الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ٤
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الأولى ١٤١٥
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٩-٥
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولي أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الرابع
تحقيق
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
1

BP النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي: تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج: نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. ISBN 964 - 5503 - 75 - VOLS 2 18
ردمك (شابك) 9 - 77 - 5503 - 964 / ج 4
2. ISBN 964 - 5503 - 77 9 / VOL
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 4
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك): واصف - قم
الطبعة: الأولى - جمادى الأول 1415 ه‍
المطبعة: ستاره - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 3500 ريال
2

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور (خيابان شهيد فاطمي) كوجه 9 - بلاك 5
ص. ب. 37185 / 996 - هاتف 4 - 730001
3

بسم الله الرحمن الرحيم
4

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
6

كتاب الصلاة
ولها معان، منها: المعروف بين المتشرعة. وليست فيه حقيقة لغوية، لأصالة
عدم الاشتراك. وعده جماعة من اللغويين من معانيها (1) لا يدل على حقيقتها، بل
هي فيه حقيقة شرعية، لحكم الحدس بحصول التبادر لها فيه بكثرة الاستعمال في
زمان الشارع.
ثم المعلوم كثرة الاستعمال فيه - الموجبة لحصول الحقيقة - هو الذي لا يصح
إلا مع الطهور والركوع والسجود، فصلاة الميت ليست من أفراده الحقيقية، وفاقا
لصريح جماعة (2).
للأصل، ونفي الصلاة في المستفيضة عما لا فاتحة فيها ولا طهور (3).
والأصل في النفي تعلقه بالماهية لا الخارج.
وخصوص الرضوي - المنجبر ضعفه بالعمل -: (وقد كره أن يتوضأ إنسان
عمدا للجنازة، لأنه ليس بالصلاة، إنما هو التكبير، والصلاة هي التي فيها الركوع

(1) انظر: القاموس المحيط 4: 355، ومعجم مقاييس اللغة 3: 300.
(2) كالمحقق في المعتبر 2: 9، وصاحب المدارك 3: 8، والسبزواري في الذخيرة: 82 1.
(3) انظر الوسائل 1: 365 أبواب الوضوء ب 1 و ج 6: 37 أبواب القراءة ب 1.
7

والسجود) (1).
ودعوى: عدم صحة السلب عرفا عن صلاة الميت، ممنوعة. ولو سلمت
فعدمها في عرفنا لعرف الشارع - لأصالة تأخر الحادث - غير نافع، ودلالة بعض
النصوص على كونها صلاة غير مسلمة، وإنما المسلم الاستعمال، وهو أعم من
الحقيقة.
ثم الكلام فيها إما في مقدماتها، أو ماهيتها وأفعالها، وفيه بيان أقسامها
وأعدادها وكيفية كل منها، أو في منافياتها ومبطلاتها وأحكام الخلل الواقع فيها،
أو في سائر ما يتعلق بها من الجماعة والسفر ونحوهما، ففيه أربعة مقاصد:

(1) فقه الرضا عليه السلام: 79 1، مستدرك الوسائل 2: 269 أبواب صلاة الجنازة ب 8 ح 1.
8

المقصد الأول:
في المقدمات
وهي خمسة، تقدم واحد منها وهو الطهور، وبقيت أربعة: المواقيت،
والقبلة، واللباس، والمكان، ويتبعها الأذان والإقامة، فهاهنا خمسة أبواب:
9

الباب الأول:
في المواقيت
والكلام فيها إما في تحديدها وتعيينها، أو في أحكامها، فهاهنا فصلان:
10

الفصل الأول:
في تحديد الأوقات
والكلام إما في أوقات الصلاة اليومية، أو غيرها مما له وقت محدود. والثاني
يذكر عند ذكر كل صلاة بخصوصه.
فالكلام هنا في مواقيت اليومية، وهي إما فرائض أو نوافل، ففي هذا
الفصل بحثان:
11

البحث الأول:
في بيان مواقيت الفرائض اليومية
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا ريب في كون أول وقت صلاتي الظهر والعصر - على
الترتيب أو التشريك على الخلاف الآتي - هو الزوال، وعليه إجماع المسلمين، بل
الضرورة من الدين، والكتاب يرشد إليه (1)، والنصوص المستفيضة بل المتواترة
معنى تدل عليه (2).
وما في بعض الأخبار من جعله بعده بقدر القدم أو القدمين، أو القامة أو
ثلثيها، أو غير ذلك (3)، فعلى استحباب التأخير بقدره لأجل التنفل أو التبرد في
في [الحر] (4) محمول، جمعا بينه وبين ما ذكر، بشهادة المستفيضة بذلك:
منها: صحيحة محمد بن أحمد، المصرحة بنفي التوقيت بهذه الأمور،
والتحديد بالزوال، روي عن آبائك: القدم، والقدمين، والأربع، والقامة،
والقامتين، وظل مثلك، والذراع، والذراعين. فكتب: (لا القدم ولا القدمين،
إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين، وبين يديها سبحة وهي ثمان
ركعات، فإن شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم صل الفريضة، فإذا فرغت
كان بين الظهر والعصر سبحة، وهي ثمان ركعات، إن شئت طولت وإن شئت
قصرت ثم صل العصر) (5).

(1) (أقم الصلاة لدلوك الشمس...) الإسراء: 78.
(2) انظر: الوسائل 4: 125 أبواب المواقيت ب 4.
(3) انظر: الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.
(4) في النسخ: الخبر، وما أثبتناه هو الأنسب.
(5) التهذيب 2: 9 4 2 / 990، الإستبصار 1: 254 / 913، الوسائل 4: 34 1 أبواب المواقيت ب 5
ح 13.
12

ثم الاختلاف في قدر التأخير يمكن أن يكون لأجل اختلاف الناس في
تطويل النافلة وتخفيفها، كما يومئ إليه الصحيحة المتقدمة، أو من جهة التقية،
كما صرح به في صحيحة أبي خديجة: ربما دخلت المسجد، وبعض أصحابنا يصلي
العصر، وبعضهم يصلي الظهر، فقال: (أنا أمرتهم بهذا، لوصلوا على وقت واحد
لعرفوا فأخذوا برقابهم) (1).
وفي العدة: عن الصادق عليه السلام، عن اختلاف أصحابنا في
المواقيت، فقال: (أنا خالفت بينهم) (2).
وكذا لا ريب في كون آخر وقتهما الغروب للمعذور والمضطر وذوي
الحاجات، على الترتيب أو التشريك، وفاقا للمعظم من الأصحاب، بل لغير
المحكي عن الحلبي (3)، فعليه الإجماع أيضا، وهو الحجة فيه، مضافا إلى أصالة
عدم المنع من التأخير، وعمومات بقاء وقتهما إلى الغروب كما تأتي.
وخصوص رواية الكرخي، المنجبر ضعفها - لو كان - بالعمل، وفيها:
(وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، وذلك من علة).
وفيها أيضا: (لو أن رجلا أخر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمدا
من غير علة لم يقبل منه) (4) دل بالمفهوم على القبول لو أخر من علة.
وبما مر يخص ما دل على انتهاء الوقت قبل ذلك.

(1) الكافي 3: 276 الصلاة ب 5 ح 6، التهذيب 2: 2 5 2 / 1000، الإستبصار 1: 57 2 / 1 2 9،
الوسائل 4: 37 1 أبواب المواقيت ب 7 ح 3.
(2) عدة الأصول 1: 343.
(3) الكافي في الفقه: 137.
(4) التهذيب 2: 26 / 74، الإستبصار 1: 926 / 258، الوسائل 4: 149 أبواب المواقيت ب 8 ح 32.
13

خلافا لمن ذكر، فقال بانتهاء وقت المضطر بصيرورة ظل كل شئ مثله (1)،
لبعض العمومات المندفع بما تقدم.
وهو الأقوى في غير المعذور وأخويه أيضا، وفاقا للإسكافي (2) والسيد والحلي
وابني زهرة وسعيد، والفاضلين (3)، ومعظم المتأخرين (4)، وعليه دعوى الشهرة
مستفيضة (5)، بل في السرائر وعن الغنية: الإجماع عليه (6).
للأخبار المستفيضة جدا، كمرسلة الفقيه: (لا تفوت صلاة النهار حتى
تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، ولا صلاة الفجر حتى تطلع
الشمس) (7).
وروايتي عبيد:
الأولى: عن وقت الظهر والعصر، فقال: (إذا زالت الشمس دخل وقت
الصلاتين: الظهر والعصر جميعا، إلا أن هذه قبل هذه. ثم أنت في وقت منهما
جميعا حتى تغيب الشمس) (8).
والثانية، وفيها: (ومنها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى

(1) الكافي للحلبي: 37 1.
(2) حكاه عنه في المختلف: 67.
(3) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 193، الحلي في السرائر 1: 197، ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 556، ابن سعيد في الجامع للشرائع: 60، المحقق في النافع: 21، العلامة
في القواعد 1: 24.
(4) كالشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 179، والفيض في المفاتيح 1: 87، والسبزواري في
الذخيرة: 185 و 186، وصاحب الرياض 1: 101.
(5) كما في الروضة البهية 1: 179، والرياض 1: 101.
(6) السرائر 1: 197، والغنية (الجوامع الفقهية): 556.
(7) الفقيه 1: 232 / 1030، الوسائل 4: 59 1 أبواب المواقيت ب 10 ح 9.
(8) الفقيه 1: 139 / 647، التهذيب 2: 24 / 68، الإستبصار 1: 246 / 881، الوسائل 4:
126 أبواب المواقيت ب 4 ح 5.
14

غروب الشمس، إلا أن هذه قبل هذه). (1).
ورواية زرارة: (أحب الوقت إلى الله [أوله] حين يدخل وقت الصلاة،
فصل الفريضة، فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس) (2).
وصحيحة معمر: (وقت العصر إلى غروب الشمس) (3).
ومرسلة داود: (إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار
ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر
حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك
فقد خرج وقت الظهر، وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس) (4).
(وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي
المصلي [ثلاث] (5) ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء
الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا
بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة إلى انتصاف
الليل) (6).
والمروي في السرائر عن الأئمة عليهم السلام: (لا يخرج وقت صلاة ما لم

(1) التهذيب 2: 25 / 72، الإستبصار 1: 261 / 938، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10
ح 4.
(2) التهذيب 2: 24 / 69، الوسائل 4: 55 1 أبواب المواقيت ب 9 ح 2 1، وما بين المعقوفين من
المصدر.
(3) التهذيب 2: 25 / 1 7، الإستبصار 1: 1 26 / 937، الوسائل 4: 155 أبواب المواقيت ب 9
ح 13.
(4) التهذيب 2: 5 2 / 70، الإستبصار 1: 261 / 936، الوسائل 4: 27 1 أبواب المواقيت ب 4،
ح 7.
(5) في النسخ: أربع، والصحيح ما في المتن موافقا للمصادر.
(6) التهذيب 2: 28 / 82، الإستبصار 1: 263 / 45 9، الوسائل 4: 18 أبواب المواقيت ب 17
ح 4.
15

يدخل وقت أخرى) (1) إلى غير ذلك.
والأخبار الدالة على بقاء وقت صلاة الغداة إلى طلوع الشمس (2)،
والعشاءين إلى نصف الليل (3)، بضميمة الإجماع المركب.
والقدح في بعض ما ذكر: بأن الوقتية تصدق بكونه وقتا للمعذور، فإن وقته
لطائفة وقت له، مردود: بأن إطلاق صلاة الظهر والعصر والنهار والليل ونحوهما
يشمل جميع الأفراد حتى صلاة غير ذوي الأعذار، فإنه يدل على أن الوقت
للماهية، والأصل عدم التقييد.
خلافا للمحكي عن المفيد والعماني والمبسوط والخلاف والاقتصاد ونهاية
الشيخ وجمله ومصباحه وعمل اليوم وليلته والحلبي والقاضي وابن حمزة (4)، وبعض
المتأخرين (5)، فقالوا بانتهاء وقتهما قبل الغروب وإن اختلفوا في النهاية إلى أقوال
كثيرة (6).

(1) السرائر 1: 198.
(2) انظر الوسائل 4: 207 أبواب المواقيت ب 26.
(3) انظر الوسائل 4: 83 1 أبواب المواقيت ب 7 1.
(4) المفيد في المقنعة: 93، حكاه عن العماني في المختلف: 69، المبسوط 1: 72، الخلاف 1: 2 8،
83، 87، الإقتصاد: 256، النهاية: 58 و 59، الجمل والعقود (الرسائل العشر: 174،
مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم والليلة (الرسائل العشر: 43 1، الحلبي في الكافي: 37 1،
القاضي في شرح الجمل: 66، ابن حمزة في الوسيلة: 83.
(5) كصاحب الحدائق 6: 116.
(6) فقيل بانتهاء وقت الظهر بصيرورة ظل كل شئ مثله، ووقت العصر بصيرورته مثلين، اختاره
الشيخ في المبسوط والخلاف، والقاضي. وقيل في الأول بصيرورته أربعة أقدام، وهو لنهاية الشيخ
وعمل اليوم، وليلته، والحلبي. وقيل فيه بأحد الأمرين المتقدمين، وهو للاقتصاد والمصباح. وقيل
فيه برجوعه إلى القدمين، وهو للمفيد والعماني. وقيل في الثاني بالانتهاء بقدر الإتيان بها وبنوافلها
بعد الظهر، وهو للنهاية، وقيل فيه بتغير لون الشمس باصفرارها، وهو للمفيد. وقيل فيه بأربعة
أقدام، وهو للعماني. وقد ينقل فيهما أقوال أخر أيضا. منه رحمه الله تعالى.
16

للروايات المتكثرة جدا، الدالة على الانتهاء قبل الغروب (1)، المختلفة في
تحديد النهاية أيضا، أدنى ما تدل عليها انتهاء وقت كل منهما بالأربعة أقدام،
وهي المراد بالذراعين، وأقصاه انتهاء وقت الظهر بصيرورة الظل قامة، ووقت
العصر بصيرورته قامتين.
وتلك الأخبار وإن كانت في أنفسها متعارضة ولكنها بأجمعها مشتركة الدلالة
على عدم كون ما بعد القامة والقامتين وقتا.
والروايات المصرحة بأنه ليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من
عذر (2)، والناطقة بأن أول الوقت رضوان الله، وآخره عفو الله، ولا يكون العفو
إلا عن ذنب (3).
وروايتي الكرخي والربعي، المتقدمة أولاهما (4)، والثانية: (إنا لنقدم
ونؤخر، وليس كما يقال: من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك، وإنما الرخصة للناسي
والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها) (5).
وصحيحتي ابن سنان وأبي بصير، بضميمة عدم الفصل:
الأولى: (وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح
السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو سها أو
نا م) (6) الحديث.

(1) انظر: الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.
(2) انظر: الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3.
(3) كما في مرسلة الفقيه 1: 140 / 1 65، الوسائل 4: 23 1 أبواب المواقيت ب 3 ح 6 1.
(4) في ص 13.
(5) التهذيب 2: 1 4 / 132، الإستبصار 1: 262 / 939، الوسائل 4: 139 أبواب المواقيت ب 7
ح 7. وأدنف المريض: ثقل - الصحاح 4: 1361.
(6) التهذيب 2: 23 / 39 1، الإستبصار 1: 276 / 1003، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت
ب 26 ح 5.
17

والثانية: عن الصائم، متى يحرم عليه الطعام؟ فقال: (إذا كان الفجر
كالقبطية البيضاء) قلت: فمتى تحل الصلاة؟ قال: (إذا كان كذلك) قلت:
ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال: (لا، إنما نعدها
صلاة الصبيان) (1).
ومثل الأولى حسنة الحلبي، إلا أنه ليس فيها (أوسها) (2).
ونجيب أما عن غير الطائفة الأولى من الروايات: فبضعف الدلالة.
أما الثانية: فلأن فيها - مضافا إلى إجمال الوقتين، وعدم دلالتها على حرمة
التأخير لاحتمال إرادة نفي كونه حريا أو حسنا، كما يشعر به قوله: (لا ينبغي) في
بعض الروايات - أن الآخر حقيقة هو الجزء القريب إلى النهاية، ولا شك أنه لا
يجوز جعله وقتا. نعم، لو كان ذلك لعذر، بحيث أدرك ركعة في الوقت يجوز
ذلك.
وعلى هذا فتكون تلك الروايات في مقابل الروايات الواردة في أن من أدرك
ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت (3)، ودفعا لتوهم جواز فعل ذلك عمدا.
بل يمكن أن يكون المراد بالوقتين فيها الوقت المقدر أولا لكل صلاة،
والمقدر ثانيا بقوله: (من أدرك ركعة) ومع قطع النظر عن اختصاص الآخر بذلك
فلا شك في شموله له، فتعارض هذه الأخبار مع أخبارنا المختصة قطعا بأن يصلي
على نحو يتم صلاته بتمام النهار بحيث لا يخرج شئ منها عن الوقت بالعموم
والخصوص المطلقين، فيجب تخصيصها بها.

(1) التهذيب 2: 39 / 22 1، الإستبصار 1: 276 / 1002، الوسائل،: 213 أبواب المواقيت
ب 28 ح 2، والقبطية: ثياب بيض رقاق من كتان، تتخذ بمصر، وقد يضم - الصحاح 3: 1151.
(2) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 5، التهذيب 2: 38 / 1 2 1، الإستبصار 1: 276 / 1001،
الوسائل 4: 207 أبواب المواقيت ب 26 ح 1.
(3) قد ورد مؤداه في الوسائل 4: 217 أبواب المواقيت ب 30.
18

بل يمكن دعوى ظهور أن ورود تلك الروايات لبيان ذلك المطلب.
ومنه يظهر ضعف دلالة القسم الثالث من الروايات أيضا بل الرابع، أي
رواية الكرخي.
وأما الخامس: فلجواز كون قوله: (إنما الرخصة) إلى آخره من تتمة ما
يقال.
وأما السادس: فلدلالة مفهوم غايتها على نفي وقتية ما بعدها مطلقا، فهي
أعم مطلقا من الأخبار الدالة على بقاء الوقت إلى طلوع الشمس، فيجب
تخصيصها بها.
ولو خصت بغير ذوي الأعذار - للأخبار المصرحة ببقاء الوقت لهم إلى
الطلوع - يكون التعارض بالعموم من وجه، الموجب للرجوع إلى استصحاب
جواز التأخير، المزيل لأصالة الاشتغال.
وأما قوله: (لا ينبغي) فلا دلالة له على حرمة التأخير.
وأما قوله: (ولكنه وقت) فلا ينفي الوقتية عن غير المذكور.
ويمكن أن يكون الاختصاص بالذكر، لأفضلية عدم التأخير لغيرهم.
وأما الاستدراك الظاهر في الاختصاص، ففيه: أنه إنما يصح إما بالتجوز
في الاستدراك، أو في (لا ينبغي) بجعل المراد منه الحرمة، مع كونه للأعم، أو في
الوقت بإرادة الأفضلية، ولا ترجيح.
وأما السابع: فلظهور أنه ليس المراد أنه ليس شئ مما بين تلك الساعة
وطلوع الشمس وقتا، إذ الوقت الثاني الذي أتى به جبرئيل كان بعد ذلك (1)،
وورد في الصحيح: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي الغداة إذا أضاء
الفجر حسنا) (2) فالمراد أن كل جزء منه ليس وقتا، وهو كذلك، لما مر في الثانية.

(1) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.
(2) التهذيب 2: 36 / 1 1 1، الإستبصار 1: 273 / 990، الوسائل 4: 1 1 2 أبواب المواقيت ب 27.
19

وأما الثامن: فلما مر في مثله.
وأما عن الطائفة الأولى: فبأنا إن أغمضنا عن معارضة بعض من أخبارها
بعضا، واعتبرنا دلالة المجموع من حيث هو على نفي وقتية ما بعد القامة
والقامتين، تعارض مع الأخبار الكثيرة المعتبرة الواردة في إتيان جبرئيل بالأوقات
للنبي صلى الله عليه وآله، وأنه أتى في الغد بالوقت للظهر حين زاد في الظل قامة،
فأمره فصلى الظهر، وقامتان، فأمره فصلى العمر، وكذا في سائر الصلوات، حيث
دلت على عدم انتهاء الوقت بالقامة والقامتين، مع ظهورها في الاختيار، وكونه
مقتضى أصالة عدم العذر.
ومع موثقة زرارة: (إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك
مثليك فصل العصر) (1).
فلو رجحت الأخيرة بموافقة الشهرة فهو، وإلا فتتساقطان وتبقى أخبارنا مع
أصالة عدم المنع من التأخير خالية عن المعارض.
قد يجاب عن الطائفة الأولى أيضا: بأنها وإن تعارضت مع أخبارنا ولكن
أخبارنا راجحة عليها بموافقة الكتاب، مع مرجوحيتها بعدم صراحة الدلالة، إذ
كما تضمنت جملة منها المنع عن التأخير، كذا تضمنت ما هو صريح في الأفضلية.
وصرفها إلى ما يوافق المنع وإن أمكن، إلا أنه ليس أولى من العكس، بل
هو أولى مع تبديل النهي في بعضها ب‍ (لا ينبغي) مع التصريح بعفو الله في بعض،
وهو صريح في عدم العقاب على التأخير، فلا يجب التقديم، فالمراد تأكد
الاستحباب. ولا ينافيه الذنب، لإطلاقه على ترك كثير من المستحبات.
وفيه: عدم ظهور دلالة الكتاب فيما يوافق المطلوب، ومنع اشتمال تلك
الطائفة على ما يدل على أن المنع إنما هو على سبيل الأفضلية.
ح 5.

(1) التهذيب 2: 2 2 / 62، الإستبصار 1: 8 4 2 / 1 89 الوسائل 4: 144 أبواب المواقيت ب 8
ح 13.
20

نعم من الأخبار ما يدل على أن الوقت الأول أفضل من الثاني، وهو غير
مناف للمنع عن التأخير للمختار.
وقوله: (لا ينبغي) وإن لم يدل على التحريم ولكنه لا ينافيه، هذا.
ثم إن الظاهر أن فائدة هذا الخلاف إنما تظهر في النهي عن المنكر، وتحتم
الإتيان في الوقت الأول، وإلا فالظاهر اتفاق الفريقين على وجوب الفعل في الوقت
الثاني أداء إن لم يفعل، فهو وقت ترتيبي، كما يدل عليه قوله: (فإن لم تفعل فإنك
في وقت) (1) فلا تجب نية القضاء - على القول بوجوبها - للمختار. بل ولا إثم
أيضا، للتصريح بالعفو، فإن قوله: (آخره عفو الله)، ليس للمضطر، إذ لا ذنب
عليه، فيكون للمختار.
فرعان:
أ: اعلم أن القائلين ببقاء وقت الإجزاء للمختار إلى الغروب جعلوا وقت
الاختيار عند المخالف وقتا للفضيلة، واختلفوا في انتهائها كاختلاف المخالفين.
ولا يخفى أن ما يستندون إليه في تحديد وقت الفضيلة من أخبار القامة
والقامتين والذراع والذراعين وأمثالها لا دلالة لها على أنها أوقات الفضيلة، وإنما
يحملونها عليها، لمعارضة أخبار الإجزاء.
وكما يمكن حملها على ذلك يمكن الحمل على التقية أيضا، كما يستفاد من
أخبار كما مر، (2)، أو على محمل آخر.
مع أنه على الحمل على الفضيلة لا يدل على انتهاء وقتها، لإمكان الحمل
على مرتبة منها. وحينئذ فلا وجه لتحديد وقت الفضيلة، والاختلاف فيه، إذ
أوقات الفضل أيضا مترتبة في الفضل، بل وكذلك بعدها.
وأما ما دل على أن لكل صلاة وقتين وأولهما أفضلهما، فلا يتعين أن يكون

(1) راجع ص 15 رواية زرارة.
(2) في ص 13.
21

المراد منه هذا الوقت المذكور في أخبار القامة والذراع، فلعلهما الوقتان اللذان أتى
بهما جبرئيل، أو أول الوقت وآخره عرفا مطلقا، كما يستفاد من بعض الأخبار، أو
الوقت المطابق للفعل، والمطابق لركعة منه، كما مر (1)، وكذا الكلام فيما ذكروه في
وقت الفضيلة للعشاءين والصبح.
ب: يختص الوقت بعد الزوال بمقدار صلاة الظهر بها، تامة أو مقصورة،
بل ولو بتسبيحتين، كما في الخوف، سريعة حركاتها أو بطيئة، بل - كما قيل (2)
مستجمعا للشرائط قبل الوقت أو فاقدا لها، ثم يشترك مع العصر إلى أن يبقى
للغروب مقدار أدائها كذلك، ثم يختص بها.
على الأشهر الأظهر في الجميع، بل بالإجماع، كما سيظهر وجهه، فهو
الحجة في المقام.
مضافا في الجميع إلى رواية داود، المتقدمة (3).
وفي الأول خاصة إلى رواية مسمع: (إذا صليت الظهر دخل وقت
العصر) (4).
والمروي في العلل والعيون: (ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه
الأوقات الأربعة، فجعل وقتها عند الفراغ من الصلاة التي قبلها) (5).
والرضوي: (أول وقت الظهر زوال الشمس إلى أن يبلغ الظل قدمين،
وأول وقت العصر الفراغ من الظهر) (6) الحديث.
وفي الأخير فقط رواية الحلبي: فيمن نسي الظهر والعصر ثم ذكر عند

(1) في ص 18.
(2) المسالك 1: 19.
(3) في ص 15.
(4) الكافي 3: 277 الصلاة ب 5 ح 8، الوسائل 4: 32 1 أبواب المواقيت ب 5 ح 4.
(5) علل الشرائع: 263، عيون أخبار الرضا 2: 108 الوسائل 4: 59 1 أبواب المواقيت ب 10 ح 11
(6) فقه الرضا عليه السلام: 103، مستدرك الوسائل 3: 112 أبواب المواقيت ب 7 ح 6.
22

غروب الشمس، قال: (إن كان في وقت لا تفوت إحداهما، فليصل الظهر ثم
العصر، وإن خاف أن تفوته، فليبدأ بالعصر ولا يؤخرها فيكون قد فاتتاه
جميعا) (1).
ورواية إسماعيل بن همام: في الرجل يؤخر الظهر حتى يدخل وقت العصر:
(إنه يبدأ بالعصر ثم يصلي الظهر) (2).
ونحو الظهرين العشاءان في الأحكام الثلاثة في الجملة (3)، بالإجماع
المركب، وخصوص بعض الروايات:
نحو: رواية داود، السابقة (4).
وصحيحة ابن سنان: (إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء
الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، وإن خاف أن
تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء) (5).
ومرسلة الفقيه: (إذا صليت المغرب فقد دخل العشاء الآخرة إلى انتصاف
الليل) (6).
والمروي في قرب الإسناد للحميري: عن رجل نسي المغرب حتى دخل
وقت العشاء الآخرة، قال: (يصلي العشاء ثم المغرب) (7).
وبما ذكرنا تقيد إطلاقات نحو قولهم: (إذا زالت الشمس فقد دخل

(1) التهذيب 2: 269 / 074 1، الإستبصار 1: 287 / 1056، الوسائل 4: 29 1 أبواب المواقيت
ب 4 ح 18.
(2) التهذيب 2: 1 27 / 1080، الإستبصار 1: 289 / 056 1، الوسائل 4: 29 1 أبواب المواقيت
ب 4 ح 17.
(3) التقييد بذلك لما يأتي من الاختلاف في آخر وقت المغرب وأول وقت العشاء. (منه رحمه الله تعالى).
(4) في ص 15.
(5) التهذيب 2: 270 / 1076، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت ب 2 6 ملحق بحديث 4.
(6) الفقيه 1: 2 4 1 / 2 66، الوسائل 4: 84 1 أبواب المواقيت ب 7 1 ح 2.
(7) قرب الإسناد: 97 1 / 2 75.
23

الوقتان) (1) إذ المراد منه إما أن بعد الزوال يتحقق الوقتان، أو أنه إذا زالت الشمس
دخل أول وقتي الصلاتين، وكل منهما أعم من كون الوقتين على الترتيب أو
التشريك، إذ كون قطعة من الوقت وقتا لشيئين أعم من تشريكهما أو ترتيبهما.
وبهذا يندفع ما يتوهم من أن التعارض بالتساوي دون الإطلاق والتقييد.
وأما الاستدلال للحكم الأول: بما في عدة من الأخبار من قولهم عليهم
السلام: (إلا أن هذه قبل هذه) (2) غير جيد، لأن وجوب كون إحدى الصلاتين
قبل الأخرى لا يدل على عدم صحة الأخرى في الوقت الأول مطلقا لأجل أنه
وقته، كما هو مقتضى عدم الوقتية وإن دل على عدم الصحة من جهة وجوب
الترتيب. وتظهر الفائدة فيما إذا سقط هذا الوجوب لنسيان أو مثله.
ومما ذكر ظهر عدم تمامية ما استدل به في المدارك من أن المراد بوقت الفعل
ما جاز ذلك الفعل فيه ولو على بعض الوجوه، ولا يجوز فعل العصر أول الزوال
عمدا إجماعا، ولا نسيانا على الأظهر (3).
(فإنه لقائل أن يقول: إن وقت الفعل ما صح فيه من جهة الوقت وإن بطل
من جهة أخرى، وعلى هذا) (4) فوجوب تقديم الظهر لا ينافي كون أول الزوال وقتا
لهما، فإن لازمه صحة العصر فيه من جهة الوقتية لا مطلقا ولو من جهة انتفاء
الترتيب الواجب.
نعم يلزمه أنه لو سقط الترتيب بسهو أو نسيان يكون العصر صحيحا.
وكذا يظهر عدم تمامية ما في المختلف من أنه لو لم يختص أول الوقت لزم

(1) انظر الوسائل: 125 أبواب المواقيت ب 4.
(2) الاستدلال في الرياض 1: 101 وقال: في هذا الاستثناء ظهور تام في الأوقات المختصة كما صرح
به جماعة.
(3) المدارك 3: 36.
(4) ما بين القوسين: ليس في (س).
24

إما خرق الإجماع، أو التكليف بما لا يطاق، إذ التكليف إما يكون بالفعلين، أو
بالعصر، أو بواحد تخييرا، والأول الثاني، والثانيان الأول (1).
ثم بما ذكر ظهر فساد القول بالاشتراك مطلقا، كما عن الصدوقين (2)، مع
احتمال إرادتهما فيما عدا محل الاختصاص، كما يظهر من كلام السيد (3)، فيرتفع
الخلاف كما في المختلف.
المسألة الثانية: أول وقت المغرب غروب الشمس اتفاقا نصا وفتوى وإن
وقع الخلاف فيما يعرف الغروب به.
فالأقوى، الموافق للمحكي عن الإسكافي والعلل والهداية والفقيه والمبسوط
والناصريات: أنه عبارة عن غيبوبة الشمس عن الأنظار تحت الأفق (4)، وهو
محتمل كلام الميافارقيات، والديلمي والقاضي (5)، ومال إليه المحقق الأردبيلي
وشيخنا البهائي (6)، واختاره صاحب المعالم في اثني عشريته، وقواه في المدارك
والبحار والكفاية والمفاتيح (7)، ووالدي العلامة قدس سره، ونسبه في المعتمد إلى
أكثر الطبقة الثالثة.
للمستفيضة المصرحة بأن وقت المغرب إذا غابت الشمس، كصحيحتي

(1) المختلف: 66.
(2) الصدوق في المقنع: 27، وحكى عنهما في الرياض 1: 101.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 69، علل الشرائع: 350، الهداية: 30، الفقيه 1: 141،
المبسوط 1: 74، الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.
(5) الميافارقيات (رسائل الشريف المرتضى 1): 274، الديلمي في المراسم: 62، القاضي في المهذب
1: 69.
(6) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 22، البهائي في الحبل المتين: 142.
(7) المدارك 3: 53، البحار 80: 51، كفاية الأحكام: 15، ومفاتيح الشرائع 1: 94.
25

زرارة (1)، وصحيحة ابن سنان (2)، ومرسلة داود (3)، والمرويات في مجالس
الصدوق (4)، وقرب الإسناد (5).
أو إذا توارى القرص، كرواية عمرو بن أبي نصر (6)، فإن المفهوم من
الغيبوبة والتواري عرفا هو الاستتار عن الأنظار، بل صرح به في مرسلة علي بن
الحكم: عن وقت المغرب، فقال: (إذا غاب كرسيها) قلت: وما كرسيها؟ قال:
(قرصها) قلت: متى يغيب قرصها؟ قال: (إذا نظرت إليه فلم تره) (7).
وهذا الاستتار إنما يتحقق بالسقوط عن الأفق الترسي الذي هو الحسي
عرفا، المتأخر عن السقوط عن الأفق الحقيقي، والحسي باصطلاح أهل الهيئة،
وهو الحسي للبصر الملاصق للأرض.
فالقول بأن المراد بغيبوبتها سقوطها عن الأفق الحقيقي قطعا، وهو إنما
يتحقق بعد غيبوبتها عن الحس ولو بمقدار دقيقة - وحينئذ فيجب رفع اليد عن
المفهوم اللغوي والعرفي، واعتبار شئ زائد عليه، ويسقط الاستدلال بالأخبار

(1) الأولى: الفقيه 1: 140 / 648، التهذيب 2: 19 / 54، الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت
ب 17 ح 1.
الثانية: الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 5، التهذيب 2: 1 26 / 1039، الإستبصار 2:
115 / 376 الوسائل 4: 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 17.
(2) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 7، التهذيب 2: 28 / 81، الإستبصار 1: 263 / 944،
الوسائل 4: 178 أبواب المواقيت ب 16 ح 16.
(3) التهذيب 2: 28 / 82، الإستبصار 1: 263 / 945، الوسائل 4: 184 أبواب المواقيت ب 17
ح 4.
(4) أمالي الصدوق: 74 / 10، 11، 15.
(5) قرب الإسناد: 37 / 119
(6) التهذيب 2: 27 / 77، الإستبصار 1: 262 / 940، الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 16
ح 30.
(7) التهذيب 2: 27 / 79، الإستبصار 1: 262 / 942، الوسائل 4: 181 أبواب المواقيت ب 16.
ح 25.
26

المزبورة بالتقريب المذكور، مع أن مقدار الدقيقة لكونه مجهولا غير منضبط لا
يمكن جعله مناط التكليف، سيما للعوام، فوجب التأصيل على الأمر المنضبط،
وليس هو إلا ذهاب الحمرة - اشتباه واضح، لأن السقوط عن الأفق الحقيقي
متقدم على الغيبوبة عن الحس، التي هي تحصل بالسقوط عن الأفق الترسي
باصطلاح الهيويين، الحسي عرفا بمقدار دقيقة قطعا، وليس تحته أفق آخر أصلا.
نعم، السقوط عن الأفق الحسي باصطلاح أهل الهيئة، وهو أفق بصر
يلاصق للأرض يتقدم على السقوط عن الأفق الحقيقي، وهو ليس بغيبوبة أصلا،
مع أن لزوم السقوط عن الأفق الحقيقي لا دليل عليه شرعا.
وتدل على المطلوب أيضا: رواية الخثعمي: (كان رسول الله صلى الله عليه
وآله يصلي المغرب ويصلي معه حي من الأنصار يقال لهم: بنو سلمة، منازلهم على
نصف ميل، فيصلون معه، ثم ينصرفون إلى منازلهم وهم يرون مواضع
سهامهم) (1).
والمروي في مجالس الصدوق: كنا بوادي الأخضر (2) إذا نحن برجل يصلي
ونحن ننظر إلى شعاع الشمس، فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلي ونحن ندعوا عليه
ونقول: هو شاب من شباب المدينة، فلما أتينا فإذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد
عليه السلام، فنزلنا وصلينا معه وقد فاتتنا ركعة، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا
له: جعلنا الله فداك، هذه الساعة تصلي؟ فقال: (إذا غابت الشمس فقد دخل
الوقت (3).
وحمله على التقية بلا دليل لا وجه له.
وصحيحة الأزدي: عن وقت المغرب، قال: إن الله يقول في كتابه

(1) الفقيه 1: 142 / 659، الأمالي: 74 / 14، الوسائل 4: 188 أبواب المواقيت ب 18 ح 5
(2) في المصدر: الأجفر.
(3) أمالي الصدوق: 75 / 16، الوسائل 4: 180 أبواب المواقيت ب 6 1 ح 23.
27

لإبراهيم: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) (1) فهذا أول الوقت، وآخر ذلك
غيبوية الشفق) (2) حيث روي أن هذا الكوكب كان هو الزهرة (3)، ولا شك في أنه
يرى بمجرد غيبوبة القرص مع بقاء الحمرة (4).
ورواية الصباح والشحام: عن المغرب، فقال بعضهم: جعلني الله فداك
ننتظر حتى يطلع الكوكب؟ فقال: (خطابية) (5) الحديث، فإن الظاهر أن مع زوال
الحمرة يظهر بعض الكواكب المضيئة بل يتقدم عليه.
وتؤيده بل تدل عليه أيضا: صحيحة الشحام: (صعدت مرة جبل أبي
قبيس والناس يصلون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب، إنما توارت خلف الجبل
من الناس، فلقيت أبا عبد الله عليه السلام، فأخبرته بذلك، فقال لي: (ولم
فعلت ذلك؟ بئس ما صنعت، إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل غابت أو غارت
ما لم تجللها سحاب أو ظلمة تظلها، فإنما عليك مشرقك ومغربك، وليس على الناس أن يبحثوا) (6).
وموثقة سماعة: في المغرب، إنا ربما صلينا ونحن نخاف أن تكون الشمس
باقية خلف الجبل، أو قد سترنا منها الجبل، فقال: (ليس عليك صعود

(1) الأنعام: 76.
(2) الفقيه 1: 1 14 / 657، التهذيب 2: 30 / 88، الإستبصار 1: 264 / 359، الوسائل 4:
174 أبواب المواقيت ب 16 خ 6.
(3) تفسير علي بن إبراهيم القمي 1: 207.
(4) ومما ذكرنا يظهر فساد ما قيل من نفي هذا القول عن الفقيه لأجل نقله هذا الحديث. (منه رحمه
الله).
(5) التهذيب 2: 258 / 1027، الإستبصار 1: 262 / 943 (بتفاوت)، الوسائل 4: 190 أبواب
المواقيت ب 18 ح 16.
(6) الفقيه 1: 42 1 / 661، التهذيب 2: 264 / 1053، الإستبصار 1: 266 / 961، أمالي
الصدوق: 4 7 / 2 1، الوسائل 4: 198 أبواب المواقيت ب 20 ح 2.
28

الجبل) (1).
خلافا للأكثر، كما في المنتهى. والتذكرة وشرح القواعد (2)، بل في المعتبر: أن
عليه عمل الأصحاب (3)، واختاره الشيخ في النهاية (4)، فقالوا: إنه يعرف بذهاب
الحمرة المشرقية.
للاستصحاب، وتوقيفه العبادة، ولزوم الاقتصار في فعلها على المتيقن
ثبوته.
والمستفيضة من الأخبار، كموثقة عمار: (إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي
المغرب حين زالت الحمرة، فجعل هو الحمرة من قبل المغرب) (5).
ومرسلة ابن أشيم: (وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق - إلى أن
قال -: فإذا غابت الشمس هاهنا ذهبت الحمرة من هاهنا) (6). -
وموثقة يونس، الواردة في الإفاضة من عرفات المحدودة بغروب الشمس:
متى تفيض من عرفات؟ فقال: (إذا ذهبت الحمرة من هاهنا) وأشار بيده إلى
المشرق (7).
وفي الأخرى: متى الإفاضة من عرفات؟ قال: (إذا ذهبت الحمرة، يعني

(1) الفقيه 1: 141 / 656، التهذيب 2: 264 /، 1054، الإستبصار 1: 266 / 962، أمالي
الصدوق: 74 / 13، الوسائل 4: 198 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.
(2) المنتهى 1: 203، التذكرة 1: 76، جامع المقاصد 2: 17.
(3) المعتبر 2: 51.
(4) النهاية: 9.
(5) التهذيب 2: 59 2 / 1033 الإستبصار 1: 265 / 960 وفيه: حين تغيب، الوسائل 4: 175
أبواب المواقيت ب 16 ح 10.
(6) الكافي 3: 278 الصلاة ب 6 ح 1، التهذيب 2: 29 / 83، الإستبصار 1: 265 / 59 9،
الوسائل 4: 173 أبواب المواقيت ب 16 ح 3.
(7) التهذيب 5: 186، الوسائل 13: 557 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفه ب 22 ح 2.
29

من الجانب الشرقي) (1).
ورواية ابن شريح: عن وقت المغرب، قال: (إذا تغيرت الحمرة، وذهبت
الصفرة، وقبل أن تشتبك النجوم) (2).
ورواية العجلي: (إذا غابت الحمرة من هذا الجانب - يعني من المشرق -
فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها) (3).
وموثقة ابن شعيب: (مسوا بالمغرب قليلا، فإن الشمس تغيب من عندكم
قبل أن تغيب من عندنا) (4).
ومرسلة ابن أبي عمير: (وقت سقوط القرص ووجوب الإفطار أن تقوم
بحذاء القبلة، وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، إذا جازت قمة الرأس إلى
ناحية المغرب فقد وجب الافطار، وسقط القرص) (5).
والرضوي: (وأول وقت المغرب سقوط القرص، وعلامة سقوطه أن يسود
أفق المشرق).
وفيه أيضا: (والدليل على غروب الشمس ذهاب الحمرة من جانب
المشرق)
وفيه أيضا: (وقد كثرت الروايات في وقت المغرب وسقوط القرص، والعمل

(1) الكافي 4: 466 الحج ب 61 ح 1، الوسائل 13: 557 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 22
ح 3.
(2) التهذيب 2: 257 / 1024، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 6 1 ح 2 1.
(3) الكافي 3: 278 الصلاة ب 6 ح 2، التهذيب 2: 29 / 84، الإستبصار 1: 265 / 956،
الوسائل 4: 172 أبواب المواقيت ب 16 ح 1.
(4) التهذيب 2: 258 / 1030، الإستبصار 1: 264 / 951، الوسائل 4: 76 1 أبواب المواقيت
ب 6 ح 13.
(5) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 4، التهذيب 4: 185 / 516، الوسائل 4: 173 أبواب المواقيت
ب 16 ح 4.
30

في ذلك على سواد المشرق إلى حد الرأس) (1).
وأجاب هؤلاء عن الأخبار الأولة: تارة: بعدم تعارضها مع أخبارهم، إذ
غاية ما دلت عليه هو كون وقت المغرب غيبوبة الشمس وغروبها، ولا خلاف فيه،
بل فيما يتحقق به ذلك، وقد دلت الأخيرة على أنه زوال الحمرة، فهذه مفسرة
للأولى، فيعمل بهما معا.
وأخرى: بأنهما لو تعارضتا لكانت الأولى من قبيل المطلق بالنسبة إلى
الأخيرة، فيجب حملها عليها.
ونجيب: أما عن أدلتهم، فعن الثلاثة الأولى: بزوال الاستصحاب،
وحصول التوقيف، وتحقق اليقين بما ذكرنا.
وعن الروايات بعدم دلالة غير الأوليين والأخيرة.
وأما الثالثة والرابعة: فلأن - مع معارضتهما مع أخبار أخر، جاعلة وقت
الإفاضة هو الغيبوبة - لا دلالة لهما على الوجوب، إذ أولاهما لا تدل إلا على أن
الإمام يفيض بعد ذهاب الحمرة، وهو لا يفيد الوجوب. وثانيتهما إما سؤال عن
وقت إفاضة الإمام أو القوم، كما هو مقتضى حقيقة اللفظ، فعدم دلالتها
واضحة، وإما عن زمان وجوب الإفاضة أو زمان أفضليتها، ولا يتعين أحدهما،
فلا تتم الدلالة.
وأما الخامسة: فلأن تغير الحمرة وذهاب الصفرة غير زوال الحمرة، بل لا
ريب في تغير الأولى وذهاب الثانية بمجرد الغيبوبة في الأفق، فهي على خلاف
مطلوبهم أدل.
وأما السادسة: فلأنها لا تدل إلا على أنها إذا غابت الحمرة غابت الشمس
من شرق الأرض وغربها، وكون ذلك وقت وجوب المغرب ممنوع، بل هو غيبوبتها
عنا، فيحتمل أن يكون غرضه عليه السلام بيان الوقت الأفضل.

(1) فقه الرضا عليه السلام: 73 و 104، مستدرك الوسائل 3: 130 أبواب المواقيت ب 13 ح 3.
31

وأما السابعة: فلأن - مع عدم دلالتها على زوال الحمرة - الظاهر منها أن
تعليل الأمر بالإمساء قليلا بغيبوبة الشمس عندهم قبل غيبوبتها عندهم لأجل ما
في أفقهم من الحائل، فلا دلالة على المطلوب، وليس لمجرد تفاوت الآفاق، وإلا
لزم التأخير مدة مديدة تغيب عن جميع الآفاق، لبطلان وجوب التأخير عن بعض
الآفاق دون بعض.
وأما الثامنة: فلأن غاية ما يدل عليها أن ذلك وقت سقوط القرص الذي
يمكن أن يكون وقت الأفضلية ووجوب الإفطار الذي هو تأكده، دون الوجوب
الحقيقي.
فبقيت الثلاثة: الأوليان والأخيرة، ومدلول الأولى: إيجاب الصلاة على أبي
الخطاب بعد زوال الحمرة، سواء صلى قبل الغروب أو بعده وقبل الزوال، أو لم
يصل، فهي أعم مطلقا من الأخبار الأولة، لدلالتها على عدم الوجوب لو صلى
بعد الأول وقبل الثاني، فيجب التخصيص.
وكذلك الثانية وآخر، الرضوي، إذ دلالتها على نفي وقتية ما قبلها بعموم
مفهوم الحصر الدال على أنه ليس شئ من قبل الذهاب وقتا.
وأما أوله فدلالته إنما تتوقف على لزوم الانعكاس في العلامة والدليل، وهو
غير لازم، سيما مع وجود الدليل على علامة ودليل آخر.
هذا، مع أن حمل الحمرة في بعض هذه الروايات على أشعة الشمس،
المائلة إلى الحمرة غالبا في حوالي الغروب، المرتفعة على أعالي الجبال الشرقية في
مثل مكة ومدينة - اللتين هما بلد الأحاديث - ممكنة، كما يدل عليه أيضا قوله في
مكاتبة عبد الله بن وضاح: (وترتفع فوق الجبل حمرة) (1).
يرد أما جوابهم الأول عن الأخبار الأولة: فبعدم الاجمال في معنى غيبوبة

(1) التهذيب 2: 209 / 1031، الإستبصار 1: 264 / 952 وفيه: عبد الله بن صباح، والصواب ما
في المتن، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.
32

الشمس أصلا، بل هو معلوم لغة وعرفا، ولم يرد في أخبارهم ما يدل على أن معنى
غيبوبة الشمس، أو المراد منها هو ذهاب الحمرة أيضا، حتى يكون دليلا على
التجوز في الغيبوبة، غاية ما في بعضها أنه علامة سقوط القرص.
ويحتمل أن يكون هو غير الغيبوبة، مع أنه - كما مر - لا يشترط الانعكاس
في العلامة. وأما قوله في بعض الأخبار (وقت المغرب ذهاب الحمرة) فهو لا يدل على
أنه المراد بالغيبوبة، بل يعارض مع ما دل على أنها وقته. وكون ذلك على على
التجوز في الغيبوبة ليس أولى من العكس، من كون أحاديث الغيبوبة [قرينة] (1)
على إرادة ضرب من التجوز من جعل الوقت ذهاب الحمرة، كالأفضلية
والاستحباب وغيرهما.
وأما قوله في مرسلة ابن أشيم: (فإذا غابت الشمس...) فلا يدل إلا على
أنها إذا غابت عن المغرب ذهبت الحمرة من المشرق، وليس معنى غيبوبة الشمس
غيبوبتها عن المغرب، بل عنا، كما مر.
ولا يمكن أن يكون المراد من قوله: (إذا غابت هاهنا) غابت في المغرب،
لعدم صلاحيته للتفريع على ما قبله من قوله: (إن المشرق مطل على المغرب)
ونحوه قوله في رواية العجلي.
وأما قوله في الرضوي: (والدليل على غروب الشمس) فهو لا يدل على أن
المراد بالغيبوبة زوال الحمرة، بل غايته دلالته على حصر الدليل على الغروب فيه،
هو إنما يعمل به لولا دليل على دليل آخر، وما دل على معرفته بالغيبوبة، وبأنه إذا
نظرت إليه فلم تره (2)، دليل على دليل آخر.
هذا، مع أنه لا فرق بحسب الاعتبار بين غروب الشمس وطلوعها، فلو

(1) أضفناها لاقتضاء العبارة.
(2) راجع ص 26 مرسلة علي بن الحكم.
33

كان وجود الحمرة دليلا على عدم الغروب لكان وجودها دليلا على طلوعها في الأفق
الشرقي أيضا، فيلزم عدم جواز صلاة الفجر بعد حصول الحمرة في الأفق
الغربي.
والقول بأن الغروب هو السقوط عن الأفق، ولما لم يكن هو معلوما فيعلم
بذهاب الحمرة، فمعها لا يحصل القطع الذي هو المعيار في قطع استصحاب عدم
الغروب، ولازمه حصول الشك بذلك في الطلوع، فينعكس الأمر (1)، مبني على
ما عرفت فساده من تأخر السقوط عن الأفق الحقيقي عن الغيبوبة عن الحس،
وإلا فالقطع بالغيبوبة حاصل.
مع أنه إذا كان ذهاب الحمرة قاطعا لاستصحاب عدم الغروب يكون
حصولها أيضا قاطعا لاستصحاب عدم الطلوع.
وأما جوابهم الثاني: فبمنع إطلاق الأولة بالنسبة إلى الأخيرة، بل الأمر
بالعكس في البعض، كما عرفت.
ومنه يظهر فساد ترجيح الأخيرة بموافقة الشهرة ومخالفة العامة، فإنه إنما هو
في المتباينين كليا أو من وجه.
مضافا إلى أنه يأبى الحمل قوله: (ليس عليك صعود الجبل) و (لم فعلت
ذلك؟) و (بئس ما صنعت) في الصحيحة والموثقة المتقدمتين (2).
مع أن في أشهرية القول الثاني كلاما، إذ من نقل الأول منه من المتقدمين
أكثر ممن نقل عنه الثاني منهم، وميل أكثر متأخري المتأخرين أيضا إليه (3)، مع أن
عبارة المبسوط مشعرة بأن الثاني قول غير مشهور (4).
فرع: المراد بغروب الشمس وغيبوبتها وتواريها المتبادر منها - كما أشرنا إليه -

(1) كما في الرياض 1: 107.
(2) في ص 28.
(3) راجع ص 25.
(4) المبسوط 1: 74.
34

غروبها عن بلد المصلي وأرضه، وهو إنما يتحقق بغيبوبتها عن كل مكان يعد منه
عرفا وعادة، كرؤوس جباله وأعالي أماكنه، فمع بقاء شعاع الشمس ولو في رأس
جبل شامخ لا يصدق شئ من هذه الألفاظ، بل وكذا لو كان بحيث علم أنه لو
كان هناك مكان أعلى مما هو موجود مما يمكن تحقق مثله عاده يرى فيه الشعاع،
ولذا صرح بعضهم بعدم صدق الغيبة والاستتار الواردين في الأخبار مع وجود
الأشعة على قلل الجبال قطعا (1).
وبالجملة: المراد من الغروب: الغروب عن أرض المصلي وبلده، ومن
قوله: (إذا نظرت إليه فلم تره) (2) أي إذا نظرت في أرضك وبلدك أعاليه
وأسافله.
وبذلك ظهر ضعف ما قيل من أنه لو كان مجرد الاستتار مغربا، لزم كون
مغرب النائم قبل القاعد، والقاعد قبل القائم، والقائم قبل الراكب، والراكب
قبل الصاعد، وهكذا (3)، مع أن بقاء الشعاع على مكان يراه الصاعد ليس مغربا
لأحد من أهل هذه الأرض قطعا.
ثم إنه كما لا يتحقق الغروب مع بقاء الشعاع، كذا لا يتحقق باستتارها
بغيم أو ظلمة أو نحوهما، إجماعا ونصا، كما مر.
وأما الاستتار بالجبل بحيث ذهب الشعاع عن كل مكان مرتفع - ولو
فرضا - في كل موضع مما يعد من تلك الناحية عرفا، فالمستفاد من الصحيحة
والموثقة المتقدمتين (4) تحقق الغروب به، وإذ لا معارض لهما فالعمل بهما - مع زوال
الشعاع وعدم ظهوره أصلا على النحو المقرر - لا بأس به.
وأما الشعاع المذكور في رواية المجالس (5) فيمكن أن لا يكون هو ضوء

(1) انظر: الرياض 1: 108.
(2) راجع ص 26.
(3) شرح المفاتيح (المخطوط) للوحيد البهبهاني.
(4) راجع ص 27 و 28.
(5) راجع ص 27 و 28.
35

الشمس الواقع على المقابل لها، بل شعاعها المرئي في المغرب، الذي يقال له
حواجب الشمس وذوائبها.
المسألة الثالثة: آخر وقت المغرب غيبوبة الشفق الغربي مطلقا، عند
الصدوق في الهداية، والسيد في الناصريات (1)، وعن الخلاف وجمل الشيخ
ومصباحه وعمل اليوم وليلته (2)، والقاضي والديلمي (3)، بل العماني كما في
المنتهى (4).
للنصوص المستفيضة، كصحيحة الأزدي، المتقدمة (5).
وصحيحة زرارة والفضيل: (ووقت، فوتها سقوط الشفق) (6).
ورواية ابن مهران: ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الظهر والعصر، وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا أن هذه قبل
هذه في السفر والحضر، وأن وقت المغرب إلى ربع الليل، فكتب: (كذلك
الوقت، غير أن وقت المغرب ضيق، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى
البياض في أفق المغرب) (7).
وموثقة إسماعيل بن جابر: عن وقت المغرب، قال: (ما بين غروب الشمس
إلى سقوط الشفق) (8).

(1) الهداية: 30 الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.
(2) الخلاف 1: 261، الجمل والعقد (الرسائل العشر): 174، مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم والليلة
(الرسائل العشر): 143.
(3) القاضي في شرح الجمل: 66، الديلمي في المراسم: 62.
(4) المنتهى 1: 203.
(5) ص 27.
(6) الكافي 3: 280 الصلاة ب 6 ح 9، الوسائل 4: 187 أبواب المواقيت ب 18 ح 2
(7) الكافي 3: 281 الصلاة ب 6 ح 16، التهذيب 2: 260 / 1037، الإستبصار 1: 270 / 976
الوسائل 4: 188 أبواب المواقيت ب 18 ح 4.
(8) التهذيب 2: 258 / 1029، الإستبصار 1: 263 / 950، الوسائل 4: 182 أبواب المواقيت
ب 16 ح 29.
36

وفي رواية زرارة: (وآخر وقت المغرب إياب الشفق، فإذا آب دخل وقت
العشاء الآخرة) (1).
وحمل تلك الأخبار على الأفضلية لا وجه له.
والاستشهاد بالأخبار الدالة على أن لكل صلاة وقتين أولهما أفضلهما (2)،
وباختلاف الأخبار في التقدير بالغيبوبة والربع وخمسة أميال وستة (3)، غير
صحيح، لمنع شهادة الأول على أن ذلك أحد الوقتين، ولا على أن الوقتين للمختار
كما مر، وعدم دلالة الاختلاف على الأفضلية والاستحباب.
وقبل انتصاف الليل قدر صلاة العشاء، عند السيد في الجمل والإسكافي (4)
والحلي (5) والحلبي (6)، والإشارة والجامع، والمحقق (7)، وسائر المتأخرين (8). وعليه
الشهرة في كلام جماعة (9)، بل عن السرائر والغنية الإجماع عليه (10) وإن ظهر من
الناصريات عدم اشتهار هذا القول بين القدماء (11).
للأصل، وللروايات الدالة على أن وقت العشاءين من الغروب إلى نصف

(1) التهذيب 2: 262 / 1045، الإستبصار 1: 269 / 973، الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت
ب 10 ح 3.
(2) انظر: الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3.
(3) انظر: الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19.
(4) حكاه عنهما في المختلف: 69.
(5) الحلي في السرائر 1: 195.
(6) قال في الكافي ص 137: وآخر وقت الإجزاء ذهاب الحمرة من المغرب وآخر وقت المضطر ربع
الليل.
(7) الإشارة: 85، الجامع للشرائع: 60، المحقق في الشرائع 1: 60.
(8) كالعلامة في المختلف: 69، والشهيد في اللمعة (الروضة 1): 180، وصاحب المدارك 3: 54
(9) كصاحب الحدائق 6: 175، والرياض 1: 102.
(10) السرائر 1: 196، الغنية (الجوامع الفقهية): 556
(11) الناصريات (الجوامع الفقهية): 193.
37

الليل، كمرسلة داود، المتقدمة (1).
وروايتي عبيد:
إحداهما: (ومنها صلاتان، أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف
الليل، إلا أن هذه قبل هذه) (2).
والأخرى: (إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف
الليل، إلا أن هذه قبل هذه) (3)
وما دل على أن فيما بين الزوال إلى غسق الليل - الذي هو انتصافه - أربع
صلوات (4).
ورد المرسلة بضعف السند، وغيرها بضعف الدلالة، لأن كون وقت ظرفا
لصلاتين، كما يمكن أن يكون بالاشتراك يمكن أن يكون بالتوزيع، بل هو
بالتوزيع قطعا، لاختصاص أول الوقت بالأولى وآخره بالأخيرة، وليس هذا
التوزيع أولى من غيره، مردود: بعدم ضرر في ضعف السند، سيما مع التأيد
بالشهرة ولو من المتأخرين، وبظهور كون مدة ظرفا لهما [في] (5) صلاحيتها لاجتماع
كل منهما، بل هو حقيقة في ذلك فقط مجاز في غيره، والتخصيص القليل الثابت
بالدليل أولى من غيره قطعا.
وقبل طلوع الفجر قدر العشاء عند بعضهم (6)، استنادا إلى مرسلة الفقيه،
المتقدمة في المسألة الأولى (7)، وغيرها مما سيأتي، وحملا لسائر الأخبار على

(1) في ص 26.
(2) التهذيب 2: 2 5 / 72، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.
(3) التهذيب 2: 52 / 72، الإستبصار 1: 262 / 941 بتفاوت يسير، الوسائل 4: 181 أبواب
المواقيت ب 16 ح 24.
(4) الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.
(5) أضفناها لاستقامة العبارة.
(6) حكاه في المبسوط 1: 75 عن بعض أصحابنا، وفي المعتبر 2: 40 عن عطاء وطاووس.
(7) راجع ص 14.
38

الأفضلية.
وحين الغروب خاصة عند آخر (1) لإتيان جبرئيل في اليومين بوقت واحد
للمغرب (2)، فيعارض به سائر الأخبار، ويبقى أصل الاشتغال وعدم التوقيف في
غيره سالما عن المعارض.
والأول للمختار، والثاني لذوي الأعذار، عند السيد في المصباح،
والشيخ في المبسوط (4)، واختاره في المفاتيح والحدائق (5)، جمعا بين القسمين من
الأخبار، بشهادة ما دل على جواز التأخر عن الغيبوبة لذوي الأعذار، كموثقة
جميل: ما تقول في الرجل يصلي المغرب بعدما يسقط الشفق؟ فقال: (لعلة لا
بأس) قلت: فالعشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ فقال: (لعلة لا بأس) (6)
والأول للأول، وربع الليل للثاني، عند الشيخ في أكثر كتبه (7) وابن حمزة
والحلبي (8)، لتخصيص القسم الأول بموثقة جميل، المتقدمة، وصحيحتي محمد
ابن علي الحلبي وابن يقطين، الدالتين على جواز التأخير في السفر إلى مغيب
الشفق (9)، وتقييد هذه الثلاثة بالمستفيضة المصرحة ببقاء الوقت لذوي الأعذار

(1) حكاه في المهذب 1: 69 عن بعض أصحابنا.
(2) أنظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.
(3) حكاه عنه في المنتهى: 203.
(4) المبسوط 1: 74.
(5) المفاتيح 1: 87، الحدائق 6: 188.
(6) التهذيب 2: 33 / 101، الإستبصار 1: 268 / 969، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19
ح 13.
(7) كالنهاية: 59، والاقتصاد: 256.
(8) ابن حمزه في الوسيلة: 83، الحلبي في الكافي: 137.
(9) صحيحة الحلبي: التهذيب 2: 35 / 108 الإستبصار 1: 272 / 984، الوسائل 4: 194
أبواب المواقيت ب 19 ح 4 صحيحة ابن يقطين: التهذيب 2: 32 / 97 الإستبصار 1:
267 / 967، الوسائل 4: 197 أبواب المواقيت ب 19 ح 15.
39

مطلقا أو بعضهم - إلى الربع، كرواية عمر بن يزيد: عن وقت المغرب، فقال:
(إذا كان أرفق بك، وأمكن لك في صلاتك، وكنت في حوائجك، فلك أن
تؤخرها إلى ربع الليل) فقال: قال لي وهو شاهد في بلده (1).
وصحيحته قال: (وقت المغرب في السفر إلى ربع الليل) (2).
وبذلك يجمعون هؤلاء بين القسم الأول وبين ما دل على بقاء الوقت إلى
ربع الليل مطلقا، كرواية عمر بن يزيد أيضا، وفيها: (فإنك في وقت إلى ربع
الليل) بشهادة ما ذكر.
وعليه يحملون ما دل على جواز التأخير في السفر إلى خمسة أميال من
الغروب، كموثقة أبي بصير (4)، أو ستة، كروايتي ابني جابر وسالم (5).
ويردون القسم الثاني من الأخبار بما مر ذكره من ضعف السند والدلالة.
والأول في غير المسافر والمفيض من عرفات، وربع الليل لهما، عند
الصدوق (6) والمفيد (7) والشيخ في النهاية (8)، تضعيفا للقسم الثاني بما ذكر، ولما دل
على التعميم في القدر، في السند، وتخصيصا للقسم الأول بما دل على جواز التأخير
لهما إلى الربع.
والثاني للأول والثالث للثاني، عند المعتبر والمدارك والكفاية، والمحقق

(1) التهذيب 2: 259 / 1034، الإستبصار 1: 267 / 964، الوسائل 4: 195 أبواب المواقيت
ب 19 ح 8.
(2) الكافي 3: 281 الصلاة ب 6 ح 14، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 2.
(3) التهذيب 2: 30 / 91، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 11.
(4) التهذيب 3:، 234 / 611، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 9 1 ح 6.
(5) رواية ابن جابر: التهذيب 3: 234 / 614، الوسائل 4: 195 أبواب المواقيت ب 19 ح 7. رواية
ابن سالم: التهذيب 2: 208 / 1028، الوسائل 4: 191 أبواب المواقيت ب 18 ح 17.
(6) الفقيه 1: 141 والهداية: 61.
(7) المقنعة: 93 - 95
(8) النهاية: 59 و 252.
40

الخوانساري في شرح الروضة (1)، جمعا بين القسم الثاني وما دل على البقاء إلى
طلوع الفجر، كمرسلة الفقيه، المتقدمة في المسألة الأولى (2)، بشهادة المستفيضة
كصحيحة ابن سنان، السالفة في الفرع الثاني من المسألة الأولى (3)
ورواية أبي بصير، وهي أيضا قريبة منها، إلا أنها مختصة بالنائم (4).
ورواية ابن حنظلة: (إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر، صلت المغرب
والعشاء) (5) ونحوها رواية الكناني (6).
وحملا للقسم الأول وروايات الربع على الأفضلية.
والأول للمختار، والثاني لذوي الأعذار غير النائم والناسي والحائض،
والثالث للثلاثة، عندي.
لوجوب تخصيص القسم الأول بغير ذوي الأعذار، بما مر من الأخبار وغيره
مما لم يذكر، كصحيحة عمر بن يزيد: (وقت المغرب في السفر إلى ثلث الليل) (7).
ومرسلة الكافي: (إنه إلى نصف الليل) (8).
ورواية الصرمي، المصرحة بأن أبا الحسن الثالث عليه السلام أخر المغرب
حتى غاب الشفق (9)، وغير ذلك.

(1) المعتبر 2: 40، المدارك 3: 55، الكفاية: 15، الحواشي على شرح اللمعة: 169
(2) راجع ص 14.
(3) راجع ص 23.
(4) علل الشرائع: 367 / 2، الوسائل 4: 201 أبواب المواقيت ب 21 ح 6.
(5) التهذيب 1: 391 / 1206، الإستبصار 144 / 492، الوسائل 2: 364 أبواب الحيض ب 49
ح 12.
(6) التهذيب 1: 390 / 1203، الإستبصار 2: 143 / 489، الوسائل 2: 363 أبواب الحيض
ب 49 ح 7.
(7) الكافي 3: 431 الصلاة ب 1 8 ح 5، الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.
(8) الكافي 3: 431 الصلاة ب 81 ح 5، الوسائل 4: 194 أبواب المواقيت ب 19 ح 3.
(9) التهذيب 2: 30 / 90، الإستبصار 1: 264 / 955، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19
41

وبذلك يصير هذا القسم أخص مطلقا من القسم الثاني وما دل على البقاء
إلى الربع أو الفجر مطلقا، فيجب تخصيص الجميع به، لما دل على البقاء لذوي
الأعذار، فلا يبقى له معارض في المختار، ويتعين الأول له. ويبقى الكلام في
المعذور.
ولكون أخبار الربع (مع ما في أخبار توقيت السفر من التعارض) (1) لدلالتها
على أنه لا وقت بعد الربع أصلا أعم مطلقا من أخبار النصف، فيجب تخصيص
الأولى بالثانية قطعا، ومقتضاها توقيت النصف للمضطر.
ولكون ما مر من روايات النائم والناسي والحائض أخص مطلقا من
أخبار النصف أيضا - للتقريب المتقدم، ولخصوصية العذر - يجب تخصيص الثانية
بهذه الروايات أيضا، فيكون الوقت لغير الثلاثة النصف، ولهم طلوع الفجر،
وهو أيضا مقتضى أصالة جواز التأخير، التي هي المرجع لو فرض التعارض، فعليه
الفتوى.
ولا ينافيه ما مر من إتيان جبرئيل بوقت واحد، إذ لا دلالة له على
التخصيص أصلا.
ولا ما ورد من أن لكل صلاة وقتين، إذ يمكن كونهما وقتي الفضيلة والإجزاء
للمختار، أو وقتي الاختيار والاضطرار وإن كان المضطرون مختلفين في الوقت.
ولا ما ورد من ذم النائم عن صلاة العشاء إلى نصف الليل (2)، وهو ظاهر.
ولا ما ورد من الأمر بصوم اليوم لمن نام عن صلاة العشاء إليه (3)، سيما مع
استحبابه، كما هو الحق.
ولا مرسلة الفقيه: (من نام عن العشاء الآخرة إلى نصف الليل يقضي
ح 10.

(1) انظر: الوسائل 4: 193 أبواب المواقيت ب 19. وما بين القوسين ليس في (س) و (ح).
(2) انظر: الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29.
(3) انظر: الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29.
42

ويصبح صائما) (1).
ومرفوعة ابن مسكان: (من نام قبل أن يصلي العتمة فلم يستيقظ حتى
يمضي نصف الليل فليقض صلاته وليستغفر الله) (2).
لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية في القضاء، ولذا ورد في مرسلة ابن المغيرة: في
رجل نام عن العتمة فلم يقم إلا بعد انتصاف الليل، قال: (يصليها) (3).
المسألة الرابعة: أول وقت العشاء مضي قدر ثلاث ركعات من الغروب، على
الأشهر الأظهر، وفاقا للمحكي عن السيد والاستبصار والجمل والعقود،
والصدوق والإسكافي والحلبي والحلي والقاضي، والوسيلة والغنية (4)، وجملة من
تأخر عنهم، ونسبه في المنتهى إلى العماني (5).
لروايات عبيد، وداود، وابن مهران، ومرسلة الفقيه، المتقدمة جميعا (6).
وصحيحة زرارة: (إذا غابت الشمس دخل الوقتان: المغرب والعشاء
الآخرة) (7).
وموثقته: (وصلى بهم - أي صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بالناس
- المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة، وإنما فعل ذلك
رسول الله ليتسع الوقت على أمته) (8).

(1) الفقيه 1: 142 / 658، الوسائل 4: 214 أبواب المواقيت ب 29 ح 3.
(2) التهذيب 2: 276 / 1097، الوسائل 4: 215 أبواب المواقيت ب 29 ح 6.
(3) الكافي 3: 295 الصلاة ب 2 1 ح 1 1، الوسائل 4: 216 أبواب المواقيت ب 29 ح 8.
(4) حكاه عن السيد في المختلف: 69، الإستبصار 1: 263، الجمل والعقود (الرسائل العشر):
- 174، الصدوق في الفقيه 1: 142، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 69، الحلبي في الكافي:
137، الحلي في السرائر 1: 95 1، القاضي في المهذب 1: 69، الوسيلة: 83، الغنية (الجوامع
الفقهية): 556
(5) المنتهى 1: 205.
(6) راجع ص: 4 1 و 15 و 23 و 36.
(7) الفقيه 1: 140 / 648، التهذيب 2: 9 1 / 4 5، الوسائل 4: 83 1 أبواب المواقيت ب‍ 17 ح 1.
(8) الكافي 3: 286 الصلاة ب 9 ح 1، التهذيب 2: 263 / 1046، الإستبصار 1: 1 27 / 981،
43

والأخرى: عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق؟ قال: (لا
بأس) (1)، وقريبة منها موثقة عبيد الله وعمران (2).
ورواية إسحاق: يجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق
من غير علة؟ قال: (لا بأس) (3).
خلافا للهداية للصدوق (4)، والمبسوط والخلاف والاقتصاد والمصباح وعمل
اليوم والليلة (5)، كلها للشيخ، فقالا: إنه غيبوبة الشفق، لإتيان جبرئيل بها في
المرة الأولى التي كانت لبيان أول الوقت بعد سقوط الشفق (6).
ولصحيحتي بكر والحلبي:
الأولى: (وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة، وآخر وقتها إلى غسق الليل،
نصف الليل) (7).
والثانية: متى تجب العتمة؟ قال: (إذا غاب الشفق، والشفق الحمرة) (8).
الوسائل 4: 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 2.

(1) التهذيب 2: 34 / 104، الإستبصار 1: 271 / 978، الوسائل 4: 203 أبواب المواقيت ب 2 2
ح ه.
(2) التهذيب 2: 34 / 105، الإستبصار 1: 271 / 979، الوسائل 4: 203 أبواب المواقيت ب 22
ح 6.
(3) التهذيب 2: 263 / 1047، الإستبصار 1: 272 / 982، الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت
ب 22 ح 8.
(4) الهداية: 30.
(5) المبسوط 1: 75، الخلاف 1: 262، الإقتصاد: 256، مصباح المتهجد: 23، عمل اليوم
والليلة (الرسائل العشر: 143.
(6) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.
(7) الفقيه 1: 141 / 657، التهذيب 2: 30 / 88، الإستبصار 1: 264 / 53 9، الوسائل 4:
174 أبواب المواقيت ب 16 ح 6.
(8) الكافي 3: 280 الصلاة ب 6 ح 11، التهذيب 2: 34 / 103، الإستبصار 1: 270 / 977،
الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت ب 23 ح 1.
44

ويجاب عن الأول: بأنه لعله للأفضلية.
وعن الثانية: بأنه يمكن أن يكون المراد ذهاب الحمرة المشرقية، الذي هو
أول المغرب في كثير من الأخبار، بل قيل بذلك في الثالثة أيضا، ولكنه بعيد نظرا
إلى تتمتها. بل يجاب عنها: بأن دلالتها على نفي وقتية قبل الغيبوبة ليست إلا
بمفهوم الزمان، الضعيف، ومع ذلك معناه أنه ليس بواجب قبل غياب الشفق
مطلقا، فيكون أعم مطلقا من أخبارنا جميعا إن أبقيت الثالثة على إطلاقها، ومن
بعضها إن خصت بغير المسافر أو غير المعذور، فيخصص بها.
ولو سلم التعارض فالترجيح لنا قطعا، بالكثرة التي هي معنى الشهرة في
الرواية، التي هي من المرجحات المنصوصة، وبموافقة الشهرة العظيمة، ومخالفة
العامة، فإن القول الثاني موافق لمذهب العامة بتصريح الجميع.
وللمقنعة والنهاية للشيخ والتهذيب، فالثاني للمختار، والأول لذوي
الأعذار، كما في الأولين (1)، أو لمن علم أو ظن أنه لا يتمكن بعد الغيبوبة، كما في
الثالث (2)، جمعا بين القسمين المتقدمين، بشهادة طائفة من الأخبار، كموثقة
جميل، المتقدمة (3).
وصحيحة الحلبي: (ولا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب
الشفق) (4).
ورواية البطيخي: رأيت أبا عبد الله عليه السلام صلى العشاء الآخرة قبل
سقوط الشفق ثم ارتحل (5).
فتلك الأخبار يخصص القسم الثاني، وبه يصير أخص من الأول،

(1) المقنعة 93 - 95، النهاية: 59.
(2) التهذيب 2: 33.
(3) في ص 39.
(4) التهذيب 2: 35 / 108، الإستبصار 1: 272 / 984، الوسائل 4: 202 أبواب المواقيت ب 22 ح 1.
(5) التهذيب 2: 34 / 106، الإستبصار 1: 271 / 980، الوسائل 4: 204 أبواب المواقيت ب
22 ح 7.
45

فتخصصه.
وجوابه: أنه يصير أخص من وجه فيصار إلى الترجيح، وهو معنا.
مع أن بعض الأول صريح في غير المعذور، فيكون أخص مطلقا بالتقريب
السابق.
هذا كله مع ما عرفت من عدم انتهاض القسم الثاني، وعدم دلالة أخبار
المعذور على الاختصاص.
المسألة الخامسة: آخر وقت العشاء ثلث الليل مطلقا، عند الهداية والمقنعة
والخلاف وجمل الشيخ واقتصاده ومصباحه، والقاضي (1).
للروايات الواردة في نزول جبرئيل بها ثانية حين ذهب الثلث، ثم قال: (ما
بين الوقتين وقت) (2).
ومرسلة الفقيه: (وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل) (3).
ورواية زرارة، وفيها: (وآخر وقت العشاء ثلث الليل) (4).
والمروي في الهداية: (ووقت العشاء من غيبوبة الشفق إلى ثلث الليل) (5).
ولروايات أخر غير دالة جدا.
ونصفه كذلك، عند السيد والإسكافي والديلمي وابن زهرة والحلبي (6)،

(1) الهداية: 30، المقنعة: 93، الخلاف 1: 264، الجمل والعقود (الرسائل العشر) 174،
الإقتصاد: 256، مصباح المتهجد: 23، القاضي في المهذب 1: 69.
(2) الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت 10 ح 5 - 8.
(3) الفقيه 1: 141 / 657، الوسائل 4: 200 أبواب المواقيت ب 21 ح 4.
(4) التهذيب 2: 262 / 1045، الإستبصار 1: 269 / 973، الوسائل 4: 56 1 أبواب المواقيت
ب 10 ح 3.
(5) الهداية: 30.
(6) السيد في جوابات المسائل الميافارقيات (رسائل السيد المرتضى) 1: 274، حكاه عن الإسكافي
في المختلف: 70، الديلمي في المراسم: 62، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556،
الحلبي في الكافي: 137.
46

وأكثر المتأخرين (1)، بل مطلقا.
لمرسلتي داود والفقيه، المتقدمتين في المسألة الأولى (2)، وروايتي عبيد،
السالفتين في الثالثة (3) وصحيحة بكر، السابقة في الرابعة (4)، وصحيحة زرارة
ورواية عبيد، المتضمنتين لتفسير الآية (5).
وموثقة أبي بصير، وفيها: (وأنت في رخصة إلى نصف الليل) (6).
ورواية المعلى: (آخر وقت العتمة نصف الليل) (7) ونحوها الرضوي (8)،
وغير ذلك.
والأول للمختار، والثاني للمضطر، عند المبسوط وابن حمزة (9)، للجمع
بين الصنفين من الأخبار.
والثاني للأول، وطلوع الفجر للثاني، عند المحقق والمدارك (10) وجملة من

(1) كالشهيد في الذكرى: 121، وصاحبي المدارك 3: 59 وفيه وهو مذهب الأكثر، والرياض 1: 101
(2) راجع ص 15 و 23.
(3) راجع ص 38.
(4) راجع ص 44.
(5) صحيحه زرارة: الكافي 3: 271 الصلاة ب 3 ح 1، الفقيه 1: 124 / 600، التهذيب 2:
241 / 9054، الوسائل 4: 10 أبواب أعداد الفرائض ب 2 ح 1، رواية عبيد: التهذيب 2:
25 / 72، الإستبصار 1: 261 / 938، الوسائل 4: 157 أبواب المواقيت ب 10 ح 4.
(6) التهذيب 2: 261 / 1041، الإستبصار 1: 272 / 986، الوسائل 4: 185 أبواب المواقيت
ب 17 ح 7:
(7) التهذيب 2: 262 / 1042، الإستبصار 1: 273 / 987، الوسائل 4: 185 أبواب المواقيت
ب 17 ح 8.
(8) فقه الرضا عليه السلام: 74، مستدرك الوسائل 3: 133 أبواب المواقيت ب 14 ح 3
(9) المبسوط 1: 75، ابن حمزة في الوسيلة: 83.
(10) المحقق في المعتبر 2: 43، والشرائع 1: 60، المدارك 3: 60.
47

متأخري المتأخرين (1)، منهم صاحب البحار (2).
وعن الخلاف: نفي الخلاف في بقائه إلى الطلوع للمضطر (3). وهو الأقوى
عندي، استنادا - بعد تضعيف رواية الهداية، ومنع دلالة روايات نزول جبرئيل -
إلى أن لدلالة الصنف الأول على نفي وقتية بعد الثلث مطلقا يكون أعم مطلقا
من الثاني، فيخصص الأول بالثاني.
مع أن على فرض التباين - كما يحتمله بعض الروايات - يكون الترجيح
للثاني، لموافقة الكتاب، والأصل.
ثم يخصص الصنف الثاني بما دل على بقاء وقت ذوي الأعذار إلى الفجر،
كما تقدم. ولأجل ذلك يصير هذا الصنف أخص من مرسلة الفقيه، الدالة على
بقاء الوقت مطلقا إلى الفجر (4)، فتخصص المرسلة به.
فرع: الأفضل المبادرة إلى العشاء بعد المغرب ونافلتها، لعمومات أفضلية
أول الوقت، المعتضدة بالأمر بالاستباق إلى الخيرات والمسارعة إلى المغفرة.
وقد يقال بأفضلية التأخير إلى غياب الشفق (5)، للأخبار المتقدمة، وهي
على ذلك غير دالة. والاحتياط، وهو كان حسنا. لولا العمومات.
وقيل: ربما يظهر من بعض الروايات عدم استحباب المبادرة بعد غياب
الشفق أيضا (6).
ونظره إلى ما ورد من قول النبي صلى الله عليه وآله: (لولا أني أخاف أن
أشق على أمتي لأخرت العتمة إلى ثلث الليل) وفي بعض الأخبار (إلى ربعه) وفي

(1) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 15 وصاحب كشف الغطاء: 221.
(2) البحار 80: 53.
(3) الخلاف 1: 271.
(4) المتقدمة في ص 14.
(5) كما في الحدائق 6: 193.
(6) كما في المدارك 3: 60.
48

آخر (إلى نصفه) (1) وما ورد من أنه صلى الله عليه وآله أخرها ليلة من الليالي ما شاء
الله حتى نام النساء والصبيان (2).
ويرد الأول: بأن غاية ما يدل عليه أنه لولا خوف المشقة لجعل فضيلة
العشاء في التأخير، ولكنه لم يفعله، فهو في الدلالة على خلاف المقصود أشبه.
وحمل قوله: (أخرت) على أوجبت التأخير حتى يشعر بالفضيلة، أو على
إرادة إني صليتها في الثلث أو النصف لولا خوف مشقة المأمومين، لا دليل عليه.
والثاني: بأن الظاهر أن تأخيره صلى الله عليه وآله تلك الليلة دون سائر
الليالي إنما كان للعذر دون الاستحباب.
المسألة السادسة: لا خلاف في أن وقت صلاة الصبح طلوع الفجر الثاني، وهو
المنتشر الذي لا يزال يزداد في الأفق، والإجماعات المحكية (3) - كالنصوص
المصرحة (4) - عليه مستفيضة.
وإنما الخلاف في آخره. والحق الموافق للمعظم، ومنهم: المقنعة (5)،
والجملان (6)، والاقتصاد والمصباح ومختصره وعمل اليوم والليلة وشرح جمل السيد،
والكافي، والإسكافي والديلمي والقاضي (7)، والحلبيان (8)، والحلي

(1) انظر: الوسائل 4: 183 أبواب المواقيت ب 17.
(2) التهذيب 2: 28 / 81، الوسائل 4: 199 أبواب المواقيت ب 21 ح 1.
(3) كما في المعتبر 2: 44، والمنتهى 1: 206، والذكرى: 121.
(4) انظر الوسائل 4: 209 أبواب المواقيت ب 27.
(5) المقنعة: 94.
(6) جمل العلم والعمل، وقد سقط منه في نسختنا باب المواقيت، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 174
(7) الإقتصاد: 206، مصباح المتهجد: 24، عمل اليوم والليلة (الرسائل العشر): 143، شرح
الجمل 66، الكافي في الفقه: 138، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 70، الديلمي في المراسم: 62، القاضي في المهذب 1: 69.
(8) علاء الدين الحلبي في الإشارة: 85، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556.
49

والجامع (1)، وسائر المتأخرين: أنه طلوع الشمس.
للأصل المتقدم، ومرسلة الفقيه، المتقدمة في المسألة الأولى (2).
ورواية زرارة: (وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس) (3).
ومقتضى إطلاقهما كونه وقتا لمطلق صلاة الفجر الذي منه صلاة المختار،
فالقول بأنه يكفي في صدقهما كونه وقتا لذوي الأعذار غير صحيح.
وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: (من أدرك من الغداة ركعة قبل
طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة) (4) وحمله على ذوي الأعذار حمل بلا حامل،
وضعفه كضعف المتقدمتين - لو سلم - بالشهرة منجبر.
خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف والنهاية والمبسوط والتهذيب
والاستبصار، وعن العماني، والوسيلة (5) والإصباح، فخصوه بأولي الأعذار،
وجعلوا نهايتها للمختار ظهور الحمرة المشرقية، كبعضهم (6)، أو الإسفار، كبعض
آخر (7).
حملا للمطلقات المذكورة على المقيدات، كرواية يزيد بن خليفة: (وقت

(1) الحلي في السرائر 1: 195، الجامع للشرائع: 61.
(2) راجع ص 14.
(3) التهذيب 2: 36 / 114، الإستبصار 1: 275 / 998، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت ب 26
ح 6.
(4) التهذيب 2: 38 / 119، الإستبصار 1: 275 / 999، الوسائل 4: 207 أبواب المواقيت ب 30
ح 2.
(5) الخلاف 1: 267، النهاية: 60، المبسوط 1: 75، التهذيب 2: 38 و 39، الإستبصار 1:
276، حكاه عن العماني في المختلف: 70، الوسيلة: 83.
(6) كما في المبسوط 1: 75.
(7) كما في الخلاف 1: 267.
50

الفجر حين يبدو حتى يضئ) (1).
وصحيحتي ابن سنان وأبي بصير، وحسنة الحلبي، المتقدمة في المسألة
الأولى (2).
وموثقة عمار: (في الرجل إذا غلبته عيناه أو عاقه أمر أن يصلي المكتوبة من
الفجر ما بين أن يطلع الفجر إلى أن تطلع الشمس، وذلك في المكتوبة خاصة،
فإن صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته) (3).
والرضوي: (أول وقت الفجر اعتراض الفجر في أفق المشرق، وهو بياض
كبياض النهار، وآخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب، وقد رخص
للعليل والمسافر والمضطر إلى قبل طلوع الشمس) (4) وقريب منه المروي في
الدعائم (5).
ويجاب عنها - بعد رد الأخيرين: بالضعف الخالي عن جابر في المقام،
وسابقتهما: بعدم الدلالة جدا، لخلوها عن اشتراط غلبة العينين أو تعويق أمر،
والأربع (6) المتقدمة عليها: بما سبق في المسألة الأولى (7)، وسابقتها: بما يظهر منه
أيضا من كون مفهومها عاما مطلقا يجب تخصيصه، أو من وجه يوجب الرجوع إلى
الأصل، ومعارضتها مع الأخبار الآتية - أن شيئا منها لا يدل على مطلوب من
قال: إن الانتهاء ظهور الحمرة، ولا أكثرها على قول من قال بالانتهاء بالإسفار.

(1) الكافي 3: 283 الطهارة ب 7 ح 4، التهذيب 2: 36 / 112، الإستبصار 1: 274 / 991،
الوسائل 4: 207 أبواب المواقيت ب 26 ح 3.
(2) راجع ص 17 و 18.
(3) التهذيب 2: 38 / 120، الإستبصار 1: 276 / 1000، الوسائل 4: 208 أبواب المواقيت
ب 26 ح 7.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 74، مستدرك الوسائل 3: 137 أبواب المواقيت ب 20 ح 1.
(5) دعائم الإسلام 1: 139، مستدرك الوسائل 3: 138 أبواب المواقيت 20 ح 2.
(6) كذا في النسخ، والصحيح: الثلاث كما يظهر بالتأمل.
(7) راجع ص و 17 و 18.
51

مع منافاة الأخير لأخبار أخر أيضا، كأخبار إتيان جبرئيل بالأوقات. ففي
بعضها: أنه أتى بالوقت الثاني حين أسفر الصبح (1)، بل لصحيحة أبي بصير،
المذكورة، فإن إسفار الفجر هو بياضه.
وحسنة ابن عطية: (الصبح هو الذي إذا رأيته معترضا كأنه بياض
سورى) (2).
وصحيحة زرارة: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي ركعتي الصبح،
وهي الفجر إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا) (3).
ومرسله الفقيه: (وقت الفجر إذا اعترض الفجر فأضاء حسنا) (4)
والمروي في الهداية: عن وقت الصبح، فقال: (حين يعترض الفجر ويضئ حسنا) (5)
وفي الفردوس (6): (صل صلاة الغداة إذا طلع الفجر وأضاء حسنا)
إلا أن يريدوا من الإسفار انتشار الضوء في أطراف السماء - كما قيل -

(1) الوسائل 4: 158 أبواب المواقيت ب 10 ح 8
(2) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 3، الفقيه 1: 317 / 1440، التهذيب 2: 37 / 118،
الإستبصار 1: 275 / 997، الوسائل 4: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 2
وسورى على وزن بشرى: موضع بالعراق من أرض بابل وهي مدينة السريانيين... (معجم
البلدان 3: 278) وقال في الحبل المتين ص 144: والمراد ببياضها نهرها، كما في رواية هشام بن
الهذيل عن الكاظم عليه السلام: وقد سأله عن وقت صلاة الصبح فقال: (حين يعترض الفجر
كأنه نهر سورى).
(3) التهذيب 2: 36 / 111، الإستبصار 1: 273 / 990، الوسائل 4: 211 أبواب المواقيت ب 27
ح 5.
(4) الفقيه 1: 317 / 1441، الوسائل 4: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 3.
(5) الهداية: 30.
(6) كذا في النسخ، والظاهر أن الصواب: العروس للشيخ أبي محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي.
وقد نقل عنه في البحار 80: 74 / 6، انظر: الذريعة 15: 253.
52

وخص الضياء والإسفار (في الأخبار) (1) بما دون ذلك.
فرع: هل الأفضل في صلاة الفجر أن يؤخر حتى يتنور الصبح ويضئ
أطراف الأفق حسنا، أو يصلي بدء طلوع الفجر؟ المستفاد من أكثر الروايات
المتقدمة: الأول، ولكن قد تضمنت جملة من أخبار أخر: الثاني، واستحباب
التغليس (2) بها، كالمروي في مجالس الشيخ: إن أبا عبد الله عليه السلام كان يصلي
الغداة بغلس عند طلوع الفجر الصادق أول ما يبدو وقبل أن يستعرض، وكان
يقول: (وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) إن ملائكة الليل تصعد
وملائكة النهار تنزل عند طلوع الفجر، فأنا أحب أن تشهد ملائكة الليل وملائكة
النهار صلاتي) (3).
ورواية إسحاق: أخبرني عن أفضل الوقت في صلاة الفجر، فقال: (مع
طلوع الفجر) إلى أن قال: (فإذا صلى العبد صلاة الصبح مع طلوع الفجر
أثبتت له مرتين، أثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار) (4).
ومرسلة الفقيه: عن صلاة الفجر، لم يجهر فيها بالقراءة وهي من صلاة
النهار، وإنما الجهر في صلاة الليل؟ فقال: (لأن النبي صلى الله عليه وآله كان
يغلس بها يقربها من الليل) (5).
وفي الذكرى: إن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلي الصبح فتنصرف
النساء وهن متلففات بمروطهن لا يعرفن من الغلس (6).

(1) لا توجد في (س).
(2) يقال: غلس بالصلاة يريد صلاها بالغلس، والغلس بالتحريك: الظلمة آخر الليل. مجمع
البحرين 4: 90.
(3) أمال الطوسي: 704، الوسائل 4: 213 أبواب المواقيت ب 28 ح 3.
(4) الكافي 3: 282 الصلاة ب 7 ح 2، التهذيب 2: 37 / 116، الإستبصار 1: 275 / 995، علل
الشرائع: 336 / 1، ثواب الأعمال: 36، الوسائل 4: 212 أبواب المواقيت ب 28 ح 1.
(5) الفقيه 1: 2603 / 926، الوسائل 6: 84 أبواب القراءة ب 25 ح 3.
(6) الذكرى: 121 والمروط جمع مرط: كساء من صوف أو خز كان يؤتزر به. مجمع البحرين 4: 273.
53

فقد يقال بترجيح الأول، لكون أخباره مقيدة بالنسبة إلى أخبار الثاني. وقد
يرجح الثاني، لصراحة أكثر أخباره في الأفضلية، وكونه معللا.
أقول: إطلاق أخبار الثاني بإطلاقه ممنوع، لمنع الإطلاق في الأولين، مع
أن إرادة وضوح الصبح وتيقنه - الذي لا خلاف في اشتراطه من أخبار الأول -
ممكنة. ولو فرض التعارض تبقى عمومات أفضلية أول الوقت عن المعارض
خالية، فالراجح هو الثاني.
54

البحث الثاني:
في بيان مواقيت النوافل اليومية
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا خلاف في دخول وقت النافلة للظهر بالزوال، وللعصر
بالفراغ من الظهر، واختلفوا في آخرهما.
والحق أنه يمتد إلى وقت الفريضة، وفاقا لجماعة ممن تأخر (1)، منهم والدي
- رحمه الله - في المعتمد. وهو المحكي عن الحلبي (2)، بل ظاهر المبسوط والإصباح
والدروس والبيان (3)، بل محتمل كل من قال ببقاء وقتهما إلى المثل والمثلين من
القائلين بأنهما وقتان للمختار.
للأصل، والعمومات المصرحة بجواز فعلهما في أي وقت أريد (4).
وخصوص رواية سماعة، وفيها: (وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى
من الوقت فليبدأ بالفريضة) إلى أن قال: (وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل
من أول الوقت إلى قريب من آخر الوقت) (5).
ومرسلة ابن الحكم: (صلاة النهار ست عشرة ركعة، صلها أي النهار
شئت، إن شئت في أوله، وإن شئت في وسطه، وإن شئت في آخره) (6).

(1) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 16.
(2) الكافي في الفقه: 158.
(3) المبسوط 1: 76، الدروس 1: 140، البيان: 109.
(4) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.
(5) الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 3، الفقيه 1: 257 / 1165، التهذيب 2: 264 / 1051،
الوسائل: 226 أبواب المواقيت ب 35 ح 1.
(6) التهذيب 2: 8 / 15، الإستبصار 1: 278 / 1008، الوسائل 4: 1 5 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 13 ح 17.
55

خلافا لنهاية الإحكام (1)، والمصباح والوسيلة والشرائع والنافع (2)،
والفاضل في طائفة من كتبه (3)، بل قيل هو الأشهر (4)، فقالوا بالامتداد للظهر إلى
أن يصير الفئ على قدمين، وللعصر أربعة.
لصحيحة زرارة: (حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله كان قامة،
وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، وإذا مضى من فيئه ذراعان صلى
العصر) ثم قال: (أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟) قلت: لم جعل ذلك؟
قال: (لمكان النافلة، لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي ذراع، فإذا
بلغ فيئك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة) (5).
وتضمن صدرها القدمين والأربعة، وأنهما مع الذراع والذراعين بمعنى،
كما صرح به الأصحاب وجملة من الأخبار.
وقريبة منها موثقتاه (6).
وموثقة عمار: (للرجل أن يصلي الزوال ما بين زوال الشمس إلى أن يمضي
قدمان، وإن كان بقي من الزوال ركعة واحدة أو قبل أن يمضي قدمان أتم الصلاة

(1) كذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح هو النهاية للشيخ (ص 60) لأن العلامة قد تردد في نهاية
الإحكام في نافلة الظهر بين القدمين والمثل، وفي نافلة العصر بين أربعة أقدام والمثلين. نهاية
الأحكام 1: 311.
(2) مصباح المتهجد: 24، الوسيلة: 83، الشرائع 1: 62، المختصر النافع: 22.
(3) كالقواعد 1: 24 والمنتهى 1: 207.
(4) كما في الرياض 1: 103.
(5) الفقيه 1: 140 / 653، التهذيب 2: 19 / 55، الإستبصار 1: 250 / 899، الوسائل 4:
141 أبواب المواقيت ب 8 ح 3 و 4.
(6) الأولى: الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 1، التهذيب 2: 245 / 974، الإستبصار 1:
249 / 893، علل الشرائع: 9 34 / 2، الوسائل 4: 146 أبواب المواقيت ب 8 ح 20، الأخرى:
التهذيب 2: 250 / 992، الإستبصار 1: 255 / 915، الوسائل 4: 147 أبواب المواقيت ب 8
ح 27.
56

حتى يصلي تمام الركعات، وإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم
يصل الزوال إلا بعد ذلك، وللرجل أن يصلي من نوافل العصر ما بين الأولى إلى
أن يمضي أربعة أقدام، فإن مضت الأربعة أقدام ولم يصل من النوافل شيئا فلا
يصلي النوافل (1) الحديث (2).
والأخبار الموقتة للظهرين بالذراع والذراعين، مع المصرحة بأنه إنما جعل
كذلك لئلا يكون تطوع في وقت الفريضة (3).
ويجاب عنها مع معارضتها بصحيحة محمد بن أحمد، المتقدمة في وقت
الظهرين (4)، وموثقة أبي بصير، وفيها: (فإذا ذهبت ثلثا القامة بدأت
بالفريضة) (5): بعدم دلالة شئ منها على الزائد على الرجحان، لمكان الجملة
الخبرية.

(1) التهذيب 2: 273 / 1086 الوسائل 4: 245 أبواب المواقيت ب 40 ح 1.
(2) اعلم أن الموثقة صريحة في نافلة العصر، وأما الظهر فيتم الحكم فيها بعدم القائل بالفرق، وأما
قوله: (فإن مضى قدمان...) وإن كان ظاهرا في حكمها ولكنه يحصل فيه الإجمال بملاحظة
الشرطية الأولى، وهي قوله: (وإن كان بقي...)، ومن قال بصراحة الموثقة في الحكمين فقد
اقتصر على الشرطية الثانية. وقد يفسر الأولى بأنه إن بقي من وقت الزوال، أي وقت نافلة الزوال
قدر ركعة، أو من الوقت المبتدأ من الزوال إلى القدمين قدر ركعة. وعلى التقديرين قوله: (أو قبل
أن يمضي قدمان) يعبر عنه بعبارة أخرى للتوضيح، أو للترديد من الراوي. وقيل: يمكن أن يكون
هناك سهو من النساخ، وتكون العبار: قد صلى، مكان: قد بقي، ويكون أو سهوا. وكل هذه.
الاحتمالات خلاف الظاهر.
نعم يمكن أن يقال: إن مفهوم الشرطية الأولى أنه إن لم يبق ركعة واحدة... وظاهر معناه أنه
لم يبق فيها شئ، فلا ينافي الثانية، بل يمكن أن يقال: إن منطوق الأولى يعاضدها أيضا، لأن
بقاء ركعة واحدة أعم من أن يبقى منها غيرها أيضا أم لا. منه رحمه الله تعالى.
(3) انظر الوسائل 4: 140 أبواب المواقيت ب 8.
(4) راجع ص 12.
(5) التهذيب 2: 248 / 985، الإستبصار 1: 253 / 908، الوسائل 4: 6 4 1 أبواب المواقيت ب 8
ح 23.
57

وأما مفهوم الغاية في قوله: (لك أن تتنفل)، ونحوه وإن كان ظاهره نفي
الجواز في هذا العرف، إلا أنه ليس مقتضى معناه اللغوي، والأصل تأخر العرف
الطارئ.
مضافا إلى أن بعد ما عرفت من دخول وقت الظهرين بالزوال تعلم أنه لم
يرد الحقيقة من الأخبار الموقتة لهما، ولا يتعين المجاز المثبت للمطلوب، هذا.
ثم إنه على فرض دلالة جميعها فتعارض الروايتين بالتباين، والحمل على
الأفضل طريق الجمع.
والشاهد له رواية الغساني (1): صلاة النهار صلاة النوافل كم هي؟ قال:
ست عشرة، أي ساعات النهار شئت أن تصليها صليتها، إلا أنك إذا صليتها
في مواقيتها أفضل) (2).
مع أنه لولا ذلك أيضا لكان الترجيح للروايتين، لموافقتهما الأصل
وا لعمومات.
والقول بشذوذهما باطل، سيما مع ما ذكرنا من الاحتمال (3).
ولجماعة، فقالوا بالامتداد إلى المثل لنافلة الظهر، والمثلين للعصر، إما
مطلقا، كالمحكي عن الحلي والمعتبر والمنتهى والتحرير والتذكرة والنهاية (4)، أو غير
مقدار الفرضين، كما عن الجمل والعقود والمهذب والجامع (5).
للصحيحة المذكورة وما يقرب منها، بناء على أن الحائط كان ذراعا، لتفسير

(1) هذا موافق للاستبصار ومورد من التهذيب، وأما في مورد آخر منه وكذا في الوسائل: الغفاري.
(2) التهذيب 2: 9 / 17 وكذا: 267 / 1063، الإستبصار 1: 277 / 1007، الوسائل 4: 51
أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 18.
(3) أي احتمال كون ذلك مذهب القائلين بالمثل والمثلين. منه رحمه الله تعالى.
(4) الحلي في السرائر 1: 199، المعتبر 2: 48، المنتهى 1: 207، تحرير الأحكام 1: 27، التذكر
1: 76، نهاية الإحكام 1: 311، وقد ذكرنا أنه تردد فيها بين المثل والقدمين.
(5) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 174، المهذب 1: 70، الجامع للشرائع: 62.
58

القامة به في النصوص.
وموثقة زرارة: (إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك
فصل العصر) (1) بناء على أن التأخير لأجل النافلة.
وللأخبار المصرحة بالنافلة من غير تعيين مقدار لها.
ويرد الأول: بعدم تفسير النصوص القامة في الصحيحة بذلك، فلا يحمل
فيها عليه، لكونه معنى مجازيا، بل لا يصح، لقوله: (فإذا بلغ فيئك ذراعا
وذراعين) مع أن في الرضوي: (إنما سمى ظل القامة قامة لأن حائط مسجد رسول
الله كان قامة إنسان) (2).
والثاني: بمنع كون التأخير لما ذكر، مع المعارضة بأخبار كثيرة آمرة بأداء
الفرضين قبل المثل والمثلين.
والثالث: بعدم الدلالة، ولعلل المستدل بذلك نظره إلى الاحتمال الذي
ذكرناه.
فروع:
أ: من يقول بأحد التحديدين من القدم أو المثل يقول بكون النافلة بعده
وهل يجوز القضاء مقدما على الفريضة، أو لا؟ صرح والدي - رحمه الله -
في التحفة بالثاني، وفي الحدائق: الظاهر أنه لا خلاف فيه (3).
وهو مقتضى أدلتهم.
ب: قد عرفت أن المختار أن الأفضل فعل النافلة قبل القدمين أو الأربعة،
وكذا الأفضل تأخيرها بعدهما عن الفريضة، للأخبار المذكورة.

(1) التهذيب 2: 22 / 62، الإستبصار 1: 248 / 891، الوسائل 4: 144 أبواب المواقيت ب 8
ح 13.
(2) فقه الرضا (عليه السلام): 76.
(3) الحدائق 6: 215.
59

وهل يكون مع التأخير أداء أو قضاء؟ الظاهر الثاني؟ إذ مقتضى النصوص
المصرحة بمثل قوله: (منها ثمان ركعات قبل الظهر، وأنها بين يديها) (1) أن وقتها
المقدر أولا هو ما قبل الفريضة.
ج: إذا تلبس بإحدى النافلتين ولو بركعة، ثم خرج الوقت المقدر لها أو
لفضلها - على الخلاف - أتمها مقدمة على الفريضة، من غير خلاف بينهم مطلقا،
كما في كلام بعضهم (2)، أو بين المتأخرين، كما في كلام آخر (3)، لموثقة عمار،
المتقدمة (4).
وأما رواية إسماعيل بن عيسى: عن الرجل يصلي الأولى ثم يتنفل فيدركه
وقت العصر من قبل أن يفرغ من نافلته فيبطئ بالعصر، يقضي نافلته بعد العصر
أو يؤخرها حتى يصليها في وقت آخر؟ قال: (يصلي العصر ويقضي نافلته في يوم
آخر) (5) فمع ما في معناها إجمالا (6)، وعدم دلالتها على وجوب ذلك، أعم من
التلبس بأقل من ركعة، فتخص به.
ثم صريح الأكثر، ومنهم السرائر والمعتبر: اشتراط التخفيف في المزاحمة (7).
والمراد الاقتصار على أقل ما يجزي فيها من قراءة الحمد وحدها، وتسبيحة

(1) انظر: الوسائل 4: 131 أبواب المواقيت ب 5.
(2) الحدائق 6: 215.
(3) الرياض 1: 109.
(4) في ص 56.
(5) التهذيب 2: 275 / 1092، الإستبصار 1: 291 / 1069، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت
ب 39 ح 18.
(6) حاشية منه رحمه الله تعالى: إن الظاهر أن معناها إما أنه فهل يبطئ فريضة العصر حتى يقضي
نافلته بعد دخول وقت العصر قبل أداء الفريضة أو يؤخر النافلة؟ أو أنه فإن أتم نافلته يبطئ
بفريضة العصر، أيقضي نافلته بعد الفريضة أو يؤخرها؟ والجواب بقضاء النافلة في يوم آخر لكراهة
التطوع بعد العصر. ويمكن تفسيرها بمعنى آخر أيضا.
(7) السرائر 1: 202، ولم نعثر عليه في المعتبر ولكنه مذكور في الشرائع 1: 62.
60

في محلها، بل عن بعض المتأخرين (1)، أنه لو تأدى التخفيف بالجلوس آثره.
وهو كذلك، لإطلاق النص، وهو رواية أبي بصير، قال: ذكر أبو عبد الله
عليه السلام أول الوقت وفضله، فقلت: كيف أصنع بالثمان ركعات؟ قال:
(خفف ما استطعت) (2).
فإنه إن جعلنا المراد بالوقت فيها هو المخصوص بالفريضة حتما أو فضلا،
بجعل اللام للعهد، فالدلالة واضحة.
وإن عممناه بحيث يشمل الوقت المشترك فنقول: خرج قبل القدمين
والأربع عن وجوب التخفيف بالإجماع والأخبار القائلة بأنه إن شئت قصرت وإن
شئت طولت، فيبقى الباقي، فالقول بانتفاء النص على التخفيف (3) فاسد.
والاستناد إلى الموثقة - وإن كانت مذيلة باشتراط المزاحمة، بأن يمضي بعد
القدمين نصف قدم في الظهر، وبعد الأربعة قدم في العصر - غير صحيح. وإلى
المسارعة إلى فعل الواجب لإثبات حرمة النافلة بدون التخفيف - كما هو ظاهرهم -
غير ناهض وإن قلنا بالمنع من تأخير الفريضة عن وقت الفضيلة اختيارا.
ولا يختلف حكم التلبس بركعة في صلاة الظهر بالنسبة إلى يوم الجمعة
وغيره، لعموم النص.
نعم، الظاهر اختصاصه بغير صلاة الجمعة بحكم التبادر وتكثر الأخبار بضيقها.
وهل حكم غير المتلبس مع بقاء قدر ركعة حكم المتلبس؟ الظاهر لا، وكذا
المتلبس بأقل من الركعة. وما في ذيل الموثقة من قوله: (من نوافل الأولى شيئا)
يحمل على الركعة، حملا للمطلق على المقيد.
د: في جواز تقديم نافلة الظهرين على الزوال مطلقا، وعدمه كذلك،

(1) لم نعثر على شخصه.
(2) التهذيب 2: 257 / 1019، الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 9.
(3) كما في الرياض 1: 109.
61

والأول مع خوف فواتها في وقتها وعدم التمكن من قضائها والثاني مع عدمه،
أقوال.
الأول مما استوجهه طائفة من متأخري المتأخرين (1)، للمستفيضة المصرحة
بأن النافلة أو التطوع بمنزلة الهدية متى أتي بها قبلت (2)، وروايتي ابن الحكم
والغساني، المتقدمتين (3).
وصحيحة زرارة: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله الضحى قط)
قال: فقلت: ألم تخبرني أنه كان يصلي في صدر النهار أربع ركعات؟ قال: (
بلى، إنه كان يصلي يجعلها من الثمان التي بعد الظهر) (4).
والحمل على النافلة المبتدأة والاعتداد بها مكان الزوال خلاف الظاهر، وما
يأتي من صحيح ابن جابر من الشهادة له - كما قيل - قاصر، مع أنه لو تم لتم في
صورة خوف الفوات، وأما مطلقا فلا، لأن قصد الاعتداد مطلقا ينافي نية
الابتداء.
والثاني للمعظم، للمستفيضة المصرحة بأن الثمان ركعات إذا زالت
الشمس (5)، الظاهرة بل الصريحة في أنه أول وقتها، المعتضدة بروايات أخر ناطقة
بأن النبي صلى الله عليه وآله والولي كانا لا يصليان من النهار شيئا قبل الزوال (6).
والثالث للشيخ في كتاب حديثه (7)، وللشهيد، (8)، والحدائق (9)، ووالدي في

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 92، والسبزواري في الذخيرة: 199.
(2) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.
(3) في ص 55 و 58.
(4) الفقيه 1: 358 / 1567، الوسائل 4: 100 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 31 ح 1.
(5) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13.
(6) انظر: الوسائل 4: 229 أبواب المواقيت ب 36.
(7) الإستبصار 1: 278.
(8) الذكرى: 123.
(9) الحدائق 6: 219.
62

المعتمد، لرواية محمد: عن الرجل يشتغل عن الزوال، أيعجل من أول النهار؟
فقال: (نعم إذا علم أنه يشتغل فيعجلها في صدر النهار) (1).
وصحيحة ابن جابر: إني أشتغل، قال: (فاصنع كما نصنع، صل ست
ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها من صلاة العصر - يعني ارتفاع
الضحى الأكبر - واعتد بها من الزوال) (2)
أقول: لا شك أن أدلة الثالث خاصة بالنسبة إلى أدلة الثاني، فيجب
تخصيصها بها، ومعه تصير أدلة الثاني أخص من أدلة الأول، فتخصص بها. بل
يمكن تخصيصها بمفهوم أدلة الثالث أيضا. فالحق هو القول الثالث، ولكن في
اشتراط خوف فوات القضاء أيضا نظر، والعدم أظهر.
والظاهر من الأخبار جواز التوزيع بأن يقدم بعضها ويؤخر البعض.
الثانية: أول وقت نافلة المغرب بعد صلاة المغرب، وآخرها آخر وقت
الفريضة على الأظهر، وفاقا للحلي والشهيد والمدارك (3)، بل أكثر الثالثة (4)،
ومنهم والدي - رحمه الله - في المعتمد.
للأصل، وإطلاق النصوص الدالة على استحبابها بعدها، ففي بعضها:
(أربع ركعات بعد المغرب، لا تدعهن في حضر ولا سفر) (5).

(1) الكافي 3: 450 الصلاة ب 90 ح 1، التهذيب 2: 268 / 1067، الإستبصار 1:
278 / 10011، الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37 ح 1.
(2) التهذيب 2: 267 / 1062، الإستبصار 1: 277 / 1006، الوسائل 4: 232 أبواب المواقيت
ب 37 ح 4.
(3) الحلي في الكافي في الفقه: 158، الشهيد في الدروس 1: 141، المدارك 3: 74.
(4) كالفيض في المفاتيح 1: 92، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 161، والمحقق السبزواري
في الذخيرة: 199.
(5) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 2، التهذيب 2: 14 / 35، الوسائل 4: 86 أبواب أعداد
الفراض ونوافلها ب 24 ح 1.
63

وفي آخر: (لا تدع أربع ركعات بعد المغرب في سفر ولا حضر) (1).
وفي ثالث: (ويصلي بعد المغرب ركعتين) (2) وهكذا.
وكون ورودها لبيان أصل الاستحباب خاصة من غير نظر إلى الوقت، فلا
يفيد إطلاقها فيه، ممنوع، كيف؟! وصرحت فيها بالاستحباب بعد المغرب.
واحتمال كون قوله: (بعد المغرب) صفه لأربع غير ضائر، لأن الوصفية
نفسها أيضا مفيدة لحكم الوقت، مع أن هذا الاحتمال غير قائم في الثالث.
وتدل أيضا رواية سماعة، المتقدمة في المسألة السابقة (3)، وصحيحة ابن
تغلب: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام المغرب بالمزدلفة - إلى أن قال - فلما
صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات (4).
ولا يعارضها نحو الصحيحة: عن صلاة المغرب والعشاء بجمع، فقال:
(بأذان وإقامتين، لا تصل بينهما شيئا) (5) لعمومها المطلق بالنسبة إلى الصحيحة
السابقة من وجهين (6)، مع أن النهي فيها غير باق على حقيقته.
وبما ذكر تقيد إطلاقات النهي عن التطوع وقت الفريضة، مع أنها معارضة
بمعتبرة أخرى دالة على الجواز (7). ولذا حمل - جماعة الأولى على وقت تضيق
الفريضة.
مضافا إلى ما في بعض الأخبار من أن المراد منها ليس ظاهرها، كما في
صحيحة عمر بن يزيد: عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت

(1) التهذيب 2: 15 / 39، الوسائل 4: 89 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 24 ح 9.
(2) التهذيب 2: 13 / 7، الوسائل 4: 59 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 1.
(3) راجع ص 55.
(4) الكافي 3: 267 الصلاة ب 2 ح 2، الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 1.
(5) التهذيب 3: 234 / 6015، الوسائل 4: 225 أبواب المواقيت ب 4 3 ح 1.
(6) أحدهما باعتبار النافلة، والثاني باعتبار ذهاب الحمرة وعدمه. منه رحمه الله تعالى.
(7) انظر: الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.
64

فريضة، ما حد هذا الوقت؟ قال: (إذا أخذ المقيم في الإقامة) فقال له: الناس
يختلفون في الإقامة، فقال: (المقيم الذي يصلى معه) (1).
ويؤيد ذلك بل يبينه رواية محمد، عن أبي جعفر عليه السلام: قال: (قال
لي رجل من أهل المدينة: يا أبا جعفر ما لي لا أراك تتطوع بين الأذان والإقامة كما
يصنع الناس؟) قال: (فقلت: إنا إذا أردنا أن نتطوع كان تطوعنا في غير وقت
الفريضة، فإذا دخلت الفريضة فلا تطوع) (2).
خلافا للمشهور، فقالوا: وقتها بعد صلاة المغرب إلى ذهاب الحمرة
المغربية، بل ظاهر المعتبر والمنتهى وشرح القواعد والمدارك: عدم الخلاف فيه (3)،
بل ظاهر الأولين الإجماع عليه.
لما مر بجوابها من إطلاقات المنع عن التطوع وقت الفريضة، خرج منها
الرواتب لما عدا المغرب في أوقاتها المعينة، وللمغرب إلى ذهاب الحمرة بالاتفاق،
فيبقى ما عداها.
ولعموم التعليل الوارد لتحديد نوافل الظهرين، وهو أن لا يزاحم
الفريضة، ولا حد هنا لها إلا ذهاب الحمرة.
ويظهر جوابها مما ذكر هنا وفي المسألة السابقة (4).
ولنقل الإجماع، وهو بمعزل عن الحجية، مع أن في الحدائق والمعتمد:
المناقشة في دلالته على هذا الحكم (5).

(1) الفقيه 1: 252 / 1136، التهذيب 3: 283 / 841، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35
ح 9.
(2) التهذيب 2: 167 / 661 وبسند آخر في ص 247 / 982، والاستبصار 1: 252 / 906،
الوسائل 4: 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 3.
(3) المعتبر 2: 53، المنتهى 1: 207، جامع المقاصد 2: 20، المدارك 3: 73.
(4) راجع ص 57. و 58.
(5) الحدائق 6: 223.
65

الثالثة: يمتد وقت ركعتي الوتيرة بامتداد وقت العشاء، بلا خلاف أجده،
بل عليه الاتفاق في المعتبر والمنتهى (1). ويدل عليه الأصل، وعمومات استحبابها
بعد العشاء من غير معارض (2).
ويستحب جعلها خاتمة النوافل التي يريد أن يصليها في تلك الليلة، كما
عن الشيخين (3)، لفتوى هذين الجليلين، وإلا فلا أعرف عليه دليلا آخر.
وأما حسنة زرارة: (وليكن آخر صلاتك وتر ليلتك) (4) فلا تدل عليه،
وإطلاق الوتر عليهما في بعض الأخبار لا يعين إرادته هنا، بل غايته الاحتمال الغير
المفيد في الاستدلال.
ثم الظاهر أن مرادهما جعلها خاتمة النوافل التي غير صلاة الليل وما بعدها،
لعدم تجاوز وقت العشاء عن النصف، وكونه أول وقت صلاة الليل عندهما، فلا
يمكن إثبات استحباب الختام المذكور بالنسبة إلى صلاة الليل على القول بتجاوز
وقت العشاء عن النصف، أو جواز تقديم صلاة الليل عليه بفتواهما.
الرابعة: أول وقت صلاة الليل لغير خائف الفوت نصف الليل، وله بعد
صلاة العشاء مطلقا. وفاقا للأكثر. بل على الأول (في غير المسافر (5) الإجماع
محققا، ومحكيا عن السيد والخلاف والسرائر والمعتبر والمنتهى (6)، وفي أمالي
الصدوق: أنه من دين الإمامية (7)، وهو الحجة فيه.

(1) المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208.
(2) انظر: الوسائل 4: 94 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 29.
(3) المفيد في المقنعة: 166، الطوسي في النهاية: 60.
(4) الكافي 3: 453 الصلاة ب 90 ح 12، التهذيب 2: 274 / 1087، الوسائل 8: 166 أبواب
بقية الصلوات المندوبة ب 42 ح 5.
(5) ليس في (ق) و (ه).
(6) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، الخلاف 1: 532، السرائر 1: 196 و 202
المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208.
(7) أمالي الصدوق: 514.
66

مضافا إلى مرسله الفقيه: (وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى
آخره) (1).
ومفهوم موثقة أبي بصير: (إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل، أو كانت بك
علة، أو أصابك برد، فصل صلاتك وأوتر في أول الليل) (2).
ومثلها صحيحة الحلبي، إلا أن فيها: (وكانت بك علة) وزاد في آخره:
(في السفر) (3)
المؤيدتين بغير واحد من الأخبار، المصرحة بأن النبي والولي صلوات الله
عليهما ما كانا يصليان من الليل إذا صليا العتمة شيئا حتى ينتصف الليل) (4).
وبخبر مرازم: متى أصلي صلاة الليل؟ فقال: (صلها آخر الليل) (5).
ومفهوم رواية الحسين بن علي: كتبت إليه في وقت صلاة الليل، فكتب
(عند الزوال - وهو نصفه - أفضل، فإن فات فأوله وآخره جائز) (6).
وجعل الأخيرين دليلين غير جيد، لعدم كون الأمر في الأول للوجوب،
وكون الظاهر من الفوات في الثاني هو القضاء، فالمراد - والله سبحانه أعلم - أن
الأفضل في الأداء نصف الليل، وأما القضاء فالكل جائز.
ومنطوق الموثق والصحيح هو حجة الثاني، مضافا إلى مناطيق مستفيضة
أخرى معتبرة، مؤيدة بالإجماع المحكي عن الخلاف (7)، مرخصة للتقديم في السفر

(1) الفقيه 1: 302 / 1379، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43 ح 2.
(2) التهذيب 2: 168 / 667، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب، 4 ح 2 1.
(3) الفقيه 1: 289 / 1315، التهذيب 3: 227 / 568، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44
ح 2.
(4) انظر: الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43.
(5) التهذيب 2: 335 / 1382، الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 6.
(6) التهذيب 2: 337 / 1392، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 4 4 ح 13.
(7) الخلاف 1: 537.
67

مطلقا، كرواية أبي جرير (1)، وموثقة سماعة (2)، ورواية ابن سعيد على ما في
الفقيه (3).
أو فيه مع تخوف الجنابة، أو البرد، أو العلة، أو عدم استطاعة الصلاة في
آخر الليل، كرواية الحلبي (4)، ورواية ابن سعيد على ما في التهذيب (5).
أو فيه وفي البرد، كصحيحة ليث المرادي (6)، رواية يعقوب بن سالم (7).
أو فيه، وفي المرض، بل كل شغل وضعف، كالمروي في العلل: (قال:
فإن قال: فلم جاز للمسافر والمريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل؟ قيل:
لاشتغاله وضعفه) (8) الحديث.
أو في خوف عدم الاستيقاظ لقصر الليل، كصحيحتي ليث ويعقوب
الأحمر (9).
ويظهر لك من تلك الأخبار عدم الاقتصار في تجويز التقديم على خوف
الفوت فقط، بل يجوز مع العلة والمرض والبرد وتخوف الجنابة، والاشتغال أيضا،

(1) الفقيه 1: 302 / 1384، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 6.
(2) الفقيه 1: 289 / 1317، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 5.
(3) الفقيه 1: 289 / 1316، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 4.
(4) الكافي 3: 441 الصلاة ب 87 ح 10، التهذيب 2: 168 / 664، الإستبصار 1:
280 / 1017، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ح 8.
(5) التهذيب 2: 169 / 670، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44 ذ ح 5.
(6) الفقيه 1: 302 / 1382، الوسائل 4: 249 أبواب المواقيت ب 44 ح 1.
(7) التهذيب 2: 168 / 665، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 10.
(8) علل الشرائع: 267، الوسائل 4: 250 أبواب المواقيت ب 44 ح 3.
(9) صحيحة ليث: التهذيب 2: 168 / 668، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ح 16،
صحيحة يعقوب الأحمر: التهذيب 2: 168 / 669، الوسائل 4: 254 أبواب المواقيت ب 44
ح 17.
68

فعليه الفتوى وإن اقتصر جمع على الأول خاصة (1).
خلافا في الأول للمعتمد لوالدي طاب ثراه، فجوز التقديم في أول الليل
مطلقا، ونفى عنه البعد في الذكرى والدروس (2).
لرواية سماعة: (لا بأس بصلاة الليل من أول الليل إلى آخره إلا أن أفضل
ذلك إذا انتصف الليل) (3).
وصحيحة ابن عيسى: يا سيدي، مروي عن جدك أنه قال: (لا بأس بأن
يصلي الرجل صلاة الليل في أول الليل) فكتب (في أي وقت صلى فهو جائز) (4).
ويجاب عنهما: بأنهما أعم مطلق من المفهوم المتقدم، بل من المرسلة أيضا)،
لما عرفت من اختصاصها بغير خائف الفوات، فيجب تخصيصهما بهما، مع أن
شذوذ عمومهما يمنع عن العمل به لولا التخصيص أيضا.
ولمن جوز التقديم للمسافر مطلقا، كبعضهم (5)، لما أشير إليه من
المرخصات له في السفر كذلك.
ويجاب: بوجوب تخصيصها بمفهوم صحيحة الحلبي.
وفي الثاني للمحكي عن زرارة (6)، والحلي (7)، والفاضل في طائفة من
كتبه (8)، فمنعوا عن التقديم مطلقا.

(1) لم نعثر على من اقتصر على خوف الفوت إلا ما حكي عن المحقق الثاني في حاشيته على الإرشاد،
كما في الجواهر 7: 206.
(2) الذكرى: 125، الدروس 1: 141.
(3) التهذيب 2: 337 / 1394، الوسائل 4: 252 أبواب المواقيت ب 44 ح 9.
(4) التهذيب 2: 337 / 1393، الوسائل 4: 253 أبواب المواقيت ب 44 ج 4 1.
(5) حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 74.
(6) انظر: الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 7 (رواية محمد بن مسلم) وفي ذيلها: (كان
زرارة يقول: كيف تقضى صلاة لم يدخل وقتها، إنما وقتها بعد نصف الليل).
(7) السرائر 1: 203.
(8) كالمختلف: 74، والتذكرة 1: 85.
69

لعدم جواز فعل الموقت قبل وقته.
ولظاهر صحيحة ابن وهب: إن رجلا من مواليك من صلحائهم شكا إلي
ما يلقى من النوم، فقال: إني أريد القيام بالصلاة من الليل، فيغلبني النوم حتى
أصبح، فربما قضيت صلاة الشهر المتتابع والشهرين، أصبر على [ثقله]؟ (1) قال:
(قرة عين له) ولم يرخص له في الصلاة في أول الليل، وقال: (القضاء بالنهار
أفضل) (2).
ويضعف الأول: بمنع التوقيت بالنصف على إطلاقه. والثاني: بعدم
الدلالة، إذ عدم الترخيص أعم من المنع والسكوت، مع أن في قوله: (القضاء
بالنهار أفضل) دلالة على جواز التقديم.
ولو سلمت دلالتها فمع ما مر معارضة، ولمخالفتها للأصل والشهرة
العظيمة مرجوحة.
وللعماني (3)، والصدوق (4)، فلم يجوز التقديم إلا للمسافر، لكثرة أخباره.
وجوابه ظاهر.
وللمنتهى والتذكرة، فلم يجوزاه إلا مع خوف القضاء أيضا (5)، لما في آخر
صحيحة ابن وهب: قلت: فإن من نسائنا أبكارا الجارية تحب الخير وأهله،
وتحرص على الصلاة، فيغلبها النوم حتى ربما قضت، وربما ضعفت عن قضائه،
وهي تقوى عليه في أول الليل، فرخص لهن في الصلاة أول الليل إذا ضعفن

(1) في النسخ الأربع: فعله، وما أثبتناه مرافق للمصادر.
(2) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 20، الفقيه 1: 302 / 1381، التهذيب 2: 119 / 447،
الإستبصار 1: 279 / 1015، الوسائل 4: 255 أبواب المواقيت ب 45 ح 1 و 2.
(3) حكاه عنه في المختلف: 74.
(4) الفقيه 1: 302.
(5) المنتهى 1: 212، التذكرة 1: 85.
70

وضيعن القضاء (1).
وجوابه: ما مر من أعمية عدم الترخيص المستفاد من مفهوم كلام الراوي
عن المنع.
نعم، لو كانت الرخصة في كلام الإمام مشروطا، لأفاد مفهومه عدم
الترخص الظاهر في، المنع عند انتفاء الشرط، بخلاف عدم الترخيص، فتأمل.
فروع:
أ: لا يجوز التقديم - في صورة جوازه - على الغروب، لتصريح النص
والفتوى بأول الليل.
ويجب كونها بعد صلاة العشاء، لموثقة سماعة: عن وقت صلاة الليل في
السفر، فقال: (من حين يصلي العتمة إلى أن ينفجر الصبح) (2).
واختصاصها بالمسافر - لعدم الفصل - غير ضائر.
وما روي في قرب الإسناد من المنع قبل ذهاب الثلث (3)، لا تعويل عليه،
لضعفه وعدم حجيته.
ب: لا شك في دخول الوتر في الحكم المذكور، وفي كثير من الأخبار
تنصيص عليه.
وأما ركعتا الفجر فقد يقال بدخولهما أيضا، لكونهما من صلاة الليل،
وتسميان الدساستين، لدسهما فيها.
وفيه: أن دخولهما فيها في بعض الأحكام لا يقتضي التعميم، مع أن ما دل
على أنهما من صلاة الليل يمكن أن يراد به ما يقابل صلاة النهار، كما تشهد له

(1) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 20، الفقيه 1: 302 / 1381، التهذيب 2: 119 / 447،
الإستبصار 1: 279 / 1015، الوسائل 4: 255 أبواب المواقيت ب 45 ح و 2.
(2) الفقيه 1: 289 / 1317، التهذيب 2: 227 / 577، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 44
ح 5.
(3) قرب الإسناد: 198 / 759، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 45 ح 8.
71

رواية ابن مهزيار: الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر من صلاة الليل هي أم من
صلاة النهار؟ (1) الحديث.
ج: صرح الأكثر بأنه كلما قرب الفجر كان صلاة الليل أفضل. وهو
كذلك.
لا لما ذكروه من الأخبار الدالة على أن أفضل ساعات الوتر الفجر الأول،
أو المرغبة لصلاة الليل في آخر الليل أو في السحر، أو الواردة في فضل الثلث
الأخير واستجابة الدعاء فيه (2)، لعدم دلالة شئ منها:
لاختصاص الأول بالوتر، وعدم الفرق ممنوع، بل قد يستفاد الفرق من
المدارك (3) وغير (4)، وبالفجر الأول. كاختصاص الثاني بآخر الليل، والثالث
بالسحر، والرابع بالثلث الأخير. وهو غير الكلية المطلوبة من تفاوت أجزاء
النصف الباقي (5) وترتبها في الفضل، مع أن آخر الليل - كما قيل - للنصف الأخير
محتمل.
وأيضا لا دلالة لفضل جز من الليل واستجابة الدعاء فيه على أفضلية كونه
ظرفا لصلاة الليل، مع معارضتها مع ما دل على فضيلة السدس الرابع واستجابة
الدعاء فيه بعد الصلاة، كصحيحة عمر بن يزيد (6)، ورواية السابوري (7).
ولأجلها حكم والدي - رحمه الله - في المعتمد بأفضلية إيقاع الثمان فيه والوتر في

(1) الكافي 3: 450 الصلاة ب 89 ح 35. التهذيب 2: 132 / 510 الإستبصار:
283 / 1028، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 8.
(2) انظر الوسائل 4: 271 أبواب المواقيت ب 54.
(3) المدارك 3: 77.
(4) كالدروس 1: 141.
(5) في (ق): الثاني.
(6) الكافي 3: 447 الصلاة ب 89 ح 19، التهذيب 2: 117 / 441، الوسائل 7: 69 أبواب
الدعاء 26 ح 1.
(7) التهذيب 2: 118 / 444، أمالي الطوسي: 148، الوسائل 7: 70 أبواب الدعاء ب 26 ح 3.
72

قبيل الفجر، ويظهر ضعف الاستناد إليه مما ذكر.
بل لما مر من فتاوى الأكثر، بل الإجماع المنقول في المعتبر والمنتهى وعن
الناصريات (1)، لحمل المقام المسامحة، وعدم منافاة ما مر من أفضلية آخر الليل أو
السحر لتلك الكلية.
كما لا ينافيها ولا أفضلية آخر الليل موثقة زرارة: (إنما على أحدكم إذا
انتصف الليل أن يقوم، فيصلي صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة، ثم إن شاء
جلس فدعا، وإن شاء نام، وإن شاء ذهب حيث شاء) (2) لعموم ما بعد النصف،
مع خلوها عن ذكر الأفضلية.
ولا الصحيحان المصرحان بتوزيع النبي صلى الله عليه وآله صلاة الليل على
تمام الوقت بالتثليث، فيأتي بالأربع ثم الأربع ثم الثلاث مع توسيط النومتين (3)،
لاحتمال كون التوزيع في آخر الليل، لعدم تصريح بالموزع فيه فيهما، وكون المراد
بالكلية أفضلية صلاة الليل مع ما يستحب معها من الآداب والأدعية كلما قرب
الفجر، ويمكن أن تكون النومتان منها
نعم، ما مر من رواية الحسين بن علي (4) ينافي الكلية ظاهرا، فإن ظاهرها
أفضلية إيقاع صلاة الليل عند الانتصاف.
وقد يجمع بينها وبين الكلية بحمل الأول على مريد التفريق والثاني على
مريد الجمع. وهو جمع بلا شاهد.

(1) المعتبر 2: 54، المنتهى 1: 208، الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.
(2) التهذيب 2: 137 / 533، الإستبصار 1: 349 / 1320، الوسائل 6: 495 أبواب التعقيب
ب 35 ح 2.
(3) صحيحة ابن وهب: التهذيب 2: 334 / 1377، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1،
صحيحة الحلبي: الكافي 3: 445 الصلاة ب 89 ح 13، الوسائل 4: 270 أبواب المواقيت
ب 53 ح 2.
(4) راجع ص 67.
73

ولو جمع بحمل الكلية وما دل على فضيلة الآخر على أفضلية وقت صلاة
الليل من حيث هي، وحمل ما دل على فضيلة نصف الليل وما بمعناه، كمرسلة
الفقيه في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله: (فإذا زال نصف الليل صلى
ثماني ركعات، وأوتر في الربع الأخير من الليل بثلاث ركعات) (1) على الأفضلية
باعتبار إرادة الاشتغال بمتمماتها، وتعقيباتها، والنومتين، والسواك، وغيرها، كان
جمعا حسنا، يشهد له ذيل رواية المروزي: (ومن أراد أن يصلي صلاة الليل في
نصف الليل فيطول، فذلك له) (2).
د: قضاء صلاة الليل والوتر أفضل من أن يقدم لمن يجوز له التقديم، اتفاقا
فتوى ونصا، ومنه - مضافا إلى ما مر من صحيحة ابن وهب (3) - صحيحة محمد:
الرجل من أمره القيام بالليل، فتمضي عليه الليلة والليلتان والثلاث لا يقوم،
فيقضي أحب إليك أم يعجل الوتر أول الليل؟ قال: (لا، بل يقضي وإن كان
ثلاثين ليلة) (4) وغير ذلك.
الخامسة: تجوز صلاة الليل بعد الفجر قبل الفريضة، وفاقا للمحكي عن
الصدوق والتهذيب والمعتبر (5)، وفي المدارك والمنتقى والذخيرة والمفاتيح (6)
والمعتمد، إما مطلقا، كبعض من ذكر (7)، أو بشرط عدم اتخاذ ذلك عادة،
كأكثرهم.

(1) الفقيه 1: 146 / 678، الوسائل 4: 61 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 14 ح 6.
(2) الكافي 3: 283 الصلاة ب 7 ح 6، التهذيب 2: 118 / 445، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت
ب 43 ح 5.
(3) راجع ص 70.
(4) التهذيب 2: 338 / 1295، الوسائل 4: 256 أبواب المواقيت ب 45 ح 5.
(5) الصدوق في المقنع: 41، التهذيب 2: 339، المعتبر 2: 60.
(6) المدارك 3: 84، منتقى الجمان 1: 449، الذخيرة: 200، المفاتيح 1: 93.
(7) وهو المعتبر والمدارك.
74

لإطلاقات فعل النافلة متى شاء.
وصحيحة ابن عيسى، المتقدمة في المسألة السابقة، في خصوص صلاة
الليل (1)
وخصوص صحيحتي عمر بن يزيد:
الأولى: عن صلاة الليل والوتر بعد طلوع الفجر، فقال: (صلها بعد
الفجر حتى يكون في وقت تصلي الغداة في آخر وقتها، ولا تعمد ذلك في كل ليلة)
وقال: (أوتر أيضا بعد فراغك منها) (2).
والثانية: أقوم وقد طلع الفجر، فإن أنا بدأت بالفجر صليتها في أول
وقتها، وإن بدأت بصلاة الليل والوتر صليت الفجر في وقت هؤلاء. فقال: (ابدأ
بصلاة الليل والوتر ولا تجعل ذلك عادة) (3).
وصحيحة سليمان: قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (ربما قمت وقد
طلع الفجر وأصلي بصلاة الليل والوتر والركعتين قبل الفجر، ثم أصلي الفجر)
قال: قلت: أفعل أنا ذا؟ قال: (نعم، ولا يكون منك عادة) (4).
ورواية إسحاق: أقوم وقد طلع الفجر ولم أصل صلاة الليل، فقال: (صل
صلاة الليل والوتر وصل ركعتي الفجر) (5).
وصحيحتي إسماعيل بن سعد، وابن سنان:

(1) راجع ص 69.
(2) التهذيب 2: 126 / 480، الإستبصار 1: 282 / 1024، الوسائل 4: 1 26 أبواب المواقيت
ب 48 ح 1.
(3) التهذيب 2: 126 / 477، الإستبصار 1: 281 / 1022، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت
ب 48 ح 5.
(4) التهذيب 2: 339 / 1403، الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48 ح 3.
(5) التهذيب 2: 126 / 478 الإستبصار 1: 281 / 1023، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت
ب 48 ح 6.
75

الأولى، وفيها: سألته عن الوتر بعد فجر الصبح، قال: (نعم، قد كان
أبي ربما أوتر بعدما انفجر الصبح) (1).
والثانية: (إذا قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالوتر، ثم صل الركعتين، ثم
صل الركعات إذا أصبحت) (2).
واحتمال إرادة الفجر الأول في كثير منها غير ممكن، وفي بعض آخر بعيد
مخالف للظاهر.
خلافا للمشهور، فقالوا بفوات وقت النافلة الليلية عدا ركعتي الفجر
بطلوع الفجر.
للمستفيضة المانعة عن التطوع وقت الفريضة (3).
والروايات الدالة على أن وقت ركعتي الفجر - اللتين وقتهما بعد صلاة
الليل - قبل الفجر (4).
وصحيحة زرارة الآتية، المانعة من فعل ركعتي الفجر بعده، معللا بأنهما
من صلاة الليل (5).
وصحيحة سعد بن سعد: عن الرجل يكون في بيته وهو يصلي وهو يرى أن
عليه ليلا، ثم يدخل عليه الآخر من الباب، فقال: قد أصبحت، هل يعيد الوتر
أم لا؟ أو يعيد شيئا من صلاته؟ قال: (يعيد إن صلاها مصبحا) (6).
والأخبار الدالة على أن آخر الليل آخر وقت صلاة الليل، كمرسلة

(1) التهذيب 2: 339 / 1401، الوسائل 4: 261 أبواب المواقيت ب 48 ح 2.
(2) التهذيب 2: 340 / 1407، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت ب 6 4 ح 9.
(3) انظر: الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35.
(4) انظر: الوسائل 4: 263 أبواب المواقيت ب 50.
(5) انظر: ص 86.
(6) التهذيب 2: 339 / 1404، الإستبصار 1: 292 / 1070، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت
ب 6 4 ح 7.
76

الفقيه (1)، ورواية سماعة، المتقدمة (2)، والمستفيضة المتضمنة لمثل قوله: (وثمان
ركعات في آخر الليل والسحر) (3).
وصحيحة إسماعيل بن جابر: أوتر بعد ما يطلع الفجر؟ فقال: (لا) (4)
والمنع عن الإيتار يستلزم المنع عن غيره بالأولوية والإجماع المركب.
ورواية المفضل وفيها: (وإذا أنت قمت وقد طلع الفجر فابدأ بالفريضة ولا
تصل غيرها) (5)
ومفهوم رواية مؤمن الطاق: (إذا كنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل
قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة، طلع أم لم يطلع) (6).
وتؤيده الإضافة إلى الليل المشعرة بوجوب إيقاعها فيه.
ويجاب عن الأولين: بمعارضتهما مع المستفيضة بل المتواترة، المجوزة
للتطوع وقت الفريضة (7)، وفعل ركعتي الفجر بعد الصبح (8)، الراجحة على المانعة.
ومنه يظهر جواب الثالث أيضا.
وعن الرابع: بأن غايته استحباب الإعادة، وهو لا يثبت بطلان الأول،
كما في ركعتي الفجر إذا نام بعدهما قبل الصبح (9).

