الكتاب: كتاب الزكاة
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء:
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شوال ١٤١٥
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الزكاة
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
1

الكتاب: كتاب الزكاة
المؤلف: الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى - شوال 1415
صف الحروف: مؤسسة الكلام - قم
الليتوغراف: تيزهوش - قم
المطبعة: باقري - قم
الكمية المطبوعة: 2000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

برعاية
قائد الثورة الاسلامية ولي أمر المسلمين
سماحة آية الله السيد الخامنئي " دام ظله الوارف "
تم طبع هذا الكتاب
4

ز.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
لم تكن الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه حدثا سياسيا
تتحدد آثاره التغييرية بحدود الأوضاع السياسية إقليمية أو عالمية، بل كانت
وبفعل التغييرات الجذرية التي أعقبتها في القيم والبنى الحضارية التي شيد
عليها صرح الحياة الانسانية في عصرها الجديد حدثا حضاريا إنسانيا شاملا
حمل إلى الانسان المعاصر رسالة الحياة الحرة الكريمة التي بشر بها الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام على مدى التأريخ وفتح أمام تطلعات الانسان الحاضر أفقا باسما
بالنور والحياة، والخير والعطاء.
وكان من أولى نتائج هذا التحول الحضاري الثورة الثقافية الشاملة
التي شهدها مهد الثورة الاسلامية إيران والتي دفعت بالمسلم الإيراني إلى
اقتحام ميادين الثقافة والعلوم بشتى فروعها، وجعلت من إيران، ومن قم
المقدسة بوجه خاص عاصمة للفكر الاسلامي وقلبا نابضا بثقافة القرآن
وعلوم الاسلام.
5

ح.
ولقد كانت تعاليم الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه ووصاياه وكذا
توجيهات قائد الثورة الاسلامية وولي أمر المسلمين آية الله الخامنئي المصدر
الأول الذي تستلهم الثورة الثقافية منه دستورها ومنهجها، ولقد كانت الثقافة
الاسلامية بالذات على رأس اهتمامات الإمام الراحل رضوان الله عليه وقد أولاها
سماحة آية الله الخامنئي حفظه الله تعالى رعايته الخاصة، فكان من نتائج ذاك
التوجيه وهذه الرعاية ظهور آفاق جديد من التطور في مناهج الدراسات
الاسلامية بل ومضامينها، وانبثاق مشاريع وطروح تغييرية تتجه إلى تنمية
وتطوير العلوم الاسلامية ومناهجها بما يناسب مرحلة الثورة الاسلامية
وحاجات الانسان الحاضر وتطلعاته.
وبما أن العلوم الاسلامية حصيلة الجهود التي بذلها عباقرة الفكر
الاسلامي في مجال فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة فقد كان من أهم
ما تتطلبه عملية التطوير العلمي في الدراسات الاسلامية تسليط الأضواء
على حصائل آراء العباقرة والنوابغ الأولين بمحاولة جادة وجديد لعرض
آرائهم وأفكارهم على طاولة البحث العلمي والنقد الموضوعي، ودعوة
أصحاب الرأي والفكر المعاصرين إلى دراسة جديدة وشاملة لتراث السلف
الصالح من بناة الصرح الشامخ للعلوم والدراسات الاسلامية ورواد الفكر
الاسلامي وعباقرته.
وبما أن الإمام المجدد الشيخ الأعظم الأنصاري قدس الله نفسه يعتبر
الرائد الأول للتجديد العلمي في العصر الأخير في مجالي الفقه والأصول
- وهما من أهم فروع الدراسات الاسلامية - فقد اضطلعت الأمانة العامة
لمؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري - بتوجيه من سماحة قائد الثورة الاسلامية
6

ط.
آية الله الخامنئي ورعايته - بمشروع إحياء الذكرى المئوية الثانية لميلاد
الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره وليتم من خلال هذه المشروع عرض
مدرسة الشيخ الأنصاري الفكرية في شتى أبعادها وعلى الخصوص إبداعات
هذه المدرسة وإنتاجاتها المتميزة التي جعلت منها المدرسة الأم لما تلتها من
مدارس فكرية كمدرسة الميرزا الشيرازي والآخوند الخراساني والمحقق
النائيني الحديثة على صعيد الفقه الاسلامي وأصوله.
وتمهيدا لهذا المشروع فقد ارتأت الأمانة العامة أن تقوم لجنة مختصة
من فضلاء الحوزة العلمية بقم المقدسة بمهمة إحياء تراث الشيخ الأنصاري
وتحقيق تركته العلمية وإخراجها بالأسلوب العلمي اللائق وعرضها لرواد
الفكر الاسلامي والمكتبة الاسلامية بالطريقة التي تسهل للباحثين الاطلاع
على فكر الشيخ الأنصاري ونتاجه العلمي العظيم.
والأمانة العامة لمؤتمر الشيخ الأنصاري إذا تشكر الله سبحانه وتعالى على هذا
التوفيق تبتهل إليه في أن يديم ظل قائد الثورة الاسلامية ويحفظه للاسلام
ناصرا وللمسلمين رائدا وقائدا وأن يتقبل من العاملين في لجنة التحقيق
جهدهم العظيم في سبيل إحياء تراث الشيخ الأعظم الأنصاري وأن يمن
عليهم بأضعاف من الأجر والثواب.
أمين عام مؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري
محسن العراقي
7

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بعث الأنبياء إلى الأمم لتطهيرها وتزكيتها بالايمان،
والصلاة والسلام على صفوة خلقه وخاتم أنبيائه محمد وآله الذين أذهب الله
عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
وبعد: فبين أيدينا كتاب الزكاة الذي يمثل حلقة أخرى من سلسلة
تراث الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره. والكتاب غني عن التعريف، فهو
يحمل بين طياته نظريات المؤلف قدس سره التي باتت محط أنظار العلماء
والمحققين، ولا يكاد يستغني عنها فقيه أو طالب علم.
ونحن إذ نشكر الله تعالى على توفيقه لانجاز تحقيق الكتاب وإخراجه
بالشكل المناسب، نسأله تعالى أن يوفقنا لاكمال المشروع خدمة للحوزات
العلمية، في ظل ألطاف الإمام الحجة المنتظر أرواحنا له الفداء.
ولأجل أن يكون القراء الكرام على علم بخصوصيات الكتاب
ومراحل التحقيق، نشير فيما يلي إلى النقاط التالية:
9

ل.
أولا - خصوصيات الكتاب:
يشتمل الكتاب الحاضر على قسمين:
القسم الأول - شرح إرشاد الأذهان:
وهو شرح مزجي للمقصد الأول من الزكاة من كتاب " إرشاد
الأذهان للعلامة الحلي قدس سره، حيث يتضمن البحث عن شرائط الوجوب
ووقته.
القسم الثاني - مسائل مستقلة:
وهذا هو القسم الأعظم من الكتاب، ويتكون من عدة مسائل مستقلة
بلغ مجموعها ستين مسألة، ترتبط ثمان وأربعون مسألة منها بزكاة الأموال،
واثنتي عشرة مسألة بزكاة الفطرة.
ثانيا - النسخ المعتمد عليها:
النسخ المعتمد عليها في تحقيق الكتاب هي كالآتي:
ألف - نسخة خطية من مكتبة " ملك " برقم (6089)، تقدمت بمصورتها
- مشكورة - المكتبة الرضوية بمشهد، وعدد أوراقها (57 ورقة = 114
صفحة) بمقياس (13 - 21 سم)، وفي كل صفحة (26 سطرا)، وهي ضمن
مجموعة تحتوي على كتابي الصوم والخمس.
جاء في آخرها: " قد تم ما رقمه قدس سره في باب الزكاة آجره الله تعالى
على ما فعل "، وهي نسخة جيدة كتبت من نسخة استنسخت من نسخة
الأصل بدقة.
10

م.
ورمزنا لهذه النسخة ب‍ " م ".
ب - نسخة خطية ثانية وقفنا عليها في مكتبة المدرسة الفيضية بقم
المقدسة، وتقدمت بمصورتها إدارة المكتبة مشكورة، وهي في (174) صفحة
بمقياس (11 - 15 سم)، وفي كل صفحة (18) سطرا، ضمن مجموعة تحتوي
على كتابي الصوم والخمس أيضا.
جاء في أولها: " هذه الأجزاء مما كتبها الشيخ الأجل الأستاذ المقتدى
الحاج [ال‍] شيخ مرتضى نور الله مرقده في الزكاة، شارحا للارشاد، وقد
استنسخت المنتسخ من الأوراق التي كانت بخطه الشريف، ثم كتبت هذه
منها ".
وجاء في آخرها: " إلى هنا وجدنا من كتابته قدس الله روحه في
الزكاة بعد الفحص والجد والاجتهاد، وأطلب التوفيق من الله لكتابة الخمس
والصوم ".
وجاء فيها أيضا: "... وتم الغرة من ربيع الثاني عام السادس
والثمانين بعد المائتين والألف ".
ورمزنا لهذه النسخة ب‍ " ف ".
ج - نسخة حجرية مطبوعة عام (1298 ه‍) ضمن كتاب الطهارة
للشيخ الأنصاري قدس سره.
ورمزنا لها ب‍ " ج ".
د - نسخة حجرية أخرى مطبوعة عام (1303 ه‍) ضمن كتاب الطهارة أيضا، وتمتاز بتصحيحات مفيدة.
ورمزنا لها ب‍ " ع ".
11

ن.
ثالثا - طريقة التحقيق:
كانت الطرقة المتخذة في تحقيق هذا الكتاب - كغيره غالبا - على النحو
التالي:
1 - المقابلة: فقوبلت النسخ المتقدمة " م " و " ف " و " ع " و " ج " بعضها
على بعض، وسجلت موارد اختلافها على يد مجموعة من الأخوة.
2 - الاستخراج: وقد تم الاستخراج في مرحلتين:
المرحلة الأولى - الاستخراج الابتدائي: حيث استخرجت الأقوال
والمصادر استخراجا ابتدائيا.
المرحلة الثانية - مراجعة تلك الاستخراجات مراجعة دقيقة.
3 - تقويم النص وتنظيمه.
4 - صياغة الهوامش صياغة فنية.
5 - المراجعة النهائية.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الكتاب - كغيره من كتب الشيخ
الأعظم - لم تخل نسخه من تشويش واضطراب، ولقد بذلنا قصارى جهدنا
لرفع ذلك منه بما أمكن وإخراجه بالصورة اللائقة.
شكر وتقدير:
ونتقدم بالشكر والتقدير لكل من ساهم في إخراج الكتاب بالشكل
الحاضر، ونخص بالذكر:
1 - سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ علي جاودان، وحجة
الاسلام والمسلمين السيد علي أصغر الموسوي القوچاني، حيث قاما بتحقيق
القسم الأول من كتاب الزكاة وهو " شرح الإرشاد " نرجو لهما من الله
12

س.
تعالى مزيد التوفيق لخدمة فقه أهل البيت عليهم السلام.
2 - حجة السلام والمسلمين السيد محمد موسوي نيا، وحجة الاسلام
والمسلمين السيد يحيى الحسيني، وحجة السلام والمسلمين الشيخ المرتضى
الواعظي حيث اشتركوا في تحقيق القسم الثاني من الكتاب.
3 - حجة الاسلام والمسلمين صاحب الفضيلة الشيخ محمد باقر
حسن پور، وحجة الاسلام والمسلمين السيد محمد جواد الحسيني الجلالي
اللذين قاما بتقويم نص القسم الثاني ومراجعته.
4 - حجة الاسلام السيد هادي العظيمي الخوانساري، الذي بذل جهدا
واسعا في تنظيم الفهارس، ومراجعة الكتاب من الناحية الفنية.
فلهؤلاء ولغيرهم - جميعا - ممن ساهم في الكتاب جزيل الشكر والثناء،
ونرجو لهم منه تعالى مزيد التوفيق لخدمة الدين وإعلاء كلمته.
وينبغي أن لا ننسى فضل مؤسسة آل البيت عليهم السلام في تحضيرها
مصورات بعض المخطوطات من المكتبة الرضوية (آستان قدس) ومكتبة
" ملك "، فنسأله تعالى أن يجعلها معمورة بخدمة مذهب أهل البيت عليهم السلام.
وختاما نسأل الله تعالى أن يتغمد إمام الأمة الراحل الإمام الخميني
قدس سره برحمته الواسعة، ويحفظ ولي أمر المسلمين آية الله السيد علي الخامنئي
دام ظله ليحمي به الدين، ويدفع به كيد الكافرين، إنه قريب مجيب.
مسؤول لجنة التحقيق
محمد علي الأنصاري
13

صورة الصفحة الأولى من كتاب الزكاة (شرح الإرشاد) من نسخة (ف)
15

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الزكاة (شرح الإرشاد) من نسخة (ف)
16

صورة الصفحة الأولى من كتاب الزكاة (مسائل مستقلة) من نسخة (ف)
17

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الزكاة (مسائل مستقلة) من نسخة (ف)
18

صورة الصفحة الأولى من كتاب الزكاة (شرح الإرشاد) من نسخة (م)
19

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الزكاة (شرح الإرشاد) من نسخة (ف)
صورة الصفحة الأولى من كتاب الزكاة (مسائل مستقلة) من نسخة (ف)
20

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب الزكاة (مسائل مستقلة) من نسخة (م)
21

شرح
إرشاد الأذهان
1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة
الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
2

وهي في اللغة بمعنى النمو، والطهارة، والصلاح (1)، قيل: ومن الأول قوله
تعالى: {ذلكم أزكى لكم وأطهر} (2) وقوله تعالى: {تطهرهم وتزكيهم بها} (3)
بناء على ترجيح التأسيس على التأكيد (4). وأما الثاني فكثير (5). وأما (6) الثالث
قوله تعالى: {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} (7).
وفي الشرع، أو عند أهله - على ما عرفه الأكثر -: قدر مخصوص
يطلب إخراجه من المال بشروط مخصوصة (8).
وعن المبسوط: أنه إخراج ذلك القدر (9)، وعن الفائق أنها من

(1) لسان العرب 6: 65 - 64 مادة " زكا "، النهاية لابن الأثير 2: 307، وذكر من معانيه: البركة
والمدح (2) البقرة: 2 / 232.
(3) التوبة: 9 / 103
(4) وإلا كان بمعنى التطهير أيضا.
(5) منه قوله تعالى: {يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة} آل عمران: 3 / 164،
الجمعة: 62 / 2.
(6) في " ج " و " ع ": من الثالث.
(7) الكهف: 18 / 81.
(8) كأنه قدس سره لخص تعاريف الأكثر بهذا التعريف.
(9) المبسوط 1: 19.
3

الألفاظ المشتركة بين العين والمعنى، كلفظ الذكاة في قوله عليه السلام: " ذكاة الجنين
ذكاة أمه " (1) واستشهد له بقوله تعالى: {والذين هم للزكاة فاعلون (2)} (3)
وفي التنظير بلفظ ذكاة نظر، فإن الظاهر أن لفظ الذكاة لم يستعمل في
العين أصلا، وفي الاستشهاد منع (4) كون الزكاة هنا بمعنى التزكية. والأولى
التنظير بلفظ الصدقة والاستشهاد بقوله تعالى: {وأوصاني بالصلاة
والزكاة} (5) إن لم يحمل على العمل الصالح.
ثم المعنى الشرعي مناسب للمعاني اللغوية الثلاثة، لأن الزكاة ينمي
المال وينمو ثوابه، ويطهره عن الخبث الحاصل من وجود الشبهة فيه، ومن الرذالة
الحاصلة فيه عند المنع، وصاحبه عن إثم المنع ورذيلة الشح، ويصلح المال والعمل
والنفس، كل ذلك مستفاد من الأخبار (6).
ثم إن المذهب قد استقر على عدم وجوب حق في المال سوى الزكاة
المالية والفطرة، وربما يحكى عن ظاهر كلام الصدوق رحمه الله ما يستفاد من كثير
من الأخبار: من وجوب حق يفرضه الرجل على نفسه في كل يوم أو أسبوع أو
شهر على قدر وسعه (7). ولكن من نظر في تلك الأخبار بعين الاعتبار

(1) الوسائل: 16: 271 الباب 18 من أبواب الذبائح، الحديث 12.
(2) المؤمنون: 23 / 4.
(3) في " الفائق في غريب الحديث " 1: 536: وهي من الأسماء المشتركة تطلق على عين - وهي
الطائفة من المال المزكى بها - وعلى معنى - وهو الفعل الذي هو التزكية - كما أن الذكاة هي
التذكية في قوله صلى الله عليه وآله: " ذكاة الجنين ذكاة أمه ".
(4) في بعض النسخ: مع.
(5) مريم: 19 / 13.
(6) راجع الوسائل 6: الباب 1 و 2 و 3 و 4 و 5 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(7) الفقيه: 2: 48 باب الحق المعلوم الحديث 1666، والحاكي هو المحقق السبزواري قدس سره في
الذخيرة: 420، وانظر الجواهر 15: 10.
4

يقطع (1) بسياقها مساق الاستحباب، بل لا يبعد ذلك أيضا في كلام الصدوق.
نعم حكي عن الشيخ في الخلاف (2): وجوب حق الحصاد مدعيا عليه
الاجماع والأخبار، ونفى عنه البعد المرتضى رحمه الله (3) للآية (4) والأخبار الكثيرة (5).
والأقوى استحباب ذلك أيضا كما سيجئ في زكاة الغلات إن شاء الله تعالى (6).
" و " تحقيق مطالب هذا الباب يتوقف على " النظر في أمور ثلاثة ": (7)

(1) في " ف " و " ج " و " ع ": يعطى.
(2) الخلاف 2: 5.
(3) الإنتصار 76.
(4) وهي قوله تعالى: {وأتوا حقه يوم حصاده} الأنعام: 6 / 141.
(5) الوسائل 6: 134 الباب 13 من أبواب زكاة الغلات.
(6) في " ف " و " ج " و " ع " زيادة: من الأخبار.
(7) من هنا يبدأ شرح " إرشاد الأذهان ".
الأول: في زكاة المال
5

الأول: في زكاة المال
7

" وفيه مقاصد "
المقصد " الأول:
في شرائط الوجوب ووقته "
و " إنما تجب على العاقل البالغ لحر المالك للنصاب المتمكن من التصرف،
فلا زكاة على الطفل " في نقديه إجماعا إلا ما يظهر من ظاهر إطلاق ابن حمزة (1)
وهو محمول أو شاذ لاستفاضة حكاية الاجماع، ورواية الأخبار على خلافه (2)،
مع كفاية الأصل في المقام.
وقد يستدل: بأنها تكليف منفي عن الصبي، وفيه: أن الخطاب حينئذ (3)
للولي كالاستحباب إذا اتجر بماله.
ثم إن ظاهر أخبار المسألة مثل قوله عليه السلام: " ليس على مال اليتيم

(1) الوسيلة: 121.
(2) في " ف ": كفاية.
(3) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": حينئذ.
9

زكاة " (1) هو عدم تعلق الزكاة بهذا العنوان، فلا يجري في الحول ما دام كونه مال
اليتيم نظير قوله عليه السلام: " ليس على المال الغائب صدقة، ولا على الدين صدقة
حتى يقع في يديك " (2)، وغير ذلك من العنوانات التي نفى الشارع الزكاة عنها،
فلا يكفي بلوغه في آخر حول التملك بلا خلاف ظاهرا.
وما في الكفاية: من الاشكال في حكم المتأخرين باستئناف الحول عند
البلوغ (3)، في غير محله.
نعم قد يستدل للمشهور ربما دل على اعتبار حول الحول على المال في يد
المالك (4)، والصغير ليس له يد. وفيه ما لا يخفى، فإن تلك الأدلة تدل على اعتبار
التمكن من التصرف في مقابل الغائب والمفقود والمغصوب، ولا ريب أن تمكن
الولي كتمكن الوكيل، ولذا تجب الزكاة على السفيه إجماعا، وتستحب الزكاة في
غلات الطفل ومال تجارته بل ومواشيه - مع اعتبار الشروط كلا في الزكاة
المستحبة كالواجبة - فكل (5) من الصغر والجنون مانع مستقل غير العجز عن
التصرف كما لا يخفى.
وقريب منه في الضعف، التمسك برواية أبي بصير: " ليس في ماله اليتيم
زكاة، ولا عليه صلاة، وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة، وإن
بلغ (6) فليس عليه لما مضى زكاة، ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك، فإذا أدرك

(1) الوسائل 6: 55 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.
(2) الوسائل 6: 62 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6. وفي بعض النسخ: يدك
(3) كفاية الأحكام: 34.
(4) الوسائل 6: 63 الباب من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 3، والصفحة 82 الباب
8 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 2 و 3، والصفحة 115 الباب 15 من أبواب زكاة الذهب
والفضة، الحديث 3.
(5) في " ف " و " ج " و " ع ": وكل.
(6) في " ع ": بلغ اليتيم.
10

كان عليه زكاة (1)، ثم كان عليه مثل ما على غيره من الناس.. الحديث " (2) بناء
على أن الموصول في قوله: " لما مضى " يشمل الأحوال المتعددة، والحول الواحد
إلا أياما (3): إذا الظاهر أن المراد بالموصول: الزمان المستقبل في استحباب
الزكاة لولا الصغر، لا مطلق الزمان الماضي، ولذا يقبح أن يقال: ليس عليه
- لليوم الماضي، أو للشهر الماضي - زكاة، فالمراد: الحول الذي هو السبب في
إيجاب الزكاة لولا المانع.
" ولا " تجب أيضا " على المجنون مطلقا " لا في نقديه، ولا في غيرهما " على
رأي " سيجئ تقويته.
وإطلاق العبارة كغيرها، بل المحكي عن جميع الأصحاب من المفيد إلى
زمان المصنف قدس سره: عدم التعرض للمطبق وذي الأدوار منه، وصرح المصنف في
التذكرة وغيرها على ما حكي: بأنه يستأنف الحول (4) حين الإقامة (5)، ولعله لما
ذكرنا: من أن المستفاد من النصوص الآتية والفتاوى النافية للزكاة في مال المجنون أن هذا العنوان لا تتعلق به الزكاة، كمال الغائب، والدين، والمفقود،
وغيرها مما لا تتعلق به الزكاة بمعنى عدم ملاحظة شروط الزكاة فيه، فلا يجري
في الحول ما دام كذلك، مع أن ظاهر كلام أصحاب من اشتراط وجود الشرائط
طول (6) الحول كالصريح في ذلك، وبذلك يندفع نظير ما يقال في الطفل: من أنه
لا مانع من توجه الخطاب إليه بعد الإفاقة والبلوغ، نعم يتوجه هذا في المغمى
عليه، حيث إنه لم يرد دليل على عدم تعلق الزكاة بمال المغمى عليه حتى يلحق

(1) في " ع " والمصدر زيادة: واحدة.
(2) الوسائل 6: 56 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11 مع اختلاف يسير،
والتهذيب 4: 29 الباب 8. من أبواب زكاة الأطفال، الحديث 73.
(3) في النسخ زيادة: الحديث، والظاهر أنها سهو، راجع المستمسك 9: 6.
(4) في " م ": من حين الإفاقة.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 201 وحكاه عنه في الذخيرة: 421.
(6) في " ف " و " ج " و " ع ": بحول.
11

بالمجنون كما عن المصنف قدس سره في التذكرة وغيرها (1).
وربما يستدل بأنه غير متمكن من التصرف، وفيه نظر، فالحكم بالسقوط
فيه مشكل، ولذا اختار عدمه في المدارك (2) والكفاية (3).
وأما النائم والساهي وشبههما فالظاهر: عدم منعهما ابتداء واستدامة وإن
خرجا عن المعتاد.
" ويستحب لمن اتجر بمالهما " أي الصبي والمجنون " بولاية لهما اخراجها "
عند اجتماع شروط زكاة (4) التجارة، بلا خلاف أجده في الطفل. وعن المعتبر
وغيره: الاجماع عليه (5)، لأخبار كثيرة ظاهرها كعبارة المقنعة (6): الوجوب، إلا
أن الكل محمول على الاستحباب، بقرينة الأخبار الصريحة في نفي الوجوب،
مضافا إلى ما سيجئ من استحباب زكاة التجارة على البالغين، وفاقا لما صرح
به المفيد رحمه الله (7) وهو دليل على إرادته هنا: الاستحباب المؤكد، كما حمله عليه
الشيخ في التهذيب (8).
وحمل تلك الأخبار على التقية لا ينافي إرادة الاستحباب، لأن التقية
تتأدى بظهور الكلام في الوجوب الذي هو مذهب المخالفين [في مال التجارة] (9)،

(1) تذكرة الفقهاء 1: 201، نهاية الإحكام 2: 300.
(2) مدارك الأحكام 5: 16.
(3) كفاية الأحكام: 34، وفي " ع " و " م ": واستجوده في المناهل.
(4) كذا في " ع " و " م "، ولكنها غير موجودة في " ف " و " ج ".
(5) المعتبر 2: 487، نهاية الإحكام 1: 299 وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 6 (كتاب الزكاة) والمستند
2: 6.
(6) المقنعة: 236.
(7) راجع المقنعة: 247.
(8) تهذيب الأحكام 4: 27.
(9) الزيادة من " ع " و " م ".
12

وإرادة الاستحباب بقرينة خارجية.
وبما ذكرنا يظهر ضعف ما حكي عن الحلي (1)، والمدارك (2) من عدم
الاستحباب.
والمراد بالطفل هو المولود إلى أن يبلغ، فلا يصدق على الجنين، مضافا لي
دعوى الاجماع في الإيضاح (3) على عدم ثبوت الحكم - هنا - للحمل قبل
الانفصال.
ثم إن الخسارة الحاصلة من التجارة على اليتيم، للأصل وقاعدة عدم
ضمان المأذون والمحسن، ورواية الحسن بن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي
الربيع - وهو غير موثق، لكن له كتاب يرويه (4) ابن مسكان - قال: " سئل أبو
عبد الله عليه السلام عن رجل في يده مال لأخ له يتيم، وهو وصيه، أيصلح له أن يعمل
به؟ قال: نعم يعمل به كما يعمل بمال غيره والربح بينهما، قال: قلت: فهل عليه
ضمان؟ قال: لا إذا كان ناظرا له " (5)، خلافا للمحكي عن جماعة (6) من تضمين
الولي، لاطلاق بعض الأخبار (7) المقيد بصورة عدم الولاية، أو تقصير الولي.
ويستفاد من الرواية وغيرها، جواز أخذ الولي الأجرة [خلافا للمحكي
عن الحلي (8)] (9).

(1) السرائر 1: 441، وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 6 (كتاب الزكاة).
(2) مدارك الأحكام 5: 18.
(3) إيضاح الفوائد 1: 167.
(4) في النسخ: مروية، والظاهر أنها تصحيف.
(5) الوسائل 6: 58 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.
(6) راجع الفقيه 2: 9، والمقنعة: 238، وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 6 و 7 (كتاب الزكاة) عنهما
وعن غيرهما.
(7) الوسائل 6: 58 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.
(8) راجع السرائر 2: 211.
(9) ما بين المعقوفتين من " م ".
13

وأما المجنون فالمشهور أيضا الاستحباب في مال تجارته، بل عن
المعتبر (1)، والمنتهى (2): أن عليه علماءنا أجمع.
ويدل عليه صحيحة ابن الحجاج: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
امرأة من أهلنا مختلطة، لها مال، عليها زكاة؟ قال: إن كان عمل به (3) فعليها زكاة،
وإن لم يعمل به فلا " (4).
ومثلها خبر موسى بن بكر: " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة
مصابة، ولها في يد أخيها مال؟ فقال عليه السلام: إن - كان أخوها يتجر به فعليه
زكاة (5) " (6).
والكلام في كون الربح للمجنون والخسران عليه، كما تقدم في الصبي.
" وإن اتجر " بمال الطفل أو المجنون متجر " لنفسه " بأن نقل المال إلى
نفسه بناقل كالقرض " و " نحوه فإن " كان وليا مليا، فالربح له " (7) لأنه نماء
ملكه، كما أن الخسران " والزكاة المستحبة عليه " بلا خلاف في ذلك كما
ذكره غير واحد،
ولا إشكال بعد فرض جواز نقل مال الطفل إلى الولي الملي
بالاقتراض ونحوه، والمعروف جوازه وإن لم يكن فيه مصلحة لليتيم، للأخبار
الكثيرة:

(1) المعتبر 2: 487.
(2) منتهى الطلب 1: 471.
(3) العبارات مختلفة في النسخ.
(4) الوسائل 6: 59 الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول.
(5) في بعض النسخ: تزكيته.
(6) الوسائل 6: 59 الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.
(7) في الإرشاد 1: 278: " ولو اتجر لنفسه وكان وليا مليا كان الربح له ".
14

منها صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل ولى
مال يتيم، أيستقرض منه؟ قال: كان علي بن الحسين عليه السلام يستقرض من مال
أيتام كانوا في حجره " (1).
ونحوها رواية أخرى حاكية لاستقراضه عليه السلام (2) ظاهرة في إرادة بيان
الجواز الذي هو محل حاجة السائل دون مجرد الحكاية.
ورواية منصور الصقيل: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مال اليتيم
يعمل به؟ قال: إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال، وإن
كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن [للمال] " (3).
وما عن الكافي، عن البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام: " قال سألته عن
الرجل يكون في يده مال لأيتام فيحتاج إليه فيمد يده فيأخذه وينوي أن يرده؟
فقال: لا ينبغي له أن يأكل إلا القصد، ولا يسرف، فإن كان من نيته أن لا يرده
[عليهم] فهو بالمنزل الذي قال الله عز وجل: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى
ظلما.. الآية} (4).
وخالف في ذلك الحلي، فقال - فيما حكي عنه -: " إنه لا يجوز للولي
التصرف في مال الطفل إلا بما يكون فيه صلاح المال، ويعود نفعه إلى الطفل
دون المتصرف فيه، وهذا الذي تقتضيه أصول المذهب " (5) ويظهر ذلك من
المحكي عن المبسوط أيضا، قال: ومن يلي أمر الصغير والمجنون خمسة: الأب

(1) الكافي: 5: 131، الحديث 6.
(2) الكافي 5: 131، الحديث 5، وعنه الوسائل: 12: 192 الباب 76 من أبواب ما يكتسب به،
الحديث الأول.
(3) الوسائل 6: 58 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7، والزيادة من المصدر.
(4) الكافي 5: 128 الحديث 3، وعنه الوسائل 12: 192 الباب 76 من أبواب ما يكتسب به،
الحديث 2 والآية من سورة النساء: 4 / 10.
(5) السرائر 1: 441 وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 6 (كتاب الزكاة).
15

والجد ووصي الأب والجد والإمام عليه السلام (1) ومن يأمر الإمام - ثم قال: - فكل
هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا على وجه الاحتياط والحظ (2) للصغير، لأنهم
إنما نصبوا لذلك، فإذا تصرف فيه على وجه لاحظ فيه كان باطلا، لأنه خلاف
ما نصب له (3) (انتهى).
ويؤيد ذلك: أن نقل المال إلى الذمم معرض للتلف بالاعسار أو الانكار
أو الموت أو غير ذلك مما يغلب على الاحتمالات القائمة في صورة بقاء العين،
ولذا يظهر من المسالك (4) في باب الرهن: التردد في جواز اقتراض الولي مال
الطفل، ثم حكى عن التذكرة (5): اشتراط جواز الاقتراض بالمصلحة مضافا إلى
الولاية والملاءة.
وكيف كان فالقول بالمنع، وإلحاق اقتراض الولي لنفسه بإقراضه لغيره
- الذي اتفقوا ظاهرا على أنه لا يجوز مع المصلحة - قوي، إلا أن العمل
بتلك الأخبار المجوزة المنجبرة بما حكي لعله أقوى.
وربما يدعى الجواز بناء على أن أصل جعل المال في ذمة الولي الملي
مصلحة، فيجوز.
وفيه نظر ظاهر، ولذا منعوا من جواز إقراض الولي إياه لغيره وإن كان
غنيا (6) إلا مع خوف التلف ونحوه (7).

(1) في " ع ": والحاكم ومن يأمره.
(2) في " م ": أو الحظ.
(3) المبسوط 2: 200 (كتاب الرهن).
(4) المسالك 1: 182: (كتاب الرهن).
(5) تذكرة الفقهاء 2: 80 مسألة الضابط في تصرف المتولي و 81 مسألة قرض مال الطفل
والمجنون.
(6) في " م ": مليا.
(7) في هامش " م " ما يلي: هنا بياض بقدر أسطر.
16

ثم المراد بالملاءة ما تضمنته رواية أسباط بن سالم - المروية في الكافي -:
" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان لي أخل هلك فوصى إلى أخ أكبر مني،
وأدخلني معه في الوصية، وترك ابنا له صغيرا وكان له مال، أفيضرب به أخي فما
كان له من فضل سلمه لليتيم وضمن له مال؟ فقال: إن كان لأخيك مال يحيط بمال
اليتيم إن تلف فلا بأس به، وإن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم " (1).
وفي رواية أخرى لأسباط: " إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف
أو أصابه شئ غرمه له، وإلا فلا يتعرض لمال اليتيم " (2).
وفيها دلالة على أن الغرض من اعتبار المال المحيط هو تعجيل الغرامة
له عند التلف، وإلا فأصل الغرامة تجب على المتصوف المعسر أيضا عند الأيسار،
وحينئذ فيمكن القول بالاكتفاء في الملاءة بمجرد الاطمئنان بتحقق الغرامة عند
التلف ولو بسبب كونه وجيها يقرضه الناس، أو يرهنون له عند من يقرضه، أو
يطمئن بحصول الهدايا أو الزكوات أو الأخماس له ونحو ذلك، ولعل إليه يرجع
ما عن المبسوط (3) والنهاية (4) من أن المراد بالملاءة: أن يكون متمكنا في الحال من
ضمانه، ولكن عن جماعة: اعتبار أن يكون له مال بقدر مال الطفل، (5) وزاد في
المسالك (6): كونه فاضلا عن المستثنيات في الدين.
والأولى: التقييد بقابلية المال لوجوب الغرامة منه، ليخرج مع المستثنيات
الممنوع من التصرف منه شرعا أو عقلا أيضا.
" ولو فقد " المتجر من شرطي الولاية والملاءة " أحداهما " فإن كان الأول
" كان ضامنا "، لحرمة التصرف في مال الغير بغير الولاية الشرعية المفروض

(1) الوسائل 12: 190 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 4.
(2) الوسائل 12: 190 الباب 75 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 4.
(3) المبسوط 1: 234.
(4) النهاية 361.
(5) مفتاح الكرامة 3: 7 (كتاب الزكاة).
(6) المسالك 1: 39.
17

فقدها في المقام، فيلزمه الضمان، لأدلة ضمان اليد العادية.
ولو كان في التصرف مصلحة وتعذر استئذان الولي، ففي الكفاية (1): لا
يبعد الجواز.
قلت: أما الجواز مع الاضطرار إلى التصرف المذكور فمما لا ريب فيه، لأنه
ولي حينئذ، لعموم ما دل على جواز التصرف مع المصلحة من الكتاب والسنة،
خرج صورة التمكن من الرجوع إلى الولي لأدلة ولايته، بل الظاهر أن هذا مما
لا خلاف فيه.
وأما الجواز مع عدم الاضطرار - الذي هو مراد الكفاية ظاهرا، ووافقه في
المناهل (2) حاكيا له عن جده رحمه الله في شرح المفاتيح (3) - ففيه إشكال:
من عموم الكتاب والسنة المستفيضة في عموم جواز التصرف مع
المصلحة، ومن أن ظاهر الأصحاب انحصار التصرف في الولي كما اعترف به في
شرح المفاتيح، على ما حكي.
ويؤيده ما تقدم من رواية أبي الربيع (4) المتقدمة الدالة بمفهموها على
الضمان إذا لم يكن المتجر ناظرا لليتيم، إلا أن يحمل النظارة فيها على النظر في
المصلحة والمداقة فيها، في مقابل المسامحة والتقصير.
ويؤيده أن مورد الرواية كون العامل وصيا فلا معنى للتفصيل بين
الوصي وغيره، اللهم إلا أن يرجع إلى التفصيل بين كونه وصيا على الطفل
وغيره، أو يكون الشرط مسوقا لبيان علة الحكم، يعني: أنه حيث فرض كون
العامل ناظرا لليتيم فلا ضمان عليه.
وأما حكم الربح وزكاة التجارة فتوضيحه: أن العامل إما أن يكون قد

(1) كفاية الأحكام: 34.
(2) لم نقف عليه في المناهل.
(3) وهو مصابيح الظلام للوحيد البهبهاني (مخطوط).
(4) الوسائل 6: 58 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.
18

اشترى بعين مال الطفل، أو بالذمة (1) ودفع مال الطفل عوضا عما في ذمته،
فإن
اشترى بالعين وأجاز ولي الطفل فالربح له، ويخرج العامل عن الضمان سواء
كان الشراء لنفسه أو للطفل، إذ لا فرق في قابلية صرف العقد إلى المالك بين
قصد العاقد نفسه أو المالك، كما صرح به جماعة في عقد الفضولي.
وإن لم يجز الولي فمقتضى قاعدة الفضولي: بطلان المعاملة إلا إذا فرض
المصحلة في البيع وجوزنا التصرف مع المصلحة، وتعذر استئذان الولي، فإن العقد
حينئذ يقع لازما يقدح فيه رد الولي بعد الاطلاع، إلا أن يكون تيسر استيجار
الولي كتيسر استئذانه، فيقع العقد معه موقوفا.
وكيف كان فإجراء أحكام الفضولي متجه، إلا أن ظاهر كثير من
الروايات إطلاق الحكم بكون الربح لليتيم والخسران على العامل كما هو ظاهر
المصنف وغيره، ففي صحيحة زرارة - المروية عن الفقيه عن أبي جعفر
عليه السلام -: " قال ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به، فإن اتجر به ففيه
الزكاة والربح لليتيم وعلى المتاجر ضمان المال " (2).
ورواية سعد السمان: " ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به فإن اتجر
به فالربح لليتيم، وإن وضع فعلى الذي يتجر به " (3).
فإن الحكم فيها بثبوت الزكاة في مال اليتيم مع التجار قرينة على وقوع
الشراء له، والحكم بالضمان قرينة على عدم ولاية التاجر، فدل بإطلاقه على
ثبوت الربح لليتيم بمجرد تجارة غير الولي، وتقييدهما (4) بما إذا أجاز (5) الولي

(1) ليس في بعض النسخ: أو بالذمة.
(2) الفقيه 2: 16، الحديث 1599 والوسائل 6: 85، الحديث 8.
(3) الوسائل 6: 57 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.
(4) في بعض النسخ: تقييدها.
(5) في النسخ: جاز.
19

بعيد، وتطبيق مسألتي الربح والخسران على قاعدة الفضولي دونه خرط القتاد.
واختصاص الروايتين بصورة وقوع الشراء للطفل لا يقدح، مع عدم
القول بالفصل واتحاد طريق المسألتين بعد فرض صحة العقد في نفسه، سواء
قصد المالك أو قصد نفسه.
ومما يؤيد عدم ابتنائه على مسألة الفضولي حكم الحلي في محكي
السرائر (1) وفخر الاسلام في حاشية الإرشاد (2): بكون (3) الربح هنا لليتيم مع
حكمهما ببطلان معاملة الفضولي (4) تبعا للشيخ في المبسوط (5)، وابن زهرة (6)،
وظاهر الحلبي (7)، بل والقول الآخر للشيخ في الخلاف في كتاب النكاح (8) حيث
إن ظاهره هناك بطلان الشراء الفضولي، وإن صحح البيع الفضولي.
وعلى القول بالتوقف على الإجازة، فهل يجب على الولي الإجازة مع
ظهور الربح؟ وجهان: من أنه عرفا تفويت للمنفعة فهو في قوة فسخ العقد
الخياري الذي فيه المصلحة، بل هذا أولى مما حكي عن المصنف قدس سره في نكاح
التذكرة (9) من وجوب بيع متاع الطفل إذا طلب بزيادة وشراء الرخيص له، وهو
الموافق لبعض نسخ القواعد على ما عن جامع المقاصد في باب الحجر (10).

(1) السرائر 1: 441، وحكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 7 - 6: (كتاب الزكاة).
(2) مخطوط.
(3) في النسخ: كون.
(4) راجع السرائر 2: 275 وإيضاح الفوائد 1: 417.
(5) المبسوط 2: 158 في بيع الغرر.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 523.
(7) الكافي في الفقه 352.
(8) الخلاف: كتاب النكاح: المسألة 11.
(9) التذكرة 609: القسم الثاني مما يجب على الولي.
(10) جامع المقاصد 5: 189 (كتاب الحجر).
20

ومن عدم الدليل على وجوب فعل الأصلح للطفل، وتمام الكلام في محله.
ولو اشترى في الذمة ودفع مال اليتيم عما في الذمة، فمقتضى القاعدة:
صحة المعاملة لنفسه (1) سواء قصد عند المعاملة دفع مال اليتيم عما في الذمة، أو
اتفق ذلك بعد المعاملة، وحينئذ فالربح له والزكاة المستحبة عليه، وعليه ضمان
مال اليتيم.
لكن قد يقال: إن ظاهر الأخبار (2) الحاكمة بثبوت الربح لليتيم، والخسارة
على العامل، يشمل هذه الصورة، فإن الاتجار بمال اليتيم وإن كان حقيقة في
الاتجار بالعين إلا أنه عرفا يصدق على الاتجار بما في الذمة مع قصد دفع مال
اليتيم عوضا، فترى الأعرف يطلقون: إن فلان يتجر بما في يده أو بمال فلان، مع
أنه لا يقع منه إلا الاتجار بما في الذمة إذا عزم على دفع المال عنه، بل قلما يتفق
معاملة بالعين، بل لو وقعت في السلعتين يخصونها باسم المعاوضة دون البيع، ومن
هنا استجود سيد مشايخنا (3) إلحاق هذه الصورة بصورة الشراء بالعين بعد ما
حكى عن جده قدس سره في شرح المفاتيح (4): أنه الأظهر.
وقد يقال: إن هذه الأخبار - على فرض شمولها - ليس الخروج عن
القاعدة بها أولى من العكس، بل العكس أولى.
وفيه: إنه إن أراد التكافؤ بين الأخبار والقاعدة من جهة النسبة، فلا يخفى
أن النسبة وإن كانت بالعموم من وجه إلا أن تقييد هذه الأخبار بالشراء بالعين

(1) في نسخة " ف ": نفسه، وفي " ع " و " ج ": معاملة نفسه.
(2) الوسائل 6: 57 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2 و 8.
(3) لم نقف عليه في المناهل
(4) شرح المفاتيح (مخطوط) وفيه: مع أن المعصوم ترك الاستفصال في كل واحد من هذه الأخبار
وهو مفيد للعموم، سيما والبيع والشراء بالذمة هو الأغلب تحقيقا، بل بنفس العين في غاية الندرة،
سيما إذا نوى كونه لصاحب العين أو عوض هنا بعين من غير إرادة شخص، بل الأظهر أن
يقال بالعموم.
21

تقييد بالفرد النادر.
ودعوى: عدم نهوض هذه الأخبار لتخصيص مثل هذه القاعدة الثابتة
بالأدلة القطعية، ممنوعة بإمكان رفع اليد عنها بالأخبار الكثيرة المعتضدة بإطلاق
فتاوى جماعة كالمصنف والمحقق (1) ونحوهما، كما خرجنا بها عن قاعدة الفضولي في
الصورتين السابقتين، مع إمكان أن يقال: إن العامل إذا قصد ابتداء دفع مال
الغير فكأنه أوقع العقد عليه ابتداء، فعدم قصد دفع الكلي (2) إلا في ضمن هذا
الفرد بمنزلة المعاوضة على هذا الفرد، ومن هنا قد يستقرب اطراد هذا الحكم في
غير مال الصغير وتعديته إلى كل مال قصد عند العقد دفعه عما في الذمة بدون
رضى مالكه، ويدل عليه مضافا إلى أخبار مال اليتيم روايات:
منها: ما عن الكليني بسند فيه إرسال، عن أبي حمزة الثمالي: " قال: سألت
أبا جعفر عليه السلام عن الزكاة تجب علي في موضع لا يمكنني أن أؤديها؟ قال:
اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن، ولها الربح، وإن نويت في حال ما عزلتها
من غير أن تشغلها (3) في تجارة فليس عليك، فإن لم تعزلها فأتجرت بها في جملة
مالك فلها تقسيطها من الربح ولا وضيعة عليها " (4).
ومنها: رواية مسمع بن يسار " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني كنت
استودعت رجلا مالا فجحدنيه، وحلف لي عليه، ثم إنه جاءني بعده بسنين بالمال
الذي كنت استودعته إياه، فقال: هذا مالك فخذه، وهذه أربعة آلاف درهم
ربحتها في مالك، فهي لك مع مالك، اجعلني في حل، فأخذت المال منه وأبيت أن
آخذ الربح منه، وأوقفت المال الذي كنت استودعته وأتيت حتى أستطلع رأيك،

(1) المعتبر 2: 487.
(2) في " ع " و " ج ": الكل.
(3) في النسخ: تشتغلها.
(4) الوسائل 6: 214 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3، ووردت الكلمة في
النسخ: بقسطها.
22

فما ترى؟ قال: فخذ نصف الربح، وأعطه النصف [وأحله]، إن هذا رجل تائب
والله يحب التوابين " (1).
وعن المختلف: " إن الودعي إذا أتجر بالوديعة من دون إذن المالك كان
ضامنا، والربح للمالك " (2)، وحكاه عن الشيخين وسلار والقاضي وأبي الصلاح
وغيرهم، هذا ومع ذلك كله فلا مناص عن حمل كلامهم كالروايات على صورة
الشراء بالعين، كما صرح به في المختلف، قال في مسألة تجارة الغاصب في
الاستدلال لمن قال بكون الربح للغاصب: إنه إن اشترى في الذمة ملك
المشتري المبيع، وكان الثمن في ذمته بلا خلاف (3) انتهى، ولكن محل كلماتهم
ما إذا اتفق دفع المال الغير عوضا - لا على ما إذا قصد دفع مال الغير عوضا لا
غير - وتحمل الروايات على صورة قصد دفع مال الغير عوضا، والمسألة في غاية
الاشكال، إلا أن ثبوت الربح للعامل لا يخلو عن قوة.
وإن كان التاجر وليا غير ملي فلا خلاف ولا إشكال في جواز شرائه
للطفل مطلقا، وقد تقدم ذلك في كلام المصنف قدس سره.
وإن كان الشراء لنفسه فإن كان يعين مال الطفل فالظاهر وقوع الشراء
للطفل، فالربح له والخسارة على العامل، لفحوى ما تقدم من أن تجارة غير
الولي كذلك، من غير احتياج إلى إجازة، وإن مسألة التجارة بمال الطفل خارجة
عن مسألة الفضولي.
وأما بناء على عدم إخراجها عن قاعدة الفضولي فالظاهر - أيضا -
وقوع الشراء للطفل مع تحقق المصلحة، ولا يقدح في ذلك نية الشراء لنفسه، لأن
الشراء وقع بعين مال الطفل، ولو أثر ذلك لأثر في مطلق عقد الفضولي إذا قصد
العقد لنفسه ولم تنفع الإجازة.

(1) الوسائل 13: 235 الباب 10 من أبواب الوديعة، مع اختلاف يسير، والزيادة من المصدر.
(2) المختلف: 445.
(3) المختلف: 482.
23

والظاهر عدم احتياجه إلى إجازة مستأنفة من الولي العامل، ولا من
الولي الذي هو بعده في المرتبة، فهو نظير الوكيل إذا أوقع العقد على المال الموكل
لنفسه، فإن وقوع العقد ممن له الإجازة كاف عنها.
نعم قد يشكل فيما إذا تعلق غرض آخر لنقل المال إلى العامل
بالخصوص، فإن خصوصية المالك وإن لم تكن ركنا في العقد - وبهذا يفترق البيع
عن النكاح - إلا أنه لا يبعد مدخليتها إذا لاحظها المتبائعان أو أحدهما، إلا أن
الذي يسهل الأمر ما عرفت من خروج هذه المعاملة عن مسألة الفضولي، وأن
مجرد وقوع العقد بمال اليتيم مع عدم الإذن شرعا يوجب كون الربح لليتيم.
مضافا - في مسألتنا هذه - إلى الأخبار المتقدمة (1)، منها: خبر الصيقل (2)
الدال على كون الربح لليتيم إذا لم يكن للعامل مال، فإن المراد منها بقرينة نفي
الضمان عن العامل مع إطلاقه الملاءة (3) منطوقا في خبر الصيقل، ومفهوما في
غيره، هو: كون العامل وليا.
نعم الحكم بعدم التوقف على الإجازة مطلقا في عقد الولي والوكيل إذا
أوقعاه لأنفسهما، مع ملاحظة المتعاقدين بخصوصيتهما لا يخلو من إشكال، لأن
العقد الواقع الخاص - أعني: إنشاء نقل المال إلى نفس العاقد - لا يؤثر بنفسه
في إفادة نقل الملك إلى المالك، لأنه غير مدلوله، غاية الأمر أنه قابل لأن يسلب
عنه الخصوصية الملحوظة فيه، من كون المنتقل إليه هو العاقد، لكن السلب لا
يتحقق فعلا إلا بما يصرفه إلى المالك، ولو كان مجرد كون العين ملكا له كافيا
في صرف البيع (4) إليه لم يحتج إلى الإجازة، فلما علمنا أن المال لا ينتقل إلى الغير

(1) في بعض النسخ: المتقدم.
(2) الوسائل 6: 58 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.
(3) الملاءة: ليس في " ع " و " ج " و " ف ".
(4) في " ع " و " ج " وظاهر " م ": صرف المبيع إليه.
24

إلا برضاه أو برضى وليه بالانتقال إليه، لعدم كون العقد مملكا قهريا، والمفروض
إن الولي لم يرض بالانتقال إليه وإنما رضى بالانتقال إلى نفسه، ويمتنع اجتماع
الرضائين، فلم يتحقق في هذه العاملة رضى بالانتقال إلى الطفل من أحد، فلا
يلزم العقد إلا بعد رضى الولي، وهذا العقد أحوج إلى الإجازة مما لو باع ملك
غيره ثم ملكه، ومما لو باع ملك غيره ثم تبين أنه ملكه، وقد صرح المحقق في
المعتبر باحتياج الأول إلى إجازة مستأنفة في فروع مسألة تعلق الزكاة بالعين (1).
وتمام الكلام في محله.
وبما ذكرنا ظهر اندفاع ما ربما يتوهم من أن إجازة الولي إذا أثرت في
إلغاء قصد العاقد العقد لنفسه - مع أنه رفع - فوقوع العقد من الولي أولى
بإلغاء قصد الولي العقد لنفسه، لأنه دفع.
وجه الاندفاع: إن الإجازة إنما ترفع قصد الخصوصية من حيث كونه رضى
بمضمون العقد المعرى من ملاحظة خصوصية المنتقل إليه، فما لم يحصل هذا
الرضى لا يحصل إلى المتجر أو من هو في حكمه.
وإن كان الشراء لنفسه بالعين مع ضمانه بأحد الوجوه الناقلة فلا إشكال
في تملك الربح، حيث يجوز له الضمان، وحيث لم نجوزه فحكمه كالصورة
السابقة، كما أنه لو اشترى حينئذ بما في الذمة ودفعه عوضا فحكمه كما تقدم في
غير الولي.
فالشأن في جواز الضمان للولي الغير الملي، وقد عرفت كلام الحلي (2)
والشيخ (3) في المنع عن التصرف إلا بما فيه غبطة ومصلحة وأن غير ذلك باطل،
بل في شرح الروضة: إن المتقدمين عمموا الحكم باعتبار المصلحة من غير

(1) المعتبر 2: 563.
(2) السرائر 1: 441.
(3) المبسوط 2: 200 (كتاب الرهن).
25

استثناء (1)،
ولا ريب أن نقل الولي المعسر مال الطفل إلى ذمته خلاف المصلحة،
بل هو قريب من إتلافه، بل قد يكون إتلافا عرفا وبمنزلة الأخذ مجانا، وقد
دلت الأخبار المستفيضة التي تقدم بعضها على اعتبار الملاءة فيمن يقترض مال
اليتيم، لكن موردها مختص بغير الأب والجد، ولذا حكي عن المتأخرين كافة،
بل عن الأصحاب كافة - كما في الحدائق (2)، وعن مجمع الفائدة (3) - استثناء الأب
والجد من ذلك، فجوزوا لهما الاقتراض مع الاعسار، ولعله لما ورد في حق الوالد
بالنسبة إلى ولده ما ورد حتى قال صلى الله عليه وآله لرجل: " أنت ومالك لأبيك " (4)
وقال الصادق عليه السلام - في رواية محمد بن مسلم -: " إن الوالد يأخذ من مال ولده
ما شاء " (5)، وفي رواية سعيد بن يسار: " إن مال الولد للوالد " (6) وخصوص ما ورد
من أخبار تقويم جارية الولد على نفسه (7)، وغير ذلك.
ويشكل: إن ظاهر هذه الأخبار غير مراد إجماعا، فيحمل على جواز
أخذ مقدار النفقة من مال ولده، صغيرا كان أو كبيرا، إذا لم ينفق الكبير عليه.
وأما النبوي، فيوهن التمسك به ما رواه الشيخ عن الحسين بن أبي
العلاء: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يحل للرجل من مال ولده؟ قال:
قوته بغير سرف إذا اضطر إليه. قال: فقلت له: فقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
للرجل الذي أتاه فقدم أباه، فقال له: أنت ومالك لأبيك، فقال: إنما جاء بأبيه
إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أمي،

(1) شرح الروضة للفاضل الهندي (مخطوط). 4 ذيل قول المصنف: " ولو اتجر الولي، أو المأذون
للطفل ".
(2) الحدائق 12: 25.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 4: 14.
(4) الوسائل 12: 194 الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 2.
(5) الوسائل 12: 194 الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 و 2.
(6) الوسائل 12: 195 الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4.
(7) الوسائل 12: 198 الباب 79، الحديث 1 و 2.
26

فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه، فقال له: أنت ومالك لأبيك، ولم يكن
عند الرجل شئ أو كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحبس الأب للابن؟ " (1).
ويشهد أيضا لما ذكرنا من الجمع، ومن الاشكال في اطراحه (2) مال
الولد (3) مع الاعسار الذي هو بمنزلة الاتلاف والأخذ مجانا، مصححة أبي حمزة
الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام: " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لرجل: أنت
ومالك لأبيك، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: لا نحب (4) أن يأخذ من مال ابنه إلا
ما احتاج إليه مما لا بد منه، إن الله لا يحب الفساد " (5).
فإن التعليل بالآية (6) يدل على عدم جواز الافساد في ماله، وأي فساد أشد
من أخذه قرضا مع الاعسار سيما إذا لم يرج اليسار؟
وأما أخبار تقويم الجارية، فنقول بمقتضاها ولا نتعدى عنه، كما اعترف
به الحلي (7) - أيضا - فيما حكي عنه، مع إمكان أن يقال: إن اطلاقها وارد في مقام
بيان حكم أصل جواز التقويم، إما لدفع توهم المنع، أو لدفع توهم جواز التصرف
في الجارية بغير تقويم، على حد غيرها من الأموال.
ثم لو سلم ما ذكروه في الأب فلا يخفى عدم الدليل على الحكم في الجد،
بل مقتضى عموم الآية (8): التحريم، ودعوى: أنه أب حقيقة كما ترى، ومثله

(1) الوسائل 12: 196 الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 8، وفي " م " للدين بدل للابن،
(2) كذا في " ف " و " ج " ولعل أصلها: اقتراضه.
(3) في بعض النسخ: الوالد.
(4) في الوسائل: ما أحب.
(5) الوسائل 12: 195 الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.
(6) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: في الآية.
(7) السرائر 2: 208 - 209.
(8) أي قوله تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب
الفساد} البقرة: 2 / 205.
27

دعوى الاجماع المركب.
واعلم أن المشهور - كما قيل (1) -: إن حكم التجارة في مال المجنون حكم
الصبي في جميع ما تقدم " و " كذا اختار المصنف قدس سره في صورة فساد (2) ضمان
الولي لهما: أن " الربح لهما " واستظهر سيد مشايخنا (3) الاتفاق على ذلك، لكن في
جريان ما خالف الأصول من الأحكام المتقدمة بالنسبة إليه إشكال.
وأما حكم الزكاة إذا اتجر لنفسه بمال الطفل والمجنون فتوضيحه: إن
التجارة له، بأن كان في الذمة، أو كان بالعين وقلنا بجوار ضمان الأب والجد له
من غير ملاءة، وكذا ثبوت زكاة التجارة في مال الطفل إذا اتجر له غير الولي،
كما دل عليه صحيحة بكير وزرارة المتقدمة (5).
" و " أما إذا اتجر التاجر لنفسه، وحكم بوقوعها عن الطفل إما تعبدا كما
ذكرنا، أو مع كون العامل وليا، أو مع إجازة الولي، فالأقوى أنه " لا زكاة "، أما
على الطفل فلأن ظاهر أخبار استحباب الزكاة في مال التجارة للطفل، ما إذا
اتجر له، لا ما إذا وقعت التجارة له بالإجازة، أو بحكم الشرع، وأما على التاجر،
فلعدم سلامة الربح له، لرواية سماعة: " عن الرجل يكون عنده مال اليتيم
فيتجر به أيضمنه؟ قال: نعم، قلت: فعليه زكاة؟ قال: لا، لعمري لا أجمع عليه
خصلتين: الضمان والزكاة " (6).

(1) راجع الجواهر 15: 28 ومفتاح الكرامة 3: 9 (كتاب الزكاة).
(2) ليس في بعض النسخ: فساد.
(3) لم نقف عليه في المناهل
(4) الوسائل 6: 45 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه.
(5) الوسائل 6: 58 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8.
(6) الوسائل 6: 58 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.
28

قيل: (1) وعن الشهيدين والمحقق الثاني في كل موضع يقع الشراء
للطفل (2)، وهو مشكل، لظهور الأخبار في غير ذلك، ولا فرق في الاشكال بين
جعل الإجازة كاشفة أو ناقلة.
" وتستحب " الزكاة " في غلات الطفل "، ولا تجب، وفاقا للمصنف (3)
قدس سره، والمحقق (4)، والشهيدين (5)، والمحقق الثاني (6)، وحكي عن القديمين (7)،
والسيد (8)، والسلار (9)، وعن التحرير: حكايته عن أكثر الأصحاب (10)، وعن غيره:
حكايته عن المتأخرين كافة (11)، قيل: وعن تلخيص الخلاف: نسبته إلى
أصحابنا (12).
وعن كشف الحق (13): إن الإمامية ذهبت إلى أن الزكاة لا يجب على
الطفل والمجنون، للأصل وعموم ما تقدم من الأخبار النافية للزكاة في مال اليتيم،
وقوله عليه السلام: " لا زكاة على يتيم " (14) وخصوص قوله عليه السلام: في رواية

(1) قاله في الجواهر 15: 24.
(2) المسالك 1: 39 ذيل قول المصنف رحمه الله: " أما لو لم يكن مليا "، والبيان: 165، والدروس: 57،
وجامع المقاصد 3: 5.
(3) التذكرة 1: 201.
(4) الشرائع 1: 140.
(5) الدروس 1: 299، البيان 165، الروضة البهية 2: 12.
(6) جامع المقاصد 3: 5.
(7) حكي عنهما في السرائر 1: 429 - 430.
(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(9) المراسم (الجوامع الفقهية): 580.
(10) تحرير الأحكام 1: 57.
(11) مفتاح الكرامة 3: 4 (كتاب الزكاة).
(12) تلخيص الخلاف 1: 276، المسألة 36.
(13) نهج الحق وكشف الصدق: 456، المسألة 7.
(14) الوسائل 6: 55 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.
29

أبي بصير المتقدمة: " وليس على جميع غلاته من نخيل أو زرع أو غلة، زكاة " (1).
خلافا للمحكي عن الشيخين (2)، وأتباعهما. - وعن الناصرية أنه ذهب
أكثر أصحابنا إلى أن الإمام يأخذ الصدقة من زرع الطفل وضرعه (3) (انتهى).
لعموم أدلة الزكاة في الغلات، وخصوص صحيحة ابن المسلم، عن أبي جعفر وأبي
عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: " ليس على مال اليتيم في الدين (4) والمال الصامت
شئ، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة " (5)، فإن الوجوب إما بمعناه المصطلح
عندنا، وإما بمعنى الثبوت والاستقرار، فيثبت اللزوم على التقديرين، سيما
بمعونة لفظة " على ".
ويضعف بوجوب تخصيص العمومات بما دل على نفي الزكاة على اليتيم،
وبحمل الصحيحة على الاستحباب المؤكد، جمعا بينها وبين رواية أبي بصير (6)
المعتضدة، أو (7) المنجبرة بالشهرة العظيمة.
وأما ما حكاه في الناصريات عن أكثر أصحابنا، فهو لا يدل على
الوجوب كما لا يخفى، لأن أخذ الزكاة المستحبة من مال الطفل فيه مصلحة له
وللفقراء، هذا مضافا إلى موافقة مضمون الصحيحة لمذهب فقهاء الجمهور كافة
كما عن المنتهى (8) وإن حكي عن التذكرة (9) حكاية القول بعدم الوجوب عن

(1) الوسائل 6: 56 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.
(2) المقنعة: 238 والخلاف 2: 40.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(4) في " ج " و " ع " و " م " العين.
(5) الوسائل 6: 56 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.
(6) الوسائل 6: 56 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11.
(7) كذا في " ج " و " م "، وأما في " ف " فلا توجد كلمة " أو ".
(8) منتهى المطلب 1: 472.
(9) لكن الموجود في التذكرة (1: 201) هو نقل قول أبي حنيفة بوجوب الزكاة في غلات الطفل، نعم في
الخلاف 2: 40 نقل قوله بعدم وجوبها بلا تفصيل.
30

أبي حنيفة وجماعة، إلا أن الظاهر أن المشهور بينهم، وما إليه ميل سلاطينهم هو
الوجوب.
ثم إن المعروف بين الأصحاب هو ثبوت الرجحان كما عرفت من عبارة
الناصريات (1)، واستظهر سيد مشايخنا (2): الاتفاق عليه بعد أن حكى عن
الأردبيلي (3): التصريح بالاتفاق على الاستحباب، وصرح بعدم الخلاف في
الرياض (4) - أيضا - ويظهر ذلك - أيضا - م النافع (5) حيث جعل الوجوب
أحوط، وعن المدارك (6)، والكفاية (7): أنه مذهب عامة المتأخرين وجمهورهم.
ويدل عليه الصحيحة السابقة بالحمل السابق (8)، ولا ينافيه الحمل على
التقية لما عرفت غير مرة من أن التقية تتأدى بما ظاهره، موافق لعامة، وإن أريد
خلافه بقرينة منفصلة.
وبعد ذلك فمن الغريب ما عن العلامة الطباطبائي (9): من انكار
الاستحباب مدعيا بأنه لم يصرح أحد بالندب قبل الفاضلين (10).
" و " هل يلحق بغلات اليتيم " مواشيه "؟ ظاهر المحكي عن الوسيلة،

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(2) لم نقف عليه في المناهل
(4) الرياض 1: 262 ذيل عبارة الماتن: في وجوب الزكاة في غلاة الطفل.
(5) المختصر النافع: 5: 22.
(7) كفاية الأحكام: 34.
(8) أي حمل صحيحة ابن مسلم المتقدمة آنفا على الاستحباب.
(9) راجع الجواهر 15: 26.
(10) راجع الشرائع 1: 140 والتذكرة 1: 201.
31

نعم، حيث ادعى الاجماع المركب (1)، إلا أن الحكم بالاستحباب بمجرد هذا
مشكل وإن كان إجماعا منقولا معتضدا بما تقدم عن الناصريات (2)، وفي
الرياض: أن ظاهر جماعة من الموجبين والمستحبين عدم الفرق بين الغلات
والمواشي (3)، إلا أن في الاكتفاء بمثل ذلك في التهجم على مال اليتيم إشكالا،
ولذا مال جماعة من المتأخرين إلى العدم وهو الأحوط، وأشكل من ذلك الحكم
باستحباب الزكاة في غلات المجنون فضلا عن مواشيه، وإن ادعى في
الرياض (4) أن ظاهر من عدا المحقق، وبعض من تأخر عنه (5) عدم الفرق بين
الطفل والمجنون.
" ولا زكاة على المملوك " وإن قلنا بكونه مالكا مطلقا، أو في الجملة على
الخلاف المذكور في محله، أما على القول بعدم الملك كما هو المشهور - ظاهرا -
بل ظاهر بعض العبائر المحكية الاجماع عليه (6)، فعدم الزكاة عليه واضح، بل
يخرج عن قيد اعتبار ملكية النصاب كما فعله في الغنية (7).
وأما على القول بالملك، فلحسنة ابن سنان - بابن هاشم -: " قال: ليس
على مال المملوك شئ ولو كان له ألف ألف، ولو احتاج (8) لم يعط من الزكاة

(1) لم نجده في الوسيلة ولكن حكي عنه في إيضاح الفوائد 1: 167 وفي مفتاح الكرامة 3:
4 ما يلي: " ونقل عن ابن حمزة، ولعله في الواسطة، أنه قال: فتجب في الأنعام بالاجماع المركب ".
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(3) رياض المسائل 1: 262، ذيل قول الماتن: قيل تجب في مواشيهم.
(4) نفس المصدر، ذيل قول الماتن: ولا تجب في مال المجنون.
(5) كصاحب المدارك في ذيل قول المحقق: وقيل حكم المجنون حكم الطفل، والفاضل المقداد في
التنقيح الرائع 1: 298.
(6) الخلاف 2: 43 المسألة 45، وحكاه عنه مفتاح الكرامة 3: 11 (كتاب الزكاة).
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 505.
(8) في " ج ": ولو احتاج له.
32

شيئا " (1) ونحوها رواية أخرى لابن سنان (2).
ومن العجيب ما حكي عن المنتهى (3) كإيضاح النافع، (4) تبعا للمعتبر (5)،
والمبسوط (6): من وجوب الزكاة عليه على القول بالملك، مع أن ظاهر المحكي عنه
في المنتهى (7) والتذكرة (8): اتفاق أصحابنا، بل غير شاذ من العامة على عدم
الزكاة عليه، لكن الظاهر أنه قدس سره فهم من الأصحاب استنادهم في ذلك إلى
عدم الملك، وحينئذ فيمكن أن يوجه الحكم - في الروايتين بنفي الزكاة - بعدم
الملكية، للأدلة الدالة على عدم مالكية العبد، فيكون إضافة المال إليه في
الروايتين (9) بمجرد الملابسة لا التمليك، كما يفصح عنه رواية ثالثة لابن سنان،
عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: قلت له: مملوك في يده مال، أعليه زكاة؟ قال:
لا، قلت: فعلى سيده؟ قال: لا، لأنه لم يصل إلى سيده، وليس هو للمملوك " (10).
وقد يستدل على فرض الملكية بعدم (11) تمكنه من التصرف للحجر عليه،
وبنقص (12) ملكه، لأن للمولى انتزاعه منه متى شاء إجماعا كما في المختلف (13)

(1) الوسائل 6: 59: الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 60: الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.
(3) منتهى المطلب 1: 472 - 473، وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 11 (كتاب الزكاة).
(4) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 11 (كتاب الزكاة).
(5) المعتبر 1: 489.
(6) المبسوط 1: 206.
(7) منتهى المطلب 1: 473 وحكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 10.
(8) التذكرة 1: 201 وحكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 10.
(9) الروايتان المتقدمتان آنفا.
(10) الوسائل 6: 60 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4، وفيه: " لا، لأنه لم يصل ".
(11) في بعض النسخ بعد.
(12) في النسخ: نقض.
(13) المختلف 2: 624.
33

وعن غيره (1).
ويرد على الأول: منع عدم التمكن من التصرف، إذ له التصرف كيف
شاء على تقدير الملكية، كما نص عليه في المعتبر (2) على ما حكي عنه، لكن هذا
إنما يستقيم لو وجد القول بالملكية على هذا الوجه، للاجماع على الحجر عليه
ولو ملك.
فالأولى الجواب بمنع الحجر إذا صرفه مولاه فيه، وفوض أمر المال إليه،
كما يشعر به رواية علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: " ليس على المملوك زكاة
إلا بإذن مواليه " (3)، ومنع كون الحجر مانعا على الاطلاق كما في السفيه، فتأمل.
ويرد على الثاني: منع كون هذا التزلزل مانعا من وجوب الزكاة كالبيع (4)
في زمن خيار البائع، بل المنتقل بالعقود الجائزة.
فالأقوى: الاعتماد على ما تقدم من النص الظاهر في كون المملوكية (5)
بنفسها مانعة عن وجوب الزكاة، كما أنها مانعة عن أخذها، فمرجع الروايات
إلى أنه لا عبرة بغنى المملوك ولا بفقره، وهذا هو الظاهر من كلام أكثر
الأصحاب حيث لم يقنعوا عن اعتبار الحرية باعتبار الملكية (6)، أو اعتبار التمكن
من التصرف.
وأما رواية علي بن جعفر، فهي مطروحة أو مؤولة.
وهل تجب زكاة ما في يده على المولى مطلقا، أو ليس عليه كذلك، أو تبنى

(1) راجع الجواهر 24: 172.
(2) المعتبر 2: 489.
(3) الوسائل 6: 60 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.
(4) في بعض النسخ: كالمبيع.
(5) في بعض النسخ: الملكية.
(6) في " م ": المالكية.
34

على القول بالملكية (1)؟ ظاهر المحكي عن القواعد (2) والتحرير (3): الأول، قيل:
لأنه مال مملوك لأحدهما فلا يسقط زكاته عنهما معا، ولأنه مال مستجمع لشرائط
الزكاة، فإذا لم تجب على العبد (4) وجبت على السيد، ولأن المولى لما كان له
انتزاعه من يده متى شاء كان ك‍ " مال " في يد الوكيل (5).
وفي الجميع ما لا يخفى.
وظاهر الرواية الثالثة (6): الثاني، وفيه: اشتمالها على التعليل لعدم وصول
المال إليه، فإن كان في مورد يثبت عدم الوصول حقيقة كما إذا كان غائبا أو مثل
ذلك من مسقطات الزكاة، [كان أخص من المدعى] (7).
وإن أريد أنه بمجرد كونه في يد العبد غير واصل إلى سيده، ففيه: أن يد
العبد أضعف من يد الوكيل الذي بمنزلة يد الموكل، وحمل ذلك على إعراض
المولى - حيث دفعها إلى العبد ليخص به وينتفع به أو ينفقه (8) على نفسه، فهو (9) ك‍ " مال النفقة " إذا غاب الشخص، وسيجئ عدم وجوب الزكاة عليه - تكلف
لا يصار إليه في مقام تخصيص الأدلة القطعية الموجبة للزكاة على المال المستجمع
للشرائط، ولذا نسب في المنتهى (10) وجوب الزكاة على المولى إلى أصحابنا مشعرا

(1) ولعل المراد: على القول بملكية العبد وعدمها، كما في الجواهر 15: 33.
(2) قواعد الأحكام 1: 51.
(3) تحرير الأحكام 1: 57.
(4) في " ج " و " ع ": المملوك.
(5) في " ف ": الموكل.
(6) وهي الرواية الثالثة لابن سنان المتقدمة في الصفحة 33 وانظر الهامش 10 هناك.
(7) ما بين المعقوفتين زيادة اقتضتها العبارة، وأخذناها مما نقله العلامة المامقاني قدس سره في كتابه
منتهى مقاصد الأنام، 26 (كتاب الزكاة).
(8) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: ببعضه.
(9) في " ع ": فهي.
(10) منتهى المطلب 1: 473.
35

بدعوى الاجماع، فالأقوى هو الوجه الثالث.
" ولا " فرق فيما ذكر بين القن، والمدبر، وأم الولد، و " المكاتب المشروط "
عوده رقا إن لم يؤد مال الكتابة " و " المطلق " الذي لم يؤد شيئا " بلا خلاف ظاهر
في الجميع، حتى المكاتب بقسميه، وعن التذكرة (1): نسبته إلى علمائنا، بل عن
المنتهى (2): نسبته إلى العلماء كافة عدا أبي حنيفة، وأبي ثور، مضافا إلى ما ورد في
المكاتب: من الحجر عن التصرف فيما بيده بالاكتساب (3) حتى ورد: " أنه لا
يصلح له أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام " (4)، ويرتفع الاشكال رأسا لو قلنا
بعدم ملكيته كغيره من الأقسام كما عن المصنف في النهاية (5)، والمحقق في
المعتبر (6).
ومما ذكرنا كله ينجبر ضعف رواية البختري (7) عن الصادق عليه السلام:
" ليس في مال المكاتب زكاة " (8)، ونحوه النبوي (9).
وأما الاستدلال بروايتي عبد الله بن سنان المتقدمتين (10)، فغير صحيح
- ظاهرا - لاشتمالها على منع المملوك من الزكاة، مع أن المكاتب يعطى من

(1) التذكرة 1: 201.
(2) المنتهى 1: 473، ولكن ليست في النسخة التي بأيدينا من المنتهى النسبة إلى العلماء كافة.
(3) في " م " إلا بالاكتساب.
(4) الوسائل 16: 90 الباب 6 من أبواب المكاتبة، الحديث الأول.
(5) نهاية الأحكام 2: 301.
(6) المعتبر 2: 489.
(7) كذا في النسخ، ولكن في الوسائل: " أبي البختري " وهو الصحيح.
(8) الوسائل 6: 60 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5.
(9) راجع الخلاف 2: 42، المسألة 43 ورواه الدارقطني في سننه 2: 108 والبيهقي في سننه.
4: 109.
(10) في الصفحة 32.
36

الزكاة، فموردهما لا يشمله.
وكما لا يجب على المكاتب كذلك لا يجب على مولاه وإن قلنا بملكيته،
لأن المولى ممنوع من أخذه منه إلا على وجه استيفاء مال الكتابة ما لم يعجز،
سواء جعلنا العجز كاشفا أو ناقلا.
وعن المبسوط: " إن المكاتب المشروط لا زكاة على ماله ولا على سيده،
لأنه ليس ملكا لأحدهما ملكا صحيحا، لأن العبد لا يملكه عندنا والمولى لا
يملكه إلا بعد عجزه " (1) (انتهى). وظاهره نفي ملك المولى (2)، ونفي استقلال
العبد بقرينة ما عنه في باب الكتابة: من أن كسبه ماله (3) وظاهر ما تقدم عن
المصنف، والمحقق قدس سرهما عكس ذلك (4).
" و " على كل تقدير فالحكم واضح، والرجوع إلى العمومات لمالكية
المكاتب وضعف رواية البختري ضعيف.
نعم " لو تحرر من " المكاتب " المطلق شئ " ولو جزء يسير " وجبت الزكاة
في نصيبه إن بلغ نصابا " بلا خلاف ظاهر، وعن الحدائق: إنه محل اتفاق (5) وفي
شرح الروضة: قطع به الأصحاب وإن وجهه واضح (6) وهو كذلك، لأن نصيبه
مال جامع لشرائط الزكاة، وأدلة نفي الزكاة عن مال المملوك لا تشمله، ولذا لا
يجري على هذا النصيب شئ من أحكام مال المملوك.
ثم إن ظاهر روايتي ابن سنان المتقدمتين (7) عدم جواز إعطاء المملوك من

(1) المبسوط 1: 205 مع اختلاف يسير.
(2) في " م " زيادة: رأسا.
(3) المبسوط 6: 82.
(4) تقدم قولهما عن النهاية والمعتبر في الصفحة السابقة.
(5) الحدائق 12: 29.
(6) شرح الروضة للفاضل الهندي (مخطوط): 6.
(7) في الصفحة 32.
37

الزكاة، وظاهرهما عدم قابليته.
وربما يحمل على صورة عدم الإذن، ويحكم بجوازه مع إذن المولى في الأخذ
فيصير ملكا للمولى، فيعتبر فيه الاستحقاق.
ولو كان في سبيل الله لا بقصد الملك لم يملكه المولى.
ولو كان العبد مشتركا بين مستحقين فإن أذنا له ملكا (1) القرض (2) بنسبة
الملك، وإن كان وكيلا عنهما ملكاه بالسوية، ولو كان أحدهما مستحقا ملك مقدار
حصته، وجميع ذلك مبني على ما عرفت.
" ولا بد " في مال الزكاة " من تمامية الملك " في جميع الحول فيما يعتبر فيه
الحول، وقبل تعلق الوجوب فيما لا يعتبر فيه،
ويتحقق عدمهما بأمور:
الأول: (3) عدم قرار الملك بمعنى تزلزله من حيث الحدوث، لتوقفه على شرط
لم يقع، أو لم يعلم وقوعه، وأما المتزلزل من حيث البقاء فلا يقدح كما سيجئ،
" فلا يجري (4) الموهوب في الحول إلا بعد القبض " سواء قلنا بكون القبض ناقلا
أو كاشفا، كما صرح به في المسالك (5)، وإن أورد عليه في المدارك (6): بأن القول
بكشف القبض غير مذكور في باب الهبة، وإن هذا الخلاف غير واقع، إلا أن
الذي يحكى عن بعض هو أن مراد القائلين باعتبار القبض في اللزوم هو الكشف
لا اللزوم المصطلح، ضرورة أن الهبة لا تصير بالقبض من العقود اللازمة، إذ بعد
القبض يجوز الرجوع في الهبة اتفاقا إلا في المواضع المخصوصة، وأنه (7) لم يجعل

(1) كذا في " ف " و " ج " و " ع "، وفي " م ": ملك.
(2) كذا في " ف " و " ج " و " ع "، وفي " م ": المقرض، والظاهر: القرض.
(3) لم يصرح بالثاني و.. فيما يلي من الأمور.
(4) كذا في النسخ، ولكن في المطبوعة من الإرشاد ومجمع الفائدة: فلا يجزي.
(5) المسالك 1: 40، ذيل قول الماتن: لم يجر في الحول إلا بعد القبض.
(6) مدارك الأحكام 5: 27.
(7) في " ف " و " ج ": " إذا ".
38

أحد القبض من الملزمات، وأنه قد صرح المحققون: بأن مرادهم من كون
القبض شرطا في اللزوم ليس المعنى المعروف، بل قالوا: إن العقد يوجب ملكية (1)
مراعاة بتحقق القبض، فإن تحقق أتم من حين العقد. (2) (انتهى المحكي)، وهذا
نص فيما ذكره في المسالك.
وكيف كان فلا إشكال في أصل المسألة، كما لا إشكال في جريانه في
الحول بعد القبض وإن كان متزلزلا من حيث البقاء لاحتمال الرجوع.
نعم لو رجع الواهب قبل الحول (3) سقطت الزكاة بلا إشكال، ولو رجع
بعد الحول، فإن كان بعد إمكان الأداء - وإن لم يؤده - قدم حق الفقراء، وإن
كان قبله ففي التذكرة (4) وكشف الالتباس (5): سقوط الزكاة.
وقد يستشكل (6): بأن التمكن من الأداء معتبر في الضمان دون الوجوب،
فالزكاة تتعلق بمجرد اجتماع الشرائط، وإن لم يكلف المالك منجزا بالاخراج
للعجز، فيكون رجوع الواهب على مال تعلق به حق الفقراء، فيقدم، سيما على
القول بتعلق الشركة.
" و " كذا " لا " يجري النصاب " الموصى به " في الحول إذا كان حوليا " إلا
بعد القبول وبعد الوفاة " لأنه قبل ذلك إما غير مملوك للموصى له، أو غير
متمكن من التصرف فيه، ولو لعدم العلم بملكيته بناء على أحد وجهي الكشف
في القبول.

(1) في " ف ": ملكيته.
(2) راجع الجواهر 15: 37 ومفتاح الكرامة 3: 15.
(3) في " م ": الحلول.
(4) التذكرة 1: 203.
(5) نقله في مفتاح الكرامة 3: 26 (كتاب الزكاة).
(6) راجع الجواهر 15: 38.
39

" و " لا " الغنيمة " إلا " بعد القسمة "، أما على القول بتوقف الملك عليها
كما عن المشهور فواضح، وأما على القول بحصول التملك بالحيازة، فلعدم
التمكن من التصرف قبل قسمة الإمام، ولعدم استقرار الملك، لأن للإمام أن
يقسم بينهم بتحكم، فيعطي كل واحد من أي الأصناف (1) شاء، فلم يتم ملكه
عليه - كذا عن المنتهى - (2) لكن المحكي عن ظاهر كلام الشيخ في الخلاف (3):
منع ذلك، وإن لكل غانم نصيبا من كل صنف من الغنيمة، فليس للإمام منعها،
مع أن منع الإمام لعلة (4) بمنزلة للملك الحاصل بمجرد الحيازة، فهو غير
مانع كالخيار، مع أنه مختص بصورة تعدد أصناف الغنيمة، وأما مع اتحاد جنسها
فالغانمون كالورثة يملك كل منهم نصيبا معينا منها، واعتبار التمكن من التصرف
لا يوجب إلا اعتبار التمكن من القسمة قسطا لبعض الغانمين، فإن قبضه فلا
إشكال، وإلا فإن كان غائبا فلا يجري إلا بعد وصوله إليه، أو إلى وكيله إلا إذا
قبض عنه الإمام بالولاية.
وإن كان حاضرا، فالظاهر أنه موقوف على قبض الغانم أيضا إلا إذا قلنا
بالتملك بالحيازة، وكفاية عزل الإمام في تعيين الملك (5)، ورفع الحجر عن
التصرف، لكنه مشكل لعموم ما دل على عدم جريان الحول إلا على ما وقع في
يده. وتمام الكلام في محله من كتاب الجهاد.
" و " لا يجري " القرض " أيضا " إلا بعد القبض " (6) بناء على ما عن الأكثر

(1) كذا صححناه على ما في المنتهى 1: 477 ففيه: من أي أصناف المال شاء، ولكن في النسخ:
الأوصاف.
(2) المنتهى 1: 477.
(3) الخلاف 2: 114.
(4) في " ف " و " ج ": لعله.
(5) في " م ": التملك.
(6) في الإرشاد 1: 278 والقرض حين القبض.
40

من أنه وقت حصول الملك (1)، وعلى قول الشيخ (2) فيجري من حين التصرف
وهو ضعيف يرده - مضافا إلى ما سيجئ في باب القرض - ما في حسنة زرارة:
" إن زكاة القرض على المقترض إن كان موضوعا عنده حولا " (3) وظاهرها وجوب
الزكاة مع عدم التصرف أيضا.
" و " أما المبيع " ذو الخيار " فإنما يجري في الحول من " حين البيع " ولا
يتوقف على انقضاء زمان الخيار بناء على القول المشهور: من عدم توقف الملك
على انقضاء زمان الخيار، ويشكل ذلك في خيار البائع لو قلنا بمنعه للمشتري
من التصرفات المنافية للخيار.
وربما يحمل كلامهم - هنا - على إرادة مجرد بيان عدم توقف جريان
المبيع (4) في الحول من حيث الملكية حين العقد، وإن كان له مانع آخر في مدة
الخيار من حيث عدم تمامية الملك، وهو محمل بعيد في نفسه، مضافا إلى ما قيل:
إنه حكي عن غير واحد: وجوب الزكاة بعد الحول، وإن كان الخيار باقيا،
فيسقط البائع من الثمن بنسبة ما أخرجه المشتري من الزكاة (5).
ومثله في البعد حمل هذا الكلام على تجويز (6) تصرف المشتري في زمان
خيار البائع، فيرجع البائع بعد الفسخ إلى قيمة المبيع، أو يبطل ما وقع من
التصرف كالشفيع.

(1) راجع الجواهر 25: 23 ومفتاح الكرامة 5: 47.
(2) راجع الصفحة السابقة.
(3) الوسائل 6: 67 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب، الحديث الأول،
والرواية منقولة بالمعنى.
(4) في " ف ": البيع.
(5) راجع الجواهر 15: 39.
(6) في " ف ": تجوز.
41

وقد أطلق المصنف قدس سره - هنا - الجريان في الحول من حين العقد مع
حكمه بعدم جواز التصرف (1) المنافي لخيار البائع. والشهيد قدس سره في البيان عد
خيار البائع من الأمور التي ظن أنها مانعة عن الزكاة، وليست مانعة (2) مع تردده
في الدروس في جواز تصرف المشتري بما ينافي خيار البائع. والشهيد قدس سره في البيان عد
خيار البائع من الأمور التي ظن أنها مانعة عن الزكاة، وليست مانعة (2) مع تردده
في الدروس في جواز تصرف المشتري بما ينافي خيار البائع (3)، فيحتمل أن المنع
من التصرف المنافي (4) أعني: - النقل أو الاتلاف - لا ينافي وجوب الزكاة عندهم،
لأنه يصدق على المبيع أنه مال حال عليه الحول في يد مالكه، بخلاف مال الرهن،
فإن الراهن لا يستقل في التصرف فيه وإن لم يكن ناقلا فتأمل، فإن في الفرق
بين منذور الصدقة (5) بعينه نذرا مشروطا بما يحتمل الحصول فضلا عما يقطع
بحصوله، وبين المبيع في أيام الخيار والحكم بمانعية النذر دون الخيار إشكالا، بل
تحكما.
" ولا زكاة في المغصوب " بلا خلاف في الجملة، لعموم ما دل على اعتبار
حولان الحول على المال مع وقوعه في يد المالك، وكونه عند ربه، وفحوى سقوطها
عن مال الغائب.
ومقتضى (6) إطلاق النص والفتوى: عدم الفرق بين ما لو تمكن من
إخراج مقدار الزكاة من المغصوب باستئذان الغاصب أو مع عدم اطلاعه وبين
غيره، بل يعم الحكم لما إذا أذن الغاصب المالك في التصرف في المغصوب مع بقاء
يد العدوان عليه، وهو قوي.

(1) في " ج " و " ع ": بعدم جواز المنافي لخيار البائع.
(2) البيان: 169.
(3) الدروس: 361 كتاب الخيار (الطبعة القديمة).
(4) في " م " زيادة للخيار.
(5) في " م ": " التصرف التصدق " بدل: " الصدقة ".
(6) في " م ": بمقتضى.
42

نعم ربما يوهم الاختصاص: الاستدلال بأنه لو كلف بالزكاة مع عدم
التمكن من التصرف لكان مكلفا بإخراجها من غير ذلك المال، وهو معلوم
البطلان.
لكن التحقيق: إن هذا الاستدلال لا يفي بأصل المطلب فضلا عن
عمومه، ضرورة أنه يقتضي اعتبار التمكن وقت الاخراج لا في تمام الحول، مع
إمكان المناقشة في الملازمة (1) بمنع التنافي بين ثبوت الزكاة في العين، وعدم وجوب
الاخراج منها ولا من غيرها لما (2) سيجئ من أن التمكن من الأداء شرط
الضمان لا الوجوب، بل المناقشة في بطلان التكليف بالاخراج من غير النصاب،
كيف وقد حكي عن الشيخ في أحد أقواله (3): وجوب الزكاة في المال المرهون،
وتكلف (4) المالك بالاخراج من غيره لو كان له مال غيره، وحكي ذلك عن
الجامع (5) أيضا وإن ضعفه في المعتبر (6).
وكيف كان، فالعمدة هو إطلاق النص ومعاقد الاجماعات. نعم قيده بما
إذا لم يتمكن تخليصه ولو ببعضه، ولو بالاستعانة بظالم، وإلا وجبت فيما زاد على
الفداء، ولعله لتحقق الشرط الذي هو التمكن من التصرف، ولموثقة زرارة: " في
رجل ماله عنه غائب، لا يقدر على أخذه؟ قال: فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا
خرج زكاه لعام واحد، وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة
لكل ما مر من السنين " (7).

(1) في " ف " بالملازمة.
(2) في بعض النسخ: كما.
(3) المبسوط 1: 208، وحكاه عنه في الجواهر 15: 54.
(4) كذا في النسخ، والظاهر: تكليف.
(5) الجامع للشرائع 1: 131.
(6) المعتبر 2: 563.
(7) الوسائل 6: 63 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.
43

دلت الرواية بصدرها على تفريع نفي الزكاة على عدم القدرة على أخذ
المال الغائب، وبذيلها على ثبوت الزكاة مع ثبوت القدرة، وحينئذ فتحمل
الروايات الظاهرة في اعتبار الحضور الفعلي واليد الحالية على مجرد القدرة على
الأخذ والتصرف، ولو بواسطة أمر مقدور، في مقابل ما لم يقع تحت القدرة.
ويؤيده ورود بعض تلك الأخبار (1) في مقام نفي الزكاة عن المال الذي لم
يملك في تمام الحول. وقد قوى الشيخ في الخلاف وجوب الزكاة في المال المرهون
مستدلا بأن الراهن قادر على التصرف فيها بأن يفك رهنها، والمال الغائب إذا
كان متمكنا منه، يلزمه زكاته بلا خلاف (2) (انتهى).
وكلامه صريح، إلا أن هذا ليس بأولى من إبقاء تلك على ظاهرها من
اعتبار الوقوع في اليد بالفعل سيما مثل قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان:
" ليس على الدين صدقة، ولا على المال الغائب حتى يقع في يدك " (3) الظاهر بل
الصريح في اليد الفعلية فيحمل الموثقة (4) المشتملة على القدرة على الأخذ، على
القدرة الحاصلة على الوجه المتعارف، مثل الوكيل في القبض ونحوه، لا إيجاد
أسباب التمكن كتخليص المغصوب ببعضه ونحو ذلك.
نعم التمكن من أخذه خفية لا يبعد عده من التمكن، فيكون العبرة
بالتمكن والتسلط [فعلا لا القدرة على ذلك، ويؤيد هذا الحمل إن تقييد المال
الغائب - في أدلة نفي الزكاة - بما لا يقدر على التسلط] (5) عليه والتمكن - ولو
ببذل بعضه - لرفع المانع تقييد بالفرد النادر.

(1) راجع الوسائل 6: 61 الباب 5 من أبواب من يجب عليه الزكاة.
(2) الخلاف 2: 111.
(3) الوسائل 6: 62 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6.
(4) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(5) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
44

ولو قيل: إن المال الغائب عنوان مستقل في نفسه لا يلحق به المغصوب،
لعدم تنقيح المناط، سقط التمسك بالأخبار من الطرفين، لأن مورد الكل (1) في
المال الغائب. لكن الظاهر: أن المعيار في الكل واحد وهو: العجز عن الأخذ، ولذا
استدل بتلك الأخبار لاشتراط التمكن بلا فرط في شرح الروضة (2)، فاستدل
له بما ورد من وجوب الزكاة في الدين إذا قدر صاحبه عليه، وتركه متعمدا (3) مع
عدم عمله قدس سره بمضمونها، من (4) ثبوت الزكاة في الدين المقدور على أخذه.
هذا، ولكن التحقيق: الرجوع في معنى القدرة على الأخذ - الواردة في
النص -، والتمكن من التصرف - الوارد في معقد الاجماع - إلى العرف، لأنه
المحكم في مثله، والظاهر صدق القدرة على الأخذ بمجرد القدرة على الأسباب
ولو كانت بعيدة. وأما التمكن فهو وإن كان في صدقة على التمكن من أسباب
التمكن خفاء، بل منع (5) إلا أن الذي يظهر من ملاحظة فتاواهم، بل معاقد (6)
إجماعاتهم هو ما يعم هذا المعنى، ولا أقل من أن يحصل الشك في مراد الكل أو
البعض، فيجب الرجوع حينئذ إلى القدر المتيقن من تخصيص العمومات
الموجبة للزكاة، وخصوص ما أوجبها بمجرد القدرة على الأخذ.
والمتقين هو: اعتبار التمكن بالمعنى الأعم المساوي للقدرة التي نيط بها (7)
الحكم فيما عرفت من الموثقة وغيرها.

(1) ليس في " ف ": الكل.
(2) شرح الروضة للفاضل الهندي (مخطوط): 6 ذيل قول الماتن: كالراهن غير المتمكن من
فكه.
(3) الوسائل 6: 64 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5 و 7.
(4) في " م ": في.
(5) في " ف " و " ج ": منعا، والصحيح ما أثبتناه.
(6) في " ج " و " ع ": ومعاقد.
(7) في " ف ": به.
45

كيف وسيجئ في المرهون ما يدل على أن مراد أكثرهم من التمكن هو
المعنى الأعم، مضافا إلى أن أدلتهم على اعتبار التمكن من الروايات وغيرها
لا يدل على اعتبارا أزيد منه.
ويلحق بالمغصوب: المجحود إذا لم يتمكن من استنقاذه، قال في البيان:
ولو أمكن الاستنقاذ وجبت، ولو صانعه ببعضه وجب في المقبوض وفي إجراء
امكان المصانعة مجرى التمكن نظر، وكذا الاستعانة (1) بظالم، أما الاستعانة
بالعادل فتمكن (2) (انتهى). وفي شرح الروضة: وجه النظر هو أن تخليص
المغصوب بالمال بمنزلة ابتياع ما يجب فيه الزكاة، وكما أن تحصيل الملكية لا يجب
كذلك تحصيل التمكن الذي هو شرط وجوب الزكاة (3).
ويعلم ما في هذا، وفي استشكال المحقق الثاني في كفاية التمكن من
استنقاذ المجحود بالبينة (4) مما ذكرنا: من أنه لا دليل على اعتبار أزيد من القدرة
على الأخذ والتمكن من التصرف ولو بواسطة الأسباب، إلا أن في انصراف
إطلاقها إلى ما احتاج إلى صرف بعضه أو صرف مال غيره تأملا.
ولو كان الفداء كثيرا مساويا للمفدى أو أزيد فالاشكال أوضح، بل منع
الزكاة أقوى.
وكيف كان ففيما ذكره الشهيد من الفرق بين الظالم والعادل (5) نظر، وإن
أمكن توجيهه بأن العادل حيث أنه من الأسباب التي شرعها الله لرد المظالم،
وأوجب عليه ذلك، فهو بمنزلة الوكيل الأمين من طرف المالك بل الولي من طرف

(1) في " ج " و " ع ": في الاستنقاذ، وما أثبتناه مطابق للمصدر.
(2) البيان: 167.
(3) شرح الروضة للفاضل الهندي (مخطوط): 8 - 9.
(4) في " ف ": بالمال وفي " ج " و " ع " بالنية، والصحيح ما أثبتناه كما في جامع المقاصد 3: 6.
(5) ذكره الشهيد في البيان آنفا.
46

الغاصب والمالك، فقدرته بمنزلة قدرة المالك. [بخلاف الظالم الذي ليس التوسل
به إلا من حيث الاضطرار فهو من قبيل التسبيب إلى التمكن بخلاف
الأول] (1).
" و " مما ذكرنا يظهر الكلام في المال " الغائب عن المالك " وأنه لا زكاة فيه
إجماعا نصا وفتوى، إلا أن يقدر على أخذه فيجب، وإن لم يكن بالفعل في يده
أو يد وكيله.
نعم ظاهر إطلاق المتن وغيره: اعتبار فعلية اليد، لكن لا يبعد إرادة ما
ذكرنا من التقييد. ففي المدارك: إن عبارات الأصحاب ناطقة بوجوب الزكاة في
المال الغائب إذا كان صاحبه متمكنا (2) وهو المعتمد، لما تقدم من الموثقة (3)
المخصصة لعموم أدلة النفي عن مال الغائب حتى يقع في يده، بحمل الوقوع في
اليد على كونه تحت القدرة، وإن كان هذا الحمل بعيدا في صحيحة ابن سنان
المتقدمة (4).
نعم قيل: باشتراط مضي زمان يمكن فيه قبضه أو قبض وكيله ولا بأس
به.
" و " اعلم أنه ألحق جماعة من المتأخرين منهم المصنف قدس سره بالمالك
" وكيل " فأوجبوا الزكاة (5): عن المالك إذا كان في يد وكيله، وظاهرهم ذلك وإن
لم يقدر المالك على التصرف فيه وأخذه، والمحكي عن جماعة: الاقتصار على
المالك فقط (6)، ولعله الأوفق بإطلاق الأخبار، وأدلة اشتراط التمكن من

(1) ما بين المعقوفتين من " ج " و " م ".
(2) المدارك 5: 35.
(3) تقدم ذكرها في الصفحة 43.
(4) في الصفحة 44.
(5) في " ع " و " م ": في المال الغائب.
(6) السرائر 1: 443 ومفتاح الكرامة 3: 20 (كتاب الزكاة).
47

التصرف، إلا أن يدعى صدق المتمكن (1) على المالك عرفا بتمكن وكيله، وفي
اطراد هذه الدعوى إشكال.
نعم لو أريد عدم الفرق في التمكن بين أن يتمكن بنفسه أو بوكيله فلا
إشكال في التعميم.
ولو غاب الرجل عن ماله فإن كان في يد وكيله فكما سبق، وإن كان
موضوعا في بيته فالظاهر أيضا وجوب الزكاة لصدق كونه متمكنا منه عرفا، بل
كونه عند ربه وفي يده وإن كان عاجزا عن بعض التصرفات فيه أو كلها لبعض
العوارض.
نعم لو انقطع عن ماله بالكلية بحيث لا يصدق عليه ما ذكر اتجه سقوط
الزكاة، قال في المنتهى (2): إنه لو أسر في بلاد الشرك وله مال في بلاد الاسلام لم
يجب عليه زكاة، محتجا بأنه غائب عن ماله، والغيبة تتحقق من الطرفين (2).
ونحوه عن القاضي في جواهر الفقه (4).
وفي البيان: لو حبس عن ماله من غير إثبات اليد عليه وجبت زكاته
لنفوذ تصرفه فيه. نعم لو كان سائمة لا راعي لها ولا حافظ احتمل السقوط،
لاشتراطهم في الغائب في يد الوكيل (5) (انتهى).
ولا يبعد أن يقال: إن الظاهر من الأدلة هو اعتبار عدم قصور في المال
- إما لعدم حدوث تمام التمكن فيه كالإرث الذي لم يصل إلى الوارث، وإما
لحدوث مانع فيه، إما لتعلق حق شرعي به، أو يد عرفي، أو غيبة منقطعة - لا عدم

(1) في بعض النسخ: التمكن.
(2) في " ف ": محكي المنتهى.
(3) منتهى المطلب 1: 475.
(4) جواهر الفقه (الجوامع الفقهية): 415.
(5) البيان: 167.
48

قصور المالك عن التصرف فيه لمرض، أو حبس، أو غيرهما. قال في كشف
الغطاء: ولا يخرج عن التمكن لعروض شئ من قبله كإغماء أو جنون أو نذر
أو عهد أو نحوها من الموانع الشرعية الاختيارية المانعة عن التصرف في وجه
قوي، أما ما تعلق بالمخلوق كأن يشترط عليه في عقد لازم أن لا يتصرف فيه
حيث يصح، فالظاهر الحكم بانقطاع الحول واستئنافه بعد ارتفاع الموانع (1)
(انتهى).
ونظر فيما ذكروه بعض المعاصرين (2)، والانصاف أن المسألة لا تخلو من
إشكال.
فالتحقيق: أن يحكم بنفي الزكاة في جميع ما ورد النص بنفي الزكاة عنه،
كالإرث الغير الواصل إلى صاحبه والمال المفقود ونحوهما، ويرجع في غير الموارد (3) إلى صدق التمكن من التصرف المصرح باعتباره في الفتاوى، فإن
صدق فلا إشكال في وجوب الزكاة، للاجماع على عدم اشتراط أزيد منه في تمامية
الملك.
وإن لم يتحقق صدق التمكن من التصرف - لاشتباه مراد المجمعين كلا
أو بعضا - فإن تحقق القدرة على الأخذ، المصرح باعتبارها في الموثقة المتقدمة (4)
فيحكم بوجوب الزكاة أيضا، كما يحكم بنفيه لو علم تحقق عدمها، وإن اشتبه
التحقق فالواجب الرجوع إلى عمومات الوجوب، لعدم العلم بتخصيصها بأزيد
من القدر المتيقن.
ويحتمل ضعيفا: الرجوع إلى الأصل، لسراية إجمال عنوان المخصص إلى

(1) كشف الغطاء: 346 المبحث التاسع من مباحث كتاب الزكاة.
(2) راجع الجواهر 15: 53.
(3) في " ج " و " ع ": موارده.
(4) تقدم ذكرها في الصفحة 43.
49

العمومات. وعلى أي تقدير فلا إشكال.
واعلم أن التمكن من التصرف معتبر في جميع الحول - فيما يعتبر فيه
الحول من الأجناس الزكوية -
وأما في الغلات فظاهر اتحاد سياقه مع سائر
الشروط: اعتباره في زمان تعلق الوجوب (1)، وربما مال جماعة من المتأخرين إلى
كفاية تحققه بعد ذلك (2) لاطلاق الأدلة، واختصاص أدلة اعتبار التمكن بما يعتبر
فيه الحول.
وفيه نظر، إلا أن المسألة لا تخلو عن اشكال.
" و " لا زكاة في عين " الوقف " بلا خلاف ظاهرا - كما عن الكفاية (3) -
لعدم جواز التصرف فيه إلا بالاستنماء، بل لعدم الملكية في الوقف العام، وتعلق
حق البطون اللاحقة في الخاص، لكن المحكي عن وقف التذكرة بعد نقل
الخلاف في انتقال ملكية الوقف إلى الموقوف عليه: إنه يظهر فائدة الملك في
وجوب الزكاة في الغنم الموقوفة (4).
وكيف كان فلو نتجت الأنعام الموقوفة وملك الموقوف عليه منه نصابا،
وحال عليه الحول وجبت الزكاة بلا إشكال ظاهرا.
" و " كذا لا اشكال في نفي الزكاة عن الحيوان " الضال و " المال " المفقود "
بالنص والاجماع.
نعم حكي عن غير واحد: إنه يعتبر في مدة الضلال: إطلاق الاسم، فلو
حصل لحظة أو يوما لم ينقطع (5)، وفي اليوم، بل اللحظة إذا حصل اليأس.

