
لكن قد سمعت ظهور كلام الأصحاب إن لم يكن صريحه ملكه
لمحييه مطلقا، اللهم إلا أن يريدوا مع إحراز ما ذكروه سابقا من
شروط الاحياء.
وأما حفر البئر في الأرض الموقوفة للمسلمين مثلا فالمتجه عدم الملك
أيضا، بل تكون لهم أيضا.
ولكن لم أجد شيئا من ذلك محررا في كلامهم هنا، وقد تقدم جملة
منه في كتاب الغصب وغيره من الكتب السابقة.
إلا أنه ينبغي أن يعلم أن من أراد أن يسبل بئرا في أرض مملوكة
للغير أن ينقل مقدار أرضها إليه ليكون الماء فيسبله، وفي الأرض
المباحة ينوي تملكها ثم يسبله، والله العالم.
125

* (وهنا مسائل:) *
* (الأولى:) *
* (ما يقبضه النهر المملوك) * ولو باحيائه نهرا * (من الماء
المباح) * كشط الفرات ودجلة * (قال الشيخ) * في المبسوط: * (لا يملكه
الحافر) * للأصل * (كما إذا جرى السيل إلى أرض إلا أنه لم نجد له
موافقا على ذلك إلا ما يحكى عن بعض العامة.
نعم عن أبي علي اعتبار عمل ما يصلح لسده وفتحه في تملك الماء
ولعله لتوقف صدق الحيازة التي هي فعل من أفعال المكلف المقدور له
فعلا وتركا على ذلك.
لكن فيه منع واضح، ضرورة صدقها بدونه، كوضوح الفرق
بين الفرض وبين ماء السيل في ملك الغير الذي لم يقصد حيازته ولو
بجعل آلة معدة لذلك، وإنما هو نحو شبكة مثلا لصيد، ومن هنا اتفق من
عداه من الأصحاب ممن تعرض لذلك على الملك بذلك.
مفاضا إلى خبر إسماعيل بن الفضل (1) المروي في الكافي والفقيه
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بيع الكلأ إذا كان سيحا يعمد
الرجل إلى مائه فيسوقه إلى الأرض فيسقيه الحشيش وهو الذي حفر النهر
وله الماء يزرع به ما شاء، فقال: إذا كان الماء له فليزرع به ما شاء
وليبعه بما أحب " بل وإلى غيره من النصوص السابقة في القناة.
وحينئذ * (فإذا) * كان الحافر واحدا فلا بحث، وأما إذا * (كان

(1) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 2.
126

فيه جماعة فإن وسعهم) * على وجه لا يقع بينهم تعاسر * (أو) * لم
يسعهم ولكن * (تراضوا) * على المهاياة * (فيه ف‍ -) * - كذلك * (لا بحث،
وإن تعاسروا) * قسم بينهم بالأجزاء، بأن توضع خشبة صلبة لا يحصل
فيها التفاوت بمرور الأزمنة، أو صخرة ذات ثقب متساوية على قدر
حقوقهم في صدر الماء على وجه لا يكون دخول الماء في تلك الثقوب
متفاوتا، ويجري كل منهم ساقية لثقوبه، ويجعل الثقوب على أقلهم سهما
فإذا كان لأحدهم نصفه وللآخر ثلثه ولثالث سدسه جعلت الثقوب ستة،
ثلاثة منها لذي النصف، واثنان لذي الثلث، وواحد لذي السدس،
وهكذا. فيصنع كل منهم حينئذ بمائه ما شاء ولو بأن يسقي به ما لم
يكن له شرب من هذا النهر، لقاعدة تسلط الناس على أموالها بعد كون
القسمة قسمة عدل.
بل الظاهر عدم جواز رجوع أحدهم بعد استيفاء الآخر، نعم له
ذلك في المهاياة التي لا إشكال في صحتها مع الاتفاق منهم عليها، إلا
أنها غير لازمة، للأصل وغيره، فلأحدهم الرجوع قبل استيفاء الآخر
نوبته وإن كان الراجع قد استوفى سابقا تمام نوبته.
ولكن قيل: يضمن له أجرة مثل نصيبه من النهر للمدة التي أجرى
الماء فيها، لأنه لما تعذر ضبط الماء المستوفى بالكيل والوزن امتنع إيجاب
مثله وإن كان مثليا، وأولى منه قيمته فلم يبق إلا الرجوع إلى الزمان
الذي استوفى فيه، فوجبت الأجرة على حسبه.
إلا أنه كما ترى لا يصلح مخصصا لما دل على ضمان المثلي
بمثله، ومع التعذر فقيمته وإن أدى ذلك هنا إلى الرجوع للصلح ونحوه،
والله العالم.
127

وكيف كان فعن الشيخ مع التعاسر * (قسم بينهم على سعة
الضياع) * التي هي لهم لا على قدر عملهم ولا نفقاتهم، لعدم ملكهم
الماء وإنما هم أحق به لأجل ملكهم، فلو كان لبعضهم حينئذ مأة جريب
من الأرض ولآخرين ألف جريب جعل للأول جزء من أحد عشر جزء
وللباقين عشرة أجزاء، وقد عرفت فساد الأصل الذي بنى عليه هذا
التفريع.
ومن هنا قال المصنف: * (ولو قيل: يقسم بينهم على قدر أنصبائهم
من النهر) * الذي ستعرف أنه قدر النفقة على العمل * (كان حسنا) *
بل هو الموافق للقوانين الشرعية كما عرفت.
ثم إنه قد يظهر من قول المصنف وغيره: " ما يقبضه النهر "
عدم ملك ما لو فاض ماء من هذا النهر طغيانا إلى ملك انسان على وجه
يدخل في النهر طاغيا، بل صرح الفاضل بأنه مباح مشبها له بالطائر
يعشش في ملك انسان مثلا.
ولعله لعدم ملك ذي النهر له لخروجه عن نهره، ولا لذي الملك
لعدم حيازة منه له تقتضي ملكه، فهو بالنسبة إليهما خصوصا الثاني
كالطائر المزبور، إذ مجرد الدخول في الملك لا يقتضي كونه حيازة
مع عدم الاستيلاء، كما هو واضح، والله العالم.
128

المسألة * (الثانية:) *
* (إذا استجد جماعة نهرا) * ليملكوه * (فبالحفر يصيرون أولى
به) * لأنه تحجير * (فإذا وصلوا منتزع الماء) * ومجراه على وجه إذا
أريد إجراؤه فيه جرى * (ملكوه) * سواء جرى فيه الماء أو لا بعد
أن تهيأ له، فإن ذلك إحياؤه * (وكان بينهم على قدر النفقة على
عمله) * إذا كان قد استأجروا غيرهم على عمله فأدوا أجرتهم على السوية
أو التفاوت، فإنه يكون النهر ملكا لهم على حسب نسبة النفقة، ضرورة
مساواتها للعمل حينئذ، وإلا فلو فرض تفاوتها كما إذا كان أجير أحدهم
أزيد أجرة من الآخر ولكن متفقا كان المدار على العمل لا عليها.
ولعل إطلاق ما في محكي المبسوط من أن ملكية النهر على قدر
النفقة منزل على ذلك أيضا، ضرورة عدم مدخلية زيادتها بعد اتفاق
العمل في التفاوت في الملكية.
نعم هذا كله مع الاشتراك في الحفر على وجه يكون جميع أجزاء
الحفر مشتركا. أما إذا حفر كل منهم بعضه مستقلا عن الآخر فالمتجه
ملك كل واحد مقدار حفره إلا أن يتعاوضوا فيجعل كل منهم من
حفره قدر ماله في حفر الآخر بعد مراعاة النسبة بين الجميع، فيكون
ملك النهر حينئذ على حسبها، ويتبعه الماء الجاري فيه عندنا في الملكية
على الأصح وفي الأحقية على ما سمعته من الشيخ.
وكذا ما في قواعد الفاضل " لو حفرها جماعة ملكوها على نسبة
الخرج " خصوصا بعد ملاحظة كلامه في غيرها.
بل في محكي الحواشي عن إملائه " أن هذا مختص بما إذا اشتركوا
129

في الحفر، أما لو حفر بعضهم شيئا والآخر بعضا آخر ملك كل واحد
بقدر عمله لأخرجه إذا لم يكن لصعوبة الأرض بل لتفاوت سعر الأجرة "
فإن مرجعه أيضا إلى ما ذكرنا، كما هو واضح.
ولو كان لانسان رحى مثلا على هذا النهر المملوك لغير ذيها ففي
النافع " لم يجز لصاحب النهر أن يعدل بالماء ويصرفه عنها إلا برضا
صاحبها "
ولعله للصحيح (1) " كتب رجل إلى الفقيه (عليه السلام) في
رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل أو رجلين فأراد
صاحب القرية أن يسوق الماء إلى قريته في غير هذا النهر الذي عليه هذه
الرحى ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا؟ فوقع (عليه السلام) يتقي
الله عز وجل، ويعمل بالمعروف، ولا يضار أخاه المؤمن " الحديث.
مؤيد (2) بقاعدة نفي الضرر والضرار.
ولكن فيه أنه مناف لقاعدة تسلط الناس على أموالهم، ودعوى
ترجيحها عليها واضحة المنع، فلا بد من حمل الصحيح المزبور على صورة
وضع الرحى بحق واجب على صاحب النهر مراعاته، كما عن ابن إدريس
التصريح بتقييده بذلك جمعا بينه وبين القاعدة المزبورة المعتضدة بعمل
الأصحاب على وجه ترجح على قاعدة نفي الضرر والضرار، والله العالم.

(1) أشار إليه في الوسائل - الباب - 15 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1
وذكر في التهذيب - ج 7 ص 146 الرقم 647.
(2) هكذا في النسختين الأصليتين: المبيضة والمسودة، والصحيح " مؤيدا ".
130

المسألة * (الثالثة:) *
* (إذا) * اجتمعت أملاك على ماء واحد مباح * (لم يف) * ذلك
* (النهر المباح) * مثلا * (أو سيل الوادي بسقي ما عليه دفعة) *
ووقع في التقدم والتأخر تشاح * (بدئ بالأول، وهو الذي يلي فوهته) *
أي أصله * (فأطلق) * الماء * (إليه) * على قدر حاجته ف‍ - * (- للزرع
إلى الشراك، وللشجر إلى القدم، وللنخل إلى الساق، ثم يرسل إلى من
دونه، ولا يجب إرساله قبل ذلك ولو أدى إلى تلف الأخير) * بلا خلاف
أجده في أصل الحكم، بل لعل الاجماع بقسميه عليه.
مضافا إلى النصوص من الطرفين، فمن طريق العامة (1) " أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قضى في شرب نهر في سيل أن للأعلى أن
يسقي قبل الأسفل ثم يرسله إلى الأسفل ".
وفي آخر (2) " أنه (صلى الله عليه وآله) قضى في السيل أن
يمسك حتى يبلغ إلى الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل ".
وفي ثالث (3) " أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج (4)
الحرة التي يسقون بها، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): اسق يا زبير
ثم أرسل الماء إلى جارك، فغضب الأنصاري، فقال: أن كان ابن عمتك،

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 154.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 154.
(3) سنن البيهقي - ج 6 ص 153 و 154.
(4) بالشين المعجمة والجيم: جمع شرج بالاسكان، قال في الصحاح: هو مسيل
مياه الحرة إلى السهل، والحرة أرض ذات حجارة سود ونخرة كأنها أحرقت بالنار
(منه رحمه الله).
131

فتلون وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال: يا زبير اسق
واحبس الماء حتى يصل إلى الجدر ثم أرسله ".
ومن طرق الخاصة خبر غياث بن إبراهيم (1) عن الصادق (عليه
السلام) الذي رواه المشائخ الثلاثة وفي سنده ابن أبي عمير الذي هو من
أصحاب الاجماع ومراسيله كالصحيح فضلا عن مسنده قال: " قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سيل وادي مهزور الزرع إلى الشراك
والنخل إلى الكعب ثم، يرسل الماء إلى أسفل من ذلك. "
وكأنه إليه أشار في النهاية " قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الذي هو أسفل منه للنخل إلى
الكعب، وللزرع إلى الشراك، ثم يرسل الماء إلى من هو دونه، ثم
كذلك يعمل من هو دونه ".
وفي الغنية " قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الأقرب
إلى الوادي يحبس الماء للنخل إلى أن يبلغ في أرضه إلى أول الساق،
وإلى الزرع إلى أن يبلغ الشراك ".
وفي محكي المبسوط " روى أصحابنا أن الأعلى يحبس إلى الساق
للنخل، وللشجر إلى القدم، وللزرع إلى الشراك " ومثله في محكي السرائر.
وعن الفقيه بعد أن روى خبر غياث كما سمعت قال: وفي خبر
آخر (2) " أن للزرع إلى الشراكين وللنخل إلى الساقين ".
وفي خبر عقبة بن خالد (3) عن الصادق (عليه السلام) " قضى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شرب النخل بالسيل أن الأعلى
يشرب قبل الأسفل، يترك الماء إلى الكعبين، ثم يسرح الماء إلى الأسفل
الذي يليه، وكذلك حتى تنقضي الحوائط ويفنى الماء ".

(1) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1 - 2 - 5.
(2) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1 - 2 - 5.
(3) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1 - 2 - 5.
132

إلا أن جميعها كما ترى متفقة على إطلاق تقديم الأعلى على الأسفل
نحو إطلاق المتن والفاضل في جملة من كتبه، بل والمحكي عن المبسوط
والسرائر والغنية وغيرها.
نعم قيده الشهيد في الدروس بما إذا لم يعلم السابق في الاحياء وإلا
قدم، وتبعه عليه الكركي وثاني الشهيدين وغيرهما.
بل في الكفاية تعليله بأن النصوص لا عموم فيها بحيث تشمل هذا
القسم، وفيه منع واضح، والأولى التعليل بأن السابق في الاحياء قد
تعلق حقه بالماء قبل غيره وإن كان في آخر النهر، لعموم " من سبق
إلى ما لا يسبق إليه مسلم فهو أحق به " (1).
ودعوى التعارض بينهما من وجه يدفعها أن الرجحان لتقديم الأخير
بالشهرة، ولو بملاحظة كلامهم الآتي في من أحيا أرضا على هذا الوادي
بعد تعلق حق الأملاك وإن تردد فيه المصنف كما ستعرف، إلا أن المحكي
عن غيره عدم مشاركته للسابقين.
ومنهم من أطلق هنا، وكذا صرح أيضا بأنه لو سبق انسان إلى مسيل
ماء أو نهر فأحيا في أسفله مواتا ثم أحيا فوقه مواتا آخر كان للأول
السقي ثم الثاني ثم الثالث، إلى غير ذلك من كلماتهم التي تشهد على إرادة
ما إذا لم يعلم السابق من الاطلاق المزبور، فتأمل جيدا.
بقي الكلام في خلو نصوصنا المروية في الكتب الأربعة عن الشجر
بعد اتفاقها أجمع كالفتاوى على التحديد بالشراك للزرع، فلا إشكال فيه،
ولكن يكفي فيه مرسل المبسوط والسرائر بعد عمل المشهور.
وأما اختلاف التحديد بالساق والكعب للنخل فقد نزله الصدوق

(1) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 4 وسنن البيهقي
ج 6 ص 142.
133

على قوة الوادي وضعفه، وأولى منه تنزيله على إرادة العظمين الناتيين
المتصلين بالساق، فيكون الوصول إليه هو الوصول إلى مبتدأ الساق،
كما سمعته من الغنية، أو على أن وصوله إلى الكعب الذي هو العظم
الناتي في ظهر القدم يستلزم وصوله إلى ذلك.
على أن التعبير بالكعب قد وقع في النافع والنهاية التي هي متون
أخبار، وإلا فالمشهور التعبير بالساق الذي هو منطبق على ما في أخبار
العامة من التحديد بالجدر.
بل لعل خبر الزبير (1) مبني على ذلك، أي أن النبي (صلى الله
عليه وآله) كان متنزلا له عن حقه، فلما وقع من الأنصاري ما وقع
أمره باستيفاء تمام حقه.
بل قد يؤيد ذلك أن ظاهر المسالك وغيرها أن ذلك ليس محلا
للخلاف، ولذا استدل له بنصوص الكعب (2) نعم جعل محل الخلاف
عدم تعرضها للشجر وإن قال في الرياض: " إني لم أفهمه بعد وضوح
الفرق بين الكعب والساق، وأنه أعلى منه بكثير، سيما إذا أريد من
الساق منتهاه أو أوسطه ".
لكن فيه أنه لا مجال لاحتمال إرادة منتهى الساق أو أوسطه، لصدق
اسمه على ابتدائه الذي هو متصل بالكعب العرفي الذي هو وإن كان
خلاف ما ذكرناه من معناه في كتاب الطهارة (3) إلا أنه لا بأس بإرادته
هنا لقرائن كثيرة في النصوص والفتاوى تقتضي الجمع بذلك.
وكذا ما فيه من أنه " لم يتضح الفرق - أي على القول المزبور -

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 153.
(2) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب إحياء الموات.
(3) راجع ج 2 ص 215 - 224.
134

بين تحديد الشجر إلى القدم والنخل إلى الساق، لتقاربهما على ذلك التقدير
قربا لم يكن معه الفضل محسوسا بحيث كاد يكون أحدهما عين الآخر،
وعليه بنى التوجيه في دفع الاختلاف، فلا بد من تصحيح وجه الفرق
بين التحديدين بأن يراد من الساق غير مبدئه، ومعها لم يرتفع الاختلاف
لمخالفة الكعب على أي تفسير للساق على هذا التقدير " إلى آخره، فإنه
لا يخفى عليك ما فيه، خصوصا بعد وضوح الفرق بينهما بتحقق صدق
القدم قبل الوصول إلى منتهى الكعب المتصل بالساق.
فلا محيص حينئذ عن العمل بمرسلي الساق المعتضدين بشهرة الأصحاب
وبأصالتي بقاء الحق وعدم سلطنة الأسفل على الأعلى في منعه عن القدر
الزائد على المجمع عليه.
وعلى كل حال فالظاهر بناء الاطلاق المزبور نصا وفتوى على استواء
الأرض، وإلا فلو فرض اختلافها هبوطا وعلوا ففي القواعد وجامع
المقاصد والمسالك سقي كلا على حدته، ولعله لما في الكفاية من أنهما لو
سقيا معا لزاد الماء في المنخفضة عن الحد السائغ شرعا، فيخرج عن
المنصوص، فوجب إفراد كل بالسقي توصلا إلى متابعة النص بحسب
الامكان.
ولو كانت كلها منحدرة لم يقف فيها الماء كذلك ففي المسالك
" سقيت بما تقتضيه العادة. وسقط اعتبار التقدير الشرعي لتعذر "
واستحسنه في الكفاية.
قلت: قد يقال باعتبار الغاية لجميع ما فيها وإن استلزم الزيادة
في بعضها، نحو ما لو فرض اشتمال الأرض على زرع وشجر ونخل،
ويلاحظ التقدير بالنسبة إلى المنحدرة، نعم لو احتيج سقي الأرض لغير
ذلك اعتبرت الحاجة عادة فإن الظاهر كون التحديد المزبور في النصوص
135

مراعاة لها، لا أنه تحديد تعبدي حتى لو علم زيادة على الحاجة، ولكن
لا حق للثاني إلا بعد استيفاء الأول تمام حاجته وإن أدى ذلك إلى ضرر
الغير، بل لم يفضل لا شئ له بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع
بقسميه عليه لأنه، أحق بمقدار حاجته، بل لا حق للثاني إلا بعدها.
نعم لو تساويا في التحاذي عن يمين النهر وشماله فالذي صرح به
الفاضل والشهيدان والكركي القسمة بينهما، فإن تعذرت فالقرعة. نعم
ذكر الشهيدان المهاياة مع الضيق، فإن تعاسرا فالقرعة، ولعل ترك
غيرهما المهاياة باعتبار عدم لزومها عليهما مع التعاسر، فلا يجبران عليها.
ولكن قد يناقش بأن المتجه في المقام ما سمعته من السابق في المعدن
الذي هو باق على الإباحة أيضا كالماء هنا، وقد أطلق الأكثر هناك
القرعة، وظاهرهم تقديم من خرجت القرعة له في أخذ تمام حاجته.
نعم قد سمعت ما سمعت من الكركي غيره، وتقدم الكلام معهم
هناك، والمقام مثله، ضرورة أن ذلك ليس إلا لكونهما متساويين في
الأحقية المزبورة، إما باعتبار كونهما معا في فوهة النهر، أو لعدم العلم
بقدم أحدهما على الآخر، ومع فرضه وجهله فليس إلا القرعة، لاستيفاء
تمام حاجته قطعا.
ومن ذلك يظهر لك النظر فيما ذكروه هنا من القسمة، ومع
تعذرها فالقرعة في التقديم خاصة بعد فرض النقص عليهما، وفرض تعذرها
يكون لعدم تمكن كل منهما من ساقية تصل إلى ملكه أو لغير ذلك.
قال في القواعد بعد أن ذكرها " فإن لم يفضل عن أحدهما سقي من
أخرجته القرعة بقدر حقه ثم يتركه للآخر، وليس له السقي بجميع الماء،
لمساواة الآخر له في الاستحقاق، والقرعة تفيد التقديم بخلاف الأعلى
مع الأسفل ".
136

ومعناه كما في جامع المقاصد " أن القرعة إذا أخرجت أحدهما قدم في
السقي، وليس له أن يسقي مقدار حاجته، لأنه يفسد زرع الآخر كله
أو بعضه، بل ينظر إلى مقدار زمان السقي لهما ومقدار صبر الزرعين وعدم
تطرق الفساد إليهما، والمفروض أن زمان الثاني قاصر عن زمان الأول،
لأن المفروض أن الفاضل عن سقي الأول غير كاف في سقي الثاني، فمقدار
ما قصر به الزمان الثاني يوزع على كل من المالك الأول والثاني، فيسقي
الأول مقدار حقه، وهو ما يبقى بعد إسقاط حصته من التوزيع لا مقدار
حاجته ثم يرسله إلى الثاني، مثاله لو كان زمان سقي الأول أعني الذي
أخرجته القرعة ستة أيام والآخر مثلها والباقي ثمانية أيام، فكل منهما
أربعة، ولو تفاوتا في ذلك بأن كان زمان سقي الأول ستة أيام والآخر
أربعة ومجموع المدة التي لا يبقى الزرعان بعدها ثمانية أيام فللأول ثلاثة
أخماس ثمانية أيام وللآخر خمساها، فإذا انقضت ثلاثة أخماس الثمانية أرسل
الماء الأول، وهو من أخرجته القرعة إلى الثاني، لمساواتهما في أصل الاستحقاق،
وأما قوله: والقرعة إلى آخره فهو جواب عن سؤال مقدر، وهو
أنه لا فائدة في القرعة بعد الحكم باستوائهما في السقي، وجوابه أن فائدتها
تقديم أحدهما على الآخر، ولولاها لم تتحقق ذلك، لعدم الأولوية ".
قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله، ضرورة اقتضاء تساويهما
في الاستحقاق قسمة الماء بينهما، كما لو كانا مالكين، فيأخذ كل منهما
نصيبه وإن لم يكف لحاجته، لا القرعة التي هي بعد تعذر القسمة ليتحقق
الاشكال.
كما لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرنا سابقا ولاحقا
من تساويهما في حق الأولوية التي لا ترجع إلى حق في الماء نفسه، فلا يتصور
فيه القسمة، على أنه قد يفرض التضرر بابتداء أحدهما على وجه لا يمكن
137

فيه مراعاة التوزيع، كما أنه يمكن كون أحدهما مقدما على الآخر في تمام
حاجته وقد أخرجته القرعة، كما هو مقتضى إطلاق الأكثر في المتسابقين إلى
المعدن فضلا عن المقام الذي من صورة التقدم في الاحياء مع الاشتباه.
ولو كانت أرض أحدهم أكثر قسم على قدرها، لأن الزائد مساو
في القرب، فيستحق جزء من الماء، إذ المعتبر في قرب الأرض من
الماء جزء منها وإن قل، حتى لو اتسعت إحداهما على جانب النهر
وضاقت الأخرى وامتدت إلى خارج فهما متساويان، لصدق القرب بذلك.
ولو أراد أحد أن يستجد بناء رحى على النهر المزبور فإن عارض
الأملاك على وجه يحصل ضرر عليهم أو بعضهم لم يكن له ذلك إلا برضاهم،
سواء بناها في ملكه أم في الموات، وإن لم يعارض أحدا جاز وإن كانت
أعلى من الجميع، لأن لهم حق الانتفاع لا حق الملك، فلا يتوقف على
إذنهم ما لا ينافي انتفاعهم.
ولو كان على النهر أرحية متعارضة فهي كالأملاك في تقديم ما كان
منها ما يلي الفوهة إن لم يكن غيرها السابق في الاحياء، والله العالم.
المسألة * (الرابعة:) *
* (لو أحيا انسان أرضا ميتة على مثل هذا الوادي) * الذي تعلق
به حق الأملاك السابقة فإن لم يكن فيه تضييق فلا منع لما عرفت وإلا
* (لم يشارك السابقين) * الذين هم أولى منه باحياء أرضهم الذي به
استحقوا مرافقها، والماء من أعظم المرافق، فلا يستحق إلا بعد استيفاء
الأولين، فإن لم يفضل عن كفايتهم شئ بأن احتاج الأول إلى السقي
عند فراغ المتأخر رجع الحق إليه، وهكذا، ولا شئ لهذا المحيي أخيرا
138

* (و) * إن كان الأرض التي أحياها أقرب من غيرها إلى فوهة الوادي.
نعم لو لم يحتج أحد منهم * (قسم له مما يفضل عن كفايتهم) *
ومن ذلك يعلم الوجه في تقييد النص والفتوى سابقا، لأن لم أجد خلافا
فيه بين من تعرض له كالشيخ والفاضل والكركي وغيرهم.
لكن في المتن * (فيه تردد) * ولم نجده لغيره، واحتمل فيه أمران:
أحدهما أن يكون الاحتمال الآخر مشاركة هذا المحيي للسابقين، بعني
استحقاقه نوبة بعد نوبتهم كالذي قبله وإن احتاج السابق قبل أخذه النوبة،
لأن النهر مباح بالأصل، وإنما استحقه من سبق بسبب الاحياء، وقد
شاركهم المتأخر في ذلك، كما يشارك من قبله السابق عليه.
وفي المسالك " هذا الاحتمال يتوجه إذا قلنا بأن الأعلى يجب عليه
الارسال لمن بعده بعد سقيه وإن احتاج إليه مرة أخرى، وهو وجه في
المسألة، أما إذا قلنا بأنه أولى من اللاحق مطلقا ولا حق للآخر إلا مع
استغنائه فلا يظهر للاحتمال المذكور وجه، لأنه مع غناء السابقين لا إشكال
في استحقاقه، ومع حاجتهم يقدمون عليه، وفي التذكرة نقل الخلاف فيما
لو احتاج الأعلى بعد استيفاء حقه إلى السقي مرة أخرى هل يمكن أم لا؟
ثم قوى عدم التمكين، وأنه يجب عليه الارسال لمن بعده، محتجا بقول
النبي (صلى الله عليه وآله) في خبر عبادة بن الصامت (1): " ويرسل الماء
إلى الأسفل حتى تنتهي الأراضي " وقوله (صلى الله عليه وآله) في رواية
الصادق (عليه السلام) (2): " ثم يرسل الماء إلى الأسفل " وغيرهما
من الأحاديث ".
قلت: قد يقال بانسياق تلك النصوص إلى الارسال مع استغناء

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 154 مع اختلاف يسير في اللفظ.
(2) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب إحياء الموات - الحديث 1.
139

الأول وإلا فمع فرض حاجته مقدم كما في أول الدور، لاستمرار
سبب التقديم وهو كونه في الفوهة مثلا، وحينئذ فيسقط الاحتمال المزبور
الذي جعل وجها للتردد، ولذا لم نره لغيره ممن تقدمه أو تأخر عنه.
وأما الاحتمال الثاني - فهو أنه لا يصلح لهذا المتأخر مع ضيق الماء
الاحياء إلا بإذن السابقين لئلا يصير ذريعة إلى منع حقهم من النهر على طول
الأزمنة واشتباه الحال، خصوصا إذا كان أقرب إلى فوهته من غيره -
فهو مع أنه بعيد عن العبارة واضح الفساد منطبق على أصول العامة التي
منها اعتبار أمثال هذه الخرافات دون أصولنا، ضرورة أن حقهم في
النهر لا في الموات، وعليهم ضبط الأمر على وجه لا يكون اشتباها فيما
يأتي من الأزمنة، لا منع المستحق عن الأخذ بحقه مخافة حصول ذلك،
كما هو واضح.
ولو احتاج هذا النهر إلى حفر وإصلاح وسد خرق ونحو ذلك
فالظاهر كونه كالنهر المملوك الذي صرح في القواعد بأنه عليهم على حسب
ملكهم، فهنا أيضا على حسب استحقاقهم، نعم قد تقدم في تزاحم
الحقوق أنه لو امتنع بعض الشركاء من الاصلاح لم يجبر وإن كان لا يخلو
من نظر، خصوصا مع ملاحظة قاعدة نفي الضرر والضرار، وقاعدة حفظ
المال، والنهي عن ضياعه.
وعلى كل حال ففي القواعد في النهر المملوك أنه يشترك الكل إلى أن
يصلوا إلى الأدنى من أوله أي الذي هو في فم النهر، ثم لا شئ عليه،
ويشترك الباقون إلى أن يصلوا إلى الثاني وهكذا، ويحتمل التشريك.
ولعل وجه الأول أن نفعه ينتهي بانتهاء ملكه، ولا ملك له فيما
وراء أرضه، فيختص الباقون بمؤونة ما بقي على حسب استحقاقهم،
نعم لو كان الماء يفضل عن جميعهم واحتاج الفاضل إلى مصرف ينصب
140

إليه فمؤونة ذلك المصرف على جميعهم، لأنهم يشتركون في الحاجة
والانتفاع به، فكانت مؤونته عليهم كأوله، ولا ينافي ذلك انتهاء حق
الأدنى عند أرضه، فإما أن يجب عليه حصة من المؤونة في الجميع أو لا
يجب شئ لما بعد ملكه على حال، فإن المراد عدم لزومه مؤونة الحفر
لما يزيد عن ملكه عليه بعد فرض عدم توقف الحفر إلى ملكه على ذلك،
أما مصرف الفاضل عن الجميع الذي يعود نفعه إليهم أجمع فلا وجه،
لعدم لزومه له مع وصول النفع والضرر إليه وعليه، كحفر أول النهر.
ولو فرض عدم ضرر ولا نفع له فيه اتجه حينئذ عدم التزامه بشئ،
اللهم إلا أن يقال به باعتبار الشركة معه، فيستحق الثاني عليه من جهتها
مقدار ما يقتضيه التقسيط من جهتها وإن لم يكن لذلك دخل في ملكه.
ولعل من ذلك يظهر لك وجه التشريك باعتبار أن ما بعد ملكه
وإن لم يكن مملوكا إلا أنه من ضروريات ملكه، لأنه مصب لمائه، وهو
جيد مع الفرض المزبور. ولعله لذا حكي عن الشهيد في الحواشي اختياره.
لكن في جامع المقاصد " أن الأول أصح " لأنه لا حق له بعد
ذلك الموضع، لانحصار الاستحقاق في الباقين ".
وفيه أنه كذلك إلا أن الاشتراك المزبور يوجب عليه ذلك، كما
أوجب عليه في مصرف الماء الفاضل. اللهم إلا أن يفرض أن وضع
شركته معه إلى الحد المزبور، وأنه لا مدخل له بعده في شئ أصلا،
ولم يكن عليه ضرر ولا نفع، وهو خروج عن الفرض، فتأمل جيدا.
ثم إنه لا يتوهم من إطلاق الفاضل وغيره هنا الالتزام بالمؤونة المنافاة
لما تقدم من عدم إجبار أحد الشريكين الآخر على العمارة باعتبار منافاة
الوجوب لعدم الاجبار، إذ احتمال كون المراد منه الإثم إن لم يفعل وإن
لم يجبر كما قوى، ضرورة أنه متى تحقق الوجوب اتجه الاجبار، واحتمال
141

منعه على كل واجب واضح الضعف، إلا أن المراد هنا اللزوم بعد البناء
منهم على التعمير وأداء المؤونة، أو كان أحدهم غائبا وتولى أمره الحاكم
مثلا أو غير ذلك، لا اللزوم الذي يجبر عليه الشريك مع الامتناع، أو
يقال المراد أنه حيث يتحقق الوجوب بأحد أسبابه.
وحينئذ فإذا امتنع ففي جامع المقاصد " كان للحاكم التسلط على
إجباره على واحد من أمور متعددة: إما الاصلاح أو البيع أو الإجارة
أو القسمة إن أمكنت إلى آخر الأمور المتعددة، فكان له إجباره في
الجملة، ومتعلقه واحد غير معين من متعدد، وكل واحد لا يجبر عليه
بخصوصه وإن أجبر على واحد غير معين " وهو جيد، إذ المدار حينئذ على
رفع ضرر الشريك، والله العالم.
المسألة الخامسة:
التي قد ذكرها المصنف في النافع ولكن لا تعلق لها في هذا الكتاب
وهي ما رواه الشيخ في التهذيب في باب بيع الغرر في الموثق عن إسحاق
ابن عمار (1) عن عبد صالح (عليه السلام) قال: " سألته عن رجل
في يده دار ليست له ولم تزل في يده ويد آبائه من قبله قد أعلمه من
مضى من آبائه أنها ليست لهم ولا يدرون لمن هي فيبيعها ويأخذ ثمنها،
قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، قلت فإنه ليس يعرف صاحبها
ولا يدري لمن هي، ولا أظنه يجئ لها رب أبدا، قال: ما أحب أن
يبيع ما ليس له، قلت: فيبيع سكناها ومكانها فيقول لصاحبه أبيعك
سكناي وتكون في يدك كما هي في يدي؟ قال: نعم يبيعها على هذا ".

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب عقد البيع - الحديث 5 من كتاب التجارة.
142

وإليه أشار في النهاية " إذا كان الانسان في يده دار أو أرض
ورثها عن أبيه عن جده غير أنه يعلم أنها لم تكن ملكا وإنما كانت للغير ولم
يعرف المالك لم يجز له بيعها، بل ينبغي له أن يتركها بحالها، وإن
أراد بيعها فليبع تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها على حال ".
وقال ابن إدريس " يمكن أن يقال: إنما كان الأمر على ما ذكر
في هذا الحديث، والوجه في ذلك، وكيف يجوز له تركها في يده
وبيع ما جاز له بيعه وهو يعلم أنه لم يكن لمورثه؟! ومن كان بيده شئ
ولم يعلم لمن هو فسبيله سبيل اللقطة، فبعد التعريف المشروع يملك
المتصرف، فجاز أن يبيع ما له فيها، وهو التصرف الذي ذكر في الخبر
دون رقبة الأرض إذا كانت في الأرض المفتوحة عنوة، فهذا وجه تأويل
في الخبر، وبعد هذا كله فهذه أخبار آحاد أوردها شيخنا في نهايته لئلا
يشذ من الأخبار شئ ".
وفيه أولا منع كونها من اللقطة، ضرورة تعاقب الأيدي فيها على
التصرف المحمول على الوجه الصحيح شرعا، وكونها لغيرهم أعم من
كونها غصبا أو نحوه.
ولذا قال الفاضل بعد أن حكى ذلك عنه: " أقول: ليس بعيدا
من الصواب أن يكون المراد بقوله: " فليبع تصرفه فيها " أي الآثار
الموجودة من الأبنية والسقوف، ولا يلزم من كون الدار ليست له كونها
غضبا، بل جاز أن تكون عارية، وهو الظاهر، إذ تصرف المسلم إنما
يبنى في الظاهر على المشروع " وإن كان هو غير نقي أيضا.
وفي النافع أنه يمكن تنزيله على أرض عاطلة مملوكة أحياها غير المالك
بإذنه، إلا أنه مع ذلك كله لا بد من تنزيل البيع فيه على بيع الآثار،
أو إرادة الصلح الذي يقع مثله على حق السكنى الذي يقضي به تعاقب
143

الأيدي بعد عدم منافاة اعتراف كونها للغير المحتمل وجوها لذلك.
نعم قد يظهر من قول: " لا أحب " فيه بجواز (1) بيع الرقبة
ولكن على الكراهة، ولا ريب في منافاته للقواعد. اللهم إلا أن يريد
بذلك الاستئذان منه (عليه السلام) في البيع باعتبار كونه مجهول المالك
فأجابه (عليه السلام) بذلك. لعدم إظهار الراوي الوصول إلى حد
اليأس بقوله: " ولا أظن يجيئها أحد ".
أما بيع السكنى المستحقة بتعاقب الأيدي بمعنى نقلها بما ينقل مثلها
إن لم تحمل على الآثار التي له فيها فلا بأس به، ولعل تنزيل الخبر
المزبور عليه أولى من ذلك كله، وخصوصا ما ذكره ابن إدريس من
التنزيل على دار في المفتوحة عنوة أو ما سمعته من المصنف.
والغرض أنه لا ينبغي الجرأة على مخالفة القوانين الشرعية بالخبر
المزبور خصوصا مع عدم العلم بإرادة الإمام من قوله: " عبد صالح "
فيه، وإن كان المتعارف منه الكاظم (عليه السلام) لكن بغير هذه
التأدية، ووجود (عليه السلام) في التهذيب لم يعلم كونها من الراوي،
بل من المحتمل كونها من الكاتب، والله العالم بحقيقة الحال.
ويتلوه كتاب اللقطة

(1) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة، والصحيح " جواز ".
144

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين
الغر الميامين.
كتاب اللقطة
بضم اللام وفتح القاف وإسكانها: المال المخصوص على ما هو
المعروف بين أهل اللغة كالأصمعي وابن الأعرابي والفرا وأبي عبيدة.
بل عن الأخير أن التحريك عليه عامة أهل العلم. بل عن الأزهري
أنه قول جميع أهل اللغة وحذاق النحويين. وفي الإيضاح " أجمعت الرواة
على رواية خبر زيد الجهني (1) بالتحريك ".
ولكن مع ذلك كله ففي التذكرة " عن الخليل بن أحمد أنها بالسكون
للمال، وبالفتح للملتقط، كما هو في كل ما كان على وزن " فعلة " نحو " همزة "
" ولمزة " وغيرهما " ومن الغريب اختياره في التنقيح مع ندرته، بل عن
الأزهري عن الليث السكون، ولم أسمعه لغيره.

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 185.
145

بل عن بعضهم عد السكون من لحن العوام، وذلك لأن الأصل
" لقاطة " فثقلت عليهم، لكثرة ما يلتقطون في النهب والغارات وغير
ذلك فتلعبت بها ألسنتهم اهتماما بالتخفيف فحذفوا الهاء، تارة وقالوا:
" لقاط " والألف أخرى فقالوا: " لقطة " فلو أسكن مع ذلك اجتمع
على الكلمة إعلالان، وهو مفقود في فصيح الكلام، وإن كان هو كما
ترى من إثبات اللغة بالاجتهاد، على أنه في مقابلة تصريح الأعاظم منهم
بها وإن اقتصر على الفتح جماعة منهم، لكن ذلك لا يدل على نفي السكون.
وعلى كل حال فهي لغة وعرفا المال، إلا أن الفقهاء تجوزوا
وأطلقوها على ما يشمل الآدمي الحر، منهم من خصها بالأول، وأفرد
للقيط كتابا آخر، وأما احتمال أنها حقيقة شرعية للأعم فهو واضح
الضعف، والاطلاق في بعض النصوص لا يقتضيه.
والأصل فيها بعد الاجماع أو الضرورة على مشروعيتها في الجملة
النصوص من الطرفين التي ستمر عليك جملة منها في الأثناء، كخبر زيد
ابن خالد الجهني (1) " جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله)
فسأله عن اللقطة، فقال: اعرف عقاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن
جاء صاحبها وإلا فشأنك بها، قال: فضالة الغنم، قال: هي لك أو
لأخيك أو للذئب، قال: فضالة الإبل، قال: ما لك ولها، معها سقاؤها
وحذاؤها. فإنها تشرب الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها ".
وصحيح الحلبي (2) عن الصادق (عليه السلام) قال: " جاء
رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله إني وجدت

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 185.
(2) أشار إليه في الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 وذكره في التهذيب
ج 6 ص 394 - الرقم 1184.
146

شاة، فقال: هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال: إني وجدت بعيرا،
فقال: خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تهجه ".
والعقاض: الوعاء الذي تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة وغير
ذلك، والأصل فيه الجلد الذي يلبسه رأس القارورة.
والوكاء: الخيط الذي يشد به المال، والله العالم.
وكيف كان ف‍ - * (- الملقوط إما إنسان وإما حيوان أو غيرهما) *
ولكل من الثلاثة أحكام تخصه.
* (فالقسم الأول) *
* (يسمى لقيطا وملقوطا) * وإن كانا هما بمعنى واحد، لأن فعيل
كجريح بمعنى مفعول * (ومنبوذا) * بمعنى مطروحا، فترجع الأسماء الثلاثة
إلى الأمرين باعتبار حالتيه، فإنه ينبذ أولا ثم يلتقط.
* (وينحصر النظر) * في هذا القسم * (في ثلاثة مقاصد:) *
* (الأول) *
* (في اللقيط) *
* (وهو) * كما في النافع والقواعد والتذكرة والتحرير * (كل صبي
ضائع لا كافل له) * حال الالتقاط، بل لا أجد خلافا في غير المميز
147

منه، بل الاجماع بقسميه عليه.
مضافا إلى أنه المنساق مما في النهاية " اللقيط: الطفل الذي يؤخذ
مرميا ". وفي القاموس " أنه المولود ينبذ " وعن المصباح المنير " أنه
غلب على المولود المنبوذ ". وفي الصحاح " أنه المنبوذ ".
وربما كان هو المراد مما في محكي الحواشي للشهيد " اللقيط: كل
صبي طرحه أهله عجزا عن الصلة أو خوفا من التهمة ".
وعلى كل حال فلا يشمل شئ منها - نحو ما سمعته من النصوص
أيضا - المجنون كما في الدروس، وإن وافقه عليه الشهيد الثاني والكركي
وبعض متأخري المتأخرين، بل لعل العرف أيضا يساعد عليه.
ووجوب حفظه عن التلف وإنقاذه من الهلكة كالعاقل لا يثبت له
حكم الالتقاط، فيكفي فيه حينئذ إيصاله إلى الحاكم المتولي لأمره وأمر غيره
ينصب له من يحفظه، فأصالة عدم جريان حكم الالتقاط حينئذ بحالها.
وحينئذ فزيادة المجنون في تعريف المصنف كما في المسالك في غير
محله، نعم لا بأس بزيادة الصبية المعبر عنها في النصوص (1) باللقيطة في
مقابل اللقيط، لكن قد يريد المثال لها وللخنثى من الصبي في المتن وغيره.
وبذلك كله ظهر لك أن قول المصنف: * (ولا ريب في تعلق الحكم
بالتقاط الطفل غير المميز) * في محله، لأنه المتيقن من النصوص (2)
وكلام أهل اللغة وجرت السيرة به.
* (و) * كذا لا ريب في * (سقوطه في طرف البالغ العاقل) *
بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل وغيره * (و) * إن وجب
استنقاذه من الهلكة وحفظ نفسه.
نعم * (في الطفل المميز تردد) * من أنه مستقل بالامتناع خصوصا

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 4 -..
(2) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 4 -..
148

إذا كان مراهقا، فلا يتولى أمره إلا الحاكم، ومن حاجته إلى التربية
والتعهد وإن كان محفوظا في نفسه
* (أشبهه) * وفاقا لصريح الفاضل والشهيدين والكركي وظاهر محكي
الوسيلة والغنية * (جواز التقاطه، لصغره وعجزه عن دفع ضرورته) *
وصدق كونه لقيطا بعد أن يكون ضائعا ومرميا ومنبوذا، بل لعل إطلاق
الالتقاط على يوسف (عليه السلام) (1) أقوى شاهد على ذلك، ضرورة
أنه كان مميزا كما يشهد له رؤياه التي قصها على أبيه قبل أن يرمى في البئر.
بل لعل منه ينقدح النظر في استثناء الكركي وثاني الشهيدين المراهق
منه تبعا للمحكي عن المبسوط، بل مال إليه في الدروس، لأنه مستغن
عن التعهد والتربية، فكان كالبالغ في حفظ نفسه.
مضافا إلى عدم منافاة ذلك لصدق اللقيط الذي به ينقطع أصالة
عدم جواز التقاطه، ضرورة ظهور فحوى النصوص في جواز الالتقاط،
بل في التذكرة المفروغية من وجوبه كفاية، وستسمع الكلام فيه عند
تعرض المصنف.
وإنما الكلام في مشروعية أصل الالتقاط، قال الصادق (عليه السلام)
في خبر زرارة (2): " اللقيط لا يشتري ولا يباع ".
وقال (عليه السلام) في خبر إسماعيل المدائني (3): " المنبوذ
حر، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه والاه، فإن طلب منه الذي رباه
النفقة وكان موسرا رد عليه، وإن كان معسرا كان ما أنفقه عليه صدقة ".
وعنه (عليه السلام) أيضا في خبر عبد الرحمن العرزمي (4) عن

(1) سورة يوسف: 12 - الآية 10.
(2) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 عن عبد الرحمان العرزمي
عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) كما في الكافي ج 5 ص 225.
149

أبيه عن الباقر (عليه السلام) " المنبوذ حر، فإذا كبر فإن شاء توالى
الذي التقطه وإلا فليرد عليه النفقة، وليذهب فليوال من شاء ".
وقال محمد بن أحمد (1): " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
اللقيطة فقال: لا تباع ولا تشترى، ولكن تستخدمها بما أنفقت عليها ".
وفي صحيح ابن مسلم أو حسنه (2) " سألت أبا جعفر (عليه السلام)
عن اللقيطة، فقال: حرة لا تباع ولا توهب ".
إلى غير ذلك من النصوص الدالة بفحواها على جواز التقاط غير
الكبير الشامل للمراهق بعد فرض صدق كونه ضائعا ولا كافل له.
بل لعل ظاهر ما في بعضها - من بقائه على حكم الالتقاط حتى يكبر فيتوالى
من شاء - يقتضي ذلك بعد معلومية إرادة البلوغ من الكبير فيه ولو بقرينة
المطالبة بالنفقة، ولو أن المراهق لا يلتقط لكان المناسب خروج الملتقط
عن حكم الالتقاط بوصول الصبي إلى الحد المزبور لا إلى البلوغ، اللهم
إلا أن يفرق بين الابتداء والاستدامة، وهو كما ترى.
نعم لا بد من تحقق وصف كونه ضائعا في جواز التقاطه، لكن في
المسالك " أن المصنف احترز بالضائع عن غير المنبوذ وإن لم يكن له
كافل، فإنه لا يصدق عليه اسم اللقيط وإن كانت كفالته واجبة كالضائع
إلا أنه لا يسمى لقيطا " وظاهره عدم صدق الضائع على غير المنبوذ.
وفيه منع، خصوصا بعد فتواه بجواز التقاط المميز غير المراهق.
وكأنه أخذه مما في التذكرة قال: " وقولنا: ضائع نريد به المنبوذ
فإن غير المنبوذ يحفظه أبوه وجده لأبيه أو وصيهما، فإذا فقد أقام القاضي

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 وفيه " عن اللقيط فقال:
حر..... " كما في الكافي ج 5 ص 225.
150

مقامها، أما المنبوذ فيشبه اللقطة، ولهذا سمى لقيطا، نعم يختص حفظه
بالقاضي ".
وكأنه يريد بغير المنبوذ من كان له كافل معروف، لا تخصيص
اللقيط بكونه منبوذا وإن كان هو مقتضى ما سمعته في كتب أهل اللغة
إلا أن العرف يقتضي خلافه، ضرورة صدقه على الضائع من أهله وإن
لم ينبذوه، والنصوص وإن وجد فيها المنبوذ لكن وجد فيها اللقيط وهو
أعم منه، فلا منافاة بينهما.
وعلى كل حال ففي المسالك أيضا " وبقوله: لا كافل له عن
الضائع المعروف النسب، فإن أباه وجده ومن يجب عليه حضانته مختصون
بحكمه، ولا يلحقه حكم الالتقاط وإن كان ضائعا، نعم يجب على من
وجده أخذه وتسليمه إلى من تجب عليه حضانته كفاية من باب الحسبة،
ويجوز الاحتراز بقوله: " لا كافل له " عن الصبي الملقوط، فإنه في يد
الملتقط يصدق أن له كافلا، ومع ذلك لا يخرج عن اسم الضائع بالنسبة
إلى أهله ".
قلت: لعل الثاني أولى، لامكان منع صدق الضائع على الاطلاق
على معروف الأهل، فإن أول مراتب الضياع الذي يتحقق به الالتقاط
كونه ضائعا على الملتقط وإن لم يكن ضائعا على أهله، كالمنبوذ الذي
لا ريب في كونه من اللقيط مع أنه غير ضائع على أهله، وإنما هو ضائع
على الملتقط.
بل عن الشهيد في الحواشي " أن اللقيط كل صبي طرحه أهله عجزا
عن النفقة أو خوفا من التهمة ".
وفي الاسعاد لبعض الأفاضل من الشافعية " اللقيط عند الفقهاء اسم
للطفل المنبوذ في شارع أو مسجد ونحوهما ضائعا " وإن كان في حصر
151

اللقيط بذلك ما عرفته سابقا، فلاحظ وتأمل، وربما تسمع لذلك مؤيدا
إنشاء الله تعالى، والله العالم.
* (و) * كيف كان ف‍ - * (- لو كان له) * أي الطفل ولو غير
المميز * (أب أو جد أو أم) * أو غيرهم ممن يجب عليه حضانته كما في
المسالك * (أجبر الموجود منهم على أخذه) * لعدم كونه لقيطا حينئذ،
ضرورة وجود الكافل له، وعدم صدق كونه ضائعا عليه عرفا.
* (وكذا لو سبق إليه ملتقط ثم نبذه فأخذه آخر ألزم الأول
أخذه) * لتعلق الحكم به بأخذه، ولا دليل على سقوطه عنه بنبذه.
وعلى كل حال فظاهر المصنف التنبيه بذلك على وجه اعتبار عدم
الكفيل في التعريف المزبور، إلا أنهم اختلفت عباراتهم في تأدية ذلك.
ففي المتن والمسالك ما عرفت، وفي التحرير كالمتن بدون ذكر
الملتقط، وفي الإرشاد واللمعة ترك الأيام وزيادة الوصي.
وفي الدروس " يجبر الأب وإن علا والأم وإن تصاعدت والملتقط "
ونحوه في الروضة مع زيادة الوصي.
وفي محكي المبسوط " أن التربية والحضانة ولاية، وكذلك الانفاق،
وذلك لا يكون إلا للوالد أو الجد أو الوصي أو أمين الحاكم ".
وفي التذكرة " قولنا: لا كافل له نريد أن لا أب له ولا جد
للأب ومن يقوم مقامهما، فالملتقط ممن هو في حضانته أحد هؤلاء لا معنى
لالتقاطه نعم لو وجد في مضيعة أخذ ليرده إلى حاضنه ".
وفي القواعد " فإن كان له من يجبر على نفقته أجبر على أخذه ".
وفي الدروس " ولو كان له أب وإن علا أو أم وإن تصاعدت أو
ملتقط سابقا أجبر على أخذه. "
152

وفي الإرشاد " شرط الأول - أي اللقيط - الصغر وانتفاء الأب
أو الجد أو الملتقط ".
إلى غير ذلك من العبارات التي لا تخلو من تشويش وإيهام لحصر
الحضانة والكفالة في خصوص ما ذكروه، وهو مناف لما سمعته في
النكاح (1).
بل قد يشكل عد الوصي مع عدم المال للولد ممن له الحضانة أو
عليه، كما أنه قد يشكل عدم اعتبار المتبرع بالكفالة والحضانة وإن كان
بعيدا، فإنه لا يسمى من له مثله ضائعا ولقيطا، وأولى من ذلك الأعمام
والأخوال والأخوات والخالات ونحوهم، وإن كان بعض العبارات المزبورة
تقتضي كونه لقيطا، لعدم الكافل الشرعي، وهو كما ترى.
ومن ذلك كله يظهر لك أن إيكال اللقيط إلى العرف لعدم الحقيقة
الشرعية له أولى من هذه الكلمات التي لا يخفى عليك ما فيها بعد الإحاطة
بما ذكرناه، وخصوصا عبارة التذكرة التي أطنب في مجمع البرهان في
بيان إشكالها، وكذا عبارة الإرشاد.
والتجشم لدفع بعض ما ذكرناه بإرادة المثال مما ذكروه في المقام
يمكن القطع بعدمه بملاحظة إرادة التقييد من المعبر بها، كقوله: " الجد
للأب " مع أن الجد للأم من الحاضنين أيضا وإن لم يكن وليا، بل الأصل
في الحضانة للأم التي تركها بعضهم هنا.
والحاصل أن التعريف المزبور وما ذكروه في بيان وجه الاحتراز
في قيوده في غاية التشويش، والله العالم.
* (ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى) * صغيرا كان أو كبيرا مع

(1) راجع ج 31 ص 283 - 301.
153

تحقق وصف الضياع فيه جاز، لاطلاق ما دل (1) على جواز التقاط
كل مال ضائع صامت أو ناطق، وخصوص الصحيح الآتي (2) فهو
حينئذ لقطة لا لقيط، لما سمعته من نصوص الثاني (3) التي هي صريحة
في ما لا يشمله، فليس حينئذ إلا لقطة لا لقيطا وإن كان صغيرا منبوذا،
مضافا إلى وجود حكمة مشروعية الالتقاط فيه من خوف التلف ونحوه.
خلافا للمحكي عن المبسوط وغيره، فمنع من التقاط الكبير، للأصل
وفحوى ما ورد في منع التقاط البعير (4) من عدم الخوف عليه.
وفيه - مع أنه غير تام في مثل الكبير الذي لا يستقل بحفظ نفسه
لجنون أو خبل أو قصور أو نحو ذلك - أن الكلام مع فرض صدق اسم
الضياع الذي يندرج به تحت موضوع لقطة المال التي أشير إليهما في صحيح
علي بن جعفر (5) عن أخيه موسى " سألته عن اللقطة إذا كانت جارية
هل يحل فرجها لمن التقطها؟ قال: لا، إنما يحل له بيعها بما أنفق عليها "
الظاهر أو الصريح في جواز التقاطها كبيرة قابلة لأن يستحل فرجها،
أو أنها التقطت صغيرة حتى كبرت عنده، ولكن لم تخرج بذلك عن حكم اللقطة،
والقياس على البعير ليس من مذهبنا مع إمكان الفرق بينهما أيضا.
كما أن الاستدلال على المختار بالمعاونة والاحسان عند خوف التلف
- حتى أنه قال في الروضة: " ينبغي القطع بالجواز مع ذلك " لا يخلو
من نظر، ضرورة عدم ثبوت الالتقاط الذي له أحكام مخصوصة بذلك

(1) الوسائل - الباب - 2 - وغيره من كتاب اللقطة.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 8.
(3) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة.
(4) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة.
(5) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 8.
154

وإلا فنصوص رد الآبق (1) كثيرة.
فالعمدة حينئذ ما ذكرناه في قطع الأصل المزبور.
ومنه يستفاد أولوية مشروعية الالتقاط في الصغير منه ولو كان مراهقا
بعد فرض تحقق وصف الضياع، وإن كان المحكي عن الشيخ أيضا وخيرة
الفاضل والشهيد في اللمعة العدم، للعلة المزبورة، لكنه واضح الضعف.
ودعوى أنه يعلم مالكه فلا يكون ضائعا يدفعها خروجها عن محل
البحث، لما قد تكرر منا من أن البحث فيما تحقق فيه وصف الضياع.
كما أنه أيضا بعد تحقق كونه مملوكا بفرض ما يدل على ذلك أو العلم
به، نعم لا عبرة باللون ونحوه، كما هو واضح، والله العالم.
إنما الكلام في تملكه بعد التعريف سنة الذي قد يظهر من قول
المصنف: * (لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه) * العدم مطلقا، كالفاضل
في الإرشاد.
وفي التحرير " ويجوز أخذ الآبق لمن وجده، فإن وجد صاحبه
دفعه إليه، ولو لم يجد سيده دفعه إلى إمام أو نائبه، فيحفظه لسيده
أو يبيعه مع المصلحة، وليس للملتقط بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن
العبد يحفظ نفسه بنفسه، فهو كضوال الإبل ".
وظاهره العدم في الكبير خاصة، بل صرح في القواعد يتملك
الصغير بعد التعريف، كما عن المبسوط، وقواه في المسالك.
لكن قد يقال: إن ظاهر نفي الحل في الصحيح (2) المزبور وحصره
في جواز البيع بالانفاق يقتضي عدم مشروعية التملك مطلقا، كما صرح
به في الدروس، ولا بأس به مقيدا لما دل (3) على أن من حكم اللقطة

(1) الوسائل - الباب - 49 و 50 - من كتاب العتق.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 8.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 8.
155

بعد التعريف التملك لو سلم شمولها للمفروض وعدم انسياقها في المال
الصامت، من غير فرق في المملوك بين الصغير والكبير، لما عرفت من
شمول. الصحيح المزبور لالتقاط الكبير والصغير حتى يكبر مضافا إلى
الأصل.
ومن الغريب احتمال بعض تملكه من غير تعريف كالضالة، ضرورة
عدم دليل عليه يخرج به عن الأصل.
وقول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح زرارة (1) " في لقيطة
أخذت فقال: حرة لا تباع ولا تشترى، وأن كان ولد مملوك لكن من
الزنا فأمسك أو بع إن أحببت، هو مملوك لك " لا دلالة فيه على اللقيط
المملوك، وإنما هو دال على ملك ولد الزنا من المملوك، وهو غير ما
نحن فيه، والله العالم.
* (و) * على كل حال ف‍ - * (- لو أبق منه أو ضاع من غير
تفريط) * مع عدم نية التملك حيث تكون له * (لم يضمن) * بلا خلاف
كغيره من ملتقط المال.
* (ولو كان بتفريط ضمن) * بلا خلاف ولا إشكال.
* (و) * كذا * (لو اختلفا في التفريط ولا بينة ف‍ -) * - إن
* (القول قول الملتقط مع يمينه) * للأصل وغيره.
* (ولو أنفق عليه باعه في النفقة إذا تعذر) * عليه * (استيفاؤها) *
من المالك، للصحيح المزبور (2) الظاهر في جواز الانفاق والبيع فيه

(1) الوسائل - الباب - 96 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 2 من كتاب التجارة
وفيه " ولد مملوك لك من الزنا " كما في الفقيه ج 3 ص 86 - الرقم 320 والتهذيب
ج 8 ص 228 - الرقم 822.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 8.
156

من دون استئذان الحاكم، ولعله كذلك، لأنه بجواز الالتقاط له صار
أمينا شرعيا.
لكن في المسالك " إذا التقط العبد ولم يوجد له من ينفق عليه
تبرعا رفع أمره إلى الحاكم لينفق عليه أو يبيع شيئا منه فيها أو يأمره بها
ليرجع، فإن تعذر أنفق عليه الملتقط بنية الرجوع إلى أن يستغرق قيمته
ثم باعه فيها، ولو أمكن أن يبيعه تدريجا وجب مقدما على بيعه جملة،
وحينئذ يتعذر بيعه أجمع في النفقة، لأن الجزء الأخير لا يمكن إنفاق
ثمنه عليه لصيرورته حينئذ ملكا للغير، فلا ينفق عليه الثمن الذي هو
ملك الأول، بل يحفظ ثمنه لصاحبه الأصلي ".
ولا يخفى عليك ما فيه من مخالفته مقتضى الصحيح المزبور (1)
بلا داع، اللهم إلا أن يكون ما تسمعه إنشاء الله في الضالة.
على أنه قد يناقش في ولايته على البيع للجزء الأخير مع أنه ليس
في النفقة، فينبغي أن يرجع أمره إلى الحاكم.
ثم إن الظاهر من بعضهم أن من تعذر الاستيفاء إذا لم يكن للمولى
غير العبد.
وفيه إمكان منع جواز بيعه حينئذ إذا كان من مستثنيات الدين بعد
عدم دليل على تعلق الدين في رقبة العبد، بل هو من جملة ديون المولى.
وإن اعترف المولى بعتقه ففي القواعد " الوجه القبول فيرجع الملتقط
عليه بما أنفق إن كان العتق بعده قبل البيع " ولعله لعموم " إقرار
العقلاء " (2) وحق الانفاق إنما في ذمة المولى لا في رقبة العبد حتى
يكون إقرارا في حق الغير.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 8.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب الاقرار - الحديث 2.
157

نعم لو كان إقراره بذلك بعد البيع لم يقبل، لكونه حينئذ إقرارا
في حق الغير، وكذا لو أقر بالعتق مسندا له إلى ما قبل الانفاق،
فتكون النفقة على العبد، لأنه حال الانفاق حر، كما صرح به في جامع
المقاصد.
ولكن لا يخلو من نظر، بل لا يخلو منه الرجوع بها عليه مع فرض
ثبوت العتق كذلك وإن كان هو الأقوى كما أوضحناه في رجوع الوكيل
على الانفاق إذا بان أنه أنفق بعد موت الموكل على الزوجة المباشرة لاتلاف
المال، فتأمل.
هذا وفي الدروس ليس للسيد المطالبة بثمنه، أي بعد الاعتراف
بعتقه إلا أن ينكر العتق بعد ذلك، ولو ادعى رقه فصدق اللقيط
المدعي فالأقرب القبول إذا كان أهلا للتصديق ".
قلت: قد تقدم في كتاب الاقرار ما يعلم منه النظر في ذلك،
والله العالم.
المقصد (الثاني)
* (في الملتقط) *
* (ويراعى فيه البلوغ والعقل والحرية) * بلا خلاف أجده في
الأولين بين العامة والخاصة، بل ولا إشكال، لقصورهما عن ولاية
الالتقاط.
158