(1) الفقيه 1: 302 / 1379، الوسائل 4: 248 أبواب المواقيت ب 43 ح 2.
(2) في ص 69.
(3) انظر: الوسائل 4: 45 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13.
(4) التهذيب 2: 26 1 / 479، الإستبصار 1: 281 / 1 102، الوسائل 4: 259 أبواب المواقيت
ب 46 ح 6.
(5) التهذيب 2: 339 / 1402، الوسائل 4: 262 أبواب المواقيت ب 48 ح 4.
(6) التهذيب 2: 125 / 475، الإستبصار 1: 282 / 1025، الوسائل 4: 260 أبواب المواقيت
ب 47 ح 1.
(7) انظر: الوسائل 4: 1 23 أبواب المواقيت ب 37.
(8) انظر: الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 2 5.
(9) كما في موثقة زرارة: الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 9.
77

وعن البواقي: بأعميتها من أخبار الجواز، لعمومها بالنسبة إلى تضيق وقت
الفريضة وعدمه، واختصاص الجواز بالأول (1) إجماعا، وبالنسبة إلى جعل ذلك
عادة وعدمه، واختصاص روايات الجواز بالثاني. وذلك وإن تعارض اختصاص
أخبار المنع بمن لم يدرك أربعا وبالأداء، وعموم أدلة الجواز بالنسبة إليهما، ولكن
به يحصل العموم من وجه بين الصنفين، ولعدم الترجيح يرجع إلى الأصل،
وإطلاقات التطوع.
وترجيح المانع بالشهرة والاستفاضة القريبة من التواتر، مردود: بعدم
صلاحية الشهرة في الفتوى للترجيح، سيما مع مطابقة المخالف لفتاوى جمع من
الأعيان (2). والاستفاضة التي هي الشهرة في الرواية حاصلة في الطرفين، بل في
طرف الجواز أكثر.
هذا، مع عدم صراحة دلالة أكثر البواقي أيضا، لعدم إفادة رواية سماعة
للتوقيت أصلا، وصحيحة ابن جابر للحرمة (3)، ولا نفي الاستحباب، لجواز
إرادة المرجوحية الإضافية.
وكذا رواية مؤمن الطاق، لأن الأمر بالإتمام في منطوقها ليس للوجوب الذي
هو حقيقته قطعا، ومجازه كما يمكن أن يكون الاستحباب الذي لا يجتمع انتفاؤه
المدلول عليه بالمفهوم مع مشروعية العبادة، يمكن أن يكون الراجحية الإضافية
بالنسبة إلى التأخير، وانتفاؤها للمشروعية غير مناف.
ومع ذلك كله حمل المنع على الاستحباب بقرينة أخبار الجواز ممكن،
فترجيح ما اخترناه من الجواز واضح، إلا أنه على ما نختاره من جواز التطوع وقت
الفريضة مطلقا وعدم اشتراط نية الأداء والقضاء لا يترتب كثير فائدة على ذلك

(1) كذا.
(2) راجع ص 74.
(3) مع أن الأولوية المدعاة في صحيحة ابن جابر والإجماع المركب فيها محلان للمنع. منه رحمه الله
تعالى.
78

الخلاف.
فروع:
أ: المراد بالفجر الذي هو محل النزاع هو الثاني، عند الأكثر، لصدق الليل
على ما قبله - وإن طلع الأول - لغة وشرعا وعرفا، ولأنه المتبادر. وخالف فيه
شاذ (1)، لوجه ضعيف.
ب: هل الأفضل - على القول بالجواز - البدأة بالفريضة بعد الطلوع، أو
بصلاة الليل؟ الظاهر الأول، لأخبار فضيلة أول الوقت.
ج: لو تلبس من صلاة الليل بأربع فطلع الصبح، كان الأفضل إتمامها،
بلا خلاف أجده، وفي المدارك: إنه مذهب الأصحاب (2).
لخبر مؤمن الطاق المتقدم (3)، المنجبر ضعفه - لو كان - بالعمل، وصدر خبر
المفضل السابق بعضه (4).
ولا ينافيهما ما في رواية يعقوب: أقوم قبل الفجر بقليل، فأصلي أربع
ركعات، ثم أتخوف أن ينفجر الفجر، أبدأ بالوتر أو أتم الركعات؟ قال: (لا، بل
أوتر وأخر الركعات حتى تقضيها في صدر النهار) (5).
لأن موردهما الذي هو المسألة أن طلع الفجر بعد التلبس بالأربع، فيصير
الأمر دائرا بين الإتمام والتلبس بالفريضة، وموردها أن خشي الطلوع بعده، فيصير
دائرا بين إتمام الثمان والإيتار، لعدم سعة الوقت بزعمه، فأمر عليه السلام بتقديم

(1) حكاه عن السيد المرتضى في المختلف: 71.
(2) المدارك 3: 82.
(3) في ص 77.
(4) صدره هكذا: (أقوم وأشك في الفجر، فقال: صل على شكك فإذا طلع الفجر فأوتر وصل
الركعتين). وقد تقدم بعضه في ص 75.
(5) التهذيب 2: 125 / 476، الإستبصار 1: 282 / 1026، الوسائل 4: 260 أبواب المواقيت
ب 47 ح 2.
79

الوتر ليدركه في أحب ساعاته، ونحن أيضا نقول به.
وأما قوله: (تقضيها في صدر النهار) فيمكن أن يكون المراد منه: تفعلها
أول طلوع الفجر، أو يكون القضاء بالمعنى المصطلح، باعتبار وقوع الثمان بعد
الوتر.
ثم إنه قد ذكر جماعة هنا أيضا التخفيف (1). ولا بأس به، لفتواهم.
ويمكن إثباته برواية أبي بصير، المتقدمة في المسألة الأولى (2).
وقد يؤيد برواية [إسماعيل بن جابر أو عبد الله بن سنان] (3): إني أقوم آخر الليل وأخاف الصبح، قال: (اقرأ الحمد واعجل) (4).
وفيه نظر (5).
والظاهر اختصاص الحكم بما إذا كان أتم الأربع، بأن يفرغ من ركوع
الرابعة بل من سجدتيها، لأنه مورد الخبر، فلا يتم في الأقل، إلا أن يثبت في
الأثناء أيضا بالنهي عن إبطال العمل.
د: لو تنبه في وقت لا يسع الأربع، فهل يجوز له الاكتفاء بما دونها وترك
الباقي؟ أو تنبه في وقت لا يسع التمام إلى ظهور الحمرة أو تضيق الفريضة - على
الخلاف - فهل يجوز الاتيان بما يسع؟ الظاهر لا، لعدم التوقيف.
ومنه يظهر عدم جواز الاقتصار ببعض الركعات عمدا، وكذا في جميع

(1) كما في الشرائع 1: 62، الدروس 1: 141، الحدائق 6: 233.
(2) راجع ص 61.
(3) في (ح): محمد بن يعقوب، وفي النسخ المخطوطة يوجد بياض موضع اسم الراوي، وما ضبطنا.
موافق للمصادر.
(4) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 27، التهذيب 2: 124 / 473، الإستبصار 1:
280 / 1019، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 1.
(5) لجواز أن يكون الأمر بالتعجيل لوقوع مجموع صلاة الليل في وقتها الأفضل، ولا كذلك بعد
خروجه منه رحمه الله تعالى.
80

النوافل اليومية وغيرها مما له عدد خاص، بل الظاهر عدم جواز الاقتصار على أداء
البعض وقضاء الباقي، بل يرد الإشكال في قضاء الباقي إذا ظن السعة فلم يسع
التمام.
ه‍: المستفاد من الروايات الموافق لفتوى جماعة أنه إذا ضاق الوقت إلا عن
الوتر وركعتي الفجر فالأفضل تقديم ذلك على صلاة الليل (1)، ففي صحيحة
محمد: عن الرجل يقوم من آخر الليل، وهو يخشى أن فاجأه الصبح، ابتدأ بالوتر
أو يصلي الصلاة على وجهها حتى يكون الوتر آخر ذلك؟ قال: (بل يبدأ بالوتر)
وقال: (أنا كنت فاعلا ذلك) (2).
وصحيحة ابن وهب: (أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح، ويوتر،
ويصلي ركعتي الفجر، ويكتب له بصلاة الليل؟) (3).
ثم لو انكشف بقاء الليل بعد فعل الوتر خاصة، فالظاهر من الأخبار تخييره
بين الاعتداد بالوتر بما فعل، ويصلي بعده صلاة الليل، وبين جعل وتره من صلاة
الليل ويضيف إليه ما يتمها، ثم يوتر بعدها. ولو كان الانكشاف بعد ركعتي
الفجر يحسبهما من الليلية، ويضيف إليها ست ركعات، ويعيد الفجرية.
السادسة: أول وقت ركعتي الفجر لمن صلى صلاة الليل والوتر: الفراغ
منها، ولو في أول الليل فيما يجوز تقديمها، على الأشهر الأظهر، بل عن ظاهر
الغنية والسرائر: الإجماع عليه (4).
للمستفيضة الدالة على أنهما من صلاة الليل، والآمرة بحشوهما فيها (5)،

(1) كما في المبسوط 1: 131، والمفاتيح 1: 33، والحدائق 6: 238.
(2) الكافي 3: 449 الصلاة ب 89 ح 28، التهذيب 2: 125 / 447، الإستبصار 1:
281 / 1020، الوسائل 4: 257 أبواب المواقيت ب 46 ح 2، بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 2: 337 / 1391، الوسائل 4: 258 أبواب المواقيت ب 46 ح 3.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، السرائر 1: 195 و 196.
(5) انظر: الوسائل 4: 263 أبواب المواقيت ب 50.
81

وإطلاق المعتبرة المرخصة لفعلهما قبل الفجر ومعه وبعده (1)، والمجوزة لفعلهما بعد
انتصاف الليل، كصحيحة زرارة، وفيها: (وبعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة
ركعة، منها الوتر، ومنها ركعتا الفجر، (2). وموثقته المتقدمة في المسألة الرابعة (3)،
وقبل النصف مع العذر، كرواية أبي جرير: (صل صلاة الليل في السفر من أول
الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر) (4).
ولمن لم يصلها: الليل مطلقا ولو في أوله وإن لم يخف الفوت، لظاهر
الإطلاقات المرخصة لفعلها قبل الفجر الثاني بلا معارض. وتخصيصه بما يقرب
منه خلاف الأصل، وتوقيتهما بما بعد النصف في بعض الأخبار إنما هو مع صلاة
الليل والوتر (5).
خلافا للمحكي عن السيد والمبسوط والمراسم والشرائع والإرشاد
والقواعد (6)، فذهبوا إلى أن أول وقتهما طلوع الفجر الأول، وإن جوز في الثلاثة
الأخيرة فعلهما قبله، ولكن الظاهر منها أنه من باب الرخصة في التقديم دون
الوقتية.
لصحيت (البجلي) (7): (صلهما بعد ما طلع الفجر) (8). وقريبة منها رواية

(1) انظر: الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت ب 52.
(2) التهذيب 2: 262 / 1045، الإستبصار 1: 269 / 973، الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت
ب 10 ح 3.
(3) راجع ص 73.
(4) الفقيه 1: 302 / 1384، الوسائل 4: 251 أبواب المواقيت ب 4 4 ح 6.
(5) كما في صحيحة زرارة المتقدمة.
(6) حكاه عن السيد في المختلف: 71، المبسوط 1: 76، المراسم: 81، الشرائع 1: 63، الإرشاد 1:
223، القواعد 1: 24.
(7) في النسخ: الحلبي، والصواب ما في المتن، لأن المضبوط في المصادر: عبد الرحمان بن الحجاج،
وهو البجلي كما يظهر من الكتب الرجالية.
(8) التهذيب 2: 134 / 523، الإستبصار 1: 284 / 1040، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت
ب 51 ح 5.
82

يعقوب (1).
ويضعفان: بالإجمال من جهة مرجع الضمير، المحتمل كونه صلاة
الصبح، بل هي الظاهر، لإطلاق الفجر المتبادر منه الثاني.
ومنة يظهر تضعيف آخر لهما، إذ ليس الفجر الثاني أول وقتهما إجماعا،
وطرق المجازات كثيرة، مع أن الأمر فيهما ليس للوجوب الذي هو حقيقته قطعا،
فمجازه يمكن أن يكون الرخصة، فلا تنافيان المجوزة لفعلهما قبل الفجر.
ولظاهر الإسكافي، فجعل أولهما أول السدس الأخير (2)، ولعله لخبر محمد:
عن أول وقت ركعتي الفجر، فقال: (سدس الليل الباقي) (3)
ولضعفه سندا، ومخالفته لشهرة القدماء، وعمل صاحب الأصل لا يصلح
للحجية، فيحمل على الأفضل، كما هو من كلام الإسكافي محتمل.
فروع:
أ: الأفضل تأخيرهما إلى طلوع الفجر الأول، للخروج عن شبهة الخلاف.
لا لصحيحة البجلي، السابقة، لما سبق.
ولا للأخبار الدالة على أن أفضل أوقات الوتر بعد ذلك (4)، وهما مترتبان
عليه، لأنه لا يدل على أنه أفضل أوقاتهما من حيث نفسهما أيضا، مع عدم الجريان
فيمن لا يريد صلاة الوتر.
ولا لصحيحة حماد: (ربما صليتهما وعلي ليل، فإن قمت ولم يطلع الفجر

(1) التهذيب 2: 134 / 521 الإستبصار 1: 284 / 1038، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51
ح 6.
(2) حكاه عنه في المختلف: 71.
(3) التهذيب 2: 133 / 515، الإستبصار 1: 283 / 1033، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت
ب 50 ح 5.
(4) انظر: الوسائل 4: 271 أبواب المواقيت ب 54.
83

أعدتهما) (1) وفي بعض النسخ: (نمت) مقام (قمت).
وموثقة زرارة: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (إني لأصلي صلاة
الليل فأفرغ من صلاتي وأصلي ركعتين وأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر، فإن
استيقظت عند الفجر أعدتهما) (1).
لأن الإعادة فيهما لعلهما لتوسيط النوم، بل صرح بعض المتأخرين بأنها
مخصوصة بمن نام بعدهما (3)، مع أنه لا تصريح فيهما بكون الإعادة بعد الفجر
الأول قبل الثاني، كما هو المدعى.
ب: لا يلزم كون الركعتين منضمتين مع صلاة الليل، بل يجوز فعلهما
بدونها، للأصل، والإطلاقات.
نعم من يصلي الجميع يلزم عليه الترتيب، فيؤخرهما عن الوتر، بلا خلاف
أجده، بل ظاهر بعضهم عدم الخلاف فيه (4).
وتدل عليه رواية أبي بصير، وفيها: (ومن السحر ثمان ركعات، ثم يوتر،
والوتر ثلاث ركعات مفصولة، ثم ركعتان قبل صلاة الفجر) (5). وبمضمونها موثقة
سليمان (6).
ج: عن الشيخ وجماعة: استحباب إعادة الركعتين بعد الفجر الأول لو

(1) التهذيب 2: 135 / 527، الإستبصار 1: 285 / 1044، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت
ب 51 ح 8.
(2) التهذيب 2: 135 / 528، الإستبصار 1: 285 / 1045، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت
ب 51 ح 9.
(3) كما في كشف اللثام 1: 162، والحدائق 6: 253.
(4) قال في المعتبر 2 ص 55: أما أنهما بعد الوتر فهو مذهب أهل العلم.
(5) التهذيب 2: 6 / 11، الإستبصار 1: 219 / 777، الوسائل 4: 59 أبواب أعداد الفرائض
ونوافلها ب 14 ح 2.
(6) التهذيب 2: 5 / 8، الوسائل 4: 51 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 13 ح 16.
84

صلاهما قبله (1). ولم أعثر على مستندهم، ولعل فتواهم - مع الخروج عن خلاف
الشيخ والسيد - كاف في المستند له.
وأما الصحيحة والموثقة المتقدمتان فغير صالحتين له، لأن ظاهرهما
الاختصاص بالنوم بعدهما لا مطلقا.
نعم الحكم بذلك أيضا حسن لذلك.
د: يكره النوم بعد صلاة الليل وقبل الصبح، لرواية سليمان المروزي:
(إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر، ولكن ضجعة بلا نوم، فإن صاحبه لا يحمد
على ما قدم من صلاته) (2).
ولا تنافيه الموثقة السابقة، المصرحة بنوم الإمام بعدها (3)، لأنهم قد يفعلون
المكروه لبيان الجواز.
والظاهر أن المراد بصلاة الليل - المكروه بعدها النوم - هو ثلاث عشرة ركعة
أو إحدى عشر، لما مر من استحباب توسيط النوم بين الثمان والوتر.
السابعة: آخر وقت الركعتين ظهور الحمرة المشرقية، والإسفار، على
المختار الأشهر، سيما عند من تأخر، بل ظاهر الغنية والسرائر: الإجماع عليه (4)،
لمرسلة إسحاق، المتممة دلالتها - لو كان فيها قصور - بالإجماع المركب: (وصل
الركعتين ما بينك وبين أن يكون الضوء حذاء رأسك، فإن كان بعد ذلك فابدأ
بالفجر) (5).

(1) الشيخ في الإستبصار 1: 285، والمحقق في المعتبر 2: 56، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 38،
والفيض في المفاتيح 1: 93.
(2) التهذيب 2: 137 / 534، الإستبصار 1: 1319 / 349، الوسائل 6: 495، أبواب التعقيب
ب 35 ح 1.
(3) راجع ص 84.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، السرائر 1: 195 و 196.
(5) التهذيب 2: 134 / 524، الإستبصار 1: 284 / 1041، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت
ب 51 ح 7.
85

وتؤيده صحيحة علي بن يقطين: عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر
وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر، أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال: (يؤخرهما) (1).
خلافا للمحكي عن الإسكافي (2)، والشيخ في كتابه لحديث (3)، فقالا:
طلوع الفجر الثاني. واختاره في الحدائق (4).
لعدم جواز النافلة وقت الفريضة، ورواية المفضل، المتقدمة في المسألة
الخامسة (5).
وخصوص صحيحة زرارة: عن ركعتي الفجر، قبل الفجر أو بعد الفجر؟
فقال: (قبل الفجر، إنهما من صلاة الليل، ثلاث عشره ركعة صلاة الليل) (6)
الحديث. وسائر ما دل على أنهما من صلاة الليل، وأمر بحشوهما فيها.
وحسنته: الركعتان قبل الغداة أين موضعهما؟ قال: (قبل طلوع الفجر،
فإذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة) (7)
ويرد - بعد رد الأول بالمنع كما مر (8) - بمعارضة تلك الأخبار مع أكثر منها
وأشهر، كصحيحة سليمان، المتقدمة في الخامسة (9).

(1) التهذيب 2: 340 / 1409، الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51. ح 1
(2) حكاه عنه في الحدائق 6: 240.
(3) التهذيب 2: 6، الإستبصار 1: 284.
(4) الحدائق 6: 240.
(5) راجع ص 77.
(6) التهذيب 2: 133 / 513، الإستبصار 1: 283 / 1031، الوسائل 4: 264 أبواب المواقيت
ب 50 ح 3.
(7) الكافي 3: 448 الصلاة ب 89 ح 25، التهذيب 2: 132 / 509، الإستبصار 1:
282 / 1027، الوسائل 4: 265 أبواب المواقيت ب 50 ح 7.
(8) راجع ص 77.
(9) راجع ص 75.
86

وصحيحة إسحاق: عن الركعتين اللتين قبل الفجر، قال: (قبيل الفجر،
ومعه، وبعده) قلت: ومتى أدعهما؟ قال: (إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة) (1).
ورواية ابن أبي العلاء: الرجل يقوم وقد نور بالغداة، قال: (فليصل
السجدتين اللتين قبل الغداة، ثم ليصل الغداة) (2).
وصحيحة محمد: (صل ركعتي الفجر قبل الفجر، ومعه، وبعده) (3).
وقريبة منها: صحيحة أخرى له (4)، وروايته (5)، وصحيحة ابن أبي
يعفور (6)، ومرسلة الفقيه (7).
واحتمال، إرادة الفجر الأول منها - كما قيل (8) - مردود بمنعه، لتبادر الثاني
من مطلقه، فهو حقيقته التي يجب الحمل عليها، مع عدم إمكانه في الثلاثة
الأولى.
وردها بمرجوحيتها بالنسبة إلى الأخبار الأولى، لموافقتها لمذهب كثير من
العامة، على ما ذكره جماعة من أنهما لا تصليان إلا بعد طلوع الفجر الثاني (9)،

(1) التهذيب 2: 340 / 1408، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 52 ح 5.
(2) التهذيب 2: 135 / 525 الإستبصار 1: 285 / 1042، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 4.
(3) التهذيب 2: 133 / 518، الإستبصار 1:، 284 / 1035، الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت
ب 52 ح 1.
(4) التهذيب 2: 134 / 522، الإستبصار 1:، 284 / 1039، الوسائل 4: 268 أبواب المواقيت
ب 52 ح 3.
(5) التهذيب 2:، 134 / 520، الإستبصار 1:، 284 / 1037، الوسائل،: 269 أبواب المواقيت
ب 52 ح 4.
(6) التهذيب 2: 134 / 519، الإستبصار 1:، 284 / 1036، الوسائل،: 268 أبواب المواقيت
ب 52 ح 2.
(7) الفقيه 1: 313 / 1422، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 52 ح 6.
(8) أنظر المعتبر 2: 56.
(9) انظر: البحار 80: 73، الحدائق 6: 245.
87

وتدل عليه رواياتهم (1)، وتصرح به رواية أبي بصير: متى أصلي ركعتي الفجر؟
قال: فقال لي: (بعد طلوع الفجر) قلت له: إن أبا جعفر عليه السلام أمرني أن
أصليهما قبل طلوع الفجر، فقال: (يا أبا محمد إن الشيعة أتوا أبي مسترشدين،
فأفتاهم بمر الحق، وأتوني شكاكا فأفتيتهم بالتقية) (2)..
ضعيف، لأن مذهبهم - كما صرحوا به - تحتم بعد الفجر، وعدم جواز
فعلهما قبله ولا معه، والأخبار الأولى أباحت الجميع، فالكل لمذهبهم مخالف
. وإرادة تقية السائل في فعلهما بعده، بعيد غاية البعد، فيبقى الأصل - الذي هو المرجع - مع الأولى، مع إمكان ترجيحها بالخصوصية، حيث إنها مختصة بما لم
تظهر الحمرة أو لم تتضيق الفريضة، ونفي وقتية البعد في الأخبار الثانية أعم منها.
ولمحتمل الشرائع (3)، ومستقرب الذكرى (4)، ومختار المعتمد، فيمتد وقتهما
إلى وقت الفريضة، لعمومات التوسعة في النوافل كما مر (5).
ورواية فعل النبي صلى الله عليه وآله لهما قبل الغداة في قضاء الغداة (6)،
فالأداء أولى.
وصحيحة سليمان بن خالد: عن الركعتين اللتين قبل الفجر، قال:
(تتركهما حين تترك الغداة) (7).

(1) كما ورد عن حفصة أن رسول الله صلى عليه وآله كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر يصلي
الركعتين (انظر: مسند أحمد 6: 284) منه رحمه الله تعالى.
(2) التهذيب 2: 135 / 526، الإستبصار 1: 285 / 1043، الوسائل 4: 264 أبواب المواقيت
ب 50 ح 2.
(3) الشرائع 1: 63.
(4) الذكرى: 126.
(5) أنظر الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.
(6) الذكرى: 134، وعنه في الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
(7) التهذيب 2: 133 / 514، الوسائل 4: 266 أبواب المواقيت ب 51 ح 2
88

وفي الذكرى: إن بخط الشيخ: تركعهما، بدل تتركهما (1).
وفي بعض النسخ: حين تنزل الغداة، من النزول.
وفي رواية أخرى: حين تنور (2).
ويضعف الأول: بعمومه الذي لا يفيد مع ما مر من المخصص. والثاني:
بمنع الأولوية جدا. والثالث: باختلاف النسخ الموجب لاختلاف المعنى، وعدم
إفادته للمطلوب على بعض النسخ.

(1) الذكرى: 126.
(2) الإستبصار 1: 283 / 1032، الوسائل 4: 267 أبواب المواقيت ب 51 ح 3.
89

الفصل الثاني:
في أحكام المواقيت وسائر ما يتعلق بها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا بد في شرعية الصلاة الموقتة من العلم بدخول وقتها، فلا
يجزئ غيره ولو كان ظنا، لأصالة عدم مشروعيتها، وعدم دخول وقتها، وعدم
جواز اتباع غير العلم، وعدم حصول الشرط، واستصحاب الشغل والوقت
السابق.
والمستفيضة من الأخبار، كرواية علي: في الرجل يسمع الأذان، فيصلي
الفجر، ولا يدري أطلع الفجر أم لا، غير أنه لمكان الأذان يظن أنه طلع، فقال:
(لا يجزئه حتى يعلم أنه طلع) (1).
ورواية ابن مهزيار: قد اختلف موالوك في صلاة الفجر، إلى أن قال:
فكتب عليه السلام (فلا تصل في سفر ولا حضر حتى تبينه) (2).
ومرفوعة ابن عيسى: (فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر) (3).
والمروي في السرائر: (فإذا استيقنت أنها قد زالت فصل الفريضة) (4).
ومع ذلك فهو في غير ما يأتي استثناؤه إجماعي، كما صرح به جماعة (5). وكلام

(1) الذكرى: 129، وعنه في الوسائل،: 280 أبواب المواقيت ب 58 ح 4.
(2) الكافي 3: 282 الصلاة ب 7 ح 1، التهذيب 2: 36 / 115، الإستبصار 1: 274 / 994،
الوسائل،: 210 أبواب المواقيت ب 27 ح 4.
(3) التهذيب 2: 27 / 75، الوسائل 4: 162 أبواب المواقيت ب 11 ح 1.
(4) مستطرفات السرائر: 30 / 22، الوسائل 4: 279 أبواب المواقيت ب 58 ح 1.
(5) كالأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 52، والفيض في المفاتيح 1: 95، والفاضل الهندي في كشف
اللثام 1: 164.
90

[النهاية] (1) وإن أشعر بكفاية الظن مطلقا، إلا أن إرجاعه إلى مذهب الأصحاب
ممكن (2).
ثم من المستثنيات في المشهور غير المتمكن من العلم في الحال وإن أمكنه
العلم بالصبر إلى أن يتيقن بالوقت، بل نسب إلى التنقيح دعوى الإجماع عليه (3).
وفي النسبة كلام (4).
واستندوا في استثنائه إلى المعتبرة الآتية، المعتبرة للمظنة الحاصلة من الأذان
وصياح الديوك (5)، بحملها على عدم التمكن جمعا.
والمستفيضة المجوزة للإفطار عن ظن الغروب (6)، لعدم القول بالفرق.
وموثقة بكير: ربما صليت الظهر في يوم غيم، فانجلت، فوجدتني صليت
حين زوال النهار، فقال: (لا تعد ولا تعد) (7).
وخبر إسماعيل بن رباح: (إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت (ولم يدخل
الوقت) فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك) (8) فإن قوله: (وأنت

(1) في النسخ: نهاية الإحكام، وما أثبتناه هو الصواب، لأن الكلام المذكور يوجد في النهاية للشيخ،
لا في نهاية الإحكام للعلامة، وقد ذكر رحمه الله نصه في الهامش.
(2) قال الشيخ في النهاية: لا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلا بعد حصول العلم بدخول وقتها،
أو يغلب على ظنه ذلك. (النهاية: 62) والإرجاع بأن يجعل لفظة أو لبيان الأفراد. منه رحمه الله
تعالى.
(3) التنقيح الرائع 1: 171.
(4) فإنه ادعى الإجماع على الكبرى وهو العمل بالظن مع تعذر العلم، ثم قال: وهو الفرض هنا، مع
أنه رد العمل بالظن حينئذ. منه رحمه الله تعالى.
(5) انظر: ص 95 - 97.
(6) انظر: الوسائل 4: 172 أبواب المواقيت ب 16.
(7) التهذيب 2: 246 / 979، الإستبصار 1: 252 / 903، مستطرفات السرائر: 137 / 5،
الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 16.
(8) الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 11، الفقيه 1: 143 / 666 التهذيب 2: 141 / 550،
الوسائل 4: 206 أبواب المواقيت ب 25 ح 1، وما بين المعقوفين من المصدر.
91

ترى) ظاهر في الظن.
ورواية سماعة: عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا
النجوم، قال: (اجتهد برأيك وتعمد القبلة جهدك) (1).
وصحيحة زرارة: (وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيت بعد ذلك وقد
صليت فأعد الصلاة ومضى صومك) (2). فإنها ظاهرة في صورة الظن) لأنها التي تتصور معها الرؤية بعدها، ومفهومها: أنه إن لم يره بعد ذلك تكون صلاته
صحيحة، ومعلوم أن عدم الرؤية لا يجعل ظنه علما.
ومفهوم المروي في تفسير النعماني: (إن الله عز وجل إذا حجب عن عباده
عين الشمس التي جعلها الله دليلا على أوقات الصلاة فموسع عليهم تأخير
الصلاة، ليتبين لهم الوقت وليستيقنوا أنها قد زالت) (3)
هذا كله مضافا إلى أن مع بقاء التكليف وعدم التمكن من العلم لا مناص
عن العمل بالظن.
ويضعف الأول: بأن تلك المعتبرة مع تسليمها لا تثبت إلا مواردها من غير
تقييد بعدم التمكن من العلم، وأما التقييد به ثم التعدي إلى كل ظن فلا، والقول
باعتبار موردها مطلقا موجود (4)، بل قيل: لو ثبت اعتباره فيكون من العلم (5)،
مع أن الجمع بهذا الطريق يتوقف على الشاهد، وهو مفقود، وغيره ممكن.

(1) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 1، التهذيب 2: 46 / 147، الإستبصار 1: 295 / 1089،
الوسائل 4: 308 أبواب القبلة ب 6 ح 2.
(2) الكافي 3: 279 الصلاة ب 6 ح 5، التهذيب 2: 261 / 1039، الوسائل 4: 178 أبواب
المواقيت ب 16 ح 17.
(3) رسالة المحكم والمتشابه للسيد المرتضى: 15، نقلا عن تفسير النعماني، الوسائل 4: 279 أبواب
المواقيت ب 58 ح 2.
(4) توجد في (ه‍) و (ق): فدعوى الإجماع على عدم اعتباره مع إمكان العلم غير مسموعة.
(5) كما في كشف اللثام 1: 162.
92

والثاني - بعد تسليم دلالتها وخلوها عن المعارض -: بأنه لا ملازمة بين
جواز الإفطار وجواز الصلاة.
ودعوى عدم القول بالفرق غريبة، كيف؟! مع أن صاحب المدارك - الذي
نقل المنع عن الإسكافي هنا واختاره - نفى الخلاف عن الجواز في الإفطار واختاره،
بل بعض الأخبار الذي استندوا إليه في الإفطار صريح في الفرق، وهو صحيحة
زرارة المتقدمة، حيث حكم فيها بإعادة الصلاة ومضي الصوم (1).
والثالث: بعدم دلالة فيه على أنه صلى مع ظن، لاحتمال كونه عالما.
والنهي عن العود إلى مثله إما لأنه فعل من لا يصلي النوافل، والاستمرار
عليه مرجوح، أو لأن التعجيل إلى الصلاة في الغيم - ولو مع العلم - ربما يفضي
إلى الصلاة قبل الوقت.
والرابع: بمنع ظهور الرؤية في الظن لو لم ندع ظهورها في العلم.
والخامس: باختصاصه بالقبلة ومنع شموله للوقت.
والسادس: بلزوم تجوز في قوله: (غاب القرص) وهو إما الجزم به أو الظن،
فالاستدلال به لأحدهما عن الاعتبار ساقط، بل الظاهر منه العلم، لأنه الأقرب
إلى الغياب الواقعي.
والسابع: بالضعف الخالي عن الجابر كما يظهر وجهه، مع ما فيه من ضعف
الدلالة، إذ معنى توسعة التأخير إما جوازه أو اتساع مدته، وعلى التقديرين لا يفيد
المفهوم مطلوبهم، ولذا جعله بعضهم دليلا على لزوم تحصيل العلم.
والثامن: بأنه لو سلمت بدلية الظن عن العلم حين عدم التمكن منه، فإنما
هو إذا لم يتمكن منه مطلقا، وأما مع التمكن منه بالصبر فلا، بل ليس حينئذ من
باب عدم التمكن من العلم أصلا.
نعم، لو لم يتمكن منه ولو بالصبر، كخوف طلوع الشمس ونحوه، فلا

(1) هذا إن أريد بمضيه صحته، كما حمله المستدل عليها. منه رحمه الله تعالى.
93

مناص عن العمل بالظن أو فرد منه، والظاهر عدم الخلاف في جواز التعويل
حينئذ عليه، بل يمكن حمل كثير من عبارات الأصحاب على ذلك، كما صرح به
المحقق الخوانساري رحمه الله (1)، بل هو الظاهر من عدم التمكن من العلم.
وعلى هذا فيظهر القدح فيما اعتضد به القول بالجواز من الشهرة والإجماع
المنقول، لورودهما على صورة عدم التمكن من العلم المحتمل، بل الظاهر في
تعذره بالكلية.
ولأجل ضف تلك الأدلة خالف الإسكافي من القدماء (2) - بل السيد على
ما يظهر من الكفاية (3) - في الاستثناء، واختاره من المتأخرين صاحب المدارك (4)،
والمحقق الخوانساري في حواشيه على الروضة، وبعض شراح المفاتيح (5)، ونفى
عنه البعد المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد (6)، فلم يستثنوه إلا مع اليأس المطلق
عن حصول العلم، واحتمله الفاضل في نهاية الإحكام أيضا (7)، وهو الأقرب.
ومن المستثنيات، في المعتبر والمعتمد: سماع أذان الضابط الثقة (8) لقوله
. عليه السلام: (المؤذن مؤتمن) (9). ومثله رواية الهاشمي (3).
وقوله: (خصلتان معلقتان في أعناق المؤذنين للمسلمين: صلاتهم،

(1) الحواشي على شرح اللمعة: 172
(2) حكاه عنه في المدارك 3: 98.
(3) كفاية الأحكام: 15.
(4) المدارك 3: 99.
(5) قال الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط): الأقوى قول المشهور، والأحوط ما قاله ابن
الجنيد.
(6) مجمع الفائدة 2: 53.
(7) نهاية الإحكام 1: 328.
(8) المعتبر 2: 63.
(9) مسند أحمد 2: 382، سنن الترمذي 1: 133 / 207.
(10) التهذيب 2: 282 / 1121، الوسائل 5: 38 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 2.
94

وصيامهم) (1).
ومرسلة الفقيه: في المؤذنين (أنهم الأمناء) (2).
والأخرى: (إنما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة، منها: أن يكون تذكيرا
للناسي، ومنبها للغافل، وتعريفا لمن جهل الوقت واشتغل عنه) (3).
وثالثة، وفيها: (فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن ابن مكتوم يؤذن بليل، فإذا سمعتم بأذانه فكلوا واضربوا حتى تسمعوا أذان بلال) (4).
ورابعة، وفيها: (المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم
ودمائهم) (5).
ورواية خالد: أخاف أن أصلي الجمعة قبل أن تزول الشمس، قال: (إنما
ذلك على المؤذنين) (6).
وصحيحة المحاربي: (صل الجمعة بأذان هؤلاء، فأنهم أشد شئ مواظبة
على الوقت) (7) ومقتضى تعليلها جواز الاعتماد على أذان كل من كان كذلك.
والمروي في قرب الإسناد: عن رجل صلى الفجر في يوم غيم أو في بيت،
وأذن المؤذنون، وقعد فأطال الجلوس حتى شك، فلم يدر هل طلع الفجر أم لا،
فظن أن المؤذن لا يؤذن حتى يطلع الفجر، قال: (أجزأه أذانه) (8).
وفي تفسير العياشي: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو مغضب

(1) سنن ابن ماجة 1: 236 / 712.
(2) الفقيه 1: 189 / 898، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 6.
(3)، الفقيه 1: 195 / 915، الوسائل 5: 418 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 14.
(4) الفقيه 1: 189 / 905، الوسائل 5: 389 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 2.
(5) الفقيه 1: 189 / 905، الوسائل 5: 380 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 7.
(6) التهذيب 2: 284 / 1137، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 3.
(7) الفقيه 1: 189 / 899، التهذيب 2: 284 / 1136، الوسائل 5: 378 أبواب الأذان والإقامة
ب 3 ح 1.
(8) قرب الإسناد: 182 / 674، الوسائل 5: 379 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 4.
95

وعنده نفر من أصحابنا وهو يقول: (يصلون قبل أن تزول الشمس) قال: وهم
سكوت، فقلت: أصلحك الله ما نصلي حتى يؤذن مؤذن مكة، قال: (فلا بأس،
أما إنه إذا أذن فقد زالت الشمس) (1).
خلافا للأكثر، فلم يعتبروه إما مطلقا، أو إلا مع عدم التمكن من العلم،
لعمومات اشتراط العلم، وخصوص رواية علي، المتقدمة (2)، وكون روايات
الاعتبار بين غير دال وضعيف.
أقول: لا شك في ضعف كثير من رواياته، وعدم تمامية دلالة بعضها، إلا
أن أكثر مراسيل الفقيه وصحيحة المحاربي حجة ظاهرة الدلالة على المراد.
ولوجوب تخصيص العام منها بالعارف الضابط، للإجماع على عدم اعتبار
غيره، وللتفرقة بين أذان ابن مكتوم وبلال، والتعليل المذكور في الصحيحة،
ولموثقة عمار: عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف، إلى أن قال: (فإن
علم الأذان فأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته، ولا يقتدى به) (3) وفي
بعض النسخ: (لا يعتد به) تصير أخص من رواية علي، فيجب تخصيصها به.
فقول المعتبر والمعتمد معتبر ومعتمد.
والمراد بالعارف الثقة من يكون عارفا بالوقت موثوقا به عن التقديم والتأخير
عمدا.
ولا بد من إمكان علمه بالوقت، كما قيد به في المدارك (4)، فلو كان السماء
بحيث لم يتصور حصول العلم لا يعول عليه، لفقدان فائدة المعرفة التي رتب

(1) تفسير العياشي 2: 309 / 140، الوسائل 5: 380 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 9.
(2) في ص 90.
(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، التهذيب 2: 277 / 1101، الوسائل 5: 431 أبواب
الأذان والإقامة ب 26 ح 1.
(4) المدارك 3: 98.
96

التعويل عليها حينئذ، بل يكون مبنى أذانه على الظن والاجتهاد، فلا يصلح
للتعويل والاعتماد.
ثم بعد ملاحظة اعتبار أذان الثقة العارف يعلم بتنقيح المناط القطعي
اعتبار إخبار العدل العارف الواحد، وأولى منه العدلان العارفان، وهما أيضا
موضعان من مواضع الاستثناء، واستثناهما بعض من لم يستثن الأذان أو مطلق
الظن أيضا ولو مع عدم التمكن من العلم (1).
ومما قد يستثنى: صياح الديوك لمعرفة الزوال، عن ظاهر الصدوق
والذكرى (2)، لروايتي أبي عبد الله الفراء (3)، والحسين بن المختار (4).
ولا بأس به مع اشتراط تجاوب الديوك بعضها بعضا، كما في الرواية الأولى،
وتحقق ثلاثة أصوات ولاء، كما في الثانية.
ويشترط أن يكون ذلك حيث تشهد به العادة كما في شرح القواعد (5)،
للإجماع على عدم الاعتبار مع خلاف ذلك.
وظاهر إطلاق الجواب في الروايتين: عدم اشتراط عدم التمكن من العلم
وإن اختص السؤال بيوم الغيم.
الثانية: لو صلى ظانا دخول الوقت فظهر خلافه، فإن كان من الظنون الغير
المعتبرة فيه، أو قطع بدخول الوقت مع علمه بوجوب مراعاته وبأنه ما هو، فظهور
الخلاف إما بعد تمام الصلاة أو قبله.

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 74.
(2) الصدوق في الفقيه 1: 144، الذكرى: 128.
(3) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 2، الفقيه 1: 143 / 668، التهذيب 2: 255 / 1010،
مستطرفات السرائر: 109 / 63، الوسائل 4: 171 أبواب المواقيت ب 14 ح 5
(4) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 5، الفقيه 1: 144 / 669، التهذيب 2: 255 / 1011،
الوسائل 4: 170 أبواب المواقيت ب 14 ح 2.
(5) جامع المقاصد 2: 29.
97

فعلى الأول: فمقتضى الأصل صحة الصلاة وعدم وجوب القضاء، سواء
ظهر وقوع الصلاة بتمامها قبل الوقت أو بعضها، لأنه متعبد بعلمه وظنه، فيكون
ما أتى مأمورا به، وهو يقتفي الإجزاء.
والقول بأنه يقتضيه لذلك المأمور به، لا للمأمور به في الوقت، مردود:
بالعلم بكون الأول بدلا عن الثاني، فإنا نعلم أنه ليس هاهنا أمران، بل أمر
واحد، وسبب التكليف والدال عليه هو الأمر الواحد، فليس هنا إلا سبب
واحد، فلا تجري أصالة عدم تداخل الأسباب، والحاصل هنا واحد وهو الأمر
بالصلاة في الوقت، وذلك الزمان وقت باعتبار علمه (1).
ولأن المراد بالوقت المضروب للصلاة: الظاهري، وهوما علم أنه وقت،
أو ظن بالظن المعتبر شرعا، دون النفس الأمري، فيكون إتيانه في وقته.
وتدل عليه في صورة وقوع بعضها خارج الوقت رواية ابن رباح، المتقدمة
في المسألة السابقة (2).
لكن خرج ما إذا وقع تمامها قبله بالدليل، وهو ليس - كما قيل (3) - أنه أدى
ما لم يؤمر به. أو موثقة أبي بصير: (من صلى في غير وقت فلا صلاة له) (4). أو
صحيحة زرارة: في رجل صلى الغداة بليل، غره من ذلك القمر ونام حتى طلعت
الشمس، فأخبر أنه صلى بليل، قال: (يعيد صلاته) (5) أو رواية سماعة: (إياك

(1) وذلك بخلاف ما يأتي في الجاهل، فإنه أمر بالصلاة في غير الوقت لأجل خطاب العقل كما يأتي.
ومما ذكر ظهر أن بدلية أحد الأمرين عن الآخر ليس بمحض الإجماع حتى يناقش فيه في بعض
المواضع، بل باعتبار عدم التحقق إلا لأمر واحد. منه رحمه الله تعالى.
(2) راجع ص 91.
(3) انظر: المنتهى 1: 213.
(4) التهذيب 2: 254 / 1005، الوسائل 4: 168 أبواب المواقيت ب 3 " ح 7.
(5) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 4، التهذيب 2: 254 / 1008، الوسائل 4: 167 أبواب
المواقيت ب 13 ح 5.
98

أن تصلي قبل أن تزول) (1).
لما في الأول من منع عدم كونه مأمورا به، فإنه متعبد بظنه. وفي الثاني من
منع وقوع الصلاة في غير الوقت، لوقوعها في الوقت الظاهري الذي يجب أن يكون
هو المراد من الوقت جدا. وفي الثالث من عدم دلالته على وجوب الإعادة. وفي
الرابع من أن المراد: قبل أن يعلم الزوال، وإلا جاء التكليف بما لا يطاق.
بل للإجماع المحقق والمحكي في المدارك (2)، وفي السرائر: بلا خلاف بين
أصحابنا في ذلك (3)، وفي شرح القواعد: لا خلاف فيه (4)، وصحيحة زرارة،
المتقدمة في المسألة السابقة (5)، ومفهوم الشرط في رواية ابن رباح (6).
وعلى الثاني فمقتضى الأصل الفساد، لأن ما بقي من صلاته غير مأتي به
بعد، فلا مقتضى للإجزاء، ولم يعلم أن أول الوقت وقت لآخر الصلاة أيضا فلم
يعلم الأمر به، فلا يكون صحيحا، وبفساده تفسد الأجزاء المتقدمة أيضا.
إلا أن مقتضى رواية ابن رباح الإجزاء، ولكن الثابت منها إنما هو في صورة
العلم، لأنه المتيقن إرادته، مع أنه لو كان يرى بمعنى يظن - كما قيل - يثبت في
صورة العلم أيضا بالأولوية، ولا عكس، بل في صورة الظهور في الأثناء حين
دخول الوقت دون ما إذا ظهر الخطأ قبله، لعدم ظهور الرواية فيه.
والمتحصل مما ذكر: وجوب الإعادة مع وقوع تمامها قبل الوقت مطلقا، أو

(1) التهذيب 2: 141 / 549، الوسائل 4: 167 أبواب المواقيت ب 13 ح 6.
(2) المدارك 3: 100.
(3) السرائر 1: 200.
(4) جامع المقاصد 2: 28.
(5) راجع ص 91.
(6) هذا على إرادة العلم من قوله (ترى) كما هو الظاهر، وفسره به في الصحاح، فيدل على الحكم في
صورة العلم فيتعدى إلى الظن بالأولوية. وإن كان بمعن الظن - كما في النهاية الأثيرية - اختصت
دلالتها بصورة الظن. والقول باستحالة حمله على العلم - كما في المعتبر والمنتهى - لا وجه له، لأن
مرادنا من العلم الجزم، سواء طابق الواقع أم لا. منه رحمه الله تعالى.
99

بعضها مع ظهور الخطأ قبل دخول الوقت وإن علم أنه يدرك الوقت في الأثناء،
أو بعده مع دخوله في الصلاة بظن الوقت دون علمه، وعدمه مع وقوع بعضها
قبله وظهور الخطأ بعد الصلاة، أو في الأثناء بعد دخول الوقت مع دخوله في
الصلاة بالعلم بالوقت (1).
إجماعا في الأول، بل الثاني على الظاهر، ووفاقا للقديمين والسيد في المسائل
الرسيات والمختلف والأردبيلي والمدارك، في الثالث (2)، وللأكثر ومنهم: الشيخان
والديلمي والحلي والقاضي والحلبي والمنتهى، في الأخرين (3).
وخلافا لهؤلاء في الثالث، فجعلوه كالأخيرين، لرواية ابن رباح بجعل
قوله: (ترى) ظاهرا في الظن.
وفيه منع ظاهر.
ولمن تقدم عليهم في الأخيرين، فجعلوهما كالثالث، لضعف الرواية،
وموثقة أبي بصير، المتقدمة، والنهي عن الصلاة قبل الوقت الموجب للفساد، وعدم
الامتثال، للأمر بإيقاعها في الوقت، ووجوب تحصيل اليقين بالبراءة، وانتفاء
الوقت الخاص الذي هو شرط الصحة.
ويضعف الأول بانجبار الضعف - لو كان - بالشهرة، مع صحة الرواية
عن ابن أبي عمير الذي على تصحيح ما يصح عنه أجمعت العصابة.

(1) ولا يضر عدم ظهور قول بالفصل بين العلم والظن، ولا بين ظهور الخطأ في الأثناء وبعد الفراغ،
لعدم العلم بالإجماع المركب. مع إن كلام الأكثر مخصوص بالظن، فلا يعلم قول القائلين بوجوب
الإعادة في صورة العلم أيضا. إلا أن في نسبة الخلاف إلى الإسكافي حينئذ إشكالا، لأنه لا يجوز
العمل بالظن مطلقا، فالصلاة مع الظن عنده. فاسدة مطلقا. ولذا احتمل بعضهم أن يكون مورد
الخلاف أعم من الظن والجزم. منه رحمه الله تعالى.
(2) العماني والإسكافي، وحكاه عنهما في المختلف: 73، المسائل الرسيات (رسائل الشريف المرتضى 2)
: 350، المختلف: 73، الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 53، المدارك 3: 101.
(3) المفيد في المقنعة: 94، الطوسي في النهاية: 62، الديلمي في المراسم: 63، الحلي في السرائر 1:
201، القاضي في المهذب 1: 72، الحلبي في الكافي: 138، المنتهى 1: 213.
100

والثاني: بما مر سابقا، مضافا إلى عمومها بالنسبة إلى وقوع تمام الصلاة قبل
الوقت أو بعضها (1)، وخصوص الرواية.
وبهما يضعف الثالث أيضا، والبواقي بما ظهر وجهه مما ذكرنا، مع أن بعد
الدليل على كفاية العلم أو الظن نمنع اشتراط الوقت الخاص، بل يكون الشرط
العلم به أو الظن.
الثالثة: لو صلى قبل الوقت عامدا، أو شاكا في دخوله، أو في تعيينه كمن
صلى بعد الفجر الأول جهلا منه بأنه الوقت أو بعد الفجر الثاني، أو جاهلا
بوجوب مراعاته، أو ناسيا لها، أو للظهر - مثلا - فأدى العصر في الوقت المختص
به، أو خاطئا في الوقت، كمن صلى بعد الفجر الأول جازما بأنه الوقت المقرر
لصلاة الصبح، أو غافلا، لم يجزئ عن المأمور به، ووجب عليه الإعادة والقضاء
مطلقا، سواء وقع جزء منها في الوقت أو لا، وسواء احتمل الخلاف في الرابع أم
لم يخطر بباله أصلا.
للأمر بالصلاة بعد الزوال - مثلا - أو بعد العلم أو الظن المعتبر به، ولم يأت
بذلك في شئ من الصور، فيكون مأمورا بها في الوقت، وبالقضاء - لعموماته -
في خارجه.
ومعذورية بعض أقسام غير الثلاثة الأولى لا تفيد هنا، إذ غاية مقتضاها
عدم الإثم، أو مع صحة عبادته، لأن العبادة التي أتى بها هي ما أمر به باعتبار
جزمه بأنه مأمور به، وهو أمر آخر غير الأمر بالصلاة بعد العلم أو الظن بالزوال
مثلا، فإن الأول أمر تعلق به بخطاب العقل الحاكم بأن كل من قطع بتعلق حكم
به يتعلق به، وإلا فلا خطاب شرعيا بالصلاة في الفجر الأول مثلا، والثاني
بخطاب الشرع، ولم تثبت بدلية الأول عن الثاني.
فالخلاف المحكي عن بعض فيما إذا صادف بعض الصلاة الوقت في

(1) بل قد يقال بظهور الموثقة في وقوع الصلاة بتمامها خارج الوقت، وفيه نظر. منه رحمه الله تعالى.
101

العامد، كما هو ظاهر نهاية الإحكام (1)، والمحكي عن المهذب (2)، أو في الناسي
كما عنهما، وعن الكافي وفي البيان (3)، لرفع النسيان، وتنزيل إدراك الوقت في
البعض منزلته في الكل، ولما تقدم من خبر ابن رباح (4)، ضعيف غايته، ومعنى
رفع النسيان رفع الإثم، والتنزيل المذكور على الإطلاق ممنوع، والخبر غير شامل
للمطلوب.
ولو صادفت صلاة هؤلاء الوقت بتمامها، فإن كان من الثلاثة الأولى، أو
المقصر من الجاهل والخاطئ، وجب عليه الإعادة والقضاء، لكون صلاته منهيا عنها
وإن كان من الجاهل أو الخاطئ الغير المقصر، أو الناسي، أو الغافل، فإن
علم بالزوال - مثلا - تصح صلاته ولا يجب عليه الإعادة والقضاء وإن كان جاهلا
أو ناسيا أو غافلا لوجوب مراعاته، لأصالة عدم اشتراط العلم بوقتية الزوال.
وإن جهل بالزوال، فالأصح وجوب الإعادة والقضاء، لمثل قوله: (لا
يجزئك حتى تعلم أنه طلع) (5) ولأن الأمر بالصلاة في الوقت معناه حال العلم
بالوقت وهو لم يمتثل ذلك، فيجب عليه امتثاله، ولا تنافيه معذورية الجاهل.
وهاهنا قسم آخر، وهو من صلى في وقت مختلف فيه، كبعد الغروب قبل
زوال الحمرة، أو سائر ما اختلف فيه في الاختيار والاضطرار، من غير تقليد لمن
يقول بالوقتية، وحكمه الصحة مع العلم بالوقتية من غير خطور خلاف،
والبطلان بدونه، كما بين وجهه في الأصول.
الرابعة: جواز فعل النوافل المرتبة أداء في أوقاتها مع دخول وقت الفريضة

(1) لم نعثر عليه في نهاية الإحكام، بل هو موجود في النهاية للشيخ ص 62 (2) المهذب: 72.
(3) الكافي: 38، البيان: 112.
(4) راجع ص 91.
(5) راجع ص 90، رواية علي.
102

ظاهر. وكذا يجوز أن يصلي الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيق وقت الحاضرة،
فتقدم حينئذ، إجماعا في المقامين على الظاهر المصرح به في جملة من كلمات
الأصحاب.
وهو الحجة، مضافا إلى الأصل، والعمومات السليمة عن المعارض،
وخصوص النصوص الآتية في بحث القضاء والصلوات الآتية.
وكذا يجوز التنفل بغير أداء الرواتب في وقت الفريضة، على الأظهر، وفاقا
لظاهر المهذب للقاضي، والذكرى وشرح القواعد والدروس وروض الجنان
المدارك والذخيرة وشرح الإرشاد للأردبيلي والمفاتيح (1)، والمعتمد. وفي الدروس:
إنه الأشهر.
للأصل، والأخبار المتكثرة، المصرحة بالجواز عموما أو خصوصا.
فمن الأول: العمومات الناطقة بأن التطوع بمنزلة الهدية متى يأتي بها
قبلت، وهي كثيرة جدا (2). وبأن الفائتة - الشاملة لقضاء النوافل - تقضى في كل
وقت أو ساعة أو حين ذكرها، كصحيحتي ابن أبي يعفور وأبي بصير (3)، وروايات
زرارة ونعمان وابن أبي العلاء وابن عمار (4)، وغيرها. وبأن خصوص النوافل يقضى

(1) المهذب 1: 71، الذكرى: 114، جامع المقاصد 2: 24، الدروس 1: 142، روض الجنان:
184، المدارك 3: 88، الذخيرة: 202، مجمع الفائدة 2: 42، المفاتيح 1: 7 9.
(2) انظر: الوسائل 4: 231 أبواب المواقيت ب 37.
(3) صحيحة ابن أبي يعفور: التهذيب 2: 174 / 692، الإستبصار 1: 290 / 1063، الوسائل 4:
243 أبواب المواقيت ب 39 ح 12، صحيحة أبي بصير: الكافي 3: 287 الصلاة ب 10 ح 1،
التهذيب 2: 171 / 682، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 5.
(4) رواية زرارة: الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278 / 1265، الوسائل 4: 240
أبواب المواقيت ب 39 ح 1، رواية نعمان: التهذيب 2: 171 / 680، الوسائل 4: 244 أبواب
المواقيت ب 39 ح 16، رواية ابن أبي العلاء: التهذيب 2: 173 / 691، الإستبصار 1:
290 / 1062، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت ب 39 ح 13، رواية ابن عمار: الكافي 3: 287
الصلاة ب 10 ح 2، التهذيب 2: 172 / 683، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 4.
103

في كل وقت، كصحيحة حسان (1)، ومكاتبة محمد بن يحيى (2)، ورواية سليمان (3).
وبأن الفائتة تصلى في وقت الفريضة أيضا، كحسنة الحلبي (4)، وخبر محمد (5)، بل
صحيحتهما.
ومن الثاني: خبر أبي بصير: (إن فاتك شئ من تطوع النهار والليل فاقضه
عند زوال الشمس، وبعد الظهر عند العصر، وبعد المغرب، وبعد العتمة) (6)
ونحوه المروي في قرب الإسناد (7).
وموثقة إسحاق: قلت: أصلي في وقت فريضة نافلة؟ قال: (نعم في أول
الوقت إذا كنت مع إمام يقتدى به، فإذا كنت وحدك فابدأ بالمكتوبة)، (8).
والأخبار المتكثرة المصرحة باستحباب بعض الصلوات في بعض أوقات
الفرائض، كمرسلة علي بن محمد في عشر ركعات بين العشاءين (9)، وأخرى في

(1) التهذيب 2: 272 / 1084، الإستبصار 1: 290 / 1064، الوسائل 4: 242 أبواب المواقيت
ب 39 ح 9.
(2) الكافي 3: 454 الصلاة ب 90 ح 17، التهذيب 2: 272 / 1083، الوسائل 4: 240 أبواب
المواقيت ب 39 ح 3.
(3) التهذيب 2: 173 / 690، الإستبصار 1: 295 / 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت
ب 39 ح 11.
(4) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 6، التهذيب 2: 163 / 639، الوسائل 4: 241 أبواب
المواقيت ب 39 ح 7.
(5) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 7، الوسائل 4: 241 أبواب المواقيت ب 39 ح 6.
(6) التهذيب 2: 163 / 642، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 10.
(7) قرب الإسناد: 211 / 828، الوسائل 4: 234 أبواب المواقيت ب 37 ح 9 (بتفاوت).
(8) الكافي 3: 289 الصلاة ب 11 ح 4، التهذيب 2: 264 / 1052، الوسائل 4: 226 أبواب
المواقيت ب 35 ح 2.
(9) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 4، التهذيب 3: 310 / 963، الوسائل 8: 117 أبواب بقية
الصلوات المندوبة ب 16 ح 1.
104

ركعتين بينهما يقرأ في أولاهما بعد الحمد عشرا من أول البقرة وآية السخرة (1)،
ورواية الجعفري في ركعتين بين الأذان والإقامة (2)، وروايات الغفيلة (3)، وفي
الصلوات الواردة بين الظهرين خصوصا يوم الجمعة، وصلوات الرغائب (4)، وكثير
من نوافل شهر رمضان، وغير ذلك مما لا يعد كثرة.
خلافا لنهاية الإحكام والسرائر والقواعد والمعتبر والشرائع والنافع والمنتهى
والتذكرة وعن المقنعة والمبسوط والجمل والعقود (5)، والاقتصاد (6)، والإصباح
والوسيلة والجامع (7)، إلا أن المذكور في كلام الثلاثة الأول هو: قضاء النوافل
خاصة، بل المشهور، كما في شرح القواعد والروضة (8)، وغيرهما. وظاهر المعتبر:
نسبته إلى علمائنا (9).
لما مر من الأخبار في تحديد نوافل الظهرين بالذراع والذراعين، الآمرة
بالبدأة بالفريضة بعد خروج وقت النافلة (10)، وفي عدم جواز الإيتار بعد طلوع
الفجر (11).

(1) الكافي 3: 468 الصلاة ب 97 ح 6، التهذيب 3: 188 / 428، الوسائل 8: 8 1 1 أبواب بقية
الصلوات المندوبة ب 16 ح 2.
(2) التهذيب 2: 64 / 227، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 2.
(3) انظر: الوسائل 8: 120 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 20.
(4) انظر: الوسائل 8: 98 أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 6.
(5) نهاية الإحكام 1: 325، السرائر 1: 203، القواعد 1: 24، المعتبر 2: 60، الشرائع 1:
63، المختصر النافع: 23، المنتهى 1: 208، التذكرة 1: 82، المقنعة: 212، المبسوط 1:
128، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 175.
(6) لم نعثر فيه على حكم فعل النافلة في وقت الفريضة، انظر ص 256.
(7) الوسيلة: 84، الجامع للشرائع: 61.
(8) جامع المقاصد 2: 23، الروضة 1: 362.
(9) المعتبر 2: 60.
(10) راجع ص 56.
(11) راجع ص 77.
105

مضافا إلى مستفيضة أخرى، منها: موثقات محمد، ونجية، وأديم: الأولى
مرت في نافلة المغرب (1)، والثانية: تدركني الصلاة فأبدأ بالنافلة؟ فقال: (لا، ابدأ
بالفريضة واقض النافلة) (2). والثالثة: (لا يتنفل الرجل إذا دخل وقت فريضة)
قال: وقال: (إذا دخل وقت فريضة فابدأ بها) (3).
وروايتي زياد والحضرمي:
الأولى: (إذا حضرت المكتوبة فابدأ بها، فلا يضرك أن تترك ما قبلها من
النوافل) (4).
والثانية: (إذا دخل وقت صلاة مفروضة فلا تطوع) (5).
وصحيحتي زرارة المرويتين في الذكرى:
إحداهما: (إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ
بالمكتوبة) (6).
والأخرى: أصلي نافلة وعلي فريضة أو في وقت فريضة؟ قال: (لا تصلي
نافلة في وقت فريضة، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان أكان لك أن تتطوع
حتى تقضيه)؟ قال: قلت: لا، قال: (فكذلك الصلاة) قال: فقايسني وما كان
يقايسني (7).
والمروي في السرائر صحيحا: (لا تصل من النافلة شيئا في وقت فريضة،

(1) راجع ص 65.
(2) التهذيب 2: 167 / 662، الوسائل 4: 227 أبواب المواقيت ب 35 ح 5
(3) التهذيب 2: 167 / 663، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 6
(4) التهذيب 2: 247 / 984، الإستبصار 1: 253 / 907، الوسائل 4: 227
أبواب المواقيت ب 35 ح 4.
(5) التهذيب 2: 167 / 660، الإستبصار 1: 292 / 1071، الوسائل 4: 228
أبواب المواقيت ب 35 ح 7.
(6) الذكرى: 134، الوسائل 4: 285 أبواب المواقيت ب 61 ح 6.
(7) الذكرى: 134.
106

فإنه لا تقضى نافلة في وقت فريضة، فإذا دخل وقت الفريضة فابدأ
بالفريضة) (1).
وفي الخصال: (لا يصلي الرجل نافلة في وقت الفريضة إلا من عذر، ولكن
يقضي بعد ذلك إذا أمكنه القضاء) إلى أن قال: (لا تقضى نافلة في وقت
الفريضة، ابدأ بالفريضة ثم صل ما بدا لك) (2).
والرضوي: (لا تصلى النافلة في أوقات الفرائض إلا ما جاءت من النوافل
في أوقات الفرائض [مثل] ثمان ركعات بعد زوال الشمس) (3) الحديث.
ويجاب عنها - بعد رد الأولين بما مر في موضعهما (4)، وبأن الوقت في الأول
غير محل النزاع، لأن الوقت الممنوع فيه النافلة هو بعد الذراع والذراعين لا مطلق
وقت الفريضة كما هو المطلوب، مع كون موردهما الراتبة الحاضرة التي هي غير
المتنازع فيه، وكذا الموثقة الثانية لمكان الحكم بالقضاء، بل الرواية الأولى كما هو
الظاهر من قوله: (ما قبلها من النوافل) بل رواية الخصال لقوله: (ولكن يقضي).
مع ما في الموثقة من إمكان إرادة تضيق الصلاة أو حضور الجماعة من الإدراك، بل
هي ليس بأخفى من إرادة دخول الوقت، وما في الرواية الأولى من إمكان إرادة
الثاني أو حضور الصلاة بشروع المؤذن في الإقامة كما يستفاد من بعض المعتبرة،
وما في رواية الخصال من أن جزأها الأول يدل على الجواز مع العذر، المثبت للجواز
مطلقا بالإجماع المركب، ورد الرضوي باشتماله على النفي الغير الصريح في
التحريم -:
أولا: بأنه يمكن إرادة الوقت المضيق من الجميع، لكفاية أدنى الملابسة في

(1) مستطرفات السرائر: 73 / 7، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 8.
(2) الخصال: 628، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 10.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 111، وفيه (لا تصل) بصورة النهي، وما أثبتناه موافق للنسخة الحجرية
من فقه الرضا: 9، مستدرك الوسائل 3: 144 أبواب المواقيت ب 28 ح 1.
(4) راجع ص 57 و 77.
107

الإضافة، بل الاختصاص الظاهر من الإضافة أنسب بها، ويرجحها إيجابها
سلامة الجميع عن تخصيص النافلة بغير الرواتب.
بل تشهد لها موثقة سماعة: عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أيبتدئ
بالمكتوبة أو يتطوع؟ فقال: (إن كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل
الفريضة، لأن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة
وهو حق الله، ثم ليتطوع بما شاء، الأمر موسع أن يصلي الإنسان في أول وقت
دخول الفريضة النوافل إلا أن يخاف فوت الفريضة) (1) الحديث، بل لا وجه
للعدول عن ذلك مع وجود مثل تلك القرينة والشاهد.
وثانيا: بأنه يمكن إرادة الأفضلية من الأمر بالبدأة بالفريضة، والمرجوحية
من النهي عن النافلة، بل تتعين تلك الإرادة - بناء على تعميم الوقت - بشهادة ما
مر من المستفيضة المجوزة، وبقرينة قوله في الموثقة المذكورة بعد ما مر: (والفضل
إذا صلى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت
للفريضة، وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى آخر
الوقت).
وأي قرينة أوضح من نفي الحظر عنه عن ذلك مع التصريح بالفضل فيها،
وفي صحيحة محمد: إذا دخل وقت الفريضة أتنفل أو أبدأ بالفريضة؟ فقال: (إن
الفضل أن يبدأ بالفريضة) (2).
والمناقشة: بأن الفضل غير الأفضلية وهو يحصل في الواجب أيضا، باردة
جدا، فإن مع التصريح بالجواز ونفي الحرمة - كما في الموثقة - يصير صريحا في
الاستحباب.
وأيضا: الفضل هو الزيادة في الثواب، وهي لا تكون إلا مع شئ من

(1) الكافي 3: 288 الصلاة ب 11 ح 3، الفقيه 1: 257 / 1165، التهذيب 2: 264 / 1051،
الوسائل 4: 226 أبواب المواقيت ب 35 ح 1.
(2) الكافي 3: 289 الصلاة ب 11 ح 5، الوسائل 4: 230 أبواب المواقيت ب 36 ح 2.
108

الثواب في غيره أيضا، مع أن المتبادر عرفا من إثبات الفضل لشئ على آخر هو
ثبوت الأقل للآخر أيضا، ولذا يقال للواجب: الفضل على النافلة، ولا يقال له:
الفضل على الحرام.
ونفي إمكان حمل جميع أخبار المنع على الكراهة، باعتبار اشتمال بعضها على
المقايسة، وتنظير النافلة بمن عليه صوم الفريضة، المانعة عن التطوع اتفاقا،
مدفوع - بعد تسليم الاتفاق على المنع في النظير - بأن القياس على الممنوع ليس
بأصرح من المنع، فكما يمكن إرادة الكراهة من صريحه يمكن من المنع المستفاد
من القياس أيضا تجوزا، بل إمكانها حينئذ أظهر، لأن مرجعه إلى التشبيه
المستدعي لكون المشبه به أقوى.
مع أن إحدى الروايتين المشتملتين على المقايسة (1) غير واضحة الحجية،
لخلو كتب الأحاديث عنها (2)، والأخرى (3) غير صريحة في كون القياس من الإمام، لاحتمال أن يكون قوله: (أن تقايس) مبنيا للفاعل ويكون المعنى: أتضمر القياس
على تطوعك لو كان عليك من شهر رمضان، وتريد أن تقيس عليه إن أجبت
بالجواز؟ مع أن أكثر المانعين مجوزون لفعل نافلة الفجر - التي هي المقيس عليه -
في وقت الفريضة (4).

(1) وهي صحيحة زرارة المذكورة في الذكرى، المتقدمة في ص 106.
(2) ويمكن أيضا أن يراد من بعض نفس شهر رمضان، ويكون المعنى: باقيا عليك منه، ليكون
مضيقا ويكون قرينة على إرادة التضيق في المقيس أيضا، ويكون (تقضيه) بمعنى تفعله. منه رحمه
الله تعالى.
(3) وهي صحيحة زرارة وقد تقدم صدرها في ص 86، وإليك متنها بتمامه: (قال: سألته عن ركعتي
الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال: قبل الفجر إنهما من صلاة الليل، ثلاث عشرة ركعة صلاة
الليل، أتريد أن تقايس؟! لو كان عليك من شهر رمضان أكنت تتطوع؟ إذا دخل عليك وقت
الفريضة فابدأ بالفريضة).
(4) ويظهر مما ذكرنا أن لقوله: (أن تقايس)، أربعة احتمالات: الأول: بالبناء للمفعول والمراد حينئذ:
يصح أن أقايس لك. والثاني: بالبناء للفاعل كما في المتن، والثالث: كذا أيضا ويكون المراد أتريد
أن تقايس ذلك بنوافل الظهرين؟ والرابع: أتريد أن تقايس الخصم وأعلمك القياس؟ منه رحمه
الله تعالى
109

والقول بأن هذين الحملين جمع، وهو فرع المكافأة، وهي في المقام مفقودة،
لصحة أكثر أخبار المنع، واستفاضتها، واعتضادها بالشهرة، مردود: بأن وجه
الحمل لا ينحصر في الجمع، بل القرينة عليه - كما مر - متحققة (1)، مع أن فقدان
التكافؤ غير مسلم، كما سيظهر وجهه.
مع أن مقتضى صحيحة عمر بن يزيد - المتقدمة في بحث نافلة المغرب (2) -
أن المراد بوقت الفريضة الذي منع عن التطوع فيه غير ما هو مطلوب المانع،
فيسقط الاستدلال بأخبار المنع رأسا.
وعدم القول بالحرمة في هذا الوقت غير ثابت، ولو ثبت فغير ضائر، لأن
مدلول الصحيحة أن المراد بالوقت في أخبار المنع وقت الإقامة، ولا إجماع على نفي
ذلك، بل لو كان لكان على عدم المنع حينئذ بخصوصه، ولازمه خروج أخبار المنع
عن الحجية وبقاء المنع بلا حجة، مع أن القول بالكراهة في هذا الوقت بخصوصه
مشهور، فلو سلم الإجماع المذكور يصير قرينة على أن المنع في أخباره على الكراهة
محمول، لا أن تلك الصحيحة عن الحجية خارجة.
وأما مارد به أخبارنا من أن أخبار المنع أخص من القسم الأول من أخبار
الجواز، فتخصيصها بها لازم. والقسم الثاني فما دل منه على جواز بعض النوافل
بخصوصه لا يضر، لأنه في حكم الاستثناء، والباقي لقصوره إسنادا عن إثبات
الحكم عاجز في مقابلة أخبار المنع، الواضحة الدلالة والاستناد، المعتضدة بعمل
الأصحاب، المخالفة للعامة على ما يستفاد من قوله: (يصنع الناس) في الموثقة
السابقة (3)، بل ربما تومئ إليه المقايسة المذكورة، فإن الظاهر أن المقصود منها الرد

(1) وهي موثقة سماعة المتقدمة في ص 108.
(2) راجع ص 64.
(3) راجع ص 65، موثقة محمد.
110

على العامة.
فمجاب عنه أولا: بمنع أعمية القسم الأول مطلقا، حيث إن تلك
العمومات مخصصة بغير وقت ضيق الفريضة قطعا، وأخبار المنع - على تسليم
الدلالة - شاملة له أيضا، فغايته العموم من وجه الموجب للتساقط، وبقاء الأصل
وجملة من العمومات خاليا عن المعارض.
وثانيا: بعدم الضرر في تصور السند في الأخبار الموجودة في تلك الكتب
المعتبرة، مع أنه منها الموثق، وهو في نفسه حجة، ومع أن الخبر الضعيف في مقام
الاستحباب في حكم الصحيح ولا يعجز عن إثبات الحكم.
وثالثا: بمنع ما ذكره من وضوح دلالة الأخبار المخالفة كما عرفت، ولو سلم
فأوضحيتها من دلالة أخبار الجواز ممنوعة.
ورابعا: أن وضوح اسناد أخبار المنع في حيز المنع جدا، كيف؟! وصحيحتا
زرارة لا يعلم سندهما، وإنما يحكم فيهما بالصحة تقليدا لمن وصفه بها، لعدم
ظهور السند، وكذا رواية السرائر.
وأما صحيحة زرارة، الواردة في ركعتي الفجر (1)، فهي لعدم عمل المجيب
بها في موردها في غاية الضعف من الدلالة، وليس في البواقي خبر صحيح ولا
حسن.
وأما اعتضاد أخبار المنع بالعمل فغير محقق، كيف؟! وشهرة المتأخرين على
الجواز قطعا، وأما القدماء ومن يليهم فلم ينقل القول بالمنع إلا عن طائفة قليلة
منهم، وأقوال البواقي غير معلومة، بل الظاهر من عدم تصريحهم بالمنع القول
بالجواز (2)، وقول أكثر المانعين أيضا مختص بقضاء الرواتب، فعدم الشهرة في

(1) راجع ص 109 هامش 3.
(2) مع أن المحكي عن الإسكافي والصدوق في المسألة الآتية الجواز، وقد صرح في الروض وبعض من
تأخر عنه أيضا بأنه لا فرق بين المسألتين، والقائل بالجواز في إحداهما يقول به في الأخرى وكذا
المنع. منه رحمه الله تعالى.
111

المطلق مقطوع به.
وأما الشهرة المدعاة فمعارضة بادعاء الشهيد الشهرة على الجواز (1)، وأما
قول المحقق فهو غير صريح بل لا ظاهر في دعوى الإجماع في محل النزاع (2).
وخامسا: أن كون الجواز مذهبا للعامة غير ثابت، ولم يدعه من علمائنا
أحد، وأما قوله: (كما يصنع الناس) فلا يدل على أنهم كانوا يتطوعون بغير
الرواتب كما هو المدعى، فلعلهم كانوا يتطوعون بها حينئذ، ولكراهته - كما هي
مذهبنا - لم يفعله الإمام، بل يمكن أن يستحب عندهم تطوع خاص بين الأذان
والإقامة، كما أن لنا أيضا تطوعات مستثناة بالإجماع، ولكراهتها وقت الفريضة
كان الإمام لا يفعلها.
وأما المقايسة فمع ما عرفت فيه لا دلالة لها دلالة صالحة للتمسك على كون
الجواز مذهب العامة، كما لا يخفى.
الخامسة: تجوز النوافل المبتدأة وقضاء الرواتب لمن عليه قضاء فريضة،
وفاقا للإسكافي (3) والصدوق (4)، وكل من قال بالجواز في المسألة المتقدمة.
للأصل، والعمومات السالفة، بل وإطلاق جميع الأخبار المتقدمة، حيث
يشمل ما لو كان عليه فريضة أيضا.
ورواية عمار: (إذا أردت أن تقضي شيئا من الفرائض مكتوبة أو غيرها فلا
تصل شيئا حتى تبدأ، فتصلي قبل الفريضة التي حضرت ركعتين نافلة، ثم اقض

(1) الدروس 1: 142.
(2) فإنه قال: ويصلي الفرائض أداء وقضاء ما لم يتضيق الحاضرة، والنوافل ما لم يدخل وقت
الفريضة، وهو مذهب علمائنا. (المعتبر 2: 60) فإن الظاهر أن مرجع الضمير هو المنطوق دون
المفهوم. منه رحمه الله تعالى.
(3) حكاه عنه في المختلف: 148.
(4) الفقيه 1: 315، والمقنع: 32.
112

ما شئت) (1).
وموثقة أبي بصير: عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس، قال:
(يصلي ركعتين ثم يصلي الغداة) (2).
وما روي بطرق عديدة - منها الصحيح - من نومه صلى الله عليه وآله عن
صلاة الصبح حتى آذاه حر الشمس، ثم استيقظ وركع ركعتي الفجر، ثم صلى
الصبح بعدهما (3).
وكونه أخص من المدعى غير ضائر، لعدم القول بالفصل، كما يظهر من
استناد الجماعة في التجويز المطلق إليه.
خلافا لأكثر من منع في المسألة السابقة، للروايات الدالة على وجوب ترتب
الفريضة الحاضرة على الفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة (4)، وإذا وجب ذلك في
الفريضة التي هي صاحبة الوقت ففي نافلتها بطريق أولى، وأولى منها غير نافلتها.
وصحيحة زرارة الثانية، المروية في الذكرى، المتقدمة (5).
وصحيحة يعقوب: عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس، أيصلي
حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ قال: (يصلي حين يستيقظ) قلت:
أيوتر أو يصلي الركعتين؟ قال: (بل يبدأ بالفريضة) (6).
وقوله في صحيحة زرارة: (ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة) (7).

(1) التهذيب 2: 273 / 1086، الوسائل 8: 257 أبواب قضاء الصلوات ب 2 ح 4.
(2) التهذيب 2: 265 / 1057، الإستبصار 1: 286 / 1048، الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت
ب 61 ح 2.
(3) راجع الوسائل 4: 283 أبواب المواقيت ب 61.
(4) انظر: الوسائل 4: 287 أبواب المواقيت ب 62.
(5) في ص 106.
(6) التهذيب 2: 265 / 1056، الإستبصار 1: 286 / 1047، الوسائل 4.. 284 أبواب المواقيت
ب 61 ح 4.
(7) الكافي 3: 292 الصلاة ب 12 ح 3، التهذيب 2: 172 / 685، الإستبصار 1: 286 / 1046،
الوسائل 4: 284 أبواب المواقيت ب 61 ح 3.
113

ويضعف الأول - بعد الإغماض عن الروايات المعارضة لها وتسليم وجوب
الترتب -: بمنع الأولوية.
والثاني - مضافا إلى ما تقدم -: بمنع الدلالة، لأن المتبادر من وقت الفريضة
التي نفى صلاحية النافلة فيها هو وقت الأداء. وقول السائل علي فريضة أو وقت
فريضة، لا يدل على إرادة المعنيين عنه في الجواب، وترك جوابه عن الأول لمصلحة
كما ورد في الأخبار ليس بأبعد من حمل الوقت على المعنيين.
والبواقي: بعدم الدلالة على الحرمة، لخلوها عن النهي الصريح فيها، سيما
بملاحظة ما مر من المجوزات.
السادسة: إذا حصل أحد الأعذار المانعة من الصلاة بعد دخول الوقت،
فقد مر حكمه في بحث الحيض، وهو كأخبار المقام وإن اختص بالحيض ولكن
يتم المطلوب بعدم الفصل.
ولو زال في آخر الوقت بقدر الصلاتين ولو بأقل الواجب بحسب حاله وجبتا
أداء، بالإجماع، والأخبار، كخبري منصور والكناني، وموثقة ابن سنان:
الأول: (إذا طهرت الحائض قبل العصر صلت الظهر والعصر، فإن
طهرت في آخر وقت العصر صلت العصر) (1).
والثاني: (إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلت المغرب والعشاء، وإن
طهرت قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر والعصر) (2).
والثالث: (إذا طهرت المرأة قبل غروب الشمس فلتصلي الظهر والعصر،

(1) التهذيب 1: 390 / 1202، الإستبصار 1: 942 / 487، الوسائل 2: 363 أبواب الحيض
ب 49 ح 6.
(2) التهذيب 1: 390 / 1203، الإستبصار 1: 143 / 489، الوسائل 2: 363 أبواب الحيض
ب 49 ح 7.
114

وإن طهرت من آخر الليل فلتصل المغرب والعشاء) (1).
وبقدر أحدهما وجبت الأخير خاصة كذلك، لقطع الشركة بالتفصيل في
خبر منصور، المتقدم.
ولصحيحة معمر: الحائض تطهر عند العصر تصلي الأولى؟ قال: (لا، إنما
تصلي الصلاة التي تطهر عندها) (2).
وبهما تقيد الإطلاقات السابقة.
وبهما أيضا يثبت وجوب التمام لو بقي من وقت الأخيرة قدر ركعة، مضافين
إلى الإجماع، والإطلاقات، والنبويين.
أحدهما: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة) (3)
والآخر: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك
العصر) (4).
ورواية ابن نباتة: (من أدرك من الغداة ركعة فقد أدرك الغداة تامة) (5).
وضعف بعضها سندا واختصاصه موردا منجبر بالعمل والإجماع المركب.
بل يثبت من عموم أول النبويين، بل المتعقبين له بضميمة الإجماع
المركب، بل عموم الثلاثة الأولى، وصحيحتي الحذاء وعبيد الآتيتين، ما هو
الأظهر الأشهر بل عليه الوفاق عن الخلاف (6)، من وجوب إتمام الأولى أيضا لو

(1) التهذيب 1: 390 / 1204، الإستبصار 1: 143 / 490 الوسائل 2: 364 أبواب الحيض
ب 49 ح 10.
(2) الكافي 3: 102 الحيض ب 16 ح 2، التهذيب 1: 389 / 1198، الإستبصار 1: 141 / 484،
الوسائل 2: 362 أبواب الحيض ب 49 ح 3.
(3) مسند أحمد 2: 265، صحيح مسلم 1: 423 / 161.
(4) مسند أمد 2: 260، صحيح مسلم 1: 425 / 165.
(5) التهذيب 2: 38 / 119، الإستبصار 1: 275 / 999، الوسائل 4: 17 2 أبواب المواقيت ب 30
ح 2.
(6) الخلاف 1: 273.
115

أدرك مقدار خمس ركعات مطلقا.
خلافا للمحكي عن طهارة المبسوط والإصباح والمهذب، فقالوا باستحباب
الظهرين والعشاءين (1).
كما يثبت من مفهوم النبويين ورواية ابن نباتة عدم وجوب إتمام الأولى لو
أدرك أقل من ركعة منها ووجوب إتمام الأخيرة، ولا إتمام الأخيرة لو أدرك أقل من ركعة منها، وبه يقيد بعض الإطلاقات، فاحتمال بعضهم العمل به ضعيف جدا،
كضعف ما عن النهاية من لزوم قضاء الفجر عليها بحصول الطهر لها قبل طلوع
الشمس على كل حال (2).
ثم القضاء هنا تابع للأداء، فيجب فيما يجب لو ترك، إجماعا، ولعموم
قضاء الفوائت. ولا يجب فيما لا يجب كذلك، للأصل.
وتدل عليه في الجملة أيضا صحيحتا الحذاء وعبيد:
الأولى: (إذا رأت المرأة الطهر وهي في وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتى
يدخل وقت صلاة أخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها) (3).
والثانية: (أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل وقت صلاة
ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي
فرطت فيها، فإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت
الصلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء، وتصلي الصلاة التي دخل
وقتها) (4).

(1) المبسوط 1: 45، المهذب 1: 36.
(2) النهاية: 27.
(3) الكافي 3: 103 الحيض ب 16 ح 3، التهذيب 1: 391 / 1208، الإستبصار 1: 145 / 496،
الوسائل 2: 362 أبواب الحيض ب 49 ح 4.
(4) الكافي 3: 103 الحيض ب 16 ح 4، التهذيب 1: 392 / 1209، الوسائل 2: 361 أبواب
الحيض ب 49 ح 1.
116

ويستفاد من الأخيرة عدم كفاية مجرد الطهر وبقاء ركعة، بل يلزم بقاء قدر
تتمكن من الغسل وسائر الشرائط المفقودة أيضا، كما عن جماعة (1)، وفي الروضة
والدروس والمسالك (2).
وتدل عليه أيضا صحيحة الحلبي: في المرأة تقوم في وقت الصلاة - يعني
للغسل - فلا تقضي طهرها - أي لا تفرغ من غسلها - حتى تفوتها الصلاة ويخرج
الوقت، أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال: (إن كانت توانت قضتها، وإن كانت
دائبة في غسلها فلا تقضي (3).
السابعة: تكره النوافل المبتدأة - أي غير ذوات السبب - بعد الصبح
والعصر، وعند طلوع الشمس وغروبها وقيامها، على الأظهر، وفاقا للاقتصاد
والمبسوط والخلاف (4)، بل عامة من تأخر، ونسبها في المنتهى وشرح القواعد
والمدارك والبحار إلى الأكثر (5)، بل عن الغنية الإجماع عليها (6).
للمستفيضة، منها: صحيحة محمد: (يصلى على الجنازة في كل ساعة، إنها
ليست بصلاة ركوع وسجود، وإنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها
التي فيها الخشوع والركوع والسجود) (7).
والمروي في العلل: (لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس، لأنها

(1) منهم المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 336.
(2) الروضة 1: 110، الدروس 1: 101، المسالك 1: 9.
(3) التهذيب 1: 391 / 1207 الوسائل 2: 364 أبواب الحيض ب 49 ح 8. دأب فلان في عمله،
أي جد وتعب - الصحاح 1: 123.
(4) الإقتصاد: 256، المبسوط 1: 76، الخلاف 1: 520.
(5) المنتهى: 214، جامع المقاصد 2: 34، المدارك 3: 105، البحار 80: 152.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 556.
(7) الكافي 3: 180 الجنائز ب 51 ح 2، التهذيب 3: 231 / 998، الإستبصار 1: 470 / 1814،
الوسائل 3: 108 أبواب صلاة الجنازة ب 20 ح 2.
117

تطلع بقرني شيطان، فإذا ارتفعت وصفت فارقها) إلى أن قال: (فإذا انتصف
النهار قارنها، فلا ينبغي لأحد أن يصلي في ذلك الوقت) (1).
وصحيحة ابن سنان: (لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة) (2).
وموثقة الحلبي: (لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس) إلى أن قال:
(ولا صلاة بعد العصر حتى يصلى المغرب) (3) وقريبة منها رواية ابن عمار (4).
وصحيحة ابن بلال: كتبت إليه في قضاء النافلة بعد طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس وبعد العصر إلى أن [تغيب الشمس] فكتب: (لا يجوز ذلك إلا
للمقتضي، فأما غيره فلا) (5).
والمروي في مجالس الصدوق: (نهى عن الصلاة في ثلاث ساعات: عند
طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها) (6).
وفي السرائر: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن يونس كان يفتي الناس
عن آبائك عليهم السلام أنه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس، وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس، فقال: (كذب - لعنه الله - على
أبي) (7).

(1) علل الشرائع: 343 / 1، الوسائل 4: 237 أبواب المواقيت ب 38 ح 9
(2) التهذيب 3: 13 / 44، الإستبصار 1: 412 / 1576، الوسائل 7: 317 أبواب صلاة الجمعة
وآدابها ب 8 ح 6.
(3) التهذيب 2: 174 / 694، الإستبصار 1: 290 / 1065، الوسائل 4: 234 أبواب المواقيت
ب 38 ح 1.
(4) التهذيب 2: 174 / 695، الإستبصار 1: 290 / 1066، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت
ب 38 ح 2
(5) التهذيب 2: 175 / 696، الإستبصار 1: 291 / 1068، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت
ب 38 ح 3، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ: يغيب الشفق، وما أثبتناه. من المصدر
(6) أمالي الصدوق: 347، الوسائل 4: 236 أبواب المواقيت ب 38 ح 6.
(7) مستطرفات السرائر: 63 / 44، الوسائل 4: 239 أبواب المواقيت ب 38 ح 14.
118

وفي المجازات النبوية: عن النبي: (إذا طلع حاجب الشمس فلا تصلوا
حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تغيب) (1).
ثم إن ظاهر غير الأولين وإن كان التحريم إلا أنه معارض مع غيره الدال
على الجواز، كرواية ابن فرج: (صل بعد العصر من النوافل ما شئت، وصل بعد
الغداة من النوافل ما شئت) (2).
ورواية سليمان: عن قضاء الصلاة بعد العصر، قال: (نعم إنما هي من
النوافل فاقضها متى شئت) (3) دلت بعموم التعليل على جواز جميع النوافل.
والمروي في الفقيه مقطوعا (4)، وفي الاحتجاج وإكمال الدين عن صاحب
الزمان عليه السلام: (أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس، وعند
غروبها فلئن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع عند قرني الشيطان وتغرب بين
قرني الشيطان، فما أرغم أنف الشيطان شئ مثل الصلاة، فصلها وأرغم
الشيطان) (5).
وتؤكده الروايات الكثيرة العامية (6)، المتضمنة لفعل النبي ركعتين بعد

(1) المجازات النبوية: 374 / 290، المستدرك 3: 146 أبواب المواقيت ب 30 ح 2.
(2) التهذيب 2: 275 / 1091، الإستبصار 1: 289 / 1059، الوسائل 4: 235 أبواب المواقيت
ب 38 ح 5.
(3) التهذيب 2: 173 / 690، الإستبصار 1: 290 / 1061، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت
ب 39 ح 11.
(4) وهذه الرواية وإن لم تكن في الفقيه مسندة إلا أنه أسندها إلى مشايخه، وهو يدل على استفاضتها،
مع أن كونهم مشايخه كاف في اعتبار الرواية، وقد ذكر المشايخ في كتاب إكمال الدين. منه رحمه الله
تعالى.
(5) الفقيه 1: 315 / 1431، الإحتجاج: 479، إكمال الدين: 520 / 49، الوسائل 4: 236
أبواب المواقيت ب 38 ح 8.
(6) انظر: سنن البيهقي 2: 458، وسنن أبي داوود 2: 25 / 1279، وسنن النسائي 1: 281،
وصحيح البخاري 1: 153.
119

العصر، وفي بعضها: إنه صلى الله عليه وآله لم يتركهما سرا وعلانية.
ثم إن تلك الروايات - مع موافقتها للشهرة العظيمة، بل للإجماع في
التذكرة على أن هذه النواهي إنما هي للكراهة (1)، والمحكي في المختلف على
الجواز (2)، بل المحقق على ما قيل من عدم نصوصية عبارات المحرمين في
التحريم (3)، وللعمومات والإطلاقات - موافقة لقوله سبحانه: (أرأيت الذي
ينهى عبدا إذا صلى) (4). ومخالفة لطريقة العامة، فإنهم في غاية التشديد في المنع،
كما يستفاد من أخبار الأطياب، وبه صرح جملة من الأصحاب (5). ومع ذلك
بعضها متأخرة من جميع الروايات المخالفة وأحدث منها، وكل ذلك من المرجحات
المنصوصة.
هذا، مع أن الأخيرة من روايات المنع ضعيفة، وحجيتها غير ثابتة.
والسابقتين عليها وإن كانتا في الأصول المعتبرة وهو عندنا عن اعتبار السند
مجز، إلا أنهما لمخالفتهما لعمل الصدوق والحلي اللذين هما صاحبا الأصلين
معزولان عن الحجية.
والسابقة عليهما خارجة عن محل النزاع، لورودها في قضاء النافلة الذي هو
من ذوات الأسباب، فيعارض كل مجوزاتها التي هي أكثر عددا وأصح سندا
وأوضح دلالة منها. وتفسير المقتضي بالقاضي للنوافل حتى يصير من أخبار موضع
النزاع ويتخلص عن التعارض المذكور لا دليل عليه، وإطلاق المقتضي عليه غير
معلوم، وإرادة الداعي المرجح للفعل أو ذي الحاجة الذي أراد قضاءها ممكنة،

(1) التذكرة 1: 80.
(2) المختلف: 76.
(3) الرياض 1: 112.
(4) العلق: 9 و 10.
(5) انظر المختلف: 76، التذكرة 1: 80، المدارك 3: 108.
120

بل هي للمعنى اللغوي أوفق، ولمرجع الإشارة في قوله: (ذلك) أنسب، غاية
الأمر تساوي المعنيين ومعه تنتفي الدلالة.
والثلاثة السابقة عليها غير دالة، إذ الظاهر منها نفي الصلاة الموظفة بهذه
الأوقات، ردا في بعضها على العامة، ولو سلم فإرادته مع نفي الجواز متساوية،
فدلالتها على التحريم غير معلومة (1).
وبذلك يجاب عن ترجيح أخبار المنع على أخبار الجواز بكون الأولى باعتبار
تخصيصها بالمبتدأة - كما يأتي - أخص من الثانية، فتقدم عليها من غير ملاحظة
وجوه التراجيح.
ومن جميع ذلك يظهر ضعف مخالفة المشهور والقول بالتحريم - لبعض
أخبار المنع - في الأول ممتدا منه إلى الزوال، وفي الثاني كالناصريات (2)، أو في
الثالث إلى الزوال كالانتصار (3)، أو فيه وفي الثاني إلى الغروب كما عن العماني (4)،
أو في الثلاثة الأخيرة كما عن الإسكافي (5)، وإليه يميل كلام بعض متأخري
المتأخرين طاب ثراه (6)، أو في الثالث والرابع كما عن ظاهر المفيد (7).
كما يظهر - من صراحة الأوليين من روايات المنع في المرجوحية، وكذا
الثلاثة الأخيرة بضميمة التسامح في أدلة الكراهة، وخلوها عن المعارض في ذلك،
لعدم منافاتها للجواز بل في العبادات للرجحان الذاتي الذي هو معنى

(1) بل لو أغمض النظر عن إرادة التوظيف فنفي الجواز الذي هو معنى مجازي لذلك التركيب ليس
بأولى من مجاز آخر وهو الكراهة بأحد معانيها. منه رحمه الله تعالى.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.
(3) الإنتصار: 103.
(4) حكاه عنه في المختلف: 76.
(5) حكاه عنه في المختلف: 76.
(6) قال في كشف اللثام 1: 165: لما ورد النهي ولا معارض له كان الظاهر الحرمة.
(7) المقنعة: 144.
121

الاستحباب - ضعف مخالفة أخرى للمشهور بنفي الكراهة رأسا، كما هو ظاهر
الصدوق في الخصال (1)، وعن الطبرسي في الاحتجاج (2)، والمفيد في كتابه المسمى
ب (افعل لا تفعل) (3)، ونقل عن طائفة من محققي متأخري المتأخرين (4)، أو
التوقف فيها وفي الإباحة، كما هو ظاهر الفقيه والسرائر (5)، لضعف أدلة المرجوحية
وموافقتها للعامة.
فإن الضعف - لو كان - بالتسامح يجبر، والتوافق لهم مع عدم المعارض غير
معتبر.
وكما يظهر - من اشتمال جميع الروايات على الأوقات الخمسة - ضعف مخالفة
ثالثة هي تخصيص الكراهة بالثالث والرابع، كالشيخ في النهاية (6)، أو مع
الخامس، كما عن الجعفي (7).
ثم مقتضى عموم غير صحيحة ابن بلال من روايات المنع أو إطلاقها وإن
كان كراهة الصلاة في الأوقات المذكورة مطلقا، إلا أن الفرائض مستثناة منها أداء
وقضاء، بالإجماع المحقق، والمحكي في صريح المنتهى والسرائر (8)، وظاهر

(1) الخصال: 71.
(2) الإحتجاج: 479.
(3) حكاه عنه في المدارك 3: 108.
(4) انظر الذخيرة: 204، وقال في الرياض 1: 112 بعد نقل قول المفيد في افعل لا تفعل: ومال
إليه جماعة من محققي متأخري المتأخرين، وهو غير بعيد، سيما مع إطلاق النصوص بنفل النوافل
في الأخيرين، إلى أن قال: ولكن كان الأولى عدم الخروج عما عليه الأصحاب من الكراهة نظرا
إلى التسامح في أدلتها كما هو الأشهر الأقوى.
(5) الفقيه 1: 315، السرائر 1: 201.
(6) النهاية: 62.
(7) حكاه عنه في الذكرى: 127.
(8) المنتهى 1: 215، السرائر 1: 203.
122

الناصريات والتذكرة (1)، ونفى الأردبيلي - قدس سره - عنه الشك في شرح
الإرشاد (2)، وهو الحجة فيه (3).
مضافا في الجميع: إلى صحيحة ابن أبي خلف: (الصلوات المفروضات في
أول وقتها إذا أقيم حدودها أطيب ريحا من قصب الآس) إلى أن قال: (فعليكم
بالوقت الأول) (4). دلت على رجحان أول وقت جميع الفرائض ولو كان أحد
الأوقات المذكورة.
وفي قضاء الفرائض: إلى حسنة زرارة: (فإن استيقنت - أي فوت الصلاة -
فعليك أن تصليها في أي حال كنت) (5).
ورواية نعمان الرازي: عن رجل فاته له شئ من الصلاة فذكر عند طلوع
الشمس وعند غروبها، قال: (فليصل حين ذكره) (6).
ورواية زرارة وغيره: عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو
نام عنها، قال: (يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا) (7).
وفي خصوص صلاة الميت: إلى صحيحة محمد، المتقدمة (8).

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، التذكرة 1: 80.
(2) مجمع الفائدة 2: 47.
(3) وقد يستدل أيضا في بعضها بحسنة ابن عمار: خمس صلوات لا تترك على كل حال) الحديث،
وفيها مناقشة، فإن مطلوبية عدم الترك لا تنافي مطلوبية التأخير. منه رحمه الله تعالى.
(4) التهذيب 2: 40 / 128، ثواب الأعمال: 36، الوسائل 4: 118 أبواب المواقيت ب 3 ح 1.
(5) الكافي 3: 294 الصلاة ب 12 ح 10، التهذيب 2: 276 / 1098، الوسائل 4: 282 أبواب
المواقيت ب 60 ح 1.
(6) التهذيب 2: 171 / 680، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت ب 39 ح 16.
(7) التهذيب 2: 266 / 1059، الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57 ح 1.
دلت هذه الأخبار على وجوب القضاء في أي وقت كان أو حين التذكر مطلقا، على المضايقة،
وعلى استحبابه، الموجب لرجحانه على التأخير عنهما، على المواسعة. منه رحمه الله تعالى.
(8) في ص 117.
123

وفيما يفوت الوقت بتأخيره: إلى دليل تعينه.
وخصوصية روايات الكراهة باعتبار الوقت عن بعض هذه غير ضائرة،
لخصوصيتها أيضا باعتبار الصلاة، فلو رجح بموافقة الشهرة بل الإجماع، وإلا
فيرجع إلى الأصل.
وبه يجاب عن خبر عبد الرحمان: (تكره الصلاة على الجنائز حين تصفر
الشمس وحين تطلع) (1). مع موافقته للعامة (2).
وأما صحيحة محمد: عن ركعتي طواف الفريضة، قال: (وقتهما إذا فرغت
من طوافك، وأكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها) (3) فلا تنافيه، لرجوع
الضمير إلى الطواف.
وبه يدفع توهم منافاة صحيحة أخرى له: عمن يدخل مكة بعد الغداة،
قال: (يطوف ويصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها) (4)
مع شمولها للطواف المندوب أيضا.
وأما خبر أبي بصير فيمن فاتته العشاءان: (إن خاف أن تطلع الشمس
فتفوته إحدى الصلاتين فليصل المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تطلع الشمس
ويذهب شعاعها) (5) وحسنة زرارة، وفيها في قضاء المغرب والعشاء: (أيهما ذكرت

(1) التهذيب 3: 321 / 1000، الإستبصار 1: 470 / 1816، الوسائل 3: 109 أبواب صلاة
الجنازة ب 20 ح 5.
(2) انظر: صحيح البخاري 1: 109، وسنن ابن ماجة 1: 486.
(3) التهذيب 5: 141 / 467، الإستبصار 2: 236 / 822، الوسائل 13: 435 أبواب الطواف
ب 76 ح 7.
(4) التهذيب 5: 141 / 468، الإستبصار 2: 237 / 823، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف
ب 76 ح 8.
(5) التهذيب 2: 270 / 1077، الإستبصار 1: 288 / 1054، الوسائل 4: 288 أبواب المواقيت
ب 62 ح 3.
124

فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس) (1). فهما وإن دلا على رجحان تأخير قضاء
العشاء من حين طلوع الشمس، إلا أن لعدم القول بالفصل بين الصلوات بل
الأوقات تعارضهما رواية الرازي، المتقدمة وغيرها، والترجيح لمعارضتهما، لمخالفة
العامة.
وقد يستدل على نفي الكراهة في الفرائض: بوجوه أخر ضعيفة.
وأما النوافل ذوات الأسباب: فالمشهور استثناؤها أيضا، بل يستشم من
الناصريات اتفاق أصحابنا عليه (2).
للجمع بين مطلقات الجواز ومطلقات المنع، وعموم شرعية ذوات الأسباب
عند حصولها، وعمومات قضاء الفوائت أو صلاة النهار أو خصوص قضاء النوافل
في أي وقت شاء أو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها أو بعد العصر، وقضاء صلاة
الليل قبل طلوع الشمس أو بعد صلاة الفجر وبعد العصر وأنه من سر آل محمد
المخزون، وما دل على أن خمس صلوات تصلى في كل حال ومنها صلاة الإحرام
والطواف (3)، إلى غير ذلك -
والكل ضعيف.
أما الأول: فلأنه جمع بلا شاهد، مع ما عرفت من عدم التعارض بعد
قصر المنع على الكراهة، سيما بالمعنى المراد في المقام من المرجوحية الإضافية.
وهو الوجه في ضعف دلالة البواقي، إذ لا منافاة بين الكراهة بذلك المعنى
وبين شئ منها أصلا، كما هو ظاهر.
وبه صرح المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد، ومال إلى ثبوت الكراهة إلا

(1) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1 التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 4: 290 أبواب
المواقيت ب 63 ح 1.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.
(3) انظر الوسائل 4: أبواب المواقيت ب 39، 45، 49.
125

في الصلوات الخمس المشار إليها (1)، وهو جيد، إلا أن في دلالة الروايات المتضمنة
للخمس على انتفاء الكراهة عنها أيضا نظرا.
نعم، في حسنة زرارة: (صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها) (2). وهي تدل
على رجحان أداء الفوائت مطلقا حال التذكر كذلك على تركها حينئذ، وهو مناف
للكراهة، فيتم استثناؤها وإن أمكنت المناقشة فيها أيضا على المراد من الكراهة،
وأما غيرها فلا وجه له.
ولذا قال بعض الأجلة: وإن قيل: إن فوات الأسباب إن كانت المبادرة
إليها مطلولة للشارع - كالقضاء والتحية - لم تكره وإلا كرهت، كان متجها (3).
انتهى.
ونظره في استثناء التحية إلى قوله عليه السلام: (إذا دخل أحدكم المسجد
فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) (4) وفي دلالته نظر.
وبالجملة: لا دليل تاما على استثناء غير قضاء النوافل، فالتعميم في
الكراهة والاقتصار في الاستثناء على قضاء النوافل - كما في المقنعة (5)، والهداية (6)،

(1) فإن المحقق الأردبيلي بعد أن استدل على الكراهة بمفهوم ما دل على أن خمس صلوات أو أربع
تصلى في كل وقت، وعلى عدمها في تلك الخمس أو الأربع بمنطوقه، وبعد أن صرح بإرادة أقلية
الثواب من الكراهة هنا، قال: على أنه لا منافاة بين الكراهة وجواز فعل ذات السبب، بل المطلق،
إلا أن يثبت نفي الكراهة وليس بظاهر إلا في الصلوات الخمس أو الأربع. نعم لو ثبتت المنافاة أو
كانت الكراهة منتفية عن ذات السبب مطلقا وثابتة للمطلق كان الجمع المشهور جيدا. وليس ذلك
بظاهر، بل الظاهر إما عدم الكراهة مطلقا لعدم صحة الدليل الخاص وعدم حجية المفهوم، أو
الكراهة مطلقا سوى الخمس المذكورة. (مجمع الفائدة 2: 49). منه رحمه الله تعالى.
(2) الكافي 3: 288 الصلاة ب 10 ح 3، الفقيه 1: 278 / 1265، الخصال: 247 / 107،
الوسائل 4: 240 أبواب المواقيت ب 39 ح 1.
(3) كشف اللثام 1: 166.
(4) ورد مؤداه في مكارم الأخلاق: 298، وعنه في البحار 81: 25 / 17.
(5) المقنعة: 212.
(6) الهداية: 38 اقتصر في الفقيه (ج 1: ص 278) على استثناء الأربع الواردة في حسنة زرارة:
القضاء مطلقا و ثلاثة من الفرائض.
126

والجمل والعقود والوسيلة والجامع (1)، إلا أن غير الأول زاد صلاتي الإحرام
والطواف من غير تقييد بالفرض، والأخير صلاة التحية أيضا - أولى، وإن كان في
استثناء القضاء أيضا تأمل، بل الظاهر عدمه، كالشيخ في النهاية (2)، فإنه لم
يستثن صلاة نافلة مطلقا، بل هو محتمل كل، من قال بكراهة ابتداء النوافل في
تلك الأوقات كلا أو بعضا من غير استثناء، لجواز إرادة الإحداث من الابتداء،
احترازا عمن دخل عليه تلك الأوقات وهو في الصلاة.
فروع:
أ: النهي في الأوقات الثلاثة الأخيرة (3) متعلق بالوقت، وأما في الأولين (4)
فالمصرح به في كلام الأكثر، بل المدعى عليه الإجماع، أنهما متعلقان ببعد
الصلاتين، فمن لم يصلهما لا يكره له التنفل على القول بجواز النافلة وقت
الفريضة. ويطول زمان الكراهة ويقصر بإتيان الصلاتين أول الوقت وآخره.
فإن ثبت الإجماع فهو، وإلا فالمصرح به في النصوص: بعد الفجر والعصر،
اللذين هما حقيقتان في الوقت، بل في بعضها الذي منه الصحيح: بعد طلوع
الفجر (5).
وعلى هذا فلو قلنا بتعلقهما أيضا بالوقت - كما هو ظاهر المعتبر والنافع
والإرشاد (6)، وغيرها - لم يكن بعيدا. ولا يلزم منه كراهة الفرضين ولا نافلتهما،
لاستثنائهما بالنصوص والإجماع، مع أن كراهة التطوع في وقت الفريضة ثابتة

(1) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 175، الوسيلة: 84، الجامع للشرائع: 69.
(2) النهاية: 62.
(3) أي عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها.
(4) أي بعد الصبح وبعد العصر.
(5) راجع ص 118 صحيحة ابن بلال.
(6) المعتبر 2: 60، المختصر النافع: 23، الإرشاد 1: 244.
127

قطعا.
ب: المستفاد من الأخبار أن منتهى الأولين طلوع الشمس وغروبها، وأما
الثالث فمبدؤه بعد طلوع الشمس في الانتصار (1)، وعنده في كلام الأكثر (2)، وهو
مقتضى الروايات. ولا يبعد إرادة المعنى العرفي حتى يشمل ما قارب الطلوع
أيضا.
ويدل عليه خبر المجازات إن فسر الحاجب بالشعاع (3).
ومنتهاه الزوال عند السيد (4)، وانتفاء حمرة الشمس وذهاب شعاعها عند
جماعة (5).
ويدل عليه بعض الروايات، كخبر أبي بصير وحسنة زرارة المتقدمتين (6)،
ورواية عمار، المتضمنة للنهي عن سجدتي السهو حتى تطلع الشمس ويذهب
شعاعها (7). وأطلق آخرون.
ويستفاد من رواية العلل (8)، وأخرى عامية أصرح منها (9): أنه ارتفاع
الشمس، وهو مؤخر عن زوال الحمرة. ولا بأس به للتسامح.
ومبدأ الخامس قرب الزوال، لصدق نصف النهار والاستواء عرفا، ولعدم
إمكان إرادة النصف الحقيقي، لعدم امتيازه عن الزوال الذي هو المنتهى إجماعا.

(1) الإنتصار: 50.
(2) كالمعتبر 2: 60، المنتهى 1: 214، الحدائق 6: 303.
(3) راجع ص 119.
(4) الإنتصار: 50.
(5) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 320، صاحب المدارك 3: 105، صاحب الحدائق 6: 303.
(6) في ص 124.
(7) التهذيب 2: 353 / 1466، الوسائل 8: 250 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 32 ح 2.
(8) راجع ص 117.
(9) سنن البيهقي 2: 454، سنن ابن ماجة 1: 397.
128

ومبدأ الرابع قرب الغروب، لما مر، وللعامي: (نهى النبي صلى الله عليه
وآله عن الصلاة إذا تضيفت الشمس للغروب) (1) أي: مالت، ولآخر المتضمن
للتعليل بدنو قرن الشيطان، وفيه: (وإذا دنت للغروب قارنها) (2).
ومنتهاه الغروب، المتحقق بغيبوبة القرص أو زوال الحمرة المشرقية. وحد
في بعض الأخبار بصلاة المغرب (3). ولا بأس به، سيما مع كراهة التطوع وقت
الفريضة.
ج: هل الكراهة مختصة بالشروع، أو يكره لمن دخل عليه أحد هذه
الأوقات وهو في النافلة؟
قيل بالأول (4)، لأن قطع النافلة مكروه، ولأن المنهي عنه الصلاة لا
بعضها، ويؤكده عدم انصراف المطلقات إلى مثله.
الثامنة: اتفقوا على جواز قضاء كل من النوافل الليلية والنهارية في كل من
الليل والنهار، للنصوص المستفيضة (5).
وأما رواية عمار: عن الرجل ينام عن الفجر حتى تطلع الشمس وهو في
سفر كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: (لا يقضي صلاة نافلة ولا
فريضة بالنهار، ولا يجوز له، ولا يثبت له، ولكن يؤخرها فيقضيها بالليل) (6)،
وموثقته: عن الرجل تكون عليه صلاة في الحضر هل يقضيها وهو مسافر؟ قال:

(1) سنن البيهقي 2: 454.
(2) الموطأ 1: 219 / 44، سنن ابن ماجة 1: 397 / 1253، سنن النسائي 1: 275.
(3) كما في موثقة الحلبي ورواية ابن عمار، المتقدمتين في ص 118.
(4) كما في كشف اللثام 1: 164.
(5) انظر: الوسائل 4: 274 أبواب المواقيت ب 57.
(6) التهذيب 2: 272 / 1081، الإستبصار 1: 289 / 1057، الوسائل 4: 278 أبواب المواقيت ب 57 ح 14.
129

(نعم يقضيها بالليل على الأرض) (1). فمحمولتان بشهادة ما قد ذكر على
الأفضلية، ولولاه لخرجتا بالشذوذ عن الحجية، مع إمكان تخصيص الأخيرة
بالفريضة.
ثم اختلفوا في الأفضل، فالأكثر - كما في المدارك وشرح القواعد (2)،
وغيرهما - على أفضلية التعجيل ولو بقضاء النهارية في الليل وبالعكس، لآيتي
المسارعة والاستباق (3).
وخبر عنبسة: [سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل]:
(هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) (4)، قال:
(قضاء صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل) (5).
وصحيحة أبي بصير: (إن قويت فاقض صلاة النهار بالليل) (6).
ومرسلة الفقيه: (كل ما فاتك في الليل فاقضه بالنهار) (7).
ورواية إسحاق وفيها أن بعد أن رأى الصادق عليه السلام رجلا يقضي
صلاة الليل بالنهار: (إن الله يباهي بالعبد يقضي صلاة الليل بالنهار، يقول: يا
ملائكتي انظروا إلى عبدي [كيف] يقضي ما لم أفترضه عليه) (8).
وموثقة محمد: (إن علي بن الحسين عليهما السلام كان إذا فاته شئ من

(1) التهذيب 2: 273 / 1086، الوسائل 8: 268 أبواب قضاء الصلوات ب 6 ح 2.
(2) المدارك 3: 109، جامع المقاصد 2: 38.
(3) آل عمران: 133، البقرة: 148، والمائدة: 48.
(4) الفرقان: 62.
(5) التهذيب 2: 275 / 1093، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 2، وما بين المعقوفين من المصدر.
(6) التهذيب 2: 163 / 641، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 9
(7) الفقيه 1: 315 / 1428، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 4
(8) الذكرى: 137، الوسائل 4: 278 أبواب المواقيت ب 57 ح 15.
130

الليل قضاه بالنهار، وإن فاته من اليوم قضاه من الغد أو في الجمعة أو الشهر) (1).
وفي المرسل: (الذين هم على صلاتهم دائمون، أي يديمون على أداء
السنة، فإن فاتتهم بالليل قضوها بالنهار، وإن فاتتهم بالنهار قضوها بالليل) (2).
ولا يخفى أن تلك الأخبار لو تمت دلالتها لدلت على أفضلية قضاء الليلية
بالنهار وبالعكس، لتكون الفضيلة لخصوصية النهار والليل وإن نافى التعجيل (3).
وليس ذلك بمطلوبهم البتة، كما صرح به غير واحد منهم، ويدل عليه استدلالهم
بالآيتين. وتخصيص النهار والليل فيها بالمتصل بليلة الفوت ونهاره، وبما إذا لم
يعجل قضاء الليلية في هذه الليلة والنهارية في هذا النهار تقييد بلا دليل. وجعل
الإجماع على عدم رجحان النهار الذي بعده على الليل السابق عليه وكذا على نهار
الفوات دليله، ليس بأولى من حمل تلك الأخبار على بيان الجواز، مع أن
الأولى لا تدل على الأزيد منه، وكذا الرابعة وما بعدها. وأما المباهاة المذكورة فيها فيمكن
أن يكون لمجرد القضاء دون خصوص كونه بالنهار وإن خصه بالذكر لكون الواقعة
من ذلك القبيل، ويؤيده بل يعينه ذيله من أن المباهاة على قضاء ما لم يفترض، من غير تقييد.
وأيضا تؤيده صحيحة أخرى: (إن العبد يقوم فيقضي النافلة، فيعجب
الرب وملائكته عنه ويقول: ملائكتي، يقضي ما لم أفترضه عليه) (4).
كما يمكن أن يكون عمل السجاد عليه السلام لعلة أخرى غير الأفضلية،
كأن تكون لليلته وظائف ولأجلها لا تسع الليلة لقضاء.
هذا كله، مضافا إلى أن الثابت منها - لو دلت - ليس إلا الفضل، وهو غير

(1) التهذيب 2: 164 / 644، الوسائل 4: 276 أبواب المواقيت ب 57 ح 8.
(2) الخصال: 628، الوسائل 4: 228 أبواب المواقيت ب 35 ح 10. (بتفاوت فيهما).
(3) كما إذا أمكن قضاء نافلة المغرب في ليلتها، أو الظهرين في يومهما، أو انقضى النهار الأول ودار
الأمر بين القضاء في الليل الحاضر أو النهار الآتي. منه رحمه الله تعالى.
(4) الكافي 3: 488، الصلاة ب 105 ح 8، الفقيه 1: 315 / 1432، التهذيب 2: 146 / 646،
الوسائل 4: 75 أبواب أعداد الفرائض ب 18 ح 1.
131

مناف لأفضلية غيره لو ثبت بدليل، كما في ذلك المقام، حيث دلت الروايات على
أفضلية مراعاة المماثلة وقضاء الليلية في الليل والنهارية في النهار، كرواية الجعفي:
(أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل وصلاة النهار بالنهار) (1).
وصحيحة ابن عمار: (اقض ما فاتك من صلاة النهار بالنهار، وما فاتك من
صلاة الليل بالليل) (2).
وصحيحة العجلي: (أفضل قضاء صلاة الليل في الساعة التي فاتتك آخر
الليل، ولا بأس أن تقضيها بالنهار وقبل أن تزول الشمس) (3).
وموثقة زرارة: عن قضاء صلاة الليل، فقال: (اقضها في وقتها الذي
صليت فيه) (4).
وخبر إسماعيل: عن الرجل يصلي الأولى، ثم يتنفل، فيدركه وقت العصر
من قبل أن يفرغ من نافلته، فيبطئ بالعصر، يقضي نافلته بعد العصر، أو يؤخر
حتى يصليها في وقت آخر؟ قال: (يصلي العصر ويقضي نافلته في يوم آخر) (5).
وتخصيص الأوليين بليلة الفوات ونهاره وإن كان محتملا، بعد تعارضهما مع
الآيتين وما دل على أن الله عز شأنه يجب من الخير ما يجعل، ولكن ذلك في
البواقي غير ممكن، فبها تخصص الآيتان وما يؤدي مؤداهما، وتظهر قوة القول

(1) الكافي 3: 452 الصلاة ب 90 ح 5، التهذيب 2: 163 / 643، الوسائل 4: 276 أبواب
المواقيت ب 57 ح 7.
(2) الكافي 3: 451 الصلاة ب 90 ح 3، التهذيب 2: 162 / 637، الوسائل 4: 276 أبواب
المواقيت ب 57 ح 6.
(3) الفقيه 1: 316 / 1433، الوسائل 4: 275 أبواب المواقيت ب 57 ح 3.
(4) التهذيب 2: 164 / 645، الوسائل 4: 277 أبواب المواقيت ب 57 ح 11.
(5) التهذيب 2: 275 / 1092، الإستبصار 1: 291 / 1069، الوسائل 4: 244 أبواب المواقيت
ب 39 ح 18.
132

بأفضلية اعتبار المماثلة، كما عن الإسكافي وأركان المفيد (1)، واختاره صاحب
المدارك (2).
وذهب والدي - رحمه الله - في المعتمد إلى تساوي التعجيل والمماثلة، قال
- بعد الإشارة إلى روايات الطرفين -: والأولى عندي الحمل على التخيير - كما هو
صريح الخبر - والقول بترجيح كل منهما على الآخر بوجه، فإن العقل لا ينقص
من اشتراك فعلين في أصل الفضيلة مع اختصاص كل منهما بنوع خاص منها،
بأن تكون مزية كل منهما بوجه بحيث تتكافأ المزيتان في نظر العقل ولم يرجح
إحداهما على الأخرى، وحينئذ يتعين التخيير، والحكم هنا كذلك، فإن قضاء
الفائت في أحدهما في الآخر له مزية التعجيل والمبادرة إلى فعل الخير، وفي مثله مزية
مراعاة المماثلة في الوقت.. انتهى.
وجوابه يظهر مما مر، وقوله - رحمه الله -: صريح الخبر، إشارة إلى رواية ابن
أبي العلاء: (اقض صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار، كل ذلك
سواء) (3).
ودلالتها على التخيير في المقام محل نظر، لجواز إرادة تسوية الساعات في
الجواز ردا على القائلين بالحرمة في بعضها من العامة.
ثم الظاهر اختصاص ما مر من أفضلية المماثلة وفضيلة التعجيل بغير حالة
السفر.
والأفضل فيها القضاء في الليل مطلقا، لرواية عمار وموثقته، المتقدمتين في
صدر المسألة (4).

(1) حكاه عنهما في الذكرى: 137.
(2) المدارك 3: 111.
(3) التهذيب 2: 173 / 691، الإستبصار 1: 290 / 1062، الوسائل 4: 243 أبواب المواقيت
ب 39 ح 13.
(4) راجع ص 129.
133

التاسعة: الأفضل في كل صلاة تقديمه في أول وقته. لا للخروج عن شبهة
الخلاف في الفرائض، لأنه قد يقتضي التأخير (1). بل للإجماع، وأدلة استحبا ب المسارعة والتعجيل
والاستباق إلى الطاعات، والنصوص المستفيضة، بل تستفاد
من كثير منها أفضلية الأول فالأول، كصحيحة زرارة: (أول الوقت أبدا أفضل،
فعجل الخير ما استطعت) (2).
والعلة المنصوصة في صحيحة سعد: (إذا دخل عليك الوقت فصلها،
فإنك لا تدري ما يكون) (3) وفي أخرى: (فإنك لا تأمن الموت) (4).
إلا أنهم استثنوا من الكلية، وفضلوا التأخير في مواضع قد مر الكلام في
بعضها، ويأتي في بعض آخر في مواضعه.
ومما استثنوه: فاقد شرط يتوقع زوال عذره، لصحيحة عمر بن يزيد: أكون
في جانب المصر فيحضر المغرب وأنا أريد المنزل، فإن أخرت الصلاة حتى أصلي
في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء، أفأصلي في بعض المساجد؟ فقال: (صل في منزلك) (5).
وأخرى: أكون مع هؤلاء وأنصرف من عندهم عند المغرب فأمر بالمساجد
فأقيمت الصلاة، فإن أنا نزلت معهم لم أستمكن من الأذان والإقامة وافتتاح
الصلاة، فقال: (ائت منزلك وانزع ثيابك، وإن أردت أن تتوضأ فتوضأ وصل، فإنك في وقت إلى ربع الليل) (6).

(1) كما في المغرب عند القائل بأن أول وقت الغروب، والعشاء. منه رحمه الله تعالى.
(2) الكافي 3: 274 الصلاة ب 4 ح 8. التهذيب 2: 41 / 130، مستطرفات السرائر: 72 / 6،
الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 10.
(3) التهذيب 2: 272 / 1082، الوسائل 4: 119 أبواب المواقيت ب 3 ح 3.
(4) لم نعثر على صحيحة بتلك العبارة نعم ورد في فقه الرضا عليه السلام: 71: (ما يأمن أحدكم
الحدثان في ترك الصلاة وقد دخل وقتها وهو فارغ) والحدثان بالتحريك: الموت.
(5) التهذيب 2: 31 / 92، الوسائل 4: 197 أبواب المواقيت ب 19 ح 4 1.
(6) التهذيب 2: 30 / 91، الوسائل 4: 196 أبواب المواقيت ب 19 ح 11.
134

والمروي في قرب الإسناد في من غرقت ثيابه: (لا ينبغي له أن يصلي حتى
يخاف ذهاب الوقت، يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلى عريانا) (1).
وأوجبه السيد والإسكافي (2)، والديلمي (3)، لوجوب تحصيل الشروط مهما
أمكن.
والتحقيق: أنه يجب الرجوع في كل شرط إلى أدلة اشتراطه وأدلة معذورية
الفاقد له، وينظر في كيفية تعارضهما في حق مثل ذلك الشخص. فإن لم تثبت
المعذورية فيحكم بالوجوب، كما في فاقد ماء يظن حصوله في الوقت، وإلا فلا.
وأما الاستحباب فلا دليل عليه إلا رواية قرب الإسناد، وهو خاص
بموضع لا دليل على التعدي عنه والخروج عن الخلاف، المعارض بأدلة المسارعة.
إلا أن يستند فيها إلى فتوى العلماء بالاستحباب، التي هي خاصة بالنسبة إلى دليل
المسارعة، ولا بأس به.
ومنها: المدافع لأحد الأخبثين إلى أن يقضي حاجته، لصحيحة هشام: (ولا
صلاة لحاقب ولا حاقن، وهو بمنزلة من هو في ثيابه) (4).
وظاهرها وإن كان وجوب التأخير إلا أنهم حمولها على الاستحباب،
للإجماع، وصحيحة البجلي، المتضمنة لجواز الصبر عليه مع عدم خوف
الإعجال (5).

(1) قرب الإسناد: 142 / 511، الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.
(2) حكاه عنهما في الذكرى: 130.
(3) لم نعثر عليه في المراسم، وحكاه عنه في الذكرى: 130.
(4) التهذيب 2: 333 / 1372، المحاسن: 183 / 15، الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8
ح 2، في المصادر: الحاقن والحاقنة، وما في المتن موافق لنسخة الوافي. وقال ابن الأثير في النهاية ج 1
ص 416: الحاقن هو الذي حبس بوله كالحاقب للغائط.
(5) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 3، الفقيه 1: 240 / 1061، التهذيب 2: 324 / 1326
الوسائل 7: 251 أبواب قواطع الصلاة ب 8 ح 1.
135

ولا يخفى أنه يتعارض دليل التأخير مع أدلة أفضلية أول الوقت بالعموم من
وجه، ولازمه الرجوع إلى الأصل.
فإن أرادوا استثناء أفضلية أول الوقت فيتم الاستدلال، وإن أرادوا أفضلية
التأخير فلا دليل له إلا إذا أوجب التدافع فوات الحضور، فيرجع إلى الصورة
المتعقبة لذلك.
ومنها: ما إذا كان التأخير موجبا لإدراك صفة كمال، كاستيفاء الأفعال،
ومزيد الإقبال، واجتماع البال، والسعي إلى مكان شريف، ونحو ذلك، لروايتي
عمر بن يزيد، المتقدمتين.
ولا يخفى أنهما مختصتان بإدراك الأذان والإقامة والأمكنية التي هي اجتماع
البال، والتعدي إلى غيرهما لا دليل عليه، وعدم الفصل غير ثابت.
فالتحقيق فيه: أن ما لا دليل فيه بخصوصه على ترجيحه على أول الوقت
من المكملات يعارض دليله مع أدلة أول الوقت، فإن علم مزية إحدى الفضيلتين
على الأخرى بالأخبار أو غيرهما فالحكم له، وإلا فالتساوي، إلا أن يستند في
ترجيح التأخير إلى الشهرة، وليس ببعيد.
ومنها: التأخير لإدراك فضيلة الجماعة، لرواية جميل، المصرحة بأفضلية
التأخير له (1).
ومنها: تأخير المتنفل كلا من الظهرين إلى أن يأتي بنافلتهما، للإجماع،
والأمر في المستفيضة بتقديم النافلتين عليهما (2).
أما غير المتنفل لعذر - كالسفر أو الجمعة - أو بدونه، فالأفضل له الإتيان
بالصلاة أول الوقت دون التأخير بقدر النافلة، على الأظهر الأشهر، بل يظهر من

(1) الفقيه 1: 250 / 1121، الوسائل 8: 308 أبواب صلاة الجماعة ب 9 ح 1.
(2) انظر: الوسائل 4: 131 أبواب المواقيت ب 5.
136

المنتهى اتفاق أصحابنا عليه (1)، لأدلة فضيلة أول الوقت.
ومنها: تأخير الظهر إلى القدمين، والعصر إلى أربعة أقدام أو قامة، ذكره
جماعة (2)، للروايات الدالة على أنهما وقتهما، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يصليهما كذلك، وأن جبرئيل أتى بالعصر في الوقت المذكور (3).
وصحيحة عبيد: عن أفضل وقت الظهر، قال: (ذراع بعد الزوال) (4).
ومكاتبة عبد الله، وفيها: وقد أحببت - جعلت فداك - أن أعرف موضع
الفضل في الوقت، فكتب: (القدمان والأربعة أقدام صواب جميعا) (5).
ولا يخفى أن فعل النبي صلى الله عليه وآله غير ثابت، ولو ثبت فلعله
للنافلة والتعقيب، وكذا إتيان جبرئيل.
وأما الأخبار فإنها معارضة مع أخبار أخر، كرواية يزيد بن خليفة: (فإذا
زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك) (6).
ورواية أبي بصير: ذكر أبو عبد الله عليه السلام أول الوقت وفضله، فقلت:
كيف أصنع بالثمان ركعات؟ فقال: (خففت ما استطعت) (7).
ورواية محمد بن الفرج، وفيها: (وأحب أن يكون فراغك من الفريضة

(1) المنتهى 1: 211.
(2) كالكركي في جامع المقاصد 2: 26، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 50، والسبزواري في كفاية
الأحكام: 15.
(3) انظر: الوسائل 4: 156 أبواب المواقيت ب 10.
(4) التهذيب 2: 249 / 988، الإستبصار 1: 254 / 911، الوسائل 4: 147 أبواب المواقيت ب 8
ح 25.
(5) التهذيب 2: 249 / 989، الإستبصار 1: 254 / 912، الوسائل 4: 148 أبواب المواقيت ب 8
ح 30.
(6) الكافي 3: 275 الصلاة ب 5 ح 1، التهذيب 2: 20 / 56، الوسائل 4: 133 أبواب المواقيت
ب 5 ح 6.
(7) التهذيب 2: 257 / 1019، الوسائل 4: 121 أبواب المواقيت ب 3 ح 9.
137

والشمس على قدمين، ثم صل سبحتك، وأحب أن يكون فراغك من العصر
والشمس على أربعة أقدام) (1).
وموثقة ذريح: (إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك معه إلا سبحتك
تطيلها أو تقصرها) [فقال بعض القوم: إنا نصلي الأولى إذا كانت على قدمين
والعصر على أربعة أقدام] فقال أبو عبد الله عليه السلام: (النصف من ذلك أحب
إلي) (2).
وموثقة الجمال: العصر متى أصليها إذا كنت في غير سفر؟ قال: (على قدر
ثلثي قدم بعد الظهر) (3). وقريبة منها صحيحته (4).
وبعد التعارض تبقى روايات أول الوقت وفضيلته عن المعارض خالية، مع
أنه قد وقع التصريح في رواية محمد بن أحمد - المتقدمة في وقت الظهرين (5) - بعدم
اعتبار القدم والقدمين والأربع ونحوها، مضافا إلى ما يستفاد من المستفيضة أن
جعل القدم ونحوه وقتا للظهر لأجل النافلة.
والمراد من التحديد بهذه الأخبار أن هذا القدر وقت أفضلية التنفل، وبعده
يكون الأفضل الاشتغال بالفريضة، ففي موثقة زرارة: (أتدري لم جعل الذراع
والذراعان)؟ قلت: لم؟ قال: (لمكان الفريضة (6)، لك أن تتنفل من زوال الشمس
إلى أن يبلغ ذراعا، فإذا بلغ ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة) (7) ونحوها

(1) التهذيب 2: 250 / 991، الإستبصار 1: 255 / 914، الوسائل 4: 148 أبواب المواقيت ب 8
ح 31.
(2) التهذيب 2: 246 / 978، الإستبصار 1: 249 / 897، الوسائل 4: 134 أبواب المواقيت ب 5
ح 12 وأورد ذيله في ص 146 ب 8 ح 22، وما بين المعقوفين من المصدر.
(3) التهذيب 2: 257 / 1020، الوسائل 4: 153 أبواب المواقيت ب 9 ح 5.
، (4) الكافي 3: 431 الصلاة ب 81 ح 1، الوسائل 4: 143 أبواب المواقيت ب 8 ح 8.
(5) راجع ص 12.
(6) في الفقيه والتهذيب والوسائل: النافلة.
(7) الفقيه 1: 140 / 653، التهذيب 2: 19 / 55، الإستبصار 1: 250 / 899، علل الشرائع:
249 / 2، الوسائل 4: 141 أبواب المواقيت ب 8 ح 3، 4.
138

غيرها.
فالمراد من جعل هذا القدر أفضل أنه بواسطة التنفل، ولذا أسقطه عن غير
المتنفل، وبه صرح في رواية زرارة: (صلاة المسافر حين نزول الشمس، لأنه ليس
قبلها في السفر صلاة، وإن شاء أخرها إلى وقت الظهر في الحضر، غير أن أفضل
ذلك أن يصليها في أول وقتها حين تزول الشمس) (1).
على أنه لما كانت ملاحظة الذراع والأقدام والقامة مما كان يهتم به العامة،
وكان عليها مدارهم، فلذلك ورد في الأخبار، وقد كان يأمرون أصحابهم
بمراعاتها ويكرهون اتخاذهم تركها عادة، كما يشعر به رواية زرارة: أصوم فلا أقيل
حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس صليت نوافلي، ثم صليت الظهر، ثم
صليت نوافلي، ثم صليت العصر، ثم نمت، وذلك قبل أن يصلي الناس، فقال:
(يا زرارة، إذا زالت الشمس فقد دخل الوقت، ولكن أكره لك أن تتخذه وقتا
دائما) (2).
وفي قوله: (لك) والتقييد بالدوام إشعار بكونه تقية، مع أنه يمكن أن
يكون لأجل النوم بعد الظهر، أو يكون الضمير للزوال، والوقت للظهر بترك
النافلة.
وعلى ذلك تحمل رواية ابن ميسرة: إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل
أن يصلي الظهر والعصر؟ قال: (نعم، وما أحب أن يفعل ذلك كل يوم) (3).

