الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٣٤
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمود القوچاني / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي
الطبعة:
سنة الطبع:
المطبعة:
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266 من الهجرة
تصحيح وتحقيق وتعليق
محمود القوچاني
عنى بتصحيحه: العالم الفاضل السيد إبراهيم الميانجي
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه، وطبع
بنفقة
المكتبة الاسلامية، الجزء الرابع والثلاثون 34
طهران شارع البوذرجمهرى
تليفون 521966 - 535448
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
1

نام كتاب: جواهر الكلام
مؤلف: شيخ محمد حسن النجفي
ناشر: كتابفروشى اسلاميه
تعداد: 3000 جلد
نوبت چاپ: دوم - 1366 شمسي
چاپخانه: آيدا
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب اللعان
مصدر " لاعن " وربما استعمل جمعا، وهو لغة الطرد والابعاد، وشرعا مباهلة
بين الزوجين على وجه مخصوص، ولعل الملاعنة هنا لإرادة طرح كل منهما صاحبه
وإبعاده عنه، أو تشبيها للعن كل منهما نفسه إن كان كاذبا بلعن كل منهما
صاحبه.
والأصل فيه قوله تعالى (1): " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم
شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين * والخامسة
أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين * ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع
شهادات بالله أنه لمن الكاذبين * والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين ".
والسبب فيها - مضافا إلى ما يدركه العقل من المصالح في ذلك - ما عن ابن

(1) سورة النور: 24 - الآية 6 إلى 9.
2

عباس (1) من أنه لما نزلت " والذين يرمون المحصنات " (2) إلى آخرها قال
سعد بن معاذ: يا رسول الله إني لأعلم أنها حق من عند الله تعالى شأنه، ولكن
تعجبت أن لو وجدت لكاعا يفخذها لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى
آتي بأربعة شهداء: فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته، فما لبثوا حتى
جاء هلال بن أمية فقال: يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا
يقال له: شريك بن سمحاء فرأيت بعيني وسمعت بإذني، فكره النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ذلك، فقال سعد: الآن يضرب النبي هلال بن أمية، وتبطل شهادته في المسلمين،
فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي مخرجا فبينما هم كذلك إذ نزل:
" والذين يرمون أزواجهم " إلى آخرها (3) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أبشر
يا هلال، فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا ".
وروي أن المعرض هو عاصم بن عدي الأنصاري (4) قال: " جعلني الله
فداك إن وجد رجل مع امرأته فأخبر جلد ثمانين جلدة وردت شهادته أبدا وفسق،
وإن ضربه بالسيف قتل به، وإن سكت على غيظ إلى أن يجئ بأربعة شهداء فقد
قضيت حاجته ومضى، اللهم افتح وفرج واستقبله هلال بن أمية، فأتيا إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبر عاصم رسول الله صلى الله عليه وآله، فكلم خوله زوجة هلال، فقالت:
لا أدري الغيرة أدركته أم بخل بالطعام؟ وكان الرجل نزيلهم، فقال هلال: لقد
رأيته على بطنها، فنزلت الآية، فلاعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما. وقال لها: إن

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 394.، وتفسير الطبري ج 18 ص 82، وتفسير الرازي
ج 6 ص 342 - ط عام 1307، ومجمع البيان ج 4 ص 128 ط صيدا مع الاختلاف
في الألفاظ في الجميع.
(2) سورة النور: 24 - الآية 4 - 6.
(3) سورة النور: 24 - الآية 4 - 6.
(4) تفسير الرازي ج 6 ص 342 ط عام 1307 ومجمع البيان ج 4 ص 128
ط صيدا.
3

كنت ألممت بذنب فاعترفي به فالرجم أهون عليك من غضب الله، فإن غضبه
هو النار ".
وروي (1) " إن عويمر العجلاني رمى زوجته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: البينة
وإلا حد في ظهرك، فنزلت ".
وفي طرقنا (2) " إن عباد البصري سأل أبا عبد الله وأنا حاضر كيف يلاعن
الرجل المرأة؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: إن رجلا من المسلمين أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فقال: يا رسول الله أرأيت لو أن رجلا دخل منزله فوجد مع امرأته رجلا يجامعها
ما كان يصنع؟ قال: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانصرف الرجل، وكان ذلك
الرجل هو الذي ابتلى بذلك من امرأته، فقال: فنزل الوحي من عند الله تعالى
بالحكم فيهما، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك الرجل فدعاه، فقال له: أنت الذي
رأيت مع امرأتك رجلا، فقال: نعم فقال له: انطلق فأتني بامرأتك، فإن الله أنزل
الحكم فيك وفيها، فأحضرها زوجها فأوقفهما رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال للزوج:
اشهد أربع شهادات بالله أنك لمن الصادقين فيما رميتها به، قال: فشهد، ثم قال:
اتق الله فإن لعنة الله شديدة، ثم قال: اشهد الخامسة أن لعنة الله عليك إن كنت
من الكاذبين، قال: فشهد، ثم أمر به فنحي، ثم قال للمرأة: اشهدي أربع شهادات
بالله أن زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به فشهدت، ثم قال لها: أمسكي، فوعظها
وقال: اتقي الله فإن غضب الله شديد، ثم قال: واشهدي الخامسة أن غضب الله عليك
إن كان زوجك من الصادقين فيما رماك به، فشهدت، قال: ففرق بينهما،
وقال لهما: لا تجتمعان بنكاح أبدا بعد ما تلاعنتما " إلى غير ذلك مما ورد
فيها.
(و) كيف كان ف‍ (النظر في أركانه وأحكامه، وأركانه أربعة).

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 393 وفيه " أن هلال بن أمية قذف امرأته ".
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1.
4

(الأول في السبب:)
(وهو شيئان:)
(الأول)
(القذف) كتابا (1) وسنة (2) بل وإجماعا وإن حكي عن الصدوق
في الفقيه والهداية وظاهر المقنع أنه قال: " لا لعان إلا بنفي الولد، وإذا قذفها ولم
ينتف جلد ثمانين جلدة " لقول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (3): " لا يكون
اللعان إلا بنفي الولد " لكن في خبر محمد بن مسلم (4) عن أحدهما عليهما السلام " لا يكون
لعان إلا بنفي ولد، وقال: إذا قذف الرجل امرأته لاعنها " ومن هنا حملهما الشيخ
على أنه لا لعان بدون دعوى المشاهدة إلا بالنفي، ولا بأس به بعد معلومية قصورهما
عن المعارضة، خصوصا بعد احتمال إضافية الحصر بالنسبة إلى مقتضى المقام، ويكون
المراد أنه لا لعان بمجرد الشبهة.
وفي وافي الكاشاني في خبر أبي بصير " لعل المراد أنه إذا كانت المرأة حاملا
فأقر الزوج بأن الولد منه ومع هذا قذفها بالزنا فلا لعان، وأما إذا لم يكن حمل
وإنما قذفها بالزنا مع الدخول والمعاينة فيثبت اللعان، كما دلت عليه الأخبار،
ويدل على هذا صريحا حديث محمد عن أحدهما عليهما السلام فإنه قد أثبت اللعان بالأمرين "
وفيه أنه وغيره مضافا إلى الكتاب يدل على إثباته بالقذف على الاطلاق من دون إشارة
إلى ما ذكره من التفصيل الذي يمكن دعوى الاجماع على خلافه.

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان.
(3) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 2 - 1
(4) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 2 - 1
5

(و) كيف كان ف‍ (لا يترتب اللعان به) أي القذف (إلا على رمي
الزوجة المحصنة) غير المشهورة بالزنا (المدخول بها بالزنا قبلا بل أو دبرا)
عندنا، بل عن الخلاف الاجماع عليه، خلافا لأبي حنيفة فنفاه فيه (مع دعوى
المشاهدة وعدم البينة).
(فلو رمى الأجنبية تعين الحد ولا لعان) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى إطلاق ما دل على الحد بالقذف كتابا (1) وسنة (2)
المقتصر في تقييده باللعان على قذف الزوجة كتابا (3) وسنة (4) وإجماعا
بقسميه، مؤيدا ذلك بظهور الحكمة في الفرق بين الزوج والأجنبي الذي لا داعي
له إلى القذف من غيره ونحوها.
(وكذا لو قذف الزوجة ولم يدع المشاهدة) لقول الصادق عليه السلام في
الصحيح (5) " إذ قذف الرجل امرأته فإنه لا يلاعنها حتى يقول رأيت بين رجليها
رجلا يزني بها " الحديث. وفي مرسل أبان (6) عنه عليه السلام أيضا " لا يكون لعان
حتى يزعم أن قد عاين " وفي صحيح ابن مسلم (7) " سألته عن الرجل يفتري
على امرأته، قال: يجلد ثم يخلى بينهما، ولا يلاعنها حتى يقول: أشهد أني
رأيتك تفعلين كذا وكذا " وفي رواية (8) " إذا قال: إنه لم يره قيل له أقم البينة
وإلا كان بمنزلة غيره جلد الحد ".
بل في كشف اللثام لعله لا خلاف في اشتراط مشاهدة أنها تزني، ويتفرع على
ذلك سقوط اللعان بقذف الأعمى زوجته، لانتفائها في حقه، وينحصر لعانه حينئذ
بنفي الولد، لكن أشكله في المسالك - بعد اعترافه مكررا باشتراط الأصحاب
المعاينة - بامكان علمه بدون المشاهدة، واشتراطها لو سلم يمكن حمله على من

(1) سورة النور: 24 - الآية 4 - 6.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب حد القذف من كتاب الحدود.
(3) سورة النور: 24 - الآية 4 - 6.
(4) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب اللعان.
(5) الوسائل الباب - 4 - من كتاب اللعان الحديث - 4 - 3 - 2 - 5.
(6) الوسائل الباب - 4 - من كتاب اللعان الحديث - 4 - 3 - 2 - 5.
(7) الوسائل الباب - 4 - من كتاب اللعان الحديث - 4 - 3 - 2 - 5.
(8) الوسائل الباب - 4 - من كتاب اللعان الحديث - 4 - 3 - 2 - 5.
6

تمكن في حقه، أو على جعله كناية عن العلم بذلك، وأنه لا يكفي الظن المستند إلى
القرائن أو الشياع منفردا - إلى أن قال -: ويؤيده عموم قوله تعالى (1): " والذين
يرمون " ثم أطنب بعد ذلك بما لا حاصل له: بل كأنه اجتهاد في مقابلة النص الذي
به يقيد إطلاق الأدلة، لا استبعاد في اعتبار ذلك في خصوص اللعان الذي هو وظيفة
شرعية منافية لاطلاق أدلة القذف وإن لم نشرطه في أصل الشهادة واكتفينا فيها
بالعلم، كما لا استبعاد في سقوط اللعان بذلك حينئذ للأعمى بعد إطلاق أدلة
الاشتراط.
(ولو كان له بينة) على ما قذفها به (فلا لعان ولا حد) كما تسمع
تحقيق الحال فيه.
(وكذا لو كانت المقذوفة مشهورة بالزنا) لأن اللعان إنما شرع صونا
لعرضها من الانتهاك، وعرض المشهورة بالزنا منتهك، لكن في كشف اللثام " لم
أر من اشترطه من الأصحاب غير المصنف والمحقق " وظاهره التأمل فيه، ولعله
لاطلاق الأدلة، وفيه أنه مبني على اعتبار الاحصان بمعنى العفة في حد
القذف الذي شرع لسقوطه اللعان في الزوجين، وكما تسمع تحقيقه إن شاء الله
في الحدود.
هذا (و) قد عرفت أنه مما (يتفرع على اشتراط المشاهدة سقوط
اللعان في حق الأعمى بالقذف) إذا قذفها حال عماه (لتعذر المشاهدة) منه
حينئذ (و) إنما (يثبت في حقه) اللعان (بنفي الولد) وعرفت إشكال ثاني
الشهيدين فيه والجواب عنه.
(ولو كان للقاذف بينه وعدل إلى اللعان قال في الخلاف) وتبعه الفاضل
في المختلف: (يصح) لاطلاق النصوص (2) الذي لا يقيده مفهوم الحال في

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب اللعان.
7

الآية (1) الخارج مخرج الغالب، مؤيدا بما وقع من النبي صلى الله عليه وآله (2) من
الملاعنة من دون أن يسأل عن البينة.
(ومنع في المبسوط) وتبعه يحيى بن سعيد في المحكي من جامعه والفاضل
في قواعده (التفاتا إلى اشتراط عدم البينة في الآية وهو الأشبه) بأصول المذهب
وقواعده التي منها الاقتصار فيما خالف إطلاق أدلة القذف على المتيقن، على أن
اللعان حجة ضعيفة والبينة حجة قوية، فلا يعدل إلى الضعيف مع وجود القوي،
بل ظاهر النصوص (3) أن أصل مشروعية اللعان لعدم تيسر البينة، وإطلاق
النصوص لا وثوق به بعد أن كان محتملا لإرادة ما في الآية خارجا مخرج الغالب،
كما اعترف به الخصم في رفع دلالة القيد، وعدم سؤال النبي صلى الله عليه وآله لعله لعلمه
بالحال، بل في الخبر قرائن دالة على البينة، على أنه من قضايا الأحوال،
لا من ترك الاستفصال عقيب السؤال.
(ولو قذفها بزنا إضافة إلى ما قبل النكاح فقد وجب الحد، وهل له إسقاطه
باللعان) كما لو أطلق أو إضافة إلى زمان الزوجية؟ (قال في الخلاف: ليس له
اللعان اعتبارا بحالة الزنا) الذي رماها به في حال لم يشرع له اللعان فيه، فيبقى
عموم " والذين يرمون المحصنات " (4) شاملا له سالما عن معارضة دليل اللعان،
لأنه لا يقال: قذف زوجته، كما أن من قذف مسلما بالزنا حال كفره لا يقال:
إنه قذف مسلما.
(وقال في المبسوط: له ذلك اعتبارا بحالة القذف) الذي لا ريب في صدوره
منه في حال الزوجية (وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده، لاطلاق أدلة اللعان
كتابا وسنة الذي لا يقيده سبب النزول، بل هو كذلك، سواء قلنا باعتبار بقاء
مبدأ الاشتقاق في صدق المشتق وعدمه، فإنه إنما اعتبر فيها بعد تسليم اعتبار البقاء

(1) سورة النور: 24 - الآية 6
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1 - 0 -.
(4) سورة النور: 24 - الآية 4.
8

كون الرمي حين الزوجية لا الرمي بما وقع حينها، وكأن التعليل أولا باعتبار
حالة الزنا نشأ من توهم ذلك، فحكم بنفي صدق أنه قذف زوجته، فأخرجه من آية
اللعان وأدخله في آية القذف، لكنه كما ترى، ضرورة صدق رمي الزوجة وقذفها،
فيدخل في آية اللعان حينئذ.
(ولا يجوز) للزوج فضلا عن الأجنبي عندنا (قذفها مع الشبهة ولا مع
غلبة الظن أو أخبره الثقة أو شاع إن فلانا زنى بها) ولا غير ذلك من صفات الولد
ونحوه، لأن عرض المؤمن كدمه، بل في كشف اللثام في حسن الحلبي (1) عن
الصادق عليه السلام " أنه نهى عن قذف من كان على غير الاسلام إلا أن يكون اطلعت على
ذلك منه " وفي الصحيح عن عبد الله بن سنان (2) " أنه نهى عن قذف من ليس على
الاسلام إلا أن يطلع على ذلك منهم، وقال: أيسر ما يكون أن يكون قد كذب "
إلا أنهما كما ترى ظاهران في جواز قذف غير المسلم مع الصدق، وربما يؤيده
ما وقع من الأئمة عليهم السلام في قذف بعض الناس (3) خصوصا في مشاجرة
الحسن عليه السلام مع معاوية لعنه الله وأصحابه بناء على أنهم غير مسلمين أو بحكم
غير المسلمين.
وعلى كل حال فلا يجوز قذف الزوجة بالأمور المزبورة خلافا لبعض العامة،
فجوز للزوج قذفها للأجنبي بجميع ذلك، لكنه كما ترى، بل لا يجوز قذفها
للأجنبي مع اليقين إذا لم تكن بينة، نعم جاز له ذلك للزوج خاصة وشرع له
الشارع التخلص عن الحد باللعان، ولا يجب عليه مع عدم الولد، للأصل، بل لعل
الستر عليها ومفارقتها بغير اللعان أولى، بل لا يحرم عليه امساكها أيضا، للأصل
وللمرسل (4) " إن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: إن له

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب حد القذف الحديث 2 - 1 من كتاب الحدود.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب حد القذف الحديث 2 - 1 من كتاب الحدود.
(3) البحار ج 44 ص 80 و 82 و 83.
(4) المستدرك الباب - 12 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 7.
9

امرأة لا ترديد لامس فقال صلى الله عليه وآله: طلقها، قال: إني أحبها، قال: فأمسكها ".
نعم إذا كان هناك ولد يتيقن أنه ليس منه يجب عليه نفيه منه، لأن ترك النفي
يتضمن الاستلحاق، ولا يجوز له استلحاق من ليس منه، كما لا يجوز نفي من هو
منه، وفي النبوي (1) " أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله
في شئ " ومن المعلوم أن الرجل بمعناها.
(وإذا قذف في العدة الرجعية) إضافة إلى زمان الزوجية أو زمان العدة
(كان له اللعان) كما له الايلاء والظهار، لأنها بحكم الزوجة، بل لا يتوقف على
رجوعه، بل يصح في الحال، ويترتب عليه أحكامه بخلافهما، لأن مدار اللعان على
الفراش ولحوق النسب، والرجعية في ذلك كالمنكوحة (و) في التأخير خطر
بالموت.
نعم (ليس له ذلك في البائن) ولا في الرجعية بعد العدة (بل يثبت بالقذف
الحد ولو أضافه إلى زمان الزوجية) لأنها أجنبية حينئذ وقد عرفت أن العبرة
بزمان القذف، خلافا لبعض العامة، فأثبته مع الإضافة إلى زمانها، أما نفي الولد
فله اللعان له ولو في حال الطلاق البائن، كما ستعرف. ولو قذف ثم أبانها كان له
اللعان، لصدق رمي الزوجة.
ولو قالت: " رميتني قبل أن تتزوجني فعليك الحد " فقال: " بل بعده فلي
اللعان " أو قالت: " قذفتني بعد أن بنت منك " فقال: " بل قبله " فالقول قوله، لأن
القذف فعله، ولأن القول قوله في أصله فكذا في وقته، مضافا إلى درء الحد بالشبهة،
نعم لو قالت الأجنبية: " قذفتني " فقال: " كانت زوجتي " فأنكرت الزوجية أصلا
قدم قولها، للأصل.
(ولو قذفها بالسحق لم يثبت اللعان) بلا خلاف ولا إشكال، لظهور أدلته
في كونه بالزنا ونفي الولد وحينئذ فلا لعان فيه (ولو ادعى المشاهدة و) لكن

(1) المستدرك الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 5 وسنن البيهقي ج 7
ص 403.
10

(يثبت الحد) به في أحد القولين، لأنه قذف بفاحشة، وقد يشكل بأن دليل
القذف ظاهر في الزنا واللواط أيضا، والأصل البراءة، فهو حينئذ كالقذف بإتيان
البهائم إنما فيه التعزير، ومن هنا كان المحكي عن أبي الصلاح والفاضل في المختلف
التعزير خاصة، بل لعله مقتضى حصر المنصف موجب الحد به في الحدود بالرمي بالزنا
واللواط، كما ستسمع تحقيق الحال فيه إن شاء الله.
(ولو قذف زوجته المجنونة) في حال إفاقتها (ثبت الحد) لاطلاق
الأدلة (و) لكن (لا يقام عليه إلا بعد المطالبة) منها في حال صحتها
(فإن أفاقت) وطالبت به (صح اللعان) منه لاسقاطه (وليس لوليها
المطالبة بالحد ما دامت حية) لأن طريق إسقاطه من جانب الزوج بالملاعنة التي
لا تصح من الولي، نعم لو كانت مجنونة ولم تستوف الحد كان لوارثها المطالبة به،
لأنه من حقوق الآدميين، كذا ذكروا ذلك، وهو إن كان إجماعا فذاك وإلا
أشكل ذلك بعموم ولاية الولي، وبأنه لا دليل على اعتبار الملاعنة، بل مقتضى
الآية (1) أنه لا مدخلية للعان الرجل في نفي حد القذف عنه بلعان المرأة الذي
هو لسقوط العذاب عنها، وحينئذ يتجه اللعان منه لاسقاط الحد عنه وإن تعذر اللعان
منها بجنون أو موت أو نحو ذلك، فتأمل جيدا، فإني لم أجده محررا وإن ترتب
عليه أحكام كثيرة.
ولو أضافه إلى حال جنونها فلا حد لعدم القذف بالزنا المحرم، وكذا لو
كانت المقذوفة عاقلة حال القذف ولكن أضافه إلى حال جنونها وكان لها حالة جنون
معلومة، بل في المسالك أو محتملة، إلا أنه يعزر للايذاء، أما إذا علم استقامة
عقلها وليس لها حالة جنون فعن ظاهر الأكثر ثبوت الحد، لاطلاق الأدلة.
لكن في المسالك تبعا للفاضل في القواعد " يحتمل العدم، لأنه نسبها إلى
الزنا في تلك الحال، وإذا علم انتفاؤها لم تكن زانية، فيكون ما أتى به لغوا من

(1) سورة النور: 24 - الآية 6 و 7.
11

الكلام ومحالا، فأشبه ما إذا قال: زنيت وأنت رتقاء " وفيه أن العلم بالانتفاء لا يقتضي
انتفاء ما رماها به من الزنا، بل أقصاه الكذب في وصفها بالحال المزبور، ولعل من
ذلك ما لو قال: " زنيت وأنت مشركة " ولم يعهد منها حالة إشراك، وحينئذ
فلو قالت: " ما كنت مشركة ولا مجنونة " كان القول قولها، لأصالة الاسلام
والعقل، ويحتمل قوله، لأصل البراءة، والله العالم.
(وكذا ليس للمولى مطالبة زوج أمته) ولا الأجنبي (بالتعزير في
قذفها) ما دامت حية، لأن الحق لها، وللزوج طريق لاسقاطه باللعان الذي لا يحصل
من الولي (فإن ماتت قال الشيخ: له المطالبة، وهو حسن) وإن كان المملوك
لا يورث، لكن ذلك مبني على عدم ملكه، أما ما كان له فأدلة الإرث تشمله، على أن
من المعلوم أحقية السيد بذلك بعد استصحاب عدم سقوطه.
ولو نسبها إلى زنا مستكرهة عليه أو مشتبه عليها أو نائمة فليس قذفها وإن
استشكل فيه الفاضل في القواعد لأنه إنما نسبها لأمر لا لوم عليه ولا إثم فيه، بل
ليس زنا في عرف الشرع، بل عن الشيخ التردد في أصل التعزير وإن كان الأظهر
ذلك، للعار والإيذاء. وعلى كل حال فلا لعان إلا لنفي الولد، بل جزم به الفاضل
وإن استشكل في كونه قذفا، ولعله مما قيل من كون اللعان على خلاف الأصل،
والمتبادر من الرمي بالزنا الرمي بما لم يكن عن إكراه، فيقتصر عليه، ولأنه الذي
يوجب الانتقام منها، وإن كان هو كما ترى.
ولو قذف نسوة بلفظ واحد تعدد اللعان، لأنه يمين واليمين لا تتداخل في
حق الجماعة ولو مع رضاهن بلا خلاف، فإن تراضين بمن يبدأ بلعانها وإلا أقرع
أو بدأ الحاكم بمن شاء.
12

(السبب الثاني:)
(إنكار الولد) بلا خلاف أجده فيه نصا (1) وفتوى، بل قد عرفت حصر
اللعان به في النصوص (2) السابقة (و) لكن (لا يثبت اللعان بانكار الولد
حتى تضعه) تاما (لستة أشهر فصاعدا من حين) احتمال (وطئها ما لم يتجاوز
حملها أقصى مدة الحمل وتكون) مع ذلك (موطوءة بالعقد الدائم، و) حينئذ
ف‍ (لو) علم أنه (ولدته تاما لأقل من ستة أشهر لم يلحق به) قطعا (وانتفى بغير
لعان) نعم لو ولدته ناقصا اعتبر إمكان لحوقه به عادة، ويختلف ذلك باختلاف
حالاته.
وتظهر الفائدة في انقضاء عدتها بوضعه لو كان قد طلقها ثم أتت به في العدة ولم
يلاعن فيها، فإنه يثبت نسبه مع إمكانه، وتبين بوضعه، وقد تقدم في الطلاق ما يدل
على معرفة وقت الامكان، ولعله لذا قيد المصنف وغيره بالتمام، فإنه الذي يعلم نفيه
عنه، وكذا لو علم أنه قد جاءت به بعد مضي أقصى الحمل من الوطء المحتمل لذي
الفراش وكان المصنف ترك التصريح به اتكالا على ما ذكره أولا وعلى ذكر الأقل،
ضرورة معلومية كونه لغيره شرعا فيهما معا، فلا يحتاج نفيه إلى لعان، بل لو
أريد إلحاقه به لم يتمكن من ذلك مع فرض العلم بعدم مقاربته لها قبل النكاح
شبهة، وقد أطنب في المسالك في الفرق بين صورة الوضع للأقل والأقصى، بل ادعي
أن في عبارات الأصحاب قصورا في تأدية الحكم المزبور، لكنه عند التأمل لا حاصل
له، ولا قصور في عبارات الأصحاب بعد معلومية كون المراد لهم أنه علم وضعها للولد
للأقل أو بعد الأقصى، كما هو واضح.
وعلى كل حال فلو تزوج الشرقي بغربية وأتت بولد لستة أشهر من العقد
لم يلحق به، لعدم الامكان عادة، ولا لعان لنفيه، خلافا لبعض العامة حيث اكتفى

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان.
(2) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان.
13

في الالحاق بالعقد وقدرته على الوطء وإن لم يكن عادة، وفرع عليه مسائل (منها)
هذه المسألة، و (منها) أنه إذ تزوج بامرأة بحضرة القاضي وطلقها في الحال ثم أتت
بولد لستة أشهر من العقد لحق به، ولم ينتف إلا باللعان، و (منها) أنه إذا غاب
عنها زوجها وانقطع خبره، فقيل لها: إنه مات فاعتدت ثم تزوجت فأولدها الزوج
الثاني أولادا ثم عاد الأول، فالأولاد لاحقون به، ولا شئ للثاني، بل عن بعض
العامة الذين وافقونا في اعتبار إمكان الوطء أنه قال: " إذا مضى زمان يمكن فيه قطع
ما بين الزوجين من المسافة ثم مضى أقل زمان الحمل فإنه يلحق به وإن علم أن أحدا
من الزوجين لم يبرح إلى الآخر ".
ولا يخفى عليك وضوح فساد ذلك كله، بل منه فشا الزنا في نسائهم ولحوق
أولاد غير الأزواج بهم، وازدادت ولادتهم خبثا إلى خبث.
وكيف كان فقد ظهر لك أن موضع اللعان إمكان لحوق الولد به في الظاهر
لولا اللعان وإن علم هو انتفاءه عنه، وإلا فمع فرض الامكان عنده ولو بعد لا يجوز
له نفيه، لأن الولد للفراش شرعا مع إمكانه، وفي النبوي (1) " أيما رجل جحد
ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه، وفضحه على رؤوس الخلائق " نعم يجب عليه
نفيه مع علمه بعدم تكونه منه ولو باللعان إذا كان الظاهر لحوقه به، هذا كله
مع العلم بالحال.
(أما لو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل تلاعنا) إذا كان مقتضى قول
الزوج نفي الولد لوضعها له تاما دون الستة أشهر على دعواه أو بعد أقصى الحمل
لاشتباه حال الصادق منهما، فكان الانتساب إليه ممكنا، وقد ولد على فراشه، فلا
ينتفي إلا باللعان، وأصالة تأخر الحادث ونحوها لا تنقح خروجه عن الولادة على
الفراش، ومن هنا أثبت من تعرض لذلك اللعان في الفرض، ولم يلحظ شيئا مما
تقتضيه الأصول في هذه الدعوى.

(1) المستدرك الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 5 وسنن البيهقي ج 7
ص 403.
14

(و) مما تقدم ظهر لك أنه (لا يلحق الولد) ظاهرا (حتى يكون
الوطء) الذي يحصل التولد منه (ممكنا) في العادة (والزوج قادرا) عليه
فيها (فلو دخل الصبي لدون تسع فولدت لم يلحق به) لعدم وقوع مثله في العادة،
كالموضوع تاما لدون الستة أشهر (و) إن كانا داخلين تحت قدرة الله تعالى شأنه
نعم (لو كان له عشر) سنين كاملة (لحق به) الولد (لامكان البلوغ في
حقه ولو نادرا،) بل ربما قيل بالاكتفاء بالطعن فيها ولو ساعة واحدة، بل
في كشف اللثام نسبته إلى ظاهر المتن والمبسوط والتحرير وإن كان هو
كما ترى.
(و) على كل حال ف‍ (لو أنكر الولد لم يلاعن إذ لا حكم للعانة) لأن
الفرض كونه صبيا غير بالغ، وإلحاق الولد به لاحتمال بلوغه لا يقتضي ثبوت بلوغه،
نعم لو قال: أنا بالغ بالاحتلام فله اللعان بناء على أن ذلك مما يرجع فيه إليه،
لأنه لا يعلم إلا من قبله، والفرض إمكان الزمان، أما مع عدم قوله فالأصل عدم
بلوغه وإن حكمنا ظاهرا بلحوق الولد به للاحتمال.
ولا استبعاد في الحكم بلحوق الولد به دون الحكم بالبلوغ وإن كان اللعان إنما هو
لنفي هذا الولد، وإذا لم يكن بالغا لم يحتج إلى اللعان في نفيه وإلا صح، لأن لزوم
البلوغ لتكون الولد منه في الواقع لا يقتضي الحكم به، كما أن كون اللعان لنفيه لا
يقتضي التساوي بينه وبين إلحاق الولد، لأن اللعان مشروط بالبلوغ اتفاقا وإلحاق الولد
يكفي فيه أدنى إمكان البلوغ، فيعطي كل منهما حكمه في الحكم الظاهري وإن تنافيا
في اللوازم التي هي للواقع دون الحكم في الظاهر الذي هو ليس إثبات الموضوع واقعا
على وجه يتحقق لازمه معه، ومثل هذا كثير في الفقه، خصوصا في العمل بالأصول،.
وبالاحتياط الذي منه ما سمعته في زوجة المفقود التي يطلقها الحاكم بعد طلبه لاحتمال
حياته وتعتد عدة الوفاة لاحتمال موته.
(و) حينئذ (يؤخر اللعان حتى يبلغ ويرشد) بأن يوثق بعقله وتمييزه
15

كما ستعرف من اشتراطهما في الملاعن.
(ولو مات قبل البلوغ أو بعده ولم ينكره الحق به وورثته الزوجة والولد)
ولا عبرة بالانكار المتقدم قبل البلوغ، ولو أنكره بعد البلوغ لم ينتف عنه إلا باللعان
كغيره ممن حكم بلحوقه لولا اللعان، كما هو واضح.
(ولو وطأ الزوج دبرا فحملت الحق به) بلا خلاف أجده فيه كما
اعترف به في كشف اللثام، بل في المسالك ظاهرهم الاتفاق على ذلك، ولعله (لامكان
استرسال المني في الفرج) من غير شعور به (وإن كان الوطء في غيره) بل عن
بعضهم التصريح بأنه كذلك وأن عزل كما لو وطأ في الفرج، خلافا لبعض فاشترط
عدم العزل، لكون العلوق مع ذلك في غاية البعد، لأن الذي يحتمل معه سبقه من
المني في غاية القلة، وفيه أن الامكان حاصل وإن كان مع العزل أبعد، وتعليل المنصف
وغيره بذلك لا يقتضي اعتبار عدم العزل، لما عرفت من أن الامكان المزبور حاصل
على التقديرين، فلا فرق حينئذ بين الوطء في الفرج أو في الدبر مع العزل وبدونه في
الحكم باللحوق مع احتمال سبق المني من غير شعور. وبذلك يظهر لك النظر فيما
أطنب به في المسالك، فلاحظ وتأمل.
(ولا يلحق ولد الخصي) الذي لا ينزل في الظاهر (المجبوب) الذي
قطع ذكره وأنثياه، للعادة في عدم التولد من مثله لعدم الايلاج والانزال، لكن
(على تردد) من ذلك ومن عدم العلم لنا بما يكون التكون منه في الواقع،
فيمكن حصوله من المساحقة، ولا عادة مستقرة في ذلك، فإنه لو فرض خصي مجبوب
كانت له زوجة فساحقها فحملت لا يمكن القطع عادة بكونه من غيره، لعدم انكشاف
أمر التكون لنا.
ومن هنا قال المصنف (و) غيره: إنه (يلحق ولد الخصي) الذي هو
يلج ولا ينزل (أو المجبوب) الذي قطع ذكره وأنثياه ولكن ينزل بهما (ولا
ينتفي ولد أحدهما إلا باللعان تنزيلا على الاحتمال وإن بعد) إذ لا يخفى عليك
16

حصول الاحتمال أيضا في الخصي المجبوب وإن كان هو أبعد من كل واحد منهما،
بل لعل التأمل في ذلك وغيره يقتضي الاكتفاء بالاحتمال وإن لم يتحقق الامكان،
فهو أزيد من قاعدة ما أمكن في الحيض، بناء على اعتبار تحقق الامكان فيها،
ولعله لظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم (1): " الولد للفراش " الشامل للمفروض وغيره، بل
قد سمعت توسع العامة فيه، فألحقوا به الولد وإن علم عدم مباشرة منه للزوجة
اتكالا على قدرته تعالى شأنه، وإن كان هو واضح الفساد، ضرورة ظهوره في كونه له
مع احتمال أنه منه وإن كان بعيدا.
(وإذا كان الزوج حاضرا وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع الأعذار)
فعن المبسوط بل المشهور كما في المسالك أنه (لم يكن له إنكاره بعد ذلك إلا أن
يؤخر بما جرت العادة به كالسعي إلى الحاكم) لأن الحق له على الفور، إذ هو
كخيار الرد بالعيب والغبن مثلا في الثبوت لدفع الضرر المقتصر فيه على مقدار
ما يرتفع به الضرر وهو الفور، مؤيدا ذلك بأن الولد إذا كان منفيا عنه وجب الفور
باظهار نفيه حذرا من لحوق من ليس منه به، وعوارض التأخير من الموت فجأة
ونحوه كثيرة، فتختلط الأنساب، وبأنه لولا اعتبار الفور لأدى إلى عدم استقرار
الأنساب، وذلك ضرر يجب التحرز عنه.
والجميع كما ترى، ضرورة عدم صلاحية شئ من ذلك لتقييد إطلاق ما دل (2)
على ثبوت حق النفي له المستصحب ذلك له مع التراخي، والرد بالعيب والغبن
مع تسليم الفورية فيه إنما هو لقاعدة الاقتصار على المتيقن في تخصيص اللزوم
المستفاد من " أوفوا " (3) ونحوه مما لا يجري في المقام، مؤيدا ذلك بأن
أمر النسب خطير، وقد ورد النهي (4) عن استلحاق من ليس منه، وربما احتاج

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 3 - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 3 - 0 -.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 403 وكنز العمال ج 3 ص 225 و 226.
17

ذلك إلى نظر ومهلة.
نعم لو أقر بالولد لزمه الولد للنصوص (1) ولقاعدة إقرار العقلاء، بل لم
ينتف عنه بعد بنفيه بلا خلاف أجده فيه، بل في القواعد الاجماع عليه، لعدم سماع
الانكار بعد القرار حتى لو لاعن، لما سمعت من النصوص (2) وقاعدة إقرار
العقلاء التي لا يعارضها دليل اللعان الوارد على قاعدة الفراش، نعم إن لم يكن إجماعا
أمكن المناقشة - فيما لو علم أن منشأ إقراره الأخذ بظاهر قاعدة الفراش -
بأنه لا يزيد حينئذ حكم قاعدة الاقرار على قاعدة الفراش التي ثبت اللعان لنفي
مقتضاها، فتأمل جيدا.
ولعله لذلك كله وغيره قال المصنف: (ولو قيل له إنكاره ما لم يعترف به
كان حسنا) وتبعه عليه الفاضل، بل ينبغي الجزم بذلك في نحو مفروض المسألة
الذي يمكن عدم منافاة الفورية فيه بفرض عدم حصول ما يقتضي نفيه له حال الولادة،
إذ المراد بالفور عند من اعتبره هو سقوط حقه مع التراخي إذا كان سبب النفي
حاصلا له ومع ذلك تراخى في نفيه
على أنه لم يظهر لنا مراد القائل بالفورية هل هو وجوب إنشاء النفي عند
حصول مقتضيه له أو وجوب إظهاره عند الحاكم؟ وإن كان ظاهر ما ذكروه من
الفروع الثاني، لكن هو كما ترى.
بل ملاحظة ما ذكره في المسالك وغيره منها يقتضي كونها من فروع العامة
المبتنية على القياس والاستحسان، قال فيها: " وإن كان معذورا بأن لم يجد الحاكم،
أو تعذر الوصول إليه، أو بلغه الخبر ليلا فأخر حتى يصبح، أو حضرته الصلاة فقدمها،
أو أحرز مالا له أولا أو كان جائعا أو عاريا فأكل أو لبس أولا، أو كان مريضا
أو محبوسا أو ممرضا لم يبطل حقه، وهل يجب عليه الاشهاد على النفي؟ وجهان،
وقد سبق له نظائر كثيرة، ولو أمكن المريض أو الممرض أن يرسل إلى الحاكم
ويعلمه بالحال أو يستدعي منه أن يبعث إليه نائبا من عنده فلم يفعل بطل حقه، لأن

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
18

مثل هذا متيسر له، ومثله ملازمة غريمه ومن يلازمه غريمه، وأما الغائب فإن كان
في الموضع الذي غاب إليه قاض ونفى الولد عند وصول خبره إليه عنده فذاك، وإن
أراد التأخير إلى أن يرجع إلى بلده ففي جوازه وجهان، من منافاة الفورية اختيارا،
ومن أن للتأخير غرضا ظاهرا، وهو الانتقام منها باشتهار خبرها في بلدها وقومها،
وحينئذ فإن لم يمكنه المسير في الحال لخوف الطريق ونحوه فينبغي له أن يشهد،
وإن أمكن فليأخذ في السير، فإن أخر بطل حقه، وإن لم يكن هناك قاض فالحكم
كما لو كان وأراد التأخير إلى بلده وجوزناه " إذ ذلك كله كما ترى لا يوافق
أصولنا خصوصا بعد أن لم يكن في شئ مما وصل إلينا من الأدلة جعل العذر والغرض
عنوانا للحكم حتى يرجع إلى مصداقهما عرفا.
(و) كيف كان ف‍ (لو أمسك عن نفي الحمل حتى وضعت جاز له نفيه
بعد الوضع على القولين، لاحتمال أن يكون التوقف لتردده بين أن يكون حملا
أو ريحا) فلا يكون سكوته منافيا للفور، ولو قال: عرفت أنه حمل (ولد خ ل)
ولكن أخرت طمعا في أن تجهض فلا احتاج إلى كشف الأمر ورفع الستر ففي
المسالك " فيه وجهان: أحدهما أنه يبطل حقه، لتأخير النفي مع القدرة عليه
ومعرفة الولد، فصار كما لو سكت عن نفيه بعد انفصاله طمعا أن يموت، والثاني
أن له النفي، لأن مثل هذا عذر واضح في العرف، ولأن الحمل لا يتيقن صرفا،
فلا أثر لقوله: عرفت أنه ولد " بل فيها " أن هذا لا يخلو من قوة " مع أنه
كما ترى.
ثم قال: " ومن الأعذار ما لو أخر وقال: إني لم أعلم أنها ولدت وكان
غائبا أو حاضرا بحيث يمكن ذلك في حقه، ويختلف ذلك بكونه في محلة أخرى
أو في محلتها أو في دارها أو في دارين، ولو قال: أخبرت بالولادة ولكن لم أصدق
الخبر نظر، إن أخبره فاسق أو صبي صدق بيمينه وعذر، وإن أخبره عدلان لم
يعذر، لأنهما مصدقان شرعا، وإن أخبره عدل حر أو عبد ذكر أو أنثى ففيه
19

وجهان: أحدهما أنه يصدق ويعذر، ولأنه أخبره (1) من لا يثبت بشهادته الحق،
والثاني أنه لا يصدق ويسقط حقه، لأن روايته مقبولة، وهذا سبيله سبيل الاخبار،
ولو قال: عرفت الولادة ولم أكن أعلم أن لي حق النفي فإن كان ممن لا يخفى عليه
ذلك عادة لم يقبل، وإن أمكن بأن كان حديث العهد بالاسلام أو ناشئا في بادية
بعيدة عن أهل الشرع قبل، وإن كان من العوام الناشئين في بلاد الاسلام فوجهان:
أجودهما القبول بيمينه مع إمكان صدقه " ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد
الإحاطة بما ذكرناه.
(ولو أقر بالولد صريحا أو فحوى لم يكن له إنكاره بعد ذلك) لما عرفت
من قاعدة عدم سماع الانكار بعد الاقرار الصادق عرفا على الصريح وغيره (مثل
أن يبشر به فيجيب بما يقتضي الرضا، كأن يقال: بارك الله لك في مولودك فيقول: آمين
أو إنشاء الله تعالى، أما لو) أجاب بما لا يتضمن الاقرار بأن (قال مجيبا: بارك
الله لك أو أحسن الله إليك) أو رزقك مثله (لم يكن إقرارا) ولم يبطل حقه من
النفي، خلافا لبعض العامة، فجعله إقرارا، وضعفه واضح.
(وإذا طلق الرجل وأنكر الدخول فادعته وادعت أنها حامل منه ف‍) عن
الشيخ في النهاية " إن أقامت بينة أنه أرخى سترا) عليها (لاعنها وحرمت
عليه، وعليه المهر) كملا (وإن لم تقم بينة كان عليه نصف المهر ولا لعان،
وعليها مأة سوط) لصحيح علي بن جعفر (2) " سألته عليه السلام عن رجل طلق امرأته
قبل أن يدخل بها فادعت أنها حامل، قال: إن أقامت البينة على أنه أرخى سترا
ثم أنكر الولد لاعنها، ثم بانت منه، وعليه المهر كملا " مؤيدا بالظاهر.
لكنه كما ترى لا دلالة فيه على ذكر المأة سوط، بل لا وجه له، ضرورة
عدم ثبوت حد عليها، فإن إنكار الولد منه وإن انتفى عنه بدون لعان لا يقتضي زناها
واعترافها بالوطء والحمل منه الذي كان القول قوله في نفيهما للأصل لا يوجب حدا

(1) في المسالك " أحدهما أنه يصدق ويعذر لأنه أخبره " بدون " و ".
(2) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللعان الحديث 1.
20

عليها، لأنه أعم، ولا يلزم من انتفاء السبب الخاص المحلل انتفاء غيره من الأسباب
وإن لم تدعه لا أقل من أن يكون دعواها ذلك يوجب شبهة يسقط بمثلها الحد،
وعدم ثبوت دعواها شرعا لا يحقق وصفه الزنا قطعا، إلا أن ذلك لا يقتضي سقوط
الخبر المزبور الدال بمنطوقه ومفهومه على الأحكام المزبورة التي يدل على بعضها
الأصل، نعم هو من جملة نصوص الخلوة (1) المقتضية للحكم بالدخول بالنسبة
إلى تمام المهر والملاعنة، وقد عرفت البحث في ذلك مفصلا في كتاب النكاح وأنه
لا يقتضي الحكم بالدخول بالنسبة إلى تمام المهر، فضلا عن غيره من الأحكام
المترتبة على الدخول.
(و) من هنا (قيل) والقائل ابن إدريس (لا يثبت اللعان ما لم
يثبت الدخول) بالبينة أو الاقرار (وهو الوطء، ولا يكفي) في إثباته (إرخاء
الستر) حينئذ (ولا يتوجه عليه الحد لأنه لم يقذف) فإن إنكار الولد أعم
من ذلك (ولا أنكر ولدا يلزمه الاقرار به) حتى يصح اللعان منه،
ووجهه في المسالك بعدم ثبوت الوطء الذي به يتحقق الفراش المقتضي للحوق
الولد به.
(ولعل هذا أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي منها أصالة عدم الدخول
بناء على كونه شرطا في اللعان التي لا يعارضها نصوص الخلوة (2) كما سمعت
الكلام فيه مفصلا في كتابه.
نعم قد يقال - إن لم يكن إجماع على خلافه -: بلحوق الولد به لاحتمال
الوطء بناء على أنه يكفي في الفراش في الزوجة تحقق الزوجية واحتمال الوطء
ولكن لا يشرع اللعان في نفيه بناء على اعتبار تحقيق الدخول فيه، ولا تنافي بين
الحكمين بعد اقتضاء دليلهما ذلك، ودعوى أن لحوق الولد به يتوقف أيضا على

(1) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور الحديث 3 و 4 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور من كتاب النكاح.
21

تحقق الدخول كاللعان يمكن منعها، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك. بل أطنب
في المسالك عند البحث على تحقق فراش الأمة بالأمة في بيان تحقق فراش الزوجة
الدائمة بالعقد وإمكان وصوله إليها وأنه يلحق به الولد بذلك، فلاحظ وتأمل، فإنه
لا يخلو من منافاة لما هنا، والله العالم.
(ولو) جمع بين سببي اللعان بأن (قذف امرأته ونفي الولد وأقام بينه)
على ما قذفها به (سقط الحد) عنه بلا خلاف ولا إشكال (و) لكن (لم
ينتف الولد) عنه (إلا باللعان) الذي شرعه الشارع لنفي الولد الذي لولاه
لا لتحقق به بقوله صلى الله عليه وآله (1): " الولد للفراش ".
(و) كذا (لو طلقها بائنا فأتت بولد يلحق به في الظاهر) كما
لو وضعته تاما بعد ستة أشهر فصاعدا من حين وطئه (لم ينتف عنه إلا
باللعان).
بل (و) كذا (لو تزوجت فأتت بولد لدون ستة أشهر من دخول
الثاني) ليعلم نفيه عنه (ولتسعة أشهر فما دون من فراق الأول لم ينتف عنه إلا
باللعان) لقاعدة " الولد للفراش " التي لا يعارضها هنا فراش الثاني بعد العلم
بانتفائه عنه، كما هو واضح.

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 3.
22

(الركن الثاني)
(في الملاعن:)
(و) لا خلاف في أنه (يعتبر) فيه (أن يكون بالغا عاقلا) بل
الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية سلب عبارة غيرهما فيما يشمل المقام
الذي هو إما شهادة أو يمين، وكل منهما ليسا من أهله، بل لا يترتب على
قذفهما حد كي يراد إسقاطه باللعان وإن عزر المميز على قذفه تأديبا له، بل لعل
المنساق من آية اللعان (1) - التي هي الأصل في إثبات شرعيته - غيرهما، وهو
واضح. (وفي لعان) جنس (الكافر روايتان أشهرهما أنه يصح) وإن كنا لم
نعثر فيما وصل إلينا من النصوص على شئ من ذلك إلا في الملاعنة (2) التي
ستسمع الحال فيها، ولعله المراد للمصنف بناء على اتحاد الحكم فيهما، فإنه
لا قائل بالفصل بينهما، على أن مبني المنع في الكافر هو كون اللعان شهادة بقرينة
قوله تعالى (3): " فشهادة أحدهم " خصوصا بعد قوله تعالى: " ولم يكن لهم شهداء "
المعلوم إرادة الشهادة منه، وهي لا تقبل من الكافر، وهذا أمر شامل للملاعن والملاعنة
وإن كان هو واضح الفساد، ضرورة صحته من الفاسق وإن لم تقبل شهادته إجماعا على
أن قوله تعالى (4): " شهادات بالله " كالصريح في إرادة اليمين منه، بل في
الخبر (5) " مكان كل شاهد يمين " وقوله تعالى (6): " ولم يكن لهم شهداء "

(1) سورة النور: 24 - الآية 6 إلى 9.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان.
(3) سورة النور: 24 - الآية 6.
(4) سورة النور: 24 - الآية 6.
(5) الوسائل الباب - 4 - من كتاب اللعان الحديث 6.
(6) سورة النور: 24 - الآية 6.
23

وإن كان المراد منه الشهادة قطعا، إلا أنه لا يقتضي كون المراد منها ذلك
في قوله تعالى (1): " فشهادة أحدهم " بل معناه أنه إذا لم يكن بينة
فيمين، كما هو واضح.
على أن المحكي عنه اعتبار الاسلام هنا الإسكافي مطلقا والحلي إذا كان
اللعان للقذف، ولا ريب في عدم تمامية الدليل المزبور في الثاني منهما، بل لعله
مناف له في الجملة، كل ذلك مضافا إلى قاعدة اتحاده مع المسلم في الفروع وإلى
ما سمعته من النصوص (2) الدالة على ملاعنة اليهودية والنصرانية المتممة بعدم
القول بالفصل، وهي وإن كان في مقابلها نصوص (3) دالة على عدم الجواز فيها
لكنها قاصرة من وجوه كما ستسمع ذلك إن شاء الله.
وعلى كل حال يتصور لعان الكافر فيما إذا كان الزوجان ذميين وترافعا
إلينا، بل يمكن فرض الزوجة مسلمة والزوج كافرا فيما إذا أسلمت وأتت بولد يلحقه
شرعا فأنكره، والله العالم.
(وكذا الكلام (القول خ ل) في) لعان (المملوك) فإن المشهور جوازه،
بل نفي الخلاف عنه في المسالك، لاطلاق الأدلة وخصوص الصحاح في أحدها (4) " عن
عبد قذف امرأته قال: يتلاعنان كما يتلاعن الأحرار " وفي حسن جميل بن دراج (5)
سأل الصادق عليه السلام " عن الحر بينه وبين المملوكة لعان؟ فقال: نعم وبين
المملوك والحرة، وبين العبد والأمة، وبين المسلم واليهودية والنصرانية " ونحوهما
الثالث (6).

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 2 و 6 والمستدرك الباب - 5 -
منه الحديث 1 و 2.
(3) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 4 و 11 و 12 و 13 و 14.
(4) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث - 3 - 2 - 1.
(5) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث - 3 - 2 - 1.
(6) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث - 3 - 2 - 1.
24

خلافا للمحكي عن المفيد والديلمي فاشترطا الحرية مطلقا والحلي فاشترطها
في اللعان للقذف، ولم نجد لهم دليلا هنا سوى ما تقدم، وقد عرفت الحال فيه،
مضافا إلى صريح المعتبرة التي لا معارض لها سوى خبر السكوني (1) عن جعفر
عن أبيه عليه السلام " أن عليا عليه السلام قال: ليس بين خمس من النساء وبين أزواجهن ملاعنة:
اليهودية تكون تحت المسلم فيقذفها، والنصرانية والأمة تكون تحت الحر فيقذفها،
والحرة تكون تحت العبد فيقذفها، والمجلود في الفرية، لأن الله تعالى يقول (2):
ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان، إنما اللعان في
اللسان " ونحوه في الخصال عن سليمان بن جعفر البصري (3) عن جعفر عن أبيه
عن جده عن علي عليهم السلام.
ولكنهما ضعيفان موافقان للعامة، كالمرسل عن بعض الكتب (4) عن علي عليه السلام
أيضا " الخرساء والأخرس، ليس بينهما لعان، لأن اللعان لا يكون إلا باللسان "
فلا ريب في عدم الاشتراط، والله العالم.
(ويصح لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة) يفهم منها القذف ومعاني
الشهادات الخمس بلا خلاف أجده فيه، بل عن الشيخ إجماع الفرقة وأخبارهم،
لعموم ما دل (5) على قيام إشارته مقام اللفظ في جميع ما اعتبر فيه ذلك من عبادة
كتكبيرة الاحرام وغيرها وعقد وإيقاع، فيصح الفرض فيه حينئذ (كما يصح

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12.
(2) سورة النور: 24 - الآية 4.
(3) أشار إليه في الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12 وذكره في
البحار ج 104 ص 176.
(4) المستدرك الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 من كتاب
الصلاة.
25

طلاقه وإقراره) على أن الأقوال الخمس هنا إما شهادة أو يمين، وكل منهما
صحيح عندنا من الأخرس بالإشارة، مؤيدا ذلك كله بقضاء الضرورة به إذا كان مما
يجب عليه نفي الولد للعلم بكونه من غيره، واحتمال انتفائه بنفيه هنا من دون لعان
مناف لأصالة اللحوق وغيرها، فليس حينئذ إلا قيام إشارته مقام نطق غيره.
(و) لكن مع ذلك كله وغيره (ربما توقف شاذ منا) في قذفه ولعانه
(نظرا إلى تعذر العلم بالإشارة) وهو ابن إدريس، قال فيما حكى عنه " لا أقدم
على أن الأخرس المذكور يصح لعانه، لأن أحدا من أصحابنا غير الشيخ في خلافه
ومبسوطه لم يورده في كتابه، ولا وقفت على خبر في ذلك، ولا إجماع عليه،
والقائل بهذا غير معلوم، والتمسك بالآية (1) بعيد لأنه لا خلاف أنه غير قاذف
ولا رام على الحقيقة، والنطق منه حال اللعان متعذر، والأصل براءة الذمة، واللعان
حكم شرعي يحتاج إثباته إلى دليل شرعي وأيضا لو رجع بالشهادات عن اللعان عند
من جوزه له وجب عليه الحد، والرسول صلى الله عليه وآله قال: " ادرؤوا الحدود بالشبهات " (2)
ومن المعلوم أن في إيمائه وإشارته بالقذف شبهة هل المراد به القذف أو غيره؟ وهو
غير معلوم يقينا بلا خلاف - ثم قال -: فإن قلنا: يصح منه اللعان كان قويا معتمدا،
لأنه يصح منه الاقرار والايمان وأداء الشهادات وغير ذلك من الأحكام ".
وهو كما ترى متوقف مضطرب، لكن دعواه عدم دلالة إشارته على القذف
وعدم إمكان أداء معاني ألفاظ اللعان فيها خلاف الفرض، كما أن دعوى عدم تحقق
إشارة للأخرس كذلك منافية للوجدان خصوصا إذا كان منها الكتابة التي
يمكن فرض أنه يحسنها، ومن الغريب دعوى عدم الخلاف في عدم كون
إشارته قذفا، إذ هو مناف للعرف بل واللغة، على أنه يمكن عروض الخرس
له بعد القذف.

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب مقدمات الحدود الحديث 4 من
كتاب الحدود.
26

(و) من ذلك وغيره قال المصنف: (هو ضعيف إذ ليس حال اللعان بزائد
عن حال الاقرار بالقتل و) غيره.
نعم (لا يصح اللعان) منه (مع عدم النطق وعدم الإشارة المعقولة)
بلا خلاف ولا إشكال، بل لا يتصور فيها الموضوع فضلا عن الصحة، ودعوى الفرق
بين الاقرار والعقود والايقاعات وبين المقام - من حيث إنه يتعين فيه تأديته بلفظ
الشهادة واللعن والغضب، والإشارة لا ترشد إلى ذلك وإن أدت معناها، بخلاف
غيره من الاقرار والعقد وغيره مما لا يعتبر فيه ذلك وإن اعتبر فيها الصيغ الخاصة
إلا أن المراد معناها، فتقوم الإشارة حينئذ في التأدية مقام اللفظ - يدفعها بعد الاغضاء
عما فيها ما أشرنا إليه سابقا من التصريح في الأدلة بقيام إشارته مقام التكبير والتلبية
ونحوهما مما يراد منها اللفظ لكن من القادر عليه، ولو لاطلاق ما دل (1) على
قيام إشارته مقام اللفظ من غيره في سائر المقامات، ومن فحوى ذلك يستفاد صحته
بغير العربية ممن لا يقدر عليها كالفارسي والتركي وغيرهما، نعم ما تقدم في
النصوص (2) السابقة من التعليل وغيره يقتضي عدم صحته من الأخرس كالخرساء،
إلا أنها نصوص ضعيفة لا جابر لها، بل الاعراض عنها متحقق، فلا تصلح معارضة
لاطلاق أدلة قيام إشارته مقام اللفظ من غيره، كما أوضحنا ذلك في كتب العبادات
والمعاملات، فلاحظ وتأمل.
ولو كان يحسن الكتابة وقلنا إنها من جملة إشارته فليكتب حينئذ كلمة
الشهادة وكلمة اللعن والغضب ويشير إليها أربع مرات، ولا يكلف أن يكتب
أربع مرات.
ولو قذف ولاعن بالإشارة ثم عاد نطقه وقال: لم أرد اللعان بإشارتي قبل قوله

(1) الوسائل الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 من كتاب
الصلاة.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12 والمستدرك الباب - 8 -
منه الحديث 1 و 2.
27

فيما عليه من لحوق النسب به وثبوت الحد دون ماله من الحرمة المؤيدة، ولكن له
أن يلاعن في الحال لاسقاط الحد ولنفي النسب إذا لم يمض من الزمان ما يسقط فيه
حكم النفي، ولو قال لم أرد القذف أصلا لم يقبل قوله، لأن إشارته أثبت حقا لغيره،
ولأن المفروض دلالتها عليه على وجه يحصل العلم منه، فلا يقبل إنكاره حينئذ،
والله العالم.
(ولو نفى ولد المجنونة لم ينتف إلا باللعان) منهما لأن الأصل اللحوق،
ولا يخرج عنه إلا بما ثبت شرعا، وهو الانتفاء باللعان منهما (و) لا دليل على
قيام الولي مقامها هنا، بل ظاهر الأدلة خلافه، نعم (لو أفاقت فلاعنت صح)
بلا خلاف ولا إشكال (وإلا كان النسب ثابتا والزوجية) بلا خلاف ولا إشكال
كذلك أيضا للأصل وغيره.
(ولو نفي ولد الشبهة انتفى عنه) من غير لعان إذا لم يعترض بوطئها بحيث
يلحق به الولد ولم يعلم منه ذلك، كما ستعرف تحقيق ذلك في الأمة والمتمتع بها
عند تعرض المصنف لهما.
ومنه يعلم النظر فيما في المسالك هنا حيث قال: " الموطوءة بالشبهة لا تصير
فراشا بحيث يلحق به الولد بمجرده، بل يتوقف لحوقه على اعترافه به أو بأنه لم
يطأها في ذلك الوقت الذي يمكن إلحاق الولد به فيه غيره، لأن ذلك يستلزم كونه
منه أيضا، وهو في قوة الاعتراف به، فيلحق به وإلا فلا ".
وفيه أنه يكفي في لحوق الولد به بعد وطئه لها على وجه يصلح لتكون الولد
منه عدم العلم بوطء غيره لها إذا لم تكن ذات زوج حاضر معها، لا العلم بالعدم،
كما ستعرف الوجه في ذلك، بل ولا ينتفي بانتفائه حينئذ.
(و) كيف كان فقد عرفت فيما تقدم من غير خلاف فيه بينهم ولا إشكال
أنه (إذا عرف) الزوج خاصة (انتفاء الحمل لاختلال شروط الالتحاق أو
بعضها) كما لو ولدته لستة أشهر فصاعدا من حين التزويج وخلوته بها ولكن لم
28

يدخل بها فيما بينه وبين الله تعالى شأنه في وقت يمكن فيه إلحاقه به (وجب)
عليه (إنكار الولد واللعان، لئلا يلحق بنسبه من ليس منه) ويترتب عليه
حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك من الأمور التي لا ترتفع
إلا بنفيه، لاقتضاء قاعدة الفراش الالتحاق به ظاهرا، من غير فرق في ذلك بين علمه
بزناها وعدمه، وإن حرم عليه قذفها في الثاني، لاحتمال كون الولد من شبهة، وإنما
الواجب عليه نفي الولد عنه واللعان.
لكن في المسالك هنا " ربما قيل بعدم وجوب نفيه، وإنما يحرم التصريح
باستلحاقه كذبا دون السكوت عن النفي، وذلك لأن في اقتحام اللعان شهرة عظيمة
وفضيحة يصعب احتمالها على ذوي المروات فيبعد إيجابه " ولا يخفى عليك ضعفه،
بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه، مضافا إلى ظاهر بعض النصوص (1).
نعم لو اجتمعت شروط الالحاق بأن ولدته في المدة التي بين أقل الحمل
(و) أكثره من حين وطئه (لا يجوز) له (إنكار الولد) والحق به ظاهرا،
بل ستعرف التحقيق في عدم مشروعية اللعان لنفيه مع اعترافه باجتماع شرائط
الالحاق أو العلم بها، وحينئذ فلا يجوز له نفيه فضلا عن اللعان (للشبهة ولا
للظن ولا لمخالفة الولد صفات الواطئ) وموافقتها لصفات المتهم، بل ولو حقق
زناها وجاء الولد مخالفا له في الخلق والخلق بل مشابها للزاني، لتظافر الأدلة (2)
بلحوق الولد للوطء المحترم الصالح للتكون منه، واللعان إنما يرفع اللحوق
الناشئ من قاعدة الفراش الظاهرية، كما ستعرف تحقيق ذلك كله في الأمة
والمتمتع بها على وجه لم نسبق إليه، والله العالم بحقيقة الحال والموفق للصواب.

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 10 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 3 والباب - 105 - من أبواب
أحكام الأود من كتاب النكاح والباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
29

(الركن الثالث)
(في الملاعنة)
(و) لا خلاف كما لا إشكال في أنه (يعتبر فيها) حال الملاعنة
(البلوغ وكمال العقل) لسلب عبارة غير البالغ والمجنونة وغيره مما عرفته
مكررا.
(و) كذا لا خلاف ولا إشكال في أنه يعتبر فيها (السلامة من الصمم
والخرس) لكن على الوجه الذي ذكرناه في كتاب النكاح مفصلا عند ذكر
المصنف له في السبب الخامس من أسباب التحريم، ومنه يعلم الحال في وجه ذكر
المصنف للأمرين شرطا المقتضي بظاهره لصحة اللعان مع انتفاء أحدهما، مع
اكتفائه وغيره في التحريم في كتاب النكاح بقذف أحدهما، فلاحظ وتأمل، فإن
منه يعلم أيضا قوة القول بكون ذلك شرطا في اللعان بالسبب الآخر، وهو نفي
الولد، كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب هنا، مضافا إلى ظهور خبر السكوني (1)
والمرسل (2) عن علي عليه السلام المتقدمين سابقا في ذلك أيضا وضعفهما منجبر هنا بما يظهر
من الأكثر من كون ذلك شرطا في سببي اللعان حينئذ.
ولا يشكل ذلك باقتضائه الانتفاء بمجرد نفيه من دون لعان مع اقتضاء قاعدة
الفراش إلحاقه إن كان المراد من الاشتراط المزبور حصول فائدة اللعان من دون
اللعان، كما لو قذفها، فإنها تحرم عليه من دون ملاعنة، أو وجوب نفيه عليه،

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12.
(2) المستدرك الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 2.
30

لعلمه بأنه ليس منه مع عدم طريق إلى انتفائه عنه، إذ الفرض عدم مشروعية اللعان
معها ولو بالإشارة، إذ لا مانع من التزام الأول، ويكون لعانه معها مجرد ذكره
سبب اللعان، فيحصل ثمرته بينهما وإن لم يحصل اللعان كما في القذف.
لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد عن الاشكال فإن ظاهر اقتصار المصنف في
سبب التحريم على القذف في كتاب النكاح يقتضي عدمه في نفي الولد، بل في صحيح
أبي بصير أو موثقه (1) القذف خاصة، قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل قذف
امرأته بالزنا وهي خرساء صماء لا تسمع ما قال، فقال: إن كان لها بينة تشهد لها
عند الإمام جلده الحد، وفرق بينهما، ثم لا تحل له أبدا، وإن لم يكن لها
بينة فهي حرام عليه ما أقام معها، ولا إثم عليها " وكذا حسن الحلبي ومحمد بن
مسلم (2) عنه عليه السلام " في رجل قذف امرأته وهي خرساء، قال: يفرق بينهما "
نعم في خبر محمد بن مروان (3) عنه عليه السلام " في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها؟
قال: يفرق بينهما ولا تحل له أبدا ".
فما عساه يظهر منه أن ذلك كيفية لعانها في مطلق سببه، لكن بمجرد ذلك
لا يجسر على الحرمة أبدا كما لا يجسر على انتفاء الولد الثابت لحوقه بقاعدة
الفراش بمجرد نفيه، على أن ذكرهم ذلك شرطا في اللعان أعم من انتفائه بمجرد
نفيه، بل أقصاه سقوط اللعان بينهما، وهو أعم من انتفائه، بل ومن الحرمة
الأبدية، ومن هنا كان خيرة ثاني الشهيدين هنا مشروعية اللعان بينهما في نفي
الولد بالإشارة.
لكن يبعده - مضافا إلى إطلاق الأصحاب الاشتراط على وجه يشمل
السببين - خفاء الفرق بين سقوطه بينهما للقذف وعدمه لنفي الولد، خصوصا مع
ظهور كون العلة في الأول الخرس، كما أومئ إليه في النصوص (4) السابقة

(1) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث - 2 - 1 - 4.
(2) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث - 2 - 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث - 2 - 1 - 4.
(4) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12 والمستدرك الباب - 8 -
منه.
31

وإن لم يتعدى منها إلى الخرس في الرجل للاجماع وغيره، ولذا كان ظاهر بعض
الأفاضل سقوط اللعان بينهما في ذلك، لظاهر الاشتراط المزبور في الفتاوى المعتضدة
بما سمعته من خبر السكوني (1) وغيره مع عدم حرمة الأبد وعدم انتفاء الولد،
للأصل وقاعدة الفراش، وهو جيد إن لم يكن ظاهر خبر محمد بن مروان (2)
المتقدم أن كيفية اللعان بينهما في سببية التفرقة بينهما أبدا، بمعنى إجراء حكم اللعان
على ذكر سببه وإن لم يحصل، بل قد يدعى ظهور اشتراطهم له ذلك مع عدم
ذكرهم الفرق بين القذف ونفي الولد مع أنه لا ريب في كون حكمه كذلك في
الأول، فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا مع عدم تحرير المسألة في كلامهم،
بل في قواعد الفاضل " وفي اللعان لنفي النسب - أي في الخرساء والصماء إشكال "
ولعله مما عرفت من أنه لا طريق إلى انتفائه سواه، ومن إطلاق النص (3) والفتوى
نفي لعانهما، وفي كشف اللثام " والأول أقوى ".
نعم لا إشكال في ظهور كلمات الأصحاب بسقوط الحد عنه لو أقام بينة على
ما قذفها به وعدم جريان حكم اللعان حينئذ، فلا تحرم عليه أبدا، لكن في المسالك
" حرمت أيضا عليه كما دلت عليه الرواية السابقة - أي خبر أبي بصير (4) ثم
قال -: وربما قيل بأنها تحرم حينئذ، لعدم قذفها بما يوجب اللعان، ويثبت
عليها الحد بالبينة، ولا ينتفي عنها بلعانها، والرواية تنافي ذلك، وهي معتبرة
الاسناد، لكن في الاكتفاء بها في إثبات هذا الحكم نظر، وعبارة الأصحاب في باب
التحريم مصرحة باشتراط قذفها بما يوجب اللعان لولا الآفة المذكورة، فيخرج
منها ما لو أقام البينة وما لو لم يدع المشاهدة، وإطلاق هذه الرواية وغيرها يتناول
الجميع، والأولى الرجوع في كل موضع يحصل فيه الاشتباه إلى الحكم العام ".
قلت: وهو هنا ما ذكره الأصحاب من عدم الحرمة أبدا عليه بذلك،

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12.
(2) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 4 - 2.
(3) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12.
(4) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 4 - 2.
32

لأنها منافية للأصل وغيره، على أن إطلاق النصوص بملاحظة فتوى الأصحاب
وخبر محمد بن مروان (1) يمكن دعوى كون المراد منه أن التحريم المزبور في
مقام اللعان الذي ليس المفروض منه، واشتمال الخبر المزبور على البينة إنما هو
بالنسبة إلى دعوى القذف عليه لا ما قذفها به، كما هو واضح.
هذا وقد يستفاد من الخبر المزبور عدم الإثم عليها في الاجتماع معه مع عدم
البينة لها على قذفه لها وإن حرم هو عليه، ولعله كذلك في كل مقام يعجز عن
إثبات الحكم في الظاهر وإن اختص الإثم بالآخر.
(و) كذا يعتبر في الملاعنة لنفي الولد (أن تكون منكوحة بالعقد
الدائم) بلا خلاف معتد به، بل في المسالك هو موضع وفاق، لأن ولد المتمتع بها
ينتفي بغير لعان اتفاقا، لكن في كشف اللثام عن الجامع التصريح بوقوعه للنفي،
وفيه - مع أنه مناف للاتفاق المزبور وللأصل - أنه مناف لاطلاق قول الصادق
عليه السلام في صحيح ابن سنان (2): " لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي
يتمتع بها " وفي صحيح ابن أبي يعفور (3): " لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع
بها " ونحوه خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (4).
بل منها يستفاد أيضا عدم وقوعه أيضا للقذف كما هو المشهور شهرة عظيمة،

(1) الوسائل الباب - 8 - من كتاب اللعان الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 10 - من كتاب اللعان الحديث 1
(4) لم أقف على خبر لعلي بن جعفر بهذا المضمون بعد التتبع التام في مظانه
من الوسائل والمستدرك والوافي والكتب الأربعة والبحار في باب اللعان و ج 10 منها
ص 249 - الطبع الحديث - باب " ما وصل إلينا من أخبار علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام... " والظاهر أنه طاب ثراه أخذه من المسالك حيث إن الشهيد (قده)
بعد ذكر صحيحة ابن سنان قال: " ومثله رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام "
33

بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن السيد والمفيد، لعموم الآية (1) الذي يجب
تخصيصه بالنصوص المزبورة وإن كانت آحادا لما تحرر في الأصول من جواز تخصيصه
بخبر الواحد فحينئذ لا ريب في اشتراط الدوام في اللعان بالسببين.
نعم ينبغي أن يعلم أن ولد المتعة وإن انتفى بمجرد النفي من دون لعان
لكن في كشف اللثام لا يجوز له النفي إلا مع العلم بالانتفاء وإن عزل أو اتهمها أو
ظن الانتفاء بالقرائن الخارجية، بل قال في شرح قول الفاضل قبل ذلك: " ويلحق
به الولد وإن عزل وكذا في كل وطء صحيح أو شبهة، فإن المني سباق والولد
للفراش، وللأخبار (2) " ولا يخفى عليك ظهور كلامه في أنه يجب إلحاقه به وإن حصل
له الظن بعدمه بالأمارات في كل وطء صحيح ولو شبهة، بل لا يتوقف إلحاقه به
على اعترافه بعدم وطء غيره، فيكفي الأصل له ولغيره في إلحاقه به، كما أومأنا
إلى ذلك سابقا، ويأتي إنشاء الله.
إلا أنه قد يشكل ذلك بأن ذلك إن كان للفراشية لم يتجه نفيه بالانتفاء وإن
لم يشرع اللعان، بل أقصى نفيه لحوق أحكامه بالنسبة إليه من حيث إقراره، وأما
حقوق الولد فلا تنتفي لقاعدة الفراش الذي لم يشرع اللعان هنا لنفيه، وإن كان لا
للفراشية لم يتجه وجوب إلحاقه به بمجرد احتمال كونه من وطئه وإن لم يعلم وطء
غيره، فتأمل جيدا، فإنه ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق، والله العالم.
(وفي اعتبار الدخول بها) في مشروعية اللعان (خلاف) و (المروي) في
المعتبرة المستفيضة (أنه لا لعان) ففي خبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
" لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله ". وفي مرسل ابن أبي عمير عن بعض

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة والباب - 15 - من أبواب أحكام
الأولاد من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللعان الحديث 2.
34

أصحابه (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يقذف امرأته قبل أن يدخل بها،
قال: يضرب الحد ويخلي بينه وبينها " وفي خبر محمد بن مضارب (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام " من قذف امرأته قبل أن يدخل بها جلد الحد وهي امرأته " وفي
خبر محمد بن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام " لا تكون الملاعنة ولا الايلاء إلا
بعد الدخول " وفي خبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يقع اللعان حتى
يدخل الرجل بامرأته " وفي خبره الآخر (5) عنه عليه السلام أيضا قال: " سألته عن
رجل تزوج امرأة غائبة لم يرها فقذفها، قال: يجلد " وفي خبر محمد بن مضارب (6)
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها؟ قال:
لا يكون ملاعنا إلا بعد أن يدخل بها، يضرب حدا وهي امرأته، ويكون قاذفا "
وهي مع تعاضدها واعتبار سند بعضها قد حكى الاجماع على مضمونها في محكي
الخلاف وظاهر التبيان وأحكام القرآن للراوندي.
(و) لكن مع ذلك كله (فيه قول بالجواز) كما عن بعضهم، بل في
قواعد الفاضل أنه الأقرب، ولعله لعموم الآية (7) الذي يجب تخصيصه بما
سمعت من النصوص وغيرها، ودعوى تنزيلها على اعتباره بالنسبة إلى نفي الولد
- الذي لا يتوقف نفيه قبل الدخول على اللعان إجماعا كما في المسالك، لعدم وجود
شرائط الالحاق، فلا إشكال في انتفائه بهذا السبب - يدفعها التصريح في جملة منها
بنفي اللعان بينهما بالقذف دون نفي الولد.
وحينئذ فما أشار إليه المصنف وغيره بعد حكاية القولين المزبورين بقوله: (وقال
ثالث) كما عن السرائر (بثبوته) أي اللعان (بالقذف) بلا دخول (دون نفي الولد)
حاملا عليه كلام الأصحاب قال: " لأن قبل الدخول القول قول الزوج مع يمينه، ولا
يلحق به الولد بلا خلاف بين أصحابنا، ولا يحتاج في نفيه إلى لعان " واستحسنه

(1) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللعان الحديث 3 - 4 - 5.
(2) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللعان الحديث 3 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللعان الحديث 3 - 4 - 5.
(4) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللعان الحديث 6 - 7 - 8
(5) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللعان الحديث 6 - 7 - 8
(6) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللعان الحديث 6 - 7 - 8
(7) سورة النور: 24 - الآية 6.
35

في محكي المختلف في غير محله، لما عرفت من تصريح جملة من النصوص بنفيه في
القذف أيضا.
لكن لا ريب في أن كلام المصنف وغيره ممن عبر كتعبيره ظاهر في أن من
الأصحاب من قال بعدم اشتراط الدخول في اللعان بسببين، لأنه جعل التفصيل قولا
ثالثا، وفي المسالك " أن قائله غير معلوم، وهو غير موجه لما عرفت من أن
الدخول شرط لحوق الولد، فلا يتوقف انتفاؤه على اللعان على تقدير عدمه، والحق
رجوع الخلاف إلى قولين بالاشتراط فيهما والتفصيل فيهما (بينهما خ ل) كما
مر ".
قلت: يمكن القول بعدم اشتراط الدخول في مشروعية اللعان، بل يكفي
احتماله، فحينئذ إذا نفاه مع إمكانه منه وادعته المرأة لم ينتف عنه إلا باللعان،
نعم ما سمعته من النصوص صريح في اشتراط الدخول في مشروعية اللعان، اللهم إلا
أن يحمل على إرادة إخراج حال العلم بعدم الدخول بالنسبة إلى نفي الولد، فإنه
لا حاجة حينئذ إلى اللعان قطعا في الانتفاء عنه وإن كان هو خلاف ظاهر إطلاق
اعتبار الدخول، وحينئذ يتجه اشتراطه في اللعان مطلقا وإن قلنا بلحوق الولد به
بمجرد احتمال الدخول. بل وإن قلنا لا طريق إلى نفيه عنه بعد قوله صلى الله عليه وآله (1):
" الولد للفراش " كما تسمع ذلك في نظائره، أو يكتفي في انتفائه بمجرد نفيه
عنه، لأنه لا طريق إلى ما أوجب الشارع عليه من نفيه عنه مع علمه بعدم كونه
منه إلا انتفاؤه عنه بمجرد نفيه بعد فرض عدم مشروعية اللعان، كما تسمع تحقيق
ذلك في نظائره إن شاء الله فتأمل جيدا، والله العالم.
(ويثبت اللعان بين) الزوج (الحر و) الزوجة (المملوكة) على
المشهور بين الأصحاب، كما يثبت من دون خلاف بين الحرين والمملوكين والزوج
المملوك والزوجة الحرة، لعموم الآية (2) وخصوص حسن جميل (3) عن

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 3.
(2) سورة النور: 24 - الآية 6.
(3) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 2.
36

الصادق عليه السلام " سأل هل يكون بين الحر والمملوك لعان؟ فقال: نعم، وبين المملوك
والحرة، وبين العبد والأمة، وبين المسلم واليهودية والنصرانية " وصحيح ابن
مسلم (1) سأل الباقر عليه السلام " عن الحر يلاعن المملوكة، قال: نعم إذا كان مولاها
الذي زوجها إياه " وحسن الحلبي أو صحيحه (2) عن الصادق عليه السلام في حديث
" سألته عن الحر تحته أمة فيقذفها، قال: يلاعنها " وخبر حريز (3) عنه عليه السلام
أيضا " بين الحر والأمة والمسلم والذمية لعان " وخبر محمد (4) عن أحدهما عليهما السلام
" سألته عن الحر يلاعن المملوكة، قال: نعم " وخبر هشام بن سالم (5) " سألته
عن المرأة الحرة يقذفها زوجها وهو مملوك والحر تكون تحته المملوكة فيقذفها،
قال: يلاعنها " إلى غير ذلك من النصوص المتعاضدة المعتبرة ولو بالانجبار.
(و) لكن مع ذلك (فيه رواية بالمنع) هي صحيحة ابن سنان (6)
عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها " ورواية
علي بن جعفر (7) عن أخيه موسى " سألته عن رجل مسلم تحته يهودية أو نصرانية
أو أمة ينفي ولدها وقذفها هل عليه لعان؟ قال: لا " ورواية السكوني (8)
المتقدمة سابقا عن جعفر، عن أبيه، عن علي " ليس بين خمس من النساء
وأزواجهن لعان - وعد منهن - الأمة تحت الحر فيقذفها " ورواية الحسين
ابن علوان (9) المروية عن قرب الإسناد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام
" أربعة ليس بينهم لعان، ليس بين الحر والمملوكة " الحديث.
لكنها قاصرة عن المعارضة سندا وعددا واعتضادا فلا بأس بحملها على
الموطوءة بملك اليمين، أو على التقية، أو على ما إذا تزوجها بغير إذن مولاها

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 5 - 1 - 6 - 8.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 5 - 1 - 6 - 8.
(3) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 5 - 1 - 6 - 8.
(4) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 5 - 1 - 6 - 8.
(5) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 10 - 4 - 11 - 12 - 13.
(6) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 10 - 4 - 11 - 12 - 13.
(7) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 10 - 4 - 11 - 12 - 13.
(8) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 10 - 4 - 11 - 12 - 13.
(9) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 10 - 4 - 11 - 12 - 13.
37

أو غير ذلك، خصوصا بعد اشتمال جملة من النصوص (1) المزبورة على نفي
اللعان أيضا في صورة العكس التي قد نفي الخلاف في المسالك عن ثبوت اللعان فيها،
فما عن المفيد حينئذ من عدم اللعان في الفرض واضح الضعف، كالاستدلال له بأن
اللعان شهادة والمملوكة ليس من أهل الشهادة الذي قد عرفت ما فيه سابقا من أنه
يمين لا شهادة حقيقة، وإلا لاتجه المنع أيضا في صورة العكس التي لا خلاف في
ثبوت اللعان فيها.
(و) أضعف من ذلك ما (قاله) (ثالث) وهو ابن إدريس، بل
حكي عن الاستبصار والمراسم من التفصيل (بثبوته بنفي الولد دون القذف)
محتجا بأن قذف المملوكة لا يوجب الحد، فلا يتوقف نفيه على اللعان، بخلاف
نفي الولد إذا كانت زوجة، وبأن اللعان حكم شرعي يقتصر فيه على المتيقن، إذ هو
كالاجتهاد في مقابل النص، والاطلاق كتابا (2) وسنة (3) وعدم الحد
على قذفها لا ينافي مشروعية اللعان باطلاق الأدلة وخصوصا لنفي التعزير الثابت
بقذف الأمة.
ومن ذلك يعلم أيضا عدم اشتراط إسلامها، لاطلاق الأدلة وخصوص ما سمعته
من النصوص التي لا يكافؤها غيرها، خلافا للمحكي عن جماعة منهم ابن الجنيد
من عدم ملاعنة الكافرة للمسلم، لنحو ما سمعته في اشتراط الحرية من بعض النصوص
والاعتبار التي قد عرفت الحال فيها، ولعله لوضوح ضعفه أهمل المصنف ذكر الخلاف
هنا، وإن ذكره في الملاعن، أو أنه اتكل على ذكره هناك.
(ويصح لعان الحامل) وفاقا للمشهور، بل عن الخلاف الاجماع، للعموم

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12 و 13 والمستدرك
الباب - 5 - منه الحديث 6.
(2) سورة النور: 24 - الآية 6.
(3) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان.
38

كتابا (1) وسنة (2) وخصوص ما عن النبي صلى الله عليه وآله (3) من أنه لا عن بين هلال
ابن أمية وزوجته الحامل، وصحيح الحلبي (4) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل
لا عن امرأته وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها، فلما ولدت ادعاه
وأقر به وزعم أنه منه، قال: يرد عليه ولده ويرثه، ولا يجلد الحد لأن اللعان قد
مضى " والمرسل (5) عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه قال: " إن تلاعنا وكان قد نفى
الولد والحمل إن كانت حاملا أن يكون منه ثم ادعى بعد اللعان الولد، فإن الولد
يرثه، ولا يرث هو الولد بدعواه بعد أن لاعن عليه ونفاه ".
خلافا للمحكي عن المفيد وسلار والتقي، لخبر أبي بصير (6) عن الصادق عليه السلام
" كان أمير المؤمنين عليه السلام يلاعن في كل حال إلا أن تكون حاملا " وهو - مع
عدم مكافئته لما تقدم من وجوه - محتمل لإرادة بيان جواز تأخير اللعان لا نفي صحته،
ولعله لأنه وإن جاز لعانها حاملا (لكن) إن أقرت أو نكلت (لا يقام عليها
الحد إلا بعد الوضع) كغيرها مما يثبت عليها الحد، بل ربما حمل الخبر
المزبور على نفي ما يجب باللعان من الحد على تقدير نكولها وإن بعد، أو على غير
ذلك مما لا بأس به بعد قصوره عن المقاومة.
(ولا تصير الأمة فراشا بالملك) بلا خلاف أجده فيه وإن خلت به وخلى بها
وأمكن تكونه منه، بل في المسالك الاجماع عليه، قال: " بخلاف النكاح الذي
يلحق به الولد بمجرد الامكان، لأن المقصود منه الاستمتاع والولد، وملك اليمين
قد يقصد به ذلك وقد يقصد به التجارة والاستخدام، ولذا لا يتزوج من لا تحل له،
ويملك بملك اليمين من لا تحل له - ثم قال بعد ذلك - إذا كان الفراش زوجة دائمة

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 13 - من كتاب اللعان الحديث - 0 - 1.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 394 و 395.
(4) الوسائل الباب - 13 - من كتاب اللعان الحديث - 0 - 1.
(5) المستدرك الباب - 6 - من كتاب اللعان الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 31 - من كتاب اللعان الحديث 3.
39