وحينئذ * (فلا حكم لالتقاط الصبي) * وإن كان مميزا مراهقا * (ولا
المجنون) * ولو أدوارا حال جنونه.
وما في التذكرة " لو كان الجنون يعتوره أدوارا أخذه الحاكم من
عنده، كما لو التقطه المجنون المطبق أو الصبي " يمكن حمله على إرادة أن
للحاكم أخذه، لا أنه مخصوص به وإلا كان مطالبا بدليله، كما هو
واضح، وعدم صدق المنبوذ عليه مع أنه لا يقتضي اختصاص الحاكم به
لا ينافي صدق اللقيط، والله العالم.
بل * (ولا العبد) * على المشهور، بل لم أتحقق فيه خلافا وإن
اقتصر المصنف على اعتبار التكليف بل في الكفاية " أنه مما قطع به
الأصحاب " بل في مجمع البرهان " الظاهر الاجماع على ذلك " بل في
جامع المقاصد نفي الريب فيه، للأصل و * (لأنه) * لا يقدر على شئ
إذ هو * (مشغول باستيلاء المولى على منافعه) * حتى أنه ورد (1) في
التقاطه المال: أينه وأين اللقطة، وهو مشغول بخدمة سيده * (و) * اللقطة
تحتاج إلى تعريف سنة.
نعم * (لو أذن له المولى صح، كما لو أخذه المولى ودفعه إليه) *
كما صرح به غير واحد، بل لا أجد خلافا فيه، بل ولا في الصحة مع
الإجازة أيضا، نعم في الدروس والمسالك " فيكون في الحقيقة هو الملتقط
والعبد نائبه، فيلحقه أحكامها دون العبد ".
قلت: قد يحتمل كون الولاية حينئذ للعبد بعد رفع الحجر عنه
بالإذن، بل لعله أقوى وألصق بالأدلة مع كونه مأذونا لا نائبا عن السيد.
وعلى كل حال لا يجوز للمولى الرجوع على ما صرح به الفاضل

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 وفيه " وما للمملوك
واللقطة، والمملوك لا يملك من نفسه شيئا.... "
159

والكركي وثاني الشهيدين.
كما أنه لا فرق بين القن والمدبر والمكاتب ولو تحرر بعضه وأم
الولد، لما عرفت
والمهاياة للمبعض بعد عدم لزومها لا تجدي كما في جامع المقاصد
والروضة والمسالك، وإن كان قد يناقش في ذلك وخصوصا مفرض
لزومها بصلح ونحوه، هذا كله في الالتقاط.
أما الانقاذ فواجب عليه بلا خلاف ولا إشكال، إلا أن ذلك
لا يثبت حكم الالتقاط وإن عبر به في الدروس وغيرها، وحينئذ فلمن
كان له أهلية الالتقاط انتزاعه منه، ومنهم سيده، كما هو واضح.
ثم إن ظاهر المتن وغيره، بل نسب إلى الأكثر ما صرح به الفاضل
وثاني الشهيدين وغيرهما من عدم اعتبار الرشد، فيصح التقاط السفيه،
لعدم كونه تصرفا ماليا محجورا عليه فيه، فيندرج في إطلاق الأدلة.
لكن في القواعد والدروس استقربه، بل في التذكرة الجزم به
قال: " إنه ليس بمؤتمن عليه شرعا وإن كان عدلا " وفي جامع المقاصد
" أنه لا يخلو من قوة ".
قلت: لا ينبغي التأمل في الجواز مع عدم اشتراط العدالة لما عرفت،
وعدم ائتمانه على ماله لا يمنع ائتمانه على حضانة الطفل الذي إن فرض
وجود مال له لم يمكن منه ولا من الانفاق عليه، ودعوى حصول
الضرر على الطفل بالتفريق المزبور واضحة الفساد.
نعم لو قلنا باعتبار العدالة اتجه عدم جواز التقاطه بناء على استلزام
سفهه الفسق، لحرمة التبذير، وستعرف الكلام فيها.
* (و) * على تقدير عدم اعتبارها ف‍ - * (- هل يراعى الاسلام) *
في التقاط المحكوم باسلامه؟ * (قيل) * والقائل الشيخ وجميع من تأخر
160

منه: * (نعم) * بشرط، بل في مجمع البرهان " يمكن دعوى الاجماع
عليه " ولعله كذلك، إذا لم أجد فيه خلافا وإن أشعرت عبارة المصنف
هنا والنافع بالتردد فيه، بل ومنه تسري إلى تلميذه الآبي.
ومن الغريب ما في التنقيح من أن الأصحاب أطلقوا جواز الالتقاط
من غير تقييد، ضرورة عدم معرفة من أطلق هنا، وإنما هو كذلك في
المال، والفرق بينهما في كمال الوضوح، كوضوح الفرق بين محل البحث
هنا وبين اللقيط المحكوم بكفره الذي لا خلاف كما اعترف به غير واحد -
في جواز التقاط الكافر له، بل عن المهذب البارع جواز ذلك قولا
واحدا، وإن كان ظاهر التنقيح أيضا اتحاد المقامين، هو غفلة.
وما عن الكركي في حاشية الإرشاد - من اشتراط الاسلام وإن لم
يكن الولد محكوما باسلامه - يمكن حمله على إرادة غير المحكوم بكفره،
كولد الزنا من الكافرين أو المسلمين وإلا كان مخالفا للاجماع.
بل قد يناقش في اشتراطه أيضا على التنزيل المزبور باطلاق الأدلة
السالم عن معارضة نفي السبيل (1) الذي هو دليل المنع في الأول في المتن
وغيره. قال: * (لأنه لا سبيل للكافر على الملقوط المحكوم باسلامه
ظاهرا، ولأنه لا يؤمن مخادعته عن الدين) *.
ودعوى أنه مولود على الفطرة فيكون مسلما واضحة المنع، لعدم
عامل بما دل عليها هذا الوجه، بل ظاهر حكمهم باسلام الطفل
بالتبعية يقتضي خلافه، وربما ردت باقتضائها المنع من التقاط ولد الكافر،
وفيه أن التبعية شرعا محققة بالفراش الشرعي، لأن لكل قوم نكاحا،
فالأولى ردها بما ذكرناه.
وأما التعليل الثاني فهو مناسبة لا تصلح دليلا، إذ عدم أمن المخادعة

(1) سورة النساء: 4 - الآية 141.
161

لا يمنع من ذلك وإن ورد نحوه في تزويج العارفة غير العارف (1) لكن
قد عرفت في محله أنه حكمة لا علة.
وهل اختلاف مذاهب المسلمين يقتضي بمنع التقاط ولد العارف لغير
أهل مذهبه؟ لا أجد فيه تصريحا، ولكنه محتمل، وإن كان الأقوى
خلافه، لما عرفت من أن احتمال الخدع حكمة لا علة وإلا لمنعت في الفسق
الذي مقتضي إطلاق الأكثر جواز الالتقاط معه.
بل لم نعرف القائل بخلاف الذي أشار إليه المصنف بقوله: * (ولو
كان الملتقط فاسقا قيل: ينتزعه الحاكم من يده ويدفعه إلى عدل، لأن
حضانته استئمان ولا أمانة للفاسق) * إلا ما يحكى عن المبسوط مع أن
المحكي عنه والخلاف في التنقيح عدم الاشتراط على كراهة، نعم هو خيرة
الفاضل في بعض كتبه وولده.
* (و) * من هنا كان * (الأشبه أنه لا ينتزع) * وفاقا لصريح
جماعة وظاهر آخرين، بل في كشف الرموز أن الفاسق يجوز له أخذه
بلا خلاف عندنا، ويترك عنده من غير انضمام يد آخر إليه. خلافا
لبعضهم، مع أنه لم نتحقق البعض المزبور، إذ الشيخ قد سمعت ما حكي
عنه وإن كان هو أنسب منه، إذ لا معنى لانتزاع خصوص الحاكم بعد
أن لم يكن له ولاية الالتقاط كالصبي والمجنون والكافر، فكل من هو
أهل لذلك يجوز التقاطه منه.
ويمكن تحصيل القطع بخلاف ذلك من السيرة، مضافا إلى إطلاق
الأدلة الذي لا يعارضه الأصل المزبور، خصوصا بعد الاعتضاد بما عرفت
على وجه لا يقدح فيه عدم عموم في الأدلة، ضرورة الاكتفاء بالاندراج
تحت اسم اللقيط الذي هو عنوان الحكم الشرعي، والأصل عدم اشتراط

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يحرم بالكفر - الحديث 2 من كتاب النكاح.
162

شئ آخر حتى ضم يد أخرى معه.
مؤيدا ذلك كله بعدم الخلاف في عدم اعتبار العدالة في لقطة المال
الذي هو محل الخيانة، وبأن الأصل في المسلم الائتمان وعدم فعل المحرم
وإن كان فاسقا، ولذا ائتمنه الشارع في أمور كثيرة كالطهارة والتذكية
وغيرهما.
وما في التذكرة - من الفرق بين المال والطفل بأن لقطة الأول
تكسب، لأنه يرد المال إليه بعد التعريف، لامكان نية التملك، وبأن
المقصود في المال حفظه، ويمكن الاستظهار بنصب الحاكم من يعرف،
بخلاف لقطة الطفل المطلوب فيها حفظ النفس وكونه حرا، ولا يؤمن
عليهما، لامكان ترك مراعاته أو استعماله في الأمور التي يخشى منها التلف
أو يسافر به إلى بلد لا يعرف فيه فيدعى رقيته ويبيعه - لا حاصل له،
إذ هو مجرد اعتبار يمكن الجواب عنه ولو بفرض عدم ما يخشى منه ذلك.
على أن ائتمان الكافر على الكافر ليس أولى من ائتمان المسلم على المسلم،
فإن كلا منهم ولي لصنفه، نعم لو علم من قرائن الأحوال أو ظن ظنا
معتدا به عدم ائتمان ملتقطه عليه - لكونه جنديا من أهل الفساد ونحو ذلك -
اتجه المنع، هذا كله في معلوم الفسق.
أما مستور الحال فلا يرد فيه شئ من ذلك وإن لم يكن الأصل
فيه العدالة، كما هو محرر في محله.
ودعوى لزوم توكيل الحاكم من يراقبه معه أيضا لا دليل عليها،
وإن كان لا بأس بذلك إذا رأى الحاكم مراقبته ليعرف أمانته، لكن
بحيث لا يؤذيه كما في الدروس.
كدعوى انتزاعه منه لو أراد السفر به مخافة دعوى استرقاقه،
ضرورة أن ذلك كله مجرد اعتبار لا يوافق أصول الإمامية، فضلا عن
163

أن يخرج به عن إطلاق الأدلة الذي يمكن دعوى ندرة العادل معه،
والله العالم.
* (ولو التقطه بدوي لا استقرار له في موضع التقاطه أو حضري
يريد السفر به قيل) * والقائل الشيخ في المبسوط - وإن كنا لم نتحققه
وخصوصا الثاني -: * (ينتزع من يده، لما لا يؤمن من ضياع نسبه
فإنه إنما يطلب في موضع التقاطه، والوجه الجواز) * وفاقا للفاضل والكركي
وثاني الشهيدين، بل وظاهر أولهما ولو اقتضى التقاطهما له استصحابهما إياه، لاطلاق
الأدلة الذي لا يقيد بالاعتبار المزبور، مع أنه يمكن ظهور نسبه بذلك،
لاحتمال كونه من بلدة بعيدة، فالاطلاق المزبور حينئذ بحاله، ولا معارض له
إلا اعتبارات تناسب مذاق العامة، وإلا فالمتجه على أصولنا العمل
بالاطلاق المزبور المقتضي جواز السفر به إذا كان مصلحة له، وجواز
استيطان بلد غير بلد التقاطه بل وقطر غير قطره، وجواز التقاطه
مسافرا إلى غير بلد الالتقاط، بل أو إلى غير قطره أيضا، لصيرورة
الملتقط وليا كغيره من الأولياء من غير حجر عليه بشئ بعد عدم ثبوت
ما يقتضيه، كعدم ثبوت وجوب التعريف عليه وتطلب ما يعرف به
اللقيط ونحو ذلك مما ذكروه من دون ذكر لمستنده.
وحينئذ فما عن المبسوط - من " أنه إن أراد السفر به فإن كان
أمينا ظاهرا وباطنا ترك في يده، وإن كان أمينا في الظاهر منع منه ولا
يترك أن يحمله، لأنه يخاف أن يسترقه " ونحوه عن الإيضاح، بل في
جامع المقاصد ذلك أيضا غير أنه أبدل الأمين بالعدل - لا يخلو من نظر،
ضرورة اقتضاء السيرة وإطلاق الأدلة تبعية اللقيط للملتقط على نحو ما
يتبعه من له حضانته من أولاده.
وبذلك كله يظهر لك ما في جملة من العبارات من التشويش،
164

كالمبسوط والتذكرة وغيرهما حتى الكركي الذي لم يشترط العدالة في التقاط
منشئ السفر أو المسافر مثلا ولو مع إرادة التوجه إلى مقصده المسافر
إليه كان قطرا غير التقاطه فضلا عن كونه بلدا غير بلده،
مضافا إلى الاجمال في اعتبار العدالة ظاهرا وباطنا، وإلى غير ذلك مما
لا يخفى عليك حاله بعد الإحاطة بما ذكرناه، والله العالم.
* (ولا ولاء للملتقط عليه، بل هو سائبة يتولى من شاء) * بلا
خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل في المسالك نسبته إلى
الأصحاب وأكثر أهل العلم، للأصل والنصوص السابقة (1) وحصر
الولاء في المعتق بقوله (صلى الله عليه وآله) (2): " إنما الولاء لمن
أعتق " فما عن بعض العامة من ثبوت الولاء له واضح الفساد، والله العالم.
* (وإذا وجد الملتقط سلطانا ينفق عليه استعان به) * وجوبا مع
عدم مال للقيط ولا متبرع بلا خلاف أجده فيه بين القدماء والمتأخرين
وما في المقنعة والنهاية من التعبير بلفظ " ينبغي " يراد منه الوجوب
كما أنه المراد مما في محكي المبسوط " أنفق عليه السلطان من بيت المال
بلا خلاف ".
قلت: وإن حكى عن أحد وجهي الشافعي عدم الانفاق منه، لأنه
معد لما لا وجه له سواه، واللقيط يجوز أن يكون رقيقا نفقته على سيده
أو حرا له مال فالمتجه حينئذ إنفاق السلطان عليه منه بعنوان القرض
فإن بان أنه حر لا مال له قضاه من سهم الغارمين أو غيره مما ينطبق
عليه، لكنه، كما ترى بعد الحكم بحريته وإسلامه وفقره في ظاهر الشرع
وإعداد بيت المال لمصالح المسلمين.

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة.
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 295.
165

وهل يلحق بالسلطان نائب الغيبة على وجه يجب على الملتقط رفع
الأمر إليه؟ لم أجد به تصريحا ولكنه محتمل.
* (و) * على كل حال ف‍ - * (- إلا) * يكن سلطان كذلك ولم يوجد
من ينفق عليه من الزكاة أو ما أعد لمثله أو ما كان يصح صرفه فيه
* (استعان بالمسلمين) * الذين منهم الملتقط بلا خلاف أجده فيه أيضا.
* (و) * لعله لأن * (بذل النفقة) * لمثله * (عليهم واجب على
الكفاية، لأنه دفع ضرورة مع التمكن) * على المشهور، كما في المسالك.
قال: وإنما جاز الاستعانة بهم مع كونه كأحدهم لرجاء؟ أن يوجد
فيهم متبرع، إذ لا يجب عليه التبرع، فإن أنفق المتبرع وإلا كان الملتقط
وغيره سواء في الوجوب، لأنه من باب إعانة المضطر الواجبة كفاية في
جميع الأبواب ".
* (و) * لكن في المتن * (فيه تردد) * وفي المسالك " مما ذكر
ومن أصالة عدم الوجوب، لامكان تأديه بالاقتراض عليه والرجوع به
مع قدرته " وفي الدروس " وتوقف المحقق هنا ضعيف ".
قلت: لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغبار، ضرورة أنه
إن كان المراد منه وجوب الانفاق على المسلمين تبرعا أو قرضا - كما
حكاه في جامع المقاصد عن التذكرة، بل في جامع المقاصد " هو ظاهر
فإن الواجب على الكفاية رفع حاجة المحتاج لا التبرع " - أشكل الترتيب
المزبور مع أن الملتقط من جملتهم، فلا وجه لترتب إنفاقه على التعذر.
اللهم إلا أن يقال: إنه وإن كان من جملتهم، لكن لما لم يجب
عليه التبرع كما لا يجب على المسلمين وقد رجى وجود متبرع أو متصدق
لم يجز له الانفاق بقصد الرجوع قبل اليأس، كما جزم به في جامع المقاصد
166

إلا أنه كما ترى مناف لظاهر كلماتهم، خصوصا عبارة المتن وما شابهها
الظاهرة في إرادة التبرع.
بل ما حكاه عن التذكرة لم نتحققه، وإن حكاه في أثناء بعض
وجوه الشافعية ولم يرتضه.
بل قال فيها: " فإن لم يكن في بيت المال شئ - إلى أن قال -:
وجب على المسلمين القيام بكفايته، ولم يجز لهم تضييعه، ثم طريقه طريق
النفقة، لأنه محتاج عاجز، فأشبه الفقير الزمن والمجنون والميت إذا لم
يكن له كفن، فعلى هذا إذا قام به البعض سقط عن الباقين، فحصل
الغرض به، وإن امتنعوا بأسرهم استحقوا العقاب وطالبهم الإمام، فإن
امتنعوا قاتلهم، فإن تعذر استقرض الإمام على بيت المال وأنفق عليه،
وهو قول الشافعية، والثاني أن طريقه طريق القرض حتى يثبت الرجوع،
لأن هذا يجب دفعه لاحيائه، فأشبه المضطر يدفع إليه بالعوض، كما يبذل
الطعام للمضطر بالعوض، لما تقدم من أنه يجوز أن يكون رقيقا أو يكون
له ما أقرب كما تقدم، فعلى هذا إن تيسر الاقتراض استقرض وإلا
قسط الإمام نفقته على الموسرين من أهل البلد - إلى أن قال -: ولو احتاج
الإمام إلى التقسيط على الأغنياء قسط مع إمكان الاستيعاب، ولو كثروا
وتعذر التوزيع يضربها السلطان على من يراه بحسب اجتهاده، فإن استووا
في نظره تخير، والمراد أغنياء تلك البلدة أو القرية، ولو احتاج إلى
الاستعانة بغيرهم استعان، ولو رأى المصلحة في التناوب عليه في الانفاق
منهم فعله ".
وهو كما ترى ظاهر في اختياره الأول مع أنه قد اشتمل على مسألة
التقسيط التي أشار إليها في الدروس.
قال: " لو احتاج الملتقط إلى الاستعانة بالمسلمين في الاتفاق عليه
167

رفع أمره إلى الحاكم ليعين من يراه، إذ التوزيع غير ممكن، والقرعة
إنما تكون في المنحصر، ولا رجوع لمن يعين عليه الانفاق، لأنه يؤدي
فرضا، وربما احتمل ذلك جميعا بين صلاحه في الحال وحفظ مال الغير
في المآل، وقد أومأ إليه الشيخ في المبسوط، ويتوجه على قول المحقق
بالاستحباب الرجوع، ويؤيده أن من يطعم الغير في المخمصة يرجع إليه
إذا أيسر، ولو قلنا بالرجوع فمحله بيت المال أو مال المنفق عليه،
أيهما سبق أخذ منه ".
ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من المنافاة للترتيب المزبور،
ومن عدم الانطباق على أصول الإمامية التي منها عدم القول بغير دليل،
وكثير من الأحكام المزبورة لا دليل عليها، بل فيها ما ينافيه.
مضافا إلى ظهور كثير منها إن لم تكن صريحة في كونها على مذاق
العامة، كمقاتلة الإمام للمسلمين مع امتناعهم، ووجوب الكفن على الناس
والرجوع بها على القريب الذي لم تجب عليه إلا من حيث الصلة،
فلا تكون دينا إلا أن يجعلها الحاكم كذلك، إلى غير ذلك مما هو مناف
لأصولنا.
هذا كله إن أريد وجوب الانفاق على الوجه المزبور. وحينئذ ما
ذكره في الدروس من ضعف التردد فيه في محله، ضرورة اقتضاء عدم
وجوبه تلف النفس المحترمة. وإن أريد به البذل التبرعي كان التردد فيه
في محله، ودعوى ضعفه ضعيفة، لعدم دليل يقتضي وجوب الانفاق
على جهة عدم الرجوع في غير الأرحام على الوجه الذي سمعته في كتاب
النكاح.
لكن عليه ينبغي حينئذ تقييد رجوع إنفاق الملتقط بما ينفقه بما إذا
لم يتمكن من التبرع وإلا وجب، لأنه من المسلمين، ولم نجد في كلام
168

أحد منهم إشارة إلى ذلك، وهو من جملة الغبار في كلامهم.
مضافا إلى الاجمال في ما ذكروه من الاستعانة بالمسلمين، فإذا آيس
جاز له الانفاق الذي يرجع به، إذ لا يعلم إرادة المسلمين أجمعهم أو
بعضهم في خصوص القرية والبلد أو مطلقا.
بل فيه شئ آخر: وهو أنه مع فرض وجوب ذلك عليهم يتجه
إجبار الإمام لهم ولو الملتقط.
بل لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه أن ما سمعته من المسالك
أشده غبارا، حيث لم يبين الحال أن الواجب على المسلمين التبرع في النفقة
أو الاقراض، فإن كلامه مختلف في ذلك وإن تبعه عليه في الرياض.
وخلاصة الكلام أنه لا يتم ما ذكروه من وجوب الاستعانة بالسلطان
ثم بالمسلمين إلا على دعوى وجوب ذلك تبرعا عليهم، وهما معا محل
منع، إذ لا دليل على وجوب الانفاق على مجهول الحال على جهة التبرع،
ووجوب حفظ النفس أعم من ذلك، كما أنه لا دليل على وجوب السعي
في تحصيل المتبرع على الملتقط حتى يتجه ما ذكروه من الرجوع إلى المسلمين،
لاحتمال حصول متبرع.
ولعله لذلك عبر في المقنعة والنهاية بلفظ " ينبغي " مشعرا بالندب.
قال في الأول: " إذا لقط المسلم لقيطا فهو حر غير مملوك، وينبغي
له أن يرفع خبره إلى سلطان الاسلام ليطلق النفقة عليه من بيت المال،
فإن لم يوجد سلطان ينفق عليه استعان واجده بالمسلمين في النفقة، فإن
لم يجد من يعينه على ذلك أنفق عليه، وكان له الرجوع بنفقته عليه إذا
بلغ وأيسر إلا أن يتبرع بما أنفقه عليه " إلى آخره، وبعين هذه العبارة
عبر في النهاية.
وفي الوسيلة " إذا التقط حرا صغيرا رفع خبره إلى الحاكم لينفق
169

عليه. فإن لم يجد أنفق هو عليه إن لم يعنه أحد، فإذا بلغ وأيسر رجع
عليه إن شاء ".
وفي الغنية " وإذا تبرع ملتقطه بالانفاق عليه لم يرجع بشئ إذا
بلغ وأيسر، وإذا لم يرد التبرع ولم يجد من يعينه على الانفاق من سلطان
أو غيره فأنفق للضرورة جاز له الرجوع ".
وبالجملة كلماتهم في تأدية هذا المعنى في غاية التشويش. فإن عبارة
المتن غير ظاهرة في وجوب الرفع إلى السلطان، نعم يمكن دعوى الاجماع
على أنه لا رجوع للملتقط بما أنفق وإن نوى الرجوع مع وجود المتبرع
من سلطان أو غيره، لا أنه يجب على الملتقط تحصيله حتى ييأس، ولا أنه
يجب على الإمام أو على المسلمين الانفاق التبرعي، وعلى فرضه كانوا
مطالبين بدليله.
بل ظاهر خبر المدائني (1) وخبر محمد بن أحمد (2) جواز اتفاق
الملتقط والرجوع بما أنفق إن شاء من دون رجوع إلى سلطان أو مسلمين،
وهو الموافق للضوابط بعد عدم دليل يدل على وجوب الانفاق التبرعي
على أحد، وهذا هو التحقيق في المسألة، والله العالم والهادي.
. كيف كان فقد قالوا تفريعا على ما سمعته منهم: * (فإن
تعذر الأمران أنفق عليه الملتقط، ورجع بما أنفق إذا أيسر) * اللقيط
* (إذا نوى الرجوع) * بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن الحلي،
للأصل المقطوع بما سمعته من الخبرين (3) المعتضدين بعمل الأصحاب
وقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " المقتضية لوجوب ذلك عليه، لكن لا على
وجه المجانية.

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 4.
(2) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 4.
(3) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة الحديث 2 و 4.
170

بل ليس في الخبرين المزبورين اعتبار نية الرجوع، نعم الاجماع
والسيرة القطعية بل الضرورة على عدم الرجوع مع نية التبرع، أما إذا
لم ينو شيئا منهما فقاعدة اليد والاتلاف وإطلاق الخبرين يقضي بجواز رجوعه
أيضا، بل هو مقتضي ما سمعته من المقنعة وغيرها من اعتبار التبرع في
عدم الرجوع، ولعله مراد الجميع وإن قصرت العبارة.
هذا وفي المسالك " لو أنفق عليه حينئذ غير الملتقط بنية الرجوع
فكذلك على الأقوى، لاشتراك الجميع في المقتضي "
وكأنه أخذه مما في جامع المقاصد، قال في شرح نحو عبارة المتن:
" ينبغي أن يراد أنه إذا تعذرت إعانة المسلمين تبرعا، لأنهم إذا بذلوا
النفقة قرضا لم يكن بينهم وبين الملتقط فرق بالنسبة إلى مصلحة اللقيط،
فلا وجه لتوقف إنفاقه قرضا " وهو مبني على ما ذكروه سابقا من كون
وجوب الانفاق على المسلمين تبرعا وقرضا وقد عرفت ما فيه بخلاف
ما سمعته من المسالك الظاهر في إرادة الانفاق التبرعي.
وحينئذ يمكن أن يقال: إن الملتقط باعتبار ولايته عليه جاز له
الانفاق بنية الرجوع، للخبرين المزبورين، أما غيره فلا دليل على ذلك
في حقه، كما هو واضح.
ثم إن الظاهر عدم اعتبار الاجتهاد كما صرح به غير واحد، لاطلاق
الخبرين وإن توقف إثبات ذلك من دون يمين عليه.
خلافا للمحكي عن التذكرة أو ظاهرها فاعتبره، لأنه مع عدم الحاكم
قائم مقام إذنه، وهو كما ترى اجتهاد في مقابلة الاطلاق المزبور، وكذا
ما في جامع المقاصد من أن ذلك - أي الاكتفاء بنية الرجوع - إذا تعذر
عليه الاستئذان، وإلا تعين، إذ هو كما ترى أيضا.
* (و) * على كل حال فلا خلاف أجده في أنه * (لو أنفق مع
171

إمكان الاستعانة بغيره) * تبرعا * (أو تبرع) * هو * (لم يرجع) *
بل قد عرفت كونه في الأخير من القطعيات، أما الأول فإنه وإن كان
منافيا للاطلاق المزبور إلا أنه بعد انسياقه إلى غيره وفتوى الأصحاب
يضعف الاعتماد عليه.
ثم إن ظاهر الفاضل في القواعد إتيان التفصيل المزبور بتمامه في العبد
الملتقط، بل في جامع المقاصد أنه هو مقتضى كلامهم.
وفيه أن كلامهم ظاهر أو صريح في نفقة الحر لا العبد الذي هو
مال، كالدابة التي يمكن الانفاق عليها منها، كما عساه يشهد له في الجملة
ما تقدم في الوديعة.
ثم إن ظاهر خبر المدائني (1) كون النفقة صدقة مع الاعسار، إلا أني
لم أجد عاملا به، فيمكن أن يراد به جواز جعل ذلك صدقة، لا أنه
يكون كذلك قهرا، أو يراد به جواز احتسابه صدقة، أي زكاة من
سهم الفقراء أو الغارمين، كما صرح به في القواعد.
لكن في جامع المقاصد بعد أن فهم من عبارة الفاضل ثبوت ذلك
جزما قال: " يشكل في سهم الفقراء بأن قبض الفقير الزكاة مما يتوقف
عليه الملك، وهو نوع اكتساب، فلا يجب لما قلناه، ويبعد جواز أخذ
المنفق ذلك بدون قبض اللقيط، لتوقف ملكه له على قبضه، نعم
يتصور ذلك في سهم الغارمين، لأن صيرورته ملكا للمديون غير شرط،
فيجوز الدفع إلى صاحب الدين وإن لم يقبضه المديون ".
وفيه أنه لا يتم لو كانت الزكاة له، ضرورة جواز احتسابها عليه
من سهم الفقراء وإن لم يرض، لكونه أحد أموال المالك، والفرض

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
172

أنه مقبوض كما تقدم في كتاب الزكاة (1).
بل من التأمل فيما ذكرنا هناك وهنا يظهر لك النظر فيما فيه أيضا
قال: " ولا يخفى أن هذا الحكم إنما هو بعد بلوغه، أما قبله فلا يمكن
الرجوع عليه، نعم يمكن الأخذ من ماله بإذن الحاكم ومن سهم الغارمين "
ضرورة إمكان الاحتساب عليه أيضا بعد أن كان مديونا، والله العالم والهادي.
المقصد (الثالث)
* (في أحكامه) *
* (وهي مسائل) *
المسألة * (الأولى:) *
* (قال الشيخ (رحمه الله): أخذ اللقيط واجب على الكفاية) * وتبعه
الفاضل والشهيد وغيرهما، بل في المسالك وغيرها نسبته إلى الأكثر، بل
في الأول نسبته أيضا إلى معظم الأصحاب، بل في غيره نسبته إلى الشهرة
وإن كنا لم نتحققه * (لأنه تعاون على البر، ولأنه دفع لضرورة
المضطر) *.
ولكن في الأول " أن الأمر به للندب وإلا لزم أكثرية الخارج من
الداخل لو قيل بالتخصيص ".

(1) راجع ج 15 ص 466.
173

وفي الثاني " منع كون الالتقاط كذلك مطلقا على أن البحث في
التقاطه لا في حفظه من التلف الذي هو أعم من الالتقاط، نعم هو راجح
عقلا ونقلا، لكونه إحسانا ".
ولعله من ذلك قال المصنف هنا * (و) * في النافع: * (الوجه
الاستحباب) * للأصل، وفي اللمعة التفصيل بالوجوب مع الخوف على
النفس والاستحباب مع عدمه، واستوجهه في المسالك وغيرها.
وربما نوقش بعدم تحقق صورة للندب، لكون الطفل في محل التلف،
ومنه يظهر الاشكال في الأول أيضا.
ولكن فيه أنه يمكن خصوصا في الطفل بناء على صحة التقاطه.
نعم قد يناقش بأن الكلام في الالتقاط من حيث كونه كذلك،.
لا فيما إذا توقف عليه حفظ النفس، فإنه لا كلام في وجوبه حينئذ مقدمة
لحفظ النفس المحترمة المعلوم وجوبه ضرورة.
فالتحقيق وجوبه في صورة التوقف خاصة، وإلا فقد يجب الحفظ
من دون التقاط،، كما أنه قد لا يخشى التلف عليه على وجه يجب عليه
الحفظ، فلا يجبان معا حينئذ ولكن لا بأس برجحانهما للاحسان.
ثم إنه يجب على الملتقط بالمعروف، وهو القيام بتعهده على
وجه المصلحة بنفسه أو زوجته أو غيرهما على حسب ما يجب عليه لولده
مثلا، فقد يكون إخراجه من البلد أصلح من بقائه وبالعكس، بلا خلاف
أجده في شئ من ذلك، وربما كان في النصوص المزبورة نوع إشعار به
نعم إن عجز سلمه إلى القاضي الذي هو ولي مثله بلا خلاف أجده فيه.
وهل له ذلك مع عدم العجز؟ في القواعد نظر ينشأ من شروعه
في فرض كفاية، فلزمه أي الاتمام، للنهي عن إبطال العمل (1).

(1) سورة محمد صلى الله عليه وآله: 37 - الآية 33.
174

وفيه منع ذلك على وجه الكلية، والآية قدمنا في كتاب الصلاة (1)
عدم سوقها لبيان ذلك، نعم استصحاب حق الحفظ ثابت عليه، ولذا
كان خيرة الفخر والكركي الوجوب.
خلافا للفاضل في التذكرة، فالجواز للأصل المقطوع بما عرفت،
ولأنه ولي الضائع، وهو ممنوع بعد ولاية الملتقط عليه، والله العالم.
المسألة * (الثانية) *
* (اللقيط) * بعد الحكم بحريته * (يملك كالكبير، ويده دالة على
الملك كيد البالغ، لأن له أهلية) * الملك و * (التملك) * كما صرح به
الشيخ والفاضلان والشهيدان والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم،
بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه.
وحينئذ * (فإذا وجد عليه) * حال الالتقاط أو علم أنه كان عليه
ثم زال بريح أو نحوها * (ثوب) * مثلا * (قضى له به، وكذا ما يوجد
تحته أو فوقه) * من فراش أو غطاء أو غيرهما * (وكذا ما يكون
مشدودا في ثيابه) * أو في جيبه أو مشدودا. عليه.
بل * (و) * كذا * (لو كان على دابة أو) * على * (جمل أو
وجد في خيمة أو فسطاط قضى له بذلك وبما في الخيمة والفسطاط) *
فإن يد كل شئ بحسب حاله * (وكذا لو وجد في دار لا مالك لها) *
غيره ظاهرا.
إلا أن ذلك لا يخلو من نظر إن لم يكن اجماعا - سيما إذا كان

(1) راجع ج 11 ص 123 - 124
175

الطفل غير مميز ولا فعل اختياري له، وكان الفعل لغيره بأنه لا دليل
يدل على الحكم بالملك بمثل اليد المزبورة بعد سلب الشارع أفعال الصبي
والمجنون وأقوالهما فضلا عما علم أنه من فعل الغير وأن الاستيلاء المزبور
للطفل كان بواسطة فعل آخر، واحتمال الاستناد في الملك إلى يد الواضع
على وجه يقتضي كونه ملكا له يدفعها منع دلالته على الملك عرفا وشرعا
بعد احتمال البذل له.
نعم إن تم ذلك إجماعا على وجه يكون الحكم بالملك تعبدا فذاك وإلا
كان محلا للنظر.
* (و) * أولى من ذلك النظر * (فيما يوجد بين يديه أو إلى
جانبيه) * الذي قال المصنف فيه: * (تردد، أشبهه أنه لا يقضى له) * به
وتبعه الفاضل والكركي والشهيدان.
وفي محكي المبسوط " وأما ما كان قريبا منه مثل أن يكون بين يديه
صرة فهل يحكم بأن يده عليها أم لا؟ قيل: فيه وجهان: أحدهما
لا تكون يده عليه، لأنه اليد يدان يد مشاهدة ويد حكمية، وهي ما
يكون في بيته وبتصرفه، وهذا ليس بأحدهما، والوجه الثاني أن تكون
يده عليه، لأن العادة جرت بأن ما بين يديه يكون له، مثل الإناء
بين يدي الصراف والميزان وغيرهما ".
قلت: كأن الشيخ أشار بذلك إلى مساواة يد الصغير ليد الكبير
التي صرح بها في أول كلامه كالمصنف، ولا ريب في الحكم بأن الأمتعة
الموضوعة في السوق قرب الشخص البالغ له، فكذا هنا، خصوصا
مع انضمام قرينة أخرى إلى ذلك، كما لو وجدت رقعة معه أو في ثيابه
فيها أن ذلك له.
بل عن الفاضل في التذكرة أنه استقرب الحكم بأنه له معها
176

لأنها في الدلالة على ذلك أقوى من الوضع تحته، بل وكذا لو أرشدت
الرقعة إلى دفين تحته.
وفي المسالك " الأقوى عدم الحكم به له بذلك إلا مع القرينة القوية
الموجبة للظن الغالب، بأن كانت الرقعة بخط مسكون إليه ونحو ذلك ".
وقد سبقه إلى ذلك الكركي، فإنه قال في شرح قول الفاضل في
القواعد: " ولا يحكم له بما يوجد قريبا منه أو ما بين يديه أو على دكة
هو عليها ولا بالكنز تحته، وإن كان معه رقعة أنه له على إشكال " بعد أن
استظهر رجوع الاشكال إلى الجميع قال: " الأصح أنه إن أثمرت الكتابة
ظنا قويا كالصك الذي تشهد القرائن بصحته خصوصا إن عرف فيه خط
من يوثق به عمل بها، فإنا نجوز العمل بالأمور الدينية بخط الفقيه إذا
أمن تزويره، وإنما يستمر الظن القوي، هذا إذا لم يكن له معارض من
يد أخرى ولا دعوى مدع ولا قرينة أخرى تشهد بخلاف ذلك، وإلا فلا ".
بل قال أيضا: لا يشترط في الحكم كون الرقعة معه، بل لو
كانت في المتاع مكتوبا عليه لا تفاوت ".
وسبقهما معا الشهيد في الدروس قال: " ولا يقضى بما قاربه مما
لا يد له عليه، ولا هو بحكم يده، إلا أن تكون هناك أمارة قوية
كالكتابة عليه، فإن العمل بها قوي ".
قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الاشكال، ضرورة عدم
اعتبار مثل هذه الأمارات بعد أن لم يكن صاحب يد يحكم بها له تعبدا،
ودعوى إثبات اليد أو الملكية بمثل هذه الأمارات الظنية لا نعرف لها وجها
على أن دعوى المدعي بعد فرض ثبوت اليد أو الملك بنحو ذلك لا تجدي،
ولا إجماع في المقام قطعا، وقياس ما نحن فيه على الأحكام الدينية المنحصر
طريقها الآن بالكتابات كما ترى، وقد ذكرنا في كتاب القضاء حكم الكتابة
177

في مثله، فلاحظ وتأمل، والله العالم والهادي.
* (وكذا) * يظهر لك * (البحث لو كان) * اللقيط * (على دكة) *
مثلا * (وعليها متاع و) * نحوه، بل في المتن * (عدم القضاء له هنا
أوضح) * وإن لم يتضح لنا وجه إلا وضحية مما كان بين يديه وفي جنبه،
اللهم إلا أن يفرض كون الدكة له لا في أرض مباحة.
وأما قوله: * (خصوصا إذا كان هناك يد متصرفة) * فإنه لا يخص
ذلك، بل هو كذلك فيما تقدمه أيضا، كما هو واضح.
وأما الكنز تحت الأرض الملقى عليها فلا إشكال في عدم يد له عليه
إذا كانت مباحة، نعم لو كانت ملكه اتجه الحكم بكونه له بناء على ما
عرفت.
ولو كان الصبي مميزا فادعى أن ما بجانبيه وبين يديه أو الكنز الذي
تحته أو على الدكة ملكه فالمتجه بمقتضى الضوابط الشرعية عدم ثبوت ذلك
بقوله الذي لا دليل على صحته، ولعل من اعتبر الأمارات السابقة يعتمد
مثل ذلك.
هذا وفي القواعد " نفقته في ماله، وهو ما وقف على اللقطاء أو وهب
لهم أو أوصى لهم، ويقبله القاضي " ونحوه في الدروس. وفي التحرير
التعبير بما وقف عليه أو أوصى له به، وقبله الحاكم أو وهب له.
لكن في التذكرة " ينقسم مال اللقيط إلى ما يستحقه لعموم كونه
لقيطا وإلى ما يستحقه بخصوصه، فالأول مثل الحاصل من الوقوف على
اللقطاء أو الوصية، وقال بعض الشافعية أو ما وهب لهم - ثم اعترض
عليه بأن الهبة لا تصح لغير معين وقال آخرون: بجوز أن تنزل الجهة
العامة منزلة المسجد حتى يكون تمليكها بالهبة كما يجوز الوقف، وحينئذ
يقبله القاضي، وليس بشئ، نعم تصح الوصية لهم ".
178

ومن هنا قال في جامع المقاصد: " ما ذكره في التذكرة حق،
وهو المعتمد، وما ذكره هنا إن أراد جواز الهبة للجهة فليس بجيد،
وإن أراد لمعينين من اللقطاء ومن جملتهم لقيط مخصوص فلا شبهة في
الحكم، لكن المتبادر غير هذا "
قلت: قد ينافيه ما حكي عنه في كتاب الهبة من أنه لا مانع من
العموم مع قبول الحاكم، كالوقف على الجهات العامة، وإن كان فيه منع
التشبيه المزبور بعد ثبوت العموم فيه وفي الوصية دون الهبة، والأصل
يقتضي العدم بعد الشك إن لم يكن الظن أو القطع بعدم تناول إطلاقها
لمثل ذلك، كاطلاق البيع والصلح والإجارة ونحوها من العقود الظاهر في
غير الفرض.
نعم لو كان مال موصى به مثلا للتجارة به لهم أو نماء وقف كذلك
صح، لكونه من توابع الوقف والوصية المعلوم جوازهما كذلك، بخلاف
تمليك الجهة ابتداء، ويمكن حمل عبارة الفاضل في القواعد وغيره على
إرادة إباحة الصرف للقطاء من الهبة، والله العالم.
المسألة * (الثالثة:) *
* (لا يجب) * عندنا * (الاشهاد عند أخذ اللقيط) * كما في جامع
المقاصد مشعرا بالاجماع عليه، كنسبته إلى الأصحاب في الكفاية، بل في
المسالك هذا موضع وفاق عندنا، للأصل و * (لأنه أمانة، فهو كالاستيداع) *
الذي لا يجب فيه الاشهاد.
خلافا لبعض العامة فأوجبه للاحتياج إليه في حفظ الحرية والنسب
كالنكاح، وهو كما ترى في جهة الشبه وفي حكم المشبه به.
179

نعم في الدروس وجامع المقاصد والمسالك " أنه مستحب، لأنه أقرب
إلى حفظه وحريته، فإن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف، ولا تعريف في
اللقيط " ولا بأس به بعد التسامح به.
بل في الأخير " ويتأكد استحبابه في جانب الفاسق والمعسر " ولا بأس
به أيضا لما عرفت.
وإذا أشهد فليشهد على اللقيط وما معه، والله العالم.
المسألة * (الرابعة:) *
* (إذا كان للمنبوذ مال افتقر الملتقط في الانفاق عليه إلى إذن
الحاكم) * بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، كالشيخ والفاضلين
والشهيدين على ما حكي عن الأول منهم، بل في الكفاية هو المعروف من
مذهبهم * (لأنه لا ولاية له في ماله) * للأصل وغيره وإن كان له
حضانته وتربيته.
وحينئذ * (فإن بادر فأنفق عليه منه ضمن) * كما صرح به غير
واحد أيضا * (لأنه تصرف في مال الغير لا لضرورة) * لأن الفرض
إمكان الاستئذان من الحاكم الذي هو الولي * (و) * من هنا لم تكن
ضرورة.
نعم * (لو تعذر الحاكم) * ووكيله * (جاز الانفاق ولا ضمان) *
كما عن الشيخ وغيره التصريح به أيضا * (لتحقق الضرورة) * حينئذ.
لكن قد يناقش بمنافاته لما ذكروه سابقا في الأولياء الذين منهم
عدول المؤمنين مع تعذر الحاكم، فيتجه مراعاة تعذر كالحاكم
وإن كان الملتقط منهم أيضا.
180

هذا وفي القواعد " ولا يفتقر في احتفاظه أي المال إلى الإذن "
وفيه منع ذلك بعد عدم الولاية له على المال، ودعوى تنزيل ذلك على
ولاية التصرف دون الحفظ الذي هو دون حفظ النفس المعلوم ولايته عليه
فكان أولى من الحاكم لا ترجع إلى حاصل ينطبق على أصولنا.
ومن هنا قال التذكرة: " الأقرب عندي أن الملتقط لا يستولي
حفظه، بل يحتاج إلى إذن الحاكم، لأن إثبات اليد على المال إنما يكون
بولاية إما خاصة أو عامة، ولا ولاية للملتقط، ولهذا أوجبنا الرجوع
إلى الحاكم في الانفاق " والله العالم.
المسألة * (الخامسة:) *
* (الملقوط في دار الاسلام يحكم باسلامه ولو ملكها أهل الكفر إذا
كان فيها مسلم، نظرا إلى الاحتمال وإن بعد، تغليبا لحكم الاسلام) *
الذي يعلو ولا يعلى عليه.
* (وإن لم يكن فيها مسلم فهو رق، وكذا أن وجد في دار الحرب
(الشرك خ ل) ولا مستوطن هناك من المسلمين) * وذلك لأن الاسلام
إما أن يحصل مباشرة أو تبعا، فالأول من البالغ العاقل بأن يظهره بالشهادتين
إن لم يكن أخرس وإلا فبالإشارة المفهمة.
وما عن خلاف الشيخ - من الحكم باسلام المراهق، فإن ارتد بعد
ذلك حكم بارتداده، وإن لم يتب قتل، بل في الدروس أنه قريب -
مناف لمعلومية اعتبار البلوغ في التكليف نصا (1) وفتوى، وسلب
عبارته وفعله قبله إلا ما خرج بالدليل كوصيته.

(1) الوسائل - الباب 4 - من أبواب مقدمة العبادات.
181

وما أرسله في الخلاف - من رواية أصحابنا (1) أن الصبي إذا بلغ
عشرا أقيمت عليه الحدود التامة واقتص منه وتنفذ وصيته وعتقه - لا جابر
له، بل أعرض عنه الأصحاب، كالمرسل (2) عنه " كل مولود يولد
على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه حتى
يعبر عنه بلسانه فإما شاكرا وإما كفورا " مضافا إلى إجمال دلالته.
وأما قبول إسلام علي (عليه السلام) قبل البلوغ فهو من خواصه
وخواص أولاده المعصومين (عليهم السلام) وأمثالهم، كيحيى وعيسى
(عليهم السلام) والحجة صاحب الأمر روحي له الفداء.
ومن الغريب ما في مجمع البرهان " من أن الحكم باسلام غير المراهق
غير بعيد، لعموم " من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو
مسلم " و " قاتلوهم حتى يقولوا: لا إله إلا الله " وأمثاله كثيرة،
وأنهم إذا قدروا على الاستدلال وفهموا أدلة وجود الواجب والتوحيد
وما يتوقف عليه وجوب المعرفة والنظر يمكن أن يجب عليهم ذلك، لأن
دليل وجوب المعرفة عقلي، ولا استثناء في الأدلة العقلية، فلا يبعد
تكليفهم، بل يمكن أن يجب ذلك، وإذا وجب صح، كما أنه يلزم من
صحته وجوبه - ثم حكي عن بعض العلماء التصريح بأن الواجبات الأصولية
العقلية تجب على الطفل قبل بلوغه دون الفرعية - والظاهر أن ضابطه
القدرة على الفهم والاستدلال على وجه مقنع ".
إذ لا يخفى عليك ما فيه من كونه كالاجتهاد في مقابلة المقطوع به

(1) الخلاف ج 2 ص 27
(2) الخلاف ج 2 ص 27
182

نصا (1) وفتوى من رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ، ولعلنا نقول بلزوم
الاقرار عليه مع فرض وصوله إلى الواقع، إلا أن ذلك لا ينافي عدم
جريان الأحكام عليه، وليس فيه تخصيص للدليل العقلي، كما هو واضح.
نعم جزم الفاضل والكركي بأنه يفرق بيه وبين أبويه وجوبا مخافة
الاستزلال مع أن الوجوب المزبور لا يخلو من نظر، لعدم دليل عليه.
وعلى كل حال فغير المميز والمجنون لا إسلام لهما إلا بالتبعية التي
تحصل باسلام الأب أصالة - كمسلم يتزوج بكتابية مثلا، فإن ولدها منه
مسلم بلا خلاف، كما عن المبسوط - أو عارضا، كما إذا أسلم الأب وهو
حمل أو ولد منفصل، فإنه يتبع الأب أيضا بلا خلاف كما عن المبسوط
أيضا.
وفي الخبر (2) عن علي (عليه السلام) " إذا أسلم الأب جر الولد
إلى الاسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الاسلام، فإن أبى قتل "
مضافا إلى السيرة القطعية في أولاد المسلمين ومجانينهم المتصل جنونهم
بالبلوغ.
بل عن المبسوط والخلاف أيضا إجماع الفرقة على إسلام الحمل أو
الولد باسلام الأم، مضافا إلى قوله تعالى (3)،: " والذين آمنوا واتبعتهم
ذريتهم بايمان "
بل الظاهر عدم الفرق في التبعية المزبورة بين اسلام الأب وإسلام
الجد وإن علا، والجدات للأب أو الأم مع فرض عدم وجود الأقرب،
أما معه فقد استشكل فيه الفاضل وولده، والأقوى فيه التبعية تغليبا

(1) الوسائل - الباب - 36 - من أبواب القصاص في النفس - الحديث 2 من كتاب القصاص.
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب حد المرتد - الحديث 7 من كتاب الحدود.
(3) سورة الطور: 52 - الآية 21.
183

للاسلام ولصدق القرابة المقتضية مع حياة الأقرب وموته، وكذا الذرية
والولد وغير ذلك مما هو دليل للتبعية مع موت الأقرب، ولا ينافيها أحقية
الأبوين من غيرهما من الأجداد والجدات في بعض الأحوال.
وتحصل أيضا بالسبي للطفل منفردا عن أبويه، كما عن الإسكافي
والشيخ والقاضي والشهيد وغيرهم للسيرة المستمرة في سائر الأعصار
والأمصار على إجراء حكم المسلم عليه حيا وميتا في طهارة وغيرها.
ومن الغريب ما عن بعض الناس من تسليم الاتفاق على طهارته
دون إسلامه، فهو حينئذ طاهر وإن لم يكن محكوما باسلامه، بل
مقتضى بقاء تبعيته لأبويه أنه كذلك وإن كان محكوما بكفره، بل قد
تقدم في كتاب الكفارات عند البحث في الاجتزاء بعتقه عن الرقبة
المؤمنة (1) ما يدل على ذلك أيضا.
نعم لو كان معه أحد أبويه الكافرين لم يحكم باسلامه بلا خلاف أجده
فيه، للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي انقطاعة بتبعية السابي،
خلافا للمحكي عن أحمد بن حنبل، ولا ريب في ضعفه.
كضعف المحكي عن أحد وجهي الشافعية من الحكم باسلام مسبي الذمي
الذي لاحظ له في الاسلام وإن كان في داره أو باعه من مسلم، فإن ملكه
له طرأ عليه وهو كافر، فلا يجدي ملك المسلم حينئذ له بالشراء، كما
هو واضح، وقد تقدم تمام الكلام في المسألة في الجهاد (2).
ويحصل أيضا بتبعية الدار التي تعرض لها المصنف هنا خاصة، لعدم
مدخلية غيرها في لقيط دار الاسلام الذي لا خلاف بين الأصحاب في
الحكم باسلامه فيها.

(1) راجع ج 33 ص 202.
(2) راجع ج 21 ص 136 - 140.
184

والمراد بها كما في الدروس ما ينفذ فيها حكم الاسلام، فلا يكون
بها كافر إلا معاهدا قال: " فلقيطها حر مسلم، وحكم دار الكفر التي
تنفذ فيها أحكام الاسلام كذلك إذا كان فيها مسلم صالح للاستيلاد ولو
واجدا، وأما دار كانت للمسلمين فاستولى عليها الكفار فإن علم فيها مسلم
فهي كدار الاسلام وإلا فلا، وتجويز كون المسلم فيها مخفيا نفسه غير
كاف في إسلام اللقيط، وأما دار الكفر فهي ما ينفذ فيها أحكام الكفار
فلا يسكن فيها مسلم إلا مسالما، ولقيطها محكوم بكفره ورقه، إلا أن
يكون فيها مسلم ولو كان تاجرا إذا كان مقيما، وكذا لو كان أسيرا أو
محبوسا، ولا تكفى المارة من المسلمين ".
وفي محكي المبسوط " دار الاسلام على ثلاثة أضرب ": بلد بنى في
الاسلام لم يقربه المشركين كبغداد والبصرة، فلقيطها يحكم باسلامه وإن
جاز أن يكون لذمي، لأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، والثاني كان دار
كفر فغلب عليها المسلمون، أو أخذوها صلحا وأقروهم على ما كانوا
عليه على أن يؤدوا الجزية، فإن وجد فيها لقيط نظرت، فإن كان هناك
مسلم مستوطن فإنه يحكم باسلامه، لما ذكرنا، وإن لم يكن هناك مسلم
أصلا حكم بكفره، لأن الدار دار كفر، والثالث دار كانت للمسلمين
وغلب عليها المشركين مثل طرشوش، فإذا وجد فيها لقيط نظرت،
فإن كان هناك مسلم مستوطن حكم باسلامه، وإلا فلا - قال -: ودار
الحرب مثل الروم، فإن وجد فيها لقيط نظرت، فإن كان هناك أسارى
فإنه يحكم باسلامه، وإن لم يكن أسارى ويدخلهم التجار قيل: فيه
وجهان: أحدهما الحكم باسلامه، والآخر الحكم بكفره ".
وفي التذكرة جعل دار الاسلام دارين: وهما الضرب الأول والثاني
اللذان في المبسوط، وجعل الثالث المذكور أخيرا في المبسوط دار كفر،
185

فدار الاسلام عنده داران، ودار الكفر عنده داران.
وفي القواعد " الثالث تبعية الدار، وهي المراد - أي في اللقيط -
فيحكم باسلام كل لقيط في دار الاسلام إلا أن يملكها الكفار ولم يوجد
فيها مسلم واحد، فيحكم بكفره، وبكفر كل لقيط في دار الحرب إلا
إذا كان فيها مسلم ساكن ولو واحدا تاجرا أو أسيرا ".
وفي جامع المقاصد " أن المراد بدار الاسلام في عبارة الكتاب إما
دار خطها المسلمون كبغداد أو دار فتحها المسلمون كالشام - ثم حكى عن
الدروس تعريفها بما سمعت وقال -: إنه أضبط ".
وفي المسالك بعد أن ذكر ما في الدروس والتذكرة قال: " وظاهر
هذه التعريفات أن المراد من دار الاسلام هنا غير المراد بها في حكمهم بأن
سوق المسلمين يحكم على لحومه وجلوده بالطهارة كما سبق في أبوابه، لأن
المسلم الواحد لا يكفي في ذلك إذا كان أصل البلد للمسلمين، ولا يصدق
عليه سوق المسلمين ".
قلت، لا أعرف ثمرة في الاطناب في ذلك بعد خلو النصوص عن
تعليق الحكم على دار الاسلام ودار الكفر، وإن جعلهما في الرياض وغيره
العنوان لذلك.
لكن فيه أنه بعد اعتبار وجود المسلم في الالحاق لم يفرق بينهما وبين
دار الكفر، واحتمال الاكتفاء بدار الاسلام وإن لم يوجد فيها مسلم صالح
للتولد منه لا وجه له، بل لا معنى لدار الاسلام معه إلا بإرادة نفوذ
أحكام الاسلام فيها وإن كان أهلها كفارا، وقد عرفت التصريح في
الدروس باعتبار وجود المسلم فيها في الحكم بالاسلام.
ثم لا يخفى عليك أن التغليب المزبور للاسلام ولو بوجود واحد
أسير أو محبوس في بلاد الكفر يمكن كون الولد منه مناف لمقتضى قاعدة
إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب، مع أنهم لم يعتبروه في المارين
186

والمستطرقين الذين يمكن احتمال التولد من أحدهم الذي هو أولى من
المحبوسين.
وما أدري ما الذي دعاهم إلى ذلك مع اقتضاء الأصول العقلية عدم
الحكم باسلامه وكفره؟! لأن الأصل كما يقتضي عدم تولده من الكافر
يقتضي أيضا عدم تولده من المسلم، ولا أصل آخر يقتضي الحكم بكون
المشكوك فيه على الوجه المزبور الاسلام، والولادة على الفطرة قد عرفت
إعراض الأصحاب عن العمل بمقتضاها، ولذا أوله بعضهم بإرادة أنه
يولد ليكون على الفطرة، أي بعد البلوغ.
نعم قد يقال: إن السيرة تقتضي ذلك في بلاد الاسلام الغالب فيها
المسلمون، وأما الحكم في النصوص (1) بالحرمة فهو أعم من الاسلام،
فلا ملازمة بينهما، مع أن تناولها لبعض الأفراد المذكورة في كلامهم محل
شك أو منع، فليس حينئذ إلا الاجماع إن تم على سائر ما ذكروه، ولعله
محل شك في المحبوس في طامورة مثلا.
أو يقال: إن دليل ذلك كله قوله (صلى الله عليه وآله) (2):
" الاسلام يعلو ولا يعلى عليه " ولو بملاحظة الانجبار بفتوى الأصحاب،
على معنى ما يقتضي تغلب احتمال الاسلام على احتمال غيره، ولا يقدح
في ذلك عدم اعتبار الاحتمال الناشئ من غير الساكن في البلاد كالمستطرقين
ونحوهم، لعدم الانجبار فيه، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فإن بلغ وأعرب عن نفسه الكفر لم يحكم بردته على
الأقوى، كما في الدروس ومحكي التذكرة والإيضاح
ولعله إليه يرجع ما عن المبسوط من " أن الأقوى أنه لا يقتل،

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب موانع الإرث - الحديث 11 من كتاب الفرائض.
187

بل يفزع ويهدد ويقال: حكمنا باسلامك قبل، ارجع إلى الاسلام " إلى
آخره. لأن الحكم باسلامه وقع ظاهرا لا باطنا.
ولذا لو ادعى ذمي بنوته وأقام بينه على دعواه سلم إليه، ونقض
الحكم باسلامه، وليس إلا لأنها أمارة إنية تفيد الظن، باعتبار الاستدلال
بالمعلول على شئ آخر، بخلاف مباشرة الاسلام وتبعية أحد الأبوين أو
السابي، فإنه برهان لمي يفيد العلم، ويستدل فيه بالعلة على المعلول.
لكن في القواعد التردد في ذلك، ولعله مما عرفت ومن حيث سبق
الحكم باسلامه، فهو مسلم كفر بعد إسلام، فيندرج في تعريف المرتد.
بل في التحرير الجزم بأنه مرتد يستتاب وإلا قتل، بل نفى البعد
في جامع المقاصد عن الحكم بكونه مرتدا، لسبق الحكم بطهارته وإجراء
أحكام أولاد المسلمين عليه، ولأن الاسلام هو الأصل، لأن كل مولود
يولد على الفطرة
وفيه منع الأصل المزبور، كمنع اقتضاء الأول الحكم بكونه مرتدا
ضرورة عدم صدقه عليه لغة بل وشرعا، فالتحقيق عدم جريان حكم
المرتد عليه، والله العالم.
المسألة * (السادسة:) *
* (عاقلة اللقيط) * عندنا كما في التذكرة والمسالك * (الإمام
(عليه السلام) * الذي هو وارث من لا وارث له قولا واحدا
* (إذا لم يظهر له نسب ولم) * يكبر ف‍ - * (- يتولى أحدا) * على وجه
يكون ضامنا لجريرته.
خلافا للمحكي عن العامة من أن عاقلته بيت المال، لأن ميراثه له،
188

وربما كان في عبارة الشيخين إيهام لذلك.
قال في المقنعة: " فإن لم يتوال أحدا حتى مات كان ولاؤه للمسلمين
وإن ترك مالا كان ماله لبيت مال المسلمين " ونحوه في النهاية.
وفي محكي المبسوط " فإن كان عمدا فإنه للإمام، فإن رأى المصلحة
أن يقتص اقتص، وإن رأى العفو على مال ويدعه في بيت المال لمصالح
المسلمين فعل، وإن كان خطأ فإنه يوجب المال، فيؤخذ ويترك في
بيت المال بلا خلاف "
وفي محكي الخلاف " اللقيط إذا مات ولم يخلف وارثا فميراثه لبيت
المال، وبه قال جميع الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة ".
إلا أنه يمكن إرادتهما بيت مال الإمام (عليه السلام) الذي هو
للمسلمين في الحقيقة، لأن جميع أنفاله يصرفها عليهم، وعن الشيخ في
المبسوط أنه قال: إذا قلت: بيت المال فمقصودي بيت مال الإمام (عليه السلام) ".
قلت: ويؤيد ذلك اتفاق الأصحاب قديما وحديثا على أن ميراث
من لا وارث له للإمام (عليه السلام)، كاتفاق النصوص (1) على
أنه من الأنفال.
بل عن الخلاف بعد ما سمعته بفاصلة يسيرة " ميراث من لا وارث
له لإمام المسلمين، وقال جميع الفقهاء: لبيت المال، وهو لجميع المسلمين،
دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ".
ولا ريب في أن اللقيط المزبور مع الفرض المذكور ممن لا وارث
له، فيكون للإمام الذي هو عاقلته، فإن الذي يعقله هو الذي يرثه
* (سواء جنى عمدا أو خطأ ما دام صغيرا) * لأن عمد الصبي خطأ

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب الأنفال - من كتاب الخمس.
189

بلا خلاف ولا إشكال.
* (فإذا بلغ) * وعقل ولم يتوال أحدا * (ففي عمده القصاص) *
كغيره * (وفي خطائه) * المحض * (الدية على الإمام (عليه السلام)) *
الذي هو عاقلته * (وفي شبيه العمد الدية في ماله) * كجنايته على المال
عمدا أو خطأ، فإن لم يكن بيده مال انتظر يساره.
* (ولو جني عليه وهو صغير فإن كانت على النفس فالدية) *
للإمام (عليه السلام) * (إن كانت خطأ والقصاص إن كانت عمدا) *
لما عرفت من أنه هو الوارث له مالا وقصاصا، فله العفو حينئذ على
مال بلا خلاف ولا أشكال مع رضا المجني عليه كغيره على حسب ما
سمعته في محله.
* (وإن كانت) * الجناية * (على الطرف قال الشيخ) * في
المبسوط: * (لا يقتص له ولا تؤخذ الدية) * لأن القصاص للتشفي،
وهو ليس من أهله و * (لأنه لا يدري مراده عند بلوغه فهو) * حينئذ
* (كالصبي) * غير اللقيط المجني على طرفه * (لا يقتص له أبوه) *
ولا جده * (ولا الحاكم و) * لا تؤخذ له الدية، بل * (يؤخر حقه إلى
بلوغه) *.
(ولو قيل بجواز استيفاء الولي) * هنا وفي الصبي * (الدية مع
الغبطة إن كانت خطأ والقصاص إن كانت عمدا كان حسنا، إذ لا معنى
للتأخير مع وجود السبب) * بل لا خلاف فيه ولا إشكال في الخطأ،
لعموم ولايته، بل لا يجوز له التأخر المنافي لمصلحته كباقي حقوقه التي
هي كذلك، ووفاقا للأكثر كما في المسالك في العمد، لعموم ولايته،
بل لعل تأخيره إلى وقت البلوغ مع احتمال فوات المحل تفريط في حق الطفل.
190