(1) التهذيب 3: 234 / 612، الوسائل 4: 135 أبواب المواقيت ب 6 ح 1.
(2) التهذيب 2: 247 / 981، الإستبصار 1: 252 / 905، الوسائل 4: 134
أبواب المواقيت ب 5 ح 10
(3) التهذيب 2: 247 / 980، الإستبصار 1: 252 / 904، الوسائل 4: 128
أبواب المواقيت ب 4 ح 15.
139

وموثقة ابن بكير: إني صليت الظهر في يوم غيم، فانجلت، فوجدتني
صليت الظهر حين زال النهار، قال: فقال: (لا تعد، ولا تعد) (1).
ويمكن أن يكون النهي عن العود في الأخيرة أيضا، لأن تعجيل الصلاة في
يوم الغيم ربما يفضي إلى وقوع الصلاة قبل الوقت.
ومنها: تأخير العصر عن صلاة الظهر بقدر يتحقق التفريق ولو لم يتنفل.
وهذا هو التفريق المطلق، ويقابله مطلق الجمع، كما أن ما مر من تأخيرها إلى
الأقدام والقامة التفريق في الوقت، ويقابله الجمع فيه.
فقيل باستحباب ذلك (2)، لفعل النبي صلى الله عليه وآله وتفريقه إلا مع
حاجة، ولروايتي زرارة وابن ميسرة، المتقدمتين، ولما في الذكرى من أنه كما علم
من مذهب الإمامية جواز الجمع بين الصلاتين مطلقا علم منه استحباب التفريق
بينهما، بشهادة النصوص والمصنفات بذلك (3).
ويضعف الأول: بأنه إنما هو لمكان النافلة والتعقيب، والتفريق لأجلهما
مستحب إجماعا، وتفريقه بدونهما غير مسلم.
مع أنه صرح في الأخبار بأنه قد كان يجمع من غير علة أيضا، كما في
صحيحة ابن سنان: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر
بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان
وإقامتين) (4).
وحمل الجمع على الجمع في أحد الوقتين اللذين أتى به جبرئيل خلاف ظاهر

(1) التهذيب 2: 246 / 979، الإستبصار 1: 252 / 903 الوسائل 4: 129 أبواب المواقيت ب 4 ح 16.
(2) كما في الذكرى: 119، وجامع المقاصد 2: 26.
(3) الذكرى: 119.
(4) الفقيه 1: 186 / 886، الوسائل 4: 220 أبواب المواقيت ب 32 ح 1.
140

الكلام وترك الأذان، و (في) (1) رواية ابن حكيم: (الجمع بين الصلاتين إذا لم يكن
بينهما تطوع، وإذا كان بينهما تطوع فلا جمع) (2).
والروايتان: بما مر، وما في الذكرى بأنه لا يثبت إلا استحباب التنفل، كما
يستفاد مما استشهد به.
فالأظهر عدم استحبابه، بل أولوية أول الوقت، لأخبارها، كما صرح بها
المحقق الخونساري في شرح الروضة وصاحب الحدائق (3)
ومنها: تأخير المغرب حتى زالت الحمرة المشرقية، لموثقة ابن شعيب المتقدمة
في أول وقت المغرب (4).
ورواية جارود: (يا جارود، ينصحون فلا يقبلون - إلى أن قال: - قلت
لهم: مسوا بالمغرب قليلا، فتركوها حتى اشتبكت النجوم، فأنا الآن أصليها إذا
سقط القرص) (5).
ومكاتبة ابن وضاح: يتوارى القرص ويقبل الليل، ثم يزيد الليل ارتفاعا
وتستتر عنا الشمس، وترتفع فوق الجبل حمرة، ويؤذن المؤذنون، فأصلي حينئذ
وأفطر إن كنت صائما؟ أو أنتظر حتى تذهب الحمرة التي فوق الجبل؟ فكتب إلي:
(أرى لك أن تنتظر حتى تذهب الحمرة، وتأخذ بالحائطة لدينك) (6).
ورواية الساباطي: (إنما أمرت أبا الخطاب أن يصلي المغرب حين زالت

(1) ليس في (ق).
(2) الكافي 3: 287 الصلاة ب 9 ح 3، التهذيب 2: 263 / 1050، الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33 ح 2.
(3) الحواشي على شرح اللمعة: 165، الحدائق 6: 151.
(4) راجع ص 30.
(5) التهذيب 2: 259 / 1032، الوسائل 4: 177 أبواب المواقيت ب 16 ح 15.
(6) التهذيب 2: 259 / 1031 الإستبصار 1: 264 / 952، الوسائل 4: 176 أبواب المواقيت ب 16 ح 14.
141

الحمرة، فجعل هو الحمرة التي من قبل المغرب، فكان يصلي حين يغيب
الشفق) (1).
ورواية شهاب: (إني أحب إذا صليت المغرب أن أرى في السماء
كوكبا) (2).
وللفرار من خلاف من جعله أول الوقت (3).
وفي الكل نظر:
أما الأول: فلأن الإمساء قليلا أعم من زوال الحمرة المشرقية، ويمكن أن
يكون لتحصيل اليقين بغياب القرص، سيما في البلاد الجبالية كما هو الظاهر من
الرواية.
ومنه يظهر ما في الثاني.
وأما الثالث: فلأن المراد بالحمرة فيها يمكن أن تكون الحمرة الباقية من
ضوء الشمس على الأعالي، بل هو الظاهر من قوله: (ترتفع فوق الجبل).
ومنه يظهر ما في الرابع.
وأما الخامس: فلأنه لا يدل إلا على مطلوبية رؤية كوكب بعد تمام الصلاة،
فلعله لأجل استحباب التأني في صلاة المغرب، فإن الظاهر أن بأدائها مع تؤدة
يرى الكوكب بعد الفراغ، سيما الزهرة والمشتري.
وأما السادس: فلأن مطلوبية الفرار عن خلاف المخالف إنما هي لأجل
الاحتياط، ودليله أعم من وجه من أدلة أفضلية أول الوقت، مع ترجيح الأخيرة

(1) التهذيب 2: 259 / 1033، الإستبصار 1: 265 / 960، الوسائل 4: 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 10.
(2) التهذيب 2: 261 / 1040، الإستبصار 1: 268 / 971، علل الشرائع
: 350 / 2 الوسائل 4: 175 أبواب المواقيت ب 16 ح 9.
(3) راجع ص 29.
142

بموافقة آيتي المسارعة والاستباق، ومعاضدة ظاهر الإجماع المنقول في المنتهى،
قال: لا يستحب تأخير المغرب عن الغروب في قول أهل العلم (1)، ومطابقة ما في
مرسلة محمد بن أبي حمزة: (ملعون ملعون من أخر المغرب طلب فضلها) (2).
ومنها: تأخير الظهر في اليوم الحار حتى تسكن شدة الحرارة، لصحيحة ابن
وهب: (كان المؤذن يأتي النبي صلى الله عليه وآله في صلاة الظهر فيقول له الرسول
صلى الله عليه وآله: أبرد أبرد) (3).
والمروي في العلل: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا اشتد الحر
فأبردوا بالصلاة، فإن الحر من فيح جهنم) (4).
ولكن إرادة تأخير الصلاة حتى يسكن الحر من قوله: (أبرد) مجاز، كما أن
إرادة السرور من البرد، أو التعجيل لذلك (5) مجاز آخر محتمل، بل الأخير هو
الأظهر من المروي في الغوالي: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الرمضاء،
فقال: أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم) (6). (بل يمكن أن يراد أنه
لما كانت الحرارة من فيح جهنم تسكن بدخول الصلاة فحصلوا البرد بها. والله
يعلم) (7).
العاشرة: لو اشتغل بالعصر أو العشاء أولا، فإن ذكر وهو فيها ولو قبل

(1) المنتهى 1: 211.
(2) التهذيب 2: 33 / 100، علل الشرائع: 350 / 6، الوسائل 4: 192 أبواب المواقيت ب 18
ح 20.
(3) الفقيه 1: 144 / 671، الوسائل 4: 247 أبواب المواقيت ب 42 ح 1.
(4) علل الشرائع 1: 247، الوسائل 4: 142 أبواب المواقيت ب 8 ح 6. الفيح: سطوع الحر
وفورانه. لسان العرب 2: 550.
(5) قال الصدوق في ذيل صحيحة ابن وهب: قال مصنف هذا الكتاب: يعني عجل عجل، وأخذ
ذلك من التبريد.
(6) غوالي اللآلئ 1: 161 / 152، وعنه في المستدرك 3: 149 أبواب المواقيت ب 33 ح 1.
(7) ما بين القوسين ليس في (ه‍).
143

التسليم - على القول بكونه جزءا ولو مستحبا - عدل مع إمكانه، بلا خلاف فيه
ظاهر.
لصحيحة البصري: عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى،
فقال: (إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها، وإن ذكرها وهو في صلاة
بدأ بالتي نسي، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب،
وإن كان صلى العتمة وحدها فصلى منها ركعتين، ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها
بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات، ثم يصلي العتمة بعد ذلك) (1).
وصحيحة الحلبي: عن رجل أم قوما في العصر، فذكر وهو يصلي بهم أنه
لم يكن صلى الأولى، قال: (فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف بعد صلاة
العصر) (2).
وصحيحة زرارة، وفيها: (وإن نسيت الظهر حتى صليت العصر، فذكرتها
وأنت في الصلاة أو بعد فراغها فانوها الأولى، ثم صل العصر، فإنما هي أربع
مكان أربع، فإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت
منها ركعتين، فانوها الأولى فصل الركعتين الباقيتين، وقم فصل العصر) إلى أن
قال: (وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب،
وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها
المغرب ثم سلم، ثم قم فصل العشاء الآخرة) (3).
ولا فرق بين أن يكون الاشتغال بالثانية في الوقت المشترك أو المختص

(1) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 5، التهذيب 2: 269 / 1071، الوسائل 4: 291 أبواب
المواقيت ب 63 ح 2.
(2) الكافي 3: 294 الصلاة ب 2 1 ح 7، التهذيب 2: 269 / 1072، الوسائل 4: 292 أبواب
المواقيت ب 63 ح 3.
(3) الكافي 3: 291 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 4: 290 أبواب
المواقيت ب 63 ح 1.
144

بالأولى، للإطلاق، وصحة ما أتى به بنية الثانية، لتعبده بظنه.
وإن ذكر عند تعذر العدول أو عند الفراغ، فإن وقع الجميع في الوقت
المختص بالأولى بطلت الثانية، لما مر في مسألة من صلى قبل الوقت (1). وبه
يعارض بعض الإطلاقات فتقيد بما إذا وقع في الوقت.
وإن وقع في الوقت المشترك أو دخل وهو فيها، فقالوا بصحة ما فيه، وعليه
الإتيان بالأولى بعده خاصة.
والحكم فيما إذا ذكر بعد التمام وإن كان موافقا للأصل، لأن المتصور إما
بطلان ما أتى به، وهو مخالف لما علم قطعا بالإجماع والنصوص، من أنه لو لم
يتذكر حتى خرج الوقت ليس عليه إلا قضاء الأولى فقط. أو وقوعه صحيحا
للأولى، وهو أيضا مخالف لما ذكر، ولعموم قولهم عليهم السلام: (لكل امرئ ما
نوى) (2) أو العدول، وهو مخالف للأصل. أو صحته للثانية، وهو المطلوب. ومع
ذلك فهو في العشاءين موافق لنص خال عن المعارض.
ولكنه مخالف في الظهرين لقوله في صحيحة زرارة: (وإن نسيت الظهر
حتى صليت العصر...) ولرواية الحلبي: عن رجل نسي أن يصلي الأولى حتى
صلى العصر، قال: (فليجعل صلاته التي صلى الأولى، ثم ليستأنف العصر) (3)
والرضوي: عن رجل نسي الظهر حتى صلى العصر، قال: (يجعل صلاة العصر
التي صلى الظهر، ثم يصلي العصر بعد ذلك) (4).
وفيما إذا ذكر في الأثناء حال تعذر العدول للأصل.

(1) راجع ص 101.
(2) انظر: الوسائل 1: 48 أبواب مقدمة العبادات ب 5 ح 10.
(3) التهذيب 2: 269 / 1074، الإستبصار 1: 287 / 1052، الوسائل 4: 292 أبواب المواقيت ب 63 ح 4.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 122، مستدرك الوسائل 3: 162 أبواب المواقيت ب 48 ح 1.
145

إلا أن الحكمين مقطوع بهما في كلام من تعرض المسألة، بل قيل في الأول
إنه متفق عليه (1). فإن ثبت الإجماع فلا مفر عنه، وإلا - كما هو الظاهر حيث إنه
لا تعرض للمسألة في كلام كثير من الأصحاب، وغاية ما يتحقق هنا عدم ظهور
الخلاف ولا حجية فيه - فالخروج عن الأصل في الثاني، وعن مقتضى النص الخالي
عن المعارض في الأول بلا دليل مشكل.
ولذا قال في المفاتيح - بعد ذكر ورود جواز العدول بعد الفراغ في
الصحيح -: وهو حسن (2)، وقال بعض شراحه: ولعله الصحيح، وقال
الأردبيلي: ولو كان به قائل لكان القول به متعينا.
وأما جعله معارضا مع ما ورد في العشاء فلا وجه له، إذ لا يمكن جعل
العشاء مغربا، وعدم القول بالفصل غير معلوم.
وأما صحيحة صفوان: عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان
صلى العصر، فقال: (كان أبو جعفر عليه السلام أو كان أبي يقول: إن كان أمكنه
أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، وإلا صلى المغرب ثم صلاها) (4).
فهي وإن كانت معارضة لما دل على العدول بعد الفراغ، ولكن محل
التعارض إنما هو إذا كان التذكر بعد خروج وقت الصلاتين، ولازمه تخصيص
دليل العدول بها، وأما قبله فلا دليل.
والمسألة قوية الإشكال، والقول بالعدول في الوقت بعد الفراغ أقوى،
والاحتياط لا يترك في كل حال.

(1) كما في كشف اللثام 1: 165.
(2) لم نعثر على هذا التعبير في المفاتيح، وقال: يحتمل إجزاؤها عن الأولى في الظهرين، كما يدل عليه
الصحيح وغيره... المفاتيح 1: 96.
(3) مجمع الفائدة 2: 56.
(4) الكافي 3: 293 الصلاة ب 12 ح 6، التهذيب 2: 269 / 1073، الوسائل 4: 289 أبواب المواقيت ب 62 ح 7.
146

الباب الثاني
في القبلة
ووجوب التوجه إليها في الصلاة إجماعي في الجملة.
والكلام إما في تعيين القبلة، أو فيما يستقبل له، أو في أحكامها، فهاهنا
ثلاثة فصول:
147

الفصل الأول
في تعيين القبلة
ولنقدم مقدمة، وهي: أن معنى كون الشئ قبلة، أنه يجب استقباله،
بحيث يصدق استقباله والتوجه إليه والمواجهة نحوه عرفا، وهو أمر يختلف
باختلاف قرب المستقبل وبعده منه سعة وضيقا.
فقد تشترط المحاذاة الحقيقية لعينه، بحيث لو أخرج خط مستقيم من بين
عيني المستقبل أو قدميه يقع على عين المستقبل له، وينتفي صدق التوجه
والاستقبال عرفا بوقوع الخط خارجا عنه ولو بيسير.
وقد لا يضر عدم المحاذاة الحقيقية بكثير أيضا إذا كثر البعد بينهما. فإنه لو
كانت هناك منارة رفيعة يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة، فإن من يكون عندها
لا يكون متوجها إليها، مستقبلا لها عرفا، إلا مع المحاذاة الحقيقية بالمعنى
المذكور، بحيث لو وقع طرف خط المحاذاة خارجا عنها - ولو بيسير - ينتفي صدق
الاستقبال، وكلما بعد عنها يتسع ميدان التوجه والاستقبال، حتى إنه إذا زاد البعد
كثيرا قد يصدق التوجه العرفي على جميع أشخاص صف واحد متوجه إليها، يزيد
طوله عن مائة ذراع، مع أنه لا يحاذيها حقيقة إلا نحو من أربعة نفر أو خمسة منهم
مثلا، بل يصدق التوجه على من علم انتفاء التحاذي الحقيقي منه أيضا، فالمناط
صدق الاستقبال والتوجه العرفيين.
وليس المراد بسعة ميدان التوجه أن المتوجه إليها لا يخرج عن التوجه العرفي
إليها بالانحراف والميل عنها عرفا ولو يسيرا، كما يوهمه قول من يقول: أمر القبلة
سهل (1). بل المراد أنه لا تشترط المحاذاة الحقيقية بالمعنى المذكور.
وإن أردت تصويره فانظر إلى القمر عند طلوعه عن المشرق، فإذا واجهت

(1) كما في المدارك 3: 121، ومجمع الفائدة 2: 59.
148

خط المشرق حينئذ، يقال: إنك مستقبل للقمر ومتوجه إليه، وكذا من قام جنبك
موازيا لك، ومن قام جنبه كذلك، وهكذا إلى أن يحصل صف طوله أكثر من
عشرة فراسخ، فالكل له مواجهون ومستقبلون مع أن الفصل بين طرفي الصف
أكثر من عشرة فراسخ.
ولكن لو انحرف أحد هذه الأشخاص قدرا يسيرا من المشرق إلى إحدى
جهتي الجنوب أو الشمال ولو بقدر عشر الدور بل أقل، يقال: مال عن القمر
وانحرف عنه، وليس مستقبلا له.
ولو اختلج في صدرك شئ لأجل سعة جرم القمر في الحقيقة، وقلت: إن
الصدق مع الطول الكذائي لهذا السبب، فافرض منارة محاذية لنقطة المشرق على
رأس جبل بينك وبينه خمسة فراسخ أو عشرة مثلا، فإنك إذا واجهت نقطة المشرق
تكون مستقبلا للمنارة ومتوجها إليها، وكذا من قام بجنبك موازيا لك إلى نحو من
ألف شخص، مع أن المحاذاة الحقيقية ليست إلا لأربعة أو خمسة، ولكن إذا
انحرف أحدهم عن نقطة المشرق ولو بقدر يسير، يخرج عن الاستقبال للمنارة.
فليس المراد باتساع جهة التوجه بالبعد أن المستقبل لا يخرج عن الاستقبال
بالميل اليسير، بل المراد أنه يصدق الاستقبال ولو كان المستقبل خارجا عن المحاذاة
الحقيقية بكثير، فإذا كانت المنارة على رأس فرسخ مثلا، يصدق الاستقبال لها على
جميع أهل صف طوله مائة ذراع، ولا يصدق على جميع أهل صف طوله ألف ذراع
مثلا، وإذا كانت على رأس عشرة فراسخ يصدق على جميع أهل صف طوله ألف
ذراع أيضا، وهكذا...
وتشريحه والسر فيه أنه إذا زاد البعد بين المستقبل والمستقبل له، يعد
المستقبل لما يقاربه مستقبلا له عرفا، ويكون المحاذي له محاذيا له عرفا، وليس
للفصل بين المتقاربين قدر محسوس مع البعد، فالمحاذي للمنارة المذكورة حقيقة
محاذ لها عرفا، وكذا المحاذي لما يبعد عنها بذراع أو عشرة أذرع أو مائة، ويزيد
ذلك بزيادة البعد، وذلك بخلاف ما لو انحرف المستقبل عنها يسيرا، فإنه يزيد
149

. البعد بين خط المحاذاة الأول وبين خط الانحراف شيئا فشيئا، حتى إنه قد يصير
البعد بينهما عند محاذاة المنارة نحوا من فرسخ أو أكثر، بحيث لا يعد المتوجه إلى
جزء البعد متوجها إلى المنارة.
وعلى هذا فالمستقبل إليه في كل حال هو العين، ولكن تتسع جهة استقبالها
عرفا بالبعد عنها.
والمراد بجهة استقبالها خط يخرج من جنبتي المستقبل له مقابلا للخط الخارج
من جنبتي المستقبل المار على طرفي يمينه ويساره، بحيث يكون المحاذي حقيقة
لكل جزء منه متوجها ومستقبلا للمستقبل إليه عرفا.
والمراد باتساعها، أنه كلما يزيد البعد يزيد خط الجهة طولا، فمن قام بعيدا
عن المنارة بقدر ذراع مثلا، يكون خط الجهة بقدر قطر المنارة الذي هو ذراعان
مثلا، فإذا بعد بقدر ميل عنها، يمكن أن يصير الخط بقدر خمسين ذراعا، فإن
المواجه لكل جزء منه في بعد ميل، مواجه للمنارة عرفا، وإذا بعد فرسخا، يصير
الخط أطول، وهكذا...
وتلخص مما ذكرنا: أن استقبال الشئ عبارة عن التوجه إليه والمواجهة له
عرفا، بحيث يعد في العرف مستقبلا له، متوجها إليه غير مائل ولا منحرف عنه،
وأن العين والجهة بالمعنى الذي ذكرنا وإن اختلفتا حقيقة، وصارت الجهة أوسع
من العين بزيادة البعد، إلا أنه لا اختلاف في استقبال عين الشئ وجهته عرفا،
فإن مستقبل العين مستقبل للجهة، ومستقبل الجهة مستقبل للعين، سواء في ذلك
القريب والبعيد، فإن من له غاية القرب بالمستقبل له وإن اشترط في استقباله
المحاذاة الحقيقية، ولكن الجهة حينئذ أيضا هي الخط المساوي لقطر العين، ولذا
يقال للقريب المتوجه إليها: ملتفت إلى جهتها وجانبها ونحوها وسمتها وطرفها.
والكل بمعنى واحد.
ولذا قال الشيخ الجليل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل في رسالته في القبلة
- التي عليها تعويل العلماء المتأخرين منه، كما صرح به في البحار -: إن من كان
150

بمكة خارج المسجد الحرام أو في بعض بيوتها وجب عليه التوجه إلى جهة الكعبة
مع العلم (1)، إلى آخر ما قال، فإنه استعمل التوجه إلى الجهة في مقام استقبال
العين.
إذا عرفت تلك المقدمة، فلنذكر قبلة المكلفين في مسائل:
المسألة الأولى: قبلة كل أحد هي الكعبة، سواء كان قريبا منها أو بعيدا
عنها، متمكنا من مشاهدتها أو غير متمكن، داخلا في المسجد أو الحرم أو خارجا
عنهما.
لفعل الحجج، والمستفيضة من النصوص المتضمنة لأنها القبلة، كالنبوي
المنجبر بالعمل: إنه صلى الله عليه وآله صلى إلى عين لكعبة وقال: (هذه
قبلتكم) (2).
وموثقة ابن سنان: صليت فوق أبي قبيس العصر، فهل يجزئ ذلك والكعبة
تحتي؟ قال: (نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء) (3).
والمروي في العلل والتوحيد (والمجالس) (4): (هذا بيت الله) إلى أن قال
(جعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له) (5).
وفي قرب الإسناد: (إن لله تعالى حرمات ثلاث) إلى أن قال: (وبيته
الذي جعله قياما للناس، لا يقبل من أحد توجها إلى غيره (6).
وفي الاحتجاج عن مولانا العسكري، وفي تفسير الإمام في احتجاج النبي

(1) البحار 81: 72 و 82.
(2) انظر: سنن النسائي 5: 220.
(3) التهذيب 2: 383 / 1598، الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 1.
(4) في النسخ الأربع: المحاسن، والظاهر أنه تصحيف، والصحيح ما أثبتناه..
(5) علل الشرائع: 403 / 4، التوحيد: 253 / 4، أمالي الصدوق: 493 / 4.
(6) رواها في الوسائل 4: 300 أبواب القبلة ب 2 ح 10، وكذا في البحار 81: 68 / 22 عن قرب الإسناد، ولكنها لم توجد في النسخة المطبوعة منه.
151

صلى الله عليه وآله على المشركين: (قال: إنا عباد الله - إلى أن قال -: أمرنا أن
نعبده بالتوجه إلى الكعبة، أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان
التي نكون بها فأطعنا) (1).
ولاستصحاب اشتغال ذمة من صلى إلى غيرها بالصلاة، أو الصلاة إلى
القبلة.
وتؤيده المستفيضة المصرحة بتحويل وجه - النبي في الصلاة إلى الكعبة حين
تحويل القبلة وهو في المدينة، وهي كثيرة:
منها: موثقة ابن عمار: متى صرف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
الكعبة؟ قال: (بعد رجوعه من بدر) (2) إلى غير ذلك.
ومعنى كون الكعبة قبلة، إنه يجب التوجه إليها، بحيث يعد الشخص
محاذيا مستقبلا لها، متوجها إليها عرفا، سواء كان محاذيا حقيقة لعين الكعبة، أو
لجزء من جهتها بالمعنى الذي ذكرنا، فإنه لا التفات إلى المحاذاة الحقيقية، فإن
معاني الألفاظ هي المصداقات العرفية. ثم إن شئت سميت ذلك استقبال العين
أو الجهة، فإنهما متحدان عرفا.
خلافا للمفيد (3)، وابني شهرآشوب وزهرة (4)، فقالوا: إن القبلة لأهل
المسجد الكعبة، ولغيرهم المسجد، إما مقيدا بالبعد عن الكعبة كالأول، أو بعدم
مشاهدتها كالثانيين لظاهر الآية الشريفة (5)، خرج القريب أو المشاهد بالإجماع،

(1) الإحتجاج: 27، الوسائل 4: 302 أبواب القبلة ب 2 ح 14.
(2) رواها في الوسائل 4: 298 أبواب القبلة ب 2 ح 3، والبحار 81: 76 عن إزاحة العلة في معرفة
القبلة لأبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي.
(3) المفيد في المقنعة: 95.
(4) حكاه عن ابن شهرآشوب في كشف اللثام 1: 173، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556.
(5) (فول وجهك شطر المسجد الحرام. وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره). البقرة: 144.
152

فيبقى الباقي.
وفيه: أن شطر المسجد في الآية مطلق شامل لما كان شطر الكعبة أيضا أم
لا، وأخبار كون الكعبة قبلة سيما رواية الاحتجاج مقيدة، والمقيد وإن كان خبرا
يحمل عليه المطلق وإن كان كتابا.
مع أنه يحتمل أن يكون المراد بالمسجد الكعبة، وهو وإن كان مجازا إلا أنه
لو لم يرتكب لزم تخصيص الآية بغير أهل المسجد إجماعا، وليس أحدهما أولى من
الآخر، على الأظهر.
هذا، مع أنهم لو أرادوا من البعد أو عدم المشاهدة حدا يتحد معه سعة
جهة الكعبة والمسجد، فيتحد القولان.
نعم، يختلفان لو أرادوا الأعم، فإن من يواجه المسجد - وإن كان منحرفا
عن الكعبة عرفا - يكون إلى القبلة مع البعد أو عدم المشاهدة، على قولهم دون
قولنا.
ولأبي الفضل شاذان بن جبرئيل (1)، والمبسوط والجمل والعقود والإصباح
والوسيلة والمهذب والصدوق والخلاف والنهاية والاقتصاد والمصباح ومختصره
والمراسم والشرائع (2)، بل عليه الإجماع في الخلاف، والشهرة في كلام
الشهيدين (3).
فقالوا: الكعبة قبلة لأهل المسجد، والمسجد لأهل الحرم ولو بالانحراف
عن الكعبة، والحرم لمن كان خارجا عنه ولو مع الانحراف عن المسجد، مقيدا

(1) حكاه عنه في البحار 81: 75.
(2) المبسوط 1: 77، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 175، الوسيلة: 85، المهذب 1: 84،
الصدوق في الفقيه 1: 177، الخلاف 1: 295، النهاية: 62، الإقتصاد: 257، مصباح
المتهجد: 24، المراسم: 60، الشرائع 1: 65.
(3) الذكرى: 162، المسالك 1: 21.
153

بشرط عدم التمكن من مشاهدة الكعبة ولو بمشقة يمكن تحملها عادة، كالستة
الأول، أو مطلقا، كالبواقي على ما هو مقتضى إطلاق كلماتهم، بل بعض
أدلتهم، وإن صرح جمع - منهم صاحب البحار (1) - بأن الظاهر عدم مخالفتهم في
التقييد المذكور، كما يرشد إليه دعوى جماعة - منهم التذكرة والمعتبر وكنز
العرفان (2) - الإجماع على كون الكعبة قبلة مع التمكن عن المشاهدة.
للأخبار المشتملة على ذلك التفصيل، كمرسلة الحجال: (إن الله جعل
الكعبة قبلة لأهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم، وجعل الحرم قبلة
لأهل الدنيا) (3).
ورواية أبي الوليد: (البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم،
والحرم قبلة للناس جميعا) (4) ومثلها في العلل (5). خرج المتمكن من المشاهدة عند
الأولين بالإجماع.
ويضعف: بأنها معارضة مع الأخبار المتقدمة، فإن رجحنا المتقدمة
بالشهرة، والكثرة، واعتبار السند، والأحدثية في بعضها فهو، وإلا فيرجع إلى
الأصل، وهو مع المتقدمة، لاستصحاب الاشتغال المذكور.
ولا يتوهم أخصية تلك الأخبار مطلقا عن المتقدمة، باعتبار المصلي، حيث
إنه في المتقدمة عام، وفي هذه خاص بأهل المسجد بالنسبة إلى الكعبة، لأنه وإن كان كذلك في بعضها، إلا أنه ليس كذلك في رواية الاحتجاج.
مع أن لهذه الأخبار أيضا جهة عموم باعتبار الموضع، فإن كون المسجد أو

(1) البحار 81: 51.
(2) التذكر 1: 100، المعتبر 2: 65، كنز العرفان 1: 85.
(3) علل الشرائع 1: 415 / 2، التهذيب 2: 44 / 139، الوسائل 4: 303 أبواب القبلة ب 3 ح 1.
(4) التهذيب 2: 44 / 140، الوسائل 4: 304 أبواب القبلة ب 3 ح 2.
(5) علل الشرائع: 318 / 2، الوسائل 4: 304 أبواب القبلة ب 3 ح 4.
154

الحرم قبلة أعم من أن يكون باعتبار كل جزء منهما، أو باعتبار بعضه.
ولا ينافيه التفصيل، بجعل الكعبة لأهل المسجد، والمسجد لأهل الحرم،
والحرم لأهل البلدان، لانقطاع الشركة بكون بعض أجزاء المسجد والحرم قبلة
لغير أهل المسجد، بخلاف من فيه، وتعارف مثل ذلك في المحاورات،
فيقال لمن يسافر من الهند للحج: مقصوده الحجاز، ولمن في الحجاز:
مقصوده مكة، ولمن في مكة: مقصوده البيت، مع أن مقصد الكل
واحد.
هذا، مع انقطاع الشركة من جهة أخرى أيضا، لأن من بعد كثيرا يكون
جميع أجزاء المسجد والحرم له قبلة، باعتبار ما ذكرنا من صدق المحاذاة العرفية
للكعبة للمحاذي لبعض أجزائهما حقيقة، بخلاف من في المسجد.
ولا يتوهم أيضا موافقة أخبارهم للآية، وهي من المرجحات المنصوصة لما
عرفت من جواز كون المراد بالمسجد الكعبة، مع أنها - لدلالتها على أن قبلة الخارج
من الحرم الحرم - للآية مخالفة، بل مخالفة تلك الأخبار لها أكثر من مخالفة الأخبار
المتقدمة، كما لا يخفى.
هذا، مع أنهم إن أرادوا عين المسجد والحرم، بحيث تجب المحاذاة الحقيقية
مطلقا - كما هو صريح بعضهم (1) - فالآية غير مثبتة لها، لما عرفت من معنى كون
الشئ قبلة. وإن أرادوا الاستقبال العرفي - كما يظهر من بعض آخر حيث زاد
الجهة (2) - فيتحد مقتضى هذا القول مع ما ذكرنا في البعيد.
نعم يظهر الخلاف والثمرة في القريب.
وقال جماعة من الأصحاب، بل لعلهم الأكثرون ومنهم السيد

(1) انظر المبسوط 1: 77.
(2) كالشيخ في الجمل والعقود (الرسائل العشر): 175، وحكاه عن رسالة شاذان في البحار - 81:
75.
155

والإسكافي (1)، والحلبي والحلي والمعتبر والنافع (2)، وجميع كتب الفاضل (3)،
والدروس والبيان والذكرى والمدارك وشرح القواعد (4)، والمعتمد، بل جملة
المتأخرين: إن قبلة المتمكن من مشاهدة الكعبة - ولو بمشقة - عينها، لما ذكرنا من
الأخبار، مضافا إلى عدم انضباط ما كان مسجدا عند نزول الآية، وفعل الحجج.
ولغيره جهتها، لظاهر الآية، ولزوم إرادتها عند تعذر العين، وظهور ما دل على
تحويل القبلة فيها، والمعتبرة المتضمنة لأن ما بين المشرق والمغرب قبلة (5)، ولرواية
الاحتجاج، المتقدمة، ولأنه لولاها لزم القطع ببطلان صلاة بعض الصف
المتطاول زيادة على طول الكعبة أو الحرم، وصلاة أهل إحدى البلدتين المتفقتين في
القبلة.
ويرد على استدلالهم للشق الأول: بأنهم إن أرادوا من العين ما توجبه
المحاذاة الحقيقية، بحيث يقع الخط الخارج من بين عيني المصلي على نفس
الكعبة، ولو كان المتمكن بعيدا بحيث يصدق الاستقبال العرفي بدون المحاذاة
المذكورة، فالأخبار - كما عرفت - لا تدل عليها، مع أن مراعاتها لكل متمكن من
المشاهدة في كل وقت تستلزم العسر والحرج.
وإن أريد الأعم منها ومن العرفية، فلا يختلف فيه المتمكن من المشاهدة
وغيره.
نعم، لو كان قولهم ذلك في مقابلة من يجعل القبلة المسجد أو الحرم، وكان

(1) حكاه عنهما في المختلف: 76.
(2) الحلبي في الكافي: 138، الحلي في السرائر 1: 204، المعتبر 2: 65، المختصر النافع: 23.
(3) المختلف: 76، التحرير 1: 28، المنتهى 1: 217، القواعد 1: 26، التبصرة: 1 2، التذكرة
1: 100، الإرشاد 1: 244.
(4) الدروس 1: 158، البيان 114، الذكرى: 161، المدارك 3: 119، جامع المقاصد 2: 48.
(5) انظر: الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1 و 2.
156

استدلالهم للرد عليه - كما يدل عليه استدلالهم بعدم انضباط المسجد أيضا - فيتم
ما ذكروه، وإن كان دليلهم هذا غير تام، لأن شأن الفقيه البحث عن الحكم وإن
لم يكن موضوعه مضبوطا في الخارج، وكذا استدلالهم بفعل الحجج، فإن صلاتهم
خارج المسجد وإن كانت إلى الكعبة، ولكنها تكون إلى المسجد أيضا لا محالة،
فلعلها باعتبار المسجد دون الكعبة.
وأما ما استدلوا به للشق الثاني، فإن أرادوا من الجهة ما ذكرناه، فلا
تخصيص له بالشق الثاني، ولا حاجة إلى تلك الأدلة الناقصة، كما يأتي.
وإن أرادوا غيره من المعاني المختلفة المذكورة في كتبهم للجهة، فمع كونها
مخالفة لبعض الأخبار الدالة على ما هو التحقيق من اتحاد استقبال العين والجهة،
كما في تفسير العياشي (1)، عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: في قوله تعالى:
(فول وجهك شطر المسجد الحرام) قال: (معنى شطره نحوه إن كان مرئيا،
وبالدلائل والعلامات إن كان محجوبا) الحديث، وكون أكثرها مقتضيا لجواز
الالتفات بكل البدن في الصلاة عمدا، وهو منفي إجماعا ونصا، ففي التفسير
المذكور: (استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك فتفسد صلاتك) (2) لا
ينطبق (3) شئ من تلك الأدلة على شئ منها، بل لا دليل على اعتبار شئ منها
أصلا، إلا ما قيل من أن المراد بالجهة ما تقتضيه العلامات المقررة في الشرع لقبلة
البعيد (4)، وما قيل من أن المراد بها الطرف الذي يظن باستقباله استقبال

(1) كذا في النسخ الأربع، ولكنها لم توجد في تفسير العياشي بل وجدناها في رسالة المحكم والمتشابه
للسيد المرتضى نقلا من تفسير النعماني (ص 96) ونقلها عن الرسالة في الوسائل 4: 308 أبواب
القبلة ب 6 ح 4.
(2) تفسير العياشي 1: 64 / 116.
(3) جواب قوله: وإن أرادوا...
(4) الرياض 1: 115.
157

الكعبة (1).
ولكن في الأول: أن العلامات لم ترد إلا لبعض البلاد، فلا يصح جعلها
قبلة لغير المتمكن مطلقا، وأما ما ذكره الفقهاء من العلامات فغير واردة في الشرع،
واعتبارها موقوف على الدليل.
وفي الثاني: أنه يختص بغير المتمكن من تحصيل العلم بالاستقبال العرفي،
وغير المتمكن من المشاهدة قد يتمكن من تحصيل العلم به.
مع أن منهم من يذكر حكم غير المتمكن من العلم بالقبلة أيضا في مسألة
على حدة، ويستدل عليه بأخبار التحري لمن لا يعلم وجه القبلة.
ولو كان قولهم ذلك في مقابلة من يجعل القبلة لغير المتمكن من المشاهدة
المسجد أو الحرم - كما يشعر به استدلالهم ببطلان صلاة بعض أهل الصف
المتطاول زيادة عن الحرم - وكان غرضهم الرد عليه، وأرادوا من الجهة ما ذكرنا،
فحينئذ وإن كان مطلوبهم صحيحا، ولكن لا يكون وجه للتفصيل المذكور، مع
أن بعض أدلتهم لا ينطبق عليه كالاستدلال ببطلان صلاة بعض أهل الصف
المتطاول زيادة عن الكعبة.
هذا، مع ما في جميع أدلتهم من القصور، لما عرفت من إجمال الآية، ولو
قطع النظر عنه، فعلى جهة المسجد أدل من جهة الكعبة.
ولمنع لزوم إرادة الجهة بالمعاني التي ذكروها مع تعذر العين لو كانت العين
هي مقتضى الدليل، لإمكان إرادة غيرها كالمسجد أو الحرم. والقول بأن غير
الثلاثة منفية بالإجماع، واستقبال جهة الكعبة يستلزم استقبال المسجد أو الحرم
ولا عكس، فهي بالأصل أوفق. قلنا: هذا في البعيد بالعكس لو أريد عين
المسجد أو الحرم.
ولمنع ظهور أخبار التحويل في أنه إلى جهة الكعبة، فإنه يمكن أن يكون

(1) الذكرى: 162.
158

إلى عينها، أو إلى المسجد، أو إلى الحرم. وورود التحويل إلى الكعبة في الأخبار
لعله لاستلزامه التحويل إليهما، فعبر بأشرف أجزائهما، وليس هذا من باب الأمر
والنهي المثبت لما هو مدلول اللفظ، بل إخبار عنه.
ولتعارض ما دل على كون ما بين المشرق والمغرب قبلة مع ما ينفي ذلك،
كموثقة عمار: في رجل صلى على غير القبلة، فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ
من صلاته قال: (إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى
القبلة حين يعلم) (1) الحديث.
ولعدم التفرقة لغة وعرفا بين التوجه إلى الشئ ونحوه الواردين في رواية
الاحتجاج، بل كلاهما متحدان كما ذكرنا.
وأما التفصيل الواقع فيها فيمكن أن يكون باعتبار الإطاعة في الأمر بالعبادة
في مكة وبالإطاعة في الأمر بها في سائر البلدان، لا في الإطاعة في الأمر بالتوجه
إلى العين وإلى النحو، بل الأول أظهر وأليق.
ولمنع لزوم بطلان صلاة بعض الصف أو أهل إحدى البلدتين، لإمكان
كون تجويز محاذاة العين كافيا عند تعذرها، وهو لكل من المصلين متحقق.
وبالجملة كلام هؤلاء في المقام غير خال عن القصور والاضطراب وإن
جرى عليه أعاظم الأصحاب.
والصواب أن يتكلم أولا في القبلة، ويجعل هي الكعبة بالأخبار والأدلة كما
ذكرنا، ويرد قول من جعلها المسجد أو الحرم، ثم يتكلم في وظيفة من لا يتمكن
من العلم بها من التحري بالرجوع إلى العلامات المقررة شرعا فيما توجد فيه، وبما
يحصل الظن باستقبال الكعبة عرفا، لأدلة التحري، ثم يتكلم في وظيفة من لا
يتمكن من التحري وتحصيل الظن أيضا، وقد ذكرنا المسألة الأولى ونذكر البواقي
أيضا.

(1) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48 / 109، الإستبصار 1: 298 / 1100،
الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.
159

فروع:
أ: المراد بالكعبة التي هي القبلة ليس نفس البنية المعمولة من الحجر
والمدر، بل الفضاء المشغول بها، بالإجماع، ولأنه الكعبة التي جعلت في الأخبار
قبلة دون البنية، كما تدل عليه المعتبرة.
ففي رواية عبد الرحمان بن كثير الهاشمي - وهي طويلة - وفيها: (فأخذ
جبرئيل عليه السلام بيد آدم حتى أتى به مكان البيت، فنزل غمام من السماء فأظل
مكان البيت، فقال جبرئيل عليه السلام: يا آدم خط برجلك حيث أظل الغمام
فإنه قبلة لك ولآخر عقبك من ولدك، فخط آدم برجله حيث (أظل الغمام)) (1).
وقريب منها في رواية أبي حمزة (2).
وفي مرسلة الفقيه: (فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض
منها) (3). وظاهر أن أول مخلوق من الأرض لم تكن عليه البنية بل هو الفضاء، فهو
الكعبة.
ويؤيده ما روي من أنه (سميت الكعبة كعبة لأنها وسط الدنيا ولأنها
مربعة) (4).
ثم الفضاء الذي هو القبلة ليس هو القدر المشغول بالبناء خاصة، بل منه
إلى أعنان السماء وتخوم الأرض، بالإجماع، كما في المدرك والمفاتيح (5)، وفي
المنتهى: ولا نعرف فيه خلافا بين أهل العلم (6)، بل قيل: بالضرورة من الدين

(1) الكافي 4: 191 الحج ب 4 ح 2، الوسائل 4: 299 أبواب القبلة ب 2 ح 7، وما بين المعقوفين من المصدر.
(2) الكافي 4: 190 الحج ب 4 ح 1، الوسائل 4: 299 أبواب القبلة ب 2 ح 6.
(3) الفقيه 2: 156 / 670.
(4) الفقيه 2: 124 / 539، 540.
(5) المدارك 3: 122، المفاتيح 1: 112.
(6) المنتهى 1: 219.
160

فيهما (1).
وتدل على الأول أيضا موثقة ابن سنان، المتقدمة (2)، وصحيحة خالد بن
(أبي) إسماعيل: الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة، قال: (لا بأس) (3)
وفي دلالتها نظر.
وعليهما مرسلة الفقيه: (أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى
السماء السابعة العليا) (4).
ب: المتمكن من تحصيل العلم باستقبال العين عرفا يجب عليه تحصيله ما
لم يلزم الحرج، لعدم حصول العلم ببراءة الذمة الواجب تحصيله إلا به. فالمصلي
في مكة يجب عليه صعود السطح، وفي الحرم ونواحيه صعود الجبل، إن أمكن
بدون حرج، وجعله حرجا مطلقا - كما في المدارك (5) - لا وجه له.
نعم، لو علم بدون الصعود والمشاهدة لكفى، إذ لا تجب عليه المشاهدة
بنفسها، لعدم دليل عليه، وعلى ذلك ينزل كلام من أطلق وجوب المشاهدة
للمتمكن منها.
ج: هل الحجر من الكعبة بعضا أو كلا، حتى يكفي استقباله كذلك لمن
في المسجد أم لا؟ صريح الفاضل في النهاية والتذكرة الأول (6).
وفي الذكرى: إن ظاهر كلام الأصحاب أنه من الكعبة، قال: وقد دل

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
(2) في ص 151.
(3) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 19 وفيه: خالد عن أبي إسماعيل، التهذيب 2: 376 / 1565،
الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 2.
(4) الفقيه 2: 160 / 690، الوسائل 4: 339 أبواب القبلة ب 18 ح 3. وفيهما: (إلى الأرض السابعة العليا).
(5) المدارك 3: 122.
(6) نهاية الإحكام 1: 392، التذكرة 1: 345.
161

عليه النقل أنه كان في زمن إبراهيم وإسماعيل إلى أن بنت القريش الكعبة،
فأعوزتهم الآلات، فاختصروها بحذفه، وكان ذلك في عهده صلى الله عليه وآله،
ونقل عنه صلى الله عليه وآله الاهتمام بإدخاله في بناء الكعبة، وبذلك احتج ابن
الزبير حيث أدخله فيها، ثم أخرجه الحجاج بعده ورده إلى مكانه (1). انتهى.
ورده في المدارك وغيره: بعدم ثبوت ذلك النقل من طرق الأصحاب وإن
ذكره العامة (2). وهو كذلك، إلا أن في مرفوعة علي بن إبراهيم ومرسلة الفقيه:
(إن طول بناء إبراهيم كان ثلاثين ذراعا) (3) وهو قد يعطي دخول شئ من الحجر
فيه، لأن الطول الآن - على ما حكي - خمس وعشرون ذراعا، ولا خلاف في عدم
خروج شئ) منه عن الطرف المقابل للحجر.
ولكن بإزاء ذلك أخبار أخر مستفيضة تدل على خلاف ذلك، ففي
صحيحة معاوية بن عمار: عن الحجر أمن البيت هو أو فيه شئ من البيت؟ قال:
(لا، ولا قلامة ظفر، ولكن إسماعيل دفن فيه أمه، فكره أن توطأ، فحجر عليها
حجرا وفيه قبور الأنبياء) (4) وقريبة من صدرها صحيحة زرارة (5).
وفي مرسلة الفقيه: (وصار الناس يطوفون حول الحجر ولا يطوفون فيه،
لأن أم إسماعيل دفنت في الحجر ففيه قبرها، فطيف كذلك كي لا يوطأ قبرها) (6)

(1) الذكرى: 164.
(2) المدارك 3: 123، الحدائق 6: 382، وانظر سنن الترمذي 2: 181، والسيرة الحلبية 1: 169
(3) مرفوعة علي بن إبراهيم: الكافي 4: 217 الحج ب 9 ح 4، الوسائل 13: 214 أبواب مقدمات
الطواف ب 11 ح 10، مرسلة الفقيه: الفقيه 2: 161 / 695، الوسائل 13: 217 أبواب
مقدمات الطواف ب 11 ح 14.
(4) الكافي 4: 210 الحج ب 7 ح 15، الوسائل 13: 353 أبواب الطواف ب 30 ح 1.
(5) التهذيب 5: 469 / 1643، الوسائل 5: 276 أبواب أحكام المساجد ب 54 ح 2.
(6) الفقيه 2: 124 / 541، الوسائل 13: 354 أبواب الطواف ب 30 ح 5.
162

وروي: (أن فيه قبور الأنبياء، وما في الحجر شئ من البيت ولا قلامة ظفر) (1).
ورواية يونس بن يعقوب: إني كنت أصلي في الحجر، فقال رجل: لا تصل
المكتوبة في هذا الموضع، فإن في الحجر من البيت، فقال: (كذب، صل فيه حيث
شئت) (2).
وهذه الأخبار أكثر عددا، وأصح سندا، وأوضح دلالة، وأوفق بأصالة عدم
براءة الذمة، ولذلك أفتى الأكثر بعدم جواز استقباله، وهو كذلك. ووجوب كون
الطواف خارجه لا يدل على كونه من البيت بوجه.
د: لا خلاف في جواز النافلة مطلقا، والفريضة مع الاضطرار داخل
الكعبة، وعليه الإجماع في المنتهى والمدارك وعن المعتبر (3).
للأصل، وإطلاقات فضل الصلاة في المسجد الحرام (4)، مع دلالة المعتبرة
على أن الكعبة منه (5)، ومجوزات الفريضة فيها، الآتية، المثبتة للأولى بعدم
الفصل، وللثانية بالإطلاق، وروايات استحباب الصلاة للداخل فيها، في الأولى
بانضمام عدم الفرق بين النوافل، وصحيحة محمد في الثانية: (لا تصلح صلاة
المكتوبة جوف الكعبة، وأما إذا خاف فوت الصلاة فلا بأس أن يصليها في جوف
الكعبة) (6).

(1) الفقيه 2: 126 / 542، الوسائل 13: 355 أبواب الطواف ب 30 ح 6.
(2) التهذيب 5: 474 / 1670، الوسائل 5: 276 أبواب أحكام المساجد ب 54 ح 1.
(3) المنتهى 1: 218، المدارك 3: 123، المعتبر 2: 67.
(4) انظر: الوسائل 5: 270 أبواب أحكام المساجد ب 52.
(5) انظر الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46.
(6) التهذيب 5: 279 / 954، الإستبصار 1: 298 / 1101 ولم يرد فيه الذيل: (وأما إذا
خاف....) ونقلها من التهذيب مع الزيادة في الوافي 7: 471 / 10، 11. ولكن الذي يظهر
من ملاحظة التهذيب أن الذيل من كلام الشيخ (ره) قد أدرج في الرواية ولهذا لم يروه في الوسائل
4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 4، وكذا في جامع الأحاديث 4: 586 / 1788 ويؤكده عدم
وروده في موضع آخر من التهذيب 2: 383 / 597 1 حيث نقل فيه الرواية بسند آخر عن محمد
ابن مسلم. فراجع.
163

والأظهر عدم جواز الفريضة فيه اختيارا، وفاقا للخلاف والمهذب (1)، بل
عن الكليني (2)، وغيره، واختاره بعض مشايخنا المحققين (3)، ومال إليه بعض آخر
من متأخري المتأخرين (4)، وعليه الإجماع في الأول.
للصحيحة المتقدمة منطوقا ومفهوما، والصحيحين الآخرين: (لا تصل
المكتوبة في الكعبة) كما في أحدهما (5)، و (في جوب الكعبة) كما في الآخر (6)،
ولوجوب استقبال الكعبة التي هي اسم للمجموع، بمعنى وقوع الجميع في
القدام كما هو المتبادر من استقبالها وإن لم يكن الجميع محاذيا للمصلي، وهو في
جوفها غير ممكن، ولذا ورد في بعض الأخبار: (الصلاة فيه إلى الأربع) (7)، وفي
آخر: (إلى الفضاء إيماء) (8)، وفي ثالث: (إن القائم فوق الكعبة ليس له قبلة) (9).
خلافا للشيخ في النهاية بل سائر كتبه (10)، والحلي مدعيا عليه الإجماع (11)،
بل معظم المتأخرين (12)، لدعوى الإجماع، والأصل، وموثقة يونس: حضرت

(1) الخلاف 1: 439، المهذب 1: 76.
(2) الكافي 3: 391.
(3) الوحيد البهبهاني في حاشية المدارك (المدارك): 152.
(4) كصاحب الحدائق 6: 8 37 - 380.
(5) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 18، التهذيب 2: 376 / 1564، الوسائل 4: 336 أبواب
القبلة ب 17 ح 1.
(6) التهذيب 2: 382 / 1596، الإستبصار 1: 298 / 1101، الوسائل 4: 337 أبواب القبلة
ب 17 ح 3.
(7) الوسائل 4: 336 أبواب القبلة ب 17 ح 2.
(8) الوسائل 4: 338 أبواب القبلة ب 17 ح 7.
(9) الوسائل 4: 340 أبواب القبلة ب 19 ح 2.
(10) النهاية: 101، المبسوط 1: 85، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 178.
(11) السرائر 1: 266.
(2 1) منهم المحقق في الشرائع 1: 72، والعلامة في القواعد 1: 28، والشهيد الأول في الدروس 1:
154، والكركي في جامع المقاصد 2: 136، والشهيد الثاني في المسالك 1: 21، والمحقق
السبزواري في كفاية الأحكام: 16.
164

الصلاة المكتوية وأنا في الكعبة فأصلي فيها؟ قال: (صل) (1).
ويضعف: بأن الإجماع المنقول ليس بحجة، مع أنه بمثله معارض.
والأصل بما مر مندفع. والموثق - مع كونه أقل مما مر عددا، وأضعف سندا،
وموافقا لجماعة من العامة منهم أبو حنيفة (2) - أعم من الصحيحة المتقدمة، بل
جميع الأخبار المانعة، لتخصيصها بغير المضطر إجماعا، فليخص بها (3).
ثم المضطر هل يصلي قائما مستقبلا لأي جزء منه اتفق كما هو ظاهر
الأصحاب، أو مستلقيا، أو إلى الأربع، كما ورد بهما الرواية؟!
الظاهر الأول، لظاهر الإجماع، ووجوب القيام والركوع والسجود،
والأصل، وانتفاء الاستقبال الثابت على جميع الأحوال. والروايتان شاذتان.
ه‍: لو استطال صف المأمومين في المسجد الحرام حتى خرج بعضهم عن
محاذاة الكعبة، بطل صلاة ذلك البعض، وكذا لو خرج بعض شخص عن
المحاذاة.
المسألة الثانية: قد عرفت أن الواجب هو استقبال الكعبة، أي التوجه إليها
عرفا، الذي هو عبارة عن المحاذاة العرفية لها، وأنه بعينه معنى التوجه إلى جهتها.
ثم الواجب هو تحصيل العلم بتلك المحاذاة والتوجه، كما هو مقتضى
الأصول والنصوص والفتاوى، من غير خلاف يعرف، ولكن وجوبه مقيد بإمكان

(1) التهذيب 5: 279 / 955، الوسائل 4: 337 أبواب القبلة ب 17 ح 6.
(2) انظر: المحلى لابن حزم 4: 80، والفقه على المذاهب الأربعة 1: 204.
(3) وحمل أخبار المنع على الكراهة وإن أمكن إلا أن قاعدة تقدم الخاص يأبى عنه مع أن قوله في الموثقة
(صل) حقيقة في الوجوب الممكن إرادته حال الاضطرار، ولو أبقيت على العموم لوجب حمله على
الجواز الخالي عن الرجحان، لعدم القول بالرجحان، وهو مع كونه مجازا مرجوحا ليس بأولى من
التخصيص، بل هو أولى منه بوجوه. منه رحمه الله تعالى.
165

تحصيله قطعا، فإن لم يمكن - كمن بعد عن مكة - وجب عليه أن يجتهد في تحصيل
الظن بالمحاذاة العرفية - التي هي الاستقبال - من الأمارات المفيدة له، بلا خلاف
فيه، بل هو اتفاق أهل العلم كما في المعتبر (1)، وعليه الإجماع كما في المنتهى
والتحرير والتذكرة والذكرى (2).
للمستفيضة، كصحيحة زرارة: (يجزئ التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه
القبلة) (3).
وموثقة سماعة: عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم تر الشمس ولا القمر ولا
النجوم، قال: (اجتهد برأيك وتعمد القبلة جهدك) (4).
وصحيحة أخرى: في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة، قال: (يعيد
ولا يعيدون، فإنهم قد تحروا) (5).
ومرسلة ابن المغيرة: في الرجل يكون في السفينة فلا يدري أين القبلة، قال:
(يتحرى فإن لم يدر صلى نحو رأسها) (6).
والأخبار الآتية الدالة على عدم الإعادة بعد خروج الوقت في صورة
التحري (7)، إذ لو لم يكن كافيا لكانت صلاته باطلة.
ولا ينافيه الأمر بالإعادة في الوقت، لأنها غير منحصرة في بطلان الصلاة،

(1) المعتبر 2: 70.
(2) المنتهى 1: 219، التحرير 1: 29، التذكرة 1: 102، الذكرى: 164.
(3) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 7، التهذيب 2: 45 / 146، الإستبصار 1: 295 / 1087،
الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 6 ح 1.
(4) الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 1، التهذيب 2: 46 / 147، الإستبصار 1: 295 / 1088،
الوسائل 4: 308 أبواب القبلة ب 6 ح 2.
(5) الكافي 3: 378 الصلاة ب 59 ح 2، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 7.
(6) الكافي 3: 442 الصلاة ب 88 ح 3، الوسائل 4: 323 أبواب لقبلة ب 3 ح 15
(7) انظر: ص 206 و 207.
166

فلعلها تعبد على حدة.
وأما مرسلة الفقيه: قلت: أين حد القبلة؟ قال: (ما بين المشرق والمغرب
قبلة كله) (1) وصحيحة ابن عمار: الرجل يقوم في الصلاة، ثم ينظر بعدما فرغ،
فيرى أنه قد انحرف من القبلة يمينا وشمالا، قال: (قد مضت صلاته، وما بين
المشرق والمغرب قبلة) (2) فهما غير مكافئين لما مر، لعدم قائل بمضمونهما في حق
العالم والمتمكن عن الاجتهاد، مع معارضتهما لموثقة عمار، المتقدمة في المسألة
السابقة (3).
مع أنه لا يمكن أن يكون المراد منهما أن ما بين المشرق والمغرب جنوبا
وشمالا، لأن معناه انتفاء القبلة رأسا، وهو مخالف لضرورة الدين.
بل المراد إما أنه من أحد الطرفين قبلة للمصلي في الطرف الآخر. وهو
أيضا لا يمكن إبقاؤه على الإطلاق، لعدم قائل به كذلك، فإن صلاة من تنحرف
قبلته عن الجنوب بقليل - كالعراقي - إلى قريب المغرب غير جائز قطعا، ومخالف
لطريقة المسلمين، بل هو مناف لضروري الدين.
أو المراد إن كل جزء منه قبلة للمجتهد، بمعنى أن كل جزء أدى إليه ظنه قبلة
له. أو أن كل جز منه قبلة لغير المتمكن من الاجتهاد، حيث إنه يصلي على أي
جانب شاء.
وكل من هذين المعنيين أولى من الأول، لما فيه من أقلية التخصيص. غاية
الأمر التساوي، فلا تثبت المنافاة لما ذكرنا.
مضافا إلى أنه يمكن أن يكون المراد من الأولى عدم إمكان تحديد القبلة

(1) الفقيه 9: 180 / 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.
(2) الفقيه 1: 179 / 846، التهذيب 2: 48 / 157، الإستبصار 1: 297 / 1095 الوسائل 4:
314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.
(3) راجع ص 159.
167

الذي سئل عنه، يعني أن كل جزء مما بين المشرق والمغرب قبلة لموضع من الأرض،
فلا يمكن تحديدها بحد.
وبالجملة: المسألة واضحة جدا.
نعم، نقل نادر هنا المخالفة عن المبسوط، وأنه أوجب الصلاة إلى أربع
جهات. وعبارته - كما قيل (1) - غير ظاهرة في المخالفة (2)، لاحتمال إرادة صورة فقد
أمارات الظن بالكلية، ولو سلمت مخالفته فهي شاذة مخالفة للإجماع المحقق
والمحكي مستفيضا، بل على خلافه إجماع المسلمين على ما صرح به بعضهم حيث
قال: وهل له الاجتهاد إذا أمكنه الصلاة إلى أربع جهات؟ الظاهر إجماع المسلمين
على تقديمه وجوبا على الأربع قولا وفعلا، وأن فعل الأربع حينئذ بدعة، فإن غير
المشاهد للكعبة ومن بحكمه ليس إلا مجتهدا أو مقلدا، فلو تقدمت الأربع على
الاجتهاد لوجبت على عامة الناس وهم غيرهما أبدا، ولا قائل به... إلى آخر ما
قال (3).
وما يستدل لقوله من كون لزوم الأربع موافقا لأصل الاشتغال، ومرسلة
خراش: جعلت فداك، إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت السماء
علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء كنا وأنتم سواء في الاجتهاد، فقال: (ليس كما
يقولون، إذا كان ذلك فليصل إلى أربع وجوه) (4) حيث إنها ظاهرة في نفي الاجتهاد
من أصله.
ففيه: أن الأصل المذكور مع ما ذكر من الأخبار لا يفيد شيئا. والمرسلة غير

(1) انظر الرياض 1: 118.
(2) انظر المبسوط 1: 78 و 80.
(3) كشف اللثام 1: 177.
(4) التهذيب 2: 45 / 144، الإستبصار 1: 295 / 1085، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8
ح 5.
168

دالة، إذ يمكن أن يكون المراد بالاستواء في الاجتهاد حينئذ الاستواء في كيفيته،
أو في الاجتهاد في مسألة قبلة فاقد العلم والظن، وهو سقوط اعتبار القبلة،
وبالجملة ليس فيها دلالة واضحة على ما ذكره.
فائدة: وإذ عرفت وجوب التحري في تحصيل الظن لغير المتمكن من
العلم، فلا بد له من معرفة الطرق المحصلة للظن.
فمنها: القواعد الهيوية، وهي محصلة للظن القوي بجهة القبلة بالمعنى
الذي ذكرنا، أي بالمسافة التي يكون البعيد المحاذي لأي جزء منها حقيقة محاذيا
للكعبة عرفا، وهي كما عرفت تتسع بزيادة البعد عنها.
وما في كلام جماعة من أنها محصلة للظن بالعين والقطع بالجهة (1)، كلام غير
محصل جدا، فإنه لا سبيل للقواعد الهيوية إلى تحصيل العين التي هي لا تزيد طولا
وعرضا عن نحو من ثلاثين ذراعا بوجه من الوجوه، وكيف يظن بتلك القواعد
خصوص موضع هذا القدر من المكان في البعد؟! فإنه أمر لا سبيل إليه منها.
وكذا القطع بالجهة، فإن تلك القواعد مأخوذة من كلام أهلها الذي يجوز
على كل منهم الخطأ، ومبنية على الأرصاد المختلفة عن بعض الآحاد، مع بعض
اختلاف فيها أيضا. ومع ذلك فيها وجوه أخر من منافيات القطع.
فالحاصل من تلك القواعد: تعيين الموضع الذي يظن المستقبل له المحاذاة
العرفية للكعبة، لكونه إما عينها أو ما يقاربها، بحيث لا يخرج المحاذي له في البعد
عن محاذاة الكعبة عرفا، ويعد المتوجه إليه متوجها إليها كذلك.
ومقابل هذا القول ما قيل من أنها غير مفيدة للظن أيضا، لابتنائها على
كروية الأرض التي ليس عليها دليل، بل لا توافق ظواهر الآيات. مضافا إلى أنها
خالية عن الدليل التام ومأخوذة من كلام الهيويين الذين لا وثوق لنا بإسلامهم

(1) كما في الذكرى: 162.
169

فضلا عن عدالتهم، فلا يفيد كلامهم علما ولا ظنا (1).
وهو ضعيف غايته، فإنها وإن كانت مبتنية على الكروية ولكن دعوى أنه لا
دليل عليها إن أريد القطعي فلا بأس به، وإن أريد الأعم فخلاف الواقع، حيث
إن إفادة الأدلة الآتية - المفصلة في محالها - للظن القوي بكرويتها مما لا مجال للريب
فيها، بل لا يبعد أن يحصل من اجتماعها العلم العادي للممارس المتفرس.
وأما القول بأنها لا توافق ظواهر الشرع فلم نعثر على ظاهر واحد ينافيها،
وبعض الآيات التي ذكروها غير دالة على خلافها جدا.
مع أن أكثر عظماء علماء الشريعة صرحوا بكرويتها، منهم الفاضل في كتاب
الصوم من التذكرة (2)، وولده فخر المحققين في الإيضاح (3)، وغيرهما (4).
وأما أن شيئا من تلك القواعد ليس عليه دليل تام فكلام خارج عن
الإنصاف جدا، كيف ومع أن أكثرها يثبت بالدلائل الهندسية والبراهين
المجسطية (5) التي لا يتطرق إليها ثبوت شبهة.
وأما حديث عدم الوثوق بأهله وعدم عدالتهم فلا يصلح الإصغاء إليه، فإنه
لا يشترط في ذلك حصول اليقين. ورجوع الفقهاء فيما يحتاجون إليه في كل فن
إلى علمائه وتعويلهم على قواعدهم إذا لم يخالف الشرع شائع ذائع، كما في مسائل
النحو واللغة والطب والحساب، من غير بحث عن عدالتهم. بل يأخذون تلك
المسائل مسلمة، للظن الغالب بأن جماعة من حذاق صناعة إذا اتفقت كلمتهم

(1) قد أنكر صاحب الحدائق كروية الأرض في كتاب الصوم (ج 13 ص 226) وقال: إن ساعدني
التوفيق أكتب رسالة شافية في دفع هذا القول. واستشكل صاحب المدارك من ناحية إسلام الهيويين
وعدالتهم. المدارك 3: 121.
(2) التذكرة 1: 269.
(3) إيضاح الفوائد 1: 252.
(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 59، والمجلسي في مرآة العقول 17: 11.
(5) المجسطي: موسوعة فلكية برهانية، ألفها بطليموس، وترجم إلى العربية أكثر من مرة.
170

على شئ مما يتعلق بها فهو أبعد عن الخطأ.
وليت شعري كيف يفيد كلام الجوهري - مثلا - الظن في اللغة (ويتبع) (1)
ولا يفيد كلام حجة الفرقة مع جم غفير من علماء الهيئة؟! بل كيف يعول على
قول فلان اليهودي المتطبب، ولا يقبل قول جماعة من علماء الإسلام فيما يتعلق
بفنهم؟! مع إطباق العام والخاص على بلوغ حذاقتهم في ذلك الشأن بما لا مزيد
عليه، وشهادة المشاهدات الكثرة في رؤية الأهلة والخسوف والكسوف ونحوها على
صدق مقالهم، واتفاق جميع الفقهاء على الرجوع في ذلك إلى أقوالهم، بل تصريح
جماعة بإفادتها العلم بالجهة، وبالجملة فذلك أمر ظاهر جدا.
ثم معرفة القبلة بالقواعد الهيوية يمكن من وجوه كثيرة نحن نذكر شطرا
منها:
فتارة تعرف بالشمس، وتوضيحه: إن الشمس تكون مارة بسمت رأس
مكة - شرفها الله تعالى - حين كونها في الدرجة الثامنة من الجوزاء والثانية
والعشرين من السرطان وقت انتصاف نهار مكة، لأن ميل كل منهما عن المعدل
بقدر عرضها، والتفاوت بين نصف نهار كل بلد ونصف نهارها بقدر الفصل بين
طوليهما، لأنه قوس من المعدل واقع بين دائرتي نصف نهار البلدين.
وعلى هذا فإذا رصد يوم كون الشمس في إحدى الدرجتين وأخذ لكل خمس
عشرة درجة من التفاوت بين الطولين ساعة، ولكل درجة أربع دقائق، ويجمع
الحاصل، فإذا مضى بقدره من نصف نهار البلد، إن كان شرقيا من مكة أي زاد
طوله على طولها، وإذا بقي بقدره إليه إن كان غربيا منها أي نقص طوله عن
طولها، فسمت ظل الشاخص حينئذ هو القبلة، وهي إلى خلاف جهة الظل، فإذا
جعل المصلي الظل بين قدميه وسجد عليه متوجها إلى الشاخص يكون متوجها إلى

(1) ليس في (ق).
171

القبلة.
وإن لم يكن فصل ما بين الطولين بل اتحد طول البلد ومكة، فيؤخذ الظل
حال وصول الشمس إلى دائرة نصف النهار، أو يؤخذ الشمس حال زوالها بلا مهلة
على طرف الحاجب الأيمن مما يلي الأنف.
ثم الطريقة المشهورة في استخراج سمت القبلة بالأسطرلاب - وهي أن
تضع إحدى الدرجتين السابقتين من منطقة البروج على خط وسط السماء في
صفحة البلد حال كون الشمس في تلك الدرجة، وتعلم موضع المري من
الحجرة، ثم تدير العنكبوت بقدر ما بين طول البلد ومكة إلى المغرب إن زاد طوله،
وإلى المشرق إن نقص، فحيث انتهت الدرجة من مقنطرات الارتفاع رصد بلوغ
ارتفاع الشمس عند المقنطرة، فظل الشاخص حينئذ على سمت القبلة - لا تخرج
عن الطريقة المذكورة، بل هي هي في الحقيقة.
وأخرى تعرف بالدائرة الهندية، ومعرفتها منها على نوعين:
أحدهما: إن بعد تسوية الأرض، ورسم الدائرة، واستخراج خطي
الاعتدال والزوال القاسمين لها أرباعا على الطريقة المشهورة، يقسم كل ربع
تسعين قسما متساوية، ثم يعد من نقطة الجنوب أو الشمال بقدر ما بين الطولين
(إلى المغرب) (1) إن زاد طول البلد على طول مكة شرفها الله تعالى، وإلى المشرق
إن نقص، ومن نقطة المشرق أو المغرب بقدر ما بين العرضين إلى الشمال إن نقص
عرضه، وإلى الجنوب إن زاد. ويخرج من منتهى الأجزاء الطولية خطا موازيا لخط
الزوال، ومن منتهى الأجزاء العرضية خطا موازيا لخط الاعتدال، ويتقاطع الخطان
داخل الدائرة غالبا. فصل بين مركزها ونقطة التقاطع بخط منته إلى محيطها، فهو
على صوب القبلة.
هذا إذا كان البلد مخالفا لمكة طولا وعرضا. وإن اتحدا طولا فخط الزوال

(1) أضفناه لتمامية المعنى.
172

على صوبها، منتهيا إلى نقطة الجنوب إن زاد عرض البلد، وإلى نقطة الشمال إن
نقص. وإن اتحدا عرضا فقط يعد من نقطة المغرب إلى الشمال بقدر العرض إن
زاد طول البلد، ومن نقطة المشرق إليه بقدره إن نقص، فالخط الواصل بين مركز
الدائرة ومنتهى الأجزاء العرضية على صوب القبلة.
وثانيهما: إن بعد رسم الدائرة واستخراج خط الزوال وتقسيم الأرباع، يعد
من القوس التي في جهة انحراف البلد بقدر أجزاء الانحراف، ويوصل بين منتهاه
ومركز الدائرة فهو خط صوب القبلة. وجهة الانحراف من الجنوب إلى المغرب إن
كان البلد شرقيا شماليا من مكة، أي زاد عليها طولا وعرضا. ومنه إلى المشرق إن
كان غربيا كذلك، أي نقص طولا وزاد عرضا، ومن الشمال إلى المغرب إن كان
شرقيا جنوبيا، أي زاد طولا ونقص عرضا، ومنه إلى المشرق إن كان غربيا كذلك،
أي نقص طولا وعرضا، ولا انحراف مع الاتحاد طولا كما مر، ومع الاتحاد عرضا
من الشمال إلى المغرب بقدر تمام العرض إلى التسعين (1) إن زاد طول البلد، ومنه
إلى المشرق كذلك إن نقص.
وقد رسمنا جدولا على حدة مشتملا علن أطوال البلاد المشهورة
وعروضها وجهات انحرافها ومقادير الانحراف، لئلا يحتاج الطالب إلى كتاب
آخر (2).

(1) أي بقدر ثمان وستين درجة وعشرين دقيقة، لأن عرض مكة - على ما في الجدول - إحدى وعشرون
درجة وأربعون دقيقة.
(2) سيأتي في ص 179. ولا يخفى أن القدماء اتفقوا على أن مبدأ الطول منتهى العمارة في جانب
الغرب، وكانت في عصرهم جزيرة من الجزائر المسماة بالخالدات، الواقعة في مغرب أفريقيا قريبة
من ساحل اقيانوس المسمى بالبحر المحيط، وتابعهم المصنف - قدس سره - في ذلك. ولكن استقر
اتفاق القوم في هذه الأعصار على أن المبدأ قرية بالجنوب الشرقي من لندن تسمى ب (كرينويج)
ومعربه: (جرينوش). والاختلاف في مبدأ الطول لا يضر بمقدار انحراف القبلة، لأن التفاوت
بين طول البلد ومكة على التقديرين واحد.
173

وثالثة: بالمشرق والمغرب أي بالشمس، بجعل الأول على الأيسر والثاني
على الأيمن، فيكون المستقبل إليه قبلة لبلد كان مساويا لمكة طولا وزائدا عنها
عرضا، وإن نقص عرضا فيجعل الأول على الأيمن والثاني على الأيسر.
وقيدهما الشهيدان (1)، والمحقق الشيخ علي (2)، وصاحب التنقيح (3)،
وغيرهم (4) بالاعتدالين، أي مشرق أولي الحمل والميزان.
ونقل شيخنا البهائي عن والده عدم الاحتياج إلى التقييد، معللا بأن الخط
الواصل بين مشرق كل يوم ومغربه يقاطع خط الجنوب والشمال على القوائم، فلو
جعل مغرب أي يوم كان على اليمين ومشرقه على اليسار في الأول وعكس
في الثاني يواجه القبلة. واستجوده (5). وتبعهما على ذلك بعض من تأخر
عنهما (6).
وهو غفلة واضحة، لأن الفصل بين اليمين واليسار نصف الدور دائما لا
ينقص عنه البتة، والفصل بين مشرق كل يوم غير يوم الاعتدال ومغربه أقل من
النصف البتة، فلا يمكن جعلهما على اليمين واليسار، بل ينحرف اليسار عن
مغرب الاعتدال على خلاف جهة انحراف مشرق كل يوم عن مشرق الاعتدال
بقدر انحرافه، ففي أول الشتاء يكون البعد بين المشرقين بقدر الميل الكلي إلى
جانب الشمال أي أربع وعشرين درجة، فإذا جعل على اليمين ينحرف اليسار عن
المغرب إلى الجنوب بهذا القدر، ويلزمه انحراف القبلة عن الجنوب إلى المشرق بهذا
القدر، وليس هذا تقريبيا حتى يتسامح فيه، بل التفاوت بينهما بعد المشرقين.

(1) البيان: 114، روض الجنان: 196.
(2) جامع المقاصد 2: 55.
(3) التنقيح الرائع 1: 174.
(4) كصاحب المدارك 3: 128.
(5) الحبل المتين: 193.
(6) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 113.
174

فالصواب فيما ذكروه هو التقييد بارتكاب تقريب وتخصيص وتجوز.
نعم، يمكن أن يعرف بكل واحد من المشرق والمغرب الغير الاعتدالين
منفردا لا مجتمعا قبلة بعض البلاد المنحرفة.
وبيانه: أن من جعل مشرق الاعتدال على اليسار يقابل المغرب يمينه ونقطة
الجنوب بين عينيه، فإذا انحرف مشرق جزء عن الاعتدال إلى الشمال كما في الربيع
مثلا ينحرف يمينه بقدر سعة مشرق هذا الجزء من المغرب إلى الجنوب، وبين عينيه
من الجنوب إلى المشرق، وإذا انحرف المشرق إلى الجنوب كما في الخريف ينحرف
اليمين من المغرب إلى الشمال، وبين العينين من الجنوب إلى المغرب، ولمواجهة
نقطة الشمال يلاحظ المغرب على اليسار أو المشرق على اليمين.
وعلى هذا فكل جزء من أجزاء المنطقة يساوي بعد مطلعه عن مطلع
الاعتدال في بلد - أي سعة مشرقه - انحراف قبلة البلد، فإذا جعل المشرق في يوم
كانت الشمس في ذلك الجزء على اليسار يكون مواجها للقبلة إن كان البلد أكثر
عرضا من مكة، وإذا جعل على اليمين يكون مواجها لها إن كان أقل.
ورابعة: بالكواكب، وتوضيحه: أن كل كوكب من الكواكب في أي ارتفاع
كان من الارتفاعات يمكن أن يفرض له وضع خاص مع كل شخص بالنسبة إلى
أجزاء بدنه، بحيث يوجب ذلك الوضع كون هذا الشخص مواجها للقبلة. ولكن
لما لم يكن جميع الكواكب معروفة بين الناس، وجميع الارتفاعات معلومة بالسهولة،
وجميع الأوضاع منضبطة منقحة، اقتصروا في تعريف القبلة بهذه الطريقة على
بعض الكواكب المعروفة حال كونه في نصف النهار، أو المشرق أو المغرب،
لمعلوميته في بعض الأوضاع المنضبطة، ككونه على أحد المنكبين، أو بين الكتفين،
أو العينين وأمثالها.
والكواكب التي ذكروها سبعة: الجدي، وبنات النعش، وشولة، والنسر
الطائر، والثريا، والعيوق، وسهيل.
أما الأول فقد وردت به الروايات أيضا، ففي موثقة ابن مسلم: عن
175

القبلة، قال: (ضع الجدي في قفاك وصل) (1).
وفي مرسلة الفقيه: إني أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة في الليل،
فقال: (أتعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟) قلت: نعم، قال: (اجعله على
يمينك، وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك) (2).
وفي تفسير العياشي: عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: وبالنجم هم يهتدون. هو الجدي، لأنه نجم لا يزول، وعليه
بناء القبلة (3).
وهذه الروايات وإن كانت مطلقة إلا أن الفقهاء لما رأوا امتناع إبقائها على
ذلك الإطلاق ضرورة اختلاف قبلة البلاد، قيدوها بأهل العراق بقرينة رواتها،
مع أنه الموافق للاعتبار، ثم لأجل تفاوت قبلتهم أيضا ارتكبوا فيه التفصيل أيضا.
والتحقيق: أن العمل بإطلاقها غير متصور قطعا، ولا قرينة تامة على
خصوصيات التقييد إلا ملاحظة ما تقتضيه القواعد الهيوية، وهي بأنفسها في
المقام حجة كاملة، فالأولى الرجوع في ذلك إليها أيضا، ومقتضاها جعل الجدي
بين الكتفين في بلد ساوى مكة طولا تقريبا. - زاد عنها عرضا، كأطراف العراق
الغربية، من الموصل، وأرز الروم، وما والاهما. وبين العينين فيما ساواها طولا
ونقص عرضا، كالطائف، وصنعاء دار الملك يمن. وعلى خلف المنكب الأيمن،
أي أوائل الكتف بالنسبة إلى بين الكتفين - كما ذكره والدي رحمه الله في المعتمد -
في أواسط العراق من بغداد، والكوفة، والمشهدين، والحلة. وعلى خلف أواسط
الكتف الأيمن في أطرافه الشرقية، من البصرة وما يقربها انحرافا، كأصبهان
وكاشان وقم وجرباذقان (4) والري وأستراباد وسمنان ودامغان وبسطام وآمل. وعلى

(1) التهذيب 2: 45 / 143 الوسائل 4: 306 أبواب القبلة ب 5 ح 1.
(2) الفقيه 1: 181 / 860، الوسائل 4: 306 أبواب القبلة ب 5 ح 2.
(3) تفسير العياشي 2: 256 / 12، الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 5 ح 3.
(4) جرباذقان بالفتح، والعجم يتولون كرباذكان: بلدة قريبة من همذان بينها وبين الكرج وأصبهان.
وأيضا: بلدة بين استرأباذ وجرجان من نواحي طبرستان. معجم البلدان 2: 118.
176

خلف أواخر الكتف الأيمن المتصل بالعضد فيما يزيد انحرافه نحو المغرب، كأكثر
بلاد الهند والسند. وعلى خلف المنكب الأيسر فيما كان انحرافه شرقيا من
الجنوب، مبتدئا من أوائل الكتف إلى أواخره بزيادة الانحراف، ثم تحريفه من بين
العينين إلى الخد الأيمن شيئا فشيئا بزيادة الانحراف من الشمال إلى المشرق، وإلى الأيسر كذلك بزيادته منه إلى المغرب.
وبالجملة: لكون الجدي ساكنا حسا يصلح في جميع حالاته لجعله علامة،
كما تقتضيه رواية العياشي. وقاعدته جعله بين الكتفين لما قبلته نقطة الجنوب
وتحريفه شيئا فشيئا من أوائل الكتف الأيمن إلى أواخره بزيادة الانحراف منه إلى
المغرب حتى ينتهي إلى مقابل اليد اليمنى فيما قبلته نقطة المغرب، وتحريفه كذلك
من أوائل الكتف الأيسر إلى أواخره بزيادة الانحراف منه إلى المشرق حتى ينتهي إلى
مقابل اليد اليسرى فيما كانت قبلته نقطة المشرق، وجعله بين العينين لما قبلته نقطة
الشمال وتحريفه منه إلى الخد (الأيمن) (1) شيئا فشيئا بزيادة الانحراف الغربي حتى
ينتهي إلى اليد اليمنى لما قبلته نقطة المغرب، وإلى (الأيسر) (2) كذلك بزيادة
الانحراف منه نحو المشرق حتى ينتهي إلى اليد اليسرى لما قبلته نقطة
(المشرق) (3).
وتبديل الجدي بنجم خفي يراه حديد النظر، وجعله آكد دلالة من
الجدي، معللا بأن الأول لا يزول عن مكانه بخلاف الثاني، فإن عند طلوع
الشمس مكان الفرقدين عند غروبهما، وبعده عن القطب كبعد الفرقدين، كما في
المعتبر والتذكرة والتنقيح (4)، خطأ، فإن الجدي في جميع حالاته أقرب إلى القطب

(1) الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.
(2) الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.
(3) الظاهر وقوع سهو من النساخ، فضبطوا بدل ما بين المعقوفين في المواضع الثلاثة: الأيسر، الأيمن، المغرب.
(4) المعتبر 2: 69، التذكرة 1: 101، التنقيح 1: 174.
177

من ذلك النجم وأقل حركة منه، بل لا يحس بحركة الجدي، والفرقدان يتحركان
حوله محسوسا. وتؤكده رواية العياشي أيضا.
وأما البواقي فليس ذكرها في رواية، وذكرها جماعة من الأصحاب علامة
عند الطلوع والغروب بما فيه تفاوت فاحش، ومخالفة في بعضها بعضا، واختلاف
في كلماتهم بعضا للبعض، كما جعل بعضهم وضع النسر عند الطلوع بين الكتفين
علامة للبصرة والبحرين ويمامة (1)، مع أن لكون سعة مشرقه تسع درجات شمالية
وكون انحراف البلدة الأولى من نقطة الجنوب سبعا وعشرين (2) وانحراف الباقيتين
أقل، تختلف القبلة نحوا من ستين درجة، ومع ذلك جعل وضع المشرق على
المنكب الأيمن أيضا علامة لهم. وفي العلامتين مخالفة كثيرة.
وجعل بعضهم وضع بنات النعش على خلف أواسط الكتف الأيمن عند
الطلوع علامة لأهل الهند والسند، وآخر وضعها على الخد الأيمن علامة لهم (3)،
إلى غير ذلك مما يستدعي استقصاؤها كتابا.
والتحقيق في كيفية معرفة القبلة من الكواكب المذكورة وغيرها: أن يعلم
كوكب يساوي أو يقرب سعة مشرقه أو مغربه انحراف البلد، فيوضع مطلع
كوكب سعته مساوية للبلد المطلوب جنوبية على مقابل اليد اليسرى، أو مغرب ما
سعته شمالية مقابل اليمنى إن كان انحراف البلد جنوبيا غربيا، ويوضع مغرب
الأول على اليمنى أو مطلع الثاني على اليسرى إن كان انحرافه جنوبيا شرقيا،
ويوضع مطلع ذي السعة الجنوبية على اليمنى، أو مغرب ذي الشمالية على اليسرى
إن كان الانحراف شماليا شرقيا، ومغرب الأول على اليسرى أو مطلع الثاني على
اليمنى إن كان شماليا غربيا.

(1) رسالة إزاحة العلة، المنقولة في البحار 81: 81.
(2) كذا في النسخ، ولكن المضبوط في الجدول انحراف البصرة سبع وثلاثون درجة تقريبا.
(3) رسالة إزاحة العلة، المنقولة في البحار 81: 81.
178

وهذه قاعدة مطردة جيدة، ولكن لتفاوت سعة كل كوكب بتفاوت البلدان
عرضا يجب أن يكون علامة كل بلدة كوكب تساوي سعته فيها لانحرافها ولو
تقريبا.
وعلى هذا فعلامة القبلة لأهل البصرة وشوشتر وكاشان وقم والري وسمنان
وأستراباد ودامفان وبسطام وايروان وبارفروش وما يقرب منها: وضع نير الفكة
مقابل اليد اليمنى عند الغروب. ولأهل سر من رأى، وبغداد وكوفة وخوي
وموقان وأرومية وما والاها: وضع النسر الطائر عليه عنده. ولأهل هرات وقاين
وبلخ وبدخشان: وضع العيوق عليه عنده. ولأهل همدان، وقزوين وسلطانية
وفومن: وضع سماك الرامح عليه عنده. ولأهل لاهيجان: وضع قلب العقرب
مقابل اليسرى عند الطلوع، وهكذا.
ونحن نضع هنا جدولا لمعرفة سعة مشرق بعض الكواكب المشهورة ومغربه
في بعض العروض، ليسهل الوصول إلى المطلوب بانضمامه مع الجدول المتقدم،
ونتبعه بجدول آخر لمعرفة سعة مشرق أوائل البروج وأواسطها في بعض العروض،
ليعرف بوضع مطلع الشمس أو مغربها عند حلولها فيها على اليسار أو اليمين قبلة
بلد ذلك العرض إذا كان انحرافه مساويا للسعة. وهذا هو الجدول: -
البلد - الطول - العرض - الانحراف - جهة الانحراف
درجة - دقيقة. درجة - دقيقة. درجة - دقيقة. درجة - دقيقة. درجة - دقيقة. درجة - دقيقة.
أصفهان = فو - م، 86 - 40، ل - لو، 30 - 36، م - كط، 40 - 29، من الجنوب إلى المغرب.
استراباد = قط - لو، 89 - 36، لو - ن، 36 - 50، لح - مح، 38 - 42، من الجنوب إلى المغرب
أردبيل = فب - ل، 82 - 30، لح - مه، 38 - 45، يز - يج، 17 - 13، من الجنوب إلى المغرب
إيروان = فط - يو، 89 - 16، لح - ل، 38 - 30، لو لك، 36 - 20، من الجنوب إلى المغرب
أنطاكية = عا - كو، 71 - 26، لو - ل، 36 - 30، -، [23] تقريبا، [من الجنوب إلى المشرق]
أرزنكان = عو - مه، 76، 45، لح - مه، 38 - 45، -، [8] تقريبا، من الجنوب إلى المشرق
أرومية = عط، 79، لو - مه، 36 - 45، ولو، 6 - 36، من الجنوب إلى المغرب
179

أكره = قيد - مه، 114 - 45، كو - مه، 26 - 45، ص - مه، 90 - 45، من الجنوب إلى المغرب
بغداد = ف - مه، 80 - 45، لح - كو، 38 - 26، يب - مو، 12 - 46، من الجنوب إلى المغرب
البصرة = فد - مه، 84 - 45، ل - مه، 30 - 45، لو - نط، 36 - 59، من الجنوب إلى المغرب
بسطام = فط - ل، 89 - 30، لو - ى، 36 - 10، لح - نج، 38 - 53، من الجنوب إلى المغرب
بردع = فح - مه، 88 - 45، م - ل، 40 - 30 - يز - لز، 17 - 37، من الجنوب إلى المغرب
بارفروش = فو - ن، 86 - 50، لو - ن، 36 - 50، لد - ند، 34 - 54، من الجنوب إلى المغرب
بيت المقدس = سو - ل، 66 - 30، لا - ن، 31 - 50، مه - نو، 45 - 56، من الجنوب إلى المشرق
بعلبك = ع - مو، 70 - 46، لح - يو، 38 - 16، يح - مه، 18 - 45، من الجنوب إلى المشرق
بلخ = قا - مه، 101 - 45، لو - ما، 36 - 41، س - لو، 60 - 36، من الجنوب إلى المغرب
بدخشان = قد - كد، 104 - 24، لو - ى، 36 - 10، سد - ط، 64 - 9، من الجنوب إلى المغرب
بخارا = صو - ك، 96 - 20، لو - مه، 36 - 45، مط - لح، 49 - 38، من الجنوب إلى المغرب
بلور = قح - مه، 108 - 45، لو - مه، 36 - 45، مح - نا، 48 - 51، من الجنوب إلى المغرب
ترشيز = صب - مه، 92 - 45، لد - مه، 35 - 45، مح - نا، 48 - 51، من الجنوب إلى مغرب
تون = صب - ل، 92 - 30، لد - ل، 34 - 30، ن - ك، 50 - 20، من الجنوب إلى المغرب
تفليس = فح - مه، 88 - 45، مح - مه، 48 - 45، يد، ما، 14 - 41، من الجنوب إلى المغرب
تبريز = فب - مه، 82 - 45، لح - مه، 38 - 45، يه - م، 15 - 40، من الجنوب إلى المغرب
جرباذقان = فه - ل، 85 - 30، لد، 34، لح - مه، 38 - 45، من الجنوب إلى المغرب
حلب = عد - ى، 74 - 10 - لو - ن، 36 - 50، يح - لط، 18 - 39، من الجنوب إلى المشرق
الحساء = فح - ل، 88 - 30، كد - مه، 24 - 25، سط - ل، 69 - 30، من الجنوب إلى المغرب
خوى = عط - م، 79 - 40، لو - م، 36 - 40، ح - كو، 8 - 26، من الجنوب إلى المغرب
ختن = قز - مه، 107 - 45، ص - مه، 90 - 45، عط - ط، 79 - ط، من الجنوب إلى المغرب
خان بالغ = قكد، 124، مو - مه، 46 - 45، عج - ل، 73 - 30، من الجنوب إلى المغرب
الخبيص - صح - مه، 98 - 45، لا - مه، 31 - 45، نو - مح، 56 - 48، من الجنوب إلى المغرب
خجند = ق - لو، 100 - 36، ما - نو، 41 - 56، مط - لط، 49 - 39، من الجنوب إلى المغرب
دمشق = ع - مه، 70 - 45، لح - يو، 38 - 16، ل - لا، 30 - 31، من الجنوب إلى المشرق
دامغان = فح - يو، 88 - 16، لو - ك، 36 - 20، لح - يو، 38 - 16 من الجنوب إلى المغرب
دولت آباد = قى - ل، 110 - 30، ك - لد، 20 - 34، فا - يط، 81 - 19، من الشمال إلى المغرب
دهلي = قيد يح 114 - 18، كح - مه، 28 - 45، فز - ك، 87 - 20، من الجنوب إلى المغرب
الري = فو - ك، 86 - 20، لو - مه، 36 - 45، لز - كو، 37 - 26، من الجنوب إلى المغرب
180

الرملة من فلسيطين = سو - ن، 66 - 50، لد - ى، 34 - 10، -، [37] تقريبا، من الجنوب إلى المشرق
رحبة = عد - ى، 74 - 10، لد - ى، 34 - 10، -، [10] تقريبا، [من الجنوب إلى المشرق]
زبيد = عد - ك، 74، 20، يد - ى، 14 - 10، -، [14] تقريبا، [من الشمال إلى المشرق]
سر من رأى = عط - مه، 79 - 45، لد - مه، 34 - 45، ز - نو، د - 56، من الجنوب إلى المغرب
سمنان = فح - مه، 88 - 45، لو - لز، 36 - 37، لو - نو، 36 - 56، من الجنوب إلى المغرب
سبزوار = صا - ل، 91 - 30، لو - مه، 36 - 45، مد - نح، 44 - 53، من الجنوب إلى المغرب
سلمان = عط - يو، 79 - 16، نو - م، 56 - 40، ز، 7، من الجنوب إلى المغرب
سلطانية = فد - مه، 84 - 45، لو - ل، 36 - 30، كح - مه، 28 - 45، من الجنوب إلى المغرب
شوشتر = فد - ك، 84 - 20، لا - ل، 31 - 30، له - كد، 35 - 24، من الجنوب إلى المغرب
شيراز = فح - مه، 88 - 45، كط - لو، 29 - 36، نج - مح، 53 - 48، من الجنوب إلى المغرب
شيروان وشماخي = فد - ل، 84، 30 - م - ن، 40 - 50، ك - ط، 20 - 9، من الجنوب إلى المغرب
صنعاء = عو - مه، 76 - 45، بد - ل، 14 - 30، أ - يو، 1 - 16، من الشمال إلى المشرق
صحار قصبة عمان = فد - لا، 84 - 31، يد - ك، 14 - 20، -، [47] تقريبا، [من الشمال إلى المغرب]
طالقان = فه - مه، 85 - 45، لو - ى، 36 - 10، كط - لج، 29 - 33، من الجنوب إلى المغرب
طوس = صب - ل، 92 - 30، لو - مه، 36 - 45، مه - و، 45 - 6، من الجنوب إلى المغرب
الطائف = عز - ل، 77 - 30، كا - ك، 21 - 20، أ، 1، من الشمال إلى المغرب
طبرية = سح - مه، 68 - 45، لب - مه، 32 - 45، -، [35] تقريبا، [من الجنوب إلى المشرق]
عسقلان من فلسيطين = سو - ل، 66 - 30، لب - يو، 32 - 16، -، [42] تقريبا، [من الجنوب إلى المشرق]
فومن = فد - م، 84 - 40، لز - ك، 37 - 20، كد - يو، 24 - 16، من الجنوب إلى المغرب
فيروز آباد = فز - ل، 87 - 30، كح - ل، 28 - 30، نو - ل، 56 - 30، من الجنوب إلى المغرب
قزوين = فد - مه، 85 - 45، لو - مه، 36 - 45، كو - لو، 26 - 36، من الجنوب إلى المغرب
قم = فه - م، 85 - 40، لد - مو، 34 - 56، لا - ند، 31 - 54، من الجنوب إلى المغرب
قندهار = قز - م، 107 - 40، لج - مه، 33 - 45، عه - مه، 75 - 45، من الجنوب إلى المغرب
قطيف بحرين = -، [87]، كه - لا، 25 - 31، -، [62] تقريبا، من الجنوب إلى المغرب
قنسرين = عب - مه، 72 - 45، لو - ل، 36 - 30، -، [14] تقريبا، [من الجنوب إلى المشرق]
قاين = صح - ل 98 - 30، لح - م، 38 - 40، نو، 56، من الجنوب إلى المغرب
قراباغ = فح - م، 88 - 40، م - مه، 40 - 45، لح - ن، 38 - 50، من الجنوب إلى المغرب
الكوفة = عط - ل، 79 - 30، لا - ل، 31 - 30، يب - لا، 12 - 31، من الجنوب إلى المغرب
181

كازران = فو - مه، 86 - 45، كط - يو، 29 - 16، نا - نو، 51 - 65، من الجنوب إلى المغرب
كاشان = فو - مه، 86 - 45، لد - مه، 34 - 45، لد - لا، 34 - 31، من الجنوب إلى المغرب
كرمان = صب - ل، 92 - 30، كط - ن، 29 - 50، سب - نا، 62 - 51، من الجنوب إلى المغرب
كش = صط - ل، 99 - 30، لط - ل، 39 - 30، نا - ع، 51 - 70، من الجنوب إلى المغرب
كاشغر = فو - مه، 86 - 45، مد - مه، 44 - 45، نح، لو 58 - 36 من الجنوب إلى المغرب
كشمير = قه - مه، 105 - 45، لو - مه، 36 - 45، [65]، من الجنوب إلى المغرب
لهاور = قيط - ك، 119 - 20، لا - ن، 31 - 50، عح - كو، 78 - 26، من الجنوب إلى المغرب
لاهيجان = فد - مه، 84 - 45، لو - ى، 36 - 10، كط - ك، 29 - 20، من الجنوب إلى المغرب مكة شرفها الله تعالى = عز - ى، 77 - 10، كا - م، 21 - 40، -، -، -،
المدينة = عج ك 73 20 كه مه 25 45 لز ك 37 20 من الجنوب إلى المشرق
مصر = سج - ك، 63 - 20، ل - ك، 30 - 20، نح - ح، 58 - 8، من الجنوب إلى المشرق
مراغة = فب - لا، 82 - 31، لو - ك، 36 - 20، يو - يز، 16 - 17، من الجنوب إلى المغرب
منيح = عب - يو، 72 - 16، لو - يو، 36 - 16، -، [21] تقريبا، [من الجنوب إلى المشرق]
موقان = فح - مه، 88 - 45، لح - مه، 38 - 45، يط - ل، 19 - 30، من الجنوب إلى المغرب
المدائن = فب - مه، 82 - 45، لح - ى، 38 - 10، يو - مه، 16 - 45، من الجنوب إلى المغرب
مشهد = صب - ل، 92 - 30، لو - مه، 36 - 45، مه - و، 45 - 6، من الجنوب إلى المغرب
مزينان = ص - ل، 90 - 30، لو - مه، 36 - 45، مب - ه 42 - 5، من الجنوب إلى المغرب
مولتان = قو - لو، 106 - 36، لط - م، 39 - 40، -، [62] تقريبا، من الجنوب إلى المغرب
مرو = صو - مه، 96 - 45، لو - م، 36 - 40، نب - ل، 52 - 30، من الجنوب إلى المغرب
نيشابور = صد - 94، لو - كان، 36 - 21، مو - كو، 46 - 26، من الجنوب إلى المغرب
نخجوان = فا - مه، 81 - 45، لح - م، 38 - 40، يب - مه، 12 - 45، من الجنوب إلى المغرب
همدان = فح - مه، 88 - 45، لو - ى، 36 - 10، كب، يو - 22، 16 من الجنوب إلى المغرب
هرات = صد - ك، 94 - 20، لد - ل، 34 - 30، ند - ح، 54 - 8، من الجنوب إلى المغرب
واسط = فا - ل، 81 - 30، لب - ك، 32 - 20، كو، 26، من الجنوب إلى المغرب
يزد = فط - مه، 89 - 45، لب - لا، 32 - 31، مح - لط، 48 - 39، من الجنوب إلى المغرب
اليمامة = فب - ل، 82 - 30، كح - مه، 28 - 45، -، [34] تقريبا، من الجنوب إلى المغرب
182

الكوكب - درجات سعة مشرقية " الدرجة، الدرجة " - جهة سعته
النسر الطائر = ط، 9، الشمال
العيوق = نط، 59، الشمال
عين الثور = ك، 20، الشمال
النسر الواقع = مو، 46، الشمال
الشعري اليماني = يح، 18، الجنوب
الشعرى الشامي = ى، 10، المشال
رأس الحوا = يد، 14، الشمال
قلب الأسد = يد، 14، الشمال
السماك الرامح = كو، 26، الشمال
الفكة = لح، 38، الشمال
يد الجوزاء اليمنى = ط، 9، الشمال
رجل الجوزاء اليسري = ط، 9، الجنوب
الكف الخضيب = ف، 80، الشمال
السماك الأعزل = ى - ل، 10 - 30، الجنوب
جناح الغراب = ع - ل، 70 - 30، الشمال
الصرفة = ك، 20، الشمال
منكب الفرس = لا، 31، الشمال
قلب العقرب = كط، 29، الجنوب
رأس الغول = ن، 50، الشمال
قائد = س، 60، الشمال
فرد الشجاع = و، 6، الجنوب
183

البروج - درجات سعة مشرق أوائلها - جهة سعتها - درجات سعة مشرق أواسطها - جهة سعتها
الحمل = لا سعة له، -، -، ز - ل، 7 - 30، الشمال
الثور = مه - ل، 45 - 30، الشمال، ك، 20، الشمال
الجوزاء = كو، 26، الشمال، كح - ل، 28 - 30، الشمال
السرطان = ل، 30، الشمال، كط، 28، الشمال
الأسد = كو، 26، الشمال، كا، 21، الشمال
السنبلة = مه - ل، 45 - 30، الشمال، ز - ل، 7 - 30، الشمال
الميزان = لا سعة له، -، -، ز - ل، 7 - 30، الجنوب
العقرب = يد - ل، 14 - 30، الجنوب، ك، 20، الجنوب
القوس = كو، 26، الجنوب، كح - ل، 28 - 30، الجنوب
الجدي = ل، 30، الجنوب، كح - ل، 28، 30، الجنوب
الدلو = كو، 26، الجنوب، ك، 20، الجنوب
الحوت = يد - ل، 14 - 30، الجنوب، ز - ل، 7 - 30، الجنوب
ثم إنه وقع في المقام لكثير من الفقهاء - سيما الشيخ الجليل أبي الفضل
شاذان بن جبرئيل في رسالته التي نقلها في البحار (1) - اختلافات كثيرة من حيث
نفس العلامات المنفردة، ومن حيث جمع بعضها مع بعض، بحيث لا يحتمل
حملها على التقريبات المغتفرة.
هذا أول الشهيدين أطلق كغيره جعل الثريا والعيوق عند طلوعهما على
اليمين والشمال علامة لأهل المغرب (2).
وقيده ثانيهما - رحمه الله - ببعضهم لا (3).

(1) البحار 81: 73 - 85.
(2) انظر اللمعة (الروضة 1: 97 1)، وكشف اللثام 1: 4 7 1.
(3) الروضة البهية 1: 197.
184

وظاهر أنه غير معقول، إذ الفصل بين مقابلي اليمين والشمال نصف الدور،
وبين مطلعي الكوكبين نصف عشره، فلا يتأتى وضع أحدهما على اليمين والآخر
على الشمال في موضع واحد.
والتوجيه: بأن المراد أن قبلتهم بين مطلعيهما، بحيث يكون الثريا على جهة
اليمين والعيوق على جهة الشمال، غير خال عن التكلف والتخصيص الغير
المرضي، والبعد. وبأن العيوق علامة للغربي الشمالي، والثريا للجنوبي غير
صحيح، لأن كليهما شماليان عن مشرق الاعتدال، إلى غير ذلك مما في كلماتهم
من الاختلافات التي يتمكن من استخراجها من أحاط بما ذكرنا.
وخامسة: بالقمر، فجعلوا جعله بين العينين عند غروب الشمس في الليلة
السابعة من كل شهر، وعند انتصاف الليل في الرابعة عشرة منه، وعند الفجر في
إحدى وعشرين علامة لأهل العراق.
وفيه من التغريب من وجهين ما لا يخفى (1).
وسادسة: بمنازل القمر، وهو في الحقيقة راجع إلى المعرفة بالكواكب،
فحكمها حكمها.
ومن الطرق المفيدة للظن: إخبار العدلين، بل العدل، بل جماعة الفساق،
بل الفاسق الواحد وإن كان في قبول الأخير نظر يظهر في ما سيأتي في الأعمى،
وإخبار أهل البيت بقبلة البيت،. سواء كان إخبارهم مستندا إلى المشاهدة أو
الاجتهاد.
وليس التعويل على ذلك تقليدا، لأنه الأخذ بقول الغير تعبدا من غير
ملاحظة إفادته العلم أو الظن، والمناط هنا تحصيل الظن المندرج في التحري.
ولو عمم التقليد بحيث يشمله أيضا فيكون بعض أفراده داخلا في التحري والاجتهاد
أيضا، فلا مانع من الأخذ به.

(1) أحدهما باعتبار بلاد العراق، والآخر باعتبار سير القمر. منه رحمه الله تعالى.
185

نعم، لو تمكن من الاجتهاد الأقوى، لم يجز التعويل عليه كما يأتي.
وهذا مراد من منع من التقليد للمتمكن من الاجتهاد، فأراد بالاجتهاد
استعمال القواعد، وبالتقليد العمل بخبر الغير وإن أفاد الظن، وإلا فغير المفيد له
لا يجوز التعويل عليه مع عدم التمكن من الاجتهاد أيضا.
ومنها: محاريب مساجد بلد الإسلام، صغيرا كان أو كبيرا، وقبوره وبيوته،
ومحاريب الطرق المسلوكة، لبعد اتفاق أهلها واستمرارهم على الخطأ.
وجعله من علائم القطع لذلك - كجماعة (1) - غير جيد، لإمكان بنائهم
أولا على ما تمكنوا من الاجتهاد المجزئ لهم واستمرارهم عليه، سيما في القرى
الصغار، إلا إذا كان من المواضع القريبة إلى الكعبة جدا، كمكة وما يقربها،
فيمكن حصول العلم بما جرى عليه أهله من القبلة، وأما في البعيد فلا.
ثم على ما عرفت تعلم أن التعويل على ما لا يفيد العلم منها مختص بغير
المتمكن من العلم، وتعويله لأجل إفادته الظن أيضا لا تعبدا، لعدم دليل عليه
بخصوصه، وأما الإجماعات المنقولة فلا تفيد زيادة على ذلك.
وعلى هذا فلو لم يحصل الظن منها في موضع، لظهور مخالفتها لما يحصل من
بعض قواعد القبلة، يسقط عن الاعتبار ويرجع إلى ما يحصل منه الظن.
نعم، الظاهر سيما في بلد كبير كون الظن الحاصل من قبلته المتداولة أقوى
من الحاصل من استعمال القواعد، إلا إذا كانت المخالفة قليلة.
وأما الكثيرة الواصلة إلى قريب من ربع الدور ونحوه، فإن فرض تحققها
فالظاهر عدم سقوط الظن، بل يظن الخطأ في إجراء القاعدة.
ومن هنا يظهر سر ما ذكره بعضهم من عدم جواز الاجتهاد في الجهة وجوازه

(1) منهم: الشهيد الأول في الذكرى: 163، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 72، والشهيد الثاني
في روض الجنان: 195.
186

في التيامن والتياسر (1)، يعني أنه لو أدى الاجتهاد إلى خلاف الجهة لا يعول عليه
لحكم الحدس بخطئه.
المسألة الثالثة: هل يكتفي غير المتمكن من العلم بمطلق الظن، فتكفيه
أمارة محصلة له ولو تمكن من أمارة أقوى؟ أو يجب عليه تحصيل أقوى ما يتمكن منه
من الظنون؟
الظاهر الثاني، كما به صرح طائفة (2)، لأنه المفهوم من التحري وتعمد
الجهد - الواردين في النص - في العرف واللغة، فإن التحري هو طلب ما هو
أحرى بالاستعمال في غالب الظن، ذكره الجوهري والطريحي (3)، أو الاجتهاد في
الطلب، ذكره ابن الأثير (4)، والاجتهاد: بذل الجهد واستفراغ الوسع، كما ذكره
أهل اللغة، بل في النهاية الأثيرية: أنه استفراغ ما في الوسع والطاقة، وقال أيضا:
يقال جهد الرجل إذا جد فيه وبالغ (5). والجهد هو الطاقة، فتعمده: صرفها، وهو
بذل أقصى ما يمكن من السعي.
فلا يكفي للمتمكن من استعمال قواعد الهيئة الاقتصار على الإخبار ولا على
قبلة منصوبة، إلا إذا كان الظن الحاصل منها أقوى، كقبلة المساجد الجامعة في
البلاد، أو إخبار جماعة كثيرة من أهل بلد. ولا يكفي إخبار الواحد مع إمكان
الأزيد، وهكذا. وبالجملة اللازم بذل الجهد وصرف ما في الوسع.
الرابعة: لو اجتهد فأخبر واحد بخلاف اجتهاده، عمل بالأوثق عنده ولو

(1) كما في الذكرى: 163.
(2) منهم الفيض في المفاتيح 1: 114، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 180، وصاحب
الرياض 1: 118.
(3) الصحاح 6: 2311، ومجمع البحرين 1: 98.
(4) النهاية 1: 376.
(5) النهاية 1: 319.
187

كان الخبر، وفاقا لجماعة (1)، لوجوب العمل بظنه. وخلافا للشيخ (2)، وأتباعه (3)،
لكونه تقليدا غير جائز للمجتهد. وضعفه ظاهر.
ولو تساويا فيصلي بهما، كما يأتي.
الخامسة: الأعمى وفاقد الأمارات وغير العارف بها والعارف الغير المتمكن
من استعمالها لضيق وقت أو مانع، يعول على قول الغير وجوبا، وفاقا لظاهر
الإسكافي (4)، والمبسوط والجامع والشرائع والدروس والتحرير (5)، بل الأكثر، لأنه
التحري بالنسبة إليه وتعمد الجهد.
ولصحيحة الحلبي: (لا بأس بأن يؤم الأعمى للقوم إن كانوا هم الذين
يوجهونه) (6).
وبهما يندفع استصحاب الشغل، وتقيد مرسلة خراش، المتقدمة (7).
وخلافا للخلاف، فأوجب الصلاة إلى الأربع مع السعة وخير مع الضيق،
للمرسلة (8). وجوابه ظاهر.
ولمن قال بالأول في الأعمى، وبالثاني أو تردد في غيره (9).
ولمن قال بالأول لغير العارف بالاجتهاد، وبالثاني للعارف الغير المتمكن

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 66، والشهيد في البيان: 116، والذكرى: 164، وصاحب المدارك 3: 133.
(2) كما في المبسوط 1: 80.
(3) منهم القاضي البراج في المهذب 1: 87.
(4) انظر المختلف 1: 77.
(5) المبسوط 1: 79، الجامع: 63، الشرائع 1: 66، الدروس 1: 159، التحرير 1: 28.
(1) التهذيب 3: 30 / 105، الوسائل 4: 310 أبواب القبلة ب 7 ح 1 (وردت بتفاوت).
(7) راجع ص 168.
(8) الخلاف 1: 302.
(9) قال في القواعد 1: 27: والأعمى يقلد المسلم العارف بأدلة القبلة، ولو فقد المبصر العلم والظن
قلد كالأعمى مع احتمال تعدد الصلاة.
188

منه (1). ويدفعان بعموم ما ذكر.
نعم يمكن الخدش في قبول قول الفاسق، لآية النبأ، فهي للروايتين
معارضة، وكل خبر لم يوافق كتاب الله فهو زخرف، ولذا منع من قبول قوله جماعة،
كما عن الإسكافي (2)، والمبسوط والإصباح والمهذب ونهاية الإحكام والتذكرة
والذكرى والدروس والبيان (3). وهو قوي.
السادسة: هل يجب تعلم طرق معرفة القبلة عينا مطلقا؟ أو مع ظهور
الحاجة إلى التعلم والتمكن منه؟
الظاهر الثاني، للأصل، ووجوب مقدمة الواجب. والأولى للمسافر إذا
ورد بلدة أو قرية معلومة القبلة أو مظنونها أن يعين كوكبا أو نحوه علامة لقبلة ما
يقربها من الطرق.
السابعة: قد يوجد في بعض العبارات سهولة الخطب في أمر القبلة (4).
ويستند فيها تارة إلى ما ورد من قولهم: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) (5) وأخرى
إلى ما يوجد في كلمات الأصحاب من الخلف والاختلاف، وثالثة إلى استنادهم
بالعلامات الغير المفيدة لغير الظن غالبا، ورابعة إلى عدم ورود غير خبر (6) في
خصوص قبلة البعيد وبيان علامتها.

(1) قال الشيخ في موضع من المبسوط (1: 79): إن فاقد أمارات القبلة أو الذي لا يحسن ذلك يجوز
له التقليد والرجوع إلى قول الغير. ثم قال في موضع آخر منه (1: 80): إن العالم بأمارات القبلة
متى اشتبه عليه الأمر لا يجوز له التقليد، بل يصلي إلى أربع جهات.
(2) حكاه عنه في المختلف 1: 77.
(3) المبسوط 1: 80، المهذب 1: 87، نهاية الإحكام 1: 395، التذكرة 1: 103، الذكرى:
164، الدروس 1: 159، البيان: 116.
(4) كما في مجمع الفائدة 2: 59، والمدارك 3: 121، والحدائق 6: 387.
(5) انظر الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10.
(6) راجع ص 176.
189

وهو كلام خال عن التحقيق بعيد عن الصواب، لأن بعد التصريح في
الكتاب والسنة بأن الكعبة أو مع المسجد والحرم قبلة يجب استقبالها ما الذي
يسهل خطبها ويجوز التسامح فيها؟
وأما كون ما بين المشرق والمغرب قبلة، فقد عرفت ما يعارضه وما يراد
منه (1)، مع أنك تراهم لا يعملون بذلك أبدا ويبطلون الصلاة بأدنى انحراف عما
أدى إليه العلامات عمدا.
وأما الخلف والاختلاف، فهو ناش إما عن الخطأ في مقتضى العلامة أو
الاختلاف في فهم مقتضياتها.
وأما الاستناد إلى العلامات: فلأنه المرجع عند سد باب العلم، بتصريح
الأخبار.
وأما عدم تعيين العلامات في الأخبار: فلأنه من باب تعيين الموضوع، وهو
على المكلف نفسه، ولا اهتمام للشارع في بيانه، فالواجب هو استقبال الكعبة
بحيث يصدق عليه عرفا أنه استقبلها وتوجه إليها، ولا تجوز المسامحة في ذلك.
نعم، كما أنه إذا كانت هناك منارة رفيعة قطرها ذراعان مثلا، يخرج في قربها
بعض من الصف المشتمل على العشرة عن الاستقبال العرفي لها، ولا يخرج في بعد
فرسخين منها مثلا أحد من الصف المشتمل على المائة، ويقال لكل منهم: إنه
متوجه إلى المنارة، ولا في بعد مائة فرسخ أحد من الصف المشتمل على الألف بل
عشرة آلاف، كما مر بيانه (2)، تتسع دائرة صدق الاستقبال العرفي في البعيد
، لا
بمعنى أن جهة توجه شخص واحد متسعة يجوز له الميل إلى كل جزء منها، لأن
الميل اليسير من البعيد يوجب الانحراف الكثير غاية الكثرة عن الكعبة بحيث
ينتفي صدق الاستقبال العرفي، ولذا لا يجوزون لأحد ميلا عما اقتضته العلامة

(1) راجع ص 167
(2) راجع ص 148.
190

أبدا، بل بمعنى أن سمت توجه الأشخاص المتوازية الكثيرة في البعيد واحد،
ويكون سمت توجه الأماكن القريبة متحد، ويزداد الاتساع بذلك المعنى بزيادة
البعد.
وسبب التفرقة ما مر من أن بميل شخص واحد في خراسان مثلا بقدر شبر
عما اقتضته العلامة قد يصير البعد بين طرف خط العلامة وطرف خط سمت الميل
في مكة أزيد من مائة فرسخ، بخلاف الشخصين المتوازيين اللذين بينهما فرسخ
مثلا، فإن البعد بين سمتي توجههما لا يزيد عن الفرسخ وإن ذهب السمتان إلى
غير النهاية.
الثامنة: المشهور رجحان التياسر قليلا لأهل العراق، إما مع وجوبه كما هو
ظاهر جماعة من القدماء منهم: الشيخ في كثير من كتبه منها الخلاف مدعيا فيه عليه
الإجماع (1)، وابن حمزة (2)، والشيخان أبو الفتوح (3)، وأبو الفضل شاذان بن
جبرئيل (4). أو استحبابه كما هو المشهور عند القائلين بالرجحان، وهو المحكي عن
الشيخ في المصباح (5) ومختصره، وابن سعيد مبدلا للعراقي بالمشرقيين (6).
لرواية المفضل: عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة وعن
السبب فيه، فقال: (إن الحجر الأسود لما أنزل من الجنة ووضع في موضعه، جعل
أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور نور الحجر، فهي عن يمين الكعبة أربعة
أميال، وعن يسارها ثمانية أميال، كله اثنا عشر ميلا، فإذا انحرف الإنسان ذات

(1) كما في الإقتصاد: 257، والمبسوط 1: 78، والجمل والعقود: 176، النهاية: 63، الخلاف 1: 297.
(2) الوسيلة: 85.
(3) تفسير روح الجنان 1: 422.
(4) رسالة إزاحة العلة المنقولة في البحار 81: 77.
(5) مصباح المتهجد: 24.
(6) الجامع للشرائع: 63 قال فيه: يستحب للعراقيين والمشرقيين أن يتياسروا قليلا
191

اليمين خرج عن القبلة لقلة أنصاب الحرم، وإذا انحرف الإنسان ذات اليسار لم
يكن خارجا من حد القبلة) (1).
ومرفوعة محمد: لم صار الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال: (إن
للكعبة ستة حدود، أربعة منها على يسارك، واثنان منها على يمينك، فمن أجل
ذلك وقع التحريف على اليسار) (2).
وفي الفقه الرضوي: (إذا أردت توجه القبلة فتياسر (مثلي) ما تيامن، فإن
الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال) (3).
والمراد بيمين الكعبة ويسارها يمين مستقبلها ويساره، كما تدل عليه
المرفوعة.
خلافا لجماعة، كالمحكي عن روض الجنان والمحقق الثاني والنافع وظاهر
الدروس (4)، وجملة ممن تأخر عنهم (5)، فبين مانع من الرجحان مطلقا، ومتردد،
لكونه - كما هو ظاهر التعليل، وصريح الأكثر - مبنيا على اعتبار الحرم، ولذا عد من أدلته. وقد عرفت ضعفه.
وقد يمنع الابتناء ويحتمل اطراده على القولين، بل الاطراد ظاهر الفاضل
في المختلف والتحرير والإرشاد والقواعد (6)، والشهيد في الذكرى (7)، وغيرهما (8)،

(1) الفقيه 1: 178 / 842، التهذيب 2: 44 / 142، الوسائل 4: 305 أبواب القبلة ب 4 ح 2.
(2) الكافي 3: 487 الصلاة ب 150 ح 6، التهذيب 2: 44 / 141، الوسائل 4: 305 أبواب القبلة ب 4 ح 1
(3) فقه الرضا عليه السلام: 98، مستدرك الوسائل 3: 180 أبواب القبلة ب 3 ح 1، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ: مثل، وما أثبتناه موافق للمصادر.
(4) روض الجنان: 198، جامع المقاصد 2: 56، النافع: 24، الدروس 1: 159.
(5) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 176، والفيض في مفاتيح الشرائع 1: 113.
1 6) المختلف 1: 77، التحرير 1: 28، الإرشاد 1: 245، القواعد: 26.
(7) الذكرى: 162.
(8) كصاحب كشف الغطاء: 217.
192

حيث صرحوا بهذا الحكم مع اختيارهم اعتبار جهة الكعبة دون الحرم، لأن فيها
من السعة ما لا يخفى، فيمكن استحباب التياسر ولو لم يعتبر الحرم.
ولا ينافيه التعليل، إذ استقبال الأقرب إلى الحرم فالأقرب راجح، وتحصيل
الظن به مع الإمكان مندوب، فمع أكثرية أنصاب الحرم على اليسار يوجب
التياسر - عند استعمال العلائم المحصلة للجهة - قوة الظن بالأقربية منه.
أقول: لا يخفى ضعف كل ما ذكروه من الابتناء والاطراد ورجحان
التياسر.
أما الأول: فلأنه إنما يتم إذا كانت علامات القبلة مفيدة للظن بعين الكعبة
واستحب توسيط الحرم، فحينئذ يمكن أن يقال: إنه يستحب له التياسر حتى
يحصل التوسيط، إذ لولا الأول فلا تفيد أكثرية الحرم ذات اليسار رجحان
التياسر، إذ لا يعلم المصلي إلا أنه متوجه إلى عين الحرم أو جهته، فلعله يكون
متوجها إلى يسار الحرم بحيث لو تياسر خرج عن الحرم، أو وقع في أواخر اليسار،
فلا يفيد التعليل. ولولا الثاني فلا فائدة في التياسر، لأن استقبال الحرم عينا أو
جهة حاصل، وخصوص موضع المستقبل إليه من الحرم غير معلوم ولا مظنون
حتى يفيد التياسر فيه شيئا.
وشئ من الأمرين لا يثبت.
أما الأول: فلما مر من عدم إمكان الظن بإصابة عين الكعبة.
وأما الثاني: فلعدم دليل عليه.
هذا، مع أنه لو سلم حصول ذلك الظن فيحصل التوسيط بالتياسر الذي
تبلغ نهايته عند الحرم نحو ميلين حتى يحصل التوسيط، وذلك محال في حق
العراقي قطعا، إذ لو حصل التياسر بأدنى ما يمكن أن يتصور ويحس به، يزيد
التفاوت في الحرم عن فرسخ وفرسخين بل عشرة فراسخ.
والقول بأن ذلك يقدح على اعتبار عين الحرم دون الجهة، إذ الممكن - على
اعتبارها - إيجابه الأبعدية عن العين دون الخروج عن الجهة، إلا أن احتمال إيجابه
193

الأقربية إليها أظهر، لأكثرية الأنصاب في اليسار. مدفوع: بأنا لو سلمنا عدم
إيجاب التياسر الخروج عن الجهة، مع إنه غير مسلم سيما على ما ذكرنا من معنى الجهة، فليس الكلام في الخروج عن القبلة، بل في موافقة التعليل. وإيجاب
أكثرية الأنصاب بقدر ميلين في جانب لأظهرية الأقربية إليها في هذا البعد البعيد ظاهر البطلان.
وأما الثاني: فلأن جهة الكعبة وإن كانت متسعة، واستقبال الأقرب
فالأقرب إلى الحرم راجحا، وتحصيل الظن به مع الإمكان مندوبا، إلا أن هذه
الأمور غير مفيدة لرجحان التياسر ولو كانت أنصاب الحرم في جانب اليسار أكثر
إلا إذا كان استعمال العلائم المحصلة للجهة موجبا للظن بإصابة خارج الحرم عن
اليمين، فالتياسر يوجب الأقربية، ولم يقل بذلك أحد، بل يمكن أن تكون
الإصابة مع استعمالها على يسار الحرم فيبعد عنه بالتياسر.
نعم، لو قلنا بأن استعمال العلائم يفيد الظن بعين الكعبة ويستحب
توسيط الحرم، لكان لذلك وجه أيضا، ولكن فيه ما مر.
وبالجملة لا يتصور معنى للتياسر وما يضاف التياسر إليه موافقا للتعليل
المذكور أصلا، ومنه يحصل في التعليل الإجمال المخرج له عن الاعتبار بالمرة.
بل في متن الأخبار في أصل الحكم أيضا إجمال - لا من وجهين - لا يمكن
الاستناد إليها أصلا، لأن المتياسر عنه فيها غير معلوم، فإنه وإن كان القبلة - كما
به صرح في الرواية الأولى - ولكن المراد من القبلة فيها لا يمكن أن يكون ما جعله
الشارع قبلة من الكعبة أو مع المسجد والحرم أو مع جهتها أيضا، لأن التحريف
عنها عمدا غير جائز إجماعا. بل المراد إما ما تقتضيه العلامات ويظن به من
الأمارات، أو ما كانوا يتوجهون إليه في زمان الخطاب أو بخصوص بلدة أيضا وكان
عليه بناء قبلتهم، لكون المعنى: لم وقع التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن
القبلة التي يستقبلونها في بلادهم؟ ولعله كان لعلم الإمام بحصول تيامن في
194

قبلتهم، كما يؤيده ما ورد في وصف مسجد غنى وأن قبلته لقاسطة (1)، وما ورد من
أنه إذا قام القائم سوى قبلة مسجد الكوفة (2)، وما ورد في إخبار أمير المؤمنين ببناء
مسجد الكوفة من المطبوخ وتغيير قبلته والذم عليه (3).
ويعضده أيضا ما ذكره بعض مشايخنا من أن انحراف قبلة مسجد الكوفة
إلى اليمين أزيد مما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا، وكذا مسجد سهلة
ومسجد يونس (4).
ولما كان أكثر تلك المحاريب مبنية في زمان خلفاء الجور لم يمكنهم القدح
فيها، فأمروا بالتياسر وعللوه بعلة يمكن إظهارها لكل أحد ويرتضيها المخالف
أيضا.
وعلى هذا فلا يثبت الاستحباب لأهل سائر البلاد، بل لأهل بلد السائل
أو السؤال في هذا الزمان أيضا.
ومن هذا يظهر وجه ضعف الثالث وعدم رجحان التياسر أيضا.
التاسعة: الفاقد للظن يصلي إلى أربع جوانب على الأظهر، وفاقا
للجليلين: شاذان بن جبرئيل (5)، وعلي بن إبراهيم (6) والشيخين (7) والسيدين (8)

(1) البحار 80: 360 / 13 نقلا عن كتاب الغارات.
(2) البحار 52: 364 / 139.
(3) البحار 52: 332 / 60.
(4) البحار 81: 53. ونقله عنه في الحدائق 6: 386.
(5) رسالة إزاحة العلة نقلها في البحار 81: 81.
(6) تفسير القمي 1: 80.
(7) المفيد في المقنعة: 96، والطوسي في النهاية: 63، والاقتصاد: 57، والجمل والعقود: 176 والخلاف 1: 302.
(8) المرتضى في جمل العلم والعمل (نقله عنه في شرح الجمل): 76، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 556.
195

والفاضلين (1) والإسكافي (2) والحلي والحلبي والقاضي والديلمي (3) وغيرهم (4)، بل
هو الأشهر كما صرح به جماعة (5)، بل عليه الإجماع في المعتبر والمنتهى والتذكرة وعن
الغنية (6).
لا لاستصحاب الشغل الغير المندفع إلا بالصلاة إلى الأربع، لعدم اندفاعه
بها أيضا، إذ لا يحصل العلم معها بالاستقبال الذي هو المحاذاة العرفية لمكة ولا
الظن.
مضافا إلى إمكان منع الاشتغال اليقيني باستقبال القبلة حينئذ، لتقييد
أوامره بالعلم قطعا (7).
والعلم بحصر المكلف به بين أمور يمكن الإتيان بها بسهولة وإن كان
كافيا، إلا أنه هنا غير حاصل، لعدم محصورية موضع القبلة - بالمعنى الذي
ذكرنا - عرفا، مع أن وجوب الإتيان بهذا المعلوم منفي إجماعا (8).
ولا لما قيل من وجوب الأربع من باب المقدمة (9)، لما ذكر من عدم وجوب

(1) المحقق في الشرائع 1: 66، والنافع: 24، والمعتبر 2: 70 والعلامة في المختلف 1: 77، والتبصرة: 22، والمنتهى: 219.
(2) حكاه عنه في المختلف: 77.
(3) الحلي في السرائر 1: 205، الحلبي في الكافي: 139، القاضي في المهذب 1: 85، وشرح الجمل: 77، الديلمي في المراسم: 61.
(4) كابن سعيد في الجامع للشرائع: 63، والشهيد في البيان: 115.
(5) انظر البيان: 115، والبحار 81: 65.
(6) المعتبر 2: 70، المنتهى 1: 219، التذكرة 1: 103، الغنية (الجوامع الفقهية): 556
(7) والتكليف بهذا العلم هنا منتف، وغيره غير متحقق. منه رحمه الله.
(8) وقد يرد دليل الاشتغال بعلم الإجماع على حصول البراءة بالأربع أيضا، لاحتمال تعين القرعة كما قيل بها. وفيه: إن القول بالقرعة مخالف للإجماع، لعدم قدح مخالفة من قال بها فيه، لندرته. منه رحمه الله.
(9) انظر: كشف اللثام 1: 179، ورياض المسائل: 118.
196

ذي المقدمة، وعدم حصول العلم من الأربع (1).
بل لمرسلة خراش، المتقدمة (2).
وتضمن المرسلة لنفي الاجتهاد الثابت إجماعا ونصا، وهو يخرجه عن
الحجية، ممنوع، لما مر في توجيهها (3).
مع أنه لو سلم فلا يلزم من خروج جزء من الحديث عن الحجية خروج
الباقي أيضا.
ومرسلة الكافي: وري أيضا (أنه يصلي إلى أربعة جوانب) (4) والفقيه: وقد
روي فمن لا يهتدي القبلة في مفازة أن (يصلي إلى أربعة جوانب) (5).
وضعف تلك الروايات - لو كان - بما مر منجبر، وقصور بعضها عن إفادة
الوجوب - بعد انتفاء القول بالرجحان المجرد بل الجواز - غير مضر، وإشعار ظاهر
ما في الكافي بالتخيير - لو سلم - في الإجماع - المركب لا يقدح، مع أن أولاها في الوجوب صريحة.
خلافا للمحكي عن العماني (6)، وظاهر الصدوق طاب ثراهما (7)، فقالا:
يصلي على جهة واحدة أيها شاء، ومال إليه في المختلف والذكرى (8)، وقواه
الأردبيلي وصاحب المدارك والمحقق الخوانساري في شرح الروضة (9)، وجمع آخر

(1) وقد يرد دليل وجوب المقدمة بتيقن البراءة بثلاث صلوات، لأن ما بين المشرق ولمغرب قبلة كما في
الأخبار، سيما في المتحير. وقد عرفت ضعفه، وعدم دلالة الأخبار عليه ومعارضته مع غيره. منه رحمه الله.
(2) راجع ص 168.
(3) راجع ص 168.
(4) الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 10، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 4.
(5) الفقيه 1: 180 / 854، الوسائل 4: 310 أبواب القبلة ب 8 ح 1.
(6) حكاه عنه في المختلف: 77.
(7) الفقيه 1: 179.
(8) المختلف: 78، الذكرى: 166.
(9) مجمع الفائدة 2: 67، المدارك 3: 136، الحواشي على شرح اللمعة: 179
197

من متأخري المتأخرين منهم الحدائق (1)، ووالدي العلامة، قدس الله أسرارهم.
للأصل، وصحيحة زرارة ومحمد: (يجزي المتحير أبدا أينما توجه إذا لم يعلم
وجه القبلة) (2).
ومرسلة ابن أبي عمير: عن قبلة المتحير، فقال: (يصلي حيث شاء) (3).
وصحيحة ابن عمار المروية في الفقيه: الرجل يقوم في الصلاة، ثم ينظر بعد
ما فرغ، فيرى أنه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا، قال: (قد مضت صلاته،
وما بين المشرق والمغرب قبلة، ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير: (ولله
المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله (4).
والجواب: أما عن الأصل: فباندفاعه بما مر.
وأما عن الأخبار: فبأن - مع عدم صلاحيتها لمقاومة ما ذكر، لمخالفتها
للشهرة التي يخرج بها الخبر عن الحجية. ووهن الأول: بأن زرارة قد رواه أيضا
بتبديل المتحير بالتحري، فيمكن كون الأصل ذلك، وإن ضعف هذا الاحتمال
بنوع اختلاف في السندين، بل في المتن في غير موضع التبديل أيضا (5)، وبأنه يدل
على عدم وجوب التحري إذا فقد العلم وإن أمكن للمتحير تحصيل الظن، وهو
خلاف الإجماع والأخبار، وحمل المتحير على من كان عاجزا من العلم والظن كما
هو المتبادر يوجب زيادة قوله (إذا لم يعلم) إلى آخره، بل حزازته، وهذا وهن من
جهة أخرى. والثالث: بأن ذيله الذي هو محل الدلالة يمكن كونه من كلام

(1) الحدائق 6: 400، وانظر مفاتيح الشرائع 1: 114، والذخيرة: 218.
(2) الفقيه 1: 179 / 845، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 2.
(3) الكافي 3: 286 الصلاة ب 8 ح 10، الوسائل 4: 311 أبواب القبلة ب 8 ح 3.
(4) الفقيه 1: 179 / 846، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1.
(5) وإليك متنها: (قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة)
الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 7، التهذيب 2: 45 / 146، الإستبصار 1: 295 / 1087، الوسائل 4: 307 أبواب القبلة ب 6 ح 1.
198

الفقيه، بل هذا أظهر من سياق الخبر، ومن روايته في التهذيب من غير هذه
الزيادة (1)، وبمعارضة المستفيضة المروية في المجمع، وتفسيري القمي والعياشي
في أن هذه الآية نزلت في النافلة خاصة (2) - أنها لا تنافي ما مر.
أما الأولان وذيل الثالث - لو كان من الحديث - فلأنه لا كلام في أن المتحير
يجزئه أينما توجه ويصلي حيث شاء، وإنما الكلام في أنه هل يصلي صلاة واحدة
كذلك أو أربع، والمقيد مقدم على المطلق.
نعم غاية الأمر أن بعد إتيانه بصلاة واحدة حيث شاء يتعين عليه جعل
الجهات بعضها مقابلا لبعض بدليل آخر.
وأما صدر الثالث: فلإطلاقه بالنسبة إلى كون ما استقبل ما ظنه بعد
التحري أو لا، فيجب تقييده.
هذا كله، مع أن لهذه الروايات عموما بالنسبة إلى آخر الوقت الذي لا يسع
الأربع، وما مر مخصوص بغيره كما يأتي، والخاص مقدم على العام قطعا.
فضعف هذا القول ظاهر جدا.
وأضعف منه ما حكي عن ابن طاووس، ونفى عنه البأس في المدارك (4)،
من وجوب القرعة، لأنها لكل أمر مشكل، لانتفاء الإشكال هنا على كل من
القولين، لاستناد كل منهما إلى حجة شرعية.
فروع:
أ: لو اجتمع فرضان في وقت كالظهرين، فهل يشرع في الثاني بعد إتمام
أربع الأول، أو يقدم الأول من كل جهة على الثاني إليها؟ كل محتمل، والأول

(1) التهذيب 2: 48 / 157، الوسائل 4: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 1
(2) مجمع البيان 1: 191، تفسير القمي 1: 59، تفسير العياشي 1: 56 / 80
(3) الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 94.
(4) المدارك 3: 137.
199

أحوط بل أظهر، وعلى هذا فلو بقي من الوقت قدر أربع صلوات اختصت
بالعصر، فتأمل.
ب: لو ضاق الوقت عن الأربع، فهل يجب الإتيان بالممكن من الثلاث
فنازلا، أو يكفي الواحدة مطلقا؟
مقتضى أصل للاشتغال، واستصحاب وجوب ما أمكن إذا تقدمت الحيرة
على الضيق، ونحو قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) (1): الأول.
ومقتضى أصالة عدم وجوب الزائد على الواحدة الثابتة إجماعا حين سقوط
الأربع بعدم التكليف بما لا يطاق: الثاني. وهو الحق، لذلك، وضعف ما تقدم:
أما أصل الاشتغال: فبمنعه إن أريد بالزائد عن ماهية الصلاة هنا، وزواله
بالواحدة إن أريد بها.
وأما الاستصحاب: فلأن الثابت وجوب الأقل من الأربع في ضمن الأربع
أي لتحققها، فالواجب هو ذلك المقيد، فإذا انتفى القيد لا يمكن
الاستصحاب.
وأما الأخير: فلعدم الدلالة، كما بيناه في كتاب عوائد الأيام (2).
ج: من وظيفته الأربع لو صلى البعض وظهر في الأثناء كونه إلى القبلة،
سقط الباقي، لخروجه عن الموضوع.
وفي إجزاء ما صلاه، وعدمه فيعيده إليها وجهان، المصرح به في كلام
بعضهم الأول (3).
وفيه نظر: لأن ما ثبت إجزاؤه الصلاة إلى القبلة المعلومة. والإعادة إليها
أحوط.

(1) عوالي اللآلي 4: 58 / 205.
(2) عوائد الأيام: 90.
(3) البيان: 117.
200

د: المعتبر من الأربع عند الأكثر كونها متقاطعة على القوائم، لأنه المتبادر،
ولتوقف حصول العلم بالقبلة بذلك.
وقيل بكفايتها كيف اتفق، لإطلاق الأخبار (1).
وفي البيان: اشتراط التباعد بين كل اثنتين بحيث لا تعدان قبلة واحدة (2).
أقول: الظاهر وجوب نوع بعد بين كل اثنتين بحيث يصدق أربع جوانب
أو وجوه عرفا، والظاهر تحققه بالإتيان بالأربع بثلاثة أرباع الدور بل أقل
والتبادر الذي ادعي لو سلم فهو في العرف الجديد الذي تأخره مقتضى
الأصل. والعلم بالقبلة لا يحصل بالأربع بالنحو المذكور أيضا، ولو بني على ما
بين المشرق والمغرب فيحصل بغير هذا النحو أيضا.
ه‍: لو اشتبهت القبلة في بعض الجهات كنصف معين من الدور، فهل
هو كالاشتباه في الجميع؟
الظاهر نعم وإن عرف المشرق والمغرب، فيجب الأربع على ذلك النصف،
لشمول إطلاق أخبار الأربع لذلك أيضا، بل وكذا إذا كان الاشتباه في الأقل من
النصف.
ويظهر من بعضهم أنه إذا عرف المشرق والمغرب يصلي صلاة واحدة بينهما،
لقوله: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) وقد عرفت ما فيه من ضعف الدلالة.
و: لو علم أن القبلة لا تخرج عن جهتين معينتين أو ثلاثة أو أكثر إلى حد
لا يستلزم العسر والحرج، تجب الصلاة إلى الجميع، لاشتغال ذمته بالصلاة إلى
الجهة المعلومة أو المظنونة ولو إجمالا، وهو حاصل.