تحقق فراشها من حين العقد وإمكان وصوله إليها، ثم لها بالنسبة إلى الولد حكمان:
أحدهما في ظاهر الأمر، وهو أنه يحكم بالحاق الولد الذي تلده بعد العقد وإمكان
الوصول إليها فيما بين أقل الحمل وأكثره بالزوج وإن لم يعترف به ولم يعلم وطؤه لها،
سواء كان من أهل الاعتراف كالبالغ العاقل أو لا كالمجنون والصبي الذي يمكن تولده
منه، كابن العشر قبل أن يحكم ببلوغه على ما سبق - ثم إنه بعد ذكر أن الأمة
بعد الوطء تكون كالحرة في لحوق الولد قال -: يفارق ولد الزوجة في أمرين:
أحدهما أنه لا يحكم بلحوقه به إلا مع ثبوت وطئه لها، إما باقراره أو بالبينة
بخلاف ولد الزوجة، فإنه يكفي إمكان الوطء، والوجه فيه أن المعتبر فيهما ثبوت
الفراش، ولما كان في الزوجة متحققا بالعقد وإمكان وصوله إليها كان المعتبر ثبوت
ذلك، ولما كان فراشية الأمة لا يتحقق إلا بالوطء اعتبر ثبوته، فمرجع الأمر
فيهما إلى شئ واحد، وهو ثبوت الفراش، إلا أنه في الزوجة يظهر غالبا بغير الزوج
بحضور العقد والعلم بامكان وصوله إليها، وفي الأمة لا يظهر غالبا إلا منه، لأن الوطء
من الأمور الخفية، فاعتبر إقراره به إن لم يتفق الاطلاع عليه بالبينة نادرا "
إلى غير ذلك من كلماته في هذا الشرح الذي أطنب فيه، وتبعه عليه في
كشف اللثام.
لكن قد يناقش بأنه مناف لما ذكروه في حكم إلحاق الأولاد من اعتبار
تحقق الدخول بالزوجة في لحوق الولد بالزوج، بل ولما ذكره هو وغيره سابقا
في هذا الكتاب - فيما لو طلق وأنكر الدخول فادعته وادعت أنها حامل - من عدم
ثبوت اللعان بينهما، لعدم ثبوت الدخول، وهو الوطء، بل قالوا: لا يكفي إرخاء
الستر خلافا للشيخ، بل صرح هو في وجه ذلك بأن فائدة اللعان من الزوج إما نفي
ولد يحكم بلحوقه شرعا، وهو موقوف على ثبوت الوطء ليصير فراشا لم يحصل، وهو
صريح في توقف صدق الفراش في الزوجة على ثبوت الوطء كالأمة.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك كذلك مع إنكار الزوج الدخول لا مطلقا، لكنه
40

كما ترى، بل قد يقال: إن المراد من قوله صلى الله عليه وآله (1): " الولد للفراش وللعاهر
الحجر " لذي الفراش بمعنى المفترش للزوجة فعلا، لا أن المراد المعدة للفراشية
وإن لم يتحقق الافتراش منه باقراره أو بالبينة.
إنما الكلام في اختصاص ذلك بالزوجة الدائمة أو كل موطوءة بغير زنا سواء
كان بملك يمين أو بتحليل أو عقد متعة، بل أو شبهة كما أشار إليه المصنف في
الأمة بقوله: (وهل تصير فراشا بالوطء فيه روايتان أظهرهما أنها ليست فراشا،
ولا يلحق ولدها إلا باقراره ولو اعترف بوطئها) وتبعه عليه الفاضل والشهيد
وغيرهما، بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن ظاهر الاستبصار وصريح الجامع،
ومال إليه ثاني الشهيدين في المسالك.
والرواية التي أشار إليها المصنف الدالة على أنها ليست فراشا هي رواية محمد
ابن عجلان (2) وصحيحة عبد الله بن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الأول:
" إن رجلا من الأنصار أتى أبا جعفر عليه السلام فقال: إني قد ابتليت بأمر عظيم، إني
وقعت على جاريتي ثم خرجت في بعض حوائجي فانصرفت من الطريق فأصبت غلامي
بين رجلي الجارية فاعتزلتها فحبلت، ثم وضعت جارية لعدة تسعة أشهر، فقال له
أبو جعفر عليه السلام: احبس الجارية لا تبعها، وأنفق عليها حتى تموت أو يجعل الله
لها مخرجا، فإن حدث بك حدث فأوص أن ينفق عليها من مالك " ونحوه
في الثاني إلى قوله: " مخرجا " وأورد بدل " احبس الجارية " " لا ينبغي لك أن
تقربها ".
ورواية حريز (4) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " في رجل كان يطأ جارية له وأنه

(1) الوسائل الباب - 9 - من كتاب اللعان الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3.
41

كان يبعثها في حوائجه وأنها حبلت، وأنه بلغه عنها فساد، فقال أبو عبد الله: إذا
ولدت أمسك الولد ولا يبيعه، ويجعل له نصيبا في داره، قال: فقيل له: رجل يطأ
جارية له وأنه لم يكن يبعثها في حوائجه وأنه اتهمها وحبلت، فقال: إذا هي
ولدت أمسك الولد ولا يبيعه، ويجعل له نصيبا من داره وماله، وليست هذه
مثل تلك ".
والمرسل عن عبد الحميد بن إسماعيل (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
كانت له جارية يطأها وهي تخرج فحبلت، فخشي أن لا يكون منه كيف يصنع؟
أيبيع الجارية والولد؟ قال: يبيع الجارية ولا يبيع الولد، ولا يورث من ميراثه
شيئا ".
وصحيح سعيد بن يسار (2) سأل الكاظم عليه السلام " عن الجارية تكون للرجل
يطيف بها وهي تخرج فتعلق، قال: أيتهمها الرجل أو يتهمها أهله؟ قلت: أما
ظاهرة فلا، قال: إذا لزمه الولد ".
وسأل الصادق عليه السلام في حديث آخر (3) " عن رجل وقع على جارية له تذهب
وتجئ وقد عزل عنها، ولم يكن منه إليها ما تقول في الولد؟ قال: أرى أن لا يباع
هذا يا سعيد، قال: وسألت أبا الحسن عليه السلام، قال: أيتهمها؟ قلت: أما تهمة ظاهرة
فلا، قال: يتهمها أهله؟ فقلت: أما شئ ظاهر فلا، فقال: كيف تستطيع أن لا يلزمك
الولد؟ " المشعران بعدم لحوق الولد مع التهمة.
وخبر محمد بن إسماعيل الخطاب (4) " كتب إليه يسأله عن ابن عم له كانت

(1) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 2 - 5.
(2) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 2 - 5.
(3) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 2 - 5.
(4) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - عن جعفر
ابن محمد بن إسماعيل بن الخطاب كما في الاستبصار ج 3 ص 367 والتهذيب
ج 8 ص 180 وفي الجميع " أو فيه مشابهة منك فلا تبعهما " كما ذكرها (قده) كذلك
في ج 31 التعليقة الثانية من ص (246).
42

له جارية تخدم فاستراب بها، فهدد الجارية، فأقرت أن الرجل فجر بها، ثم
أنها حبلت بولد، فكتب إن كان الولد لك أو كان فيه مشابهة منك فلا تبعه،
وبع أمه ".
وخبر يعقوب بن يزيد (1) " كتب إلى أبي الحسن عليه السلام في هذا العصر رجل
وقع على جارية ثم شك في ولده، فكتب إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده " إلى غير
ذلك من النصوص المشتركة في الدلالة على عدم كونها فراشا، وإلا لاقتضى لحوق الولد
به على كل حال إلا مع العلم بتكونه من غيره
بل قد عرفت في كتاب النكاح في بحث لحوق الأولاد أن المحكي عن الأكثر
بل المشهور اشتراط لحوق ولد الأمة بالواطئ بعدم أمارة يغلب الظن فيها بعدم
كونه منه، ولو كانت فراشا لم يلتفت إلى الأمارة المزبورة كما في الزوجة الدائمة،
بل اتفاقهم كنصوص (2) المقام على عدم اللعان بينهما دليل على عدم الفراشية التي
شرع اللعان لنفي مقتضاها، وإنما لحوق الولد للاقرار الذي لم يشرع اللعان
لنفيه، بل اتفاقهم أيضا على انتفائه بالنفي دليل آخر، ضرورة كون
انتفائه بالنفي حينئذ منافيا لقاعدة الفراش وموافقا للحوقه بالاقرار المفروض
انتفاؤه.
وما في المسالك من " أن السر بانتفائه عنه بنفيه من غير لعان أن الولد الذي
يظهر للزوج كونه منتفيا عنه يليق بالحكمة أن يجعل الشارع له طريقا إلى نفيه
عنه، ليخرج عنه من ليس منه، ولما نصب لولد الزوجة طريقا إلى النفي باللعان
وخصه بالزوجين بقوله تعالى (3): " والذين يرمون أزواجهم " فلا بد من طريق

(1) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12 و 13 والمستدرك
الباب - 5 - منه الحديث 6.
(3) سورة النور: 24 - الآية 6.
43

آخر لنفي ولد الأمة حيث يقتضي الحال نفيه، فإذا لم يمكن باللعان بقي على أصل
الالحاق كما لو تعذر اللعان حيث يشرع لزم أن يكون ولد الأمة أقوى اتصالا
وأحسن حالا من ولد الزوجة الدائمة، فشرع لذلك انتفاءه بمجرد النفي من غير
لعان، إذ ليس هناك طريق آخر " كما ترى لا يرجع إلى محصل ولا إلى دليل
شرعي، بل لا بد من القول بأن مبنى ذلك عدم كونها فراشا بل لا طريق إلى الحكم
بالحاق الولد به إلا إقراره المفروض انتفاؤه وأنه ينفي الولد عنه، إذ لا دليل شرعي
يقتضي إلحاقه به.
بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم انتفائه عنه لو نفاه في مقام يقر
بوطئها على وجه حكم الشارع بالحاقه به لامكان تولده منه مع فرض عدم العلم بوطء
غيره، بل ولا تهمة منه لها، فيخص حينئذ ما ادعوه من الاجماع على انتفائه بنفيه
حيث يمكن أن يكون نفيه لعلمه بعدم تكونه منه، لعلمه بعدم وطئه لها على وجه
يمكن تكون الولد منه، وقول الأصحاب أنه ينتفي بنفيه وإن أقر بوطئها يراد منه
وإن أقر بكونها موطوءة له في الجملة، لا أنه وإن أقر بأنها موطوءة له وطئا ألحقه
الشارع به، لامكان تكون الولد منه وعدم العلم بوطء غيره وعدم تهمتها بذلك.
وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الفرق بين الزوجة المدخول
بها وبين الأمة، ويظهر أيضا معنى كونها ليست فراشا، كما تسمع ما يؤيده
إنشاء الله.
هذا ولكن في مقابل ذلك كله نصوص وفتاوى (منها) إطلاق قوله صلى الله عليه وآله وسلم (1)
" الولد للفراش وللعاهر الحجر " بناء على أن المراد من الفراش المقابل بالعهر مطلق
الافتراش بحل ولو بشبهة.
و (منها) صحيح سعيد الأعرج (2) سأل الصادق عليه السلام " عن رجلين واقعا
على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال: للذي عنده الجارية، لقول رسول

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 0 - 4 -.
(2) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث - 0 - 4 -.
44

الله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر " وخبر الحسن الصيقل (1) عن أبي عبد
الله عليه السلام " سمعته يقول وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ
رحمها، قال: ما صنع! يستغفر الله ولا يعود، قلت: فإنه باعها من رجل آخر ولم
يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر ولم يستبرئ رحمها فاستبان حملها
عند الثالث، فقال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للفراش وللعاهر الحجر " ونحوه خبره
الآخر (2) إلا أنه قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للذي عنده الجارية وليصبر،
لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش وللعاهر الحجر ".
و (منها) خبر علي بن جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن رجل
وطأ جارية فباعها قبل أن تحيض فوطأها الذي اشتراها في ذلك الطهر فولدت له
لمن الولد؟ قال: الولد للذي عنده وليصبر، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش
وللعاهر الحجر " إلى غير ذلك من النصوص الموافقة لفتواهم في بحث لحوق الأولاد
أنه متى وطأ الأمة مولاها ألحق به الولد، ولزمه الاقرار به إلا مع العلم
بانتفائه منه.
ولكن قد يقال إن النصوص المزبورة موافقة لما رواه العامة عن النبي صلى الله عليه وآله (4)
" أنه تنازع إليه سعد وعبد بن زمعة عام الفتح في ولد ولده زمعة، وكان زمعة قد
مات فقال سعد: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن أخي كان قد عهد إلي فيه، وذكر أنه ألم
بها في الجاهلية، وقال عبد هو أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فقال رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عبد بن زمعة هو لك، الولد للفراش وللعاهر الحجر " فيمكن أن
يكون النصوص المزبورة للتقية، خصوصا بعد أن لم يكن في مفروض بعضها عاهر،

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 7 -.
(3) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 7 -.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 412.
45

نحو خبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
وليدة جامعها ربها ثم باعها من آخر قبل أن تحيض فجامعها الآخر ولم تحض
فجامعها الرجلان في طهر واحد فولدت غلاما فاختلفا فيه، فسألت أم الغلام فزعمت
أنهما أتياها في طهر واحد، فلا تدري أيهما أبوه، فقضى في الغلام أنه يرثهما كلاهما
ويرثانه سواء " الذي لا ريب في حمله على التقية.
إنما الاشكال في الجمع بين كلمات الأصحاب في المقام وفي بحث لحوق الأولاد،
فإن ظاهرهم هنا عدم كونها فراشا، وأنه لا يلحق الولد حتى يقر به، وفي ذلك
المقام أنه يلحق به الولد علم إقراره به أو لا، نعم لو نفاه انتفى، وتظهر الثمرة
بالموت مثلا.
وقد أطنب فيه في المسالك، والذي استقر رأيه عليه بناء على كون الأمة
ليست فراشا أنا لا نحكم بلحوق الولد به إلا باقراره، قال: " وأما ما ذكروه في
باب إلحاق الأولاد فهو منزل على أن ذلك الحكم الذي يلزم المولى فيما بينه وبين
الله تعالى، بمعنى أنه إذا وطأ الأمة وطءا يمكن إلحاق الولد به يجب عليه الاعتراف
به واستلحاقه، ولا يجوز له نفيه عنه بتهمة أمه إلا على تلك الرواية الشاذة، وأما
بالنسبة إلينا فلا نحكم بالحاقه به ما لم يعترف به حيث لا نجعلها فراشا، وهكذا
القول فيما لو وطأها المولى وغيره، فإنه يحكم به للمولى دون الغير إذا كان وطؤه
مجوزا، ولكن بالنسبة إلينا لا نحكم به له إلا باعترافه - به هذا وقد حكي عن
فخر المحققين أنه قال في شرحه -: إن معنى كونها ليست فراشا أنه لا يلحق ولدها
به إلا باقراره به أو بوطئها وإمكان لحوقه به - قال -: وكأنه حاول بذلك الجمع
بين حكم الأصحاب بكونها ليست فراشا مطلقا وبين حكمهم في باب لحوق الأولاد
بلحوق ولد الأمة بالمولى الواطئ، وأنه يلزمه الاقرار به حيث يمكن كونه منه،
وأنه لو وطأها غيره ألحق به دون الغير من غير تقييد باقراره به، فجعل مستند ذلك

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 6.
46

الوطء الواقع من المولى، وأقامه مقام الاقرار به من غير أن يعلم كونه واطئا - ثم
ضعفه - بأن إلحاقه به مع وطئه لها من لوازم الفراش كما سبق، فلو جعل مترتبا
على عدمه لم يبق فرق بين الفراش وغيره، اللهم إلا أن يجعل الوطء الموجب للفراش
كافيا في إلحاق الولد بعد ذلك وإن لم يمكن استناده إلى ذلك الوطء الشخصي الثابت،
كما هو أحد الاحتمالين في المسألة، ويجعل هذا الوطء القائم مقام الاقرار هو الوطء
الذي يمكن استناد الولد إليه، ومع ذلك ففيه مخالفة لما ذكره الجميع في معنى
الفراش، فإنهم أطبقوا على أن فائدته لحوق الولد به مع إمكانه وإن لم يعترف به،
وعدم لحوقه بمن ليست فراشا إلا باقراره، والوجه أن الاكتفاء بالوطء في هذا
القسم ليس في محله، وإنما محله على تقدير كونها فراشا، لأن الوطء حينئذ
لا بد من العلم به ليتحقق به كونها فراشا كما قد تحقق " إلى آخر ما
ذكره.
وفي الروضة بعد أن حكى الاجماع على انتفائه بنفيه قال: " إنما الخلاف في
أنه هل يلحق به بمجرد إمكان كونه منه وإن لم يقر به أم لا بد من العلم بوطئه
وإمكان لحوقه به أو إقراره به، فعلى ما اختاره المصنف والأكثر لا يلحق به إلا
بالاقرار به أو وطئه وإمكان لحوقه به، وعلى القول الآخر لا ينتفي إلا بنفيه أو العلم
بانتفائه عنه، ويظهر من العبارة وغيرها من عبارات المحقق والعلامة أنه لا يلحق به
إلا باقراره به، فلو سكت ولم ينفه ولم يقر به لم يلحق به، وجعلوا ذلك فائدة
عدم كون الأمة فراشا بالوطء، والذي حققه جماعة أنه يلحق به باقراره أو العلم
بوطئه وإمكان لحوقه به وإن لم يقر به، وجعلوا الفرق بين الفراش وغيره أن
الفراش يلحق به الولد وإن لم يعلم وطؤه مع إمكانه إلا مع النفي واللعان، وغيره من
الأمة والمتمتع بها يلحق به الولد إلا مع النفي، وحملوا عدم لحوقه إلا بالاقرار على
اللحوق اللازم، لأنه بدون الاقرار ينتفي بنفيه من دون لعان، ولو أقر به استقر،
ولم يكن له نفيه بعده، وهذا هو الظاهر، وقد سبق في أحكام الأولاد ما ينبه
عليه، ولولا هذا المعنى لتنافي ما ذكروه هنا مع ما حكموا به فيما سبق من
47

لحوقه به بشرطه ".
قلت: وحاصله هنا اختيار ما أنكر عليه في المسالك ولكن الانصاف أن
التأمل التام يقتضي أن مرادهم بعدم فراشية الأمة هنا وإن اعترف بوطئها عدم
كونها كالزوجة المدخول بها في الحكم بلحوق الولد بمجرد إمكان كونه منه ولا
ينتفي عنه إلا باللعان، بل لا بد من الاقرار فيها بالولد أو بالوطء الذي يمكن
تكون الولد منه، ولا يكفي كونها موطوءة له في الجملة، كما كان يكفي في لحوق
ولد الزوجة مجرد كونها مدخولا بها مع إمكان كونه منه، لكونها فراشا
بخلاف الأمة، فإنها ليست فراشا بهذا المعنى وإن حكم بلحوق الولد به باقراره أو
بالعلم بوطئه لها على وجه يمكن تكون الولد منه مع عدم العلم بوطء محترم لغيره،
بل قد سمعت تقييد غير واحد له من الأصحاب بما إذا لم تكن هناك أمارة يغلب
الظن فيها أنه ليس منه، بل قد سمعت جملة من النصوص (1) الدالة على عدم
لحوقه به، وعدم نفيه مع اتهامه لها أو اتهام أهله أو خروجها في الحوائج وإن كان
قد عرفت البحث فيها في كتاب النكاح وفي المقام، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فالمراد أن اتفاق الأصحاب على الانتفاء بالنفي لا ينطبق إلا على
عدم كون الأمة فراشا، ومن هنا أشكل على العامة الحال، فإنهم بعد أن وافقوا
على أن ولد ملك اليمين لا ينتفي باللعان اختلفوا في طريق نفيه لمن علم انتفاءه،
فمنهم من سد الطريق عن نفيه نظرا إلى الولد للفراش، وليس هناك طريق إلى
النفي، ومنهم من جوز نفيه باللعان للضرورة حذرا من أن يكون أقوى من ولد
الزوجة، ومنهم من نفاه بيمينه.
والسبب الذي ألجأهم إلى ذلك تخيلهم كون الأمة فراشا، ولم يعلموا أنها ليست
فراشا يقتضي لحوق الولد به كما يقتضي لحوق ولد الزوجة المحتاج نفيه إلى اللعان،

(1) الوسائل الباب - 55 و 56 و 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء من
كتاب النكاح.
48

وإنما لحوقه به بالاقرار المفروض انتفاؤه، لأنه ناف له، ولا ينافي ذلك إلحاق
الشارع الولد به مع العلم بوطئه على وجه يمكن تكون الولد منه، ولم يعلم وطء
لغيره ولا تهمة، بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم انتفائه عنه لو نفاه في هذا
الحال، وإنما ينتفي عنه لو لم يعلم الحال، ويمكن أن يعلم بعدم تكونه منه لسبق
وطئه له على وجه لا يمكن تكونه منه، وحينئذ لا يلحق الولد به إلا باقراره، فإن
نفاه انتفى عنه، بل لا يحكم بلحوقه به إذا لم نعلم وطءه لها على وجه يمكن تكون
الولد منه وإن علمنا كونها موطوءة له سابقا على وجه لا يمكن تكون هذا الولد
منه، بخلاف الزوجة، فإن احتمال وطئه لها كاف في لحوق الولد بعد أن كانت
مدخولا بها.
ولعله إلى ما ذكرنا يرجع ما سمعت من كلام الفخر من أن معنى كونها
ليست فراشا أنه لا يلحق ولدها به إلا باقراره أو بوطئها وإمكان لحوقه به وإن
اعترض عليه في المسالك بما سمعت، بل لا يخفى عليك دفعه بعد الإحاطة بما ذكرنا،
بل لعل التأمل الجيد في كلامه يقتضي ما ذكرناه من أنه لا ينتفي حينئذ بنفيه في
الحالين المزبورين.
ومن الغريب أنه في المسالك قد اختار ما ذكرنا على تقدير كون الأمة فراشا
ولم يتنبه لدفع أصل الاشكال فيه، قال: " وعلى تقدير صيرورتها فراشا بالوطء هل
يستمر لذلك ما دامت على ملكه أم يختص الحكم بالولد الذي يمكن تولده من ذلك
الوطء خاصة، حتى لو أتت بولد بعد أقصى الحمل من الوطء الذي يثبت باقراره
أو البينة لا يلحق به بدون الاقرار به؟ وجهان من حصول شرط الفراش وهو الوطء،
فنزل منزلة العقد الدائم على الحرة، لأن وطء الأمة إما تمام السبب للفراشية أو
شرط فيها، وعلى التقديرين حصل الفراش به كالعقد، فيستمر الحكم حينئذ كما
استمر حكم الفراش بالعقد، ولم يشترط بعد ذلك ظهور وطء يلحق به الولد، ومن
ضعف فراشية الأمة ودلالة تلك النصوص (1) الموجبة لالحاق الولد به على كونه

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
49

مولودا في وقت يمكن تخلقه من ذلك الوطء، فيبقى غيره على الأصل، ولا إشكال في
انتفائه عنه بنفيه، وإنما تظهر الفائدة لو لم ينفه، فهل يلحق به ظاهرا بمجرد الوطء
السابق أم يتوقف على الاقرار به؟ بني على الوجهين، والأظهر الثاني ".
قلت: ينبغي القطع به، إذ لا دليل على فراشيتها بالوجه الأول، وبه يفرق
بينها وبين الزوجة، بل به يرتفع الاشكال بين كلمات الأصحاب في المقام وفي
بحث لحوق الأولاد، بل بالتأمل يرتفع الاشكال في النصوص (1) المزبورة،
وحاصله أن المحتاج في الالحاق إلى إقرار هو الذي ينتفي بنفيه لو نفاه، وأما الذي
يلحق به شرعا ولو لاعترافه بالوطء الذي يمكن تكونه منه مع عدم العلم بوطء
غيره ولا تهمة فلا ينتفي بنفيه بل يلحق به للنصوص (2) المزبورة الظاهرة أو
الصريحة في عدم ترتب الانتفاء على نفيه لعدم استطاعته نفيه في الحال المزبور فهو
ملحق به لذلك شرعا، لا لأنها فراش، إذ لا طريق إلى علمه بعدم تكونه منه ليصح
له نفيه عنه فتأمل جيدا.
بل من التأمل فيما ذكرنا يعلم أن موضوع اللعان في الزوجة مع عدم العلم
بالحال، وإلا فمع العلم بالحال وأنه قد وطأها وطأ يصلح لتكون الولد منه لا يشرع
له اللعان لنفيه، للحكم بلحوقه شرعا، وللنهي (3) عن نفيه، نعم لو لم يعلم الحال
وكان إلحاقه به لقاعدة الفراش التي يمكن علم الزوج بفسادها ولو للعلم بزمان وطئه
الذي لا يصلح لتكون الولد منه يصح له حينئذ نفيه، ويشرع له اللعان، فتأمل جيدا،
فإن ذلك من أسرار الفقه.
هذا ولا يخفى عليك جريان ما ذكرناه في الأمة في المتمتع بها التي قد سمعت

(1) الوسائل الباب - 55 و 56 و 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء من
كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة من كتاب النكاح.
50

النص (1) والفتوى على نفي اللعان فيها، وأنها بمنزلة الإماء، بل الظاهر اتفاق
الأصحاب على عدم كونها فراشا، لكن ينبغي أن يكون على نحو ما سمعته في الأمة،
ولا ينافي ذلك لحوق الولد به، للنصوص (2) التي هي أصرح من نصوص الأمة،
بل في صحيح ابن بزيع (3) منها " سأل رجل الرضا عليه السلام وأنا أسمع عن الرجل
يتزوج المرأة متعة ويشترط عليها أن لا يطلب ولدها، فتأتي بعد ذلك بولد، فينكر
الولد، فشدد في ذلك، وقال: يجحد وكيف يجحد؟ إعظاما لذلك الجحد " وفي
حسن ابن أبي عمير وغيره (4) " إن الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء، إلا أنه إن
جاء بولد لم ينكر، وشدد في إنكار الولد " إلى غير ذلك من النصوص التي ذكرناها في
محلها التي هي صريحة في لحوق الولد به مع وطئه لها وطءا يمكن تكون الولد منه،
بل لعلها ظاهرة فيما قلناه سابقا من عدم نفيه عنه لو نفاه عنه في هذا الحال، نعم
ينتفي عنه لو نفاه مع عدم العلم بالحال على الوجه الذي ذكرناه في الأمة وكذا
الكلام في وطء الشبهة والأمة المحللة ولكن الجميع على الوجه الذي قلناه في الأمة،
وقد تقدم منا في بحث لحوق الأولاد ما يؤكد ذلك، فلاحظ وتأمل، فإنه دقيق
جدا نافع للجمع بين النصوص والفتاوى.
وكأنه تنبه له في الجملة في كشف اللثام في بحث لحوق الأولاد، فإنه قيد
عبارة الفاضل في القواعد التي هي: " وأما النكاح المؤجل فإذا اجتمعت الشروط الثلاثة
لم يحل له نفيه، لكن لو نفاه " فقال: " من غير اعتراف بالشروط ولا علم انتفى من
غير لعان " وهو كالصريح في عدم الانتفاء مع الاعتراف بالشروط الثلاثة التي هي الوطء
وتولده لستة أشهر فصاعدا وأن لا يتجاوز أقصى الحمل، وهذا بعينه الذي قلناه

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتاب اللعان والباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 6
من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 5 من كتاب النكاح.
(4) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة الحديث 2 - 5 من كتاب النكاح.
51

في الأمة التي من المعلوم عدم الفرق بينها وبين المتعة بالنسبة إلى ذلك نصا
وفتوى.
بل من ذلك يعلم الوجه في جملة من الكلمات حتى عبارة اللمعة في بحث
لحوق الأولاد التي هي كالصريحة في الانتفاء بنفيه وإن فعل حراما في نفيه، لكن المراد
منها وما يشابهها أنه يفعل حراما فيما بينه وبين الله تعالى لو نفاه مع علمه
باجتماع الشروط الثلاثة، وإن كنا نحن نحكم بظاهر نفيه، إذ لم يعترف هو بها
ولا علم لنا بها.
كما أن منه يعلم الوجه في قولهم ينتفي بالانتفاء الذي لم نقف على خبر يدل
عليه حتى من طرق العامة، مع أنه قد استفاض نقل الاجماع عليه، ولا وجه له
إلا ما ذكرناه من أن المراد الانتفاء بنفيه حيث يحتاج اللحوق إلى إقرار ولم تكن
هناك قاعدة شرعية تقتضيه، كما ذكرناه في الصورة السابقة، فإنه ينتفي بالانتفاء
حينئذ لعدم الاقرار، وفائدة النفي حينئذ الحكم بانتفائه عنه وإن كان هو غير لاحق
له مع السكوت، والله العالم.
52

(الركن الرابع)
(في كيفية اللعان)
(ولا يصح إلا عند الحاكم أو منصوبه لذلك) كما صرح به جماعة، بل
عن موضع من المبسوط " لا يصح إلا عند الحاكم أو خليفته إجماعا " وعن موضع
آخر " اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو من يقوم مقامه من خلفائه " ولعله لأنه
شهادة أو يمين لا يسجل بهما إلا الحاكم، وإليه يرجع ما قيل من أنه حكم شرعي
يتعلق به كيفيات وأحكام وهيئات، فيناط بالإمام وخليفته، لأنه المنصوب لذلك،
ومن أن الحد يقيمه الحاكم فكذا ما يدرؤه.
وفي صحيح ابن مسلم (1) سأل الباقر عليه السلام " عن الملاعن والملاعنة كيف
يصنعان؟ قال: يجلس الإمام مستدبر القبلة " الحديث.
وصحيح البزنطي وحسنه (2) سأل الرضا عليه السلام " كيف الملاعنة؟ فقال: يقعد
الإمام ويجعل ظهره إلى القبلة، ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره "
الحديث.
وفي المرسل (3) عن الصادق عليه السلام " واللعان أن يقول الرجل لامرأته عند
الوالي: إني رأيت رجلا مكان مجلسي منها، أو ينتفي من ولدها، فيقول: ليس مني،
فإذا فعل ذلك تلاعنا عند الوالي ".

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 4 - 5.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 4 - 5.
(3) المستدرك الباب - 4 - من كتاب اللعان الحديث 3.
53

وفي آخر (1) " والملاعنة أن يشهد بين يدي الإمام أربع شهادات " الخبر.
وفي المرسل (2) عنه عليه السلام أيضا وعن أمير المؤمنين عليه السلام " إذا تلاعن المتلاعنان
عند الإمام فرق بينهما " إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في أنه من
مناصب الإمام وأنه من الحكومة التي هي له، كما أوضحنا ذلك كله في
كتاب القضاء
ولكن مع ذلك قال المصنف والفاضل في القواعد: " ولو تراضيا برجل من
العامة فلاعن بينهما جاز) ونحوه عن المبسوط والوسيلة إلا أنهما لم يصرحا بكونه
من العامة، بل زاد في المبسوط " أنه يجوز عندنا وعند جماعة، وقال بعضهم لا يجوز "
وهو مشعر بالاتفاق على جوازه، وكان ذلك مناف لما سمعته.
ومن هنا قال في كشف اللثام: " لعل الأول إذا لم يحصل التراضي بغيره،
أو المراد بالحاكم الإمام، وبخلفائه ما يعم الفقهاء في الغيبة، وبمن تراضيا عليه
الفقيه في الغيبة، ولا يجوز عند كل من تراضيا عنده إلا إذا لم يكن حاكم أو
منصوبه - قال -: وجعلهما في المختلف قولين، واختار عدم الجواز إلا عند الحاكم
أو من ينصبه، وتردد في التحرير ".
وفي المسالك " والمراد بالرجل العامي الذي يتراضى به الزوجان الفقيه المجتهد
حال حضور الإمام لكنه غير منصوب من قبله، وسماه عاميا بالإضافة إلى المنصوب،
فإنه خاص بالنسبة إليه - ثم قال -: وقد اختلف في جواز اللعان به نظرا إلى أن
حكمه يتوقف على التراضي، والحكم هنا لا يخص بالزوجين المتراضيين، بل يتعلق
بالولد أيضا. فلا يؤثر رضاهما في حقه إلا أن يكون بالغا ويرضى بحكمه، خصوصا
لو اعتبرنا تراضيهما بعد الحكم، لأن اللعان لا يقع موقوفا على التراضي،
لأنه لازم بتمامه لزوما شرعيا، والأظهر الصحة ولزوم حكمه من غير أن يعتبر

(1) المستدرك الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1.
(2) المستدرك الباب - 12 - من كتاب اللعان الحديث 1.
54

رضاهما بعده ".
قلت: وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: (ويثبت حكم اللعان) أي عند من
تراضيا به (بنفس الحكم) منه مثل الإمام، كما عن الخلاف ولعان المبسوط
(وقيل) كما عن قضاء المبسوط (يعتبر رضاهما بعد الحكم) وهو واضح الضعف،
وأضعف منه القول بنفوذ حكمه، مع أنك ستعرف في كتاب القضاء تطابق النص (1)
والفتوى على أن الحكومة منصب لهم عليهم السلام، ولا تكون إلا لهم أو لمن أذنوا له بها،
وحكم المتراضيين به إنما هو من مسألة قاضي التحكيم التي أفرغنا الكلام فيها في
كتاب القضاء وإن كان لا يحسن التعبير عنه برجل من العامة، لما سمعته في كتاب القضاء
من أنه القاضي الجامع لشرائط الحكومة عدا الإذن منهم. وعلى كل حال فلا إشكال
في صحته في زمن الغيبة عند الفقيه الجامع، لأنه منصوب منهم على ما يشمل ذلك
كما هو مفروغ منه، بل هو كذلك من حين صدور عبارة النصب التي هي قول
الصادق عليه السلام (2): " فإني قد جعلته حاكما " فيندرج فيه ذلك الزمان الملحق
بزمان الغيبة باعتبار قصور اليد، وتفصيل هذه المباحث قد ذكرناه في كتاب القضاء،
فلاحظ وتأمل.
(وصورة اللعان) التي نطق بها الكتاب العزيز (3) والسنة الكريمة (4)
والفتاوى (أن يشهد الرجل) أولا (بالله أربع مرات أنه لمن الصادقين فيما
رماها به) من الزنا أو في أن الولد ليس من مائه، فيقول: " أشهد بالله أني لمن
الصادقين في ذلك " لكن ذكر غير واحد أنه إذا أراد نفي الولد قال: " إن هذا الولد
من زنا وليس مني " بل عن التحرير زيادة " أنه لو اقتصر على أحدهما لم يجز "

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب صفات القاضي الحديث 1 من كتاب
القضاء.
(3) سورة النور: 24 - الآية 6 إلى 9.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان.
55

وفيه أنه لا يتم إذا كان اللعان لنفي الولد خاصة من غير قذف بالزنا، إذ لا يختص اللعان
في دعوى الزوج كون الولد من زنا، لاطلاق أدلته وإن اختص ظاهر الآية (1)
في القذف إلا أن السنة (2) مطلقة في ثبوته في الأعم من ذلك ولا تنافي
بينهما، ولذا عد الأصحاب نفي الولد سببا مستقلا عن القذف، كما هو
واضح.
(ثم يقول) الخامسة: (عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، ثم تشهد
المرأة) ثانيا (بالله) تعالى (أربعا أنه لمن الكاذبين فيما رماها به) فتقول:
" أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنا " (ثم تقول) الخامسة:
(إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين) فيما رماها به من الزنا، ولا تحتاج هي
إلى ذكر الولد، لأن لعانها لا يؤثر فيه، ولكن لو تعرضت له لم يضر لتتساوى اللعنات
(و) تتقابل.
نعم (يشتمل اللعان على واجب ومندوب، فالواجب التلفظ بالشهادة على الوجه
المذكور) بلا خلاف أجده بيننا، فلو أبدل صيغة الشهادة بغيرها كقوله: " شهدت
بالله " أو " أنا شاهد " أو " أحلف بالله " أو " أقسم " أو " أولي " أو أبدل لفظ الجلالة
بالرحمن أو بالخالق ونحوه أو أبدل كلمة الصدق أو الكذب بغيرهما وإن كان
بمعناهما أو قال: " إني لصادق " أو " من الصادقين " بدون لام التأكيد أو قال:
" إنها زنت " أو قالت المرأة: " إنه كاذب " أو " لكاذب " أو أبدل اللعن بغيره ولو
بلفظ الابعاد والطرد أو لفظ الغضب ولو بالسخط أو أحدهما بالآخر لم يقع، لأنه
خلاف المنقول شرعا، والأصل عدم ترتب أثر اللعان على غير موضع النص والاجماع،
بل لم أعثر على خلاف عندنا في شئ من ذلك، نعم عن بعض العامة جواز تغيير لفظ
" أشهد " بما يفيدها، وجواز إبدال اللعن بالغضب وبالعكس.

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 4 و 9 - من كتاب اللعان.
56

وفي كشف اللثام " لعل تخصيص الألفاظ المعهودة على النهج المذكور للتغليظ
والتأكيد، فإن الشهادة تتضمن مع القسم الاخبار عن الشهود والحضور، والتعبير بالمضارع
يقربه إلى الانشاء، لدلالته على زمان الحال، ولفظ اسم الذات المخصوص بها بلا
شائبة اشتراك بوجه، ومن الصادقين بمعنى أنه من المعروفين بالصدق، وهو أبلغ
من نحو صادق، وكذا من الكاذبين، ولكن اختيار هذا التركيب في الخامسة لعله
للمشاكلة، لأن المناسب للتأكيد خلافه، وتخصيص اللعنة به والغضب بها، لأن
جريمة الزنا أعظم من جريمة القذف ".
قلت: لا يخفى عليك عدم اقتضاء ذلك الجمود المزبور، بل لا صراحة في الكتاب
والسنة بذلك، بل ولا ظهور، فإن المنساق خصوصا من السنة إرادة إبراز المعنى
المزبور، وأن الكيفية المخصوصة إحدى العبارات الدالة عليه، بل لولا ظهور اتفاق
الأصحاب لأمكن المناقشة في بعض ما سمعته من الجمود المزبور وإن كان هو الموافق
لأصالة عدم ترتب حكم اللعان، وإلا أنه يمكن دعوى ظهور النصوص (1) في
خلاف الجمود المزبور، منها الخبر المروي (2) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ملاعنة
هلال بن أمية، فإنه قال: " احلف بالله الذي لا إله إلا هو أنك لصادق ".
(و) يجب أيضا (أن يكون الرجل قائما عند التلفظ) بألفاظه الخمس،
(وكذا المرأة) وفاقا للمحكي عن المقنع والمبسوط والسرائر، لما عن الفقيه
من أنه في خبر (3) " يقوم الرجل فيحلف - إلى أن قال -: ثم تقف المرأة فتحلف "
وللمحكي من فعل النبي صلى الله عليه وآله (4) من أنه أمر عويمرا بالقيام، فلما تمت شهادته
أمر امرأته بالقيام.
(وقيل) والقائل الأكثر كما في المسالك قال: " ومنهم الشيخ في النهاية

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث - 0 - 3.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 395.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث - 0 - 3.
(4) الدر المنثور ج 5 ص 23.
57

والمفيد وأتباعهما وأكثر المتأخرين " (يكونان جميعا قائمين بين يدي الحاكم)
لحسن ابن مسلم (1) سأل الباقر عليه السلام " عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان؟ قال:
يجلس الإمام مستدبر القبلة فيقيمهما بين يديه مستقبلا بحذائه ويبدأ بالرجل ثم
بالمرأة " وصحيح ابن الحجاج (2) " إن عباد البصري سأل أبا عبد الله عليه السلام وأنا
حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام - وحكى قصة الرجل
الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره عن أهله، إلى أن قال -: فأوقفهما رسول الله صلى الله عليه وآله،
ثم قال للزوج: اشهد " إلى آخره.
ولعل اختلاف النصوص في الكيفية المزبورة مشعر بالندب، كما عن ابن سعيد
التصريح باستحبابه، بل عن الصدوق في الهداية عدم التعرض له كالمصنف في النافع،
وفي المرسل (3) عن الصادق عليه السلام أنه قال: " والسنة أن يجلس الإمام للمتلاعنين
ويقيمهما بين يديه كل واحد منهما مستقبل القبلة " ولا ينافي ذلك صحيح علي بن
جعفر (4) عن أخيه عليه السلام سأله " عن الملاعنة قائما يلاعن أو قاعدا؟ فقال: الملاعنة
وشبهها من قيام " مع إرادة أن ذلك من السنة بمعنى الندب، لاطلاق الكتاب (5)
كيفية الملاعنة من دون ذكر القيام، ولكن الاحتياط بناء على عدم اعتبار الاقتصار
في قيام أحدهما في الكيفية الأولى لا ينبغي تركه.
(و) كذا يجب (أن يبدأ الرجل أولا بالتلفظ على الترتيب المذكور
وبعده المرأة) فلو بدأت المرأة باللعان لغا، لأنه خلاف الثابت من النص (6)
والفتوى، ولأن لعانها لاسقاط الحد عنها، كما هو مقتضى قوله تعالى: (7)

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 4 - 1 - 6.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 4 - 1 - 6.
(3) المستدرك الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 4 - 1 - 6.
(5) سورة النور: 24 - الآية 6 إلى 9.
(6) سورة النور: 24 - الآية 6 إلى 9 والوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان.
(7) سورة النور: 24 - الآية 8.
58

" ويدرأ عنها العذاب " وهو إنما يجب بلعان الزوج، فما عن بعض العامة من جواز
التقديم واضح الفساد كما عن بعض آخر منهم جواز تقديم اللعن أو الغضب على الشهادة،
إذ هو مع أنه خلاف المعهود كتابا وسنة مناف للمعنى، ضرورة أن المراد إن كان
من الكاذبين في الشهادات الأربع فلا بد حينئذ من تقديمها.
(و) كذا يجب (أن يعينها بما يزيل الاحتمال، كذكر اسمها أو اسم
أبيها أو صفاتها المميزة لها عن غيرها) لأنه الثابت، نعم في المسالك إن كان له
زوجتان فصاعدا وإلا اكتفي بقوله: " زوجتي " لكن في كشف اللثام " لعله لا يكفي
التعبير عنها بزوجتي وإن لم يكن له في الظاهر زوجة غيرها، لاحتمال التعدد،
ولا ريب في أنه أحوط إن لم يكن أظهر باعتبار كون الواقع في الأدلة المعينة، ولو
كانت حاضرة يتخير بين ذلك وبين الإشارة إليها " وفي المسالك " لو جمع بين الإشارة
والتسمية كان أولى، لأن اللعان مبني على التغليظ والاحتياط، فيؤكد الإشارة
بالتسمية " قلت: لكنه غير واجب قطعا.
وكذا يجب عليها تعيين الرجل وإن كان يكفي فيه " زوجي " لعدم
احتمال التعدد.
(و) كذا يجب (أن يكون النطق بالعربية) غير الملحونة (مع
القدرة) لأنه الثابت، بل قد عرفت اعتبار ذلك في نحو المقام من العقود (و)
الايقاعات نعم (يجوز بغيرها مع التعذر) كما جاز في غيرها للضرورة وحصول
الغرض من الأيمان، كما ذكرناه في محله مفصلا.
(وإذا كان الحاكم غير عارف بتلك اللغة افتقر إلى حضور مترجمين ولا
يكفي الواحد) ولا غير العدل كما في سائر الشهادات، ولا يشترط الزائد فإن الشهادة
هنا إنما هي على قولهما لا على الزنا، خصوصا في حقها، فإنها تدفعه عن نفسها،
خلافا لما عن بعض العامة فاشترط أربع شهود.
هذا (و) قد عرفت أنه (تجب البدأة بالشهادات ثم باللعن، وفي المرأة
يبدأ بالشهادات ثم بقولها إن غضب الله عليها).
59

(و) كذا قد عرفت أنه (لو قال أحدهما عوض أشهد بالله: أحلف أو
أقسم أو ما شاكله لم يجز) فلا حاجة إلى إعادته، كما وقع من المصنف بعد أن
ذكر ما يستفاد منه ذلك، والأمر سهل.
لكن في القواعد زيادة " الموالاة بين الكلمات - أي الشهادات في الواجب وكذا -
إتيان كل واحد منهما باللعان بعد إلقائه - أي الحاكم - عليه، فلو بادر به قبل
أن يلقيه عليه الإمام لم يصح ".
وكان الوجه في الأول الاقتصار أيضا فيما خالف الأصل على الواقع
بحضرته صلى الله عليه وآله (1) مما لم يتخلل بينها فصل طويل، وفي كشف اللثام " ولأنها
من الزوج بمنزلة الشهادات، ويجب اجتماع الشهود على الزنا، ولوجوب مبادرة كل
منهما إلى دفع الحد عن نفسه، ونفي الولد إن كان منتفيا - لكن قال -: لم أر غيره
من الأصحاب ذكره، وللشافعية في وجوبها وجهان ".
وأما الوجه في الثاني فالأخبار المبينة لكيفية اللعان (2) فإنها تضمنت ذلك،
ولأن الحد لا يقيمه إلا الحاكم فكذا ما يدرؤه، مضافا إلى أنه كاليمين في الدعاوى
التي لو حلف قبل الاحلاف لم يصح، كما بيناه في محله.
(والندب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة وأن يقف الرجل عن يمينه
والمرأة) والصبي (عن يمين الرجل) لما رواه البزنطي (3) عن الرضا عليه السلام
قال: " أصلحك الله تعالى كيف الملاعنة؟ قال يقعد الإمام عليه السلام، ويجعل ظهره إلى
القبلة، ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة والصبي عن يساره " ومحمد بن مسلم (4)
" سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان؟ قال: يجلس الإمام
مستدبر القبلة، فيقيمهما بين يديه مستقبل القبلة بحذاه، ويبدأ بالرجل ثم بالمرأة "
ولعل المراد بيسار الإمام في الأول جهة يساره التي هي جهة يمين الرجل، ولذا

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1 - 0 - 2.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1 - 0 - 2.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1 - 0 - 2.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 4.
60

ذكره الأصحاب دليلا على الحكمين، نعم في المسالك " ليس في الرواية أن الزوجين
مستقبلان، وكذلك أطلق المصنف وجماعة " قلت: ولكن نص عليه في الصحيح
الآخر (1) والأمر سهل، لأن الحكم استحبابي يتسامح فيه.
(و) من الندب أيضا (أن يحضر من يسمع اللعان) جماعة غير الحاكم
من الأعيان والصلحاء، فإن ذلك أعظم للأمر، وليعرف الناس ما يجري عليهما من
التفريق المؤبد أو حكم القذف أو ثبوت الزنا، ولما روي من أنه حضره على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله جماعة من أصحابه، منهم ابن عباس وابن عمر وابن سهل بن
سعيد (2) بل قيل: هم من أحداث الصحابة، والعادة جارية على عدم حضور الصغار
وحدهم، وقيل أيضا، أن ما يتأدى به الوظيفة أربعة نفر، فإن الزنا يثبت بهذا العدد،
فيحضرون لاثباته وإن كان لم أقف له على دليل، إلا أن الأمر سهل في المندوبات
والآداب والوظائف.
(و) منه أيضا (أن يعظه الحاكم ويخوفه بعد الشهادات قبل ذكر
اللعن، وكذا في المرأة قبل ذكر الغضب) بتخويفهما يذكر أن عذاب الآخرة أشد
من عذاب الدنيا، ويقرأ عليهم " الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا " (3)
وفي خبر عباد البصري (4) عن الصادق عليه السلام " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للرجل
بعد الشهادات الأربع: اتق الله فإن لعنة الله شديدة - ثم قال -: اشهد الخامسة - إلى
أن قال -: ثم قال صلى الله عليه وآله للامرأة بعد الشهادات الأربع: أمسكي، فوعظها وقال: اتق
الله فإن غضب الله شديد، ثم قال: اشهدي الخامسة " إلى آخره.
(وقد يغلظ اللعان بالقول) بذكر أسماء الله تعالى المؤذنة بالانتقام وبالعظمة
والهيبة (والمكان) بأن يلاعن بينهما في البقاع المشرفة، مثل ما بين الركن والمقام

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 4.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 394 و 399 فيه سهل بن سعد.
(3) سورة آل عمران: 3 - الآية 77.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1.
61

- أي الحطيم - إن كان في مكة، وفي المسجد عند الصخرة إن كان في بيت المقدس،
وعند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن كان في المدينة، وعند المكان المعروف بالإصبعين
في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام قريبا من مكان رأسه المعظم، وفي باقي المشاهدة المشرفة
والمساجد المعظمة، نحو مسجد الكوفة ومسجد سهيل ومسجد براثا وغيرها من
المساجد المعلومة (والزمان) كيوم الجمعة بل بعد العصر منه المفسر به (1) قوله
تعالى (2) " تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله " ويوم القدر ونحوهما من
الأزمنة المعظمة ما لم يستلزم التراخي في ذلك، وستعرف في باب القضاء استحباب
التغليظ للحاكم في اليمين الذي منه ذلك، بل ستعرف رجحان التغليظ بين أهل الذمة
في أماكنهم المعظمة عندهم من بيعهم وكنايسهم، بل لا يبعد ذلك أيضا بين المجوس
وغيرهم في بيوت النيران والأصنام، لمكان تعظيمهما عندهم وإن توقف فيه بعض
الشافعية، لكنه في غير محله.
(و) لكن من المعلوم أنه إنما (يجوز اللعان في المساجد والجوامع إذا
لم يكن هناك مانع من الكون في المسجد) كالجنابة والحيض (فإذا اتفقت المرأة
حائضا أنفذ إليها الحاكم من يستوفي الشهادات) منها ولا يشترط فيه الاجتهاد
وأولاه عند باب المسجد، لأنه أنسب بالتغليظ.
(وكذا لو كانت غير برزة) ولا معتادة الحضور لجامع الرجال ولو لشرفها
(لم يكلفها الخروج من منزلها وجاز استيفاء الشهادات عليها فيه) نحو غير يمين
اللعان من الأيمان في الدعاوى، إذ المقام فرد منها، فلاحظ ما ذكرناه في كتاب
القضاء من وجه ذلك وكيفيته، لتكون على بصيرة من ذلك ومن غيره مما لا يخفى
عليك جريانه في المقام الذي ذكرنا غير مرة أنه فرد من أفراده.

(1) الوسائل الباب - 20 - من كتاب الوصايا الحديث 6 والمستدرك الباب - 20 -
منه الحديث 1 والفقيه ج 4 ص 142.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 106.
62

(و) هل اللعان يمين أو شهادة؟ (قال الشيخ) وتبعه جماعة منهم
الفاضل في القواعد: (اللعان أيمان وليس شهادات، ولعله نظر إلى اللفظ، فإنه
بصورة اليمين) فإن قوله: " بالله إنه لمن الصادقين " وقولها: " بالله إنه لمن
الكاذبين " كالصريح في ذلك، وإلى صحته من الفاسق والذكر والأنثى، وإلى قول
النبي صلى الله عليه وآله لهلال بن أمية (1): " احلف بالله الذي لا إله إلا هو أنك لصادق "
وإلى قوله صلى الله عليه وآله (2) بعد التلاعن: " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " وإلى أن
كلا منهما يلاعن نفسه ولم يعهد شهادة أحد لنفسه، وإلى أنه لا معنى لكونه من المرأة
شهادة فكذا منه، وإلى استحباب التغليظ فيه المعلوم كونه من أحكام اليمين، وإلى
غير ذلك مما هو من خواصه دون الشهادة.
خلافا للمحكي عن أبي علي بل ربما استظهر من المصنف أيضا لكثرة إطلاقه
عليه الشهادة، ونسبته القول بكونه يمينا إلى الشيخ، بل عن الفاضل في المختلف
التصريح باختياره، لظاهر قوله تعالى (3) " فشهادة أحدهم " إلى آخر الآية التي
أطلق عليه فيها لفظ الشهادة في خمسة مواضع، وكنى عنها في موضعين، ولقول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم (4) للرجل: اشهد أربع شهادات - وللمرأة - اشهدي " ولقول
الصادق عليه السلام (5): " إن عليا عليه السلام قال: ليس بين خمس نساء وبين أزواجهن
ملاعنة - إلى أن قال -: والمجلود في الفرية، لأن الله تعالى يقول: (6) ولا تقبلوا
لهم شهادة أبدا " ولأنه يعتبر فيه التصريح بلفظ الشهادة، ولأنه به يدرأ عنه ويثبت به
عليها كالبينة، بخلاف اليمين فإنها لا تدخل في الحدود، ولأنه إذا امتنع من اللعان
ثم رغب فيه يمكن منه كمن امتنع من إقامة البينة ثم أراد إقامتها، والناكل عن

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 395.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 395.
(3) سورة النور: 24 - الآية 6.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 5 - من كتاب اللعان الحديث 12.
(6) سورة النور: 24 - الآية 4.
63

اليمين لا يعود إليها.
ولأن محمد بن سليمان (1) سأل الجواد عليه السلام " كيف صار الزوج إذا قذف
امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله؟ وكيف لا يجوز ذلك لغيره؟ وصار إذا
قذفها جلد الحد، ولو كان ولدا أو أخا فقال عليه السلام: قد سئل جعفر عليه السلام عن هذا
فقال: ألا ترى أنه إذا قذف الزوج امرأته قيل له: وكيف علمت أنها فاعلة؟ قال:
رأيت منها ذلك بعيني كانت شهادته أربعا، وذلك أنه قد يجوز الرجل أن يدخل المدخل
في الخلوة التي لا يصلح لغيره أن يدخلها ولا يشهدها ولد ولا والد في الليل والنهار،
فلذلك صارت شهادته أربعا إذا قال رأيت ذلك بعيني وإذا قال: لم أعاينه صار قذفا
وضرب الحد، إلا أن يقيم عليها البينة، وإن زعم غير الزوج إذا قذف وادعى أنه
رآه بعينه قيل له: وكيف رأيت ذلك؟ وما أدخلك ذلك المدخل الذي رأيت فيه
هذا وحدك؟ أنت متهم في دعواك، فإن كنت صادقا فأنت في حد التهمة، فلا بد من
أدبك بالحد الذي أوجبه الله عليك، قال: وإنما صارت شهادة الزوج أربعا لمكان
الأربعة شهداء مكان كل شاهد يمين ".
إلا أن الجميع كما ترى، بل ذيل الخبر المزبور صريح في كونه يمينا،
ومن الجائز أن لفظ الشهادة في هذه الجمل حقيقة عرفية أو مجاز مشهور في اليمين
ولا بعد، لمخالفته لسائر الأيمان في بعض الأحكام، بل قيل: إن خبر النفي عن
الخمس مع الضعف ليس نصا في كون اللعان شهادة، بل الذي ينص عليه أنه لا يقبل
منه الشهادة عليها بالزنا وإن أكده باللعان على أنه غير معمول عليه في ذلك، وكأن
التأمل الجيد يقتضي عدم ثمرة لهذا الاختلاف بعد فرض عدم جريان جميع أحكام
اليمين وأحكام الشهادة عليه، فلا بأس بالقول بأنه شهادة من جهة ويمين من أخرى،

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب اللعان الحديث 5 مع الاختلاف في اللفظ
وذكره بعينه في الكافي ج 7 ص 403.
64

بل لعل الغالب عليه جهة اليمينية، والأمر سهل.
(وأما) الكلام في (أحكامه فتشتمل على مسائل)
(الأولى:)
لا خلاف بيننا ولا إشكال في أنه (يتعلق بالقذف) من الرجل (وجوب
الحد) عليه (في حق‍) - ه أي (الرجل،) لاطلاق الأدلة كتابا (1)
وسنة (2) (و) لا يتعين عليه اللعان عينا نعم (بلعانه) يثبت (سقوط الحد
في حقه ووجوب الحد في حق الامرأة،) لأنه بمنزلة إقامة البينة، ولكن يسقطه
عنها لعانها، كما هو مقتضى قوله تعالى (3): " ويدرأ عنها العذاب " الظاهر في
إرادة الحد من العذاب لا الحبس، كما عن أبي حنيفة، فقال: " إن قذف الزوج
لا يوجب الحد عليه ولكن يوجب اللعان، ومع امتناعه يحبس حتى يلاعن وحينئذ
فاللعان عقوبة قذفه دون الحد، وكذلك المرأة لا تحد بلعانه، بل تحبس حتى
تلاعن " وهو مع منافاته لظاهر آية القذف (4) وقوله تعالى: (5) " يدرأ عنها
العذاب " في آية اللعان مناف أيضا للنبوي المروي في طرقهم (6) إنه قال لهلال
لما قذف زوجته: " البينة أو حد في ظهرك فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني
لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فأرسل إليها " إلى آخره.
(و) كيف كان (مع لعانهما) يتعلق (ثبوت أحكام أربعة سقوط
الحدين وانتفاء الولد عن الرجل دون المرأة) إن تلاعنا لنفيه (وزوال الفراش

(1) سورة النور: 24 - الآية 4.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب حد القذف من كتاب الحدود.
(3) سورة النور: 24 - الآية 8 - 4 - 8.
(4) سورة النور: 24 - الآية 8 - 4 - 8.
(5) سورة النور: 24 - الآية 8 - 4 - 8.
(6) سنن البيهقي ج 7 ص 395 و 394.
65

والتحريم المؤبد) بلا خلاف ولا إشكال في شئ منها عندنا نصا (1) وفتوى،
خلافا لبعض العامة، فنفى تأبد التحريم، وقال: لو أكذب نفسه كان له أن يجدد
نكاحها، بل عن بعض العامة قول ببقائهما على الزوجية، والنص (2) من طرقنا
وطرقهم حجة عليهما، نعم قيل: يمكن إرجاع الأحكام الأربعة إلى ثلاثة، لأن
زوال الفراش يدخل في التحريم المؤبد، وفيه أن التحريم المؤبد قد يجامع الفراش
كالمفضاة، والأمر سهل.
ولا خلاف عندنا أيضا كما لا إشكال في أن هذه الفرقة تحصل ظاهرا وباطنا،
سواء كان الزوج صادقا أو هي صادقة، خلافا لأبي حنيفة، فحكم بعدم حصولها
باطنا مع صدقها، وهو واضح الضعف.
ومن المعلوم أيضا أن الولد بعد اللعان لا يدعى لأبيه، ولكن لا يرمى بأنه
ابن زنا، وفي حديث ابن عباس (3) " أن النبي صلى الله عليه وآله لما لاعن بين هلال وامرأته
فرق بينهما، وقضى لا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها، ومتى رماها أو رمى
ولدها فعليه الحد - قيل -: وكان بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لأب "
وسأل الصادق عليه السلام أبو بصير (4) " عن المرأة يلاعنها زوجها ويفرق بينهما إلى
من ينسب ولدها؟ فقال: إلى أمه " إلى غير ذلك من النصوص (5).
ولو كان الزوج عبدا وشرط مولاه رقية الولد من زوجته الحرة وقلنا بصحة
الشرط ففي حريته لو لاعن الأب لنفيه إشكال، من انتفائه عنه شرعا من أنه حق
لغير المتلاعنين، فلا يؤثر فيه اللعان مع ثبوت حكم الفراش ظاهرا، وكذا الاشكال
في العكس، أي فيما إذا كانت الزوجة أمة والزوج حرا بغير شرط الرقية، من

(1) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب اللعان.
(2) الوسائل الباب - 1 - من كتاب اللعان وسنن البيهقي ج 7 ص 409 و 410.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 394 و 395 و 402 و 410.
(4) الوسائل الباب - 14 - من كتاب اللعان الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 6 - من كتاب اللعان.
66

انتفائه عنه شرعا مع كونه نماء مملوكته، فيكون رقا لمالكها، ومن أن اللعان
إنما أثر في انتفاء نسبه من الملاعن، وأما تأثيره في الحرية التي هي حق الله تعالى وحق
الولد فغير معلوم مع تغليب الحرية، ولعل الأقوى الأول فيهما.
(و) على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه (لو أكذب نفسه في
أثناء اللعان أو نكل) ولو بكلمة واحدة (ثبت عليه الحد ولم يثبت عليه الأحكام
الباقية) التي علم أنها مترتبة على اللعان الذي لا يتحقق إلا باكماله، فبدونه لا يثبت
شئ منها، للأصل.
(و) كذا (لو نكلت هي أو أقرت رجمت) لأنها محصنة إذا كان قد
قذفها بالزنا، أما إذا لاعنها لنفي الولد بلا قذف لم يثبت الحد عليها إلا أن
تقر بموجبه.
(و) في الأول (سقط الحد عنه) بلعانه (ولم يزل الفراش ولا يثبت
التحريم) مع فرض إقرارها أو نكولها ولو بكلمة واحدة بلا خلاف ولا إشكال في
شئ من ذلك نصا وفتوى، ففي حسن الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام " إن أقر على
نفسه قبل الملاعنة جلد حدا وهي امرأته " وفي خبر علي بن جعفر (2) عن أخيه
موسى عليه السلام " سألته عن رجل لاعن امرأته فحلف أربع شهادات ثم نكل في الخامسة،
قال: إن نكل عن الخامسة فهي امرأته ويجلد، وإن نكلت المرأة عن ذلك إذا كان
اليمين عليها فعليها مثل ذلك " إلى غير ذلك من النصوص (3) ولا يحتاج في رجمها
إلى إقرارها أربعا بعد لعانه الذي هو كإقامة البينة عليها، فمع فرض نكولها عن
اللعان لم يسقط الحد عنها الثابت بلعانه، نعم لو أقرت قبل لعانه اعتبر كونه أربعا
كغيره من الاقرار بالزنا، كما هو واضح.
(ولو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد) بلا خلاف فيه نصا (4)

(1) الوسائل الباب - 3 - من كتاب اللعان الحديث 2 - 3 - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب اللعان الحديث 2 - 3 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب اللعان الحديث 2 - 3 - 0 -.
(4) الوسائل الباب - 6 - من كتاب اللعان.
67

وفتوى، (لكن) فيما عليه لا فيما له، لاقراره أولا بالانتفاء منه، ولذا (يرثه
الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به، وترثه الأم ومن يتقرب بها) كما بينا
ذلك كله مفصلا في كتاب الميراث الذي وفق الله لاتمامه قبل المقام،
فلاحظ وتأمل.
(و) على كل حال (لم يعد الفراش) بالاكذاب المزبور (ولم يزل
التحريم) بلا خلاف نصا (1) وفتوى بل ولا إشكال استصحابا لحكم اللعان.
(و) لكن (هل عليه الحد؟ فيه روايتان):
ففي صحيح الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام " في رجل لاعن امرأته وهي حبلى
قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها فلما وضعت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه فقال:
يرد عليه ابنه ويرثه ولا يجلد، لأن اللعان قد مضى ".
وفي صحيحه الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن رجل لاعن امرأته وهي
حبلى قد استبان حملها فأنكر ما في بطنها فلما وضعت ادعاه وأقر به وزعم أنه منه
فقال: يرد إليه ولده ويرثه، ولا يجلد، لأن اللعان قد مضى بينهما ".
وفي خبره الآخر (4) عنه عليه السلام أيضا " في رجل لاعن امرأته وهي حبلى ثم
ادعى ولدها بعد ما ولدت وزعم أنه منه، قال: يرد عليه الولد، ولا يجلد، لأنه
قد مضى التلاعن ".
وفي خبر محمد بن فضيل (5) سأل الكاظم عليه السلام " عن رجل لاعن امرأته وانتفى
من ولدها ثم أكذب نفسه هل يرد عليه ولده؟ قال: إذا أكذب نفسه جلد الحد
ورد عليه ابنه، ولا ترجع إليه امرأته ".
(أظهرهما أنه لا حد) وفاقا للمحكي عن الشيخ في النهاية والتهذيب،

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب اللعان.
(2) الوسائل الباب - 6 - من كتابا اللعان الحديث 4 - 2 - 6.
(3) الوسائل الباب - 13 - من كتاب اللعان الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 6 - من كتابا اللعان الحديث 4 - 2 - 6.
(5) الوسائل الباب - 6 - من كتابا اللعان الحديث 4 - 2 - 6.
68

وخلافا له في محكي المبسوط والمفيد في محكي المقنعة وللفاضل في القواعد وشارحه
الإصبهاني وثاني الشهيدين في المسالك، قالوا: لما فيه من زيادة هتكها وتكرار
قذفها وظهور كذب لعانه، مع أنه يثبت عليه الحد بالقذف، فيستصحب إلى أن
يعلم المزيل، ولا يعلم زواله بلعان ظهر كذبه، والأخبار الأولة إنما نفت الحد
إذا أكذب نفسه في نفي الولد دون القذف، والحد إنما يجب إذا أكذب نفسه فيما
رماها به من الزنا، كما عن صريح المبسوط.
إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة أن إكذاب نفسه تنزيه لها لا زيادة هتك
وتكرار قذف، وإطلاق أدلة اللعان فضلا عن الأولة مقتض لسقوط الحد، فلا معنى
لاستصحابه، بل المتجه استصحاب العكس، وتعليل عدم الجلد في الصحيح المزبور
كالصريح في أن لعانه كان بالقذف، ونفي الولد وإن كان من المذكور فيه الأخير
كالخبر المعارض المعلوم قصوره عن المعارضة سندا وعددا، خصوصا مع ملاحظة
قاعدة درء الحد والاستصحاب وعدم تجدد قذف منه بالاكذاب، والأول قد سقط
باللعان.
ومن الغريب ما في المسالك، حيث اقتصر على ذكر الخبر الثالث دليلا للقول
بالسقوط راويا لمتنه بدل " ولا يجلد " " ولا تحل له أبدا، لأنه قد مضى التلاعن "
ثم رجح خبر ابن الفضيل عليه بأنه ناص على الحد، بخلاف خبر الحلبي الذي لم
يتعرض فيه لذلك، ثم قال: " مع أن في طريق الروايتين من هو مشترك بين الثقة
والضعيف، وإنما نجعلها شاهدا على ما اخترناه بالوجه العام " أي الذي ذكرناه
أولا، وقد عرفت ما فيه، مع أن في روايات الحلبي الصحيح الصريح في نفي الحد
المؤيد بالاستصحاب والتعليل وقاعدة درء الحد وإطلاق أدلة اللعان وغير ذلك مما
لا يصلح الخبر المزبور الضعيف معارضا له، فلا بد من طرحه أو تأويله بما لا ينافي
ذلك من الاكذاب قبل إكمال اللعان كما عن الشيخ، وإن كان هو مناف لما فيه
من عدم رجوع الامرأة أو غير ذلك، والله العالم.
(ولو اعترفت) هي (بعد اللعان) بأن أكذبت نفسها لم يعد شيئا من
69

أحكام اللعان التي ثبتت به، ولم يجب عليها الحد بذلك إجماعا كما في المسالك، لما
قيل من أن حد الزنا لا يثبت على المقر إلا أن يقر به أربع مرات.
ومن هنا قال المصنف وغيره: (لم يجب عليها الحد) بذلك (إلا أن
تقر) به (أربع مرات) بل (وفي وجوبه معها تردد) من اندفاعه باللعان، ومن
فحوى ما سمعته في إكذاب نفسه، والتعليل في النصوص (1) السابقة بأن اللعان
قد مضى ولذلك كان خيرة النهاية والسرائر والجامع وغيرها، ومن عموم إيجاب
الاقرار أربعا له، وظهور كذبها في اللعان، ولذلك كان خيرة ثاني الشهيدين
والفاضل الإصبهاني، بل حكاه الأول عن الشيخ في النهاية وأتباعه وابن إدريس
والعلامة، بل نسبه إلى الأشهر وإن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك، وكان
الذي دعاهما إلى اختياره اختيارهما وجوب الحد على الرجل إذا أكذب نفسه،
وقد عرفت ضعفه.
ومنه يعلم أن الأقوى سقوطه هنا وإن أقرت به أربعا، لما عرفته هناك، بل
كان المتجه على قولهم ثبوت الحد عليها باعترافها الأول، لأنه مقتض لفساد لعانها
باعترافها بكذبه، فبقي ما اقتضاه لعان الزوج من وجوب الحد عليها بلا معارض،
بل تكون حينئذ كما لو نكلت، وقد عرفت أنه خلاف الاجماع، وهو مؤيد آخر
للحكمين.
ولو عاد الرجل بعد أن أكذب نفسه وقال: لي بينة أقيمها أو ألاعن ثانيا
لم يسمع منه في سقوط الحد عنه بناء على ثبوته عليه، لأن البينة واللعان لتحقيق
ما قاله، وقد أقر بكذب نفسه، والعقلاء مؤاخذون بإقرارهم، والبينة إنما تسمع إذا
لم يكذبها قولا أو فعلا.
ولو اعترف بالولد بعد موته لم يرث منه، كما لو اعترف به في حياته ثم
مات، لما عرفت من عدم إفادة هذا الاعتراف في حق الولد شيئا، لكن لو كان للولد

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب اللعان الحديث - 0 -.
70

ولد ورث الجد الملاعن إذا لم يكن أقرب منه، ولا يرث هو ابن الابن، كما يرث
الابن، خلافا لأبي حنيفة.
ولو أقام بينة ثم أكذبها ففي توجه الحد عليه نظر، من إقراره بكذبه
الموجب للحد، ومن ثبوت صدقه عند الحاكم بالبينة، ولعل الأول
أقوى.
ولو لم يكذب نفسه ولا لاعن ثبت عليه الحد، فإن أقيم بعضه فبذل اللعان
أجيب إليه، فإن الحد يدرأ بالشبهة، وكما أن اللعان يدرأ التمام فالبعض أولى،
مضافا إلى إطلاق أدلته.
المسألة (الثانية:)
(إذا انقطع كلامه بعد القذف وقبل اللعان) بأن اعتقل لسانه وعجز عن
الكلام لمرض وغيره فإن كان لا يرجى زواله فلا ريب في أنه حينئذ (صار كالأخرس
لعانه بالإشارة) بل في المتن هو كذلك (وإن لم يحصل اليأس منه،) لحصول
العجز في الحال، وحد القذف مضيق وربما يموت، ويلحق به نسب ليس منه، وذلك
ضرر، ويحتمل انتظار زواله، للشك في الاكتفاء بالإشارة عن التصريح بالكلمات،
والأصل عدم ترتب حكم اللعان عليها.
71

المسألة (الثالثة:)
(إذا ادعت أنه قذفها بما يوجب اللعان) فسكت فأقامت عليه البينة
ففي المسالك " له أن يلاعن، ولم يكن السكوت إنكارا للقذف ولا تكذيبا للبينة
في الحقيقة، ولكنه جعل كالانكار في قبول البينة، وإذا لاعن قال: أشهد بالله إني
لمن الصادقين فيما أثبت علي من رميي إياها بالزنا " وفيه أن المذكور في كتاب
القضاء إلزامه بالجواب، فإن امتنع حبس حتى يجيب، وظاهرهم هناك عدم قيام
البينة قبل حصول الجواب منه، فدعوى أن السكوت مطلقا كالانكار في قبول البينة
ممنوعة، ومع التسليم فالصدق مطابقة خبره للواقع لا ما قامت عليه البينة، وإلا
لصح ذلك منه حتى مع الانكار، بأن يقول: إني لمن الصادقين فيما قامت به البينة
علي، لا أقل من الشك في حصول شهادة اللعان الذي هو خلاف الأصل في الفرض
فتأمل جيدا.
وكيف كان (ف‍) إن (أنكر فأقامت) عليه (البينة) ففي المتن (لم
يثبت اللعان وتعين الحد، لأنه يكذب نفسه) لكن في القواعد وشرحها والمسالك له
اللعان إن أظهر لانكاره تأويلا، كأن يقول: " إني كنت قلت لها زنيت وبذلك شهد
الشاهدان ولكنه ليس بقذف، لأني صدقت في ذلك وإنما أنكرت أني قذفتها - أي
القول المزبور - كاذبا ".
وفي أنه خلاف ظاهر اللفظ الذي يجب الأخذ به في ترتب الحكم الشرعي،
ومجرد كونه محتملا لا ينافي الظهور المعتبر، وقد اعترف بذلك في المسالك، حيث
قال: " والوجه أنه إن ظهر لانكاره هذا التأويل ونحوه من التأويلات المحتملة قبل،
72

وإلا فلا، لأنه خلاف مدلول اللفظ، فلا يكفي في نفيه مجرد الاحتمال ". ولا يخفى
عليك ما فيه ضرورة أن المفروض مما نفاه، إذ دعوى أنه غير مناف للظاهر
كما ترى.
نعم قد يقال: إن هذا بمنزلة إنشاء القذف الجديد الذي صرح في القواعد
وغيرها أن له اللعان به، ويسقط الحد عنه وإن كانت صادقة في دعواها، لأن من
كرر قذف امرأته كفاه لعان واحد.
ولعل إطلاق المصنف منزل على الانكار المقتضي لبراءتها، فإنه حينئذ
لا يصح له اللعان المنافي لما اعترف به من عفتها، بل ليس له أن يقيم البينة والحال
هذه، لأنه كذب الشهود باعترافه ببراءتها، بل ليس له إنشاء قذف جديد لذلك
أيضا، نعم لو مضت مدة يمكن زناها فيها صح منه اللعان حينئذ به، لكن في
سقوط حد القذف الذي قامت به البينة وجهان، من أن قوله: " ما زنيت " يمنع
من صرفه إلى الأول، ومن إطلاق سقوط الحد باللعان الواحد القذف المتعدد وإن
كان الأقوى الأول.
73

المسألة (الرابعة:)
(إذا قذف امرأته برجل على وجه نسبهما إلى الزنا) بأن قال: " زنيت
بفلان " (كان عليه حدان)، لأنه قذف لهما، نعم بناء على ما سيأتي إن شاء الله
في الحدود من أنه إن كان القذف متعددا بلفظ واحد يتداخل الحدان، ويكتفي بحد
واحد لهما مع الاجتماع في طلبه، وأما مع التفرق فلكل حد، وما نحن
فيه من أفراد تلك المسألة فحينئذ إن جاءا به مفترقين فلا إشكال في تعدد
الحد.
(و) لكن (له إسقاط حد الزوجة باللعان) دون حده وإن جاءا به
مجتمعين، فإن لاعن الزوجة سقط حدها وبقي حد الرجل أيضا، لأن التداخل إنما
هو إذا حصل حد ولم يحصل، فكان كما لو لم يطلبه، نعم إن لم يلاعن وحد لها
تداخل الحدان بناء على القاعدة المزبورة، وإن أطلق المصنف هنا، إلا أنه لا يأبى
تنزيله عليها، ولا فرق عندنا في عدم سقوط حد الرجل بين ذكره في
شهادات اللعان وعدمه، لأن اللعان بالنسبة إلى إسقاط حد القذف مختص
بالزوجة.
خلافا لبعض العامة، فأسقط حده مع ذكره في لعانها، لأن اللعان حجة في
ذلك الزنا في طرف المرأة، فكذا في طرف الرجل، لأن الواقعة واحدة، وقد قامت
فيها حجة مصدقة، (و) فيه أن اللعان إنما هو حجة على قذف الزوجة كما
تضمنته الآية (1) لا على قذف غيرها، فيبقى حكم قذفه على الأصل. نعم (لو
كان له بينة سقط الحدان) لأنها حجة مطلقا.

(1) سورة النور: 24 - الآية 6 إلى 9.
74

المسألة (الخامسة:)
(إذا قذفها فأقرت قبل اللعان قال الشيخ: لزمها الحد إن أقرت أربعا)
لما تسمعه في الحدود إن شاء الله (و) لكن (سقط) الحد (عن الزوج ولو أقرت
مرة) لاعترافها بعدم الاحصان. (ولو كان هناك نسب لم ينتف إلا باللعان، وكان
للزوج أن يلاعن لنفيه، لأن تصادق الزوجين على الزنا لا ينفي النسب، إذ هو ثابت
بالفراش) وهو جيد مطابق للقواعد العامة.
(و) لكن في المتن وتبعه الفاضل في القواعد (في اللعان تردد) وجعله في
المسالك مما سمعت ومن أن اللعان غير متصور، لأن الزوجة لا يمكنها أن تقول
أشهد بالله أنه لمن الكاذبين في نفي الولد عنه مع تصديقها إياه على الزنا وعلى تولد
الولد من الزنا، فإن ذلك فرض المسألة، وإنما يتجه اللعان مع تصديقها له على الزنا
دون تولد الولد منه.
وفي كشف اللثام " وينشأ الاشكال من أن اللعان على خلاف الأصل، ولم يظهر
لنا ثبوته إلا إذا تكاذبا، ولا تكاذب هنا، ومن أنه إذا علم انتفاء الولد منه وجب
عليه نفيه، ولا طريق إلى انتفائه إلا اللعان، والصبر إلى بلوغ الولد واللعان معه
لا يجوز، إذ ربما مات أو مات الولد قبله أو قبل التمكن من اللعان بعده، وحينئذ
إنما يلتعن الزوج لأنها لا يمكنها الالتعان " وقال قبل ذلك أيضا: " لا إشكال في
ثبوت اللعان إذا ادعت النسب، لأن الاقرار بالزنا لا ينافيه، وإنما يشكل الأمر إذا
صادقته على الانتفاء أو سكتت أو اعترفت بالجهل واحتمال الأمرين ".
قلت: ليس في الكلام المحكي عن الشيخ إشعار باللعان مع التصادق وعلى تقديره
ينبغي الجزم بعدم اللعان منها، لعدم تصور صحة وقوعه، لا التردد، وإنما غرض
الشيخ أن اعترافها بالزنا يسقط اللعان منها بالنسبة للقذف، أما نفي الولد فلا،
75

إذ الاعتراف بالزنا لا ينافي لحوق الولد، لقاعدة الفراش التي شرع اللعان لها، بل
قد يقال بصحة اللعان منها أيضا في صورة اعترافها بالجهل واحتمال الأمرين،
لامكان شهادتها بالله على كذبه في نفيه مع فرض الالحاق به شرعا، وأما لعانه فلعله
لعلمه بعدم الوطء الموجب للالحاق به.
وبالجملة فالتردد الواقع من المصنف فيما ذكره الشيخ وتبعه عليه الفاضل
في القواعد في غير محله. ومما ذكرنا يعلم النظر فيما في المسالك، بل وكشف
اللثام.
ومن الغريب دعواه في المسالك أن مفروض المسألة اعترافها بكون الولد من
الزنا مع أنه لا أثر لذلك في الكلام المحكي عن الشيخ، والأمر سهل بعد وضوح الحال
لديك في جميع الصور.
المسألة (السادسة:)
(إذا قذفها ف‍) ادعى أنها (اعترفت) بذلك (فأنكرت فأقام شاهدين
باعترافها قال الشيخ) في محكي المبسوط وتبعه الفاضل في محكي المختلف بل في
الأول أنه مذهبنا: (لا يقبل إلا أربعة) لعموم قوله تعالى: " والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " ولأن الغرض من ثبوت الاقرار به
إثبات الزنا الذي لا يثبت إلا بالأربعة أو الاقرار أربعا، فكان الاقرار به كنفس
الزنا، وحينئذ إن لم يقم الأربعة (و) لم يلاعن (يجب) عليه (الحد)
للقذف.
(و) لكن (فيه إشكال ينشأ من كون ذلك شهادة بالاقرار لا بالزنا)
الذي خرج بأدلته عن إطلاق الاثبات بالشاهدين، ومن هنا كان ثبوته بهما خيرة

(1) سورة النور: 24 - الآية 4.
76

محكي الخلاف والسرائر وموضع من المبسوط، نعم إنما يقبل في سقوط الحد عنه
الذي يكفي فيه إقرارها به ولو مرة لا ثبوت الحد عليها الذي لا يوجبه إلا الشهود
الأربعة بزناها أو إقرارها به أربعا، اللهم إلا أن يشهد الشاهدان بإقرارها كذلك،
فإن المتجه حينئذ ثبوته عليها بناء على ما عرفت، وقد يحتمل، بل ربما كان ظاهر
بعض هنا اعتبار الأربعة في الاقرار أربعا بالنسبة إلى ثبوت الحد عليها، ويأتي تحقيق
ذلك في محله إنشاء الله.
المسألة (السابعة:)
(إذا قذفها فماتت قبل اللعان) أو إكماله في كل منهما (سقط اللعان
وورثها الزوج) لبقاء علقة النكاح بينهما (وعليه الحد للوارث) بناء على أن
حد القذف يورث، لعموم أدلة الإرث (و) لكن (لو أراد دفع الحد) عنه
(باللعان) منه خاصة (جاز) لعموم أدلة اللعان فيترتب عليه ما يخصه من
الحكم، وهو سقوط الحد عنه، نعم لا يترتب عليه الأحكام المترتبة على لعانهما
من الحرمة المؤبدة ونفي النسب لو كان اللعان فيه، (و) حينئذ فيرثها بعد لعانه الذي
هو لاسقاط الحد عنه إلا أن (في رواية أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
(إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له وإلا أخذ الميراث).
ولفظها على ما في التهذيب أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل قذف امرأته
وهي في قرية من القرى، فقال السلطان: مالي بهذا علم، عليكم بالكوفة، فجاءت
إلى القاضي ليلاعن فماتت قبل أن يتلاعنا، فقالوا هؤلاء: لا ميراث لك، فقال أبو عبد
الله عليه السلام: إن قام رجل من أهلها مقامها فلاعنه فلا ميراث له، وإن أبى أحد من
أوليائها أن يقوم مقامها أخذ الميراث زوجها ".

(1) الوسائل الباب - 15 - من كتاب اللعان الحديث 1.
77

وفي خبر عمر بن خالد عن زيد بن علي (1) عن آبائه عن علي عليه السلام " في رجل
قذف امرأته ثم خرج فجاء وقد توفيت، فقال: تخير واحدة من ثنتين: يقال له:
إن شئت ألزمت نفسك الذنب، فيقام عليك الحد وتعطي الميراث، وإن شئت أقررت
فلاعنت أدنى قرابتها إليها ولا ميراث لك ".
ولكن إرسال الأولى وضعف الثانية مع عدم الجابر - (و) إن كان (إليه
ذهب الشيخ في الخلاف) والنهاية والقاضي وابن حمزة بل عن الأول الاجماع عليه
وإن كنا لم نتحققه - يمنع من العمل بهما، وخصوصا مع مخالفتهما لأصالة عدم ترتب
أحكام اللعان الثابت بين الزوجين بل (وللأصل) في (أن الميراث يثبت بالموت،
فلا يسقط باللعان المتعقب).
على أن لعان الوارث متعذر غالبا، لتعذر القطع من الوارث على نفي فعل غيره،
وإيقاعه على نفي العلم تغيير للصورة المنقولة شرعا، وفرض إمكان اطلاع الوارث
وعلمه بانتفاء الفعل حيث يكون الفعل محصورا بأن يدعي عليها أنها زنت في ساعة
كذا بفلان أو مطلقا وقد كان الوارث ملازما لها أو للمنسوب إليه في تلك الساعة على
وجه يعلم انتفاء الفعل كما في نظائره من الشهادات على النفي المحصور نادر لا ينزل
عليه الخبران المزبوران، ولا كلام العامل بهما.
وأما إشكالهما بأن الاجتزاء بأي وارث كان مع التعدد ترجيح من غير
مرجح فقد يدفع بظهور الخبر الأول في الاكتفاء به ولو مع التعدد وعدم
بذلهم أجمع.

(1) الوسائل الباب - 15 - من كتاب اللعان الحديث 2 عن عمرو بن خالد.
78

المسألة (الثامنة:)
قد عرفت فيما تقدم أن تكرار القذف قبل اللعان من غير أن يتخلله الحد
لا يوجب زيادته عن حد واحد ولا أزيد من لعان واحد إجماعا، كما في المسالك
لصدق الرمي على المتحد والمتعدد.
إنما الكلام فيما (إذا قذفها فلم يلاعن فحد ثم قذفها به) ف‍ (قيل)
والقائل الشيخ في محكي المبسوط: (لا يحد) لا لما قيل من أن الحد في القذف
إنما يثبت مع اشتباه صدق القاذف وكذبه، لا مع الحكم بأحدهما، وكذبه هنا
معلوم بقوله تعالى (1): " وأولئك عند الله هم الكاذبون " إذ هو كما ترى، بل
للشك في وجوب الحد على القذف الذي حصل الحد عليه، لأنه قذف واحد وإن تكرر
لفظه تأكيدا، والأصل البراءة، خصوصا مع بناء الحدود على التخفيف، ولذا تدرأ
بالشبهات، مضافا إلى ما عن الخلاف من الاجماع والأخبار.
(وقيل) والقائل هو أيضا في محكي الخلاف: (يحد تمسكا بحصول
الموجب) وهو صدق اسم القذف والرمي، والأصل تعدد المسبب بتعدد السبب الذي
لا وجه للشك فيه بعد اقتضاء ظاهر الدليل الذي هو مناط الأحكام الشرعية.
(و) من هنا كان (هو أشبه) بأصول المذهب وقواعده، وربما يؤيد بأنه
لا إشكال في وجوب الحد عليه لو قذفها بغير القذف الذي حد عليه، وليس هو إلا
لصدق القذف المشترك بينه وبين رميها بالأول، فتأمل.
(وكذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثم قذفها به و) إن كان القول (هنا) ب‍ (سقوط
الحد أظهر) بل المحكي عن الشيخ اتفاق قوليه على السقوط، ولعله لأن اللعان
مساو للبينة والاقرار من المرأة في سقوط الحد ثانيا، ولكن الانصاف عدم خلو ذلك

(1) سورة النور: 24 - الآية 13.
79

عن الاشكال، لأن اللعان إنما أسقط الحد الذي وجب عليها بلعانه، فهو بمنزلة البينة
أو الاقرار بالنسبة إلى ذلك، إذ لم يثبت زناها به، ولا أقرت ولا نكلت، فالقذف
الثاني سبب موجب للحد، لعموم الآية (1) واللعان المتقدم لا يصلح لاسقاطه،
لاستحالة تقدم المسبب على السبب، وربما يؤيده إطلاق قول الصادق عليه السلام في
الصحيح (2): " وإن دعاه أحد - أي ولد الملاعنة - ابن الزانية جلد الحد " الحديث.
وحينئذ فهو في الحقيقة كالقذف المتعقب للحد.
(و) من هنا (لو قذفها به الأجنبي حد) بلا خلاف أجده وإن كان
بعد التلاعن الذي لو كان بمنزلة البينة أو الاقرار لم يحد، لارتفاع عفتها حينئذ
المقتضي لسقوط الحد عن قاذفها، (ولذا لو قذفها فأقرت ثم قذفها الزوج أو
الأجنبي فلا حد) وإن كان أقرت مرة واحدة لعموم " إقرار العقلاء " (3)
وإن لم يثبت عليها الحد إلا بالأربع، إلا أن الاحصان غيره (و) هو
واضح.
بل لعل المتجه ثبوت الحد أيضا (لو قذفها) الزوج (ولاعن فنكلت
ثم قذفها الأجنبي) وإن (قال الشيخ) في المحكي عنه في كتابي الفروع
(لا حد) تنزيلا للنكول منزلة البينة أو الاقرار المزيلين للاحصان.
(و) لكن الانصاف أنه (لو قيل يحد كان حسنا) وفاقا للمحكي عن
الأكثر لعموم الأدلة، بعد منع زوال الاحصان بالنكول المحتمل كونه لقصد
السلامة من محذور اليمين وإن ترتب عليها الحد من حيث عدم تخلصها عن الدعوى
باليمين، لكن ذلك لا يقتضي ارتفاع إحصانها بمعنى عفتها.