نعم عن التذكرة منع استيفاء الدية بدلا عنه، وفيه منع أيضا،
لعموم الولاية.
وفي القواعد " لو أخذ الحاكم الأرش في العمد فبلغ فطلب القصاص
فاشكال، ينشأ من أن أخذ المال للحيلولة أو لاسقاط القصاص ".
وكأنه عرض بذلك إلى ما عن المبسوط قال: " فأما إذا كان
الوارث واحدا مثل من قتلت أمه وقد طلقها أبوه فالقود له وحده،
فليس لأبيه أن يستوفيه، بل يصبر حتى إذا بلغ كان ذلك إليه، سواء
كان ذلك طرفا أو نفسا، وسواء كان الولي أبا أو جدا أو الوصي،
الباب واحد، فإذا ثبت أنه ليس للوالد أن يقتص لولده الطفل أو
المجنون، فإن القاتل يحبس حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون، لأن في
الحبس منفعتهما معا: للقاتل بالعيش ولهذا بالاستيثاق، فإذا ثبت هذا
فأراد الولي أن يعفو على مال فإن كان الطفل في كفاية لم يكن له ذلك،
لأنه يفوت عليه التشفي، وعندنا له ذلك لأن له القصاص على ما قلنا
إذا بلغ، فلا يبطل التشفي " ثم نقل الخلاف بين العامة فيما إذا كان معسرا
وأراد أن يعفو الولي على مال، واختار أن له العفو أيضا، وللصبي
القصاص إذا بلغ.
وفيه ما لا يخفى من أنه لا تسلط للولي على أخذ المال من الجاني بغير
رضاه، والصحة معه إذا كان على جهة إسقاط الحق يقتضي ترتب الأثر
الذي هو السقوط الممتنع معه تسلط الصبي عليه.
ودعوى أن المشروع للولي تناول المال على الوجه المزبور، أو أنه
كذلك، وإن دفع المال بعنوان الاسقاط وقبضه الولي كذلك لا شاهد لها،
بل الشواهد على خلافها.
وثبوت قيمة الحيلولة في المغصوب على وجه يملكها المالك إلى زمان
191

حصول العين لا يقتضي الثبوت هنا إلا بالقياس الممنوع عندنا، حتى
لو تراضيا على ذلك، إلا أن يكون بعقد مثلا يشترط فيه الخيار مثلا
إلى مدة يتحقق - فيها بلوغ الطفل، فينتقل الخيار إليه، وإلا فالفضولي
لا يتحقق فيه ملك الدية فعلا، كما هو واضح.
ثم إن الحبس في المجنون الذي لا غاية له تنتظر لا وجه له، بل
في التحرير " لو بلغ فاسد العقل تولي الإمام (عليه السلام) استيفاء
حقه إجماعا " بل لعل مطلق الحبس كذلك أيضا، لأنه تعجيل عقوبة
للمجني عليه بلا داع ولا مقتض، فالتحقيق أن للولي ذلك كله بعد
حصول المصلحة أو عدم المفسدة على ما عرفته في محله، لعموم الولاية،
والله العالم.
* (و) * كيف كان ف‍ - * (- لا يتولى) * شيئا من * (ذلك) *
في المقام * (الملتقط، إذ لا ولاية له في غير الحضانة) * خلافا للمحكي
عن الإسكافي من أنه لو أنفق عليه وتولى غيره رد عليه النفقة، فإن
أبى فله ولاؤه وميراثه، ولا نعرف له شاهدا، بل ظاهر الأدلة خلافه،
بل يمكن تحصيل الاجماع على ذلك، ولعله لذا حمله الفاضل على أخذ قدر
النفقة من ميراثه.
ثم إن ما تقدم من تبعية الدار في الاسلام، وأما الحكم بحريته حتى
يتحقق رقيته بالطريق الشرعي فلا أجد فيه خلافا، بل عن ابن المنذر أجمع عامة
أهل العلم على أن اللقيط حر، وروينا ذلك عن علي (عليه السلام) (1)
مضافا إلى النصوص (2) المزبورة وإلى أصالة الحرية المستفادة من النص (3)

(1) المستدرك - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة.
(3) الوسائل - الباب - 29 - من كتاب العتق - الحديث 1.
192

والفتوى بل والعقل، ضرورة احتياج الرقية إلى سبب مقتضى الأصل عدمه.
بل عن التذكرة " إذا التقط في دار الحرب ولا مسلم فيها أصلا
فالأقرب عندي الحكم بحريته، لكن تتجدد الرقية بالاستيلاء عليه، وإن
فال علماؤنا: إنه يكون رقا ".
وفيه أن علماؤنا يقولون باسترقاقه بالتقاطه الذي هو استيلاء على
المحكوم بكفره شرعا، لا أنه رق بدونه، نعم هو كافر تبعا للدار بعد
السلامة عما يقتضي التغلب على الاسلام.
وعلى كل حال فمقتضى ما ذكرناه من الحرية شرعا جريان جميع
أحكامها له وعليه في القصاص وغيره، كما هو ظاهر كلامهم في المسألة.
لكن في القواعد بعد الحكم بحريته للأصل قال: " فيحكم بها في كل
ما لا يلزم غيره شيئا، فنملكه المال ونغرم من أتلف عليه شيئا، وميراثه
لبيت المال، وإن قتله عبد قتل به، وإن قتله حر فالأقرب سقوط القود،
للشبهة واحتمال الرق، فحينئذ تجب الدية أو أقل الأمرين منها ومن القيمة
على إشكال.
وإن وجه بانتفاء شرط القصاص، وبأن فارط الدماء لا يستدرك،
فيجب فيها رعاية الاحتياط وبنحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد
ثبوت حريته شرعا على وجه تجري عليه المناكحة المطلوب فيها الاحتياط
أيضا وغيرها من أحكام الحر الجارية على كل من كان ظاهره الحرية شرعا
وإن احتمل فيه غيرها، وعلى فرض الخطأ فهو على بيت المال، لأنه
من خطأ الحكام وأصل البراءة ونحوه لا يعارض القاعدة الشرعية الثابتة
نصا (1) وفتوى، ولا دليل على سقوط القصاص الثابت باطلاق قوله
تعالى (2): " النفس بالنفس " وغيره بمجرد الاحتمال المزبور، كما هو

(1) الوسائل - الباب - 29 - من كتاب العتق - الحديث 1.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 45.
193

واضح، بل في المسالك نفي الخلاف فيه.
وكذا الكلام فيما ذكره من الاشكال وإن قيل: إنه نشأ من أنه
حر في الشارع، وقد حكمنا بسقوط القود للشبهة، فيجب الانتقال
إلى الدية، ومن الشك في الحرية والرقية فيجب أقل الأمرين، لأنه المتيقن
والزائد مشكوك فيه، للشك في سببه.
لكنه كما ترى، ضرورة عدم أثر للشك بعد الحكم شرعا بحريته وإن
منع من القصاص مانع، وهو الشبهة المفروض كونها في مثله أو الدية،
فلا مانع منها، فهو حينئذ كحر تعذر استيفاء القصاص منه في الانتقال إلى
الدية، إذ لو كان الاحتمال ساريا إليها لاحتمل أيضا دية ذمي، إذ
الاسلام كالحرية أيضا، بل هي أقوى دليلا منه، كما عرفته.
بل ربما نوقش أيضا بأنه لقائل أن يقول: إن الواقع لا يخلو من
رقية أو حرية، فلا بد من إحداهما، وعلى أي تقدير كان فلا يكون
الواجب أحد الأمرين، لأنه إن كان حرا فالواجب القصاص لا الدية،
والاحتياط المذكور معارض باحتياط مثله، فإن الجاني ربما رضي بالقصاص،
فقهره على الدية إلزام له بما لم يثبت عليه، فيكون باطلا، وإن كان رقا
فالواجب هو القيمة لا الدية، فيبطل احتمال كون الواجب هو الدية على
كل من التقديرين اللذين انحصر الواقع فيهما.
وكذا يمتنع أن يكون الواجب هو أقل الأمرين مطلقا على كل من
تقديري الحرية والرقية، على أنه يؤدي إلى إسقاط حق معلوم الثبوت
قطعا، وذلك إذا قطع منه طرفان: أحدهما أكثر قيمة والآخر أكثر
دية، وحيث بطلت اللوازم كلها تعين الحكم بالقصاص وإن كان في بعضه
ما فيه، والله العالم.
194

ومما ذكرنا يظهر لك الحال في
المسألة * (السابعة:) *
التي هي * (إذا بلغ فقذفه قاذف) * كان عليه الحد بلا خلاف
ولا إشكال إن لم يدع القاذف الرقية، كما اعترف به في المسالك، لحصول
مقتضيه، ولا شبهة.
* (و) * إن * (قال) * القاذف: * (أنت رق فقال) * المقذوف:
* (بل) * أنا * (حر) * ف‍ - * (- للشيخ فيها قولان: أحدهما) * في
محكي الخلاف * (لا حد) * وتبعه * (عليه) * المصنف في حدود الكتاب،
والفاضل في حدود التحرير والمختلف والقواعد ولقطتها، والإصبهاني في
المحكي عن كشفه * (لأن الحكم بالحرية غير متيقن، بل على الظاهر وهو
محتمل، فيتحقق الاشتباه الموجب لسقوط الحد) * الذي يدرأ بالشبهات
نعم يثبت التعزير الذي هو متقين على التقديرين.
* (والثاني) * في محكي المبسوط في الحدود واللقطة * (عليه الحد،
تعويلا على الحكم بحريته ظاهرا، والأمور الشرعية منوطة بالظاهر، فيثبت
الحد كثبوت القصاص) * وتبعه الفاضل في لقطة التحرير والتذكرة والإرشاد
والشهيدان والكركي.
بل في المتن * (والأخير أشبه) * بأصول المذهب وقواعده، نعم
عليه اليمين كما صرح به في الدروس، ولعله ظاهر غيره أيضا.
لكن فيه أنه مناف لدرء الحدود بالشبهات التي لا ريب في كون
الفرض منها، لعدم القطع بفساد دعوى الرقية، ولا يلزم من ذلك كون
الاحتمال نفسه من دون دعوى المحدود شبهة، كما أنه لا وجه لاحتمال عدم
الشبهة في ذلك حتى مع الدعوى التي لم يعلم بطلانها وإن لم يتمكن من
195

إثباتها، وربما يأتي لذلك مزيد تحقيق في الحدود إنشاء الله.
وبذلك يفرق بين المقام وبين القصاص الذي ليس من الحدود التي
ورد (1) فيها الدرء بالشبهة.
ولعله إلى ذلك أشار الفاضل في القواعد بقوله: " تقابل أصل
البراءة والحرية، فيثبت التعزير، ولو قطع حر يده تقابلا أيضا، ولكن
الأقرب القصاص هنا، لأن العدول إلى القيمة مشكوك بخلاف التعزير
المعدول إليه، فإنه متيقن " إذ من المعلوم انقطاع أصل البراءة بقاعدة
الحرية لا مقابلته له.
إلا أن يقال: إن المراد من ذلك تحقق الشبهة المسقطة للأول بخلاف
الثاني وإن كان تعليله المزبور قاصرا عن تأدية ذلك.
بل لا يخلو كلامه من منافاة لما سبق منه في النفس، إذ احتمال
الفرق بينهما في غاية البعد، خصوصا بعد ملاحظة احتمال سراية قصاص
الطرف إلى النفس.
وكذا الكلام لو قال القاذف: أنا رق ليثبت نصف الحد عليه
وقال المقذوف هو حر.
ومن الغريب ما عن مجمع البرهان من فرض المسألة في قذف اللقيط
الصغير الذي يتولى حد القاذف فيه الحاكم، لأنه وليه، وتفسير عبارة
الإرشاد بذلك، مع أن قذف الصغير لا حد فيه، وإنما فيه التعزير.
والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب مقدمات الحدود - الحديث 4 من كتاب لحدود.
196

المسألة * (الثامنة:) *
* (يقبل إقرار اللقيط) * كغيره من مجهولي النسب * (على نفسه
بالرق إذا كان بالغا رشيدا ولم تعرف حريته) * على وجه يعلم بطلان
إقراره * (ولا كان مدعيا لها) * قبل إقراره، ولا كان متعلقا بحق غيره
كما صرح به غير واحد، بل في محكي المبسوط وغيره ما يشعر بالاجماع.
ولعله كذلك، إذا لم أجد فيه خلافا إلا من الحلي، فلم يقبله،
ناسبا له إلى محصلي أصحابنا، لحكم الشارع عليه بالحرية؟.
وفيه أن حكمه بذلك لا ينافي جريان حكم الاقرار المستفاد من قوله
(صلى الله عليه وآله): (1) " إقرار العقلاء " مضافا إلى قوله (عليه
السلام) (2): " الناس كلهم على الحرية، إلا من أقر على نفسه
بالعبودية ".
بل في قواعد الفاضل وإيضاح ولده وجامع المقاصد " أن الأقرب
القبول لو أقر أولا بالحرية ثم بالعبودية، للعموم المزبور، ولأنه كما لو
ادعى ملكية شئ ثم أقر به لآخر ".
خلافا للمحكي عن المبسوط والتذكرة من عدم القبول، لمنافاته
للحكم الأول بحريته التي تترتب عليه أحكامها من الجهاد والحج وغيرهما،
فلا يقبل إقراره بما يقتضي سقوطها، ولأنه بتأكيده لأصل الحرية بالاقرار
المزبور صار كمن أعرب عن نفسه بالاسلام الذي اقتضته الدار ثم كفر،
فإنه لا يقبل منه، ويجعل مرتدا، ولأن الحرية حق لله تعالى، فلا يقبل

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاقرار - الحديث 2.
(2) الوسائل - الباب - 29 - من كتاب العتق - الحديث 1 وفيه " الناس كلهم أحرار.... ".
197

رجوعه في إبطالها إلا أن الجميع كما ترى.
ونحوه ما عن المبسوط أيضا من أنه " لو أقر بالعبودية أو لا لواحد
فأنكر فأقر لغيره لم يقبل، لأن إقراره الأول تضمن نفي الملك لغيره،
فإذا رد المقر له خرج عن كونه مملوكا له أيضا، فكان حرا بالأصل،
فليس له إبطالها باقراره بها لآخر ".
إذ لا يخفى عليك أن إقراره الأول تضمن ثبوت الرقية، وأنها لزيد،
ولا يلزم من بطلان الثاني بطلان الأول، ورده لا يقتضي الحرية، بل
كون الرقية ليست له، قيل: ولهذا لو رجع عن الانكار إلى الاقرار
قبل، إذ ربما لم يكن عالما بالحال، أو نحو ذلك مما لا ينافي احتمال
الصدق، ومن هنا كان خيرة الفاضل في التذكرة والتحرير وجامع المقاصد
القبول، لعموم إقرار العقلاء " (1) وقد تقدم في كتاب الاقرار تحقيق
المسألة بما لا مزيد عليه، فلاحظ وتأمل.
ولو سبق من اللقيط قبل الاقرار تصرف متعلق بالغير فمع البينة
يكون كالتصرف الواقع من العبد بغير إذن سيده، ولو لم يكن إلا
بالاقرار لم ينفذ فيما يكون في حق الغير.
فلو كانت امرأة مثلا ونكحت زوجا ثم أقرت بالرق استمر نكاحها
وثبت للسيد أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل، أو من المسمى والعشر
أو نصفه على الخلاف في المسألة التي قد تقدم تحقيقها في كتاب النكاح (2)
إن لم يكن قد سلم المهر إليها، وإلا لم يكن للسيد مطالبته، والأولاد
أحرار، وعدتها من الطلاق ثلاثة قروء، لأنها حق الزوج، بل قيل:

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاقرار - الحديث 2.
(2) راجع ج 30 ص 222 و 366 - 368.
198

ومن الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام، لأن الحداد حق الزوج، وفيه نظر
أو منع.
وفي المسالك " وحيث حكم برقه على أحد الوجوه ففي بطلان
تصرفاته السابقة على الاقرار أوجه، من ظهور وقوعها حال الحرية،
ومن وقوعها حال الحاكم بالحرية، ثالثها الفرق بين ما لم يبق أثره كالبيع
والشراء وما يبقى كالنكاح، فينفذ الأول ويفسد النكاح إن كان قبل الدخول
وعليه نصف المهر، وإن كان بعده فسد وعليه المهر، فيستوفى مما في يده
وإلا يتبع به بعد العتق " ولعله لا يخلو من نظر في الجملة، والله العالم.
المسألة * (التاسعة:) *
* (إذا ادعى أجنبي) * أو الملتقط عندنا * (بنوته قبل) * على
وجه يثبت به النسب * (إذا كان المدعي أبا وإن لم يقم بينة، لأنه
مجهول النسب، فكان أحق به، حرا كان المدعي أو عبدا، مسلما كان
أو كافرا) * بلا خلاف أجده فيه، بل في الإيضاح وجامع المقاصد
الاجماع عليه، وهو الحجة بعد عموم " إقرار العقلاء " (1) وخصوص
قوله (عليه السلام) في القوي (2) والمرسل (3): " إذا أقر الرجل
بالولد ساعة لم ينف عنه أبدا ".
فما عن الأردبيلي - من التشكيك في ذلك لبعض الأمور الاعتبارية
كاحتمال كون الاقرار طمعا في مال الولد لو كان له مال ونحو ذلك -

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة - الحديث 4 - 3 من كتاب الفرائض.
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة - الحديث 4 - 3 من كتاب الفرائض.
199

في غير محله، كما تقدم تحقيق المسألة في كتاب الاقرار، بل قيل:
لو قتله ثم استلحقه قبل وسقط القصاص.
وما عن بعض العامة - من عدم اللحوق بالكافر والعبد للحكم
باسلامه وحريته - يدفعه أنه يلحق بهما في النسب خاصة دونهما مطلقا أو
إلا مع البينة مع فرض وجوده في دار يحكم باسلامه، فلا حضانة حينئذ
لهما، كما ستعرف.
هذا وفي محكي الخلاف والمبسوط * (وكذا) * تقبل الدعوى على
وجه يثبت النسب * (لو كان) * المدعي * (أما) * كالأب، بل
قيل: هو خيرة مجمع البرهان وقضية إطلاق إقرار السرائر والكتاب
والنافع والإرشاد والتذكرة والتحرير واللمعة وغيرها، بل عن ظاهر الأول
الاجماع على ذلك، للصحيحين (1) " عن المرأة تسبى من أرضها ومعها
الولد الصغير فتقول هو ابني والرجل يسبى فيلقى أخاه ويتعارفان وليس
لهما على ذلك بينة إلا إقرارهما، فقال: ما يقول من قبلكم؟ قلت:
لا يورثونهم، لأنهم لم يكن لهم على ذلك بينة، إنما كانت ولادة في
الشرك، فقال: سبحان الله إذا جاءت بابنها أو بنتها ولم تزل مقرة
وإذا عرف أخاه وكان ذلك في صحة من عقلهما ولم يزالا مقرين ورث
بعضهم من بعض ".
ولكن حيث لم يكونا بتلك الصراحة على وجه يفيدان ثبوت النسب
مطلقا الذي مقتضى الأصل عدمه في غير المقر قال المصنف: * (ولو
قيل: لا يثبت نسبه إلا مع التصديق) * بعد البلوغ والرشد * (كان
حسنا) * بل هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه وولده والكركي

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة - من كتاب الفرائض.
200

وثاني الشهيدين، وقد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الاقرار.
* (و) * كيف كان ف‍ - * (- لا يحكم برقه ولا بكفره) * بمجرد
الاقرار بالبنوة * (إذا وجد في دار الاسلام) * وإن ثبت النسب بذلك
إلا أنه لا تلازم بينه وبينهما.
خلافا للمحكي عن الشافعي من احتمال ذلك أو القول به، كما احتمله
بعض منا، بل في الروضة أنه الأقوى، لدعوى التلازم، وهو واضح
الضعف.
نعم لو ادعى المسلم بنوة من حكم بكفره تبعا للدار واسترق ألحق به،
وحكم باسلامه، لأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، وللتلازم لعدم ولد
محكوم بكفره مع إسلام الأب، بل ويحكم بحريته أيضا مع فرض عدم
احتمال تصور استرقاقه، لقدم آبائه مثلا في الاسلام بخلاف الأول.
واحتمال القول بأن الحكم باسلامه تبعا باعتبار أنه مجهول النسب أما
الآن فقد علم يدفعه منع تناول ما دل على تبعية الأبوين في الحال المزبور،
ولا أقل من الشك، فيأتي أن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولو بملاحظة
الشهرة، والتلازم ممنوع، لامكان كونه مسلما - وإن كان ابن كافر - لاسلام
جده أو أمه أو غيرهما مما يكون به مسلما، كما أنه يمكن حريته لاطلاق
الأدلة وإن كان أبوه رقا لحرية أمه مثلا.
فاتضح حينئذ أن إلحاق نسبه به من حيث الاقرار لا يقتضي الحكم
بكفره، بل ولا بالبينة على ذلك، لاحتمال إسلام أحد أجداده أو جداته،
كما في صورة الاقرار الذي لا فرق بينه وبينها بعد فرض كل منهما طريقا
شرعيا ظاهرا لثبوت النسب الذي قد عرفت الدليل على التبعية بمثله،
ولا أقل من التعارض والترجيح لما عرفت، والله العالم.
201

* (وقيل) * والقائل الشيخ في المبسوط: * (يحكم بكفره إن
أقام الكافر بينة ببنوته، وإلا حكم) * الحاكم * (باسلامه لمكان الدار
وإن لحق نسبه بالكافر) * وتبعه الفاضل في القواعد والتحرير، لأن البينة
أقوى من تبعية الدار، ولكن فيه ما عرفت. * (و) * لذا كان * (الأول
أولى) * والله العالم.
* (ويلحق بذلك أحكام النزاع) *
(ومسائله خمس:) *
* (الأولى:) *
الملتقط واللقيط * (لو اختلفا في) * قدر * (الانفاق) * فادعاه
الملتقط وأنكره اللقيط * (فالقول قول الملتقط مع يمينه في قدر المعروف) *
كما في القواعد والدروس وجامع المقاصد والمسالك ومحكي المبسوط معللا
له في الجامع بأن الظاهر يساعد الملتقط، ولم يلتفتوا إلى أن الأصل العدم
فيما زاد على قدر الضرورة، فيقدم قول اللقيط في نفي الزائد.
وزاد في المسالك " ولأنه أمين ومأمور بالانفاق لدفع ضرورة الطفل،
فلو لم يقبل قوله في قدره كذلك أدى إلى الاضرار به إن أنفق وبالملقوط
إن تقاعد عنها حذرا من ذلك، ولهذا لا يلتفت إلى الأصل وإن كان
موافقا لدعوى الملقوط ".
قلت: قد عرفت سابقا أنهم قالوا: لا ولاية للملتقط في الانفاق
202

ولو من ماله إلا مع إذن الحاكم أو مع تعذره، فالمتجه حينئذ توقف
أمانته على ثبوت الإذن أو تعذر الحاكم، ومجرد دعواه الإذن أو التعذر
لا يجدي في ثبوت أمانته، نعم يتجه ذلك بناء على ما قلناه من دلالة
فحوى النصوص (1) المزبورة أن له ولاية الاتفاق من ماله عليه ويرجع
به عليه مع اليسار.
ولا يقال: إن النزاع هنا في أصل الانفاق لا في صحته وفساده،
لأنا نقول: هو لا يكون نزاعا إلا بإرادة شغل ذمة اللقيط به وإلا
فلا نزاع.
اللهم إلا أن يقال: إنه مع فرض ثبوت وقوعه بيمينه الأصل فيه
الصحة المقتضية للرجوع به. وفيه منع واضح، ضرورة اقتضاء ذلك
عدم الفرق بين الملتقط وغيره، وهو واضح الفساد، لأن الأصل البراءة.
وحينئذ يتجه فرض المقام بعد معلومية ائتمان الملتقط على ذلك بإذن
من الحاكم أو بتعذره، بناء على ثبوت الولاية له حينئذ، ولا ريب في
أن القول قوله حينئذ في أصل الانفاق وفي قدره بالمعروف كغيره من
الأمناء على ذلك، كالوصي والقيم الشرعي ونحوهما.
بل الظاهر أن القول قوله أيضا في الزائد على المعروف مع دعوى الحاجة
إليه أيضا، لأنه أمين وولي.
وإليه يرجع ما في جامع المقاصد قال: " أما ما زاد على المعروف
فلا يلتفت إليه في دعواه، لأنه إن صح كان مفرطا، ولا يحلف إلا
أن يدعي الحاجة وينكرها اللقيط، نعم لو وقع النزاع في عين مال أنه
أنفقها صدق باليمين، لتنقطع المطالبة بالعين، ثم يضمن كالغاصب ".
لكن في المسالك " ولو كان دعواه زائدة على المعروف فإن لم يدع

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة.
203

مع ذلك حاجة الملقوط إليهما فهو مقر بالتفريط في الزائد فيضمنه، ولا وجه
للتحليف، وإن ادعى حاجته إلى الزيادة وأنكرها الملقوط فالقول قوله
عملا بالأصل مع عدم معارضة الظاهر هنا، نعم لو وقع النزاع في عين
مال " إلى آخر ما سمعته من جامع المقاصد.
وظاهره أنه أخذه منه، لكن قد عرفت التفاوت بينهما، والأصح
ما فيه.
بل قد يقال بعدم الضمان مع فرض الزيادة من مال الطفل، لأصالة
براءة ذمة المنفق إذا لم يقر بالتفريط، أو فرض موته أو جنونه، لأنه
أمين، والأصل في تصرفه الصحة، بل وكذا لو كان من مال نفسه وعلم
منه إرادة الرجوع به ولم يعترف بالتفريط.
نعم لو لم يعلم ذلك لم يضمنه الطفل، لاحتمال تبرعه بالزيادة مع
احتماله إذا فرض عدم دعوى منه بموت أو جنون.
ومن ذلك كله ظهر لك أن المسألة غير منقحة في كلامهم حتى
قول المصنف: * (فإن ادعى زيادة فالقول قول الملقوط في الزيادة) *
أي نفيها، ضرورة عدم تماميته على الاطلاق وإن كان الظاهر إرادته أن
تقديم قول الملتقط للظهور المستفاد من العادة، وهو مفقود في الزيادة.
وفيه أنها غير مطردة، ضرورة اعتياد الاحتياج إلى الزيادة بمرض
وغيره، فمع فرض كونه وليا وأمينا مأذونا من الحاكم فالقول قوله إلا
إن يعلم التفريط، والله العالم.
* (و) * مما ذكرنا يعلم الوجه فيما * (لو أنكر) * اللقيط * (أصل
الانفاق ف‍ -) * - إن * (القول قول الملتقط) * مع يمينه، لما عرفت.
* (و) * كذا * (لو كان له) * أي الملقوط * (مال فأنكر اللقيط إنفاقه
عليه، ف‍ -) * - إن * (القول قول الملتقط) * أيضا * (مع يمينه، لأنه
204

أمينه) * سواء كان المنفق مال الملتقط الذي يرجع به عليه أو مال اللقيط،
نعم بناء على ما عرفت يعتبر إذن الحاكم في إنفاقه، وإلا كان مضمونا
عليه وإن أنفقه عليه، لأن السبب أقوى من المباشر، نحو من قدم طعام
الغير له بعنوان إنه مال فأتلفه.
وعلى كل حال فقد ظهر لك أن قول الملتقط في أصل الانفاق
وفي قدره بالمعروف وفي الزائد مع الحاجة، سواء كان للقيط مال أو لا،
وسواء ادعى اللقيط أن الانفاق عليه كان من ماله أو لا، كل ذلك
لما عرفت.
إلا أنه ينبغي مراعاة ما ذكرناه بناء على كلامهم السابق الذي
يعلم منه أنه لو كان للطفل مال وقد أذن له الحاكم في إنفاقه عليه وتركه
لا لعذر وأنفق من ماله لم يكن له رجوع، لأنه بحكم المتبرع مع عدم
الإذن على الوجه المزبور، والله العالم.
المسألة * (الثانية:) *
* (لو تشاح ملتقطان) * فلم يترك أحدهما للآخر * (مع تساويهما
في الشرائط) * المعتبرة في الالتقاط على وجه لا ترجيح لأحدهما على الآخر
* (أقرع بينهما، إذ) * الفرض أن * (لا رجحان) * وفاقا للشيخ
والفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، للضرر
عليهما وعلى الطفل باجتماعهما على الحضانة التي لا يمكن أن يكون عندهما
في ساعة واحدة، وفي التناوب واختلاف الأيدي والأغذية والأخلاق وغير
ذلك ضرر على الطفل، مضافا إلى تضررهما. ومن هنا قال الله تعالى (1):

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 44.
205

" وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ".
وعن التذكرة " أن الاشتراك متعسر أو متعذر اجتماعا أو مهاياة "
إلى آخره.
وتبعه في الدروس قال: " والتشريك بينهما في الحضانة بعيد،
لأنهما إن كلفا الاجتماع تعسر وإن تهايئا قطعا ألفة الطفل فيشق عليه "
إلى آخره، فليس حينئذ إلا القرعة بعد عدم إمكان الانتزاع منهما وعدم
الترجيح لأحدهما.
* (و) * لكن مع ذلك * (ربما انقدح الاشتراك) * فيها، بل هو
خيرة التحرير وإن احتمل القرعة فيه أيضا، لتساويهما في مقتضاها،
وإمكان اشتراكهما فيها، فلا إشكال كي يقرع، وكفالة مريم (ع) إنما
كانت لتبرع لا لحضانة شرعية.
ومنه يعلم ضعف ما عن الشهيد في تفسير قول الفاضل في القواعد:
" فإن تساويا أقرع أو يشتركان في الحضانة " من أن المراد من الترديد
التخيير، ضرورة كون القرعة للاشكال، ومع التشريك لا اشكال،
فلا معنى للتخيير.
ولعل الأولى إرادته الإشارة إلى الاحتمال الذي ذكره المصنف، ولا ريب
في كونه متجها مع فرض التحرز عما يقتضي ضرر الطفل، وهما معا
مكلفان بدفعه، ضرورة عدم اعتبار الاتحاد في الالتقاط الذي يجري في
الحيوان والانسان والمال، فهما معا حينئذ ملتقط يجب عليهما الحضانة على
وجه لا ضرر فيها على الطفل، بأن يجعلاه في مكان واحد ويتعاهداه
ويحسنا تربيته وكذا لو اشترك الرحم في الحضانة.
نعم لو قلنا باعتبار الاتحاد على معنى أنهما بالتقاطهما جعل الشارع
الحاضن أحدهما لا هما وتشاحا اتجهت القرعة حينئذ، كما أنه لو فرض
206

تعذر حضانتهما معا على وجه لا يكون فيها ضرر على الطفل يأتي احتمال
القرعة، وإلا فليس إلا الاشتراك، كما هو واضح. والله العالم.
* (و) * كيف كان ف‍ - * (- لو ترك أحدهما للآخر) * حقه من
الحضانة * (صح) * بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالشيخ
والفاضل في التحرير الذي اختار الشركة فيه فضلا عن غيره، والشهيدين
والكركي وغيرهم.
نعم قيده جماعة بكون ذلك قبل القرعة لا بعدها، معللين له بأنهما
قبلها يملكانها على نحو ملك الشفيعين مثلا، بناء على اختصاص أحدهما
بتمام الشفعة مع إسقاط الآخر.
* (ولم يفتقر الترك) * المزبور * (إلى إذن الحاكم، لأن ملك
الحضانة لا يعدوهما) * بخلاف ما بعدها، فإنه بها يتعين على وجه يكون
كالمنفرد، ومقتضاه أن المنفرد لا يجوز له ترك الحضانة لآخر برضاهما،
وهو مناف لمقتضى الأصول، بل ولحضانة الرحم التي لا إشكال في
جواز تركها لغيره على وجه النيابة، اللهم إلا أن يريد نفس الحق الذي
لا دليل على انتقاله على وجه يسقط بحيث لو طلبه بعد ذلك لا يجاب إليه.
وفيه أن ذلك على الوجه المزبور لا يخلو من إشكال أو منع قبلها
أيضا، خصوصا بعد ظهور ما ذكروه من التعليل بالاشتراك في الحق
قبلها، والفرض أنه حق تكليفي، ولهذا لا يمكن إسقاطه للمنفرد الذي
لا فرق بينه وبين المشترك بالنسبة إلى هذا المعنى، بل لعل إطلاق كلامهم
جواز ترك أحدهما للآخر ينافي ما ذكروه من احتمال الاشتراك.
وأما على احتمال القرعة بناء على أن الحق لأحدهما المطلق لا المبهم
فقد يشكل إسقاطه قبل تعيينه بالقرعة بعد فرض الاحتياج إليها في تعيينه
بعدم ثبوت حق له كي يسقطه، ومع الثبوت لا يصح له الاسقاط.
207

وذلك كله مؤيد لما ذكرنا من أن المتجه ثبوت الاشتراك بينهما،
ولكل منهما الترك على وجه الايكال، نحو حضانة الرحم.
وكأنه حام حول بعض ما ذكرناه الكركي في حاشية الكتاب، قال
بعد قول المصنف: " ولو ترك " إلى آخره: " ليس على إطلاقه، بل
هو مشروط بأن لا يضعا أيديهما عليه، أو على القول بالقرعة، أما على
القول بالتشريك فلا، لأنه قد لزم كلا منهما نصيبه من الحضانة " وإن
كان لا يخفى عليك ما في بعضه بعد الإحاطة بما ذكرناه.
هذا وفي القواعد " ولو ترك أحدهما للآخر صح، سواء كانا
موسرين أو أحدهما، حاضرين أو أحدهما، أو كان أحدهما كافرا مع كفر
اللقيط " ومقتضاه جواز ترك الموسر للمعسر والحاضر للمسافر والمسلم
للكافر، بل هو مقتضى قول المصنف في.
المسألة * (الثالثة:) *
التي هي عين سابقتها، وإنما أعادها لبيان عدم الفرق بين الملتقطين
مع تساويهما وعدمه.
فقال: * (إذا التقطه اثنان و) * كانا جامعين لشرائط الالتقاط
بحيث * (كل واحد منهما لو انفرد أقر في يده) * لصلاحيته * (فتشاحا
فيه أقرع بينهما) * ويحتمل التشريك كما سمعته * (سواء كانا موسرين
أو أحدهما، حاضرين أو أحدهما) * بل * (وكذا إن كان أحد
الملتقطين كافرا إذا كان الملقوط كافرا) *.
وفرض بقائه عليه بعد الالتقاط لعدم كونه ممن يملك به، لعدم
كونهم حربيين وإن كانت دار كفر وليس فيها مسلم، وإلا فلو فرض
208

أنه يسترق بالالتقاط جاء فيه حينئذ احتمال تغليب المسلم، فيحكم باسلام
اللقيط تبعا للسابي، فلا يصلح للكافر استدامة حكم الالتقاط، نعم يمكن
بقاؤه على الملكية بينهما، ولم أجد ذلك محررا فيما حضرني في المقام.
وكيف كان فالوجه في عدم الترجيح بشئ من هذه الأمور إطلاق
الأدلة المقتضي لتساويهما في الحق المزبور على كان حال مع فرض صلاحيتهما
للالتقاط.
لكن في القواعد سابقا " ولو ازدحم ملتقطان قدم السابق، فإن
تساويا ففي تقديم البلدي على القروي، والقروي على البلدي والموسر
على المعسر، وظاهر العدالة على المستور نظر، فإن تساويا أقرع أو
يشتركان في الحضانة، ولو ترك أحدهما للآخر " إلى آخر ما سمعته
سابقا عنها.
ومراده على الظاهر أنهما تساويا في أخذه ولم يكن أحدهما سابقا على
الآخر وهو المراد من موضوع المسألة في الكتاب، لا أنهما ازدحما على
إرادة التقاطه، فالنظر وعدم الترجيح في ذلك حينئذ، كما عن الإيضاح
والحواشي.
بل في التذكرة " إن تساويا في الصفات فإن ترجيح أحد الملتقطين
بوصف يوجب تخصيصه به دون الآخر وكانا معا ممن يثبت لهما جواز
الالتقاط أقر في يده وانتزع من يد الآخر ".
وجزم بالترجيح بما سمعته في القواعد وزاد تقديم الحر على العبد
والمكاتب وإن كان التقاطه بإذن سيده، لأنه في نفسه ناقص، وليست
يد المكاتب يد السيد.
بل عن الكركي موافقته أيضا على تقديم معلوم العدالة على المستور
وإن كنت لم أتحققه، قال: " لأن الأحوط اشتراط العدالة، فيكون
209

الترجيح بهذا الاعتبار، وأما الباقون فالأصح عدم ترجيح أحدهم على
مقابله، لأن كلا منهم أهل للالتقاط، وتأثير واحد من الأوصاف
المذكورة في الترجيح غير معلوم، والأصل عدمه ".
وعن المبسوط التفصيل بتقديم الأمين على الفاسق، وأنه حكى عن
قوم تقديم الأيسر مع التساوي في الأمانة، فإن تساويا في اليسار أقرع،
ولم يرجح هو، وقدم القروي على البدوي إن وجداه في قرية أو حضر
قال: " وإن وجداه في البادية وكان البدوي ممن له حلة قريبة فإن يقرع
بينهما، وإن كان متنقلا فوجهان " ولم يرجح.
وفي الدروس " وإنما تتحقق القرعة مع تساويهما في الصلاحية، فيرجح
المسلم على الكافر ولو كان الملقوط محكوما بكفره في احتمال، والحر على
العبد، والعدل على الفاسق على الأقوى، ويشكل ترجيح الموسر على المعسر
والبلدي على القروي والقروي على البدوي والقار على المسافر وظاهر العدالة
على المستور والأعدل على الأنقص نظرا إلى مصلحة اللقيط في إيثار الأكمل
نعم لا يقدم الغني على المتوسط، إذ لا ضبط لمراتب اليسار، ولا المرأة
على الرجل، ولا من يختاره اللقيط وإن كان مميزا " إلى غير ذلك من
كلماتهم.
ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد خلو النصوص والفتاوى عدا
ما عرفت عن ملاحظة هذه الأمور التي لم يصل العقل إلى اعتبارها شرعا
وإن كان فيها صلاح للطفل على وجه يقتضي رفع اليد عما يقتضيه إطلاق
الأدلة والأصول العقلية، وينتزع من يد من يثبت له حق فيه، بل
مقتضى ذلك حتى مع الاستقلال المجمع على خلافه، وعلى تقديره فلا ينبغي
حصرها في الأمور المذكورة، بل هي إلى عدم الحصر أقرب منه.
بل فتح هذا الباب يقتضي فقها جديدا لا ينطبق على أصول الإمامية
210

إذ منه تقديم الأنثى في التقاط الأنثى، بل والصبي المحتاج إلى الحضانة، ومنها
التقاط ذي الشرف والعز والوقار ونحو ذلك ثم لو تعارضت المرجحات
بعضها مع بعض وغير ذلك مما لا أثر له فيما وصلنا من نصوص أهل العصمة
الذين كل ما خرج عنهم فهو زخرف. ولعله لعدم التعارض المحتاج إلى
الترجيح الذي يراعى فيه هذه الأوصاف، لاتحادهما في الالتقاط الموجب
للحق كما هو واضح، والله العالم.
* (و) * كيف كان ف‍ * (- لو وصف أحدهما) * أي المتنازعين
* (فيه) * أي اللقيط * (علامة) * كالخال في رأسه ونحوه * (لم يحكم
له) * به كما في القواعد وجامع المقاصد والمسالك، لعدم ثبوت اعتبار
ذلك شرعا في ثبوت الولاية عليه، كعدم ثبوت اعتباره في النسب أيضا.
خلافا لأبي حنيفة، بل عن الفاضل في التحرير احتمال الحكم به كاللقطة،
إلا أنه كما ترى.
ثم لا يخفى عليك أن هذا فيما إذا تنازعا في الاستقلال بالولاية، بمعنى
دعوى كل منهما الاستقلال بالتقاطه، فذكر أحدهما وصفا فيه لإرادة
الاستظهار به على خصمه، وفرض المسألة السابقة معلومية اشتراكهما في
الالتقاط بأن اشتركا معا في تناوله، ولا مدخلية في ذلك لذكر الوصف
قطعا، ولعل مقصود المصنف بيان عدم الأثر لذلك لو كان تنازعهما في
سبق الالتقاط.
وحينئذ قد يقال لو كال في يد أحدهما رجح على الآخر وإذا كان
في يديهما معا ولا بينة لأحدهما أقرع كما إذا أقاما بينتين وتساويتا، وفي
ترجيح بينة الداخل والخارج على نحو الأملاك وجه.
وكأنه إلى ما ذكرنا أشار في التحرير، قال: " لو اختلفا في سبق
التقاطه حكم لمن هو في يده مع اليمين، ولو كان في يدهما أقرع بينهما،
211

فيحلف من خرجت له، ويحتمل عدم اليمين، وكذا لو لم يكن في يدهما
مع احتمال أن يسلمه الحاكم إلى من شاء من الأمناء، ولو وصف أحدهما
شيئا مستورا فيه كشامة في جسده لم يكن أولى، كما لو وصف مدعي
المتاغ، ويحتمل تقديمه، كما لو وصف اللقطة، ولو اختص أحدهما بالبينة
حكم له، ولو أقاما بينة قدم سابق التأريخ، ولو تعارضا أقرع، ولو
كانت يد أحدهما عليه وأقاما بينة حكم للخارج " وهو عين ما ذكرناه،
والله العالم.
المسألة * (الرابعة:) *
* (إذا ادعى بنوته اثنان) * أجنبيان أو ملتقطان * (فإن كان
لأحدهما بينة حكم بها) *.
* (وإن أقام كل واحد منهما بينة أقرع بينهما) * بلا خلاف أجده
فيه بين من تعرض له كالشيخ والفاضلين والشهيدين وغيرهم على ما حكي
عن بعض. * (وكذا لو لم يكن لأحدهما بينة) *.
* (ولو كان الملتقط أحدهما فلا ترجيح باليد، إذ لا حكم لها في
النسب بخلاف المال، لأن لليد فيه أثرا) * بلا خلاف أجده فيه أيضا،
بل ولا إشكال بعد عدم ثبوت اعتبارها شرعا في ذلك.
نعم في القواعد في كتاب القضاء " لو تداعيا صبيا وهو في يد
أحدهما لحق بصاحب اليد خاصة على إشكال ".
وعن الفخر والإصبهاني تقييده بما إذا لم يعلم أن اليد يد التقاط،
بل عن الأخير لا ترجيح في يد الالتقاط قطعا.
وفي الدروس " إذا لم يعلم كونه لقيطا ولا صرح ببنوته فإن ادعاه
212

غيره فنازعه فإن قال: هو لقيطا وهو ابني فهما سواء، وإن قال: هو
ابني واقتصر ولم يكن هناك بينة على أنه التقطه فالأقرب ترجيح دعواه
عملا بظاهر اليد ".
إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من عدم ثبوت اعتبار اليد
في النسب شرعا، ولذا لا يحكم ببنوة من كان في يده صبي لم يعترف
بنسبته إليه، نعم لو سبق أحدهما في دعوى الولدية وحكم له بذلك كان
مقدما على الآخر، لثبوت نسبه شرعا، فيكون الآخر مدعيا صرفا
يطالب بالبينة، كما هو واضح، والله العالم.
المسألة * (الخامسة:) *
* (إذا اختلف كافر ومسلم أو حر وعبد في دعوى بنوته قال
الشيخ) * في المبسوط: * (يرجح المسلم على الكافر والحر على العبد) *
لقاعدة التغليب فيهما، وتبعه الفخر والشهيدان إلا إذا كان اللقيط محكوما
بكفره أو رقه، فيتجه التوقف أو ترجح الكافر أو الرق كما في الدروس،
أو يشكل الترجيح، كما في الروضة.
بل عن الأردبيلي الميل إلى ترجيح المسلم والحر مطلقا، وعن أبي علي
ترجيح الحر، فإن قامت بينة أنه ولد العبد ألحقنا به نسبه وأقررناه على
الحرية، إلا إن تقوم البينة أنه ولد من أمة.
* (و) * لكن * (فيه تردد) * بل عن الخلاف والتذكرة الجزم
بعدم الترجيح والرجوع إلى القرعة.
وفي جامع المقاصد " أنه الظاهر، سواء كان الالتقاط في دار الكفر
أو الاسلام ".
213

وفي المسالك " الأظهر عدم الترجيح مطلقا إلا أن يحكم بكفره ورقه
على تقدير إلحاقه بالناقصين، فيكون ترجيح الأولين أقوى، لظهور
المرجح ".
بل عن المختلف أن المشهور عدم الترجيح مطلقا، ولعله أخذها
مما ذكروه في كتاب القضاء من أنه إذا وطأها اثنان شبهة ثم أتت بولد
فإنه يقرع بينهما، سواء كانا مسلمين أو أحدهما أو حرين أو أحدهما،
بل عن كشف اللثام الاجماع على ذلك. خلافا للقطة المبسوط، وبه صحيح
الحلبي (1) بناء على أنهما من سنخ واحد، كما هو الظاهر
وقاعدة التغليب على وجه تشتمل المقام ممنوعة، وترجيح المسلم والحر
بموافقتهما للحكم باسلامه وحريته لو كان في بلاد الاسلام لا أثر له في ثبوت
النسب المستند إلى الفراش أو الالحاق أو البينة، مع أنه لا يتم في المحكوم
بكفره واسترقاقه.
مضافا إلى ما سمعته سابقا من بقاء الحكم باسلامه وحريته مع
إمكانهما وإن حكم بكفر أبيه ورقيته، بل لو قلنا بالتبعية فيهما أيضا
تبعا لاقتضاء الأدلة لم يكن بذلك بأس، ولا ترجيح فيه لدعوى المسلم.
فالتحقيق مساواتهما وإن أطنب في الإيضاح ومجمع البرهان وغيرهما
في بيان الترجيح، لكنه ليس بشئ، إذ هو مجرد اعتبارات لا ترجع
إلى دليل معتبر شرعا، كدعوى العار في العبودية وحفظ الدين في الاسلام
وتغليبه ونحو ذلك مما لا يرجع إلى محصل.
ولو ادعاه رجل وامرأة فلا تعارض وألحق بهما، لاحتمال حصوله
منهما عن نكاح.
ولو قال الرجل: ابني من زوجتي وصدقته الزوجة وقالت امرأة

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة - الحديث 1 من كتاب الفرائض.
214

أخرى: أنه ابني ففي التحرير هو ابن الرجل، ولا ترجح دعوى الزوجة،
وهو كذلك مع فرض عدم سبقها على الأخرى في الالحاق، والله العالم.
* (القسم الثاني) *
* (في الملتقط من الحيوان) *
* (و) * تمام * (النظر) * فيه * (في) * ثلاثة: * (المأخوذ والآخذ
والحكم) *.
* (أما الأول) *
* (فهو كل حيوان مملوك) * لا مثل الخنزير ونحوه * (ضائع) *
في الفلاة عن مالكه لا غير الضائع عنه * (أخذ ولا يد) * لملتقط
* (عليه) * إلا ما ستعرف. * (ويسمى) * الحيوان المأخوذ * (ضالة) *.
* (و) * لا خلاف بيننا في أن * (أخذه في صورة الجواز
مكروه) * بل عن المبسوط والخلاف نسبة ذلك إلى رواية أصحابنا،
وفي التذكرة نسبة كراهة الالتقاط إلى علمائنا في موضعين.
وفي محكي السرائر " أخذ اللقطة عند أصحابنا على الجملة مكروه،
لأنه قد روي في الأخبار (1) أنه لا يأخذ الضالة إلا الضالون ".

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 و 7 و 10.
215

وفي الصحيح (1) في الضالة " ما أحب أن أمسها " وفي النبوي
المروي من طرق العامة (2) " لا يأوي الضالة إلا ضال " وفي آخر (3)
" ضالة المؤمن حريق جهنم " أي لهبها، وفي الخبر (4) أيضا " إياكم
واللقطة، فإنها ضالة المؤمن، وهو حريق من حريق جهنم ".
إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في مطلق اللقطة أو في الصامت
إلا أنه بفحواها يفهم منها أيضا ما نحن فيه.
بل ربما استدل أيضا بما ورد (5) من أن " الضالة لا يأكلها إلا
الضالون " بناء على إرادة النهي عن الأخذ الذي هو مقدمة للأكل من
ذلك وإن زاد في بعضها (6) " إذا لم يعرفوها ".
وكيف كان فالحكم مفروغ منه، مضافا إلى ما في التعريض بفعلها
لأحكام كثيرة يصعب التخلص منها على حسب ما أراده الشارع، بل
لعلها من الأمانة التي حملها الانسان لجهله.
ومن ذلك كله يعلم عدم وجوب حفظ مال الغير ما لم يكن تحت
يده، كما ذكرناه في المباحث السابقة.
لكن عن أبي حنيفة في وجه وجوب أخذ اللقطة لكون المؤمنين
بعضهم أولياء بعض، فيكون كولي الأيتام، وأن حرمة مال المسلم كدمه.
وهو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت، وكم له، وما أبعد ما بينه
وبين الشيخين في المقنعة والنهاية من ظهور التحريم في الحيوان كما حكاه
عنهما في الدروس، ولكن يبعد إرادة الكراهة من نفي الجواز فيهما

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 190.
(3) سنن البيهقي - ج 6 ص 190.
(4) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - الحديث 8 - 5.
(5) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - الحديث 8 - 5.
(6) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 4.
216

كما هو المتعارف في كلاميهما.
وعلى كل حال فلا إشكال في الكراهة * (إلا بحيث يتحقق التلف) *
إذا لم يلتقطه * (فإنه) * حينئذ * (طلق) * بلا كراهة، كما صرح به
الفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم، ولعله لعدم تناول أدلة الكراهة الملاحظ
فيها فائدة المالك المفروض انتفاؤها، فالعقل حينئذ يقضي بعدمها.
ولا ينافيه قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " هي لك أو لأخيك
أو للذئب " بعد ظهوره في غير تحقق التلف الذي هو عنوان عدم الكراهة.
بل ربما قيل: الظاهر منه الترغيب في أخذ الضالة التي هي في
معرض التلف، على معنى أنك إن أخذتها ولم تعرف مالكها بعد التعريف
تكون لك، وإن عرفته فقد حفظت مال أخيك المؤمن، وإن لم تأخذها
أكلها الذئب أو أخذها غير الأمين الذي هو بمنزلة الذئب أيضا.
ولعله لذلك كان المحكي عن المبسوط استحباب أخذها إذا كان أمينا
في مفازة أو في خراب أو في عمران، وعن أبي علي لو أخذها لصاحبها
حفظا عن أخذ من لا أمانة له رجوت أن يؤخر، بل في الروضة " يجب
كفاية إذا عرف صاحبها ".
ولكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم الدليل على ذلك على ما أشرنا
إليه في الوديعة (2) وغيرها من الكتب السابقة.
كما أنه لا يخفى عليك منافاة قوله (صلى الله عليه وآله) متصلا
بالخبر المزبور: " وما أحب أن أمسها " للمعنى المذكور المقتضي للندب،
فلا يبعد إرادة بيان الجواز فيه، بل الكراهة أيضا، فتأمل.
* (و) * كيف كان ف‍ * (- الاشهاد مستحب) * عندنا * (لما) *

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
(2) راجع ج 27 ص 28.
217

فيه من التحرز عن الطمع، وعما * (لا يؤمن من تجدده على الملتقط) *
من موت أو فلس أو غيرهما * (ولنفي التهمة) * بإرادة تملكها. وفي
النبوي (1) " من التقط لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي عدل،
ولا يكتم ولا يغيب ". خلافا لبعض العامة، فأوجبه " لظاهر الأمر القاصر
عن إفادته كما هو واضح.
ولا بد من التعدد المتوقف عليه ما عرفت دون شهادة الواحد
وإن كان ظاهر الخبر المزبور ذلك، لكن لا عامل به منا، والله العالم.
وعلى كل حال * (فالبعير لا يؤخذ إذا وجد في كلأ وماء) *
يتمكن من التناول منهما وإن لم يكن صحيحا بلا خلاف أجده بين القدماء
والمتأخرين منا، بل في الكفاية نسبته إلى أصحاب مشعرا بالاجماع عليه
ولعله كذلك.
بل في غاية المرام ذلك صريحا قال: " وقع الاجماع على عدم جواز
أخذ البعير إذا ترك من غير جهد مطلقا، سواء كان في كلأ أو ماء أو
لم يكن، وكذا إذا ترك من جهد في كلأ أو ماء " بل مقتضاه أن أحدهما
كاف في عدم الجواز، وإن كان هو كما ترى يمكن دعوى الاجماع بخلافه
فضلا عن النصوص (2).
وفي الغنية " من وجد ضالة الإبل لا يجوز له أخذها باجماع الطائفة ".
* (أو كان صحيحا) * وإن لم يكن في كلأ وماء بلا خلاف أجده
فيه أيضا، بل في الكفاية وغاية المرام نحو ما سمعته في الأول، كدعوى
الاجماع في الرياض عليهما معا و * (لقوله (صلى الله عليه وآله)) * فيما
تقدم من النصوص السابقة.

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 187.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة.
218

كصحيح الحلبي (1) وحسن هشام بن سالم بإبراهيم (2) عن الصادق
(عليه السلام) " جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:
يا رسول الله إني وجدت شاة، فقال: رسول الله، (صلى الله عليه وآله):
هي لك أو لأخيك أو للذئب، فقال: يا رسول الله إني وجدت بعيرا
فقال: * (خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تهجه) * ".
وفي صحيح معاوية بن عمار (3) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " سأل رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الشاة الضالة
بالفلاة، فقال للسائل: هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال: وما أحب
أن أمسها، وسأل عن البعير الضال، فقال للسائل: ما لك وله، خفه
حذاؤه وكرشه سقاؤه، خل عنه " ونحوه مرسل الفقيه (4).
على أن مقتضى مصلحة المالك بعد أن لم يخش عليه التلف لامتناعه
عن السباع واستقامته بالرعي عدم التعرض له، لأن العادة جرت بطلب
مالكه له حيث يفقده.
وحينئذ فقد يقال: إن وجه التفصيل المزبور - مضافا إلى ما سمعته
من نفي الخلاف فيه وغيره، وإلى ظهور فحوى قوله (صلى الله عليه وآله):
" كرشه " إلى آخره أن ذلك لمصلحة المالك، فمع فرض كونه فاقد
الأمرين لا يكون له مصلحة - خبر السكوني (5) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في رجل ترك دابته من

(1) أشار إليه في الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 وذكره في التهذيب
ج 6 ص 394 - الرقم 1184.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 5 - 4.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 5 - 4.
(5) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 5 - 4.
(4) أشار إليه في الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 وذكره
في الفقيه ج 3 ص 188 - الرقم 848.
219

جهد، قال: إن تركها في كلأ وماء وأمن فهي له يأخذها حيث أصابها،
وإن تركها في خوف وعلى غير ماء ولا كلأ فهي لمن أصابها ".
وخبر مسمع (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إن
أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الدابة إذا سرحها أهلها أو عجزوا
عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها، قال: وقضى أمير المؤمنين
(عليه السلام) في رجل ترك دابته في مضيعة، فقال: إن كان تركها في
كلأ وماء وأمن فهي له، يأخذها متى شاء، وإن تركها في غير كلأ
وماء فهي للذي أحياها ".
وفي صحيح عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت وقامت وسيبها
صاحبها لما لم تتبعه فأخذها غيره فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من
الكلال أو من الموت فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشئ المباح ".
بناء على إرادة ما يشمل الضائع من الترك في النصوص السابقة،
لا خصوص الاعراض ولا خصوص الترك الذي هو غير موضوع اللقطة،
خصوصا بعد ملاحظة ما هو المعتاد من أنه يراها متروكة ولم يعلم قصد
صاحبها الاعراض عنها أو أنه تركها لخوف ونحوه أو أنها ضائعة منه
أو يقال: إن موردها وإن كان المعرض عنه إلا أن المفهوم منه كون المدار
على مطلق المتروكة على الوجه المزبور.
إلا أن الأخير كما ترى، ضرورة معلومية الفرق بين الاعراض
واللقطة، لمعلومية الفرق بينهما وبين ما قصد تركه ويعلم به صاحبه، كما
هو ظاهر لفظ " تركه " وحينئذ فلا مدخلية لهذه النصوص فيما نحن فيه
من الضالة، خصوصا الصحيح الذي قد صرح فيه بلفظ التسييب وكونه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 2.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 2.
220

كالمباح، ومنه يعلم حينئذ صحة نسخة " سيبها " بالياء لا " نسيها " من
النسيان.
وحينئذ يكون الضالة المجهودة في غير كلأ وماء على حكم غيرها من
الضوال، فيكون وجه التفصيل ما أشرنا إليه ونحوه مما يظهر منه ذلك
مع ملاحظة إطلاق بعض النصوص السابقة الذي يمكن دعوى انسياقه
من فحواه.
هذا وفي اللمعة والمفاتيح " إذ وجد البعير في كلأ وماء صحيحا ".
وظاهرهما اعتبار الأمرين معا، وهو مخالف لما عرفت.
وعلى كل حال * (فلو أخذه) * في صورة عدم جواز أخذه
* (ضمنه) * بلا خلاف أجده، بل ولا أشكال، لعموم " على اليد " (1)
مع عدم الإذن لا شرعا ولا مالكا.
بل في الروضة " لا يجوز أخذه حينئذ بنية التملك مطلقا، وفي جوازه
بنية الحفظ لمالكه قولان: من إطلاق الأخبار بالنهي والاحسان، وعلى
التقديرين يضمن بالأحد؟ حتى يصل إلى مالكه أو إلى الحاكم مع تعذره ".
وظاهره الضمان حتى مع قصد الاحسان، ولعله كذلك، للعموم
المزبور الذي لا ينافيه قاعدة الاحسان المراد منها ما حصل فيه الاحسان
لا ما قصد ولم يحصل.
نعم في خبر الحسين بن يزيد (2) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام)
قال: " كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في الضالة يجدها الرجل
فينوي أن يأخذ لها جعلا فنفقت، قال: هو ضامن، فإن لم ينو أن
يأخذ لها جعلا فتنفق فلا ضمان عليه ".

(1) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب الغصب - الحديث 4 وسنن البيهقي ج 6 ص 95.
(2) الوسائل - الباب - 19 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
221

إلا أنه مع عدم جامعيته لشرائط الحجية لم أجد عاملا به من
الأصحاب، ضرورة إطلاقهم الضمان في صورة عدم الجواز، وعدمه في
صورة عكسه.
وكذا ما في صحيح صفوان (1) أنه سمع أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: " من وجد ضالة فلم يعرفها ثم وجدت عنده فإنها لربها أو مثلها
من مال الذي كتمها ".
ورواه في الكفاية والفقيه بالواو، وكأنه بمعنى " أو " على إرادة صورة
التلف، أو المراد أنه يدفع العين إلى مالكها بانضمام مثلها كفارة للكتمان
أو تغريرا أو استحبابا، وعلى كل حال فهو غير ما نحن فيه.
وأما القول بجواز أخذ ما يحرم التقاطه بعنوان الحفظ فقد اختاره
في التذكرة منزلا النصوص على ما إذا نوى بالالتقاط التملك قبل
التعريف أو بعده، بل قال فيها: " أنه يجوز للإمام أو نائبه أخذ
ما لا يجوز أخذه على وجه التملك ".
وفيه أن ذلك كله مناف لظاهر النهي عن الاهاجة وللأمر بالتخلية
وقول الإمام (عليه السلام) (2): لا أحب أن أمسها " الدال
على أنه كغيره في ذلك * (و) * نحوه.
ثم * (لا يبرأ) * الضامن للبعير المزبور * (لو أرسله) * إلى محله
الذي أخذه بلا خلاف ولا إشكال.
خلافا لعمر وأبي حنيفة ومالك، فقد قال الأول منهم للملتقط
المزبور: " أرسله في الموضع الذي أصبته فيه ".