(1) كما في كشف اللثام 1: 179.
(2) البيان: 117.
(3) كأن يتقابل اثنتان ويتقاطع واحدة معهما بالقائمة دون الباقي. منه رحمه الله تعالى.
201

الفصل الثاني:
فيما يستقبل له من الصلوات. وأما غيرها مما يجب فيه الاستقبال أو يستحب
فيأتي في محله.
ثم إنه لا خلاف في وجوب التوجه إلى القبلة في الصلوات المفروضة يومية
كانت أو غيرها مع القدرة، وعليه إجماع المسلمين، بل هو ضروري الدين،
والأخبار به مستفيضة.
ففي حسنة زرارة: (إذا استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن
القبلة فتفسد صلاتك، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله في الفريضة:
(فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (1).
وفي الصحيح: فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال:
(يعيد) (2).
وفي آخر: عن الفرض في الصلاة، قال: (الوقت، والطهور، والقبلة) (3)
وفي ثالث: (لا صلاة إلا إلى القبلة) (4).
وفي الموثق: عن قول الله سبحانه: (وأقيموا وجوهكم عندكل مسجد)،
قال: (هذه هي القبلة) (5).
وأما النوافل: فالمشهور فيها أيضا ذلك مع الاستقرار على الأرض، بمعنى

(1) الكافي 3: 300 الصلاة ب 16 ح 6، الفقيه 1: 180 / 856، التهذيب 2: 286 / 1146،
الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 3. والآية في البقرة: 144.
(2) الفقيه 1: 180 / 855، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 2.
(3) الكافي 3: 272 الصلاة ب 3 ح 5، التهذيب 2: 241 / 955، الوسائل 4: 295 أبواب القبلة ب 1 ح 1
(4) ليس هذا صحيحا آخر بل هو صدر الصحيح الأول فراجع.
(5) التهذيب 2: 43 / 134، الوسائل 4: 296 أبواب القبلة ب 1 ح 3. والآية في الأعراف: 29.
202

الشرطية، لأنه المعهود من الحجج والمسلمين في الأعصار، ولو صحت إلى غير
القبلة لاقتضت العادة صدوره من واحد من الحجج، ولو صدر لشاع، لتوفر
الدواعي على نقله، بل هو بمنزلة الضروري من المذهب حيث إنه لو صلى أحد
كذلك إلى غير القبلة لتبادر المسلمون إلى انكاره.
ولأن الشارع صلاها مستقبلا، ويجب التأسي به.
ولقوله سبحانه: (وحيث ما كنتم) إلى آخره، خرج منه ما أجمع على عدم
وجوب الاستقبال فيه، فيبقى الباقي.
وقوله صلى الله عليه وآله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (1).
وعموم الصحاح الثلاث، المتقدمة، بل الموثق أيضا، ومفهوم المروي في
تفسير علي - المنجبر بالشهرة - في قوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) (إنها نزلت في صلاة النافلة، فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر) (2).
ويضعف الأول: بأن فعلهم لا يوجب الاشتراط، لمواظبتهم على
الاستحباب، مع أن استمرارهم غير معلوم.
وتوفر الدواعي على نقل الخلاف في الصدر الأول ممنوع، لجواز ظهور الأمر
فيه وشيوع عدم الاشتراط.
وإنكار جميع المسلمين ممنوع، وإنما هو من المقلدين للمشهور.
والثاني: بأن التأسي غير واجب، مع أنه لو كان لا يكون إلا بعد العلم
بالوجه، وانتفاؤه في المقام ظاهر.
والثالث: بالتصريح في الحسنة السابقة بأن الآية نزلت في الفريضة، ومثله
ورد في روايات أخر أيضا.
والرابع: بعدم عمومه أولا، وعدم دلالته إلا على وجوب المتابعة في أفعال

(1) صحيح البخاري 1: 162.
(2) تفسير القمي 1: 59.
203

الصلاة وأجزائها ثانيا، ولا نسلم أن التوجه إلى جهة أيضا من الصلاة.
والخامس: بعدم دلالة أولى الصحاح على وجوب الإعادة، غايتها
الرجحان وهي غير مفيدة، لإمكان رجحان إعادة النافلة المؤداة إلى غير القبلة ولو
جاز، والإجماع على انتفائه غير معلوم. مع أن احتمال إرادة الوجوب من قوله:
(يعيد) قائم، لأنه أحد مجازاته، ومعه تخصيص الصلاة بالفرض متعين، لانتفاء
وجوب إعادة النفل البتة. ويؤكده ذكر الوقت فيها وبه يسقط الاستدلال.
ومنه يستنبط وجه عدم دلالة ثانيتها أيضا، إذ الفرض بمعناه الحقيقي في
النفل غير متحقق، والتجوز فيه بإرادة ما يعم الشرطي أيضا ليس بأولى من
تخصيص الصلاة بالفريضة.
وكذا ثالثتها، إذ ليس المراد نفي الحقيقة على ما هو الأصح من كون الألفاظ
للأعم، ومجازه يمكن أن يكون نفي الفضيلة، وحكاية أقربية نفي الصحة إلى
الحقيقة ضعيفة.
ويضعف الموثقة بمثل ذلك أيضا، إذ حمل (أقيموا) على الوجوب لا يتأتى
مع عموم المسجد.
وكذا مفهوم الرواية حيث إن مجاز قوله: (صلها) يمكن أن يكون التساوي
دون الجواز المنتفي بملاحظة المفهوم.
وعلى هذا فيبقى الأصل في المقام سالما عن المعارض، ومقتضاه يكون جواز
التنفل مع الاستقرار حيث شاء، كما اختاره المحقق (1)، وعن الوسيلة (2)، بل
الخلاف كما في البحار (3) وهو ظاهر الأردبيلي بل الفاضل في الإرشاد وصاحب
الكفاية (4).

(1) الشرائع 1: 67.
(2) الوسيلة: 86.
(3) الخلاف 1: 298 وقيده بالسفر، البحار 81: 48.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 2: 60، الإرشاد 1: 244، الكفاية: 15.
204

وليس ببعيد، لما ذكر مؤيدا بالمروي في قرب الإسناد والمسائل: عن الرجل
يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ قال: (إذا كانت الفريضة والتفت إلى
خلفه فقد قطع صلاته، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود) (1).
وفي فقه القرآن للراوندي: روي عنهما عليهما السلام أن قوله تعالى:
(وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) في الفرض، وقوله: (فأينما تولوا فثم وجه الله)، قال: (هو في النافلة) (2).
وفي تفسير العياشي: (أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة: (فأينما
تولوا) (الآية) (3).
إلا أن المروي في المجمع أن الآية مخصوصة بالنوافل في حال السفر
خاصة (4)، ونحوه روي في التبيان ونهاية الشيخ (5). ومعه وإن ضعف التأييد إلا
أنه لا يثبت وجوب الاستقبال في غير السفر، لأن اختصاص الآية بالسفر لا ينافي
عدم الوجوب في غيره، فتأمل.
والأولى ملاحظة الاستقبال فيها مع الاستقرار، وأما بدونه فيأتي حكمه
وحكم حال عدم القدرة في بحث المكان.

(1) قرب الإسناد 210 / 820، الوسائل 7: 246 أبواب قواطع الصلاة ب 3 ح 8
(2) فقه القرآن 1: 91.
(3) تفسير العياشي 1: 56 / 80، المستدرك 3: 191 أبواب القبلة ب 11 ح 6.
(4) مجمع البيان 1: 191.
(5) التبيان 2: 15، النهاية: 64.
205

الفصل الثالث:
في الأحكام
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من صلى إلى غير القبلة: فإن كان عمدا أعاد وقتا وخارجا،
ولو يسيرا، إجماعا محققا، ومحكيا مستفيضا (1)، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه،
مضافا إلى النهي المفسد، مع النصوص المصرحة بإعادة الصلاة بترك القبلة
مطلقا (2)، خرج منها ما خرج بالدليل فيبقى الباقي.
وإن كان خطأ في ظنه المعول عليه شرعا: فإما لا يبلغ الانحراف إلى المشرق
أو المغرب، أو يبلغ إليه ولا يتجاوز، أو يتجاوز.
فعلى الأول لا يعيد الصلاة مطلقا، وفاقا للفاضلين (3)، وأكثر من تأخر
عنهما (4)، وفي المعتبر والمنتهى والتذكرة والتنقيح وعن روض الجنان: الإجماع عليه (5).
لصحيحة ابن عمار، المتقدمة في المسألة التاسعة من الفصل الأول (6)،
والمروي في قرب الإسناد للحميري: (من صلى إلى غير القبلة وهو يرى أنه إلى

(1) انظر: المعتبر 2: 72، والتذكرة 1: 103.
(2) انظر: الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9.
(3) المحقق في النافع: 24، والمعتبر 2: 72، والشرائع 1: 68، والعلامة في التبصرة: 22، والتحرير 1: 29، والقواعد 1: 27، والتذكرة 1: 103.
(4) كالشهيد في الدروس 1: 160، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 73، وصاحب المدارك 3: 151، والفيض في مفاتيح الشرائع 1: 114.
(5) المعتبر 2: 72، والمنتهى 1: 223، التذكرة 1: 103، التنقيح 1: 177، روض الجنان: 203.
(6) راجع ص 198.
206

القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان ما بين المشرق والمغرب) (1).
وفي نوادر الراوندي: (من صلى على غير القبلة وكان إلى غير المشرق
والمغرب فلا يعيد الصلاة) (2).
وقد يستدل: بموثقة الساباطي الآتية (3). وهو غير جيد، لورودها في المطلع
في الأثناء خاصة. وبالمصرحة بأن ما بين المشرق والمغرب قبلة. وهو غير تام، لما مر ويأتي (4).
خلافا لإطلاق عبارات كثير من القدماء، كما في الناصريات وعن المقنعة
والمبسوط والخلاف (5)، ونهاية الإحكام (6)، والحلي والديلمي وابني زهرة وحمزة (7)،
بل عن الخلاف الإجماع عليه (8)، وعن السرائر نفي الخلاف فيه (9)، فأطلقوا
وجوب الإعادة في الوقت، وهو الظاهر من الروضة (10)، وإن جوز في البحار (11)
رجوعه إلى الأول وحمل كون الإطلاق باعتبار ما اشتهر من أن ما بين المشرق

(1) قرب الإسناد: 113 / 394، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 5.
(2) لم نجده في النوادر، ونقله عنه في البحار 81: 69 / 26 وفيه:.... وكان إلى المشرق....
(3) انظر ص 214.
(4) راجع ص 167، ويأتي في ص 209.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، المقنعة: 97، المبسوط 1: 80، الخلاف 1: 303.
(6) كذا في النسخ، والظاهر الصحيح: النهاية للشيخ: 64، ويشهد له أن المصنف عد العلامة أولا
من جملة القائلين بعدم الإعادة، وقد صرح بذلك في نهاية الإحكام ج 1: 399، مع أنه نسب الخلاف إلى القدماء والعلامة ليس منهم.
(7) السرائر 1: 205، المراسم: 61، الغنية (الجوامع الفقهية): 556، الوسيلة: 99.
(8) الخلاف 1: 304.
(9) السرائر 1: 205.
(10) الروضة 1: 202.
(11) البحار 81: 63، قال: ولعل مرادهم بالصلاة إلى غير القبلة ما لم يكن في ما بين المشرق والمغرب،
لما اشتهر من أن ما بين المشرق والمغرب قبلة.
207

والمغرب قبلة (1).
وكيف كان فدليلهم على الإطلاق: المستفيضة الآتية المصرحة بوجوب
الإعادة في الوقت على من صلى إلى غير القبلة (2).
ويجاب عنها: بأنها وإن كانت أخص من الصحيحة باعتبار الوقت، ولكنها
أعم منها باعتبار قدر الانحراف، فإن الصحيحة لا تشمل المتجاوز عن حد
التشريق والتغريب بل إليهما عرفا أيضا.
فإن رجحنا الأولى باعتبار الاعتضاد بالإجماعات المحكية الصريحة
المستفيضة، وإلا فيرجع إلى الأصل، وهو مع الأولى، لأصالة عدم وجوب
الإعادة، وارتفاع الاشتغال بحصول الامتثال، لكونه متعبدا بظنه، فما أتى به
موافق للمأمور به وهو موجب للإجزاء.
وتوهم أنه موجب للإجزاء لذلك المأمور به دون غيره، مندفع: بأنه ليس
هنا إلا أمر واحد، وهو الأمر بالصلاة إلى القبلة بحسب اعتقاده، وما أتى به مجز
عن ذلك الأمر وليس غيره، واختلاف ظنه إنما هو في تعيين القبلة دون أمر آخر،
فلم يحصل من تعبده بظنه أمر وتكليف على حدة كما مر في بحث الوقت.
ثم مرادنا من المشرق والمغرب هنا اليسار واليمين للقبلة وإن عبرنا بهما تبعا
للفاضلين (3) وجمع ممن تأخر عنهما (4). وأما من تقدم عليهما فلم أر من ذكر المشرق
والمغرب، بل في الناصريات والاقتصاد والخلاف والجمل والعقود والمصباح

(1) وربما يؤيد ذلك بنقل الشيخ في التهذيب صحيحة ابن عمار المتقدمة من جملة أدلة ما أطلقه في
المقنعة من غير تعرض لتوجيه أو تأويل، التهذيب 2: 48 / 157، منه رحمه الله.
(2) انظر ص 210.
(3) المحقق في المعتبر 2: 72، والنافع: 24، والعلامة في المنتهى 1: 223.
(4) انظر التنقيح 1: 177، وروض الجنان: 203، ومفاتيح الشرائع 1: 114.
208

ومختصره والوسيلة والروضة: التعبير باليمين واليسار (1)، ولعله أيضا مراد من عبر بالانحراف اليسير، كما في الشرائع والقواعد والبيان (2).
وبالجملة: المعتبر في هذا القسم عدم الوصول إلى حد يمين القبلة ويسارها
المنتهى في كل طرف إلى ربع الدور. فما لم يصل إليه لا يعيد مطلقا، لصدق
الانحراف يمينا وشمالا - الذي هو المذكور في الصحيحة - على ذلك أيضا، بل
على المنتهى إلى الربع أيضا، ولكنه خرج بالإجماع كما يأتي.
وأما اعتبار المشرق والمغرب وجعل ما بينهما قبلة فلا دليل عليه تاما، لأن ما
تضمن قوله: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) فيه إجمال لا يصلح للاستدلال كما
مر، بل من جهة عدم إفادة لفظة (ما) فيه العموم أيضا.
ومع ذلك معارض بما دل على أنه ليس بقبلة مطلقا، كموثقة الساباطي (3).
وما تضمن عدم الإعادة مع عدم الوصول إلى المشرق والمغرب - كروايتي
النوادر وقرب الإسناد (4) - ضعيف غير صالح للحجية، وانجباره بالعمل غير
معلوم، إذ لم يصرح بالمشرق والمغرب سوى الفاضلين وبعض من تأخر عنهما.
هذا كله، مع أن اعتبارهما موجب لأن من تكون قبلته قريبة من المشرق
بخمس درجات مثلا لو انحرف إلى مثل ذلك من المغرب، حتى يكون انحرافه
من القبلة مائة وسبعين درجة، يكون مغتفرا، ولو انحرف خمس درجات إلى
المشرق لم يكن مغتفرا، وهو بعيد جدا، بل الظاهر مخالفته للإجماع.
وعلى الثاني يعيد في الوقت دون خارجه، بالإجماع المحقق والمحكي في

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، الإقتصاد: 262، الخلاف 1 303 (الرسائل العشر): 186، مصباح المتهجد: 25، الوسيلة: 99، الروضة 1: 202.
(2) الشرائع 1: 68، القواعد 1: 27، البيان: 118.
(3) الآتية في ص 214.
(4) المتقدمتين في ص 206 و 207.
209

الناصريات والسرائر والتنقيح والمنتهى والمدارك (1)، وعن الخلاف والمختلف (2)،
وغيرهما (3)، إلا أن ظاهر الفاضل في التذكرة والنهاية عدم الجزم بالحكم واحتمال
الإعادة ولو في الخارج (4)، وهو شاذ غير قادح في الإجماع، فهو الحجة في المقام.
للصحاح المستفيضة وغيرها الناطقة بأن من صلى إلى غير القبلة تجب
الإعادة في الوقت ولا تجب في خارجه، كصحاح: ابني خالد ويقطين
والبصري (5)، وموثقتي: البصري وزرارة (6)، وغير ذلك (7).
وبالإجماع وتلك الأخبار يدفع الأصل المتقدم، كما أن بالأول تخصص
الصحيحة المتقدمة (8)، الشاملة لنفس اليمين واليسار أيضا.

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، السرائر 1: 205، التنقيح 1: 177، المنتهى 1: 224، المدارك 3: 151.
(2) الخلاف 1: 303، المختلف 1: 78.
(3) انظر كشف اللثام 1: 179، ورياض المسائل 1: 119.
(4) التذكرة 1: 103، نهاية الإحكام 1: 400.
(5) صحيحة ابن خالد: الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 9، التهذيب 2: 47 / 152، الإستبصار
1: 296 / 1091، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 6 صحيحة ابن يقطين: التهذيب
2: 48 / 155، الإستبصار 1: 296 / 1093، الوسائل 4: 316 أبواب القبلة ب 11 ح 2.
صحيحة البصري: الكافي 3: 284 الصلاة ب 8 ح 3، التهذيب 2: 142 / 554، الإستبصار:
296 / 1090، الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 11 ح 1.
(6) موثقة البصري: التهذيب 2: 47 / 154، الوسائل 4: 317 أبواب القبلة ب 11 ح 5: موثقة
زرارة: التهذيب 2: 48 / 156، الإستبصار 1: 297 / 1094، الوسائل 4: 316 أبواب القبلة
ب 11 ح 3.
(7) وليس لأحد أن يقول: إنه لما كانت القبلة المأمور بها هي ما علم أنه قبلة وقد توجه إليه هذا
الشخص فهو خارج عن تحت تلك الأخبار، وهي مخصوصة بمن تعدى عمدا، لأن ذلك مناف
لنفي الإعادة خارج الوقت، بل لصريح الأخبار المذكورة كما لا يخفى. فالمراد بها القبلة الواقعية
بحسب - اجتهاده ثانيا. منه رحمه الله.
(8) راجع ص 198.
210

وكذا على الثالث، فيعيد في الوقت دون الخارج، وفاقا للإسكافي (1)،
والصدوق والسيد والحلي وابن سعيد والمحقق (2)، والمنتهى والتذكرة والمختلف
والبيان والدروس والذكرى والمدارك والكفاية (3)، ووالدي - رحمه الله - في المعتمد،
بل معظم المتأخرين.
لإطلاق الأخبار المتقدمة السليمة عن المعارض المقاوم، مضافا إلى
الإجماع في الوقت، والأصل في خارجه.
وخلافا للشيخين في المقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف (4)، وابني زهرة وحمزة
والديلمي والحلبي والقاضي (5)، والإرشاد والقواعد وشرحه للكركي، واللمعة (6)،
ونسبه في الروضة وشرحه للخوانساري إلى المشهور (7)، فقالوا بوجوب الإعادة في الخارج أيضا.
لاشتراط الصلاة بالقبلة نصا وإجماعا، والمشروط منتف عند انتفاء شرطه،
فالصلاة قد فاتته، ومن فاتته الصلاة وجب عليه القضاء، وخرج غير المستدبر
بالدليل. ولخبر معمر: عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت

(1) حكاه عنه في المختلف 1: 78.
(2) الفقيه 1: 79، الناصريات (الجوامع الفقهية): 194، السرائر 1: 205، الجامع للشرائع: 63، النافع: 24.
(3) المنتهى 1: 224، التذكرة 1: 103، المختلف 1: 78، البيان: 117، الدروس 1: 160، الذكرى: 166، المدارك 3: 152، الكفاية: 16.
(4) المقنعة: 97، النهاية: 64، المبسوط 1: 80، الخلاف 1: 303.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 556، الوسيلة: 99، المراسم: 61، الكافي في الفقه: 139، المهذب 1: 87، شرح الجمل: 78.
(6) الإرشاد 1: 245، القواعد 1: 27، جامع المقاصد 2: 74، اللمعة (الروضة 1): 202.
(7) الروضة 1: 202، الحواشي على شرح اللمعة: 183.
211

صلاة أخرى، قال: (يعيدها قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها) (1) الحديث.
وصحيحة زرارة: (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور، والوقت،
والقبلة، والركوع، والسجود) (2) فكما تعاد من الأربعة مطلقا، فكذا القبلة إلا ما خرج بالدليل.
والمروي في الناصريات وفي نهاية الشيخ، المنجبرين بعمل كثير من
الأصحاب، كما صرح به في شرح القواعد (3).
الأول: وقد روي (أنه إن كان خطؤه يمينا وشمالا أعاد في الوقت، فإن خرج
فلا إعادة، فإن استدبر أعاد على كل حال) (4).
والثاني: وفي راوية: (أنه إذا كان صلى إلى استدبار القبلة ثم علم بعد خروج
الوقت وجب عليه إعادة الصلاة) (5).
ويجاب عن الأول: بمنع اشتراط القبلة الواقعية بل بظنها، فلم يفت
الشرط، فلم يفت المشروط.
وعن البواقي: بعمومها بالنسبة إلى المتحري والمقصر، وصحيحة ابن
يقطين من الأخبار المفصلة صريحة في المتحري، فهي أخص مطلقا من خبر معمر
وصحيحة زرارة، فيخصصان بها، ومن وجه من البواقي، فيرجع إلى الأصل.
مضافا إلى ما في الأولى من أنها معارضة مع جميع ما دل على عدم الإعادة
في الخارج بالعموم من وجه، فإن رجحناه بالأكثرية والأصحية، وإلا فيرجع إلى
الأصل.
وما في الثانية من أنها معارضة معه بالعموم المطلق من جهة الوقت وخارجه

(1) التهذيب 2: 46 / 150، الإستبصار 1: 297 / 1099.
(2) الفقيه 1: 181 / 857، التهذيب 2: 152 / 597، الوسائل 4: 312 أبواب القبلة ب 9 ح 1.
(3) جامع المقاصد 2: 74.
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 194.
(5) النهاية: 64.
212

أيضا، فيجب تخصيصها.
وما فيهما وفي الثالثة من عدم الدلالة على الوجوب بل غايتها الاستحباب،
وقد احتمله في المقام بعض أجلة الأصحاب (1).
وما في الأخيرين من الضعف وعدم الحجية.
ثم على ما اخترناه لا يتفاوت الحال بين الاستدبار العرفي وغيره مما وصل إلى
اليمين واليسار.
وهل الموجب للقضاء - على قول من أوجبه - العرفي، أو مطلق التجاوز عن
الطرفين؟ مقتضى بعض أدلتهم: الأول، كما هو مختار بعض الأجلة (2)، ومقتضى
بعض آخر: الثاني، كما عن الشهيد الثاني (3).
وإن كان الانحراف نسيانا أو غفلة، فإن كان في أصل القبلة مع تذكر
وجوب مراعاتها فكالخطأ حكما ودليلا، وإن كان في وجوب مراعاتها أو جهل به من
غير تقصير، فيعيد في الوقت مطلقا ولو لم يصل الانحراف إلى اليمين واليسار، لأن
الأصل حينئذ مع الإعادة، لعدم صدق التوجه إلى القبلة بحسب ظنه حتى
يصدق امتثال الأمر به، وبقاء وقت الأمر بأدائه، فيرجع إليه بعد التعارض. ولا
يعيد في الخارج، للأصل، وعدم صدق فوت الصلاة، لأن ما فعله تكليفه حينئذ
وإن صدق فوت الصلاة إلى القبلة.
والأحوط في جميع الأقسام: الإعادة في الوقت مطلقا، والقضاء مع التجاوز
عن اليمين واليسار.
المسألة الثانية: لو ظهر الانحراف في أثناء الصلاة، فمع عدم التشريق أو
التغريب بالمعنى المتقدم، صح ما فعل، ويحول وجهه إلى القبلة، بلا خلاف كما

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 2: 76.
(2) كشف اللثام 1: 180.
(3) الروضة 1: 202.
213

صرح به جماعة (1)، بل عليه الإجماع في جملة من كلماتهم (2)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى رواية ابن الوليد: عن رجل تبين له وهو في الصلاة أنه على غير
القبلة، قال: (يستقبلها إذا ثبت ذلك) (3).
وموثقة الساباطي: في رجل صلى على غير القبلة، فيعلم وهو في الصلاة
قبل أن يفرغ من صلاته، قال: (إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول
وجهه إلى القبلة حين يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم
يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة) (4).
وكذا معه بدون التجاوز، على الأصح، وفاقا للمحكي عن المبسوط مدعيا
عليه الإجماع (5)، للأصل، وإطلاق الرواية.
وقد يقال بالقطع (6)؟ للموثقة، فإن الظاهر شمولها للتشريق والتغريب
بقرينة التفصيل.
وفيه: منع دلالة التفصيل عليه، لأن استيفاء الأقسام غير واجب سيما مع
ندرة هذا القسم.
فإن قيل: مفهوم قوله: (إن كان متوجها...)، أولا، يدل على أن في صورة
انتفائه لا يحول كذا، فإما يبقى كذلك أو يقطع، والأول خلاف الإجماع، فتعين

(1) منهم: صاحب الرياض 1: 120.
(2) كما في المدارك 3: 154
(3) التهذيب 2: 48 / 158، الإستبصار 1: 297 / 1096، الوسائل 3: 314 أبواب القبلة ب 10 ح 3.
(4) الكافي 3: 285 الصلاة ب 8 ح 8، التهذيب 2: 48 / 159، الإستبصار 1: 298 / 1100 الوسائل 4: 315 أبواب القبلة ب 10 ح 4.
(5) المبسوط 1: 81.
(6) كما في المعتبر 2: 72، والذكرى: 166، وروض الجنان: 203، ومجمع الفائدة
والبرهان 76، والدرة النجفية: 91.
214

الثاني.
قلنا - مع أن اعتبار المفهوم في مثل ذلك الكلام المشتمل على التفصيل غير
معلوم، لعدم تبادر المفهوم -: إنه يعارض بمفهوم قوله: (وإن كان متوجها...)
ثانيا، لعدم شمول الدبر عرفا ولا لغة للتشريق والتغريب قطعا، فإن الدبر
مقابل القبلة، وهما ليسا بمقابلين لها (1).
ومع التجاوز يقطع ويستقبل، بلا خلاف وعليه التصريح في الموثقة.
ولا فرق في جميع ما ذكر بين الخاطئ والناسي والغافل والجاهل الغير
المقصر، لعموم الروايتين. ولا في صورة الاستئناف بين بقاء الوقت للصلاة
المستأنفة وعدمه. ولا في صورة العدم بين ما إذا أدرك ركعة في الوقت أو لا.
وقد يستشكل في صورة العدم: بأن الظاهر أن مراعاة الوقت مقدمة على
سائر واجبات الصلاة من الأجزاء والشرائط. بل قد يرتجح تحويله إلى القبلة
حينئذ، لذلك، ولفحوى ما دل على عدم القضاء مع التبين بعد الفراغ، ولأصالة
عدم وجوب القضاء، فلم يبق إلا التحويل.
وفي الأول: منع الكلية سيما عند إدراك الركعة.
وفي الثاني: منع الأولوية سيما مع عدم القطع بالعلة.
وفي الثالث: أن القضاء بعد القطع يقيني، والكلام إنما هو في وجوب
القطع.
ولو قيل بتعارض الإطلاق المذكور مع مشترطات الوقت فيرجع إلى التخيير،
لكان حسنا وإن كان الاحتياط بإتمام الصلاة والقضاء بعدها أحسن، إلا أن ذلك
في صورة إدراك الركعة ليس للاحتياط موافقا.
المسألة الثالثة: لا يتجدد الاجتهاد بتجدد الصلاة إلا مع تجدد الشك،
للأصل، والاستصحاب، وبقاء الظن.

(1) في (ه‍) و (س): فإن الدبر مقابل القبل وهما ليسا بمقابلين له.
215

خلافا للمحكي عن المبسوط، فأوجب التجديد لكل صلاة ما لم تحضره
الأمارات، للسعي في إصابة الحق، ولأنه لا يخلو إما يوافق الاجتهاد الثاني الأول
أو يخالفه، والكل واجب.
أما الأول: فلإيجابه قوة الظن الواجب تحصيلها مهما أمكن.
وأما الثاني: فلأنه لا يكون إلا مع الظن الأقوى بالخلاف، فتحصيله أيضا
واجب (1).
وبعبارة أخرى: إما يحصل الظن الأقوى بالمخالف أو الموافق، وأيهما كان
فهو واجب.
واستجوده في المدارك مع احتمال تغير الأمارات (2).
وهو تقييد زائد، إذ ظاهر أنه أيضا مراد الشيخ، كما صرح به في المبسوط (3).
وكيف كان فهو ضعيف، لما مر.
ويضعف أول دليليه بتحقق السعي. والثاني بمنع الحصر، لإمكان
حصول ظن بالخلاف مساو للظن الأول، فلا يقطع بالأقوى، ومعه لا دليل على
وجوب الاجتهاد.
المسألة الرابعة: لو تغير اجتهاده بالاجتهاد يعني ظن خطأه أولا، فإن كان
في الأثناء يحول وجهه.
وقيل بذلك إن لم يبلغ موضع القطع وإلا أعاد (4).
ويضعف: بعدم دليل على القطع والإعادة، والموثقة مخصوصة بصورة
العلم.

(1) المبسوط 1: 81.
(2) المدارك 3: 155.
(3) المبسوط 1: 81.
(4) المدارك 3: 155.
216

وإن كان بعد الفراغ، لم يعد ما لم يتيقن بالخطأ الموجب للإعادة. وفي
المنتهى: لا نعلم فيه خلافا.
ووجهه: أصالة عدم وجوب الإعادة، وظهور الأخبار الموجبة لها في صورة
العلم بالخطأ، لتضمنها الألفاظ التي هي حقيقة فيه (1). وهو كذلك.
ولا يتوهمن أنه على ذلك لا تظهر فائدة مسألة ظهور الخطأ على ما ذكرنا من
عدم إمكان تحصيل العلم بالجهة العرفية للبعيد، وإنما يفيد على ما ذكره جماعة من
حصول العلم بالجهة، إذ عدم إمكان العلم بالجهة لا يستلزم عدم إمكان حصول
العلم بالخطأ، فإنا وإن لم نقطع بأن نقطة الجنوب جهة محاذاة الكعبة لأهل الموصل
مثلا، ولكن نقطع بأن المواجه لنقطة المشرق فيه خاطئ، بل لا يتفاوت الحال
على القولين، إذ مع الانحراف الغير البالغ إلى أحد الطرفين تجب الإدارة في الأثناء
مع الظن أيضا، ولا تجب الإعادة بعد الفراغ مع القطع بالخطأ أيضا، ومع البلوغ
إلى أحدهما يحصل العلم بالخطأ غالبا.
ومثل تغير الاجتهاد ما لو قلد مجتهدا وتغير اجتهاده أو أخبره بخطئه.
ولو تبين الخطأ في طريق الاجتهاد - كأن عمل بخبر شخص ظن أنه عدل
مسلم ثم تبين أنه كافر، ويرى عدم قبول خبره، أو علم بالدائرة الهندية ثم علم
خطأه في عملها، أو ظن كوكبا الجدي فظهر أنه غيره - فإن ظهر مصادفته لمقتضى
الاجتهاد الصحيح، صحت صلاته مطلقا. وإن ظهرت المخالفة، فإن كان في
الأثناء، ينحرف مع عدم التجاوز عن اليمين واليسار، ويعيد معه، وإن كان بعد
الفراغ لم يعد إلا مع العلم بالخطأ في القبلة أيضا.
وإن لم يظهر شئ منهما - كأن علم بكفر المخبر مثلا من غير إخبار مسلم
بخلافه - فإن كان في الأثناء، يتم صلاته مع عدم التمكن من الاجتهاد
الصحيح، ويضم معها ثلاث صلوات أخرى، لكونه متحيرا، ويقطعها مع

(1) المنتهى 1: 220.
217

التمكن وتوقف الاجتهاد على القطع. وإن كان بعد الفراغ، فالظاهر عدم الإعادة
مطلقا إلا مع حصول العلم بالخطأ في نفس القبلة.
ولو صلى بقول واحد، فأخبره آخر بخلافه، فإن كان بعد الفراغ، لم يلتفت
إليه ولو كان أوثق، إلا مع فرض حصول العلم بالخطأ. وإن كان في الأثناء، يتبع
الأوثق مع الاختلاف، ويتم صلاته ويضم معها أخرى إلى الجهة الأخرى مع
التساوي.
المسألة الخامسة: لو خالف اجتهاده وصلى فصادف القبلة لم تصح، لأنه
متعبد بظنه فلم يأت بالمأمور به، ولعدم تأتي قصد القربة منه.
وعن المبسوط: الصحة (1). وهو ضعيف.
وكذا من صلى من دون مراعاة القبلة، لعدم المبالاة أو الجهل بالحكم من
تقصيره، وصادفها.
المسألة السادسة: لو اختلف المجتهدون في القبلة، فالمشهور: عدم جواز
ائتمام بعضهم بعضا مع توجه كل منهم إلى ما اجتهده، لاعتقاد كل بطلان صلاة
الآخر.
وقيل بالصحة (2)، واختاره والدي - رحمه الله - في المعتمد. وهو الأصح،
لمنع اعتقاد كل بطلان صلاة الآخر، بل يعتقد صحتها له وإن اعتقد خطأه في
القبلة، وهو غير مؤثر في البطلان، لعمومات جواز الاقتداء بمن تصح صلاته (3).

(1) لم نعثر عليه في المبسوط، وحكاه عنه في الذكرى: 165، والمدارك 3: 155. وقال في الحدائق 6: 443: وقد تتبعت كتاب المبسوط في باب القبلة فلم أقف على هذا الفرع فيه.
(2) كما في كشف اللثام 1: 180.
(3) انظر الوسائل 8: أبواب صلاة الجماعة ب 10 - 14.
218

الباب الثالث:
في لباس المصلي
والكلام فيه إما في الستر اللازم في الصلاة، أو فيما يشترط في لباس المصلي
ويجوز له في لباسه ولا يجوز، أو فيما يستحب ويكره، فهاهنا ثلاثة فصول
219

الفصل الأول:
في الستر
والبحث فيه إما في أصل الستر أو فيما يستر، فهاهنا بحثان
220

البحث الأول:
في أصل الستر
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الستر واجب في الصلاة وشرط لها، تبطل بانتفائه مع
الإمكان، بالإجماع المحقق والمحكي مستفيضا (1)، بل بالضرورة من الدين. وفي النصوص المستفيضة دلالة عليه صريحا وظاهرا، منطوقا ومفهوما:
منها: صحيحة علي: عن رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا
وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال: (إذا أصاب حشيشا ليستر به عورته، أتم
صلاته بالركوع والسجود، وإن لم يصب شيئا ليستر به عورته، أومأ وهو
قائم) (2).
وسائر ما ورد في صلاة العراة منفردين وجماعة، حيث أسقطت معظم
الأركان من الركوع والسجود والقيام بفقد السائر، فمن لم يستر ما وجب ستره مع
القدرة إما لا يأتي بتلك الأركان فتبطل صلاته إجماعا، لكون الأركان مطلقة
بالنسبة إلى الستر المقدور قطعا، أو يأتي بها فكذلك أيضا، لعدم موافقة المأمور به حيث إنه الإيماء مع عدم الستر.
ويدل عليه أيضا استصحاب الشغل اليقيني (3).
ثم إن شرطيته هل هي ثابتة مع المكنة على الإطلاق، أو مقيدة بالعمد؟

(1) كما في المعتبر 2: 99، والمنتهى 1: 235، والذكرى: 139، وجامع المقاصد 2: 93، وروض الجنان: 204 وكشف اللثام 1861.
(2) التهذيب 2: 365 / 1515، الوسائل 4: 448 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 1.
(3) وأصالة عدم الشرطية الموجبة لحصول البراءة اليقينية هنا غير جارية قطعا، إذ كما بينا في الأصول
جريانه ليس إلا بواسطة أصالة عدم الوجوب المنتفية هنا قطعا. منه رحمه الله تعالى.
221

الأصح: الثاني، وفاقا للمحكي عن الأكثر منهم المنتهى والمعتبر (1)، للأصل السالم
عن المعارض ولو عن دليل وجوب الستر، لانتفائه مع الجهل بالكشف أو نسيانه
قطعا.
ولصحيحة علي: عن الرجل يصلي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه
الإعادة؟ قال: (لا إعادة عليه وقد تمت صلاته) (2).
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فيعيد في الوقت (3). ولا دليل له تاما.
وعن الشهيد (4) - واستحسنه في المدارك () - ففرق بين نسيان الستر ابتداء
وعروض الكشف في الأثناء، فأبطل في الأول دون الثاني.
ومرجعه - على ما صرح به والدي رحمه الله - إلى البطلان بالنسيان مطلقا،
إذ عروض الكشف في الأثناء مع عدم العلم به يرجع إلى الجهل بالموضوع المغتفر
قطعا لا إلى النسيان، وحمله على الغفلة عنه بعد العلم به في الأثناء بعيد جدا.
وحكم الجاهل بالحكم كما مر مرارا.
وحكم الكشف في الأثناء عمدا حكم كشفه أولا كذلك.
وحكم الانكشاف فيه بلا اختيار حكم الناسي، فتصح صلاته ويستر
فورا، فإن تعذر ينتقل إلى صلاة العاري.
وحكم بعض ما يجب ستره حكم الكل، لعدم تحقق الستر المأمور به مع
انكشاف البعض.
الثانية: المعتبر في تحقق الستر ما يعد سترا عرفا، فلو لبس قميصا طويلا
ولكن كان بحيث لو نظر أحد من التحت يرى العورة لم يكن به بأس، لتحقق

(1) المنتهى 1: 238، المعتبر 2: 106.
(2) التهذيب 2: 216 / 851، الوسائل 4: 404 أبواب لباس المصلي ب 27 ح 1.
(3) حكاه. عنه في المختلف: 83.
(4) الذكرى: 141.
(5) المدارك 3: 191.
222

الستر عرفا، ولعدم ثبوت الأزيد منه من الأخبار والإجماع.
وكذا لو كان لطرف ثوبه من اليمين أو اليسار فرجة ضيقة لو نظر إليها ناظر
وصل شعاع بصره إلى العورة، أو كان له جيب لو نظر إليه يرى العورة. بخلاف
ما إذا قام مؤتزرا على طرف سطح بحيث يرى عورته من الأسفل، فإن الظاهر
- كما في التذكرة وعن نهاية الإحكام (1) - عدم تحقق الستر عرفا وإن احتملت
الصحة حينئذ أيضا كما في الذكرى (2)، لما قد ذكرنا من عدم ثبوت الأزيد.
وبالجملة: الستر إنما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها.
ومنهم من شرط في تحقق الستر الستر من الجوانب الأربع ومن الفوق دون
التحت (3). وهو تحكم بحت.
الثالثة: يجب في تحقق ستر البشرة استتار لونها إجماعا. فلو كان الساتر رقيقا
بحيث يحكي بشرة ما تحته ولونها لم يكف قولا واحدا، لعدم تحقق الستر معه قطعا،
ولمفهوم قوله عليه السلام في إحدى صحيحتي محمد بعد سؤاله عن الرجل يصلي
في قميص واحد: (إن كان كثيفا فلا بأس به) (4).
وفي الأخرى: (إذا كان القميص صفيقا) (5).
وهل يعتبر فيه كونه ساترا للحجم والخلقة أيضا أم لا؟ قيل بالأول (6)،
لتوقيفية العبادة، وتبادر ستر الحجم أيضا من الستر، ولذا يصح السلب بدونه

(1) التذكرة 1: 94، نهاية الإحكام 1: 372.
(2) الذكرى: 141.
(3) كالشهيد في الذكرى: 141.
(4) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 2، التهذيب 2: 217 / 855، الوسائل 4: 387 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 1.
(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 64 ح 1، التهذيب 2: 216 / 852، الوسائل 4: 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2.
(6) كما في الذكرى: 146، جامع المقاصد 2: 95.
223

ويقال: ما ستر العورة بل ستر لونها.
ولمرسلة أحمد بن حماد: (لا تصل فيما شف أو صف) يعني الثوب المصقل (9).
قال في الذكرى: إنه وجده كذلك بخط الشيخ وإن المعروف: (أو وصف)
بواوين. قال: ومعنى شف: لاحت منه البشرة، ووصف: حكى الحجم (2).
وذهب الفاضلان إلى الثاني (3)، للأصل، وصدق الستر عرفا، ومنطوق
الصحيحتين المتقدمتين الشامل لما إذا لم يفد الكثافة والصفاقة سوى ستر البشرة
دون الحجم، ولأن جسد المرأة كله عورة، ولا شك في عدم استتار حجمه
باللباس، فلو لم يكن ذلك سترا لما أمكن لها الاستتار.
ولرواية المرافقي: إن أبا جعفر عليه السلام كان يدخل الحمام فيبدأ فيطلي عانته
وما يليها، ثم يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو صاحب الحمام فيطلي سائر
بدنه، فقال له يوما: الذي تكره أن أراه فقد رأيته، فقال: (كلا إن النورة
سترة) (4).
والتقريب: تصريحه عليه السلام بكون النورة ساترا مع أنها لا تستر إلا
البشرة، فلا يرد ما أورده بعض الأجلة من أنها لا تدل على استتار حجم السوأة
بالنورة والكلام فيه، بل على استتار العانة (5).
ومرسلة (محمد بن عمر) (6) وفيها: فدخل ذات يوم الحمام فتنور، فلما

(1) التهذيب 2: 214 / 837، الذكرى: 146، الوسائل 4: 388 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 4.
(2) الذكرى: 146.
(3) المحقق في المعتبر 2: 95، العلامة في القواعد 1: 27، والتذكرة 1: 92.
(4) الكافي 6: 497 الزي والتجمل ب 43 ح 7 وفيه: الدابقي، الفقيه 1: 65 / 250، الوسائل 2: 53 أبواب آداب الحمام 18 ح 1: وفيه الرافقي.
(5) كما في كشف اللثام 1: 187.
(6) في النسخ: محمد بن عمران، والصحيح ما أثبتناه موافقا للمصادر.
224

أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقال له مولى له: بأبي أنت وأمي إنك لتوصينا
بالمئزر ولزومه وقد ألقيت عن نفسك، فقال: (أما علمت أن النورة قد أطبقت
العورة) (1).
أقول: انكشاف حجم الشئ وخلقته بعد استتار اللون والبشرة تارة يكون
برؤية شبحه بنفسه من وراء الساتر، كما يرى الشئ من وراء الزجاجة الكثيفة أو
من وراء ثوب قريب من العين، فإنه كثيرا ما يرى شبح ما وراءهما بنفسه ولا يتميز
لونه، ومن ذلك القبيل من يرى في الليلة إذا لم يكن لها شديد ظلمة فإنه يرى
شبحه وإن لم يتميز لونه، فالمرئي حينئذ ليس هو الحائل بل شبح الشئ.
وأخرى يكون بعدم رؤية الشبح أيضا، بل يكون المرئي هو الحائل فقط
وإن حكى هو حجم الشئ أيضا للصوقه به كالشئ الملفوف بالكرباس أو المطبق
بالنورة والطين.
فإن أريد من حكاية الحجم ما كان من قبيل الأول فالحق مع الأول، لعدم
تحقق الستر معه قطعا، وعدم جريان أدلة الثاني في دفعه، وهو ظاهر.
وإن أريد الثاني فالحق مع الثاني، لأدلته. ولا تنافيه توقيفية العبادة كما لا
يخفى، ويمنع تبادر ستر الحجم من الستر، وصحة السلب، وتخص المرسلة بما
ذكر، مع أن في شمولها لمثل ذلك نظرا، وتفسير الشهيد الوصف بما وصف لا
حجية فيه، مع أن النسخ مختلفة.
الرابعة: لا شك في جواز الستر وتحققه بالثوب مطلقا، وكذا بالحشيش
والورق ومثلهما حال الانحصار، وفي صحيحة علي، المتقدمة تصريح به (2).
وهل يجوز الاستتار بهما مع وجود الثوب أيضا، أم لا؟ المحكي عن جماعة:
الثاني، واختاره في المدارك (3)، ووالدي في المعتمد، ونسب إلى الشيخ والحلي

(1) الكافي 6: 502 الزي والتجمل ب 43 ح 35، الوسائل 2: 53 أبواب آداب الحمام ب 18 ح 2.
(2) راجع ص 222.
(3) المدارك 3: 193.
225

والفاضلين (1)، والبيان (2)، وعزي إلى المشهور.
وفي البحار نسب إليهم جميعا القول الأول، ونسبه إلى المشهور (3).
والتحقيق: أن ظاهر كلام بعض هؤلاء يوافق الأول وبعضهم الثاني.
وعلى أي حال فدليل الثاني: عدم تبادر مثل ذلك من إطلاق الستر.
واقتضاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية. وصحيحة علي. وإطلاق الأخبار الواردة
في أن من ليس له غير الثوب النجس يصلي فيه (4)، أو من لم يجد ثوبا يصلي إيماء (5)
الشامل لواجد الورق والحشيش. وما دل على أن أدنى ما تصلي المرأة فيه درع
وملحفة (6)، ويتم في الرجل بالإجماع المركب.
ويضعف الأول - مع عدم إطلاق كذائي -: بأنه لو كان، لوجب حمله على
ما يصدق عليه لغة، وصدقه على الستر بمثل ذلك ظاهر جدا.
والثاني: بعدم تيقن الشغل بالزائد على مطلق الستر.
والثالث: بعدم الدلالة، والسؤال عمن ليس له ثياب لا يدل على تقدمها
على الحشيش.
والرابع: بعدم قول المستدل بالإطلاقين المذكورين، لتجويزه التستر
بالحشيش حينئذ، بل الظاهر إجماعيته، ومع ذلك يندفع ثاني الإطلاقين بصحيحة
علي.
والخامس: بعدم وجوبهما بخصوصهما إجماعا، فليحمل على ضرب من

(1) الشيخ في المبسوط 1: 87، الحلي في السرائر 1: 260، المحقق في الشرائع 1: 70، العلامة في
القواعد 1: 28، والتحرير 1: 31.
(2) البيان: 125.
(3) البحار 80: 212.
(4) انظر: الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45.
(5) انظر: الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46.
(6) التهذيب 2: 217 / 803، الإستبصار 1: 388 / 1478، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9.
226

الاستحباب.
وقال طائفة بالأول (1)، وهو الأظهر، لا للصحيحة كما قيل (2)، لعدم
دلالتها جدا، بل للأصل، وعدم دليل على وجوب الأزيد من الستر المتحقق بكل
ما يستر به، بل مر التصريح بتحقق الستر بالنورة أيضا.
ومنهما بل ومن التعليق بوصف الستر في الصحيحة يظهر جواز الستر بها
وبالطين أيضا ولو مع القدرة على الثوب والحشيش.
خلافا لمن لم يجوزه إما مطلقا (3)، لأن الظاهر من الأخبار تعين الإيماء عند
تعذر الثوب (4)، خرج الحشيش بالصحيحة، فيبقى الباقي.
وفيه: أن مفهوم قوله في ذيل الصحيحة: (وإن لم يصب شيئا) شامل لمثلهما أيضا.
أو مع القدرة على الثوب فقط وإن قدر على الحشيش، أو مع القدرة عليه
أيضا، لمثل ما مر في الحشيش والورق. وقد عرفت دفعه.
وكذا يجوز الستر باليد، بل يجب مع الانحصار، ولكنه لا يفيد حالتي
الركوع والسجود فيجب الإيماء، فلا يمكن الاكتفاء بها مع غيرها.
الخامسة: لو لم يجد المصلي ساترا مطلقا تجب عليه الصلاة عاريا قائما إذا لم
يكن هناك ناظر محترم، وجالسا إن كان، وفاقا للشيخين والفاضل والشهيدين (5)،

(1) كالشيخ في الجمل والعقود (الرسائل العشر): 177، والاقتصاد: 209، والشهيد في الذكرى: 141، والكركي في جامع المقاصد 2: 99.
(2) كما في الذكرى: 141.
(3) كما في الذكرى: 141.
(4) انظر الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46.
(5) لم نعثر على كلام المفيد في المقنعة وقد حكاه عنها في المعتبر 2: 104، الطوسي في النهاية: 130،
والمبسوط 1: 87، والخلاف 1: 399، الفاضل في التذكرة 1: 93، والتحرير 1: 31، ونهاية
الإحكام 1: 368، الشهيد الأول في البيان: 125، والدروس 1: 149، الشهيد الثاني في المسالك: 24، والروضة 1: 205، وروض الجنان: 216.
227

وأكثر المتأخرين، بل الأكثر مطلقا، كما به صرح غير واحد (1).
لمرسلة ابن مسكان: في الرجل يخرج عريانا فتدركه الصلاة، قال: (يصلي
عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلى جالسا) (2).
والمروي في المحاسن: في رجل عريان ليس معه ثوب، قال: (إذا كان لا
يراه أحد فليصل قائما) (3).
وفي نوادر الراوندي: (في العريان إن رآه الناس صلى قاعدا وإن لم يره
الناس صلى قائما) (4).
وضعف سندها بالشهرة منجبر، مع أن الأولى بنفسها حجة، ومع ذلك عن
ابن مسكان المجمع على تصحيح ما يصح عنه صحيحة.
خلافا للمحكي عن الفقيه والمقنع ومصباح السيد وجمله والمقنعة
والتهذيب (5)، فأطلقوا الأمر بالجلوس، لأصالة وجوب الستر عن الناظر.
وحسنة زرارة: رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي
فيه، فقال: (يصلي إيماء، فإن كانت امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان
رجلا وضع يده على سوأته، ثم يجلسان فيومئان ايماء ولا يسجدان ولا يركعان
فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما) (6).
وصحيحة ابن سنان: عن قوم صلوا جماعة وهم عراة، قال: (يتقدمهم

(1) كالشهيد في الذكرى: 141، والفيض في المفاتيح 1: 105.
(2) التهذيب 2: 365 / 1516، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 3.
(3) المحاسن: 372 / 135، الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 7.
(4) نوادر الراوندي: 51، البحار 80: 212 / 1.
(5) الفقيه 1: 296، المقنع: 36، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، المقنعة: 216، التهذيب 3: 178.
(6) الكافي 3: 396 الصلاة ب 64 ح 16، التهذيب 2: 364 / 1512، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 6.
228

الإمام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا وهو جالس) (1).
وموثقة إسحاق: قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة
وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال: (يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون
خلفه، فيومئ إيماء بالركوع والسجود وهم يركعون ويسجدون خلفه على
وجوههم) (2).
والمروي في قرب الإسناد: (من غرقت ثيابه فلا ينبغي أن يصلي حتى يخاف
ذهاب الوقت، يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلى عريانا جالسا يومئ إيماء، يجعل
سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك
فرادى) (3).
وللحلي (4)، فأطلق الأمر بالقيام، لأصالة وجوبه، وصحيحة علي،
السابقة (5).
وصحيحة ابن سنان: (وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد
بالسيف ويصلي قائما) (6).
ولحصول استتار الدبر بالأليين، والقبل باليدين، فيأمن عن الناظر دائما.
وللمعتبر وبعض من عنه تأخر (7)، مخيرا بين الأمرين، لتعارض الأخبار مع
ضعف روايات التفصيل.

(1) التهذيب 2: 365 / 1513، الوسائل 4: 450 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1
(2) التهذيب 2: 365 / 1514، الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 2.
(3) قرب الإسناد: 142 / 511، الوسائل 4: 451 أبواب لباس المصلي ب 51 ح 1.
(4) السرائر 1: 260.
(5) في ص 222.
(6) الفقيه 1: 166 / 782، التهذيب 2: 366 / 1519، الوسائل 4: 449 أبواب لباس المصلي ب 50 ح 4.
(7) المعتبر 2: 105، وانظر المدارك 3: 195.
229

ويجاب عن دليل الأول: باندفاع الأصل بعدم وجود الناظر، وإطلاق
الأخبار بالنسبة إلى وجوده وعدمه، فيجب حملها على المقيد، وليس التباعد المأمور
به في ذيل الأخير صريحا في قدر يمنع الرؤية، فلا يقدح في إطلاقه، فيمكن أن
يكون التباعد في الجملة مطلوبا تعبدا.
مع أن الحسنة ليست نصا في الجلوس للصلاة، لاحتماله للإيماء للسجود،
كما هو المحكي عن السيد عميد الدين (1)، بل هو الظاهر منها، لمكان لفظة: (ثم)
وقوله: (فيومئان) بعد: (يجلسان).
والصحيحة والموثقة ظاهرتان بل صريحتان في وجود الناظر. والأخيرة
ضعيفة، وبالشهرة غير منجبرة.
وعن دليل الثاني: بمعارضة أصله مع أصل الأول في صورة وجود الناظر،
فيتساقطان لو لم يرجح الأول بالشهرة العظيمة، بل الإجماع المنقول في الخلاف على
لزوم الجلوس مع عدم الأمن عن الناظر (2) وتقيد إطلاقاته بالمقيدات المتقدمة،
واندفاع دليله الأخير بمنع حصول استتار القبل باليد مطلقا إلا مع الخروج عن
حد القائم، والدبر بالأليين مع الهزال الكثير، ولو سلم فلا يخرج الشخص بذلك
عن مصداق العريان الذي ورد في النصوص المفصلة، وكون العلة محض استتار
العورة غير معلوم.
وعن دليل الثالث: بمنع ضعف دليل المفصل، كما مر.
ثم مقتضى الأخبار المفصلة: القيام مع عدم الناظر ولو احتمل دخوله بعده
أو وجوده حينئذ، وهو مقتضى أصالة عدمه وأصالة وجوب القيام أيضا.
والمصرح به في كلام أكثر المفصلين التفصيل بين عدم الأمن من الناظر
والأمن منه، فيجلس في الأول. ولا دليل له تاما (3).

(1) حكاه عنه في الذكرى: 142.
(2) الخلاف 1: 400.
(3) التقيد بالتام لإمكان الاستدلال باختيار وجوب الحفظ من الناظر الدال على المحافظة مع احتماله
كما مر في بحث الخلوة، وعدم تماميته لمعارضتها مع أخبار وجوب القيام في الصلاة
وبقاء الأخبار التفصيلية بلا معارض. منه رحمه الله تعالى.
230

ولو أمن أولا ثم ورد الناظر، جلس في الباقي، للأمر بالصلاة جالسا مع
النظر، ولو انعكس الأمر قام في الباقي.
ولو أمن من الناظر من إحدى الجهتين كالقدام دون الآخر وكان له ما يستر
الجهة الأخرى فقط، يستر ويقوم، لأن معنى قوله: (فإن رآه) أو: (لم يره) رؤية
ما يحرم رؤيته، فيصدق عدم الرؤية، ويلزمه لزوم القيام لو ستر القدام فقط،
لاستتار الدبر بالأليين كما صرح به في النص (1).
ثم في حالة القيام هل يجب عليه ستر قبله باليدين إن أمكن؟ الظاهر:
نعم، للتمكن من الستر الواجب الغير المختص بساتر مخصوص كما مر.
ولأن كل من قال بتحقق الستر بشئ قال بوجوبه مع الإمكان، وتؤيده
حسنة زرارة، المتقدمة (2).
وهل التفصيل مخصوص بالرجال كما هو مورد الروايات، أو يعم النساء
أيضا؟ الظاهر: الأول، لاختصاص الروايات، وعدم معلومية الإجماع المركب،
وكون جميعها عورة فلا يتفاوت الحال بالقيام والقعود، والأصل وجوب القيام
فيقمن أبدا ويسترن فرجهن باليد إن أمكن، كما به صرح في الحسنة.
فروع:
أ: لا خلاف في وجوب الإيماء بالركوع والسجود لغير المأمومين في حالة
الجلوس، وفي الأخبار المتقدمة تصريح به (3). واختلفوا في حال القيام، وفي حق المأمومين.
أما الأول: فصرح بالإيماء فيه أيضا الأكثر. وهو الأظهر، لصحيحة علي.

(1) انظر الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2 و 3.
(2) في ص 228.
(3) راجع ص 228 و 229.
231

وعدم نصوصيتها في الإيماء بالركوع والسجود معا غير ضائر، لعدم
الفاصل، مع أنها فيه ظاهرة وهو كاف في المطلوب.
وخالف فيه ابن زهرة، فأوجب الركوع والسجود على القائم (1)، وتردد فيه
الفاضل في النهاية (2)، ولم يتعرض له الشيخ والديلمي والقاضي وابن حمزة، إما
لأصالة وجوبهما، أو لما قيل من أن القيام لا يكون إلا في حال الأمن، ومعه لا وجه
لتركهما (3).
والأول تمسك بالأصل في مقابلة النص، والثاني اجتهاد كذلك.
وأما الثاني، فعن الأكثر أيضا - ومنهم: المفيد والسيد والحلي - الإيماء في
حقهم (4)، بل عن السيد وموضعين من السرائر الإجماع عليه (5)، للصحيحة،
وسائر مطلقات الإيماء بهما، وعموم التعليل في الحسنة بقوله: (فيبدو ما خلفهما)
(6).
وعن الإصباح والشيخ وابن حمزة والقاضي والجامع والمعتبر والمنتهى
والدروس: وجوب الركوع والسجود عليهم (7). وهو الأقوى.
لموثقة إسحاق، المتقدمة (8) الخاصة بالنسبة إلى ما دل على الإيماء مطلقا
حتى التعليل المذكور.

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 561
(2) نهاية الإحكام: 368.
(3) كما في كشف اللثام 1: 190.
(4) المفيد في المقنعة: 216، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، الحلي
في السرائر 1: 260 و 355.
(5) لم نعثر عليه في كتب السيد التي بأيدينا، السرائر 1: 355 و 260.
(6) راجع حسنة زرارة في ص 228.
(7) الشيخ في النهاية: 130، ابن حمزة في الوسيلة: 107، القاضي في شرح الجمل: 147، المهذب
1: 117، الجامع للشرائع: 91، المعتبر 2: 107، المنتهى 1: 240، الدروس 1: 149.
(8) في ص 229.
232

وحمل قوله: (على وجوههم) على الوجه الذي لهم وهو الإيماء بعيد جدا،
بل مناف للتفصيل، مع أن الركوع والسجود حقيقتان في غير الإيماء.
وأصالة وجوب الإيماء على العاري الذي عنده غيره مطلقا حتى في حق
المأموم ممنوع.
وفي الذكرى: التفصيل بين وجود مطلع غيرهم وعدمه، فالإيماء في الأول
والركوع والسجود في الثاني (1). ويدفعه عموم الموثق (2).
وفي التحرير والمختلف والتذكرة: التردد (3). ولا وجه له.
ب: الإيماء بالرأس، للحسنة. فإن تعذر فبالعينين، للإجماع. بجعل
السجود أخفض إجماعا، لرواية قرب الإسناد، المنجبرة (4).
وهل يجب الانحناء فيهما بحسب الإمكان مع عدم بدو العورة؟ الظاهر لا،
للأصل.
وفي الذكرى والمسالك: نعم (5)، استصحابا لوجوبه.
ويندفع: بأن المسلم وجوبه للانتقال إلى الركوع والسجود الواجبين، فهو

(1) الذكرى: 142.
(2) وأجاب في المنتهى أيضا بأن ذلك فيما إذا خاف من المطلع وهو مفقود هنا، إذ كل منهم مع سمت
صاحبه لا يمكن له أن ينظر إلى عورته حالتي السجود والركوع. وفي: أنه إذا كان كذلك لوجب
عليهم القيام على ما اختاره ويخرج عن مورد الموثقة ولا يمكن الاستدلال بها له، إلا أن يكون مراده
عدم إمكان النظر حالتي الركوع والسجود خاصة وإن أمكن في غيرهما، ويرد عليه حينئذ مع عدم
الإمكان. وفي الذكرى بعد اختيار التفصيل المذكور في المتن قال: وأما هم أي المأمومون فغير ضائر،
لكونهم في حيز التستر باستواء الصف واعتبار النظام، ثم استشكل بأنهم لو كانوا في حيز التستر
لوجب القيام، وأجاب بأنهم كذلك في حال الجلوس. ولا يخلو ما ذكره من تعسف وتمحل. منه
رحمه الله تعالى.
(3) التحرير 1: 32، المختلف: 84، التذكرة 1: 94.
(4) راجع ص 229.
(5) الذكرى: 142، المسالك 1: 24.
233

مقيد بذلك الحال وتبعي، لا أنه من أجزاء الصلاة، ولذا لم يعده أحد منها، فلا
يمكن الاستصحاب.
ومنه يظهر حال ما احتمله الشهيد من وضع الأعضاء السبعة في
السجود (1)، وما نفى عنه البعد في المدارك (2) بل أوجبه في المسالك (3)، من وجوب
رفع شئ يسجد عليه.
والاستدلال له: بما ورد في صلاة المريض (4) نوع من القياس، وعدم
الفصل غير ثابت، مع أن ما ورد فيها غير دال على الوجوب فيها أيضا كفتوى
الأصحاب.
ج: المصرح به في كلام جماعة أن القائم لا يجلس لإيماء السجود (5)، لظاهر
صحيحة علي.
وعن السيد عميد الدين أنه يجلس (6)، لأنه أقرب إلى هيئة السجود، ولمثل
قوله: (إذا أمرتكم بشئ فأتوا منه ما استطعتم) (7) ولاستصحاب وجوب الجلوس
للسجود.
ويضعف الأول: بمنع وجوب تحصيل الأقرب.
والثاني والثالث: بمثل ما مر من منع وجوب الجلوس للسجود إلا من باب
المقدمة للسجود، فينتفي بانتفائه.

(1) الذكرى: 142.
(2) المدارك 3: 195.
(3) المسالك 1: 24.
(4) انظر الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14.
(5) كما في الذكرى: 142، جامع المقاصد 2: 102، المدارك 3: 195، المفاتيح 1: 105، الحدائق 7: 44.
(6) حكاه عنه في الذكرى: 142.
(7) عوالي اللآلئ 4: 58 / 206، سنن النسائي 5: 110 / 1.
234

إلا أنه يمكن أن يقال: الأصل عدم وجوب القيام للسجود أيضا، إذ لا
إجماع فيه ولا دليل، والأخبار المفصلة لا تفيد، لأن المراد بالقيام فيها المتعارف،
وظاهر الصحيحة وإن يشمل إيماء السجود أيضا إلا أنه معارض مع ظاهر
الحسنة، مع أن إفادة الصحيحة أيضا للوجوب ممنوعة. فالتخيير أقوى إلا مع
إيجاب الجلوس بعد القيام وعكسه لبدو العورة فلا يجوز، للعلة المصرح بها في
الحسنة.
د: يجب على القائم الجلوس للتشهد والسلام، للاستصحاب الخالي عن
المخرج إلا مع إيجابه البدو المذكور.
ه‍: لو صلى العاري بغير إيماء، بطلت صلاته ولو أتى بالركوع عمدا أو
سهوا أو نسيانا، لا لإتيانه بالمنهي عنه حتى يرد عدم توجه النهي مع النسيان، بل لعدم إتيانه بالمأمور به. وحكم الجاهل ما مر مرارا.
و: لا يجب على العاري أول الوقت التأخير وإن ظن حصول الستر له،
وفاقا للشيخ والحلي (1) حاكيا له كغيره (2) عن الأكثر. بل ولو علم الحصول أيضا،
للأصل، وإطلاقات صلاة العاري. وأدلة وجوب الستر مقيدة بإمكانه حال
الصلاة. وكون التأخير مقدمة للستر غير مفيد، لمنع وجوبه المطلق حتى في هذه
الصورة (3)، مع أن الواجب من المقدمة هي المقدورة، وهي للصلاة في أول الوقت
غير مقدورة، فتصح الصلاة فيه عريانا، وعدم جواز الصلاة فيه يحتاج إلى دليل.
وتوهم أنه مع عدم الستر في أول الوقت لا يصدق الامتثال، للتمكن من
الستر ولو بالصبر، مردود: بأن الكلام في امتثال ذلك الأمر الوارد في أول الوقت
تخييرا بملاحظة دليل التوسعة، ولا شك أن الستر له غير ممكن، وإنما يمكن

(1) الشيخ في النهاية: 58، الحلي في السرائر 1: 355.
(2) المنتهى 1: 239، الرياض 1: 137
(3) مع أنه لو تم لأفاد في صورة العلم بحصول الستر بالتأخير. منه رحمه الله تعالى.
235

لامتثال فرد آخر من الموسع.
وأما رواية قرب الإسناد، المتقدمة (1): فمع عدم حجيتها غير ناهضة
لإثبات الوجوب، بل ظاهرة في الاستحباب مع الاحتمال، وهو مسلم معه، له
وللاحتراز عن مخالفة المعتبر والمنتهى في صورة الظن (2)، فإنهما أوجباه حينئذ معه،
بل بدونه أيضا تجنبا عن خلاف السيد والديلمي (3)، حيث أوجبا التأخير مطلقا.
ز: شراء الساتر ولو زائدا عن ثمن المثل ما لم يستضر به وقبول إعارته وهبته
واجب على الأصح، لقوله في صحيحة علي: (وإن لم يصب شيئا أومأ) دل
بمفهومه على عدم الإيماء مع الإصابة الصادقة هنا، فإما يركع ويسجد بدون
الشراء والقبول، وهو باطل إجماعا، أو يشتري ويقبل، وهو المطلوب.
ح: لو لم يجد إلا الحرير، فظاهر الأصحاب - كما قيل (4) - أنه يصلي عاريا،
لاستصحاب حرمة لبسه قبل صلاته، وأدلة عدم جواز الصلاة فيه (5).
ويخدشه: أنهما معارضتان مع أدلة وجوب الستر، فإن ثبت الإجماع فهو،
وإلا فالتخيير قوي جدا. وكذا لو لم يجد إلا جلد الميتة أو ما لا يؤكل.
ولو لم يجد إلا النجس أو المغصوب، فسيأتي حكمه: وكذا حكم ما لو
اضطر إلى لبس الحرير أو النجس.
ط: لو وجد الستر في أثناء الصلاة، فمع عدم توقف الستر على الفعل
المنافي يستر ويتم الصلاة.
وقيل: يستأنف مع السعة، لعدم تحقق الامتثال (6).

(1) في ص 229.
(2) المعتبر 2: 108، المنتهى 1: 239.
(3) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 49، الديلمي في
المراسم: 76.
(4) انظر: الحدائق 7: 46.
(5) انظر الوسائل 4: 367 أبواب لباس المصلي ب 11.
(6) لم نعثر على قائله.
236

وفيه منع ظاهر، ووجوب الصلاة كلها مستورا حينئذ لا دليل عليه.
ومع التوقف فمع ضيق الوقت يستمر ويتم الصلاة إجماعا، وبدونه يقطع
ويستر ويصلي، لمفهوم صحيحة علي، بل منطوق قوله: (فإن أصاب حشيشا) إلى
آخره، لصدق الإصابة حينئذ، فإن لم يستر فإما يصلي إيماء، فقد خالف النص،
أو يركع ويسجد عريانا، فقد خالف الإجماع بل النصوص.
ي: لو كان في الثوب خرق محاذ للعورة، بطلت الصلاة إن لم يمكن جمعه
بحيث يتحقق الستر بالثوب. وإن أمكن، وجب وصحت بلا إشكال إن لم يمنع
ذلك من واجب في الصلاة، كوضع اليد على الأرض للسجود، وإن منع فيحصل
الإشكال من جهة التعارض بين مراعاة الستر وذلك الواجب، وإن أمكن الستر
بوضع اليد عليه بحيث يكون الساتر هو اليد، فحكمه حكم العاري عند من لا
يرى الستر باليد سترا، وحكم الأول على الأصح.
يا: لو وجد ساترا لإحدى العورتين أو المرأة لبعض جسدها، وجب الستر
عن الناظر المحترم إذا كان، ومطلقا في الصلاة، لا لنحو قوله: (ما لا يدرك
كله لا يترك كله) (1) لعدم تمامية دلالته، بل لدلالة وجوب الستر عليه تضمنا أو
التزاما، والأصل عدم الارتباط بين ستر هذا الجزء وستر غيره، ودلالة الدليل عليه
تبعا لا يجعل وجوبه تبعيا. وتكون الصلاة مع انكشاف الباقي صلاة العراة.
ومنه يظهر عدم شرطية ستر البعض مع عدم إمكان ستر الجميع للصلاة
وإن وجب، فلا تبطل الصلاة بتركه حينئذ (2).

(1) عوالي اللآلي 4: 58 / 207.
(2) فرع: يستحب الجماعة للعراة بالإجماع كما صرح به بعض الأعيان، وهو دليل
عليه، مع عموم أدلة
أفضليته وخصوص الموثقة المتقدمة. وأما خبر قرب الإسناد فلا يكافئ ما تقدم،
لعدم عامل به سوى
الصدوق على ما نقل عنه في باب صلاة الخوف والمطاردة، مع أن حمله على عدم
إرادة الجماعة أو إذا
لم يكن لهم من يصلح أن يكون إماما ممكن. منه رحمه الله تعالى.
237

المسألة السادسة: لا يعتبر الستر في صلاة الجنازة للأصل، وعدم معلومية
إرادتها من الصلاة المطلقة. وقيل: يعتبر (1)، وهو ضعيف.
ولا فرق في سائر الصلوات بين واجبها ومندوبها بالإجماع، وإليه يرشد
إطلاق الأخبار.

(1) كما في الذكرى: 58.
238

البحث الثاني:
فيما يجب ستره
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يجب على الرجل ستر القبل - الذكر والخصيتين - والدبر
لا غيرهما.
أما وجوب سترهما: فبالإجماع المحقق والمحكي مستفيضا (1)، وصحيحة
علي المتقدمة حيث إن الثلاثة داخلة في العورة إجماعا.
وتردد الفاضل في التحرير (2) في دخول البيضتين فيها، شاذ جدا مردود
بالعرف، بل النص وهو رواية الواسطي: (العورة عورتان، القبل والدبر، والدبر
مستور بالأليين، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة) (3).
وعدم جريان الصحيحة فيمن وظيفته الصلاة الإيمائية غير ضائر، لتتميم
المطلوب بالإجماع المركب.
وأما عدم وجوب ستر غير هما: فللأصل الخالي عن المعارض، بل الإجماع
في غير ما بين السرة والركبة.
ومنه يظهر عدم منافاة صحيحة زرارة: (أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر
ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف) (4) وصحيحة علي: عن الرجل هل
يصلح له أن يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال: (لا يصلح) (5) ونحو ذلك، لوجوب

(1) كما في الخلاف 1: 393، والمعتبر 2: 99، والذكرى: 139.
(2) التحرير 1: 31.
(3) الكافي 6: 501 الزي والتجمل ب 43 ح 26، التهذيب 1: 374 / 1151،
الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 2.
(4) الفقيه 1: 166 / 783، الوسائل 4: 403 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 6.
(5) التهذيب 2: 366 / 1520، الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 2.
239

حملها على الاستحباب، للإجماع، بل إطلاق الأخبار المصرحة بكفاية الثوب
الواحد للرجل (1).
والاستدلال لعدم الوجوب: بصحيحة علي - كما في المدارك (2) - غير جيد
جدا.
خلافا للمحكي عن القاضي (3)، والطرابلسي (4)، فأوجبا ستر ما بين السرة
والركبة.
ولعله لبعض الأخبار العامية (5)، ورواية قرب الإسناد: (إذا زوج الرجل
أمته فلا ينظر إلى عورتها، والعورة ما بين السرة والركبة) (6) وما في بعض
الأخبار
من أن أبا جعفر عليه السلام اتزر بإزار وغطى ركبتيه وسرته، ثم أمر صاحب
الحمام فطلى ما كان خارجا من الإزار، ثم قال: (أخرج عني) ثم طلى هو ما تحته
بيده، ثم قال: (هكذا فافعل) (7).
ويضعف - مع ضعف الأولين بنفسهما - بمعارضتها مع رواية الواسطي
وغيرها كرواية ابن حكيم: (الفخذ ليس من العورة) (8) المنجبر ضعفها -
لو كان -
بالعمل، الموجبة لطرحها، لموافقتها لأكثر العامة كما في المنتهى (9).
وظهور الثاني
في عورة المرأة أو مطلقا لا الرجل، وعلى التقديرين يخالف الإجماع، وتقييده
بالرجل بعيد غايته.

(1) انظر الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53
(2) المدارك 3: 191.
(3) القاضي في المهذب 1: 83، وشرح الجمل: 73.
(4) حكاه عنه في الدروس 1: 147 وجعله أحوط.
(5) المغني 1: 652.
(6) قرب الإسناد: 103 / 345، الوسائل 21: 148 أبواب نكاح العبيد
والإماء ب 44 ح 7.
(7) الكافي 6: 501 الزي والتجمل ب 43 ح 22، الوسائل 2: 67 أبواب
آداب الحمام ب 31 ح 1.
(8) التهذيب 1: 374 / 1150، الوسائل 2: 34 أبواب آداب الحمام ب 4 ح 1.
(9) المنتهى 1: 236.
240

ومعارضة الثالث مع ما مر من أنه عليه السلام كان يطلي عانته وما يليها ثم
يلف إزاره على طرف إحليله ويدعو قيم الحمام (1)، فحمله على الأفضلية
متعين.
وللمحكي عن الحلبي، فجعل العورة من السرة إلى نصف الساق (2).
ولم أعثر على دليل له، بل يرده ما في بعض الأخبار من أن الركبة ليست من
العورة (3)، ومرسلة الفقيه: (صلى الحسين بن علي عليهما السلام في ثوب قد
قلص عن نصف ساقه وقارب ركبتيه) الحديث (4).
وأما مرسلة رفاعة: عن الرجل يصلي في ثوب واحد يأتزر به، قال: (لا
بأس به إذا رفعه إلى الثديين) (5) فلا تدل على مطلوبه، بل هو مما لم يقل أحد
بوجوبه، فعلى الاستحباب محولة قطعا.
مع أن المحكي عنه في المختلف (6) - كما قيل - وفي الدروس (7) موافقته
للقاضي، إلا أنه أوجب الستر إلى نصف الساق من باب المقدمة.
وهل يستحب للرجل ستر سائر بدنه أو لا؟ ففي المعتبر والإرشاد والقواعد
والتذكرة والدروس والبيان: استحباب ستر جميع الجسد (8). وفي الشرائع:
كراهة
الصلاة عريانا إذا ستر قبله ودبره (9). وفي المدارك: يكره للرجل الصلاة في غير

(1) راجع ص 224.
(2) الكافي في الفقيه: 139.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الفقيه 1: 167 / 784، الوسائل 4: 392 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 10.
(5) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 9، التهذيب 2: 216 / 849، الوسائل 4
: 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 3.
(6) المختلف: 83.
(7) الدروس 1: 147.
(8) المعتبر 2: 99، الإرشاد 1: 247، القواعد 1: 27، التذكرة 1: 93،
الدروس 1: 147، البيان: 122.
(9) الشرائع 1: 70.
241

الثوب الساتر لما يعتاد ستره، واستدل بأخبار لا تثبت إلا استحباب التردي بشئ
والتعمم (1)، وظاهر أنهما خارجان عن المقصد.
وقد يستدل بحصول المبالغة في الستر، وبفعلهم عليهم السلام ذلك في
الأكثر، وبما نقل عنه صلى الله عليه وآله من أنه: (إذا صلى أحدكم فليلبس
ثوبه،
فإن الله جل شأنه أحق أن يتزين له) (2) وبأنه زينة وقال سبحانه: (خذوا
زينتكم
عند كل مسجد) (3) أي صلاة.
والكل كما ترى، بل ظاهر ما في الدعائم - من أن النبي صلى الله عليه وآله
والحسين عليه السلام والباقر عليه السلام صلوا في ثوب واحد (4) -: عدمه،
حيث
إن الثوب الواحد لا يشمل جميع البدن ولا جميع ما يعتاد ستره.
وقيل: يستحب سترا عالي البدن (5).
وهو أيضا غير معلوم الوجه، إلا أن يجعل فتوى العالم على جميع ما ذكر
دليلا، ولا بأس به.
الثانية: يجب على المرأة ستر جميع جسدها، عدا الوجه والكفين والقدمين
ظاهرا وباطنا، بالإجماع في المستثنى منه، والأصل في المستثنى، وهما الحجة
في المقامين.
لا في الأول ما ذكروه من الأخبار الناطقة بأن المرأة تصلي في درع ومقنعة (6)،
أو في إزار ودرع وخمار، فإن لم تجد ففي ثوبين (7). أو أن أدنى ما تصلي
فيه المرأة

(1) المدارك 3: 192.
(2) المهذب في فقه الشافعي 1: 65.
(3) الأعراف: 29.
(4) دعائم الإسلام 1: 175. مستدرك الوسائل 3: 212 أبواب المواقيت ب 19 ح 1.
(5) كما في الحدائق 7: 33.
(6) الفقيه 1: 243 / 1081، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 3.
(7) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 11، التهذيب 2: 217 / 856، الإستبصار 1:
389 / 1480، الوسائل 4: 406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 8.
242

درع وملحفة (1). أو أنه لا تصلي المرأة في ثوب واحد (2)، وأمثالها، وإن كانت
صحاحا، لعدم وفائها بتمام المطلوب حتى تمام الصدغين والأذنين وقدام العنق
وجميع الساعدين والساقين.
والقول بورودها على ما هو المتعارف في زمان صدور الروايات من طول
الأذيال والأكمام بحيث يغطي اليدين والأقدام، ضعيف كما سيظهر وجهه، فالمناط
هو الإجماع.
ومخالفة الإسكافي (3) وجعله إياها كالرجل كما هو المشهور عنه، أو عدم
إيجابه ستر رأسها خاصة كما حكى عنه بعضهم (4)، شاذة في الإجماع غير قادحة،
مع أن قوله مردود بالأخبار المذكورة قطعا، فلا يبقى إلا ما ذكرنا بالإجماع المركب
أيضا، إلا أن في دلالة تلك الأخبار على الوجوب نظرا سيما مع وجود المعارض
لبعضها.
ولا في الثاني عدم كون الثلاثة عورة، أو عدم تسترها بما يدل الأخبار على
وجوب الاستتار بها، لضعف الأول: بعدم الملازمة، والثاني: برجوعه إلى ما ذكرنا
من الأصل.
خلافا في الأول لمن ذكر، فلم يوجب إما ستر غير السوأتين، للأصل المندفع
بما مر. أو الرأس، لموثقة ابن بكير: (لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلي وهي
مكشوفة الرأس) (5) المردودة بمخالفتها لعمل الفرقة.

(1) التهذيب 2: 217 / 853، الإستبصار 1: 388 / 1478، الوسائل 4: 407 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 9.
(2) الفقيه 1: 244 / 1082، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 4.
(3) حكاه عنه في المختلف: 83.
(4) حكاه عن ابن الجنيد في المهذب البارع 1: 330.
(5) التهذيب 2: 218 / 857، الإستبصار 1: 389 / 1481، الوسائل 4: 410 أبواب لباس
المصلي ب 29 ح 5.
243

وفي الثاني لجماعة، وهم بين غير مستثن لشئ سوى موضع السجود، وهو
المحكي عن الوسيلة، وعزي إلى الجمل والعقود والغنية أيضا (1).
وكأنه لكون الستر الأصل فيها إلا ما اضطرت إلى كشفه وهو الجبهة.
وفيه منع الأصل.
ومقتصر في الاستثناء على الوجه خاصة، وهو المنقول عن الاقتصاد (2)، وقد
ينسب إلى الأخيرين (3) أيضا (4).
ولعله للنص الدال على لزوم ملحفة تضمها عليها زيادة على الثوبين (5)،
وضمها معهما يستلزم ستر الكفين والقدمين أيضا.
وفيه - مع كونه مخالفا للإجماع المحكي في المختلف والمنتهى وروض الجنان
والذكرى وشرح القواعد (6)، ومعارضته مع ما دل على كفاية الخمار والدرع من
الصحاح (7) -: أن الاستلزام المذكور ممنوع سيما في القدمين، بل
قال الأردبيلي:
إن الغالب في العرف أن الملحفة تلبس بحيث يبقى القدمان، بل الظاهر أن
دلالتها على عدم ستر القدمين أقوى منها على الستر (8). انتهى.
ومقتصر على الوجه والكفين، فلم يستثن القدمين إما مترددا فيهما (9)، أو

(1) الوسيلة: 89، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 176، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(2) الإقتصاد: 258.
(3) في (ق): الأخير.
(4) كما في الرياض 1: 134.
(5) التهذيب 2: 218 / 860، الإستبصار 1: 390 / 1484، الوسائل 4: 407
أبواب لباس المصلي ب 28 ح 11.
(6) المختلف: 83، المنتهى 1: 236، روض الجنان: 217، الذكرى: 139،
جامع المقاصد 2: 96
(7) انظر الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28.
(8) مجمع الفائدة 2: 105.
(9) كما في الشرائع 1: 70، المختصر النافع: 25.
244

مصرحا بعدم الاستثناء إما مطلقا (1)، أو باطنهما فقط (2)، للاحتياط، وكون جميع
جسدها عورة فلا يخرج إلا ما قطع بخروجه، وما دل على لزوم ملحفة منضمة مع
الثوبين (3).
وصحيحة علي: عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال:
(تلتف فيها وتغطي رأسها وتصلي، فإن خرجت رجلها وليست تقدر على غير ذلك
فلا بأس) (4) دلت بالمفهوم على البأس في خروج الرجلين مع القدرة.
وما دل على وجوب الدرع والقميص، حيث إن دروعهن كانت مفضية إلى
أقدامهن كما يشاهد الحال في نساء أكثر الأعراب.
ويؤيده ما في الموثق: في الرجل يجر ثوبه قال: (إني أكره أن يتشبه
بالنساء) (5).
ويضعف الأول: بعدم إفادته الأزيد من الاستحباب.
والثاني: بما مر من عدم الملازمة، ولو سلمت فبمنع كونهما عورة، لعدم
القطع بكون المرأة بجملتها عورة من جهة الإجماع لمكان الخلاف، ولا من جهة
الأخبار، لقصور ما دل عليه سندا واعتبارا، وخلوه عن الجابر المعلوم.
ودعوى: صدق العورة عليها كلها لغة وعرفا ممنوعة جدا (6).
والثالث: بما سبق.

(1) كما في الخلاف 1: 393.
(2) كما في القواعد 1: 27.
(3) راجع ص 244.
(4). الفقيه 1: 244 / 1083، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 2..
(5) الكافي 6: 458 الزي والتجمل ب 12 ح 12، الوسائل 5: 42 أبواب
أحكام الملابس ب 23 ح 4.
(6) ومن ههنا يظهر أنه لا يتفاوت الحال في المرأة لو سلمنا الإجماع على أن الواجب ستره في الصلاة هو
ما يصدق عليه العورة إذ لم يثبت كون جسد المرأة عورة إلا بالقدر الذي ثبت الإجماع فيه على
وجوب ستره في الصلاة. منه رحمه الله تعالى.
245

والرابع: بأن الرجل اسم للمجموع المركب من القدم وما فوقها، مع أن
الاستدلال به إنما يتم على جعل الواو حالية، ولو جعلت عاطفة لم يتم أصلا.
والخامس: بما قد يدعى من ظهور عدم لزوم سترهما منه، ولو منع الظهور
فلا شك في عدم ظهور اللزوم.
ومن أين علم أن ثياب النساء في وقت صدور الأخبار كانت طويلة هذا
القدر؟ بل كثير من علماء العرب الذين هم أكثر اطلاعا وأقرب زمانا منا بهذا
الوقت وبعادة نساء العرب لم يحتملوا ذلك، بل منهم من صرح بخلافه، قال في
المنتهى: وليس القميص غالبا ساترا لظهور القدمين (1). انتهى.
والاعتماد على عرف الآن لا وجه له، مع أن المشاهد منهن في زماننا هذا
عدم ستر قميصهن لأقدامهن وإن كانت طويلة بحيث تجر على الأرض فإنها لا
تستر رؤوس الأقدام، وهذا القدر كاف في استثناء القدمين بجميعهما، لعدم
القائل بالفرق، فلا يتم الاستدلال مطلقا (2).
ثم بما ذكرنا ظهر عدم وجوب ستر شئ من الوجه والكفين والقدمين من
باب المقدمة أيضا، إذ لا يثبت من الإجماع بل ولا من صدق العورة وجوب ستر
غير المذكورات على نحو يحصل العلم باستتار جميع أجزائه، بل القدر الثابت
وجوب ستره على نحو لم يحصل العلم بظهور شئ منه، فتأمل.
ومنه يظهر الحال في الشعر وأنه لا يجب ستره كما صرح به بعضهم (3)، بل
العنق كما عن بعضهم (4)، بل الأذنين أيضا، مع احتياط في الأخير بل الثاني (5)

(1) المنتهى 1: 237.
(2) أي ولو سلم ورود الأخبار على متعارف هذا الزمان أيضا. منه رحمه الله تعالى.
(3) انظر المدارك 3: 189 و 190.
(4) انظر المدارك 3: 189 و 190.
(5) قال المحقق الأردبيلي: ولولا خوف الإجماع المدعى لأمكن القول باستثناء غيرها أي غير الوجه
والكفين والقدمين من الرأس وما يظهر غالبا. منه رحمه الله تعالى. مجمع الفائدة 2: 105.
246

والمراد بالشعر الذي لا يجب ستره ما انسدل من الرأس ووقع على الوجه
ونحوه، وأما الواقع على الرأس فوجوب ستره مجمع عليه، وفي الأخبار دلالة
عليه (1) (2).
ومنه يظهر ضعف ما استند به بعضهم (3) - في لزوم ستر الشعر مطلقا، وفي
تضعيف قول من استثناه - مما يدل على لزوم الخمار أو القناع.
وأما الاستناد إلى كونه من العورة المجمع على وجوب سترها في الصلاة فقد
عرفت ما فيه، مع أنه يمكن أن يكون شعر الرأس مما يجب ستره وإن لم يكن
عورة، أو تكون العورة غير ما انسدل منه.
وأما ما في بعض المعتبرة من أن فاطمة عليها السلام صلت في درع وخمار
وليست عليها أكثر مما وارت شعرها وأذنيها (4) فلا يدل على الوجوب أصلا.
الثالثة: لا فرق في المرأة فيما ذكر بين الحرة والأمة إلا في الرأس، فلا يجب
ستره على الأمة إجماعا محققا ومحكيا، حكاه الشيخ في الخلاف والفاضلان
والشهيدان والمحقق الثاني (5)، وغيرهم (6)، بل في كلام كثير ادعاء إجماع علماء
الإسلام سوى الحسن البصري، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى الأصل، والمستفيضة من الصحاح وغيرها، كصحيحتي

(1) انظر الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28.
(2) ولا ينافي ذلك كون المصرح به في كلامهم هو البدن أو الجسد، لأن مرادهم ما يعم الشعر أيضا لا
ما يقابله وإلا لما كان وجه لأمرهم بالخمار لستر جلد الرأس بالشعر. منه رحمه الله تعالى.
(3) كصاحب الحدائق 7: 13.
(4) الفقيه 1: 167 / 785، الوسائل 4: 405 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 1.
(5) الخلاف 1: 396، المحقق في المعتبر 2: 103، العلامة في المنتهى 1: 7 23، الشهيد الأول في
الذكرى: 140، الشهيد الثاني في روض الجنان: 217، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 98.
(6) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 188، وصاحب الرياض 1: 136.
247

محمد (1)، وصحيحة البجلي (2)، ورواية السكوني (3).
ولا فرق في الأمة بين أنواعها، إلا أن القوم أوجبوا الستر على المكاتبة المطلقة
مع أداء البعض.
ويدل عليه مفهوم إحدى صحيحتي محمد، بل مقتضاه الوجوب ولو لم يؤد
شيئا، فهو الأقوى إلا أن يثبت الإجماع على خلافه.
وقد يقال باحتمال الوجوب على أم الولد مع حياة ولدها أيضا، وهو مقتضى
صحيحته الأخرى.
ولكن يعارضه ذيل الأولى، والتعارض - بعد اختصاص الأولى بمن يكون
مولاها حيا إجماعا وعموم الثانية - يكون بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل مع
ترجيح الأولى من وجوه أخر أيضا (4).
والأعناق والرقاب في الإماء تابعة للرأس، للأصل، وظهوره من نفي الخمار
والقناع عنهن، ورواية قرب الإسناد (5)، فاحتمال وجوب سترها كما في شرح

(1) الصحيحة الأولى: الفقيه 1: 244 / 1085، الوسائل 4: 411 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 7،
الصحيحة الثانية: التهذيب 2: 218 / 859، الإستبصار 1: 830 / 1439، الوسائل 4: 410
أبواب لباس المصلي ب 29 ح 4.
(2) التهذيب 2: 217 / 854، الوسائل 4: 409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 2.
(3) الصحيح: رواية أبي بصير (التهذيب 4: 281 / 851، الإستبصار 2: 123 / 8 39، الوسائل
4: 409 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 3) وأما السكوني فله رواية مروية في التهذيب والاستبصار
بعد رواية أبي بصير - بلا فصل - وهي غير مرتبطة بمحل البحث. ولعل تتابع الروايتين في المصدر
أوجب السهو في الإسناد في قلمه الشريف فراجع وتأمل.
(4) وهي موافقة معارضها لفتوى جمامة من العامة، وموافقتها للإجماع المنقول
في الخلاف وللصحاح
المجوزة. منه رحمه الله تعالى.
(5) عن الأمة هل يصلح لها أن تصلي في قميص واحد؟ قال: لا بأس (قرب الإسناد: 224 / 876،
الوسائل 4: 412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 10) منه رحمه الله تعالى.
248

الإرشاد (1) ضعيف (2).
وفي استحباب ستر الرأس للأمة كما في المعتبر والنافع والتحرير والمنتهى
والتذكرة (3)، وعن صريح الوسيلة والغنية والجامع (4)، وظاهر المهذب والمراسم (5)،
لما فيه من الستر والحياء. أو عدمه كما عن جماعة (6)، لعدم الدليل كما اعترف به
الفاضلان (7)، وعدم صلاحية ما ذكر للتعليل، قولان. أقواهما: الثاني، لما ذكر،
بل لوجود دليل العدم، وهو المروي في العلل: عن الخادم تقنع رأسها في الصلاة،
فقال: (اضربوها حتى تعرف الحرة من المملوكة) (8).
وفيه وفي المحاسن والذكرى: عن المملوكة تقنع رأسها إذا صلت، قال:
(لا، قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلي وهي مقنعة ضربها لتعرف الحرة من
المملوكة) (9).
وظاهرهما وإن كان التحريم، إلا أن ضعف البعض، وعدم القائل به،
ومعارضتهما للمروي في الذكرى المنجبر بالعمل: عن (الأمة) تقنع رأسها؟ فقال:
(إن شاءت فعلت وإن شاءت لم تفعل، سمعت أبي يقول: كن يضربن)
الحديث (10). والخبر الآخر: (على الجارية إذا حاضت الصيام والخمار إلا أن تكون

(1) روض الجنان: 218.
(2) حيث عرفت انحصار الدليل بالإجماع المنتفي هنا. منه رحمه الله تعالى.
(3) المعتبر 2: 103، المختصر النافع: 25، التحرير 1: 31، المنتهى 1: 273 التذكرة 1: 93.
(4) الوسيلة: 89، الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الجامع للشرائع: 65.
(5) المهذب 1: 84، المراسم: 64.
(6) كالشهيد في الذكرى: 140، وصاحب المدارك 3: 199، وصاحب الحدائق 7: 19.
(7) المحقق في المعتبر 2: 103، العلامة في التحرير 1: 31، والمنتهى 1: 237.
(8) علل الشرائع: 345 / 1، الوسائل 4: 411 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 8.
(9) علل الشرائع: 245 / 2، المحاسن: 318 / 45، الذكرى: 140، الوسائل 4: 411 أبواب
لباس المصلي ب 29 ح 9.
(10) الذكرى: 140، الوسائل 4: 412 أبواب لباس المصلي ب 29 ح 11.
249

مملوكة فإنه ليس عليها خمار إلا أن تحب أن تختمر) (1) لا يثبتان سوى الكراهة
الموجبة لاستحباب عدم الستر.
والقول بأن الخبرين ضعيفان، والتقية فيهما ممكنة كما يشعر به نسبته ضربهن
إلى أبيه، مع أنه نقل عن عمر أنه ضرب أمة لآل أنس رآها مقنعة وقال:
اكشفي (2). ومع ذلك، الخبران صريحان فيما لم يقل أحد به من الوجوب، وغير
قابلة للحمل على الندب لمكان الضرب، فلا يحتملان غير التقية، مدفوع: بأن
ضعف السند - لو كان - لم يضر في مقام الاستحباب. واحتمال التقية مع عدم
المعارض - كما عرفت اعترافهم به - غير مفيد. وعدم إمكان الحمل على الندب
غير مسلم، لإمكان التجوز في الضرب بإرادة المنع والنهي التنزيهي.
مع أن إثبات الكراهة بهما ليس بحملهما عليها، بل لأن ضعفهما مانع من
إثبات مدلولهما الذي هو التحريم ولكن لتضمن التحريم راجحية الترك يثبت ذلك
من أدلة التسامح (3).
الرابعة: الصبية الغير البالغة كالأمة في عدم اشتراط ستر الرأس، لا لأنه

(1) التهذيب 4: 281 / 851، الإستبصار 2: 123 / 398، الوسائل 4: 409 أبواب لباس المصلي
ب 29 ح 3.
(2) حكاه عنه في المغني 1: 674.
(3) فرعان: الأول: لو أعتقت الأمة في الأثناء وأمكن الستر بدون المنافي سترت رأسها لصدق الحرة
عليها فيثبت لها أحكامها، وإن لم يمكن بدونه فمع ضيق الوقت عن درك ركعة تتم الصلاة ومع
سعتها تستأنف كذا قالوا، فإن ثبت على ما ذكروا الإجماع وإلا ففي وجوب القطع والستر مع السعة
بل على وجوب الستر في الأثناء عليها مطلقا نظر يظهر وجهه مما ذكرنا متكررا من انحصار دليل
وجوب تفاصيل الستر بالإجماع ولذا نفى وجوب القطع وأوجب الاستمرار الشيخ في الخلاف 1:
396 بل هو ظاهر المحقق في المعتبر 2: 103، وفي المدارك 3: 200 إنه لا يخلو من قوة.
الثاني: المبعض يجب عليها ستر الرأس، لمفهوم صحيحة محمد بضميمة الإجماع المركب، لا
لتغليب الحرية كما قيل، لعدم الدليل، ولا لعدم صدق الأمة، لعدم دليل على وجوب الستر على
كل امرأة لا يصدق عليها الأمة. منه رحمه الله تعالى.
250

تكليف وليست من أهله، ولا لموثقة ابن بكير، المتقدمة (1)، لأن التكليف هو
الوجوب الشرعي والكلام في الشرطي وهي من أهله، والموثقة واردة في المرأة الظاهرة
في البالغة. بل للإجماع المحقق والمحكي مستفيضا (2)، والأصل المتقدم ذكره
متكررا، والخبر السابق في المسألة السابقة المنجبر بالعمل ضعفا لو كان (3).

(1) في ص 243.
(2) كما في المعتبر 2: 103 (والمنتهى 1: 237، والذكرى: 140، وجامع المقاصد 2: 98، وروض
الجنان: 217، وكشف اللثام 1: 188.
(3) راجع ص 249.
251

الفصل الثاني:
فيما يشترط في لباس المصلي
وهو أمور:
الأول: أن يكون طاهرا كالبدن، فلو صلى مع نجاسة أحدهما فله صور
نذكرها في مسائل:
المسألة الأولى: من صلى في نجاسة عالما عامدا بطلت صلاته، وتجب عليه
الإعادة وقتا وخارجا، إجماعا محققا ومحكيا في السرائر والمعتبر والمنتهى والتذكرة
والذكرى (1)، وغيرها (2).
فهو الحجة فيه مع المستفيضة، كصحاح ابن أذينة ومحمد وزرارة
والبصري، وحسنتي محمد وابن سنان، وموثقة أبي بصير، وروايتي الجعفي
ويونس، والصحيح المروي في قرب الإسناد والمسائل:
الأولى: الحكم بن عتيبة بال يوما ولم يغسل ذكره متعمدا، فذكرت ذلك
لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: (بئس ما صنع، عليه أن يغسل ذكره ويعيد
صلاته) (3).
وثانيتها: (إن رأيت المني قبل أو بعدما تدخل الصلاة فعليك إعادة
الصلاة، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة
عليك، وكذلك البول) (4).
وثالثتها: توضأت يوما ولم أغسل ذكري ثم صليت (فسألت أبا عبد الله عليه

(1) السرائر 1: 183، المعتبر 1: 441 المنتهى 1: 182، التذكرة 1: 97، الذكرى: 17
(2) كروض الجنان: 168.
(3) التهذيب 1: 48 / 137، الإستبصار 1: 53 / 154، الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء
ب 18 ح 4.
(4) التهذيب 1: 252 / 730، الوسائل 3: 424 أبواب النجاسات ب 16 ح 2.
252

السلام فقال:) (اغسل ذكرك وأعد صلاتك) (1).
ورابعتها: عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة إنسان أو سنور أو كلب أيعيد
صلاته؟ قال: (إن كان لم يعلم فلا يعيد) (2).
وخامستها: (وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله
وصليت فيه صلاة كثيرة، فأعد ما صليت فيه) (3).
وسادستها: (إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ثم صلى فيه
ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى فيه، وإن كان لم يعلم فليس عليه إعادة) (4)
وسابعتها: عن رجل صلى وفي ثوبه بول أو جنابة، فقال: (علم به أو لم
يعلم فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم) (5).
وثامنتها: (في الدم يكون في الثوب إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد
الصلاة، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه ولم يغسله فليعد صلاته، وإن لم
يكن رآه حتى صلى فلا يعيد صلاته) (6).
وتاسعتها: (إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ - يعني المسكر - فاغسله إن عرفت

(1) الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 14، التهذيب 1: 51 / 149، الإستبصار 1: 56 / 164،
الوسائل 1: 295 أبواب نواقض الوضوء ب 18 ح 7، وما بين المعقوفين من المصدر.
(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 11، التهذيب 2: 359 / 1487، الإستبصار 1:
180 / 630، الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 5.
(3) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 3، الفقيه 1: 161 / 758، التهذيب 1: 254 / 736 بتفاوت في
صدرها، الإستبصار 1: 175 / 659، الوسائل 3: 431 أبواب النجاسات ب 20 ح 6
(4) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 9، التهذيب 2: 359 / 1488 وليس فيه: وإن كان لم يعلم
فليس عليه إعادة الوسائل 3: 475 أبواب النجاسات ب 40 ح 3.
(5) التهذيب 2: 202 / 792، الإستبصار 1: 182 / 639، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات
ب 40 ح 9.
(6) التهذيب 1: 255 / 739، الإستبصار 1: 175 / 610، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات ب 20 ح 2.
253

موضعه، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله، وإن صليت فيه فأعد صلاتك) (1).
وعاشرتها: عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان
من الغد كيف يصنع؟ قال: (إن كان رآه ولم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر
ما كان يصلي ولا ينقص منه شئ، وإن رآه وقد كان صلى فليعتد بتلك
الصلاة) (2).
وهذه الرواية ناصة على الشمول للقضاء أيضا من حيث الأمر بلفظ
القضاء، والتعبير بقوله: (جميع ما فاته).
ويؤكده أن فرض الرؤية للنجاسة إنما وقع من الغد.
وقريبة منها في النصوصية والشمول: الخامسة، فإن الظاهر أن المراد بالكثرة
فيها ما يزيد على صلاتي الفريضة بل والخمس، واحتمال النافلة يدفعه الأمر
بالإعادة الظاهر في الوجوب.
هذا، مع أن إطلاق الإعادة في سائر الروايات شامل للقضاء لغة وعرفا
أيضا.
ومقتضى إطلاق الأخبار وأكثر كلمات الأخبار، بل صريح بعضهم: عدم
الفرق بين العالم بالحكم والجاهل به، ولا في الجاهل بين الجاهل بوجوب إزالة
النجاسة أو بأن بول ما لا يؤكل مثلا نجس.
وقال طائفة من المتأخرين (3) بالتفصيل في الجاهل، فوافق القوم في الذي
يحتمل الخلاف، أي يكون شاكا أو ظانا، وخالفهم في الغافل الساذج الذي لا
يخطر بباله الخلاف أصلا، فقال بصحة صلاته، لعدم توجه الخطاب إليه وانتفاء

(1) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 4، التهذيب 1: 278 / 818، الإستبصار 1: 189 / 661،
الوسائل 4: 469 أبواب النجاسات ب 38 ح 3.
(2) قرب الإسناد: 208 / 810، ونقله عن المسائل في البحار 10: 282.
(3) منهم صاحب الحدائق 1: 82 و ج 5 ص 409، والسيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 10.
254

التكليف عنه.
ومنهم من أوجب الإعادة على الغافل في الوقت، لبقاء وقت الخطاب،
ونفى عنه القضاء، لتوقفه على أمر جديد (1).
وقد يفصل بذلك في الجاهل مطلقا (2).
أقول: ما ذكره المفصلان الأخيران في الإعادة إنما يتم لو كان هناك خطاب
لفظي شامل للعالم في أثناء الوقت بعد فعله أولا بمقتضى تكليفه، فيقال حينئذ:
إن مقتضى جهله عدم توجه الخطاب بالصلاة مع الطهارة إليه حين جهله، وذلك
لا ينافي تعلقه به بعد علمه وإمكان الامتثال ببقاء الوقت، بل مقتضى الأصل
تعلقه به، لدخوله تحت العنوان ووجوب الامتثال، ولكن وجود مثل ذلك غير
معلوم، ومع ذلك يعلم قطعا بدلية ما فعل لما يفعل، وصحته يوجب الإجزاء عن
المبدل منه أيضا، فالأصل في الإعادة أيضا العدم كالقضاء. ولكن الأصل فيهما
إنما كان يفيد لو كانا تابعين لوجوب الأداء، وليس كذلك، بل يجوز الأمر بإعادة
ما أمر به أو قضائه على ما أمر به بنحو آخر، كما في الصلاة بظن الطهارة إذا ظهر
خلافه.
وعلى هذا فاللازم في كل مورد ملاحظة موجبات الإعادة والقضاء، فإن
كانت معلقة على البطلان، فيحكم بانتفائه في حق الغافل الكذائي، وإن كانت
مطلقة، كما في المقام، فيحكم بثبوته له، ولا يلزم تكليف الغافل، لأن ذلك
تكليف مستأنف بعد زوال الغفلة.
المسألة الثانية: من صلى في نجاسة ناسيا لها ففي وجوب الإعادة في الوقت
والقضاء خارجه، أو الأول فقط، أو عدم وجوب شئ منهما أقوال:

(1) كما في الحدائق 5: 410.
(2) كما في المدارك 2: 344.
255

الأول للشيخين في النهاية (1)، والمقنعة (2)، والحلي، والذكرى والنافع
والشرائع والقواعد والتذكرة والتنقيح وشرح القواعد والدروس والبيان (3)، وجماعة
من مشايخنا (4)، وعن الفقيه والمبسوط والخلاف ومصباح السيد والديلمي وابني
حمزة وزهرة والقاضي (5)، نافيا عنه الثالث الخلاف، وناسبا له الرابع والخامس إلى
أشهر الروايتين، ومدعيا عليه الأخيران الإجماع، وفي المعتبر واللوامع منسوب إلى
الأكثر (6)، وفي الحدائق إلى المشهور بين المتقدمين (7).
لأصالة عدم معذورية الجاهل إلا في المؤاخذة. وإطلاق غير الأولى من
الأخبار المتقدمة.
وخصوص رواية أبي بصير في الدم، وفيها: (وإن علم قبل أن يصلي ونسي
فعليه الإعادة) (8).
وصحيحة ابن أبي يعفور في نقط الدم (9)، وزرارة في دم رعاف أو غيره أو

(1) النهاية: 52، 94.
(2) لم نعثر فيها على صورة النسيان. انظر المقنعة: 149.
(3) الحلي في السرائر 1: 183، الذكرى: 17، المختصر النافع: 19، الشرائع 1: 54، القواعد 1:
8، التذكرة 1: 97، التنقيح الرائع 1: 152، جامع المقاصد 1: 150، الدروس 1: 127،
البيان: 96.
(4) منهم السيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 56، وصاحب كشف الغطاء: 178.
(5) الفقيه 1: 43 و 161، المبسوط 1: 90، الخلاف 1: 479، الديلمي في المراسم: 89 و 91،
ابن حمزة في الوسيلة: 98، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 555، القاضي في المهذب 1:
153 لم نعثر على ادعاء الإجماع منه في المهذب، شرح الجمل: 99 و 101.
(6) المعتبر 1: 441 و 442.
(7) الحدائق 5: 418.
(8) التهذيب 1: 254 / 737، الإستبصار 1: 182 / 637، الوسائل 3: 76 4 أبواب النجاسات
ب 40 ح 7.
(9) التهذيب 1: 255 / 740، الإستبصار 1: 176 / 611، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1.
256

شئ من مني (1).
ورواية ابن مسكان في نكتة من البول (2)، وسماعة في الرجل يرى بثوبه
الدم (3).
وابن بكير والحسن بن زياد في نسيان الاستنجاء من البول (4). والأخبار
الآمرة بالإعادة مطلقا في نسيان الاستنجاء (5).
والثاني للاستبصار والتحرير والإرشاد (6)، وظاهر الصدوقين (7)، والإسكافي
وإن حكي عنه في ترك غسل البول خاصة (8)، ونفى عنه البأس في المنتهى (9)
والبعد في الحبل المتين (10)، واستجوده الأردبيلي (11)، وفي التذكرة: إنه قول مشهور
لعلمائنا (12). وفي الحدائق: إنه المشهور بين المتأخرين (13).
للجمع بين ما مرو ما يأتي مستندا للثالث.

(1) التهذيب 1: 421 / 1335، الوسائل 3: 302 أبواب النجاسات ب 7 ح 2
(2) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 10، الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات
ب 19 ح 3.
(3) التهذيب 1: 254 / 738، الإستبصار 1: 182 / 638، الوسائل 3: 480
أبواب النجاسات ب 42 ح 5
(4) رواية ابن بكير: الكافي 3: 18 الطهارة ب 12 ح 16، الوسائل 1: 294
أبواب نواقض، الوضوء ب 18 ح 2، رواية الحسن بن زياد: الكافي 3: 17 الطهارة
ب 12 ح 10، التهذيب 1:
268 / 789، الإستبصار 1: 181 / 632، الوسائل 3: 428 أبواب النجاسات ب 19 ح 2.
(5) انظر الوسائل 1: 294 أبواب نواقض الوضوء ب 18.
(6) الإستبصار 1: 181 و 182 و 184، التحرير 1: 25، الإرشاد 1: 240
(7) المقنع: 5، ولم نعثر على ما حكي فيه عن والده.
(8) حكاه عنه في الحدائق 5: 418.
(9) المنتهى 1: 183.
(10) الحبل المتين: 174.
(1 1) مجمع الفائدة 1: 345.
(2 1) التذكرة 1: 97.
(3 1) الحدائق 5: 418 و 419.
257

وصحيحة ابن مهزيار المكاتبة، وفيها بعد السؤال عمن أصاب كفه نقطة
من البول ثم نسي أن يغسله: (فإن حققت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات
اللاتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، وما فات وقتها
فلا إعادة عليك لها، من قبل أن الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما
كان في وقت) (1) الحديث.
وأجاب هؤلاء عن أدلة الأول: بأنها مطلقة بالنسبة إلى المكاتبة، فتقيد بها،
وهي الشاهد للجمع المذكور أيضا.
وأجاب الأولون عن دليل هؤلاء: بأن الجمع مع دليل الثالث فرع التكافؤ،
وليس كذلك، كما يأتي.
والمكاتبة وإن كانت صحيحة إلا أن السائل والمسؤول عنه فيها مجهولان،
ومتنها مضطربة من وجوه، لإفادتها صحة الوضوء وإن لم يطهر محاله، واقتضائها
صحته مع المسح برطوبة نجسة، ودلالتها على اختصاص الإعادة بذلك الوضوء
مع اشتراك غيره معه في العلة، مع أنه لا قائل بها سوى الاستبصار الذي أكثر
المحامل فيه للجمع دون الفتوى فتصير شاذة.
والثالث عن الشيخ في بعض أقواله (2)، وللمدارك والذخيرة (3)، واللوامع
والمعتمد ناسبا له إلى أكثر الثالثة، ويظهر من المعتبر الميل إليه (4).
لكون الصلاة مشروعة مأمورا بها، فلا وجه لإعادتها أو قضائها.
وقوله عليه السلام: (عفي عن أمتي الخطأ والنسيان) (5).

(1) التهذيب 1: 426 / 1355، الإستبصار 1: 184 / 643، الوسائل 3: 479 النجاسات ب 42 ح 1.
(2) حكاه عنه في التذكرة 1: 97.
(3) المدارك 2: 349، الذخيرة: 168.
(4) المعتبر 1: 441.
(5) يستفاد مؤداه من روايات مروية من طرقنا وطرق الجمهور فمن طرقنا عنه صلى الله عليه وآله وسلم:
(رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان...) انظر الوسائل 15: 369
أبواب جهاد النفس ب 56. ومن طرق الجمهور: (إن الله عفى لكم عن ثلاث:
الخطأ والنسيان...) و (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان...) انظر:
الأشباه والنظائر للسيوطي: 188. والسنن لابن ماجة 1: 659 / 2043.
258

وصحيحة العلاء: عن الرجل يصيب ثوبه الشئ ينجسه، فنسي أن يغسله
فيصلي فيه ثم تذكر أنه لم يكن غسله، أيعيد الصلاة؟ قال: (لا يعيد، قد مضت
الصلاة وكتبت له) (1).
والمستفيضة النافية للإعادة عمن نسي الاستنجاء (2).
وأجاب هؤلاء عن أدلة القولين الأولين: بأنها تعارض ما ذكرنا، والأصل
معنا فيرجع إليه، مع أن الجمع بحملها على الاستحباب ممكن بل متعين، لأن
دليلنا قرينة على عدم إرادة الوجوب منها.
وأجاب أربابهما عن أول أدلة هؤلاء: بأن كون ما فعله مشروعا لا يوجب
نفي مشروعية غيره بدليل.
وعن ثانيها: بأن المراد العفو عن المؤاخذة، أو رفع الخطاب أيضا حين
النسيان، وذلك لا ينافي توجه خطاب آخر إليه.
وعن ثالثها: بضعفه عن مكافأة ما مر، لوحدته، ولندرة العامل به، وحكم
الشيخ الذي هو راويه في التهذيبين بشذوذه (3)، ومخالفته للشهرة العظيمة
فتوى
- بل الإجماع على ما صرح به جماعة (4) - ورواية كما مر حكايتها، وهي من
المرجحات المنصوصة، ولشهرة القدماء وهي موجبة لضعف الخبر، بل قيل: هذا

(1) التهذيب 2: 360 / 1492. الإستبصار 1: 183 / 642، الوسائل 3: 480
أبواب النجاسات ب 42 ح 3.
(2) انظر الوسائل 3: 477 أبواب النجاسات ب 41.
(3) التهذيب 2: 360، الإستبصار 1: 183.
(4) منهم صاحب الرياض 1: 92.
259

القول إنما نشأ عن زمان المعتبر (1)، ولعمل صاحب الأصل الذي هو الشيخ وهو
أيضا مخرج للخبر عن الحجية.
وعن رابعها: باحتمال الفرق بين نسيان غسل المخرج وغيره، كما قال به
جماعة (2).
هذا، مع أن الأصل الذي جعلوه مرجعا مرتفع بأصالة عدم معذورية
الجاهل، حيث إنه غير آت بالمأمور به قطعا، فعليه الإتيان به مع إمكانه كما
في
الوقت، لدخوله في العنوان، وتوجه الخطاب إليه مع بقاء الوقت، ودخوله
في
عمومات قضاء الفوائت مع عدمه.
أقول: ما أجابوا به عن أدلة الثالث ومرجوحيتها بل عدم حجيتها صحيح
تام لا مجال للخدشة فيه - وإن كان جعل الأصل مع الإعادة والقضاء مع قطع
النظر عن روايات المقام محل كلام مرت الإشارة إليه - فلا ينبغي الريب في سقوط
هذا القول.
وأما جواب الأولين عن أدلة الثاني، فيضعف: بأن جهالة السائل بعد
تصريح الثقة بقوله: (قرأته بخطه) غير ضائر، وكذا جهالة المسؤول عنه، لأن
الظاهر أنه الإمام، كما صرحوا به في سائر المضمرات.
وأما اضطراب بعض أجزاء الحديث أو إجماله فهو غير ناف لحجية ما لا
إجمال فيه ولا اضطراب، كما هو المصرح به في كلام الأصحاب.
ولا اضطراب في محط الاستدلال هنا، بل في اضطراب غيره أيضا نظر،
لمنع وجوب طهارة محل الوضوء قبله، وعدم القطع بنجاسة رطوبة المسح سيما مع
كفاية المسمى فيه، وعدم دلالته على الزائد على رجحان الإعادة في الوقت.
ويحتمل اختصاصه بذلك الوضوء لرفع الحدث والخبث فيه بماء واحد.

(1) كما في الرياض 1: 92.
(2) منهم صاحب الحدائق 5: 418.
260

وأما نفي القائل به سوى الشيخ فبعد شهادة التذكرة (1) بأنه قول مشهور
بين علمائنا غير مسموع، ودعوى الإجماع على خلافه لا ينافيه، لاجتماعه مع
الخلاف، ونفي الخلاف عنه في السرائر (2) وإن عارضه إلا أن الإثبات على
النفي مقدم.
والحكم بشذوذها - بعد هذه الشهادة من مثل الفاضل وفتواه بمقتضاها في
طائفة من كتبه (2)، ونقل القول به عن الشيخ والإسكافي، وظهور كلام الصدوقين
فيه، ونسبته إلى المشهور بين المتأخرين، وذهاب طائفة كثيرة من الطبقتين
الثانية
والثالثة - غريب.
ومن ذلك تظهر سلامة دليل القول الثاني عن الخلل والضعف، وتتم
معارضته مع أدلة الأول، أي: المطلقات (4) ورواية أبي بصير (5) - لعدم دلالة غيرهما
مما ذكروه، أما أخبار الاستنجاء (6) منها: فلما تقدم من القول بالفرق، وأما
صحيحة ابن أبي يعفور وما تأخر عنها (7): فلعدم اشتمالها على ما يفيد الوجوب -
فهما تتعارضان مع المكاتبة (8) التي هي دليل الثاني.
والمطلقات أعم مطلقا من المكاتبة موضوعا، لشمولها للعامد والناسي،
وحكما، لعمومها الإعادة والقضاء، وخصوصية المكاتبة من الوجهين، والرواية
أعم منها كذلك حكما، والخاص مقدم على العام قطعا، فيجب تقييدهما بها

(1) التذكرة 1: 97.
(2) السرائر 1: 183.
(3) كالمنتهى 1: 183، والتحرير 1: 25، والإرشاد 1: 240.
(4) راجع ص 252 و 253 و 254.
(5) المتقدمة في ص 256.
(6) راجع ص 259.
(7) راجع ص 256 و 257.
(8) المتقدمة في ص 258.
261

والحكم باختصاص الإعادة بالوقت، كما هو القول الثاني، فعليه الفتوى وإن كان
القضاء أيضا في الخارج أحوط.
الثالثة: من صلى في نجاسة جاهلا بها إلى أن يفرغ فلا قضاء عليه ولا
إعادة، وفاقا في الأول للأكثر، بل عليه الإجماع في السرائر والتنقيح واللوامع (1)،
وعن المهذب والغنية (2)، وفي المدارك: إن الظاهر اتفاق الأصحاب عليه (3)
لآخر المكاتبة الصحيحة المتقدمة، وللثانية والرابعة والسادسة والثامنة
والعاشرة من الأخبار السابقة في المسألة الأولى (4).
وصحيحة زرارة الطويلة، وفيها: فإن ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك
فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال: (تغسله ولا تعيد الصلاة) (5).
وروايتي أبي بصير:
إحداهما: عن رجل صلى وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم
علم، قال: (قد مضت صلاته ولا شئ عليه) (6).
والأخرى: (إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة
عليه) (7).
وفي الثاني للاستبصار وباب تطهير الثياب من نهاية الشيخ ومن السرائر (8)،

(1) السرائر 1: 183، التنقيح الرائع 1: 153.
المهذب البارع 1: 246، الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(3) المدارك 2: 348.
(4) راجع ص 252 و 253 و 254.
(5) التهذيب 1: 421 / 1335، الوسائل 3: 477 أبواب النجاسات ب 41 ح 1.
(6) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 6، التهذيب 2: 360 / 1489، الوسائل 3: 474 أبواب
النجاسات ب 40 ح 2.
(7) التهذيب 1: 254 / 737، الإستبصار 1: 182 / 637، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 7.
(8) الإستبصار 1: 181، النهاية: 2 5 و 94، السرائر 1: 183.
262

والمفيد والسيد (1)، والمعتبر والشرائع والمنتهى والإرشاد (2)، لغير الأولى من الأخبار
المذكورة.
وخلافا في الأول لظاهر الصدوقين (3)، وبحث المتغير من الماء من المقنعة
ومن السرائر (4)، والديلمي (5)، للسابعة من أخبار الأولى، وصحيحة ابن عبد
ربه: في الجنابة يصيب الثوب ولم يعلم بها صاحبه فصلى فيه ثم يعلم، قال: (يعيد
إذا لم يكن علم) (6)
وفي الثاني لمن ذكر، ولباب المياه من النهاية (7)، والإسكافي والقاضي وابن
حمزة والقواعد والمسالك (8)، والمحقق الثاني في الجعفرية وموضعين من حاشيته على
الإرشاد، بل يميل إليه في شرح القواعد أيضا (9).
وعن المبسوط، وظاهر التذكرة التردد (10)، لهاتين الروايتين والمكاتبة.
ويجاب عن الجميع - مع خلو غير الأولى عن الدال على الوجوب، واحتمال

(1) قال في المقنعة ص 149: من صلى في ثوب يظن أنه طاهر ثم عرف بعد ذلك أنه كان نجسا، ففرط
في صلاته فيه من غير تأمل له، أعاد ما صلى فيه في ثوب طاهر من النجاسات. ولم نعثر على المسألة
فيما بأيدينا من كتب السيد، ولكن نسب إليهما كل من تعرض للمسألة القول بعدم لزوم الإعادة،
انظر: المنتهى 1: 183، المدارك 2: 348.
(2) المعتبر 1: 442، الشرائع 1: 54، المنتهى 1: 183، الإرشاد 1: 240.
(3) الصدوق في الفقيه 1: 42 و 161، وحكاه عن والده. في المختلف: 14.
(4) المقنعة: 66، السرائر 1: 89.
(5) المراسم: 89.
(6) التهذيب 2: 360 / 1491، الإستبصار 1: 181 / 635، الوسائل 3: 476 أبواب النجاسات ب 40 ح 8.
(7) النهاية: 8.
(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 14، القاضي في المهذب 1: 27، 153، ابن حمزة في الوسيلة
98، القواعد 1: 8، المسالك 1: 18، رسائل المحقق الكركي 1: 115.
(9) جامع المقاصد 1: 150.
(10) المبسوط 1: 38، التذكرة 1: 97 و 98.
263

الاستفهام في الأولى، وقرب سقوط حرف النفي في الثانية، لمكان الشرط في
ذيلها -: أنها معارضة لما مر، فيتساقطان، ويرجع إلى الأصل في القولين، وإلى
المكاتبة أيضا في الأول، بل لو جعلنا عدم العلم أعم من النسيان - كما هو مقتضى
اللغة - تكون الروايتان أعمين مطلقا مع بعض ما مر، كصحاح محمد وقرب
الإسناد وزرارة ورواية الجعفي (1)، فتخصصان به قطعا.
ثم إطلاق الأخبار كأكثر الفتاوى وإن كان عدم الفرق في عدم الإعادة
والقضاء بين ما لا يحتمل النجاسة أو يحتملها، وفحص أو لم يفحص، إلا أن
ظاهر الشيخين والذكرى والدروس: التفرقة (2)، فحكموا بعدم الإعادة مع
الفحص، وبها بدونه، ومال إليه بعض مشايخنا (3).
وهو الأقوى، لصحيحة محمد، المتقدمة (4).
ورواية الصيقل وفيها - بعد السؤال عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل
وصلى، فلما أصبح نظر فإذا ني ثوبه جنابة -: (إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا
فلا إعادة عليه، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة) (5).
وتؤيده مرسلة الفقيه: (إن كان الرجل جنبا قام ونظر وطلب ولم يجد شيئا
فلا شئ عليه، وإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته) (6).
وظاهر هذه الأخبار وفتاوى من ذكر أن وجوب الإعادة مع عدم الفحص

(1) المتقدمة في ص 253 و 254 و 255.
(2) الطوسي في التهذيب 1: 424، الإستبصار 1: 183، المفيد في المقنعة: 149، الذكرى: 7 1،
الدروس 1: 127
(3) كصاحب الرياض 1: 92.
(4) في ص 253.
(5) الكافي 3: 406 الصلاة ب 66 ح 7، التهذيب 1: 424 / 1346، الإستبصار 1: 182 / 640،
الوسائل 3: 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 3.
(6) الفقيه 1: 42 / 167، الوسائل 3: 478 أبواب النجاسات ب 41 ح 4.
264

إنما هو إذا قارن الاحتمال لا مطلقا، وهو كذلك.
فائدة: لو صلى ثم رأى النجاسة واحتمل تأخرها عن الصلاة لم تجب
الإعادة إجماعا، ذكره في التذكرة والمنتهى وغيرهما (1)، وهو الدليل عليه، مضافا إلى
الأصول العديدة.
الرابعة: لو علم بالنجاسة في الأثناء، فإن علم سبقها على الصلاة، قطعها
واستأنفها، أمكنه الإزالة أم لا، علم النجاسة قبل الصلاة ونسيها أو لم يعلمها،
وفاقا لوالدي وبعض مشايخي (2) وهو المحكي عن جماعة، وجعله في المدارك
أولى (3).
لصحيحة محمد، المتقدمة (4)، وصحيحتي أبي بصير وابن سنان:
الأولى: في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به، قال: (عليه
أن يبتدئ الصلاة) (5).
والثانية وهي المروية في السرائر: (إن رأيت في ثوبك دما وأنت تصلي ولم
تكن رأيته قبل ذلك، فأتم صلاتك فإن انصرفت فاغسله، فإن كنت رأيته قبل أن
تصلي ولم تغسله ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك، فانصرف واغسله وأعد
صلاتك) (6).
وتؤيده صحيحة زرارة وموثقة سماعة (7).
خلافا للمنقول عن الأكثر، فيزيلها مع الإمكان ويتم، الصلاة، ويقطعها مع

(1) التذكرة 1: 98، المنتهى 1: 184، المعتبر 1: 441.
(2) كصاحب الرياض 1: 92 وحكاه عن جماعة أيضا.
(3) المدارك 2: 352.
(4) في ص 252
(5) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 6، التهذيب 2: 360 / 1489، الإستبصار 1: 181 / 634
بتفاوت يسير، الوسائل 3: 474 أبواب النجاسات ب 40 ح 2.
(1) مستطرفات السرائر: 81 / 13.
(7) صحيحة زرارة: التهذيب 1: 421 / 1335، الإستبصار 1: 183 / 641، الوسائل 3: 479
أبواب النجاسات ب 42 ح 2، موثقة سماعة: التهذيب 1: 254 / 738، الإستبصار 1: 182 / 638، الوسائل 3: 480 أبواب النجاسات ب 42 ح 5.
265

عدمه.
لفحوى ما تقدم من النصوص الحاكمة بعدم وجوب الإعادة على الجاهل،
لأولوية المعذورية في البعض منها في المجموع.
وللجمع بين ما مر وما دل على الإتمام مطلقا كموثقة داوود: في الرجل
يصلي فأبصر في ثوبه دما، قال: (يتم) (1).
وصحيحة علي: عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلا يغسله فذكر وهو في
صلاته كيف يصنع به؟ قال: (إن دخل في صلاته فليمض، وإن لم لكن دخل في
صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر فيغسله) (2).
وحسنة محمد، المتقدم ذيلها في المسألة الأولى: الدم يكون في الثوب علي
وأنا في الصلاة قال: (إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره، وإن لم
يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار
الدرهم، وما كان أقل من ذلك فليس بشئ رأيته قبل أو لم تره، وإذا كنت قد
رأيته) إلى آخر ما مر في المسألة الأولى (3)، بحمل ما مر على تعذر الإزالة، وهذه
عليها مع إمكانها.
وفي الأولوية منع، لعدم العلم بالعلة، ولو سلمت لا تفيد مع النصوص
الآمرة بالإعادة.
وفي الجمع نظر، لعدم شاهد عليه، مع بعده في الأخيرة، لعدم وجوب
الطرح مع إمكان الإزالة قطعا.

(1) التهذيب 1: 423 / 44 3 1، الوسائل 3: 483 أبواب النجاسات ب 44 ح 2.
(2) الكافي 3: 61 الطهارة ب 39 ح 6، التهذيب 1: 261 / 760، الوسائل 3: 417 أبواب النجاسات ب 13 ح 1.
(3) راجع ص 253.
266

مع أنها والأولى أعمان مطلقا مما مر، لشمولهما لما إذا لم يعلم السبق،
واختصاصه بما إذا علم، للقطع بعدم حصول المني حال الصلاة، وشمولهما
للمعفو عن الدم، واختصاصه بغير المعفو من النجاسة، فتخصيصهما به لازم.
مضافا إلى أن بعد عدم العلم بالسبق يجب البناء على عدمه، عملا
بالأصل، فلعل عليه بناء الإمام، فتكونان مختصتين بصورة عدمه.
وأيضا: ذيل الأخيرة مخصوص بما لم يزد الدرهم - على ما في الكافي والفقيه -
في بمفهومها ظاهرة الدلالة على الإعادة فيما زاد عليه وإن أمكن الغسل إذا لم
يكن عليه ثوب غيره، وهو مناف للمطلوب، وموافقة جزئها الأول له - مع ذلك -
غير مفيدة.
نعم لا منافاة على ما في التهذيب، ولكنه لا اعتماد عليه مع اختلافه مع ما
تقدم عليه، بل مع ما في الاستبصار أيضا.
والثانية غير دالة، لأن حكم ما قبل الاستثناء إنما هو لحالة عدم نجاسة
الثوب بقرينة الأمر بالنضح، وما بعده مع رجوعه إلى الشرطين لا يدل على حكم
الصلاة حال وجود الأثر، ومع الرجوع إلى الأخير كما هو الأظهر لا يفيد أصلا.
وللمدارك حيث يظهر منه الميل إلى التخيير بين الاستئناف والإتمام مع
الإزالة إن أمكن، وبدونها إن لم يمكن، مع استحباب الأول، للتعارض وفقد
الترجيح (1).
وجوابه يظهر مما ذكر، مع أن عدم القول به - كما في اللوامع - ينفيه.
وإن لم يعلم السبق، أزال النجاسة إن أمكن بأن لا يكون مفتقرا إلى ما ينافي
الصلاة وأتمها، وإلا أبطلها على ما هو المصرح به في كلامهم، وفي اللوامع:
الظاهر وفاقهم عليه. وقيل: بلا خلاف أجده (2).

(1) المدارك 2: 352.
(2 كما في الرياض 1: 93.
267

وأما ما في المعتبر (1) - من القول بلزوم الإعادة على الإطلاق بناء على قول
الشيخ بلزوم الإعادة في الوقت على الجاهل - فمع ما فيه من منع اللزوم، ظاهر
في الصورة الأولى، لأنها التي يتحقق معها الجهل، ومع ذلك يخالف مختار في
المبسوط والنهاية (2) على ما حكي.
وكيف كان: فالحق ما عليه الأكثر.
أما المضي مع إمكان الإزالة: فلصحاح محمد وإسماعيل ومعاوية والحلبي
وابن أذينة وزرارة:
الأولى: عن الرجل يأخذه الرعاف والقئ في الصلاة كيف يصنع؟ قال:
" ينفتل ويغسل أنفه ويعود في صلاته، وإن تكلم فليعد صلاته) (3).
وقريبة منها الثانية (4).
والثالثة: (لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء
فيتناوله فقال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها) (5).
والرابعة: عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة فقال: (إن قدر على
ماء عنده يمينا أو شمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما
بقي من صلاته، وإن لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته) (6).

(1) المعتبر 1: 443.
(2) المبسوط 1: 90، النهاية: 52 و 96.
(3) الكافي 3: 365 الصلاة ب 50 ح 9، التهذيب 2: 323 / 1323، الإستبصار 1:
403 / 1536، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4.
(4) التهذيب 2: 328 / 1345، الإستبصار 1: 403 / 1537، الوسائل 7: 241 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 12.
(5) التهذيب 2: 327 / 1344، الوسائل 7: 241 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 11.
(6) الكافي 3: 364 الصلاة ب 50 ح 2، التهذيب 2: 200 / 783، الإستبصار 1: 404 / 1541،
الوسائل 7: 239 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 6.
268

والخامسة: عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته،
فقال: (إن كان الماء عن يمينه وعن شماله وعن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت
وليبن على صلاته، فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة) (1).
والسادسة: (وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت
على الصلاة) (2).
وتدل عليه أيضا حسنة محمد، المتقدمة (3).
والأوليان وإن أطلقتا البناء مع عدم الكلام، والأخيرة معه أيضا، إلا أنه
خرج منها ما إذا استلزمت الإزالة شيئا من المبطلات بالإجماع والرابعة والخامسة.
وأما البطلان مع عدم إمكان الإزالة: فلطائفة من الصحاح المذكورة،
ويؤيده الإجماع المنقول، وبها تخصص عمومات المضي، المتقدمة (4)، كما أن بها
يخصص ما دل على ناقضية الرعاف مطلقا، أو عدمها كذلك (5).
فائدة فيها فروع:
لو علم بالنجاسة في الأثناء وعلم سبقها على حالة العلم وأنه صلى بعض
صلاته بالنجاسة فهل يلحق بالصورة الأولى أو الثانية؟ الحق هو الثاني، لإطلاق
طائفة من أخبار الثانية، وظهور روايات الاستئناف في السبق على الصلاة (6).
ولو لم يزل العارض في الأثناء مع الإمكان حتى صلى شيئا من الصلاة فهل

(1) الفقيه 1: 239 / 1056، الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.
(2) التهذيب 1: 421 / 1335، الإستبصار 1: 183 / 641، الوسائل 3: 466 أبواب النجاسات ب 37 ح 1.
(3) في ص 266.
(4) كصدر رواية السرائر وموثقة داوود وحسنة محمد، مع ما في الثانية من عموم الدم بالنسبة إلى قدر
الدرهم والأقل، وفي الثالثة من اختلاف النسخ. منه رحمه الله تعالى.
(5) انظر: الوسائل 7: 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1.
(6) المتقدمة في ص 265.
269

يبطل أو يزيل ويتم؟ فيه إشكال، والأحوط: الإزالة والإتمام ثم الإعادة.
ولو زال الإمكان بعد فعل شئ من الصلاة، استأنفها قطعا.
ولو علم بالنجاسة المعلومة سبقها أو غير المعلومة في الأثناء وضاق الوقت
عن الإزالة والاستئناف، فإطلاق النصوص بالأمرين - كإطلاق كلام جماعة -
يثبتهما حينئذ أيضا، وندرة وجودها غير مفيدة للتقييد عندنا، ولكن قطعية أدلة
وجوب الصلاة في أوقاتها، وعدم معلومية اشتراط إزالة النجاسة على هذا الوجه،
بل شهادة الاستقراء، والعفو عن كثير من أمثالها لأجل تحصيل العبادة في وقتها
يوجب الحكم بعدم الاشتراط، إلا أن يقال: إن اطلاق تلك النصوص كاف في
إثبات الاشتراط في هذه الصورة، ولعله الأظهر.
الخامسة: المربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد تكتفي بغسله كل
يوم مرة على الأظهر الأشهر، وفي الحدائق من غير خلاف يعرف (1)، لرواية
(أبي) (2) حفص، المنجبرة: عن امرأة ليس لها إلا قميص ولها مولود فيبول عليها
كيف تصنع؟ قال: (تغسل القيمص في كل يوم مرة) (3).
واللازم الاقتصار على المتيقن من موردها، فيقتصر على الصبي، وفاقا
للوامع والشرائع والنافع والمنتهى والإرشاد (4)، للشك في إرادة الصبية من المولود،
بل في المعالم عن بعض الأصحاب أن المتبادر منه هو الصبي (5). وبه صرح الفاضل
في النهاية (6).

(1) الحدائق 5: 345.
(2) ما بين المعقوفين أضفناها من المصدر وهو الظاهر من كتب الرجال أيضا.
(3) الفقيه 1: 41 / 161، التهذيب 1: 250 / 719، الوسائل 3: 399 أبواب النجاسات ب 4 ح 1.
(4) الشرائع 1: 54، المختصر النافع: 19، المنتهى 1: 176، الإرشاد 1: 239.
(5) المعالم: 306.
(6) نهاية الإحكام 1: 288.
270

ومنهم من تعدى إليها أيضا (9) إما لشمول المولود لها، وهو غير معلوم. أو
لإلحاقها به، وهو بالفرق بين بولهما - كما يستفاد من الاكتفاء بالصب في بوله دونها -
مردود.
وعلى البول فلا يتعدى إلى غيره. واحتمال الكناية عما يشمل الغائط بالبول
لا يكفي للإثبات. وعدم تعقل فرق - بوجوده من تكرر البول والاكتفاء بالصب -
مدفوع.
ونحوه الكلام في المربي، وذات الولدين، والثياب المحتاجة إلى الجميع لبرد
ونحوه، والبدن، وغير ذلك من التعديات التي تعدى إلى كل منها متعد، التفاتا
إما إلى عدم تعقل الفرق، أو إلى الاشتراك في العلة وهي المشقة.
والأول يرد: بعدم الملازمة بين عدم التعقل والعدم.
والثاني: بأنه استنباط علة لا حجية فيه، وهذه العلة بنفسها وإن أوجبت
التعدية أيضا لكن لا دخل لها بمورد الرواية، ولا خصوص اليوم والليلة، بل
يتقدر الرخصة بقدر المشقة.
والمتمكنة من تحصيل غير الثوب الواحد - بنحو شراء أو عارية - ذات
واحد، لصدق أنه ليس لها إلا قميص.
وما يكتفى به هو الغسل، فلا يكفي الصب وإن كان بعد لم يطعم.
والاكتفاء به مع تكرير الإزالة كلما حصل لا يدل عليه مع الاقتصار على
المرة في اليوم.
ثم المتبادر من الرواية كفاية الغسل في اليوم فلا حاجة إليه في الليلة، كما
إذا قيل: يكفي غسل ثوبك كل خميس مرة، فإنه يتبادر منه كفايته عن غسل سائر
الأيام أيضا، وهذا هو السر في الكفاية في اليوم والليلة لا شموله لها وضعا أو
بتبعيته.