(1) سورة النور: 24 - الآية 4.
(2) الوسائل الباب - 6 - من كتاب اللعان الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
80

المسألة (التاسعة:)
(لو شهد أربعة والزوج أحدهم فيه روايتان: إحداهما ترجم المرأة)
وهي رواية إبراهيم بن نعيم (1) عن الصادق عليه السلام سأله " عن أربعة شهدوا على
امرأة بالزنا أحدهم زوجها، قال: تجوز شهادتهم " مؤيدة بعدم الفرق بين الزوج
وغيره في قبول شهادته للمرأة وعليها، بل لعل الزوج أولى بالقبول، لهتك عرضه،
فيندرج فيما دل (2) على ثبوت الزنا بشهادة الأربع، بل وبقوله تعالى: (3)
" ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " فإنه مشعر بأنه نفسه شاهد أيضا لو حصل معه
تمام العدد وصدق الشهداء على الثلاثة، على أن المقام من الحسب التي لا يدعى
فيها خاص، كما حرر في محله، وبغير ذلك من قوله تعالى (4): " واللاتي يأتين
الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " الشامل للزوج وغيره، بناء
على أن الخطاب للحكام ونحوه.
(والأخرى تحد الشهود) الثلاثة (ويلاعن الزوج) وهي رواية
زرارة (5) عن أحدهما عليهما السلام " في أربعة شهدوا على امرأة بالزنا أحدهم زوجها،
قال: يلاعن ويجلد الآخرون " مؤيدة بظاهر قوله تعالى (6): " لولا جاؤوا عليه
بأربعة شهداء " بناء على رجوع الضمير فيها إلى القاذفين ومنهم الزوج، فإنه لا يقال:

(1) الوسائل الباب - 12 - من كتاب اللعان الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب حد الزنا من كتاب الحدود.
(3) سورة النور: 24 - الآية 6.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 15.
(5) الوسائل الباب - 12 - من كتاب اللعان الحديث 2.
(6) سورة النور: 24 - الآية 13.
81

جاء الانسان بنفسه، ومن ذلك نشأ الخلاف، فعن الأكثر كما في المسالك الأول،
وعن جماعة الثاني، والأقوى الأول، وعن الشيخ حمل الرواية الثانية على اختلال
بعض الشرائط، ولا بأس به جمعا، وليس هو قولا آخر كما حكاه عنه في القواعد،
بل هو عين القول الأول، ضرورة عدم الخلاف في عدم السماع مع اختلال الشرائط،
نعم عن السرائر والوسيلة والجامع الجمع بينهما بسبق الزوج بالقذف وعدمه، فيعتبر
الأربعة غيره في الأول دون الثاني، لأن قوله تعالى: " لولا جاؤوا " فيمن ابتدأ
بالقذف، بل عن السرائر ولقوله تعالى (1): " والذين يرمون أزواجهم " إلى
آخرها، فإنه قد رمى زوجته ولم يكن له شهداء إلا نفسه، لأن شهادة الثلاثة غير
معتد بها إلا بانضمام شهادة الرابع، فكأنها لم تكن في الحكم، وإن كان هو كما
ترى كالمصادرة، بل آية " لولا جاؤوا " إلى آخرها لا تمنع صدق معية الزوج بعد
أن كان أحد الشهداء، بقرينة " ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ".
وعلى كل حال فهو قول آخر، إذ دعوى أن السبق من اختلال الشرائط
ممنوعة، كدعوى الفرق بين سبق الزوج وسبق غيره، وأوضح منهما فسادا التزام
الأربع غير القاذف لو كان السابق بالقذف غير الزوج.
وإلى هذا أشار المصنف بقوله: (ومن فقهائنا من نزل رد الشهادة على
اختلال بعض الشرائط أو سبق الزوج بالقذف) ثم قال: (وهو حسن) وفي
المسالك " وهو - أي سبق الزوج - من جملة اختلال الشرائط، ولا بأس بالحمل،
لأنه طريق الجمع حيث لا تطرح الرواية لضعفها " وفيه أنه كذلك بناء على أن
السبق من اختلال الشرائط، وفيه بحث أو منع، بل ظاهر المتن عدم كونه منها،
وتمام الكلام فيه في محله.
ومنه يظهر ما في تحسين المصنف للقول المزبور المنافي لاطلاق الأدلة في قبول
بينة الحسب ولو مع السبق.

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
82

وأضعف من ذلك ما عن ابن الجنيد من التفصيل بأن الزوجة إن كانت مدخولا
بها ردت الشهادة وحدوا، ولا عن الزوج، وإلا حدت هي، وكأنه قصد الجمع
بذلك أيضا، وخص الرد بحالة الدخول لاشتمال روايته على لعان الزوج، وهو
مشروط بالدخول، فتعين حمل الأخرى على غيره.
ونحوه ما عن الصدوق من الجمع بين الخبرين بناء على ما اختاره من أنه
لا لعان إلا إذا نفى الولد بأنه إذا لم ينف الولد كان له أحد الأربعة، وإلا حد الثلاثة
ولاعنها، إذ الجميع كما ترى لا شاهد له وفرع المكافئة، وقد عرفت أن رواية القبول
أقوى ولو للشهرة.
المسألة (العاشرة:)
(إذا أخل أحدهما بشئ من ألفاظ اللعان الواجبة لم يصح،) لعدم حصول
عنوان الحكم، (و) حينئذ (لو حكم به حاكم لم ينفذ،) لأنه خطأ،
خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من أن الحاكم إذا حكم بأكثر كلمات اللعان نفذ
وقام الأكثر مقام الجميع وإن كان الحاكم مخطئا في الحكم، وهو واضح الضعف،
لأن الحكم حينئذ خطأ بالاجماع، فلا ينفذ كسائر الأحكام الباطلة باختلال بعض
شرائطها أو أركانها.
المسألة (الحادية عشرة:)
(فرقة اللعان فسخ) كالرضاع والردة (وليس طلاقا) لغة ولا شرعا
ولا عرفا، خلافا لأبي حنيفة فجعلها فرقة طلاق، وضعفه واضح. وحينئذ فلا يشترط
فيها اجتماع شرائط الطلاق ولا يلحقها أحكامه.
83

المسألة الثانية عشرة:
لو ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فاستلحق أحدهما لحقه الآخر،
ولا يقبل نفيه، كما في القواعد وشرحها، قال في الأخير: " لأنهما من حمل واحد،
حتى أنه إن كان نفي الأول ثم استلحق الثاني لحقه الأول أيضا - قال -: وكذا
لو نفى أحدهما وسكت عن الآخر لحقاه، لأنه لما سكت عن الآخر لحقه واستلزم
لحوق الآخر ".
وفيه أنه ليس بأولى من اقتضاء نفي الأول نفي الآخر، خصوصا مع قوله في
القواعد متصلا بذلك: " ولو ولدت الأول فنفاه باللعان ثم ولدت الآخر لأقل من
ستة أشهر افتقر انتفاؤه إلى لعان آخر على إشكال " ولعله من الحكم بانتفاء الأول
باللعان، وهو يستلزم انتفاء الثاني مع أصل البراءة من اللعان ثانيا، ومن أصل
اللحوق إلا مع التصريح بالنفي واللعان وعدم الاكتفاء بالالتزام كما عن المبسوط،
إذ لا يخفى عليك أن الأول من وجهي الاشكال يجري في السابق إذا كان الولد مما
ينفي بالانتفاء من دون لعان كما في الأمة والمتمتع بها، ضرورة كون النفي حينئذ
كاللعان، فلا وجه للجزم بالأول والاشكال في الثاني.
وعلى كل حال فإن أقر بالثاني لحقه وورثه وورثه الأول أيضا، لاستلزام
لحوقه لحوقه كما عرفت، وهو لا يرث الأول، لانكاره أولا، وهل يرث الثاني؟
ففي القواعد إشكال، ولعله من استلزام انتفائه من الأول انتفاءه من الثاني فكأنه
أقر بأنه لا يرث منه، كما أقر به من الأول، ومن أنه لا عبرة في نفي السبب بالالتزام،
والأصل اللحوق والتوارث، وهو مناف أيضا للجزم السابق.
ولو كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فلكل حكم نفسه، لامكان تجدد الحمل
بهما، ولا يستلزم لحوق أحدهما لحوق الآخر ولا نفيه نفيه، فإن لاعن عن الأول
84

بعد وضعه واستلحق الثاني أو ترك نفيه لحق به وإن كانت قد بانت منه باللعان،
لامكان وطئه بعد وضع الأول قبل اللعان، ولو لاعنها قبل وضع الأول فأتت بآخر
بعد ستة أشهر ففي القواعد لم يلحقه الثاني، لأنها بانت باللعان وانقضت عدتها
بوضع الأول، أي فلا يمكنه وطؤها بالنكاح بعده، وفي كشف اللثام
" وذكر انقضاء العدة لتأكيد الحجة، وإلا فليست هذه العدة إلا كعدة
الطلاق البائن.
ولو مات أحد التوأمين قبل اللعان لنفيهما فله أن يلاعن لنفيهما، لاطلاق
أدلته، وللعامة قول بأنه لا لعان لنفي نسب الميت. وأنه إذا لم يصح نفيه لم يصح
نفي الحي إذا كانا من حمل واحد.
هذا وقد تقدم بعض الكلام في كتاب الطلاق في التوأمين وكيفية تولدهما
بالنسبة إلى الحكم بكونهما حملا واحدا أو حملا متعددا بالتولد لدون الستة أشهر
والأزيد، فلاحظ وتأمل، والله العالم بحقيقة الحال.
85

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
(كتاب العتق)
قيل: هو بالكسر: الحرية، وبالفتح المصدر كالاعتاق، ويقال: عتق العبد خرج
عن الرق، فهو عتيق، وفي المسالك تبعا للفاضل في التحرير " هو لغة الخلوص،
ومنه سمي البيت الشريف عتيقا، لخلوصه من أيدي الجبابرة، والخيل الجياد عتاقا،
وشرعا خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرق بالنسبة إلى مطلق العتق، وبالنسبة
إلى المباشرة - الذي هو مقصود الكتاب - تخليص الآدمي أو بعضه من الرق منجزا
بصيغة مخصوصة ".
قلت: لم أجد المعنى المزبور فيما حضرني من كتب اللغة المتقدمة عليهما
من الصحاح وغيره، مع إطنابه في الأول بذكر المعاني له التي منها الكرم والجمال
والحرية والرقة بعد الجفاء والغلظة وصلاح المال والسبق مع النجاة والقدم والعتيق
الكريم من كل شئ إلى غير ذلك مما لا ينطبق شئ منها على ما ذكر، بل فيه
وفي غيره ما هو كالصريح في أن وصف البيت بالعتيق لقدمه، والخيل بالعتاق لجودتها،
كما أن فيه التصريح بأن الحرية من معانيه اللغوية، ولعله لذا فسره بها لغة في
التنقيح، وفي كشف اللثام جعله لغة الكرم، هذا كله بالنسبة إلى معناه لغة.
86

وأما شرعا فهو كباقي أسماء أفراد الايقاع من الطلاق ونحوه التي فيها
البحث - الذي تقدم في البيع ونحوه من العقود - أنها أسماء لنفس الصيغ أو للأثر
الحاصل منها أو للفعل، وقد تقدم التحقيق في ذلك وأنها اسم للآثار، لكن ظاهر
التعريف المزبور أنه اسم هنا للفعل، وفيه ما تقدم في محله.
(و) كيف كان ف‍ (فضله متفق عليه) بين المسلمين، وخصوصا في يوم
عرفة وعشيتها، بل والنصوص (1) فيه من الطرفين متواترة، بل قوله تعالى (2):
" فك رقبة " و " أنعمت عليه " (3) وغيرهما دال عليه، مضافا إلى النصوص (حتى
روى) إبراهيم بن أبي البلاد عن أبيه رفعه (4) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
إن (من أعتق مؤمنا أعتق الله) العزيز الجبار (بكل عضو منه عضوا له من
النار) فإن كانت أنثى أعتق الله العزيز الجبار بكل عضوين منها عضوا من النار،
لأن المرأة نصف الرجل " لكن في صحيح زرارة (5) عن الباقر عليه السلام " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من أعتق مسلما أعتق الله العزيز الجبار بكل عضو منه عضوا من
النار " ويمكن اتحاد المراد من المسلم والمؤمن في كلامه صلى الله عليه وآله وسلم، نعم في صحيح
ابن عمار وحفص (6) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " في الرجل يعتق المملوك،
قال: إن الله يعتق بكل عضو منه عضوا من النار ".
وفي المسالك بعد أن ذكر الروايات الثلاثة قال: " وخص المؤمن إما لأن
المراد به المسلم كما في الرواية الصحيحة، أو حمل المطلق على المقيد كما يحمل
لفظ " المملوك " في الرواية الأخرى على المسلم أو المؤمن، ويجوز إبقاء كل

(1) الوسائل الباب - 1 - من كتاب العتق وسنن البيهقي ج 10 ص 271
و 272.
(2) سورة البلد: 90 - الآية 13.
(3) سورة الأحزاب: 33 - 37.
(4) الوسائل الباب - 3 - من كتاب العتق الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 1 - من كتاب العتق الحديث 2 - 1.
(6) الوسائل الباب - 1 - من كتاب العتق الحديث 2 - 1.
87

واحد من الثلاثة على أصله، وحصول الثواب المذكور على عتق كل مملوك مؤمن
أو مسلم أو مطلقا ذكرا أو أنثى، وأن يخص ذلك بالذكر بقرينة تذكير لفظه وتقييده
بما في الرواية الأخرى إلا أن تقييد الصحيح بالمرسل لا يخلو من نظر، وروى
العامة (1) في الصحيحين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " أيما رجل أعتق امرءا مسلما استنقذ
الله بكل عضو منه عضوا من النار، حتى الفرج بالفرج " وفي هذه الرواية التقييد
بالاسلام وكون المعتق رجلا لأن الامرأ مذكر الامرأة، فلا يتناول الأنثى، وفي
بعض ألفاظ رواياتهم عنه صلى الله عليه وآله (2) " من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو
منها عضوا من النار، حتى فرجها بفرجه " وهذه شاملة للذكر والأنثى
المسلم وغيره ".
قلت: وفي نصوصنا في خبر بشير النبال (3) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول
من أعتق نسمة صالحة لوجه الله جل وعز كفر الله عنه بها مكان كل عضو منه
عضوا من النار " والخبر الذي ذكره أخيرا عنهم مساو لصحيح ابن عمار بناء على
إرادة الجنس من المملوك فيه، كما أن المروي في الصحيحين مساو لصحيح زرارة
ومع فرض تقيد صحيح المملوك بالمرسل بالنسبة إلى ذلك يتقيد الجميع به
أيضا، ولعله كذلك لما حكاه الفخر في شرح القواعد من الاتفاق على المرسل
المزبور.
كما أنه يقوى الجمع هنا بحمل المطلق على المقيد بالنسبة إلى خصوص
المذكور من الجزاء وإن لم نقل به في غير المقام للتنافي فيه دون غيره، ولا ينافي
ذلك استحباب العتق المستفاد من قوله تعالى (4): " فك رقبة " وغيره. إنما الكلام في
ترتب الجزاء المزبور، وهو العتق من النار.

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 271 و 272.
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 271 و 272.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب العتق الحديث 4.
(4) سورة البلد: 90 - الآية 13.
88

ثم إن الظاهر إرادة الكناية باللفظ المزبور عن عتق المعتق من النار بعتقه
والترغيب فيه، لا المقابلة حقيقة حتى يأتي الكلام في فقد الأعضاء في المعتق والمعتق
وزيادتها، نعم ينبغي ملاحظة الذكورة والأنوثة وإن كان الرجاء بالله والظن به السراية
فيما يعتق بعتقها من العضوين بالعضو، والله العالم.
(ويختص الرق) أي الاسترقاق (بأهل الحرب دون اليهود والنصارى
والمجوس القائمين بشرائط الذمة) بلا خلاف في شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى أصالة عدم ملك أحد لأحد وغيرها عدا ما خرج بالدليل من
استرقاق الكفار أهل الحرب الذين يجوز قتالهم إلى أن يسلموا أو يقيموا بشرائط
الذمة إن كانوا من الفرق الثلاثة.
(و) من هنا (لو أخلوا) بذلك (دخلوا في أهل الحرب) بالنسبة إلى
جواز استرقاقهم اتفاقا محكيا في المسالك، بل ومحصلا.
ولا فرق في أهل الحرب بين أن ينصبوا الحرب للمسلمين ويستقلوا بأمرهم أو
يكونوا تحت حكم الاسلام وقهره، كمن بين المسلمين من عبدة الأوثان والنيران
وغيرهم، إلا أن يكونوا مهادنين للمسلمين بالشرائط المقررة في كتاب الجهاد (1)
المذكور فيه كيفية استرقاق الحربي وشرائطه، إذ المراد هنا بيان أصل اختصاص
ذلك بالحربي، لا بيان جواز الاسترقاق لكل حربي، كما هو واضح لكل من
أحاط خبرا بما في الكتاب المزبور.
ثم إذا استرقوا يسري الرق إلى أعقابهم المتجددين بعد الاسترقاق الذين هم
نماء الملك وإن أسلموا ما لم يتحرروا، فتسري الحرية في الأعقاب المتأخرة وإلا
إذا كان أحد الأبوين حرا فتغلب الحرية إلا مع شرط الرق، كما تقدم في
كتاب النكاح،
ولا فرق في الاسترقاق لمن عرفت بين المؤمن والمخالف والكافر، كما في

(1) راجع ج 21 ص 265 إلى 277.
89

التحرير والقواعد والدروس وغيرها، ولعله لأنهم حينئذ كالمباحات التي
يملكها من تملكها، نعم لا بأس بتملك من في يد الكفار منهم إذا كانوا حربيين
كباقي أموالهم.
هذا وفي كشف اللثام في شرح قوله في القواعد: " ولا فرق بين سبي المؤمنين
والكفار " قال: " لا فرق في جواز الاسترقاق بين سبي المؤمنين وغيرهم من فرق
الاسلام والكفار، وإن اختص الرقيق بالإمام عليه السلام أو كانت فيه حصته فقد رخصوا
في ذلك للشيعة في زمن الغيبة، وغير المؤمن يملك بالسبي في الظاهر، فيصح الشراء
منه، ويقوى التملك بالاستيلاء على مسبيه بغير عوض " وفيه أن ذلك خروج عما نحن
فيه من حصول الاسترقاق للحربيين في الجملة للمؤمن وغيره ولو بسرقة واغتيال
ونحوهما، لا في خصوص الغنيمة بغير إذن الإمام عليه السلام التي هي من الأنفال المختصة
بالإمام عليه السلام المرخص فيها للشيعة زمن الغيبة لتطيب مواليدهم كما تقدم البحث في
ذلك في محله (1) ومنه يعلم ما في قوله: " ويقوى التملك " إلى آخره، وتمام
التفصيل في ذلك كله في غير المقام، والله العالم.
(وكل من أقر على نفسه بالرق مع جهالة حريته) ولو لعدم ادعائها
سابقا على الاقرار وكان بالغا رشيدا (حكم برقه) بلا خلاف ولا إشكال، لعموم
قوله صلى الله عليه وآله (2): " إقرار العقلاء على أنفسهم جائز " ولقول الصادق عليه السلام في
صحيح ابن سنان (3): " كان علي عليه السلام يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر
على نفسه بالعبودية وهو مدرك " بل إطلاقهما يقتضي عدم اعتبار الرشد كما هو
المحكي عن الأكثر، ولا ينافيه ما دل (4) على منع السفيه من التصرف المالي

(1) راجع ج 16 ص 134 إلى 144.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2 والمستدرك الباب - 2 -
منه الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 29 - من كتاب العتق الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 1 - من كتاب الحجر الحديث 1.
90

ولو إقرارا الظاهر في غير الفرض، بل في المسالك وغيرها " أن الاقرار بالرقية
ليس إقرارا بمال، لأنه قبل الاقرار محكوم بحريته ظاهرا " وإن كان لا يخلو
من نظر.
وعلى كل حال فما قيل - من اعتباره لأن إقراره وإن لم يتعلق بمال ابتداء
ولكنه كشف عن كونه مالا قبل الاقرار، فإنه إخبار عن حق سابق عليه لا إنشاء
من حينه، ولامكان أن يكون بيده مال، فإن إقراره على نفسه يستتبع ماله، فيكون
إقرارا بمال محض ولو بالتبعية - واضح الضعف، لما عرفت من عدم ظهور أدلة منع
السفيه فيما يشمل الفرض، فيبقى على مقتضى العموم السابق الذي يلزمه معه تبعية
ما في يده.
هذا وفي المسالك " ويضعف الأول بأن ذلك لو منع قبول الاقرار لأدى
إلى قبوله، لأنه إذا لم يقبل بقي على أصل الحرية، فينفذ إقراره، فيصير مالا،
فيرد فيصير حرا، وذلك دور، والمال جاز دخوله تبعا وإن لم يقبل الاقرار به
مستقلا، كما لو استلحق واجب النفقة، فقد قيل: إنه ينفق عليه من ماله باعتبار
كونه تابعا لا أصلا، أو يقال: يصح في الرقية دون المال لوجود المانع فيه دونها
كما سمع في الاقرار بالزوجية دون المهر ".
وفيه منع الملازمة المقتضية للدور، ضرورة اقتضاء عدم قبوله البقاء على الحرية
التي لا يقتضي قبول الاقرار مع فرض عدم الرشد، وأما ما ذكره أخيرا من الاحتمال
ففيه اقتضاء بقاء المال حينئذ بلا مالك، وقياسه على المهر واضح الفساد.
وعلى كل حال فمع قبول إقراره لا يسمع انكاره بعد ذلك، بل لا تقبل بينته
التي كذبها بإقراره، نعم في المسالك وغيرها " إلا أن يظهر لاقراره تأويلا يدفع
التناقض، فيقوى القبول، كما لو قال: لم أعلم بأني تولدت بعد إعتاق أحد
الأبوين فأقررت بالرق، ثم ظهر لي سبق العتق على الاقرار بالبينة أو
الشياع المفيد لذلك ". قلت: لا يخلو ذلك من بحث ما لم يحصل العلم بفساد إقراره
السابق.
91

ولو أنكر المقر له رقيته بقي على الرقية وإن كانت مجهولة عندنا ولا يقبل
رجوعه أيضا، لعموم أدلة جواز الاقرار عليه، ويكلف حينئذ بالتوصل إلى مالكه،
كما لو أقر بمال شخص فأنكره، ولكن في المسالك " يتجه حينئذ جواز رجوعه،
لأنه مال لا يدعيه أحد، وإقراره السابق قد سقط اعتباره برد المقر له، فإذا لم
يصر حرا بذلك فلا أقل من سماع دعواه الحرية بعد ذلك " وفيه أن رد المقر له
لا يقتضي عدم جواز الاقرار على المقر، بل وكذا لو لم يعين المقر له ابتداء ثم
رجع وإن قال في المسالك: " أولى بالقبول " لكنه لا يخلو من نظر، خصوصا إذا
لم يلتزم نحو ذلك في الاقرار بمال غير الرقية.
وإذا بيع العبد في الأسواق لم يقبل دعواه الحرية إلا ببينة عملا بالظاهر،
أما مجرد اليد عليه فغير كاف كما في الدروس، فتقبل دعواه حربة الأصل
لا عروض الحرية إلا ببينة، قلت: لا يخلو عدم الاكتفاء باليد من بحث قد تقدم
هو وكثير من مسائل إقرار العبد في كتاب البيع في باب الحيوان (1) فلاحظ وتأمل،
والله العالم.
(وكذا الملتقط في دار الحرب) يحكم برقيته للملتقط، بناء على أن
الالتقاط من الاستيلاء المملك وإن لم يقصد التملك، وإلا فالمراد يجوز استرقاقه
تبعا للدار في اللحوق بحكم أهل الحرب الذين قد عرفت جواز استرقاقهم، نعم
يشترط في ذلك أن يكون فيها مسلم يمكن تولده منه ولو أنثى، وإلا حكم بحريته
للأصل، ولكن فيه بحث إن لم يكن إجماعا قد ذكرناه أيضا في كتاب البيع في
باب بيع الحيوان (2) فلاحظ وتأمل، والله العالم.
(وإذا اشترى إنسان من حربي ولده أو زوجته أو أحد ذوي أرحامه كان
جائزا وملكه) وإن كان ممن ينعتق عليه، ولكن يكون عند جماعة استنقاذا

(1) راجع ج 24 ص 149 إلى 153.
(2) راجع ج 24 ص 138 و 139.
92

لا شراء من جانب المشتري، فيملكه حينئذ المشتري بالاستيلاء عليه لا بالشراء
(إذ هم في الحقيقة فيئ) للمسلمين فيجوز التوصل إلى ما يقتضي تملكه، وقد
تقدم في كتاب البيع في باب الحيوان (1) تحقيق الحال في ذلك، وقد ذكرنا هناك
خبر اللحام (2) الدال على صحة الشراء حقيقة.
ومن الغريب أن الفاضل جزم بصرف الشراء في الفرض إلى الاستنقاذ، وتوقف
في لحوق أحكام البيع له من الخيار والأرش، وفي الدروس هنا " ولو اشترى من
الكافر قريبه جاز وإن كان ممن ينعتق عليه، ويكون استنقاذا لا شراءا من جانب
المشتري، فلا يثبت فيه خيار المجلس والحيوان، والأقرب أن له رده بالعيب وأخذ
الأرش وأشكل بأن الأرش عوض الجزء الفائت في المبيع ولا بيع هنا: وبأنه قد
ملكه بالاستيلاء فكيف يبطل ملكه بمجرد الرد، وليس من الأسباب الناقلة للملك
شرعا في غير البيع الحقيقي، ودفع بأن قدوم الحربي على البيع التزام بأحكام البيع
التي من جملتها الرد بالعيب أو أخذ أرشه، فرده عليه ينزل منزلة الاعراض عن
المال، والثمن غايته أن يكون قد صار ملكا للحربي، والتوصل إلى أخذه جائز
بكل سبب، وهذا منه بل أولى، لأنه مقتضى حكم البيع ".
وفيه - مع أنه لا يتم في مال الحربي المعتصم بدخول دار الاسلام بأمان - أنه
يقتضي جريان غير ذلك من أحكام البيع التي منها الخيار الذي قد صرح بعدم جريانه
عليه، فلا محيص حينئذ بعد القول بالتزام أحكام البيع عن القول بصحته حقيقة،
لعدم الانعتاق عليه كما التزم به هنا في المسالك، أو باجراء حكم الصحة عليه في

(1) راجع ج 14 ص 137 و 138.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب بيع الحيوان 2 و 3 من كتاب
التجارة.
93

جانب البيع ولو لنصوص (1) الالزام، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب البيع (2)
فلاحظ وتأمل.
ويمكن أن يقال: إن ما في الدروس مبني على تعدية حكم الرد والأرش
لما يؤخذ استنقاذا أيضا كالبيع، فإن معناه على ما صرح به الفخر في الشرح عوض
عن يد شرعية في نفس الأمر كهذه أو ظاهرا أو غير شرعية، بل صرح الكركي
أيضا بنحو ذلك، وقال: " إن ما يبذله المشتري في الفرض عوض عن يد شرعية "
والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف أجده في أنه (يستوي سبي المؤمن والضلال)
ولو الكافرين (في استباحة الرق) بل ادعى بعض مشائخنا الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى إطلاق الأدلة، وإلى خصوص الصحيح (3) عن أبي الحسن عليه السلام قال
رفاعة له: " إن الروم يغيرون على الصقالية والروم فيسترقون أولادهم من الجواري
والغلمان، فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم، ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار،
فما ترى في شرائهم ونحن نعلم أنهم قد سرقوا وإنما أغاروا عليهم من غير حرب
كانت بينهم؟ فقال: لا بأس بشرائهم، إنما أخرجوا من الشرك إلى دار الاسلام "
وإطلاق خبر إبراهيم بن عبد الحميد (4) عنه عليه السلام أيضا " في شراء الروميات فقال:
اشترهن وبعهن " وخبر عبد الله اللحام (5) سأل الصادق عليه السلام " عن رجل اشترى

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و 10
و 11 والباب - 4 - من أبواب ميراث الإخوة والباب - 3 - من أبواب ميراث المجوس
من كتاب المواريث.
(2) راجع ج 24 ص 136.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 وفيه " الصقالبة "
كما في الكافي ج 5 ص 210 والتهذيب ج 6 ص 162.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 من كتاب التجارة.
(5) الوسائل الباب - 3 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 3 من كتاب
التجارة.
94

امرأة رجل من أهل الشرك يتفخذها، قال: فقال: لا بأس "
فمن الغريب ما في المسالك هنا من " أن المراد بالضلال ما يشمل المسلمين
منهم والكافرين، فلو سبي كافر مثله ملكه، وجاز شراؤه منه، وكان الكلام في شرائه
منه كالكلام في شراء ولده وزوجته منه، ولو كان الكافر ذميا أو مسلما مبدعا فلا
إشكال في تملكه، وقد أباح الأئمة عليهم السلام شراء ذلك منهم وغيره من ضروب
التملكات وإن كان للإمام أو بعضه من غير اشتراط إخراج الحصة المذكورة "
والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (إزالة الرق تكون بأسباب أربعة: المباشرة والسراية
والملك والعوارض).
(أما المباشرة فالعتق والتدبير والكتابة) وإن اختلفت في كيفية التسبيب
بالنسبة إلى احتياج حصول الحرية منها إلى أمر آخر غير الصيغة - كالتدبير
والكتابة المفتقرين إلى الموت والتأدية - وعدم ذلك، كالعتق، وستعرف
ذلك مفصلا.
(أما العتق فعبارته الصريحة التحرير) بأن يقول: " أنت - أو هو أو فلان
أو نحو ذلك - حر " فإنه لا خلاف نصا (1) وفتوى في حصول التحرير به حينئذ، بل
الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة بعد النص المتضمن لانشاء العتق به من سيد
الساجدين عليه السلام (2) وإلا فقوله تعالى (3): " فتحرير رقبة مؤمنة " لا يقتضي
كون الصيغة التي يحصل بها الانشاء ذلك، وإلا لاقتضى قوله تعالى (4): " فك

(1) الوسائل الباب - 28 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 92.
(4) سورة البلد: 90 - الآية 13.
95

رقبة " نحوه، (و) ليس كذلك اتفاقا محكيا إن لم يكن محصلا كما ستعرف.
نعم (في) اشتقاقها من (الاعتاق) بأن يقول: " أعتقتك " (تردد)
وخلاف ينشأ من التردد في المراد من النصوص (1) الواردة في ذلك المتقدمة في
كتاب النكاح فيمن قال لأمته: " أعتقتك وجعلت عتقك صداقك " أنه إنشاء العتق
بذلك أو هو إخبار لها بالحال، وإن كان العتق قد حصل قبل ذلك بقول: " هي حرة
وجعلت عتقها صداقها " وإن كان الظاهر منها الأول.
لكن في الروضة " أن ظاهرهم عدم العتق بها، بل وبالصريح محضا، كحررتك،
ولعله لبعد الماضي عن الانشاء، وقيامه مقامه في العقود على وجه النقل خلاف الأصل،
فيقتصر فيه على محله " وهو غريب خصوصا بعد أن حكى هو قبل ذلك بيسير اتفاق
الأصحاب على صحة العتق في قول السيد لأمته: " أعتقتك وتزوجتك " نعم كان
المتجه الاقتصار عليها دون " حررتك " التي لم نعثر في شئ من النصوص على إنشاء
التحرير بها.
كما أن المتجه الاقتصار عليها من التحرير بأنت حر، دون " أنت عتيق "
أو معتق، ضرورة كون المدار على ما ثبت من النصوص إنشاء التحرير به، وليس هو
إلا " أنت - مثلا - حر " و " أعتقتك " بناء على أحد الوجهين في النصوص المزبورة،
فلا وجه لالحاق " حررتك " بأعتقتك، كما لا وجه لالحاق " أنت عتيق " بأنت
حر، لما عرفت من أن الثابت من النص (2) ذلك، وهو المراد من الصريح في
كلامهم، لأصالة عدم زوال الرق، و " أوفوا بالعقود " (3) لا يشمل المقام على
الأصح، وإطلاقات العتق المساقة لغير ذلك لا يستفاد منها كيفية الصيغة، خصوصا
بعد وهنها أيضا باعراض الأصحاب عن ذلك واقتصارهم على خصوص التحرير أو هو

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 28 - من كتاب العتق.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
96

مع الاعتاق.
ولذا قال المصنف وغيره، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، بل لعله ظاهر
غيره أو صريحه: (ولا يصح) إنشاء العتق (بما عدا التحرير) خاصة أو مع
الاعتاق من أي لفظ (صريحا كان أو كناية ولو قصد به العتق كقوله) صريحا
كما في القواعد: (فككت رقبتك) أو أزلت قيد الملك، (أو) كناية: (أنت
سائبة) أو " لا سبيل لي عليك " أو " لا سلطان " أو نحو ذلك، خلافا للعامة،
فجوزوه في الكناية فضلا عن الصريح.
ومن ذلك يعلم أن المراد من الصريح أولا في كلامهم ما ذكرناه من أنه الذي
ثبت شرعا إنشاء العتق به، لا الدال على المقصود بلا واسطة.
بل ومنه يعلم أن وجه التردد في الاعتاق ما ذكرنا. لا كونه صريحا أولا،
ضرورة أنه لا مجال لانكار صراحته، بل استعماله في ذلك أزيد من لفظ التحرير،
كما لا يخفى على من تصفح النصوص.
بل منه أيضا يعلم النظر فيما ذكره في المسالك وبعض من تأخر عنها من أن المدار
على الصريح وعدمه، حتى التزم صحة إنشاء العتق بكل لفظ صريح في ذلك، وهو
مناف لما عرفته من كلماتهم.
بل مما ذكرنا يعلم النظر في عبارة المتن وغيرها إن كان المراد من التحرير
والاعتاق فيها جواز اشتقاق الصيغة منهما بأي هيئة كانت، جملة اسمية أو فعلية،
ضرورة كونه منافيا لما سمعته من التوقيفية في العتق الذي هو من العبادة أو شبهها
في ذلك، فالمتجه حينئذ الاقتصار على الجملة الإسمية من التحرير والفعلية من الاعتاق،
بناء على أحد الوجهين في النصوص المزبورة، ودعوى التعدية في كل منهما إلى
الآخر لا دليل عليها، بل ظاهرهم خلافها، فتأمل جيدا، فإنك لا تجد هذا المقام
محررا في غير هذا الكتاب، والحمد لله الموفق المسدد.
(ولو قال لأمته: " يا حرة " وقصد العتق ففي تحريرها) بذلك (تردد)
ينشأ من أنها بغير هيئة الصيغة المعهودة، ومن أنها مجاز بحرف النداء عن
97

معنى " أنت " (والأشبه) عنه المصنف وغيره (عدم التحرير لبعده عن شبه
الانشاء) بل في كشف اللثام " إنما هو إنشاء للنداء وإن جاز التجوز به عنه،
لكنه استعمال نادر يعد من الكنايات ".
قلت: لكنه قد يناقش بأن الفرض عدم إرادة معنى النداء منه، بل المراد منه
إنشاء العتق، وليس فيه إلا التجوز بموضوع الصيغة، وهو " أنت " من حرف النداء،
ومن المعلوم أن موضوع الصيغة لا يعتبر فيه إلا ما يميزه من لفظ " أنت " و " هو "
و " هذا " و " فلان " وغيرها من الألفاظ الحقيقية أو المجازية المعينة له، وإنما
الممنوع الكناية والتجوز بمحمول الصيغة الذي هو " حر " ودعوى جزئية موضوع
الصيغة منها على وجه لا يجوز تمييزه باللفظ المجازي لا شاهد لها، بل يمكن القطع
بعدمها، نعم لو كان المراد من حرف النداء معناه ولكن مع إنشاء التحرير بقوله:
" حرة " اعتمادا على تقدير " أنت " بمعونة حرف النداء أمكن الاشكال فيه بكونه
خلاف الثابت من الصيغة، ومثله إذا قال: " حر " من دون ذكر الموضوع وإن دل
عليه الحال أو غيره، والله العالم.
(ولو كان اسمها " حرة " فقال: أنت حرة فإن قصد الاخبار لم تنعتق)
قطعا (وإن قصد الانشاء صح) كذلك (وإن جهل منه الأمران) رجع إلى
قوله في نيته، للاشتراك وعدم الوصلة إلى امتياز المراد منه إلا قوله، ويقبل وإن
خالف القانون وادعى قصد الاخبار أو عكس، كما إذا لم يقف وجاء به منونا، أو بلا
تنوين، فإن الاسم غير منصرف بخلاف الصفة.
(و) إن (لم يمكن الاستعلام) بموت ونحوه (لم يحكم بالحرية)
قطعا (لعدم اليقين بالقصد) أي قصد الانشاء، فيبقى على أصالة الرق (و) لكن
في المتن (فيه تردد منشأه التوقف بين العمل بحقيقة اللفظ والتمسك بالاحتمال)
وهو كما ترى، ضرورة اشتراك الصيغة بين الاخبار والانشاء، فمع فرض عدم
ما يقتضي أحدهما تبقى أصالة الرقية وغيرها بلا معارض، كما هو واضح،
98

والله العالم.
(ولا بد من التلفظ بالصريح) أو ما يقوم مقامه على الأقوى، كما عرفته فيما
تقدم، (ولا تكفي الإشارة مع القدرة على النطق ولا الكتابة).
كما في غيره من العقد والايقاع، للأصل وحسن زرارة (1) قال للباقر عليه السلام:
" رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: ليس ذلك
بطلاق ولا عتاق حتى يتكلم به " مؤيدا بقوله عليه السلام (2): " إنما يحلل الكلام
ويحرم الكلام ".
بل لا بد من النطق بالعربية مع القدرة عليها أيضا للأصل أيضا بعد عدم تلقي
غير العربي منه عليه السلام، بل لعل المنساق العربي من كل ما كان موضوع الحكم فيه
القول واللفظ والكلام ونحوه ذلك.
نعم يكفي مع العجز الإشارة المفهمة الملحق بها أو أولى منها سائر اللغات،
لفحوى نصوص الأخرس (3) وخصوص صحيح الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام
" إن أباه حدثه أن أمامة بنت أبي العاص الربيع وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله
تزوجها بعد علي عليه السلام المغيرة بن نوفل إنها وجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها،
فأتاها الحسن والحسين عليهما السلام وهي لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان والمغيرة كاره لما
يقولان: أعتقت فلانا وأهله، فتشير برأسها أن نعم، وكذا وكذا، فتشير برأسها نعم
أم لا، قلت: فأجازا ذلك لها؟ قال: نعم " وغير ذلك مما مر في نظائر المسألة،
والله العالم.
(ولا بد من تجريده عن الشرط، فلو علقه على شرط مترقب) كقدوم

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 من كتاب الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة.
(3) الوسائل الباب - 59 - من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 والباب - 19 -
من أبواب مقدمات الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 44 - من كتاب العتق الحديث 1.
99

زيد (أو صفة) معلومة الوقوع كطلوع الشمس أو غيره عدا التدبير (لم يصح)
وإن وقع الشرط، لأنه لا يقع إلا منجزا إجماعا في محكي الخلاف والسرائر
والمختلف، وهو الحجة، مضافا إلى محكي الاجماع أيضا على اعتبار التنجيز في
مطلق العقد والايقاع إلا ما خرج، وإلى ما ذكرناه مكررا من منافاة ذلك لظاهر
الأدلة المقتضية لسببيته إذا كان التعليق مقتضيا لتأخر أثره، وإلى أن الثابت
سببيته من الأدلة الشرعية المنجز، بل مقتضى الأول والأخير عدم صحته
وإن كان المعلق عليه متحققا حال الصيغة، لأن ذلك لا يخرجه عن كونه
إنشاء معلقا.
نعم لو علقه بالنقيضين وقع مع اتحاد الكلام، لظهور الجمع بينهما في إرادة
التأكيد دون التعليق، مع أنه احتمل العدم فيه للتعليق، بل هو خيرة الفخر في
الشرح وإن كان ضعيفا، لكون المفروض إرادة التأكيد لا التعليق، أما مع اختلاف
الكلام فالمتجه العدم، لما عرفت،
وكذا لا يصح لو قال: " أنت حر متى شئت " وإن بادر إلى المشيئة، لأنه
من التعليق أيضا حتى لو قال: " إني كنت شئت حين قلت ذلك " لما عرفت من
تحقق التعليق وإن اتحد زمان الانشاء والايقاع، ومنه يعلم فساد احتمال حصول
التحرير بقوله: " أنت حر " وإلغاء قوله: " متى شئت " ضرورة كون القصد إنشاء
معلقا، فلا يترتب عليه الأثر، كما هو واضح.
وعلى كل حال فما عن القاضي من الوقوع مع التعليق على الوقت وأبي
علي على الشرط واضح الضعف، وكذا ما عساه يظهر من محكي النهاية والاستبصار
من أنه يقع مشروطا في النذور والقربات، كقوله: " إن شفاني الله
فعبدي حر " دون اليمين كقوله: " إن دخلت الدار فعبدي حر " ونحوه
عن الغنية.
بل في اللمعة والروضة " لو نذر عتق عبده عند شرط سائغ على ما فصل انعقد
النذر والعتق مع وجود الشرط " وفي الأخير " إن كانت الصيغة إن كان كذا من الشرط
100

السائغ فعبدي حر، ووجب عتقه إن قال: لله علي أن أعتقه، والمطابق للعبارة الأول،
لأنه العتق المعلق لا الثاني، فإنه الاعتاق، ومثله القول فيما إذا نذر أن يكون
ماله صدقه أو لزيد أو أن يتصدق به أو يعطيه لزيد، فإنه ينتقل عن ملكه بحصول
الشرط في الأول، ويصير ملكا لزيد قهريا، بخلاف الأخير، فإنه لا يزول ملكه به،
وإنما يجب أن يتصدق به أو يعطى زيدا، فإن لم يفعل بقي على ملكه وإن
حنث، ويتفرع على ذلك إبراؤه منه قبل القبض، فيصح في الأول دون
الثاني ".
وفيه (أولا) أن ذلك ليس من العتق بالصيغة معلقا، بل هو بالنذر الذي
ثبت فيه مشروعية التعليق، والبحث إنما هو في إنشاء العتق بصيغته معلقا، و (ثانيا)
إمكان منع صحة ذلك، لعدم اقتضاء أدلة النذر مشروعية نذر الآثار التي أوقفها
الشارع على صيغ خاصة كالنكاح والطلاق والوقوف ونحوها، بل وكذا الكلام في
نذر كون المال لزيد، نعم لو نذر كونه لله خرج عن ملكه ووجبت الصدقة به،
وقد تقدم منا البحث في وقوع هذه الآثار لو كانت بالشرط الذي يقتضي أدلته كونه
أوسع دائرة من النذر، فلاحظ وتأمل. والله العالم.
(وكذا) لا يصح (لو قال يدك حرة أو رجلك أو رأسك أو وجهك)
بلا خلاف أجده بين من تعرض له، بل عن الإنتصار الاجماع عليه، بل ولا إشكال
إذا كان المراد تحرير الأجزاء المزبورة، ضرورة عدم ثبوت مشروعيته، بل الثابت
عدمه، أما مع إرادة الكناية بذلك عن الشخص نفسه - ولو مجازا لعلاقة الجزء والكل
وإن كان على الوجه الفاسد - فيشكل عدم صحته بتحقق صيغة العتق التي لم يثبت
اعتبار ذلك المعتق فيها باسمه أو بما يدل عليه حقيقة، وكون العتق لا يقع بالكناية
إنما يراد به ما يدل على التحرير لا المحرر، وفي كشف اللثام إن أراد بالوجه
الذات وقع، لكونها من معانيه، وللعامة قول بالوقوع إذا علق على ما يطلق على الجملة
كالرأس، وآخر به مطلقا.
وفي المسالك بعد أن ذكر عدم وقوع العتق بالأجزاء المزبورة قال: " وإن كان
101

الوجه والرأس قد يطلق على الذات عرفا، لأنه خلاف المتبادر، ولعدم نقل مثل
ذلك شرعا " وفيه أن التبادر وعدمه لا مدخلية له في المقام، إذ الفرض معلومية
كون ذلك مراد اللافظ، وعدم النقل شرعا لمعلومية عدم التعبد فيما يدل على
المعتق.
ثم قال: " واعلم أنه قد تقدم وقوع الكفالة المتعلقة بالوجه والرأس معللا
بأنه قد يعبر بهما عن الجملة عرفا، والفرق بين الكفالة والعتق أن القصد الذاتي
منها إحضار البدن، والذات تابعة عرفا، وهنا بالعكس، فإن الحرية المقصودة من
العتق متعلقها الذات، والبدن تابع إذا جعلناه غيره، وأما الفرق بينهما بأن المعتبر
في الكفالة العرف وفي العتق الشرع فلا يخلو من تحكم وإن كان العرف منصرفا في
الفرق الأول " وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.
بل منه يعلم ما في قول المصنف وغيره: (أما لو قال: بدنك أو جسدك فالأشبه
وقوع العتق لأنه هو المعنى بقوله أنت حر) أي أنهما في العرف بمعنى واحد،
ولا إشكال في وقوع العتق بالأخير، سواء قلنا بكون الانسان جسما أو جسمانيا،
فكذا ما كان بمعناه عرفا عاما، ولأن المالكية والمملوكية يتواردان على الموضوع
الواحد، والمملوكية تتعلق بالهيكل المحسوس قطعا فكذا المالكية المترتبة عليها
الحرية، ومن هنا قال في المسالك: " والأقوى الوقوع بذلك إلا أن
يكون القائل معتقدا أن الانسان خلاف ذلك، وادعى قصد شئ غيره، فيرجع
إليه فيه ".
قلت: لا ينبغي التأمل في الصحة إذا كان المراد من ذلك معنى " أنت " أو
" زيد " أو نحوهما مما يدل على الجملة، لما عرفت: كما أنه لا ينبغي التأمل في
البطلان إذا كان المراد خلاف ذلك، خصوصا مع عدم تناول اسم الجسد والبدن
لجميع أجزاء الشخص، كما هو واضح، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (هل يشترط تعيين المعتق؟ الظاهر) عند المصنف
102

أنه (لا) يشترط، بل هو المشهور على ما قيل، بل عن الكنز أنه لم يظهر فيه
خلاف، لاطلاق الأدلة وتغليب الحرية السالمين عن معارضة عدم صلاحية تعلق الحكم
بالمبهم بعد فرض تحققه في الشرع فيما إذا أعتق مماليكه كلهم في مرضه ولم يخرجوا
من الثلث ولم يجز الورثة، فإنه يخرج قدر الثلث بالقرعة إلا أنه إن لم يكن إجماعا
أمكن المناقشة بأنه الثابت من النصوص (1) المتضمنة للصيغة المعينة، وقد
عرفت أن الاطلاقات غير مساقة لبيان ذلك، والابهام الثابت في الفرض المزبور
لا يستفاد منه جواز الابهام في متعلق الصيغة أولا، وإنما كان المتجه فيه العتق بالثلث
المشاع في العبيد إلا أنه لمكان النص (2) صحت القرعة فيه على الثلث المعين،
ومن هنا يقوى احتمال الاشتراط، بل قد تقدم في الطلاق ما يستفاد منه قوته زيادة
على ذلك، ولعله لذا كان ظاهر الشهيد في الدروس التوقف، بل هو صريح الفخر في
الشرح، بل صريح نهاية المرام عدم الجواز بعد أن حكاه قولا، نعم لا محيص عن
القول به هنا مع فرض الاجماع المزبور
وحينئذ (فلو قال: أحد عبيدي حر صح ورجع إلى تعيينه) عند المشهور
أيضا لنحو ما سمعته في الطلاق (3) ولكن قد ذكرنا هناك قوة القول بالرجوع إلى
القرعة التي هي لكل أمر مشكل لا المشتبه خاصة، كما يقتضي به أصل مشروعيتها،
وهو مساهمة يونس عليه السلام (4) ولا ريب في تحقق الاشكال مع فرض عدم الطريق
وفرض وقوع العتق بالصيغة لا بها مع التعيين إذ لم يثبت كون التعيين
تشهيا منه حينئذ طريقا شرعا إلى ذلك كما أوضحناه هناك (ف‍) لاحظ
وتأمل.

(1) الوسائل الباب - 28 - من كتاب العتق والباب - 30 - من أبواب الكفارات
الحديث 1 والمستدرك الباب - 24 - من كتاب العتق.
(2) الوسائل الباب - 65 - من كتاب العتق.
(3) راجع ج 32 ص 52.
(4) سورة الصافات: 37 - الآية 141.
103

نعم بناء عليه (لو عين ثم عدل لم يقبل) لعدم بقاء موضوع العتق بعد
تعيينه، فيبقى حينئذ من عدل إليه على أصل الرقية بعد فرض لغوية تعيينه الثاني،
وقد تقدم في الطلاق (1) تحقيق الحال في أن التعيين المزبور كاشف عن العتق
بالصيغة، وعليه مبني قوة القول بالقرعة أو أنه متمم لها، فيحصل حينئذ من حينه
مع سائر الفروع المتعلقة بذلك وبغيره التي لا يخفى عليك جريانها في المقام،
فلاحظ وتدبر.
(و) منها ما (لو مات قبل التعيين) فإنه (قيل: يعين الوارث)
الذي هو خليفة الموروث وقائم مقامه حتى في مثل التعيين الراجع إلى التشهي، بل
قد يدعى انتقاله إليه بالإرث كحق الخيار ونحوه (وقيل: يقرع) لعدم موردية
نحو التعيين المزبور، ولا دليل على قيام الوارث مقامه في تعيين المبهمات، فليس
حينئذ إلا القرعة (وهو أشبه لعدم اطلاع الوارث على قصده) الناشئ تشهيا،
وعدم ثبوت إرثه لذلك، بل قد عرفت قوة القول بالرجوع إليها قبل الموت، بل
يظهر من ترجيح المصنف وغيره الرجوع إليها هنا عدم اختصاصها بالمشتبه، وإنما
يؤتى بها للترجيح كما قدمنا الكلام فيه في كتاب الطلاق (2) هذا كله في المبهم
في نفس الصيغة ويراد إنشاء تعيينه.
(أما لو أعتق معينا ثم اشتبه) عليه (أرجئ حتى يذكر) وعمل على
مقتضى المقدمة حال عدم الذكر (فإن ذكر عمل بقوله) مع عدم المعارض لأنه
المرجع في نحو ذلك، وتعين من عينه للعتق (ولو عدل بعد ذلك لم يقبل) لأنه
إنكار بعد إقرار للغير بحق الحرية، بل قيل: إنه يحكم بحرية المعدول إليه أيضا
عملا بإقراره المتأخر وإن كان لنا فيه بحث قد تقدم في الطلاق (3) أيضا (فإن

(1) راجع ج 32 ص 46 - 48.
(2) راجع ج 32 ص 46 - 48.
(3) راجع ج 32 ص 54.
104

لم يذكر لم يقرع ما دام حيا لاحتمال التذكر) فلم يتحقق الاشكال الذي هو موضوع
القرعة، اللهم إلا أن يستلزم ذلك الضرر والتعطيل، فقد يقال حينئذ بها، ويأتي
الكلام حينئذ فيما لو تذكر بعدها بما ينافيها كما تقدم الكلام فيه في كتاب
الطلاق (1) فلاحظ.
(ولو مات وادعى الوارث العلم) ولو لدعوى اطلاعه عليه منه (رجع
إليه) ولكن فيه بحث قدمناه أيضا في كتاب الطلاق (2) (وإن جهل أقرع بين
عبيده) بلا خلاف (لتحقق الاشكال واليأس من زواله) واحتمال الرجوع إلى
الوارث هنا واضح الفساد.
(ولو ادعى أحد مماليكه أنه هو المراد بالعتق) ولو للاطلاع عليه من
قبله (فأنكر) المولى (فالقول قوله) أي المولى (مع يمينه) لأنه منكر،
(وكذا حكم الوارث) لعموم قوله صلى الله عليه وآله (3): " البينة على المدعي (و) اليمين
على من أنكر " نعم (لو نكل) عن اليمين (قضى عليه) بالنكول إن قلنا به،
وإلا أحلف المملوك واعتق كما في غير ذلك من الدعاوي، وهو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (يعتبر في المعتق البلوغ وكمال العقل والاختيار
والقصد إلى العتق والتقرب إلى الله) تعالى (وكونه غير محجور عليه) لسفه
أو فلس بلا خلاف أجده في شئ من ذلك عدا من بلغ عشرا من الأول الذي ستعرف
الكلام فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عموم الأدلة، وخصوص صحيح
زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن عتق المكره فقال ليس عتقه بعتق "
وصحيحه الآخر خاصة أو مع محمد بن مسلم وبريد بن معاوية وفضيل وإسماعيل

(1) راجع ج 32 ص 46.
(2) راجع ج 32 ص 52.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 وفيه " البينة على المدعي
واليمين على المدعى عليه ".
(4) الوسائل الباب - 19 - من كتاب العتق الحديث 1.
105

الأزرق ومعمر بن يحيى (1) عنه عليه السلام أيضا وعن أبي عبد الله عليه السلام " إن المدله
ليس عتقه بعتق " وصحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن طلاق السكران
قال: لا يجوز ولا عتقه " ونحوه صحيحه الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا، وصحيح حماد
وابن أذينة وابن بكير وغير واحد (4) عنه عليه السلام أيضا " لا عتق إلا ما أريد به وجه
الله تعالى " ونحوه خبر أبي بصير (5) عنه عليه السلام أيضا، وخبر علي بن أبي حمزة (6)
عنه عليه السلام أيضا " لا عتق إلا ما طلب به وجه الله عز وجل " (و) خبر عبد
الأعلى مولى آل سام (7) عنه عليه السلام أيضا " لا طلاق إلا على كتاب الله، ولا عتق
إلا لوجه الله " إلى غير ذلك.
نعم (في عتق الصبي إذا بلغ عشرا وصدقته تردد) وخلاف، فالأكثر كما
في كشف اللثام على العدم، لاطلاق الأدلة في سلب عبارته، والشيخ على الصحة
(ومستند الجواز رواية) الشيخ عن موسى بن بكر عن (زرارة (8) عن أبي

(1) الوسائل الباب - 20 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 21 - من كتاب العتق الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 21 - من كتاب العتق الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 4 - من كتاب العتق الحديث 1.
(5) الكافي ج 6 ص 178.
(6) الوسائل الباب - 4 - من كتاب العتق الحديث 2 وهو خبر أبي بصير الذي
أشار إليه (قده) فإنه وإن رواه في الوسائل عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام
إلا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 178 علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
وهناك صحيحة أخرى يدل على المطلوب لم يتعرض لها في الجواهر، وهي الصحيحة التي
رواها في الوسائل في الباب - 13 - من كتاب الوقوف والصدقات الحديث 2 عن حماد بن
عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عز وجل ".
(7) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الأيمان الحديث 9.
(8) الوسائل الباب - 56 - من كتاب العتق الحديث 1.
106

جعفر عليه السلام) قال: " إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له من ماله ما أعتق
وتصدق على وجه المعروف فهو جائز " وباسناده عن صفوان بن يحيى عن موسى بن
بكر (1) مثله، إلا أنه قال: " على حد معروف وحق فهو جائز " بل رواه الكليني
أيضا عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد وأحمد بن محمد بن عيسى جميعا عن
صفوان بن يحيى (2) إلى آخره، وفي النافع أسنده إلى رواية حسنة، وظاهره
الميل إليه، بل ربما يؤيده ما تقدم من جواز وصيته بالمعروف التي منها العتق،
بل منها التدبير بناء على أنه وصية به، وذلك لاستبعاد صحته تدبيرا وعدمها
تنجيزا.
ولكن من ذلك كله أطنب في المسالك في بيان سقوط هذه الرواية، وذلك
لأن في سندها موسى بن بكر، وهو واقفي غير ثقة. وابن فضال، وهو فطحي وإن
كان ثقة، والشيخ تارة أوقفها على زرارة، وأخرى إلى الباقر عليه السلام، كما أن المصنف
أسندها إلى زرارة هنا، وقال في نكت النهاية: " إنها موقوفة " وفي النافع وصفها
بالحسن، ولعله أراد غير الحسن المصطلح، إلى أن قال: " فمع هذه القوادح كيف
تصلح لاثبات هذا الحكم المخالف لأصول المذهب، بل إجماع المسلمين، فاطراحها
متعين، ويمكن حملها وحمل ما ورد (3) في معناها في جواز وقفه وصدقته ووصيته

(1) أشار إليه في الوسائل الباب - 56 - من كتاب العتق الحديث 1 وقد ذكره
في التهذيب في موضعين: الأول في ج 8 ص 248 باسناده عن موسى بن بكر عن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام وفيه ".. وتصدق على وجه المعروف فهو جائز ". والثاني
في ج 9 ص 181 باسناده عن علي بن الحسن عن علي بن الحكم عن موسى بن بكر عن
زرارة مضمرا. وفيه "... على وجه معروف وحق فهو جائز " ولم نعثر على السند واللفظ
اللذين ذكرا في الجواهر والوسائل.
(2) أشار إليه في الوسائل الباب - 56 - من كتاب العتق الحديث 1 وذكره
في الكافي ج 7 ص 28.
(3) الوسائل الباب - 15 - من كتاب الوقوف والصدقات.
107

على أن ابن العشر محل إمكان البلوغ، كما تقدم في أن الولد يلحق به في هذا
السن لامكان بلوغه بالمني فبسبب أنه في وقت إمكان البلوغ وجواز التصرف أطلقوا
جواز تصرفه، والمراد به إذا انضم إليه ما يدل على البلوغ، بمعنى أنه من حيث السن
لا مانع من جهته وإن توقف على أمر آخر، وهذا خير من إطراح الروايات الكثيرة "
وتبعه على ذلك بعض من تأخر.
ولكن الانصاف عدم كونها بهذه المثابة بعد أن عرفت روايتها في التهذيب
والكافي وفي سندها بعض أصحاب الاجماع، كما أن القول بها ليس كذلك، خصوصا
بعد التأييد بما عرفت، على أن ما ذكره أخيرا صالح للحكم بصحة العتق وإن لم
ينضم إليه أمر آخر يقتضي البلوغ إذا فرض وقوع العتق منه على وجه يمكن معه
نية القربة لغفلته عن الاشتراط أو جهل به أو غير ذلك، لأصالة الصحة التي يكفي
في الحكم بها احتمال وجود شرط الصحة، مثل الحكم بلحوق الولد وإن لم يحكم
ببلوغه، ومثل الحكم بصحة صلاة من شك في الطهارة بعد الفراغ منها، ونحو ذلك
يجري في بيعه فضلا عن عتقه، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى عليك أن نية القربة هنا مثلها في سائر ما تعتبر فيه، فلا يشترط
التلفظ بها وإن اعتبر ذلك في الصيغة (و) هو واضح.
كوضوح أنه (لا يصح) ال‍ (عتق) من (السكران) وغيره ممن لا عقل
له ولا قصد له، لما عرفت والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (يبطل باشتراط نية القربة عتق الكافر لتعذرها في
حقه) باعتبار أن اشتراطها يقتضي كون العتق من العبادات، ومن المعلوم اعتبار
الاسلام بل الايمان في صحتها، حتى كاد يكون ضروري المذهب إن لم يكن الدين،
فلا يتصور حصول نية التقرب بالعبادة مع فقد شرطها، نعم لو قلنا بعدم اشتراطها
في صحته وأن النصوص المزبورة محمولة على نفي الكمال وعدم ترتب الثواب
بدونها فلا إشكال في صحته حينئذ، ضرورة كونه من المعاملة التي لا إشكال في
108

صحتها منه لا العبادة.
(و) لعله لذا (قال الشيخ في الخلاف) والمبسوط: (يصح) مطلقا
سواء كان الكفر بانكار الصانع أو غيره، بل بعض الاستدلال للقول المزبور في
المسالك وغيره ظاهر أو صريح في ذلك وإن كان هو لا يخلو عن تشويش، فإنه حكى
الاحتجاج عنه بأن " العتق فك ملك وتصرف مالي ونفع للغير، والكافر أهل لذلك،
بل ملكه أضعف من ملك المسلم، ففكه أسهل، ولبناء العتق على التغليب، وجاز حمل
الخبر (1) على نفي الكمال، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم (2): " لا صلاة لجار المسجد إلا
فيه " ومن ثم وقع الاتفاق على بطلان عبادة الكافر المحضة دون عتقه ونحوه من
تصرفاته المالية المشتملة على العبادة - كالوقف والصدقة - ترجيحا لجانب المالية على
العبادة ". وهو كما ترى، إذ لا فرق في اعتبار الاسلام في صحة العبادة سواء كانت
مالية أو غير مالية، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه.
وأضعف منه القول بالتفصيل - وإن اشتهر بين المتأخرين - بين كون كفره
بجحد الإلهية أصلا، فلا يصح منه لتعذر قصد القربة، وبين كونه بجحد النبي صلى الله عليه وآله
ونحوه فيصح، لأن قوله عليه السلام (3): " لا عتق " إلى آخره - الذي حمله على نفي
الصحة أولى لأنها أقرب إلى نفي الحقيقة - لا يقتضي إلا اشتراط إرادة التقرب
المتوقفة على الاقرار به، ولا يلزم من ذلك حصول المراد الذي هو أمر آخر لا يدل
عليه الخبر، بل كونه عبادة مطلقا ممنوع، بل من هذا الوجه، وهو لا يمنع وقوعه
من الكافر المقر، إذ هو كما ترى كاد أن يكون من غرائب الكلام، ضرورة اقتضاء
الصحة في العبادة موافقة الأمر المقتضية ترتب الجزاء عليها، كضرورة كون المراد
بنية القربة إنشاء التقرب على وجه يترتب عليه أثره، ولذا نافاها الرياء ونحوه من
منافيات الاخلاص من غير فرق بين العبادة المالية وغيرها، بل وبين الزكاة والخمس

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب العتق.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أحكام المساجد الحديث 1 من كتاب
الصلاة.
(3) الوسائل الباب - 4 - من كتاب العتق.
109

وغيرهما، وإرادة وجه الله به المذكورة في النصوص (1) يراد بها ذلك لا إرادته على
الوجه الذي ذكره
وبذلك كله ظهر لك تطرق النظر في جملة من الكلمات، وقد تقدم منا
سابقا بعض الكلام في ذلك، فالتحقيق عدم صحته من الكافر مطلقا، خصوصا مع
استلزامه للولاء الذي هو سبيل على المسلم لو كان العبد مسلما، بل المتجه عدم صحته
من غير المؤمن بناء على أنه من العبادات إلا أني لم أجد من تعرض له، بل لعل
السيرة القطعية تقضي بخلافه، ويمكن التزام خروج ذلك كالمساجد بها من بين
العبادات إلا أنه كما ترى، والله العالم.
(ويعتبر في المعتق) بالفتح (الاسلام والملك، فلو كان المملوك كافرا لم
يصح عتقه) عند الأكثر كما في المسالك، بل عن بعض الاجماع عليه وإن كنا
لم نتحقق الأول منهما فضلا عن الثاني، وليس في قوله تعالى (2): " فك رقبة "
إلى قوله: " ثم كان من الذين آمنوا " دلالة على صحة ذلك منهم على وجه يترتب
عليه أثره، بل يمكن دعوى دلالته على العكس، لقوله تعالى (3): " ولا تيمموا
الخبيث منه تنفقون " والنهي يقتضي الفساد، ولعدم كونه محلا للتقرب إلى الله
تعالى الذي عرفت اعتباره في عتقه، خصوصا بعد الأمر (4) بمحادته والنهي (5)
عن موادته والاحسان إليه، ولخبر سيف بن عميرة (6) " سألت أبا عبد الله عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 13 - من كتاب الوقوف والصدقات الحديث 2 و 3 والباب
- 4 - من كتاب العتق.
(2) سورة البلد: 90 - الآية 13.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 267.
(4) راجع البحار ج 75 ص 385 إلى 392 وفيها الآيات والأخبار الدالة على ذلك.
(5) راجع البحار ج 75 ص 385 إلى 392 وفيها الآيات والأخبار الدالة على ذلك.
(6) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 5.
110

أيجوز للمسلم أن يعتق مشركا؟ قال: لا ".
إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة كون المراد الردئ من الخبيث في الآية،
لا الخبيث من حيث الاعتقاد دون المالية التي قد تكون خيرا من مالية العبد المسلم،
ولو سلم فالنهي إنما هو من خصوص الصدقة الواجبة، للاجماع على جواز إنفاق
الردئ من المال وجيده بالصدقة ونحوها، وكون محلا للتقرب يتبع المستفاد من
الأدلة، فمع فرض اقتضاء إطلاقها الأمر بعتق مطلق الرقبة مسلمة كانت أو كافرة
فلا إشكال في صحة النية حينئذ، إذ ليست عبادية العتق مأخوذة من رجحان
الاحسان ونحوه.
على أن المصالح المترتبة على ذلك لا يحيط بها إلا علام الغيوب، فربما
أدى ذلك إلى إسلامه، كما روي (1) " أن عليا عليه السلام أعتق عبدا نصرانيا فأسلم
حين أعتقه " بل ربما ورد (2) في بعض النصوص الأمر بسقيهم وإطعامهم معللة
بأن " لكل كبد حراء أجر " وخبر سيف مع ضعفه وكونه أخص من المدعى يمكن
حمله على ضرب من الكراهة، نحو النهي (3) عن عتق غير المؤمن، لرجحان
إطلاق الأدلة المعتضد بما سمعته من المروي من فعل علي عليه السلام، ومعلومية جواز
عتق غير المؤمن الذي هو أشد من الكافر عليه، (و) من هنا (قيل) والقائل الشيخ
في محكي الخلاف والمبسوط وعن ابن سعيد في محكي الجامع: (يصح مطلقا و)
مال إليه بعض.
نعم من الغريب هنا ما (قيل) والقائل الشيخ في محكي النهاية: (يصح
مع النذر) لا مع عدمه جمعا بين الخبرين (4) المزبورين، وهو كما ترى

(1) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب الصدقة الحديث 3 من كتاب الزكاة والتعليل
الوارد إنما هو لسقي الحيوان كما في سنن البيهقي ج 4 ص 186.
(3) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 2 و 5.
111

لا شاهد له، ولا إشعار في شئ منها به، على أن النذر يعتبر فيه رجحان المنذور
قبل تعلق النذر، فتنتفي صحته بدونه، كما هو واضح، والله العالم.
(ويصح عتق ولد الزنا) كما هو المشهور فتوى وعملا، لاطلاق الأدلة،
وخصوص خبر سعيد (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا بأس بأن تعتق ولد الزنا " الشامل
لحال صغره الذي لم يحكم فيه بالتبعية وإن كان من كافرين، وحال كبره مع
وصف الاسلام، بل وإن وصف بالكفر في غير السراية، لما عرفت من صحة
عتق الكافر.
(وقيل) والقائل المرتضى وابن إدريس، (لا يصح بناء على كفره)
ذاتا؟ وإن وصف بالاسلام، بل عن الأخير منهما دعوى الاجماع على ذلك، (و)
لكن (لم يثبت) ذلك، ورواية عدم نجابته (2) - الوارد نظيرها في ولد الحائك
لا تقتضي ذلك قطعا، وكذا قول الصادق عليه السلام (3): " من ولد للزنا لا يدخل الجنة "
ولو سلم دلالتهما والاجماع المزبور فهو في الباطن، على أنك قد عرفت صحة عتق
الكافر، والله العالم.
(ولو أعتق غير المالك) فضولا (لم ينفذ عتقه ولو أجازه المالك) على
المشهور كما في المسالك، بل في كشف اللثام والرياض نفي الخلاف فيه، بل في الروضة
الاجماع عليه، قيل لقوله صلى الله عليه وآله (4): " لا عتق إلا بعد ملك " الدال على نفي الصحة،

(1) الوسائل الباب - 16 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9 وفيه " إن ولد
الزنا لا يطيب أبدا ".
(3) البحار ج 5 ص 285 الطبع الحديث وفيه " إن الله عز وجل خلق الجنة
طاهرة مطهرة، فلا يدخلها إلا من طابت ولادته " وفيه أيضا "... ولن يدخل الجنة إلا
طاهر " وفي ص 287 منه " لا يدخل الجنة إلا من خلص من آدم " وأيضا " من طهرت
ولادته دخل الجنة ".
(4) الوسائل الباب - 5 - من كتاب العتق الحديث 2.
112

لأنه أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة، وقول الصادق عليه السلام في خبر ابن مسكان (1):
" من أعتق ما لا يملك فلا يجوز " ولأنه عبادة أو فيه شائبة العبادة، وهي لا تقبل
الفضولي.
قلت: لكن قد يناقش بعد اقتضاء الأول البطلان مع الإجازة، ضرورة كون
المراد العتق الذي يترتب عليه الأثر لا مجرد صيغة العتق، فهو نحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (2):
" لا بيع إلا في ملك " الذي قد عرفت صحة الفضولي فيه، فإنه على مقتضى إطلاق
الأدلة الجاري نحوه في المقام، ضرورة صحة صدق العتق في ملك عليه بعد فرض
الإجازة، ولا دلالة فيه على اشتراط مباشرة الصيغة المعلوم عدمه هنا بمعلومية صحة
عتقه من الوكيل والولي، ونحو ذلك الكلام في خبر ابن مسكان.
بل منه يعلم ما في الثالث الذي يمكن فيه منع عدم جريان الفضولية في مثل
هذه العبادة التي لا يعتبر فيها المباشرة، خصوصا بعد أن كان من أدلة الفضولي
خبر (3) الصدقة بمال الغير إذا تعقبته الإجازة، وقد تقدم جملة من الكلام في
ذلك في بحث الفضولي (4) نعم ما عن ابن أبي ليلى من نفوذ العتق وتقويمه على
الموسر واضح الفساد، هذا كله مضافا إلى ما عرفت من احتمال كونه غير عبادة،
والله العالم.
(ولو قال: إن ملكتك فأنت حر لم ينعتق مع الملك إلا أن يجعله
نذرا) أو عهدا أو يمينا بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل ولا
إشكال، للتعليق وعدم الملك حال الصيغة، وفي المرسل عن الصادق عليه السلام (5) " في رجل

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب العتق الحديث 4.
(2) المستدرك الباب - 1 - من أبواب عقد البيع الحديث 3 وفيه " لا بيع إلا فيما
تملك " وفي سنن البيهقي ج 7 ص 318 " لا بيع فيما لا يملك ".
(3) الوسائل الباب - 2 - من كتاب اللقطة الحديث 2.
(4) راجع ج 22 ص 273 إلى 284.
(5) المستدرك الباب - 5 - من كتاب العتق الحديث 7.
113

يقول إن اشتريت عبدا فهو حر لوجه الله، وإن اشتريت هذا الثوب فهو صدقة
لوجه الله، وإن تزوجت فلانة فهي طالق، قال: كل ذلك ليس بشئ، إنما يطلق
ويتصدق بما ملك " فما عن بعض العامة من الانعتاق بذلك واضح الفساد، نعم يجب
عتقه بصيغة العتق مع الندر مثلا لعموم ما دل على وجوب الوفاء به (1).
ولو كانت الصيغة " لله على أنه حر إن ملكته " فظاهر الشهيد صيرورته
حرا بدون صيغة كما عن ابن حمزة، ويشكل بأن العتق مشروط بانتقاله إلى
ملكه ولو آنا، فلو عتق بمجرد ملكه لزم العتق في غير ملك، وأجيب بجواز الاكتفاء
بالملك الضمني كملك القريب آنا ثم يعتق.
وفيه أن التزام ذلك فيه بعد أن دل الدليل (2) على عتق القريب بدخوله
في ملك قريبه، للجمع بينه وبين " لا عتق إلا في ملك " (3) أما في المقام فلا
دليل على انعتاقه بذلك كي يلتزم التقدير المزبور، وأدلة النذر شرعا تقتضي وجوب
الوفاء بالمنذور على شرائطه الشرعية، لا أنها تشرع الشئ لنفسه، وإلا لصح
الطلاق بدون صيغته بنذره مثلا، وكذا النكاح وغيره، وهو معلوم البطلان، ومن
هنا صرح بعضهم بوجوب الصيغة في الفرض، ولعله كذلك للأصل، ولأنه ليس من
الايقاع في شئ كما أوضحنا ذلك سابقا، ولأن النذر إنما يتعلق بفعله، وما
في الدروس من تصريح الرواية بذلك لم نتحققه، بل ظاهر ما تسمعه من النصوص في
المسائل الآتية الصريحة خلافه، والله العالم.
(ولو جعل العتق يمينا لم يقع كما لو قال: أنت حر إن فعلت أو إن

(1) سورة الحج: 22 - الآية 29.
(2) الوسائل الباب - 7 - من كتاب العتق.
(3) الوسائل الباب - 5 - من كتاب العتق الحديث 2 وفيه " لا عتق إلا بعد
ملك ".
114

فعلت) بلا خلاف فيه بيننا، بل عن الإنتصار والخلاف والغنية والسرائر الاتفاق عليه،
لنحو ما سمعته في عدم الحلف بالطلاق، وقال الصادق (عليه السلام) لمنصور بن حازم في
الصحيح (1): " إن طارقا كان نخاسا بالمدينة، فأتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال: يا
أبا جعفر إني هالك، إني حلفت بالطلاق والعتاق، فقال له: لا طلاق، إن هذه
من خطوات الشيطان " مضافا إلى ما فيه من التعليق الذي قد عرفت عدم جوازه،
إذ لا فرق بين اليمين به والتعليق من حيث الصورة، نعم يفترقان بالنية، فإن كان
الغرض البعث على الفعل إن كان طاعة والزجر عنه إن كان معصية كقوله: " إن
حججت فأنت حر " أو " إن زنيت " قصدا للبعث في الأول والزجر في الثاني فهو
يمين، وإن كان الغرض مجرد التعليق كان قدم زيد. أو دخلت الدار. أو طلعت
الشمس. فهو شرط أو صفة، والله العالم.
(ولو أعتق مملوك ولده الصغير) لفرض مصلحة للمولى عليه في ذلك
صح، لعموم الآية (2) ولو أعتقه عن نفسه (بعد التقويم) بمعنى إدخاله في
ملكه بقيمته لفرض مصلحته في ذلك (صح) بلا خلاف ولا إشكال، لوجود المقتضي
وعدم المانع.
(ولو أعتقه) كذلك (ولم يقومه على نفسه) بمعنى عدم إدخاله في
ملكه (أو كان الولد بالغا رشيدا) لا ولاية له عليه (لم يصح) وفاقا للمشهور،
بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، وإن احتمل في الدروس الصحة في الأول،
ويكون ضامنا للقيمة، كعتق البائع ذي الخيار، لما عرفت من اشتراط الملك
في العتق، خلافا للمحكي عن النهاية التي هي متون أخبار من الصحة، لخبر
الحسين بن علوان (3) الضعيف ولا جابر له عن زيد بن علي، عن آبائه، عن
علي (عليهم السلام) قال: " أتى النبي (صلى الله عليه وآله) رجل فقال: يا رسول الله إن أبي عمد إلى

(1) الوسائل الباب - 14 - من كتاب الايمان الحديث 4.
(2) سورة البلد: 90 - الآية 13.
(3) الوسائل الباب - 67 - من كتاب العتق الحديث 1.
115

مملوك لي فأعتقه بهيئة المضرة لي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك من هبة الله
لأبيك، أنت سهم من كنانته، يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور،
ويجعل من يشاء عقيما، جازت عتاقة أبيك، يتناول والدك في مالك وبدنك، وليس
لك أن تتناول من ماله ولا من بدنه شيئا إلا بإذنه " الواجب حمله كما صرح به
غير واحد على إرادة رجحان إجازة الولد للوالد في ذلك، وحينئذ فيخرج شاهدا
على صحة الفضولي، والله العالم.
(ولو شرط على المعتق شرطا) سائغا (في نفس العتق لزمه الوفاء به)
في الجملة بلا خلاف كما اعترف به غير واحد، بل في نهاية المرام الاجماع عليه،
لعموم " المؤمنون عند شروطهم " (1) وإطلاق ما دل (2) على شرعية العتق الشامل
للمشروط وغيره، وخصوص المعتبرة المستفيضة، كصحيح أبي العباس (3) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " سألته عن رجل قال: غلامي حر وعليه عمالة كذا وكذا، قال: هو
حر وعليه العمالة " وصحيح يعقوب بن شعيب (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
أعتق جارية وشرط عليها أن تخدمه عشر سنين، فأبقت ثم مات الرجل، فوجدها
ورثته ألهم أن يستخدموها؟ قال: لا " وصحيح محمد بن مسلم (5) عن أحدهما عليهما السلام
" في الرجل يقول لعبده: أعتقتك على أن أزوجك ابنتي، فإن تزوجت عليها أو
تسريت فعليك مأة دينار، فأعتقه على ذلك، فيتزوج أو يتسرى، قال: عليه مأة
دينار " وصحيح حريز (6) قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قال لمملوكة:

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب العتق.
(3) الوسائل الباب - 10 - من كتاب العتق الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 11 - من كتاب العتق الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 12 - من كتاب العتق الحديث 3.
(6) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث 5 عن أبي جرير قال: " سألت
أبا جعفر عليه السلام... " إلا أن في الكافي ج 6 ص 191 والتهذيب ج 8 ص 224
والاستبصار ج 4 ص 11 عن أبي جرير قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام... " ولكن
في الفقيه ج 3 ص 92 عن حريز قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام. " وفي ذيل
الحديث في الجميع " وأنت حر برضا المملوك ".
116

أنت حر ولي مالك، قال: لا يبدأ بالحرية قبل المال، فيقول له: لي مالك وأنت
حر، إن يرضى المملوك فالمال للسيد " إلى غير ذلك من النصوص (1) الدالة على
صحة الشرط في الجملة، من غير فرق بين المال والخدمة وغيرهما.
نعم في الأخير منهما (2) اعتبار تقدم الشرط على الصيغة ولم أجد به قائلا
هنا، بل صريح بعض النصوص (3) السابقة خلافه، فضلا عن إطلاق الآخر
والعمومات، وحينئذ فهو عتق وشرط، لا عتق معلق على الشرط، ويتحقق كونه
شرطا في العتق بإرادة اللافظ وقصده بقوله: " أنت حر ولي عليك ألف " والشرط على
وجه يكون المجموع صيغة واحدة دالة على مجموع الأمرين.
ولكن بقي شئ، وهو أن مقتضي بعض الأدلة المزبورة قابلية غير العتق من
الايقاع للشرط حتى الطلاق، وقد تقدم في الطلاق خلاف ذلك، وأنه متى قال:
" أنت طالق على كذا " ولم تكن كراهة بينهما لا تلتزم به وإن رضيت بذلك، خلافا
لمن عرفت، فالأولى الاقتصار في صحة الشرط في الايقاع على خصوص العتق، للأدلة
الخاصة، وعدم منافاة الشرط فيه القواعد العامة حتى مع عدم القبول، لما ستعرف من
كونه مملوكا له عينا ومنفعة، بل هو كل عليه لا يقدر على شئ، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فلا إشكال في صحة الشرط حينئذ
إنما الخلاف في اعتبار رضا العبد بالشرط وعدمه، فظاهر المتن وصريح

(1) الوسائل الباب - 10 و 12 - من كتاب العتق.
(2) هكذا في النسخة الأصلية المسودة والمبيضة والصحيح " منها " فإن الضمير
يرجع إلى النصوص.
(3) الوسائل الباب - 10 - من كتاب العتق.
117

المحكي عن غيره الثاني مطلقا، لأنه مالك له ومستحق لمنافعه وكسبه وله الضريبة
المقدورة له عليه، فهي إيجاب مال من كسبه، فإذا شرط عليه خدمة أو مالا
فقد فك ملكه عنه وعن منافعه واستثنى بعضها، فله ذلك، مضافا إلى عموم أدلة
الشرائط (1) وإطلاق أدلة مشروعية العتق (2) وإطلاق النصوص (3) الخاصة
المتقدمة عدا الأخير (4) منها.
وقيل: يشترط قبوله مطلقا كالكتابة، لاقتضاء التحرير تبعية المنافع،
فلا يصح شرط شئ منها إلا بقبول المملوك، وللصحيح الأخير (5) وعدم الدخول
في عموم " المؤمنون عند شروطهم " (6) في صدق الشرط عليه عرفا بدون الرضا
مع أصل البراءة من الوفاء.
وفيه أن ذلك مقتضى التحرير المطلق لا المشروط الذي تحصل الحرية فيه
مستحقا عليه ذلك، والصحيح الأخير أخص من المدعى، مع أنك ستعرف ما فيه،
ودعوى اعتبار الرضا في صدق الشرط عليه أو في الدخول في عموم " المؤمنون "
ممنوعة، ضرورة تبعية الشرط لما يقع فيه: من العقد المحتاج إلى القبول،
والايقاع الذي لا يحتاج إليه، وشرطيته بمعنى الالتزام فيه، بل قد عرفت أن
إطلاق أدلة العتق مثلا يشمل المطلق والمشروط، وأصل البراءة لا يعارض إطلاق
الأدلة، فليس حينئذ إلا الصحيح (7) المزبور، لكنه كما عرفت أخص من
المدعى.
ومن هنا قيل بالتفصيل فيشترط رضاه إن كان المشروط عليه مالا ولا يشترط

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
والباب - 4 - من أبواب المكاتبة والباب - 6 - من أبواب الخيار من كتاب التجارة.
(2) الوسائل الباب - 1 وغيره - من كتاب العتق.
(3) الوسائل الباب - 10 و 11 و 12 من كتاب العتق.
(4) راجع التعليقة (6) من ص 116.
(5) راجع التعليقة (6) من ص 116.
(6) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
(7) راجع التعليقة (6) من ص 116.
118

إن كان خدمة، وذلك لأن الخدمة مستحقة للمولى بالأصالة، فشرطها كاستثناء
بعض المملوك عن النقل بخلاف شرط المال، فإنه غير مملوك للمولى، ولا يجب
على المملوك تحصيله، بل الواجب عليه بذل العمل، سواء ترتب عليه المال أم لا،
فهو حينئذ كالكتابة المعتبر فيها القبول، وأما الضريبة فتمنع لزومها له بدون
قبوله، ولذلك اختاره ثاني الشهيدين وغيره، مضافا إلى ما قيل من الاقتصار في
الحكم بالزام العبد شيئا لسيده بدون رضاه على موضع اليقين.
وفيه (أولا) ما قيل من أن راوي الرواية (1) المزبورة على ما في التهذيب
أبو جرير، لا حريز، وهو غير موثق، فلا تصلح مقيدة حينئذ لما سمعت من النصوص.
و (ثانيا) أنها مشتملة على اشتراط كون المال الموجود للعبد للسيد، وقد
عرفت أن التحقيق عدم ملكية العبد، وأن جميع ما في يده لسيده، فلا وجه
لاشتراطه، وفاقا لما سمعته سابقا من اشتمالها على اعتبار تقدم الشرط الذي لم
نجد قائلا به هنا عدا ما يحكى عن الشيخ، وهو مخالف لاطلاق النصوص (2)
وخصوصها.
بل في الرياض المناقشة في الأخير (3) بأنه " لو أريد بالتعيين معناه
الأخص كان حصوله في الشق الأخير وهو اشتراط الخدمة محل نظر، لمكان
الخلاف فيه، وعدم استفادة شئ من الصحيحة الأخيرة سوى المظنة، وإن أريد به
معناه الأعم الشامل لها صح نظرا إلى حصولها فيه من إطلاق الصحيحة الأخيرة،
إلا أنها حاصلة من إطلاق الصحيحة الأخرى (4) في الشق المقابل المشروط فيه
المال كما هو محل البحث ".
وبالجملة فإن كان الظن الحاصل من الاطلاق كافيا في هذا الحكم المخالف

(1) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 10 و 11 و 12 من كتاب العتق.
(3) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 12 - من كتاب العتق الحديث 3.
119

للأصل في غير مورد البحث فليكن كافيا فيه، وإلا فلا يكون كافيا مطلقا، والفرق
تحكم، والتعيين بالمعنى الأخص لمكان الخلاف غير متحقق، وإن كان قد يناقش
بأن الصحيحة الأخيرة على فرض اعتبارها تكون مقيدة لغيرها بالنسبة إلى المال،
أما الخدمة فتبقى على مقتضى إطلاق الأدلة الذي لا معارض له، بخلاف المال الذي
لا أقل من الشك في صحة اشتراطه مطلقا، للاختلاف في النصوص المزبورة، فيكون
المتيقن منه حينئذ المقارن للقبول لا مطلقا، (و) الأمر سهل بعد وضوح
الحال بذلك، وأن الأقوى الصحة مطلقا، لما عرفت ولأنه مالك لنفسه ومنفعته
وكسبه ومسلط عليه، بل لا يقدر على شئ الذي منه عدم القبول.
نعم (لو شرط إعادته في الرق إن خالف) فعن الشيخ في النهاية والقاضي
وغيرهما (أعيد) إليه (مع المخالفة عملا بالشرط) وموثق إسحاق بن
عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل يعتق مملوكه ويزوجه ابنته
ويشترط عليه إن هو أغارها أن يرده في الرق، قال: له شرطه ".
(وقيل: يبطل العتق) والشرط (لأنه اشتراط لاسترقاق من ثبتت
حريته) فيكون شرطا غير سائق، ويتبعه بطلان العتق المقصود وقوعه على الشرط
المزبور، ولا يرد مثله في المكاتب المشروط الذي لم يخرج عن مطلق الرقية،
ومعنى قول السيد: " فإن عجزت فأنت رد في الرق " الرق المحض الذي ليس
بكتابة، لا مطلق الرق الذي لم ينف بالكتابة، وعدم الأخص أعم من عدم الأعم،
والرواية مع كونها من الموثق الذي فيه ما فيه شاذة كما في المحكي من نكت
المصنف على النهاية، فلا يثبت بها الحكم المزبور المخالف لأصول المذهب
وقواعده التي منها عدم عود الحر - بعد أن صار حرا - رقا، بل ربما قيل: إن
أقصى ما فيه عوده في الرق، وهو صادق مع بطلان العتق وإن كان قد يناقش بأن الرد
موضوع للرجوع بعد المفارقة التي لا يقول بها القائل بالفساد، اللهم إلا أن يراد
بها في الموثق المجاز من باب تسمية الشئ باسم ما يؤول إليه كتسمية العنب خمرا

(1) الوسائل الباب - 12 - من كتاب العتق الحديث 2.
120

أو من باب تسمية السبب باسم المسبب، لكنه كما ترى.
وعن ابن إدريس بطلان الشرط لما عرفت دون العتق، وتبعه فخر المحققين
لبناء العتق على التغليب، وفيه أنه يقتضي الصحة بدون مقتضيها، نعم هو منه مبني
على مذهبه في العقود وغيرها، وهو عدم اقتضاء بطلان الشرط فيها بطلانها، لأنه
التزام مستقل فيها لا مدخلية له فيها، ضرورة عدم كونه شرطا بالمعنى اللغوي،
بل المراد أنه التزام، وقد قدمنا في البيع فساده، وأوضحناه. وقلنا: إنه وإن كان
بمعنى الالتزام إلا أنه لا ريب بارتباطه بقصد العقد على وجه حصول القصد للعقد
المشتمل على الشرط المزبور، ومن هنا قلنا بثبوت الخيار له مع فرض عدم الوفاء
به، بل يمكن التزام مثله هنا بناء على مشروعية عود الحر رقا بالوجه المزبور، إلا
أن التحقيق خلافه، وشذوذ الموثق (1) المزبور يمنع من العمل به، بل اتفاقهم
على عدم الخيار بعدم الوفاء بالشرط بالعتق كاشف عن عدم مشروعية ذلك، ومضعف
أيضا للعمل بالموثق المزبور، ضرورة اقتضاء الشرط ذلك مع فرض إمكانه، وإلا
لم يكن لشرطيته ولو بمعنى الالتزام الراجع إلى القصد في العقد معنى، كما هو
واضح.
ومن هنا مضافا إلى ما عرفت كان الأقوى البطلان، كما عن المصنف في
النكت والفاضل في جملة من كتبه والشهيد وغيرهم، بل لعله من العتق المعلق، إذ
لا فرق بين تعليقه مطلقا وتعليقه مشروطا ولو بتعليق شرطه، وإن كان قد يمنع ذلك
أولا، ويلتزم بصحة نحوه للخبر (2) المزبور، ضرورة كونه حينئذ كاشتراط
المأة دينار إن تزوج أو تسرى الذي تضمنته الصحاح (3) التي لا يعرف لها
رادا بالنسبة إلى ذلك، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه من بطلان الشرط نفسه، لما
عرفت.