(1) راجع المسالك 1: 40 ذيل قول الماتن: ولا تجب الزكاة في المغصوب.
(2) راجع: المدارك 5: 34، الذخيرة: 425.
(3) الكفاية: 35.
(4) التذكرة 2: 440.
(5) المسالك 1: 40، مفتاح الكرامة 3: 20 (كتاب الزكاة)، الجواهر 15: 56.
50

والفرق بين الضلال والخروج عن الملك إشكال.
وأشكل منه إطلاق ما في الوسيلة: من أنه لو ضلت واحدة من النصاب
قبل الحول وعادت، لم تسقط الزكاة، وإن لم تعد سقطت (1).
وعلى الاشكال (2) في تخلل مدة الفقد والضلال بين أيام الحول، فلو
تقدمت عليها لم يحسب من الحول بلا إشكال.
وكيف كان " فإن عاد بعد سنين استحب زكاة سنة " بلا خلاف كما عن
جماعة (3) للنصوص (4)، بل ربما حكي (5) عن ظاهر جماعة الاستحباب مع خلال (6)
سنة واحدة، وعن المنتهى: أنه إذا عاد المغصوب والضال إلى ربه استحب أن
يزكيه لسنة واحدة، ذهب إليه علماؤنا (7) وعن ظاهر النهاية (8): إطلاق الأمر
بالاخراج الظاهر في الوجوب، وعن الرياض: حكايته عن نادر من
المتأخرين (9).
" ولا " تجب الزكاة في " الدين حتى يقبضه " ويصير عينا " وإن كان تأخره (10)
من جهة مالكه " على المشهور بين المتأخرين، بل قيل (11): إنه إجماعهم لعموم

(1) الوسيلة: 126.
(2) في " م ": ومحل الاشكال.
(3) مفتاح الكرامة 3: 20 (كتاب الزكاة)، والجواهر 15: 57.
(4) الوسائل 6: 61: الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1، 7.
(5) راجع الجواهر 15: 57.
(6) كذا في النسخ، والظاهر: ضلال.
(7) منتهى المطلب 1: 475.
(8) النهاية: 176.
(9) رياض المسائل 1: 263: ذيل قول الماتن: ولو مضت عليه أحوال، زكاة لسنة استحبابا.
(10) في المطبوع من الإرشاد ومجمع الفائدة: تأخيره.
(11) الجواهر 15: 59.
51

نافياتها عن الدين، واختصاص موجباتها بالعين، وخصوص رواية الحميري، عن
علي بن جعفر عليه السلام: أنه سأل أخاه عليه السلام عن الدين يكون على القوم
المياسير إذا شاء قبضه صاحبه هل عليه زكاة؟ قال: لا، حتى يقبضه صاحبه
ويحول عليه الحول " (1).
خلافا للمحكي عن جماعة من القدماء (2)، فأوجبوها في الدين مع كون
التأخير من جهة المدين، لظواهر أخبار كثيرة (3) محمولة على الاستحباب.
" و " مال " القرض إن تركه المقترض (4) بحاله حولا فالزكاة عليه " بلا خلاف
ظاهر، كما عن محكي الخلاف والسرائر (5)، وعن التنقيح: أنه مذهب الأصحاب (6)
ووجهه واضح بناء على عدم توقف تملك القرض على التصرف، كما هو المشهور.
" والا " يتركه بحاله " سقطت " عنه، لعدم حلول الحول عليه، وعن
المقرض.
ولو اشترط الزكاة على المقرض فالظاهر صحة الشرط وفاقا
للمصنف قدس سره في باب القرض من المختلف (7)، بعد أن حكاه عن الشيخ
والقاضي ومعه (8) جماعة من المتأخرين منهم الشهيد في المسالك (9)، لأن التبرع
بأداء الزكاة عن الغير سائغ فاشتراطه صحيح.

(1) الوسائل 6: 66 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 15.
(2) المقنعة: 239 والخلاف 2: 80 والجمل والعقود (الرسائل العشر): 205، رسائل الشريف
المرتضى: (المجموعة الثالثة): 74، حكاه عنهم الجواهر 15: 59.
(3) في النسخ: المقرض، والصحيح ما أثبتناه، وهو مطابق للارشاد ولمتن مجمع الفائدة.
(5) الخلاف 2: 111، السرائر 1: 445، (6) التنقيح الرائع 1: 299.
(7) المختلف: 415 كتاب الديون.
(8) في " ع " و " ج ": معهم، وفي هامشهما: تبعهم.
(9) المسالك 1: 43، ذيل قول الماتن: وقيل لا يلزم وهو الأشبه.
52

أما الصغرى، فالظاهر عدم الخلاف فيها (1)، كما استظهره سيد مشايخنا
في المناهل (2) حاكيا له عن الرياض (3)، ولأن المانع إن كان هو كون تكليف
الزكاة مما يجب فيه المباشرة فبطلانه واضح، لجواز التوكيل في الاخراج اتفاقا،
وإن كان المانع كونه مالا متعلقا بذمة المالك أو بعين ماله، فيدفعه: جواز تبرع
الانسان بأداء ما في ذمة غيره وضمانه، لا يجوز له ضمانه بالبدل من الأعيان (4).
هذا مضافا إلى عموم المنزلة فيما ورد من " أن الزكاة دين " (5) وخصوص
صحيحة ابن حازم: " عن رجل استقرض مالا وحال عليه الحول وهو عنده؟
فقال: إن كان الذي أقرضه يؤدي فلا زكاة عليه، وإن كان لا يؤدي أي
المستقرض " (6).
وأما الكبرى فلعموم أدلة الشروط، وليس هذا مخالفا للكتاب والسنة من
وجه، عدا ما عن جماعة من أنه اشتراط للعبادة على غير من وجبت عليه (7) وما
عن بعضهم: من أن إطلاق النص والفتوى أن زكاة القرض على المقترض، يدل
على اختصاص وجوبها عليه وعدم وجوبها على أحد (8).
ويرد على الأول: أن اشتراط أداء العبادة عمن وجبت عليه لا بأس به،
وليس هو إلا كالاستئجار على فعلها عنه، أو كاشتراط الولي (9) في ضمن عقد
لازم قضاء عبادة فائتة.

(1) في النسخ: فيه.
(2) راجع مصابيح الفقه (المناهل) المخطوط، الصفحة 4.
(3) رياض المسائل 1: 264، ذيل قول الماتن: وزكاة القرض على المقترض.
(4) في " ع ": وضمانه ما يجوز له ضمان بالبذل من الأعيان.
(5) الوسائل 6: 67: الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.
(7) (8) راجع الحدائق 12: 40، والجواهر 15: 58.
(9) في " م " زيادة: على غيره.
53

وعلى الثاني: أن إطلاق النصوص والفتاوى في مقام بيان الوجوب
الأصلي الذاتي كما في قولهم: يجب على الولي قضاء ما فات عن (1) الميت. وهو
لا ينافي وجوبها على الغير تحملا بإجارة أو شرط.
على أنا لا نقول ببراءة ذمة المالك بمجرد الاشتراط، بل ذمة المقترض
مشغولة ما دام لم يؤد المقرض، ولا منافاة بين وجوبها على المقرض بمقتضى
الشرط، وعدم سقوطها عن المقترض، كما لو نذر أن يؤدي دين غيره.
وعلى هذا فالزكاة على المقترض ثابت مطلقا حتى (2) بعد الاشتراط، ولا
يسقط إلا بفعل الغير كما هو ظاهر صحيحة ابن حازم المتقدمة.
والحاصل: أنه (3) لا وجه لمخالفة اشتراط أداء الشخص لزكاة غيره.
للكتاب، بعد تسليم كون الأداء عن الغير غير مخالف للكتاب.
ووجوب الأداء بعد الاشتراط - مضافا إلى عدم منافاته للوجوب على
المالك (4) - لا يوجب المخالفة، إما لأن مقتضى الكتاب والسنة تعلق الوجوب
الأصلي الابتدائي بالمالك، والمفروض أنه لم ينقل منه (5) إلى غيره، وإما لأن
العبرة في المخالفة والموافقة للكتاب والسنة بما قبل الاشتراط، فتأمل.
نعم لو اشترط عدم تعلق الزكاة ابتداء بالمديون، وثبوتها ابتداء على
المقرض اتجه فساد الشرط، بل القرض - بناء على إفساد الشرط الفاسد - إذا
الظاهر مخالفة هذا الشرط للكتاب والسنة كما لا يخفى.
ولا يبعد حمل كلام من أطلق صحة الاشتراط على هذا التفصيل وإن

(1) ليس في أكثر النسخ: عن.
(2) ليس في أكثر النسخ: حتى.
(3) في " ف " و " ج ": ان.
(4) في " م " زيادة: أيضا.
(5) في " ع " و " ج " و " م ": " عنه ".
54

جعل بعضهم التفصيل ثالث الأقوال (1)
واعلم أن المصنف قدس سره لم يذكر عدم وجوب الزكاة في المرهون، ولا
منذور الصدقة، ولعله اكتفى بذكر قاعدة اعتبار تمامية الملك، المفقودة فيهما في
الجملة.
أما المرهون فعند عدم التمكن من فكه مطلق (2)، بل مطلقا، كما حكي
عن صريح جامع المقاصد (3)، وظاهر إطلاق آخرين (4)، لأن المالك غير متمكن
من التصرف فيه، والتمكن من الفك تمكن من التمكن، كما سبق نظيره في
التمكن من استنقاذ المغصوب (5)، وهو ضعيف بما تقدم هناك: من أن الشرط إما
القدرة على الأخذ الواردة في النص (6)، وإما صدق التمكن من التصرف الوارد
في الفتاوى ومعاقد الاجماعات (7). ولا ريب في عموم الأول لما هو بواسطة
الأسباب، وكذا الثاني، سيما بملاحظة ذهاب جماعة - من أهل الفتاوى ونقلة
الاجماع على اعتبار ذلك العنوان - إلى وجوب الزكاة مع التمكن من الفك، فإن
الشيخ والمحقق في المعتبر (8) والمصنف قدس الله أسرارهم مع دعواهم الاتفاق على اعتبار
التمكن، قد اختاروا - في الخلاف (9) والمعتبر والتلخيص (10) والنهاية (11) على ما

(1) راجع مفتاح الكرامة 3: 25 (كتاب الزكاة) والجواهر 15: 58 و 201.
(2) كذا في " ج " و " ع " وهو جواب أما، أي مطلق عن الزكاة، بمعنى عدم الزكاة فيه.
(3) جامع المقاصد 3: 7.
(4) راجع مفتاح الكرامة 3: 20 (كتاب الزكاة)، والجواهر 15: 55.
(5) راجع الصفحة 44 - 45.
(6) الوسائل 6: 63 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.
(7) راجع الجواهر 15: 48.
(8) المعتبر 2: 543، الفرع الرابع.
(9) الخلاف 2: 111، المسألة 129.
(10) تلخيص الخلاف 1: 306، المسألة 118.
(11) نهاية الإحكام 2: 304.
55

حكي عنهم -: الوجوب مع التمكن من الفك، وليس مستندهم إلا تحقق التمكن
من التصرف. وما أبعد ما بين ما ذكر من القول بإطلاق نفي الزكاة، وبين القول
بإطلاق ثبوتها.
والأقوال الثلاثة محكية (1) عن الشيخ، ولكن تفرد قدس سره بالأخير (2).
ومما ذكرنا يظهر عدم وجوب الزكاة في مال المفلس بعد الحجر، دون
السفيه لقدرته على إزالته - كما أشار إليه (3) الشهيد في محكي حواشي
القواعد (4) - مع أن الحجر له لا عليه.
وقد استظهر بعض مشايخنا (5): الاتفاق على الوجوب عليه، ونحوه الحجر
بالارتداد عن ملة.
ثم لا فرق في التمكن من فك الرهن بين أن يكون ببيعه، أو بفكه من
غيره - كما صرح به في البيان (6)، والروضة (7)، وشرحها (8) - ويشكل بأن التمكن
من البيع ليس تمكنا من التصرف في المرهون، فهو نظير التمكن من بيع
المغصوب، ولا مورثا له حتى يكون كاستنقاذ المغصوب، فلا يبعد عدم الوجوب
معه.
وحيث تعلق الزكاة بالمرهون فمقتضى القاعدة تقديم حق الفقراء، لتعلقه
بالعين وخروجه (9) عن ملك المالك، وتعلق حق المرتهن بالذمة.

(1) راجع الجواهر 15: 54 و 55.
(2) راجع مفتاح الكرامة 3: 21 (كتاب الزكاة)، والجواهر 15: 54.
(3) في " ج " و " ع " و " م ": إليهما.
(4) حكاه في مفتاح الكرامة 3: 21 (كتاب الزكاة).
(5) هو الفاضل النراقي رحمه الله، راجع مستند الشيعة 2: 12.
(6) البيان 166 - 167 -.
(7) الروضة البهية: 2: 13.
(8) شرح الروضة للفاضل الهندي، (مخطوط): 7.
(9) في " ج " و " ع " و " م ": بل خروجه.
56

فما عن المبسوط (1)، والجامع (2) من أنه يكلف بإخراجها من غيره، لا
يظهر له وجه إلا الجمع بين الحقين، وهو حسن على (3) عدم القول بتعلق الشركة،
وحينئذ فيشكل اعترافهما بتقديم حق الفقراء مع الاعسار إلا أن يكون كتعلق
أرش الجناية.
وأما النصاب المنذور التصدق به فهو على أقسام:
لأن النذر إما أن يتعلق بجميعه، وإما أن يتعلق ببعضه.
وعلى التقديرين فإما أن يتعلق النذر بتصدقه، أو بكونه صدقة.
وعلى التقادير إما أن يكون المنذور موقتا بما قبل الحول، أو بما بعده، وإما
أن يكون مطلقا.
والشرط المعلق عليه إما أن يعلم بحصوله قبل الحول أو بعده، أو يعلم
عدمه أو يشك في ذلك.
وهذه الأقسام كلها فيما إذا كان النذر قبل تمام الحول، فإن كان بعده فلا
شبهة في تقديم تعلق (4) الزكاة على تعلق النذر.
وحينئذ فإن تعلق النذر بالقدر الخارج عن المقدار الواجب في الزكاة لزمه
الأمران، وإن تعلق النذر بالجميع وجب إخراج الزكاة أولا ثم التصدق بالباقي
بناء على أن ما لا يدرك كله - في نحو المقام - لا يترك كله (5).
ويحتمل وجوب ضمان الزكاة من غير النصاب، والتصدق بالجميع لامكان

(1) المبسوط 1: 208.
(2) الجامع للشرائع: 131.
(3) في " م ": مع.
(4) في " م " زيادة: حق.
(5) اقتباس من الحديث: " ما لا يدرك كله لا يترك كله ". انظر عوالي اللآلي 4: 58.
57

الايفاء بالنذر، ويحتمل في الصورتين كفاية التصدق المنذور عن الزكاة لو لم
ينصرف إطلاقه إلى غيرها.
وأما حكم الأقسام المتقدمة فهو: أن النذر إن كان منجزا مطلقا سقطت
الزكاة، أما في صورة تعلق النذر بكونه - كلا أو بعضا - صدقة، فلخروج المنذور
عن الملكية فيما قطع به الأصحاب على ما في المدارك (1)، وهو مبني إما على صحة
نذر الغايات مطلقا، والحكم بحصولها بمجرد النذر كما صرح به بعضهم فيما لو
نذر كون المال ملكا لزيد.
وإما على صحة خصوص (2) الصدقة كنذر كون الحيوان هديا أو أضحية
مما يمكن أن يلتزم بعدم احتياج إلى الصيغة، وقد حكي عن بعضهم الاجماع
على خروج الحيوان عن الملكية إذا نذر كونه هديا، وعن بعضهم (3): أنه إذا نذر
كونه أضحية، بل حكي عن المنتهى (4) والتذكرة (5) الاتفاق على الخروج عن
الملك إذا قال: لله علي أن أهدي كذا، مع أنه نذر للفعل لا الغاية وإن كان الكل
محل تأمل.
بل التحقيق أن الغايات التي تثبت بالقواعد توقفها على أسبابها إذا
وقعت في حيز النذر أفاد النذر إيجاد تلك الأسباب، لأن الوفاء بالنذر
موقوف على ذلك، ولا يفيد تحقق الغاية من دون السبب.
بل ربما يقال هنا ببطلان النذر من حيث أن ظاهر النذر تحقق الغاية
بنفسها من غير توسط سبب، وهو غير مقدور شرعا، لأن الظاهر أدلة الوفاء

(1) مدارك الأحكام 5: 31، الجواهر 15: 43.
(2) في " م " زيادة: أمثال.
(3) راجع الجواهر 36: 153.
(4) منتهى المطلب 2: 749.
(5) تذكرة الفقهاء 1: 384.
58

بالنذر الاختصاص بما إذا كان متعلقه فعلا اختياريا ليتصور فيه البر والحنث،
فلا بد من الحكم ببطلان نذر الغاية لو أريد نفسها من دون تأويل بإرادة السبب
من الغاية.
ولكنه ضعيف لما عرفت من إمكان الوفاء بإيجاد أسبابها، لا لأن الأمر
بالوفاء راجع إلى إيجاد السبب، بل لتوقفه عليه، وبالجملة فالمسألة من
المشكلات.
وربما يمكن أن يستدل لصحة هذا النذر - المستلزمة لوقوع مضمونة من
غير حاجة إلى توسط سبب - ببعض عمومات وجوب الوفاء بالنذر من غير
تخصيص بكون متعلقة فعلا اختياريا مثل قوله عليه السلام: " ما جعلته لله فف به " (1)
ونحوه.
وفيه تأمل بل نظر.
ويمكن أن يستدل له أيضا بعموم أدلة الشروط حيث أن النذر شرط لغة،
وليس هنا محلها.
وأما لو نذر التصدق بالنصاب كلا أو بعضا فلصيرورته ممنوعا من
التصرف فيه بغير النذر (2)، وإن لم يخرج عن ملكه.
بل ربما قيل بالخروج في هذه الصورة أيضا إذا قصد بالتصدق (3) معناه
العرفي، وهو الاعطاء والصرف (4) بقصد القربة، لا جعلها صدقة المتوقف على
إيجاد ما به يجعل صدقة من الأسباب المعهودة في الشرع، مستدلا بأنه يصير

(1) الوسائل 16: 192: الباب 8 من أبواب النذر والعهد، الحديث 4.
(2) كذا في " ج " و " ع "، ولعله تصحيف، فإن الكلمة في " ف " و " م " غير واضحة، ويحتمل أن تكون:
بقيد النذر أو بعين النذر.
(3) في " ف " و " ج " و " ع ": بالتصرف، والظاهر أنه تصحيف
(4) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: التصرف.
59

- حينئذ - كالزكاة يجب صرفها إلى مستحقها.
ولعل منشأ هذا التفصيل أن النذر إن تعلق بالتصدق بمعنى التمليك على
قصد القربة، فلا بد من عدم حصول بالنذر، ليتحقق طلبه بعد النذر، وإن تعلق
بالتصدق بمعنى الدفع إلى المستحق فيكون مأمورا بالدفع، وإطلاق الأمر بالدفع
من المالك الحقيقي يدل على خروج ما أمر بدفعه عن ملكية الناذر، وعدم تقرير
الشارع له على الملكية، واستحقاق المدفوع إليه له، ولذا استفيد خروج الزكاة
والخمس عن ملك المالك إلى ملك الفقراء من الأمر بدفع بعض النصاب إليهم،
وإلا فلم يرد في أدلة تشريع الزكاة حكم وضعي في تملك الفقراء لحصتهم من
النصاب، وما ورد من: " أن الله تعالى شرك بين الأغنياء والفقراء في أموالهم " (1)
أو: " جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم " (2) فليس إلا مأخوذا عن الحكم
التكليفي الصادر في أول التشريع، لا أنه ملك الفقراء أولا، ثم أمر الأغنياء بدفع
ملكهم إليهم على حد التكليف بأداء الأمانة، بل الظاهر العكس واستفادة
التملك (3) من الأمر بالدفع.
وقد استدل المفصل على ما ذكر زيادة على جعله كالزكاة بما رواه الكليني
في آخر الكافي، في باب النذور، عن الخثعمي: فيمن نذر أن يتصدق بجميع ما
يملك إن عافاه الله تعالى، فلما عوفي خرج عن داره وما يملكه ليبيعها ويتصدق
بثمنها، فلما سأل الإمام عليه السلام، أمره بأن يقوم جميع ذلك على نفسه (4) ويتصدق
بقيمتها تدريجيا حتى يؤدي ما عليه (5).

(1) الوسائل 6: 148: الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4، مع اختلاف يسير.
(2) الوسائل 6: 5: الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.
(3) كذا في النسخ، والأنسب: التمليك.
(4) في " م " زيادة: ويتصرف فيها.
(5) الحديث منقول بالمعنى، انظر الكافي 7: 458، باب النذور، الحديث 23، الوسائل 16: 197
الباب 14 من أبواب النذر والعهد، الحديث الأول.
60

وبما رواه علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: " قال: وسألته عن الصدقة
تجعل لله مثوبة، هل له أن يرجع فيها؟ قال: إذا جعلتها الله فهي للمساكين وابن
السبيل فليس له أن يرجع فيها " (1).
ولا دلالة للروايتين على مدعاه بوجه.
أما رواية الخثعمي فلأن الخروج عما ملكه وإرادة بيعها إنما هو لأجل
إرادة الوفاء بالنذر بالدفع إلى الفقراء على وجه القربة الذي هو المراد من
التصدق، وهو المملك للفقير، لا لخروجها عن ملكه بمجرد النذر، وأمره (2)
بتقويمهما على نفسه لا يدل على الخروج أيضا، لكونه من جانب الإمام عليه السلام
الذي هو ولي الفقراء، وإلا فهو مخالف للقاعدة المقتضية لوجوب التصدق
بالعين (3) وعدم جواز التقويم والتصدق بالقيمة تدريجا المنافي لمصلحة الفقراء.
وكيف كان فالرواية ليس لها دلالة على الخروج عن الملك.
وأما رواية علي بن جعفر فلأن الظاهر من الصدقة: المثوبة - ولو بقرينة
السؤال عن الرجوع فيها - ما أخرجه عن ملكه بالوقف أو بغيره، ولا ينافيه
قوله عليه السلام: " هي للمساكين " بناء على أن الوقف (4) لا ينتقل عنه إلى الموقوف،
لأن المراد بيان الاختصاص في مقابلة عدم دخل المالك فيها.
وأما ما ذكرنا من قضية الأمر بالدفع فهو مسلم إذا أمر بالدفع ابتداء كما
في الزكاة والخمس، فإن الانصاف ظهور ذلك في استحقاق المدفوع إليه، بل
مالكيته (5) له، وأما إذا أمر بالدفع من جهة التزام المأمور بدفعه وإلزامه على

(1) الوسائل 13: 338: الباب 5 من أحكام الهبات، الحديث 5، وفيه: مبتوتة.
(2) في " ع ": والأمر.
(3) في " م " زيادة: فورا.
(4) في " م " زيادة: العام.
(5) في " م ": بالملكية له.
61

نفسه، والمفروض أنه لم يلتزم إلا بالتصدق بمعنى إحداث ملكية الفقير له ونقله
إليه بقصد القربة، حيث إنها في ملك الناذر قبل النذر فيجب عليه بمقتضى لزوم
الوفاء بما التزم على نفسه أن يدفعه إلى الفقير على وجه التمليك، ولازم وجوب
الدفع على هذا الوجه هو بقاؤه في ملكه بعد النذر ليتحقق طلب الدفع على
الوجه المذكور، إذ الحاصل لا يطلب.
فالتحقيق: إن نذر الصدقة (1) إنما يفيد وجوب التمليك لا حصول
التملك. نعم الظاهر منع الناذر من التصرف فيه بما ينافي النذر، ووقوع تصرف
المنافي باطلا، لا لاقتضاء النهي للفساد، ولذا لا نقول به لو نذر ترك البيع، بل
لعموم الأمر بالوفاء بالنذر الشامل لما بعد التصرف المنافي فيلزم بطلانه، مثلا إذا
باع المال المنذور فمقتضى عموم الأمر بالوفاء بالنذر وجوب التصدق بما باعه
الناذر، ولا يتحقق ذلك إلا ببطلان البيع.
ودعوى أن وجوب الوفاء مشروط ببقاء محله، وهو بقاء العين في ملك
الناذر، فإذا باع - والمفروض صحة البيع لأجل العمومات - لم يبق محل للوفاء.
مدفوع، بأن إطلاق وجوب الوفاء بالنذر المتقدم على البيع، أو عمومه
الشامل لما بعد البيع كاشف عن عدم فوات محله بمجرد البيع، فتأمل.
وإن شئت توضيح ذلك فقس حال إثبات بطلان العقود الناقلة بأدلة
الوفاء بالنذر على إثبات لزوم العقود، وبطلان العقود الناقلة الحاصلة من البائع
مثلا، بأدلة الوفاء بالعقود، وكما أن وجوب الوفاء بما أنشأه البائع وحرمة نقيضه
على الاطلاق يدل على بطلان النقض وما يوقعه من النواقل بعد القبض (2)، وإلا
فمجرد الأمر التكليفي بالوفاء وحرمة النقض (3) غايته ترتب (4) الإثم على ايقاع

(1) في " م ": التصدق.
(2) في " ج " و " ع ": النقض.
(3) في " ف " و " ج ": النقيض.
(4) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: ثبوت.
62

المنافي لا بطلانه، فكذلك فيما نحن فيه، فتأمل.
ويؤيد ما ذكرنا اتفاقهم ظاهرا على أن هذا المال المنذور لا يورث بموت
الناذر، فعدم قابليته للتمليكات الاختيارية أولى.
وأيضا فالنذر - سواء كان منجزا أو معلقا - شرط، لأنه إلزام فيشمله أدلة
لزوم الشرط، وقد ثبت في محله بطلان ما ينافي الشروط من التصرفات، فتأمل.
وعلى أي تقدير فالمنع عن التصرف متفق عليه في المال المنذور وإن
اختلف في صحة التصرف المذكور وعدمها، ولا فرق في ذلك بين تعلق النذر بكل
النصاب أو ببعضه بلا خلاف نظفر به، ولا تردد من أحد - كما في شرح
الروضة - (1) مع أن في صورة تعلقه بالكل يستحيل التكليف بالزكاة إذا لا يجتمع
في مال واحد حقان يحط (2) أحدهما بالآخر.
وإن كان النذر منجزا موقتا، كأن ينذر التصدق به في وقت معين، فإن كان
الوقت قبل تمام الحول فلا إشكال في سقوط الزكاة سواء وفى بالنذر في وقته أو
لم يف، وسواء قلنا بوجوب القضاء مع فوات الوقت أم لا، لرجوع المؤقت بعد
حضور وقته إلى المطلق، وقد عرفت الحال.
وفي شرح الروضة (3): أنه لا شبهة في وجوب الزكاة هنا لو لم يف بالنذر
في وقته ولم يوجب القضاء.
وفيه: أن مجرد التكليف بالتصدق يوجب انقطاع الحول من غير توقف
على الوفاء، إلا أن الظاهر ابتناء ما ذكره على أن عدم التمكن من التصرف، إنما

(1) شرح الروضة للفاضل الهندي (مخطوط): 7 - 8.
(2) " م ": يحيط.
(3) شرح الروضة للفاضل الهندي (مخطوط): 7 وإليك نصه: وأما إن كان موقتا فإن كان بما
قبل تمام الحول ووفى بالنذر فلا إشكال: وأما إن لم يف به فإن وجب القضاء فكذلك وإلا وجبت
الزكاة بلا شبهة.
63

يقدح لو منع من التكليف بإخراج الزكاة، لا مطلقا.
وإن كان الوقت بعد الحول أو نفس الحول بنى على أن الوجوب في النذر
الموقت يتنجز عند الصيغة أو عند حضور الوقت؟ والظاهر الأول، فينقطع
الحول بتنجز التكليف وإن لم يحضر وقته.
ودعوى: أن حولان الحول سبب لوجوب الزكاة، فيرجع النذر إلى إيجاب
التصرف في مال الفقراء، وهو غير مشروع.
مدفوعة: بمنع كون الحولان سببا مع تحقق التكليف قبله بالتصدق الذي
هو راجع قابل للنذر.
وعلى القول بتنجز التكليف بحضور وقت المنذور، فإن كان بعد الحول
وجب التصدق بما بقي بعد الزكاة، وإن كان نفس الحول اجتمع في المال الزكاة
والتصدق، فإن وسعهما وجب الجميع، وإلا فيمكن القول بوجوب إخراج الزكاة
بالقيمة، وصرف المال في النذر، ويحتمل بطلان النذر في قدر الزكاة، ويحتمل صحته
فيه أيضا (1) وصرفه إلى الذمة، ويحتمل القرعة أو التخيير. والأول لا يخلو عن
قوة إلا أن يعلم من النذر جواز العدول إلى القيمة، فلا يبعد التخيير.
وإن كان النذر معلقا على شرط مع كونه مطلقا غير موقت، فإن كان زمان
الشرط مقدما على الحول وعلم بحصوله، فيمنع من التصرف من حين الصيغة،
بناء على أنه زمان الوجوب وإن لم يكن زمان الواجب، وحينئذ فينقطع الحول
وإن تبين بعد ذلك خطأه، لعدم حصول الشرط.
وإن قلنا بالوجوب من حين تحقق الشرط انتظر زمانه.
نعم لو كان النذر المشروط (2) متعلقا بالغايات، كنذر كونه صدقة إن وجد
كذا - بناء على صحة نذر الغايات، وكفاية النذر في وقوعها - فالمنع عن التصرف

(1) ليس في بعض النسخ: أيضا.
(2) في " ف ": النذر والشرط.
64

ثابت من حين النذر، لأن كونه صدقة عند وقوع ذلك الأمر المعلوم وقوعه، ينافي
صحة التصرفات المنافية كالبيع ونحوه كما لا يخفى.
نعم يظهر من الشهيد الثاني في الروضة (1): جواز التصرف في النذر المتعلق
على الوفاة كبيع المنذور حريته بعد الوفاة مع الحنث إذا لم يكن نسيانا. لكن
حكى عدم الصحة في المسألة المذكورة (2)، بل عن السيد (3): الاجماع على عدم
صحة البيع.
وإن علم عدمه فكالعدم.
وإن احتملهما بني المنع عن التصرف من حين الصيغة وعدمه على ما
سيجئ من مسألة النذر المشروط.
وإن كان زمان الشرط بعد الحول وعلم بتحققه بني على ما تقدم من تحقق
الوجوب بالصيغة.
وإن علم عدمه فكالعدم.
وإن احتملهما بني عليه وعلى جواز فعل منافي النذر إذا كان مشروطا
بشرط مترقب، فإن قلنا بالجواز (4) لم يمنع النذر من وجوب الزكاة وإلا منع،
والأقوى المنع.
أما في نذر الغايات - بناء على صحته - كأن ينذر كونه صدقة، فلما تقدم
من أن مقتضى صحة النذر كونها صدقة عند الشرط، وهو ينافي إخراجها في
الزكاة، ودعوى أصالة عدم تحقق الشرط والمشروط لا تنفع (5) لأن المنافي هو

(1) الروضة البهية 6: 296.
(2) في " م ": لكن حكي عن المعظم.
(3) الإنتصار: 172، وفيه: لم يجز له بيعه.
(4) كذا في " م "، وفي سائر النسخ زيادة: إن، والظاهر أنها سهو.
(5) في النسخ: لا ينفع.
65

كونه صدقة عند الشرط، وهذا أمر منجز مقطوع به، لا مطلق كونه صدقة حتى
يقال: إنه تعلق على شرط محتمل مخالف للأصل، وهذا نظير ما يقال من أنه لا
يجوز لمن باع ماله من الفضولي أن يتصرف فيه، بناء على أصالة عدم الإجازة.
نعم لو فهم من النذر كونه مشروطا بتحقق الشرط في حال كون المنذور
باقيا على ملكه، فلا إشكال في جواز التصرفات المخرجة عن الملك، لأنه إنما نذر
الفعل إذا تحقق الشرط واتفق بقاؤه في ملكه، فبقاؤه شرط اختياري لحصول
الغاية المنذور، ولا يجب تحصيل الشرط الاختياري.
ومثله ما لو كان نفس الشرط من الأمور الاختيارية، كأن ينذر كون
النصاب صدقة إذا فعل كذا، فإن الظاهر: أنه لا إشكال في جواز التصرف فيه،
وإن لم يبعد أن يحرم عليه بعد ذلك فعل ذلك الشرط الموجب للحنث، فضابط
جواز التصرف في نذر الغاية المشروط ما ثبت توقفه على ما يرجع إلى اختيار
الناذر.
وأما في نذر الأفعال - كأن ينذر التصدق عند تحقق شرط متحمل
الوقوع - فإن كان الشرط راجعا إلى اختيار المكلف لدخول الدار، ووطئ
الجارية، أو فهم من النذر وجوب التصدق عند الشرط لو اتفق كونه مالكا له،
فقد عرفت جوازه في الصورة الأولى المستلزم لجوازه هنا بطريق أولى.
وإن لم يكن كذلك، فإن قلنا بأن الوجوب في النذر المشروط كالوجوب
الأصلي المشروط لا يحصل إلا بعد حصول الشرط، فلا يبعد الجواز أيضا لأن
المانع هو الوجوب، ولم يتحقق قبل شرطه.
وإن قلنا بتنجز الوجوب بالصيغة، فإن كان زمان الواجب بعد الشرط
فلا يجوز التصرف، وإن فصلنا في الشروط بين ما خالف الأصل وبين ما وافقه
كان حكم الأول الجواز وحكم الثاني المنع.
ثم إن ما ذكرنا من الشروط إنما هي شروط الوجوب، بمعنى أن بانتفائها
66

ينتفي الوجوب رأسا.
" و " أما " شرط الضمان " الحاصل بعد الوجوب بمعنى وجوب البدل لو
تلف فهو أمران: " الاسلام وإمكان الأداء، فلو تلف بعد الوجوب وإمكان
الأداء " - وإن لم يفرط في التلف على ما يقتضيه إطلاق النص والفتوى والاتفاق
المحكي عن التذكرة - " ضمن المسلم، لا الكافر ".
أما ضمان المسلم فعن التذكرة: أن عليه علماءنا أجمع (1)، لأن الاهمال مع
التمكن تفريط يوجب الضمان عند التلف مطلقا، وحسنة ابن مسلم بابن هاشم:
" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل بعث زكاة ماله لتقسم، فضاعت، هل
عليه ضمانها حتى تقسم؟ قال: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن
حتى يدفعها، وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها، فليس عليه
ضمان، لأنها قد خرجت عن يده، وكذا الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما
دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، وإن لم يجد فليس عليه ضمان (2) ".
وحسنة زرارة بابن هاشم: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
بعث إليه أخ له زكاة ليقسمها فضاعت؟ فقال: ليس على الرسول ولا على
المؤدي ضمان، قلت: فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها؟ قال: لا ولكن
إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها " (3).
وأما عدم ضمان الكافر - وإن فرط في الاتلاف - فلاشتراط الاسلام في
الضمان على ما ذكره المصنف، والشهيدان قدس سرهم (4) والوجه فيه غير واضح، وربما
يتخيل أن وجهه: عدم تمكن الكافر من الأداء لعدم صحته منه حال الكفر،

(1) تذكرة الفقهاء 1: 225.
(2) الوسائل 6: 198 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 6: 198 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(4) الدروس 1: 231، مسالك الأفهام 1: 40 ذيل قول الماتن: والكافر يجب عليه.
67

وسقوطه عنه حال الاسلام (1).
وفيه: - مع أن ظاهر الجماعة، بل صريح المصنف (2) والشهيد في البيان (3):
كون الاسلام شرطا مستقلا، بل صرح المحقق الأردبيلي (4) بأنهم اشترطوا في
الضمان شرطين - منع عدم تمكن الكافر من الأداء، وإلا لم يكن (5) مكلفا به، ولم
يعاقب عليه.
ودعوى: أن صحة التكليف لا يستلزم التمكن في الحال، بل يكفي فيه
تمكنه من عدم الكفر سابقا حتى لا يتعذر عليه الفعل في الحال.
فاسدة، لأن التكليف لا بد فيه من التمكن الحالي كما لا يخفى، والامتناع
- ولو كان بالاختيار - كاف في قبح التكليف حال الامتناع، مع أنه لو كان
الامتناع الاختياري كافيا في صحة التكليف المشروط بالتمكن، كفى في الضمان
المشروط به بطريق أولى.
فالتحقيق في تصحيح تكليف الكافر بالزكاة: ما حقق في تصحيح تكليفه
بقضاء العبادات.
وربما يوجه ذلك - في الغنائم - الفاضل القمي قدس سره: بأن التلف يوجب
الانتقال إلى الذمة، ولا مؤاخذة على أهل الذمة بمعاملاتهم ومدايناتهم (6).
وفيه نظر، لأنه لا ينبغي الاشكال في أنهم لو أتلفوا عينا لمسلم يجب
مؤاخذتهم بمثله أو قيمته، فالاشكال في الفرق بين العين الزكوي التالف وبين
مال آخر لمسلم.

(1) راجع الجواهر 15: 63.
(2) في صدر هذا البحث.
(3) البيان: 168 وأصرح منه الدروس 1: 231.
(4) مجمع الفائدة 4: 26.
(5) في " ف " و " ج " و " ع ": وإن لم يكن.
(6) غنائم الأيام: 317
68

نعم يمكن أن يفرق: بأن الكافر ما دام كافرا لا يجبر على أداء العبادات،
لكن بقاء مع العين يكون مالا للمسلمين بيد الذمي يؤخذ منه وإن لم يمتثل
بالدفع، وأما القيمة فلا تصير مالا للمسلمين إلا إذا نوى أداء الزكاة به،
والمفروض أنه لا ينوي ولا يجبر على أمثال هذا التكليف، كما يجبر (1) الممتنع من
المسلمين حتى لا يحتاج هذا الفعل إلى النية كسائر الواجبات التي يجبر بها
المسلم الممتنع.
وأما إجبار الكافر على أداء ما في ذمته للمسلمين - وإن لم يقصد - فلعدم
اعتبار النية في الممتنع فيما يمتنع منه.
والحاصل: أن الممتنع إذا أجبر على ما امتنع عنه يسقط النية فيه، فإن
أجبر على عبادة كالمسلم المجبور على الصلاة والزكاة سقطت النية المعتبرة فيهما
المتوقف على آثارهما.
وإن أجبر على ما هو من قبيل المعاملات كأداء الدين سقط النية فيه
أيضا كالكافر والمسلم المجبورين على أداء الدين.
فإن قلت: الزكاة بعد تلفها بتفريط المكلف تصير دينا.
قلت: في وجوب الوفاء ما دام حيا، ومن ماله بعد الموت، لا في سقوط
النية فيها، بل تصير كالكفارة التي لا يؤاخذ بها الكافر حال الكفر.
ويبقى الكلام في دليل ما ذكروه من اشتراط الاسلام في الضمان، وليس
بواضح كما اعترف به غير واحد (2).
وثمرة عدم الضمان - كما في المسالك (3) - تظهر في عدم جواز أخذ
الساعي لبدل التالف، وإلا فبالاسلام تسقط مع بقاء العين وتلفها، لحديث

(1) في " م ": كما لا يجبر.
(2) راجع الجواهر 15: 64، مدارك الأحكام 5: 42.
(3) مسالك الأفهام 1: 40.
69

" الجب " (1) المنجبر بعدم ظهور الخلاف، ولولاه لأشكل الحكم بالسقوط مطلقا،
ولذا مال إلى عدم السقوط جماعة من متأخرين المتأخرين (2).
" ولو تلفت " من المسلم " قبل الامكان فلا ضمان "، (3) للأصل والاجماع نصا
وفتوى.
ومعنى الوجوب قبل امكان الأداء هو الاستقرار في المال والتعلق به، ولا
وجوب التسليم كما صرح به في المعتبر (4) أو وجوب التسليم بمعنى تحقق التكليف
المنجز بالتسليم المقيد بحال الامكان، لا التكليف المشروط بالتمكن حتى يكون
منفيا قبله.
" ولا يجمع بين ملكي شخصين وإن امتزجا " إجماعا (5) لأن خطابات الزكاة
مختصة بكل واحدة (6)، " و " كذا (7) " لا يفرق بين ملكي شخص واحد وإن تباعدا "
فإن العبرة بوحدة المكلف لا المال.
" والدين لا يمنع الزكاة " بلا خلاف، لاطلاق الأدلة، وخصوص ما رواه
الكليني في الحسن بإبراهيم بن هاشم، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام،
وضريس، عن أبي عبد الله عليه السلام: " أنهما قالا: أيما رجل كان له مال موضوع

(1) عوالي اللآلي 2: 54 رقم 145، و 224 الحديث رقم 38، وفيه: " الاسلام يجب ما قبله "
وانظر تفسير القمي 2: 27 ومسند أحمد بن حنبل 4: 199 و 204 و 205.
(2) راجع الجواهر 15: 64، مدارك الأحكام 5: 42 - 43.
(3) في الإرشاد 1: 279 بعد قوله " فلا ضمان " ما يلي: " ولو تلف البعض سقط من الواجب
بالنسبة ".
(4) المعتبر 2: 505.
(5) راجع مدارك الأحكام 5: 66، مفتاح الكرامة 3: 71 (كتاب الزكاة)، الجواهر 15: 91.
(6) كذا في النسخ، والأنسب: واحد.
(7) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: لذا.
70

حتى يحول عليه الحول، فإنه يزكيه، وإن كان عليه من الدين مثله وأكثر منه (1)،
فليزك مما في يده " (2).
" ووقت وجوبها في الغلات " الأربع " بدو الصلاح " (3) باشتداد الحب في
الحنطة والشعير، واحمرار التمر أو اصفراره، وانعقاد الحصرم في الزبيب - على
المشهور - كما صرح به جماعة (4)، لاطلاق الحنطة والشعير على الحبين بعد
الاشتداد، فيثبت في البسر والحصرم بما ادعي من عدم القائل بالفرق، بل قيل
في البسر باطلاق التمر عليه حقيقة (5) مستشهدا بكلام بعض أهل اللغة. وفيه
نظر، بل الظاهر من العرف واللغة خلافه، وأن التمر لا يسمى تمرا إلا بعد
الجفاف، بمعنى الخروج عن الرطبية، بل عن المصباح (6): أن عليه إجماع
اللغات، وبه يوهن ما عن المصنف قدس سره في المنتهى: من إجماع أهل اللغة على
أن البسر نوع من التمر (7).
وفي ثبوت الاجماع المركب - أيضا - تأمل لأن المحكي عن بعض:
الفرق (8).
فالأولى: التمسك - في ذلك - بصحيحة سليمان بن خالد: " ليس في
النخل صدقة حتى تبلغ خمسة أوساق، والعنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق
زبيبا " (9).

(1) في " ج ": أو أكثر منه، وما أثبتناه موافق للوسائل.
(2) الوسائل 6: 70 الباب 10 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(3) الموجود في الإرشاد ومجمع الفائدة: " ووقت الوجوب في الغلات بدو صلاحها.. ".
(4) راجع مفتاح الكرامة 3: 44 (كتاب الزكاة)، والجواهر 15: 215.
(5) راجع المختلف 1: 178، إيضاح الفوائد 1: 175، مفتاح الكرامة 3: 43، الجواهر 15: 214.
(6) المصباح المنير 1: 76.
(7) منتهى المطلب 1: 499.
(8) لم نجد قائله وأورده في مفتاح الكرامة 3: 44 (كتاب الزكاة) بعنوان الاشكال على ابن الجنيد.
(9) الوسائل 6: 120 الباب 1 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 7.
71

فإن الظاهر أن الزبيب حال مقدرة وإن كان تقدير الحال الخلاف الظاهر.
ونحوها صحيحة سعد بن سعد، عن مولانا الرضا عليه السلام: " هل على
العنب زكاة، أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال: نعم إذا خرصه أخرج
زكاته " (1).
فإن زمان الخرص - على ما صرح به في المعتبر (2) وغيره - مقدم على بلوغ
التمر والزبيب بمدة.
واحتمال كون " حرصه " بالحاء المهملة - من حرص المرعى (3): إذا لم يترك
منه شئ - فيكون كناية عن صيرورة العنب زبيبا بالكلية - مع أنه خلاف
المضبوط في كتب الرواية والفتوى على ما يظهر - أن هذه الكناية في غاية
البشاعة عند الطبع السليم.
وأما الصحيحة الأخرى لسعد، عن مولانا الرضا عليه السلام: " عن الزكاة
في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى يجب على صاحبها الزكاة؟ قال: إذا صرم
وإذا خرص " (4). فعلى تقدير إجمالها - لظهورها في اتحاد زمان الصرام والخرص،
مع ظهور اختلاف زمانهما، فلا بد من التصرف في الصرام أو في الخرص لفظا أو
معنى - لا يوجب اجمالا في الصحيحة الأولى.
مع أن أظهر الاحتمالات في الصحيحة: حمل قوله عليه السلام: " صرم " على
قابلية الصرام للأكل، لا لجعلها زبيبا، فيتحد مع زمان الخرص، ويكون من أدلة
المشهور، وهذا أولى من قراءة: " حرص " بالحاء المهملة بالمعنى المتقدم، فيكون
كناية عن الصرام بالكلية، وإن كان هذا المعنى هنا أقرب منه في الصحيحة

(1) الوسائل 6: 119 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات، الحديث الأول.
(2) المعتبر 2: 535.
(3) في النسخ: الرعى، وما أثبتناه موافق لبعض كتب اللغة مثل أقرب الموارد.
(4) الوسائل 6: 133 الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1.
72

السابقة.
ومما ذكر ظهر وجه التمسك في المقام بأدلة الخرص، فإن ما ذكروا في
فائدته وصفته صريح في القول المشهور، قال في المعتبر - بعد ذكر جواز الخرص
في الكرم والنخل على وجه يستفاد منه عدم المخالف في المسألة إلا من أبي
حنيفة -: إن زمان الخرص حين يبدو صلاح الثمرة، لأنه وقت الأمن على الثمرة
من الجائحة (1) ثم ذكر: إن صفة الخرص أن يقدر الثمرة لو صارت تمرا، والعنب
لو صار زبيبا، فإن بلغ الأوساق وجب الزكاة ثم خيرهم بين تركه أمانة في يدهم
وبين تضمينهم حق الفقراء أو يضمن لهم حقهم، فإن اختاروا كان لهم التصرف
كيف شاؤوا، وإن أبوا جعله أمانة ولم يجز لهم التصرف بالأكل والبيع والهبة (2)
(انتهى).
وهذا الكلام من المحقق (3) - لو لم يكن على سبيل التفريع على فتوى
المشهور - ينافي قوله بعدم وجوب الزكاة في الغلات الأربع إلا بعد صدق التمر
والزبيب والحنطة والشعير، (4) وفاقا للمحكي عن الإسكافي (5)، والشيخ في النهاية (6)،
وسلار (7)، ووالد المصنف قدس سرهم (8) ومال إليه بعض من تأخر، (9) بل ربما نسب (10) إلى
ظاهر كثير ممن (11) تقدم، حيث أطلقوا القول بوجوب الزكاة في الغلات الأربع:

(1) المعتبر 2: 535. في بعض النسخ: الجانحة. والجائحة: الآفة، يقال: جاحت الآفة المال تجوحه
جوحا - من باب قال -: إذا أهلكته (المصباح المنير - جوح -).
(2) المعتبر 2: 536.
(3) في النسخ زيادة ما يلي: " في النخل والكرم إلا عند صيرورتهما تمرا وزبيبا " وهذه العبارة مشطوب
عليها في " م ".
(5) راجع المختلف 1: 178 والجواهر 15: 214.
(6) (7) النهاية: 182، المراسم (الجوامع الفقهية): 580، وحكاه عنهما الجواهر 15: 213.
(8) راجع المنتهى 1: 499.
(9) الروضة البهية 2: 33.
(10) مفتاح الكرامة 3: 44 (كتاب الزكاة).
(11) في بعض النسخ: مما.
73

الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وعدم وجوبها فيما عداها (1).
وفي النسبة بمجرد هذا الاطلاق نظر، لاشتراك الكل في هذا التعبير
المراد به جنس هذه الأربعة في مقابل غيرها من الأجناس.
ومنه يظهر ضعف التمسك بما دل على وجوب الزكاة في مسميات الأسماء
الأربعة ونفيها عن غيرها، الشامل لما قبل بدو الصلاح في هذه الأربعة، فلم يبق
لهذا القول ما يركن إليه عدا الأصل المندفع بما تقدم للمشهور.
هذا في الغلات " و " أما " في غيرها " فوقت الوجوب " إذا أهل " أي دخل
الشهر " الثاني عشر " عند علمائنا (2) إذ به يتم الحول الذي سيجئ أنه أحد عشر
شهرا، لحسنة زرارة، عن الباقر عليه السلام: " إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال
الحول، ووجبت الزكاة " (3)
وظاهر النص والفتوى استقرار الوجوب - كما في الغلات - عند بدو
صلاحها، خلافا للمحكي (4) عن جماعة منهم الشهيد الثاني في الروضة (5)، فلا
يستقر إلا باكمال الثاني عشر، جمعا بين إطلاق النص والفتوى بالوجوب بدخول
الثاني عشر،
وما ثبت من الاجماع نصا وفتوى على وجوب مضي الحول والسنة
والعام التي هي موضوعة لغة وعرفا لاثنا عشر شهرا كاملا، فيتحقق الوجوب
بدخول الأخير، ويبقى متزلزلا فإن كمل مع بقاء شرائط المال والمكلف، وإلا
كشف عن عدمه أولا، فيسترد ما دفعه مع بقاء العين، أو علم القابض بالحال،
كما في كل دفع متزلزل.

(1) راجع مفتاح الكرامة 3: 44. (كتاب الزكاة).
(2) راجع الجواهر 15: 97.
(3) التهذيب 4: 35 - الحديث: 92، وفيه: فقد حال عليه الحول ووجبت عليه فيها الزكاة،
وانظر الوسائل 6: 111 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 2.
(4) راجع الجواهر 15: 98.
(5) الروضة البهية 2: 23.
74

وفيه: أنه طرح لظاهر الأدلة من الطرفين، فإن ظاهر الحسنة المتقدمة بل
صريحها - بملاحظة صدرها المانع من نقل النصاب بعد هلال الثاني عشر،
لاشتمالها على مال الفقراء -: استقرار الزكاة وتعلق حق الفقراء بل شركتهم
بمجرد دخول الثاني عشر، وكذا ظاهر أدلة اشتراط الحول (1) بل صريح بعضها
- المانع عن الدفع قبله إلا قرضا (2) - هو توقف أصل الوجوب على ذلك، لا
استقراره.
مع أن الوجوب المتزلزل ليس معنى مجازيا للفظ الوجوب، بل هو وجوب
مقيد بصورة تحقق ما به يستقر، فاستعماله فيه على وجه التقييد دون المجاز،
وظاهر أنه لا يمكن ارتكاب التقييد في الحسنة المتقدمة، بأن يقال: إن قوله
عليه السلام " فوجبت الزكاة " مقيدة بما إذا كمل الشهر الأخير، لأجل صراحة
الكلام في كفاية دخوله.
فالتحقيق: إن هذه الحسنة - من حيث تضمنها لكون الدخول في الثاني
عشر موجبا لحولان الحول الذي جعل مناطا لوجوب الزكاة في أدلة
اعتبار الحول - حاكمة على تلك الأدلة، فلا معنى للجمع [بحمل الحكم في
أحدهما مغايرا للحكم في الآخر] (3). نعم يشهد لهذا القول رواية إسحاق بن عمار:
" عن السخلة متى تجب فيها الصدقة؟ قال: إذا أجذع " (4) والجذع: المعز ما دخل
في السنة الثانية، وأما في الضأن فقد اختلف فيه، إلا أن المحكي عن حياة
الحيوان: أن أصحابنا وأكثر أهل اللغة إنه ما مضى عليه سنة (5)، مع أنه

(1) الوسائل 6: 212 الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2، والباب 15 من
أبواب زكاة الذهب والفضة.
(2) الوسائل 6: 208 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.
(3) ما بين المعقوفتين من " م ".
(4) الوسائل 6: 83 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.
(5) حياة الحيوان 1: 232 باب الجيم، وفيه: الجذع - بفتح الجيم والذال المعجمة: وهو من الضأن
ما له سنة تامة، هذا هو الأصح عند أصحابنا وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم.
75

لا يناسب هنا إرادة غيره، لعدم الوجوب فيما دون الأحد عشر إجماعا، فيصير
الرواية دالة على توقف الوجوب على مضي اثنا عشر، فتحمل (1) على استقراره
بذلك بدليل الاجماعات المستفيضة على تحقق أصل الوجوب بمضي أحد عشر
شهرا.
لكن حيث عرفت ظهور الحسنة بل صراحتها في الوجوب المستقر، سيما
بعد الاعتضاد بظاهر الفتاوى ومعاقد الاجماعات، بل صريحها حيث أنهم
يستدلون على كفاية الاستهلال الثاني عشر بأدلة اعتبار الحول، فيكشف ذلك
عن إرادتهم الوجوب المستقر، ولذا اعترف في المسالك، بأن مقتضى الاجماع
والرواية هو استقرار الوجوب بدخول الشهر (2)، وظاهره إرادة الاجماعات
المحكية، وإلا فكيف يعدل عن مقتضى الاجماع المحصل؟ ويمكن أن يريد به
متن الاجماع المحقق.
وكيف كان فيتعين حمل رواية إسحاق على السؤال عن زمان قابلية
السخلة لاخراجها في الصدقة، فيصير مفادها اعتبار الجذع في الفريضة، وسيجئ
تحقيق معناه إن شاء الله تعالى.
وأما الكلام في سند الحسنة، فإن كان من جهة ابن هاشم فقد عد في
المسالك روايته صحيحة، في مسألة مبدأ حول السخال (3)، وإن كان من جهة
حريز فلا يخفى أنه ليس محلا للكلام وإن ورد فيه بعض الكلام، مع أنها لا تقصر
عن الضعف المنجبر بالشهرة والاجماعات المنقولة،
فلا محيص من التصرف في

(1) في بعض النسخ: يحمل.
(2) المسالك 1: 41 ذيل قول الماتن " وحده أن يمضي أحد عشر شهرا.. الخ ".
(3) المسالك 1: 41: ذيل قول الماتن " ولا في السخال.. الخ "، والرواية في الوسائل 6: 83 الباب
9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
76

أدلة اعتبار الحول وإن كثرت ووردت في مقام البيان، إما بحمل الحول فيها على
الأحد عشر شهرا بإثبات الحقيقة الشرعية كما يظهر من بعضهم (1) أو المجاز
اللغوي، وإما بالتصرف في حولان الحول بإرادة الدخول في الشهر الأخير منه.
ودعوى الحقيقة الشرعية في غاية البعد، مع أن الوارد في الأدلة ليس
منحصرا في لفظ " الحول " بل في بعضها " العام " (2) وفي بعضها " السنة " (3) وادعاء
الحقيقة في الكل كما ترى، مع أنه مخالف للأصل ولم يثبت.
ودونه في الضعف: التجوز في الألفاظ المذكورة.
فالأحسن التصرف في حولان الحول ومضيه، فإنه كثيرا ما يستعمل مضي
الحول إذا دخل الجزء الأول من الشهر الأخير، كما يستعمل مضي الأسبوع
والشهر بدخول اليوم الأخير، ونحوه: مضي عشرة أيام أو أيام، أو غير
ذلك بدخول اليوم الأخير. وهذا وإن كان مبنيا على المسامحة إلا أنه لا بأس به
بعد قيام الدليل.
ومما ذكرنا ظهر أنا وإن قلنا بتنجز الوجوب بدخول الشهر الأخير إلا
أن الظاهر أنه بمجموعة محسوب من الحول الأول، ولا يستأنف الحول إلا بعد
انقضائه. ولم يثبت التلازم بين القول باستقرار الوجوب بما ذكر والقول بعد
الأخير من الحول الثاني، كما يظهر من غير واحد، (4) ولذا فكك (5) بينهما جماعة من
متأخري المتأخرين (6).
نعم لو جعلنا المراد بالحول في الأخبار الحول الشرعي حقيقة أو مجازا

(1) راجع الجواهر 15: 98.
(2) الوسائل 6: 133 الباب 11 من أبواب زكاة الغلات، الحديث الأول.
(3) الوسائل 6: 111 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث الأول.
(4) كفخر الدين في الإيضاح 1: 173 وصاحب المدارك 5: 72. وصاحب مفتاح الكرامة (كتاب
الزكاة 3: 32).
(5) في النسخ: فك.
(6) انظر المسالك 1: 41 وجامع المقاصد 3: 10 ومجمع الفائدة 4: 31.
77

فلا مناص عما اختاره جماعة (1) كالمصنف (2) وولده في الإيضاح (3) وشارح
الروضة (4) من (5) عد الشهر الأخير من الحول [الثاني] (6).

(1) راجع الجواهر 15: 98، مفتاح الكرامة 3: 32 (كتاب الزكاة).
(2) راجع إرشاد الأذهان 1: 280.
(4) شرح الروضة للفاضل الهندي (مخطوط): 24 ذيل قول الماتن: " هل يستقر الوجوب بذلك أم
يتوقف الاستقرار على تمامه، قولان ".
(5) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: ممن، والأنسب ما أثبتناه.
(6) الزيادة اقتضاها السياق. وهنا ينتهي ما بأيدينا من النسخ في شرح زكاة كتاب الإرشاد وجاء
في هامش " م ": سقط هنا أوراق، وفي هامش " ف ": إلى هنا وجد من خطه الشريف من الزكاة
شرحا على الإرشاد ولم يتم المقصد الأول من كتاب الإرشاد.
78

مسائل مستقلة
79

المقصد الأول
في زكاة المال
80

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
[المقصد الأول: في زكاة المال] (1)
مسألة
[1]
لا خلاف ولا إشكال في اعتبار البلوغ في زكاة النقدين، والفتوى به
- كدعوى الاجماع - مستفيضة. نعم في المختلف عن ابن حمزة إطلاق ثبوت
الزكاة في مال اليتيم (2)، فإن أراد به ما يعم النقدين كان شاذا.
وقد يستدل على ذلك - أيضا - بأدلة رفع التكليف عن الصبي، وفيه نظر،
لأن عدم تكليف الصبي بأدائها لا يستلزم عدم ثبوتها في مال بحكم أمثال قوله
عليه السلام: " إن الله عز وجل جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم " (3) مما يدل

(1) أضفناه ليطابق قوله: " المقصد الثاني في زكاة الفطرة " في الصفحة 397.
(2) المختلف: 172، الوسيلة: 121. ولكن كلمة (اليتيم) لم ترد في الكتابين، ووردت بدلها كلمة:
(الصبي)، ففي المختلف: " وأوجب ابن حمزة الزكاة في مال الصبي " وعد - في الوسيلة - الصبي
ممن لا تجب عليه الزكاة، ولكن تلزم في ماله.
(3) الوسائل 6: 5 الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.
81

على ثبوت الزكاة في عين مال الأغنياء المستلزم لوجوب إخراجها على من له
ولاية المال.
والظاهر اعتبار البلوغ من ابتداء الحول، فلا يكفي تجدده في الجزء
الأخير. واستدل له بقوله عليه السلام - في رواية أبي بصير الموثقة -: " ليس في مال
اليتيم زكاة، ولا عليه صلاة، وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة
وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة، ولا عليه لما يستقبل زكاة حتى يدرك، فإذا
أدرك كانت عليه زكاة واحدة، ثم كان عليه مثل ما على غيره من الناس " (1)، بناء
على أن الموصول في قوله: " لما مضى " يشمل الأحوال المتعددة والحول الواحد
إلا أياما قليلة.
وبما دل على اعتبار حول الحول بشرط كون المال في يده طول الحول
وعنده، بناء على ظهورها في اعتبار تمكنه من التصرف طول (2) الحول، والصغير
والمجنون في بعض الحول ليسا متمكنين من التصرف في المال طول الحول.
وفيه نظر، لأن الظاهر من هذه الأخبار اعتبار التمكن من التصرف في
مقابل الدين والمغصوب والغائب، لا في مقابل قصور المالك عن التصرف لصغر
أو جنون، ولهذا لا يسقط عن السفيه.
والحاصل: أن الصغر مانع آخر لا دخل له بعدم (3) تمكنه من التصرف،
وعدم التمكن (4) من التصرف مانع آخر، وليس منع الأول من جهته، ولذا عد
عدم كل منهما شرطا مستقلا.
نعم يمكن أن يقال: إن الظاهر من قوله عليه السلام: " ليس في مال اليتيم

(1) الوسائل 6: 56 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11، مع اختلاف يسير.
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": حول الحول.
(3) في " م ": لعدم.
(4) في " ف " و " ع " و " ج ": عدم تمكنه.
82

[زكاة] " (1) أن مال اليتيم ما دام كذلك ليس محلا للزكاة، ولا تكون الزكاة، متعلقة
به حتى يجري في الحول ويلاحظ فيه الشرائط (2) نظير قوله عليه السلام: " لا زكاة
على [ال‍] مال الغائب حتى يقع في يدك " (3) إذ ليس معناه إلا أنه إذا وقع في اليد
يتعلق به الزكاة، بمعنى أنه يجري في الحول ويلاحظ فيه الشروط، لا أنه بمجرد
الوقوع في اليد يجب فيه الزكاة.
والحاصل: أن المراد من هذه الأخبار نفي كونه متعلقا للزكاة، لا نفي تنجز
الزكاة فيه، فتدبر.

(1) الوسائل 6: 56 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11، والزيادة من
المصدر.
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": فيه الحول.
(3) انظر الوسائل 6: 62 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6، وفيه: ولا على
المال الغائب عنك حتى يقع في يدك.
83

مسألة
[2]
إذا اتجر بمال الطفل، فإما أن يتجر له الولي نظرا له، فالمشهور - حينئذ -
استحباب إخراج زكاة مال التجارة (1) عن الطفل، وعن المفيد وجوبه (2)، كما هو
صريح رواية محمد بن الفضيل (3)، وظاهر غيرها من المستفيضة، إلا أنه لا قائل
ظاهرا به من الأصحاب، فإن الشيخ - الذي هو كالمترجم لكلام شيخه المفيد -
أول كلامه بإرادة الاستحباب (4)، ويحتمل أيضا حمل تلك الأخبار على التقية،
حيث أن المحكي (5) عن أبي حنيفة والشافعي وأحمد: وجوب زكاة التجارة إلا أن
الظاهر أن حمل تلك الأخبار على الاستحباب أولى من حملها على التقية، لأنه
طرح في الحقيقة، مضافا إلى ما عن المعتبر (6) والمنتهى (7) والغنية (8) والنهاية (9) من

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": زكاة التجارة.
(2) المقنعة: 238.
(3) الوسائل 6: 57 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.
(4) التهذيب 4: 27 ذيل الحديث 64.
(5) حكاه في المنتهى 1: 478 والتذكرة 1: 227.
(6) المعتبر 2: 487.
(7) المنتهى 1: 472.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(9) نهاية الإحكام: 299.
84

الاجماع على الاستحباب.
ثم إن الظاهر عدم الضمان على الولي، خلافا للمحكي عن ظاهر جماعة،
لاطلاق غير واحد من الأخبار (1) في ضمان العامل مال اليتيم. ويحمل على صورة
التقصير (2)، أو على غير الولي، لعموم قوله: تعالى {ما على المحسنين من
سبيل} (3) ولرواية أبي الربيع المصرحة بعدم الضمان إذا كان العامل ناظرا
للصغير، وجواز جعل الربح بينهما (4). ومنها (5) يظهر أيضا جواز أخذ الأجرة،
لصريح الرواية بجواز المضاربة.
وإذا اتجر غير الولي للطفل (6) فلا إشكال في تحقق المعصية، فإن أجاز
الولي كان الربح لليتيم، وعليه الضمان المال، كما في الأخبار المستفيضة.
ولو لم يجز الولي فمقتضى القاعدة: البطلان، كما هو المحكي عن
الشهيدين (7) والمحقق الثاني (8).
ومقتضى إطلاقات نصوص الباب (9): الصحة، وكون الربح لليتيم إلا أن
تحمل على صورة الإجازة، أو على وجوب الإجازة مع ظهور الربح.
فإن لم يجز الولي الخاص وجب على الولي المتأخر عنه رتبة (10) حتى ينتهي
إلى الإمام عليه السلام أو الشارع المجيز له، كما يكشف عنه هذه الأخبار.

(1) في " م ": الأصحاب.
(2) في " م ": المقترض.
(3) التوبة: 9 / 91.
(4) في غير " م ": ومن هنا.
(6) في " م ": في مال الطفل.
(7) الدروس 1: 229، المسالك 1: 39.
(8) جامع المقاصد 3: 5.
(9) الوسائل 6: 57 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(10) ليس في " م " " وع " و " ج ": رتبة.
85

ولا بعد (1) في كون إجازة الشارع - بمقتضى هذه الأخبار - بمنزلة إجازة
الولي الثابت ولايته بإذن الشارع أيضا.
وإذا اتجر الولي به لنفسه فإن اتجر بما في الذمة ثم دفع مال الصغير عوضا
عما في ذمته، فالظاهر أن الربح للولي وعليه زكاة التجارة، سواء ضمن مال
الصغير باقتراضه (2) [حيث يجوز له الاقتراض] (3) فدفعه، أو دفعه عصيانا، ويدل
على الصور الأولى ما سيجئ من الأخبار.
وإن اتجر بالعين فربما يقال: بأن العقد يقع للطفل، لوروده على عين ماله،
وقصد الولي نفسه لغو، ولو يقع القصد من الغير حتى يحتاج إلى إجازة الولي، كما
لو اشترى بعين مال زيد شيئا لنفسه وكان وكيلا له، أو أجازه زيد، فالولي هنا
كالوكيل القاصد نفسه في الشراء بالعين، حيث إن صحة البيع لا يحتاج إلى إجازة
الموكل في وجه قوي.

(1) في " ج ": ولا يعمل.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": باقتراحه.
(3) لم يرد ما بين المعقوفتين في " ف " و " ج " و " ع " هنا وإنما ورد بعد قوله: وإن اتجر بالعين.
86

مسألة [3]
لا إشكال في جواز اقتراض الولي وإقراضه مال الطفل مع المصلحة بلا
خلاف فيه (1)، ولا إشكال أيضا في عدم جواز ذلك مع المفسدة له، إلا أن في
خصوص الأب والجد كلاما سيجئ.
وهل يجوز الاقتراض مع عدم المصلحة ومفسدة زائدة على ما يحتمل ترتبه
على نفس الاقتراض أم لا؟ المعروف: الجواز بشرط ملاءة المقترض، وهو أن
يكون (2) عنده ما يمكن أن يوفي به مال الصغير.
أما أصل الجواز فلصحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام:
" في رجل ولي مال يتيم أيستقرض منه؟ قال: كان علي بن الحسين صلوات الله عليهما
يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره فلا بأس بذلك " (3).
ونحوها رواية أخرى (4) حاكية لاستقراضه عليه السلام، ظاهرة في إرادة بيان

(1) في " م ": والظاهر أنه ما لا خلاف فيه.
(2) ليس في " ف ": أن يكون.
(3) الوسائل 12: 192 الباب 76 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.
(4) الكافي 5: 131 الحديث 6، وأشار إليه في الوسائل ذيل الرواية السابقة بلفظ " ونحوه ".
87

الجواز، لا مجرد (1) الحكاية، خلافا للحلي فمنع من ذلك (2)، ولعله إما لاعتبار
المصلحة في التصرف في مال الصغير، وإما لترتب المفسدة على نقل مال الصغير
إلى الذمم، لكونه معرضا للتلف بالاعسار أو الانكار أو الموت وغير ذلك مما يغلب
على الاحتمالات القائمة مع بقاء العين، وهو حسن لولا النص المعتضد بالشهرة.
وأما اعتبار الملاءة، فالظاهر أنه مما لا خلاف فيه في غير الأب والجد،
ويدل عليه الأخبار المستفيضة.
وأما استثناء الأب والجد من اعتبار هذا الشرط، فنسبه غير واحد (3)
إلى المتأخرين، وفي الحدائق إلى الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه (4)، وعن
مجمع الفائدة كأنه مما لا خلاف فيه (5)، نعم في كلام بعض أنه حكى عن المبسوط
أنه قال: من يلي أمر الصغير والمجنون خمسة: الأب، والجد، ووصي الأب أو الجد،
والإمام، ومن يأمره. فكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا على وجه
الاحتياط والحظ للصغير المولى عليه، لأنهم نصبوا لذلك، فإذا تصرف على وجه
لاحظ فيه كان باطلا (6).
وحكي عنه - أيضا - أنه نص على المنع من اقتراض الأب للحج
المندوب وإن أجازه للحج الواجب في مقام آخر (7)، ولعله لرواية سعيد بن يسار
الآتية.

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": إرادة.
(2) السرائر 1: 441.
(3) انظر: مدارك الأحكام 5: 19 والكفاية: 34 ومفتاح الكرامة 3: 7.
(4) الحدائق 12: 25.
(5) مجمع الفائدة 4: 14.
(6) المبسوط 2: 200. مع اختلاف يسير.
(7) لم نقف على نص الشيخ قدس سره في المندوب، ولكن جاء في النهاية: 204: ومن لم يملك
الاستطاعة، وكان له ولد له مال، وجب عليه أن يأخذ من مال ابنه قدر ما يحج به على الاقتصار.
88

والظاهر أن مستند المتأخرين ما دل على أن الولد وماله لوالده، مثل ما
روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لرجل: " أنت ومالك لأبيك " (1).
وقوله عليه السلام - في رواية سعيد بن يسار -: " إن الوالد يحج من مال ولده
حجة الاسلام وينفق منه، إن مال الولد لوالده " (2).
وفي أخرى: " إن الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء " (3)، إلى غير ذلك.
والانصاف: أن استفادة المطلب منها مشكل، سيما مع ما ورد في المعتبرة
من أنه: " لا يأخذ إلا ما اضطر إليه مما لا بد منه، إن الله لا يحب الفساد " (4) وأي
فساد أشد من أن يستقرض ماله مع الاعسار، فإنه عرفا إتلاف له.
وكيف كان، فالمسألة محل اشكال، سيما في الجد المندرج في عموم قوله
تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} (5)، ودعوى صدق الأب
عليه فيشمله الأخبار ممنوعة بكلتا مقدمتيه.

(1) الوسائل 12: 194 الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.
(2) الوسائل 12: 195: الباب من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4 و 8: 63 الباب 36 من
أبواب وجوب الحج وشرائطه، الحديث الأول.
(3) الوسائل 12: 194 الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث الأول.
(4) الوسائل 12: 195 الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.
(5) الأنعام: 6 / 152 والإسراء: 152 والإسراء: 17 / 34.
89

مسألة
[4]
الأقوى عدم وجوب الزكاة في غلات الطفل، وفاقا لا أكثر أصحابنا كما
عن التحرير (1) ولعامة المتأخرين كما في المدارك (2) وفي كلام بعض مشايخنا، أنه
حكي عن تلخيص الخلاف نسبته إلى أصحابنا (3)، وعن كشف الحق: أن الزكاة
لا تجب على الطفل والمجنون (4)، للأصل وإطلاق قوله: " لا زكاة على يتيم " (5)
بل جميع ما دل على أنه: " ليس في مال اليتيم [زكاة] (6) - بناء على منع دعوى
انصراف المال إلى النقدين - وخصوص موثقة أبي بصير، عن أبي عبد الله
عليه السلام: " ليس على مال اليتيم زكاة، وليس عليه صلاة، وليس على جميع غلاته
من نخل أو زرع أو غلة زكاة " (7).

(1) التحرير 1: 57.
(2) المدارك 5: 22.
(3) تلخيص الخلاف 1: 276 المسألة 36 وقد تأمل فيه، وحكاه عنه صاحب الجواهر 15: 25.
(4) نهج الحق: 456.
(5) الوسائل 6: 55 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 4.
(6) الوسائل 6: 55 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 8، والزيادة من المصدر.
وبمعناه الأحاديث 9 - 12.
(7) الوسائل 6: 56 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11، مع اختلاف يسير.
90

خلافا للمحكي عن الشيخين (1) وأتباعهما (2)، فأوجبوه فيها، وعن
الناصريات نسبته إلى أكثر أصحابنا (3).
لكن الانصاف أن عبارته ليست صريحة، لأنه قال: ذهب أكثر أصحابنا
إلى أن الإمام عليه السلام يأخذ الصدقة من الزرع والضرع لليتيم (4). وهو غير
صريح، بل ولا ظاهر في الوجوب، لاحتمال كونه مستحبا، فأخذ الإمام إحسان
بالنسبة إلى الطفل والفقير كليهما.
ولو كان فالمستند صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم حيث قال - بعد نفي
الزكاة عن مال اليتيم -: وأما الغلات فعليها الصدقة واجبة (5)، وحملت على
الجمهور (6)، لرواية أبي بصير - الموثقة -: " الطفل ليس على جميع غلاته من نخل
أو زرع أو غلة الزكاة " (7).
وحمل النفي علي سلب العموم كما فعله الشيخ (8) بعيدا جدا.
وأما في المواشي، فلا دليل عليه إلا الاجماع المركب المحكي عن ابن
حمزة (9) عن الموجبين.

(1) المقنعة: 238، المبسوط 1: 234.
(2) منهم المحقق الحلي في المعتبر 2: 488.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(4) انظر المصدر المتقدم، والعبارة منقولة بالمعنى.
(5) الوسائل 6: 54 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.
(6) حكاه في المنتهى 1: 472، راجع المغني لابن قدامة 2: 622.
(7) الوسائل 6: 56 الباب الأول من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 11 والرواية منقولة بالمعنى.
(8) التهذيب 2: 30 ذيل الحديث 73.
(9) حكاه في الإيضاح 1: 167 وعبارته فيه هكذا: " وقال ابن حمزة تجب في مال الطفل - ولم يذكر
المجنون... إلى أن قال: - فيجب في الأنعام بالاجماع المركب " ولم نستظهر ذلك من الوسيلة
ولعله ذكره في غيرها.
91

وأولى بعدم الوجوب غلات المجنون، وهو أشبه، فإن الحكم بالاستحباب
فيها مشكل، فضلا عن الوجوب.
92

مسألة
[5]
لا زكاة في مال العبد إن قلنا بتملكه، لانصراف الأخبار - الدالة على
وضع الزكاة على الأغنياء - إلى غير العبد المحجور في تصرفاته إجماعا، فإن
المستفاد من الأخبار، مثل قوله عليه السلام: " ليس على المملوك زكاة ولو كان له
ألف ألف درهم، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا " (1) أنه لا عبرة بغناه وفقره،
إذ لا يعد غناه غنى لأجل الحجر، ولا فقره فقرا، لأن مؤونته على غيره {وهو
كل على مولاه} (2).
فمن تأمل فيما (3) ورد من وجوب الزكاة على الأغنياء للفقراء (4) يجد أن
العبد لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، مع أن ظاهر ما دل على اعتبار كون المال في
يد المالك هو كون المالك مسلطا عليه، لأن المراد من اليد ليس الجارحة
المخصوصة، بل هي كناية عن التصرف والتسلط والعبد غير مستقل في شئ
من التصرف كتابا وسنة وإجماعا، بل وعقلا، مع أن وجوب الزكاة على المملوك

(1) الوسائل 6: 59 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول مع اختلاف يسير.
(2) سورة النحل: 16 / 76.
(3) في " ف " و " ع " و " ج ": تأمله وما..
(4) الوسائل 6: 3 الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
93

تعلقه بعين ماله، كما هو مقتضى أدلة الزكاة من ثبوت التشريك (1) بين الفقراء
والأغنياء، ومقتضى ذلك أنه ليس لأذن المولى مدخل في ذلك، وهذا موجب لجواز
استقلال العبد في الاخراج وإن لم يرض المولى، وهو منفي بالأدلة الدالة على
أن العبد في يده لمولاه.
وما ادعي في المختلف (2) وكشف الغطاء (3) من أن للمولى انتزاع ما في يده
إجماعا، وما ورد في الكتاب من أن العبد {لا يقدر على شئ} (4)، [و] أنه ليس من
الأمر شئ، وقد ورد في المكاتب مع تشبثه بالحرية: " أنه لا يصلح له أن يحدث
في ماله إلا الأكلة من طعام " (5)، و " أن المكاتب المشروط لا يجوز له عتق ولا هبة
ولا نكاح ولا شهادة - يعني إقرار - ولا حج حتى يؤدي ما عليه " (6).
والظاهر إرادة التمثيل، إلا أن يقال: إنه لا منافاة بين تعلق الزكاة في
العين والشركة، إلا أن العبد محجور عن تعيين الزكاة وتمييزه (7)، فيكون (8) ذلك
إلى المولى إلا أن يأذن (9) للعبد في ذلك، وإليه يرجع قوله عليه السلام في رواية قرب الإسناد: " ليس على العبد زكاة إلا بإذن مواليه " (10).

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": الشراكة.
(2) المختلف: 624.
(3) لم نعثر عليه في مضانه من الكشف الغطاء، ولكن نقله في الجواهر (24: 172) عن شرحه
للقواعد.
(4) - وهو قوله تعالى في سورة النحل: 16 / 75: {عبدا مملوكا لا يقدر على شئ}.
(5) الوسائل 16: 90 الباب 6 من أبواب المكاتبة، الحديث الأول.
(6) الوسائل 16: 90 الباب 6 من أبواب المكاتبة، الحديث 2.
(7) في النسخ: تميزه.
(8) في " م ": لكون.
(9) في " ف " و " ع " و " ج ": أذن.
(10) قرب الإسناد: 228 الحديث 893، وفيه: ليس على المملوك. وقد تقدمت في الصفحة 34.
94

فالعمدة في الاستدلال: التمسك بصحيحتي ابن سنان: " ليس في مال
المملوك زكاة ولو كان له ألف ألف درهم، ولو احتاج، لم يعط من الزكاة شيئا " (1)
وتخصيصهما برواية قرب الإسناد غير صحيح، مع ضعف السند، بل والدلالة،
وعدم ظهور قائل به إلا ما حكاه في الحدائق بلفظ: قيل (2).

(1) الوسائل 6: 59 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 3.
(2) الحدائق 12: 28.
95

مسألة
[6]
الأشهر أن العبد لا يملك شيئا، وعن التذكرة نسبته إلى أكثر علمائنا (1)
وعن هج الحق (2) وزكاة الخلاف: الاجماع عليه (3)، وعن السرائر بلفظ عندنا (4)
وعن شرح القواعد لبعض مشايخنا المعاصرين: أنه المشهور غاية الاشتهار بين
المتقدمين والمتأخرين المدعى عليه الاجماع، معبرا عنه بلفظ الصريح عن
جماعة، بما يفيده بظاهره بعبارات مختلفة عن نقله متعددين - كمذهب الإمامية،
ومذهب أصحابنا، وعندنا - (5) وعن الرياض أنه الأشهر بين أصحابنا، وأنه
الظاهر من تتبع كلماتهم حيث لم أجد لهم مخالفا إلا نادرا (6).
ويمكن أن يستدل لهم بوجوه:
الأول: الأصل، فإن الملكية أمر (7) شرعي موقوف على حكم الشرع

(1) التذكرة 1: 498.
(2) نهج الحق: 484.
(3) الخلاف 2: 43 المسألة 45.
(4) السرائر 3: 6.
(5) الجواهر 24: 171 - 172.
(6) الرياض 1: 560.
(7) في " م ": مع أنه.
96

بثوبته.
وفيه: أن الخروج عنه لازم بمقتضى عمومات أسباب الملك (1) الاختيارية
والاضطرارية، إلا ما أخرج كالإرث.
الثاني: الكتاب، وهو قوله تعالى: {عبدا مملوكا لا يقدر على شئ} (2)،
فإن التمسك بعمومه لا إشكال فيه سيما بعد تمسك الإمام عليه السلام في غير واحد
من الروايات الواردة في طلاق المملوك (3)، فيدل على نفي القدرة على الملك
الناشئ عن الأسباب الاختيارية، فيكون لذلك في الملك الاضطراري، لعدم
القول بالفصل بالاجماع، كما عن المصابيح للعلامة الطباطبائي (4).
وفيه: إن المراد بالقدرة: الاستقلال، أو معنى القدرة على الشئ: أنه له
أن يفعله وله أن يتركه (5)، وهذا المعنى مفقود في العبد، لأنه محجور عليه إجماعا
في أفعاله من التصرفات.
ومما يؤيد أن المراد: الاستقلال، أن في مصححة زرارة - المتقدمة - أن:
" المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده، قلت: فإن السيد كان زوجه،
بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيد، قال الله تعالى: {عبدا مملوكا لا يقدر على
شئ} (6) أفشئ الطلاق؟! " (7).
وقوله تعالى: {هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في

(1) في " م ": أسباب التملك.
(2) النحل: 16 / 75.
(3) الوسائل: 15: 340 - 343، الباب 43 و 45 من أبواب مقدمات الطلاق.
(4) نقله في الجواهر 24: 173.
(5) في " ف " و " ج " و " ع ": أنه له أن يتركه.
(6) النحل: 16 / 75.
(7) الوسائل 15: 343 الباب 45 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث الأول.
97

ما رزقناكم} (1) (2).
فإن الاستفهام إنكاري دل على نفي الشركة بين الأحرار ومماليكهم في
جنس الأموال التي رزقهم الله، لا خصوص الأعيان المختصة بالأحرار، لأن هذا
ليس رفعة لشأن الأحرار وضعة لشأن المماليك، وفي الاستدلال به أيضا نظر
لا يخفى.
الثالث: السنة، وهي كثيرة:
منها: صحيحة (3) محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام: " أنه قال] (4) في
المملوك ما دام عبدا، فإنه وماله لأهله، لا يجوز له تحرير ولا كثير عطاء ولا وصية
إلا أن يشاء سيده " (5).
وفيه: أن دلالتها على الملك له، لكن مع الحجر عليه، واستقلال أهله على
ماله أظهر كما يدل عليه إضافة المال إليه، وثبوت جواز التحرير والوصية له، فإنه
الظاهر أن مع مشيئة السيد يقع التحرير (6) له، لا أنه يكون كالوكيل في
التحرير (7) عن مولاه، وفي الوصية للغير، فما عن المفاتيح (8) من أنها (9) صريحة

(1) الروم: 30 / 28.
(2) في " م " هنا زيادة ما يلي: " حكي عن التذكرة والمنتهى والتنقيح " هذا وأورد ناسخ " ف " هذه
الزيادة في الهامش وكتب بعدها ما يلي: كان هذا مكتوبا ما بين السطور تحت قوله: " محجورا
عليه " فوق قوله: " فإن الاستفهام انكاري " في النسخة التي كانت بخطه الشريف (لمحرره).
(3) في " م ": مصححة.
(4) الزيادة من المصدر.
(5) الوسائل 13: 466 الباب 78 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث الأول.
(6) (7) في " ف " و " ع " و " ج ": التحرر.
(8) لم نجده في مظانه من المفاتيح، والظاهر أنه تصحيف، والصحيح: المصابيح، وفي الجواهر 24:
174، بل عن المصابيح أنه صريح في المطلوب.
(9) في " م ": أنه.
98

في المطلوب، كما ترى.
ومنها: قوله في صحيحة (1) ابن مسلم: " ليس للعبد شئ من الأمر " (2).
والكلام فيه نظير الكلام في الآية الأولى (3)، حيث إن ظاهرها نفي
اختصاص أمره به (4)، واستقلاله فيه.
ومنها: الروايات الدالة على أن العبد إذا بيع فماله للبائع، إلا أن يشترط
عليه المشتري، أو إلا أن يعلم البائع حين البيع أن له مالا فهو حينئذ
للمشتري (5). فلو كان العبد مالكا لاستمر عليه ملكه بعد البيع (6) ولم يبق للبائع،
بل ولا دخل في ملك المشتري.
وفيه: أن القائل بالملك قد لا ينكر سلطنة المولى عليه وأن له أن
يمتلكه (7)، وحينئذ فله بيع ماله كما أن له بيع نفسه، وله إبقاء المال وبيع نفسه.
وبالجملة: فإن سلطنة المولى على تملك ماله أو نقله إلى الغير مما لا ينكر،
بل عن المختلف: الاجماع على جواز انتزاع ماله قهرا (8)، وعن شرح القواعد
لبعض المشايخ المعاصرين ذلك أيضا (9).
ومنها: ما دل على أن العبد إذا أعتق، فإن علم المولى أن له مالا تبعه ماله،
وإلا فللمولى أو ورثته إن مات (10).

(1) في " م ": مصححة.
(2) الوسائل 14: 575 الباب 64 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 8.
(3) كذا في " م " وفي سائر النسخ: في الأول.
(4) في " م ": أمر به.
(5) راجع الوسائل 13: 32 الباب 7 من أبواب بيع الحيوان.
(6) في " ف " و " ع " و " ج ": بعد بيع المبيع.
(7) في " م ": يملكه.
(8) المختلف 2: 624.
(9) راجع الجواهر 24: 172.
(10) الوسائل 16: 28 الباب 24 من أبواب العتق، الحديث 2.
99

وفيه نظير ما في سابقة، مع أن (1) في تبعية المال له مع علم المولى دليلا على
تملكه، وإلا لاحتيج إلى نقله إليه بأحد النواقل.
ومنها: أن العبد لو كان مالكا لكان استحقاق السيد له بعد موت العبد
إرثا، والحر لا يرث العبد بالاجماع والنصوص (2).
وفيه: إن تملكه له لا يستلزم أن يكون على وجه الإرث لا عقلا ولا نقلا.
ومنها: مصححة ابن مسلم: " عن رجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها
بغير طيب نفسها، من خدم أو متاع، أيجوز ذلك؟ قال: نعم إذا كانت أم ولده " (3).
وفيه: أن جواز الاسترداد لعله (4) من جهة عدم لزوم الهبة، مع أن في
تقريره على الهبة دليلا على جواز تملكه ما ملكه مولاه، وغيره (5) ذلك من الأخبار.
ومنها: ما حكي عن بعض من (6) أن تتبع المقامات المتفرقة في الفقه
المسلمة بين الجميع (7) كعدم وجوب الزكاة، بل استحبابها مع استحبابها أو
وجوبها في مال الطفل والمجنون في الجملة (8)، والخمس، والحج، والكفارات، ونفقة
القريب، ومن في يده من العبيد، ومنعه من التصرفات وإن لم يكن هؤلاء قابلا

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": من أن:
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": والفرض بدل: والنصوص.
(3) الوسائل 16: 103 الباب الأول من أبواب الاستيلاد، الحديث 2 وفيه: عن محمد بن إسماعيل
بن بزيع، كما نقلها صاحب الجواهر في 24: 172 في نفس هذا المورد عن محمد بن إسماعيل
أيضا.
(4) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": لعله.
(5) في " م ": إلى غير..
(6) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": من.
(7) في " م ": هي الجمع لعدم.
(8) أي كعدم وجوب الزكاة في مال المملوك، بل عدم استحباب الزكاة مع استحبابها أو وجوبها
- على الخلاف - في مال الطفل والمجنون في الجملة.
100

للولاية، وعدم بقاء ما في يده له مع بيعه واعتاقه، وعدم ضمانه لسلفاته إلا بعد
العتق، وعدم استحقاقه للإرث إلا بعد عتقه، وانتقال ماله بموته إلى المولى (1)،
وعدم جواز الوصية له والوقف عليه، وعدم حرمة التصرف في ماله لضرورة (2)
حتى التملك مع تسلط الناس على أموالهم، وعدم حل مال مسلم إلا عن طيب
نفسه، وصرف الوصية له من المالك إلى عتقه كصرف الوصية لأم الولد إلى
إعتاقها من الثلث ثم اعطاء الوصية، إلى غير ذلك مما يورث للفقيه القطع بعدم
قابليته للملك (3).
وفيه: أن جميع ذلك إما من جهة التعبد الشرعي، أو من جهة الحجر على
العبد في تصرفاته.
[الرابع] (4) من الأدلة: العقل، وهو أن المملوك والمتسلط عليه من جميع
الجهات لا يعقل أن يملك شيئا، لأن مالكيته لغيره فرع مالكيته لنفسه، ولأنه
لو ملك لزم جواز تملك كل من العبدين صاحبه في بعض الصور.
وأجيب عن الأول: بمنع الملازمة، لجواز كون المالكية والمملوكية
متضايفين (5).
وعن الثاني - بعد تسليم عدم الجواز - بأن المنع لمانع لا يوجب المنع مع
عدمه، وفي يد العبد سلطنة مطلقة.
والحاصل: أن المستفاد من الكتاب والسنة ليس إلا حجر العبد واستقلال

(1) في " ف " و " م ": الولي.
(2) في " م ": لضرورية، وفي الجواهر: بضروبه.
(2) حكاه في الجواهر 24: 175 نقله هنا مع اختلاف يسير.
(4) في " ج " و " ف ": الثالث، وما أثبتناه هو الصحيح.
(5) في " م ": متخالفين.
101

المولى، وأما انتفاء (1) الملكية فلا، بل ظاهر كثير من الأخبار مما ذكر ولم يذكر
ثبوت الملك للمملوك
كصحيحتي ابن سنان: " ليس في مال المملوك زكاة (2) ولو
كان له ألف ألف درهم، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا " (3).
فإنها ظاهرة سيما بقرينة المقابلة بالاحتياج في كون المال لنفس المملوك،
مع أن المال لو كان لمولاه كان في ذلك المال زكاة - على المشهور، بل المنسوب
إلى الأصحاب - كما تقدم في مسألة زكاة مال المملوك.
ومنها: ما دل على جواز مكاتبة العبد على نفسه وماله وولده (4).
ومنها (5): أنه لا يصح للمكاتب [أن يحدث في ماله] (6) إلا الأكلة من
الطعام (7) وهو ظاهر في الملكية مع الحجر.
ومنها: صحيحة عمر بن يزيد - في فاضل الضريبة -: " أن له أن يعتق
ويتصدق منه (8) وله أجر ذلك (9) وحمله على العتق والتصدق من مال المولى بإذنه،
يدفعه - مضافا إلى منافاته لاختصاصه بالأجر - أن ذيل الرواية يدل على أن
المعتق ليس له ولاء المعتق، معللا بأن العبد لا يرث الحر، فلو كان من مال المولى
لم يحتج إلى هذا التعليل، بل يقي الولاء للمعتق حينئذ من جهة عدم كونه مولى.

(1) في " م ": انتفاؤه.
(2) في الوسائل: شئ.
(3) الوسائل 6: 60 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 3.
(4) فمن الكتاب قوله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا} ومن السنة ما ورد في الوسائل
16: 83، الباب 1 و 2 من أبواب المكاتبة.
(5) في " م ": فيها، وفي غيرها فيهما، وما أثبتناه هو الصحيح.
(6) الزيادة من " م ".
(7) الوسائل 16: 89 الباب 6 من أبواب المكاتبة، الحديث الأول.
(8) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": منه.
(9) الوسائل 13: 34 الباب 9 من أبواب بيع الحيوان، الحديث الأول، والحديث منقول بالمعنى.
102

ومنها: ما دل على جواز هبة العبد لمولاه كما في صحيحة ابن مسلم
المتقدمة، ورواية إسحاق بن عمار: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في
رجل وهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر، يقول له: حللني من ضربي إياك،
ومن كل ما كان مني إليك، ومما أخفتك وأرهبتك، فيحلله ويجعله في حل رغبة فيما
أعطاه، ثم إن المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع قد وضعها فيه
العبد، فأخذها المولى، أحلال هي له؟ قال: لا تحل له، لأنه افتدى بها نفسه من
العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة. فقلت له: فعلى العبد أن يزكيها إذا
حال عليها الحول؟ قال: لا إلا أن يعمل له بها، ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا
... الخبر " (1).
ولا ينافيه ما تضمنه الخبر من حرمة الاسترداد، لما سبق من جواز
الانتزاع إجماعا، لأن ما أعطاه هنا إنما كان لأجل استرضائه وتحليله مما له عليه
من الحقوق الأخروية، فاستردادها موجب لرجوع الحقوق إلى العبد، فالنهي
عن أخذ الشئ ليس (2) من جهة عدم تملك المولى لها (3)، بل من جهة أن مقتضى
الافتداء: رجوع المبذول إلى ما كان له إذا رجع الباذل في البذل، نظير رجوع
المختلعة في البذل.
ومنها: ما دل على أنه لا ربا بين السيد وعبده (4)، فإن معناه تجويز المعاملة
الربوية بينهما، ولا يتحقق إلا على تقدير مالكية العبد.

(1) التهذيب 8: 225 الحديث 808، وروى قسما منه في الوسائل 6: 61 الباب 4 من أبواب من
تجب عليه الزكاة، الحديث 6.
(2) لم ترد في " ف " و " م ": ليس.
(3) في مصححه " ع ": له.
(4) الوسائل 12: 436 الباب 7 من أبواب الربا، الحديث الأول.
103

وكيف كان فالأخبار الدالة بظاهرها على ثبوت المال للعبد أكثر من أن
تحصى.
فالتحقيق: أن الثابت من الأدلة - من غير عارض - هو تسلط المولى
على جميع ما في يد العبد في أنواع التصرفات، وليس هذا منافيا لملكية العبد بأن
يترتب على ما في يده أحكام الملك، من جواز العتق عن نفسه، وجواز الصدقة (1)
لنفسه، ونحو ذلك بعد الإذن من المولى، فيجمع بين الأخبار، ويحكم بأن ما في يد
العبد ملك حقيقي لنفسه، وفي حكم الملك في السلطنة عليه لمولاه. ويمكن
العكس بأن يحكم بالملك الحقيقي للمولى، وأن ما في يده بعد الإذن عموما في
التصرف في حكم الملك للعبد.
ويمكن ترجيح الثاني من وجهين:
أحدهما: إنا لا نعقل من الملك عرفا وشرعا إلا كون الشئ بحيث يكون
للشخص التسلط على الانتفاع به وببدله، وهذا المعنى موجود في المولى، وبعد
الإذن من للعبد، وإن كان موجودا في العبد أيضا إلا أن ملاحظة تسبب (2) ذلك
عن رخصة الغير ودورانه مداره يوجب صحة (3) سلب الملك حقيقة عنه.
الثاني: عموم ما دل على تسلط الناس على أموالهم (4)، وأنه " لا يحل مال
امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " (5) والحجر على الصغير والمجنون والسفيه
لمصلحة (6) لا لتسلط الغير عليه، فحجرهم تقوية لتملكهم (7) بحفظ أموالهم عن

(1) في " م ": والتصديق.
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": نسبة.
(3) في " م ": مداره في صحة.
(4) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99، و 1: 457، الحديث 198.
(5) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.
(6) في " ج ": لمصلحته.
(7) في " م ": ملكهم.
104

معارض التلف وموارد الخسارة، فالولي نائب عن هؤلاء في السلطنة، لا أنه قاهر
لهم ورافع لسلطنتهم، ولا (1) تضعيف ورفع لسلطنتهم.
فالعمومات المذكورات تدل (2) على أن ما في يد العبد ليس ملكا له،
لانتفاء لازمه - الذي هو التسلط وحرمته للغير (3) بغير طيب النفس - وأدلة
استقلال الولي لا تخصص هذه العمومات إلا بعد ثبوت الملكية للعبد من
الخارج، وأدلة ثبوت الملكية له إن كانت ما أطلق فيه المال على ما في يد العبد،
فهي معارضة (4) بالأخبار الكثيرة الدالة على أن ما في يده لمولاه (5). ويمكن حمل
الإضافة على ملك التصرف بعد الإذن، وحمل الاختصاص على الاستقلال في
إقرار العبد، وينفيه (6). لكن الانصاف: أن الترجيح لأدلة الملكية من جهة عمومات اقتضاء
أسباب الملك كالبيع والصلح (7) والحيازة للحر والعبد، غاية الأمر عدم سببيتها
في حقه إلا بعد إذن المولى، فيكون أدلة تسلط الناس على أموالهم مخصصة بأدلة
حجر العبد بواسطة العمومات المقتضية للملك عند حصول أسبابها، إلا أن
يقال: إن ظاهرها الاستقلال المنفي (8) في حق العبد إجماعا، مثل قوله عليه السلام:
" من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أولى به " (9)، فإن ظاهره

(1) في " م ": لا.
(2) في " م " و " ف ": والعمومان المذكوران يدل، وفي " ج ": فالعمومات المذكوران يدل...
(3) ليس في " م ": للغير.
(4) في النسخ: فهو معارض.
(5) راجع الوسائل 16: 28 الباب 24 من أبواب العتق و 13: 32 الباب 7 من أبواب بيع الحيوان.
(6) في " م ": وبنفسه.
(7) في " ف " و " ع " و " ج ": الفسخ.
(8) في " م ": المنتفي.
(9) قريب منه ما في الوسائل 3: 542 الباب 56 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 1 و 2
و 10: 463 الباب 102 من أبواب المزار، الحديث 2، و 12: 300 الباب 17 من أبواب آداب
التجارة، الحديث الأول.
105

التسلط المنفي في حق العبد.
والحاصل: أنه يمكن أن يحكم أن المملوك لا يملك، إلا أنه يجوز له جميع
التصرفات التي يملكها الملاك في أملاكهم، فتحمل أدلة إضافة الملك إلى العبد
على المجاز من جهة وجود عمدة خواص المال فيه.
ودعوى: أن مجرد الإذن والإباحة من المولى لا يوجب جواز جميع
التصرفات، حتى المتوقفة على الملك كالعتق، والوطئ بعد الشراء والتصدق
ونحو ذلك. فيه: أولا، أن ذلك معلوم من متفرقات الفتاوى والنصوص مطلقا، ولو في
غير العبد، ومن هنا قيل: إن المعاطاة تفيد الإباحة دون الملك، مع عدم استثنائهم
التصرفات المحتاجة إلى الملك، ويمكن أن يستفاد ذلك من قوله: " لا يحل مال
امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " (1)، و " لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره
إلا بإذنه " كما في التوقيع (2)، بل وعموم قوله: " الناس مسلطون على أموالهم " (3)،
بناء على أن إباحة جميع التصرفات معاملة يجوز للمالك إيقاعها على ماله.
وثانيا: أن ذلك ثابت في خصوص العبد المأذون بحكم ما يظهر من
الأخبار من جواز تحريره وتصدقه، بل الفتاوى.
وثالثا: إن هذا وإن كان مخالفا للقاعدة إلا أن القول بتملك العبد مع
تسلط (4) المولى على ملكه، وجواز أخذه منه قهرا أيضا، وجواز إيقاع تصرفات

(1) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.
(2) الإحتجاج 2: 299 مع اختلاف في التعبير.
(3) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.
(4) في " م ": سلطنة.
106

الملاك عليه من البيع والعتق، ونحو ذلك أيضا مخالف القاعدة توقف هذه
التصرفات على الملك.
فالحاصل: أن لكل من المولى والعبد تصرفات الملاك، أما المولى
فبالاستقلال، وأما العبد فبإذن السيد، فعلى أي حال يلزم مخالفة القاعدة في أحد
الطرفين إذا قلنا بالملك في الطرف الآخر. والأخبار من الطرفين قابلة للحمل
على الملك المجازي، لعلاقة وجود عمدة خواص الملك في المولى مستقلا، وفي
العبد بعد الإذن.
نعم، أدلة نفي الربا بينهما، وأدلة نفي الزكاة على مال المملوك مع
ما اشتهر بينهم: أن الملك لو كان للمولى يتعلق به الزكاة، تأبى عن ذلك، لكن
يمكن حمل إطلاق الأول على صورة المعاملة كما بين الحربي والمسلم، أو (1) على
خصوص المكاتب الذي يجوز له المعاملة مع السيد، وحمل الثاني على نفي (2)
ثبوت الزكاة في مال المملوك كثبوته في غيره (3)، بأن تعلق بالعين، ويتخير صاحب
المال في أدائها من مال آخر، فإن الوجوب بهذا المعنى منفي (4) عن المملوك، بل
المولى يتخير بين الاخراج من العين، وبين أن يؤدي من نفسه، ولا يتعلق على
العبد شئ.
وأما القواعد الخارجية فبعض منها ينافي الملكية مثل قاعدة: تسلط الناس
على أموالهم (5)، وحرمة التصرف فيها بغير طيب النفس (6)، ومثل قاعدة: أن الملك

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": وعلى...
(2) ليس في " ج " و " ع ": نفي، والعبارة في " م " هكذا: " وحمل الثاني على عدم وجوب الزكاة نفي
ثبوت الزكاة ".
(3) في " م ": في مال غيره.
(4) في " ف " و " ع " و " ج ": ينفى.
(5) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99 و 1: 457، الحديث 198.
(6) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.
107

لا يخرج عن ملك مالكه إلا بأحد النواقل الاختيارية أو القهرية مع أن مال
العبد ملك المولى بعد موته أو بيعه أو إعتاقه.
اللهم إلا أن يدعى انصراف الاختصاص المستفاد من الإضافة في مثل:
" أموالهم "، وقوله عليه السلام: " مال امرئ مسلم " على الاختصاص الذاتي
الابتدائي دون الاختصاص المستعار (1) المتوقف على مشيئة الغير.
والمراد من اثبات التسلط ليس إثبات هذا المعنى حتى يلزم اللغوية، بل
المراد: أن المال المختص ذاتا بالمالك من غير مراعاته وجودا وعدما برضى أحد،
لمالكه أن يفعل به ما شاء من التصرفات، فإنها ممضاة لهم وعليهم في حكم
الشارع. فالرواية في مقام إمضاء التصرفات التي بفعلها فيما اختص ملكيته بهم
اختصاصا تاما، بمعنى عدم تبعيته لرضى غيرهم، وعدم دورانه معه وجودا وعدما.
وكذا الكلام في قوله: " لا يحل مال [امرئ] مسلم إلا عن طيب نفسه " (2)
فهذه القاعدة لا تنافي الملكية الناقصة للعبد الثابتة بتوسط رضى المولى الدائرة
معه وجودا وعدما.
وأما القاعدة الثاني فهي غير نافية ولا مثبتة، لأن الملكية قد ترتفع من
غير ناقل كرجوع ملك الواقف إليه بعد انقضاء الموقوف عليهم في منقطع
الآخر - على بعض الأقوال -، وانتقال الملك من البطن الأول بعد انقضائهم إلى
البطن الثاني، فإذا قلنا: إن ملكية العبد دائرة مدار رضى مولاه بالتملك، فلا يقبل
البقاء بعد موته أو بيعه أو انعتاقه مع عدم شهادة الحال أو المقال بإبقائه
على مالكية ذلك المال، وملكية المولى له من باب رجوع ملكه إليه، لا من باب
الانتقال إليه بناقل، حتى يقال: بأن الجميع (3) مفروض الانتفاء فيكون ميراثا،

(1) في " ف ": المستفاد.
(2) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.
(3) في " م ": الجمع.
108

مع أن التوارث منفي بين الحر والعبد.
وهذا المعنى فيما ملكه مولاه واضح، بأن يقال: إنه (1) كان المولى مالكا له
ونقل الملك على هذا الوجه، وأنه ملكه ما دام كونه عبدا له (2)، وما دام المولى
راضيا، فبعد موت العبد أو عتقه أو بيعه (3) أو رجوع المولى يرتفع سبب الملكية
كما ذكرنا في الوقف.
وحاصله: أن الملكية مستمرة باستمرار موضوعها، أعني: الملك والمالك،
ومع ارتفاع أحدهما ترتفع الملكية باستعدادها لا للناقل (4)
وأما فيما لم يملكه المولى بل أذن له في أسباب التملك فيشكل الأمر من
حيث إن الحاصل من تلك الأسباب هي الملكية المطلقة التي لا تنتقل إلى الغير
إلا بالناقل، بل الملك مطلقا ولو كان مثل الوقف المذكور في المال السابق
لا ينتقل إلى غير المالك الأول إلا بناقل، فإن انتقال المال إلى البطن الثاني بجعل
الواقف، وعوده إلى الواقف في المثال الآخر إنما هو باقتضاء السبب القديم،
حيث لم يخرج الملك عن نفسه إلا على وجه خاص يرتفع بارتفاعه، مع أنه محل
الخلاف، وقابل للمنع لمخالفته للأصل.
ومن هنا يمكن التفصيل بين ما ملكه مولاه فيملكه، وبين غيره
فلا يملكه، إلا أن مليكة ما يملكه إن كان (5) بعقد من العقود كالهبة مثلا فهي
لا تقتضي إلا الملكية المطلقة، وليس كالوقف على حسب ما يوقفها أهلها،
والمفروض أن الملكية المطلقة غير مقصودة وغير واقعة شرعا، لأن المفروض عدم

(1) ليس في " ج " و " م ": إنه.
(2) في " ع " و " ج ": كونه ملكه عبدا له.
(3) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": أو بيعه.
(4) في غير " م ": إلى الناقل.
(5) ليس في " ف ": إن كان.
109

القول بها حتى لا تنافي انتقال المال إلى المولى بعد الرجوع أو الموت أو العتق
أو البيع، ومنع اقتضاء الهبة الملكية المطلقة يكذبه ما يستفاد منه: أن من خواص
الهبة عدم جواز الرجوع بعد التصرف، أو مع قصد القربة، ونحو ذلك.
والحاصل: أن تطبيق القول بملكية العبد على القواعد الكلية أصعب من
تطبيق القول بعد الملكية على بعض القواعد المنافية له لو سلم ثبوت ذلك، كما
أن أمر التصرف في أخبار الطرفين على العكس، فإن التصرفات في أدلة ملكية
المولى أسهل من التصرف في أدلة ملكيته.
ثم إن الثمرة بين القولين تظهر في مواضع:
منها: إنفاق قريب المولى إذا اشتراه العبد، أو قريب العبد.
ومنها: إذا زوجه المولى مملوكة (1) فاشتراها، فهل يبطل النكاح أو
لا يبطل؟
ومنها: إذا وطأ ما اشتراه فحملت منه، فهل تكون أم ولد أم لا؟
ومنها: جواز معاملته (2) مع السيد.
هذا إذا قلنا باتفاق الأقوال على جواز جميع التصرفات للعبد بعد إذن
المولى، حتى التصرفات المتوقفة على الملكية، نحو العتق والتصدق، وأما إذا قلنا
بعدم كون ذلك اتفاقيا - كما يظهر من المحكي عن المهذب البارع (3) - فالثمرة
أظهر من أن تخفى في التصرفات المالكية.
قال في المهذب: الأقوال في ملكية العبد ثلاثة: الأول ملك الرقبة - ونسبه
إلى الصدوق (4) والإسكافي -، وملك التصرف - نسبه إلى الشيخ في النهاية (5) -

(1) في " م ": مملوكه.
(2) في " ف ": المعاملة.
(3) المهذب البارع 2: 450.
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): 39.
(5) النهاية 543، كتاب العتق.
110

وإباحة التصرف، قال: ولم نمنع من الثالث، بل هو إجماع، والفرق بينه وبين
الثاني من وجهين:
الأول: إن ملك التصرف أقوى من إباحته، فإن في الإباحة لو ظهر شاهد
حال بالكراهة لم يجز التصرف.
الثاني: إن في ملك التصرف، له أن يتصدق منه ويطعم غيره، وليس له
ذلك في الإباحة (1).