(1) الوسائل - الباب - 14 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
222

وفيه أن ذلك ليس أداء كما في غيره من المال المضمون بسرقة
* (و) * نحوها.
نعم * (يبرأ لو سلمه إلى صاحبه) * قطعا * (ولو فقده سلمه
إلى الحاكم) * بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، كالشيخ والحلي
والفاضل والشهيدين والكركي والمقداد على ما حكي عن بعضهم * (لأنه
منصوب للمصالح) * التي منها قبض نحو ذلك.
* (فإن كان له حمى أرسله فيه وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه) *
كما صرح به غير واحد، لكن الظاهر إرادة الجميع ما في التذكرة
والدروس من تقييد تركه في الحمى بما إذا رأى المصلحة في ذلك، وإلا
باعه - كما إذا لم يكن له حمى - بعد أن يصفها ويحفظ صفاتها، ولذا
استحسنه في جامع المقاصد والمسالك.
نعم قد يناقش في وجوب دفعه إلى الحاكم - بناء على ظهور عبارة
المتن ونحوها في ذلك - بأنه مع عدم اليأس من صاحبه مخاطب بالفحص،
ومكلف بالحفظ حتى يرده إليه، إذ هو مغصوب أو كالمغصوب بالنسبة
إلى ذلك، ومع اليأس له الصدقة به كغيره من مجهول المالك.
وولاية الحاكم عن صاحبه على وجه يكون كولاية الطفل لا دليل
عليها وإن قلنا بوجوب الحفظ عليه لو دفع إليه باعتبار كونه منصوبا
لأمثال هذه المصالح.
ومنه ينقدح الشك في براءة ذمته من الضمان لو دفعه إليه، بل يبقى
في ضمانه إلى أن يصل إلى يد المالك، فإن الحاكم على ما ذكرنا ولي حفظ
لا ولي قبض على وجه يحصل معه البراءة كالمالك أو وكيله، وإلا لوجب
دفعه إليه، وقد عرفت ما فيه. وقد تنبه لبعض ما ذكرناه المقدس
الأردبيلي.
223

اللهم إلا أن يقال: إن مراد الأصحاب جواز التسليم لا وجوبه،
ودعوى أنه متى جاز وجب لا حاصل لها هنا.
وكذا قد يناقش فيما قيل من أنه لو لم يجد الحاكم هل يجوز له
بيعه أم لا؟ الظاهر الثاني، وعلى تقدير عدم البيع يبقى في يده مضمونا
عليه إلى أن يجد المالك أو الحاكم، ويجب عليه الانفاق عليه، وفي رجوعه
به مع نيته وجهان، من دخوله على التعدي الموجب لعدم الرجوع،
ومن أمره بالانفاق شرعا حين يتعذر عليه أحد الأمرين، فلا يتعقب
الضمان.
إذ لا يخفى عليك ما في جواز بيعه أولا مع عدم الولاية له، بل
يده يد عدوان، وما في احتمال الرجوع بنفقته مع النية ثانيا، مع أن
ذلك واجب عليه وليس هو من الأمناء شرعا ولا مالكا والأمر الشرعي
مقدمة للحفظ الواجب عليه حتى يرده إلى مالكه. فمن الغريب تردد
بعضهم في الحكم من غير ترجيح.
وأغرب من ذلك ما في التذكرة من أن الأقرب الرجوع ثم قال:
" ولا يبعد من الصواب التفصيل، فإن كان قد نوى التملك قبل
التعريف أو بعده أنفق من ماله ولا رجوع، لأنه فعل ذلك لنفعه،
وإن نوى الحفظ دائما رجع مع الاشهاد إن تمكن وإلا فمع نيته ".
* (وكذا حكم الدابة) * التي هي الفرس في كلامهم بلا خلاف
أجده فيه، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، كما أشعر به بعض العبارات،
قيل لخبري مسمع (1) والسكوني (2) السابقين، بل والصحيح (3)
بناء على إرادة الضالة من المال فيه، بقرينة " قامت " ونحوه فيه.
وعلى كل حال فقد ألحق البغل في كشف الرموز والمسالك ومحكي

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4 - 2.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4 - 2.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4 - 2.
224

الخلاف والمبسوط، بل لعل لفظ الدابة في النصوص (1) المزبورة شامل
له ولغيره من ذات القوائم الأربع ولو المتعارف منها الذي يدخل هو
فيه، بل لو سلم إرادة خصوص الفرس منها فيها أمكن إلحاقه بها
أيضا، خصوصا بعد ملاحظة تحقق حكمة الجواز وعدمه أو علته المستفادة
من فحوى النصوص.
* (و) * كيف كان ففي جريان الحكم المزبور * (في البقرة والحمار
تردد) * ينشأ مما عرفت * (أظهره المساواة) * في الأول، وفاقا للشيخ
والآبي والفاضل والشهيدين والكركي والمقداد وظاهر الحلي على ما حكي
عن بعض * (لأن ذلك فهم من فحوى المنع من أخذ البعير) * باعتبار
استغنائه بالرعي والشرب، وكونه محفوظا من صغار السباع. نعم لو
فرض تحقق التلف لبعد الماء والكلأ على وجه لا يصل إليه ولا يهتدي
إليه لم يحرم الأخذ.
لكن في الكفاية قرب العدم، ولعله للفرق بينها وبين البعير والدابة،
باعتبار عدم العدو وعدم الامتناع عن الذئب ونحوه وعدم الصبر على
العطش كالبعير، ولعل ذلك ونحوه وجه التردد فيها.
وأولى من ذلك التردد في الثاني، وإن ألحقه الشيخ والفاضل والآبي
والكركي والمقداد وفاضل الرياض على ما حكي عن بعض بالبعير.
لكن في التحرير والمسالك والكفاية قد قرب الجواز، بل قيل: إنه يقتضيه
كلام الجماعة، إذ لا ريب في عدم امتناع الحمار من الذئب، ومن هنا
استوجه بعض الناس التفصيل بين الأرض ذات الذئاب وغيرها، فيؤخذ
في الأول دون الثانية.
بل قيل: إن الحمار شابه البعير في الصورة وفارقه في العلة، لأنه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة.
225

لا صبر له على الماء، وساوى الشاة في العلة لأنه لا يمتنع من الذئب،
وإلحاق الشئ بما ساواه في العلة وإن فارقه في الصورة أولى من العكس
وإن كان فيه ما لا يخفى.
هذا ولكن قد يقال: إنه لا دلالة في النصوص على عدم جواز
أخذ الدابة - فضلا عن غيرها - إذا كانت صحيحة وإن لم تكن في كلأ
ولا ماء بل لعل ظاهر بعض النصوص (1) خلافها، فلا وجه للالحاق
بالبعير الذي ورد فيه " لا تهجه " (2) و " خل عنه " (3) ونحو ذلك
وقياس غير البعير عليه خصوصا مثل البقرة والحمار كما ترى.
اللهم إلا أن يقال: إن صحيح الجميع بعد إمكان بقائه ولو بالنسبة
إلى حاله كصحيح البعير وإن اختلفا في الصبر ونحوه، فالمتجه جعل المدار
في الدواب المزبورة جميعها على وجود المعنى المستفاد من " خفه حذاؤه
وكرشه سقاؤه " (4) فيها، فلا يجوز التعرض لها، وعدمه فيجوز
التقاطها، ويجري عليه حكمها، لا أنها بقول مطلق، كالبعير المعلوم
تفاوت ما بينه وبين الجاموس مثلا والحمار في الصبر عن الماء وسرعة
العدو وغير ذلك كما هو واضح، بل التفاوت بينه وبين الفرس ظاهر في
ذلك وغيرها فضلا عن غير الفرس.
بل في التذكرة لاحظ الفحوى المزبورة في المال الصامت قال: " إن
الأحجار الكبار كأحجار الطواحين والحباب الكبيرة وقدور النحاس العظيمة
وشبهها مما ينحفظ بنفسه ملحقة بالإبل في تحريم أخذه، بل هو أولى منه،
لأن الإبل في معرض التلف، إما بالأسد أو بالجوع أو العطش أو غير
ذلك، وهذه بخلاف تلك، ولأن هذه الأشياء لا تكاد تضيع عن صاحبها
ولا تخرج من مكانها بخلاف الحيوان، فإذا حرم أخذ الحيوان فهذه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 7 - 1.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 7 - 1.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
(4) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
226

أولى، وكذا السفن المربوطة في الشرائع المعهودة لا يجوز أخذها، والأخشاب
الموضوعة على الأرض، أما السفن المحلولة الرباط السائرة في الفرات وشبهها
بغير ملاح فإنها إذا لم يعرف مالكها ".
قلت: هو لا يخلو من وجه، وإن كان يقوى أن جميع ما ذكره
مع فرض صدق اسم الضائع عليه ولو لنسيان مالكه أو غير ذلك لقطة،
إذ لا يعتبر في صدقه سقوطه من المالك، وقد سمعت سابقا جريان اسم
اللقطة على الدار في كلام بعض الأفاضل.
هذا وقد سمعت ما في النصوص (1) المزبورة من اعتبار الأمن،
لكن لم أجد تصريحا به من الأصحاب، ولعله لا يخلو من وجه، ضرورة
مراعاة مصلحة المالك في ذلك، ولا ريب في عدمها مع فرض الخوف
الذي لا تبقى معه البهيمة في مرعاها، فلا يبعد جواز أخذها حفظا لمالكها.
بل لا يبعد جواز التقاطها مع فرض صدق اسم الضياع عليها.
بل إن كان الخوف خوفا يخشى منه تلفها على وجه لا ينتفع بها
المالك كقتل أسد ونحوه يتأكد ذلك، إذ هي حينئذ كالشاة التي هي لك
أو لأخيك أو للذئب، فتأمل جيدا.
وكيف كان فقد ظهر لك الحال من ذلك كله في البعير وما ألحق
به إذا كان صحيحا أو في ماء وكلا.
* (أما لو ترك البعير من جهد في غير كلأ وماء جاز أخذه، لأنه
كالتالف، ويملكه (ملكه خ ل) الآخذ، ولا ضمان، لأنه كالمباح،
وكذا حكم الدابة والبقرة والحمار إذا ترك من جهد في غير كلأ وماء) *
بلا خلاف صريح أجده بين القدماء والمتأخرين إلا ما في الوسيلة.
قال: " وإن تركه صاحبه من جهد وكلال في غير كلأ وماء لم يجز أخذه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة.
227

بحال " ولعله لاطلاق الأدلة السابقة المقيد بما سمعته من النصوص (1)
اللاحقة، خصوصا صحيح ابن سنان (2) منها المشتمل على الفلاة المفسرة
بالأرض التي لا ماء فيها أو القفر المفسر بالخلاء من الأرض، كما فسر
المفازة بالقفر.
نعم قد يقال: إن ظاهر النص والفتوى في صورة الاعراض لا الضائع
في غير الكلأ والماء، وأما هو فلا يجوز أن يتملكه، بل يدفعه إلى
السلطان أو يستعين به في نفقته، فإن تعذر أنفق ورجع إذا نواه، وحينئذ
فالأقرب وجوب تعريفه سنة وجواز التملك بعد.
بل ربما كان في التذكرة بعض ذلك أيضا قال: " لو ترك دابة
بمهلكة فأخذها انسان فأطعمها وسقاها وخلصها تملكها، وبه قال الليث
والحسن بن صالح وأحمد وإسحاق إلا أن يكون تركها بنية العود إليها
وأخذها، أو كانت قد ضلت منه - إلى أن قال في الاستدلال على ذلك -:
لأن مالكه نبذه رغبة عنه وعجزا عن أخذه، فيملكه آخذه، كالساقط
من السنبل وسائر ما ينبذه الناس رغبة عنه وزهدا فيه ".
فإن قوله: " أو كانت قد ضلت " يدل على عدم جواز تملكها
باحيائها إذا كانت قد ضلت منه وإن وجدت في غير كلأ ولا ماء،
ولعله لأن النص (3) والفتوى بلفظ " ترك " الظاهر في غير الضائع.
نعم هي ظاهرة في كون المراد أن إحياء الحيوان الذي هو في غير
كلأ ولا ماء وقد أصابه الجهد والكلال سبب لتملك الحيوان المزبور،
سواء كان قد تركه أو أعرض، وإن كان ظاهر الصحيح (4) منها
التعرض لصورة الاعراض، إلا أنه غير مناف لغيره مما ذكره فيه الترك
الشامل له ولغيره مما يترك لحصول مزعج أو لأمر آخر من الأمور.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 4 - 2.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 4 - 2.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 4 - 2.
(4) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 4 - 2.
228

نعم في نسخة من الصحيح المزبور " نسيها " ولكن لا يناسب ما
فيه من كونه كالشئ المباح الظاهر في إعراض المالك وجعله كالمباح،
وإن كان قد يحتمل كون المراد كالمباح شرعا لا مالكا إلا أن الأول
أولى، لموافقته للنسخة المشهورة، نعم قوله (عليه السلام): " من
أصاب بعيرا في فلاة " قد يشعر بالالتقاط أو بما هو أعم منه.
بل أطلق في الدروس على الآخذ في مفروض المسألة اسم الملتقط،
كما أنه في التنقيح جعل الصور الأربعة من صور الالتقاط.
ولكن يمكن إرادتهما معا من الالتقاط مطلق الأخذ، لا المعروف
منه، خصوصا بعد اشتمال كلاميهما على ما هو كالصريح في عدم الالتقاط
المصطلح، كما أن المراد من الإصابة إصابة البعير الموصوف بما وصف
به المال.
إلا أن الانصاف مع ذلك كله وجود التشويش في كلامهم، ضرورة
أن معقد البحث في لقطة الحيوان التي لا تدخل فيها مسألة الاعراض
الذي لا يشترط فيه الشرطان المزبوران، ودعوى شهادة الحال بحصوله
معهما بخلاف الفاقد لهما ينافيهما اتحاد موضوع الترك المفروض في خبري
مسمع (1) والسكوني (2).
وأما الصحيح (3) المزبور فالمعروف من نسخته " سيبها " وهو
صريح في الاعراض الخارج عما نحن فيه، بل لا يناسبه البحث في الضمان
وعدمه الذي ذكر بعض الناس أن فيه قولين، ضرورة عدم الضمان معه
في التلف قطعا.
بل لا يناسبه الاشكال من العلامة في خصوص رد العين لو جاء
المالك، وذكر منشائه من الصحيح المزبور والاستصحاب ومما دل عليه

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4 - 2.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4 - 2.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4 - 2.
229

في نصوص اللقطة التي قد فرض البحث في غيرها، فكلامهم هنا غير
منقح، ولا يبعد أن يقال: إن الترك الموجب للتملك في خبري السكوني
ومسمع أعم من الاعراض.
إنما الكلام في شموله للقطة، وقد ذكرنا احتماله سابقا إلا أنه
لا ظن بإرادة الأصحاب ذلك حتى يكون جابرا، لأن تعبير المعظم
" لو تركه من جهد " ونحوه مما هو ظاهر في غير اللقطة. بل قد سمعت
تصريح الفاضل في التذكرة.
بل في الوسيلة أيضا مقابلة الضال للمتروك، وذكر الحكم لكل منها،
فلا يبعد حينئذ بقاء حكم الضال على التعريف ونحوه.
بل لعله كذلك أيضا لو كان ضالا صحيحا أو مجهودا في كلأ وماء،
ولكنه مشرف على التلف لا يبقى لصاحبه، نعم لو لم يكن ضالا لم يجز
توليه إلا من قاعدة الاحسان والحسبة إن قلنا بجوازهما لغير الحاكم، فتأمل
جيدا، فإن المسألة غير منقحة، ولكن ظني أن من أحاط بجميع ما
ذكرناه مع التأمل يقف فيها على حاصل.
وكذلك الكلام في المجهود في غير كلأ ولا ماء ولكن لا يستطيع
واجده إحياءه حتى يملكه به، ولم يكن الترك ترك إعراض، فإن تملكه
بأخذه حينئذ مشكل، كما يشكل تملك المتروك في كلأ وماء غير ضال
وكان مشرفا على الهلاك، أو كان صحيحا في غير كلأ وماء وصار
كذلك، فتأمل جيدا، فإنه مما ذكرنا يمكن معرفة جميع الصور في المسألة.
وأما اعتبار الأمرين في التملك ففي الرياض أن ظاهر الصحيح
كالعبارة ونحوها من عبائر جماعة وصريح آخرين اشتراطهما، أي الترك
في جهد وفي غير كلأ ولا ماء معا، فلو انتفى أحدهما بأن ترك من جهد
في كلأ وماء أو من غير جهد في غيرهما أو انتفى من كل منهما بأن ترك
230

من غير جهد فيهما لم يجز الأخذ، وعليه الاجماع في ظاهر التنقيح وصريح
الصيمري.
وربما يستفاد من بعض متأخري المتأخرين ما يعرب عن كفاية أحدهما
ولا ريب في ضعفه مع عدم وضوح دليله.
قلت: قد سمعت ما يعلم منه الحال في ذلك بناء على أن المسألة
من باب الاعراض وعلى غيره، كما أنك قد سمعت معقد إجماع الصيمري
سابقا.
وأما التنقيح فقد ذكرنا الصور الأربعة ونسب الرابعة إلى المشهور،
ثم حكى خلاف ابن حمزة فيها، وظاهره أن الثلاثة لا خلاف فيها.
كما أنه لم أعرف ما حكاه عن بعض متأخري المتأخرين المكتفي
بأحدهما، نعم قد سمعت معقد إجماع الصيمري الذي مقتضاه الاكتفاء
بالكلأ أو الماء.
وقد ذكرنا هناك أنه يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، ضرورة
عدم الفرق بين الأرض الفاقدة لهما معا وبين المشتملة على أحدهما خاصة،
بل والمشتملة عليهما مع عدم تمكن البعير - مثلا لمرضه - من الانتفاع بهما
أو بأحدهما وإن أطنب بعض الناس في ذلك وجعل لكل حكما، لكن
لا يخفى عليك ظهور النص والفتوى في إرادة ما يتحقق به التلف إن
لم يؤخذ.
وأما عدم الضمان فلا خلاف فيه ولا إشكال، ضرورة ظهور الأدلة
في تملكه المنافي للضمان معه، فما عن المفاتيح والرياض من أن في الضمان
هنا قولين في غير محله.
بل في التنقيح الاجماع عليه، قال: " لو أخذ الجائز أخذه فهو له،
ولا يجب عليه دفع القيمة مع التلف للمالك لو ظهر وإن أقام بينة وصدقه
231

الملتقط إجماعا ".
نعم في القواعد " في رد العين مع طلب المالك إشكال " بل في
الإيضاح أنه الأقوى.
ولكن لا يخفى عليك أنه الأصح عدم الرد، لأصالة بقاء الملك
المتفق على حصوله للآخذ، وإنما الكلام في انفساخه بالطلب المزبور.
مضافا إلى ظهور الصحيح (1) المزبور وغيره في الملك اللازم في
صورة الاعراض وغيره، وبه يخص قول أبي جعفر (عليه السلام) (2):
" من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه رده
إليه " بناء على شموله لمثل المقام، إذ أقصاه كون التعارض بينهما من
وجه، ولا ريب في أن الترجيح للأول من وجوه، منها: الاستصحاب،
ومنها: التشبيه بالمباح، ومنها: الصحة في السند، ومنها: استفادة
الملك الاحيائي وغير ذلك.
ثم إنه على القول برد العين فلا إشكال في عدم جواز المطالبة بما
حصل منها من النماء كالولد والصوف واللبن ونحوها مما هو نماء ملكه
وإن وجد عينه كما صرح به في التنقيح، لأنه إن كان له تسلط فعلي
فسخ العين خاصة، كالمبيع بالخيار.
وكيف كان فما نحن فيه غير مسألة اللقطة، إذ قد عرفت أن مضمون
النصوص المزبورة منه ما هو إعراض كالصحيح (3) المراد منه وصف
البعير بما وصف به غيره، ومنه الترك الذي هو أعم من الاعراض،
إلا أنه غير الضلال، ولعله لذا اتفقوا على عدم الضمان هنا إلا النادر
بخلافه في الشاة الضالة كما تسمعه إنشاء الله تعالى، هذا كله في الحيوان

(1) الوسائل - الباب 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
(2) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
(3) الوسائل - الباب 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
232

الممتنع عن صغار السباع.
* (و) * أما * (الشاة) * الضالة فلا خلاف في أنها * (إن وجدت
في الفلاة) * التي يخشى عليها فيها من التلف إن شاء * (أخذها الواجد،
لأنها لا تمتنع من صغير السباع فهي معرضة للتلف) * فكانت بحكم التالفة،
بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن المهذب البارع والمقتصر وغاية
المرام الاجماع عليه، بل عن ابن عبد البر إجماع العامة على أن ضالة الغنم
في الموضع المخوف له أكلها مضافا إلى ما سمعته من النصوص (1)
الصحيحة والحسنة.
* (و) * كذا لا خلاف أجده في أن * (الآخذ بالخيار إن شاء
ملكها ويضمن) * مطلقا حين النية على وجه يكون دينا من ديونه كما هو
المشهور، أو إذا جاء صاحبها وطالب، أو أنه يغرم له غرامة إذا جاء
وطالب * (على تردد) * وخلاف ستعرفه إنشاء الله تعالى * (وإن شاء
احتبسها أمانة في يده لصاحبها ولا ضمان، وإن شاء دفعها إلى الحاكم) *
الذي هو ولي الغائب ومنصوب للمصالح * (ل‍) * يفعل فيها ما يراه
من المصلحة بأن * (يحفظها أو بيعها ويوصل ثمنها إلى المالك) * وإن
نسبه بعض الناس إلى الأكثر مشعرا بالخلاف فيه، لكن لم أتحققه.
على أنه موافق للقواعد العامة في الأخيرين، ضرورة الاحسان إليه
والايصال إلى نائبه، وكون ذلك حكم مطلق اللقطة حتى الأول الذي
حكى الاجماع عليه في المحكي عن المهذب، قال: " يجوز تملكها في الحال
من غير تعريف باجماع العلماء " كالمحكي في التحرير من إجماعهم أيضا على
جواز أكلها في الحال.
نعم في المقنعة والنهاية ومحكي المراسم " أنه يأخذها، وهو ضامن

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة.
233

لقيمتها من غير تصريح بالمطالبة ولا بالملك " وعن المبسوط والسرائر
بل والوسيلة " له أن يأكلها على أن تكون القيمة في ذمته إذا جاء صاحبها
ردها إليه " وعن الإيضاح " أنه يغرم إذا وجد وطلب ".
ولعل مراد الجميع الملك أيضا لما سمعته من النصوص المقتضية له
من قول: " هي لك أو لأخيك أو للذئب " (1) مضافا إلى ما سمعته
من نصوص مطلق اللقطة (2).
وأما عدم الضمان عليه في الثاني والثالث فمع أنه مقتضى قاعدة الأمانة
والايصال إلى القواعد قد حكي عليه الاجماع هنا في الإيضاح والمسالك وغاية
المرام، لكن الظاهر اعتبار مصلحة المالك في ذلك، فمع فرض عدمها
يتجه بيعها وحفظ ثمنها، ويتولى الحاكم ذلك، لعدم ثبوت ولاية للملتقط
عليه، مع احتماله، بل جزم به في التحرير، لأنه أولى من أكلها.
وحيث تكون المصلحة في بقائها ينفق عليها بنية الرجوع إن شاء
مع تعذر الحاكم وإلا رفع أمره إليه على نحو ما سمعته في نفقة اللقيط،
لاحترام النفس في كل منهما.
هذا والأشهر بل المشهور الضمان في الأول، بل لم أجد مصرحا
بعدمه، بل ولا من يظهر منه ذلك عدا ما عن مقنع الصدوق ورسالة
والده من التعبير بمضمون النصوص (3) " إذا وجدت الشاة فخذها، فإنما
هي لك أو لأخيك أو للذئب.
وعن المقتصر أنه قواه، وفي الكفاية ولعله أقرب، لمكان اللام في
الروايات الصحيحة، ونحوه في المفاتيح، وقد سمعت ما عن الإيضاح

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 و 5 و 7.
234

من الغرامة إذا وجد وطلب، وعنه وعن أبي العباس أن الفرق بين الضمان
والغرامة الثبوت في الذمة في الأول قبل مجئ المالك ومطالبته، وأما الغرامة
فتطلق على معنى شامل لها وللضمان وعلى معنى خاص، وهو ما يتجدد
عند المطالبة، وتظهر الثمرة في وجوب الوصية به، وتعلقه بالتركة إن
لم يجئ المالك.
والحاصل أنه يكون مديونا على الأول، وعلى الغرامة تتوقف هذه الأحكام على مطالبته، فلو مات قبلها لم تجب في تركته، ولا يكون
مديونا.
وكأن الذي ألجأه إلى ذلك ظنه عدم اجتماع الضمان مع كون الشئ
مملوكا له، وتعليق الضمان في بعض النصوص (1) والفتاوى على مجئ
المالك ومطالبته مع أنه ليس من أسباب الضمان، فلا وجه حينئذ إلا
الغرامة.
وفيه أنه لا مانع من تملكه بقيمته، على معنى الولاية له على إدخاله
في ملكه بالنية على نحو ما يقع من الولي في مال المولى عليه، فيكون
حينئذ شبه القرض الذي يملك عينه بعوض في ذمته، بل هو كاد يكون
صريح ما ورد (2) في السفرة الملتقطة من الأمر بأكلها مقوما لها على نفسه.
ومن ذلك يظهر لك عدم المنافاة بين كونه ملكا له وانفساخه إذا
طلب المالك مع وجود العين، للنصوص (3) المصرحة بذلك، وإلا
فالقيمة في ذمته.
وربما احتمل انكشاف عدم التملك بمجئ الصاحب ومطالبته، لكنه
خلاف ظاهر النصوص والفتاوى، وعلى كل حال فلا منافاة.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
(2) الوسائل - الباب - 23 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
235

بل لا منافاة أيضا بين الضمان على الوجه المزبور وبين مفاد اللام في
قوله (صلى الله عليه وآله): " هي لك " كما أومأ إليه الصحيح المروي
عن قرب الإسناد (1) " عن رجل أصاب شاة في الصحراء هل تحل له؟
قال: قال رسول (صلى الله عليه وآله): هي لك أو لأخيك أو
للذئب، فخذها وعرفها حيث أصبتها، فإن عرفت فردها إلى صاحبها،
وإن لم تعرف فكلها وأنت لها ضامن إن جاء صاحبها يطلب ثمنها أن تردها ".
والظاهر إرادة ضمان ردها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها، فالشرط
للرد، لا لأصل الضمان حتى يكون من قبيل الغرامة.
بل الظاهر سوق الشرط المزبور مساق الغالب، لا أنه يراد منه
مفهومه فيقضى بعدم الرد إن لم يجئ المالك، مع احتماله في صحيح علي
ابن جعفر (2) عن أخيه موسى (عليه السلام) " سألته عن الرجل
يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يضع؟ قال: يعرفها سنة، فإن
لم تعرف جعلها في عرض ماله حتى يجئ طالبها فيعطيها إياه، وإن
مات أوصى بها، وهو لها ضامن ".
ولعل المراد منه ضمانها مع نية التملك لها أو التصرف بها. والمراد بالوصية
بها الوصية بقيمتها، نحو ما سمعته من قوله: " يردها " في الصحيح
الأول، فيكون حينئذ شاهدا أيضا لما عرفته من الضمان، وأنه على معنى شغل
الذمة به، نحو القرض. ولكن يؤديه للمالك إذا جاء، وإن آيس منه
كان له حكم مجهول المالك.
بل يمكن القطع بإرادة المعنى المزبور من الصحيح بملاحظة غيره من

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 7.
(2) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
236

نصوص اللقطة (1) المعبر فيه بنحو ذلك على إرادة المعنى الذي ذكرنا
كما لا يخفى على من لاحظها، فالمسألة حينئذ خالية عن الاشكال.
مضافا إلى ما قيل من أنه مال الغير، ولم يوجد دليل ناقل عن
ضمانه، وإنما المتفق عليه جواز التصرف فيه، فيبقى عموم " على اليد " (2)
ونصوص أدلة رد المال الملقوط إلى صاحبه، نحو " من وجد شيئا فهو
له، فليتمتع به حتى يجئ طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه بحاله " (3).
ولا ينافي ذلك قوله (صلى الله عليه وآله): " لك " (4) إلى آخره المراد
به الانتفاع به، نحو قوله (صلى الله عليه وآله): " للذئب " أو أنه ملك
غير مستقر ولا لازم، كسائر الأموال الملقوطة التي ورد فيها في الصحيح (5)
" فإن جاء له طالب وإلا فهي كسبيل مالك " مع الاجماع على وجوب
رده أو قيمته إلى مالكه.
بل لعل الشاة من المال الملقوط الذي هو معقد الاجماع وإن كان
ذلك كله أو أكثره محلا للنظر، إلا أن فيما تقدم الكفاية، سيما مع عدم
دليل معتد به على عدم الضمان، سوى الأصل المقطوع بما مر، وظهور
اللام في التمليك المنافي له الذي قد سبق جوابه، وصحيح ابن سنان (6)
المتقدم الذي هو في الاعراض.
وما في الرياض - من دفعه بعدم القول بالفرق بين الأصحاب -
واضح الفساد، ضرورة معلومية الفرق بين الاعراض وبين اللقطة، بل

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 0 - 1.
(2) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب الغصب - الحديث 4 وسنن البيهقي ج 6 ص 95.
(3) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
(4) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 0 - 1.
(6) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2.
237

وبينها وبين ملك المتروك من جهده في غير كلأ ولا ماء الذي هو غير
ضال.
ولذلك قد عرفت ندرة القول بالضمان فيه، بل حكي الاجماع على
عدمه، بخلاف المقام الذي إن لم يكن الاجماع على ضمانه، فلا ريب في
كونه المشهور، بل الاجماع محصل على وجوب رد ثمنه لو جاء المالك،
بخلاف الأول وإن تردد فيه العلامة، لكن قد عرفت ضعفه.
كما إنك قد عرفت ما يعلم منه ضعف الاستدلال بمفهوم صحيح
صفوان (1) السابق " من وجد ضالة فلم يعرفها فهي لربها " ضرورة
كونه بعد تسليم إرادة كونها لغير ربها بعد التعريف - مع أنه فاسد من
وجوه - لا ينافي كونه مضمونة عليه وإن صارت ملكا له، كما عرفته
مفصلا، بل الظاهر عدم جواز فسخه نفسه الملك بعد أن نواه بقيمته
وإرجاعه أمانة، لعدم الدليل القاطع للاستصحاب.
ثم إن الظاهر مما سمعته من النصوص (2) السابقة وجوب تعريفها،
بل في بعض (3) تعريف سنة، مضافا إلى قوله (عليه السلام) في خبر
المدائني (4): " لا يأكل الضالة إلا الضالون إذا لم يعرفوها " والشاة
أظهر أفرادها إن لم ينحصر المصداق فيها، كالدابة في الصحيح السابق (5)
الذي يمكن استفادة حكم الشاة منه، حتى إذا قلنا بكون المراد منها
غيرها، لعدم الفرق بين أفراد الضالة، بل لعل ذلك هو الأصل في
كل لقطة.
ولا ينافي ذلك تملكها في الحال والتصرف فيها باتلاف عينها، لأن

(1) الوسائل - الباب - 14 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 4 - 13.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 4 - 13.
(4) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 4 - 13.
(5) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 4 - 13.
238

ثمرة التعريف حينئذ غرامة القيمة، والأوصاف يمكن حفظها والشهادة
عليها.
ولعله لذلك وغيره جعل في التحرير الوجه وجوب التعريف كغيرها
وتبعه غير واحد ممن تأخر عنه.
لكن يحتمل في كلامه اختصاص ذلك بما إذا أراد حفظها لا الأعم
منه ومن التملك والتصرف فيها، إلا أنه خلاف الظاهر بل والدليل،
ضرورة أنه مقتضى الجمع بين ما دل على تعريفها وبين ما دل على التصرف
فيها والتملك في الحال من النص والاجماع.
هذا ولكن في جامع المقاصد " وهل يجب تعريف الشاة المأخوذة
من الفلاة؟ قال في التذكرة: الأقرب العدم، لظاهر قوله (صلى الله
عليه وآله): " هي لك " فإن المتبادر منه تملكها من غير تعريف،
وليس تقييده بالتعريف أولى من تقييد دليل التعريف بما عدا الشاة،
وهذا قوي متين ".
قلت: بل هو المحكي عن بعضهم في صغار الإبل، إلا أنه لا يخفى
عليك ما في الجمع بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم توقف التمليك عليه،
للاجماع في محكي المهذب وغيره الذي يشهد له التتبع.
ومن الغريب ما في الرياض من تحرير محل النزاع في التملك قبل
التعريف، قال: " وهل له التملك قبل التعريف سنة؟ قيل: لا،
للاستصحاب وعموم الأمر بالتعريف في اللقطات، وقوي جماعة العدم،
لاطلاق الصحاح بالملك من دون تقييد له به مع ورودها في مقام الحاجة،
وبه يخص عموم الأمر المتقدم مع الاستصحاب، مع أنه لا عموم له، بل
غايته الاطلاق الغير المنصرف بحكم التبادر وسياق جل من النصوص المشتملة
عليه إلا إلى لقطة الأموال غير الضوال " إلى آخر ما ذكره.
239

وفيه ما عرفت من الاجماع بقسميه على التملك والتصرف فيها
في الحال.
وخبر قرب (1) الاسناد مع أنه ظاهر في غير تعريف اللقطة الذي
لا يختص بموضع الالتقاط المفروض كونه في موضع البحث الفلاة -
محمول على ضرب من الندب والاحتياط وكذلك الصحيح الآخر (2)
لمعارضتهما بما هو أقوى منهما من اجماعي المهذب والتحرير المؤيدين بالتتبع
لكلام الأصحاب وبظهور قوله (صلى الله عليه وآله): " هي لك "
ونحوه وظهور قولهم بالتخيير حين الالتقاط، لا بعد تعريف سنة المقتضي
لكون الشاة كغيرها من المال الصامت، فلا ينبغي أن يجعل قسما مستقلا
عنه، على أنه مناف لمصلحة المالك لو أراد الانفاق عليها والرجوع عليه،
فإنه قد يستغرق أضعاف قيمتها، والله العالم.
* (و) * كيف كان فالمشهور كما في المسالك وغيرها أن * (في
حكمها) * أي الشاة * (كل ما لا يمتنع من صغير السباع كأطفال الإبل
والبقر والخيل والحمير) * وغيرها حتى الدجاج والإوز، بل عن التذكرة
نسبته إلى علمائنا، وإن كان ما عثرنا عليه من عبارتها ليس بتلك الصراحة،
لكن يؤيده أن أساطين الأصحاب كالشيخ وسلار والحلي والفاضلين والشهيدين
قد صرحوا بذلك.
نعم جزم بالعدم في الكفاية والمفاتيح، وعن الآبي وأبي العباس
الاقتصار على جواز الأخذ، بل قال ثاني الشهيدين والمقدس الأردبيلي
والخراساني: إن الالحاق قياس.
ولكن فيه واضح، ضرورة ظهور قوله (صلى الله عليه وآله) (3):

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 7 - 5.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 13.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 7 - 5.
240

" خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه " مع قوله (صلى الله عليه وآله): " هي لك
أو لأخيك أو للذئب " في كون المدار على الامتناع والاستغناء حتى يأتي
صاحبه وعدمهما، فليس هو قياسا ممنوعا.
ولعله مما عرفت قال المصنف: * (على تردد) * خصوصا بعد معلومية
مذهبه من عدم حجية منصوص العلة، فلا يلحق حينئذ، ويكون حكمه
حكم لقطة المال الصامت، ولم نره لأحد ممن تقدمه، نعم تبعه عليه بعض
من تأخر عنه.
والتحقيق خلافه في المقام، خصوصا بعد اعتضاد ذلك بفتوى المعظم،
وخصوصا بعد اعتباره الفحوى المزبورة في الدابة وغيرها.
بقي شئ: وهو أنه في الإرشاد بعد أن ذكر الشاة كما ذكر الأصحاب
وألحق بها صغار الممتنعات قال: " ولو أخذ غير الممتنع في الفلاة استعان
بالسلطان، فإن تعذر أنفق ورجع مع نيته على رأي ".
ومقتضاه أنه قسم آخر غير الشاة وما ألحق بها، ولم نعرفه لغيره
كما اعترف به شارحه المقدس الأردبيلي. وعن بعض المحشين تفسيره بنحو
البعير المريض والأعرج لكن صاحبه لم يتركه بل ضل عنه.
وفيه أن ذلك بحكم الشاة أيضا مع فرض عدم امتناعه كما أوضحناه
سابقا، والله العالم.
* (ولا يؤخذ الغزلان واليحامير) * وما شابهها * (إذا ملكا ثم
ضلا) * بلا خلاف أجده فيه * (التفاتا إلى عصمة مال المسلم، ولأنهما
يمتنعان عن السباع بسرعة العدو) * ويستغنيان بالرعي في الفلاة، فأشبهت
البعير الذي خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه في ذلك، فألحقت بالحكم، للفحوى
المزبورة التي ألحق بها غير ذلك مما عرفت من الدواب.
نعم قيده الفاضل في التذكرة بما إذا لم يخف الواجد لها عجز مالكها
241

عن استرجاعها أو ضياعها عن مالكها وإلا جاز التقاطها، معللا له بأن
تركه أضيع له منه، والمقصود حفظها لصاحبها لا حفظها في نفسها،
وإلا لم يجز التقاط الدينار مثلا، فإنه محفوظ حيث كان.
ومقتضاه حينئذ جواز التقاط البعير الضال إذا خيف تلفه على مالكه
وإن كان صحيحا أو في كلأ وماء مجهودا، فضلا عما إذا تحقق التلف
عليه لو بقي، كما أومأنا إليه سابقا.
لكن في الدروس اقتصر على الأخير، قال: " ولا يجوز التقاط
الممتنع بعدوه كالظباء والطيور، سواء كانت في الصحراء أو العمران،
إلا أن يخاف ضياعها، فالأقرب الجواز، لأن الغرض حفظها لمالكها
لا حفظها في نفسها، وإلا لما جاز التقاط الأثمان، لأنها محفوظة في نفسها
حيث كانت، وينسحب الاحتمال في الضوال الممتنعة، كالإبل وغيرها،
وجوز الفاضل التقاط ذلك كله بنية الحفظ، وحمل الأخبار الناهية عن
ذلك على الأخذ بنية التملك، وفي المبسوط جعل الأخذ للحفظ من وظائف
الحكام، وعلى الجواز فالظاهر أنه يرجع بالنفقة إذا نوى الرجوع وتعذر
الحاكم، وحينئذ الأقرب وجوب تعريفه سنة وجواز التملك بعده وهو
ظاهر ابن إدريس والمحقق، ولم أقف على قول بالمنع من التعريف والتملك،
وعلى هذا يتجه جواز الأخذ إذا كان بنية التعريف والتملك بعد الحول،
ويحرم إذا كان بنية التملك في الحال، وعن علي (عليه السلام) (1)
في واجد الضالة إن نوى الآخذ الجعل فنفقت ضمنها، وإلا فلا ضمان
عليه، وفيه دليل جواز أخذها، وقال الفاضل بجواز أخذ الآبق
لمن وجده، ولا نعلم فيه خلافا، ولا يضمن لو تلف بغير تفريط،
ومنع من تملكه بعد التعريف، لأنه يتحفظ بنفسه كضوال الإبل، وفيه

(1) الوسائل - الباب - 19 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
242

إشعار بعدم جواز تملك الضالة، وهو حسن في موضع المنع من أخذها "
إلى آخره.
ونقلناه بطوله لاشتماله على ما هو محل للنظر، كما ستعرف.
قال في التذكرة: " الأقرب عندي أنه يجوز لكل أحد أخذا لضالة،
صغيرة كانت أو كبيرة، ممتنعة عن السباع أو غير ممتنعة بقصد الحفظ
لمالكها، والأحاديث الواردة في النهي عن ذلك محمولة على ما إذا نوى
بالالتقاط التملك إما قبل التعريف أو بعده، أما مع نية الاحتفاظ فالأولى
الجواز، كما أنه لا يجوز للإمام (ع) ولا لنائبه أخذ ما لا يجوز أخذه على
وجه التملك ".
وهو كالصريح في خلاف ما فرعه عليه في الدروس من التفصيل
بين نية التملك في الحال أو بعد التعريف، بل هو ظاهر في أن ذلك
قسم آخر غير الالتقاط، وهو الاستيلاء على مال الغير بقصد الحفظ.
ولعل هذا هو الذي قوى في محكي المبسوط والسرائر عدم جوازه
لغير الإمام (عليه السلام) ونائبه، بل لعله لا يخلو من قوة، لأنه المتيقن
مما دل في الشرع على كونه ولي الحفظ عن الغائب دون غيره، وآية
الاحسان (1) لو أخذ بظاهرها لاقتضت فقها جديدا لا ينطبق على مذهب
الإمامية، فالمتجه جعل الميزان لها ما اعتضد بفتوى الأصحاب، وعلى
تقدير الجواز فهو أمر آخر غير اللقطة لا تعريف له ولا تملك بعده
ولا قبله.
ومنه يعلم ما في تفريعه وما في حكايته عن ظاهر ابن إدريس والمحقق،
وأنه لم يقف على قول بالمنع من التعريف والتملك، مع أن الفاضل في
التحرير قال: " لو وجدها في موضع يخاف عليها منه مثل أن يجدها في

(1) سورة النحل: 16 - الآية 90.
243

أرض مسبعة يغلب على ظنه افتراس الأسد لها إن تركها على حالها أو
قريبا من دار الحرب يخاف عليها منهم أو في برية لا ماء لها ولا مرعى
فالوجه جواز أخذها للحفظ ولا ضمان، فإذا حصلت في يده دفعها إلى
الإمام (عليه الاسلام) ونائبه، ولا يملكها بالتعريف، نعم ورد الشرع
بذلك فيها " إلى آخره. وإن كان هو لا يخلو من نظر أشرنا إليه سابقا،
وهو قوة جريان حكم الالتقاط عليها، لفحوى ما هو كالتعليل للمنع في
البعير المقتضي لجواز الالتقاط مع انتفائه، فيجري عليه حينئذ حكم لقطة
الضال الذي عرفته في الشاة.
ومنه يعلم ما في الدروس من النظر في التفصيل المزبور إن كان مراده
في هذا القسم، ضرورة كونه حينئذ من لقطة الضال الجائزة كالشاة وما
ألحق بها، وقد عرفت أن له تملكها والتصرف فيها في الحال وإن وجب
التعريف كما سمعته مفصلا.
وأما ما رواه (1) عن علي (عليه السلام) فقد عرفت عدم عامل
به ليكون جابرا له.
وأما ما دل عليه من جواز الأخذ فهو مفروغ منه في غير مقام
المنع الذي قد عرفته مفصلا.
كما أن ما ذكره في الآبق لا مدخلية له في الالتقاط، ضرورة عدم
ضياعه، وإنما هو هارب عن سيده وجواز أخذه وعدم ضمانه قد استفيدا
من النصوص التي لا مدخل لها هنا. وكذا الجعل عليه كما قدمناه في محله،
فأي مدخلية للتعريف فيه.
فتلخص من ذلك كله أنه لا إشكال في عدم جواز التقاط ما دل
على المنع كالبعير وما ألحق به في الحالين السابقين.

(1) الوسائل - الباب - 19 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
244

وهل يجوز فيهما أخذه لا بعنوان الالتقاط؟ الأقوى عدم جوازه،
لاطلاق أدلة المنع من النهي عن الهيجان (1) والأمر بالتخلية عنه (2)
وعلى تقديره فليس لقطة قطعا، نعم لو فرض كونه بحال لا يبقى لصاحبه
ولا يجديه خفه وحذاؤه زائدا على الاحتمال المتعارف في المال الضائع لم يبعد
جواز التقاطه وجريان حكم اللقطة عليه، وهو ما سمعته في الشاة، لمفهوم
فحوى التعليل.
ومنه يعلم صحة تقييد الفاضل موضوع مسألة المقام بالوجهين،
ولعل اقتصاره في الدروس على الأخير منهما للاكتفاء به مثالا لا لإرادة
خصوصه.
هذا كله في الضالة في الفلاة التي قد سمعت بعض الكلام في تفسيرها.
وفي التنقيح " ما ليس بعامر، أي الذي فيه قرى مسكونة أو أهل طنب
قاطنون ".
وفي جامع المقاصد " العمران ما بين البيوت سواء كانت بيوت أهل
الأمصار والقرى وأهل البادية - إلى أن قال -: وأهل المزارع والبساتين
المتصلة بالبلد، ولا تنفك غالبا من الناس من العمران، وحينئذ فالفلاة
ما عداه ".
وفي الوسيلة ومحكي المبسوط إلحاق ما يتصل بالعمران بنصف فرسخ
به في الحكم.
وعن الصحاح والقاموس ومجمع البحرين الخراب ضد العمران،
. والعمارة ضد الخراب، وأن المعمور هو المأهول.
وحينئذ فالمراد بالفلاة المقابلة به هو غير المأهول، ولذا قابلها

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 5.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 5.
245

المصنف بقوله * (ولو وجد الضوال في العمران) * الذي هو المأهول
- ومرجعه إلى العرف لا إلى نصف فرسخ، فإنه ربما يكون كذلك وربما
يكون أزيد أو أنقص. وبالجملة هي ليست في فلاة يخشى عليها التلف
من صغار السباع، بل هي مأمونة من هذه الجهة فمتى كانت كذلك -
* (لم يحل أخذها ممتنعة كانت كالإبل أو لم تكن كالصغير من الإبل
والبقر) * كما في المتن وغيره.
بل حكى غير واحد الشهرة عليه، بل عن التذكرة نفي الخلاف
فيه إلا مع خوف التلف والنهب.
بل ينبغي القطع به في الممتنع، ضرورة أولويته من الفلاة الممنوع
إهاجته فيها، ولذا نفى الشبهة فيه في المسالك.
أما غير الممتنع فهو محفوظ لمالكه، لأن الفرض عدم الأمن عليه
فيها، بل لعل قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " خفه حذاؤه " - إلى
آخره - الذي هو تعليل لعدم الجواز أو كالتعليل يقتضي ذلك أيضا.
مضافا إلى إشعار قوله (صلى الله عليه وآله) (2): " لك أو لأخيك
أو للذئب " به أيضا، ضرورة عدم الذئب غالبا في العمران، بل وإلى
أصالة عدم جواز الاستيلاء على مال الغير الذي لا يقطعه استفادة الإذن
من نصوص اللقطة المنصرفة لغير الضالة.
وأما قوله (عليه السلام) (3): " الضوال لا يأكلها إلا الضالون
إذا لم يعرفوها " فليس مساقا لبيان جواز التقاط كل ضالة، فيمكن
كون المراد منه بيان حكم جواز ما يلتقط منها.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 4.
246

وكذا صحيح صفوان (1) وصحيح علي بن جعفر (2) المتقدمان
سابقا المشتملان على بيان وجوب تعريف الضالة، لا على بيان جواز
التقاط كل ضالة في عمران وغيره.
بل وكذا خبر البزنطي (3) " سألت أبا الحسن (عليه السلام)
عن الرجل يصيد الطير الذي يسوى دراهم كثيرة وهو مستوي الجناحين
وهو يعرف صاحبه أيحل له إمساكه؟ قال إذا عرف صاحبه رده
عليه، وإن يكن يعرفه وملك جناحه فهو له، وإن جاءه طالب لا يتهمه
رده عليه ".
بل هو ظاهر في الحكم بكون الصيد مباحا مع عدم معرفة مالك له،
فلا لقطة فيه أصلا.
وحينئذ فما في محكي المبسوط - من أنه إذا كان في العمران وما
يتصل به إلى نصف فرسخ أو أقل له أخذه سواء كان ممتنعة أو غير ممتنع
ومثله في الوسيلة - لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي
منه يفهم ما عساه يستدل به له، وقد عرفت جوابه.
وحينئذ فالمتجه على هذا ضمان الآخذ له، وعدم الرجوع بالنفقة
على نحو ما سمعته فيمن أخذ البعير الضال، حيث لا يجوز له أخذه،
إذ هو كالغاصب، لعدم الإذن الشرعية والمالكية، فلا يجري عليه حكم
الالتقاط
لكن في المسالك بعد أن جزم بعدم جواز أخذ غير الشاة قال:
" يجب مع أخذه كذلك تعريفه سنة، كغيره من الأموال عملا بالعموم

(1) الوسائل - الباب - 14 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 13.
(3) الوسائل - الباب - 15 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
247

ويحفظه لمالكه أو يدفعه إلى الحاكم من غير تعريف ".
وفيه أن أدلة التعريف في غير المفروض الذي هو مغصوب أو
كالمغصوب، سيما بعد كون التعريف مقدمة لجواز تملكه المعلوم عدمه
هنا، ولذا لم أجد أحدا ذكره في من التقط البعير وما ألحق به مما
عرفت عدم جواز التقاطه.
نعم يتجه جريان حكم الضالة عليها في صورة الجواز التي أشار
إليها الفاضل في التذكرة، وهي حالة الخوف عليها من التلف زائدا
على احتماله في اللقطة من حيث كونها كذلك، لحصول ما يقتضي ذلك
من مرض أو غيره، فإنه حينئذ يجوز التقاطها، نحو ما سمعته في البعير
لفحوى قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " خفه حذاؤه " إلى آخره
وقوله (صلى الله عليه وآله) (2): " لك أو لأخيك أو للذئب ".
والظاهر حينئذ تخييره بين الأمور الثلاثة المتقدمة في التقاط الشاة
في الفلاة، ويجب التعريف وأن تصرف فيها في الحال، كما سمعته هناك.
ومن ذلك يعلم ما في دعوى جواز أخذه في الفرض من كونه على
وجه الحسبة، ضرورة أنك قد عرفت كونه لقطة لا حسبة، نعم أخذه
في مقام المنع بنية الحفظ إن قلنا بجوازه فيها كذلك، لكن قد عرفت
أن الأقوى عدم جوازه لغير الحاكم، وعلى تقديره فلا يجري عليه شئ
من حكم اللقطة، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.
* (و) * من ذلك - مضافا إلى ما تقدم فيمن أخذ البعير حيث
لا يجوز أخذه - يظهر لك أنه * (لو أخذها) * أي الضوال في العمران
* (كان بالخيار بين إمساكها لصاحبها أمانة) * مضمونة * (وعليه نفقتها
من غير رجوع بها) * نحو العين المغصوبة * (وبين دفعها إلى الحاكم) *

(1) الوسائل - الباب 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
(2) الوسائل - الباب 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
248

الذي هو ولي الحفظ للغائب، كما صرح به الفاضل وأبو العباس
وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، وهو شاهد على ما
ذكرناه سابقا من عدم وجوب الدفع إلى الحاكم على من أخذ البعير في مقام
المنع وإن كان ظاهرهم هناك ذلك.
وربما علل بأنه ولي، وفيه ما عرفت من أنه يجوز له تولي حفظ
مال الغائب لا ولي ذاته.
ومن هنا يتجه عدم وجوب القبول عليه، خصوصا إذا لم تكن
مصلحة للغائب في ذلك باعتبار تعلق خطاب الرد بالآخذ، وربما احتاج
إلى مؤونة وخطاب الانفاق وغير ذلك مما يكون قيام الآخذ به مصلحة
للغائب اللهم إلا أن يفرض المصلحة للغائب بقبض المال من الآخذ
وتكليفه بالأحكام المزبورة.
ثم إن قول المصنف كالتذكرة وغيرها: " أمانة " قد يشعر بعدم
الضمان، وفيه منع واضح، بعد اتفاقهم عليه في من أخذ البعير في صورة
المنع، على أنه مقتضى عموم " على اليد " (1) وغيره.
بل قد ذكرنا هنا قوة احتمال عدم براءته منه مع التسليم للحاكم الذي
هو ولي الحفظ وإن كان ظاهرهم هناك ذلك.
بل لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في المتن * (و) * التحرير
من أنه * (لو لم يجد حاكما أنفق ورجع بالنفقة) * وإن علل بأنه حينئذ
محسن. وقد تعذر عليه المالك ووليه، فصار مأمورا من الشارع الذي به
يزول التبرع.
ولكن فيه أنه غاصب لا محسن مكلف بالحفظ الذي يتوقف على
الانفاق.

(1) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب الغصب - الحديث 4 وسنن البيهقي ج 6 ص 95.
249

بل في المسالك " يرد مثله في النفقة قبل الوصول إلى الحاكم والمالك،
فإنه مأمور بها أيضا شرعا وجانب العدوان مشترك " إلى آخره.
وقوله في الوسيلة ومحكي المبسوط: " هو بالخيار بين أن ينفق عليها
تبرعا أو يرفع خبرها إلى الحاكم " مع أنه غير ما نحن فيه مبني على ما
ذهبنا إليه من جواز الالتقاط، فيتجه فيه حينئذ نحو ما سمعته منهم في
نفقة اللقيط.
وكذا ما في النهاية " من وجد شيئا مما يحتاج إلى النفقة عليه فسبيله
أن يرفع خبره إلى السلطان لينفق عليه من بيت المال، فإن لم يجد وأنفق
هو عليه كان له الرجوع على صاحبه بما أنفق هو عليه ". ونحوه في المقنعة
فإنه إن لم يفرض في مقام الجواز كانا مطالبين بدليله، بل الأدلة على
خلافه.
بل قد عرفت في اللقيط ما يعلم منه النظر في اعتبار الرفع إلى الحاكم
في الرجوع، خصوصا بعد عدم جواز الانفاق عليه من بيت المال المعد
للمصالح التي ليس منها ذلك بعد أن كانت النفقة على المالك، فلاحظ
وتأمل جيدا كي تعرف ضعف ما حكيناه هناك عن ابن إدريس من عدم
الرجوع بالنفقة في صورة الجواز وتعذر الحاكم، وستسمع مثله فيما يأتي.
لكنه على كل حال هو غير ما نحن فيه من عدم جواز الالتقاط كما
ستعرف إنشاء الله تعالى.
وليس في الدروس هنا بعد أن ذكر حكم الشاة في العمران إلا قوله:
" وهل يلحق بها غيرها؟ قال في المبسوط: ما كان في العمران وما
يتصل به على نصف فرسخ من الحيوان يجوز أخذه ممتنعا أو لا، ويتخير
الآخذ بين الانفاق تطوعا أو الدفع إلى الحاكم، وليس له أكلها، ومنع
الفاضل من أخذها في العمران عدا الشاة، إلا أن يخاف عليه النهب أو
250

التلف وقال في النهاية: إذا أخذ شيئا يحتاج إلى النفقة رفع خبره إلى
السلطان لينفق عليه من بيت المال، فإن تعذر أنفق ورجع، وإن كان
له ظهر أو در أو خدمة كان بإزاء ما أنفق، وأنكر ابن إدريس رجوعه
إذا كان النفقة في الحول لتبرعه، وجوز الفاضلان الرجوع، وأوجبا
المقاصة " إلى آخره.
ولم يختر شيئا فيما نحن فيه وإن حكي عنه ذلك، نعم كلامه غير
محرر، حيث إنه لم يفرق بين ما جاز التقاطه ولم يجز، كما سمعت
الكلام فيه، وما حكاه عن ابن إدريس وغيره إنما هو في الجائز مطلقا،
هذا كله في غير الشاة.
وأما إن كان الضال في العمران شاة ففي خبر ابن أبي يعفور (1) عن
الصادق (عليه السلام) قال: " جاء رجل من أهل المدينة فسألني عن
رجل أصاب شاة قال: فأمرته أن يحبسها عنده ثلاثة أيام ويسأل عن
صاحبها، فإن جاء صاحبها وإلا باعها وتصدق بثمنها " وإليه أشار
المصنف بقوله * (وإن كان شاة حبسها ثلاثة أيام، فإن لم يأت صاحبها
باعها الواجد وتصدق بثمنها) *.
وهو وإن كان ضعيفا وغير خاص بالعمران إلا أنه منجبر بفتوى
الأساطين كالشيخ والحلي الذي لا يعمل إلا بالقطعيات والفاضلين والفخر
والشهيدين وأبي العباس والمقداد والكركي على ما حكي عن بعض، بل
نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل إلى الأصحاب مشعرا بالاجماع.
بل في الرياض " قد حمله الأصحاب على المأخوذ من العمران "
وظاهرهم الاطباق على العمل بها، وإطلاقه مقيد بالنصوص المعتبرة المشتملة
على حكمها في الفلاة المقابلة للعمران، فتعين المراد بها فيه، كما هو واضح.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 6.
251

فوسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه حينئذ في غير محلها، بل
الظاهر؟ عدم اعتبار الحاكم وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد، إلا أن
النص؟ والفتوى خاليان عن ذلك، واحتمال أن ما وقع من الصادق (عليه
السلام) من الإذن خلاف الظاهر.
نعم الظاهر وجوب البيع إذا أراد حفظها، وعدم وجوب
التصدق؟ بثمنها لو أراد حفظه لصاحبه فرارا من الضمان الذي صرح به
الفاضل وأبو العباس والمقداد وثاني الشهيدين وغيرهم على ما حكي عن
بعضهم وإن تردد فيه في الكفاية.
لكن فيه أنه لا إشعار في الخبر المزبور ولا في الفتاوى بجواز الأخذ
فبقي حينئذ على الحرمة، كما صرح به الفاضل وغيره.
وحينئذ فالعين في ضمانه على تقديري البيع وعدمه، وإن كان ضمانه
الثمن؟ مع فرض عدم إجازة المالك الصدقة، وإلا فمع رضاه بها لا ضمان،
كما صرح به غير واحد، منهم الشهيد في الدروس.
لكن قال فيها متصلا بذلك " وهل له تملكها مع الضمان؟ جوزه
ابن؟ إدريس وله إبقاؤها بغير بيع، فيكون أمانة وكذا ثمنها ".
وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من كونه عاديا لا يجوز له الأخذ.
وكذا ما في القواعد من الصدقة بالثمن مع ضمانه، أو حفظه ولا
ضمان؟ وإن حكي أيضا عن أبي العباس وثاني الشهيدين، لأن البيع جائز،
فيكون؟ مأذونا شرعا في قبض الثمن.
ولكن فيه أن جواز البيع لا ينافي حرمة الأخذ التي هي السبب في
الضمان؟، نعم لو قلنا جواز الأخذ اتجه عدم الضمان للعين وللثمن مع عدم
التصرف؟ به.
وعلى كل حال فلا وجه للتعريف، لعدم تناول أدلة التعريف لمثلها
252

كغيرها من اللقطة الغير الجائزة، وعلى تقديره فظاهر الخبر (1) المزبور
كون التعريف على الوجه المذكور
فما عن أبي العباس من التعريف طول الحول في غير محله وإن قال
ليس له تملكه بعد الحول، بل وكذا ما في القواعد من أن في الصدقة
بعينها أو قبل الحول إشكالا، بل عن الفخر وأبي العباس اختيار عدم
الصدقة بعينها وقوفا على النص.
ولكن الذي يقوي الجواز، لعدم ظهور الفرق خصوصا مع عدم
وجود المشتري.
وأما الصدقة بالثمن قبل الحول فإن كان مراده هل يجوز بيعها قبل
الحول والتصدق بثمنها أو يجب تعريفها سنة ثم يبيعها ويتصدق بثمنها
فلا ريب في أن الأصح الأول، ضرورة عدم إشارة في النص والفتوى
إلى التعريف المزبور، بل ظاهرهما أو صريحهما خلافه، وخصوصا بعد
أن قلنا بعدم جواز الالتقاط، فلا يجري عليه حكمه. واحتمال أنه وإن
كان محرما يجري عليه حكمه، لاطلاق ما دل عليه يدفعه منع شمول
الاطلاق للغرض كما لا يخفى على من لاحظه.
وكذا إن كان المراد هل تجوز الصدقة بالثمن قبل التعريف حولا،
لعين ما عرفته أيضا، بل لو كان مشروطا بالتعريف حولا كان تركه في
النص المزبور كتأخير البيان عن وقت الحاجة.
ودعوى أنه أقرب إلى وصول المال إلى مستحقه وإلى الاحتياط
يدفعها أنها كالاجتهاد في مقابلة النص، وكذا دعوى وجوبه لو أراد
بقاءها عنده كما عن أبي العباس.
نعم ظاهر قوله (عليه السلام) (2) فيه: " ويسأل عن صاحبها "

(1) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 6.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 6.
253

وجوب التعريف ثلاثة أيام، مع أنه ربما يظهر من الأكثر عدم وجوبه
أيضا، وعلى تقدير التعريف فالظاهر ضمان العين عليه، لأن يده عادية.
فما في التحرير والمسالك والروضة ومحكي المهذب والمقتصر من كونها
أمانة في غير محله، وليس له التملك بعده لما عرفت.
ثم إن الضالة حيث يجب تعريفها يعتبر فيها زيادة قيمتها على الدرهم
وإلا لم يجب، أو يجب التعريف مطلقا؟ قد استظهر بعض الناس الثاني
ويأتي إنشاء الله تعالى ما يعرف منه حقيقة الحال، والله العالم.
* (و) * كيف كان فظاهر المبسوط أنه * (يجوز التقاط كلب
الصيد، ويلزم تعريفه سنة ثم ينتفع به إذا شاء، ويضمن قيمته) * قال
فيه: " إذا وجد رجل كلبا فإنه يعرفه سنة، فإن لم يجئ صاحبه بعد
السنة فله أن يصطاد به، فإن تلف في يده ضمنه، لأن كلب الصيد
له قيمة " فإن الإذن في الانتفاع مع ضمانه دليل على جوازه، وإلا كان
عاديا لا يجوز له التملك مع الضمان.
كما أن قوله " لأن له قيمة " يقتضي عدم الفرق بينه وبين غيره
من الكلاب وإن كان هو متفقا على جواز بيعه المقتضي لكونه مالا بخلاف
غيره، كما تقدم الكلام فيه في محله.
ومن هنا قال الفاضل في قواعده: " يجوز التقاط الكلاب المملوكة
ويلزم تعريفها سنة ثم ينتفع به إن شاء، ويضمن القيمة السوقية ".
نعم قد يناقش فيه بأن المتجه عدم جواز التقاطه في الفلاة فضلا
عن العمران، لكونه من الممتنع المستفاد من الفحوى المزبورة، بل هو
أولى من غيره بذلك. ولعله لذا منعه في التذكرة والتحرير.
اللهم إلا أن يفرض تحقق تلفه أو خوفه زائدا على الاحتمال الحاصل
في الضائع من حيث كونه كذلك، فيجوز حينئذ التقاطه كما احتمله في
254

الدروس، للفحوى المزبورة أيضا، بل يتجه جريان حكم الشاة فيها كما
عرفت الكلام فيه مفصلا، والله العالم.
* (الثاني في الواجد) *
* (ويصح أخذ الضالة) * في مقام الجواز * (لكل بالغ عاقل) *
حر مسلم عدل إجماعا أو ضرورة.
* (أما الصبي والمجنون فقطع الشيخ (رحمه الله) فيهما بالجواز) *
أيضا في لقطة المال الذي هو كالضالة * (لأنه) * على كل حال
* (اكتساب) * يصح؟ وقوعه منهما. * (و) * لكن * (ينتزع ذلك
الولي) * منهما كغيره مما هو في أيديهما من المال * (ويتولى) * هو
* (التعريف عنهما سنة) * إذ لا وجه لتأخيره إلى البلوغ والإفاقة،
لاقتضائه ضياع المال على مالكه بعد معلومية عدم اعتبار المباشرة منه، ولأنه
من توابع اكتسابهما.
* (فإن لم يأت مالك ف‍) * - في القواعد " تخير مع الغبطة في
إبقائها أمانة وتملكه مع التضمين " ولم أجده لغيره، فيمكن تنزيله على
ما لا ينافي المشهور من أنه * (إن كان الغبطة) * لهما * (في تملكه
وتضمينه إياها فعل) * ذلك الولي * (وإلا أبقاها أمانة) * وهو يتولى
حفظها أو يدفعها إلى الحاكم.
وعلى كل حال فلا خلاف أجده في شئ من ذلك وإن كان نسبة
جواز التقاطهما إلى الأكثر في المسالك وغيرها مشعرا به، نعم قد تشعر
نسبته في المتن إلى الشيخ بذلك.
255

فما في المفاتيح من أنه يشترط في الملتقط أهلية الاكتساب عند قوم،
وأهلية الحفظ عند آخرين وإحداهما عند الثالث في غير محله.
وكأنه استعذب التعبير بذلك عما ذكره أولا في المسالك من أن
" مبنى الخلاف في هذه المسألة وما بعدها على أصل، وهو أن اللقطة
فيها معنى الأمانة والولاية والاكتساب، وأما الأمانة والولاية ففي الابتداء
فإن سبيل الملتقط سبيل الأمناء في مدة التعريف لا يضمن المال إلا
بتفريطه، والشرع فوض إليه حفظه، كالولي يحفظ مال الصبي، وأما
الاكتساب ففي الانتهاء، حيث إن له التملك بعد التعريف، وأما المغلب
منهما ففيه وجهان: أحدهما معنى الأمانة والولاية، لأنهما ناجزان والملك
منتظر، فيناط الحكم بالحاضر ويبنى الآخر على الأول، والثاني معنى
الاكتساب، لأنه مآل الآمر ومقصوده، فالنظر إليه أولى، ولأن الملتقط
مستقل بالالتقاط، وآحاد الناس لا يستقلون بالأمانات إلا بائتمان المالك
ويستقلون بالاكتساب، فإذا اجتمع في الشخص ص أربع صفات: الاسلام
والحرية والتكليف والعدالة فله أن يلتقط ويتملك إجماعا، لأنه أهل
الأمانة والولاية والاكتساب، وإن تخلف بعضها بنى على اعتبار ماذا،
وجاء فيه الوجهان " إلى آخره.
لكن لا يخفى عليك أنه على طوله لا حاصل له، ضرورة اعترافه
هنا وفي الكافر بعدم نقل خلاف فيه في الجواز، وأولى منه عدم اعتبار
العدالة، وكذا في العبد الذي لم يحك فيه الخلاف إلا عن أبي علي لخبر
أبي خديجة (1) كما ستعرفه، فما أدري موقع هذه المقدمة التي ذكرها.
على أن اللقطة منها ما لا تعريف فيها، بل يملكها الواجد لها،
ومنها ما فيه ذلك إلا أنه لم يعتبر فيه المباشرة.