(1) الوسائل الباب - 12 - من كتاب العتق الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 12 - من كتاب العتق الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 12 - من كتاب العتق الحديث 1 و 3 والباب - 37 - من
أبواب المهور من كتاب النكاح.
121

(و) مما ذكرنا بان أنه لا إشكال في أنه (لو شرط خدمة زمان معين)
على المعتق (صح) بلا خلاف فيه نصا (1) وفتوى على حسب ما سمعته، نعم
في نهاية المرام " لو كان الشرط خدمة المولى أو غيره مدة حياته فظاهر الأصحاب
عدم صحته للجهالة، ولو قيل بالصحة لم يكن بعيدا، لأنه معين في نفسه، فيتناوله
عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (2) " المؤمنون عند شروطهم ".
قلت: بل لم نتحقق ما حكاه عن ظاهرهم، بل لعل ظاهر إطلاقهم صحة
الشرط خلافه، مضافا إلى ما سمعته سابقا مما يقتضي الجواز، وهل تجب نفقته مدة
الخدمة على المعتق؟ كما عن ابن الجنيد، لقطعه عن التكسب، أو لا كما هو الظاهر،
لأنها تابعة للملك، والفرض زواله، وحينئذ ينفق عليه من بيت المال، أو يستثنى له
تكسب مقدار قوته.
(و) كيف كان ف‍ (لو قضى المدة آبقا لم يعد في الرق) بلا خلاف
أجده فيه بينهم، بل ولا إشكال حتى لو أراد المولى إعادته لاستصحاب حريته
ولقاعدة عدم عود الحر رقا وغير ذلك.
(و) لكن (هل) للمولى أن (لورثته مطالبته بأجرة مثل الخدمة)
في تلك المدة؟ (قيل) والقائل الشيخ في محكي النهاية والإسكافي ومن تبعهما
على ما قيل: (لا) مطالبة له ولا لهم بالأجرة، بل ليس للورثة المطالبة بالخدمة
لو فرض بقاء بعض المدة، لصحيح يعقوب بن شعيب (3) المتقدمة سابقا (والوجه
اللزوم) وفاقا لكافة المتأخرين كما قيل، لأنها حق متقوم بالمال، فيثبت على
من فوته قيمته، وهي أجرة المثل، وأما مطالبة الوارث بالخدمة مع فرض بقاء
المدة فلا ينبغي التوقف فيها، ضرورة كونه حقا يورث، والصحيح (4) المزبور
منزل على وجدانها بعد انقضاء المدة الذي من المعلوم فيه عدم جواز مطالبة المولى

(1) الوسائل الباب - 11 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب - 11 - من كتاب العتق الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 11 - من كتاب العتق الحديث 1.
122

فضلا عن وارثه بالاستخدام مثلها، إذ هي ليست من المثليات التي تضمن بمثلها،
بل هي بحكم القيمي، أو على أن الشرط قد كان خدمة المولى وقد فاتت بموته،
فلا يجب عليه خدمة غيره، وعلى كل حال لا ينبغي الخروج به عما يقتضيه القواعد،
والله العالم.
(ومن وجب عليه عتق في كفارة) أو غيرها (لم يجزه التدبير) وإن
نوى به بلا خلاف ولا إشكال، لأن الواجب العتق المنجز، والتدبير وصية بالعتق
أو عتق معلق كما تقدم ذلك في الكفارات، وقال إبراهيم الكرخي (1): للصادق عليه السلام
" إن هشاما سألني أن أسألك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث بسيده حدث، فمات
السيد وعليه تحرير رقبة واجبة في كفارة، أيجزئ عن الميت العبد
الذي كان السيد جعل له العتق بعد موته في تحرير رقبته التي كانت على الميت؟
قال: لا ".
(وإذا أتى على) العبد (المؤمن سبع سنين استحب عتقه) للمرسل (2)
عن الصادق عليه السلام " من كان مؤمنا فقد عتق بعد سبع سنين، أعتقه صاحبه أم لم يعتقه "
المحمول على ذلك، للاجماع بقسميه على عدم انعتاقه بعد ذلك، (و) لكن
لا بأس بحملها على الندب وإن كانت مرسلة للتسامح.
بل يستحب (عتق المؤمن مطلقا) وإن تأكد في الأول لما فيه
من الاحسان إليه بتخليصه من الرق (و) قد سمعت ما ورد (3) في عتق الرقبة
المؤمنة.
نعم (يكره عتق المسلم المخالف) كراهة عبادة، لقول الصادق عليه السلام (4):

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الايلاء
والكفارات.
(2) الوسائل الباب - 33 - من كتاب العتق الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من كتاب العتق الحديث 8 والباب - 3 - منه.
(4) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 3.
123

" ما أغنى الله عن عتق أحدكم، تعتقون اليوم فيكون علينا غدا، لا يجوز لكم أن
تعتقوا إلا عارفا " المحمول على الكراهة، لاطلاق أدلة العتق، وخصوص خبر أبي
راشد (1) سأل الجواد عليه السلام " أن امرأة من أهلنا اعتل صبي لها، فقالت: اللهم
إن كشفت عنه ففلانة جاريتي حرة، والجارية ليست بعارفة، فأيما أفضل؟
تعتقها أو تصرف ثمنها في وجوه البر، فقال: لا يجوز إلا عتقها "
وغير ذلك وإن كان قد يجري فيه بعض ما سمعته في منع عتق الكافر،
والله العالم.
(و) كذا يكره (عتق من لا يقدر على الاكتساب) قيل: لصحيح
هشام بن سالم (2) " سألته عن النسمة فقال: عتق من أغنى نفسه " وفيه أنه لا دلالة
فيه على الكراهة، بل أقصاه تأكد الندب في خصوص من أغنى نفسه، وكذا قول
الرضا عليه السلام (3): " من أعتق مملوكا لا حيلة له فإن عليه أن يعوله حتى يستغني
عنه، وكذلك كان علي عليه السلام يفعل إذا أعتق الصغار ومن لا حيلة له " إنما يدل على
استحباب العيلولة به، لا على كراهة عتقه.
(و) كيف كان ف‍ (لا بأس بعتق المستضعف) لأن الحلبي في الصحيح (4)
" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرقبة تعتق من المستضعفين، قال: نعم " لكن قد
سمعت قول الصادق عليه السلام (5): " لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا " المحمول على
الكراهة التي هي أسهل من كراهة عتق المخالف.
(ومن أعتق من يعجز عن الاكتساب استحب إعانته) لما سمعت،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 63 - من كتاب العتق الحديث 1 عن أبي علي بن راشد
(2) الوسائل الباب - 15 - من كتاب العتق الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 14 - من كتاب العتق الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 1 - 3.
(5) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 1 - 3.
124

(ويلحق بهذا الفصل مسائل)
(الأولى:)
(لو نذر عتق أول مملوك يملكه) مثلا صح النذر وإن كان المنذور
مجهولا، لعموم أدلة النذر (1) وخصوص ما تسمعه من النصوص (2) في المقام
ثم إن اتفق ملك واحد بشراء أو إرث أو نحوهما أعتق من غير انتظار لملك آخر
بعده على الأظهر للصدق عرفا.
(ف‍) أما لو (ملك جماعة) دفعة ف‍ (قيل) والقائل الشيخ في
النهاية والصدوق وجماعة كما في المسالك بل في الرياض نسبته إلى الأكثر: (يعتق
أحدهم بالقرعة) لانتفاء الأولوية عن كل منهم، ولصحيح الحلبي (3) عن
الصادق عليه السلام " في رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث سبعة جميعا،
قال: يقرع بينهم، ويعتق الذي يخرج اسمه " ونحوه آخر (4).
(وقيل) والقائل: الإسكافي والشيخ أيضا في التهذيب والمصنف في النكت
والشهيد في الشرح على ما حكي (يتخير ويعتق) إلا أن يموت فالقرعة، لخبر
الصيقل (5) " سألت الصادق عليه السلام عن رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر
فأصاب ستة، قال: إنما كان نيته على واحد، فليتخير أيهم شاء فليعتقه " ولأنه

(1) سورة الحج: 22 - الآية 29 والوسائل الباب - 3 وغيره - من كتاب النذر
والعهد.
(2) الوسائل الباب - 57 - من كتاب العتق.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب كيفية الحكم الحديث 15 من كتاب القضاء.
(4) الوسائل الباب - 57 - من كتاب العتق الحديث 1 - 3
(5) الوسائل الباب - 57 - من كتاب العتق الحديث 1 - 3
125

بعد أن كان المقصود واحدا وعدم اختصاص أحدهم بوصف الأولية - بل هي لاحقة
لكل منهم، إذ الأول إما بمعنى غير المسبوق، أو بمعنى السابق غير المسبوق،
وكل منهما صادق على كل منهم - يتجه التخيير، كما في كل عنوان للأمر،
فلا إشكال ولا اشتباه كي يلزم بالقرعة، لكن لا بأس باختياره ما يخرج بها، بل لعل
ذلك أولى، وعليه يحمل خبر القرعة.
(وقيل) كما عن السرائر: (لا يعتق شيئا، لأنه لم بتحقق شرط النذر)
الذي هو وحدة المملوك، ولا أول للمملوكية دفعة إلا الجملة وعتقها غير مقصود،
والأصل البراءة. (و) لكنه كالاجتهاد في مقابلة النص، كما عرفت من أن
(الأول) بل والثاني (مروي) وإن اختلفت في الصحة وعدمها، على أنه
إنما يتم لو اعتبر في الأولية السبق على جميع المماليك، وهو ممنوع، ولعل الأقوى
منهما الأخير، وفي القواعد " يحتمل حرية الجميع لأن الأولية وجدت في الجميع،
كما لو قال: من سبق فله عشرة فسبق جماعة، فإن لكل منهم عشرة " ويؤيده خبر
عبد الله بن الهاشمي رفعه (1) قال: " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل نكح وليدة
رجل أعتق ربها أول ولد تلده، فولدت توأما فقال: أعتق كلاهما " وعن بعض
الكتب (2) إرسال نحو ذلك عن علي عليه السلام والصادقين عليهما السلام، وفيه ضعف، لعدم
العموم هناك للتنكير، بخلاف لفظة " من " فإنها تعم الواحد والكثير، والمرسل
لا حجة فيه فضلا عن أن يعارض ما عرفت، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 31 - من كتاب العتق الحديث 1 عن عبد الله بن الفضل
الهاشمي عن أبيه رفعه.
(2) المستدرك الباب - 27 - من كتاب العتق الحديث 1 نقلا عن دعائم الاسلام
عنهم عليهم السلام إلا أن فيها ج 2 ص 305 ذكر رواية عن علي وأبي جعفر وأبي عبد الله
عليهم السلام أنهم قالوا... ثم ذكر عقيب ذلك في ص 306 " وعنهم عليهم السلام " فالضمير
يرجع إلى علي والصادقين عليهم السلام.
126

المسألة (الثانية:)
(لو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين) دفعة (كانا) معا (معتقين)
بلا خلاف أجده لعموم لفظة " ما " وما روي عن بعض الكتب (1) عن الصادق عليه السلام
أنه قال: " من أعتق حملا لمملوكة له أو قال لها: ما ولدت أو أول ما تلدينه فهو حر
فذلك جائز وإن ولدت توأمين عتقا جميعا " نعم لو ترتبا في الولادة عتق الأول خاصة،
لأنه الأول حينئذ قطعا.
لكن في الرياض بعد الاستدلال بمرفوع الهاشمي المتقدم قال: " وإطلاقه بل
عمومه الناشئ من ترك الاستفصال يشمل صورتي ولادتهما معا ومتعاقبا، بل لعله
بمقتضى الغلبة ظاهر في الأخير جدا، ولذا أطلق الحكم في العبارة تبعا للنهاية والقاضي
وجماعة - إلى أن قال -: وذكر جماعة أنه مذهب الأكثر، وبه يمكن جبر الخبر،
مضافا إلى إمكان توفيقهما مع الأصل على تقدير ترجيح العرف على اللغة، إذ يصدق
على مجموع التوأمين أنهما أول ما ولدته ولو ولدتهما على التعاقب عرفا وإن لم يصدق
ذلك لغة ".
وفيه منع صدق العرف مع ملاحظتهما أنفسهما، ومع ملاحظة النسبة إلى غيرهما
يصدق على كل متعاقبين، وهو معلوم العدم، والخبر المزبور المعلوم بناء ما فيه على العرف
يجب تنزيله على الدفعة، كما أنه يجب حمله على إرادة التعدد من النكرة المذكورة فيه،
وإلا كان الواجب عتق واحد منهما فيما لو ولدتهما دفعة، كالمسألة الأولى فضلا عن
التعاقب، كما هو واضح.
وبذلك فرقوا بين المسألتين فإن متعلق الأولى مملوك، وهو نكرة في سياق
الاثبات، والثانية لفظ " ما " وهي للعموم، لكن في الرياض " فيه نظر للحوق الحكم
بالمضاف دون المضاف إليه، وهو نكرة على الاطلاق، مع أن النص في المسألة متضمن

(1) المستدرك الباب - 27 - من كتاب العتق الحديث 2.
127

للسؤال عن عتق أول ولد تلده، وهو بعينه كالمسألة الأولى ".
قلت: لا يخفى عليك ما فيه، نعم يجب إرادة الموصولة من لفظ " ما " لا
الموصوفة التي هي بمعنى أول مولود تلده وإلا كانت كالمسألة الأولى، ولعل الاطلاق
يحمل على الأول، كما هو مقتضى النص والفتوى أو على معلومية كون المراد من
الأول ما يشمل التعاقب المزبور.
ولو ولدت الأول ميتا احتمل بطلان العتق وانحلال النذر، لأن شرط النذر
وجد في الميت الذي هو ليس محلا للعتق، واحتمل الصحة في الحي الذي تلده بعد
ذلك، لأن الظاهر تعلق النذر بأول حي تلده، ولعل الأول أقوى.
ولو ولدته مستحقا للعتق كالمقعد لم يعتق الثاني أيضا في أقوى الوجهين، بل في
المسالك هو أولى من الأول بذلك، لصلاحيته للعتق هنا، غايته اجتماع سببين،
والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(لو كان له مماليك فأعتق بعضهم ثم قيل له: هل أعتقت مماليكك؟ فقال:
نعم انصرف الجواب إلى من باشر عتقهم خاصة) في نفس الأمر، فإن العتق لا يتحقق
إلا بصيغته وفي الظاهر لأنه إنما أقر بعتق عبيده، ويصدق على البعض أنهم عبيده،
فلا يؤخذ بعتق الكل، وإن ظهر السؤال فيه، إذ يسمع من المفسر التأويل فضلا عن
مثله، ولخبر زرعة (1) سألته " عن رجل قال لثلاثة من مماليك له: أنتم أحرار
وكان له أربعة، فقال رجل من الناس: أعتقت مماليكك؟ قال: نعم، يجب العتق
للأربعة حين أجملهم أو هو للثلاثة الذين أعتقوا؟ فقال: إنما يجب العتق لمن
أعتق ".

(1) الوسائل الباب - 58 - من كتاب العتق الحديث 1 عن زرعة عن سماعة قال:
" سألته.. "
128

نعم هل يشترط في عدم الأخذ بعتق الجميع الكثرة فيمن أعتقه؟ في القواعد
" الأقرب ذلك " ولعله لصدق " عبيدك " وإلا لم يكن له أن يقول إنما أقررت بعتق
الواحد أو الاثنين، فإنه تأويل لا يطابقه اللفظ، فلا يسمع، ولكن ظاهر المصنف
وغيره العدم، ولعله لجواز أن يقول: " إنما أردت إيقاع العتق في جملتهم " وهو
يصدق على واحد منهم.
قلت: قد يناقش في ذلك، أولا بأن البحث فيما يحمل لفظه عليه لا في خصوص
التداعي وادعاء التأويل، ولا ينبغي التأمل في حمله في الأخير على الجميع ظاهرا أخذا
بظاهر اللفظ، بل وفي الأول أيضا، لأن الجمع المضاف مفيد له، وخبر زرعة (1)
إنما يراد منه في نفس الأمر أو أنه لا يحصل العتق بقول: " نعم " المقتضي لإعادة
السؤال على الجميع وإن قصد ذلك، بل هو حاصل لمن أعتقهم بصيغة العتق لا أن
المراد منه - مع عدم العلم بالحال - بعتق الثلاثة خاصة المعلوم أنه أعتقهم
دون الرابع الذي هو محل شك صرفا لجوابه في خصوص المعلوم، إذ هو كما ترى
لا يوافق إرادة ما في نفس الأمر ولا ظاهر الاقرار، إذ الأول لا فرق فيه بين المتحد
والمتعدد، والثاني لا بد من حمله على الجميع، ومن هنا أنكر على العلامة الشرط
المزبور بعض من تأخر عنه.
لكن في شرح الفخر " أن الجمع المضاف وإن كان الحق أنه للعموم لكن
لا يحمل عليه هنا، لأنه إذا أعتق ثلاثة من مماليكه يصدق قوله: هؤلاء مماليكي
حقيقة، فإذا قيل له: أعتقت مماليكك فقال: نعم وهي تقتضي إعادة السؤال وتقريره،
فيكون إقرارا بعتق المماليك الذين انعتقوا، ولا يلزم بغيرهم، لأصالة البراءة،
ولأن الاقرار إنما يحمل على المحقق المتيقن، لا على ما فيه احتمال، وهل يشترط
في الاقتصار عليه كثرة بحيث يصدق عليه الجمع حقيقة أم لا؟ قولان، ومنشأ القولين
أن اللفظ إنما يحمل على الاقرار على أصل الحقيقة، ومن حيث أصل البراءة، ومن

(1) الوسائل الباب - 58 - من كتاب العتق الحديث 1 عن زرعة عن سماعة قال:
" سألته.. ".
129

جواز التجوز به أو يتفرع على ذلك الاكتفاء بالواحد وعدمه، فعلى عدم الاشتراط
يكتفي بالواحد، وعلى عدمه لا يكتفي بالواحد، ويلزم بعتق ما يصدق على الجمع
حقيقة، ويكون في الباقي كالمشتبه " وقد حكاه عنه على طوله في المسالك وأطنب في
رده حتى ذكر خمسة أوجه في مناقشته.
ولكن الحق عدم ورودها جميعها أو جملة منها، ضرورة كون مراده بل
ومراد الأصحاب بل وما في الرواية أنه لا يحكم عليه بالاقرار بعتق الجميع مع الظن
أو الشك بإرادة الاقرار بمن وقع عتقه منهم، ولأنه بمنزلة العهد الذي يحمل اللفظ
فيه على المعهود، ولا ينافي ذلك كون الجمع المضاف للعموم المعلوم إرادة كون عمومه
على حسبه في نحو " هؤلاء مماليكي ".
وبالجملة الغرض حيث إنه لا يحصل ظن بالمراد من اللفظ وأن مراد لافظه
التوصل إلى مقصوده بما يؤديه نفس اللفظ لا يحكم عليه بمعنى اللفظ، ويرجع حينئذ
إلى المتيقن، لأن الأصل براءة الذمة، وعلى ذلك مبني هذه المسألة، فلا وجه
لاطناب ثاني الشهيدين فيها، إذ لا كلام في حمل الجمع المضاف على العموم، ومما
يؤيد ما ذكرناه فرضهم المسألة فيمن وقع منه عتق بعض مماليكه وغير ذلك مما
يصرف اللفظ عن إرادة الاقرار بما يؤديه نفس لفظه مع عدم القرينة.
وما أشبه ما نحن فيه بما رواه الوليد بن هشام (1) قال: " قدمت من مصر
ومعي رقيق، فمررت بالعاشر، فسألني، فقلت: هم أحرار كلهم، فقدمت المدينة
فدخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخبرته بقولي للعاشر، فقال: ليس عليك شئ "
سواء كان المراد عدم حصول التحرير بهذا اللفظ أو عدم الحكم عليه بظاهر إقراره،
وكان المسألة من الواضحات وإن كثر كلام ثاني الشهيدين فيها في المسالك،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 60 - من كتاب العتق الحديث 1.
130

المسألة (الرابعة:)
(لو نذر عتق أمته إن وطأها صح) لما عرفت من عموم أدلة النذر وقابليته
للتعليق، وأنه ليس من العتق المعلق وحينئذ (ف‍) تعتق أو تنعتق بتحقق مسمى
الوطء نعم (إن أخرجها عن ملكه انحلت اليمين فلو أعادها بملك مستأنف لم يعد
اليمين) الذي كان ظاهره التعليق على الوطء بالملك الأول، نحو ما سمعته في الايلاء،
نعم لو قصد الأعم من العائد والموجود فلا إشكال في عدم الانحلال، كما لا إشكال
فيه مع قصده الوطء بالملك الموجود.
إنما الكلام مع الاطلاق، وقد عرفت أن الظاهر منه ما ذكرناه، ويدل عليه
مضافا إلى ذلك، صحيح محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن الرجل
تكون له الأمة فقال: يوم يأتيها فهي حرة، ثم يبيعها من رجل ثم يشتريها بعد
ذلك، قال: لا بأس بأن يأتيها، قد خرجت عن ملكه " المحمول على النذر وشبهه،
لما عرفت من عدم جواز التعليق في العتق، وفي الروضة " ويشهد له تعليله بأنها قد
خرجت عن ملكه، ولو لم يكن منذورا لم يتوقف ذلك على الخروج، كما لا يخفى "
وإن كان فيه ما فيه. وعلى كل حال فقد فهم الأصحاب منها ذلك
وعملوا به، بل في المسالك ما وقف على راد لها إلا ما يظهر من ابن
إدريس.
نعم في الروضة وكذا المسالك في تعدية الحكم إلى غير الوطء من الأفعال
وإلى غير الأمة وجهان: من كونه قياسا والفرض مخالفة الحكم للأصل من حيث
إن خروجها عن ملكه لا مدخل له في انحلال النذر، لأن غايته أن تصير أجنبية منه
والنذر يصح تعليقه بالأجنبية كنذر عتقها إن ملكها، وهي في ملك غيره ابتداء

(1) الوسائل الباب - 59 - من كتاب العتق الحديث 1.
131

كما تقدم في نظائره - وفيه ما عرفت من ظهور النذر في الوطء بذلك الملك - ومن
إيماء النص إلى العلة بقوله عليه السلام " قد خرجت عن ملكه " وذلك يوجب التعدي إلى
ما توجد فيه العلة المنصوصة ". وفي الروضة " وهو المتجه ".
وفيه أن المبني إذا كان ما ذكرنا من الظهور ينبغي أن يكون المدار عليه،
لا نفس الخروج عن الملك مطلقا، ضرورة إمكان الفرق بين الوطء وغيره من الأفعال
في الظهور المزبور، بل ينبغي القطع بايماء التعليل إلى ذلك، لا أن الحكم
تعبدي.
ثم قال فيهما أيضا: " إن ظاهر الصحيح المزبور جواز التصرف في المنذور
المعلق على شرط لم يوجد، وهي مسألة إشكالية " ثم حكى في الروضة عن الفاضل
في التحرير " اختيار عتق العبد لو نذر إن فعل كذا فهو حر فباعه قبل الفعل ثم اشتراه
ثم فعل، وعن ولده أنه استقرب جواز التصرف في المنذور المعلق على شرط قبل
حصوله، وهذا الخبر حجة عليهما ".
قلت: قد عرفت ما يمكن الجواب به عن الأول منهما، وأما مسألة التصرف
في المنذور المعلق على شرط فقد يقال: إن محلها ما لو كان المعلق عليه متوقعا
كمعافاة المريض ونحوه، وأما مع فرض القطع بعدمه فلا إشكال في الجواز، والفرض
في المسألة أنه بالخروج عن الملك يمتنع المعلق عليه بناء على أن المراد الوطء
بذلك الملك فتأمل جيدا، والله العالم.
132

المسألة (الخامسة:)
(لو نذر عتق كل عبد قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستة أشهر
فصاعدا) إذا لم يكن هناك عرف يقتضي خلافه أو قصد كذلك، بل نذر وقصد
مصداق ذلك في نفس الأمر الذي لا يمكن معرفة أول مصاديقه لأحد إلا علام الغيوب
أو من أودعه علم ذلك، فإنه حينئذ أعرف أهل العرف، ضرورة أن العرف العام
إنما يعرف الأفراد المعلومة منه، كما أنه يعرف الأفراد المعلوم أنها ليست منه،
أما أول المصاديق فلا طريق له إلى معرفته، فيكون المقام حينئذ كبيانه عليه السلام تحديد
الوجه على التحقيق والركوع والمسافة ونحو ذلك، ومع فرض عدم تجدد عرف
آخر يكون هو الميزان.
وهذا هو المراد من مرسل النهدي (1) قال: " دخل أبو سعيد المكاري على
أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال له: أبلغ من قدرك أن تدعي ما ادعى أبوك؟ فقال له:
مالك أطفأ الله نورك، وأدخل الفقر بيتك، أما علمت أن الله أوحى إلى عمران أني
واهب لك ذكرا فوهب له مريم فوهب لمريم عيسى، فعيسى من مريم، ومريم من
عيسى، ومريم وعيسى شئ واحد، وأنا من أبي وأبي مني، وأنا وأبي شئ واحد،
فقال له أبو سعيد: فأسألك عن مسألة فقال: لا أخا لك، بعيد أن تقبل مني ولست
من غنمي ولكن هاتها، فقال: رجل قال عند موته: كل مملوك لي قديم فهو حر
لوجه الله، قال: نعم إن الله عز ذكره قال: حتى عاد كالعرجون القديم (2) فما
كان من مماليكه أتى عليه ستة أشهر فهو قديم، فهو حر " وعن تفسير

(1) ذكر ذيله في الوسائل الباب - 30 - من كتاب العتق الحديث 1 وتمامه في
الكافي ج 6 ص 195 وفيهما قال " دخل ابن أبي سعيد المكاري... ".
(2) سورة يس: 36 - الآية 39.
133

علي بن إبراهيم أنه رواه عن أبيه عن داود بن سعيد (1) " سألته " وحينئذ
يكون حسنا.
وعن إرشاد المفيد (2) " قضى علي عليه السلام في رجل أوصى فقال: أعتقوا عني كل
عبد قديم في ملكي، فلما مات لم يعرف الوصي ما يصنع، فسأله عن ذلك، فقال: يعتق
كل عبد له في ملكه ستة أشهر، وتلا الآية " وكان الشيخ فهم من المملوك العبد
فعبر به، ولعله كذلك لا أن المراد منه تعبد محض، وإلا لم يكن وجه للاستدلال
بالآية على المكاري الذي هو ليس من غنمه، ويريد البرهان منه على ما ادعاه، وحينئذ
يكون المسألة على الضوابط، ويتعدى من المقام إلى غيره، لكن على الوجه الذي
ذكرناه، ولعل قول المصنف وغيره: " انصرف " إلى آخره لا يخلو من إشعار.
لكن في المسالك " هو شامل للذكور والأنثى. ولكن الشيخ عبر بلفظ
العبد، وتبعه المصنف والجماعة، وتمادي الأمر إلى أن توقف العلامة في تعدي
الحكم إلى الأمة من حيث إن هذا الحكم على خلاف الأصل، ولا دليل عليه من
جهة العرف ولا اللغة، وإنما مستنده الشرع، مع أن الرواية ضعيفة السند مرسلة،
واعتذر فخر الدين عنه بأن المسألة إجماعية وأن الاجماع لم يقع إلا على العبد،
فلذلك استشكل والده في حكم الأمة، والاجماع على وجه يكون حجة ممنوع،
بل كثير من العلماء - كابن الجنيد وسلار والصدوق - لم يتعرضوا لها، وإن الأصل
فيها الشيخ، وطريقته في النهاية الاستناد إلى الروايات من غير مراعاة طريقها،
كما هو المعلوم من عادته، ولكن اتباع ابن إدريس له حملهم على شبهة
الاجماع، حيث إنه لا يعتمد على أخبار الآحاد مطلقا، فعمله بمضمونها يدل على
فهمه أنه إجماع ".
وهو من غرائب الكلام، بل لا يخلو من سوء ظن أو سوء أدب مع من عرفت،

(1) أشار إليه في الوسائل في الباب - 30 من كتاب العتق الحديث 1 عن داود بن
محمد النهدي قال. " دخل أبو سعيد... ".
(2) الوسائل الباب - 30 - من كتاب العتق الحديث 2.
134

وكيف كان فقد عرفت الوجه في المسألة.
بل منه يعلم الوجه في التعدية إلى نذر الصدقة والاقرار ونحوهما مما يكون
فيه الموضوع القديم، لكن على الوجه الذي ذكرنا، وليس مبناه دعوى
الحقيقة الشرعية التي يمكن القطع بفسادها، كما ظنه بعضهم وذكره وجها
للتعدي.
وفي مقابله العدم، لمعارضته اللغة والعرف، ومنع الحقيقة الشرعية، وضعف
سند الخبر المزبور بالارسال وغيره، وقصر الاجماع المدعى على مورده، وفيه أنه
لا وجه للعمل به في مورده مع فرض كون المتكلم من أهل العرف المفروض أن القديم
فيه خلاف ذلك، وأنه أراد ما في عرفه، بل يمكن القطع بعدم التعبد بذلك، بل ظاهر
استدلال الإمام عليه السلام خلافه، فتأمل جيدا.
ولو قصر الجميع عن ستة أشهر ففي المسالك " في عتق أولهم تملكا اتحد أم
تعدد أو بطلان النذر وجهان " وفيه أنه لا وجه في الصحة بعد فرض كون أقصى
مصداق القديم الستة، ثم قال: " وعلى الصحة لو اتفق ملك الجميع دفعة ففي انعتاق
الجميع أو البطلان لعدم الوصف الوجهان " قلت: قد عرفت أن المدار على صدق
الاتصاف بالقديم الذي هو من مضى له زمان من غير فرق بين المتحد والمتعدد،
إلا أن المرجع في أول مصداقه إلى من عرفت، لا أن المراد منه المتقدم على غيره،
والله العالم.
135

المسألة (السادسة:)
(من أعتق وله مال فماله لمولاه) لما عرفته في كتاب البيع (1) أنه لا يملك
شيئا، والعتق إنما هو فك رقبته من دون تمليك شئ له بعده، وحينئذ فنسبة
المالية له لأدنى ملابسة، بمعنى أن ما في يده ومختص به، كثيابه ونحوها مما كان
قد أباح المالك له التصرف فيه تصرف المالك بملكه.
(وقيل) والقائل جماعة من القدماء بل في الدروس نسبته إلى كافتهم،
وفي نهاية المرام نسبته إلى الأكثر: (إن لم يعلم به المولى فهو له وإن علم به فهو
للمعتق إلا أن يستثنيه المولى) لصحيح زرارة (2) عن الباقر عليه السلام في طريق،
وعنه وعن الصادق عليهما السلام في طريق آخر (3) وعن أحدهما عليهما السلام في طريق ثالث (4)
" سألته عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال لمن المال؟ فقال: إن كان يعلم أن له
مالا تبعه ماله، وإلا فهو للمعتق " وموثقه الآخر (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا
كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه وهو يعلم أن له مالا ولم يكن السيد استثنى المال
حين أعتقه فهو للعبد " ونحوه الموثق الآخر (6) وفي خبر البصري (7) " سألته
عن رجل أعتق عبدا له وللعبد مال وهو يعلم أن له مالا فتوفي الذي أعتق العبد،

(1) راجع ج 24 ص 171 - 186.
(2) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث 4 - 2
(3) الفقيه ج 3 ص 69 الرقم 236.
(4) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث 4 - 2
(5) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث 1 عن أبي جعفر عليه السلام إلا
أن الموجود في الكافي ج 6 ص 190 عن أبي عبد الله عليه السلام.
(6) الاستبصار ج 4 ص 10 الرقم 31 والفقيه ج 3 ص 69 الرقم 237.
(7) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث 6.
136

لمن يكون المال؟ يكون للذي أعتق العبد أو للعبد؟ قال: إذ أعتقه وهو يعلم أن
له مالا فماله له، وإن لم يعلم فماله لولد سيده ".
وفي المسالك بناء هذه المسألة على مالكية العبد، ثم حكى عن المختلف
التوقف في الحكم هنا مع قوله بعدم ملكية العبد للنصوص (1) المزبورة وناقشه
أولا، ومال إلى القول به أخيرا.
قلت: وقد حكاه في كشف اللثام عن الصدوق والشيخ وجماعة ممن منع
ملكية العبد، بل عن المصنف أن المنع عن الملك مع بقاء الرقية لا يستلزم المنع
في حال الحرية، فإذا ملك التصرف فيه ثم أعتقه أمكن أن يملك في تلك الحال،
لأنه صار له أهلية الملك، فاستقر له الملك بالتمليك الأول وإن كان هو
كما ترى.
على أن التفصيل المزبور لا يوافق قواعد الملك ولا قواعد عدمه، ضرورة أن
مقتضى الأول كون المال للعبد على كل حال، كما أن مقتضى الثاني كونه للسيد،
نعم قد يقال: إن عدم استثنائه مع العلم به قرينة على بقاء إباحته له، فإذا نوى به
التملك بعد الحرية أمكن القول بكونه ملكا له، نحو تملك المال المعرض عنه أو
المباح للتملك كنثار العرس ونحوه.
وعلى كل حال فلا وجه للاستدلال بهذه النصوص على الملكية بسبب الإضافة
التي يكفي فيها أدنى ملابسة، وما أشبه هذه النصوص بالنصوص (2) الدالة على
أن مال العبد إذا علم به السيد ولم يستثنه عند بيعه العبد للمشتري، وإلا كان للبائع
المحمولة على ما يقرب مما ذكرناه تنزيلا للنصوص المزبورة الذي مرجعه إلى
حصول القرائن من السيد على الاعراض عن ماله أو إباحته له أو نحو ذلك، ومع
فرض عدمها ولو لعدم العلم بالمال يبقى على ملكية السيد، للأصل وغيره، كما

(1) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة.
137

هو واضح. وأما احتمال التعبد بما في هذه النصوص المزبورة وإن لم يوافق القوانين
الشرعية ففي غاية البعد، والله العالم.
(و) بذلك بان لك أن (الأول) مع كونه (أشهر) أشبه بأصول
المذهب وقواعده، ولا يعتبر في تملك المال على تقدير استثنائه تقديمه على صيغة
الحرية، للأصل ولأنه على كل حال جزء من الصيغة أو بحكمه تقدم أو تأخر،
فإن العبرة بالقصد المفروض كونه مقيدا، فلا تؤثر الصيغة لو فرض تقدمها في اللفظ
عليه قبل ذكره.
خلافا للمحكي عن الشيخ وغيره، لخبر أبي جرير (1) المتقدم الذي قد
عرفت عدم القائل به، بل معارض باطلاق الأدلة وخصوصها، كما تقدم الكلام فيه
سابقا في اشتراط المال على العبد، فما في الإيضاح - من أن الأقرب قول الشيخ،
لحصول التحرير بصيغته، فيقع الزائد بعد السبب الموجب للتحرير، ولهذه
الدقيقة شرط المصنف في الشروط في العقود أن تكون بين الايجاب والقبول -
واضح الضعف خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرنا سابقا، فلاحظ وتأمل،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 24 - من كتاب العتق الحديث 5 والذي تقدم ذكره كان
بعنوان صحيح حريز، راجع التعليقة (6) من ص 116.
138

المسألة (السابعة:)
(إذا أعتق) أو أوصى بعتق (ثلث عبيده) مثلا (وهم ستة) والقيمة
متحدة (استخرج الثلث بالقرعة) بلا خلاف، بل عن صريح بعض وظاهر آخر
الاجماع عليه، بل ولا إشكال، قال الصادق عليه السلام في خبر محمد بن مروان (1): " إن
أبا جعفر عليه السلام مات وترك ستين غلاما وأعتق ثلثهم فأقرعت بينهم وأخرجت عشرين
فأعتقتهم " ونحوه غيره (2) وفي صحيح ابن مسلم (3) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن
الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم، قال: كان علي عليه السلام يسهم بينهم "
إلى غير ذلك من النصوص، مؤيدا ذلك بأن المقام من القسمة التي قد عرفت استعمال
القرعة فيها، وليس هو من قبيل الوصية بكلي يرجع في تعيينه إلى الوارث، لكن
في الدروس عن المصنف في الفرض " يعينه الوارث، والقرعة على الندب
والروايات حكاية حال " وهو كما ترى، بل صحيح ابن مسلم ليس من
حكاية الحال.
ثم إن ظاهر النص والفتوى في المقام وغيره عدم كون القرعة من خواص
الإمام عليه السلام لكن في خبر يونس (4) قال: " في رجل كان له عدة من مماليك فقال:
أيكم علمني آية من كتاب الله فهو حر، فعلمه واحد منهم ثم مات المولى ولم
يدر أيهم علمه الآية هل يستخرج بالقرعة؟ قال: نعم، ولا يجوز أن يستخرجه أحد
إلا الإمام، فإن له كلاما وقت القرعة يقوله ودعاء لا يعلمه سواه ولا يقتدر عليه
غيره " وإن لم أر عاملا به، ويمكن حمله على إرادة أن استخراج المشتبه بها على

(1) الوسائل الباب - 65 - من كتاب العتق الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 75 - من كتاب الوصايا الحديث 1 والباب - 13 - من أبواب
كيفية الحكم الحديث 10 من كتاب القضاء.
(3) الوسائل الباب - 65 - من كتاب العتق الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 34 - من كتاب العتق.
139

وجه يوافق الواقع مختص بالإمام أو على غير ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (صورتها) وكيفيتها يكون بطرق، ولكن المحكي
عن النبي صلى الله عليه وآله (1) ما ذكره المصنف وهو (أن يكتب في ثلاث رقاع اسم اثنين في
كل رقعة) من غير تعرض فيها للحرية والرقية أو معه، (ثم) يستر و (يخرج
على الحرية أو الرقية، فإن خرج على الحرية كفت الواحدة وإن خرج على
الرقية) استرق ما فيها و (افتقر إلى إخراج اثنين) آخرين، فإن خرج على
الرقية أيضا أعتق الباقي وإلا استرق.
وإن كتب في الرقاع الحرية والرقية من غير أن يكتب أسماء العبيد فليكتب
في رقعة حرية وفي رقعتين رقية على نسبة المطلوب في القلة والكثرة، ثم يخرج باسم
أحد الأجزاء الثلاثة الذين رتبوا سابقا على الكيفية السابقة.
ويجوز أن يكتب في الفرض ستة رقاع إما بأسماء الستة، كل واحد منهم في
رقعة ثم يخرج على الحرية أو الرقية كما مر إلى أن يستوفى المطلوب، أو يكتب
في اثنين حرية وفي أربع رقية ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يستوفيه، وهذا
الطريق وإن كان أعدل كما قيل، لأن جمع اثنين على حكم واحد يمنع من
افتراقهما في الرقية والحرية، ومن الممكن خروج أحدهما حرا والآخر رقا، بل
في قواعد الفاضل الأقرب استعماله في جميع الفروض وإن كان هو كالاجتهاد في مقابلة
النص المعمول به.
لكن المشهور بين الفقهاء هو الأول لما روي (2) " من أن أنصاريا أعتق
ستة لا مال له سواهم، فجزأهم النبي صلى الله عليه وآله ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين " نعم هو متجه
في بعض الفروض الخارج عن مفروض النص مع عدم إمكان التعديل فيه، أما غيره
فالأقوى جواز الجميع فيه.
وكيف كان (فإذا تساووا عددا وقيمة) وأمكن تجزئتهم ثلاثا كما في الستة

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 285.
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 285.
140

مثلا (أو اختلفت القيمة مع إمكان التعديل أثلاثا) كالستة إذا كانت قيمة ثلاثة
منهم ستمائة كل واحد مأتان، وثلاثة ثلاث مائة (فلا بحث). أما في
الأول فظاهر، وكذا الثاني الذي يضم فيه كل خسيس إلى نفيس،
ويجعلان ثلثا.
(ولو اختلفت القيمة ولم يمكن التعديل) عددا على حسب اختلافها كما
لو كان قيمة واحد من الستة مأتين وقيمة اثنين مأتين وقيمة ثلاثة مأتين عدل بها
و (أخرج ثلثهم قيمة) ولو الواحد (وطرح اعتبار العدد) وفاقا للأكثر كما
في الرياض، بل عن ظاهر المبسوط الاجماع عليه.
(و) لكن مع ذلك (فيه تردد) من كون القسمة في غير المقام كذلك،
ومن خبر الأنصاري (1) المستبعد فيه تساوي القيمة، بل عن بعض العامة الجزم
باعتبار العدد في التعديل وإن وافقنا على أنه لا يعتق إلا الثلث قيمة، ولا ريب في أن
الأقوى الأول، ضرورة كون المقام كغيره، وخبر الأنصاري على ضعفه
محمول على إمكان التعديل فيه عددا وإن اختلفت القيمة، وكذا نصوص
الستين (2).
ولو أمكن التعديل عددا خاصة، كستة قيمة اثنين منها مأة، واثنين مأة
وخمسون، واثنين ثلاث مأة قسموا ثلاثة بالعدد، فإن أخرج على الحرية فخرج
اثنان يساويان الثلث قيمة فلا كلام، وإن خرجا ناقصين عتقا وأكمل الثلث من
الباقين بالقرعة، وإن خرجا زائدين أعيدت القرعة بينهما، وعتق من يخرج على
الحرية، ومن الآخر تتمة الثلث، وقيل: الأولى استعمال القرعة وإخراج واحد
واحد حتى يستوفى الثلث.

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 285.
(2) الوسائل الباب - 65 - من كتاب العتق الحديث 2 والباب - 13 - من
أبواب كيفية الحكم الحديث 10 من أبواب القضاء والباب - 75 - من كتاب الوصايا
الحديث 2.
141

(و) كذا (إن تعذر التعديل عددا وقيمة) كخمسة قيمة واحد مأة
واثنين مائة واثنين ثلاث مائة (أخرجنا على الحرية حتى يستوفي الثلث قيمة.
ولو قصرت قيمة المخرج أكملنا الثلث ولو بجزء من آخر) مراعاة للقواعد فيه
بعد خروجه عن مفروض النصوص، ويستسعى حينئذ ناقص الحرية فيما بقي منها،
كما صرح به غير واحد، وإن كان قد يشكل بخروج المسألة عن دليل السراية
والاستسعاء، وإلا لم يكن للقرعة وجه، اللهم إلا أن يقال بالاقتصار في ذلك على
خصوص الموصى به كالثلث مثلا لا الجزء منه، فتأمل جيدا.
وربما احتمل تجزئهم أثلاثا أيضا، فيجعل واحد ثلثا والأربعة الباقية كل
اثنين ثلث، ثم يقرع ويتحرر بها ما قابل الثلث ولو جزء من واحد، ليكون
قريبا إلى المروي عن النبي صلى الله عليه وآله في قضية الأنصاري (1) التي موضوعها غير
المفروض. ومن هنا كان الأصح الأول حتى لو كانت قيمة الخمسة متساوية،
فيكتب خمس رقاع بأسمائهم ويخرج على الحرية أو الرقية إلى أن يستوفي
الثلث.
هذا وقد أطنب الكركي في حاشية الكتاب في ذكر الصور الممكنة، وأنهاها
إلى ستة وكيفية استخراجها أجمع من عبارة المصنف، ولكن لا طائل تحته بعد
الإحاطة بحكم الجميع مما ذكرناه.
ثم إن ظاهر النص والفتوى لزوم استخراج الحر من العبيد في مفروض
المسألة، ولا يجوز البقاء على الإشاعة، بل صرح به في الدروس، بل قال فيها: " لو
نص عليه أي الشيوع فوجهان: من بناء العتق على السراية، ووجوب العمل بقصده "
قلت: لعل الأقوى عدم لزوم اعتبار قصده في المقام مع فرض تضرر الوارث بذلك،
فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر عدم اختصاص الستة في التجزئة المذكورة، بل لو كانت العبيد

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 285.
142

تسعة مثلا جزئت ثلاثا أيضا على أن يكون كل ثلاثة منهم ثلثا، بل لا يبعد التعدية
إلى أربعة أجزاء في الثمانية لو أوصى بربعها مثلا، وخمسة أجزاء في العشرة لو
أوصى بخمسها، لكن في الدروس " وفي تعدي التجزئة إلى أربعة أجزاء في الثمانية أو
خمسة أجزاء في العشرة وهكذا وعدمها فيقرع على الأفراد نظر، من قربه إلى
ما فعله النبي صلى الله عليه وآله (1) ومن عدم الاكتفاء به، إذ لا بد من إعادة القرعة، وكان
مراده الوصية بعتق ثلثهم مثلا وكانوا ثمانية، فيجزؤون أولا أربعة أجزاء،
ويستخرج منها جزء حر ثم يقرع جديدا لاكمال الثلث من باقي الأجزاء " إلا
أنه كما ترى بعيد.
ولعل المتجه أيضا تجزئتهم أثلاثا إذا أمكن التعديل بالقيمة، وإلا أقرع
على واحد واحد، نحو ما سمعته في الخمسة، ومجرد قابلية التجزئ لا يقتضي ما ذكره
كما هو واضح، ويأتي الاحتمال السابق في تجزئتهم أثلاثا في العدد للقرب
مما فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن لاحظ الثلث أيضا زيادة ونقصا على حسب
ما عرفته.
ثم إن الظاهر عدم اعتبار كون القرعة بالرقاع على الوجه المذكور في
كلامهم وإن كان هو أولى، إلا أن المحكي من فعل النبي صلى الله عليه وآله أنه أقرع تارة
بالبعر وأخرى بالنوي يومئ إلى التوسع في أمرها، خصوصا بعد ملاحظة السيرة
بين المتشرعة المظنون أن ما في أيديهم مأخوذ يدا بيد إلى أهل الوحي،
مؤيدا ذلك بأنه لا فرق بعد التفويض إلى الله تعالى شأنه بين الكيفيات،
والله العالم.

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 285.
143

المسألة (الثامنة)
(من اشترى أمة نسيئة ولم ينقد ثمنها فأعتقها وتزوجها و) جعل
عتقها مهرها ف‍ (مات ولم يخلف سواها بطل عتقه ونكاحه، وردت على البائع رقا،
ولو حملت كان ولدها رقا، وهي رواية هشام بن سالم) (1) بل وأبي بصير (2)
في الصحيح، وفي الدروس عمل بها كثير.
(وقيل) والقائل ابن إدريس وغيره من المتأخرين: (لا يبطل العتق ولا
يرق الولد و) لا ريب في أنه (هو أشبه) بأصول المذهب وقواعده، فهو أرجح،
ولذا حمل الصحيح المزبور على وجوه لا بأس بها وإن بعدت، وقد تقدم تفصيل
الكلام في كتاب النكاح وعلى تقدير العمل بالخبر المزبور ينبغي الجمود على ما أفاده،
لكن في الدروس تعدى وفرع عليه فروعا متعددة، ولعله لما فيه من التعليل الذي
لم يظهر وجهه لنا، فلاحظ وتأمل. والله العالم.
المسألة (التاسعة)
(إذا أوصى بعتق عبد فخرج من الثلث لزم الوارث إعتاقه) لأنه القائم
مقام الميت مع عدم الوصي (فإن امتنع أعتقه الحاكم) الذي هو ولي كل ممتنع،
بل قد يقال: إن له ولاية العتق من أول الأمر دون الوارث، كما في غيره من الوصايا
التي لم ينص الموصي على وصي خاص في تنفيذها، وليس حال الوارث إلا كحال

(1) الوسائل الباب - 25 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 71 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 من
كتاب النكاح.
144

غيره من الأجانب، بل لعله الأقوى.
(و) على كل حال ف‍ (يحكم بحريته حين الاعتاق) الذي هو سبب
الحرية وإن طالت مدة ما بينه وبين الموت (لا حين الوفاة) الذي به استقرت الوصية
لا الحرية.
(و) أما (ما اكتسبه قبل الاعتاق وبعد الوفاة) فعن الشيخ في المبسوط
والنهاية (يكون له، لاستقرار سبب العتق) الذي هو الوصية به (بالوفاة)
لأن السبب المقتضي لانتقال مال الموصي عن ملك الوارث مستند إلى الوصية والموت،
فكل منهما جزء سبب، وبالموت يتم السبب، فيكون العبد الموصى بعتقه بعد الموت
بمنزلة الحر وإن توقفت حريته على الاعتاق. فيتبعه الكسب، لكن لا يملكه إلا بعد
العتق، لأنه قبله رقيق لا يملك وإن كان هو الأحق به.
وقد يشكل بمنع استقرار السبب بالموت، بل هو مركب من ثلاثة أشياء:
الوصية والموت وإيقاع صيغة العتق، كما يتوقف ملك الوصية - لو كانت بمعنى
التمليك - على قبوله مضافا إلى الوصية، وموت الموصي قبل القبول لا يملك وإن
حصل الأمران الآخران، ولو كان سبب العتق قد تم واستقر لزم أن يثبت معلوله
وهو العتق ولم يقل به، بل قال بتوقفه على الاعتاق، ومتى لم يكن تاما لم يثبت معلوله،
والملك متوقف عليه، ولما امتنع خلو الملك من مالك ولم يكن العبد مالكا لنفسه
قبل العتق فهو للوارث.
(و) من هنا قال المصنف وتبعه بعض من تأخر عنه: (لو قيل يكون
للوارث لتحقق الرق عند الاكتساب كان حسنا) لكن أشكله في المسالك تبعا
للدروس زيادة على ما فيه - من أن المراد بالسبب في كلام المستدل غير ما ذكره -
بأن الله تعالى جعل الإرث بعد الوصية النافذة، والفرض هنا كذلك، وذلك يمنع
من ملك الوارث، غايته أن يكون الملك مراعى بالاعتاق، فكيف لا يتبعه الكسب،
ويكشف عن سبق ملكه كما يكشف قبول الموصى له عن ملك الوصية من حين الموت،
145

وفي حكمه ما لو أوصى بعين توقف في بعض الجهات، أما الموصى به على وجه لا يتوقف
على صيغة كقوله: " أخرجوا عني العين الفلانية في حجة " ونحوها فنماؤها بعد
الموت وقبل الاخراج في الجهة تابع لها قطعا، لتعينها لتلك الجهة وخروجها عن
ملك الوارث بالموت.
وفيه (أولا) أن الآية (1) لا تنافي ملكية الوارث كما في المقابل من
التركة للدين، كما أوضحنا ذلك في محله، و (ثانيا) أن الشيخ (ره) قد اعترف
بأنه لا يملك إلا بعد عتقه، ولكن يكون قبله أحق به، والكشف هنا لا وجه له بعد
أن لم يكن العتق كاشفا عن حريته حين الموت، وضرورة اقتضائه تملك العبد المفروض
عدمه، بل لعل المتجه كون الكسب للوارث وإن قلنا ببقاء عين العبد قبل العتق
على حكم مال الميت، لأن مقتضاه كون الكسب على حكم ماله، والفرض عدم
وصيته به، فيكون للوارث كما قيل نحو ذلك في نماء المال بعد الوفاة بالنسبة إلى
الدين، فيحكم بكونه للوارث وإن قلنا ببقاء ما قابل الدين من التركة على حكم
مال الميت، لأنه إنما يتعلق بما كان تركة للميت لا ما يتجدد وإن كان
لا يخلو من بحث.
لكن على كل حال ما نحن فيه للوارث سواء قلنا بخروج العين الموصى بها
عن ملك الوارث أو ببقائها على ملكه حتى تنفذ الوصية، أما على الثاني فظاهر،
وأما على الأول الذي مقتضاه بقائها على حكم مال الميت فكذلك، ضرورة
كون الباقي على حكمه نفس العين من حين العتق دون منافعه، كما هو واضح
بلا تأمل، فلا وجه حينئذ لبناء المسألة على الخروج عن ملك الوارث وعدمه،
فتأمل جيدا.
هذا وينبغي أن يعلم أنه فرق بين نماء العين كالشجرة ونحوها مما يتبع
أصله وبين تكسب العبد المحتاج إلى صيغ ونحوها مما يتوقف على إذن من المالك،
ومع عدمها يكون للمالك قيمة المنفعة المستوفاة من العبد، ويمكن أن يراد بالكسب

(1) سورة النساء: 4 - الآية 12.
146

ما يشمل ذلك، وأما حيازة المباحات والتقاط ما يحصل المالك بالتقاطه فيشكل
تملك السيد له بدون إذنه له، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك سابقا في بحث ملك
العبد، والله العالم.
المسألة (العاشرة:)
(إذا أعتق مملوكه عن غيره بإذنه وقع العتق عن الآمر) عند المشهور
خلافا لابن إدريس. (و) إنما الكلام في أنه (ينتقل إلى الآمر عند الأمر
بالعتق) أو بأول جزء من الصيغة ولو على جهة الكشف (ليتحقق العتق بالملك)
الذي قد عرفت أنه شرط الصحة، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (1): " لا عتق إلا في ملك " أو
بتمامها يحصل الأمران وإن اختلفت كيفية تسبيبها لهما، وجوه بل أقوال قد تقدم
الكلام فيها مفصلا في الكفارات
ومنه يعلم أن المراد من قول المصنف (وفي الانتقال تردد) في وقته لا أصله
لما قيل من أنه لا خلاف فيه، مضافا إلى دعوى دلالة صحيح عمر بن يزيد (2)
المتقدم عليه أيضا وإن كان فيه ما فيه، بل قد يمنع أصل القطع بالانتقال، ويقتصر
على وقوع العتق عن الأمر دون انتقاله إليه، على أن يكون المراد من " لا عتق
إلا في ملك " أنه لا يعتق غير المملوك كما سمعته عن بعض العامة، لا أن المملوك
لا يصح عتق مالكه عن غيره إلا بعد انتقاله إلى الغير، بل قد يدعى أن الصحيح

(1) الوسائل الباب - 5 - من كتاب العتق الحديث 2 وفيه " لا عتق إلا بعد
ملك ".
(2) لم يتقدم لعمر بن يزيد رواية تدل على ذلك، والذي يمكن الاستدلال به
هو صحيح بريد العجلي المروي في الوسائل الباب - 40 - من كتاب العتق الحديث 2
المتقدم في كتاب الكفارات ج 33 ص 222.
147

المزبور على خلاف ذلك أدل، وحينئذ يكون التردد في أصل الانتقال في عبارة
المتن في محله، وقد تقدم تمام الكلام في الكفارات (1) فلاحظ وتأمل،
والله العالم.
المسألة (الحادية عشرة:)
(العتق في مرض الموت يمضي من الثلث) كغيره من المنجزات. (وقيل:
من الأصل، والأول مروي) عنهم عليهم السلام (2) بعدة طرق فيها
الصحيح وغيره، كما أوضحنا ذلك مفصلا فيما تقدم، فلاحظ وتأمل،
والله العالم.

(1) راجع ج 33 ص 222.
(2) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الوصايا الحديث 3 و 4 و 6 والباب - 39 -
والباب - 67 - منه.
148

(تفريعان:)
(الأول:)
(إذا أعتق ثلاث إماء في مرض الموت ولا مال له سواهن أخرجت واحدة
بالقرعة) إن كانت هي مقدار الثلث، وإلا فما قابله زاد أو نقص ولو جزء منها،
كما سمعته في المسألة السابقة التي هي عين هذه المسألة.
وعلى كل حال (فإن كان بها حمل تجدد بعد الاعتاق فهو حر إجماعا)
ضرورة تكونه من حرة، فيتبعها إلا أن يكون أبوه عبدا واشترط عليه الرقية
وقلنا بجوازه. (وإن كان سابقا على الاعتاق قيل) والقائل الشيخ وأبو علي:
(هو حر أيضا) لكونه تابعا لأمه (وفيه تردد) بل منع لعدم المقتضي لها
شرعا ولا عرفا، فيبقى على أصل الرقية، بل هو أولى من البيع في ذلك، كما هو
واضح، والله العالم.
(الثاني:)
" إذا أعتق ثلاثة) عبيد مثلا (في مرض الموت ولم يملك غيرهم ثم مات
أحدهم) قبل موت السيد أو بعده قبل قبض الوارث (أقرع بين الميت والحيين)
ولا ينزل الميت منزلة العدم وإن أبقينا للوارث مثل ما فات، لأن الميت إنما
مات بعد العتق فهو صالح للحرية والرقية.
(و) حينئذ ف‍ (لو خرج الحرية لمن مات حكم له بالحرية) وكانت
149

مؤونة تجهيزه على وارثه أو في بيت المال (وإن خرجت على أحد الحيين حكم على
الميت بكونه مات رقا) ومؤونة تجهيزه على سيده. (لكن لا يحتسب) على
الوارث (من التركة) بحيث يكون من ثلثيه، لعدم قبضه لها والمراد له المالية،
بخلاف الميت الذي احتسبناه عليه من ثلثه لو خرجت القرعة بحريته، لأن مراده
الثواب وقد حصل له.
(و) حينئذ ف‍ (يقرع بين الحيين ويحرر منهما ما يحتمله الثلث من
التركة الباقية) كما لو لم يكن له إلا العبدان وأعتقهما، فمع فرض تساويهما في
القيمة يعتق ثلثا من خرجت القرعة بحريته.
(و) مع اختلافها ف‍ (لو عجز أحدهما عن الثلث) لخسته وفرض
خروج القرعة بحريته (أكمل الثلث من الآخر ولو فضل منه) لنفاسته (كان
فاضله رقا) بلا خلاف أجده بين من تعرض لذلك من الفضل في قواعده وتحريره
والشهيد في دروسه وثاني الشهيدين في مسالكه وغيرهم، بل لعل إطلاق المصنف
وغيره عدم الاحتساب يقتضي ذلك حتى مع قبض الوارث، لعدم تسلطه على التصرف
وإن ثبتت يده الحسية، فيكون كما لو مات قبل قبضه، لكن في المسالك ومحكي
المبسوط الأصح احتسابه، لدخوله في أيديهم وفي ضمانهم وحينئذ فإذا خرجت
القرعة لأحد الحيين عتق كله.
قلت: قد يقال بعدم احتسابه مطلقا على أحد منهم، ضرورة اقتضاء عتقهم
أجمع عتق الثلث من كل واحد، فمع فرض موته يموت من الجميع، كما هو
مقتضى قاعدة الإشاعة، وليس الحر واحدا منهم غير معين وإنما هو ثلثه المشاع في
الثلاثة، وإن كان بالقرعة يتعين في واحد كما يتعين غيره من المشاع بها. وكون
مقصود الميت الثواب لا يقتضي الخروج عن قاعدة الإشاعة، خصوصا لو مات أحدهم
قبل موت السيد، فإنه بذلك يخرج عن كونه تركة يلحظ ثلثه فيها ويتعين الثلث
في الباقيين منه.
ومن الغريب اتفاقهم هنا على القرعة بين الميت والحيين مع ذكرهم وجوها
150

ثلاثة فيمن أعتق عبده منجزا ومات قبل موت السيد ولا مال له غيره: أحدها حريته
أجمع، لأنه لا فائدة للوارث في رقيته، وثانيها رقيته أجمع، لعدم مقابله للوارث
لو حكمنا بحريته، وثالثها حرية ثلثه خاصة، مع أن الأول والأخير جاريان
في المقام.
اللهم إلا أن يقال إن مبنى المسألة على أن المعتق أحد الثلاثة إذا فرض
أنه الثلث، لخبر الأنصاري (1) المشتمل على التجزءة أثلاثا، لا أن المعتق الثلث
من كل عبد وأن الموت قبل السيد لا يبطل حكم تنجيزه بالنسبة إلى الميت دون الوارث،
فلا بد حينئذ من القرعة، إذ لعله يكون هو الحر، فيحتسب على الميت الذي نجزه،
ويحسب تنجيزه عليه من ثلثه، بل إذا انكشف بالقرعة حريته تبين أنه قد عين
الميت الثلث به، فإذا مات احتسب عليه، كما لو عين ثلثه في عين فتلفت بآفة
سماوية قبل الموت، فإنه لا يكون له ثلث غيرها فكذا هنا، فإن تنجيزه له بمنزلة
تعيينه ثلثا، فتأمل جيدا فإن المقام محتاج إلى تأمل تام.
ولو كانت الصورة بحالها ومات اثنان فإن المتجه بناء على ما عرفت أنه
يقرع بينهم أيضا، فإن خرج سهم العتق على أحد الميتين عتق نصفه خاصة وحصل
للورثة مثلاه وهو العبد الحي، لعدم احتساب العبد الميت الآخر عنهم وإن خرج سهم
الرق عليه أقرع بين الميت الآخر وبين الحي، فإن خرج سهم الحرية على
الميت الآخر أعتقنا نصفه أيضا، وإن خرج سهم الرق عليه لم يحتسب على الورثة
وأعتقنا ثلث العبد الحي.
ولو كان موت الميت منهم بالقتل الموجب للقيمة دخل القتيل في القرعة
مطلقا، لأن قيمته تقوم مقامه على تقدير رقيته، فلا يفوت الوارث المال. ثم إن
خرج سهم العتق لأحد الحيين عتق كله وللورثة الآخر وقيمة القتيل، وإن خرج
القتيل بان أنه قتل حرا، وعلى قاتله الدية لورثته.
ولا يخفى عليك أن ذلك وغيره مبني على أن القرعة هنا بحكم القرعة التي

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 285.
151

هي لتعيين المشتبه، لا قرعة تمييز المشاع التي تقتضي التعيين حالها دون كشف
للسابق، بل قد يتوقف في اقتضاء الأولى الكشف أيضا فضلا عن الثانية، خصوصا
بالنسبة إلى التزام الغير بالدية أو القصاص.
ولعل هذه أو بعض ما سمعته سابقا الدقيقة التي أشار إليها في الدروس، فإنه
بعد أن ذكر الاقراع بين الميت والحي وذكر أن مؤونة تجهيزه على ورثة العبد أو
بيت المال لو خرجت القرعة بحريته قال: " وفيه دقيقة " فتأمل جيدا، هذا كله في
العتق بالمباشرة.
(وأما) العتق ب‍ (السراية ف‍) المشهور أن (من أعتق شقصا) أي
جزءا ولو يسيرا (من عبده) المملوك بأجمعه أو أمته (سرى العتق فيه كله)
وإن لم يملك سواه (إذا كان المعتق صحيحا جائز التصرف) والمعتق بالفتح
لا مانع من نفوذ العتق فيه، بل لعل ظاهر المتن وغيره عدم الخلاف فيه، بل في
الروضة ربما كان إجماعا، لخبر غياث بن إبراهيم (1) المنجبر بما سمعت عن
جعفر عن أبيه عليهما السلام " إن رجلا أعتق بعض غلامه فقال علي عليه السلام: هو حر ليس
لله شريك " وخبر طلحة بن زيد (2) عن جعفر عن أبيه عليه السلام " أن رجلا أعتق
بعض غلامه فقال: هو حر كله ليس لله شريك " مضافا إلى أولويتها من
السراية في ملك الغير التي ستسمع اتفاق النصوص (3) والفتاوى عليها في
الجملة
فما عن ابن طاووس - من الميل إلى عدم السراية للأصل المقطوع بما سمعت
وظاهر جملة من النصوص (4) المطرحة أو المؤولة وإن صح سند بعضها - في غاية
الضعف، وربما مال إليه بعض من تأخر عنه ممن لم يكن على الطريقة المستقيمة في
استنباط الأحكام، وفي وافي الكاشاني حمل الخبرين المزبورين على صيرورة العبد

(1) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق.
(4) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 3 و 4 و 8.
152

بجميعه حرا إذا سعى في البقية، قال: " ولعل له على مولاه ذلك شاء مولاه
أو أبى، ولذلك أطلق الحكم بالحرية " وهو غير المحكي عن ابن طاووس وإن كان
مثله في الشذوذ.
ولعل الذي ألجأهم إلى ذلك النصوص التي منها خبر حمزة بن حمران (1)
عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثم قذفها بالزنا فقال: أرى
أن عليه خمسين جلدة، ويستغفر الله تعالى - إلى أن قال -: قلت: فتغطي رأسها منه
حين أعتق نصفها، قال: نعم، وتصلي وهي مخمرة الرأس، ولا تتزوج حتى تؤدي
ما عليها أو يعتق النصف الآخر " الذي حمله الشيخ على ما إذا لم يملك إلا نصفها،
لخبر الحارثي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل توفي وترك جارية له أعتق
ثلثها فتزوجها الوصي قبل أن يقسم شئ من الميراث أنها تقوم وتستسعي هي وزوجها
في بقية ثمنها بعد ما تقوم، فما أصاب المرأة من عتق أو رق جرى على ولدها " الذي
حمله الشيخ أيضا على ما إذا لم يملك غيرها، وخبر أبي بصير (3) سأل الباقر عليه السلام
" عن رجل أعتق نصف جاريته ثم إنه كاتبها على النصف الآخر بعد ذلك، قال:
يشترط عليها أنها إن عجزت عن نجومها ترد في الرق في نصف رقبتها " وصحيح
الحلبي (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت عند الموت ثلث خادمها هل
على أهلها أن يكاتبوها؟ قال: ليس ذلك لها، ولكن لها ثلثها، فلتخدم بحساب
ما أعتق منها " وصحيح ابن سنان (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أعتقت
ثلث خادمها بعد موتها، أعلى أهلها أن يكاتبوها شاؤوا أو أبوا؟ قال: لا، ولكن.
لها من نفسها ثلثها، وللوارث ثلثاها يستخدمونها بحساب الذي لهم فيها، ويكون لها

(1) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المكاتبة الحديث 1 من كتاب التدبير
والمكاتبة.
(4) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 6 - 7.
(5) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 6 - 7.
153

من نفسها بحساب ما أعتق منها " ونحوه صحيح ابن مسكان (1) التي هي
من غير الفرض خصوصا بعد إمكان حملها على عدم ملك غيرها وإن كان فيها ترك
الاستفصال.
(و) على كل حال فلا ريب في أن الأصح ما عليه المشهور، لشذوذ
النصوص المزبورة التي ينبغي طرحها إن لم تقبل التأويل، لرجحان الأدلة عليها
بما عرفت، والله العالم.
ف‍ (إن كان له فيه شريك) مسلم أو كافر، إذ لا فرق في السراية بين أن يكون
الشريكان مسلمين أو كافرين، أو كان المعتق كافرا إن سوغنا عتق الكافر، أو بالتفريق،
لعموم الأدلة، وحينئذ فمتى أعتق (قوم عليه إن كان موسرا) بلا خلاف أجده
فيه مع قصده الاضرار، إلا ما حكاه في المختلف عن الحلبي من إطلاق وجوب السعي
على العبد في الفك، بل ومع عدم قصده عند الأكثر، خلافا للشيخ والقاضي فأوجبا
على العبد السعي وللإسكافي فخير الشريك بينه وبين إلزام المعتق قيمة نصيبه،
ولا شاهد له.
(وسعى العبد في فك ما بقي منه إن كان المعتق معسرا) ولم يقصد المضارة
بلا خلاف، بل ومع قصدها وفاقا للأكثر، بل المشهور، بل في الإنتصار الاجماع
عليه، وعلى الأول أيضا، وبذلك يجتمع أكثر نصوص المقام التي هي الصحيحان (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، قال: إن
ذلك فساد على أصحابه لا يقدرون على بيعه ولا مؤاجرته، قال: يقوم قيمة فيجعل
على الذي أعتقه عقوبة، وإنما جعل ذلك عليه عقوبة لما أفسده " وموثق سماعة (3)
" سألته عن المملوك بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه، فقال هذا فساد على أصحابه

(1) أشار إليه في الوسائل في الباب - 74 من كتاب الوصايا الحديث 3 وذكره
في التهذيب ج 9 ص 243 - الرقم 943.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 1 و 9
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 5.
154

يقوم قيمة ويضمن الثمن الذي أعتقه، لأنه أفسده على أصحابه " وخبر البصري (1)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم ورثوا عبدا جميعا، فأعتق بعضهم نصيبه منه كيف
يصنع بالذي أعتق نصيبه منه؟ هل يؤخذ بما بقي؟ قال: نعم يؤخذ بما بقي منه
بقيمته يوم أعتق " المقيدة بخبر محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام المنجبر بما
سمعت " من كان شريكا في عبد أو أمة قليل أو كثير فأعتق حصته وله سعة فليشتره
من صاحبه فيعتقه كله، وإن لم يكن له سعة من مال نظر قيمته يوم أعتق منه
ما أعتق ثم يسعى العبد بحساب ما بقي حتى يعتق " وصحيح الحلبي (3) عن أبي
عبد الله عليه السلام " في جارية كانت بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه، قال: إن كان موسرا
كلف أن يضمن " وإن كان معسرا خدمت بالحصص " محتسبة بذلك من السعي، أو
نقيد بذلك بما إذا عجزت عن السعي.
وعلى كل حال بهما يقيد إطلاق خبري الحسن بن زياد ويعقوب بن شعيب (4)
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أعتق شركا له في غلام مملوك عليه شئ، قال:
لا " وإطلاق خبر علي (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مملوك بين أناس فأعتق
بعضهم نصيبه، قال: يقوم قيمة ثم يستسعى فيما بقي، ليس للباقي أن يستخدمه ولا
يأخذ منه الضريبة ".
ونحوه في إطلاق الأمر بالسعي حسن محمد بن قيس (6) عن أبي جعفر عليه السلام
بل وإطلاق مرسل حريز (7) عن أبي عبد الله عليه السلام سأل " عن رجل أعتق غلاما
بينه وبين صاحبه، قال: قد أفسد على صاحبه، فإن كان له مال أعطى نصف المال،
وإن لم يكن له مال عومل الغلام يوم للغلام ويوم للمولى، ويستخدمه، وكذلك إن
كانوا شركاء " إلى غير ذلك من النصوص التي هي بعد حمل مطلقها على مقيدها دالة

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 6 - 3 - 7.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 6 - 3 - 7.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 6 - 3 - 7.
(4) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 8.
(5) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 10 - 3 - 11.
(6) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 10 - 3 - 11.
(7) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 10 - 3 - 11.
155

على المشهور مؤيدة في الجملة بقاعدة الاتلاف، ولا ضرر ولا ضرار، المشار إليها في
النصوص المزبورة بالافساد.
(و) لكن مع ذلك كله (قيل) والقائل الشيخ في النهاية والقاضي ابن
البراج: (إن قصد الاضرار فكه إن كان موسرا، وبطل عتقه إن كان معسرا وإن
قصد القربة عتقت حصته وسعى العبد في حصة الشريك، ولم يجب على المعتق فكه)
بل يستحب له، فإن لم يفعل استسعى العبد في الباقي ولم يكن لصاحبه الذي يملك
فيه ما بقي استخدامه، ولا له عليه ضريبة، بل له أن يستسعيه فيما بقي من ثمنه،
فإن امتنع العبد من السعي في فك رقبته كان له من نفسه قدر ما أعتق ولمولاه الباقي،
لصحيح محمد بن مسلم (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ورث غلاما وله فيه
شركاء فأعتق أحدهم لوجه الله نصيبه، فقال: إذا أعتق نصيبه مضارة وهو موسر ضمن
للورثة، وإذا أعتق لوجه الله كان الغلام قد أعتق من حصة من أعتق، ويستعملونه على
قدر مالهم منه، فإن كان نصفه عمل لهم يوما وله يوم، وإن أعتق الشريك مضارا وهو
معسر فلا عتق له، لأنه أراد أن يفسد على القوم حصصهم " وصحيح الحلبي (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن " رجلين كان بينهما عبد فأعتق أحدهما نصيبه،
فقال: إن كان مضارا كلف أن يعتقه كله، وإلا استسعى العبد في النصف
الآخر ".
إلا أن الأول قيل لا صراحة فيه في فساد العتق في حصته أيضا، وفيه أنه لم
يفرض فيه إلا عتقها، كما أنه قيل أيضا لا صراحة فيه في سعي العبد في صورة عدم
المضارة مع اليسار، وفيه مع أنه يمكن حمل عمل اليوم على السعاية أنه يكفي فيه
إطلاق الآخر وعدم الدلالة في الثاني منهما على اعتبار اليسار يمكن تقييده بما في
الصحيح الأول. وحينئذ يستفاد منهما معا حكم الصور الأربع، وهو الموسر
المضار والموسر غير المضار والمعسر غير المضار والمعسر المضار، ففي الأولى يضمن،
وفي الأخيرة يبطل، وفي الثانية والثالثة يستسعي.