(1) المهذب البارع 2: 451 مع اختلاف يسير.
111

مسألة
[7]
الملك شرط في وجوب الزكاة إجماعا، وللأخبار المستفيضة، وفي غير واحد
منها: " إن الزكاة على صاحب المال " (1) ويشترط في الملك: التمام (2)، فلا يكون في
الملك المتزلزل، فلا يكون في المبيع (3) فضولا قبل الإجازة، بل يجري البيع والحول
من حين الإجازة لا العقد وإن قلنا بالكشف، ولا في الموصى به قبل القبول وإن
قلنا أيضا بالكشف، ولا في الموهوب قبل القبض وإن قلنا بأن شرط اللزوم
بمعنى تمامية الملك واستقراره، والحكم بالملكية من حين العقد لا اللزوم بمعنى
عدم جواز الرجوع للواهب.
نعم لو جعلنا اللزوم بهذا المعنى لم يحتج إليه، بل حكم (4) بجريان المال في
الحول من حين العقد، لكن إرادة اللزوم بهذا المعنى بعيد، بل (5) حكى عن شرح
شيخ الفقهاء في عصره (6): أنه قد صرح المحققون بأن مرادهم من كون القبض

(1) الوسائل 6: 69 الباب 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 1 و 3.
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": التملك التام.
(3) في " ف " و " ع " و " ج ": البيع.
(4) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": بل حكم.
(5) ليس في " ج " و " ع ": بل.
(6) أي كاشف الغطاء قدس سره في شرح القواعد (مخطوط).
112

شرطا في اللزوم في الهبة ليس المعنى المعروف، بل قالوا: إن العقد يوجب ملكية
مراعاة بتحقق القبض (1) فإن تحقق تم من حين العقد.
وصرحوا أيضا بأن الاجماع واقع (2) على أنه ما لم يتحقق القبض
لا تتحقق الثمرة، فجعلوا المحل النزاع ثمرات خاصة، ولم يجعل أحد الثمرة أنه (3)
بمجرد العقد تتحقق الملكية التامة، غاية الأمر أنه يجوز أن يفسخ وأنه إلى حين
الفسخ كان ملكا تاما، وأن القبض يرفع جواز الفسخ، وأن الهبة بعد القبض من
العقود اللازمة (4) (انتهى).
ومن هنا يظهر صحة ما في المسالك في هذا المقام من أنه لا فرق في عدم
جريان الموهوب في الحول قبل القبض بين أن نقول إن القبض ناقل أو كاشف
عن سبقه بالعقد، لمنع المتهب عن التصرف على التقديرين (5)، ولا وجه
لاعتراض صاحب المدارك بأن القول بالكشف غير محكي في الهبة (6).
ومما ذكرنا أيضا يظهر أن معنى تمامية الملك التي أخذها المحقق (7) وغيره
شرطا غير اشتراط أصل الملك هو إخراج الملك المتزلزل في مقابل المستقر،
لا ما يقابل اللازم بمعنى عدم جواز الرجوع للناقل، حتى يعترض عليه بأن لازمه
خروج المبيع في أيام الخيار، بل الموهوب بعد القبض لتزلزل الملك، بمعنى جواز
رجوع الناقل، وليس بمعنى التمكن من التصرف حتى يقال بأنه لا يصح ممن

(1) في " ف " و " م ": العقد.
(2) ليس في " ف ": واقع.
(3) في " ف ": له.
(4) راجع الجواهر 15: 37.
(5) المسالك 1: 40 مع اختلاف يسير.
(6) انظر المدارك 5: 27.
(7) الشرائع 1: 141.
113

جعل التمكن شرطا آخر كالمحقق في الشرائع (1)، وليس بمعنى تمام أسباب الملك
حتى يغني عنه بقيد " الملك ".
ودعوى أن التزلزل بالمعنى الذي ذكر يغني عن (2) قيد التمكن من
التصرف، مسلمة، لكن ذكر الخاص بعد العام إذا كان القيدان متغايرين من
حيث المفهوم غير عزيز في مقام بيان الشرائط، بل في الحدود أيضا، فتدبر.

(1) الشرائع 1: 140 - 141.
(2) في " م ": بمعنى الذي يغني عنه.
114

مسألة
[8]
التمكن من التصرف شرط في وجوب الزكاة إجماعا محققا في الجملة،
ومستفيضا، ويظهر من الأخبار، مثل ما دل على اعتبار أن يحول الحول على المال
وهو في يده أو عند ربه (1)، وما دل على أنه إذا لم يقدر على أخذ الغائب
فليس عليه زكاة (2)، ونحو ذلك.
وقد يستشكل اعتبار هذا الشرط في غير الأفراد الشائعة (3)، ك‍ (مال (4)
الغائب) ونحوه، بأنه إن أريد التمكن من جميع (5) التصرفات، فلا ريب
بالانتقاض (6) بما إذا لم يقدر على تصرف خاص لأجل التزام شرعي كنذر عدم
البيع، أو قهر قاهر كإكراهه على عدم البيع بالخصوص، بل ومثل التصرف في
زمان خيار البائع على القول بأنه لا يمنع من الزكاة.

(1) الوسائل 6: 61 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 2 و 3، والباب 8 من أبواب
زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 61 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث (7).
(3) في " م ": الثابتة لمال.
(4) في " م ": لمال.
(5) ليس في " ف ": جميع.
(6) في " ف " و " م ": بانتقاض ذلك.
115

وإن أريد التمكن من التصرف في الجملة فأكثر ما مثلوا به لغير التمكن
منه يدخل، فإن المغصوب يمكن نقله إلى الغاصب، بل إلى غيره في الجملة، وكذا
الغائب والمرهون، بل الموقوف.
والتحقيق أن يقال: إن المراد بالتمكن من التصرف في معاقد الاجماعات
الذي يظهر اعتباره من النصوص هو: كون المال بحيث يتمكن صاحبه عقلا
وشرعا من التصرف فيه على وجه الاقباض والتسليم، والدفع إلى الغير، بحيث
يكون من شأنه بعد حلول الحول أن يكلف بدفع حصة منه إلى المستحقين، فإن
قوله عليه السلام في الصحيح إلى إسحاق بن عمار - في المال (1) الموروث الغائب -:
" أنه لا يجب عليه الزكاة حتى يحول عليه في يده، أو وهو عنده " (2)، وقوله
عليه السلام: " أيما رجل كان له مال (3) موضوع وحال عليه الحول فإنه يزكيه (4) ".
وقوله في حسنة زرارة - في مال القرض -: " إن زكاته - إذا كانت موضوعة عنده
حولا - على المقترض " (5) ونحو ذلك يدل على تعلق الوجوب إذا حال الحول على
المال في يده وعنده، من غير مدخلية شئ آخر (6) في الوجوب،
ولا يمكن ذلك
إلا إذا كان المال في تمام الحول بحيث يتمكن من الاخراج، لأن هذا التمكن
شرط في آخر الحول - الذي هو أول وقت الوجوب قطعا -، فلو لم يكن معتبرا
في تمامه لزم توقف الوجوب، مضافا إلى كونه في يده تمام الحول على شئ آخر.

(1) ليس في " ف ": المال.
(2) الوسائل 6: 62 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 3.
(3) ليس في " ج ": مال.
(4) الوسائل 6: 70 الباب 10 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول.
(5) الوسائل 6: 67 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول، وفيه: بل زكاتها إن
كانت موضوعة.
(6) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": آخر.
116

والحاصل: أن الشارع (1) جعل مجرد حلول الحول على المال في يد المالك
- بمعنى أن يكون في يده تمام الحول - علة مستقلة لوجوب الزكاة، فإن كان
المراد من كونه في يده هو ما ذكرنا من تسلطه على التصرف في العين بالدفع
والاقباض، ثبت المطلوب، وهو اعتبار كونه كذلك تمام الحول، وإن كان المراد منه
ما دون ذلك، أعني: التسلط في الجملة ولو لم يكن مسلطا على الدفع والاقباض،
لزم توقف الوجوب بعد حلول الحول على المال في يده على شئ آخر، وهو كون
المال بحيث يتمكن من دفع بعضه إلى المستحق، ويلزم منه عدم استقلال ما
فرضناه مستقلا في العلية.
ولعله إلى هذا ينظر ما استدل به في المعتبر (2) والمنتهى (3) لاعتبار هذا
الشرط، من أن المال الغير المتمكن من التصرف فيه، مال تعذر التصرف فيه،
فلا تجب الزكاة فيه ك‍ (مال المكاتب) وما استدل به في المنتهى - على ما
حكي (4) - من أنه لو وجبت الزكاة في هذا المال (5) لوجبت في غيره (6)، وهو باطل،
لأن الزكاة تتعلق بالعين.
ولا يرد عليها (7) ما قيل: من أنه يقتضي اعتبار التمكن وقت الوجوب
فقط، لا وجوب كونه كذلك تمام الحول.
وجه اندفاع هذا الايراد: أن المستفاد من الأخبار من استقراء حكم

(1) في " ف ": المشهور.
(2) المعتبر 2: 490.
(3) المنتهى 1: 475.
(4) حكاه في المستند 2: 8 ولم نقف على الاستدلال بعينه في المنتهى، نعم هو موجود في المدارك
5: 33.
(5) في " ج " و " ع ": ذلك المال.
(6) في " ف " و " ع " و " ج ": يوجب من غيره وفي " م " لوجب في غيره.
(7) كذا في النسخ، والظاهر: عليه.
117

شروط النصاب، بل شروط المزكى: استمرار هذا الشرط طول الحول، ووجه
هذه الاستفادة من الأخبار ما عرفت أن المستفاد منها وجوب الزكاة فيما كان في
اليد طول الحول، فلو كان المراد من كونها في اليد أمر آخر غير التمكن من
التصرف فيها بالدفع، لزم عدم الزكاة فيها بمجرد كونها في اليد طول الحول، بل
لا بد من أمر آخر، وهو التمكن من التصرف وقت الوجوب أيضا، فلا يكون
حلول الحول على ما في اليد علة مستقلة في وجوب الزكاة، إلا أن يقال: إن
المستفاد من الأخبار سببية حلول الحول على ما في اليد لوجوب الزكاة، ولا
ينافيه توقف الوجوب على استجماع (1) شرائط التكليف التي منها التمكن من
دفع العين.
ويدفعه: أن المستفاد من إطلاق وجوب الزكاة إذا حال الحول على
النصاب الموضوع عنده أو على ما في يده، هي العلة التامة كما صرحوا به في
الجمل الشرطية، نعم لو ثبت توقف الوجوب على شرط آخر من قدرة (2)
المالك (3) على الدفع بحيث لا يمنعه مانع عن إعطاء الزكاة مثل قهر قاهر
أو خوف مخوف، وهذا لا ينافي تمامية علية (4) الوجوب من جهة نفس الملك،
فهنا أمران:
أحدهما: النقص من جهة الملك، بأن يكون بحيث لا يتمكن المكلف من
التصرف فيه كالمغصوب والمحجور والمفقود والمرهون ونحو ذلك.
والثاني: العجز من طرف المالك عن مباشرة الدفع أو عن مطلق الدفع،
ولو بالتوكيل، فبمجرد (5) كون المال في يد المالك طول الحول بحيث لا قصور (6) في

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": اجتماع.
(2) في " م ": من جهة قدرة.
(3) في " ف ": المكلف.
(4) في " م ": علة.
(5) في " ف " و " ج " و " ع ": فمجرد.
(6) في " م ": لا يتصور.
118

طرف المالك من التصرف فيه بالدفع، يتعلق الزكاة، فهو سبب مستقل وعلة تامة
لتعلق الزكاة بالمال، فإن اجتمع شرائط المكلف وجب الأول، وإلا فلا.
هذا كله مع [أن] (1) الأخبار المتقدمة (2) الدالة على اعتبار كونه في يد المالك طول
الحول، بنفسها ظاهر [ة] (3) في كون المراد من اليد: التسلط على التصرف بالدفع.
ويتحقق التسلط الفعلي (4) بأن يكون المال حاضرا، ولم يرد عليه ما يمنع المالك
عن التصرف فيه منعا حقا أو عدوانا. فالمخرجات عن اليد بالمعنى المذكور
ثلاثة: الغيبة - وفي معناها الفقد -، والمنع الشرعي، والمنع العدواني. ولا بد أن يعلم
أن الخروج عن اليد بأحد الثلاثة فعلا مع التمكن من إزالة المخرج وإثبات اليد
بمنزلة اليد الفعلية وإن كان ظاهر الأخبار: اعتبار (5) فعلية اليد - كما تقدم -.
منها (6): صحيحة ابن سنان: " لا صدقة على الدين، ولا على المال الغائب
عنك حتى يقع في يدك " (7)، إلا أنه لا بد من الخروج عن ظاهرها إما بإرادة قوة
التسلط من إطلاق اليد، وإما من جعل التمكن من إثبات مكان اليد الفعلي
للدليل الخارجي، وهو قوله عليه السلام - في موثقة زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام،
في رجل ماله عنه غائب وهو لا يقدر على أخذه، قال -: " فلا زكاة عليه حتى
يخرج، فإذا خرج زكاه لعام واحد، فإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه
فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين " (8). ونحوها مرسلة أخرى لزرارة (9).

(1) الزيادة منا.
(2) في الصفحة 116.
(3) الزيادة منا.
(4) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": الفعلي.
(5) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": اعتبار.
(6) في " م ": سيما.
(7) الوسائل 6: 62 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6 مع اختلاف يسير.
(8) الوسائل 6: 63 الباب من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7.
(9) لعل المراد بها المرسلة الآتية في الصفحة التالية.
119

وفي رواية دعائم الاسلام - في الدين يكون للرجل على الرجل -: " إن
كان غير ممنوع يأخذه متى شاء بلا خصومة ولا مدافعة، فهو كسائر ما في يده
من ماله، يزكيه، وإن كان الذي هو عليه (1) يدافعه، ولا يصل إليه إلا بخصومة
فزكاته على من هو في يده، وكذلك مال الغائب (2)، وكذلك مهر المرأة على
زوجها " (3).
إلا أن المسألة لا تخلو من إشكال من جهة كثرة ما يدل على اعتبار اليد
الفعلية، مثل صحيحة ابن سنان المتقدمة (4)، وقوله عليه السلام - في صحيحة
الفضلاء -: " كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه فيه " (5).
وفي مرسلة زرارة: " ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شئ إلا ما حال
عليه الحول عند الرجل " (6).
ونحوها صحيحة - أو حسنة - ابن يقطين ب‍ (ابن هاشم) (7): " كل ما لم
يحل عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة " (8).
إلى غير ذلك مما يدل (9) على اشتراط ثبوت اليد الفعلية.
وأما الموثقة فلا يبعد حملها على الدين وستعرف (10) عدم وجوب الزكاة فيه

(1) ليس في " ج " و " م " و " ع ": عليه.
(2) هكذا في " ف " و " ج "، والصحيح: المال الغائب - كما في المصدر -.
(3) دعائم الاسلام 1: 251.
(4) في الصفحة السابقة.
(5) الوسائل 6: 82 الباب 8 من أبواب الزكاة الأنعام، الحديث الأول.
(6) الوسائل 6: 83 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام الحديث 5.
(7) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": ب‍ " ابن هاشم ".
(8) الوسائل 6: 115 الباب 15 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 3.
(9) في " م ": دل.
(10) في الصفحة 125.
120

إلا استحبابا.
وأما رواية الدعائم فضعيفة الدلالة جدا.
وأما المرسلة فالظاهر أنها عين الموثقة.
هذا كله مضافا إلى عمومات نفي الزكاة في المال الغائب بقول مطلق،
سيما ما ورد فيمن خلف لأهله نفقة: " إن كان شاهدا فعليه الزكاة، وإن كان غائبا
فليس عليه " (1).
وقد يتوهم (2) أن العمومات الموجبة لثبوت الزكاة في مطلق المال الذي
حال عليه الحول بعد تخصيصها بغير المتمكن من التصرف، تصير أعم من وجه
من عمومات نفي الزكاة من مال الغائب، وهو توهم محض، لأن العام إذا ورد عليه
خاصان فلا بد أن يخصص بكليهما، لا أن يخصص بأحدهما ثم تؤخذ النسبة بينه
بعد التخصيص وبين الخاص الآخر (3).
وكيف كان فالأخبار النافية عن (4) الزكاة في مال الغائب سليمة عما يرد
عليها مما عدا الموثقة المتقدمة (5)، وقد عرفت ضعفها عن تخصيص العمومات
الكثيرة، مع احتمال إرادة الدين منها (6) سيما بقرينة قوله: " حتى يخرج "، مع أنه
لا يبعد أن يقال - على تقدير اختصاصه بالعين -: إن المراد من القدرة على
الأخذ: كونه تحت اليد بالفعل عرفا، وإن كان غائبا، كما إذا كان في منزل

(1) الوسائل 6: 117 الباب 17 من أبواب زكاة الذهب والفضة.
(2) في " م ": وقد توهم.
(3) ليس في " ج " و " ع " و " م ": الآخر.
(4) كذا في النسخ.
(5) تقدمت في الصفحة 119.
(6) في " ف " و " ج " و " ع ": هنا.
121

محفوظ (1)، أو في يد وكيله، أو نحو ذلك، فلا يشمل ما لو لم يتمكن فعلا، وكان
قادرا على تحصيل التمكن.
نعم يمكن أن يقال: إن أقصى ما ثبت (2) من الأدلة اعتبار التمكن من
التصرف في العين، وما دل (3) على اعتبار الحول في اليد يدل على اعتبار الحضور
عند المالك في مقابلة قصور يده عنها، وبعضها ظاهر - بقرينة السياق - في أن
المراد من اليد (4): ما يقابل يد المالك السابق.
والحاصل: أن في اثبات دلالتها على اعتبار أزيد من يد التصرف في العين
إشكالا، والمرجع - حينئذ - إلى عموم ما دل على وجوب الزكاة فيما حال عليه
الحول، قال الشيخ في الخلاف - على ما حكي عنه - في مسألة ما لو استقرض
ألفا، فرهن عليه ألفا: أنه لو قيل بوجوب زكاة الألفين عليه كان قويا، لأن
الألف القرض لا خلاف بين الطائفة في أنه يلزمه زكاتها، والألف المرهونة هو
قادر على التصرف فيها، بأن يفك رهنها، والمال الغائب إذا كان متمكنا منه يلزمه
زكاته بلا خلاف (5) (انتهى).
وظاهر هذا الكلام كفاية التمكن من تحصيل التسلط الفعلي، وعدم
اعتبار حصول التسلط بالفعل، وإلا فالرهن ما دام رهنا غير متسلط عليه، فهو
كالمغصوب القادر على استنقاذه بمال. نعم التمكن من فكه ببيعه ليس تمكنا
ظاهرا، خلافا للروضة (6).

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": منزله محفوظا.
(2) في " ف ": ما يمكن.
(3) في " ج " و " ع ": ما يدل.
(4) في " ج ": باليد.
(5) الخلاف 2: 111 المسألة 129 مع اختلاف يسير.
(6) الروضة البهية 2: 13.
122

وأما المحجور، فإن كان لسفه فالظاهر عدم السقوط، واستظهر في
المناهل: الاتفاق عليه (1). وإن كان لردة عن ملة (2) فكذلك، كما صرح به في
البيان (3) والدروس (4)، وعلله - في الأول - بقدرته على إزالته يعني الاسلام.
وإن كان لتفليس، فصرح في البيان بمنعه، وحكاه في الدروس عن
المبسوط (5).

(1) المناهل: 108.
(2) في " ف " و " م ": عن ملته.
(3) البيان: 168.
(4) الدروس 1: 230.
(5) المبسوط 1: 224.
123

مسألة
[9]
المشهور - سيما (1) بين المتأخرين -: أنه لا زكاة على الدين حتى يقضيه،
وفاقا للمحكي عن القديمين (2) وابن زهرة (3)، وابن إدريس (4)، والمحقق (5)،
والفاضل (6) ووالده (7)، وولده، (8) وغير [هم] (9)، لعموم: " لا صدقة على الدين، ولا
على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك " (10) ونحوه من العمومات الدالة على
عدم الزكاة في الدين حتى يقبضه، وللعمومات المتقدمة: " كل ما لم يحل عليه
الحول عند ربه فلا شئ عليه فيه " (11).

(1) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": سيما.
(2) حكاه ابن إدريس في السرائر 1: 444 و 445.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 505.
(4) السرائر 1: 444.
(5) الشرائع 1: 142.
(6) انظر إيضاح الفوائد 1: 168.
(7) انظر إيضاح الفوائد 1: 168.
(8) انظر إيضاح الفوائد 1: 168.
(9) في " ف ": وغيرهما، وفي " ع " و " ج ": وغيرها، وفي " م ": وغيره، وراجع مفتاح الكرامة 3: 16
(كتاب الزكاة).
(10) الوسائل 6: 62 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 6، وفيه: يديك.
(11) الوسائل 6: 82 الباب من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
124

وعن الشيخين (1)، والمرتضى (2): وجوبها في الدين إذا تمكن صاحبه من
أخذه متى شاء، لعموم الموثقة - المتقدمة (3) - في [ال‍] مال الغائب إذا قدر صاحبه
على أخذه، وخصوص ما ورد في الدين من الأخبار: منها: " إن كل دين يدعه
هو إذا أراد أخذه، فعليه زكاته، وما لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة " (4).
وهذه وإن كانت أخص من الأول إلا أن كثرة تلك الأخبار، وموافقتها
للأخبار الكثيرة الظاهرة في أن الزكاة إنما وضعت على الأعيان الخارجية من
الأموال، واعتضادها بالشهرة المطلقة، وبمخالفة الجمهور كما يظهر من المعتبر (5)،
يوجب حمل الأخبار الخاصة على الاستحباب، سيما مع شهادة رواية علي بن
جعفر، عن أخيه عليه السلام: " قال سألته عن الدين يكون على القوم المياسير إذا
شاء قبضه صاحبه، هل عليه زكاة؟ قال: لا، حتى يقبضه ويحول عليه الحول " (6).
واعلم أن اعتبار التمكن من التصرف فيما يعتبر فيه الحول لا إشكال
فيه، وأما ما لا يعتبر الحول فيه كالغلات فهل يعتبر التمكن حال تعلق الوجوب،
أو لا، بل يكفي التمكن من الاخراج ولو كان بعد (7) زمان تعلق الوجوب؟ ظاهر
كلامهم، والمصرح به في المسالك (8) هو الأول: لأن ظاهر هذا الشرط كونه شرطا
كسائر الشروط، فكما أن الملك وتماميته والبلوغ والعقل والحرية، كلها تعتبر في
الغلات في ذلك الوقت، فكذلك التمكن من التصرف.

(1) المقنعة: 239، المبسوط 1: 211 والخلاف 3: 80 المسألة 96.
(2) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 74.
(3) في الصفحة 119.
(4) الوسائل 6: 64 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 5. وفيه: وما كان لا يقدر.
(5) المعتبر 2: 491. وفيه روى أصحابنا.
(6) الوسائل 6: 66 الباب 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 15.
(7) في " ف ": بقدر.
(8) المسالك 1: 40.
125

اللهم إلا أن يدعى عدم كونه شرطا في غير الغلات (1)، لاختصاص
أدلته بما يعتبر فيه الحول من الأجناس، لكنه خلاف فتاوى الأصحاب، بل
ظاهر ما يستفاد من الأخبار بعد التأمل فيها، فإن قوله عليه السلام - في رواية سدير
المسؤول فيها عن المال الذي فقد بعد حلول الحول، ووجده صاحبه بعد سنين -:
" أنه يزكيه سنة واحدة، يعني السنة الأولى قبل الفقدان -، لأنه كان غائبا
عنه " (2) يدل بمقتضى التعليل على أن كل مال غائب لا تجب عليه الزكاة.
والمراد من الغائب ما (3) يعم المفقود، فيدل على أن الزكاة لا تتعلق بعين
مال (4) المفقود، ولا شك في عدم القول بالفصل بينه وبين مطلق غير المتمكن منه،
كالمغصوب والمجور ونحوهما، فدل الخبر على أن الزكاة لا تتعلق بالعين (5) التي
لا يتمكن مالكها من التصرف فيها، كما إذا فرضنا الزرع حال انعقاد حبه (6)،
أو حال (7) تسميته حنطة أو شعيرا، مغصوبا فالزكاة لا تتعلق بعينها بمقتضى
الرواية المنضمة إلى عدم القول بالفصل، فإذا لم تتعلق به حينئذ زكاة فلا تتعلق
به بعد ذلك، لأن الزكاة إنما تتعلق بالغلات بمجرد صدق الاسم، أو بمجرد انعقاد
الحب في ملك المكلف، كما يدل عليه جميع ما دل عليه بيان وقت الوجوب.
ودعوى دلالة العمومات على وجوب الزكاة في الغلات، خرج صورة عدم
التمكن من الاخراج، فاسدة جدا، إذ تلك العمومات ليست إلا ما دل على تعلق

(1) في " ج " و " ع ": في غير العلاجية.
(2) الوسائل 6: 61 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول، والحديث منقول
بالمعنى.
(3) في " م ": هو ما.
(4) كذا في النسخ والظاهر: بعين المال المفقود.
(5) في " ف ": بالدين.
(6) في " ج " و " ع ": حبته.
(7) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": حال.
126

الزكاة في الأجناس الأربعة، فإذا فرض عدم تعلقها بها حتى يتحقق (1) عنوان
هذه الأجناس في الخارج، فلا مقتضى لثبوتها فيها بعد ذلك، ألا ترى أنه لو
دخلت في ملك المكلف بعد ذلك، أو حدت شرط لم يكن قبل ذلك، انتفى الزكاة
إجماعا، ولا يجوز التمسك في وجوبها بعموم ما دل على وجوبها في هذه
الأجناس؟!
فعلم من ذلك أن لتعلق (2) الزكاة بعين الغلات وقتا مخصوصا لو لم يتعلق
فيه بها لم يتعلق بعد ذلك.

(1) في " م ": تحقق.
(2) في " ف " و " ع ": تعلق.
127

مسألة
[10]
المعروف بين الأصحاب عدم وجوب الزكاة فيما سوى التسعة الأصناف، وعن
الشيخين في الفقيه (1) والخلاف (2)، والسيدين في الناصرية (3) والغنية (4) عليه
الاجماع، وعن المنتهى أن عليه علماءنا أجمع (5)، ومثله عن المعتبر (6) باستثناء
الإسكافي، والروايات بالعفو عما سوى ذلك لا يبعد لحوقها بالتواتر (7)، فقد
عثرت (8) منها على اثنتي عشر رواية، فيها: " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عفى
عما سوى ذلك " (9).

(1) كذا في النسخ عدا " ع " ويظهر منها أنه المقنعة وليس في الفقيه ولا المقنعة ما يدل على الاجماع
المذكور، راجع الفقيه 2: 13، والمقنعة: 234.
(2) الخلاف 2: 54 و 61 المسألة 63 و 74.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 240.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 504.
(5) المنتهى 1: 473.
(6) المعتبر 2: 493.
(7) في " م ": المتواتر.
(8) في " م " عثرنا.
(9) راجع الوسائل 6: 32 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
128

نعم في كثير من الأخبار وجوبها في الحبوب كلها مثل مصححة (1) زرارة:
" ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة " (2)، وقال: " جعل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم الزكاة في كل شئ أنبتت الأرض إلا ما كان من الخضر والبقول، وكل
شئ يفسد من يومه " (3).
وقريب منها: رواية محمد بن إسماعيل (4).
وفي رواية أبي بصير - بعد التصريح بوجوبها في الأرز -: " قال: وكيف لا
يكون كذلك وعامة خراج العراق منه؟ " (5).
ويحمل على مطلق الرجحان لتصريح (6) الأخبار - الكثيرة بنفيه عما (7)
عدا الأربعة. ويمكن أيضا حملها على التقية لموافقة كثير من العامة على ما
قيل (8)، وعن الذخيرة نسبته إلى جمهور العامة (9)، وفي بعض الأخبار دلالة على
ذلك، وعليه فلا وجه للاستحباب إلا فتوى الجماعة، وظاهر لفظ العفو في
الأخبار.
وكيف كان فظهر ضعف ما عن الإسكافي من وجوب الزكاة في كل ما
يدخل في القفيز (10) وحكي أيضا عن يونس بن عبد الرحمان (11) وعن الانتصار (12):
التصريح بشذوذهما وتقدمهما إجماع الإمامية وتأخر عنهما.

(1) في " م ": صحيحة.
(2) الوسائل 6: 40 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.
(3) نفس المصدر الحديث 6، وفيها: الصدقة بدل الزكاة.
(4) الوسائل 6: 39 الباب 9 من أبواب من تجب فيه الزكاة، الحديث 2.
(5) الوسائل 6: 41 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 11.
(6) في " ف " و " ع " و " ج ": لترجيح.
(7) في " ع " و " ج " و " م ": فيما.
(8) انظر مفتاح الكرامة 3 (كتاب الزكاة): 55 والحدائق 12: 108.
(9) الذخيرة: 430.
(10) الإنتصار: 77 - 78.
(11) الإنتصار: 77 - 78.
(12) الإنتصار: 77 - 78.
129

وفي وجوب الزكاة في العلس (1) - بفتحتين - والسلت (2) - بضم السين
وسكون اللام -، قولان: من أن الأول نوع من الحنطة، والثاني نوع من الشعير،
ومن منع ذلك لغة، أو عرفا، أو انصراف إطلاق الأخبار. ويؤيد ذلك مقابلة
السلت للحنطة والشعير في الروايات، كحسنتي (3) زرارة ومحمد بن مسلم
بابن هاشم، ورواية أبي مريم (4).

(1) العلس: ضرب من الحنطة تكون حبتان في قشر واحد، وهو طعام أهل صنعاء، الصحاح
3: 952 " علس ".
(2) السلت: ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة، الصحاح 1: 253 " سلت ".
(3) في " ف ": حسنة.
(4) الوسائل 6: 39 الباب 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 10 و 4 و 3.
130

مسألة
[11]
إذا زاد الإبل على مائة وعشرين فهل يتخير بين عده بالخمسين والأربعين
مطلقا، فله أن يعد المائة والواحدة والعشرين بخمسين، فيكون فيه حقتان، وأن
يعد المائة والخمسين بأربعين فيكون فيه ثلاثة بنات لبون، أم لا يتخير إلا إذا
أمكن العد بكل من العددين كالمائتين مثلا. وإلا ففي المثال الأول يتعين العد
بالأربعين، وفي الثاني بالخمسين، وفي المائة والثلاثين بكليهما، فيعطي حقه وابنتي
لبون؟
ظاهر الفاضلين (1) والشهيدين (2) والمحقق الثاني (3)، بل المشهور - كما في
الحدائق (4) -: الثاني، بل عن المنتهى: أن في المائة وواحدة والعشرين ثلاث بنات
لبون، عند علمائنا (5) وكذا ظاهر المحكي عن الناصريات (6) سيما بملاحظة ما
ذكر في الانتصار (7) بل هو ظاهر عبارة المعتبر (8) أيضا كما سيظهر، وعن شرح

(1) الشرائع 1: 146، والمعتبر 2: 500 و 501، والتذكرة 1: 207.
(2) الدروس 1: 234، الروضة البهية 2: 18، والمسالك 1: 40.
(3) جامع المقاصد 3: 15.
(4) الحدائق 12: 49 - 50.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(7) الإنتصار: 82.
(8) المعتبر 2: 500.
131

الروضة أنه صريح الأصحاب (1) وعن الشهيد في فوائد القواعد (2): الأول،
وحكي عنه نسبته إلى ظاهر الأصحاب والأخبار (3)، واختاره سبطه في المدارك (4)،
وتبعه جملة ممن تأخر عنه، منهم: صاحب الحدائق (5)، والرياض (6).
والمعتمد ما عليه المشهور، ونسبة هذا القول إلى ظاهر الأصحاب غير
مقرون بالصواب، وكذا نسبته إلى ظاهر الأخبار. أما الأول فلأن ظاهر
الوسيلة (7)، والشرائع (8) والقواعد (9) والبيان (10)، وصريح الشهيد (11)
والمحقق (12) الثانيين، بل حكي عن المبسوط (13)، والسرائر (14) أيضا مدعيا ثانيهما
عليه الاتفاق، وستسمع عن الناصريات (15)، والمنتهى (16) والتذكرة (17) دعوى

(1) المناهج السوية (مخطوط): 18 وفيه: وقد صرح بهذا الحكم الأصحاب من غير نقل خلاف.
(2) وهو شرحه على القواعد (مخطوط) نقل عنه في المدارك 5: 58 والجواهر 15: 81، والمستند.
2: 20.
(3) مفتاح الكرامة 3: 60 (كتاب الزكاة).
(4) مدارك الأحكام 5: 58.
(5) الحدائق 12: 50.
(6) الرياض 1: 265.
(7) الوسيلة: 124.
(8) الشرائع 1: 146.
(9) القواعد 1: 53.
(10) البيان: 173.
(11) الروضة البهية 2: 18، والمسالك 1: 40.
(12) جامع المقاصد 3: 15.
(13) المبسوط 1: 192.
(14) السرائر 1: 449.
(15) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(16) المنتهى 1: 480.
(17) التذكرة 1: 207.
132

الاجماع أيضا.
والظاهر أن منشأ النسبة اشتهار التعبير في كلام الأصحاب عن النصاب
الأخير للإبل بأن في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، تبعا للأخبار
المعبرة بهذا التعبير - نسبه في المختلف إلى المشهور (1)، وفي محكي المعتبر إلى
علمائنا (2)، وفي محكي الناصريات إلى الاجماع (3) -.
وأنت خبير بأن هذه العبارة لا يريدون منها التخيير المطلق، ولا دلالة
فيها على ذلك.
أما أنهم لا يريدون به ذلك، فلأن جماعة ممن عبر بهذا التعبير، بل نسبه
إلى المشهور - كالعلامة في المختلف (4) -، أو إلى علمائنا - كالمحقق في المعتبر (5) -،
أو إلى الاجماع - كالسيد في الناصريات (6) -، كلامهم كالصريح في تعيين (7) ثلاث
بنات لبون في المائة وواحدة والعشرين، بل أكثر هؤلاء القائلين عبروا بالعبارة
المذكورة، فلاحظ كلماتهم في هذا المقام:
ففي الناصريات، ادعى الاجماع على العبارة المذكورة وذكر موافقة
الشافعي له من العامة وقد حكي عن الشافعي في الانتصار (8) تعيين ثلاث بنات
لبون في المائة والواحد والعشرين. والعلامة في التذكرة (9) نسب وجوب ثلاث

(1) المختلف 1: 175.
(2) المعتبر 2: 500.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(4) المختلف 1: 175.
(5) المعتبر 2: 500.
(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(7) في " م ": بتعين.
(8) الإنتصار: 81.
(9) لم نقف على ما أفاده في التذكرة، نعم هو موجود في المنتهى 1: 480.
133

بنات لبون إلى علمائنا إلا السيد في الانتصار (1)، وحكي عن الناصريات (2)
موافقته، وذكر موافقة الشافعي أيضا.
وكيف كان فلا يرتاب أحد في كون هذا القول هو المشهور، وأنه لم
يعرف (3) القول الأول ممن تقدم على الشهيد الثاني في فوائد القواعد (4)، وقد
ذكره في الروضة احتمالا غير منسوب إلى محتمل غيره (5).
والواجب صرف الكلام إلى بيان دلالة الفقرة المشهورة في الفتوى
والنص، أعني قوله: " في كل خمسين حقه، وفي كل أربعين بنت لبون " (6).
فنقول: مقتضى (7) ظاهر اللفظ أن المراد من الخمسين والأربعين في هذا
الكلام هو نظير الواحد في قولنا: كل واحد من هذا العدد أريد به العدد الخاص
المنتشر، فكل فرد حصل في الخارج من الخمسين بافراز مفرز من هذه الإبل
المجتمعة ففيها حقة، وكذا كل أربعين أفرز منه ففيه بنت لبون، ولا يتوهم من
ذلك لزوم وجوب حقق كثيرة في المائتين مثلا، باعتبار كثرة أفراد الخمسين
المتصورة فيه، بسبب ضم بعضها إلى بعض كما لا يخفى، ضرورة أن المراد بالعام
هنا أليس إلا (8) القطعات المفرزة، من عدد الإبل، وكثرة الأفراد تحصل من
تداخل الأفراد من حيث ضم الأجزاء بعضها في بعض، فالمائتان ليس فيها إلا

(1) الإنتصار: 84.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 241.
(3) في " ف ": لا يعرف.
(4) تقدم في الصفحة 131 و 132، وانظر الهامش (2) هناك.
(5) الروضة البهية 2: 17.
(6) الوسائل 6: 73 و 74 الباب 5 من أبواب الزكاة، الحديث 1 و 3 و 6.
(7) ليس في " م ": مقتضي وفي " ع ": مقتضى هذا اللفظ.
(8) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": إلا.
134

أربعة أفراد من الخمسين، فيها أربع حقق وإن كان الأفراد المتداخلة أكثر
بمراتب.
وحينئذ فنقول: إذا فرضنا مائة وأربعين، وعلمنا بقوله عليه السلام: " في كل
خمسين حقة " (1) فيبقى بعد المائة: أربعون، وهي قطعة مفرزة من العدد داخلة في
النصاب الآخر، وهو قوله عليه السلام: " في كل أربعين بنت لبون " (2).
وهذا لا
إشكال فيه، ولا أظن القائلين بالتخيير المطلق ينكرون هنا (3) وجوب حقتين
وبنت لبون، ولذلك فصل بعض مشايخنا المعاصرين بين ما لو بقي بعد العد
بأحدهما مصداق تام للآخر (4)، وبعبارة أخرى: يكون (5) بحيث يمكن (6) تطبيق
مجموع العدد على أحد النصابين كالمائة والأربعين أو الثلاثة (7)، فيجب في
مثلهما (8) رعاية ما هو المنطبق على الكل، وبين ما لا ينطبق تمام العدد على
أحدهما (9) كالمائة والواحد والعشرين، فلا يجب العد بالأكثر.
ولو كانت مائة وثلاثين فنقول: مقتضى الفقرة المذكورة وجوب بنتي لبون
في ثمانين منها، ويبقى خمسون وفيه حقة بمقتضى قوله عليه السلام: " في كل خمسين
حقة ". ولو عزل مائة منها فجعل فيها حقتان، وأسقط الثلاثين عفوا لزم طرح
قوله عليه السلام: " في كل أربعين بنت لبون " من غير تخصيص (10)، إذ لو عمل به

(1) الوسائل 6: 73 و 74 الباب 2 من أبواب الزكاة، الحديث 1 و 3 و 6.
(2) نفس المصدر.
(3) ليس في " ج " و " ع ": هنا.
(4) لم نقف عليه بالذات، ولعله يلوح من كلام صاحب الجواهر، انظر الجواهر 15: 81.
(5) ليس في " ف " و " ع ": يكون.
(6) في " ف " و " ج " و " ع ": يتمكن
(7) كذا في النسخ، والظاهر: أو الثلاثين.
(8) في " ج " و " ع " مثلها.
(9) في " ج ": أحدها.
(10) في " م ": تخصص.
135

لم يكن الثلاثون عفوا، بل كان جزء (1) من النصاب، وهو الأربعون.
ويظهر من كلام السيد في الانتصار (2) أن ثبوت الحقة وبنتي لبون هنا (3)
مما لا خلاف فيه، وكذا الكلام لو كانت مائة وإحدى وعشرين، فإن مقتضى
الفقرة المذكورة: وجوب ثلاث بنات لبون فيها، ولا يلزم من ذلك طرح قوله
عليه السلام: " في كل خمسين حقة " (4) وإنما انتفى مورده إذ مع ملاحظة العدد ثلاث
مصاديق للأربعين لا يبقى محل للافراز (5)، بخلاف العكس.
والحاصل: أن الخمسين والأربعين نصابان متبادلان لما عرفت من أن المراد
أن كل قطعة أفرزت من الإبل إذا كانت خمسين فيها حقة، وإذا كانت أربعين
فيها بنت لبون، وبعد إفراز القطعات الثلاث - التي هي مصاديق للأربعين -
لا يبقى ما يفرز منه جملة يصدق عليها " الخمسين "، حتى يكون فيها حقة.
والمعارضة بأن العدد المذكور إذا قطع منها قطعتان " خمسين، خمسين "، فلا
يبقى جملة يصدق عليها " الأربعين " ليكون فيها شئ، مدفوعة بأنا لا نريد
إثبات بنت لبون مضافا إلى الحقتين حتى يحتاج إلى قطعة أخرى تبلغ بنفسها
أربعين، ويكون انضمام بعض المائة إلى الجملة الباقية موجبا للتدارك (6) في الأفراد
المفروزة، بل نقول: إن الجملة الباقية بعد انضمام غيرها إليها تصدق عليها
أربعون، ففيها بنت لبون، والباقي أيضا مصداقان للأربعين، ففيهما (7) بنتا لبون،

(1) في " م ": ضربا.
(2) الإنتصار: 81.
(3) لم ترد في " م ".
(4) الوسائل 6: 73 و 74 البابا 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 1 و 3 و 6.
(5) في " ج " و " ع ": محل الافراز.
(6) في " ج " و " ع ": للتداخل.
(7) في " ف " و " م ": ففيها.
136

فمقتضى نصابية الأربعين: عدم وجود العفو عنها، فبقاء العفو لا يكون إلا مع
إهمال نصابية الأربعين، وسببيته الثابتة بمقتضى العموم.
وكذا لو كانت مائة وخمسين، فإذا أفرزنا منه قطعات ثلاث، كل منها
أربعين، يبقى ثلاثون يمكن أن تضم إلى عشرين، فتصير خمسين، فيها حقة،
والباقي من القطعات بعد الضم قطعتان كل منها خمسون فيه (1) حقتان: فالعمل
هنا بقوله: " في كل خمسين حقة " لا يلزم منه طرح الفقرة الأخرى، بل لا مورد
لها، (2) بخلاف ما لو عمل بقوله: " في كل أربعين بنت لبون "، فإن يلزم طرح الفقرة
الأخرى بالنسبة إلى الثلاثين الباقي (3) وجعله عفوا.
فحصل من جميع ذلك: أنه لا محيص هنا عن العمل بخمسين كما لا محيص
في سابقة عن العمل بأربعين. (4) نعم لو كان العدد قابلا لكليهما فلا ريب في
التخيير، كما لو كانت مائتين فإنه قابل لخمس مصاديق للأربعين، وأربع مصاديق
للخمسين ففيها أربع حقق، أو خمس بنات لبون، فالتخيير هنا عقلي نظرا إلى
أنه إذا استقر في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، وهذا يقال له: أربع
خمسينيات وخمس أربعينيات، فهو مصداق لكل منهما، ففيها أحد الأمرين: من
أربع حقق، وخمس بنات لبون.
ولا يتوهم أن اللازم من كونه مصداقا لكل منهما أن تكون فيه أربع حقق
وخمس بنات لبون معا، لما عرفت من أن المراد من الفقرتين: ثبوت الفريضة في
القطعات المفرزة، ولا ريب أنه لا يمكن هنا إلا افراز قطعات أحد النصابين
فليس فيها إلا إحدى الفريضتين.

(1) في " ج " وفي " م ": ففيها:
(2) في " ج " و " ع " و " م ": له.
(3) كذا في النسخ، والظاهر: الباقية.
(4) في " ج " و " ع " و " م ": بالأربعين.
137

والحاصل: أن ثبوت الفريضة والعدد على نحو ثبوت مصاديق النصاب،
فإن تعددت بحسب الافراز تعددت الفريضة، وإن تعددت باعتبار القابلية
واتحدت بحسب الوجود الفعلي (1)، فالفريضة كذلك واحدة قابل (2) للأمرين، واحد
فعلا.
فعلم من ذلك أن الفقرتين ليستا محمولتين على التخيير الشرعي حتى
يقال: إن التخيير فيها مطلق غير بصورة دون أخرى، وإنما التخيير في مقام
التخيير سيجئ (3) من حكم العقل، وإلا فمعنى (4) كل فقرة: أن في هذا النصاب
استقرت هذه الفريضة.
ومن هنا تبين أنه لا وجه للاستدلال على التخيير المطلق بقول عليه السلام
- في " صحيحتي عبد الرحمان وأبي بصير -: " فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين
حقة " (5) لأن هذه الرواية غير باقية على ظاهرها قطعا، لأن ظاهرها تدل على
انحصار النصاب الأخير في الخمسين، والفريضة الأخيرة في الحقة، وهو خلاف
الاجماع، فهو محمول على بيان أحد النصابين، وهو (6) وإن استلزم تأخير (7) البيان

(1) في " م ": العقلي.
(2) كذا في النسخ.
(3) كذا في النسخ، والظاهر: يجئ.
(4) في " ف " و " ج " و " ع ": ففي.
(5) الوسائل 6: 72 و 73 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2 و 4.
(6) لم ترد في " ف ".
(7) من هنا إلى آخر المسألة غير موجود في " ف " وإنما ورد ذلك في ذيل المسألة 16 الآتية بعد قوله:
ومن صدق حلوله على الأربعين، وكتب الناسخ في الهامش: " هذا آخر الصفحة اليمنى من
المنتسخ الأصلي الذي كان بخطه الشريف "، وكتب في هامش الصفحة اليسرى ما يلي: " تتمه
صفحه سابقة در ورق سوم بعد از صفحه يسرى، وتصفحت فما وجدت " وأما في النسخة ما يلي:
" وهو وإن استلزم.. تتمه أين مطلب در چهار ورق بعد در صفحه يسرى بايد ملاحظة شود ".
ثم ذكر التتمة في ذيل المسألة [16].
138

في موارد عدم إمكان العد بخمسين إلا أنه عن وقت الخطاب لا الحاجة.
ودعوى أنه يحمل على إرادة الوجوب التخييري حيث تغدر العيني،
للاجماع على عدمه، وحينئذ فيكون حاصله: أنه يكفي في كل خمسين حقة.
فيستدل بإطلاقه على إطلاق التخيير، غلط، إذ ليس هنا ما يكون ظاهرا في
الوجوب حتى يقبل الكلام صرفه إلى التخيير، لأن ظاهر كلام أنه يستقر في
كل خمسين حقة، وهذا الوجوب المستفاد من الاستقرار لا يمكن إرادة التخيير
منه حتى يصير معناه: أنه يكفي في كل خمسين حقة، لأن الثابت في الخمسين ليس
أمرا تخييريا بين الحقة وغيرها، بل الحقة بنفسها في كل خمسين - إجماعا - طريقة.
مع أنه لا داعي إلى صرف الكلام عن ظاهره، بل يبقى على ظاهره، وهو:
أن كل خمسين تفرز من الإبل ففيه الحقة، وكل أربعين تفرز منه ففيه بنت لبون.
غاية الأمر أن في بعض المقامات لا يجتمع افراز أحدهما مع إفراز الآخر، وفي
بعض المقامات يجتمع. فعند الاجتماع يحكم بالتخيير عقلا، لتحقق النصابين على
البدل من حيث السببية لتحقق الفريضة (1)، فيتحقق الفريضتان أيضا على
البدل من حيث السببية لتحقق الفريضة (1)، فيتحقق الفريضتان أيضا على
البدل. وعند عدم الاجتماع يطرح ما يجتمع مع الآخر لعدم تحقق موضوعه، لا
لطرح حكمه.
ومما ذكرنا ظهر فساد ما ربما يتوهم: من أن المشهور حملوا الفقرتين على
التخيير، ثم خصصوه بموضع إمكان (2) أخذ النصابين فأورد عليهم: أن هذه
الأدلة واردة في مقام زيادة الواحدة على المائة والعشرين، فكيف يمكن عدم
الحكم بالتخيير (3) هنا، بل الحكم هنا بتعين الأربعين.
وفيه: - مع ما مر - أن قوله: " فإذا زادت واحدة ففي كل خمسين حقة..

(1) في " م ": لتعلق الفريضة.
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": بامكان.
(3) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": بالتخيير.
139

إلى آخره " (1) عدول إلى بيان نصاب آخر كلي، وليس في مقام بيان حكم خصوص
قوله: " فإذا زادت واحدة "، والمراد أنه إذا زادت واحدة فلا يتعلق النصاب
بخصوص عدد المجموع، بل لا بد من ملاحظة العدد، خمسين خمسين، أو
أربعين أربعين، فافهم وتدبر.
ومما ذكرنا تبين أن وجوب ثلاث بنات لبون في المائة والواحدة والعشرين
ليس لأجل مراعاة مصلحة الفقراء، لأنه أغبط لهم - كما (2) ذكره بعض (3) -، إذا
لا وجه لوجوب هذه المراعاة، بل من جهة اقتضاء سببية الأربعين لعدم العفو
عن أفراد وأجزائها، وأن العفو عن فرد منه كما في المائة والأربعين، أو عن جزء
فرد منه كما في المثالين (4) مناف لسببية كل فرد منه.
ومما يؤيد ما ذكرنا: ما اتفق عليه في نصاب البقر من وجوب العد بأقل
النصابين عفوا - كمذهب المشهور - مع أن الرواية الواردة فيه أيضا: " في كل
ثلاثين (5) تبيع حولي، وفي كل أربعين مسنة " (6).
ومما يلزم أيضا على التخيير المطلق: أن يكون في المائتين والخمسين خمس
حقاق معينا، وفي المائتين وستين يجوز أربع [حقاق وبنت لبون] (7)، فيكون زيادة
العشرة موجبة لنقص الفريضة.
ثم التخيير في مقامه هل هو إلى المالك، أو إلى الساعي؟ الأقوى الأول،

(1) الوسائل 6: 75 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6.
(2) في " م ": مما.
(3) مسالك الأفهام 1: 40.
(4) في " م ": الثلاثين.
(5) في " ف " و " ع " و " ج ": خمسين، والظاهر أنه سهو.
(6) الوسائل 6: 77 الباب 4، من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(7) محل ما بين المعقوفتين في " ف " بياض وكتب الناسخ تحته: قد قرض الدود الورقة في هذا المكان
والظاهر أن العبارة هكذا: أربع حقاق وبنت لبون، وجاءت العبارة في باقي النسخ كما في المتن
140

بل عن العلامة في التذكرة (1) والمنتهى (2) نسبته إلى العلماء، لأن الساعي إنما
يستحق بعد تكليف المالك بالاعطاء فإذا كان تكليفه تخييريا فله أن يدفع إلى
الساعي ما شاء، إذ ليس للساعي إلا أن يقول له: ادفع إلي ما أمرك الله به، وهو
أحدهما (3) على سبيل التخيير، فالساعي إنما يطالب (4) ما طلب الله.
هذا مضافا إلى ما يظهر من آداب المصدق (5) المروية عن سيد الأوصياء
عليه السلام من تخيير المالك في غير ما ألزمه الله تعالى والرفق معه (6)، فالقول بتخيير
الساعي - نظرا إلى ما عن الشافعي (7) من تحقق سبب الفريضتين (8) فليس للمالك
الامتناع عنه، كما عن الخلاف (9) - ضعيف.
ثم الواحد الزائد على المائة والعشرين، لا ريب في اعتباره، إذ لولاه لم
يجب إلا حقتان بمقتضى النصاب الحادي عشر، فوجوده مؤثر لأمرين:
أحدهما: جواز (10) إعطاء ثلاث بنات لبون، ولم يجز قبله.
الثاني: جعل الزائد على الواحد والتسعين داخلا في النصاب وموردا
للفريضة، وقد كان (11) ذلك عفوا.
وهل هو بنفسه جزء من مورد الفريضة كالآحاد المتقدمة عليه، أو خارج

(1) التذكرة 1: 207.
(2) المنتهى 1: 481.
(3) في " ف " و " م " و " ج ": أحدها.
(4) في " ف ": يطلب.
(5) في " ع ": التصدق.
(6) الوسائل 6: 88 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(7) المغني لابن قدامة 2: 585.
(8) في هامش: " ج ": ما يطلبه بدل الفريضتين، وفي " م ": من تحقق سبب الفرضين ما يطلبه.
(9) الخلاف 2: 14 - 15.
(10) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": جواز.
(11) في " ف ": مثل.
141

شرط في تعلق الفريضة بما قبله؟ وجهان، بل قولان:
من جعله عليه السلام النصاب ومورد الفريضة في هذا العدد وما بعده
الأربعين والخمسين، فقال: " في كل أربعين كذا "، ولا ريب أن هذا الواحد
خارج عن أفراد الأربعين، وإلا لكان بنت لبون في كل أربعين وثلاث.
ومن أن الزكاة في مجموع المال، و (1) الواحد الزائد ليس عفوا إجماعا، فهو
مورد للفريضة. وأما قوله: " في كل أربعين كذا " فهو حيث كان مسوقا لبيان
ضابطة كلية في جميع ما فوق المائة والعشرين، فالمقصود بيان ما لا بد أن يخرج
من غير تعلق غرض بيان ما هو تمام المورد لهذا المخرج، مع أن الأربعين ليس
تمام المورد في هذه الصورة، وإلا فهي تمامه في غيرها.
والحاصل: أنه في مقام وجوب إخراج بنت لبون بحسب أفراد الأربعين
لا في مقام بيان المورد الحقيقي لبنت اللبون، نظير ما اتفق للشهيد في اللمعة
حيث قال - بعد النصاب الحادي عشر، وهو الواحد والتسعون (2). -: ثم في كل
خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون (3). فإن ظاهر هذا الكلام أن الحقتين
ثابتتان في المائة، فأجزاؤهما موزعة على آحاد المائة وهي موردهما حقيقة، مع أن
موردهما الواحد والتسعون من المائة، والتسعة الأخرى عفو.
وكذا الكلام في المائة والعشرين، فهذا الكلام لا يتم إلا بما ذكرنا من أن
المراد بيان ضابطة الاخراج وتعيين المخرج. فلا يقدح ترك التعرض للمورد
الحقيقي للمخرج، وكأنه قال: عد الأربعينات وأخرج بعددها بنات اللبون.
هذا ولكن الانصاف أنه إذا كان ظاهر اللفظ المورد الحقيقي، فورود
الكلام في مقام بيان حكم آخر لا يمنع من الاستدلال بظاهره، مضافا إلى ما في

(1) في " م ": إذ.
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": والستون وهو سهو وكذا ما سيجئ.
(3) اللمعة الدمشقية: 49.
142

رواية: " وليس على النيف شئ، ولا على المكسور شئ " (1) فإن الحكم بجزئية
الواحد الزائد مستلزم لثبوت الزكاة في النيف - وهو ما بين العقدين - بل في
الكسور، حيث إن بنت لبون تكون حينئذ على الأربعين وثلاث.
والمراد من النيف - هنا - هو: ما بين الأربعين والخمسين، كما يشهد به
ذكره بعد النصاب، وليس المراد مطلق ما بين العقدين حتى ينتقض بثبوت
الفريضة في ست وعشرين وأمثاله، مع أن التخصيص ليس عزيزا في
العمومات.

(1) الوسائل 6: 74 باب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6.
143

مسألة (1)
[12]
اعلم أن للبقر نصابا كليا وهو أحد الأمرين من الثلاثين والأربعين،
إجماعا نصا وفتوى.
والجاموس من جنس البقر في الزكاة، للاتفاق - كما في المعتبر (2) وعن
المنتهى (3)، ولصحيحة زرارة: عليه مثل ما على البقر " (4).
وفي كل ثلاثين تبيع، وتجزي التبيعة أيضا للاجماع المحكي (5)، بل للأولوية
حيث إن التبيعة أنفع - كما قيل - (6).
وفي كل أربعين مسنة، ولا يجزي المسن لظاهر النص (7).

(1) جاءت هذه المسألة في " ج " و " ع " بعد المسألة [16] وقبل المسألة [17] وأثبتناها هنا كما وردت
في نسختي " م " و " ف ".
(2) المعتبر 2: 502.
(3) المنتهى 1: 488.
(4) الوسائل 6: 77 الباب 5 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(5) المنتهى 1: 488.
(6) مفتاح الكرامة 3: 63 (كتاب الزكاة).
(7) الوسائل 6: 77 الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام.
144

مسألة
[13]
النصب الثلاثة الأولى للغنم وهي: الأربعون، والمائة والعشرون، والمائتان
وواحدة، مما لا خلاف فيها نصا وفتوى.
والخلاف في أن الثلاثمائة وواحدة نصبا خاص فيها أربع شياة، ثم بعدها
نصاب عام وهو المائة، والواحد حينئذ جزء بلا إشكال، أو أن الثلاثمائة داخل
في النصاب العام (1)، وهو أن في كل مائة شاة، ففيها ثلاث بمقتضى النصاب إلا عاما
لا بالخصوص، وحينئذ ففي دخول الواحدة في النصاب أو كونها شرطا، الخلاف
المتقدم في الإبل؟ قولان مشهوران مرويان بالسند المعتبر، إلا أن الأول أشهر،
وروايته أوثق - وإن كان ابن هشام (2) -، وأصرح - لامكان التوجيه في الآخر -،
ومخالف للعامة، فقد حكي (3) اتفاق الجمهور على الثاني، ومع ذلك فهو أحوط.
وعليه فلا فرق بين الثلاثمائة وواحدة وبين الأربعمائة في وجوب الأربع في
كل منهما، ومحل الأربع هو: مجموع الأربعمائة، فلو تلف منها شئ بعد الحول

(1) في " ج ": الواحد.
(2) أي: وإن كان في السند إبراهيم بن هاشم.
(3) لم نقف على الحاكي.
145

سقط من الأربع شياه ما (1) يقابله، أما لو نقص العدد عن الأربعمائة بواحد أو
اثنين فتلف منه شئ بعد الحول لم يسقط ما يقابله، لأن محل الفريضة وهو
ثلاثمائة وواحدة موجود.
أما الحكم المترتب على كون المحل هو الأربعمائة فيتوقف على مقدمتين:
إحداهما: كون الفريضة شائعة في النصاب شياع الكسر في العدد التام،
لا شياع الفرد المنتشر في أفراد الكلي، وإلا (2) فلا وجه لسقوط شئ من (3)
الفريضة بتلف شئ من النصاب، والسر واضح، وسيأتي (4) الكلام فيه (5) في تعلق (6)
الزكاة بالعين.
والثانية: كون النصاب المتقدم بعد الوصول إلى المتأخر ساقطا عن
الاعتبار، وإلا فبعد تلف شئ من الأربعمائة بحيث يبقى الثلاثمائة وواحدة
- الذي هو سبب مستقل لوجوب الأربعة - لا وجه لسقوط شئ من الأربعة،
ففي الحقيقة الثلاثمائة وواحدة، مورد للأربعة إلى خمسمائة فإذا (7) حال الحول فإن
أمكنه الاخراج وجب، لصحيحة سعد بن سعد - في الكافي، بعد السؤال عن
جواز تأخيرها عن زمان الحلول -: قال: متى حلت أخرجها " (8).

(1) في " ج " و " ع ": مما.
(2) ليس في " ف ": وإلا.
(3) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": شئ من.
(4) انظر المسألة: [22]
(5) ليس في " م ": نفي.
(6) في " م ": نفي.
(7) من هنا إلى آخر المسألة لم يرد في " ف ".
(8) الكافي 3: 523 الحديث 4، الوسائل 6: 213 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث
الأول.
146

وفي موثق يونس بن يعقوب - في الكافي، بعد السؤال عن حبسها عن
وقت حلولها -: " قال: إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشئ، ثم
أعطها كيف شئت " (1).
ورواية أبي حمزة الثمالي - في الكافي - عن أبي جعفر عليه السلام: " عن الزكاة
يجب علي في موضع لا يمكنني أن أؤديها؟ قال: اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها
ضامن ولها الربح، وإن تويت (2) في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة
فليس عليك، فإن لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك، فلها بقسطها من الربح،
ولا وضيعة عليها " (3).
وفي رواية أبي بصير - المحكية عن السرائر -: " وليس لك أن تؤخرها بعد
حلها " (4).
ولكن في صحيحة معاوية بن عمار - المحكية عن التهذيب - أنه: " لا بأس
بتأخيرها من رمضان إلى المحرم " (5) وفي رواية حماد بن عثمان: " تأخيرها إلى
شهرين " (6).
ويمكن حملهما على صورة العذر، أو على تأخير دفع المعزول.
ولو لم يخرجه اختيارا ضمن، فعن التذكرة، أنه لم تلف المال بعد الحول
وإمكان الأداء، وجبت الزكاة عند علمائنا أجمع (7).

(1) الكافي 3: 522 الحديث 3، الوسائل 6: 213 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
(2) في " ج " و " ع " و " ف ": نويت، والصحيح ما أثبتناه وهو المطابق للمصدر. وتويت: أي هلكت.
مجمع البحرين 1: 71 " توا ".
(3) الكافي 4: 60 الحديث 2، الوسائل 6: 214 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(5) (6) التهذيب 4: 44، الحديث 112 و 114، الوسائل 6: 210 الباب من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 9 و 11.
(7) التذكرة 1: 255.
147

مسألة
[14]
لا خلاف بين الخاصة في اعتبار السوم في وجوب الزكاة في الأنعام - وعليه
جمهور العامة إلا مالكا (1) - للأخبار المستفيضة (2، مثل قوله عليه السلام - في
صحيحة زرارة -: " ليس على ما يعلف شئ، إنما الصدقة على السائمة المرسلة
في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه " (3)، وصحيحة الفضلاء: " ليس على العوامل
من الإبل والبقر شئ، إنما الصدقة على السائمة الراعية " (4).
وهل يعتبر حول السخال من (5) حين النتاج كما عن الشيخ (6)،
والإسكافي (7)، وجماعة، منهم: المحقق - في ظاهر عبارته في المعتبر - في فروع

(1) المدونة الكبرى 1: 313، بداية المجتهد 1: 244، المحلي 6: 45.
(2) في " م ": وللأخبار مستفيضة ز (3) الوسائل 6: 51 الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3، و 80 الباب 7 من أبواب الأنعام، الحديث 3.
(4) الوسائل 6: 81 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5. وفيه: إنما الصدقات.
(5) ليس في " ف ": من.
(6) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 3: 36 (كتاب الزكاة)، وراجع المبسوط 1: 203 والخلاف 2: 23.
(7) نقله عنه العلامة في المختلف.
148

مسألة تعلق الزكاة بالعين (1)، بل في المختلف (2) والمسالك: أنه المشهور (3)؟، أم
من حين الاستغناء بالرعي عن اللبن، كما في المعتبر (4)، والمختلف (5)، واللمعة (6)،
وبعض آخر (7)؟ أم يفرق بين المرتضع من لبن السائمة، والمرتضع من المعلوفة
فيلحق كلام حكمه باللبن كما عليه في البيان (8)؟ أقوال.
الأقوى: الأول، للعمومات مثل قوله: " في كل أربعين شاة شاة " (9)، وقوله
عليه السلام: " يعد صغيرها وكبيرها " (10) وقوله: " لا يؤخذ من صغار الإبل شيئا حتى
يحول عليه الحول " (11).
ودعوى تخصيص هذه الأخبار بما ورد من اختصاص الزكاة بالسائمة،
مع تسليم كون النسبة بين أدلة خصوص الصغار عموما مطلقا، مدفوعة بأن
الظاهر من أدلة اعتبار السوم هو اختصاصه بما شأنه أن يعلف ويسوم، فقوله:
" إنما الصدقة على السائمة الراعية " (12) حصر إضافي بالنسبة إلى المعلوفة التي من
شأنها أن تسوم، أو في مقابلة ما أخذ للعمل كالفرس للركوب والإبل للحمل،

(1) المعتبر 2: 522.
(2) المختلف: 175.
(3) المسالك 1: 41.
(4) المعتبر 2: 510.
(5) المختلف 1: 175.
(6) اللمعة الدمشقية: 50.
(7) حاشية الشرائع (مخطوط): 45 وراجع مفتاح الكرامة 3: 36 (كتاب الزكاة).
(8) البيان: 172.
(9) الوسائل 6: 78 الباب من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(10) الوسائل 6: 85 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.
(11) الوسائل 6: 83 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2، وفيه: لا يأخذ.
(12) الوسائل 6: 80 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام الحديث 2.
149

والصغار في أول النتاج ليس من شأنها السوم ولا الاعلاف ولا العمل، كما يفهم
ذلك من أخبار اعتبار السوم بعد التأمل، وقد يعطي لما ذكرنا المحقق القمي في
الغنائم، إلا أنه جعل التبادر موجبا لاجمال (1) المطلق بالنسبة إلى غير المتبادر،
قال قدس سره: فلا يمكن التمسك فيه بالعمومات، فيرجع إلى أصالة البراءة (2) وفيه
نظر من وجوه كما لا يخفى.
هذا كله مضافا إلى حسنة زرارة بابن هاشم، بل في المسالك (3) صحيحة:
" ليس في صغار الإبل شئ حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج " (4)، ونحوها
رواية معتبرة أخرى لزرارة (5).
ومما ذكرنا في معنى أدلة اعتبار السوم يظهر أن السوم معتبر (6) في السخال
عند الاستغناء عن اللبن، لأنها حينئذ من شأنها السوم والعلف، وليس عموم أدلة
السوم مخصصة بما ورد في السخال من اعتبار حولها من يوم تنتج حتى لا يعتبر
في السخال هذا الشرط، بل السوم معتبر في كل ما من شأنه الاتصاف به
وبمقابله.
ثم إنهم اختلفوا فيما يتحقق به السوم وما ينقطع به، فعن الشيخ: إنه
يتحقق بمجرد كون السوم أغلب من العلف (7)، وظاهر المحقق اعتبار
استمراره طول الحول (8)، نعم لا يقدح مثل اللحظة، وعن العلامة في التذكرة (9)

(1) في " ج ": للاجمال.
(2) راجع غنائم الأيام: 319.
(3) المسالك 1: 41.
(4) الوسائل 6: 83 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(5) الوسائل 6: 83 الباب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.
(6) في " ج " و " م ": يعتبر.
(7) المبسوط 1: 198، الخلاف 2: 53، كتاب الزكاة، المسألة 62.
(8) الشرائع 1: 144.
(9) التذكرة 1: 205، وفيه: والأقرب عندي اعتبار الاسم، فإن بقي عليها اسم السوم وجبت وإلا
سقطت.
150

والشهيد والمحقق الثانيين: إحالة ذلك إلى العرف (1)، وفي الحدائق: أن الظاهر
كونه المشهور بين المتأخرين (2) وهو الأقوى.
وتحقيقه: إن الحكم مرتب (3) على السائمة لا السوم، وبعد ملاحظة اعتبار
حلول الحول على الملك (4) الخاص الواجد للشروط المقررة للمال الزكوي، يعتبر
أن يكون في تمام الحول سائمة، لا بمعنى أن يتلبس بالسوم في طول الحول كما
يعتبر تلبسه بالمملوكية طول الحول، كيف وهو ينام ويشرب ويسكن غير ذلك،
بل يعتبر أن يكون المصاديق الحقيقية للسائمة التي هي (5) من المشتقات التي
لا يشترط في صدقها قيام المبدأ بها بالفعل، فإن الغنم إذا سامت إلى حد يصدق
عليها عرفا أنها سائمة فكما يصدق عليها في حال السوم (6) أنها سائمة، فكذلك
حال (7) اشتغالها بالاعتلاف يصدق عليها أنها سائمة إلا (8) أن يبلغ الاعتلاف
حدا يصدق أنها غير سائمة، والحد الموجب لصدق السائمة والمعلوفة موكل إلى
العرف.
والظاهر تحقق الأول بمجرد بناء المالك على أن لا (9) يعلفها ما تحتاج
إليه، ويكتفى عن ذلك برعيها في المرعى، ويمضي على ذلك مدة، فإذا (10) اتفق
بعد ذلك يوم لا يرعاها لمانع من الرعي فاعلفها، فيقال: إنها سائمة أعلفت في

(1) الروضة البهية 2: 22 والمسالك 1: 41 وجامع المقاصد 3: 11.
(2) الحدائق 12: 79.
(3) في " م ": إنما يترتب.
(4) في " م ": التملك.
(5) ليس في " ج " و " ع ": هي.
(6) في " م ": النوم.
(7) ليس في " ف ": حال.
(8) ليس في " ف ": إلا.
(9) ليس في " ج " و " ع ": لا، والعبارة في " م " غير واضحة.
(10) في " ج " و " ع ": إذا.
151

هذا اليوم، ولا يسلب [عنها] (1) صدق هذا (2) المشتق بمجرد يوم أو يومين بل أكثر.
ومما يؤيد ذلك إطلاق الروايات مثل قوله عليه السلام: " أما الصدقة على
السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه " (3)، فإن إرسالها في مرجها
أي مرعاها - عام اقتنائها لا ينفك غالبا عن (4) أن يتفق مانع في بعض الأيام
عن إرسالها إلى المرعى. فحاصل ما ذكرنا هو اعتبار استمرار (5) صدق السائمة
طول الحول، لا استمرار السوم، وأما الملك فحيث إن عنوانه لا يتحقق إلا
بالتلبس فلهذا يقدح انقطاعه لحظة.
وقد يتوهم أن المعتبر هو أن يصدق عليها أنها سائمة في الحول، بأن يكون
الشرط هو تحقق السوم المضاف إلى الحول لا أن يتحقق السوم المطلق، بأن
يصدق السائمة في كل جزء جزء من الحول.
وفيه: أن الحول ليس من قيود السوم بأن يقيد السوم مقيدا بالحول ثم يعتبر في
المال، وليس ذلك، بل صدق السائمة عرفا - أو تحقق السوم على القول
الآخر - معتبر في المال، ثم يعتبر حلول الحول على المال المقيد بهذا القيد: نعم (6)
يحتمل لذلك - أي لكون الحول قيدا للسوم - ما في خبر زرارة: " أما الصدقة على
السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه " (7).
وحيث عرفت أن المعيار أن يصدق عليه تمام الحول أنها سائمة، يظهر أنه

(1) في النسخ: عنه.
(2) في " ف ": في هذا.
(3) الوسائل 6: 51 الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3، وفيه: " إنما الصدقة " كما
تقدم في الصفحة 148.
(4) في " ج " و " ع ": من.
(5) ليس في " ج " و " ع ": استمرار.
(6) في " م ": نعم ربما.
(7) الوسائل 6: 51 الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3، وفيه: إنما الصدقة.
152

لا يقدح في ذلك اعتلافها بنفسها من مال المالك أو غيره لو أعلفها المالك
سلب عنها عنوان السائمة. نعم لو اشترى لها المالك مرعى أو كان له قصيل (1)،
أو ما يبقى من أصول السنابل بعد الحصاد فأعلفها إياها مدة يسلب الاسم،
وكذلك لو قصل (2) الحشيش المباح فاعلفها إياه.
وحكى بعض المعاصرين عن بعض مشايخه: أنه لو اشترى مرعى
فأرسلها فيه فهي سائمة، لصدق الرعي لغة وعرفا، بل لا فرق بينه وبين
الاستئجار (3)، مع أن بعض أخبار اعتبار الحول نص في عدم جواز التقديم عليه
وعدم تعلق الوجوب أصلا قبل الحول، مثل قوله عليه السلام - في حسنة عمر بن
يزيد بابن هاشم -: " الرجل يكون عنده المال أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟
قال: لا حتى يحول عليه الحول ويحل عليه، إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها،
وكذلك الزكاة، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء، وكذلك كل
فريضة إنما تؤدى إذا حلت " (4).
فإنها صريحة في نفي الوجوب (5) قبل حولان الحول، فلا يجمع بينه وبين
الحسنة المتقدمة (6) بما ذكر، بل يتعين بما سيأتي من التصرف في حولان الحول.

(1) القصيل: هو ما اقتطع من الزرع أخضر. - القاموس المحيط 4: 37 " قصل " -.
(2) في " ج " و " ع " و " م ": قصل له.
(3) انظر الجواهر 15: 96.
(4) الوسائل 6: 212 الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2. مع بعض الاختلافات.
(5) في " م ": الوجوب رأسا.
(6) تقدمت في الصفحة 150.
153

مسألة
[15]
لا إشكال في اعتبار الحول في وجوب زكاة النقدين والأنعام ومال التجارة،
ولا خلاف (1) في تحقق الوجوب بمضي أحد عشر شهرا واستهلال الثاني عشر،
بل في المعتبر (2) وعن المنتهى (3): نسبته إلى علمائنا، وفي المسالك (4) وعن التذكرة (5)
والايضاح (6): الاجماع عليه. ويدل عليه حسنة زرارة بابن هاشم - بعد المنع عن
هبة المال -: " إذا دخل (7) الشهر الثاني عشر فقد حال (8) الحول ووجبت
الزكاة " (9).

(1) في " م ": ولا خلاف أيضا.
(2) المعتبر 2: 507.
(3) المنتهى 1: 487.
(4) المسالك 1: 41.
(5) التذكرة 1: 205.
(6) إيضاح الفوائد 1: 172.
(7) في " ف ": حل.
(8) في " ف " حل الحول.
(9) الوسائل 6: 111 الباب 12 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 2. وفيه: " فقد حال
عليه الحول ووجبت عليه فيها الزكاة ".
154

إنما الاشكال والخلاف في أنه هل يستقر الوجوب بدخول الثاني عشر،
أو يبقى متزلزلا إلى أن يكمل الثاني عشر؟ فإن بقي المال على الشرائط كشف
عن استقرار الوجوب بالأول، وإن اختلت (1) كلها أو بعضها كشف عن عدم
الوجوب أولا؟
ظاهر الحسنة (2) والفتاوى: الأول، ومال الشهيدان (3) والكركي (4) والميسي
وغيرهم - على ما حكي عن بعضهم (5) - إلى (6) الثاني، ولعله للجميع بين ما ظاهره
اعتبار كمال الحول وتمام السنة والعام في المال مستجمعا لجميع الشرائط، والحسنة
المعتضدة بالفتاوى، بحمل الأول على اعتبار ذلك في الاستقرار وحمل الثانية على
مجرد تعلق الوجوب ولو متزلزلا.
ويمكن أن يستشهد لهذا الجمع بموثقة إسحاق بن عمار: " عن السخلة
متى تجب فيها الصدقة؟ قال إذا جذع " (7)، الجذع وإن اختلف في معناه بالنسبة
إلى الضأن، فقيل: إنه ما مضى [عليه] (8) ستة أشهر (9)، وقيل: سبعة (10)، وقيل: ثمانية (11)،
وقيل: عشرة (12)، إلا أن المحكي عن حياة الحيوان: إن الصحيح عند أصحابنا
وأكثر أهل اللغة: أنه ما مضى عليه سنة (13) فيكون الجذع في الضأن مثله في المعز،

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": أخلت.
(2) المتقدمة آنفا.
(3) البيان 171، والروضة البهية 2: 23.
(4) جامع المقاصد 3: 10.
(5) نقله عن الميسي وغيره، السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 32.
(6) ليس في " ف " و " م ": إلى.
(7) الوسائل 6: 83 باب 9 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3 وفيه: إذا أجذع.
(8) الزيادة اقتضاها السياق.
(9) مفاتيح الشرائع 1: 353.
(10) الجواهر 15: 131.
(11) مفتاح الكرامة 3: 73 (كتاب الزكاة) نقله عن المغرب.
(12) النهاية: 1: 250، ومجمع البحرين 4: 310 " جذع ".
(13) حياة الحيوان 1: 232 ذيل مادة " جذع ".
155

وحينئذ فيدل الخبر على أنه لا يتعلق الزكاة بالسخال منجزا إلا بكمال السنة
الأولى.
أما كلمات الأصحاب فظهورها في الوجوب المستقر مما لا ينكر، ولذا
استدل في المعتبر بعد دعوى الاتفاق، على أخبار (1) اعتبار الحول (2) ومن المسلم
عند الخضم اعتبار ذلك في الاستقرار، ولذا اعترف في المسالك بأن مقتضى
الاجماع والرواية هو الأول (3)، والظاهر أنه أراد الاجماع المنقول، وإلا فكيف
يعدل عن المحصل، وأما الرواية فقد ذكر أن في سندها كلاما، وليس الكلام إلا
في ابن هاشم وهو مشهور بالاعتماد على روايته، بل عده هو رحمه الله في مسألة مبدأ
نصاب السخال من الصحيح، كما هو مذهب جماعة من متأخري (4)
المتأخرين (5)، وعلى الضعف، فلا يقصر عن الضعف المنجبر بالاجماع المنقول،
إلا أن يتأمل في دلالة الاجماع المنقول من جهة احتمال إرادتهم مطلق الوجوب،
الأعم من المتزلزل، وهو بعيد.
بل الانصاف أن التصرف فيما دل على اعتبار حولان الحول أقرب من
التصرف في الحسنة المتقدمة (6) وفي الفتاوى، وهل يتصرف في ذلك (7) باثبات
الحقيقة الشرعية للفظ الحول كما يظهر من بعضهم (8)، أو بإرادة الأحد عشر منه

(1) كذا في النسخ، والصحيح ظاهرا: بأخبار.
(2) المعتبر 2: 507.
(3) المسالك 1: 41.
(4) ليس في " م ": متأخري.
(5) منهم صاحب الحدائق (12: 73) وصاحب الجواهر 15: 186 و 187).
(6) في الصفحة 154.
(7) في " م ": التملك.
(8) المسالك 1: 41، ومفتاح الكرامة 3: 32.
156

مجازا بقرينة الرواية المعتضدة، أو يتصرف في الحولان بأن يراد منه الدخول في
الشهر الأخير منه؟ الأقرب الثالث.
وعلى الأولين فلا بد من عد الثاني عشر من الحول الثاني، كما عن فخر
الدين في الإيضاح (1)، إما بحمل (2) الحول على أحد عشر شهرا، للحقيقة (3)
الشرعية، أو المجاز كما ذكر، (4) أو للتصرف في الحولان نظرا إلى أن ظاهر قوله
- في الحسنة السابقة - (5): [" فقد حال الحول "] (6) انقضاء الحولان، لأن كلمة
" حال " فعل ماض ظاهر في الانقضاء، و " الفاء " ظاهرة في التعقيب، فبمجرد
دخول الثاني عشر يحصل انقضاء حولان الحول.
لكن الانصاف أن الحسنة غير ظاهرة في انقضاء الحول، وإن سلم
ظهورها في انقضاء الحولان، لأن الحولان يصدق (7) بمجرد دخول جزء الشهر
الأخير، ولا تنافي بين تحقق الحولان شرعا، وعدم انقضاء الحول.
ويضعف دعوى الحقيقة الشرعية في الحول أن مورد الأخبار ليس مختصا
بلفظ الحول حتى يرتكب فيه دعوى الحقيقة، بل فيها لفظ السنة والعام (8)،
وارتكاب الحقيقة فيهما أو التجوز للمسامحة فيهما بعيد جدا. مع أن دعوى الحقيقة
أو المسامحة (9) فيهما في جميع أبواب الفقه مما لا يرضاه أحد، وإن كان في خصوص

(1) إيضاح الفوائد 1: 172.
(2) في " ع " و " ج ": بحول الحول، وفي " م ": لحمل الحول.
(3) في " م ": بالحقيقة.
(4) في " م ": كما ذكروا.
(5) المتقدمة في الصفحة 154.
(6) ما بين المعقوفتين ليس في " م ".
(7) في " م ": يحصل.
(8) محل الكلمة بياض في " ف " و " م "، وفي هامش " ف ": الحول - ظاهرا -
(9) ليس في " م ": أو المسامحة.
157

الزكاة فكما ترى.
وأما إرادة الأحد عشر مجازا من لفظ الحول والسنة، فأما المجاز المرسل
فغير ثابت، وأما المجاز لعلاقة المشابهة أو المجاز في ادعاء تنزيل المعدوم منزلة
الموجود، فهو وإن كان أحسن من دعوى الحقيقة إلا أن إرادة خصوص الأحد
عشر من لفظ الحول أو السنة (1) أو العام مجاز مهجور، إلا أن الانصاف أن
التصرف في الحولان أيضا بعيد في الغاية، لأن حولان الحول كالنص في مضيه
وانقضائه، لأن الظاهر أن معنى " حولان الحول ": دورانه (2) باعتبار الشهور.
نعم لو أمكن أن يراد منها مجرد إهلال الأهلة الاثني عشر - ولو كان
كتاسع وعشرين من ذي القعدة إلى اليوم الأول من شوال - كان ذلك قريبا من
الاطلاقات العرفية، لكنه خلاف الاجماع ظاهرا (3).
هذا مع أن في بعض الأخبار اعتبار بقاء المال سنة عند المالك (4)، ولا
يمكن التصرف هنا في غير لفظ السنة.
وكذا في بعض: إذا كان المال (5) موضوعا عنده حولا (6).
وفي بعضها: " إن في الخيل في كل سنة دينارا، أو دينارين " (7) وقوله: - في

(1) في " ف ": والسنة.
(2) في " ف ": ودورانه.
(3) ليس في " ف ": ظاهرا.
(4) الوسائل 6: 61 الباب 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة، و 6: 82 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام.
(5) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": المال.
(6) الوسائل 6: 51 الباب 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث الأول، والحديث منقول
بالمعنى، وعبارة " دينارا أو دينارين " غير واضحة في النسخ.
158

زكاة النقدين -: " يلزم زكاة المال في كل سنة " (1)، وفي بعض الأخبار اعتبار مضي
الحول (2)، وفي آخر مرور (3) السنة (4)، إلى غير ذلك مما يأبى هذا التصرف.
نعم يمكن أن يقال: إن المراد من مضي الحول عرفا ما يعم الدخول في
الشهر الثاني عشر، فيطلقون بمجرد ذلك أنه مضى سنة وحال الحول، كما يقال:
" مضى أسبوع " بمجرد دخول اليوم السابع، و " مضى شهر " بمجرد دخول اليوم
الأخير (5).
والحاصل: أن العرف كثيرا ما يطلقون (6) مثل هذا الاطلاق، فيحكمون
بتحقق الأسبوع بمجرد الدخول في السابع، والشهر (7) بمجرد الدخول في اليوم
الآخر وإن لم يمض، وبتحقق السنة والحول والعام بمجرد الدخول في الشهر
الأخير، ويحكمون بمضي عشرة أيام في اليوم العاشر.. وهكذا.
ومما يدل على صدق اتيان السنة ومرور السنة وحلول الحول بمجرد
دخول (8) الشهر الثاني عشر، مصححة (9) أبي بصير، عن الصادق عليه السلام: " عن
رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا، فتحل عليه الزكاة؟ قال: يزكي العين
ويدع الدين. قلت: فإنه اقتضاه بعد ستة أشهر؟ قال: يزكيه حين اقتضاه. قلت:

(1) الوسائل 6: 113 الباب 13 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 67 الباب 5 و 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(3) في " ف ": مورد.
(4) الوسائل 6: 63 الباب من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 7 و 209 الباب 49 من
أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(5) في " ف " و " ع " و " ج ": يوم الآخر.
(6) في " م ": يطلقون أسماء.
(7) في " م ": ويتحقق الشهر.
(8) في " ف " و " ج " و " ع ": حلول.
(9) في " م ": صحيحة.
159

" فإن حال عليه الحول وحل الشهر الذي كان يزكي فيه، وقد أتى لنصف ماله
سنة ولنصفه الآخر (1) ستة أشهر؟ قال: يزكي الذي مرت عليه السنة ويدع
الآخر حتى يمر عليه سنة.. الحديث " (2).
فإن السائل أطلق إتيان السنة بمجرد حلول الشهر الذي كان يزكي فيه،
مع أنه يمكن أن يكون قد يزكي المال في آخر ذي القعدة، فبمجرد هلال ذي
القعدة أطلق اتيان السنة، وحكم الإمام عليه السلام بوجوب تزكيته، لأنه مر عليه
سنة، ولم يمر عليه إلا أحد عشر شهرا ويوم أو أقل أو أكثر.
وليس المراد تعليق وجوب الزكاة بحلول الشهر الذي كان يزكي فيه،
حتى يقال: إنه ليس الوجوب في الجملة موقوفا عليه إجماعا، والاستقرار لا
يتحقق بمجرده - أيضا - إجماعا، بل المراد: أن المكلف إذا أدى زكاته في أول
حلول الشهر الذي يزكي في السنة السابقة في آخره أو وسطه فلم يقدم
الزكاة على السنة، وإنما زكى بعد مرورها كما يفهم من الرواية.
نعم لا يطلقون ذلك قبل الدخول في الجزء الآخر لا في الأسبوع ولا في
أخوته، وهذه الاطلاقات وإن كانت مبنية على المسامحة في الحكم بالتحقيق
والمضي والحولان والمرور (3)،
والمسامحة غير معهودة في المقادير المتعلقة للأحكام
الشرعية، إلا أن الدليل هنا لما قام (4) على كون مجرد الدخول في الثاني عشر
موجبا لتعلق الزكاة كشف ذلك عن كون الاطلاقات الكثيرة في الأخبار أريد
بها ذلك، فهي مسامحة في التعبير، وليست المسامحة في الاعتبار، بأن يعلق الشارع

(1) ليس في " ف " و " م " و " ع ": الآخر.
(2) الكافي 3: 523 باب أوقات الزكاة، الحديث 6، والوسائل 6: 65 الباب 6 من أبواب من تجب
عليه الزكاة، الحديث 9 و 6: 209 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(3) ليس في " ف ": والمرور.
(4) ليس في " ف ": هنا لما قام.
160

حكما على موضوع قابل عرفا للمسامحة فيه بالزيادة والنقصان، كالشهر في
المسافر المتردد [و] عشرة أيام في المقيم، وثمانية فراسخ للمقصر، وثلاثة أيام
وعشرة للحائض، إلى غير ذلك.
إلا أن الانصاف أنه يلزم على ذلك تأخير البيان في جميع الأخبار سيما في
بعضها، مثل ما روي فيمن كان عنده مال إلى نحو سنة، أو قريبا من رأس
الحول: " فأنفقه هل عليه صدقة؟ قال: لا " (1)، ونحو ذلك إلا أنه لا محيص عن
ارتكاب ذلك، لتحقق الاجماع (2) على ثبوت الوجوب في الجملة بدخول الثاني
عشر إلا ما يحكى عن الكاشاني في الوافي (3) من احتمال كون الحسنة المتقدمة
مختصة بحكم موردها، وهو عدم جواز إتلاف المال بعد الوقت لا تعلق الزكاة،
وهو خلاف ظاهر الرواية وجميع الفتاوى ظاهرا كما نبه عليه في الحدائق (4).
ثم إنك تعرف مما ذكرنا أن القول بالوجوب المستقر بمجرد الدخول في
الثاني عشر لا ينافي عد الثاني عشر من الحول، بل هو اللازم على طريقة التجوز
التي ذكرناها من التصرف في الكلام بالحمل على المسامحة العرفية في مضي الحول
وحولانه ومرور السنة ونحوها، إذ الظاهر بل المقطوع أن الشهر الأخير من
الحول الأول، وإنما يصدق مضي الحول بالدخول فيه مسامحة، لا أنه ينقطع
الحول الأول بالدخول في الشهر الأخير، فكما أنه يصدق في اليوم الأول من
الشهر الأخير أنه قد مضى الحول أو مرت السنة، فكذلك يصدق في اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس (5)، وهكذا إلى آخر الشهر، ولا يقال في اليوم الثاني:

(1) الوسائل 6: 115 الباب 15 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 2 و 3. نقلا بالمعنى.
(2) في " م ": الاجماع القطعي.
(3) الوافي 10: 135، وحكاه في الحدائق 12: 75.
(4) الحدائق 12: 75.
(5) ليس في " ف " و " ع ": الخامس.
161

[أنه قد زاد على الحول يوم، ولا في آخر الشهر] (1) أنه قد زاد على الحول شهر،
كما أنه لا يلزم من صدق مضي عشرة أيام مسامحة بمجرد دخول العاشر أن
يصدق في آخر ذلك اليوم أنه عشرة أيام ونصف مثلا، فما دل على وجوب زكاة
المال في سنة، مثل قوله عليه السلام - في صحيحة ابن يقطين، بعد السؤال عن المال
إذا لم يعمل به، ولم يقلب -: " قال نلزمه زكاته في كل سنة " (2) وغير ذلك باق (3)
على معناه الحقيقي، وأن بالدخول في الثاني عشر تجب زكاة السنة التي هي عبارة
عن الكاملة، فقد أعطى زكاة اثني عشر شهرا في أول الثاني عشر.
نعم لو بنينا (4) على التصرف في لفظ الحول بالحقيقة الشرعية أو المجاز،
فالظاهر أنه لا بد من جعل الثاني عشر من الحول الثاني إما مطلقا أو باستثناء
جزء منه بناء على أن الجزء الأول شطر للحول الأول لا شرط.
ومما يدل على ما ذكرنا من أن الشهر الثاني عشر معدود من الحول الأول،
ما تقدم في مصححة أبي بصير (5) من أمر الإمام عليه السلام بزكاة السنة اللاحقة في
الشهر الذي كان يزكي فيه في السابقة (6)، وقوله في صحيحة ابن يقطين: " عن
المال الذي لا يعمل به (7) ولا يقلب؟ قال: يلزمه الزكاة في كل سنة " (8) وقوله
عليه السلام - في الصحيحة المروية في (9) العلل -: " أنه يأخذ الفقير - وعنده قوت

(1) ما بين المعقوفتين لم ترد في " ع ".
(2) الوسائل 6: 113 الباب 13 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث الأول، وفيه: تلزمه الزكاة
في كل سنة.
(3) ليس في " ج " و " ع ": باق.
(4) في " ف " و " ج " و " ع ": بني.
(5) تقدمت الإشارة إليه في الصفحة 159.
(6) الوسائل 6: 209 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(7) في " ف ": أنه يعمل به. وما أثبتناه من " ج " والمصدر.
(8) الوسائل 6: 113 الباب 13 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث الأول.
(9) في " م ": عن.
162

شهر - ما يكفيه لسنة، لأنها إنما هي من سنة إلى سنة " (1).
اعلم أن اعتبار الحول في الأنعام والنقدين هو اعتبار بقائها (2) إلى
حولان الحول مستجمعة للشرائط، فمقتضاه سقوطه بتلف بعض النصاب في
أثناء الحول أو إتلافه أو معاوضته بغيره مجانسا أو مغايرا، سواء كان الاتلاف
والمعاوضة بقصد الفرار من الزكاة أم لغرض آخر. كل ذلك لعموم الأخبار، مثل
قوله عليه السلام: " لا زكاة على مال حتى يحول عليه " (3).
وعموم ما دل على جواز انفاقه إذا مر عليه نحو من سنة أو قريب من
حول (4).
وجواز هبة المال قبل حلول (5) الحول لشهر أو يوم.
وأنه ليس عليه شئ - كما في الحسنة المتقدمة (6) في حولان الحول -.
وفي آخر (7) - أيضا -: التصريح بجواز أن يحدث في المال شيئا فرارا
من الزكاة (8) (9).
ومثله في التصريح بعدم الزكاة - ولو أحدث فيها (10) فرارا - أخبار

(1) علل الشرائع 2: 371 الباب 97، الحديث الأول. والوسائل 6: 160 الباب 8 من أبواب
المستحقين للزكاة، الحديث 7. وفيه: لسنته من الزكاة.
(2) في " م ": بقائهما.
(3) الوسائل 6: 116 الباب 15 من أبواب الذهب والفضة، الحديث 6، وفيه: لا تجب الزكاة
على المال حتى يحول عليه الحول.
(4) الوسائل 6: 115 الباب 15 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 2.
(5) في " ج " و " ع ": حول.
(6) تقدمت في الصفحة 154.
(7) في " م ": آخرها.
(8) الوسائل 6: 108 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة.
(9) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": من الزكاة.
(10) في " م ": فيهما.
163

مستفيضة (1) في خصوص النقدين، ويتم بعدم القول بالفصل، مع أن الحسنة
مطلقة، وعموم قوله عليه السلام: " في التسعة الأصناف إذا حولتها في السنة فليس
عليك فيها شئ " (2).
وصحيحة علي بن يقطين: إنه يجتمع عندي الشئ فيبقى نحوا من سنة
أنزكيه؟ قال: لا، كل ما لم يحل عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، وكل ما
لم يكن ركازا فليس عليك فيه زكاة. قلت: وما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش.
ثم قال: إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب والفضة شئ من
الزكاة " (3).
فقد علمه الإمام عليه السلام طريق الفرار من الزكاة.
نعم في غير واحد من الأخبار: ثبوت الزكاة إذا جعل بعض الدراهم
دنانير فرارا (4) كموثقة إسحاق بن عمار (5)، أو جعل المال حليا كصحيحة معاوية
بن عمار المحكية عن مستطرفات السرائر، عن كتاب معاوية بن عمار (6) ونحوها
حسنة ابن مسلم بابن هاشم (7)، وتحمل على من فر بها بعد حلول الحول، كما
فسر به الصادق عليه السلام كلام الباقر عليه السلام في الحسنة المتقدمة وفي حسنة
حريز ففيها: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أباك عليه السلام قال: من فر بها من
الزكاة فعليه أن يؤديها، فقال: صدق أبي إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه، وما لم

(1) الوسائل 6: 108 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة.
(2) الوسائل 6: 103 الباب 6 من أبواب زكاة الذهب والفضة، والحديث 2.
(3) الوسائل 6: 105 الباب 8 من أبواب زكاة الذهب والفضة الحديث 2، مع اختلاف يسير.
(4) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": فرارا.
(5) الوسائل 6: 102 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 3.
(6) السرائر 3: 551، والوسائل 6: 110 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 6.
(7) الوسائل 6: 111 الباب 12 من أبواب زكاة والفضة، الحديث 2.
164

يجب عليه فلا شئ عليه "... إلى أن قال - بعد تنظير ما نحن فيه بمن أغمي
عليه ثم مات حيث إنه لا قضاء عليه، وبمن مرض في رمضان ثم مات فيه - قال:
" وكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حل عليه الحول " (1).
وهذا الحمل في تلك الأخبار وإن كان بعيدا في نفسه إلا أنه يصير قريبا
بملاحظة هاتين الحسنتين بابن هاشم، لكن هذا الحمل ينافي (2) رواية ابن عمار
حيث إن فيها: " إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة (3)، وإن كان إنما فعله
ليتجمل به فليس عليه زكاة " (4)، فإن مورد التقسيم لا بد أن يكون قبل الحول،
وإلا لم يسقط (5) عنه في القسم الثاني.
ويمكن حمل تلك الأخبار على التقية من مالك وأحمد كما عن المنتهى (6)،
وإن كان القول بعدم الوجوب محكيا عن جميع المخالفين كما عن الانتصار (7)، أو
عن الشافعي وأبي حنيفة (8) - المشهور (9) الاتقاء عنه في ذلك الزمان - ويمكن
أيضا الحمل على الاستحباب، وهو الأوفق بقاعدة الجمع والاحتياط.
ولا ينافي ذلك إرادة المكلف الفرار م الزكاة، لأن المعنى: أنه يستحب له
- بعد الفرار - الندم على ذلك وإخراج الزكاة لكنه كما ترى مخالف لسياق تلك

(1) الوسائل 6: 109 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 5.
(2) في " ف " و " م ": لا ينافي.
(3) ليس في " ج ": فعليه الزكاة.
(4) الوسائل 6: 110 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 6. مع اختلاف يسير.
(5) في " ف ": لما يسقط، وفي " م ": لا تسقط.
(6) المنتهى 1: 495 وفيه: قال الشيخ في الجمل والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل: تجب فيه
الزكاة، وبه قال مالك وأحمد.
(7) الإنتصار: 83.
(8) حكاه عنهما في المنتهى 1: 495.
(9) أي كان المشهور الاتقاء عنه.
165

الروايات، فإن (1) سياقها في أنه هل ينفع الفرار في إسقاط الوجوب أم لا، مع أن
قوله عليه السلام - في غير واحد من أدلة السقوط -: " إن ما منع نفسه من فضله
أكثر مما منع من حق الله الذي يكون فيه " (2) مشير إلى صيرورته بالفرار محروما
عن فضيلة الزكاة، إلا أن باب الاستحباب أوسع من أن يسد بهذه الوجوه.
ثم الظاهر - كما في الرياض (3) - أن الخلاف إنما هو في تبديل النصاب
بقصد الفرار، وأما إتلافه كلا أو بعضا فالظاهر عدم الخلاف في السقوط به، بل
لو اقتصر المخالف على مورد الأخبار الدالة على أنه لا يجدي الفرار، لزمه القول
باختصاص ذلك بالنقدين إذا تبدل أحدهما بالآخر كما في رواية إسحاق بن
عمار (4) أو صيغا حليا كما في غيرها (5).