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
256

كما أنه لا إشعار في شئ من النصوص بتوقف التملك بعد الحول
على كون الملتقط أهلا للأمانة والولاية، بل ولا صحة الالتقاط، خصوصا
بعد ملاحظة طرو الجنون مثلا على الملتقط.
وكان هذا هو السر في الاتفاق ظاهرا على جواز التقاطهما وإن كان
ظاهر نصوص اللقطة في الملتقط القابل للتصدق والتعريف والحفظ، إلا
أنه ليس ظهور اشتراط في صحة الالتقاط على وجه يتوقف جريان أحكامه
على كونه كذلك ابتداء أو واستدامة، بل في لقطة الخربة ونحوها الذي
وجد المال أحق به، ولا ريب في اندراجهما فيه، ولا قائل بالفصل،
بل ولا وجه له، ضرورة عدم الفرق بعد صلاحيتهما للالتقاط وعدم
اعتبار المباشرة في الأمانة والتعريف.
كل ذلك مضافا إلى عدم اكتساب في الالتقاط قابلان له، ضرورة
عدم كونه كالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما مما هو سبب للحيازة الموجبة للملك
من كل من حصلت منه، بخلاف الالتقاط الموقوف تكسبه على نية التملك
بالقيمة، شبه القرض الذي لا يحصل فيهما، ولا عموم في الالتقاط على
وجه يشملهما إلا ما ذكرناه في قسم مخصوص، بل ظاهر سوق نصوصه
في خصوص المكلفين.
وبذلك يظهر لك ما في المسالك من الاستدلال على الجواز بالعموم
والتشبيه بالاحتطاب، كما أنه ظهر لك عدم وقع لما ذكره من المقدمة
التي في آخرها أيضا ما فيه، بل وغير ذلك.
بل وعدم حاصل لما سمعته من المفاتيح إلا عذوبة عبارة، وإلا
فلم نجد في المقام أقوالا ثلاثة مبنية على ما ذكر.
فالتحقيق حينئذ الجواز، لما عرفت مع ضميمة عدم الخلاف في المسألة
الذي لولاه لأمكن المناقشة في صحة التقاطهما ما فيه التعريف ونحوه مما لا
257

ينكر ظهور النصوص في كونه مكلفا، ولا أقل من أن يكون ذلك هو
المذكور، فيها، فيبقى غيره على أصالة المنع، نحو ما سمعته في التقاطهما
الانسان.
على أنه لا ينكر ظهور النصوص في أن خطاب التعريف على الملتقط
وإن جاز له الاستنابة، لا أن الملتقط شخص والمخاطب بالتعريف شخص
آخر، كما في المقام الذي ذكروا فيه أن الخطاب به للولي، وأن نية
تمليكهما بالقيمة في ذمتهما منه، وأنه المخاطب بالحفظ على وجه إن لم
ينتزع المال من يدها يكون ضامنا، لأنه مفرط، إلى غير ذلك مما لا ينطبق
على القواعد العامة، ولا إشعار في نصوص اللقطة به، بل ظاهرها خلافه،
فليس حينئذ إلا ما سمعت.
وكأنه إلى بعض ما ذكرنا أشار في الرياض، فإنه بعد أن ذكر أنه
لا معنى لإرادة ما يقابل الحرمة من الجواز المعلوم أنه من صفات المكلفين
قال: " ويتعين الثاني، أي تترتب أحكام اللقطة عليه من الملك والصدقة
بها بعد التعريف وغيرهما، ولا دليل عليه، لاختصاص النصوص المثبتة
لأحكام اللقطة المزبورة بالمكلف بحكم التبادر وتضمنها الأمر بالحفظ أو
التصدق أو التملك، ولا يتوجه إلى غيره، فالحكم بالجواز مشكل بعد اقتضاء
الأصل العدم - ثم قال -: ويمكن أن يقال: إن وجه الاشكال المزبور
مقتض لاعتبار الأهليتين معا، وليس هو لأحد قولا، فيكون الاجماع
مخالفا، فينبغي ترجيح أحد الأقوال الثلاثة على تقدير ثبوتها، ولا ريب
أن المشهور منها أولى، لما عرفت من عدم مخالف صريح فيه أو كونه
نادرا " إلى آخره.
وإن كان لا يخفى عليك بعض ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه أيضا
مما يصلح دليلا غير الشهرة المزبورة، والله العالم.
258

* (وفي) * التقاط * (العبد) * من دون إذن مولاه * (تردد) *
ينشأ من الأصل بعد ظهور مساق النصوص في غيره وخبر أبي خديجة (1)
الذي هو هنا سالم بن مكرم كما في الفقيه وبقرينة رواية أحمد بن عائذ عنه
إلا أن في عدالته بحثا عن الصادق (عليه السلام) " سأله المحاربي عن
المملوك يأخذ اللقطة، فقال: ما للمملوك واللقطة، لا يملك من نفسه
شيئا فلا يتعرض لها المملوك، ينبغي للحر أن يعرفها سنة في مجمع، فإن جاء
طالبها دفعها إليه وإلا كانت في ماله، فإن مات كان ميراثا لولده ولمن
ورثه، فإن لم يجئ لها طالب كانت في أموالهم هي لهم، إن جاء طالبها
دفعوها إليه " إلى آخره، وعدم قابلية العبد للتملك الذي تضمنته النصوص
والفتاوى.
ومن أنه أهل للأمانة وعدم ظهور النصوص في اعتبار الحرية وإن
اشتملت على ما لا ينطبق إلا عليها من التملك ونحوه، إلا أنه يمكن
تنزيله على ما إذا كان الملتقط كذلك لا أنه معتبر في أصل الالتقاط،
إذ هي أحكام تعذر بعضها أو كتعذر بعض أفراد التخير.
ولعله لذا قال المصنف: * (أشبهه الجواز) * وفاقا للمشهور،
بل ظاهر التذكرة الاجماع عليه، بل لم يحك فيه الخلاف إلا من أبي علي،
كما اعترف به غير واحد، بل لم يتردد فيه أحد قبل المصنف، نعم تبعه
عليه في الدروس، ولا ريب في ضعفه * (لأن له أهلية الحفظ) * والائتمان
شرعا بل والاكتساب وإن كان لسيده، بل له أهلية سائر الخطابات
الشرعية.
وخبر أبي خديجة (2) لو قلنا بصحته موهون بمصير ما عدا ابن الجنيد
إلى خلافه، ورواية الفقيه له أعم من العمل به، بل في كشف الرموز

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1
259

حكاية الجواز عنه فيه، فلا بأس بحمله على ضرب من الكراهة التي
صرح بها غير واحد، هذا خلاصة ما ذكروه في المقام.
إلا أن التأمل هنا وفيما تقدم لهم في اللقيط يقتضي جواز التقاطه مع
إذن مولاه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا.
لكن ذكر غير واحد منهم هناك أنه يكون السيد حينئذ هو الملتقط،
فيلزمه حكم الالتقاط، وهو كذلك لو كان إذن استنابة، إما إذا كانت رفع
حجر فالمتجه كونه هنا هو الملتقط، ويلزم حينئذ بالحفظ والتعريف نحو
الإذن له في قبول الوديعة، وعدم قابليته للتملك لا يرفع غيره من أحكام
اللقطة، ولا وجه لرجوع ذلك إلى السيد بعد أن كان الملتقط غيره.
اللهم إلا أن يثبت أن كل ما يكون للعبد لو كان حرا يكون للسيد على
وجه يشمل المقام، ولم يحضرني الآن ما يقتضي ذلك.
ثم إنه ذكر أيضا غير واحد هناك أن تعقب الإذن كابتدائها، ولنا
فيه نظر. نعم لو كان المال باقيا في يده فأذن له على الوجه الذي عرفت
يجري عليه حكم الالتقاط من حين الإذن على الوجه الذي عرفت
أما لو صرح بعدم الإذن له بعد التقاطه فالمتجه حينئذ دفعه إلى
الحاكم بعد تعذر التعريف عليه والحفظ بتصريح السيد بعدم الإذن، والفرض
تقدم حقه على حق غيره، وليس التقاط العبد فاسدا حتى يكون المال في
يده كما كان في الأرض، بل التقاطه صحيح ولكن تعذر عليه التعريف
والحفظ، فيكون كحر تعذر عليه ذلك ولو الاستنابة، فليس إلا الدفع
إلى الحاكم.
نعم لو نهاه من أول الأمر عن الالتقاط أمكن فساد التقاطه على
وجه لا يكون ليده احترام، فحينئذ يكون فيها كما هو على الأرض مع
260

احتمال الإثم في الالتقاط، ووجوب الدفع إلى الحاكم، وليس لأحد
انتزاعه من يده.
وبذلك ظهر لك أن التقاط العبد يكون على وجوه: مع الإذن سابقا
أو لاحقا، إذن استنابة أو رفع الحجر ومع النهي، ولكن لم يحرروا
موضع الخلاف مع أبي علي في أي حال، إلا أن الأمر سهل بعد
وضوح الحال.
وسيأتي في لقطة المال ماله مزيد تحقيق لذلك إنشاء الله تعالى، كما
أنه يأتي هناك بيان حكم المبعض.
أما المكاتب فالظاهر عدم وقع للخلاف فيه، ضرورة قابليته للائتمان
والتملك وإن كان يأتي أيضا تحقيق ما لو عاد إلى الرق في الأثناء.
نعم لا فرق بين القن والمدبر وأم الولد فيما ذكرناه من الحكم،
لكن في كشف الرموز جواز التقاط الأخيرين كالمكاتب بلا تردد، وهو
كما ترى، والله العالم.
* (وهل يشترط الاسلام؟ الأشبه) * بأصول المذهب وقواعده أنه
* (لا) * يشترط وفاقا لجميع من تعرض له من الأصحاب، بل اعترف
في المسالك بأنه لم ينقل فيه خلاف، ولعله لاندراجه في نصوص اللقطة
لكونه أهلا لجميع ما تضمنته من التعريف والابقاء أمانة والتملك بالقيمة
وغير ذلك.
* (وأولى منه بعدم الاشتراط العدالة) * للأصل وغيره، كما تقدم
في اللقيط فضلا عن المقام، وما تسمعه من اعتبار الائتمان على التعريف في
لقطة الحرم محمول على ضرب من الندب.
نعم الظاهر عدم جوازه للمرتد عن فطرة، لعدم قابليته للتملك، وفي
جامع المقاصد " لو التقط بني على أنه لو حاز المباحات هل تنتقل إلى
261

ورثته أم لا؟ فيجوز انتزاعها من يده لكل أحد، فمهما حكم به هناك يأتي
مثله هنا ".
قلت: قد تقدم في محله أولوية عدم قابليته لابتداء التملك من
الاستدامة، والله العالم.
* (الثالث في الأحكام) *
* (وهي مسائل:) *
* (الأولى:) *
* (إذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة) * من بيت المال
أو يأذن له في ذلك وكان هو قد اختار حفظها للمالك ولو لعدم مشتر
بالقيمة مثلا أو غير ذلك * (أنفق من نفسه) * بلا خلاف أجده فيه،
بل قال بعضهم. إنه طفحت به عباراتهم من دون تأمل ولا خلاف.
بل في جامع المقاصد " لا ريب فيه لوجوب الحفظ، ولا يتم إلا
به، بل قيل أيضا: إنه طفحت عباراتهم بأن السلطان إذا وجد رفع
أمره إليه، وأنفق عليه من بيت المال، وصرح به في المقنعة والنهاية
والسرائر والنافع والتحرير واللمعة والمهذب والمقتصر والمسالك والروضة ".
قلت: قد تقدم في اللقيط ما يعلم منه النظر في المقام الذي لم
يذكروا فيه الاستعانة بالمسلمين مع فقد الحاكم المنفق التي ذكروها هناك.
كما أنه لم يذكروا فيهما استئذان عدول المؤمنين مع فقد الحاكم، بل
262

لم يحرروا أن الوجب على الحاكم أو المسلمين التبرع بذلك أو الانفاق
ولو مع نية الرجوع.
وقد عرفت عدم الدليل على الأول، بل ظاهر الأدلة خلافه،
والثاني لا يقتضي وجوب رفع أمره إلى الحاكم بعد أن كان هو أمينا على
الحفظ الذي لا يتم إلا بذلك كالودعي.
ولعل خلو نصوص (1) الرجوع بالنفقة في ملتقط الطفل عليه من
الحاكم وغيره شاهد على ما ذكرناه، إذ الظاهر عدم الفرق بين نفقة
الضالة واللقيط بعد إن كان كل منهما نفسا محترمة والملتقط مكلف
بحفظهما معا.
وفي صحيح أبي ولاد (2) " جعلت فداك قد علفته بدراهم فلي
عليه علفه، فقال (عليه السلام): لا، لأنك غاصب " ومقتضاه
رجوع غير الغاصب بما ينفق.
وعلى كل حال ففي المتن وغيره أنفق * (ورجع به) * بل هو
المشهور، لكن مع نية الرجوع أو مع عدم قصد التبرع به، كما حققنا
ذلك في اللقيط.
لكن عن الفخر هنا أنه متى أوجب الشارع النفقة أو أمره المالك
أو الحاكم فشرط رجوعه عدم قصد التبرع، ويكفي فيه البناء على الأصل
وإن لم توجد هذه الثلاثة ولا واحد منها وجازت النفقة شرعا ولم تكن
من إذن المالك أو الحاكم فلا بد فيه من قصد نية الرجوع، وإلا فلا
رجوع له.
وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا.

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة.
(2) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب الإجارة - الحديث 1.
263

* (و) * كيف كان فقد * (قيل) * والقائل ابن إدريس:
* (لا يرجع لأن عليه الحفظ، وهو لا يتم إلا بالانفاق) * ولفظه المحكي
عنه " الذي ينبغي تحصيله في ذلك أنه إن كان انتفع بذلك قبل التعريف
والحول وجب عليه أجرة ذلك، وإن كان انتفع بلبنه وجب عليه رد
مثله، والذي أنفقه عليه يذهب ضياعا، لأنه بغير إذن من صاحبه،
والأصل براءة الذمة، وإذا كان بعد التعريف والحول لا يجب عليه
شئ، لأنه ماله ".
ولم أجد من وافقه على ذلك، بل فيه ما لا يخفى من محال النظر،
خصوصا الحكم بكونه ماله بعد التعريف والحول، مع أن المعلوم عدم
دخوله في ملكه قهرا، بل إن شاء تملكه بقيمته فعل، فيأتي البحث حينئذ
مع عدم الاختيار. بل وكذا قوله: " يذهب ضياعا " إلى آخره، ضرورة
منافاته لقاعدة الضرر والضرار وقاعدة الاحسان.
* (و) * من هنا كان * (الوجه الرجوع دفعا لتوجه الضرر
بالالتقاط) * المقتضي للتقاعد عن الالتقاط المضر باللقطة ومالكها،
والوجوب مسلم لكنه مجانا ممنوع، بل لعل الإذن المستفادة من أمر
المالك الحقيقي بالحفظ أولى منها في الوديعة ونحوها مما صرحوا بوجوب
الرجوع مع نية أو مع عدم نية التبرع.
كل ذلك مضافا إلى النصوص (1) المتقدمة في اللقيط التي منها
يستفاد الحكم في المقام، فلاحظ وتأمل، والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة.
264

المسألة * (الثانية:) *
* (إذا كان للقطة نفع كالظهر واللبن والخدمة قال) * الشيخ * (في
النهاية: كان ذلك بإزاء ما أنفق) * ولعله لخبر السكوني (1) المتقدم في
كتاب الرهن في العين المرهونة عن الصادق (على السلام) " إن الظهر
يركب، والدر يشرب، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة إذا كان
مرهونا ".
وصحيح أبي ولاد (2) عنه (عليه السلام) أيضا " وإن كان الذي
يعلفها فله أن يركبها ".
وصحيح ابن محبوب (3) المتقدم سابقا في اللقيطة " ولكن استخدمها
بما أنفقت عليها ".
إلا أن الأول في المرهون الذي هو غير ما نحن فيه، ولا دلالة
فيه على المعاوضة التي ذكرها الشيخ - كالصحيحين - على وجه ترفع به اليد
عن القواعد المعلومة المقررة المستفادة من العقل والكتاب والسنة والاجماع.
* (و) * من هنا * (قيل: ينظر في النفقة وقيمة المنفعة ويتقاصان) *
فلا يظلم أحدهما الآخر.
* (و) * لا ريب في أنه * (هو أشبه) * بأصول المذهب وقواعده
ولذلك كان هو خيرة جميع من تأخر عن المصنف.
نعم فيه أن المقاصة مشروطة بشروط ذكرناها مفصلة في كتاب
القضاء، ولكن لم نر أحدا اعتبر شيئا منها هنا، بل في الروضة ظاهر

(1) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب الرهن - الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب الرهن - الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 4.
265

النص والفتوى جواز الانتفاع لأجل الانفاق سواء قاص أم جعله عوضا،
بل في الروضة نفي الخلاف عنه، هو كذلك، ولعله لظاهر النصوص
المزبورة، والله العالم.
المسألة * (الثالثة:) *
* (لا تضمن الضالة بعد الحول) * على وجه تكون ملكا له بقيمتها
* (إلا مع قصد التملك) * بالقيمة * (و) * حينئذ ف‍ * (- لو قصد
حفظها) * لا تملكها * (لم يضمن إلا مع التفريط أو التعدي) * بلا خلاف
ولا إشكال، لأنها حينئذ أمانة * (و) * حكمها كذلك.
نعم * (لو قصد التملك) * بالقيمة * (ثم نوى الاحتفاظ لم يزل
الضمان) * للأصل، فهي حينئذ باقية على ملكه وعليه قيمتها، للاقتصار
على فسخ ذلك بمجئ المالك وطلبه لها.
* (و) * لكن * (لو قصد الحفظ ثم نوى التملك لزم الضمان) *
الذي هو بمعنى كون قيمتها في ذمته وصيرورة العين ملكا له، لاطلاق
ما دل على جواز ذلك، وليس اختياره إذا الحفظ أولا مقتضيا لعدم
جواز التملك له، كما هو واضح.
هذا وفي التذكرة " لو قصد الملك ضمن، فإن نوى الحفظ بعد
ذلك لم يبرأ من الضمان، لأنه قد تعلق الضمان بذمته، كما لو تعدى في
الوديعة، ولو قصد الحفظ ثم نوى التملك لزمه الضمان من حين نية
التملك ".
وكأن ما في المسالك هنا مأخوذ منه، قال: " حيث جاز الالتقاط
فالعين في يد الملتقط أمانة مع قصد التعريف، فلو قصد التملك بدونه
266

ضمن لعدوانه، كما لو نواه بالوديعة، وكذلك لو نوى التملك بعد
التعريف المعين، لانتقالها إلى ملكه حينئذ على وجه الضمان بناء عليه،
ولا يزول الضمان مع التملك بنية عدمه، سواء كان قبل تمام التعريف أم
بعده، أما الأول فلأن نية العدوان لا تزول إلا برده إلى مالكه، كما
لو تعدى بالوديعة ثم نوى الحفظ، وأما الثاني فلأن ملكه لا يزول عن
العين بذلك، فيستمر ضمان العوض ".
قلت: بعد تسليم كونه نية التملك في غير محلها توجب الضمان،
باعتبار كونها خيانة مقتضية لانتفاع الإذن الشرعية على نحو اقتضائها
انقطاع الإذن المالكية في الوديعة، لا يتم فيما نحن فيه بناء على ما ذكرناه
من عدم ضالة عندنا لا يجوز تملكها إلا بعد الحول حتى الكلاب الأربعة،
فلا يتصور فيه حينئذ ضمان الخيانة، ضرورة أن له نية التملك في أثناء
الحول وإن وجب عليه التعريف لغرامة القيمة لو كان قد أتلف العين،
نعم يتصور ذلك فيما لا يجوز تملكه إلا بعد الحول، فلو قصده قبله كان
خيانة على نحو الوديعة، ولعلهما بنيا ذلك على القول به أو في خصوص
الكلاب عند القائل، والله العالم.
المسألة * (الرابعة:) *
* (قال الشيخ) * في المحكي من مبسوطه: * (إذا وجد مملوكا
بالغا أو مراهقا لم يؤخذ وكان كضالة الممتنعة) * المحفوظة لصاحبها التي
قد عرفت عدم جواز التقاطها، فمن فحوى دليلها يستفاد العدم، بل
لعله أولى.
* (و) * من هنا * (لو كان صغيرا) * لا يمنع الآفات عن نفسه
267

* (جاز أخذه) * كما يجوز أخذ الصغير الممتنع.
* (و) * في المتن * (هذا حسن، لأنه مال معرض للتلف) *
لكن قد سلف له سابقا إطلاق جواز التقاط المملوك ذكر أو أنثى صغيرا
أو كبيرا.
وفي المسالك " تفصيل الشيخ بالفرق بين الكبير والصغير إنما يحسن
إذا لم يخف على الكبير الذهاب على مالكه بالإباق، وإلا اتجه جواز أخذه
إن لم نوجبه، لأنه وإن كان منحفظا بنفسه لكنه غير منحفظ على مالكه،
فكان كالمال الضائع الذي يخاف تلفه في نفسه، وأما الصغير فإن كان غير
مستقل بدفع المؤذيات عن نفسه فلا إشكال في جواز التقاطه، بل وجوبه،
وإن كان مميزا يقدر على الدفع عن نفسه فالأظهر إلحاقه بالكبير، وقد
أطلق المصنف كالشيخ جواز أخذه من غير أن يتعرض لجواز تملكه وعدمه،
وفيما سبق صرح بعدم تملكه، وقد تقدم البحث في ذلك ".
قلت: قد ذكرنا الكلام في ذلك، لكن نقول هنا، إن العمدة
في عدم جواز التقاط الكبير الفحوى المزبورة التي لها قد ألحقوا بالبعير
غيره كما عرفته مفصلا، إلا أنه مع عدم تماميته في الكبير الذي لا يدفع
الآفات عن نفسه لجنون أو خبل أو نحوهما كما أومأنا إليه سابقا قد يفرق
بينهما بالاختيار الذي يخشى من سوئه إتلاف نفسه على سيده بخلاف
البعير ونحوه.
نعم لو فرض كون العبد مثلا عاقلا عالما بتكليفه عاملا به مسارع
في إيصال نفسه إلى سيده قد يشكل التقاطه، لما هو أولى من الفحوى
المزبورة، أما إذا لم يكن كذلك فلا مانع من ملاحظة جهة المالية فيه،
فيلتقط وإن كان لا يتملك كتمليك اللقطة، بل يجب حفظه وتعريفه أو
إيصاله إلى الحاكم.
268

لكن كل ذلك بعد تحقق وصف الضياع فيه على وجه يدخل في
موضوع اللقطة. وربما كان في الصحيح (1) المزبور شهادة على ما ذكرناه،
بل منه يمكن أن يخرج عن مقتضى الفحوى المزبورة حتى في العاقل
المزبور، فلاحظ وتأمل جيدا، والله العالم.
المسألة * (الخامسة:) *
* (من وجد عبده) * أو دابته مثلا * (في غير مصره) * في يد
آخر ملتقط أو غيره * (فأحضر) * فيه * (من شهد على شهوده
بصفته) * فإن فرض إمكان انطباقها على وجه يقتضي التشخيص دفع
إليه وإلا * (لم يدفع إليه، لاحتمال التساوي في الأوصاف و) * حينئذ
* (يكلف إحضار الشهود) * إن أراد أخذه * (ليشهدوا بالعين) *
كي يستحق انتزاعها.
* (ولو تعذر إحضارهم لم يجب) * على من في يده * (حمل العبد
إلى بلدهم) * خصوصا إذا كان على ظاهر الملكية له * (ولا بيعه على
من يحمله) * إليها، لعدم ثبوت حق عليه. * (و) * لكن * (لو
رأى الحاكم ذلك صلاحا) * في مثل العبد الملتقط ونحوه إذا رجع أمره
إليه * (جاز) * حينئذ.
وفي المسالك التعبير عن المعنى المزبور " ولا يجب حمل العبد إلى بلد
الشهود على وصفه ليشهدوا على عينه، لأن الحق لم يثبت بعد على
المتشبث، فلا يكلف نقل ماله بغير إذنه، ولا على بيعه على المدعي أو
غيره ليحمله إلى الشهود، لتوقف البيع على رضا البائع إلا ما استثنى،

(1) الوسائل - الباب - 22 - من كتاب اللقطة - الحديث 4.
269

إلا أن يرى الحاكم صلاحا في أحد الأمرين، ويرى جوازه كذلك، فله
حينئذ أن يأمر به، وخالف في ذلك بعض الشافعية، فجوز للحاكم بيعه
من المدعي، ويقبض الثمن ويضعه عند ثقة أو يكفله، فإن حكم للمدعى
به بطل ورد الثمن إليه، وإلا فالبيع صحيح ".
قلت: لا سبيل للحاكم في التكليف فيهما مع فرض كون العبد على
ظاهر ملكية المتشبث، وما حكاه عن بعض الشافعية إن كان المراد منه
فعل الحاكم ذلك قهرا على المالك فهو من الغرائب، وأغرب منه لو كان
مراده ذلك في صورة الصلاح، ضرورة اعتبار مراعاة القوانين الشرعية
في ما للحاكم فعله.
* (و) * كيف كان ف‍ * (- لو تلف قبل الوصول أو بعده ولم
تثبت دعواه ضمن المدعي قيمة العبد وأجرته) * إذا كان قد قبضه على وجه
يكون مضمونا عليه كذلك وإلا فلا وجه للضمان، كما هو مقتضى إطلاق
المصنف بل والمسالك.
قال: " وحيث يرى الحاكم صلاحا في حمله فهو مضمون على المدعي،
فإن تلف قبل الوصول أو بين يدي الحاكم ولم تثبت دعواه لزمه القيمة
والأجرة " وحينئذ فللمتشبث الامتناع إلا بكفيل على العين أو القيمة
والأجرة ".
قلت: وفيه أيضا أن الامتناع المزبور مشروط بما إذا لم يكن من
رأي الحاكم عدم ذلك، اللهم إلا أن يقال: إن وجه الضمان بعد إرادة
الحمل بيد المدعي عموم " على اليد " (1) نحو ضمان المقبوض بالسوم،
فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فالذي تقتضيه القواعد العامة ما ذكرناه، دون

(1) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب الغصب - الحديث 4 وسنن البيهقي ج 6 ص 95.
270

ما قيل من احتمال جواز الحكم بالصفات وإن لم يشخص، لدعاء الضرورة
إلى ذلك، أو احتمال ذكر القيمة دون الصفات، أو احتمال سماع البينة
ولا يحكم عاجلا، بل ينتظر اتفاق اجتماع الشهود على عينه، وفائدته
نفوذ الحكم معجلا موقوفا تمامه على شهادة الشهود بالعين، بخلاف
الأول الذي يتوقف الحكم على شهود العين.
وتظهر الفائدة فيما لو تعذر الحكم بموت أو غيره قبل وقوف شهود
العين عليه، فإنه لا يقدح في الحكم على الأخير، ولا أثر له على الأول.
إلا أن الجميع كما ترى لا يستأهل ردا، كما هو واضح، والله العالم.
* (القسم الثالث) *
* (في اللقطة) *
بالمعنى الأخص التي هي قسم منها بالمعنى الأعم * (وهو يعتمد على
بيان أمور ثلاثة:) *
* (الأول) *
* (اللقطة) * لغة وعرفا: * (كل مال) * غير الحيوان الذي
هو القسم الثاني * (ضائع أخذ ولا يد عليه) * ولو يد ملتقط سابق،
فإنه وإن صدق عليه أنه مال ضائع إلا أنه سبقت عليه يد الالتقاط.
271

وبذلك يظهر لك وجه الحاجة إلى القيد الثاني الذي هو لا يغني
عن الأول، ضرورة صدقه بدونه على مجهول المالك الذي لا يد عليه،
ولكنه غير ضائع من مالكه.
وحينئذ فالفرق بين موضوعي مجهول المالك واللقطة هو اعتبار
صدق اسم الضياع من المالك في الثاني دون الأول، بل الأصل عدم ترتب
أحكام اللقطة مع عدم تحقق اسم الضياع.
ولذا قال في جامع المقاصد: لا بد منه فيها، فليس منها حينئذ ما
يؤخذ من يد السارق والغاصب ونحوهما، لعدم صدق اسم الضياع من
المالك، كما ستسمع تحقيق الحال فيه عند تعرض المصنف له.
نعم الظاهر كفاية شاهد الحال فيها، فمتى لم يكن لم يحكم بأنه
لقطة، ولعله لذا أمر بالصدقة بمثله في موثق إسحاق بن عمار (1)
" سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكة
فوجد فيه نحو سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم
الكوفة كيف يصنع؟ قال: فاسأل عنها أهل المنزل لعلهم، يعرفونها،
قلت: فإن لم يعرفوها، قال: يتصدق بها ".
وأما دعوى أصالة الحكم باللقطة في كل مال لا يد عليه وإن لم يعلم
تحقق وصف الضياع فيه ولو بشاهد الحال فلا أجد لها شاهدا، بل لعل
ظاهر الأدلة خلافها، ضرورة كون العنوان فيها اللقطة وهي عرفا ولغة
المال الضائع لا مطلق ما لا يد عليه من المال وإن لم يعلم كونه ضائعا.
بل الظاهر عدم جواز أخذ المال المزبور مع عدم مظنة تلفه،
لأصالة جرمة الاستيلاء على مال الغير بعد عدم اندراجه في عنوان المأذون،
شرعا في تناوله، فإذا قبضه كان له ضامنا.

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
272

وكذا لا يدخل فيها كل مال وقع في اليد لشخص مثلا ثم ضاع
مالكه على وجه لا يعرفه، ولعل من ذلك ما في خبر العبيدي عن يونس (1)
" سألت عبدا صالحا (عليه السلام) فقلت: جعلت فداك كنا مرافقين
لقوم بمكة وارتحلنا عنهم، وحملنا بعض متاعهم بغير علم، وقد ذهب
القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم، وقد بقي المتاع عندنا فما نصنع
به؟ قال: فقال تحملونه حتى تلحقوهم بالكوفة، قال يونس: فقلت
له: لست أعرفهم ولا ندري كيف نسأل عنهم؟ قال: فقال: بعه
واعط ثمنه أصحابك، قال: فقلت جعلت فداك أهل الولاية، قال:
نعم ".
إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة حكم ما لا يدخل تحت اسم
اللقطة من المفقود والمجهول الذين يلحق بهما ما يتعذر وصوله إلى مالكه،
وقد عقد لبعضها في الوافي بابا متصلا بباب اللقطة عنوانه " باب المال
المفقود صاحبه ".
والبحث هنا في ما كان مندرجا تحت اسم اللقطة التي قد عرفتها
لغة وعرفا، وأنه مما يعتبر فيها الالتقاط والأخذ، فلو رآها وأخبر غيره
بها فالتقطها كان حكمها على الآخذ دون من رأى وإن تسبب منه، ضرورة
صدقه عليه كالاحتطاب والاصطياد دونه بلا خلاف ولا إشكال، بل
لو قال له: ناولنيها فنوى المأمور الأخذ لنفسه كان هو الملتقط دونه
أيضا.
بل قد يشكل جريان الحكم على الآمر لو لم ينو وناولها إياه بناء على
عدم ثبوت مشروعية التوكيل في نحو ذلك، فيجري الحكم حينئذ على

(1) ذكر قريبا منه في الوسائل - الباب - 7 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 باسناده
عن الشيخ (قده) ورواه الكليني (قده) بعينه في الكافي ج 5 ص 309.
273

الآخذ دون الآمر وإن نوى أنه له.
ولعله لذا قال في القواعد: " ولو قال: ناولنيها فإن نوى الآخذ
لنفسه فهي له، والأمر فللآمر على إشكال " إذ ليس هو إلا من حيث
صدق الالتقاط على الآخذ وإن نواه لغيره، فإن ذلك لا يخرجه عن
كونه آخذا وملتقطا، إلا إذا ثبت مشروعية التوكيل فيه كي يكون فعله
فعله شرعا، فيكون الآخذ هو الآمر مع نية أنه له، وقد سلف لنا في
كتاب الوكالة (1) ما يعلم منه تحقيق الحال.
كما أنه قد ذكرنا في كتاب إحياء الموات (2) أن حيازة المباحات
توجب الملك بمجرد تحقق مسماها وإن لم يقصده، بل وإن قصد عدمه.
ولا يرد عدم تملك الصائد الدرة في جوف السمكة مع الجهل بها في
النصوص الكثيرة (3) لامكان منع صدق الحيازة فيه، لأن المحوز السمكة
دون ما في بطنها الذي استيلاؤه عليه شبه استيلاء النائم ونحوه على الشئ
فإذا الحيازة لا بد من قصدها، وهي غير قصد التملك.
نعم في جامع المقاصد " لا بد من أن لا يقصد الآخذ عدم التملك،
فلو حول شجرا أو حجرا مباحا في الطريق من جانب إلى آخر قاصدا
بذلك تخلية الطريق ونحو ذلك فدخوله في ملكه بمجرد هذا مستبعد جدا
ومثله ما لو نحى المال الضائع من جانب إلى آخر، فإنه ينبغي أن لا يكون
ملتقطا وإن ضمن مال الغير، لاثبات اليد عليه على إشكال في هذا ".
قلت: بل ينبغي القطع بعدمه، للصدق لغة وشرعا وعرفا بل

(1) راجع ج 27 ص 380 - 381.
(2) راجع ص 65 - 76.
(3) الوسائل - الباب - 11 - من كتاب اللقطة.
274

لعل قوله (عليه السلام) (1): " لا تمسها " مشعر بذلك أيضا، بل
هو كذلك حتى لو وافقناه على ما ذكره في تحويل الشجر والحجر وإن
كان التحقيق خلافه.
نعم لو رأى شيئا مطروحا على الأرض فدفعه برجله ليتعرفه لم يكن
ملتقطا على الظاهر بل ولا ضامنا، لعدم صدق " على اليد " فيه، لا أقل
من الشك، والأصل البراءة.
وما في بعض النصوص (2) من النهي عن المس باليد والرجل محمول
على إرادة بيان شدة النهي عنها، لا أنه بالمس بالرجل يكون ملتقطا، نعم
لو تحقق الأخذ بذلك تعلق به حكم الالتقاط، ولا يسقط عنه بطرحه.
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة (3): " كان
الناس في الزمن الأول إذا وجدوا شيئا فأخذوه احتبس، فلم يستطع أن
يخطو حتى يرمي به، فيجئ صاحبه من بعده فيأخذه، والناس قد
اجترؤوا على ما هو أكبر من ذلك، وسيعود كما كان " محمول على إرادة
رميه وانتظاره حتى يجئ صاحبه أو على نحو ذلك مما لا ينافي ما ذكرنا.
هذا وقد يشك أيضا في جريان حكم اللقطة على ما يوجد من الثياب
المشتبهة والنعال كذلك في حمام أو مسجد أو غيرهما إذا لم يكن قرينة على
الضياع فضلا عما لو كانت بعكسه، كأخذ الجيد وترك الردي.
لكن في القواعد " ولو وجد عوض ثيابه أو مداسه لم يكن له
أخذه، فإن أخذه عرفه سنة إن شاء، إلا أن يعلم بشاهد الحال أنه تركه
عوضا فيجوز أخذه من دون تعريف ". ونحوه في التحرير وإن ذكر
الأخير احتمالا.

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 وفيه " لا تمسوها ".
(2) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 6.
(3) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 6.
275

وفي الدروس " ولو وجد عوض ثيابه أو مداسه فليس له أخذه إلا
مع القرينة الدالة على أن صاحبه هو آخذ ثيابه بكونها أدون وانحصار
المشتبهين، ومع عدم القرينة فهي لقطة ".
والأصل في ذلك كله ما في التذكرة " لو أخذت ثيابه في الحمام
ووجد بدلها أو أخذ مداسه وترك بدله لم يملكه بذلك، ولا بأس
باستعماله إن علم أن صاحبه تركه عوضا، ويعرفه سنة، أي إذا لم يعلم
أن صاحبه تركه عوضا - إلى أن قال -: إلا أن يعلم أن السارق قصد
المعاوضة بأن يكون الذي تركه أردأ من الذي سرقه، وكان لا يشتبه على
الآخذ بالذي له، فلا يحتاج إلى التعريف، لأن مالكها تركها قصدا
والتعريف إنما جعل للضائع عن صاحبه ليعلم به ويأخذه، وتارك هذا عالم
به وراض ببدله عوضا عما أخذه، فصار كالمبيح له أخذه بلسانه، وهو
أحد وجهي الحنابلة، ولهم آخران: أحدهما الصدقة، والثاني الدفع إلى الحاكم
ليبيعها ويدفع ثمنها إليه عوضها من ماله، وما قلنا أولى، لأنه أوفق
بالناس، لأن فيه نفعا لمن سرقت ثيابه، لحصول عوضها له، وللسارق
بالتخفيف عنه من الإثم وحفظ هذه الثياب المتروكة من الضياع، وقد
أبيح لمن له على انسان حق من دين أو غصب أو غير ذلك أن يأخذ من
مال من عليه الحق بقدر ما عليه إذا عجز عن استيفائه بغير ذلك ".
بل في جامع المقاصد القطع بذلك، قال في شرح المستثنى منه من
عبارة القواعد: " لو كان في الحمام أو المسجد أو نحوهما فلم يجد ثيابه
أو مداسه أو فراشه ولكن وجد مثل المفقود لم يكن له تملكه عوضا عما؟
ذهب له، لأنه مال الغير، فلا يحل من دون طيب نفسه، وقول المصنف
(رحمه الله): ولو وجده عوض ثيابه إلى آخره لا يريد به على قصد
العوض، أما أخذه لقطة فجائز قطعا، فإن أخذه لم يكن إلا لقطة
276

فيجب تعريفه سنة إن كان درهما فصاعدا، فإذا عرفه تملكه إن شاء،
فإن جاء المالك قاصه بماله وترادا الفضل إن أوجبنا العوض ورضي الملتقط
بجعل ماله عوضا، وإلا ترادا وكان للملتقط المطالبة بالأجرة والنقص
دون الآخر ".
ثم قال في شرح المستثنى بعد أن حكى عن التذكرة ما يناسبه:
" ولقائل أن يقول: إن تم ما ذكره من الدلالة على المعاوضة لم يكن
للمأخوذ ماله التصرف في هذا الحالة إلا إذا رضي بتلك المعاوضة، ومن
الممكن أن لا يرضى، لأن الفرض أن ماله أجود، فكيف يستقيم إطلاق
جواز التصرف على ذلك التقدير، ثم إنه لا يجوز أن يتصرف بها مطلقا،
سواء شهد الحال بأخذ الآخذ على قصد المعاوضة أو غلطا، لأن الآخذ
غاصب، فيجوز للمأخوذ ماله التصرف في مقداره للحيلولة، فإن أمكنه
إثبات ذلك عند الحاكم رفع الأمر إليه ليأذن له في الأخذ على الوجه
المذكور، وإلا استقل به على وجه المقاصة ".
ثم اعترض على ما ذكره أخيرا من كونه أرفق بالناس بأن
" ما ذكرناه أنفع وأرفق، لأنه شامل لجميع صور الأخذ كما لا يخفى.
ثم إن الأخذ على جهة المقاصة لا يتوقف على رضا من عليه الحق،
فلا يشترط شهادة الحال بقصد المعاوضة كما ذكره، وما استشهد به من
أخذ من له على انسان دين أو حق إنما ينطبق على ما ذكرناه، نعم إن
جوز أن يكون الآخذ غير صاحب المتروك فالمتروك لقطة قطعا، إلا أن
مقتضى كلامه التعويل على القرينة الدالة على أن الآخذ هو المتروك ماله،
وما أحسن عبارة الدروس بالنسبة إلى هذا " ثم حكاها كما سمعتها.
قلت: لا يخفى عليك (أولا) ما في الحكم باللقطة مع عدم القرينة على
تعمد الترك، ضرورة عدم تحقق الضياع مع فرض احتمال ذلك احتمالا مساويا.
277

و (ثانيا) ما في الحكم بالمقاصة معها إذا لم يحصل منها العلم باشتغال
ذمته، بل قد يقال باعتبار تحقق ذلك حال المقاصة، أما مع احتمال عدم
العدوان ودفع ما في يده إلى الحاكم الذي هو الولي المقتضي للبراءة عندهم
فلا يخلو من إشكال، خصوصا مع النظر إلى مخالفتها للقواعد المقتضي
للاقتصار فيها على المتيقن، فتأمل جيدا.
و (ثالثا) ما في أخذ قيمة الحيلولة مع احتمال الغلط بناء على
مخالفتها للأصول، والمتيقن منها في صورة العدوان، كالغصب والسرقة،
ولعله لذا فرضها في ذلك في التذكرة.
و (رابعا) ما في دعوى كونه معاوضة مع التراضي، اللهم إلا
أن يكون من الإباحة بالعوض، إلى غير ذلك مما يظهر لك بالتأمل فيما
ذكرنا، والله العالم.
وكيف كان * (فما كان) * قيمته * (دون الدرهم) * (درهم خ ل) *
من اللقطة في غير الحرم * (جاز أخذه والانتفاع به) * على وجه الملك
* (بغير تعريف) * بلا خلاف أجده فيه.
بل في التذكرة " لا يجب تعريفه، ويجوز تملكه في الحال عند
علمائنا أجمع " بل في موضع آخر منها " لا نعلم خلافا بين أهل العلم في
إباحة أخذ القليل والانتفاع به من غير تعريف ".
وفي الغنية الاجماع على جواز التصرف فيه من غير تعريف.
وفي محكي الخلاف إجماع الفرقة على أنه لا يجب تعريفه، وفي
كشف الرموز نفي الخلاف عن ذلك إلى غير ذلك مما يراد من التعبير
بالانتفاع به وحل التصرف ونحوهما التملك.
لكن في القواعد " لو تملك ما دون ثم وجد صاحبه فالأقرب
وجوب دفعه إليه، لأصالة بقاء ملكية صاحبه عليه، وتجويز التصرف
278

للملتقط لا ينافي وجوب رده ".
إلا أنه قد حمل كلامه على إرادة حدوث الفسخ جمعا بين قوله:
" تملك " وقوله أخيرا ما سمعت، وحينئذ فالاستدلال بالأصل في
غير محله.
وفي مرسل الفقيه (1) قال الصادق (عليه السلام): " أفضل ما
يستعمله الانسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ولا يتعرض لها،
فلو أن الناس تركوا ما يجدونه لجاء صاحبه فأخذه، وإن كانت اللقطة
دون الدرهم فهي لك لا تعرفها، فإن وجدت في الحرم دينارا مطلسا
فهو لك لا تعرفها، فإن وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه
ثم كله، فإن جاء صاحبه فرد عليه القيمة، وإن وجدت لقطة في دار
وكانت عامرة فهي لأهلها، وإن كانت خرابا فهي لمن وجدها ".
وفي مرسل محمد بن أبي حمزة (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" سألته عن اللقطة، قال: تعرف سنة قليلا أو كثيرا، قال: فما كان
دون الدرهم فلا يعرف ".
مضافا إلى ما عساه يفهم من فحوى قول الصادق (عليه السلام)
في صحيح حريز (3): " لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل
والعقال وأشباهه، قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): ليس
لهذا طالب ".
إنما الكلام في تملكه بمجرد الالتقاط كما هو مقتضى قوله (صلى
الله عليه وآله): " هي لك " بل وجملة من الفتاوى، بل هو المناسب

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
(2) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(3) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
279

لما قلناه في حيازة المباح، بناء على أن ذلك مثله في التملك بحصول
الالتقاط كالحيازة، أو هو متوقف على قصد التملك، أو على عدم
قصد العدم وجوه.
وفي موضع من القواعد " الأقرب وجوب دفع العين مع وجود
صاحبها، ويحتمل القيمة مطلقا كالكثير إذا ملكه بعد التعريف، والقيمة
إن نوى التملك وإلا فالعين، وهو أقرب ".
وهو صريح في اعتبار نية التملك " ولعله الأقوى، لأصالة عدم
الملك بدونه بعد عدم الجابر للمرسل المزبور، إذ المتيقن من الاجماع ما
سمعته من التذكرة من أن له تملكه في الحال، مضافا إلى ظهور الأدلة في
عدم الفرق بين القليل والكثير إلا بالتعريف، ومن المعلوم اعتبار النية
في الثاني.
واحتمال الفرق بينه وبين الكثير باحتياجه إلى التعريف المقتضي
لاحداث سبب للملك بعده، لامتناع انتقال ملك الغير إلى آخر بدونه،
بخلافه فإنه لا حاجة فيه إلى التعريف - واضح الفساد، ضرورة كون
المتبع الدليل فيهما، والأصل عدم الملك حتى يثبت.
ومن هنا يتجه القول بتوقفه على ضمان القيمة مع نية التملك، كما
في الكثير، ولعله لذلك كان خيرة الفاضل في جملة من كتبه وولده
والمقداد الضمان عند مجئ المالك، لأن تملكه على حسب تملك الكثير بالقيمة.
بل في الإيضاح والتنقيح ولقوله (عليه السلام) (1): " من وجد
شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه " بعد
الاجماع على عدم وجوب رد العين، فليس إلا القيمة، كما أنه ليس
المراد إلا دون الدرهم، لأن غيره يحتاج إلى التعريف سنة مع النية

(1) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
280

وهو تراخى، وإن كان لا يخلو من نظر.
خلافا لظاهر المتن والإرشاد والتبصرة والمحكي عن الشيخين وسلار
وابن حمزة فلا يضمن، بل في النهاية والغنية التصريح بذلك، بل في
المختلف أنه المشهور، بل في الغنية الاجماع عليه، للأصل وظاهر قوله
(عليه السلام): " لك " في المرسل (1) المنجبر بالشهرة المزبورة
والاجماع المحكي.
ولا ريب أن الأول أحوط وأولى، بل يتجه عليه وجوب رد العين
لو جاء الطالب كالكثير، وإجماع الفخر والتنقيح لم نتحققه، بل لعل
المتحقق خلافه، لاطلاق الخبر المزبور.
هذا وفي الرياض بعد أن نفى الخلاف عن جواز التقاطه والانتفاع به
وحكى الاجماع على ذلك عن التنقيح وأرسله عن التذكرة قال: " وهل
يجب ضمانه مع ظهور المالك؟ قولان: أحوطهما ذلك، وفاقا للقواعد
والتنقيح وغيرهما، للأصل وعدم صراحة النصوص في التملك بناء على عدم
صراحة اللام فيه، مع أن بعضها الذي هو المعتبر سندا - دون ما تضمن
اللام، لارساله مع عدم جابر له فيه - لم يتضمن عدا نفي وجوب التعريف
في هذا المقدار، وهو لا يستلزم التملك، لاجتماعه مع جواز التصرف فيه "
إلى آخره، وظاهره عدم التملك وأن المراد من ضمانه رد عينه.
ولا يخفى عليك ما فيه من عدم تحرير المسألة التي قد عرفت أن
حاصلها يقع في أمرين: أحدهما في وجوب رد العين مع وجودها وطلبه،
وثانيهما في ضمان المثل والقيمة مع التلف والحق فيهما معا ذلك إن لم يثبت
إجماع الغنية المعتضد بالشهرة المحكية، وكأن الذي أوقعه في ذلك عبارة
التنقيح ونحوها، فإنها غير منقحة.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
281

هذا وظاهر المحكي عن ابن إدريس التفصيل، فأوجب رد العين مع
وجودها، ونفي الضمان عنه مع تلفها، فلا تناقص في كلامه إلا مع ثبوت
استلزام، وجوب الرد الضمان مع التلف وبالعكس، وله منعه وإن كان
التحقيق خلافه بعد أن استظهرنا كونه كالكثير الذي حكمه ذلك.
وأما الدرهم فالأقوى كونه كالزائد في وجوب التعريف، وفاقا
لظاهر الصدوق والمفيد والنهاية والحلي، بل صرح الخلاف وابن زهرة
والفاضل والشهيدين وأبي والعباس والمقداد وغيرهم. بل في محكي الخلاف
إجماع الفرقة وأخبارهم، بل هو من معقد عموم إجماع الغنية أيضا، لاطلاق
ما دل عليه، وخصوص مفهوم الخبرين (1) السابقين والصحيح (2) " عن
الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة، قال (عليه السلام): يعرفه
سنة ".
خلافا للمحكي عن سلار وابن حمزة والتقي، فجعلوه كدون الدرهم،
ولم نقف لهم على دليل وإن قال في النافع: " فيه روايتان " إلا أنا لم
نتحقق الرواية الدالة على عدم تعريفه، ويمكن تنزيله على إرادة روايتين
دالتين على التعريف وإن كان هو كما ترى.
والظاهر أن المدار على حال الالتقاط، فلو كان دون الدرهم حينه
ثم بلغ قيمته أزيد بعد ذلك أو بالعكس لم يتغير الحكم، لأنه المنساق
من الأدلة.
هذا كله في غير الحرم، أما فيه فظاهر إطلاق جماعة الحرمة، بل
في الروضة نسبة الاطلاق المزبور إلى الأكثر، بل في غيرها مستفيضا حد

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9 والباب - 4 - منه الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
282

الاستفاضة نسبته إلى الشهرة.
بل مقتضاه عدم الفرق بين نية التملك وعدمها، ونية الانشاد وعدمها،
لكن في اللمعة حرمة الالتقاط بنية التملك قليلا أو كثيرا، وجوازه بنية
الانشاد، بل قيل: إنه خيرة الخلاف.
بل عنه وعن المبسوط إجماع الفرقة وأخبارهم على عدم الجواز بنية
التملك، ونفي الخلاف - بل قيل: أي بين المسلمين - عن الجواز،
للتعريف والحفظ لصاحبها.
وظاهر الغنية عدم الفرق بين لقطة الحرم وغيره إلا بعدم جواز
التملك في الأول وعدم لزوم ضمانها إذا تصدق بها، بل لعل ذلك من
معقد إجماعه، بل لعله الظاهر من المقنعة، بل قيل: ونحوه في المراسم
إلا أن ظاهره كما هو المحكي عن القاضي الانتفاع بما دون الدرهم من
دون تعريف.
بل ظاهر المتن عدم الخلاف فيه، لأنه جعل مورد الخلاف غيره،
قال بعد ما سمعت: * (وما كان أزيد من ذلك فإن وجد في الحرم
قيل) * والقائل من عرفت: * (يحرم أخذه، وقيل: يكره وهو أشبه) *
بل ظاهره عدم الكراهة فيه، كما هو المحكي عن موضع من المبسوط
والخلاف، بل وعن ظاهر لقطة السرائر، بل هو ظاهر لقطة النافع
وكشف الرموز، بل هو صريح الدروس وكذا الروضة، بل عن
الخلاف أن عليه إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأما القائل بكراهة الأزيد فهو الصدوق ووالده وأبو علي والتقي
والمفيد والشيخ وبنوا حمزة وزهرة وإدريس والآبي والفاضل في بعض كتبه
والشهيدان والخراساني والكاشاني على ما حكي عن بعضهم، بل عن السرائر
هو الحق اليقين، بل قد سمعت ما عن الخلاف والمبسوط والغنية، إلى
283

غير ذلك من كلماتهم المختلفة حتى من المصنف الواحد في الكتاب الواحد
في الحج بشئ وفي اللقطة بآخر.
ومحصل الجميع الحرمة مطلقا من غير فرق بين الدرهم وأقل منه
وأزيد، وبنية الانشاد وعدمها، وبينة التملك وعدمها، والكراهة كذلك،
والتفصيل بين الأقل من الدرهم وغيره، فيجوز الأول بلا كراهة والثاني
معها أو مع الحزمة، وبين نية التملك، فلا يجوز مطلقا، وبنية الانشاد
فيجوز كذلك، وبين الفاسق والعدل، فيحرم على الأول ويحل الثاني
وأما التملك ففي المختلف " لا يجوز تملك لقطة الحرم إجماعا، بل
يجب تعريفها " وفي التذكرة " لا يجوز تملكها عند أحد من علمائنا أجمع ".
لكن عن التقي القول بجواز تملكها بعد التعريف، وربما مال إليه بعض
من تأخر عنه.
والتحقيق الجواز في الأقل من الدرهم ولو بنية التملك وإن كان
لا يخلو من كراهة في الجملة، لاطلاق ما دل على جوازه مما عرفت الذي
لا يعارضه إلا إطلاق ما سمعته من النهي (1) المحمول على الكراهة،
بل حتى لو قيل على الحرمة، ضرورة كون التعارض من وجه، ولا ريب
في ترجيح الأول ولو لما سمعته من إجماع الخلاف المؤيد بما سمعته من
ابن إدريس وإشعار المتن وغيره، بل قد يدعى انصراف الاطلاق المزبور
إلى غيره.
وأما الأزيد فلا إشكال في الحرمة مع نية التملك قبل التعريف أو
بعده بناء على عدمه فيها مطلقا، فالالتقاط معها حينئذ خيانة محرمة نحو
الالتقاط معه قبله في غير الحرم.
أما لا معه فالظاهر شدة الكراهة، وخصوصا إذا كان فاسقا لا يثق

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
284

من نفسه بتعريفها، لما سمعته من نفي الخلاف في محكي المبسوط والخلاف
عن الجواز بنية الانشاد وإجماع الغنية، وقوله في السرائر أنه الحق اليقين،
وعن التذكرة نفي الخلاف عن جوازها للمنشد لأنه أمانة.
بل لعله على ذلك تجتمع النصوص من الطرفين، ففي النبوي (1)
" لا تحل لقطتها - أي مكة زادها الله شرفا - إلا لمنشد " أي معرف،
وفي آخر (2) " لا يحل ساقطها إلا لمنشد ".
وفي حسن الفضيل بن يسار (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يجد اللقطة في الحرم، قال: لا يمسها، وأما أنت فلا بأس
لأنك تعرفها ".
وخبره الآخر (4) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن لقطة
الحرم، فقال: لا تمس أبدا حتى يجئ صاحبها فيأخذها، قلت: فإن
كان مالا كثيرا، قال: فإن لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها ".
وإليهما نظر من اعتبر العدالة، ولكن لا دلالة فيهما على ذلك، كما
ستعرفه إنشاء الله تعالى عند تعرض المصنف لذلك.
وخبر علي بن حمزة (5) عن العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه
السلام) " سألته عن رجل وجد دينارا في الحرم فأخذه قال: بئس ما
صنع، ما كان ينبغي أن يأخذه، قلت: قد ابتلى بذلك، قال: يعرفه،
قلت: فإنه قد عرفه فلم يجد له باغيا، قال: يرجع به إلى بلده فيتصدق
به على أهل بيت من المسلمين، فإن جاء طالبه فهو له ضامن ".