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 12 - 2
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 12 - 2
156

وظاهر المحكي عن خلافه قول آخر، وهو ضمان الموسر مطلقا مضارا كان
أو لا، وبطلان عتق المعسر المضار وسعي العبد مع عدم المضارة.
كما أن المحكي عن ابن الجنيد قول رابع، وهو تخيير الشريك في صورة
عدم المضارة واليسار بين إلزام المعتق القيمة وبين سعي العبد، قال: ولو اختار الأول
كان للمعتق أن يرجع على العبد يستسعيه فيما غرمه من حصة شريكه، لأنه إنما
غرم ذلك عن العبد وقام مقامه، واستسعى العبد مع الاعسار وعدم المضارة،
ولم يتعرض لغير ذلك، بل والمحكي عن أبي الصلاح من إطلاق السعي قول
خامس.
لكن لا يخفى عليك أن الذي تجتمع عليه جميع النصوص (1) بعد حمل
المطلق منها على المقيد ما سمعته من الشيخ والقاضي، بل هو أبعد عن
أقوال العامة المحكية في المسألة إلا أن الشهرة على خلافه، بل الاجماع
المحكي، وبهما يرجح الجمع الأول عليه، إلا أنه لا بد من طرح بعض
النصوص حينئذ.
ومن الغريب دعوى الحلي تناقض كلام الشيخ في اعتبار قصد القربة مع
المضارة، وقد سمعت صراحة النصوص في ذلك على أن المضارة المزبورة - التي هي
من لوازم العتق المزبور المشار إليها في النصوص بالافساد الذي استحق به التقويم
عليه إذا لوحظت تبعا على نحو ضم نية التبرد - لا تقدح في التقرب كما
هو واضح.
وبذلك كله ظهر لك القوة في القولين المزبورين، وأما باقي الأقوال فواضحة
الضعف، بل بعضها لا شاهد له.
وكيف كان فظاهر النصوص أن جميع كسبه من سعيه الذي يفك به رقبته
لا خصوص جزئه الحر، بل قد سمعت التصريح في خبر علي بن أبي حمزة (2) بأنه

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 10.
157

" ليس للآخر أن يستخدمه ولا يأخذ منه الضريبة " بل لعل قوله عليه السلام: في
الصحيحين (1) " أن ذلك فساد على أصحابه لا يستطيعون بيعه ولا مؤاجرته "
ظاهر في انقطاع التصرف عنه، كما صرح بذلك في المسالك ومحكي
النهاية.
لكن في القواعد على إشكال، ولعله من استصحاب الرق إلى الأداء، وهو
يستلزم تشريك المولى في الكسب وإن كان لا يخفى ما فيه بعد انقطاعه بظاهر النصوص
الذي منه يعلم ضعف ما في الإيضاح من دعوى قوة الاحتمال المزبور، لأنه المأمور
بفك نفسه، فيكون من كسبه، ولأنه إذا أدى عن كسبه المملوك للسيد كان العتق
حينئذ بلا عوض، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص.
وعلى كل حال (فإن عجز العبد أو امتنع من السعي) ولم يكن بيت مال
يفك منه من سهم الرقاب أو غيره (كان له من نفسه ما أعتق وللشريك ما بقي،
وكان كسبه بينه وبين الشريك) على النسبة (و) كذا (نفقته، وفطرته
عليهما) وغير ذلك من أحكام المبعض، لكن ظاهر المحكي عن ابن إدريس وجوب
فك سلطان الاسلام له من سهم الرقاب في صورة العجز، ولم أجده لغيره، بل إطلاق
أدلة المقام على خلافه.
ثم إن ظاهر المتن عدم جبر العبد على السعي، وهو خلاف ظاهر ما سمعته
من النصوص (2) نعم في خبر علي بن أبي حمزة (3) على ما في كشف اللثام " ومتى
لم يختر العبد أن يسعى فيما قد بقي من قيمته كان له من نفسه بمقدار ما أعتق،
ولمولاه الذي لم يعتق بحسب ماله " وربما يؤيده أن ذلك حق له

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 1 و 9.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 2 و 3 و 10.
(3) التهذيب ج 8 ص 221 الرقم 792 وهذه القطعة ذكرت بعد رواية علي بن
أبي حمزة، ولم يعلم أنها من تتمة الرواية أو من عبارة الشيخ (قده).
158

فلا يجبر عليه، بل في الدروس والروضة ظاهر الأصحاب عدم وجوب
السعي عليه.
قلت: لكن جزم الفخر في الشرح بكونه قهريا، لأن نظر الشرع إلى تكميل
الحرية، ولذا عداه إلى ملك الغير قهرا، وللاستسعاء في صحيح الحلبي (1) الدال
على قهره، مضافا إلى ظاهر الأمر به في النصوص (2).
وفيه أن المتجه في الجمع بين هذه النصوص ونصوص المهاياة من الصحيح (3)
ومرسل حريز (4) السابقين وخبر علي بن أبي حمزة (5) الحكم بتخيير العبد
بين السعي في فك نفسه وعدمه، وهو الذي سمعت نسبته إلى ظاهر الأصحاب، بل
هو الموافق لقول المصنف وغيره " كان كسبه بينهما " ولما تسمعه من المهاياة، وإلا
كان منافيا لفرض عجزه عن الكسب، بل ولصرف كسبه في فك رقبته، خصوصا بعد
ما في المسالك من أن السعي كالكتابة في كونه فكا للرقبة من الرقبة بجملة الكسب،
واستقرار الملك بعجز المملوك، وعتق ما قابل المدفوع منه كما في المطلقة، قال:
" ويفترقان في اشتراطه بسبق عتق شئ منه دونها وعدم اشتراطه بعقد، ولا تقدير
للعوض ولا للأجل، بل بقيمة المثل دونها " ضرورة اقتضاء ذلك احتساب كل
ما يحصل من كسبه في فك رقبته لا أنه يكون مملوكا للمولى، إذ ليس مرجع ذلك
إلا إلى اختياره، فإن شاء السعي في فكاك رقبته فعل وإن شاء لم يفعل، وحينئذ
يكون كسبه بينه وبين المولى.
بل يتجه قول المصنف (و) غيره: (لو هاياه شريكه في نفسه صح)
بل لا أجد فيه خلافا، بل هي ما سمعته في صحيح ابن مسلم (6) ومرسل حريز (7)
السابقين وإن كان الذي يقوى أنها من الصلح لا أنها معاوضة برأسها مع احتماله،

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 2 - 12 - 11.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 2 و 3 و 10.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 2 - 12 - 11.
(4) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 2 - 12 - 11.
(5) راجع التعليقة (3) من ص 158.
(6) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 12 - 11.
(7) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 12 - 11.
159

مؤيدا بعدم ضرب الأجل ونحوه فيها وعدم لزومها وغيره ذلك مما لا يغتفر في
الصلح.
وهل هي واجبة مع طلبها أو مطلقا هنا وإن كانت غير واجبة عندنا في المال
المشترك الذي لا يمكن قسمته؟ وجهان ينشئان من توقف جواز التصرف فيه
عليها، بل لعل ذلك هو ظاهر الصحيح (1) والمرسل (2) المزبورين،
ومن الأصل وإشعار الافساد وعدم استطاعة التصرف فيه في النصوص المزبورة.
لكن في الروضة " لو امتنعا أو أحدهما من المهاياة لم يجبر الممتنع، وكان
على المولى نصف أجرة عمله الذي يأمره به، وعلى المبعض نصف أجرة ما يغصبه
من المدة ويفوته اختيارا " وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا خصوصا بعد
قوله: " يغصبه " ولعله لذا اقتصر في الدروس في نفي الجبر على صورة
امتناعهما.
(و) كيف كان فإذا وقعت (تناولت) أي (المهاياة) المزبورة مع
الاطلاق فضلا عن التصريح الكسب (المعتاد والنادر كالصيد والالتقاط)
ونحوهما بلا خلاف أجده فيه بيننا، لاطلاق الأدلة التي منها خبر علي بن أبي
حمزة (3) السابق، وحينئذ فكل ما اكتسبه في نوبته اختص به نادرا أو غيره،
وما اكتسبه في نوبة المولى اختص به كذلك، خلافا لبعض العامة، فجعل النادر
مشتركا بينهما، لأنه مجهول، وفيه منع قدح مثل هذه الجهالة فيها بعد إطلاق
أدلة مشروعيتها، كما هو واضح.
(ولو كان المملوك بين ثلاثة) مثلا (فأعتق اثنان) نصيبهما دفعة
(قومت حصة الثالث عليهما بالسوية تساوت حصصهما فيه أو اختلفت) بلا خلاف
أجده فيه بيننا، بل ولا إشكال، ضرورة تساويهما في سبب الاتلاف المعبر عنه في

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 12 - 11.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 12 - 11.
(3) راجع التعليقة (3) من ص 158.
160

النصوص بالافساد (1) وإن اختلفت خلافا لبعض فجعلها على التفاوت بنسبة
الحصتين، وهو واضح الضعف.
ولو كان أحدهما معسرا ففي القواعد " قوم تمام الباقي على الموسر، ولو
كان معسرا بالبعض قوم عليه بقدر ما يملك، وعلى الآخر بالباقي " بل في كشف اللثام
" والكل ظاهر ".
لكن لا يخفى عليك أنه بعد استوائهما في التسبيب المقتضي لكون الغرامة
بينهما بالسوية ينبغي إجراء حكم كل منهما من اليسار والاعسار عليه، فتأمل.
وإن ترتب ولم يؤد الأول شيئا فإن لم يشترط الأداء في السراية كان الثاني لاغيا
وإلا صح عتقه، ولكن قيمة حصة الثالث منهم على الأول خاصة، لأنه استحقها
عليه باعتاقه، فلا يتغير باعتاق الثاني، وإنما يؤثر فيما استحق هو
عليه، وربما احتمل كون التقويم عليهما كما لو أعتقا دفعة إلا أن
ضعفه واضح.
وعلى كل حال فالولاء لهما مع صحة عتقهما على قدر العتق.
ولو وكل شريكه في عتق نصيبه فبادر إلى عتق ملكه قوم عليه نصيب الموكل
على التعجيل، وإلا فللوكيل إعتاقه ولا تقوم، وإن بادر بعتق ما وكل فيه
قوم على الموكل، لأنه سبب وربما احتمل عدم التقويم، لأن المباشر أقوى،
وضعفه واضح، ولو أعتقهما دفعة فلا تقويم، وإن أعتق نصفا شائعا منهما أمكن أن
يقوم على كل واحد منهما ربع العبد، وإن أعتق نصفا ولم ينو شيئا فالأقرب
صرفه إليهما، كما في الدروس، ويحتمل إلى نصيبه لأن تصرفه فيما له هو
الغالب، ويحتمل إلى نصيب الشريك، لأنه المأذون فيه، والبطلان لعدم التعيين،
والله العالم.
(وتعتبر القيمة وقت العتق) حتى على القول بالانعتاق بالأداء فضلا عن
القول بانعتاقه بالعتق أو بالمراعاة (لأنه وقت) الاتلاف أو (الحيلولة) بين المالك

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 1 و 5 و 9 و 12.
161

وملكه بمنعه من التصرف فيه، مضافا إلى انسياقه من النصوص (1) بل في صحيح
عبد الرحمن (2) عن الصادق عليه السلام التصريح بذلك، بل وفي خبر محمد بن قيس (3)
عن الباقر عليه السلام أو صحيحه في صورة سعي العبد، ولا فرق في القيمة بين التزام المولى
بها أو العبد، وكذا صحيحه الآخر (4) على أنه لما أعتق نصيبه كلف بالأداء
قيمة الباقي فيستصحب.
خلافا للشهيدين في الدروس والمسالك فعند الأداء، بناء على الانعتاق به،
لأنه وقت التلف، ولغيرهما فأقصى القيم من حين العتق إلى حين الأداء،
وفيه - مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص - أن التلف شرعي والمضمن سببه،
وهو العتق، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (تنعتق حصة الشريك بأداء القيمة لا بالاعتاق) وفاقا
للمشهور بل عن المرتضى الاجماع عليه، للأصل ولأنه المستفاد من التأمل في أكثر
النصوص: كصحيحي (5) الحلبي وغيره بل وخبر محمد بن قيس (6) أو صحيحه
المتضمن لقوله عليه السلام: " فليشتره من صاحبه فليعتقه كله " بعد الاجماع في المسالك
على عدم الشراء حقيقة، فيحمل على الأداء وإن قال في الرياض في دعوى الاجماع
عليه - مع تعبير كثير من الأصحاب بعين ما في الرواية من دون قرينة صارفه -
مناقشة إلا أنه كما ترى، ضرورة إمكان القطع بكون مرادهم الأداء
المزبور لا الشراء حقيقة الذي قد يمتنع عنه الشريك ويحتاج إلى الجبر أو
قيام الحاكم.
كما أن ما فيه أيضا - من اعتبار الاعتاق ثانيا بعد الشراء، بل قيل: ونحو
هذا عبائر كثير من القدماء كالنهاية والقاضي والصدوق - محمول على ما هو الظاهر

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث - 0 - 6 - 3.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث - 0 - 6 - 3.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث - 0 - 6 - 3.
(4) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 4 - 3.
(5) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 1 و 9.
(6) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 4 - 3.
162

من متأخري الأصحاب من عدم الخلاف في حصول الانعتاق بمجرد أداء القيمة، بل
قيل هو الظاهر من عبائر كثير من القدماء كالمفيد والحلي والمرتضى، بل ظاهره
الاجماع عليه، فينبغي صرفه في الرواية وكلام الجماعة إلى الانعتاق، خصوصا بعد
ملاحظة التصريح فيها بذلك حال السعي الذي هو كأداء القيمة، ولأنه لو أعتق
بالاعتاق لزم الاضرار بالشريك بتقدير هرب المعتق أو تلف ماله.
خلافا لابن إدريس فينعتق بصيغة العتق التي وقعت على نصيبه، لأن ذلك هو
مقتضى السراية ومدلول الأخبار الدالة عليها، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) " إذا كان
العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه وكان له مال فقد عتق كله " ويروى (2) " فهو
حر كله " ويروى (3) " فهو عتيق " وقول علي عليه السلام (4) " هو حر ليس لله
شريك " ونصوص الافساد (5) الذي معناه حصول الانعتاق بعتقه، وفيه عدم اللفظ
المزبور في المعتبر من نصوصنا، كما أن ما ذكره من الأخبار النبوية من طرق
العامة وليست من طرقنا، وقول علي عليه السلام إنما هو فيمن أعتق بعض غلامه، ومحتمل
لإرادة بيان الواقع فيه نفسه لا التعليل، ولإرادة عدم الشريك للتحرير بأداء القيمة
أو السعي ليشمل حالي اليسار والاعسار، ونصوص الافساد يراد منها الفساد بالتبعيض
المقتضي للمنع عن بيعه ومؤاجرته، فهي حينئذ على ما قلناه أدل.
وللشيخ في المحكي عن مبسوطه من أن الأداء كاشف عن العتق بالصيغة وهو
الذي حكاه عنه المصنف بقوله: (وقال الشيخ: هو مراعى) ومال إليه في المسالك
وغيرها بدعوى أن فيه جمعا بين الأخبار، وفيه أنه ليس في نصوصنا ما يقتضي انعتاقه
بالعتق حتى يكون ذلك جمعا بينها، بل هي ظاهرة في الأول، بل صريحة فيه
في صورة السعي وفي أن الصيغة سبب للالتزام بالقيمة للموسر، والكشف إنما يلتزم

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 277.
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 276.
(3) سنن البيهقي ج 10 ص 277.
(4) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 1 و 5 و 9.
163

به لو ثبت في الأدلة ما يقتضي سببية الصيغة للتحرير، فيجمع بين ذلك وبين ما دل
على اعتبار الأداء بالكشف. فمن الغريب توقف مثل العلامة في أكثر كتبه، وولده
والشهيد في النكت في المسألة.
وأغرب منه ما في المسالك حيث قال بعد أن ذكر الأقوال والأدلة: " والحق
أن الأخبار من الجانبين ليست من الصحيح، والأخبار الدالة على اعتبار وقت العتق
أكثر " إذ قد عرفت أنا لم نقف على خبر منها في طرقنا، وأن الدال على الأول
الصحيح وغيره.
وكذلك ما فرعه على هذه الأقوال من مسألة عتق الاثنين من الشركاء الثلاثة
مترتبين التي قد عرفت الحال فيها، قال: " فإن قلنا ينعتق بالاعتاق قوم على المعتق
أولا، وإن قلنا بالأداء ولم يكن الأول أدى قوم عليهما، وإن قلنا بالمراعاة
احتمل تقويمه عليهما أيضا، لأن عتق الثاني صادف ملكا فوقع صحيحا، فاستويا في
الحصة الأخرى وتقويم الأول، لأنه بالأداء تبين انعتاق نصيب الشريك قبل أن
يعتق، فوقع عتقه لغوا وفي الأول قوة " إذ لا يخفى عليك ما في جزمه بالتقويم عليهما
على القول الثاني وذكره الوجهين على الثالث، وكذا ما فرعه أيضا من
وقت القيمة الذي عرفت أنه وقت العتق على كل تقدير، للنصوص وغيرها.
نعم يتفرع على الأقوال المزبورة ما لو أعسر المعتق بعد الاعتاق، فإنه تحصل
الحرية وتبقى القيمة في ذمته على القول بحصولها بنفس العتق بخلاف القولين
الآخرين.
أما موته ففي المسالك " لا يؤثر على الأقوال، أما على التعجيل فظاهر،
وأما على التوقف فلأن القيمة تؤخذ من تركته كالدين، والاعتاق صار مستحقا عليه
في حال الحياة، وقد يوجب سبب الضمان في الحياة ويتأخر الوجوب عنها، كمن
حفر بئرا في محل عدوانا فتردى فيها بهيمة أو انسان بعد موته " وفيه إمكان منع
الاستحقاق عليه بعد الموت مع فرض كونه ليس من الديون، للأصل وغيره،
164

والقياس على حفر البئر يدفعه صدق الاتلاف معه، بخلافه مع فرض كون الالتزام
حال الحياة فتأمل.
ولو مات العبد قبل أداء القيمة فعلى القول بالتحرير بالعتق مات حرا موروثا
منه، ويؤخذ قيمة نصيب الشريك، وعلى المراعاة ففي المسالك " وقف إلى أداء
القيمة، فإذا أديت بان أن الأمر كذلك " وفيه إمكان اعتبار قابليته
للتحرير عليها، فيسقط حينئذ كما يسقط على القول الثالث، ضرورة عدم
صلاحية الميت للعتق، والتزام الكشف فيه هنا مناف لأصل القول، كما
هو واضح.
ولو أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة لم ينفذ بناء على حصول التحرير
بالعتق " وإن أخرناه إلى أداء القيمة فالوجه نفوذه للأصل وغيره، ولأن المقصود
تكميل العتق، وقد حصل وأغنى عن التكليف بأداء القيمة، وربما احتمل عدم النفوذ،
لاستحقاق المعتق تملكه بالقيمة ليعتق عليه ويكون ولاؤه له، ولا يجوز صرف العتق
عن المستحق إلى غيره، لكنه كما ترى. نعم لا بأس بالقول بذلك على المراعاة
وإن كان ظاهر المسالك كونه كالأول في النفوذ، لكنه لا يخلو من نظر، كما أشرنا
إليه سابقا، فلاحظ وتأمل.
ولو وطأ الشريك الجارية قبل أداء القيمة فعلى القول بالحرية يلزمه حكم
وطء الحرة، وعلى المختار يلزمه نصف المهر بنصفها الحر مع الاكراه، وعلى القول
بالمراعاة ففي المسالك " يحتمل ذلك أيضا، لكونها حال الوطء مملوكة له، وثبوت
جميعه لها بعد الأداء، لانكشاف كونها حرة حينئذ، ولا حد من جهة الحصة،
لحصول الشبهة بالاختلاف في ملكه " وفيه تأمل، بل يمكن منافاته لما سبق منه، إلى
غير ذلك من الفروع المذكورة في الكتب المبسوطة التي لا يخفى حكمها بعد الإحاطة
بما ذكرنا.
و (منها) ما ذكره المصنف بقوله: (ولو هرب المعتق صبر عليه حتى يعود،
ولو أعسر أنظر إلى الأيسار) ضرورة وضوح الحكمين على المختار وعلى المرعاة،
165

لأن حق العتق لا يبطل بذلك، بل يستمر إلى أن يمكن الأداء، لوجود السبب الموجب
له وهو الاعتاق، وإن توقف على أمر آخر ولا يكون كالحق الفوري يبطل بالتأخير.
وحينئذ فيبقى بالنسبة إلى الشريك رقيقا إلى أن يؤدي إليه القيمة، وهل يرتفع
الحجر عنه بذلك؟ يحتمله حذرا من تعطيل ملكه عليه بغير بدل، والأقوى خلافه،
للأصل ونصوص الافساد وغير ذلك، والفائدة في نقله المنع عن الملك ببيع ونحوه
لا في استخدامه، أما على القول بالحرية فالقيمة دين عليه، فينظر عوده ويساره،
كما هو واضح، والله العالم.
ولو أراد العبد فك نفسه بالبيع كان للشريك عدم قبوله بالنسبة إلى حصته،
للأصل وغيره، ولو أعتقه معسرا ثم أيسر بعد السعي لم يكن للعبد رجوع عليه
وإن احتمل، للأصل وغيره، نعم لو أيسر قبل السعي ولو قبل تمامه قيل: قوم
عليه، ولا يخلو من نظر، ضرورة ظهور الأدلة في أن العبرة حال العتق، ومن هنا لو
تجدد إعساره انتظر ولا ينتقل إلى السعي، لكن جزم في القواعد وغيرها بالتقويم، ولا
يخلو من نظر.
و (منها) ما لو ادعى أحد الشريكين على الآخر عتق نصيبه موسرا فأنكر
حلف، وكان نصيب المدعي حرا مجانا على القول بالحرية بالعتق، بخلاف القولين
الآخرين، ولو نكل استحق المدعي باليمين المردودة قيمة نصيبه، وبأدائها يحكم
بالعتق على المختار، وبدونه على القول الآخر، وكون اليمين المردودة بمنزلة
الاقرار أو البينة بعد تسليمه إنما هو فيما وقعت عليه الدعوى من استحقاق الشريك
القيمة لا مطلقا.
لا يقال إقرار المدعي سبب اختياري في انعتاق حصته فيسري عليه في حق
المدعى عليه، لا لما في حاشية الكركي من منع سببيته الخاصة التي هي مناط
السريان، إذ الاقرار سبب كاشف لا محصل للعتق وموجب له، ومناط السريان الثاني
خاصة، إذ هو كما ترى مناف لكون الاقرار طريقا شرعيا لثبوت العتق
166

المقتضي للسريان، بل لأن الاقرار هنا بالانعتاق لا بالعتق المقتضي له،
كما هو واضح.
(ولو اختلفا في القيمة) ولا طريق إلى معرفتها لموت العبد ونحوه
(فالقول قول المعتق) لأصالة براءة ذمته من الزائد كما في نظائره.
(وقيل القول قول الشريك لأنه ينتزع نصيبه من يده) فيكون القول
قوله، واختاره الشهيد في اللمعة، وفي الدروس مبنى القولين على الخلاف السابق
أي إن قلنا: إن السراية تتعجل فالمصداق المعتق، لأنه غارم، وإن قلنا تتأخر
فالمصداق الشريك، لأن ملكه باق، فلا ينتزع إلا بما يقوله كما في المشتري
مع الشفيع، (و) الوجه تقديم قول المعتق على كل حال، لأنه المنكر للزيادة
على التقديرين.
نعم (لو ادعى المعتق فيه عيبا) يوجب نقص قيمته أصليا أو عارضيا
(فالقول قول الشريك) لأصالة السلامة وعدم حدوث العيب، كما هو واضح.
ولو ادعى فيه صنعة تزيد بها القيمة فإن تعذر استعلامها حلف المعتق، وإن
كان محسنا لها ففي الدروس على الأداء يقوم صانعا، وعلى الاعتاق يحلف المعتق
على عدم سبقها، وهو جيد بناء على اعتبار القيمة عند الأداء، ولو أدى القيمة
ثم طالبه الشريك بالصنعة فادعى تأخيرها عن الأداء حلف إن أمكن التجدد، والله
العالم.
(والايسار المعتبر) هنا (هو أن يكون مالكا لقدر قيمة نصيب الشريك
فاضلا عن قوت يومه وليلته) له ولعياله الواجبي النفقة، لقوله عليه السلام: (1) " فإن كان
له مال قوم عليه الباقي " الذي هو في الحقيقة تفسير للموسر في غيره (2) بل ظاهر

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 11 وفيه " فإن كان له مال
أعطي نصف المال " وفي المستدرك الباب - 16 - منه الحديث 5 عن النبي (صلى الله عليه وآله): "...
وله مال قوم عليه الباقي ".
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 7.
167

عبارة المتن عدم استثناء المسكن والخادم اللذين هما من مستثنيات الدين، بل
ظاهرها أيضا شمول الدين بمثل ما يملكه أو أكثر، لاطلاق الخبر السابق (1)،
ولأنه مالك ما في يده، نافذ التصرف فيه، حتى لو اشترى به عبدا فأعتقه نفذ،
ولأنه لو طالبه بعض غرمائه وجب عليه إبقاؤه وإن كان للباقين ما يستغرق ماله،
فلو كان وجود الدين المستغرق يجعله معسرا لحرمت مطالبته على كل واحد منهم
كما تحرم مطالبة المعسر والمعتق أولى، لأنه مبني على التغليب.
لكن قد يناقش بأنه وإن شمله الخبر المزبور (2) بل وإطلاق اليسار في
بعض النصوص (3) لكن في خبر البصري اعتبار السعة في المال (4) الظاهر في غير
ذلك، ضرورة أن المدين بقدر ما يملكه أو أزيد ليس من ذي السعة في المال، كما
أن من ليس عنده إلا مستثنيات الدين كذلك أيضا.
ولعله لذا لهجت ألسنة الطلبة في زمن العلامة بالسهو من الناسخ في قوله في
الإرشاد: " ولو كان عليه دين بقدر ماله فهو موسر " وأن الصواب " معسر " بل
عن فخر المحققين إصلاحها بذلك بإذن العام من والده، وكتب عليها بخطه " لا يقال
هذا مالك قادر على التقويم حقيقة وشرعا فلم لا يكون موسرا، لأنا نقول: إن
هذا له بدل، لأن الدين لم يتعلق بالمال، بل بالذمة، وإذا تعلق بالذمة هو
والمعتق وجب التقسيط مع القصور، ولا تقسيط منا " وإن ناقشه الشهيد بأن التقسيط
إنما يكون مع مقتضيه، كالفلس والموت، فليس عدمه هنا لعدم تعلقه بالمال،
سلمنا لكن التقسيط جائز فيفك بحسابه، وقد صرح به المصنف، وإن نفي التقسيط
لعدم الحجر لم يلزم منه عدم اليسار على الاطلاق، إذ هو مطالب بالدين والفك في
نفس الأمر.

(1) راجع التعليقة (1) من ص 167.
(2) راجع التعليقة (1) من ص 167.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 12.
(4) اعتبار السعة في المال إنما ورد في صحيحة محمد بن قيس المروية في الوسائل
الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 3.
168

ومن هذا وغيره جزم الشهيد بأن العبارة على حالها، خصوصا بعد أن
استشكل في الاعسار وعدمه في الفرض في التحرير وإن جزم بكونه معسرا في
القواعد.
قلت: لكن الانصاف صدق عدم السعة في المال وأنه ذو عسرة في الفرض
حتى لو كانت الديون مؤجلة، والتزام التقسيط في صورة الفلس مما لا يلتزمه فقيه
بعد معلومية كون الالتزام بالفك ليس من الديون التي تتعلق بالمال، كالتزام صدق
اليسار على من قابل دينه ماله أو زاد، ووجوب الدفع عليه عند مطالبة البعض
لكونه قادرا على وفائه لا يقتضي صدق اسم اليسار عليه قطعا فضلا عن صدق ذي السعة
في المال، كما هو واضح.
وعلى كل حال فالمريض معسر فيما زاد على الثلث بناء على عدم نفوذ
تنجيزه في غيره، والميت معسر مطلقا، فلا يسري عتقه الموصى به وإن وفي الثلث،
خلافا لبعض كما ستسمع.
(ولو ورث شقصا ممن ينعتق عليه قال) الشيخ (في الخلاف: يقوم)
عليه مستدلا عليه باجماع الفرقة وأخبارهم (و) لكن (هو بعيد) للأصل
بعد ظهور أدلة السراية في المباشرة، ولذا كان مذهبه في محكي المبسوط العدم، كما
هو المشهور بين الأصحاب، نعم لو اشترى أو اتهب سرى، لقيامه حينئذ مقام
الاعتاق باختياره الشراء مثلا المسبب للانعتاق، مع أنه لا يخلو من نظر لو كان
المدرك ذلك، لعدم صدق الاعتاق عليه لا أقل من الشك، والأصل عدمها كما تقدم
ذلك في الكفارات ومنه يعلم أن المدرك غير ذلك.
(ولو أوصى بعتق بعض عبده أو بعتقه وليس له غيره لم يقوم على الورثة
باقيه) لأنهم لم يعتقوه عن أنفسهم، وإنما أعتقوه على المورث، فلا وجه للسراية
عليهم ولا على الميت وإن كان وقت الوصية موسرا، لانتقال التركة إلى الوارث
بالموت، فصار عند الاعتاق معسرا، فلا يقوم على من لا يملك شيئا وقت نفوذ
169

العتق، كما لو وكل في عتق الشقص وهو موسر فأعتقه الوكيل بعد أن أعسر.
خلافا للمحكي عن الشيخ، فيسري إن وسعه الثلث، لخبر أحمد بن
زياد (1) سأل الكاظم عليه السلام " عن رجل تحضره الوفاة وله مماليك
خاصة بنفسه وله مماليك في شركة رجل آخر فيوصي في وصيته مماليكي أحرار،
ما حال مماليكه الذين في الشركة؟ قال: يقومون عليه إن كان ماله يحتمل، ثم
هم أحرار " الضعيف سندا ولا جابر المحتمل لإرادة التنجيز من قوله " أوصى "
الذي أشار إليه المصنف بقوله: (وكذا لو أعتقه عند موته أعتق من الثلث ولم
يقوم عليه،) وقد تقدم تمام الكلام في ذلك في كتاب الوصايا.
لكن في الدروس هنا " ولو أوصى بعتق شقص من عبده أو دبر شقصا منه ثم
مات ولا يسع الثلث زيادة عن الشقص فلا سراية، ولو وسع ففي السراية وجهان،
كما لو أوصى بعتق شقص من عبد له فيه شريك ووسع الثلث نصيب الشريك، وهنا
روى أحمد بن زياد (2) عن أبي الحسن عليه السلام تقويمه، وعليه الشيخ في النهاية،
خلافا للمبسوط وابن إدريس، لزوال ملكه بموته، والأول أثبت، لسبق السبب "
وهو كما ترى، ولو أوصى بعتق نصيبه ونصيب شريكه فعلى القول بالسراية فالوصية
تأكيد، ويجبر الشريك على أخذ القيمة، بل يحتمل ذلك أيضا على القول الآخر،
إذ عتق البعض سبب في التقويم ما لم يمنع مانع وهنا زال المانع، أعني حق الوارث
من التركة بالايصاء، ويحتمل المنع، كما لو أوصى بشراء عبد الغير وعتقه، لأنه
لا يجبر مالكه على العتق.
ومنه - مضافا إلى ما سمعته سابقا من النصوص (3) - يعلم أن المراد هنا نفي
التقويم خاصة، أما السعي فهو على مقتضى الأدلة السابقة، كما نص عليه المصنف
في كتاب الوصايا، فلا يتوهم من كلامهم هنا عدم السعي وعدم التقويم.
بل مما تقدم هناك يعلم الحال فيما لو كان قد أوصى بثلثه من دون تعيين

(1) الوسائل الباب - 74 - من كتاب الوصايا الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 74 - من كتاب الوصايا الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق.
170

مصرف خاص ثم أوصى بعتق الشقص، فيحتمل التقويم عليه باعتبار أن له مالا،
ويحتمل العدم باعتبار استحقاق صرف ثلثه في وجوه البر عنه، فهو كالوصية به
لمصرف خاص في كونه مستحقا، فلا مال له حينئذ، ولعله لذا قال في القواعد: " إن
المريض معسر فيما زاد على الثلث والميت معسر مطلقا " فلاحظ وتأمل.
نعم لو أوصى بعتق النصيب والتكميل صح مع أنه قال في التحرير وهل يحتمل
في الأخير رضا الشريك؟ إشكال " وهو في محله، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (الاعتبار بقيمة الموصى به بعد الوفاة) بلا خلاف
أجده فيه، لأنها هي محل نفوذ العتق ووقت خروجه عن الوارث وانتقال التركة
إليه، فيعتبر وصول مثله إليه. (و) من هنا صرح الشيخ وأبو علي وغيرهما
(ب‍) أن الاعتبار بقيمة (المنجز عند الاعتاق) الذي هو وقت خروجه عن
ملكه، فيعتبر في نفوذه بقاء مقدار ضعفه للوارث، خلافا للفاضل في أحد قوليه،
فجعل المنجز كالمؤخر في اعتبار القيمة عند الموت إن نقصت قيمة المنجز لأنه
لو بقي عبدا نقص على الوارث أيضا، فلم يتضرر بالتنجيز بشئ، نعم لو زادت
قيمته كانت بمنزلة الكسب، فلا يحسب منها تركة ما قابل الجزء المعتق بخلاف ما قابل
الجزء الرق.
(و) على كل حال ف‍ (الاعتبار في قيمة التركة بأقل الأمرين من)
حين (الوفاة إلى حين القبض، لأن التالف بعد الوفاة) قبل القبض (غير معتبر)
في الاحتساب على الوارث.
(و) أما (الزيادة) وهي (مملوكة للوارث) باعتبار أنها نماء
ملكه، لانتقال التركة إليه، وحينئذ فلو زادت قيمة المعتق عند الوفاة فإن خلف
ضعف قيمته الأولى فصاعدا أعتق كله، لأن الزيادة في الحرية غير محسوبة من
التركة، وإن نقص ماله أو لم يخلف سواه فعلى ما سمعته من الفاضل حسب نصيب
الرقية من التركة، فتكثر، فيقل العتق، فيكثر الرق، فتزيد التركة، فيكثر
العتق، وذلك دوري.
171

وحينئذ فطريق استخراج مقدار المعتق بأن يقال: لو كانت قيمته عشرة
مثلا وقت العتق فصارت عند الوفاة إلى عشرين ولم يخلف سواه عتق منه شئ، وله
من زيادة القيمة شئ، وللورثة شيئان بإزاء المعتق، لما عرفت من استحقاق الوارث
الضعف، فيكون العبد بتقدير أربعة أشياء، فيعتق منه حينئذ نصفه الذي هو الآن
يساوي عشرة، وقد كان يساوي خمسين، وللورثة نصفه الذي يساوي عشرة، وهو
ضعف ما عتق منه.
ولو كانت قيمته مأة وقت العتق وثلاثة مأة عند الوفاة أيضا قيل أيضا عتق منه
شئ، وله من زيادة القيمة شيئان، لأنها ضعف الأولى، وللورثة شيئان ضعف ما
عتق منه، فيكون العبد بتقدير خمسة أشياء، ثلاثة له، واثنان للورثة، فيعتق منه
ما يقابل مأة وثمانين، ويبقى منه للورثة ما يقابل مأة عشرين.
ولو صارت قيمته مأتين وخلف السيد مأة غير قيل عتق منه شئ، وله من
نفسه باعتبار زيادة القيمة شئ آخر، وللوارث منه ومن المأتين شيئان بإزاء
ما انعتق، فالمجموع في تقدير أربعة أشياء، شيئان للعبد من نفسه، وشيئان للورثة،
والشئ خمسة وسبعون، فيعتق منه ثلاثة أرباعه، ويسلم المأة والربع الآخر
للورثة.
ولو بلغت قيمته ثلاثمأة وخلف مأة قيل أيضا: عتق منه شئ، وتبعه من نفسه
باعتبار زيادة القيمة شيئان، وللورثة من نفسه وباقي التركة شيئان بإزاء ما انعتق،
فالمجموع في تقدير خمسة أشياء ثلاثة من نفسه، وهي أربعة أخماس نفسه،
وللورثة اثنان من نفسه وباقي التركة، فيعتق منه أربعة أخماس، وهي مأتان
وأربعون، ويسترق الورثة منه ستين، ويدفع لهم المأة، فيكمل لهم مأة وستون
ضعف ما انعتق منه.
ولو أعتق وقيمته مأة ثم بلغت عند الموت ألفا قيل: عتق منه شئ، وتبعه
تسعة أشياء، وللورثة شيئان بإزاء ما عتق، فالعبد في تقدير اثني عشر شيئا، للورثة
سدسه، فيعتق خمسة أسداسه، وهكذا باقي ما يفرض، هذا كله على ما سمعته من
172

الفاضل. أما على ما سمعته من المصنف وغيره فلا عبرة بالزيادة أصلا.
نعم لو نقصت قيمته عند الوفاة كما لو عادت إلى خمسة بعد أن كانت عشرة
قال الفاضل: لزم الدور أيضا، لأن التركة معتبرة بالوفاة، فلا يحصل للوارث
ضعف ما عتق، لأن المعتق منه ثلثه، وهو يساوي ثلاثة وثلثا، فيجب أن يكون
لهم ضعفها عند الوفاة، وهو متعذر، فينقص العتق عن الثلث، وكلما فرض عتق
كان للوارث ضعفه، فيكثر نصيب الوارث بقلة المعتق، ويكثر المعتق بكثرة النصيب،
فيقل النصيب وهكذا.
والتخلص منه باستخراج قدر المعتق بأن يقال: عتق منه شئ عاد إلى
نصف شئ، فيبقى العبد في تقدير خمسة إلا نصف شئ تعدل ضعف ما عتق، فيكون
الخمسة إلا نصف شئ يعدل شيئين، فإذا أجبرت بنصف شئ وقوبلت بالنصف
الناقص كانت خمسة كاملة تعدل شيئين ونصفا، فالشئ اثنان، وقد عاد إلى نصف
شئ، فيكون واحدا، وذلك خمس العبد الآن، وقد كان قيمته وقت العتق اثنين،
وقد بقي للورثة أربعة أخماسه، وذلك يساوي الأربعة الآن، وهو ضعف قيمة
الجزء المعتق من يوم الاعتاق، ولا دور على قول الفاضل في الفرض، لعدم تغير الحكم
عنده لو لم يكن له مال سواه، وإن كان له مال غيره اعتبر ضعف قيمته الآن.
ولو كان قيمته يوم الاعتاق مأة ثم رجعت إلى خمسين عند الوفاة وقد
خلف مأة أخرى غيره فعلى قول الفاضل ينعتق جميعه، لأنه الآن ثلث التركة،
وعلى قوليهما يقال: عتق منه شئ رجع إلى نصف شئ بقي منه خمسون إلا نصف
شئ ويكون للورثة المأة وخمسون إلا نصف شئ: تعدل شيئين، وبعد الجبر
والمقابلة يكون مأة وخمسين: تعدل شيئين ونصفا، فالشئ ستون، فينعتق منه
ثلاثة أخماس، وهي الآن ثلاثون، وللورثة مأة وعشرون ضعف ما عتق منه أولا.
ولو أعتق ثلاثة أعبد لا مال له سواهم، قيمة كل واحد مأة فعادت قيمة أحدهم
إلى خمسين، فإن خرجت القرعة للذي انتقص قيمته عتق، ويعتق ثلث الآخر بالقرعة
173

عند الفاضل، وعلى قول غيره لا يعتق من الآخر شئ، لأنه قد كان قيمته يوم الاعتاق
مأة، وينبغي أن يبقي للورثة ضعفها، وإن خرجت لأحد الآخرين فعلى قول الفاضل
وغيره ينعتق منه خمسة أسداسه، وقيمتها ثلاثة وثمانون وثلث، ويبقى للورثة سدسه
والآخران، وجملة قيمتها مأة وستة وستون وثلثان، وهي ضعف ما عتق، لأن
المحسوب على الورثة الباقي بعد النقصان، وهي مأتان وخمسون.
ولو أعتق عبدين لا مال له سواهما قيمة كل واحد مأة ثم عادت قيمة
أحدهما إلى خمسين، فإن خرجت القرعة للذي لم تنقص قيمته عتق نصفه وبقي
للورثة نصفه والآخر، وهما ضعف ما عتق عند الفاضل وغيره، وإن خرجت للذي
انتقص عتق كله على قول الفاضل، وعلى قول غيره يقع الدور، لأنه يحتاج إلى
إعتاق بعضه معتبرا بيوم الاعتاق وإلى إبقاء بعضه للورثة معتبرا بيوم الموت.
وطريقه أن يقال: عتق منه شئ وعاد إلى نصفه، فيبقى للورثة مأة
وخمسون إلا نصف شئ بقدر ضعف ما عتق، وهو شيئان، فإذا جبرت وقابلت
صار مأة وخمسون تعدل شيئين ونصفا، والشئ ستون، فعرف أن المعتق من العبد
يوم الاعتاق ستون، ودعا هذا المبلغ إلى ثلاثين، فيبقى للورثة خمسا هذا العبد
وهو عشرون، والعبد الآخر وهو مأة وذلك ضعف ما عتق أولا إلى غير ذلك من الصور
المتصورة التي تنطبق على القاعدتين المزبورتين.
ويمكن استخراج كثير من هذه الصور على حسب ما عرفت بطريق آخر،
وهو أن يؤخذ ثلث القيمة الناقصة ويقسم ثلثا القيمة الزائدة على مقداره، ثم تنظر
نسبة الثلث إلى ذلك، فإن كان ربعا قيل: عتق ربعه، وإن كان خمسا قيل: عتق
خمسه، وهكذا. وهو متحد في النتيجة.
وأسهل منه طريق آخر أيضا موافق في النتيجة أيضا، وهو أن تنظر نسبة
القيمة الناقصة إلى الأولى، فيكون خمسا أو سدسا أو غير ذلك، فيلحظ مخرج الخمس
أو السدس مثلا ويضاعف بمثله، ثم يزيد عليه واحدا ويحكم بأنه عتق منه ما يقتضيه
نسبة ذلك الواحد إلى ما ضم إليها، فلاحظ وتدبر.
174

وعلى كل حال فالأصل في هذه المسألة هو ما حكاه الفاضل في المختلف عن
ابن الجنيد أنه قال: " لو كان العتق في المرض ثم تغيرت حالهم بزيادة ونقصان كان
التقويم يوم العتق في الحكم، وإن كن مدبرات أو بوصية كان يوم يموت، لأن في
ذلك وقع العتق، ولو كن حبالى قومن حبالى، وأيتهن عتقت تبعها ولدها، لأنه
جزء منها وقت وقوع العتق - ثم قال هو -: والوجه التسوية بين العتق المنجز
والمؤخر كالتدبير والوصية في أن الاعتبار بالقيمة وقت الوفاة إن نقصت قيمة المنجز،
لأنه لو بقي عبدا لم يتحفظ على الورثة سوى قيمته الناقصة، فلم يتلف عليهم أكثر
منها وأما إن زادت القيمة كانت بمنزلة الكسب، للعلم بعتق شئ من وقت الاعتاق
فإن زادت قيمة المعتق لم يحسب من التركة ولا عليه، وأما الرق فيحسب زيادته
منها ويدخلها الدور إن لم يخلف شيئا سواه أو خلف أقل من ضعف القيمة الأولى "
ثم أخذ في طريق استخراج الجزء المعتق بالطريق الذي سمعت أمثلته.
ثم حكى عن الشيخ في مبسوطه في مقام آخر أنه قال: " قيمة من أعتق في
مرضه تعتبر حين الاعتاق، لأنه وقت الاتلاف، وقيمة من أوصى بعتقه تعتبر حين
الوفاة، لأنه وقت استحقاق العتق، وهذا يوافق قول ابن الجنيد الذي نقلناه أولا
وبينا الوجه في ذلك، والأصل في هذه المسألة أن تقول: إن العبد إذا أعتقه مولاه
المريض ولا شئ سواه ثم مات قبله هل يكون كله حرا أو كله رقا أو يعتق ثلثه؟
وجوه ثلاثة، فإن قلنا إنه يتحرر كله فالوجه ما قدمناه أولا حين نقلنا كلام ابن
الجنيد في هذه المسألة، وإن قلنا بالثاني جاء ما قاله الشيخ وابن الجنيد وطريق
استخراج معرفة القدر المعتق منه على قولهما - ثم ذكر الأمثلة السابقة إلى أن
قال -: وإنما طولنا في مثل هذه المسائل في هذا الكتاب وكثرنا الأمثلة لخلو كتب
علمائنا عنها، وبكثرة الشواهد يحصل التمهر فيما يرد على الفقيه في هذا الباب " وكل
من تأخر عنه كالشهيد الأول والثاني والصيمري اقتصر على نقل كلامه أو أكثره من
غير زيادة ولا نقيصة ولا تغيير ولا تبديل حتى في المثال.
175

ولكن قد يناقش (أولا) بأنه لا يظهر وجه تفريع قول الشيخ على القول
بموت العبد رقا الذي هو أحد الوجوه الثلاثة كما لا يظهر الوجه في بناء كلامه
بتمامه على موته حرا، نعم هو كذلك بالنسبة إلى عدم احتساب النقيصة.
و (ثانيا) بأن ما اعتبره من دعوى زيادة القيمة من التركة لا يرجع إلى
محصل ضرورة كونها أمرا اعتباريا والعبرة بذي القيمة، والفرض وجوده وملك
الوارث ضعفي ما انعتق منه مع فرض عدم وجود غيره، فزيادة القيمة حينئذ إنما
هي نماء ملك الوارث، وفي مقابلة الجزء الحر، وكل منهما ليس من تركة الميت،
كما هو واضح. خصوصا بعد ملاحظة كون المقام مثل باقي صور الشركة بعد أن
جعل الشارع ثلثا للميت وثلثين للوارث في نفس العين، وقد استفاضت النصوص (1)
والفتاوى أن من لم يكن عنده إلا عبد وقد نجز عتقه لا ينفذ إلا في ثلث العبد مع
عدم إجازة الوارث سواء زادت قيمته عن وقت التنجيز أو نقصت، بل لا يكاد يظهر خلاف
منهم في ذلك أو إشكال.
ومنه يظهر الاشكال فيما ذكره في كلام الشيخ وابن الجنيد من دعوى
كونه مع النقصان يكون على كلامهم من المسائل الدورية المحتاجة إلى استعمال قواعد
الحساب المعدة لاستخراج المجهول، نعم مقصودهم بقولهم: " المعتبر القيمة في
المنجز وقت التنجيز " إنما هو لو كان عنده مال غير ما نجزه وأردنا إخراج
ضعفيه للوارث حتى يكون ما نجزه ثلثا له لاحظنا القيمة وقت التنجيز، وأخرجنا
من المال ما يقابلها، لأن ذلك الوقت هو وقت التلف، والنقصان الطارئ لا يحسب
على الوارث، أما إذا لم يكن له مال غير ما نجزه فليس للوارث إلا ثلثاه، كما
ليس للميت إلا ثلثه زاد أو نقص، نعم لو فرض أن له مالا آخر لا تحصل به مقابلته
أعتق من العبد زيادة على ثلثه بمقدار ما يسعه ذلك المال على حسب القيمة وقت

(1) الوسائل الباب - 11 - من كتاب الوصايا الحديث 3 و 4 و 6 والباب - 39
و 67 - منه.
176

التنجيز، وبقي الباقي من العبد رقا، وما أدري ما الذي دعاه رحمه الله إلى التزام
ما ذكره في كلام ابن الجنيد في صورة النقيصة؟ كما أنه ما أدري ما الذي دعاه إلى التزام
ما ذكره في صورة الزيادة؟!.
ولعل المقام أشبه شئ بما التزمه البهائي رحمه الله في الوجه بالدائرة البركالية
لما كان في رواية (1) " ما دارت عليه الابهام والوسطى " ومن كان له أنس بعلم
الهيئة انساق إلى ذهنه ذلك، ولم يفسر دارت بما حوت الذي هو المراد.
ومن الغريب أن من تأخر عن العلامة اقتصر على نقل كلامه ولم يناقشه في
شئ، ولعله لذا فرض المسألة في القواعد فيما إذا كان النقصان بسبب التشقيص، أي
إذا كان له عبد مثلا لا غير قيمته ثلاثون، وباعتاقه الذي لا ينفذ إلا في ثلثه
ينقص إلى عشرة مثلا، مع أنه قال فيها: على إشكال ينشأ من أنه كالاتلاف ونقص
السوق وتفويت مال له، فلا يبطل تصرفه في ثلثه، ومن وجود المقتضي لبطلان العتق
فيما زاد على الثلث فيه، فلو كانت قيمته ثلاثين ورجع بالتشقيص كل جزء إلى
ثلث قيمته، ثم كسب ثلثين قبل الموت فعلى الثاني أي البطلان لولا الكسب يصح
العتق في شئ، وله من كسبه ثلاثة أشياء وللورثة ستة أشياء لأن المعتق منه في تقدير
ثلاثة أشياء من قيمته الأولى، لأن العبد يحسب عليه نقصان الجزء، لأنه لمنفعته، فكان
كالواصل إليه، ولا يحسب على الورثة نقصان جزئهم، لعدم وصوله إليهم، فالعبد
وكسبه في تقدير عشرة أشياء، فالشئ أربعة، ويحتمل أن يقال: عتق منه شئ وله
من كسبه شئ، وللورثة ستة أشياء، فالعبد وكسبه في تقدير ثمانية أشياء، فالشئ
خمسة، لأنه يؤخذ من حصته من الكسب ما فوت على الورثة من نصيبهم بالتشقيص
وهو شيئان، وينبغي أن يكون للورثة من نفسه وضمان التفويت وكسبه مثلا ما
انعتق خاصة، وهو كذلك هنا لأنه قد انعتق منه خمسة - وهي في تقدير خمسة
عشر - وفوت عليهم عشرة من نصيبهم من رقبته، فحصل لهم خمسة من نفسه،
وخمسة عشرة من كسبه، وعشرة مما فوت إلى آخر ما أطنب فيه في القواعد، فلاحظ

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب الوضوء الحديث 1.
177

وتأمل والله الهادي المؤيد والمسدد.
بقي شئ وهو أن ظاهر المتن وغيره بل هو صريح بعض أن الاعتبار بقيمة
الموصي به وقت الوفاة وإن تأخر تنفيذ الوصية عنها، كما لو فرض أنه أوصى بالعتق
وتأخر إيقاعه عنها.
وقد يقال: إن المتجه فيه اعتبار القيمة وقت التنفيذ لا وقت الوفاة وإن
استحق التنفيذ بها لكن المفروض عدم حصوله، فلا يحسب عليه ما قبله إذا فرض
زيادة قيمته بالنسبة إلى وقت التنفيذ، فتأمل جيدا، والله العالم.
(ولو أعتق الحامل تحرر الحمل ولو استثنى رقه على رواية السكوني (1)
عن أبي جعفر) عن أبيه عليهما السلام " في رجل أعتق أمته وهي حبلى فاستثنى ما في بطنها
قال: الأمة حرة وما في بطنها حر، لأن ما في بطنها منها " المؤيد بصحيح
الوشا (2) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " سألته عن رجل دبر جارية وهي حبلى
فقال: إن كان علم بحالها فإن ما في بطنها بمنزلتها، وإن كان لم يعلم فإن ما في
بطنها رق " وقد عمل بها الشيخ وبنو زهرة والبراج وسعيد.
ولكن قال المصنف رحمه الله (وفيه إشكال منشأه عدم القصد إلى عنقه)
ويدفعه أنه بعد العمل بالخبر المزبور يكون كالسراية التي لا تحتاج إلى قصد،
بل يتحقق مع قصد العدم ودعوى كونها في الأشقاص لا في الأشخاص كالاجتهاد
في مقابلة النص.
نعم قد يقال: بعدم صلاحية الرواية للعمل، لضعفها وعدم الجابر وموافقتها
للعامة، وأما الصحيح فهو معارض بالموثق (3) عن أبي الحسن الأول عليه السلام
" سألته عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية جارية نفيسة، فلم تدري المرأة

(1) الوسائل الباب - 69 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 3 - 2 من كتاب التدبير والمكاتبة.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 3 - 2 من كتاب التدبير والمكاتبة.
178

حال المولدة هي مدبرة أو غير مدبرة؟ فقال لي: متى كان الحمل بالمدبرة؟
أقبل أن دبرت أو بعد ما دبرت؟ فقلت: لست أدري، أجبني فيهما جميعا فقال:
إن كانت المرأة دبرت وبها حمل ولم تذكر ما في بطنها فالجارية مدبرة والولد
رق، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر بتدبير أمه " المعتضد
بالشهرة والأصول والقواعد وغيرها، ومن هنا ينقدح ضعف العمل بالرواية الأولى
زيادة على ما عرفت.
ولو أعتق بعض الحامل وقلنا بتبعية الحمل أو أدخله في العتق وتأخر الأداء
حتى وضعت بنى على ما مر، فعلى اعتبار الأداء يلتزم بقيمة نصيب الشريك من
الحمل منفصلا يوم الأداء، وعلى الآخر تقوم حبلى، والله العالم.
(تفريع:)
(إذا ادعى كل واحد من الشريكين) الموسرين مثلا (على صاحبه
عتق نصيبه كان على كل واحد منهما اليمين لصاحبه ثم يستقر رق نصيبهما) إن
قلنا إنه ينعتق بالأداء ولو على جهة الكشف، وإن قلنا إنه ينعتق بالاعتاق عتق من
غير أن يحلفا أخذا لها باقرارهما، بل في استسعاء العبد هنا نظر، من اعتراف كل
منهما باستحقاق قيمة نصيبه من الآخر لا من العبد، وتعذر الأخذ منه لا ينزله
منزلة الاعسار وإن اختاره في كشف اللثام، لكنه كما ترى، ولو كان المدعي
أحدهما فقد عرفت الكلام فيه سابقا.
ولو كانا معسرين عدلين ففي القواعد " فللعبد أن يحلف مع كل واحد منهما
ويصير حرا، أو يحلف مع أحدهما ويصير نصفه حرا، وإن كان أحدهما عدلا خاصة
كان له أن يحلف معه ولعل اقتصاره في ذلك على المعسرين للتهمة باعتبار القيمة
في الموسرين، فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر.
179

وفيه أنه يمكن جريانها باختصاص السعي به دون الآخر أيضا، بل بذلك توجهت
دعوى أحدهما على الآخر، وإلا فلا معنى لدعوى انسان على آخر أنه أعتق عبده،
وإنما ذلك من وظيفة العبد، كل ذلك بعد مشروعية اليمين من العبد هنا مع الشاهد
باعتبار كونه لدفع السعي عن نفسه وإن قلنا بعدم ثبوت العتق إلا بشاهدين.
مع أنه قد يناقش بأن دفع السعي عن نفسه للشريكين فرع ثبوت العتق
منهما، والفرض عدم ثبوته إلا بالشاهدين، ولا يمكن القول هنا بنفي السعي عنه
بذلك وإن لم يثبت العتق نحو ما قيل في دعوى السرقة بالنسبة إلى ضمان المال دون
الحد، ضرورة إمكان الانفكاك فيه بخلاف المقام، على أنه لا يتم في صورة عدالة
أحدهما، إذ الحلف على دعواه عتق شريكه يوجب السعي للمدعي لا نفيه عنه (1)
كما هو واضح.
هذا وفي المسالك في الصورة الأولى بعد أن حلف المدعي اليمين المردودة قال:
" ثم لو شهد هذا المدعي مع آخر ثبت العتق بشهادة الحسبة " وفيه إمكان منع
القبول وإن كان هو قد استحق القيمة بيمينه، فلا تهمة من هذه الجهة إلا أنه هو
مدع فيما شهد به كما في الشركاء المدعين فتأمل.
وكيف كان ففي صورة التداعي معسرين يخرج نصيب كل منهما باقراره
عن استقرار يده، ويسعى العبد في قيمته لهما بناء على ما عرفت من كون السعي بجميع
الكسب لا خصوص الجزء الحر وإلا فلا يمكنه السعي هنا فإن كلا منهما يأخذ
من كسبه ما قابل نصيبه لانكاره العتق فيه، فلا يحصل منه ما ينفك به.
ولو اشترى أحدهما بعد دعوى العتق على جهة الفداء نصيب صاحبه عتق عليه
ذلك، لاقراره، ولم يسر إلى النصف الذي كان له، ولا يثبت له عليه ولاء بإزاء هذا
الجزء، لأنه لم يصدر عتقه عنه، فإن مات ولم يكن له وارث سواه قيل كان ماله
مجهول المالك، فإن البائع يقول: إنه للمشتري، لكونه عبده، والمشتري يقول:
إنه للبائع بالولاء ولكن للمشتري أن يأخذ منه بقدر ما أداه من الثمن، فإنه يدعي

(1) وفي النسخة الأصلية المسودة والمبيضة " لا ينفيه عنه ".
180

أن البائع إنما أخذ ظلما وقد ظفر له بمال.
وفيه (أولا) أنه يجب عليه دسه في ماله لعلمه بكونه له و (ثانيا) أنه
لا ظلم من البائع بعد أن بذل هو الثمن له وأباحه له، فلا وجه لمقاصته فيه.
ولو أكذب نفسه في شهادته على شريكه بالعتق ليسترق ما اشترى منه لم
يقبل، لأنه إنكار بعد إقرار.
وأما الولاء لو أعتقه ففي القواعد احتمال أنه له باعتبار أن على العبد ولاء
شريكه لا يدعيه سواه، فيثبت له كما في كل مال يدعيه من لا منازع له وإن
تضمنت شهادته أولا باعتاق شريكه بطلان الولاء له في نصيب الشريك، لكنه كما
ترى ضرورة أنه ليس هو المعتق لهذا الجزء باعترافه أولا فهو لا يدعي ولاء إلا
بعد أن أقر بانتفائه عنه، فلا يسمع، ولعله لذا استقرب بعد ذلك انتفاء الولاء عنه،
لكن قال: نعم يثبت له المال لاعتراف البائع له بالاستحقاق، أي ومع ذلك هو
يدعيه، ولا يضر شهادته السابقة المتضمنة لانتفاء المال عنه، فإنه لم يكن حين
الشهادة مال نفسه، وحين حصول المال لا ينفيه ولا منازع، فهو حينئذ كمن أقر
بما في يده لآخر فأنكره ثم رجع وادعاه، وحينئذ لو مات المشتري قبل العبد ثم
مات العبد ورث العبد وارث المال: من الزوجة وغيرها، لا وارث الولاء، إلا أنه لا
يخلو من نظر وإن افترق المال والولاء بالاقرار وعدمه، لكن هذا المال لا طريق
إلى تملكه إلا الإرث بالولاء الذي قد فرض عدم ثبوته له فتأمل.
ولو أكذب البائع نفسه فأقر بعتق نصيبه بعد إكذاب المشتري نفسه قدم
قول البائع وإن كان مدعيا لفساد العقد، لتصادفهما حينئذ على الفساد بعد إلغاء
إكذاب المشتري، لكن لا ولاء له أخذا باقراره الأول، وهل له المال؟ يحتمل
لأنه يدعيه من صدقه المشتري حيث ادعى عليه العتق، ولا يسمع إكذابه نفسه
ثانيا، والعدم لأنه بالبيع الذي فعله إقرار بأن المال ليس له، فلا يسمع إكذاب
نفسه ثانيا، ولعله الأقوى.
181

ولو اشترى كل منهما نصيب صاحبه عتق أجمع باعترافهما، ولا ولاء
لأحدهما عليه لاقرارهما، فإن أعتق كل منهما ما اشتراه ثم أكذب نفسه في
شهادته ففي القواعد ثبت الولاء، وفيه نظر، وكذا في قوله: ولو أقر كل منهما
بأنه كان قد أعتق وصدق الآخر في شهادته بطل البيعان، ولكل منهما الولاء
على نصيبه فتأمل.
ولو كان أحدهما معسرا والآخر موسرا عتق نصيب المعسر خاصة إن قلنا
بتعجيل السراية، لاتفاقهما عليه بالمباشرة أو بالسراية، وإلا فنصيبه رق، لعدم
الأداء، أما نصيب الموسر فلا يعتق مطلقا، لانكاره المباشرة وعدم السراية بدعوى
المعسر ولا تقبل شهادته عليه، لأنه يجر إلى نفسه نفعا وحينئذ فيحلف ويبرأ من
القيمة والعتق، ولا ولاء لأحدهما في نصيب المعسر ولو أقام العبد شاهدا حلف معه
وعتق نصيب الموسر بناء على الاجتزاء بالشاهد واليمين فيه.
ولو أعتق المعسر من الثلاثة نصيبه تحرر واستقر رق الآخرين إن لم نقل
بالسعي، فإن أعتق الثاني نصيبه وكان موسرا سرى في حصة الثالث وكان ثلثا الولاء
للثاني.
وكيف كان فقد ظهر لك من جميع ما قدمناه أنه يعتبر في السراية زيادة على
كون المعتق بالغا جائز التصرف كون العتق باختياره، كما أشار إليه المصنف في
مسألة من ورث شقصا ولم يذكر المصنف غير ذلك لكن في القواعد اعتبر شروطا
أربعة: " الأول أن يكون موسرا، الثاني أن يعتق باختياره، الثالث أن
لا يتعلق بمحل السراية حق لازم كالوقف - قال - والأقرب السراية في الرهن والكتابة
والاستيلاد والتدبير، الرابع تمكن المعتق من نصيبه أولا، فلو أعتق نصيب
شريكه كان باطلا، ولو أعتق نصف العبد انصرف إلى نصيبه ولزم التقويم، ولو أعتق
الجميع صح ولزمه القيمة ".
وفيه أن الأول ليس شرطا للسراية، لما سمعت من حصولها مع الاعسار
واستسعاء العبد، ومرجع الرابع إلى عتق الشقص المملوك له ولو بعتق العبد أجمع
182

وأما الثالث فقد قيل في وجهه أنه ملك لله، فيمنع من البيع، فلا يصح التقويم
والشراء، وفيه أنه لا يتم على القول بانتقال الوقف إلى الموقوف عليه، وحينئذ
يتجه السراية لعموم الأخبار (1) خصوصا بعد ثبوت بيع الوقف في موارد، فلعله
منها، ولأنه انعتاق قهري فيكون كما لو عمي أو جذم، وخصوصا أيضا بعد ما قيل
في وجه الأقرب من أنه لا يمنع شئ منها، ولأن المالك أقوى منها، فإذا لم
يمنع من السراية فهي أولى، ولتغليب الحرية، اللهم إلا أن يناقش في الأخير بأنها
على خلاف الأصل، وبأنها حقوق لازمة مانعة من البيع، فتمنع من التقويم ولا
أقل من الشك، والأصل عدم السراية، ومنه ينقدح الشك فيها في الأول حتى
على القول بالانتقال، ولكن الأول لا يخلو من قوة.
وفي الدروس يشترط في السراية أن لا يتعلق بالشقص حق لازم كالوقف
والكتابة والاستيلاد ترجيحا لأسبق الحقين، وقيل بالسراية للعموم، والسراية
إلى الرهن أقوى، وأقوى منه التدبير، وأقوى منهما الوصية بعتق الشقص، والله
العالم.
(وإذا دفع المعتق قيمة نصيب شريكه) وقلنا بتوقف العتق على الأداء
وإلا فعلى التعجيل أو الكشف يحصل العتق بالصيغة (هل ينعتق عند الدفع أو
بعده؟ فيه تردد، والأشبه) عند الشيخ (أنه بعد الدفع ليقع العتق عن ملك و)
لكن (لو قيل بالاقتران كان حسنا) كما سمعته في عتق المأمور، لظهور
الأدلة في انعتاقه بمجرد الأداء، فجمع بينه وبين ما دل (2) على أنه " لا عتق
إلا في ملك " بذلك، ويكون الترتيب بينهما حينئذ ذاتيا لا زمانيا، نحو ما سمعته
في شراء القريب وانعتاقه عليه، بل قد يقال: لا داعي هنا إلى ذلك بعد ظهور

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق.
(2) الوسائل الباب - 5 - من كتاب العتق الحديث 2 وفيه " لا عتق إلا بعد
ملك ".
183

الأدلة بالانعتاق بالأداء الذي هو من المولى كالكسب من العيد، ولا دليل على
اعتبار الدخول في الملك في ثبوت الولاء له، إذ يمكن القول بالاكتفاء بذلك في
ثبوته له.
وعلى كل حال فلا إشكال في عدم احتياج العتق هنا إلى صيغة وإن أوهمه
بعض النصوص (1) السابقة التي عبر بمضمونها بعض القدماء. ومن ذلك أشكل
الحال على بعض الأفاضل، لكنه في غير محله، ضرورة معلومية الحكم المقتضية
لتنزيل ما في النصوص المزبورة على إرادة العتق بالأداء، كما أشرنا إليه سابقا.
ثم إن الظاهر تبعض الحرية بتبعض القيمة كما في السعي، لكن هل للمولى
الامتناع من قبض البعض؟ يحتمل ذلك، بل قد يحتمل عدم انعتاق البعض لو فرض
إعساره عن الجميع وإن كان الأقوى خلافه، والله العالم.
(وإن شهد بعض الورثة) على مورثهم (بعتق مملوك لهم مضى العتق
في نصيبه) بلا إشكال ولا خلاف، فإن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز أو كونه
بصورة الشهادة (2) لا ينافي كونه إقرارا أيضا.
كما أنه لا إشكال (و) لا خلاف في أنه (إن شهد آخر) معه (وكانا
مرضيين) للشهادة (نفذ العتق فيه كله) لعموم حجية البينة (وإلا) يكونا
مرضيين (مضى) العتق (في نصيبهما) للاقرار (ولا يكلف أحدهما شراء
الباقي) لعدم كونه معتقا، لكن يستسعى المملوك، لصحيح محمد بن مسلم (3)
عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن رجل ترك مملوكا بين نفر فشهد أحدهم أن الميت
أعتقه، قال: إن كان الشاهد مرضيا لم يضمن، وجازت شهادته، واستسعى العبد فيما
كان للورثة " ونحوه خبر منصور (4) عن الصادق عليه السلام قال " سألته عن رجل هلك

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 2 و 3.
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة. وفي المسودة " وكونه بصورة الشهادة... "
وهو الصحيح.
(3) الوسائل الباب - 52 - من كتاب العتق الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 52 - من كتاب العتق الحديث 1 - 2.
184

وترك غلاما فشهد بعض ورثته أنه حر، قال: إن كان الشاهد مرضيا جازت شهادته،
ويستسعى فيما كان لغيره من الورثة ".
وعن الصدوق وابن الجنيد العمل بهما، بل عن الشيخ في النهاية استسعاء العبد
في الباقي وإن لم يكن مرضيا، وفي المختلف الوجه مضي الاقرار في حق المقر سواء
كان مرضيا أو لا، ولا يجب السعاية، ثم احتمل كون وجه التفصيل بين المرضي
وغيره بالنسبة إلى السعي أن عدالته تنفي التهمة في تطرق الكذب عليه، فيمضي الاقرار
في حقه خاصة، وأما في حق الشركاء فيستسعى العبد، كمن أعتق حصته من عبد
ولم يقصد الاضرار مع إعساره، وأمنا إذا لم يكن الشاهد مرضيا فإنه لا يلتفت إلى
قوله إلا في حقه خاصة، ولا يستسعى العبد، بل يبقى حصص الشركاء فيه على
العبودية، ويحكم في حصته بالحرية، ولكن قال بعد ذلك: " وهذا عندي محمول
على الاستحباب عملا بالرواية ".
وفيه أنه لا داعي إلى حملها على ذلك مع عدم المعارض وجامعيتها لشرائط
العمل، نعم لا وجه للتعدية عنها إلى وجوب السعي وإن لم يكن مرضيا بلا دليل،
ويمكن أن يريد الفاضل عدم وجوب السعي على العبد، لما عرفت من أن ذلك راجع
إلى اختياره، فلا يكون مخالفا، كما أن يمكن دعوى أنه يستفاد من النص (1)
والفتوى تسلط العبد على الفك ولو بالسعي متى ثبت عتق شقصه ولو قهرا أو بإقرار
بنفي الشريك فيه، فلاحظ وتأمل، فإنه لا يخلو من نظر أو منع، خصوصا بالنسبة
إلى الأخير، بل وسابقيه بناء على اختصاص أم الولد بالدليل، وربما يأتي
مزيد تحقيق لذلك، والله العالم. هذا كله في إزالة الرق بالسراية.
(وأما) إزالته ب‍ (الملك فإذا ملك الرجل أو المرأة) اختيارا أو
اضطرارا (أحد الأبوين وإن علوا أو أحد الأولاد ذكرانا وإناثا) أو خناثا
(وإن نزلوا انعتق في الحال) بلا خلاف أجده فيه نصا (2) وفتوى، بل الاجماع

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب العتق.
(2) الوسائل الباب - 7 و 9 - من كتاب العتق.
185

بقسميه عليه.
(وكذا لو ملك الرجل إحدى المحرمات عليه نسبا) كالعمة والخالة
وبنت الأخ (و) بنت الأخت. نعم (لا ينعتق على المرأة سوى العمودين)
أي الآباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا بالاتفاق كما في كشف اللثام، إلا في الزوج
ففيه خلاف، قلت: في المقنعة إلحاق الأخ والعم والخال بالعمودين، لكنه شاذ، بل
النص والفتوى على خلافه.
(ولو ملك الرجل) أو المرأة (من جهة الرضاع من ينعتق عليه) أو
عليها (بالنسب هل ينعتق عليه) وعليها؟ (فيه روايتان) (1) وقولان
(أشهرهما) رواية وفتوى (العتق) كما تقدم ذلك كله وغيره مفصلا في بيع
الحيوان (2)، فلاحظ وتدبر.
وكذا تقدم فيه (3) وفي كتاب الكفارات (4) (و) في هذا الكتاب
أنه (يثبت العتق حين يتحقق الملك) لا بعده آنا، كما عن المبسوط، ولا أنه
لا ملك، كما عن بعض وإن أوهمه بعض النصوص (5) النافية له المحمول على
إرادة المستقر.
بل (و) تقدم أيضا أن (من ينعتق كله بالملك ينعتق بعضه بملك ذلك البعض)
لاطلاق الأدلة (و) أنه (إذا ملك) اختيارا (شقصا ممن ينعتق عليه لم يقوم عليه
إن كان معسرا) ضرورة عدم زيادته على عتق ذلك مباشرة (وكذا لو ملكه بغير
اختياره) وإن كان موسرا، خلافا لما سمعته من الشيخ في الخلاف. (و) قد

(1) الوسائل الباب - 8 - من كتاب العتق.
(2) راجع ج 24 ص 141 - 146.
(3) راجع ج 24 ص 141.
(4) راجع ج 33 ص 243 - 244.
(5) الوسائل الباب - 7 - من كتاب العتق الحديث 2 و 3 و 5.
186

عرفت ضعفه، نعم (لو ملكه اختيارا وكان موسرا قال الشيخ: يقوم عليه، وفيه
تردد) قد عرفت منشأه، وتحقيق الحال فيه وفي غيره في كتاب الكفارات (1)
فلاحظ، والله العالم.
(فرعان:)
بل فروع
(الأول:)
لو أوصى له ببعض ولده فمات بعد موت الموصى قبل القبول فقبله أخوه له
ملكه على الأصح، لكن في القواعد وشرحها للإصبهاني " سرى في باقيه على الميت
إن خرج قيمة الباقي من الثلث، لاعساره فيما زاد عليه، وذلك لتنزل قبوله منزلة
قبول الموصى له، فكأنه قبل في الحياة، وقبوله كاشف عن ملكه حين مات الموصي "
وفيه أن قبول الأخ يملكه لا الميت، كما تقدم تحقيقه في كتاب الوصايا.
ومنه يعلم ما في قوله أيضا " ولو أوصى له ببعض ابن أخيه فمات وأخوه وارثه
فقبله أخوه له لم يقوم الباقي على الأخ، لأن الملك يحصل للميت أولا، لقبول
الوارث له ثم له بالإرث، فكأنه حصل له الملك بغير اختياره " إذ قد عرفت أن الذي يملك
بالقبول الوارث لا الميت الذي خرج عن قابلية الملك، والوارث إنما قام مقامه في
استحقاق تملك الموصى به بالقبول للأدلة الدالة عليه، ولذا لا تتعلق به ديون الميت
ولا وصاياه، بل لو قصد القبول للميت بطل، لعدم ما يدل على مشروعيته على
وجه يترتب عليه الحكم المزبور، وعلى هذا فالمتجه في الفرض التقويم على
الوارث.
بل في القواعد احتمال ذلك على الأول أيضا، لأنه في الحقيقة حصل باختياره
وإن بعد بواسطة قال: " وكذا الاحتمال لو رجع إليه بعض قريبه الذي ينعتق عليه

(1) راجع ج 33 خصال الكفارات: الوصف الثالث.
187

برد عوضه بالعيب " أي كما لو باع بعض أخيه بعين ثم مات البائع، ولم يخلف
إلا ابن أخيه، ثم ظهر في العين عيب فرده، فرجع إليه البعض من أبيه، فيقوم
عليه، لحصول الملك له باختياره بواسطة، ومقتضى ذكره ذلك احتمالا أن الأقوى
عنده خلافه، ولعله لما قيل من أنه إنما اختار رد العوض والرجوع حصل بغير
اختياره، لكنه كما ترى، ضرورة أن اختيار المسببات باختيار أسبابها.
(الثاني:)
لو اشترى هو وأجنبي صفقة قريبه الذي ينعتق عليه عتق كله مع يساره،
وضمن قيمة حصة شريكه.
الثالث:
لو اشترى الزوج والولد أمه صفقة وهي حامل ببنت سرى على الولد في الأم،
وقومت حصة الزوج منها على الابن، لأنها تنعتق عليه دونه، وعتقت البنت عليهما
معا، لأنها بنت الزوج وأخت الابن، وليس لأحدهما على الآخر شئ من
قيمتها، وكذا لو وهبت الأم لهما فقبلاها دفعة، ولو قبلها الابن أولا عتقت عليه
هي وحملها وغرم قيمة الأم حاملا للواهب دون الزوج الذي لم يحصل له ملك
بسبب التلف قبل قبوله وإن احتمل، لكنه واضح الضعف. ولو قبل الزوج أولا عتق
عليه الولد كله وعليه قيمة نصفه للواهب، ثم إذا قبل الابن عتقت عليه الأم كلها
ويغرم نصف قيمتها للزوج، والله العالم.
188

الرابع:
(إذا أوصى) مثلا (لصبي أو مجنون بمن ينعتق عليه فللولي أن يقبل
إن لم يتوجه به ضرر على المولى عليه) فانفاق ونحوه، بل ربما احتمل الوجوب،
وهو أحوط، (فإن كان فيه ضرر لم يجز القبول، لأنه لا غبطة) للمولى عليه،
بل فيه فساد، وذلك (كالوصية بالمريض الفقير تفصيا من وجوب نفقته) على
المولى عليه، وحينئذ فلو قبل على هذا الحال كان القبول باطلا، نحو شراء الولي قريب
الطفل الذي ينعتق عليه، لأنه إتلاف محض.
الخامس (1):
(إذا أوصى له ببعض من ينعتق عليه وكان معسرا جاز القبول) أو وجب.
(ولو كان المولى عليه موسرا قيل: لا يقبل، لأنه يلزمه افتكاكه) وإن لم تجب
نفقته، (والوجه) عند المصنف والأكثر على ما في المسالك (القبول، إذ الأشبه
أنه لا يقوم عليه) لدخوله في ملكه بغير اختياره، والأصل البراءة، وإن كان
قد يناقش بأن اختيار المولى كاختياره، ولكن الأقوى عدم التقويم،
والله العالم.
(وأما) زوال الرق ب‍ (العوارض فهي) أمور: منها (العمى والجذام
والاقعاد) بلا خلاف أجده في شئ منها، بل ظاهر غير واحد الاجماع عليه، بل
عن الشيخ في الخلاف الاجماع صريحا في الأخير والأول، لقول الصادق عليه السلام في

(1) وهو ثاني الفرعين من الشرائع.
189

الصحيح (1): " إذا عمى المملوك عتق " وفي خبر السكوني (2): " قال رسول
الله صلى الله عليه وآله إذا عمى المملوك فلا رق عليه، والعبد إذا جذم فلا رق عليه " وفي خبره
الآخر (3) عنه أيضا عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " العبد الأعمى
والأجذم والمعتوه لا يجوز في الكفارات، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله أعتقهم " وفي خبر
أبي البختري (4) أن أمير المؤمنين عليه السلام قال: " لا يجوز في العتاق الأعمى والمقعد "
وعن ابن الجنيد في حديث أهل البيت عليهم السلام (5) " أن الرسول صلى الله عليه وآله قال: إذا عمى
المملوك أو جذم فلا رق عليه " وعن أمير المؤمنين عليه السلام (6) " من أصابته زمانة في جوارحه
وبدنه ومن نكل به مولاه فهو حر لا سبيل عليه سائبة " وقال أبو جعفر عليه السلام في خبر
الجعفي (7): " إذا عمى المملوك أعتقه صاحبه، ولم يكن له أن يمسكه " بل عن
ابن حمزة إلحاق البرص بالجذام، ولم أقف له على دليل.
(و) منها (إسلام المملوك في دار الحرب سابقا على مولاه) وخرج منها
إلينا بلا خلاف أجده، بل عن صريح المختلف وظاهر غيره الاجماع عليه، مضافا

(1) الوسائل الباب - 23 - من كتاب العتق الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب - 23 - من كتاب العتق الحديث 1 - 2
(3) الوسائل الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث 3 من كتاب الايلاء
والكفارات.
(4) الوسائل الباب - 23 - من كتاب العتق الحديث 4.
(5) الظاهر أن ابن الجنيد (قده) اقتبس ذلك من رواية السكوني المتقدمة والمروية
في الوسائل الباب - 23 - من كتاب العتق الحديث 2.
(6) الظاهر أن ابن الجنيد (قده) اقتبس ذلك من رواية السكوني المتقدمة
والمروية في الوسائل الباب - 27 - من أبواب الكفارات الحديث 3 ورواية أبي بصير الآتية
والمروية في الوسائل الباب - 22 - من كتاب العتق الحديث 2.
(7) الوسائل الباب - 23 - من كتاب العتق الحديث 6.
190

إلى الخبر (1) " أيما عبد خرج إلينا قبل مولاه فهو حر وأي عبد خرج إلينا بعد
مولاه فهو عبد " بل عن ظاهر المبسوط وصريح الحلي - وإن كنا لم نتحقق
الأخير - ذلك وإن لم يخرج، لآية نفي السبيل (2) خلافا للمشهور للأصل
وظاهر الخبر السابق (3)، وتمام الكلام فيه في كتاب الجهاد (4).
(و) منها (دفع قيمة الوارث) الذي لا وارث لقريبه غيره، وقد أشبعنا
الكلام فيه في كتاب الموارث، فلاحظ وتأمل.
(وفي عتق من مثل به مولاه تردد) وخلاف (و) لكن (المروي)
في مرسل جعفر بن محبوب (5) عن الصادق عليه السلام (أنه ينعتق) قال: " كل
عبد مثل به فهو حر " وقال أبو جعفر عليه السلام في صحيح أبي بصير (6): " قضى
أمير المؤمنين عليه السلام فيمن نكل بمملوكه أنه حر لا سبيل له عليه، سائبة " إلى
آخره، وعن الصدوق " أنه روى في امرأة قطعت يدي وليدتها أنها حرة لا سبيل
لمولاتها عليها " (7) إلى غير ذلك من النصوص المنجبرة بالشهرة العظيمة التي
لا مخالف لها إلا ابن إدريس لأصله الذي قد تحقق ضعفه في محله، بل عن الشيخ
في الخلاف الاجماع عليه، فمن الغريب تردد المصنف في ذلك، وأغرب منه الوسوسة
من بعض الناس في الحكم في الأسباب الأولة التي لم يخالف فيها ابن إدريس أيضا،
والتحقيق ما عرفت.
والتنكيل: إذا جعله نكالا وعبرة لغيره، كما في الصحاح، كما أن فيه أيضا
" مثل به يمثل مثلا: أي نكل، والاسم المثلة بالضم، ومثل بالقتيل جذعه،

(1) الوسائل الباب - 44 - من أبواب جهاد العدو الحديث 1 من كتاب الجهاد.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 141.
(3) الوسائل الباب - 44 - من أبواب جهاد العدو الحديث 1 من كتاب الجهاد.
(4) راجع ج 21 ص 45 و 146.
(5) الوسائل الباب - 22 - من كتاب العتق الحديث - 1 - 2 - 3
(6) الوسائل الباب - 22 - من كتاب العتق الحديث - 1 - 2 - 3
(7) الوسائل الباب - 22 - من كتاب العتق الحديث - 1 - 2 - 3
191

والمثلة بفتح الميم وضم الثاء العقوبة، والجمع المثلات وأمثلة، جعله مثلة "
إلى آخره.
وعلى كل حال فليس في كلام الأصحاب ما يدل على شئ مخصوص، بل
اقتصروا على تعليق الحكم على مجرد الاسم تبعا لاطلاق النص، وقد سمعت مرسل
الصدوق، ومن طرق العامة روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده زنباع أبي
روح (1) " أنه وجد غلاما مع جارية له فجدع أنفه وجبه، فأتى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: من فعل هذا بك؟ فقال: زنباع، فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال ما حملك على
هذا؟ فقال: كان من أمره كذا وكذا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اذهب فأنت حر "
وظاهرها أن الجب تنكيل وتمثيل وليس ببعيد.
ويتفرع على ذلك انعتاق الخصيان على مواليهم الذين يفعلون بهم ذلك،
فلا يصح شراؤهم لمن يعلم بالحال، نعم لا بأس به مع اشتباه الحال، كما لا بأس
بالشراء مع الشك في حصول التنكيل بقطع بعض الإذن الواحدة أو نحو ذلك للأصل
وغيره.
ثم إن الظاهر عدم الفرق في اقتضاء الأسباب المذكورة الانعتاق بين كونها
بفعل الله أو بفعل العبد، لحصول مسماها الذي هو العنوان، نعم يختص التنكيل
فيها بالمولى.
ولو كان له بعض العبد فنكل به انعتق عليه وضمن قيمة الشقص لشريكه بناء
على أن اختياره للسبب اختيار للمسبب، فهو حينئذ كشراء من ينعتق عليه،
واستشكل فيه في الدروس من ذلك ومن تحريم السبب، والله العالم.
(وقد يكون التدبير والمكاتبة والاستيلاد سببا للعتق) وذلك إذا جمع
الشرائط الآتية التي منها موت المولى والولد حي وارث، وكون موت المولى من

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 36 وفيه " عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو
ابن العاص قال: كان لزنباع.. " مع اختلاف في لفظ الحديث أيضا.
192

فعل الله تعالى دون الاستيلاد لا يقتضي رفع سببيته، كما أن عمى العبد وإقعاده من
أسباب العتق وإن كان من قبل الله تعالى، واشتراط المباشرة في السبب تحكم،
وفي الحقيقة هذه الأسباب علامات لحكم الله تعالى بالعتق سواء كان بفعل الله تعالى
أو بفعل المكلف، نعم يمكن أن لا يجعل الاستيلاد سببا باعتبار أن موت المولى
مع بقاء الولد يوجب انتقال أم الولد إلى ملكه أو بعضها، فتنعتق عليه بالملك لا
بالاستيلاد، ولكن الأمر سهل إذ لا فائدة مهمة في ذلك.
وكيف كان فلما كان الاستيلاد سببا في زوال الرق كالتدبير والكتابة
(فلنذكر الفصول الثلاثة في كتاب واحد، لأن ثمرتها إزالة الرق) وهي
مشتركة بينها.
193

(كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد)
(التدبير هو) تفعيل من الدبر، والمراد به هنا تعليق الحكم بدبر الحياة،
وإليه يرجع ما قيل من أنه سمي تدبيرا، لأنه دبر أمر دنياه باستخدامه واسترقاقه
وأمر آخرته باعتاقه، لأن التدبير في الأمر مأخوذ من الدبر أيضا، بمعنى النظر في
عواقب الأمور وأدبارها.
وعلى كل حال فلا خلاف بين المسلمين في تحققه بانشاء (عتق العبد) أي
المملوك معلقا له على ما (بعد وفاة المولى) أي عندها على نحو غيره من التعليق.
(و) إنما الخلاف (في صحة تدبيره بعد وفاة غيره كزوج المملوك ووفاة من
يجعل له خدمته) ومن هنا قال المصنف: فيه (تردد أظهره الجواز) وفاقا للشيخ
وأتباعه، بل المشهور (ومستنده النقل).
وهو صحيح يعقوب بن شعيب (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام الرجل يكون
له الخادم ويقول هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرة، فتأبق الأمة قبل
أن يموت الرجل بخمس سنين أو ست سنين ثم يجدها ورثته، ألهم أن يستخدموها
إذا بقت، قال: إذا مات الرجل فقد عتقت ".