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 1: 204، وصاحب الحدائق 5: 346.
271

والأفضل - كما صرح به جماعة (1) - الإتيان بالغسل في آخر النهار مقدمة له
على الظهر، آتية بعده بالأربع صلوات، بل ربما احتمل الوجوب (2).
وإطلاق النص يدفعه، فيجوز في أي وقت شاء. والأحوط بل الأظهر أن
يكون من آناء اليوم دون الليلة.
ولو أخلت بالغسل، فلا شك في عدم قضاء غير الصلاة الأخيرة، لجواز
تأخيره إلى وقتها. وهل تقضي الأخيرة؟ قيل: نعم (3). وفيه إشكال.
السادسة: إذا كان مع المصلي ثوبان أحدهما نجس لا يعلمه بعينه ولا
يمكنه غسلهما، صلى كل صلاة في كل واحدة وجوبا، وفاقا للأكثر، إذ لولاه فإما
يكفي الصلاة في كل واحد منهما، أو تجوز الصلاة عريانا، أو تجب، والأولان
باطلان بالإجماع، والثالث بحسنة صفوان حيث إن فيها بعد السؤال عن ذلك:
(يصلي فيهما جميعا) (4) إذ ليس المراد الجمع بينهما في صلاة قطعا، فلم يبق إلا
التبادل. ولولا خلوها عن الدلالة على الوجوب لبطل بها الأولان أيضا، كما أنه
لولا الإجماع لكان الأول متجها، لأن المانع في كل واحد بخصوصه غير متيقن
والأصل عدمه.
والاستدلال بتوقف تيقن البراءة عليه مردود بحصوله بعد حكم الأصل
بالطهارة، وبأن الذمة لم تشتغل إلا بالصلاة في ثوب لم يقطع بنجاسته لا ما علم
طهارته.

(1) كالعلامة في التذكرة 1: 98، والشهيد الثاني في الروضة 1: 205، وصاحب الحدائق 5: 349،
وصاحب الرياض 1: 94.
(2) كما في التذكرة 1: 98.
(3) نقله صاحب مفتاح الكرامة 1: 181، عن أستاذه.
(4) الفقيه 1: 161 / 757، التهذيب 2: 225 / 887، الوسائل 3: 505 أبواب النجاسات ب 64 ح 1.
272

وخلافا لابني سعيد وإدريس (1) - بل غيرهما أيضا كما يظهر من الخلاف
وغيره (2) - فأوجبا الصلاة عريانا لوجه اجتهادي لا يلتفت إليه مع دلالة النص على
خلافه، مع عدم وروده من الأصل، ووروده عليه لو ورد.
فروع:
(أ): لو وجد معهما متيقن الطهارة، فصرح في المنتهى والتذكرة بوجوب
الصلاة فيه وعدم جوازها فيهما لا متعددة ولا منفردة (3). وهو كذلك.
أما عدم جوازها في واحد منهما: فللإجماع.
وأما في كل منهما: فلأن تعدد الصلاة - لكونها عبادة - لا يكون إلا مع
الطلب، وهو في المقام منتف، لظهور النص في الانحصار، وعدم دليل آخر، فلم
يبق إلا الصلاة في الطاهر أو عاريا، والثاني مع وجود مقطوع الطهارة ممتنع نصا
وإجماعا، فبقي الأول. فما في المدارك (4)، واللوامع من أولوية الصلاة في الطاهر
دون تعينها غير صحيح.
(ب): ولو كان معه طاهر ومتنجس بما عفي عنه أو متنجسان منه بالأقل
والأكثر، صلى في أيهما شاء.
وقال جماعة بأولوية الأولين (5)، وبعض المتأخرين بأولوية الأولى من الأول
خاصة (6).
(ج): ثم الحكم في المشتبهين هل يختص بالثوبين أو يتعدى إلى الأكثر

(1) ابن سعيد في الجامع للشرائع: 24، ابن إدريس في السرائر 1: 185.
(2) الخلاف: 481، المبسوط 1: 91.
(3) المنتهى 1: 182، التذكرة 1: 97.
(4) المدارك 2: 358.
(5) كالعلامة في المنتهى 1: 182، وصاحب المدارك 2: 358.
(6) كصاحب الحدائق 5: 408.
273

أيضا؟ ظاهر كثير من المتأخرين: الأخير (1)، والنص مخصوص بالأول، والإجماع
البسيط أو المركب في المقام غير معلوم، وأصالة الطهارة في كل منها عن المعارض
خالية، فالأول متجه جدا.
وكذا القول فيما إذا تعددت الثياب النجسة المشتبهة بالطاهرة، ومن تعدى
في الحكم من الثوبين أيضا قال بوجوب الصلاة فيما زاد على عدد النجسة (2).
(د): ولو فقد أحد المشتبهين، صلى في الثاني، لما مر.
وقيل: يصلي فيه وعريانا (3).
وقيل: يبتني على مسألة من انحصر ثوبه في النجس (4).
والأجود (5) ما ذكرنا، لما ذكرنا.
(ه‍): ولو ضاق الوقت عن الصلاة في المتعدد ففي الوجوب فيما يسعه أو
عريانا قولان، بل فيهما أو في التخيير بينهما أو الإتيان بما لا يسعه الوقت في خارجه
أو الاكتفاء بواحدة احتمالات.
والتحقيق: أن قوله: (يصلي فيهما جميعا) إن اختص بالوقت فمع عدم
إمكانه يرجع إلى الأصل المتقدم من جواز الصلاة في كل واحد، ويتعين الاحتمال
الأخير، وإن عم غيره أيضا يتعين ما قبله، وحيث يحتمل الأمرين والأصل مع
الأخير فالقول به أظهر، إلا أن يرجح ما قبله بعموم قضاء الفوائت، ولا بأس به.
ودعوى الاجماع في أمثال المقام مجازفة.

(1) كالعلامة في المنتهى 1: 181.
(2) كصاحب المدارك 2: 358.
(3) كما في القواعد 1: 6، والذكرى: 17.
(4) كما في المدارك 2: 358، والذخيرة: 166. وفي حاشية منه رحمه الله: فيصلي في الثاني على القول
فيها بالصلاة في النجس وعاريا على القول به فيها ويتخير على التخيير.
(5) في (س): والأحوط.
274

والاحتجاج لأول القولين بالاستصحاب - كما في شرح القواعد (1) - مع
اختصاصه بما إذا حصل الاشتباه وعدم التمكن من الغسل في الوقت، مدفوع:
بأن الثابت وجوب الصلاة في الجميع في السعة بشرطها، فلا يمكن الاستصحاب
في غيرها.
(و): ولو كان عليه صلوات مرتبة، وجب مراعاة الترتيب فيها، فيصلي
الظهر مثلا في أحد الثوبين ثم ينزعه ويصليها في الآخر، ثم يصلي العصر ولو في
الثاني ثم يصليها في الآخر.
ولو صلى الظهر والعصر في أحدهما ثم نزعه وصلاهما في الآخر، فقد صرح
جماعة بالصحة (2)، لترتب الثانية على الأولى على كل تقدير.
وقيل بالبطلان (3)، للنهي عن الشروع في العصر حتى تتحقق البراءة عن
الظهر. وهو جيد. بل عدم العلم بجواز الشروع في العصر قبل اليقين بالبراءة
عن الظهر كاف في ذلك أيضا، لتوقيفية العبادة، إلا أن يقال: إن مقتضى الأصل
تحقق الظهر والعصر الأصليين المكلف بهما بفعلهما في ثوب واحد، وأما الإتيان بهما
في الثوبين فهو أمر تعبدي لم يثبت فيه الترتيب، والأصل عدمه.
السابعة: من انحصر ثوبه في نجس ولم يضطر إلى لبسه، ففي وجوب
الصلاة عريانا أو فيه أو تخييره بينهما أقوال:
الأول عن المبسوط والنهاية والخلاف - مدعيا فيه الإجماع - والقاضي (4)،
وللحلي والشرائع والنافع والتذكرة والقواعد والتحرير (5)، وفي الذكرى جعله

(1) جامع المقاصد 1: 177.
(2) كالعلامة في نهاية الإحكام 1: 282، والشهيد في البيان: 97، وصاحب المدارك 2: 359.
(3) كما في الحدائق 5: 407.
(4) المبسوط 1: 90 و 91، النهاية: 55، الخلاف 1: 474، نقله في المنتهى 1: 182 عن القاضي
ابن البراج في الكامل.
(5) الحلي في السرائر 1: 186 الشرائع 1: 54، المختصر النافع: 19، التذكرة 1: 94، القواعد
1: 8، التحرير 1: 25.
275

المشهور (1)، وفي الدروس الأشهر (2)، ونسبه في المدارك إلى الأكثر (3).
والثاني ظاهر الصدوق (4)، وإليه مال في المدارك والمعالم والذخيرة (5)، وعزاه
في اللوامع إلى أكثر الثالثة، إلا أنه قيل: إنه قول من شذ ممن تأخر (6).
والثالث عن الإسكافي والمعتبر والمنتهى والذكرى والدروس والبيان
والثانيين (7)، وجمع من الثالثة (8)، ونسب إلى أكثرها، وظاهر المنتهى (9) الإجماع على
الجواز الظاهر في التخيير. وهو الحق.
أما جواز الصلاة عريانا: فللروايات الثلاث: موثقتي سماعة ورواية
الحلبي (10).
وأما جوازها في الثوب: فللصحاح الأربع لعلي والحلبي والبصري (11)،

(1) الذكرى: 17.
(2) الدروس 1: 127.
(3) المدارك 2: 359.
(4) الفقيه 1: 40 و 160.
(5) المدارك 2: 361، المعالم: 2 31 الذخيرة: 169.
(6) كما في الرياض 1: 94.
(7) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 62، المعتبر 1: 445، المنتهى 1: 182 و 239، الذكرى:
17، الدروس 1: 127، البيان 96، المحقق الثاني جامع المقاصد 1: 177، الشهيد الثاني في
المسالك 1: 18 وروض الجنان: 169.
(8) كالفيض في المفاتيح 1: 107، وصاحب الحدائق 5: 353، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 55
(9) المنتهى 1: 182.
(10) موثقة سماعة الأولى: الكافي 3: 396 الصلاة ب 64 ح 15، التهذيب 2: 223 / 881، الوسائل
3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 1، الثانية: التهذيب 1: 405 / 1271، الإستبصار 1:
168 / 582، الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 3، رواية الحلبي: التهذيب 2:
223 / 882، الإستبصار 1: 168 / 583، الوسائل 3: 486 أبواب النجاسات ب 46 ح 4.
(11) صحيحة علي: الفقيه 1: 160 / 756، التهذيب 2: 224 / 884 الإستبصار 1:
169 / 585، قرب الإسناد: 191 / 718، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 5،
صحيحة الحلبي الأولى: الفقيه 1: 40 / 155، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 1.
الثانية: التهذيب 2: 224 / 883، الإستبصار 1: 169 / 584، الوسائل 4: 485 أبواب
النجاسات ب 45 ح 7، صحيحة البصري: الفقيه 1: 160 / 754، الوسائل 3: 484 أبواب
النجاسات ب 45 ح 4.
276

وخبرين آخرين (1).
ولا تعارض بين الفريقين من الأخبار على المختار، لورود الكل بلفظ
الإخبار، وهو لا يثبت الأزيد من الجواز.
والقول بأنه يفيد الإيجاب بعيد غايته عن الصواب.
مع أنهما لو تعارضا لكان المرجع إلى التخيير الذي هو المرجع عند فقد ما
يصلح للترجيح كما في المقام.
وترجيح الأول بالأشهرية عملا والاعتضاد بنقل الإجماع معارض بترجيح
الثانية بالصحة سندا والأكثرية عددا والأحدثية في بعضها صدورا والأوفقية
للاعتبارات، مع أن شهرة القدماء لو سلم تعارض شهرة المتأخرين في الثانية
ومنه يظهر فساد ما قيل من أن الأصل في الوجوب العيني والحمل على
التخييري مجاز (2)، فإنه ليس لهذا الحمل بل إما لعدم الدلالة على الوجوب أو
بواسطة الأخبار العلاجية.
دليل الأول: الروايات الثلاث، وعمومات المنع من الصلاة في النجس،
والإجماع المنقول، ومفهوم الشرط في رواية الحلبي، الآتية، مع رد معارضاتها
بالشذوذ، أو حملها على محامل بعيدة.
وفيه: أن الشذوذ لو سلم إنما يكون لو كانت المعارضات دالة على الوجوب

(1) الأول: الفقيه 1: 40 / 156، الوسائل 3: 484 أبواب النجاسات ب 45 ح 2.
الثاني: الفقيه 1: 160 / 755.
(2) انظر شرح المفاتيح (المخطوط) ففيه ما مفاده: إن حمل الأخبار الآمرة بالصلاة في الثوب النجس
على صورة عدم تيسر النزع ليس بأندر من حمل الوجوب التعييني على التخييري.
277

وليس كذلك.
والعمومات بما ذكر مخصصة.
والإجماع المنقول لا حجية فيه سيما بعد ظهور المخالف كثيرا قديما وحديثا.
ومفهوم الشرط لا يدل على أزيد من عدم وجوب الصلاة في الثوب إذا انتفى
الاضطرار، أما عند من يقول بإفادة قوله: (يصلي) للوجوب فظاهر، وأما عندنا:
فلأنا نقول: إن معناه - لكونه مجازا ومتعددا - غير معلوم، والوجوب منفي بالأصل
لا باللفظ، وبعد فاللفظ له محتمل، وحينئذ فيحتمل أن يكون المنفي في المفهوم
هو الوجوب فلا يمكن الاستدلال (1).
ودليل الثاني: الصحاح الأربع - وما بمعناها. وجوابه قد ظهر.
وقوله:. (لم يصل عريانا) في الصحيحة الأولى.
وفي دلالته على الوجوب نظر، غايته مرجوحية الصلاة عريانا، وهو كذلك،
كما ذهب إليه الإسكافي والشهيدان (2)، وجمع آخر (3).
نعم، ظاهر إطلاق كلام الأول وجوب الإعادة في الوقت إن تمكن فيه من
الغسل، استحبابه خارجه، ولعله لقوله: (أعاد الصلاة) في الخبرين الآخرين،
وهو عن إفادة الوجوب قاصر، وأما الاستحباب فليس ببعيد.
وإن اضطر إلى لبس الثوب فيصلي فيه وجوبا بلا خلاف، لإطلاق

(1) نعم لو قلنا بدلالة نحو قوله: (يصلي) على الوجوب لتعين ترجيح ذلك القول من جهة تلك
العمومات السالمة بعد تعارض النوعين من الأخبار بل يترجح أخبار العريان بالخصوصية أيضا حيث
إنها مخصوصة بحالة إمكان الصلاة عريانا قطعا ومعارضها أعم فيخصص بصورة عدمه وهي أيضا
من الصور المتحققة كثيرا. منه رحمه الله تعالى.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 62، الشهيد الأول في البيان: 96، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، وروض الجنان: 169.
(3) كالكركي في جامع المقاصد 1: 178، وصاحب المدارك 2: 361 والفيض في المفاتيح: 107، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 55.
278

الصحاح المتقدمة الشاملة لهذه الصورة الخالية فيها عن المعارض، لاختصاص ما
دل على الصلاة عريانا بغير حال الاضطرار قطعا.
ولخصوص رواية الحلبي: عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس
معه ثوب غيره، قال: (يصلي فيه إذا اضطر إليه) (1).
ولو نوقش بخلو تلك الأخبار عن الدال على الوجوب أتممناه بأنها دالة على
جواز الصلاة في الثوب، ولعدم إمكان غيره وعدم جواز ترك الصلاة متعين.
والقول بأنه إنما يتم لو كانت صلاته في آخر الوقت، وأما في السعة فلا،
لأن جواز الصلاة في النجس إنما هو مع عدم التمكن من التطهير ومع السعة لا
يعلم ذلك، مدفوع: بعدم التمكن في حال الصلاة التي هي أيضا من أجزاء زمان
التوسعة الشاملة لها الأمر التوسعي، وإخراجها من بين الأجزاء يتوقف على
الدليل.
وفي إعادتها مع التمكن من الطهارة قولان: الأصح الأشهر: العدم،
لأصل البراءة والخروج عن العهدة، وظواهر الصحاح المتقدمة الواردة في مقام
الحاجة، مع تضمن البعض الأمر بغسل الثوب خاصة بعد زوال الضرورة من
دون تعرض للإعادة.
خلافا للنهاية (2)، وطائفة (3)، فأوجبوها، لموثقة الساباطي: عن رجل ليس
معه إلا ثوب ولا تحل الصلاة فيه ولا يجد ماء يغسله كيف يصنع؟. قال: (يتيمم
ويصلي، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة) (4).

(1) التهذيب 2: 224 / 883، الإستبصار 1: 169 / 584، الوسائل 3: 485 أبواب النجاسات ب 45 ح 7.
(2) النهاية: 55.
(3) حكى في المدارك 2: 362، والرياض 1: 94 عن جماعة، وقال في الحدائق 5: 349: وانفرد
الشيخ من بينهم بإيجاب إعادة الصلاة حال الضرورة.
(4) التهذيب 2: 224 / 886، الوسائل 3: 485 أبواب النجاسات ب 45 ح 8.
279

وهي عن إفادة الوجوب قاصرة، فإرادة الاستحباب منها - كما استظهره
بعض أعيان المتأخرين ناسبا له إلى الصدوق - طاب ثراه - أيضا (1) ممكنة، ومع
ذلك بالصلاة في النجس متيمما مخصوصة، بل لا دلالة فيها على كون صلاته في
الثوب أصلا.
فروع:
أ: لو نجس البدن وتعذرت الإزالة، صلى معها بلا إشكال ولا خلاف،
كما في الحدائق (2)، لتقييد موجبات إزالتها عنه للصلاة بحال الإمكان ضرورة،
فإما ينتفي الاشتراط وهو المطلوب، أو وجوب المشروط وهو خلاف الإجماع.
مضافا إلى أن بعد التقييد تبقى أوامر الصلاة حال عدم الإمكان خالية عن
المقيد، وتؤيده الأخبار الواردة في السلس والمبطون (3).
ب: إذا نجس الثوب والبدن معا وتعذرت الإزالة عن أحدهما، وجبت في
الآخر، إذ لكل منهما أمر برأسه، فيجب امتثاله ما أمكن، وعدم إمكانه في أحدهما
لا يوجب انتفاء وجوبه في الآخر.
ثم لو تعين الممكن تطهيره منهما طهره، وإلا تخير.
ولو لم يمكن التطهير وأمكن نزع الثوب، فهل يجوز تخفيف للنجاسة على
التخيير في الأصل ويجب على القول بالوجوب فيه، أم لا؟ ظاهر بعض القائلين
بالصلاة عريانا فيه: عدمه هنا، ووجوب الستر.
والظاهر التخيير، للروايات المتقدمة (4).
ولو تنجس أحدهما وأمكن تطهير بعضه دون بعض، فإن كانت فيه

(1) قد حمل الرواية على الاستحباب في الذكرى: 17 والذخيرة: 169، ولم نعثر على من نسبه إلى الصدوق.
(2) الحدائق 5: 349.
(3) انظر الوسائل 1: 297 أبواب نواقض الوضوء ب 19.
(4) في ص 276 و 277.
280

النجاسات المختلفة (1) وأمكن إزالة أحدهما وجبت أيضا، للأمر بإزالة كل منهما
على حدة، فلا ينتفي بامتناع امتثال الآخر. وإن كانت من نوع واحد وكانت دما
وأمكن تقليله إلى الدرهم، وجب أيضا، وإلا فقيل بالوجوب مع التفرق
مستشكلا فيه مع الاجتماع (2).
والحق: الوجوب مطلقا، لدلالة ما يدل على وجوب إزالة الكل على وجوب
إزالة البعض أيضا بدلالة المطابقة على السواء، وتعذر امتثال الكل غير صالح لرفع
وجوب امتثال البعض.
وأيضا: تجب إزالة كل بعض لو لم يكن معه غيره، ووجود الغير غير مانع
عن الوجوب.
نعم، كان الإشكال إنما يرد لو كان المأمور به في الأخبار هو مطلق التطهير،
وليس كذلك، بل هو إزالة كل نجاسة بخصوصها.
ج: لو أمكن إزالة العين بمسح ونحوه دون الأثر بالغسل، فهل يجب أم
لا؟ الظاهر هو الأول، لمثل ما مر، مع إشكال فيه، لأن المانع من الصلاة هو الأثر
الحاصل من العين في المحل دون العين نفسها.
د: لو أمكن بعض الغسلات فيما يلزم فيه التعدد دون بعض، فهل يجب
أم لا؟ الظاهر نعم، لوجوب مطلق الغسل بمطلقاته أيضا، ووجوب المقيد بأمر
آخر لا ينافيه.
نعم، لو انحصر الدليل في المقيد، لم يثبت وجوب المطلق رأسا.
الثامنة: لا خلاف في جواز الصلاة في كل ما لا تتم الصلاة فيه وحده
للرجال مع نجاسته ولو بمثل دم الحيض ونجس العين، كالتكة والقلنسوة
والجورب والخف والنعل.

(1) كالبول والمني مثلا. منه رحمه الله تعالى.
(2) كما في المعالم: 313.
281

وعليه الإجماع في الانتصار والخلاف والسرائر (1)، وظاهر التذكرة (2)
وغيرها (3)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى النصوص المستفيضة:
منها: موثقة زرارة: (كل ما كان لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن
يكون عليه الشئ، مثل القلنسوة والتكة والجورب) (4).
وروايته: إن قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم
صليت، فقال: (لا بأس) (5).
والمراسيل الثلاث لأبناء سنان وعثمان وأبي البلاد:
الأولى: (كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا
بأس أن يصلي فيه وإن كان فيه قذر، مثل القلنسوة والتكة والكمرة (6) والنعل
والخفين وما أشبه ذلك) (7).
والثانية: في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه قذر، قال: (إذا كان
مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس) (8).
والثالثة: (لا بأس في الصلاة في الشئ الذي لا تجوز فيه الصلاة وحده
يصيبه القذر، مثل القلنسوة، والتكة والجورب) (9).

(1) الإنتصار: 38، الخلاف 1: 480، السرائر 1: 264.
(2) التذكرة 1: 96.
(3) كجواهر الفقه: 22، والمفاتيح 1: 107.
(4) التهذيب 2: 358 / 1482، الوسائل 3: 455 أبواب النجاسات ب 31 ح 1.
(5) التهذيب 2: 357 / 1480، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 3.
(6) الكمرة وهي الحفاظ. وفي بعض كلام اللغويين: الكمرة كيس يأخذها صاحب السلس - مجمع البحرين 3: 477.
(7) التهذيب 1: 275 / 810، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 5.
(8) التهذيب 1: 274 / 807، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 2.
(9) التهذيب 2: 358 / 1481، الوسائل 3: 456 أبواب النجاسات ب 31 ح 4.
282

والرضوي: (إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف
منى أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه، وذلك أن الصلاة لا تتم في شئ
من هذه وحده) (1).
ثم مقتضى أكثر هذه الأخبار بملاحظة تعلق الحكم فيها بما لا تتم الصلاة
فيه منفردا: العفو عن نجاسة ما لا تتم فيه مطلقا، كما ذهب إليه السيد والمحقق
والشهيدان (2) طاب ثراهم، من غير اختصاص له بالملابس كما عن الحلي (3)،
وغيره (4)، ولا بها مع كونها في محالها، فلو وضع التكة على رأسه والخف على يده،
بطلت الصلاة، كالفاضل في أكثر كتبه (5) والشهيد في البيان (6)، ولا منها بخمسة:
القلنسوة والتكة والجورب والخف والنعل، كما عن الراوندي (7).
بل في الموثقة وأولى المراسيل العموم الشامل للملابس وغيرها.
وفي الأولى منها الترديد بين كون تلك الأشياء عليه أو معه، وهو كالتصريح
بنفي اشتراط كونها في محالها. مع أن أصل الحكم في غير الملابس، وفيها إذا كان
في غير محالها بأصالة البراءة عن وجوب إزالة النجاسة عنها السالمة عن المعارض
ثابت، إذ غاية ما يستفاد من الأدلة اشتراط طهارة جسد المصلي وثوبه، وصدق
ثوبه على الملابس إذا لم تكن في محالها ممنوع.
وتصريح الأصحاب باستثنائها المستلزم لدخولها تحت أدلة المنع عنها إنما هو

(1) فقه الرضا عليه السلام: 95، المستدرك 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 1.
(2) السيد في الإنتصار: 38، المحقق في المعتبر 1: 434، الشرائع 1: 4 5، الشهيد الأول في
الذكرى: 16، الدروس 1: 126، والبيان: 95، الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، وروض الجنان: 166، والروضة 1: 61.
(3) السرائر 1: 184.
(4) كالعلامة في المنتهى 1: 174، والمختلف: 61.
(5) كالمختلف: 61، والمنتهى 1: 174، والتحرير 1: 24.
(6) البيان: 96.
(7) حكاه عنه في المختلف: 61.
283

في الملابس منها ومع كونها في محالها، وصدق الثوب عليها حينئذ ظاهر.
وخروجها بما مر من أدلة العفو، واستدعاء الشغل اليقيني بالعبادة للبراءة
اليقينية غير مفيد لوجوب الإزالة مطلقا، للقطع بالبراءة اليقينية بمعاونة الأصول القطعية.
وبما ذكر يظهر فساد ما استدل به للتقييد بكونها في محالها بتبادر ذلك من
سياق الأخبار.
فروع:
أ: ما لا تتم الصلاة فيه من الملابس - أي ما لا يستر العورة منها - إما ليس
من شأنه ستر العورة، أو يكون من شأنه ذلك وإن لم يكن بالفعل كذلك.
والثاني على أقسام، لأنه إما تكون فعليته موقوفة على تغيير وتبديل فيه، إما
بنفسه كالقلنسوة الكبيرة التي لو غير وضعها وقطعت وضم بعضها مع بعض بوضع
آخر أمكن ستر العورة بها، أو بهيئته العارضة له في اللبس، كالعمامة الساترة
للعورة بنفسها غير الساترة مع الكيفية المخصوصة لها حال اللبس، أو يكون في
نفسه وهيئته بقدر يصلح لستر العورة ولكن لا يمكن استقراره فيها إلا بضم شئ
آخر معه، كوضع اليد عليه أو شده بما يشده ولا يمكن بدون ذلك، أو لا يتوقف
إلا على وضعه على العورة، كالقميص القصير الذي لو وضع على العورة سترها
ولكن لبسه بحيث لم يصل إلى العورة.
فلو أريد من قولهم: ما لا تتم الصلاة فيه، ما لا يستر العورة بالفعل،
لدخل جميع تلك الأقسام فيه، ولو أريد منه ما لم يكن من شأنه ذلك، خرج
بعضها منه.
والتحقيق: أن الأصل في الملابس وجوب إزالة النجاسة عنها في الصلاة إلا
ما علم فيه العفو بوضوح دخوله في المراد مما لا تتم الصلاة إلا به.
ولا خفاء في دخول الأول والثاني من تلك الأقسام فيه، فيحكم فيهما بالعفو
قطعا.
284

وكذا الرابع، إذ - لتوقف ستر العورة به على غيره - يصدق أنه مما لا تجوز
فيه الصلاة وحده، وأنها لا تتم فيه وحده، مضافا إلى التصريح في الأخبار بالعفو
عن الخف الذي يستر العورتين لو وضع عليهما بمعونة اليد.
وأما البواقي: فلخفاء دخولها فيه تكون باقية تحت الأصل. وإخراج
الرضوي العمامة لا يفيد، لضعفه الغير المعلوم انجباره، مع احتمال إرادة
الصغيرة.
ب: يستحب تطهير النعل، لصحيحة عبد الرحمن (1)، وبه قال الشيخ في
النهاية (2)، وابن زهرة في كل ما لا تتم الصلاة إلا به (3). ولا بأس به.
ج: حمل مثل الحقة والقارورة التي فيها نجاسة غير متعدية إلى الثوب أو
البدن لا يبطل الصلاة، للأصل المقدم.
وكذا حمل المنديل النجس، وجبر العظم بالعظم النجس سواء اكتسى
اللحم أم لا. ونجاسة اللحم بملاقاته له غير ضائرة، لأنه من البواطن.
وما قيل: من أن غاية ما ثبت عدم تعلق التكليف بما في الباطن من
النجاسات الخلقية، لانصراف الحكم إلى الأفراد الشائعة (4)، مردود: بأن غاية ما
ثبت تعلق التكليف بما في ظاهر البدن من النجاسات، لأنه موضع الإجماع
والمتبادر من الأخبار.
ومنه يظهر عدم وجوب إخراج الدم المحتقن تحت الجلد من نفسه أو من
الخارج، وعدم بطلان الصلاة بشرب نجس أو أكله.
وهل يجب قيئه أو قئ محرم أكله؟ الحق هو الثاني، لأن الثابت حرمة

(1) الفقيه 1: 358 / 1573، الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 37 ح 1.
(2) النهاية: 54.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(4) كما في الحدائق 5: 342.
285

الشرب والأكل، وأما وجوب القئ بعد حصولهما فلا دليل عليه.
نعم يستحب ذلك، لموثقة عبد الحميد بن سعيد (1).
د: لو التحف بلحاف أو تردى برداء طويل بحيث وقع بعضه على الأرض
وكان ذلك البعض نجسا لم تصح صلاته، لصدق نجاسة ثوبه، ولولاه لزم عدم
البطلان بنجاسة الكم الطويل المتجاوز عن الأصابع، بل طرف الثوب عند
الجلوس لكونه على الأرض.
التاسعة: العفو عن دم القروح والجروح حال الصلاة في الثوب والبدن
قليلا كان أم كثيرا في الجملة إجماعي، والنصوص - كما تأتي - به مستفيضة.
وهل يعتبر فيه استمرار سيلان الدم وعدم انقطاعه مطلقا ولو لمحة؟ كما هو
ظاهر المقنعة والخلاف والسرائر والتذكرة والمنتهى والتحرير والنافع والدروس (2)،
بل لعله الأشهر. أو مقيدا بزمان يتسع أداء الفريضة؟ كما في المعتبر والذكرى (3)،
ولعله مراد الأولين أيضا بحمل الاستمرار على العرفي الصادق مع عدم الانقطاع
في زمان يتسع أداء الفريضة. أو لا يعتبر مطلقا، فيكون معفوا ما لم يبرأ الجرح؟
كما عن الصدوق والنهاية والمبسوط والثانيين (4)، وجماعة (5)، وإن كان في استفادته
من كلام الأول خفاء (6)

(1) وهي أنه: (بعث أبو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا وأخذ الغلام بيضة أو بيضتين
فقامر بها فلما أتى به أكله، فقال مولى له: إن فيه من القمار، قال: فدعا بطشت فتقيأه) منه رحمه الله.
الكافي 5: 123 المعيشة ب 40 ح 3.
(2) المقنعة: 69 - 70، الخلاف 1: 252 و 476، السرائر 1: 176، التذكرة 1: 8، المنتهى 1:
172، التحرير 1: 24، المختصر النافع: 18، الدروس 1: 126.
(3) المعتبر 1: 429، الذكرى: 16.
(4) الصدوق في الفقيه 1: 43، النهاية: 51، المبسوط 1: 35، المحقق الثاني في جامع المقاصد 1: 171
الشهيد الثاني في المسالك 1: 18، والروضة 1: 50.
(5) منهم صاحب المدارك 2: 308.
(6) قال في الفقيه: وإن كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا بأس بأن لا يغسل حتى يبرأ أو ينقطع الدم.
286

الحق هو الأخير، لإطلاق صحيحة المرادي: الرجل تكون به الدماميل
والقروح فجلده وثيابه مملوءة دما وقيحا، وثيابه بمنزلة جلده؟ قال: (يصلي في ثيابه
ولا شئ عليه) (1) وقريبة منها حسنته (2).
وصحيحة البصري: الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه
الدم والقيح فيصيب ثوبي، فقال: (دعه فلا يضرك أن لا تغسله) (3) أطلق فيها الأمر بالدعة سواء كان حال السيلان أو بعده.
وصحيحة محمد: عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟
قال: (يصلي وإن كانت الدماء تسيل) (4) دلت على أن حالة عدم السيلان أولى بالعفو.
ولا ينافيه: (لا تزال تدمي) لأنه كلام السائل، مع أن الظاهر منه تكرر
خروج الدم لاتصاله.
والأخبار الجاعلة للبرء غاية العفو، كموثقة سماعة: (إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم). (5)
ورواية أبي بصير: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو يصلي، فقال لي
قائدي: إن في ثوبه دما، فلما انصرف قلت له: إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما،
قال: (إن بي دماميل فلست أغسل ثوبي حتى تبرأ) (6).

(1) التهذيب 1: 349 / 1029، الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ملحق بحديث 5.
(2) التهذيب 1: 258 / 750، الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ح 5.
(3) التهذيب 1: 259 / 751، الوسائل 3: 435 أبواب النجاسات ب 22 ح 6.
(4) التهذيب 1: 208 / 749، و 348 / 1020، الإستبصار 1: 177 / 615،
الوسائل 3: 434 أبواب النجاسات ب 22 ح 4
(5) التهذيب 1: 259 / 752، الوسائل 3: 430، أبواب النجاسات ب 22 ح 7.
(6) الكافي 3: 58 الطهارة ب 38 ح 1، التهذيب 1: 258 / 747، الإستبصار
177 / 616، الوسائل 3: 433 أبواب النجاسات ب 22 ح 1.
287

ومنافاته لما اعتبروه واضحة، لعدم اتصال السيلان بالبرء عادة.
وتوصيف الجرح في صدر الموثقة بالسائل غير ضائر، لأنه غير المتصل، مع
أنه على فرض الاتحاد لا يدل على الاشتراط إلا بمفهوم الوصف الذي لا عبرة به.
وعطف الانقطاع في ذيلها على البرء غير مناف، لاستلزام البرء له، فيدل
على أن الأمرين غاية عدم الغسل، فلا يكفي تحقق الانقطاع فقط.
دليل المخالف الأول: الأصل المستفاد من إطلاق المعتبرة الآمرة بغسل الدم
والحاكمة بإعادة الصلاة منه (1)، المستلزم للاقتصار في العفو على موضع اليقين
وقوله: (لا تزال تدمي) في الصحيحة الثالثة، وصدر الموثقة وذيلها.
ودلالة بعض الروايات على أن علة العفو الحرج والمشقة وهو لا يكون إلا
مع عدم الانقطاع، ففي موثقة سماعة: [سألته عن الرجل به] القرح والجرح فلا
يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه، قال: (يصلي ولا يغسل ثوبه فإنه لا يستطيع أن
يغسل ثوبه كل ساعة) (2).
ومفهوم رواية محمد، المروية في السرائر: (إن صاحب القرحة التي لا
يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من
مرة) (3).
ويجاب عن الأول: بلزوم تقييد الإطلاق بما مر، والقول بعدم صلاحيته له
لا وجه له.
وعن الثاني والثالث: بما قد ظهر، مضافا إلى أن غاية الأمر اختصاص

(1) انظر الوسائل 3: 429 أبواب النجاسات ب 20 ح 1 و 2 و ب. 4 ح 3 و 10.
(2) الكافي 3: 58 الطهارة ب 38 ح 2، التهذيب 1: 258 / 748، الإستبصار 177 / 617
الوسائل 3: 433 أبواب النجاسات ب 22 ت 3، وما بين المعقوفين من المصادر.
(1) مستطرفات السرائر: 30 / 26.
288

الجواب في الثاني بما اختص به السؤال لولا الفقرة الأخيرة، وهو لا ينفي الحكم
عن غيره بعد وجود الدليل.
وعن الرابع: بأن كون العلة في القرح الذي لا يستطاع ربطه وغسله ما ذكر
لا يدل على انتفاء الحكم فيما لم يكن كذلك، ولا يعارض ما دل على ثبوته في غيره أيضا.
وعن الخامس: أنه مفهوم وصف لا عبرة به.
ودليل المخالف الثاني بعض ما ذكر بجوابه.
ثم بما ذكر من الإطلاقات ظهر عدم اعتبار المشقة في الإزالة أيضا، وفاقا
لجماعة (1). وخلافا للقواعد (2)، وعن الغنية ونهاية الإحكام (3)، بل هو ظاهر كل
من استدل للعفو بلزوم الحرج أو المشقة لولاه، كالتهذيب والمعتبر والتذكرة (4)
للأصل المتقدم، والروايتين الأخيرتين. وجوابهما قد ظهر.
وجمع في الشرائع والمنتهى والتحرير (5) بين الاعتبارين. ووجهه وجوابه يظهر
مما مر.
فروع:
أ: الأقوى عدم وجوب إزالة بعض الدم ولو مع إمكانها، ولا عصب موضع
الجرح، ولا إبدال الثوب، بالإجماع في الأولين كما عن الخلاف (6)، لإطلاق
الأدلة، وقوله: (لا شئ عليه) في الصحيحة الأولى، خلافا لمحتمل نهاية

(1) منهم الكركي في جامع المقاصد 1: 171، وصاحب المدارك 2: 309.
(2) القواعد 1: 8
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 550، نهاية الإحكام 1: 285.
(4) التهذيب 1: 207، المعتبر 1: 429، التذكرة 1: 8.
(5) الشرائع 1: 53، المنتهى 1: 172، التحرير 1: 24.
(6) الخلاف 1: 252 و 476.
289

الإحكام في الأول (1)، وله وللمنتهى في الثالث (2).
ب: الحق - كما صرح به جماعة منهم والدي رحمه الله - أن غاية العفو
البرء (3)، للاستصحاب، وموثقة سماعة، ورواية أبي بصير، وهو الاندمال عرفا،
فيعفى عن كل ما كان قبله ولو حصل الانقطاع وبقي في الثوب أو البدن. وحمل
البرء على الأمن من خروج الدم تجوز.
ج: لو تعدى الدم من محل الضرورة في الثوب والبدن، فذهب في المنتهى
والمعالم واللوامع إلى عدم تعدي العفو (4).
واحتمل في المدارك التعدي (5). وهو الأقوى؟ لإطلاق أكثر الأدلة.
ولكن الأظهر تقييد التعدي بما إذا كان بنفسه، لا إذا تعدى بمتعد، كأن
وضع يده أو طرف ثوبه الطاهرين عليه، كما نبه عليه واختاره في الحدائق (6)
لتصريح أكثر الأخبار بإصابة الدم الظاهرة في إصابته بنفسه، وعدم اطلاق شامل
لإصابته بواسطة الغير إلا في صحيحة المرادي، وفي شمولها لها أيضا خفاء جدا.
ومنه يظهر أنه إذا أصاب الدم جسما آخر غير الثوب والبدن ثم لاقى هذا
الجسم بدن صاحب الدم أو ثوبه، لم يثبت فيه العفو.
د: لو لاقى هذا الدم نجاسة أخرى فلا عفو، للأصل. وكذا إن تنجس
به مائع طاهر ملاق للبدن أو الثوب كالعرق والماء، لأن هذا المائع نجس غير الدم
ولم يثبت العفو عنه، والعفو عما نجسه لا يوجبه، وكون المتنجس أخف نجاسة لا
يصلح دليلا.

(1) نهاية الإحكام 1: 285.
(2) نهاية الإحكام 1: 286، المنتهى 1: 172.
(3) انظر الفقيه 1: 43، والمسالك 1: 18، والمدارك 2: 309، والحدائق 5: 303.
(4) المنتهى 1: 172، المعالم: 289.
(5) المدارك 2: 9. 3.
(6) الحدائق 5: 305.
290

ه‍: قيد جماعة - منهم الشيخ (1)، والفاضل في الإرشاد (2) - القروح بالدامية
والجروح باللازمة. ومنهم من وصفهما باللازمة (3). ومنهم من عكس (4).
والمراد من الدامية ظاهر.
وفسر في روض الجنان اللازمة: بالتي يستمر خروج دمها (5)، والمحقق
الثاني: بالتي لم يبرأ، ليكون احترازا عن جراحة برئت وتخلف دمها (6).
وظني أن المراد منها الجروح البطيئة الاندمال، ليكون احترازا عن مثل
الفصد والحجامة إذا لم يتعديا عن الحد، وجراحة مثل الشوكة المندملة سريعا
وأمثالها، فلا تكون دماؤها معفوة عنها. وهو الظاهر، لعدم ظهور شمول أخبار
العفو لها (7).
أما ما يتضمن منها الدماميل والقروح: فظاهر.
وأما صحيحة البصري: فلمكان سيلان القيح.
وأما الموثقة الأولى: فلقوله: (به جرح سائل) فإن المتبادر منه نوع لزوم
ودوام للجرح والسيلان، فلا يشمل ما يحدث وينقطع سريعا، مع أن ما يترشح
منها قليل دم يخرج بقيد: (سائل) قطعا.
وأما الأخيرة: فلتقيدها بعدم استطاعة الربط وغسل الدم، والتعليل بعدم
استطاعة غسل الثوب كل ساعة، فتكون هذه الدماء باقية على أصالة عدم العفو.
وتؤكده رواية المثنى: حككت جلدي فخرج منه دم، فقال: (إذا اجتمع

(1) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 171، المبسوط 1: 35، الإقتصاد: 253، النهاية: 51.
(2) قال فيه: وعفي في الثوب والبدن عن دم القروح والجروح اللازمة. الإرشاد 1: 239.
(3) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، التذكرة 1: 8، المختلف: 60.
(4) كما في المعتبر 1: 429، القواعد 1: 8.
(5) روض الجنان: 165.
(6) جامع المقاصد 1: 171.
(7) راجع ص 287 و 288.
291

منه قدر حمصة فاغسله وإلا فلا) (1).
وصراحة بعض المعتبرة في عدم العفو عن دم الحجامة، كصحيحة علي
المروية في قرب الإسناد، المتقدمة في المسألة الأولى (2).
و: إذا كان قروح أو جروح متعددة به وبرئ بعضها وتخلف دم منه في الثوب
أو البدن ولم يبرأ الجميع، فهل يختص العفو بدم ما لم يبرأ منها، أو يعفى عن الكل
حتى يبرأ الكل؟ مقتضى إطلاق الموثقة الأولى: الأول، ومقتضى إطلاق رواية
أبي بصير: الثاني. ولا يبعد ترجيحه؟ لتعارض الإطلاقين والرجوع إلى
استصحاب العفو.
ز: يستحب لصاحب هذا العذر أن يغسل ثوبه كل يوم مرة، لرواية
السرائر (3). وأما البدن فلا، للأصل.
العاشرة: ما دون الدرهم من الدم - غير ما استثني - معفو عنه في الصلاة
إجماعا كما في المعتبر والمنتهى والتذكرة (4)، وعن نهاية الإحكام والمختلف (5)، وهو
الحجة في المقام، مضافا إلى المستفيضة، كحسنة محمد، المتقدمة في المسألة الرابعة (6)، ورواية الجعفي، السابقة في الأولى (7).
وصحيحة ابن أبي يعفور: (فيغسله - أي الدم - ولا يعيد صلاته إلا أن
يكون مقدار الدرهم مجتمعا يغسله) (8).

(1) التهذيب 1: 255 / 741، الإستبصار 1: 176 / 613، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات
ب 20 ح 5.
(2) راجع ص 254.
(3) المتقدمة في ص 288.
(4) المعتبر 1: 429، المنتهى 1: 172، التذكرة 1: 8.
(5) نهاية الإحكام 1: 285، المختلف: 60.
(6) راجع ص 266.
(7! راجع ص 253.
(8) التهذيب 1: 255 / 740، الإستبصار 1: 176 / 611،: الوسائل 3: 429
أبواب النجاسات. ب 20 ح 1
292

ومرسلة جميل: (لا بأس بأن يصلي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقا شبه
النضح، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر
الدرهم) (1).
والرضوي: (إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار
درهم واف، والوافي ما يكون وزنه درهما وثلثا، وما كان دون الدرهم الوافي
فلا يجب عليك غسله ولا بأس بالصلاة فيه، وإن كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا
تغسله إلا أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه ومن البول والمني قل أم كثر) (2)
وأما قدر الدرهم فهو كالزائد عليه، وفاقا للأكثر.
فروع:
أ: المذكور في الأخبار وإن كان قدر الدرهم المحتمل للوزن والسعة إلا أن
المقطوع به في كلام الأصحاب هو الثاني، وهو الذي يقتضيه الأصل عند التردد
لأنه القدر المتيقن، فإن ما كان وزنه درهما تبلغ سعته أضعاف ذلك قطعا.
ب: لا عفو في دم الحيض بغير خلاف عندنا كما في السرائر (3)، ويشعر به
كلام المعتبر (4)، بل إجماعا كما في اللوامع، للرضوي المتقدم، والنبوي الآمر لأسماء
في دم الحيض: (حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء) (5)، وضعفهما منجبر بالشهرة القوية بل الإجماع.

(1) التهذيب 1: 256 / 742، الإستبصار 1: 176 / 612، الوسائل 3: 430 أبواب النجاسات
ب 20 ح 4
(2) فقه الرضا عليه السلام: 95، مستدرك الوسائل 2: 565 أبواب النجاسات ب 15 ح 1.
(3) السرائر 1: 176.
(4) المعتبر 1: 428.
(5) صحيح مسلم 1: 240 / 110، سنن أبي داود 1: 99 / 362، وفيهما بتفاوت يسير.
293

ورواية إسحاق: (الحائض تصلي في ثوبها ما لم يصبه دم) (1).
ويؤيده خبر ابن كليب: (في الحائض تغسل ما أصاب من ثيابها) (2) والمروي
في الكافي والتهذيب: (لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلا دم الحيض، فإن قليله
وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء) (3).
وأما أخبار العفو فهي أعم مطلقا من الرضوي، فتخصيصها به لازم، ومن
وجه من النبوي وما بعده، فإن قدما بموافقة الشهرة وإلا فيرجع إلى عمومات
غسل الدم.
بل قد يقال بعدم شمول أخبار العفو لدم الحيض، لاختصاص الخطابات
فيها بالذكور، واحتمال إصابة ثيابهم من دم الحيض نادر ولم يكن من الأفراد
المتبادرة.
وهو كذلك في غير رواية الجعفي (4)، وأما فيها فلا خصوصية بالذكور.
ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالأصل المستفاد من الأخبار الآمرة بغسل
الدم واستصحاب شغل الذمة.
ثم إنه ألحق الشيخ (5)، والسيد (6) بل وغيرهما من القدماء أيضا - كما
قيل (7) - به دم النفاس والاستحاضة، بل ظاهر الخلاف وصريح الغنية الإجماع
*.

(1) الكافي 3: 109 الحيض ب 24 ح 2، الوسائل 3: 449 أبواب النجاسات ب 28 ح 3.
(2) الكافي 3: 109 الحيض ب 24 ح 1، التهذيب 1: 270 / 796، الإستبصار 1: 186 / 652،
الوسائل 3: 449 أبواب النجاسات ب 28 ح 1.
(3) الكافي 3: 405 الصلاة ب 66 ح 3، التهذيب 1: 257 / 745. وإنما جعلناهما مؤيدين لأن
المذكور في منطوق الأول: (تغسل) وفي مفهوم الثاني (تعاد) وإفادتهما للوجوب غير معلومة، مع
أن في الثاني حكم بالإعادة مع عدم الرؤية أيضا، ووجوبها حينئذ خلاف الفتوى. منه رحمه الله.
(4) المتقدمة في ص 253.
(5) المبسوط 1: 35، النهاية: 51، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 171
الخلاف 1: 476،
الإقتصاد: 253.
(6) الإنتصار: 14.
(7) السرائر 1: 176، المراسم: 55، ونسب إلى القدماء في الرياض 1: 89
294

عليه (1)، وفي السرائر نفي الخلاف عنه (2).
للأصل المتقدم، وعدم عموم في أخبار العفو، وقد عرفت ضعفهما. ولغلظ
نجاستهما الموجب للغسل، وضعفه ظاهر.
وقد يستدل لإلحاق الأول بما يستفاد من بعض المعتبرة من أنه دم الحيض
المحتبس وأنه حيض حقيقة (3).
وفيه: أنه وإن سلم ولكن المتبادر من دم الحيض غير ذلك.
ويظهر من بعض المتأخرين التردد فيه (4)، وهو في موقعه، بل القوة لعدم
إلحاقهما، كما اختاره بعض متأخري المتأخرين (5).
وكذا دم نجس العين، وفاقا لجماعة منهم الحلي مدعيا عليه الوفاق (6)،
لعموم أخبار العفو:
وخلافا للمحكي عن الراوندي (7)، وابن حمزة والفاضل في جملة من
كتبه (8)، وظاهر المعالم (9).
للأصل المتقدم. واكتسابه بملاقاة البدن النجس نجاسة غير معفوة. وعدم
شمول أخبار العفو له، لأن المتبادر منها هو الأفراد الشائعة دون الفروض النادرة.

(1) الخلاف 1: 476، الغنية (الجوامع الفقهية): 550.
(2) السرائر 1: 176.
(3) انظر الوسائل 2: 333 أبواب الحيض ب 30 ح 13 و 14
(4) كما في المعتبر 1: 429، المدارك 2: 316.
(5) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 160، وصاحب الحدائق 5: 328.
(6) السرائر 1: 177.
(7) حكاه عنه في السرائر 1: 177، والمختلف: 59.
(8) ابن حمزة في الوسيلة: 77 الفاضل في المختلف: 59، والتحرير 1: 24، القواعد 1: 8،
والتذكرة 1: 8، والمنتهى 1: 173، والتبصرة: 17.
(9) حكاه عنه في الحدائق 5: 327.
295

ومرفوعة البرقي: (دمك أنظف من دم غيرك، إذا كان في ثوبك شبه النضح
من دمك فلا بأس، وإن كان دم غيرك قليلا كان أو كثيرا فاغسله) (1).
ويندفع الأول: بمطلقات العفو.
والثاني: بأن المستند في اكتساب الملاقي للنجاسة النجاسة مطلقا ليس إلا
الإجماع، وتحققه في النجاسة الملاقية لها غير معلوم.
والثالث: بأنه لو أوجب عدم شمول أخبار العفو له لأوجب عدم شمول
مطلقات الأمر بالغسل وإعادة الصلاة له أيضا، فيرجع إلى أصل عدم وجوب
الإزالة.
والرابع: بأن مقتضاه عدم العفو عن دم الغير، وهو وإن أفتى به بعض
المحدثين من المتأخرين (2)، إلا أن الظاهر انعقاد الإجماع على خلافه، كما تدل
عليه إطلاقاتهم، وينادي به خلافهم في دم نجس العين، ولا أقل من مخالفته
للشهرة القديمة والجديدة المخرجة له عن الحجية. وقصره على دم نجس العين
إخراج لغير الواحد، وهو غير جائز.
ج: مورد أكثر روايات العفو وإن كان الثوب خاصة، ولذا حكي عن
جماعة (3) الاقتصار عليه، ويظهر من البعض التردد (4)، إلا أن في المنتهى أسند
إلحاق البدن إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه (5)، بل في الانتصار عليه
الإجماع (6).

(1) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 7، الوسائل 3: 432 أبواب النجاسات ب 21 ح 2.
(2) المحدث البحراني في الحدائق 5: 328، ونقله أيضا عن المولى الأمين الأسترآبادي.
(3) منهم الصدوق في الفقيه 1: 161، الهداية: 15، والمفيد في المقنعة: 70، والشيخ في المبسوط
1: 36، وسلار في المراسم: 55.
(4) كما في الحدائق 5: 308 - 310.
(5) المنتهى 1: 173.
(6) الإنتصار: 13 و 14.
296

وهو الحق، لا لما استدل عليه من اشتراك العلة وهي مشقة الإزالة، لأن
العلة مستنبطة، بل لإطلاق رواية المثنى السابقة في المسألة التاسعة (1).
قيل: إن أريد من الحمصة فيها وزنها، لم يقل أحد بالعفو عنها، لزيادته
عن الدرهم في السعة، وإن أريد سعتها، فلا قائل بوجوب غسلها، لأنها أقل من
سعة الدرهم، فالرواية للإجماع مخالفة، ولأجلها عن الحجية خارجة (2).
قلنا: المتبادر قدر وزنها أو جسمها دون مساحتها، إذ لا مساحة معينة
للحمصة سوى سطحها المدور، وقياس المسطح على المدور غير متعارف، وقدر
الوزن أو الجسم لا يزيد عن سعة الدرهم لو بسط بنفسه، وزيادته لو بسط باليد
غير ضائرة، لأنه غير مراد، وإلا فكل قطرة صغيرة من الدم يمكن بسطها باليد في
أضعاف من سعة الدرهم.
مع أنه لو سلمنا الزيادة فيكون المخالف للإجماع عموم قوله: (وإلا فلا)
وخروج بعض أفراد العام وهو ما بلغ سعة الدرهم لا يخرجه عن الحجية.
وقد يقرأ الخمصة بالخاء المعجمة، وهي سعة ما انخفض من الراحة،
وعليه فيوافق الدرهم على ما نقل عن بعضهم من تقدير الدرهم سعة بها (3).
د: إزالة عين الدم عن الموضع بغير مطهر لا يزيل العفو، للاستصحاب.
وخلطه مع نجاسة أخرى يزيله، لما مر في المسألة السابقة. وكذا لمائع طاهر وإن
لم يبلغ مجموعهما قدر الدرهم، وفاقا للمنتهى والبيان والذخيرة (4)، لما مر فيها
أيضا.
وخلافا للذكرى والمعالم والمدارك (5)، لأصالة البراءة، وإطلاق النص،

(1) راجع ص 291.
(2) كما في الرياض 1: 87.
(3) كما في السرائر 1: 178.
(4) المنتهى 1: 174، البيان: 95، الذخيرة: 159.
(5) الذكرى: 61، المعالم: 299، المدارك 2: 317.
297

وكون المتنجس أخف من منجسه.
والأول مندفع: بما دل على وجوب تطهير ما ينجس من الثوب أو البدن في
الصلاة.
فإن قيل: لا دليل عليه سوى الإجماع البسيط أو المركب، وهما منتفيان في
المورد.
قلنا: بل متحققان، فإن الإجماع على وجوب [تطهير] (1) ما لم
يثبت العفو عنه مما ثبتت نجاسته منعقد.
والثاني: بأن الإطلاق يثبت العفو فيما يشمله من الدم دون غيره.
والثالث: بأنه تعليل عليل لا يصلح لتأسيس الأحكام.
ه‍: لو أصاب الدم وجهي الثوب، فالظاهر عدم الخلاف في أنه إن لم يكن
بالتفشي فدمان، وفي اللوامع الوفاق عليه.
وإن كان بالتفشي، فدم واحد عند الأكثر مطلقا.
وفصل في البيان فواحد مع رقة الثوب، واثنان مع غلظته (2).
وفي المعالم تحكيم العرف في ذلك (3).
والظاهر أن عليه بناء الأصحاب أيضا، واختلافهم إنما هو فيما يحكم به
العرف، والظاهر حكمه بالاتحاد مع التفشي رقيقا كان الثوب أو صفيقا ولكن
بشرط اتحاد الثوب، فلو تألف من أجزاء متعد كالظهارة والبطانة والقطن المحشو
بينهما، كان كل منها ثوبا منفردا، ويعتبر دماؤها كلا ولو تفشى من بعضها إلى
بعض.
و: لو كان في موضع دم أقل من درهم وبلغ ذلك الموضع أيضا دم آخر

(1) أضفناها لاستقامة المتن.
(2) البيان: 95.
(3) المعالم: 299.
298

من غير تجاوز عنه ولكن كان بحيث لو أصاب موضعا آخر كانا مع أكثر من
الدرهم، فهل يعدان دما أو دمين؟ فيه إشكال.
وكذا في اعتبار غلظة الدم، فإن الدم الغليظ يبسط في الموضع أقل من
الرقيق، بل الرقيق المبسوط بمعاون يسع من الموضع أكثر مما يسعه لو بسط بنفسه،
والأخذ بالمتيقن عفوه متعين.
ز: المذكور في أكثر الأخبار هو الدرهم من غير تقييد، ولذا حمله البعض
على الشرعي المتعارف في عصر الحجج عليهم السلام (1).
وهو كان حسنا لولا الحجة على التقييد بغيره، وليست هي ما قيل من كون
الأحكام متلقاة عن النبي صلى الله عليه وآله، فتكون مبنية على عرف زمانه،
والمتعارف في عصرهم غير متعارف عصره، مع أن حدوث الشرعي في قريب من
عصر الصادقين عليهم السلام لا يوجب تعارفه وانتفاء تبادر ما تعارف قبله (2)،
لأن الحكم وإن كان مخلفا عن النبي صلى الله عليه وآله ولكن التكلم في كل عصر
بمتعارفه، ولذا تحمل الألفاظ المنقولة عن حقائقها اللغوية في عصر الصادقين على
المنقول إليه وإن لم يعلم النقل في زمان النبي صلى الله عليه وآله.
وأما تبادر الشرعي في زمانهم فهو ظاهر، فإن أمر الدراهم المسكوكة مختلف
مع سائر الألفاظ، فإن السكة المتقدمة على زمان سلطان يترك بمضي مدة يسيرة
من زمان السلطان اللاحق كما يشاهد في عصرنا.
بل الحجة هي الرضوي الذي قيده بالوافي (3)، وقدر وزنه بدرهم وثلث،
وبه قيده أكثر الأصحاب، كالصدوق في الفقيه والهداية (4)، ووالده، والمفيد في

(1) كما في المدارك 2: 314.
(2) انظر: الحبل المتين: 177.
(3) المتقدم في ص 293.
(4) الفقيه 1: 42، الهداية: 15.
299

المقنعة، (1)، والسيد في الانتصار (2)، والحلي وابن زهرة والمحقق والفاضل
والشهيدين (3)، وغيرهم (4)، بل فيه الذخيرة: إنه المشهور (5). ونسبه بعضهم إلى
أكثر الأصحاب (6)، بل في الحدائق: ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه (7).
وبذلك يجبر ضعف الرضوي، وبه يقيد سائر المطلقات.
وقيده بعضهم بالبغلي (8)، وبعضهم بهما معا (9)، وبظهر من بعضهم
الاتفاق على التقيد بالثاني وأنه متحد مع الأول (10). وظاهر الحلي مغايرتهما (11).
وليس على ذلك التقييد ولا على اتحادهما حجة مقبولة، إلا أن بعد حكم
الجميع باتحادهما وزنا لا تترتب فائدة على تحقيق مغايرتهما أو اتحادهما، والمهم تحقيق
سعته التي عليها بناء العفو:
فعن العماني أنها سعة الدينار (12)، والإسكافي أنها سعة العقد الأعلى من

(1) المقنعة: 69.
(2) الإنتصار: 13.
(3) الحلي في السرائر 1: 177، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 550، المحقق في المعتبر 1: 429، الفاضل في التذكرة 1: 8، الشهيد الأول في الذكرى: 16، الشهيد الثاني في
روض الجنان: 165، والروضة 1: 50، والمسالك 1: 18 ولكن الموجود في
كتب الشهيد الثاني التقييد
بالبغلي.
(4) كالشيخ في المبسوط 1: 36، وسلار في المراسم: 55.
(5) الذخيرة: 158.
(6) كما في كشف اللثام 1: 51، والرياض 1: 87.
(7) الحدائق 5: 331
(8) كالشهيد الأول في البيان: 95، والدروس 1: 126، اللمعة (الروضة 1): 50، والشهيد الثاني
في روض الجنان: 165، والروضة 1: 50، والمسالك 1: 18، والمحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 12
(9) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 51 وصاحب الرياض 1: 87.
(10) كما في الحدائق 5: 329.
(11) السرائر 1: 177.
(12) حكاه عنه في المختلف: 60.
300

الإبهام (1)، وبعضهم من السبابة والوسطى (2)، والحلي أنها تقرب من سعة أخمص الراحة، ولكنه ذكر أنها سعة البغلي الذي هو غير الوافي عنده (3).
وهذه التقديرات وإن كانت متقاربة إلا أنه ليست على شئ منها حجة
تامة.
والاستدلال للأول: بالمروي عن مسائل علي: (وإن أصاب ثوبك قدر
دينار من الدم فاغسله ولا تصل فيه حتى تغسله) (4) ضعيف.
كالاحتجاج [للرابع] (5) بإخبار الحلي عن رؤيته كذلك، وليس من باب
الشهادة ليعتبر فيها التعدد مع اعتضاده بالشهرة المحكية، لضعف الرواية،
وخلوها عن الجابر، ومخالفتها لروايات الدرهم ظاهرا، وعدم دليل على حجية كل
خبر بحيث يشمل مثل ذلك أيضا، مع أن ما أخبر عنه الحلي هو البغلي، وقد
عرفت أن كلامه مشعر بمغايرته مع الوافي.
وبالجملة: لا حجة واضحة على تعيين سعته، مع أن اختلاف سعة
الدراهم المضروبة بوزن واحد أمر معلوم.
والموافق للقواعد الأخذ بأكثر المقادير، بل أكثر ما يمكن أن يكون سعة
الدرهم، إذ لأجل إجمال الدرهم تكون عمومات وجوب إزالة الدم مخصصة
بالمجمل، والعام المخصص بالمجمل ليس بحجة في موضع الأجمال إما مطلقا،
أو إذا كان المخصص مستقلا، كما هو الأظهر، والمورد كذلك.
ح: عدم العفو عن مقدار الدرهم فصاعدا هل يختص بما كان مجتمعا

(1) حكاه عنه في المختلف: 59.
(2) كما في كشف الغطاء: 175.
(3) السرائر 1: 177.
(4) البحار 10: 279.
(5) في النسخ الأربع: للثاني، والصحيح ما أثبتناه.
301

فيعفى عن المتفرق وإن زاد المجموع عن الدرهم ما لم يبلغ واحد من المتفرقات
درهما، أو يعم فلا يعفى عن الزائد مطلقا؟ الأول - وهو الأقوى - للشيخ والحلي
وابن سعيد والشرائع والنافع والتلخيص والمدارك والذخيرة والحدائق (1)، وجعله
الثاني الأظهر في المذهب، وفي الذكرى: إنه المشهور (2).
لإطلاق نفي البأس في مرسلة جميل عما فيه الدم متفرقا شبه النضح (3)، بل
لجزئه الأخير أيضا بجعل قوله: (مجتمعا) حالا محققة و: (قدر الدرهم)، خبرا، أو
بجعل الأول خبرا [والثاني] منصوبا بنزع الخافض أو خبرا بعد خبر.
وأظهر منه صحيحة ابن أبي يعفور بجعل: (مجتمعا) حالا محققة أو خبرا،
أو خبرا بعد خبر (5).
وأما الحال المقدرة الموجبة لسقوط الاستدلال فهي فيهما غير متصورة،
لظهور اتحاد زماني الاجتماع والكون بقدر الدرهم، مع أن تغايرهما شرط في المقدرة
اتفاقا. بل قد يقال بامتناع المحققة في الصحيحة أيضا، لامتناعها في النقط
المفروضة فيها.
ويندفع بإمكان إرجاع المستتر إلى الدم المضاف إليه دون النقط، بل هو
أنسب بتذكير الحال، مع أن كون نقطة منها بقدر الدرهم ممكن.
والثاني - وهو الأحوط - للديلمي والقاضي وابن حمزة والفاضل (6)، ونسب

(1) الشيخ في المبسوط 1: 36، النهاية: 51، الحلي في السرائر 1: 178، ابن سعيد في الجامع
للشرائع: 23، الشرائع 1: 53، المختصر النافع: 18، المدارك 2: 318، الذخيرة: 159،
الحدائق 5: 316.
(2) الذكرى: 16.
(3) راجع ص 293.
(4) أضفناها لاستقامة المتن.
(5) راجع ص 292.
(6) الديلمي في المراسم: 55، القاضي في المهذب 1: 51، ابن حمزه في الوسيلة: 77، الفاضل في التحرير 1: 24
والمنتهى 1: 173، والتذكرة 1: 8، والقواعد 1: 8.
302

إلى أكثر المتأخرين (1)، واختاره والدي رحمه الله.
للصحيحة المتقدمة، والجزء الأخير من المرسلة، لا بجعل: (مجتمعا) حالا
مقدرة حتى يرد ما ذكر، بل بجعله حالا محققة مع، تقدير التقدير أي حال تقديره
مجتمعا، مثل زيد مفطرا أعبد منه صائما، مدعيا كون هذا المعنى متبادرا.
وللأصل المتقدم، وإطلاق حسنة محمد، ورواية الجعفي، والرضوي
المتقدمة (2)، واستصحاب شغل الذمة، مع الاعتضاد بالاعتبار من عدم التفرقة
بين المجتمع والمتفرق.
ويرد الأول: بأنه محتاج إلى تقدير لا دليل عليه، وجعل رجوع المستتر إلى
النقط قرينة عليه مردود بما مر، وتبادر الحالية ثم المحتاجة منها إلى التقدير ممنوع،
وتبادرها في المثال المذكور لعدم إمكان اجتماع الحالين، ولذا لا يتبادر في غير مثله
كما لو قيل - بعد السؤال عن الحوض النجس يرد عليه الماء شيئا فشيئا هل
يطهره -: لا يطهره إلا أن يرد قدر كر مجتمعا، فإن المتبادر منه ورود قدر كر
مجتمعا.
والبواقي: بأن الصحيحة والمرسلة بعد ما عرفت من تحقق دلالتهما أخصان
مطلقا منها فيخصصانها، والاعتبار المذكور لا اعتبار به.
وها هنا مذهب ثالث اختاره الشيخ في النهاية والمحقق في المعتبر (3)، وهو:
تعليق وجوب الإزالة على التفاحش. وصرح الأكثر بعدم مستند له، ويمكن جعل
الجزء من المرسلة له دليلا بتنزيل شبه النضح على غير المتفاحش، ولكنه لا يتم
بعد ملاحظة المعارضات له، فتدبر.
ثم على القول بتقدير الاجتماع ففي جريانه فيما لو كانت التفرقة في أكثر من

(1) نسبه إليهم السبزواري في الذخيرة: 159، وصاحب الحدائق 5: 315.
(2) في ص 266، 253، 293.
(3) النهاية: 52، المعتبر 1: 430.
303

ثوب أو في البدن أو الثوب والبدن، وعدمه، أو انفراد كل منهما في حكمه، وجوه
أظهرها: التقدير في الجميع.
الثاني من شرائط لباس المصلي: أن لا يكون جلد ميتة، فلا تجوز الصلاة
فيه ولو دبغ سبعين مرة، إجماعا محققا ومحكيا في المعتبر والمنتهى والتذكرة وشرح
القواعد (1)، وغيرها (2)، وهو الحجة فيه، مع ما مر من نجاسته المانعة عن الصلاة
فيه، بل وكذا لو قلنا بطهارته - حتى منع الإسكافي القائل بها بعد الدباغ (3)
للنصوص المستفيضة التي كادت تكون متواترة (4).
وفي حكم المعلوم كونه ميتة ما لم يعلم تذكيته، كما مر في كتاب الطهارة
سوى ما استثني فيه.
والظاهر - كما هو مقتضى عموم أكثر الأخبار، وخصوص مرسلة ابن أبي
عمير: في الميتة قال: (لا تصل في شئ منه ولا شسع) (5) - عموم المنع لما لا تتم
الصلاة فيه أيضا، كما صرح به جماعة (6).
وأما موثقة الهاشمي: عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا
لم تكن من أرض المسلمين، قال: (أما النعال والخفاف فلا بأس بها) (7) فلمعارضة
ما مر غير صالحة، مع أنها لما سبق في بحث الجلود من عدم جواز الانتفاع بالميتة

(1) المعتبر 2: 77، المنتهى 1: 225، التذكرة 1: 94، جامع المقاصد 2: 80.
(2) كالذكرى: 142، وروض الجنان: 212، وكشف اللثام 1: 183، والحدائق 7: 50،
والرياض 1: 121.
(3) حكاه عنه في المختلف: 64 و 79.
(4) انظر الوسائل 4: 343 أبواب لباس المصلي ب 1.
(5) التهذيب 2: 203 / 793، الوسائل 4: 343 أبواب لباس المصلي ب 1 ح 2.
(6) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 212، وصاحب المدارك 3: 161، وصاحب الرياض 1: 122.
(7) التهذيب 2: 234 / 922، الوسائل 4: 427 أبواب لباس المصلي ب 38 ح 3، وفيهما: المصلين
بدل المسلمين.
304

مطلقا منافية ولإرادة غير الميتة محتملة، بل عليها - جمعا - محمولة.
بل الظاهر تعدى المنع إلى ما يصاحبه المصلي وإن لم يكن لباسا ولا جزأه.
لا لمفهوم صحيحة عبد الله: يجوز للرجل أن يصلي ومعه فأرة مسك؟ فكتب: (لا
بأس به إذا كان ذكيا) (1) لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية للتذكية، فإرادة الطهارة منها
هنا كما فسرها بها في الذكرى (2)، وإرادة الكراهة من البأس الثابت بالمفهوم حيث
إنها مما لا تتم الصلاة فيه محتملة.
مع أنه لو أريد منها التذكية الشرعية، لزم التجوز في مرجع المستتر في:
(كان) إن أرجع إلى الظبي، وفي التذكية إن أرجع إلى الفأرة، ولا ترجيح لشئ
منهما على إرادة الكراهة من البأس والطهارة من التذكية لو كانت مجازا شرعيا
فيها بل لموثقة سماعة: عن تقليد السيف في الصلاة فيه الغراء والكيمخت،
قال: (لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة) (3).
ورواية في بن أبي حمزة: عن الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه؟ قال:
(نعم) فقال الرجل: إن فيه الكيمخت!! فقال: (وما الكيمخت؟) فقال: (جلود دواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة فقال: (ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه) (4).
وبهما يقيد إطلاق صحيحة علي: عن فأرة المسك يكون مع الرجل يصلي
وهي معه في جيبه أو ثيابه، فقال: (لا بأس بذلك) (5).

(1) التهذيب 2: 362 / 1500، الوسائل 4: 433 أبواب لباس المصلي ب 41 ح 2.
(2) الذكرى: 149.
(3) الفقيه 1: 172 / 811، التهذيب 2: 205 / 800، الوسائل 3: 493 أبواب النجاسات ب 50
ح 12، الغراء مثل كتاب ما يلصق به معمول من الجلود وقد يعمل من السمك. المصباح المنير:
446، والكيمخت بالفتح فالسكون وفسر بجلد الميتة المملوح - مجمع البحرين 2: 441.
(4) التهذيب 2: 368 / 1530، الوسائل 3: 491، أبواب النجاسات ب 50 ح 4.
(5) الفقيه 1: 164 / 775، التهذيب 2: 362 / 1499، الوسائل 4: 433 أبواب لباس المصلي
ب 41 ح 1.
305

ثم الميتة الممنوعة من الصلاة فيها هل هي عامة لما لا نفس له أيضا؟
كما عليه بعض أصحابنا (1)، لإطلاق الإخبار بل عمومها. أو مختصة بما له نفس؟
كما عليه الآخرون؟ لكونه المتبادر من الإطلاق، ولأن الميتة في مقابل المذكى وليس لما
لا نفس له تذكية. الحق هو الأول، لما مر، ومنع التبادر جدا،
فإنه لا يفرق اللغة ولا العرف بين العصفور والوزغة والسمك في عد غير الحي منها
ميتة، وعدم
اقتضاء المقابلة المذكورة لعدم الصدق، فإن مقتضاها كون غير المذكى من الحيوان
ميتة، والمفروض منها، ولا يجب أن يكون قابلا للتذكية وإلا لما صدق على
ميتة نجس العين والمسوخات.
نعم، الظاهر عدم التبادر في مثل القمل والذباب والبرغوث والنمل.
مع أنه لو قلنا بالصدق أيضا، فالظاهر الاتفاق على خروجه وعدم البأس
بالصلاة فيه.
مضافا إلى أن التعدي إلى كل ميتة إنما هو بعدم القول بالفصل، وتحققه في
أمثال ذلك ممنوع.
ثم إن مثل جلد الميتة جميع أجزائها التي تحل فيها الحياة بالإجماع. دون ما
لا تحله، فتجوز الصلاة فيه إذا كان مما يؤكل لحمه إجماعا، له، ولصحيحة
الحلبي: (لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، إن الصوف ليس فيه
روح) (2).
ويجب غسل الصوف ونحوه سواء جز أو قلع، كما مر في كتاب الطهارة.
الثالث: أن لا يكون من جلد ما لا يؤكل لحمه شرعا مطلقا ولو كان مما
يذكى وذكي ودبغ، ولا في صوفه وشعره ووبره وريشه - إلا ما يجئ استثناؤه -

(1) كالبهائي في الحبل المتين: 180.
(2) التهذيب 2: 368 / 1530، الوسائل 4: 457 أبواب المصلي ب 56 ح 1.
306

بالإجماع المحقق والمحكي مستفيضا بل متواترا (1)، بل الظاهر أنه من
شعار الشيعة يعرفهم به العامة، وهو الحجة في المقام.
مضافا إلى المستفيضة:
منها: رواية علي بن أبي حمزة: عن لباس الفراء والصلاة فيها،
فقال: (لا
تصل فيها إلا فيما كان منه ذكيا) قال: قلت: أوليس الذكي ما ذكي بالحديد؟
فقال: (بلى إذا كان مما يؤكل لحمه) قلت: وما (2) يؤكل لحمه من غير الغنم؟ قال:
(لا بأس بالسنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم وليس هو مما نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله) الحديث (3).
وصحيحة الأحوص: عن الصلاة في جلود السباع، فقال: (لا تصل
فيها) (4).
وموثقتي سماعة وابن بكير:
الأولى: عن لحوم السباع وجلودها، إلى أن قال: (وأما الجلود فاركبوا عليها
ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيها) (5).
والثانية: من الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر،
فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله: (إن
الصلاة في كل شئ

(1) نقله في المنتهى 1: 226، والتذكرة 1: 94،
وشرح القواعد 2: 81،
والمدارك 3: 161، والمعتبر
2: 78، 81، وعن الخلاف 1: 63 و 511، والغنية (الجوامع الفقهية): 555، ونهاية الإحكام
للفاضل 1: 373، وروض الجنان: 213، والسرائر 1: 262 وغيرها. منه رحمه الله تعالى.
(2) في التهذيب: وما لا يؤكل....
(3) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 3، التهذيب 2: 203 / 797، الوسائل
4: 348 أبواب لباس
المصلي ب 3 ح 3.
(4) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 12، التهذيب 2: 205 / 801، الوسائل
4: 354 أبواب
لباس المصلي ب 6 ح 1.
(5) الفقيه 1: 169 / 801، التهذيب 2: 205 / 802، الوسائل 4: 353 أبواب لباس المصلي ب ه
ح 3 و 4.
307

حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وألبانه وكل شئ منه
فاسدة، لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله - إلى أن قال -
وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كل شئ
منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه) (1).
ومرسلة الفقيه: (يا علي لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل
لحمه) (2).
والمروي في العلل: (لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه، لأن
أكثرها مسوخ) (3).
وضعف سند بعضها كاختصاص طائفة منها بالسباع غير ضائر، لانجبار
الأول بالعمل، والثاني بالإجماع المركب.
وصحيحة ابن مهزيار: عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب، فهل
تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب عليه السلام: (لا
تجوز) (4) وقريبة منها رواية الأبهري (5) إلى غير ذلك.
ولا ينافيه خبر الوشاء: ([أكان أبو عبد الله عليه السلام] يكره الصلاة في
شعر ووبر كل شئ لا يؤكل لحمه) (6) للأعمية، حيث إن الكراهة في اللغة أعم

(1) الكافي 3: 397 الصلاة ب 65 ح 1، التهذيب 2: 209 / 818، الإستبصار 1: 383 / 1454،
الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 1.
(2) الفقيه 4: 265 / 824، الوسائل 4: 346 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 6.
(3) علل الشرائع: 342 / 1، الوسائل 4: 347 أبواب لباس المصلي ب 2 ح 7.
(4) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 9، التهذيب 2: 206 / 806، الإستبصار 1: 383 / 1451،
الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 3.
(5) التهذيب 2: 206 / 805، الإستبصار 1: 383 / 1452، الوسائل 4: 6 35 أبواب لباس
المصلي ب 7 ح 5.
(6) التهذيب 2: 209 / 820، علل الشرائع: 342 / 2، الوسائل 4: 346 أبواب لباس المصلي
ب 2 ح 5، وما بين المعقوفين من المصدر.
308

من الحرمة.
ولا صحيحة ابن يقطين: عن لباس الفراء [أو السمور] والفنك والثعالب
وجميع الجلود، قال: (لا بأس بذلك) (1) لعدم دلالتها على انتفاء البأس في الصلاة
فيها.
ولا مطلقات نفي البأس عن الصلاة فيما يشترى في السوق أو سوق
المسلمين أو بلد غالب أهله المسلمون حتى تعلم أنه ميتة (2)، للإجماع على
اختصاصها بالمأكول باعتبار السوق والإسلام، وأن كل غير مأكول شك فيه من
هذه الجهة كالسمور والثعلب لا يصير سوق المسلمين والإسلام سببا لحلية الصلاة
كما لا ينافي الإجماع ما يظهر من المعتبر من الميل إلى العمل بصحيحة ابن
يقطين في الصلاة أيضا (3)، لشذوذه، مع احتمال أن يكون تجويزه العمل في
السمور والثعالب والسنجاب والفنك خاصة.
وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: لو علق شئ من فضلات ما لا يؤكل بالثوب كالشعرة
الملقاة عليه، لا تجوز الصلاة فيه على الأصح، وفاقا لجماعة منهم المحقق الثاني
والمحدث المجلسي - رحمه الله - والفاضل الخوانساري (4).
لا لما دل على عدم جواز الصلاة في وبر ما لا يؤكل وشعره، لعدم تحقق

(1) التهذيب 2: 211 / 826، الإستبصار 1: 385 / 1560، الوسائل 4: 352 أبواب لباس
المصلي ب 5 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: السنور، وما أثبتناه من المصادر.
(2) انظر الوسائل 4: 455 أبواب لباس المصلي ب 55.
(3) المعتبر 2: 87. قال بعد نقل تلك الرواية، وصحيحة الحلبي الواردة في السمور والسنجاب
والثعالب وأشباه الفراء: وطريق هذين الخبرين أقوى ولو عمل بهما عامل جاز، لكن على الأول
عمل الظاهرين من الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة. منه رحمه الله تعالى.
(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 81، المجلسي في البحار 80: 1 22، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 187.
309

الظرفية المستفادة من لفظة: (في) في المورد.
ولا لموثقة ابن بكير، حيث إن ذكر البول ونحوه ينفي إرادة الظرفية ويعين
مطلق الملابسة قطعا، لاحتمال أن يكون المعنى المجازي هو نوع خاص من
الملابسة وهوما يتلطخ أو يتلوث به اللباس دون مطلق التعلق والمصاحبة، كما فرق
فيه بعضهم، منهم والدي العلامة - رحمه الله - في المعتمد (1).
بل لرواية إبراهيم بن محمد: يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا يؤكل لحمه
من غير تقية ولا ضرورة، فكتب: (لا تجوز الصلاة فيه) (2).
وضعف سندها عندنا غير ضائر، مع أنه بالشهرة المحكية في البحار (3)،
وبعض آخر من الأجلة منجبر (4).
وتؤيده أيضا أخبار المنع عن الصلاة في الثوب الذي تحت وبر الأرانب
وفوقه (5).
خلافا للشهيدين والمدارك (6)، وبعض آخر (7)، ونسبه والدي - رحمه الله -
إلى أكثر الثالثة، فخصوا المنع بالملابس، للأصل.
وصحيحة الصهباني، المكاتبة: هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل
لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب؟ فكتب: (لا تحل الصلاة في الحرير

(1) وكذا الفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 110.
(2) التهذيب 2: 209 / 819، الإستبصار 1: 384 / 1455، الوسائل 4: 346 أبواب لباس
المصلي ب 2 ح 4.
(3) البحار 80: 223.
(4) كما في المعتبر 2: 82.
(5) انظر: الوسائل 4: 355 أبواب لباس المصلي ب 7.
(6) الشهيد الأول في الذكرى: 146، الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، وروض الجنان: 214،
المدارك 3: 165.
(7) كالفيض الكاشاني في المفاتيح 1: 109.
310

المحض، وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه إن شاء الله) (1).
ومكاتبة علي بن ريان: هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه من شعر الانسان
وأظفاره قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقع: (تجوز) (2).
ونحوهما صحيحته الأخرى، إلا أنها تتضمن شعر المصلي وأظفاره (3).
ويضعف الأول: باندفاعه بما مر.
والثاني - مع كونه أخص من المدعى، لاختصاصه بما لا تتم الصلاة فيه،
وعدم ثبوت الإجماع المركب -: بأنه لما لم يمكن إرادة الحقيقة اللغوية التي هي
الطهارة من التذكية، لعدم اشتراطها في غير الساتر إجماعا، ومجازها متعدد، فكما
يمكن أن يكون المراد منها مطلق الذبح الشرعي وإن ورد على غير المأكول كما
استعملها فيه في موثقة ابن بكير، يمكن أن يكون الذبح الوارد على خصوص
مأكول اللحم كما خصا به في رواية علي بن أبي حمزة، ولا مرجح لأحد المجازين.
بل يمكن أن يكون المراد منه كونه من مأكول اللحم مطلقا وإن لم يذك. بل الظاهر
تعين ذلك المعنى؟ للإجماع من غير الحنبلي على عدم اشتراط التذكية المطلقة
أيضا.
مع أنه لو سلمت دلالتها وتعارضها مع ما مر، لكان الترجيح لما مر، لمخالفة
العامة - كما صرح بها الجماعة - ويستفاد من قوله: (من غير تقية) بل هو معلوم
قطعا، حيث إنهم يجوزون في الملابس فكيف بما عليها (4).
مضافا إلى مرجحات أخر اجتهادية كالشهرة المحكية، والرواية مشافهة التي
هي أرجح من المكاتبة بوجوه عديدة سيما إذا كانت موافقة للعامة، وأظهرية

(1) التهذيب 2: 207 / 810، الإستبصار 1: 483 / 1453، الوسائل 4: 377 أبواب لباس المصلي
ب 14 ح 4.
(2) التهذيب 2: 367 / 1526، الوسائل 4: 382 أبواب لباس المصلي ب 18 ح 2.
(3) الفقيه 1: 172 / 812، الوسائل 4: 382 أبواب لباس المصلي ب 18 ح 1.
(4) انظر الأم للشافعي 1: 91.
311

الدلالة.
والثالث: باختصاصه بشعر الإنسان وظفره، فلا يفيد في التعميم، وظاهر
جماعة منهم: الشهيد الثاني والمحقق الخوانساري: جواز الفصل (1) بل تحققه،
بل قد يقال بخروج الإنسان من أخبار المنع رأسا بحكم تبادر غيره مما لا يؤكل (2).
ولكنه في محل المنع.
وكيف كان فلا ينبغي الريب في استثناء ما دلت عليه الصحيحة من ظفر
الإنسان وشعره، بل جميع فضلاته الطاهرة من لبنه وعرقه ووسخه وبصاقه ومخاطه
ومذيه ووذيه ودمعه، من نفسه وغيره، لما مر، وللزوم العسر والحرج في الأكثر.
ورواية الكفرثوثي وفيها - بعد السؤال عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب -:
(إن كان من حلال فصل فيه) (3).
وصحيحة ابن عمار في عرق الحائض (4)، وحسنة زرارة في المذي والوذي (5).
وقد ورد في المستفيضة أن المذي بمنزلة البصاق والمخاط (6)، فيثبت الحكم فيهما أيضا.
وما دل على جواز الصلاة في الثوب الذي تقيأ فيه (7) وعلى صحة الصلاة في

(1) الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، الخوانساري في
في الحواشي على شرح اللمعة: 187.
(2) انظر الحواشي على شرح اللمعة: 187.
(3) الذكرى: 14، الوسائل 3: 447، أبواب النجاسات ب 27 ح 12.
(4) التهذيب 1: 269 / 793، الإستبصار 1: 186 / 649، الوسائل 3: 450 أبواب النجاسات
ب 28 ح 4.
(5) الكافي 3: 39 الطهارة ب 25 ح 1، التهذيب 1: 21 / 52، الإستبصار 1: 94 / 305، الوسائل
1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 ح 2.
(6) انظر الوسائل 1: 276 أبواب نواقض الوضوء ب 12 و ج 3: 426 أبواب النجاسات ب 17.
(7) الكافي 3: 406 الصلاة ب 6 ح 13، التهذيب 2: 358 / 1484، الوسائل 3: 488 أبواب
النجاسات ب 48 ح 1.
312

ثوب الغير مطلقا، وثوب المرأة كما في صحيحة العيص (1).
ولموثقة الساباطي: (لا بأس أن تحمل المرأة صبيها وهي تصلي أو ترضعه
وهي تتشهد) (2) فإن الإرضاع لا ينفك عن وصول بصاق الصبي إلى ثدي أمه.
ورواية الحسين بن زرارة: عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن ميت مكانه،
قال: (لا بأس) (3).
والظاهر أن السن المأخوذ ليس بحيث يقلع في أوقات الصلاة.
وما دل على جواز البكاء في الصلاة (4).
بل الظاهر إجماع المسلمين، بل الضرورة على عدم التجنب من ذلك في
الصلاة، كما يظهر من ملاحظة مصافحاتهم ومعانقاتهم ومضاجعاتهم مع زوجاتهم
سيما في الأيام الحارة، ولبسهم ثياب غيره وهكذا.
نعم، لو نسج ثوب من شعر إنسان أو شبه قلنسوة من ذوائبه فالظاهر المنع.
والظاهر عدم المنع في وصل شعره بشعره مطلقا ولو كان كثيرا.
فروع:
أ: لا بأس باستصحاب شئ مما لا يؤكل في الصلاة من غير تعلق
واستمساك وتشبث له بالثوب أو البدن، كعروة السيف المقلد وعروة السكين،
للأصل، وعدم دلالة أخبار المنع على مثل ذلك، وقد صرح بمثله والدي - رحمه
الله - في المعتمد.
وفيما يماس الثوب من غير تشبث له به - كقطعة من العاج في الجيب أو على
المنطقة - تردد، والأظهر الجواز، والأحوط المنع. ولو فصل بينه وبين الثوب بشئ،

(1) الكافي 3: 402، الصلاة ب 65 ح 19، الفقيه 1: 166 / 781، التهذيب 2: 364 / 1511،
الوسائل 4: 447 أبواب لباس المصلي ب 49 ح 1.
(2) التهذيب 2: 330 / 1355، الوسائل 7: 280 أبواب قواطع الصلاة ب 24 ح 1.
(3) التهذيب 9: / 78 / 332، الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 2 1.
(4) انظر الوسائل 7: 247 أبواب قواطع الصلاة ب 5.
313

زال المنع قطعا.
ب: هل تجوز الصلاة على فرش من جلد ما لا يؤكل لحمه أو وبره أو شعره؟
الظاهر نعم؟ للأصل، وعدم صدق كونه على الثوب بل الثوب عليه، ولم يثبت
المنع في مثل ذلك.
ج: لو وصل مثل عرق غير المأكول أو لبنه ثوبا، يزول المنع بجفافه لو لم
تبق منه عين، ولو بقيت يزول بزواله بالفرك ونحوه، ولا يحتاج إلى الغسل.
الثانية: لا فرق في الملابس بين ما تتم الصلاة فيه وما لا تتم (1)، وفاقا للمشهور كما صرح به جماعة (2)؟ لصحيحة ابن مهزيار ورواية الأبهري
المتقدمتين (3)، بل جميع روايات المنع، لعدم اختلاف الظرفية بتمامية الصلاة فيه
وعدمها، فليست العمامة مما يصلى فيها دون القلنسوة، فلا حاجة إلى ضم الإجماع
المركب في الجلد إلى الوبر، أو غير التكة والقلنسوة إليهما، لتطرق المنع في الإجماع
المذكور في الجملة.
خلافا لجماعة منهم والدي رحمه الله، فجوزوا الصلاة في التكة والقلنسوة
المعمولتين، أو مع ضم الجورب، أو ما لا تتم الصلاة فيه مطلقا المعمولة من وبر
ما لا يؤكل، أو من الجلد أيضا، مع التصريح بالكراهة أو بدونه (4).
ومنهم من تردد في الجواز وعدمه مع جعل الأحوط المنع (5)، أو بدونه (6).

(1) فلا تصح الصلاة في قلنسوة من جلد ما لا يؤكل أو وبره أو تكة أو خف أو نعل منه. منه رحمه الله
تعالى.
(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 82، والمحقق الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 186،
وصاحب الرياض 1: 122.
(3) في ص 308.
(4) انظر: المبسوط 1: 84، والمنتهى 1: 227، والمفاتيح 1: 109.
(5) كما في المنتهى 1: 227، والتحرير 1: 30، والمدارك 3: 167.
(6) كما في النهاية: 98، والرياض 1: 122.
314

للأصل المندفع بما مر.
وصحيحة الصهباني المجاب عنها بما ظهر (1).
وخبر ابن الصلت: سأل [أبا الحسن الرضا] (2) عليه السلام عن أشياء منها
الخفاف عن أصناف الجلود، فقال: (لا بأس بهذا كله إلا الثعالب) (3).
وهو مع عدم ذكر الصلاة فيه وموافقته للعامة أعم مطلقا من بعض روايات
المنع، فيجب تخصيصه به.
والرضوي: (وقد تجوز الصلاة فيما [لم] تنبته الأرض ولم يحل أكله، مثل
السنجاب والفنك والسمور والحواصل، إذا كان فيما لا تجوز في مثله وحده
الصلاة) (4).
وهو ضعيف لا يصلح للمعارضة مع الأخبار المعتبرة.
فرع: في حكم الملابس أجزاؤها المتصلة بها وإن كانت صغيرة، لفحوى
رواية إبراهيم، المتقدمة (5)، ومرفوعة أحمد: (في الخز الخالص أنه لا بأس به، وأما
الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه) (6).
الثالثة: لو مزج صوف ما لا يؤكل أو نحوه مع نحوه مما يؤكل ونسج منه
ثوب، لا تجوز الصلاة فيه، للفحوى والمرفوعة المتقدمتين. وما يجوز بظاهره
الصلاة في الخز المخلوط سيأتي دفعه.
الرابعة: لو شك في الجلد أو غيره أنه من المأكول أو غيره، قال في المنتهى:

(1) راجع ص 310 و 311.
(2) في النسخ: الصادق والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
(3) التهذيب 2: 369 / 1533، الوسائل 4: 352 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 2.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 302، مستدرك الوسائل 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 5 ح 2.
وما بين المعقوفين من المصدر.
(5) في ص 310.
(6) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 26، التهذيب 2: 212 / 830، الإستبصار 1:
387 / 1470، الوسائل 4: 311 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.
315

إنه لا تجوز الصلاة فيه - وهو بإطلاقه شامل لما إذا كان الشك لأجل التردد في أنه
من أي حيوان، أو في أن هذا الحيوان الذي هو منه هل هو مأكول اللحم أم لا
- واستدل: بأن الصلاة مشروطة بالستر بما يؤكل، والشك في الشرط يقتضي الشك
في المشروط (1).
ورد بمنع الاشتراط، بل الشرط الستر والأصل فيه الإطلاق، وأخبار المنع
دلت على فساد الصلاة أو عدم جوازها فيما لا يؤكل، وهي لا تدل إلا على الفساد
فيما علم أنه مما لا يؤكل (2).
وأجيب بأن معنى: كل ما يحرم أكله - كما في الموثقة (3) - ليس إلا ما كان
كذلك واقعا من غير مدخلية للمعلومية في معناه، مع أن الواجب تحصيل البراءة
اليقينية (4).
أقول: نظر الراد إلى أن النهي لما كان تكليفا وهو مشروط بالعلم قطعا فلا
مفر من تقييد النواهي به، ونظر المجيب إلى أنه إنما هو فيما يتضمن النهي، ولكن
قوله في الموثقة: (إن الصلاة في وبر كل شئ - إلى قوله -: لا تقبل تلك الصلاة)
إخبار عن الواقع وليس أمرا ولا نهيا، فلا دليل على تقييده، فيجب إبقاؤه على
إطلاقه، وبملاحظة وجوب تحصيل البراءة اليقينية لا يبرأ إلا بالصلاة فيما علم أنه
ليس مما [لا] (5) يؤكل.
ثم أقول: إن الجواب إنما يتم لولا المعارض للموثقة، ولكن تعارضها
الأخبار المصرحة بجواز الصلاة في الجلود التي تشترى من سوق المسلمين (6)، وفيما

(1) المنتهى 1: 231.
(2) كما في المدارك 3: 167، والحواشي على شرح اللمعة: 187.
(3) المتقدمة في ص 307.
(4) شرح المفاتيح (المخطوط).
(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء الكلام.
(6) الوسائل 3: 490، أبواب النجاسات ب 50.
316

يصنع في بلد كان غالب أهله المسلمين من غير مسألة (1)، وتعارضهما بالعموم
من وجه، والأصل مع الجواز، فهو الأظهر، كما عليه جماعة ممن تأخر منهم صاحب
المدارك والأردبيلي والخوانساري والمجلسي (2)، ووالدي العلامة رحمه الله.
ويؤيده بل يدل عليه عمل الناس، بل إجماع المسلمين، حيث إنه لم يعلم
كون أكثر الثياب - المعمولة من الصوف والوبر والشعر من الفراء والسقرلاب، وما
عمل لغمد السيف
والسكين - مما يؤكل جزما، ومع ذلك يلبسها ويصاحبها الناس
من العوام والخواص في جميع الأمصار والأعصار ويصلون فيه من غير تشكيك أو
إنكار، بل لولاه لزم العسر والحرج في الأكثر.
وتدل عليه أيضا الأخبار المصرحة بأن كل شئ يكون فيه حلال وحرام فهو
لك حلال أبدا حتى تعرف الحرام بعينه (3).
بل لنا أن نقول: إن قوله في الموثقة: (كل شئ حرام أكله) يتضمن الحكم
التكليفي، فيقيد بالعلم قطعا، أي كل شئ علمت حرمة أكله، إذ لا حرمة مع
عدم العلم، بل نقول: إن ما حرم أكله ليس إلا ما علمت حرمته، لحلية ما لم
يعلم حرمته، كما يأتي في بحث المطاعم.
ثم إن ذلك إنما هو إذا أخذ من يد أحد أو وجد جزء الحيوان ولم يمكن
الفحص عن حال الحيوان، وأما لو كان هناك حيوان مشكوك فيه، فيرجع فيه إلى قاعدة حلية اللحم وحرمتها مع الشك، كما يأتي في باب المطاعم والمشارب - إن شاء الله - مع زيادة بيان لما ذكر أيضا.
الخامسة: إطلاق كثير من الفتاوى وإن يشمل ما لا نفس له أيضا كأكثر

(1) التهذيب 2: 368 / 1532، الوسائل 4: 456 أبواب لباس المصلي ب 55 ح 3.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 95، المدارك 3: 167، البحار 80: 222، الحواشي على شرح
اللمعة: 187.
(3) الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المحرمة ب 64.
317

الأخبار فلا تجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه منه أيضا، إلا أن الظاهر أن مرادهم
غير مثل القمل والبق والبرغوث والذباب والزنبور والنحل، لعدم تبادر ما لا يؤكل
لحمه من أمثالها، بل لا لحم لها حتى يصدق ذلك عليها، فلا تشملها الأخبار
المانعة عن الصلاة في فضلات ما لا يؤكل لحمه أيضا (1)، فتكون باقية تحت
الأصل.
وأما قوله في آخر الموثقة: (وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم
عليك أكله) إلى آخره حيث لم يقيد باللحم فهو وإن شملها ظاهرا، إلا أن ظاهر
قوله فيها أخيرا: (ذكاه الذبح أو لم يذكه) أنه فيما من شأنه ورود الذبح عليه، فإنه
لا يستعمل عدم التذكية بالذبح إلا فيما يصلح له.
مع أنه على فرض الشمول يجب الحكم بالخروج، بالإجماع القطعي في مثل
دم البراغيث والقمل والبق وفضلة الذباب ونحوها، وبلزوم العسر والحرج
الشديدين لولاه.
وبصحيحة الحلبي: عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من
الصلاة فيه؟ قال: (لا وإن كثر) (2).
وصحيحة ابن مهزيار: عن الصلاة في القرمز وإن أصحابنا يتوقفون فيه،
فكتب: (لا بأس به مطلق) (3) وقد ذكروا أن القرمز صبغ أرمني يكون من عصارة
دود يكون في آجامهم (4).
والمروي في نوادر الراوندي: (عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال

(1) الوسائل 3: 404 أبواب النجاسات ب 8.
(2) الكافي 3: 59 الطهارة ب 38 ح 8، التهذيب 1: 259 / 753، الوسائل 3: 431 أبواب
النجاسات ب 20 ح 7.
(3) الفقيه 1: 171 / 806، التهذيب 2: 363 / 1502، الوسائل 4: 435 أبواب لباس المصلي
ب 44 ح 1.
(4) كما في القاموس المحيط 2: 194.
318

الخنافس ودماء البراغيث، فقال: (لا بأس) (1).
فروع:
أ: الممنوع من الصلاة فيه ما كان مما حرم أكله ونهي عنه، كما صرح به في
الموثقة، فلا منع فيما يكره وما لا يعتاد في بعض البلاد، بل المراد من قوله: (ما لا
يؤكل لحمه) (2) الوارد في بعض الأخبار أيضا ما ليس بحلال بقرينة قوله في الموثقة:
(حتى يصلي في غيره مما أحل الله أكله).
ب: لو حمل حيوانا غير مأكول فالمصرح به في كلام جماعة عدم بطلان
الصلاة به (3)، لأن النبي صلى الله عليه وآله حمل إمامة وهو يصلي (4)، وركب
الحسين على ظهره وهو ساجد، وهذه الحكاية نقلها الفريقان (5)، ومع ذلك تدل
عليه موثقة الساباطي، المتقدمة (6)، وصحيحة مسمع (7)، إلا أن جميع ذلك في
خصوص الإنسان دون غيره، إلا أن يطرد الحكم بعدم ظهور أدلة المنع في مثل
ذلك، وهو كذلك.
ج: لو وضع شيئا مما لا يؤكل في فيه، كسن حيوان غير مأكول مكان سنه،
فالظاهر عدم البطلان، لأن الثابت من أدلة المنع إنما هو فيما كان على الثوب أو
ظواهر البدن، وأما مثل باطن الفم فلا. ومطلقات منع الصلاة فيما لا يؤكل قد
عرفت عدم دلالتها.
تتميم: الصدف حيوان لا يؤكل لحمه، لصحيحة علي: عن اللحم الذي

(1) بحار الأنوار 80: 260 / 9.
(2) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.
(3) كما في التذكرة 1: 96.
(4) صحيح مسلم 1: 385.
(5) انظر المناقب 4: 71، ومسند أحمد 2: 513.
(6) راجع ص 313.
(7) التهذيب 2: 329 / 1350، الوسائل 7: 278 أبواب قواطع الصلاة ب 22 ح 1.
319

يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ قال: (ذلك لحم الضفادع لا يحل
أكله) (1).
وصرح الأطباء في كتبهم بكونه حيوانا، وأثبتوا للحمه خواصا، وقد أخبر
عنه التجار والغواصون أيضا.
ولذلك استشكل بعضهم في الصلاة في اللؤلؤ لكونه جزءا من الصدف.
وأجاب عنه في البحار بمنع كونه جزءا من ذلك الحيوان، والانعقاد في جوفه
لا يستلزم الجزئية، بل الظاهر أنه ظرف لتولد ذلك.
وبمنع الإشكال فيما لا نفس له مما لا يؤكل، مع أنه لو سلم الجميع لوجب
الحكم باستثنائه، لقوله سبحانه: (وتستخرجوا منه حلية تلبسونها) (2) وشيوع
التحلي بها في أعصار الأئمة مع عدم ورود منع في خصوصه، ولو كان ممنوعا لورد
المنع منه (3).
وضعف غير الأخير ظاهر.
ويمكن الاستناد في الاستثناء بعمل الناس في الأعصار والأمصار من غير
نكير، مع أنه في بعض الروايات أنه كان لسيدة النساء عليها السلام قلادة فيها
سبعة لآلي (4).
السادسة: قد استثني مما لا يؤكل لحمه أمور:
منها: الخز، واستثناء وبره الخالص مجمع عليه، وفي المنتهى والتذكرة

(1) الكافي 6: 221 الصيد ب 12 ح 11، التهذيب 9: 12 / 46، قرب الإسناد: 279 / 1109،
الوسائل 24: 146 أبواب الأطعمة المحرمة ب 16 ح 1.
(2) النحل: 14
(3) البحار 80: 172.
(4) المنتخب للطريحي: 64، ونقله في البحار 45: 189 عن بعض مؤلفات الأصحاب.
320

والمعتبر وشرح القواعد والبحار (1)، وعن نهاية الإحكام والذكرى (2)، وغيرهما (3)،
دعوى الإجماع عليه، وفي التنقيح نفي الخلاف عنه (4)، فهو الحجة فيه.
مضافا إلى المستفيضة، منها: رواية ابن أبي يعفور: ما تقول في الصلاة في
الخز؟ فقال: (لا بأس بالصلاة فيه - إلى أن قال -: فإن الله تبارك وتعالى أحله
وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها) (5).
ورواية يحيى بن عمران: في السنجاب والفنك والخز، وقلت: جعلت
فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطه: (صل فيها) (6).
وموثقة معمر: عن الصلاة في الخز، فقال: (صل فيه) (7).
وفي صحيحة الجعفري: (إن أبا الحسن الرضا عليه السلام صلى في جبة
خز) (8).
وفي رواية ابن مهزيار: (إن أبا جعفر الثاني صلى الفريضة وغيرها في جبة
خز وأمر بالصلاة فيها) (9).

(1) المنتهى 1: 231، التذكرة 1: 95، المعتبر 2: 84، جامع المقاصد 2: 78، البحار 80: 219.
(2) نهاية الإحكام 1: 374، الذكرى: 144.
(3) كالغنية (الجوامع الفقهية): 555، والرياض 1: 124، والحدائق 7: 60.
(4) التنقيح الرائع 1: 178.
(5) الكافي 3: 399 الصلاة ب 5 6 ح 11، التهذيب 2: 211 / 828، الوسائل 4: 359 أبواب
لباس المصلي ب 8 ح 4.
(6) الفقيه 1: 170 / 804، الوسائل 4: 349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 6، وفيهما: عن يحيى بن
أبي عمران.
(7) التهذيب 2: 212 / 829، الوسائل 4: 360 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 5.
(8) الفقيه 1: 170 / 802، التهذيب 2: 212 / 832، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8
ح 1.
(9) الفقيه 1: 170 / 803، الوسائل 4: 359 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 2.
321

وفي مجالس ابن الشيخ: إن الرضا عليه السلام خلع على دعبل قميصا من
خز وقال: (صليت فيه ألف ليلة في كل ليلة ألف ركعة) (1).
ومرفوعتي أحمد والنخعي: (في الخز الخالص أنه لا بأس به، فأما الذي
خلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه) (2).
ومقتضى الأخيرتين: اختصاص الاستثناء بالخالص من الاغتشاش بوبر ما
لا يؤكل لحمه أو شعره أو صوفه. وفي المنتهى (3)، وعن الخلاف والغنية
الاجماع
عليه في الجملة (4).
ويدل عليه أيضا الرضوي المنجبر: (وصل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر
الأرانب) (5).
وأما رواية الصرمي (6) المجوزة للصلاة في المغشوشة فلا تصلح لمعارضة ما
ذكر، لضعفها بمخالفتها للعمل، وموافقتها للعامة.
وقول الصدوق (7) بالرخصة فيها شاذ، وإرادته الرخصة في حال الضرورة
ممكنة.
والحق استثناء جلده أيضا، وفاقا للأكثر، كما صرح به جماعة (8)، للاطلاق

(1) أمالي الطوسي: 369، الوسائل 4: 99 أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ب 30 ح 7.
(2) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح 26، التهذيب 2: 212 / 830، 831، الإستبصار 1: 387 / 1469، 1470، علل الشرائع: 357 / 2، الوسائل 4: 361
أبواب لباس المصلي ب 9
ح 1.
(3) المنتهى 1: 231.
(4) الخلاف 1: 512 الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(5) فقه الرضا: 157، مستدرك الوسائل 3: 202 أبواب لباس المصلي ب 9 ح 1.
(6) الفقيه 1: 170 / 805، التهذيب 2: 212 / 833، الإستبصار 1: 387 / 1471، الوسائل 4: 362
أبواب لباس المصلي ب 9 ح 2.
(7) كما في الفقيه 1: 171.
(8) منهم صاحب الرياض 1: 124.
322

الروايات الثلاث الأول، بل خصوص الأولى منها، للتصريح فيها بالذكاة، وهي
إنما تعتبر في نحو الجلد لا الوبر مما لا تحله الحياة.
وتقييد الاطلاق بالوبر - كما قيل (1) - لا وجه له، ودعوى التبادر ممنوعة
جدا.
وصحيحة سعد: عن جلود الخز، فقال: (هو ذا نحن نلبس) فقلت: ذاك
الوبر جعلت فداك، قال: (إذا حل وبره حل جلده) (2). وعموم التلازم في الجواب
يثبته في الصلاة أيضا، فعدم التصريح فيها بالإذن في الصلاة لا ضير فيه.
وصحيحة البجلي: عن جلود الخز، فقال: (ليس بها بأس) (3). نفى فيها
مطلق البأس عنها، ومنه البأس في الصلاة فيها.
خلافا للسرائر والمنتهى والتحرير (4)، فخصوا الاستثناء بالوبر، لعموم المنع
من جلد ما لا يؤكل (5).
والتوقيع المروي في الاحتجاج فيما سئل عن مولانا صاحب الزمان عليه
السلام: إنه روي عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش
بوبر الأرانب، فوقع: (يجوز) وروي عنه أيضا: أنه لا يجوز، فأي الأمرين يعمل
به؟ فأجاب عليه السلام: (فإنما حرم في هذه الأوبار والجلود، فأما الأوبار وحدها
فحلال) وفي بعض النسخ: (فأما الأوبار فكلها حلال) (6).

(1) رياض المسائل 1: 124.
(2) الكافي 6: 452 الزي والتجمل ب 9 ح 7، التهذيب 2: 372 / 1547، الوسائل 4: 366
أبواب لباس المصلي ب 10 ح 14.
(3) الكافي 6: 451 الزي والتجمل ب 9 ح 3، علل الشرائع: 357 / 1، الوسائل 4: 362 أبواب
لباس المصلي ب 10 ح 1.
(4) السرائر 1: 261 و 262، المنتهى 1: 231، التحرير 1: 30.
(5) الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.
(6) الإحتجاج: 492، الوسائل 4: 366 أبواب لباس المصلي ب 10 ح 15.
323

والعموم مدفوع بما مر، والتوقيع بعدم الدلالة، إذ التحريم بوبر وجلد
معين كما يفيده قوله: (هذه) لا يثبته في غيره، فلعله عليه السلام أراد المنع عما
يؤخذ من أيدي هؤلاء المجوزين لاستعمال ذبيحة الكفار، ولذا جوز منها الأوبار.
ثم إنه اختلفت الأخبار وكلمات أهل الفقه واللغة في حقيقة الخز، ولكن
المعلوم اختلافه إنما هو التعبير ولم يتحقق اختلاف المعنى، ويمكن أن تكون
العبارات باختلافها واردة على مصداق واحد.
ففي رواية ابن أبي يعفور المتقدم بعضها: (إنه دابة تخرج من الماء... وأنه
دابة تمشي على أربع) (1).
وفي روايته الأخرى: عن أكل لحم الخز، قال: (كلب الماء إن كان له ناب
فلا تقربه، وإلا فأقربه) (2).
وفي صحيحة البجلي: عن جلود الخز - إلى أن قال -: جعلت فداك إنها في
بلادي وأنما هي كلاب تخرج من الماء، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا
خرجت من الماء تعيش خارجه؟) فقال الرجل: لا، فقال: (لا بأس) (3).
وفي رواية حمران: عن الخز، فقال: (سبع يرعى في البر ويأوي في الماء) (4)
وصرح في العلل أيضا بأنه كلب الماء (5).
ولا شك أنه لا تنافي بين هذه الروايات، والمستفاد منها أنه كلب الماء.
وأما كلمات القوم ففي بعضها: إنه القندس (6)، وصرح بعضهم أن

(1) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 11، التهذيب 2: 211 / 828، الوسائل 4: 359 أبواب
لباس المصلي ب 8 ح 4.
(2) التهذيب 9: 49 / 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 3.
(3) الكافي 6: 451 الزي والتجمل ب 9 ح 3، علل الشرائع: 357 / 1، الوسائل 4: 362 أبواب
لباس المصلي ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 9: 49 / 205، الوسائل 4 2: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 2.
(5) علل الشرائع: 357.
(6) انظر السرائر 3: 102.
324

القندس هو كلب الماء (1)، وفي آخر: إنه ما خصيته جندبيدستر (2)، وقد اشتهر
أنه خصية كلب الماء.
فلم يعلم اختلاف فيه نصا أو فتوى، والظاهر أنه كلب الماء، كما لم يعلم
اختلاف ذلك المصداق مع ما يسمى في هذا الزمان خزا فيجب فيه الحكم
باتحادهما، تمسكا بأصالة عدم النقل وعدم التعدد وعدم التغير.
وأما ما قيل من أن المستفاد من الأخبار أنهم كانوا ينسجون الثياب من
صوف الخز ووبره وكان ذلك شائعا، والخز المعروف الآن كأنه لا يصلح لذلك (3)،
ففيه: منع عدم الصلاحية، بل يصير صالحا بالغزل كما في شعر الغنم، مع أن
المذكور في الأخبار كونه معمولا من وبره، وصلاحيته للغزل ظاهر جدا.
ثم هل هو مأكول اللحم أم لا؟ مقتضى الجمع بين الأخبار، بل صريح
بعضها كما مر، وإليه أشار بعض المتأخرين (4): أنه على نوعين: مأكول وغير
مأكول، والاستثناء في الثاني مخصوص بالجلد والوبر، وفي الأول يعم كل ما لا
روح له منه خاصة مع عدم التذكية وجميع أجزائه معها، ومع الشك في التذكية
يرجع إلى القاعدة المتقدمة في كتاب الطهارة، ومع الشك في كون جلد خز من قسم
المأكول أو غيره يرجع إلى قاعدة الشك في مأكول اللحم وغيره، فتحل الصلاة فيما
أخذ من يد المسلمين وسوقهم، فتجوز الصلاة في بعض جلود الخز التي عليه ذنب
فيه عظم إذا أخذ من المسلم أو سوقه لذلك.
وتوهم أن استثناء القوم الخز يدل على كونه غير مأكول مطلقا فاسد، لأن
الاستثناء يتم على كون بعض أفراده غير المأكول بل على الفرض والتقدير مطلقا.

(1) نسبه إلى البعض في كشف اللثام 1: 181.
(2) حكاه عن القانون في كشف اللثام 1: 181. جند بيدستراسم مركب من جند - معرب گ ند - وهو
الخصية، وبدستر وهو كلب الماء.
(3) لم نعثر على قائله.
(4) كما في الحدائق 7: 66.
325

ومنها: السنجاب. فتجوز الصلاة في وبره وجلده، وفاقا للمقنع (1)،
والمبسوط نافيا عنه الخلاف (2)، وصلاة النهاية والمعتبر والشرائع والنافع والإرشاد
والمنتهى والتلخيص والشهيدين (3)، وجعله الصدوق في أماليه من دين الإمامية
الذي يجب الإقرار به (4). ونسبه في المنتهى إلى أكثر الأصحاب، والرواية
الدالة
عليه إلى الاشتهار (5)، وفي شرح القواعد إلى كبرائهم (6)، وفي الذخيرة (7) وغيره (8)
إلى المشهور بين المتأخرين، وهو كذلك، بل كما قيل: لعله عليه [عامتهم] غير
نادر منهم (9).
للأصل، والنصوص المستفيضة، كروايتي علي بن أبي حمزة ويحيى بن
عمران، المتقدمتين (10).
وصحيحة أبي علي بن راشد وفيها: (فصل في الفنك والسنجاب، وأما
السمور فلا يصلى فيه) قلت: فالثعالب يصلى فيها؟ قال: (لا) (11).
ورواية مقاتل: عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب، فقال: (لا

(1) المقنع: 24.
(2) المبسوط 1: 82.
(3) النهاية: 97، المعتبر 2: 85، الشرائع 1: 69، المختصر النافع: 24، الإرشاد 1: 246، المنتهى 1: 228، الشهيد الأول في الذكرى: 144، والدروس 1: 150 والبيان: 120، الشهيد الثاني في روض الجنان: 207، والمسالك 1: 23، والروضة 1: 206.
(4) أمالي الصدوق: 513.
(5) المنتهى 1: 228.
(6) جامع المقاصد 2: 79.
(7) الذخيرة: 226.
(8) كالحدائق 7: 68.
(9) كما في الرياض 1: 124، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(10) في ص 307 و 321.
(11) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 14، التهذيب 2: 210 / 822، الإستبصار 1: 384 / 1457، الوسائل 4: 349 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 5.
326

خير في ذلك كله ما خلا السنجاب) (1).
ورواية الوليد: أصلي في الفنك والسنجاب؟ قال: (نعم) فقلت: يصلى في
الثعالب إذا كانت ذكية؟ قال: (لا تصل فيها) (2). ورواية بشير: عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل
التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الإسلام أن أتي فيه لغير تقية؟ فقال: (صل في
السنجاب والحواصل الخوارزمية، ولا تصل في الثعالب ولا السمور) (5).
وصحيحة الحلبي: عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه،
قال: (لا بأس بالصلاة فيه) (4).
وضعف إسناد بعضها غير ضائر، ولو كان فبما مر منجبر، وتضمن بعضها
لما لا يقولون به لا يضر.
خلافا للمحكي عن الشيخ في قوله الآخر في أطعمة النهاية (5)، وعن
المختلف ونهاية الإحكام (6)، والحلي والقاضي (7)، وظاهر الإسكافي (8)، والحلبي

(1) الكافي 3: 401، الصلاة ب 65 ح 16، التهذيب 2: 210 / 821، الإستبصار 1:
384 / 1456، الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 2.
(2) التهذيب 2: 207 / 811، الإستبصار 1: 382 / 1450، الوسائل 4: 349 أبواب لباس
المصلي ب 3 ح 7.
(3) التهذيب 2: 210 / 823، الإستبصار 1: 384 / 1458، مستطرفات السرائر: 66 / 6
الوسائل 4: 348 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 4.
(4) التهذيب 2: 210 / 825، الإستبصار 1: 384 / 1459، الوسائل 4: 347 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 1.
(5) النهاية: 586.
(6) المختلف: 79، نهاية الإحكام: 375.
(7) الحلي في السرائر 1: 262، القاضي في المهذب 1: 75 وشرح الجمل: 74.
(8) حكاه عنه في المختلف: 79.
327

والسيد وابن زهرة والمفيد (1)، والخلاف والجمل والاقتصاد والمصباح (2) ومختصره،
إلا أن بعض الأجلة حكى عن غير الخمسة الأولى الاحتياط بالمنع (3). ونسب المنع
في شرح القواعد إلى ظاهر قول الأكثر (4)، وعن الذكرى وروض الجنان: نسبته إلى
الأكثر (5)، وعن ابن زهرة: دعوى الإجماع عليه (6)، وعن التحرير والقواعد
والإيضاح والصيمري: التردد (7)، لاقتصارهم على نقل القولين من غير ترجيح.
وصرح بالتوقف شيخنا البهائي (8).
كل ذلك لموثقة ابن بكير، المتقدمة (9)، والعمومات (10)، والرضوي: (ولا
تجوز الصلاة في سنجاب وسمور وفنك، فإذا أردت الصلاة فانزع عنك) (11).
وعن موضع آخر منه: (وإن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك
وأردت الصلاة فيه فانزعه) (12).
والمروي في العلل: (وعلة أن لا يصلى في السنجاب والسمور والفنك قول

(1) الحلي في الكافي: 140، حكاه القاضي عن جمل السيد في شرحه: 74، ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 555، المفيد في المقنعة: 150.
(2) الخلاف 1: 511، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 177، الإقتصاد: 259، مصباح
المتهجد: 25.
(3) كما في كشف اللثام 1: 182.
(4) جامع المقاصد 2: 79.
(5) الذكرى: 144، روض الجنان: 207.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(7) التحرير 1: 30، القواعد 1: 27، الإيضاح 1: 83، حكاه عن الصيمري في الرياض 1: 124.
(8) الحبل المتين: 182.
(9) في ص 307.
(10) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.
(11) فقه الرضا عليه السلام: 157، مستدرك الوسائل 3: 199 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 2.
(12) لم نعثر عليه في فقه الرضا عليه السلام، ولكنه موجود في الفقيه 1: 170 نقلا عن والده في رسالته.
328

رسول الله صلى الله عليه وآله) (1).
ورواية أبي حمزة: عن أكل لحم السنجاب والفنك والصلاة فيهما، فقال أبو
خالد: إن السنجاب يأوي الأشجار، قال: فقال: إن كان له سبلة كسبلة السنور
والفأرة فلا يؤكل لحمه ولا تجوز الصلاة فيه، ثم قال: (أما أنا فلا آكله ولا
أحرمه) (2).
ومع مخالفة هذه للعامة، وهي المرجحة لها على ما مر، مع اعتضادها
بالمنقول من الاجماع والشهرة، وخلوها عن التضمن لما لم يقل به أحد من الطائفة.
ويضعف الأخير بعدم الدلالة جدا، لكون التحريم فيها مشروطا بأمر غير
محقق، بل دلالته على أكل اللحم المجوز للصلاة أظهر.
وسابقه بالخلو عن الدال على التحريم.
وسابقه بالضعف، والانجبار بالشهرة إنما يفيد لو كانت محققة أو محكية
خالية عن المعارض، وكذا نقل الإجماع، مع أن الظاهر استناد حكايتهم الشهرة
إلى إطلاق المنع فيما لا يؤكل من غير استثناء في كلام جملة من القدماء، ونقل
الإجماع هنا أيضا على العموم وفي الجواز على خصوص السنجاب.
مع أن فيه - بعد قوله أولا: (فانزع عنك) -: (وقد أروي فيه رخصة) وهو
مشعر بأن الأصل المنع والجواز رخصة، كما عن ظاهر الصدوق والخلاف
والتهذيبين والديلمي والجامع (3).
وسابقاه بوجود المخصص.

(1) حكاه عن العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم في البحار 80: 235 / 32.
(2) التهذيب 9: 50 / 206، الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1 4 ح 1. والسبلة:
الشارب راجع الصحاح 5 / 1724.
(3) الصدوق في الفقيه 1: 170، الخلاف 1: 511، التهذيب 2: 211، الإستبصار 1: 385،
الديلمي في المراسم: 4، الجامع للشرائع: 66.
329

ودعوى جماعة صراحة الموثقة في المنع عن السنجاب (1) - لابتناء الجواب
العام فيه عليه، لسبق السؤال الذي يصير كالنص في المسؤول عنه - غير
صحيحة، كما صرح به طائفة، منهم والدي رحمه الله (2)، لإمكان تخصيص
السنجاب في الجواب بأن يقال: كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره مثلا حرام
إلا السنجاب الذي سألت عنه، وحيث جاز التخصيص متصلا جاز منفصلا،
لعدم الفرق، وجريان أدلة حمل العام على الخاص.
ولو قطع النظر عن جميع ذلك فيتعارض الدليلان، والترجيح لدليل الجواز؟
لاشتهار أخباره وأكثريتها وموافقتها للشهرة المحققة.
وجعلها مرجوحة باعتبار الموافقة للعامة مردود بأن أكثرها يتضمن المنع عما
ظاهرهم الاتفاق على الجواز فيه كما حكاه جماعة (3)، فالتفصيل لا يوافق مذهبهم،
فيصدق عليه أيضا أنه لهم مخالف.
والقول بأن للتقية ضروبا فلعل مقتضاها هنا التفصيل، مدفوع بأن ما يدل
على ترجيح مخالف العامة لا يجري هنا، ومحض احتمال تصحيح التقية غير كاف
في الترجيح.
مع أن السؤال في رواية بشير عن الصلاة فيه لغير تقية، وجوزها في
السنجاب والحواصل، ومنعها في السمور والثعالب، فالجواز مما لا ينبغي الريب فيه
نعم، لا يبعد القول بالكراهة كما عن الوسيلة (4)، خروجا عن شبهة
الخلاف دليلا وفتوى، وتحصيلا ليقين البراءة.

(1) كما في المدارك 3: 171، والذخيرة: 226، والحدائق 7: 69.
(2) وصاحب الرياض 1: 124.
(3) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 214.
(4) الوسيلة: 87.
330

ومنها: الثعالب والأرانب، ورد استثناؤهما في الأخبار المستفيضة (1)، وقد
مال إليه المحقق كما مر (2)، وبعده في المدارك (3).
وهو ضعيف غايته، لمعارضة تلك الروايات بأكثر منها من روايات المنع
المتقدمة كثير منها، مضافة إلى عمومات المنع في مطلق ما لا يؤكل (4)، والمانعة عن
الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب وما يشبهه (5)، والتوقيع المروي في الخرائج:
(فأما السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه) (6) ورجحان الأخيرة
بالأكثرية ومخالفة العامة.
مع أن الظاهر عدم حجية الأولى؟ لمخالفتها للشهرة القديمة والجديدة
المحققة، والمحكية مستفيضة في كلام جماعة، منهم المعتبر والمدارك (7)، بل في
الأخير إجماعهم على المنع بحسب الظاهر، وعن الخلاف نفي الخلاف عنه (8).
ويشعر به كلام الدروس والبيان (9)، حيث جعلا رواية الجواز مهجورة متروكة
مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما هو صريح الانتصار (10). مضافا إلى ما مضى
من الإجماعات المحكية في خصوص المغشوش بوبر الأرانب والثعالب، فطرحها
أو حملها على التقية لازم، سيما مع عمومها بالنسبة إلى الضرورة والتقية،

(1) انظر الوسائل 4: 355 أبواب لباس المصلي ب 7.
(2) في ص 309.
(3) المدارك 3: 173.
(4) انظر الوسائل 4: 345 أبواب لباس المصلي ب 2.
(5) انظر الوسائل 4: 361 أبواب لباس المصلي ب 9.
(6) الخرائج والجرائح 2: 702 / 18، مستدرك الوسائل 3: 197 أبواب لباس المصلي ب 3 ح 1.
(7) المعتبر 2: 86، المدارك 3: 173.
(8) لم نعثر عليه في الخلاف.
(9) الدروس 1: 150، البيان: 120.
(15) الإنتصار: 38.
331

وخصوص بعض أخبار المنع (1) بالنسبة إليهما، مع أنه لو قطع النظر عن الترجيح
يكون المرجع عمومات المنع.
ومنها: السمور بفتح السين ثم الميم المشددة، وهو - كما ذكره الشهيد الثاني
في حاشية المسالك - حيوان يشبه السنور.
وفي المصباح المنير: حيوان ببلاد الروس ويشبه النمس منه أسود لامع
وأشقر (2).
وفي التحفة: حيوان يشبه الدلق (3)، وأسود منه.
والفنك بفتح الفاء والنون، وهو كما في المصباح المنير: نوع من الثعلب
الرومي (4).
وفي الصحاح: هو الذي يتخذ منه الفراء (5).
وفي القاموس: دابة فروتها أطيب أنواع الفراء (6).
وفي التحفة: إن جلده يكون أبيض وأشقر وأبلق، وحيوانه أكبر من
السنجاب، ويؤخذ من بلاد الروس والترك.
وفي الحبل المتين: حيوان غير مأكول اللحم (7).
وفي البحار: لا نعرفه في تلك البلاد على التعيين (8). وهو كذلك.

(1) كرواية بشير المتقدمة في مر 327، وصحيحة علي بن مهزار: الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي
ب 7 ح 3، ورواية الأبهري: الوسائل 4: 356 أبواب لباس المصلي ب 7 ح 5.
(2) المصباح المنير: 288 والنمس بالكسر: دويبة بمصر تقتل الثعبان. القاموس المحيط 2: 266.
(3) في مفردات التحفة: دلق اسم حيواني است شبيه به سمور ودر أصفهان موسورة، وبفارسي دله
گويند. منه رحمه الله تعالى.
(4) المصباح المنير: 481.
(5) الصحاح 4: 1605.
(6) القاموس المحيط 3: 327.
(7) الحبل المتين: 180.
(8) البحار 80: 226.
332

استثناهما في المقنع والأمالي (1)، وقد عرفت ميل المحقق إليه أيضا (2)
لبعض الروايات الغير الصالح للحجية، من جهة مخالفتها لعمل معظم الفرقة،
ومتروكيتها بشهادة الشهيد (3)، ومعارضتها لأكثر منها الراجح عليها باعتبار مخالفة
العامة وأحدثية البعض، وهما من المرجحات المنصوصة، ووجوب الرجوع إلى
عمومات المنع لولا الترجيح.
ومنها: الحواصل، وهي كما في حياة الحيوان: طيور كبار لها حواصل
عظيمة (4).
وقال ابن البيطار: وهذا الطائر يكون بمصر كثيرا، ويعرف بالبجع وهو
جمل الماء (5).
استثناها الشيخ في النهاية والمبسوط (6)، وادعى الإجماع فيه عليه.
وفي المنتهى بعد نقل ذلك: وهذا يدل على جواز ذلك عند أكثر
الأصحاب (7). انتهى.
واستثناه والدي - رحمه الله - في المعتمد أيضا مدعيا ظاهر الوفاق عليه.
لأخبار تدل عليه بظاهرها تقدم بعضها، ومنها التوقيع الرفيع: (وإن لم يكن

(1) قال في المقنع ص 24: لا بأس بالصلاة في السنجاب والسمور والفنك. وقال في الأمالي ص 513:
ما لا يؤكل لحمه فلا يجوز الصلاة في شعره ووبره إلا ما رخصه الرخصة وهي الصلاة في السنجاب
والسمور والفنك والخز، والأولى أن لا يصلى فيها، ومن صلى فيها جازت صلاته، وأما الثعالب فلا
رخصة فيها إلا في حال التقية. منه رحمه الله تعالى.
(2) راجع ص 309.
(3) الدروس 1: 150، البيان: 120.
(4) حياة الحيوان 1: 388.
(5) حكاه عنه في البحار 80: 228.
(6) النهاية: 97، المبسوط 1: 83.
(7) المنتهى 1: 228.
333

لك ما تصلي فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه) (1).
والتقريب: أنه لو لم تجز الصلاة فيه لم تجز مع عدم الساتر أيضا كما في
الحرير، فالتقييد محمول على الاستحباب كما جوزه في البحار.
وهذه الأخبار خالية عن غير المعارض العام، فالمصير إليها متعين.
وقول الشهيد في الدروس والبيان بأن رواية الجواز في الحواصل مهجورة (2)
- بعد نفي مثل الشيخ (3) الخلاف الدال على الاشتهار في الصدر المتقدم كما صرح
به في المنتهى (4) - غير ضائر.
وأما الرضوي: (وقد تجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض ولم يحل أكله، مثل
السنجاب والفنك والسمور والحواصل، إذا كان فيما لا تجوز في مثله وحده الصلاة
تجوز لك الصلاة فيه) (5) فدلالته على المنع فيما تجوز فيه الصلاة بالمفهوم الساقط
هنا قطعا، لسقوط منطوقه الذي هوله تابع.
ومنها: القاقم، قال في المصباح المنير: القاقم حيوان ببلاد الترك على شكل
الفأرة إلا أنه أطول ويأكل الفأرة هكذا أخبرني بعض الترك (6).
وقال في حياة الحيوان: دويبة يشبه السنجاب إلا أنه أبرد منه مزاجا وأرطب
ولهذا هو أبيض يقق ويشبه جلد الفنك وهو أعز قيمة من السنجاب (7).
وفي مفردات التحفة ما ترجمته: القاقم جلد حيوان أكبر من الفأرة وأبيض،
ومؤخره قصير ورأس مؤخره أسود، ولبسه أحر من السنجاب وأبرد من السمور،

(1) الخرائج والجرائح 2: 702 / 18.
(2) الدروس 1: 150، البيان: 120.
(3) المبسوط 1: 83.
(4) المنتهى 1: 228.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 302، مستدرك الوسائل 3: 208 أبواب لباس المصلي ب 14 1 ح 1.
(6) المصباح المنير: 512.
(7) حياة الحيوان 2: 195، وأبيض يقق أي شديد البياض ناصعه. الصحاح 4: 1571.
334

وفي الخواص كالفنك.
واستثناه في روايتين مرويتين في قرب الإسناد وكتاب المسائل بإسنادهما عن
علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام: عن لبس السمور والسنجاب والفنك
والقاقم، قال: (لا يلبس ولا يصلى فيه إلا أن يكون ذكيا) (1).
ولكن بإزائهما رواية أخرى مانعة في دعائم الإسلام: عن الصادق عليه
السلام عن فرو الثعلب والسنور والسمور والسنجاب والفنك والقاقم، قال:
(يلبس ولا يصلى فيه) الحديث (2).
ولكنها غير صريحة في التحريم، لمكان النفي، ومع ذلك غير ثابتة الحجية
وإن كانت روايتا الجواز أيضا كذلك، فاللازم الرجوع إلى كونه غير مأكول اللحم
ومأكوله، والمظنون - من عده في الروايات مع ما عد، ومن قول صاحب المصباح:
إنه يأكل الفأرة - عدم أكل لحمه، فالأحوط ترك الصلاة فيه.
الرابع من شرائط لباس المصلي: أن لا يكون حريرا محضا إن كان رجلا،
فتبطل معه بالإجماع المحقق والمحكي في الانتصار والمعتبر والمنتهى والتذكرة
والمدارك والبحار (3) والمعتمد، وعن الخلاف والذكرى (4)، وغيرها (5)، وهو الحجة.
في المقام.
مضافا إلى النصوص المتكثرة، كصحيحتي الصهباني، إحداهما التي
تقدمت (6).

(1) قرب الإسناد: 282 / 1116، مسائل علي بن جعفر: 152 / 205، الوسائل 4: 352 أبواب
لباس المصلي ب 4 ح 6.
(2) دعائم الإسلام 1: 126، المستدرك 3: 199 أبواب لباس المصلي ب 4 ح 1.
(3) الإنتصار: 37، المعتبر 2: 87، المنتهى 1: 228، التذكرة 1: 95، المدارك 3: 173، البحار
80: 239.
(4) الخلاف 1: 504، الذكرى: 145.
(5) ككشف اللثام 1: 185، والرياض 1: 125.
(6) في ص 310.
335

والثانية: هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب: (لا
تحل الصلاة في حرير محض) (1).
وصحيحتي الأحوص:
إحداهما: هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال: (لا) (2).
والأخرى: عن الثوب الإبريسم هل يصلي فيه الرجال؟ قال: (لا) (3).
والتوقيع المروي في الاحتجاج: إن ثيابا عتابية على عمل الوشي من قز أو
إبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب عليه السلام: (لا تجوز الصلاة إلا
في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان) (4).
والرضوي: (ولا يصلى في ديباج وفي حرير ولا في وشئ ولا في ثوب إبريسم
محض ولا في تكة إبريسم، وإذا كان سداه إبريسم ولحمته قطن أو كتان أو صوف
فلا بأس بالصلاة فيها) (5).
ويدل عليه أيضا عن لبسه للرجال وعدم جوازه لهم في غير ما استثني بإجماع
الأمة كما هو محقق ومحكي (6) متواترا، بل عد من ضروريات الدين ومسلمات
المسلمين، وتواترت به النصوص من الطريقين.
ففي موثقة إسماعيل بن الفضل: (لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلا في

(1) الكافي 3: 399 الصلاة ب 65 ح 10، التهذيب 2: 207 / 812، الإستبصار 1:
385 / 1462، الوسائل 4: 368 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 2.
(2) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 12، الإستبصار 1: 385 / 1463، الوسائل 4: 367 أبواب
لباس المصلي ب 11 ح 1.
(3) التهذيب 2: 207 / 813.
(4) الإحتجاج: 492، الوسائل 4: 375 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 8.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 157، مستدرك الوسائل 3: 206 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 1.
(6) في الإنتصار: 37، والمعتبر 2: 87، والمنتهى 1: 228، والتذكرة 1: 95، وشرح القواعد (جامع
المقاصد) 2: 83، والمدارك 3: 3 1، والخلاف 1: 504 و 649، والذكرى: 145، والتحرير
1: 30، وروض الجنان: 207، والمعتمد وغيرها (البحار 80: 239). منه رحمه الله تعالى.
336

الحرب) (1).
والأخرى: في الثوب يكون فيه الحرير، فقال: (إن كان فيه خلط فلا
بأس) (2).
ورواية عبيد: (لا بأس بلباس القز إذا كان سداه أو لحمته مع قطن أو
كتان) (3) إلى غير ذلك.
ولكن الدليل الأخير يختص بما إذا كان اللباس مستورا به العورة كما صرح
به في المدارك (4) والمعتمد وغيرهما (5)، حيث إن صحة الصلاة حينئذ موجبة لاجتماع
الواجب والحرام في شئ واحد باعتبارين، وهو محال باتفاق العقلاء.
فالتعميم فيه - كبعضهم (6) - غير سديد، لعدم استلزام النهي عن غير ما
يستر به العورة لبطلان الصلاة بوجه، بل صرح والدي - رحمه الله - في المعتمد
بالإجماع على عدم الفساد لذلك حينئذ.
بل الظاهر القدح في الاستدلال في صورة الاستتار به أيضا لعدم وجوب
الستر واللبس إلا توصلا، بل شرط الصلاة هو مستورية العورة، ولذا يكفي
حصولها بأي نحو كان ولو من غير المكلف بل ولو من غير شخص، كما لو أسقط
عليه ثوب وستره، فحينئذ لا يجب عليه ستر أصلا.
ويظهر منه أن وجوب الستر على المصلي ليس إلا كوجوب غسل ثوبه، فكما

(1) الكافي 6: 453، الزي والتجمل ب 11 ح 4، الوسائل: 371 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 1.
(2) الكافي 6: 455 الزي والتجمل ب 11 ح 14، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13
ح 4.
(3) الكافي 6: 454 الزي والتجمل ب 11 ح 10، الوسائل 4: 474 أبواب لباس المصلي ب 13
ح 2.
(4) المدارك 3: 174.
(5) كالمعتبر 2: 87.
(6) انظر: الذكرى: 145، وجامع المقاصد 2: 83، وكشف اللثام 1: 186.
337

أنه لا تبطل الصلاة بالغسل بالماء المغصوب فكذا هنا.
والسر أن زوال النجاسة وحصول المستورية ونحوهما ليسا من العبادات
الفاسدة بالنهي، فمع التوصل إليهما بالطريق المنهي عنه يحصلان، وبعد حصولهما
يتحقق شرط الصلاة، والشرط ليس منهيا عنه، بل المنهي عنه طريق تحصيله.
ومن هنا نقول بعدم فساد الواجب بالتوصل إليه بمقدمة منهية عنها مع قولنا
بوجوب المقدمة وعدم جواز الاجتماع الأمر والنهي ولو في الواجبات التوصلية،
فنقول: إن الواجب هو الإتيان بالمقدمة المباحة للتوصل إلى ذيها، ولكن لكون
وجوبها مشروطا بتوقف الواجب عليه ينتفي وجوب المقدمة بعد حصولها بأي نحو
كان، ولذا يحكم ببراءة الذمة بالتوصل بالمقدمة المنهية عنها إلا مع الانحصار.
نعم لو كانت المقدمة مما يفسد بالنهي كالوضوء والغسل يفسد ذوها
بفسادها، وتمام التحقيق في ذلك في كتبنا الأصولية.
وأما القول ببطلان الصلاة للنهي المذكور المستلزم للأمر بالنزع الموجب
للنهي عن ضده الذي هو الصلاة، فمردود بعدم التضاد، لاجتماعهما، مع أنه
معارض بالأمر بالصلاة الموجب للنهي عن النزع لو كان ضدا له. فالمناط في
الاستدلال بالبطلان: الإجماع والنصوص.
وأما صحيحة ابن بزيع: عن الصلاة في ثوب ديباج، فقال: (ما لم يكن فيه
التماثيل فلا بأس) (1) فمحمولة على غير المحض حيث لم يعلم كون الديباج حقيقة
في المحض، أو على حال الضرورة، أو الحرب، أو النساء، حملا للعام على
الخاص.
ولو منع ذلك، يجب طرحها قطعا، لمخالفتها الإجماع وموافقتها العامة (2).