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 199.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 199.
(3) والوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 5 - 2 من كتاب الحج.
(4) والوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 5 - 2 من كتاب الحج.
(5) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 عن علي بن أبي حمزة.
285

ومرسل إبراهيم بن أبي البلاد (1) قال الماضي أي العسكري (عليه
السلام): " لقطة الحرم لا تمس بيد ولا برجل، ولو أن الناس تركوها
لجاء صاحبها وأخذها " الذي هو مع ضعفه قد ورد مثله في لقطة غير
الحرم (2) المعلوم أن المراد به الكراهة.
وخبر يعقوب بن شعيب بن ميثم التمار (3) " سألت أبا عبد الله
(عليه السلام) عن اللقطة ونحن يومئذ بمنى، فقال: أما بأرضنا فلا
تصلح، وأما عندكم فإن صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع،
ثم هي كسبيل ماله ".
وخبر اليماني (4) قال أبو عبد الله (عليه السلام): " اللقطة
لقطتان: لقطة الحرم تعرف فإن وجدت صاحبها وإلا تصدق بها ولقطة
غيرها تعرف سنة، فإن وجد صاحبها، وإلا فهي كسبيل مالك.
وخبر سعيد بن الجعفي (5) قال " خرجت إلى مكة وأنا من
أشد الناس حالا، فشكوت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فلما خرجت
من عنده وجدت على بابه سبعمائة دينارا، فرجعت إليه من فوري ذلك
فأخبرته، فقال " يا سعيد اتق الله عز وجل، وعرفه في المشاهد، وكنت
رجوت أن يرخص لي، فخرجت وأنا مغتم، فأتيت منى فتنحيت عن
الناس ثم تقصيت حتى أتيت المأفوقة، فنزلت في بيت متنحيا عن
الناس، ثم قلت: من يعرف الكيس؟ قال: فأول صوت صوته إذا
رجل على رأسي يقول: أنا صاحب الكيس، قال: فقلت في نفسي:

(1) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - 3 - 2.
(2) الوسائل - الباب - 1 - من كتاب اللقطة - 3 - 2.
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 1 - 4 من كتاب الحج.
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 1 - 4 من كتاب الحج.
(5) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
286

أنت فلا كنت، قلت: ما علامة الكيس؟ فأخبرني بعلامته فدفعته إليه،
قال: فتنحى ناحية فعدها فإذا الدنانير على حالها، ثم عد منها سبعين
دينارا فقال خذها حلالا خير لك من سبعمائة حراما فأخذتها، ثم
دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فأخبرته كيف تنحيت وكيف
صنعت، فقال: أما أنك حيث شكوت إلي أمرنا بثلاثين دينارا، فيا جارية
هاتيها، فأخذتها وأنا من أحسن الناس حالا " بناء على أن ذلك قد
كان في مكة.
وخبر الفضيل بن غزوان (1) قال " كنت عند أبي عبد الله
(عليه السلام) فقال له الطيار: إن حمزة ابني وجد دينارا في الطواف
قد انسحق كتابته، قال: هو له ".
وقد تقدم ما في مرسل الفقيه (2): إن وجدت في الحرم دينارا مطلسا
فهو لك، لا تعرفها ".
وخبر محمد بن رجاء الخياط (3) قال: " كتبت إلى الطيب (عليه
السلام) إني كنت في المسجد الحرام فرأيت دينارا فأهويت إليه لآخذه
فإذا بآخر، ثم نحيت الحصى فإذا أنا بثالث فأخذتها وعرفتها ولم يعرفها
أحدا، فما ترى في ذلك؟ فكتب (عليه السلام): إني فهمت ما ذكرت
من أمر الدنانير، فإن كنت محتاجا فتصدق بثلثها، وإن كنت غنيا
فتصدق بالكل ".
إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بالجواز من
النظر فيها وترك التعرض في جملة منها للنهي عن ذلك، والتعبير بلفظ

(1) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 7 - من كتاب الحج.
287

" لا يصلح " ولا ينبغي " والتعليل بالتعريف والتفصيل بأنه " لا يأخذها
إلا مثلك " واتحاد التعبير عنها مع التعبير عن لقطة غير الحرم المعلوم
كون ذلك منه للكراهة، لعدم القائل بالحرمة أو ندرته، بل يمكن دعوى
القطع بفساده أو الضرورة فضلا عن الاجماع وغير ذلك مما لا يخفى على
من رزقه الله معرفة لسانهم ورموزهم الذي ذكروا فيه أنه " لا يكون
الفقيه فقيها حتى نلحن له في القول فيعرف ما نلحن له " (1) فإن
سردها أجمع يشرف الفقيه المزبور على القطع بجواز الالتقاط، ولكنه
مكروه أشد من الكراهة في غير الحرم، إلا إذا كان مأمونا فلا كراهة
أو هي أخف.
ومن الغريب ما في الرياض من اتعاب نفسه وشدة إطنابه في بيان
تنقيح دلالتها على الحرمة بعد دعوى انجبار أسانيدها بالشهرة الظاهرة
والمحكية والاعتضاد بالأصل قال: " ولا ينبغي. وإن أشعر بالكراهة إلا
أن " بئس ما صنع " أظهر دلالة على الحرمة منه على الكراهة، على
أن استعمالها في الحرمة أو الأعم شائع، لا أنها صريحة فيها، ودلالة
" إن لا يأخذها إلا مثلك " غير نافعة للقائلين بالكراهة، لعدم تفصيلهم؟
بين الفاسق والعدل، نعم ربما يوجد هذا التفصيل في كلام بعض القائلين
بالحرمة، فتكون ضارة لهم لا نافعة، ونصوص النهي عن مطلق اللقطة تؤيد
الحرمة التي هي الأصل في النهي، والخروج عنه في لقطة غير الحرم؟
للاجماع وغيره لا يقتضي الخروج عنه فيه، ولو سلم إرادة غير الحرم
منه لندرة الحرم بالنسبة إلى غيره التي تمنع من حمل الاطلاق عليها؟
يقتضي الخروج عن حقيقة النهي هنا، وخبر " لا يصلح " ظاهر

(1) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب صفات القاضي - الحديث 5 من كتاب
القضاء، مع اختلاف في اللفظ.
288

أرض منى خاصة ولا قائل به، فليطرح أو يؤل بحمل " لا يصلح "
على الحرمة، ويلحق مكة وما في الحرم بمنى بعدم القائل بالفرق بين
الطائفة، ولا محذور، ولا كذلك لو بقي على ظاهرها من الكراهة، إذ
عدم القول بالفرق المزبور إنما يتم به الكراهة في لقطة جميعه، ولا يدفع
محذور اختصاصها به، فإن مقتضاه عدم الكراهة في لقطة غيره، ولا قائل
به، وحمل " لا يصلح " على تأكد الكراهة وإن أمكن ويندفع به هذا
المحذور إلا أنه مجاز كالحمل على الحرمة لا يمكن اختياره خاصة إلا
بعد قرينة معينة هي في الرواية مفقودة اللهم إلا أن يقال: إنه أقرب
المجازين إلى أصل الكراهة الذي هو الحقيقة، لكنه معارض بظهور
الروايات السابقة في الحرمة مع اشتهارها بين الطائفة، كما اعترف به هو
وغيره وأخبارهم (عليهم السلام) يكشف بعضها عن بعض، فإن لم
يكن الحمل بهذا راجحا على الحمل الآخر فلا أقل من التساوي بينهما،
وهو يوجب الاجمال المنافي للاستدلال ".
إلا أن الجميع كما ترى، ولعل الذي دعاه إلى هذا التجشم تخيله
الشهرة، وقد عرفت أنها غير محققة، بل عرفت دعوى الاجماع من الشيخ
وغيره على عدم الحرمة على الوجه الذي ذكره.
والمناقشات المزبورة - مع أن فيها ما فيها بل الأخير منها واضح
الفساد بعد ما عرفت من أن الخبر سأله وهو بمنى، لا أن اللقطة بخصوص
منى - لا تنافي انسياق الجواز من مجموعها على وجه لا ترفعه المناقشات
المزبورة، والله العالم.
* (و) * كيف كان فبناء على جواز الالتقاط في الحرم * (لا يحل
إلا مع نية الانشاد) * لظاهر النبويين السابقين (1) المستفاد منهما أيضا

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 199.
289

خصوصية الحرم بالنسبة إلى ذلك.
ولكن قد يقال: إن المراد عدم جواز التملك، وإلا فلا فرق بين
الحرم وغير في عدم جواز الالتقاط مع عدم نية التعريف، لأصالة حرمة
التصرف في مال الغير المقتصر في الخروج منها على المنساق المتيقن، وهو
المجامع لنية الانشاد.
اللهم إلا أن يقال: باطلاق الإذن بالالتقاط وإطلاق وجوب التعريف
من دون تقييد للأول بالثاني وإن وجب العزم عليه باعتبار كونه من أحكام
الايمان، فيفرق حينئذ بين لقطة الحرام وغيره بذلك، ولذا اقتصر
المصنف عليه فيه دون غيره.
ولكن فيه أنه يمكن التزام ذلك فيهما معا بعد ما عرفت من كون
المراد بالنبويين عدم التملك لا ما نحن فيه، خصوصا بعد إشعار خبر
الكيس بذلك في الجملة.
* (و) * على كل حال فلا خلاف في أنه * (يجب تعريفها حولا
(كاملا خ)) * بل في الغنية الاجماع عليه، بل قيل: لعله الظاهر من
الخلاف أيضا، مضافا إلى ما سمعته من النصوص وإلى ما جاء في التعريف
في مطلق اللقطة، بل لعل في التعريف إشعارا بجواز الالتقاط وإلا لم يقيد
بالسنة، وليس هو تعريف اللقطة، لما عرفته من كون الحرمة من قسم
العدوان، اللهم إلا أن يقال إن ذلك للنصوص المزبورة، وفيه أن حملها
على الجواز مع التعريف أولى من حملها على الحرمة معه، كما هو واضح.
وعلى كل حال * (فإن جاء صاحبها) * دفعها إليه * (وإلا تصدق
بها أو استبقاها أمانة، وليس له تملكها) * بلا خلاف أجده في الأخير
إلا ما سمعته من المحكي عن التقي الذي قد تقدم الاجماع من الفاضل على
خلافه.
290

مضافا إلى الأصل المعتضد بخلو كثير من النصوص المزبورة، بل
ظاهر بعضها (1) أو صريحة ذلك وأنه الفارق بين الحرم وغيره.
ومكاتبة ابن رجاء (2) يمكن حملها على أن ذلك إذن منه بعد العلم
باليأس عن معرفة المالك.
وكذا خبر الفضيل بن غزوان (3) ومرسل الفقيه (4) اللذين لم نجد
بهما عاملا على غير الوجه المزبور إلا ما حكي عن نادر.
وإطلاق ما دل على التملك في مطلق اللقطة مع أن المنساق منه في
غير الحرم مقيد بما عرفت.
وأما التخيير المزبور فقد صرح به الشيخ وابنا زهرة وإدريس
والفاضلان والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك
أنه المشهور، بل في الغنية الاجماع عليه، لكن لم أجده في شئ مما وصل
إلي من النصوص.
نعم في الخبرين (5) السابقين الأمر بالتصدق الظاهر في التعيين
كالمحكي عن اقتصار المقنع والمقنعة والنهاية والمراسم، اللهم إلا أن يقال
بقرينة الاجماع المزبور يحمل الأمر على الوجوب التخييري، خصوصا مع
ملاحظة ما سمعته في الشاة.
ولعل التخيير المزبور المحكي عن بعض القائلين بالحرمة أيضا ظاهر

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 3 - 7
من كتاب الحج.
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 3 - 7
من كتاب الحج.
(3) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(4) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
(5) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 والباب - 28 - من أبواب
مقدمات الطواف - الحديث 4 من كتاب الحج.
291

أو صريح في جواز الالتقاط، ضرورة المنافاة بين حرمته وإبقائها أمانة
التي اعترف غير واحد بالتعبير بها من القائلين بالكراهة والتحريم،
والله العالم.
* (ولو تصدق بعد الحول فكره المالك فيه قولان، أرجحهما) *
عند المصنف * (أنه لا يضمن) * للأصل، و * (لأنها) * في يده
* (أمانة وقد دفعها دفعا مشروعا) * فلا يتعقبه ضمان، وفاقا للشيخين
في المقنعة والنهاية وابني حمزة وزهرة وسلار والآبي والفاضل وأبي العباس
وغيرهم على ما حكي عن بعضهم بل في النافع أنه الأشهر، بل في الغنية
ومحكي الخلاف الاجماع عليه وإن كنا لم نتحقق الثاني منهما.
لكن في الكفاية أن الأشهر الضمان، بل في المسالك أنه المشهور،
بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، بل في محكي السرائر أنه الحق
اليقين، ولعله لخبر ابن حمزة (1) المنجبر بما عرفت، وعموم " على
اليد " (2) وأولويته منه في لقطة غير الحرم، بل ينبغي القطع به بناء
على الحرمة في صورة العمد، ضرورة كون يده حينئذ عادية، ويتم بعدم
القول بالفصل في غير صورة العمد.
ومن ذلك يعرف ما في إطلاق القائل بالتحريم أن العين أمانة،
واحتمال إرادته حرمة نفس الالتقاط وإن صارت أمانة بعد ذلك كما صرح
به الفخر كما ترى، إذ هو استيلاء على مال الغير بلا إذن شرعية ولا مالكية،
وليس العدوان إلا هذا، ولا ينافيه الأمر بالصدقة به مع الضمان وإن
كان ذلك كله مؤيدا للقول بالكراهة، كما أومأنا إليه سابقا،، وعدم تعقب
المأمور به شرعا الضمان لو سلم كون الأصل كذلك يدفعه الخبر (3) المزبور

(1) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 وهو خبر ابن أبي حمزة.
(2) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب الغصب - الحديث 4 وسنن البيهقي ج 6 ص 95.
(3) الوسائل - الباب - 17 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 وهو خبر ابن أبي حمزة.
292

المنجبر بما عرفت، فيكون كلقطة غير الحرام.
ومن الغريب ما في جامع المقاصد، فإنه بعد أن ذكر القولين
واختار الضمان منهما قال: " هذا إن أخذ المال على قصد الالتقاط - يعني
التملك والاكتساب - فإن أخذه على قصد الحفظ للمالك فالذي يحضرني
أن المصنف في التذكرة قال: إن أخذها على هذا القصد جائز، وادعى
الاجماع، فعلى هذا يضمن أم لا؟ ينبغي الضمان " ضرورة ظهور بعض
كلام الأصحاب أو جميعه في بناء الضمان وعدمه على قولي الحرمة والكراهة.
قال في التحرير الذي هو غالبا محط نظره بعد أن ذكر القول
بالحرمة والكراهة: " وعلى التقديرين إن أخذه وجب عليه الأخذ بنية
الانشاد، ولا يجوز أخذه بنية التملك لا قبل الحول ولا بعده، فإن
أخذه على هذا الوجه كان ضامنا، وإن أخذ بنية الانشاد وجب عليه
التعريف سنة، فإن جاء صاحبه وإلا تخير بين احتفاظه دائما وبين الصدقة،
فإن تصدق به ففي الضمان قولان، أقربهما يضمن " وبذلك كله بان لك
أن الضمان أقوى.
نعم لو اختار حفظها فتلفت بلا تعد ولا تفريط اتجه عدم الضمان
على المختار، لكونها حينئذ أمانة كغيرها، بل صرح غير واحد من
القائلين بالتحريم بذلك أيضا، معللين له بأنها أمانة وأنه محسن، فلا سبيل
عليه، وقد عرفت ما فيه من الاشكال.
وفي جامع المقاصد في شرح قول الفاضل: " لا ضمان مع اختيار
الاحتفاظ ": " أي بعد التعريف، لأن محسن، هذا إن كان أخذه لها على
قصد الحفظ واضح، فأما إن أخذها على قصد الالتقاط فكيف تكون
يده يد أمانة مع أنه عاد بأخذها، ويمكن أن يقال: إن الالتقاط لا يقتضي
التملك جزما، ولهذا لا يملك لقطة غير الحرم بعد التعريف إلا بالنية
293

واللفظ على الخلاف، فلا يدخل في ضمانه من أول الأمر، لأن مجرد أخذ
اللقطة لا ينافي الحفظ دائما، فحينئذ يكون أخذ لقطة الحرم غير مناف
للحفظ والأمانة وإن حرم من حيث إن الالتقاط اكتساب، ويشكل على
هذا كون الأخذ محرما، فكيف يكون أمانة ".
ولكنه كما ترى، ولا يبعد كون العبارة غلطا، وإلا فشأنه أجل
من ذلك، إذ قد عرفت ضمان لقطة الحرم بنية التملك من أول الأمر.
وإنما الكلام فيما إذا التقطها بنية الانشاد وقد عرفها حولا ولم يتصدق بها
بل اختار احتفاظها، فإن قلنا بالحرمة اتجه الضمان للعدوان، وإلا فالمتجه
عدمه، للأمانة والاحسان، فالكلام المزبور أجنبي عن ذلك.
ثم إنه لم أجد من ذكر هنا أن من التخيير له أن يدفعها إلى الحاكم
الذي جعلوه بحكم ولي الذات، فيتجه حينئذ براءته من الضمان مع فرض
العدوان بالتقاطها، نحو ما سمعته منهم في التقاط البعير الممنوع عن
التقاطه، ولعلهم تركوه اتكالا على ما ذكروه هناك، وإن كان قدمنا
الكلام معهم فيه، والله العالم.
هذا كله في لقطة الحرم.
* (وإن وجدها) * أي لقطة الأزيد مما دون الدرهم * (في غير
الحرم عرفها حولا) * مع إرادة التملك بعده أو مطلقا كما ستعرف
البحث فيه * (إن كان) * الملتقط * (مما يبقي كالثياب والأمتعة والأثمان) *
ونحوها مما لا يفسد ببقائه في الحول المزبور، بلا خلاف أجده فيه كما
اعترف به في كشف الرموز، بل عن الخلاف والمبسوط والغنية وظاهر
التذكرة الاجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة (1) التي فيها الصحيح وغيره
وقد مر جملة منها في تضاعيف المباحث السابقة وتأتي أخرى إنشاء الله تعالى،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
294

بل يمكن دعوى القطع بذلك منها وإن لم يكن على جهة التواتر المصطلح.
* (ثم هو مخير بين تملكها وعليه ضمانها، وبين الصدقة بها عن
مالكها و) * لكن * (لو حضر المالك وكره الصدقة لزم الملتقط ضمانها إما
مثلا أو (وإما خ ل) قيمة، وبين إبقائها في يد الملتقط أمانة لمالكها
من غير ضمان) * إلا بتعد أو تفريط ونحوهما في مدة الحول، كما صرح
بذلك الشيخ وابن زهرة والفاضل والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن
بعضهم، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في الغنية ومحكي الخلاف
الاجماع عليه.
نعم عن المقنع الاقتصار على جعلها كسبيل المال بعد التعريف،
وعن المقنعة والمراسم الاقتصار على ذكر التصرف المراد به الملك، وعن
الوسيلة التخيير بين التصرف والحفظ لصاحبها لا غير، وفي النهاية
ومحكي السرائر الاقتصار على التملك والصدقة، بل في الأخير إجماع أصحابنا
على ذلك، وأنه الحق اليقين، بل منع من الابقاء أمانة، وقال: " إنه
مذهب الشافعي - إلى أن قال -: إن التخيير بين الثلاثة خلاف مذهبنا
وقول أصحابنا ورواياتهم ".
بل مقتضي ما حكاه في الدروس عنه الانحصار في التملك، قال
فيها، " وقيل: يملكها بعد الحول بغير نية ولا اختيار ويضمن " وهو
ظاهر النهاية والمقنعة وخيرة الصدوقين وابن إدريس ناقلا فيه الاجماع.
وفي الخلاف " لا بد من النية واللفظ فيقول: قد اخترت تملكها ".
وفي المبسوط " تكفي النية " والروايات محتملة للقولين، وإن كان
الملك بغير اختياره أشهر، وتظهر الفائدة في اختيار الصدقة والنماء المتجدد
والجريان في الحول والضمان، ثم هل يملكها بعوض في ذمته أو
295

بغير عوض ثم يتجدد بمجئ مالكها؟ في الروايات احتمال الأمرين،
والأقرب الأول،، فيلحق بسائر الديون " انتهى.
ولا ريب في حصول الملك القهري بتمام التعريف حولا بناء على
ما حكاه عنه، فلا صدقة عن المالك بها ولا أمانة، لكنه خلاف ما حكاه
غيره عنها، كما أن ما حكاه من الأشهر لم أتحققه.
بل في المختلف والتذكرة والمسالك والروضة وغيرها حكاية الشهرة
بخلافه، بل في الغنية الاجماع على ذلك، وستسمع تحقيق الحال فيه إنشاء الله
عند تعرض المصنف له.
وكيف كان فلا إشكال في استفادة الفرد الأول منها من النصوص،
مضافا إلى عدم الخلاف فيه، بل الاجماع بقسميه عليه.
ففي خبر أبي خديجة (1) السابق المتقدم في المملوك " ينبغي للحر
أن يعرفها سنة في مجمع، فإذا جاء طالبها دفعها إليه وإلا كانت في
ماله فإن مات كانت ميراثا لولده ولمن ورثه، فإن لم يجئ لها طالب
كانت في أموالهم هي لهم، إن جاء لها طالب دفعوها له ".
بل قيل بإرادة الملك من كل خبر اشتمل على كونها بعد التعريف
" كسبيل المال " نحو خبر داود بن سرحان (2) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " في اللقطة يعرفها سنة ثم هي كسائر ماله " وخبر حنان بن
سدير (3) " سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن اللقطة وأنا
أسمع، قال: تعرفها سنة، فإن وجدت صاحبها وإلا فأنت أحق بها،
وقال: هي كسبيل مالك، وقال: خيره إذا جاء بعد سنة بين أجرها
وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها ".

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 11 - 5.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 11 - 5.
296

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى تواترها بالنسبة إلى ذلك
وإن كان لا يخلو من نظر، كما ستعرفه في ما يأتي إنشاء الله تعالى في
المسألة الرابعة.
وأما الثاني فكذلك أيضا، ففي خبر حفص بن غياث (1) سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل من المسلمين أودعه رجل من
اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم هل يرده عليه؟ فقال: لا يرده
عليه، فإن أمكنه أن يرده على أصحابه فعل، وإلا كان في يده بمنزلة
اللقطة يصيبها، فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه وإلا
تصدق بها، فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن
اختار الأجر فله الأجر وإن اختار الغرم فله الغرم ".
وفي خبر كثير (2) " سأل رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن
اللقطة، فقال: يعرفها، فإن جاء صاحبها دفعها إليه وإلا حبسها حولا،
فإن لم يجئ صاحبها أو من يطلبها تصدق بها، فإن جاء صاحبها بعد ما
تصدق بها إن شاء اغترمها الذي كانت عنده وكان الأجر له، وإن
كره ذلك احتسبها والأجر له " إلى غير ذلك.
وأما الثالث فيدل عليه - مضافا إلى الاجماع المحكي المعتضد بالشهرة -
صحيح ابن مسلم (3) عن الباقر (عليه السلام) " سألته عن اللقطة فقال:
تعرفها سنة، فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك، يجري
عليها ما يجري على مالك حتى يجئ لها طالب، فإن لم يجئ لها طالب
فأوص بها في وصيتك " بناء على أن المراد بجعلها عرض المال حفظها
فيه من غير عزل لها عنه.

(1) الوسائل - الباب - 18 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 10.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 10.
297

قال الكاشاني: " أي في جملته وفي ما بينه، من غير مبالاة بترك
عزلها عنه، فإن مثل هذه اللفظة تستعمل في مثل هذا المعنى، يقال: يضربون
الناس عن عرض: أي لا يبالون من ضربوا، وفي حديث ابن الحنفية (1)
كل الجبن عرضا: أي اعترضه واشتره ولا تسأل عمن عمله ".
وصحيح علي بن جعفر (2) " سأل أخاه موسى (عليه السلام) عن
الرجل يصيب درهما أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال: يعرفها سنة،
فإن لم يعرف جعلها في عرض ماله حتى يجئ لها طالب فيعطيها إياه،
وإن مات أوصى بها، وهو لها ضامن " بناء على إرادة أن ردها إذا
جاء الطالب في عهدته من الضمان، لا أن المراد قيمتها في ذمته وهي
ملك له، فإنه لا يناسب ما سبق من الحديث.
كل ذلك مضافا إلى انسياق الإباحة من الأمر بالصدقة والتملك
باعتبار ورودهما في مقام توهم الحظر.
وإلى معلومية عدم وجوب التملك عليه بالقيمة والصدقة مع الضمان،
بل لعل الابقاء أمانة من الاحسان الذي لا اعتراض عليه فيه، بل قد
يدعى أن ذلك هو الأصل فيها.
وإلى ما تقدم في الضالة والانفاق عليها التي يمكن دعوى كون المقام
أولى منها بذلك.
هذا ولكن في الرياض " أن الثالث لم يرد به نص، كأصل التخيير
بينه وبين أحد الأمرين، لظهور النصوص الواردة فيها في تعين أحدهما
لا التخيير مطلقا، إلا أنه قيل: يفهم الاجماع عليه في التذكرة، فإن تم
وإلا كان مشكلا، لما يأتي من الخلاف في توقف التملك، على النية أو

(1) الوافي المجلد الثالث - ج 10 - ص 47.
(2) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
298

حصوله قهرا، وعليه لا معنى للابقاء أمانة ".
قلت: ولا الصدقة عن المالك بعنوان أنه ماله، على أنك ستعرف
إنشاء الله تعالى ما في القول المزبور، والله العالم.
هذا كله إذا كانت اللقطة مما تبقى حولا.
* (و) * أما * (لو كانت مما لا يبقى كالطعام) * والرطب الذي
لا يتمر والبقول ونحوها * (قومه على نفسه وانتفع به) * بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، لخبر السكوني (1) بل قويه " عن
سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها
وفيها سكين، قال تقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد وليس له
بقاء " إلى آخره ".
وفي آخر (2) " فإن وجدت طعاما في مفازة فقومه على نفسك
لصاحبه ثم كله، فإن جاء صاحبه فرد عليه القيمة ".
نعم قد يقال بعدم اعتبار التقويم على النفس وإن كان هو المذكور
في كلام الأكثر - بل لم يذكر أحد قبل الفاضل بيعه على غيره - واشتمل
عليه ما في الخبرين الذي يمكن تنزيل أولهما عليه.
لكن معقد إجماع الغنية التصرف فيه والتعليل في الأول واحتمال
جريان التقييد مجرى الغالب من عدم وجود غيره في المفازة والقطع بعدم
الفرق بينه وبين غيره يؤيد الأول.
ولذا صرح الفاضل والكركي وثاني الشهيدين وغيرهم بجواز بيعه وحفظ
ثمنه، بل عن ظاهر التذكرة الاجماع على التخيير بين البيع وتعريف الثمن
وبين التقويم والتملك والتعريف حولا.

(1) الوسائل - الباب - 23 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
299

وكأنه فهم ممن تقدمه إرادة المثال من التقويم على النفس، إلا أن
مقتضى ذلك عدم اعتبار كون البيع من الحاكم.
لكن فيها " لا يجوز له بيعه بنفسه مع وجود الحاكم لأنه مال الغير،
ولا ولاية له عليه ولا على مالكه، فلم يجز بيعه إلا له كغير الملتقط ".
بل قال فيها: " إذا باع بدون إذنه مع وجوده كان البيع باطلا ".
وهو وإن كان أحوط إلا أن مقتضى إرادة المثالية في النص والفتوى
جواز تولي ذلك مطلقا، كما يقومه على نفسه من غير إذن الحاكم، بل
لعل ثبوت ولاية التملك له والصدقة بعد التعريف يومئ إلى ذلك.
بل لعل ثبوتها له مع تعذر الحاكم يومئ إليه أيضا، ضرورة عدم
ثبوتها في غير المقام لغير الحاكم مع تعذره، بل يبقى الشئ معطلا، إلا
إذا حصل عدول المؤمنين وقلنا بثبوت ولايتهم حينئذ.
بل قد عرفت سابقا منا قوة القول بما يستفاد من صحيح الجارية (1)
المشتمل على حل بيعها لمن التقطها بما أنفق عليها.
ودعوى أن التقويم على النفس يحتاج إلى الحاكم أيضا مع وجوده
فلا يتم الاستظهار المزبور يدفعها ظهور النص والفتوى في خلافه، حتى
من التذكرة التي هي العمدة في الخلاف قد أطلق فيها جواز الأكل له مع
التقويم، واعتبر الحاكم في البيع.
ولذا أشكله الكركي بعدم الفرق بينهما في الاشتراط وعدمه وإن قال:
إن مراجعة الحاكم فيهما أوجه لكن فيه ما لا يخفى. ومنه يعرف النظر فيما
في الرياض من انسحاب الخلاف إليه.
وعلى كل حال فلا ريب أن الثمن حينئذ أمانة مع قبضه لا يضمنه
إلا بالتعدي أو التفريط، وله عدم إفرازه عما في ذمته، لاطلاق النص

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 8.
300

والفتوى، بل ربما يكون في بعض الأحوال أولى من جهة عدم خشية
التلف عليه.
والمدار في القيمة على يوم الأكل لا يوم الأخذ ولا أعلى القيم،
وهل له ذلك من أول الأمر أو لا بد من التأخير إلى آخر زمان الخوف
من الفساد؟ وجهان، أحوطهما بل أقواهما الثاني، وعن جماعة الجزم بأنه
لا يجوز له إبقاء ذلك حتى يتلف، فإن فعل ضمن، بل نفى الريب
عنه الكركي.
وهو متجه مع إمكان الدفع إلى الحاكم أو البيع على الغير، أما مع
فرض انحصار الأمر في التقويم على نفسه فقد يشكل بأن الأصل يقتضي
عدم وجوبه، والأمر في الخبرين (1) للرخصة، لأنه في مقام توهم
الحظر، فلا يراد منه الالزام، خصوصا مع التضرر بذلك.
هذا كله مع اختياره البقاء عنده * (وإن شاء دفعه إلى الحاكم) *
كما صرح به الشيخ والمصنف ومن تأخر عنه، بل ربما ظهر من التذكرة
عدم المخالف فيه إلا أحمد * (و) * لا ينافي ذلك توجه الخطاب إليه
في الخبرين (2) ضرورة ثبوت ولاية الحاكم على مثل ذلك. بل صرح
أكثر من عرفت بأنه * (لا ضمان) * معه.
أما التعريف فهو كغيره من اللقطة يقوى عدم سقوطه عنه، كما
صرح به الفاضل، لاطلاق دليله واستصحابه، مع احتمال العدم، بناء
على أنه كولي الذات الذي لا تعريف مع الوصول إليه.
وعلى كل حال فظاهر الأصحاب بقاء التعريف في مفروض المسألة،
بل صرح به بعضهم، لاطلاق دليله الذي لا ينافيه التصرف المزبور فيه

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9 والباب - 23 - منه الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9 والباب - 23 - منه الحديث 1.
301

قبله، وهو المراد مما في معقد إجماع الغنية السابق لا سقوط التعريف،
كما هو واضح فيعرفه حينئذ نفسه دون الثمن الذي هو عوض الملتقط،
والله العالم.
* (ولو كان بقاؤها) * أي اللقطة * (يفتقر إلى العلاج كالرطب
المفتقر إلى التجفيف يرفع خبرها إلى الحاكم) * الذي هو الولي * (ليبيع
بعضا وينفقه في إصلاح الباقي، وإن رأى الحاكم الحظ في بيعه) * أجمع
* (وتعريف ثمنه جاز) * كما عن الشيخ والفاضل التصريح بذلك كله.
لكن قد يناقش في تعيين ذلك بما عرفت من ثبوت الولاية للملتقط
على فعل ذلك، ولعله لذا خيره في محكي التحرير والدروس بين ذلك
وبين فعله، بل عن موضع من التذكرة ذلك أيضا، بل في المسالك
هو حسن.
وكيف كان فمن هذا القسم الثوب الذي لا يبقى إلى آخر الحول إلا
مع مراعاته بالهواء ونحوه كالصوف، فيجب حينئذ مراعاته، إلا أن ما لا
يبذل في مقابله أجرة في العادة من العمل يجب على الملتقط تبرعا إن لم
يدفعه إلى الحاكم، والله العالم.
* (وفي جواز التقاط النعلين والإداوة والسوط خلاف، أظهره
الجواز مع كراهية) * وفاقا للمشهور، بل لم يحك الخلاف في الثلاثة
إلا عن صريح الحلبي وظاهر الصدوقين وابن حمزة وظاهر سلار في الإداوة
وزيادة المخصرة.
وعلى كل حال فلا دليل لهم إلا خبر عبد الرحمان (1) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن النعلين والإداوة والسوط يجده الرجل
في الطريق أينتفع به؟ قال: لا يمسه " ونحوه آخر (2)

(1) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 3.
302

وهما وإن أمكن تصحيح سنديهما إلا أنهما مع ذلك قاصران عن إفادتها
على وجه يخرج به عن إطلاق ما دل على الجواز مما هو أولى من ذلك
مما تكثر قيمته، كقوله (عليه السلام) في مرسل الصدوق (1) " أفضل
ما يستعمله الانسان في اللقطة إذا وجدها أن لا يأخذها ولا يتعرض لها "
وغيره المعتضد بعمل الأصحاب عدا من عرفت.
بل وخصوص حسن حريز (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" لا بأس بلقطة العصا والشظاظ والوتد والحبل والعقال وأشباهه، قال:
وقال أبو جعفر (عليه السلام): ليس لهذا طالب " بناء على دخول
الثلاثة في قوله (عليه السلام): " وأشباهه " فضلا عما هو كالتعليل
له من قوله (عليه السلام): " ليس لهذا طالب " وإن كان فيه ما
فيه كما تسمعه.
ولكن عليه يستفاد منه عدم الكراهة أو عدم شدتها فيها، وهو
مناف لفتوى المشهور، اللهم إلا أن يكون وجهه أن فتوى من عرفت
بالحرمة يوجب مزيد مرجوحية لالتقاطها وإن لم نقل بها.
بل ربما كان في التقاطها مرجوحية أخرى إذا كانت من الجلود،
بناء على ما ذكره غير واحد من الحكم بكونه ميتة حينئذ وإن لم نقل به
نحن إذا كان في أرض الاسلام.
قال في المسالك هنا: " ولا يخفى عليك أن الأغلب على النعل أن
يكون من الجلد، والإداوة بالكسر: هي المطهرة، وهي تكون من
الجلد أيضا، وكذا السوط أيضا، وإطلاق الحكم بجواز التقاطها إما
محمول على ما لا يكون منها من الجلد، لأن المطروح منه مجهولا ميتة،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
(2) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
303

لأصالة عدم التذكية، أو محمول على ظهور أمارات تدل على ذكاته،
فقد ذهب بعض الأصحاب إلى جواز التعويل عليها، وإطلاق النهي عن
مسها يجوز أن يستند إلى ذلك، إلا أن الأصحاب فهموا منه خلافه ".
قلت: وكفى بفهمهم حجة على أن ما يوجد في أرض الاسلام وفيه
أثر الاستعمال محكوم بكونه مذكى، ومنه خبر السفرة (1) وفي الرياض
هنا نسبته إلى اتفاق النص والفتوى، وحينئذ يتجه عدم الاختصاص بالثلاثة،
بل هو في كل جلد وشبهه.
وقد يقال: إن شدة الكراهة في الثلاثة لاختصاصها بالنهي وإن
كان هو جوابا للسؤال عنه، خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن.
بل قد يقال: إن مراد المصنف ونحوه بيان أصل الكراهة في مقابل
القول بالحرمة لا شدتها، نعم يرد ذلك على من صرح بها.
* (وكذا) * الكلام في قوله: يكره التقاط * (العصا والشظاظ
والوتد والحبل والعقال وأشباه هذه من الآلات التي يعظم نفعها وتصغر
قيمتها) * بلا خلاف أجده في شئ من ذلك إلا ما يحكى عن الحلبي
أيضا من حرمة الشظاظ الذي لم نجد له ما يدل عليه.
بل في الحسنة (2) المزبورة ما يدل على خلافه، بل وعلى عدم
الكراهة أو شدتها في نحو ذلك بناء على إرادة عدم الاعتناء بها من
قوله (عليه السلام) فيها: " ليس لهذا طالب ".
اللهم إلا أن يكون المراد منه أن الناس الملتقطين لا يطلبونه، لأنه
لا اكتساب فيه مع قلة قيمته وكثرة نفعه، فيكون كلاما مستقلا،
لا أنه كالتعليل للأول.

(1) الوسائل - الباب - 23 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 12 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
304

وربما يؤيده ما يظهر من المحكي عن المفيد من أن الوجه فيها أن
فقدها قد يؤدي إلى هلاك صاحبها، لأن الإداوة يحفظ ما يقوم به الرمق
والحذاء يحفظ رجل الماشي من الزمانة والآفات، والسوط يسير البعير،
فإذا تلف خيف عليه من العطب.
ومنه حينئذ يتجه الكراهة في العنوان المزبور. الذي ذكره المصنف
وغيره وإن كان هو كما ترى، ولعل الأولى الاكتفاء بفتوى من صرح
بالشدة للتسامح، وأما ما أرسله في المسالك من النهي فلم نتحققه.
هذا ومن الغريب ما في التنقيح من أن تحقيق المقام في هذه أجمع
الحرمة مع بلوغ النصاب، والكراهة الزائدة على كراهة أصل الالتقاط
مع عدمه، إذ هو كما ترى يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، والله العالم.
* (و) * كيف كان فقد عرفت سابقا ما يدل على أنه * (يكره
أخذ اللقطة مطلقا) * بل في المتن وغيره * (خصوصا للفاسق) * الذي
لا يأمن على نفسه القيام بحدودها، وربما كان في بعض نصوص لقطة
الحرم (1) نوع إيماء إليه وإن كان ستعرف ما فيه.
وأما لو علم الخيانة ففي القواعد والدروس وغيرهما الحرمة، لأن
الأخذ الذي يكون وسيلة إلى الحرام حرام.
لكن في التذكرة " إذا علم الخيانة من نفسه حرم، وأما الأمين في
الحال إذا علم أنه إذا أخذها خان فيها وفسق فالأقرب الكراهة الشديدة
دون التحريم " ونحوه ما في التحرير من أنه " لو علم الخيانة من نفسه
فالأقرب شدة الكراهة لا التحريم ".
وهو كما ترى، بل في القواعد ولو خان ففي الجواز نظر، بل في
الإيضاح أن الأصح التحريم.

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 2 و 5 من كتاب الحج.
305

وفي جامع المقاصد أنه أولى، لأن الخلاف من الوقوع في المحرم
الموجب للنار يجب دفعه باجتناب ما يقتضيه، ولأن الأمانة لا تليق لمن
لا يثق بنفسه، وإن كان فيه ما لا يخفى من عدم الحرمة، ولذا جزم
بالكراهة في الدروس، للأصل وعدم معلومية تحقق المانع.
اللهم إلا أن يثبت من دليل خارج في كل ما علم ترتبها عليه بسوء
اختياره أو يخاف من ذلك، كما ذكروه في وجوب النكاح على من يخاف
على نفسه الوقوع في المحرم باختياره مع الترك.
بل ذكروه في غير ذلك من قبول الولاية من الجائر وفي تولي القضاء
ونحوه، بل لعل جملة من النصوص تشعر بذلك، بل ربما كانت ظاهرة
فيه أو صريحة.
هذا كله فضلا عن احتمال انسياق إطلاق أدلة الإذن بالالتقاط
لغيره، فيحرم حينئذ للأصل.
وبذلك كله ظهر لك الحال في جميع صور المسألة، وهي الخيانة
حال الالتقاط، ولا ريب في الحرمة، والعلم بها بعد ذلك، والخوف
منها بعد ذلك أيضا، وغيرها.
* (و) * كيف كان فقد ذكر غير واحد أنها * (يتأكد) * أيضا
* (فيه مع العسر) * الذي قد يكون سببا لعدم وصولها إلى مالكها لو
ظهر، بل صرح بعض بتأكدها فيه أيضا وإن لم يكن فاسقا، والأمر
في ذلك كله سهل بعد التسامح، وإلا فقد يشكل إثبات الحكم الشرعي بمثل
ذلك، خصوصا بعد صحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه (عليه السلام)
" عن اللقطة يجدها الفقير هو فيها بمنزلة الغني، فقال: نعم، قال:
وكان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول لأهله: لا تمسوها " والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
306

* (ويستحب الاشهاد عليها) * إجماعا في محكي الخلاف وعند علمائنا
في محكي التذكرة، وهو كذلك، فإني لم أجد خلافا بيننا في عدم الوجوب.
نعم عن أبي حنيفة والشافعي في أحد قوليه ذلك، ولعله للأمر في
المروي من طرقهم (1) " من التقط لقطة فليشهد عليها ذا عدل أو ذوي
عدل، ولا يكتم ولا يغيب " الذي لولا التسامح في الندب وفتوى
الأصحاب به - مؤيدا معه بأن فيه صيانة للنفس عن الطمع فيها وحفظا
لها عن الخلط بماله لو عرض له عارض - لكان قاصرا عن إثباته فضلا
عن الوجوب.
وينبغي له أن يعرف الشهود بعض الصفات دون الجميع مخافة
شياع أمرها، وربما احتمل ذكر جميع الصفات حتى يخلص من احتمال تملك
الوارث مثلا لو مات، والأمر في ذلك سهل وإن أطنب فيه بعض العامة،
والله العالم.
* (مسائل خمس:) *
* (الأولى:) *
* (ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد هلك أهلها فهو لواجده
ينتفع به بلا تعريف، وكذا ما يجده مدفونا في أرض لا مالك لها) *
سواء كان عليه أثر الاسلام أو لا.
وفي النافع " ما يوجد في خربة أو فلاة أو تحت الأرض فهو لواجده ".
ومزجه في الرياض " ما يوجد في أرض خربة قد جلا عنها أهلها

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 187.
307

بحيث لم يعرفوا، أصلا، أو في فلاة، أي أرض قفرة غير معمورة من
أصلها، أو تحت الأرض التي لا مالك لها ظاهرا فهو لواجده، فيملكه
من غير تعريف إجماعا إذا لم يكن عليه أثر الاسلام من الشهادتين أو اسم
سلطان من سلاطينه، وعلى الأقوى مطلقا وفاقا للنهاية والحلي وغيرهما ".
وفي الكفاية بعد أن ذكر الثلاثة التي في المتن قال: " والمشهور عدم
الفرق بين أن يكون عليه أثر الاسلام أو لم يكن ".
قلت: لم أتحقق الشهرة المزبورة فضلا عن الاجماع، إذ المحكي عن
المقنع " وإن وجدت لقطة في دار وكانت عامرة فهي لأهلها، وإن كانت
خرابا فهي لك ".
وفي النهاية " اللقطة على ضربين: ضرب منها يجوز أخذه، ولا يكون
على من أخذه ضمانه ولا تعريفه، وهو كل ما كان دون الدرهم، أو يكون
ما يجده في موضع خرب قد باد أهله واستنكر رسمه " ونحوه في التحرير
ومحكي السرائر.
وقال فيها أيضا " وإن وجد كنز في دار انتقلت إليه بميراث
عن أهله كان له ولشركائه في الميراث إن كان له شريك، فإن كانت
الدار انتقلت إليه بابتياع من قوم عرف البائع إن عرفه، وإلا أخرج
خمسه إلى مستحقه، وكان له الباقي، وكذلك من ابتاع بعيرا أو بقرة
أو شاة فذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا له قيمة عرفه ممن ابتاع
ذلك الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس،
وكان له الباقي، فإن ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة أو ما
أشبه ذلك أخرج منها الخمس، وكان له الباقي ".
وفي المقنعة " ومن وجد كنزا في دار " إلى آخر ما سمعته من
النهاية.
308

وفي الوسيلة " وإن وجد خافيا تحت الأرض في خراب لم يعرف له
صاحب أخرج منه الخمس، والباقي له، وإن عرف له مالك عرف،
فإن عرف رد عليه، وإن لم يعرف أخرج منه الخمس على ما ذكرنا "
إلى آخر ما ذكره.
وعن الغنية " وكذا إن وجد فيما لا يعرف له مالك من الديار
الدارسة " وإن كنت لم أتحققه فيما حضرني من نسختها.
وعن فقه الراوندي " وما يوجد في موضع خرب مدفونا لا من أثر
أهل هذا الزمان ".
وليس في شئ منها ذكر الثلاثة، والأصل في ذلك صحيح محمد
ابن مسلم (1) عن الباقر (عليه السلام) " سألته عن الدار يوجد فيها
الورق، فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهو لهم، وإن كانت خربة
قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به ".
وصحيحة الآخر (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " سألته عن
الورق يوجد في دار، فقال إن كانت الدار معمورة فيها أهلها فهي
لأهلها، وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت ".
وفي مرسل الفقيه (3) " وإن وجدت لقطة في دار وكانت عامرة
فهي لأهلها، وإن كانت خرابا فهي لمن وجدها ".
وقد تقدم موثق إسحاق بن عمار (4) المشتمل على قضية السبعين
درهما التي وجدها في بعض منازل أهل مكة.
وليس في شئ منها ذكر المفازة، بل لم أعثر عليه في شئ من
النصوص سوى ما سمعته من مرسل الفقيه (5) أيضا " فإن وجدت طعاما

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2 - 3.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
(4) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2 - 3.
(5) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
309

في مفازة فقومه على نفسك لصاحبه ثم كله، فإن جاء صاحبه فرد عليه
القيمة " وبه عبر في المقنعة والنهاية.
وهو غير ما نحن فيه قطعا، فليس حينئذ إلا إلحاق القسمين بالخربة
التي يمكن دعوى استفادة التعليل من تعليق الحكم عليها على وجه يشمل
غيرها مما كان نحوها.
ومن هنا قال في الكفاية: " والرواية مختصة بالدار، لكن لا يبعد
استفادة التعليل منها، فيلزم العموم، وفيه أيضا تخصيص بالورق ولم
أجد أحدا من الأصحاب قال بأحد القيدين ".
وفي الرياض بعد ذكرهما " وأخصيتهما من المدعى - باختصاصهما
بالورق والموجود في الدار الخربة، فلا يعمان مطلق اللقطة، ولا الموجود
منها تحت الأرض وفي المفاوز - مدفوعة بالاجماع المركب، مع إمكان
اندفاع الأخصية باعتبار الاختصاص بالأرض الخربة باستلزام ثبوت الحكم
في لقطتها إياها فيما عداها بطريق أولى ".
وكأنه أخذه من المقدس الأردبيلي، فإنه بعد أن ذكرهما قال:
" والظاهر أن لا خصوصية للورق، وكأنه إجماع ".
هذا في الخربة، وكأنه حمل عليه المفاوز، فإن العلة هي كونها
خربة وعدم أهلها فيها كما هو الظاهر منها، بل المفازة أولى، إذ الخربة
كانت معمورة مسكونة في بعض المدة إلا أنه هلك وانجلى عنها بخلاف
المفازة، فإنها دائما بلا أهل، وكذا الأرض التي لا مالك لها.
ومعلوم أن هذا الحكم فيما إذا لم يعلم له مالك بالفعل معين ولا غير
معين، وإلا فمع التعيين يجب دفعه إليه، ومع عدمه لقطة أو مال موجود
بيد شخص تعذر صاحبه، فيتصدق به مثل المال المجهول صاحبه، ويسمى
برد المظالم، وقد مر مثله مرارا فتذكر.
310

ومعلوم أيضا أن المراد عدم ملكية الخرابة وإلا فيعرف المالك
فالمالك إلى أن ينتهي إلى العارف فيأخذه، وإلا فهو لواجده، وفي بعض
العبارات، " يتصدق به ".
ومن ذلك كله يظهر لك أنه ليس الحكم كما اشتهر في عصرنا لفتوى
بعض أجلائه أن جميع ما يوجد في المفازة أي البرية قفرا أو غيرها وفي
الدار الخربة وفي الأرض التي لا مالك لها مدفونا لواجده بلا تعريف
حتى لو علم مالكه.
بل حكى بعض من أثق به أنه سقط منه في السفر بعض أسبابه فعثر
عليه بعض خدامه فجاء به إليه فامتنع منه لصيرورته ملكا لواجده، بل
حكى لي أيضا أنه إذا سقط منه شئ وهو واقف عليه فجاء به آخر إليه
لا يأخذه منه حتى يستوهبه.
ولا ريب في أن ذلك كله من تخريب الفقه، بل يمكن دعوى
كون الضرورة على خلافه، وظني أن من ادعى الاجماع في المقام حكاه
على مضمون عبارة المتن من غير تحقيق لها إلا أنه لما رأى بعض الناس
كالمقداد في التنقيح وثاني الشهيدين في المسالك جعلا الخلاف في مقابلة
التقييد بأثر الاسلام وعدمه فظن الاجماع على الفاقد لأثر الاسلام، وأن
الخلاف منحصر فيما كان عليه أثره، ثم اختار الاطلاق، وجعل كل
معلوم أنه لأهل ذلك الزمان ضائع منهم في المفازة والديار الدارسة لواجده،
وكذا المدفون في الأرض التي لا مالك لها ظاهرا.
وهذا كله من عدم إعطاء التأمل حقه فيما ذكروه سابقا في السفرة
الموجودة في المفازة التي صرحوا بتقويمها على نفسه وأنه يعرف الثمن،
وقد سمعت حكمهم بكراهة التقاط الثلاثة والخبر (1) الوارد فيها، وأنه

(1) الوسائل - الباب - 23 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
311

يجدها في الطريق الظاهر في طريق الصحارى كما سمعته من عبارة المقنعة.
وقال الفاضل في القواعد: " ولو التقط في الصحراء عرف في
أي بلد شاء " ونحوه في التحرير ومحكي المبسوط.
وفي جامع المقاصد تعليله بعدم أولوية بلد على آخر " ولا يجب أن
يغير قصده ويعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع أو يرجع إلى مكانه
الذي أنشأ السفر منه، نعم إن اجتازت قافلة عرفها فيهم، صرح بذلك
كله المصنف في التذكرة، وقال بعض الشافعية: يعرفها في أقرب
البلدان ".
وقال في التذكرة: " ولو التقط في الصحراء فإن اجتازت به
قافلة تبعهم وعرفها فيهم، وإلا فلا فائدة في التعريف في المواضع
الخالية، ولكن يعرف عند الوصول إليها، ولا يلزمه أن يغير قصده
ويعدل إلى أقرب البلاد إلى ذلك الموضع أو يرجع إلى مكانه الذي أنشأ
السفر منه، وقال بعض الشافعية: يعرفها في أقرب البلدان إليه،
نعم لو التقطها في منزل قوم رجع إليه وعرفها، فإن عرفوها فهي
لهم، وإلا فلا، لما روى إسحاق بن عمار (1) أنه سأل الكاظم (عليه
السلام) عن رجل نزل بعض بيوت مكة " إلى آخره.
وفي الدروس " فإن التقط في برية عرف من يجده فيها، وأتم
إذا حضر في بلده " إلى غير ذلك من كلماتهم التي ظاهرها المفروغية من
ذلك لاطلاق أدلة اللقطة.
واحتمال كون المراد من الصحراء غير المفاوز والأماكن الخربة كما
ترى، فإنه وإن قيل: إن المفازة الأرض المهلكة، وأنها سميت بذلك
تفؤلا بالنجاة، بل قيل: إن الفلاة كذلك. لكن قد عرفت تعليق حكم

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
312

الطعام عليها في المرسل (1) والمقنعة والنهاية، ومن المعلوم إرادة مطلق
البرية منها، كما أنه علق حكم الشاة ونحوها على وجودها في الفلاة وليس
المراد منها إلا البرية المقابلة للمعمور، لا خصوص مكان مخصوص من
البرية
على أن من الطرق المستعملة للناس ما هو مفاوز لا كلأ ولا ماء فيها
ومهلكة لغير المستعد من غيرها وقد سمعت تصريحهم بوجوب التعريف
لما سقط فيها.
بل الظاهر أن كثير من الأراضي كانت مسكونة في الأعصار السابقة
كما تشهد به الآثار، ومقتضى ذلك كون جميع ما يسقط فيها من الناس
يحل لواجده، لأنه الموجود في الخربة وفي المفازة، وهو شئ من الغرائب
نسأل الله تعالى شأنه الإقالة من هذه العثرات.
هذا كله مضافا إلى اختلاف كلماتهم في محل البحث، فمنها ما سمعته.
ومنها ما في قواعد الفاضل " وما يوجد في المفاوز أو في خربة قد
باد أهلها فهو لواجده من غير تعريف إن لم يكن عليه أثر الاسلام، وإلا
فلقطة على إشكال، وكذا المدفون في أرض لا مالك لها ".
وفي التذكرة " ما يوجد في المفاوز أو في خربة قد باد أهلها فهو
لواجده من غير تعريف إن لم يكن عليه أثر الاسلام، وإلا فهو لقطة،
وكذا المدفون في أرض لا مالك لها، ولو كان لها مالك فهو له قضاء
لليد - إلى أن ذكر الصحيحين (2) دليلا على ذلك ثم قال -: ولا ينافي
هذا ما رواه محمد بن قيس (3) عن الباقر (عليه السلام) " قضى

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة الحديث 5.
313

علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها، فإن وجد
من يعرفها وإلا تمتع بها " لأنه محمول على ما إذا كان لها مالك معروف
أو كان على الورق أثر الاسلام ".
ومقتضاه أن الموضوع في الأول ما لم يكن له مالك معروف، وهو
مما يعلم أنه لأهل الزمان القديم.
وفي التحرير " وكذا - مشيرا به إلى ما دون الدرهم ما يجده في
موضع خرب قد باد أهله واستنكر رسمه ".
وفي التبصرة " وما يوجد في فلاة أو خربة فلواجده، ولو كان في
مملوكة عرف المالك، فإن عرفه فهو له وإلا فللواجد ".
وفي الإرشاد " المدفون في الأرض التي لا مالك لها أو المفاوز أو
الخربة فهو لواجده ".
وعن المبسوط أنه فصل فقال: " إن كان مدفونا عليه سكة
الاسلام فلقطة، وإلا أخرج خمسه والباقي له " وعن المختلف أنه استحسنه.
وفي الإيضاح بعد أن حكى عن النهاية وابن إدريس عدم التعريف
بما يوجد في موضع خرب لصحيح ابن مسلم (1) قال: " وأجاب المصنف
بحمله على انتفاء سكة الاسلام أو بعد التعريف حولا، وذهب في المبسوط
إلى أنه لقطة مع أثر الاسلام عليه، لدلالته على سبق ملك المسلمين،
وهو الأقوى عندي ".
وقال في التنقيح في شرح ما سمعته من عبارة النافع: " هذا قول
الشيخ في النهاية، وتبعه ابن إدريس، والمستند رواية محمد مسلم (2)
- إلى أن قال -: وقال في المبسوط واختاره العلامة: إن كان عليه
سكة الاسلام فلقطة، وإلا أخرج خمسه والباقي له، وعليه الفتوى، لأنه

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
314

مع وجود الأثر يثبت يد مسلم، فلا يحل إلا عن طيب نفسه أما مع عدمه
فالأصل الإباحة، وعليه تحمل الرواية ".
وقال أيضا: " في ما يوجد مدفونا في الأرض المملوكة بشراء مثلا
أنه يعرف المالك الأول، فإن عرفه فهو له من غير بنية ولا وصف،
وإلا فإما أن يكون عليه أثر الاسلام أو لا، والأول لقطة إجماعا، ويجب
تعريفه، ولا يحل تملكه إلا بعد التعريف، والثاني للشيخ فيه قولان:
أحدهما أنه لقطة، لانطباق تعريفها عليه، فيراعى فيه أحكامها من غير
اعتبار الدرهم والتعريف فيه، وثانيهما أنه لواجده، وعليه الخمس،
والفتوى على ذلك، لصدق الكنز عليه، وقد تقدم أن الكنز فيه الخمس،
وهذا تحقيق هذه المسألة ".
وقال في اللمعة: " والموجود في المفازة والخربة ومدفونا في أرض
لا مالك لها ظاهرا يملك من غير تعريف إذا لم يكن عليه أثر الاسلام،
وإلا وجب التعريف " ونسبه في الروضة إلى الأشهر.
وفي الدروس " وكذا - أي دون الدرهم - ما يوجد في أرض لا
مالك لها أو خربة باد أهلها وإن تجاوز الدرهم، وقيده في المبسوط ببقاء
أثر الاسلام وإلا وجب تعريفه، وصحيحة محمد بن مسلم (1) مطلقة،
حيث قال: " وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت " ويمكن حملها
على الاستحقاق بعد التعريف فيما عليه أثر الاسلام ".
وفي جامع المقاصد في شرح ما سمعته من عبارة القواعد " أي وإن
كان عليه أثر الاسلام فاشكال ينشأ من عموم صحيح محمد بن مسلم (2)
ومن أن أثر الاسلام يقتضي سبق يد للمسلمين، فيكون لقطة يجب تعريفه،
ويشكل بأن أثر الاسلام قد يصدر من غير المسلمين، إلا أن يقال: إن

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
315

ضميمة الدار إليه يؤيد كونه للمسلمين، ولأنه أشهر وأقرب إلى يقين
البراءة، وعليه تنزل رواية محمد بن قيس (1) عن الباقر (عليه السلام)
وهو الأقرب، ويتحقق أثر الاسلام بإحدى الشهادتين إذا كانت مكتوبة
عليه، وكذا اسم سلطان من سلاطين الاسلام نحو ذلك، وهذا إذا كان
في بلاد الاسلام، كما سبق في الخمس ".
إلى غير ذلك من عباراتهم التي هي على اختلافها أجنبية عما سمعته
من أجلاء بعض أهل العصر، خصوصا ما اشتمل منها على التفصيل بأثر
الاسلام الذي منه يعلم عدم تملك اللقطة التي تكون من أموال أهل هذا
الزمن في المفازة والخربة، ضرورة أولويتها مما عليه أثر الاسلام القديم.
بل ظاهرهم إقعاد قاعدة وهي احترام مال المسلم، وأنه لا يكون
كالمباح نحو مال غيره، لعموم ما دل (2) على احترام ماله إلا ما كان
بعنوان الالتقاط المعروف.
ولذا اعتبروا في الذي يكون لواجده أن لا يكون عليه أثر الاسلام،
ليستدل به على عدم الاحترام وإن كان في أرض الاسلام، بخلاف ما
كان عليه أثره، أو فاقد الأمرين ولكن كان في أرضهم الملحق ما فيها
أيضا بهم، فإنه يبقى على الاحترام الذي يناسبه التعريف اللقطي أو غيره
مما يخرج به عن كونه مباحا لمن وجده، نحو الموجود في دار أهل الحرب
الذي صرح غير واحد بأنه لواجده وإن كان فيه أثر الاسلام تغليبا
للأرض على الأثر وإن كان قد يشكل الفرق بينهما بالنسبة إلى ذلك.

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
(2) الوسائل - الباب - 152 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 9 من كتاب
الحج والباب - 3 - من أبواب القصاص في النفس - الحديث 3 والمستدرك - الباب - 1
منه - الحديث 17 من كتاب الحدود.
316

كما أنه قد يشكل أصل القول بالتفصيل المزبور بعدم دليل عليه
يعارض ما عرفت سوى ما قيل من دلالة الأثر على سبق يد المسلم
فيستصحب، ومن الجمع بين الصحيحين (1) السابقين والموثق (2) " قضى
علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها، فإن وجد
من يعرفها، وإلا تمتع بها " بحمل الأولين على ما لا أثر عليه، والأخير
على ما عليه الأثر.
وفيه - مع أن الأثر المزبور قد يصدر من غير المسلم، وفقد التكافؤ
عددا وسندا، وكون الموثق قضية في واقعة واقتضائه حمل الصحيحين على
الفرد النادر - أنه لا شاهد عليه.
ومن ذلك يظهر لك أن الجمع بحمل ما في الأولين على ما يوجد
في تلك الأماكن مما هو معلوم أو ظاهر في أنه للأعصر السالفة والموثق على
الموجود فيها مما هو معلوم أو ظاهر لأهل ذلك الزمان، ضرورة كونه
المناسب للأمر بتعريفها دون الأول الذي يمكن دعوى كونه من غير اللقطة،
لعدم تحقق وصف الضياع فيه، وإنما هو شئ جعله الشارع لواجده وإن
كان عليه أثر الاسلام، بل لو علم كونه للمسلمين المنقرضين، ولذا كان
العنوان في أكثر كلام الأصحاب " ما يجده " من دون وصف كونه لقطة
بالمعنى المتعارف.
وبذلك يظهر لك وجه إلحاق المفاوز والأرض التي لا مالك لها بالخربة
التي لا مالك لها، ضرورة اتحاد الجميع في الحكم المزبور، بل العامر كذلك
أيضا، ولعل وجه التخصيص غلبة ذلك فيها دونه.
نعم لا فرق بين المدفون وغيره بل يتجه فيما دخل تحت اسم الكنز

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
317

من المدفون التفصيل بأثر الاسلام وعدمه، فالأول لا يملكه واجده،
والثاني لواجده، وعليه الخمس، إن ثبت الاجماع الذي سمعته من التنقيح
الذي يشهد له كلامهم في كتاب الخمس حتى ممن أطلق هنا، كالمصنف
وغيره، فيكون المراد هنا حينئذ ما لا يدخل تحت اسم الكنز، وإن كان
دون ذلك خرط القتاد، بل لعل الظاهر خلافه كما هو المستفاد من الروضة
والمسالك.
بل تقدم لنا في كتاب الخمس (1) تحقيق الحال في ذلك، وأن
القاعدة المزبورة لا تعارض إطلاق الدليل، نحو الموجود في جوف الدابة
والسمكة الذي مقتضى إطلاق ما دل عليهما كونه للواجد، وأنه من رزق الله
تعالى بعد إنكار البائع كونه له في الأول (2) ومطلقا في الثاني (3) كما
ستعرف.
بل مقتضاه أنه كذلك حتى لو علم كون ما فيها من أموال أهل
زمن الواجد إلا أنه غير معين، بل هو من موضوع اللقطة فضلا عن
موضوع المسألة الذي هو معلوم أنه من مال أهل الأعصار السابقة الذي
لا يعقل لزوم التعريف فيه بعد القطع بعدم مالك له يعرفه.
وعلى كل حال فما أدري أن المعاصر المزبور من أين أخذ الحكم
المذكور مدعيا عليه الاجماع، حتى اشتهر في البلدان واستباحوا به كثيرا
من الأموال التي يجدونها في الفلاة ولو طريق وغيره، مع أنك قد عرفت
الاقتصار على الموضع الخرب في كلام القدماء، بل وصفهم بكونه قد

(1) راجع ج 16 ص 29 - 32.
(2) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب اللقطة.
(3) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب اللقطة.
318

اندرس أهله واستنكر رسمه، كالصريح في إرادة الموجود فيها مما كان
تابعا لها لساكنها.
بل قد عرفت تصريح الراوندي بذلك، كما أنك قد سمعت ما في
مجمع البرهان من كون ذلك من المعلوم، بل سمعت ما جمع فيه الفاضل
في التذكرة بين الصحيحين والموثق.
بل قد عرفت أن أول من زاد المفاوز والفلاة المصنف وتبعه بعض
من تأخر عنه، وأن ذلك لاشعار تعليق الحكم على الخربة بالتعليل المقتضي
للتعميم فيما هو كالخربة من المال الذي يعلم عدم كونه لأهل زمن الواجد
أو يشهد به الحال، لا أن المراد ما يكون فيها من أموال الناس الموجودين
الذي هو باق عليه أصل الاحترام وعمومات الالتقاط أو حكم مجهول المالك
أو غير ذلك.
نعم ربما تكون مناقشة في الالحاق المزبور وفي التفصيل بين المدفون
وغيره في الأرض التي لا مالك لها أو مطلقا، كما سمعته من الإرشاد
وغيره، وإن ذكر بعض الوجوه الاعتبارية له، مثل عدم العلم بكونه
من القديم مع فرض كونه على وجه الأرض، بخلاف ما إذا كان مدفونا
ونحو ذلك مما يمكن منعه.
إلا أن ذلك كله لا مدخلية له فيما ذكرناه من تحقيق المقام الذي
هو كون المراد من ذلك بيان كون المال الموجود في أمثال هذه الأماكن
مما كان مملوكا لأهل الأعصار السابقة لواجده، كما هو السيرة والطريقة
في نقل الآجر وغيره مما يجدونه في خربات الأوائل والأراضي التي لا
مالك لها مخصوص يعتاد الادخار فيها، ولعل هذه المسألة ليست من
اللقطة وإنما هي مسألة مستقلة ذكرت فيها لمناسبة ما.
وليس المراد كل ما يوجد من أموال أهل عصر الواجد ساقطا أو
319

ضائعا في هذه الأراضي أو في المفاوز أو مدفونا في مسجد أو خان أو
أرض مفتوحة عنوة أو موات لواجده، ضرورة عدم دليل صالح لقطع
ما دل (1) على احترام مال المسلم وأنه كدمه وعرضه، بل لعل
الضرورة على خلافه، فإنه لم يسمع أنه من جملة أسباب الإباحة لأموال
الناس المحترمة ذلك.
وما أبعد ما بين ذلك وبين الاقتصار في حل ما دون الدرهم من
ماله الضائع منه.
وأطرف شئ ما يحكى من الاستدلال بالصحيح (2) الذي تقدم في
الضالة وهو " من أصاب بعيرا أو مالا في فلاة قد كلت وسيبها
صاحبها لما لم تتبعه " إلى آخره الذي قد عرفت إرادة الدابة من المال
فيه بقرينة التأنيث، والاجماع على عدم حل المال بمجرد وجوده في الفلاة،
على أنه ظاهر في الاعراض.
نعم غيره من الخبرين (3) السابقين ظاهر في ملك من وجد دابة
قد تركت من جهد في غير كلأ ولا ماء فأحياها، وقد ذكرنا أنه أعم
من الاعراض، إلا أنه مخصوص بالحيوان، فلا يشمل المال الصامت
الموجود في فلاة إلا بالقياس الممنوع، خصوصا مع الفارق بالاحياء
الذي أشير إليه في النصوص (4) المفقود في الفرض.
وبالجملة فالمدار على ما عرفت من حل ما يوجد من المال الذي

(1) الوسائل - الباب - 152 - من أبواب أحكام العشرة - الحديث 9 من كتاب
الحج والباب - 1 - من أبواب القصاص في النفس - الحديث 3 والمستدرك - الباب - 1
منه - الحديث 17 من كتاب الحدود.
(2) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 0 -.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4.
(4) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 2 - 0 -.
320

اندرس أهله لواجده، دون غيره الذي يكون الاستيلاء عليه بعنوان
الالتقاط أو مجهول المالك أو غير ذلك مما لا يحل به لواجده بمجرد وجدانه
بل بالتعريف على الوجه المزبور أو بالصدقة به عن صاحبه أو نحو ذلك.
ولعل الأصل في كل ما شك فيه ولم يكن ثم شاهد حال يقتضي
كونه لمن اندرس أو أهل العصر الاحترام، فلا بد من تعريفه إن كان
لقطة، والفحص إن كان مجهول المالك، ثم الصدقة به بعد اليأس أو
الدفع إلى الحاكم.
وقد يقال: إن الأصل في الموجود في الخربة أن يكون من توابع
سكانها حتى يعلم أنه لغيرهم، كما عساه يومئ إليه الحكم في الصحيحين (1)
بكون الموجود في المعمورة لأهلها، وإن كان هو مقيدا بما في موثق
إسحاق (2) بما إذا لم ينكروه.
وفيه أن الظاهر تقييده بما إذا عرفوه، والفرض انعدام الشرط
بانعدام أهله، فينعدم المشروط، فلا يحكم بكونه لهم، ويبقى على أصل
الاحترام.
ودعوى اشتراطه بمعلومية سبب الاحترام يدفعها أن الظاهر كفاية
وجوده في أرض الاسلام مع عدم شاهد حال يقتضي كونه لمن اندرس.
نعم لو كانت اللقطة في دار الحرب لم يكن لها احترام، وكانت
لواجدها على ما صرح به غير واحد، ووجهه واضح، ولكن في الدروس
تقييد ذلك بما إذا لم يكن فيها مسلم، وكأنه أخذه مما سمعته في حكم
اللقيط، وفيه نظر.
وعلى كل حال فهو أمر آخر، كما أن ما ذكرناه في كتاب الخمس

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
321

في تحرير مسألة الكنز (1) كذلك، وربما اقتضى ما سمعته هنا ملك
الواجد له بعد العلم بكونه لمن اندرس ولو من المسلمين، ويجب عليه فيه
الخمس إن لم يكن إجماعا منهم على عدم ملك الواجد له بعد العلم بكونه
من كنوز أهل الاسلام، كما هو الظاهر من كلامهم في كتاب الخمس.
وعليه يتجه حينئذ تقييد كلامهم هنا بغير الكنز الاسلامي أو على
أن المراد من الدفن ما لا يتحقق به اسم الكنز، كالدفن بالانهدام ونحوه
وإن كان الآن لنا شك في تحقق الاجماع المزبور على وجه يخرج به عن
إطلاق الصحيحين القاطع لقاعدة احترام مال المسلم مؤيدا بالسيرة المستمرة
على ذلك.
وقد تقدم لنا بعض الكلام في كتاب الخمس جريا منا على ما ذكروه
هناك الذي لا يخلو من مخالفة لما هنا في الجملة، فلاحظ وتأمل، والله العالم
هذا كله فيما ذكروه من الثلاثة.
* (و) * أما * (لو كان لها) * أي الأرض * (مالك) * معروف
* (أو بائع عرفه، فإن عرفه فهو أحق به، وإلا فهو لواجده) * كما
صرح به غير واحد، بل قيل: لا خلاف فيه، بل في الغنية الاجماع
عليه إذا لم يكن عليه أثر الاسلام للصحيحين (2) في الحكم الأول، بل
وموثق إسحاق بن عمار (3) المشتمل على السبعين دينارا.
بل ظاهرهم عدم اشتراط البينة والوصف، بل مقتضى الصحيحين
الحكم بكونه له وإن لم يعرفه، بل لعل ذلك مقتضى اليد أيضا، إلا أنه
لم أجد عاملا بهما على الوجه، كما اعترف به في الرياض.