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب التدبير الحديث 1.
194

وخبر محمد بن جهم (1) المنجبر بالشهرة وبرواية الحسن بن محبوب عنه
الذي هو من أصحاب الاجماع قال: " سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام رجل
زوج أمته من رجل آخر وقال لها: إذا مات الزوج فهي حرة فمات الزوج، قال:
إذا مات الزوج فهي حرة تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ولا ميراث لها منه، لأنها
إنما صارت حرة بعد موت الزوج " وأسند الأول في الكفاية إلى صحيح محمد بن مسلم
وإن كنا لم نتحققه.
ومن ذلك يظهر لك النظر فيما أنكره في المسالك وغيرها على المصنف وغيره،
حتى قال: " إنما الموجود من النقل صحيح يعقوب الذي هو مختص بوفاة المخدوم،
فتعديه إلى غيره غير مستند إلى النقل، فإن روعيت الملابسة وهي لا تخرج عن ربقة
القياس فلا وجه، لاختصاصه بهذين، لأن وجوه الملابسة لا تنحصر، ويجئ على
هذا جواز تعليقه بوفاة مطلق الملابس، بل مطلق الناس، لفقد ما يدل على غير
المخدوم، وهو قول في المسألة وربما قيل بجواز تعليقه بموت غير الآدمي لاشتراك
الجميع في معنى التدبير لغة، وهو تعليق العتق على الوفاة، وأكثر الأصحاب لم
يتعرضوا لغير المروي، وهو الأنسب، لكن يبقى فيه أن الصحيح وارد في الأمة
فتعديته إلى العبد لا يخلو من نظر، وما اشتهر من أن خصوصية الذكورية والأنوثية
ملغاة وأن الطريق متحد لا يقطع الشبهة وإن كان متجها " إذ هو كما ترى وإن تبع
في أكثره الشهيد.
ومن الغريب دعوى تحقق التدبير بالتعليق على وفاة غير الآدمي بل لا أعرف
القائل به، وما سمعته عن ابن الجنيد إنما هو في العتق المعلق، بل يمكن دعوى
حصول القطع من النص والفتوى بخلافه، إذ نحن في عويل من تحققه بموت غير

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب التدبير الحديث 2 والباب - 65 - من
أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 من كتاب النكاح. وفي كلا الموضعين عن محمد
ابن حكيم كما في التهذيب ج 8 ص 213 - الرقم 760 والفقيه ج 3 ص 302 - الرقم
1445.
195

المولى ولو المخدوم والزوج، حتى أن ابن إدريس أنكره فيهما، وهو في محله،
فإن المستفاد من نصوص الباب وفتاوى الأصحاب كون التدبير التعليق على وفاة المولى،
وليس في الخبرين المزبورين دلالة على صحته تدبيرا، فيمكن جواز خصوص هذا
الفرد من العتق معلقا للخبرين المزبورين بعد كونهما من حجة ولو من جهة
الانجبار، ولا يتعدى إلى غير مضمونهما، أو تأويلهما بما يرجع إلى شرط الخدمة
في العتق أو النذر وأخويه أو غير ذلك، أو حملهما على التقية، أو تأويل الصحيح بما
يرجع إلى التدبير، بدعوى إرجاع الضمير إلى المولى، كما أطنب به المقداد في
التنقيح، وإن كان هو كما ترى.
وبذلك يظهر لك النظر في كلمات كثير من الناس، إذ المحصل منها
تحقق التدبير بالتعليق على الوفاة ولو غير الآدمي أو خصوص المولى والمخدوم أن
هما مع الزوج أو مطلق الملابس أو مطلق الآدمي، وفي المسالك بناء الخلاف على
كونه وصية أو عتقا، فلا يصح تعليقه على غير المولى على الأول بخلاف الثاني،
مع أنه يمكن استثناء هذا الفرد من الوصية للخبرين، مع فرض دلالتهما على صحته
تدبيرا، والتحقيق ما عرفت.
وربما يومئ إليه جعل المصنف مضمون الصحيح مسألة مستقلة في آخر كتاب
التدبير فقال: " ولو جعل خدمة عبده لغيره ثم قال: هو حر بعد وفاة المخدوم
صح على الأصح " ونحوه الشهيد في الدروس قال: " كتاب المدبر وهو المعلق
عتقه بموت المولى، لأن المولى دبر الحياة فالموصى بعتقه ليس مدبرا والتعليق
بموت غير المولى إن جعل له الخدمة نافذ في صحيح يعقوب بن شعيب (1) عن
الصادق عليه السلام وحمل عليه الزوج وطرد بعضهم في الموت مطلقا وقصره ابن إدريس
على موت المولى، ويظهر من ابن الجنيد جواز تعليقه على موت الغير مطلقا، وسماه
تدبيرا، والقاضي لو علق العتق بوقت تحرر عنده، وله الرجوع فيه، وكذا لو علقه

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب التدبير الحديث 1.
196

بقدوم زيد أو برؤيته " وهو كالصريح في أن ذلك مسألة مستقلة لا أنها من التدبير
على وجه يجري عليه أحكامه التي ستعرفها. وكذا الشيخ في النهاية، بل والمفيد في
المقنعة وغيره.
بل يومئ إليه تصريح الصحيح (1) بعدم بطلان تحريره بالإباق ولو
كان تدبيرا لبطل، ودعوى اختصاص الحكم المزبور في خصوص المعلق على وفاة
المولى ليس بأولى من القول بأن ذلك لعدم كونه تدبيرا، بل الثاني أولى، لظهور
أدلة بطلانه بالإباق في الأعم.
بل قد يدعى اتفاق أهل الشرع واللغة والعرف على ذلك، ولذا حكي في
التنقيح عن ابن إدريس دعوى إجماع المسلمين عليه مقرا على ذلك، بل ظاهر الخصم
ذلك، ضرورة استناده في المعلق على وفاة المخدوم والزوج إلى النقل الذي قد يدعى
أنه لا دلالة فيه، لا إلى صدق التدبير، بل التأمل في عبارة الفاضل في المختلف يقتضي
الاعتراف بعدم كونه تدبيرا عرفا.
وأول من اشتبه عليه الأمر - فظن أن ذلك من التدبير على وجه تجري عليه
أحكامه لذكرهم إياه في كتاب التدبير للشبه به - ابن حمزة في الوسيلة وتبعه المصنف
في الكتاب واقتفاه تلميذه الفاضل في جملة من كتبه، وتبعهما الشهيد في غاية المراد،
وجرى على منوالها ثاني الشهيدين، وتبعه الصيمري والفاضل الإصبهاني في شرحه
على القواعد، والسيد في الرياض وغيرهم، وأخذ بعضهم كلام بعض على وجه يظهر
للمتأمل فيه أن كلا منهم قد استمد من الآخر، ولكن التحقيق ما عرفت، والله
الموفق والهادي.
وحينئذ فيجري عليه حكم العتق المعلق لا التدبير، فيحسب من تصرفات
المالك في حال صحته لو فرض موت المعلق عليه في حياة المولى إذا فرض وقوع ذلك
في حال صحته ولا يبطل بالإباق، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب التدبير الحديث 1.
197

(و) كيف كان فتمام (العلم به) أي التدبير (يستدعي
ثلاثة مقاصد:)
(الأول:)
(في العبارة وما يحصل به التدبير)
(و) لا خلاف ولا إشكال في أن اللفظ (الصريح أنت حر بعد وفاتي)
من غير حاجة إلى قول: " أنت رق في حياتي " كما عساه يظهر من الشيخين أو
يتوهم (أو إذا مت فأنت حر أو عتيق أو معتق) وإن تردد فيه المصنف في
صيغة العتق، إلا أنك قد عرفت هناك تحقيق الحال وأن لفظ العتق أكثر
استعمالا من لفظ التحرير، فالصيغة به من الصريح قطعا، والتدبير أولى
منه بذلك.
بل لا يبعد صحته بغير الجملة الإسمية مثل حررتك وأعتقتك بعد وفاتي وإن
سمعت الخلاف فيه في العتق، ولكن ظاهر المتن حصر اللفظ الصريح بما ذكره،
ومقتضاه عدم جواز غيره، لأنه صريح، بل ظاهر المسالك وكشف اللثام الاجماع
على عدم وقوعه بالكناية، إلا أنه لا يخفى عليك ما في دعوى عدم صراحة غير ما ذكر،
ضرورة عدم الاشكال في صراحة " حررتك " و " أعتقتك ".
كما أنه لا يخفى عليك ما في دعوى عدم الاجتزاء بها وإن كانت صريحة، ضرورة
اقتضاء إطلاق الأدلة خلافها، بل لم نعرف أحدا صرح بعدم الاجتزاء بها وإن كانت
صريحة، نعم قد سمعت ذلك في العتق، ودعوى اتحاده مع التدبير بالنسبة إلى ذلك
ممنوعة وإن قلنا إنه قسم من العتق، لكنه يمكن التوسعة فيه، كما يومئ إليه
198

ما ستعرفه من صحته بأنت مدبر (وبالجملة) لا إجماع قطعا على عدم الاجتزاء بها
وإن كانت صريحة، فاطلاق الأدلة حينئذ بحالها، نعم إن كان هناك إجماع فهو
بالنسبة إلى الكناية لا إلى الصريح، كما هو واضح.
(و) على كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أنه (لا عبرة باختلاف
أدوات الشرط) لاطلاق الأدلة ولحصول الاختلاف في المأثور منها (وكذا لا عبرة
باختلاف الألفاظ التي يعبر بها عن المدبر كقوله: هذا أو هذه أو أنت) أو هو
(أو فلان) بل وغير ذلك مما يدل عليه حقيقة أو مجازا كما سمعته
في موضوع العتق. (وكذا لو قال متى مات أو أي وقت أو أي حين) أو
غير ذلك.
(وهو) على المشهور (ينقسم إلى مطلق كقوله: إذا مت، وإلى مقيد)
بشرط أو شروط (كقوله: إذا مت في سفري هذا أو في مرضي هذا، أو في سنتي هذه
أو في شهري أو في شهر كذا) أو حتف أنفي أو قتلت أو في بلد كذا أو نحو ذلك،
لاطلاق الأدلة، وخصوص صحيح ابن حازم (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
قال: إن حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
يرد من وصيته ما شاء ويجيز ما شاء " الحديث وحينئذ فإن مات على الصفة المزبورة
عتق وإلا فلا، خلافا لموضع من المبسوط، فألحق التدبير المقيد بالمعلق على الشرط،
فحكم ببطلانهما، نظرا إلى اشتراكهما في التعليق، واقتصارا في مخالفة التنجيز على
المتيقن من النصوص والفتاوى، وفيه أن أطلاق أدلة التدبير كاف في الحكم
بجوازه. خصوصا بعد الشهرة العظيمة، على أنه في الخبر (2) " رجل قال: إن
حدث بي حدث في مرضي هذا فغلامي فلان حر، قال: يرد من وصيته ما شاء
ويجيز منها ما شاء ".
(ولو قال: أنت مدبر واقتصر لم ينعقد) كما عن الخلاف، للأصل المقتصر
في الخروج منه على المتيقن، خصوصا بعد معلومية كون التدبير قسما من العتق الذي

(1) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الوصايا الحديث 8.
(2) الوسائل الباب - 18 - من كتاب الوصايا الحديث 8.
199

قد عرفت الاجماع على عدم وقوعه بالكناية التي منها ذلك، بل ظاهر المسالك
وكشف اللثام وغيرهما الاجماع هنا أيضا على عدم الوقوع بالكناية، ولأنه
إما عتق فلا بد فيه من صريح لفظه، أو وصية به فلا بد من التصريح
بالموصى به.
لكن قد يناقش بمنع كونه منها، بل هو من الصريح لغة وعرفا فيه، بل
قيل: إنه كان معروفا في الجاهلية، ولا ينافي كونه فردا من مطلق العتق اختصاصه
بلفظ لا يصح في المطلق نحو ما سمعته في الخلع، لصراحته فيه دونه، ولعله لذا كان
خيرة الفاضل الوقوع بها، كما عن القاضي وأبي علي والمبسوط، بل في الرياض
نسبته إلى جمع كثير، بل حكي عن الأولين تحقق التدبير به مع القصد وإن
كان كناية، لكنه كما ترى بناء على تحقق الاجماع على عدم جواز التدبير بها،
هذا كله إذا اقتصر.
(أما لو قال: فإذا مت فأنت حر صح) إجماعا بقسميه (وكان الاعتبار
بالصيغة لا بما تقدمها) كما هو واضح.
(ولو كان المملوك لشريكين) مثلا بالسوية أو التفات (فقالا) دفعة
أو ترتيبا: (إذا متنا فأنت حر) وأطلقا لفظا ونية (انصرف قول كل واحد
منهما إلى نصيبه وصح التدبير) كما عن المبسوط، لأن اللفظ كما هو صالح
لتعليق العتق على شرط فهو صالح أيضا لتعليق نصيب كل منهما على وفاة نفسه،
فيحمل على الصحيح صونا لكلامه عن الهذر وترجيحا لجانب الصحة الموافق لغرض
الشارع مع إمكان حمله عليه.
وفيه - مع أنه مبني على عدم جواز التعليق على وفاة الغير على جهة التدبير أو
غيره - أن الأصل المزبور لا يغير ظاهر اللفظ الذي هو التعليق على وفاة الغير،
ضرورة كونه إنشاء لا يتحقق بالنسبة إلى موت الآخر إلا بتعليقه عليه، بخلافه
على ما ذكر، فإنه يكون إنشاء بالنسبة إلى تعليق نصيبه على وفاة نفسه، وإخبارا
200

بالحكم بالنسبة إلى الحكم بعتقه أجمع على تقدير وفاتهما، وحينئذ فالمتجه بناء
صحته وبطلانه على جواز تعليقه على وفاة الغير تدبيرا أو غيره وعدمه، وقد عرفت
أن التحقيق عدم جوازه مطلقا إلا في خصوص مضمون الخبرين (1) المزبورين، ومنه
يعلم الحال في صورة العلم بكون قصدهما ذلك.
أما مع قصد تدبير كل منهما نصيبه خاصة فلا إشكال (و) لا خلاف في
الصحة إذ (لم يكن حينئذ معلقا على شرط) ولا على دبر حياة غير المولى، بل
هو بمنزلة التدبير، كل منهما نصيبه بصيغة تخصه (و) حينئذ ف‍ (ينعتق
بموتهما) دفعة (إن خرج نصيب كل واحد منهما من ثلثه) لما تسمعه
من أن ذلك حكم التدبير أو أجاز الوارث (ولو خرج نصيب أحدهما) خاصة من
ثلثه (تحرر وبقي نصيب الآخر) كله (أو بعضه رقا) على حسب ما يخرج
من ثلثه إن لم يجز الوارث.
(ولو مات أحدهما تحرر نصيبه من ثلثه وبقي نصيب الآخر رقا حتى
يموت) والكسب المتخلل بين الموتين مشترك بين المدبر والمالك الحي بنسبة
الملك، كما أنه بين الورثة والمالك الحي لو أجزناه تدبيرا معلقا على وفاته ووفاة
شريكه لو فرض موت أحدهما قبل الآخر، وكذا لو أجزناه عتقا معلقا على
ذلك لا تدبيرا، ضرورة عدم حصول الحرية قبل موتهما معا، فيبقى على الرقية وكسبه
للوارث.
نعم في المسالك ليس له التصرف فيه بما يزيل الملك لا غيره كالاستخدام والإجارة،
لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك، وفيه نظر، نعم في جواز نقله عن الملك لو
جعلناه تدبيرا نظر مما عرفت، ومن جواز الرجوع في التدبير، وهذا من أفراده،
بل عن الإرشاد الجزم بعدم جوازه على هذا التقدير، ولعله لعدم ثبوت جواز الرجوع
للوارث الذي هو غير المدبر، ودعوى كونه من الحقوق التي تنتقل إلى الوارث

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب التدبير الحديث 1 و 2.
201

يمكن منعها، إذ لعله نحو جواز الرجوع بالهبة للواهب ونحوه من الأحكام التي
لا تنتقل إلى الوارث.
(و) كيف كان ف‍ (يشترط في الصيغة المذكورة شرطان:)
(الأول:)
(النية) التي هي شرط في غيرها أيضا من صيغ العقود والايقاعات من غير
خلاف فيه ولا إشكال نصا وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه. (فلا حكم) حينئذ
(لعبارة الساهي ولا الغالط ولا السكران ولا المحرج الذي لا قصد له) بسبب
اكراهه وإلجائه إلى التدبير على وجه يرتفع قصده لفظا ومعنى أو معنى لا لفظا
على حسب ما عرفته من المكره في كتاب الطلاق.
(وفي اشتراط نية القربة تردد) وخلاف ينشأ من كون التدبير وصية أو
عتقا أو من التردد في اعتبارها في العتق. (والوجه) عند الشيخ والمصنف وجماعة
ممن تبعهما (أنه غير مشترط) لاطلاق الأدلة، ولما ستعرف من كونه وصية لا
عتقا، ولا خلاف في عدم اعتبارها فيها.
لكن قد يناقش بما ستعرف من كون المراد بكونه وصية أنها بمنزلتها في
جواز الرجوع والاخراج من الثلث وغير ذلك، وإلا فلا ريب في أنه عتق لكنه غير
منجز ثبتت مشروعيته، فيشمله حينئذ ما دل (1) على أنه " لا عتق إلا ما أريد به
وجه الله تعالى " وغيره من الأدلة التي سمعتها على اعتبار القربة في العتق، مضافا
إلى الاجماع المحكي عن المرتضى على ذلك وعلى عدم جواز تدبير الكافر، بل وإلى
الصحيح (2) " إن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له،
وإن كان في صحة وسلامة منه - أي الدين كما عن جماعة - فلا سبيل للديان "

(1) الوسائل الباب - 4 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب التدبير الحديث 1.
202

أي الدين الذي حصل بعد التدبير، بناء على أن الوجه في فساد التدبير في الأول
فقد شرط نية القربة، وإن كان فيه ما فيه، لكن الأول كاف في الدلالة على الاشتراط،
ولا يعارضه الاطلاق المقيد بما سمعت، بل قد عرفت أنه ليس إلا إطلاق العتق
الذي قد سمعت اعتبار نية القربة فيه، بل قيل: إنه لا إطلاق هنا سوى أخبار
واردة (1) في غير حكم المسألة، ولعله لذا كان خيرة المرتضى والحلي والفاضل في
ظاهر المختلف اشتراطها، وهو الأقوى والله العالم.
(الشرط الثاني:)
(تجريدها عن الشرط والصفة في قول مشهور للأصحاب) بل عن ظاهر
الخلاف والمبسوط والسرائر الاجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته مكررا مما يدل
على اعتبار التنجيز في كل عقد وإيقاع، ومنه الاجماع المحكي على ذلك إلا
ما خرج، بل قد عرفت أن التدبير قسم من العتق الذي قد عرفت اعتبار التنجيز
فيه، نعم ثبتت مشروعية التعليق فيه على وجه خاص لا يتعدى منه إلى غيره بعد
حرمة القياس عندنا.
وحينئذ (فلو قال: إن قدم المسافر فأنت حر بعد وفاتي أو إذا أهل شهر
رمضان مثلا لم ينعقد، وكذا لو قال: بعد وفاتي بسنة أو أشهر) أو يوم. (وكذا
لو قال: إن أديت إلي أو إلى ولدي كذا فأنت حر بعد وفاتي لم يكن تدبيرا
ولا كتابة) فما عن أبي علي من جواز تعليقه على شرط أو صفة مبني على مذهبه
في القياس، قال: " ولو جعل له العتق بعد وقت من موت سيده كان ذلك وصية بعتقه
في معنى التدبير " وهو كما ترى أيضا، نعم لو قال: " أعتقه بعد كذا من موتي " صح
إذ ليس حينئذ عتقا ولا تدبيرا معلقا، والمسألة بحمد الله من الواضحات وإن وسوس

(1) الوسائل الباب - 1 وغيره - من أبواب التدبير.
203

فيها صاحب المسالك لوسوسته في أصل اعتبار التنجيز في العقد والايقاع، بل جعل
قول المصنف هنا على قول مشهور مشعرا بذلك، وليس كذلك، فإن المصنف
لا إشكال عنده في اعتبار التنجيز في سائر العقود والايقاعات، والله العالم.
(و) على كل حال فلا خلاف ولا إشكال نصا (1) وفتوى في أن
(المدبرة) مثلا (رق) بل الاجماع بقسميه عليه، وحينئذ ف‍ (له وطؤها
والتصرف فيها) بوطء واستخدام وغيرهما (وإن حملت منه لم يبطل التدبير)
خلافا للشافعي فأبطله بالاستيلاد، لكونه أقوى، نعم تكون مستحقة للعتق بسببين
مع فرض بقاء ولدها بعد موت سيدها.
(و) حينئذ ف‍ (لو مات مولاها عتقت بوفاته من الثلث) قيل: لأنه
السبب السابق (وإن عجز الثلث) عن بعضها (عتق ما بقي منها من نصيب الولد)
ولو فرض عجزه عتق منها نصيبه واستسعت في الباقي كما ستعرفه في حكم أم الولد،
ففي صحيح أبي مريم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سئل عن رجل يعتق جاريته
عن دبر أيطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها فقال: أي ذلك شاء فعل " وفي
خبر إسماعيل بن مزار عن يونس (3) " في المدبر والمدبرة يباعان يبيعهما صاحبهما
في حياته فإذا مات فقد عتقا، لأن التدبير عدة وليس بشئ واجب، فإذا مات كان
المدبر من ثلثه الذي يتركه، وفرجها حلال لمولاها الذي دبرها وللمشتري الذي
اشتراها منه قبل موته " وهو إن كان من كلام يونس كما هو الظاهر دال على
معلومية الحكم في ذلك الزمان، وإلا كان خبرا مؤكدا لما سمعته من خبر أبي
مريم، إلا أن مقتضى ما سمعته سابقا - من تعليل إجراء حكم المدبرة أولا بالسيق -
أنه لو انعكس الأمر جرى عليها حكم أم الولد أولا، فتعتق من نصيب ولدها،
فإن عجز فمن ثلثه، لكن لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال، وربما تسمع تحقيقه

(1) الوسائل الباب - 1 و 3 - من أبواب التدبير.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 2
204

فيما يأتي انشاء الله.
(و) كيف كان ف‍ (لو حملت) المدبرة (بمملوك) لمولاها (سواء
كان من عقد أو زنا أو شبهة كان مدبرا كأمه) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، نعم ربما توهم الاشكال في الزنا مع علمها بالتحريم، لانتفائه عنها
شرعا، وفيه - مع أن جانب المالية والحيوانية غالب في الأمة ولذا كان ولدها من
الزنا لمولاها دون مولى الزنا - أن الموجود في النصوص " فما ولدت فهو بمنزلتها "
ولا ريب في صدق أنها ولدته وإن كان من زنا.
ففي صحيح (1) يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن جارية أعتقت عن
دبر من سيدها، قال: فما ولدت فهم بمنزلتها، وهم من ثلثه، وإن كانوا أفضل من
الثلث استسعوا في النقصان " إلى آخره ورواه الصدوق مرسلا (2) وزاد " لأن
الحمل حدث بعد التدبير ".
وفي خبر أبي البختري المروي عن قرب الإسناد (3) عن جعفر بن محمد عن
أبيه عن علي عليهم السلام قال: " ما ولدت الضعيفة المعتقة عن دبر بعد التدبير فهو بمنزلتها
يرقون برقها ويعتقون بعتقها، وما ولد قبل ذلك فهو مماليك، لا يرقون برقها
ولا يعتقون بعتقها " إلى غير ذلك من النصوص (4) الشاملة لولد الزنا وغيره التي
لا يعارضها خبر علي بن جعفر (5) المروي عن قرب الإسناد وكتاب المسائل له
قال: " سألته عن رجل قال إذا مت فجاريتي فلانة حرة، فعاش حتى ولدت الجارية
أولادا ثم مات ما حالها؟ قال: عتقت الجارية، وأولادها مماليك " بعد شذوذه
والاعراض عنه.

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 4 - 5 - 0 - 6.
(2) أشار إليه في الوسائل في الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 2 وذكره
في الفقيه ج 3 ص 71 الرقم 246.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 4 - 5 - 0 - 6.
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 4 - 5 - 0 - 6.
(5) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 4 - 5 - 0 - 6.
205

وعلى كل حال ففي التعليل المزبور في خبر يزيد إشعار بأن سراية
التدبير للحمل من حيث كونه نماء المدبرة الذي لا فرق فيه بين كونه من الزنا
وغيره كالملك، لا من حيث كونه ولدا لها حتى يتبع الولد الشرعي، كما
هو واضح.
(و) من هنا (لو رجع المولى في تدبيرها لم يكن له الرجوع في تدبير
ولدها) كما عن النهاية والخلاف والمبسوط والقاضي وابن حمزة والجامع والنافع،
بل في الكفاية نسبته إلى الأكثر، بل عن الخلاف وكنز العرفان عليه إجماع الفرقة،
وذلك لأن الرجوع فسخ لما حصل بصيغة التدبير لا لما كان تدبره بالنماء الذي
لا يقبل الفسخ، ولذا كان الفسخ بالخيار لا يقتضي الفسخ في النماء المتخلل، بل يبقى
للمشتري وإن ردت العين للبائع، وإلى ذلك يرجع ما في الدروس والتنقيح وغيرهما
من الفرق بين تدبير الأم الذي هو بفعل المالك فجاز له الرجوع وبين تدبير الولد
الذي هو بالسراية فلا اختيار له فيه، قال في الدروس: " ولو حملت بعد التدبير
بمملوك فهو مدبر قسرا، فلا يصح الرجوع في تدبيره وإن رجع في تدبيرها،
ونقل الشيخ فيه الاجماع، وجوزه الحليون، لأن الفرع لا يزيد على أصله "
والله العالم.
(و) لكن مع ذلك (قيل) والقائل ابن إدريس وجماعة بل نسب إلى
أكثر المتأخرين: (له الرجوع) فيه أيضا، لاطلاق ما دل (1) على جواز
الرجوع في التدبير، ولأنه فرع تدبرها، فلا يزيد على أصله، ولاطلاق التشبيه
بتدبرها، بل قد سمعت ما في خبر أبي البختري (2) من التصريح بأنهم يرقون برقها
ويعتقون بعتقها.
(و) فيه - بعد تسليم شمول الاطلاق حتى إطلاق المنزلة وحتى خبر
أبي البختري - أنه يجب الخروج عنه بما عرفت، كقاعدة عدم زيادة الفرع عن الأصل

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب التدبير.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 5.
206

لو سلم كونها قاعدة شرعية
على أن (الأول مروي) في صحيح أبان بن تغلب (1) قال: " سألت أبا عبد
الله عليه السلام عن رجل دبر مملوكته ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم
مات زوجها وترك أولاده منها، فقال: أولاده منها كهيئتها، إذا مات الذي دبر
أمهم فهم أحرار، قلت له: يجوز للذي دبر أمهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج،
قال: نعم قلت: أرأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من الزوج
الحر أيجوز لسيدها أن يبيع أولادها ويرجع عليهم في التدبير؟ قال: إنما كان له
أن يرجع في تدبير أمهم إذا احتاج، ورضيت هي بذلك ".
والمناقشة فيه - بتضمنه ما لا يقول به المشهور من رقية ولد الحر، وتوقف
الرجوع في تدبير الأم على رضاها والاحتياج، فلا مكافئة له للعمومات حتى
يخصصها، والذب عنه بالتقييد بصورة اشتراط رقية الولد، وبالحمل على الاستحباب
لا يدفع هذا الوهن الموجب لعدم التكافؤ، مع عدم تمامية الذب عن الأول بما مر
في كتاب النكاح من عدم إفادة الاشتراط الرقية، ولا يجبر هذا الوهن الشهرة
المحكية، لكونها بالشهرة المتأخرة معارضة، ولا حكاية الاجماع المتقدمة، لأنها
بشهرة الخلاف المتأخر بن موهونة، مضافا إلى نسبة الحلي جواز الرجوع إلى مقتضى
مذهب الإمامية، وفي دعوى (2) الفرق بين تدبير الأم وتدبير الولد المذكورة بأن
غايته على تقدير تسلمه نفي الأولوية، وهو لا يستلزم نفي الحجية على جواز الرجعة
بالكلية، فإن العمومات لما عرفت بعد بحالها باقية - مدفوعة بأن الصحيح قد
تعرض لحكم المدبرة وولدها، وصرح فيه باختصاص جواز الرجوع في تدبير الأم
دون الولد، فلا مدخلية لمفروض السؤال، على أنك قد عرفت في كتاب النكاح صحة
القول بحصول الرقية بالشرط بما لا مزيد عليه، بل يمكن الاستدلال عليه بهذا الصحيح

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب التدبير الحديث 1
(2) عطف على الضمير في قوله: " والمناقشة فيه ".
207

أيضا، وتضمنه للاحتياج والرضا كما في كثير من النصوص (1) غير قادح بعد
حمله على الندب، والشهرة المتأخرة غير محققة، لأن المصنف والشهيد في الدروس
وغيرهما ممن تأخر عنهما قالوا بعدم جواز الرجوع، فلا توهن الشهرة المتقدمة،
فضلا عن الاجماعين المزبورين، وابن إدريس تخيل انحصار الدليل في الصحيح الذي
لا يعمل به على أصله، وأن العمومات شاملة للمقام، فقال: " إن مقتضى مذهب الإمامية
جواز الرجوع " وقد عرفت عدم شمولها، وعلى تقديره فهي مخصصة بما عرفت
على أصولنا.
وأما المناقشة في الفرق المزبور بما سمعت فهي واضحة الضعف بعد الإحاطة
بما ذكرناه.
وأما خبر أبي البختري (2) فهو - مع ضعفه وعدم روايته في الكتب الأربعة
وكونه مطلقا أيضا لاحتمال إرادة رقتهم برقها إلى آخره من حيث سعة الثلث
وعدمها، فيقيد حينئذ بما عرفت - ظاهر في التلازم بين الرجوع بالأم والرجوع
بالأولاد مع أن الخصم لا يقول به، بل لا تقتضيه القواعد أيضا، ضرورة، حصول وصف
التدبير فيهم بتدبير الأم فلا يزول بزواله فيها من حينه وإن صرح ابن الجنيد
باقتضاء الرجوع بها الرجوع بهم، واستجوده في المختلف، ومن ذلك يعلم الحال في
التشبيه الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة حصول وصف التدبير، وحينئذ فلا محيص
عن كون الأقوى عدم جواز الرجوع.
(وكذا) الكلام في (المدبر إذا أتى بولد مملوك) لمولاه لكونه من
أمته مدبرة أولا أو من غيرها مع اشتراط الرقية، (فهو مدبر كأبيه) ضرورة عدم
الفرق بين المدبر والمدبرة في جميع ما ذكرناه، وفي صحيح يزيد بن معاوية (3)

(1) الوسائل الباب - 1 من أبواب التدبير.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 5.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب التدبير الحديث 1.
208

عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل دبر مملوكا له تاجرا موسرا فاشترى المدبر جارية
فمات قبل سيده، فقال: أرى أن جميع ما ترك المدبر من مال أو متاع فهو للذي
دبره، وأرى أن أم ولده للذي دبره، وأرى أن ولده مدبرون كهيئة أبيهم، فإذا
مات الذي دبر أباهم فهم أحرار " بل ربما كان فيه تأييد للمختار في الجملة باعتبار
عدم بطلان تدبيرهم ببطلان تدبيره بالموت.
بقي الكلأ في شئ، وهو أنه لا كلام في أن الأولاد يخرجون من الثلث أيضا
لكن مقتضى ما تسمعه فيما يأتي أن التدبير كالوصية في الخروج من الثلث، وأن
الخارج الأول فالأول، وحينئذ يخرج الأم أولا ثم الأولاد مترتبين، ومن لم
يسعه الثلث ولا بعضه يبقى رقا ولا استسعاء، إلا أنه قد سمعت إطلاق استسعائهم في
النقصان في خبر يزيد (1) بل لعله ظاهر في توزيع الثلث بينهم، فيتحرر منهم
شئ ويستسعون في الباقي، وهو مخالف لما سمعت، وقد تعرض لذلك المصنف في
النافع، فأفتى بمضمون الخبر المزبور.
وفي الرياض في شرح ذلك " لأنه من لوازم التدبير كما سيأتي " وهو كما
ترى، اللهم إلا أن يفرق بين التدبير القهري والاختياري.
وكذا الفاضل في القواعد، قال: " ولو حملت بعد التدبير فإن خرجت هي
والأولاد من الثلث عتقوا، وإلا قسط عليهما، فيعتق من كل واحد قدر ما يحتمله
الثلث من جميعهم، وسعى في قسطه من الزيادة، لأنهم جميعا بمنزلة عبد واحد لم
يحتمله الثلث " وهو صريح في أنه لا يقدم عتق الأم فضلا عن غيرها من الأولاد
وحينئذ فإن لم يفضل من الثلث شئ لم يعتق منها ولا من الأولاد شئ، وإن فضل
عتق منهم بالنسبة، ولعله لأن النص (2) والفتوى إنما دلا على مساواة الأولاد لها
في التدبير، لكن في كشف اللثام " ربما يوهم خبر يزيد وعبارة النهاية والسرائر
تقديم الأم أولا فتأمل جيدا ".
(ولو دبرها ثم رجع في تدبيرها فأتت بولد لستة أشهر فصاعدا من حين

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 4 - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 4 - 0 -.
209

رجوعه) ولم يتجاوز أقصى مدة الحمل (لم يكن مدبرا لاحتمال تجدده) كما
هو مقتضى أصل عدم تقدمه، من غير فرق بين كونها فراشا وعدمه، لقيام احتمال
الشبهة الذي لا ينافي حال المسلم، على أن الحكم بتدبره مشروط بعلوقها به مدبرة
ولم يتحقق، والأصل بقاءه على الملك (و) الحكم شرعا بلحوقه به أولا من
حيث النسب لا يقتضي تحقق شرط التدبير.
نعم (لو كان) قد أتت به تاما (لدون الستة أشهر) من حين الرجوع
(كان مدبرا) بلا إشكال (لتحقق الحمل بعد التدبير) حينئذ كما لا إشكال
في انتفاء تدبيره لو ولدته بعد تجاوز أقصى الحمل من حين التدبير، كما
هو واضح.
(ولو دبرها حاملا قيل) والقائل الإسكافي والشيخ في النهاية وابنا البراج
وحمزة: (إن علم بالحمل فهو مدبر، وإلا فهو رق، وهي رواية الوشا (1))
عن الرضا عليه السلام في الحسن أو الصحيح " سألته عن رجل دبر جارية وهي حبلى
فقال: إن كان علم بحبل الجارية فما في بطنها بمنزلتها، وإن كان لم يعلم فما في
بطنها رق " بل في المسالك عمل بمضمونها كثير من المتقدمين والمتأخرين ونسبوها
إلى الصحة، والحق أنها من الحسن، وأن صحتها إضافية، بل في الدروس نسبته
إلى المشهور، ولعله لذا نسب القول المزبور في المفاتيح إلى الأكثر وإلا فلم
نتحققه، بل لم نتحقق ما في المسالك فضلا عنه وعما في الدروس.
(وقيل) والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطه وابن إدريس وغيرهما بل
المشهور: (لا يكون مدبرا، لأنه لم يقصد التدبير، وهو أشبه) بأصول المذهب
وقواعده المؤيدة بموثقة عثمان بن عيسى (2) الذي أجمعت العصابة على تصحيح
ما يصح عنه عن الكاظم عليه السلام " سألته عن امرأة دبرت جارية لها فولدت الجارية
جارية نفيسة فلم تدر المرأة المولودة مدبرة أو غير مدبرة؟ فقال لي: متى كان

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 3 - 2.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب التدبير الحديث 3 - 2.
210

الحمل للمدبرة؟ أقبل أن دبرت أو بعد ما دبرت؟ فقلت: لست أدري، ولكن أجبني
فيهما جميعا، فقال إن كانت المرأة دبرت وبها حبل ولم تذكر ما في بطنها فالجارية
مدبرة والولد رق، وإن كان إنما حدث الحمل بعد التدبير فالولد مدبر في تدبير
أمه " وما عن المبسوط من نسبته في موضع إلى رواية أصحابنا وفي آخر منه إلينا،
وما عن السرائر من نسبته إلى مقتضى مذهبنا وبما سمعته غير مرة من أن التصرف
في الأم الحاصل ببيع أو غيره لا يقتضي ترتب أثر ذلك التصرف على الحمل الذي هو
موضوع آخر، ويصح تدبير كل منهما بدون الآخر.
ودعوى كونه جزء منها واضحة المنع، بعد الاجماع هنا على عدم لحوق
حكم الجزئية في صورة عدم العلم بالحمل، خلافا للعامة، فحكموا بالدخول مطلقا،
وما في المسالك وغيرها من حكاية قول بالسراية مطلقا مع عدم نسبته إلى القائل منا
معلوم يمكن إرادة ما عند العامة به، وأما القاضي منا فقد حكي عنه في المختلف أولا
موافقة النهاية وإن كانت عبارته المحكية فيه تقتضي الاطلاق، لكن على كل حال
خلافه لا يقدح بالاجماع.
وبذلك وغيره يظهر لك عدم مكافئة الحسنة المزبورة للموثق من وجوه، فلا
وجه لتقييده بها، خصوصا بعد إمكان الجمع بينهما بما عساه ينساق إلى الذهن من
التفصيل بين حالي العلم وعدمه من إرادة تدبير الحمل مع أمه في صورة العلم به وعدم
استثنائه بخلاف حال عدمه، بل لولا ذلك لخلا الحكم المزبور عن السبب والحكمة،
وكونه تعبدا محضا بعيد جدا.
211

المقصد (الثاني)
(في المباشر)
(ولا يصح التدبير إلا من بالغ عاقل قاصد مختار جائز التصرف) بلا
خلاف أجده في شئ من ذلك إلا في خصوص البالغ عشر سنين من الأول الذي تسمع
الكلام فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأدلة الخاصة والعامة، خصوصا
بعد ما عرفت من كونه عتقا فيعتبر فيه ما اعتبر فيه.
وحينئذ (فلو دبر الصبي لم يقع تدبيره) لسلب عبارته كما في غيره من
أفراد العقد (و) الايقاع نعم (روى (1) إن كان مميزا له عشر سنين صح)
وصيته وعتقه، و (تدبيره) لا يخلو من أحدهما، بل عن الشيخ في الخلاف الاجماع
عليه، لكن قد عرفت الحال فيها بالنسبة إلى العتق، مضافا إلى عدم انسياق ما يشمل
التدبير من العتق فيها، أما الوصية فقد تقدم في كتاب الوصية جوازها منه بالمعروف،
لكن التدبير ليس وصية قطعا، وإنما هو بمنزلتها في الخروج من الثلث ونحوه،
لا في الاندراج في مفهومها بحيث يشمله لفظ " من أوصى " ولا عموم منزلة يوثق به
على وجه يتناول ذلك. ومن هنا جزم المصنف بصحة وصيته وتردد في عتقه
للرواية (2) وجزم بعدم صحة التدبير.
فما في المسالك - " من إشكاله بأنه لا وجه للجزم بالعدم هنا مع أن التدبير
راجع إليهما قال: " وكذلك صنع العلامة في الإرشاد في الوصية والتدبير، ورجوعه

(1) الوسائل الباب - 44 - من كتاب الوصايا الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 44 - من كتاب الوصايا الحديث 4.
212

إلى الرجوع أولى من تكلف الفرق بما لا يجدي " - لا يخلو من نظر، ضرورة كون
الوجه ما عرفت. ولذا ستسمع قول المصنف: " إنه بصفة الوصية يجوز فيه الرجوع "
وهو كالصريح في عدم اندراجه في مفهومها، بل وعدم عموم تنزيله منزلتها، نعم هو
من أفراد العتق الذي تردد فيه، ولعل قوله: " وروي " مشعر بتردد فيه في الجملة
أيضا إلا أنه لما كان سلب عبارته معلوما اقتصر في الخروج فيها على المتيقن المنساق،
وهو العتق المنجز.
وبذلك اتضح الوجه في شهره الأصحاب على جواز وصيته وعدم جواز تدبيره،
وعلى أن التدبير وصية أي كالوصية في بعض أحكامه، وأنه ليس ذلك منهم رجوعا،
كما هو واضح.
(و) على كل حال ف‍ (لا يصح تدبير المجنون ولا المكره ولا السكران
ولا الساهي) ولا الغالط ولا غيرهم ممن قد عرفت سابقا عدم الصحة
فيهم، لاعتبار القصد المفروض عدمه فيهم، بل كان الشرط المتقدم سابقا مغنيا
عن ذلك.
ولا من المحجور عليه لسفه خلافا لما عن الشيخ من جوازه في الأخير، لكونه
تصرفا بعد الموت الذي يرتفع معه حكم السفه، بل عن التحرير أنه استشكله،
لكنه كما ترى، وإلا لصح وصية السفيه بثلثه، وهو معلوم البطلان، على أن
التدبير عتق منه حال سفهه وإن تأخر أثره إلى ما بعد الوفاة، كما هو واضح.
وأما الفلس فستسمع الكلام فيه فيما يأتي إنشاء الله تعالى.
(وهل يصح التدبير من الكافر؟ الأشبه) عند المصنف ومن تبعه (نعم
حربيا كان أو ذميا) لاطلاق الأدلة، وكونه بمنزلة الوصية التي لا يعتبر
فيها النية.
بل في المسالك " بني الخلاف على أن التدبير وصية أو عتق، فعلى الأول
يصح من الكافر مطلقا، لعدم اشتراط نية القربة، وعلى الثاني يبنى على اشتراطها
213

في العتق وعدمه، وعلى أن المراد بها قصد التقرب سواء حصل أم لا، فعلى الأول
لا يصح تدبير الكافر مطلقا، وهو خيرة ابن إدريس مصرحا بأنه عتق، وعلى الثاني
يصح، وعلى الثالث يصح ممن أقر بالله تعالى كالكتابي دون غيره - إلى أن قال -:
والأصح صحة التدبير فيه مطلقا ".
ولا يخفي عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه هنا وفي الكفارة وفي العتق،
ومقتضاه عدم جوازه من الكافر مطلقا، لأنه قسم من العتق الذي قد عرفت اشتراط
القربة فيه الممتنع وقوعها من الكافر بل ومن المخالف، فلا صحة لشئ من عباداتهم
قطعا، كما حررناه غير مرة، فلاحظ وتأمل. وعلى كل حال فلا مدخلية للحربي
والذمي في الحكم المزبور، خصوصا بعد شمول الحربي للكتابي الذي لا يلتزم
أحكام الذمة، والله العالم.
(ولو دبر المسلم فارتد لم يبطل تدبيره) بلا خلاف أجده فيه، للأصل
وعدم خروج ماله عن ملكه بارتداده. (و) حينئذ ف‍ (لو مات في
حال ردته عتق المدبر) من ثلثه، لاطلاق الأدلة (هذا إذا كان ارتداده لا عن
فطرة).
ولو كان عن فطرة لم ينعتق المدبر بوفاة المولى لخروج ملكه عنه)
بالارتداد عنها، فلم يحصل شرط الصحة الذي هو الاستمرار على الملك إلى الموت
حتى يعتق عنه، لأنه لا عتق إلى في ملك. (و) لكن (فيه تردد) من ذلك
ومما في المسالك وغيرها من سبق حق المدبر على حق الوارث، فلا ينتقل إليه
خصوصا عند من منع من بيع المدبر، فإذا مات السيد انعتق ثلثه لا غير، إذ لا مال
له سواه، ثم قال: " وهل يعجل للوارث الثلثان؟ يحتمله، لعدم فائدة في حبسه عنهم
إن لم نقل بقبول توبته، وإلا فالفائدة محتملة بتجدد مال آخر له على تقدير التوبة "
وفي المبسوط أطلق القول ببقاء التدبير مع الارتداد، والأشهر التفصيل وإن
كان ما ذكره الشيخ متجها لأمر نذكره في أحكام المرتد إنشاء الله،
214

وربما قيل بانعتاقه بالارتداد عن فطرة تنزيلا له منزلة الموت، وهو
بعيد.
قلت: لعل جعل ذلك وجها للتردد أولى من الأول المنافي للنص (1)
والاجماع على زوال ملكه عنه بالارتداد وإن قلنا بقبول توبته، والفرض أنه مال
قابل للانتقال، بل بقاؤه أو الثلث منه ملكا له مستلزم لملك الكسب الحاصل منه،
ولغير ذلك مما لا يلتزم، وسبق حق التدبير بعد فرض انتفاء شرط الصحة قبل الموت
غير مجد، ودعوى منع الشرط المزبور - فينتقل إلى الوارث، لعدم اشتراط العتق
عنه بملكيته، كما سمعته في " أعتق عبدي عنك " - منافية لما هو كالمسلم عندهم،
بل ظاهرهم المفروغية عنه وإن تقدم في كتاب البيع احتمال صحة بيعه مدبرا نحو
بيعه جانيا، إلا أن كلامهم صريح في خلافه، كما هو واضح. ولم ندر الأمر الذي
يذكره في حكم المرتد بحيث يقتضي بقاء صحة تدبيره، والله العالم.
(ولو ارتد لا عن فطرة ثم دبر صح) بناء على عدم اعتبار القربة فيه،
لاطلاق الأدلة وعدم خروج ماله عن ملكه بالارتداد المزبور، لكن مع ذلك قال
المصنف (على تردد) ولا وجه له بعد الجزم بصحته من الكافر المبني على عدم اشتراط
القربة، ومن هنا جزم بالصحة في القواعد على تقدير عدم الاشتراط، إلا أنه قال:
فإن تاب نفذ وإلا فلا. وظاهره أن الصحة مراعاة بذلك، وفي كشف اللثام تبعا
للدروس وللصيمري تعليل عدم النفوذ مع عدم التوبة بالحجر وإن كان لم يتضح
لنا الآن الوجه في شئ من ذلك، لكن سهل الخطب عندنا عدم صحته عندنا، لما
عرفت من اشتراط نية القربة فيه، وهي متعذرة من الكافر من غير فرق بين المرتد
وغيره، ولعل وجه التردد حينئذ ذلك، على معنى أنه يصح جزما لعدم ثبوت الحجر
عليه، ويحتمل الصحة مراعاة أو على معنى أنه يصح، ولكن قد تردد فيها لكونه
محجورا عليه كالسفيه على وجه لا يصح التصرف منه وإن لحقته التوبة التي تفك

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب حد المرتد الحديث 2 و 3 و 7 من
كتاب الحدود.
215

الحجر عنه حين حصولها لا فيما تقدم، بل حكي في شرح ترددات الكتاب عن المبسوط
الحكم بالبطلان للحجر، والله العالم.
(ولو كان) ارتداده (عن فطرة) ثم دبر (لم يصح) لخروج المال
عن ملكه بارتداده، ولاشتراط نية القربة فيه (و) لكن (أطلق الشيخ) في
المحكي عن المبسوط (الجواز، وفيه إشكال ينشأ من زوال ملك المرتد عن
فطرة) نعم لو فرض تجدد ملك له بعد الردة وقلنا بأنه يملك معها وإن زال الأول
صح إطلاقه حينئذ بناء على عدم اشتراط نية التقرب لكن ذلك كله شك في شك.
والتحقيق عدم الصحة من المرتد مطلقا لما عرفت.
وفي المسالك " إطلاق الشيخ الجواز يدل على منع انتقال المال عنه، وهو
قول ابن الجنيد، ولم يفرق بين الملي والفطري، واستفادة الفرق بينهما وإثبات
الأحكام المشهورة من النصوص مشكل، وسيأتي البحث فيه " قلت: لا إشكال فيه
كما حررناه في محله.
ولو ارتد المملوك لم يبطل تدبيره بلا خلاف كما عن الخلاف، للأصل إلا
أنه قيد بالارتداد الذي يستتاب فيه، وتبعه القاضي، ولعله لبطلان تدبير غيره
كما أنه يبطل تدبيره الأول لو التحق بدار الحرب عندنا كما عن المبسوط، لأنه
إباق وزيادة، خلافا للشافعي، ولو مات قبل التحاقه عتق، والله العالم.
(ولو دبر الكافر كافرا فأسلم بيع عليه سواء رجع في تدبيره أو لم يرجع)
لأنه على كل حال باق على ملكه، ومستحق لاستخدامه، فهو سبيل له عليه،
وعلو منه عليه، وقد تقدم في كتاب التجارة (1) أن مثله يباع على مالكه قهرا،
فما عن ابن البراج - من أنه يتخير بين الرجوع في التدبير، فيباع عليه وبين
الحيلولة بينه وبينه وكسبه للمولى، وبين استسعائه، وحينئذ فينفق عليه من كسبه
فإن فضل منه شئ فهو للمولى - لم أقف له على دليل.

(1) راجع ج 24 ص 149.
216

(و) على كل حال ف‍ (لو مات) السيد (قبل بيعه) عليه (وقبل
الرجوع في التدبير تحرر من ثلثه) للاطلاق (ولو عجز الثلث تحرر
ما يحتمله، وكان الباقي للوارث، فإن كان مسلما استقر ملكه وإن كان
كافرا بيع عليه) بلا إشكال في شئ من ذلك (ويصح تدبير الأخرس)
عندنا (بالإشارة) المفهمة القائمة مقام اللفظ كباقي تصرفاته. (وكذا رجوعه)
الذي هو منها من غير فرق بين الذاتي منه والعرضي.
(ولو دبر صحيحا ثم خرج ورجع بالإشارة المعلومة صح) لاتحاد
المدرك في الجميع، هذا وفي المسالك نبه بقوله: " وكذا رجوعه على خلاف
بعض العامة، حيث منع من رجوعه بالإشارة وإن جوز تدبيره بها بناء على أن
الرجوع لا يصح عنده بالقول بل بالفعل، وغاية إشارته أن تقوم مقام القول، فلا
يزيد الفرع على أصله " قلت: هو ليس حينئذ خلافا فيما نحن فيه، والأمر
سهل، والله العالم.
217

المقصد (الثالث)
(في الأحكام)
(وهي مسائل:)
(الأولى:)
(التدبير بصفة الوصية) في الرجوع وفي الخروج من الثلث وغيرهما من
الأحكام التي ستعرفها، لا أنه وصية حقيقة وفاقا للمحكي عن المقنع والمقنعة
والخلاف والنهاية والسرائر والغنية والوسيلة والجامع وغيرها، لصحة السلب،
ولخروجه عن المعروف في تعريفها الذي مر في محله، ولعدم الاحتياج في تحريره
إلى صيغة أخرى، إذ لم يثبت مشروعية إنشاء التحرير بها، كما ثبت إنشاء التمليك
بها، ولقول الصادق عليه السلام في صحيح هشام (1) " هو مملوكه بمنزلة الوصية " وفي
صحيح معاوية بن عمار (2) " هو بمنزلة الوصية يرجع فيما شاء منها " وفي خبر
أبي بصير (3) " المدبر مملوك، ولمولاه أن يرجع في تدبيره - إلى أن قال -
وهو من الثلث إنما هو بمنزلة رجل أوصى بوصية ثم بدا له بعد فغيرها من قبل
موته ".
ولا ينافي ذلك الموثق (4) عنه عليه السلام " سألته عن المدبر أهو من الثلث؟ قال: نعم،

(1) الوسائل الباب - 19 - من كتاب الوصايا الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب - 19 - من كتاب الوصايا الحديث 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب التدبير الحديث 3.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب التدبير الحديث 2.
218

وللموصي أن يرجع في وصيته في صحة أو مرض " ضرورة إمكان ترتب ذلك على
كونه بمنزلتها، كما هو واضح.
بل هو نحو صحيح محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام " المدبر
من الثلث، وللرجل أن يرجع في ثلثه إن كان أوصى في صحة أو مرض " بل يمكن
إرجاع ما في النافع ومحكي المبسوط من أن التدبير وصية إلى إرادة ما عند
المشهور من كونه كالوصية، خصوصا بعد قوله في الأول متصلا: " يرجع
فيه المولى إن شاء " المشعر بكونه كالوصية في ذلك، وخصوصا بعد ما حكي من
ظهور الاجماع في المبسوط على ذلك، إذ قد عرفت أن الاجماع لظن كونه بصفتها
لا أنه منها حقيقة، إذ لم نعثر على من سبقه إلى ذلك، وجواز الرجوع فيه
وخروجه من الثلث لا يقتضي كونه منها حقيقة، وإنما هما الوجه في تنزيله منزلتها
وتشبيهه بها.
إنما الكلام في إطلاق تنزيله منزلتها على وجه يرجع إليه في غير ما نص
عليه من أحكامها، واختصاصه بما ورد منها دون غيره، فيبقى على ما تقتضيه الأصول
والقواعد في العتق المعلق، وجهان أقواهما الثاني كما اعترف به في المسالك، لعدم
إطلاق يوثق بإرادة حكم الاطلاق منه في النصوص بل والفتاوى.
ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في الرياض من أن " ثمرة الخلاف هينة،
لعدم ظهورها إلا في النذر وما شاكله، فيتحقق الامتثال بالتدبير لو التزم وصية على
ما في العبارة والموثقة (2) وعلى المختار لا بد من وصية أخرى ".
بل هو من غرائب الكلام، خصوصا بعد قوله في المسالك بعد ذكره القول
بأنه عتق مشروط أو وصية " وهما أصل كثير في تفريع مسائل الباب " وخصوصا
بعد ما سمعت من ابتناء جملة من الفروع عليه، بل يكفي في الثمرة أنه يعتبر فيه
ما يعتبر في العتق من القربة والصيغة الخاصة ونحوها، بناء على أنه منه حقيقة

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب التدبير الحديث 4 - 2.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب التدبير الحديث 4 - 2.
219

وإن كان كالوصية في الرجوع والخروج من الثلث ونحوهما من الأحكام، إذ لا يعتبر
فيه شئ من ذلك، بناء على أنه من الوصية حقيقة، ضرورة عدم تناول أدلة
العتق له.
وأغرب من ذلك قوله فيه أيضا: " وبالجملة الأقوال في المسألة ثلاثة أحدها
أنه وصية كما في العبارة، وثانيها عتق معلق، وثالثها إيقاع مستقل لكنه بمنزلة
الوصية في الأحكام من نفوذه من الثلث وجواز الرجوع فيه، وعليه كما عرفت
أكثر الطائفة " إذ مقتضاه عدم جريان الأحكام المزبورة على القول الثاني، مع
أنه لم يعرف خلاف في جريانها عليه على كل حال، كما اعترف به في كشف اللثام،
بل لم نعثر على قائل صريحا بما نسبه إلى أكثر الطائفة.
نعم في موضع من المسالك بعد أن ذكر القولين الأولين قال: " ولو قيل بأن
التدبير إيقاع برأسه وإن شابه العتق المعلق بوجه والوصية بوجه كان حسنا وفيه
جمع بين الأدلة وسلامة من تناقض الأحكام المترتبة عليه غالبا " وهو كالصريح
في عدم قائل بذلك، ولعله لصدق العتق المعلق عليه لغة وشرعا وعرفا.
لكن قال أيضا في موضع آخر منها: " والتحقيق أنه بمنزلة الوصية لا عينها
كما ذكره هنا، لأنه لو كان وصية محضة لافتقر في عتقه إلى صيغة بعد الموت،
ولا يلزم من كونه بمنزلتها مساواتها في جميع الأحكام، بل المراد أنه بمنزلتها
في الأحكام المسؤول عنها في الروايات، وهو كونه من الثلث ويجوز الرجوع فيه
ونحو ذلك، وليس بعتق معلق أيضا، كما قال ابن إدريس وغيره، وإلا لما صح
الرجوع فيه، فكونه مترددا بينهما في بعض الأحكام ومستقلا بنفسه - ومن ثم وقع
بصيغته الخاصة الخارجة عن الأمرين - أظهر ".
وفيه أن اختلاف الأحكام لا مدخلية له في مهية الشئ وحقيقته، وحينئذ
فمراد القائل بكونه بصفة الوصية وليس منها حقيقة وهو الأكثر أنه عتق معلق
بصفتها في جواز الرجوع والخروج من الثلث ونحوهما من الأحكام التي لا تقتضي
كونه إيقاعا مستقلا كما هو واضح.
220

وكيف كان فلا خلاف بيننا نصا وفتوى في أنه (يجوز الرجوع فيه) بل
الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواترا، ولا فرق
فيه عندنا بين أن يكون (قولا كقوله: رجعت في هذا التدبير) أو نقضته أو
فسخته أو نحو ذلك (وفعلا) يدل على قصده الرجوع (كأن يهب) وإن
لم يقبض (أو يعتق أو يقف) وإن لم يقبض (أو يوصي) به خلافا للشافعي في
أحد قوليه (سواء كان) التدبير (مطلقا) بأن علقه على مطلق الموت (أو
مقيدا) بالموت في سفره أو مرضه، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، فخص الجواز
بالثاني.
(وكذا لو باعه بطل تدبيره) وإن لم يقصد به الرجوع، لاقتضاء البيع
خروجه عن ملكه المنافي لبقاء تدبيره.
(وقيل: إن رجع في تدبيره ثم باع صح بيع رقبته، وكذا إن قصد ببيعه
الرجوع وإن لم يقصد مضى البيع في خدمته دون رقبته وتحرر بموت مولاه،)
وظاهره اختصاص الخلاف في البيع إذا لم يقع رجوع قبله ولم يقصد به الرجوع.
ونحوه الفاضل في القواعد وإن لم يذكر القيد الثاني، قال فيها: " ويجوز
الرجوع في التدبير قولا أو فعلا، فلو وهب وإن لم يقبض أو أعتق أو وقف أو أوصى
به أو باعه على رأي أو رهنه بطل التدبير، مطلقا كان أو مقيدا، ويصح العقد وإن
لم يرجع في التدبير، وسواء قصد ببيعه الرجوع أو لا، وهل يبطل التدبير بالعقود
الفاسدة؟ الأقرب ذلك إن لم يعلم فسادها أو قصد الرجوع، وقيل: لا يبطل التدبير
بالبيع إذا لم يرجع فيه، بل يمضي البيع في خدمته دون رقبته ".
وفي التنقيح " لا خلاف أنه مع تقدم الرجوع القولي أو التصريح بقصد الرجوع
ببيعه أنه يبطل التدبير، ومع عدم الأمرين إن صرح ببيع رقبته أو هبتها كذلك
وإن صرح ببيع منافعه أو هبتها لم يكن رجوعا، وتحرر بموت سيده أما مع
الاطلاق فأكثر الأصحاب قالوا بانصراف البيع والهبة إلى منافعه، وأنه لا يبطل
221

بذلك وقال الحليون ببطلان التدبير وصحة البيع ".
وقال في الدروس: " صريح الرجوع رجعت في تدبيره أو نقضت أو أبطلت
أو شبهة دون إنكار التدبير، أما لو باعه أو وهبه ولما ينقض تدبيره فأكثر القدماء
على أنه لا ينقض التدبير، فقال الحسن يبيع خدمته أو يشترط عتقه على المشتري
فيكون الولاء له، وقال الصدوق: لا يصح بيعه إلا أن يشترط على المشتري إعتاقه
عند موته، وقال ابن الجنيد: تباع خدمته مدة حياة السيد، وقال المفيد: إذا
باعه ومات تحرر ولا سبيل للمشتري عليه، وقال الشيخ في النهاية: لا يجوز بيعه
قبل نقض تدبيره إلا أن يعلم المشتري بأن البيع للخدمة، وتبعه جماعة والحليون
إلا الشيخ يحيى على بطلان التدبير بمجرد البيع " إلى آخره إلى غير ذلك من
كلماتهم المذكورة في تحرير محل النزاع، لكن ما وصل إلينا من كلمات
القدماء غير منطبق على ذلك، وإنما هو في بيع خدمة المدبر إذا أراد بيعه
مدبرا.
قال في النهاية: " التدبير بمنزلة الوصية يجوز للمدبر نقضه ما دام فيه الروح،
فإن نقضه جاز له بعد ذلك بيعه وهبته والتصرف فيه بجميع أنواع التصرف، ومتى
لم ينقض التدبير وأمضاه على حاله ثم مات المدبر كان المدبر حرا من الثلث،
فإن نقص عنه انعتق وإن زاد عليه استسعى في الباقي، ومتى أراد المدبر بيعه من
غير أن ينقض تدبيره لم يجز له إلا أن يعلم المبتاع أنه يبيعه خدمته، وأنه
متى مات هو كان حرا لا سبيل عليه " وهو كالصريح في جواز بيع خدمة المدبر
لأنه إذا أطلق البيع انصرف إليها، ونحوه ما في محكي المهذب والكامل.
قال في الأول: " يجوز لسيد المدبر أن يبيع خدمته إذا ثبت على تدبيره،
ولم يرجع عنه، فيشتريه المشتري كذلك، فيخدمه أيام حياة الذي دبره، فإذا
مات عتق من الثلث ".
وقال في الثاني: " من دبر مملوكا وأراد بيعه لم يجز له ذلك إلا أن
ينقض تدبيره أو يعلم المشتري أنه يبيعه خدمته، وأنه متى مات هو كان حرا لا
222

سبيل له عليه ".
وكذا المحكي عن أبي الصلاح قال: " يجوز بيعه في حال تدبيره، فإذا مات
مدبره تحرر على مبتاعه، فإن كان عالما بتدبيره حال ابتياعه وإلى أن مات مدبره
فلا شئ له، وإن لم يعلم رجع إلى التركة بما نقد فيه، وإن كان باعه بعد ما رجع
في تدبيره لم يتحرر بموت مدبره ".
وأما ابن حمزة فلم يتعرض لهذه المسألة، وإنما اقتصر على بيان عدم جواز
رجوعه بنفس التصرف، قال: " وليس له التصرف فيه بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك
رجوعا وإذا أراد ذلك رجع ثم باع أو فعل ما شاء ".
وأما ابن أبي عقيل فظاهره عدم جواز بيع المدبر إلا مع اشتراط عتقه على
المشتري، وأنه يجوز بيع خدمته قال: " ليس للمدبر أن يبيع المدبر إلا أن
يشترط على المشتري عتقه، وإذا أعتقه المشتري فالولاء لمن أعتق، وله أن يبيع
خدمته، فإذا مات المدبر فالمدبر حر ".
وكذلك الصدوق لكن لم يتعرض لبيع خدمته قال: " وإذا أعتق الرجل
غلامه أو جاريته على دبر منه ثم يحتاج إلى ثمنه فليس له أن يبيعه إلا أن يشترط
على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته " وهو كما ترى لا تعرض في كلامهما
لانصراف البيع عند الاطلاق إلى الخدمة كما سمعته في تحرير محل النزاع.
وكذلك ابن الجنيد على ما حكي من عبارته في المختلف قال: " عن
أمير المؤمنين عليه السلام (1) إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باع خدمته المدبر، ولم يبع رقبته،
ولا بأس عندنا ببيع رقبة المتطوع بتدبيره إذا احتاج السيد إلى ثمنه، لحديث
جابر (2) فأما المدبر عن نذر قد كان ما نذر فيه ووجب على السيد تدبيره فلا يجوز

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث 4.
(2) المستدرك الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 7 وسنن البيهقي ج 10
ص 308.
223

بيع رقبته، وإنما يباع من هذا خدمته مدة حياة سيده، والأحوط أن يباع
ذلك منه بمكاتبة أو غيرها، ولا اختار بيع المتطوع بتدبيره وخدمته الواجب
تدبيره في دين أو غيره إلا إذا لم يف ملك السيد بدينه، ولم يكن به غني عن بيعه
ولو باع خدمة مدبرة من نفسه لم يسقط ما وافقه عليه بموت السيد، فإن كان
مال حال وجب عند موته وإن كان منجما كان للورثة على نجومه، كالكتابة "
إذ هو كما ترى صريح في خلاف ما سمعته من تحرير النزاع.
نعم ظاهر عبارة المقنعة جواز بيع المدبر على وجه يكون ملكا للمشتري،
إلا أن يموت المدبر، قال: " ولمالك العبد أن يبيعه بعد التدبير له، غير أنه
متى مات البائع صار حرا لا سبيل للذي ابتاعه عليه " ويمكن أن يريد بيع
الخدمة ويكون كلام الشيخ ره كالتفسير له، لاستبعاد إرادة بيع الرقبة على الوجه
المزبور وإن ذكر الفاضل نحوه في تأويل كلام القائلين ببيع الخدمة، وقال: " إنه
كبيع العبد المشترط حريته " إلا أنه كما ترى.
وكأنه أخذه مما في محكي المبسوط من أنه " روى أصحابنا (1) أن
التدبير باق، إذا مات السيد يعتق في ملك المشتري، وينبغي أن يبيعه بهذا الشرط،
ومتى عاد إليه ملكه بغير ذلك فهل يعود حكم التدبير؟ قال قوم: يعود تدبيره،
وإن كان لم ينقض تدبيره فالتدبير باق، لأن عندنا يصح بيع خدمته دون رقبته
مدة حياته " وهو صريح في انتقاضه بالبيع، خصوصا بعد قوله قبل ذلك، " لو جنى
المدبر فإن اختار سيده تسليمه للبيع فإن استغرق الأرش قيمته بيع فيها وبطل
التدبير، وإن كان الأرش لا يستغرق قيمته ولم يمكن بيع بعضه بيع كله، والفضل
لسيده، وإن بيع بعضه كان الباقي مدبرا، وكل موضع زال ملكه عنه زال
التدبير ".

(1) المبسوط ج 6 ص 172 ولفظه هكذا " روى أصحابنا أن التدبير باق وإذا
مات السيد... ".
224

ونحوه ما عن الخلاف " أن بيع المدبر وهبته ووقفه ناقض للتدبير، ولو
وهبه كانت الهبة رجوعا في التدبير سواء أقبضه أو لا، وكذا لو أوصى به " ثم قال
في الخلاف أيضا: " إذا دبر عبدا ثم أراد بيعه والتصرف فيه كان له ذلك إذا نقض،
فإن لم ينقض تدبير لم يجز بيع رقبته، وإنما يجوز له بيع خدمته مدة حياته "
وبالجملة إنما كلامهم أو أكثرهم في مشروعية بيع خدمة المدبر إذا لم يرد نقض
تدبيره، لا في انصراف البيع إليها.
والسبب في ذلك بعض النصوص الدالة على ذلك، كخبر السكوني (1) عن
جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام " باع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خدمة المدبر ولم
يبع رقبته " وخبر علي (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق جارية له عن
دبر في حال حياته، قال: إن أراد بيعها باع خدمتها في حياته، فإذا مات انعتقت
الجارية " وهما مع ضعفهما وموافقتهما للمحكي عن بعض العامة محتملان لإرادة
مطلق النقل من البيع كالصلح أو الإجارة مدة معينة فمدة وهكذا وغيرهما لا البيع
حقيقة، ضرورة معلومية كون مورده الأعيان لا المنافع، خصوصا مع جهالتها،
ودعوى اختصاص الموضع المزبور بذلك كما سمعته من الدروس بعيدة، لقصور
الخبرين المزبورين عن إثبات ذلك.
وكذا الكلام في خبر أبي مريم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سئل عن رجل
يعتق جاريته عن دبر أيطأها إن شاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها حياته؟ فقال:
نعم أي ذلك شاء فعل " وأبعد منه حملهما على إرادة بيع الرقبة إلى أن يموت
البائع، فينعتق عليه بمعنى ملكية متزلزلة إلى الموت، كما سمعته من الفاضل وفرع
عليها فروعا.
وأما ما سمعته من الصدوق وابن أبي عقيل فيدل عليه صحيح ابن مسلم (4)
عن أحدهما عليهما السلام " في رجل يعتق غلامه أو جاريته في دبر منه ثم يحتاج إلى

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث - 4 - 3 - 1.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث - 4 - 3 - 1.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث - 4 - 3 - 1.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 6.
225

ثمنه أيبيعه؟ فقال: لا، إلا أن يشترط على الذي يبيعه إياه أن يعتقه عند موته "
ونحوه صحيح الحلبي (1) عن الصادق عليه السلام الذي ينبغي حملهما على ضرب من
الكراهة، كخبر وهب (2) عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام " إن عليا عليه السلام قال:
لا يباع المدبر إلا من نفسه " الموافق للمحكي عن بعض العامة.
وكذا ما دل على تقييد البيع بالاحتياج أو رضا المملوك كصحيح ابن مسلم (3)
" قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دبر مملوكه ثم يحتاج إلى الثمن قال: إذا احتاج
إلى الثمن فهو له، يبيع إن شاء وإن شاء أعتق، فذلك من الثلث " وموثق
إسحاق بن عمار (4) " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الرجل يعتق مملوكه عن دبر
ثم يحتاج إلى ثمنه، قال: يبيعه، قلت: فإن كان عن ثمنه غنيا قال: إن رضي
المملوك فلا بأس " وصحيح جميل (5) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المدبر أيباع
قال: إن احتاج صاحبه إلى ثمنه، وقال: إذا رضي المملوك فلا بأس " وخبر
أبي بصير (6) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد والأمة يعتقان عن دبر، قال:
لمولاه أن يكاتبه إن شاء وليس له أن يبيعه إلا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته،
وله أن يأخذ ماله إن كان له مال " لعدم قائل بمضمونها حتى من القائلين ببيع
الخدمة.
وعلى كل حال فلا ينكر دلالة هذه النصوص أجمع على ناقضية بيع المدبر
لتدبيره.
مضافا إلى صحيح ابن مسلم (7) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل دبر

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 6 والتهذيب ج 8 ص 263
الرقم 960 والاستبصار ج 4 ص 28 الرقم 96.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب التدبير الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 7 - 4 - 5.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 7 - 4 - 5.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 7 - 4 - 5.
(6) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث 2.
(7) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 1.
226

مملوكا ثم احتاج إلى ثمنه، فقال: هو مملوكه إن شاء باعه وإن شاء أعتقه
وإن شاء أمسكه حتى يموت، فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه " وخبر
أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " المدبر مملوك، ولمولاه أن يرجع في تدبيره
إن شاء باعه وإن شاء وهبه وإن شاء أمهره " مضافا إلى غيرهما من النصوص بل
لا ينكر ظهورهما خصوصا الأخير منهما في حصول الرجوع بالبيع إذا قصده، خلافا
لما سمعته من ابن حمزة.
فتحصل من جميع ما ذكرناه أنه لا إشكال في بطلان تدبيره برجوعه عنه
فله بيعه وغيره، وكذا لو قصد ببيعه الرجوع به، بل وكذا لو أطلق بيعه غير
مستحضر لذلك أو لتدبيره، لاقتضاء البيع نقل رقبته، وهو مقتض لابطال تدبيره.
نعم لو صرح ببيع خدمته مع إرادة بقاء تدبيره أو ببيع رقبته كذلك
ففيه البحث السابق الذي قد عرفت فيه أن الأصح عدم جوازه، وكذا لو أطلق البيع
مريدا ذلك من غير إعلام المشتري، والكلام مع القدماء في مشروعية ذلك، ولو
حمل كلامهم على نحو ما سمعته منا في حمل النصوص ارتفع النزاع من البين، وخلت
المسألة عن الاشكال. ومما ذكرنا يظهر لك النظر في جملة من الكلمات، والله العالم
بحقيقة الحال.
(ولو أنكر المولى تدبيره) على وجه لم يقصد الرجوع به (لم يكن
رجوعا) لغة ولا شرعا ولا عرفا، ضرورة تمايز إنشاء الرجوع بالشئ وإنكار
أصل إيقاعه، خصوصا إذا كان مع النسيان مثلا، فما عن بعضهم - من أنه يكون
رجوعا لاستلزامه رفعه في سائر الأزمان، فكان أبلغ من الرجوع المقتضي لرفعه في
الزمن المستقبل خاصة - واضح الفساد وكذا الكلام في سائر ما كان عنوان إبطاله
الرجوع ونحوه من وكالة أو وصية ونحوهما، عدا الطلاق الذي قد ورد النص (2)

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب التدبير الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.
227

الصحيح فيه بكونه رجوعا، وقد عرفت تحقيقه فيما تقدم.
(و) كذا الكلام فيما (لو ادعى المملوك التدبير وأنكر المولى فحلف)
إذ الحلف لم يفد الرجوع، وإنما يؤكد الانكار، ويقتضي ارتفاعه ظاهرا وحينئذ (لم
يبطل التدبير في نفس الأمر) فلو مات السيد على الحال المزبور بحيث لم يحصل
منه ما يدل على الرجوع انعتق المملوك فيما بينه وبين الله تعالى شأنه.
وقد تظهر الفائدة ظاهرا لو اعترف المولى بعد الحلف بكذبه فيه، فإن
جعلنا الانكار رجوعا لم يعد باعترافه وإلا بقي بحاله، فيثبت ظاهرا أيضا حيث
يعترف به، بل في المسالك وقد تظهر فائدته أيضا لو كان الحلف لعدم البينة ثم
وجدت بعد ذلك، وهو مبني على سماع البينة بعد اليمين، وقد حققنا ذلك في كتاب
القضاء، والله العالم.
228

المسألة (الثانية:)
لا خلاف نصا (1) وفتوى في أن (المدبر) عن حياة سيده (ينعتق
بموت مولاه من ثلث مال المولى، فإن خرج منه وإلا تحرر من المدبر بقدر
الثلث و) حينئذ ف‍ (لو لم يكن سواه عتق ثلثه) نعم لو علقه بموت المخدوم
مثلا وما في حياة المولى وصحته لم يعتبر من الثلث وإن قلنا إنه تدبير بلا خلاف
ولا إشكال، لأنه كتعجيل العتق في حال الصحة، وإطلاق النص (2) والفتوى
خروج المدبر من الثلث منزل على الغالب من كونه معلقا بموت المولى.
نعم في المسالك " لو مات المخدوم في مرض موت المولى أو بعده فهو من الثلث،
كالمعلق على وفاة المولى، ولو كان واجبا بنذر وشبهه فإن كان في مرض الموت
لم يتغير الحكم، وإن كان في حال الصحة فإن كان المنذور هو التدبير فالأظهر أنه
من الثلث أيضا، لأنه لا يصير واجب العتق بذلك، بل إنما يجب تدبيره، فإذا دبره
برئ من النذر، ولحقه حكم التدبير، وإن كان قد نظر عتقه بعد الوفاة فهو من
الأصل كغيره من الواجبات المالية، ومثله نذر الصدق ونحوها بمال بعد الوفاة،
وفي التحرير ساوي بين الأمرين في خروجه من الأصل، ونقله في الدروس عن
ظاهر الأصحاب، والأظهر الأول وحينئذ لو جوزنا تعليق العتق على الشرط
فقال: هو حر قبل مرض موتي بيوم مثلا خرج من الأصل، وكذا لو جعلنا
المنجزات من الأصل فعلقه على آخر جزء من حياته، ولو نذر عتقه أو الصدقة
بالمال أو صرفه في بعض الوجوه السابقة في آخر يوم من أيام صحته فكذلك أو في
آخر يوم من أيام حياته على القول الآخر ".
قلت: قال في الدروس: " التدبير ثلاثة أقسام: واجب، ولا يصح الرجوع فيه
إن قال: لله علي عتق عبدي بعد وفاتي، ولو قال: لله علي أن أدبر عبدي فكذلك

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب التدبير.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب التدبير.
229

في ظاهر كلام الأصحاب، لأن الغرض التزام الحرية بعد الوفاة لا مجرد الصيغة،
وعن ابن نما جواز الرجوع لوفائه بنذره بايقاع الصيغة، فيدخل في مطلق التدبير
ثم قال فيها في آخر كتاب التدبير -: ولو كان التدبير واجبا أو معلقا بموت
الغير فمات في حياة المولى فهو من الأصل " وفي التحرير " أما التدبير الواجب
بالنذر وشبهه فلا يجوز فيه الرجوع، ويخرج من أصل المال " وفي الرياض عن
الإنتصار الاجماع على ما نسبه في الدروس إلى الأصحاب.
قلت: قد يناقش فيما ذكره في المسالك أولا بعدم صدق التبرع به في
مرض، وإن حصل تنجيزه به ولكنه بسبب حال الصحة، ولا أقل من الشك،
والأصل الخروج من الأصل، ولعله لذا أطلق في الدروس الخروج من الأصل مع
حياة المولى.
بل قد يناقش في الخروج من الثلث فيما بعد الوفاة أيضا، للأصل السالم
عن معارضة إطلاق الأدلة الظاهرة في وفاة المولى المدبر له، لا فيما يشمل الفرض
الذي مقتضي الأصل فيه الخروج من الأصل بعد أن لم يصدق عليه أنه وصية ولا
يندرج في إطلاق أدلة التدبير. ومما ذكرنا يعلم الحال فيما ذكره من الأمثلة
للعتق المعلق على فرض جوازه.
بل قد يناقش فيما ذكره في التدبير الواجب بنذر وشبهه من التفصيل بين
كونه في المرض وبين كونه في الصحة بأنه مناف لما سمعته من إطلاق التحرير
والدروس الذي يؤيده ما عرفت من كون الأصل الخروج من الأصل الذي ينبغي
الاقتصار في خلافه على المتيقن الذي هو التبرع المحض على وجه لا يلحق باسم
الدين أو ما في حكمه مما يخرج من الأصل، ومنه النذر ولو في حال المرض،
إلا أن الانصاف عدم خلوه من الاشكال فتأمل.
وقد يناقش فيما ذكره أخيرا أيضا بأن مرجع النزاع إلى لفظ، ضرورة تبعية
النذر للقصد الذي لا ينبغي النزاع فيه بعد معلوميته، ومع الاطلاق وعدم قرينة فلا
ريب في أن التدبير اسم لنفس إنشاء التدبير بصيغته إلا أن تقوم قرينة على إرادة
230

أثره لا نفس الصيغة، فيكون كنذر حريته بعد الوفاة التي قد يمنع صدق اسم
التدبير عليها بعد فرض عدم إنشائه بصيغته الخاصة به، وموافقة النذر للتدبير في
النتيجة لا يقتضي الاندراج في الاسم.
وعلى كل حال فلا يخرج عن ملكه بالنذر المزبور إجماعا بقسميه،
لاستلزامه الحنث في نذره، فلو فعل ففي الرياض صح، للعموم مع عدم المخرج
عنه سوى النهي الغير المستلزم للفساد في المعاملات، نعم يأثم وتلزمه الكفارة مع
العلم لا مع النسيان على الظاهر لعدم الحنث، وفي الجاهل وجهان، وفيه أن
انعقاد النذر يقتضي تشخيصه للنذر كتشخيصه للشرط مثلا كما تسمع تحقيقه إنشاء
الله في كتاب النذور.
(ولو دبر جماعة فإن خرجوا من الثلث) فذاك (وإلا عتق من
يحتمله الثلث وبدئ بالأول فالأول) مع فرض ترتبهم، بناء على أن التدبير
من الوصية التي مر في بابها أن ذلك حكمها نصا (1) وفتوى أو منزل منزلتها على
وجه يشمل الحكم المزبور أو على أن الحكم المزبور على وفق القواعد في الوصية
وفي المقام باعتبار أولوية كل سابق على مسبوقه في التعليق بالحق وإن كان لا يخلو
من نظر، ضرورة اتحاد الجميع في كيفية التعليق، ومجرد السبق في الوجود لا يقتضي
التقدم بعد اشتراك الجميع في الوصية مثلا.
(و) على كل حال ف‍ (لو جهل الترتيب استخرجوا بالقرعة) بلا خلاف
ولا إشكال، كما أنه لا خلاف ولا إشكال في توزيع الثلث بينهم، فمع فرض إيقاع
تدبيرهم بصيغة واحدة.
(ولو كان على الميت دين يستوعب التركة بطل التدبير وبيع المدبرون
فيه) لأنه وصية أو بمنزلتها بالنسبة إلى ذلك، وكذا ما في معناه من التنجيز
والايصاء المتقدم عليه لفظا، فيخرج أولا ثم يعتق المدبر من الثلث الباقي، وفي

(1) الوسائل الباب - 66 - من كتاب الوصايا الحديث 1.
231

خبر الحسن بن علي بن أبي حمزة (1) عن أبي الحسن عليه السلام " قلت له: أبي هلك
وترك جاريتين قد دبرهما، وأنا ممن أشهد لهما، وعليه دين، فقال: رحم الله
أباك قضاء دينه خير له إنشاء الله ".
(وإلا) يكن الدين مستوعبا (بيع منهم بقدر الدين) بالقرعة،
كما صرح به الصيمري، قال: " فإن كان الدين بقدرهم مثلا ولا تركة سواهم
كتب رقعة للدين وأخرى للتركة بعد أن يقسم العبيد قسمين، وإن كان بقدر
ثلث العبيد كتب ثلاث رقاع: واحدة للدين واثنتين للتركة، وكذلك الحكم
لو أعتق المريض في مرض الموت ومات وعليه دين واحتجنا إلى بيع بعض
المعتقين ".
(و) على كل حال فإذا أخرج بها كل من أخرج للدين (تحرر ثلث
من بقي سواء كان الدين سابقا على التدبير أو لاحقا على الأصح) الموافق للمشهور
شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا إذ لم نعرف مخالفا إلا الشيخ في النهاية التي
هي متون أخبار وليست كتاب فتوى، وتبعه القاضي، ففرق بينهما، فقدم التدبير
على الدين إذا كان لاحقا وبالعكس إذا كان سابقا لصحيح أبي بصير (2) " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل دبر غلامه وعليه دين فرارا من الدين، قال: لا تدبير له،
وإن كان دبره في صحة منه وسلامة فلا سبيل للديان عليه " والحسين بن علي بن
يقطين (3) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن بيع المدبر، قال: إذا أذن في ذلك فلا بأس
به، وإن كان على مولى العبد دين فدبره فرارا من الدين فلا تدبير له، وإن كان
دبره في صحة وسلامة فلا سبيل للديان عليه، ويمضي تدبيره " القاصرين عن معارضة

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب التدبير الحديث 3 مع الاختلاف في اللفظ.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب التدبير الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب التدبير الحديث 1 عن الحسين عن علي
ابن يقطين كما في التهذيب ج 8 ص 261 الرقم 950 والاستبصار ج 4 ص 28
الرقم 91.
232

ما تقدم من النصوص (1) الدالة على أنه بمنزلة الوصية وأنه من الثلث وأن قضاء الدين
خير له من وجوه، فيطرحان أو يحملان على التدبير الواجب بنذر وشبهه، فإذا وقع
كذلك مع سلامة من الدين فلا سبيل للديان عليه، ولو نذره فرارا من الدين لم ينعقد
نذره، لأنه لم يقصد به الطاعة، بل ظاهرهما اعتبار قصد الفرار في الشق الأول،
ولم يقل به أحد، بل هما ظاهران بالنظر إلى سياقهما في التفصيل بين قصد الفرار
وعدمه المعبر عنه بالصحة والسلامة، لا تقدم الدين وتأخره، وحينئذ يكونان
أعم من المدعى، ويخرجان عن الدلالة على التفصيل المزبور، بل ربما احتمل أن
المراد منهما التفصيل بين حالتي الصحة والمرض، بل قيل: إنه المتبادر من اللفظتين
عند الاطلاق وإن كان هو كما ترى، إلا أن المراد بيان إجمال الروايتين على وجه
لا وثوق بالمراد منهما بحيث يصلح لمعارضة ما عرفت.
هذا ولكن في صحيح الحلبي (2) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل قال: إن
مت فعبدي حر وعلى الرجل دين، فقال: إن توفي وعليه دين قد أحاد بثمن
الغلام بيع العبد، وإن لم يكن أحاط بثمن العبد استسعى العبد في قضاء دين مولاه،
وهو حر إذا أوفى " ولعل وجهه انعتاق جزء منه مع فرض عدم الإحاطة، فيستسعى
حينئذ كما أن ترك ذكر الوارث فيه مع أن له حقا أيضا في زيادة قيمته لا يقدح بعد
استفادته من خارج.
ومنه ينقدح الاشكال فيما ذكره المصنف وغيره من البيع بقدر الدين خصوصا
مع تأيد الصحيح المزبور بإطلاق أدلة البيع على وجه يمكن جعله قاعدة في كل من
أعتق بعضه، فتأمل جيدا، والله العالم.
(وكما يصح الرجوع في المدبر) أجمع (يصح الرجوع في بعضه،)
لأنه بحكم الوصية التي يجوز فيها ذلك، كما عرفته في كتابها.

(1) الوسائل الباب - 2 و 8 - من أبواب التدبير.
(2) الوسائل الباب - 39 - من كتاب الوصايا الحديث 3.
233

المسألة (الثالثة:)
(إذا دبر بعض عبده لم ينعتق عليه الباقي) معجلا للأصل السالم عن
معارضة ما دل (1) على ذلك بعد ظهوره في العتق المنجز، خلافا للمحكي عن
المرتضى وبعض العامة من القول بالسراية كالعتق المنجز، لأنه يوجب استحقاق العتق
بالموت، فصار كالاستيلاد الموجب لتقويم حصص الشركاء عليه، وفيه منع الاستحقاق
أولا لجواز الرجوع، ومنع الملازمة على تقدير الاستحقاق ثانيا، لعدم تحقق
العتق بالفعل، لعدم المقتضى، والفرق بين الاستيلاد والتدبير أن الاستيلاد
كالاتلاف، حيث إنه يمنع التصرف بالبيع ونحوه، ولا سبيل إلى دفعه بخلاف التدبير،
كما هو واضح.
بل في المسالك " لا ينعتق عليه أيضا بعد انعتاق المدبر، لأنه حينئذ لا يبقى
المعتق موسرا، لانتقال ماله عنه بالموت، بخلاف ما إذا علق عتق نصيبه بصفة فوجدت
الصفة وهو موسر وجوزناه، فإنه يعتق النصيب ويسرى " وفيه إمكان كونه موسرا
بالخروج من الثلث، فإن لم يكن له ثلث غيره استسعى العبد، فتأمل.
(ولو كان له شريك لم يكلف شراء حصته) على معنى ضمانها له، لما
عرفت من عدم المقتضي لذلك، فأصالة البقاء بحالها، والمخالف هنا كالسابق،
وجوابه جوابه، بل هنا أولى بعدم السراية، خلافا لبعض العامة، فخير الشريك
بين أن يضمنه القيمة وبين أن يستسعى العبد وبين أن يدبر نصيبه أو يعتقه، وهو
كما ترى.
(وكذا لو دبره بأجمعه ورجع في بعضه و) الكلام الكلام.