(1) التهذيب 2: 208 / 815، الإستبصار 1: 386 / 1465، الوسائل 4: 370 أبواب لباس
المصلي ب 11 ح 10.
(2) انظر المغني 1: 661، وقد نسب فيه القول بالصحة إلى أبي حنيفة والشافعي.
338

وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: لا خلاف في جواز لبس الحرير حال الضرورة والحرب
مطلقا ولو من غير ضرورة، ونقل الإجماع عليه متكرر (1)، والعمومات عليه دالة،
والنصوص به مستفيضة (2)، وهي كعبارات الأصحاب ناطقة بجواز اللبس من غير
ذكر الصلاة، ولكن يشعر بجوازها فيه في الحالين بعض عبارات الأصحاب. ولا
شك فيه مع اقتضاء الضرورة له أيضا، وأما بدونه ففيه إشكال (3).
ولا يبعد ترجيح الجواز، لمعارضة إطلاق جواز اللبس في حال الحرب مع
إطلاق المنع حال الصلاة الموجبة للرجوع إلى أصل الجواز، بل لا يبعد دعوى
الإجماع على عدم الفصل بين الجوازين، كما يستفاد من احتجاجاتهم، وصرح به
بعض الأجلة (4) وإن ظهر خلافه من شرح الجعفرية (5).
الثانية: مقتضى أكثر الأخبار المتقدمة والمصرح به في كلام جميع علمائنا:
اختصاص تحريم اللبس وإبطال الصلاة بالحرير المحض، فلا تبطل بغيره ولو كان
الخليط قليلا ما لم يكن مستهلكا بحيث يصدق على الثوب أنه إبريسم.
قال في المعتبر والمنتهى: إنه مذهب علمائنا (6)، بزيادة (أجمع) في الثاني،
وعليه الإجماع في شرح القواعد أيضا (7).
وفي المعتمد: ولو كان الخليط عشرا. وكذا في التذكرة (8)، إلا أنه لم يتعرض

(1) انظر المعتبر 2: 88، والمنتهى 1: 228، والذكرى: 145، وروض الجنان: 207.
(2) انظر الوسائل 4: 371 أبواب لباس المصلي ب 12.
(3) وتظهر الفائدة في حال الحرب بدون ضرر اللبس. منه رحمه الله تعالى.
(4) لم نعثر على شخصه.
(5) حيث قال فيه: لكن عدم جواز اللبس في غير الصلاة ليس عاما بل إذا كان في غير الحرب وغير
الضرورة. منه رحمه الله تعالى.
(6) المعتبر 2: 90، المنتهى 1: 229.
(7) جامع المقاصد 2: 83.
(8) التذكرة 1: 95.
339

للقلة والكثرة.
وهو الحجة في المقام، مضافا إلى عدم صدق ثوب الحرير ولا القز ولا
الإبريسم المذكورة في الأخبار بدون التمحض أو استهلاك الخليط.
والمستفيضة: منها: موثقة ابن الفضل، المتقدمة (1).
وصحيحة البزنطي: عن الثوب الملحم بالقز والقطن، والقز أكثر من
النصف، أيصلى فيه؟ قال: (لا بأس، وقد كان لأبي الحسن عليه السلام منه
جباب) (2).
والمروي في المكارم: (لا بأس بإبريسم إذا كان معه غيره) (3) وغير ذلك.
ولا ينافيه التوقيع المذكور (4)، لعدم تصريح فيه بوجوب كون جميع السداء
واللحمة قطنا أو كتانا.
ومقتضى إطلاق جميع ما ذكر: كفاية ما صرحوا به من الخليط القليل ولو
كان عشرا كما مر، وهو كذلك.
واللازم - كما صرح به غير واحد منهم الحلي والمحقق الثاني (5) - اشتراط كون
الخليط مما تجوز فيه الصلاة، فلو لم تجز لم تجز، لا لأجل صدق الحرير، بل لأنه
أيضا يبطلها.
نعم، يشترط في الإبطال به أن لا يشترط فيه أيضا ما يشترط في الإبريسم

(1) في ص 336.
(2) الكافي 6: 455 الزي والتجمل ب 11 ح 11، الوسائل 4: 373 أبواب لباس المصلي ب 13
ح 1.
(3) مكارم الأخلاق 1: 237 / 700.
(4) راجع ص 336.
(5) الحلي في السرائر 1: 263، المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 83.
ومنهم الشهيد في الذكرى، وصاحب المفاتيح، وشارحه، والمحقق الخوانساري. منه رحمه الله تعالى.
340

من المحوضة، بل كان مبطلا مطلقا، كأوبار غير ما استثني مما لا يؤكل. وأما غيره
كالذهب - على أن يكون المبطل لبسه محضا - فلا يبطل، للأصل، وعدم تحقق ما
يصدق عليه المبطل.
ولا يفيد الخلط بالقز، لأنه إبريسم كما صرح به في رواية موسى (1).
ثم الجواز مختص بالممتزج، فلو خيط الحرير بغيره أو كانت البطانة أو
الظهارة حريرا والآخر غيره لم يرتفع المنع إجماعا؟ لصدق الحرير المحض.
وأما المحشو بالقز فالظاهر فيه الجواز، وفاقا لجماعة من المتأخرين (2)، منهم
والدي رحمه الله، للأصل السالم عن معارضة الإجماع، وأخبار المنع المشتملة إما على الثوب الممنوع صدقه على المورد، أو الحرير الغير المعلوم صدقه على غير
الثوب، بل في الصحاح: إن الحرير من الثياب (3).
ولصحيحة ابن سعيد: عن الصلاة في ثوب حشوة قز، فكتب إليه وقرأته:
(لا بأس بالصلاة فيه) (4). ونحوها رواية السمط (5).
ومكاتبة إبراهيم بن مهزيار: في الرجل يجعل في جيبه بدل القطن قزا هل
يصلي فيه؟ فكتب: (نعم لا بأس) (6).
خلافا للمحكي عن الأكثر (7)، تمسكا بالعمومات، وتضعيفا للروايات،
ومخالفة للعامة.

(1) الكافي 6: 454، الزي والتجمل ب 11 ح 9، الوسائل 4: 368 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 4.
(2) منهم الشهيد في الذكرى: 145، وصاحب المدارك 3: 176، والمحقق السبزواري في الذخيرة:
227، والمجلسي في البحار 80: 239، والمحقق الخوانساري في حواشي شرح اللمعة: 196، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 185
(3) الصحاح 2: 628.
(4) التهذيب 2: 364 / 1509، الوسائل 4: 444 أبواب لباس المصلي ب 47 ح 3.
(5) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 15، الوسائل 4: 444، أبواب لباس المصلي ب 47 ح 3.
(6) الفقيه 1: 171 / 807، الوسائل 4: 444 أبواب لباس المصلي ب 47 ح 4.
(7) كما في البحار 80: 239.
341

والأول غير دال، ولو دل لما يفيد مع الخاص المنافي.
والثاني ممنوع.
والثالث إنما يفيد مع وجود المعارض، وهو هنا مفقود.
الثالثة: حرمة لبس الحرير مختصة بالرجال، فيجوز للنساء لبسه بإجماع
المسلمين، بل كما قيل: بالضرورة من الدين (1). والأخبار به مستفيضة (2)،
والدالة بظاهره على ما ينافيه متروكة أو مؤولة.
وكذا تجوز صلاتهن فيه بلا خلاف ظاهر، إلا من الصدوق في الفقيه حيث
منع (5)، والفاضل في المنتهى حيث توقف (4)، والمحقق الأردبيلي حيث مال إليه (5).
بل عن صريح المختلف (6)، وظاهر الذكرى وروض الجنان (7): اتفاق ما عدا
من
ذكر من الأصحاب على الجواز، وهو كذلك كما يظهر على المتتبع.
فالمسألة بحكم الحدس إجماعية، وهي في بعض العبارات مصرحة (8)
ومخالفة الشاذ فيها غير قادحة، وملاحظة حال المسلمين في الأعصار من عدم
منعهن من الصلاة فيه لها مؤكدة، فهي في المسألة الحجة، مضافة إلى الأصل
والاستصحاب السالمين عن معارضة غير ما يأتي من بعض الإطلاقات المعارض
لمثله الموجب للتساقط، وبعض الروايات البعيد عن الحجية، لمخالفته عمل
المعظم من القدماء والمتأخرين، المؤيدين باختصاص أكثر الأخبار سؤالا أو حكما
بصلاة الرجال، مع أنه لو شملهن المنع لكان السؤال عن صلاتهن فيه أولى، لجواز

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) انظر الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16.
(3) الفقيه 1: 171.
(4) المنتهى 1: 229.
(5) مجمع الفائدة 2: 84.
(6) المختلف: 80.
(7) الذكرى: 145، روض الجنان: 208.
(8) انظر حاشية المدارك (المدارك): 140، والرياض 1: 126.
342

لبسهن له في غيرها.
وقد يستدل بمفهوم الحصر في رواية يوسف بن محمد: (لا بأس بالثوب أن
يكون سداه وزره وعلمه حريرا، وإنما يكره الحرير المبهم للرجال) (1). وهو
ضعيف.
خلافا لمن تقدم، لما تقدم من الإطلاق.
ورواية زرارة: (سمعت أبا جعفر عليه السلام ينهى عن لباس الحرير
للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز لحمته أو سداه خز أو قطن أو
كتان، وإنما يكره المحض للرجال والنساء) (2) حيث لا يمكن حملها على مطلق
اللبس إجماعا، فينبغي التقييد بحال الصلاة.
والمروي في الخصال: (يجوز للمرأة لبس الحرير والديباج في غير صلاة
وإحرام، وحرم ذلك على الرجال إلا في الجهاد) (3).
ويضعف الأول: بمعارضته مع إطلاق النصوص المرخصة لهن في لبسه
الشامل لحال الصلاة، بل عموم بعضها كموثقة ابن بكير: (النساء تلبس الحرير
والديباج إلا في الإحرام) (4).
والتعارض بالعموم من وجه، وحينئذ وإن أمكن تقييد كل منهما بالآخر،
إلا أن تقييد إطلاقات المنع بخصوص الرجال أولى من العكس وتقييد إطلاق
الجواز بغير حال الصلاة، لوقوع التقييد الأول في كثير من الأخبار، وموافقته

(1) الفقيه 1: 171 / 808، التهذيب 2: 208 / 817 وفيهما: البهم، الإستبصار 1:
486 / 1467، الوسائل 4: 375 أبواب لباس المصلي ب 13 ح 6، والمراد بالمبهم الخالص
الذي لا يمازجه شئ - مجمع البحرين 6: 20.
(2) التهذيب 2: 367 / 1524، الإستبصار 1: 386 / 1468، الوسائل 4: 374
أبواب لباس
المصلي ب 13 ح 5.
(3) الخصال: 588 / 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
(4) الكافي 6: 454 الزي والتجمل ب 11 ح 8، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 3.
343

للشهرة العظيمة، بل كما عرفت الإجماع، مع أنه مع التكافؤ يرجع إلى الأصل وهو أيضا مع الجواز.
والثانيان: بعدم الحجية كما مر، مع أن تقييد أولاهما بحال الصلاة - مع
عدم إشعار به فيها، وأقليتها بالنسبة إلى سائر الأحوال، وعدم وجه له في الرجال -
ليس بأولى من حمل النهي على المرجوحية الشاملة للحرمة والكراهة بعموم المجاز،
خصوصا بملاحظة آخر الخبر. وحمل عدم الجواز في الثانية على الكراهة أولى من
طرح أحد جزأيها، وهو عدم جواز لبسه في الأحرام، حيث إنه يجوز للأخبار.
نعم، الظاهر كراهة الصلاة في الحرير لهن وأفضلية تركها، كما عن
الوسيلة والنزهة والجامع والمبسوط (1)، وفي النهاية والسرائر (2)، لما ذكر.
وفي كون المشكل من الخنثى كالذكر أو الأنثى قولان:
الأول هو الأظهر، لإطلاقات المنع، خرجت النساء فيبقى الباقي.
والثاني، للأصل المندفع بما مر، وتبادر الاختصاص بالرجال المردود بالمنع.
ولكن ذلك في الصلاة، وأما في اللبس فالحق كونه كالثاني، لاختصاصه بالرجال
إجماعا نصا وفتوى.
ولا شك في عدم تحريم لبسه على الصبي، لأنه حكم شرعي مشروط
بالتكليف، وتؤكده رواية عبد الملك بن عتبة (3)
وهل على الولي منعه منه؟ الأظهر الموافق لقول الأكثر: لا، للأصل، وعدم
الدليل.
وقيل: نعم (4)، لعموم النبوي: (هذان - أي الذهب والحرير - محرمان على

(1) الوسيلة: 87، النزهة: 24، الجامع للشرائع: 65، المبسوط 1: 83.
(2) النهاية: 97، السرائر 1: 263.
(4) الكافي 4: 229 / 1، الفقيه 2: 164 / 709، التهذيب 5: 449 / 1567، الوسائل 13: 257
أبواب مقدمات الطواف ب 26 ح 1.
(4) كما في المعتبر 2: 91.
344

ذكور أمتي دون إناثهم) (1).
وقول جابر: (كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري) (2).
وهما ضعيفان غير صالحين للحجية، مع أن الأول مخصص بالمكلفين
قطعا، والثاني غير دال على الوجوب، فلعله للاستحباب والتمرين.
وتصح معه صلاته التمرينية.
الرابعة: لو لم يجد المصلي إلا الحرير وأمكنه التعري صلى عاريا، لأن وجود
المنهي عنه كعدمه، وظاهر المدارك والمعتمد: الإجماع عليه (3).
ولو وجد النجس معه صلى مع النجس لو اضطر إلى اللبس، لورود الأذن
فيه. ومع عدم الاضطرار يتخير بينه وبين العريان كما مر.
الخامسة: في جواز الصلاة في نحو التكة والقلنسوة مما لا تتم الصلاة فيه
من الحرير للرجال قولان:
المنع، وهو للمفيد والصدوق والإسكافي (4)، والشيخ في النهاية (5)،
والديلمي وابن حمزة (6)، والمختلف والمنتهى والبيان والمدارك والمعالم (7)
، والأردبيلي
والخوانساري والمجلسي والسبزواري (8)، ووالدي العلامة رحمه الله، ونسب إلى
اللمعة والقواعد (9)، ولم أجده فيهما، وكأنه أخذ من إطلاقهما النهي عن لبس

(1) مسند أحمد 1: 16، سنن ابن ماجة 2: 1189 / 3595 بتفاوت يسير.
(2) المغني والشرح الكبير 1: 664.
(3) المدارك 3: 178.
(4) المفيد في المقنعة: 150، الصدوق في الفقيه 1: 172، المقنع: 24، حكاه عن الإسكافي في
المختلف: 80.
(5) النهاية: 96.
(6) الديلمي في المراسم: 63، 64، ابن حمزة في الوسيلة: 88.
(7) المختلف: 80، المنتهى 1: 229، البيان: 120، المدارك 3: 179.
(8) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 84، الخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 195، المجلسي
في البحار 80: 241، السبزواري في الذخيرة: 227، والكفاية: 16.
(9) نسب إليهما في الرياض 1: 126.
345

الحرير (1)، وفيه تأمل.
ومنه يظهر التأمل في النسبة إلى بعض آخر ممن ذكر أيضا.
وكيف كان، فدليله: الاحتياط في الدين، وتحصيل اليقين، وعمومات
المنع، وعدم جواز الصلاة في الحرير - والقدح في دلالتهما بعدم استلزام نفي الحلية
الحرمة ضعيف، فإن المتبادر من عدم الحلية هو الحرمة - والرضوي المتقدم (2)،
وصحيحتا الصهباني، السابقتان (3)، وموثقة الساباطي: عن الثوب يكون علمه
ديباجا، قال: (لا يصلى فيه) (4).
والجواز، وهو للمبسوط (5)، والحلي والحلبي (6)، والمعتبر والشرائع والنافع
والإرشاد والتلخيص والتذكرة والدروس وروض الجنان والروضة والذكرى (7)،
وبعض مشايخنا (8)، وجعله في التنقيح: الأظهر بين الأصحاب (9)، وفي الوافي:
أشهر فتوى بينهم (10)، وفي الذخيرة والبحار والحدائق (11)، وغيرها (12): المشهور.
مطلقا، وفي المعتمد: بين المتأخرين.

(1) انظر اللمعة (الروضة 1): 206، القواعد 1: 27.
(2) في ص 328.
(3) راجع ص 310 و 336.
(4) التهذيب 2: 372 / 1548، الوسائل 4: 369 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 8.
(5) المبسوط 1: 83 و 84.
(6) الحلي في السرائر 1: 269، الحلبي في الكافي: 140.
(7) المعتبر 2: 89، الشرائع 1: 69، المختصر النافع: 24، الإرشاد 1: 246، التذكرة 1: 95،
الدروس 1: 150، روض الجنان: 207، الروضة البهية 1: 206، الذكرى: 145.
(8) كالسيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 103.
(9) التنقيح الرائع 1: 181.
(10) الوافي 7: 425.
(11) الذخيرة: 227 البحار 80: 241، الحدائق 7: 97.
(12) كالمفاتيح 1: 110.
346

للأصل، ورواية الحلبي: (كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس
بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل
ويصلى فيه) (1).
ورواية يوسف بن محمد، المتقدمة (2).
ورواية يوسف بن إبراهيم، (لا يكره أن يكون سدى الثوب إبريسم ولا زره
ولا علمه) (3).
وضعف تلك الأخبار لو سلم لكان منجبرا بالشهرة ولو محكية.
ولا تضرها معارضة ما مر، لعدم دلالة الأخيرين منه على الحرمة، مضافا
إلى ضعف الرضوي الخالي عن الجابر، وعموم البواقي بالنسبة إليها.
وابتناء الصحيحتين على السؤال عن القلنسوة لا يجعل عموم الجواب فيهما
خاصا.
بل قد يناقش في شمول عمومهما وسائر العمومات أيضا من جهة أن الوارد
فيها النهي عن الصلاة في الحرير أو الثوب الإبريسم، والحرير أيضا هو الثوب
الكذائي كما يدل عليه كلام أهل اللغة. وصدق الثوب على أمثال ما نحن فيه محل
كلام.
ويشهد لذلك استدلال مثل الشيخ في الجواز بالأصل (4)، مع اطلاعهم
على العمومات قطعا.
ثم على تسليم خصوص الصحيحتين يجب تقديم رواية الحلبي عليهما،
لمخالفته العامة، حيث تدل على الفرق بين ما تجوز الصلاة فيه وما لا تجوز، وهو

(1) التهذيب 2: 357 / 1478، الوسائل 4: 376 أبواب لباس المصلي ب 14 ح 2.
(2) في ص 343.
(3) الكافي 6: 451 الزي والتجمل ب 9 ح 5، الوسائل 4: 379 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 1.
(4) في الخلاف 1: 480.
347

مما لا يقول به العامة قطعا.
واحتمال عدم قول العامة بهذا المفهوم في زمان الصدور مدفوع: بالتبادر
المنضم مع أصالة عدم النقل، ولو تم هذا الدخل لجاء القدح في كثير مما يرجح
بموافقة العامة.
وموافقة الصحيحتين لهم، حيث إنهم لقولهم بحرمة لبس الحرير لا
يستحلون الصلاة فيه قطعا وإن لم يحكموا ببطلانها بعد إيقاعها فيه، وانفهام
مدخلية الصلاة في المنع إنما يفيد لو لم تكن الصلاة في السؤال مذكورة، وأما معه
فمقتضى التقية ليس إلا ما أجاب.
مع أنه لو قطع النظر عن ذلك فلا أقل من تساويهما مع الرواية، وجعل
الرواية أوفق بالعامة خلاف الصواب جدا. فيتعين الرجوع إلى الأصل وهو مع
الجواز، لعدم وجود الأعم منهما الشامل لمثل المقام.
هذا، مع أنهما من المكاتبات المرجوحة بالنسبة إلى المشافهات.
فالقول بالجواز أقوى بالنسبة إلى المنع، وإلى التردد كالفاضل في التحرير (1)،
والصيمري (2).
ثم الروايات كما دلت على جواز الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه وحده دلت
على جواز لبسه أيضا، إذ نفي مطلق البأس عن الصلاة فيه يستلزم ذلك، فبها
تخصص عمومات المنع لو كانت.
السادسة: المحرم هو لبس الحرير، فيجوز استصحابه بدونه وافتراشه
والركوب والقيام والنوم والصلاة عليه، على الأظهر الأشهر، بل ظاهر المدارك
والذخيرة الإجماع على بعض ما ذكر (3)، للأصل، وصحيحة علي (4)،
ورواية

(1) التحرير 1: 30
(2) حكاه عنه في الرياض 1: 126.
(3) المدارك 3: 179، الذخيرة: 228.
(4) الكافي 6: 477 الزي والتجمل ب 28 ح 8، التهذيب 2: 373 / 1553، قرب الإسناد: 185 / 687، الوسائل 4: 378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 1، مسائل علي بن
جعفر: 180 / 342.
348

مسمع (1).
وعن المبسوط (2)، والوسيلة (3)، والمعتبر (4)، وفي النافع (5): المنع عن غير
الأول. وعن الصيمري التردد (6).
لعموم بعض النصوص بالمنع كالنبوي المتقدم (7)، والرضوي، وهو قوله
مشيرا إلى نحو الحرير والذهب: (ولا تصل على شئ من هذه الأشياء إلا ما يصلح
لبسه) (8).
وهما ضعيفان، مع أن الأول غير دال، لعدم تعلق التحرير بالأعيان إلا
باعتبار منفعة منها، ولعدم تعينها ينصرف إلى المتعارف وهو هنا اللبس قطعا.
ومنه يظهر الخدش فيما كان إطلاقه كذلك.
مع أنه على فرض الدلالة يكون أعم مما مر فيخصص به. والجمع بحمل
الحرير والديباج على الممتزج وإن أمكن، لكن التخصيص إما مقدم على المجاز
فيقدم، أو مساو معه فيتوقف ويرجع إلى الأصل.
ومما ذكر ظهر حكم التوسد وأنه يجوز، وكذا الالتحاف كما ذكره جماعة (9)،

(1) الفقيه 1: 172 / 809، الوسائل 4: 378 أبواب لباس المصلي ب 15 ح 2.
(2) لم نعثر عليه فيه، وحكاه في كشف اللثام 1: 186.
(3) الوسيلة: 367.
(4) المعتبر 2: 89 قال: فيه تردد.
(5) المختصر النافع: 24.
(6) حكاه عنه في الرياض 1: 127.
(7) في ص 344.
(8) فقه الرضا عليه السلام: 158 وفيه: إلا ما لا يصلح لبسه، مستدرك
الوسائل 3: 218 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 2.
(9) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 23، والروض 1: 206، وصاحب
المدارك 3: 180، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 228، وصاحب الرياض 1: 127.
349

للأصل، وعدم دليل يعتد به إلا ما دل على تحريم اللبس الغير المعلوم صدقه عليه
وإن قد يستعمل، ولكنه أعم من الحقيقة.
بل وكذلك التدثر، كما صرح به الشهيد الثاني (1)، واحتمله جماعة من
متأخري المتأخرين (2)، لمثل ما ذكر، خلافا للمدارك (3) والمعتمد، بل الأخير منع
الالتحاف أيضا، لصدق اللبس.
وهو ممنوع، والاستعمال أحيانا غير مفيد.
بل وكذلك التردي، لذلك.
ومما ذكر يظهر الجواز في مثل شالات العجم المستعمل مقام المنطقة، بل
يمكن التعدي إلى مثل التعمم أيضا.
هذا في اللبس، وأما الصلاة فالظاهر عدم جوازها في التردي والتدثر، بل
التعمم والتمنطق (4)، لصدق الصلاة فيه ظاهرا.
والتعدي منه إلى اللبس لعدم الفصل يتوقف على ثبوته، وهو مشكل جدا.
والاحتياط لا يترك في حال.
السابعة: المعروف من مذهب الأصحاب - كما في المعتمد - جواز لبس
المكفوف بالحرير والصلاة فيه، ونسبه في الذكرى إلى الأصحاب مؤذنا بدعوى
الإجماع عليه (5)، وفي المدارك: إنه مقطوع به بين المتأخرين (6)، بل الظاهر أنه

(1) المسالك 1: 23، الروضة البهية 1: 206.
(2) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 228، والخوانساري في الحواشي على شرح اللمعة: 196،
وصاحب الحدائق 7: 100، وصاحب الرياض 1: 127.
(3) المدارك 3: 180.
(4) توجد. في (ه) و (ح) زيادة: حينئذ إشكال.
(5) الذكرى: 145.
(6) المدارك 3: 180.
350

مجمع عليه كما يظهر من عدم نقلهم الخلاف في المسألة أصلا مع أنه طريقتهم.
وكيف كان فلا ريب فيه، للأصل السالم عن المعارض حيث إن النهي إنما
ورد عن لبس الحرير أو لباسه أو لبس الثوب الحرير، وصدق شئ منها على المورد
غير معلوم إن لم نقل بكون عدمه معلوما، كصدق الصلاة في الحرير، فإن ذلك
صلاة في ثوب فيه الحرير لا الحرير، وإرادة معنى يشمله من الظرفية المجازية غير معلومة.
وللعاميين المنجبرين:
أحدهما: (نهى عن الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع) (1).
وآخر: (كان للنبي جبة كسراوية لها لبنة ديباج وفرجاه مكفوفان
بالديباج) (2).
ويؤيده بل يدل عليه روايتا يوسف، المتقدمتان (3) المصححتان عن صفوان
المجمع على تصحيح ما يصح عنه.
وعدم ذكر الصلاة فيهما غير ضائر، لكفاية الشمول الإطلاقي، ونفي جميع
أفراد البأس في إحداهما الشامل لحرمة الصلاة أيضا.
وقد يستدل برواية الجراح أيضا (4). وهو غير جيد، لأعمية الكراهة عن
الحرمة لغة، إلا أن يقال بظهورها في المعنى المصطلح هنا، إذ لا يتعارف التعبير
عن الحرام بمثل ذلك.

(1) صحيح مسلم 3: 1643 / 15.
(2) صحيح مسلم 3: 1641 / 10، واللبنة هي رقعة تعمل موضع جيب القميص والجبة - النهاية
لابن الأثير 4: 230.
(3) في ص 343 و 347.
(4) الكافي 3: 03 4 الصلاة ب 5 6 ح 27 و ج 6: 454 الزي والتجمل ب 11 ح 6، التهذيب 2:
364 / 1510، الوسائل 4: 370 أبواب لباس المصلي ب 11 ح 9، واستدل بها في الذكرى:
145، كشف اللثام 1: 168.
351

خلافا للمحكي عن السيد في بعض مسائله (1)، والقاضي (2)، وإن كان في
دلالة كلام الأخير عليه خفاء، للعمومات.
وموثقة الساباطي، المتقدمة (3).
ومفهوم موثقة إسماعيل: في الثوب يكون فيه الحرير، قال: (إن كان فيه
خلط فلا بأس) (4).
والمروي في قرب الإسناد والمسائل: عن الرجل هل يصلح له الطيلسان فيه
الديباج والبركان (5) عليه حرير؟ قال: (لا) (6).
وللاحتياط في الدين وتحصيل اليقين.
ويضعف الأول: بوجوب تقديم الخاص عليه.
والثاني: بعدم دلالته على الكف ولا على الحرمة، مع أنه مع الدلالتين
يعارض الروايتين (7) فيتساقطان من البين.
والثالث: بأنه أعم مما مر أيضا فيخصص، مع أن دلالته موقوفة على إرجاع
المجرور الثاني إلى الحرير، وهو غير معلوم، لجواز إرجاعه إلى الثوب، ويؤكده
منافاة الخلط مع الحرير، فلا وجه للشرط، ولذا استدل به بعض مشايخنا المحققين على القول الأول (8).

(1) حكاه عنه في المدارك 3: 181، والرياض 1: 127.
(2) المهذب 1: 70.
(3) في ص 346.
(4) الكافي 6: 455، الزي والتجمل ب 11 ح 14، الوسائل 4: 374 أبواب لباس المصلي ب 13
ح 4.
(5) البركان: الكساء الأسود. منه رحمه الله تعالى.
(6) قرب الإسناد: 282 / 1117، مسائل علي بن جعفر: 137 / 146، الوسائل 4: 1 37 أبواب
لباس المصلي ب 11 ح 12 وفيه:... الديباج والقز كان عليه حرير؟ قال: (لا بأس).
(7) أي: روايتي يوسف بن محمد ويوسف بن إبراهيم. منه رحمه الله تعالى.
(8) كما في شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
352

والرابع: بأنه ضعيف غير صالح للحجية في غير مقام الانجبار.
والأخيران بمنع الوجوب، وحصول اليقين اللازم تحصيله.
ثم المقدر عند جماعة (1) في الكف المجوز ما قدره النبوي من الأربع أصابع
بل ادعى بعض متأخري المتأخرين ظاهر اتفاقهم على حرمة الزائد (2)، اقتصارا
فيما خالف دليل المنع على القدر المتيقن، واقتفاء للنبوي المنجبر ضعفه بالعمل،
واتباعا لما يشهد به العرف والعادة.
والأول كان حسنا لو شمل دليل المنع له، والثاني لو ثبت الانجبار في
التقدير أيضا، والثالث لو سلمت شهادة العرف بذلك، سيما مع جعل الأصابع
مضمومة. والكل في حيز المنع.
ودعوى الاتفاق على حرمة الزيادة الموجبة لانجبار العامي ممنوعة، كيف؟!
وكلام الأكثر خال عن التقدير، بل الأكثر ومنهم الشيخ في النهاية (3)، والفاضلان
في المعتبر والنافع والتذكرة والمنتهى (4)، وغيرها (5)، والشهيد في الدروس والبيان (6):
أطلقوا.
فالظاهر الحوالة إلى العرف والتجويز فيما يسمى كفا عرفا، وإن كان الأحوط
الاجتناب عن الزيادة عن القدر المذكور.
الثامنة: لا ينبغي الريب في جواز اللبنة من الحرير للأصل، والنبوي (7)،

(1) منهم الكركي في جامع المقاصد 2: 86، والشهيد الثاني في المسالك 1: 23، والروضة البهية 1: 206،
وصاحب المدارك 3: 180، وصاحب الرياض 1: 127.
(2) كما في الذخيرة: 228، والحواشي على شرح اللمعة: 196.
(3) النهاية: 96.
(4) المعتبر 2: 90، المختصر النافع: 24، التذكرة 1: 96، المنتهى 1: 229.
(5) كالقواعد 1: 27، وا لتحرير 1: 30.
(6) الدروس 1: 150، البيان: 120.
(7) المتقدم في ص 351.
353

وضعف ما يوهم المنع. وكذا الأزرار والأعلام، لما مر.
ويظهر من الجواز في الأعلام الجواز في ثوب بعض أجزائه حرير وبعضها
غيره سواء كان جمع الجزءين بالنسج أو بالخياطة، لأن ذلك أيضا مثل الأعلام ولا
يصلح التسمية بالعلم للعرف.
مع أن الأصل أيضا مع الجواز، لعدم صدق لبس الثوب الحرير المحض أو
لبس الحرير المحض، إلا أن يقال: يصدق الصلاة فيه إذا كان بحيث يشمل شيئا
من البدن، فلا تجوز الصلاة فيه بشرط أن يكون مما تتم الصلاة فيه وحده.
ولا تفيد رواية قرب الإسناد، لعدم انجبارها في المقام.
نعم، الظاهر الانجبار فيما إذا كانت الأجزاء بقدر تتم الصلاة فيه.
وأما غير الأجزاء مما يجعل على الثوب أو فيه من الرقعة والوصلة والطراز
فالظاهر عدم المنع مطلقا، لعدم صدق اللبس، وعدم معلومية شمول المراد من
الثوب لذلك المعنى أيضا، والأحوط الاجتناب، سيما إذا كان مما تتم الصلاة فيه
وحده.
وأما الظهارة والبطانة: فالظاهر المنع كما مر، لرواية قرب الإسناد المنجبرة
في المورد قطعا.
وأما خيط الحرير بغيره أو العكس فإن كانت الخياطة تحيط بجميع الثوب
المخيط، فالظاهر أن الحكم لها، وكذا إذا استهلك الظاهر من المخيط جنب ما
خيط عليه، وإلا فالحكم لما خيط عليه.
تتميم: جملة الكلام في ذلك المقام التي يجب أن يكون عليها بناء الأحكام
أن القدر الثابت أولا من الإجماع والأخبار حكمان: عدم جواز لبس الحرير المحض أو ثوب الإبريسم للرجال، وعدم جواز الصلاة فيه.
فاللازم في الحكم بعدم الجواز في الأول أمور أربعة: العلم بصدق اللبس
حقيقة، وكون الملبوس حريرا أو ثوبا، ومحوضة الحرير، والرجولية، فما لم يعلم
أحدها يحكم بمقتضى الأصل.
354

فيتفرع على الأول: جواز الافتراش والقيام والاتكاء والنوم والتوسد
والالتحاف والتدثر والتعمم والتردي والتمنطق، وجعل الحرير في الثوب أو عليه
كالأزرار والكف واللبنة والعلم والوصلة.
وأما يدل على عدم جواز بعض ذلك فمنحصر في موثقة إسماعيل، ورواية
قرب الإسناد (1)، والأولى مجملة، ومع ذلك البأس الثابت في مفهومه نكرة في سياق
الإثبات فلا يفيد، والثانية ضعيفة ففي غير مقام الانجبار غير مفيدة.
وعليه وعلى الثاني جواز الحشو بالإبريسم، لعدم صدق الثوب عليه بل
الحرير، لاشتراط النسج فيه لغة وعرفا.
وعلى الثالث جواز لبس غير المحض، سواء كان الخليط قليلا أم كثيرا،
وسواء كان الخلط بالمزج أو الضم، كما في المرقع الذي بعض رقاعه حرير أو ثوب
بعض أجزائه كذلك، وسواء كان الضم بالوصل بالخياطة أو النساجة ما لم يكن
الجزء الحريري بحيث يصدق عليه فقط أيضا اللبس.
ولا يتوهم أن مقتضى مفهوم الموثقة اشتراط الخلط وهو غير متحقق بدون
المزج في السدي أو اللحمة، وكذا مقتضى رواية زرارة: اشتراط كون السدي أو
اللحمة غير الحرير (2)، وهو في غير المزج غير متحقق، لمنع اشتراط تحقق الخلط في
الثوب بما ذكره، بل يتحقق فيه بجميع ما ذكرناه، وغايته الشك الموجب للرجوع
إلى الأصل.
وأما رواية زرارة فلا تدل إلا على وجوب كون بعض السدي أو اللحمة
كذلك إجماعا، وهو متحقق على جميع التقادير الذي ذكرناه.
وعلى الرابع جواز لبس الخنثى والصبي.
واللازم في الحكم بعدم الجواز في الثاني أيضا أمور أربعة: الثاني، والثالث،

(1) المتقدمتين في ص 352.
(2) راجع ص 343.
355

وعدم العلم بالأنوثية، وصدق الصلاة فيه، فما لم يتحقق أحدها يحكم بالجواز.
فيترتب على الأولين ما مر، وعلى الثالث الجواز في الأنثى وعدمه في الخنثى،
وعلى الرابع جواز الصلاة فيما لم يعلم صدق الصلاة فيه، فلا تبطل باستصحاب
الحرير والاكتفاف به ولا بمثل الأزرار، واللبنة والوصلة والرقعة والعلم وأمثالها
لعدم معلومية صدق تحقق الصلاة فيه.
نعم يظهر من تتبع الأخبار واستعمالات الفقهاء وغيرهم تحققه باللبس
مطلقا، وكذا بكون الحرير بعضا من الثوب الملبوس معتدا به لا كل بعض. نعم
خرج من ذلك ما لا تتم الصلاة فيه كما سبق.
ولا يضر انفكاك كل من جواز اللبس والصلاة عن الآخر في بعض ما ذكر،
لعدم ثبوت عدم القول بالفصل، كما ظهر مما نقلنا عن شرح الجعفرية وإن ادعاه
بعضهم (1).
الخامس من الشرائط: أن لا يكون ذهبا إن كان المصلي رجلا، فإنه لا يجوز
له لبسه، وتبطل الصلاة فيه.
أما الأول فمما لا خلاف فيه، كما في الحبل المتين والبحار (2)، والمفاتيح (3)،
بل قيل: إنه ضروري الدين (4)، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى المستفيضة كالنبوي المتقدم (5)، والعامي المشهور كما في المفاتيح:
(حل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحرم على ذكورها) (6).
ورواية النميري: (جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، وحرم على

(1) راجع ص 339.
(2) الحبل المتين: 185، البحار 80: 251.
(3) حكاه الوحيد البهبهاني عن المفاتيح في شرحه (المخطوط).
(4) كما في شرح المفاتيح (المخطوط).
(5) في ص 344.
(6) سنن النسائي 8: 190.
356

الرجال لبسه والصلاة فيه) (1).
وموثقة الساباطي: (لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه) (2).
وفحوى المستفيضة الناهية عن التختم بالذهب والصلاة فيه، كالمرويين في
الفقيه والعلل: (فلا تتختم بخاتم الذهب) (3).
والمروي في الخصال: (ويجوز أن تتختم - أي المرأة - بالذهب وتصلي فيه،
وحرم ذلك على الرجال) (4).
والمرويين في قرب الإسناد:
أحدهما: (إياك أن تتختم بالذهب) (5).
والثاني: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سبع، عن التختم
بالذهب) (6).
وفي كتاب المسائل: عن الرجل هل يصلح له أن يتختم بالذهب؟ قال:
(لا) (7).
ورواية الجراح: (لا تجعل في يدك خاتما من ذهب) (8).
والتحريم كما ترى مخصوص باللبس وبالرجال، فلا يحرم ما ليس بلبس أو
لا يعلم صدقه عليه. ويتفرع عليه جواز افتراشه واستصحابه وجعله على اللباس

(1) التهذيب 2: 227 / 894، الوسائل 4: 414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 5.
(2) التهذيب 2: 372 / 1548، علل الشرائع: 348 / 1، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 4.
(3) الفقيه 1: 164 / 774، علل الشرائع: 348 / 3، الوسائل 4: 414 أبواب لباس المصلي ب 30
ح 6.
(4) الخصال: 588 / 12، الوسائل 4: 380 أبواب لباس المصلي ب 16 ح 6.
(5) قرب الإسناد 98 / 333، الوسائل 4: 416 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 11.
(6) قرب الإسناد 71 / 228، الوسائل 4: 415 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 9.
(7) مسائل علي بن جعفر: 162 / 251، الوسائل 4: 415، أبواب لباس
المصلي ب 30 ح 10.
(8) الكافي 6: 469 الزي والتجمل ب 21 ح 7، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 2.
357

كنصب قطعة ذهب أو منسوج منه عليه. وتحريم الافتراش كما في التحرير (1)
ضعيف جدا.
وهل يشترط محوضة الذهب في حرمة لبسه، فلا يحرم إلا لباس كان سداه
ولحمته ذهبا، أولا بل يحرم ولو لم يكن محضا؟ فيه إشكال، حيث إن ما لبسه ليس
ذهبا وما هو ذهب لم يلبس، بل لبس ما يشتمل عليه. وحكم في الغنية بكراهة
الملحم بالذهب (2).
وكيف كان فالظاهر عدم تحريم لباس يخلطه قليل الذهب، للشك في
صدق لبس الذهب سيما إذا كان في مثل الأزرار وأطراف الثوب.
نعم، يحرم التختم به ولو شك في صدق اللبس عليه، على الأظهر الأشهر،
بل في الخلاف الإجماع عليه (3)، لما مر.
وضعف البعض منه منجبر بالعمل، واشتمال بعضه على ما ليس بمحرم غير
ضائر وإن عبر بما عبر به في الذهب، إذ خروج بعض الحديث عن ظاهره لا يوجب
خروج الباقي.
وأما ما في رواية [ابن القداح] (4): (من أن النبي صلى الله عليه وآله تختم
في يساره بخاتم من ذهب) وما في معاني الأخبار: (قال علي عليه السلام: نهاني
رسول الله صلى الله عليه وآله - ولا أقول نهاكم - عن التختم بالذهب) (5) فلا
يعارضان ما مر.
أما الأول: فلجواز كونه قبل التحريم.

(1) التحرير 1: 30.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 555.
(3) الخلاف 1: 508.
(4) الكافي 6: 476 الزي والتجمل ب 27 ح 9، الوسائل 4: 413 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 3،
وفي النسخ: الجراح بدلا عن ابن القداح، والصحيح ما أثبتناه كما في المصدر.
(5) معاني الأخبار: 301 / 1، الوسائل 4: 414 أبواب لباس المصلي ب 30 ح 7.
358

وأما الثاني: فلأن عدم القول بأنه نهاهم لا يستلزم عدم نهيهم، لاحتمال
أن يكون عدم قوله لمصلحة من تقية أو غيرها.
ولا يتعدى إلى غير التختم من التحلي ما لم يصدق عليه اللبس، للأصل.
وأما المروي في السرائر: عن الرجل يحلي أهله بالذهب؟ قال: (نعم،
النساء والجواري، وأما الغلمان فلا) (1) فمع معارضته مع صحيحتي الكناني (2) وابن
سرحان (3) غير ناهض لإثبات الحرمة، لجواز أن يكون قوله: (لا) نفيا للإباحة.
ولا يحرم اللبس ولا التختم للخنثى، للأصل.
وحرمه في الدروس والألفية (4)، والجعفرية. ولا وجه له.
وأما الثاني فهو مذهب الأكثر، بل يشعر كلام الحبل المتين والبحار بعدم
الخلاف فيما تتم الصلاة فيه وحده (5). وظاهر الألفية اشتراط البطلان بكونه
ساترا (6).
وتردد في المنتهى في غير الساتر وفي المنطقة (7).
وعن المعتبر عدم البطلان بلبس خاتم من ذهب (8).
واستشكل فيه في (السرائر) (9).

(1) مستطرفات السرائر: 144 / 11، الوسائل 5: 104 أبواب أحكام الملابس ب 63 ح 5.
(2) الكافي 6: 475 الزي والتجمل ب 27 ح 1، الوسائل 5: 103 أبواب أحكام الملابس ب 63
ح 1.
(3) الكافي 6: 475 الزي والتجمل ب 27 ح 2، الوسائل 5: 103 أبواب أحكام الملابس ب 63 ح 2.
(4) الدروس 1: 150، الألفية: 41.
(5) الحبل المتين: 185، البحار 80: 251.
(6) الألفية: 40.
(7) المنتهى 1: 230.
(8) المعتبر 2: 92.
(9) في (ق) و (س): ير، وهو رمز للتحرير، وفي (ه) و (ح): ئر، وهو رمز للسرائر. ولكن لم نعثر
على المسألة في السرائر، وجزم بالبطلان في التحرير 1: 30.
359

وعن أبي الصلاح الكراهة مطلقا (1).
والحق - كما هو مقتضى روايات الخصال والنميري والساباطي - البطلان في
الخاتم بخصوصه، وفي سائر ما تحقق صدق الصلاة فيه، وقد عرفت مواقع
الصدق في الحرير.
والاستدلال للبطلان: بأن الصلاة فيه استعماله وهو محرم، وبالأمر بالنزع
الموجب للنهي عن ضده، ضعيف.
أما الأول: فلمنع حرمة مطلق استعماله.
وأما الثاني: فلما مر في الحرير، ويأتي في المغصوب.
ثم الظاهر أن حكم المنسوج من المموه بالذهب حكم الذهب، لأن ماء
الذهب ذهب، فيصدق لبس الذهب والصلاة فيه فيما يصدق على المنسوج من
الذهب، فتأمل.
وأما الخاتم المموه: فالظاهر فيه عدم التحريم، لأن المركب من الذهب
وغيره ليس بذهب.
السادس: أن لا يكون مغصوبا، فلا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب في
الجملة.
وتحقيقه: أنه يحرم لبس الثوب المغصوب مع العلم بالغصبية بإجماع العلماء
المحقق، والمصرح به في الناصريات والغنية (2)، واللوامع، والمنتهى والتذكرة
والتحرير ونهاية الإحكام وشرح القواعد والذكرى وروض الجنان (3) والمعتمد،
وغيرها (4).

(1) الكافي في الفقه: 140.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195، الغنية (الجوامع الفقهية): 555
(3) المنتهى 1: 229، التذكرة 1: 96، التحرير 1: 30، نهاية الإحكام 1: 378، جامع المقاصد
2: 87، الذكرى:، 146، روض الجنان: 204.
(4) كما في كشف اللثام 1: 186، والحدائق 7: 103.
360

وهو الحجة فيه، مضافا إلى أنه تصرف في ملك الغير عدوانا، وهو غير جائز
بالضرورة من جميع الأديان والملل، وبحكم العقل، وتواتر النقل.
ففي النبوي: (لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا) (1).
وفي الوسائل عن صاحب الزمان: (لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره
بغير إذنه) (2).
وفي رواية محمد بن زيد الطبري: (لا يحل مال إلا من وجه أحله الله) (3).
وتبطل الصلاة فيه أيضا فيما لو كان ساترا للعورة بالفعل، عند الأكثر،
منهم: الفاضل في التحرير والتذكرة ونهاية الإحكام (4)، والشهيد في جملة
كتبه (5)، بل قال في البيان: (ولا تجوز الصلاة في الثوب المغصوب ولو خيطا. وعليه
الإجماع في كثير مما ذكر، وفي غيره أيضا (6).
وهو كذلك. لا لما قيل (7) من أنه مأمور بإبانة المغصوب عنه ورده، فإذا افتقر
إلى فعل كثير كان مضادا للصلاة، والأمر بالشئ يقتضي النهي عن ضده ولو كان
خاصا على الحق المنصور فيفسد، أو يقتضي عدم الأمر بضده الخاص مجتمعا معه
لو كان هو مضيقا والآخر موسعا كما في المورد (8)، فتبقى الصلاة بلا أمر وهو عين
الفساد.

(1) غوالي اللآلي 1: 224 / 107.
(2) الوسائل 9: 540 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 3 ح 7.
(3) الكافي 1: 547 الحجة ب 20 ح 25، الوسائل 9: 538 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 3
ح 2.
(4) التحرير 1: 30، التذكرة 1: 96، نهاية الإحكام 1: 378.
(5) كالدروس 1: 151، والذكرى: 146، والبيان: 121.
(6) انظر: جامع المقاصد 2: 87، وكشف اللثام 1: 187.
(7) كما في كشف اللثام 1: 186، والرياض 1: 127.
(8) حيث إن الأمر بالإبانة فوري إجماعا والفرض سعة وقت الصلاة، وإلا فهي مقدمة على جميع
الواجبات. منه رحمه الله تعالى.
361

ولا لما قيل فيما إذا كان ساترا من أن الستر شرط الصلاة، فإذا تعلق به النهي
لا يكون استتارا مأمورا به فيفسد، وبفساده يفسد المشروط (1)
ولا لاستدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينة.
ولا لأن أجزاء العبادات إنما تكون بدليل شرعي ولا دليل هنا. لضعف الجميع:
أما الأول: فلأن الأمر بالنزع وإن اقتضى النهي عن ضده الذي هو
الصلاة، أو عدم الأمر به المنافي للأمر بالصلاة، ولكن الأمر بها أيضا كذلك وإن
كان موسعا، فإن معنى الأمر الموسع بالصلاة فيما بين الدلوك والغروب وجوبها في
كل من أجزاء ذلك الوقت تخييرا، وهو يقتضي عدم النهي عنه في شئ من تلك
الأجزاء، وإلا لم يستوعب التوسعة جميع الأجزاء، وكذا يقتضي عدم الأمر بضده
في شئ منها لذلك، فيحصل التعارض بين الدليلين، وحيث لا ترجيح فيجب
الحكم بالتخيير، كما هو مقتضى التعارض بدون الترجيح.
وأما تساقطهما والرجوع إلى الأصل الموجب لفساد الصلاة حيث إن الأصل
عدم الأمر به فإنما هو في مقام علم انتفاء التخيير بإجماع أو نحوه، ولم يثبت ذلك في المقام.
وتوهم كون الأمر بالنزع خاصا، لأنه فوري يقتضي النهي عن ضده أو عدم
الأمر به في أول الوقت مثلا بخصوصه، وهو أخص من الأمر بالصلاة في جميع
تلك الأجزاء، فاسد، إذ ليس هنا أمر فوري بخصوص ذلك الوقت، بل فوريته
أيضا عامة استمرارية، يعني أنه أمر بالنزع في كل وقت فورا، فهو أيضا عام.
فإن قلت: نعم، ولكن الإجماع على فورية النزع في كل وقت بخصوصه
دون الصلاة أوجب ترجيحه.
قلنا: تحقق ذلك الإجماع في كل وقت حتى حين إرادة الصلاة غير معلوم،

(1) انظر المدارك 3: 181.
362

سيما إذا دخل في الصلاة ثم علم بالغصبية (1)، كما أنه علم عدم الإجماع في الجزء
الأخير من الوقت.
وأما الثاني: فلما ذكرناه في الحرير، فإن الشرط مستورية العورة دون سترها
الذي هو تصرف في المغصوب، وإنما هو مقدمة لها، والتوصل بالمقدمة المنهية لا
يوجب فساد ذي المقدمة، إلا إذا كانت المقدمة عبادة تفسد بالنهي فتنتفي المقدمة
وينتفي بانتفائها ذو المقدمة، وليس الستر كذلك.
مع أنه لو تعلق النهي بنفس المستورية التي هي شرط الصلاة أيضا لم يوجب
فسادها، لأن ذلك إنما هو فيما إذا كان الشرط عبادة، حيث إن تعلق النهي به
يستلزم فساده المترتب عليه فساد مشروطه، وأما إذا لم يكن عبادة فلا، فإن النهي
لا يقتضي فساده حتى يترتب عليه فساد المشروط، وإنما يقتضي حرمته، ولا تلازم
بينها وبين حرمة المشروط، كما لو أزال الخبث بالماء المغصوب، والمستورية ليست
عبادة، ولذا لا يشترط فيها القصد، بل ولا صدورها عن المصلي.
وأما الثالث: فلأن المشغول به الذمة يقينا وهو الصلاة قد تحقق قطعا، ولا
شغل بغيرها يقينا، والأصل ينفيه.
وأما الرابع: فظاهر.
بل (2) للمروي في تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة، وبشارة
المصطفى لمحمد بن القاسم الطبري، المنجبر ضعفه بالعمل: (يا كميل، انظر
فيما تصلي وعلى ما تصلي، إن لم يكن من وجهه وحله فلا قبول) (3) وعدم القبول
مستلزم لعدم الأجزاء الذي هو عين الفساد.
ولأن الحركات الواقعة فيه والحاصلة له بواسطة الركوع والسجود والقيام

(1) نعم لو ثبت ذلك الإجماع لكان كذلك. منه رحمه الله تعالى.
(2) عطف على قوله: لا لما قيل.. في ص 361.
(3) تحف العقول: 117، بشارة المصطفى: 28.
363

والجلوس من القبض والبسط والنزول والصعود وغيرها تصرفات في المغصوب
منهي عنها، وكل منها أجزاء للصلاة فيفسد، فتكون الصلاة باطلة لفساد جزئها.
والقول: بأن النهي إنما يتوجه إلى التصرف في المغصوب من حيث هو
تصرف فيه، لا إلى الحركات من حيث هي حركات الصلاة، فالنهي تعلق بأمر
خارج عنها، مردود: بأنه إذا كان متلبسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا
شك في أن الحركة الركوعية حركة واحدة شخصية محرمة، لكونها محركة للشئ
المغصوب، فلا تكون مأمورا بها، واعتبار الجهتين غير نافع كما بين في
موضعه.
فإن قيل: لازم عدم اجتماع الأمر والنهي عدم الحكم بهما معا، فيصار إلى
التخيير كما مر في الدليل الأول، ولازمه صحة الصلاة.
قلنا: التخيير إنما كان لو كان الأمر التخييري بجميع أفراد الركوع مثلا أمرا
شرعيا عاما، وليس كذلك، بل التخيير إنما هو بمقتضى الأصل، ولا أثر له مع
النهي العام.
والتوضيح: أنه إذا كان كل من الأمر والنهي مطلقين كما في المورد، يكون
النهي حينئذ عاما لا محالة، نحو: أكرم بصريا، ولا تكرم الخياطين، وحينئذ مع أنه
يمكن الجمع بإكرام بصري غير الخياط والعرف أيضا يفهم الاختصاص نقول:
إن تجويز إكرام كل بصري إنما هو لأصالة عدم التقييد، ولا يبقى للأصل أثر بعد
ذلك النهي العام. وعلى هذا فلا يكون هذا الفرد من الركوع مثلا مأمورا به
فيفسد.
ثم إنه على ما ذكرنا لا يختلف الحال في الساتر وغيره، بل يجري في مثل
الخيط والخاتم والمستصحب أيضا إذا استلزم شئ من أجزاء الصلاة تحريكا فيه
زائدا على اللبس الأول.
نعم، لو لم يستلزم ذلك فالظاهر عدم البطلان، كما صرح به المحقق
364

الخوانساري في حواشيه على الروضة، ومثل له بعمامة على رأسه (1).
وفيه نظر، لنزولها وصعودها وتقدمها وتأخرها بالركوع والسجود والقيام
والقعود وإن كان مع الرأس، وهو أيضا تصرف في المغصوب ونقل له من مكان إلى
آخر.
نعم، لو مثل له بعمامة كان في الرأس ثم نزعها قبل الركوع، كان
صحيحا.
وأما الفرق بين الساتر وغيره - كالمعتبر والذكرى والمدارك وروض الجنان - (2)
فهو مبني على الاقتصار على الدليل الثاني، وقد عرفت الحال فيه.
فروع:
أ: ما سبق إنما كان مع العلم بالغصبية. وأما مع الجهل بها فلا تبطل
الصلاة؟ لأنه إنما كان من جهة الإجماع والنهي، ولا إجماع في حق الجاهل، بل
هو محكي (3) بل محقق على خلافه، ولا نهي مع الجهل، لاشتراط التكليف بالعلم
خصوصا في مثل المقام المتواتر فيه الأخبار الدالة على أن كل شئ فهو لك حلال
حتى تعلم أنه حرام (4).
ومثل الجاهل الناسي للغصبية، كما مرح به جماعة (5)، لما ذكر.
خلافا للقواعد والتذكرة، فيعيد مطلقا (6)، لأنه مفرط، لقدرته على التكرار الموجب للتذكار، ولأنه لما علم كان حكمه المنع عن الصلاة فالأصل بقاؤه.

(1) الحواشي على شرح اللمعة: 185.
(2) المعتبر 2: 92، الذكرى: 146، المدارك 3: 182، روض الجنان: 204.
(3) انظر الرياض 1: 128.
(4) انظر الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4.
(5) منهم الحلي في السرائر 1: 270، والعلامة في المنتهى 1: 230، والشهيد في البيان: 121
والكركي في جامع المقاصد 2: 89.
(6) القواعد 1: 27، التذكرة 1: 96.
365

وضعفهما ظاهر، فإن النسيان قد يعرض مع التكرار أيضا، ولو سلم فكون
مثل هذا التفريط موجبا للإعادة لا دليل له.
وأما المنع من الصلاة فرفعه بعد النسيان مما لا ريب فيه، لامتناع تكليف
الغافل.
مع أن المنع المتحقق أولا كان حال العلم، وهو منتف، فالاستصحاب غير
ممكن.
وللمختلف والدروس (1)، فأوجبا الإعادة في الوقت خاصة، لقيام السبب
وهو الوقت. دون خارجه، لأن القضاء بأمر جديد.
وفيه: منع كون الوقت سببا للوجوب بعد تحقق الامتثال.
وربما فصل بين العالم بالغصب عند اللبس والناسي له عنده (2). ولا وجه له.
ب: الجاهل بالحكم الشرعي كالجاهل بالغصب إن لم يخطر بباله خلافه،
لعدم تقصيره، وإلا فكالعامد. والناسي له كالأول، لعدم تقصيره قطعا.
ج: لو أذن المالك للغاصب أو غيره، جازت صلاته وصحت، لزوال
النهي. ولو أذن إطلاقا أو عموما لم يدخل الغاصب، لعدم العلم بالرضا في حقه،
كما هو مقتضى ظاهر الحال المعتاد بين الأغلب. ولو أذن للغاصب فإن كان في
مجرد صلاته فلا يجوز لغيره، لعدم انتفاء الغصبية، وإن كان في مطلق التصرف،
يجوز لانتفائها.
د: الظاهر صحة الصلاة في المبيع فاسدا، سواء جهل كل من المتبايعين
بالفساد، أو علما، أو جهل أحدهما دون الآخر، لتحقق الإذن، وعدم صدق
الغصبية.
نعم، لو علم المشتري دون البائع واحتمل لأجل ذلك عدم رضاه، اتجه

(1) المختلف: 82، الدروس 1: 151.
(2) انظر كشف اللثام 1: 186.
366

المنع والبطلان.
ه‍: لو غصب شيئا ولم يستصحبه، لا تبطل صلاته ولو في سعة الوقت.
ومن تمسك في المقام بالنهي عن الضد يقول بالبطلان.
و: لا يتفاوت الحال في البطلان فيما يبطل بين ما إذا تمكن من الرد وعدمه،
للنهي عن التصرف على الحالين.
نعم، لو استصحبه محافظة له حتى يتمكن من الرد فالظاهر عدم البطلان،
لعدم النهي عن هذا التصرف، إذ لو نهي عنه فإما يؤمر بالرد حينئذ، وهو تكليف
بغير المقدور - والقول بأنه جائز إذا كان السبب فيه هو المكلف نفسه واه جدا - أو
بتركه وعدم حفظه، وهو أيضا باطل قطعا، أو بتصرف آخر غير هذا التصرف،
وهو ترجيح بلا مرجح.
تتميم فيه مسألتان:
المسألة الأولى: جواز الصلاة فيما يستر ظهر القدم مع شئ من الساق ولو
قليلا مجمع عليه، وبدونه أصح القولين، وفاقا للمبسوط والوسيلة والإصباح
والمنتهى والتحرير والروضة والجعفرية وشرح القواعد والمدارك (1)، بل أكثر
متأخري المتأخرين، بل المتأخرين كما قيل (2)، للأصل.
وقد يستدل (3) أيضا بالتوقيع المروي في الاحتجاج وكتاب الغيبة للشيخ:
هل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجله بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ فكتب
في الجواب: (جائز) (4) والبطيط كما في القاموس: رأس الخف بلا ساق (5).

(1) المبسوط 1: 83، الوسيلة: 88، المنتهى 1: 30، التحرير 1: 30، الروضة 1: 207،
الجعفرية (رسائل الكركي 1): 102، جامع المقاصد 2: 106، المدارك 3: 184.
(2) انظر: المدارك 3: 184، والذخيرة: 235، والحدائق 7: 160، والرياض 1: 129.
(3) كما في الحدائق 7: 161.
(4) الإحتجاج: 484، الغيبة: 234.
(5) القاموس المحيط 2: 363.
367

وفيه تأمل، لأن الكعبين داخلان في ظهر القدمين، لأنهما قبتاهما، فلا
يكون المسؤول عنه ساترا لظهر القدم. بل قد يجعل ذلك مؤيدا للقول الآخر،
لإشعاره بالمنع فيما يغطي الكعبين، وهو أيضا غير جيد.
نعم، لو جعلنا الكعبين مفصلي الساقين والقدم لكان يصلح دليلا
للمختار، وكذا إن كان مراد المخالف ستر شئ من ظهر القدم.
وخلافا لظاهر الحلي (1)، والمحقق في كتبه الثلاثة (2)، والتذكرة والقواعد
والإرشاد واللمعة والدروس والبيان (3)، فمنعوا عن الصلاة فيه مطلقا، لعدم
صلاة الحجج فيه، وضعفه ظاهر.
وللشهرة المحققة والمحكية.
وفيه: أنها لو سلمت فإنما هي في الشمشك (4) والنعل السندي اللذين هما
المصرح بهما في كلام القدماء دون المطلق.
وكون المنع عنهما لسترهما ظهر القدم ممنوع، بل يمكن أن يكون لعدم
إمكان الاعتماد معهما على الرجلين، أو على إبهامهما عند السجود كما قيل (5)، أو
لوجه آخر لم نعلمه.
وحكاية الشهرة معارضة بحكاية الشهرة المتأخرة وتحققها على الجواز.
وللمحكي عن المقنعة والنهاية والمهذب والجامع والمراسم (6)، فمنعوا عن
الصلاة في الشمشك والنعل السندي خاصة، لما ذكر مع ضعفه، ولما في الوسيلة

(1) السرائر: 263.
(2) المعتبر 2: 93، الشرائع 1: 69، المختمر النافع ع: 25.
(3) التذكرة 1: 98، القواعد 1: 28، الإرشاد 1: 247، اللمعة (الروضة 1): 207، الدروس 1: 151، البيان: 121.
(4) بضم الأولين وكسر ثالثه. منه رحمه الله تعالى.
(5) انظر كشف اللثام 1: 191.
(6) المقنعة: 153، النهاية: 98، المهذب 1: 75، الجامع للشرائع: 66، المراسم: 65.
368

من قوله: وروي أن الصلاة محظورة في النعل السندية والشمشك (1).
وهو ضعيف غير صالح للاحتجاج، إلا أن يدعى انجباره بشهرة القدماء،
وهو في حيز المنع. ولو سلم لم يفد لنا شيئا، إذ غايته ثبوت المنع فيهما، وحقيقتهما
وكيفيتهما غير معلومة لنا، بل لا نعلم كونهما ساترين لظهر القدم دون الساق، وفي
مجمع البحرين: إنه ليس في الشمشك نص من أهل اللغة (2).
الثانية: كل ما عدا ما ذكرنا تصح الصلاة فيه، للأصل، وإطلاقات
الصلاة.

(1) الوسيلة: 88.
(2) مجمع البحرين 5: 277.
369

الفصل الثالث:
فيما يستحب في لباس المصلي ويكره
أما المستحبات فأمور:
منها: الصلاة في النعل العربية عند علمائنا أجمع، كما صرح به جماعة (1)،
وهو الحجة فيه مضافا إلى الأخبار (2).
إلا أنها مطلقة والأكثر قيدوها بالعربية، وهو حسن، إذ لم يثبت حقيقة
إطلاق النعل على غيرها، إذ مع السندية مكروهة إجماعا.
مع أن أكثر الأخبار وردت بخطاب المشافهة الغير المتعدي حكمه إلى غير
المخاطب إلا مع الاشتراك في الوصف، وهو في حق غير المتنعل بالعربية ممنوع.
فما ذكره بعض المتأخرين من أولوية الإطلاق (3)، غير جيد.
والقول بكفاية الاحتمال في المستحبات للتسامح (4)، باطل، إذ لم يثبت هذا
القدر من التسامح (5).
ومنها: أن تصلي المرأة في ثلاثة أثواب: درع (6) وإزار وخمار، بلا خلاف فيه

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 230، والتذكرة 1: 98، والشهيد الأول في الذكرى: 148،
والكركي في جامع المقاصد 2: 107، والشهيد الثاني في روض الجنان: 214، وصاحب الرياض 1: 129.
(2) انظر الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 37، وليس في قوله في صحيحة البصري الآمرة
بالصلاة في النعل: (إنه يقال ذلك من السنة) دليل على عدم الاستحباب،
إذ يمكن أن يكون
المعنى: لو فعلت هذا يقال ذلك ويعتدون بك. منه رحمه الله تعالى.
(3) كما في المدارك 3: 185.
(4) كما في الرياض 1: 129.
(5) الاستحباب في النعل للرجل، ويمكن للمرأة أيضا كما صرح به في البيان: 122. منه رحمه الله تعالى.
(6) درع المرأة: قميصها. مجمع البحرين 4: 324.
370

بين الأصحاب، وفي المنتهى: ذهب إليه العلماء كافة (1)، فهو الحجة فيه، مع
صحيحة جميل (2)، وموثقة ابن أبي يعفور (3).
ومنها: أن المصلي إذا لم يكن عليه إلا سراويل طرح على عاتقه شيئا ولو حبلا
أو خيطا أو تكة، صرح به الأكثر (4)، وتدل عليه صحيحة محمد (5)، ومرفوعة علي ابن محمد (6).
ومنها: أنه إن صلى في إزار وحده يرفعه إلى الثديين، لرواية سفيان بن
السمط (7)، ومرسلة رفاعة (8).
ومنها: التعمم والتسرول، صرح باستحبابهما في الصلاة في السرائر
والدروس (9)، وغيرهما (10). بل في حاشية الروضة للمحقق الخوانساري الاتفاق
على استحبابهما (11).

(1) المنتهى 1: 237.
(2) التهذيب 2: 218 / 860، الإستبصار 1: 390 / 1484، الوسائل 4: 407 أبواب لباس
المصلي ب 28 ح 11.
(3) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 11، التهذيب 2: 217 / 856، الإستبصار 1:
389 / 1480، الوسائل 4: 406 أبواب لباس المصلي ب 28 ح 8.
(4) منهم الشيخ في النهاية: 98، والعلامة في المنتهى 1: 240، والتذكرة 1: 93، والكركي في جامع
المقاصد 2: 103، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 190.
(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 64 ح 1، التهذيب 2: 216 / 852، الوسائل 4: 390 أبواب لباس
المصلي ب 22 ح 2.
(6) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 5، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 5.
(7) الكافي 3: 401، الصلاة ب 65 ح 15، الوسائل 4: 391 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 5.
(8) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 9، التهذيب 2: 216 / 849، الوسائل 4: 390 أبواب
لباس المصلي ب 22 ح 3.
(9) السرائر 1: 260، الدروس 1: 147.
(10) كالجامع للشرائع: 65، ونهاية الإحكام 1: 367، والذكرى: 147، وجامع المقاصد 2: 94.
(11) الحواشي على شرح اللمعة: 200.
371

للمروي في جامع الأخبار: (من صلى ركعتين بعمامة فضله على من لم
يتعمم كفضل النبي صلى الله عليه وآله على أمته) (1).
وفي شرح القواعد: وروي: ركعة بسراويل تعدل أربعا بغيره.
قال في الذكرى: وكذا روي في العمامة (2).
وفي المكارم عن النبي صلى الله عليه وآله: (ركعة بعمامة أفضل من أربع
بغير عمامة) (3).
ومنها: التجمل في الثياب للصلاة، ذكره في السرائر (4)، وغيره (5)، للمروي
في تفسير العياشي والجوامع: كان الحسن بن علي عليهما السلام إذا قام إلى
الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له ذلك، فقال: (إن الله جميل ويحب الجمال فأتجمل
لربي) وقرأ قوله تعالى: (خذوا زينتكم) الآية (6).
ولكن في مكارم الأخلاق: عن أبي عبد الله عليه السلام: (إنا إذا أردنا أن
نصلي نلبس أخشن ثيابنا) (7).
وفي رواية ابن كثير: (كان علي بن الحسين [عليهما السلام يلبسها وكانوا
عليهم السلام] يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة ونحن نفعل ذلك) (8).

(1) جامع الأخبار: 77، المستدرك 3: 231 أبواب لباس المصلي ب 44 ح 1.
(2) جامع المقاصد 2: 94، الذكرى: 140، الوسائل 4: 465 أبواب لباس المصلي ب 64 ح 3.
(3) مكارم الأخلاق 1: 260 / 780، الوسائل 4: 464 أبواب لباس المصلي ب 64 ح 1 وفيهما
ركعتان.
(4) السرائر 1: 260.
(5) كنهاية الإحكام 1: 367.
(6) تفسير العياشي 2: 14 / 29، جوامع الجامع 1: 433، الوسائل 4: 455 أبواب لباس المصلي
ب 54 ح 6، والآية في الأعراف: 31.
(7) مكارم الأخلاق 1: 251 / 745، المستدرك 3: 226 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.
(8) الكافي 6: 450 الزي والتجمل ب 8 ح 4، الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54 ح 1.
وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
372

وقد، يجمع بينهما بحمل أخبار لبس الخشن على ما إذا صلى لحاجة مهمة أو
دفع بلية، حيث إنه ورد استحبابه في تلك الحالة (1)، فيخص أخبار التجمل
بذلك، وبه تصير أخص من أخبار لبس الخشن فتخص به.
ومنهم من حمل أخبار التجمل على الصلاة في المحافل كالجماعات والأعياد،
وأخبار الخشن على الصلاة في الخلوات (2)، للمروي في المجمع: عن الباقر عليه
السلام في تفسير قوله تعالى: (خذوا زينتكم) قال: (أي خذوا ثيابكم التي
تزينون بها للصلاة في الجماعات والأعياد) (3).
ومنها: لبس خاتم فيه عقيق، للمروي في أعلام الدين للديلمي: (صلاة
ركعتين بفص عقيق تعدل ألف ركعة بغيره).
وقال عليه السلام: (ما رفعت إلى الله تعالى كف أحب إلى الله تعالى من
كف فيها عقيق) (4).
ومنها: لبس خاتم فصه جزع يماني، للمروي في العيون: (إن الصلاة في
الجزع سبعون صلاة وإنه يسبح ويستغفر، وأجره لصاحبه) (5).
ومنها: أن يصلي في الثياب البيض، ذكره في الدروس والبيان (6)،
وغيرهما (7). وهو كاف في المقام وإن كان ما استندوا إليه غير مختص بحال الصلاة.
وأما المكروهات فأمور أيضا:
منها: الصلاة في ثوب أسود عدا العمامة والخف والكساء.

(1) انظر الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54 ح 2 و 7.
(2) الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54.
(3) مجمع البيان 4: 412.
(4) أعلام الدين: 392، 393.
(5) عيون أخبار الرضا 2: 132 / 18، الوسائل 5: 96 أبواب أحكام الملابس ب 57 ح 2.
(6) الدروس 1: 147، البيان: 122.
(7) كالمراسم: 64، والتذكرة 1: 99، والمنتهى 1: 232، والذكرى: 149،
والكفاية: 16.
373

أما المستثنى منه: فلتصريح جملة من الأصحاب، بل للإجماع المحقق والمحكي
والمحكي ظاهرا في المعتبر والمنتهى (1).
ولمرسلة الكافي: (لا تصل في ثوب أسود، فأما الخف والعمامة والكساء فلا
بأس) (2).
ومرسلة محسن: أصلي في القلنسوة السوداء؟ فقال: (لا تصل فيها، فإنها
لباس أهل النار) (3).
ومقتضى التعليل في الأخيرة: كراهة القلنسوة السوداء في غير الصلاة
أيضا، وهو كذلك.
بل يكره مطلق لباس السود - سوى ما ذكر - مطلقا، لمرسلة البرقي: (يكره
السواد إلا في ثلاث: الخف والعمامة والكساء) (4).
ومرسلة الفقيه: (لا تلبسوا السواد، فإنه لباس فرعون) (5).
ورواية حذيفة وفيها: (وأنا أعلم أنه لباس أهل النار) (6).
وظاهر الصدوق في الفقيه: تحريم لبس السواد مع عدم التقية (7)، ولعله

(1) المعتبر 2: 94، المنتهى 1: 232.
(2) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ذ. ح 24، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 9 1 ح 4.
(3) الكافي 3: 403 الصلاة ب 65 ح. 3، الفقيه 1: 162 / 765، التهذيب 2: 213 / 836،
الوسائل 4: 386 أبواب لباس المصلي ب 20 ح 1، المرسلة الأخيرة مختصة بالقلنسوة وقد يتوهم التعميم لعموم التعليل وهو عليل، إذ لا عموم في التعليل لأنه ليس إلا كون القلنسوة السوداء من
لباس أهل النار. منه رحمه الله تعالى.
(4) الكافي 6: 449، الزي والتجمل ب 6 ح 1، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 2.
(5) الفقيه 1: 163 / 766، الوسائل 4: 383 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 5.
(6) الكافي 6: 449، الزي والتجمل ب 6 ح 2، الفقيه 1: 163 / 770، علل الشرائع: 347 / 4،
الوسائل 4: 384 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 7.
(7) الفقيه 1: 163، حيث قال فيه: وأما في حال التقية فلا إثم في لبس السواد. منه رحمه الله تعالى.
374

لظهور النهي في الأخبار في التحريم.
ولكنه يضعف بالمعارضة مع المروي في العلل: قد كانت الشيعة تسأل أبا
عبد الله عليه السلام عن لبس السود فوجدناه قاعدا عليه جبة سوداء وقلنسوة
سوداء وخف أسود مبطن بالسواد - إلى أن قال -: (بيض قلبك والبس ما
شئت) (1).
وهو لموافقته لمذهب العباسيين المتسلطين في ذلك الزمان وإن أوجبت
مرجوحيتها بالنسبة إلى الأخبار الناهية، إلا أن شذوذ هذه ومخالفتها لشهرة
الأصحاب بل إجماعهم أخرجها عن صلاحية إثبات الحرمة فيثبت بها الكراهة،
بحمل المعارض على التقية أو بيان الرخصة.
وأما المستثنى فهو مجمع عليه في العمامة، ومشهور في الخف، فلم يذكره
المفيد والديلمي وابن حمزة على ما حكي عنهم، ومصرح به في الكساء في جملة من
كلمات القوم كالجامع وشرح القواعد والبيان واللمعة والنفلية (2)، وشرح الجعفرية،
وغيرها من كتب المتأخرين (3).
وهو في الثلاثة كذلك، للمرسلتين المتقدمتين.
واستشكال بعضهم (4) في الأخير، لعدم استثناء أكثر القدماء، غير جيد.
ومنها: الصلاة في المعصفر والمزعفر، كرههما جماعة (5)، لرواية يزيد بن

(1) علل الشرائع: 347 / 5، الوسائل 4: 385 أبواب لباس المصلي ب 19 ح 9.
(2) الجامع للشرائع: 65، جامع المقاصد 2: 107، البيان: 122، اللمعة (الروضة 1): 208،
النفلية: 12.
(3) كالمسالك 1: 24، وروض الجنان: 208، والروضة 1: 208، ومجمع الفائدة 2: 87،
والكفاية: 16.
(4) رياض المسائل 1: 129.
(5) منهم المحقق في المعتبر 2: 94، والعلامة في المنتهى 1: 232، والتحرير 1: 30، والتذكرة 1:
99، ونهاية الإحكام 1: 387، والشهيد في الذكرى: 147، والبيان: 122.
375

خليفة (1). وهو إنما يتم على ما في بعض نسخها من عطف الثاني فيها على الأول
بالواو، وأما على ما في بعض آخر من سقوط الواو فلا يثبت إلا كراهة الجامع
للوصفين.
والاستدلال لكراهة الصلاة في الأول ببعض الروايات العامية (2) الدالة على
كراهة لبسه غير جيد، لعدم الملازمة، مع أنه معارض بكثير من الروايات الخاصة
الدالة على عدم كراهته (3).
ومنها: الصلاة في الثوب الأحمر الشديد الحمرة، لموثقة حماد: (تكره الصلاة
في الثوب المصبوغ المشبع المفدم) (4) بسكون الفاء وفتح الدال: الشديد الحمرة،
ذكره أكثر أهل اللغة (5)، أو شديد اللون بقول مطلق من دون تقييد (6)، وعلى
التقديرين يثبت المطلوب.
ورواية مالك وفيها بعد ذكر أن على أبي جعفر عليه السلام ملحفة حمراء
شديد الحمرة أنه قال: (إنا لا نصلي في هذا ولا تصلوا في المشبع المضرج)
الحديث (7). والمضرج: المصبوغ بالحمرة.
ويستفاد كراهة لبس شديد الحمرة ولو في غير الصلاة أيضا، وتدل عليه
أيضا مرسلة ابن أبي عمير: (يكره المفدم إلا للعروس) (8).

(1) التهذيب 2: 373 / 1550، الوسائل 4: 461 أبواب لباس المصلي ب 59 ح 3.
(2) سنن النسائي 8: 203.
(3) الوسائل 5: 30 - 31 أبواب أحكام الملابس ب 17 ح 7، 8، 11، 12.
(4) الكافي 3: 402، الصلاة ب 65 ح 22، التهذيب 2: 373 / 1549، الوسائل 4: 460 أبواب
لباس المصلي ب 59 ح 2.
(5) الصحاح 5: 2001، لسان العرب 12: 450.
(6) مقاييس اللغة 4: 482.
(7) الكافي 6: 447، الزي والتجمل ب 5 ح 7، الوسائل 4: 460، أبواب لباس المصلي ب 59 ح 1.
(8) الكافي 6: 447 الزي والتجمل ب 5 ح 5، الوسائل 5: 29 أبواب أحكام الملابس ب 17 ح 2.
376

وأما الشديد من سائر الألوان: فلا كراهة فيه لا في الصلاة ولا في غيرها،
للأصل.
وقد يقال بها فيه (1)، للموثقة بناء على تفسير المفدم بالمطلق - وإن لم يثبت -
للمسامحة.
وهو ضعيف فإنه لم يثبت ذلك المعنى لهذا اللفظ (2)، ولو ثبت لم يكن إلا
مشتركا خاليا عن قرينة التعيين، فيؤخذ بالمتيقن، ولا يصدق في المطلق بلوغ
الثواب الذي هو مدرك التسامح.
ثم ظاهر الموثقة: عموم الكراهة للرجال والنساء.
وفي الدروس خصها بالرجال وكذلك في الأسود (3)، ولا وجه لهما.
ومنها: التوشح، لاستفاضة الأخبار به (4). ولكن لا تترتب عليه فائدة،
لعدم وضوح المراد منه، فإنه فسر تارة: بالتقلد بالثوب (5). وأخرى: بلبسه.
وثالثة: بأخذ طرفه الملقى على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى وبالعكس ثم
عقدهما على صدره، ذكره النووي في شرح صحيح المسلم (6). ورابعة: بإدخاله
تحت اليمنى وإلقائه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم (7). وخامسة: بالالتحاف
كاليهود، ذكره في الخلاف (8). وسادسة: بشد الوسط بما يشبه الزنار.
والقول بأن النهي عن المشترك يحمل على النهي عن جميع معانيه ضعيف،

(1) الرياض 1: 129.
(2) فإنه في أكثر كتب اللغة كالفائق والقاموس والمجمع وغيره مفسر بالمقيد. منه رحمه الله.
(3) الدروس 1: 147.
(4) انظر الوسائل 4: 395 أبواب لباس المصلي ب 24.
(5) القاموس 1: 264.
(6) هامش إرشاد الساري 3: 163.
(7) المغرب 2: 250.
(8) لم نعثر عليه في الخلاف لكنه موجود في التهذيب 2: 215.
377

لعدم الدليل، سيما مع القول بعدم جواز استعمال المشترك في جميع معانيه، مع أن
الاشتراك بين الجميع غير معلوم، وحقيقته غير متميزة.
ومنها: الاتزار فوق القميص. لا لأخبار كراهة التوشح، لأنه غيره كما نص
به أهل اللغة (1). وتوهم إشعار بعض الأخبار باتحادهما (2)، فاسد، لمنعه. بل
لصحيحة أبي بصير (3).
خلافا لجماعة (4)، لأنه غير التوشح، وللصحيحين النافي أحدهما للبأس
عنه (5)، والمثبت ثانيهما لفعل أبي جعفر عليه السلام له (6).
وضعف الأول ظاهر، ونفي البأس الذي هو العذاب لا ينافي الكراهة،
وفعل الإمام للمكروه لبيان الجواز محتمل.
ومنها: صلاة الرجل في الثوب الواحد الرقيق الغير الحاكي للبشرة، ذكره
جماعة (7)، لفتوى هؤلاء، مضافا إلى نفي بعضهم وجدان الخلاف فيه (8).

(1) القاموس 1: 264 و 377، الصحاح 1: 415 و 578.
(2) رياض المسائل 1: 130.
(3) الكافي 3: 395 الصلاة ب 64 ح 7، التهذيب 2: 214 / 840، الوسائل 4: 395 أبواب لباس المصلي ب 24 ح 1.
(4) منهم المحقق في المعتبر 2: 96، والعلامة في المنتهى 1: 232، والشهيد في الذكرى: 148،
وصاحب المدارك 3: 203.
(5) الفقيه 1: 166 / 780، التهذيب 2: 214 / 842، الإستبصار 1: 388 / 1475، الوسائل
4: 397 أبواب أحكام الملابس ب 24 ح 5.
(6) التهذيب 2: 215 / 843، الإستبصار 1: 388 / 1476، الوسائل 4: 397 أبواب أحكام
الملابس ب 24 ح 6.
(7) منهم الشيخ في النهاية: 97، والمبسوط 1: 83، والمحقق في المعتبر 2: 95، والشهيد في الدروس
1: 148، والذكرى: 146، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 107، وصاحب المدارك 3: 202
(8) رياض المسائل 1: 130.
378

بل في الواحد غير الرقيق أيضا كما في النافع (1)، والرقيق وإن تعدد كما في اللمعة (2)، لفتواهما، مضافا في الثاني إلى بعض الروايات العامية كما في شرح
القواعد (3): عن النبي صلى الله عليه وآله: (إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه) (4)
ومع كون المصلي إماما إلى المروي في قرب الإسناد: عن الرجل يؤم في قباء
وقميص، قال: (إذا كان في ثوبين فلا بأس) (5).
والاستدلال للأول: بمفهوم الصحيحين النافيين للبأس في الصلاة في
القميص الواحد إذا كان كثيفا أو صفيقا (6).
وللثاني: بما مر من استحباب ستر جميع البدن، وما يأتي من استحباب
التعمم والتردي، ورواية قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح أن يصلي في
سراويل واحد وهو يصيب ثوبا؟ قال: (لا يصلح) (7).
وللثالث: بالصحيحين المذكورين بإلغاء قيد الوحدة فيهما لكونه في
السؤال، وبالمروي في الخصال في حديث الأربعمائة: (عليكم بالصفيق من الثياب
فإن من رق ثوبه رق دينه، ولا يقومن أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه
ثوب نشيف) (8) وبما دل على أنهم كانوا يلبسون أغلظ ثيابهم وأخشنها في

(1) النافع: 25.
(2) اللمعة (الروضة 1): 208.
(3) جامع المقاصد 2: 94.
(4) كنز العمال 7: 313 / 19120.
(5) لا يوجد في قرب الإسناد، ولكنه موجود في مسائل علي بن جعفر: 119 62، الوسائل 4: 392
أبواب لباس المصلي ب 22 ح 13.
(6) الكافي 3: 393 و 394 الصلاة ب 64 ح 1 و 2، التهذيب 2: 216 و 217 / 852 و 855،
الوسائل 4: 389 / 390 أبواب لباس المصلي ب 22 ح 2 و 1.
(7) قرب الإسناد: 191 / 717، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 7.
(8) الخصال: 627، الوسائل 4: 389 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 5.
379

الصلاة (1)، وبأن به يحصل كمال الستر، ضعيف.
أما دليل الأول: فلأن مقتضى المفهوم ثبوت البأس الذي هو العذاب في
الرقيق، وليس ارتكاب التجوز فيه أولى من تخصيص الرقيق بحاكي البشرة، بل
صدق الرقيق على غيره غير معلوم، فيكونان دليلين على وجوب الستر.
وأما دليل الثاني: فبما سبق من عدم دليل تام على استحباب ستر الجميع.
مضافا إلى أن كراهة ترك ستر الجميع أو التعمم أو التردي أو كراهة
السراويل الواحد غير كراهة الثوب الواحد، الظاهرة في أن للوحدة مدخلية في
الكراهة.
وأما دليل الثالث: فلما مر في الأول، ولأن الغلظة غير الصفاقة، فإنها قد
تكون مع كون الثوب حاكيا وقد لا تكون مع غاية الصفاقة، ولأنه لا دليل على
رجحان كمال الستر.
ومنها: اشتمال الصماء بالإجماع المحقق والمحكي حد الاستفاضة (2)، وهو
الحجة في كراهته في الصلاة.
بل الظاهر كراهته مطلقا، لصحيح زرارة: (إياك والتحاف الصماء) قلت:
وما التحاف الصماء؟ قال: (أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على
منكب واحد) (3).
ومنه يظهر المراد من اشتمال الصماء أيضا، وبه فسر أيضا في كلام كثير من

(1) الوسائل 4: 454 أبواب لباس المصلي ب 54.
(2) كما في المعتبر 2: 96، والتحرير 1: 31، والذكرى: 147، وجامع المقاصد 2: 108، وروض
لجنان: 209
(3) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 4، الفقيه 1: 168 / 792، التهذيب 2: 214 / 841،
الإستبصار 1: 388 / 1474، معاني الأخبار: 390 / 32، الوسائل 4: 399 أبواب لباس
المصلي ب 25 ح 1.
380

فقهائنا كالنهاية والمبسوط والوسيلة (1)، ونسبه في الروض والروضة والبحار إلى
المشهور (2)، مشعرا بوقوع الخلاف فيه، ولعله إشارة إلى خلاف السيد كما نقله في
السرائر (3).
فما قيل: من أنه لم أجد خلافا بين أصحابنا فيه ولعل الخلاف المشعر به
النسبة إلى المشهور لأهل اللغة أو فقهاء العامة (4)، غير جيد.
وكيف كان، فلا ينبغي الريب في أن العبرة بتفسير الإمام الوارد في الرواية
الصحيحة المعتضدة بالشهرة المحكية والمحققة، بل ظاهر الإجماع المستفاد من
السرائر (5)، بل بالرواية العامية المروية عن الخدري: (إن النبي صلى الله عليه وآله
نهى عن اشتمال الصماء، وهو أن يجعل وسط الرداء تحت منكبه الأيمن ويرد على
طرفه الأيسر) (6) دون ما يخالفه من التفاسير الواردة في كلام اللغويين والعامة، كما
صرح به الصدوق في معاني الأخبار (7).
ثم الظاهر المتبادر من الرواية على ما في الكافي وأكثر نسخ التهذيب - وهو
المصرح به في كلام أكثر - هو: أن المراد إدخال طرفي الثوب معا من تحت منكب
واحد، سواء كان الأيمن أو الأيسر، ثم وضعه على المنكب الواحد.
ولكن المنقول عن بعض نسخ التهذيب: (جناحيك) والظاهر حينئذ كون
المراد إدخال أحد طرفي الثوب من تحت أحد الجناحين والطرف الآخر من تحت
الجناح الآخر ثم جعلهما على منكب واحد، ويوافقه المروي في بعض الكتب عن

(1) النهاية: 97، المبسوط 1: 83، الوسيلة: 87.
(2) الروض: 209، الروضة 1: 208، البحار 80: 205.
(3) السرائر 1: 261.
(4) رياض المسائل 1: 131.
(5) السرائر 1: 261.
(6) صحيح البخاري 7: 190، (بتفاوت).
(7) معاني الأخبار: 282.
381

معاني الأخبار (1) وإن وافق ما في الكتب الأخر عنه المشهور.
ولا يبعد حمل المشهور من الصحيحة على هذا المعنى أيضا، بأن يراد من
الجناح الجنس - كما في التذكرة والمنتهى (2) - إلا أنه خلاف المتبادر.
والاحتياط التجنب عنه بالمعنيين. بل الأظهر كراهة كل منهما، لصدق
الجنس المذكور على المعنيين، مع أن ظهور الرواية على الطريق المشهور في المعنى
الأول وورودها في بعض النسخ بما يوافق الثاني يكفي في إثبات الكراهة لهما، سواء
كان الرد على اليمين أو اليسار.
وأما ما في صحيحة علي: عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه
على يساره؟ قال: (لا يصلح جمعهما على اليسار ولكن اجمعهما على اليمين، أو
دعهما) (3) حيث إن الظاهر منها تساوي الجمع على اليمين أو الدعة، فلا يدل على
الزائد على جواز الجمع على اليمين، لعدم إرادة الطلب من الأمر بالجمع إجماعا،
وهو لا ينافي الكراهة.
نعم، يستفاد منها أن الجمع على اليسار أيضا مكروه آخر، ففيه جمع بين
مكروهين.
ومنها: الصلاة في عمامة لا حنك لها، فيكره إجماعا محققا ومحكيا في المعتبر
والمنتهى (4)، وغيرهما (5)، وهو الحجة، مضافا إلى المرويين في الغوالي:
أحدهما: (من صلى بغير حنك فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا
نفسه) (6).

(1) معاني الأخبار: 281.
(2) التذكرة 1: 99، المنتهى 1: 233.
(3) التهذيب 2: 373 / 1551، الوسائل 4: 400 أبواب لباس المصلي ب 25 ح 7.
(4) المعتبر 2: 97، المنتهى 1: 233.
(5) كالرياض 1: 131.
(6) الغوالي 4: 37 / 128، مستدرك الوسائل 3: 215 أبواب لباس المصلي ب 21 ح 2.
382

والآخر: (من صلى مقتعطا فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه) (1).
وضعف الخبرين في المقام غير ضائر، مع أن ما مر له جابر، ومع ذلك
مؤيدان بما نقله الصدوق عن مشايخه أنهم يقولون: لا تجوز الصلاة في الطابقية،
ولا يجوز للمعتم أن يصلي وهو غير متحنك (2). والطابقية هي أن لا يجعل تحت
حنكه شيئا من العمامة وهو الاقتعاط.
وبإطلاقات كراهة التعمم من دون تحنك كمرسلة الفقيه: (الفرق بين
المسلمين والمشركين التلحي بالعمائم) (3)
وفي خبر عيسى: (من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه ألم لا دواء
له فلا يلومن إلا نفسه) (4).
ومرسلة الكافي: (الطابقية عمة إبليس لعنه الله) (5) وغير ذلك.
ولما كان الاقتعاط عدم جعل شئ من العمامة تحت الحنك، والمعهود من
التحنك أيضا جعل شئ منها تحته، بل هو معنى التلحي بالعمامة وإدارتها تحت
الحنك، فلا بد أن يكون المتحنك به جزءا من العمامة وسطها أو طرفها لا شيئا من
الخارج، فلا تتأدى السنة بغيرها.
وتردد المحقق الثاني واحتمل تأديها به أيضا (6).
وكذا المتبادر من التلحي والتحنك تطويق شئ من العمامة تحت الحنك،
بل هو صريح معنى الإدارة المصرح بها، فلا يتحقق بإسدال طرف منها على

(1) الغوالي 2: 214 / 6، والاقتعاط هو شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك، مجمع
البحرين 4: 270.
(2) الفقيه 1: 172.
(3) الفقيه 1: 173 / 817، الوسائل 4: 403 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 8.
(4) الكافي 6: 461 الزي والتجمل ب 15 ح 7، التهذيب 2: 215 / 847،
الوسائل 4: 401
أبواب لباس المصلي ب 26 ح 2.
(5) الكافي 6: 461، الزي والتجمل ب 15 ح 5، الوسائل 4: 402 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 4.
(6) جامع المقاصد 2: 110.
383

الصدر أو القفاء، كما احتمله بعض المتأخرين (1)، جمعا بين أخبار التحنك
والإسدال (2).
ويجمع تارة أيضا: بحمل الأولى على التحنك حين التعمم والأخرى على
الإسدال بعده، وأخرى: بتخصيص الأولى بحال يراد فيه المسكنة والتخشع،
والثانية بحال يراد فيها الاختيال والترفع، وثالثة: بتخصيص الأولى بالرعية
والثانية بالرسول والعترة، لورود أخبار الإسدال فيهم، ورابعة: بالتخيير بين الأمرين.
والكل خروج عن الظاهر خال عن الشاهد.
والتحقيق أنه لا تنافي بين الصنفين، إذ الإسدال لا يكون إلا بطرف
العمامة، والتحنك يتحقق بكل جزء منها، فيمكن الجمع بين الأمرين بالتحنك
بشئ من الوسط وإسدال أحد الطرفين.
وهل المكررة ترك التحنك للمعمم حتى لم يرتكب غير المعتم مكروها، أو
مطلق فلا تتأدى السنة إلا بالتعمم والتحنك؟ مقتضى كلام الأكثر: الأول،
وظاهر الخبر الأول: الثاني، فهو الأجود، ولكن ذلك في حال الصلاة، وأما في
غيرها فأخباره تكره ترك التحنك للمتعمم، إلا أن يستند في أولوية التحنك مطلقا
بأولوية التعمم الذي يستحب معه التحنك.
ثم في كلام جماعة (3) نسبة حرمة (ترك) (4) التحنك للمتعمم في الصلاة إلى
الصدوق طاب ثراه، وكأنها مأخوذة من قوله المتقدم ذكره بجعل قوله: (ولا يجوز)
ابتداء كلام من نفسه لا حكاية عن مشايخه، أو من ظهور ما نقله في اتفاق مشايخه

(1) البحار 80: 195.
(2) انظر الوسائل 4: 399، 401 أبواب لباس المصلي ب 5 2 و 6 2.
(3) منهم العلامة في المختلف: 83، والشهيد الأول في البيان: 122، والمحقق الثاني في جامع
المقاصد 2: 110، والشهيد الثاني في روض الجنان: 210.
(4) أضفناه لاقتضاء المعنى.
384

على ذلك، فيبعد مخالفته لهم.
وللتأمل في كلا الأمرين مجال، بل الظاهر كون قوله: (ولا يجوز) تفسيرا لما
تقدم، والظاهر من نسبته إلى المشايخ عدم كونه فتوى نفسه. ويحتمل عثورهم على
تصريح منه في محل آخر.
وكيف كان فالتحريم ضعيف جدا، للأصل. كما يضعف الطرف المقابل
له وهو أولوية تركه في أمثال هذا الزمان، لكونه لباس شهرة كما قيل به (1)، لمنع
كونه من لباس الشهرة، مع أنه لو كان منه للزم تحريمه - لأنه المستفاد من أخبار
لباس الشهرة (2) - وهو خلاف إجماع الشيعة.
وأيضا ذم الشهرة ليس منحصرا في اللباس، بل في مرسلة عثمان: (الشهرة
خيرها وشرها في النار) (3) فلو أوجب الاشتهار رفع الحكم الشرعي لسرى الأمر إلى
أكثر المستحبات بل الواجبات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل
لأمكن انطواء الشريعة بتداول خلافها.
ومنها: اللثام للرجل والنقاب للمرأة، لاشتهار كراهتهما بين الفقهاء،
وورودهما في بعض الأخبار (4).
والكراهة إنما هي مع عدم المنع عن القراءة أو غيرها من الواجبات وإلا
حرما.
ومنها: ترك الرداء للإمام، لفتوى جم غفير من الأصحاب (5). بل لمطلق

(1) المفاتيح 1: 111.
(2) الوسائل 5: 15، 24 أبواب أحكام الملابس ب 7 و 12.
(3) الكافي 6: 445 الزي والتجمل ب 3 ح 3، الوسائل 5: 24 أبواب أحكام الملابس ب 12 ح 3.
(4) الوسائل 4: 422 أبواب لباس المصلي ب 35.
(5) منهم الشيخ في المبسوط 1: 83، والنهاية: 98، والمحقق في الشرائع 1: 70، والنافع: 25،
والمعتبر 2: 97، ويحيى بن سعيد في الجامع: 67، والعلامة في التحرير 1: 31، والمنتهى 1: 233، والشهيد الأول في اللمعة (الروضة 1): 209، والشهيد الثاني في روض الجنان: 211.
385

المصلي من الرجال، لفتوى جماعة منهم (1)، وهي كافية في المقام.
وقد يستدل بأخبار غير وافية بالمرام (2)، وقد يضم ببعضها عدم الفصل
للإتمام.
وهو شطط من الكلام، ولذا لم يفت جماعة من الأعلام بكراهة الترك
مطلقا.
وأدل الأخبار في الإمام: صحيحة سليمان بن خالد (3)، وفي غيره رواية قرب
الإسناد (4)، ورسالة علي (5).
وهما لا تدلان إلا على مرجوحية الصلاة في القميص وحده أو الإزار
والقلنسوة وحدهما بدون الرداء.
ومنها: الصلاة مشدود القباء في غير حال الحرب، ذكره جماعة من
أصحابنا (6)، بل نسبوه إلى المشهور (7).
فإن أريد منه مشدود الأزرار فالمستفاد من الأخبار خلافه، ففي رواية
الأحمري: عن رجل يصلي وأزراره محللة، قال: (لا ينبغي ذلك) (8).

(1) كالشهيد الأول في البيان: 122، والشهيد الثاني في روض الجنان: 211، وصاحب الحدائق 7: 137.
(2) الوسائل 4: 452 أبواب لباس المصلي ب 53.
(3) الكافي 3: 394 الصلاة ب 64 ح 3، التهذيب 2: 366 / 1521، الوسائل 4: 452 أبواب
لباس المصلي ب 53 ح 1.
(4) قرب الإسناد: 183 / 680، الوسائل 4: 453 أبواب لباس المصلي ب 53 ح 7.
(5) مسائل علي بن جعفر: 254 / 609.
(6) منهم سلار في المراسم: 64، والشيخ في النهاية: 98، والمبسوط 1: 83، والمحقق في النافع:
25، والمعتبر 2: 99، والشهيد في الدروس 1: 148، واللمعة (الروضة 1): 209.
(7) كما في البيان: 123، والروضة 1: 209، والمدارك 3: 208.
(8) التهذيب 2: 369 / 1535، الإستبصار 1: 392 / 1496، الوسائل 4: 394 أبواب لباس
المصلي ب 23 ح 5.
386

وفي رواية غياث: (لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار) (1).
ولا ينافيهما بعض الروايات النافية للبأس عن الصلاة محلولة الأزرار (2)
لاجتماع انتفاء البأس مع الكراهة.
بل مقتضى الروايتين: كراهة حل الأزرار الذي هو مقابل شدها، فيكون
الشد مستحبا.
ولا تعارضها فتوى جمع من الفقهاء، فإنها إنما تفيد في مقام الاستحباب إذا
لم تعارضه الأخبار.
وإن أريد منه مشدود الوسط - وإن كان الظاهر من الدروس والبيان
مغايرتهما (3) - فلا بأس بالقول بكراهته، لأجل الاشتهار، بل تصريح الشيخ في
الخلاف بالإجماع على كراهة هذا المعنى بخصوصه، قال: ويكره أن يصلي وهو
مشدود الوسط، دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط (4).
ولا يضرها الخبران العاميان المرويان في النهاية الأثيرية المصرحان بالنهي عن
الصلاة بغير حزام (5)، لمعارضتهما مع الآخر المنقول في الذكرى عن النبي صلى الله
عليه وآله أنه قال: (لا يصلي أحدكم وهو متحزم) (6).
ولا يضره ما نقله بعض الأفاضل أنه رآه في كتب العامة هكذا: (وهو غير
متحزم) (7)، لإمكان التعدد.

(1) التهذيب 2: 326 و 357 / 1334، 1476، الإستبصار 1: 392 / 1495، الوسائل 4: 394
أبواب لباس المصلي ب 23 ح 3.
(2) الوسائل 4: 393 أبواب لباس المصلي ب 23.
(3) الدروس 1: 148، البيان: 123.
(4) الخلاف 1: 509.
(5) النهاية 1: 379.
(6) الذكرى: 148.
(7) المغني والشرح الكبير 1: 659.
387

إلا أن يقال: إن الخبرين كما يعارضان ذلك الخبر يعارضان الشهرة ونقل
الإجماع، ويبقى الأصل بلا معارض، فلا يكون ذلك أيضا مكروها.
ومنه يظهر أن الشد بأي المعنيين أخذ لا يمكن إثبات كراهته، ولذا تردد
فيه جماعة كالشيخ في التهذيب والمحقق في النافع والفاضل في التحرير والمنتهى،
والشهيدين في روض الجنان والروضة والذكرى (1)، وغيرهم من متأخري
أصحابنا (2)، المقتصرين في المسألة على نقل الكراهة.
وظاهر المقنعة وصريح الوسيلة: حرمة الصلاة مشدود القباء (3)، بل ظاهر
ما قاله الشيخ في التهذيب - بعد قول المقنعة -: ذكر ذلك علي بن الحسين بن
بابويه وسمعناه من الشيوخ مذاكرة ولم أعرف به خبرا مسندا (4). انتهى: أن الحرمة
هي التي ذكرها علي وسمعها من الشيوخ، وهو محتمل المبسوط والنهاية أيضا (5).
وكيف كان فلا ريب في ضعفه جدا.
ومنها: أن يصحب حديدا، على الأشهر كما صرح به جماعة (6)،
للمستفيضة، كموثقة عمار: في الرجل يصلي وعليه خاتم حديد؟ قال: (لا) (7).

(1) التهذيب 2: 232، النافع: 25، التحرير 1: 31، المنتهى 1: 235، روض الجنان: 210،
الروضة 1: 209، الذكرى: 148.
(2) كالفاضل المقداد في التنقيح 1: 182، وصاحب المدارك 3: 208، وصاحب الحدائق 7: 144.
(3) المقنعة: 152، الوسيلة: 88.
(4) التهذيب 2: 232.
(5) المبسوط 1: 83، النهاية: 98.
(6) انظر المدارك 3: 210، والذخيرة: 230، والبحار 80: 251، والحدائق 7: 144، والرياض
1: 132.
(7) الفقيه 1: 164 / 773، التهذيب 2: 372 / 1548، علل الشرائع: 348 / 1، الوسائل 4: 418
أبواب لباس المصلي ب 32 ح 5.
388

وقريبة منها رواية السكوني (1)، والمرويان في العلل (2).
ورواية النميري وفيها: (وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين،
فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة، إلا أن يكون قبال عدو فلا بأس
به) قال: قلت: فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني منه أو في
سراويله مشدودا، أو المفتاح يخشى إن وضعه ضاع، أو يكون في وسطه المنطقة
من حديد، قال: (لا بأس بالسكين أو المنطقة للمسافر في وقت ضرورة، وكذلك
المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان، ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في
الحرب، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة في شئ من الحديد، فإنه نجس
ممسوخ) (3).
وعن المقنع والنهاية والمهذب (4)، وظاهر الصدوق والكليني (5)، ومحتمل من
قال بنجاسة الحديد: حرمة الصلاة فيه وعدم صحتها معه، كما هو مقتضى الرواية
الأخيرة. وهي قوية جدا، لذلك.
ودعوى شذوذ الرواية، لمخالفتها لعمل المعظم بعد نسبة القول بالتحريم
إلى من ذكر، غير مسموعة.
والحكم بنجاسته مع مخالفتها بالمعنى المصطلح للحق لا يصلح قرينة لإرادة
الكراهة من الحرمة.
ولكن يجب تخصيصها بما إذا كان الحديد ظاهرا كما عليه فتوى القائلين

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ح 35، التهذيب 2: 227 / 895، علل الشرائع: 348 / 2،
الوسائل 4: 417 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 1.
(2) علل الشرائع: 348 / 3 و 1، الوسائل 4: 368، 418 أبواب لباس المصلي ب 11 و 32 ح 5.
(3) الكافي 3: 400 الصلاة ب 65 ح 13، التهذيب 2: 227 / 894، الوسائل 4: 419 أبواب
لباس المصلي ب 32 ح 6.
(4) المقنع: 25، النهاية: 98، المهذب 1: 75.
(5) الكافي 3: 400 و 404 / 13 و 34 و 35، الفقيه 1: 163 و 164.
389

بالحرمة أو الكراهة، لمرسلة الكافي: (إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه) (1)
وفي التهذيب: قد قدمنا رواية عمار: (إن الحديد إذا كان في غلاف فلا
بأس بالصلاة فيه) (2).
ومنه يظهر عدم منافاة التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج وكتاب
الغيبة: عن الرجل يصلي وفي كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز
ذلك؟ فوقع عليه السلام: (جائز) (3) للحرمة، لأن غاية ما يدل عليه الجواز مع
الستر في الكم أو السراويل، فإن الاستتار المزيل للكراهة أو الحرمة هو ما كان
محجوبا عن النظر ولو تحت الثياب دون ما كان في جلد ونحوه، إذ الغلاف المصرح
به في الروايتين في اللغة هو الحجاب، فيصدق على كل ما يحجب عن الناظر.
ثم إنه ينبغي استثناء حال الضرورة وخوف الضياع والنسيان، للرواية
المذكورة. والتخصيص بالرجال، لاختصاص الروايات بهم، وعدم ثبوت الإجماع
على الاشتراك. واستثناء آلات الحرب في قبال العدو، للرواية (4).
ومنها: الصلاة في ثوب من يتهم بعدم التوقي عن النجاسات أو بمساورته
له وهو نجس، لفتوى معظم الأصحاب، وعموم قوله عليه السلام: (دع ما
يريبك إلى ما لا يريبك) (5).

(1) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ذ. ح 35، الوسائل 4: 418 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 3.
(2) التهذيب 2: 227.
(3) الإحتجاج: 484، كتاب الغيبة: 234، الوسائل 4: 420 أبواب لباس المصلي ب 32 ح 11.
(4) ويكره أيضا الصلاة مع الحديد الصيني وإن لم يكن حديدا حقيقة، للمروي في الاحتجاج:
483، وكتاب الغيبة: 232: عن الفص الخماهن هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟ فكتب
الجواب: (فيه كراهية أن يصلى فيه، وفيه إطلاق، والعمل على الكراهية) انتهى.
والظاهر - كما قيل - أن الخماهن هو الحديد الصيني. منه رحمه الله.
(5) الذكرى: 138، الوسائل 27: 173 أبواب صفات القاضي ب 12 ح 63.
390

وفي شرح القواعد: ويراعى في الإقامة مع الحدر ترك الإعراب والوقوف
على فصولها فيكره الإعراب فيها (1).
وفي شرح الإرشاد للأردبيلي: والوقف هنا بمعنى إسكان أواخر الفصول
على ما قالوه (2).
وقال بعض مشايخنا: والسنة الوقوف على فصوله بترك الإعراب من أواخرها
إجماعا (3).
وأما الوقف بمعنى قطع النفس والسكوت فلا دليل على استحبابه، لأن
الإجماع بل الشهرة لم يثبت إلا على الإسكان كما عرفت، والخبر يتضمن الجزم.
وأما قوله في خبر آخر: (موقوفان) فهو غير دال على استحباب السكوت أو
قطع النفس، لعدم كون الوقف - سيما إذا نسب إلى الحرف ويقال إنه موقوف - في
ذلك المعنى.
وأما اشتراطه مع ترك الحركة فلا دليل عليه أيضا، كما يأتي في بحث
القراءة، وإنما هو شئ ذكره (بعض) (4) القراء، ولذا قال في شرح الإرشاد: وفي
الخبر إشارة إلى جواز الوقف بمجرد [حذف] الحركة، ويشترط القراء السكوت مع
قطع النفس (5) انتهى.
ولا حجية في قولهم أصلا.
وقال في الروضة: ولو ترك الوقف أصلا فالتسكين أولى من الإعراب (6).

(1) جامع المقاصد 2: 184.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 172.
(3) الرياض 1: 150.
(4) ليس في (ق).
(5) مجمع الفائدة والبرهان 2: 172. وما بين المعقوفين من المصدر.
(6) الروضة 1: 247.
391

وإن أرادا غير ذلك ولو مع الظن بالمباشرة مع الرطوبة فهما محجوجان بعد
الأصل وعمومات الطهارة بما مر وما بمعناه.
وعن الإسكافي: المنع في ثوب الذمي ومن الأغلب على ثوبه النجاسة
مطلقا (1)، فحكم بإعادة الصلاة المؤداة فيه وقضائها، ولعله اعتبر الظن في
النجاسة. ويرده ما سبق.
وألحق بثوب المتهم في التذكرة والذكرى والروضة والدروس والبيان (2) ثوب
من يتهم بالغصب وعدم توقي المحرمات في ملابسه، بل قد يلحق المتهم
باستصحاب فضلات ما لا يؤكل (3). وهو حسن، لقوله: (دع ما يريبك) مع
التنبيه عليه بكراهة معاملة الظالم وأخذ عطائه.
ومنها: الصلاة في ثوب أو خاتم فيه تمثال وصورة، بلا خلاف في أصل
المرجوحية، كما في البحار (4) وغيره (5)، وهو الحجة، مضافا إلى المستفيضة:
منها: صحيحتا ابني سنان وبزيع:
إحداهما: (إنه كره أن يصلي وعليه ثوب فيه تماثيل) (6).
والثانية: (عن الثوب المعلم، فكره ما فيه التماثيل) (7).
ومرسلة الفقيه، وفيها: (فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، ولا بيتا فيه
تماثيل) (8).

(1) نقله عنه في المختلف 1: 82.
(2) التذكرة 1: 99، الذكرى: 148، الروضة 1: 209، الدروس 1: 841، البيان: 122.
(3) رياض المسائل 1: 132.
(4) البحار 80: 243.
(5) انظر جامع المقاصد 2: 114، والرياض 1: 132.
(6) الكافي 3: 401 الصلاة ب 65 ح 17، الوسائل 4: 447 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 2.
(7) الفقيه 1: 172 / 810، عيون الأخبار 2: 17 / 44، الوسائل 4: 437 أبواب لباس المصلي
ب 45 ح 4.
(8) الفقيه 1591 / 744، الوسائل 5: 175 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 4.
392

وصحيحة أخرى لابن بزيع: عن الصلاة في الديباج، فقال: (ما لم تكن
فيه تماثيل فلا بأس) (1).
وموثقة عمار: عن الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير ذلك أيصلي فيه؟
قال: (لا)، وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك، قال: (لا تجوز الصلاة فيه) (2) إلى غير ذلك.
وظاهر الأخيرتين وإن كان التحريم - كما هو في النهاية وعن المبسوط في
الثوب والخاتم (3)، وعن المقنع والمهذب في الثاني خاصة (4) - إلا أنه محمول على
الكراهة.
لا للأصل وتصريح الصحيحتين بالكراهة، لاندفاع الأصل بالنص،
وأعمية الكراهة، في الأخبار..
ولا لما دل على الكراهة في الدراهم أو البسط فيها التماثيل ونفي البأس عن
الصلاة فيها (5)، لعدم الملازمة، وانتفاء الإجماع المركب.
بل للمروي في قرب الإسناد - المنجبر بالشهرة العظيمة التي كادت أن
تكون إجماعا، بل عن المتأخرين الإجماع (6) -: عن الخاتم يكون فيه نقش سبع أو
طير أيصلى فيه؟ قال: (لا بأس) (7).
واختصاصه بالخاتم غير ضائر، لعدم القائل بالفرق في طرف الجواز.

(1) التهذيب 2: 208 / 815، الإستبصار 1: 386 / 4865، الوسائل 4: 370 أبواب لباس
المصلي ب 11 ح 10.
(2) الفقيه 1: 165 / 776، التهذيب 2: 372 / 1548، الوسائل 4: 440 أبواب لباس المصلي
ب 45 ح 15.
(3) النهاية: 99، المبسوط 1: 84.
(4) المقنع: 25، المهذب 1: 75.
(5) الوسائل 4: 436 أبواب لباس المصلي ب 45.
(6) كما في الرياض 1: 132.
(7) قرب الإسناد: 211 / 827، الوسائل 4: 442 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 23.
393

مع أنه جوز في المنتهى (1) أن يكون مراد الشيخ أيضا الكراهة.
وهل الصورة والمثال يعمان ما كان من ذي روح وغيره؟ كما صرح به
جماعة (2)، بل أسنده في المختلف إلى الأصحاب (3)، وفي شرح القواعد إلى
الأكثر (4). أو يخص الأول؟ كما اختاره الحلي (5)، ونسب إلى جماعة من المحققين (6)
الظاهر الأول، لا لعموم التمثال أو إطلاقه، لعدم ثبوته، حيث إن المتبادر منه مثال الحيوان، بل صرح بعض أهل اللغة باختصاصه لغة وكونه مجازا في مثال
الشجر (7).
مع أنه لو سلم صدق المبدأ على الأعم لا يثبت منه وضع الهيئة الاشتقاقية
له أيضا كما بيناه في محله، ويؤكده استعماله في الأخبار مطلقا فيه غالبا.
بل لفتوى الأكثر بالتعميم، بل دعوى الإجماع المستفادة من المختلف
ظاهرا (8)، ومثلهما كاف في إثبات الكراهة.
ومستند الحلي: ما مر من اختصاص التمثال بالحيوان، وتصريح طائفة من
الأخبار بجواز تصريح غير ذي الروح (9)، ونفي البأس في صحيحتي زرارة ومحمد
عن تماثيل الشجر والشمس والقمر (10)، ونقش وردة وهلال في خاتم مولانا
أبي.

(1) المنتهى 1: 234.
(2) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 147، والبيان: 122، والمحقق الثاني في جامع المقاصد
2: 114، والشهيد الثاني في المسالك 1: 24، وروض الجنان: 212، والمحقق
الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: 2: 93.
(3) المختلف: 81.
(4) جامع المقاصد 2: 114.
(5) السرائر 1: 263، 270.
(6) نسب إليهم في الرياض 1: 133.
(7) المغرب 1: 178.
(8) المختلف: 81.
(9) انظر: الوسائل 17: 295 أبواب ما يكتسب ب 94.
(10) المحاسن: 619 / 54 و 55، الوسائل 17: 296 أبواب ما يكتسب به ب 94 ح 2 و 3.
394

الحسن عليه السلام كما في صحيحة البزنطي (1).
ويضعف الأول: بعدم الاستناد في كراهة غير ذي الروح بأخبار التمثال.
والثاني: بعدم الملازمة بين جواز التصوير وجواز الصلاة، مع أن الجواز لا
ينافي الكراهة.
والثالث: بعدم منافاة انتفاء البأس لثبوت الكراهة.
والرابع: بعدم دلالته على صلاته فيه، مع أنها أيضا غير نافية للكراهة.
وهل التمثال والصورة يختص بما له صدق معلوم في الخارج، أم يعم صورة
المخترع من الحيوان أو غيره؟ الظاهر هو الأول؟ لعدم صدق التمثال والصورة،
وعدم ثبوت الشهرة في غيره.
ثم إنه ترتفع الكراهة بتغيير الصورة كما صرح به الجماعة (2)، لصحيحة
محمد: (لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيرت الصورة فيه) (3).
ونفي البأس وإن كان أعم من الكراهة إلا أنه في المقام يجب الحمل على
نفيها، لعدم الحرمة بدون التغيير.
والظاهر كفاية أدنى تغيير، كما صرح به شيخنا البهائي (4)؟ لصدق التغيير.
وصحيحة ابن أبي عمير: عن التماثيل في البساط لها عينان وأنت تصلي،
فقال: (إن كان لها عين واحدة فلا بأس، وإن كان لها عينان فلا) (5).
وفي الصحيح أيضا: لا بأس بالتماثيل في الثوب إذا غيرت رؤوسها وترك ما

(1) الكافي 6: 473 الزي والتجمل ب 26 ح 4، الرسائل 5: 99 أبواب أحكام الملابس ب 62 ح 2.
(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 234، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 114، والشهيد الثاني في
روض الجنان: 212، وصاحب المدارك 3: 214، وصاحب الرياض 1: 133.
(3) التهذيب 2: 3 / 363 / 1503، الوسائل 4: 214، أبواب لباس المصلي ب 45 ح 13.
(4) الحبل المتين: 187.
(5) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 22، التهذيب 2: 363 / 6 150، الوسائل 4: 438، أبواب
لباس المصلي ب 45 ح 7.
395

سوى ذلك) (1).
والظاهر ارتفاع الكراهة مع الضرورة أيضا، لسقوط التكليف معها، ويدل
عليه في الجملة الموثق (2).
ولا تزول الكراهة بالاستتار، لإطلاق الفتاوى والأخبار.
وفي المدارك تخفيفها بالستر (3)، استنادا إلى ما ورد في الدراهم كما يأتي وفيه
نظر.
ومنها: استصحاب الدراهم التي فيها صورة، على المشهور كما صرح به في
البحار (4)، للمروي في الخصال: (لا يعقد الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه
وهو يصلي، ويجوز أن تكون الدراهم في هميان إذا خاف ويجعلها في ظهره) (5).
وظاهر الرواية والحسنة الآتية: بقاء الكراهة وإن كانت مستورة أيضا (6).
وقال جماعة بانتفائها بالاستتار عن النظر (7)، لصحيحة حماد: عن الدراهم
السود التي فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ فقال: (لا بأس إذا كانت
مواراة) (8).

(1) المحاسن: 619 / 56، الكافي 6: 527 الزي والتجمل ب 65 ح 8، الوسائل 5: 8 30 أبواب
أحكام المساكن ب 4 ح 3.
(2) (عن لباس الحرير والديباج فقال: أما في الحرب فلا بأس وإن كان فيه تماثيل) منه رحمه الله.
الكافي 6: 453 الزي والتجمل ب 11 ح 3 الفقيه 1: 171 / ذ ح 807، المهذب 2:
208 / 816، الإستبصار 1: 386 / 1466، الوسائل 4: 372 أبواب لباس المصلي ب 12 ح 3.
(3) المدارك 3: 213.
(4) البحار 80: 247.
(5) الخصال: 627، الوسائل 4: 438 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 5.
(6) لحصول الاستتار بالعقد والكون في الهميان. منه رحمه الله.
(7) منهم العلامة في المنتهى 1: 234، والتحرير 1: 31، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 2: 92.
(8) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 20، التهذيب 2: 364 / 1508، الوسائل 4: 439 أبواب
لباس المصلي ب 45 ح 8.
396

والأولى حملها على تخفيف الكراهة، سيما مع أن إرادة جعلها في ورائه
ممكنة، ومعه تنتفي الكراهة كما صرح به في الرواية.
وتدل عليه أيضا حسنة البجلي: عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو
يصلي مربوطة أو غير مربوطة، قال: (ما أشتهي أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي
فيها التماثيل) ثم قال: (ما للناس بد من حفظ بضائعهم، فإن صلى وهي معه
فلتكن من خلفه، ولا يجعل شيئا منها بينه وبين القبلة) (1).
ورواية أبي بصير: (وإذا كانت معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين
يديك واجعلها من خلفك) (2).
والظاهر المستفاد من نفي البد عن حفظ البضائع أنه ليس معنى جعلها في
الخلف وضعها فيه، كما فهم، بل شدها في وسطه بحيث تكون الدراهم خلفه
لئلا تكون بينه وبين القبلة وكان أبعد من توهم العبادة لها.
ومنه يظهر تعدي الحكم إلى الدنانير المصورة أيضا.
ومنها: الصلاة في خلخال مصوت للمرأة في يدها أو رجلها، لظاهر
الإجماع.
واستدل أيضا: بصحيحة علي (3). وهي غير متضمنة لحال الصلاة.
وحرمها القاضي (4)، لظاهر الصحيحة. وهي على مطلوبه - وهو حرمة
الصلاة فيها - غير دالة، وإنما تدل على عدم صلاحية لبسه المخالف للإجماع.

(1) الكافي 3: 402 الصلاة ب 65 ح 21، الفقيه 1: 166 / 779، الوسائل 4: 447 أبواب لباس
المصلي ب 45 ح 3.
(2) التهذيب 2: 363 / 1504، الوسائل 4: 439 أبواب لباس المصلي ب 45 ح 11.
(3) الكافي 3: 404 الصلاة ب 65 ح 33، الفقيه 1: 164 / 775، قرب الإسناد: 226 / 881،
مسائل علي بن جعفر: 138 / 148، الوسائل 4: 463 أبواب لباس المصلي ب 62 ح 1.
(4) المهذب 1: 75.
397

ومنها: أن تصلي المرأة عطلا (1)، للعامي (2).
ورواية غياث: (لا تصلي المرأة عطلا) (3).
وفي الدعائم: (لا تصلي المرأة إلا وعليها من الحلي أدناه الخرص فما فوقه،
ولا تصلي المرأة إلا وهي مختضبة، فإن لم تكن مختضبة فلتمس مواضع الحناء
بخلوق) (4).
وفيه أيضا: (مر نساءك لا يصلين معطلات، فإن لم يجدن فليعقدن على
أعناقهن ولو بالسير، ومرهن فليغيرن أكفهن بالحناء) (5).
أقول: الخرص بالضم والكسر: الحلقة الصغيرة من الحلي، وهو من حلي
الأذن (6).
ورواية أبي مريم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا علي مر نساءك لا
يصلين عطلا ولو يعلقن في أعناقهن سيرا) (7).
ومنها: الصلاة مختضبا، لصحيحة الجعفري (8). والمراد أن يكون على
المحل عين الحناء كما يظهر من الصحيحة، والمراد بما تقدم من استحبابه لون
الحناء، فلا منافاة.

(1) أي بغير زينة.
(2) انظر: سنن البيهقي 2: 235.
(3) التهذيب 2: 371 / 1543، الوسائل 4: 459 أبواب لباس المصلي ب 58 ح 1.
(4) الدعائم 2: 162 و 166، مستدرك الوسائل 3: 229 أبواب لباس المصلي ب 40 ح 1.
(5) الدعائم 1: 178، مستدرك الوسائل 3: 229 أبواب لباس المصلي ب 40 ذيل الحديث 1. السير
بالفتح: الذي يقد من الجلد. القاموس 2: 56.
(6) مجمع البحرين 4: 167.
(7) الكافي 5: 569 النكاح ب 97 ح 57.
(8) كذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح: الحضرمي، كما في المصادر انظر الكافي 3: 408 الملاة
ب 67 ح 2، التهذيب 2: 355 / 1469، الإستبصار 1: 390 / 1486، الوسائل 4: 430
أبواب لباس المصلي ب 39 ح 5.
398

ومنها: أن يصلي الرجل معقوص (1) الشعر، لرواية مصادف (2).
وفي المنتهى عن الشيخ القول ببطلان الصلاة فيه (3).
ولكن لشذوذه يضعف الخبر، مع أن في دلالته على وجوب الإعادة نظرا.
ولا بأس للمرأة كما في المنتهى (4)، للأصل (5).

(1) عقص الشعر: جمعه وجعله في وسط الرأس وشده، مجمع البحرين 4: 175
(2) الكافي 3: 09 4 الصلاة ب 67 ح 5، التهذيب 2: 232 / 914، الوسائل 4: 424 أبواب لباس المصلي ب 36 ح 1.
(3) المنتهى 1: 235.
(4) المنتهى 1: 235.
(5) ومن المكروهات أن يصلي في الثوب المصلب بالتشديد وهو ما نقش فيه أمثال الصلبان للخبر:
(نهي عن الصلاة في الثوب المصلب) منه رحمه الله.
399

وفيه مسائل:
الباب الرابع:
في مكان المصلي.
400

المسألة الأولى: يشترط في مكان المصلي: الإباحة، بأن يكون مباح
الأصل، أو مملوكا له عينا أو منفعة، أو مأذونا فيه خصوصا أو عموما ولو بالفحوى
أو شاهد الحال. فيحرم الصلاة في ملك الغير بغير إذنه بأحد الطرق الثلاثة،
بالإجماع المقطوع به، لأنها تصرف، وهو في ملك الغير بغير إذنه غير جائز باتفاق
جميع الأديان والملل.
ويدل عليه عموم الروايتين المتقدمتين في مسألة اللباس الغصبي (1).
ويلزمه بطلان الصلاة كما هو الحق المشهور، بل هو أيضا إجماعي عند
الشيعة، لأن نفس الكون - بل الركوع والسجود - التي هي من أجزائها تكون منهية
عنها، والنهي في العبادة يوجب الفساد.
ويدل عليه المرويان في غوالي اللآلي وتحف العقول المنجبر ضعفهما بفتوى
الجل بل الكل:
الأول: سأله بعض أصحابه فقال: يا بن رسول الله - صلى الله عليه وآله -
ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال عليه
السلام: (ما أنصفناهم إن واخذناهم، ولا أحببناهم إذا عاقبناهم، بل نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم) الحديث (2)، دل على عدم صحة العبادة مع عدم
إباحتهم المساكن.
والثاني: (انظر في ما تصلي وعلى ما تصلي، فإن لم يكن على وجهه وحله فلا
قبول) (3).

(1) في ص 361
(2) العوالي 4: 5 / 2، مستدرك الوسائل 7: 303 أبواب الأنفال ب 4 ح 3.
(3) تحف العقول: 74 1، الوسائل 5: 119 أبواب مكان المصلي ب 2 ح 2.
401

ورواه في بشارة المصطفى أيضا كما مر في اللباس (1).
وأما ما توهمه بعض من قاربنا عصره من عدم توقف هذا النوع من
التصرفات على الإذن من المالك، لثبوت الإذن من الشارع، للإجماع عليه، حيث إنا نرى المسلمين في الأعصار والأمصار بل الأئمة وأصحابهم يصلون ويمرون
في صحارى الغير وبساتينهم وحماماتهم وخاناتهم، وفي أملاك من لا يتصور في حقه
الإذن، كالصغير والمجنون، وفي أملاك من يكون الظاهر عدم إذنهم، لمخالفتهم
في العقائد (2).
ففيه: أنه يمكن أن تكون هذه التصرفات منهم للعلم بالرضا أو الظن
بشاهد حال أو نحوه، ولم يثبت عندنا تصرفهم في الزائد على ما ظن فيه ذلك
بحيث يبلغ حد الإجماع بل الاشتهار كما لا يخفى.
وأما نحو أملاك الصغير والمجنون فهما وإن لم يصلحا للإذن إلا أنه لا يخلو
أحدهما عن ولي ولو كان الولي العام، وإذنه قائم مقام إذنه قطعا، فالعلم به أو
الظن كاف في الجواز.
وقد يتأيد ذلك بما ورد في الأخبار من قوله صلى الله عليه وآله: (جعلت
لي الأرض مسجدا) (3).
وما ورد من قوله تعالى: (جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا) (4).
وفيه: أن المراد منه جواز السجود والصلاة في كل موضع من الأرض لا مانع
فيه من غير هذه الجهة، في مقابل أهل بعض الأديان الأخر حيث لم يجز بم
الصلاة إلا في معبد خاص.

(1) راجع ص 363.
(2) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
(3) الفقيه 1: 155 / 724، المجالس: 179 / 6، الوسائل 5: 117 أبواب مكان المصلي ب 1 ح 2.
(4) الخصال: 425 / 1، علل الشرائع: 127 / 3.
402

وهل يكفي في شاهد الحال بل مطلق الإذن المزيل للتحريم الموجب لصحة
الصلاة حصول الظن بالرضا، أم يتوقف على العلم به؟ الأظهر الأشهر - كما
صرح به في الحدائق (1) - الأول، لأصالة جواز التصرف في كل شئ، السالمة عما يصلح للمعارضة، إذ ليس إلا الإجماع المنتفي في المقام قطعا. واستصحاب حرمة التصرف المعارض باستصحاب جوازه لو كانت الحالة السابقة العلم بالرضا،
والمردود بأن المعلوم أولا ليس [إلا] (2) حرمة التصرف ما دام عدم الظن بالرضا
بشرطه، دون الزائد. والروايتان المتقدمتان في مسألة اللباس المردودتان بالضعف
الخالي عن الجابر في المقام، مع ضعف دلالة ثانيتهما لعدم العلم بمتعلق عدم
الحلية بأنه هل يعم جميع التصرفات حتى غير المتلفة أيضا أم لا.
وجعل المال في المقام هو الانتفاع في المكان بالاستقرار بقدر الصلاة فيتلف
بالصلاة، مردود بعدم معلومية صدق المال عرفا على هذا القدر من الانتفاع.
ومنه يظهر ما في رواية تحف العقول، وضعف الاستدلال بقوله عليه
السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه) (3) أيضا.
ويؤيد الجواز مع الظن ما يشاهد من عمل المسلمين من العلماء والأتقياء
والخواص والعوام، بل الأئمة وأصحابهم عليهم السلام من الصلاة في الدور
والحمامات والخانات والبساتين والصحاري ونحوها، فإن الظاهر عدم حصول
الزائد على الظن في الأغلب سيما بتغير بعض الحالات وتفاوت الاعتبارات.
بل لولا خروج صورة احتمال الرضا بالإجماع ولا أقل من الشهرة الجابرة
لأولى الروايتين الناهية عن التصرف بغير الإذن المستدعي لحصول الإذن الواقعي
الغير المعلوم في غير صورة العلم بالإذن، لقلنا بالجواز فيها أيضا، ولكنها بما ذكر
خارجة.

(1) الحدائق 7: 176.
(2) أضفناه لاستقامة المتن.
(3) تحف العقول: 24، الوسائل 5: 120 أبواب مكان المصلي ب 3 ح 3.
403

خلافا لجماعة من الأصحاب منهم صاحب المدارك (1) فأوجبوا العلم.
لأصالة عدم جواز العمل بالظن إلا مع دليل، ولا دليل يعتمد عليه هنا.
ولأن المناط في جواز التصرف في ملك الغير الإذن، ولا يعلم حصوله بمجرد
ظنه.
ويضعف الأول: بأنه إنما يفيد في مقام كان الأصل فيه العدم، وليس هنا
كذلك، إذ لم تثبت حرمة التصرف إلا مع العلم بعدم الرضا أو احتماله.
والثاني: بمنع كون المناط ذلك، بل القدر الثابت أنه ما مر من العلم أو
الظن بالإذن.
وإذ قد عرفت اشتراط كون مكان الصلاة مباحا أو مأذونا فيه علما أو ظنا،
يظهر عدم جواز الصلاة في المكان المغصوب لا للغاصب ولا لغيره لعدم حصول
الظن برضا المالك بالتصرف فيه.
أما للغاصب: فظاهر.
وأما لغيره: فلأن في منعه عن أنواع التصرفات تضيقا على الغاصب وانتقاما
منه قطعا، ومعه يحتمل قويا بل يظن غالبا، بل يعلم أحيانا عدم رضا المالك
بتصرفه فيه، فيكون محرما.
فتبطل معه الصلاة، لما مر من قاعدة عدم اجتماع الأمر والنهي في شئ
واحد ولو من جهتين، التي هي قاعدة بديهية مجمع عليها بين الشيعة (والمعتزلة (2)
كما ذكرناها مفصلا في كتبنا الأصولية، وإن تكلم فيها بعض متأخري المتأخرين
من أصحابنا (3) تبعا للأشاعرة بما لا يصلح صدوره عمن له نظر في المعقول، وإنما
هو شأن من ليست له قوة التجاوز عن المحسوس والمسموع.