(1) في " ج " و " ع ": فإن كان.
(2) انظر الوسائل 6: 108 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة الحديث الأول.
(3) الرياض 1: 267 و 271.
(4) الوسائل 6: 102 الباب 5 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 3.
(5) راجع الوسائل 6: 108 الباب 11 من أبواب زكاة الذهب والفضة.
166

مسألة
[16]
لا خلاف ظاهرا - كما عن صريح جماعة - في أن للسخال حولا
بانفرادها (1) بمعنى أنه لا يكفي في تعلق الزكاة حولان الحول على أمهاتها، خلافا
للمحكي عن أكثر الجمهور (2) بشرط تولدها منها وبلوغ الأمهات نصابا
والاشتراك مع الأمهات في جزء من الحول بأن لا يتولد بعد الحولان الحول على
الأمهات، وإجماع الإمامية وأخبارهم - المتقدم بعضها - على خلاف ذلك كله.
ثم إن كانت السخال نصابا مستقلا بعد نصاب الأمهات، كما لو ولدت
خمس من الإبل خمسا، فلا إشكال في ابتداء حولها، وأنه من حين النتاج أو السوم
- على الخلاف المتقدم - (3)، فيتغاير حولاهما دائما.
وإن كانت ناقصة عن نصاب فمقتضى القاعدة أنه مال متجدد ضم إلى
الأمهات، فلو ضم إلى الأربعين - في أثناء حولها - أربعون، فبعد (4) الحول الأول

(1) الخلاف 2: 22 - 23 كتاب الزكاة، المسألة 18، والشرائع 1: 145 ومفتاح الكرامة 3: 37
(كتاب الزكاة).
(2) حكاه العلامة في المنتهى 1: 491.
(3) راجع الصفحة 148.
(4) في " ف ": فقبل.
167

للأمهات لا يجب إلا واحد لها، ولا يجب بعد حلول الحول على السخال شئ
فيها، إذ لا يفرق بين مجتمع، وعموم قوله: " في أربعين شاة شاة " (1) إنما هو في
النصاب الابتدائي، لأن الأربعين ليس نصابا كليا في الغنم، وإنما هو نصاب
شخصي.
نعم قال المحقق في المعتبر: لو ملك أربعين شاة ثم ملك أخرى في أثناء الحول،
فعند تمام حول الأولى يجب شاة، فإذا تم حول الثانية ففي وجوب (2) الزكاة فيها
وجهان:
أحدهما: الوجوب لقوله عليه السلام: " في أربعين شاة شاة " (3).
والثاني لا يجب، لأن الثمانين ملك لواحد، فلا يجب فيها أكثر من واحد (4) (انتهى).
وعن المنتهى (5) أنه حكى الوجوب قولا.
ولو كان عدد السخال متمما لنصاب آخر للأمهات، كما لو ولدت إحدى
وثلاثون من البقر عشرا (6)، فصارت بعد إخراج الفريضة أربعين، وجب عند
كمال حول الثلاثين واحد، ولا يهدم حولها ضم الزيادة، لعدم الدليل على تخصيص
ما دل على وجوب الزكاة في الثلاثين بحلول الحول عليه، فحينئذ يصير الكل (7) أربعين، فيبتدأ لها حول من هذا الزمان، ويحتمل (8) من زمان وجود الزيادة فإذا

(1) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام الحديث الأول.
(2) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": وجوب.
(3) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(4) المعتبر 2: 509 - 510، مع اختلاف يسير.
(5) المنتهى 1: 490.
(6) في " ف " و " ع " و " ج ": لو ولدت أحد وثلاثون عشرا.
(7) في " ج ": الحول.
(8) في " ف " و " ع " و " ج ": ويحمل.
168

مضى حول من زمان الزيادة، وجبت فريضة الأربعين.
والأقوى: الأول، لأن الثلاثين لا يزكى مرتين في سنة واحدة.
نعم ربما يوهمه ظاهر قوله عليه السلام: " وكل شئ ورثته أو وهب لك
فاستقبل به " (1) إذا الظاهر أن المراد استئناف الحول له من زمانه.
ثم جملة الكلام في هذا المقام أنه: إما أن يكون الضميمة الحاصلة في أثناء
حول الأمهات نصابا مستقلا منفردا، أو في ضمن الغير، كأن ولدت خمس من
الإبل خمسا، فإن الخمسة الثانية أيضا نصاب بعد النصاب الأول، ولا إشكال في
حكمه.
وإما أن لا يكون كذلك، وحينئذ: فإما أن لا يكون نصابا ولا مكملا
لنصاب، كأن ولدت خمس من الإبل أربعا، وحكمه واضح.
وإما أن يكون يبلغ النصاب إذا كان منفردا لا في ضمن غيره، ولا يبلغ
المجموع نصابا ثانيا، كأن ولدت الزائد على أربعين شاة زائدا على أربعين بعد
ستة أشهر، فالظاهر أنه لا يستقل نصاب للفرع، فيجب حينئذ عند مرور السنة
على الأصل شاة واحدة، ولا يجب بعد ستة أشهر من السنة (2) واحدة للفرع،
فيكون الواجب عليه شاة في كل ستة أشهر التي هي رأس السنة لأحدهما (3).
وأما قوله عليه السلام: " في كل أربعين شاة شاة " فعمومه بالنسبة إلى
الأفراد المتعددة باعتبار تعدد الملاك لا تعدد الأملاك لمالك حتى يكون ظاهره
وجوب شاتين في ثمانين، وثلاثة في مائة وعشرين، وخمسة في مأتين، وهكذا...
ودعوى ذلك مع التزام خروج ما خرج بالاجماع كما ترى، مع أن قوله

(1) الوسائل 6: 116 الباب 16 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث الأول.
(2) ليس في " ج " و " ع ": من السنة.
(3) في " ج ": لأحدها.
169

- بعد ذلك -: " ثم ليس فيها شئ حتى يبلغ مائة وعشرين، فإذا بلغت ذلك ففيه
أيضا واحدة، فإذا زادت واحدة ففيه شاتان.. إلى آخر الرواية " (1) كالصريح في
أن الأربعين نصاب شخصي لا يجتمع اثنان منها في مال واحد، كما يجتمع في
النصب الكلية كنصاب البقر وبعض نصاب الغنم والإبل.
وإن بلغ المجموع نصابا ثانيا، كما لو ولدت الزائد على الأربعين ما ألحقها
بالنصاب الثاني، كما لو ولدت مائة مائة، فالظاهر أنه ينتظر حول الأصل، فإذا
حصل ينضم إليه بالباقي ويستقل (2) لهما حول.
والفرق بين هذا وسابقه: أن الفرع - في السابق - لا يتعلق به زكاة إلا
إذا صار جزء من النصاب الأول، بأن ينقص عدد الأصل فيجب بالفرع،
بخلاف هذه الصورة، فإن الفرع يضم إلى (3) الأصل بعد إكمال سنة الأصل،
ويتعلق بالمجموع الزكاة.
وإن كان الزائد نصابا في ضمن غيره لا منفردا، كما إذا ولدت من مائة
وخمسين خمسون، فإن الخمسين نصاب في ضمن ما زاد على الثلاثمائة وواحدة لا
مستقلا، والظاهر أنه لا إشكال في أنه لا يستقل حول لها، بل إذا حال حول
الأصل يخرج زكاته (4) ثم يضم إليه الفرع، ويستقل بمجموعها الحول، ولا يزكى
الفرع وهو الخمسون بعد حلول الحول المختص بها، وهو ما إذا مضى ستة أشهر
من الحول الثاني للأصل، لأن الظاهر من قوله: " في كل خمسين حقة، وفي كل
أربعين بنت لبون " (5) هو الخمسون أو الأربعون إذا حال عليه الحول في ضمن

(1) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب الزكاة الأنعام الحديث الأول مع اختلاف يسير.
(2) في " م ": ويستقبل
(3) في " ج " و " ع ": مع.
(4) في " م " زكاتها.
(5) الوسائل 6: 72 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
170

ما زاد على (1) النصاب الحادي عشر، لا مستقلا كما يظهر من قوله: " إذا كثرت
الإبل ففي كل خمسين حقة " (2).
ثم إنه لو زاد على الست والعشرين من الإبل خمس، فهو من هذا القسم،
لا القسم السابق (3)، لأن الخمس نصاب، إما منفردا وإما في ضمن ما دون
الخمسة والعشرين، وليس نصابا مستقلا في هذا الفرض، بل هو عفو هنا (4).
هذا كله إذا كان الزائد نصابا، إما مطلقا كخمس من الإبل، أو بشرط
الانفراد كأربعين شاة، أو بشرط الانضمام كخمسين من الإبل.
وأما إذا لم يكن نصابا (5) ولكن كان مكملا لنصاب، بحيث يخرج الأصل
بانضمامها إلى نصاب آخر - كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر بعد ستة
أشهر من حولها - وحينئذ فلا اشكال في وجوب تبيع إذا حال حول الثلاثين.
وإنما الاشكال في مبدأ حول الأربعين هل هو من حين الزيادة، فيجب المسنة في
المثال (6) المفروض بعد مضي ستة أشهر من حول الثلاثين لحلول حول الأربعين،
أو يصدق عليها أنها أربعون حال عليها الحول؟ أو هو من حين كمال حول
الثلاثين، لأن الثلاثين في حولها متعلقة لزكاة ذلك الحول، فالتبيع المخرج منها
متعلق بها ومشاع فيها، فلا يتعلق بها الزكاة إلا بعد حلول حول عليها، فلو تعلق
بها شئ بعد ستة أشهر لزم تعلق الزكاة بها في سنة مرتين، يرده قوله عليه السلام
- في رواية زكاة القرض على المقترض - أنه: " لا يزكى المال من وجهين في عام

(1) في " ج " و " ع ": إلى.
(2) الوسائل 6: 72 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.
(3) في " م ": الأول.
(4) في " ف ": عنها.
(5) في " م ": نصابا أصلا.
(6) في " م ": المال.
171

واحد " (1).
وصدق أنه حال الحول على الأربعين مسلم، لكن حلول الحول ليس سببا
لوجوب الزكاة إلا في ذلك الحول، والمفروض أن في ذلك الحول تعلق الزكاة
بالثلاثين ولو في النصف الأول من ذلك الحول، فيلزم أن يكون نصف أول هذا
الحول مؤثرا في تعلق زكاتين بالثلاثين: زكاة في نفس الثلاثين، وزكاة في ضمن
الأربعين.
ومن الغريب ذهاب بعض مشايخنا المعاصرين إلى هذا الاحتمال، قال:
ولا أدرى (2) له مبطلا، ولا إجماع على خلافه وإن لم يصرح أحد باختياره (3).
وأبطل ما اخترناه بعموم ما دل على وجوب الزكاة بحلول الحول على النصاب،
وبما تقدم من مصححه أبي بصير المتقدمة في مسألة الحول الواردة في السؤال عمن
حال عليه الحول وقد أتى لنصف ماله سنة ولنصفه الآخر ستة أشهر، قال: " يزكي
الذي مرت عليه سنة ويدع الآخر حتى تمر عليه سنة " (4).
أقول: أما العمومات فقد عرفت أنها إنما (5) تدل على وجوب الزكاة
بحلول الحول على المال الذي لم يجر في حول آخر، والمفروض أن النصاب الأول
قد جرى في النصف الأول من حول الضميمة، فلا يجري في حول الضميمة مرة
أخرى، فيكون ستة أشهر له محسوبا من حولين.
وأما رواية أبي بصير، فإن أبقيت على ظاهرها من إرادة النصف، فخارج

(1) الوسائل 6: 67 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول.
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": لا أرى.
(3) مستند الشيعة 2: 17.
(4) الوسائل 6: 209 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4. وتقدمت بتمامها في
الصفحة 159.
(5) ليس في " ج " و " ع ": إنما.
172

عما نحن فيه، لأن موردها في النقدين، والمفروض أن (1) الذي مرت عليه السنة
لا يزكى حتى يكون بقدر النصاب الأول لأحد النقدين، فيكون نصفه الآخر
الذي مضى عليه ستة أشهر كذلك أيضا فتكون المسألة مما إذا انضم إلى النصاب
نصاب مستقل آخر كضم خمس من الإبل إلى خمس، ولا إشكال في حكمه
وإن حمل النصف فيها على مطلق البعض فلا يمكن (2) في النقدين، إذ لو
فرضنا النصف الآخر أقل من النصاب الثاني للنقدين لم يجب فيه شئ قطعا
وإن كان بقدره أو أكثر أو أقل من النصاب الأول فهو خارج عن هذه المسألة،
وهو ما إذا كان الزائد مكملا للأصل وملحقا له بالنصاب الثاني، بل داخل في
المسألة السابقة عليه، وهو ما إذا كان الزائد نصابا في ضمن الغير لا منفردا.
وكيف كان فلا ريب في ضعف هذا الاحتمال، وضعف ما ذكره العلامة (3)
من أنه يعطى عند تمام حول الأصول فريضتها، وعند تمام حول الفروع من زمن
الزيادة ما يخص الفروع من فريضة النصاب الحاصل بعد ضمها فيعطي من
ولدت له ثلاثون (4) بقرة - بعد نصف حولها - اثنا عشرة بقرة في رأس حول
الأمهات تبعيا، وفي رأس حول الفروع ربع مسنة، لأنه يخص العشر لو وزعت
المسنة على الأربعين.
ولا يخفى أن هذا مجرد اعتبار، لأن أدلة حولان الحول على الأربعين لو
شمل هذا فلا محيص عن وجوب المسنة، وإلا فلا دليل على وجوب الربع.
والجمع بهذا الوجه بين ما دل على وجوب التبيع في رأس حول الثلاثين،
ووجوب المسنة في رأس حول الأربعين، بعد تعارضهما بضميمة ما ثبت من عدم

(1) ليس في " ف ": إن.
(2) في " ف " و " ع " و " ج ": فلا يكون.
(3) القواعد 1: 52.
(4) في " ف " و " ع " و " ج ": ثمانون، والظاهر أنه سهو، ويؤيده ما في المصدر.
173

تعدد الزكاة في عام واحد لمال واحد، حسن لو استفيد من أدلة الفريضة في
النصاب كون حولان الحول على كل جزء من النصاب سببا لوجوب حقه من
النصاب، ولو لم يكن مثلها في مثله، وهو بعيد عن مدلول اللفظ وإن كان قريبا
غيره توقف معية، لا توقف دور - كما في الإيضاح - (1).
ثم لو قلنا بربع المسنة عند كمال حول الفروع، فهل يجب بعد ستة أشهر
حيث يتم حول الأمهات ثلاث أرباع مسنة، أو يجب تبيع ثم ربع مسنة عند كمال
الحول الثاني للفروع، فيكون دائما عند إكمال حول الأصول تبيع، وعند إكمال
حول الفروع ربع مسنة، وجهان: من صدق حلول الحول على الثلاثين، ومن
صدق حلوله على الأربعين. والأول أقوى.

(1) إيضاح الفوائد 1: 174.
174

مسألة
[17]
يشترط في الأنعام أن لا تكون عوامل، للاجماع الظاهر، بل (1) المصرح
به في محكي التذكرة (2) والرياض (3) والمدارك (4). وعن الذخيرة وغيرها نفي
الخلاف (5)، لصحيحة الفضلاء - في التهذيب -: " ليس على العوامل من الإبل
والبقر شئ إنما الصدقات على السائمة الراعية " (6).
ونحوها الحسنة بابن هاشم (7).
وفي مرسلة ابن أبي عمير: " كان أمير المؤمنين عليه السلام لا يأخذ من جمال
العمل شئ، وكأنه لم يجب أن يؤخذ من الذكور شئ، لأنه ظهر يحمل عليها " (8).

(1) ليس في " ج " و " ع " و " م ": بل.
(2) التذكرة 1: 205.
(3) الرياض 1: 267.
(4) المدارك: 5: 79.
(5) الذخيرة: 433. والجواهر 15: 110.
(6) التهذيب 4: 41، الحديث 103 والوسائل 6: 81 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 5.
(7) الكافي 3: 534، الحديث الأول، والوسائل 6: 82 الباب 8 من أبواب زكاة الأنعام، ذيل
الحديث الأول.
(8) الوسائل 6: 80 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4، مع اختلاف يسير.
175

وروايات إسحاق بن عمار (1) بالوجوب محمولة أو مطروحة.
والمرجع في صدق العوامل: العرف، فكلما صدق على حيوان أنها عاملة
خرج عن (2) الحول.
والفرق بين العمل والسوم في كفاية مسمى الأول في المنع ووجوب
استغراق الثاني للحول: أن الثاني شرط فيجب استمراره طول الحول، والأول
مانع فيكفي وجوده في بعضه، مع أن العمل مقابل للسوم (3) كما في الصحيحة،
فمقتضى اعتبار السوم طول الحول كفاية العمل في بعضه في رفع المشروط (4).
ثم الظاهر أن الحيوان لا يصدق عليه العامل بمجرد اتفاق العمل له في
اليوم أو اليومين من السنة بل من الشهر، فإن الظاهر من العوامل ما صار شغلها
الدائمي أو الغالبي العمل. ثم إن المحكي عن سلار اعتبار الأنوثة في الأنعام (5)،
لظاهر قوله: " في كل خمس من الإبل شاة " (6).

(1) الوسائل 6: 81 الباب 7 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 7 و 8، وانظر أيضا ذيل الحديث 8.
(2) في " ج " و " ع ": من.
(3) في " ف " و " م ": السوم
(4) في " ع " و " ج ": الشروط.
(5) المراسم (الجوامع الفقهية): 580، وحكاه عنه العلامة في المختلف: 175.
(6) الوسائل 6: 73 - 74 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3 و 6.
176

مسألة
[18]
يجوز إخراج القيمة عن العين في زكاة الغلات والنقدين، اتفاقا ظاهرا
- كما في المعتبر - (1) وعن التذكرة (2) والمفاتيح: التصريح بالاجماع (3)، كما عن (4)
ظاهر المبسوط (5) وإيضاح النافع (6) والرياض (7). نعم في كلام بعض (8) أنه
حكي عن الإسكافي: المنع، مع أنه حكى عن شرح الروضة (9) التصريح بموافقة
الإسكافي للمشهور لمصححة (10) البرقي: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام:

(1) المعتبر 2: 516.
(2) التذكرة 1: 225.
(3) المفاتيح 1: 202.
(4) ليس في " ج ": عن.
(5) المبسوط 1: 211 وحكاه عنه في الجواهر 15: 126 ومفتاح الكرامة 3: 82 (كتاب الزكاة).
(6) حكاه عنه، في الجواهر 15: 126 ومفتاح الكرامة 3: 82 (كتاب الزكاة).
(7) الرياض 1: 268 - 269.
(8) انظر الجواهر 15: 126 ومفتاح الكرامة 3: 82 (كتاب الزكاة).
(9) المناهج السوية (مخطوط): 34.
(10) في " م ": لصحيحة.
177

هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب
دراهم قيمة ما يسوي، أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شئ ما فيه؟ فكتب
عليه السلام: أيما تيسر يخرج " (1).
ونحوها صحيحة علي بن جعفر عليه السلام في إخراج أحد النقدين في زكاة
الآخر (2).
وعن قرب الإسناد، عن محمد بن وليد، عن يونس بن يعقوب: " قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري
لهم منها - شيئا - ثيابا وطعاما، وأرى أن ذلك خير لهم؟ قال: فقال: لا بأس " (3).
ومقتضى إطلاق الأخيرة، بل الأولى - حيث أطلق جواز إخراج كل ما
تيسر في مقام دفع توهم السائل وجوب أن يخرج عن كل شئ ما فيه - هو جواز
إخراج القيمة في الأنعام أيضا، كما هو المشهور - ظاهرا - كما في الحدائق (4)،
المحكي عن المرتضى (5) والشيخ (6) وابن زهرة (7) والحلي (8) والقاضي (9)

(1) الوسائل 6: 114: الباب من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث الأول، مع اختلاف
يسير.
(2) الوسائل 6: 114 الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 2.
(3) قرب الإسناد: 49 الحديث 159 والوسائل 6: 114 الباب 14 من أبواب الزكاة الذهب
والفضة، الحديث 4، وأورده أيضا في الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(4) الحدائق 12: 136.
(5) الإنتصار: 81.
(6) الخلاف 2: 50 كتاب الزكاة، المسألة 59.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(8) السرائر 1: 446.
(9) لم نعثر على ذلك في كتابيه ولا على من نقله عنه، والظاهر أن كلمة " القاضي " تصحيف
ل‍ " الفاضلين " كما في المستند ففيه: " والحق الاجتزاء بها في الأنعام أيضا وفاقا للشيخ وابن زهرة
والسيد والحلي والفاضلين والشهيدين " راجع المستند 2: 37.
178

والشهيدين (1) بل عن صريح الشيخ (2) وابن زهرة (3) - كظاهر السيد (4)
والحلي (5) -: دعوى الاجماع عليه، وبذلك ينجبر ضعف سند رواية قرب
الإسناد، بل ودلالته أيضا، كدلالة الصحيحة.
ويؤيدها ما دل (6) على جواز احتساب الدين من الزكاة الشاملة
باطلاقها لزكاة الأنعام.
ويؤيدها ما يستفاد من الأدلة من تسهيل الأمر على المالك مثل تجويز
إخراج الزكاة من غير العين، فإن قيمة العين أولى بالجواز من إخراج مثل العين،
إذ الأنعام ليست من المثليات، فالقيمة أقرب إليها من المماثل.
وأيضا إذا جاز إخراج القيمة في المثليات ففي القيميات أولى.
ومثل (7) قول الصادق عليه السلام في صحيحة محمد بن خالد - إنما (8) يعني (9)
السهم المأخوذ من الأنعام في الزكاة - " فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها
فهو أحق بها " (10) فإن هذا الكلام يفهم عرفا أنه إذا أراد المالك أولا إخراج القيمة
التي تقوم الفريضة عليه فله ذلك.
ومثل ما تقدم (1) في جواز إعطاء الأعلى من أسنان الإبل وأخذ التفاوت

(1) البيان: 186 والروضة البهية: 2: 28.
(2) الخلاف 2: 50 كتاب الزكاة، المسألة 59.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(4) الإنتصار: 81.
(5) السرائر 1: 446 وفي " ف " و " ج " و " ع " الحلبي بدل: الحلي.
(6) الوسائل: 6: 206، الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(7) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": مثل.
(8) في جميع النسخ: إنها، والصحيح - ظاهرا - ما أثبتناه.
(9) في " ف " و " م ": يعين.
(10) الوسائل 6: 89 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.
(11) في هامش " ف " و " ج " ما يلي: لم يتقدم ذلك في تلك الأوراق ولعله قدس سره في غيرها، أو كتبه
فيها وتلفت، فإنها وجدت بعد وفاته متفرقة فجمعت ورتبت بهذا الترتيب.
179

أو إعطاء الأدنى عن (1) الأعلى مع دفع التفاوت، (2) فإنه وإن كان مختصا بمورد معين
إلا أنه لا يخلو عن التأييد، حيث إنه المساهلات مع المالك في عدم التزامه (3)
بشراء الفريضة.
وربما أيد ذلك (4) خلاف المختار أنه لو جاز القيمة لم يحتج إلى
تكلف الاخراج من الإبل والجبر بالشاة أو الدراهم، بل مقتضى التسهيل هو
الترخيص في المحاسبة بالقيمة.
وفيه: إن عدم أمر الساعي بأخذ القيمة لعله لكونه معرضا لوقوع
التشاح بينه وبين المالك في قيمة ما دفعه.
وكيف كان فلا حاجة إلى التأييد بهذه الرواية لما تقدم من المؤيدات
المجبرة (6) لضعف ما تقدم سندا، مع أن الشيخ نسب الحكم - في الخلاف - إلى
إجماع الفرقة وأخبارهم (7). فالأقوى ما عليه المشهور، دون ما عن المفيد (8)
والإسكافي (9): من عدم جواز إخراج القيمة مع التمكن، ومال إليه في الحدائق (10)،
وتوقف فيه في المعتبر (11)، لأصالة عدم براءة الذمة، وعموم مثل قوله: " في كل

(1) في " ج ": من.
(2) الوسائل 6: 86، الباب 13 من أبواب زكاة الأرحام.
(3) في " ج " و " ع ": إلزامه.
(4) في " ج " و " ع " و " م ": بذلك.
(5) في " ج " و " ع ": والدراهم.
(6) في النسخ: المنجبرة ولعله من سهو القلم، ومقصود: الجابرة.
(7) الخلاف 2: 50 كتاب الزكاة، المسألة (59).
(8) المقنعة: 253.
(9) نقله عنه العلامة في المختلف: 186 وراجع المستند 2: 37.
(10) الحدائق 12: 72 و 136.
(11) المعتبر 2: 517.
180

أربعين شاة شاة " (1) وخصوص رواية سعيد بن عمر: " قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب
فيقسمه؟ قال: لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله " (2).
ولكن الرواية - بعد تسليم سندها - متروكة الظاهر، لأن الحصر في
الدراهم خلاف الاجماع حتى في زكاة الدراهم، فلا بد إما من حمل النهي على
المنع عن إعطاء القيمة من غير الدراهم، وإما حمله على الكراهة، بمعنى:
أفضلية إخراج العين، ويحمل الزكاة على زكاة الدراهم أو على أفضلية إخراج
القيمة من الدراهم، لا من مثل البطيخ والعنب ونحوهما.
والأول ضعيف، لما سنبين من جواز إخراج القيمة من كل شئ.
وأما العمومات: فهي أيضا متروكة الظاهر، لجواز إخراج من غير
العين إجماعا إلا أن يقال: إن ظاهرها استقرار التعلق بالعين الوجوب
بالاخراج من العين، وإنما أجمع على سقوط الزكاة عن العين إذا ضمن الزكاة
بمماثل الفريضة فلا دليل على سقوطها عن العين إذا ضمنها بالقيمة.
وكيف كان فالأصل والعمومات لا تقاوم ما تقدم.
ثم إنه لا فرق في التجويز والمنع بين دفع القيمة إلى نفس الفقير، أو إلى
الولي (3) العام للفقراء كالإمام أو وكيله العام، أو الخاص.
وما يقال من أن منع دفع القيمة إلى الولي العام، في غاية الضعف، لثبوت
ولا يتهم على الفقير، فلهم المعاوضة بماله، فإذا أراد قبض القيمة من أي جنس
لم يكن إشكال في الجواز، ودعوى أنه (4) لا يجوز لهم ذلك واضحة الفساد.

(1) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 114 الباب 14 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 3. وفيه: أيشتري.
(3) في " ف " و " ع ": أو ولي العام.
(4) في " م ": أنهم.
181

ففيه: أن الكلام في دفع المالك القيمة بأن يقوم عند نفسه ويدفع القيمة،
لا في جواز معاوضته مع الولي العام المتوقفة على رضى الطرفين بعد معرفة قيمة ما
في الذمة، وقيمة المدفوع، والذي يجوز للولي العام هو الثاني، والذي هو محل
الكلام الأول، ولا فرق فيه (1) بين نفس الفقير ووليه، فلا تفاوت في ضعف هذا
القول وقوته بين الصورتين.
ثم إن الظاهر المشهور جواز إخراج القيمة من أي جنس كان، كما
هو صريح معقد إجماع الخلاف (2) بل صريح الغنية (3) أيضا بعد الملاحظة.
ويمكن أن يستدل له (4) بعموم قوله في الصحيحة: " أيما تيسر يخرج " (5)
بناء على على حمل " أي " على العموم المطلق لا العموم بالنسبة إلى الجنس الزكوي
والدراهم. ويؤيدها رواية قرب الإسناد المتقدمة (6) المنجبرة بكثير مما مر.
فالقول بالاقتصار على الدراهم (7) أو على مطلق النقدين: اقتصارا في
مخالفة الأصل على مورد اليقين، والتفاتا إلى رواية سعيد بن عمر المتقدمة (8)
المحتملة لمحامل أخر، لا يخلو عن نظر سيما بعد إمكان دعوى عدم القول
بالفصل، فإن ظاهر الأصحاب المجوزين لاخراج القيمة عدم الفرق بين
النقدين وغيرهما، كما يظهر من الحدائق (9) الاعتراف وكذا عن الذخيرة (10).

(1) في " ج " و " ع ": في ذلك.
(2) الخلاف 2: 50 كتاب الزكاة، المسألة 59.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(4) ليس في " ف ": له.
(5) الوسائل (6) في الصفحة 178.
(7) في " ف ": الدرهم.
(8) تقدمت في الصفحة السابقة.
(9) الحدائق 12: 138.
(10) الذخيرة: 447.
182

والمسألة لا تخلو عن إشكال، فلا ينبغي ترك الاحتياط في أصلها وفرعها.
ثم إن المراد بالقيمة هي (1) قيمة وقت الاخراج، لأنه وقت الانتقال إليها.
ولو ضمن القيمة قبل الاخراج فتغيرت القيمة وقت الاخراج، فالظاهر
أن العبرة بوقت الضمان، وفاقا للمحكي عن التذكرة (2)، إذ بالضمان تستقر
القيمة في الذمة، ولذا يجوز للمالك التصرف حينئذ في مجموع النصاب، نعم لو لم
يف بالضمان ولم يؤد ما ضمن رجع الساعي، فسقوطها متزلزل لا يستقر إلا
بالأداء (3).
والحاصل: أن التقويم إذا كان جائزا والضمان صحيحا، فمقتضاه اشتغال
الذمة بالقيمة في وقت التقويم وهو (4) وقت الانتقال.
ويمكن المناقشة في تعيين القيمة بمجرد التقويم بناء على أن الثابت من
النصوص جواز إخراج القيمة لا أزيد، مع أن القيمة بدل لا أصل، فالتكليف
دائما ثابت بالمبدل إلى أن يتحقق البدل (5) وهو إخراج القيمة، وليس مجرد الضمان
والتقويم بدلا، ومقتضى الاستصحاب عدم الخروج عن العهدة إلا بإخراج
القيمة وقت الاخراج.
نعم لو ثبت التقويم (6) بالأخبار وكان على وجه لا يعلم منه سياقه في مقام
بيان مجرد (7) جواز إخراج القيمة لا أصل (8) ترتب الأثر على التقويم، أمكن ما

(1) في " ج " و " ع ": " هو ".
(2) التذكرة 1: 225. وحكاه عنه في الحدائق 12: 139.
(3) في " ج ": الابراء وفي " ع ": الابراء أيضا.
(4) في " م ": فهو.
(5) في " ف " و " ج ": ثابت بالبدل إلى أن يتحقق المبدل.
(6) في " ج ": و " ع ": التقييم.
(7) ليس في " م ": مجرد.
(8) في " ج ": لا على أصل.
183

ذكره العلامة (1)، ولم يثبت.
وكيف كان، فالقول باعتبار وقت الاخراج مطلقا - كما هو ظاهر
البيان (2) - لا يخلو عن قوة.

(1) التذكرة 1: 225.
(2) البيان: 186.
184

مسألة
[19]
المشهور أن الواجب في الشاة التي تؤخذ في الزكاة في فريضة الإبل
والغنم، وفي الشاة التي يجبر بها الناقص من أسنان الإبل المأخوذ في الزكاة،
لا بد أن يكون جذعا من الضأن، أو ثنيا من المعز، بل في الغنية (1) - كما عن
الخلاف (2) - الاجماع عليه.
واستدل عليه في المعتبر (3) - كما عن المنتهى (4) - برواية سويد بن غفلة:
" قال: أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: " نهينا أن نأخذ الراضع
وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية " (5).
وطعن في الرواية بعض المتأخرين (6) بكونها غير مروية في كتب الأخبار
للإمامية، فلا ينجبر ضعفها بالشهرة.

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(2) الخلاف 2: 24 كتاب الزكاة، المسألة 20.
(3) المعتبر 2: 512.
(4) المنتهى 1: 482.
(5) رواية النووي في المجموع 5: 399، وانظر سنن النسائي 5: 30 والسنن الكبرى للبيهقي 4: 101 والرواية منقولة بالمعنى.
(6) الحدائق 12: 66.
185

وفيه: أن تدوينها في كتب أصحابنا على وجه الاستناد إليه - كما في ما نحن
فيه - بمنزلة تدوينها في كتب أخبارهم، غاية الأمر أنهم لم يجدوها في الأصول
الضابطة لما انتهى إلى الأئمة من الأخبار، وإن كان مسندا - بالآخرة - إلى النبي
الطريق على وجه يعتمد عليه.
هذا كله بعد تسليم العلم بخلو كتب الأصول عنه، وإلا فعدم الوجدان
لا يدل على عدم الوجود.
وبالجملة، فالرواية التي يستدل بها مثل المحقق (2) والعلامة (3) وإن كان
سندها عاميا أو غير معلوم، أقوى من الرواية التي يذكرها الراوي في أصله
المعروف مع عدم العلم بسنده وبعمل الرواي أو غيره عليه، فانجبار الثاني
بالشهرة موجب لانجبار الأول بطريق أولى.
وقد يستشكل في الدلالة بعدم العلم بنسبة الأمر والنهي إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله.
وفيه: أن الظاهر أن مصدق رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقول مثل ذلك
إلا عنه صلى الله عليه وآله، ويؤيده ما عن العوالي: أنه عليه السلام أمر عامله بأن يأخذ
من الضأن الجذع، ومن المعز الثني. قال: ووجد ذلك في كتاب علي عليه السلام (4).
ثم إنه يمكن الاستدلال على القول المشهور: بأن ظاهر مثل قوله
عليه السلام: " في كل أربعين شاة شاة " (5) مساواة شاة الفريضة لشياه (6) النصاب،

(1) انظر الهامش 5 في الصفحة السابقة.
(2) المعتبر 2: 512.
(3) المنتهى 1: 482.
(4) عوالي اللآلي 2: 230، الحديث 10 و 11.
(5) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(6) في " ج " و " ع ": لشاة.
186

بمعنى أنه يجب من كل أربعين واحد.
لا أقول: إنه يجب أن تكون الشاة الواجبة في كل أربعين مساوية لأقل
أفراد تلك الأربعين، إذ معلوم أنه قد يدفع شاة من غيرها، ولو كان أدون من
الكل من حيث السن.
بل أقول: إن المفهوم من الروايات هو أن الزكاة المجعولة في الأربعين
لا بد أن يكون واحدا منها، وجواز دفع البدل إنما ثبت من الخارج تسهيلا، ولا بد
أن لا يكون البدل دونه، وإلا لكان للمالك حين جاءه مصدق أمير المؤمنين
عليه السلام (1) وقاسمه الأنعام أن يقول له: إني أدفع إليك سخالا من غيرها، ومعلوم
أن شياه النصاب لا يكون فيها ما يكون له أقل من سنة، بناء على مقالة جماعة
من المتأخرين (2): من أن النصاب لا يستقر فيه الفريضة إلا باكمال الثاني عشر
فما له أقل من سنة لا يدخل في النصاب، بل ولا في العفو (3) الذي من حكمه أن
ينجبر به النصاب، فإن العفو ما كان من النصاب في الحول.
وحينئذ فنقول: إن مقتضى ما ذكر وجوب أن لا يكون للشاة المأخوذ في
الفريضة أقل من سنة، لأنه إن كان من بينها (4) فله السنة، وإلا فلا بد أن يكون
له سنة مراعاة لحق البدلية.
وما ذكرنا - وإن كان الظاهر منه وجوب ما له سنة في الضأن والمعز - إلا
أنه قد استفيد من الخارج، بل من بعض الأخبار الواردة في الهدي: أن الجذع
من الضأن بمنزلة الثني في المعز، أعني ماله سنة كاملة، ففي صحيحة ابن سنان:

(1) الوسائل 6: 88 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(2) كما في الروضة البهية 2: 23 وجامع المقاصد 3: 10 والدروس 1: 232 وراجع الجواهر 15: 98
ومفتاح الكرامة 3: 32 (كتاب الزكاة).
(3) في " ف " و " ع " و " ج ": بل في العفو.
(4) في " م ": من غنمها.
187

" يجزئ من الضأن الجذع، ولا يجزئ من المعز إلا الثني " (1) وفي صحيحة حماد بن
عثمان: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أدنى ما يجزئ من الهدي؟ قال:
الجذع من الضأن قلت: فالمعز؟ قال: لا يجوز الجذع من المعز. قلت: ولم؟ قال:
لأن الجذع من الضأن يلقح، والجذع من المعز لا يلقح " (2).
وفيها إشارة إلى ما عن ابن الأعرابي من أن الضأن ينزو ويضرب في
سبعة أشهر، والمعز لا يفعل ذلك إلا إذا دخل في السنة الثانية (3)، فالضأن يبلغ
مبلغ المعز في الفحولة إذا كان له سبعة أشهر.
والحاصل: أن وجوب ما دخل في الثانية في المعز قد ثبت بما تقدم من
وجوب كون الفريضة واحدة من النصاب أو بدلا (4) منها من حيث المالية.
وأما كفاية الجذع من الضأن فلما استفيد من الخارج، ومن أخبار الهدي
من (5) بدليته للمعز الداخل في الثانية.
وحينئذ فمخالفة أهل اللغة في معنى الثني، وأنه مما دخل في الثانية أو
الثالثة لا يقدح في المقام، لأن المستفاد من الأدلة وجوب واحدة من الأربعين
المطلق التي قد يكون بعضها أو كلها مما ليس له (6) أزيد من سنة، والواحد الثابتة
في الكل الصادقة على كل واحدة ليس لها أزيد من سنة كما لا يخفى.
وأما خلافهم في معنى الجذع، وأنه ما دخل في الثانية - كما عن المشهور -

(1) الوسائل 10: 103 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 2.
(2) الوسائل 10: 103 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 4، وفيه: أدنى ما يجزي من أسنان
الغنم في الهدي.
(3) نقله عن الشيخ الطوسي في المبسوط 1: 199 والتذكرة 1: 213 وغيرهما.
(4) في " ج " و " ع ": لا بد منها.
(5) ليس في " ف ": من.
(6) ليس في " ج " و " ع ": له.
188

أو كمل له ستة أشهر، أو سبعة، أو ثمانية، أو تسعة، أو عشرة، فهو أيضا لا يقدح
بعد ما ثبت من الخارج (1) كون الضأن إذا بلغ سبعة أشهر أو ثمانية، بمنزلة المعز
البالغ سنة في اللقاح والضراب.
مع أنه يمكن أن يستدل على عدم كفاية ما دون سبعة أشهر أو ثمانية
بوجوب الاقتصار - في كفاية الأقل من سنة - على المتيقن. هذا في زكاة الغنم.
وأما في زكاة الإبل، فالشاة وإن كانت (2) إلا أن قرينة تقويمها في شاة
الجبران بعشرة دراهم يدل على إرادة المتعارفة [منها] (3) لا إرادة (4) المسمى ولو كانت
سخلة، بل العدول عن خمس شياة إلى (5) بنت مخاض يؤيد ذلك، فإن خمسة
سخال لا يبلغ قيمة شاة، فضلا عن أن يكون قريبا من بنت مخاض.
وبعد القطع (6) بواسطة القرائن على عدم كفاية المسمى، فإن حصل
الظن بأنه الفرد المتعارف الذي وجب في نصاب الغنم وفي فريضته فهو، وإلا (7)
فعند الاجمال لا بد من الرجوع إلى ما يحصل فيه (8) اليقين بالبراءة، وهو ما
اشتهر (9) بين الأصحاب وادعي عليه الاجماع كما عرفت (10).
واعلم: أن تفسير الجذع من الضأن بماله تسعة أشهر منسوب إلى

(1) في " م ": من حكمها الخارج.
(2) كذا في النسخ.
(3) في جميع النسخ: منه.
(4) في " ف ": لإرادة.
(5) في " ج " و " ع ": إلا.
(6) في " م ": وقد انقطع.
(7) في " م ": وإلا فقضية الأصل لا بد..
(8) في " م ": معه.
(9) في " م ": وهو الأشهر.
(10) ليس في " م " و " ج " و " ع ": كما عرفت وراجع صدر المسألة في الصفحة 185.
189

المشهور (1)، بل عن بعض أنه لا يعرف قول غيره (2)، يعني (3) بين الفقهاء، وإلا
فقد مر أن المحكي في المجمع عن حياة الحيوان: إن الصحيح عند أصحابنا
والمشهور بين أهل اللغة: أن الجذع ما كان له سنة تامة (4). ولذا ذهب بعض
متأخري المتأخرين (5) إلى وجوب ماله سنة في المعز والضأن كليهما.
والحاصل: أنه بعد ما ثبت بالنبوي المروي في المعتبر (6) والمنتهى (7)،
والعلوي المحكي عن عوالي اللآلي (8): وجوب الجذع والثني (9) فنقول: وإن
اختلف أهل اللغة في تفسيرها إلا أنه لا يضرنا الاختلاف،
أما في الثني فلتردده
في كلام أهل اللغة بين ما دخل في الثالثة وما دخل في الثانية (10)، والأشهر
- ظاهرا - هو الأول. إلا أنه لا محيص عن حمل ما يجب في الزكاة على الثاني،
لاتفاق العلماء ظاهرا على ذلك، وإطلاق قوله عليه السلام: " في كل أربعين شاة
شاة " (11) خرج ما دون السنة بالاتفاق وبقي الباقي.

(1) بل المشهور أن الجذع من الضأن هو ما كمل له سبعة أشهر، كما في مفتاح الكرامة 3: 72
(كتاب الزكاة)، والجواهر 15: 131، ولعل التسعة تصحيف للسبعة، فإنه سيأتي من المصنف
قدس سره التصريح بذلك في الصفحة التالية.
(2) في الجواهر 15: 131 عن بعض محشي الروضة أنه لا يعرف قولا غيره.
(3) في " ف ": يعين.
(4) مجمع البحرين 4: 310 وانظر حياة الحيوان 1: 232 - مادة (جذع).
(5) لم نقف عليه.
(6) المعتبر 2: 516.
(7) المنتهى 1: 482.
(8) في " م " زيادة: المنجبر بما عرفت.
(9) عوالي اللآلي 2: 230 باب الزكاة، الحديث 10 و 11.
(10) راجع النهاية 1: 226، ومجمع البحرين 1: 77 - مادة (ثنا) -.
(11) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
190

وتوهم أن الشاة الواجبة قد قيد بكونها ثنيا، والفرض إجماله، فيجب
الرجوع إلى قاعدة الاشتغال. مدفوع (1) بأن الروايتين في أنفسهما لم تكونا
حجة. والثابت من مجموع (2) الروايتين وعمل الأصحاب هو عدم جواز ما دون
السنة، فيقيد به المطلق، ويعمل بإطلاقه في غيره. والوارد في كلام الأصحاب وإن
كان لفظ الثني - كما في الروايتين - إلا أن مرادهم منه المعنى الثاني، فإن السيد
ابن زهرة قد ادعى الاجماع على عدم كفاية ما دون الثني (3)، ثم فسره في الحج
بالمعنى الثاني. فظاهره كونه إجماعيا (4). وهكذا المتأخرون لم يريدوا منه إلا المعنى
الثاني، هذا كله مضافا إلى ما سيجئ (5) في صحيحة حماد.
وأما في الجذع فنقول: إن المشهور بين اللغويين وإن كان تفسيره (6) بما
دخل في الثانية كما قيل (7)، إلا (8) أن المشهور بين المتأخرين - على ما حكي
عن (9) غير واحد (10) يعلم قول غيره بين الأصحاب (12). فيكون الكلام فيه كما في الثني من

(1) في " ف " و " ج ": مدفوعة.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": عموم.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 506، وفيه " والمأخوذ م الضأن الجذع ومن المعز الثني، ولا يلزم
فوق الثني بدليل الاجماع المشار إليه ".
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 520، وفيه: والمعز الذي قد تمت له سنة ودخل في الثانية.
(5) ستجئ في الصفحة التالية.
(6) في " ف ": يفسره.
(7) حكاه في الجواهر 15: 132 عن أكثر أهل اللغة.
(8) ليس في " ج " و " ع ": إلا.
(9) ليس في " ج " و " ع ": عن.
(10) الدروس 1: 235 والتنقيح الرائع 1: 305 وحاشية الشرائع (مخطوط): 45 والجواهر 15:
131.
(11) في " ج ": لم.
(12) راجع مفتاح الكرامة 3: 72 (كتاب الزكاة) والجواهر 15: 131.
191

وجوب الرجوع إلى المطلقات، لأن عمل الأصحاب لم يجبر الروايتين إلا في عدم
إجزاء ما دون سبعة أشهر فيعمل بالاطلاق في غيره.
وفي الغنية فسر الجذع بما دون السنة في باب الحج، بعد أن ادعى الاجماع
على وجوب الجذع في الزكاة (1).
هذا كله مضافا - في الحكمين - إلى الصحيحة المتقدمة لحماد بن عثمان
- المروية في باب الهدي من التهذيب، في تعليل إجزاء الجذع من الضأن وعدم
إجزاء الجذع من المعز - " بأن الجذع من الضأن يلقح ومن المعز لا يلقح " (2)، ومن
المعلوم أن الضأن يلقح لدون السنة، فعلم من ذلك أن الجذع من الضأن ما له (3)
دون السنة، بل له سبعة أشهر - كما عن ابن الأعرابي التصريح به (4) - وظاهر
التعليل أن علة إجزاء الجذع من الضأن قابلية اللقاح وعلة عدم إجزاء الجذع
من المعز عدم قابليته لذلك، فيدل على أن المعز القابل للقاح يجوز في الهدي، فإذا
انضم إلى ذلك ما في صحيحة ابن سنان - المروية في باب الهدي من التهذيب -
من أنه: " يجزئ من الضأن الجذع، ولا يجزئ من المعز إلا الثني " (5) علم من
ذلك أن الثني ما دخل في الثانية. فقد ثبت تفسير الجذع والثني من هاتين
الصحيحتين.
ثم إنه يمكن الجمع بينهما وبين ما عن أكثر أهل اللغة - بناء على ثبوته
عنهم - من أن الجذع ما دخل في السنة الثانية، بأن الجذع في هذه الأخبار ما

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 506 و 520.
(2) التهذيب 5: 206، الحديث 29. والوسائل 10: 103 الباب 11 من أبواب الذبح، الحديث 4.
(3) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": ماله.
(4) نقله عنه الشيخ قدس سره في المبسوط 1: 199، والعلامة قدس سره في التذكرة 1: 213 وغيرهما.
(5) تهذيب الأحكام 5: 206، الحديث 28، والوسائل 10: 103 الباب 10 من أبواب الذبح،
الحديث 2.
192

كان في أول زمان (1) الجذوعة، فيكون المراد هو المعنى الوصفي الذي يكفي فيه
التلبس بالمبدأ في الجملة - كما قال ابن الأعرابي: إن الضأن يجذع لسبعة أشهر
أو ثمانية (2) -، ومراد اللغويين هو المعنى الاسمي، وهو ما صار كاملا في ذلك،
ويتحقق في السنة الثانية. ويكون قول الراوي في الحديث النبوي: " نهينا عن
أخذ الراضع وأمرنا بأخذ الجذعة " (3) قرينة على إرادة أولى مراتب الجذوعة.

(1) في " ف ": زمانه.
(2) المبسوط 1: 199، (كتاب الزكاة)، لكن المحكي عن ابن الأعرابي - في لسان العرب 2: 219
مادة (جذع) - هكذا: " وقال ابن الأعرابي في الجذع من الضأن: إن كان بين الشابين أجذع
لستة أشهر إلى سبعة أشهر، وإن كان بين هرمين أجذع لثمانية أشهر إلى عشر أشهر.. ".
وقريب منه ما في المصباح المنير 1: 94 مادة (جذع).
(3) حكاه النووي في المجموع 5: 399 ورواه النسائي في سننه 5: 30 مختصرا والبيهقي في سننه
4: 101 مثله.
193

مسألة
[20]
إعلم أنه لا خلاف ظاهرا في أنه لا يجوز أخذ المريضة في الفريضة مطلقا،
ولا الهرمة - وهي البالغة أقصى [الكبر] (1) - ولا ذات العوار. ويدل على الأخرى
- مضافا إلى ما دل على الأولى: من أنه مقتضى إشاعة الفريضة في النصاب -
صحيحة (2) أبي بصير في حديث الإبل: " ولا تؤخذ هرمة ولا ذات عوار إلا أن
يشاء المصدق، ويعد صغيرها وكبيرها " (3).
والظاهر أن المراد بالاستثناء ما إذا رأى الساعي المصلحة في أخذها. أو
ما إذا أراد المصدق - بالكسر -. أخذها. أو المصدق - بالفتح - دفعها من باب
القيمة، لا أن جواز أخذها مفوض إلى مشيئة المصدق، إذ ليس له أن يأخذ إلا
ما شاء الله.
ثم إنه لو كان جميع النصاب موصوفا بأحد الثلاثة لم يلزم المالك بشراء
السليم، ولو كان ملفقا من الاثنين أو الثلاثة لا يؤخذ الأخس (4)، والظاهر أنه

(1) مقدار ما بين المعقوفتين بياض في النسخ، وما أثبتناه من المدارك 5: 94.
(2) في " ج ": لصحيحة.
(3) الوسائل 6: 85 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.
(4) في " ج " و " ع ": الآخر.
194

لا خلاف في عدها من النصاب،
كما لا خلاف في عدم عد الربى بضم الراء وتشديد
الباء على وزن فعلى - إذا فسرناه بما يربى في البيت لأجل لبنه.. (1) لأنه حينئذ
من الدواجن، وليس فيها شئ لكونها معلوفة. وفي رواية زرارة المحكية عن
التهذيب: نفي ثبوت الزكاة في الدواجن (2). كما لا خلاف في عدها (3) إذا فسرناها
بما هو المشهور في تفسيرها: من أنها الوالدة مطلقا، أو القريبة العهد من الولادة.
ولا في أنه لا تؤخذ في الفريضة، إما لكونها نفساء فهي مريضة ولذا لا يقام الحد
على النفساء، وإما للزوم الاضرار بولدها، وإما للاضرار بالمالك، وإما للتعبد
بقوله عليه السلام - في موثقة سماعة -: " لا تؤخذ الأكولة - والأكولة: هي الكبيرة
من الشاة تكون في الغنم - ولا والدة، ولا كبش الفحل " (4).
والظاهر من الوالدة: القريبة العهد بالولادة، نعم في رواية ابن الحجاج
- المروية في الفقيه -: " ليس في الأكلية ولا في الربى - التي تربي اثنين - ولا شاة
لبن ولا فحل الغنم صدقة " (5)، إلا أن المقيد - هنا - لا يعارض المطلق.
ثم ظاهر الروايتين إطلاق المنع حتى لو رضي المالك، فلو دفعها لم تجز،
إلا أن ظاهر الرواية الثانية - كما سيجئ (6) ورودها في مقام الترخيص
والتسهيل.
وأما الأكولة، وفحل الضراب المحتاج إليه، فظاهر المحكي عن الفاضلين

(1) محل النقط بياض بمقدار كلمة.
(2) تهذيب الأحكام 4: 21 الحديث 3، و 4: 41 الحديث 16، والوسائل 6: 73 الباب من أبواب
زكاة الأنعام، ذيل الحديث 3.
(3) في " ج " و " ع ": كالأخذ في عدها.
(4) الوسائل 6: 84 الباب من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 2.
(5) الفقيه 2: 28، باب الأصناف التي تجب عليها الزكاة، الحديث 1608، والوسائل 6: 84 الباب
10 من أبواب زكاة الأنعام الحديث الأول.
(6) يجئ في الصفحة التالية.
195

في النافع (1) والارشاد (2) والشهيدين في اللمعتين (3): أنهما لا يعدان في النصاب،
خلافا للحلبي في الأخير (4). ولعله لرواية ابن الحجاج المتقدمة (5) الدالة على نفي
الصدقة فيهما.
وفيه إشكال، لأن الظاهر من الرواية - ولو بقرينة ذكر الربى - عدم
جواز الأخذ تشبيها له بعدم تعلق الزكاة بها. وهذا أولى من حمل الرواية على
ظاهرها، وطرح الرواية بالنسبة إلى حكم الربى وشاة اللبن. إلا أن يراد من
الربى: المعلوفة لأجل كونها مربية للاثنين (6) ويراد من شاة اللبن التفسير الأول
المتقدم للربى.
وكيف كان فرفع اليد عن العمومات مثل قوله: " يعد صغيرها وكبيرها " (7)
وقوله: " في كل خمسين حقة " (8) ونحوهما، بهذه الرواية - وإن ضعف سندها (9) -
مشكل.
ثم (10) لو دفع المالك الأكولة وفحل الضراب فظاهر الرواية الأولى وإن
كان عدم الجواز، إلا أن ظاهر الثانية بيان العفو كما عن المنتهى: عدم الخلاف

(1) المختصر النافع 1: 56.
(2) إرشاد الأذهان 1: 281.
(3) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 2: 27.
(4) الكافي في الفقه: 167.
(5) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(6) في " ف ": لاثنين.
(7) الوسائل 6: 85 الباب 10 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 3.
(8) الوسائل 6: 72 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام الحديث الأول، وفيه: ففي كل خمسين حقة.
(9) كذا في " ف " و " ج " و " ع " وشطب عليه في " م " وكتب عليه: " صحت " ولعل الصحيح: وإن صح
سندها.
(10) في " ج " و " ع ": نعم.
196

في جواز إعطائها وإعطاء الربى لو تطوع المالك (1). وهو كذلك لأن الظاهر من
الرواية إرادة التسهيل على المالك، وأن هذه الأربعة كأن لم يتعلق بها الفريضة،
فتخرج أولا من الأنعام، ثم يقسم الباقي ويؤخذ منه الحق. ولا ينافي ذلك ثبوت
هذا التسلط للمالك بالنسبة إلى أي شاة أراد إفرازها قبل القسمة، بل له أن لا
يدفع شيئا ويدفع الفريضة من الخارج، لأن بيان الخاص لا ينافيه بيان العام مع
عدم العلم بسبق علم المصدق بهذه الكلية، فلعله بين له أولا عدم التسلط على
هذه بالخصوص للاهتمام بشأنه، ثم بين عموم نفي التسلط، أو لم يبينه لهذا
الشخص أصلا لعلمه بعدم احتياجه.

(1) المنتهى 1: 485.
197

مسألة
[21]
الظاهر أنه لا خلاف بين الإمامية في تعلق الزكاة بالعين، وصرح في
الإيضاح بإجماع الإمامية على ذلك (1)، وحكي دعوى الوفاق عن غير واحد (2).
نعم حكى في البيان عن ابن حمزة أنه حكى عن بعض الأصحاب تعلقها
بالذمة (3)، لكن المستفاد من الشهيد قدس سره في البيان - في ذكر تفريعات المسألة -
أن هذا القائل لا ينكر أن لها تعلقا بالعين في الذمة، حيث قال - فيما لو باع
المالك النصاب -: إن (4) على القول بالذمة يصح البيع قطعا. فإن أدى المالك لزم،
وإلا فللساعي تتبع العين فيتجدد (5) البطلان ويتخير المشتري (6). ولعله لهذا لم
ينقل هذا الخلاف غير الشهيد - ممن عادته نقل الخلاف -

(1) إيضاح الفوائد 1: 207.
(2) المنتهى 1: 505، ومجمع الفائدة 4: 124، وراجع الجواهر 15: 138.
(3) البيان: 186 هذا ولم نعثر عليه في الوسيلة، وفي مفتاح الكرامة بعد نقل المحكي عن البيان
هكذا: " ولعله في الواسطة إذ ليس لذلك في الوسيلة أثر ". انظر مفتاح الكرامة 3: 109 (كتاب
الزكاة).
(4) في " ج " و " ع ": بأن.
(5) في " م ": فيتجه.
(6) البيان: 187.
198

ويدل على المطلب أيضا: موثقة (1) أبي المعزى، عن الصادق عليه السلام: " إن
الله شرك بين الفقراء والأغنياء في أموالهم، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير
شركائهم " (2) دل على الشركة ولازمها هو (3) عدم جواز التصرف فيها على غير
وجه الدفع إلى المستحقين.
وفي حسنة بريد العجلي بابن هاشم - في آداب المتصدق (4) -: " إنه لا
تدخل المال إلا بإذن صاحبه فإن أكثره له " (5)، ونحوها ما عن نهج البلاغة فيما
كتب عليه السلام لمصدقه (6).
ويدل عليه أيضا الأمر فيها بتقسيم المال مرات متعددة حتى (7) يبقى ما
فيه وفاء لحق الله تعالى (8).
ويدل عليه أيضا (9) رواية ابن أبي حمزة، عن أبيه، عن الباقر عليه السلام:
" عن الزكاة يجب علي في موضع لا يمكنني أن أؤديها. قال: اعزلها، فإن اتجرت بها
فأنت لها ضامن ولها الربح، فإن تويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في
تجارة فليس عليك، فإن لم تعزلها واتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من

(1) في " ف " و " م ": رواية موثقة.
(2) الوسائل 6: 150 الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4. وفيه: " إن الله تبارك وتعالى
أشرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال.. الحديث ".
(3) في " ف " و " ج " و " ع ": وهو.
(4) في " ج " و " ع ": باب التصدق.
(5) الوسائل 6: 88 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول. وعبارته هكذا: " فإن أتيت
ماله فلا تدخله إلا بإذنه فإن أكثره له ".
(6) نهج البلاغة: الخطبة (381)، وانظر الوسائل 6: 91 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام الحديث
7.
(7) في " ج " و " ع ": ثم.
(8) الوسائل 6: 88 الباب 14 من أبواب الزكاة الأنعام، الحديث الأول.
(9) ليس في " ف " و " م ": أيضا.
199

الربح، ولا وضيعة عليها " (1). بل يدل عليه جميع أخبار الاخراج والعزل، فتأمل.
ويدل عليه في الغلات والنقدين مثل قوله عليه السلام: " فيما سقت السماء
العشر " (2) وقوله: " في كل مائتين خمسة دراهم، وفي كل أربعين درهم " (3)، فإن
المتبادر من ذلك أن فيها ربع العشر.
وأما قوله عليه السلام - في زكاة الأنعام -: " في كل خمس من الإبل شاة " (4)،
وقوله: " في كل خمسين حقة " (5)، وفي " كل ثلاثين تبيع " (6)، ونحوها مما ليس المخرج
من النصاب (7)، فإنه لا بد من صرفها عن ظاهرها - بناء على القول بالذمة -
وحملها على إرادة أن فيها جزء مشاعا، نسبته إلى الكل كنسبة قيمة الفريضة إلى
قيمة المجموع، ولا ريب أن هذا معنى لا يفهم بدون القرينة الجلية بل المتبادر
من ذلك وجوب شاة كلي في ذمة المكلف، نعم يحمل على المعنى الذي ذكر بقرينة
ما ذكرنا، بل قوله - في زكاة الغنم -: " في كل أربعين شاة شاة " (8) أيضا لا يدل
على ذلك وإن كان في بادئ النظر نظير قوله: " في كل أربعين درهما درهم " (9) إلا
أن استعمال الفرد من الأفراد المماثلة في الكسر المنسوب إلى المجموع شائع
كما يقال: رطل من العشرة أرطال (10)، ويراد العشر، ولا يقال ذلك في غير المثليات.

(1) الوسائل 6: 214 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 وراجع الصفحة 147
والهامش 3 هناك.
(2) راجع الوسائل 6 124 الباب 4 من أبواب زكاة الغلات.
(3) الوسائل 6: 97 الباب 2 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 7.
(4) الوسائل 6: 72 الباب 2 من أبواب زكاة الأنعام.
(5) نفس المصدر.
(6) الوسائل 6: 77 الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(7) في " م ": واحدا من النصاب.
(8) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول وغيره.
(9) الوسائل 6: 97 الباب 2 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 8.
(10) في " ف " و " م ": الأرطال.
200

وكيف كان فظاهر قوله: " في كل أربعين شاة شاة " (1) ثبوت واحد غير
معين في المجموع، فيكون الواجب كليا صادقا على كل واحدة لا جزء مشاعا،
مع أن هذا أيضا غير مراد، لجواز دفع شاة أخرى من غير النصاب على وجه
الأصالة دون القيمة اتفاقا على الظاهر، فليست الظرفية باقية على معناها
الحقيقي.
اللهم إلا أن يقال: إن هذا حكم وضعي بثبوت واحد في الأربعين على
سبيل الظرفية الحقيقية، ولا ينافي ذلك تجويز الشارع ضمان ذلك الواحد بمثله
من غير النصاب من باب الدليل لا القيمة.
ثم إن القول بتعلق الزكاة بالعين تعلق الشركة وإن كان ظاهر ما تقدم
من الأخبار، بل ظاهر معاقد الاجماعات، بل صرح في موضع من الإيضاح: بأن
اختيار الأصحاب تعلق الزكاة بالعين تعلق الشركة (2)، إلا أن الذي يقتضيه
ملاحظة أحكام كثيرة للزكاة: ما ينافي الشركة، وهي كثيرة:
منها: ظهور النص والفتوى في جواز إخراج الزكاة من غير العين (3)
ودعوى كون ذلك (4) من باب ضمان العين ببدله - مع أنه خلاف المعهود من ضمان
القيمي بقيمته دون مثله - تكلف خارج عن مدلول النصوص والفتاوى، إلا أن
مراده تعهد إخراج الزكاة من مال آخر، كما هو ظاهر ثبوت الضمان، لا نقله إلى
نفسه ببدله بأن يحصل شبه معاوضة، فإن ذلك (5) كله تكلف واضح، ففي حسنة.

(1) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول وغيره.
(2) إيضاح الفوائد 1: 177.
(3) الوسائل 6: 114 الباب 14 من أبواب الزكاة الذهب والفضة، وراجع الجواهر 15: 125 ومفتاح
الكرامة 3: 82 (كتاب الزكاة).
(4) في " ج " و " ع ": كون المال.
(5) في " م ": فإن هذا.
201

عبد الرحمان البصري بابن هاشم: " في رجل لم يزك إبله أو شاته عامين فباعها،
على من اشتراها أن يزكيها؟ قال: نعم تؤخذ منه زكاتها، ويتبع بها البائع أو يؤدي
زكاتها البائع " (1).
فإن ظاهرها أن ما يؤديه البائع من غير المبيع هي الزكاة لا بدلها، وهذه
وإن استدل بها على الشركة من جهة تتبع الساعي العين [إلا أن تتبع
الساعي] (2) لا يستلزم الشركة كما سيجئ، بل هي دالة - لما ذكرنا ولما سيجئ -
على عدم الشركة.
ويدل على كون المخرج من غير العين نفس الزكاة لا بدلها بعد ضمان
قيمتها (3): ما دل على جواز أدلة المقرض زكاة القرض (4). وما دل على تعجيل
الزكاة (5)، وما دل على احتساب الدين من الزكاة (6)، وما دل على اشتراط إخراج
الزكاة على المشتري وعلى متقبل الأرض (7) وغير ذلك (8).
ومنها: أنه لو كانت الشركة حقيقة لم يفد أداء البائع زكاة المبيع في صحة
بيع النصاب، مع أنه ثابت بالصحيحة المتقدمة (9) ضرورة أن الفريضة في النصاب

(1) الوسائل 6: 86 الباب 12 من أبواب الزكاة الأنعام، الحديث الأول.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ف " و " ج " و " ع ".
(3) في " م ": عينها.
(4) الوسائل 6: 67 الباب 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه.
(5) الوسائل 6: 208 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.
(6) الوسائل 6: 205 الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة.
(7) الوسائل 6: 70 الباب 10 من أبواب من تجب عليه الزكاة و 6: 118 الباب 18 من أبواب
زكاة الذهب والفضة و 129 الباب 7 من أبواب زكاة الغلات.
(8) في " ف " و " م ": وما دل على تعجيل الزكاة وغير ذلك.
(9) الظاهر المراد منها الحسنة المتقدمة في هامش 1 أعلاه، ويؤيد ذلك تعبير المؤلف عنها بالصحيحة
في الصفحة 204.
202

إذا كان مال الغير فإن صح للمالك بيعها لم يؤخذ من المشتري، وإلا لم ينفع أداء
الزكاة بعد البيع، بل يكون نظير بيع المال الغير ثم اشتراؤه منه.
ودعوى أنه تأديه يقوم مقام إجازة المالك، مع أنه لا يتم إلا إذا
كانت التأدية إلى الإمام أو نائبه - الوليين - لا إلى الفقير الذي ليس له ولاية
على المال إلا بعد قبضها. مدفوعة بأن مقتضى مفهوم الإجازة رجوع حصته من
الثمن إلى المجيز، والمفروض عدمه.
ودعوى أن المدفوع (1) من المالك عوض الثمن، كما ترى.
وكيف كان، فلا محيص - على القول بالشركة - عن القول ببطلان البيع
في الفريضة، وعدم نفع تأدية الزكاة إلا أن يجيز الإمام أو وكيله فيأخذ (2) حصته
من الثمن، كما هو مقتضى بيع الفضولي - كما التزم به بعض المعاصرين القائلين
بالشركة - (3) وقد عرفت ظهور النص في خلافه (4) من جهة حصر الأمر فيه بين
أخذ الزكاة من المشتري، وبين تأدية البائع الزكاة، وظاهره أيضا تخيير البائع (5).
ومنها: أن الشركة لو كانت حقيقة (6) لم يتصور ذلك في الزكوات المستحبة
- كزكاة ما عدا الغلات الأربع من المكيلات، وزكاة غلات اليتيم، وزكاة الدين -
ولا ريب في اتحاد سياق تعلقها بالعين مع سياق تعلق الزكاة الواجبة، بل قد (7)
اشتمل بعض الروايات على بيان ثبوت الزكاة في الواجب والمستحب معا، ولذا
تقدم حمل مثل ذلك على مطلق الرجحان، لا خصوص الوجوب أو الاستحباب.

(1) في " ف " و " ج " و " ع ": الوقوع.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": فيؤخذ.
(3) الجواهر 15: 142.
(4) تقدم في الصفحة 202.
(5) في " م ": البائع أيضا.
(6) كذا في النسخ، والظاهر: حقيقية انظر الصفحة 205.
(7) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": قد.
203

ومنها: أنه لو كان الشركة حقيقة (1) لكان نماء الفريضة تابعة لها، وكان
المالك ضامنا لمنفعتها، استوفاها أولا، مع أن الظاهر من النص والفتوى عدمه.
أما النص فلصحيحة عبد الرحمان المتقدمة - الواردة فيمن لم يزك إبله أو غنمه
عامين ثم باعها (2) -، فإن اقتصار الإمام عليه السلام، بل السائل على وجوب الزكاة
ظاهر في عدم استحقاق الفقراء للنماء - كالولد والصوف وأجرة الإبل - وإن لم
يستوف منافعها، إذ لا يتوقف الضمان على الاستيفاء، مع أن الإبل والغنم في
عامين (3) لا يخلوان عن نتاج كثير.
ودعوى أن المقام مقام بيان ضمان الزكاة لا ضمان توابعها، بل هي
مستفاد من قاعدة ضمان المال، مدفوعة بأن قاعدة ضمان توابع المال ليس
مدركها إلا مجموع الأخبار الواردة في الجزئيات الخاصة مثل هذا المورد ونحوه،
وليس لها في النصوص باب مستقل يعرفه السائل من ذلك الباب.
ومن هنا يمكن دعوى ظهور كلام جماعة في عدم ضمان النماء، حيث
صرحوا بأنه لو مضى على النصاب أحوال لم يلزمه إلا زكاة حول واحد، فإن (4)
الاقتصار على أصل الزكاة، وعدم التعرض لحكم الفرع ظاهر في أنه ليس عليه
إلا الأصل، لأن بناءهم على ذكر ضمان توابع المال عند ذكر ضمانه. خصوصا
مثل هذا المال المشتبه المالية.
ومن هنا قال في الإيضاح - وأورد على الشركة عدم ملك الفقير -: لو
نتجت أربعون (5) قبل أداء الزكاة وبعد الحول (6)، وظاهر كلام المورد أنه (7)

(1) راجع الهامش رقم 6 من الصفحة السابقة.
(2) الوسائل 6: 86 الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول. وقد تقدم في الصفحة
202 بوصف " الحسنة ".
(3) في " ج ": العامين.
(4) في " ج " و " ع ": فإن ظاهرهم، وفي " م ": فإن ظاهر.
(5) في " ج " و " م ": الأربعون.
(6) إيضاح الفوائد 1: 208.
(7) في " ف ": أنها.
204

اتفاقي، والحكم وإن لم يثبت بهذا المقدار إلا أنه يصح مؤيدا للنص، بعد تأييده
بخلو كلمات الأصحاب عن التعرض لضمان النماء والمنافع عند حلول الأحوال
على النصاب مع مساعدة السير عليه.
وأما ما سبق في رواية [ابن] أبي حمزة من أنه: " إذا اتجر بها في جملة المال فلها
الربح وليس عليها الوضيعة " (1) فهو - مع أنها (2) خلاف القاعدة من جهة لزوم
المعاملة بمال الغير من دون الإجازة، ومن جهة وقوعها للغير حتى إذا كانت بما
في الذمة ثم دفع مال الغير - معارضة بصحيحة عبد الرحمان المتقدمة (3) الدالة
على عدم لزوم الثمن وتتبع الساعي المال. إلا أن يقال باختصاص كل في مورده،
وإن من عامل بمال الغير فإن اطلع على عينه فله أخذها، وإلا فله الربح وعلى
العامل الوضيعة كما تقدم في مال اليتيم، وكما ورد في المال المغصوب من رواية
مسمع المذكورة في محلها (4).
وكيف كان فالظاهر أن القول بالشركة الحقيقية مشكل.
ويمكن أن يقال: إن معنى تعلق (5) الزكاة بالعين هو أن الله تعالى أوجب
على المكلف إخراج الجزء المعين من المال، فيكون شئ من العين حقا للفقراء،
بمعنى استحقاقهم لأن يدفع إليهم هو أن الله تعالى أوجب
على المكلف إخراج الجزء المعين من المال، فيكون شئ من العين حقا للفقراء،
بمعنى استحقاقهم لأن يدفع إليهم، وعدم جواز التصرف فيه بوجه آخر، لا
بمعنى ملكهم (6) له بمجرد حلول الحول إلا أن الشارع قد أذن للمالك في إخراج

(1) الوسائل 6: 214 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 وتقدم تمام الرواية في
الصفحة 199.
(2) في " ف ": أنه.
(3) الوسائل 6: 86 الباب 12 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول. وتقدم تمامه في الصفحة 202.
(4) لم نعثر عليها في هذا الكتاب، نعم ذكرها في شرح الإرشاد، ذيل مبحث الاتجار بمال الطفل،
والرواية مذكورة في الوسائل 13: 235 الباب 10 من أبواب أحكام الوديعة الحديث الأول.
(5) في " ج ": متعلق.
(6) في " م ": تملكهم.
205

هذا الحق من غير العين، فحينئذ فإن أخرجه من غيره فله ذلك، وإن لم يخرجه
من العين ولا من غيرها فللساعي تتبع (1) العين، لأن الحق قد ثبت، فالثابت في
العين حق للفقراء لا ملك لهم، فلو لم يخرجه المالك من المال (2) ولا من غيره
أخرجه الساعي من المال لا من غيره، إذ لا تسلط له على غيره فإن حق الفقراء
في النصاب.
ثم إن الظاهر أن هذا الحق على سبيل الإشاعة في مجموع النصاب،
بمعنى إشاعة الجزء الكسري في التام، أما في الغلات، فللتصريح (3) بثبوت العشر
ونصف العشر فيها. وأما النقدين فكذلك. وأما الإبل والبقر، فلأنه لا يجزئ
فيهما - بعد القول بالتعلق بالعين - غير الإشاعة المذكورة. وأما الغنم، فلأنه وإن
أمكن فيها كون الحق فردا بدليا من النصاب، بل ربما يدعى أنه ظاهر قوله: " في
كل أربعين شاة شاة " (4) إلا أن الظاهر بعد التأمل خلافه.
أما أولا (5)، فلأن المستفاد من أدلة وجوب الزكاة ومدح المال المزكى (6) ولعن
غيره على وجه الظهور بل القطع، جواز تعلق الزكاة بالمال تعلق الجزء بالكل،
بمعنى أن كل جزء من المال يتعلق به الزكاة، فيقال: لكل جزء منه بعد إخراج
الفريضة أنه مزكى لا أن (7) الزكاة تتعلق بالنصاب بمعنى حلوله فيه وكونه بعضا
من مجموعه، ويشهد لما ذكرنا ورود كثير من الأخبار بدخول حرف الاستعلاء
على المال الظاهر في كونه على وجه البسط والتوزيع واشتغال المجموع بالحق

(1) في " ف " و " ج " و " ع ": بيع.
(2) ليس في " ف ": من المال.
(3) في " ج " و " ع ": فلا تصريح.
(4) الوسائل 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(5) في " ج " و " ع ": أما الأول.
(6) في " ف " و " ج ": مال المزكي.
(7) في " ف ": لأن.
206

على سبيل الاستيعاب.
وأما ثانيا، فلأن المراد بالشاة الموجودة في الأربعين لو كان هو (1) الفرد
المنتشر، فإن أريد المنتشر في شياه العالم فهو لا يصح إلا على تقدير الارجاع
إلى الإشاعة التي ذكرنا كما سيجئ، وإن أريد به الفرد المنتشر في النصاب،
وجب فيه التقييد، أو يجوز الاخراج عن غير النصاب (2) مع أن ظاهرهم جواز
إخراج الجذع من الضأن لا على وجه البدل، مع أن النصاب لا يؤخذ فيها من (3)
ماله (4) دون أحد عشر شهرا. وكذا ظاهرهم عدم جواز إخراج أقل من الثني من
المعز، مع أن النصاب قد لا يبلغ الثني، إلا أن نلتزم بكون الجذع على وجه البدل،
وبعدم وجوب إخراج غير النصاب، بل يجوز الاخراج منه وإن لم يبلغ حد الثني.
فالتحقيق أن حاصل معنى قوله (5): " في كل أربعين شاة شاة " (6) هو: أن
في كل أربعين شاة جزء يعادل شاة من شياه العالم متصفة بكونها جذعا من
الضأن أو ثنيا من المعز غير مريضة، ولا كذا.. إلى آخر ما يعتبر في الفريضة.
والظاهر أن (7) من يقول بالفرد المنتشر لا ينكر ما ذكرناه أولا، إلا أنه
يقول: بأن الشارع ضبط ذلك الجزء المشاع بواحد من المجموع، فأوجب إخراج
الواحد من الأربعين نفس الفريضة لا أنه معادل الفريضة.
ويرده صريحا: ما في الروايات المعتبرة - المتقدم بعضها - من أمر المصدق

(1) في " م ": هي.
(2) في " ج " و " ع ": نصاب.
(3) ليس في " ف ": من.
(4) في " م ": لا يوجد فيما له.
(6) الوسائل: 6: 78 الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث الأول.
(7) ليس في " ج ": أن.
207

بتقسيم (1) المال مرات (2) متعددة حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تعالى (3)، إذ لو كان
الفريضة الفرد المنتشر كان مقتضى القاعدة عدم تسلط الساعي على دعوى
القسمة، فكيف أمره الأمير عليه السلام بالتقسيم مع كون معظم كلامه عليه السلام في
بيان رعاية جانب المالك والتسهيل عليه والارفاق به، كما يظهر لمن لاحظ ذلك.
وإذا عرفت أن القائل بالواحد الكلي أيضا (4) لا ينكر ثبوت الحق في
كل جزء إلا أن الشارع أوجب ما هو ضابط لذلك الجزء، ظهر أنه لو تلف بعض
النصاب بغير تفريط قبل التمكن من الأداء سقط من الفريضة بحسابه - عند
هذا القائل - أيضا، لأنه إنما يقول بوجوب دفع تمام الفريضة لحق المجموع، فلا
بد من تقسيطها على المجموع.
ولو تلف البعض بالتفريط لم يسقط من الفريضة شئ بل يكون
الفريضة في الباقي، لبقاء القدرة على أداء الواجب ما بقي مصداق واحد (5) للفرد
المنتشر، ولا ينتقل إلى قيمة التالف، ولا إلى البدل (6) الخارجي، نعم للمالك إعطاء
القيمة أو البدل من البعض التالف (7)، بل من البعض الباقي أيضا، لكن ثمرة
كون الفريضة في الباقي تظهر فيما لو باع الباقي، فإن للساعي (8) تتبع العين.
والظاهر ثبوت تلك (9) على المختار من الإشاعة، لأن تفريطه لا يوجب

(1) في " ج ": وبتقسيم.
(2) في " م ": مراتب.
(3) الوسائل 6: 88 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام الحديث الأول، وقد تقدمت الإشارة إليها
الصفحة 199.
(4) ليس في " ف ": أيضا.
(5) في " م ": " مضافا " بدل " مصداق واحد ".
(6) في " ف ": بدل.
(7) في " م ": من البعض وأخذ التالف.
(8) في " ج ": الساعي.
(9) في " م ": ذلك.
208

الرجوع إلى البدل ما دام إخراج الحصة الواجبة مما في يده، وتوزيع الحصة
على التالف والباقي إنما يختص في (1) غير الكسر المخير فيه، أما إذا وجب إخراج
مقدار كسر خاص مخيرا في جعله (2) في ضمن أي جزء من الأجزاء الخارجية للعين،
فلا يرتفع التكليف بإخراج ذلك المقدار إلا إذا تلفت العين كلا، نعم في صورة
الاشتراك بين شريكين بحيث لا يمتاز حصة أحدهما إلا بالتراضي يلزم الحكم
بسقوط جزء من نصيب كل منهما بنسبة التالف، فتدبر.

(1) في " م ": يخص من.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": جملة.
209

مسألة
[22]
لو أمهرت امرأة نصابا فحال عليه الحول من حين تملكه مستجمعا
للشروط وجب عليها الزكاة، فإن أخرجت الزكاة وطلقها الزوج قبل الدخول
فللزوج نصف الكل من الباقي، لوجود المقتضي لتملك نصف الصداق، وانتفاء
المانع. وليس لها إعطاء نصف الباقي وقيمة نصف المخرج، لعدم المقتضي للعدول
إلى القيمة.
وفيه: إن حقه نصف المجموع على (1) الكسر المشاع فيه، فبانتفاء بعض
المجموع ينتفي (2) ذلك الكسر، ومقدار نصف الكل من الباقي هو ثلثا الباقي
ومعادل للنصف، لا أنه نصف حقيقة.
فالتحقيق أن له نصف الباقي ونصف قيمة المخرج، وفاقا للشهيد (3)
وخلافا للمحكي عن المبسوط (4)، وهو الظاهر من المحقق في المعتبر (5).

(1) في " م ": أعني.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": يبقى.
(3) الدروس 1: 231 والبيان: 170.
(4) المبسوط 1: 208، وحكاه عنه في الدروس: 58.
(5) المعتبر 2: 562.
210

ولو طلقها قبل الاخراج فمقتضى القاعدة: اشتراك المال بين الفقراء
والمرأة أن تقسم المال بينها وبين الزوج وتضمن للفقراء، وليس للزوج إجبارها
على الضمان بناء على قدرتها على الجمع بين أداء الزكاة من غير المال وإعطاء
الزوج النصف الكامل، لأن الزكاة متعلقة أولا وبالذات بالعين، فهذا المال يجب
أن يخرج منه سهمان: نصف للزوج، وعشر - مثلا - للفقراء، فيخرجان كما في
الإرث.
ولو هلك النصف بتفريط منها [كان للساعي تتبع العين من النصف
الموجود، وللزوج الباقي بعد إخراج الزكاة وتغرم له قيمة المخرج] (1).

(1) ما بين المعقوفتين: ليس في " ف " و " م ".
211

مسألة
[23]
الأقوى تعلق الزكاة بالحنطة والشعير بعد انعقاد الحب، وبالتمر بعد
احمراره واصفراره، وبالزبيب بعد انعقاد الحصرم، على المشهور - كما صرح به
جماعة (1) -، لصدق الحنطة والشعير بمجرد اشتداد الحب فيتعلق بهما الزكاة،
للعمومات (2)، فيثبت في البسر والحصرم بالاجماع المركب.
مضافا إلى أن مقتضى العمومات وجوب الزكاة فيما سقت السماء (3)، وأدلة
تعلق الزكاة بالحنطة والتمر (4) مثلا لا تنهض لتقييدها، لأن المتبادر منها إرادة
الأجناس الأربعة في مقابل الأجناس الأخر.
مضافا إلى صحيحة سليمان بن خالد: " ليس في النخل صدقة حتى تبلغ
خمسة أوساق، والعنب مثل ذلك حتى تبلغ خمسة أوساق زبيبا " (5).
فإن الظاهر منه ثبوت الزكاة في ثمرة النخل وفي العنب بمجرد بلوغها

(1) انظر مختلف الشيعة 1: 178، وإيضاح الفوائد 1: 175.
(2) الوسائل 6: 32 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(3) الوسائل 6: 124 الباب 4 من أبواب زكاة الغلات.
(4) الوسائل 6: 32 الباب 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(5) الوسائل 6: 120 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات، الحديث 7.
212

خمسة أوساق إذا قدرت تمرا وزبيبا، فقوله: " زبيبا " حال مقدرة، وجعل الحال مقدرة
وإن كان خلاف الظاهر إلا أنه لا مجال لانكاره عند المصنف.
وتقدير التمرية في ثمر النخل إنما يستفاد من بلوغ خمسة أوساق، لأن ما
يجعل في الوسق - وهو حمل الإبل - هو التمر غالبا لا الرطب، فهو كقولك: إن
هذا الزرع الأخضر فيه كذا وكذا حملا أو وسقا (1).
ويدل عليه أيضا صحيحة سعد بن سعد (2)، عن مولانا الرضا عليه السلام:
" وهل على العنب زكاة، أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال: نعم إذا خرصه
أخرج زكاته " (3).
فإن الظاهر أن زمان خرص العنب قبل زمان صيرورته زبيبا بمدة.
وأما قوله عليه السلام - في صحيحة أخرى، بالسند المتقدم لسعد بن سعد (4)،
عن الرضا عليه السلام -: " عن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى يجب
على صاحبها الزكاة؟ قال: إذا صرم وإذا أخرص " (5).
فيحتمل الحمل على التخيير بمعنى أنه مخير في ذلك، ويحتمل أن يراد
من زمان الصرام: زمان قابلية النخلة (6) للصرم والأكل، لا وقت تعارف الصرام.
وكيف كان فدلالة الصحيحتين على تعلق الوجوب في زمان الخرص مما
لا ينكر،
[وزمان الخرص] (7) - على ما هو المصرح به في المعتبر (8)، بل الظاهر أنه
المتعارف - هو ما قبل يبس الثمرة.

(1) في " ج ": ووسقا.
(2) (4) في " ف " و " ج " و " ع ": سعيد.
(3) الوسائل 6: 119 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات، الحديث الأول.
(5) الوسائل 6: 133 الباب 12 من أبواب زكاة الغلات، الحديث الأول، وفيه: خرص.
(6) في هامش " م " كذا: في نسخة: الغلة.
(7) ما بين المعقوفتين من " م ".
(8) المعتبر 2: 535.
213

ومنه يظهر جواز التمسك للمطلب بالأخبار الدالة على الخرص (1)،
وتعيين النبي صلى الله عليه وآله (2) عبد الله بن رواحة خارصا (3).
ومما ذكرنا يظهر (4) جواز التمسك للمشهور (5) بأخبار الخرص، كما نبه عليه
في المسالك (6)، إذ زمان الخرص - كما صرح به في المعتبر (7) - هو قبل يبس الثمرة.
ومن هنا يشكل الجمع بين ما اختاره المحقق في المعتبر (8) وما في الشرائع (9)
والنافع (10): من أن وقت التعلق هو عن التسمية تمرا وزبيبا، ونسب الخلاف إلى
الشيخ (11) والجمهور (12)، ثم ذكر جواز الخرص على المالك، ولم يسند الخلاف في
الجواز إلا إلى بعض الروايات عن أبي حنيفة (13). ثم ذكر في الفروع أن الخرص
حين يبدو صلاح الثمرة، قال: لأنه وقت الأمن على الثمرة من الجائحة (14).
ثم ذكر أن صفة الخرص أن تقدر الثمرة لو صارت تمرا والعنب لو صارت زبيبا،
فإن بلغت الأوساق وجبت الزكاة، ثم خيرهم بين تركه أمانة في يدهم وبين

(1) الوسائل 6: 133 الباب 12 من أبواب زكاة الغلات.
(2) سنن ابن ماجة 1: 582، الحديث 1820.
(3) في هامش " م " - هنا - ما يلي: هنا محل بياض كثير.
(4) في " م ": ظهر.
(5) ليس في " ج " و " ع ": للمشهور.
(6) المسالك 1: 44.
(7) المعتبر 2: 535، وفيه: وقت الخرص حين يبدو وصلاح الثمرة.
(8) المعتبر 2: 534.
(9) الشرائع 1: 153.
(10) المختصر النافع: 57.
(11) المبسوط 1: 214.
(12) انظر: المدونة الكبرى 1: 339، والمغني لابن قدامة 2: 702.
(13) انظر: عمدة القارئ 9: 68 ونيل الأوطار 2: 206 وسبل السلام 2: 613.
(14) المعتبر 2: 534 - 535، والجائحة هي الآفة.
214

تضمينهم حق الفقراء، أو يضمن لهم حق. فإن اختاروا الضمان كان لهم
التصرف (1) كيف شاؤوا، وإن أبوا جعله أمانة ولم يجز لهم التصرف بالأكل والبيع
والهبة (2) (انتهى).
وذكر في بيان الفرق بين الزرع والنخل والكرم في جواز الخرص في
الأخرى وعدم جوازه في الأول: إن أرباب النخل والكرم قد يحتاجون إلى تناوله
رطبا قبل جذاذه واقطافه، وليس كذلك إلا فيما يقل (3).

(1) في " م ": الصرف.
(2) المعتبر 2: 536.
(3) المعتبر 2: 537. وفي هامش " م " - هنا - ما يلي: هنا محل بياض كثير.
215

مسألة
[24]
لا خلاف ظاهرا - كما عن الرياض (1) والمنتهى (2) والمعتبر (3) والخلاف (4) -
في أن الزكاة إنما تجب بعد إخراج حصة السلطان في الجملة.
ويدل عليه الأخبار، كصحيحة ابن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر
عليه السلام: " قالا له: هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ قال: " كل أرض
دفعها إليك السلطان، فما حرثته (5) فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك
عليه، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر، إنما عليك فيما حصل في يدك
بعد مقاسمته لك " (6).
ونحوها غيرها (7).

(1) الرياض 1: 274.
(2) المنتهى 1: 500، وفيه: وهو مذهب علمائنا.
(3) المعتبر 2: 540، وفيه: وعليه فقهاؤنا.
(4) الخلاف 2: 67 - 70، كتاب الزكاة، المسألة 80.
(5) في " ف " و " م ": فتاجرته.
(6) الوسائل 6: 129 الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث الأول.
(7) الوسائل 7: 124 الباب 4 من أبواب زكاة الغلاة، الحديث الأول.
216

مع أن المزارعة إذا وقعت على حصة من الزرع فلا يجب على الزارع إلا (1)
زكاة حصته، لا (2) حصة صاحب الأرض أعني: السلطان.
نعم لو أخذ خراج الأرض من غير الزرع احتاج الحكم بوضعه إلى دليل
خاص، أو إدخاله في المؤونة التي سيجئ الكلام فيها والأخبار المتقدم بعضها
مختصة بحصته وكذا معاقد الاجماعات، إلا أن تفسر حصة السلطان في عباراتهم
بمطلق الخراج، سواء كان نقدا أو حصة من الزرع، كما حكي تفسير ذلك (3) عن
المحقق (4) والشهيد (5) الثانيين والصيمري (6)، لكن ظاهر معقد إجماع المعتبر
والتذكرة خصوص الحصة. قال في المعتبر: خراج الأرض يخرج وسطا ويؤدى
زكاة ما بقي - إذا كان نصابا - لمسلم، وعليه فقهاؤنا وأكثر (7) فقهاء الاسلام. (8)
(انتهى).
ونحوه عن التذكرة (9)، بل هذا ظاهر كل من عبر بالحصة.
وعلى هذا فالخراج إذا أخذ من النقدين، فإن كان بدلا عن الحصة فلا بد
من وضعها على تلك الحصة، بناء على أن ثمن الزرع من المؤونة، فإن نقص
قيمة الحصة عن الثمن فلا زكاة فيها، لكن لا يوجب وضع الباقي من الثمن

(1) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": إلا.
(2) في " ف ": ولا.
(3) في " ع ": تفسيره بذلك.
(4) جامع المقاصد 3: 22.
(5) مسالك الأفهام 1: 44.
(6) نقه عنه في الجواهر 15: 225 ومفتاح الكرامة 3: 104 (كتاب الزكاة).
(7) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": أكثر.
(8) المعتبر 2: 540.
(9) التذكرة 1: 220.
217

على باقي الزرع، لأنه ليس مؤونة له بل لحصته منه، نعم لو أخذ الخراج من باب
أجرة الأرض وضع على الجميع.
والحاصل: إن ما يأخذه السلطان إما أن يكون حصة من الزرع يملكها
حين تعلق الزكاة كسائر الشركاء في أصل الزرع، أو يستولي عليها بمجرد ذلك
بحيث لا يتمكن المالك من منعه عنها.
وإما أن يكون حصة من الحاصل، يستحقها أو بعضها من الغلة بعد تعلق
الوجوب.
وإما أن يكون نقدا يستحقه أو يأخذه قبل تعلق الوجوب أو بعده.
فإن كان المأخوذ الحصة، فإن استحقه في الزرع قبل تعلق الزكاة
استحقاق الشركاء أو استولى عليها استيلاء الغاصبين، فلا اشكال في أن
النصاب معتبر بعده، لكون الحصة على التقدير الأول غير مملوكة له، وعلى الثاني
غير متمكن من التصرف فيه لأجل الغصب، فإن الغصب يتحقق في المشاع أيضا.
وإن استحقه أو أخذه (1) بعد تعلق الوجوب، فعلى الأول يعد من المؤونة،
وعلى الثاني يعد من غصب بعض النصاب الزكوي.
وعلى أي تقدير فلا إشكال في استثناء الحصة إلا في الصورة الثالثة، بناء
على عدم استثناء المؤونة، فإنه وإن كان مقتضى هذا القول عدم استثنائها إلا أن
الأخبار والاجماعات المتقدمة كاف في ذلك.
وإنما الاشكال فيما إذا أخذ النقد، فقد عرفت أن الأخبار والاجماعات
مختصة بالحصة، فالخراج بالمعنى الأخص لا دليل على إخراجه على القول بعدم
إخراج المؤونة، وعلى القول باخراجها فلا يتم على تقدير بسط على جميع الحاصل
أن يكون معاوضة على الحصة المستحقة قبل تعلق الوجوب، بل لا بد من وضعه

(1) في " م ": غصبه.
218

على الحصة، فإن نقصت عنه فلا يوضع باقيه على ما في الزرع، لأنه كاشتراء
الحصة من الشريك، فإن الثمن معدود من مؤونة المبيع دون غيره.
ومن هنا ظهر ما في تصريح بعض المعاصرين بأن ظاهر النص والفتوى
اخراج القسمين (1)، يعني الحصة والخراج المأخوذ بدل الحصة.
ولعل إلى ما ذكرنا ينظر كلام العلامة - فيما حكي عنه في التذكرة - قال:
لو ضرب الإمام الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع، لأنه
كالدين (2)، وقال بعض مشايخنا: إنه محجوج بظاهر النصوص والفتاوى (3).
أقول: فقد عرفت ظهور الجميع في الحصة.
ثم إن ظاهر الأخبار (4) بل الفتاوى -: اختصاص استثناء الحصة أو
مطلق الخراج ولو كان نقدا بكون الأرض خراجية، أي يأخذ السلطان العادل
منه الخراج عند بسط يده، وعند قصور يده يأخذه الجائر، سواء كانت الأرض
للمسلمين كالمفتوحة عنوة أو أرض صالح عليها أهلها، أو من الأنفال المختصة
بالإمام، لعموم الأخبار كما تقدم بعضها.
وأما المأخوذ من غيرها ولو كان باسم الخراج والمقاسمة، فلا دليل على
إخراجه إلى علي القول باستثناء المؤن.
وكذا الظاهر اختصاصها بالسلطان المخالف، فما يأخذه سلاطين الشيعة
ملحقة بالمؤن أيضا.
نعم لو قلنا بجواز أداء الخراج والمقاسمة إليه، بل وجوبه في الجملة
كالسلطان المخالف، فالظاهر الحاقه به في استثناء حصته، لأن ظاهر الأخبار (5)

(1) الجواهر 15: 225.
(2) التذكرة 1: 220.
(3) الجواهر 15: 226.
(4) الوسائل 6: 129 الباب 7 من أبواب زكاة الغلات.
(5) الوسائل 6: 129 الباب 7 من أبواب زكاة الغلات.
219

استثناء هذه الحصة من المال لا من حيث أن أخذه مخالف - كما لا يخفى -.
ثم إن ما يأخذه المخالف (1) باسم الخراج والمقاسمة فالظاهر (2) أنه لا
اشكال في عدم اجزائه عن (3) الزكاة، وفي الغنية (4)، وعن التذكرة دعوى اتفاق
الإمامية (5)، ويدل عليه الأخبار المستفيضة في أن على المتقلبين سوى قبالة
الأرض، العشر ونصف العشر (6)، ويدل عليه فحوى عدم احتساب ما يأخذه

(1) وردت العبارة في " م " هكذا: ثم إن ما يأخذه المخالف هل يحسب من الزكاة أم لا؟ قولان، ظاهر
الأخبار الكثيرة بل صريح بعضها الاحتساب، [وإن أوجب في بعضها الاخفاء عنه مهما أمكن،
ويؤيدها ما دل على جواز الشراء من العامل والمتصدق إبل الصدقة وغيرها، والمقاسمة باسم
الخراج، الظاهر أنه لا اشكال في عدم اجزائه عن الزكاة وفي المعتبر وعن التذكرة، ودعوى اتفاق
الإمامية، ويدل عليه الأخبار المستفيضة في أن على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف،
ويدل عليه فحوى عدم احتساب ما يأخذه باسم الزكاة عنها - كما لا يخفى -، وأما ما أخذه
باسم، ولم ينسب الخلاف في المعتبر إلا إلى أبي حنيفة، ولعل الأخبار الكثيرة الواردة بالاجزاء،
واردة تقية عنه] وظاهر بعض الأخبار العدم.. إلى آخر ما ورد في المتن.. ثم إنه شطب على ما
جعلناه بين المعقوفتين وكتب في الهامش عبارتان هما: من قوله: " وإن أوجب في بعضها ".. إلى
قوله: " وغيرها "، والثانية من قوله: " باسم الخراج والمقاسمة ".. إلى قوله: " تقية عنه ". وفيهما
بعض الاختلافات مثل: " دعوى " بدل " ودعوى " و " كما سيجئ " بدل " كما لا يخفى "، و " أما ما
يأخذه " بدل " وأما ما أخذه ". ثم كتب بعد ايراده العبارتين في الهامش ما يلي: " ولعدم ارتباط
الحاشية بالمتن ارتباطا تاما كتبنا المتن والحاشية على نحو ما كتبه الشيخ المرحوم بخطه الشريف
ومحونا ما كتب الكاتب من الحاشية في المتن، والناظر يرى التهافت فيهما فله التأمل والتطبيق
بمقتضى فهمه (والسلام) ".
(2) في " م ": الظاهر.
(3) في " ف ": من
(4) في " م ": المعتبر، راجع الغنية (الجوامع الفقهية): 522، والمعتبر 2: 540 وليس فيهما عنوان
" المخالف ".
(6) الوسائل 6: 129 الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 1 و 2.
220

باسم الزكاة عنها (1) - كما سيجئ - فلم ينسب الخلاف في المعتبر (2) إلا إلى
أبي حنيفة (3)، ولعل الأخبار الكثيرة - الواردة بالاجزاء - واردة تقية عنه.
وأما ما يأخذه باسمه‍ [ا] (4) هل يحسب من الزكاة أم لا؟ قولان: ظاهر
الأخبار الكثيرة بل صريحها (5) الاحتساب وإن أوجب في بعضها الاخفاء عنه
مهما أمكن، ويؤيدها ما دل على جواز الشراء من العامل والمصدق إبل الصدقة
وغيرها (6).
وظاهر بعض الأخبار العدم، معللا بأن هؤلاء قوم ظلموكم أموالكم وإنما
الصدقة لأهلها (7).
ويعضدها عموم ما دل على وجوب إعادة الزكاة على المخالف، معللا بأنه
وضعها في غير موضعها وإنما موضعها أهل الولاية (8).
واجبار الشخص على اعطاء (9) الزكاة لا يوجب احتساب المدفوع عن
حق الفقراء، لأن المشاع لا يتميز بغير رضى الشركاء، غاية الأمر أنه يجب على
المكره أن يدفع إلى المكره ما يكفيه شره، وأما احتسابه من حق الفقراء فلا ومن
هنا يعلم أن الاكراه على تعيين قسمة أحد الشريكين لا ينفع في التعيين.

(1) الوسائل 6: 174 الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.
(2) المعتبر 2: 540.
(3) المدونة الكبرى 1: 328.
(4) ورد قوله: " وأما ما يأخذه باسمه " في " ف " و " م " و " ع " قبل قوله: " فلم ينسب.. الخ " في الصفحة
السابقة.
(5) في " م ": بل صريح بعضها.
(6) الوسائل 12: 161 الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5.
(7) الوسائل 6: 174 الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.
(8) الوسائل 1: 97 الباب 31 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول.
(9) في " م ": دفع.
221

مسألة [25]
المعروف بين الشيخ وأكثر من تأخر عنه أنه يجوز شراء ما يأخذه
السلطان الجائر باسم الخراج والمقاسمة والزكاة، ذكره الشيخ في النهاية (1)، والحلي
في السرائر (2)، والمحقق (3) ومن تأخر عنه، وأول من ادعى الاجماع على ذلك:
الفاضل المقداد في التنقيح (4) ثم المحقق الثاني في جامع المقاصد (5) وحاشية
الإرشاد (6) ورسالته المعمولة في حل الخراج، المسماة بقاطعة اللجاج (7) ثم الشهيد
الثاني، حيث ادعى اطباق علمائنا (8) ثم جماعة ممن تأخر عنهم، وفي الرياض: إن

(1) النهاية: 358.
(2) السرائر 2: 204.
(3) الشرائع 2: 13.
(4) التنقيح الرائع 2: 19.
(5) جامع المقاصد 4: 45 وفيه: إلا أن الاجماع من فقهاء الإمامية والأخبار المتواترة عن أئمة
الهدى دلت على جواز أخذ أهل الحق لها.
(6) نقله في مفتاح الكرامة 4: 246 والجواهر 22: 180.
(7) رسائل المحقق الكركي (المجموعة الأولى): 269 وفي الجواهر 22: 180 هكذا: وفي قاطعة
اللجاج الاجماع مكررا على ذلك.
(8) المسالك 1: 132.
222

حكاية الاجماع عليه مستفيضة (1).
ويدل عليه قبل ذلك الأخبار المستفيضة الدالة على صحة التصرفات
المترتبة على تصرف السلطان.
منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: " إنه سئل عن
مزارعة أهل الخراج بالربع والنصف والثلث؟ قال: لا بأس، قد قبل رسول الله
صلى الله عليه وآله خيبر، أعطا [ها] اليهود حين فتحت عليه بالخبر، والخبر:
هو النصف " (2).
ومنها: صحيحة أخرى، عن الحلبي: " لا بأس بأن يتقبل الأرض وأهلها
من السلطان " (3).
ومنها: رواية الفيض بن المختار: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما
تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثم أواجرها أكرتي على أن ما أخرجه الله
منها من شئ كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان؟ قال: لا بأس
كذلك أعامل أكرتي " (4).
ومنها: صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد الله عليه السلام:
" قال: سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤوسهم، وخراج النخل
والشجر والآجام والمصائد والسمك والطير، وهو لا يدري لعله لا يكون من هذا
شئ أبدا، أو يكون، أيشتريه، وفي أي زمان يشتريه ويتقبل منه قال: " إذا علم
أن شيئا من ذلك قد أدرك فاشتره وتقبل به " (5).

(1) الرياض 1: 508.
(2) الوسائل 13: 200 الباب 8 من أبواب أحكام المزارعة، الحديث 8.
(3) الوسائل 13: 213 الباب 18 من أبواب أحكام المزارعة، الحديث 3.
(4) الوسائل 13: 208 الباب 15 من أبواب المزارعة والمساقاة، الحديث 3.
(5) الوسائل 12: 264 الباب 12 من أبواب عقد البيع، الحديث 4 بطريق الصدوق، وراجع الفقيه
3: 224 الحديث 3832.
223

وروى الشيخ والكليني نحو ذلك عن إسماعيل بن الفضل (1).
وفي رواية أخرى لإسماعيل بن الفضل: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى،
ثم آجرها واشترط لمن يزرعها أن يقاسمه بالنصف من ذلك أو أقل أو أكثر وله
بعد ذلك فضل، أيصلح ذلك؟ قال: نعم إذا حفر لهم نهرا، أو عملا لهم عملا يعينهم
بذلك فله ذلك.
قال: وسألته عن رجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة أو
بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشئ معلوم فيكون له فضل
ما استؤجر من السلطان ولا ينفق شيئا، أو يؤاجر تلك الأرض قطعا على أن
يعطيهم البذر والنفقة فيكون له في ذلك فضل على إجارته؟
فقال: إذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فلا بأس بما
ذكرت " (2).
وفي موثقة أخرى لإسماعيل بن الفضل: " عن رجل اكترى أرضا من أرض
أهل الذمة، وإنما أهلها كارهون، وإنما تقبلها السلطان لعجز أهلها أو غير عجز؟
فقال: إن عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها إلا أن يضاروا " (3).
ومنها: صحيحة أبي عبيدة (4) عن أبي جعفر عليه السلام: " ما تقول في الرجل
منا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنمها، وهو يعلم أنهم يأخذون منهم

(1) التهذيب 7: 124، الحديث 544، الكافي 5: 195، الحديث 12.
(2) الوسائل 13: 261 الباب 21 من أبواب أحكام الإجازة، الحديث 4. مع اختلاف في بعض
الألفاظ.
(3) الوسائل 11: 121 الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 4 ؤ 12: 275 الباب 21 من
أبواب عقد البيع وشروطه، الحديث 10.
(4) في " ج ": عن أبي عبيدة.
224

أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ قال عليه السلام: ما الإبل والغنم إلا مثل الحنطة
والشعير وغير ذلك، لا بأس حتى تعرف الحرام منه بعينه.
قيل له: فما ترى في مصدق يجيئنا فيأخذ صدقات أغنامنا، فنقول: بعناها
فيبيعناها، فما ترى في شرائها منه؟ قال: إن كان قد أخذها وعزلها فلا بأس.
قيل له: فما ترى في الحنطة والشعير، يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا
ويأخذ حظه فيعزله بكيل، فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قبضه
بكيل وأنتم حضور ذلك فلا بأس بشرائه بغير كيل " (1).
وفي معتبرة أبي بكر الحضرمي: " قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام
- وعنده إسماعيل ابنه - فقال: ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة
فيكفونه ما يكفي الناس ويعطيهم ما يعطي الناس؟ ثم قال لي: لم تركت
عطائك؟ قال: (2): مخافة على ديني. قال: ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك
بعطائك، أما علم أن لك في بيت المال نصيبا؟ " (3).
وفي الصحيح: " عن عبد الله بن سنان، عن أبيه، قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: إن لي أرض خراج وقد ضقت بها أفأدعها؟ فسكت عني هنيئة ثم قال:
إن قائمنا لو قام كان نصيبك من الأرض أكثر من ذلك، وقال: لو قام قائمنا كان
للانسان أفضل من قطائعهم " (4).
وقوله: " لي أرض خراج " يحتمل أن يراد به أرض أعطي ليأكل خراجها،
أو أرض أعطي‍ [ت] (5) له يأخذ خراجها.