(1) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق.
234

بل عن الشيخ (ره) أنه (كذلك لو دبر الشريكان ثم أعتق أحدهما لم يقوم
عليه حصة الآخر) لأن له جهة يعتق لها وهو التدبير، فلا يحتاج إلى جهة أخرى
وإن كان هو كما ترى، ضرورة تناول إطلاق أدلة السراية. (و) لذا قال المصنف
(لو قيل يقوم) عليه (كان وجها).
(ولو دبر أحدهما) خاصة (ثم أعتق وجب عليه فك حصة الآخر)
مع الشرائط قطعا، لعموم الأدلة السالم عن المعارض.
(ولو أعتق صاحب الحصة القن لم يجب عليه فك الحصة المدبرة) عند
الشيخ، بل في المتن (على تردد) وقد عرفت ضعفه، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا أبق المدبر بطل تدبيره) بلا خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى خبر محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن جارية مدبرة
أبقت من سيدها سنينا ثم جاءت بعد ما مات سيدها بأولاد ومتاع كثير، وشهد
لها شاهدان أن سيدها كان دبرها في حياته قبل أن تأبق، فقال أبو جعفر عليه السلام: أرى
أنها وجميع ما معها للورثة، قلت: لا تعتق من ثلث سيدها، فقال: لا، إنها أبقت
عاصية لله عز وجل ولسيدها، وأبطل الإباق التدبير " وخبر رزين (2) عن
الصادق عليه السلام " في رجل دبر غلاما له، فأبق الغلام فمضى إلى قوم، فتزوج منهم،
ولم يعلمهم أنه عبد، فولد له واكتسب مالا، فمات مولاه الذي دبره، فجاء ورثة
الميت الذي دبر العبد فطالبوا العبد، فما ترى؟ فقال: العبد وولده رق لورثة

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب تدبير الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب التدبير الحديث 2 عن علاء بن رزين.
235

الميت، قلت: أليس قد دبر العبد، فذكر أنه لما أبق هدم تدبيره ورجع
رقا ".
ولا حاجة بعد ذلك إلى تكلف الفرق بينه وبين الارتداد الذي لا يبطل معه
التدبير مع أنه معصية لله عز وجل بأن الأول مع ذلك هو معصية للسيد المحتاج
إلى خدمته، بخلاف الارتداد الذي هو معصية للسيد الغني عنه، مع أنه منتقض
بعدم بطلانه بالإباق مع التعليق على وفاة المخدوم الذي قد سمعت الكلام فيه،
وستسمع إن شاء الله تعالى فالعمدة حينئذ النص والاجماع وكفى بهما فارقا، والله
العالم.
(و) على كل حال فإذا بطل تدبيره (كان هو ومن يولد له بعد الإباق
رقا إن ولد له من أمة) مولاه أو غيره، بل أو حرة إذا كان بحيث يلحق به الولد
بلا إشكال في شئ من ذلك ولا خلاف.
(و) أما (أولاده قبل الإباق) فهم (على التدبير) ولا يبطل
تدبيرهم بإباقه، للأصل وغيره، بل قد يمنع بطلانه بإباقهم فضلا عن إباقه اقتصارا
فيما خالف الأصل على مورد النص (1) على أن تدبيرهم قد جاء بالسراية كما
تقدمت الإشارة إلى ذلك في مسألة جواز الرجوع بهم، فلاحظ وتأمل.
لكن قد يقال ظاهر الخبر الأول (2) التعليل الشامل لذلك، اللهم إلا
أن يمنع كونه تعليلا لبطلانه بمقتضى إطلاق النص والفتوى به وإن لم يكن
عصيانا لصغر ونحوه، وقد يحتمل منع ذلك تنزيلا للاطلاق على المنساق
والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لا يبطل تدبير المملوك لو ارتد) للأصل حتى لو
كان عن فطرة (فإن التحق بدار الحرب بطل لأنه إباق، و) حينئذ (لو مات
مولاه قبل فراره تحرر) لحصول المقتضي، فما عن ابن الجنيد - من بطلان التدبير

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب التدبير الحديث - 0 - 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب التدبير الحديث - 0 - 1.
236

بالارتداد أو الالتحاق بدار الحرب وأسر المسلمين له - واضح الضعف، لعدم الدليل
إلا القياس الذي هو هنا مع ثبوت الفارق محرم عندنا، والالتحاق حيث يكون
إباقا يكفي في تحقق البطلان وإن لم ينضم إليه الأسر، كما هو واضح، والله
العالم.
المسألة (الخامسة:)
(ما يكتسبه المدبر لمولاه ل‍) ما عرفت من (أنه رق) نصا (1)
وفتوى، بل إجماعا بقسميه (ولو اختلف المدبر والوارث فيما في يده بعد موت
المولى فقال المدبر: اكتسبته بعد الوفاة) وقال الوارث: قبلها (فالقول قوله
مع يمينه) للأصل، ولأنه صاحب يد (ولو أقام كل منهما بينه فالبينة بينة
الوارث) لأنها بينة خارج بناء على تقديمها على بينة الداخل، هذا كله إذا
كان خارجا من الثلث.
أما إذا كان النزاع في صورة ما إذا لم يخلف سواه وكانت قيمته ثلاثين
مثلا وقد اكتسب ستين مثلا فادعى الوارث السبق ويلزمه انعتاقه أجمع وكون
الكسب له، لأنه ضعف قيمته وادعى العبد التأخر، ومقتضاه حرية ثلثه ويتبعه ثلث
الكسب وهو عشرون، فيبقى للوارث منه أربعون، وإذا ضمت إلى قيمة العبد كانت
سبعين، والمجموع تركة باعتراف الوارث، فينعتق منه ثلثها، وهو ثلاثة وعشرون
وثلث، وذلك سبعة أتساع المدبر، فالقول قوله أيضا بيمينه في استحقاق العشرين،
ولكن يفك العبد نفسه إن شاء بستة وثلثين من العشرين التي أخذها بجزئه الحر،
ولا تحتسب على الوارث، لأنه إنما يحسب عليه ما يصل إليه، ويبقى له منها ثلاثة
عشر وثلث.
لكن في المسالك " لا يقال يلزم على هذا أن يثبت له زيادة على ما يدعيه،

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير.
237

لأن دعواه التي حلف عليها وقدم قوله فيها أنه انعتق ثلثه واستحق ثلث الكسب،
وذلك ثلاثون تمام قيمته، ولازم دعواه أيضا شرعا أن مجموع الكسب للورثة،
وليس له إلا رقبته، لأن ما يحصل له من الكسب يجب عليه دفعه في فكاك باقيه،
وهو بتمامه تمام الباقي، فكيف يستحق الزائد، وهو ينفيه، لأنا نقول: إن الزيادة
حصلت له من قبل الجزء الحر، وهو حق لله تعالى شأنه يثبت فيه ما يقتضيه الشرع،
ولا يلتفت فيه إلى إنكاره، بخلاف المال، وذلك لأن مقتضى دعواه في المال لما
كانت استحقاق عشرين لم يزده عليها، وأما العتق فإن الشرع يحكم بعتق ثلث
ما يتحصل بيد الوارث من التركة، ولما اعترف له من الكسب بأربعين وقيمته
تساوي ثلاثين فقد تحصل بأيديهم سبعون، فيحكم له منه مقدار ثلثها منه. سواء
اعترف به أم أنكره، لأن العتق حق لله تعالى شأنه، فيحصل له منه مقدار ثلاثة
وعشرين، فإذا أضيفت إلى ما حكم له به من الكسب زاد عن القيمة، فكان الزايد
له لأجل ذلك، وقس على هذا ما إذا قصر الكسب عن ضعفه أو خلف شيئا آخر معه
لا يبلغ الضعف، فلو كان كسبه مقدار قيمته كان له ثلثه بدعواه التي قدم فيها
وضم ثلثاه، وهو عشرون في المثال إلى مجموع المدبر، وقيمته ثلاثون، فيكون
الحاصل بيد الوارث خمسين، ويحكم عليه بعتق ثلثها، وهو ستة عشر وثلثاه، وهي
خمسة أتساعه، وله ثلث كسبه عشرة، ويجتمع للورثة عشرون من الكسب وثلاثة
عشر وثلث من رقبته، وذلك ضعف ما عتق منه " وقد أخذ ذلك كله من الفاضل في
القواعد وولده في شرحها.
لكن فيه - بعد الاغماء عما في دعوى وجوب دفع ما استحقه بيمينه في فك
نفسه - أن دعوى الحرية التي يعلم العبد خلافها لا تكون سببا لملك الزيادة التي
يجب عليه دفعها في فكاك نفسه على ما ذكروه فيها بينه وبين الله تعالى شأنه، وكذا
عدم سماع إنكاره لها في ظاهر الشرع لو سلم، وإلا فقد يمنع، لاطلاق قوله
عليه السلام (1): " الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية " وحينئذ

(1) الوسائل الباب - 29 - من كتاب العتق الحديث 1.
238

فالمتجه معاملة كل منهما باقراره.
وزاد في القواعد احتمال كون المسألة دورية، قال: " ولو ادعى الوارث سبق
الكسب على الموت والعبد تأخره قدم قوله، فإن أقامه بينه قدمت بينة الوارث
هذا إن خرج من الثلث، ولو لم يخلف سواه وكان الكسب ستين ضعف قيمته قدم
قول العبد أيضا، ويحتسب على الورثة ما يصل إليهم من الكسب باقرارهم، وهل
للعبد بالجزء الذي انعتق باقرارهم مقابله من كسبه إشكال، ينشأ من إجراء إقرار
الورثة مجرى الإجازة أولا، فعلى الأول يدخلها الدور، فنقول عتق منه شئ، وله
من كسبه شيئان وللورثة شيئان من نفسه وكسبه، فالعبد وكسبه في تقدير خمسة أشياء،
فالشئ ثمانية عشر، فله من نفسه ثمانية عشر، ومن كسبه ضعف ذلك، وللورثة من نفسه
وكسبه ستة وثلاثون، وعلى الثاني يعتق سبعة أتساعه، وله من كسبه عشرون،
ومنه يستخرج حكم ما قصر الكسب فيه عن ضعفه أو خلف شيئا معه ".
قلت: لا أعرف وجها للاحتمال الأول الذي جعل المسألة دورية على تقديره،
وذلك لعدم إقرارهم بانعتاق جزء منه على وجه يستحق به من الكسب شئ، ضرورة
كون دعواهم تقدم الكسب على وفاة السيد، وهو زمان الرقية، فلا يتصور استحقاق
شئ من الكسب بجزئه الحر على دعوى الوارث، كما هو واضح، والله العالم.
239

المسألة (السادسة:)
(إذ جني على المدبر بما دون النفس كان) القصاص أو (الأرش
للمولى) لأنه مملوك له فهو حينئذ كالقن (ولا يبطل التدبير) بذلك للأصل
(و) غيره، نعم (إن قتل بطل التدبير) لفوات محله (وكانت قيمته للمولى)
أو القصاص ولكن (يقوم مدبرا)، إذ قد يقتضي التدبير إذا كان واجبا
أو قلنا بعدم جواز بيع رقبة المدبر نقصا بالنسبة إلى قيمته غير مدبر، كما هو
واضح، والله العالم.
المسألة (السابعة:)
(إذا جنى المدبر تعلق أرش الجناية برقبته) كالقن، لاطلاق الأدلة،
فإن كان موجبا للقصاص فاقتص منه فات محل التدبير، وكذا إن استرق لخروجه
حينئذ عن ملك سيده، فيبطل تدبيره (و) إن عفى عنه أو رضي المولى بالمال
أو كانت الجناية توجب مالا ف‍ (لسيده فكه بأرش الجناية) أو بأقل الأمرين
على الخلاف المقرر في جناية القن، (وله بيعه) كلا أو بعضا (فيها فإن
فكه فهو على تدبيره) للأصل (وإن باعه وكانت الجناية تستغرقه فالقيمة
لمستحق الأرش، فإن لم تستغرقه بيع منه بقدر الجناية، والباقي على التدبير)
بلا خلاف أجده في شئ من ذلك ولا إشكال.
(ولمولاه أن يبيع خدمته) حقيقة منفردة أو مع رقبته إلى حين موته،
أو ينقلها بعقد صلح أو إجارة مدة فمدة على حسب ما سمعته من الخلاف السابق،
240

ضرورة عدم خصوصية للمقام.
(وله أن يرجع في تدبيره) إن لم يكن واجبا عليه (ثم يبيعه) إن
شاء (و) إن شاء فداه.
بل (على ما قلناه) سابقا (لو باع رقبته صح وكان ذلك نقضا لتدبيره)
وإن لم يقصده، لاقتضاء البيع انتقال الرقبة، وقد عرفت منافاته للتدبير، بناء على
أنه لا عتق إلا في ملك، مضافا إلى ظهور النصوص (1) السابقة في ذلك.
ولكن قال المصنف هنا: (وعلى رواية إذا لم يقصد نقض التدبير كان
التدبير باقيا وينعتق بموت المولى، ولا سبيل عليه) ولم نعثر عليها بالخصوص،
إذ ليس إلا ما سمعته مما هو ظاهر في جواز بيع الخدمة (2) لا أنه مع إطلاق
البيع يبقى تدبيره، ولعله لذا قال الكركي في فوائده " هذا بخصوصه غير موجود في
شئ من الروايات، ولكن المصنف حيث جمع بينها بالحمل على ذلك حكاه بصيغة
" على " ولم يقل في رواية، فكأنه قال: على مقتضي رواية باعتبار الحمل الذي ساق
إليه اختلاف الروايات " قلت: وقد عرفت عدم قبول النصوص المزبورة للجمع
المذكور، فلاحظ وتأمل.
(ولو مات المولى قبل افتكاكه) أو استرقاقه (انعتق) لاطلاق أدلة التدبير
وسبق سبب الحرية على الجناية، وبنائها على التغليب وحينئذ فالمتجه تعلق أرش
جنايته بذمته (ولا يثبت) أي (أرش الجناية في تركة المولى) للأصل
وغيره، حتى لو قلنا بثبوته لو أعتق العبد الجاني باعتبار كونه بناء على نفوذ العتق
التزاما بالفداء، لتعذر تسليمه لاستيفاء حق الجاني، ضرورة الفرق بينهما بالسبق
واللحوق، فما عن الشيخ من كون الأرش في تركة المولى ضعيف، نعم لو فرض
تدبيره بعد الجناية وقلنا بانعتاقه بالموت واتفق حصوله قبل الفك أمكن القول

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث 3.
241

بذلك، كما أن المتجه في الأول بناء على عدم انعتاقه بموت المولى - كما عن
بعض أقوال العامة - تخير الوارث بين فدائه فيعتق حينئذ من الثلث وبين تسليمه
للاسترقاق وبيعه في جنايته، فيبطل التدبير حينئذ.
وفي المسالك عن ابن الجنيد والقاضي لا يبطل، بل يستسعى في قيمته بعد
موت المولى، واختاره في الدروس لصحيحة أبي بصير (1) والأظهر البطلان، قلت:
لم أجد ذلك فيها، وإنما الموجود هنا " ولو جنى فكالقن ولو عتق قبل الفك ففي
رقبته أو ماله، لا على الورثة، وفي المبسوط يؤخذ الأرش من بركة المولى كأنه
يجري مجرى إعتاق العبد الجاني، ولو كاتبه جزم الشيخ ببطلان التدبير وابن
الجنيد وابن البراج ببقائه، وهو الأصح لصحيح أبي بصير (2) ولعل فيما حضره
من النسخة سقط.
وفي كشف اللثام " عن أبي علي أن له أي المولى أن يدفعه إلى أولياء المقتول
يخدمهم حتى يموت المولى، ثم يستسعى في قيمته " قلت: لا بأس به مع
التراضي.
ولكن في المقنعة " إذا قتل العبد والمدبر رجلا حرا خطأ فديته على
سيديهما، فإن لم يؤدياه دفع العبد والمدبر إلى أولياء المقتول فاسترقوا العبد
واستخدموا المدبر حتى يموت سيده الذي دبره، فإذا مات سيده خرج عن
الرق إلى الحرية، ولم يكن لأحد عليه سبيل ".
وقال الشيخ في النهاية: " إذا قتل مدبرا حرا كانت الدية على مولاه الذي
دبره إن شاء أو يسلمه برمته إلى أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه إن كان قتل
صاحبهم عمدا، وإن شاؤوا استرقوه، وإن كان قتله خطأ استرقوه وليس لهم قتله،
وإذا مات الذي دبره استسعى في دية المقتول وصار حرا " وفيه أنه مناف لما دل

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث 2 ويذكره فيما يأتي في الفرع الثالث وجها لمختار الدروس.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث 2 ويذكره فيما يأتي في الفرع الثالث وجها لمختار الدروس.
242

على استرقاقه (1) الظاهر في خروجه عن ملك مالكه وصيرورته رقا لولي المجني
عليه، من غير فرق بين القن والمدبر الذي هو كالقن أيضا خصوصا بعد صحيح
أبي بصير (2) عن الباقر عليه السلام " سألته عن مدبر قتل رجلا عمدا فقال: يقتل به،
قلت: وإن قتله خطأ فقال: يدفع إلى أولياء المقتول، فيكون لهم، فإن شاؤوا
استرقوه، وليس لهم قتله، ثم قال: يا أبا محمد إن المدبر مملوك " الذي قد اعترف
غير واحد بأنه نص في الباب.
ويمكن أن يكون مستند المفيد ره حسن جميل (3) عن الصادق عليه السلام
" قلت له: مدبر قتل خطأ من يضمن عنه، قال: يصالح عنه مولاه، فإن أبي دفع
إلى أولياء المقتول يخدمهم حتى يموت الذي دبره، ثم يرجع حرا لا سبيل
عليه ".
كما أنه يمكن أن يكون مستند الشيخ خبر هشام بن أحمد (4) " سألت
أبا الحسن عليه السلام عن مدبر قتل رجلا خطأ قال: أي شئ رويتم في هذا
الباب؟ قال: قلت: روينا عن أبي عبد الله أنه قال: يرميه إلى أولياء المقتول، فإذا
مات الذي دبره أعتق، فقال: سبحان الله تعالى، فيطل دم امرء مسلم؟! قلت:
هكذا روينا، قال: غلطتم، بل يرميه إلى أولياء المقتول، فإذا مات مدبره استسعى
في قيمته " بل عن الشيخ في كتابي الأخبار تقييد الخبر الأول بالثاني، وفي
المختلف " هو مذهب الصدوق ره في المقنع، وليس بعيدا عن الصواب، لما فيه من
الجمع بين الأخبار بما يناسب العتق ".
قلت: لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل هو صريح كلام
الشيخ في المحكي عن مبسوطه وغيره، نعم لا بأس بذلك إذا لم يرد ولي المقتول
استرقاقه، وقد دفعه مولاه إليه باقيا على تدبيره ورضي هو بذلك.

(1) الوسائل الباب - 42 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 42 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات النفس الحديث 1 - 5 من كتاب الديات.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب ديات النفس الحديث 1 - 5 من كتاب الديات.
243

ولعله لذا قال ابن إدريس فيما حكي عنه بعد أن ذكر كلام الشيخ في النهاية:
" لا دليل على صحة هذه الرواية، لأنها مناقضة للأصول، وهو الخروج عن ملك
من دبره وصار عبدا لأولياء المقتول، فمن أخرجه عن ملكهم بعد دخوله فيه
يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك، ويمكن أن نحمل الرواية على أنه كان التدبير
عن نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه، فإذا كان ذلك وكان القتل خطأ فإنه بعد
موت من دبره يصير حرا ويستسعى في الدية - ثم قال -: والأقوى عندي في الجميع
أنه يسترق سواء كان عن نذر أو لا، لأن السيد ما رجع عن تدبيره، وإنما صار عبدا
لحق ".
قلت: بل من آخر كلامه يستفاد الحكم في مسألة أخرى، وهو عدم الفرق
في الاسترقاق حيث يكون له بين الندب والواجب وغيرهما، ولعله الموافق لاطلاقهم
هنا إذ وجوبه لا ينافي استرقاقه بدليل آخر لا مدخلية للمدبر فيه، والأصل براءة
الذمة من وجوب فكه.
ولو قتل المدبر مولاه ففي القواعد " احتمل بطلان تدبيره مقابلة له بنقيض
مقصوده، كالوارث الذي يمنع من الإرث بقتله، ولأنه أبلغ من الإباق " ولكنه كما
ترى لا ينطبق على أصولنا، فالمتجه الانعتاق للأصل وتغليب الحرية بعد منع
القياس، والأولوية.
وكذا لا ينطبق عليها ما فيها أيضا من أنه " لو دبر عبدين وله دين بقدر
ضعفهما عتق من تخرجه القرعة قدر ثلثهما، وكان الباقي والآخر موقوفا، فإذا
استوفى من الدين شئ أكمل من عتق من أخرجته القرعة قدر ثلثه، فإن فضل عتق
من الآخر، وهكذا حتى يعتقا معا أو مقدار الثلث منهما، ولو تعذر استيفاؤه لم
يزد العتق على قدر ثلثهما، ولو خرج من وقعت القرعة له مستحقا بطل العتق فيه،
وعتق من الآخر ثلثه " إذ هو كما ترى أيضا غير منطبق على أصولنا التي مقتضاها
انعتاق ثلثيهما، ثم كل ما جاء من الذين يعتق منهما على السواء، وهكذا.
244

نعم لا بأس بما فيه من " لو دبر عبدا وكان له ابنان وله على أحدهما دين
ضعف قيمته عتق من المدبر ثلثاه، لأن حصة المديون من الدين كالمستوفي، وسقط
عنه من الدين نصفه، لأنه قدر حصته من الميراث، ويبقى منه للآخر النصف،
وكلما استوفى منها شيئا عتق قدر ثلثه، ولو كان الضعف دينا عليهما بالسوية عتق
الكل، ولا شئ لأحدهما على الآخر، ولو تفاوتا فيه فبالنسبة إلى كل منهما "
ضرورة انطباق ذلك كله على أصولنا، والله العالم.
المسألة (الثامنة:)
قد عرفت أنه (إذا أبق المدبر بطل التدبير) نصا (1) وفتوى (و)
إن صح تدبير الآبق، لاطلاق الأدلة، بل قد عرفت أيضا أنه (لو جعل خدمته
لغيره مدة حياة المخدوم ثم هو حر بعد موت ذلك الغير لم يبطل تدبيره بإباقه)
لصحيح يعقوب بن شعيب (2) السابق إلا أنك قد عرفت فيما مضى كون التحقيق
عدم كون ذلك من التدبير، لا أنه تدبير مستثنى من إطلاق ما دل (3) على بطلانه
بالإباق لو قلنا بشموله، إنما الكلام باقتضاء إباق المعلق عتقه على وفاة الزوج -
أو مطلق الغير وقلنا إنه تدبير - البطلان أما على القول بعدم كونه تدبيرا كما
سمعت تحقيق الحال فيه فلا إشكال في عدم البطلان، بل قد يقوى ذلك على القول
بأنه تدبير اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن الذي هو المعلق على وفاة المولى،
خصوصا بعد التصريح بعدم البطلان في المخدوم.
فما في المسالك بعد الاشكال منه - " ولو قيل بقصر عدم البطلان على إباق من
جعلت خدمته لغيره وعلق تدبيره على وفاة المخدوم كان حسنا، لأن هذا الحكم
قد صار على خلاف الأصل، فالنظر إلى قاعدة الأصحاب في المسألة وظهور اتفاقهم

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب التدبير.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب التدبير الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب التدبير.
245

على أن إباق المدبر مبطل له إلا ما أخرجه الدليل " - لا يخلو من نظر، خصوصا
بعد أن لم نتحقق ما ذكره من قاعدة الأصحاب وظهور اتفاقهم عليه، وإنما لهم
كلام سابق قبل الخوض في مسألة الإباق دفعا للاستدلال على عدم كونه تدبيرا بما
تضمنه الصحيح المزبور من عدم البطلان بإباق المعلق على وفاة المخدوم على وجه
لا يكون إجماعا بحيث يعتمد عليه في إثبات حكم مخالف للأصل بعد فرض خلو
النصوص عما يقتضي الشمول لمثل ذلك، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
(فروع أربعة:)
(الأول:)
(إذا استفاد المدبر مالا بعد موت مولاه فإن خرج المدبر من الثلث
فالكل له) لكونه حينئذ حرا فكسبه له (وإلا كان له من الكسب بقدر ما تحرر
منه والباقي للورثة) بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك، هذا إذا كان عتقه معلقا
على وفاة المولى، أما لو كان معلقا على وفاة غيره كالمخدوم وتأخر موته عن موت
المولى فإنه باق على الرقية إلى أن يموت المخدوم، فكسبه لهم مطلقا إلى
حصول المعلق عليه.
وهو يجوز للوارث الرجوع في تدبيره كما كان ذلك جائزا للمولى؟ توقف
فيه في المسالك أولا من إطلاق جواز الرجوع في التدبير، ومن اختصاص ذلك بمن
باشر التدبير، ولذا لم يجز للمدبر أن يرجع بالأولاد، لعدم مباشرته لتدبيرهم،
ثم مال إلى الجواز لقيام الوارث مقام الموروث، ولأنه يرث الحقوق التي له
كحق الشفعة والخيار وغيرهما من الحقوق المالية، ولأن الناس مسلطون على
أموالهم.
246

لكن قد يقوى خلافه، للأصل الذي خرجنا عنه في المدبر للنصوص (1)
الدالة عليه الظاهرة في كونه موصيا أو بمنزلة الموصي في ذلك المقتضية لعدم جواز
تبديل وصيته ووجوب إبقائها، إذ هو حينئذ كمن أوصى بشئ تأخر وقته مثلا،
والله العالم.
(الثاني:)
(إذا كان له مال غائب بقدر قيمته مرتين) وكان قد دبر عبدا ثم مات
(تحرر ثلثه) معجلا وفاقا للأكثر، لوجود للمقتضى فيه بلا مانع، (و)
وقف الثلثان، ثم (كل ما حصل من المال شئ تحرر من) باقي (المدبر
بنسبته)، فلو فرض أن قيمته مأة مثلا والمال الغائب مأتان وقد حصل منه مأة
تحرر منه ثلثاه (وإن تلف) المأتان مثلا (استقر العتق في ثلثه) خاصة،
وعلى هذا فثلث اكتسابه بعد موت السيد له، ويوقف الباقي، فإن وصل المال إلى
الوارث تبين عتقه أجمع وتبعه كسبه.
وفي غاية المراد والمسالك ذكر ذلك أحد الوجهين، والثاني أنه لا ينعتق
حتى يصل المال إلى الورثة، لأن في تنجيز العتق تنفيذ التبرع في الثلث قبل تسلط
الورثة على الثلثين، إذ لا بد من التوقف في الثلثين إلى أن يتبين حال الغايب، وحينئذ
فينعتق منه في المثال المزبور إذا حصلت مأة نصفه لا ثلثاه، لحصول مثليه حينئذ
للوارث، وفي غاية المراد " ربما أمكن احتمال المراعاة " وفي المسالك " ربما
يخرج على الوجه الثاني أن للوارث التصرف في الثلثين، كما يحكم بعتق الثلث
مراعاة للحقين المتلازمين، فإن حضر الغائب نقض تصرفه، وإلا صح خلاف
ذلك كله ".

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب التدبير.
247

وفيه أنه لا وجه لتخريج ذلك على الوجه الثاني الذي هو عدم الحكم بتعجيل
عتق ثلثيه، نعم هو احتمال على الوجه الأول، بل لا يخلو من قوة، ضرورة كونه
مقتضى أصالة عدم وصول المال المقتضي لحرية الثلثين، وكون الحكم شرعا بانعتاقه
من الثلث واقعا والفرض عدم العلم لا ينافي العمل بما تقتضيه الأصول، لأنه وإن
لم (1) يتشخص بها كون الثلث الموجود خصوصا مع ملاحظة الضرر على الوارث
بالتعطيل فتأمل جيدا.
ومنه يعلم ما في قوله: " وكما يوقف كسبه في الثلثين قبل وصول المال يوقف
نفقته، بمعنى أنه ينفق عليه منه، فإن وفى وإلا أكمل الوارث، فإن حضر المال
وأعتق أجمع رجع الوارث بما غرم منها " مضافا إلى ما فيه أيضا من منع إلزام الوارث
بالاكمال بناءا على الايقاف، نعم يتجه ذلك بناءا على العمل بالأصول إلى أن
يتبين الحال، والله العالم.

(1) هكذا في النسخة الأصلية: المسودة والمبيضة، والظاهر زيادة كلمة
" وإن ".
248

الفرع (الثالث:)
(إذا كوتب ثم دبر صح) لاطلاق الأدلة مع عدم منافاتها له، ضرورة
عدم خروجه بها عن ملك السيد، فيشمله حينئذ إطلاق أدلة التدبير كما لو أعتقه
حالها، وحينئذ فيجتمع عليه الأمران: التدبير والكتابة (فإن أدى مال الكتابة)
قبل موت المولى (عتق) بها أي (بالكتابة وإن تأخر حتى مات المولى عتق بالتدبير
إن خرج من الثلث) لعموم أدلته وكسبه له حال حياة المولى على الأقوى، لأنه
مكاتب، بل في المسالك " في بطلان الكتابة حينئذ وجهان، مثلهما ما لو أعتق السيد
مكاتبة قبل الأداء، والوجه أنها لا تبطل للأصل، فإن بقي من الأحكام شئ يتوقف
عليها تأدى بها " قلت: ستعرف تحقيق ذلك في الكتابة إنشاء الله.
(و) على كل حال ف‍ (إلا) يخرج من الثلث (عتق منه الثلث وسقط
من مال الكتابة بنسبته) أي ثلثهما في الفرض، لحصول تحريره بالتدبير لا بها
(وكان الباقي مكاتبا) يؤدي للورثة ما عليه، هذا كله في التدبير بعد
الكتابة.
(أما لو دبره ثم كاتبه كان نقضا للتدبير) عند الشيخ والأكثر، لأن
التدبير وصية، وهي تبطل فيما لو فرض وصيته بعبد لانسان ثم يكاتبه، ولأن العبد
بالكتابة يكون مالكا لنفسه، فكان السيد زال ملكه عنه، فيكون الحكم كما
لو باعه.
(و) لكن (فيه إشكال) لامكان منع كونه بحكم الوصية في الحكم
المزبور، بل هو عتق معلق لا منافاة بينه وبين الكتابة كما في الصورة الأولى،
وليست الكتابة مخرجة للعبد عن ملك السيد وإلا لم يجز تدبيره في الصورة
الأولى.
ومنه يعلم ما في التعليل الثاني، فيكون حينئذ مدبرا ومكاتبا يجري عليه
249

ما سمعته من الحكم في الصورة الأولى، حتى مع الاطلاق واشتباه الحال فضلا عما
لو صرح بعدم إرادة الرجوع بالكتابة.
ولعله لذا كان المحكي عن ابني الجنيد والبراج ذلك، بل سمعت اختياره في
الدروس لصحيح أبي بصير (1) الذي هو " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد والأمة
يعتقان عن دبر فقال: لمولاه أن يكاتبه إن شاء " بل لعله المراد من قول علي عليه السلام
في خبر وهب (2) " السابق: لا يباع المدبر إلا من نفسه " بل قد سمعت احتمال
كونه المراد من النصوص (3) المجوزة لبيعه بشرط رضاه، وحينئذ فالأقوى الجواز،
والله العالم.
ثم لا يخفى عليك أن ذلك كله في عقد الكتابة بعد التدبير، (أما لو دبره
ثم قاطعه على مال ليعجل له العتق لم يكن إبطالا للتدبير قطعا) لأن غايته الوعد
بتعجيل العتق على تقدير فعل إذ المقاطعة غير لازمة لأحدهما، فلا تكون منافية،
وحينئذ فالمال الذي يكتسبه العبد للمقاطعة ملك للمولى، كما هو واضح
والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب التدبير الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب التدبير الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب التدبير الحديث 4 و 5 والباب - 7 -
منها الحديث 1.
250

(الرابع:)
(إذا دبر حملا صح) منضما أو منفردا كما يصح عتقه، لاطلاق
الأدلة، إذ هو آدمي مملوك (و) لكن (لا يسري) تدبيره (إلى أمه) للأصل
وغيره، ويجري عليه نفسه حكم التدبير (و) حينئذ ف‍ (لو رجع في تدبيره)
بالقول أو بالفعل كما لو صالح عنه (صح) بلا خلاف فيه عندنا، نعم لا بد من معرفة
صلاحيته للتدبير حينه (فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين التدبير صح التدبير
فيه لتحققه) حينئذ (وقت التدبير) وإن كان لأزيد من أكثر الحمل لم يصح،
لتبين عدم وجوده حينئذ (وإن كان لأكثر) من الستة ولم يتجاوز أقصى الحمل
(لم يحكم بتدبيره لاحتمال تجدده وتوهم الحمل) بل الأصل تأخره كما ذكرنا
ذلك غير مرة.
نعم في المسالك " ينبغي الفرق بين ما إذا كانت خالية من فراش وعدمه، كما
سبق في نظائره، لأن الأصل المزبور وإن كان واقعا في الحالين إلا أن الظاهر
يعارضه، وأصالة عدم وطء متجدد وصيانة حال المسلمة على تقديره من الحمل على
الزنا " وفيه ما عرفته غير مرة من أن ذلك لا يشخص وجوده حال الايقاع
والله العالم.
251

(وأما المكاتبة:)
التي هي في الأصل مصدر - كالكتابة من الكتب - بمعنى الضم والجمع،
يقال: كتبت القربة إذا وكئت رأسها، ومنه الكتابة، لما فيها من ضم الحروف
بعضها إلى بعض، والكتبة لانضمام بعضهم إلى بعض، وعرفا اسم للعقد الخاص أو
للأثر الحاصل منه أو لغير ذلك مما سمعته مكررا في نظائرها، وكان وجه المناسبة
ما فيها من انضمام النجم إلى النجم، أو لكتب كتاب بينهما بالعتق إذا أدى، أو
لايجاب المولى على نفسه ذلك من " كتب " أي " أوجب " أو لأنها توثق بالكتابة
باعتبار كون عوضها مؤجلا من شأنه الاستيثاق بالكتابة موافقا لقوله تعالى: (1)
" إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " والأصل في مشروعيتها قوله
تعالى: (2) " والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم
خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " مضافا إلى إجماع المسلمين والسنة
المتواترة (3).
وعلى كل حال (ف‍) تمام الكلام فيها (يستدعي بيان أركانها وأحكامها
ولواحقها).
(أما الأركان فالصيغة والموجب والمملوك والعوض) إلا أنه ينبغي أن
يعلم أولا أن (الكتابة مستحبة) عندنا (ابتداء مع الأمانة) أي الديانة
(والاكتساب) أي المال المفسر بهما الخير في الآية في صحيح الحلبي (4) عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " إن علمتم فيهم خيرا إن علمتم لهم دينا ومالا " وفي صحيح

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 282.
(2) سورة النور: 24 - الآية 33.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث - 0 - 1.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث - 0 - 1.
252

ابن مسلم (1) عنه عليه السلام أيضا " الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا
رسول الله، ويكون له بيده عمل يكتسب به، أو يكون له حرفة " وفي خبر العلا (2)
عنه عليه السلام أيضا " إن علمتم فيهم خيرا: إن علمتم لهم مالا " وفي صحيح ابن مسلم (3)
عن أحدهما عليهما السلام " الخير: إن علمت أن عنده مالا " وفي صحيح الحلبي (4) عن
الصادق عليه السلام أيضا " إن علمتم لهم مالا " وعن المقنع أنه روي (5) في تفسيرها " إذا
رأيتموهم يحبون آل محمد صلوات الله عليهم فارفعوهم درجة " بل في موثق سماعة (6)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد يكاتبه مولاه وهو يعلم أن ليس عنده قليل ولا
كثير، قال: يكاتبه وإن كان يسأل الناس، ولا يمنعه المكاتبة من أجل أنه ليس له
مال، فإن الله يرزق العباد بعضهم من بعض، والمؤمن معان، ويقال المحسن معان "
وعن الشيخ روايته " والمحسن معان ".
ومنه يعلم استحباب أصل الكتابة وإن لم يسألها العبد مع عدم الكسب فضلا
عن الكسوب، نعم قوله: " والمؤمن معان " مشعر بكونه مؤمنا مؤيدا بما سمعته من
مرسل الصدوق (ره)، كما أنه يؤيد أصل ندبها كونها إحسانا وضربا من ضروب
العتق الذي قد سمعت شدة الحث عليه، خصوصا بالنسبة إلى المؤمن، وخصوصا إذا
كان قابلا للقيام بنفسه، ولولا ذلك لأشكل إثبات الاستحباب ابتداء وإن نفى عنه
الخلاف في الرياض، ضرورة اختصاص النصوص المفسرة للخير فيها بالذين يبتغون
الكتاب من المماليك، وإن كان قد يشعر ذكرهم الأمرين وتعرضهم للنصوص المفسرة
للخير بهما بأن نظرهم إليها، إلا أنه كما ترى لا دلالة في الجميع على الاستحباب
ابتداء، نعم بناء على استفادة ندبها من غيرها يحمل ما فيها حينئذ على تأكد الاستحباب
بالالتماس بعد الاجماع منا على عدم وجوبها، خلافا لبعض العامة، مضافا إلى ما ورد من
أن الأمر فيها أحد الأوامر الأربعة المراد بها الندب في الكتاب.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 5 - 4.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 5 - 4.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 3 - 7.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 3 - 7.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 3 - 7.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
253

(و) حينئذ يتجه قول المصنف وغيره: إنه (يتأكد) استحبابها
(بسؤال المملوك) لكن قوله: (ولو عدم الأمران كانت مباحة وكذا لو عدم
أحدهما) لا يخلو من نظر، ضرورة التصريح بالأمر بها في الموثق (1) بل والنهي
عن منعه إياها مع عدم المال (2) ولذا قال في النافع: " الكتابة مستحبة مع
الديانة وإمكان التكسب، وتتأكد بسؤال المملوك، وتستحب مع التماسه ولو
كان عاجزا ".
وما في الرياض - من المناقشة فيه " باحتمال ورود الأمر فيه مورد توهم
الحظر فلا يفيد سوى الإباحة على الأصح كما قرر في محله - إلى أن قال -:
وكيف كان فيستفاد منه الإباحة في هذه الصورة وعليها أكثر الطائفة، وعن المبسوط
القول بالكراهة، ولا وجه له " - واضح الفساد، خصوصا مع معروفية رجحان فك
المؤمن من الرقية، وقد سمعت ما في المرسل (3) بل ظاهر المرتضى في الإنتصار
أن الخير في الآية (4) الدين، ولعله الموافق لقولهم في الدعاء للمؤمن: " اللهم
إنا لا نعلم منه إلا خيرا " أو للعرف، فإنه يقال للمؤمن: إنه علم منه خير،
بل لا يقال لغيره: إنه علم منه خير وإن كان كثير المال، كما اعترف به
المرتضى.
ومن ذلك يعلم ما في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر الخبر (5) المختصر في
تفسير الخير على المال قال: " ورجحه بعضهم بأن فيه استعمال المشترك في أحد
معنييه، وفي الأول استعماله فيهما، وهو مجاز على أشهر القولين لا يصار إليه بدون
القرينة، ويضعف بأن القرينة موجودة، وهي الرواية الصحيحة، ولا تعارضها
الأخرى، لأن اشتمالها (6) على إثبات شرط آخر، والمثبت مقدم، نعم يمكن

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 7 - 2.
(4) سورة النور: 24 - الآية 33.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 7 - 2.
(6) هكذا في النسخة الأصلية. وفي المسالك " ولا تعارضها الآخر،
لاشتمالها... ".
254

إثبات أصل الاستحباب بوجود المال أعني القدرة على كسبه عملا بالرواية الصحيحة،
ويتأكد الاستحباب مع وجود الوصفين نظرا إلى الخبر الآخر (1) إلا أن قول
المصنف: " ولو عدم الأمران كانت مباحة، وكذا لو عدم أحدهما " ينافي ذلك،
ولو فقد الشرطان معا لم يستحب لعدم المقتضي له، حيث إن الأمر مخصوص بالخبر
المفسر بهما أو بالثاني، ولو اتصف بالأول خاصة وهو الأمانة لم يستحب، لعدم
المقتضى له، وربما قيل بالاستحباب أيضا، لاستعمال الخير فيه وحده في قوله
تعالى: (2) فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره " يعني عملا صالحا وهو الدين، وقوله
تعالى: (3) " والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير " أي ثواب، كما
أريد بالخير المال وحده في قوله تعالى: (4) " وإنه لحب الخير لشديد " وقوله
تعالى: (5) " إن ترك خيرا الوصية " ويضعف بأن استعمال المشترك في أحد معنييه
لا يجوز بدون قرينة كاستعماله في المعنيين، وهي منتفية في جانب الدين وحده بخلاف
المال، فقد يرجح جانبه بالرواية الصحيحة، والتحقيق إن إطلاق اسم الخير على
المعنيين المرادين هنا مجاز، لأنه في الشواهد إنما استعمل في العمل الصالح والثواب
ونفس المال، والمراد هنا الأمانة والقدرة على التكسب، وهما ليستا عملا صالحا
ولا ثوابا ولا مالا حقيقة، وإنما يكون التكسب سببا في المال، وإطلاق اسم السبب
على المسبب مجاز، كما أن إطلاق الأمانة القلبية على الأعمال الصالحة المتبادر
منها إرادة أعمال الجوارح أو الثواب عليه ولا يعرفه إلا الله تعالى مجازا أيضا، وحينئذ
فاطلاقه عليهما أو على أحدهما موقوف على النقل، وهو موجود في إرادتهما وإرادة

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 1
(2) سورة الزلزلة: 99 - الآية 7.
(3) سورة الحج: 22 - الآية 36.
(4) سورة العاديات: 100 - الآية 8.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 180.
255

الثاني منهما دون الأول، فكان العمل به متعينا، وحيث يفقد الشرطان أو
الأول منهما تكون مباحة، ولا تكره للأصل، وقيل تكره حينئذ، وقواه
في المبسوط ".
وفيه - بعد الاغضاء عن منافاة ما ذكره أولا لقوله أخيرا " أو الأول منهما " -
أن الموثق (1) المؤيد بما عرفت كاف في إرادة المؤمن ولو غير ذي المال الذي
هو أولى قطعا من إرادة ذي المال خاصة، بل ظاهر انتصار المرتضى أنه المراد بالخير
في الآية (2) لا ذو المال خاصة كما توهمه بعض العامة، فإنه يصدق عليه أن
فيه خير بخلاف الكسوب غير المؤمن، فلا ريب في أولوية ذلك خصوصا بعد معلومية
مرجوحية فك رق غير المؤمن أو حرمته.
بل لعل ترك ذكر الدين في خبري المال (3) اتكالا على الظهور، ولا أقل
من حملهما على المقيد بذكره مع الدين وإن لم نقل بحمل المطلق على المقيد في
المندوبات، لكن في خصوص المقام باعتبار ما تقدم من النهي في النصوص عن عتق
غير المؤمن (4) -.
لا يقال لم يذكر كون المكاتب مؤمنا في الموثق لأن تعليله أخيرا بناء على إرادة
العبد منه أو مع المولى ظاهر في ذلك، نعم ليس فيه اعتبار سؤال العبد كما سمعته
من النافع، ومن هنا قلنا باستحباب الكتابة ابتداءا مع الأمرين ويتأكد بالسؤال،
وإلا فقد عرفت أن الآية (5) ونصوص تفسير الخير (6) فيها في خصوص

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) سورة النور: 24 - الآية 33
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 و 3.
(4) الوسائل الباب - 17 - من كتاب العتق الحديث 3.
(5) سورة النور: 24 - الآية 33.
(6) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة.
256

السائلين، ولا ينافي ذلك عدم تعرض الموثق للمؤمن الكسوب، لامكان استفادته
بالأولوية.
وبذلك كله يظهر لك النظر في جملة من الكلمات، خصوصا ما في الرياض الذي
جعل الأمر في الموثق المزبور للإباحة باعتبار توهم الحظر إذ بناءا على ذلك لا دليل
على استحباب الكتابة ابتداءا من غير سؤال، والله العالم.
(و) كيف كان فهي (ليست عتقا بصفة) كما عن بعض العامة، لعدم
صدقه عليها عرفا، وعدم قصده في عقدها، والاتحاد في الغاية أو في
بعض الأحكام لا يقتضي الاندراج في الاسم، وإلا لدخل كثير من المعاملات
في آخر.
(ولا بيعا للعبد من نفسه) كما عن التقي وابني زهرة وإدريس وظاهر علي
ابن إبراهيم في تفسيره (بل هي معاملة مستقلة) خارجة عن قياس المعاملات من
جهة أنها دائرة بين السيد وعبده، وأن العوضين للسيد، وأن المكاتب على مرتبة
متوسطة بين الرق والحرية، وليس لها استقلال الأحرار ولا عجز المماليك، ولذا كانت
تصرفاته مرددة بين الاستقلال ونقيضه كما ستعرف، إلا أن الحاجة لما كانت داعية
إليها - فإن السيد قد لا تسمح نفسه بالعتق مجانا والمملوك لا يشعر للكسب ما لم يكاتب
تشميره إذا كوتب - شرعها الشارع ورتب عليها أحكاما، ومن هنا اغتفر فيها
ما لا يغتفره في غيرها، نحو اغتفاره الجهالة في ربح القراض وعمل الجعالة.
وعلى كل حال فهي (بعيدة عن شبه البيع) الذي يقتضي المغايرة بين
البائع والمشتري، والمبيع هنا هو المشتري، ويقتضي قبول المشتري للملك، وهو
منتف عن المملوك، ويقتضي كون العوض ملكا للمشتري والمعوض ملكا للبائع،
وهنا الأمران للمولى، على أن البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى آخر،
فلا بد من تحقق إضافة الملك بين المشتري والمبيع، وهو منتف هنا لتوقف الإضافة
على تغاير المضافين المفقود في المقام، ولأن ملك العبد يتوقف على حريته، وحريته
موقوفة على تملكه فيدور، ولأن السيد لا يباع عبده، ومن ثم لا يصح بيعه مالا
257

آخر قولا واحدا، ولأنه لو كانت بيعا لثبت المال في ذمته وعتق في الحال، كما
لو أعتق على مال، إلى غير ذلك مما لا يخفى من المنافيات لاندراجها في البيع
حقيقة.
مضافا إلى صحة السلب وتغاير المفهوم عرفا وإطلاق الاسم عليها في بعض
النصوص لضرب من المجاز لا يقتضي اندراجها فيه حقيقة وإلا لكان الصلح أولى
بذلك، ضرورة كثرة إطلاق البيع والشراء على موارده، فليس حينئذ الاطلاق المزبور
إلا على وجه التشبيه البليغ لا الحقيقة.
ومن هنا قال الشيخ: الكتابة تفارق البيع من وجوه: (أحدها) أن الكتابة
لا بد فيها من أجل والبيع لا يفتقر إليه، و (منها) أن الكتابة يمتد فيها خيار
العبد والبيع لا يمتد فيه خيار الشرط، و (منها) أن للبائع أن يشترط لنفسه الخيار،
وليس للسيد أن يشترط، ويتفقان في أن الأجل فيهما لا بد أن يكون معلوما،
ولا يصح كل واحد منهما إلا بعوض معلوم، وإن كان الاختلاف المزبور لا ينافي
كونها من البيع حقيقة، إذ الأجل على تقدير اعتباره يكون فيها كاعتباره في السلم
من البيع الذي قيل فيه بعدم اعتباره فيه، نحو ما تسمعه فيها أيضا، وامتداد خيار
العبد على القول به كامتداد خيار المجلس بامتداده، وخيار الشرط باشتراطه مدة
مديدة، واشتراط الخيار لنفسه فيها ستعرف الكلام فيه إنشاء الله، إنما العمدة ما ذكرناه
من ثبوت تغاير مفهومها مع مفهومه عرفا.
وحينئذ (فلو باعه نفسه بثمن مؤجل لم يصح) كتابة، لما عرفت من
عدم كونها من أفراده وإلا لصح وإن لم يقصدها كما يصح البيع في مورد السلم سلما
وإن لم يقصده سلما.
وما عن المبسوط - من جواز وقوعها بلفظ البيع لإفادة المراد وإن قلنا إنها
ليس بيعا - مبني على جواز استعمال اللفظ مجازا في العقد كما ذكرنا قوته غير
مرة، ولا ينافي ذلك مناسبتها له في المفهوم أو مبني على جواز ذلك بيعا لا كتابة،
258

إذ لا تلازم بين عدم كون الكتابة بيعا وبين جواز بيع العبد من نفسه بثمن مؤجل،
فيثبت له حينئذ أحكام البيع لا الكتابة، كما يومئ إليه ما في الدروس، فإنه ذكر
فروعا متصلة بالمسألة الأول منها، قال: " إن جوزنا بيعه عليه فإذا قال: بعتك
رقبتك أو نفسك بكذا فقبل عتق كشراء القريب، ولا ولاء عليه إلا مع الشرط عند
الشيخ كما مر ويشكل ببعد ملك الانسان نفسه، ولو صح فكيف يكون
الولاء للبائع مع أنه لم يعتقه، والاشتراط يخالف قوله صلى الله عليه وآله: (1) الولاء
لمن أعتق ".
قلت: ولا يدفع الاشكال الأول كونه كبيع ما في الذمة على الانسان نفسه،
لأن ذلك مرجعه إلى الاسقاط بعد قابلية المشتري لأصل قبول البيع بخلاف الفرض،
فإن قابلية شراء العبد نفسه مفقودة، ودعوى صيرورته قابلا ذلك بعقد البيع معه
على معنى حصول القابلية والانعتاق دفعه بالقبول - كما ترى، وإطلاق لفظ البيع
لا يقتضي صحة ذلك.
فالتحقيق عدم صحة ذلك بيعا أيضا فضلا عن أن يكون من الكتابة التي
لا يتصور كونها من البيع بالمعنى المزبور في كتاب البيع، بل ظني أن القائل بأنها
من البيع لم يرد أنها فرد حقيقة من البيع بالمعنى المعهود الذي لا يخفى مباينته
لها، ولا أن البيع مشترك لفظا بين مفهومها وبين غيرها، ضرورة عدم اقتضاء ذلك
ثبوت أحكام البيع من خيار المجلس ونحوه مما كان العنوان فيه البيع، بل يريد
أن البيع للأعم من ذلك وما يشملها نحو ما سمعته في بيع الخدمة، بل وفي بيع
العرية وحينئذ فلا يرد عليه كثير مما سمعته، نعم يدفعه تحقق التباين عرفا بين
المفهومين وعدم قدر مشترك بينهما على وجه يشتركان فيما يثبت من الأحكام التي
عنوانها البيع، كخيار المجلس ونحوه، والاشتراك اللفظي لا يفيد ذلك، بل لا ثمرة
في النزاع فيه، كما هو واضح.
(و) بذلك يظهر لك أنه (لا يثبت مع الكتابة خيار المجلس)

(1) الوسائل الباب - 37 - من كتاب العتق الحديث 1 و 2.
259

الذي عنوانه البيعان بالخيار ما لم يفترقا، وكذا الكلام في غيره من الأحكام.
هذا وفي الدروس قال: " الثاني - أي من الفروع المزبورة - لو قال له:
أنت حر على ألف درهم أو إن أعطيتني ألفا فأنت حر قيل: يبطل، لأن العبد
لا يملك، والثاني تعليق، ويمكن إلحاقهما بالكتابة ".
قلت: لم أجد ذلك لأحد من الخاصة، نعم هو في بعض كتب الشافعية،
ومرجعه إلى مشروعية هذين القسمين كمشروعية الكتابة، وهو كما ترى لا يوافق
أصولنا التي منها حرمة القياس، نعم قد يقال بصحة الأول باعتبار كونه شرطا في
العتق، وقد عرفت صحته، والثاني بناءا على صحة التعليق، وليس من الكتابة في
شئ قطعا، ولا من ملحقاتها، كما هو واضح، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لا تصح من دون الأجل على) الأشهر (الأشبه)
بأصول المذهب وقواعده التي منها أصالة بقاء العبد على الرقية التي لا يعارضها
إطلاق الكتابة في الكتاب (1) والسنة (2) بعد دعوى دخول الأجل في مفهومها
أو احتماله احتمالا مساويا لعدمه، أو انسياق المؤجل منها، خصوصا بعد ملاحظة
النصوص (3) التي تعرضت لأحكامها، فإنه يظهر منها المفروغية من كونها
مؤجلة، حتى ورد عن الصادق عليه السلام في خبر العلا (4) في تفسير قوله تعالى (5):
" وآتوهم من مال الله " قال: تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه
منها " وورد عنه عليه السلام أيضا في صحيح معاوية بن وهب (6) في حديث المكاتبة " قلت:

(1) سورة النور: 24 - الآية 33
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة.
(3) الوسائل الباب - 4 و 5 - من أبواب المكاتبة.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
(5) سورة النور: 24 - الآية 33.
(6) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
260

فما حد العجز؟ قال: إن قضاتنا يقولون: إن عجز المكاتب أن يؤخر النجم إلى
النجم الآخر حتى يحول عليه الحول، قلت: فما تقول أنت؟ قال: لا ولا كرامة،
ليس له أن يؤخر نجما عن أجله إذا كان في شرطه " إلى غير ذلك من النصوص
الظاهرة في كون بناء الكتابة على ذلك.
ولعله إليه يرجع الاستدلال على ذلك بايقاع السلف من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وبعده، فإنهم لا يعقدون الكتابة إلا على عوض مؤجل على وجه يقتضي عدم جواز غيره،
فكان إجماعا، فلا يرد حينئذ عدم عدم اقتضاء ذلك بطلان الحال، إذ عدم استعمالهم
له أعم من البطلان.
كما أن ما ذكر أيضا من الاستدلال بأنه على تقدير الحلول يتوجه المطالبة
في الحال وهو عاجز عن الأداء حينئذ، فيكون كالسلم في شئ لا يوجد عند الحلول،
فلا بد من ضرب أجل له يوجد فيه لئلا يطرق إليه الجهالة الداخلة في الغرر المنهي
عنه (1) فيرجع إلى إرادة عدم ثبوت شرعية الحال الذي لا يتمكن منه العبد غالبا،
واحتماله في بعض الأفراد على بعض الأحوال خصوصا إذا كان مبعضا وكوتب على
الجزء الآخر لا ينافي حكمة شرعية الأجل الذي تخرج به المعاملة عن كونها سفهية
وعن غير المقدور عليها ونحو ذلك.
فما عن الشيخ في الخلاف وابن إدريس ويحيى بن سعيد من عدم اعتبار
الأجل للاطلاق لا يخلو من نظر وإن اختاره الفاضل في القواعد وثاني الشهيدين
في المسالك، بل الأولى اعتبار أجل يتمكن فيه من أداء المال عادة، فلا يكفي
غيره على الأحوط، والله العالم.
(و) لا خلاف في أنه (يفتقر ثبوت حكمها إلى الايجاب والقبول)
ولو على جهة المعاطاة كغيرها من العقود بناء على عموم شرعيتها، وإن كان لا يخلو
جريان المعاطاة هنا من إشكال لعدم ثبوت سيرة عليها، نعم أقواه الثبوت عند
بعض، للصدق عرفا وإن كان فيه ما فيه، كما تقدم في نظائره.

(1) سنن البيهقي ج 5 ص 338.
261

(و) كيف كان ف‍ (يكفي في) عقد (المكاتبة أن يقول كاتبتك مع تعيين
الأجل والعوض) ويقول العبد: " قبلت " (وهل يفتقر إلى قوله فإذا أديت فأنت
حر مع نية ذلك) في إيجاب المكاتبة؟ (قيل) والقائل الشيخ في محكي الخلاف:
(نعم) بل هو الظاهر من كلام ابن إدريس، لاشتراك لفظ المكاتبة بين المراسلة
والمخارجة وبين المكاتبة الشرعية، فلا بد من مائز؟ باللفظ يخرجها عن الاشتراك إلى
الصريح.
(وقيل) والقائل هو في المبسوط والأكثر بل جعله في الأول هو
مقتضي مذهبنا: (بل تكفي النية مع العقد، فإذا أدى عتق سواء نطق بالضميمة
أو أغفلها وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده، لأصالة عدم الاشتراط بعد دلالة
إنشاء عقد المكاتبة الذي غايته ذلك عليه، بل هو كغيره من الغايات المترتبة على
العقود التي من المعلوم عدم وجوب ذكرها، بل المتجه عدم الاحتياج إلى نية
ذلك وإخطاره في البال، للاكتفاء بالانشاء المزبور، لكونه صريحا في ذلك، وإلا
لم يجز حتى مع النية، بناء على عدم جواز الكناية في العقد وإن كان قد تكرر
منا ذكر الاشكال فيه باقتضاء إطلاق الأدلة جواز العقد باللفظ الحقيقي والمجازي،
إذ ليس هو إلا كغيره من المقاصد التي تبرز بهما، كما تقدم ذلك منا غير
مرة.
وأصل الخلاف في هذه المسألة إنما هو من الشافعي وأبي حنيفة، وأوجب
الأول التصريح باللفظ المزبور، ولم يكتف بنيته، كما لا تكفي نية الايجاب عن
التصريح بما يدل عليه، واكتفى الثاني بلفظ " كاتبتك " عن غيره، لأنه صريح في
ذلك: ضرورة كون المراد من اللفظ المستعمل في إيجاب العقد ما يقتضي الحرية بعد
الأداء، كما أن المراد منه على فرض كونها بيعا معنى " بعتك " وعلى فرض
كونها عتقا بصفة أنت حر بعد أدائك، واستعمال المكاتبة بمعنى المراسلة
والمخارجة غير قادح في الصراحة عند إرادة إنشاء عقد المكاتبة بها، بل لعل ألفاظ
العقود والايقاعات جميعها كذلك، إذ مع قطع النظر عن الاتيان بها حال إرادة
262

الانشاء لا تدل على العقد المخصوص ولا الايقاع كذلك، لأنها مشتركة بين
الاخبار والانشاء مثلا إلا أنها صريحة في معناها في مقام الانشاء.
وربما يؤيد ما ذكرنا التأمل فيما تسمعه من النصوص (1) الكثيرة
المشتملة على اشتراط الرد في الرق مع العجز الظاهرة في اقتضاء المكاتبة الحرية بقدر
ما أدى مع عدم الشرط المزبور، بل كاد يكون صريح بعضها الاجتزاء بقول:
" كاتبتك " مع ذكر الأجل والعوض، بل هي ظاهرة في كون ذلك من مفهوم
المكاتب والمكاتبة، بل من مفهوم كاتبتك المستعملة في إنشاء العقد إن لم يرد منها
التحرير بعد الأداء، فلا ريب في إرادة جعلتك مكاتبا فيها، والنصوص المزبورة
ظاهرة في أن المكاتب إن لم يشترط عليه الرد في الرق مع العجز تحرر منه بقدر ما
أدى، ودعوى اعتبار قول: " فإذا أديت فأنت حر " مع قول: " كاتبتك " وذكر
الأجل والعوض في لحوق وصف المكاتب له ظاهرة الفساد، ضرورة صراحة كل صيغة
مشتقة من اسم المعاملة الخاصة في تمام معناها، كما في " بعت " و " صالحت "
و " أنكحت " وغيرها.
فمن الغريب ميل الفخر وتلميذه الشهيد في نكت الإرشاد إلى اعتبار اللفظ
المخصوص. مضافا إلى الصيغة المشتملة على ذكر الأجل والعوض، بل ظاهر الثاني
منهما أن ذلك من تتمة الايجاب، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف بيننا في أن (الكتابة قسمان: مشروطة
ومطلقة و) في أن (المطلقة أن يقتصر على العقد وذكر الأجل والعوض والنية)
بالمعنى الذي تقدم (والمشروطة أن يقول مع ذلك: " فإن عجزت فأنت رد في
الرق ") وحينئذ (فمتى عجز كان للمولى رده رقا، ولا يعيد عليه ما أخذ)
قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (2): " إن المكاتب إذا أدى شيئا أعتق
بقدر ما أدى إلا أن يشترط مواليه إن عجز فهو مردود، فلهم شرطهم " وفي

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث - 0 - 2.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث - 0 - 2.
263

صحيحه الآخر (1) عنه عليه السلام أيضا " في مكاتب شرط عليه إن عجز أن يرد في
الرق، قال: المسلمون عند شروطهم " وقال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2)
" في المكاتب إذ أدى بعض مكاتبته إن الناس كانوا لا يشترطون وهم اليوم يشترطون،
والمسلمون عند شروطهم، فإن كان شرط عليه إن عجز رجع، وإن لم يشترط عليه
لم يرجع " ونحوه صحيحه الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا وفي خبره الآخر (4)
عنه عليه السلام أيضا في " المكاتب يكاتب ويشترط عليه مواليه أنه إن عجز فهو مملوك،
ولهم ما أخذوا منه، قال: يأخذه مواليه بشرطهم " وفي خبر القاسم بن سليمان (5)
عنه عليه السلام أيضا " أن عليا عليه السلام كان يستسعي المكاتب، إنهم لم يكونوا يشترطون إن عجز
فهو رقيق، قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: لهم شروطهم " إلى غير ذلك من النصوص
التي يمر عليك بعضها.
خلافا للعامة، فليست عندهم إلا قسما واحدا، وهو المشروط عندنا،
فلا يعتق إلا بأداء جميع المال، لقوله صلى الله عليه وآله (6) " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم "
المحمول على صورة الشرط، وإليه أومئ في النصوص السابقة التي منها يعلم أيضا
طرح خبر جابر (7) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن المكاتب يشترط عليه
إن عجز فهو رد في الرق، فعجز قبل أن يؤدي شيئا فقال أبو جعفر عليه السلام: لا يرد
في الرق حتى يمضي ثلاث سنين، ويعتق منه بمقدار ما أدى، فإذا أدى ضربا فليس
لهم أن يردوه في الرق " أو حمله على ما لا ينافيها، وكذا غيره.
وعلى كل حال فقد ظهر لك الفرق نصا وفتوى بين المطلقة والمشروطة
بانعتاق قدر ما يؤدي في الأولى وعدمه في الثانية. وأما اشتراكهما ففي أكثر
الأحكام.
بل في المسالك وغيرها ممن تأخر عنها اشتراكهما في الفسخ بالعجز أيضا

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 7 - 3.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 7 - 3.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 5 - 6 - 9 - 14.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 5 - 6 - 9 - 14.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 5 - 6 - 9 - 14.
(6) سنن البيهقي ج 10 ص 324.
(7) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 5 - 6 - 9 - 14.
264

قال: " إذا عجز المكاتب عن مال الكتابة أو بعضه جاز للمولى الفسخ في الجملة،
لكن إن كانت مشروطة رجع رقا بالعجز ولو عن درهم من آخر المال، وإن كانت
مطلقة وكان عجزه عن النجم الأول فكذلك، وإن كان عن غيره أو عن بعضه بعد
أن أدى شيئا أفاد الفسخ عود ما بقي منه واستقر عتق مقدار ما أدى، فاحتيج
إلى معرفة العجز المسوغ للفسخ في القسمين، وإن كان مقتضى عبارة المصنف
والأكثر أن البحث عن عجز المشروطة خاصة ".
قلت: لعل وجهه عدم دليل على اقتضائه الفسخ في المطلقة التي لا يكفي في
ثبوت ذلك فيها بمجرد تخلف الأداء عن النجم مطلقا أو إلى نجم آخر، وإلا
لاقتضى ذلك في النسيئة في البيع مثلا، ضرورة عدم صدق الشرط على مثله كي
يتسلط على الخيار بعدم الوفاء نحو غيره من الشرائط، بل هو من توابع الثمن الذي
هو ركن المعاملة المقتضية لتسليمه لا أنه مستحق بالشرط، وإلا لاقتضى الفسخ
فيها على وجه يعود جميعه رقا، كما في غيره من الشرائط الموجبة للفسخ بعدم
الوفاء بها، وكان العامة توهموا ذلك فجعلوا القسمين قسما واحدا، لكنه كما ترى
لا شرطية في المطلقة بخلافه في المقيدة، فتأمل جيدا فإنه ربما يأتي لذلك مزيد
تحقيق.
(و) كيف كان ف‍ (حد العجز) وعلامته في المشروطة كما في النهاية
(أن يؤخر نجما إلى نجم) ويجتمع مالان على المملوك، (أو يعلم من حاله
العجز عن فك نفسه) وإن لم يؤخر نجما إلى آخر، وتبعه ابن البراج، بل في
المسالك نسبته إلى أتباعه أيضا، بل قال: سواء كان ذلك التأخير بسبب العجز عنه أو
بالمطل أو بالغيبة بغير إذن المولى، وإطلاق اسم العجز على هذا الشق مجاز باعتبار
قسيمه ولمشاركته العجز في المعنى.
(وقيل) والقائل المفيد والشيخ في الاستبصار وابن إدريس، بل نسب
إلى كثير من المتأخرين: هو (أن يؤخر نجما عن محله) بل في المسالك " سواء
265

بلغ التأخير نجما آخر أم لا، وسواء علم من حاله العجز أم لا، حتى لو كان
قادرا على الأداء فمطل به جاز الفسخ إذا أخره عن وقت حلوله ولو قليلا " وإن
كان فيه بل وفي السابق أيضا عدم صدق العجز في صورة المماطلة.
وعبارة المفيد لا تقتضي ذلك، قال: " إن اشترط في الكتاب أنك إن عجزت
عن الأداء أو أبطأت به رجعت عبدا فعجز عن الأداء بعد حلول الأجل أو أبطأ
بالأداء وقد حل الأجل كان عبدا على حاله قبل المكاتبة " وهي كالصريحة في
اشتراط البطء كالعجز، لأنه مع الاقتصار على الآخر يحصل الحكم بالبطء،
فتأمل.
وعن الصدوق ره " إن كاتب رجل عبدا وشرط عليه إن عجز فهو رد في الرق
فله شرط، فينتظر المكاتب ثلاثة أنجم، فإن هو عجز رد رقا " وقال ابن إدريس
على ما حكي عنه: " وحد العجز هو أن يؤخر نجما إلى نجم، والأولى أن نقول:
يؤخر النجم بعد محله، فأما تأخير النجم إلى نجم آخر فعلى جهة الاستحباب
الصبر عليه إلى ذلك الوقت " وهو موافق لما سمعته من المفيد، فتكون الأقوال
حينئذ في المسألة ثلاثة. وأما كلام ابن الجنيد فمرجعه إلى أن المدار على ما
يتحقق به شرطه، كما لا يخفى على من لاحظه، فهو ليس قولا في المسألة.
وعلى كل حال ففي المتن (وهو) أي القول الثاني (مروي) مشيرا
بذلك إلى صحيح معاوية بن وهب (1) عن الصادق عليه السلام (سألته عن مكاتبة أدت
ثلثي مكاتبتها وقد شرط عليها إن عجزت فهي رد إلى الرق ونحن في حل مما أخذنا
منها وقد اجتمع عليها نجمان، قال: ترد ويطيب لهم ما أخذوا، وقال: ليس لها
أن تؤخر النجم بعد حله شهرا واحدا إلا بإذنهم ".
وصحيحه الآخر (2) عنه عليه السلام أيضا " قلت له: إني كاتبت جارية لأيتام لنا

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
(2) ذكر صدره في الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 1 وذيله
في الباب - 5 - منها الحديث 1.
266

واشترطت عليها إن هي عجزت فهي رد في الرق وأنا في حل مما أخذت منك،
قال: فقال لي: لك شرطك، وسيقال لك إن عليا عليه السلام كان يقول يعتق من المكاتب
بقدر ما أدى من مكاتبته، فقل: إنما كان ذلك من قول علي عليه السلام قبل الشرط،
فلما اشترط الناس كان لهم شرطهم، فقلت له: وما حد العجز؟ فقال: إن
قضاتنا يقولون: إن عجز المكاتب أن يؤخر النجم إلى النجم الآخر حتى يحول
عليه الحول، قال: قلت: فما تقول أنت؟ فقال: لا ولا كرامة، ليس له أن يؤخر
نجما عن أجله إذا كان ذلك في شرطه " بناء على رجوع لفظ " ذلك " للعجز الذي
هو البعيد لا التعجيز بالتأخير عن المحل حتى يكون خارجا عن محل النزاع،
إذ هو كما ترى مناف للظاهر، بل وللانكار على ما حكاه عن القضاة، بل ولغير
ذلك.
ثم إن ظاهر المصنف عدم رواية تدل على القول الأول، لكن قيل يدل عليه
المرسل (1) عن بعض الكتب عن أمير المؤمنين عليه السلام " لا يرد في الرق حتى
يتوالى نجمان " وموثق إسحاق بن عمار (2) عن الصادق عليه السلام " إن عليا عليه السلام
كان يقول: إذا عجز المكاتب لم ترد مكاتبته في الرق، ولكن ينتظر عاما أو
عامين، فإن قام بمكاتبته وإلا رد مملوكا " بناء على أن المراد من النجم العام،
كما يومئ إليه الصحيح (3) السابق بعد حمل قوله عليه السلام: " أو عامين " على الندب.
وأما الفسخ في صورة العلم بالعجز وإن لم يحصل التأخير إلى النجم الآخر فلأن
التأخير حينئذ عبث، ضرورة كونه لرجاء القدرة المفروض العلم بعدمها.
لكن في الأول أنه مرسل ووجادة ولا جابر، وفي الثاني أعمية النجم من
الحول، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب، لذلك وللتخيير فيها، وأما ما ذكره.

(1) المستدرك الباب - 5 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 13.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
267

من عدم الفائدة مع العلم بالعجز ففيه منع ظاهر وذلك لأن المراد بالعلم هنا أيضا
الظن الغالب، لتعذر العلم حقيقة، ويمكن تخلفه ولو ببذله من أحد مثلا قبل حلول
النجم الثاني.
هذا وفي المسالك " يمكن الاستدلال له بصحيح معاوية بن وهب الأول
حيث دل صريحا على جواز الفسخ بتأخير نجم إلى نجم لقوله: " وقد اجتمع عليه
نجمان " إلى آخره، ولا دليل صريحا على جواز الفسخ قبل ذلك، بل على تحريم
تأخير الأداء، ولا كلام فيه، لأن ذلك مقتضي الدين بعد حلوله - قال -: ولعل
نسبة المصنف القول الثاني إلى الرواية وإشعار تصديره الحكم بالقول الأول ناش
عن ذلك، وإلا لم يكن للعدول عن الرواية الصحيحة وجه ".
قلت: لا يخفى عليك ظهور بيان حرمة تأخير الأداء هنا في إرادة الفسخ، كما يشهد
له سياق الصحيح (1) المزبور، على أن الظاهر كون المسألة لفظية لا مدخلية للتعبد
بالنص فيها، ضرورة كون المدار على ما يشترطه المولى من التأخير عن المحل
أو إلى حلول النجم الآخر أو إلى جميع النجوم أو غير ذلك، ومن التعليق على
العجز أو المطل أو الأعم منهما الشامل لحال الغيبة أو غيرها، وإلى ذلك أومأ
ابن الجنيد وغيره، ومع إطلاق العجز لا يدخل فيه المطل والغيبة قطعا، وإطلاق
الصحيح (2) المزبور محمول على التأخير عن المحل بالعجز لا بهما، كما هو
واضح.
ويتحقق بصدق اسمه بالتأخير عن المحل ولو لحظة مع فرض كون المراد
من الشرط تحقق أصل ماهيته، ولو فرض إجمال المراد به عرفا فالأصل اللزوم،
واحتمال الرجوع إلى النصوص تعبدا فيه واضح الضعف، للعلم بكون المدار على
ما يفهم عرفا وأنه لا يعتد بخلافه. وبذلك يظهر أن المراد من النصوص المفهوم عرفا
دون التعبد وإن نافى العرف ولم يفهم منه فيه وحينئذ فصحة الرواية وعدمها لا مدخلية
لها في المقام.

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
268

ثم لا يخفى عليك أن ظاهر ما سمعته من عبارة الشيخ الاكتفاء في ثبوت الخيار
بالعلم بالعجز ولو قبل حلول النجم الأول كما اعترف به في كشف اللثام، وحينئذ
فيصح مقابلته للعجز على القولين، لا أنه يختص مقابلته للعجز على القول الأول، ولعله
على ذلك تحمل عبارة الإرشاد، قال: " وحده تأخير النجم عن محله على رأي أو
يعلم من حاله العجز " وإن كنا لم نجده قولا لأحد، بل في المسالك دعوى الاجماع
على عدم جواز الفسخ قبل حلول نجم وإن علم العجز، وحينئذ فيختص صحة مقابلته
للعجز بالمعنى الأول كما في المتن، لتحقق المغايرة بينهما دون الثاني الذي
مقتضاه ثبوت الخيار بالتأخير عن النجم لحظة، علم العجز أو لم يعلم، بل وإن علم
عدمه، وقبله لا يجوز، وحينئذ فتكون عبارة الإرشاد غير سليمة كما جزم بذلك
فيها تبعا للشهيد في غاية المراد، خصوصا بعد أن جعله فيها قسيما للعجز بالمعنى الثاني
المقرون بالرأي، ومقتضاه عدم الخلاف في ثبوت الفسخ به وإن لم يحل نجم، وقد
عرفت أنا لم نعرفه قولا لأحد، ولكن الأمر سهل.
ثم إن ظاهر ما سمعته من النهاية والمتن اعتبار العجز عن فك نفسه، لا العلم
بالعجز عن أداء النجم الذي قد حل، ولعله لأنهم قد فرضوا المسألة في المشروطة
التي بعجزه عن قليل من المال لا ينفك شئ من رقبته، وإنما يختلف الحكم في
المطلقة التي قد عرفت كون المفروض في كلام الأصحاب خلافها، وكلام ابن الجنيد
الذي قد استحسنه في المسالك وغيرها مرجعه إلى ما ذكرناه من أن المدار على شرطه،
كما لا يخفى على من لاحظه.
والمراد بالنجم هنا المال المشترط أداؤه في وقت خاص وإن كان المتعارف
من النجم الوقت، قيل ومنه ما في الحديث (1) " هذا إبان نجومه " يعني البني،
أي وقت ظهوره، ويقال: كان العرب لا يعرفون الحساب ويبنون أمورهم على طلوع
النجوم والمنازل، فيقول أحدهم: إذا طلع نجم الثريا أديت حقك، فسميت

(1) نهاية ابن الأثير - مادة: " ابن ".
269

الأوقات نجوما، إلا أنه يطلق على المال المجعول عليه في ذلك الأجل، وهو المراد
هنا، والله العالم.
(ويستحب للمولى مع العجز الصبر على) عاما أو عامين أو ثلاثة، لما
سمعته من الموثق (1) وخبر الحسين بن علوان (2) المروي عن قرب الإسناد
عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " إن عليا عليه السلام كان يؤجل المكاتب بعد ما يعجز
عامين يتلومه، فإن أقام بحريته وإلا رده رقيقا " ولقول الصادق عليه السلام (3) " ينتظر
بالمكاتب ثلاثة أنجم، فإن هو عجز رد رقيقا " وقول الباقر عليه السلام في خبر جابر (4)
السابق المحمولة أجمع على الندب، لقصورها عن الحكم بالوجوب.
بل للتسامح في أدلة السنن أطلق المصنف استحباب الصبر عليه من غير تقييد
له بمدة، لامكان القول بإفادتها ذلك وإن اختلفت شدة وضعفا بطول المدة وقصرها،
مضافا إلى ما في الصبر عليه من الاحسان ورجاء حصول الحرية، وعلى كل حال فما
سمعته من الصدوق من تحديد العجز بالثلاثة لهذه النصوص واضح الضعف، ويمكن
إرادته الندب.
(و) كيف كان ف‍ (الكتابة عقد لازم) من الطرفين (مطلقة كانت)
كما هو المشهور، بل عن التحرير الاجماع عليه (أو مشروطة) لأصالة اللزوم
المستفادة من الآية (5) والاستصحاب وغيرهما مما ذكرناه في محله، ولا ينافي
ذلك جواز الفسخ إذا كانت مشروطة وعجز العبد، لما سمعته من الأدلة، كما
لا ينافي لزوم البيع ثبوت الخيار فيه في الجملة، وحينئذ فما في القواعد - من أن
الكتابة عقد لازم من الطرفين إلا إذا كانت مشروطة وعجز العبد - لا يخلو من شئ
إلا أن الأمر سهل بعد وضوح المراد.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 13 - 9 - 14.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المكاتبة الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 13 - 9 - 14.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 13 - 9 - 14.
(5) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
270

وقيل: إنها مطلقا لازمة من طرف المولى جائزة من طرف العبد مطلقا،
لأن الحظ في الكتابة له دون السيد، فله إسقاط حقه دونه، ولأن الكتابة يتضمن
تعليق العتق بصفة في العبد، والتعليق يلزم من جهة المعلق دون العبد الذي لا يلزمه
الاتيان بالصفة.
إلا أنه لم نتحقق القول المزبور وإن حكي عن الخلاف إلا أن المحكي عنه
الاستدلال على ذلك باجماع الفرقة وأخبارهم على أن المكاتب متى عجز كان لمولاه
رده في الرق إذا كانت الكتابة مشروطة، وهو كالصريح في اختصاص الحكم بها دون
المطلقة التي قد سمعت دعوى الاجماع على لزومها من الفاضل.
وعلى كل حال لا ريب في ضعفه، وكون الحظ له فيها لا يقتضي عدم وجوب
وفاء الدين الذي هو حق المولى أيضا ولا تعليق فيها، بل مقتضاها أداء المال في
نجومه، فيجب عليه الوفاء به للآية (1) كما هو واضح.
(وقيل) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه: (إن كانت مشروطة
فهي جائزة من جهة العبد، لأن له أن يعجز نفسه) قال: " الذي يقتضيه مذهبنا
أن الكتابة إن كانت مطلقة فهي لازمة من الطرفين، وليس لأحدهما فسخ، وإن كانت
مقيدة فهي لازمة من جهة السيد وجائزة من جهة العبد، فإن عجز لم يجبر على
الاكتساب " ووافقه عليه ابن إدريس على ما حكي عنه، وكان وجهه ما سمعته من
الخلاف من جواز رده في الرق مع عجزه، فدل على أن له تعجيز نفسه، وإلا
لوجب التكسب ولم يجز رده.
ولا يخفى ضعفه، فإن جواز رده في الرق مع عجزه لا يدل على جواز تعجيز
نفسه اختيارا، وإنما يدل جواز الفسخ مع العجز عن أداء ما عليه. وإلى ذلك
كله أشار المصنف بقوله: (والأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده.
(ولا نسلم أن للعبد أن يعجز نفسه، بل يجب عليه السعي، ولو امتنع
يجبر، وقال الشيخ: لا يجبر، وفيه إشكال من حيث اقتضاء عقد الكتابة وجوب

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
271

السعي، فكان الأشبه الاجبار، لكن لو عجز كان للمولى الفسخ) وكأنه أشار
بذلك إلى الفرق بين المقام وبين بيع النسيئة الذي لا يجب فيه على المشتري السعي
في وفاء الثمن مع فرض إعساره، لأن ذلك ليس مقتضى البيع الذي يجب الوفاء به
بخلاف المقام الذي مقتضى العقد فيه وجوب السعي، بل قد سمعت ما دل على المراد
بالخير في الآية (1) من النصوص (2) لا أن مقتضاه إثبات مال في ذمته يجب عليه
أداؤه مع حصوله له ولا يجب عليه تحصيله.
بل به ظهر الفرق بين المقام وبين الدين الذي لا نوجب التكسب على المديون
في وفائه، بل منه يعلم أيضا ما في كلام ثاني الشهيدين في المسالك، فلاحظ
وتأمل.
كما أن مما ذكرنا يظهر ضعف المحكي عن ابن حمزة من جواز المشروطة
من الطرفين والمطلقة من طرف المكاتب خاصة بل هو من الغريب، ضرورة مخالفته
الأصول، خصوصا في المولى الذي لاحظ له في العتق، على أن الجواز في حقه آت
بمعنى أن له فسخ العقد وإن لم يعجز العبد، وهو مناف لما هو كالمجمع عليه بينهم
من عدم جواز ذلك، خصوصا بعد أن ذكر غير واحد هنا أن المراد بالجواز من
طرف المكاتب أنه لا يجب عليه السعي في مال الكتابة ولا أداؤه على تقدير وجوده
معه، بل له أن يعجز نفسه ويمتنع من تحصيل صفة العتق، فللمولى حينئذ أن
يفسخ العقد، وله أن يصبر، وليس المراد بجوازه ما هو المعهود في غيره من العقود
من أن له فسخ العقد.
نعم عن الشيخ في المبسوط قول آخر في تفسير الجواز، وهو أنه لا يلزمه
التكسب له وإن قدر عليه، لكن إن كان عنده مال وجب عليه دفعه، واجبر على
أدائه مع الامتناع، كمن عليه دين وهو موسر.
وقد يقال: إن معنى جوازها من طرف المولى بمعنى أن له تعجيز العبد

(1) سورة النور: 24 - الآية 33.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة.
272

ومنعه من التكسب حتى يحصل العجز الموجب للخيار، وعلى كل حال فمعنى
لزومها من الطرفين أنه ليس لأحد منهما فسخها بنفسه كغيرها من العقود اللازمة
ومع ذلك قد يجوز فسخها للمولى في حال مخصوص، فتأمل جيدا، والله العالم.
(ولو اتفقا على التقايل صح) بلا خلاف ولا إشكال لما عرفت في الإقالة من
تناول دليلها لسائر المعاوضات التي منها عقد الكتابة التي هي كالبيع وإن كان فيها شائبة
العبادة بالعتق الذي لا يقبل التقايل، بل الظاهر صحته في المطلقة مع أداء البعض أيضا
لكن بالنسبة إلى ما بقي، لما عرفت في محله من جريان الإقالة في البعض، نعم الظاهر
عدم جريان الإقالة في الجزء الحر أو الكل بعد الأداء، لأن الحر لا يعود رقا،
والله العالم.
(وكذا) يصح (لو أبرأه من مال الكتابة) لاطلاق أدلة الابراء الشامل
للمقام، فإن المال في ذمة العبد المكاتب لمولاه. (و) حينئذ ف‍ (ينعتق
بالابراء) لأنه بحكم الوصول، وأولى منه الاحتساب عليه من الحقوق، كما هو
واضح. ولو أبرأ من بعض صح وانعتق بحسابه لو كانت مطلقة.
(ولا تبطل بموت المولى) كغيرها من العقود اللازمة، للأصل وغيره.
(و) حينئذ ف‍ (للوارث المطالبة بالمال) الذي انتقل إليه من مورثه كانتقال
باقي حقوق الكتابة التي منها الفسخ لو عجز. (و) حينئذ ف‍ (ينعتق بالأداء
إلى الوارث) كما هو واضح. وأما حكمها لو مات المكاتب فستعرف الكلام فيه،
والله العالم.
وكيف كان فلا خلاف (و) لا إشكال في أنه (يعتبر في الموجب)
الذي هو المولى (البلوغ وكمال العقل والاختيار وجواز التصرف) فلا يكفي
العشر وإن اكتفينا بها في العتق سواء أذن المولى أو لا، ولا يصح من المجنون
المطبق ولا الأدواري إلا أن يكون حال الإفاقة المعلومة.
وبالجملة حال هذا العقد كغيره من العقود التي قد تكرر ذكر وجه اعتبار
ذلك فيها، خصوصا العقود المتضمنة للتصرف في المال المعلوم حجر الصبي والمجنون
273

عن التصرف فيه، كمعلومية عدم نفوذ تصرف المكره إلا أن يرضى بعد زوال
الاكراه على ما عرفته في محله، والمحجور عليه لفلس وسفه ونحوهما إلا مع
إذن الغرماء أو الولي.
ولو كاتب المريض ففي الدروس وكذا القواعد " يصح إن خرج من الثلث أو
أجاز الوارث، لأنه معاملة على ماله بماله " قلت: قد يقال إن ذلك لا يكفي في كونه تبرعا
فالمتجه الصحة من الأصل مع فرض عدم المحاباة كغيرها من المعاوضات.
(وهل يعتبر) فيه (الاسلام؟ فيه تردد) ينشأ من كون الكتابة عتقا بعوض،
وهو لا يصح من الكافر مطلقا مقرا بالله تعالى شأنه أو جاحدا له على ما عرفت،
لكونه عبادة لا تصح منه على حال، ومن منع كونها عتقا وإن ترتب عليها التحرير
الذي هو أعم من العتق الذي قد عرفت ظهور الأدلة في اعتبار النية فيه، هذا إن
قلنا بعدم صحة العتق من الكافر مطلقا أو من خصوص الجاحد وإلا فلا إشكال أصلا
لاطلاق الأدلة بلا معارض.
هذا ولكن في الرياض مال إلى عدم الجواز إن لم يكن إجماعا وإن قلنا
بالصحة من الكافر، لأصالة الفاسد بعد اختصاص أدلة المشروعية كتابا (1)
وسنة (2) بالمسلم الذي هو المخاطب بالآية بقرينة التعليق بعلم الخير المراد
به الايمان الذي بزعمه الكافر شرا، ولا عموم في السنة ولا إطلاق سوى الموثقة (3)
المتقدمة المتبادر منها كون المولى مؤمنا لا مطلقا، مضافا إلى ظهور قوله عليه السلام
" والمؤمن معان " في كون العبد مؤمنا ولا يكون عبدا للكافر غالبا، فلا تحمل
الرواية على ما هو فرد نادر جدا، مع أنه لا يصلح مكاتبة الكافر له عند جماعة لوجوب
إخراج المسلم عن ملك الكافر فورا، والمكاتبة لا تقتضي الاخراج خروجا تاما،

(1) سورة النور: 24 - الآية 33.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
274

ولا ترفع السلطنة خصوصا في المشروطة، فلا يمكن أن يحمل عليه إطلاق الرواية
من هذه الجهة أيضا.
وكذا الكلام في عموم " أوفوا " (1) أما على القول بكون الكتابة عقدا
جائزا مطلقا أو في الجملة فظاهر، لعدم دخولها من أصلها حينئذ فيه أصلا وكذا
على المختار من كونه لازما لما مضى من عموم الآية (2) السابقة من اختصاص
الخطاب بالمسلم وعدم موجب للتعدية لا من سنة ولا من اجماع، وثبوتها إلى
الكافر في كثير من المعاملات بأحد الأمرين لا يوجب ثبوتها مع انتفائهما في
المسألة، والقياس حرام بالشريعة، فالقول بالاعتبار لو لم يكن على عدمه إجماع
لعله لا يخلو من قوة، ولو قلنا بأن الكتابة معاملة مستقلة لعدم المقتضي لصحتها
كلية حتى في المسألة، لما عرفت من ضعف المقتضيات المزبورة، ولم أقف من
دونها على دلالة فتأمل، مع أن الأصل على الفساد أقوى حجة سيما إذا كان العبد
مسلما، لما مضى، وكذا إذا كان كافرا على القول بعدم صحة مكاتبة العبد الكافر،
كما هو الأقوى. وسيأتي أن المرتضى ادعى عليه إجماعنا مطلقا من دون تقييد
بكون المولى مسلما.
ومن هنا ينقدح وجه آخر في الجواب عن العموم لو سلم، فإن الاجماع
المزبور ينفي جواز مكاتبة الكافر وآية نفي السبيل (3) تنفي جواز مكاتبة
المسلم، وبهما تخصص العمومات المزبورة، فلا فرد للمسألة تشمله فيكون ثمرة
للنزاع والمشاجرة، وهو كما ترى. وقد نقلناه بطوله لكثرة محال النظر فيه،
ضرورة استفاضة السنة بذكر المكاتب وأقسامه وأحكامه وهو شامل لهما، وليس
ذلك منحصرا في الموثقة (4) المزبورة التي في بعض طرقها " المحسن معان " بدل

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) سورة النور: 24 - الآية 33.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 141.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
275

" المؤمن " وهو شامل للكافر، بل الآية شاملة أيضا، ضرورة استفادة مشروعية
المكاتبة المتعارفة منها، والتقييد بعلم الخير للأمر بها لا لأصل المشروعية.
وكذا عموم " أوفوا " (1) فإن الخطاب وإن كان للمؤمنين لكن المراد
بيان الشرعية لهم لا اختصاصها بهم، فإن أحكام الوضع لا اختصاص لها بمكلف،
بل التحقيق مشاركة الكافر للمؤمن في الفروع التي هي من العبادات المنحصرة
صحتها في المؤمن، كما بين في محله، وحينئذ فيكفي في التعدية الاجماع على
قاعدة الاشتراك، ولا يحتاج إلى إجماع بخصوصه.
وستعرف البحث في صحة كتابة الكافر عبده الكافر والاكتفاء بها عن بيعه
لأنها قاطعة للسلطنة، والبحث في كتابة عبده المسلم وأن التحقيق الصحة في الثاني،
فيكون حينئذ موردا للنزاع.
(و) من هنا بان لك أن (الوجه عدم الاشتراط) كما هو المشهور
إن لم يكن إجماعا، بل عن بعضهم الاعتراف بمجهولية القائل بالاشتراط.
وحينئذ (فلو كاتب الذمي) مثلا (مملوكه على خمر أو خنزير)
أو نحوهما مما كان حلالا في مذهبهما (وتقابضا) وهما ذميان وترافعا إلينا
(حكم عليهما بالتزام ذلك) لأنهم ألزموا أنفسهم به (ولو أسلما لم يبطل)
ذلك كما في غيره من عقودهم.
(وإن لم يتقابضا) وأسلما (كان عليه القيمة) التي هي أقرب شئ
إليه بعد تعذر دفعه بالاسلام، كما تقدم نظيره في المهر وغيره، بل في المسالك هنا
احتمال جريان القول بالسقوط باعتبار أنه رضي بالعوض المحرم فيدام عليه حكم
رضاه، وقد تعذر قبضه بالاسلام بالنسبة إلى المستحق عليه وإن لم ينقلوه
هنا.
قلت: أولى من ذلك احتمال البطلان لتعذر ملك العوض، ولو أسلما بعد

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
276

تقابض البعض مضى في المقبوض، ولزمه القيمة للباقي، ويأتي فيه الاحتمالان وكذا
لو أسلم المولى خاصة أو المملوك، والله العالم.
(ويجوز لولي اليتيم أن يكاتب مملوكه مع اعتبار الغبطة للمولى عليه)
في ذلك بأن كان بيعه جائزا لحاجة اليتيم، لاطلاق ما دل على ذلك من قوله تعالى: (1)
" ويسألونك عن اليتامى قل: إصلاح لهم خير " وغيره مضافا إلى صحيح معاوية بن
وهب (2) السابق، بل قد يقال بالجواز للولي الاجباري مع عدم المفسدة وإن لم
تكن غبطة.
(و) لكن مع ذلك (فيه قول) محكي عن الشيخ في المبسوط
(بالمنع) لأن الكتابة شبيهة بالتبرع من حيث إنها معاملة على ماله بماله،
إذ المال المكتسب تابع للملوك، وفيه أنه قد لا يحصل المال بدون المكاتبة، بل هو
الغالب، وكسبه بعد العقد ليس مالا محضا للمولى، وقبله ليس بموجود حتى
تكون المعاملة عليه، والله العالم.
(ولو ارتد ثم كاتب) عبده المسلم (لم يصح إما لزوال ملكه عنه
كما إذا كان عن فطرة، بل لا يصح كتابته لعبده الكافر فضلا عن المسلم (أو لأنه
لا يقر المسلم في ملكه) إذا كان عن ملة، نعم لو كان كافرا صح لبقاء ملكه له،
لكن في الدروس يصح من المرتد عن ملة بإذن الحاكم لا بدونه في الأصح، قال:
" ويحتمل المراعاة باسلامه ".
وفي القواعد " ولو ارتد المولى لم تصح كتابته إن كان عن فطرة، لزوال
ملكه عنه، وإن كان عن غيرها فكذلك إن كان العبد مسلما، لوجوب بيعه عليه،
ويحتمل وقوعها موقوفة، فإن أسلم تبينا الصحة وإن قتل أو مات بطلت، وإن أدى
حال الردة لم يحكم بعتقه، بل يكون موقوفا، فإن أسلم ظهر صحة الدفع والعتق،
ولو ارتد بعد الكتابة أدى العبد إلى الحاكم لا إليه ويعتق بالأداء، فإن دفع إليه

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 220.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 1
277

كان موقوفا أو باطلا على التردد، وفي اشتراط الحاكم في الحجر وفي تعجيزه بالدفع
إلى المرتد مع التلف إشكال، ولو أسلم حسب عليه مما أخذه في الردة " إلى غير
ذلك من كلماتهم التي مقتضاها الحجر على المرتد مطلقا أو مع حكم الحاكم على
وجه يبطل تصرفه أو يبقى موقوفا وقد تقدم بعض الكلام سابقا في ذلك ولكن إلى
الآن لم نتحقق الدليل المقتضي للحجر عليه المنافي لقاعدة تسلط الناس على أموالهم
وغيرها.
وكيف كان فلا يخفى عليك بناء التعليل في المتن على عدم صحة كتابة الكافر
للعبد المسلم، كما هو أحد القولين في المسألة، لأنه يجبر على نقله عن ملكه،
والكتابة لا توجب الانتقال التام عن الملك، لأنها مترددة بين الخروج عنه والبقاء،
وتمام الخروج موقوف على أداء المال.
والقول الآخر الصحة، ولا يجبر معها، لأنها مستلزمة لرفع اليد في الجملة،
وتشبث المكاتب بالحرية، وبرفع الحجر عنه في كثير من الأعمال، خصوصا إذا
جعلناها بيعا ولازمة من جهة المولى.
وربما فرق بين المطلقة والمشروطة، فاكتفى بالأولى دون الثانية، لأنه
لا يخرج في المشروطة عن الرقية إلا بأداء جميع المال، وهو معرض العجز اختيارا
أو اضطرارا.
قلت: قد يقال بصحة مكاتبته وترتب أحكامها لو فرض عدم بيعه وتعذر قهره
أو لم يعلم الحاكم به، لأنها ليست من السبيل المنفي، واحتمال عدم صحتها
لمنافاتها للبيع المأمور به (1) يدفعه إمكان التزام بيعه بعد وقوعها مكاتبا، كما
تسمعه من ابن الجنيد في صورة ما إذا كان كافرا فأسلم، أو يلتزم ببطلان المكاتبة
ترجيحا لما دل (2) على وجوب إخراجه عن الملك ولو لسبق تعلقه على الكتابة،
خصوصا مع ملاحظة بيع أم الولد والمكاتب الجاني، وربما يأتي الكلام في صحة كتابته

(1) الوسائل الباب - 73 - من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 73 - من كتاب العتق الحديث 1.
278

جانيا، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فيتفرع على هذه الأقوال ما إذا كاتبه كافرا فأسلم قبل الأداء
وفيه أنه يمكن القول بالجواز هنا وإن قلنا بالمنع، للفرق بين الابتداء والاستدامة
كما جزم به الفاضل وغيره، لأصالة اللزوم المانعة من البيع مع حصول الغرض،
وهو ارتفاع السلطان، وقيل: لا يلزم لئلا يكون له عليه سبيل، وعن أبي علي يباع
مكاتبا ويؤدي إلى المشتري ثمنه لا أزيد، لأنه ربا.
ثم على تقدير الاكتفاء بالكتابة لو عجز بتخير المولى للاطلاق، فيباع
عليه حينئذ، وربما احتمل عدم الخيار له هنا، لاستلزامه تملك المسلم اختيارا،
وفيه أنه ليس تملكا، والله العالم.
(ويعتبر في المملوك البلوغ وكمال العقل) بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه
في غاية المرام إلى القطع به في كلام الأصحاب، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه،
بل عن بعضهم الاجماع عليه.
ولعله (لأنه ليس لأحدهما أهلية القبول) ولا دليل على قيام السيد والأب
والجد مقامهما في هذه المعاملة المخالفة للأصل المنساق من موارد أدلتها كتابا (1)
وسنة (2) العبد المكلف، لا أقل من الشك ولو بملاحظة ما سمعته من الاجماع
المزبور. ومن الغريب دعوى عدم الفرق بين المقام وبين اعتبار الاسلام في
المولى.
وأغرب منه دعوى تناول قوله تعالى: (3) " أوفوا بالعقود " لمثل المقام
المتوقف على صحة قيام السيد والأب والجد مقامهما لتتم أركان العقد التي منها
القبول، كما هو واضح. ومنه يعلم ما في المناقشة التي في المسالك وغيرها في الحكم
المزبور، فلاحظ وتأمل، والله العالم.