(1) راجع ج 16 ص 27 - 35.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
322

ولعله لما في الموثق من سؤال أهل المنزل لعلهم يعرفونها، قلت:
" فإن لم يعرفها قال: تصدق " إلا أنه كما ترى مشتمل على الأمر
بالتصدق به، لا أنه يكون لواجده كما أفتى به الجماعة.
وربما حمل على الاستحباب أو غيره جمعا، وفيه أنه لا معارض له،
ضرورة عدم دليل على كونه للواجد كي بجمع بينها، وإرساله له في
المسالك لم نتحققه، بل الظاهر أنه توهم دلالة الصحيحين المعلوم خلوهما
عن الحكم بكونه للواجد مع عدم معرفة المالك له.
بل لعل مقتضى الأصل عدمه أيضا إذا كان من المعلوم أنه لأهل
زمان الواجد أو مشكوكا فيه، ولعله لذا حكي عن التحرير الاشكال
بكونه للواجد.
نعم لو علم أنه للقديم أمكن حينئذ القول بكونه لواجده بناء على ما
ذكرناه في الموجود في الخربات ونحوها من التعليل الشامل لنحو الفرض.
أو يقال يدل عليه صحيح (1) الدابة الآتي بناء على حصول القطع
بعدم الفرق بينهما وبين الأرض وإن كان هو محلا للنظر، بل إن لم يكن
إجماعا أمكن منعه في الدابة إذا كان المال معلوما أنه لأهل زمان الواجد
ضرورة كونه مالا ضائعا، فيندرج تحت موضوع اللقطة، والأصل
احترام مال المسلم، بل لعله كذلك في المشكوك فيه للأصل المزبور.
نعم لو علم كونه من القديم اتفق أكل الدابة له بالرعي في المباح
ونحوه اندرج حينئذ فيما قلناه في الخربات.
بل ربما يؤيد ذلك ما في التنقيح من الاجماع على أن ما في الأرض
المملوكة لقطة إذا كان عليه أثر الاسلام وأنكره المالك، وليس هو إلا
للأصل المزبور، مع أن الأثر المفروض لا يقتضي كونه لأهل زمان الواجد

(1) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
323

فيرد عليه حينئذ نحو ما سمعته سابقا في الموجود في الخربة مما كان عليه
أثر الاسلام السابق. بل في الرياض استظهر عدم تمامية الاجماع ناسبا له إلى
الظاهر المستفاد من الروضة والمسالك حيث أجريا الخلاف السابق فيه
في المسألة، ثم قال: " فالاطلاق أصح ".
قلت: قد يقال: إن المتجه - مع عدم هذا الاجماع والاجماع على
كونه للواجد مطلقا - ما قلناه سابقا من كونه له إذا كان من المال القديم،
وإلا كان لقطة مع تحقق وصف الضياع ولو بشاهد الحال، وإلا كان
من مجهول المالك أو بحكمه يدفع إلى الحاكم أو يتصدق به.
ثم إن ظاهر المصنف وغيره كما اعترف به غير واحد عدم الفرق في
ابتداء التعريف بين القليل والكثير، للأصل واختصاص ما دل على تملك
الأول من غير تعريف باللقطة، وهذا ليس منها.
لكن في الرياض " إنما يصح هذا على المختار من عدم الفرق بين
ما عليه أثر الاسلام وغيره، ولا يصح على غيره، لكون ما عليه الأثر
منها عند القائل بالفرق بينهما، وحكى في التنقيح قولا عن الشيخ بكون
ما لا أثر فيه لقطة إذا لم يعرفه المالك ولا البائع أيضا، ويدفعه النص جدا ".
قلت: إنما الكلام في التعريف ابتداء لمالك الأرض، ولا ريب
في عدم الحكم بكونه لقطة حينئذ، نعم لو أنكره ففيه البحث السابق.
ويتجه حينئذ تملك القليل منه إذا كان عليه أثر الاسلام وتحقق فيه
وصف الضياع من أهل زمان الواجد، ويعرف الكثير منه.
أما مع عدم تحققه فيه للدفن ونحوه مما يقتضي عدم كونه ضائعا فهو
من مجهول المالك أو بحكمه على حسب ما عرفته سابقا.
وأما ما لا أثر عليه فإن شهد الحال بكونه لمن تقدم من الأعصار
السالفة فهو لواجده حتى لو كان مستعيرا للأرض أو مستأجرا.
324

وما عن الخلاف من أنه " إذا وجد ركازا في دار ملك لمسلم أو
ذمي فليس له التعرض إجماعا " محمول على غير المعلوم عدم تملكه له
بوجه من الوجوه، كما هو واضح.
وإن لم يشهد الحال بذلك، بل علم كونه من مال أهل زمن الواجد
ولو لعثور أحد قبله عليه أو كونه مالا له بشراء ونحوه يدا عن يد فإن
تحقق فيه وصف الضياع كان لقطة، وإلا فبحكم مجهول المالك.
وأما مع الشك في أنه من أهل زمن الواجد أو غيرهم ففيه البحث
السابق، ولعله يختلف الحكم باختلاف فرض موضوعه.
وقد تقدم في كتاب الخمس (1) كثير من الفروع المتعلقة في المقام
بالنسبة إلى ترتب الملاك وتعددهم واتفاقهم واختلافهم، فلاحظ وتأمل.
نعم بقي شئ: وهو إن ظاهر عبارة المتن وغيره فرض موضوع
المسألة في المدفون، بل في الروضة التصريح بأنه " لو وجده في المملوكة
غير مدفون كان لقطة إلا أنه يجب تعريف المالك فإن ادعاه فهو له وإلا
عرفه " وربما يؤيده ما تسمعه من الخبر (2) المشتمل على الحكم بكون
ما يجده صاحب الدار في داره مما هو ليس له ويدخلها غيره لقطة
يجب تعريفها.
لكن في الرياض مازجا عبارة النافع قال: " ولو وجده في أرض
لها مالك أو بائع ولو كان ما وجد فيها مدفونا عرفه المالك أو البائع،
فإن عرفه وإلا فهو للواجد ".
ومقتضاه عدم الفرق في الحكم المزبور بين كونه مدفونا أو ظاهرا
بل أولوية الثاني من الأول بذلك، ولا ينافي ذلك تصريحه في أثناء المسألة

(1) راجع ج 16 ص 28 - 35.
(2) في الوسائل - الباب - 3 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
325

بكونه ليس من اللقطة، لأن مراده باعتبار كونه محكوما بأنه لواجده لا
أنه ليس موضوعها.
وهو كما ترى في غاية الاشكال، بل لعله من المنكرات بين المتشرعة
وإن كان قد يشهد له أن الحكم في ما نحن فيه بأنه للواجد إنما جاء من
صحيح الدابة (1) الذي لا ريب في كون موضوعه مندرجا تحت موضوع
اللقطة بعد إنكار البائع له وكون المال من أهل هذا الزمن.
إلا أن الانصاف عدم الجرأة على الحكم المزبور بمثل ذلك، خصوصا
بعد الصحيح (2) الآتي في الدار والصندوق المؤيد بأصالة احترام مال
المسلم.
ومما ذكرنا يظهر لك النظر في كثير من الكلمات في المقام مع خلع
حبل التقليد والنظر بعين الانصاف وعدم الالتفات إلى دعوى الاجماع
بفتوى ثلاثة من الفقهاء أو أربعة، وخصوصا مع تعدد الكتب منهم،
فإن في ذلك إفسادا للفقه، والله الهادي والموفق والمسدد
* (وكذا) * يعرفه المالك أو البائع * (لو وجده في جوف دابة
ولم يعرفه البائع) * فإنه يكون للواجد، كما صرح بذلك كله غير واحد،
بل يظهر من جماعة الاجماع عليه، بل عن التذكرة نسبة إلى علمائنا، كما
عن المهذب البارع والمقتصر الاجماع على تعريف البائع.
والأصل في ذلك صحيح عبد الله بن جعفر (3) " كتب إليه أسأله
عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها
صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهر لمن يكون ذلك؟ قال: فوقع (عليه
السلام): عرفها البائع، فإن لم يكن يعرفها فالشئ لك، رزقك الله

(1) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب اللقطة - الحديث 0 - 1.
(2) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(3) الوسائل - الباب - 9 - من كتاب اللقطة - الحديث 0 - 1.
326

إياه " وإن أيد بأنه مع معرفة البائع يقتضي سبق اليد وظهور اعتلافها له
من ماله، لبعد كونه في الصحراء.
بل في الروضة أن ظاهر النص والفتوى عدم الفرق فيه بين ما
عليه أثر الاسلام وغيره، وفي المدارك أطلق الأصحاب من غير فرق بين
ما عليه أثره وغيره، بل الظاهر كون الدراهم في ذلك الوقت مسكوكة
بسكة الاسلام.
لكن في جامع المقاصد " ينبغي أن يقال مع وجود أثر الاسلام يكون
لقطة، لكن الصحيحة على خلافه " بل هو الذي استقر عليه رأيه في
مسألة السمكة، وقال: " هو الذي يقتضيه النظر، بل قيل: هو خيرة
المختلف والمسالك في الخمس والروضة في البابين، بل عن الأول نفي
البعد عن القول بوجوب التعريف لما يجده في بطن الدابة مطلقا، سواء
كان عليه إثر الاسلام أم لا ".
قلت: قد ذكرنا ذلك كله وغيره في كتاب الخمس (1) ويتجه
أيضا إن لم يكن إجماعا ما ذكرناه من التفصيل، ويحمل حينئذ قوله
(عليه السلام): " هو لك رزقك الله إياه " على ما بعد التعريف إذا
كان لقطة، كل ذلك للأصل الذي عرفته.
إلا إن الانصاف ظهور الصحيح المزبور في خلاف ذلك كله،
ولا يبعد الجمود عليه من غير تعدية، والله العالم.
* (أما لو وجده في جوف سمكة فهو لواجده) * كما صرح به
جماعة، بل نسبه غير واحد إلى إطلاق الأصحاب، ولعله للنصوص (2)

(1) راجع ج 16 ص 35 - 36.
(2) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب اللقطة.
327

التي ذكرناها في كتاب الخمس (1) المشتملة على ملك المشتري لما وجده
في جوفها من الدرتين، إلا أنها نصوص ضعيفة وخاصة بما يوجد في
جوفها مما هو مخلوق في البحر ويعلم عدم كونه من مال البائع.
نعم هناك احتمال ملك الصائد بالحيازة بناء على عدم اشتراط
النية الذي يشهد له هذه النصوص، ولعله إلى ذلك أشار الفاضل هنا بعد
الحكم بكون ما في جوفها لواجده بقوله: " وتحتها دقيقة ".
لكن قد يمنع هنا صدق الحيازة باعتبار عدم عمله به وعدم كونه من
أجزاء السمكة فاشتمال يده حينئذ عليه كاشتمال يد النائم لا يوجب ملكا، لعدم
حصول الحيازة، وهذا أمر آخر غير اشتراط النية، كما أشرنا إليه سابقا،
وحينئذ يتجه ملك الواجد له إذا كان الموجود من هذا القبيل كما تضمنته
النصوص المزبورة.
أما إذا كان من أموال الناس فيتجه فيه ما ذكرناه من التفصيل بأنه
لواجده مع العلم بكونه، من القديم، وكونه لقطة مع العلم بكونه من مال
أهل زمن الواجد، ومع الشك يجري فيه الكلام السابق.
ولا ريب في أن الأحوط عدم ملك الواجد له، للأصل الذي
عرفته، ولكن هل يكون لقطة؟ وجهان أشرنا إليهما سابقا.
وعلى كل حال فلا وجه لتعريف البائع بعد العلم بعدم كونه من
أمواله، بل لعله كذلك في الدابة إذا فرض انتقالها عن ملكه حين
انتقالها إليه فلم تأكل من ماله شيئا.
نعم لو فرضت السمكة في ماء محصور للبائع يمكن التقاطها لما
يسقط من ماله اتجه حينئذ تعريفه، وإلا كان مالا ضائعا بعد العلم بكونه
من مال أهل زمن الواجد.

(1) راجع ج 16 ص 38.
328

ولكن في محكي المراسم إطلاق التعريف قال: " إن ما يوجد في
بطون ما يذبح للأكل والسموك إن انتقل إليه بميراث أو من بحر أخرج
خمسه والباقي ملكه، فإن انتقل إليه بالشراء عرف ذلك البالغ، فإن
عرفه رده إليه وإلا أخرج خمسه والباقي له ".
بل في محكي السرائر " لا فرق بين الحيوان المذبوح والسمكة إذا
وجد في جوفها شيئا في أنه يجب تعريفها للبائع قل عن الدرهم أو كثر،
فإن عرفه وإلا أخرج خمسه وكان له الباقي، لأن البائع باع هذه الأشياء
ولم يبع ما وجده المشتري، فلذلك وجب تعريف البائع ".
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل وما في تحقيق
الفاضل في المحكي من مختلفه من " أن الموجود إما أن يكون عليه أثر
الاسلام أو لا، فإن كان وجب تعريفه من البائع وغيره، لسبق ملك
المسلم عليه، ويكون حكمه حكم اللقطة، لأنه مال مسلم ضائع، فوجب
التعريف حولا، إذ الحيوان هنا كالآلة، وإن لم يكن عليه أثره فليس ببعيد
من الصواب القول بوجوب التعريف لما يجده في بطن السمكة مما ليس
البحر أصله، أما إذا كان أصله البحر فلا بأس ".
بل عن أبي العباس اختياره في كتابيه، بل عن المهذب منهما " أن
المستند إجماع علمائنا وإطلاق سلار يحمل على التفصيل، ولا عبرة بندور
ابن إدريس ".
وعن التذكرة نفي البأس عنه، ولكن قال: " ما كان أصله البحر
للصياد ".
بل وكذا ما عن موضع من التحرير من أنه " لو اصطاد سمكة
فوجد فيها درة فهي له، فإن باعها الصياد ولم يعلم فيه قولان: أحدهما
أنه يعرفها البائع، فإن طلبها كان له أخذها، وهو الوجه عندي، والثاني
329

للمشتري، وكذا لو وجد فيها غيرها أو شيئا مما يخلق في البحر، ولو
وجد دراهم أو دنانير فالوجه أنها لقطة، فإن وجدها الصياد لزمه
التعريف، وإن وجدها المشتري فعليه التعريف - ثم قال -: وأطلق
علماؤنا القول في ذلك، فأوجبوا تعريف البائع، فإن عرفها فهي له،
وإلا أخرج خمسه وحل له الباقي ".
ولم أتحقق ما ذكره من النسبة المزبورة إلى العلماء، بل لعل المحقق
خلافها، بل وكذا ما في التنقيح من أن ما عليه أثر الاسلام في بطن
السمكة يجب تعريفه، وما ليس عليه أثره فإن اشترطنا في تملك المباحات
النية فهو للواجد، وإن لم نشترط نظرنا في الغالب من حال الحيوان، والغالب
من الدابة تبتلع من دار البائع والسمكة من البحر، وقد تنعكس لكنه
نادر - إلى أن قال -: فالفتوى إذن على ما ذكره الشيخان ".
بل وكذا ما في جامع المقاصد " من أن الذي يقتضيه النظر أن ما
في جوف السمكة المأخوذة من غير المياه المحصورة وليس عليه أثر ملك
مالك للواجد على ظاهر مذهب الأصحاب، وما عداه لقطة ".
إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا توافق تمام ما ذكرناه، حتى ما
في الرياض، فإنه بعد أن حكي عن المتأخرين كافة أنه لواجده وخص
الخلاف بالديلمي والحلي خاصة قال: " ومبنى الخلاف على الاختلاف في
اشتراط النية في تملك المباحات وعدمه، فعلى الأول يقوى الأول، وعلى
الثاني يقوى الثاني - ثم مال إلى الأول مستظهرا من المختلف الاجماع عليه -
لكون المأخوذ مباحا في الأصل، فإذا حيز مع النية ملك. هذا مضافا
إلى اعتضاده بالنصوص (1) المستفيضة المروية في الوسائل في الباب عن
الكافي وقصص الأنبياء والأمالي وتفسير مولانا العسكري (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب اللقطة.
330

لتضمنها تقريرهم لكثير في تصرفهم فيما وجدوه في جوفها بعد الشراء
من دون تعريف على ما هو الظاهر منها، وأسانيدها وإن كانت قاصرة
إلا أنها بالشهرة منجبرة، فلا وجه للقول الثاني ".
إذ هو كما ترى، ضرورة عدم اختصاص ما يوجد في جوف السمكة
بالمباح حتى يكون بناء الحكم في المسألة على الخلاف المزبور الذي قد عرفت
الترجيح فيه، وأنه وإن لم يشترط النية إلا أنه لا بد من قصد الحيازة
للمباح، وهو مفقود في الصائد دون الواجد، إذ الدرة ليس من أجزاء
السمكة.
وأما النصوص فظاهرها الاختصاص بالمباح، وهي شاهدة على ما
ذكرنا.
(فمنها) خبر أبي حمزة (1) المروي في الكافي عن أبي جعفر (عليه
السلام) في حديث " إن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا فأخذ
غزلا فاشترى به سمكة فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم،
فجاء سائل فدق الباب، فقال له الرجل: ادخل فدخل، فقال له:
خذ أحد الكيسين، فأخذ أحدهما وانطلق، فلم يكن بأسرع من أن دق
السائل الباب، فقال له الرجل: أدخل فدخل فوضع الكيس في مكانه،
ثم قال: كل هنيئا مريئا أنا ملك من ملائكة ربك، إنما أراد ربك أن
يبلوك فوجدك شاكرا، ثم ذهب ".
و (منها) خبر حفص بن غياث (2) المروي عن قصص الأنبياء
للراوندي عن أبي عبد الله (عليه السلام) " كان في بني إسرائيل رجل
وكان محتاجا، فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في
الرزق فرأى في النوم أيما أحب إليك درهمان من حل أو ألفان من حرام،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2.
331

فقال: درهمان من حل، فقال: تحت رأسك فانتبه فرأى الدرهمين
تحت رأسه، فأخذهما واشترى بدرهم سمكة وأقبل فلما رأته المرأة أقبلت
عليه كاللائمة وأقسمت أن لا تمسها، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها إذا
بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم ".
وخبر أبي حمزة (1) المروي عنه أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام)
ما يقرب من الأول، وحاصله أنه " كان في بني إسرائيل عابد محارف
تنفق عليه امرأته، فدفعت إليه يوما غزلا ليشتري به شيئا، فجاء إلى
البحر فإذا هو بصياد قد اصطاد سمكا كثيرا، فأعطاه الغزل، وقال له:
انتفع به في شبكتك، فدفع إليه سمكة فأخذها وجاء إلى زوجته، فلما
شقتها بدت من جوفها لؤلؤة، فباعها بعشرين ألف درهم ".
و (منها) خبر الزهري (2) المروي عن الأمالي عن علي بن الحسين
(عليهما السلام) في حديث " إن رجلا شكا إليه الدين والعيال فبكى،
وقال: أي مصيبة أعظم على حر من أن يرى على أخيه المؤمن خلة فلا
يمكنه سدها - إلى أن قال -: قال علي بن الحسين (عليهما السلام) قد
أذن الله في فرجك يا جارية احملي إليه سحوري وفطوري، فحملت قرصتين
فقال للرجل: خذهما فليس عندنا غيرهما، فإن الله يكشف بهما عنك
ويريك خيرا واسعا فيهما، ثم ذكر أنه اشترى سمكة بإحداهما وبالأخرى
ملحا، فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فحمد الله
عليهما، فقرع بابه فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح يقولون جهدنا
أن نأكل من هذا الخبز فلم تعمل فيه أسناننا فقد رددنا إليك هذا الخبز
وطيبنا ما أخذته منا، فما استقر حتى جاء رسول علي بن الحسين (عليهما
السلام) وقال: إنه يقول: إن الله قد أتاك بالفرج فاردد إلينا طعامنا،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 3 - 4.
332

فإنه لا يأكله غيرنا، وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه
وحسنت بعد ذلك حاله ".
و (منها) المروي في تفسير العسكري (عليه السلام) في حديث
طويل (1) " إن رجلا فقيرا اشترى سمكة فوجد فيها أربعة جواهر،
ثم جاء بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجاء تجار غرباء
فاشتروها منه بأربعمائة ألف درهم، فقال الرجل: ما كان أعظم بركة
سوقي اليوم يا رسول الله، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله):
هذا بتوقيرك محمدا وتوقيرك عليا أخاه ووصيه، وهو عاجل ثواب الله
لك، وربح عملك الذي عملته ".
وجميعها مع أنه في مقام الاعجاز ظاهرة في المباح، إذ احتمال كون
اللؤلؤة مملوكة سابقا مقطوع بعدمه.
وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت، ونحوه يجري فيما يوجد في جوف
الدابة من هذا القبيل، كما أن ما يوجد في جوف السمكة من المال
المملوك حكمه ما عرفت.
هذا وقد تقدم لنا في كتاب الخمس (2) جملة من الكلام في هذه
المسائل قد جرينا بها على ما عند الأصحاب هناك، فلاحظ وتأمل،
والله العالم.

(1) الوسائل - الباب - 10 - من كتاب اللقطة - الحديث 5.
(2) راجع ج 16 ص 35 - 39.
333

المسألة * (الثانية:) *
* (من أودعه لص) * مثلا * (مالا وهو يعلم أنه ليس للمودع) *
بعد أن قبضه أو قبله - بناء على جواز الاستيلاء عليه بعنوان الحفظ
لصاحبه ورده عليه، أو أثم وفعل * (لم) * يجز له أن * (يرده
عليه) * مع اختياره * (مسلما كان) * اللص * (أو كافرا) * بلا خلاف
ولا إشكال، لكونه حينئذ مخاطبا برده إلى مالكه أو من يقوم مقامه،
ولحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه الذي منه الرد إلى اللص،
ولا ينافي ذلك سبق خطاب الرد للص بعد تعلق الخطاب بمن قبض أيضا.
* (ف‍ -) * - المتجه حينئذ أنه * (إن عرف مالكه دفعه إليه وإلا
كان حكمه حكم اللقطة) * عند المصنف وجماعة، لخبر حفص بن غياث (1)
عن الصادق (عليه السلام) " سأله رجل من المسلمين أودعه رجل من
اللصوص دراهم أو متاعا واللص مسلم هل يرد عليه؟ قال: لا يرده،
فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل، وإلا كان في يده بمنزلة اللقطة
يصيبها فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه وإلا تصدق بها،
فإن جاء صاحبها بعد ذلك خيره بين الأجر والغرم، فإن اختار الأجر
فله، وإن اختار الغرم غرم له وكان الأجر له ".
وفي المسالك " أن مضمونه موافق للأصول الشرعية، فإنه بعد
التعريف يصير مالا مجهول المالك، وقد تقدم أنه يجوز الصدقة به عن
مالكه، ولا يقدح زيادة التعريف هنا، لأنه زيادة في الاستظهار والتفحص
على (عن خ ل) المالك ".

(1) الوسائل - الباب - 18 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
334

وفيه أن مجهول المالك لا يحد بتعريف السنة، وليس هو زيادة
استظهار، إذ الظاهر وجوب التعريف عليه حتى يحصل اليأس من مالكه،
وهو قد يحصل بأقل من السنة وبأكثر.
قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن وهب (1): " في رجل
كان له على رجل حق ففقد ولا يدري أين يطلبه؟ ولا يدري أحي هو
أم ميت؟ ولا يعرف له وارثا ولا نسبا ولا ولدا، قال: أطلب، قال: إن
ذلك قد طال فأتصدق به، قال اطلبه " وفي الكافي وقد روي في هذا خبر
آخر (2) " إن لم تجد له وارثا وعلم الله منك الجهد فتصدق به ".
على أن مقتضي إطلاق المصنف جواز تملكه لها بعد التعريف، لعموم
المنزلة، ولا ريب في كونه غير حكم مجهول المالك، وإن كان قد يناقش
بمنع العموم المزبور بعد تعيينه بالتعريف حولا ثم الصدقة بها المشعر أو
الظاهر بكون المراد من التنزيل ذلك.
ولعله لذا ذكرها المصنف في كتاب الوديعة مقتصرا على الصدقة
بها من دون قوله كاللقطة، وقد تقدم الكلام هناك في المسألة.
ونبه بقوله: " مسلما كان أو كافرا " على عدم اختصاص الحكم
بالأول وإن كان هو المورد في الرواية، إلا أن الظاهر كونه على المثال،
بل لا فرق بين محترم المال وعدمه بعد العلم بعدم كونه مالا له، والأصل
احترام مال بلد الاسلام حتى يعلم.
وكيف كان فما عن المفيد وسلار - أنه يتصدق بخمسها على مستحق

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ميراث الخنثى - الحديث 2 من كتاب الفرائض.
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ميراث الخنثى - الحديث 11 - من كتاب الفرائض
وهو مرسل الفقيه لا الكافي، فإن الكليني (قده) لم يذكر ذلك أبدا راجع الكافي ج 7
ص 153 - 155.
335

الخمس والباقي على فقراء المؤمنين غير واضح الوجه
نعم ما عن ابن إدريس - من دفعها لإمام المسلمين، ولا يجوز له
التصدق بها، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه، وهو منهي عنه (1) -
لا يخلو من وجه بناء على مذهبه من عدم العمل بأخبار الآحاد، بل قد
يناقش باطلاق ما دل على الأمر بالصدقة بمجهول المالك على وجه يظهر
منه أن ذلك حكمه، لا أنه إذن من الإمام (عليه السلام) في ذلك.
ولكن مع ذلك لا ريب في كون الأحوط الدفع إليه خصوصا بعد
ظهور كلماتهم في كونه الولي في ذلك.
بل في خبر داود بن أبي يزيد (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" قال له رجل: إني أصبت مالا وإني خفت فيه على نفسي، فلو أصبت
صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
لو أصبته كنت دفعته إليه؟ فقال: إي والله، قال فلا والله ما له
صاحب غيري، فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف،
قال: فاذهب وقسمه في إخوانك، ولك الأمن عما خفت منه، قال
فقسمه بين إخوانه " بناء على أن المراد لا ولاية لأحد عليه إلا لي من
حيث كونه مجهول المالك، فتأمل جيدا.
بقي شئ: وهو أن ظاهر الخبر المزبور بل وغيره من أخبار اللقطة
يقتضي عدم تسلط المالك بعد عدم الرضا بالصدقة على نفس العين لو
كانت موجودة في يد من تصدق عليه، وإنما له الغرم على الفاعل دونه،
وهو مناف لقاعدة الفضولي، ولعله لكونه وليا على ذلك مأمورا به شرعا،
ومقتضاه حينئذ عدم التخيير له، ولكن ثبت بالنصوص فتأمل جيد، والله والعالم.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب الأنفال - الحديث 6 من كتاب الخمس.
(2) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
336

المسألة * (الثالثة:) *
* (من وجد في داره أو صندوقه مالا ولا يعرفه) * أنه له أو
لغيره * (فإن كان يدخل الدار غيره أو يتصرف في الصندوق سواه فهو
لقطة وإلا فهو له) * بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له كالشيخ
والفاضلين والشهيدين والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في
جامع المقاصد نسبته إلى إطلاق الأصحاب، وفي الرياض نفي ظهور
الخلاف فيه.
والأصل فيه صحيح جميل (1) عن الصادق (عليه السلام) " قلت
له: رجل وجد في بيته دينارا، قال: يدخل منزله غيره؟ قلت: نعم
كثير، قال: هذه لقطة قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا، قال
فيدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا؟ قلت: لا قال
فهو له " المؤيد بالظاهر مع عدم مشاركة الغير، فإنه قد يعرض له
النسيان.
نعم لو قطع بانتفائه عنه لم يحكم بكونه له، إذ احتمال أنه رزق
جعله الله في ماله لا يعول عليه في مثل ذلك، بل يمكن منع دلالة الخبر
عليه كالفتاوى بعد كون المتيقن منهما حال عدم العلم الذي ليس وراءه
شئ، وعليه المدار في جميع الأحكام.
لكن في الرياض " قد يشكل بعد إطلاق النص والفتوى مع عدم
صدق اللقطة على مثله ظاهرا، فمتابعة الاطلاق لعلها أولى، ولا ينافيه

(1) الوسائل - الباب - 3 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
337

القطع بالانتفاء، فقد يكون شيئا بعثه الله تعالى ورزقه إياه " وفيه ما
لا يخفى.
هذا وفي المسالك " وإطلاق الحكم بكونه لقطة مع المشاركة يقتضي
عدم الفرق بن المشارك في التصرف وغيره، فيجب تعريفه حولا، وهو
يتم مع عدم انحصاره، أما معه فيحتمل جواز الاقتصار عليه، لانحصار
اليد ووجوب البدأة بتعريفه للمشارك، فإن عرفه دفعه إليه، وإلا وجب
تعريفه حينئذ تمام الحول كاللقطة "
بل في الرياض بعد أن حكى عن بعض أنه احتمل الأول قويا - لأنه
بعدم اعتراف المشارك يصير كما لا مشارك له فيه - قال: " وهو حسن "
يمكن تنزيل إطلاق النص والفتوى عليه ".
والأصل في ذلك الكركي، قال: " وينبغي أن يقيد بما إذا كان المشارك
غير محصور، فإن كان محصورا وجب تعريف المشارك خاصة، لكن
يشكل كونه ملكا له إذا لم يعرفوه مع كونه لا يعرفه، ولذلك أطلق
الأصحاب ".
قلت: قد يقال: إن الأصل بمعنى الظاهر في كل ما كان في بيته
وداره أن يكون له حتى يعلم عدمه، كما يقضي به صحيحا (1) الخربة
الظاهران في أن المال مع كونها معمورة لهم، والموثق (2) يقيدهما بما
إذا لم ينكروه بناء على إرادته من قوله (عليه السلام) فيه: " إذا لم
يعرفوه " بل لولا ظهور اتفاق الأصحاب على كونه لقطة مع مشاركة
غير المحصور شركة لا تنافي كون اليد له أشكل ذلك بعدم تحقق وصف
الضياع فيه، فلا يجب تعريفه عليه.

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
338

ولعله لذا قال الأردبيلي: " وأيضا ظاهر أن التعريف للمشتركين،
ومنه يحتمل كونه لهم على وجه الاعلام لا تعريف اللقطة " وإن كان هو
خلاف ظاهر النص والفتوى، بل وما ذكرناه من الأصل الذي مقتضاه
الحكم بكونه له مع فرض كون المشاركة إنما هي في الدخول والخروج،
وإلا فالدار داره واليد يده وكذا الصندوق.
وفي الروضة " لا فرق في وجوب تعريف المشارك هنا بين ما نقص
عن الدرهم وما زاد، لاشتراكهم في اليد بسبب التصرف قال -:
ولا يفتقر مدعيه منهم إلى البينة ولا الوصف، لأنه مال لا يدعيه أحد،
ولو جهلوه جميعا فلم يعترفوا به ولم ينفوه فإن كان الاشتراك في التصرف
خاصة فهو للمالك منهم، وإن لم يكن فيهم مالك فهو للمالك، وإن كان
الاشتراك في الملك والتصرف فهم فيه سواء ". ولعله للأصل الذي
ذكرناه، فيتجه حينئذ الاقتصار في الخروج منه على الدار التي يدخلها
كثير دون غيرها.
نعم يتجه مع ثبوت اليد الاشتراك، إلا أن تزيد يد أحدهما على
الآخر قوة، كما أومأ إليه ثاني الشهيدين بما سمعت، فتأمل جيدا، فإن
المسألة في غاية الغموض، وكلامهم فيها غير محرر، والله العالم.
المسألة * (الرابعة) *
* (لا يملك) * الملتقط * (اللقطة) * التي هي مما تبقى * (قبل) *
تعريف * (الحول ولو نوى ذلك) * إجماعا بقسميه، للأصل وغيره،
بل يمكن دعوى القطع بدلالة النصوص (1) المستفيضة أو المتواترة، بل

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
339

الظاهر ضمانه حينئذ بالنية المزبورة، بناء على أن مثلها خيانة كالوديعة،
أو مقتضية لانتفاء الإذن شرعا في قبضها ولو الاستدامي، فتكون مضمونة
وإن كان له تملكها مع ذلك إذا عرفها التعريف المعتبر مصاحبا للنية
المزبورة، كما ستعرفه إنشاء الله تعالى في الأحكام.
* (و) * كذا * (لا) * يملكها أيضا * (بعد) * تعريف * (الحول
ما لم يقصد التملك) * بل ويتلفظ بقول: " تملكت " في قول، بل
ويتصرف معها في آخر على ما في المسالك حاكيا له عن الشيخ، وإن
كنا لم نتحققه، نعم هو محكي عن بعض العامة.
وعلى كل حال فالمراد توقف تملكها بعد تعريف الحول على القصد
كما هو خيرة الشيخ في محكي المبسوط وموضعين من الخلاف وابني حمزة
وزهرة والتقي والفاضلين والآبي والفخر والشهيدين والكركي وأبي العباس
وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في المسالك وغيرها نسبته إلى
الأشهر كنسبته إلى الأكثر في المختلف، بل في الروضة نسبته إلى المشهور،
بل عن الغنية الاجماع عليه، بل هو لازم ما سمعته من التخيير بين الثلاثة
الذي قد عرفت ما يدل عليه من الاجماع المحكي والنصوص (1) وغيرهما.
* (و) * لكنه مع ذلك * (قيل) * والقائل ابن إدريس:
* (يملكها بعد التعريف حولا وإن لم يقصد) * مدعيا عليه إجماع الفرقة
وأخبارهم وإن كنا لم نعرفه لغيره صريحا، نعم في الدروس نسبته إلى
ظاهر المقنعة والنهاية وإلى الصدوقين، بل قال فيها: إنه الأشهر.
ولكن في المقنعة " وإن كان الموجود في غير الحرم عرفه سنة،
فإن جاء صاحبه وإلا تصرف فيه الذي وجده، وهو له ضامن " ونحوها
المحكي من عبارة المراسم ولا ظهور فيهما بذلك.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
340

كما أنه ليس في النهاية والمحكي عن الصدوقين إلا التعبير، بما في النصوص
من كونها كسبيل المال الذي لا صراحة فيه بل ولا ظهور، ضرورة
احتماله أمانة كسبيل المال، خصوصا بعد ما سمعت من اشتمال بعض
النصوص على ما يؤكد ذلك، كقول أحدهما (عليهما السلام) في
الصحيح (1): " وإلا فاجعلها في عرض مالك يجري عليه ما يجري على
مالك حتى يجئ لها طالب، فإن لم يجئ لها طالب فأوص بها في وصيتك ".
وخصوصا بعد ورود مثل ذلك في مجهول المالك المعلوم إرادة ذلك
فيه، كما في الموثق (2) " سأل حفص الأعور أبا عبد الله (عليه السلام)
وأنا عنده جالس، قال: إنه كأنه لأبي أجير كان يقوم في رحاه، وله
عندنا دراهم، وليس له وارث، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
يدفع إلى المساكين، ثم قال: رأيك فيها، ثم أعاد عليه المسألة، فقال
له مثل تلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام):
تطلب له وارثا، فإن وجدت وارثا وإلا فهو كسبيل مالك، ثم قال:
وما عسى أن يصنع بها، ثم قال: توصي بها، فإن جاء لها طالب وإلا
فهي كسبيل مالك ".
ورواه في الفقيه عن هشام بن سالم (3) قال: سأل حفص
الأعور أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر قال: كان لأبي أجير
وكان له عنده شئ، فهلك الأجير ولم يدع وارثا ولا قرابة وقد ضقت
بذلك ذرعا فكيف أصنع؟ قال: رأيك المساكين رأيك المساكين،
فقلت: جعلت فداك إني قد ضقت بذلك، فكيف أصنع؟ قال: هو

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 10.
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ولاء ضمان الجريرة - الحديث 7 من كتاب الفرائض.
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ميراث الخنثى - الحديث 10 من كتاب الفرائض.
341

كسبيل مالك، وإن جاء طالب أعطيته ".
بل الأمر بالجعل في الصحيح الأول أقل مراتبه الإباحة، وذلك
يستدعي أن يكون المأمور به مقدورا، وهو لا يجتمع مع الملك قهرا.
وفي الرياض - من أنه إنما يتم لو كان المأمور به جعلها مالا وليس،
فإن جعله في عرض المال غيره، كما صرح به في المختلف - لا حاصل
له على وجه يبطل به الاستدلال على المطلوب، ضرورة تماميته على تقدير
الكناية بذلك عن جعلها أمانة بقرينة ما بعده أو التملك الاختياري.
اللهم إلا أن يراد من جعلها في عرض المال الكناية عن صيرورتها
من أموالك، فلا يكون الأمر مرادا به شيئا من معانيه، وهو كما ترى.
وأوضح من ذلك قوله (عليه السلام) في الصحيح (1) الذي قدمناه
سابقا في مسألة التخيير: " يعرفها سنة، فإن لم يعرف حفظها في عرض
ماله حتى يجئ صاحبها فيعطيها إياه، وإن مات أوصى بها، وهو
ضامن " ضرورة منافاة الأمر بحفظها للملك القهري.
ومن الغريب ما في الرياض من رده بقوة احتمال أن يكون قوله
(عليه السلام): " فإن لم يعرف " بالتشديد، ولا كلام فيه، لا
بالتخفيف المبتني عليه الاستدلال، فإنه يمكن الجزم بعدمه بملاحظة سياق
غيره من النصوص، وإن كان قد ذكره بعض المحشين على التهذيب معترفا
بكونه منافيا للظاهر، موجها به ما اشتمل عليه من الضمان لها، زاعما
أن ترك التعريف يوجبه.
وهو كما ترى ليس بأولى من إبقائه على سياق غيره من النصوص
مع حمل الضمان على إرادة تأدية العين أو إذا لم يوص بها أو غير ذلك مما
لا ينافي الأول.

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
342

وبذلك كله ظهر لك ما في دعوى ظهور " كسبيل مالك " (1)
في التملك القهري مؤيدا بما في بعضها (2) مع ذلك " يجري عليها ما
يجري على مالك " الظاهر في جريان جميع أحكام ماله عليه، ومن جملتها
وجوب الزكاة بعد حؤل الحول إذا كانت نقدا، وهذه إحدى ثمرات
النزاع التي تترتب عليه.
وبأن مقتضى التشبيه الاتفاق في جميع الأحكام إلا أن يكون منها
فرد متبادر ينصرف إليه وليس، ويكفي في التغاير المصحح للتشبيه غير
الأحكام من نحو تغاير الماهية أو غيرها.
إذ لا يخفى عليك - بعد الإحاطة بما ذكرناه في مسألة التخيير وفي
المقام - ما في ذلك كله، بل لو سلم ظهورها في ذلك لأمكن أن يقال
بوجوب تنزيلها على إرادة الاختيار، جمعا بينها وبين غير مما دل على ذلك.
وأغرب شئ دعوى صحة إجماع ابن إدريس وصحة النسبة إلى
الأشهر في الدروس بعد ما عرفت، ولعله لذا قال المصنف: * (وهو بعيد) *.
مضافا إلى الأصل وظهور التخيير للمالك في الصدقة، إذ احتمال
كونها بمال الملتقط خلاف الظاهر، كظهور قوله (عليه السلام) في
النبوي (3): " فشأنك فيها " في ذلك أيضا، وإلى غير ذلك.
ودعواه الاجماع وتواتر الأخبار لم نتحققها، بل في المختلف الجزم
بخطائها، قال " فإن أكثر الأصحاب قالوا: إنه لا يملك إلا بالنية،
بل أبو الصلاح جعل الاحتفاظ وعدم التملك أولى، والأخبار إنما تنطق
بما قلناه ".
بقي الكلام فيما عن الخلاف من أنها لا تدخل في الملك إلا باختياره

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 10.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 10.
(3) سنن البيهقي ج 6 ص 185 وفيه " فشأنك بها ".
343

بأن يقول: " قد اخترت ملكها " قيل: ووافقه عليه التقي وأبو الصلاح
وهو ظاهر التذكرة في موضعين، فإنه وإن كأنه مقتضى الأصل ذلك،
إذ القول بأن حصول الملك لا شك فيه - وتوقفه على سبب لا يستدعي
سببا معينا، والأصل عدم التعيين، وذلك دليل على الاكتفاء بالنية،
فلا يستقيم نفي الدليل على ثبوت الملك بها، وليس الدليل منحصرا في
الاجماع - لا حاصل له إذا لم يرجع إلى دعوى ظهور النصوص في عدم
اعتبار غير النية المستفادة من الجمع بين النصوص بالتخيير الذي مرجعه
إن شاء تملك وإن شاء تصدق وإن شاء جعلها أمانة، بل ومن قوله
(عليه السلام) (1): " اجعلها في عرض مالك " بناء على إرادة
التملك بذلك، وكذا قوله (صلى الله عليه وآله) في النبوي (2): " فشأنك
فيها " ولأنه أقرب إلى قوله (عليه السلام) (3): " من وجد شيئا
فهو له، فليتمتع به حتى يجئ طالبه " إلى آخره وغيره بعد ما سمعت
من الأدلة على عدم الملك القهري.
بل الظاهر كونه كذلك في كل ولي على نحو ذلك، كالأب والجد
وغيرهما ممن هو ولي عن الطفل أو المجنون، بل لعل قوله (عليه السلام)
في خبر السفرة (4): " قومه على نفسك " مشعر أو ظاهر في ذلك
وإن كان قبل التعريف، ضرورة اتحاد كيفية التملك قبله وبعده، كاشعار

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 10.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 185 وفيه " فشأنك بها ".
(3) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
(4) الوسائل - الباب - 23 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 والموجود فيه: " يقوم
ما فيها " والجملة التي ذكرها (قده) من مرسلة الصدوق (قده) المروية في الوسائل
الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 9 وقد وردت في الطعام الذي وجده في المفازة.
344

خلو النصوص عن ذكر أمر معتبر في التملك بعد تأديته بما يقتضي القهرية
لولا معارضة ما عرفت مما يقتضي عدمه، فينقطع حينئذ بذلك الأصل.
ودعوى أن الملك حصل بالعوض - وهو المثل أو القيمة، فافتقر
إلى اختياره واللفظ الدال عليه كالبيع وأخذ الشفيع لا محصل لها بعد ما
عرفت من ظهور النصوص في غير المقام من حصول الملك للولي بالتقويم،
بل قد يدعى أنه قسم مستقل ثابت بالنصوص لا يدخل في البيع ولا في
غيره، بل هو أشبه شئ بالقرض.
ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك، فإنه بعد أن حكى
القولين المزبورين وحكى الثالث - وهو التوقف على التصرف، بمعنى كونه
تمام السبب المركب من التعريف ونية التملك أو لفظه الدال عليه لأن
مالكه لو ظهر والعين باقية كان أحق بها، ولو ملك الملتقط قبله لكان
يرجع إلى المثل أو القيمة لا إلى العين، وهذا كالقرض عند الشيخ -
قال: " والأصل في الخلاف أن تملكها هل هو على سبيل المعاوضة أم لا؟
وعلى الأول هل هو على سبيل الاقتراض أم لا؟ وعلى الأول هل يتوقف
تملك المقترض على التصرف أم لا؟ والحق أن المعلوم شرعا ملك الملتقط
لهما مع قصده بعوض يثبت في ذمته، إما مطلقا أو مع ظهور المالك،
أما كونه على وجه المعاوضة وكونها على جهة القرض فلا دليل عليه،
إلى آخره.
إذ فيه - بعد الاغضاء عما في كلامه مما يشبه التناقض أنه لا يبتني
الخلاف على ذلك، ضرورة عدم لزوم القول بالتملك على سبيل المعاوضة
لشئ من ذلك، بل وعلى القول بأنها كالقرض، خصوصا بعد ما تقدم
في محله من عدم توقف الملك به على التصرف.
ثم قال: " وأما ما ألزموه للقائل بتوقف الملك على التصرف بلزوم
345

الدور - من حيث توقف جواز التصرف على الملك المتوقف على التصرف -
فغير لازم، لمنع توقف جواز التصرف على الملك، بل على الإذن فيه
من المالك أو الشارع، وهو هنا متحقق، ومثله ملك المشتري معاطاة
بالتصرف المترتب جوازه على إذن المالك، وما يقال من أن التصرف
ما يكون ناقلا للملك فكيف يحصله يندفع بتقدير الملك الضمني، كعتق
العبد عن الآمر. "
قلت: قد يناقش بأن ذلك يلتزم بعد ثبوت الدليل على نحوه،
بخلاف المقام الذي لم يثبت دليل عليه، بل لم نعرف القول المزبور لأحد
من أصحابنا وإن حكاه هو عن الشيخ، نعم هو أحد أقوال الشافعي.
هذا وفي القواعد " ولو قدم قصد التملك بعد الحول ملك بعده
وإن لم يجد قصدا " ومقتضاه حينئذ كون التعريف شرطا.
وفيه أن الأدلة لا تساعد على ذلك، والأصل عدم الملك، وصلاحيته
للتملك بعد التعريف لظهور الأدلة لا يقتضي صلاحيته لها على الوجه المزبور،
كما هو واضح.
بل قد يشكل التملك لو فرض بقاء عزمه الأول إلا أنه لم ينشأ نية
جديدة، لما عرفته، ومن هنا حكي عن التحرير التصريح باعتبار التجديد
وأنه لا يكفي العزم الأول وإن بقي عليه، خلافا لبعضهم فاكتفى به،
ولعله لأنه كابتداء النية عنده، وإن كان فيه أنه خلاف ما ذكرناه من
الأصل، والله العالم.
346

المسألة * (الخامسة:) *
* (قال الشيخ (رحمه الله): اللقطة تضمن بمطالبة المالك لا بنية
التملك) * ولفظه المحكي عنه في مبسوطه " قال قوم: يلزم الملتقط الضمان
وقت مطالبة صاحبها بها، لقوله (صلى الله عليه وآله) (1): " من
وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل، ولا يكتم ولا يغيب، فإن
جاء صاحبها فليردها، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وقال آخرون:
اللقطة بعد الحول تجري مجرى القرض، والقرض يلزم بنفس القرض
لا بمطالبة المقرض والأول أقوى ".
وأما في الخلاف فالمحكي عنه أنه " حكي إجماع الفرقة وأخبارهم على
أنه إذا عرفها سنة وأكلها كان ضامنا " ولم يتعرض لمطالبة المالك، بل
ظاهر قوله: " ضامنا " ثبوت المال في ذمته قبل ذلك، ولعله لذا نسبه
في التحرير إليه في بعض كتبه: قال: " وفي أكثر كتبه تعلقه به بالنية "
وهو ظاهر المحكي عن الغنية والسرائر بل حكي عن التحرير وإن كنا لم
نتحققه، وإنما الموجود فيه عدم الترجيح، نعم هو خيرة الكركي
وثاني الشهيدين.
بل في المسالك " الظاهر من الأخبار أن الضمان يحصل بظهور المالك
وإن لم يطالب، لكن الشيخ اعتبر المطالبة " بل في الروضة التصريح
باختياره، وجعل الضمان بالمطالبة احتمالا.
* (و) * على كل حال ف‍ - * (- هو بعيد) * مناف للمحكي عن
المشهور * (لأن المطالبة تترتب على الاستحقاق) * ضرورة عدم صحة

(1) سنن البيهقي - ج 6 ص 187.
347

وقوعها منه بدونه، لا أنها توجب الحق، فما في النصوص (1) من
مطالبة المالك بها يقتضي سبق استحقاقه لا توقفه عليها وإلا دار.
وما في المسالك - من الجواب عنه بمنع توقفها على الاستحقاق، بل
على إمكانه وهو حاصل - لا حاصل له.
وكذا ما في جامع المقاصد من الجواب عنه بأن " اقتضاء المطالبة
سبق الاستحقاق صحيح، لكن لا يلزم منه ثبوت الضمان قبل مجئ المالك،
بل غايته أنه إذا جاء المالك استحق، فيطالب حينئذ " فإن مرجعه إلى
دعوى تسبيب المجئ الحق، وتتبعه المطالبة.
وفيه منع تسبيبه الحق، والمجئ في النصوص إنما هو مقدمة للمطالبة
التي مقتضاها سبق استحقاق المطالب بالمثل أو القيمة، ولا سبب صالح
لتسبب سبق ذلك إلا الملك، ضرورة كون التلف إنما حصل على ملكه
الذي لا يقتضي استحقاق الغير عليه شيئا، فتأمل جيدا.
ثم قال: " إن الذي يتقضيه النظر ويرشد إليه النص (2) إن العين
متى كانت باقية وظهر المالك وطالب بها وجب رد العين، ولا بعد في
ذلك، بأن يكون ملك الملتقط إياها متزلزلا، وإن جاء بعد تلفها وطالب
وجب البدل من المثل أو القيمة يوم التلف أو يوم المطالبة على احتمال،
ورجح في التحرير قيمة يوم التلف لوجوب رد العين حينئذ، وقد تعذر
فيجب البدل، لا يقال: لو لم يجب العوض قبل ذلك لم يكن له المطالبة
به، لأن العين قد تلفت على وجه غير مضمون، لأنا نقول: لا يلزم
من وجوب العوض قبل ذلك كون التلف غير مضمون، لامكان أن
يقال: المراد بضمان العين من حين تملكها كون المالك إذا جاء ترد عليه
العين ومع تعذرها فالبدل، وهذا كاف في صدق معنى الضمان، والحاصل

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
348

أن الملتقط يملكها ملكا مراعى، فيزول بمجئ صاحبها، وهذا أعدل
الأقوال، لأن فيه جمعا بين الأدلة، والأصل عدم أمر زائد عليه وقد
اختار الصنف هذا في التحرير، وهو قوي متين ".
وفيه أنه قريب إلى ما تفرد به الفخر مما سمعته سابقا في الضالة
من عدم الضمان، ولكن إنما يستحق المالك الغرامة عليه إذا جاء وطالب،
وقد عرفت ضعفه في محله.
على أن ما حكاه عن التحرير من تعليل الضمان يوم التلف كالصريح
في ثبوت المثل وقت التلف، لقوله: " حينئذ " نحو المغصوب، وهو
يقتضي سبق الاستحقاق.
بل قد يقال: إن التملك الذي قلنا بحصوله بالنية مقتض لذلك،
لأصالة احترام مال المسلم على وجه لا يكون كالمباح، ولأصالة عدم الملك
بدون ذلك، خصوصا بعد قوله (عليه السلام) في السفرة (1) " قومها
على نفسك " نحو ما ورد (2) في تقويم الولي مال المولى عليه، وكون
ذلك قبل التعريف غير مناف بعد ما عرفت من الاتحاد في الكيفية.
فيكون الحاصل أن الشك حاصل في حصول الملك بنية التملك
خاصة، أو بها مع ثبوت العوض في الذمة، فالأصل عدم الملك بذلك،
وليس الملك متيقن الحصول والشك في وجوب شئ آخر معها كي يكون
الأصل عدمه.
(وأما الاستدلال) بقوله (عليه السلام) (3): " من وجد
شيئا فليتمتع به حتى يأتيه طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه "

(1) راجع التعليقة (4) من ص 344.
(2) الوسائل - الباب - 79 - من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
(3) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
349

وقوله (عليه السلام) (1): " فإن وجدت صاحبها وإلا فأنت أحق
بها، وقال: هي كسبيل مالك، وقال: خيره إذا جاءك بعد سنين
بين أجرها وبين أن تغرمها له إذا كنت أكلتها " وقوله (عليه السلام) (2):
" فإن جاء طالبها وإلا فهي كسبيل مالك " فإن كلا من الغاية والتخيير
وكونها كسبيل المال ينافي الضمان من حين التملك، بل قد سمعت ما في
صحيح قرب الإسناد (3) من قوله (عليه السلام): " فكلها وأنت
لها ضامن إن جاء صاحبها أن تردها " (ففيه) أنها أدل على الضمان
المزبور من عدمه، ضرورة كون المراد وجوب الرد عند مجئ المالك
للعين أو البدل ونحو ذلك من أحكام الضمان، لا أن الضمان يحصل حينئذ.
نعم قد يقال باختصاص ذلك بالمالك ووارثه، لا أنها تكون من
ديونه على وجه إن لم يظهر المالك ولا وارثه يتصدق بها عن صاحبها
وتخرج من تركته ويشارك غرماؤه وغير ذلك، لخلو النصوص، بل لعلها
ظاهرة في خلافه، مع إمكان أن يقال: إن ذلك فيها جريا على الغالب
وإلا فهو في ذمته كالقرض.
وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه لا منافاة بين كونها
مضمونة بالنية ووجوب الرد عليه إذا جاء المالك الذي ليس له الامتناع
عن القبول، كما أنه ليس للملتقط اختيار رد المثل أو القيمة من دون
رضا المالك بعد ظهور النصوص أو صراحتها في ذلك.
فما عن المشهور عن عدم وجوب رد العين واضح الضعف، مع
أنا لم نتحقق الشهرة المزبورة.
وأما احتمال كون التملك المزبور كالفضولي الذي ينكشف بمجئ

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة الحديث 5 - 1.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة الحديث 5 - 1.
(3) الوسائل - الباب - 13 - من كتاب اللقطة - الحديث 7.
350

المالك أو طلبه إياها عدم ملكه له فيدفعه النص والفتوى.
بل وفي المرسل عن أبي العلاء (1) " قلت لأبي عبد الله (عليه
السلام): رجل وجد مالا فعرفه حتى إذا مضت السنة اشترى به خادما
فجاء طالب المال فوجد الجارية التي اشتريت بالدراهم هي ابنته، قال:
ليس له أن يأخذ إلا دراهمه، وليس (ليست خ ل) له الابنة، إنما
له رأس ماله وإنما كانت ابنته مملوكة قوم " ولو كان من الفضولي لكان
له أخذ البنت، بل قوله (عليه السلام): " وإنما كانت " إلى آخره
كالصريح في كون المراد أنها صارت ملكا لقوم، أي الواجد.
وفي الدروس عن النهاية " لا يلزمه أخذها وإن أجاز شراءها
عتقت " وفيه ما لا يخفى مع الشراء بعد التملك، وكذا ما عن ابن إدريس
من منعه ذلك عليه، لبطلان عقد الفضولي، إذ قد عرفت خروجه عن
ذلك، نعم لو اشتراها بعين المال قبل الحول أو بعده وقلنا بعدم الملك
قهرا اتجه كلام الشيخ وكلامه.
وعلى كل حال فقد ظهر لك أنه يملك العين متزلزلا بالعوض ما
دامت موجودة، فإن تلفت استقر، وهو معنى قوله (عليه السلام)
في الضالة (2): " فإنها لربها أو مثلها " لا أن المراد ثبوت مثلها عند
التلف نحو المضمون من الأموال الباقية على ملك مالكها بخلاف المقام
(المخالف للمقام خ ل) الذي خرج الملك عن صاحبه بالنية مضمونا
فليس حينئذ إلا ثبوت العوض في الذمة، إذ لا معنى لضمانه بعد خروجه
عن الملك إلا هذا.
واحتمال كونه كالمبيع بالخيار الذي يضمن بالفسخ عند تلفه وإن كان

(1) الوسائل - الباب - 8 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 14 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
351

مملوكا للمشتري - فهذا أيضا ينفسخ التملك الذي حصل بالنية بمجئ
المالك أو مطالبته فينتقل إلى المثل أو القيمة، وهذا كاف في كونه
مضمونا، نحو قولهم: " المبيع في زمن الخيار مضمون على المشتري " -
يدفعه عدم وفاء الأدلة بذلك، إذ لا أقل من احتمالها الأمرين، والشهرة
والقواعد العامة تقتضي ما قلناه.
ومن الغريب ما في جامع المقاصد من استبعاد ثبوت عوض في ذمة
الغير على جهة القهر مع بقاء العين، إذ قد عرفت أنه ثبوت عوض عن
ملك العين اختيارا بالنية، إنما المستبعد تملك مال الغير مجانا ثم الضمان
بالمجئ والمطالبة، كما هو واضح.
وقد تقدم في ضمان واجد الضالة ماله نفع في المقام، ضرورة عدم
الفرق بينهما في الكيفية عند اختيار التملك، هذا كله في الضمان بنية
التملك.
أما الضمان بالصدقة به فلا يبعد كون المراد به استحقاق عليه بمجئ
المالك وعدم إرادته الأجر، والله العالم.
* (الثاني في الملتقط) *
* (وهو من له أهلية الاكتساب أو الحفظ، فلو التقط الصبي
جاز، ويتولى الولي التعريف عنه) * والتملك والحفظ والصدقة * (وكذا
المجنون) *.
* (وكذا يصح الالتقاط من الكافر) * مطلقا فضلا عن الفاسق،
نعم قيل غير المرتد عن فطرة، ولا يخلو من نظر، كما تقدم في محله
352

* (لأن له أهلية الاكتساب) * فيكفي في صحة الالتقاط - بناء على كون
المعتبر فيه قابلية الملتقط لأحد أمرين - قابلية الاكتساب أو الائتمان على
الحفظ، نعم لو فقد الجميع لم يصح، وإن كان هذا محل نظر أشرنا
إليه سابقا، وذلك لأنه إن كان هذا المذكور للملتقط المعبر عنه بلفظ
" من " ونحوه من التملك والحفظ يقتضي تخصيصه بالقابل فالمتجه اعتبارهما
معا فيه لا أحدهما، وإن كان لا يقتضي ذلك وإنما هي أحكام لمن يقبلها
من أفراده فلا يعتبر شئ منهما.
ومن هنا يتجه صحة التقاط الصبي والمجنون في الحرم وإن خليا عن
الائتمان والصدقة كما ستعرف، وقد تقدم الكلام في ذلك كله.
نعم في المسالك هنا " وهل تقر يدهما أي الكافر والفاسق عليها إلى
أن يتم الحول أم ينتزعها الحاكم من يدهما إلى أن يستحقا تملكها فيدفعها
إليهما؟ وجهان من عدم كونهما من أهل الأمانة على مال الغير، ومن
عموم الإذن في الالتقاط، ولأنه يخلى بينهما وبين الوديعة، فكذا يخلى بينهما
وبين اللقطة كالعدل، وفيه نظر، لأن الإذن في الوديعة جاء من قبل
المالك بخلاف اللقطة، فإن إذنها من الشارع، ولم يستأمن غير العدل على
مال الغير. وفي التذكرة أوجب مع علم الحاكم خيانته ضم مشرف إليه
وإلا استحب، وفي التحرير لم أقف لعلمائنا على نص في انتزاع اللقطتين
من يد الفاسق أو ضم الحافظ إليه مدة التعريف ".
وفي القواعد " للعدل أن يحفظ بنفسه أو يدفع إلى الحاكم، وغيره
يتخير الحاكم بين انتزاعه منه وبين نصب رقيب إلى أن تمضي مدة التعريف،
ثم إن اختار الفاسق أو الكافر التملك دفعه الحاكم إليه وإلا فالخيار للملتقط
إن شاء أبقاه أمانة في يد الحاكم أو غيره، وليس للحاكم مطالبته بعد
الحول بكفيل ".
353

وظاهر المحكي عن المبسوط المفروغية من أحد الأمرين: الانتزاع أو
ضم الرقيب، لأنه حكى في ذلك قولين وإن لم يرجح بينهما.
قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الاجتهاد في مقابلة إطلاق
النصوص المقتضي لجواز الالتقاط بأحكامه، ولذا كان خيرة الشهيد والكركي
الاقرار في أيديهما من دون ضم رقيب.
وعلى كل حال فلا كلام في جواز الالتقاط في غير الحرم.
إنما الكلام هنا في قوله: * (وفي أخذ لقطة الحرم لهؤلاء تردد ينشأ
من كونهم ليسوا أهلا للاستئمان) * والفرض لا تملك فيها كي يكون
اكتسابا، فهي استئمان محض، وهم ليسوا من أهله، ومن إطلاق الأدلة.
لكن صرح في القواعد باشتراط العدالة، وفي الدروس " أربعة
لا يجوز لهم أخذ لقطة الحرم: الصبي والمجنون والكافر والفاسق، لأنها
أمانة محضة " وكذا المسالك، بل والتذكرة وإن لم يصرح فيها بالمجنون،
بل والتحرير وإن تردد في الفاسق.
قلت: قد سمعت إطلاق النصوص فيما تقدم وأن الأقوى إرادة
شدة الكراهة مما اشتمل على النهي فيما، نعم في خبري الفضيل بن يسار
ما يدل على ذلك في الجملة.
قال في أحدهما (1)، " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يجد اللقطة في الحرم، قال: لا يمسها، وأما أنت فلا بأس،
لأنك تعرفها ".
وفي الآخر (2)، " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن لقطة
الحرم، فقال: لا تمس أبدا حتى يجئ صاحبها فيأخذها، قلت: فإن
كان مالا كثيرا قال: فإن لم يأخذها إلا مثلك فليعرفها ".