(1) الوسائل 12: 161 الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5. مع اختلاف في بعض
الألفاظ.
(2) في " م " و " ع ": قلت، وفي التهذيب 6: 337، الحديث 933: " قال: قلت ".
(3) الوسائل 12: 157 الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6.
(4) الوسائل 11: 121 الباب 72 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3.
(5) الزيادة اقتضاها السياق.
225

ومنها: ما دل على جواز النزول على أهل الخراج ثلاثة أيام مثل صحيحة
ابن سنان (1) وغيرها (2).
والظاهر أن المراد بالنازل من تقبل أرض الخراج من السلطان.
ومنها: ما دل على جواز الشراء من العامل، مثل رواية إسحاق: " سأله
عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم؟ قال: يشتري ما لم يعلم أنه ظلم فيه
أحدا " (3).
وموثقة سماعة: " عن شراء السرقة والخيانة؟ فقال: " إذا عرفت أنه كذلك
فلا، إلا أن يكون شيئا تشتريه من العامل " (4).
ويؤيد المطلب ما تقدم في جواز (5) قبول جوائز السلطان (6)، فإن جوائزهم
لا تكون غالبا إلا من الخراج، وفي بعضها: إن الرشيد - عليه اللعنة والعذاب
الشديد - بعث إلى أبي الحسن عليه السلام بخلع وحملان ومال، فقال عليه السلام: " لا
حاجة لي بالخلع والحملان والمال إذا كان فيه حقوق الأمة.. الخبر " (7) فإن حقوق
الأمة لا يكون إلا في بيت المال، فعلم أن ما يقع في يد السلطان يصير من بيت
المال ولا يبقى على ملك مالكه، فيجب رده إليه ويتصدق به مع جهله فافهم.

(1) الوسائل 13: 217 البا 21 من أبواب أحكام المزارعة، الحديث الأول وغيره.
(2) الوسائل 13: 217 البا 21 من أبواب أحكام المزارعة، الحديث الأول وغيره.
(3) الوسائل 12: 163 الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.
(4) الوسائل 12: 250 الباب 1 من أبواب عقد البيع، الحديث 6.
(5) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": جواز.
(6) الوسائل 12: 156 الباب 51 من أبواب ما يكتسب به.
(7) الوسائل 12: 158 الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 10.
226

مسألة
[26]
اختلفوا في استثناء المؤن ما عدا حق السلطان، فالمشهور - بل عن فوائد
القواعد: إنه كاد أن يكون اجماعا - استثناؤها (1). وعن الشيخ في الخلاف (2)
والمبسوط (3) وابن سعيد في الجامع: عدم استثنائها (4). وحكي عنهما دعوى
الاجماع على ذلك (5) ووافقهما من المتأخرين: الشهيد الثاني في فوائد القواعد (6)
وسبطه في المدارك (7) ونجله في شرح الاستبصار (8) وصاحب الذخيرة (9) وجماعة
من متأخري المتأخرين (10).

(1) راجع المدارك 5: 142، وفيه: فإنه اعترف بأنه لا دليل على استثناء المؤن سوى الشهرة.
(2) الخلاف 2: 67 كتاب الزكاة، المسألة 78.
(3) المبسوط 1: 217، ويظهر منه في الصفحة 214 خلافه هذا وقد جمع بين الكلامين السيد العاملي
قدس سره في مفتاح الكرامة 3: 99 (كتاب الزكاة).
(4) الجامع للشرائع: 134.
(5) حكاه صاحب المدارك في المدارك 5: 142.
(6) المدارك 5: 142، وانظر الجواهر 15: 231.
(7) المدارك 5: 142.
(8) لا يوجد لدينا.
(9) الذخيرة: 442 - 443.
(10) المفاتيح 1: 190 والمستند 2: 330، والحدائق 12: 125 وكفاية الأحكام: 37.
227

وهذا القول لا يخلو عن قوة للعمومات (1) وفي بعضها: " يزكي ما خرج
منه قليلا أو كثيرا " (2) وفي بعضها: " إنه ليس في النخل زكاة حتى يبلغ خمسة
أوساق، والعنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيبا " (3)، فإن بيان النصاب في
حاصل النخل ومحصول العنب مع عدم استثناء المؤن، سكوت في مقام البيان،
فإن زكاة الغلات على ذلك (4) القول في ربح المال الذي يغرمه على الزراعة، لا
فيما أخرجه الله كما هو مفاد الأخبار الكثيرة (5).
ومنه يظهر أن الجواب من الاطلاقات بورودها في مقام حكم آخر إنما
يحسن في اطلاقات العشر ونصف العشر (6)، لا في اطلاقات بيان النصاب (7) كما
لا يخفى.
ولصحيحة ابن مسلم المتقدمة في قوله: " إنما العشر فيما حصل في يدك بعد
مقاسمته لك " (8).
ودعوى ظهوره في خلاف هذا القول نظرا إلى أن المقاسمة بعد اخراج
المؤن، كما ترى ضرورة عدم العلم بذلك، بل نقطع بأن بعض المؤن في حصة
الزارع (9) فقط أو في ذمته. مع أن المراد من قوله: " بعد المقاسمة " ليس الزمان

(1) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": للعموات، وفي هامش " ع ": لاطلاقات النصوص - ظ "
(2) انظر الوسائل 6: 123 الباب 3 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2.
(3) انظر الوسائل 6: 121 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات الحديث 7.
(4) في " ف " و " ج " و " ع ": هذا.
(8) راجع الوسائل 6: 119 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات. و 6: 124 الباب 4 منها
وغيرهما.
(6) الوسائل 6: 124 الباب 4 من أبواب الغلات.
(7) الوسائل: 6: 119 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات.
(8) الوسائل 6: 129 الباب 7 من أبواب زكاة الغلات، الحديث الأول.
(9) في " م ": الزراع.
228

المتأخر عن المقاسمة الفعلية، إذ الوجوب ثابت قبلها اجماعا، وإنما المراد: إن
العشر ونصف العشر يلاحظان في نصيب الزارع، لا في المجموع المشتمل على
حصة السلطان، فالمراد بما حصل في اليد ما يبقى بعد ملاحظة خروج حصة
السلطان، وهذا لا ينافي وجوب كثير من المؤن على الحصتين، ويوضحه التعبير في
غير واحد من الأخبار بأن على المتقبلين في حصصهم العشر ونصف العشر (1).
ويؤيد ما ذكرنا رواية علي بن شجاع النيسابوري: " عن رجل أصاب من
ضيعته مائة كر فآخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة
ثلاثون كرا، وبقي في يده ستون كرا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ فوقع عليه السلام:
لي منه الخمس مما يفضل من مؤونته " (2).
حيث إن الظاهر منه اعتقاد الراوي وجوب خروج العشر أو نصفه من
جميع ما أصاب من ضيعته من دون احتساب مثل البذر وأجرة العوامل ونحوها،
فإنه (3) المتبادر من قولك: أصبت من هذا الزرع كذا (4)، مع أنه صرح بالاخراج
قبل إخراج مؤونة عمارة (5) الضيعة.
ودعوى أن عمارة الضيعة ليست من المؤونة إذ المراد منها ما يتكرر كل
سنة، ممنوعة، بل التحقيق كما سيجئ بسط مثل ذلك من المؤن التي لا يحتاج
الزرع إليها إلا بعد سنين على جميع السنين المحتاجة.
ودعوى: أن تقرير الإمام عليه السلام إنما يدل على الرجحان، ولا كلام فيه،
لا على الوجوب المتنازع فيه، ممنوعة بأن الظاهر اعتقاد الراوي للوجوب. مع

(1) الوسائل 6: 129 الباب 7 من أبواب زكاة الغلات.
(2) الوسائل 6: 127 الباب 5 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 2 مع اختلاف يسير.
(3) في " ف ": فإن.
(4) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": كذا.
(5) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": عمارة.
229

أنه لا قائل بالاستحباب بالخصوص إلا (1) من باب الاحتياط بعد وقوع
الاشتباه في المسألة والاختلاف بين العلماء في فهم الأخبار، وإلا فيمكن دعوى
القطع بعد استحباب العشر بالخصوص على إخراج المؤن (2)، نعم لا بأس
بالصدقة المطلقة عقلا ونقلا.
لكن هذا كله مبني على قراءة قول الراوي: " فآخذ منه العشر "، على
طريق المعلوم بأن يكون الآخذ المخبر نفسه، لكنه خلاف الظاهر، بل الظاهر - أو
المساوي - قراءته على المجهول بأن يراد: أنه أخذه منه المصدق من قبل
السلطان: وحينئذ فلا دلالة فيه على المطلب (3)، لأن مذهب العامة هو أخذ الزكاة
من صلب المال، كما حكي عن الفقهاء الأربعة (4).
نعم فيه دلالة على احتساب ما يأخذه الظالم باسم الزكاة عن الزكاة،
وعدم وجوب الإعادة، كما هو مدلول أخبار كثيرة (5).
وأوضح من ذلك في التأييد من ثبت من الشارع من جعل العشر فيما
سقيت سيحا، ونصفه فيما سقيت بالدوالي، فإن من المقطوع أن التفاوت بينهما
من جهة كثرة المؤونة في الثاني دون الأول، حتى أنه طرد في الوسيلة (6) والدروس (7)
كما عن الفقيه (8) [وجمل العلم] (9) والمنتهى (10) نصف العشر فيما سقي بالدوالي إلى

(1) ليس في " ف ": إلا.
(2) في " ج " و " ع ": المؤونة.
(3) في " م " المطلوب.
(4) المعتبر 2: 541.
(5) الوسائل 6: 173 الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة.
(6) الوسيلة 127.
(7) الدروس 1: 237.
(8) كذا في النسخ وفي " م ": الفقه [الفقه الرضوي ظ] ولم نقف فيهما على ما يدل على ذلك،
والظاهر أن الصحيح: المقنعة: 236 حيث نقل عنه في عداد المنقول
عنهم هنا.
(9) الزيادة من " م "، ولعل الصحيح: الجمل والعقود انظر الرسائل العشر: 203. إذا ليس في " جمل
العلم " ما يدل على المطلوب (رسائل الشريف المرتضى 3: 78).
(10) المنتهى 1: 498.
230

كل ما فيه مؤونة، فلو بنى على احتساب المؤنة لم يكن في ذلك فرق بين الأمرين،
وكيف يحتسب مؤنة السقي الموجبة لاسقاط نصف العشر من جملة المؤن (1) ويخرج
نصف العشر بعد اخراجها؟ ولذا احتمل في البيان - كما حكي عنه - اسقاط مؤونة
السقي فيما فيه نصف العشر واحتساب المؤن (2).
ثم الجواب عن هذا الاشكال: بأن أحكام الشارع تعبدية كما عن المحقق
الجواب بذلك في المسائل الطبرية (3) إنما يحسن إذا دل دليل على وجوب احتساب
المؤونة، وإلا - كما هو المفروض - فلا ريب في أنه من أعظم الشواهد على عدم
احتساب المؤن.
وأظهر من ذلك - في التأييد - ما تقدم من أدلة الخرص وفائدته وصفته، (4)
سيما إذا قلنا بجوازه في الزرع، سيما ما اشتمل من تلك الأدلة على استثناء عذق
أو عذقين للناطور، وترك التعرض للمعافارة وأم جعرور (5)، إذ لو كان الواجب
اخراج المؤونة من البدو إلى الختم لم يكن لاستثناء العذق للناطور بالخصوص
وجه، بل كان ينبغي إما أن يحتسب جميع المؤن، وإما أن يؤخر ذلك كله إلى ما
بعد الجذاذ.
فيعلم من ذلك كله إن الأمر بترك العذق والعذقين للتخفيف المستحب
للخارص.

(1) في " ج ": المؤونة.
(2) البيان: 180 وحكاه عنه في الجواهر 15: 237.
(3) نقله عنه في المدارك 5: 147.
(4) الوسائل 6: 133 الباب 12 من أبواب زكاة الغلات. تقدمت الإشارة إليها في الصفحة 214.
(5) انظر الوسائل 6: 119 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3، والمعافارة، وأم
جعرور: ضربان رديئان من التمر (مجمع البحرين 3: 409 " عفر ") والمراد: ترك تعرض عامل
الصدقة لهما.
231

وحاصل الكلام: إن حمل أخبار بلوغ خمسة أوسق (1) على بلوغ فائدة
الزرع وربحه الحاصل للزارع بعد اخراج جميع المؤن دون خرط القتاد، إلا أن
يستأنس له بما (2) ثبت من حال الشارع من التخفيف على مالك النصاب، وهو
مناف لاحتساب المؤونة على المالك، فربما تستغرق المؤونة قيمة حاصل الزرع، فإن
ايجاب الزكاة على المالك حينئذ - لو لم يكن اضرارا وحرجا مضيقا (3) فلا أقل
من كونه تشديدا على المالك - يخالف ما علم من بناء الشارع على التخفيف عنه
كما يرشد إليه تتبع أحكام الزكاة، ويشهد له قول أمير المؤمنين عليه السلام لعامله:
" إياك أن تضرب مسلما أو يهوديا أو نصرانيا في درهم، أو تبيع دابة عمل فإنا أمرنا
أن نأخذ منهم العفو " (4).
والمراد به عدم الاستقصاء عليهم كما فسر به قوله تعالى: {خذ
العفو} (5)، وقيل: ما فضل عن قوت السنة (6).
ويؤيد ما ذكرنا، بل يدل عليه: إن مقتضى الشركة احتساب المؤن
المتأخرة عن زمان تعلق الزكاة من المالك والفقير كليهما، فاختصاصها بالمالك
يحتاج إلى دليل ويثبت الحكم في المؤن المتقدمة بعدم القول بالفصل كما ادعي.
هذا مضافا إلى ظاهر حسنة ابن مسلم بابن هاشم المتقدمة لترك المعافارة
وأم جعرور، وأجر الناطور (7)

(1) الوسائل 6: 119 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات.
(2) في " ع ": مما.
(3) في " م ": منفيا.
(4) الوسائل 6: 90 الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 6. مع اختلاف يسير.
(5) الأعراف 7 / 199.
(6) الصحاح 6: 2432.
(7) الوسائل 6: 119 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات، الحديث 3، وتقدمت الإشارة إليها في
الصفحة السابقة.
232

وما أوردنا عليه سابقا (1) من عدم الوجه في تخصيصها (2) بالذكر إلا
التخفيف، مدفوع بأن الوجه في التخصيص هو أنه ليس الثمر النخل غالبا مؤونة
إلا هذا، وأما العامل في البستان بالسقي ونحوه فالغالب أنه شريك مع المالك
بحصة من الثمر، كما هو مقتضى المساقاة.
وفي حسنة أخرى لمحمد بن مسلم بابن هاشم - في تفسير قوله تعالى:
{وآتوا حقه يوم حصاده} (3) -: " إن هذا من الصدقة يعطى المسكين القبضة بعد
القبضة، ومن الجذاذ: الحفنة بعد الحفنة حتى يفرغ، ويعطى الجارس أجرا معلوما
ويترك من النخل معافارة وأم جعرور، ويترك الحارس يكون في النخل - العذق
والعذقان والثلاثة لحفظه إياه " - (4)، فإن جعل ثلاثة أعذاق للحارس مضافا إلى
أجره المعلوم وترك المعافارة وأم جعرور مناف لعدم اندار المؤونة وتخيير المالك إياه.
وكيف كان فمثل هذا إذا انضم إلى الشهرة العظيمة، والاجماع الظاهر
من الغنية (5)، والرضوي (6) المحكي دلالته (7) على المطلب، يكفي ظاهرا
لتخصيص ما تقدم.
وقد يذكر بعض الأمور من باب التأييد، وفي تأيد المطلب بها نظر.
ثم على القول باستثناء المؤن فهل يعتبر استثناؤها من ملاحظة النصاب،
بمعنى أنه لا يعتبر النصاب إلا بعد اخراجها، أم يستثنى عند الاخراج، بمعنى

(1) في الصفحة 231.
(2) في " م ": تخصيصهما.
(3) الأنعام: 6 / 141.
(4) الكافي 3: 565 الحديث 2، والوسائل 6: 134 الباب 13 من أبواب زكاة الغلات، الحديث
الأول. و 6: 131 الباب 8 من أبواب زكاة الغلات، الحديث 4 وفيه: يكون في الحائط.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 505.
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 197.
(7) في " ف " و " ع " و " ج ": دلالة.
233

اعتبار النصاب قبل اخراج المؤن، لكن لا يخرج العشر إلا مما بقي بعد إخراج
المؤن وإن كان ناقصا عن النصاب؟
أقوال ثلاثة (1)، أجودها: الأول، لأن ظاهر
أدلة اعتبار النصاب ثبوت العشر في مجموع النصاب، فيكون الواجب عشر
النصاب (2) فما دل على استثناء المؤن لا بد أن يجعل مقيدا لأدلة اعتبار النصاب
بما بعد وضع المؤن لا لاطلاق (3) وجوب العشر في النصاب، بمعنى أن ثبوت العشر
في هذا النصاب فما فوقه بعد إخراج المؤن.
والحاصل أن قوله عليه السلام - في صحيحة زرارة -: " ما أنبتت الأرض من
الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق، والوسق ستون صاعا،
فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر "، (4) يحتمل أن يراد به ما بلغ هذا المقدار بعد
وضع المؤن كلها ففيه العشر، ويحتمل أن يراد أن كل (5) ما بلغ هذا المقدار ففيه
العشر بعد وضع المؤن كلها.
لكن الاحتمال الأول أظهر، لظهور قوله: " ففيه العشر " في كون العشر
في مجموعه، بأن يكون الواجب عشر المجموع أعني ثلاثون صاعا، لا أن الثابت
فيه عشر ما بقي بعد المؤونة، مع أنه مستلزم للتقييد، إذ قد لا يبقى من النصاب
شئ بعد وضع المؤنة، فهو مناف لاطلاق الحكم بأن ما بلغ النصاب ففيه الزكاة.
[ثم إنه إذا صدق على الجنس في أول زمان التعلق أنه بلغ النصاب] (6)
فيحكم عليه بأن فيه العشر، فعشر المجموع ثابت عند تعلق الوجوب، إلا (7) أن

(1) كذا في النسخ ولم يظهر في كلامه أقوال ثلاثة، نعم ذكرها صاحبي المدارك والجواهر راجع
المدارك 5: 144 والجواهر 15: 233.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": عن النصاب.
(3) في " ع " لا: " لاطلاق " بدل " لا لاطلاق " وكتب في " ف " على " لا ": ظ ز.
(4) الوسائل 6: 120 الباب الأول من أبواب زكاة الغلات، الحديث 5.
(5) ليس في " ع " و " م ": كل.
(6) ما بين المعقوفتين من " م ".
(7) في " ع ": لا.
234

ما أنفق على المجموع مقسط على حصتي المالك والفقراء بقاعدة الشركة،
فإخراج المؤونة قبل العشر ليس تقييدا للاطلاقات، بل التقييد (1) كما عرفت
مختص بإطلاق بلوغ النصاب لا بإخراج العشر. إلا أن يقال: إن أدلة وجوب
العشر ونصفه إنما يقتضي وجوب العشر ونصفه، فلا بد من تقييد ما بلغ النصاب
بما بلغه بعد جميع المؤن، لأنه الذي يجب إخراج عشره دون ما بلغه قبل المؤن
المتأخرة، إذ لا يجب إلا إخراج عشر ما بقي منه بعد المؤونة، فتأمل.
ثم إن المراد بالمؤونة هو معناها العرفي، وهو ما يغرمه المالك وينفقه لأجل
هذا المال، ومنه البذر.
وقيدها بعضهم بما يتكرر في كل سنة. وفيه نظر، بل لا يبعد التعميم
فيسقط ما يغرم في كل سنتين أو ثلاث أو أربع عليها بالنسبة.
ولا يحتسب من المؤونة ما يتبرعه متبرع - من العمل أو بذل عين -، لعدم
احتساب المنة مؤونة عرفا، وفي البيان: لو أصدقها زرعا أخرجت منه ما قابل
البضع [وهو مهر المثل] (2) وكذا لو خالعها على زرع أو ثمر (3).

(1) في " ف " و " ج " و " ع ": القيد.
(2) ما بين المعقوفتين من " م ".
(3) البيان: 179 وهذا المنقول عن البيان لا يرتبط بالمقام كما ترى، وهو أنسب بما تقدم في المسألة
22.
235

مسألة
[27]
لا خلاف بين العلماء بل بين المسلمين - كما عن غير واحد - أن فيما
سقي بالمطر أو النهر ونحوهما فيه العشر، وما سقي بالنواضح والدوالي ففيه نصف
العشر، والأخبار فيه أكثر من أن تحصى.
والظاهر أن الضابط في ذلك - كما عن (1) الوسيلة (2) والدروس (3) وعن
المقنعة (4) والجمل (5) والمنتهى (6) ومجمع الفائدة (7) -: [ما احتاج سقيه إلى مؤونة، وما
لم يحتج أصل السقي إلى مؤونة وإن وقف السقي على حفر النهر وتنقيته (8)
وغيرهما، لكن المعيار في ذلك احتياج أصل إيصال الماء إلى الزرع إلى العلاج

(1) في " م ": في.
(2) الوسيلة: 127.
(3) الدروس 1: 237.
(4) المقنعة: 236.
(5) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 203.
(6) - المنتهى 1: 498.
(7) مجمع الفائدة: 4: 107.
(8) المراد: كري النهر.
236

واستغنائه عنه] (1) بل في المناهل: إن ظاهرهم الاتفاق على هذا الضابط وإن
اختلفت عباراتهم (2) بل عن المنتهى - بعد جعل المعيار افتقار السقي إلى المؤونة
وعدمه -: إن عليه فقهاء الاسلام (3) ففي صحيحة زرارة وبكير، عن أبي جعفر
عليه السلام: " قال - في الزكاة -: ما كان يعالج بالرشا والدوالي والنضح ففيه نصف
العشر، وإن كان يسقى من غير العلاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه
العشر " (4).
فإن الظاهر أن ذكر الخصوصيات من باب المثال - كما لا يخفى -
ولو سقي بهما، فمع التساوي فنصف عشر وربعه،
ومع غلبة أحدهما
فالعبرة بالأغلب اتفاقا كما استظهر (5) وعن الرياض (6) تصريح جماعة بدعوى
الاجماع، وعن المدارك (7). أن عليه علماؤنا، وعن مجمع الفائدة: (8) أن به عمل
الأصحاب من غير ظهور المخالف. وعن الخلاف: دعوى الاجماع (9) عليه.
ويدل عليه - مضافا إلى ذلك -: حسنة معاوية بن شريح: " قلت:
فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي، ثم يزيد الماء فتسقى سيحا؟ فقال: إن ذا
ليكون عندكم كذلك؟ قلت: نعم، قال: النصف، والنصف، نصف بنصف العشر
ونصف بالعشر. فقلت: الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية

(1) جاء ما بين المعقوفتين في " م " بعد قوله: " عليه فقهاء الاسلام ".
(2) مصابيح الفقه (مخطوط).
(3) المنتهى 1: 498.
(4) الوسائل 6: 125 الباب 4 من أبواب الغلات، الحديث 5.
(5) في " ف " و " ج " و " م ": استظهره.
(6) الرياض 1: 274.
(7) المدارك 5: 148.
(8) مجمع الفائدة 4: 118، ووردت العبارة في " ف " و " ج " و " ع " هكذا: من غير المخالفة.
(9) الخلاف 2: 67 كتاب الزكاة، المسألة: 79.
237

والسقيتين سيحا؟ قال: كم تسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين ليلة
أو أربعين وقد مكثت في الأرض قبل ذلك ستة أشهر أو سبعة أشهر. قال: نصف
العشر " (1).
وهل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر عددا أو زمانا أو نفعا (2) أو نموا؟ فيه
أوجه وأقوال، أجودها: الأول، لأن ظاهر النص والفتوى إناطة الفرق بالكلفة
وعدمها، وهما يدوران مع العدد. ولا ينافيه ظاهر رواية معاوية المتقدمة، حيث إنه
استفصل عن زمان تحقق السقية والسقيتين لا عن عدد السقيات بالدوالي، إذ لا
يخفى أن هذا (3) محمول على ما هو الغالب من أن أكثرية الزمان علامة أكثرية
العدد، فاستفصاله في الحقيقة عن عدد سقيات الدوالي، مضافا إلى أن ظاهر كلام
الراوي أنه مكثت الزرع ستة أشهر تسقى (4) بالدوالي وسقيت سيحا ثلاثين ليلة
- كما لا يخفى -.
ومن هنا يظهر ضعف التمسك بالرواية لاعتبار الزمان - كما حكي
استظهاره عنها عن جماعة (5) -، وأما استفادة الأكثر نموا من الرواية كما
استظهره الفخر في الإيضاح (6) نظرا إلى الظهور الرواية في ملاحظة زمان عيش
الزرع ونموه، فهو بعيد.
ثم إنه هل يكفي مجرد الأكثرية الحقيقية الحاصلة بزيادة واحدة، أو

(1) الوسائل 6: 128 الباب 6 من أبواب زكاة الغلات، الحديث الأول.
(2) في " ف ": أو نفقة، ولم ترد الكلمة في " ع " و " ج ".
(3) في " م ": ذلك.
(4) في " ف " و " ج " و " ع ": وتسقى.
(5) منهم الشهيد في المسالك 1: 44 والبحراني في الحدائق 12: 123 وصاحب الرياض في الرياض
1: 274 وصاحب المدارك 5: 149 والنراقي في المستند 2: 31.
(6) إيضاح الفوائد 1: 183.
238

العرفية التابعة للمقامات؟ فإن الأكثر من الثلاثة والخمسة والستة - مثلا -، بل
العشرة، تحصل عرفا بزيادة الواحدة، وأما الأكثر من الثلاثين والأربعين فصدقه
بمجرد زيادة الواحد لو سلم، لكن انصراف إطلاق الأكثر إليه محل تأمل (1)، بل
منع. أم العبرة بالكثرة الملحقة للنادر بالمعدوم؟ وجوه: من صدق الأكثر حقيقة
بزيادة الواحدة، ومن انصراف الفتاوى ومعاقد الاجماعات إلى الكثرة العرفية،
ومن أن عمد الدليل هو النص، والمتيقن منه: الأكثرية بالمعنى الأخير.
ويشهد له حكم الإمام عليه السلام بالتنصيف في الصورة السابقة مع المساواة
الحقيقية من عدم تصريح السائل، واستفادة عدم الأكثرية المذكورة من ترك
تعرضه لها، كما تعرض لها في السؤال الثاني.
حكي الأول عن ظاهر إطلاق المعظم، وفيه: انصراف الاطلاق إلى غير
ذلك، ولذا اختار المقدس الأردبيلي (2) - في ظاهر كلامه المحكي -: الثاني، [حيث
منع] (3) من تحقق الكثرة بزيادة الواحد، وظاهر بعض مشايخنا المعاصرين (4):
الثالث: وخير الأمور أوسطها، للاجماع المستفيضة التي قد عرفت.
نعم لو كان الدليل منحصرا في الرواية، أمكن حمله على المتقين من
موردها، مع أن الاستشهاد الذي ذكرنا لهذا الاحتمال ممنوع، لاحتمال كون قوله:
" النصف والنصف " يحتمل (5) أن يكون مبتدأ، وقوله: " نصف بنصف العشر.. إلى
آخره " خبر له، فيكون معناه: إن النصف المسقي بالدوالي والنصف المسقي
سيحا، أولهما العشر والثاني بالعشر (6)، ولأجل تخصيص الإمام الحكم
بالتساوي تعرض للسؤال ثانيا، فتأمل.

(1) وردت العبارة في " م " هكذا: لكن لو سلم انصراف الاطلاق إليه محل تأمل.
(2) مجمع الفائدة 4: 118.
(3) ما بين المعقوفتين من " م ".
(4) الجواهر 15: 241.
(5) كذا وردت العبارة.
(6) في " ف ": بياض، وفي " ع " و " ج ": العشر.
239

مسألة
[28]
يستحب الزكاة في مال التجارة على المشهور سيما بين المتأخرين (1)،
لأخبار كثيرة منها: قضية تخاصم أبي ذر وعثمان (2)
والمراد بمال التجارة - على ما ذكره جماعة - (3): ما ملك بعقد معاوضة
بقصد الاكتساب به عند الملك.
قيل: إن هذا اصطلاح فقهي، وفيه نظر، فإن الظاهر أنه معنى عرفي
مستفاد من الأخبار الدالة على رجحان الزكاة في المال إذا اتجر به (4)، فإن الظاهر
من التجارة في العرف هو ما ذكر، فإن الظاهر من التجارة بالمال: المعاوضة عليه
بقصد الاسترباح، فيخرج عن الحد المملوك بغير عقد المعاوضة، كالحيازة
والوراثة، فإن قصد بيع مثل ذلك ولو بأعلى القيم ليس استرباحا بما في يده، بل
هو طلب لزيادة القيمة السوقية، ولذا (5) لا يسمى تجارة عرفا.

(1) انظر: الشرائع 1: 142 ونهاية الإحكام 2: 361 والروضة البهية 2: 37 وغيرها.
(2) الوسائل 6: 48 الباب 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث الأول
(3) منهم المحقق في الشرائع 1: 156 والعلامة في نهاية الإحكام 2: 362 والشهيد في الدروس:
1: 238 وراجع الجواهر 15: 259.
(4) الوسائل 6: 45 و 48 الباب 13 و 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(5) في " ج ": ولهذا.
240

نعم لو نقله بعوض، وقصد نقل ذلك العوض بعوض أزيد قيمة من
المنقول عنه كان تجارة، فصدق التجارة فعلا بعد النقل الأول عازما على الثاني.
وربما يقال لما في يده قبل النقل: إنه مال التجارة إذا عزم على أن يتجر به لكفاية
أدنى ملابسة في الإضافة، لكن لا يقال: إنه اتجر به.
ومما ذكر يظهر الوجه فيما ذكروه من أن المراد بالمعاوضة ما يقوم طرفاه
بالمال، فما انتقل إليه بسبب خلع أو بضع أو حق غير مالي صالحه على المال، لا
يسمى " مال التجارة " إلا على الوجه الذي ذكرنا من مناسبة العزم على الاتجار
به، لكن الظاهر أنه يشترط المالية في المكتسب به فقد دون ما ينتقل إليه في
عوضه عازما على نقله إلى الغير بمال أزيد مما كان في يده، كما إذا صالح على ما
في يده من المال بحق تحجير بقصد نقله إلى غيره بمال أزيد، فلا يبعد عدها تجارة
عرفا، إلا أن شمول الاطلاقات لمثله مشكل جدا.
ومما ذكر يعلم اعتبار مقارنة قصد الملك للمعاوضة ليصدق (1) الاسترباح
بما في يده، وإلا فلو اشترى للقنية بمائة درهم ثم نوى بعد مدة أن يبيع ما اشتراه
بأزيد من المائة فلا يصدق على المائة أنه اتجر بها، ولذا لا يجب زكاتها بعد انقضاء
حول من زمن المعاوضة إجماعا،
ولا يصدق مال التجارة على المتاع المشترى أيضا
إلا إذا عاوض (2) عليه بقصد أن يعاوض على عوضه بأزيد قيمة منه، ولو بنى
على ذلك يصدق عليه أنه مال التجارة بما ذكرنا من أدنى (3) الملابسة، لكونها
مشرفا (4) لورود التجارة عليه.
وأما معاوضة بأزيد من ثمنه الأول فليس يصدق عليه التجارة، فضلا عن

(1) في " ج " و " ع ": ليقصد.
(2) في " ف ": عارض.
(3) في " ج " و " ع ": بأدنى.
(4) كذا في النسخ.
241

مجرد قصد معاوضته بذلك.
ومن هنا تبين أنه لو اشترى للقنية ثم نوى بيعه بأزيد من ثمنه، فلا
يصدق عليه بمجرد ذلك أنه اتجر به، ولا مال التجارة - لا (1) حقيقة ولا مجازا -
فدعوى وجوب الزكاة في هذا الفرض وعدم اعتبار نية الاكتساب مقارنة للتملك
تمسكا بصدق مال التجارة عليه - كما ذهب إليه جماعة منهم المحقق (2)
والشهيدان (3) في غير البيان - ضعيف جيدا، مع أن صدق " مال التجارة " لو سلم
لا يجدي: لأن الأخبار دلت على اعتبار الاتجار فعلا، كما يظهر من أخبار (4) مال
اليتيم، حيث نفى الزكاة فيه إلا أن يتجر به، وقوله: " إذا عملت فعليه
الزكاة " (5) ونحو ذلك.
والحاصل: إن النصوص والفتاوى بين ما دل على ثبوت الزكاة في مال
التجارة الذي قد عرفت أنه حقيقة في المال الذي ينتقل إليه بالتجارة، وبين ما
دل على ثبوت الزكاة في المال الذي اتجر به، فمن الأول قوله عليه السلام - في رواية
خالد بن الحجاج -: " ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها
إلا لتزداد فضلا على فضلك فزكه، وما كان من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك
شئ آخر " (6).
وفي معناها أخبار كثيرة معلقة لوجوب الزكاة فيما اشترى من المتاع بما

(1) ليس في " ف ": لا.
(2) المعتبر 2: 549.
(3) الدروس 1: 238 والروضة البهية 2: 37.
(4) الوسائل 6: 57 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(5) الوسائل 6: 47 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 8 وفيه: كل مال عملت به
فعليك فيه الزكاة.
(6) الوسائل 6: 47 البا 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 5.
242

إذا وجد رأس ماله وطلب الزيادة، ولا ريب في ظهور ذلك فيما إذا كان الاشتراء
للتجارة - كما لا يخفى -.
وظاهر أن مجرد نية بيعه بأزيد من ثمنه الذي اشتراه به للقنية لا يوجب
صدق رأس المال على ذلك الثمن، لأن العبرة بصدق عنوان رأس المال عليه حال
الاشتراء.
ثم لو سلمنا (1) إطلاق تلك الأخبار، لكن انصرافها إلى صورة قصد
الاكتساب عند الاشتراء مما لا يخفى.
ومن الثاني ما دل من الأخبار المستفيضة على نفي الزكاة رأسا في مال
الصبي والمجنون إلا إذا اتجر به (2)، والمراد بالمال المتجر به هو نوع ذلك المال
الأعم من شخصه وبدله، وإلا فشخص المال الذي يتجر به يدفعه التاجر إلى
بائع السلعة، فمرجع ما يتجر به ومال التجارة إلى واحد.
وكيف كان، فلا يقال " مال اتجر به " إلا بعد تحقق التجارة فعلا التي هي
المعاوضة، فلا يصدق على المال الذي قصد بيعه بأزيد من ثمنه أنه " مال التجارة "
أو " مال اتجر به " إذ لم تسبقه تجارة ولم تلحقه.
نعم قد يتخيل (3) أن هنا عمومات تشمل مثل ذلك وإن كانت الأخبار المتقدمة مختصة (4) بما إذا انتقل إليه بالتجارة، وهو وإن أصاب في تسليم
اختصاص تلك الأخبار بذلك - خلافا لصاحب المدارك (5) حيث تبع المحقق (6)
وغيره في دعوى عموم بعض ما اشتمل على لفظ " رأس المال " أو ما في معناه

(1) في " ف " و " ج " و " ع ": نعم لو تبين.
(2) الوسائل 6: 57 الباب 2 و 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(3) الجواهر 15: 261.
(4) في " ف " و " م ": مختصة الموارد.
(5) المدارك 5: 166.
(6) المعتبر 2: 548.
243

لمحل البحث - إلا أنه لم يصب في دعوى عموم ما زعمه عاما، فمن ذلك قوله
عليه السلام: " كل شئ جر عليك المال فزكه، وكل شئ ورثته أو وهب لك فاستقبل
به " (1).
وقوله عليه السلام - في رواية ابن مسلم (2) -: كل مال عملت به فعليك فيه
الزكاة "، قال يونس: تفسيره أنه كلما عمل للتجارة من حيوان فعليه فيه زكاته (3).
ولا يخفى أن الرواية الأولى إنما تدل على وجوب الزكاة في المال الذي
يتجر به، لأن المراد بالشئ: النقد، بقرينة قوله: " وكل شئ ورثته أو وهب لك (4)
فاستقبل به " يعني: استقبل به الحول، ولا ريب أن الحول لا يستقبل إلا في
النقدين، فالمراد أن النقد الذي جر عليك المال - أي: صار سببا لجر المال عليك،
بأن أعطيته ثمنا لشئ يقوم بأزيد منه - تجب فيه الزكاة وإن لم يحل الحول على
عينه.
ولا ريب أنه إذا نوى بيع ما اشتراه للقنية، فالقائل بوجوب الزكاة بعد
حول الحول على ذلك المشترى من زمن نية بيعه بأزيد من ثمنه لا يقول بأنها
زكاة الثمن الذي أعطي ثمنا لذلك المشترى وصار سببا لجر المال، وهو المقدار
الزائد من قيمة المشترى على ثمنه، فكون الزكاة لذلك الثمن الجار للمال
لا يتحقق إلا إذا أعطي ثمنا لأجل الاكتساب بثمنه (5)، وهذا واضح بأدنى
التفات.
وأما الرواية الثانية فهي بنفسها ظاهرة في معنى الرواية الأولى، وهو

(1) الوسائل 6: 116 الباب 16 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث الأول.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": مسلم بن مسلم.
(3) الوسائل 6: 47 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8 وفي النسخ: كلما عملت.
(4) في " ف " و " م ": وهبته، وفي " ج ": وهبت، وفي " ع ": وهب.
(5) في " ف ": لثمنه.
244

ثبوت الزكاة في المال المعمول به، كما دل عليه الأخبار المستفيضة في مال اليتيم
وغيره (1).
وأما تفسير يونس، فهو أيضا كذلك وإن كان يتوهم منه أن المراد به: ما
عمل للتجارة وإن لم يتجر به بعد، لكنه توهم ليس في محله، إذ ليس معنى " عمل
للتجارة ": أعد لها، مع أن مجرد بيع شئ بأزيد من ثمنه ليست تجارة - على ما
عرفت - حتى يكون قصده نية التجارة وإعداد المال للتجارة.
فتحقق مما ذكر أن القول بوجوب الزكاة - في محل البحث - ضعيف منفي
بالأصل - بعد ما عرفت من اختصاص أدلة زكاة مال التجارة بما إذا اشترى
للتجارة - ولظاهر أخبار زكاة مال اليتيم الحاصرة لثبوت الزكاة فيه، فيما إذا اتجر
به وعمل به، وبإطلاق به، وبإطلاق نفي الزكاة فيه إذا كان موضوعا، الشامل لما إذا طلب
شئ مما أخذه لغير الاكتساب بأزيد من ثمنه، فإنه يصدق عليه أن مال
موضوع.
نعم يمكن أن يستدل لكفاية مجرد قصد التجارة بموثقة سماعة، عن أبي
عبد الله عليه السلام: " قال: ليس على الرقيق زكاة إلا رقيق يبتغي به التجارة، فإنه
من المال الذي يزكى " (2).
دلت على كفاية ابتغاء التجارة بالمال، اللهم إلا أن يدعى انصرافه إلى
ما يبتغي (3) - عن تملكه - التجارة به.
وكيف كان فالمسألة مشكلة، والأصل دليل قوي.
وأضعف من هذا القول ما مال إليه المحقق الأردبيلي (4) - بعد أن تردد.

(1) الوسائل 6: 57 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل 6: 52 الباب 17 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 2.
(3) في " ف ": ينبغي.
(4) مجمع الفائدة 4: 132 و 134.
245

فيه المحقق في المعتبر (1) وإن جعل الأشبه خلافه،
وجزم به بعض مشايخنا
المعاصرين (2) إن لم ينعقد الاجماع على خلافه - من عدم اعتبار تملك المال بعقد (3)
معاوضة، بل يكفي مطلق تملكه، نعم قيده شيخنا المعاصر (4) بما إذا كان المنتقل
منه أخذه للتجارة.
ووجه ضعف هذا القول يظهر من ملاحظة الأخبار الدالة على اعتبار
رأس المال، كما اعترف به في المعتبر (5)، مضافا إلى أنهم أجمعوا على اعتبار أن
يطلب مال التجارة برأس المال وأزيد (6)، ولا يتحقق هذا الشرط إلا مع وجود
رأس مال، إلا أن يقال باختصاص هذا الشرط بصورة وجود رأس المال، ودعوى
المعاصر (7) شمول رأس المال لما هو رأس المال عند المنتقل منه كما ترى.
وأما وجوب الزكاة في النماء والنتاج والثمرة لمال التجارة فهو أيضا من
حيث كونها أموالا حصل تملكها بسبب عقد المعاوضة وإن لم ترد المعاوضة على
نفسها، فالاستشهاد من شيخنا المعاصر (8) بذلك على عدم اعتبار انتقال المال
بالمعاوضة أضعف من دعواه.
وأما ما ذكره من اشتراط طلب مال التجارة برأس المال، فالمراد به
مجموع المال، لا خصوص كل جزء حتى يقال (9) إن النماء ليس له رأس المال.

(1) المعتبر 2: 548.
(2) الجواهر 15: 260.
(3) في " ف " و " ج " و " ع ": بقصد.
(4) الجواهر 15: 261.
(5) المعتبر 2: 548.
(6) في " م " و " ع ": أو أزيد.
(7) الجواهر 15: 264.
(8) في " م " زيادة: أدام الله بقاءه.
(9) في " ف " و " م ": لا يقال.
246

نعم لو حصل النقص في قيمة العين انجبر بالنماء كما يظهر من البيان (1).
ثم إن اعتبار قصد الاكتساب عند التملك وارد مورد الغالب من كون
التملك مقارنا للقصد (2)، وإلا فلو اشتري له فضولا فأجاز بعد سنه بقصد
الاكتساب كفى وإن قلنا بكون الإجازة كاشفة، لأن الإجازة هي الأمر
الاختياري الموجب لحصول التملك من حينها أو من حين العقد - على القولين
في الإجازة -.
ولو اشترى معاطاة، فإن قلنا بكونها مملكة، فلا اشكال في اعتبار مقارنة
قصد الاكتساب لها. وإن قلنا بكونها مبيحة، فمقتضى القاعدة عدم وجوب الزكاة
في هذا المال كالحج، وهذا من جملة ما يلزم القائلين بالإباحة دون الملك.
نعم نعم لو التزم بترتب أحكام الملك عليه اعتبر القصد من حين أخذ المتاع،
وإن قلنا بحصول الملك من حين تلف أحد العوضين، ففي تعيين (3) زمان القصد
صعوبة.
وكيف كان، فالمعاوضة - في كلامهم، حيث أضافوا إليها العقد (4) - لا
يشمل الفسخ ولو كان بقصد الاكتساب، نعم لو كان العقد بقصد الاكتساب
بأن وقع على مالي تجارة ثم تفاسخا أو ترادا لعيب، لم ينقطع حول التجارة.
ثم الشروط المذكورة للزكاة في مال التجارة ثلاثة:
الأول: النصاب، وقد ادعى (5) عليه اتفاق المسلمين، ويدل عليه: إن
المستفاد من أخبار هذه الزكاة (6) اتحادها مع زكاة النقدين من حيث النصاب

(1) البيان: 188.
(2) في " ف ": للعقد.
(3) في " م ": تعين.
(4) في " ف ": القصد.
(5) انظر المعتبر 2: 546، والحدائق 12: 146 والجواهر 15: 265.
(6) الوسائل 6: 45 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
247

والقدر المخرج، وحول (1) الحول، ولا شك في إفادتها لذلك، فمن نظر (2) فيها
بتأمل يسير فلا يصغي إلى استشكال صاحب الحدائق (3) في استفادة ذلك من
الروايات ودعواه أنها مطلقة، ومنه يعلم أن لمال التجارة نصاب ثان، أعني:
الأربعين درهما أو خمسة دنانير.
الثاني: اعتبار الحول من حين التجارة أو قصدها - على الخلاف - وهو
أيضا مما لا خلاف فيه ظاهرا، ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم: " عن الرجل
توضع عنده الأموال يعمل بها؟ قال: إذا حال عليه الحول فليزكها " (4).
وصحيحته الأخرى: " كلما عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه
الحول " (5).
ولو ظهر في مال التجارة ربح أو نماء - كالنتاج والثمرة -، فحكمه حكم
السخال في اعتبار حول مستقل لها إذا بلغت النصاب الثاني، وإلا ضم إلى
الأصل عند انقضاء حوله، ولا يستأنف الحول من حين الضم، لما تقدم في حول
السخال (6).
قال في البيان: ونتاج مال التجارة منها على الأقرب، لأنه جزء منها (7)
ووجه العدم أنه ليس باسترباح، فلو نقصت الأم ففي جبرانه نظر، من أنه كمال
آخر، ومن تولده منها. ويمكن القول بأن الجبر يتفرع (8) على احتسابه من مال

(1) في " ج " و " ع ": وحلول.
(2) في " م ": لمن تنظر.
(3) الحدائق 12: 146.
(4) الوسائل 6: 46 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.
(5) الوسائل 6: 47 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8 مع اختلاف يسير.
(6) راجع المسألة 16 في الصفحة 167.
(7) البيان: 188.
(8) في " م ": متفرع.
248

التجارة، فإن قلنا به جبر وإلا فلا.
وربما يقال: إن وجوب الزكاة في مثل النتاج والنماء - مع أنه ليس مالا
ملك (1) بعقد معاوضة - يدل على عدم اعتبار انتقال المال بعقد المعاوضة، وفيه ما
تقدم.
نعم قد يستشكل في اشتراط حول مستقل للنماء باعتبار عدم عموم (2)
فيما يدل (3) على اعتبار الحول بحيث يشمل النماء التابع للأصل سيما مع عموم
قوله عليه السلام: " كل شئ جر عليك المال فزكه " (4)، وما ورد من أنه: إذا ملك (5)
مالا في أثناء الحول فعند تمامه يزكيهما جميعا (6)، واستشهد بهما (7) في الدروس (8) على
استتباع حول الزرع للأصل.
وفيه: إن ما دل على اعتبار الحول إنما دل على اعتباره فيما يجب فيه
الزكاة، كما يظهر من روايتي ابن مسلم (9)، فإن قلنا بوجوب الزكاة في النماء فلا
محيص عن اعتبار الحول، وإلا فلا بد من القول بعدم وجوب الزكاة فيه، وقوله
عليه السلام: " كل شئ جر عليك المال " وما بعده لا يدل على وجه الاشكال، سيما
بعد تفسيرهما بأدلة الحول - كما لا يخفى -.
الثالث: وجود رأس المال طول الحول، فلو نقص منها في أثنائه - ولو

(1) في " م ": يملك.
(2) في " م " و " ج " و " ع ": عمومه.
(3) في " م ": دل.
(4) الوسائل 6: 116 الباب 16 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث الأول.
(5) في النسخ: ملكت.
(6) الوسائل 6: 116 الباب 16 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 2 نقلا بالمعنى.
(7) في " ف " و " ج " و " ع ": لهما، وفي " م ": بها، وما أثبتناه هو الصحيح.
(8) الدروس 1: 240.
(9) الوسائل 6: 46 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3 و 8.
249

يوما - شيئا - ولو يسيرا - من جهة انخفاض السعر لم تجب الزكاة إجماعا، كما
في المعتبر (1) وعن المنتهى (2)، ويدل عليه الأخبار (3). نعم روي أنه إذا مضى عليه
أحوال على النقيصة زكاه لسنة واحدة استحبابا (4).
وهل يشترط في زكاة مال التجارة بقاء عين السلعة لحول - كما في المالية -
أم لا يشترط، فتثبت الزكاة وإن تبدلت أعيان مال التجارة؟
ظاهر المحقق في الشرائع (5) وصريحه في المعتبر (6) ذلك، وهو المحكي (7) عن
ظاهر المفيد (8) والصدوق (9).
والأقوى عدمه، لأن الأخبار دلت على ثبوت الزكاة فيما يتجر به ويعمل
به وفيما يضطرب به من الأموال، ولا ريب أن ما يعمل به ليس المراد شخصه،
لأنه يدفعه التاجر إلى صاحبه الذي يعامل معه، فالمراد الأعم منه ومن بدله،
فالزكاة في الحقيقة بالمال المتقلب به في التجارة لا بشخص ما اشتراه للتجارة،
نعم مورد بعض الروايات: إن المتاع الذي يبقى حولا إن طلب برأس ماله أو
أزيد ففيه الزكاة (10)، وظاهر اختصاص (11) المورد - سيما لأجل اختصاص مورد
السؤال - لا يوجب تخصيص العمومات.

(1) المعتبر 2: 550.
(2) المنتهى 1: 508.
(3) الوسائل 6: 46 الباب 3 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(4) الوسائل 6: 47 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 6 و 9.
(5) الشرائع 1: 157.
(6) المعتبر 2: 550.
(7) حكى عن ظاهرهما في الحدائق 12: 147.
(8) المقنعة: 247. وفي " ف ": الشهيد.
(9) الفقيه 2: 20 ذيل الحديث 1602.
(10) الوسائل 6: 45، الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
(11) في " ع ": إن اختصاص.
250

مسألة
[29]
اختلف في تعلق الزكاة في مال التجارة (1) بالعين أو القيمة، فالمشهور - كما
قيل (2) - على الثاني، والفاضلان قدس سرهما في المعتبر (3) ومحكي التذكرة (4) على الأول،
وتبعهم جمع من متأخري المتأخرين (5)،
والحق أن المراد بتعلقها بالعين: تعلقها على نحو تعلق (6) الزكاة الواجبة
بحيث يحدث عند حلول (7) الحول مشاركة للفقراء في العين، فهذا المعنى لا
يتصور على القول باستحباب زكاة مال التجارة.
وإن أريد به ما قدمنا تقويته، من أن معنى تعلقها بالعين استحقاق الفقير
لأن يدفع إليه من المال قدر خاص، فهذا المعنى يتصور (8) على القول
بالاستحباب كما في الزكاة المستحبة فيما عدا الغلات من الحبوب مع الاتفاق على
تعلقها بالعين، وحينئذ فإما أن يراد بهذا الاستحقاق: استحقاق دفع جزء من عين

(1) في " ف " و " ج " و " ع ": زكاة مال التجارة.
(2) الحدائق 12: 150.
(3) المعتبر 2: 550.
(4) التذكرة 1: 228.
(5) منهم صاحب المدارك في المدارك 5: 174 والكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 203 والنراقي في
المستند 2: 43.
(6) ليس في " ف " و " ع " و " ج ": تعلق.
(7) في " م ": حول.
(8) في " م ": متصور.
251

مال التجارة - أعني ربع والعشر - وإما أن يراد: استحقاق دفع ربع عشر من قيمة
العين، شبيه استحقاق المجني عليه الدية من قيمة العبد، والديان حقوقهم من
تركة الميت، فهذه وجوه ثلاثة في كيفية التعلق بالعين.
وأما تعلقها بالذمة، فهو بمعنى استحقاق الفقراء ما يوازي ربع عشر من
مال (1) التجارة في ذمة المكلف، وهذا الوجه بعيد عن ظاهر الأدلة - مثل قوله
عليه السلام: " في كل ألف درهم خمسة وعشرين (2) - من عمومات زكاة الأموال.
وما ورد في خصوص مال التجارة من قوله عليه السلام - في الأموال المعمول
بها: " إذا حال عليها الحول فليزكها " (3).
فإن تزكية المال التي تعلق بها الوجوب - في الأموال - التسعة،
والاستحباب في غيرها هو اخراج الزكاة منه أو ضمانه بإخراج بدله.
وكذا ظواهر ما دل على ثبوت الزكاة في مال التجارة، فإن قوله عليه السلام:
" ليس في مال اليتيم زكاة حتى يعمل به، أو يتجر " (4) يدل على أن الثابت مع
التجارة (5) الظرفية المنفية بدونها.
وأما الوجوه الثلاثة في التعلق بالعين: فالأول منها قد عرفت (6) ما يخدشه
في الزكاة الواجبة، وأنه لا يتعقل في المندوبة (7).
بقي الأخيران، والأظهر أخيرهما، لأن تعلق الزكاة بمال التجارة باعتبار
كونه مالا، لا باعتبار عنواناته (8) الشخصية - ككونه ثيابا أو سمنا أو زيتا -،

(1) في " م ": عشر قيمة مال.
(2) الوسائل 6: 99 الباب 3 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 4 وليس فيه: درهم.
(3) الوسائل 6: 46 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3.
(4) الوسائل 6: 57 الباب 2 من أبواب ما تجب عليه الزكاة، الحديث الأول.
(5) ليس في " ف ": مع التجارة.
(6) راجع الصفحة 203.
(7) في " ف " و " ج " و " ع ": لا يتعلق بالمندوبة.
(8) في " ف ": عنوانه.
252

فالمأمور بالاخراج منها هو حصة من المال المقابل لهما، المعبر عنه بالقيمة التي
لا بد أن تكون من النقدين، اللذين هما المعيار شرعا وعرفا في معرفة مقدار مالية
الأشياء.
وينبه (1) على ما ذكرنا: ما ذكر من قوله - في عدة روايات -: " في كل ألف
خمسة وعشرين " (2) فإنه كما يدل على أن في الألف من عين المال خمسة وعشرين
كما في النقدين، فكذا يدل على أن في الألف الموجود في الأمتعة باعتبار تقومها
به خمسة وعشرين من ذلك الألف الموجود فيها الملحوظ باعتبار التقويم، ولا
يمكن الجمع بين زكاة التجارة وزكاة النقدين في مدلول هذه الروايات إلا بما ذكرنا. ودعوى اختصاصها بمال النقدين خلاف الظاهر، فإن وجوب اخراج ربع
العشر في زكاة التجارة وإن كان مجمعا عليه (3) إلا أن الظاهر استناده إلى مثل
هذه الروايات.
ويؤيد ما ذكرنا: اعتبار النصاب بالنقدين.
ويؤيد ما ذكرنا - أيضا -: أن الزكاة إنما تتعلق بما حال عليه الحول، وقد
عرفت أن الأقوى عدم اشتراط بقاء شخص المتاع طول الحول، فالزكاة تتعلق
بالقدر المشترك بين أشخاص الأمتعة الموجود في الحول، وليس مشتركة إلا
من حيث القيمة البالغة نصابا الموجودة في الجميع، فالزكاة تتعلق بذلك المشترك
الذي اشترط بقاؤه طول الحول وبلوغه نصابا.
واعلم أن ظاهر ما دل على اعتبار بقاء رأس المال طول الحول - كما عن
المحقق (4) والعلامة (5) ومن تأخر عنهما -: هو كون الاعتبار في تقويم المتاع

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": وفيه.
(2) انظر الوسائل 6: 99 الباب 3 من أبواب زكاة الذهب والفضة.
(3) كذا في " م "، وفي غيره زيادة: المسلمون.
(4) المعتبر 2: 550.
(5) المنتهى 1: 508.
253

بملاحظة (1) بقاء رأس المال وعدمه، وهو (2) تقويمه برأس المال الذي وقع الاتجار
به في أول الحول، فإن كان مالا حقيقيا محضا كأحد النقدين، فلا حاجة إلى
تقويمه (3).
[وإن كان عرضا قوم بالغالب من النقدين - كما في البيان (4) والمدارك (5) -
لأنه المناط في معرفة مقدار مالية الأجناس] (6).
فلو باع المتاع في الحول بدنانير وكان رأس المال الذي اشترى به دراهم،
قوم الدنانير دراهم أول حول (7) رأس المال - الدراهم (8) -، صرح به (9) في
الدروس (10).
والتحقيق: إن رأس المال إنما يلاحظ من حيث البقاء في الحول وعدمه
بالشئ الذي اشترى به مال التجارة إن لم يكن من النقدين وإلا فبنفسه،
وتقويم مال (11) التجارة بنقد آخر غير ما اشترى به لا يعرف منه بقاء رأس المال
وعدمه، كما لو كان الثمن مائتي درهم وقوم مال التجارة - الباقي في الحول -

(1) في " م ": لملاحظة.
(2) في النسخ: هو، وفي " م " وهو، لكن الظاهر أنه مشطوب على الواو.
(3) في " م ": التقويم.
(4) البيان: 189.
(5) المدارك 5: 176.
(6) ما بين المعقوفتين جاء في " ف " و " ج " و " ع " بعد قوله: صرح به في الدروس.
(7) في " ج ": أول الحول، وهذه العبارة غير موجودة في " ع " ومحلها بياض في " ف " و " م " وكتب
الناسخ في هامش " م ": سقط من نسخة الأصل بمقدار البياض.
(8) في " ع " كتب الناسخ على كلمة " الدراهم ": زائد.
(9) في " م ": بذلك.
(10) الدروس 1: 239 وفيه: فلو اشترى بدراهم وباعها بعد الحول بدنانير قومت السلعة بدراهم،
ولو باعها قبل الحول قومت الدنانير دراهم عند الحول.
(11) في " ف ": ويقوم بمال. وفي " ج " و " ع ": يقوم مال.
254

بثلاثين دينارا، فإنه لا يعلم بقاء مائتي الدرهم (1) الذي هو رأس المال إلا بعد
تقويم المتاع بالدرهم، وتقويمه بالدينار لا يفيد إلا إذا رجعنا وقايسنا الدينار
بالدرهم (2) أيضا.
وأما معرفة النصاب فالظاهر أنه يكفي فيه بلوغ مال التجارة نصابا
باعتبار قيمته التي هي أعم من الدرهم والدينار، فيجب الزكاة إذا بلغه بأحدهما،
ولا دخل في ذلك للثمن (3) الذي اشترى به المتاع.
نعم لو قلنا بأن هذه الزكاة هي زكاة رأس المال، كما يستفاد من ظاهر
بعض الأخبار مثل قوله عليه السلام: " كل مال عملت به ففيه الزكاة " (4)، وما ورد
في أنه: " ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به " (5) ونحو ذلك، فالمعتبر حينئذ
بلوغ رأس المال نصابا، اتجه التفصيل بين كون رأس المال من أحد النقدين
فيعتبر هو بنفسه، حتى أنه لو كان رأس المال مائتي درهم وتسعة عشر دينارا لم
يجب في المال إلا زكاة الدراهم دون الدنانير وإن كان قيمة المتاع المشترى تبلغ
أربعمائة درهم، لكن الظاهر أن متعلق الزكاة هو مال التجارة، كما يظهر من
كلمات الأصحاب دون رأس المال.
والمراد بقوله عليه السلام: " كل مال عملت به " هو المال بعد تحقق وصف
العمل به، وهو الكلي الباقي إلى آخر الحول، دون شخص رأس المال، وحينئذ
فإذا اشترى بمائة وثمانين درهم متاعا يسوي عشرين دينارا (6)، لكون كل دينار

(1) في " م ": درهم.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": بالدراهم.
(3) في " ف ": الثمن.
(4) الوسائل 6: 47 الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 8.
(5) الوسائل 6: 57 الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث 2.
(6) في " ف " و " ج " و " ع ": درهما، والظاهر أنه سهو.
255

تسعة دراهم، جرى في الحول من حين التملك للاكتساب.
هذا ما خطر في الذهن في أول النظر والمسألة بعد تحتاج (1) إلى تأمل.

(1) في " ف " و " ج " و " ع ": تحتاج بعد.
256

مسألة
[30]
إذا قارض ألفا فربح ألفا، فلا اشكال في وجوب زكاة أصل مال التجارة
على المالك عند اجتماع الشرائط، ولا في وجوبها في حصته من الربح إذا (1) بلغ
النصاب الثاني وحل عليه حول (2) من حين ظهوره وإن كان في صدق مال
التجارة على النماء تأمل، إلا أن الظاهر أنه يصدق عليه أنه مال ملك بعقد (3)
معاوضة لأجل الاكتساب به ولو في ضمن الأصل، وقصد الاكتساب به ولو لم
يقصد الاكتساب به ولو في ضمن الأصل، وقصد الاكتساب به ولو لم
يقصد الاكتساب بالربح عند المعاوضة على الأصل فالظاهر أنه لا يقدح، بناء
على أن زمان تملك النماء زمان ظهوره، وهو لا يحتاج (4) إلى معرفة زمان الظهور
لتحقق النية عنده، بل قصد الاكتساب بالعين في زمان حديث في الربح في نفس
الأمر كاف.
نعم لو قلنا: إن زمان تملك الربح زمان تملك العين فيملكه حينئذ، بمعنى
أنه يظهر في ملكه لا أنه يملكه إذا ظهر، ولذا يجوز مصالحة الثمرة المعدومة - بل

(1) في " ف " و " ع " و " ج ": في حقه إذا.
(2) في " م ": وحال عليه الحول.
(3) في " ف " و " ج " و " ع ": بقصد، وفي " م ": ملكه بعقد.
(4) كذا في " ع "، وفي سائر النسخ: ولا يحتاج.
257

بيعها - بضميمة الموجود (1)، بل قيل بجوازها منفردة أزيد من عام، (2) فيعتبر
- حينئذ - القصد عند المعاوضة على الأصل بأن يقصد التجارة به وبنمائه، وهذا
القصد في المتصل يتحقق تبعا، وأما في المنفصل كالثمرة والنتاج، [فالاكتفاء
بحصول نية الاكتساب عليه بالاكتساب] (3) بالأصل غير واضح، نعم لو قلنا
بعدم اعتبار مقارنة نية الاكتساب بالتملك كما نبه (4) عليه جماعة (5) فلا إشكال.
وأما حصة العامل من الربح، فإن قلنا: إن العامل لا يملك الحصة بل
يستحق الأجرة، فلا إشكال في عدم وجوب الزكاة على العامل ووجوبها على
المالك، لأن أجرة العامل - حينئذ - كالدين عليه لا يمنع (6) الزكاة.
وإن قلنا بتملكه بمعنى ترتب بعض أحكام الملك عليه كإنفاق مقدار
حصته بمن (7) ينفق عليه إذا اشتراه من مال القراض، لا الملك الحقيقي، ولهذا
لا يملك ربح الربح، ولا يستحق من ربح ثلاثين في (8) عشرة، ثم ربح عشرين
في مجموع الأربعين إلا ثلث مجموع الربح، وهو الخمسون لا عشرين منه، فلا
زكاة أيضا، إذا لا زكاة إلا على مالك.
وهل يكون على المالك؟
فيه إشكال، ينشأ: من أن الجميع ملكه، ومن أنه ممنوع من التصرف فيه،
لتأكد حق العامل فيها.
وإن قلنا بتملكه للحصة حقيقة، وإن عدم تملك ربح الربح لموانع، منها: إنه يلزم على

(1) في " م ": الموجودة.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): 31، وراجع مجمع الفائدة 8: 200.
(3) في " م ": بدل ما بين المعقوفتين ما يلي: فالاكتفاء به بحصوله في نية الاكتساب به بنية الاكتساب.
(4) ليس في " م ": نبه.
(5) الحدائق 12: 146، والجواهر 15: 260.
(6) في " ف " و " ج " و " ع ": لا ينفي.
(7) في " م ": ممن.
(8) ليس في " ج " و " ع ": في.
258

المالك أن يستحق بالشرط الذي وقع منهما من استحقاقه حصة خاصة خلاف
مقتضى ذلك، وهو استحقاق الأزيد، فإن قلنا بأن الملك موقوف على.. (1) أو
القسمة (2) أو الفسخ، فلا زكاة أيضا، وإن قلنا بكون هذه الأمور كاشفة عن
تملكه عند الظهور.
والظاهر أن زكاتها لا يجب على المالك أيضا، لأنه غير مالك، لأنه مع
البقاء للعامل ومع التلف فيقدم (3).
وإن قلنا بملكه حقيقة بالظهور ففي الزكاة (4) فيه أيضا إشكال، من
حيث عدم تمامية الملك لتزلزله باحتمال طرو الخسران الموجب لمقابلته به، لكون
الربح وقاية الرأس المال.
والظاهر (5) أن أصالة عدم طرو (6) الخسران لا يرفع التزلزل، لأن معنى
التزلزل هو كونه في مقابل الناقص على تقدير تحقق الخسران، وهو المعبر عنه
بالوقاية، فهي وقاية بالفعل (7) قطعا، وإن لم يكن تداركا فعليا قبل الخسران، فهو
أدون من مال الرهن، إلا أن يحكم بالوجوب من حيث تسلطه على رفع هذا
التزلزل بالفسخ ونحوه، مع أن المانع من وجوب الزكاة هو التزلزل من حيث
الحدوث لا من حيث البقاء، ولهذا لا يمنعها جواز العقود المملكة للنصاب
واشرافها على رجوع المالك، وما نحن فيه من هذا القبيل بعد حكم الشارع بأن
الخسارة ترد على الربح والتزامهما بذلك، كما لا اشكال من جهة كونه مالا

(1) في " ف " و " ع " و " ج " بياض بمقدار كلمة، ولعلها: " الانضاض ".
(2) في " م ": أو القيمة.
(3) في " م ": فينعدم أيضا.
(4) في " م ": وجوب الزكاة.
(5) في " ج " و " ع ": بدل " والظاهر ": " وأيضا ".
(6) في " ف ": ظهور.
(7) في " ع ": فهي في وقاية بالفعل، وفي " م ": فهي وقاية الفعل.
259

مشتركا، إذ الشركة لا تمنع الزكاة.
إنما الكلام في تحقق الأمر بالاخراج من نفس المال، أو بالأداء من
الخارج، الظاهر هو الأول، لاطلاق الأمر بالاخراج.
ثم الظاهر أن زكاة حصة العامل يحسب من نصيبه، لا أنه من قبيل المؤن
اللاحقة للمال الموضوعة من أصل الربح، كما أن زكاة حصة المالك إذا أخرجها
من المال تجب عليه من الأصل والربح بالنسبة. واستقرب المصنف (1) في محكي
النهاية أنها إذا أخرجت من العين فهي كالمؤن لا تحتسب على العامل (2).

(1) في هامش " ف " ومصححة " ع ": العلامة ظ.
(2) نهاية الإحكام 2: 374.
260

مسألة
[31]
الأقوى كون المسكين أسوأ حالا من الفقير وإن كان مشاركا للفقير في
عدم تملك ما يكفيه [فهو من لا يملك شيئا كما في البيان (1) وغيره (2) أو مالا] (3)
وفاقا للمحكي عن جماعة من القدماء وجمهور المتأخرين (4)، وعن الغنية (5):
الاجماع عليه، وهو المحكي عن جماعة من أهل اللغة، بل عن بعض العبائر (6):
أنه المشهور (7) بينهم، لمساعدة العرف، ولصحيحة ابن مسلم عن أحدهما
عليهما السلام: " إن الفقير الذي لا يسأل الناس، والمسكين أجهد منه الذي يسأل " (8).

(1) البيان: 193 وفيه من لا يملك شيئا يعتد به.
(2) النهاية: 184 والغنية (الجوامع الفقهية): 506، وإشارة السبق (الجوامع الفقهية): 125.
(3) ما بين المعقوفتين ليس في " م ".
(4) لم نقف فيما بأيدينا من الكتب على عين التعبير، نعم في بعضها: " إن المسكين من لا شئ له "
أو " المسكين أسوأ حالا " انظر الرياض 1: 278 والمدارك 5: 191 والروضة البهية 2: 42
والحدائق 12: 155 وغنائم الأيام: 329.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(6) حكاه في الغنية (الجوامع الفقهية): 506، وانظر المدارك 5: 190 والجواهر 15: 300. وراجع
النهاية لابن الأثير 2: 385، ولسان العرب 6: 1314 مادة (سكن).
(7) لم نقف عليه، نعم في الجواهر 15: 300 ما يلي: فلا ريب في كونه المعروف بين أهل اللغة.
(8) الوسائل 6: 144 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
261

وحسنة أبي بصير بالكاهلي (1).
ويؤيد ما ذكر: إن المسكين من المسكنة وهي الذلة، فقد أخذ فيه - مضافا
إلى الحاجة المأخوذة فيه وفي الفقر - تحقق الذلة الزائدة على أصل الفقر، وليس
المراد مطلق الذلة، بل الذلة من حيث الفقر، فحاصله يرجع إلى فقير يذل (2)،
فهو أخص من مطلق الفقر، خلافا للمحكي عن جماعة (3) فقالوا بالعكس، و
كون الفقير أسوأ حالا مستدلين على ذلك بما لا ينهض حجة.
ثم إن المحكي عن جماعة والمصرح (4) به في الروضة: الاجماع على دخول
أحدهما في الآخر إذا انفرد (5)، وفي البيان - بعد ما حكى عن الشيخ (6)
والراوندي (7) والفاضل (8) دخول أحدهما في إطلاق لفظ الآخر - قال: فإن أرادوا
به حقيقة ففيه منع، ويوافقون على أنهما إذا اجتمعا - كما في الآية - يحتاج إلى
فصل مميز بينهما. انتهى (9).
وحاصل ذيل كلامه: أنه (10) إذا وافقوا في ثبوت المميز مع اجتماعهما في
الذكر، فليس في صورة الانفراد ما يوجب إرادة القدر المشترك منهما (11) إذا أطلق،

(1) الوسائل 6: 144 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(2) في " م ": فقر مذل.
(3) منهم الشيخ في المبسوط 1: 246، وابن إدريس في السرائر 1: 456 وابن حمزة في الوسيلة:
128.
(4) في " م ": كما صرح به، وفي " ف ": المصرح به.
(5) الروضة البهية 2: 42 ووردت الكلمة في " م " هكذا: انفردا.
(6) المبسوط 1: 246.
(7) لم نقف عليه.
(8) نهاية الإحكام 2: 379.
(9) البيان: 193.
(10) في " م ": أنهم.
(11) في " م " و " ع ": من كل منهما.
262

وقد استشكل في كفارات القواعد في إجزاء اطعام الفقراء عن المساكين إذا لم
نقل بأن الفقير أسوأ حالا (1)، وكذا في الوصية (2)، واختار في الإيضاح (3) ومحكي
جامع المقاصد (4) - في الوصية -: عدم الدخول، ولم يرجح في وصية الدروس (5)
شيئا، إلا أن الظاهر (6) المستفاد من الأخبار هو ما ادعي عليه الاجماع، إذ لا
ريب في شمول لفظ الفقير للمسكين حيثما (7) أطلق، وكذا الظاهر أن المسكين
إذا أطلق فيراد به الذليل بذل الفقر (8). نعم إذا اجتمع مع الفقر فيراد به الذليل
بذل زائد على أصل الفقر، وبه يصير أسوأ حالا (9).

(1) قواعد الأحكام 2: 148.
(2) قواعد الأحكام 1: 294 وفيه: ولو أوصى للفقراء دخل فيهم المساكين وبالعكس على
اشكال.
(3) إيضاح الفوائد 2: 497.
(4) جامع المقاصد 10: 78.
(5) الدروس: 244 (الطبعة القديمة).
(6) ليس في " ف ": الظاهر.
(7) في " ف " و " ج " و " ع ": فيما.
(8) في " ف " و " ج ": الفقير.
(9) ليس في " ج " و " ع " و " م ": حالا.
263

مسألة
[32]
المشهور بل المحكي عن عامة أصحابنا (1) عدا نادر: إن الفقير من لا
يقدر على مؤونة سنة له ولعياله الواجبي النفقة،
فهنا مسائل ثلاث:
الأولى (2): أن لا يكون له قوت السنة، ويدل على جواز أخذه الزكاة
[مضافا إلى صدق الفقير عليه عرفا] (3) مفهوم الرواية المحكية عن المقنعة من
رواية يونس بن عمار: " قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: يحرم الزكاة على من
عنده قوت السنة، ويجب الفطرة على من عنده قوت السنة " (4)، وليس من مجرد (5)
مفهوم الوصف، لورود الوصف في مقام التحديد المناسب لأن يكون جامعا مانعا.
ويدل عليه فحوى ما سيجئ من الأخبار الدالة على جواز الأخذ لمن
له رأس مال لا يحصل كفاية سنته، وقد خالف هنا من قال بحرمة الزكاة على من
ملك أحد النصب في النقدين أو قيمته، ومستنده ضعيف وهو نادر.

(1) في " ف ": جماعة من أصحابنا.
(2) ليس في " ف " و " ج " الأولى.
(3) ما بين المعقوفتين من " م ".
(4) الوسائل 6: 160 الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 10. وراجع المقنعة: 248.
(5) في " ف " و " ج " و " ع ": بمجرد.
264

الثانية: أن يكون عنده قوت سنة واحدة وإن لم يملك أزيد من ذلك ولا
يقدر على تحصيله، كأن وهب لفقير أو أعطي من الزكاة ما يكفيه لسنة لا غير،
ويدل على تحريم أخذه للزكاة - [مضافا إلى] (1) منطوق الرواية المتقدمة -: التعليل
في المحكي عن العلل بطريق حسن بابن هاشم، صحيح (2) إلى صفوان بن يحيى،
عن علي بن إسماعيل: " قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن السائل وعنده قوت
يوم أيحل له أن يسأل؟ ولو أعطي شيئا من قبل أن يسأل يحل له أن يقبله؟ قال:
يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنته، لأنها إنما هي من سنة إلى سنة " (3).
فإن ظاهرها أن العلة في جواز أخذ كفاية السنة أنه لو منع من ذلك يبقى
محتاجا في بعض السنة، فدل بمفهومه (4) على أن من عنده كفاية السنة لا يجوز
له أن يأخذ.
ونحوها حسنة أخرى بابن هاشم محكية عن معاني الأخبار، عن أبي
جعفر عليه السلام: " قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تحل الصدقة لغني، ولا
لذي مرة سوي، ولا لمحترف، ولا لقوي، قلنا: ما معنى هذا؟ قال: لا يحل له
أن يأخذها وهو يقدر على ما يكف به نفسه عنها " (5).
فإن واجد مؤونة السنة قادر على ذلك، إذ ليس المراد القدرة على
التكفف (6) عن زكاة السنين المستقبلة.

(1) ما بين المعقوفتين من " م ".
(2) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": صحيح.
(3) علل الشرائع 2: 371 الباب 97، الحديث الأول وفيه: وما يكفيه، والوسائل 6: 160 الباب
8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.
(4) بمفهومه: من " م ".
(5) الموجود في المعاني: 262، روايتان بهذا المضمون عن أبي جعفر وعن الصادق عليهما السلام وليس
في إسنادهما إبراهيم بن هاشم، وراجع الوسائل 6: 160، الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة.
(6) في " ج " و " ع ": المتكفف.
265

والمحكية عن السرائر، عن شيخه ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن
سماعة: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عنده العدة للحرب
وهو محتاج أيبيعها وينفقها على عياله، أو يأخذ الصدقة؟ قال: يبيعها وينفقها على
عياله " (1).
ثم إن المخالف في هذه المسألة غير معثور عليه، عدا ما ربما نسبه في
المفاتيح (2) إلى ظاهر عبارة المبسوط: (3) من أن الفقير من لم يكن قادرا على كفاية
مؤنته ومؤونته من يلزم كفايته على الدوام، حيث إن ظاهر العبارة عدم ارتفاع
الفقر بأن يملك مؤونة سنة واحدة، لكن الظاهر رجوع هذا القول إلى قول
المشهور، ولذا جعل في المختلف (4) المراد بالدوام السنة واحتمل غير واحد (5)
رجوع القيد إلى قوله: من يلزم كفايته، وعلى تقدير الظهور فالقول ضعيف.
الثالثة: أن يكون له ما يكفيه لسنة إلا أن شغله الاكتساب بها، فيكون
ما في يده نقدا أو غيره الوافي مؤونة سنة بمنزلة الآلة لصنعته وحرفته، والظاهر
أيضا جواز أخذه للزكاة أيضا على المشهور، بل في الرياض: إنه لم يجد فيه
خلافا (6)، وعن الأردبيلي نسبته إلى صريح الأصحاب، للأخبار المستفيضة (7) و (8):
منها: المحكية عن الفقيه باسناده عن أبي بصير: " قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل له ثمانمائة درهم وهو رجل خفاف وله عيال كثير، أله أنه يأخذ

(1) السرائر 3: 590، الوسائل 6: 163 الباب 10 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) المفاتيح 1: 204.
(3) المبسوط 1: 256.
(4) المختلف: 183.
(5) انظر مفتاح الكرامة 3: 133 (كتاب الزكاة) والجواهر 15: 308.
(6) الرياض 1: 279.
(7) مجمع الفائدة 4: 153.
(8) في " م ": للمستفيضة بدل للأخبار..
266

من الزكاة؟ قال: يا أبا محمد أيربح في دراهمه ما يقوت به عياله ويفضل؟ قلت:
نعم. قال: كم يفضل؟ قال: لا أدري. قال: إن كان يفضل عن القوت مقدار
نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، وإن كان أقل من نصف القوت فعليه الزكاة، قال:
قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال: بلى. قال: قلت كيف يصنع؟ قال: يوسع بها
على عياله في طعامهم وشرابهم وكسوتهم، ويبقي منها شيئا يناوله غيرهم، وما أخذ
من الزكاة فضه على عياله حتى يلحقهم بالناس " (1).
وموثقة سماعة: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزكاة هل تصلح (2)
لصاحب الدار والخادم؟ فقال: نعم إلا أن يكون داره دار غلة فيخرج له من
غلتها دراهم يكفيه له ولعياله، فإن لم تكن الغلة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم
وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلت له الزكاة، وإن كان غلتها تكفيهم
فلا " (3).
وما عن الكافي، عن القمي، عن أبيه، عن إسماعيل بن عبد العزيز، عن
أبيه: " قال: دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير: إن
لنا صديقا.. إلى أن قال: إن العباس بن الوليد بن صبيح له دار تسوي أربعة
آلاف، وله جارية، وله غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى أربعة
سوى علف الجمل، وله عيال، أله أن يأخذ من الزكاة؟ قال: نعم، قلت: وله هذه
العروض؟ قال: يا أبا محمد فتأمرني أن آمره ببيع داره وهي عزه ومسقط رأسه؟
أو ببيع خادمه التي تقيه الحر والبرد، وتصون وجهه ووجه عياله، أو آمره أن يبيع
غلامه وجمله وهو معيشته وقوته!؟ بل يأخذ الزكاة وهي له حلال ولا يبيع داره

(1) الفقيه 2: 34 الحديث 1630، والوسائل 6: 159 الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة،
الحديث 4.
(2) في النسخ: تصح، وما أثبتناه من المصدر.
(3) الوسائل 6: 161 الباب 9 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
267

ولا غلامه، ولا جمله " (1).
وصحيحة معاوية بن وهب: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: عن الرجل
يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم وله عيال، وهو يحترف بها فلا يصيب
نفقته فيها، أيكب فيأكلها ولا يأخذ الزكاة؟ أو يأخذ الزكاة؟ قال: لا، بل ينظر
إلى فضلها فيقوت بها نفسه، ومن وسعه ذلك من عياله ويأخذه البقية من الزكاة،
ويتصرف بهذه لا ينفقها " (2).
ولا يبعد أن يكون متن الرواية: " ويأخذ للبقية من الزكاة " أي لبقية عياله
الذين لا يسعهم فضل ماله، كما في رواية هارون بن حمزة حيث قال: " فلينظر ما
يستفضل منها فليأكل هو ومن يسعه ذلك، وليأخذ لمن لم يسعه من عياله " (3) وفي
دلالتها حينئذ على المطلب نظر، وفيما تقدم من الأخبار المعتضدة بالشهرة غنى
عنها.
ثم إن ظاهر الأخبار المتقدمة - على ما صرح به بعض وحكاه عن
غيره (4) - هو اعتبار الاستنماء الفعلي في المال المستثنى من الكفاية، لا مجرد قابلية
الاستنماء، فمن كان له مال يشتغل بها ويكفيه لسنته فلا يحل له الزكاة، كما هو
ظاهر الأخبار المتقدمة في المسألة الثانية ومن كان يشتغل بها ويستربحها حل له
الأخذ إذا لم يكفه الربح، وكذا الآلات الصنائع مستثناة لمن يصنع بها دون من لا
يصنع، بل وكذلك دار الغلة إذا بنى على سكناها، أو إسكانها من غير أجرة

(1) الكافي 3: 562 الحديث 10 باب من يحل له أن يأخذ الزكاة، والوسائل 6: 162 الباب 9 من
أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3. مع اختلاف يسير.
(2) الكافي 3: 561، الحديث 6، والوسائل 6: 164 الباب 12 من أبواب المستحقين للزكاة،
الحديث الأول.
(3) الوسائل 6: 164 الباب 12 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4 مع اختلاف يسير.
(4) مستند الشيعة 2: 45.
268

بحيث لا يكون بانيا على استنمائها.
ثم المراد عدم كفاية الربح لأجل قلة رأس المال، وعدم ترتب أزيد من
ذلك الربح عليه بحسب العادة، وإلا فلو فرضنا أنه يملك لكوكا (1) واتفق في
بعض السنين عدم كفاية ربحها بمؤونته اللائقة بحاله، فالظاهر عد مثل هذا
غنى. وكذا الضيعة التي قد ينفق قصور ربحها عن المؤنة اللائقة، لكن لو باع
منها شيئا وأنفقه كان الباقي يحصل منها عادة - لولا العارض (2) - ما يكفيه، ولو
جعل المدار على صدق الغنى عرفا كان أوجه.
ثم إن المستفاد من الأخبار المتقدمة (3) وغيرها وكذا الفتاوى المعروفة: إن
القدرة على التكسب الكافي له ولعياله مخرج عن الفقر، خلافا للمحكي عن
الخلاف من أنه نسب إلى بعض أصحابنا القول بجواز أخذ الزكاة له (4) ويرده
الأخبار المستفيضة (5) المعتضدة بالشهرة، وحكاية الاجماع عن الناصريات (6)
والخلاف (7) وغيرهما، وربما يقال باعتبار التكسب فعلا بتلك الحرفة والصنعة،
والظاهر أن المعتبر: القدرة على التكسب اللائق بحالة قوة وضعفا، فلا عبرة بما
فيه مشقة شديدة لا يتحمله عادة، لأدلة نفي العسر والحرج.
ومنها يعلم اعتبار كونه لائقا بحاله، لأن ارتكاب غيره حرج جدا، فهو
كما في المهذب البارع: أصعب من تكليفه ببيع خادمه وخدمة نفسه، وبيع فرس

(1) اللكوك، جمع لك وهي كلمة هندية، وتطلق على مرتبة من مراتب الأعداد، تساوي مائة ألف،
استعملت قديما في العراق. - انظر المعجم الاقتصادي الاسلامي: 80 و 396 -.
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": المعارض.
(3) المتقدمة في الصفحة 266 ذيل المسألة الثالثة.
(4) الخلاف: كتاب قسمة الصدقات المسألة 11 وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 135. (كتاب الزكاة).
(5) المتقدمة في الصفحة 266 المسألة الثالثة.
(6) الناصريات (الجوامع الفقهية): 242.
(7) الخلاف: كتاب قسمة الصدقات، المسألة 11.
269

الركوب والمشي (1).
ودل على ذلك ما تقدم في رواية أبي بصير من تعليل عدم بيع الدار: بأنه
عزه، وبيع الخادم بأنه تقية الحر والبرد، وتصون وجهه ووجه عياله (2) إلى غير
ذلك، مثل ما دل على كراهة إعلام المؤمن المترفع بكون المدفوع زكاة، معللا
بقوله: " لا تذل المؤمن " (3) فإن منع المؤمن عن الزكاة وإلجائه إلى ما لا يليق به
من المكاسب أشد إذلالا.
والمعتبر من الصنعة والاحتراف ما يوثق عادة بحصول المؤونة منه، فمثل
إجازة النفس للعبادات لا يعد حرفة إلا إذا اطمأن عادة بحصولها له عند
الاحتياج.
ولو ترك المحترف الحرفة فاحتاج في زمان لا يقدر عليها، كما لو ترك
العمل نهارا فاحتاج ليلا، وكما لو ترك البناء عمل البناء في الصيف فاحتاج في
الشتاء مع عدم حصول ذلك العمل في الشتاء (4) فيه إشكال.
من صدق الفقير عليه، وأنه لا يقدر في الحال على ما يكف به نفسه عن
الزكاة، فيعمه أدلة جواز الأخذ.
ومن صدق المحترف، وذي المرة السوي عليه فيشمله أدلة المنع، وهو
الأقوى، لعدم معلومية صدق الفقير عليه، وإلا لصدق على المحبوس الغني، ولم
يجعل ابن السبيل قسيما للفقير في الكتاب (5) والسنة (6)، نعم لا بأس بالصرف

(1) المهذب البارع 1: 530.
(2) الوسائل 6: 162 الباب 9 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(3) الوسائل 6: 219 الباب 58 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(4) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": في الشتاء.
(5) التوبة: 9 / 60.
(6) الوسائل 6: 143 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
270

إليه من سهم سبيل الله.
لكن الانصاف، أنه لو لم ينعقد الاجماع على الخلاف قوي القول بجواز
الدفع إلى كل محتاج في آن حاجته، وإن كان عرض له ذلك في زمان يسير ولو
بسوء اختياره كما هو مقتضى العمومات. بل ربما اختار بعض مشايخنا
المعاصرين (1): اعتبار التكسب الفعلي في تحقق الغنى، فيعطى القادر على الحرفة
والصنعة إذا لم يشتغل بهما فعلا باختياره وإن كان حين الاعطاء قادرا، لكنه خلاف
ظاهر النصوص والفتاوى وإن كان ظاهر بعض العبارات ربما يوهم اعتبار
الفعلية، وقد استفاضت النصوص: بأنه " لا يحل الصدقة لغني ولا الذي مرة
سوي " (2)، وإن كان في بعض الأخبار إن ذيله ليس قول رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم (3) لكن الظاهر كما فهمه غير واحد (4): أن المراد عدم الحاجة له (5) لدخوله
في الغني، مع أنه لا دلالة في ذلك على شئ.
وعلى أي تقدير، فلا إشكال في حرمة الأخذ حال القدرة على التكسب،
إلا إذا ترك التكسب للاشتغال بأمر واجب ولو كفاية كتحصيل علم، ويحتمل
تعين الواجب الكفائي على من لا يحتاج إلى الكسب، لأن المحتاج إليه مشغول
الذمة بواجب عيني، ولو كان طلب العلم مما يستحب في حق الطالب فالظاهر
أنه لا يسوغ ترك التكسب كما في سائر المستحبات لصدق الغنى والمحترف
والقادر على ما يكف به نفسه عن الزكاة، والإذن في طلب العم بل الأمر
الاستحبابي به لا يوجب الإذن في ترك التكسب، بل طلب تركه المستلزم لجواز

(1) الجواهر 15: 314 - 315.
(2) الوسائل 6: 159 الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة.
(3) نفس المصدر الحديث 5 و 9.
(4) منهم الكاشاني قدس سره في الوافي (الجزء السادس): 25 والمحقق القمي قدس سره في الغنائم:
330.
(5) في " م ": إليه.
271

أخذ الزكاة كما زعمه (1) بعض مشايخنا المعاصرين (2) لا وجه له، إذ بعد عمومات
تحريم الزكاة على القادر على التكسب يصير الكسب (3) واجبا لأجل حفظ نفسه
وعياله فلا يزاحمه استحباب ذلك، لأن المستحب لا يزاحم الواجب إجماعا.
ودعوى أن تسليم حرمة الأخذ المستلزمة لوجوب التكسب مبني على تقدم (4)
أدلتها على أدلة استحباب ذلك المستحب فلم (5) لا يجوز العكس؟ مدفوعة
- اجمالا -: بأن من المقرر في محله أن استحباب المستحب لعموم دليله لا يزاحم
عموم وجوب (6) الواجبات، لأن وجوب الشئ يدل على وجوب مقدمته، ولو
كانت المقدمة في نفسها متصفة بالإذن في الترك، فوجوب الشئ مقدمة لا يرتفع
بسبب إباحته الذاتية أو استحبابه الذاتي، وإلا لم يجب شئ من باب المقدمة
أصلا، لأنه في ذاته إن اتصف بحرمة (7) لم يتصف بالوجوب بناء على تقدم (8) الحرمة
دليل وجوب ذي المقدمة، فلا يبقى مورد لوجوب المقدمة إلا المقدمة الواجبة في
ذاتها، ولا يخفى ما فيه، وتمام الكلام في محله.
ولو لم يعلم صنعة فالظاهر عدم وجوب التعلم (10) ويصدق عليه أنه لا يقدر

(1) في " ف " و " ج " و " ع ": عن.
(2) مستند الشيعة 2: 45.
(3) ليس في " ج " و " ع " و " ف ": الكسب.
(4) في " م ": تقديم.
(5) في " م ": لم.
(6) في " م ": أدلة وجوب.
(7) في " م ": بالحرمة.
(8) في " م ": تقديم.
(9) في " م ": دليلها.
(10) في " ف " و " ج " و " ع ": الحكم.
272

على ما يكف به نفسه، لأن المتبادر القدرة مع أنه قلما يخلو فقير من القوة
البعيدة للتكسب.
ولو قصر الكسب عن مؤونة السنة فلا شبهة في جواز أخذ التتمة دفعة
ودفعات،
ولا في عدم جواز أخذ الزائد بعد أخذ التتمة.
وإنما الكلام في جواز
أخذ (1) الزائد عن التتمة ابتداء [ففيه] (2) قولان: من عمومات جواز أخذ الزكاة
سيما المغيى منها بقوله: " حتى تغنيه " (3)، بناء على حمله على الغنى العرفي وهو تملك
ما فوق مؤونة السنة، إذ لا يصدق الغنى في العرف على من ملك مؤونة السنة ولا
يقدر على أزيد منها.
ومن أن الزكاة إنما وضعت قوتا للفقراء، وظاهرها أن لهم منها قوت سنة
حيث إنها من سنة إلى سنة.
ويدل عليه قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة: " ويأخذ
البقية من الزكاة " (4) وقوله في رواية العلل المتقدمة: إنه " يأخذ وعنده قوت شهر
ما يكفيه لسنته " (5).
وما ورد من الأمر بالاعطاء حتى الغنى لا يدل على المطلوب، إذ لا يبعد
أن يراد إغنائه بالدفع الواحد حتى لا يقع المؤمن في ذلك طلب الزكاة ثانيا، أو
قبولها في هذه السنة، وإلا لجاز اعطاء جميع الزكوات لفقير واحد، وفساده ظاهر.
لكن الانصاف أنه لو قلنا في المسألة بجواز اعطاء غير المكتسب زائدا
على مؤونة سنته (6) كما هو المشهور، بل حكي عليه الاجماع من (7) غير واحد (8)

(1) ليس في " ج " و " ع ": أخذ.
(2) اقتضاها السياق.
(3) الوسائل 6: 178 الباب 24 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(4) المتقدمة في الصفحة 268.
(5) المتقدمة في الصفحة 265.
(6) في " ج " و " ع ": سنة.
(7) ليس في " م ": من.
(8) المنتهى 1: 528.
273

- مستدلين بأخبار الاغناء - لم يكن فرق بينه وبين المكتسب القاصر (1) كسبه،
إلا أن يفرق بينهما بأن إغناء غير المكتسب باعطائه مؤونة سنتين أو ثلاث سنين
لا ينافي كون الزكاة موضوعة لقوت الفقراء، إذ لا فرق (2) في نظر الشارع بين
اعطائه مؤونة السنة الثانية في السنة الأولى أو في نفس السنة الثانية، بل مقتضى
كونها موضوعة قوتا ومعونة لهم، عدم الفرق. فإذا دخل الشخص في موضوع
الفقير لا فرق بين إعطائه في كل سنة مؤونة تلك السنة، وبين إعطائه في سنة
مؤونتها ومؤونة ما بعدها من السنين، بخلاف المكتسب فإن فتح باب إعطائه الزائد
يوجب جواز أن يأخذ ما يغنيه عن كسبه.
ودعوى كون ما يدفع إليه في مقابلة تتمة سنوات متعددة له، يدفعها أنها
مجرد اعتبار لا يوجب تأثيرا في امتناع الشخص عن مال الفقراء بمقدار ما فيه
من الغنى، فإن مقتضى وضع الزكاة قوتا للفقراء، عدم جواز تصرف الغني فيه
بمقدار ما فيه من الغنى، ولازم ذلك عدم جواز أخذ من فيه مقدار من الغنى إلا
مقدار الحاجة، ولا يكون إلا بأن لا (3) يأخذ أكثر من تتمة سنته (4)، إذ لو (5) أخذ
تتمة سنتين فلا يجبر على التكسب في بقية السنة الثانية لئلا يرجع إلى أخذ الزكاة
لها.
لكن الظاهر أن المجوزين لا يلتزمون بهذا، فانحصر منعه عن التصرف
في قوت الفقراء بأزيد من مقدار فقره في منعه عن أزيد من تتمة سنة واحدة حتى
يشتغل في كل سنة لبعضها ويأخذ الزكاة للباقي. ويمكن أن يكون نظر الشهيد

(1) في " م ": العاجز القاصر.
(2) في " ف ": فلا فرق.
(3) ليس في " ج " و " ع ": لا.
(4) في " ج " و " ع " و " م ": سنة.
(5) في " م ": ولو.
274

في البيان (1) إلى هذا، حيث حمل أخبار الاغناء على غير المكتسب. واعترضه في
المدارك وغيره (2): بأن الحمل فرع الشاهد، وقد عرفت أن الشاهد ما دل على
وضع الزكاة لقوت المحتاجين.
ثم مقتضى ما ذكرنا [من الفرق بين التكسب وغيره] (3) اختصاص الحكم
بوجوب الاقتصار على التتمة لذي (4) الكسب القاصر، والضيعة والصناعة (5)
القاصرين، وأما من كان عنده فعلا ما يكفيه لبعض سنته فالظاهر جواز أخذه
الزائد عن التتمة، وقد صرح في المدارك (6) والكفاية (7) بأن ظاهر جماعة
اختصاص النزاع في جواز الزيادة على التتمة بذي الكسب القاصر، ثم حكيا
عن المنتهى (8) كلاما يشعر بعموم الخلاف.

(1) البيان: 193.
(2) المدارك 5: 198 والحدائق 12: 161.
(3) ما بين المعقوفتين من " م ".
(4) في " م ": بذي.
(5) في " ف " و " ج " و " ع ": والصنعة والبضاعة.
(6) المدارك 5: 198.
(7) الكفاية: 40.
(8) المنتهى 1: 518.
275

مسألة
[33]
لو ادعى الفقر، فالمعروف قبول قوله، لأصالة عدم المال في بعض الفروض.
ولأصالة الصحة في دعوى المسلم، بل أصالة العدالة فيه.
وأن مطالبته بالبينة أو اليمين إذلال للمؤمن منهي عنه.
ولأنه ادعى استحقاق شئ لا ينكره عليه غيره، فيشبه مسألة الكيس
المحكوم بأنه لمن ادعاه (1).
ولعموم ما دل على وجوب تصديق المؤمن، مثل الخبرين (2) الواردين في
قوله تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} (3) وما ورد أن: " المؤمن وحده حجة " (4).
ولتعذر إقامة البينة عليه، فيشمله ما يستفاد منه سماع دعوى يتعذر إقامة
البينة عليها، كما يرشد قوله عليه السلام - في المرأة المدعية لكونها بلا زوج -:
" أرأيت لو كلفتها البينة، تجد بين لابتيها من يشهد أن ليس لها زوج؟ " (5).