(1) المدارك 3: 216.
(2) ما بين القوسين ليس في (ق).
(3) الحدائق 7: 164.
404

وقد تعدى بعضهم ونسب الخلاف فيه إلى بعض علمائنا من المتقدمين
والمتأخرين، منهم: الفضل بن شاذان (1).
وهو افتراء وامتراء وقصور عن فهم كلماتهم، كما بيناه مفصلا في شرح تجريد
الأصول والمناهج.
هذا، مع أن بطلان الصلاة في المكان المغصوب مجمع عليه، ودعوى
الإجماع عليه مستفيضة بل متواترة، وقد صرح به في الناصريات ونهاية الإحكام
والمنتهى والذكرى وشرح القواعد والمدارك (2)، وفي الذخيرة نفي الخلاف فيه (3).
ولا يقدح فيه مخالفة بعض قدمائنا (4) فإنه شاذ نادر، ولأجلها توهم من توهم مخالفته في قاعدة عدم اجتماع الأمر والنهي، وهو توهم فاسد.
فروع:
أ: إذ قد عرفت أن المناط في بطلان الصلاة في المكان الغصبي حرمة
التصرف فيه المستندة إلى عدم العلم أو الظن برضا المالك، فلا تبطل فيما لا يحرم
كصلاة المالك.
وتوهم بطلان صلاته أيضا - لصدق الصلاة في المكان المغصوب - فاسد،
إذ لم يرد بهذه العبارة نص حتى يحكم بمقتضى إطلاقه.
وفي حكم المالك: الموقوف عليه الخاص كأولاد زيد، أو العام كالفقراء
والمسلمين والعلماء، فتجوز لكل منهم الصلاة فيما غصب عنهم، سواء كان وقفا
للصلاة، كالمسجد الموقوف على أشخاص أو على العام، أو لغيرها إذا لم تكن
الصلاة مخالفة لجهة الوقف ولم يتعلق به حق واحد معين، كموضع من المسجد

(1) انظر البحار 80: 279.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 195، نهاية الإحكام 1: 340، المنتهى 1: 241، الذكرى:
146، جامع المقاصد 2: 116، المدارك 3: 217.
(3) الذخيرة: 238.
(4) هو الفضل بن شاذان نقله عنه في الكافي 6: 94 الطلاق ب 29.
405

الذي سبق إليه واحد، أو خان استأجره أحد من المتولي الشرعي.
إذ كان لكل منهم التصرف فيه قبل الغصب من غير توقف على رضا أحد،
فكذا بعده، للاستصحاب.
ولأن من يتوهم التوقف على رضاه وعدم تحققه إما هو الواقف، أو سائر
الموقوف عليهم، أو المتولي الشرعي إن كان، والكل باطل:
أما الواقف: فظاهر، إذ لا اعتبار لرضاه فيما لا يخالف جهة الوقف بعد
الوقف ولزومه قطعا، ولذا لو نهى أحدا من المسلمين عن الصلاة في المسجد الذي
وقفه، أو عن السكنى في الخان الذي وقفه على المسلمين لا يلتفت إليه أصلا.
مع أنه إن أريد عدم رضاه حال حياته فلا أثر له بعد موته ما لم يقيده في
عقد لازم.
وأن أريد عدمه حين الصلاة فعلا وإن كان ميتا فهو ليس بمحل للرضا
وعدمه، وفرض عدم الرضا لو كان حيا لا يصير منشأ للأحكام.
وكذا سائر الموقوف عليهم في الوقف العام، فإن تصرف كل منهم لا يتوقف
على رضا الباقين، بل بعد تصرف واحد لا يؤثر منع غيره، ولذا لا يشترط في
التصرف في الوقف على الفقراء إذن جميع فقراء العالم، ولو تصرف فيه بعضهم لا
تجوز مزاحمة غيره له فيه.
وأما المتولي الشرعي: فلأن القدر الثابت من الاختيار له والتولية ليس على
حد يتجاوز إلى توقف أمثال هذه التصرفات على إذنه، وعدم ثبوت إجماع ولا دلالة
نص على توقف جواز هذا النوع من التصرفات على إذن المتولي.
ويزيد وضوحا فيما إذا كان وقفا للصلاة كالمسجد، أو للسكنى المتضمنة
لإيقاع الصلاة كالحمامات والخانات والرباطات ونحوها، فإنها موقوفة لصلاة كل
أحد فيه، فلا وجه لبطلانها.
وفي الكل إن الأصل جواز هذا النوع من التصرف لكل أحد في كل مال،
وعدم تأثير منع المالك فيه، إذ لا يمنع العقل من جواز الاستناد أو وضع اليد أو
406

الرجل في ملك الغير بدون إذنه إذا لم يتضرر به، بل ولو مع منعه كما في الاستظلال
بظل جداره والاستضاءة بضوء سراجه، وإنما المانع الدليل الشرعي، وليس إلا
الأخبار أو الإجماع.
أما الأخبار - فمع عدم صراحتها، بل ولا ظهورها في أمثال هذه
التصرفات، وعدم معلومية شمولها للموقوفات ولا للموقوف عليهم - ضعيفة لا
تصلح للحجية في غير مورد الانجبار والاشتهار، وهو في غير صورة العلم بعدم إذن
المالك في المملوك الطلق أو مع احتمال عدم الأذن غير معلوم.
وأما الإجماع: فظاهر، كيف؟! ويدعي بعضهم الإجماع على جواز هذه
التصرفات وأنها كالاستظلال بظل الحائط ما لم يتضرر المالك مطلقا (1).
هذا كله، مع أنه على القول بكون الوقف مطلقا أو العام منه ملكا لله
سبحانه يكون الأمر أظهر، بل يتعدى الكلام حينئذ إلى غير الموقوف عليهم
أيضا. ومن ذلك يظهر تطرق الخدش - في منع غير الموقوف عليه في الوقف العام
عن أمثال هذه التصرفات بدون الإذن - في جواز منع الموقوف عليه لغيره
وتأثيره فيه، كمنع غير الفقير من الصلاة في الملك الموقوف على الفقراء.
والأحوط عدم صلاة غير الموقوف عليه في الوقف العام المغصوب.
ولو أذن له واحد من الموقوف عليهم جازت صلاته وصحت.
وهل يكفي إذن واحد لغير الموقوف عليه في الوقف الخاص؟ فيه نظر.
ومن الوقف على المسلمين: الوقف على مصالحهم، كالوقف على المساجد
المكرمة والمشاهد المعظمة والرباطات والمزارات والمدارس، فيجوز لكل منهم
الصلاة فيه ولو غصبه غاصب ونحوها، بل الظاهر جواز هذه الأنواع من
التصرفات للمؤمنين في ما لا مالك معينا له الذي هو مال الإمام ولو مع الغصب،
لأن الظاهر من حاله رضاه بها لشيعته، بل هو الظاهر من تتبع أخبارهم في أنفالهم

(1) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
407

وأموالهم، إلا للغاصب، لعدم العلم برضاه عليه السلام بذلك، بل الظاهر عدم
رضاه.
فائدة: الطهارة في مجاري المياه الموقوفة المغصوبة والشرب منها واستعمالها،
والمجاري المجهول مالكها إذا غصبت، كالصلاة في الأماكن الموقوفة بلا تفاوت،
فيجوز تلك فيما يجوز هذه، والوجه واحد.
ب: ما ذكر في المكان المغصوب إنما هو مع العلم بالغصبية وبحكمها، وأما
الجاهل بها أو به أو الناسي لها أو له فليس كذلك، بل حكمه كما مر في اللباس.
ج: لا فرق بين الفريضة والنافلة كما صرح به جماعة (1)، ويقتضيه القاعدة
وإطلاق الفتاوى والرواية وكثير من الإجماعات المحكية.
خلافا للمحكي عن المحقق، فقال بصحة النافلة، لأن الكون ليس جزءا
منها ولا شرطا فيها، فإنها تصح ماشيا موميا للركوع والسجود، فيجوز فعلها في
ضمن الخروج المأمور به (2).
وفيه - بعد تسليمه -: أنه مختص بما إذا صليت كذلك لا إن قام وركع
وسجد، فإن هذه الأفعال وإن لم تتعين عليه لكنها أحد أفراد الواجب فيها. مع أن الأمر بالخروج لو كان مفيدا لم يتفاوت بين الفريضة والنافلة أيضا إذا ضاق الوقت وجاز فعل الفريضة أيضا ماشيا مومئا.

(1) منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 342، والتذكرة 1: 87، والشهيد الأول في الذكرى: 150،
والشهيد الثاني في روض الجنان: 219، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 238، والعلامة
المجلسي في البحار 80: 283، وصاحب الرياض 1: 138.
(2) لم نعثر عليه في كتب المحقق، نعم ذكر في كشف اللثام 1: 194، هذا لفظه: وعن المحقق صحة
النافلة لأن الكون ليس جزأ منها ولا شرطا فيها يعني أنها تصح ماشيا مومئا... ولعل مستنده كلام
الذكرى: 150 حيث قال: حكم النافلة حكم الفريضة هنا، وكذا الطهارة، وفي المعتبر: لا تبطل
في المكان المغصوب لأن الكون ليس جزءا منها ولا شرطا. ويشكل بأن الأفعال المخصوصة...
بتوهم أن قوله: لا تبطل راجع إلى النافلة. وهو غير صحيح وإنما هو راجع إلى الطهارة فراجع المعتبر 2: 109.
408

د: لو أذن المالك في الكون في ملكه ثم أمر بالخروج بعد الاشتغال بالصلاة
يتم الصلاة مستقرا فيه على الأظهر، اتسع وقتها أم ضاق، وفاقا للذكرى
والبيان (1)، لما مر من أصالة جواز هذا النوع من التصرفات، وعدم ثبوت حرمته
إلا بواسطة الإجماع المفقود في المقام، أو الأخبار الموقوفة حجيتها على الانجبار الغير
الثابت هنا، مع أنها على فرض حجيتها تعارض ما دل على حرمة قطع الصلاة
ووجوب الاستقرار فيها وإتمام الركوع والسجود، فيرجع إلى أصل جواز هذا
التصرف.
خلافا للمحكي عن جماعة، فيتم الصلاة وهو خارج (2)، وللمحكي عن
الشيخ والمحقق (3)، والمدارك (4)، فمع ضيق الوقت كالسابق، ومع سعته
يقطع الصلاة، لعدم ثبوت حرمة القطع فيما إذا توقف درك جميع أجزاء الصلاة
وشرائطها عليه.
وللمحكي عن الفاضل في أكثر كتبه، فمع إذن المالك في الصلاة أولا يتم
مستقرا، ومع إذنه في الكون يحتمل الإتمام، والقطع، والخروج مصليا مع
الاتساع، كما في بعض كتبه (5)، أو غير الثاني كما في بعض آخر.
وللمحكي عن روض الجنان، فيتم مع الإذن في الصلاة مطلقا، ويخرج
مصليا في الضيق ويقطع مع السعة مع الإذن في الكون أو الدخول بشاهد الحال
أو الفحوى (6).
كل ذلك لوجوه إحدى مقدماتها: استلزام عدم الخروج لارتكاب المنهي عنه

(1) الذكرى: 150، البيان: 129.
(2) نسبه إلى جماعة في الحدائق 7: 173.
(3) الشيخ في المبسوط 1: 85، ونسبه في الحدائق 7: 173 إلى المحقق.
(4) المدارك 3: 220.
(5) انظر: التذكرة 1: 87، والقواعد 1: 28، ونهاية الإحكام 1: 2 4 3.
(6) روض الجنان: 220.
409

وحرمة الكون مع الأمر بالخروج.
وثبوت النهي والحرمة في المورد ممنوع، لفقد الإجماع أو الشهرة الجابرة
لأخباره، مع أن انصراف إطلاقها إلى مثله غير معلوم.
ولو سلم يعارض أدلة النهي عن إبطال الصلاة أو الأمر بها مع تمام أجزائها
وشرائطها، ويبقى الأصل خاليا عن المعارض.
ومنه يظهر وجوب الاشتغال بالصلاة لو لم يشتغل أيضا إذا ضاق وقتها.
ه‍: لو حبس أحد في مكان مغصوب أو أجبر على الكون فيه، صحت
صلاته فيه قطعا، لانتفاء النهي الموجب للفساد.
و: تصح الصلاة تحت السقف أو الخيمة المغصوبين مع إباحة المكان، للأصل.
وقد يستشكل فيها لأجل كونها تصرفا في المغصوب، إذ التصرف في كل
شئ بحسب ما يليق به وأعد له، ولا ريب أن الغرض منهما هو الجلوس تحتهما (1).
ويرد: بمنع كونه تصرفا جدا، والاستعمال أحيانا لا يثبت الحقيقة لكونه
أعم منها، مع أن المسلم من الاستعمال أيضا إنما هو مع منع المالك عن رفع سقفه
أو خيمته، وإلا فلو فرض نصب الخيمة في ملك الغير فجلس الغير في ملكه لا
يقال: إنه تصرف في الخيمة، أصلا، وإلا لزم بطلان الصلاة في ضوء سراج
مغصوب، والانتفاع من كل شئ إنما هو بحسبه دون التصرف.
سلمنا كونه نوعا من التصرف ولكن حرمته ممنوعة جدا، لعدم الدليل
عليها، فإن الإجماع هنا مفقود، والأخبار ضعيفة، وفي المقام غير منجبرة.
ز: لا تجوز الصلاة على الفرش أو السرير المغصوبين ولو كانا على مكان
مباح، ولا المباحين إذا كانا على مكان مغصوب، ولا على الدابة المغصوبة أو
السرج المغصوب. والوجه ظاهر في الكل.

(1) انظر الحدائق 7: 175.
410

المسألة الثانية: في جواز تساوي الرجل والمرأة في موقف الصلاة أو تقدمها
مع عدم الحائل ولا البعد عشرة أذرع سواء كانت المرأة أجنبية أو محرما، أقوال:
الأول: الجواز مع الكراهة، ذهب إليه السيد (1)، والحلي وفخر
المحققين (2)، ومعظم المتأخرين (3)، بل ادعي إجماعهم عليه (4)، ويحتمله كلام
الشيخ في الاستبصار (5).
والثاني: الحرمة، اختاره الشيخان والحلبي وابن حمزة (6)، بل كما قيل: أكثر
القدماء (7)، وعن الخلاف والغنية: الإجماع عليه (8).
الثالث: المنع إلا مع الفصل بقدر عظم الذراع، نقل عن الجعفي (9).
وظاهر المحقق في النافع (10)، والصيمري (11)، والمقداد (12): التردد.
والأقرب الأول.
أما الجواز: فللأصل، والمستفيضة من الصحاح وغيرها المصرحة بعدم المنع.

(1) حكاه عن مصباحه في السرائر 1: 267.
(2) السرائر 1: 267، الإيضاح 1: 88.
(3) منهم المحقق في الشرائع 1: 71، والمعتبر 2: 110، والعلامة في نهاية الإحكام 1: 349،
والقواعد 1: 28، والتحرير 1: 33، والشهيد في الذكرى: 150، والبيان: 130، والدروس
1: 153، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 120، وصاحب المدارك 3: 221.
(4) الرياض 1: 138.
(5) الإستبصار 1: 398.
(6) المفيد في المقنعة: 152، الطوسي في النهاية: 100، لم نعثر على المسألة في الكافي للحلبي، ابن
حمزة في الوسيلة: 89.
(7) الرياض 1: 138.
(8) الخلاف 1: 423، الغنية (الجوامع الفقهية): 558.
(9) حكاه عنه في الذكرى: 150.
(10) النافع: 26.
(11) حكاه عنه في الرياض 1: 138.
(12) التنقيح 1: 185.
411

إما مطلقا، كصحيحة جميل، وروايته:
الأولى: (لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي، فإن النبي صلى
الله عليه وآله كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض، وكان إذا أراد
أن يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد) (1).
وعدم انطباق التعليل بالاضطجاع على الحكم بجواز الصلاة لا يخرج
حكمه عليه السلام عن الحجية، مع أن في عدم انطباقه نظرا، لأن تفرقة الفقهاء
بين الصلاة وغيرها لا تدل على التفرقة في الواقع، فلعله لم يكن بينهما فرق فاستدل
عليه السلام بأنها لو لم تجز لكان لأجل نفس تقدمها، وهو غير صالح للمنع،
لاضطجاع عائشة. وأما بعض الأخبار الفارقة فلا يثبت أزيد من التفرقة في
الكراهة كما يأتي، ومجردها لا يثبت منافاة علة نفي البأس الذي هو التحريم
للكراهة، وعلى هذا فلا وجه لتوهم التصحيف في الرواية أو تأويلها بوجوه بعيدة.
والثانية: في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذائه، قال: (لا بأس) (2).
وخبر العلل: عن امرأة صلت مع الرجال وخلفها صفوف وقدامها صفوف،
قال: (مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد) (3).
أو في مكة الموجبة لعدم المنع في غيرها أيضا بالإجماع المركب قطعا،
كصحيحة الفضيل المروية في العلل: (إنما سميت مكة بكة لأنه تبك بها الرجال
والنساء، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ولا بأس وإنما
يكره في سائر البلدان) (4).

(1) الفقيه 1: 159 / 749، الوسائل 5: 122 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 4.
(2) التهذيب 2: 232 / 912، الإستبصار 1: 400 / 1527، الوسائل 5: 125 أبواب مكان
المصلي ب 5 ح 6.
(3) لم نعثر عليه في علل الشرائع ولا فيما يرويه في البحار عن علل محمد بن علي بن إبراهيم ونسبه في
كشف اللثام 1: 195 إلى عيسى بن عبد الله القمي وكذا في الجواهر 8: 306 ولم نعثر عليه أيضا
في المصادر الحديثية.
(4) العلل: 397 / 4، الوسائل 5: 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 10.
412

أو إذا كان بينهما قدر ما يتخطى أو قدر عظم الذراع وصلت بحذائه
وحدها، كصحيحة زرارة (1).
أو قدر شبر وصلت بحذائه وحدها وهو وحده كصحيحة ابن وهب (2).
أو قدر شبر أو ذراع، كصحيحة أي بصير (3).
أو موضع رجل كصحيحة حريز (4).
وحمل هذه الأنواع الأربعة على تقدم الرجل بهذا القدر لا وجه له، وشرط
القدر المذكور فيها لا يدل عليه، لاحتمال كراهة القرب المفرط، مضافا إلى أنه
يوجب خروج الأكثر وهو غير جائز في التخصيص.
وهي وإن كانت نافية للبأس في هذه المقادير فصاعدا إلا أنه يتعدى إلى ما
دونها بالإجماع المركب، إذ لا قائل بالتحديد بها إلا ما نقل عن الجعفي، وهو
لشذوذه غير قادح في الإجماع، ومع ذلك قوله مختص بالتحديد بعظم الذراع،
والدال عليه من الأخبار قليل، ومع ذلك معارض بما دل على ارتفاع المنع بالشبر
وهو أقل من عظم الذراع.
ولا يرد المعارضة بجواز العكس بأن يثبت بمفاهيمها المنع فيما دون هذه
المقادير ويتعدى إلى ما فوقها بالإجماع المركب، لإيجابه فساد المنطوق بخلاف
الأصل، فإن حمل البأس في المفهوم على مرتبة من الكراهة ممكن.
أو إذا كان سجودها مع ركوعه، كمرسلتي ابني بكير وفضال (5)، يعني إذا

(1) الفقيه 1: 159 / 748، الوسائل 5: 125 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 8.
(2) الفقيه 1: 159 / 747، الوسائل 25: 15 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 7.
(3) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 3، التهذيب 2: 230 / 906، الإستبصار 1: 398 / 1521،
الوسائل 5: 124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 3.
(4) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 1، الوسائل 5: 126 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 11.
(5) الكافي 3: 299 الصلاة ب 15 ح 7، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلي ب 6 ح 5، التهذيب
2: 379 / 1581، الإستبصار 1: 399 / 1524، الوسائل 5: 127 أبواب مكان المصلي ب 6
ح 3.
413

كانت حال سجودها مقارنة لحال ركوعه حتى لا يتمكن له النظر إليها حال
السجود التي هي حالة الكشف غالبا.
والحمل على إرادة كون موضع سجودها محاذيا لموضع ركوعه حتى يكون
مقدما بهذا القدر خلاف الظاهر.
وأما الكراهة: فللاحتراز عن مخالفة القائلين بالحرمة، ورواية العلل
المتقدمة، بل سابقها على أن يكون معنى قوله: (ولا تعيد) أي مثل ذلك العمل،
وإن كان المراد: لا تعيد الصلاة لم تدل على المطلوب، وسائر الروايات المتأخرة عنها
فيما دون المقادير المذكورة.
وصحيحة ابن أبي يعفور: أصلي والمرأة إلى جنبي تصلي، فقال: (لا، إلا
أن تتقدم هي أو أنت) الحديث (1). على أن يكون المراد التقدم في الصلاة دون
الموقف، وإلا فيتعارض الصدر والذيل بضميمة الإجماع المركب، بل يكون دليلا
على مطلق الجواز بالتقريب المقدم.
وصحيحة محمد: عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا؟ فقال:
(لا، ولكن يصلي الرجل فإذا صلى صلت المرأة) (2). وقريبة منها رواية أبي بصير (3).
وصحيحة إدريس القمي: عن الرجل يصلي وبحياله امرأة قائمة على
فراشها جنبا، فقال: (إن كانت قاعدة فلا تضره، وإن كانت تصلي فلا) (4).
وموثقة الساباطي: عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال: (لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، فإن كانت عن يمينه
أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، وإن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن

(1) التهذيب 2: 231 / 909، الوسائل 5: 124 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 5.
(2) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 4، التهذيب 2: 231 / 907، الإستبصار 1: 399 / 1522،
الوسائل 5: 131 أبواب مكان المصلي ب 10 ح 1.
(3) التهذيب 5: 403 / 1404، الوسائل 5: 132 أبواب مكان المصلي ب 10 ح 2.
(4) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 5، التهذيب 2: 1 23 / 910، الوسائل 5: 121 أبواب مكان
المصلي ب 4 ح 1.
414

كانت تصيب ثوبه) الحديث (1).
والاستدلال بهذه الروايات الخمس وما يقربها على المنع والتحريم غير جيد،
لعدم دلالة الجملة الخبرية الواقعة في مقام الإنشاء على الأزيد من الرجحان فعلا
أو تركا.
والروايات المصرحة بأنه لا ينبغي أن تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون
قدامها ولو بصدره كصحيحة زرارة (2)، وأن يصلي كل منهما في زاوية بيت إلا أن
يكون بينهما ستر كالمروي في مستطرفات السرائر (3) وصحيحة محمد (4) على بعض
النسخ. وإثبات المنع بها - كبعضهم - غير صحيح أيضا، إذ لو لم نقل بظهور:
(لا ينبغي) في الكراهة فلا شك في عدم إفادته الحرمة.
احتج الثاني: باستصحاب الشغل، والإجماع المنقول، وكثير من الروايات
المتقدمة.
وبصحيحة محمد: في المرأة تصلي عند الرجل، قال: (إذا كان بينهما حاجز
فلا بأس) (5).
ورواية البصري: عن الرجل يصلي والمرأة بحذائه يمنة أو يسرة، قال: (لا
بأس به إذا كانت لا تصلي) (6).
وتتمة موثقة الساباطي المتقدمة وهي قوله: (وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة

(1) التهذيب 2: 231 / 911، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلي ب 7 ح 1.
(2) التهذيب 2: 379 / 1582، الإستبصار 1: 399 / 1525، الوسائل 5: 127 أبواب مكان
المصلي ب 6 ح 2.
(3) مستطرفات السرائر: 7 / 27، الوسائل 5: 130 أبواب لباس المصلي ب 8 ح 3.
(4) التهذيب 2: 230 / 905، الوسائل 5: 123 أبواب مكان المصلي ب 5 ح 1.
(5) التهذيب 2: 379 / 1580، الوسائل 5: 129 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 2.
(6) الكافي 3: 298 الصلاة ب 15 ح 2، الوسائل 5: 121 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 2.
415

أو قائمة في غير صلاة فلا بأس) دلت بالمفهوم على ثبوت البأس الذي هو العذاب
مع عدم الحاجز أو صلاتها.
وصحيحة علي: عن إمام كان في صلاة الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي
معه وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها
معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال: (لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة
صلاتها) (1).
ولا تضر معارضة ما مر من أخبار الجواز لهذه الأخبار، لأن بعد تخصيصها
بصورة عدم الحائل والبعد عشرة أذرع - كما عليه الإجماع - تصير أخص مطلقا من
أخبار الجواز فتخصصها.
ويجاب عن الأولين: بما مر مرارا.
وعن الثالث: بما سبق.
وعن البواقي - بعد رد دلالة الأخيرة بإمكان استحباب الإعادة لمكان الجملة
الخبرية، وجواز كون وجوبها لو دلت عليه لاقتدائها في صلاة الظهر بما تعتقد أنها
العصر كما جوزه في المدارك (2) -: بأنها وإن كانت كما ذكر أخص مطلقا من أكثر
ما سبق، لشمولها لصورتي البعد أو الحائل، ولكن صحيحة العلل (3) مخصوصة
بغير الصورتين، لأنه الذي يكره تنزيها أو تحريما في سائر البلدان، ولا كراهة فيهما
إجماعا، بل وكذا الخبر السابق عليها (4)، إذ مع الحائل أو البعد تفسد صلاة من
خلفها قطعا فتعارضها معهما بالتساوي، فيحمل البأس الثابت في المفهوم على
الكراهة لأجل كون ما ينفيه قرينة عليه، مع أنه لولاه أيضا لزم التساقط والرجوع
إلى أصل الجواز.
دليل الثالث: بعض الأخبار المتقدمة، وجوابه ظاهر مما تقدم.

(1) التهذيب 2: 379 / 1583، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلي ب 9 ح 1.
(2) المدارك 3: 223.
(3) راجع ص 412.
(4) راجع ص 412.
416

فروع:
أ: الظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في انتفاء المنع تحريما أو تنزيها بوجود
الحائل بينهما أو التباعد بعشرة أذرع، فمع أحدهما صحت صلاتهما إجماعا، كما
عن المعتبر والمنتهى (1)، وغيرهما (2)، وهو الحجة فيهما إن ثبت، وإلا فالأخبار لا
تساعدهما، لأنها بين مطلق في المنع، ومقيد بعدم الحاجز، كرواية السرائر
وصحيحة محمد، ومقيد بعدم التباعد، كموثقة الساباطي السابقة ورواية قرب
الإسناد: عن الرجل يصلي - الضحى وأمامه امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع، قال:
(لا بأس فليمض في صلاته) (3).
والأخيران وإن كانا أخصين مطلقا من الأول إلا أن بينهما تعارضا بالعموم
من وجه، ولا ترجيح بينهما ولا تخيير إجماعا، فيتساقطان وتبقى المطلقات بلا
معارض معلوم.
مع أن المذكور في الموثقة هو أكثر من عشرة، وفي رواية قرب الإسناد نفي
البأس، وهو لا ينافي الكراهة.
ومما ذكر يظهر القدح فيما حكي عن الشيخ في كتابي الحديث (4) - وبه قال
في الذخيرة (5) - من انتفاء المنع مطلقا بالذراع والشبر ونحوهما، لظاهر جملة من
الأخبار المتقدمة.
وبالجملة: لا يمكن الاستناد في رفع المنع بالأخبار، فإن ثبت الإجماع في
مورد فهو، ولعله متحقق مع الحائل وتباعد العشرة فإليه فيهما يستند، وإن جاز
القول بخفة الكراهة في نحو الذراع والشبر لأخبارهما أيضا وعليها تحمل هذه

(1) المعتبر 2: 111، المنتهى 1: 243.
(2) الرياض 1: 139.
(3) قرب الإسناد: 204 / 788، الوسائل 5: 128 أبواب مكان المصلي ب 7 ح 2.
(4) التهذيب 2: 230 و 231، الإستبصار 1: 398 - 400
(5) الذخيرة: 243.
417

الأخبار.
ثم المعتبر في الحائل: المانع عن الرؤية، لأن متقضى إطلاقات المنع بقاؤه
إلا فيما ثبت معه الزوال ولم يثبت إلا معه ولو مثل الجلباب، لأنه مورد الإجماع،
وحقيقة الستر والحاجز المذكورين في النص.
واحتمال الحاجز عن الوصول في الثاني بعيد، ولو سلم فمع ظهور الأول في
المانع عن الرؤية غير مفيد.
فلا يزول المنع بالثوب الرقيق ولا بالكوى (1) والشباك.
وأما صحيحة علي: عن الرجل هل يصلح إن يصلي في مسجد حيطانه
كوى كله، قبلته وجانباه، وامرأته تصلي حياله يراها ولا تراه؟ قال: (لا بأس) (2).
والمروي في قرب الإسناد: عن رجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد
قصير الحائط وامرأة قائمة تصلي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال: (إن كان
بينهما حائط
قصير أو طويل فلا بأس) (3).
فعلى ما اخترناه من الكراهة لا ينافيان لما ذكر، إذ نفي البأس لا ينافي
الكراهة، مع أن الثانية ضعيفة لا تلح حجة لزوال الكراهة وإن صلح مثلها
لثبوتها، للمسامحة.
ولا بعدم النظر أو غمض العين أو الظلام أو العمى، كما صرح ببعض
ذلك الفاضل في النهاية والتذكرة (4)، والشهيد (5)، خلافا للتحرير في الأخير (6)،

(1). الكوة تفتح وتضم: الثقبة في الحائط، وجمع المضموم: كوى بالضم
والقصر. المصباح المنير: 545
(2) التهذيب 2: 373 / 1553، مسائل علي بن جعفر: 140 / 159، الوسائل
5: 129 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 1.
(3) قرب الإسناد: 207 / 805، الوسائل 5: 130 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 4.
(4) نهاية الإحكام 1: 349، التذكرة 1: 89.
(5) البيان: 130.
(6) التحرير 1: 33.
418

وروض الجنان في الأخيرين (1) وهما ضعيفان.
والمعتبر في مبدأ البعد ومنتهاه الموقفان نفسهما، لأنه المتبادر من النص
والفتوى.
واحتمال اعتبار المبدأ من موضع السجود حتى يصدق المقدار حالة السجود
خلاف الظاهر، سواء في ذلك المنحدر من المكان وغيره.
ولو كان أحدهما في مكان مرتفع، اعتبر محاذي موقفه ولا يعتبر الارتفاع.
وكذا ينتفي المنع مطلقا بتأخر المرأة ولو قليلا، لموثقة الساباطي (2)
وغيرها.
ب: في اشتراط تعلق الحكم تحريما أو كراهة بصحة صلاة الأخرى لولا
المحاذاة، كما عن الفاضل والشهيد والمدارك (3)، أو لا، كما احتمله الشهيد
الثاني (4)، ونفى عنه البعد في الذخيرة (5)، وجهان، أوجههما: الثاني على ما اخترناه
من كون العبادات أسامي للأعم.
وانصراف المطلق إلى الكامل أو الغالب بدون بلوغ الكمال أو الغلبة بحيث
يكون قرينة لإرادتهما ممنوع، وهو في المورد غير متحقق.
وعلى الأول فالمعتبر في رفع المنع العلم بالفساد قبل الشروع، فلو علم بعده
لم يؤثر في رفعه، لأن التكليف على حسب علم المكلف.
ج: مقتضى إطلاق كلام جماعة - كما قيل (6) - عدم الفرق بين اقتران
الصلاتين أو سبق أحدها في بطلان صلاة كل منهما أو كراهتها.

(1) روض الجنان: 225.
(2) المتقدمة في ص 414.
(3) العلامة في التذكرة 1: 89، والقواعد 1: 28، ونهاية الإحكام 1: 349،
والشهيد في البيان: 130، والذكرى: 150، والمدارك 3: 224.
(4) روض الجنان: 226.
(5) الذخيرة: 244.
(6) الحدائق 7: 187.
419

وعن جمع من المتأخرين تخصيص البطلان أو الكراهة بالمقارنة والمتأخرة (1)،
وهو الحق. فلا حرمة ولا كراهة للسابقة منهما، لصحيحة علي، المتقدمة (2)،
فإنه
لو كانت الصلاة المتأخرة مؤثرة في السابقة، كان حكم صلاة القوم حكم صلاة
المرأة، ولم يكن للتفصيل وجه.
مضافا إلى أن المستفاد من الأخبار ليس أزيد من ذلك، لأنها إما تثبت
البأس بالمفهوم، ولكونه فيه نكرة مثبتة لا يثبت إلا نوع منه (3)،
وهو كما يمكن أن
يكون لصلاتهما يمكن أن يكون لصلاة المقارنين أو المتأخر. أو تنهى عن صلاة
المرأة، وهي ظاهرة في إرادتها الصلاة ولا أقل من الشك الذي لا يمكن معه رفع
اليد عن الأصل.
وتؤيد المطلوب: صحيحة أبي بصير: (لا يقطع صلاة المسلم شئ، لا
كلب ولا حمار ولا امرأة) (4).
د: أطلق جمع من الأصحاب أن هذا الحكم إنما هو في حال الاختيار (5)
فلو ضاق الوقت والمكان ولم يمكن تأخر المرأة أو بادرت إلى الصلاة مقدمة، لم
يكن
تحريم ولا كراهة، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من النص والفتوى،
لاختصاصهما بحكم التبادر وغيره بحال الاختيار، مضافا إلى فحوى ما دل على

(1) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 121، والشهيد
الثاني في المسالك 1: 25، وروض الجنان: 226، وصاحب المدارك 3: 221.
(2) في ص 416.
(3) فإنه إذا قال: إن جاءك زيد وحده لا يلزم عليك شئ، لا تدل بالمفهوم إلا
على لزوم شئ في بعض
صور المجئ مع الغير ويكفي في صدق المفهوم لزوم شئ في بعض صوره. منه رحمه
الله.
(4) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ذ. ح 3، التهذيب 2: 323 / 1319،
الإستبصار 1: 406 / 1551، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 10
(5) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 89، وصاحب المدارك 3: 224،
والمحقق السبزواري في الذخيرة: 244، والعلامة المجلسي في البحار 80: 337،
وصاحب الرياض 1: 139.
420

جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة.
ويضعف: بإطلاق الفتاوى والنصوص كما صرح في روض الجنان (1).
والتبادر ممنوع. وجواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة لأجل انتفاء حرمة
التصرف التي هي سبب بطلان الصلاة فيه حينئذ، لبطلان التكليف بما لا يطاق،
ومثله غير جار في المقام.
والتحقيق: لا تنافي بين الكراهة بمعنى المرجوحية الإضافية أو أقلية الثواب
- اللتين هما معناها في العبادات - وبين الاضطرار، فالحق بقاء الكراهة معه أيضا.
نعم يشكل على القول بالحرمة.
ه‍: ولو ضاق المكان واتسع الزمان صلى الرجل ابتداء استحبابا،
لصحيحة محمد، المتقدمة (2).
وتوهم اقتضائها الوجوب فاسد، لمكان الجملة الخبرية، مضافا إلى ظاهر
صحيحة ابن أبي يعفور، السابقة (3).
وحملها على التقديم المكاني دون الفعلي - كما في المدارك والذخيرة (4) واستدلا
بها على جواز تقديم المرأة مكانا - باطل، للإجماع على ثبوت المنع ولو كراهة مع
تقدم المرأة مكانا، فالقول بالوجوب - كما عن الشيخ (5) - ضيف.
هذأ إذا لم يختص المكان بها، وإن اختص فلا أولوية للرجل في تقديمه إلا
أن تأذن له فيه.
وهل الأولى لها أن تأذن له في ذلك أم لا؟ كل محتمل، وبالأول صرح

(1) روض الجنان: 227.
(2) في ص 414.
(3) في ص 414.
(4) المدارك 3: 222، الذخيرة: 244.
(5) النهاية: 101.
421

جماعة (1)، وليس ببعيد.
و: الحكم مختص بالرجل والمرأة دون الصبي والصبية، للأصل، وعدم
ثبوت إطلاق الرجل والمرأة عليهما حقيقة.
المسألة الثالثة: المشهور كما صرح به جماعة (2)، بل قيل: لا يكاد يعرف فيه
خلاف إلا عمن يأتي (3): عدم اعتبار طهارة ما عدا مسجد الجبهة. وهو كذلك،
للأصل الخالي عن المعارض المعتضد بالشهرة العظيمة والنصوص المستفيضة،
كصحاح علي:
أولاها: عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من
غير أن تغسل؟ قال: (نعم لا بأس) (4).
وثانيتها: عن البواري يبل قصبها بماء قذر أيصلى عليها؟ قال: (إذا يبست
لا بأس) (5) وقريبة منها موثقة الساباطي (6).
وثالثتها: عن البيت والدار لا تصيبهما الشمس ويصيبهما البول ويغتسل
فيهما من الجنابة، أيصلى فيهما إذا جفا؟ قال: (نعم) (7).

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 25، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 195، وصاحب
الحدائق 7: 190، وصاحب الرياض 1: 139.
(2) منهم العلامة في المختلف: 86، والشهيد في الذكرى: 150، والمحقق السبزواري في الكفاية:
6 1، والعلامة المجلسي في البحار 80: 285، وصاحب الحدائق 7: 194، وصاحب الرياض
1: 139.
(3) الرياض 1: 139.
(4) التهذيب 1: 273 / 803، التهذيب 2: 373 / 1551، الإستبصار 1: 193 / 676، الوسائل
3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 3.
(5) التهذيب 2: 373 / 1553، قرب الإسناد: 212 / 830، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات
ب 30 ح 2.
(6) التهذيب 2: 372 / 1548، الإستبصار 1: 193 / 675، الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات
ب 29 ح 4.
(7) الفقيه 1: 158 / 736، قرب الإسناد: 196 / 743، الوسائل 3: 453 أبواب النجاسات
ب 30 ح 1.
422

وصحيحة زرارة: عن الشاذكونة يكون عليها الجنابة أيصلي عليها في
المحمل؟ فقال: (لا بأس) (1) وقريبة منها رواية ابن أبي عمير (2).
خلافا للمحكي عن السيد فاعتبر طهارة مكان المصلي مطلقا (3)، وعن
الحلبي فاعتبرها في المساجد السبعة (4).
و - كما صرح به غير واحد - (5) لا حجة لها يعتد بها، عدا ما يستدل به لهما
من قوله سبحانه: (والرجز فاهجر) (6) والنبوي: (جنبوا مساجدكم
النجاسة) (7).
وللأول: من نهيه صلى الله عليه وآله عن الصلاة في المجازر والمزابل
والحمامات (8)، وأمره بإخراج النجاسة عن المساجد (9)، وإنما هو لكونها مواضع
الصلاة.
والموثقتين:
إحداهما للساباطي: عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره ولا تصيبه

(1) الفقيه 1: 158 / 739، التهذيب 2: 369 / 1537، الإستبصار 1: 393 / 1499، الوسائل
3: 454 أبواب النجاسات ب 30 ح 3.
(2) التهذيب 2: 370 / 1538، الإستبصار 1: 393 / 1500، الوسائل 3: 454 أبواب
النجاسات ب 30 ح 4.
(3) لم نعثر عليه في كتبه ونقله عنه في الذكرى: 150.
(4) الكافي في الفقه: 140.
(5) منهم صاحب الرياض 1: 139، وصاحب الحدائق 7: 194.
(6) المدثر: 5.
(7) الذكرى: 157 وفيه: ولم أقف على إسناد هذا الحديث النبوي.
ورواه في الوسائل 5: 229 أبواب أحكام المساجد ب 24 ح 2 عن جماعة من أصحابنا في كتب
الاستدلال.
(8) سنن ابن ماجة 1: 246.
(9) سنن ابن ماجة 1: 250.
423

الشمس ولكنه قد يبس الموضع القذر، قال: (لا يصلى عليه) الحديث (1).
وثانيتهما لابن بكير: عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ فقال:
(لا) (2). ومثله المروي في قرب الإسناد (3)، ومفهوم صحيحتي زرارة الآتيتين.
وللثاني: من صحيحة ابن محبوب: عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام
الموتى يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب: (إن الماء والنار قد طهراه)
الحديث (4)، فإن الظاهر من التعليل أنه لولا التطهير لما جاز السجود، والسجود
يشمل جميع مواضع السجود السبعة.
ويجاب عن الأول: بعدم دليل على إرادة النجاسة من الرجز، فلعله
العذاب أو الغضب.
وعن الثاني: باحتمال إرادة مواضع السجود من المساجد ومواضع الجباه من
مواضعه، بل هو مقتضى الحقيقة، فإن السجود وضع الجبهة.
وعن الثالث - بعد تسليم النهي -: بوجوب حمله على الكراهة في الحمام،
للإجماع، فكذا في غيره احترازا عن استعمال اللفظ في معنييه.
مع أن نجاسة جميع مواضع المزابل والمجازر والحمامات غير معلومة، فكما
يمكن أن يكون علة النهي الاحتياط في موضع الصلاة يمكن كونها الاحتياط
لموضع الجبهة.
وعن الرابع: بنحو ذلك، مع إمكان كون العلة التوقير والتعظيم.

(1) التهذيب 2: 372 / 1548، الإستبصار 1: 193 / 675،
الوسائل 3: 452 أبواب النجاسات
ب 29 ح 4.
(2) التهذيب 2: 369 / 1536، الإستبصار 1: 393 / 1501، الوسائل 3: 455
أبواب النجاسات ب 30 ح 6.
(3) قرب الإسناد: 171 / 628، البحار 80: 285 / 1.
(4) الكافي 3: 330 الصلاة ب 27 ح 3. الفقيه 1: 175 / 829، التهذيب
2: 28 / 235 9،
الوسائل 5: 358 أبواب ما يسجد عليه ب 10 ح 1.
424

وعن الخامس والسادس: بالقصور عن إفادة الحرمة، لما مر غير مرة.
ولو سلم فليحملا على الكراهة بقرينة الأخبار المتقدمة الراجحة عليهما
بالأصحية والأكثرية والاستفاضة، والاعتضاد بالأصل والإطلاقات والشهرة
العظيمة، بل الإجماع.
مضافا إلى عموم الثانية بالنسبة إلى المتعدية وموضع الجبهة، وخصوصية
الأخبار المعارضة لهما بغيرهما صريحا أو دليلا كما يأتي، فالحمل عليهما متعين.
وأما الأولى وإن كان تعارضها مع غير (ما قبل) (1) الأخيرتين بالعموم من
وجه، لاختصاصها بالجاف بغير الشمس، وعمومها بالنسبة إلى موضع الجبهة،
ومعه بالتباين، ولكن معه يرجع إلى أصل عدم الاشتراط أيضا.
ومنه يظهر الجواب عن السابع أيضا، مع أن الظاهر أن التعارض معه
بالعموم المطلق، لأعميته بالنسبة إلى المتعدية وغيرها، فيجب التخصيص.
وعن الثامن: بالحمل على موضع الجبهة، لأنه الحقيقة لما يسجد عليه، مع
أن الوقود بما ذكر لا ينجس الجص، فالتطهير على رفع التنفر محمول.
هذا في غير النجاسة المتعدية، وأما المتعدية إلى ما يشترط طهارته في الصلاة
فاعتبار الطهارة ظاهر، إلا أن تكون معفوا عنها فلا تضر، لوجوب الصلاة مع
الطهارة المتوقفة على الاجتناب، وللعمومات المذكورة الخارجة عنها غير
المتعدية بما
ذكر، وخصوص صحيحة علي، الثانية. وفاقا للذكرى والمسالك والمدارك (2).
وخلافا للمحكي في الإيضاح عن والده أنه قال: الإجماع منا واقع على
اشتراط خلوه عن نجاسة متعدية وإن كانت معفوا عنها في الثياب والبدن (3)،
واستقواه بعض مشايخنا (4)، للإجماع المنقول. ويدفع بعدم الحجية.

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(2) الذكرى: 150، المسالك 1: 25، المدارك 3: 226.
(3) الإيضاح 1: 90.
(4) شرح المفاتيح (المخطوط).
425

نعم، لو كانت النجاسة المتعدية دم القروح يجب الاجتناب، لعدم العفو
عنه حينئذ، ويمكن حمل كلام الفاضل عليه أيضا.
وأما مسجد الجبهة فيشترط طهارته مطلقا إجماعا محققا، لعدم قدح خلاف
من يأتي، ومحكيا عن الغنية والمعتبر والمنتهى والمختلف والتذكرة والذكرى
وروض
الجنان وشرح القواعد (1). وقال بعض مشايخنا: إن عليه المسلمين في الأعصار
والأمصار (2)، وهو الحجة، مضافا إلى النبوي المتقدم (3) المنجبر بما ذكر. والاحتجاج بعموم الموثقين السابقين ومفهوم صحيحتي زرارة: إحداهما:
السطح يصيبه البول أو يبال عليه أيصلى في ذلك الموضع؟ فقال: (إن كان تصيبه
الشمس والريح وكان جافا فلا بأس به) (4) والثانية: عن البول يكون على
السطح
أو في المكان الذي يصلى فيه، فقال: (إذا جففته الشمس فصل عليه فهو
طاهر) (5). غير جيد، لتعارضهما مع ما مر من الأخبار بالتباين في موضع الجبهة،
وخروجه بالإجماع والنبوي عما مر إنما يفيد للاحتجاج في غير هذا المطلب، وأما فيه
فلا.
خلافا للمحكي عن الراوندي (6)، بل في الذخيرة (7) عن الوسيلة والمعتبر (8)،

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المعتبر 1: 433، المنتهى 1: 253، المختلف: 86،
التذكرة 1: 87، الذكرى: 160، روض الجنان: 221، جامع المقاصد 2: 126.
(2) شرح المفاتيح (المخطوط).
(3) في ص 423.
(4) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 23، التهذيب 2: 376 / 1567، الوسائل 3: 451 أبواب
النجاسات ب 29 ح 2.
(5) الفقيه 1: 157 / 732، الوسائل 3: 451 أبواب النجاسات ب 29 ح 1.
(6) نقله عنه في المختلف: 61.
(7) الذخيرة: 239.
(8) الوسيلة: 79، المعتبر 1: 446.
426

وإن كان فيه نظر، لأن الموجود في نسختهما كما قيل (1): موضع الصلاة، بل عن
الثانية التصريح باستثناء موضع السجود (2)، فانحصر المخالف في الأول.
ولعله لإطلاق الأخبار الأول.
ويرد بتقييده بما مر من الإجماع والنبوي سيما مع معارضة الإطلاق لإطلاق
الموثقين والصحيحين، فلا يبقى إلا الأصل المندفع بما ذكر.
والواجب طهارة قدر يجب السجود عليه، فلو طهر هذا القدر ونجس
الباقي من موضع مسجد الجبهة بنجاسة غير متعدية أو معفو عنها، لم يضر.
ثم إن كل ذلك إذا صلى على نفس الموضع النجس. ولو ستره بطاهر،
صحت صلاته ولو في مسجد الجبهة، بلا خلاف، وعن التحرير الإجماع عليه (3).
ويدل عليه الأصل، والأخبار كصحيحتي ابن سنان (4) وعبد الله الحلبي (5)،
وروايتي محمد بن مصادف (6) ومسعدة بن صدقة (7).
المسألة الرابعة: تكره الصلاة في مواضع:
منها: الحمام، ولا خلاف في مرجوحية الصلاة فيه، للإجماع.
ولمرسلة عبد الله بن (الفضل): (عشرة مواضع لا يصلى فيها: الطين،
والماء، والحمام، والقبور، ومسان الطرق، وقرى النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى

(1) الحدائق 7: 196.
(2) المعتبر 1: 446.
(3! التحرير 1: 32.
(4) التهذيب 3: 260 / 730، الإستبصار 1: 442 / 1703، الوسائل 5: 210، أبواب أحكام
المساجد ب 11 ح 4.
(5) الفقيه 1: 153 / 713، الوسائل 5: 209 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 1.
(6) التهذيب 3: 260 / 731، الإستبصار 1: 441 / 1700 (وفيهما محمد بن مضارب)، الوسائل
5: 211 أبواب أحكام المساجد ب 11 ح 6.
(7) التهذيب 3: 260 / 729، الإستبصار 1: 441 / 1702، الوسائل 5: 210 أ بواب مكان المصلي ب 11 ح 5.
427

الماء، والسبخ، والثلج) (1).
ولا إشكال أيضا في كونها على وجه الكراهة، كما هو المشهور بين
الأصحاب، للأصل، وخلو المرسلة عن النهي الحقيقي.
مضافا إلى صحيحة علي (2)، وموثقة عمار: عن الصلاة في بيت الحمام،
قال: (إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس) (3)، بجعل إضافة البيت بيانية،
فقول الحلبي (4) بالمنع مع التردد في الفساد ضعيف شاذ.
وإنما الإشكال في تعيين موضع الكراهة منه بعد القطع في تحققها في
المغسل، وهو البيت الذي كانوا يغتسلون فيه آخذين فيه الماء من المادة، ومنه ما
يتعارف الآن من البيت الذي بين المادة والمسلخ يجلسون فيه للتنظيف والتدليك،
فإنه بعينه هو المغسل المتعارف في الصدر الأول، وعدم تعارف اغتسالهم فيه
ودخولهم المادة لا يضر.
فذهب الأكثر - ومنهم الصدوق في الفقيه والخصال والشيخ في التهذيب (5)،
والفاضلان (6)، والشهيدان (7) - إلى اختصاص الكراهة بما ذكر وانتفائها في

(1) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 12، الفقيه 1: 156 / 725، التهذيب 2:
219 / 863 الإستبصار 1: 394 / 1504، المحاسن: 366 / 116، الخصال: 434 / 21،
الوسائل 5: 142 أبواب مكان المصلي ب 15 ح 6 و 7. في النسخ عبد الله بن
الفضيل والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر. مسان الطرق: المسلوك منها:
مجمع البحرين 6: 269، معاطن الإبل: مباركه عند الماء.
مجمع البحرين 6: 282، والسبخة: هي أرض مالحة يعلوها الملوحة ولا تكاد
تنبت. مجمع البحرين 2: 433.
(2) الفقيه 1: 156 / 727، الوسائل: 176 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 1.
(3) التهذيب 2: 374 / 1554، الإستبصار 1: 395 / 1505، الوسائل 5:
177 أبواب مكان المصلي ب 34 ح 2.
(4) الكافي في الفقيه: 141.
(5) الفقيه 1: 156، الخصال: 435 التهذيب 2: 374.
(6) الموجود في كتب المحقق كراهة الصلاة في الحمام من غير استثناء المسلخ،
انظر: المعتبر 2: 112، والشرائع 1: 72، والمختصر: 26.
(7) الشهيد الأول في الذكرى: 152، والدروس 1: 154، والبيان: 131،
والشهيد الثاني في روض.
الجنان: 227، والمسالك 1: 25، والروضة 1: 221.
428

المسلخ، للأصل، والشك في دخوله في معنى الحمام في تلك الأيام، والصحيح
والموثق المتقدمين على جعل الإضافة بمعنى اللام، وتخصيص المغتسل بالحمام.
وعن التذكرة احتمال ثبوتها فيه أيضا، للصدق في هذه الأزمان، مع أصالة
عدم تعدد الوضع (1).
وتعارض بأصالة تأخر الحادث، فعدم الكراهة فيه أظهر.
ومنه يظهر عدم الكراهة فيما يلحق بالأول أيضا ما لم يعد جزءا منه بحيث
يكون معه بيتا واحدا.
ومنها: البيوت المعدة للغائط، والمراد به بيت الخلاء، لفتوى الأصحاب
الكافية في مقام الاستحباب.
مضافة إلى رواية عبيد بن زرارة: (الأرض كلها مسجد إلا بيوت غائط أو
مقبرة) (2).
وقصورها عن إفادة التحريم دلالة وقوة - لمخالفتها للشهرة العظيمة بل
الإجماع - منع عن الحكم به. فقول المفيد (3) بعدم الجواز غير سديد، مع أن إرادته
الكراهة منه - كما هي في كلامه شائعة - ممكنة.
وللبول، لصحيحة محمد بن مروان (4)، ورواية عمرو بن خالد (5).
وكذا تكره الصلاة وفي محاذي القبلة عذرة وإن لم يكن في بيت الخلاء،

(1) التذكرة 1: 88.
(2) التهذيب 3: 259 / 728، الإستبصار 1: 441 / 1699، الوسائل 5: 169
أبواب مكان
المصلي ب 31 ح 2 وفيها: إلا بئر غائط.
(3) المقنعة: 151.
(4) الكافي 3: 393 الصلاة ب 63 ح 27، التهذيب 2: 377 / 1570، المحاسن: 615 / 39،
الوسائل 5: 174 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 1
(5) الكافي 3: 393 الصلاة ب 63 ح 26، التهذيب 2: 377 / 1569،
المحاسن: 615 / 40،
الوسائل 5: 175 أبواب مكان المصلي ب 33 ح 3.
429

لرواية الفضيل بن يسار: أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة، فقال:
(تنح عنها ما استطعت) (1).
ومنها: معاطن الإبل، لمرسلة ابن الفضل، المتقدمة (2)، وصحيحة محمد:
عن الصلاة في أعطان الإبل، فقال:، إذا تخوفت الضيعة على متاعك فاكنسه
وانضحه وصل، ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم) (3).
وصحيحة علي: عن الصلاة في معاطن الإبل أتصلح؟ قال: (لا تصلح
إلا أن تخاف على متاعك ضيعة فاكنس ثم انضح بالماء ثم صل) وسألته عن مواطن
الغنم أتصلح الصلاة فيها؟ قال: (نعم لا بأس به) (4).
وموثقة سماعة: عن الصلاة في أعطان الإبل وفي مرابض البقر والغنم،
فقال: (إذا نضحته بالماء وكان يابسا فلا بأس بالصلاة فيها، وأما مرابض الخيل
والبغال فلا) (5).
وصحيحة الحلبي: عن الصلاة في مرابض الغنم، فقال: (صل، ولا
تصل في أعطان الإبل إلا أن تخاف) إلى آخره (6).
ثم المعاطن وإن كانت مختصة في كلام أكثر أهل اللغة - كالصحاح

(1) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 17، التهذيب 2: 226 و 376 و 893 / و 1563
، المحاسن: 365 / 109، الوسائل 5: 169 أبواب مكان المصلي ب 31 ح 1.
(2) في ص 427.
(3) الكافي 3: 387 الصلاة ب 63 ح 2، التهذيب 2: 220 / 868، الإستبصار 1:
395 / 1507، الوسائل 5: 144 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 1.
(4) مسائل علي بن جعفر: 168 / 281، 282، الوسائل 5: 146 أبواب مكان
المصلي ب 17 ح 6
(5) التهذيب 2: 220 / 867، الإستبصار 1: 395 / 1506، الوسائل 5: 145
أبواب مكان المصلي ب 17 ح 4.
(6) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 5، الفقيه 1: 157 / 729، التهذيب 2:
220 / 865، الوسائل: 145 أبواب مكان المصلي ب 17 ح 2.
430

والقاموس (1)، وغيرهما (2) - بمباركها حول الماء، إلا أن فتوى أكثر
الفقهاء على
الكراهة في مطلق مواطنها كافية لإثبات التعميم، مع أن المحكي عن العين
والمقاييس (3) تفسير المعاطن بما يوافق كلام الأكثر، ويشعر به أيضا الأخبار
المقيدة
لها بعدم التخوف على المتاع.
مضافا إلى المروي في الفقيه في جملة المناهي: (إنه نهى أن يصلي الرجل في
المقابر والطرق والأرحية والأودية ومرابض الإبل) (4) والمربض هو مطلق
المأوى.
والتعليل المروي في النبوي: (إذا أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل
فأخرجوا منها وصلوا، فإنها جن من جن خلقت) (5).
وعلى هذا فلا شك في الكراهة في مطلق مواطنها كما تكره في معاطنها.
ولا تحرم كما عن المفيد والحلبي (6)، لموثقة سماعة، السابقة (7).
وتخصيص الحرمة بما قبل النضح كما هو مقتضاها لم يقل به أحد من
الطائفة، مع أنه مخالف للشهرة العظيمة، فالأخبار المثبتة له خارج عن الحجية،
مضافا إلى قصور بعضها عن إثبات الحرمة.
ولا يشترط في الكراهة وجود الإبل بعد صدق الموطن، للإطلاق.
ولا تكره فيما بركت فيه مرة ورحلت، لعدم الصدق.
وهل تكره فيه حال وجودها فيه؟ ظاهر التعليل المذكور ذلك، ولا يبعد
دلالة النهي عن مطلق المرابض والمعاطن عليه أيضا.

(1) الصحاح 6: 2165، القاموس 4: 250.
(2) المصباح المنير 2: 416 ولسان العرب 13: 286.
(3) العين 2: 14، المقاييس 4: 352.
(4) الفقيه 4: 2 / 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 2.
(5) كنز العمال 7: 340 / 19167.
(6) المقنعة: 151، الكافي في الفقه: 141.
(7) في ص 430.
431

وتزول الكراهة بالكنس والنضح عند الخوف على المتاع، لما مر.
وتكره أيضا في مرابض الخيل والبغال، لموثقة سماعة، المتقدمة. والحمير،
لمقطوعته المتضمنة لها أيضا (1). والبقر والغنم، للموثقة.
وتنتفي الكراهة فيهما دون الثلاثة السابقة بالنضح إذا كان يابسا.
وعليها يحمل ما أطلق نفي البأس في مربض الغنم مطلقا، أو على خفة
الكراهة.
ومنها: مساكن النمل، وهي المعبر عنها في خبر ابن الفضل (2): بقرى
النمل، وهي مجتمع ترابها حول جحرها.
وتدل عليه أيضا المرويات في المحاسن وتفسير العياشي والعلل (3).
وعللها في الأخيرة بأنه: (ربما آذاه فلا يتمكن من الصلاة).
والمستفاد منه الكراهة في مقام قريب من مساكنها أيضا معرض لتأذي
المصلي بالنمل.
ومنها: بطون الأودية، للمروي في الفقيه المتقدم.
وفي العلل: (لا يصلى في ذات الجيش ولا ذات الصلاصل ولا بطون
الأودية) (4).
من غير فرق بين خوف هجوم السيل وأمنه، للإطلاق. والتخصيص
بالأول - لأنه العلة - ضعيف، مع أنه علله في العلل بعلة أخرى.
بل مطلق مجاري المياه، لفتوى الأصحاب، ومرسلة ابن الفضل السابقة.
والمراد بها المواضع المعدة لجريانه وإن لم يكن فيها ماء، كما هو مقتضى ما

(1) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 3، الوسائل 5: 145 أبواب
مكان المصلي ب 17 ح 3.
(2) راجع ص 427.
(3) المحاسن: 366 / 116، تفسير العياشي 2: 286، العلل لمحمد بن علي
بن إبراهيم عنه في البحار 80: 327 / 29.
(4) العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم عنه في البحار 80: 327 / 29.
432

هو الحق في مثل هذا اللفظ من عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق، والمتعين
من عدم إمكان الصلاة مع الجريان.
والظاهر عدم شمول الحكم لمثل الساباط الذي على النهر والقنطرة لأنه
ليس مجرى ولا من البطون.
نعم، الظاهر كون الصلاة في السفينة الواقعة في المجاري صلاة فيها،
فتكره من هذه الجهة، وتدل عليه أيضا رواية أبي هاشم الجعفري (1).
ومنها: جواد الطرق، وهي الطرق العظمى التي يتكثر سلوكها، للشهرة.
وصحيحة محمد: (لا تصل على الجادة واعتزل إلى جانبيها) (2).
وصحيحة الحلبي: (لا بأس بأن تصلي في الظواهر التي بين الجواد، وأما
على الجواد فلا تصل فيها) (3).
وصحيحة ابن عمار: (لا بأس أن يصلى بين الظواهر وهي (الجواد)، جواد
الطرق، ويكره بأن يصلي في الجواد) (4).
وتفسير الظواهر هنا بالجواد يرفع تنافيها مع سابقتها.
ولولا الشهرة العظيمة على انتفاء الحرمة، بل الإجماع كما هو المحكي عن
ظاهر المنتهى (5)، والمصرح به في كلام بعض مشايخنا المحققين (6) لم يكن
القول بها

(1) الكافي 3: 442 الصلاة ب 88 ح 5، التهذيب 2: 297 / 901، الإستبصار 1:
441 / 1698 الوسائل 5: 165 أبواب مكان المصلي ب 29 ح 1.
(2) التهذيب 2: 221 / 869، الوسائل 5: 148 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 5.
(3) الكافي 3: 388 الصلاة ب 63 ح 5، التهذيب 2: 220 / 865، الوسائل 5:
147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 2.
(4) الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 10، التهذيب 2: 375 / 1560، الوسائل 5:
147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر
(5) المنتهى 1: 247.
(6) شرح المفاتيح (المخطوط).
433

- كما عن الصدوق والشيخين (1) - بعيدا.
والظاهر الكراهة في مطلق الطريق وإن لم يكن جادة، لموثقة ابن الجهم:
" كل طريق يوطأ فلا تصل فيه " (2).
ورواية ابن الفضيل: " كل طريق يوطأ ويتطرق، كانت فيه جادة أو لم
تكن، لا ينبغي الصلاة فيه " (3).
ومنها: السبخة، ولا شك في كراهة الصلاة فيها، والنصوص بها
مستفيضة (4)، والظاهر منها ارتفاع الكراهة إذا كان موضع السجدة فيها مستوية
يتمكن فيه الجبهة ولو بجعله كذلك.
ومنها: مواضع بين الحرمين: البيداء - وهو على ميل من ذي الحليفة مما يلي
مكة ويسمى ذات الجيش أيضا - وذات الصلاصل، ووادي الشقرة - بفتح الشين
وكسر القاف (5) - ووادي ضجنان - بالضاد المعجمة المضمومة أو المفتوحة والجيم
الساكنة - اسم جبل بناحية مكة.
ومنها: بين القبور وعليها وإليها، على الأظهر الأشهر، بل عليه كافة من
تأخر، وعن صريح الغنية وظاهر المنتهى الاجماع عليه (6).
أما الأول: فلموثقة عمار: عن الرجل يصلى بين القبور، قال: " لا يجوز
ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه، وعشرة أذرع

(1) الفقيه 1: 156، والمقنعة: 151، والنهاية: 100.
(2) التهذيب 2: 221 / 870، الوسائل 5: 148 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 6.
(3) الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 8، الفقيه 1: 156 / 728، التهذيب 2: 220 / 866،
الوسائل 5: 147 أبواب مكان المصلي ب 19 ح 3.
(4) الوسائل 5: 150 أبواب مكان المصلي ب 20.
(5) موضع معروف في طريق مكة، قيل: إنه والبيداء وضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وإنها
من المواضع المغضوب عليها. مجمع البحرين 3: 353.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، المنتهى 1: 244.
434

من خلفه، وعشرة أذرع عن يمينه، وعشرة أذرع عن يساره، ثم يصلي إن
شاء " (1).
وحديث المناهي: " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجصص
المقابر ويصلى فيها " (2).
ومقتضاهما وإن كان التحريم إلا أنهما حملتا على الكراهة، التفاتا إلى عدم
قائل بالحرمة سوى الديلمي (3)، الغير القادح مخالفته في الاجماع على عدم الحرمة.
مضافا إلى معارضتهما مع صحيحة معمر: " لا بأس بالصلاة بين المقابر ما
لم يتخذ القبر قبلة " (4). وصحيحة زرارة: قلت له: الصلاة بين القبور؟ قال:
" صل بين خلالها ولا تتخذ شيئا منها قبلة، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
نهى عن ذلك وقال: لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا، فإن الله عز وجل لعن
الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (5) بالعموم من وجه، لاختصاص الموثقة بل
حديث المناهي - بقرينة الموثقة - بعدم التباعد، واختصاص الصحيحتين بعدم
الاتخاذ قبلة، فيرجع إلى الأصل وعموم الصحيحين الآخرين: عن الصلاة بين
القبور هل تصلح؟ قال: " لا بأس " (6).

(1) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 13، التهذيب 2: 227 / 896، الإستبصار 1:
397 / 1513، الوسائل 5: 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 5.
(2) الفقيه 4: 2 / 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 2.
(3) المراسم: 65.
(4) التهذيب 2: 228 / 897، الإستبصار 1: 397 / 1514، الوسائل 5: 159 أبواب مكان
المصلي ب 25 خ 3.
(5) علل الشرائع: 358 / 1، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 5.
(6) الأول في: الفقيه 1: 158 / 737، قرب الإسناد: 197 / 749 الوسائل 5: 158 أبواب
مكان المصلي ب 25 ح 1. والثاني في: التهذيب 2: 374 / 1555، الإستبصار 1:
397 / 1515، الوسائل 5: 159 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 4.
435

وأما الثاني: فللشهرة المحكية في كلام بعض مشايخنا المحدثين عليه (1)،
وإطلاق حديث المناهي، ورواية ابن ظبيان: " نهى أن يصلى على قبر أو يقعد عليه
أو يبنى عليه " (2).
والنهي فيهما وإن كان حقيقة في التحريم إلا أنه يحمل فيهما على الكراهة
لئلا يلزم استعمال اللفظ في معنييه، لعدم حرمة التجصيص والقعود والبناء
إجماعا، مضافا إلى عدم قول بالحرمة هنا قطعا.
وبه يدفع دلالة النهي عن جعل القبر مسجدا عليها أيضا مع إمكان حمله
على جعله محل السجدة للقبور.
وأما الثالث: فلما مر من الشهرة المحكية.
وقد يتمسك له بالموثقة.
وهي أخص من المطلوب، لدلالتها على المنع مع تعدد القبور وصدق
الوقوع بينها.
وعن الصدوق والمفيد والحلي فيه التحريم (3)، ويعزى إلى المعتبر أيضا (4)،
للصحيحين المتقدمين المانعين عن اتخاذ القبر قبلة، والموثقة المتقدمة، وحديث
المناهي، ورواية ابن ظبيان.
ويجاب عن الأولين: بمنع كون التوجه إلى القبر لا بقصد استحقاقه لذلك
اتخاذه قبلة، ولذا لا يقال لمن يصلي وقدامه جدار: إنه اتخذه قبلة، بل الظاهر منه
جعله مثل الكعبة مستقلا أو مشاركا معها.

(1) الحدائق 7: 216.
(2) التهذيب 3: 201 / 469، الإستبصار 1: 482 / 1869، المقنع: 21، الوسائل 5: 160
أبواب مكان المصلي ب 25 ح 8.
(3) الفقيه 1: 156، المقنعة: 151، لم نجده في الكافي في الفقه ولكن نقله عنه في المختلف: 85.
(4) المعتبر 2: 115.
436

هذا، مع معارضتهما مع الأخبار الكثيرة الآتية بعضها المصرحة بجواز
الصلاة خلف قبر الإمام عليه السلام، وجعله بين يديه، بل الترغيب إليها (1)،
بضميمة عدم القول بالفصل، بل تصريح المفيد بعدم استثنائه (2).
وعن الثاني: بما مر من عدم الدلالة على المطلوب، وشذوذ القول
بمضمونه، ومعارضته مع ما أكثر منه في العدد وأصح من حيث السند.
وجعله أعم وتخصيصه بالصلاة إلى القبر فاسد، لعدم كون الصلاة إلى القبر
فردا من الصلاة بين القبور، وعلى الفردية لا يجوز ذلك التخصيص، لكونه
إخراجا للأكثر.
وعن الأخيرين: بمنع شمولهما للمورد أولا، ومنع إفادتهما التحريم ثانيا كما
أشير إليه.
وبما ذكر ظهر ضعف ما ذكره بعض مشايخنا المحدثين (3) - بعد تقويته القول
بالتحريم في غير قبر الإمام - من كون الصحيحين المانعين لاتخاذ القبر قبلة أخص
مطلقا من الصحيحين النافيين للباس عن الصلاة بين القبور فليقدما عليهما.
وأضعف منه استثناؤه قبر الإمام، فإنه مع كونه إحداثا لقول ثالث خلاف
صريح صحيحة زرارة المذكورة التي هي من أدلته، حيث صرح فيها بنهي النبي
صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ قبره صلى الله عليه وآله وسلم قبلة.
وفي مرسلة الفقيه: " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تتخذوا قبري
قبلة ولا مسجدا، فإن الله عز وجل لعن اليهود لأنهم اتخذوا قبور أنبيائهم قبلة " (4).
هذا كله في غير قبر المعصوم، وأفا فيه فلا ينبغي الريب في مرجوحية
استدباره، بل الظاهر عدم الخلاف فيها؟ وهو فيها الحجة.

(1) الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 26.
(2) المقنعة: 152.
(3) الحدائق 7: 226.
(4) الفقيه 1: 114 / 432، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 3.
437

مضافا إلى صحيحة الحميري، وفيها بعد السؤال عن قبر الإمام: " وأما
الصلاة فإنها خلفه يجعله إماما، ولا يجوز أن يصلي بين يديه لأن الإمام لا يتقدم
عليه، ويصلي عن يمينه وشماله " (1).
والمروي في الاحتجاج وفيه بعد السؤال عنه: " أما الصلاة فإنها خلفه ويجعل
القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأن الإمام
لا يتقدم ولا يساوى " (2).
وهل هي على وجه الكراهة أو الحرمة؟ المشهور هو الأول، بل ظاهر المنتهى
عدم الخلاف فيه (3).
وقال بعض مشايخنا المحققين: الظاهر اتفاقهم على ترك العمل بظاهر
الصحيحة من عدم جواز الصلاة مقدما على قبره (4).
وصرح بعض مشايخنا المعاصرين بعدم وجدان القائل به (5).
واختار بعض مشايخنا المحدثين الثاني (6)، ونسبه إلى المعتبر وشيخنا البهائي
والمحدث المجلسي (7).
ولا دلالة لكلام الأولين عليه أصلا بل لا يفيد أزيد من الكراهة.
نعم نفى عنه البعد في المفاتيح (8)، أخذا بظاهر الخبرين.
ويرد: بأن مخالفته لشهرة القدماء والمتأخرين بل الاجماع من الأولين أخرجته

(1) التهذيب 2: 228 / 898، الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 1.
(2) الإحتجاج: 490، الوسائل 5: 160 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 2.
(3) المنتهى 1: 245.
(4) شرح المفاتيح (المخطوط).
(5) الرياض 1: 141.
(6) الحدائق 7: 220.
(7) المعتبر 2: 115، الحبل المتين: 159، البحار 80: 315 و 316.
(8) المفاتيح 1: 102.
438

عن حيز الحجية، فلا يصلح لاثبات الحرمة.
مضافا إلى أن عطف التساوي في الخبر الأخير على التقدم وأصالة عدم جواز
استعمال اللفظ في المعنيين أخرجه عن الدلالة على الحرمة أيضا، فالكراهة هي
الأظهر وإن كان الاجتناب أحوط.
ولا في جواز استقبال (1)، للأصل، وعدم دليل على المنع سوى ما مر دليلا
للمنع عن استقبال القبر مطلقا بجوابه، فالقول بالتحريم كما عن المشايخ
الثلاثة (2) ضعيف.
وهل يكره؟ كما هو المشهور على ما قيل (3)، له، وللحذر عن مخالفة من
ذكر، واحتمال كونه المراد من اتخاذه قبلة، والمروي في الأمالي: إذا أتيت قبر الحسين
عليه السلام أجعله قبلة إذا صليت؟ قال: " تنح هكذا ناحية " (4).
أو يستحب؟ كما ذكره بعض مشايخنا (5) واستعجب ممن قال بالكراهة،
تمسكا بتصريح بعض الروايات باستحباب الصلاة خلف قبر أبي عبد الله عليه
السلام، كالمروي في كامل الزيارة في حديث زيارة الحسين عليه السلام: " من
صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله تعالى لقي الله يوم يلقاه وعليه من النور ما
يغشى كل شئ يراه " (6).
وفيه أيضا: " إذا فرغت من التسليم على الشهداء أتيت قبر أبي عبد الله عليه

(1) عطف على قوله: في مرجوحية استدباره في ص 437.
(2) الصدوق في الفقيه 1: 156، والمفيد في المقنعة: 152، والطوسي في النهاية: 99.
(3) الحدائق 7: 224.
(4) لم نجده في الأمالي وهو موجود في كامل الزيارات: 245 / 2، الوسائل 14: 519 أبواب المزار وما
يناسبه ب 69 ح 6.
(5) الرياض 1: 141.
(6) كامل الزيارات: 122 / 1، الوسائل 5: 162 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 6.
439

السلام تجعله بين يديك ثم صل ما بدا لك " (1).
وأيضا: هل يزار والدك؟ قال: " نعم ويصلى خلفه ولا يتقدم عليه " (2)
ولصحيحة الحميري ورواية الاحتجاج، المتقدمتين.
أقول: التحقيق أنه إن أريد استحباب مطلق الصلوات فيه بمعنى رجحانه
وأكثرية ثوابه بالنسبة إلى سائر الأفراد الخالية عن جهتي الرجحان والمرجوحية - كما
هو المراد من الاستحباب في العبادات - فتعارض الروايات المستندة إليها الشهرة
على الكراهة ورواية الأمالي، ولا ترجيح.
مع أن في دلالة الروايات عليه أيضا نظرا:
أما الأخيرتان فظاهر، وكذا السابق عليهما، إذ لا يدل على الأزيد من إباحة
الصلاة خلفه أو مع نوع من الرجحان الإضافي.
وأما السابقان عليه: فلأنه يمكن أن يكون المراد منهما استحباب صلاة
خلفه لا استحباب مطلق الصلاة خلفه.
والتوضيح: أن المطلوب استحباب إيقاع الصلاة المأمور بها وجوبا أو ندبا
مطلقا خلفه، وهو غير استحباب أن يصلى خلفه صلاة، فإن استحباب صلاة في
موضع غير استحباب الصلاة فيه، والاستحباب الأول بالمعنى المصطلح دون
الثاني، ولذا يصح أن يقال: من اشترى دارا جديدة يستحب أن يصلي فيها
صلاة، ولا يقال: يستحب إيقاع الصلاة في الدار الجديدة.
وإن أريد استحباب الصلاة المطلقة خلفه ردا على من يكرهها مطلقا، فهما
يدلان عليه.
ولا تضرهما معارضة الشهرة المحكية ورواية الأمالي، لعمومهما مطلقا
بالنسبة إليهما، ولكن يكون ذلك مخصوصا بخلف قبر الحسين عليه السلام،

(1) كامل الزيارات: 245 / 3، الوسائل 14: 517 أبواب المزار وما يناسبه ب 69 ح 1.
(2) كامل الزيارات: 123 / 2، الوسائل 5: 162 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 7.
440

لاختصاص الدليل، وعدم إيجاب استحباب صلاة في خلف قبره استحبابها في
خلف قبر سائر الأئمة عليهم السلام، بخلاف ما إذا ثبت استحباب جعل محل
الصلوات خلف قبره، فيتعدى بعدم القول بالفصل.
وأما المحاذاة له عند رأسه أو رجليه فهي أيضا جائزة على الأظهر الأشهر،
بل وفاقا لغير شاذ من متأخري من تأخر؟ للأصل، وصحيحة الحميري.
ودليل المانع: رواية الاحتجاج.
وهي مردودة بعدم صلاحيتها لاثبات الحرمة، لمخالفتها الشهرة بل إجماع
الطائفة.
مضافا إلى معارضتها للصحيحة التي هي له كالقرينة، بل لنصوص أخر
كثيرة مصرحة بجوازها في زيارة الحسين عليه السلام وغيره من الأئمة عليهم
السلام.
كالمروي في العيون: من أن الرضا عليه السلام ألزق منكبه الأيسر بالمنبر
قريبا من الأسطوانة التي عند رأس التي صلى الله عليه وآله وسلم فصلى ست
ركعات (1).
ورواية ابن ناجية: " صل عند رأس قبر الحسين عليه السلام " (2).
و رواية الثمالي: " ثم تدور من خلفه إلى عند رأس الحسين عليه السلام
وصل عند رأسه ركعتين تقرأ في الأولى " إلى أن قال: " وإن شئت صليت خلف
القبر وعند رأسه أفضل " (3).
وفي رواية صفوان: " ثم قم فصل ركعتين عند الرأس " (4) إلى غير ذلك.

(1) العيون 2: 16 / 40، الوسائل 5: 161 أبواب مكان المصلي ب 26 ح 4.
(2) كامل الزيارات: 245 / 1، الوسائل 14: 519 أبواب المزار وما يناسبه ب 69 ح 5.
(3) كامل الزيارات: 240، المستدرك 10: 327 أبواب المزار وما يناسبه ب 52 ح 3.
(4) مصباح المتهجد: 665.
441

نعم، تكره لهذه الرواية، ولا تنافيها الصحيحة، إذ غايتها الجواز. ولا
الأخبار المذكورة، إذ غايتها استحباب صلاة عند الرأس، وهو لا ينافي كراهة
غيرها، فالرواية بها مخصوصة.
والخلف أفضل من جانب الرأس في غير المنصوصة، لهذه الرواية، بل
يشعر به الصحيحة.
ولا تنافيه رواية الثمالي، إذ مدلولها أفضلية صلاة خاصة عند رأس الحسين
عليه السلام، وهي مسلمة.
ويحصل مما ذكر أن المحاذاة عند الرأس أو الرجلين أفضل من التقدم
والخلف منها، وغير الثلاثة منه، إلا فيما ورد في موضع مخصوص.
فروع:
أ: ما ذكر في حكم قبر غير الإمام من كراهة الصلاة إليه وعليه يعم القبر
الواحد والمتعدد.
وأما كراهتها بين القبور فإنما هي مع تعددها، لا لما قيل من أن مورد الأخبار
القبور (1)، لأنها جمع محلى مفيد للعموم الافرادي، ولذا لو قال: لا يجوز نبش القبور،
يحكم به في كل فرد فرد، ولا يشترط فيه الجمعية.
بل لأن النهي إنما هو عن الصلاة بين القبور وفي خلالها، ولا يصدق ذلك
إلا مع التعدد.
بل نقول: إن المنهي عنه الصلاة بين القبور لا القبر والقبرين أيضا.
ولا يفيد حديث المناهي الناهي عن الصلاة في المقابر ولو بملاحظة إفادة
الجمع للعموم الافرادي كما في قوله ما فيه: " ونهى أن يجصص المقابر " (2) لأنه لا بثبت

(1) الحدائق 7: 227.
(2) الفقيه 4: 2 / 1، الوسائل 5: 158 أبواب مكان المصلي ب 25 ح 2.
442

منه - بحسب المعنى اللغوي الذي الأصل فيه عدم النقل، ومع ثبوته تأخره - إلا
مرجوحية الصلاة في المقبرة التي هي موضع القبر لا في حواليها كما هو المطلوب،
فيكون هو بعينه الصلاة على القبر، فتأمل.
إلا أن يقال بإلحاق القبر والقبرين بالقبور، لادعاء الاشتهار عليه في كلام
بعض مشايخنا المحققين (1)، وفتوى جماعة به (2)، وهما كافيان في المقام لكونه مقام
المسامحة.
ب: صرح جماعة - منهم المقنعة والشرائع والنافع والجامع والقواعد
والنهاية (3) - بزوال الكراهة بالحائل، بل في بعضها ولو عنزة منصوبة، أو قدر لبنة،
أو ثوب موضوع. وأخرى - منهم المقنعة (4)، والنزهة والنهاية والمبسوط والمهذب
والوسيلة والجامع والاصباح ونهاية الإحكام والتذكرة (5) - بزوالها ببعد عشرة أذرع
من كل جانب كما في الأولين، أو ما سوى الخلف كما في البواقي.
أقول: الكلام إما في الصلاة بين القبور أو إليها أو عند كل قبر قبر.
فإن كان الأول، فلا شك في زوال الكراهة ببعد عشرة أذرع من الجوانب
الأربع، وأما بوجود الحائل ولو بمثل ما ذكر فلا دليل عليه، والاجماع فيه غير ثابت

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 245، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 134، والشهيد الثاني في
المسالك 1: 25، والروضة 1: 223.
(3) المقنعة: 151، الشرائع 1: 72، والنافع: 26، الجامع للشرائع: 68، القواعد 1: 28، نهاية
الإحكام 1: 346.
(4) كذا في النسخ ومثله في كشف اللثام 1: 198، ونسبه في الرياض 1: 141، إلى المحكي عن
المقنعة، ولم نعثر عليه ولعل الصحيح: الفقيه ووقع التصحيف في نسخة كشف اللثام فصار منشأ
للنسبة، لاحظ: الفقيه 1: 156. ويؤيده أن في مفتاح الكرامة 2: 215، لم ينقله عن المقنعة بل
نقله عن الفقيه.
(5) النزهة: 26، النهاية: 99، المبسوط 1: 85، المهذب 1: 76، الوسيلة: 90، الجامع
للشرائع: 68، نهاية الإحكام 1: 346، التذكرة 1: 88.
443

وإن ادعاه بعضهم (1)، وإزالة الكراهة لا تتحمل ما يتحمله إثباتها من المسامحة،
إلا أن يكون الحائل جدارا مرتفعا أو جدرانا بحيث ينتفي صدق بين القبور عرفا.
وإن كان الأخيران، فالظاهر انتفاء الكراهة مع الحائل مطلقا أو البعد
المذكور، إذ قد عرفت أن المستند فيهما ليس إلا الفتاوى أو الشهرة، وكلاهما
مخصوصان بالخالي عن الحائل والبعد.
هذا في غير قبر المعصوم، وأما فيه فإن ثبت الاجماع المركب فالحكم كذلك
أيضا، وإلا فالحكم بالزوال إلا مع وجود جدار أو تفاحش بعد يزيل صدق
الصلاة أمامه أو خلفه أو جانبه مشكل جدا.
ج: هل الحكم يتوقف على العلم بعدم صيرورة المقبور رميما أو ترابا ولو
استصحابا، أو يجري ولو مع صيرورته أحدهما؟ الظاهر: الثاني؟ لصدق القبر.
د: لا فرق في الحكم بين كون المقبرة مسجدا كما إذا أوصى أحد بدفنه في
بيت ثم جعله مسجدا، أم لا، للاطلاقات.
ومنها: أن تكون بين يديه نار، وفاقا لغير شاذ، لصحيحة علي: عن الرجل
يصلي والسراج موضوع بين يديه في القبلة، فقال: " لا يصلح له أن يستقبل
النار " (2).
وموثقة عمار: " لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد " قلت: أله أن يصلي
وبين يديه مجمرة شبه؟ قال: " نعم فإن كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحيها عن
قبلته " وعن الرجل يصلي وفي قبلته قنديل معلق وفيه نار إلا أنه بحياله، قال: " إذا
ارتفع كان شرا، لا يصلي بحياله " (3).

(1) الرياض 1: 141.
(2) الكافي 3: 391 الصلاة ب 63 ح 16، الفقيه 1: 162 / 763، التهذيب 2: 225 / 889،
الإستبصار 1: 396 / 1511، قرب الإسناد: 187 / 700، الوسائل 5: 166 أبواب مكان المصلي
ب 30 ح 1.
(3) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 15، الفقيه 1: 165 / 776، التهذيب 2: 225 / 888،
الإستبصار 1: 396 / 1510، الوسائل 5: 166 أبواب مكان المصلي ب 30 ح 2.
والشبه: ضرب من النحاس. الصحاح 6: 2236.
444

وخلافا للحلبي فحرم، لظاهر الخبرين.
وفيه أولا: منع الظهور.
وثانيا: المعارضة مع ما دل على الجواز مطلقا، كمرفوعة الهمداني: (لا بأس
أن يصلي الرجل والسراج والصورة بين يديه، إن الذي يصلي له أقرب إليه) (1)
أو لغير أولاد عبدة الأوثان والنيران الموجب لجوازه لغيرهم أيضا بالإجماع
المركب، كالمروي في الاحتجاج وإكمال الدين من التوقيع، وفيه: (أماما سألت
عنه من المصلي والنار والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته فإن الناس قد
اختلفوا في ذلك قبلك، فإنه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان والنيران
أن يصلي والسراج بين يديه، ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان
والنيران) (2).
وثالثا: المخالفة للشهرة بل الإجماع الموجبة للخروج عن الحجية.
ثم مقتضى الإطلاقات: كراهة استقبال النار مطلقا ولو لم تكن مضرمة.
وقيدها بعضهم بالمضرمة (3)، ولا وجه له.
كما أن مقتضى الموثقة: أشدية الكراهة مع ارتفاع النار.
والمستفاد من التوقيع أشديتها لأولاد عبدة الأوثان والنيران، والحكم
بالأشدية في غير أولاد الرسول غير سديد.
ومنها: بيوت المجوس، والبيع، والكنائس، وبيت فيه مجوسي وأن لم يكن

(1) الفقيه 1: 162 / 764، التهذيب 2: 226 / 890، الإستبصار 1: 396 / 1512،
علل الشرائع: 342 / 1، المقنع: 25، الوسائل 5: 167 أبواب مكان المصلي ب
30 ح 4.
(2) الإحتجاج: 480، كمال الدين 521 / 49، الوسائل 5: 168 أبواب مكان المصلي
ب 30 ح 5.
(3) كابن إدريس في السرائر 1: 270، والمحقق في الشرائع 1: 72، والنافع: 26
، والمعتبر 2: 112، والعلامة في نهاية الإحكام 1: 347، والتحرير 1: 33.
445

بيته، لعدم الخلاف في المرجوحية في الأول، كما صرح به بعضهم (1).
ولفتوى جماعة من الفحول منهم الحلي والديلمي والقاضي (2)، والغنية
والإصباح والإشارة والنزهة (3)، مضافا إلى ادعاء الرابع الإجماع عليه في
الثانيين.
ولرواية أبي أسامة: (لا تصل في بيت فيه مجوسي، ولا بأس بأن تصلي وفيه يهودي أو نصراني) (4) في الأخير.
والاستدلال بصريحها أو فحواها للأول ضعيف. كالاستدلال له وللبيع
والكنائس بالأمر بالرش والصلاة (5)، لعدم الدلالة، والاحتجاج لانتفاء
الكراهة
فيهما بما دل على جواز الصلاة أو عدم البأس فيهما (6)، إذ لا يثبت منهما
إلا نفي
الحرمة.
ولا كراهة في بيوت اليهود والنصارى، للأصل.
وقد يقال فيها بالكراهة أيضا، لخبرين لا دلالة لهما عليه (7).
ثم إنه هل يشترط إذن أهل الذمة في الصلاة في البيع والكنائس أم لا؟ قال
بعض مشايخنا المحدثين: مقتضى كلام الأصحاب وإطلاق النصوص النافية
للبأس عن الصلاة فيهما هو الثاني.
واحتمل في الذكرى الأول، تبعا لغرض الواقف وعملا بالقرينة.
والظاهر ضعفه، لإطلاق الأخبار المذكورة وما دل عليه بعضها من جواز

(1) الحدائق 7: 233.
(2) السرائر 1: 270، المراسم: 65، المهذب 1: 75.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 555، الإشارة: 88، النزهة: 26.
(4) الكافي 3: 389 الصلاة ب 63 ح 6، الوسائل 5: 144 أبواب مكان
المصلي ب 16 ح 1.
(5) الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلي ب 13.
(6) الوسائل 5: 138 أبواب مكان المصلي ب 13.
(7) أحداهما ما رواه في الكافي عن عامر بن نعيم (الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 25)
. والآخر ما رواه
في قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: عن بواري اليهود والنصارى التي يقعدون عليها في بيوتهم أن يصلى عليها قال: (لا) قرب الإسناد: 184 / 685. منه رحمه الله.
446

نقضها مسجدا (1).
قال: وقال بعض مشايخنا - رحمهم الله -: بل لو علم اشتراطهم عند الوقف
عدم صلاة المسلمين فيها، كان شرطهم فاسدا، وكذا الكلام في مساجد
المخالفين وصلاة الشيعة فيها (2). انتهى.
أقول: الحق جواز الصلاة فيهما وفي سائر معابد الكفار ومساجد
المخالفين، لا لما ذكره من إطلاق الأخبار المذكور، لكونه محل كلام، وكذا فساد
الشرط المذكور. ولا لما قيل من أن الواقف لما علم بعد موته حقية مذهبنا يرضى
قطعا (3)، أو لأنه لو علم الواقع لكان راضيا، إذ لا مدخلية لرضا الواقف وعدمه
بعد تحقق الوقف ولزومه أصلا سيما الواقف الميت، ولا للرضا الفرضي.
بل لما تقدم ذكره من أن الأصل جواز هذا النوع من التصرف الغير المتلف
ولا المضر في كل موضع، وأن الظاهر أنه كالاستظلال بالحائط أو الاستضاءة
بالسراج أو وضع اليد على جدار الغير، ولا دليل على حرمة أمثال هذه التصرفات
بدون الإذن بل مع المنع، بل ولا على حرمة الجلوس في ملك الغير من غير إضرار
به ولو منع عنه إلا الإجماع أو بعض الأخبار الضعيفة (4) الموقوفة حجيتها على
الانجبار، وكلاهما مفقودان في المقام، مع أن المذكور فيها التصرف، وكون نحو
ذلك تصرفا لغة محل كلام
ومنها: بيوت الخمور والنيران، بلا خلاف في المرجوحية فيهما إلا لنادر من
المتأخرين في الثاني (5)، وهو الحجة فيهما.

(1) التهذيب 2: 222 / 874، الوسائل 5: 138 أبواب مكان
المصلي ب 13 ح 1.
(2) الحدائق 7: 234.
(3) لم نعثر على قائله.
(4) انظر: الوسائل 9: 538، 540 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 3 ح
2 و 7، وقد تقدما في ص 361.
(5) مجمع الفائدة والبرهان 2: 144.
447

مضافا في الأول إلى الموثق: (لا تصل في بيت فيه خمر أو مسكر) (1).
والرضوي: (لا تصل في بيت فيه خمر محصور) (2).
ومقتضاهما وإن كان تحريم الصلاة في الأول - كما حكي عن المقنع والفقيه
والمقنعة والنهاية (3)، والديلمي (4) - إلا أنهما معارضان بالرواية
المرسلة في المقنع،
قال: (وروي أنها تجوز) المنجبرة بالشهرة العظيمة التي هي من المتأخرين
إجماع في
الحقيقة، المعتضدة بالأصل والعمومات، فلا يصلحان لإثبات التحريم، فالقول
به ضعيف.
وأضعف منه: القول به في الثاني، كما عن الثلاثة الأخيرة (5)، لعدم ورود
نص فيها بالكلية، وإنما عللوا المنع فيها: بأن في الصلاة فيها تشبها بعبادها
وهو كما ترى لا يفيد المنع قطعا، بل الكراهة أيضا كما هو ظاهر المدارك
والذخيرة (6)، حيث إن فيهما - بعد تضعيف التعليل - احتمال اختصاص
الكراهة
بمواضع عبادة النيران، لأنها ليست موضع رحمة، فلا تصلح لعبادة الله سبحانه.
ثم المعبر عنه في كلام جماعة وإن كان بيوت الخمر الظاهرة في نوع
اختصاص لها به، إلا أن مقتضى الموثق ثبوت الكراهة في كل بيت فيه خمر، كما
أن مقتضى فتوى الجماعة في الثاني ثبوتها في كل بيت معد للنيران كالفرن
والأتون (7) وإن لم يكن موضع عبادتها.

(1) الكافي 3: 392 الصلاة ب 63 ح 24، التهذيب 2: 220 و 377 / 864 و 1568،
الإستبصار 1: 189 / 660، الوسائل 5: 153 أبواب مكان المصلي ب 21 ح 1
(2) فقه الرضا عليه السلام: 281، مستدرك الوسائل 3: 341 أبواب مكان
المصلي ب 16 ح 1.
(3) المقنع: 25، الفقيه 1: 159، المقنعة: 151، النهاية: 100.
(4) المراسم: 65.
(5) المقنعة: 151، النهاية: 100، المراسم: 65.
(6) المدارك 3: 232، الذخيرة: 245.
(7) الفرن: الذي يخبز عليه الفرني وهو خبز غليظ نسب إلى موضعه وهو غير
التنور. الصحاح 6: 2176. والأتون بالتشديد: الموقد، والجمع الأتاتين.
الصحاح 5: 2067.
448

وإما. البيوت التي توقد فيها النيران مع عدم كونها معدة له فلا كراهة فيها
أصلا، للأصل.
ومنها: أن يكون بين يديه مصحف مفتوح، لرواية عمار، في الرجل يصلي
وبين يديه مصحف مفتوح في قبلته؟ قال: (لا) قلت: فإن كان في غلاف؟ قال
: (نعم) (1).
وألحق بعضهم به كل مكتوب ومنقوش (2)، وعلل بالمروي في قرب الإسناد:
عن الرجل هل له أن ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في
مصحف أو كتاب في القبلة؟ قال: (ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها) (3).
ولا دلالة له إلا على أن النظر في الكتابة كأنه يقرؤها نقص في الصلاة سواء
كانت بين يديها أو لا كما في خاتمه، وهو غير المسألة، لأنها إنما هي في
المكتوب
الواقع في القبلة سواء نظر إليه كأنه يقرؤه أم لا، فلا دليل على الإلحاق إلا ما
ذكره
بعضهم من خوف التشاغل (4)، ولكنه لا يصلح دليلا، فبقي غير المصحف خاليا
عن الدليل، والأصل عدم الكراهة فيه، ويكون النظر إلى المكتوب مطلقا كأنه
يقرؤه مكروها آخر أيضا، ويختص ذلك بمن يرى النقش بل يعلم القراءة،
بخلاف الأول، فيعم الأعمى والممنوع عن القراءة لظلمة أو نوع بعد.
وكذا يكره أن يكون بين يديه إنسان، للمرويين في قرب الإسناد والدعائم:
الأول: عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له أن يكون امرأة مقبلة
بوجهها عليه قاعدة أو قائمة؟ قال: (يدرؤها عنه، فإن لم يفعل لم يقطع
ذلك صلاته) (5).

(1) الكافي 3: 390 الصلاة ب 63 ح 15، التهذيب 2: 225 / 888، الوسائل 5
: 163 أبواب مكان المصلي ب 27 ح 1.
(2) كالعلامة في المنتهى 1: 249، ونهاية الإحكام 1: 348.
(3) قرب الإسناد: 190 / 715، الوسائل 5: 163 أبواب مكان المصلي ب 27 ح 2.
(4) كالعلامة في المنتهى 1: 249.
(5) قرب الإسناد 204 / 789، الوسائل 5: 189 أبواب مكان المصلي ب 43 ح 3.
449

والثاني: (كره أن يصلي الرجل ورجل بين يديه قائم) (1). ولا تنافيه الأخبار
النافية للبأس عن كون إنسان في قبلة (2)، لأن البأس هو العذاب. ولا الأخبار
الدالة على أنه صلى الله عليه وآله صلى ويمر في قبلته قوم (3)، لأن مرور
شخص غير كونه في قبلته، مع أنهم قد يرتكبون المكروه بيانا للجواز.
أو باب مفتوح على ما حكي عن الحلبي (4). ولا دليل عليه إلا أن يسامح
فيه، فيثبت بفتوى الفقيه، ولا بأس به.
أو حديد، لموثقة عمار، المتقدمة في النار (5).
أو تماثيل، لصحيحة محمد (6).
وتزول الكراهة بطرح نحو ثوب عليها، لتلك الصحيحة.
ولا كراهة مع كونها في غير القبلة كما صرح به فيها أيضا.
المسألة الخامسة: يستحب للمصلي السترة (7) بلا خلاف بين الأصحاب كما
قيل (8)، له، وللنصوص المستفيضة.
منها: صحيحة ابن وهب: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجعل العنزة
بين يديه إذا صلى) (9).

(1) الدعائم 1: 150، مستدرك الوسائل 3: 332 أبواب مكان المصلي ب 4 ح 2.
(2) انظر: الوسائل 5: 132 أبواب مكان المصلي ب 11.
(3) انظر: مسند أحمد 6: 50 و 94، وسنن ابن ماجة 1: 307.
(4) نقله عنه في التذكرة 1: 88.
(5) في ص 444.
(6) التهذيب 2: 226 و 370 / 891 و 1541، الإستبصار 1: 394 / 1502، المحاسن:
617 / 50، الوسائل 5: 170 أبواب مكان المصلي ب 32 ح 1.
(7) ما ينصبه المصلي قدامه علامة لمصلاه من عصا وتسنيم تراب وغيره لأنه يستر
المار من المرور أي يجبه. المصباح المنير: 266.
(8) الحدائق 7: 238.
(9) الكافي 3: 296 الصلاة ب 14 ح 1، التهذيب 2: 322 / 1316، الإستبصار:
406 / 1548، الوسائل 5: 136 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 1.
450

ورواية أبي بصير: (كان طول رحل رسول الله صلى الله عليه وآله ذراعا،
وكان إذا صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه) (1).
وصحيحته: (لا يقطع الصلاة شئ لا كلب ولا حمار ولا امرأة، ولكن
استتروا بشئ، وإن كان بين يديك قدر ذراع مرتفع من الأرض فقد استترت) (2).
ورواية السكوني: (إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل
مؤخرة الرحل، فإن لم يجد فحجرا، وإن لم يجد فسهما، وإن لم يجد فليخط في
الأرض بين يديه) (3).
(ورواية محمد بن إسماعيل: في الرجل يصلي، قال: (يكون بين يديه) (4)
كومة من تراب، أو يخط بين يديه بخط) (5).
وظاهر بعض هذه الأخبار استحبابها مطلقا سواء كان هناك مار بين بيديه
أم لا، وسواء كان قد يتشاغل في الصلاة بغيره سبحانه أم لا، وسواء كان في الفلاة
أو غيرها.
ومنهم من قيد بالأول (6)، لدلالة بعضها - كرواية أبي بصير وصحيحته -

(1) الكافي 3: 296 الصلاة ب 14 ح 2، التهذيب 2: 322 / 1317، الإستبصار 1:
406 / 1549، الوسائل 5: 136 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 2.
(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 3، التهذيب 2: 323 / 1319، الإستبصار 1:
406 / 1551، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 10.
(3) التهذيب 2: 378 / 1577، الإستبصار 1: 407 / 1556، الوسائل 5: 137 أبواب مكان
المصلي ب 12 ح 4.
(4) أضفنا ما بين المعقوفين لأنها رواية أخرى. والموجود في النسخ بعد ذكر (بين يديه) في رواية
السكوني: (كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط)، وهي موجودة في رواية محمد بن إسماعيل لا
رواية السكوني.
(5) التهذيب 2: 378 / 1574، الإستبصار 1: 407 / 1555، الوسائل 5: 137 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 3.
(6) انظر: الحدائق 7: 243، والدرة النجفية: 95.
451

على أنها لدفع المارة.
ومنهم من قيد بالثاني (1)، لما ورد في بعض الأخبار من مرور المارة بين يدي
الإمام وعدم منعه إياهم قائلا بأن الذي أصلي له أقرب إلي منهم (2).
وقد يستفاد التقييد بالثالث، لمفهوم الرواية الأخيرة (3).
ويرد الأول: بأن الروايتين غير دالتين على تقييد المطلقات، لعدم التنافي
بين استحباب الاستتار مطلقا ولأجل الاستتار عن المارة أيضا.
نعم يمكن أن تكون شرعيتها لأجل احتمال مرور المارة.
والثاني: بأنه ليس في الأخبار عدم استتار الإمام، بل عدم نهيه الناس عن
المرور، فلعله لا يلزم بعد وضع السترة.
مع أنه لو فرض عدم استتاره مرة أو أكثر لم يدل على عدم استحبابه.
والثالث: بأنه مفهوم لقب لا حجية فيه، وأما مفهومه الشرطي فهو أنه:
إذا لم يصل أحدكم بأرض فلاة، والظاهر منه انتفاء الصلاة مطلقا.
ولو سلم عمومه للصلاة في غير الفلاة أيضا فليس بظاهر يخصص به عموم
غيره، مع أن هذا التخصيص مما لم يقل به قائل.
ثم أقل ارتفاع السترة مع الإمكان - كما دل عليه صحيحة أبي بصير - ذراع،
فإن لم يمكن فيستتر بحجر، أو سهم ينصبه كالشاخص، أو كومة، إلى أن ينتهي
إلى خط، بالترتيب.
ويستحب الدنو منها، للمروي في الدعائم: (إذا قام أحدكم في الصلاة
إلى سترة فليدن منها) (4) ونحوه روي في الذكرى (5).

(1) الحدائق 7: 242.
(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 4، الوسائل 5: 135 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 11.
(3) بعد ملاحظة الهامش (4) من الصفحة السابقة يظهر أن التقييد موجود في رواية السكوني.
(4) الدعائم 1: 150، مستدرك الوسائل 3: 335 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 5.
(5) الذكرى: 153.
452

وقدره الإسكافي: بمربض شاة (1)، لخبر الساعدي: (كان بين مصلى النبي
وبين الجدار ممر الشاة) (2).
وبعض الأصحاب: بمربض عنز إلى مربض فرس (3)، ونسبه في المدارك
إلى الأصحاب (4)، ومستنده صحيحة ابن سنان: (أقل ما يكون بينك وبين القبلة
مربض عنز وأكثر ما يكون مربض فرس) (5).
ومقتضى الخبرين: كون ذلك التقدير من محل القدم لا مسجد الجبهة،
وهو كذلك.
ولو زاد البعد عن مربض الفرس بل تفاحش البعد، فهل ترك الدنو
المستحب أو الستر المستحبة أيضا؟ مقتضى الصحيحة: الثاني.
ولا يشترط في السترة وضعها حين الصلاة. فلو كانت موجودة قبلها كجدار
ونحوه وصلى قريبا منها فقد استتر إذا قصد السترة كما هو صريح صحيحة أبي
بصير.
ولا يستحب فيها انحرافها يمينا كما عن الإسكافي (6)، أو يمينا أو شمالا كما
عن بعض العامة (7)، لعدم دليل، بل ظاهر الأخبار استحباب التوسط.
وهل يشترط إباحتها أم لا؟ صرح الفاضل بالأول، لعدم الإتيان بالمأمور به
على الغصبية (8).
واستشكله في الذكرى بأن المأمور به الصلاة إلى السترة وقد حصل،

(1) نسبه إليه في الذكرى: 153.
(2) الذكرى: 153، المستدرك 3: 336 أبواب مكان المصلي ب 8 ح 7.
(3) منهم العلامة في المنتهى 1: 248، والتحرير 1: 33 والشهيد في البيان: 133.
(4) المدارك 3: 239.
(5) الفقيه 1: 253 / 1145، الوسائل 5: 137 أبواب مكان المصلي ب 12 ح 6.
(6) نقله عنه في الذكرى: 153.
(7) المغني 2: 72.
(8) المنتهى 1: 248، التحرير 1: 33.
453

وغصبها أمر خارج عن الصلاة، كالوضوء من الإناء المغصوب (1).
أقول: نظر الفاضل إلى أن المستحب هو الاستتار، أي وضع السترة، لأن
الأصل في الأوامر كونها أصلية، فإذا كانت مغصوبة يكون وضعها منهيا عنه فلا
يكون مأمورا به، ونظر الشهيد إلى أن المستحب الصلاة إلى السترة، والأمر
بوضعها وجعلها من باب المقدمة، وتحصل الصلاة إلى السترة ولو كانت مغصوبة.
والتحقيق: أنه قد عرفت حصول الاستتار بقصده مع وجود السترة أيضا
كما هو مقتضى صحيحة أبي بصير وخبر الساعدي، فالمستحب أصلا هو الاستتار
دون احداث السترة، والمنهي عنه مع الغصبية هو التصرف فيه بالوضع
والإحداث، وهو غير مأمور به الأصلي، فلو قصد الاستتار بعد الوضع المحرم،
أتى بالمأمور به من غير ارتكاب محرم.
والظاهر اختصاص استحباب السترة لغير المأموم، لعدم معهوديته له،
وعدم أمره بها.
ثم إنه قد عرفت استحباب الاستتار من المارة أيضا، فلو استتر ومر مار وراء
السترة، لم يضر، بل لو لم يستتر وصلى مع مرور مار، لم تكن صلاته مكروهة، إذ
لا دلالة للأمر بالسترة عن المارة على كراهة الصلاة بدونها.
وأما موثقة ابن أبي يعفور: عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر به؟
قال: (لا يقطع صلاة المسلم شئ ولكن ادرؤوا ما استطعتم) (2) فلا تدل إلا على
استحباب دفع المار بالمصلي، وكون المار في قبلته - سيما مع نوع بعد - مارا به
ممنوع، فتأمل.
المسألة السادسة: لا يجوز أن يصلي الفريضة على الراحلة ولو في المحمل

(1) الذكرى: 153.
(2) الكافي 3: 297 الصلاة ب 14 ح 3، التهذيب 2: 322 / 1318، الإستبصار 1:
406 / 1552، الوسائل 5: 134 أبواب مكان المصلي ب 11 ح 9.
454

اختيارا إذا استلزم فوات شئ من الشرائط أو الأجزاء، إجماعا محققا ومحكيا (1)
وهو الحجة فيه، مع الأصول المتكثرة وموثقة ابن سنان: (لا تصل شيئا
من المفروض راكبا) قال النضر في حديثه: (إلا أن يكون مريضا) (2).
والرضوي: (وإن صليت على ظهر دابتك تستقبل القبلة بتكبير الافتتاح،
ثم امض حيث توجهت دابتك تقرأ، فإذا أردت الركوع والسجود استقبل القبلة
واركع واسجد على شئ يكون معك مما يجوز عليه السجود، ولا تصلها إلا في حال
الاضطرار جدا) (3).
ورواية ابن سنان: أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال: (لا، إلا
من ضرورة) (4).
وظاهر أن السؤال بقوله: (أيصلي) ليس إلا عن الجواز، لأنه الظاهر، بل
لا يتصور السؤال عن غيره هنا، فمقتضى الجواب نفيه.
ومنه تظهر دلالة رواية ابن حازم: أصلي في محملي وأنا مريض؟ فقال: (أما
النافلة فنعم، وأما الفريضة فلا) الحديث (5). مضافا فيها إلى أن الثابت
في النافلة
ليس غير الجواز.
وتؤيده صحيحة البصري: (لا يصلي على لدابة الفريضة إلا مريض
يستقبل القبلة، وتجزئه فاتحة الكتاب، ويضع بوجهه في الفريضة على ما يمكنه
من شئ، ويومئ في النافلة إيماء) (6).
وصحيحة الحميري، وفيها بعد السؤال عما روي أن رسول الله صلى الله

(1) كما حكاه في الرياض 1: 120.
(2) التهذيب 3: 231 / 598، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 7.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 163، مستدرك الوسائل 3: 189 أبواب القبلة
ب 10 ح 2.
(4) التهذيب 3: 308 / 954، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 4.
(5) التهذيب 3: 308 / 953، الوسائل 4: 327 أبواب القبلة ب 14 ح 10.
(6) التهذيب 3: 308 / 952، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 1.
455

عليه وآله - صلى الفريضة على راحلته في يوم مطر، وأنه هل يجوز لنا أن نصلي في
هذه الحال على محاملنا أو دوابنا: (يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة) (1).
والاحتجاج بهما لا يتم إلا بثبوت دلالة الجملة الخبرية على الوجوب،
وحجية مفهوم الوصف بل اللقب.
وكذا إذا لم يستلزمه، كالصلاة على الدواب المعقولة بحيث يؤمن عن
الاضطراب والحركة، على الأشهر، كما صرح به بعض من تأخر (2)، واختاره في
شرح القواعد والدروس (3)، لعموم بعض ما مر.
خلافا للمحكي عن الفاضل (4)، وجماعة (5) فاختاروا الجواز حينئذ،
للأصل الخالي عن معارضة ما مر من العموم، لاختصاصه بالصورة الأولى بحكم
القرينة الحالية من ندرة الثانية.
ولا يخلو من قوة، لما ذكر، مضافا إلى اختصاص الموثق بالراكب وصدقه على
الثانية محل تأمل، والرضوي بالسائر، والاستلزام معه ظاهر، وغيرهما عن إفادة
المنع قاصر.
ثم المستفاد من إطلاق النصوص والفتاوى عدم الفرق في الفريضة بين
اليومية وغيرها، ولا بين الواجب بالأصالة والعارض، وبه صرح في المنتهى
والتحرير (6)، وحكي عن المبسوط والذكرى (7)، بل عن الأخير أنه قال: ولا فرق
في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرا، لأنها بالنذر أعطيت حكم الواجب.

(1) التهذيب 3: 231 / 600، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 5.
(2) كصاحب البحار 81: 95.
(3) جامع المقاصد 2: 63، الدروس 1: 161.
(4) نهاية الإحكام 1: 404.
(5) منهم صاحب المدارك 3: 143، وصاحب الرياض 1: 120.
(6) المنتهى 1: 223، التحرير 1: 29.
(7) المبسوط 1: 80، الذكرى: 167.
456

خلافا للمحكي عن الإسكافي (1)، فجوز صلاة الآيات على الراحلة
اختيارا، لرواية الواسطي: إذا انكسفت الشمس والقمر وأنا راكب لا أقدر على
النزول، قال: (صل على مركبك الذي أنت عليه) (2).
والمروي في قرب الإسناد: كتبت إليه عليه السلام: كسفت الشمس
والقمر وأنا راكب، فكتب إلي: (صل على مركبك الذي أنت عليه) (3).
والأول مردود بكونه مقيدا بالاضطرار، والثاني بالضعف الخالي عن
الانجبار.
ولجماعة من المتأخرين في الواجب بالعارض (4)، خصوصا مع وقوع النذر
على تلك الكيفية، للأصل، وعمومات الوفاء بالنذر (5)، ورواية علي: عن رجل
جعل لله تعالى أن يصلي كذا وكذا، هل يجزئه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟
قال: (نعم) (6).
ورد الأول: بعمومات المنع، وكذا الثاني بملاحظة كون أدلة المنع أخص
من عمومات النذر، والثالث: بالضعف مع عمومه بالنسبة إلى حالتي الاختيار
والاضطرار، فيخصص بالأخيرة، جمعا بين الأدلة.
ويمكن أن يقال: إن أدلة المنع وإن اختصت بالصلاة ولكن عمومات النذر
أيضا تختص بالنذر، فالتعارض بالعموم من وجه الموجب للرجوع إلى الأصل.

(1) نقله عنه في المختلف: 118.
(2) الكافي 3: 465 الصلاة ب 95 ح 7، الفقيه 1: 346 / 1531، التهذيب 3: 291 / 878،
الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 11 ح 1.
(3) قرب الإسناد: 393 / 1377، الوسائل 7: 502 أبواب صلاة الكسوف والآيات ب 11 ملحق بالحديث 1.
(4) منهم صاحب المدارك 3: 139، والمجلسي في البحار 81: 93.
(5) انظر الوسائل 23: 326 أبواب النذر والعهد ب 25.
(6) التهذيب 3: 231 / 596، الوسائل 4: 326 أبواب القبلة ب 14 ح 6.
457

مع أنها معارضة مع رواية علي بالعموم من وجه، لكونها مخصوصة بالنذر،
فلا دافع للأصل ولا مخصص لعمومات النذر ولا لرواية علي.
مضافا إلى ما قيل من انصراف الفريضة في أدلة المنع بحكم التبادر والشيوع
إلى اليومية، واختصاصها بحكم الاستعمال كثيرا في النصوص بما استفيد وجوبه
من الكتاب والسنة (1)، وإن كانت المقدمتان محلي نظر.
وعلى هذا فالقول بالجواز في المنذور ولو مطلقا في غاية القوة، سيما مع النذر
بهذه الكيفية، لثبوت وجوبه من الكتاب أيضا، بل المنع حينئذ وإيجابها على
الأرض لا وجه له.
هذا مع الاختيار، وأما في حالة الاضطرار فتجوز الصلاة على الدابة
والمحمل إجماعا أيضا، وصرح به في المعتبر والمنتهى (2)، وغيرهما (3).
وتدل عليه النصوص المستفيضة، منها: كثير مما تقدم.
ومنها: رواية ابن عذافر: الرجل يكون في وقت الفريضة لا يمكنه الأرض
من القيام عليها ولا السجود عليها من كثرة الثلج والماء والمطر والوحل، أيجوز له
أن يصلي الفريضة في المحمل؟ قال: (نعم هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائما وإلا
قاعدا) (4).
ومنها: الأخبار الكثيرة المصرحة بأن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى
الفريضة على الراحلة أو المحمل في يوم مطر ووحل (5).
ولا تضر رواية ابن حازم (6)، لعموم المرض فيها بالنسبة إلى الموجب

(1) الحدائق 6: 410، الرياض 1: 120.
(2) المعتبر 2: 75، المنتهى 1: 222.
(3) كالخلاف 1: 100، وكشف اللثام 1: 176، والرياض 1: 121.
(4) التهذيب 3: 232 / 603، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 2.
(5) الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14.
(6) المتقدمة في ص 455.
458

للاضطرار وغيره.
وكما لا تجوز على الراحلة بدون الاضطرار وتجوز معه، كذا لا تجوز بدونه
ماشيا، للإجماع، ومفهوم قوله سبحانه: (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) (1)
وقوله عليه السلام فيمن يرى حية بحياله: (إن كان بينها وبينه خطوة واحدة
فليخط وليقتلها وإلا فلا) (2).
وقوله: (وليكن على سكون ووقار) (3) ونحو ذلك.
وتجوز معه، كما صرح به جماعة (4)، وحكي عن الأصحاب كافة (5)، وعن
المنتهى إجماعهم عليه (6)، لبعض الأصول، وكثير من النصوص كصحيحتي
يعقوب:
إحداهما: عن الرجل يصلي على راحلته؟ قال: (يومئ إيماء وليجعل
السجود أخفض من الركوع) قلت: يصلي وهو يمشي؟ قال: (نعم يومئ إيماء
ويجعل السجود أخفض من الركوع) (7).
والأخرى: عن الصلاة في السفر وأنا أمشي، قال: (أوم إيماء واجعل
السجود أخفض من الركوع) (8).

(1) البقرة: 239.
(2) الفقيه 1: 241 / 1072، التهذيب 2: 331 / 1364، الوسائل 7: 273 أبواب قواطع الصلاة
ب 19 ح 4.
(3) ورد مؤداه في فقه الرضا عليه السلام: 101، وعنه في مستدرك الوسائل 4: 78 أبواب أفعال الصلاة
ب 1 ح 7.
(4) منهم العلامة في المنتهى 1: 23 2، وقواعد الأحكام 1: 26، والمحقق الثاني في جامع المقاصد
2: 67، وصاحب الرياض 1: 121، وصاحب المدارك 3: 141، والفاضل الهندي في كشف
اللثام 1: 176.
(5) الحدائق 6: 412.
(6) المنتهى 1: 223.
(7) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 7، الوسائل 4: 332 أبواب القبلة ب 15 ح 15.
(8) التهذيب 3: 229 / 588، الوسائل 4: 335 أبواب القبلة ب 16 ح 3.
459

وصحيحة حريز: إنه عليه السلام لم يكن يرى بأسا أن يصلي الماشي وهو
يمشي ولكن لا يسوق الإبل (1).
والرضوي: وفيه بعدما سبق منه: (وتفعل ذلك مثله إذا صليت ماشيا إلا
أنك إذا أردت السجود سجدت على الأرض) (2).
ومرسلة المقنعة: عن الرجل يجد به السير أيصلي على راحلته؟ قال: (لا
بأس بذلك يومئ إيماء، وكذلك الماشي إذا اضطر إلى الصلاة) (3).
وهذه الروايات وإن كانت عامة بالنسبة إلى الفريضة والنافلة ولكن عمومها
يكفي للمطلوب، لعدم جريان أدلة الاستقرار والتمكن واستيفاء الأجزاء
والشرائط في حال الاضطرار، لانتفاء العسر والحرج، فتبقى هذه العمومات خالية
عن المعارض.
مع أن التقييد بالاضطرار في الرواية الأخيرة قرينة على إرادة الفريضة،
لانتفائه في النافلة إجماعا.
مضافا إلى التعليل في بعض الأخبار المرخصة للفريضة على الراحلة حال
الضرورة بقوله: (فالله تعالى أولى بالعذر) (4).
وقد يقال بدلالة الرضوي أيضا على الفريضة خصوصا، وهو سهو ظاهر.
كالاستدلال له بصحيحة عبد الرحمان: عن الرجل يخاف من سبع أو لص
كيف يصلي؟ قال: (يكبر ويومئ رأسه) (5) فإنه لا دلالة فيها على المشي بوجه
وغايتها الصلاة في حال الخوف من السبع بالإيماء وإن كان واقفا، كما في صحيحة

(1) الكافي 3: 441 الصلاة ب 87 ح 9، الفقيه 1: 289 / 1318، التهذيب
3: 230 / 592، الوسائل 4: 335 أبواب القبلة ب 16 ح 5.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 164، مستدرك الوسائل 3: 192 أبواب القبلة ب 12 ح 1.
(3) المقنعة: 450، الوسائل 4: 336 أبواب القبلة ب 16 ح 7.
(4) التهذيب 3: 232 / 603، الوسائل 4: 325 أبواب القبلة ب 14 ح 2.
(5) التهذيب 3: 173 / 382، الوسائل 8: 442 أبواب صلاة الخوف والمطاردة
ب 3 ح 9.
460

علي: عن الرجل يلقى السبع وقد حضرت الصلاة ولا يستطع المشي مخافة
السبع، فإن قام يصلي خاف في ركوعه وسجوده السبع، والسبع أمامه على غير
القبلة، فإن توجه إلى القبلة خاف أن يثب عليه السبع كيف يصنع؟ قال:
(يستقبل الأسد، ويصلي ويومئ برأسه إيماء وهو قائم وإن كان الأسد على غير
القبلة) (1).
ومع امكان الركوب والمشي تخير، لظاهر الآية. وقد يرجح الأول بالاستقرار
الذاتي كالثاني بحصول القيام.
فروع:
أ: هل يجب تأخير الصلاة راكبا أو ماشيا إلى ضيق الوقت أم تجوز مع
السعة؟ صرح في الشرائع بالأول في الماشي (2).
ويدل عليه فيه مرسلة المقنعة المتقدمة، إذ لا اضطرار إلى الصلاة قبل
الضيق، وفي الراكب رواية ابن سنان (3)، والرضوي وفيه: (وليس لك أن تفعل
ذلك إلا آخر الوقت).
وقد يستدل فيهما أيضا بوجوب تحصيل القبلة وسائر الشرائط المتوقف على
التأخير، فيجب من باب المقدمة.
وفيه - مضافا إلى اختصاصه بما إذا علم رفع المانع مع التأخير -: منع وجوب
التحصيل مطلقا، بل المسلم وجوبه مع الإمكان حال الصلاة.
ب: لا شك في سقوط الاستقبال ولو بتكبيرة الإحرام مع تعذره،
للضرورة، والإجماع.

(1) الكافي 3: 459 الصلاة ب 92 ح 7، الفقيه 1: 294 / 1339، التهذيب 3: 300 / 915
الوسائل 8: 439، أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب 3 ح 2 (وفيه بتفاوت يسير)
(2) الشرائع 1: 67.
(3) المتقدمة في ص 455.
461

ولا في وجوبه في التكبيرة مع المكنة إجماعا، كما صرح به جماعة (1)، وهو
الحجة فيه، مع الرضوي المنجبر بما ذكر: (إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة وتخاف
أن تنزل مع سبع أو لص أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك، وتستقبل
القبلة وتومئ إيماء إن أمكنك الوقوف، وإلا استقبل القبلة بالافتتاح، ثم امض في
طريقك التي تريد حيث توجهت بك دابتك مشرقا ومغربا، وتومئ للركوع
والسجود، ويكون السجود أخفض من الركوع، وليس لك أن تفعل ذلك إلا آخر
الوقت) (2).
ويؤيده الرضوي المتقدم، وصحيحة زرارة: (الذي يخاف اللصوص
والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته (إلى أن قال:) ولا يدور إلى القبلة ولكن
أينما دارت دابته، غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة حين يتوجه) (3).
والاحتجاج له: بقوله سبحانه: (فولوا وجوهكم شطره) (4) و: (الميسور
لا يسقط بالمعسور) (5) غير تام.
وهل يجب في غيرها بقدر الإمكان كما ذكره جماعة (6)، أم لا كما ذكره
آخرون (7)؟ الظاهر: الأول إذا أمكن في جميع الصلاة، لأدلة وجوب الاستقبال
فيها. والثاني إذا لم يمكن ذلك، للأصل، والصحيحة المذكورة المؤيدتين
بالرضوي.

(1) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 176، وصاحب الرياض 1: 121.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 148، مستدرك الوسائل 6: 519 أبواب صلاة الخوف
ب 3 ح 2.
(3) الفقيه 1: 295 / 1348، التهذيب 3: 173 / 383، الوسائل 8: 441 أبواب صلاة
الخوف والمطاردة ب 13 ح 8.
(4) البقرة: 144.
(5) العوالي 4: 58 / 205.
(6) منهم العلامة في المنتهى 1: 222، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 176
وصاحب الرياض 1: 121.
(7) كالصدوق في المقنع: 38، وابن حمزة في الوسيلة: 68.
462

وصرفهما إلى الغالب من عدم التمكن من الاستقبال فيما عدا التكبيرة
للراكب، مردود: بمنع الغلبة في جميع الصلاة وإن سلمت في المجموع، مع أن
قوله في الصحيحة: (لا يدور) قرينة على الإمكان، إذ يقبح النهي بدونه.
دليل الأولين: الآية، ونحو، قوله: (الميسور لا يسقط بالمعسور) ودلالتهما غير تامة
وأما في حالتي الركوع والسجود وإن أمر في الرضوي بالاستقبال فيهما
خاصة، إلا أن ضعفه الخالي عن الجابر يمنع عن الحكم بوجوبه. ولا بأس
بالاستحباب، له.
ثم إنه هل يجب عليه جعل صوب الطريق بدلا عن القبلة لا ينحرف عنه
كما عن نهاية الفاضل (1)، لوجوب الاستمرار على جهة واحدة لئلا يتوزع فكره، أم
لا؟ الظاهر: الثاني، للأصل، ومنع ما ادعاه من الوجوب.
ج: المصلي راكبا أو ماشيا يومئ للركوع والسجود مع العجز عن فعلهما
إجماعا نصا وفتوى، ويجب جعل السجود أخفض من الركوع، للصحيحين
المتقدمين (2)، وغيرهما.
وأما مع عدم العجز عنهما فظاهر إطلاق بعض العبارات كالقواعد
والتذكرة (3)، وغيرهما (4): الإيماء أيضا، للإطلاقات.
وصريح بعض آخر - منهم الشيخ في النهاية والمحقق الثاني في شرح
القواعد (5) - اختصاص الإيماء بصورة العجز، وجعله الثاني من المعلومات.

(1) نهاية الإحكام 1: 405.
(2) في ص 459.
(3) القواعد 1: 26، التذكرة 1: 102.
(4) كالتحرير 1: 29.
(5) النهاية: 131، جامع المقاصد 2: 66.
463

وجعل بعض مشايخنا المحققين التعميم مخالفا لفتوى الفقهاء (1).
وهو كذلك، لخصوص الرضوي المتقدم في صدر المسألة (2) المنحبر بما
ذكر، وبه تقيد الإطلاقات، لاختصاصه بالفريضة وحالة الإمكان وعمومها
بالنسبة إليهما، مضافا إلى عمومات وجوب الركوع والسجود (3). وهي وإن
تعارضت مع الإطلاقات إلا أنه بالعموم من وجه، لاختصاص العمومات بحالة
الإمكان وعموم الإطلاقات بالنسبة إليها وإلى النوافل أيضا، ولا شك أن الترجيح
للعمومات بموافقة الكتاب والسنة النبوية والشهرة رواية والأكثرية، ولو تكافأتا
وتساقطتا، يرجع إلى أصالة الاشتغال اليقينية بنوع ركوع وسجود قطعا، فيجب
المجمع عليه، فتأمل.
د: لو تمكن الراكب في أثناء الصلاة من النزول، والماشي من الاستقرار
فهل يجبان أم لا؟ فيه احتمالان، أحوطهما بل أظهرهما: الأول.
ه‍: تجوز الصلاة على الرف أو السرير أو نحوهما المعلق على النخلتين أو
الجدارين أو الدابتين إذا استقر وتمكن من استيفاء الأفعال، للأصل، وصحيحة
علي (4)، وغيرهما.
و: تجوز الصلاة في السفينة مع عدم إمكان الخروج إجماعا، له،
وللنصوص المستفيضة (5).
وكذا مع إمكانه وفاقا لنهاية الشيخ (6)، وللمحكي عن الصدوق وابن حمزة

(1) شرح المفاتيح (المخطوط).
(2) راجع ص 455.
(3) الوسائل 6: 310 أبواب الركوع ب 9.
(4) التهذيب 2: 373 / 1553، قرب الإسناد: 184 / 686، الوسائل 5: 178 أبواب مكان
المصلي ب 35 ح 1.
(5) الوسائل 4: 320 أبواب القبلة ب 13.
(6) النهاية: 132.
464

والفاضل والمحقق الثاني (1)، بل الأكثر، كما صرح به غير واحد ممن تأخر (2).
للأصل، والعمومات.
وصحيحة جميل: أكون في سفينة قريبة من الجدد فأخرج وأصلي؟ قال:
(صل فيها أما ترضى بصلاة نوح) (3).
وصحيحة مفضل بن صالح: عن الصلاة في الفرات وما هو أضعف منه
من الأنهار في السفينة، فقال: (إن صليت فحسن وإن خرجت فحسن) (4) ونحوها
مرسلة الفقيه (5).
والمروي في قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في السفينة
وهو يقدر على الجد؟ قال: (نعم لا بأس) (6).
ومرسلة الصدوق في الهداية: عن الرجل يكون في السفينة وتحضر الصلاة
أيخرج إلى الشط؟ فقال: (أيرغب عن صلاة نوح؟!) وقال: (صل في السفينة
قائما، وإن لم يتهيأ لك عن قيام صلها قاعدا، فإن دارت السفينة فدر معها، وتحر
القبلة جهدك، فإن عطفت الريح ولم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة فصل إلى صدر
السفينة) (7).
والرضوي، وفيه بعد ذكر كيفية الصلاة في السفينة: (ولا تخرج منها إلى شط

(1) المقنع: 37، الوسيلة: 115، التذكرة 1: 104، والمنتهى 1: 223، والقواعد 1: 26، جامع
المقاصد 2: 63.
(2) كالبهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط) وقد صرح السيد بحر العلوم في الدرة النجفية: 97، بأنه
الأشهر.
(3) الفقيه 1: 291 / 1323، الوسائل 4: 320 أبواب القبلة ب 13 ح 3.
(4) التهذيب 3: 298 / 905، الوسائل 4: 322 أبواب القبلة ب 13 ح 11.
(5) الفقيه 1: 292 / 1327.
(6) قرب الإسناد: 216 / 849، البحار 81: 93 / 5، والجد: شاطئ النهر مجمع البحرين 3: 21.
(7) الهداية: 35 (بتفاوت يسير).
465

من أجل الصلاة) (1). وغير ذلك.
خلافا للمحكي عن الحلبي والحلي (2)، والذكرى (3)، فمنعوا عنه حينئذ،
لوجوب القيام والاستقرار وسائر الشرائط المنتفية بحركة السفينة غالبا.
وحسنة حماد: عن الصلاة في السفينة، فقال: (إن استطعتم أن تخرجوا إلى
الجدد فأخرجوا، فإن لم تقدروا فصلوا قياما، فإن لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا
القبلة) (4). ونحوه المروي في قرب الإسناد (5).
ورواية علي بن إبراهيم: عن الصلاة في السفينة، قال: (يصلي وهو جالس
إذا لم يمكنه القيام، ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على الشط) وقال: (يصلي في
السفينة يحول وجهه إلى القبلة ثم يصلي كيف ما دارت) (6).
وأجابوا عن الأخبار المتقدمة: بأنها أعم مطلقا من الخبرين، لأعميتها من
السفينة المتحركة والساكنة وخصوصيتهما بالمتحركة، للإجماع على عدم وجوب
الخروج مع السكون وعدم الاضطراب.
وفيه: منع أعمية الجميع، لاختصاص الأخيرين منها بالمضطربة،
وضعفهما منجبر بحكاية الشهرة، مع أن رواية الهداية بنفسها أيضا حجة، بل
الظاهر اختصاص صحيحة جميل أيضا بها، لأن صلاة نوح إنما هي مع حركة
السفينة، وأما غير المتحركة منها فكغير السفينة، فهي لحمل الخبرين على الكراهة

(1) فقه الرضا عليه السلام: 146، مستدرك الوسائل 3: 188 أبواب القبلة ب 9 ح 6.
(2) كما في الكافي في الفقه: 147، والسرائر 1: 336.
(3) الذكرى: 168.
(4) الكافي 3: 441 الصلاة ب 88 ح 1، التهذيب 3: 170 / 374، الإستبصار 1: 454 / 1761،
الوسائل 4: 323 أبواب القبلة ب 13 ح 14.
(5) قرب الإسناد: 19 / 64، الوسائل 4: 323 أبواب القبلة ب 13 ح 14.
(6) التهذيب 3: 170 / 375، الإستبصار 1: 455 / 1762، الوسائل 4: 321 أبواب القبلة ب 13 ح 8.
466

قرينة، بل الأخير منهما لا يفيد أزيد منها البتة.
وأما انتفاء ما ينتفي من الشرائط فهو مع النص على الجواز غير ضائر،
فيجوز مع الاختيار وإن أوجب فوات القيام والاستقبال.
وصرح في شرح القواعد (1) باختصاصه بحال عدم اضطراب السفينة بحيث
تنتفي الشرائط وإن كانت متحركة.
ولا وجه له بعد إطلاق النص والفتاوى، بل صريح بعض كل منهما
كروايتي الهداية والرضوي وكلام الشيخ في النهاية (2).
ثم المصلي في السفينة يجب عليه القيام ما أمكن، فإن لم يمكن فليجلس
كما دل عليه بعض ما ذكر.
وحسنة حماد: (يستقبل القبلة، فإذا دارت واستطاع أن يتوجه إلى القبلة
فليفعل، وإلا فليصل حيث توجهت به) قال: (فإن أمكنه القيام فليصل قائما،
وإلا فليقعد ثم ليصل) (3).
ومقتضاها وجوب تحري القبلة والإدارة إليها مع الإمكان، وهو كذلك، لها
ولغيرها من المستفيضة.
ولو لم يتمكن من الاستقبال في الجميع، استقبل في التكبيرة خاصة كما في
مرسلة الفقيه: عن الصلاة المكتوبة في السفينة وهي تأخذ شرقا وغربا، فقال:
(استقبل القبلة، ثم كبر، ثم اتبع السفينة ودر معها حيث دارت بك) (4).
دل جزؤها الأول على وجوب الاستقبال بالتكبيرة فيجب، ولا ينتفي وجوبه
بانتفاء وجوب جزئه الأخير بعدم الإمكان.

(1) جامع المقاصد 2: 63.
(2) النهاية: 132.
(3) الكافي 3: 441 الصلاة ب 88 ح 2، التهذيب 3: 297 / 903، الوسائل 4: 322 أبواب القبلة
ب 13 ح 13
(4) الفقيه 1: 292 / 1328، الوسائل 4: 321 أبواب القبلة ب 13 ح 6.
467

المسألة السابعة: تجوز النافلة على الراحلة اختيارا في السفر إجماعا محققا،
ومحكيا مستفيضا (1)، للصحاح المستفيضة وغيرها (2).
وفي الحضر على الأصح الأشهر، كما صرح به جمع ممن تأخر (3)، بل عن
الخلاف الإجماع عليه (4)، لعمومات جواز الصلاة مطلقا أو النافلة راكبا،
وخصوص صحيحتي البجلي:
إحداهما: في الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث توجهت
به، فقال: (نعم لا بأس) (5).
وثانيتهما: عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذا خرجت قريبا من
أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة، فقال: (إن كنت مستعجلا لا تقدر على
النزول وتخوفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم، وإلا فإن صلاتك على
الأرض أحب إلي) (6).
وصحيحة حماد: في الرجل يصلي النافلة على دابته في الأمصار، قال:
(لا بأس) (7).
وكذا ماشيا فيهما، لعدم الفصل بينه وبين الراكب فيهما كما قيل (8)،

(1) كالخلاف 1: 299، والمعتبر 2: 75، والمنتهى 1: 222، والذكرى: 168، والرياض 1: 121
(2) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.
(3) نسبه في الحدائق 6: 424 إلى الشهرة وفي الرياض 1: 121 إلى الشهرة العظيمة.
(4) الخلاف 1: 299.
(5) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 8، التهذيب 3: 230 / 591، الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15 ح 1.
(6) التهذيب 3: 232 / 605، الوسائل 4: 331 أبواب القبلة ب 15 ح 12.
(7) التهذيب 3: 229 / 589، الوسائل 4: 330 أبواب القبلة ب 15 ح 10.
(8) شرح المفاتيح (المخطوط).
468

ولصحيحتي يعقوب وصحيحة حريز، المتقدمة (1)، وغيرها مما يأتي بعضه،
ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الماشي في السفر أو الحضر سائرا في الطريق أو
دائرا في بيته.
خلافا للحلي (2)، والمحكي عن العماني (3) فخصا الجواز بالسفر وفيه على
الراحلة، للاقتصار - فيما خالف عمومات لزوم الصلاة إلى القبلة مطلقا ولو كانت
نافلة، وأصل توقيفية العبادة - على المجمع عليه وهو السفر، وظهور بعض
الصحاح المرخصة لها في التقييد به.
ففي صحيحة ابن عمار: (لا بأس بأن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر
وهو يمشي، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي، يتجه إلى
القبلة ثم يمشي ويقرأ، فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم
مشى) (4).
مؤيدا بالنصوص الواردة في تفسير قوله سبحانه: (فأينما تولوا) (5) أنه ورد
في النوافل السفرية خاصة (6).
ويرد - بعد تسليم وجوب الاستقبال في النوافل، فإنه ممنوع كما مر - بمنع
وجوب الاقتصار على المجمع عليه، لوجوب تخصيص العموم بالمخصص إذا كان
حجة، وقد مر، وحصول التوقيف به. ومنع ظهور الصحيح في التقييد إلا
بمفهوم وصف ضعيف وارد مورد الغالب. ومنع دلالة النصوص على
التخصيص، إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصة، وهو لا يستلزم عدم المشروعية

(1) في ص 459 و 460.
(2) السرائر 1: 208.
(3) المختلف: 79.
(4) التهذيب 3: 229 / 585، الوسائل 4: 334 أبواب القبلة ب 16 ح 1.
(5) البقرة: 115.
(6) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.
469

في غيره، مضافا إلى ما فيها من الضعف سندا.
والظاهر عدم الخلاف في عدم اشتراط الاستقبال في شئ من هذه الصور
في غير التكبيرة، للأصل، وصحيحتين: الأولى والأخيرة.
وصحيحة الحلبي: عن صلاة النافلة على البعير والدابة، فقال: (نعم
حيث كان متوجها) قال: فقلت: أستقبل القبلة إذا أردت التكبير؟ قال: (لا
ولكن تكبر حيثما تكون متوجها) (1).
ورواية الكرخي: إني أقدر على أن أتوجه إلى القبلة في المحمل، قال: (ما
هذا الضيق أما لك برسول الله صلى الله عليه وآله أسوة؟!) (2) إلى غير ذلك.
وهل يتعين الاستقبال بالتكبيرة؟ كما عن الحلي حاكيا له عن جماعة (3)،
لصحيحة ابن أبي نجران: عن الصلاة بالليل في السفر في المحمل، قال: (إذا
كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل حيث ذهب به بعيرك) (4).
أم لا؟ كما عليه آخرون، لإطلاق طائفة من النصوص، وصريح صحيحة
الحلبي التي هي كالقرينة على عدم إرادة الوجوب من الأمر، أو معارضة
للصحيحة الآمرة، فيرجع إلى الأصل. نعم، يستحب، لذلك.
ويكفي في الركوع والسجود هنا الإيماء مطلقا، لصحيحتي يعقوب
المتقدمتين (5).
ورواية إبراهيم بن ميمون: (إن صليت وأنت تمشي كبرت ثم مشيت

(1) الكافي 3: 440 الصلاة ب 87 ح 5 التهذيب 3: 228 / 581، الوسائل 4: 329 أبواب القبلة
ب 15 ح 6، 7.
(2) الفقيه 1: 285 / 1295، التهذيب 3: 229 / 586، الوسائل 4: 329 أبواب القبلة ب 15 ح 2.
(3) السرائر 1: 336.
(4) التهذيب 3: 233 / 606، الوسائل 4: 331 أبواب القبلة ب 15 ح 13.
(5) في ص 459.
470

فقرأت، وإذا أردت أن تركع أومأت بالركوع، ثم أومأت بالسجود) (1).
وموثقة سماعة: (وليتطوع بالليل ما شاء إن كان نازلا، وإن كان راكبا
فليصل على دابته وهو راكب، ولتكن صلاته إيماء وليكن رأسه حيث يريد السجود
أخفض من ركوعه) (2) ونحو ذلك.
والمستفاد من الأوليين والأخيرة تعين كون الرأس لإيماء السجود أخفض منه
لإيماء الركوع، وهو كذلك.
ولا يجب في إيماء السجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه،
للأصل، والصحيح.
قيل: ولو ركع وسجد مع الإمكان كان أولى (3)، لصحيحة ابن عمار (4).
وفي دلالتها على الزائد على الجواز نظر، للتعليق على الإرادة، وحمل المراد
على الأعم من الحقيقة والمجاز والمأمور به على الحقيقة لا وجه له، ومع أن الأمر
بالإيماء في المستفيضة (5) كالقرينة على إرادته من الركوع والسجود هنا أيضا.
نعم، لا شك في أولوية الصلاة على الأرض مستقرا، لصحيحة البجلي،
الثانية (6).
ولو انتهى الركوب أو المشي في أثناء الصلاة اضطرارا أو اختيارا، أتم الباقي
على الأرض مستقرا مستقبلا راكعا ساجدا، ذكره في المنتهى (7).
والمستقر لو أراد الركوب أو المشي في الأثناء، أتمها كصلاة الراكب والماشي،
ذكره فيه أيضا، ويمكن استفادتهما من بعض الإطلاقات.