(1) الوسائل - الباب - 28 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 2.
(2) الوسائل - الباب - 28 - من كتاب اللقطة - الحديث 5 - 2.
354

ولا جابر لهما على تقدير إرادة ذلك منهما، بل لعل الموهن متحقق،
ضرورة حدوث التفصيل للفاضل، بل الأول منهما مشتمل على التعليل
القاضي بعدم الفرق بين الفاسق والعدل مع التعريف.
بل في المسالك " أن الثانية ظاهرة في الكراهة " وأن أخذ الثقة غير
مكروه أو أقل كراهة، كمطلق اللقطة ".
فالتحقيق حينئذ الجواز، ولكنه على شدة كراهة في المكلف منهم،
بخلاف الصبي والمجنون الذي ينتقل حكم التقاطهما إلى وليهما، وعدم
الاكتساب فيه لا يمنع من صحة التقاطهما بعد أن عرفت عدم ظهور الأدلة
في اشتراط الصحة بذلك وإن ذكر فيها (ذلك لكن على وجه يكون
حكما للقابل له لا قيدا خ) (1) ذكر حكم يكون على القابل له، فيبقى
ما دل على الصحة من العموم والاطلاق بحاله.
وبذلك يتضح لك الحال في كثير من أفراد المسألة التي يمكن أن
يكون ذلك فيها من مسألة عدم تخصيص العام بذكر ما يرجع إلى بعض
أفراده فتأمل جيدا.
وأما التعريف والحفظ والصدقة بها بعد ذلك فهي من التكليف
الذي لا فرق فيه بين الفاسق والعدل، وينتقل في الصبي والمجنون إلى وليهما.
وعلى كل حال فعلى تقدير عدم الجواز قد قالوا: أنه ينتزعها
الحاكم، لعدم ولاية لهم على حفظها ولا أولوية.
وفيه أن المتجه على ذلك جواز أخذ العدل أيضا، لصدق اللقطة
على ما في أيديهم بعد عدم الولاية والأولوية، وهو واضح.
كما أن المتجه انتزاع الحاكم لها من يد العدل بناء على الحرمة، إذ

(1) ما بين القوسين ليس في النسخة الأصلية المخطوطة بقلمه الشريف (قده) وإنما
أثبت في النسخة الأصلية المبيضة بعنوان (نسخة).
355

لا فرق بينه وبين الفاسق بعد عدم جواز الالتقاط، بل يخرج عن العدالة
مع إصراره على بقائها في يده إن قلنا إنه صغيرة وإلا خرج بالالتقاط.
نعم قد يفرق بينهما بجواز إقرار الحاكم لها في يد العدل على أن تكون
أمانة منه بخلاف الفاسق، والله العالم.
* (وللعبد) * القن مع الإذن أو عدم النهي * (أخذ كل واحدة
من اللقطتين) * الحل والحرم، بل والضالة والمال.
* (و) * لكن * (في رواية أبي خديجة (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " لا يتعرض لها المملوك " و) * مع ذلك قد * (اختار
الشيخ الجواز) * وتبعه من تأخر عنه.
* (وهو أشبه) * بأصول المذهب وقواعده التي منها العمل على
إطلاق الأدلة و * (لأن أهلية الاستئمان والاكتساب) * اللذين تضمنهما
اللقطة، فيحمل خبر أبي خديجة على ضرب من الكراهة أو غيرها، كما
تقدم الكلام في ذلك وغيره مفصلا.
* (وكذا المدبر وأم الولد و) * غيرهما بل * (الجواز أظهر في
طرف المكاتب) * بقسميه * (لأن له
أهلية التملك) * أيضا، بل يمكن
القول بجواز التقاطه وإن قلنا بعدمه في القن، وليس للمولى انتزاعها من
يده، لأنها من كسبه إذا لم تكن لقطة حرم، ومن أمانته إن كانت،
نعم لو عجز فاسترق كان للمولى انتزاعها كالقن، وبنى على تعريفه إن
لم يعلم فساده.
ولو اشتغل المكاتب بالتعريف فأعتق أتمه وتملك، ولو مات قبل
التعريف أو تمامه فكالقن إلا إذا كان قد أعتق بعضه، فإنه يقوم الوارث

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
356

مقامه في نصيب الحرية، ضرورة كونه حينئذ كالمبعض الذي أشرنا إليه
سابقا.
وفي القواعد هنا " من انعتق بعضه حكمه حكم الحر في قدر الحرية
وحكم العبد في الباقي " وهو كذلك، فيكون حينئذ كرجلين التقطا
معا.
نعم إن كانت بينه وبين سيده مهاياة فالظاهر كونها للمولى إن
وقعت في نوبته، فيلحقها حكم لقطة العبد، وله إن وقعت في نوبته،
ويلحقها حكم لقطة الحر، وأيهما وقعت له يعرفها ويتملكها، والاعتبار
بيوم الالتقاط لأنه يوم الكسب لا بوقت التملك، فلو وقع الالتقاط
في نوبة العبد مثلا وكان انقضاء مدة التعريف في نوبة السيد فالمدار على
نوبة الالتقاط والحكم لها. أما مع عدم المهاياة فحكمها ما عرفت.
ومنه يعلم حكم ما إذا التقط اثنان معا دفعة، فإنه يجب عليهما معا
تعريفها حولا، والأقرب الاكتفاء بتعريف أحدهما بإذن الآخر، بل ومع
عدمه بناء على أنهما معا ملتقط لا كل منهما، فيكفي وقوعه من أحدهما،
فإذا انقضت مدة التعريف واتفقا على أحد الوجوه فلا إشكال، ولو اختار
أحدهما التملك دون الآخر قيل ملك النصف وبقي الآخر أمانة.
وقد يقال: إنهما بالتقاطهما معا يكونان بمنزلة ملتقطين لكل نصف،
فيجري حكم كل منهما على نفسه، فلا يجزئ تعريف أحدهما عن الآخر
مع عدم الاستنابة له، ولو كان ما التقطاه معا درهم فما فوق ولكن قسط
كل منهما دون الدرهم أمكن القول بملك كل منهما حصته من دون تعريف
ويحتمل العدم، لأنها لقطة واحدة.
ومن ذلك ينقدح لك فروع كثيرة لا يخفى عليك حكمها بأدنى
357

التفات، منها لو التقط من يصح التقاطه وغيره كالعبد المنهي مثلا بناء
على عدم جواز التقاطه اختص حكم الصحة بالنصف، وبقي النصف غير
ملتقط إلا إذا اشتملت عليه يد.
وبالجملة الاشتراك في الالتقاط يجعلهما معا ملتقطا داخلا تحت عموم
" من " مثلا أو يكون كل منهما ملتقطا، لكن على الأول ينبغي أن
ينصف بينهما كل ما كان قابلا لذلك، من أحكامها، كالتعريف والحفظ
والتملك وغيرها: للاشتراك في السبب الذي لا يقبل التقسيم، فيرجع
إلى متعلقه، كحيازتهما معا الموجبة لتقسيم المحوز بينهما، وحينئذ فيقسم
التعريف بينهما أيضا، فيعرف كل منهما نصف المدة، وكذا يحفظها
كل منهما.
وهو متجه إن ثبتت القاعدة المزبورة في الاشتراك في السبب، أما
على عدمه فيكون لقطة واحدة ليس لأحدهما تملك النصف دون الآخر
لعدم كونه ملتقطا، وليس لأحدهما قسمتها في الحفظ مثلا، نعم لو قلنا
بأن كلا منهما ملتقط نصفا صارا لقطتين وملتقطين، يجري على كل منهما
حكمها، لكنه بعيد عن مذاق الفقه، بل الموافق له الأول.
هذا وستعرف إنشاء الله تعالى جملة من أحكام العبد في المسألة
الرابعة، والله العالم والهادي.
358

* (الثالث في الأحكام) *
* (وهي مسائل:) *
* (الأولى:) *
يجب التعريف سنة بلا خلاف فيه، بل الاجماع بقسميه عليه،
والنصوص (1) مستفيضة أو متواترة فيه.
وما في خبر أبان بن تغلب (2) قال: " أصبت يوما ثلاثين دينارا
فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك، فقال لي، أين أصبت
ذلك؟ فقلت له: كنت منصرفا إلى منزلي فأصبتها، قال: فقال:
صر إلى المكان الذي أصبت فيه فعرفه، فإن جاء طالبه بعد ثلاثة أيام
فاعطه وإلا فتصدق به " مطرح أو محمول على غير اللقطة أو على حصول
اليأس بذلك أو ثلاثة أيام بعد السنة أو غير ذلك.
والمدار على صدق ذلك عرفا، كما في غيره مما علق عليه الحكم،
ولكن صرح الشيخ والفاضلان والشهيدان والكركي وغيرهم بأنه لا يجب
فيه التوالي، بل في الكفاية نسبته إلى الأصحاب.
وفي المتن * (ليس التوالي شرطا في التعريف، فلو فرقه (فرق
خ ل) جاز) * وفي المسالك وغيرها أن للتوالي المحكوم بعدم وجوبه
تفسيرين: أحدهما استيعاب وقت الحول بالتعريف، ولا خلاف ولا إشكال
في عدم وجوبه، بل في المسالك وغيرها الاتفاق عليه، لصدق العرف

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 0 - 7.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 0 - 7.
359

بدونه، والثاني توالي التعريف في الحول الواحد بحيث يقع التعريف
المعتبر في اثني عشر شهرا متوالية، فإن ذلك أيضا غير لازم على ما
صرح به غير واحد، فيجوز له أن يعرف شهرين ويترك شهرين،
وهكذا حتى يتم له اثنا عشر شهرا، وعن التذكرة تشبيهه بما لو نذر
صوم سنة، فإنه يجوز له التوالي والتفريق.
قلت: إن لم يكن إجماعا أمكن دعوى انسياق التوالي بالمعنى المزبور،
خصوصا بعد تصريح الفاضل والشهيدين والكركي وغيرهم بكون مبتدئه
حين الالتقاط مع الامكان محتجين له بقوله (عليه السلام) (1): " فإذا
ابتليت بها فعرفها سنة " لظهور الفاء في ذلك، وإن كان فيه منع
دلالة فاء الربط على ذلك، إلا أن مقتضى العرف الاتصال فيما عين مبتدؤه
إلى تمام الحول، ولعله لذا كان المحكي عن بعض الشافعية عدم جواز التعريف
على الوجه المزبور.
وكيف كان فقد قيل: إن المشهور التعريف في الابتداء في كل
يوم إلى سبعة أيام، ثم في بقية الشهر في كل أسبوع، ثم في كل شهر
إلى آخر الحول، بل عن الكفاية نسبته إلى الأصحاب.
ولعله إليه يرجع ما في القواعد " يعرف كل يوم في الابتداء، ثم
كل أسبوع ثم كل شهر بحيث لا ينسى أنه تكرار لما مضى ".
نعم عن التذكرة " أنه يعرف في الابتداء في كل يوم مرتين في
طرفي النهار، ثم في كل يوم مرة، ثم في كل أسبوع مرة أو مرتين،
ثم في كل شهر بحيث لا ينسى كونه تكرارا لما مضى " وهو زيادة
استظهار وإلا فالأول كاف، ومرجعه إلى بضع وعشرين مرة.
لكن فيه أنه لا دليل على أقل صدق التعريف حولا بذلك على

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
360

وجه لا يجزئ إذا لم يكن على هذا الترتيب ولا يجزئ الأقل منه بواحدة مثلا،
ويمكن أن لا يريدوا اعتباره على وجه لا يجزئ غيره، كما يومئ إليه
قوله: " بحيث لا ينسى " الذي لا وجه للتقييد به بعد النص على العدد،
فلا بد من كون المراد به أن الضابط ذلك.
ولذا في الدروس بعد أن ذكر ما سمعت قال: " والضابط أن يتابع
بينهما بحيث لا ينسى اتصال الثاني بمتلوه " وفي المسالك " اعتبر العلماء فيه
أن يقع على وجه لا ينسى أن الثاني تكرار لما مضى " وفي الروضة " أن
المعتبر ظهور أن الثاني تكرار لما سبق " وفي الكفاية " اعتبر الأصحاب
أن يقع على وجه لا ينسى ".
وإن كان قد يناقش بعدم صلاحية ذلك ضابطا لأقل مصداق التعريف
حولا، فالتحقيق كون المدار على العرف الذي قد يشكل تحققه بنحو
ذلك، وإن علل التوالي المزبور ابتداء بشدة اهتمام المالك بأمرها أولا،
لكنه كما ترى، مع أن في صحيح يعقوب (1) " يعرفها سنة في كل مجتمع ".
والأولى أن يقال: إنه بعد انتفاء إرادة الاستيعاب يتعين إرادة أول
الأفراد التي لا يقطع بعدمها كالتعريف بكل أسبوع مرة إلى تمام الحول.
وأولى من ذلك إيكال الأمر إلى العرف، ولعله لذا ترك المصنف
التعرض لذلك كله، فقال بعد أن صرح بعدم اشتراط التوالي فيه:
* (وإيقاعه عند اجتماع الناس وبروزهم كالغدوات والعشيات) * وغير
ذلك مما يحصل به الاجتماع، وقد سمعت قول الصادق (عليه السلام)
لسعيد بن عمر الجعفي (2): " اتق الله وعرفه في المشاهد " وقوله (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 1 من كتاب الحج.
(2) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
361

في خبر أبي خديجة (1): " يعرفها سنة في مجمع " مضافا إلى صحيح
يعقوب بن شعيب (2) ووجهه أيضا من حيث الاعتبار واضح.
ولا فرق فيه بين الليل والنهار وإن قال في القواعد: " إن وقته
النهار دون الليل " بل قيل: إنه المتبادر من الأخبار، وصرح به في
المبسوط وغيره ولكنه كما ترى.
* (وكيفيته أن يقول: من ضاع له ذهب أو فضة أو ثوب وما
شاكل ذلك من الألفاظ) * المشتملة على الجنس التي يصدق بها اسم
التعريف المأمور به.
وفي خبر سعيد بن عمر (3) الذي أمره الصادق (عليه السلام)
بالتعريف في المشاهد " من يعرف الكيس " وقد حكى ذلك له وأقره
عليه، بل لا بأس بذكر بعض الأوصاف التي يتنبه منها المالك.
* (و) * لكنه مع ذلك * (لو أوغل في الابهام كان أحوط، كأن
يقول: من ضاع له مال أو شئ فإنه أبعد أن يدخل عليه بالتخمين) *
إلا أنه غير واجب، بل لا يبعد ذكر جملة الأوصاف إذا لم يكن يدفعها
بها، بل بالبينة أو بما لم يذكره من الأوصاف، ضرورة صدق اسم التعريف
المأمور به، بل قد يشمل تمكينه من النظر إليها مع عدم الدفع إلا بالبينة. اللهم إلا أن يقال: إن قوله (صلى الله عليه وآله) (4): " اعرف
عقاصها ووكاءها ثم عرفها سنة " مشعر بوجوب الاخفاء، وربما يؤيده
أن ذلك هو المتعارف في كيفية التعريف لها، ويمكن تعسر إقامة البينة

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 1 من كتاب الحج.
(3) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(4) سنن البيهقي ج 6 ص 185.
362

على المالك، فلا يقطع الطريق عليه بحصر الأمر في البينة، ولا ريب في
أنه أحوط، والله العالم.
* (وزمانه أيام المواسم والمجتمعات، كالأعياد وأيام الجمع، ومواضعه
مواطن الاجتماع، كالمشاهد وأبواب المساجد والجوامع والأسواق) * وقد
سمعت ما يدل على ذلك أو بعضه من النصوص (1) التي يشهد لها الاعتبار،
لأن الغرض إشاعة ذكرها وإظهارها ليظهر عليها مالكها.
بل لعل التعبير الذي سمعته في النصوص أولى مما في المتن الذي ذكر
أولا أن إيقاعه عند اجتماع الناس وبروزهم وثانيا أن زمانه أيام المواسم
إلى آخره.
وتبعه الفاضل في القواعد، وقال: " وإيقاعه عند اجتماع الناس
وظهورهم كالغدوات والعشيات وأيام المواسم والمجتمعات كالأعياد وأيام
الجمع ودخول القوافل ومكان الأسواق والجوامع ومجامع الناس ".
والأصل في ذلك ما عن المبسوط والسرائر من أن وقت التعريف
الغداة والعشاء وقت بروز الناس بالليل لا عند الظهيرة والهاجرة، وأما
الزمان فالجماعات والجمعات وأن يقف على أبواب الجوامع.
والجميع كما ترى يغنى عنها تعريفها في المشاهد والمجتمع حال اجتماع
الناس فيها، على أن ذلك حيث يكون في البلد محل اجتماع، وإلا عرفها
بما فيه ولو بأزقته على وجه يشيع أمرها فيه، والأمر في ذلك سهل.
إنما الكلام في موضع التعريف، ففي المسالك " ويجب إيقاعه عقيب
الالتقاط مع الامكان، وفي مكانه إن كان بلدا أو مجتمعا، ولو عرف فيه
وأكمله في غيره جاز، ولو كان في برية عرف من يجده فيها وأتمه في

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 والباب - 28 - من أبواب
مقدمات الطواف - الحديث 1 من كتاب الحج.
363

غيرها من البلاد، وينبغي تعريفها في أقرب البلدان إليها فالأقرب ".
وفي القواعد " وينبغي أن يعرفها في موضع الالتقاط " ونحوه عن
التحرير، قيل: لكن ظاهر التذكرة والدروس الوجوب.
قلت: بل هو صريح ما سمعته من المسالك تبعا للكركي في جامعه
محتجا عليه بموثق إسحاق بن عمار (1) السابق المشتمل على الدنانير المدفونة
في بعض بيوت مكة، وفيه أنه غير تعريف اللقطة، نعم قد سمعت ما
في خبر أبان (2) المتقدم في صدر المسألة.
وفي القواعد أيضا بعد ما سمعت " ولا يجوز أن يسافر بها فيعرفها
في بلد آخر " وفيها أيضا " ولو التقط في بلد الغربة جاز أن يسافر بها
إلى بلده بعد التعريف في بلد اللقطة ثم يكمل الحول في بلده " وتبعه
عليه الكركي أيضا، وقد سمعت ما في المسالك.
وفيه أن المتجه تمام الحول في موضع الالتقاط، للخبر المزبور (3)
ولأنه المنساق من النصوص، فلو أراد السفر فوضه إلى غيره، كما عن
التذكرة التصريح به، نعم في الصحراء تتساوى البلدان إذا لم يكن شاهد
حال على خصوص بعضها، وربما جمع بين ما سمعته من الفاضل في
القواعد بإرادة الوجوب من قوله: " ينبغي " وإرادة الاكمال في بلد آخر
بعد الاعلان في بلد الالتقاط لا المرة ونحوها مما لا أثر لها، ولكن مع
ذلك لا يخلو من نظر أو منع لما عرفت، والله العالم.
* (و) * كيف كان فقد عرفت في أحكام المساجد (4) أنه

(1) الوسائل - الباب - 5 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 7.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 7.
(4) راجع ج 14 ص 111 و 112.
364

* (يكره) * تعريفها * (داخل المساجد) * حتى ورد عن النبي (صلى
الله عليه وآله) (1) أنه قال: " من سمع منشد ضالة في المسجد فليقل:
لا أداها الله إليك، فإنه لم يبن لهذا ".
* (و) * لا خلاف في أنه * (يجوز أن يعرف بنفسه أو بمن
يستنيبه أو) * من * (يستأجره) * بل الاجماع بقسميه عليه، وما في
النصوص (2) من أن صاحبها يعرفها لا يراد منه وجوب المباشرة قطعا،
ضرورة عدم كونه عبادة، والمراد إشاعة ذكرها الحاصل بتعريفه وتعريف
غيره ولو بأمر غير بالغ بالانشاد أو مجنون كذلك.
بل قد ينقدح من ذلك الاجتزاء بالمتبرع إلا أن التملك له لا يخلو
من إشكال، وهو أمر آخر غير اعتبار المباشرة في التعريف التي قد
عرفت القطع بعدمها، خصوصا إذا كان الملتقط أرفع شأنا من ذلك.
وفي خبر زرارة (3) " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن اللقطة،
فأراني خاتما في يده من فضة، وقال: إن هذا مما جاء به السيل،
وأنا أريد أن أتصدق به " ولم يحك عنه مباشرة التعريف بنفسه وإن كان
الخبر غير صريح في كونه الملتقط، خصوصا مع كراهة الالتقاط التي
لا تصدر منه (عليه السلام) إلا أن يفرض ما يقتضي الرجحان بالعارض.
وعلى كل حال فالأمر سهل.
ثم إن الظاهر كون مؤونة التعريف على الملتقط، لوجوبه عليه،
نعم لو قلنا بعدم وجوبه إلا إذا قصد التملك ولم يقصده وأراد الحفظ
لا تجب عليه الأجرة، كما عن التذكرة وجامع المقاصد.
نعم في أولهما " أنه يرفع الأمر إلى الحاكم ليبذل الأجرة من بيت

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 196.
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطواف - الحديث 1 من كتاب الحج.
(3) الوسائل - الباب - 7 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
365

المال، أو يستقرض عليه أو يأمر الملتقط أو غير ذلك مما يراه مصلحة
له، ولا ينافي ذلك تملك الملتقط له بعد ذلك " قلت: لا ريب في أن
له ذلك.
هذا وعن التذكرة أيضا " ينبغي أن يتولى التعريف شخص أمين
ثقة عاقل غير مشهور بالخلاعة واللعب، ولا يتولاه الفاسق لئلا تفقد
فائدة التعريف، وهذا على الكراهة دون التحريم ".
وفي جامع المقاصد " لكن لا يركن إلى مجرد قول غير العدل، بل
لا بد من اطلاعه وإطلاع من يعتمد على خبره ".
وفي المسالك والروضة " يشترط في النائب العدالة أو الاطلاع على
تعريفه المعتبر شرعا " بل في الأخير " وفي اشتراط شاهدين اجراء له
مجرى الشهادة أو الاكتفاء بواحد جعلا له من باب الخير وجهان،
أحوطهما الأول ".
وفي القواعد " الأقرب الاكتفاء بقول العدل الواحد ولعله لعموم
قبول خبر العدل، ولعسر إقامة البينة، ولصيرورته أمينا على التعريف،
فيقبل قوله.
ثم قال: " وفي وجوب الأجرة نظر " ولعله ينشأ من أن الاكتفاء
بقوله في التملك وسقوط التعريف يقتضي وقوع الفعل الذي هو متعلق
الأجرة، لترتبها على وقوعه، لأنه معلول آخر، والحكم بثبوت أحد
المعلولين يستلزم الحكم بثبوت الآخر، ومن أنه إيجاب مال على الغير بمجرد
الدعوى وإن قبل قوله في سقوط التكليف بالنسبة إلى الملتقط الذي
لولاه لزم الحرج.
وعن الفخر أنه قوي عدم وجوب الأجرة بل في جامع المقاصد
أنه الأصح.
366

ثم قال: " إذا تقرر هذا فهل يكون الاكتفاء بقول العدل على
كل تقدير سواء كان بأجرة أم لا، بل يقتصر في قبوله على ما إذا كان
متبرعا؟ يحتمل الثاني، لأنه متهم في خبره، إذ يلزم منه إثبات حق له
على الغير، ولأنه إذا رد بالنسبة إلى الأجرة كان مردودا في نظر الشارع
فلا يسمع حينئذ في سقوط التكليف بالتعريف، فيقتصر في الاكتفاء على
قول العدل المتبرع، ويحتمل عدم الفرق، وعدم قبول خبره في بعض
لا يقتضي رده ولا عدم قبوله مطلقا ".
قلت لا ينبغي التأمل - بناء على عدم قبوله - في استحقاقه الأجرة،
ضرورة عدم التهمة حينئذ، إنما الكلام في أصل القبول على وجه يثبت
التعريف الذي هو عنوان التملك وغيره من الأحكام، فإنه كغيره من
الموضوعات التي يفتقر ثبوتها إلى البينة.
ودعوى عسر إقامة البينة على ذلك ممنوعة وصيرورته أمينا بالاستنابة
يقتضي قبول خبر الفاسق، لعموم حكم الأمانة وإن كان لا يخلو من
وجه، للسيرة وغيرها.
لكن يشكل التملك بدون البينة، بل الانصاف ثبوت الاشكال في
غيره من الأحكام المعلقة على ثبوت التعريف الذي لا يحصل إلا باليقين
أو الحجة الشرعية، فالأحوط إن لم يكن الأقوى مراعاتها، بل الأحوط
عدم كونه أحد جزئيها، والله العالم.
367

المسألة * (الثانية:) *
* (إذا دفع اللقطة إلى الحاكم) * لأن يبيعها أو لا لذلك (أو لغير
ذلك خ ل) فإنه جائز له، لأنه ولي الغائب في الحفظ، بل في المسالك
" يجب عليه القبول، لأنه معد لمصالح المسلمين، ومن أهمها حفظ
أموالهم، وهذا بخلاف الوديعة، فإنه لا يجب عليه قبولها من الودعي،
بل لا يجوز له دفعها إليه مع التمكن من المالك، لعموم الأمر برد
الأمانات إلى أهلها " وإن كان فيه ما لا يخفى من اشتراك الدليل المقتضي
لعدم الوجوب على الحاكم الموفق لمقتضى الأصل بعد أن كان المال بيد
أمين يجب عليه الحفظ، فليس هو ضائعا كي يجب عليه حفظه.
وعلى كل حال * (ف‍) * إذا * (باعها فإن وجد مالكها دفع
الثمن إليه، وإلا ردها على (إلى خ ل) الملتقط) * إذا أراد تملكها
أو الصدقة بها * (لأن له ولاية الصدقة أو التملك) * بلا إشكال ولا
خلاف في الأخير، بل وفي الأول الذي فيه نفع للمالك مع ذلك بالضمان
إذا جاء ولم يرض بالصدقة.
بل قد يقال بعدم جواز التصدق بها للحاكم من دون الملتقط الذي
هو المأمور بذلك.
إنما الكلام في وجوب ردها إليه للحفظ إذا أراده، فقد يظهر من
المصنف وغيره عدم سقوط ولايته عليه بعد دفعه إلى ولي الحفظ الذي
هو ولي أصلي لا عارضي بسبب الالتقاط، ولا فائدة فيه هنا بالضمان
كالتملك والصدقة.
368

وفيه منع سقوطه بعد إطلاق التخيير له، ولعل ذلك مؤيد لما قلناه
سابقا من عدم كون الحاكم ولي ذات كولي الصبي، وإلا لم يكن للملتقط
تسلط على أخذها منه ولو للتملك، لوصولها إلى ولي المالك الذي هو
كوكيله.
بل من ذلك ينقدح أيضا عدم سقوط خطاب التعريف عنه بالدفع
إلى الحاكم، كما أشرنا إليه سابقا، وصرح به الفاضل في التذكرة.
هذا والظاهر أن المراد من هذه المسألة بيان عدم خروج الثمن عن
حكم الالتقاط لو باعها الحاكم لمصلحة اقتضت ذلك، والله العالم.
المسألة * (الثالثة:) *
* (قيل) * والقائل الشيخ في المحكي عن موضع من مبسوطه:
* (لا يجب التعريف) * وجوبا شرطيا * (إلا مع نية التملك) * ولفظه
" من وجد لقطة نظرت فإن أراد حفظها على صاحبها لا يلزمه أن يعرف
لأن التعريف إنما يكون للتملك ".
* (وفيه إشكال ينشأ من خفاء حالها عن المالك) * بعدم التعريف
المأمور به في النصوص (1) على جهة الاطلاق.
بل عن الخلاف والمبسوط والغنية وظاهر التذكرة الاجماع عليه، كما
عن السرائر وكشف الرموز نفي الخلاف فيه، وهو كذلك، فإن المحكي
عن المقنع إلى الرياض إطلاق التصريح بوجوبه.
بل عنه في موضع آخر من مبسوطه التصريح بذلك أيضا قال: " من

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
369

وجد لقطة فإنها تكون في يده أمانة، ويلزم أن يعرفها سنة، فإذا
عرفها سنة كان بعد ذلك بالخيار إن شاء حفظها على صاحبها وإن شاء
تصدق بشرط الضمان وإن شاء تصرف فيها بالضمان ".
كل ذلك مضافا إلى إطلاق الأمر به في النصوص (1) المستفيضة
التي فيها الصحيح وغيره المؤيد بأنه مقدمة لايصال المال إلى صاحبه، بل
لولاه لكان إبقاؤه في مكانه أصلح لمالكه من التقاطه، لكونه أقرب إلى
الايصال منه، لاحتمال رجوعه إليه. ومن هنا وجب في لقطة الحرم وإن
لم يكن فيها تملك.
ودعوى كونه بعدم قصد التملك يكون مجهول المالك واضحة الفساد،
ضرورة صدق اسم اللقطة عليه باعتبار كونه مالا ضائعا لا يد عليه،
سواء قصد التملك أو لا، بخلاف مجهول المالك الذي هو غير الضائع
المزبور، لكن يشترط في التملك التعريف، وهو لا يقتضي اشتراط وجوبه
بقصده بعد إطلاق الأمر كما عرفت، إذ هو شرط لحصوله لا شرط
لوجوبه المطلق.
* (و) * لذا * (لا يجوز تملكها إلا بعد التعريف ولو بقيت في
يده أحوالا) * لما عرفت من اتفاق النص (2) والفتوى على اشتراطه به،
نعم قد يقال: بناء على فورية التعريف بعد الالتقاط عدم مشروعية
التملك له لو فرض عدم وقوعه منه ولو عصيانا كما هو أحد القولين في
المسألة على ما في المسالك وإن كنت لم أتحققه.
نعم في القواعد " ولو أخر الحول عرف في الثاني، وله التملك
بعده على إشكال " بل عن إيضاح ولده عدم الترجيح.
لكن ظاهر المتن أو صريحه كالإرشاد التملك وإن أخره أحوالا ولو

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
(2) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة.
370

عصيانا، بل هو صريح الفاضل في التذكرة والتحرير والشهيدين والكركي
والصيمري وغيرهم على ما حكي عن بعضهم، لاطلاق النصوص الذي
لا يقيده ما في صحيح ابن مسلم (1) من قوله (عليه السلام): " فإن
ابتليت بها فعرفها سنة فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك "
بناء على إرادة الكناية به عن التملك، إذ أقصاه بعد التسليم الفورية
لا اشتراط التملك بها، بل قد يمنع دلالته عليها أيضا، ضرورة كونها
فاء ربط لا عطف.
مضافا إلى قوله (صلى الله عليه وآله) في النبوي (2) المروي في
طرق العامة: " اعرف عقاصها ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها
وإلا فشأنك بها " وإن لم أجده في شئ من نصوصنا، نعم أكثرها
" يعرفها " من دون فاء أو " ثم " إلا أنه لا ريب في كونه أحوط إن
لم يكن هو المنساق من النصوص ولو على جهة الشرطية.
نعم قد يقال: إن التملك على خلاف الأصل، فإذا فرض كون
الثابت منها حال الفورية يبقى غيره على مقتضى أصالة عدم التملك، بل
إن لم يكن إجماعا لم يجب التعريف.
إلا أن الأخير كما ترى، خصوصا بعد ملاحظة كون التعريف وسيلة
إلى إيصال المال إلى مالكه، فلا يسقط بالتأخير ولو عصيانا، وأما الأول
فلا يصلح مقيدا لاطلاق الأدلة الذي منه قوله (عليه السلام) (3):
من وجد شيئا فهو له، يتمتع به حتى يجئ طالبه " الذي لم يعلم تقييده
بغير التعريف ولو المتأخر عن حول الالتقاط لعذر أو لغير عذر، بل ينبغي

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
(2) سنن البيهقي - ج 6 ص 185.
(3) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
371

القطع بالأول منهما.
نعم بقي شئ: وهو أن الظاهر المستفاد من النص والفتوى كون
التعريف لرجاء حصول المالك، أما مع اليأس منه ولو للتأخير أحوالا
عصيانا فالظاهر سقوطه، ولكن هل يجوز التملك حينئذ؟ وجهان،
أقواهما ذلك أيضا، لاطلاق الصحيح (1) المزبور.
* (و) * كيف كان ف‍ * (- هي) * ولو كانت لقطة حرم عندنا
* (أمانة) * شرعية * (في يد الملتقط في مدة الحول، لا يضمنها إلا
بالتفريط أو التعدي، فتلفها من المالك) * وكذا بعد الحول إذا لم يقصد
تملكها عندنا بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك، نعم من الأخير
نية التملك بها قبله، لما عرفته مكررا من عدم الإذن شرعا ولا من
المالك في هذا الحال.
اللهم إلا أن يقال إن الإذن الشرعية الحاصلة من الإذن بالالتقاط
لا ينافيها النهي عن التملك قبل التعريف، فمع فرض عدم تقصيره به
يبقى وضع يده عليها بالإذن السابقة وإن أثم بالنية المزبورة لو قلنا به
إلا أن الحكم مفروغ منه بين الأصحاب، سواء قصد ذلك من أول
الالتقاط أو في أثناء الحول. بل في الرياض الاجماع عليه، بل لا تعود
الأمانة بعدوله.
كالمفروغية من عدم ضمانها مع أخذها للحفظ أبدا وإن وجب عليه
تعريفها عندنا كما عرفت، بل في المسالك يضمن بتركه لأنه عدوان وإن
نوى الحفظ ويستمر الضمان حينئذ وإن ابتدأ بالتعريف فتلف في سنته
لتحقق العدوان، فلا يزول إلا بقبض المالك أو ما يقوم مقامه كالوديعة،
بل قد يظهر من الرياض الاجماع عليه.

(1) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 3.
372

ولكن قد يشكل بمثله تحقق العدوان فيها، بمعنى فعل ما لا يجوز
شرعا فيه والتفريط الذي هو إهمال حفظها وإن أثم بترك التعريف الذي
كان يحتمل معه حصول المالك لو وقع منه.
ولعله لذا قال في الدروس: " ولو أخر التعريف عن الالتقاط
فابتداء الحول من حين التعريف، وله التملك بعده على الأقوى، ولا
ضمان بالتأخير إن كان لضرورة، وإن كان لا لها ففيه وجهان، أقربهما
عدم الضمان ".
ثم إنه حيث يضمنها للخيانة أو غيرها فهل يبرأ بالدفع إلى الحاكم؟
وجهان، وفي المسالك أصحهما ذلك، وقد عرفت سابقا أن الأصح بقاء
الضمان، للأصل وكونه ولي حفظ لا ولي ذات، كما تقدم الكلام
فيه سابقا.
كما أن الظاهر بقاء حكم التملك له بعد التعريف حولا وإن أثم
وخان في أثنائه بنية التملك، لاطلاق ما دل عليه من الالتقاط والتعريف،
كما صرح به الفاضل وولده والشهيدان والكركي وغيرهم، بل لا أجد
فيه خلافا. نعم فيه احتمال باعتبار كون التملك على خلاف الأصل
والمتيقن منه غير المفروض، وفيه أن ظاهر الدليل حجة شرعية.
وعلى كل حال فقد ظهر لك مما ذكرناه هنا وسابقا في نية التملك.
الحال في جميع الصور المذكورة في المقام، وهي أخذها بقصد الحفظ
دائما، وبقصده في الحول، والتملك بعده، وبقصد الخيانة في الابتداء
وفي الأثناء، وأنه لو نوى التملك بعد تعريفها حولا من أول الأمر فهل
يحتاج إلى تجديد النية أو تكفي النية الأولى، وقلنا إن الأحوط، والأقوى
التجديد إلا مع استمرار العزم على وجه يقوم مقام تجديده.
* (و) * كيف كان ف‍ * (- زيادتها له) * أي المالك ما دامت
373

على ملكه، لمعلومية تبعية النماء للملك * (متصلة كانت الزيادة) * كالسمن
* (أو منفصلة) * كالولد، نعم في القواعد في تبعية اللقطة نظر،
أقربه ذلك، وتبعه ولده والكركي وثاني الشهيدين، لأن الملتقط إذا
استحق ملك العين استحق ملك النماء بالتبعية، لأن الفرع لا يزيد على
أصله، واستحقاق التملك يحصل بمجرد الالتقاط وإن كان التعريف شرطا،
فقد وجد النماء بعد الاستحقاق، فيتبع العين، بل لا يشترط لتملكه حول
بانفراده إذا كمل حول الأصل.
وفيه منع التبعية في المنفصل بعد عدم صدق اسم الالتقاط عليه،
فيبقى على حكم مجهول المالك، خصوصا بعد ما عرفت من كون التملك.
على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على المتيقن، ودعوى وجود النماء مستحقا
فيه ذلك واضحة المنع، ولذا لو تملكها ثم حصل منها نماء فجاء المالك
كان له العين دون النماء المنفصل الذي حصل في ملك الملتقط بلا خلاف
أجده فيه وإن قلنا بانفساخ ملكه عن الأصل لكن من حينه كالمبيع بالخيار،
أما المتصل فالظاهر تبعيته.
* (و) * كيف كان فقد ظهر لك أنه * (بعد التعريف يضمن) *
الملتقط على الوجه السابق * (إن نوى التملك، ولا يضمن إن نوى
الأمانة) * والحفظ، كما هو واضح.
(* ولو نوى التملك) * بعد الحول مثلا * (فجاء المالك) *
والعين قائمة بحالها * (لم يكن له الانتزاع، وطالب بالمثل أو القيمة إن لم
تكن مثلية) * وفاقا للفاضل وولده وأول الشهيدين، بل في المسالك أنه
الأشهر، بل في موضع آخر أنه المشهور، بل قد سمعت إجماع الايضاح
والتنقيح على وجوب رد العوض فيما دون الدرهم دون العين، لأصالة
اللزوم.
374

لكن قد ذكرنا سابقا أن الأقوى خلافه، كما هو صريح الكركي
والأردبيلي وغيرهما، بل قيل: إنه ظاهر المبسوط والمراسم والسرائر
بل والمقنعة والوسيلة، ولذا قال في الدروس: " إنه قد يظهر من
الروايات وكلام القدماء ".
وفي المسالك أنه لا يخلو من قرب وإن كان المشهور خلافه بعد أن
ذكر الاستدلال عليه بظواهر النصوص، قال: " بل في بعضها تصريح به
كقوله (صلى الله عليه وآله) في حديث الجهني (1): " اعرف وكاءها
وعقاصها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها " وفي
رواية أخرى (2) " ثم عرفها سنة فإن لم يعرف فاستنفع بها، ولتكن
وديعة عندك، فإن جاء طالبها يوما من الدهر فادفعها إليه " وفي صحيح
الحلبي عن الصادق (عليه السلام) (3) " يعرفها سنة، فإن جاء
طالبها وإلا فهي كسبيل ماله " وقريب منها صحيح ابن مسلم (4) حيث
قال (ع): " فإن جاء طالبها وإلا فاجعلها في عرض مالك ". "
ونوقش بأن الأول والأخيرين محتملان أو ظاهران فيما إذا جاء قبل
التملك، والمرسل ليس من طرقنا.
وفيه أن تتمة صحيح ابن مسلم " يجري عليها ما يجري على مالك
حتى يجئ لها طالب، فإن لم يجئ لها طالب فأوص بها في وصيتك "
نعم قد يقال: إنه وما شابهه ظاهر في الحفظ أمانة على ما عرفت الكلام
فيه سابقا.

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 185.
(2) سنن البيهقي ج 6 ص 186.
(3) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل - الباب - 2 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 - 2.
375

فالأولى الاستدلال بقول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح (1):
" من وجد شيئا فهو له فليتمتع به حتى يأتي طالبه، فإذا جاء طالبه
رده إليه ".
وقول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة (2): " ينبغي
له أن يعرفها سنة في مجمع فإن جاء طالبها دفعها إليه، وإلا كانت في
ماله، فإن مات كانت مراثا لولده ولمن ورثه، فإن لم يجئ لها طالب
كانت في أموالهم، هي لهم إن جاء طالبوها دفعوها إليه (إليهم خ ل) "
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك التي من أجلها قلنا إن الملك
فيها متزلزل، كما تقدم الكلام فيه سابقا.
* (و) * لكن على الأول * (لو رد الملتقط العين جاز) * بل
قيل: إنه يجب على المالك القبول، لأنها أولى من رد العوض مثلا
أو قيمة.
وفيه إشكال باعتبار ثبوت القيمة له في ذمة الملتقط بنية التملك،
والأصل لزوم الملك، وليست العين من أفراد الحق الذي اشتغلت به
الذمة، نعم لو فرض ما في الذمة مثليا وكانت هي من أفراده ودفعها اتجه
وجوب القبول.
بل من ذلك قد ينقدح إشكال في عبارة المتن التي ذكر فيها المطالبة
بالمثل أو القيمة إن لم تكن مثلية، وذلك لما عرفت من أن التحقيق الملك بنية
التملك بالعوض في الذمة، فمع فرض كونها مثلية ونوى التملك بالقيمة
لا يستحق المالك المثل، نعم يتم ما ذكره المصنف لو كان المقام من
الغرامات أو نوى تملكها بعوضها مثلا أو قيمة وقلنا بصحته.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من كتاب اللقطة - الحديث 2.
(2) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
376

وربما يؤيد ذلك ما تقدم في القرض من عدم وجوب قبول المالك
العين لو دفعها إذا كانت قيمة واستقرضها، كما عن الفخر والكركي
والمقداد التصريح به. خلافا للمحكي عن الخلاف والشهيدين وغيرهم من
وجوب القبول، بل عن الخلاف الاجماع عليه.
وقولهم: الواجب في القيمي القيمة، أي مع عدم دفع العين، وقد
تقدم تحقيق الحال، فلاحظ وتأمل، فإن المقام شبيه بالقرض على المختار.
* (و) * على كل حال ف‍ * (- له) * أي الملتقط * (النماء المنفصل) *
الذي هو نماء ملكه وإن كان متزلزلا كالمبيع بالخيار، لكنه لا يقتضي
تزلزل النماء الذي سبب ملكه قاعدة تبعية النماء، كما عرفت الكلام فيه
وفي النماء المتصل أيضا، والله العالم.
* (ولو عابت بعد التملك فأراد ردها مع الأرش جاز) * بل وجب
على المالك القبول على المختار، لاطلاق ما دل على الرد المقتضي لتزلزل
الملك * (و) * لا دليل على لزومه بطرو العيب الذي يمكن جبر الضرر
الناشئ منه بالأرش.
نعم * (فيه إشكال) * على مختار المصنف * (لأن الحق تعلق بغير
العين) * وهو العوض المترتب على ضمانها بنية التملك له سواء كان مثلا
أو قيمة * (فلم يلزمه أخذها معيبة) * بل الأصح عدم وجوب القبول،
كما عن الفخر، إذ هو أشبه شئ بمن استقرض قيميا وأراد رد عينه
معيبا مع الأرش الذي قد حكي عنهم التصريح بعدم وجوب القبول فيه،
والله العالم.
377

المسألة * (الرابعة:) *
* (إذا التقط العبد ولم يعلم المولى) * ولا أذن له فيه * (فعرف
حولا) * أو لم يعرف * (ثم أتلفها) * مع نية التملك الممتنع بالنسبة
إليه وعدمها * (تعلق الضمان برقبته) * أي ذمته * (يتبع بذلك إذا
أعتق كالقرض الفاسد) * بلا خلاف ولا إشكال فيه عندنا، سواء قلنا
بجواز التقاطه وعدمه، بل الظاهر على التقديرين إثمه بالتصرف فيها.
لكن في القواعد " ولو نوى التملك دون المولى لم يملك، نعم له
التصرف ويتبع به بعد العتق " ولم أجد لغيره.
وربما وجه بأن له التصرف في المباحات إذا حازها كلحوم الصيود
وأكل الأعشاب ونحو ذلك من غير توقفه على إذن السيد، واللقطة مثلها،
ورد بأنه لا يتم إلا فيما كان منها كالمباح، نحو دون الدرهم، بخلاف
مفروض المسألة الذي هو فيما يعرف منها.
وفيه منع ذلك أيضا فيما دون الدرهم، ضرورة ظهور الأدلة في
تملك الواجد له، ويتبعه التصرف، والفرض استحالته في العبد، ولا دليل
على جواز التصرف فيه بدون ذلك، وكذا الكلام فيما زاد بعد تعريف
الحول.
وحمل العبارة على إذن السيد له في ذلك لا يجدي، إذ هو إن اقتضى
تملك السيد له فالضمان حينئذ عليه، وإلا لم تفد إذنه في التصرف في مال
الغير إباحة له.
كما أن حمل العبارة على إرادة إباحة الانتفاع الذي يجوز لكل ملتقط
في مثل الدابة عوض النفقة التي قد عرفت أن الأصح المقاصة فيها لا يتم
378

أيضا، كما هو واضح. والله العالم.
* (ولو علم المولى قبل التعريف) * أو بعده ولم يكن قد أذن له
في الالتقاط * (ولم ينتزعها منه) * وكان غير أمين ففي محكي المبسوط
* (ضمن، لتفريطه بالاهمال إذا لم يكن أمينا) * فصار كما لو وجدها
وسلمها إلى فاسق، فإنه يضمنها.
وهو متجه مع إذنه له إذن استنابة، كما يومئ إليه قوله: " كما لو
وجدها " إلى آخره، والفرض تقصيره في الانتزاع وكونه غير أمين
* (و) * إلا فمع فرض عدم الإذن له في الالتقاط ف‍ * (- فيه) * أي
الضمان * (تردد) * كما اعترف به الفاضل والشهيدان والكركي، بل
منع، كما في المسالك وغيرها، لأصالة براءة ذمته منه، بل ومن وجوب
انتزاع مال الغير الذي في يد العبد وإن رآه يتلفه.
بل قد يقال: بعدم ضمانه وإن أوجبنا عليه الانتزاع، إذ هو على
تقدير وجوبه تعبدي لا يقتضي الضمان. نعم في الدروس " ولو كان العبد
غير مميز اتجه ضمان السيد " وكأنه نزله منزلة دابته حيث يجب منعها
من إتلاف مال الغير، مع أنه لا يخلو من نظر بناء على عدم وجوب
حفظ مال الغير، وعدم دليل على التنزيل المزبور.
ولو قبضها المولى ثم ردها إليه والفرض كونه غير أمين ففي التذكرة
التصريح بضمانه، بل قيل: الظاهر أنه لا خلاف فيه، وقد يشكل بناء
على جواز التقاطه، ضرورة كونه كالملتقط الفاسق، اللهم إلا أن يلتزم
بالضمان فيه أيضا، نعم لو قلنا بعدم جواز التقاطه اتجه ذلك، لصيرورته
في يده لقطة مكلفا بها، ولا فرق بين المولى وغيره على التقديرين.
ولو كان العبد أمينا فلا إشكال ولا خلاف في عدم الضمان حتى مع
إذن الاستنابة.
379

ولو أذن المولى للعبد في التملك بعد تعريف الحول ففي القواعد
ضمن السيد، وظاهره الضمان بذلك وإن لم يجر العبد صيغة التملك.
وعنه في التذكرة وإن تلفت بعد مدة التعريف فإن أذن له السيد
في التملك وأجرى التملك ضمن وإن لم يجر التملك بعد فالأقوى تعلق
الضمان بالسيد، لأنه أذن في سبب الضمان، فأشبه ما إذا أذن له أن
يسوم شيئا فأخذه وتلف في يده.
وعلى كل حال فهو متجه مع إرادة التملك للسيد، ضرورة كونه
حينئذ مضمونا عليه، أما لو كان المراد الإذن له في تملكه والفرض عدم
ملكه فيشكل ضمان السيد بذلك.
ولعله لذا قال في محكي التحرير: " ومن جوز تمليك العبد مع إذن
المولى لو أذن له مولاه ملك العبد وضمن السيد " اللهم إلا أن يكون
ذلك منه إذنا في التصرف بمال الغير، فيكون ضمانه عليه، والله العالم.
* (ولو عرفها العبد) * وهي في يد السيد أو العبد لكونه أمينا
أو مطلقا * (ملكها المولى إن شاء وضمن) * بناء على أن ثمرة التقاطه
للمولى وإن كان بغير إذنه وقلنا بصحته، فحينئذ له التملك مع الضمان
والصدقة والحفظ.
* (ولو نزعها المولى) * منه قبل التعريف أو قبل إكماله ففي المتن
وغيره * (لزمه التعريف) * بتمامه أو ما بقي منه * (وله التملك) *
أيضا * (بعد الحول أو الصدقة مع الضمان أو إبقاؤها (في يده خ)
أمانة) *.
ولكن قد سلف منا ما يفهم منه الاشكال في ذلك إن لم يكن إجماعا
كما عساه يظهر من المتن والقواعد والمسالك وغيرها، حيث أرسلوه
إرسال المسلمات.
380

قال في الأخير في شرح العبارة المزبورة " إذا التقط العبد بإذن
المولى أو بغير إذنه إن جوزناه تخير المولى بين أن يتركها في يده ليعرفها
إذا لم يكن خائنا ثم يتملكها إن شاء، وبين أن ينتزعها منه ويعرفها،
فإن اختار الأول تملكها المولى بعد الحول، وقبل قول العبد في التعريف
إن كان ثقة وإلا اعتبر اطلاع المولى على تعريفه أو اطلاع من يعتمد على
خبره، لأنه كالنائب، مع احتمال قبول قوله فيه مطلقا، لأنه ملتقط
حقيقة، إذ هو الفرض، وإن انتزعها منه وجب عليه تعريفها وصارت
بيده بمنزلة ما لو التقطها وتخير بعد التعريف بما شاء من الأمور الثلاثة ".
وفي القواعد " ولو أذن له المولى في التملك بعد التعريف أو انتزعها
بعده للتملك ضمن السيد، ولو انتزعها السيد قبل مدة التعريف لزمه
إكماله، فإن تملك أو تصدق ضمن، وإن حفظها لمالكها فلا ضمان ".
إذ ذلك كله لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم دليل يقتضي أن
ذلك للسيد بعد فرض جواز الالتقاط بدون إذنه، فإن جوازه يقتضي
تعلق الأحكام به، وعدم قابليته للتملك لا يرفع أصل حكم الالتقاط عنه،
وكذا منع السيد له من التعريف أو الحفظ، فإن أقصى ذلك الانتظار
إلى وقت التمكن بناء على تقديم حق السيد أو يدفعها إلى الحاكم أو
غير ذلك.
ودعوى أن كل ما كان للعبد لو كان حرا يكون للسيد تحتاج إلى
دليل، كاحتياج انتقال حكم اللقطة إلى السيد بانتزاعها منه على الوجه
المزبور إليه أيضا بعد فرض جواز التقاطه بدون إذنه.
نعم لو قلنا بعدمه صار ما في يده كالموضوع في الأرض، فإذا
أخذه السيد أو غيره كان حكم اللقطة عليه، ولا يجدي تعريف العبد
سابقا، ضرورة كونه حينئذ كاللغو فتأمل جيدا.
381

ولعل دليل ذلك كله أنه كل على مولاه، فكل شئ تعلق به
يكون لمولاه، ومنه التقاطه وإن كان بغير إذنه، ونحوه حيازة المباحات
إذ لا تقصر حيازته عن حيازة الأجير الخاص الذي لم يقصد الحيازة
للمستأجر ولو لجنونه أو صغره ولكنه قد استأجره من وليه، فإنه يكفي
في تملكه ملك المنفعة الخاصة بعقد الإجارة، والعبد مملوك عينا ومنفعة،
فما يجوزه أو يلتقطه يكون لسيده، مؤيدا ذلك كله بفتوى من عرفت
وغيره على وجه المفروغية منه وقربه إلى الاعتبار.
ولعل من ذلك ما حكاه في القواعد عن الشيخ، قال: " ولو
أعتقه قال الشيخ في المحكي من مبسوطه: للسيد أخذها، لأنه من كسبه ".
ولفظه " عبد وجد لقطة ولم يعلم سيده فأعتقه فما الذي يفعل باللقطة؟
يبنى على القولين، فمن قال للعبد أخذها، فإن السيد يأخذها منه،
لأنها من كسبه كالصيد، وقد سوغنا له أخذها قبل ذلك " ووافقه عليه
الفاضل في المحكي من تذكرته والكركي.
نعم في القواعد ومحكي المختلف التفصيل في ذلك بين ما بعد الحول
وقبله، فيأخذها المولى في الأول دون الثاني التي هي فيه أمانة.
لكن حكي في الدروس الاتفاق على أنها من كسبه من حين الأخذ،
قال فيها: " ولو أعتق وبيده لقطة فللمولى انتزاعها منه عند الشيخ
والفاضل في التذكرة وقال في غيرها: للسيد أخذها إن عتق بعد الحول
لا قبله، لأنها لا تسمى كسبا، وهذا مخالف لاتفاقهم على أنها كسب
من حين الأخذ، نعم لو قلنا بعدم جواز التقاطه لم يكن للسيد أخذها
مطلقا، لأنها قبل عتقه كالملقاة، وبعده تصير في يده صالحة للالتقاط،
فيكون المعتق أولى بها من السيد، وفيه قوة ".
وفيه محكي الإيضاح " أنه بني الأمر على أن الالتقاط هل هو للسيد
382

ابتداء أو لا، بل هو ولاية وأمانة في يده؟ فعلى الأول للسيد أخذها
مطلقا، أي قبل الحول وبعده، وعلى الثاني ليس له أخذها إذا كان
العتق قبل الحول " وفيه إشعار بما ذكرناه سابقا، لكن قد سمعت ما
في الدروس من الاتفاق، والله العالم.
المسألة * (الخامسة:) *
* (لا) * يجب أن * (تدفع اللقطة) * إلى من يدعيها الذي لا يعلم
به الملتقط * (إلا بالبينة) * التي تقوم مقام العلم بأداء الأمانة إلى أهلها
شرعا أو الشاهد واليمين، فلا يكفي شهادة العدل، لعدم كونه بينة
بلا خلاف أجده فيه.
نعم عن التذكرة احتمال جواز الدفع إذا حصل الظن من قوله،
بل اختاره الشهيدان والكركي، لفحوى الاكتفاء بالوصف الذي ستعرف
الكلام فيه.
* (و) * على كل حال ف‍ * (- لا يكفي الوصف) * في وجوب
الدفع * (ولو وصف صفات لا يطلع عليها إلا المالك غالبا، مثل أن يصف
وكاءها وعقاصها ووزنها ونقدها) * وغير ذلك ما لم يحصل القطع بكونه
المالك، كما صرح به الشيخ والحلي والفاضلان والشهيدان وغيرهم على
ما حكي عن بعضهم.
لكن في النافع " لا تدفع اللقطة إلا بالبينة، ولا يكفي الوصف،
وقيل: يكفي في الأموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن " وظاهره
الاكتفاء به في الوجوب: بل قيل: كأنه استحسنه أيضا المقداد وأبو العباس
بل حكاه الأول عن الشيخ في المبسوط والخلاف، وإن كان هو كما ترى
383

لا نعرف القائل بالتفصيل المزبور في الجواز فضلا عن الوجوب.
ولقد أجاد في كشف الرموز بقوله: " لا أعرف منشأ هذا التفصيل
ولا القائل به، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه إلا من أهل الظاهر
من العامة، فأوجبوا الدفع بالوصف ".
نعم الأشهر كما في المسالك بل المشهور كما في جامع المقاصد جواز
الدفع به مع فرض حصول الظن به، بل هو المحكي عن العامة عدا أهل
الظاهر منهم.
بل لا أجد فيه خلافا إلا من الحلي، للقاعدة التي يجب الخروج
عنها بقول الرضا (عليه السلام) في صحيح البزنظي (1) المتقدم في
الطير: " وإن جاءك طالب لا تتهمه رده عليه " بعد حمل الأمر فيه على
الإباحة، لما عرفت ولكونه في مقام توهم الحظر، وتقرير الصادق
(عليه السلام) دفع سعيد بن عمر الخثعمي الكيس الذي فيه الدنانير
بالوصف (2) والنبوي (3) الذي أمر فيه بحفظ عقاصها ووكاءها الظاهر
في ذلك.
مؤيدا بافضاء عدم قبول الوصف المزبور ولو على جهة الجواز إلى
تهمة الملتقط وعدم وصول المال إلى مالكه، لصعوبة إقامة البينة على
بعض الأموال وخصوص النقد منه، بل قد يدعى أن ذلك هو المتعارف
هي تعرف مالك المال الضائع.
بل قيل: ربما ظهر من اللمعة والتحرير جواز الدفع به وإن لم

(1) الوسائل - الباب - 15 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
(2) الوسائل - الباب - 6 - من كتاب اللقطة - الحديث 1 عن سعيد بن عمرو الجعفي وقد تقدم
هذا الحديث بعنوان الجعفي في ص 286 و 361، نعم في التهذيب ج 6 ص 391 الخثعمي.
(3) سنن البيهقي - ج 6 ص 185.
384

يفد الظن، وإن كان الظاهر خلافه.
* (ف‍) * - من ذلك كله ظهر لك أنه * (إن تبرع الملتقط
بالتسليم) * بالوصف المزبور * (لم يمنع، وإن امتنع لم يجبر) *
والله العالم.
* (فرعان:) *
* (الأول:) *
* (لو ردها بالوصف ثم أقام آخر (الآخر خ ل) البينة بها
انتزعها) * منه بلا خلاف ولا إشكال، ضرورة عدم كون الوصف
حجة شرعية على ملكية الواصف، فضلا عن أن يعارض البينة الشرعية.
* (فإن كانت تالفة) * بيد القابض * (كان له مطالبة الآخذ
بالعوض ل‍) * - عموم " على اليد " (1) بعد معلومية * (فساد القبض) *
شرعا * (وله مطالبة الملتقط، لمكان الحيلولة) * بالدفع إلى غير المستحق
وإن كان مرخصا في ذلك، لكنه لا ينافي الضمان.
وما عن بعض - من عدم الرجوع عليه إذا حكم الحاكم عليه بالدفع
به لكونه كالمأخوذ قهرا - لا يتم على مذهبنا من عدم إلزام الحاكم به،
فلا إشكال في الرجوع على كل منهما عندنا.
* (لكن لو طالب الملتقط رجع على الآخذ) * الغار الذي استقر
التلف في يده * (ما لم يكن) * قد * (اعترف) * الملتقط * (له بالملك) *
فإنه لا رجوع له حينئذ، لاعترافه بكذب البينة أو خطائها وكون الأخذ
منه بغير حق.

(1) المستدرك - الباب - 1 - من كتاب الغصب - الحديث 4 وسنن البيهقي ج 6 ص 95.
385

* (ولو طالب الآخذ لم يرجع على الملتقط) * كما هو واضح،
والله العالم.
* (الثاني:) *
(لو أقام واحد بينة بها فدفعت إليه) * بعينها * (ثم أقام آخر
بينة بها أيضا) * فكلاهما خارجان بعد عدم تصديق الملتقط للسابق منهما
* (فإن لم يكن ترجيح) * بالعدالة أو العدد * (أقرع بينهما) * وحلف
الخارج بها، فإن امتنع من اليمين أحلف الآخر، فإن امتنعا قسمت
نصفين ولكن ظاهر المصنف هنا الاكتفاء بالقرعة في الحكم لمن خرجت له،
وقد ذكرنا البحث في ذلك مفصلا في كتاب القضاء
وحينئذ * (فإن) * كان الترجيح للأول أو * (خرجت) * القرعة
له وحلف فلا بحث، وإن كان ذلك * (للثاني انتزعت من الأول
وسلمت إليه) *.
* (ولو تلف) * وتعذر إغرام الثاني * (لم يضمن الملتقط إن
كان) * قد * (دفعها بحكم الحاكم) * الذي به يكون كالمكره * (و) * نحوه
مما كان السبب فيه أقوى من المباشر.
نعم * (لو كان) * قد * (دفعها باجتهاده ضمن) * لأنه وإن
قلنا جواز الدفع له أقصاه الجواز دون الوجوب، فهو كالدفع بالوصف،
فيتخير المالك حينئذ بين رجوعه عليه وعلى الآخذ. هذا كله مع دفع
العين نفسها.
* (أما لو قامت البينة بعد الحول) * مثلا * (و) * كان قد
* (تملك الملتقط) * وأتلفها * (ودفع العوض إلى الأول ضمن الملتقط
386

للثاني) * حيث يتبين أنها له * (على كل حال) * سواء كان العوض
المدفوع إلى الأول باقيا أو لا * (لأن الحق ثابت في ذمته) * و * (لم يتعين بالدفع
إلى الأول) * بعد ظهور عدم استحقاقه، وليس له الرجوع على القابض،
لأنه لم يقبض عين ماله.
* (و) * لكن * (يرجع الملتقط على الأول) * وإن كان قد دفعه
إليه بحكم الحاكم فضلا عما لو كان بالوصف * (لتحقق بطلان الحكم) *
الأول إذا لم يكن قد اعترف له بالملك، لا من حيث الحكم له به وإلا
فلا رجوع له لكونه مأخوذا منه ظلما بزعمه، كما هو واضح، والله العالم.
المسألة السادسة:
لو مات الملتقط ففي القواعد والدروس ومحكي التذكرة عرف الوارث
حولا وملكها إن شاء أو قهرا على البحث السابق فيه وفي وقت الضمان،
بل في الأخيرين لو كان في الأثناء نبي؟، بخلاف الملتقط من الملتقط الذي
يطلب المالك أو الملتقط، فاحتاج إلى استئناف، أما الوارث فلا يطلب
إلا المالك، بل هو مقتضى ما في التحرير وغيره.
ولكن لا يخفى عليك أنه مبني على انتقال حق الالتقاط إلى الوارث
وهو إن لم يكن اجماعا - كما عساه يظهر من إرسال من تعرض له إرسال
المسلمات - لا يخلو من نظر
نعم لو مات بعد الحول ونية التملك فهي موروثة بلا خلاف ولا إشكال
وإن كان إذا جاء المالك أخذها بناء على المختار، بل قد سمعت النص
فيه (1).

(1) الوسائل - الباب - 20 - من كتاب اللقطة - الحديث 1.
387

بل لو كانت تالفة عند الملتقط رجع بالعوض على التركة إن اتسعت،
وإن ضاقت زاحم الغرماء، نعم لو تملكها الوارث وأتلفها كان هو الغريم
دون الميت.
ولو فقدت من التركة في أثناء الحول أو بعده ففي القواعد احتمل
الرجوع في مال الميت وعدمه، بل في التحرير اختيار الرجوع.
لكن قد عرفت في كتاب الوديعة ما يقتضي عدم الرجوع بها ما لم
يعلم التعدي والتفريط فيها، للأصل وغيره، كما حررنا الكلام في صوره
مفصلا، فلاحظ وتأمل كي تعلم أن الأصح هنا كما في جامع المقاصد ومحكي
الإيضاح عدم الرجوع، والله العالم.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، ونسأله الإعانة على
إتمام ما بقي، فإنه الرؤوف المنان، ذو الفضل والاحسان،
الذي قد عودنا الجميل وتفضل علينا بالجزيل
فالرجاء منه أن يشفع أوائل مننه
بأواخرها بمحمد وأهل بيته
الطيبين الطاهرين الغر
الميامين.
388

إلى هنا والحمد لله تم الجزء الثامن والثلاثون، وقد بذلنا
غاية الجهد في تنميقه وتحقيقه والتعليق عليه وتصحيحه،
فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك، ونسأله أن يديم توفيقنا
لاخراج بقية الأجزاء.
ويتلوه الجزء التاسع والثلاثون في كتاب الفرائض إنشاء
الله تعالى.
النجف الأشرف
محمود القوچاني
389