(1) الوسائل 18: 200 الباب 17 من أبواب كيفية الحكم، الحديث الأول.
(2) البرهان 2: 138، وتفسير العياشي 2: 95.
(3) التوبة: 9 / 61.
(4) الوسائل 5: 380 الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(5) لم نعثر عليه بعينه، نعم في الوسائل 14: 457 الباب 10 من أبواب نكاح المتعة، الحديث 5
ما يقرب منه.
276

وللزوم الحرج لو كلف الفقير الاثبات.
ولاستمرار السيرة على ذلك.
ولما يستفاد فيمن أهدى جارية للبيت حيث ورد: " إنه تباع ويؤخذ
ثمنها، وينادى على الحجر: ألا هل من منقطع ومن نفدت (1) نفقته أو قطع عليه
فليأت فلان بن فلان، وأمره أن يعطي أولا فأولا حتى ينفذ ثمن الجارية " (2) فإن
الظاهر منها من حيث ورودها مقام الحاجة هو الاكتفاء بدعوى الاحتياج.
ولرواية العرزمي: " فيمن أتى الحسنين عليهما السلام فسألهما، فقالا له: لا تحل
الصدقة إلا في دين موجع أو غرم مفظع (3) أو فقر مدقع، فهل فيك أحدها؟ قال:
نعم، فأعطياه " (4).
ونحوها المروي في الصحيح، عن عامر بن جذاعة: " قال: جاء رجل إلى
أبي عبد الله عليه السلام فقال له: يا أبا عبد الله قرض إلى ميسرة؟ فقال أبو عبد الله
عليه السلام: إلى غلة تدرك؟ قال: لا والله. قال: إلى تجارة تؤوب؟ قال: لا والله. قال:
عقدة تباع؟ قال لا والله. فقال أبو عبد الله عليه السلام: فأنت ممن جعل الله له في
أموالنا حقا، فدعى بكيس فيه دراهم.. " (5).
وفي أكثر هذه الوجوه نظر، لمنع كون أصالة الصحة موجبة لاثبات
الموضع الذي تعلق (6) به تكليف الغير، أعني المخاطب الغني المنهي عن صرف

(1) في " ف ": فقدت.
(2) الوسائل 9: 354 الباب 22 من أبواب مقدمات وما يتبعها، الحديث 7 نقلا بالمعنى.
(3) في بعض النسخ: مقطع.
(4) الوسائل 6: 145 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.
(5) الوسائل 6: 27 الباب من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه، الحديث الأول وله
تتمة فراجع.
(6) في " م ": يتعلق.
277

حصة الفقراء المشاركين له في المال إلى غيرهم، وأصالة العدالة ممنوعة، ومغايرة
المسألة مع مسألة الكيس واضحة، وتعذر إقامة البينة بل تعسرها ممنوعة، ولهذا
يكلف مدعي الاعسار بالاثبات إذا علم له أصل مال، وأدلة الهدي ورادة في بيان
المصرف [مع أن في بعضها: " فإذا أتوك - يعني الزوار المنقطعين - فاسأل عنهم
وأعطهم " (1) وهو صريح في عدم جواز الاعطاء بدون الفحص] (2).
وأما الروايتان فهما قضيتان لا عموم لهما، لاحتمال حصول العلم أو الظن
للمعصوم من قول الشخص.
فالعمدة هو لزوم الحرج، وما ورد في تصديق المؤمن حيث أمر الإمام
عليه السلام بتصديق المؤمن مستشهدا لذلك بقوله تعالى: {يؤمن بالله ويؤمن
للمؤمنين} (3).
وربما ينفى وجوب البينة واليمين بوجه جعله في الحدائق (4) أمتن الوجوه
وأنظرها وأوجهها وأحسنها، وهو: إن مورد أدلتها هي الدعاوي، لأنه المنساق من
قوله: " البينة على المدعي واليمين على من أنكر " (5).
وفيه، أولا: إن الاستدلال ليس بتلك الأدلة الواردة في بيان ما يطالب به
كل من المتخاصمين، وفيما يتسلط به المدعي على المنكر، وما به (6) يرفع المنكر
تسلط المدعى عليه، والمقصود فيما نحن فيه إن ثبوت فقر الشخص على وجه
يجوز للمكلف دفع الزكاة إليه موقوف على قيام البينة وإن لم يقع منه (7) دعوى،

(1) الوسائل 9: 355 الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف، الحديث 9.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(3) البرهان 2: 138، وتفسير العياشي 2: 95. والآية في التوبة: 9 / 61.
(4) الحدائق 12: 165.
(5) عوالي اللآلي 1: 453، الحديث 188.
(6) في " ف ": وبأنه.
(7) في " ف ": معه.
278

لأن (1) دعواه بنفسه لا تجدي في إثبات الموضوع كما تجدي البينة، فلكلام في
طريق إثبات هذا الموضوع، وأنه هل يثبت بقول الفقير كما يثبت بالبينة [أم لا؟
فاختصاص أدلة البينة بمورد الخصومة لا يضر بما نحن فيه، ولذا لو كان
الشخص صغيرا أو غير مدع للفقر لم يدفع إليه إلا بالبينة] (2).
إلا أن نقول بمجرد كفاية المظنة - كما هو الأقوى -، لتعذر قيام البينة
غالبا، فيؤدي اعتباره إلى حرمان كثير من الفقراء، وإلا فمقتضى القاعدة:
وجوب الاقتصار على البينة.
وأما تصديقه باليمين كما حكي (3) عن الشيخ فيمن عرف له أصل مال (4)
فلم يظهر وجهه، لأن المعروف من موارد اليمين هو ما يتوقف قطع الخصومة عليه،
ولذا لا يمين في حد، مع أنك قد عرفت أن الكلام في المقام هو في حجية قول
الفقير، وأنه بنفسه من الطرق الظاهرية للموضوع أم لا؟ لا في سماع دعواه،
لأن هذه الدعوى ليس مما يلزم (5) بها المنكر على فرض إقراره بها حتى تسمع،
ويطالب المدعي بما يثبت به دعواه من البينة أو اليمين، بل تسميته دعوى ليست
في مقابل المكلف بما يثبت به دعواه من البينة أو اليمين، بل تسميته دعوى ليست
في مقابل المكلف بالزكاة الشاك في فقره، بل هو أشبه شئ بدعوى الإمام
العدالة، أو الفقيه الاجتهاد، أو الشاهد على شئ غير متنازع فيه كالنجاسة
والقبلة والوقت، ونحوها: العدالة، فإنه لا معنى لليمين في جميع ذلك.
نعم يمكن أن يقال: إن المراد من اعتبار اليمين هو أنه وإن لم يكن لنا
دليل على وجوب تصديق المخبر مطلقا إلا أنه يصدق الحالف مطلقا، لعموم ما

(1) في " ع " و " م ": وإن.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(3) حكاه عنه في الجواهر 15: 324.
(4) في " ف " و " ج " و " ع ": ممن له أصل.
(5) في " ف " و " ج " و " ع ": يلتزم.
279

دل على أنه: " من حلف لكم بالله فصدقوه و: من حلف له بالله فلم يرض به
فليس من الله في شئ " (1) إلى غير ذلك من الأدلة على وجوب تصديق الحالف،
حتى أنه لا يعتبر البينة بعده، فحينئذ يكون الحلف طريقا إلى ثبوت الموضوع،
وإن لم يكن إخبار المخبر بنفسه دليلا، لا (2) أن اليمين يتوجه (3) لاثبات الدعوى.
لكن هذا لا يتم، وإلا لثبت كثير مما يتأمل في ثبوته بقول مخبر مدع، أو
غير مدع بمجرد حلفه، فيكون قد ثبت حجية قول الحالف وإن لم يثبت حجية
قول المخبر، وهي تفتح بابا عظيما كأنه معروف الانسداد عند الفقهاء.
الاستحقاق في قوله: " لكم " - هو الحلف الذي تستحقونه عليه، فيختص بمقام
المخاصمة.
ثم إنه لو كان مدعي الفقر عادلا فالظاهر قبول قوله عند إفادة الظن،
لأن حجيته في مثل المقام مما لا ريب فيه، وإن لم يفد الظن ففيه إشكال، ولا يبعد
أن يكون الاحتياط حينئذ في توكيل العادل في صرف الزكاة إلى مستحقها وإن
كان هو بنفسه مستحقا في علمه.
ثم الظاهر أنه لا يجب [أن يكون] (4) دفع المال إلى الفقير مقرونا بما
يوجب إخباره بأنه زكاة، بل يكفي قصد ذلك عند الدفع إجماعا على الظاهر كما
يظهر من محكي التذكرة (5) والحدائق (6)، ولرواية أبي بصير الحسنة قيل: أو

(1) الفقيه 3: 362، الحديث 4282. الوسائل 16: 124 الباب 6 من أبواب الايمان، الحديث 1
و 3 نقلا بالمعنى.
(2) في " م ": إلا.
(3) في " ف ": متوجه.
(4) الزيادة من " م ".
(5) التذكرة 1: 237.
(6) الحدائق 12: 171.
280

كالصحيحة: الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة،
ولا اسمي له أنها من الزكاة؟ قال: " أعطه ولا تسم له، ولا تذل المؤمن " (1) ويستفاد
منها - حيث إن موردها من يستحيي من أخذ الزكاة، وإنه لا يأخذ إذا علم أنه (2)
زكاة - جواز الدفع وإن كان مقرونا بما يتخيل (3) الفقير أنها ليست زكاة.
ولو نصب الدافع قرائن على أنها ليست زكاة، بحيث يكون اعتقاد
المستحيي من أخذ الزكاة مستندا إلى ما نصبه الدافع من القول والفعل،
فالمعروف إلحاقه بالصورة الأولى، بل عن التذكرة: الاجماع عليه (4).
والانصاف أن الرواية لا تدل على الجواز، لأنها إنما دلت على الرخصة في
عدم الاعلام لا في الاعلام بكونها من غير الزكاة، لكن العمومات التي يستفاد
منها حصول الامتثال بصرف الزكاة إلى الفقراء كافية في المقام، مضافا إلى اطلاق
قوله عليه السلام في موثقة سماعة: " فإذا هي وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة ماله يصنع
بها ما شاء " (5) ويؤيد ذلك الإذن في إعطاء الأيتام، والشراء لهم بقيمتها ما
يحتاجون من غير توقف على قبض أوليائهم بعنوان أنها زكاة.
ودعوى جعل الشارع للمكلف المزكي ولاية في ذلك تكلف واضح،
ويؤيده أيضا ما ورد من المقاصة (6) بها من دين الحي والميت وقضاء دين الميت من
الزكاة (7).

(1) الوسائل 6: 219 الباب 58 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) في " م ": أنها.
(3) في " ف " و " ع ": يخيل.
(4) التذكرة 1: 237.
(5) الوسائل 6: 200 الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(6) في " ف " و " ج " و " ع ": اقباضه.
(7) الوسائل 6: 205 الباب 46 من أبواب المستحقين للزكاة.
281

هذا مضافا إلى ما ورد من أن الزكاة بمنزلة الدين (1) وإنما فرق بينهما
بوجوب نية التعيين والتقرب من طرف الدافع، وأما من طرف القابض فلا.
نعم في حسنة ابن مسلم بابن هاشم: " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:
الرجل يكون محتاجا فيبعث إليه بالصدقة، فلا يقبلها على وجه الصدقة، يأخذه
من ذلك ذمام واستحياء وانقباض، أفيعطيها إياه على غير ذلك الوجه وهي منا
صدقة؟ قال: لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا
تعطها إياه، ولا ينبغي له أن يستحيي مما فرض الله عز وجل، إنما هي فريضة الله
فلا يستحيي منها " (2).
لكن الانصاف: أن قوله: " لا تعطيها إياه " ليس صريحا في عدم احتسابه
من الزكاة لو أعطاها، وإنما يدل على عدم جواز الاعطاء أو كراهته ليتنزل عن
استحياء أخذ الزكاة، والترفع عنها (3) الراجع إلى الاستنكاف عما رضي الله له،
وعدم الرضى بم قسم الله له، فلا ينافي مورد الرواية السابقة، وهو الاستحياء عن
الأخذ مع تصريح الدافع قولا بأنها زكاة، وإن لم يترفع عن أخذ الزكاة الواقعية
إذا علم بها.
وبالجملة، فمورد الرواية الثانية من يرد الزكاة إذا علم أنها زكاة، ومورد
الأولى - ولو بقرينة السؤال عن جواز ترك التصريح له بأنها زكاة - هو
الاستحياء عن أخذها عند تصريح الدافع، فيمكن حمل الثانية على الكراهة،
ورجحان العدول إلى غيره، فحينئذ لا تعارض العمومات، ولا ينافي ما صرح به

(1) الوسائل 6: 176 الباب 21 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) الكافي: 3: 564، الحديث 4 والوسائل 6: 219 الباب 58 من أبواب المستحقين للزكاة،
الحديث 2، وتتمة الحديث في الباب 57، الحديث الأول مع اختلاف يسير.
(3) في " ف " و " ع ": المترفع.
282

غير واحد (1) وادعى عليه في محكي التذكرة (2): أنه لا يعرف فيه خلافا من
استحباب إيصالها بصورة الصلة إلى المستحيي من طلبها، بل من أخذها بصورة
الزكاة لكون ذلك مذلة عند الناس، وإن لم يترفع نفسه عنها ولم يمتنع منها بمجرد
الاطلاع عليها.
ويؤيده ما ورد من دفع صدقات الأنعام إلى المتجملين من الفقراء، معللا
بأنهم يستحيون من أخذ صدقات الأموال (3)، ولقد أحسن المحقق رحمه الله في المعتبر
التعبير عن مورد هذه المسألة، فقال: ومن يستحيي من طلبها يتوصل إلى
مواصلته، - روى ذلك أبو بصير (4) - (انتهى).
ثم إن حاصل صور المسألة خمس:
أحدها: أن يدفع الدافع على وجه الزكاة - على وجه التصريح والاعلام -
ويأخذه القابض كذلك، ولا اشكال فيه.
الثانية: أن يدفعها الدافع على قصد الزكاة من غير إعلام له بأنها زكاة،
ويأخذه القابض عالما بأنها زكاة، ولا إشكال فيها أيضا.
الثالثة: أن يدفعها على قصد الزكاة بعنوان الصلة والهدية، ويأخذها (5)
القابض على وجه الزكاة، ولا إشكال فيها، ولا في استحبابها، من جهة استحياء
الفقير المتجمل من أن يطلع عليه أحد لكونه ممن يحسبهم الجاهل أغنياء من
التعفف.
الرابعة: الصورة بحالها، ولكن يأخذه القابض بالعنوان الذي دفع إليه،

(1) منهم صاحب الشرائع (1: 160) وصاحب الحدائق 12: 171) وقد ادعى فيه عدم الخلاف.
(2) التذكرة 1: 237.
(3) الوسائل 6: 182 الباب 26 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1، 2.
(4) المعتبر 2: 592، والوسائل 6: 219 الباب 58 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(5) في النسخ: ويأخذه.
283

فإن كان ممن لا يمتنع عنها إذا اطلع على كونها زكاة، فمقتضى العمومات الجواز،
بناء على أن قبض الزكاة ليس كالقبول الفعلي للعقود يعتبر فيها المطابقة
للايجاب الحاصل بالدفع، بل المقصود قبول تملكه على أي نحو كان، ليتحقق
للمعطي امتثال أوامر الايصال والدفع والصرف، وإن امتنع (1) إذا اطلع على كونها
زكاة.
فهذا هو الذي دلت الحسنة على النهي عن إعطائها.
فإن حملنا النهي على كراهية الدفع إليه، أو على خروجه عن الاستحقاق
لأجل الاستنكاف عما رضى الله له كما ورد (2): " إن تارك الزكاة وقد وجبت له
كمانعها وقد وجبت عليه " (3) فيخرج عن العدالة، أو على كون النهي تعبد الحكمة
حرمان ذلك الشخص لعله يتنزل عن الاستنكاف، ويرضى بما قسم الله له، أو
للعقوبة على الصفة المذكورة.
فوجه الجمع بين الحسنة وبين العمومات على هذه الوجوه.
ولو خليناها على ما يظهر منها سيما قوله عليه السلام: " فإن لم يقبلها على وجه
الزكاة " (4) من (5) أنه يعتبر في قبض الزكاة قبولها على أنه زكاة، أشكل الأمر في
هذا القسم من الصورة الرابعة، بل القسم الأول منها، لأن المفروض اشتراك
القسمين في وقوع القبول على غير وجه الصدقة، وإن أمكن الفرق بينهما بأن
القابض في القسم الأول حيث إنه لا يأبى عن أخذ الصدقة إنما يقصد قبض
المدفوع إليه على وجه مطلق التملك (6) وإن صرح الدافع بكونها هدية، لكن

(1) في " م ": يمتنع.
(2) في " ف ": روي.
(3) الوسائل 6: 218 الباب 57 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(4) الوسائل 6: 219 الباب 58 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(5) ليس في " ف " و " ع ": من.
(6) في " ف " و " ج " و " ع ": التمليك.
284

الغالب وجود احتمال الصدقة بل إماراتها أيضا، فهو يقصد التملك المطلق، وهذا
لا يقدح في اعتبار مطابقة القبول - لو فرض القول به في الزكاة - بخلاف
القابض في القسم الثاني، فإنه يقصد التملك الخاص المقابل للتملك على وجه
الزكاة.
الخامسة: أن يدسها في مال الفقير من غير اطلاق الفقير، ومقتضى بعض
ما يستفاد منه: أن المقصود: الوصول إلى المستحق، وما دل على أنها بمنزلة
الدين (1) هو الجواز، إلا أنه يشكل من جهة عدم تملك الفقير له من غير اختيار،
فما لم يتلف (2) فهو مال المالك وإن أتلفه أجنبي فعليه له الضمان، ويبقى في عهدته
الزكاة (3)، وإن أتلفه الفقير فيشترط مقارنة النية له لتملك الفقير أو وكيله، فإن
تحقق فهو، وإلا كان كمسلط الغير على إتلاف ماله بالغرور، لا يستحق عليه
عوضا. (4).

(1) الوسائل 6: 176 الباب 21 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) كذا في " م "، وفي " ف ": فما لم يلتفت وفي " ج " و " ع ": فلم يلتفت.
(3) في " ف " و " م ": في عهدة الزكاة.
(4) في هامش " م " هنا: محل بياض بقدر سطر.
285

مسألة (1)
[34]
لو دفع زكاته إلى شخص فبان أنه غني، فالكلام تارة يقع في حكم الآخذ،
وتارة في حكم الدافع:
أما الآخذ فإن كان عالما بكونها زكاة فهو محرم عليه، ضامن له، يرده مع
بقائه وقيمته مع تلفه، لأن التملك إنما وقع على المال بعنوان أنه فقير (2)،
والمفروض ظهور فساد هذا التمليك المقيد، فيشبه العقد الفاسد الذي لا يبقى
الإذن المتحقق في ضمنه، وكذا الكلام في كل (3) إباحة أو تمليك تعلق بمال أو
شخص مقيد (4) صريحا أو بالحيثية التقييدية، بقيد (5) انتفى عن موضوعه ولو
بحكم الشرع.
وكيف كان فلا اشكال في أصل المسألة حتى فيما إذا كان جاهلا بالحكم
وكان الدافع عالما، لأن الغرور لا يتحقق بالجهل الحكمي، لأنه تقصير من

(1) في هامش " ف " هنا: حكم ظهور غنى الفقير الذي أخذ الزكاة.
(2) العبارة في " ف " و " ج " " م " هكذا: بعنوان كونه زكاة وعلى الآخذ بعنوان أنه فقير.
(3) ليس في " ف ": كل.
(4) في " ج " و " ع ": مقيدا.
(5) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": بقيد.
286

الجاهل، ومورده في الجهل الموضوعي لتلبيس الغار عليه.
وإن كان جاهلا بكونها زكاة، فإن كانت العين باقية وجب ردها ورد ما
يتبعها، ولا فرق بين كون الدافع ممن يجوز (1) له الرجوع في هبته وعدمه، لأن
الهبة عنوان آخر، والكلام هنا في أن الآخذ لا يملك المدفوع ولو مع الجهل، لا
أنه هل يجوز الرجوع بعد تملكه أم لا، كيف ولو سلم التملك فلا ريب في عدم
جواز الرجوع بعد تملكه أم لا، كيف ولو سلم التملك فلا ريب في عدم
جواز الرجوع لتحقق قصد القربة والثواب في الهبة، فلا يجوز الرجوع فيها (2)
مطلقا من غير تفصيل فيه بين أفراد الواهب.
نعم صرح في المعتبر (3) كما عن المنتهى (4) بعدم الارتجاع، مستدلا في
الأول: بأن الظاهر أنه صدقة، وفي محكي الثاني: بأن الدفع محتمل للوجوب
والتطوع، وفيهما نظر، لأن الكلام في حكم المال المدفوع بعد فرض تحقق كون
دفعه على وجه الصدقة الواجبة التي لا يستحقها القابض، ولا ريب أن دفع
المالك إلى الشخص على وجه واحد في صورتي علم القابض وجهله، فإذا حكم
بالارتجاع مع العلم فلا وجه لنفيه مع الجهل، نعم لو ادعى القابض الجاهل أنها
كانت صدقة أو هبة لازمة، وادعى الدافع كونها زكاة، وإن دفعها فاسد، فهي
مسألة أخرى غير مسألة المال المدفوع إلى غير المستحق المجامعة لعلم القابض
واعترافه بما يدعيه الدافع.
نعم ربما يقال في تلك المسألة بتقديم قول القابض، لأنه يدعي الصحة،
والدافع يدعي الفساد، مع امكان أن يقال بتقديم قول الدافع، لأنه أبصر بنيته،
بل هو المتعين (5) إذا لم يكن القابض منكرا لما يدعيه الدافع، بل كان شاكا يتبع

(1) ليس في " ف ": يجوز.
(2) في " ف " و " ع ": فيه.
(3) المعتبر 2: 569.
(4) المنتهى 1: 527.
(5) في " م ": المتيقن.
287

تكليفه في وجوب تصديق الدافع وعدمه، فإن الظاهر أنه مكلف بتصديق الدافع.
المقام الثاني: حكم الدافع من حيث الضمان والعدم إذا تعذر ارتجاع
المدفوع.
فنقول: إن كان الدافع هو الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص أو العام أو
وكيلهم، فالظاهر عدم الضمان، لأصالة البراءة، وكونهم مأذونين من المالك
الحقيقي، ومن طرف الفقراء في هذا الدفع الخاص، فلا يترتب على التلف
الحاصل من دون تفريط منهم ضمان، مع أن الضمان لو كان ففي بيت المال
المسلمين، فيكون الغرامة أيضا في (1) مال الفقراء فتأمل. وحكم الغرم كالمغروم
مأذون في دفعه اليمن يحتمل أن يظهر عدم استحقاقه.
والأجود الاعتماد على الاجماع كما يظهر من العلامة (2).
هكذا كله بالنسبة إلى الدافع، أما المالك فلا اشكال في براءة ذمته من
الزكاة لايصالها إلى يد (3) وكيلهم فبرئت ذمته.
ولو كان الدافع هو المالك ففي إجزائه أقوال: ثالثها: التفصيل بين ما إذا
اجتهد فأعطى، وبين ما إذا أعطى اعتمادا على مجرد دعوى الفقر وأصالة عدم
المال.
والأقوى هو عدم الاجزاء، وفاقا للمحكي عن المفيد (4) والحلبي (5)،
لأصالة اشتغال الذمة، وعموم ما دل على أنها كالدين (6) مضافا إلى مقتضى قاعدة

(1) في " م ": من.
(2) المنتهى 1: 527.
(3) ليس في " ف ": يد.
(4) المقنعة: 43، وحكاه عنه في المختلف: 190.
(5) الكافي في الفقه: 173.
(6) الوسائل 6: 176 الباب 21 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث الأول.
288

الشركة في العين، وعلى (1) أن الموضوع من الزكاة في غير موضعه بمنزلة العدم،
وما دل على وجوب إعادة المخالف زكاته معللا بأنه لم يضعها في موضعها (2)،
مضافا إلى خصوص مرسلة الحسين بن عثمان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله
عليه السلام: " في الرجل يعطي زكاة ماله رجلا يرى أنه معسر فوجده موسرا، قال:
لا تجزي عنه " (3).
لكن في حسنة حريز بابن هاشم - المحكية عن الكافي - عن أبي عبد الله
عليه السلام: " في " حديث قال: قلت له: رجل أدى زكاته إلى غير أهلها زمانا، هل
عليه أن يؤديها ثانيا إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: نعم. قال: قلت: فإن لم يعرف
لها أهلا فلم يؤدها، أو لم يعلم أنها عليه، فعلم بعد ذلك؟ قال: يؤديها إلى أهلها لما
مضى. قال: قلت له: فإنه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل، وقد
كان طلب واجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: إن اجتهد فقد برئ،
وإن قصر في الاجتهاد في الطلب فلا " (4).
لكن يمكن أن يقال: إن الرواية كما فهمها في المدارك (5) إنما تدل على
حكم من دفع إلى غير الأهل لعدم التمكن من الأهل بعد الطلب والاجتهاد،
فلا تدل على المطلوب في شئ.
وعلى تقدير دلالتها على الدفع إلى غير الأهل جاهلا فنقول: النسبة بينها
وبين المرسلة المتقدمة عموم من وجه، بناء على كون السؤال عن صورة اشتباه

(1) في " ع ": على.
(2) راجع الوسائل 6: 148 الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة.
(3) الوسائل 6: 148 الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5. وفيه: لا يجزي.
(4) الكافي 3: 546 باب: الزكاة لا تعطى غير أهل الولاية، الحديث 2، والوسائل 6: 147 الباب
2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 و 2.
(5) المدارك 5: 206.
289

مصاديق أهل الزكاة، ففي مادة اجتماعها - وهي (1) الاشتباه في الأهلية من حيث
الفقر مع الاجتهاد - يرجع إلى الأصل والعمومات المتقدمة، مضافا إلى أن ظاهر
الرواية الاشتباه فيما عدا الفقر.
ويحتمل أن يكون مورد السؤال الجهل بالحكم، وهو أن أهل الزكاة لا بد
من كونه مؤمنا (2) فقيرا، بل عادلا، لا (3) أنه اشتبه عليه المصداق الخارجي
لمستحق الزكاة (4) المعلوم عنده من حيث المفهوم - كما هو محل كلام الأصحاب -،
وحينئذ فلا يبعد القول بالصحة في مورد الرواية مع الاجتهاد والقصور، لعدم
المرشد إلى الحق، فهو نظير ما إذا أدى اجتهاد المجتهد إلى عدم اعتبار العدالة
فأدى الزكاة لغير العدول، ثم علم بعد ذلك خطأ اجتهاده، فإنه يمكن الحكم
بالاجزاء هنا دون ما إذا اجتهد في الموضوع ثم ظهر خطاؤه فيه.
لكن الحق عدم التفرقة بين انكشاف الخطأ في الشبهتين، لكن ظاهر
الرواية - على تقدير حملها على الشبهة الحكمية - جهل السائل بالأهل من
حيث اعتبار الايمان وعدمه، لأنه هو الذي كان خافيا في ذلك الزمان على كثير
حتى سألوا عنه وأكثروا من السؤال، لا الفقر، فإن اعتباره في مستحق الزكاة
كالضروري بين الخاصة والعامة، فحكم الإمام عليه السلام بعدم وجوب الإعادة في
غير الفقر لا يدل على عدمه فيه، فالمرسلة المتقدمة (5) الواردة في خصوص الفقير
سليمة عن المعارض فلا مناص عن العمل بها، ولا من (6) العمل بالحسنة الظاهرة
في غير الفقر، وظهورها في الشبهة الحكمية غير مضر بعد الحكم باتحاد مناط

(1) في " ف " و " ع ": وهو.
(2) ليس في " ج " و " ع ": مؤمنا.
(3) في " ع ": إلا.
(4) ليس في " ف ": لمستحق الزكاة.
(5) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(6) في " م ": عن.
290

الإعادة في الشبهتين، وهي مخالفة الواقع المعبر عنها في المستفيضة بوضعها في غير
موضعها، مضافا إلى كون الشبهة الموضوعية أولى بالمعذورية، إذ الجهل بالحكم
المذكور - أعني اعتبار الايمان في مستحق الزكاة مع التمكن من الرجوع إلى
الإمام عليه السلام أو إلى من سمع وأخذ منه - لا يخلو عن تقصير وإن اجتهد في
الطلب.
وبهذه الحسنة (1) يخصص عموم ما دل من التعليل السابق (2) - في الأخبار
الواردة في إعادة المخالف زكاته - بصورة عدم اجتهاد المعطي في إزالة الشبهة،
كما هو صريح مورد رواياتهم (3)، فإن المخالفين إنما يعطون الزكاة فقراءهم،
ومعلوم أن ذلك عن تقصير منهم.
وأما بناء على ظهورها في الشبهة الموضوعية فقد عرفت أن الظاهر من
الرواية اشتباه الموضوع من غير جهة الفقر، بل من جهة الايمان، لأنه المناسب
للطلب والاجتهاد، ولا يبعد أن يكون جواز الدفع مشروطا بالاجتهاد، وتحصيل
المظنة في كون الشخص إماميا سيما في أزمنة صدور هذه الأخبار نظرا إلى غلبة
المخالفين. فالرواية لا تدل على وجوب الإعادة مع الدفع بمقتضى الأصول
السابقة إذا لم يكن العمل بها مسبوقا بالاجتهاد.
والحاصل: أنه لا مناص من حمل الرواية على صورة يتوقف (4) جواز
الدفع فيها على الاجتهاد، سواء حملتها على الشبهة الموضوعية أو على الشبهة
الحكمية.
فمحصل الكلام: أن انكشاف الغنى يوجب الإعادة للأصل، والمرسلة

(1) أي حسنة حريز المتقدمة في الصفحة 289.
(2) السابق في الصفحة 289.
(3) كذا في النسخ، وفي " م " الروايات.
(4) في " م " توقف.
291

المتقدمة (1)،
وأما انكشاف غيره من الموانع كعدم الايمان، وغيره مما يلحق به
بالاجماع المركب كالهاشمية وكونه واجب النفقة أو عبدا، للحسنة المتقدمة
المتممة في غير موردها بالاجماع أو الأولوية، فهو لا يوجوب الإعادة، وفاقا
للمحكي عن الشيخ (2) والأكثر (3) بل ظاهر المختلف (4): الاجماع عليه وإن
احتمل قويا إرادة اتفاق خصوص الخصم منه للحسنة المتقدمة (5) المتممة في غير
موردها بالاجماع المركب والأولوية، ودلالتها على التفصيل بين صورتي الاجتهاد
وعدمه لا يقدح، بناء على اختصاصها بالشبهة الحكمية التي (6) يعتبر في جواز
الاقدام معها (7) الاجتهاد والفحص عن الحكم، فالاجتهاد فيها بمنزلة الرجوع
إلى الأصول في نفي الهاشمية والرقية ونحوهما من الموضوعات المشتبهة (8).
ثم إن المحكي عن جماعة: أنه يستثنى من صورة انكشاف كون الفقير
عبدا: ما لو انكشف كونه عبدا للمعطي، قال في البيان: ولو ظهر أن المدفوع
إليه عبد فكظهور الغنى إلا أن يكون عبده فإنه لا يجزي، لعدم الخروج عن
ملكه (9) (انتهى).
وتنظر (10) في هذا الاستثناء المحقق والشهيد الثانيان (11) وصاحب المدارك (12)

(1) المتقدمة في الصفحة 289.
(2) المبسوط 1: 261.
(3) حكاه في المدارك 5: 207.
(4) المختلف: 191.
(5) في الصفحة 289.
(6) في " ف " و " ع ": الذي.
(7) كذا في " م "، وفي " ج ": بها، والكلمة غير موجودة في " ع ".
(8) في " م ": من موضوعات الشبهة.
(9) البيان: 198.
(10) في " م ": ونظر.
(11) المحقق الثاني في حاشية الشرائع (مخطوط) 49 والشهيد الثاني في المسالك 1: 46.
(12) المدارك 5: 208.
292

نظرا إلى اشتراك وجه الاجزاء (1) في الجميع، وتوضيحه: أن الأمر إنما يدل على
الاجزاء فيما استفيد (2) من الأدلة ابتناء التكليف به على الظاهر كالصفات
المعتبرة في المستحق.
وأما أصل التكليف بعناوين الاخراج والصرف الظاهر بل الصريحة
بملاحظة الاشتراك في العين في الاخراج إلى الغير والتمليك، فالمراعى فيه هو
الواقع لا غير، إذ لم يرد له طريق ظاهري، بل طريقه الاعتقاد الذي لا يغني
بنفسه عن الحق شيئا، ولذا لو قال المولى: أضف عادلا، فأضاف مظنون العدالة
أو مقطوعها ثم تبين الخلاف أمكن القول بالاجزاء، بخلاف ما لو ضربه أو خلعه
أو فعل به غير ذلك باعتقاد أنه المأمور به، فإن الحكم بالاجزاء هنا لا يخلو عن
بشاعة جدا.
والحاصل: أن الشارع جعل المدار على الظاهر في أوصاف المستحق لا في
أصل تمليكه.
هذا ولكن الانصاف إن ما ذكر لو تم لم يجز الاعتماد في صورة الشك في
كونه حرا أو عبدا له على أصالة الحرية، لأن الشك يرجع إلى أن دفع الزكاة
إليه (3) اخراج لها عن ملكه إلى ملك الغير أم لا؟ فحينئذ لا يجوز الدفع، لأن
الواجب هو التمليك المشكوك في تحققه فيما نحن فيه، فكما أن وصف حريته له
طريق شرعي ظاهري وهو الأصل، فكذا تحقق التمليك المترتب على الحرية،
بل الثابت في الحقيقة - بأصالة الحرية [التي هي الطريق الشرعي - هو آثار
الحرية التي منها جواز الدفع إليه على وجه التمليك، فلا مناص عن القول

(1) في " ف ": الاشتراك وفي " ع ": الاخراج.
(2) في " ف ": استدل.
(3) كتب في " ع " فوق كلمة: " إليه " ما يلي: " فهل هو " صح.
293

بالاجزاء إذا انكشف خلاف ذلك الطريق] (1) الظاهري المقدر للموضوع
والحكم.
فالتحقيق أن يقال: أما إذا بنينا الحكم بالاجزاء على قاعدة اقتضاء
امتثال التكليف الظاهري الاجزاء، لم يفرق الحال بين انكشاف الخطأ في
الصفة (2) فقط أو فيها وفي التمليك الواقعي، لكن الظاهر أن مبنى حكم الجماعة
بالاجزاء هو أن الظاهر من تعلق التكليف بتمليك من اتصف بهذه الصفات هو
تمليك من هو على ظاهر هذه الصفات - ولو بالطرق الشرعية والاخراج إليه -،
فالمراعى في التمليك والاخراج: الواقع، وفي الصفات: الظاهر المستند إلى طريق
شرعي، فمن أعطى من هو على ظاهر الصفة (3) فقد امتثل التكليف الواقعي
الأولي.
وأما دفع شئ إلى الشخص باعتقاد أنه اخراج، فظهر عدم كونه
اخراجا، فليس من هذا الباب، إذ لم يقل الشارع افعل ما هو اخراج في ظاهر
الشريعة. نعم (4) لو ثبت قاعدة اجزاء التكليف الاجمالي مطلقا - أو بشرط
الاستناد إلى طريق شرعي - عن الواقع عند انكشاف الخطأ ثبت الاجزاء هنا
أيضا.
ويدل على ما ذكرنا من بنائهم استدلال العلامة في المختلف على الاجزاء
بأنه كان مأمورا بالدفع إلى من يظن فيه الوصف (5) واستدلال المحقق في المعتبر
عليه بأن الدفع واجب فيكفي في شرطه بالظاهر تعليقا للوجوب على اشتراط

(1) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(2) في غير " م ": الصحة.
(3) كذا في " م " وفي سائر النسخ: فمن أعطى على من هو ظاهره العدالة.
(4) في " ع ": " فلو " بدل " نعم لو ".
(5) المختلف: 191.
294

الممكن (1)، فإن هذا الباب مخالف لباب إجزاء المكلف به الظاهري عن الواقعي،
لأن بناءه على تعلق (2) الطلب الواقعي بمظنون الصفة.
والتحقيق: أن الأدلة لا تدل إلا على وجوب الدفع إلى المستحق الواقعي،
وإنما اكتفي بالظن في مرحلة الظاهر، فوجوب الدفع إلى مظنون الصفة حكم
ظاهري كالصلاة بالطهارة المظنونة، لا أن وجوب الدفع في الواقع معلق (3) على
مظنون الصفة.
وقد تبين في محله أن الحكم الظاهري بعد انكشاف خطأه لا يجدي عن
امتثال التكليف الواقعي المتوجه إلى المخاطب بعد انكشاف الخطأ، مع أن المقام
مقام براءة الذمة عن مال الغير لا عن مجرد التكليف، والاجزاء لا يوجب فراغ
الذمة عن مال الغير، اللهم إلا أن يقال - كما أشرنا سابقا - إن الحكم الوضعي
هنا تابع للحكم التكليفي، فإذا سقط الوجوب (4) برئ الذمة من حق الفقراء.
فالعمدة: أصالة عدم سقوط التكليف، للاستصحاب وعمومات أصل
ذلك التكليف (5).

(1) المعتبر 2: 570 مع اختلاف يسير في الألفاظ.
(2) في " م ": تعليق.
(3) في " ف " و " ج " و " ع ": تعلق.
(4) في " م ": التكليف.
(5) في هامش " م " هنا ما يلي: الساقط هنا أوراق.
295

مسألة
[35]
الخامس من مصارف الزكاة: التسبب إلى فك الرقاب: إما مطلقا
كما عن المفيد (2) والحلي (3) والعلامة (4) وولده (5) وغير واحد من متأخري
المتأخرين (6)، لأخبار مطلقة مثل موثقة أيوب بن [الحر، أخي] (7) أديم [بن] (8)
الحر، المحكية عن العلل: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: مملوك يعرف هذا
الأمر الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة وأعتقه؟ قال: اشتره وأعتقه. قلت:
فإن هو مات وترك مالا؟ فقال: ميراثه لاه الزكاة لأنه اشتري بسهمهم "، وفي
رواية أخرى: " اشتري بمالهم " (9).

(1) ليس في " ج ": مسألة.
(2) المقنعة: 241.
(3) السرائر 1: 457.
(4) قواعد الأحكام 1: 57.
(5) إيضاح الفوائد 1: 196.
(6) منهم صاحب المدارك 5: 217 وصاحب الكفاية: 39 والقمي في الغنائم: 333.
(7) الزيادة من المصدر.
(8) الزيادة من المصدر.
(9) علل الشرائع: 372 الباب 99 الحديث الأول، والوسائل 6: 203 الباب 43 من أبواب
المستحقين للزكاة، الحديث 3.
296

ونحوها ما دل على جواز اشتراء الأب من الزكاة واعتاقه (1).
ويمكن حملها (2) على ما سيجئ من اعتبار كونها (3) في شدة، ولو
باعتبار كون العبد مؤمنا في معرض البيع على المخالفين.
وإما رقاب خاصة، والمتفق عليه منها على الظاهر (4) ثلاثة:
أحدها: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة، لمرسلة أبي إسحاق
- المعتضدة أو المنجبرة باستفاضة نقل الاجماع عن السرائر (5) والمبسوط (6)
والغنية (7) وغيرها -: " عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدى بعضها؟ قال:
" يؤدى عنه من مال الصدقة، إن الله عز وجل يقول في كتابه: {وفي الرقاب} (8).
ومقتضى الرواية أن الزكاة تصرف في أداء مال الكتابة من غير تفرقة بين
اعطائها بيد العبد ليؤديها إلى سيده أو اعطائها إلى سيده.
وكيف كان فالظاهر من الرواية، بل الآية: إن المكاتب لا يملكه بعد
القبض ملكا مطلقا، فلو لم يؤدها في مال كتابته - لتحقق البراءة بوجه من
الوجوه - فالظاهر أنها ترتجع منه كما اختاره في المعتبر (9).
وفي معنى أدائها في مال الكتابة: صرفها فيما يستعان به على الأداء، لأنه
صرف في فك رقبة كما يرشد إليه الاستشهاد بالآية.

(1) الوسائل 6: 173 الباب 19 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) في " ف " و " ع ": حملهما.
(3) في " م ": كونهما.
(4) العبارة في " م " هكذا: والمتفق عليها على الظاهر.
(5) السرائر 1: 457.
(6) المبسوط 1: 250.
(7) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية): 506.
(8) الوسائل 6: 204 الباب 44 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث الأول، والآية من سورة
التوبة: 9 / 60.
(9) المعتبر 2: 575.
297

ولو أداها في مصرف فلا يبعد ارتجاعه ممن وصل إليه، لأنه نقل إليه بغير
حق، والمحكي عن الشيخ: التملك بمجرد القبض فلا يرتجع (1)، ولعله لما يستفاد
من بعض الأخبار من استحقاق المستحقين لها على وجه الاختصاص المطلق،
والتملك.
والظاهر اعتبار عجز المكاتب عن تحصيل مال الكتابة، فلا يكفي مجرد
عدم وجوده عنده فعلا، خلافا لصريح العلامة في محكي النهاية (2)، وظاهر مثل
الشرائع (3) ولعله للعموم (4)، وفيه نظر.
الثاني: العبيد تحت الشدة، فيشترون من الزكاة ويعتقون بالاجماع
المحكي حد الاستفاضة، ورواية أبي بصير: " عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة
الخمسمائة والستمائة يشتري منها نسمة ويعتقها؟ قال: إذا يظلم قوما آخرين
حقوقهم، ثم مكث مليا ثم قال: إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه
ويعتقه " (5) والظاهر مرادفة الضرورة للشدة، ومصداقها موكول إلى العرف.
وحكي عن بعض: إن أقلها أن يمنع من الصلاة أول وقتها. ولا يخفى ما في إطلاق
هذا الكلام، ولعله أريد به الدوام على ذلك.
ونية الزكاة مقارنة لدفع الثمن أو للعتق كما في الروضة (6)، وفي المسالك (7)
وحواشي النافع: عند العتق (8).

(1) المبسوط 1: 250 وفيه: ويقوى عندي أنه لا يسترجع لأنه لا دليل عليه.
(2) النهاية 2: 389.
(3) الشرائع 1: 161.
(4) راجع الوسائل 6: 143 الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة و 202 الباب 43 من الأبواب.
(5) الوسائل 6: 202 الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث الأول باختلاف يسير.
(6) الروضة البهية 2: 47.
(7) المسالك 1: 47.
(8) نقله في الجواهر 15: 345.
298

ولا يبعد أن يتعين عند الشراء، لأنه وقت صرف الزكاة، ولظاهر قوله في
التعليل الآتي (1): " إنه أشتري بمالهم ".
ولو مات قبل العتق فلا ضمان للزكاة، ولو مات بعد العتق فميراثه عند
عدم ما عدا الإمام عليه السلام له، للعمومات (2) ويحتمل للفقراء، لعموم التعليل الآتي (3)
في رواية عبيد بن زرارة ولموثقة أيوب المتقدمة (4) بعد تقييدها برواية أبي بصير
المذكورة،
قال في المعتبر: لو مات العبد المبتاع من الزكاة كان ميراثه لأرباب
الزكاة وعليه علماؤنا، ثم احتج برواية عبيد بن زرارة (5)، والظاهر استناده إلى
التعليل المذكور فيها، كما صرح به في نكت الإرشاد (6).
قال في المسالك: وأما التفصيل بأنه إن أشتري من سهم الرقاب فميراثه
للإمام عليه السلام وإن أشتري من سهم (7) الفقراء فلأرباب (8) الزكاة، فلا أصل
له في المذهب (9).
الثالث: شراء العبيد وإن لم يكن في شدة - بشرط عدم المستحق -،
نسبه في المعتبر (10) إلى فقهاء أصحابنا، وعن المنتهى (11) نسبته إلى أصحابنا.
ويدل عليه مضافا إلى عموم الآية (12) موثقة عبيد بن زرارة: " قال: سألت

(1) في الصفحة الآتية.
(2) راجع الوسائل 17: 547 الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة.
(3) انظر الصفحة الآتية.
(4) المتقدمة في الصفحة 296.
(5) المعتبر 2: 589.
(6) انظر غاية المراد: 45.
(7) في " م ": من مال.
(8) في " م ": فميراثه لأرباب.
(9) المسالك 2: 48 والعبارة منقولة بالمعنى.
(10) المعتبر 2: 575.
(11) المنتهى 1: 520.
(12) التوبة: 9 / 59.
299

أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد موضعا يدفع
ذلك إليه فنظر إلى مملوك يباع بثمن فيمن يريده (1) فاشتراه بتلك الألف الدراهم
التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك، قلت:
فإنه لما أعتق وصار حرا اتجر واحترف فأصاب مالا ثم مات وليس له وارث فمن
يرثه؟ قال: يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة، لأنه إنما أشتري
بمالهم " (2).
وما تضمنه ذيل الرواية من إرث الفقراء له لا يتقيد بما إذا نوى اشتراءه
عن الفقراء أو نوى إعتاقه عنهم، حتى وأنه لو اشترى من سهم سبيل الله مثلا
ينتفي ذلك، إذا الظاهر أن التعليل المذكور حكمة للحكم مبنية على ما هو المستفاد
من الروايات الكثيرة، من أن أصل الزكاة موضوعة لقوت الفقراء، وأنها نصيبهم
الذي جعله الله في أموال الأغنياء، وأن الزكاة مال الفقراء كما عرفت من رواية
أبي بصيرة (3).
ثم إن المحكي (4) عن الأكثر كون الميراث لأهل الزكاة لا لخصوص
الفقراء، نعم صرح المفيد فيما حكي (5) عنه بكونه للفقراء، كما هو ظاهر الرواية،
ويمكن (6) حملها بقرينة التعليل بالاشتراء بمالهم على كون الميراث زكاة موضوعة
لقوت الفقراء كأصل ثمن العبد، والشاهد الصريح على الحمل موثقة أديم
المتقدمة (7).

(1) في " م ": يزيد.
(2) الوسائل 6: 203 الباب 43 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2 باختلاف يسير.
(3) راجع الصفحة 298.
(4) حكاه في المدارك 5: 276.
(5) حكاه في المختلف: 191.
(6) في " م ": ولكن.
(7) في الصفحة 296، وهي موثقة أيوب بن الحر - أخي أديم بن الحر -.
300

واعلم أنه لا اشكال في كون العتق في القسمين (1) الأولين من سهم
الرقاب، وأما الثالث فالظاهر أنه كذلك كما يستفاد من جماعة (2)، وحكي (3) عن
بعض الاقتصار على الأولين (4) والظاهر أنه لكونهم في مقام بيان المصرف الخاص
الجامع (5) لسائر المصارف لتحصيل البسط (6) الراجح أو الواجب، والمفروض
تقييد العتق في الصورة بصورة عدم المستحق.
الرابع: ما اختلف فيه: وهو صرفها في العتق الواجب من باب الكفارة
على من يعجز عنه (7)، وقد أرسله علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه
السلام (8)، وتردد فيه بعض (9) من حيث إنه أن العاجز عن العتق يرجع إلى بدله،
سواء كان في الكفارة المخيرة أو المرتبة.

(1) في " م ": السهمين.
(2) انظر نهاية الإحكام 2: 388، والروضة البهية 2: 47، ولتفصيل الأقوال انظر الجواهر 15:
347.
(3) في " م ": المحكي.
(4) حكاه في الجواهر 15: 347.
(5) في " م ": المجامع.
(6) في " ف " و " ج ": القسط، وفي " ع ": المقسط.
(7) في " م ": من يعجز عن تحصيله عنه.
(8) تفسير القمي 1: 299 والوسائل 6: 145 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.
(9) الشرائع 1: 161 والجواهر 15: 351.
301

مسألة
[36]
لا خلاف ولا اشكال في جواز صرف الزكاة إلى الغارم في الجملة، وإنما
الكلام في مواضع:
الأول: أنه لا اشكال في اشتراط عجز الغارم عن أداء دينه، فلو كان
متمكنا منه حيا أو ميتا لم يقض عنه، والدليل على اشتراط ذلك - مضافا إلى
الاجماع المحكي عن جماعة (1) -: الأخبار الآتية بعضها في مسألة اشتراط الفقر
فيمن يعطى في سبيل الله.
ثم المصرح به في كلام جماعة (2)، اعتبار العجز عن أداء الدين، وفي
المحكي (3) عن آخرين اعتبار الفقر فيحتمل أن يراد بالفقر مجرد الحاجة إلى
الأداء وإن لم يكن فقيرا من حيث المؤونة، فالنسبة بين الغارمين والفقراء عموم من
وجه.
نعم ينافيه ظاهر المحكي عن الشيخ: من أن من وجب عليه العتق في
كفارة يعطى لفقره فيعتق (4)، فإن ظاهره أن مجرد اشتغال الذمة بما لا يقدر عليه،

(1) لم نقف عليه بعينه، نعم المحكي في المدارك 5: 222 التصريح عن جماعة باعتبار عدم التمكن
من القضاء، ونقل في الجواهر 15: 356 الاجماع على اعتبار الفقر فيه.
(2) منهم الشهيد في الدروس 1: 241 والشهيد الثاني في الروضة البهية 2: 47 وانظر المدارك 5: 222.
(3) حكاه في الجواهر 15: 356.
(4) المبسوط 1: 250، وحكاه عنه صاحب الجواهر قدس سره في الجواهر 15: 348.
302

فقر موجب للدخول تحت أولى الأصناف الثمانية، إلا أن يحمل كلامه على إرادة
الحاجة إلى العتق - كما احتمله في شرح الروضة (1) -.
[ف‍] المراد بالفقر ما يشمل الحاجة لقضاء الدين حتى يكون كل غارم
غير متمكن من الأداء فقيرا أو مسكينا، ولذا يعطى من الخمس لو كان هاشميا،
ويكون مقابلة الغارمين للفقراء باعتبار خصوصية جهة الصرف (2) وإنه قد يكون
الغارم ميتا وقد يقضى عنه بغير إذنه، فلا اشكال هنا إلا أن ظاهرهم من الفقر
هو العجز عن مؤونة السنة، وأن القادر على ما يكفيه غير فقير، ولذا ذكر بعضهم
كالشهيد الثاني (3) والميسي في تعليقه على الإرشاد (4) والمحقق في المعتبر (5)
وصاحب المدارك (6) أن الغارم في المعصية يعطى من سهم الفقراء إذا كان بصفة
الفقر، إذ على تقدير كون الغارم أخص مطلقا لا معنى لاشتراط كونه فقيرا،
ونحوهم المحقق الثاني (7) في مسألة اعطاء العاجز عن الكفارة الواجبة عليه حيث
قيده بما إذا كان فقيرا مع أن الغارم إذا كان فقيرا - لا بمعنى اجتماعها مصداقا،
بل بمعنى أن الغرم سبب للفقر (8) الحقيقي الذي هو أحد مصارف الزكاة نظير
عدم قوت السنة - فلا معنى لمنع الغارم في المعصية في الروايات مع كونه مستحقا
لأجل فقره.
ودعوى أن المراد من الروايات منعه من حيث الغرم لا من حيث الفقر،

(1) المناهج السوية (مخطوط): 54.
(2) في " ج " و " ع ": المصرف.
(3) الروضة البهية 2: 47.
(4) لم نقف عليه.
(5) المعتبر 2: 575.
(6) المدارك 5: 244.
(7) جامع المقاصد 3: 32.
(8) في " ج " و " ع ": للعزم.
303

مع فرض عدم انفكاك الحيثية الثانية عن الأولى، فاسدة.
ويؤيد ذلك أنهم صرحوا في تعريف الفقير (1) بأنه من لا يملك مؤنة السنة
له ولعياله، ولا يخفى عدم دخول الدين في مؤونة السنة كما يشعر به عطف مؤونة
العيال على مؤونة نفسه كما صرح به في رواية أبي بصير المتقدمة (2) في من يربح
من دراهمه قوت عياله ونصف القوت، وأصرح منها مرسلة المقنعة المتقدمة (3).
ومن تتبع كلمات الأصحاب في تعريف الفقير والغني - في زكاتي (4) المال
والفطرة - يظهر له أن واجد قوت السنة ليس فقيرا وإن كان غارما وتجب عليه
الفطرة أيضا [وقد ذكروا جواز] (5) اغناء الفقير دفعة من سهم الفقراء، وأن الغارم
لا يعطى أزيد من الحاجة، فلو كان فقيرا حقيقيا بمجرد الغرم لزم جواز اعطائه
زائدا عن الحاجة من سهم الفقراء.
وأيضا فقد ذكروا أنه لا يجوز اعطاء واجب النفقة من سهم الفقراء معللين
له بعدم الفقر بعد وجوب نفقته على الرجل، وأنه يجوز الدفع إليه من سهم
الغارم. إذا [كان غارما] (6)، ولا ريب أن هذا التعليل يقتضي اختصاص الفقر (7)
لأجل عدم قوت السنة، لأنه الذي يزول بانفاق الغير عليه.
وكيف كان فإجراء أحكامه الفقير (8) - الذي هو أول أصناف الثمانية -
على الغارم بمجرد الغرم وإن كان مالكا لقوت السنة، مشكل جدا.

(1) في النسخ: الفقر.
(2) راجع الصفحة 266.
(3) راجع الصفحة 264.
(4) في " ف " و " ع ": زكاة.
(5) الزيادة من " ع ".
(6) ما بين المعقوفتين من " م ".
(7) في " م ": الفقير.
(8) في " م ": الفقر.
304

ويؤيد ما ذكر (1) أن العلامة قدس سره مع أنه صرح في المنتهى والتذكرة
باعتبار الفقر (2) استقرب في النهاية (3) جواز الدفع إلى المديون إذا كان عنده ما يفي
بدينه إذا كان بحيث ما لو دفعه صار فقيرا، وأوضح منه في التأييد عن الحلي (4)
من منع جواز ذلك معللا بأنه غني لا تحل له الصدقة. ويمكن الاستشهاد له
عن مستطرفاته في السرائر نقلا عن كتاب المشيخة لابن محبوب عن أبي أيوب،
عن سماعة: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل منا يكون عند الشئ
يتبلغ به وعليه دين، أيطعم عياله حتى يأتيه الله بميسرة (5) فيقضي دينه؟ أو
يستقرض على ظهره في جدب الزمان (6) وشدة المكاسب، أو يقضي بما عنده دينه
ويقبل الصدقة؟ قال: يقضي بما عنده ويقبل " الصدقة " (7) فالظاهر أن المراد بالفقر
المأخوذ شرطا في الغارم هي الحاجة إلى الأداء.
ثم المراد من عدم التمكن هو عدم القدرة عرفا بحيث لا يعد عاجزا،
لا التمكن الشرعي، فإن من له مشتغل لا يزيد عن مؤونة سنة يجب عليه شرعا
أداء دينه مع ذلك المشتغل مع أنه عاجز عرفا عن أداء الدين، لأنه يصير فقيرا
بعد الأداء، وقد عرفت عن النهاية أن الأقرب جواز الدفع إلى من كان عنده
ما لو دفعه صار فقيرا.

(1) في " م ": ما ذكرنا أيضا.
(2) المنتهى 1: 528 والتذكرة 1: 233.
(3) نهاية الإحكام 2: 391.
(4) لم نقف عليه في السرائر، وفي غنائم الأيام: 335: ويظهر من ابن إدريس وجوب الأداء من
ماله ثم أخذ الزكاة، لأنه غني، والزكاة لا يجوز للغني.
(5) كذا في المصدر وهامش " ع " في نسخة، وفي " م ": بالميسرة، وفي " ج " و " ع ": الميسرة.
(6) في " م ": من الزمان.
(7) السرائر 3: 590، الوسائل 6: 207 باب 47 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
305

ثم الظاهر أن الغارم يشمل من استقر في ذمته المال لا بعوض صار إليه
كمن صار عليه دية أو كفارة أو ضمان متلف، ولذا قال في المعتبر: إن من وجبت
عليه كفارة ولم يجد ما يعتق جاز أن يعطى من الزكاة ما يشتري به رقبة ويعتقها،
روى ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره عن العالم عليه السلام (1)، ثم قال: وعندي إن
ذلك أشبه بالغارم، لأن القصد إبراء ما في ذمة المكفر (2) (انتهى).
وغرضه من كونه أشبه بالغارم ليس أنه ليس بغارم حقيقة، بل مقصوده
أن ما يدفع إليه أشبه بسهم الغارمين، لأن المقصود ليس مطلق سد خلته بل
خصوص اخلاء ذمته، ثم على القول بعموم الغارم لما ذكرنا من المضانات.
ويؤيد ما ذكرنا رواية العرزمي: " لا تحل الصدقة إلا في دين موجع أو غرم
مفظع أو فقر مدقع " (3)، فالظاهر أنه لا يعتبر وقوع أسبابها في غير المعصية، بل
لو كان سبب الكفارة الظهار المحرم أو حنث اليمين، أو قتل الصيد ولو عمدا، أو
اتلاف مال عمدا، فالظاهر جواز الاعطاء ولو بعد التوبة، بناء على اشتراط
العدالة لاطلاق الغارم واختصاص المقيد بما إذا استدان في المعصية وأنفق فيها،
ولا يشمل ما إذا كان سبب الضمان معصية، إلا أن يفهم العموم بتنقيح المناط، أو
اعتمدنا في الحكم بالتقييد على وجوه اعتبارية ذكروها، من كونه اغراء بالقبيح،
وأن الزكاة إرفاق فلا يناسب كون المعصية سببا لها.
ويظهر مما ذكرنا من عبارة المعتبر عدم الاشتراط في هذا القسم من

(1) تفسير القمي 1: 299 والوسائل 6: 145 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث
7. *
(2) المعتبر 2: 574.
(3) الوسائل 6: 145 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6. وقد تقدم تمامه في
الصفحة 277.
306

الغارم، حيث [ذكر ما ذكرنا عنه (من الاعطاء من سهم الغارمين) (1) في مضمون
رواية القمي في تفسير الرقاب (2)، بأنهم قوم لزمتهم كفارات في الظهار وقتل الخطأ
والصيد والأيمان] (3).

(1) ما بين القوسين ليس في " ف ".
(2) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(3) ما بين المعقوفتين ليس في " م " وكتب في هامشه: محل سقوط أوراق.
307

مسألة
[37]
المشهور كما قيل: إن سبيل الله يشمل جميع سبل الخير، وقد حكي ذلك
صريحا عن الإسكافي (1) والشيخ في الخلاف (2) والمبسوط (3) وابن زهرة (4) والحلي (5)
وابن حمزة (6) والفاضلين (7) والشهيدين (8) والعليين (9) وجمهور متأخري
المتأخرين (10) بل كافتهم كما قيل (11)، وعن الغنية (12) والخلاف (13) وظاهر

(1) لم نقف على من حكى ذلك عنه، وظاهر المنقول عنه في المختلف خلافه، راجع المختلف: 181.
(2) الخلاف 1: 192 كتاب قسمة الصدقات، المسألة: 21 (الطبعة القديمة).
(3) المبسوط 1: 252.
(4) الغنية (الجوامع الفقيهة): 506.
(5) السرائر 1: 457.
(6) الوسيلة: 128.
(7) المعتبر 2: 577 والشرائع 1: 162 والارشاد 1: 287 والقواعد 1: 58.
(8) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 2: 49.
(9) في " م ": العلمين، ولم نعلم المراد بهما، وأما العليين فهما - على الظاهر -: الشيخ علي بن الحسين
الكركي والشيخ علي بن عبد العالي الفاضل الميسي، أما الأول فقد صرح بذلك في حاشية
الشرائع (مخطوط): 49، وأما الثاني فلم نقف على من نقل عنه ذلك.
(10) ذخيرة المعاد: 456، وفيه: وجمهور المتأخرين.
(11) انظر المستند 2: 48 وفي: وسائر المتأخرين.
(12) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(13) الخلاف 1: 192 كتاب قسمة الصدقات، المسألة 21 (الطبعة القديمة).
308

المجمع (1) الاجماع عليه، لعموم معناه اللغوي والعرفي، وخصوص المستفيضة
الواردة في المقام مثل مرسلة القمي في تفسيره، عن العالم عليه السلام: " قال: وفي
سبيل الله: قوم يخرجون في الجهاد وليس عندهم ما ينفقون (2)، أو قوم من المؤمنين
ليس عندهم ما يحجون به، أو في جميع سبل الخير، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال
الصدقات حتى يقوون على الحج والجهاد " (3).
ومثل المروي عن الفقيه، عن ابن يقطين، عن أبي الحسن الأول عليه السلام:
" يكون عندي المال من الزكاة فأحج به موالي وأقاربي؟ قال: نعم لا بأس " (4).
[وعن مستطرفات السرائر، عن كتاب البزنطي، عن جميل عن أبي
عبد الله عليه السلام: " قال: سألته عن الصرورة أيحجه الرجل من الزكاة؟ قال:
نعم " (5)] (6).
ونحوها المروي عن الفقيه، عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله
عليه السلام (7)، ومثل ما ورد في من أوصى في سبيل الله من، أنه يصرف في الحج، معللا
بأني لا أجد أفضل من الحج (8)، خلافا للمحكي عن المفيد (9) وسلار (10) وصاحب
الإشارة (11) والشيخ في النهاية (12) فخصوه بالجهاد، لتبادره من اللفظ، ولبعض ما ورد

(1) مجمع الفائدة 4: 164 وراجع مجمع البيان 3: 42.
(2) في هامش " ع ": في نسخة: يتقوون، وفي الوسائل: يتقوون به.
(3) تفسير القمي 1: 299، الوسائل: 6: 146، الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.
(4) الفقيه 2: 35، الحديث 1633 الوسائل 6: 201، الباب 42، من أبواب المستحقين للزكاة،
الحديث الأول.
(5) السرائر 3: 560، الوسائل 6: 202، الباب 42 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(6) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(7) الفقيه 2: 35 الحديث 1632.
(8) الوسائل 13: 412 الباب 33 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 2.
(9) المقنعة: 241.
(10) المراسم (الجوامع الفقهية): 581.
(11) إشارة السبق (الجوامع الفقهية): 125.
(12) النهاية: 184.
309

فيمن أوصى في سبيل الله (1).
ثم إنه قد استثنى جماعة منهم: الشهيد والمحقق الثانيان (2) من الموضوع
المذكور ما يكون معونة لغني، قال في المسالك: ويجب تقييده بما لا يكون معونة لغني
مطلق بحيث لا يدخل في شئ من الأصناف (3) الباقية فيشترط في الحاج والزائر
الفقر، أو كونه ابن السبيل أو ضيفا، والفرق حينئذ بينهما وبين الفقير: إن الفقير
لا يعطى الزكاة ليحج بها من حيث كونه فقيرا، ويعطى لكونه في سبيل الله (4)
(انتهى).
ولعله لما ورد من " أن الصدقة لا تحل لغني " (5) حيث (6) أنها تعارض مع
اطلاق في سبيل الله (7) بالعموم من وجه، فيرجع إلى عموم ما دل على اختصاص
الزكاة بمصارف الفقير مثل قوله: " إنما جعل الزكاة قوتا للفقراء " (8) وما دل (9) على
شركة الفقراء المقتضية لعدم جواز صرفها في غيرهم [ومن وضع الزكاة للفقراء
وسد الخلة] (10) خرج منه (11) ما خرج مثل الغازي وابن السبيل والمؤلفة والعاملين،
وبقي الباقي.
وفيه: أن ظاهر عدم حلية الصدقة للغني عدم استحقاقه للزكاة استحقاقا

(1) مثل ما ورد في الوسائل 13: 414 الباب 33 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 4.
(2) حاشية الشرائع (مخطوط): 49 وفيه: وينبغي أن يراد بالقربة ما لا يكون مؤونة لغني.
(3) في " ع " و " م ": الأوصاف.
(4) المسالك 1: 47.
(5) الوسائل 6: 159 الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 و 5 و 9.
(6) في " م " و " ع " وحيث.
(7) في " م " مع اطلاقات سبيل الله، وفي " ع ": مع اطلاقات في سبيل الله.
(8) الوسائل 6: 4 الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب، الحديث 4.
(9) الوسائل 6: 148 الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(10) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(11) ورد في " م " و " ع ": منها.
310

مطلقا [على نحو استحقاق الفقير] (1)، بل الاستحقاق المطلق بحسب أصل وضع
الزكاة مختص بالفقراء إذ العاملون إنما يعطون من مال الفقراء على وجه
الاستحقاق المطلق، والتملك (2) بإزاء جمعهم لذلك المال، فليس استحقاقهم
المطلق لحصة من الزكاة إلا متفرعا على استحقاق الفقراء لجميع (3).
وأما المؤلفة فاستحقاقهم المطلق أيضا لمصلحة ترجع إلى الفقراء، وإن عم
غيرهم، فبقي ممن عدا الفقراء: الغارم وسبيل الله وابن السبيل. ولا ريب أنهم
ما يستحقون الزكاة استحقاقا مطلقا. على حد استحقاق الأربعة السابقة، بل إنما
تدفع إليهم ليصرفوها في مصرف خاص، ترتجع منهم لو فات ذلك المصرف أو
صرفوها في غيره - على ما تقدم في الغارم والعامل، وسيجئ في ابن السبيل -
[فإعطاء الغني ليصرفه في سبيل الله من هذا القبيل] (4).
[هذا مع امكان أن يقال: مقتضى التأمل فيما يدل عليه أخبار حرمة
الصدقة على الغني (5) إن المراد منها حرمتها (6) على من هو غني عنها في المصرف
الذي يعطى لأجله، فلا يجوز (7) دفع الزكاة للمعاش (8) إلى من هو غني في جهة
المعاش، ولا للدين إلى من هو قادر على أداء الدين، ولا للصرف في سبيل الله إلى
من يقدر عليه بدون الزكاة، وسيجئ إن هذا عين المختار من اعتبار الحاجة] (9).

(1) ما بين المعقوفتين ورد في " م " بعد قوله: " مختص بالفقراء ".
(2) كتب ناسخ " ع " فوق كلمة " والتملك ": ليس.
(3) العبارات التي تلي هذه الكلمة إلى قوله: " لكن الانصاف " وردت مضطربة في النسخ، وما
أثبتناه هنا من " ف ".
(4) ورد ما بين المعقوفتين في " م " و " ع " بعد قوله " بعموم أدلة سبيل الله ".
(5) الوسائل 6: 159 الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة.
(6) ليس في " ع ": حرمتها.
(7) في " ع ": لا يجوز.
(8) في " ف ": للمباشر.
(9) ورد ما بين المعقوفتين في " م " بعد قوله: " لجميعها " وقبل قوله " وأما المؤلفة ". وورد في " ع " بعد
قوله: " أدلة سبيل الله " ما يلي: " فاعطاء الغني ليصرفه في سبيل الله من هذا القبيل، هذا مع
امكان.. إلى آخر العبارة ".
311

[وأما الأخبار المخصصة للزكاة بالفقراء وأن الله شرك بين الفقراء و
الأغنياء في أموالهم فليس لهم أن يصرفوها إلى غير شركائهم، وغير ذلك مما
ظاهرها، بل صريحها: عدم جواز الدفع إلى غير الفقير - لا مجرد عدم تملك غير
الفقير لها - فهي مخصصة بعموم أدلة سبيل الله] (1).
نعم يستفاد من مرسلة القمي - المتقدمة (2) - اعتبار حاجة المدفوع إليه في
تحصيل ما يفعله إن كان مالكا لمؤونة سنته (3).
لكن الانصاف أن الاستدلال بها مشكل، لتضمنها اعتبار العجز في
المجاهد مع عدم اعتباره فيه اتفاقا، وجعل هذا من قبيل العمل بجزء الرواية
وطرح جزئها الآخر بعيد جدا، بل يمكن حملها على بيان التمثيل وذكر المصرف
الأهل من باب المثال.
فالأولى الاستدلال بوجوه أخر مثل قوله عليه السلام: " لا تحل الصدقة لغني "
بالتقريب الذي ذكرناه أخيرا من أن المراد حرمة أخذها وإعطائها للمصرف
الذي لا يحتاج فيه إليها، فاعطاء الغارم والمكاتب والحاج القادرين على المعيشة
- العاجزين عن أداء الدين ومال الكتابة ونفقة الحج - لا يحل لهم أخذ الزكاة
ولا إعطائهم لأجل المعيشة، ويحل لأجل ما هم يفتقرون فيه إليها.
ويدل عليه - أيضا - ما ورد في أحكام الأرضين من أن الإمام عليه السلام

(1) ما بين المعقوفتين ورد في " ج " و " ع " بعد قوله: " في ابن السبيل " وما بين الشارحتين ليس في " ع "
و " م " وفيهما بدله ما يلي: " فاعطاء الغني ليصرفه في سبيل الله من هذا القبيل " هذا وقد وردت
هذه العبارة في " ع " بعد قوله " أدلة سبيل الله ".
(2) في الصفحة 309.
(3) في " ج " و " ع " و " م ": سنة.
312

يقسم الزكاة على الأصناف بقدر ما يستغنون به (1). فإن ظاهر هذا الكلام عدم
حصول الغنى قبل دفع الزكاة، وإلا لم يكن الاستغناء بها، فتأمل.
وما ورد في اعتبار العجز عن أداء الدين في إعطاء المديون الحي والميت
والمنع عن إعطاء القادر عليه.
ففي حسنة زرارة بابن هشام: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل
حلت عليه الزكاة ومات أبوه وعليه دين أيؤدي زكاته في دين أبيه وللابن مال
كثير؟ فقال: إن كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه
عنه، قضاه من جميع الميراث ولم يقضه من الزكاة، وإن لم يكن أورثه مالا لم يكن
أحد أحق بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت
عنه " (2). (3) فإن المنع المطلق ظاهر في عدم جواز الدفع إليه ولو من سهم سبيل
الله، وإلا فلا وجه للمنع مع وجود سبب الجواز.
ودعوى اعتبار حيثية [الغارم في المنع فاسدة: أولا: بخلو الكلام عن
الإشارة إليها وثانيا: بعدم الفائدة في المقام للحكم بالمنع مقيدا بحيثيته مع وجود
حيثية] (4) أخرى مستقلة في سببية الجواز، فهو بمنزلة أن يمنع من إكرام زيد من
حيث فسقه مع وجود صفة العلم فيه - المفروض كونها علة مستقلة في جواز
الاكرام حتى مع الفسق - هذا مضافا إلى استمرار السيرة على النكير على من
صرف الزكاة في معونة (5) الأغنياء كإطعامهم، والاهداء إليهم بقصد القربة ونحو
ذلك.

(1) الوسائل 6: 184 الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(2) الوسائل 6: 172 الباب 18 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(3) في هامش " ف " قوله عليه السلام: " من جميع الميراث " أي لا من خصوص الثلث " منه ".
(4) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(5) في " ج " و " ع ": مؤونة.
313

ثم إن ما ذكرنا من اعتبار الاحتجاج في ذلك السبيل إنما هو إذا قصد
بالدفع مجرد إعانة الفاعل كالحاج والزائر. من حيث إن نفس الإعانة من
السبيل، وأما إذا قصد حصول ذلك الفعل في الخارج من حيث إنه سبيل من
السبل ليصير أن يشترك بماله مع الفاعل ببدنه، فالظاهر عدم اعتبار الاحتياج
هنا، لأن الانفاق على ذلك الفعل بمنزلة الانفاق علي بناء المساجد والربط،
فصرف المال في مؤونة الزائر لتحصل الزيارة التي هي من سبل الخير كصرف المال
في آلات البناء [ونفقة العملة] (1) للبناء الذي يبني المسجد تبرعا بقصد القربة،
فهو مأجور بعمله وهذا بماله، ولا يخفى على أدنى متأمل أن هذا لا ينافي ما دل على
حرمة الصدقة على الأغنياء، لأن المزكي لم يصرف الصدقة إلا في تحصيل جهة
خاصة كان لفعل الغني مدخل فيها وليس تصدقا على الغني، ولذا لو فضل عن
مؤونة العمل شئ يجب رده إلى المزكي أو صرفه (2) إلى مصارف أخر للزكاة.
والحاصل: إن السبيل المصروف فيه (3) الزكاة قد يجعل نفس إعانة الغني،
لأنه من الأمور الراجحة، وقد يجعل نفس الفعل، والذي اعتبرنا فيه الحاجة هو
الأول لا الثاني.
ومن هنا يعلم أن حكمهم بأنه يعطى الغازي من الزكاة وإن كان غنيا إنما
ينافي ما دل على عدم حلية الصدقة للغني إذا كان الدفع من باب معونة الغازي،
وأما إذا كان من باب حصول دفع العدو الحاصل من مال المزكي وبدن الغازي،
فليس فيه منافاة للأدلة.
فإن قلت: فعلى هذا يجوز دفع الزكاة إلى الهاشمي على الوجه الثاني
الذي جوز في الغني، لأنه ليس تصدقا عليه بل هو اشتراك معه في ايجاد سبب
الفعل الذي هو من السبل.

(1) ما بين المعقوفتين ليس في " ف " و " ع " و " ج ".
(2) في " م ": وصرفه.
(3) في " ف ": إليه.
314

قلنا: لولا أن أدلة تحريم الصدقة علي بني هاشم دلت على حرمة تقلبهم
وتصرفهم فيها، لأنها أوساخ الناس، لقلنا بكونهم كالأغنياء وواجبي النفقة في
أن الحرام هو سد خلتهم من الزكاة (1) [لا] (2) صرف الزكاة بتوسطهم إلى سبيل
باشروه بأبدانهم، فالمانع هو ما ذكرنا، ولذا لا يعطون من نصيب العاملين
ولا الغارمين مع أن مالكي قوت السنة وواجبي النفقة يعطون من هذين
النصيبين.

(1) ليس في " ف ": من الزكاة.
(2) في جميع النسخ: هو، وما أثبتناه من مصححه " ع ".
315

مسألة
[38]
لا اشكال في عدم اجزاء (1) دفع الزكاة إلى مخالفي الإمامية في الاعتقاد،
دعوى الاجماع به كالنصوص مستفيضة (2)، وعلل في بعض الأخبار المنع عن
إعطاء الواقفة بأنهم كفار مشركون زنادقة (3)، وعن إعطاء الزيدية بأنهم
النصاب (4).
ثم إنه لا اشكال في استثناء المؤلفة من مستحقي الزكاة وإن كان المحكي
عن جماعة اطلاق المنع (5)، وفي المسالك (6) والمدارك (7) إلحاق بعض أفراد سبيل
الله، ولعلهما أرادا مثل الغازي - كما صرح به في الوسيلة (8) وليس مرادهما ما لو
كان المصرف غير متعلق بشخص كبناء المساجد والقناطر وغيرهما، مما لا يتصور

(1) في " ف ": جواز.
(2) انظر الحدائق 12: 203 والمستند 2: 49 والجواهر 15: 378 و 379.
(3) الوسائل 6: 157 الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(4) الوسائل 6: 153 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.
(5) منهم السيد المرتضى في الإنتصار: 82 والصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): 14.
(6) المسالك 1: 47.
(7) المدارك 5: 238.
(8) الوسيلة: 129.
316

فيه اشتراط الايمان، كما صرح به الشهيد في نكت الإرشاد (1) لأن هذا ليس قابلا
للاستثناء من عبارة الشرائع (2) وفي كلام بعض مشايخنا المعاصرين (3) استثناء
مطلق سبيل الله، وعن الغنية (4): إلحاق العاملين بالمؤلفة، وينسب إلى ظاهر
الشرائع (5) والنافع (6) والتبصرة (7) والرسالة الغرية (8): اختصاص هذ الشرط
بالفقراء والمساكين.
والتحقيق أن يقال: إن ظاهر أخبار المنع هو النهي عن سد خلة المخالفين
بالزكاة، فلا فرق بين الفقراء والمساكين والغارمين وفي الرقاب وابن السبيل وفي
سبيل الله، إذا جعل السبيل نفس إعانة المخالف التي هي في نفسه من
الراجحات من باب أن " على كل كبد حراء أجرا " (9).
وأما المؤلفة فلا ريب في عدم اعتبار الاسلام فيه فضلا عن الايمان، لأن
اعطاءهم ليس من باب الإعانة وسد الخلة. وأما من سهم العاملين فلا يجوز أيضا،
بناء على اشتراط العدالة كما ادعي (10) الاجماع عليه، ولو فرض القول بعدمه
فالظاهر أنه لا بأس بإعطائه، لأنه في معنى الأجرة وليس لمجرد الإعانة وسد
الخلة، ولذا يعطى مع الغنى.

(1) غاية المراد: 41.
(2) شرائع الاسلام 1: 163.
(3) الجواهر 15: 377.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(5) شرائع الاسلام 1: 163.
(6) المختصر النافع: 1: 59.
(7) تبصرة النافع: 48.
(8) الرسالة الغرية (مخطوط).
(9) معناه في الكافي: 4: 57 باب سقي الماء.
(10) راجع الجواهر 15: 334.
317

وأما في سبيل الله فقد عرفت المنع من إعانتهم وسد خلتهم من الزكاة،
وأما إذا أريد به مجرد وجود الفعل الذي هو السبيل، فإن كان ذلك الفعل (1) مع
مباشرة المخالف له سبيلا وقربة بأن لم يكن من العبادات، بل كان من الأمور
المحصلة للغرض من أي فاعل صدرت (2)، كالغزو ودفع الخوف من طرق المسلمين
ونحو ذلك، فالظاهر أنه يجوز الدفع، لأن الفعل المذكور هو الذي صرف فيه
الزكاة نظير بناء القناطر والمساجد، والفاعل له بمنزلة الآلة، والأخبار المانعة إنما
تمنع من صرف الزكاة إلى المخالف ووضعها فيه، وفيما نحن فيه لم توضع إلا في
تحصيل الفعل المذكور في الخارج (3)، وهذا ظاهر لمن تدبر الأخبار وتأملها تأملا
قليلا، وقد مر هذا أيضا في اعتبار الفقر في سهم سبيل الله.
ومما ذكرنا يعلم أن ما ذكرنا لا ينافي الحصر في قوله عليه السلام: " إنما موضعها
أهل الولاية " (4)، كما لم يناف قوله عليه السلام: " لا تحل الصدقة لغني " (5) ما تقدم (6) منا
من جواز دفع حصة سبيل الله إلى الغني إذا قصد الدافع صرفها في الفعل الذي
يوجد منه، ولوحظ الفاعل فيه بمنزلة الآلة، قال الشهيد في نكت الإرشاد عند
قول المصنف قدس سره: " ويشترط في المستحقين الايمان والعدالة ": إن في جمع (7)
" المستحقين " بصيغة من يعقل فائدة، وهي: أن سبيل الله عند جاعله للعموم
لا يتصور في بعض موارده اشتراط الايمان (8).
ثم إن ظاهر إطلاق معظم الأخبار، وكثير من الفتاوى - كصريح البعض

(1) ليس في " ج " و " ع ": الفعل.
(2) ليس في " ف ": صدرت.
(3) في " م " و " ع ": من الخارج.
(4) الوسائل 6: 154 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12 - نقلا بالمعنى -
(5) الوسائل 6: 160 الباب 8 من أبواب المستحقين للزكاة.
(6) راجع الصفحة 314.
(7) في " م " والمصدر: جميع.
(8) غاية المرام: 41.
318

من كل منهما (1) - عدم الفرق بين زكاة الفطرة والمال، ففي مصححة إسماعيل بن
سعد عن الرضا عليه السلام: " قال: سألته عن الزكاة هل توضع في من لا يعرف؟
قال: لا ولا زكاة الفطرة " (2)،
خلافا للمحكي (3) عن الشيخ (4) واتباعه (5) من
جواز دفع الفطرة إلى المستضعف إذا لم يجد المؤمن المستحق لها، لأن اطلاقات
المنع - حتى مصححة ابن سعد الشاملة لصورتي وجدان المؤمن وعدمه -
[مقيدة] (6) بما دل على جواز دفع الفطرة، كرواية يعقوب بن شعيب: " قال: قلت:
فإن لم يجد من يحملها إليهم - يعني إخوانه وأهل ولايته -؟ قال: يدفعها إلى من
لا ينصب له " (7).
وموثقة الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: كان جدي صلوات الله
عليه (8) يعطي فطرته الضعفة ومن لا يتولى، وقال أبي: هي لأهلها إلا أن لا تجدهم
[فإن لم تجدهم] (9) فلمن لا ينصب، ولا تنقل من أرض إلى أرض " (10).
وموثقة إسحاق بن عمار، عن أبي إبراهيم عليه السلام: " قال: سألته عن
صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من فقراء جيراني؟ قال: نعم الجيران أحق

(1) المدارك 5: 239، وفيه: فذهب الأكثر.. إلى عدم جواز دفعها إلى غير المؤمن مطلقا.
(2) الوسائل 6: 152 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(3) حكاه في المدارك 5: 239.
(4) النهاية: 192.
(5) راجع الشرائع 1: 163.
(6) ما بين المعقوفتين من هامش " ف ".
(7) الوسائل 6: 153 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.
(8) في " م " والاستبصار: كان جدي رسول الله صلى الله عليه وآله. وفي الوسائل: جدي عليه السلام.
(9) ما بين المعقوفتين من مصححة " ع " والمصدر.
(10) الوسائل 6: 250 الباب 15 من أبواب الزكاة الفطرة، الحديث 3.
319

بها لمكان الشهرة " (1).
ورواية مالك الجهني، عن أبي جعفر عليه السلام: " قال سألته عن زكاة
الفطرة قال: تعطيها المسلمين فإن لم تجد مسلما فمستضعفا " (2).
ومصححة ابن يقطين - المروية عن الفقيه -: " قال: سألت أبا الحسن
الأول عليه السلام عن زكاة الفطرة أيصلح أن تعطى الجيران والظؤرة، ممن لا يعرف،
ولا ينصب؟ قال: لا بأس بذلك " (3).
وفي الاعتماد على الروايات المذكورة في تقييد الأخبار ومعاقد الاجماعات
المتقدمة إشكال. ويمكن حمل روايتي ابن عمار وابن يقطين على الجواز من باب
التقية، ومورد رواية أبي شعيب مختص بزكاة المال، والقائل بجواز دفعها إلى غير
المؤمن عند تعذر الدفع إليه غير معروف وإن نسب الخلاف فيه إلى بعض (4)،
ورواية الفضيل تدل على الجواز بمجرد تعذر الدفع في تلك الأرض (5).
ثم الظاهر إن المراد بالمستضعف غير المعاند للحق من المخالفين.
ولو دفع الزكاة إلى المخالف تقية إذا لم يكن مندوحة فهل يحتسب زكاة
أم يجب الإعادة؟ وجهان: من إجزاء أداء المأمور به على وجه التقية عن الواقع
كما في سائر العبادات - وورود النصوص باحتساب ما أخذه بنو أمية على وجه
الزكاة (6)، ولما تقدم من روايتي ابن عمار وابن يقطين.

(1) الوسائل: 6: 250 الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(2) الوسائل 6: 250 الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة الحديث الأول.
(3) الفقيه 2: 180 الحديث 2077 والوسائل 6: 251 الباب 15 من أبواب زكاة الفطرة،
الحديث 6
(4) أشار إليه في الجواهر 15: 381 والحدائق 12: 205.
(5) الوسائل 6: 250 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.
(6) انظر الوسائل 6: 173 الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة.
320

ومن منع الإذن في أداء المأمور به على هذا الوجه كما ورد في الصلاة
والطهارة (1)، وما ورد في عدم احتساب ما أخذه بنو أمية من الزكاة معللا بقوله
عليه السلام: " إنما هؤلاء قوم غصبوكم أموالكم، وإنما الصدقة لأهلها " (2).
ويمكن أن يقال: إنه إن لم يجد مندوحة عن أصل الدفع فهو داخل في
مسألة ما يأخذه المخالف بعنوان الزكاة قهرا، وقد تقدم الروايات باحتسابه، وإن
وجد المندوحة عن أصل الدفع إلا أنه على فرض إرادة الدفع لا مندوحة له عن
دفعه إلى المخالف، فالأقوى عدم الاحتساب، للأصل وقوله: " إنما هؤلاء قوم
ظلموكم أموالكم وإنما الصدقة لأهلها "، وللتصريح في أخبار الاحتساب بوجوب
الاخفاء عنهم ما استطاع، ففي صحيحة العيص بن القاسم: " ما أخذ منكم بنو
أمية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فإن المال لا يبقى على هذا أن
تزكيه مرتين (3) وحينئذ فيجب الصبر إلى أن يتمكن من الأداء ولو بعزله والوصية
به.
ثم إن الطفل المتولد بين المسلم والكافر الظاهر أنه في حكم المسلم، وكذا
المتولد بين المؤمن والمخالف إذا كان أبوه مؤمنا، للنصوص الواردة في إعطاء
أطفال المؤمنين (4) مع شيوع أخذ الزوجة المخالفة في ذلك الزمان، وأما إذا كان
أبوه مخالفا فيمكن الاعطاء بناء على أن المخالفة مانعة، وأن العداوة والمعاندة
الحاصلة فيهم للحق وعدم المعرفة لمن تجب معرفته صارت سببا لمنعهم، وإلا
فأرزاقهم موضوعة في أموال الأغنياء، لا أن الايمان شرط يحتاج فيما نحن فيه

(1) انظر الوسائل 1: 311 الباب 32 من أبواب الوضوء و 321 الباب 38 من أبواب الوضوء
و 5: 381 الباب 5 من أبواب الجماعة و 427 الباب 33 وغيرها من الأبواب.
(2) الوسائل 6: 175 الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.
(3) الوسائل 6: 174 الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(4) انظر الوسائل 6: 155 الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة.
321

إلى اثبات الحاق الولد بأمه (1) في أحكام الايمان، مع أن مقتضى العمومات جواز
اعطاء مطلق الفقير خرج منها المخالف وهو لا يصدق على الطفل، وما دل على
اختصاص الزكاة بأهل الولاية حصر إضافي بالنسبة إلى المخالف. وهذا الوجه
وإن اقتضى جواز الدفع إلى أولاد المخالفين إلا أن الاجماع قام على كونهم في
حكم آبائهم، وهو مفقود فيما نحن فيه.
لكن الانصاف أنه لم يظهر من الأخبار مانعية المخالفة، بل لا يبعد دعوى
ظهورها في شرطية الايمان، كما هو ظاهر قوله عليه السلام: " إنما موضعها أهل
الولاية " (2) وقوله عليه السلام: " إنما الصدقة لأهلها " (3)، مضافا إلى خصوص حسنة
حريز بابن هاشم عن أبي بصير [" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل
يموت ويترك العيال أيعطون من الزكاة؟ قال: نعم حتى ينشأوا ويبلغوا، ويسألوا
من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم: فإنهم لا يعرفون؟ قال: يحفظ
فيهم ميتهم ويحبب إليهم دين أبيهم، فلا يلبثون أن يهتموا بدين أبيهم، فإذا بلغوا
وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم " (4).
فإن الظاهر من قول السائل: " إنهم لا يعرفون " السؤال عن وجه الجواز
مع عدم المعرفة، فكان اشتراط المعرفة مركوزا في ذهنه، ولم يجبه الإمام عليه السلام بما
يدل على اختصاص اشتراط المعرفة بالمكلفين، بل أجاب: بأن الوجه في
إعطائهم مع عدم المعرفة هو رجاء تبعيتهم لآبائهم في المعرفة، والمسألة مشكلة،
والاحتياط غير خفي.
ثم إنه هل يجوز للمالك صرف الزكاة للطفل ولو مع وجود الولي، كأن

(1) في " ع " بأبه [بأبيه ظ].
(2) الوسائل 6: 154 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12.
(3) الوسائل 6: 175 الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.
(4) الوسائل 6: 155 الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول مع اختلاف.
322

يطعمه في حال جوعه وإن لم يعلم بذلك (1) أبوه؟ الظاهر عدم الجواز من سهم
الفقراء، لأن الظاهر من أدلة الصرف في هذا الصنف هو تمليكهم إياه، نعم يجوز
في سبيل الله، ويحتمل الجواز من سهم الفقراء، بدعوى أن الظاهر من تلك
الأدلة: استحقاقهم للزكاة، لا تملكهم لها، فالمقصود هو الايصال.

(1) في " م ": ذلك.
323

مسألة
[39]
المحكى عن المشايخ الثلاثة وأتباعهم: اعتبار العدالة في مستحق
الزكاة (1)، وعن السيدين: دعوى الاجماع عليه (2)، وعن الخلاف: أنه ظاهر
أصحابنا (3)، وعن جماعة - منهم الإسكافي (4): اعتبار مجانبة الكبائر وعن جمهور
المتأخرين (5) أو عامتهم (6) عدم اعتبار شئ، وهو المحكي (7) عن ابن بابويه (8)

(1) الشيخ الطوسي في الجمل والعقود (الرسائل العشر): 206 والمبسوط 1: 247، والشيخ
المفيد في المقنعة: 242، وأما السيد المرتضى فقد اشترط في الإنتصار: 82 عدم الفسق كما
سيجئ النقل عنه.
(2) السيد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقيهة): 506، والسيد المرتضى في الإنتصار: 82 وفيه:
ومما انفردت به الإمامية القول بأن الزكاة لا تخرج إلى الفساق.
(3) الخلاف 1: 203 كتاب قسمة الصدقات، المسألة 63 (الطبعة القديمة).
(4) نقل عنه العلامة في المختلف: 182.
(5) راجع المدرك 5: 244 والمستند 2: 51.
(6) راجع المصدر المتقدم.
(7) حكاه في المدارك 5: 243 والمستند 2: 51 والجواهر 15: 389 عن الصدوقين وسلار، وفي
الحدائق 12: 209 عن ابن بابويه وسلار كما في المتن.
(8) المقنع (الجوامع الفقيهة): 14.
324

وسلار (1) حيث لم يتعرضوا في مقام البيان لاشتراط أزيد من الايمان،
وعن
الخلاف: أنه مذهب قوم من أصحابنا (2)، وهو الأقوى، للاطلاقات بل (3)
العمومات الكثيرة الواردة في مقام البيان والحاجة، مثل قوله عليه السلام: " فمن
وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس " (4).
وقوله عليه السلام بعد سؤال السائل بقوله: إلى من أدفع الزكاة؟: " قال:
إلينا، فقال: أليس الصدقة محرمة عليكم؟ قال: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد
دفعتها إلينا " (5).
وقوله عليه السلام بعد سؤال السائل بقوله: كيف يصنع بزكاة ماله؟: " قال:
يضعها في إخوانه وأهل ولايته " (6).
وقوله عليه السلام بعد سؤال ابن أبي يعفور بقوله: ما تقول في الزكاة لمن
هي؟: " لأصحابك " (7).
وقوله عليه السلام بعد سؤال ضريس بقوله: إن لنا زكاة (نخرجها) من
أموالنا ففي من نضعها؟: " في أهل ولايتك " (8).
وفي مصححة أحمد بن حمزة: " قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: رجل من
مواليك له قرابة كلهم يقول بك، وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال:

(1) المراسم (الجوامع الفقهية): 581.
(2) الخلاف 1: 203 كتاب قسمة الصدقات، المسألة 63 (الطبعة القديمة).
(3) في " ف " أو الأول.
(4) الوسائل 6: 143 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(5) الوسائل 6: 153 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.
(6) الوسائل 6: 153 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.
(7) الوسائل 6: 153 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.
(8) الوسائل 6: 152 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
325

نعم " (1).
ورواية علي بن مهزيار: " عن الرجل يضع زكاته كلها في أهل بيته وهم
يقولون بك؟ قال: نعم " (2).
ولا يخفى أن الغالب في القرابة وأهل البيت الشامل للنساء عدم العدالة
إلى غير ذلك من الروايات.
ولا يقدح في ورودها في مقام الحاجة عدم اشتمالها على اشتراط الفقر،
لأن المتأمل في سياق الأسئلة المذكورة يعلم قطعا أن المراد: السؤال عن صفة
المستحق بعد صفة الفقر المعلومة لكل أحد، من الكتاب والسنة بالضرورة (3)
ويؤيد ما ذكرنا عموم ما دل على أن الله عوض للسادة الخمس عن الزكاة (4)، مع
أن المعروف عدم اعتبار العدالة في مستحق الخمس، فيلزم حينئذ أن لا يكون
ما يعطى الفاسق الهاشمي من الخمس عوضا عن الزكاة المحرمة عليه.
وخصوص المرسلة المحكية عن العلل: " قلت للرجل - يعني أبا الحسن
عليه السلام: ما حد المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف "، ثم
قال: أو عشرة آلاف، ويعطى الفاجر بقدر، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله،
والفاجر ينفقها في معصية الله " (5).
والمروي في تفسير العسكري عليه السلام عن آبائه عن النبي
صلى الله عليه وآله في حديث: " قيل له: من يستحق الزكاة؟ فقال: المستضعفون من
شيعة محمد وآله الذين لم تقو بصائرهم، فأما من قويت بصيرته، وحسنت

(1) الوسائل 6: 169 الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 169 الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3. وفيه: وهم يتولونك.
(3) في " ع " و " م ": بل الضرورة.
(4) الوسائل 6: 358 الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8، 9.
(5) علل الشرائع: 130 والوسائل 6: 171 الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
326

- بالولاية لأوليائه والبراءة من أعدائه معرفته، فذلك أخوكم في الدين أمس
بكم رحما من الآباء والأمهات.. إلى أن قال: وارفعوهم عن الزكاة ونزهوهم عن
أن تصبوا عليهم أوساخكم.. الحديث " (1)، وكان في النسخة غلط كثير ولذا
اقتصرنا على موضع الدلالة.
والمقصود أن الزكاة ينبغي أن يقسم في مستضعفي الشيعة الذين لم يقو
بصائرهم، وأما العارفون الأتقياء الصلحاء فينبغي أن يواسى معهم في المال
بالصلة والهدية، لا من الزكاة، ولا شك أن أرباب البصائر الضعيفة غالبا لا يخلون
عن الكبائر كما هو واضح جدا.
ويؤيده أيضا ما ورد من أنه: " لو أدى الناس زكاة أموالهم ما بقي مسلم
فقيرا محتاجا " (2)، فإن تخصيصه بالعدول في غاية البعد من السياق، وما ورد من
أن: " أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح " (3)، وما ورد في تفسير القمي: من
تفسير المساكين بأنهم أهل الزمانات (4) يدخل فيهم الرجال والنساء والصبيان.
ثم إنك إذا تتبعت الأخبار التي بأيدينا لا تكاد تجد رواية تدل على تقييد
جميع العمومات المتقدمة وغيرها الواردة في مقام البيان بصورة عدالة المستحق،
نعم ربما يدعى دلالة مضمرة داوود الصير في علي ذلك: قال: " سألته عن شارب
الخمر هل يعطى الزكاة؟ قال: لا " (5) بناء على عدم القول بالفصل بين شرب
الخمر وغيره، وفيها بعد الغض عن السند وعدم مقاومتها - لوحدتها للعمومات

(1) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام: 79، الحديث 40، والوسائل 6: 157
الباب 7 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6، وفي النسخ: " تصلوا إليهم أوساخكم ".
(2) الوسائل 6: 4 الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.
(3) الوسائل 6: 286 الباب 20 من أبواب الصدقة، الحديث الأول.
(4) تفسير القمي 1: 298 والوسائل 6: 145 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث
7.
(5) الوسائل 6: 171 الباب 17 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول. وفيه: داوود الصرمي.
327

الكثيرة الواردة مورد الحاجة من الكتاب والسنة، ومن هنا يقال: " رب عام يقدم
على الخاص "، أن دلالتها على اعتبار العدالة غير ظاهرة، لأن الظاهر من شارب
الخمر هو المقيم عليه، ولعل النهي عن إعطائه إن حصول الفقر في مثل هذا
الفقير غالبا لاحتياجه إلى ثمن الخمر، وما هو من لوازم شربه والمداومة عليه، فإن
له مؤنا كثيرة لا تخفى، وليس فقره باعتبار عجزه عن قوت السنة له ولعياله،
ويحتمل أن يكون النهي لأجل رجاء كون منعه عن الزكاة، والتضييق عليه في
المعاش أو إذلاله بحرمانه عما يوصل إلى أمثاله سببا لارتداعه عن فعله القبيح،
ويحتمل أن يكون المنع لغير ما ذكرنا من الحكم والمصالح.
وكيف كان فليس القول بالفصل بين المقيم على شرب الخمر وغيره من
الكبائر التي لا دخل لها في تضييع المال كالغيبة مثلا خرقا للاجماع، وعلى تقدير
كونه خرقا فالفصل بين المقيم على الكبيرة وبين مرتكبها (1) ولو مرة، ليس خرقا،
كيف وهو المحكي عن الإسكافي حيث قال: لا يعطى شارب الخمر ولا المقيم على
كبيرة (2)، وعلى تقدير عدم قدح الإسكافي وكون ذلك أيضا خرقا، فليس مجرد
ترك الكبيرة بمجرد الاتفاق - بل لعدم التمكن مع وجود ملكة المعصية - عدالة،
غاية الأمر أن ارتكاب الكبيرة رافع للاستحقاق الثابت قبله، وأين ذلك من
العدالة التي هي إما الملكة، وإما حسن الظاهر.
وعلى تقدير ثبوت الاجماع المركب وعدم جواز الفصل بين المنع من
إعطاء شارب الخمر واعتبار العدالة، فنقول: غاية الأمر كون هذه الرواية
بضميمة الاجماع المركب معارضة لما تقدم من العمومات بالخصوص، فكما يمكن
التخصيص يمكن حمل النهي على الكراهة لرجاء ارتداعه، ولا نسلم أولوية مثل
هذا التخصيص على مثل هذا المجاز في هذا المقام. وبالجملة، فالخروج عن تلك

(1) في " ف " ومن يرتكبها.
(2) المختلف: 182.
328

العمومات بتلك الرواية الواحدة المخدوشة سندا ودلالة وإن انجبرت بالشهرة
القديمة، والاجماع المحكي عن السيدين (1) الموهنين بمخالفة الشهرة المتأخرة،
وقوم من القدماء (2)، وبالاطلاع على فساد مستندهم في اعتبار هذا الشرط،
خروج عن الانصاف.
نعم ربما استدلوا لاعتبار العدالة بوجوه أخر مثل: أن الفاسق غير مؤمن
لمقابلتهما في قوله تعالى: [أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون] (3)،
ولتعذيبه بالنار (4) مع ما ورد في الكتاب العزيز من أنه [لا يخزي الله النبي والذين
آمنوا معه] (5).
وفيه: منع المقدمتين، لاحتمال التكفير في الدنيا، والعفو في الآخرة ولو
لأجل الشفاعة، واحتمال اختصاص الآية بالمؤمنين مع النبي صلى الله عليه وآله
لا مطلق المؤمنين به.
وأما الفاسق المقابل للمؤمن في الآية فالمراد به الكافر بقرينة الحكم
بخلوده في النار في الآية التي بعدها.
ومثل إن اعطاء الزكاة للفاسق إعانة له، وقد منع عنه جميع ما منع عن
إعانة الفاسقين.
وفيه: إنا لم نجد ما يدل على حرمة إعانة الفاسقين في غير فسقهم، نعم
قد يقال ذلك في إعانة الظلمة بالخصوص، كيف والمشهور نصا وفتوى جواز
الصدقة المندوبة على المخالفين الذين هم أفسق الفساق.

(1) السيد المرتضى في الإنتصار: 82، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(2) منهم الصدوقان وسلار، راجع الصفحة 324 و 325.
(3) السجدة: 32 / 18.
(4) في " ع " و " م " في النار.
(5) التحريم: 66 / 8.
329

وبنظير ذلك يجاب عما لو قيل: إن اعطاء الزكاة للفاسق ركون إلى الظالم
منهي عنه كتابا (1) وسنة (2). أو يقال: إن الفاسق محادد لله ورسوله صلى الله عليه وآله،
وإعطائه موادة منهي عنها في الكتاب العزيز (3).
وفيه منع محادته، منع كون اعطائه موادة.
وهنا وجوه أخر أضعف من المذكورات.
وربما يؤيد هذا بمنع الغارم في المعصية (4) وابن السبيل العاصي بسفر.
وفيه: إن المنع في ابن السبيل إنما هو لكونه من الجهات لأن المستحقين،
ولا يرتاب أحد في عدم جواز صرف الزكاة في جهات المعاصي، مع أن المعصية
المذكورة ربما لا تكون كبيرة وأما منع الغارم فهو أيضا من باب اشتراط كون
المدفوع إليه غير عاص، لأنه ربما يكون قد تاب وندم وصار من أجل الزهاد،
بل لأن صرف الدين إنما وقع في جهة المعصية، وهذا في الفقراء غير مضر قطعا،
ولذا يعطى هذا العاصي بعد التوبة، بل كل من أتلف ماله في جهات المعاصي
من سهم الفقراء إجماعا.
والحاصل: إن الكلام في اعتبار عدم العصيان ولو بالتوبة في المستحق حين
الدفع، ومن هنا يعلم أن اخراج العامل عن محل هذا (5) الخلاف غير جيد، لأن
ما أجمع عليه هو اعتبار عدالته عند العمل (6) لا عند دفع الزكاة، بل هو حينئذ
كغيره.

(1) هود: 11 / 113.
(2) انظر الوسائل 11: 262 الباب 46 من أبواب جهاد النفس الحديث 36 و 12: 133 الباب
44 من أبواب ما يكتسب به.
(3) المجادلة: 58 / 22.
(4) ليس في " ف ": في المعصية.
(5) ليس في " ف ": هذا.
(6) في " ع ": السبيل.
330

وكيف كان، فالأقوى ما عليه المتأخرون، والأحوط ما عليه القدماء.
ثم إن الفرق بين اعتبار العدالة، سواء جعلناها الملكة أو حسن الظاهر
واعتبار مجانبة الكبائر، غير خفي كما نبهنا عليه سابقا (1) وإن قلنا بعدم أخذ
ترك منافيات المروة في تعريف العدالة. نعم لو أريد ملكة مجانبة الكبائر - كما هو
ظاهر لفظ المجانبة والتجنب - توجه ما ذكره الشهيد الثاني (2): من أن اعتبار ذلك
يرجع إلى اعتبار العدالة، بناء على عدم أخذ المروة فيها هنا. إلا أن اهمال
المروة في العدالة مختص بالشهيد في النكت (3)، وهو مخالف لاطلاق المعظم: القول
باشتراط العدالة بناء على دخول المروة في مفهومها كما يظهر منهم في باب
الجماعة.
ثم إن أكثر أدلة القدماء إنما تدل (4) على مانعية الفسق لاشتراط العدالة،
وهو أيضا معقد الاجماع المحكي عن السيد حيث قال: ومما انفردت به الإمامية
القول بأن الزكاة لا تخرج إلى الفساق (5) إلا أن المشهور عنه دعوى الاجماع
على اشتراط العدالة، ولو بنينا على جواز التعبير عن غير الفاسق بالعادل، وعن
العادل بغير الفاسق، نظرا إلى ندرة وجود الواسطة، أمكن التصرف في كلام
السيد وفي كلام الحاكين عنه، وحيث كانت الأدلة خالية بالمرة عن اشتراط ملكة
العدالة، فغاية الأمر في مراعاة مذهب القدماء هو القول باعتبار عدم الفسق
وإن لم تحصل ملكة العدالة، وحينئذ فيجوز اعطاء مجهول الحال نظرا إلى أصالة
عدم تحقق الفسق.

(1) في الصفحة 328.
(2) الروضة البهية 2: 51.
(3) غاية المراد: 42.
(4) في " ف " و " ع ": دل.
(5) الإنتصار: 82.
331

ودعوى أن الفسق قد يحصل بها يوافق الأصل كترك الفرائض، مدفوعة
بأن الترك من حيث هو لا يوجب الفسق، بل الموجب له هي المعصية التي قد
تتحقق في ضمن الترك، فالأصل عدم تحقق المعصية ولو علمنا بالترك، كيف وإذا
شككنا فيه.
ثم لو فرض العلم بحصول فسق منه كما هو الثابت في أغلب الناس،
فهل يتمسك بأصالة عدم التوبة وبقاء الفسق؟ أو بظهور عدم إخلال المسلم بما
هو الواجب عليه من التوبة؟ الظاهر هو الثاني.
ثم الظاهر أن الفاسق كما لا يجوز أن يعطى، كذا لا يجوز له الأخذ إذا
أعطاه الجاهل بحاله، [لأن عدم] (1) الفسق شرط للاستحقاق كسائر الأوصاف،
مثل الفقر والايمان، ويحتمل عدم حرمة الأخذ إذا أعطي، لأن الأدلة دلت على
حرمة معونته وعلى حرمة اعطائه، لا على عدم حل الزكاة له، كما لا تحل للغني
والهاشمي، فيرجع فيه إلى عموم ما دل على جعل الزكاة قوتا للفقراء (2)، وإن
الفقراء شركاء الأغنياء (3).
ثم إن اعتبار العدالة على القول به في الفقراء والسماكين والغارمين
والعاملين وابن السبيل، وفي بعض أفراد الرقاب كالمكاتب ومن عجز عن الرقبة
في الكفارة، وأما العبيد تحت الشدة، أو مطلقا مع عدم المستحق، أو مطلقا، فالظاهر
عدم اعتبار العدالة فيها (4)، لأنهما ليسا ممن يعطى من الزكاة، وإنما يعتقان من
الزكاة بعد اشترائهما، وأما في سبيل الله ففيه التفصيل المتقدم في اعتبار الايمان.