(1) التهذيب 3: 229 / 587، الوسائل 4: 334 أبواب القبلة ب 16 ح 2.
(2) الكافي 3: 439 الصلاة ب 87 ح 1، الوسائل 4: 31 أبواب القبلة ب 15 ح 14.
(3) كما في الرياض 1: 121.
(4) المتقدمة في ص 469.
(5) الوسائل 4: 328 أبواب القبلة ب 15.
(6) المتقدمة في ص 468.
(7) المنتهى 1: 223.
471

المسألة الثامنة: يستحب أداء الصلوات في المساجد استحبابا مؤكدا
بالإجماع، بل الضرورة الدينية، والنصوص المتواترة (1)، إلا صلاة العيدين فإنه
يستحب الإصحار بها في غير مكة كما يأتي.
ويتأكد من بين المساجد بمزية الفضل ومزيد الاختصاص المساجد المقدسة
الأربعة، ثم المسجد الأعظم، ثم مسجد المحلة، ثم مسجد السوق، أي ما كان
لأهل السوق لا المتصل به، إذ قد يتصل به المسجد الجامع، ثم سائر المساجد،
كما نطقت به الأخبار (2).
وأما ما في وصايا النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر كما في أمالي الطوسي: (يا
أبا ذر صلاة في مسجدي تعدل مائة ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد
الحرام، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره، وأفضل من هذا
كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله يطلب بها وجه الله. يا أبا
ذر إن صلاة النافلة تفضل في السر على العلانية كفضل الفريضة على النافلة) (3).
فيجب تخصيص قوله: (صلاة يصليها الرجل...) بالنافلة، للإجماع،
بل في قوله بعد ذلك: (يا أبا ذر إن صلاة النافلة...) دلالة عليه أيضا.
ولا ينافي ذلك أفضلية الفريضة على النافلة كما هو المجمع عليه ومدلول
هذه الرواية، لأن أفضلية شئ من آخر من جهة لا ينافي أفضلية الآخر من جهة
أخرى.
هذا كله في الفرائض وللرجال، وأما الصلوات المندوبة فهي في البيت
أفضل، وفاقا للشرائع والنافع والقواعد وشرحه والإرشاد والمنتهى (4)، وعن النهاية

(1) الوسائل 5: 193 أبواب أحكام المساجد ب 1.
(2) الوسائل 5: 289 أبواب أحكام المساجد ب 64.
(3) أمالي الطوسي: 539، 541، الوسائل 5: 272 أبواب أحكام المساجد ب 52 ح 10.
(4) الشرائع 1: 128، النافع 26، القواعد 1: 29، جامع المقاصد 2: 143، مجمع الفائدة
والبرهان 2: 144، المنتهى 1: 244.
472

والمبسوط والمهذب والجامع (1)، وهو المشهور كما صرح به جماعة (2)، بل في المنتهى:
إنه ذهب إليه علماؤنا (3)، ونحوه عن المعتبر (4).
ويدل عليه - بعد ما ذكر من الشهرة المحكية والإجماع المنقول ورواية
الأمالي - النبويان المنجبران:
أحدهما: (جاء رجال يصلون بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله فخرج
مغضبا فأمرهم أن يصلوا النوافل في بيوتهم) (5).
والآخر أنه قال: (أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) (6).
ولأنه أقرب إلى الخلوص وأبعد من الرياء، مع أن المقتضي لاستحباب
الصلاة في المسجد - وهو الجماعة - مفقود هنا.
وعن الكافي (7)، والشهيد الثاني (8): رجحان فعلها في المسجد أيضا،
واستحسنه في المدارك (9)، للعمومات. ولصحيحتي ابني وهب وعمير:
الأولى: (إن النبي كان يصلي الليل في المسجد) (10).
والثانية: إني لأكره الصلاة في مساجدهم، فقال: (لا تكره - إلى أن قال: -
فأد فيها الفريضة والنوافل) (11).

(1) النهاية: 111، المبسوط 1: 162، المهذب 1: 77، الجامع: 103.
(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 2: 147، والمحقق السبزواري في الكفاية: 17،
والعلامة المجلسي في البحار 80: 354.
(3) المنتهى 1: 244.
(4) المعتبر 2: 112.
(5) صحيح مسلم 1: 539 / 213، سنن أبي داوود 2: 69 / 1447.
(6) الجامع الصغير للسيوطي 1: 191 / 1276، سنن النسائي 3: 197.
(7) الكافي في الفقه: 152.
(8) حكاه عنه في المدارك 4: 407.
(9) المدارك 4: 407.
(10) التهذيب 2: 334 / 1377، الوسائل 4: 269 أبواب المواقيت ب 53 ح 1.
(1 1) الكافي 3: 370 الصلاة ب 53 ح 14، التهذيب 3: 258 / 723، الوسائل 5: 225 أبواب
473

ورواية هارون بن خارجة في فضل مسجد الكوفة، وفيها: (إن النافلة فيه
لتعدل خمس مائة صلاة) (1).
وفي رواية أخرى: (إنها تعدل عمرة) (2).
ويرد الأول: بأن صلاة الليل كانت واجبة على النبي، مع أن الفعل لا
يعارض القول، إذ لعله من جهة أخرى.
والثاني: بأن الأمر فيه ليس على حقيقته، ومجازه يمكن أن يكون الإباحة،
بل هو الأظهر بعد توهم الكراهة حتى قيل: إنها مفاده البتة.
والأخيرتان: بأنهما لا تدلان على الأفضلية من البيت، فلعله في البيت تعدل
أزيد من خمس مائة صلاة ومن عمرة كما هو الظاهر من رواية الأمالي.
نعم، تدلان على أفضلية مسجد الكوفة مما لم تثبت فيه هذه الزيادة كسائر
المساجد والصحاري والأسواق والخانات ونحوها.
وعن السرائر اختصاص الأفضلية في البيت بصلاة الليل (3).
قيل (4): ولعله لما دل على أن الأمير عليه السلام اتخذ مسجدا في داره فكان
إذا أراد أن يصلي في آخر الليل يذهب إليه ويصلي (5).
وفيه: أنه لا يدل على انتفاء الأفضلية من غيره، مع أن المتخذ في البيت
مسجدا مسجد أيضا.

(1) الكافي 3: 490 الصلاة ب 107 ح 1، التهذيب 3: 250 / 688، المحاسن: 56 / 86،
الوسائل 5: 252، 253 أبواب أحكام المساجد ب 44 ح 3 و 4.
(1) التهذيب 6: 32 / 60، كامل الزيارات: 28 / 3، الوسائل 5: 256 أبواب أحكام المساجد
ب 44 ح 14.
(3) السرائر 1: 264 و. 28.
(4) كما في الرياض 1: 140.
(5) المحاسن: 612 / 30، قرب الإسناد: 161 / 586، الوسائل 5: 295 أبواب أحكام المساجد
ب 69 ح 3 و 4.
474

ثم إن الكلام في رجحان فعل الفريضة أو النافلة من حيث هو هو مع قطع
النظر عن الأمور الخارجة، وأما هي فقد تقتضي العكس فيهما كخوف الرياء، أو
الاجتناب عن الوسواس، أو اقتداء الناس ونشر الخيرات.
ومنه يظهر ما في كلام بعضهم من التفصيل في مسألة ترجيح المسجد أو
البيت بضم بعض هذه الأمور.
وأما النساء فصلاتهن مطلقا في بيتهن أفضل، ونسبه بعض المتأخرين إلى
فتوى الأصحاب (1)، وفي الذخيرة نسبتها إليهم أيضا (2)، لرواية ابن ظبيان: (خير
مساجد نسائكم البيوت) (3).
ومرسلة الفقيه: (خير المساجد للنساء البيوت، وصلاة المرأة في بيتها
أفضل من صلاتها في صفتها وصلاتها في صفتها أفضل من صلاتها في صحن دارها،
وصلاتها في صحن دارها أفضل من صلاتها في سطح بيتها، ويكره للمرأة الصلاة
في سطح غير محجر) (4).
وتؤيده رواية هشام بن سالم: (صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في
بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار (5).
ولا ينافيه تقرير النبي صلى الله عليه وآله حضورهن المسجد والصلاة معه
جماعة (6)، لأن التقرير لا يفيد الأفضلية.

(1) كما في مجمع الفائدة 2: 159.
(2) 1 لذخيرة: 246.
(3) التهذيب 3: 252 / 694، الوسائل ب 5: 237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 4.
(4) الفقيه 1: 244 / 1088، وأورد صدرها في الوسائل 5: 237 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 3،
وتمامها في جامع أحاديث الشيعة 4: 454 / 1436.
(5) الفقيه 1: 259 / 1178، الوسائل 5: 236 أبواب أحكام المساجد ب 30 ح 1.
(6) الفقيه 1: 259 / 1175، علل الشرائع: 344، الوسائل 8: 343 أبواب صلاة الجماعة ب 23 ح 8.
475

مع أنه لا يعارض القول، إذ لعله لإدراك فضيلة جماعة النبي صلى الله
عليه وآله، التي هي أفضل الفضائل.
476

الباب الخامس:
في الأذان والإقامة.
والكلام إما في كيفيتهما، أو في المؤذن، أو ما يؤذن له ويقام، أو في
أحكامهما، ففيه فصول:
477

الفصل الأول:
في كيفيتهما
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا خلاف بين الشيعة في أن الأذان ثمان فقرات: التكبير،
ثم الشهادة بالتوحيد، ثم بالرسالة، ثم قول: حي على الصلاة، ثم: حي على
الفلاح، ثم: حي على خير العمل، ثم التكبير، ثم التهليل. والإقامة تسع
بزيادة: قد قامت الصلاة قبل التكبير والتهليل الأخيرين.
وعلى ذلك تواترت الأخبار (1) وتطابقت كلمات علمائنا الأخيار مدعيا كثير
منهم عليه الإجماع (2).
وأما رواية الحضرمي والأسدي: إنه عليه السلام حكى لهما الأذان، فقال:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله
إلا الله، إلى آخر الفقرات المذكورة للأذان، ذكر كلا منها مرتين، ثم قال:
(والإقامة كذلك) (3) ونحوها رواية المعلى (4).
فالمراد منهما المماثلة في هذه الفقرات، وهي لا تنافي اشتمال الإقامة على قول:
قد قامت الصلاة.
ولو سلمت الدلالة على المماثلة من جميع الوجوه فهي بالعموم الواجب

(1) انظر الوسائل 5: 413 أبواب الأذان والإقامة ب 19.
(2) كابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 557، العلامة في نهاية الإحكام 1: 411، الشهيد في الذكرى: 169.
(3) الفقيه 1: 88 1 / 897، التهذيب 2: 60 / 211، الإستبصار 1: 306 / 1135، الوسائل 5: 416 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 9.
(4) التهذيب 2: 61 / 212، الإستبصار 1: 06 3 / 1136، الوسائل 5: 5 1 4 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 6.
478

تخصيصه بالإجماع القطعي والأخبار:
منها: رواية زرارة والفضيل في بيان أذان جبرئيل: فقلنا له: كيف أذن؟
فقال: (الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله) إلى
آخر فصول الأذان، ذكر كلا مرتين، ثم قال: (والإقامة مثلها إلا أن فيها: قد
قامت الصلاة قد قامت الصلاة، بين حي على خير العمل حي على خير العمل،
وبين الله أكبر) (1).
وكذا لا خلاف في تكرار ما عدا التهليل الأخير في الإقامة من فقرات الأذان
والإقامة، وعليه توافر أخبار الأئمة وإجماع الطائفة.
وإما ما في المعتبر من رواية البزنطي: (الأذان: الله أكبر، الله أكبر، أشهد
أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله) إلى أن قال في آخره: (لا إله إلا الله
مرة) ثم قال: (إذا كنت في أذان الفجر فقل: الصلاة خير من النوم) (2) فهو شاذ
مطروح، وعلى التقية محمول، لأن وحدة التهليل في آخر الأذان مذهب العامة
كافة، كما في المنتهى والتذكرة (3)، وغيرهما (4).
وتدل على التقية فيه ذكر: الصلاة خير من النوم.
وأما صحيحة ابن وهب: (الأذان مثنى مثنى والإقامة واحدة) (5) فالمراد
منها أن الإقامة وتر لوحدة التهليل في آخرها، لا أن كل فصل منها واحدة.
وعلى فرض إرادته فالرواية بالشذوذ مطروحة، وللأكثر منها معارضة.

(1) التهذيب 2: 60 / 210، الإستبصار 1: 305 / 1134، الوسائل 5: 416 أبواب الأذان
والإقامة ب 19 ح 8.
(2) المعتبر 2: 145.
(3) المنتهى 1: 255، التذكرة 1: 104.
(4) كالمعتبر 2: 140.
(5) التهذيب 2: 61 / 214، الإستبصار 1: 307 / 1138، الوسائل 5: 424، أبواب الأذان
والإقامة ب 21 ح 1.
479

وبه يجاب عن صحيحة ابن سنان: (الإقامة مرة مرة إلا قول: الله أكبر فإنه
مرتان) (1).
مع أنها عامة بالنسبة إلى المسافر وذوي الحاجة وغيرهما، فتحمل على أحد
الأولين لجواز التوحيد له، كما يأتي.
ولا في أن تكرير غير التكبيرات من الفقرات مرتان لا أزيد، وبه صرحت
الروايات وتطابقت العبارات أيضا.
ولا في أن تكرر التكبير في أول الأذان أربع مرات، وفي المنتهى: ذهب إليه
علماؤنا، أجمع (2). وفي الناصريات: إنه إجماع الفرقة المحقة (3). وعن المعتبر والغنية
والخلاف (4): الإجماع على كون الأذان ثمانية عشر فصلا بتربيع التكبير في أوله.
وما نسبه بعض المعاصرين (5) إلى النهاية من كون الفضل في التربيع وأن
جاز الأقل، فلم نعثر عليه فيها، بل صرح فيها بخلافه (6)، فالإجماع حجة
في المقام.
وتدل عليه من الأخبار الروايتان الأوليان، وصحيحة زرارة: (تفتح الأذان
بأربع تكبيرات، وتختمه بتكبيرتين وتهليلتين) (7).
ومرسلة الفقيه المتضمنة لما ذكره الفضل من العلل عن الرضا عليه السلام،
وفيها: (وإنما جعل - أي الأذان - مثنى مثنى ليكون تكرارا في آذان المستمعين

(1) التهذيب 2: 61 / 215، الإستبصار 1: 307 / 1139، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان
والإقامة ب 21 ح 3.
(2) المنتهى 1: 254.
(3) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.
(4) المعتبر 2: 139، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الخلاف 1: 278.
(5) كصاحب الرياض 1: 149.
(6) النهاية: 69.
(7) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 5، التهذيب 2: 61 / 213، الإستبصار 1: 309 / 1148،
الوسائل 5: 413 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 2.
480

- إلى أن قال -: فلذلك جعل الأذان مثنى مثنى، وجعل التكبير في أول الأذان
أربعا، لأن أول الأذان إنما يبدو غفلة) (1) الحديث.
والرضوي: (الأذان ثماني عشرة كلمة، والإقامة تسع عشرة كلمة، والأذان
أن يقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا
الله، أشهد
أن لا إله إلا الله - إلى آخر الأذان - إلى أن قال: - والإقامة أن يقول: الله
أكبر،
الله أكبر الله أكبر - إلى أن قال: - لا إله إلا الله مرة واحدة) (2).
وموثقة الجعفي المعينة للعدد المثبتة للمطلوب بالإجماع المركب: (
الأذان والإقامة خمسة وثلاثون حرفا) فعد ذلك بيده واحدا واحدا،
الأذان ثمانية عشر حرفا، والإقامة سبعة عشر حرفا (3)
ولا تنافيها الأخبار المصرحة بأن الأذان، أو مع الإقامة مثنى مثنى،
كصحيحة الجمال (4)، ورواية أبي همام (5)، والدعائم (6) فيهما، وصحيحة ابن وهب
في الأذان: (إنه مثنى مثنى والإقامة واحدة) (7)، إذ لم يثبت أن معنى: (مثنى)
مرتين، بل فسره بعض اللغويين بالمكرر.

(1) الفقيه 1: 195 / 915، الوسائل 5: 418 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 14.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 96 وفي المصدر الموجود بأيدينا: سبع عشرة، بدل، تسع عشرة، وذكر
فيه تكبيران في أول الإقامة بدل أربع تكبيرات، وكذا عنه في المستدرك 4: 40 أبواب الأذان
والإقامة ب 18 ح 1، ولكن في الحدائق 7: 4 عن فقه الرضا كما في المتن، وفي البحار 81: 149:
تسع عشرة، وذكر فيه تكبيران في أول الإقامة.
(3) الكافي 3: 302 الصلاة ب 18 ح 3، التهذيب 2: 59 / 208، الإستبصار 1: 305 / 1132،
الوسائل 5: 413 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 1.
(4) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 4، التهذيب 2: 62 / 217، الإستبصار 1: 307 / 1141،
الوسائل 5: 414 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 4.
(5) التهذيب 2: 280 / 1111، الوسائل 5: 423، أبواب الأذان
والإقامة ب 20 ح 1.
(6) دعائم الإسلام 1: 144، مستدرك الوسائل 4: 41 أبواب الأذان
والإقامة ب 18 ح 1.
(7) التهذيب 2: 61 / 214، الإستبصار 1: 307 / 1138، الوسائل 5: 424
أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 1.
481

ففي القاموس: ثنى الشئ: رد بعضه على بعض، ومثنى الأيادي: إعادة
المعروف مرتين أو أكثر (1).
وفي الصحاح: ثنيت الشئ، أي: عطفته (2).
ولذا ترى الرضوي بعد أن عد فصول الأذان والإقامة وجعل التكبير في
أولهما أربعا قال: (الأذان والإقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك)
ومرسلة الفقيه المتقدمة حيث قال: (الأذان مثنى مثنى) ثم صرح بكون
التكبير أربعا. ولو سلم إرادة التكرار مرتين فيكون لبيان أغلب الفصول، أو ردا
على ابن الخطاب حيث جعله واحدة واحدة، ومع قطع النظر عن ذلك كله
فالإجماع يردها.
وبه يجاب عما دل على تثنية التكبير في أوله، كصحيحة ابن سنان: عن
الأذان، [فقال:] (تقول: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن
لا إله إلا الله) إلى آخر الأذان (3) ونحوها رواية زرارة والفضيل (4)، فإنها شاذة
وللإجماع مخالفة، فعن عرصة الحجية خارجة، مع احتمال كون المقصود إفهام
السائل فقرات الأذان لا بيان تمام عدده كما ذكره الشيخ (5)، وإن بعد.
وإنما الخلاف في التكبير في آخر الأذان، وأول الإقامة، وآخرها، والتهليل
في آخر الإقامة.

(1) القاموس المحيط 4: 310 و 311.
(2) الصحاح 6: 2294.
(3) التهذيب 2: 59 / 209، الإستبصار 1: 305 / 113، الوسائل 5: 414 أبواب الأذان
والإقامة ب 19 ح 5، وما بين المعقوفين من المصادر.
(4) المتقدمة في ص 479.
(5) الإستبصار 1: 307.
482

أما الثلاثة الأولى: فالمشهور فيها التثنية، وتدل عليه الأخبار المستفيضة (1).
وجوز الشيخ في النهاية التربيع في كل منها مضيفا له إلى الرواية (2).
ونسب التربيع في الثانيين في التذكرة إلى ورود استحبابه عندنا (3)، فهما
روايتان مرسلتان.
وصرح بالتربيع في الثاني الرضوي، وجعل فصول الإقامة تسعة عشر.
وعن الخلاف والمبسوط حكايته عن بعض أصحابنا (4).
فإن أريد استحباب ذلك في الأذان والإقامة كما صرح في التذكرة، فلا بأس
به، للتسامح في دليله.
وإن أريد غيره، فمردود بضعف المستند، ومعارضته مع أصح منه بحسب
السند وأكثر في العدد.
وأما الأخيرة: فالأكثر على التوحيد فيه، وفي المنتهى: إنه ذهب إليه علماؤنا أجمع (5)، وعن الخلاف والغنية والمعتبر: الإجماع عليه (6).
ويدل عليه من الروايات: موثقة الجعفي بالضميمة المتقدمة.
ورواية الدعائم: (الأذان والإقامة مثنى مثنى، ويفرد التهليل في آخر
الإقامة) (7).
والرضوي: (لا إله إلا الله مرتين في آخر الأذان، وفي آخر الإقامة مرة
وا حدة) (8).

(1) انظر الوسائل 5: 424 أبواب الأذان والإقامة ب 21.
(2) النهاية: 69.
(3) التذكرة 1: 105.
(4) الخلاف 1: 279، المبسوط 1: 99.
(5) المنتهى 1: 255.
(6) الخلاف 1: 280، الغنية (الجوامع الفقهية): 557، المعتبر 2: 140.
(7) دعائم الإسلام 1: 144، مستدرك الوسائل 4: 41 أبواب الأذان
والإقامة ب 18 ح 4.
(8) فقه الرضا عليه السلام: 96، مستدرك الوسائل 4: 40. أبواب
الأذان والإقامة ب 18 ح 2.
483

وضعفهما بما مر منجبر.
بل تدل عليه أيضا صحيحة ابن وهب، المتقدمة، وصحيحة ابن سنان:
(الإقامة مرة مرة إلا قول: الله أكبر، فإنه مرتان) (1) خرج منهما غير التهليل بالدليل
وبقي هو.
وعن الخلاف والمبسوط: جعل بعضهم فصول الإقامة كالأذان (2)، فيكون
التهليل فيها مرتين.
وجوزه في النهاية أيضا (3).
وعن الإسكافي تكريره مع انفراد الإقامة عن الأذان (4).
ولعل مستند الأولين ما دل على أن الإقامة مثنى مثنى، وعلى أن الإقامة مثل
الأذان.
ويجاب عنهما بوجوب تخصيصهما بغير التهليل، لما مر.
مضافا إلى أنه قد عرفت إمكان إرادة مطلق التكرار من الإثناء، فيراد به
تكرير كلمة التوحيد المقول أولا مع الشهادة.
ولذا ترى السيد في الناصريات بعد ما قال: (الأذان كالإقامة مثنى مثنى،
ونسبه إلى أصحابنا قال: ويأتي بجميع الإقامة وترا، لأنها سبع عشرة كلمة وذلك
وتر (5).
ومما ذكر هنا وسبق في معنى مثنى مثنى يعلم عدم مخالفة الصدوق في أماليه

(1) التهذيب 2: 61 / 215، الإستبصار 1: 307 / 1139، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان والإقامة ب 21 ح 3.
(2) الخلاف 1: 279، المبسوط 1: 99.
(3) النهاية: 69.
(4) حكاه عنه في المختلف: 90.
(5) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.
484

في شئ مما ذكر بقوله: من دين الإمامية أن الأذان والإقامة مثنى مثنى (1).
وأما الأخير: فلم أعثر له على مستند تام.
فروع:
أ: يجوز توحيد كل فصل منهما في السفر وعند الحاجة والاستعجال.
أما الأول فنسبه في الذخيرة إلى الأصحاب (2)، وتدل عليه صحيحة ابن
وهب: (الأذان يقصر في السفر كما يقصر الصلاة، الأذان واحدا واحدا، و الإقامة
واحدة واحدة) (3).
ورواية نعمان الرازي: (يجزئك من الإقامة طاق طاق في السفر) (4).
وأما الثاني فذكره جملة من الأصحاب أيضا (5)، وتدل عليه صحيحة
الحذاء: رأيت أبا جعفر عليه السلام يكبر واحدة واحدة في الأذان، فقلت له: لم
تكبر واحدة واحدة؟ فقال: (لا بأس به إذا كنت مستعجلا) (6).
وعلى أحدهما تحمل صحيحة ابن سنان، المتقدمة، كما مر.
والإتيان بالإقامة وحدها في الصورتين تامة أفضل من إفراد فصولهما، كما
نص عليه مرسلة يزيد مولى الحكم: (لأن أقيم مثنى مثنى أحب إلي من
أن أؤذن وأقيم واحدا واحدا) (7).

(1) أمالي الصدوق: 511.
(2) الذخيرة: 254.
(3) التهذيب 2: 62 / 219، الإستبصار 1: 308 / 1143، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان
والإقامة ب 21 ح 2، وفي المصادر: يزيد بن معاوية.
(4) التهذيب 2: 62 / 220، الإستبصار 1: 308 / 1144، الوسائل 5: 425 أبواب الأذان
والإقامة ب 21 ح 5.
(5) منهم المحقق في المعتبر 2: 140، العلامة في التذكرة 1: 105، المنتهى 1: 255.
(6) التهذيب 2: 62 / 216، الإستبصار 1: 307 / 1140، الوسائل 5: 425، أبواب الأذان
والإقامة ب 21 ح 4.
(7) التهذيب 2: 62 / 218، الإستبصار 1: 308 / 1142، الوسائل 5: 423 أبواب الأذان والإقامة ب 20 ح 2.
485

ب: صرح جماعة - منهم، الصدوق (1)، والشيخ في المبسوط (2) - بأن الشهادة
بالولاية ليست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبة.
وكرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعيتها للأذان وحرمها معه (3)
ومنهم من حرمها مطلقا، لخلو كيفيتهما المنقولة (4).
وصرح في المبسوط بعدم الإثم وإن لم يكن من الأجزاء (5)، ومفاده الجواز.
ونفى المحدث المجلسي في البحار البعد عن كونها من الأجزاء المستحبة
للأذان (6).
واستحسنه بعض من تأخر عنه (7).
أقول: أما القول بالتحريم مطلقا فهو مما لا وجه له أصلا، والأصل ينفيه،
وعمومات الحث على الشهادة بها ترده.
وليس من كيفيتهما اشتراط التوالي وعدم الفصل بين فصولهما حتى يخالفها
الشهادة، كيف؟! ولا يحرم الكلام اللغو بينها فضلا عن الحق.
وتوهم الجاهل الجزئية غير صالح لإثبات الحرمة كما في سائر ما يتخلل بينها
من الدعاء، بل التقصير على الجاهل حيث لم يتعلم.
بل وكذا التحريم مع اعتقاد المشروعية، إذ لا يتصور اعتقاد إلا مع دليل،

(1) الفقيه 1: 189.
(2) المبسوط 1: 99.
(3) مفاتيح الشرائع 1: 118.
(4) الذخيرة: 254.
(5) المبسوط 1: 99، وفيه التصريح بأنه لو فعله الإنسان يأثم به، ولكن الظاهر أن الصحيح: لم يأثم به بقرينة ما بعده، وقال في البحار 81: 111 نقلا
عن المبسوط: ولو فعله
الإنسان لم يأثم به.
(6) البحار 81: 111.
(7) كصاحب الحدائق 7: 404 حيث قال بعد نقل ما قاله المجلسي في البحار: وهو جديد.
486

ومعه لا إثم، إذ لا تكليف فوق العلم، ولو سلم تحقق الاعتقاد وحرمته فلا يوجب
حرمة القول ولا يكون ذلك القول تشريعا وبدعة كما حققناه في موضعه.
وأما القول بكراهتها: فإن أريد بخصوصها، فلا وجه لها أيضا.
وإن أريد من حيث دخولها في التكلم المنهي عنه في خلالهما، فلها وجه لولا
المعارض، ولكن تعارضه عمومات الحث على الشهادة مطلقا، والأمر بها بعد ذكر
التوحيد والرسالة بخصوصه كما في المقام، رواه في الاحتجاج عن الصادق عليه
السلام: قال: (فإذا قال أحدكم: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فليقل:
علي أمير المؤمنين عليه السلام) (1) بالعموم من وجهه، فيبقى أصل الإباحة سليما عن
المزيل، بل الظاهر من شهادة الشيخ والفاضل والشهيد (2) - كما صرح به في
البحار (3) - ورود الأخبار بها في الأذان بخصوصه أيضا.
قال في المبسوط: وأما قول: أشهد أن عليا أمير المؤمنين عليه السلام،
على ما ورد في شواذ الأخبار فليس بمعمول عليه.
وقال في النهاية قريبا من ذلك.
وعلى هذا فلا بعد في القول باستحبابها فيه، للتسامح في أدلته. وشذوذ
أخبارها لا يمنع عن إثبات السنن بها، كيف؟! وتراهم كثيرا يجيبون عن الأخبار
بالشذوذ، فيحملونها على الاستحباب.
ج: يشترط الترتيب بين الأذان والإقامة وبين فصول كل منهما، للإجماع،
وتوقيفية العبادة، والنصوص المستفيضة.
كصحيحة زرارة: (من سها في الأذان فقدم وأخر أعاد على الأول الذي

(1) الإحتجاج: 158.
(2) الشيخ في النهاية: 69، المبسوط 1: 99، الفاضل في المنتهى
1: 255، الشهيد حيث نسبه إلى
الشيخ في الذكرى: 170، البيان: 144.
(3) البحار 81: 111.
487

أخره [حتى] يمضي على آخره) (1).
ومرسله الفقيه: (تابع بين الوضوء، وكذلك الأذان والإقامة وابدأ بالأول
فالأول، فإن قلت: حي على الصلاة قبل الشهادتين تشهدت ثم قلت: حي على الصلاة) (2).
وموثقة الساباطي: عن الرجل نسي من الأذان حرفا فذكره حين فرغ من
الأذان والإقامة، قال: (يرجع إلى الحرف الذي نسيه فليقله وليقل من ذلك الحرف
إلى آخره، ولا يعيد الأذان كله ولا الإقامة) (3).
والمستفاد من هذه الرواية: أنه يعيد ما يوجب تحصيل الترتيب في الأذان لو
دخل في الإقامة، بل فرغ منها أيضا، ولا يعيد الإقامة، وهو وإن كان مخالفا
لمقتضى الترتيب بين الأذان. الإقامة إلا أن النص جوزه، فهو إما من قبيل قضاء
تتمة الأذان، أو من باب الرخصة.
كما أن مقتضى موثقته الأخرى: (إن نسي الرجل حرفا من الأذان حتى
يأخذ في الإقامة فليمض في الإقامة وليس عليه شئ، فإن نسي حرفا من الإقامة
عاد إلى الحرف الذي نسيه، ثم يقول من ذلك الموضع إلى آخر الإقامة) (4) أيضا
رخصة أخرى، فيكون الناسي لحرف من الأذان الداخل في الإقامة مخيرا بين المضي
والرجوع إلى الموضع المنسي.
د: لو شك في شئ من فصولهما أو عدده، أتى بما شك فيه إن لم ينتقل عن
محله، للأصل، والإجماع، ومفهوم الشرط في ذيل صحيحة زرارة: رجل شك في
الأذان وقد دخل في الإقامة، قال: (يمضي) قلت: رجل شك في الأذان والإقامة.

(1) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 15، التهذيب 2: 280 / 1115، الوسائل 5: 441 أبواب
الأذان والإقامة ب 33 ح 1. وما بين المعقوفين من المصادر.
(2) الفقيه 1: 28 / 89، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان والإقامة
ب 33 ح 3.
(3) الفقيه 1: 187 / 894، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان والإقامة ب 33 ح 4.
(4) التهذيب 2: 280 / 1114، الوسائل 5: 442 أبواب الأذان والإقامة ب 33 ح 2.
488

ثم كبر، قال: (يمضي...) ثم قال: (يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت
في غيره فشكك ليس بشئ) (1).
وإن انتقل عنه فلا يلتفت إلى الشك ويبني على أنه أتى به، لمنطوقه،
وصدرها، وموثقة محمد: (كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو) (2).
وفي الصحيح: (كل شئ شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض
عليه) (3).
والمستفاد من هذه الأخبار أن الانتقال من محل كل فعل الدخول في غيره،
فلو شك في شئ من الأذان أو الإقامة بعد الدخول في الصلاة أو فعل آخر قبلها،
لم يلتفت إليه.
وكذا لو شك في شئ من الأذان بعد الدخول في الإقامة، أو في شئ من
فصول أحدهما من إعراب أو عدد بعد الدخول في فصل آخر.
بل وكذا لو شك في أصل الفصل بعد الدخول في غيره، أو في نفس الأذان
بعد الدخول في الإقامة، كما صرح به بعض مشايخنا المحققين (4)، وإن كان في
صدق الخروج منه كما في الصحيحة الأولى، أو المضي كما في الثانية، أو تجاوزه كما
في الصحيحة الأخيرة محل نظر، إذ لا خروج ولا مضي ولا تجاوز عن شئ إلا مع
العلم بالدخول فيه، فلا يصدق إلا إذا شك في جزء مما قد خرج عنه، ولكن
المستفاد من مورد الأحاديث - حيث ذكر فيها الشك في الركوع بعد الدخول في
السجود ونحو ذلك - أن المراد الخروج والمضي والتجاوز عن موضعه، فتأمل.
المسألة الثانية: يستحب في الأذان والإقامة أمور:

(1) التهذيب 2: 352 / 1459، الوسائل 8: 23 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.
(2) التهذيب 2: 344 / 1426، الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 3.
(3) التهذيب 2: 153 / 602، الإستبصار 1: 358 / 1359، الوسائل 6: 369 أبواب السجود
ب 15 ح 4.
(4) شرح المفاتيح (المخطوط).
489

منها: جزم أواخر فصولهما وإسكانها بترك الإعراب إجماعا محققا ومحكيا عن
المعتبر والمنتهى والذكرى وروض الجنان والمدارك (1)، وغيرها (2)، له، ولمرسلة
خالد: (الأذان والإقامة مجزومان).
وفي خبر آخر: (موقوفان) (3).
وفي روايته: (التكبير جزم في الأذان مع الإفصاح بالهاء والألف) (4).
وفي حسنة زرارة: (الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء، والإقامة حدر) (5).
والجزم هو الإسكان، ذكره في النهاية الأثيرية (6).
وفي الصحاح: ومنه جزم الحرف وهو في الإعراب، كالسكون في البناء (7).
وفي القاموس: جزم الحرف أسكنه (8).
وهو المراد بالوقف هنا في كلام الأصحاب كما فسروه به.
قال الشيخ في النهاية: الأذان والإقامة موقوفان لا يبين فيهما الإعراب (9).
وفي السرائر: لا يعرب أواخر الكلم، بل تكون موقوفة بغير إعراب (10).
وفي المنتهى: ويستحب الوقوف في فصولهما لا يظهر في أواخرها
الإعراب (11).

(1) المعتبر 2: 141، المنتهى 1: 256، الذكرى: 170، روض الجنان: 244، المدارك 3: 284.
(2) كالحدائق 7: 408.
(3) الفقيه 1: 184 / 874، الوسائل 5: 409 أبواب الأذان والإقامة ب 15 ح 4، 5.
(3) الفقيه 1: 184 / 871، التهذيب 2: 58 / 204، الوسائل 5: 408، أبواب الأذان والإقامة
ب 15 ح 3.
(5) التهذيب 2: 58 / 203، الوسائل 5: 408 أبواب الأذان والإقامة ب 15 ح 2.
(6) النهاية الأثيرية 1: 270.
(7) الصحاح 5: 1887.
(8) القاموس المحيط 4: 91.
(9) النهاية: 67.
(10) السرائر 1: 213.
(11) المنتهى 1: 256.
490

وفي شرح القواعد: ويراعى في الإقامة مع الحدر ترك الإعراب والوقوف
على فصولها فيكره الإعراب فيها (1).
وفي شرح الإرشاد للأردبيلي: والوقف هنا بمعنى إسكان أواخر الفصول
على ما قالوه (2).
وقال بعض مشايخنا: والسنة الوقوف على فصوله بترك الإعراب من أواخرها
إجماعا (3).
وأما الوقف بمعنى قطع النفس والسكوت فلا دليل على استحبابه، لأن
الإجماع بل الشهرة لم يثبت إلا على الإسكان كما عرفت، والخبر يتضمن الجزم.
وأما قوله في خبر آخر: (موقوفان) فهو غير دال على استحباب السكوت أو
قطع النفس، لعدم كون الوقف - سيما إذا نسب إلى الحرف ويقال إنه موقوف - في
ذلك المعنى.
وأما اشتراطه مع ترك الحركة فلا دليل عليه أيضا، كما يأتي في بحث
القراءة، وإنما هو شئ ذكره (بعض) (4) القراء، ولذا قال في شرح الإرشاد: وفي
الخبر إشارة إلى جواز الوقف بمجرد [حذف] الحركة، ويشترط القراء السكوت مع
قطع النفس (5) انتهى.
ولا حجية في قولهم أصلا.
وقال في الروضة: ولو ترك الوقف أصلا فالتسكين أولى من الإعراب (6).

(1) جامع المقاصد 2: 184.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 172.
(3) الرياض 1: 150.
(4) ليس في (ق).
(5) مجمع الفائدة والبرهان 2: 172. وما بين المعقوفين من المصدر.
(6) الروضة 1: 247.
491

وفي روض الجنان: ولو ترك الوقف أصلا، سكن أواخر الفصول أيضا (1).
ومنها: التأني في الأذان والإسراع في الإقامة بالإجماع، حكاه في المنتهى (2)،
وغيره (3)، وهو الدليل عليه.
مضافا إلى الخبر: (الأذان ترتيل والإقامة حدر) (4).
والترتيل وإن فسر بمعنى آخر أيضا إلا أن مقابلته مع الحدر الذي هو
الإسراع تدل على إرادة التأني منه.
وفي صحيحة ابن وهب: (واحدر بإقامتك جدا) (5).
ومنها: الافصاح بالألف والهاء؟ للروايتين المتقدمتين.
ولصحيحة زرارة: (إذا أذنت فافصح بالألف والهاء) (6).
والأخرى: (وأفصح بالألف والهاء) (7).
والمراد بالإفصاح التبيين والإظهار.
والظاهر أن المراد بالألف والهاء - كما صرح به في البحار (8)، وبعض
آخر (9) - كل ألف وهمزة وهاء، لإطلاق الأخبار.
وتخصيصهما بالذكر، لأن كثيرا من المؤذنين لا يظهرون الهمزات ولا الهاءات

(1) روض الجنان: 244.
(2) المنتهى 1: 256.
(3) كالمعتبر 2: 141.
(4) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 26، التهذيب 2: 65 / 232، الوسائل 5: 429
أبواب الأذان.
والإقامة ب 24 ح 3.
(5) الفقيه 1: 185 / 876، الوسائل 5: 428 أبواب الأذان والإقامة ب 24 ح 1. وفي المصدر: حدرا
بدل جدا.
(6) الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 7، الوسائل 5: 408 أبواب الأذان والإقامة ب 15 ح 1.
(7) الفقيه 1: 184 / 875، الوسائل 5: 409 أبواب الأذان والإقامة ب 15 ح 6.
(8) البحار 81: 159.
(9) كالفيض في مفاتيح الشرائع 1: 117.
492

سيما الأولى في الأوائل والأخيرة في الأواخر.
والتخصيص بهاء: (إله) كما عن الحلي (1)، أو في لفظي: (الله والصلاة)
كما عن المنتهى (2)، أو ألف: (الله) الأخيرة غير المكتوبة، وهاء آخر الشهادتين،
والألف والهاء في: (الصلاة) كما عن الذكرى (3)، لا وجه له، وإدغام كثير
من الناس أو إدراجهم في البعض جار في البواقي أيضا.
ونهي النبي صلى الله عليه وآله عن أذان من يدغم الهاء في الشهادتين (4)،
لا يفيد التخصيص.
والأخبار وإن كانت مخصوصة بالأذان ولكن تعدى بعضهم إلى الإقامة
أيضا (5)، إما لإرادتهما منه، أو لجريان العلة.
ومنها: الفصل بين الأذان والإقامة إجماعا فتوى ونصا، إما بركعتين أو
سجدة أو جلسة أو خطوة أو سكتة أو تسبيحة أو كلام أو تحميد، على المشهور بين
الأصحاب في غير الأخيرة (1).
وعن المعتبر وفي المنتهى والتذكرة (7): الإجماع عليه، ولكن في الأول على
أحد الأولين في غير المغرب وعلى الرابع والخامس فيه، وفي الثاني على أحد الأربعة
الأولى في غيره وعلى الرابع أو الخامس أو السادس فيه، وفي الثالث على أحد
الخمسة الأولى في غيره وعلى أحد الثلاثة المتعقبة للثالث فيه مع تخصيص الركعتين بالظهرين.

(1) السرائر 1: 214.
(2) المنتهى 1: 256.
(3) الذكرى: 170.
(4) المنتهى 1: 259، البحار 81: 159.
(5) انظر الوسائل 5: 408 أبواب الأذان والإقامة ب 15 وكذا الدرة النجفية: 111.
(6) وأما ما قبل الأخير فقد صرح بعض المتأخرين في شرحه على المفاتيح
كونه مشهورا أيضا. منه رحمه الله تعالى.
(7) المعتبر 2: 142، المنتهى 1: 256، التذكرة 1: 106.
493

وبالأخير بملاحظة التسامح في أدلة الاستحباب، وعدم استلزام عدم
الذكر لذكر العدم (1) يظهر وجه الحكم في الخمسة في غير المغرب والثلاثة فيه.
مضافا في الأول إلى صحيحة الجعفري: (فرق بين الأذان والإقامة بجلوس
أو ركعتين) (2).
ومقتضى إطلاقها - كالفتاوى - استحباب الفصل بالركعتين ولو بغير
الرواتب في أوقات الفرائض.
وعن البعض التخصيص بالرواتب في أوقاتها (3)، لظواهر جملة من
النصوص، كصحيحة ابن سنان: (السنة أن ينادى مع طلوع الفجر، ولا يكون
بين الأذان والإقامة إلا الركعتان) (4).
والبزنطي: (القعود بين الأذان والإقامة في الصلوات كلها إذا لم تكن قبل
الإقامة صلاة يصليها) (5).
وأبي علي: (يؤذن للظهر على ست ركعات ويؤذن للعصر على ست ركعات
بعد الظهر) (6).
والمروي في أمالي الطوسي: (ومن السنة أن يتنفل بركعتين بين الأذان
والإقامة في صلاة الظهر والعصر) (7).
وفي الدعائم: (لا بد من فصل بين الأذان والإقامة بصلاة أو بغير ذلك،

(1) إشارة إلى عدم ذكر البعض الإجماعات المنقولة غير ضائر. منه رحمه الله.
(2) التهذيب 2: 64 / 277، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 2.
(3) كما في الحدائق 7: 414.
(4) التهذيب 2: 53 / 177، الوسائل 5: 390 أبواب الأذان والإقامة ب 8 ح 7.
(5) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 24، التهذيب 2: 64 / 228
الوسائل 5: 448 أبواب الأذان
والإقامة ب 39 ح 3.
(6) التهذيب 2: 286 / 144، الوسائل 5: 449 أبواب الأذان والإقامة ب 39 ح 5.
(7) أمالي الطوسي: 704، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 13.
494

وأقل ما يجزي في ذلك في صلاة المغرب التي لا صلاة فيها أن يجلس بعد الأذان
جلسة يمس فيها الأرض بيده) إلى أن قال: (إن الفريضة التي تكون قبلها
صلاة يستحب أن يجعل منها ركعتين بين أذان تلك الفريضة وإقامتها) (1).
وفي قرب الإسناد: عن القعدة بين الأذان والإقامة، قال (القعدة بينهما
إذا لم تكن بينهما نافلة) (2).
ولا يخفى عدم ظهور شئ منها فيما رامه.
أما الأولى: فلعدم تعين كون الركعتين بركعتي الفجر، لجواز كونهما ركعتي
الفصل.
وأما الثانية: فظاهرة، إذ غاية ما تدل عليه اختصاص استحباب القعود بما
إذا لم تكن راتبة، وجواز الفصل بالراتبة، وأما عدم جوازه بغيرها فلا.
ومنه يظهر الوجه في البواقي، مع ضعف الثلاثة الأخيرة المانع عن صلاحية
التخصيص وإن صلحت لإثبات الاستحباب.
وقد يستند في التخصيص إلى حرمة غير الرواتب في وقت الفريضة
لعموماتها.
وفيه: منع الحرمة كما مر، مع الجواب عن العمومات (3).
مع أنها معارضة مع إطلاق الصحيحة، فتخصيص إحداهما يحتاج إلى
دليل.
ومنه يظهر عدم اختصاص الركعتين بالظهرين ولا بغير المغرب، بل
يستحب في الجميع كما هو مقتضى إطلاق كثير من الفتاوى.
وفي الحدائق: إن المشهور بين الأصحاب هو استحباب الفصل بالركعتين

(1) الدعائم 1: 145، مستدرك الوسائل 4: 30 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 1.
(2) قرب الإسناد: 360 / 1288، الوسائل 5: 399 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 12.
(3) راجع ص 102 إلى 112.
495

مطلقا، ولعلهم يحملون هذه الروايات على تأكد الفصل بالركعتين في هذه
المواضع (1).
قوله: (هذه الروايات) إشارة إلى صحيحتي ابن سنان وأبي علي، وروايتي
الدعائم والأمالي.
خلافا لجماعة، فخصوهما بغير المغرب (2)، وللتذكرة والدروس (3)
فبالظهرين، لبعض ما ظهر جوابه.
وأما دعوى الإجماع في التذكرة والمنتهى فمع عدم كونها مقبولة في تخصيص
الأخبار إنما هي على استحباب ما ذكراه في غير المغرب لا على عدم استحبابه فيه.
وللسرائر فبصلاة الجماعة في غير المغرب (4)، ولعله لصحيحة الحلبي: عن
الأذان في الفجر قبل الركعتين أو بعدهما؟ فقال: (إذا كنت إماما تنتظر جماعة
فالأذان قبلهما، وإذا كنت وحدك فلا يضرك قبلهما أذنت أو بعدهما) (5).
ولا دلالة لها على التخصيص، وإنما تدل على أفضلية الفصل بركعتي الفجر
للأمام مع تقييده بانتظاره الجماعة، وهو لم يقيد بذلك أيضا.
وفي الثاني (6) إلى المرويين في فلاح السائل.
أحدهما: (من سجد بين الأذان والإقامة فقال في سجوده: رب سجدت
لك خاضعا خاشعا ذليلا، يقول الله: ملائكتي، وعزتي وجلالي لأجعلن محبته في
قلوب عبادي المؤمنين وهيبته في قلوب المنافقين) (7).

(1) الحدائق 7: 414.
(2) كالشيخ في المبسوط 1: 96، والمحقق في الشرائع 1: 76، والعلامة في
المنتهى 1: 256.
(3) التذكرة 1: 106، الدروس 1: 163.
(4) السرائر 1: 214.
(5) التهذيب 2: 285 / 1142، الوسائل 5: 448 أبواب الأذان والإقامة ب 39 ح 1.
(6) أي مضافا في الثاني - وهو استحباب الفعل بسجدة - إلى....
(7) فلاح السائل: 152، الوسائل 5: 400، أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 14.
496

والآخر: رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد بين الأذان والإقامة، فلما
رفع رأسه قال: (يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله له ذنوبه كلها) وقال: (من
أذن ثم سجد فقال: لا إله إلا أنت سجدت لك خاضعا خاشعا، غفر الله له
ذنوبه) (1).
وفي الثالث إلى الصحيحين المتقدمين (2)، وموثقة الساباطي: (افصل بين
الأذان والإقامة بقعود أو كلام أو تسبيح) (3).
ورواية ابن شهاب: (لا بد من قعود بين الأذان والإقامة) (4).
ومقتضى إطلاقاتها: استحبابه مطلقا ولو في المغرب، كما في النهاية
والسرائر (5)، وبعض عبارات المتأخرين (6)، ولكن الأول قيده بالخفيف، والثاني
بالسريع.
وتدل عليه أيضا موثقة الساباطي، المتقدمة، ورواية قرب الإسناد بالعموم
بل الخصوص، كما يدل عليه خاصة: رواية الدعائم السابقة.
ورواية الجريري: (من جلس فيما بين أذان المغرب والإقامة كان كالمتشحط
بدمه في سبيل الله) (7).
والمروي في أمالي الطوسي: (من السنة الجلسة بين الأذان والإقامة في صلاة

(1) فلاح السائل: 152، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 15.
(2) في ص 494 و. 47.
(3) الفقيه 1: 185 / 877، التهذيب 2: 49 / 162، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان والإقامة
ب 11 ح 4.
(4) التهذيب 2: 64 / 226، الوسائل 5: 397 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 1.
(5) النهاية: 67 السرائر 1: 214.
(6) كالشهيد في الذكرى: 171، وصاحب المدارك 3: 286، والفيض في المفاتيح 1: 117.
(7) التهذيب 2: 64 / 231، الإستبصار 1: 309 / 1151، المحاسن: 50 / 70، الوسائل 5:
399 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 10.
497

الغداة والمغرب وصلاة العشاء) (1).
وفي فلاح السائل: دخلت على أبي عبد الله وقت المغرب فإذا هو قد أذن
وجلس فسمعته يدعو بدعاء - إلى أن قال -: وهو: (يا من ليس معه رب يدعى،
يا من ليس فوقه خالق يخشى، يا من ليس دونه إله يتقى، يا من ليس له وزير
يغشى، يا من ليس له بواب ينادى، يا من لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما
وجودا، يا من لا يزداد على عظيم الجرم إلا رحمة وعفوا، صل على محمد وآل محمد،
وافعل بي ما أنت أهله فإنك أهل التقوى وأهل المغفرة وأنت أهل الجود والخير
والكرم) (2).
خلافا للمشهور، بل المدعى عليه الإجماع (3) - وإن كان فيه كلام مرت إليه
الإشارة - فخصوه بغير المغرب، وظاهر الدروس: التردد (4).
لرواية سيف بن عميرة: (بين كل أذانين قعدة إلا المغرب فإن بينهما نفسا) (5)
ولعل المراد به السكتة.
والمروي في فلاح السائل بقوله: وقد رويت روايات: الأفضل أن لا
يجلس بين الأذان والإقامة في المغرب (6).
وضعفهما مجبور بما مر من الشهرة والإجماع المنقول.
قيل: وبذلك يترجحان على الأخبار المعارضة لهما (7)، مع أن الصريح منها

(1) الأمالي: 704، الوسائل 5: 400 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 13.
(2) فلاح السائل: 228، مستدرك الوسائل 4: 31 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 1.
(3) المعتبر 2: 142.
(4) الدروس 1: 163.
(5) التهذيب 2: 64 / 229، الإستبصار 1: 309 / 1150، الوسائل 5: 398 أبواب الأذان والإقامة
ب 11 ح 7.
(6) فلاح السائل: 228.
(7) رياض المسائل 1: 150.
498

غير معتبر، والمعتبر غير صريح، للإطلاق القابل للتقيد، ومع ذلك فهي بإطلاقها
شاذة غير معروفة القائل، لما عرفت من تقييد النهاية والسرائر بما ليس فيها.
مضافا إلى أن ظاهر الأخير تخصيص استحباب الجلسة، بل غيرها مما ذكر
سوى الركعتين بالمنفرد (1).
أقول: هما وإن انجبرا بما ذكر إلا أنه لا يوجب ترجيحهما على المعارض
المشتمل على الصحيح والموثق.
وعدم اعتبار الصريح منها ممنوع، فإن خبر الجريري معتبر وإن لم يكن
صحيحا باصطلاح من تأخر، مع أن كل خبر في مقام السنن معتبر، وإطلاق
المعتبر وقبوله التقييد إنما هو إذا كان هناك مقيد معتبر، وهو وإن كان في المقام إلا
أنه بمثله معارض، ولأجله عن التقييد قاصر، لبقاء المطلق بلا مقيد معلوم.
وشذوذ المطلقات لو سلم لم يضر في مقام الاستحباب، لثبوته بالأخبار
الشاذة ما لم يكن نفيه مجمعا عليه، وليس كذلك في المقام، ولذا أفتى جماعة من
المتأخرين باستحباب الجلوس في المغرب أيضا، فالقول به متجه جدا فعليه
الفتوى.
ويحمل الخبران على قلة الفضيلة وأفضلية غيره، كما تحمل صحيحة البزنطي
ورواية قرب الإسناد على أفضلية التنفل فيما قبله نافلة على القعدة.
يحمل الرضوي: (وإن أحببت أن تجلس بين الأذان والإقامة فافعل فإن
فيه فضلا كثيرا، وإنما ذلك على الإمام، وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة
برجله اليمنى) الحديث (2) على نوع من الأفضلية أيضا، لعدم صلاحيته للتخصيص
ومنه يظهر مستند آخر للرابع، ولكنه في المنفرد خاصة، فتعميمه بما مر من
الشهرة والإجماعات المحكية.

(1) السرائر 1:، 214.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 97، مستدرك الوسائل 4: 30 أبواب الأذان والإقامة ب ه 1 ح 2.
499

وفي الخامس إلى مرسلة ابن عميرة، ولكنها مخصوصة بالمغرب، فهو في
التعميم كالسابق، ويمكن إثباته كالبواقي بعموم قوله: (أو بغير ذلك) في رواية
الدعائم، السابقة.
وفي السادس والسابع إلى موثقة الساباطي، إلا أنه روى الصدوق في
مجالسه أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (كره الكلام بين
الأذان والإقامة في
صلاة الغداة حتى تقضى الصلاة، ونهى عنه) (1) ولم يذكره الأكثر وإنما ذكروا
كراهته في خلالهما (2).
نعم بمضمونه أفتى في الجامع يحيى بن سعيد، وفي النفلية الشهيد (3)،
وليس ببعيد.
وندل على الثامن موثقته الأخرى: عن الذي يجزئ من التسبيح بين الأذان
والإقامة، قال: (يقول: الحمد لله) (4).
ومما ذكرنا ظهر استحباب كل واحد مما ذكر في كل صلاة سوى الكلام في
صلاة الغداة، وإن كانت الركعتان فيما له نافلة سيما من رواتبه سيما في الظهرين
سيما للإمام سيما المنتظر للجماعة أفضل، وأن الجلسة في غير المغرب أولى منها فيه،
كما أن السكتة فيه آكد منها في غيره.
ثم كما أنه لا شك في استحباب واحد منها للفصل لا ريب في جواز جمع
الجميع أو أقل له.
وهل يستحب الأزيد من واحد أو الجميع له أم لا؟ ظاهر أكثر العبارات
اختصاص الاستحباب بواحد، ولكن المستفاد من الأخبار استحباب كل من

(1) أمالي الصدوق: 48 2 / 3، مستدرك الوسائل 4: 28 أبواب الأذان والإقامة ب 9 ح 4.
(2) المحقق في المختصر النافع: 28، والعلامة في المنتهى 1: 56 2، وصاحب الرياض 1: 150.
(3) الجامع للشرائع: 73، النفلية: 18.
(4) التهذيب 2: 280 / 1114، الوسائل 5: 398 أبواب الأذان والإقامة ب 11 ح 5.
500

الخمسة الأولى، فلو جمعها أحد، كان حسنا.
ويستحب للفاصل بالسجدة أن يدعو فيها بما مر في روايتي فلاح السائل
مخيرا بينهما.
وبالجلسة أن يدعو فيها بما مر في روايته الأخيرة، أو بما في مرفوعة جعفر بن
محمد بن يقطين: (يقول الرجل إذا فرغ من الأذان وجلس: اللهم اجعل قلبي
بارا ورزقي دارا، واجعل لي عند قبر نبيك قرارا ومستقرا) (1) ولو قرأهما، كان
أحسن.
وقد ذكر الشيخ في المصباح الدعاء الأخير للسجدة (2)، ولكن بتبديل:
(رزقي دارا) بقوله: (وعيشي قارا) وفي البلد الأمين جمع الفقرتين (3)، وفي بعض
الكتب زاد عليهما: (وعملي سارا) (4). والكل جائز.
وبالخطوة أن يخطو برجله اليمنى تجاه القبلة، كما في الرضوي المتقدم،
ويدعوا فيها بما ذكره فيه بعد ما مر بقوله: (ثم يقول: بالله أستفتح، وبمحمد صلى
الله عليه وآله أستنجح وأتوجه، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلني بهم
وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين).
وروى في فلاح السائل دعاء آخر بين الأذان والإقامة في جميع الصلوات
يدعو به قائما أو جالسا أو ساجدا، وكذا في الرضوي، وفيه آخر مخصوص
بالفجر (5).
ومنها: أن يكون المؤذن متطهرا من الحدثين، مستقبلا قائما حال الأذان،

(1) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 32، التهذيب 2: 64 / 230، الوسائل 5: 401 أبواب الأذان
والإقامة ب 12 ح 1.
(2) المصباح: 28.
(3) البلد الأمين: 6.
(4) راجع البحار 81: 182.
(5) أما الدعاء المروي في فلاح السائل: 152، فهو سبحان من لا يبيد معالمه، سبحان من لا ينسى من ذكره،
من ذكره، سبحان من لا يخيب سائله، سبحان من ليس له صاحب يغشى ولا بواب يرشى ولا
ترجمان يناجي، سبحان من اختار لنفسه أحسن الأسماء، سبحان من فلق البحر لموسى، سبحان
من لا يزداد على كثرة العطاء إلا كرما وجودا، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره. وأما المروي في
فقه الرضا: 97، لجميع الصلوات فهو هكذا: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل
على محمد وآل محمد وأعط محمدا صلى الله عليه وآله يوم القيامة سؤله. آمين رب العالمين، اللهم
إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله وأقدمهم بين يدي حوائجي كلها فصل
عليهم واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، واجعل صلواتي بهم مقبولة ودعائي بهم
مستجابا وامنن علي بطاعتهم يا أرحم الراحمين. وأما المروي فيه لما بعد أذان الفجر فهو هذا: اللهم
إني أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعاتك وتسبيح ملائكتك أن تتوب
علي إنك أنت التواب الرحيم. منه أعلى الله في الخلد مقامه.
501

بالإجماع المصرح به في المعتبر والتذكرة والمنتهى (1)، وغيرها (2)، وهو الحجة فيه،
مضافا إلى النصوص العامية (3) والخاصية (4)، ومنها ما يشعر بعدم وجوبه أيضا،
كما يصرح به في المعتبرة المستفيضة المجوزة للأذان للجنب والمحدث والجالس وأينما
توجهت (5).
وكذا حال الإقامة على الأظهر الأشهر، فيرجح فيها الثلاثة بالإجماع
والنصوص. ولا تجب، للأصل الخالي عن المعارض كما يأتي.
خلافا للمنتهى (6)، والمحكي عن جماعة من القدماء (7)، واختاره جماعة من
مشايخنا (8)، فقالوا بوجوبها، لروايات بين غير دالة على الزائد عن الرجحان،

(1) المعتبر 2: 27 1، التذكرة 1: 107، المنتهى 1: 257.
(2) كالفيض في مفاتيح الشرائع 1: 117، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 206
(3) كنز العمال 7: 694 و 796 / 20965 و 20976.
(4) الوسائل 5: 391 أبواب الأذان والإقامة ب 9.
(5) الوسائل 5: 391 أبواب الأذان والإقامة ب 9 و ص 1. 4 ب 13.
(6) المنتهى 1: 258.
(7) كالمفيد في المقنعة: 98، والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3):
30، والشيخ في النهاية: 66، والقاضي في المهذب 1: 91.
(8) كالوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، وصاحب الحدائق 7: 340 وصاحب الرياض 1: 145.
502

لورودها بالجمل الخبرية، وبين ضعيفة وإن تضمنت الأمر، كالمروي في قرب
الإسناد في التطهر (1).
مع أن الدال على الوجوب لو تحقق في المقام، لم يكن على حقيقته، لعدم
تعقل وجوب الكيفية مع استحباب ذي الكيفية.
وجعل مجازه الوجوب الشرطي ليس أولى من الاستحباب أو تأكده، كما هو
ثابت في الإقامة بملاحظة الأخبار.
ولدلالة بعض الأخبار على أنها من الصلاة.
ويجب الحمل على التجوز، لعدم كونها منها إجماعا، ولذا يجوز التكلم
بعدها وخلالها.
وفي صحيحة زرارة: (إذا أقمت فعلى وضوء متهيأ للصلاة) (2) وهي صريحة
في عدم كونها من الصلاة.
ويتأكد الاستقبال في الشهادتين، لشهادة بعض الصحاح (3).
ومنها: رفع الصوت بالأذان من غير اتعاب، للمستفيضة، كصحيحة
البصري: (إذا أذنت فلا تخفين صوتك، فإن الله يأجرك مد صوتك فيه) (4).
وابن وهب: عن الأذان، قال: (ارفع به صوتك، فإذا أقمت فدون
ذلك) (5).
وفي رواية هشام بن إبراهيم: إنه شكا إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام

(1) قرب الإسناد: 180 / 673، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان والإقامة ب 9 ح 7.
(2) الفقيه 1: 183 / 866، الوسائل 5: 391 أبواب الأذان والإقامة ب 9 ح 1.
(3) انظر: الوسائل 5: 403 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 7.
(4) التهذيب 2: 58 / 205، الوسائل 5: 410، أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 5.
(5) الفقيه 1: 185 / 876، الوسائل 5: 409، أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 1.
503

سقمه وأنه لا يولد له، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله. الحديث (1).
وفي رواية محمد بن مروان: (المؤذن يغفر الله له مد صوته، ويشهد له كل
شئ سمعه) (2).
وصحيحة زرارة: (كلما اشتد صوتك من غير أن تجهد نفسك كان من
يسمع أكثر وكان أجرك في ذلك أعظم) (3).
وتلك الأخبار كما ترى تشمل بإطلاقها الأذان الإعلامي وغيره،
فالتخصيص بالأول كبعض من تأخر (4) غير جيد.
نعم، الظاهر الاختصاص بالرجال. لا لما قيل من عدم جواز إسماع النساء
صوتهن للأجانب (5)، لمنع ذلك على إطلاقه، مع أنه لا يفيد تمام المطلوب. بل
لاختصاص الأخبار بهم، والتعدي إليهن فيما لا يشملهن إنما هو بالإجماع المنتفي هنا.
بل يستحب لهن الإسرار به، لفتوى بعضهم (6)، ولأنه أنسب إلى الحياء
والستر المطلوبين منهن.
ومنها: وضع المؤذن إصبعيه في الأذنين، لصحيحة الحسن [بن] السري (7).

(1) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 33، الكافي 6: 9 العقيقة ب 4 ح 9، الفقيه 1: 189 / 903،
التهذيب 2: 59 / 207، الوسائل 5: 412 أبواب الأذان والإقامة ب 18 ح 1.
(2) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 28، التهذيب 2: 52 / 175، الوسائل 5: 374 أبواب الأذان
والإقامة ب 2 ح 11.
(3) الفقيه 1: 184 / 875، الوسائل 5: 410 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 2.
(4) الحدائق 7: 337.
(5) شرح المفاتيح (المخطوط).
(6) كالمحقق في المعتبر 2: 126، والعلامة في التحرير 1: 35.
(7) الفقيه 1: 184 / 873، الوسائل 5: 411 أبواب الأذان والإقامة ب 17 ح 1، وما بين المعقوفين
أضفناه من المصدر.
504

ومنها: إعادة الإقامة لمن تكلم بعدها، لصحيحة محمد بن مسلم (1).
المسألة الثالثة: يكره فيهما أمور:
منها: التكلم في خلال كل منهما لا سيما في الإقامة وبعدها.
أما الكراهة في الأذان: فلشهرتها بين الأعيان، بل بلا خلاف إلا من شاذ.
ومفهوم رواية سماعة على أكثر النسخ: عن المؤذن أيتكلم وهو يؤذن؟ فقال:
(لا بأس حين يفرغ من أذانه) (2) وفي بعضها: (حتى يفرغ) فلا دلالة فيها على
المطلوب.
خلافا، للمحكي عن القاضي، فلم يكرهه فيه (3)، وهو ظاهر المنتهى
والكفاية (4)، لنفي البأس عنه فيه في المعتبرة.
ويضعف بأن البأس: العذاب، فهو ينفي الحرمة.
وأما في الإقامة: فلما ذكر، بل في المنتهى: إنه لا خلاف فيه بين أهل
العلم (5).
مضافا إلى صحيحة ابن أبي نصر: أيتكلم الرجل في الأذان؟ قال: (لا
بأس) قلت: في الإقامة؟ قال: (لا) (6).
ومنها بملاحظة ثبوت الكراهة في الأذان أيضا تثبت الشدة المذكورة.
خلافا للمفيد والسيد فحرماه فيها مطلقا (7)، للصحيحة المذكورة.
للقاضي): 79.

(1) التهذيب 2: 55 / 191، الإستبصار 1: 301 / 1112، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان والإقامة
ب 10 ح 3.
(2) التهذيب 2: 54 / 183، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 6.
(3) المهذب 1: 90.
(4) المنتهى 1: 256، الكفاية: 17.
(5) المنتهى 1: 256.
(6) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 10، التهذيب 2: 54 / 182، الإستبصار 1: 300 / 1110،
الوسائل 5: 394 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 4.
(7) المفيد في المقنعة: 98، والسيد في جمل العلم والعمل (المنقول في شرحه للقاضي): 79.
505

ورواية أبي هارون: (فإذا أقمت فلا تتكلم ولا توم بيدك) (1).
وصحيحة محمد: (لا تكلم إذا أقمت الصلاة، فإنك إذا تكلمت أعدت
الإقامة) (2).
ويدفع بالحمل على الكراهة بقرينة المستفيضة، كصحيحة ابن أبي عمير:
عن الرجل يتكلم في الإقامة؟ قال: (نعم، فإذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة،
فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتى وليس لهم
إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان) (3).
ورواية الحلبي: عن الرجل يتكلم في أذانه أو في إقامته؟ فقال: (لا
بأس) (4).
ورواية ابن شهاب: (لا بأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم الصلاة وبعد ما
يقيم إن شاء) (5).
والمروي في الدعائم: (إنه لم ير بأسا بالكلام في أثناء الأذان والإقامة) (6).
مضافا إلى عدم دلالة الأولى على الحرمة، لمكان الجملة الخبرية.
وكذا الأخيرتين، لاحتمالها، مع أن ظاهرهما النهي بعد الإقامة.

(1) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 20، التهذيب 2: 54 / 185، الإستبصار 1: 301 / 1111،
الوسائل 5: 396 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 12.
(2) التهذيب 2: 55 / 191، الإستبصار 1: 301 / 1112، الوسائل، 394 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 3.
(3) التهذيب 2: 55 / 189، الإستبصار 1: 301 / 1116، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 7.
(4) التهذيب 2: 54 / 186، الإستبصار 1: 301 / 1113، الوسائل 5: 395 أبواب الأذان
والإقامة ب 10 ح 8.
(5) التهذيب 2: 55 / 188، الإستبصار 1: 301 / 1115، مستطرفات السرائر 94 / 5، الوسائل
5: 395 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 10.
(6) الدعائم 1: 146، مستدرك الوسائل 4: 27 أبواب الأذان والإقامة ب 9 ح 1.
506

ولهما، وللشيخ والإسكافي (1)، وشاذ من المتأخرين (2) فحرموه بعد قول
المؤذن: (قد قامت الصلاة) إلا ما يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف
أو نحو ذلك، لصحيحة ابن أبي عمير، بل الروايتين المتقدمتين عليها، لأنه
الظاهر من قوله: (إذا أقمت الصلاة).
وصحيحة زرارة: (إذا أقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل
المسجد إلا في تقديم إمام) (3).
وموثقة سماعة: (إذا أقام المؤذن الصلاة فقد حرم الكلام) (4).
ودفع (5) بمعارضة إطلاق رواية ابن شهاب السابقة، وصحيحة حماد بن
عثمان: عن الرجل أيتكلم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال: (نعم) (6) بل
عمومهما الناشئ عن ترك الاستفصال، فيرجع إلى الأصل.
وقريب منهما المرويان في مستطرفات السرائر: أيتكلم الرجل بعد ما تقام
الصلاة؟ قال: (لا بأس) (7).
وفيه: أن الخاص لا يدفع بمعارضة العام، فإن الروايات الأخيرة عامة
بالنسبة إلى المتكلم بما يتعلق بالصلاة وغيره، والمحرم خاص بالأول، فيجب
التخصيص به.
فالصواب أن يدفع بما مر من انتفاء الحرمة الحقيقية، بالإجماع، وعدم تعقل

(1) الشيخ في النهاية: 66، وحكاه عن الإسكافي في المختلف: 90.
(2) كالفيض في المفاتيح 1: 118.
(3) الفقيه 1: 185 / 879، الوسائل 5: 393 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 1.
(4) التهذيب 2: 55 / 190، الإستبصار 1: 302 / 1117، الوسائل 5: 394 أبواب الأذان
والإقامة ب 10 ح 5.
(5) كما في الرياض 1: 151.
(6) التهذيب 2: 54 / 187، الإستبصار 1: 301 / 1114، الوسائل 5: 395
أبواب الأذان والإقامة
ب 10 ح 9.
(7) مستطرفات السرائر: 94 / 4، الوسائل 5: 396 أبواب الأذان والإقامة ب 10 ح 13.
507

الحرمة مع جواز ترك الإقامة في الأثناء بالمرة، والتجوز بالوجوب الشرطي ليس أولى
من الكراهة سيما الشديدة.
ومن المتأخرين من خص الحرمة بالجماعة (1).
ويدفعه إطلاق أكثر الأخبار المحرمة، وفقد ما يوجب التخصيص.
ومنها: الترجيع.
وهو إما: تكرار الشهادتين مرتين آخرتين، كما عن الخلاف والجامع والمنتهى
والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام (2).
أو: تكريرهما مع التكبير في أول الأذان زائدا على الموظف، كما عن المبسوط
والمهذب والدروس (3).
أو: تكرار الفصل زيادة على الموظف، كما عن الذكرى (4).
أو: تكرير الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما، كما عن جماعة من أهل اللغة
منهم: صاحب القاموس والمغرب (5).
أو: ترجيع الصوت وترديده على جهة الغناء، كما ذكره بعض مشايخنا
المحدثين (6).
ولا دليل على كراهته من الأخبار إلا الرضوي، وفيه بعد ذكر فصولهما:
(ليس فيها ترجيع ولا ترديد) (7).
ولا دلالة فيها على الكراهة، بل ينفي التوقيفية، ولا على تحريمه ولو اعتقد

(1) كالفيض في المفاتيح 1: 118.
(2) الخلاف 1: 288، الجامع للشرائع: 71، المنتهى 1: 254، التذكرة 1: 105، التحرير 1:
35، نهاية الإحكام 1: 414.
(3) المبسوط 1: 95، المهذب 1: 89، الدروس 1: 162.
(4) الذكرى: 169.
(5) القاموس 3: 29، المغرب 1: 203.
(6) البحار 81: 100.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 96، مستدرك الوسائل 4: 44 أبواب الأذان والإقامة ب 19 ح 1.
508

المشروعية، لما أشير إليه غير مرة من عدم تحقق الاعتقاد إلا مع الحجة، ومعها لا
وجه للحرمة، مع أنه على فرض حرمة الاعتقاد لا يحرم اللفظ، وعده من البدعة
غير صحيح.
مع أنه على فرض الدلالة لم تترتب عليه فائدة، للإجمال في معناه.
مع أن في كتاب زيد النرسي: عن الصادق عليه السلام: (من السنة
الترجيع في أذان الفجر وأذان العشاء الآخرة، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله
بلالا أن يرجع في أذان الغداة وأذان العشاء، إذا فرغ أشهد أن محمدا رسول الله
صلى الله عليه وآله عاد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، حتى يعيد الشهادتين،
ثم يمضي في أذانه) (1).
نعم، الظاهر كراهته بالمعنى الأول، لفتوى الأجلة، بل دعوى المنتهى
الإجماع على كراهة الترجيع وتفسيره بذلك، مضافا إلى فتوى الحلي وابن حمزة (2)
بحرمة هذا المعنى، ودعوى الأول الإجماع عليها وإن جعله تفسيرا للتثويب.
قال في السرائر: ولا يجوز التثويب في الأذان، اختلف أصحابنا في التثويب
ما هو؟ فقال قوم منهم: هو تكرار الشهادتين دفعتين، وهذا هو الأظهر - إلى أن قال -: والدليل على أن فعله لا يجوز: إجماع طائفتنا بغير خلاف بينهم.
مضافا إلى مفهوم رواية أبي بصير: (لو أن مؤذنا أعاد في الشهادتين أو في
حي على الصلاة أو حي على الفلاح مرتين والثلاث وأكثر من ذلك إذا كان إماما
يريد القوم ليجمعهم لم يكن به بأس) (3).
ومقتضاها كراهة تكرير الحيعلتين أيضا، بل قيل: كل فصل، كما عن

(1) الأصول الستة عشر: 53.
(2) الحلي في السرائر 1: 212، ابن حمزة في الوسيلة: 92.
(3) الكافي 3: 308 الصلاة ب 18 ح 34، التهذيب 2: 63 / 225، الإستبصار 1: 309 / 1149،
الوسائل 5: 428 أبواب الأذان والإقامة ب 23 ح 1.
509

الذكرى (1)، وجعل التخصيص من باب التمثيل، ولا بأس به سيما مع فتوى العالم
به، ولولا اشتمالها على غير الشهادتين المجمع على عدم تحريمه الموجب لعدم
الحرمة فيهما أيضا لكانت الرواية دليلا لمذهب الحلي، ولكن ما ذكر يرده.
ثم مقتضى منطوقها: انتفاء الكراهة مع إرادة الإشعار والتنبيه. وهو
كذلك، لذلك، وعن المختلف والمنتهى (2): الاتفاق عليه.
ومنها: الإقامة ماشيا أو راكبا، للمستفيضة (3). ولا كراهة في أذان الماشي
والراكب، للأصل الخالي عن المعارض.

(1) الذكرى: 169.
(2) المختلف: 89، المنتهى 1: 254.
(3) انظر الوسائل 5: 401 أبواب الأذان والإقامة ب 13.
510

الفصل الثاني:
في المؤذن.
والمراد به هنا الذي يتخذ للأذان في بلدة أو محلة أو مسجد أو جماعة في غير
مسجد، ليعتد بأذانه المسلمون ويكتفون به.
ويشترط في صحة أذانه والاعتداد به: العقل والتميز والإسلام وفاقا،
والإيمان على الأصح، للإجماع، ومنافاة انتفائها للأمانة - الثابتة للمؤذن
بالنصوص العامية (1) والخاصية (2) - في الثلاثة الأولى، والأصل، وموثقة
الساباطي: (لا يستقيم ولا يجوز أن يؤذن إلا رجل مسلم عارف، فإن علم الأذان
وأذن به ولم يكن عارفا لم يجز أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به) وفي بعض النسخ: (ولا
يعتد به) (3).
ولا ينافيه الصحيح: (صل الجمعة بأذان هؤلاء، فإنهم أشد مواظبة على
الوقت) (4)، لجواز أن يكون المراد الاعتداد بأذانه في معرفة الوقت دون الاكتفاء.
والذكورة أو المحرمية على الأشهر في الأذان لغير النساء، للأصل،
لاختصاص ما دل على جواز الاعتداد بأذان الغير - بحكم التبادر وغيره - بغير
أذانها.
وظاهر الموثقة السابقة: (إلا رجل مسلم عارف).
وعدم بقائها على عمومها - لجواز أذان الصبي، وأذانها لهن وللمحارم إذا لم

(1) انظر سنن الترمذي 1: 133، كنز العمال 7: 681.
(2) انظر الوسائل 5: 378 أبواب الأذان والإقامة ب 3.
(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، التهذيب 2: 277 / 1101، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان والإقامة ب 26 ح 1.
(4) الفقيه 1: 189 / 899، التهذيب 2: 284 / 1136، الوسائل 5: 378 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 1.
511

يسمعه الأجانب - غير ضائر، لأن العام المخصص حجة في الباقي (1).
ولا يشترط فيه البلوغ ولا الحرية، إجماعا على الظاهر المصرح به في الخلاف
والمعتبر والتذكرة وشرح القواعد (2) في الأول خاصة، والمنتهى والذكرى (3) فيهما
معا، وهو الحجة مع العمومات، والمروي في الدعائم المنجبر بما مر: (لا بأس
أن يؤذن العبد والغلام الذي لم يحتلم) (4) فيهما.
مضافا إلى الصحيح والموثق -: (لا بأس إن يؤذن الذي لم يحتلم) (5) كما في
الأول، أو: (قبل أن يحتلم) (6) كما في الثاني - في الأول، وإلى فحوى ما دل على
جواز إمامته (7) في الثاني، وبها يخص ما دل على اعتبار الرجولية (8) أو الحرية.
ويستحب كونه عدلا، للإجماع على رجحانه، والنبوي: (يؤذن لكم
خياركم) (9).
ولا يجب بالإجماع، كما عن صريح المنتهى (10)، وظاهر الذكرى وشرح

(1) وقد يستدل أيضا بأنها إن أسرت الأذان لم يسمعوه ولا اعتداد بما لا يسمع
وإن جهرت كان أذانا
منهيا عنه فيفسد للنهي فكيف يعتد به. وضعف بمنع النهي، ثم كونه في الكيفية وهو لا يقتضي
الفساد، ثم عدم تماميته فيما إذا جهرت وهي لا تعلم سماع الأجانب، ثم منع اشتراط السماع في
الاعتداد وإلا لم يكره للجماعة الثانية ما لم يعرف الأولى، وفي الوجه الثاني نظر. منه رحمه الله تعالى.
(2) الخلاف 1: 281، المعتبر 2: 125، التذكرة 1: 107، جامع المقاصد 2: 175.
(3) المنتهى 1: 257، الذكرى: 172.
(4) دعائم الإسلام 1: 147، مستدرك الوسائل 4: 49 أبواب الأذان والإقامة ب 26 ح 1.
(5) التهذيب 2: 280 / 1112، الوسائل 5: 440 أبواب الأذان والإقامة ب 32 ح 1.
(6) الفقيه 1: 188 / 896، التهذيب 2: 53 / 181، و ج 3: 29 / 103، الإستبصار 1:
423 / 1632، الوسائل 5: 440 أبواب الأذان والإقامة ب 32 ح 2.
(7) انظر الوسائل 8: 325 أبواب صلاة الجماعة ب 16.
(8) انظر الوسائل 5: 405 أبواب الأذان والإقامة ب 14.
(9) سنن ابن ماجة 1: 240 / 726.
(10) المنتهى 1: 257.
512

القواعد (1)، للأصل الخالي عن المعارض، وعدم تعقل اتصاف الصبي - الجائز
أذانه بالنصوص - بالعدالة.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (2)، فأوجبه لبعض ما لا يدل عليه.
صيتا رفيع الصوت، لفتوى الجماعة (3)، وقول النبي صلى الله عليه وآله:
(ألقه على بلال فإنه أندى منك صوتا) (4).
مبصرا، ليتمكن من معرفة الوقت.
بصيرا بالأوقات التي يؤذن لها.
متطهرا مستقبلا قائما كما مرت.
على موضع مرتفع بلا خلاف حتى من المبسوط (5)، بل عن التذكرة ونهاية
الفاضل (6): الإجماع عليه، وهو الحجة فيه، مضافا إلى الرواية: (كان يقول إذا
دخل الوقت: يا بلال اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان) (7).
ويكره له الالتفات يمينا وشمالا، لمنافاته الاستقبال المأمور به. خلافا

(1) الذكرى: 172، جامع المقاصد 2: 176.
(2) نقله عنه في جامع المقاصد 2: 176.
(3) كالشيخ في المبسوط 1: 97، الكركي في جامع المقاصد 2: 176، الفيض في المفاتيح 1: 117.
(4) جامع الأصول لابن الأثير 6: 190، كنز العمال 7: 692.
(5) حيث قال: ويستحب أن يكون المؤذن على موضع مرتفع (المبسوط 1: 98) وأما قوله: ولا فرق
بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض، فالظاهر أن مراده المساواة في الإجزاء، أو
الاستحباب، أو المراد من الأرض مقابل المنارة كما في رواية علي بن جعفر (التهذيب 2: 284 / 1134،
الوسائل 5: 410 أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 6) (قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الأذان في المنارة، أسنة هو؟ فقال: إنما كان يؤذن للنبي في الأرض ولم تكن يومئذ
منارة) مع أن الأذان للنبي صلى الله عليه وآله فوق الجدار. منه رحمه الله تعالى.
(6) التذكرة 1: 107، نهاية الإحكام 1: 424.
(7) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 31، التهذيب 2: 58 / 206، المحاسن: 48 / 67، الوسائل
5: 411، أبواب الأذان والإقامة ب 16 ح 7.
513

لبعض العامة (1).
ويجوز اجتماع جماعة في محل واحد على الأذان دفعة واحدة، كما صرح به
جماعة منهم الفاضلان (2)، للأصل والإطلاقات.
وعن المبسوط أنه لا ينبغي الزيادة على الاثنين، لكون الأذان الثالث بدعة
بإجماع الفرقة (3).
وهو ضعيف، إذ ليس المراد من الأذان الثالث نحو ذلك.
ومن مشايخنا المحدثين من كره الاجتماع في محل على الأذان مطلاقا، سواء
كان دفعة أو ترتيبا، لعدم توقيف مثل ذلك من الشرع (4).
ويرد بكفاية المطلقات في توقيفه.
نعم، لو قيل بعدم مشروعية التراسل في الأذان بأن يبني كل واحد على
فصول الآخر كان جيدا جدا.
وعلى ما ذكرنا لا تظهر ثمرة لمسألة تشاح المؤذنين، إذ لا تشاح فيما يمكن
الاجتماع.
نعم، تظهر ثمرتها في ما إذا كان للمؤذن الواحد في مقام رزق من بيت المال
أو الموقوفات، والظاهر حينئذ تقديم من جمعت فيه الشرائط المعتبرة، ومع التساوي
يتخير متولي بيت المال أو الموقوف.

(1) انظر المغني 1: 472.
(2) المحقق في المعتبر 2: 132، العلامة في المنتهى 1: 259.
(3) ادعاء الإجماع لا يوجد في المبسوط بل موجود في الخلاف 1: 290 ويشهد له ما في مفتاح الكرامة
1: 96 و ج 2: 277.
(4) انظر: الحدائق 7: 349.
514

الفصل الثالث:
فيما يؤذن له ويقام، وما يتعلق بهما.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا ريب في مشروعيتهما ومطلوبيتهما لكل من الفرائض
الخمس اليومية ومنها الجمعة - إلا فيما يأتي الكلام فيه - للرجال والنساء، فرادى
وجماعة، أداء وقضاء حضرا وسفرا، بل هي إجماع المسلمين، بل ضروري
الدين.
وأما بعض الأخبار المصرحة بأنه ليس على النساء أذان ولا إقامة (1) فلا
ينفي إلا الوجوب، ولو سلم فيجب حملها عليه، للإجماع.
وصحيحة ابن سنان: عن المرأة تؤذن للصلاة؟ فقال: (حسن إن فعلت،
وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد أن لا آله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه
وآله رسول الله) (2).
ومرسلة الفقيه: (ليس على المرأة أذان ولا إقامة إذا سمعت أذان القبيلة
وتكفيها الشهادتان، ولكن إذا أذنت وأقامت فهو أفضل) (3).
وهذا مراد الفاضل في المنتهى حيث قال: وليس على النساء أذان ولا إقامة،
ولا نعرف فيه خلافا، لأنهما عبادة شرعية يتوقف توجه التكليف بهما على الشرع.
ويجوز أن تؤذن المرأة للنساء ويعتددن به، ذهب إليه علماؤنا - إلى أن قال -: وقال علماؤنا: إذا أذنت المرأة أسرت بصوتها لئلا يسمعها الرجال، قال الشيخ:
يعتد بأذانهن [للرجال] وهو ضعيف، لأنها إذا جهرت ارتكبت معصية وإلا فلا

(1) انظر الوسائل 5: 405 أبواب الأذان والإقامة ب 14.
(2) التهذيب 2: 58 / 202، الوسائل 5: 405 أبواب الأذان والإقامة ب 14 ح 1.
(3) الفقيه 1: 194 / 909، الوسائل 5: 406 أبواب الأذان والإقامة ب 14 ح 5.
515

اجتزاء به، لعدم السماع (1).
فإن الاستدلال بنفي التكليف، ثم التصريح باعتدادهن بأذانها، ثم
التصريح بالإسرار إذا أذنت صريح في إرادة نفي الوجوب.
ويحتمل إرادة نفي الأذان والإقامة لجماعة الرجال واعتدادهم بهما كما يدل
عليه بعض كلماته.
وهل هي على جهة الاستحباب أو الوجوب؟ الحق: الأول مطلقا، وفاقا
للخلاف والناصريات والمبسوط (2)، والحلي والديلمي (3)، وأكثر المتأخرين (4)، بل
كما قيل: جمهورهم، بل كافتهم (5)، بل عليه دعوى الشهرة المطلقة في كلام طائفة
من الطائفة (6)، للأصل الخالي عن المعارض بالمرة كما يأتي.
مضافا في الأذان للمنفرد إلى صحيحة الحلبي: (إنه كان إذا صلى وحده في
البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذن) (7).
والأخرى: (يجزئك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان) (8).
وللجامع إلى رواية [الحسن]: (إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا
بإقامة واحدة) (9).

(1) المنتهى 1: 257 وما بين المعقوفين من المصدر.
(2) الخلاف 1: 284، الناصريات (الجوامع الفقهية): 191، المبسوط 1: 95.
(3) الحلي في السرائر 1: 208، الديلمي في المراسم: 67.
(4) كالمحقق في المعتبر 2: 121، والعلامة في التذكر 1: 104، والفيض في
المفاتيح 1: 115.
(5) انظر البحار 81: 108، وقال في الرياض 1: 146: على الأظهر الأشهر بل لعله عليه عامة من تأخر.
(6) كما في التنقيح الرائع 1: 189، وجامع المقاصد 2: 167، ومجمع الفائدة 2: 163، والذخيرة: 251.
(7) التهذيب 2: 50 / 165، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 6.
(8) التهذيب 2: 50 / 166، الوسائل 5: 384 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 4.
(9) التهذيب 2: 50 / 4 6 1، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 8، وفي النسخ: الحسين، والصحيح ما أثبتناه كما في المصادر.
516

ولغير المغرب والغداة مطلقا إلى رواية ابن سيابة: (لا تدع الأذان في الصلاة
كلها، فإن تركته فلا تتركه في المغرب والفجر) (1).
وموثقة سماعة: (لا تصل الغداة والمغرب إلا بأذان وإقامة، ورخص في
سائر الصلوات بالإقامة، والأذان أفضل) (2).
وصحيحة ابن سنان: (يجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلا الغداة
والمغرب) (3) إلى غير ذلك.
وللمغرب إلى صحيحة عمر بن يزيد: عن الإقامة بغير أذان في المغرب،
قال: (ليس به بأس، وما أحب أن يعتاد) (4).
وللمسافر إلى صحيحة محمد والفضيل: (يجزئك إقامة في السفر) (5).
وصحيحة البصري: (يجزئ في السفر إقامة واحدة بغير أذان) (6).
والأخرى: (يقصر الأذان في السفر كما يقصر الصلاة، يجزئ إقامة
وا حدة) (7).
ومطلقا إلى صحيحة الحلبي: عن الرجل هل يجزئه في السفر والحضر إقامة

(1) التهذيب 2: 49 / 161، الإستبصار 1: 299 / 1104، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 3.
(2) التهذيب 2: 51 / 167، الإستبصار 1: 299 / 1106، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 5.
(3) التهذيب 2: 51 / 168، الإستبصار 1: 300 / 1108، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 4.
(4) التهذيب 2: 51 / 69 1، الإستبصار 1: 300 / 1108، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 6.
(5) التهذيب 2: 52 / 172، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 7.
(6) الفقيه 1: 189 / 900، الوسائل 5: 4 38 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 1.
(7) التهذيب 2: 51 / 170، الوسائل 5: 385 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 9.
517

ليس معها أذان؟ قال: (نعم لا بأس به) (1).
وصحيحة محمد: (إذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة، وإذا
أقمت صلى خلفك صف من الملائكة) (2).
والمروي في قرب الإسناد: تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد
يجزئنا إقامة بغير أذان؟ قال: (نعم) (3).
وفي الإقامة للنساء إلى صحيحة جميل: عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟
فقال: (لا) (4).
والمرويين في الخصال: (ليس على النساء أذان ولا إقامة) (5). ونحوهما في الدعائم (6).
وفي العلل: المرأة عليها أذان وإقامة؟ فقال: (إن كانت تسمع أذان القبيلة
فليس عليها أكثر من الشهادتين) (7).
وفي صحيحة زرارة: (إذا شهدت الشهادتان حسبها) (8).
وللمنفرد إلى المروي في الدعائم - المنجبر بما مر - عن علي عليه السلام:
(لا بأس أن يصلي الرجل بنفسه بلا أذان وإقامة) (9).
والاستدلال لعدم وجوبهما بالإجماع المركب، وجعلهما في الرضوي من

(1) التهذيب 2: 51 / 171، الوسائل 5: 384 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح
(2) التهذيب 2: 2 5 / 174، الوسائل 5: 1 38 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 2.
(3) قرب الإسناد: 163 / 596، الوسائل: 385 أبواب الأذان والإقامة ب 5 ح 10.
(4) الكافي 3: 305 الصلاة ب 18 ح 18، التهذيب 2: 57 / 200، الوسائل 5: 406 أبواب الأذان والإقامة ب 14 ح 3.
(5) الخصال: 511 / 2 و 585 / 12، مستدرك الوسائل 4: 34 أبواب الأذان والإقامة ب 13 ح 2.
(6) دعائم الإسلام 1: 146، مستدرك الوسائل 4: 34 أبواب الأذان والإقامة ب 3 ح 1.
(7) علل الشرائع: 355 / 1، الوسائل 5: 407 أبواب الأذان والإقامة ب 14 ح 8.
(8) التهذيب 2: 57 / 201، الوسائل 5: 405، أبواب الأذان والإقامة ب 14 ح 2.
(9) دعائم الإسلام 1: 46 1، مستدرك الوسائل 4: 25 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 1.
518

السنن اللازمة وأنهما ليستا بفريضة (1)، وقوله في بعض الصحاح بعد التصريح
بجواز ترك الأذان والاكتفاء بالإقامة: بأن الأذان والإقامة في جميع الصلوات
أفضل (2)، ضعيف، لعدم ثبوت الأول، وعدم صراحة السنة في الاستحباب،
لجواز كونها مقابل الفرض بمعنى الثابت بالكتاب، وجواز كون المفضل عليه
الإقامة فقط.
خلافا للمحكي عن العماني (3)، فأوجبهما مطلقا في المغرب والغداة وصلاة
الجمعة، والإقامة في باقي الصلوات.
والإسكافي (4)، فكذلك على الرجال.
وعن جمل السيد (5)، فأوجبهما في الثلاثة على الرجال والنساء مطلقا، وعلى
الرجال خاصة في كل صلاة جماعة، والإقامة عليهم خاصة في كل صلاة.
وعن الشيخين والقاضي وابن حمزة (6)، فأوجبوهما في الجماعة خاصة.
كل ذلك لروايات قاصرة من حيث الدلالة، لحصرها بكثرتها بين مشتمل
على ذكر عدم الإجزاء المحتمل لإرادة الإجزاء عن الواجب وفي الصحة، أو عن
الاستحباب وفي الفضيلة، وحاصله الإجزاء عن المطلوب، بل هو حقيقة الإجزاء
من غير مدخلية للوجوب أو الاستحباب، فعد الأخير خلاف الظاهر خلاف
الواقع، مع إشعار بل دلالة في بعض ما يتضمنه على الاستحباب (7)، وبين

(1) فقه الرضا عليه السلام: 98.
(2) علل الشرائع: 337 / 1، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 2.
(3) حكاه عنه في المختلف: 87.
(4) حكاه عنه في المختلف: 87.
(5) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 29.
(6) المفيد في المقنعة: 97، الطوسي في النهاية: 64، القاضي في المهذب 1: 88، ابن حمزة في الوسيلة: 91
(7) وهو رواية أبي بصير المذيلة بقوله: (فإنه ينبغي أن تؤذن فيهما وتقيم) فإن قوله: (ينبغي) ظاهر في
الاستحباب بل بمعناه بالنسبة إلى الأذان فكذا بالنسبة إلى الإقامة لوحدة السياق. منه رحمه الله.
تعالى. الكافي 3: 303 الصلاة ب 18 ح 9، التهذيب 2: 50 / 163، الإستبصار 1: 299 / 1105، الوسائل 5: 387 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 7.
519

متضمن للجملة الخبرية أو المرددة بين الخبرية والإنشائية، وهما لا تفيدان أزيد من
المطلوبية.
نعم، في موثقة [عمار]: عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ رجل
آخر فيقول له: نصلي جماعة، هل يجوز أن يصليا بذلك الأذان والإقامة؟ قال:
(لا ولكن يؤذن ويقيم) (1).
وصحيحة صفوان، المروية في العلل: (ولا بد في الفجر والمغرب من أذان
الإقامة في الحضر والسفر) (2).
ولكنهما لا تكافئان ما مر، مع أنهما على فرض التكافؤ يكون تعارضهما مع
بعض ما مر في الأذان بالتباين، ومع بعض منه أيضا بالعموم من وجه، فيرجع في
الأذان إلى أصل عدم الوجوب، ويلزمه القول به في الإقامة أيضا لئلا يلزم استعمال
لفظتي: (لا يجوز) و (لا بد) في المعنيين، هذا.
ثم إنه على المختار من القول فيهما بالاستحباب يحمل ما في الأخبار من
التفصيل بإثبات أحدهما أو كليهما في بعض الصلوات أو الحالات أو لبعض دون
البعض على تأكد الاستحباب.
وعلى هذا فيكونان للرجال آكد منهما للنساء، وللجامع من المنفرد،
وللحاضر من المسافر، والأذان في الصبح والمغرب منه في غيرهما، والإقامة في الجميع من الأذان.
والمشهور تأكدهما فيما يجهر فيه بالقراءة أيضا، واستند فيه إلى المستفيضة

(1) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، الفقيه 1: 58 / 1168، التهذيب 3: 282 / 834،
الوسائل 5: 432 أبواب الأذان والإقامة ب 27 ح 1، وفي جميع النسخ: سماعة، والصحيح ما
أثبتناه كما سينقلها عنه في ص 533 أيضا.
(2) علل الشرائع: 337 / 1، الوسائل 5: 386 أبواب الأذان والإقامة ب 6 ح 2.
520

الدالة عليه في الصبح والمغرب (1).
وفيه ما فيه، إلا أن لكون المقام مقام الاستحباب يكفي فيه الشهرة وفتوى
الأصحاب.
المسألة الثانية: لا يؤذن لشئ من النوافل ولا غير الخمس من الفرائض،
قال في المعتبر: إنه مذهب علماء الإسلام (2). ونحوه في المنتهى (3)، وكذا الإقامة،
لأنهما وظيفتان شرعيتان موقوفتان على التوقيف، وليس في غير ما ذكر.
إلا أن الأصحاب ذكروا أنه يقول المؤذن في سائر الفرائض: (الصلاة)
ثلاثا، والظاهر أن مرادهم فيما يصلي جماعة خاصة.
وذكر جماعة (4) أنهم لم يقفوا على دليل عليه في غير صلاة العيدين. وهو
كذلك، إلا أن فتواهم تكفي لإثبات الاستحباب.
المسألة الثالثة: ذكروا سقوط الأذان أو مع الإقامة في مواضع:
منها: إذا جمع بين الصلاتين، فيسقط أذان الثانية، ذكره العماني والشيخ
والفاضل (5)، وجماعة (6)، بل نسب إلى المشهور (7)، بل عن الخلاف الإجماع عليه (8).

(1) انظر الوسائل 5: 386 أبواب الأذان والإقامة ب 6.
(2) المعتبر 2: 135.
(3) المنتهى 1: 260.
(4) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 204، وصاحب الحدائق 7: 365.
(5) حكاه عن العماني في الذكرى: 174، الشيخ في الخلاف 1: 4 28، الفاضل في التذكرة 1: 106.
(6) منهم القاضي في المهذب 1: 90، والكركي في جامع المقاصد 2: 170، والشهيد الثاني في روض الجنان: 240.
(7) لم نعثر على من نسب إلى المشهور صريحا، وقال البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط): والمذكور في كلام غير واحد من الفقهاء أن الجامع المذكور يسقط عنه الأذان في الثانية.
(8) الخلاف 1: 284.
521

لأن الأذان إعلام وقد حصل بالأول.
ولصحيحة الفضيل وزرارة: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله جمع بين
الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وبين المغرب والعشاء بأذان وإقامتين) (1).
ونحوها صحيحة ابن سنان بزيادة قوله: (في الحضر من غير علة) بعد
لفظ: (العشاء) (2).
ورواية صفوان: إن الصادق عليه السلام جمع بين الظهرين بأذان
وإقامتين، ثم قال: (إني على حاجة فتنفلوا) (3).
ويضعف التعليل: بأنه يجزئ في الأذان الإعلامي والمطلوب غيره.
والأخبار - مع ما فيها من الإجمال، حيث لم يتعين أن المراد هل هو الجمع
في الوقت، أو بترك النافلة، أو مطلق الفصل، وإن دل بعض الأخبار على حصول
الجمع بالثاني (4)، ولكنه غير كاف -: بأنه لا دلالة لها على السقوط أصلا،
لأنهم قد يتركون المستحب.
ومع التسليم لا تدل على استناد السقوط إلى الجمع، فلعله لحاجة أو علة
أخرى، فتبقى عمومات الأذان في صورة الجمع خالية عن المخصص.
فالحق - كما صرح به بعض مشايخنا المحققين (5) - عدم السقوط.
ومنها: صلاة العصر من يوم الجمعة، فإن في سقوط أذانها مطلقا، كما عن

(1) الفقيه 1: 186 / 885، التهذيب 3: 18 / 66، الوسائل 5: 445 أبواب الأذان والإقامة ب 36 ح 2، 3.
(2) الفقيه 1: 186 / 886، الوسائل 4: 220 أبواب المواقيت ب 32 ح 1.
(3) الكافي 3: 287 الصلاة ب 9 ح 5، التهذيب 2: 263 / 1048، الوسائل 4: 9 1 2 أبواب المواقيت ب 31 ح 2.
(4) انظر الوسائل 4: 224 أبواب المواقيت ب 33.
(5) شرح المفاتيح للوحيد البهبهاني (المخطوط).
522

المبسوط والنهاية والمقنعة (1). أو عمن صلى الجمعة، كما عن السرائر (2) والكامل،
بل عن ظاهر الأول الإجماع عليه، أو مع الجمع المستحب فيه، كما هو ظاهر
المحقق والمنتهى (3)، بل نسبه فيه إلى علمائنا، أو عدم السقوط مطلقا، كما عن
الأركان، بل المقنعة (4)، والقاضي (5) أيضا، واختاره الأردبيلي وصاحب المدارك (6).
أقوالا، أصحها: الأخير، للعمومات، والإطلاقات الخالية عن المخصص
والمقيد.
واحتج الأول برواية حفص: (الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة) (7).
ويرد بعدم الدلالة، إذ في المراد من الأذان الثالث احتمالات عديدة (8).
والثاني بالإجماع على السقوط عمن صلى الجمعة.
ويرد بعدم الثبوت.
والثالث: بما مر من السقوط مع الجمع. وقد عرفت ضعفه.
ومنها: صلاة العصر من يوم عرفة، والعشاء بمزدلفة، كما يأتي في كتاب

(1) المبسوط 1: 151، النهاية: 107، ولم نعثر في المقنعة على السقوط مطلقا، وقال في المدارك 3:
264: إن الشيخ في التهذيب نقل عن المقنعة سقوط الأذان مطلقا. انظر التهذيب 3: 18.
(2) السرائر 1: 305.
(3) المحقق في المعتبر 2: 136، المنتهى 1: 261.
(4) المقنعة: 126.
(5) قال الفيض في المفاتيح 1: 116: والأصح عدم السقوط فيه مطلقا إلا الجمع وفاقا للمفيد والقاضي... لكن المستفاد من صريح كلامه في المهذب 1: 102 و 104 أنه لا يسقط الأذان عمن صلى الظهر ويسقط عمن صلى الجمعة.
(6) الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 165، المدارك 3: 264.
(7) الكافي 3: 421 الصلاة ب 5 7 ح 5، التهذيب 3: 19 / 67، الوسائل 7: 400 أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب 49 ح 1 و 2.
(8) قيل: المراد بالأذان الثالث هو الذي أحدثه عثمان أو معاوية على اختلاف القولين قبل الوقت، فإن، النبي صلى الله عليه وآله شرع للصلاة أذانا وإقامة فالزائد ثالث، ولعل الأول أذان الصبح،
والثاني الظهر، والثالث العصر، ويحتمل غيرهما أيضا. منه رحمه الله تعالى.
523

الحج إن شاء الله.
ومنها: قضاء الصلاة، فيسقط أذان غير الأولى منها ويكتفى فيه بالإقامة
بالإجماع على الظاهر، له، ولصحيحة محمد: عن رجل صلى الصلاة وهو جنب
اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك، قال: (يتطهر ويؤذن ويقيم في أولهن، ثم
يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة بغير أذان حتى يقضي صلاته) (1).
وصحيحة زرارة: (إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك
قضاء صلوات فابدأ بأولاهن فأذن لها وأقم، ثم صل ما بعدها بإقامة، [إقامة]
لكل صلاة) (2).
وظاهرهما - كظاهر عبارات جماعة - سقوطه عن غير الأولى مطلقا، سواء
أداها في مجلس واحد أو أزيد، ولا يختص بالأولى - كما هو الظاهر ممن قيده بغير
الأولى من ورده - لعدم المخصص، ولذا حمل بعض مشايخنا المحققين الورد في
كلماتهم على جميع عدد ما فات (3).
ثم السقوط هنا هل هو بمعنى عدم المشروعية؟ كما هو ظاهر المدارك (4)،
وغيره (5)، وهو القول المحكي في الذكرى (6) أيضا عن بعضهم أنه بمعنى أفضلية
الترك، إذ لا معنى لها هنا إلا عدم الأمر به الذي هو معنى عدم التوقيف.
أو بمعنى خفة الاستحباب بالنسبة إلى سائر الصلوات؟ كما هو المشهور،

(1) التهذيب 3: 159 / 342، الوسائل 8: 254 أبواب قضاء الصلوات ب 1 ح 3.
(2) الكافي 3: 1 29 الصلاة ب 12 ح 1، التهذيب 3: 158 / 340، الوسائل 5: 446 أبواب الأذان والإقامة ب 37 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(3) البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(4) المدارك 3: 263.
(5) كالبحار 81: 166.
(6) الذكرى: 174.
524

بل عليه الإجماع في الناصريات (1)، وعن الخلاف (2)، وهي المراد بقولهم: إنه لو
أذن لكل فائتة كان أفضل (3)، إذ هذا المعنى ثابت للجميع، فيكون الفرق بالخفة
والشدة، بل هي بعينها معنى الرخصة في سقوط الأذان على القول باستحبابه في
كل موضع يقولون بالسقوط رخصة.
الأقرب: الثاني، للشهرة والإجماع المنقول الكافيين في المقام، وإطلاق أكثر
الأخبار الواردة في استحباب الأذان والإقامة، بل عموم بعضها المعتضدة جميعا
بالصحيح: (من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته) (4).
وخبر الساباطي: عن الرجل إذا أعاد الصلاة هل يعيد الأذان والإقامة؟
قال: (نعم) (5) لولا المعارض.
دليل الأول: الأصل، وظاهر الصحيحين، فإن أقلهما رجحان ترك
الأذان، وهو يستلزم عدم الأمر به، وبهما تقيد الإطلاقات وتخصص العمومات.
ويجاب عن الأصل: بوجود الدافع.
وعن الصحيحين: بالمعارضة مع الشهرة والإجماع المحكي، فتبقى
الإطلاقات والعمومات خالية عن المخصص المعلوم، وهي كافية للمطلوب وإن
لم تتم دلالة الصحيح المذكور، من حيث إن المتبادر من قوله عليه السلام: (كما
فاتته) أي: بجملة أجزائها وصفاتها الداخلة تحت حقيقتها دون الأمور الخارجة
عنها، ومنع ذلك مكابرة صرفة، ولا الخبر المتعقب له من حيث معارضته مع رواية
موسى بن عيسى: كتبت إليه: رجل تجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 192.
(2) الخلاف 1: 282 - 284.
(3) كما في المختصر النافع: 27، الدروس 1: 165، وقال في البحار 81: 166 أنه المشهور بين
الأصحاب.
(4) غوالي اللآلي 2: 54 / 143.
(5) التهذيب 3: 167 / 367، الوسائل 8: 270 أبواب قضاء الصلوات ب 8 ح 2.
525

وإقامة؟ فكتب: (يعيدها بإقامة) (1).
ومنها: السفر، فيسقط فيه الأذان عند أكثر أهل العلم، كما في المنتهى (2)،
للمستفيضة المتقدمة المصرحة بإجزاء الإقامة فيه.
وظاهر الأصحاب كون السقوط هنا رخصة، فيكون الأذان ثابتا فيه، بل
الظاهر أنه المجمع عليه.
وتدل عليه صحيحة الحلي: (إذا أذنت في أرض فلاة وأقمت صلى خلفك
صفان من الملائكة) الحديث (4).
ورواية بريد بن معاوية: (الأذان يقصر في السفر كما يقصر الصلاة،
والأذان واحدة واحدة) الخبر (5).
وقد يستظهر له بلفظ الإجزاء.
وفيه نظر.
وعلى هذا فالمراد بسقوطه فيه خفة الاستحباب بالنسبة إلى الحضر، كما مر.
ومنها: السامع أذان الغير وإقامته، فيسقطان عن المصلي إذا كان إماما بلا
خلاف بين الأصحاب كما قيل (6)؟ لرواية أبي مريم: صلى بنا أبو جعفر بلا أذان
ولا إقامة، فقلت له في ذلك، فقال: (إني مررت بجعفر وهو يؤذن ويقيم فلم
أتكلم فأجزأني ذلك) (7).
ورواية عمرو بن خالد: عن أبي جعفر عليه السلام [قال]: كنا معه فسمع

(1) التهذيب 2: 282 / 1124، الوسائل 5: 446 أبواب الأذان والإقامة ب 37 ح 2.
(2) المنتهى 1: 262.
(3) راجع ص 517، 518.
(4) التهذيب 2: 52 / 173، الوسائل 5: 381 أبواب الأذان والإقامة ب 4 ح 1.
(5) التهذيب: 62 / 219، الإستبصار 1: 308 / 1143، الوسائل 5: 424 أبواب الأذان
والإقامة ب 21 ح 2.
(6) انظر الرياض 1: 152.
(7) التهذيب 2: 280 / 1113، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 2.
526

أذان جار له بالصلاة، فقال: (قوموا)، فقمنا فصلينا معه بغير أذان ولا إقامة،
قال: (يجزئكم أذان جاركم) (1).
وصحيحة ابن سنان: (إذا أذن مؤذن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي
بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه) (2).
ومقتضى هذه النصوص - كصريح كثير من العبارات - عدم الفرق في
المؤذن بين مؤذن المصر أو المسجد أو المنفرد، بل قيل: إن ظاهر الخبرين الأولين
كونه منفردا، فتخصيص المسالك بالأولين (4)، لا وجه له.
وكذا إذا كان المصلي منفردا على الأظهر بل الأشهر - كما قيل - وإن أنكره
بعض من تأخر (5)، لإطلاق الصحيحة، بل إطلاق قوله: (يجزئكم أذان جاركم)
في رواية ابن خالد. وكونهم جامعين حينئذ غير موجب لتقييده به. إلا أنهما
مخصوصان بالأذان، فالتعدي في المنفرد إلى الإقامة أيضا - كما ذكره من ذكره (6) - مشكل.
والاستدلال بالأولوية من الجامع فاسد، لمنعها سيما مع عدم معلومية
العلة، والإجماع المركب غير معلوم، فالاقتصار فيه على سقوط الأذان خاصة
أولى.
وكذا إذا تكلم بعد الإقامة، فلا تسقط حينئذ، بل تستحب إعادتها، لما مر
من استحبابها بعد التكلم، ولعدم دليل على سقوطها حينئذ، لاختصاص

(1) التهذيب 2: 285 / 1141، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 3، وما بين
المعقوفين من المصدر.
(2) التهذيب 2: 280 / 1112، الوسائل 5: 437 أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 1.
(4) الرياض 1: 152.
(4) المسالك 1: 28.
(5) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط).
(6) صاحب المدارك 3: 300.
527

الصحيحة بالأذان، وعدم عموم ولا إطلاق في الأوليين، لورودهما في واقعة
خاصة، بل في أولاهما التصريح بعدم التكلم، وبأنه العلة في الإجزاء، فتبقى
أصالة عدم سقوطها حينئذ خالية عن الدافع، بخلاف الأذان، فإن إطلاق
الأخيرتين كاف في دفعها، ولا يعارضه التقييد بعدم التكلم في الأولى، إذ لعله
لسقوطهما معا.
ثم إن سقوطهما حينئذ هل هو رخصة، فتستحب إعادتهما أيضا أم عزيمة؟
الظاهر: الثاني وإن اتسع الوقت بين السماع والصلاة، وفاقا للمحكي عن
المبسوط (1)، ومحتمل الذكرى (2)؟ لأنه مقتضى لفظ الإجزاء، إذ معناه كفايته عن
الأذان أو الإقامة المأمور به، فإذا اكتفى عنه فلا يبقى أمر آخر.
وأيضا: مقتضى استحباب الإعادة عدم إجزاء المسموع، وهو مخالف
مدلول النصوص.
وخلافا لجماعة من المتأخرين (3) فقالوا بالأول، وإليه يميل كلام المدارك
والذخيرة (4)، للعمومات، وعدم منافاة الإجزاء لها، وظاهر الصحيحة، فإن ظاهر قوله: (وأنت تريد أن تصلي بأذانه) التخيير بين الصلاة به وعدمها، وللأمر
بإعادتهما للمنفرد إذا أذن وأقام ثم أراد الجماعة (5).
ويرد الأول: بتخصيص العمومات بما مر، إذ لولاه وبقاء ما أمر به بالعموم
فما الذي أجزأ عنه السماع؟!
والثاني: بأن مقتضاه التخيير بين الصلاة بأذانه وعدم الصلاة، لا بينها

(1) لم نجده في المبسوط ولم نعثر على حاكيه عنه.
(2) الذكرى: 173.
(3) كالكركي في جامع المقاصد 2: 193، والفيض في المفاتيح 1: 116، وصاحب الحدائق 7:
430.
(4) المدارك 3: 300، الذخيرة: 258.
(5) تقدم في ص 520 ويأتي أيضا في ص 533.
528

والصلاة بأذان نفسه، وسبب التقييد بذلك أن استحباب إتمام ما نقص إنما هو
على من أراد الصلاة بذلك الأذان دون غيره ممن صلى أو لا يريد الصلاة.
هذا إذا لم يكن المسموع أذان الجماعة وإقامتها، والسامع إمام هذه الجماعة
أو مأمومها. وأما فيه فالظاهر عدم الخلاف في عدم استحباب الإعادة وكون
السقوط عزيمة، بل قيل: إن على تركهما حينئذ إطباق المسلمين كافة (1). وهو
كذلك.
كما أن الظاهر أن الكلام في الأذان للصلاة دون الأذان المستحب للإعلام
وإعلاء شعائر الإسلام، فلا يسقط ذلك بسماع غيره، للأصل، واختصاص
الأخبار بالأول.
وعلى هذا فلا منافاة بين السقوط بالسماع وبين ما مر من جواز أذان جمع في
محل، مع أن السقوط بالسماع إنما هو بعد سماع تمام الأذان، فلا يسقط بسماع
البعض ولا بشروع الغير، فيمكن اجتماع جمع على الأذان للصلاة قبل إتمام واحد
منهم.
ومنها: من جاء مسجدا صليت فيه جماعة ولما تتفرق صفوف الجماعة،
فيسقط عنه الأذان والإقامة، ويكتفي بأذانهم وإقامتهم، سواء فرغوا من صلاتهم
أم لا، للمستفيضة من النصوص، المنجبر ضعف ما فيه ضعف منها بالشهرة
المحققة والمحكية.
منها: رواية عمرو بن خالد: (دخل رجلان المسجد وقد صلى علي عليه
السلام بالناس فقال لهما: إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم) (2).
والسكوني: (إذا دخل الرجل المسجد وقد صلى أهله فلا يؤذنن ولا يقيمن).

(1) كما في المدارك 3: 300.
(2) التهذيب 2: 281 / 1119 و ج 3: 56 / 191، الوسائل 5: 430 أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 3.
529

الحديث (1).
وإطلاقهما وإن اقتضى سقوط الأذان والإقامة مطلقا إلا أنه مقيد ببقاء
الصفوف بالإجماع والأخبار:
كموثقة أبي بصير: الرجل يدخل في المسجد وقد صلى القوم أيؤذن ويقيم؟
قال: (إن كان دخل ولم يتفرق الصف صلى بأذانهم وإقامتهم، وإن كان تفرق
الصف أذن وأقام) (2).
وروايته: عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلم، فقال: (ليس عليه أن
يعيد الأذان فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرقوا أعاد الأذان) (3).
والمراد ببقاء الصفوف هنا بقاء بعض المصلين ولو كان واحدا، كما صرح به
شيخنا الشهيد الثاني (4)، لرواية أبي علي: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ أتاه
رجل فقال: جعلت فداك، صلينا في المسجد الفجر وانصرف بعضنا وجلس
بعض بالتسبيح، فدخل علينا رجل المسجد فأذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: (أحسنت، ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع)
الحديث (5)، فإن البعض يصدق على الواحد أيضا ولو كان إماما.
وبها يقيد إطلاق التفرق في روايتي أبي بصير، الشامل لذهاب البعض أو
الأكثر أيضا، لعمومهما بالنسبة إليها.
ويشترط كون البعض جالسا في مقام صلاته، فلو انصرف عنه الجميع لم

(1) التهذيب 3: 56 / 195، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 4.
(2) التهذيب 2: 281 / 1120، الوسائل 5: 430 أبواب الأذان والإقامة ب 25 ح 2.
(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 12، التهذيب 2: 277 / 1100، الوسائل 5: 429 أبواب
الأذان والإقامة ب 25 ح 1.
(4) المسالك 1: 26.
(5) الفقيه 1: 266 / 1215، التهذيب 3: 55 / 190، الوسائل 8: 415 أبواب صلاة الجماعة
ب 65 ح 2.
530

يسقط ولو بقي بعضهم في المسجد.
وهل يكفي بقاؤهم وجلوسهم كلا أو بعضا مطلقا كما هو مقتضى إطلاق
بعض العبارات، أم يشترط اشتغالهم بالصلاة أو التعقيب؟ الظاهر: الأول،
لإطلاق الروايتين، وهما وإن اختصتا بصورة عدم تفرق الصفوف المختص ببقاء
الجميع إلا أنه يتعدى إلى غيره بالإجماع المركب.
ولا تعارضهما رواية أبي علي حيث قيد فيها الجلوس بالتسبيح، لأنه إنما هو
في السؤال.
والأظهر الموافق لظاهر أكثر كلمات الأصحاب كما قاله بعضهم، بل عدا
ابن حمزة كما ذكره الآخر (1): شمول الحكم بالسقوط للجامع والمنفرد.
لا لأجل اقتضاء ثبوته في الأول الذي يتأكد فيه الأذان والإقامة - حتى قيل
بالوجوب فيه (2) - ثبوته في الثاني بالطريق الأولي، لمنع الأولوية، لجواز أن تكون
الحكمة في السقوط مراعاة جانب إمام المسجد الراتب بترك ما يوجب الاجتماع
ثانيا، وهي مفقودة في المنفرد.
بل لإطلاق غير الأولى من الروايات.
وعدم صحتها سندا عندنا غير ضائر، مع أن منها الموثق وهو كالصحيح
عندهم حجة، سيما مع انجبارها بما مر من الشهرة المحكية.
خلافا للمحكي عن ابن حمزة، فخصه بالجماعة (3)، للأصل والعمومات.
وكذا الظاهر شموله للجائي بقصد درك الجماعة أو غيره، واتحاد صلاته مع
صلاتهم أو اختلافها، كل ذلك للإطلاق. وكون ذلك في المسجد أو غيره،
لإطلاق رواية أبي بصير.

(1) الرياض 1: 148.
(2) راجع ص 519 الرقم 6.
(3) حكاه عنه في الذخيرة: 253.
531

وفي الكل خلاف يندفع بما ذكر من الإطلاق، وصرفه إلى الغالب - وهو
وقوع الجماعة في المسجد واتحاد الصلاتين - مردود: بمنع الغلبة بحيث يتبادر من
الاطلاق جدا.
ولو صلى الجاؤون جماعة بلا أذان وإقامة، فدخل ثالث فيؤذن ويقيم، إلا
أن يبقى واحد من الجماعة الأولى جالسا في محله.
نعم، يشترط كون الإمام ممن يقتدي به المصلي، فلو كان غيره أذن وأقام،
لرواية ابن عذافر: (أذن خلف من قرأت خلفه) (1).
ورواية معاذ: (إذا دخل الرجل المسجد وهو لا يأتم بصاحبه وقد بقي على
الإمام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل:...) الحديث (2).
ثم السقوط هنا هل هو عزيمة فلا يستحبان أصلا، أو رخصة فيستحبان
وإن خف؟ فيه قولان، كل منهما لجماعة (3). أصحهما: الأول، للأمر بتركهما في
الأخبار المتقدمة، وأقله الرجحان المنافي للتوقيف.
مضافا إلى الأمر بالمنع الشديد بل الأشد في رواية أبي علي.
احتج الثاني: بالأصل، والعمومات.
وموثقة عمار: عن الرجل أدرك الإمام حين سلم، قال: (عليه أن يؤذن
ويقيم ويفتتح الصلاة) (4).
ورواية ابن شريح، وفيها: (ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان

(1) الفقيه 1: 251 / 1130، التهذيب 3: 56 / 192، الوسائل 5: 443 أبواب الأذان والإقامة
ب 34 ح 2.
(2) الكافي 3: 306 الصلاة ب 18 ح 22، التهذيب 2: 281 / 1116، الوسائل 5: 443 أبواب
الأذان والإقامة ب 34 ح 1.
(3) من الجماعة الأولى: الشيخ في التهذيب 3: 55، والبهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط)، ومن
الجماعة الثانية: الفيض في المفاتيح 1: 116، والمجلسي في البحار 81: 172.
(4) الفقيه 1: 258 / 1170، التهذيب 3: 282 / 836، الوسائل 5: 431 أبواب الأذان والإقامة
ب 25 ح 5.
532

والإقامة) (1).
والأول مدفوع بما مر، والثاني مخصوص به، والأخيرتان محمولتان على صورة
التفرق، كما هو صريح التفصيل في رواية أبي بصير.
واستبعاده لا وجه له أصلا، إذ لا شك أن بعد التسليم يعم صورتي التفرق
وعدمه، فيجب تخصيصه بعد وجود الخاص.
فائدة: قد عرفت اختلافهم في بعض مواضع السقوط في أنه هل هو عزيمة
أو رخصة، ومرجع الرخصة على القول بوجوب الأذان والإقامة إلى الاستحباب.
وأما على القول باستحبابهما فلا يظهر لها من الأخبار الدالة على السقوط
سوى خفة الاستحباب، كما أشرنا إليه، وتأويلها إلى أنه تكون الصلاة بدونهما في
هذه المواضع كالصلاة معهما في غيرها فضيلة وثوابا أو غير ذلك مما لا دليل عليه.
وعلى هذا فتخصيصهم السقوط رخصة ببعض المواضع مع تفاوت مراتب
الاستحباب في مواضع أخر أيضا كما ذكر، والتعبير هنا بالرخصة وفيها بالخفة، لا
وجه له، ولعله مما ذكره الموجبون فتبعهم غيرهم فيه، فتأمل.
المسألة الرابعة: لو أذن وأقام بنية الانفراد ثم أراد الاجتماع استحب
الاستئناف لهما، وفاقا للمشهور، بل قيل: الظاهر عدم الخلاف فيه بين الأصحاب (2).
لموثقة عمار: عن الرجل يؤذن ويقيم ليصلي وحده فيجئ رجل آخر فيقول
له: نصلي جماعة، هل يجوز أن يصليها بذلك الأذان والإقامة؟ قال: (لا ولكن يؤذن ويقيم) (3).
وضعفها - لو كان - منجبر بالشهرتين بل الإجماعين، فرد الحكم لضعف
سندها فاسد.

(1) الفقيه 1: 265 / 1214، الوسائل 8: 415 أبواب صلاة الجماعة ب 65 ح 4.
(2) كما في الحدائق 7: 389.
(3) الكافي 3: 304 الصلاة ب 18 ح 13، الفقيه 1: 258 / 1168، التهذيب 2: 277 / 1101
و ج 3: 282 / 834، الوسائل 5: 432 أبواب الأذان والإقامة ب 27 ح 1.
533

الفصل الرابع:
في بيان بقية أحكامهما
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لو ترك الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة، فإن كان
ساهيا، استحب التدارك، واستئناف الصلاة إن تذكر قبل الركوع، ويتم الصلاة إن تذكر بعده.
وإن كان متعمدا، أتمها مطلقا ولم يجز الرجوع، وفاقا للسيد في المصباح (1)،
والشيخ في الخلاف (2)، والشرائع والنافع والمنتهى والتذكرة والقواعد وشرحه
والمدارك (3)، بل الأكثر، بل كافة من تأخر، كما صرح به غير من شذ وندر (4).
ويدل على الأولين صحيحة الحلبي: (إذا افتتحت الصلاة فنسيت أن تؤذن
وتقيم ثم ذكرت قبل أن تركع فانصرف وأذن وأقم واستفتح الصلاة، وإن كنت قد
ركعت فأتم على صلاتك (5).
والأمر بالانصراف فيها محمول على الندب بقرينة قوله: (وأذن) المحمول
عليه، ودلالة الصحيحة النافية لوجوب شئ عليه، وهي صحيحة داوود: في
رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل في الصلاة، قال: (ليس عليه شئ) (6)

(1) نقله عنه في المعتبر 2: 129.
(2) لم نعثر عليه في الخلاف ولكن حكاه عنه صاحب المدارك 3: 273، والمحقق السبزواري في
الذخيرة: 258، وحكى خلافه عنه المحقق في المعتبر 2: 129.
(3) الشرائع 1: 75، المختصر النافع: 27، المنتهى 1: 16، التذكرة 1: 109، القواعد 1: 30،
جامع المقاصد 2: 198، المدارك 3: 273.
(4) منهم صاحب الرياض 1: 145.
(5) التهذيب 2: 278 / 1103، الإستبصار 1: 304 / 1127، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان
والإقامة ب 29 ح 3.
(6) التهذيب 2: 285 / 1140، الإستبصار 1: 305 / 1131، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان والإقامة.
534

وعلى بعض أفراد الثاني: رواية الكناني: عن رجل نسي الأذان حتى صلى
قال: (لا يعيد) (1) ونحوها إحدى روايتي أبي بصير (2)، وقريبة منها الأخرى (3).
وعلى الثالث: دليل تحريم إبطال الصلاة، ومفهوم صدر الصحيحة، فإن
ما يعطف على ما بعد حرف الشرط ثم يذكر بعده الجزاء يكون جزءا من الشرط،
فإذا فقد فقد المشروط، كما صرح به فخر المحققين (4).
خلافا للنهاية والسرائر (5)، فقالا بالعكس، فينصرف ويتدارك مع العمد
قبل الركوع ويتم بعده، ومع النسيان مطلقا.
ولعل حجتهما على الجزء الأول مفهوم رواية نعمان الرازي: رجل نسي أن
يؤذن ويقيم حتى كبر ودخل في الصلاة، قال: (إن كان دخل المسجد ومن نيته أن
يؤذن ويقيم فليمض في صلاته ولا ينصرف) (6).
دل على أنه إن لم يكن من نيته ذلك ينصرف وهو معنى التعمد، ولا ينافيه
اختصاص السؤال بالناسي بعد التفصيل في الجواب.
وعلى الثاني: الأصل، والإجماع، واختصاص ما دل على جواز الانصراف
بما قبل الركوع.
وعلى الثالث: صحيحة زرارة: عن رجل نسي الأذان والإقامة حتى دخل

(1) التهذيب 2: 279 / 1108، الإستبصار 1: 303 / 1123، الوسائل 5: 433 أبواب الأذان
والإقامة ب 28 ح 1.
(2) التهذيب 2: 279 / 1109، الإستبصار 1: 303 / 1124، الوسائل 5: 433 أبواب الأذان
والإقامة ب 28 ح 2.
(3) لم نعثر على رواية أخرى لأبي بصير.
(4) إيضاح الفوائد 1: 97.
(5) النهاية: 65، السرائر 1: 209.
(6) التهذيب 2: 279 / 1107، الإستبصار 1: 303 / 1122، الوسائل 5.: 436 أبواب الأذان
والإقامة ب 29 ح 8.
535

في الصلاة، قال: (فليمض في صلاته إنما الأذان سنة) (1) وقريبة منها الأخرى (2).
ويجاب عنه - بعد تسليم دليل الثاني - أما عن دليل الأول: فبعدم استلزام
عدم نية الأذان والإقامة حين دخول المسجد تعمد تركهما، غايته شمولها له أيضا،
فتكون دلالتها عليه بالعموم، فيعارض مفهوم صدر صحيحة الحلبي، ويرجع إلى
أصل تحريم إبطال العمل، مضافا إلى المخالفة للشهرة المخرجة له عن الحجية.
وأما عن دليل الثالث: فبمعارضته مع منطوق الصحيحة وهي أخص
مطلقا منه، لاختصاصها بما قبل الركوع، وعمومه له ولما بعده، فيجب تخصيصه
بها.
مضافا إلى ما قيل من عدم دلالته إلا على عدم الرجوع لا حرمته (3).
ولكن فيه نظر، لأن الأمر بالإمضاء إيجاب له وتحريم لضده.
وللمحكي عن المبسوط (4)، فأطلق جواز الرجوع قبل الركوع، وحجته في
الصورتين حجة الفريقين فيهما، وجوابه يظهر مما مر.
ولطائفة أخرى، فقالوا في المسألة بأقوال شاذة يدفعها شذوذها، كروايات
أخر واردة في المسألة دالة على التفرقة بين قبل الشروع في القراءة وبعده (5)، أو على
جواز الرجوع في الإقامة ما لم يفرغ من صلاته (6)، حيث إن عدم القائل بمضمونها
أو ندرتها يمنع عن العمل بها.

(1) التهذيب 2: 285 / 1139، الإستبصار 1: 304 / 1130، الوسائل 5: 434 أبواب الأذان
والإقامة ب 29 ح 1.
(2) التهذيب 2: 279 / 1106، الإستبصار 1: 302 / 1121، الوسائل 5: 436 أبواب الأذان
والإقامة ب 29 ح 7.
(3) كما في الرياض 1: 146.
(4) حكاه عنه في الحدائق 7: 367.
(5) انظر: الوسائل 5: 435، 436 أبواب الأذان والإقامة ب 29 ح 5 و ح 9.
(6) انظر: الوسائل 5: 433 أبواب الأذان والإقامة ب 28 ح 3.
536

ثم إن جواز الرجوع هل يختص بترك الأذان والإقامة معا، كما هو ظاهر
بعض العبارات (1) ومفاد الصحيحة الأولى، أو يجوز لترك الأذان خاصة أيضا كبعض
آخر (2)، أو لترك الإقامة خاصة كثالث (3)؟ الأحوط: الأول.
وغاية الاحتياط عدم الرجوع لترك شئ منهما، إذ غايته الاستحباب
المعارض لاحتمال التحريم.
المسألة الثانية: يستحب حكاية الأذان عند سماعه بلا خلاف، كما قيل (4)،
بل بالإجماع كما استفاض به النقل (5)، له، وللمستفيضة من النصوص:
كصحيحة محمد: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سمع المؤذن يؤذن
قال مثل ما يقول في كل شئ) (6).
ومرسلة الفقيه: (ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان وأنت على الخلاء فاذكر
الله عز وجل وقل كما يقول المؤذن) (7).
وفي أخرى: (من سمع الأذان وقال كما يقول المؤذن زيد في رزقه) (8).
وفي المرويين في العلل والخصال أيضا: أنه يزيد في الرزق (9).
وظاهر هذه الأخبار استحباب حكاية جميع الفصول حتى الحيعلات.

(1) انظر: المهذب 1: 89.
(2) انظر: الشرائع 1: 75، المسالك 1: 27.
(3) الرياض 1: 146.
(4) انظر: المدارك 3: 293.
(4) كما في الخلاف 1: 285، الذكرى: 170، الرياض 1: 152.
(6) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 29، الوسائل 5: 453 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 1.
(7) الفقيه 1: 187 / 892، الوسائل 5: 454 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 2.
(8) الفقيه 1: 189 / 904، الوسائل 5: 455 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 4.
(9) علل الشرائع: 284 / 4، الخصال: 504 / 2، الوسائل 1: 314 أبواب أحكام الخلوة ب 8 ح 3.
537

ويجوز الحولقة بعد الحيعلات كما في أكثر نسخ الدروس (1)، للمروي مرسلا
في المبسوط: (إن النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل كذلك) (2).
وكونه عاميا على الظاهر - لرواية مسلم نحوه في صحيحه (3) - لا ينافي جوازه
مع كونه ذكرا حسنا في كل حال، بل تعليل استحباب حكاية الأذان به في بعض
الروايات (4) يثبت استحبابه، بل الرواية مثبتة له وإن كانت عامية، للتسامح في أدلة
السنة. وذلك غير مناف لاستحباب الحكاية أيضا.
فجعل قول الدروس خروجا عن ظواهر النصوص، والاستشكال فيه
بمجرد هذه الرواية، غير جيد، مع أن في بعض نسخه: ويجوز في الصلاة ألا الحيعلات
فيحولق. وحينئذ لا غبار عليه، كما ذكره جمع من الأصحاب (5) حيث أبطلوا
الصلاة بحكاية الحيعلات، وبدلوها فيها بالحولقة منضمة إلى سائر الفصول جوازا
لا استحبابا، بل خصوا استحباب الحكاية مطلقا بغير حال الصلاة تقديما للإقبال
المطلوب في الصلاة، واقتصارا على ما تيقن شمول عموم الأخبار له، وهو لحال
الصلاة غير متيقن.
ولعل وجهه - مع كونها أخفى الحالات - أن شموله لها يستلزم تخصيص
المحكي حينئذ بغير الحيعلات، وهو ليس بأولى من تخصيص الحكاية بغير حال
الصلاة. إلا أن يمنع التخصيص الأول إما باعتبار كون الحيعلات أيضا ذكرا
جائزا في الصلاة، كما يدل عليه تعليل الحكاية في بعض الروايات بكون ذكر الله
حسنا في كل حال، أو باعتبار شمول الأمر بالحكاية لها فيستثنى بها من الكلام

(1) الدروس 1: 163.
(2) المبسوط 1: 97.
(3) صحيح مسلم 1: 289 / 12.
(4) الفقيه 1: 187 / 892، الوسائل 5: 454 أبواب الأذان والإقامة ب 45 ح 2.
(5) منهم الشيخ في المبسوط 1: 97، والكركي في جامع المقاصد 2: 191، والشهيد الثاني في المسالك 1: 27.
538

الممنوع في الصلاة.
ولكن في الاعتبارين نظر.
أما الأول: فلأن إطلاق ذكر الله على الحيعلات لو سلم مجاز قطعا،
والثابت جوازه في الصلاة ليس إلا الذكر الحقيقي.
وأما الثاني: فلمنع شمول الأخبار لحال الصلاة، كما لا يخفى على المتأمل
فيها.
ثم إنه لا شك في استحباب الحكاية مع كل فصل، وفي بعض الأخبار
دلالة عليه.
وهل يستحب بعد تمام الفصول لو لم يحكها معها؟ صرح جملة من
الأصحاب بالعدم، لفوات المحل (1).
وعن المبسوط والخلاف، والتذكرة: الاستحباب (2)، وهو مقتضى عموم
بعض الروايات.
وهل يختص الحكم بالأذان أم يعم الإقامة أيضا؟ مقتضى الأصل
واختصاص النصوص وأكثر الفتاوى: الأول (3).
والمحكي عن المبسوط والمهذب والنهاية: الثاني (4)، ووجه بعموم التعليل في
بعض الأخبار بأن ذكر الله حسن على كل حال.
وعمومه ممنوع كما لا يخفى على الناظر فيه.

(1) انظر: الذكرى: 170، والذخيرة: 256.
(2) قال في المبسوط 1: 97:.... كان مخيرا إن شاء قاله وإن شاء لم يقله ليس لأحد ما مزية على
الآخر إلا من حيث كان تسبيحا أو تكبيرا، لا من حيث كان أذانا.
وأما الخلاف فلم نعثر عليه فيه، وحكى عنه في الحدائق 7: 425 مثل ما قاله في المبسوط.
وقال في التذكرة 1: 109: كان مخيرا بين الحكاية وعدمها.
(3) انظر: جامع المقاصد 2: 192، والمسالك 1: 27، وروض الجنان: 246، وكشف اللثام 1: 209
(4) المبسوط 1: 97، المهذب 1: 90، النهاية: 67.
539

وذكر جماعة اختصاص الاستحباب حكايته بالأذان المشروع (1).
وللنظر فيه مجال، لإطلاق الأخبار.
ويستحب الحاكي الشهادتين أن يضم معهما ما في رواية ابن المغيرة: (من
سمع المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقال
مصدقا محتسبا - أي حال كونه كذلك -: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمدا رسول الله أكتفي بهما عمن أبى وجحد وأعين بهما من أقر وشهد، كان له من
الأجر) الحديث (2).
ويستحب أيضا لسامع أذان الصبح والمغرب أن يقول ما في المروي في
المجالس وثواب الأعمال: (من قال حين يسمع أذان الصبح: اللهم إني أسألك
بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلاتك وأصوات دعاتك وتسبيح ملائكتك أن
تتوب علي إنك أنت التواب الرحيم، وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب، ثم
مات عن يومه أو ليلته تلك كان تائبا) (3).
المسألة الثالثة: إذا أراد أن يصلي أحد بأذان انفرادا أو جماعة يتم ما
يخل به منه فصلا أو حرفا أو حركة، كما صرح به في الصحيحة: (إذا أذن مؤذن
فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلي بأذانه فأتم ما نقص هو من أذانه) (4).
ولو لم يرد الصلاة به بل حكاه استحبابا فهل يستحب إتمام ناقصه؟ ظاهر
إطلاق بعض العبارات ذلك (5)، ولا بأس به.

(1) انظر جامع المقاصد 2: 191، والمسالك 1: 27، والرياض 1: 152.
(2) الكافي 3: 307 الصلاة ب 18 ح 30، الفقيه 1: 187 / 891، الوسائل 5: 454، أبواب الأذان
والإقامة ب 45 ح 3.
(3) أمالي الصدوق: 219 / 9، ثواب الأعمال: 152، الوسائل 5: 452 أبواب الأذان والإقامة
ب 43 ح 2.
(4) التهذيب 2: 280 / 1112، الوسائل 5: 437، أبواب الأذان والإقامة ب 30 ح 1.
(5) انظر: التذكرة 1: 109، والدروس 1: 163، والبيان: 145.
540