(1) في " ف " و " م ": " فعدم " بدل " لأن عدم ".
(2) الوسائل 6: 4 الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 4.
(3) الوسائل 6: 147 الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(4) في " ع " فيهم يأتي بعده من ضمائر التثنية.
332

مسألة
[40]
لا يجوز أن يدفع الزكاة (1) إلى من تجب نفقته عليه مع يساره وبذله،
للاجماع المستفيض نقله، كالأخبار المعللة بأنهم عيال لازمون له (2)، أو " لأنه يجبر
على نفقتهم " (3)، وبإزائها ما هو قابل للتأويل.
والمحكي عن المنتهى (4) كما في المعتبر (5) والمسالك (6) الاستدلال له
بحصول الغنى لهم بالانفاق، وهو ظاهر البيان، قال: ومن تجب نفقته غني مع
بذل المنفق (7)، وهو الظاهر أيضا من جماعة من متأخري المتأخرين كصاحب
المدارك (8) وشارحي الروضة (9) والمفاتيح (10)، وبأن دفع الزكاة المسقطة لوجوب

(1) في " ج " و " م " و " ع " زكاته.
(2) الوسائل 6: 165 الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 6: 165 الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(4) راجع المنتهى 1: 523.
(5) المعتبر 2: 581.
(6) المسالك 1: 48.
(7) البيان: 193.
(8) راجع المدارك: 5: 245 246.
(9) المناهج السوية (مخطوط).
(10) حكاه عنه في الجواهر 15: 398.
333

الانفاق عنه صرف للزكاة في مؤونته، فهو مخالف لأدلة الزكاة المشتملة على عنوان
الإيتاء والدفع والاخراج.
ويرد على الاستدلال الأول: منع حصول الغنى، فإن الغني من عنده مؤونة
السنة له ولعياله الواجبي النفقة، فلو فرضنا لهذا القريب الذي يجب الانفاق
عليه عيالا تجب نفقتهم عليه، والمفروض عدم وجوب نفقتهم على منفقه،
فلا ريب في " صدق الفقير " عليه المستلزم لجواز أخذه من المنفق ومن غيره.
مع أن تخصيص المنع بمن يجب نفقته على المزكي أعظم شاهد على أن
المنع ليس لأجل الغنى، وإلا لم يفرق بين المزكي وغيره.
وأوضح منه ذكر هم عدم وجوب الانفاق شرطا لاعطاء الفقير، إذ على
تقدير كونه راجعا إلى الغنى فهو كاشتراط أن لا يكون للفقير ضيعة يكتفي بها.
ويرد على الثاني: منع أن دفع الزكاة إليهم لا يصدق معه الإيتاء، كيف
وصدق الإيتاء في الصدقة الواجبة والمندوبة على نهج واحد، ولا شك في صدق (1)
الإيتاء بالنسبة إلى المندوبة.
نعم قد يسلم ما ذكر في العبد، حيث إنه لا يملك، ولذا استثنى جماعة (2)
خصوص العبد ممن دفع إليه الزكاة وتبين أنه واجب النفقة.
ثم إن ما يلزم من الإيتاء من سقوط النفقة عنه (3) لا يمنع من صحة الإيتاء،
لأن إسقاط وجوب النفقة بإعطاء الزكاة الموجب لإزالة الفقر مما لا مانع منه،
كيف وإسقاط بعض ما يلزمه من المؤونة بالزكاة (4) مما لا إشكال فيه في كثير من

(1) في " ف ": وجدان.
(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 570 والعلامة في التذكرة 1: 245 والمنتهى 1: 245 والمنتهى 1: 527 وقال في الجواهر
15: 332 فقد استثنى غير واحد.
(3) في " ف ": فيه.
(4) ليس في " ف " و " ج ": بالزكاة.
334

المقامات، كم كان له أب وأخ فدفع إلى أخيه من الزكاة ما صار به غنيا بحيث
اشترك مع أخيه الدافع في نفقة أبيهما (1)، فإن المالك قد أسقط بالزكاة نصف مؤونة
أبيه (2) عن نفسه، إلى غير ذلك من الأمثلة.
فالتحقيق أن يقال: إن كان يعد غنيا في صورة بذل النفقة له، والوثوق
بالبذل، ولا يكون في عياله من تجب عليه نفقته لو تمكن، فلا يجوز له أخذ الزكاة
من المنفق اتفاقا، بل ولا من غيره، وفاقا لما عن التذكرة (3) وشرح الإرشاد
للمحقق الأردبيلي (4)، واختاره في شرح المفاتيح (5) والغنائم (6)، لصدق الغنى عليه
بعد اجتماع وصفي وجوب الانفاق عليه وبذل المنفق، وإن كان كل واحد منهما
لا يكفي في نفي الفقر عنه إلا إذا امتنع المنفق، وقدر المنفق عليه على الاستيفاء
ولو بمعونة الحاكم، لكنه محل تأمل.
وكيف كان، فالمحكي (7) عن المنتهى (8) والدروس (9) وفي حاشية الإرشاد:
جواز الأخذ (10)، لعدم خروجه عن الفقر بالانفاق، فكما يجب انفاق القريب عليه
لكونه فقيرا يجوز لغيره دفع الزكاة إليه لذلك، وكما أنه لو تكفل القريب
أجنبي من باب الزكاة بحيث يوثق ببذله له، ثم صار قريبه غنيا، فلا يسقط
بذلك وجوب إنفاقه عنه، كذلك وجوب الانفاق لا يسقطه (11) جواز دفع الزكاة
إليه.

(1) في " ف ": أمهما.
(2) في " ف ": أمه.
(3) التذكرة 1: 231.
(4) مجمع الفائدة 4: 178.
(5) حكاه عنه في الجواهر 15: 398.
(6) غنائم الأيام: 339.
(7) حكاهما في الغنائم: 339.
(8) المنتهى 1: 519.
(9) الدروس 1: 242.
(10) لم نقف عليه.
(11) في " ع " و " م " لا يسقط.
335

وفيه نظر، لأنه يكفي في الخروج أن يستحق الشخص على قريبه الانفاق
عليه وقيام القريب ببذل ما يستحقه.
والفرق بين وجوب الانفاق وجواز دفع الزكاة: أن موضوع وجوب
الانفاق هو عدم القدرة على مؤونة نفسه (1)، وهذا حاصل وإن تكلفه رجل من باب
الزكاة. وأما جواز دفع الزكاة فموضوعه الحاجة والفقر، ويرتفع بتملكه على غيره
ولو من باب التكليف بمؤونته (2)، فموضوع الزكاة يرتفع بالانفاق الواجب،
وموضوع الانفاق لا يرتفع بدفع الزكاة.
ولأجل ما ذكرنا لو دفع أحد زكاة ماله إلى أولاد الأغنياء من ذوي الثروة
عد دافعا إلى غير الفقراء.
وإن لم يكن كذلك بأن لم يبذل له ما يليق بحاله كما وكيفا لاعساره (3)، أو
امتناعه وعدم التمكن من إجباره، أو كان له عيال يتكفلهم، فالظاهر جواز أخذ
الزكاة من غير المنفق وفاقا للمحكي عن المنتهى (4) والنهاية (5) والجامع (6)
والدروس (7) وحاشية الشرائع (8) والمسالك (9)، لأنه غير واجد لمؤونة عياله التي هي
بمنزلة مؤونة نفسه، فهو فقير، ولفحوى ما سيأتي من جواز الأخذ من غير المنفق
للتوسعة على نفسه، فإن الجواز لسد رمق عياله أولى، بل الظاهر جواز أخذ

(1) في " ع ": نفقته.
(2) في " ع ": مؤونته
(3) في " ف " و " ج " و " ع ": لاعتباره.
(4) المنتهى 1: 519.
(5) نهاية الإحكام 2: 383.
(6) الجامع للشرائع: 146.
(7) الدروس 1: 242.
(8) حاشية الشرائع (مخطوط): 49.
(9) المسالك 1: 48.
336

الزكاة من المنفق لولا إطلاق الأخبار ومعاقد الاجماعات المانعة عن دفع الزكاة
إلى واجب النفقة، اللهم إلا أن يحمل جميع ذلك بحكم الغلبة - إلى غير تلك
الصورة، بل على أخذ الزكاة لسد خلة نفسه.
فحاصل الروايات: أن الزكاة لا تصرف في سد خلة واجب النفقة، بل
يجب سد خلتهم مع قطع النظر عن وجوب الزكاة، لأنهم عياله لازمون له كما
في بعض الأخبار (1) - ولأنه يجبر على نفقتهم - كما في آخر (2) - فلا تجعل زكاته
وقاية لماله، على ما في بعض الروايات (3).
ويؤيده فحوى ما سيجئ من جواز صرف المالك الزكاة في التوسعة على
عياله: فإن جواز التوسعة عليهم من الزكاة يستلزم جواز سد خلتهم الشاملة
لجملة عيالهم منها.
ويلوح إلى ما ذكرنا في معنى الرواية قول شيخنا في المسالك في بيان
ضابط الجواز والمنع: إن القريب إنما يمنع دفعه لقريبه من سهم الفقراء لقوت
نفسه مستقرا في وطنه، فلو كان من باقي الأصناف جاز الدفع إليه، ولذا لو أراد
السفر أعطي ما زاد على نفقة الحضر، وكذا يعطى لنفقة زوجته وخادمه (4)
(انتهى).
بقي الكلام في أن الواجب هو الاقتصار على ما يحتاج إليه لنفقة عياله؟
أو يجوز الاغناء حتى به يستغني عن الانفاق عليه؟ ظاهر صدق الفقير هو
الثاني، لكن ظاهر كلام بعض هو الأول.
ثم إن الظاهر جواز أخذ الزكاة للتوسعة من المنفق، فضلا عن غيره إذا

(1) الوسائل 6: 165 الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 6: 166 الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(3) الوسائل 6: 170 الباب 16 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(4) المسالك 1: 48.
337

كان في معيشته فتور بدون الأخذ لدخوله في سد الخلة، وصدق الفقير على واجب
النفقة، وانصراف ما دل على المنع بصورة قيام المنفق بالانفاق اللائق.
ويؤيده بل يدل عليه موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال:
سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها، وقد وجبت عليه فيها الزكاة،
ويكون فضله الذي يكتسب بما له كفاف عياله لطعامهم وكسوتهم ولا يسعه
لأدمهم (1) وإنما يقوتهم في الطعام والكسوة، قال: فلينظر إلى زكاة ماله ذلك
فليخرج منها شيئا قل أو كثر، فيعطيه بعض من تحل له الزكاة، وليعد بما بقي
من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم، وما يصلحهم في طعامهم في غير
إسراف، ولا يأكل هو منه " (2). ونحوها صحيحة صفوان، عن إسحاق بن عمار (3).
ودعوى أنهما في مقام زكاة التجارة المندوبة، فيجوز التسامع فيها بإعطاء
من لا يجوز إعطاؤه الواجبة، فاسدة جدا، إذ بعد تسليم ظهور زكاة التجارة منه
ومنع احتمال بقاء مقدار النصاب من الألف درهم إلى تمام الحول فوجبت فيه
الزكاة، لا ريب في أن المقام مقام بيان مصرف الزكاة المندوبة المتحد مع مصرف
الواجبة إجماعا، وأما التوسعة الزائدة على النفقة اللائقة التي لو فرض تملكه لها
أو لثمنها كان الزكاة عليه محرمة، فالظاهر عدم جواز الأخذ من سهم الفقراء،
بل مطلقا، لحصول الغنى على ما عرفت، خلافا لظاهر جماعة (4)، لظاهر صحيحة
ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول عليه السلام: " قال: سألته عن الرجل يكون أبوه
أو عمه أو أخوه يكفيه مؤونته، أيأخذ من الزكاة فيوسع به إن كان لا يوسعون عليه

(1) في " ف ": لأدائهم.
(2) الوسائل 6: 167 الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(3) الوسائل 6: 166 الباب 14 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(4) المنتهى 1: 519، والبيان: 316، والحدائق 12: 211.
338

في كل ما يحتاج إليه؟ قال: لا بأس " (1)، لكن الظاهر منها إرادة التوسعة في مقابلة
التضيق، ولو سلم ظهورها في إرادة الفضل عن النفقة اللائقة فلا بد أن تحمل
على ما ذكرنا، لأنها لا تقاوم العمومات الكثيرة المانعة من إعطاء الغني.
ثم (2) لو بني على أن وجوب الانفاق لا يرفع الفقر كما سبق عن جماعة (3)
جاز له الأخذ مطلقا من غير فرق بين أن يكون لأجل الانفاق أو للتوسعة،
فافهم (4).
ثم لو قلنا بجواز الأخذ للتوسعة فيبقى استثناء الزوجة من جواز الأخذ
للتوسعة من النفق وغيره، لأنها تطلب النفقة بعوض بضعها.
ثم لو كانت الزوجة ناشزة فالظاهر أنها كالمطيعة، وظاهر المحقق في
المعتبر (5) الاجماع على عدم الفرق بينهما (6)، ووجهه واضح، لتمكنها من النفقة
بالرجوع إلى الطاعة.
والمنقطعة المشروطة لها النفقة بحكم الدائمة، كما أن الدائمة المسقطة
لوجوب النفقة بناء على جوازه كالمنقطعة.
وأما المملوك فصرح جماعة (7) بعدم جواز إعطائه، وعلله في المعتبر (8) بعدم
التملك وبأنه غني بمولاه، واقتصر في البيان على عدم الملك، قال: ولو قلنا
بملكة فهو في حكم في حكم ملك السيد (9)، وظاهر من ذكره هنا في واجبي النفقة إن المانع

(1) الوسائل 6: 163 الباب 11 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) في " م " و " ع ": نعم.
(3) راجع الصفحة 335.
(4) ليس في " ف ": فافهم.
(5) ليس في " ف ": في المعتبر.
(6) المعتبر 2: 582.
(7) انظر الجواهر 15: 404، وفيه: ولذا صرح غير واحد باعتبار الحرية في المستحق.
(8) المعتبر 2: 568.
(9) البيان: 198.
339

وجوب الانفاق، وهو الظاهر من ذكره في أخبار المنع عن إعطاء واجبي النفقة،
معللة بأنه يجبر على نفقتهم (1).
والتحقيق: إنه إن أنفق المولى على عبده النفقة اللائقة، فلا يجوز له أخذ
الزكاة من مولاه ولا من غيره،
وإن عجز المولى عنها جاز له الأخذ مطلقا. أما
الأول فلصدق " الغني " عليه عرفا، على ما عرفت في غيره كما اعترف به
الشهيدان (2) والفاضلان (3) فيما تقدم في أول المسألة.
وأما الثاني فلصدق " الفقير " عليه، ولا مانع منه إلا كونه غير مالك، أو في
حكم غير المالك، أو أن دفع المولى زكاته إليه لا يسمى إيتاء، - ولذا لو تبين كون
المدفوع إليه بعدا للدافع لم يجز كما صرح به غير واحد (4) مع اعترافهم بالاجزاء
لو تبين اختلال الشروط الأخر أو ورود الأخبار بأن العبد لا يعطي الزكاة، ولو
كان له ألف ألف، ولا يعطى منها لو احتاج (5)، كما تقدم في اشتراط الحرية في
المزكي، وشئ من ذلك لا يصلح للمنع.
أما الأول فلأنه إنما يمنع إذا ثبت أن حكم حصة الفقراء [تمليكهم
إياها] (6) كما قد يتراءى من ظاهر " اللام " في الآية (7)، ومن أمثال قوله عليه السلام:
" فإذا وصلت إلى الفقير فهي بمنزلة مال (8) الفقير يصنع بها ما شاء " (9)، وهو

(1) انظر الوسائل 6: 166 الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(2) انظر البيان: 193 والمسالك 1: 48.
(3) انظر المعتبر 2: 581 والمنتهى 1: 523.
(4) انظر: المدارك 5: 208، والجواهر 15: 332.
(5) الوسائل 6: 59 باب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث الأول.
(6) ما بين المعقوفتين ليس في " م ".
(7) التوبة: 9 / 60.
(8) في المصدر: ماله.
(9) الوسائل 6: 200 الباب 41 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول، مع اختلاف في بعض الألفاظ.
340

ممنوع، فإن " اللام " للاستحقاق، ومثل الرواية وارد مورد الغالب من كون الدفع
على وجه التمليك كما لا يخفى.
وحينئذ فيجوز صرف الزكاة إلى العبد بأن يقدم إليه طعام يأكله كما ذكرنا
في إعطاء الطفل، نعم لو أريد تسليمه بحيث يخرج عن ملك المزكي قبل إتلاف
العبد له اعتبر إذن السيد، فيملكه هو أو العبد على الخلاف في مالكيته، فإن كان
السيد فقيرا جاز له الأخذ من العبد، وإن كان غنيا ممتنعا عن الانفاق حرم عليه
الأخذ [إلا مع الابدال، ولو عصى فأخذه فهو يملكه] (1).
وهل يعتبر حينئذ إذنه للأخذ حتى يقع التسليم بدونه غير مخرج
للمدفوع عن ملك الدافع؟ وجهان: أقواهما ذلك، وحينئذ فيصرف في العبد وإن
لم يكن عبرة بتسليمه، كالطفل المصروف فيه الزكاة.
وأما الثاني، فلمنع عدم صدق الإيتاء والاعطاء والصرف بعد عدم اعتبار
التمليك (2) في حصة الفقراء، وأما ما ذكروه من أنه لو تبين المدفوع إليه عبدا
للدافع لم يجز، فالظاهر اختصاصه بغير صورة صرف الزكاة إليه بإطعامه الطعام
من باب الزكاة، فإنه يصدق على ذلك صرف الزكاة، ولا نسلم اعتبار الخروج عن
الملك بالتسليم في الزكاة، مع أن هذا الوجه لم تم كان المولى بالأخبار الواردة في
حرمان واجبي النفقة (3) لو سلم كون المنع فيها تعبدا لا من جهة حصول الغنى،
كما يشعر به التعليل بأنه يجبر على نفقتهم.
وأما الأخبار المتقدمة في اشتراط الحرية في المزكي من أن العبد لا يزكي

(1) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(2) في " ف " و " ج " و " ع ": التملك.
(3) الوسائل 6: 165 الباب 13 من أبواب المستحقين للزكاة.
341

مع الغنى ولا يعطى الزكاة مع الاحتياج (1)، فالظاهر أن المراد احتياج العبد في
مقابل غناه المسبب عن كون طائفة من المال في يده مع إذن المولى له في التصرف
فيها كيف شاء، ومن المعلوم إن هذا (2) الاحتياج لا يحل أخذ الزكاة كما أن ذلك
الغنى لا يوجب دفعها، بل العبرة في استحقاق الزكاة احتياج مولاه أو امتناع (3)
مولاه الموجبين لاتصافه بالفقر الحقيقي الموجب لاستحقاق الزكاة.
وكيف كان فجواز اعطاء العبد الفقير من سهم الفقراء لا يخلو عن قوة
كما صرح به في حاشيتي الإرشاد (4) والشرائع (5)، واختاره في المناهل (6)، والأحوط
أن يعطى (7) من سهم سبيل الله، وأحوط منه عدم اعطائه مطلقا.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا بين وجوب الانفاق بالأصالة، وبين الوجوب
بنذر وشبهه، لعموم التعليل المتقدم، وصدق الغنى معه، سيما إذا قلنا بأن المنذور
له يملك على الناذر ذلك، ويستقر ذلك في ذمته بمجرد النذر. ومنه يعلم وضوح
جهة المنع فيما إذا وجب بشرط في ضمن عقد لازم.

(1) الوسائل 6: 59 الباب 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(2) ليس في " ف ": هذا.
(3) في " ف " و " ج " و " ع ": وامتناع.
(4) لم نقف عليه.
(5) حاشية الشرائع (مخلوط): 49.
(6) لم تعثر عليه.
(7) في " ع ": لا يعطى.
342

مسألة
[41]
لا اشكال في تحريم زكاة غير الهاشمي على الهاشمي، وعن جماعة (1): دعوى
اجماع المسلمين عليه، وعن المنتهى (2) وشرح المفاتيح (3) دعوى تواتر الأخبار
به،
وهل تحرم على بني المطلب أخي هاشم -؟ المشهور: لا - بل عن الخلاف
دعوى الاجماع عليه - (4)، [للأصل والعمومات] (5) وظاهر تخصيص بني هاشم في
مورد الحكم بالتحريم، خلافا للمحكي عن الإسكافي (6) والمفيد (7)، لرواية زرارة
- الموثقة - عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: لو كان عدل (8) ما احتاج هاشمي
ولا مطلبي إلى صدقة، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم. ثم قال: إن
الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة، والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد

(1) انظر الجواهر 15: 406، والمدارك 5: 250، والحدائق 12: 215.
(2) المنتهى 1: 524.
(3) شرح المفاتيح (مخطوط).
(4) الخلاف، كتاب قسمة الصدقات، المسألة: 26 (الطبعة القديمة).
(5) ورد ما بين المعقوفتين في " ع " بعد قوله: المشهور: لا.
(6) حكي في المختلف: 183 والمدارك 5: 256 وغيرهما.
(7) المقنعة: 248.
(8) في المصدر: العدل.
343

شيئا ويكون ممن تحل له الميتة " (1).
وللنبوي: " إنا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام، وهم
شئ واحد " (2).
ولأنهم قرابة النبي صلى الله عليه وآله فيدخلون في ذوي القربى
- المستحقين للخمس - فيحرم عليهم الزكاة.
[ويمكن حمل المطلبي على كون نسبته إلى عبد المطلب، كما يقال: " منافي "
في عبد مناف، ويكون عطفه على الهاشمي تفسيريا، مثل قوله تعالى [لا ترى
فيها عوجا ولا أمتا] (3) وفائدته: التصريح] (4).
ويمكن أن يكون الوجه في الملازمة بين دفع الناس الخمس، وبين حصول
التوسعة للمطلبيين: إن توسعة الهاشميين مستلزم لتوسعتهم لكمال اختلاطهم بهم
لا لأجل استحقاقهم بأنفسهم للخمس.
والأنسب في الجواب: منع (5) مقاومته للعمومات الكثيرة، وما يستفاد من
تخصيص بني هاشم بالذكر في الأخبار المعتضدة بالشهرة، وحكاية الاجماع.
ويؤيد ما ذكرنا بل يدل عليه قول الكاظم عليه السلام في المرسلة الطويلة
لحماد بن عيسى: " وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي
صلى الله عليه وآله الذين ذكرهم الله تعالى فقال [وأنذر عشيرتك الأقربين] (6) وهم
بنو عبد المطلب أنفسهم، الذكر منهم والأنثى، ليس فيهم من بيوتات قريش ولا

(1) الوسائل 6: 191 الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) الخلاف 2: 196 كتاب الفئ وقسمة الغنائم، المسألة 38 (الطبعة القديمة).
(3) طه: 20 / 107.
(4) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(5) في " م " مع.
(6) الشعراء: 26 / 214.
344

من العرب أحد "، وفيها أيضا: إن " من كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر
قريش فإن الصدقات تحل له " (1)، وأما النبوي فضعيف بلا جابر.
وأما " ذوي القربى " فهو الإمام عليه السلام كما سيجئ في الخمس، وإلا
فمطلق القرابة لا يوجب استحقاق الخمس.
وكيف كان فلا محيص عما عليه المشهور.
ثم الظاهر من الأخبار سيما المعللة (2) للحكم بالتحريم: ب‍ " أن الصدقة
أوساخ الناس " (3) والواردة في تحريم سهم العاملين (4) الذي هو أشبه شئ
بأجرة العمل، حتى زعم بعض العامة أنها هي هو عدم الفرق في الحكم بين
السهام حتى " سبيل الله " الذي حكمنا بجواز صرفه في الغني والكافر، وأن تأمل
في التعميم كاشف الغطاء قدس سره (5).
ثم إن الظاهر عدم الخلاف في استثناء صورة الاضطرار مما ذكر من
التحريم، وحكاية الاجماع عليه مستفيضة (6)، ويدل عليه الموثقة المتقدمة (7)، ولكن
ظاهر المحكي عن جماعة كالسيدين في الانتصار (8) والغنية (9) والفاضلين في
المعتبر (10) والشرائع (1) والمختلف (12) والمنتهى (13) الاكتفاء في الجواز بعدم تمكنهم من

(1) الوسائل 6: 358 الباب الأول من أبواب قسمة الخمس الحديث (8).
(2) في " ع ": المطلقة.
(3) الوسائل 6: 186 الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(4) الوسائل 6: 185 الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(5) كشف الغطاء: 356.
(6) انظر المدارك 5: 254 والحدائق 12: 219 والجواهر 15: 409 وغيرها.
(7) المتقدمة في الصفحة 343.
(8) الإنتصار: 85.
(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(10) المعتبر 2: 586.
(11) الشرائع 1: 163.
(12) المختلف 1: 184.
(13) المنتهى 1: 526.
345

أخذ الأخماس، وهو بظاهره يدل على الجواز حتى مع التمكن مما يجوز له أخذه،
كزكاة مثله أو الصدقات المندوبة (1)، وهو في غاية الاشكال، بل ظاهر الموثقة
المعتضدة بعمومات التحريم المقتصر في تخصيصها على المتيقن هو اعتبار
الاضطرار في جواز الأخذ، إلا أن يقال: إن المراد بالشئ في قوله: " لا يجد شيئا "
يعني نوعا آخر من الأخماس والصدقات الجائزة له، لا مسمى الشئ، حتى يعتبر
عدم تملكه لشئ أصلا، وقوله: " ويكون ممن يحل له الميتة " التنظير بمن لا يجد
النوع المحلل من القوت، لا خصوص اعتبار كون اضطرار الهاشمي إلى حد
يباح مع أكل الميتة لولا الزكاة، لأن هذا المقدار غير معتبر اجماعا على
الظاهر (2).
فحاصل الرواية حينئذ: جواز التناول لمن لا يجد ما يجوز أن يتناوله،
ويكون التشبيه بين التعيش من الزكاة وأكل الميتة في الجواز عند عدم وجدان
ما يجوز أخذه، لا بين نفس الزكاة ونفس الميتة، فتكون الرواية حينئذ ساكتة عن
مقدار المأخوذ، وعن وجوب الاقتصار على مقدار الضرورة، كما ذهب إليه جماعة
من المتأخرين (3) متمسكين بالموثقة المنضمة إلى عمومات الحرمة، خرج منها
المتيقن، خلافا للمحكي (4) عن الأكثر فلم يقدروا المأخوذ بقدر، لأنه إذا أبيح له
الزكاة فلا تتقدر بقدر، لما دل على جواز إغناء الفقير المستحق للزكاة، وهذا
مستحق.
ولعل مرجع هذا الاستدلال إلى ما ذكرنا من دلالة الرواية على جواز أخذ

(1) في " ف ": المنذورة.
(2) في " ف ": على الظاهر اجماعا.
(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 526 والتحرير 1: 69 والشهيد في الدروس 1: 243 وغيرهما، وانظر
الحدائق 12: 219 والمستند 2: 53.
(4) حكي في المختلف: 185 والمستند 2: 53.
346

الزكاة للهاشمي إذا لم يجد الخمس من غير تعرض لمقدار لمأخوذ، فيرجع فيه
إلى عموم ما دل على جواز إغناء من يستحق الزكاة وإن كان استحقاقا عرضيا.
ثم المراد بقدر الحاجة هل هو سد الرمق؟ كما عن كشف الرموز (1)، أو
كفاية السنة؟ وهو المحكي عن الدروس حيث قال: إنه يعطى التكملة (2) لا غير (3)
ونحوه عن جامع المقاصد (4)، أو قوت يوم وليلة؟ كما هو مختار الشهيد (5)
والمحقق (6) الثانيين والمحكي عن ابن فهد (7) أقوال، أنسبها بالموثقة المتقدمة (8):
الأول، ويكون ما يأخذه اضطرارا من الزكاة بدلا عن الخمس الذي لا يأخذ منه
زيادة على كفايته، فيساوي مبدله (9) هو الثاني والأوسط هو الثالث، لأن حمل
الموثقة على تنظير نفس الزكاة بمنزلة الميتة بعيد عن السياق، لأن قوله عليه السلام:
" لو كان عدل ما احتاج هاشمي " دل على ثبوت الحاجة لهم فعلا بسبب عدم
قوة العدل الذي هو بمنزلة عدم وجوده، وقوله: " إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت
له الميتة " (10) تمهيد لبيان حل الزكاة للهاشمي من جهة حاجتهم المفروضة في
الفقرة السابقة، ولا ريب في أن حاجتهم لم تبلغ غالبا إلى حد إباحة الميتة، بل
لا تبلغه حاجة أحد غالبا ولو كان من فقراء الكفار، فإذا فرض أنه لا يعتبر في

(1) كشف الرموز 1: 257.
(2) في " ف " و " ع " المكملة.
(3) الدروس 1: 243 وفيه: ويعطى التتمة لا غير.
(4) جامع المقاصد 3: 33.
(5) المسالك 1: 48.
(6) جامع المقاصد 3: 34. وحاشيته على الشرائع (مخطوط): 49.
(7) المهذب البارع 1: 536. وحكاه في المستند 2: 53.
(8) في الصفحة 343.
(9) كذا في النسخ، والعبارة لا تخلو عن اضطراب، واحتمال السقط فيها غير بعيد.
(10) الوسائل 6: 191 باب 33 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث الأول.
347

اضطرارهم بلوغه إلى ذلك، الحد فلا معنى لتحديد المأخوذ بما يسد الرمق، لأنه
شئ يجده المحتاج المذكور قبل الأخذ، مع أنه حرج شديد منفي، ومع أنه
لا يلائم حكمة التحريم التي هي ترفعهم عن أوساخ الناس، فإنها لا تقضي هذا
المقدار من التضييق، بل تقتضي ارتفاعها بمجرد الحاجة.
ثم لو أريد بأخذ ما يسد الرمق أخذ ما يكفي (1) لسد رمقه في السنة
فيكون (2) الفرق بينه وبين القول الثاني: جواز أخذ المؤونة المتعارفة للسنة على
القول الثاني دون هذا القول، لم يخرج عن الحرج وإن لم يكن بتلك المبالغة (3) لظاهر الرواية، فالأولى في معنى الرواية تنظير التعيش من الزكاة حيث لا معيشة
له من غيرها (4) بمنزلة أكل المية في الجواز مع الحاجة، [أو تشبيه ما يسد الخلة من
الزكاة بالميتة] (5) لا تشبيه الزكاة بالميتة في وجوب الاقتصار على ما يسد الرمق في
ما يستفاد من باب النفقات هو التقوت يوما فيوما، ومن حيث الأكل على
ما يستفاد من باب النفقات هو التقوت يوما فيوما، ومن حيث الكسوة عند
الحاجة إليه، وأما الحكم بجواز التكملة (7) للسنة لمن عنده قوت بعضها أو
أكثرها فهو بعيد عن سياق الرواية، سيما إذا رجا تمكنه من الخمس في بقية السنة.
وأما كون المأخوذ بدلا عن الخمس بحيث يترتب عليه ما يترتب على
الخمس فهو ممنوع جدا، إذ المسلم أنه شئ أباحه الشارع لسد الخلة حيث

(1) في " م ": ما يكتفي به.
(2) في " ع ": ليكون.
(3) في " ع ": المخالفة.
(4) ليس في " ف ": من غيرها.
(5) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(6) ليس في " م " في الحال.
(7) في " ف ": الأخذ المكملة، وفي " م ": أخذ التكملة.
348

إنه (1) لم يقو الهاشمي على غيره، وحينئذ فيجوز التعيش به عند الحاجة المضبوطة
عرفا باليوم (2) وليلته، اقتصارا في مخالفة أصالة الحرمة على القدر المتيقن بعد
إثبات جواز التعدي عما يسد الرمق [منها بكونها من سنة إلى سنة] (3).
نعم لو توقع ضرر الحاجة إن لم يدفع إليه ما يكمل مؤونة السنة عادة دفع
إليه ذلك، كما أشار إليه الشهيد والمحقق الثانيان في حاشية الشرائع (4)
والمسالك (5). قال أيضا: ولو وجد الخمس في أثناء السنة لم يبعد وجوب استعادة
ما بقي من الزكاة (6) (انتهى).
وفيه عدم الدليل على ذلك بعد التملك، فهو كما لو صار الفقير الآخذ
للزكاة أو الخمس غنيا بغير هما.
نعم لو حملنا الموثقة المتقدمة على تنظير أصل الزكاة أو ما يسد به الخلة
منها بالميتة، كانت ظاهرة فيما ذكره من وجوب الاستعادة، أما لو حملناها على
تشبيه أخذ الزكاة بأكل الميتة في الجواز عند الاضطرار فلا، لأن المفروض جواز
الأخذ والتملك له حين الأخذ لاضطراره، ولا دليل على زوال ملكيته عن المأخوذ
بعروض الغنى أو بوجودان الخمس، إلا أن يقال: إن الاستحقاق إنما يحدث يوما
فيوما لحدوث سببه، وهو الاضطرار، وجواز الأخذ دفعة إنما هو لدفع ضرر الحاجة
في زمان عدم الوجدان، لا لاستحقاق مجموع المأخوذ حين الأخذ حتى يحتاج
إلى المزيل، فهو إنما يملكه متزلزلا، يكشف حاله بالغنى عنه [وعدمه] (7).

(1) ليس في " م ": إنه.
(2) في " م " بليلته.
(3) ما بين المعقوفتين ليس في " ف " و " م ".
(4) حاشية الشرائع (مخطوط): 49.
(5) المسالك 1: 48.
(6) حاشية الشرائع (مخطوط): 49.
(7) ما بين المعقوفتين ليس في " م " و " ع ".
349

هذا كله من حيث القوت، وأما من حيث الكسوة وسائر المؤن، فيجوز
أن يأخذ منها عند الحاجة ما يليق به وإن كان يكفيه لمدة.
ثم إن المتيقن من الصدقات المحرمة هي الزكاة المفروضة، وهل يلحق بها
مطلق الواجبة من الصدقات كالكفارات والهدي؟ أو بالعرض كالصدقة المنذورة
والموصى بها؟ قولان:
من عموم كثير من الأخبار تحريم (1) أصالة (2) الصدقة أو خصوص
المفروضة والواجبة، وخصوص مرفوعة أحمد بن محمد الواردة في تقسيم الخمس،
العاطفة فيه الصدقة على الزكاة في التحريم (3)، مضافا إلى اطلاقات معاقد
الاجماعات.
ومن انصراف الصدقة المفروضة سيما المقيدة بكونها مطهرة للمال، أو
المعللة بأنها أوساخ الناس بما فرضها الله للتطهير في قوله تعالى [خذ من
أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها] (4)، ففي رواية زيد الشحام عن الصادق
عليه السلام: " قال: سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم؟ قال: هي الصدقة
المفروضة المطهرة للمال " (5 (وفي رواية أخرى لزيد بعد السؤال المذكور قال
عليه السلام: " هي الزكاة المفروضة " (6) ونحوها رواية إسماعيل بن فضل الهاشمي (7)،
وفي الصحيح عن جعفر الهاشمي: " إنما الصدقة الواجبة على الناس، وأما غيرها

(1) في " م ": في تحريم.
(2) كذا في النسخ، ولعلها مصحفة من " مطلق ".
(3) الوسائل 6: 359 الباب الأول من أبواب قسمة الخمس، الحديث 9.
(4) التوبة: 9 / 103.
(5) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتب الأخبار، نعم نقله في الجواهر 15: 412 وعلق عليه المحقق
بعدم العثور عليه في كتب الأخبار.
(6) الوسائل 6: 190 الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(7) الوسائل 6: 190 الباب 32 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.
350

فلا " (1).
ثم لو قلنا بحرمة الواجبة ولو بالعرض فالظاهر أن الموصى بها غير
داخل، لأنه إنما وجب التصدق (2) على الوصي (3) من حيث وجوب الوفاء بما
أوصى به الغير، فيجب عليه ايجاد التصدق الذي أوصى به الميت، ولا ريب أنه في
نفسه لم يكن واجبا،
والفرق بينه وبين الصدقة المنذورة: إن في المنذورة تعرض
الوجوب لأصل الصدقة، وأما في الموصى بها فالوجوب إنما يتعلق بقيام الوصي (4)
بالأمر المندوب الذي أوصي به، فهو كالتصدق الذي أمر به (5) المولى أو غيره ممن (6)
يطاع.
نعم لو أوصى الميت بالتصدق لا من ماله، بل من مال الوصي (7)، وقبل
الوصي (8) وقلنا بوجوبه بالقبول، كانت بحكم المنذورة [وأما مجهول المالك
فالظاهر أنه كالموصى به] (9) [وفاقا للمحكي عن المحقق (10) والشهيد (11) الثانيين،
لأن الواجب دفع المال صدقة عن صاحبه] (12).

(1) الوسائل 6: 189 الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3. وفيه: إنما الصدقة
الواجبة على الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس.
(2) في " ف ": وجبت الصدقة.
(3) (4) في " ف " و " م ": الموصى.
(5) في " ف " و " م ": أقربه.
(6) في " ف " و " م ": مما.
(7) (8) في " ف " و " م ": الموصى.
(9) ما بين المعقوفتين ليس في " ج " و " ع ".
(10) لم نجده صريحا، نعم يستفاد من عموم كلامه في جامع المقاصد 9: 131، وانظر الجواهر 15:
412.
(11) المسالك 1: 47 والروضة 2: 52 وذلك يستفاد من عموم كلامه رحمه الله فيهما أيضا.
(12) ما بين المعقوفتين ليس في " ع ".
351

ثم إن المتبادر من الصدقة [سيما في أدلة التحريم] (1) سيما المعللة منها
بكون (2) قبولها سببا للمهانة والذلة، هو (3) ما عن المنتهى في مقام الجواب عن
احتجاج المحقق على جواز الصدقة المندوبة للنبي صلى الله عليه وآله، بأنه كان
يقترض ويقبل الهدية، وكل ذلك صدقة، لقوله عليه السلام: " كل معروف صدقة " (4).
قال في المنتهى: وفيه نظر، لأن المراد بالصدقة المحرمة ما يدفع من المال
إلى المحاويج على سبيل سد الخلة، ومساعدة الضعيف طلبا للأجر، لا ما جرت
العادة بفعله على سبيل التودد كالهدية والقرض، ولذا لا يقال للسلطان إذا قبل
هدية بعض رعيته: إنه تصدق عنه (5) (انتهى). وحكى نحوه عنه في النهاية (6)، وهو
حسن (7) على وجه المعونة وسد الخلة والتحرم، لا مطلق ما يملك مجانا قربة إلى الله
كإهداء الهدية والإضافة بنية القربة، فإن الظاهر إنها لا تدخل في أدلة حرمة
التصدق، وإلا فقد ورد: " إن كل معروف صدقة " (8).
ثم إنه لا خلاف في عدم تحريم الصدقة المندوبة، وبه وردت أخبار
كثيرة (9)، إلا أن في بعض الأخبار ما يدل على نهي الإمام عن ماء المسجد معللا
بأنها صدقة (10)، وقد اشتهر حكاية منع سيدتنا زينب أو أم كلثوم عليهما السلام

(1) ما بين المعقوفتين ليس في " ع " و " ج ".
(2) في " ع ": هو ما يكون.
(3) في " ج 2 و " ع ": وهو.
(4) (8) الوسائل 6: 323 الباب 42 من أبواب الصدقة الحديث 5، وانظر المعتبر 2: 585.
(5) المنتهى 1: 525.
(6) نهاية الإحكام 2: 399.
(7) في هامش " ف " هنا ما يلي: لا يخفى ما في هذه العبارة من الاغتشاش وتكرر المطلب، والظاهر أن من قوله: " على وجه المعونة وسد الخلة " إلى قوله: " كل معروف صدقة " بدل عن قوله " على
سبيل سد الخلة ومساعدة الضعيف عليها للأجر لا ما جرت إلى قوله: " انتهى " لمحرره علي.
(9) الوسائل 6: 188 الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة.
(10) الوسائل 6: 188 الباب 31 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
352

للسبايا (1) عن أخذ صدقات أهل الكوفة معللتين بكونها صدقة (2)، ويمكن حملها
على الكراهة، أو الحرمة إذا كان الدفع على وجه المهانة، كما احتمله في شرح
المفاتيح (3).
وهل تحرم الصدقة المندوبة على النبي صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام؟ فيه قولان، وعن المعتبر نسبة العدم إلى علمائنا (4).

(1) في " ع ": السبايا.
(2) انظر البحار 45: 114.
(3) شرح المفاتيح (مخطوط).
(4) المعتبر 2: 584.
353

مسألة
[42]
المتولي لاخراج الزكاة إلى مصارفها اثنان: المالك، وفي حكمه نائبه وكيلا
أو وليا أو وصيا، والإمام، وينوب عنه الساعي.
أما المالك ونوابه، فلا خلاف في جواز توليهم في الجملة، خلافا للمفيد (1)
والحلبي (2) فأوجبا الدفع إلى الإمام مع الحضور، وإلى الفقيه مع الغيبة، وعن ابن
زهرة (3) والقاضي (4): الاقتصار على وجوب الدفع مع الحضور، واطلاق الأخبار
الكثيرة (5) يدفعها، بل في بعض الأخبار: رد (6) الزكاة، وأمر المالك بإخراجها،
وقال: " إن هذا إذا قام قائمنا صلوات الله عليه يعدل في خلق الرحمان بالسوية، البر
منهم والفاجر " (7).
نعم لا ريب في استحباب دفعها إلى الإمام عليه السلام، وإلى الفقيه مع الغيبة،

(1) المقنعة: 252.
(2) الكافي في الفقه: 172.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 506.
(4) المهذب البارع 1: 171.
(5) انظر الوسائل 6 الباب 4 و 28 و 35 و 36 و 37 وغيرها من أبواب المستحقين للزكاة.
(6) في " م ": ترد.
(7) الوسائل 6: 195 الباب 36 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
354

لفتوى جماعة (1)، ولأنه أبصر بمواقعها.
واستدل للمفيد بقوله تعالى: [خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم
بها وصل عليهم] (2). فإن وجوب الأخذ يستلزم وجوب الدفع، وأجيب عنه (3)
بوجوه:
منها: عدم دلالته على كون الصدقة من الزكاة: لجواز إرجاعه إلى المال
الذي أخرجوه من أموالهم كفارة لتخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهم
الآخرون المرجون لأمر الله - كما في سابق الآية -.
وفيه: إن التخصيص لا وجه له [مع عدم المخصص] (4)، فلعل الآية عامة
لكل صدقة تطهرهم، ويشهد لعمومها للزكاة أو اختصاصها بها: استدلال العلماء
على رجحان الدعاء للمزكي بقوله تعالى [وصل عليهم]، ويؤيده ما ورد
عنه صلى الله عليه وآله: " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأدفع إلى
فقرائكم (5).
وبما ذكرنا يندفع أيضا احتمال عود الضمير إلى خصوص الممتنعين.
ومنها: إن وجوب الأخذ لا يستلزم وجوب الدفع ابتداء، وإن فهم من
الخارج وجوب الدفع بعد المطالبة كما يفهم من الأمر بالأمر بإيجاد فعل، مع أن
الأخبار في جواز تولي المالك للاخراج فوق حد الاحصاء، وتخصيصها بزمان
قصور أيدي الأئمة عليهم السلام كما هو مورد تلك الأخبار وإن أمكن، سيما بقرينة
المرسل: " قال: أربعة إلى الولاة.. وعد منها: الصدقات " (6) إلا أنه يحتاج إلى

(1) انظر الحدائق 12: 224 ومجمع الفائدة 4: 205 والجواهر 15: 425.
(2) التوبة 9 / 103.
(3) انظر المختلف: 187 والجواهر 15: 418 وغيرهما.
(4) ما بين المعقوفتين ليس في " ع " و " م ".
(5) انظر سنن البيهقي 7: 8 كتاب الصدقات.
(6) لم تعثر عليه من طرق الخاصة، نعم في دعائم الاسلام 1: 263 هكذا: وعن ابن عمر أنه قال:
أربعة إلى السلطان الزكاة والجمعة والفئ والحدود.
355

دليل، وإلا فمجرد ذلك لا يوجب التخصيص، مع أن أكثرها يأبى عن هذا
التخصيص.
وكيف كان فلو طلبها النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام وجب الدفع
إليه، لحرمة عصيانهما حتى فيما لا يتعلق بالواجبات الإلهية، لعموم أدلة إطاعة
الرسول وأولي الأمر (1)، وقوله تعالى: [فليحذر الذين يخالفون عن أمره] (2)،
وما دل على حرمة إيذائه (3).
ولو طلبها الفقيه فمقتضى أدلة النيابة العامة وجوب الدفع، لأن منعه رد
عليه، والراد عليه راد على الله تعالى كما في مقبولة عمر بن حنظلة (4)، ولقوله
عليه السلام في التوقيع الشريف الوارد في وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى
رواة الأحاديث قال: " فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله " (5).
فرع (6)
لو طلب الإمام أو نائبه الخاص أو العام الزكاة فلم يجبه ودفعها هو بنفسه
فهل يجزئ أم لا؟ قولان: أصحهما أنه لا يجزي وفاقا للمحكي عن الشيخ (7)
وابن حمزة (8) والفاضلين في الشرائع (9) والمختلف (10) والشهيدين في الدروس (11)

(1) النساء 4 / 59 وانظر الكافي 1: 185 باب فرض طاعة الأئمة.
(2) النور: 24 / 63.
(3) التوبة: 9؟ 61.
(4) الوسائل 18: 99 الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.
(5) الوسائل 18: 101 الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.
(6) في " ف ": مسألة.
(7) المبسوط 1: 244.
(8) الوسيلة: 130.
(9) الشرائع 1: 164.
(10) المختلف 1: 187.
(11) الدروس 1: 246.
356

والروضة (1)، لأن وجوب الدفع إلى الإمام عليه السلام بالفرض يدل على حرمة الدفع
إلى غيره، فلا يجوز (2) أن ينوي به التقرب.
وليس ما ذكرنا مبنيا على اقتضاء الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص
كما قيل (3) حتى يمنع المبنى، أو من جهة أن الظاهر من حال الآمر عدم رضاه
بإعطاء الغير، حتى يقال: إن عدم الرضى به إن كان لأجل الأمر فيرجع إلى
مسألة الضد، وإن كان من الخارج فهو مجرد الدعوى، بل من جهة اقتضائه
النهي عن هذا الضد.
بيان ذلك: إن مطلق الدفع أو الدفع إلى شخص خاص قد يلاحظ من
حيث هو، وضده العام حينئذ ترك الدفع (4) [سواء أبقاه على ماله أو دفعه إلى
غير من أمر بالدفع إليه] (5). وقد يلاحظ مقيدا بكونه إلى شخص خاص بعد
الفراغ عن أصل الدفع، وفرض وقوعه من المكلف لا محالة، فيتوجه الايجاب
حينئذ إلى مجرد القيد، فيرجع قوله: " ادفع إلى الإمام " إلى قوله: " ليكن الدفع إلى
الإمام " أو " ليكن المدفوع إليه الإمام عليه السلام "، فضده العام هو ترك إيقاع الدفع
المفروغ عن وقوعه إلى الإمام عليه السلام. وهي عبارة أخرى عرفا عن دفعه إلى
غير الإمام عليه السلام وإن كان هو عدميا وهذا وجوديا. ولا ريب أن الغرض من
أمر الإمام (6) عليه السلام بالدفع إليه ليس إلا مجرد إيجاد القيد بعد الفراغ عن أصل
وجوب الاخراج الذي هو بأمر الله سبحانه، فإلزامه الدفع إلى نفسه في مقابلة
المنع عن الدفع إلى غيره، والمفروض أن أمر الله سبحانه بإطاعته يرجع إلى طبق

(1) الروضة البهية 2: 53.
(2) في " ع ": وذلك لا يجوز.
(3) قاله في المدارك 5: 260.
(4) في " ف ": ذلك الدفع.
(5) ما بين المعقوفتين ليس في " ع ".
(6) في " ع ": الآمر.
357

أمره عليه السلام.
ثم لو سلم أن الأمر بالدفع لا يرجع إلى مجرد القيد، بل إلى الدفع المقيد،
لكن نقول: إن هذا الأمر مقيد للأوامر العامة، بوجوب إخراج الزكاة إلى الفقراء
بما إذا لم يطلبه الإمام عليه السلام الذي هو الولي للفقراء، ضرورة التعارض بين جواز
دفع المال إلى الفقراء، وبين وجوب دفع ذلك المال بعينه إلى وليهم، نظير التعارض
الواقع بين تعيين عتق الرقبة المؤمنة المستفاد من قوله: أعتق رقبة مؤمنة، وجواز
عتق الكافرة المستفاد من قوله: أعتق رقبة، فليس هذا من مسألة الضد، بل من
المطلق والمقيد المثبتين.
اللهم إلا أن يقال: إن التكليف بالمقيد هنا تكليف آخر مغاير للتكليف
بالمطلق، لأن التكليف بالمطلق إنما هو بإيتاء الزكاة، والتكليف بالمقيد إنما هو
بإجابة الإمام عليه السلام.
نعم لو دل دليل على أن إيتاء الزكاة يجب أن يكون بالدفع إلى الإمام
عليه السلام كان التقييد متوجها (1) كما في المثال المذكور، ولذا يستحق الدافع إلى
الإمام عليه السلام ثوابا على الزكاة، وثوابا على إجابة الإمام عليه السلام وكذا يستحق
عقابين لو ترك أصل الزكاة، أحدهما: على ترك الزكاة، والآخر: على معصية
الإمام عليه السلام، بخلاف مثل المطلق والمقيد.
فالتحقيق إرجاع المسألة إلى مسألة الضد، مع إمكان أن يقال: إن مقتضى
عموم وجوب الدفع إلى الإمام عليه السلام من باب الإطاعة هو عدم ترتب الأثر
على دفعه إلى الفقير، بل المزكي بعد دفع المال إلى الفقير مكلف بدفعه إلى الإمام
عليه السلام، فيجب عليه استرجاعه من الفقير، ودفعه إلى الإمام عليه السلام أو دفع
الزكاة من ماله إليه، وهذا معنى عدم الاجزاء، كما ذكرنا نظيره في مسألة من نذر

(1) في " ف ": موجها.
358

التصدق بمال معين، وإن عموم وجوب (1) الوفاء مانع عن ترتب الأثر على
التصرفات الواقعة على ذلك المال، الثابت (2) جوازها بعموم أدلتها.
لكن يدفعه: إن وجوب الدفع إلى الإمام مختص بصورة وجوب الزكاة،
وبعد سقوط الزكاة عنه بمقتضى العمل بعمومات جواز الدفع إلى الفقراء
المستلزم لسقوط التكليف لا يبقى موضع لوجوب الدفع إلى الإمام عليه السلام
فالعمل بالعمومات مخرج للمسألة عن موضوع وجوب الدفع إلى الإمام، فالحكم
بالاجزاء من جهة العمل بظاهر العمومات (3) لا يلزم منه خلاف ظاهر في دليل
وجوب الدفع إلى الإمام عليه السلام، بل يلزم منه خروج الواقعة عن موضوع ذلك
الدليل بخلاف الحكم بعدم الاجزاء (4)، فإنه موجب لتخصيص العمومات.

(1) تقدم ذلك في شرح الإرشاد، راجع الصفحة 57.
(2) في " ف ": وإن ثبت وفي: " م ": والثابت.
(3) في " ف ": الروايات.
(4) في " ف ": الاجزاء السليم.
359

مسألة
[43]
المحكي عن جماعة (1) تحريم نقل الزكاة من بلد إلى آخر مع التمكن من
صرفها في المنقول عنه، بل قيل: إنه المشهور (2)، بل عن التذكرة: نسبته إلى علمائنا
أجمع (3)، وعن الخلاف الاجماع عليه (4) قيل: لمنافاته للفورية الثابتة كما سيجئ،
ولأنه تغرير للمال، وتعريض له للتلف، ولما دل على مداومة النبي صلى عليه وآله وسلم
على تقسيم صدقة أهل البوادي عليهم، وصدقة أهل الحضر عليهم (5)، بل عن
صحيحة الحلبي: " إنه لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب، ولا صدقة الأعراب
للمهاجرين " (6).
وفي الأدلة نظر، لمنع منافاة النقل للفورية، لأن السفر بها شروع في
الاخراج، ولا تجب المسارعة في أسرع وقت، وإلا لم يجز القسمة بين المستحقين (7)،

(1) حكاه في المستند 2: 58 عن الخلاف والشرائع والارشاد والتذكرة والبيان.
(2) الحدائق 12: 239.
(3) التذكرة 1: 244.
(4) الخلاف 2: 28 كتاب الزكاة، المسألة 26.
(5) الوسائل 6: 184 الباب 28 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(6) الوسائل 6: 197 الباب 38 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(7) في " ف " و " م ": الشخصين.
360

لامكان دفعها إلى مستحق واحد، مع أن الكلام في نفس النقل سواء نافى
الفورية أم لا، وهذا غير مسألة الفورية وجواز التأخير سواء نشأ من النقل أم
لا. وأما التغرير بالزكاة مع الحكم بالضمان ووجوب الإعادة لو تلف ممنوع، بل
لا تغرير مع أمن الطرق عادة، مع أن الكلام في النقل من حيث هو، لا التغرير
الذي بينه وبين النقل تباين جزئي.
وأما مداومة النبي صلى الله عليه وآله [فلو سلم دلالتها على الوجوب] (1) فلا
دخل لها في مسألة النقل، بل من حيث القسمة، وأحدهما لا يستلزم الآخر، فقد
يمكن تقسيم صدقة إحدى الطائفتين على الأخرى من غير نقل، كما يمكن
النقل مع تقسيم صدقة كل طائفة إلى أهلها، كيف وقد ثبت ضرورة إرسال النبي
صلى الله عليه وآله العمال والجباة لنقل الصدقات إلى البلد، كما نص عليه الإمام
عليه السلام في الكلام الذي حكيناه عن نهج البلاغة في آداب العامل (2)، ومنه يظهر
الجواب عن رواية الحلبي.
وأما الشهرة وحكاية الاجماع فموهونتان بذهاب كثير إلى الجواز: إما
بشرط الضمان كما عن المبسوط (3) والاقتصاد (4) والفاضل في بعض كتبه (5)
والشهيدين في الدروس (6) والمسالك (7)، أو من غير ذكر شرطه كما عن المفيد (8)
وابن حمزة (9) والحلي (10) والفاضل في بعض كتبه (11)،
وهو الأقوى، لأصالة الجواز

(1) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(2) تقدم في الصفحة 199.
(3) المبسوط 1: 246.
(4) الإقتصاد: 422.
(5) لم نعثر عليه ولا على من نقله.
(6) الدروس 1: 246.
(7) المسالك 1: 48.
(8) المقنعة: 240.
(9) الوسيلة: 130.
(10) السرائر 1: 460 وقد وردت الكلمة في " ع " و " م ": الحلبي.
(11) المختلف: 190 والمنتهى 1: 529.
361

الثابتة بإطلاقات دفع الزكاة، وخصوص المعتبرة
مثل ما عن الفقيه بسنده إلى
هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام: " في الرجل يعطي الزكاة فيقسمها، أله
أن يخرج الشئ منها من البلدة التي هو بها إلى غيرها؟ قال: لا بأس " (1).
وبإسناده عن درست بن أبي منصور: " قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في
زكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده؟ قال: لا بأس أن يبعث بالثلث أو
الربع " (2).
وما في المصحح عن أحمد بن حمزة: " قال: سألت أبا الحسن الثالث
عليه السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر ويصرفها في إخوانه فهل
يجوز لك؟ قال: نعم " (3).
وظاهر هذه الأخبار كما ترى يدل على الجواز بمعنى ثبوت هذا
التخيير للمالك بأصل الشرع في دفع الزكاة الذي لازمها (4) عدم الضمان، إلا أن
الظاهر ثبوت الضمان لو تلفت إذا تمكن من دفعها في بلده (5) إلى المستحق، وعن
المنتهى الاجماع عليه (6)، وقد تقدم الضمان بالتمكن (7) من التسليم، ولعل
مراد من نسب إليه المنع من النقل هو سلب الجواز لا من حيث الفورية بالمعنى
المذكور الذي لازمه عدم الضمان، كما في سائر التصرفات [فيما ترى (8) حيث إنها

(1) الفقيه 2: 31، الحديث 1621 والوسائل 6: 195 الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة
الحديث الأول.
(2) الفقيه 2: 31، الحديث 1620 والوسائل 6: 196 الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة،
الحديث 2.
(3) الوسائل 6: 196 الباب 37 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(4) كذا في النسخ.
(5) في " ع ": بلدها.
(6) المنتهى 1: 520.
(7) في " ف ": في التمكن.
(8) ليس في " ع ": ترى.
362

لا تستعقب] (1) ضمانا، ولذا ترى جملة من المانعين لا يفرعون (2) على المنع إلا
الحكم بالضمان.
ومما يؤيد ذلك ما عن الخلاف (3) والتذكرة (4) من اتفاق العلماء على
[عدم] (5) المنع، مع أن المتتبع لا يجد القائلين بالمنع أكثر من المجوزين، مضافا
إلى ذهاب الشيخ (6) والفاضل (7) إلى الجواز في أكثر كتبهما، وأوضح من جميع ذلك:
أن الشهيد في اللمعة (8) والدروس (9) بعد الجزم بعدم الجواز (10) وتفريع الضمان
تردد في الإثم. واعترضه السلطان غفلة عما ذكرنا: بأنه لا معنى لاظهار التردد
بعد الجزم (11)، ووجهه شارح الروضة: بأن المراد عدم الجواز عقلا، لافضائه إلى
الضمان (12).
ولا يخفى أن ما ذكرناه أرجح وأضعف مما ذكره [ما] (13) في بعض القيود (14)

(1) ما بين المعقوفتين ليس في " م ".
(2) في النسخ: لا يتفرعون.
(3) الخلاف 2: 28 كتاب الزكاة، المسألة 26.
(4) التذكرة 1: 244.
(5) الظاهر زيادة " عدم "، لأن ما في التذكرة والخلاف صريح في الاتفاق على المنع، فيكون المعنى:
مما يؤيد كون المنع موجبا للضمان لا للحرمة، الاتفاق المنقول في الخلاف والتذكرة على المنع مع
أن القائلين بالجواز أكثر من القائلين بالمنع التكليفي.
(6) المبسوط 1: 234.
(7) المختلف: 190 والمنتهى 1: 529.
(8) اللمعة الدمشقية: 51.
(9) الدروس 1: 246.
(10) كذا في مصححة " ع "، وفي النسخ: بعدم الوجوب.
(11) تعليقة سلطان العلماء على الروضة: 37.
(12) المناهج السوية (مخطوط) وفيه: وأما عدم الجواز عقلا لافضائه إلى الضمان.
(13) ما بين المعقوفتين من " م ".
(14) في هامش " ع " ما يلي: ما ذكره بعض الفحول ظاهرا.
363

من عدم المنافاة بين المنع وعدم الإثم، لجواز ارتفاع الإثم بأداء العوض
كما في الكفارة لحسنة محمد بن مسلم بابن هاشم: " قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟
فقال: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، وإن لم
يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت
عن يده، وكذا الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه
الذي يدفعه إليه (1)، فإن لم يجد فليس عليه ضمان " (2).
وكذلك من وجه إليه زكاة مال ليفرقها (3) ووجد لها موضعا فلم يفعل
وهلكت، كان ضامنا (4).
وصحيحة زرارة: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل بعث إليه
أخ له بزكاة ليقسمها فضاعت؟ فقال: ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان.
قلت: فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها؟ فقال: لا ولكن إن عرف لها
أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها " (5)
وبإزاء هذه الأخبار أخبار دالة على عدم الضمان مثل: رواية أبي بصير:
" قلت لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك الرجل يبعث بزكاة ماله من أرض إلى
أرض فيقطع عليه الطريق؟ قال: قد أجزأته، ولو كنت أنا لأعدتها " (6).
وعن بكير بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام: " قال: سألته عن الرجل

(1) في المصدر: الذي أمر بدفعه إليه.
(2) الوسائل 6: 198 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(3) في " ج " و " م " و " ع ": ليصرفها.
(4) راجع الوسائل 6: 198 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة.
(5) الوسائل 6: 198 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(6) الوسائل 6: 199 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 6.
364

يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع؟ قال: ليس عليه شئ " (1).
وعن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام: " إذا أخرجها من ماله
فذهبت ولم يسمها لأحد فقد برئ منها " (2).
وعن حريز، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام: " إذا أخرج الرجل
الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شئ
عليه " (3)،
ومقتضى الجمع بين الأخبار: حمل أدلة عدم (4) الضمان على عدم التمكن
من الدفع.
ثم إن النقل إنما يتحقق مع تعين الزكاة بالعزل، أو مع نقل جميع النصاب،
ومع نقل بعضه من غير عزل، فمقتضى القاعدة أيضا ضمان مقدار ما يخصه
من مجموع الزكاة، لأن مقتضى الشركة تحقق نقل جزء من الزكاة في ضمن
البعض (5) المنقول، وظاهر كلام الروضة (6) والمسالك (7): إن الذاهب من ماله. وقد
تقدم الكلام في ذلك (8).
ثم إن الظاهر عدم الخلاف كما عن التذكرة (9) في الاجزاء لو
قسمها (10) بعد النقل.

(1) الوسائل 6: 199 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5.
(2) الوسائل 6: 199 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(3) الوسائل 6: 198 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(4) ليس في " ف ": عدم.
(5) كذا في " م "، وفي سائر النسخ: بعض.
(6) الروضة البهية 2: 40.
(7) المسالك 1: 48.
(8) راجع الصفحة 363.
(9) التذكرة 1: 244.
(10) ليس في. " ف ": لو قسمها.
365

هذا كله مع وجود المستحق في البلد، وأما مع عدمه فلا إشكال ولا خلاف
في جواز النقل مع ظن السلامة، وعدم الضمان لو تلفت، ويدل عليه حسنة ابن
مسلم المتقدمة (1).
وهل يكفي في الجواز عدم وجود الفقراء في البلد، أو عدم التمكن من
الصرف (2) مطلقا حتى في سبيل الله؟ مقتضى استدلالهم بمثل الفورية والتغرير
بالزكاة هو الثاني، ولكن ظاهر كلمات المانعين هو الأول، بل ظاهر معقد إجماعهم
على الجواز مع عدم المستحق، وظاهر روايتي ابن مسلم وزرارة المتقدمتين (3) في
عدم الضمان بالنقل مع عدم وجود الأهل في البلد هو الأول، وهذا هو الأقوى
إذا فرضنا القول بالمنع، للروايتين المتقدمتين، وما سيجئ من الأخبار في جواز
البعث من عدم وجود أهل الولاية في بلد الزكاة، مضافا إلى عموم رواية ابن أبي
حمزة المتقدمة (4) في جواز النقل، خرج منها على القول بالمنع القدر المتيقن (5) من
كلمات الأصحاب ومعقد إجماعهم.
وهل يجب النقل حينئذ؟ وجهان: من كونه من مقدمات الدفع الواجب،
ومن منع وجوب الدفع فورا مطلقا، إنما الواجب الدفع إلى المستحق على النحو
المتعارف، وهو مشروط بوجود المستحق في البلد، فله حينئذ أن يحفظه وينتظر به.
ويضعف هذا بمنع تقييد أدلة الدفع بصورة وجود المستحق في البلد، نعم
في بعض الروايات: " أنه إذا لم يصب لها أحدا ينتظر بها سنة إلى سنتين إلى أربع
سنين، فإن وجد وإلا فليجعلها في حرز ويطرحها في البحر، قال: فإن الله حرم

(1) في الصفحة 362.
(2) في " ف " و " م ": المصرف.
(3) في الصفحة 364.
(4) في الصفحة 362.
(5) في " ف ": المنفي.
366

أموالنا وأموال شيعتنا على عدونا " (1).
وفي الرواية ضعف سندا ودلالة، ويمكن حملها على صورة تعذر الايصال
ولو بالنقل، إذا لا يرتاب أحد في تقديم النقل على الطرح في البحر، إلا أن يقال:
ليس المراد حقيقة (2)، بل هو من باب الإحالة على المحال، فإن عدم وجدان
المصرف في أربع سنين نادر جدا.
وكيف كان فالتمسك بهذا الرواية على عدم وجوب النقل ضعيف جدا،
كالتمسك على وجو به ظاهره وجوب البعث إلى الشيعة، في مقابلة حرمة الدفع
إلى المخالفين، نحو رواية ضريس: " قال: سأل المدائني أبا جعفر عليه السلام قال: إن
لنا زكاة نخرجها من أموالنا ففيمن نضعها؟ قال: في أهل ولايتك، فقال: إني في
بلد وليس فيها أحد من أوليائك؟ فقال: ابعث بها إلى بلدهم فتدفع إليهم،
ولا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم إلى أمرك لم يجيبوك وكان والله الذبح " (3).
ونحوها رواية شعيب (4)، إذ الظاهر أن المراد هنا بيان المصرف وأنه مختص بأهل
الولاية وإن لم يكونوا في بلد الزكاة ووجد غيرهم، فإن وجود غيرهم كعدمه لا
يسوغ الدفع إليه بمجرد عدم حضور أهل الولاية، فإن ذلك لا يصير عذرا في
الدفع إلى غيرهم (5).
ثم الظاهر اختصاص الخلاف بجواز النقل، فلا اشكال في أداء المثل أو
القيمة في بلد آخر، وإن كان الأفضل الصرف في بلد الزكاة، وما ذكره في الروضة
من احتمال عدم الاجزاء لو نقل جملة من ماله الزكوي من غير عزل فصرفها

(1) الوسائل 6: 153 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 8.
(2) في " م " حقيقته.
(3) الوسائل 6: 152 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(4) الوسائل 6: 153 الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 7.
(5) في " ف ": الدفع إليهم.
367

في بلد آخر (1)، ضعيف جدا.
ثم المراد بالضمان هنا بقاء التكليف بالزكاة، فلا يتعين دفع القيمة إذا تلف
الغنم المنقول، بل له دفع المثل من باقي المال الزكوي ومن غيره، ودفع القيمة،
ولو تلف من يد غير المالك، فالظاهر ضمان القيمي بالقيمة، لأنه الأصل في ذوات
القيم، ودفع المثل من المالك ليس للضمان بل لأنه أحد أفراد الواجب عليه سابقا
قبل التلف أيضا.

(1) الروضة البهية 2: 40.
368

مسألة
[44]
لا اشكال في جواز عزل الزكاة في الجملة، وإنما الخلاف في صحته مع
وجود المستحق، وظاهر إطلاق الأخبار (1) الصحة، ولو ادعى انصرافها إلى صورة
العدم لزم الاقتصار في العزل المخالف للأصل على المتيقن ولا بعد أن يكون ولي
الفقراء بمنزلتهم في اعتبار عدم التمكن منه [أيضا (2) في صحة العزل على القول الآخر.
ومعنى العزل على ما ذكروا (3) تعيين الزكاة في مال خاص.
قالوا (4) فليس
له الابدال ولا يضمنه إلا] (5) بالتفريط أو تأخير الاخراج مع التمكن.
وذكر جماعة (6): أن نماء المعزول تابع له ولو كان منفصلا، وقال في
الدروس بعد الحكم بعدم الابدال: إنه لو نما كان له (7)، يعني للمالك.

(1) الوسائل 6: 213 الأبواب 39 و 52 و 53 من أبواب المستحقين للزكاة.
(2) لم يرد " في اعتبار " إلى " أيضا " في " م ".
(3) انظر المستند 2: 70.
(4) راجع المدارك 5: 275 والجواهر 15: 440.
(5) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(6) انظر المدارك 5: 275 والحدائق 12: 242 والغنائم 344 والرياض 1: 287.
(7) الدروس 1: 247.
369

أقول: أما جواز افراز الزكاة في الجملة فيدل عليه أخبار الاخراج
والعزل، وكذا عدم ضمانه لو تلف بغير تفريط ولا تأخير (1) مع التمكن، كما يدل
عليه المستفيضة (2)، فإنه لولا التعين بالتعيين كان كحالة عدم التعيين في أنه لا
يحتسب من الزكاة إلا ما يخص التالف بنسبته إلى الكل.
وأما عدم جواز الابدال، فلأنه لو جاز له الابدال كان الواجب الكلي
المردد بين المفروز (3) وغيره، فلا يسقط بتلف خصوص المفروز (4).
هذا لو فرضنا منع خروجه عن الملك بالافراز، وإلا فلا إشكال في عدم
الجواز، لاحتياج الجواز إلى ثبوت ولاية منتفية (5) عن المالك بعد العزل، وإن كان
مخيرا في صرفه في أي المصارف، ولا يوجب هذا ولاية.
وأما ملكه للنماء المتصل، فلأنه يتبع العين في وجوب الدفع لأنه جزء منه.
وأما المنفصل فهو مبني على خروجه عن ملك المالك، والانصاف أنه لم
يظهر ذلك من أدلة العزل على وجه تطمئن به النفس. غاية ما يمكن أن يقال
باستفادة ذلك مما ورد في النصوص والفتاوى من عنواني الاخراج والعزل، حيث
إنهما يدلان على أن (6) المخرج والمعزول زكاة، ومن حكم الزكاة خروجها عن ملك
المالك، وكذلك الحكم بالضمان في الأخبار عند التلف بعد التمكن من الدفع، فإن
الضمان ظاهر في كونه خارجا عن ملكه.
وبعبارة أخرى: ظاهر أخبار العزل والاخراج والضمان: تحقق القسمة بين

(1) في " ع ": ولا تأخيره.
(2) الوسائل 6: 198 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3.
(3) في " ف ": الفرد منه.
(4) في " ف ": الفرد.
(5) في " ف ": الفرد.
(5) في " ف ": تبعية.
(6) في " ف ": كون.
370

المالك والفقراء بولاية من المالك، ويؤيده قاعدة تلازم كون تلف شئ من
شخص وكون نمائه له المستفادة من الأخبار، مثل ما ورد في بيع الخيار من حكم
الإمام عليه السلام بكون غلة المبيعة للمشتري. ثم قال: " ألا ترى أنها لو احترقت
كان من ماله " (1)، فاستشهد على ملكية النماء بكون التلف منه.
ويؤيد ذلك أيضا، بلد يدل عليه رواية الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام:
" قال: سألته عن الزكاة يجب علي في موضع لا يمكنني أن أؤديها؟ قال: اعزلها فإن
اتجرت بها فأنت لها ضامن ولها الربح، فإن تويت (2) في حال ما عزلتها من غير
أن تشغلها في تجارة، فليس عليك، وإن لم تعزلها واتجرت بها في جملة مالك فلها
بقسطها من الربح ولا وضيعة عليها " (3).
ولكن الرواية ضعيفة (4) سندا، بل ودلالة من حيث دلالتها على استحقاق
الربح عند الاتجار بها الظاهر بقرينة ندرة التجارة بالعين التجارة بالذمة
ودفع العين عوضا، أو في الأعم منها ومن التجارة بالعين، وإن كان ظاهر اللفظ
من حيث الواضع الاتجار بالعين، إلا أنه قد بلغ استعماله في الأعم إلى حيث يكون
هو المتبادر كما لا يخفى، وهذا خلاف المعروف، إلا أن يخص ذلك بالتجارات
العدوانية كالمغصوب ومال الطفل بالنسبة إلى غير من يجوز له التصرف.
وقد ورد في الكل روايات، لكن المشهور لم يعملوا باطلاقها، مع أنه بعد
تسليم ظهور الرواية في الاتجار بالعين لا بد إما من إدراج ذلك في التجارة
المغصوبة (5)، ويقيد (6) تبعية الربح بصورة إجازة ولي الزكوات، أعني الإمام عليه السلام

(1) انظر الوسائل 12: 355 الباب 8 من أبواب الخيار، الحديث الأول.
(2) تويت: أي هلكت، مجمع البحرين 1: 71 " توا ".
(3) الوسائل 6: 214 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3.
(4) في " ع " ضعيفة عندنا.
(5) في " م " و " ع ": الفضولية.
(6) في " ع ": وتقييد.
371

أو نائبه، وإما من إخراجه (1) منها بجعل المعاملات العدوانية محكومة بحكم على
حدة وهو ثبوت الربح لرب المال والوضيعة على العامل. والأول مع أنه مستلزم
لتقييد استحقاق الربح بصورة الإجازة، مع كمال بعده عن سياق الرواية وأمثالها
الواردة في التجارة بالمغصوب ومال الطفل، لا يلائم كون الوضيعة على العامل،
لأن الولي إن أجاز المعاملة المشتملة على الوضيعة فالوضيعة على المال، وإلا
فليس له أخذ ما انتقل بالمعاملة، لفساد البيع ورجوع المبيع إلى ملك مالكه،
وحينئذ فإن تمكن الولي من الرجوع إلى البائع بالثمن فيسترده منه ولا وضيعة (2)
على العامل، وإن لم يتمكن منه فالظاهر الرجوع إلى العامل بمجموع الثمن،
لأنه حائل بينه وبين أربابه، ولا معنى لكون الوضيعة عليه، إذا الظاهر من كون
الوضيعة على العامل الرجوع عليه بالتفاوت بين الثمن وبين قيمة المتاع المنتقل
إليه.
وكيف كان فالتمسك بالرواية في غاية الاشكال.
وأما الوجه السابق عليها من أن كون التلف من شخص مستلزم لكون
الربح له فهو مسلم إذا ثبت أن تلف المعزول في المقام من مال الفقير، لم لا يجوز
أن يكون التالف مملوكا لرب المال، وإنما سقط وجوب الزكاة عنه، لأن التكليف
الذي صار متعينا عليه في ضمن العين الخاص قد انتفى بانتفاء موضوعه، نظير
تلف المال المعين الذي نذر أن يتصدق به، فإنه مع كونه من مال الناذر يسقط
التكليف، فالمعدة في إثبات خروج المعزول عن الملكية هي أخبار المسألة
المشتملة على عنواني الاخراج والعزل، فإن الظاهر منها (3) هو الخروج عن الملك

(1) في " ع ": من اخراجها.
(2) في " ف ": والوضيعة.
(3) في " ع ": منهما.
372

وصيرورة المخرج والمعزول زكاة حقيقة، ويؤيدها (1) الحكم بالضمان الظاهر في
خروج المضمون عن مال الضامن. وممن منع المليكة: شارح الروضة (2)، بل منع
عدم جواز الابدال أيضا.
ثم إنه لا فرق بين أن يكون العزل من عين النصاب أو من مال خارجي،
كما يستفاد من الشهيدين (3) وجماعة (4) وإن كان ربما يوهم ظاهر الأخبار
الاختصاص بالأول.
ويعتبر في العزل النية كما لا يخفى.

(1) في " ع ": ويؤيدهما.
(2) المناهج السوية (مخطوط).
(3) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 2: 28 و 32.
(4) راجع الجواهر 15: 126.
373

مسألة
[45]
المحكي (1) عن الأكثر المنع من تأخير دفع الزكاة عن وقت اخراجها
المتقدم بيانه في بيان وقت تعلق الوجوب (2) مع الامكان وعدم العذر، لأن
المستحق مطالب بشاهد الحال كما في المعتبر (3) أو لأن وليه وهو الشارع طالب
بالمقال كما عن الإيضاح (4) ولصحيحة سعد بن سعد الأشعري: " قال:
سألت أيا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاث
أوقات، أيؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ قال: متى حلت أخرجها " (5).
وفي رواية أبي بصير المحكية عن السرائر: " أردت أن تعطي زكاتك
قبل حلها بشهر أو شهرين فلا بأس، وليس لك أن تؤخرها بعد حلها " (6).
ويؤيد هما ما تقدم في مسألة النقل من أخبار الضمان إذا وجد المستحق
.

(1) حكاه في المدارك 5: 289 والذخيرة 428.
(4) راجع المسألة 13 في الصفحة 145.
(3) المعتبر 2: 553 و 589.
(4) إيضاح الفوائد 1: 199.
(5) الوسائل 6: 213 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(6) الوسائل 6: 214 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4، والسرائر 3: 606.
374

فلم يدفعها إليه (1)، فيكشف عن عدم الإذن في التأخير، لأن الغالب في الأمانات
- بل القاعدة فيها عدم الضمان مع الإذن الشرعي سيما فيما نحن فيه، حيث
إن تسلط المالك أعني الفقير تابع لكيفية تكليف الشارع في التوسعة
والتضييق، لا العكس كما في مثل الوديعة، والدين.
فلا يقال: إن المنافي للضمان هو الإذن المالكية لا الشرعية، ولذا يحكم
بالضمان مع الإذن الشرعي في موارد كثيرة، وحينئذ فالحكم بالضمان كاشف عن
ثبوت الفورية.
والكل لا يخلو عن نظر، أما ما في المعتبر ففيه بعد تسليم مطالبة جميع
الفقراء أو كفاية (2) مطالبة بعضهم: إن مطالبتهم إنما توجب فورية الدفع إذا
تعين صرف الزكاة فيهم، وهو غير لازم قطعا، إلا أن يقال: إن مقتضى الأخبار الكثيرة (3) كون الزكاة موضوعة لقوت الفقراء، بل ملكا لهم، والآية (4) لا تدل إلا
على حصر مصارف الزكاة في مقابل من لا يستحقها ممن كان يلمز النبي صلى الله عليه
وآله وسلم في الصدقات ولا يستحقها، فهي في مقام بيان الاشتراك في المصرف لا
المشاركة في الملك، فهي وما يشبهها من الروايات لا ينافي اختصاص ملكية
الفقراء بالفقراء.
[وما دل على استحقاق رجحان صرفها في الأصناف الثمانية من الآية
والرواية لا ينافي ذلك] (5) لجواز دفع مال الفقراء إلى مصالح خصوص الفقراء،
أو عامة المسلمين بإذن الشارع، وحينئذ فمع فرض مطالبة الفقراء لو لم يصرفها

(1) الوسائل 6: 198 الباب 39 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(2) ليس في " ف ": كفاية.
(3) راجع الوسائل 6: 145 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5 وغيره.
(4) وهي قوله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين.. الآية " التوبة: 9 / 60.
(5) ما بين المعقوفتين ليس في " ع ".
375

في المصارف المسقطة للدفع إليهم كان إمساكه ظلما، لكن هذا إنما يتم إذا كان
التكليف بدفع الزكاة تابعا لمطالبة أربابها نظير الوديعة والدين، وأما إذا لم يكن
كذلك بل كان الأمر بالعكس كما هو الظاهر في المقام كان حق المطالبة للفقراء
تابعا في التوسعة والتضييق لكيفية التكليف، ألا ترى أنه لو قلنا بالتوسعة لم
يكن للفقراء ولا لوليهم المطالبة.
ومما ذكرنا من تفريع (1) ثبوت حق المطالبة لهم على تكليف الشارع لا
العكس كما في الوديعة والدين، يظهر الجواب عما تقدم من الإيضاح.
ثم نقول بعد تسليم العكس: إن الشارع الذي هو ولي الفقراء إذا
رخصنا بمقتضى إطلاق أمره في تأخير الزكاة، لم يكن التأخير عدوانا وظلما.
وأما الروايتان فهما مع ضعف الثانية بالجوهري والبطائني، وعدم (2)
دلالة الأولى إلا على فورية العزل لا الدفع معارضتان بروايات، منها رواية
يونس بن يعقوب: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: زكاتي تحل علي في شهر
رمضان أيصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني؟ قال: إذا حال
الحول فأخرجها من مالك ولا تخلطها بشئ، ثم أعطها كيف شئت، قال: قلت:
فإن أنا كتبتها وأثبتها يستقيم لي؟ قال: لا يضرك " (3).
ورواية حماد بن عثمان: " قال: لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين، وتأخيرها
شهرين " (4).
وصحيحة معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: قلت له:
الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم؟ قال: لا بأس. قال:

(1) في " ع ": تفرع.
(2) في " م " مع عدم.
(3) الوسائل 6: 213 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(4) الوسائل 6: 210 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.
376

قلت فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم، فيعجلها في شهر رمضان؟ قال: لا
بأس " (1).
فالتحقيق في المقام بعد القطع بعدم كون التكليف بالزكاة من
الواجبات التي وقتها العمر، وبعد ما يظهر من السيرة والأخبار من عدم (2) الفورية
بحيث لا يباح تأخيرها إلا للضرورات المبيحة للمحظورات: أن الواجب هو
الفورية، بمعنى عدم المسامحة والاهمال في تركها بحيث يعد الرجل حابسا لها،
يدل على ذلك مضافا إلى ثبوت مطالبة المستحقين بشاهد الحال على هذا الوجه
فيجب الأداء حينئذ (3) ما ورد من جعل الزكاة قوتا للفقراء ومعونة لهم (4)،
منضما
إلى ما يستفاد من السيرة، وكثير من الروايات من تشريع التأخير (5) للأعذار
العرفية، مثل خوف مجئ السائل مطلقا، أو من اعتبار الأخذ مطلقا (6) كما في
رواية يونس المتقدمة، فقوله عليه السلام فيها: " إعطها كيف شئت " (7) أي على ما
تريد بحسب مصالح نفسك من الدفعة والتدريج، وليس المراد الرخصة في
التأخير المطلق، ولهذا لم يقل: أعطها متى شئت.
ونحوها صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام: " أنه قال: في
الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها ويبقي بعض يلتمس لها الموضع، فيكون بين
أوله وآخره ثلاثة أشهر؟ قال: لا بأس " (8). فإن الظاهر من التماس الموضع هو
التماس موضع خاص يطلبه المالك لمصلحة دينية أو دنيوية، لا التماس مطلق

(1) الوسائل 6: 210 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.
(2) كذا في النسخ وليس في " ف " و " م ": من.
(3) في " م " و " ف " زيادة: كذلك.
(4) الوسائل 6: 3 الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 3 و 4 وغيرهما.
(5) في " ع " من تسويغ إن التأخير.
(6) ليس في " ع " " م ": مطلقا.
(7) الوسائل 6: 213 الباب 52 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
(8) الوسائل 6: 214 الباب 53 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
377

الموضع، فإنه ليس بعزيز حتى يكون محللا (1) للالتماس والطلب، سيما على القول
المشهور من تعميم سبيل الله، سيما مع عدم التحديد في طرف الكثرة، فيجوز
دفعها إلى فقير واحد، مع أن السائل قد قسم البعض وبنى على قسمة الباقي.
ثم إن العذر الغير البالغ حد إباحة المحظور كعدم المستحق، أو الخوف
من الدفع إليه ليس مسوغا للتأخير المطلق، فلا يجوز تأخير الزكاة سنتين أو
أربع سنين لانتظار الأفضل، أو (2) للتعميم، أو نحو ذلك من الأمور الراجحة شرعا
أو عرفا، بل غاية ما يمكن أن يجوز (3) بإطلاق الأدلة: التأخير إلى قريب السنة
الآتية، وإلا فظاهر روايات وضع الزكاة، وأنه جعل للفقراء في أموال الأغنياء
ما يكفيهم (4)، وأنه لو أدى الناس الزكاة ما بقي محتاج (5)، هو عدم جواز التأخير
من سنة الوجوب قطعا.
ثم إنه حيث جاز التأخير فإن كان لضرورة كعدم المستحق أو عدم
التمكن من الدفع، فلا إشكال في عدم الضمان ولا خلاف فيه نصا وفتوى. وإن
كان غير ذلك من الأعذار المسوغة للتأخير كالتعميم أو انتظار المستحق،
فالظاهر ثبوت الضمان، وإن كان القاعدة تقتضي عدم الضمان مع أمر الشارع
ولو استحبابا، لكشفه عن إلغاء جانب المالك فهو أولى بالمالك وملكه من نفسه،
فيكون بمنزلة إذن نفس المالك، فيدل عليه ما دل على نفي الضمان عن الأمين،
إلا أن ما تقدم من حسنة ابن مسلم وصحيحة زرارة يكفي للضمان، مضافا إلى ما
عن المنتهى (6) والتذكرة (7) من إطلاق دعوى الاجماع على الضمان بمجرد

(1) في " ع " و " م ": محلا.
(2) ليس في " ع ": أو.
(3) في " م " يتجوز.
(4) الوسائل 6: 5 الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 9.
(5) الوسائل 6: 4 الباب الأول من أبواب ما تجب فيه الزكاة، الحديث 6.
(6) المنتهى 1: 529.
(7) التذكرة 1: 237 و 244 وليس فيه ادعاء الاجماع.
378

التمكن من الأداء، وظاهر هما نفي الضمان مع عدم وجدان المستحق، وإن تمكن
من الصرف في سبيل الله، لأن حملهما (1) على صورة عدم التمكن من مطلق
الصرف ولو في سبيل الله يوجب ندرة مورد إطلاق نفي الضمان، بل عدم المورد.
ومن ذلك يظهر وجه (2) التمسك بما تقدم (3) من الأخبار النافية للضمان عنه
إذا بعثها إلى بلد آخر فقطع عليه الطريق أو سرق، المحمولة على صورة عدم
التمكن من الدفع إلى المستحق.
نعم ظاهر الاجماع المتقدم المحكي عن المنتهى والتذكرة، من أن التمكن
من الأداء معتبر في الضمان، وأنه لو تمكن فلم يفعل ضمن، هو شموله لصورة
التمكن من الصرف في سبيل الله، إلا أن الظاهر أن مراده: التمكن من الأداء
إلى المستحق، لا مجرد الصرف كما يشهد بذلك لفظ الأداء
ثم (4) الظاهر أنه لا فرق بين الفقراء وغير هم، فالتمكن من الأداء إلى
أي صنف كان يكفي في الضمان، فلو أراد البسط وأعطى نصيب الموجودين ولم
يتمكن من دفع الباقي إلى الأصناف الباقية فلا يبعد الضمان وفاقا للمحكي عن
ابن فهد (5)، لاطلاق أدلة الضمان المتقدمة، وعن المنتهى، وعن المنتهى: أنه لو كثر المستحقون
وتمكن من الدفع إليهم جاز له التأخير في الاعطاء لكل واحد بمقدار ما يعطى
غيره، وفي الضمان حينئذ تردد (6) (انتهى).
والأقوى عدم الضمان هنا، وفاقا للمدارك (7)، لأنه لم يؤخر في أصل الدفع،
وإنما اقتضى هذا النحو من الدفع طول الزمان، وظاهر ما دل على الضمان
المخالف للأصل مع الإذن، اختصاصه بصورة التأخير في أصل الدفع.

(1) في " ع ": حملها.
(2) في " ف ": فساد وجه.
(3) راجع الصفحة 364.
(4) في " ع ": نعم.
(5) المهذب البارع 1: 521.
(6) المنتهى 1: 511.
(7) المدارك 5: 291.
379

مسألة
[46]
المشهور عدم جواز تعجيل الزكاة قبل وقت الوجوب، لأن المدفوع إن
كان متصفا بصفة الوجوب لم يكن الحول شرطا، والمفروض خلافه، وإن كان
متصفا بصفة الاستحباب لم يكن امتثالا لأدلة الزكاة إلا أن يقال: بعد قيام
الدليل على جواز التعجيل يكون ما يعجله زكاة، لكن لا يجب دفعها الآن، ولا
يكون امتثالا لأوامر الزكاة إلا أنها مسقطة عن الواجب في علم الله، نظير الدفع
عند إهلال الثاني عشر كما تقدم بيانه.
وكيف كان فالعمدة في المنع: الأصل والأخبار المانعة عنه، ففي حسنة
عمر بن يزيد: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يكون عنده المال،
أيزكيه إذا مضى نصف السنة؟ قال: لا، ولكن حتى يحول عليه الحول ويحل عليه،
أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها، وكذلك الزكاة، ولا يصوم أحد شهر
رمضان إلا في شهره إلا قضاء، وكل فريضة إنما تؤدى إذا حلت " (1).
وفي حسنة زرارة: " قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أيزكي الرجل ماله إذا

(1) الوسائل 6: 212 الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.
380

مضى ثلث السنة؟ قال: لا، أيصلي (1) الأولى قبل الزوال؟ " (2).
وقد يستدل أيضا بما دل على اعتبار حلول الحول.
وفيه: إن اعتباره إنما هو في الجواب، والكلام في جواز التعجيل الذي هو
بمعنى فعل الشئ قبل وقته، نظير تعجيل الفطرة الذي قال به جماعة كثيرة،
فتسميته تعجيلا لمراعاة أدلة اشتراط الحول، فيكيف ينافيها؟ نعم مقتضى تلك
الأدلة عدم الأمر قبله فتحتاج العبادة (3) إلى دليل، وهو راجع إلى ما ذكرنا من
الأصل.
وكيف كان فهنا أخبار مستفيضة (4)، بل عن المعاني (5) دعوى تواترها في
جواز التعجيل:
منها: صحيحة ابن عمار (6) ورواية حماد بن عثمان (7) المتقدمتين في مسألة
الفورية (8)، وصحيحة الأحول، عن أبي عبد الله عليه السلام: " في رجل عجل زكاة
ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة، قال: يعيد المعطي زكاته " (9).
وفي رواية أبي بصير المرسلة، عن أبي سعيد المكاري: " عن الرجل يعجل
زكاته قبل المحل (10)؟ قال: إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس " (11).

(1) كذا في " ع " والكافي 3: 524 الحديث 9، ولكن في سائر النسخ والوسائل: " لا تصلي.. ".
(2) الوسائل 6: 212 الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3، وفيه: لا تصلي..
(3) في " م ": مشطوب على كلمة: العبادة.
(4) الوسائل 6: 208 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة.
(5) نقله عنه العلامة في المختلف: 188.
(6) الوسائل 6: 210 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 9.
(7) الوسائل 6: 210 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 11.
(8) في الصفحة 376.
(9) الوسائل 6: 211 الباب 50 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(10) كذا في " ع " والمصدر وفي سائر النسخ: الحل.
(11) الوسائل 6: 210 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 12.
381

وفي مرسلة الحسين بن عثمان عن رجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في
أول السنة، فقال: " إن كان محتاجا فلا بأس " (1).
إلى غير ذلك من الأخبار التي يظهر من بعضها: استحباب التعجيل
حيث قال الإمام عليه السلام: " ما أحسن ذلك " (2)، مشيرا إلى تعجيل الزكاة عند
مضي نصف السنة، وحملها على القرض ثم الاحتساب مع مخالفته لظاهر
الجميع يأباه التقييد في أكثرها بمدة معينة، فإن التعجيل على وجه القرض يجوز
قبل سنين، فالأولى حملها على التقية، لأنه (3) المحكي عن جماعة كثيرة (4)، لكن
المحكي عنهم إطلاق التقديم، فلا يلائمه الأخبار المقيدة بالشهر والشهرين
والأربعة والخمسة، إلا على مذهب صاحب الحدائق (5) من عدم اعتبار مطابقة (6)
مذهب العامة في الحمل على التقية.
وكيف كان فالأقوى ما عليه المشهور.
ثم على تقدير التعجيل فلا إشكال في أنه مراعى ببقاء الدافع والمال على
الشروط إلى تمام الحول، وفي المدارك دعوى الاتفاق عليه (7)، لأن تخلف بعضها
يكشف عن عدم كون المدفوع زكاة، لأن المفروض كونها مشروطا (8)،
وهل يراعى
ببقاء القابض على الوصف؟ حكي عن المنتهى القطع به (9)، واستدل عليه

(1) الوسائل 6: 210 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 10.
(2) الوسائل 6: 209 الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(3) في " ف ": لأنها.
(4) انظر التذكرة 238 والمنتهى 1: 511.
(5) انظر الحدائق 1: 4، المقدمة الأولى.
(6) في " ع ": مطابقته.
(7) المدارك 5: 295.
(8) في " ف ": شرطا، وفي سائر النسخ: شروطا، والصحيح ما أثبتناه.
(9) المنتهى 1: 512، حكاه عنه في الجواهر 15: 464.
382

بصحيحة الأحوال المتقدمة (1)، وبثبوت المراعاة في جانب الدافع اتفاقا، فكذا
القابض (2).
ويرد على هذا الوجه:
إن المراعاة في جانب الدافع لأجل اعتبار استجماع الشروط (3) في
تمام (4) الحول اتفاقا، فعدمه كاشف عن عدم كون المدفوع زكاة.
وأما القابض، فلما لم يشترط فيه صفة (5) الاستحقاق إلا عند قبض الزكاة
الواقعي، والمفروض أن بقاء الدافع والمال على الشروط يكشف عن كون
المدفوع زكاة، والمفروض استحقاق القابض إياه حال القبض، فلا يقدح
ارتفاعه بعده.
فظهر من ذلك أن عدم جواز الرجوع إلى القابض والاجتزاء بما دفع إليه
لو ارتفع استحقاقه من لوازم ماهية الزكاة المعجلة، لأنها زكاة حقيقة لا يغاير
الفرد الآخر إلا في الزمان، شبيه (6) العبادة المقضية التي لا تغاير الفائتة إلا في
الوقت.
ومنه يظهر عدم جواز التمسك بصحيحة الأحول، لأن وجوب الإعادة
فيها يكشف عن عدم كون المدفوع زكاة حقيقة، فيحمل تعجيل الزكاة في تلك
الصحيحة على القرض، كما فعله الشيخ جامعا بها بين روايات المنع والجواز،
حيث قال في وجه الاستشهاد بالصحيحة على أن المراد بالتعجيل القرض: إنه

(1) في الصفحة 381.
(2) انظر المدارك 5: 295.
(3) في " ف ": الشرائط.
(4) في " ف ": جميع.
(5) في " م ": بدل " فيه صفة ": " في حقه ".
(6) في " م " و " ع ": شبه.
383

لو جاز التقديم على كل حال لما وجب عليه الإعادة إذا أيسر المعطى عند حلول
الوقت (1).
نعم اعترضه في المعتبر بجواز التزام المجوز للتعجيل بذلك (2) بالشروط
المعهودة، فإن تعجيل زكاة الحول باجتماع شروطه (3).
لكن الأقوى مع ذلك صحة ما اعترضه المحقق، ويمكن توجيه الاعتراض
بأنا نمنع أن لازم ماهية تعجيل الزكاة عدم لزوم الإعادة إذا زال القابض عن
الاستحقاق، لأن المدفوع حينئذ ليس زكاة حقيقة، بل يمنع (4) الرجوع بها على
الفقير بعد زوال صفة الوجه، لجواز الدفع، كيف والزكاة الحقيقة لا تتحقق
ولا تحدث في العين ولا في الذمة إلا بعد تحقق الشرائط، والمشروط لا يتقدم على
الشرط، بل هي في الحقيقة صدقة مستقلة أسقط الشارع بها الزكاة عند حلول
الحول، وليس الاسقاط بحكم كونه زكاة، بل هو تعبد شرعي، فيمكن أن يشترط
فيه بقاء القابض على الوصف المعتبر في جواز قبضه، كما يعتبر بقاء الدافع على
الوصف المعتبر في وجوب دفعه.
اللهم إلا أن يندفع بأن ظاهر النص والفتوى من المانعين والمجوزين هو
كون المعجلة زكاة، ولذا اتفقوا ظاهرا على استرداد العين أو بدلها لو لم يبق الدافع
على الشرائط، لكشف ذلك عن عدم كون المدفوع زكاة.
ودعوى اشتراط حدوث تعلق الزكاة في الذمة أو العين بشروط غير

(1) الإستبصار 2: 33.
(3) المعتبر 2: 556.
(3) ورد في هامش " م " ما يلي: بعض هذه العبائر كان مخطوطا [مشطوبا عليها] كتبناها لعدم
الارتباط لولاها [فتكون العبارة هكذا]: " فإن تعجيل الزكاة إنما يتحقق إذا ثبت في علم الله
زكاة على المكلف في ذلك الحول باستجماع شروطه " وورد مثل ذلك في " ف " إلا أن فيه باجتماع
شروطه.
(4) في " م ": يمتنع.
384

حاصلة ولا يجوز تقدم المشروط على الشرط (1) مسلمة، إلا أنه قد ورد نظير
ذلك في الشرعيات، كما في تقديم غسل الجمعة عليها، وتقديم صلاة الليل على
الانتصاف، ومرجع الجميع إلى الرخصة في إتيان الموقت قبل وقته المضروب له
بالجعل الأولي.
لكن الانصاف أنه لا يمتنع أن يخص الشارع هذه الرخصة بما إذا وقع
الدفع إلى من بقي على الاستحقاق إلى تمام الحول [وتكون صحيحة الأحول] (2)
دليلا على هذا التخصيص، فكلام المحقق لا يخلو عن وجه.

(1) في " م ": الشروط.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
385

مسألة (1)
[47]
لو نذر أن يتصدق بعين النصاب في وقت معين قبل الحول، فإن وفى بالنذر
فلا اشكال، وإن عصى فإن قلنا بوجوب القضاء كان كذلك وليس له اخراج
الزكاة، لأنه مأمور بالوفاء بالنذر، وإن قلنا بعدم القضاء وحال الحول فهل يجب
الزكاة من أجل حلول الحول على ملكه، أو لا يجب من جهة انقطاع الحول
بمجرد تكليفه بالتصدق، فإنه غير متمكن شرعا من التصرف؟
ولو نذر التصدق بها بعد الحول، فإن منعنا في النذر الموقت عن إتلاف
المنذور قبل وقته، فلا يتعلق به الزكاة للمنع عن التصرف منه، إلا أن يقال: إن
النذر إذا تعلق بالتصدق بعد الحول فإنما وجب عليه التصدق بما يبقى بعد إخراج
الزكاة لأن من حكم حلول الحول وجوب الاخراج، فالنذر إنما ورد على التصدق
بما عدا ما يقتضيه حلول الحول، وهو ضعيف، لتعلق الوجوب بهذا الفعل الموقت
بمجرد صيغة النذر لا بعد دخول (2) الوقت حتى يقال: إن وجوب الوفاء مؤخر

(1) أثبتنا هذه المسألة وما بعدها إلى بحث زكاة الفطرة من " ف " قبل
ايراد المسألتين ما يلي: هذا آخر ما كتب في زكاة الأنعام والغلات والنقدين وقد وجدت تلك
المسائل مكتوبة في كتاب الصوم وأفرزتها منها وألحقتها بالزكاة هي..
وذكرتا في " م " بعد زكاة الفطرة، ولم يتعرض لهما في " ع " و " ج ".
(2) في " ف ": زوال.
386

عن وجوب الزكاة، فإذا كان وجوب الوفاء بالنذر منجزا بمجرد النذر، والمفروض
أن النذر إنما تعلق بالتصدق بالمجموع، فمقتضاه وجوب الوفاء (1)، فوجوب
الوفاء إنما تعلق في حال سليم عن المزاحم، فلا يتعلق به وجوب الزكاة الذي
لا يحدث إلا بعد حلول الحول.
إلا أن يقال: إن نفس التصدق بجميع النصاب بعد الحول مع قطع النظر
عن النذر غير مشروح، لأنه تصرف في حق الفقراء، فلا يتعلق به النذر،
ومشروعيته بواسطة منع النذر عن الزكاة إنما هو بعد احراز صحة النذر (2)،
والمفروض أن إحراز صحة النذر موقوف على مشروعية أصل الفعل، وهو
التصرف في مجموع (3) النصاب بعد الحول، فلا يمكن اثبات مشروعيته بالنذر.
لكنه مردود: بأن نفس التصدق بجميع النصاب بعد الحول الغير
المشروع التصدق بمجموع النصاب الزكوي، أي ما يجب فيه الزكاة فعلا،
وثبوت هذه الصفة للنصاب بعد اثبات وجوب الزكاة فيه، وهو موقوف على عدم
صحة النذر، وقد أثبتنا صحة النذر قبل ملاحظة وجوب الزكاة، فلا يجب الزكاة
بعد صحة النذر على الفرض السابق من تحقق الوجوب بمجرد الصيغة.
والحاصل أن ذات التصدق بالمال (4) المعين بعد الحول من حيث هو
مشروع إلا إذا تعلق به الزكاة فيجوز نذره فلا يجب فيه الزكاة، نعم لو كان
وجوب الزكاة فيه لازما لذاته لم يتعلق به النذر.

(1) ليس في " ف ": الوفاء، واستظهر الناسخ كون الساقط: " تصدق المجموع " فكتبه في الهامش.
مع علامة " ظ ".
(2) في " ف ": المنذور.
(3) في " م ": بمجموع.
(4) في " م ": بهذا المال.
387

مسألة
[48]
لو نذر الصدقة بعين، فإما أن يقول: " لله علي أن أتصدق به " وإما أن يقول:
" لله علي أن تكون هذه صدقة ".
فعلى الأولى فالظاهر حينئذ عدم خروج العين
بذلك عن مالك الناذر، لعدم دلالة الكلام لغة وعرفا إلا على ايجاب التصدق على
نفسه، فما لم يوجده فهو باق في عهدة الوفاء، ولازمه عدم حصول ماهية التصدق
بمجرد الصيغة، فيسقط دعوى كون هذا الكلام في معنى انشاء التصدق
للمستحقين (1).
وقد يفصل (2) بأنه إن قصد من قوله: " أن أتصدق " معنى: أن أجعله
صدقة، فلا يخرج عن ملكه إلا بأن يجعله بعد النذر صدقة على الوجه المعهود في
الشرع، وإن قصد نذر فعل التصدق بأن يعطيه للمستحقين بهذه النية خرج عن
ملكه بذلك، ووجب إيصاله إلى أربابه ك " مال الزكاة " (3) وغيرها.

(1) ليس في " م ": للمستحقين.
(2) لم نعثر عليه.
(3) في " م " كالزكاة.
388

ثم استدل (1) بما رواه الكليني في آخر الكافي - في كتاب النذور عن
الخثعمي، في من نذر أن يتصدق بجميع ماله (2)، وبما رواه علي بن جعفر، عن
أخيه عليهما السلام: " قال: وسألته عن الصدقة تجعل لله مبتوتة (3) هل له أن يرجع
فيها؟ قال: إذا جعلها لله فهي للمساكين وابن السبيل، فليس له أن يرجع
فيها " (4)
وأنت خبير بما في هذا التفصيل وأدلته (5)، لأن التصدق إما أن يراد به
العقدي بأن يقول: وهبت لك كذا قربة إلى الله، فيقول: قبلت، وإما أن يراد
به الفعلي، المتعارف إطلاق التصدق عليه عند أهل العرف، وهو: إقباض المال
للتصدق عليه بقصد القربة.
وعلى كل تقدير، فقبل وقوع العقد أو الفعل لا يخرج عن ملك المالك
بدونه، نعم هنا إعطاء آخر وهو: ما يجب على الناذر بعد خروج المنذور عن ملكه
بسبب سابق، ولا ريب أن هذا المعنى لا يصدق عليه التصدق، بل ولا يعتبر فيه
قصد القربة، لأن القربة إنما تعتبر في تمليك الصدقة لا في إخراجها إلى مستحقها
بعد استحقاقه لها وتملكه إياها، لأنه حينئذ كأداء الأمانة ورد الوديعة، وأما وجوب
القربة في إقباض الزكاة، فلتحصيل التصدق المأمور بها على وجه التعبد دون
التوصل كأداء الدين، فالزكاة حينئذ يتعلق في العين (6) بعجل لا يبرأ ذمة المكلف
إلا بأدائها من العين، أو من غيرها على وجه القربة.
اللهم إلا أن يقال: إن أمر المالك الحقيقي بدفع العين إلى الغير يدل على

(1) لم نعثر عليه.
(2) الكافي 7: 458، الحديث 23.
(3) الصدقة المبتوتة: المقطوعة عن مال صاحبها لا رجعة له فيها. انظر لسان العرب 2: 6 " بتت ".
(4) الوسائل 13: 338 الباب 5 من أبواب أحكام الهبات، الحديث 5.
(5) في " ف ": بادلته.
(6) مكان العبارة في " ف " هكذا: والزكاة حتى يتعلق في المعين.
389

خروجه عن ملكية المأمور، وإن الشارع لم يقرره على تملك هذا المال، ولهذا وجب
الزكاة في العين بعد أمر الشارع بدفع حصة منها إلى الفقراء، وإلا فلم يرد حكم
وضعي في تملك الفقراء لحصة من العين، وما ورد من " أن الله سبحانه شرك بين
الأغنياء والفقراء " (1) و " وأن الله جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يسعهم " (2) ونحو
ذلك.
فهو ناظر إلى تكليفه تعالى الأغنياء بدفع شئ من أموالهم، لا أنه تعالى
ملك الفقراء حصة الزكاة بحكم وضعي، ثم كلف الأغنياء بدفع حصتهم إليهم،
فالحكم بالتشريك والجعل إنما أخذه الإمام عليه السلام من الحكم التكليفي بالدفع.
والحاصل: أنه قد يتحقق التملك سابقا ثم يتفرع عليه وجوب الأداء، كما
في التكليف بأداء الدين ورد الوديعة، وقد يثبت أولا التكليف بالدفع ويتفرغ
عليه استحقاق المدفوع إليه وثبوت حقه في العين كلا أو بعضا، والظاهر أن
الزكاة من هذا القبيل، وأما الكفارات فهي غير متعلقة بالعين إلا بعد موت
المكلف.
إذا عرفت هذا فنقول: إذا أراد الناذر بالتصدق (3) المنذور، نقل المال عن
ملكه إلى ملك المستحق، فالواجب عليه بعد النذر هو النقل، ولازم ذلك عدم
خروج العين عن ملكه بمجرد النذر، وإلا لم يعقل وجوب النقل بعد النذر، وإن
أراد بالتصدق دفع المال إلى المستحق فهو مأمور بالدفع، فيجب عليه دفعه إلى
المستحق، فيكون كالزكاة الواجب دفعها إلى المستحقين.
إلا أن يقال: بأن الدفع إذا أمر به ابتداء من قبل الشارع، فهو ظاهر في
كون الحكمة فيه استحقاق المدفوع إليه له. وأما إذا أمر به من جهة التزام

(1) الوسائل 6: 150 الباب 4 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(2) الوسائل 6: 143 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث الأول.
(3) في " م ": المتصدق.
390

المكلف والمفروض أن الناذر التزم بدفعه على (1) وجه إحداث الملكية له لفرض
كونه في ملكه قبل النذر فيجب عليه الدفع على هذا الوجه، ولازم وجوب الدفع
على وجه التمليك كونه باقيا في ملكه بعد النذر حتى يعقل وجوبه عليه، إذ لو
خرج عن ملكه بالنذر لم يعقل وجوب الدفع على وجه (2) التمليك.
وأما الرواية الأولى (3) من الروايتين فلا تدل إلا على وجوب التصدق، ولذا
خرج الرجل عن داره وما فيها ليبيعها ويتصدق بثمنها، لا لخروجها عن ملكه.
وأما الثانية (4) ففي شمولها (5) لما نحن فيه إشكال، لعدم تحقق صدقة حتى
يحكم بكونها للمساكين، بل هي ظاهرة في الصدقة بالمعنى الأعم الشامل للوقف،
لأن مفهوم الرجوع إنما يتحقق بعد التمليك، ولا ينافيه قوله: " هي للمساكين " مع
أن العين لا ينتقل في الوقف، لأن المراد اختصاصهم بها.
هذا كله في نذر التصدق، وفي معناه نذر الاهداء إلى بيت الله، وأما نذر
التمليك والوقف والهبة والابراء ونحوها، فلا ريب في عدم كونها مخرجا للملك
بمجرده، بل لا بد من وقوع هذه الأسباب، لأن هذه المسببات الواجبة يتوقف
شرعا على إيجاد أسبابها، وتظهر الثمرة في النماء، وفي ضمانه لو تلف بتفريط،
فإنه يجب الكفارة لترك الدفع والضمان لمال الغير، ولو قلنا بعدم الخروج فلا
ضمان، بل الكفارة خاصة.
وعلى تقدير عدم الخروج، فالظاهر أنه لا يجوز للناذر التصرفات المنافية
لصرفه إلى المستحق، كنقله إلى غيره، بل الظاهر بطلان تلك التصرفات، فلو

(1) في " ف ": عن.
(2) في " م ": جهة.
(3) المتقدمة في الصفحة 389.
(4) أي الرواية الثانية المتقدمة في الصفحة 389.
(5) في النسختين " ف " و " م ": شموله.
391

باعه (1) بطل (2) البيع، لا لأن النهي يدل على فساد المعاملة، ولذا لو حلف على
ترك البيع فباع، يحكم بالصحة والحنث كما صرح به الشهيد الثاني في الروضة (3)
فيما نحن فيه، بل لأن وجوب الوفاء بالنذر على الاطلاق ينافي صحة البيع، بل
لا بد إما من فساد البيع، أو تقييد إطلاق الأمر بالوفاء، والمفروض عدم ثبوت
التقييد فيه.
وتوضيحه: أنه إذا باع الناذر، فنقول: إن مقتضى وجوب الوفاء عليه أنه
يجب عليه بعد البيع أيضا صرف المال إلى النذر، ولازم بقاء الوجوب عليه حينئذ
فساد البيع، إذ لو صح لم يجب الوفاء حينئذ، وهذا خلاف الاطلاق المفروض.
فإن قلت: الوفاء واجب ما دام الملك باقيا، فإذا فرض نقله والمفروض
عدم ثبوت حظر ومنع في ذلك انتفى موضوع النذر، فيتحقق الحنث ويتعلق
الكفارة، ولو كان نسيانا صح ولا كفارة.
قلت: الوفاء واجب ما دام ممكنا عقلا وشرعا، والمفروض أن الوفاء بعد
البيع ممكن عقلا وكذا شرعا إذ لا مانع منه شرعا إلا انتقال (4) المال إلى الغير،
وهو فرع صحة البيع، وهي أول الدعوى، فإن صحة بلوغه (5) حيث ينافي إطلاق
وجوب الوفاء، بل مقتضى هذا الاطلاق فساده، وأدلة صحة بيع المالك، وإن
" الناس مسلطون على أموالهم " (6) لا تجري بعد النذر، لو رود أدلة الوفاء بالنذر
على الأحكام الأولية الثابتة للموضوعات قبل النذر، ولذا حرم التصرف المذكور

(1) في " ف " مكان " فلو باعه ": " عموما ". ولعله كان في الأصل: عموما فلو باعه.
(2) في " ف ": فيبطل.
(3) الروضة البهية 3: 227.
(4) في " م ": ايصال.
(5) كذا في النسختين " ف " و " م "، والظاهر أن الصحيح: بيعه.
(6) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.
392

اتفاقا مع وجود أدلة حل البيع، وتسلط الناس على أموالهم.
والحاصل: إن أدلة وجوب الوفاء تدل على وجوب الوفاء ما لم يتلف العين
المنذورة، وإن شئت أوضح من ذلك، فقس حال اثبات بقاء الملك وعدم تأثير
العقود الناقلة فيما نحن فيه بأدلة الوفاء بالنذر على اثبات لزوم العقود وبقاء ملك
المشتري وعدم تأثير العقود الناقلة بأدلة الوفاء بالعقود، فكما أن وجوب الوفاء
بما أنشأه البائع وحرمة نقضه على الاطلاق يدل على بطلان ما يوقعه من النواقل
بعد نقضه للبيع الأول، من جهة شمول الاطلاق لما بعد إيقاع النواقل، وإلا
فحرمة النقض ووجوب الوفاء غاية (1) ثبوت الإثم، واستحقاق العقاب، فكذلك
فيما نحن فيه.
ومما ذكر ظهر الفرق بين نذر التصدق الذي ينافيه البيع، وبين نذر ترك
البيع، فإن الثاني لا يوجب بطلان البيع قطعا، لتعلق النهي بأمر خارج كما في
البيع وقت النداء، وأما الفساد فليس للنهي، بل لما ذكرنا. ويمكن أن يؤيد ذلك
بما اتفق عليه ظاهرا من عدم ورود الملك القهري عليه، أعني الإرث بعد موت
المالك مع كون الوارث غير مكلف بالوفاء بالنذر، فعدم طرو الملك الاختياري
- بأن يشتريه أحد - أولى بعدم الجواز، فتأمل.
ويمكن أن يستأنس له بما دل على أن المسلمين عند شروطهم (2)، بناء
على أن النذر أيضا سيما المشروط منه شرط عرفا، لأنه إما مطلق الالتزام،
أو الالتزام المعلق، وقد تحقق في محله أن شرط ما ينافيه النقل مبطل للنقل،
فتأمل.
هذا كله إذا قال: " لله علي أن أتصدق "، ولو قال: " لله علي أن يكون هذا
المال صدقة "، ففي هذا النذر إشكال من حيث إن نذر الغايات بنفسها لا يحسن

(1) كذا في النسختين " ف " و " م ": والظاهر أن الصحيح: غايته.
(2) الوسائل: 12: 353 الباب 6 من أبواب الخيار، الحديث 2 وعوالي اللآلي 2: 258، الحديث 8.
393

إلا إذا أرجعت (1) إلى ايجاد أسبابها، فالحكم بالخروج عن الملك بمجرد النذر كما
صرحوا به (2) في نذر الصدقة والأضحية والهدي، وادعى بعضهم الاتفاق في
الأخيرين، ونسبه صاحب المدارك (3) إلى قطع الأصحاب في الأولين مشكل -
وأشكل منه ما صرح به ثاني الشهيدين (4): من دخوله في ملك زيد قهرا لو قال:
لله علي أن يكون هذا لزيد.
اللهم إلا أن يقال في توجيه ذلك: إن معنى الوفاء بالنذر في ذلك ترتيب
آثار ما نذره، فإذا وجب عليه ذلك لزمه الخروج عن ملكه.
ودعوى أن النذر لا يتعلق إلا بفعل مقدور، فلا بد أن يراد من الغاية
سببها، فلا يخرج عن الملك قبل إيجاد السبب، أو يبطل النذر لو أراد حصول
نفس الغاية بنفسها من دون السبب. مدفوعة بمنع انحصار تعلق (5) النذر
بالأفعال (6) الاختيارية، نعم الحنث لا يكون إلا في الاختياريات المنذورة. ويمنع
أن كل نذر قابل للحنث، فإذا تعلق النذر بالملكية فوجوب الوفاء به يرجع إلى
وجوب ترتيب آثار الملكية، نعم فيما يعتبر فيه قبول خاص كزيد وعمرو فالظاهر
احتياج التملك إلى قبوله كما ذكره في القواعد (7) وحكي عن ولده (8) (9).

(1) في " م ": رجعت.
(2) راجع الجواهر 36: 153.
(3) لم نقف عليه في مظانه.
(4) لم نقف عليه في مظانه.
(5) في " م ": متعلق.
(6) في " م ": في الأفعال.
(7) القواعد 3: 142.
(8) إيضاح الفوائد 4: 76.
(9) في " ف " ما يلي: هذا آخر هذه المسائل.
394

المقصد الثاني:
في زكاة الفطرة
395

المقصد الثاني: في زكاة الفطرة
ويطلق عليها الفطرة، والإضافة للملابسة، ويحتمل البيانية.
والفطرة هنا: إما بمعنى الخلقة، وهي الهيئة الحاصلة للمخلوق من خلقه
كالجلسة والخمرة والقبلة (1)، وبهذا الاعتبار يقال لها زكاة الأبدان، وإن بتركها (2)
يخاف الموت كما في غير واحد من الأخبار (3) -.
وإما الاسلام، واستعمال الفطرة في الاسلام لكونه الحال التي عليه
المخلوق، والمناسبة حينئذ كونها من أركانه ومن شعائره، لا اختصاصه بالمسلم
عند الهلال كما يستفاد من ظاهر الروضة (4)، للاجماع على اشتراك الكفار في
التكاليف. نعم لو أسلم بعد الهلال يسقط عنه، كغيرها.
وإما من الفطر مقابل الصوم - والمناسبة ما ورد في غير واحد من
الأخبار: من أن بها يقبل الصوم، كما أن بالصلاة على النبي وآله صلوات الله عليهم تقبل

(1) في " ف ": القمصة.
(2) في " م " و " ف ": تركها.
(3) الوسائل 6: 228 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5 و 230 نفس الباب، الحديث
16.
(4) الروضة البهية 2: 59.
397

الصلاة (1).
وكيف كان فوجوبها كاد يعد من الضروريات، بل هو منها، وقد دل عليه
الثلاثة (2).
ويشترط في وجوب أدائها شروط:
الأول: البلوغ، فلا تجب على الصغير لأجل (3) نفسه فضلا عن (4) عياله،
بلا خلاف، وعن غير واحد الاجماع عليه (5)، وبذلك ينجبر المرفوع المحكي عن
المقنعة: " تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة " (6)، وقد بينا سابقا عدم
وجوب زكاة المال عليه (7).
وكون التمسك هنا بمفهوم الوصف، لا يقدح، لأن المقام مقام بيان
الضابط فلا بد من الاطراد والانعكاس.
وخصوص رواية محمد بن القاسم بن الفضيل البصري المصححة إليه:
" قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة
عن اليتامى إذا كان لهم مال؟ فكتب عليه السلام: لا زكاة على يتيم.
وعن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلد آخر وفي يده مال لمولاه
ويحضر الفطرة أيزكي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى؟ قال: نعم " (8)

(1) الوسائل 6: 221 الباب الأول من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5 و 7.
(2) أما الكتاب فقوله تعالى: [قد أفلح من تزكى] الأعلى: 87 / 14، وأما السنة فما في الوسائل
6: 220 الباب الأول من أبواب زكاة الفطرة، وأما الاجماع فما ورد في الغنية (الجوامع الفقهية):
506 والمنتهى 1: 531.
(3) في " ف " و " ع ": لا لأجل.
(4) في " ف ": عمن في.
(5) راجع المدارك 5: 307 والجواهر 15: 484.
(6) المقنعة 248، وانظر الوسائل 6: 226 الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث الأول.
(7) بينه في صدر الرسالة في المقصد الأول في شرائط الوجوب.
(8) الوسائل 6: 226 الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2 و 3.
398

وظاهر ذيلها عدم سقوط الفطرة عن مملوك الصغير، وحمله في الوسائل على ما إذا
مات المولى بعد الهلال (1)، وهو مع بعده لا بأس به بالنسبة إلى طرحه.
الثاني: العقل، فلا تجب على المجنون بلا خلاف ظاهر، بل بالاجماع كما
عن غير واحد (2)، وللمرفوعة المتقدمة (3) بالتقريب المتقدم.
وقد صرح المعظم (4) بأن في حكمه: المغمى عليه، واستشكله في المدارك
بعدم الدليل وعدم الفرق بينه وبين النوم إلا إذا استوعب وقت الوجوب (5).
أقول: المستفاد من المشهور في مواضع كقضاء الصلاة والصوم وزكاة
المال، وغير ذلك: أن المغمى عليه ليس أهلا للتكليف، بمعنى عدم تعلق الحكم
التكليفي به (6) ولو بالقوة كما يتعلق بالنائم والناسي، فالمغمى عليه مقطوع النظر
في نظر الشارع في مقام الأحكام التكليفية بخلاف أخويه. ويكتفون بذكر قيد
العقل أو التكليف في الاحتراز عنه.
ويؤيده عدم ظهور الخلاف بينهم في بطلان الوكالة إذا عرض الاغماء
للموكل أو الوكيل، وربما يومئ إلى ذلك قوله عليه السلام في أخبار كثيرة، في مقام
تعليل نفي القضاء على المغمى عليه في الصوم والصلاة: " ما غلب الله عليه فالله
أولى بالعذر " (7). فإن الاغماء ليس في وقت القضاء حتى يكون عذرا فيه، فالمراد
العذر في الأداء، ومن البين أن المعذورية في الأداء لا يوجب نفي القضاء كما في

(1) الوسائل 6: 226 الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، ذيل الحديث 3 مع اختلاف يسير.
(2) انظر المدارك 5: 307 والحدائق 12: 258.
(3) في الصفحة السابقة.
(4) منهم المحقق في الشرائع 1: 198 والعلامة في النهاية 2: 434، ونسبه في الحدائق 12: 259
إلى جملة من المتأخرين.
(5) مدارك الأحكام: 5: 308.
(6) في " ف " و " م ": عليه.
(7) الوسائل 5: 353 الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 13، وفيه: " كل ما غلب الله
عليه.. ".
399

النائم والناسي، فالمراد من المعذورية هو عدم تعلق الحكم الواقعي الشأني،
أعني المطلوبية بالمغمى عليه، فيلزمه عدم القضاء، لأنه حقيقة تدارك ما فات،
ولا فوت مع عدم المطلوبية الواقعية.
وبالجملة: فما ذكره المشهور من كون المغمى عليه بمنزلة الصبي
والمجنون، قد قطع الشارع النظر عنه في مقام إنشاء التكاليف (1)، قوي جدا.
وحاصل الفرق أن عدم التكليف في المغمى عليه كالصبي والمجنون لعدم
المقتضي، وفي النائم والناسي (2) للمانع، فتأمل فإن اتمام ما ذكر لا يخلو عن إشكال،
ولذا استوجه في المدارك عدم مانعية الاغماء إلا إذا استوعب وقت الوجوب (3)،
نظرا إلى عدم الدليل على أزيد من ذلك.
ورده بعض المعاصرين بأن الدليل هو الأصل بعد ظهور الأدلة في اعتبار
اجتماع الشرائط عند الهلال (4)، إذ فيه أنه إن أريد بالشرائط شرائط تنجز
التكليف فهو مما لم يقل به أحد، وإلا لمنع النوم والنسيان والغفلة ونحو هما. وإن
أريد شرائط [سببية] (5) دخول [هلال] (6) شوال للوجوب، ففيه: إن كون عدم
الاغماء منها عين محل الكلام.
واستثناء صاحب المدارك (7) لصورة الاستيعاب ليس لتسليم ما أنكره (8)
في غيرها من كون عدم الاغماء شرطا لسببية السبب حتى يرد بما دل على اعتبار
الشرائط عند الهلال، بل لأن اجتماع جميع شروط تنجز التكليف من القدرة

(1) في " ف ": التكليف.
(2) في " ع ": الساهي.
(3) المدارك 5: 308.
(4) انظر الجواهر 15: 485.
(5) الزيادة من " م ".
(6) الزيادة من " م ".
(7) المدارك 5: 308.
(8) في " ع ": ما ذكره.
400

والالتفات وغيرهما ضروري الاعتبار في جزء من وقت الوجوب، فالاغماء
المستوعب كالنوم المستوعب (1) مانع عن توجه الخطاب لا محالة.
الثالث: الحرية،
فلا تجب على المملوك بلا خلاف، ونسبه في المعتبر (2) إلى
علمائنا، وعن غير واحد الاجماع عليه (3). ويدل عليه المرفوعة المتقدمة (4)
بالتقريب المتقدم، مضافا إلى أنه إن قلنا بعدم ملكه فلا اشكال في الحكم وفي (5)
كونه فقيرا لا يقدر على شئ، بل زكاته على مولاه إذا لم يعله غيره، لأن مؤونته
عليه وإن كان من كسبه، فإن قلنا بملكه فهو محجور حتى المكاتب، حيث ورد
أن لا يصلح أن يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام (6) مضافا إلى (7) غيره، إلا (8)
أن إذن المولى له في الانفاق على نفسه من ماله على القول بملكه انفاق له في
الحقيقة، فيدخل في من ينفق عليه ومن يمان، بل وفي العيال، فتجب نفقته على
المولى، فيسقط عنه.
ولا فرق في جميع ما ذكرنا من الأدلة عدا الأخير بين المكاتب وغيره،
خلافا في المكاتب للمحكي عن الصدوق فأوجبها عليه (9)، لأنه مالك، ولا دليل
على الحجر عليه في الواجبات القهرية، لأن أدلة حجره معارضة بأدلة وجوب
الفطرة، ولخصوص صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: " عن المكاتب هل

(1) ليس في " ج " و " ع ": كالنوم المستوعب.
(2) المعتبر 2: 593.
(3) انظر المدارك 5: 308 والجواهر 15: 485 والمستند 2: 64.
(4) في الصفحة 398.
(5) كذا في " م "، وفي غيره: في.
(6) الوسائل 16: 90 الباب 6 من أبواب المكاتبة، الحديث الأول.
(7) في " م " و " ع ": في.
(8) في " م ": إلى.
(9) الفقيه 2: 179، الحديث 2072.
401

عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه، وهل تجوز شهادته؟ قال: الفطرة عليه
ولا تجوز شهادته " (1)، وذكر الصدوق (2) أن الرواية محمولة على الانكار ردا على
العامة، يريد بذلك: كيف تجب عليه الفطرة ولا تجوز شهادته؟! يعني أن شهادته
جائزة والفطرة عليه واجبة، واستجوده في المدارك (3).
وربما يستدل للمشهور بما دل على وجوب زكاة المملوك على المولى (4)،
وبخصوص رواية حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: يؤدي الرجل
زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه
بابه " (5) ونحوها مرفوعة محمد بن أحمد (6).
وفيه: أن الكل ظاهر في المملوك الذي يعوله المولى، فإن ثبت أن المكاتب
من عياله من جهة أن (7) ما في يده ملك للمولى، فلا كلام في وجوب فطرته عليه،
وإلا فهذه الأخبار لا تنفع في المطلوب (8) بمقتضى الانصاف.
هذا كله في المكاتب المشروط أو المطلق الذي لم يتحرر منه شئ، وأما
المبعض، فالمحكي عن الأكثر (9) وجوب فطرته على نفسه وعلى المولى بنسبة
الحصة إن لم يعله المولى أو غيره، وإلا فعلى المعيل، ولعله لأن الاشتراك في العيلة

(1) الوسائل 6: 253 الباب 17 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.
(2) الفقيه 2: 179، ذيل الحديث 2072.
(3) المدارك 5: 309.
(4) الوسائل 6: 227 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة.
(5) الوسائل 6: 229 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 13.
(6) الوسائل 6: 229 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.
(7) في " ع ": كون.
(8) في " ع " و " م ": للمطلوب.
(9) انظر الشرائع 1: 171، والمعتبر 2: 600، والروضة البهية 2: 58 ونسبه في الرياض
1: 289 إلى المشهور.
402

أو الاشتراك في الملك يقتضي ذلك.
وفيه نظر، لأن الاشتراك في العيلة لو سلم اقتضاؤه التشريك فإنما يقتضيه
إذا كان ذلك من الأجنبيين (1) وأما إذا اشترك أجنبي (2) مع نفسه فلا نسلم
الاشتراك، بل مقتضى العمومات السليمة عن معارضة أدلة العيلة المختصة (3)
بصورة استقلال المعيل الأجنبي بالانفاق هو الوجوب على نفسه، وكذا الكلام
في الاشتراك في الملكية فإن المسلم منه ما لو تعدد المالك لو ما لو تبعض في الرقية،
فالأقوى بحسب القاعدة هو الوجوب على نفسه لو استجمع سائر
الشرائط، وإلا فالسقوط عنه وعن المولى.
أما الأول، فللعمومات السليمة عن المخصص، وللمرفوعة المتقدمة
بالتقريب المتقدم، حيث إن المبعض لو ملك النصاب بجزئه الحر وجب عليه
الزكاة، فيجب عليه الفطرة.
وقد يستدل بما سيجئ من رواية الصدوق في الفقيه، عن العياشي النافية
للزكاة في العبد المشترك بين شريكين حيث قال فيها: " وإن كان لكل انسان منهم
أقل من رأس فلا شئ عليهم " (4).
الرابع: الغنى
وهو أن يملك قوت السنة لنفسه وعياله الواجبي النفقة،
لأن غير المالك لذلك تحل له الزكاة كما تقدم، وقد دلت الأخبار المستفيضة على
نفي الفطرة عمن يأخذ الصدقة (5)، وأن " من حلت له لم تحل عليه ومن حلت
عليه لم تحل له " (6)، واقتصر الإسكافي (7) على ملك قوت يوم وليلة وزيادة الفطرة

(1) في " ع " و " م ": أجنبيين.
(2) ليس في " ف ": أجنبي.
(3) في " م " و " ف ": الشخصية.
(4) الفقيه 2: 182، الحديث 2082.
(5) الوسائل 6: 223 الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الأحاديث 1 و 5 و 7 و 8.
(6) الوسائل 6: 224 الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.
(7) نقله عنه العلامة في المختلف: 193.
403

لأخبار كثيرة (1) ظاهرة في وجوبها على مطلق الفقير، وأنه يتصدق مما (2) يتصدق
به عليه، ويتعين حملها على الاستحباب مع أنه ليس فيها اعتبار ملك قوت اليوم
والليلة.
وعن جماعة منهم الشيخ (3) والحلي (4) إن الغنى يتحقق بتملك (5) نصاب من
النصب الزكوية، وعن الشيخ (6): إلحاق قيمتها، وظاهر الحلي (7): الاجماع على
ما ادعاه، قال في المعتبر: ولم نقف له يعني للشيخ على حجة ولا قائل من
قدمائنا (8)، ولعله للمرفوعة المتقدمة: " تجب الفطرة على من تجب عليه الزكاة ".
ومثل قوله صلى الله عليه وآله: " أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأدفع إلى
فقرائكم " (9) حيث إنها تدل على مقابلة الغني للفقير في الزكاتين، والغني في زكاة
المال يملك أحد النصب فليكن في الفطرة كذلك.
وضعف الوجهين ظاهر لما تقدم من أن المرفوعة في مقام بيان اعتبار
شروط وجوب زكاة المال من الحرية والبلوغ والعقل، والنبوي محمول على
الغالب.
وكيف كان فلا ريب في قوة ما اخترناه، وعليه فهل يعتبر أن يملك فعلا
أو قوة مع قوت السنة مقدار الفطرة أم لا؟ قولان، أظهر هما: الأول، لأن المستفاد
من الأدلة أن الفقر مانع مطلق عن وجوب الفطرة، فكما أن وجوده يمنعه كذلك

(1) الوسائل 6: 225 الباب 3 من أبواب زكاة الفطرة.
(2) في " ف " بما.
(3) المبسوط 1: 240.
(4) السرائر 1: 465.
(5) في " م ": بملك.
(6) الخلاف 2: 146 كتاب زكاة الفطرة، المسألة 183.
(7) السرائر 1: 465.
(8) المعتبر 2: 594.
(9) مستدرك الوسائل 7: 105 الباب الأول من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 14.
404

حدوثه بعده، فإن الدفع من قوت السنة يوجب حدوث الفقر وفاقا للفاضلين (1)
والشهيد الأول (2) والمحقق الثاني في حاشية الشرائع (3) وغيرهم، خلافا
للمحكي عن الشيخ (4) والشهيد الثاني (5) وغيرهما، للعمومات، خرج منها من
لم يقدر على قوت السنة.
ويمكن الاستدلال للمطلوب فيما إذا تعين الدفع من القوت بأن وجوب
الدفع موجب لعدم تمام ملكه لمقدار الفطرة، فلا يبقى ملكه مستقرا على قوت
السنة، فيجوز له أخذ الزكاة، فيجتمع وجوب الدفع مع جواز الأخذ، وقد دلت
الأخبار المتقدمة مثل: " من حلت له.. " إلى آخره (6) على التنافي بين وجوب الدفع
وجواز الأخذ.

(1) المعتبر 2: 594 والمنتهى 1: 532.
(2) البيان: 204 والدروس 1: 248.
(3) حاشية الشرائع، (مخطوط): 51.
(4) الإقتصاد: 429 والنهاية: 189.
(5) المسالك 1: 50.
(6) الوسائل 6: 224 الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.
405

مسألة
[1]
يجب مع اجتماع الشروط (1) إخراج الفطرة عن نفسه وعن كل من يعوله
وجوبا أو استحبابا أو كراهة بل ولو تحريما، للاجماع والأخبار المستفيضة، بل
المتواترة (2).
والمراد بالعيال: من تحمل معاشه، ففي الصحاح: علته شهرا إذا تحملت
معاشه (3).
وفي الخبر: " صدقة الفطرة على كل صغير وكبير، حر أو عبد، عن كل من
تعول يعني من تنفق عليه صاع من تمر.. الرواية " (4).
وفي أخرى عن المعتبر: " إن النبي صلى الله عليه وآله فرض صدقة الفطرة
على الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون " (5).
وفي الصحيح، عن عمر بن يزيد: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) في " ف ": استجماع الشرائط.
(2) الوسائل 6: 227 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة.
(3) الصحاح 5: 1777 وفيه: إذا كفيته معاشه.
(4) الوسائل 6: 232 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.
(5) المعتبر 2: 601 والوسائل 6: 230 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 15.
406

الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطرة فيؤدي عنه الفطرة؟
قال: نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر
أو مملوك " (1).
دلت على وجوب فطرة الضيف من حيث كونه ممن يعال.
واحتمال كون الجملة بعد " نعم " مستأنفة مع أنها خلاف الظاهر، لظهور
كونها هي الجواب لا يقدح، لأنها لو لم يكن نفس الجواب فلا محالة تكون جملة
مستأنفة مسوقة لبيان ضابط من تجب عنه الفطرة مطرد ومنعكس، بحيث يدخل
فيها (2) الضيف، إذ كونها قاعدة أجنبية خرج عنها الضيف حيث إن زكاتها؟ (3)
تجب لا من حيث العيلولة لا يخفى بشاعته. مع أن الأخبار المستفيضة (4) الظاهرة
في إناطة الوجوب طردا وعكسا مع العيلولة كافية في نفي كون فطرة الضيف
أو غيره ممن سيجئ الخلاف فيه كالزوجة والمملوك واجبة من حيث هي.
ثم لما كان الظاهر من عنوان من تجب [عنه الفطرة تلبسه بذلك] (5)
العنوان في زمان تعلق الوجوب، اعتبر تحقق العيلولة في ذلك الزمان، سواء بقي
بعد ذلك أو ارتفع، وسواء وجد قبل ذلك أم لا، وحينئذ فالمعيار كونه عيالا حين
هلال شوال. ومن هنا اختار من تأخر (6): كفاية صدق الضيف في أول الهلال
المستلزم لصدق أنه يعال وإن لم يصدق عليه العيال الظاهر فيما إذا كان لعيلولته
استمرار، بل الظاهر كفاية صدق أنه ضمه إلى عياله كما دلت عليه رواية عبد

(1) الوسائل 6: 227 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(2) في " ع " و " م ": فيه.
(3) كذا في النسخ، والظاهر: زكاته.
(4) الوسائل 6: 227 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة.
(5) بدل ما بين المعقوفتين في " ف ": ما يلي: عليه الفطرة، فعلية ذلك.
(6) المعتبر 2: 604 والمنتهى 1: 536 والدروس 1: 250.
407

الله بن سنان المتقدمة: " كل من ضممت إلى عيالك.. الخ " (1). فالمدار على
صدق الانضمام إلى العيال لا على صدق العيال.
ومن ههنا يظهر أن الأجير المشترط نفقته على المستأجر منضم إلى العيال،
وفاقا لغير واحد من المعاصرين (2) خلافا للفاضلين (3) وشيخنا في المسالك (4)
فجعلوه من قبيل الأجرة، وفيه: إنه لا يلزم من ذلك عدم الوجوب بعد صدق
الانضمام إلى العيال.
ثم إن المدعو إلى مكان الداعي ليأكل عنده الذي يطلق عليه الضيف
في عرف العوام قد يشكل فيه الحكم، من جهة صدق كونه ضيفا، ومن عدم
اندراجه في من انضم إلى العيال، إذ المراد الانضمام في العول وهو الانفاق،
وصدقه مشكل.

(1) الوسائل 6: 229 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 8.
(2) انظر المستند 2: 65 وكشف الغطاء: 357.
(3) المعتبر 2: 601 والمختلف: 195.
(4) المسالك 1: 50.
408

مسألة
[2]
المشهور كما قيل (1) وجوب فطرة المملوك والزوجة الواجب النفقة على
المولى والزوج إذا لم يعلهما غيرهما، من غير اعتبار فعلية العيلولة، بل أفرط
الحلي (2) فأوجبها على الزوج لزوجته الناشزة والصغيرة وغير المدخول بها، لعدم
تمكينها، مدعيا في ذلك الاجماع والعمومات وإن طعن عليه في المعتبر (3) بأن ذلك
لا يعرف له قائل (4) من فقهاء الاسلام، وقريب منه ما في المنتهى (5).
وكيف كان فالظاهر أن مستند المشهور إطلاقات وجوب الفطرة عنهما من
غير اعتبار لفعلية العيلولة، [وطعن عليهم جماعة من المتأخرين (6) بإنكار ذلك،
وأن الأخبار حتى المشتعل منها على ذكر الزوجة والمملوك ظاهرة في اعتبار
فعلية العيلولة] (7).

(1) الجواهر 15: 503 وفيه: بل ربما نسب إلى المشهور ؤ
(2) السرائر 1: 466 ولم يذكر فيه الصغيرة.
(3) المعتبر 2 ت: 691.
(4) في " م " و " ع ": موافق.
(5) المنتهى 1: 533.
(6) انظر مجمع الفائدة 4: 142 والحدائق 12: 269 والمستند 2: 66.
(7) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
409

والخالي منها عن هذا القيد محمول على الغالب.
أقول: القائل بوجوب نفقة المملوك والزوجة من حيث هما إن خص الحكم
بهما من بين واجبي النفقة، فالظاهر أنه لا وجه لذلك، لأنهما لم يذكرا بأنفسهما في
خبر حتى يمكن التمسك باطلاقه على ذلك، وإنما ذكرا إما في عنوان " من
يعول "، وإما بأنفسهما منضمين إلى سائر واجبي النفقة، فلا وجه للاختصاص
وإن طرد الحكم في مطلق واجبي النفقة كالأبوين والأولاد على ما يظهر من الشيخ
في المبسوط (1) والمحقق في المعتبر (2)، فيمكن الاستشهاد له بمثل رواية صفوان،
عن إسحاق بن عمار، وفيها: " الواجب أن تعطي عن نفسك وأبيك وأمك وامرأتك
وخادمك " (3).
وقريب منها رواية أخرى لصفوان، عن عبد الرحمان بن الحجاج، وفيها:
" إن العيال الولد والمملوك والزوجة وأم الولد " (4)، وترك الأبوين للاقتصار على
ذكر الغالب.
ولا ينافي ذلك ما دل (5) على إناطة الوجوب بالعول والانفاق الظاهر في
الفعلية.
أما أولا، فلأن ذكر هذا الضابط مسوق لبيان عدم الاختصاص بمن
يجب نفقته ممن ينفق عليه فعلا، فهذه ضابطة في مقام العكس لا الطرد، ولذا
أكده الإمام عليه السلام، في مقام (6) الاجمال بعد التفصيل في بعض الروايات: " وما

(1) المبسوط 1: 239.
(2) المعتبر 2: 596.
(3) الوسائل 6: 228 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.
(4) الوسائل 6: 227 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.
(5) الوسائل 6: 227 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الأحاديث 2 و 6 و 14 وغيرها.
(6) العبارة في " ف " و " م " هكذا: في بعض الأخبار بقوله في مقام.
410

أغلق عليه بابه " (1)، وفي أخرى: " كل من ضممت إليك " (2).
وما ذكرناه واضح على المنصف المتأمل فيكون العيلولة سببا، ووجوب
الانفاق سببا آخر، مع أن من (3) المحتمل أن يقال: إن الفطرة مؤونة من المؤونات
التي يجب على المنفق تحملها عن واجبي النفقة، حيث إنها زكاة البدن ويخاف
بتركها الموت، فتجب كما تجب النفقة، فتشبه بذلك المال لثمن ماء الطهارة أو
الساتر في عدها عرفا من المؤن. ودعوى أن كونها من المؤن فرع وجوبها، والكلام
فيه مدفوع بالأدلة الدالة على استقرار الفطرة على كل أحد وعدم سقوطها إلا
لمانع، لا لعدم المقتضي.

(1) الوسائل 6: 229 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.
(2) الوسائل 6: 229 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 12.
(3) ليس في " ف " و " ج " و " ع ": من.
411

مسألة
[3]
من وجبت فطرته على غيره بالعيلولة (1) أو وجوب النفقة، سقط عنه بلا
خلاف ظاهرا إلا عن الحلي (2) من وجوب الفطرة على الضيف والمضيف، ورد بعموم
قوله صلى الله عليه وآله: " لا يثنا في صدقة " (3)، والأولى دفعه بنفس ما دل على وجوب
أداء الفطرة عنه، فإن قوله عليه السلام في رواية الضيف: " يؤدي عنه " (4) ظاهر في
وحدة الفطرة، وكون المضيف كالمتحمل لها عن الضيف وإن لم يكن تحملا
حقيقيا كما ستعرف.
ولو لم تجب فطرته على الغير لاعساره مثلا، فإن كان ممن لا يجب على
نفسه الفطرة لو انفرد لكونه صغيرا أو مملوكا أو فقيرا، فلا إشكال في سقوط
فطرته عن نفسه.
وإن كان ممن تجب على نفسه لو انفرد كالضيف الموسر والزوجة الموسرة،

(1) في " م ": لعيلولة.
(2) السرائر 1: 468 ت.
(3) كذا في النسخ، والذي وقفنا عليه في كنز العمال 6: 332 الحديث 15902: " لاثني في الصدقة "،
ورواه أيضا في الصفحة 466، الحديث 16575 عن علي عليه السلام.
(4) الوسائل 6: 227 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
412

فهل تجب عليه (1) أم لا؟ الأقوى: نعم، لعموم ما دل على وجوب الفطرة على كل
أحد جامع للشروط، خرج منها من يخرج عنه الغير، وبقي الباقي خلافا للشيخ (2)
رحمه الله فأسقطها عن الزوجة الموسرة، وقواه الفخر في الإيضاح (3)، لسقوطها عن
الزوج بالاعسار وعدم الدليل على تعلقها بالزوجة.
وفيه: إن العمومات السليمة عن المخصص هي الدليل على الوجوب
عليها، اللهم إلا أن يقال: إن أدلة الوجوب على الزوج ليس المراد منها خصوص
الوجوب الفعلي حتى ينتفي التخصيص مع انتفائه بإعسار الزوج، بل المراد منها
أن زكاة الزوجة جعلت بحسب أصل الحكم (4) الشرعي على الزوج، فالزوجة
خارجة عن عمومات وجوب الفطرة بأصل الشرع، أدى الزوج عنها أم لم يؤد،
عذرا أو عمدا، وهو لا يخلو عن اشكال.
نعم يمكن القول بالسقوط مع ترك الزوج عصيانا من جهة دخول المورد
حينئذ تحت عموم المخصص، أعني ما دل على وجوب فطرة الزوجة على الزوج
الموسر، اللهم إلا أن يقال: إن مجرد وجوبها عليه لا يوجب السقوط عنها، ولا نسلم
تخصيص عموم ما دل على ثبوت الفطرة على كل أحد بما دل على ثبوت فطرة
الزوجة على الزوج الموسر، لامكان ثبوته على العيال إلا (5) أن يسقطها عنه
المعيل، كما إذا وجب على شخص أداء دين غيره.

(1) كذا في " م "، وفي باقي النسخ: عليها.
(2) المبسوط 1: 241.
(3) إيضاح الفوائد 1: 211.
(4) في " م ": حكمها.
(5) في " ف ": إلى.
413

مسألة
[4]
العبرة في وجوب أداء الفطرة على الشخص عن نفسه أو عن غيره
باستجماعه الشرائط عند هلال شوال، فلا عبرة بحدوثها بعده كما لا عبرة
باختلالها، فلو كان عند الهلال عبدا أو فقيرا أو ناقصا، أو غير معيل لشخص لم
يجب عليه وإن حدث الشروط بعده (1).
ويدل على ذلك مضافا إلى الاجماع المدعى: صحيحة معاوية بن عمار:
" قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر، أعليه فطرة؟ قال:
لا، قد خرج الشهر، وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال:
لا " (2). دلت على أن العلة في عدم حدوث وجوب الفطرة للمولود هي خروج
شهر رمضان.
ولا يخفى على المتأمل أن المراد من قول السائل: " عليه فطرة؟ " في سؤال
" المولود " وسؤال: " المسلم.. " معنى واحد كما في الرواية الآتية، وهو مجرد تعلق
الفطرة به (3) أعم من كونه مخرجا أو مخرجا عنه، واستعمال لفظة " على " في أخبار

(1) في " ع ": لغده.
(2) الوسائل 6: 245 الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(3) في " ف ": عليه.
414

الفطرة باستعمال واحد بالنسبة إلى المخرج والمخرج عنه في غاية الكثرة، والمراد
به ما ذكرنا من المعنى الأعم، فالمنفي هو هذا المعنى المشترك، والتعليل راجع إلى
نفيه (1) فمفاد التعليل: إنه كلما خرج الشهر فلا يحدث تعلق الفطرة بالشخص،
لا وجوب الاخراج ولا وجوب الاخراج عنه، فلا يتوهم أن العلة راجعة إلى نفي
وجوب الفطرة عن شخص، فلا يدل على حكم حدوث شروط وجوب الأداء
بعد الهلال، مع أن ظاهر ذيل الرواية بمقتضى الذوق السليم هو كون حكمه
عليه السلام بعدم الوجوب على المسلم أيضا متفرعا على خروج الشهر.
ونحوها رواية الفقيه، عن علي بن أبي حمزة، عن معاوية بن عمار: في
المولود يولد ليلة الفطر، واليهودي والنصراني يسلمان ليلة الفطر؟ قال: " ليس
عليهم فطرة، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر " (2) دلت على انحصار تعلق
الفطرة بالانسان من حيث الاخراج أو الاخراج عنه فيمن أدرك الشهر،
والكافر وإن كان قد أدرك الشهر جامعا لشرائط الوجوب إلا أنه لما جب
بالاسلام (3) لم يحدث تكليف آخر عليه، لكونه معلقا على إدراك شهر رمضان
الممتنع في حقه، وهو غير متحقق في هذا الوجوب الحادث.
فدلت الرواية على أن الوجوب معلق على إدراك الشهر ولا ينفك عنه،
فمن لم يجب الفطر عليه أو عنه عند إدراك الشهر، أو وجب ثم سقط بالاسلام
فلا يحدث عليه الوجوب بعد ذلك، وإلا لم يكن الوجوب معلقا على إدراك (4)
الشهر، فمرجع (5) الرواية إلى مفاد الصحيحة السابقة الدالة على أن خروج

(1) في " ع ": نفسه.
(2) الفقيه 2: 179، الحديث 2070 والوسائل 6: 245 الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث
الأول.
(3) انظر عوالي اللآلي 2: 224، الحديث 38.
(4) في " م " و " ع ": بادراك.
(5) في " م ": فرجع.
415

الشهر علة لعدم حدوث تعلق الفطرة بمن لم يتعلق عليه في آخر الشهر.
ومنها (1) يعلم أن وقت أداء الفطر ليس نظير وقت أداء الظهرين مثلا،
فإن كل جزء من الوقت يسع الصلاتين سبب لوجوبهما يكفي في تعلق التكليف
بالشخص استجماعه للشرائط في ذلك الجزء، بخلاف الوقت هنا، فإن السبب
إما خارج عنه بالمرة، وإما أول جزء من أجزائه على الخلاف الآتي في مبدأ وقت
الاخراج.
ثم إن الوجوب المعلق على إدراك الشهر كما يظهر من الروايتين هو
الوجوب الواقعي، بل مطلق تعلق الفطرة أعم من الاخراج والاخراج عنه،
لا تنجز التكليف وفعليته، فلو كن عند الهلال نائما، أو غير ملتفت إلى وجوب
الفطرة، أو معتقدا لعدمه في بعض موارد الخلاف اجتهادا أو تقليدا أو لشبهة في
الموضوع كعدم التولد، أو عدم كونه ولدا أو مملوكا أو زوجة له، لم يقدح ذلك كله
في حدوث التنجز عليه عند التنبه ما بين الهلال والزوال.
ومن هنا يعلم أن التمسك في نفي الوجوب عن المغمى عليه عند الهلال
بكونه غير قابل للتكليف حينئذ فلا يحدث بعد خروج الشهر، إن أريد به عدم
قابليته لتنجز التكليف عليه عقلا، لعدم شعوره، فقد عرفت أنه غير معتبر كما
في النائم (2).
وإن أريد به عدم قابليته لتعلق الوجوب الواقعي كما في الصبي والمجنون،
فهو حسن، إلا أن يحتاج إلى إثبات كونه كذلك.
وأما دعوى: إن المنفي في الروايتين (3) هو تنجز التكليف، فتدلان على أن
كل من لم يكلف ولم يخاطب فعلا عقلا أو شرعا بوجوب الفطرة عند الهلال فلا

(1) في " م ": و " ع ": منهما.
(2) في " ع ": في النائم والساهي.
(3) الوسائل 6: 245 الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 1 و 2. وتقدمتا في ص 414 و
415.
416

يحدث الوجوب عليه بعد ذلك، خرج منه النائم وأشباهه وبقي المغمى عليه،
ففاسدة (1).
أما أولا: فلما عرفت (2) من أن المنفي هو تعلق المشترك بين الوجوب عنه،
وعليه، وهذا المقدار من التعلق ليس منفيا عن النائم والمغمى عليه عقلا (3).
وأما ثانيا: فلأن اللازم على هذا [وجوب التماس دليل خارجي على
تكليف النائم وأشباهه بالفطرة، لأن مقتضى الروايتين هو عدم] (4) حدوث
التكليف على من لم يكلف (5) عند الهلال على وجه يكون المعيار والمدار في
التكليف هو إدراك الهلال، وهذا المعنى غير قابل للتخصيص عرفا.
ثم اعلم أن ما دلت عليه الروايتان من إناطة وجوب الفطرة بادراك
الشهر جامعا للشرائط، الظاهر أنه غير مبني على توقيت الفطر بهلال شوال،
كما هو أحد القولين في مسألة وقت الفطر، فليس من يقول بأن وقتها طلوع
الفجر قائلا باعتبار اجتماع هذه الشرائط في آخر الليل بحيث يدرك جزء من
يوم العيد على الشرائط وإن فقدها عند هلال شوال، بل هؤلاء أيضا قائلون
باعتبار اجتماع الشرائط عند الهلال أيضا وإن فقدها بعد ذلك، ولهذا ادعى في
المدارك (6) الاجماع على مسألة اعتبار الاجتماع عند الهلال مع وقوع الخلاف العظيم
في المسألة كما يأتي.
ويحتمل أيضا ابتناء هذه المسألة يعني اعتبار الاجتماع عند الهلال على
القول بتوقيت الفطرة بدخول الهلال، فكل من يقول بأن وقتها طلوع الفجر

(1) في " م " و " ع " فاسدة.
(2) في الصفحة 415.
(3) في " ع ": فعلا.
(4) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(5) في " ع " بدل " لم يكلف ": " لم يتنبه ".
(6) المدارك 5: 320.
417

يعتبر الشرائط عند الطلوع، ولذا قال في المختلف (1) بعد ما حكى عن الشيخ
في النهاية (2) والمبسوط (3) والخلاف (4) القول [بأن وقتها طلوع الفجر، وعنه في
الجمل (5) والاقتصاد (6) إن وقتها هلال شوال: إن ما ذكره في النهاية (7) والمبسوط (8)
والخلاف (9)] (10) من أنه إذا وهب له عبد أو ولد له أو أسلم أو ملك مالا قبل
الهلال وجب الزكاة، وإن كان بعده استحب إلى الزوال، مشعر بما اختاره في
الجمل والاقتصاد.
لكن الانصاف عدم الابتناء، ولذلك لم يحكم في المختلف بصراحة الفروع
المذكورة في كتب الشيخ بما اختاره في الجمل والاقتصاد، بل استشعر منها (11) ذلك،
فالظاهر عدم الابتناء كما يشهد به ذكر الشيخ للفروع المذكورة في كتبه التي
اختار فيها التوقيت بطلوع الفجر.
ويؤيده أيضا بل يشهد له أن أحدا من الفقهاء لم يعتبر في الضيف بقاء
عنوان الضيافة فيه إلى طلوع الفجر من يوم العيد، مع استنادهم في وجوب
الفطرة عن الضيف بما ورد من وجوب الفطرة عن الضيف وعن العيال ومن ضم

(1) المختلف: 199.
(2) النهاية: 191.
(3) المبسوط 1: 242.
(4) الخلاف 2: 155 كتاب زكاة الفطرة، المسألة: 198.
(5) الجمل والعقود: 209.
(6) الإقتصاد: 429.
(7) النهاية: 189.
(8) المبسوط 1: 240.
(9) الخلاف 2: 139 كتاب زكاة الفطرة، المسائل 146 و 173 و 182 وغيرها.
(10) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(11) في " ف ": فيها.
418

إليهم، فلو كان العبرة باجتماع الشرائط عند الطلوع لم يكن بد من اعتبار
الضيافة عند الطلوع، ليتحقق صدق عنوان الضيف والعيال في وقت الوجوب.
فتحصل مما ذكرنا عدم المنافاة بين الاتفاق على اعتبار الشروط عند
الهلال، والخلاف في وقت الفطرة، فالكلام هنا في وقت الوجوب، والخلاف فيما
سيأتي في وقت الواجب وهو الاخراج، وحينئذ فيكون استدلال بعض القائلين
في المسألة الآتية: بأن الوقت هلال شوال بما تقدم من روايتي معاوية بن عمار (1)
بناء على أن الأصل والظاهر فيما ثبت وجوب شئ في زمان كون الزمان لنفس
الواجب أيضا كما لا يخفى، فتخطئة شارح الروضة (2) لمثل الفاضلين (3) في تمسكهما
بالروايتين في تلك المسألة بأنهما تدلان على وقت الوجوب لا الواجب في محله،
لأن الأصل والظاهر اتحاد زمان الواجب والوجوب، لكن يبعد ما ذكرنا تصريح
القائلين بكون وقت الفطرة طلوع الفجر، أنه وقت وجوبها فيحتمل لأجل ذلك
أن يكون اجتماع الشرائط عند الهلال سببا لثبوت الوجوب عند الطلوع وإن
لم يكن وقتاله.
لكن يبعده استدلالهم بأدلة وجوب الاخراج عن الضيف، والعيال
باعتبار الضيافة طول الشهر، أو في النصف الأخير (4) أو غير ذلك، فإن مقتضى
الوجوب عن العيال والضيف تحقق العنوان في وقت الوجوب، وكذا حكمهم
بوجوب الفطرة على من مات عند الطلوع أو افتقر، اللهم إلا أن يقال بكفاية
السبب قبل وقت الوجوب في اشتغال الذمة، نظير أسباب الضمان للطفل
والمجنون، فتأمل جدا.

(1) الوسائل 6: 245 الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 1 و 2 وتقدمتا في ص 414 و 415.
(2) المناهج السوية (مخطوط).
(3) المعتبر 2: 611، والمنتهى 1: 539.
(4) في " ع " و " م ": الآخر.
419

مسألة
[5]
إذا كان العبد بين شريكين، فالمحكي عن الأكثر وجوب فطرته عليهما
بالاشتراك (1)، ويدل عليه: عموم ما دل على ثبوت الفطرة على كل انسان، إما
على نفسه أو على غيره (2)، خرج منه فاقد الشروط الذي لا يعوله واجدها، وبقي
الباقي، ويؤيد ذلك: إن المستفاد من الأدلة كون المالكية سببا لوجوب الفطرة
أما بنفسها، بناء على كون فطرة المملوك من حيث هو، وأما عنوان العيلولة، بناء
على القول الآخر.
وعلى التقديرين فلا فرق في نظر الشارع ظاهرا بين قيام السبب أعني
الملكية، أو العيلولة بواحد أو بأكثر. ويؤيده ما مر من مكاتبة ابن الفضيل، عن
الرضا عليه السلام في ثبوت الفطرة على مملوك مات مولاه وصار لليتامى (3)، سواء
حمل الحديث على ظاهره، أو أول بما لا ينافي مذهب المشهور بأن يراد ما ذكره في
الوسائل من كون موت المولى بعد الهلال (4).

(1) انظر: المدارك 5: 329.
(2) الوسائل 6: 227 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة.
(3) الفقيه 2: 180، الحديث 2073.
(4) الوسائل 6: 226 ذيل الحديث 3.
420

وعن الصدوق: عدم وجوب الفطرة لمثل هذا العبد المشترك، لما رواه في
الفقيه، عن تفسير العياشي (1)، وفيه ضعف سندا بل ودلالة، حيث إن الظاهر
منها عدم وجوب الفطرة على من ملك أقل من رأس، فلا ينافي وجوب الفطرة
للبعض إذا ملك مع عبد تام كثلاثة عبيد بين رجلين، فلا يدل على نفي الفطرة
للكسر، بل على نفيها عمن ملك دون الواحد، وكيف كان فلا يعارض ما تقدم.

(1) الفقيه 2: 182، الحديث 2082.
421

مسألة
[6]
إذا أوصي له بعبد فقبل بعد موت الموصي وقبل الهلال، فلا إشكال في
وجوب فطرته عليه، ولو قبل بعد الهلال: فإما أن يجعل القبول كاشفا، أو ناقلا.
فعلى الأول يحتمل على الموصى له لكشفه عن كونه مالكا عند الهلال،
ويحتمل عدمه، لأنه لم يكن عالما، ويندفع بما تقدم من أن تعلق الوجوب الواقعي
الشأني كاف، ولا يشترط التنجز عند الهلال كما لو ولد له ولد ولم يعلم به، ويحتمل
الفرق بين وقوع القبول في الوقت فيجب، وبين وقوعه في خارجه فلا يجب
القضاء.
وعلى الثاني فيحتمل الوجوب على الوارث: لأنه ملكه قبل قبول الموصى
له، ويحتمل عدمه: إما لأن ملكه متزلزل في معرض الزوال كما ذكره المحقق الثاني
في حاشية الشرائع (1)، وفيه نظر ظاهر، وإما لأن الوصية لا تدخل في ملك الوارث،
بل على حكم مال الميت حتى يقبل الموصى له.

(1) حاشية الشرائع (مخطوط): 51.
422

مسألة
[7]
ظاهر المحكي عن الصدوقين (1) والعماني (2): الاقتصار في جنس الفطرة
على الغلات الأربع، وزاد في المدارك (3) عليها الأقط، وزاد الشيخ (4) عليها الأرز
والأقط واللبن، مدعيا ثبوت الاجماع على إجزاء السبعة، وعدم الدليل على
إجزاء غيرها.
وفي الدروس: إن ظاهر الأكثر الاقتصار على هذه السبع (5).
وفي المعتبر: إن الضابط ما كان قوتا غالبا كالحنطة والشعير والتمر
والزبيب والأرز والأقط واللبن، وهو مذهب علمائنا (6)، ونحوه في دعوى الاتفاق
ما عن المنتهى (7)، ونسب هذا إلى المشهور بين المتأخرين (8).

(1) المقنع (الجوامع الفقهية) 18.
(2) انظر المختلف: 197.
(3) المدارك 5: 333.
(4) الخلاف 2: 150 كتاب الزكاة، المسألة 188.
(5) الدروس: 1: 251، وفيه: وأكثر الأصحاب حصروه في السبعة.
(6) المعتبر 2: 605.
(7) المنتهى 1: 536.
(8) الحدائق 12: 279.
423

وعن المفيد: إنها فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتها في
النوع (1) وحكي مثل ذلك عن السيد (2)، وعن الإسكافي (3): يخرجها من وجبت
عليه من أغلب الأشياء على قوته، وحكي عن الحلي (4) والحلبي (5) وقد نسب في
المدارك (6) إلى المحقق والمتأخرين، وفيه نظر، فإنهم إنما عبروا بما هو قوت غالبا
وجعلوا ما يغلب قوت الانسان أو بلده مستحبا اللهم إلا أن يكون مراد الإسكافي
من قوله: " يخرجها "، نفي وجوب الاخراج عن غيره في مقابل غيره من الأقوال
المعينة لبعض الأقوات، ولذا استدل عليه في المختلف (7) بعد ما استقر به بأدلة،
منها: إن تكليفه بغير قوته حرج منفي وضرر منفي.
وللصدوقين صحيحة الحلبي (8)، ولصاحب المدارك مصححة عبد الله بن
ميمون (9)، وللشيخ ذكر الأرز واللبن في بعض الأخبار (10)، وللمفيد والسيد قول
أبي عبد الله عليه السلام في مرسلة يونس المصححة إليه: " الفطرة على كل من أقتات
قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت " (11)، وقوله عليه السلام في مصححة زرارة وابن
مسكان: " الفطرة على كل قوم مما يغذون عيالاتهم " (12)، وللإسكافي ومن تبعه مكاتبة

(1) المقنعة: 249.
(2) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 80.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 197.
(4) السرائر 1: 468.
(5) الكافي في الفقه: 169.
(6) المدارك 5: 333، وفيه: والمصنف وجماعة.
(7) المختلف: 197.
(8) الوسائل 6: 233 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11.
(9) الوسائل 6: 229 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 11.
(10) الوسائل 6: 238 الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(11) الوسائل 6: 239 الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.
(12) الوسائل 6: 238 الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث الأول.
424

الهمداني المروية في التهذيب (1)، ومستند ما في المعتبر والمنتهى هو الجمع بين
الأخبار.
ويظهر من المسالك (2) والروضة (3) والحدائق (4): اعتبار أحد الأجناس
السبعة المذكورة وإن لم يقتت به المخرج، أو ما أقتات به المخرج وإن لم يكن
منها كالدخن، والذرة، فالعبرة بأحد الأمرين، ولعله للجمع بين الأخبار المطلقة
في إجزاء السبعة، ومصححتي يونس وابن مسكان المتقدمتين، ولا يبعد (5) جواز
إخراج ما كان قوتا غالبا، بمعنى أنه يقتات به في غير النادر ولو عند بعض
الناس، فلا عبرة بالنادر ككثير مما يقتات به في أيام الغلاء، ولا يعتبر الأقوات
عند عامة الناس، ولا غالبهم فيكون الدخن والذرة حينئذ أصلا عند كل أحد
وإن لم يقتت به كما هو ظاهر الاجماع المتقدم عن المعتبر (6) والمنتهى (7) الظاهر
فيما ذكرنا، إذا لا معنى لعد الأقط بل ما عدا الحنطة والشعير قوتا غالبا إلا بالمعنى
الذي ذكرنا، مضافا إلى ذكر الذرة في بعض الروايات المعتبرة كرواية الحذاء
المروية في التهذيب (8)، وإلى المروي مرسلا في المعتبر، عن أمير المؤمنين عليه السلام:
" إن الفطرة على كل رأس صاع من طعام " (9).

(1) التهذيب 4: 79، الحديث 226، والوسائل 6: 238 الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث
2.
(2) المسالك 1: 51.
(3) الروضة البهية 2: 59.
(4) الحدائق 12: 282 و 285.
(5) في " م ": لكن لا يبعد.
(6) المعتبر 2: 605.
(7) المنتهى 1: 536.
(8) التهذيب 4: 82، الحديث 238، والوسائل 6: 233 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث
10.
(9) المعتبر 2: 607، والوسائل 6: 235 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 21 نقلا بالمعنى.
425

ثم اعلم: إن في مرسلة يونس ورواية ابن مسكان المتقدمتين (1) احتمالات
ثلاثة:
أحدها: تعين إخراج ما يغلب على قوته كما هو ظاهر الإسكافي.
الثاني: حمل ذلك على عدم تعين ما سواه، فيكون الأمر في مقام رفع توهم
الحظر وتعين (2) الغلات الأربع.
الثالث: حملهما على الاستحباب، والظاهر هو الاحتمال الأوسط، وحينئذ
فيدل على جواز كل ما أقتات به الشخص، لكن لا تدلان على جواز إخراج قوم
آخر له، نعم أدلة جواز الغلات الأربع مطلق بالنسبة إلى كل أحد.
وأما الأقط فيظهر من بعض الأخبار اختصاصها بأهل الغنم (3)، وكذا
ما دل على الأرز، وهي مكاتبة الهمداني (4)، وهذا محتمل في رواية الذرة (5)، فالقدر
المتيقن هو إخراج إحدى الغلات الأربع مطلقا، أو ما كان قوتا غالبا للشخص
كما هو مختار كاشف الغطاء على ما حكي عنه (6)، لكن تعميم القوت الغالب
للشخص أيضا مشكل، إذ لا يبعد دعوى انصرف القوت في المرسلة، والموصول
في قوله عليه السلام في رواية ابن مسكان: " مما يغذون " إلى المتعارف من الأقوات
التي يقتات بها بعض طوائف الناس ولو كالأقط واللبن، فلو فرضنا أن قوما
اقتاتوا باللحم أو بشئ أخر من الأمور النادرة، فيشكل الحكم بجواز الفطرة
منه تمسكا (7) بهاتين، لقوة ورود هما في مقام رفع توهم تعين (8) الأجناس المتعارفة

(1) في الصفحة 424.
(2) في " م " و " ع ": تعيين.
(3) الوسائل 6: 231 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(4) الوسائل 6: 238 الباب 8 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(5) انظر الوسائل 6: 234 الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 17.
(6) لم نعثر على الحاكي عنه، والموجود في كشف الغطاء هو جعل المدار القوت المتعارف. (راجع
كشف الغطاء: 358).
(7) في " م ": متمسكا.
(8) في " ع ": تعيين.
426

من الغلات الأربع.
ثم إن ظاهر مرسلة يونس ومصححة ابن مسكان إجزاء ما صدق عليه
القوت على أنه أصل، وعلى هذا فالدقيق بل الخبز أصلان، لكن في أصالة الخبز
تأمل: لأن الظاهر من القوت هو أصل الجنس، بل قد يعلل ذلك باشتماله على
الأجزاء المائية، وفيه نظر، نعم يدل على كون الدقيق من باب القيمة مصححة
عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: سألته نعطي الفطرة دقيقا مكان
الحنطة؟ قال: لا بأس يكون أجر طحنه بقدر ما بين الحنطة والدقيق " (1)، بناء على
أنه عليه السلام جعل أجرة الطحن في مقابل ما تنقص الحنطة من الصاع بعد
الطحن، إذ لو كان أصلا لم يجز منه النقص من صاع.
ثم إن المشهور، بل المعروف من غير خلاف جواز إخراج القيمة، وظاهر
كلامهم بل صريح بعضهم (2): عدم الفرق في القيمة بين النقدين وغيرهما،
والأخبار مختصة بالدرهم إلا موثقة إسحاق بن عمار: " لا بأس بالقيمة في
الفطرة " (3)، والظاهر أنه كاف لمذهب المشهور نظرا إلى أن الظاهر منه إخراج
الشئ بقيمة الأصول لا اخراج نفس القيمة، هذا إن سلم تبادر النقدين من
لفظ القيمة وضعا أو انصرافا، وإلا فلا إشكال في الاستدلال.
وأما حمل الرواية على الأخبار المقيدة بالدرهم فلا وجه له لعدم التنافي،
ويؤيد ما ذكرنا مصححة عمر بن يزيد المتقدمة.

(1) الوسائل 6: 241 الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.
(2) وهو الشيخ في المبسوط 1: 242، وفي المستند 2: 68 نسبته إلى الأكثر.
(3) الوسائل 6: 241 الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 9.
427

مسألة
[8]
المحكي (1) عن الإسكافي والمفيد (2)، والسيد (3)، والشيخ في المبسوط (4)
والخلاف (5) والنهاية (6)، والقاضي (7)، والحلبي 8) وسلار (9): إن وقت زكاة الفطرة
طلوع الفجر يوم العيد، وظاهر ابن زهرة الاجماع عليه (10) وهو الأقوى، للأصل
وصحيحة العيص بن القاسم: " قال: سألت الصادق عليه السلام عن الفطرة متى
هي؟ قال: قبل الصلاة يوم الفطر، قلت فإن بقي منه شئ بعد الصلاة؟ قال:
لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه " (11) دلت على أن ظرفها يوم
الفطر، فلا يشرع قبله.

(1) حكاه في المختلف: 199، والجواهر 15: 527.
(2) المقنعة: 249.
(3) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 80.
(4) المبسوط 1: 242.
(5) الخلاف 2: 155 كتاب زكاة الفطرة، المسألة 198.
(6) النهاية: 191.
(7) المهذب 1: 176.
(8) الكافي في الفقه: 169.
(9) المراسم (الجوامع الفقهية): 581.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 507.
(11) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.
428

لكن الاستدلال مبني على وجوب تقديمها على الصلاة، إذ لو استحبت
تعين حمل التوظيف المستفاد من الصحيحة على الاستحباب بالنسبة إلى يوم
الفطر أيضا كما لا يخفى فيسقط الاستدلال كسقوط (1) الاستدلال برواية
إبراهيم بن ميمون،: قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: " الفطرة إن أعطيت قبل
أن تخرج إلى العيد فهي فطرة، وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة " (2)،
إذ غاية ما يستظهر منها وجوب كون الفطرة قبل الخروج، فإذا حمل على
الاستحباب لما سيأتي من انتهاء وقت الفطرة بالزوال سقط الاستدلال به، مع
أن مجرد وجوب كونها قبل الخروج لا يدل على توقيتها بطلوع الفجر، نعم دلت
على ذلك الصحيحة الأولى من حيث التصريح بوجوب كونها يوم الفطر الذي
مبدأه طلوع الفجر، فلا يجزي قبله.
ومنه يظهر ضعف تضعيف الصحيحة: بأن قبل الصلاة كما يعم عند طلوع
الفجر بلا فصل، كذا يعم قبله القريب منه، ولا قائل بالفرق، مع أن المتبادر من
السياق أن المراد بالقبلية إنما هو المقابل لما بعد الصلاة، لا المتبادر منها إلى الذهن
حقيقة، وهو قريب من الصلاة، مع أنه لا قائل به منا، للاتفاق على كون ما بعد
الفجر بلا فصل وقتا، مع أنه غير متبادر منه جدا.
هذا، وأنت خبير بأن هذين التضعيفين (3) ناظران إلى الاستدلال على التوقيت
بقوله " قبل الصلاة "، وليس كذلك بل بقوله: " يوم الفطر " (4) حيث إنها تدل على
أن وقت الفطرة يوم الفطر قبل الصلاة فقبل اليوم لا وقت كما بعد الصلاة.
وأضعف من ذلك حملها على الأفضلية بقرينة قوله عليه السلام في رواية

(1) في النسخ: لسقوط.
(2) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(3) في " ع ": الضعيفين.
(4) في " م " و " ف ": لعدم الفطر.
429

الفضلاء: " يعطي يوم الفطر أفضل، وهو في سعة أن يخرجها في أول يوم من شهر
رمضان " (1)، إذ لا يخفى أن سياق الرواية يدل على أفضلية الاعطاء يوم الفطرة من
التقديم عليه على وجه التعجيل وهو خارج عن المطلوب، إذ لا نزاع على القول
بجواز التعجيل في جواز إخراجها ليلة الفطر، بل قبلها على وجه التعجيل، بل
النزاع في الوقت المضروب بأصل الشرع الذي انحصر القول فيه في قولين.
فتحصل من ذلك: أنه لا مناص عن العمل بالصحيحة إلا إذا دل الدليل
على عدم خروج وقت الفطرة بالصلاة، فالعجب ممن قال هنا بهذا القول
متمسكا بظاهر الصحيحة، مع تقويته في مسألة آخر وقت الفطرة انتهاءه إلى
الزوال بل آخر النهار كما اتفق لصاحب المدارك (2)، فإن ظاهر الصحيحة إن دلت
على وجوب كون الفطرة قبل الصلاة يوم العيد فلا مناص عن القول بانتهائه
بالصلاة، وإن دلت على مطلق الرجحان فلا يكون دليلا على ابتداء الوقت
بطلوع الفجر.
والحاصل أن الرواية تدل على أول الوقت وآخره بدلالة واحدة.
وكيف كان، فالمخالف فيما ذكرنا أكثر المتأخرين وجماعة من القدماء
كالشيخ في الجمل (3) والاقتصاد (4) وابن حمزة (5) والحلي (6) فأوجبوها بهلال شوال،
لما تقدم من روايتي معاوية بن عمار: " في المولود يولد ليلة الفطر أعليه فطرة؟ قال:
لا قد خرج الشهر " (7) والأخرى: " فيمن أسلم بعد الهلال، والمولود يولد كذلك؟

(1) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.
(2) المدارك 5: 349.
(3) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 209.
(4) الإقتصاد: 429.
(5) الوسيلة: 131.
(6) السرائر 1: 469.
(7) تقدمت في الصفحة 414.
430

فقال: ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر " (1) بناء على
ما عرفت من أن مدلولهما عدم حدوث وجوب بعد الهلال (2)، فلو لم يجب إلا بطلوع
الفجر لم يكن لادراك شهر رمضان مدخل في الوجوب، ولا لخروجه مدخل في
عدم الوجوب.
ولكن التمسك بهما مشكل، لأنهما مسوقتان لمجرد بيان مدخلية إدراك
الشهر في الوجوب في مقام جواب السائل، حيث سأل عن أن المولود بعد الهلال،
أو المسلم بعده هل يتعلق بهما الفطرة؟ يعني ولو في الوقت المضروب لها أم لا؟
وليس السؤال عن فعلية التعلق بهما ليلا، فكان مبدأ التعلق في السؤال والجواب
مفروغا عنه. وحينئذ فلا يبعد أن يكون إدراك الشهر سببا لحدوث الوجوب
بطلوع الفجر بحيث لا يتوجه الخطاب بهذا الواجب الموقت إلا على من أدرك
الشهر.
ثم لو سلمنا دلالتهما على حدوث الوجوب بمجرد الهلال، فلا تنافي
توقيت الاخراج بطلوع الفجر، فيتعدد ظرف الوجوب وظرف الاخراج، وحينئذ
فيستقيم ما ذكروه في مقام التفريع على سببية إدراك الشهر، بأنه لو مات المكلف
بعد الهلال وجب الفطرة في ماله، إذ لولا كونه واجبا لم يخرج من التركة فضلا
عن جعلها (3) بحيث يتحاص مع الديان، لكن ظاهر أصحاب القول الأول
حدوث الوجوب بطلوع الفجر فتعين الاحتمال الأول، وهو مراد صاحب المدارك
ومثله، حيث أجاب عن الرواية بأنها تدل على وجوب الاخراج عمن أدرك
الشهر، لا على أن أول وجوب الاخراج الغروب. وأحدهما غير الآخر (4)، وقد

(1) تقدمت في الصفحة 415.
(2) انظر المسألة [4] المتقدمة في الصفحة 414.
(3) في " ع " و " م ": صلبها.
(4) المدارك 5: 345.
431

يظن به إرادة تغاير وقتي الوجوب والاخراج، فيورد عليه بأنه خلاف ظاهر
كلماتهم، بل خلاف الأصل، حيث إن أصالة إطلاق وجوب شئ في (1) وقت جواز
أدائه بعد تحقق الوجوب.
وفيه: مع أنه موقوف على إبطال دليل القول الأول الذي كفى به مقيدا
للاطلاق، أنه موقوف على عدم سوق الاطلاق في مقام بيان أصل الوجوب.
نعم يشكل حينئذ ما ذكر من مسألة موت المكلف قبل طلوع الفجر، مع
وجوب (2) الفطرة في ماله.
ويمكن دفعه بأن إدراك الشهر سبب للوجوب بمعنى الاستقرار في
الذمة نظير معنى وجوب الزكاة بعد الحول وقبل التمكن من الأداء، كما فسره
بذلك في المعتبر (3)، فلا منافاة بين استقرارها في الذمة بمجرد الهلال، وعدم وجوب
الأداء إلا بعد طلوع الفجر، شبيه (4) الدين المؤجل.
وكيف كان فدلالة الروايتين على جواز الأداء ليلا في غاية الاشكال،
وأصالة التأخر مع عدم إمكان قصد التقرب بالفطرة عند الشك، مضافا إلى
الاحتياط اللازم مع قطع النظر عن اعتبار القربة من حيث الاشتغال اليقيني
يقتضي وجوب الاتيان بعد طلوع الفجر، ولا يتوهم عدم ثبوت تيقن الاشتغال
بعد الاتيان به ليلا، إذ بعد طلوع الفجر يشك في تعلق التكليف، لأنا نعلم بعد
طلوع الفجر أنه تعلق به تكليف بالاخراج في زمان فيشك في البراءة عن ذلك
التكليف المتيقن، وبعبارة أخرى التكليف متحقق في زمان يقينا والشك في الرافع
فيستصحب، ولا يعتبر في الاستصحاب معرفة الزمان السابق بالخصوص.

(1) في " ف ": فرع.
(2) في " ف ": ووجوب.
(3) المعتبر 2: 611.
(4) في " م " و " ع ": شبه.
432

مسألة
[9]
حكى في الدروس (1) والمسالك (2) عن المشهور جواز تعجيل الفطرة من
أول شهر رمضان، معتمدين في ذلك على صحيحة الفضلاء المتقدمة، حيث قال
فيها: " وهو في سعة أن يعطيها من أول يوم من شهر رمضان " (3)، وحملها على
القرض مع تخصيص ذلك برمضان بعيد جدا، سيما مع أن ظاهر الضمير في قوله:
" يعطيها " هو الرجوع إلى نفس الفطرة، وسيما مع جعل الحكم من باب السعة
والرخصة في مقابل الفضيلة، إذ لا ريب في أن إقراض الفقير [ثم الاحتساب
عليه في يؤمن الفطر قبل الصلاة جامع لفضيلة الاقراض] (4) وأداء الفطرة في وقت
الفضيلة، فلا معنى لجعله من باب الرخصة الفاقدة للفضيلة، وكيف كان فحملها
على القرض في غاية البعد.
وأما اشتمال ذيلها على كفاية نصف صاع. المجمع على خلافها فهو غير
ضائر، ويدل عليها رواية إسحاق بن عمار: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) الدروس 1: 250.
(2) المسالك 1: 51.
(3) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 4.
(4) ما بين المعقوفتين ليس في " ع ".
433

تعجيل الفطرة [بيوم؟ قال: لا بأس " (1)، بناء على عدم القول بالفصل بين اليوم
وأزيد منه، وبهما يخصص عموم ما دل على توقيت الفطر] (2) بيوم العيد، أو بهلال
شوال (3)، مع أن ذلك العموم في مقام بيان الوقت الأصلي فلا ينافي الرخصة في
التقديم، للدليل، نعم يخصص بهما ما ورد في تعليل المنع عن تعجيل زكاة المال
بقوله عليه السلام: " لا تصلى الأولى قبل الزوال وإن كان فريضة، إنما تؤدى إذا
حلت " (4).
وأما مرفوعة أحمد بن محمد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام:
" قال: قلت له: هل للزكاة وقت معلوم تعطى فيه؟ قال: " إن ذلك ليختلف في
إصابة الرجل المال، وأما الفطرة فإنها معلومة. الحديث " (5) فهي أيضا لا تنافي
الروايتين، لأن السؤال فيها عن الوقت الأصلي المضروب.
وربما يؤيد هذا القول بما تقدم (6) من روايتي معاوية بن عمار الظاهر تين في
إناطة الوجوب بإدراك شهر رمضان، فإن ذلك ظاهر في سببية شهر رمضان
لوجوب الفطرة، نظير قوله عليه السلام: " من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك
الوقت (7)، " ومن أدرك الركوع فقد أدرك الركعة " (8)، وقال: إن في لفظ الادراك
رمزا إلى كونه هي الغاية التي لا بد لها من بداية، وليست هنا اجماعا إلا أول
الشهر (9).

(1) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ع ".
(3) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة.
(4) الوسائل 6: 212 الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 3 نقلا بالمعنى.
(5) الوسائل 6: 213 الباب 51 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 4.
(6) في الصفحة: 414 و 415.
(7) الوسائل 3: 157 الباب 30 من أبواب المواقيت.
(8) الوسائل 5: 441 الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة.
(9) الجواهر 15: 530.
434

وفيه: أولا: إن ادراك الشهر إنما جعل في الروايتين سببا للوجوب مع
اجتماع الشرائط فيه من الكمال والحرية والغنى، فمفهوم قوله عليه السلام: " ليس
الفطرة إلا على من أدرك الشهر " وجوب الفطرة على من أدرك الشهر متصفا
بالشروط المعتبرة.
وظاهرهم (1) أن إدراك ما قبل الآخر من أجزاء الشهر متصفا بتلك
الشروط ليس سببا، وإلا لوجب على من أدرك بعض الأجزاء بالصفات ثم
فقد في الجزء الآخر، والظاهر عدم الخلاف في عدم الوجوب حينئذ.
ودعوى: أن إدراك كل جزء سبب إلا أنه انعقد الاجماع على كونه
مشروطا باستجماع (2) الشروط في الجزء الآخر فيكون وجوبها عند دخول رمضان
متزلزلا غير مستقر إلا بإدراك الجزء الآخر مستجمعا للشرائط، مدفوعة: أولا (3)
بأن أدلة اعتبار الشروط في المخرج والمخرج عنه ليس فيها تقييد بوجودها (4)
في الجزء الآخر، بل مفادها نفي الوجوب عن الفاقد كما هو مدلول قوله عليه السلام:
" لا زكاة على يتيم " (5)، أو " على من قبل الزكاة " (6) وقوله: " يجب التصدق على كل
من يعول " (7). وإنما اعتبروا وجودها في آخر الشهر من جهة هاتين الروايتين
الدالتين بالتقريب المتقدم في محله على عدم تأخر حدوث تعلق الفطر عن الهلال،
فإذا كان المراد بالادراك نظير إدراك ركعة من الوقت، وادراك الركوع، فإدراك

(1) في " ف ": وظاهر.
(2) في " ف ": باجتماع.
(3) ليس في " ع " و " م ": أولا، وأوردها ناسخ " ف " في الهامش.
(4) في " ف ": بوجوبها.
(5) الوسائل 6: 226 الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(6) الوسائل 6: 223 الباب 2 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5 وغيره.
(7) الوسائل 6: 220 الباب الأول من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2. ولفظه: الفطرة واجبة على
كل من يعول.
435

أي جزء من الشهر مع الشرائط لا بد أن يكون سببا وإن فقدت الشرائط بعده.
والحاصل: إن استدلال العلماء على اعتبار اجتماع الشرائط [عند هلال
شوال إنما هو بالروايتين، لأن (1) الروايتين تدلان على سببية إدراك الشهر، ودل
دليل آخر على اعتبار اجتماع الشرائط] (2) في آخره هذا، نعم لو ثبت كفاية
اجتماع الشروط في جزء من الشهر كما يستفاد من كلام الفاضل في المختلف،
حيث استدل على جاز التقديم بأنه أنفع للفقير لأنه ربما افتقر الدافع، أو مات
قبل الوقت فيحرم الفقير (3)، أمكن ما ذكر (4).
وثانيا: إن الروايتين لو تمت دلالتهما على الوجه المذكور دلتا على أن وقت
الفطرة المضروب لها بأصل الشرع هو هلال رمضان فلا يكون تعجيلا، نظير
زكاة المالية المعجلة، وتقديم غسل الجمعة يوم الخميس، وصلاة الليل على
الانتصاف، والظاهر عدم الخلاف بين مجوزي التعجيل في ذلك.
نعم ربما يوهم عبارة المختلف أن أول الشهر وقته الأصلي، حيث قال في
رد استدلال المانعين أنها عبادة موقتة فلا يجوز قبل وقتها إلا قرضا: إنا نقول
بموجبه، ونقول: إن وقتها شهر رمضان، لما تلوناه من رواية الفضلاء (5). (انتهى).
لكن مراده من الوقت هنا، مطلق الزمان المضروب لمشروعية الفعل، ولو من باب
الرخصة في التعجيل، ويشهد له أن الوقت في كلام المانع هو ما يعم هذا، ولذا
ادعى أن التقديم منحصر في القرض (6)، ويشهد له أيضا رد دليلهم الآخر وهو:
أنه لو جاز في شهر رمضان لجاز التقديم: بأن السبب فيه الصوم والفطر، فيجوز

(1) في " م ": لا أن.
(2) ما بين المعقوفتين ليس في " ف ".
(3) المختلف: 200.
(4) في " ف " ما ذكرنا.
(5) المختلف: 200.
(6) كالمحقق قدس سره في الشرائع 1: 175، وانظر المدارك 5: 345.
436

فعلها عند أحد السببين كما جاز فعل الزكاة عند حصول النصاب وإن لم يحصل
الحول.
والحاصل: أنه لا إشكال في أن مرادهم من التقديم هو التعجيل
لا التوقيت، كما ينادي بذلك عنوان المسألة بعبارة التقديم، وذكرهم إياها بعد ذكر
الخلاف في وقت الوجوب، وحصر هم الخلاف بين القول بوجوبه بدخول شوال،
وبين القول بوجوبها بطلوع الفجر، فظهر مما ذكرنا عدم قابلية دلالة الروايتين
على سببية مطلق الادراك.
ثم إن وقوع التعجيل فطرة مشروط ببقاء الدافع على صفة وجوب
الفطرة عليه خلافا لظاهر عبارة المختلف المتقدمة (1)، ووجهه: إن فقد بعض
الشرائط يكشف عن عدم وجوب الفطرة، فلا يكون المأتي به (2) فطرة معجلة،
نعم لا يشترط بقاء الآخذ على صفة الاستحقاق، لأنها كانت فطرة حين الاعطاء
والمفروض استحقاق الآخذ لها، وإنما قلنا باعتبار بقاء الآخذ على صفة
الاستحقاق في زكاة المالية المعجلة للنص المتقدم في تلك المسألة فيقتصر على
مورده.

(1) في الصفحة السابقة.
(2) في " ف " بدل " المأتي به ": " المال ".
437

مسألة (1)
[10]
وأما آخر وقت الاخراج
فنسب إلى الأكثر (2) أنه يحرم تأخيرها عن صلاة
العيد، بل عن المنتهى (3) والتذكرة (4) نسبته إلى علمائنا، وقيل: يمتد إلى الزوال،
وهو محكي عن الإسكافي (5)، وقواه الفاضل في المختلف (6) والشهيد في البيان (7)
والدروس (8)، وهو ظاهر المحقق في الشرائع (9)، والمحقق الثاني في حاشيته (10) وفي
حاشية الإرشاد (11)، وعن المنتهى: امتداده إلى آخر النهار، مع أنه في المنتهى نسب

(1) ليس في " ف ": مسألة.
(2) انظر المدارك 5: 347 والحدائق 12: 301.
(3) المنتهى 1: 541.
(4) التذكرة 1: 250.
(5) نقله عنه العلامة في المختلف: 200.
(7) البيان: 210.
(8) الدروس 1: 250.
(9) الشرائع 1: 175.
(10) حاشية الشرائع، (مخطوط): 51.
(11) لم نقف عليه.
438

تحريم التأخير عن الصلاة إلى علمائنا أجمع (1). وقال في المختلف: لو أخرها عن
الزوال لغير عذر أثم بالاجماع (2)، ومال إليه في المدارك (3).
دليل الأولين: أخبار كثيرة ظاهرها ذلك، منها: ما تقدم من صحيحة
العيص (4)، ورواية إبراهيم بن ميمون (5)، وذيل رواية العيص إنما تدل على جواز
التأخير مع العزل.
ومنها: الصحيح المروي في الفقيه عن إسحاق بن عمار: " قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الفطرة؟ فقال: إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها قبل
الصلاة أو بعدها " (6).
ورواية العياشي، عن سالم بن مكرم، عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال:
اعط، الفطرة قبل الصلاة، وإن لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعد له
فطرة " (7). ونحوها المروي في الإقبال (8) ورواية المروزي: " إن لم تجد من تضع
الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة " (9).
ولا يعارضها مثل رواية عبد الله بن سنان: " اعطاء الفطرة قبل الصلاة
أفضل وبعدها صدقة " (10)، لاحتمال رجوع الأفضلية إلى تقديمها على ما قبل
الصلاة، إذ المتبادر من القبل: الزمان القريب، سيما بقرينة حكمه عليه السلام
بخروجها عن الفطرة بعد الصلاة.

(1) المنتهى 1: 541.
(2) المختلف: 200.
(3) المدارك 5: 349.
(4) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5 وتقدمت في الصفحة 426.
(5) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2، وتقدمت في الصفحة 427.
(6) الفقيه 2: 181، الحديث 2080، الوسائل 6: 248، باب 13 من أبواب الزكاة الفطرة،.
الحديث 4.
(7) الوسائل 6: 247 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 8.
(8) الإقبال 283، والوسائل 6: 247 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 7.
(9) الوسائل 6: 247 الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث الأول.
(10) الوسائل 6: 245 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث الأول.
439

وأما صحيحة الفضلاء السابقة (1) الحاكمة بأفضلية إعطائها قبل الصلاة
يوم الفطر، فهي أيضا في مقابل التقديم على يوم الفطر بقرينة قوله عليه السلام: " وهو
في سعة.. الخ ".
وأما ذيل رواية العيص فقد تقدم (2) أنها ظاهرة مع العزل. نعم روي عن
كتاب الإقبال أنه " إن أخرجها قبل الظهر فهي فطرة، وإن أخرجها بعد الظهر
فهي صدقة لا تجزيك. قلت: فأصلي الفجر فأعزلها فأمكث يوما أو بعض يوم ثم
أتصدق بها؟ قال: لا بأس هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة " (3)، ولا يبعد كون
لفظ " الظهر " سهوا من الراوي وفاقا للحدائق (4) كما يفصح استفاضة الروايات
حتى نفس هذه بتحديد الفطرة والصدقة بالصلاة. ولا يمكن حملها على الظهر
إلا إذا أريد وقتها، وهو غير صحيح في كثير منها بعد صحته في نفسه.
وأما استضعاف هذا القول بأنه قد لا يصلي العيد فيجب إما سقوط
الفطرة أو تحديدها في هذا الفرض بغيره فيثبت ذلك التحديد في غيره، لعدم
القول بالفرق، فهو حسن لو سلم عدم القول بالفصل، وهو ممنوع، إذ لا يعقل
تعميم هذا التحديد لصورة ترك الصلاة. فالظاهر أنهم يقولون في صورة الترك
بكون التحديد بالزمان القابل (5) لفعل (6) المكلف إياه، فإن تركها المكلف لعذر
أولا له، مع صلاة جامعا للشرائط بحيث فإنه الصلاة بعد فعل الإمام كما في الإمام عليه السلام أو نائبه الخاص أو العام أو مطلق الإمام لو قلنا بوجوبه (7) معهم عينا

(1) المتقدمة في الصفحة 430.
(2) في الصفحة السابقة.
(3) الإقبال: 247، والوسائل 6: 230 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 16 مع اختلاف
في الألفاظ.
(4) الحدائق 12: 304.
(5) في " ع ": المقابل.
(6) في " ف ": لفقد.
(7) في " ع ": به لوجوبه.
440

فيقضي عند فوت الصلاة، وإن ترك بالمرة فالعبرة بالزوال أو بما قبله بمقدار
الصلاة، لأن كل جزء قابل لأن تقع فيه الصلاة.
نعم قد يشكل فيما لو قلنا باستحباب الصلاة أو بوجوبها، فترك الفطرة
واشتغل بالصلاة، فإنه يجب حينئذ تقديم الفطرة وتأخير الصلاة فيفسد صلاته،
ولا يتوهم أن فساد صلاته مستلزم لعدم فوت وقت الفطر فلا يحزم، فلا يفسد،
نظير ما ذكروه في السفر الموجب لفوت الجمعة إذ عدم الفوت الناشي من فساد
الصلاة الحاصل من التحريم لا يوجب عدم التحريم، كما أن عدم تفويت السفر
للجمعة من حيث كونه معصية لا يوجب رفع التحريم والمعصية.
وربما يؤيد القول الثاني بما رواه الشيخ في التهذيب (1) مرسلا من أنه إن
ولد قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، وكذلك من أسلم قبل الزوال فإنه لو خرج
وقت الفطرة بالصلاة ولو كان قبل الزوال لم يكن وجه لاستحباب الفطرة، لأن
المفروض على ما دل عليه الأخبار المتقدمة وكلام الأكثر كون ما يعطى بعد
الصلاة صدقة لا فطرة، فاستحباب الفطرة قبل الزوال ولو بعد الصلاة كاشف
عن بقاء عنوان الفطرة بعد الصلاة، بل عن عدم خروج وقتها، إذ لا معنى
لاستحباب القضاء عمن لم يولد حين الأداء، بل لا معنى له في من أسلم بعد
الصلاة مع جب الاسلام لما كان عليه حال الكفر.
لكن الانصاف إن التأييد بهذا الحكم لا يخلو عن اشكال بل نظر،
لاحتمال كونه تعبدا صرفا، ولذا حكم به جماعة ممن نسب إليهم القول الأول
كالصدوقين في الرسالة (2) والمقنع (3) والهداية (4)، والشيخ في المبسوط (5) والخلاف (6)

(1) التهذيب 4: 72، الحديث 198 والوسائل 6: 245 الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث
3.
(2) حكاه عنها العلامة في المختلف: 199.
(3) المقنع (الجوامع الفقهية): 18.
(4) الهداية (الجوامع الفقهية): 56.
(5) المبسوط 1: 241.
(6) الخلاف 2: 140 كتاب زكاة الفطرة، ذيل المسألة 173.
441

والنهاية (1)، والمحقق في المعتبر (2). نعم في الشرائع قيد الاستحباب بما لم يصل
العيد (3)، ونحوه العلامة في القواعد (4) والارشاد (5).
ومثل الفتاوى من حيث الاختلاف هنا الأخبار، ففي رواية الفقيه
عن محمد بن مسلم: " تصدق عمن تعول من حر أو عبد، صغير أو كبير، من أدرك
منهم الصلاة " (6). وفي مرسلة التهذيب المنقولة بالمعنى إن من ولد له قبل الزوال
استحب أن يخرج عنه الفطرة، وإن ولد بعده فلا، وكذلك من أسلم قبل الزوال
أو بعده (7). لكن الظاهر أنه لا منافاة بين الحكمين، ويكون الأول آكد في
الاستحباب من الثاني.
وكيف كان فالانصاف إن الحكم المذكور في المرسلة يدل بظاهره على
امتداد الوقت إلى الزوال، حيث إن ظاهر الحكم استحباب تشريك المولود قبل
الزوال مع غيره وإلحاقه به في إعطاء (8) الفطرة عنه.
ويؤيدها في الدلالة ما تقدم من صحيحة ابن سنان من أن إعطاءها قبل
الصلاة وبعدها صدقة (9). فإن الظاهر أن المراد بما قبل الصلاة المقابل لما بعدها

(1) النهاية: 191.
(2) المعتبر 2: 604.
(3) الشرائع 1: 172.
(4) القواعد 1: 60.
(5) الإرشاد 1: 291.
(6) الفقيه 2: 182، الحديث 2081، والوسائل 6: 228 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث
6.
(7) التهذيب 4: 73، الحديث 198، والوسائل 6: 245 الباب 11 من أبواب زكاة الفطرة،
الحديث 3 وفيه: إن ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة وكذلك من أسلم قبل الزوال.
(8) في " ف ": وإعطاء.
(9) الوسائل 6: 245 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث الأول.
442

المحكوم بكون الفطرة فيه صدقة، فيكون دالا على الاجزاء فيما بعد الصلاة، إلا
أنها تنقص ثواب الفطرة، بل تنعدم وتصير صدقة، وليس المراد قريب الصلاة
حتى يكون مقابلا لما قبل الصلاة بكثير.
ويؤيدها أيضا الرواية المتقدمة (1) عن كتاب الإقبال، والرواية التي
أرسلها السيد المرتضى حيث قال: وروي إنه في سعة من أن يخرجها إلى زوال
الشمس (2).
ويؤيدها لفظة " ينبغي " في الرواية الأخرى المحكية عن كتاب الإقبال:
" ينبغي أن يؤدي الفطرة قبل أن يخرج الناس إلى الجبانة، فإن أداها بعد ما يرجع
فإنما هي صدقة وليست فطرة " (3).
ويؤيدها أيضا ما روي من أمر أمير المؤمنين عليه السلام بأداء الفطرة في خطبة
العيد المتأخرة عن الصلاة وبيان بعض أحكامه بقوله عليه السلام: " فليؤدها كل
امرئ منكم عن عياله كلهم ذكرهم وأنثاهم، صغيرهم وكبيرهم، حرهم
ومملوكهم، عن كل انسان منهم صاعا من تمر أو صاعا من بر أو صاعا من شعير
.. إلى آخره " (4).
ويؤيد الكل أن من المستبعد إناطة وقت الفطرة الواجبة على كل أحد
بفعل الصلاة التي لا تقع عن كثير من الناس، إما تعمدا، لعدم وجوبها على
المشهور، أو للعذر، مع اختلاف زمانها ممن تقع منه.
وأما دليل ما اختاره العلامة (5) ومال إليه في المدارك (6) والذخيرة (7) فهو

(1) في الصفحة 440.
(2) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 80.
(3) الإقبال: 283 والوسائل 6: 247 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 7.
(4) الوسائل 6: 228 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 7.
(5) المنتهى 1: 541.
(6) المدارك 5: 349.
(7) الذخيرة: 476.
443

ذيل صحيحة العيص المتقدمة (1)، وقد عرفت أن الظاهر حملها على صورة العزل
كما ذكره غير واحد (2)
وإن كان الانصاف كون مخالفا للاطلاق، بل لظاهر
الرواية، حيث إن السؤال في أولى الرواية عن وقت الاخراج، وسؤال الذيل
متفرع (3) على ذلك كما لا يخفى على المتأمل، وقد عرفت دعوى العلامة في
المختلف الاجماع على حرمة تأخيرها عن الزوال (4).

(1) في الصفحة 428.
(2) منهم صاحب الحدائق (12: 303) وصاحب الجواهر (15: 534).
(3) في " ف ": يتفرع.
(4) المختلف: 200.
444

مسألة
[11]
الظاهر جواز عزل الفطرة في وقت أدائها، وفي الحدائق: أنه لا خلاف بين
الأصحاب في أنه متى عزلها وقصد بها الفطرة وعينها في مال مخصوص قبل الصلاة
فإنه يجوز اخراجها بعد ذلك، وإن خرج وقتها (1).
والمستند في أصل مشروعية العزل: الأخبار المستفيضة، وقد تقدم بعضها
كرواية المروزي (2)، ورواية إسحاق بن عمار (3)، وذيل الرواية المحكية عن كتاب
الإقبال (4).
والمراد بالعزل على ما ذكره جماعة (5): تعيينها في مال خاص بقصد التقرب،
فتصير أمانة شرعية في يد المالك لا يوقت أدائها بوقت، ومقتضى قاعدة الأمانات
الشرعية أنه يجب أداؤها فورا مع الامكان وإن لم يخرج وقت الفطرة، لأن الوقت

(1) الحدائق 12: 307 مع اختلاف يسير.
(2) الوسائل 6: 247 الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث الأول، وتقدمت في الصفحة 437.
(3) الفقيه 2: 181، الحديث 2080، والوسائل 6: 2438 الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة،
الحديث 4، وتقدمت في الصفحة 437.
(4) الإقبال: 247 والوسائل 6: 230 الباب 5 من أبواب زكاة الفطرة الحديث 16، وتقدمت في
الصفحة 438.
(5) منهم الشهيد في المسالك 1: 51.
445

وقت امتثال الفطرة لا وقت أداء الأمانة، إلا أن ظاهر ما تقدم من عبارة الحدائق
هو عكس ذلك، وأن فائدة العزل جواز التأخير ولو خرج الوقت.
وبدل على ذلك ما تقدم من قوله عليه السلام في رواية إسحاق بن عمار
المتقدمة (1): " إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها "، ونحوها ذيل رواية الإقبال
المتقدمة، (2) وذيل صحيحة العيص (3)، بناء على حملها على صورة العزل. وعلى ذلك
تحمل أيضا رواية الحارث (4)، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا بأس أن تؤخر
الفطرة إلى هلال ذي القعدة " (5) فإن التحديد بهلال ذي القعدة يأبى، عن الحمل
على صورة عدم المستحق.

(1) في الصفحة 437.
(2) في الصفحة 438.
(3) الوسائل 6: 246 الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5، وتقدمت في الصفحة 426.
(4) في النسخ الحريث.
(5) الوسائل 6: 248 الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 3.
446

مسألة
[12]
لو لم يعزلها ولم يؤدها حتى خرج وقتها وهو الزوال أو فعل صلاة العيد،
أو نهار يوم العيد، فهل يجب إعطاؤها أم لا؟ وعلى الأول، فهل هو أداء أو قضاء؟
أقوال، أقواها: وجوب الاعطاء قضاء.
أما وجوب الاعطاء فلعمومات وجوبها، وإن بتركها يخاف الفوت (1)، وإنها
من تمام الصوم (2)، وبصحيحة زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل أخرج
فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا؟ فقال: " إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ، وإلا
فهو ضامن لها حتى يؤديها إلى أربابها " (3).
والجواب: أما عن العمومات فبتقييدها بأدلة التوقيت، ودعوى أن أداءها
في الوقت المذكور تكليف مستقل، يدفعه الاجماع على اتحاد التكليف، إذ ليس
في أدائها في الوقت امتثالان: أحدهما المطلق (4)، والآخر المقيد (5). والتزام تعدد

(1) في " م ": الموت وفي الهامش في نسخة " القوت ".
(2) الوسائل 6: 221، الباب الأول من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 5.
(3) الوسائل 6: 248 الباب 13 من أبواب زكاة الفطرة، الحديث 2.
(4) في " ع ": للمطلق.
(5) في " ع ": للمقيد.
447

العقاب في تركها في الوقت وخارجه عند هذا القائل إنما هو لأجل التكاليف
المترتبة، كما في رد السلام وأداء الدين والوديعة، لا لأجل مخالفة تكليفين متوجهين
إليه دفعة: أحدهما مطلق، والآخر مقيد، على ما يقتضيه التمسك بالعمومات بعد
خروج الوقت.
هذا كله مضافا إلى أن ظاهر أدلة توقيتها إن المراد بالفطرة سؤالا وجوابا
هي التي وجبت (1) في الأخبار المطلقة، فكأنها بيان لوقت ذلك الواجب الذي لم
يتعرض الشارع في الأخبار المطلقة لأزيد من أصل وجوبها، كما لم يقصد في أدلة
التوقيت إلا بيان وقتها بعد الفراغ عن وجوبها.
وأما عن الصحيحة، فباحتمال بل ظهور ارجاع الضمير في " أخرجها
من ضمانه " إلى الفطرة المعزولة، ومعنى إخراجها عن ضمانه: إخراجها إلى
المستحق بحيث يخرج عن عهدة إيصالها، فقوله: " وإلا فهو ضامن.. الخ " يعني
أنه في عهدة الأداء والايصال، وكون الفقرة الأولى عبارة عن العزل، والثانية
لحكم صورة عدم العزل، لا يجدي في اثبات بقاء التكليف بعد خروج الوقت،
لاحتمال أو ظهور أن المراد أن مع العزل ضامن لها حتى يؤديها في وقتها المضروب.
فحاصل الجواب: إن مع الزل يخرج عن الضمان ومع عدمه فهي في
عهدته.
لكن الانصاف صحة التمسك بالعمومات، حيث إنها تدل على استقرار
الفطرة في ذمة المكلف عند دخول وقتها، فحرمة تأخيرها عن وقتها المضروب
لا يدل على السقوط، كما في كثير من الواجبات، ولا يوجب ذلك تعدد التكليف
بالمطلق والمقيد دفعة حتى يحصل امتثالان بإتيان المقيد، نظرا إلى أن المطلق
مسوق لبيان أصل مطلوبية الفعل دائما ما لم يحصل في الخارج، لا لبيان مطلوبيته

(1) في " ف ": وردت.
448

في زمان موسع، بحيث يدل على تخيير المكلف في إيقاع الفعل في أي جزء منه، حتى
يكون مغايرا للتكليف بوجوب إيقاعه معينا في مقدار خاص من الزمان حتى
يحصل تكليفان دفعة، وإنما يوجب ذلك تعدد التكليف تدريجا، بمعنى بقاء الأمر
بالطبيعة بعد فوات الخصوصية من المكلف كما في رد السلام ونحوه.
ويمكن أن يقال أيضا: بأن المستفاد من العمومات هو الوجوب الشبيه
بالحكم الوضعي، وهو اشتغال ذمة المكلف بهذا المقدار للفقراء، وتوقيت الشارع
له بمنزلة تأجيل الدين لا يسقط عن الذمة بخروج الأجل.
والفرق بين هذا وسابقه: أن الباقي بعد خروج الوقت في الوجه السابق
هو التكليف المطلق بأداء الفطرة، وفي هذا الوجه هو الحكم الوضعي.
ورد في نهاية نسخة " ف ": إلى هنا وجدنا من كتابته قدس الله روحه في الزكاة
بعد الفحص والجد والاجتهاد وطلب التوفيق من الله لكتابة الخمس والصوم، إنه
خير موفق ومعين وحافظ في الليل واليوم، وأسأل الله التوفيق. وقد كتبه الحقير
جامع الأوراق في بلدي الشوش، وثم في الغرة من ربيع الثاني عام الثاني والثمانين
بعد المائتين والألف.
وفي نهاية نسخة " ج " ورد: قد ثم بحمد الله تعالى على يد العبد الأقل
الجاني ابن المرحوم ميرزا سيد محمد رضا أحمد الطباطبائي الأردستاني 1289.
وفي نهاية نسخة " ع " ورد: قد ثم بحمد الله تعالى على يد العبد الأقل
الجاني زين العابدين قمي المسكن في سنة 1302 ه‍.
449