(1) سورة النور: 24 - الآية 33.
(2) الوسائل الباب - 1 و 2 - من أبواب المكاتبة.
(3) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
279

(وفي كتابة الكافر تردد) ينشأ من إطلاق الأمر بالوفاء بالعقد (1
وإطلاق دليل الكتابة، وأنها معاملة كالبيع ونحوه، ومن اشتراط الخير المفسر
بالدين (2) في الآية (3) (أظهره المنع) عند المصنف وفاقا للأكثر على
ما قيل، بل عن الإنتصار والغنية الاجماع عليه معتضدا بعدم نقل خلاف فيه من أحد
من القدماء، وإنما ابتدء الخلاف فيه من الفاضل في المختلف، وتبعه بعض من تأخر
عنه كالشهيدين، مع أن الأول منهم قد وافق المشهور في غير واحد من كتبه
كالقواعد وغيرها.
لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد من الاشكال (ل‍) أن العمدة عندهم في
ذلك (قوله تعالى (4): فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) مؤيدا بالأمر بالايتاء
من الزكاة (5) الممنوع فيه، وبالنهي عن الموادة له (6) وهو إنما يدل على اشتراط
الأمر بها لا مطلق الإذن فيها ويتبعه الأمر بالايتاء، ولا يلزم من توقف الأمر بها
على شرط توقف إباحتها عليه، وقد عرفت أن الدليل على تسويغ الكتابة غير منحصر
في الآية المزبورة.
على أنه بعد التسليم إنما يدل على اعتبار ذلك في المولى المسلم لا مطلقا،
وليس في الإنتصار سوى أنه مما انفردت به الإمامية، وليس ذلك إجماعا، وعدم
نقل الخلاف لا يقتضي عدمه، بل لعله ظاهر كل من لم يتعرض لاشتراطه في صحة
الكتابة من القدماء، بل المحكي عن الشيخ في موضع من المبسوط والقاضي الصحة
في المولى المسلم فضلا عن الكافر الذي لا تلازم بينه وبين المسلم بناء على ظهور

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(3) سورة النور: 24 - الآية 33.
(4) سورة النور: 24 - الآية 33.
(5) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المكاتبة.
(6) سورة المجادلة: 58 - الآية 22. راجع البحار ج 75 ص 385.
280

تلك الأدلة في عدم صحتها منه، بل لعله ظاهر المصنف وغيره ممن صرح بعدم
اشتراط الاسلام في المولى وفرع عليه مكاتبة الذمي لمثله بخمر أو خنزير، فإنه
إن لم ينزل كلامه هنا على الاشتراط بالنسبة للمسلم لم يكن للحكم الأول حينئذ
مورد، كما هو واضح.
نعم لا يصح كتابة المرتد عن فطرة منه لعدم قابليته للملك، بل في الدروس
وإن كان عن ملة جوزه الشيخ، لأن له أهلية المعاوضة، وهو مطالب بالفرق، بل
البطلان هنا أولى. لعدم إقراره على ردته وإن كان قد يناقش بأن ذلك لا ينافي
قابليته للمعاوضة الثانية بالأصل وغيره، وكفى بذلك فارقا بينه وبين الفطر الذي
انقطعت استدامة تملكه فضلا عن ابتدائه، والله العالم.
(وأما الأجل ففي اشتراطه خلاف، فمن الأصحاب من أجاز الكتابة حالة
ومؤجلة)، لاطلاق الأدلة وكونها كالبيع على المعسر (ومنهم من اشترط الأجل،
وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده، لما سمعته من الأدلة السابقة لا (لأن ما في
يد المملوك لسيده، فلا تصح المعاملة عليه، وما ليس في ملكه يتوقع حصوله
فيتعين ضرب الأجل) إذ يمكن دفعه بفرض مال مقارن، ومعارضته بالبيع
على المعسر الذي لا يملك شيئا، اللهم إلا أن يرجع إلى ما ذكرناه كما تقدم
الكلام في ذلك كله مفصلا.
(و) إنما أعاده ليفرع عليه ما تسمعه من أنه (يكفي) فيه بناءا على
اعتباره (أجل واحد) عندنا وعند أكثر العامة، لاطلاق الأدلة، خلافا لبعضهم
فاشترط كونه نجمين فصاعدا، لأنه المعهود من عمل الصحابة والتابعين، ولأن
الكتابة مأخوذة من الكتب بمعنى الضم باعتبار ضم النجوم فيها بعضها إلى بعض،
وأقل ما يحصل به ذلك نجمان فصاعدا، ولأن الكتابة عقد إرفاق ومن تتمته التنجيم،
والجميع كما ترى لا يصلح قاطعا لاطلاق الأدلة، ضرورة أعمية عمل الصحابة بعد
تسليمه من الاشتراط، كما أن أخذ الكتابة من الكتب بمعنى الضم كذلك إذ بعد
تسليم انحصار وجه المناسبة فيه يمكن أن يكون بناؤه على الغالب، والارفاق مع أنه
281

حكمة يمكن حصوله بابعاد الأجل، كما هوا واضح.
(ولا حد في الكثرة إذا كانت معلومة) بلا خلاف ولا إشكال، نعم في المسالك
يدخل في ذلك ما إذا جعلاه إلى مدة لا يعيشان إليها غالبا، ولا بأس به بالنسبة إلى
المولى الذي قد عرفت أنه لا تبطل الكتابة بموته، فتكون حينئذ كالبيع كذلك،
للأصل، فينتقل الحكم إلى الوارث حينئذ، أما بالنسبة إلى المكاتب فقد يشكل ببطلانها
بموته مطلقا إذا كان مشروطا، وفي الباقي في المطلق، فيكون اشتراط الزائد منافيا
لمقتضى العقد، وقد أطلق الشهيد في بعض تحقيقاته جواز التأجيل كذلك مطلقا
وحكم بانتقال الحكم إلى الوارث بعد الموت، ولا يخلو في جانب المكاتب من إشكال،
قلت: المراد من نفي الحد في الكثرة عدم المانع من حيث كونها كذلك في مقابلة
القول بعدم جواز الأجل الواحد، لا أنها جائزة وإن حصل المانع من جهة أخرى،
فلا إشكال حينئذ، والله العالم.
(ولا بد أن يكون وقت) استحقاق (الأداء معلوما) على وجه يكون
مشخصا (فلو قال: كاتبتك على أن تؤدي إلي كذا في سنة بمعنى أنها ظرف الأداء
لم يصح) للجهالة كما في النسيئة، خلافا للمحكي عن أبي علي والخلاف فأجازه،
وخيره في الدفع في مجموع ذلك الوقت، ولا ريب في ضعفه وإن توقف فيه الفاضل
في القواعد.
(ويجوز أن تتساوى النجوم وأن تختلف) بلا خلاف ولا إشكال لاطلاق
الأدلة وعمومها، كما يجوز تساوي المقادير فيها (و) اختلافها. نعم (في
اعتبار اتصال الأجل بالعقد تردد) وخلاف من إطلاق الأدلة ومن كونه خلاف
المعهود، كما تقدم الكلام في نظائره منه في المتعة وغيرها.
(و) لو جمع في العوض بين المال والخدمة مثلا كما (إذا قال: كاتبتك
على خدمة شهر ودينار بعد الشهر صح إذا كان الدينار معلوم الجنس، ولا يلزم تأخير
الدينار إلى أجل آخر) لصدق حصول الأجل له، نعم هو نجم واحد، وقد
282

عرفت صحته عندنا، وإنما يتوجه عليه المنع عند من يشترط تعدد النجوم، ثم إطلاق
خدمة شهر محمول على المتصل بالعقد كنظائره.
(ولو مرض العبد شهر الخدمة بطلت الكتابة) إذا كانت مشروطة
أو كان هو مجموع العوض (لتعذر) ه أي (العوض) حينئذ، أما لو
كان بعده الدينار وكانت مطلقة لم تبطل، وروعي أداء المال وعتق منه
بنسبته.
(ولو قال:) كاتبتك (على خدمة شهر بعد هذا الشهر قيل) والقائل الشيخ:
(تبطل) بناء (على القول باشتراط اتصال المدة بالعقد، وفيه تردد) بل منع
كما عرفته سابقا وإنما ذكر ذلك بخصوصه لبيان أنه لا فرق بين المال والخدمة،
والله العالم.
(ولو كاتبه ثم حبسه مدة قيل) والقائل الشيخ في المحكي عن المبسوط:
(يجب أن يؤجله مثل تلك المدة) لأن القدر الواجب من التأجيل الامهال في تلك
المدة ولا قيمة له فيضمنه بمثله.
(وقيل) والقائل الشيخ أيضا في موضع آخر من المبسوط: (لا يجب بل
يلزمه أجرته مدة احتباسه، وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده، لأن المكاتب
مضمون بالغصب كالقن، فيضمن منافعه مدة الحبس، وهو أقوى، فإن لم يكن ذا
صنعة وجب أجرته لعمل مطلقا، وإن كان له صنعة وجب أجرته لتلك الصنعة، وإن
تعددت قيل: يلزمه أجرة الأعلى منها، وقيل يجب أجرة الأغلب وقوعا بالنسبة
إليه، ويأتي تحقيقه إنشاء الله في كتاب الغصب.
(وأما العوض فيعتبر فيه أن يكون دينا منجما) على الأصح (معلوم
الوصف والقدر مما يصح تملكه للمولى، فلا تصح الكتابة على عين) مشخصه لا لما
قيل من أنها إن كانت بيد المملوك فهي للمولى، فلا يتحقق المعاوضة بها، لأنها
معاوضة على ماله حينئذ بماله، وإن كانت لغيره لم يصح وإن أذن لاشتراط الملك
في العوض حتى يملك المعوض، ولذا لا يصح البيع بعين لغير المشتري على أن يكون
283

المبيع ملكا له والثمن من غيره، إلا أن يكون المراد في الفرض بيع العبد بالعين
لصاحبها لأنه لا يتم على القول بأن العبد يملك ولو في الجملة، ضرورة تصور مالكية
العين، ويكفي في الإذن من سيده في التصرف بها مكاتبته عليها، بل ولا في المبعض إذا
أريد المكاتبة معه على جزئه الرق، إذ يمكن كونه مالك العين بجزئه الحر، بل قد
يقال بكفاية الإذن من الغير بالمكاتبة على عينه على أن تكون قرضا عليه، ويحصل
ذلك بعقد المكاتبة المخرج له عن محض الرقية بحيث يكون صالحا لأن يملك
المولى عليه ما أثبته في ذمته من المال الحاصل بالسعي الذي هو مملوك للسيد، وصالحا
لأن يملك عليه الخدمة المملوكة له فعلا.
بل لعدم ثبوت مشروعية ذلك والأصل الفساد بعد الشك في تناول إطلاق
الأدلة لمثله خصوصا بعد الاتفاق ظاهرا عليه، كما اعترف به غير واحد، وخصوصا
بعد ما عرفت من اعتبار الأجل فيها الذي محله الدين لا العين.
نعم قد يقال: إن ذلك مناف لصحة جعل الخدمة المتصلة بالعقد عوضا، لعدم
صدق الدين عليها، ولا أجل فيها والتقييد بشهر ونحوه إنما هو لتقدير المنفعة
لا أجل مكاتبة، وحينئذ فلا بد من الجمع بإرادة اعتبار الدين فيه في مقابل العين،
كما يشعر به التفريع، والله العالم.
(و) كذا (لا) تصح (مع جهالة العوض) لأنها كالبيع بالنسبة
إلى ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر بعضهم أنه كذلك في سائر عقود المعاوضة
للنهي عن الغرر وإن كان فيه ما فيه، كما أوضحناه في الصلح وغيره، وعلى كل
حال فلا يكفي العوض المجهول (بل) لا بد أن (يذكر في وصفه كلما يتفاوت الثمن
لأجله بحيث ترتفع) معه (الجهالة) على نحو ما سمعته في البيع الذي إن لم
يكن المقام منه، فهو شبيه به ومنزل منزلته بالنسبة إلى ذلك.
وحينئذ (فإن كان من الأثمان وصفه كما يصفه في النسيئة وإن كان عرضا وصفه
كصفته في السلم)، ضرورة كون المدار على ارتفاع الجهالة في الجميع، كما هو
284

واضح، وكذا لا تصح بعوض لا يملكه كالخمر والخنزير في المولى المسلم، نعم يجوز
ذلك في الذميين كما عرفته سابقا.
(ويجوز أن يكاتبه بأي ثمن شاء) لاطلاق الأدلة وخصوص
المرسل (1) " رجل ملك مملوكا فسأل صاحبه المكاتبة أله ألا يكاتبه إلا على
الأعلى؟ قال: نعم ".
(و) لكن (يكره أن يتجاوز قيمته) يوم المكاتبة بلا خلاف أجده
فيه، بل في الرياض ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، قلت: لعله لمنافاته
للارفاق وللاحسان الذي بني عليه مشروعية الكتابة، مضافا إلى قاعدة
التسامح.
(و) كذا (تجوز المكاتبة على منفعة كالخدمة والخياطة والبناء)
ونحوها إذ هي كالعين في الذمة، لاطلاق الأدلة، نعم يصح ذلك (بعد وصفه بما
يرفع الجهالة) من التقدير بالعمل كالخياطة لهذا الثوب المشخص، والبناء للجدار
المعين مثلا، أو المدة كخدمة شهر أو سنة.
والمناقشة - بأن المنفعة ملك فعلا للمولى، فلا يعاوض على ماله بماله،
بخلاف المال المتجدد الذي هو ليس بموجود ولا داخل تحل قدرته، أما الخدمة
فكالعين الحاضرة، ومن ثم جاز عتقه منجزا بشرط خدمة معينة بغير رضاه دون
اشتراط مال بغير رضاه - يدفعها ما في المسالك من أن " عقد الكتابة يخرج المملوك
عن ملك المولى محضا وإن كان انتقالا متزلزلا، ومن ثم سقطت عنه نفقته وفطرته،
ولم يكن له استخدامه وغير ذلك من توابع الملك، فكانت منفعته وما يتجدد من
كسبه تابعة له في الانتقال عن ملكه، ويجوز جعله عوضا عن فك رقبته، ولما كان
العتق المنجز يقتضي ملك المعتق منافعه نفسه أيضا وكسبه أعتبر رضاه في اشتراط المال
دون الخدمة، لأنها تصير كالمستثناة مما يخرج عن ملكه بالتحرير المتبرع به،
وهذا لا يلزم منه بطلان جعل الخدمة عوضا في الكتابة الواقعة برضا المكاتب، مضافا

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
285

إلى عموم الأدلة " وإن كان لا يخلو من مناقشة، بل هو عند التأمل خصوصا الأخير
منه مؤكد للسؤال لا دافع له.
فالأقعد في الجواب الاستناد إلى إطلاق الأدلة وعمومها، وخصوص الخبر (1)
" عن رجل قال: غلامي حر وعليه عمالة كذا وكذا سنة، فقال: هو حر وعليه
العمالة " بناءا على أنه من الكتابة، كما عساه يظهر من غير واحد لا من العتق
الذي اشترط فيه شرط وإن كان هو الظاهر، وإلى كون المجعول عوضا أن يخدمه
لا استعداده لها التي هي ملك له، بل هو نحو أن يكتسب مالا ويسعى في تحصيله،
فتأمل جيدا، والله العالم.
(وإذا جمع بين كتابة وبيع وإجارة أو غير ذلك من عقود المعاوضات في
عقد واحد صح) كل منها عندنا وإن اتحد العوض، وقسط عليها أجمع، ويكفي
معلوميته وإن جهل تقسيطه للأصل وغيره مما مر في كتاب البيع وغيره، خلافا
لبعض العامة فأبطلها أجمع، لأنها بمنزلة عقود متعددة، فيعتبر العلم بعوض كل
واحد منها منفردا خصوصا مع اختلاف أحكامها، وفيه منع واضح، ومنهم من
صحح المكاتبة خاصة بكل العوض، وهو كما ترى. ويقابله احتمال بطلانها خاصة
باعتبار أن المكاتب لا يستقل بالتصرف إلى أن يتم عقد المكاتبة، وقد وقع البيع
والإجارة قبل ملكه للتصرف فوقعا باطلين.
وأجاب عنه في المسالك بأن الاستقلال مندفع برضا المولى بذلك، فإن
الحجر إنما كان لحقه، والأولى الجواب بحصول أثر الجميع دفعة بتمام القبول،
ولا بأس بذلك، لاطلاق الأدلة وعمومها المقتصر في الخارج عنها على سبق البيع
والإجارة على الكتابة.
هذا بناءا على ما فهم فيها من فرض مسألة جمع العقود في المكاتب بمعنى أن
البيع والإجارة والكتابة للعبد بعقد واحد، لكن في حاشية الكركي تفسير الجمع بأن

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتاب العتق الحديث 2.
286

تكون الكتابة للعبد والمعاوضة الأخرى لغيره، وحينئذ فلا إشكال، وكأنه أولى،
لعدم قابلية العبد وقت الايجاب لحصول أثره، ولا ينافي ذلك وقوع إيجاب الكتابة
التي مبنى شرعيتها على ذلك، على أن مقتضى وقوع الثلاثة للعبد أن تبقى الإجارة
والبيع مراعيين بحصول الحرية وعدمها، وأنه لا يستقر ملكه لذلك حتى تحصل
الحرية، كما صرح به في المسالك، وهو كما ترى، والله العالم.
(و) على كل حال (تكون مكاتبته ب‍) نسبة (حصة ثمنه من
البذل) بعد ملاحظة قيمة المبيع وأجرة المثل بالنسبة إليه أيضا، وبأدائها يكون
حرا، وكذا إذا احتيج إلى معرفة ما يخصه من مال الكتابة، بأن ظهر المبيع مستحقا
للغير ولم يجز المالك، فإنه حينئذ يوزع العوض على قيمة المملوك حين المكاتبة،
وعلى قيمة المبيع وأجرة مثل الدار تلك المدة، ويسقط من العوض ما يقابل الفاسد،
كما هو واضح، والله العالم.
(وكذا يجوز أن يكاتب الاثنان عبدا) واحدا صفقة (سواء اتفقت
حصصهما أو اختلفت تساوي العوضان أو اختلفا) لاطلاق الأدلة وعمومها وقاعدة
تسلط كل من الشركاء على مكاتبة حصته بما شاء منفردا فكذا مع الاجتماع،
خلافا للمحكي عن بعض، فمنع من اختلافهما في القدر مع تساويهما في الملك
حذرا من أن ينتفع أحدهما بمال الآخر فيما إذا دفع إلى أحدهما مأة مثلا وإلى
الآخر مأتين ثم ارتفعت الكتابة بالعجز فيحتاج الأول إلى أن يرجع على
الثاني بخمسين، ويكون الثاني قد انتفع بها مدة بقائها في يده من غير
استحقاق.
وفيه أن الاستحقاق طار من حين الانفساخ، وقبله كان ملكا للقابض متزلزلا،
فلا يلزم انتفاع أحدهما بمال الآخر حين التصرف فيه، على أن مقتضى ذلك المنع
حتى مع الاختلاف في قدر الملك إذا فرض كون العوض الزائد للأقل ملكا، والمحكي
عنه اعتبار التساوي في القدر.
(و) على كل حال ف‍ (لا يجوز أن يدفع إلى أحد الشريكين دون
287

صاحبه) بلا خلاف كما عن المبسوط والخلاف، لأن الدين حينئذ مع فرض الاتحاد
في الجنس، والأجل مشترك بينهما، ضرورة كون الفرض وقوع المكاتبة منهما
بعقد واحد، وقد تحقق في محله أنه لا يجوز الدفع إلى أحد منهما خاصة، (و)
حينئذ ف‍ (لو دفع شيئا كان لهما) مع إجازة الآخر القبض (و) لكن (لو
أذن أحدهما لصاحبه جاز) خلافا للمحكي عن ابني الجنيد والبراج، فجوزا أن
يدفع إلى أحدهما دون الآخر ما لم يشترطا عليه أن يكون أداء الكتابة لهما جميعا،
نحو ما سمعته عن ابن إدريس في الدين المشترك، لأنه لمن عليه التخيير في جهة
القضاء، ويعين ما شاء فيه من أمواله، فإذا دفع إلى أحدهما حقه فقد اختار دفع
ما يستحقه المدفوع إليه في المدفوع، واختار منع الآخر منه، فلا شركة فيه،
كما لو منعه من الاستيفاء من بعض أمواله، وقد تقدم في كتاب الدين
ما يعلم منه بطلان ذلك وأن الدين الكلي كالإشاعة في العين المشخصة
المشتركة.
نعم هو كذلك مع اختلاف العوضين في الجنس والأجل، بل ومع تعيين عوض
كل واحد بخصوصه وإن اتحد الجنس والقدر والأجل وإن كان ظاهر المتن والقواعد
اتحاد الجميع في الحكم المزبور، بل كاد يكون صريح المسالك إلا أنه لا يخفى
عليك ما فيه، ضرورة عدم اشتراك الدين بينهما، لأن الفرض امتياز عوض كل منهما
عن الآخر بالجنس أو الأجل أو بالتعيين.
ولعل إطلاق المصنف وغيره مبني على أن ذلك من الإذن كما في كشف
اللثام وإن كان هو كما ترى، بل مبناه امتياز الدينين وتسلط المكاتب على عمله
وسعيه وتخييره في تعيين ما يبذله لدينه، فالفرض حينئذ بمنزلة تعدد في العقد لا مع
اتحاده المقتضي لاشتراك الدين وإن كان هو بالنسبة إلى الموليين بحكم المتعدد
فيما إذا أدى نصيب أحدهما بإذن الآخر، فإنه ينعتق بخلاف ما إذا لم يكن بإذنه
فإنه لا يتحقق العتق في أحد النصيبين، وفيما لو عجز فعجز أحدهما وصبر الآخر،
288

إذ هو حينئذ كما لو تعدد، والله العالم.
(ولو كانت ثلاثة في عقد واحد صح) عندنا لاطلاق الأدلة وعمومها
(وكان كل واحد منهم مكاتبا ب‍ (نسبة (حصة ثمنه) أي قيمته (من المسمى)
بعد تقويم الجميع، كما لو بيعوا وكانوا المتعددين، لأن القيمة هنا ملحوظة،
لكون الكتابة بيعا أو شبيهة به، بل هي أولى من البضع الذي قد عرفت في الصداق
والخلع ملاحظة قيمته التي هي مهر المثل، فلو كانت قيمة أحدهم مأة والثاني مأتين
والثالث ثلاثمأة فعلى الأول سدس المسمى وعلى الثاني ثلثه، وعلى الثالث نصفه.
(و) حينئذ ف‍ (تعتبر القيمة وقت العقد) لأن سلطنة السيد تزول يومئذ، وعن
بعض العامة التوزيع على عدد الرؤوس، ولا ريب في ضعفه.
(و) على كل حال ف‍ (أيهم أدى حصته عتق ولا يتوقف على أداء حصة
غيره، وأيهم عجز استرق دون غيره،) وكذا لو مات أحدهم، لصدق المكاتبة
على كل واحد منهم، فيجري عليه حكمها، بل في المسالك " ولا ينظر إلى أن السيد
علق عتقهم بأداء جميعهم حيث قال: فإذا أديتم فأنتم أحرار، لأن الكتابة الصحيحة
يغلب فيها حكم المعاوضة، ولذلك إذا أبرأ السيد المكاتب عتق، وإذا مات لم تبطل
الكتابة، بخلاف العتق المعلق ".
وفيه أن مفروض المسألة مع الاطلاق أو التصريح بعدم تعليق عتق أحد منهم
على آخر، وإلا فمع تصريح السيد بذلك يبنى على صحة هذا الشرط وعدمه،
وعلى فرض صحته فلا ريب في توقف حرية كل واحد منهم على الآخر، بل
ربما قيل: لا يعتق بعضهم بأداء ما عليه، وإنما يعتقون معا إذا أدوا جميع المال
في صورة الاطلاق، لظهور اللفظ كما في العتق المعلق.
وعن ابن البراج إذا كاتب انسان عبدين كتابة واحدة فمات أحدهم قيل
للثاني إما أن تختار أن تؤدي باقي الكتابة عنك وعن صاحبك وإما أن تكاتب عن
نفسك كتابة جديدة، فأيهما اختار كان له ذلك، وإن كان المتروك مالا فيه وفاء
بقسطه من الكتابة أخذ السيد مال الكتابة، وكان على الثاني ما بقي من قسطه منها
289

وكذلك إذا ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب، وإن كان ما ترك فيه وفاء بجميع
الكتابة فإن السيد يأخذ من ذلك جميع الكتابة ويعتقان معا، ويرجع ورثته على
الحي بحصته، وبقية ذلك ميراث لهم.
(و) هو كما ترى لا ينطبق على شئ من الأصول خصوصا بعد ما تسمع
من بطلان الكتابة بموت المكاتب الذي مقتضاه سقوط قدر نصيبه من مال الكتابة،
لأنه عوض فيهما فيقسط عليهما كالبيع لا أنه ينحصر في أحدهما.
نعم (لو شرط كفالة كل واحد منهما صاحبه أو ضمان ما عليه كان الشرط
والمكاتبة صحيحين) لعموم " المؤمنون عند شروطهم " (1) فيلزمه حينئذ حكم
الكفالة، وما عن بعضهم - من عدم صحة الكفالة لعدم لزوم مال الكتابة من جهة
المكاتب والمشروط كجزء من العوض فيتبعه في الجواز - واضح الضعف بعد ما عرفت
من لزومها عندنا، وكذا الكلام في صحة اشتراط الضمان لكن يعتقون حينئذ لصدق
الأداء من كل منهم وإن بقي مديونا بغير مال الكتابة الذي كان عليه، نعم لو
تقايل الضامن والمضمون له عاد المال إلى ذمة المكاتب ولكن لا يعود رقا، بل يكون
حرا مشغول الذمة كما صرح به الكركي هنا في حاشيته على الكتاب.
وعلى كل حال فما في المختلف - من أنه إذا رضي المولى بضمانهم كلهم
فهو كما لو لم يقع ضمان - واضح الفساد إلا أن يريد كعدم الضمان في كون كل
منهما مشغول الذمة بالمال، لكن في الدروس لو شرط السيد بقاء الرق مع هذا
الضمان حتى يؤديا أو تخيره في الرجوع على من شاء منهما ففي كلام الشيخ إشعار
بجوازه وذكر في الحائريات جواز ضمان اثنين مالا واشتراط رجوعه على من شاء
منهما، وهو إن لم يحمل على استحقاق ذلك بالشرط كان على وفق مذهب العامة الذي
قد عرفت أن الأصحاب على خلافه، والله العالم.
(ولو دفع المكاتب ما عليه قبل الأجل كان الخيار لمولاه في القبض
والتأخير) عندنا لاشتراك مصلحة الأجل بينهما، ولقاعدة المؤمنون عند شروطهم،

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
290

ولخبر إسحاق بن عمار (1) عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليهما السلام " إن مكاتبا أتى
عليا عليه السلام وقال: إن سيدي كاتبني وشرط علي نجوما في كل سنة، فجئته بالمال
كله ضربة فسألته أن يأخذ كله ضربة ويجيز عتقي فأبى علي، فدعاه علي عليه السلام فقال
له: صدق فقال له: مالك لا تأخذ المال وتمضي عتقه؟ فقال: ما آخذ إلا النجوم
التي شرطت وأتعرض بذلك إلى ميراثه، فقال علي عليه السلام: أنت أحق بشرطك ".
ولا ينافيه صحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " في مكاتب ينفذ
نصف مكاتبته ويبقى عليه النصف فيدعو مواليه ويقول: خذوا ما بقي ضربة واحدة،
قال: يأخذون ما بقي ويعتق " بعد حمله على بيان الجواز لا اللزوم ولو لرجحان
الأول عليه من وجوه، خصوصا بعد أن لم نعرف قائلا به منا، نعم عن ابن الجنيد
وجوب القبول في خصوص ما إذا كان المكاتب مريضا وأوصى بوصايا وأقر بديون،
لأن في امتناعه حينئذ إبطالا لاقراره ووصيته، وهو كما ترى، وعن بعض العامة
قول باجبار المولى حيث لا ضرر عليه، لأن الأجل حق من عليه الدين، وقد
تقدم في كتاب البيع بعض الكلام في المسألة، والله العالم.
(ولو عجز المكاتب المطلق كان على الإمام أن يفكه من سهم الرقاب) بلا
خلاف أجده، بل ظاهرهم الاتفاق عليه، ولعله للخبر المرسل (3) عن مكاتب عجز
عن مكاتبته وقد أدى بعضها، قال، يؤدى عنه من مال الصدقة، فإن الله يقول في
كتابه: وفي الرقاب (4) ".
لكن في الرياض " هو بعد الاغماض عن سنده غير واضح الدلالة على ما ذكروه

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب المكاتبة الحديث 1 راجع التهذيب ج 8
ص 271 الرقم 990 والاستبصار ج 4 ص 39 الرقم 130.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(4) سورة التوبة: 9 - الآية 60.
291

من الوجوب من وجوه، ولذا يظهر من الكفاية التردد فيه تبعا للسيد في شرح الكتاب
ولعله في محله إن لم ينعقد الاجماع على خلافه " وكان هذا منه من الغرائب
لمعلومية شدة اعتماده على الشهرة في جبرها للسند والدلالة، بل المحكي عنه أنه
يرى حجيتها فضلا عن جبرها.
إنما الكلام فيما في المسالك تبعا للدروس من أن للمولى رده في الرق إن
تعذر ذلك، وحكاه الكركي في حاشية الكتاب على الدروس واستحسنه، ضرورة
عدم دليل يدل على خيار المولى في المكاتبة المطلقة مع العجز، بل مقتضى الأصل
وغيره خلافه، بل خبره القاسم بن سليمان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن عليا عليه السلام
كان يستسعي المكاتب، إنهم لم يكونوا يشترطون إن عجز فهو رق " كالصريح في عدم
الخيار في المكاتب المطلق، وإطلاق بعض النصوص (2) الخيار مع العجز لو كان
منزل على المشروط، خصوصا بعد قوله عليه السلام " رد رقا " الظاهر في استرقاقه أجمع،
وهو إنما يسلم في المشروط بخلاف المطلق إذا أدى بعض مكاتبته، فإنه لا يرد
جميعه رقا وإن عجز إجماعا أو ضرورة (وبالجملة) المسألة في غاية الاشكال كما
أشرنا إليه سابقا، ولم أعثر على من تعرض لتنقيحها، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (المكاتبة الفاسدة لا يتعلق بها حكم بل تقع لاغية)
عندنا كغيرها من العقود، والفساد والبطلان عندنا بمعنى، سواء كان الاختلال
بالأركان أو بغيرها، خلافا لبعض العامة، ففرق هنا بين الباطلة والفاسدة، وجعل
الفاسدة تساوي الصحيحة في أمور ثلاثة، وهو كما ترى من خرافاتهم الباردة التي
لا تستأهل نقلا، والله العالم. هذا كله في بيان أركان المكاتبة.
(وأما الأحكام فتشتمل على مسائل:)

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة الحديث 9.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المكاتبة الحديث 3 و 4.
292

(الأولى:)
(إذا مات المكاتب وكان مشروطا بطلت المكاتبة) وإن بقي من العوض
يسير، (وكان ما تركه لمولاه) وإن كان أزيد من مال الكتابة. (و) كان
(أولاده رقا) أيضا للمولى لا لما ذكر مما لا يقتضي انفساخ العقد اللازم، بل
للمعتبرة المستفيضة كصحيحة ابن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في مكاتب
يموت وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن من جاريته، قال: إن اشترط عليه إن عجز
فهو مملوك رجع ابنه مملوكا والجارية، وإن لم يكن اشترط عليه أدى ابنه ما بقي
من مكاتبته وورث ما بقي " وخبر مهزم (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المكاتب
يموت وله ولد، فقال: إن كان اشترط عليه فولده مماليك، وإن لم يكن اشترط
عليه سعى ولده في مكاتبة أبيهم، وعتقوا إذا أدوا " وغيرهما من النصوص (3) الدالة
على ذلك منطوقا ومفهوما.
وحينئذ فمؤونة تجهيزه على مولاه، لأنه حينئذ بحكم القن، خلافا للخلاف،
فحكم فيما لو خلف ما يفي بالمكاتبة بوجوب أداء ما عليه من مال الكتابة وكون
الباقي إن كان للوارث، وهو - مع مخالفته الأدلة المتقدمة - غير واضح الحجة،
بل لم يحك عن أحد موافقته على ذلك سوى الصدوق، فإنه أطلق على ما حكي عنه
الحكم بوجوب إيفاء ما بقي عليه من اكتسابه على ابنه من الجارية، وأنه يرث ما بقي،
من غير تفصيل بين المطلق والمشروط، لكن ربما أشعر سياق عبارته بإرادة
التعبير بمضمون خبر ابن سنان المتقدم الذي هو في المطلق دون المشروط،
فلاحظ.

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المكاتبة الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب موانع الإرث الحديث 7 - 0 - من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب موانع الإرث الحديث 7 - 0 - من كتاب المواريث.
293

وكذا الكلام إذا كان مطلقا ولم يؤد شيئا على المشهور، بل لم أجد فيه
خلافا، بل في الدروس نسبته إلى ظاهر الأصحاب، ولعله لصحيح محمد بن قيس (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " قضى أمير المؤمنين عليه السلام في مكاتب توفي وله مال قال: يقسم
ماله على قدر ما أعتق منه لورثته وما لم يعتق يحتسب منه لأربابه الذين كاتبوه، هو
مالهم " وغيره من الصحاح (2) التي تسمعها الدالة بمنطوقها على أن ما يتركه
لسيده بقدر ما لم يعتق منه، وبفحواها على عدم الفرق بين الكل والبعض، وصحيح
ابن سنان وإن كان سؤاله مطلقا إلا أن قوله عليه السلام في الجواب: " ما بقي " ظاهر
فيمن أدى بعضها، نعم خبره مهزم مطلق، بل ظاهره سعي الولد في المكاتبة، ويمكن
حمله على سعيهم فيما بقي منها، لكن مع ذلك احتمل في الدروس فيمن خلف مالا
يفي بالكتابة ولم يكن قد أدى شيئا أنه يرث قريبه ما فضل من مال الكتابة، لأنه
كالدين، وهو متجه إن لم يكن إجماعا، استصحابا لبقاء حكم الكتابة التي هي كما
عرفت من العقود اللازمة، هذا كله فيمن لم يؤد.
(وإن لم يكن مشروطا) وقد أدى بعض مكاتبته (تحرر منه بقدر ما
أداه وكان الباقي رقا) بلا خلاف ولا إشكال (و) حينئذ ف‍ (لمولاه من تركته
بقدر ما فيه من رق ولورثته بقدر ما فيه من حرية ويؤدي الوارث) التابع له في
الحرية والرقية مما حصل له (من نصيب الحرية ما بقي من مال الكتابة) على
المشهور شهرة عظيمة، لصحيح محمد بن قيس (3) السابق، وصحيح يزيد العجلي (4)
" سألته عن رجل كاتب عبدا له على ألف درهم ولم يشترط عليه إن هو إن عجز عن
مكاتبته فهو رد في الرق وأن المكاتب أدى إلى مولاه خمسمأة درهم، ثم مات المكاتب

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 23 - من أبواب موانع الإرث الحديث 5 من كتاب المواريث
عن بريد العجلي.
294

وترك مالا وترك ابنا له مدركا، قال نصف ما يدرك المكاتب من شئ فإنه لمولاه الذي
كاتبه، والنصف الباقي لابن المكاتب، لأن المكاتب مات نصفه حر ونصفه عبد للذي
كاتبه، وابن المكاتب كهيئة أبيه نصفه حر ونصفه عبد، فإن أدى إلى الذي
كاتب أباه ما بقي على أبيه فهو حر لا سبيل لأحد من الناس عليه " (و)
غيرهما.
بل (إن لم يكن له مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم) كما هي القاعدة
في الذي تحرر بعضه، ودل عليه هنا ما تقدم من خبر مهزم (1) (و) حينئذ
ف‍ (مع الأداء ينعتق الأولاد) ولكن أداؤهم وسعيهم بالسوية وإن اختلفوا في
الاستحقاق للميراث لاختلافهم ذكورة وأنوثة، أو القيمة فإنهم متساوون فيما عتق
منهم وما بقي، ولو تعذر الاستيفاء من بعضهم لغيبة وغيرها أخذ من نصيب الباقي جميع
ما تخلف على الأب، إذ ما لم يأخذ الجميع لم يصر الأب بمنزلة من أعتق جميعهم،
فلم يفد عتق جميع الباقي، وإذا أخذ الجميع عتق الجميع أي الغائب والباقي، بل لو لم
يكن تركة وغاب البعض أو لم يسع سعي الباقي في الجميع، وليس للمؤدي مطالبة
الغائب بنصيبه، لأن كل جزء مما يؤديه يدخل في عتق نفسه وإن لزمه انعتاق الجميع
بالاتمام.
(وهل للمولى إجبارهم على الأداء) ولو بالسعي؟ (فيه تردد) من
الأمر في ظاهر النصوص (2) ومن كون الحق لهم، وقد تقدم الكلام في ذلك في
كتاب العتق هذا كله على المشهور بين الأصحاب (و) لكن (فيه رواية
أخرى تقتضي أداء ما تخلف من أصل التركة) لأنه بحكم الدين (و) حينئذ
ف‍ (يتحرر الأولاد، وما بقي فلهم) إرثا.
وهي صحيحة جميل بن دراج (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في مكاتب يموت
وقد أدى بعض مكاتبته وله ابن من جارية وترك مالا، قال: يؤدي ابنه بقية

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب موانع الإرث الحديث 7 - 0 - 6 من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب - 23 - من أبواب موانع الإرث الحديث 7 - 0 - 6 من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب موانع الإرث الحديث 7 - 0 - 6 من كتاب المواريث.
295

مكاتبته، ويعتق ويرث ما بقي " ورواية أبي الصباح (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في
حديث إنه قال: " في المكاتب يؤدي بعض مكاتبته ثم يموت ويترك مالا أكثر مما
عليه من مكاتبته، قال: يوفي مواليه ما بقي من مكاتبته، وما بقي فلولده " ونحوها
صحيحة الحلبي (2) وغيرها، وقد سمعت صحيحة ابن سنان (3) السابقة ولكن
لم نعرف عاملا بها إلا ما يحكي عن الإسكافي، وما سمعته من إطلاق عبارة
الصدوق ره.
(و) من هنا كان (الأول) مع أنه (أشهر) بل المشهور أظهر
ترجيحا لنصوصه المعتضدة بالشهرة على هذه النصوص، بل قيل: إنها معتضدة
بالأصول الظاهرة التي لأجلها أفتى الحلبي بما عليه الأكثر، فقال: " والذي
ينبغي تحصيله في ذلك أن نقول يرث السيد بمقدار ما فيه من العبودية، وابنه أو
وارثه بقدر ما تحرر منه، ويؤخذ بقية مال الكتابة من نصيب وارث المكاتب إذا صار
إليه نصيبه، لأن الدين الذي هو مال الكتابة يخرج من نصيب الوارث لأجزائه
الحرية (4) دون جميع ما خلفه وتركه الميت، لأن الأجزاء الباقية على العبودية
لا تملك شيئا، لأنه مال سيده دونه " إلى آخره وإن كان دعوى كون ذلك هو
مقتضى الأصول لا تخلو من مناقشة، والعمدة النصوص المزبورة المرجحة بما سمعت،

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 3.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المكاتبة الحديث 1. راجع التهذيب
ج 8 ص 271 الرقم 990 الاستبصار ج 4 ص 39 الرقم 130.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 3.
(4) هكذا في النسخة الأصلية: المسودة والمبيضة، إلا أن الموجود في السرائر
طبعة حجر " من نصيب المال الوارث الآخر من جهة الجزية دون جميع ما خلفه " وفي
المخطوط منه عام 603 المحتفظ به في مكتبة الروضة الرضوية (على صاحبها آلاف
التحية والثناء) في " مشهد " خراسان الذي أوقفها الشيخ البهائي (قده) " من نصيب
الوارث للأجزاء الحرية دون جميع ما خلفه... "
296

فيجب حينئذ طرح ما قابلها أو حمله على أدائه ما بقي من نصيبه - لا من أصل المال -
وإرثه لما بقي إن كان في النصيب بقية، وإن كان ذلك بعيدا إلا أنه لا بأس به بعد
رجحان المعارض، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (لو أوصى له) أي المكاتب الذي تحرر بعضه
(يوصيه صح له منها بقدر ما فيه من حرية وبطل ما زاد) على المشهور بين
الأصحاب، لخبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قضى أمير
المؤمنين عليه السلام في مكاتب تحته حرة فأوصت له عند موتها بوصية فقال أهل المرأة:
لا تجوز وصيتها له، لأنه مكاتب لم يعتق ولا يرث، فقضى عليه السلام أنه يرث بحساب
ما أعتق منه، وقضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأعتق فأوصى له بوصية، فأجاز له
ربع الوصية، وقضى في رجل حر أوصى لمكاتبته وقد قضت سدس ما كان عليها فأجاز
بحساب ما أعتق منها، وقضى في وصية مكاتب قد قضى بعض ما كوتب عليه أنه يجاز
من وصيته بحساب ما أعتق منه ".
وقيل تصح له مطلقا، لأنها نوع اكتساب وهو غير ممنوع، ومال إليه في
المسالك لضعف الخبر المزبور، هذا إذا كان الموصي غير المولي أما هو فتصح وصيته
له مطلقا، فإن كانت أزيد مما عليه عتق أجمع وكان الزائد له، كما تقدم تحقيق
ذلك كله في كتاب الوصايا، فلاحظ.
(ولو وجب عليه حد) فإن لم يتحرر منه شئ حد حد العبيد لبناء
الحدود على التخفيف، فيرجح فيه جانب العبودية وإن لم يكن عبدا محضا بالكتابة
وإن تحرر منه شئ (أقيم عليه من حد الأحرار بنسبة الحرية وبنسبة الرقية
من حد العبيد) فإن انقسمت الأسواط على صحة وإلا قبض من السوط على
النسبة، وصحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في المكاتب يجلد الحد بقدر
ما أعتق منه " أي ومن حد العبد بقدر ما لم يعتق، وإنما لم يذكره لظهوره، أو

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
297

لأنه لا يقصر عن الأقل فبين الأكثر، ولو كان الذنب موجبا للحد على تقدير
الحرية دون الرقية كالرجم انتفى رأسا وجلد.
وكذا لو قذفه قاذف، فإنه يجب عليه من حد الأحرار بنسبة الحرية ويسقط
ما قابل الرقية إذ لا يجب الحد على قاذفه، بل التعزير، وهو لا ينتصف بل يناط بنظر
الحاكم، فيعزره عن جزء الرقية حينئذ بما يراه، والله العالم.
(ولو زنى المولى بمكاتبته) التي قد تحرر منها بعض (سقط عنه من الحد
بقدر ماله فيها من الرق وحد بالباقي) إذا كان مما يقبل التجزئة كالجلد،
ولو لم يقبلها كالرجم سقط أيضا ووجب الجلد، بل لعل الرجم هنا منتف من أصله،
لأن شرطه الاحصان المشروط بزنا الحر بالحر مع باقي الشرائط، فيجب الجلد
حينئذ ابتداء لا لتعذر تبعيض الرجم.
وعن بعض العامة عدم الحد في وطء المولى المكاتبة لمكان ماله فيها من
الملك وأوجب التعزير، وفيه أنه وطء محرم بمن قد صار أجنبية فيجب الحد،
نعم لا يجب كما له لما له فيها من الملك الموجب لانتفاء الحد وإن كان متزلزلا،
فيجب بالنسبة، وفي خبر الحسين بن خالد (1) عن الصادق عليه السلام قال: " سئل عن
رجل كاتب أمة له فقالت الأمة: ما أديت من مكاتبتي فأنا به حرة على حساب
ذلك؟ فقال لها: نعم، فأدت بعض مكاتبتها وجامعها مولاها بعد ذلك، فقال: إن
كان استكرهها على ذلك ضرب من الحد بقدر ما أدت من مكاتبتها ودرئ عنه
من الحد بقدر ما بقي له من مكاتبتها، وإن كانت تابعته كانت شريكة في الحد، ضربت
مثل ما يضرب "، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
298

المسألة (الثانية:)
(ليس للمكاتب) بقسميه (التصرف في ماله ببيع) محاباة مثلا (ولا
هبة ولا عتق ولا إقراض) ولا غيرها من التصرفات المنافية للاكتساب كالعارية
والهدية ونحوها (إلا بإذن مولاه)، لأنه لم يخرج بالمكاتبة عن العبودية وإنما
اقتضت جواز التكسب له خاصة، لصحيح معاوية بن وهب (1) عن الصادق عليه السلام " في
مملوك كاتب على نفسه وماله وله أمة وقد شرط عليه أن لا يتزوج فأعتق الأمة
وتزوجها، قال: لا يصح له أن يحدث فيما له إلا الأكلة من الطعام، ونكاحه فاسد
مردود، قيل: فإن سيده علم بنكاحه ولم يقل شيئا، قال: إذا صمت حين يعلم
ذلك فقد أقر، قيل: فإن المكاتب عتق أفترى أن يجدد نكاحه أو يمضي على
النكاح الأول؟ قال: يمضي على نكاحه الأول " وإطلاقه كالمتن ونحوه يقتضي عدم
الفرق بين المطلق والمشروط في ذلك.
لكن في خبر أبي بصير (2) عن عبد الله عليه السلام " المكاتب لا يجوز له عتق
ولا هبة ولا نكاح ولا شهادة ولا حج حتى يؤدي جميع ما عليه إذا كان مولاه قد
شرط عليه إن عجز فهو رد في الرق " ونحوه في خبره الآخر (3) عنه عليه السلام أيضا
الذي ترك فيه النكاح والشهادة والحج وزاد " ولكن يبيع ويشتري، وإن وقع عليه
دين في تجارته كان على مولاه أن يقضي عنه، لأنه عبده " وظاهرهما اختصاص
الحكم بالمشروط إلا أني لم أجد عاملا بهما، كصحيح الحلبي (4) عنه عليه السلام أيضا

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 6 - من أبواب المكاتبة الحديث 1
والباب - 23 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 وذيله في الباب - 26 - منها
الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة الحديث - 2 - 3 - 5
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة الحديث - 2 - 3 - 5
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة الحديث - 2 - 3 - 5
299

إنه قال في حديث " في المكاتب يشترط عليه مولاه أن لا يتزوج إلا بإذن منه حتى
يؤدي مكاتبته، قال: ينبغي له أن لا يتزوج إلا بإذن منه إن له شرطه " الظاهر
بسبب دلالة مفهوم تعليله على أنه لولا الشرط لجاز نكاحه، ويمكن حمل الأولين
على إرادة بيان عدم جواز التصرفات بالكلية إلى حين الأداء، وليس إلا في المشروط،
فإن المطلق قد يجوز له التصرف في الجملة قبل أداء الجميع، وذلك كما إذا أدى
البعض وتحرر قدر منه فإنه يصح تصرفه بنسبة الحرية.
ثم إن ظاهر اقتصار المصنف على الهبة والعتق والقرض يقتضي المنع من
التصرفات المنافية للاكتساب لا مطلق التصرف، خصوصا بعد ملاحظة كلامه
الآتي في اللواحق الدال على إرادة المحاباة من البيع هنا لا مطلقا، فمن
الغريب ما في المسالك من نسبة إطلاق المنع إلى المصنف وغيره وأنه لا بد
من تقييده.
وأغرب منه ما في الرياض حيث جعله مسألة خلافية، واستشعر من النسبة
المزبورة اتفاق المعظم لا الاجماع وإلا لما صح له مخالفته، ثم أخذ في
الاستدلال على القول بالتقييد بأنه مقتضى الجمع بين الصحيحين المتضمنين لعدم
جواز التصرف بغير الأكل ولجواز البيع والشراء، ثم تكلف وادعى اقتضاء
عقد الكتابة الإذن بالتصرفات التي لم تناف الاكتساب، فتدخل حينئذ في
قولهم إلا مع الإذن، إلى غير ذلك من الكلمات التي لا وجه لها بعد ملاحظة
كلامهم وتصريحهم - حتى المصنف فيما يأتي - بعدم جواز الرهن والقرض
باعتبار المخاطرة.
وفي القواعد " وأما العبد فليس له أن يتصرف فيما له بما ينافي الاكتساب
كالمحاباة والهبة وما فيه خطر كالقرض والرهن والقراض - إلى أن قال -: وله
التصرف في وجوه الاكتساب كالبيع من المولى وغيره، وكذا الشراء، ويبيع بالحال
لا بالمؤجل، فإن زاد الثمن عن ثمن المثل وقبض ثمن المثل وأخر الزيادة جاز،
300

وله أن يشتري بالدين وأن يستسلف " ومثله في ذلك كله المصنف فيما يأتي
من اللواحق وغيرهم.
نعم قد يظهر من استثنائهم جواز الإذن جواز التصرف المنافي معها وإن كانت
متأخرة فيستلزم جواز الفضولية في العتق حينئذ، ولعله كذلك، لما سمعته في بحث
الفضولي وأنه على القواعد وإن احتمل في القواعد فيه الصحة والبطلان، بل قال: " وفي
الكتابة إشكال من حيث إنها معاوضة أو عتق " وقد عرفت أنها ليست عتقا قطعا
فتصح حينئذ بالإذن سابقة أو لاحقة، بل وبدونها إذا كانت من وجوه الاكتساب
المأذون فيها المكاتب، وحينئذ فإن عجزا معا استرقهما المولى وإن عجز الثاني
استرقه الأول، وإن عجز الأول واسترق عتق الثاني، ولو استرق الأول قبل أداء
الثاني كان الأداء إلى السيد، وله النفقة على نفسه وما يملكه بالمعروف، كما أن له
البيع من مولاه وغيره، وللمولى أخذه بالشفعة وبالعكس، وفي ثبوت الربا بينه
وبين المولى إذا كان مشروطا أو مطلقا لم يؤد إشكال، هذا وستسمع إن شاء الله بعض
الكلام في المسألة في اللواحق.
(و) كذا (لا يجوز) بلا خلاف ولا إشكال (للمولى التصرف في مال
المكاتب) الذي قد تبين من النص (1) والفتوى أنه واسطة بين الرق والحر
بالنسبة إلى الأحكام التي منها ذلك، لقاعدة حرمة التصرف في مال الغير بعد أن
كان مالكا (إلا بما يتعلق بالاستيفاء) بإذنه، لأنه مخير في جهة الوفاء،
نعم في المسالك " قد يجوز تسلط المولى على الاستيفاء بغير إذنه فيما إذا كان
مشروطا وحل النجم ولم يؤده وكان بيده مال بقدره، ولو زاد فالتعيين موكول
إليه، فإن امتنع عين الحاكم كما في كل ممتنع " قلت: لا فرق بين المشروط
والمطلق في ذلك، كما أنه ينبغي إذن الحاكم مع الزيادة وعدمها.
(و) لما عرفته من كون المكاتب كالواسطة (لا يجوز له) أي المولى
(وطء المكاتبة) وإن أذنت (بالملك ولا بالعقد) لعدم كونها مملوكة محضة

(1) الوسائل الباب - 8 و 22 - من أبواب المكاتبة.
301

أو حرة كذلك، بل لو شرط الوطء عليها في العقد لم يصح بل يبطل العقد على الأصح،
وعليه التعزير لا الحد، لأنها ملكه، ولذا جاز له عتقها، وقد سمعت ما في
خبر الحسين بن خالد (1) من درء الحد عنه بمقدار ما بقي له من مكاتبتها لو
جامعها.
(ولو طاوعته حدت) أي عزرت إن لم تتبعض، لعدم خروجها عن ملكه،
لكن في المسالك " حدت حد المملوك إن لم تتبعض وإلا فبالنسبة " وقد قال قبل
ذلك، " إنه إن وطأها المولى عالما بالتحريم عزر إن لم يتحرر منها شئ، وحد
بنسبة الحرية إن تبعضت " وكأنه أخذه من الفاضل في القواعد قال: " ولو طاوعت
حدت على إشكال دونه، ويعزر مع علمه بالتحريم " وفي الإيضاح " إذا وطأ المكاتب
المكاتبة لم يجب عليه حد وإن كان عالما بالتحريم، لأن ملكه ثابت عليها،
لنفوذ عتقه وإن كان ضعيفا، فإنه أقوى من الشبهة، قالوا فلا تعزير لسقوطه بالشبهة
فيما هو أقوى وأولى، قلنا: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (2) " ادرؤوا الحدود بالشبهات " ولم
يدرء التعزير، وكل مقدم على محرم يعزر ".
قلت: لا يخفى عليك ما في ثبوت الحد عليها ودرئه عنه مع اشتراكهما في
صفة الملك، ولذا قال في القواعد وكشف اللثام: " ولو وطأ إحداهن - أي المكاتبة
أو ابنتها أو أمتها - مع علمهما بالتحريم عزرا ولم يحدا للملك، ويدل عليه
ما تقدم من خبر الحسين بن خالد (3) الناطق بدرء الحد عمن جامع مكاتبته، وعن
بعض العامة أنهما يحدان " ولعل العبارة المزبورة التي حكيناها عن القواعد غير
موجودة في بعض نسخها، لأني لم أعثر عليها مشروحة في كشف اللثام ولا في الإيضاح،
ولم يتعرض لمضمونها في الدروس.
وفي التحرير " فإن طاوعته عزرت ويعزر للشبهة مع الشرط وعدمه - ثم

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب مقدمات الحدود الحديث 4 من كتاب
الحدود.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
302

قال في آخر المبحث -: والتعزير الذي أوجبناه إنما هو للعالم منهما، فلو جهلا
فلا تعزير، ولو جهل أحدهما عزر الآخر ".
ومما ذكرنا يظهر أن لها المهر عليه، لأنه من كسبها وإن طاوعته، كما
جزم به في الدروس، لأنها ليست بزانية، ولذا لم تحد وتكون أم ولد، ولاطلاق
خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه عليه السلام " في رجل وقع على مكاتبته، قال: عليه
مهر مثلها، فإن ولدت منه فهي على مكاتبتها، وإن عجزت فردت في الرق فهي من
أمهات الأولاد " وخبر السكوني (2) عن الصادق عليه السلام " إن أمير المؤمنين عليه السلام قال
في مكاتبة يطأها مولاها فتحمل، قال: يرد عليها مهر مثلها، وتسعى في قيمتها،
فإن عجزت فهي من أمهات الأولاد ".
بل قد يقوى تكرر المهر بتكرر الوطء وإن لم يتخلل الأداء، لتعدد السبب،
اللهم إلا أن يدعى انسياق الاتحاد من الخبرين، مضافا إلى أصل البراءة، لكن
دعوى الانسياق حتى مع التخلل كما ترى، ومن هنا استوجه غير واحد التفصيل
بذلك، وقد يحتمل التعدد بالعلم بالحكم، وإلا فمع الشبهة المستمرة مهر واحد.
(و) كذا (لا يجوز له وطء) أمة المكاتبة ولا (أمة المكاتب ولو
وطأ لشبهة) أو غير شبهة (كان عليه المهر) لما عرفت، نعم لو وطأ بنت المكاتبة
المملوكة له لم يكن عليه مهر، لأنها أمته، وإنما وجب المهر لنفسها ولأمتها
لأنه من كسبها بخلاف مهر البنت، كما هو واضح.
(وكلما يكتسبه المكاتب قبل الأداء وبعده فهو له، لأن تسلط المولى
زال عنه بالكتابة) نعم لو عجز ففسخ المولى ملكه معه كما تقدم.
(ولا تتزوج المكاتبة إلا بإذنه) لأنها مملوكته، ولما في تزويجها من
التغرير بها، ولفحوى ما سمعته من النهي للمكاتب عن ذلك في النصوص (3)
السابقة، بل يمكن إرادة الجنس الشامل للذكر والأنثى منه، وخصوص خبر

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب المكاتبة الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 14 - من أبواب المكاتبة الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة.
303

أبي بصير (1) سأل الباقر عليه السلام " عن رجل أعتق نصفه جاريته ثم إنه كاتبها على
النصف الآخر بعد ذلك، قال: فليشترط عليها أنها إن عجزت عن نجومها فإنها
ترد في الرق في نصف رقبتها، فإن شاء كان له في الخدمة يوم ولها يوم إن لم
يكاتبها، قال: قلت: فلها أن تتزوج في تلك الحال؟ قال: لا حتى تؤدي جميع
ما عليها في نصف رقبتها ".
(و) حينئذ ف‍ (لو بادرت كان عقدها موقوفا) على الإذن أو على الأداء
(مشروطة كانت أن مطلقة) ولم يقع باطلا، لما سمعته من صحيح ابن وهب (2)
السابق وغيره، وكذا ليس للمكاتب أن يزوج عبيده من إمائه بغير إذن مولاه،
لأنه خطر ولا اكتساب فيه.
(وكذا ليس له وطء أمة يبتاعها إلا بإذن مولاه ولو كانت كتابة
مطلقة) لأنه تصرف بغير الاكتساب أيضا، وفيه خطر، بل عن بعض العامة عدم
الجواز حتى مع الإذن، لكنه كما ترى. نعم لا مهر لها، لأنه لو ثبت لكان
له، ولا حد لو فعل، لأنها مملوكة، فإن حملت منه فالولد له، لأنه نماء ملكه
الذي هو الجارية المملوكة له، فحملها منه حينئذ كحملها من غيره، ولكن لا يعتق
عليه الآن كما في القواعد وشرحها والتحرير والمسالك، لنقصان ملكه، نعم إن أدى
عتق وعتق الولد وإن عجز استرقا معا.
وهل تكون أم ولد بعد العتق؟ وجهان وفي التحرير الأقرب ذلك، وتبعه
في المسالك، ولعله لصدق أم الولد عليها، لكن قد يناقش بلحوق حريته بالأداء
لا بنفس الاستيلاد الذي هو المنساق من نصوص أم الولد (3) بل المنساق منها

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الاستيلاد من كتاب التدبير والمكاتبة
والاستيلاد.
304

الموطوءة للسيد الحر لا المملوك، والأصل عدم لحوق أحكامها حتى لو أتت به
بعد العتق إذا كان لدون الستة أشهر من وقت العتق، لتبين كون العلوق به في
الرق.
نعم إن كان لما زاد عن ستة أشهر إلى أقصى الحمل احتمل أن تصير مستولدة
له عملا بالأصل، مع أنه قد يناقش فيه أيضا (أولا) بمخالفته للغالب، و (ثانيا)
بعدم كفاية مثله في تحقق عنوان أم الولد على وجه تلحقها الأحكام، خصوصا إذا
لم يكن قد وطأها بعد الحرية بحيث يمكن استناده إليه، وإن وجهه في المسالك
بكونها فراشا يلحق به الولد في الجملة قبل الحرية، وهو مستدام بعدها، وإمكان
العلوق به بعد الحرية قائم، فيكتفي به لثبوت الاستيلاد ظاهرا وإن افترق فيما
بينه وبين الله سبحانه، إلا أنه كما ترى، والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(كل ما يشترط المولى على المكاتب) من عمل مخصوص زمن الكتابة
أو بعد العتق بالأداء أو الاكتساب على وجه معين أو نحو ذلك وبالعكس (في عقد
الكتابة يكون لازما) لعموم " المؤمنون " (1) و " أوفوا " (2) وغيرهما
(ما لم يكن) منافيا لمقتضى العقد أو (مخالفا للكتاب والسنة) على نحو
غيره من الشرائط في العقود، فلو شرط عدم الحرية بعد الأداء أو الوطء بطل الشرط،
بل الأقوى بطلان العقد كما تقدم محررا في كتاب البيع (3) الذي مر فيه
تسلط من له الشرط على الخيار مع عدم الوفاء مطلقا أو إذا تعذر جبره على
الوفاء، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(3) راجع ج 23 ص 210 - 216.
305

المسألة (الرابعة:)
(لا يدخل الحمل) المعلوم وجوده حال الكتابة ولو بانفصاله لدون ستة
أشهر من حين الكتابة (في كتابة أمه) فضلا عن أبيه وإن قصده، لعدم قابليته
للمعاملة، وعدم دليل على التبعية، بخلاف التدبير الذي هو عتق يقع على الصغير
والكبير، فهو حينئذ كالولد المنفصل، خلافا لبعض العامة فأدخله تبعا لا على
جهة السراية كما يتبع الحامل في البيع، وهو واضح الضعف في المقيس والمقيس
عليه.
(لكن لو حملت بمملوك بعد الكتابة) لكونه من عبد السيد بإذنه أو
زنا وهي جاهلة بل أو عالمة، كما أطلقه جماعة وإن أشكله في الدروس، لعدم إلحاقه
بها شرعا (كان حكم أولادها كحكمها) بمعنى أنه (ينعتق منهم بحساب)
ما ينعتق من‍ (ها) كلا أو بعضا بالعتق أو بالأداء أو بالابراء، لما سمعته في
صحيحي ابن قيس (1) وبريد العجلي (2) المتقدمين سابقا، ولما قيل من أن الولد
من كسبها فيتوقف أمره على رقها وحريتها كسائر كسبها، وهذا ونحوه هو المراد
بكونهم بحكمها لا أنهم يصيرون مكاتبين، إذ لم يجر معهم عقد المكاتبة، بل
المراد انعتاقهم بانعتاقها من جهة الكتابة، حتى لو فسخت الكتابة ثم عتقت الأم
لم ينعتق الولد، ولا ينافي ذلك ما سمعته من أداء الأولاد ما بقي من مال الكتابة
المطلقة التي قد أدى بعضها للأدلة الخاصة.
هذا وفي المسالك " وهل يثبت حق ملكهم قبل الانعتاق للأم أم للمولى؟
وجهان، من أنه تابع للأم وحق له، ومن أنه من جملة كسبها، فيكون لها،
وتظهر الفائدة فيما لو قتله قاتل، فعلى الأول تكون القيمة للمولى كما لو قتلت الأم،

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 1.
306

وعلى الثاني يكون للمكاتبة تستعين به في أداء النجوم، أما كسب الولد وأرش
الجناية عليه فيما دون النفس وأرش الوطء بالشبهة لو كانت جارية فموقوف على عتقها
فتكون له، وإلا فللمولى ككسب الأم، فلو عجزت الأم وأرادت الاستعانة بكسب
ولدها الموقوف ففي إجابتها وجهان مبنيان على أن الحق هل هو للمولى أو لها؟
فعلى الثاني لا إشكال في جواز استعانتها به، وعلى الأول يحتمله أيضا، لأنها
إذا رقت رق الولد وأخذ المولى كسبه، وإذا أعتقت عتق، وقد يفضل شئ من
الكسب ففي إجابتها حظ للولد وعدمه، لأنه لا حق لها في كسبه، لأن الكلام على
تقديره، وتظهر الفائدة أيضا في نفقة الولد، والوجه أنها في كسبه، وما فضل فهو الذي
يوقف، فإن لم يكن له كسب أو لم يف بالنفقة ففيه وجهان، أظهرهما أنها على
المولى بناء على أن حق الملك له وإن كان مراعي، والثاني أن ينفق عليه من بيت
المال، لأن تكليفه النفقة من غير أن يصرف إليه الكسب في الحال إجحاف به، وفيه
وجه ثالث أنه على الأم، لأن كسبه قد تنتفع به فتكون نفقته عليها، لتبعية النفقة
للكسب ".
وقد تبع ببعض ذلك الدروس قال: " ولو جني على ولدها في طرف فهو
موقوف، فإن عتق ملكه وإلا فللسيد، فلو أشرفت الأم على العجز فلها الاستعانة
به، وكذا كسبه، ولو قتل فالقيمة للأم، لعدم تمكن السيد من التصرف فيه،
ويحتمل للسيد كما لو قتلت الأم ونفقته من كسبه فإن قصر أتمه السيد، لأنه
ملكه وإن كان موقوفا، وفي جواز إعتاق المولى إياه وجهان، من تحقق الملك،
ومن تعلق حق الأم بكسبه في الاستعانة، وحكم ولد الولد من أمته حكم الولد ".
وقد تبع هو ما في التحرير قال: " لو قتل الولد احتمل صيرورة القيمة
للسيد كالأم وعدمه، لأنه لا يملك التصرف فيه مع كونه قنا، فلا يستحق قيمته،
وقواه الشيخ، ولو جنى عليه أو كسب فالأقوى أنه موقوف يملكه إن عتق وإلا
فلسيده، فإن أشرفت أمه على العجز كان لها الاستعانة، ولو مات الولد قبل عتق
الأم فكسبه كقيمته لو قتل، ونفقته من كسبه، فإن قصرت فالأقوى على السيد
307

لأنه يسترقه مع العجز، ويحتمل أخذ الناقص من بيت المال، ولو أعتقه مولاه فإن
قلنا كسبه للسيد أو أنه موقوف وليس للأم الاستعانة به عند العجز، صح وإن قلنا
للأم أو بالوقف مع جواز الاستعانة لم ينفذ، والأقوى عندي نفوذه على التقديرين "
ونحو ذلك في القواعد وشرحها.
قلت: لكن قد يناقش في ذلك كله بأن مقتضى القواعد بعد أن لم يكن مكاتبا
بكتابه أمه ملكية السيد للولد بقاعدة النماء، وليس هو من كسبها وإلا لملكته
ووفت به، ومن المعلوم عدمه، ضرورة كونه من نمائها الذي هو مملوك للسيد،
وثبوت تبعيته لها في التحرير وعدمه مع فرض بقائه لا ينافي كونه ملكا له الآن
على وجه يجري عليه حكم الملك من المعتق ونحوه وحينئذ يتجه كون كسبه
وقيمته لو قتل وقيمة أطرافه له أيضا، وليس لها الاستعانة بشئ من ذلك في وفاء
نجومها، ونفقته على السيد، ومؤونة تجهيزه كذلك، بل إن لم يكن إجماع جاز
له التصرف فيه ببيع ونحوه، خصوصا بعد عدم الدليل على كثير مما ذكروه هنا
من وقف الكسب ومن استعانة الأم عند العجز وغيرهما، فتأمل جيدا، فإن التحقيق
ما ذكرناه إن لم يكن إجماع على خلافه، والله العالم.
(ولو تزوجت بحر) بإذن السيد (كان أولادها أحرارا) مع عدم شرط
الرقية عليه بناء على صحته (ولو حملت من مولاها لم تبطل الكتابة) للأصل
وغيره وكان الولد حرا، لأنها علقت به في ملكه، وتصير أم ولد له بلا خلاف
أجده فيه، مضافا إلى ما سمعته من خبر علي بن جعفر (1) ولولاه لأمكن المناقشة
بنقصان ملكه، فلا يقتضي انعتاقه عليه، نحو ما سمعته في ولد المكاتب من جاريته،
لكن على الأول مع كونها مكاتبة تصير أم ولد له. (فإن مات وعليها شئ من)
مال (الكتابة تحررت من نصيب ولدها)، وهل يتبعها حرية ولدها من غير
مولاها لو كان إشكال، لكن جزم في التحرير بانعتاقه تبعا للأم.

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
308

(فإن لم يكن لها ولد) من المولى حين موته أو لم يف نصيبه بما عليها
(سعت في مال الكتابة) أو ما بقي منه (للوارث) قال موسى بن جعفر عليهما السلام
في خبر أخيه علي عنه عليه السلام " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في رجل وقع على مكاتبته فوطأها
أن عليه مهر مثلها، فإن ولدت منه فهي على مكاتبتها، وإن عجزت فردت في الرق
فهي من أمهات الأولاد " وظاهره أن عليه المهر خاصة دون قيمة الولد، كما جزم
به في التحرير في نظير المسألة.
لكن في المسالك " وهل عليه قيمة الولد؟ يبني على ما تقدم من الوجهين، فإن
قلنا حق الملك فيه للسيد فلا شئ عليه، كما لو قتل ولد المكاتبة، وإن قلنا
الحق لها فعليه القيمة، وتستعين المكاتبة بها، فإن عجزت قبل الأخذ سقطت، وإن
عتقت أخذتها، وإن ولدت بعد ما عجزت ورقت فلا شئ لها، وكذا لو ولدت بعد
ما عتقت، لأنه حين تعذر تقويمه ليس بكسب مكاتبة " ولا يخفى عليك ما فيه بعد
الإحاطة بما ذكرناه، فلاحظ وتأمل.
ولو تنازع المولى والمكاتبة في تقدم الولد على الكتابة وتأخره ففي التحرير
والقواعد والدروس حلف المولى، ولو تنازع المكاتب والسيد حلف المكاتب قالا:
" والفرق أن يده ثابتة عليه، وهو يدعي ملكه فيترجح باليد، والمكاتبة لا تدعي
الملك، إنما تدعي الوقف، ولم يثبت كون اليد مرجحة للوقف ".
قلت: بناء على ملاحظة قاعدة تأخر مجهول التاريخ عن معلومه ينبغي
مراعاته، واليد لا تصلح للترجيح ما لم يسندها صاحبها إلى سبب خاص يكون به
مدعيا، وبالجملة كلامهم هنا محتاج إلى التأمل فتأمل. ويتصور النزاع في
المكاتب بأن يزوجه أمته ثم يشتريها المكاتب فالولد قبل الشراء للسيد
وبعده للمكاتب.
309

المسألة (الخامسة:)
قد عرفت فيما تقدم أن (المشروط رق) وإن أدى أكثر ما عليه (و)
حينئذ ف‍ (فطرته على مولاه) كما أطلقه جماعة تبعا لاطلاق النصوص (1)
المتقدمة في زكاة الفطرة فطرة العبد على مولاه، وأنه أحد العيال، بل في مرفوع محمد
ابن (2) أحمد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه
ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي ومن أغلق عليه بابه " ومنه ومن غيره
تعرف قوة احتمال كون فطرته عليه وإن لم يعمل به ما لم يعمل به غيره، لأنه عياله
شرعا، كما سمعته في زكاة الفطرة (3).
مضافا إلى ما سمعته في خبر أبي بصير (4) السابق عنه عليه السلام أيضا في خصوص
المشروط " وإن وقع عليه دين في تجارة كان على مولاه أن يقضي عنه، لأنه عبده "
وغير ذلك مما دل على عدم جواز تصرفه بماله في غير الاكتساب ونحوه الذي يكفي في
سقوطها عنه، لعدم تمكنه.
لكن مع ذلك كله وسوس في المسالك في ذلك، بل مال إلى عدمه، قال:
" المكاتب مطلقا قد خرج عن محض الرقية، ولم يصر إلى حالة الحرية وهو مرتبة
بينهما كما علم مرارا، ومن سقوط أحكام الرقية عنه سقوط نفقته عن مولاه
وتعلقها بكسبه، وقد كان اللازم من ذلك ثبوت فطرته على نفسه أيضا، لأنها تابعة
للنفقة، لكن قد أطلق جماعة من الأصحاب وجوب فطرة المشروط على مولاه

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب زكاة الفطرة.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب زكاة الفطرة الحديث 9.
(3) راجع ج 15 ص 486.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة الحديث 3.
310

والحكم عليه باطلاق الرقية، مع أن علي بن جعفر (1) روى عن أخيه موسى عليه السلام
قال: " سألته عن المكاتب هل عليه فطرة رمضان أو على من كاتبه؟ فقال: الفطرة
عليه " ولم يفرق بين القسمين، وفي الدروس اقتصر على نقل وجوب فطرة المشروط
على مولاه عن بعض الأصحاب ثم احتمل عدمه محتجا بأنها تابعة للنفقة، وابن
البراج صرح بعدم وجوبها على المولى، ولا بأس بهذا القول وإن كان الأشهر
خلافه، وأما المطلق فلا تجب فطرته على مولاه اتفاقا ولا على نفسه إلا أن يتحرر
منه شئ فتجب بنسبة الحرية ".
وفيه - مع مخالفته ما عرفت - أن كون نفقته من كسبه - الذي هو للمولى
مع العجز أوله مع عدمه ولكن ليس له التصرف فيه بنحو ذلك قبل الأداء - لا ينافي
وجوب فطرته على مولاه، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص، وخبر علي بن
جعفر (2) يمكن حمله على المطلق الذي قد أدى بعض مكاتبته، فإن فطرته عليه
بمقدار ما فيه من الحرية بخلاف من لم يؤد شيئا، فإنه كالمشروط في جميع
ما سمعته.
ولعل المراد من قول المصنف (ولو كان مطلقا لم يكن عليه فطرته)
أنه ليس كالمشروط في وجوبها عليه مطلقا، بل هو إن لم يؤد ففطرته على مولاه
وإن أدى بعضا ففطرته بالنسبة، بل في حاشية الكركي هنا بعد أن نسب عدم
الفطرة على مولى المطلق إلى المشهور قال: " إلا أنه يشكل بأن المكاتب المطلق
إذا لم يؤد شيئا رق أيضا، فتجب فطرته لأنها تابعة للملك، وقد صرح بذلك في
التحرير في باب زكاة الفطرة، ولو تحرر بعضه فالفطرة عليه وعلى مولاه بالتقسيط
وهو جيد " ومن الغريب دعوى الاتفاق على سقوطها عنه وعن مولاه مع عدم تحرير
شئ منه مع أني لم أعرفه قولا لأحد إذ لا أقل من أن يكون كالمشروط الذي حكم
بوجوب فطرته عليه، لأنها تابعة للنفقة، هذا وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في زكاة
الفطرة، فلاحظ وتأمل حتى تعرف أنه لا قائل معلوم بما ذكره، وإنما ذكرناه هناك

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المكاتبة الحديث 2.
311

احتمالا في كلمات بعض القدماء والله العالم.
(وإذا وجب عليه) أي المكاتب مشروطا كان أو مطلقا لم يؤد (كفارة)
مترتبة أو مخيرة (كفر بالصوم) للحجر عليه بالتصرف في المال بغير الاكتساب،
كما سمعته فيما تقدم نصا (1) وفتوى (و) حينئذ ف‍ (لو كفر بالعتق لم يجزه،
وكذا لو كفر بالاطعام) لأن كلا منهما تصرف في المال بغير اكتساب، (و) قد عرفت
منعه منه، بل (لو كان المولى أذن له قيل) والقائل الشيخ في محكي مبسوطه
(لم يجزه) أيضا، (لأنه كفر بما لم يجب عليه) كالمعسر الذي تكلف التكفير
بما لم يجب عليه أو تبرع عنه، المحكي عن الشيخ فيه نفي الخلاف عن عدم إجزاء
الكفارة عنه بما أعسر عنه، وحينئذ لم يوافق أحد منهما الأمر المقتضي للاجزاء،
وإذن المولى إنما اقتضت رفع الحجر عنه لا توجه الخطاب إليه.
وفيه أن إطلاق الأدلة يقتضي خطابه بذلك سواء كان على التخيير أو الترتيب
بعد ارتفاع المانع، ومن هنا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه، بل ظاهر
الكركي الاجزاء تبعا لصريح الفاضل في القواعد، بل هو خيرة المصنف في كتاب
الأيمان، وحينئذ فلا يحتاج إلى ما في المسالك من بناء المسألة على أن التبرع عن
المعسر بالكفارة التي ليست فرضه هل يجزئ عنه أم لا؟ فإن قلنا باجزائها أجزأ
هنا بطريق أولى وإلا فلا، وفي المختلف ادعى الاجماع على أن التبرع عن المعسر
بإذنه مجز فيجزئ هنا، وهو الوجه وفي المبسوط ادعى الاجماع على عدم الاجزاء
مع أنه في باب الكفارة اختار الاجزاء وجعله الأظهر في روايات أصحابنا، ووافقه
ابن إدريس على عدم الاجزاء، وإليه أشار المصنف بقوله: " وقيل لم يجزه " وإن
أومأ إلى بعض ذلك في غاية المراد، ضرورة عدم مدخلية تلك المسألة لكون المكاتب
موسرا إذا فرض كونه مكتسبا لما يحصل به ذلك، وإلا أنه محجور عليه في
التصرف فيه بمثل ذلك، فمع فرض ارتفاع الحجر عنه بالإذن حصل الوصف

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة.
312

وتوجه التخييري والترتيبي بخلاف المعسر، فإن التبرع عنه لا يجعله موسرا،
كما هو واضح.
ومن ذلك ينقدح النظر فيما في الإيضاح من أنه بأمر السيد لا يلزمه التكفير
بالمال، لأن عليه ضررا فيه، لأنه يفضي إلى تفويت حريته لعجزه بسببه، ولأن
التبرع لا يلزم بإذن السيد، فحينئذ إذا أذن السيد فيه صارت الكفارة المرتبة مخيرة
بالنسبة إليه، وهذا هو الصحيح عندي، وسبب الاشتباه على المانع الاشتراك اللفظي،
فإن قوله: " كفر بما لم يجب عليه " إن أراد الوجوب العيني سلمناه، وإن أراد
الوجوب المخير منعناه، ولما لم يميز بين الوجوبين منع " إذ هو كما ترى، ضرورة
أنه بعد فرض تناول إطلاق أدلة الكفارة للمكاتب المأذون وغيره يتجه الترتيب عليه،
وضرره مرتفع بفرض اليسار الذي مقتضاه وجود مقابل الكتابة عنده وزيادة، فتأمل
جيدا، والله العالم.
المسألة (السادسة:)
(إذا ملك المملوك نصف نفسه) مثلا (كان كسبه بينه وبين مولاه)
بلا خلاف ولا إشكال، إذ هو كنماء المشترك بين شريكين (ولو طلب أحدهما
المهاياة أجبر الممتنع) كما عن بعضهم، لأن لكل منهما الانتفاع بنصيبه، ولا
يمكن الجمع بين الحقين في وقت واحد، فكانت المهاياة طريق الجمع بين الحقين
ووسيلة إلى قطع التنازع، ولا ضرر فيها، بل هي موافقة لقاعدة لا ضرر ولا ضرار،
مضافا إلى ظاهر خبر عمار بن موسى (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في مكاتب بين
شريكين فيعتق أحدهما نصيبه كيف يصنع الخادم؟ قال: يخدم الثاني يوما ويخدم
نفسه يوما " وغيره من النصوص (2) التي تقدمت سابقا في استسعاء المبعض، نعم

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المكاتبة الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 64 - من كتاب العتق الحديث 4 و 5 و 8.
313

يكفي فيها الإجابة إلى المهاياة اليومية، ولا يجب الأزيد.
(وقيل: لا يجبر) للأصل بعد أن كانت غير لازمة إلا أن تكون بصلح ونحوه
وقسمة لغير معلوم التساوي في جملته لا أفراده، فيتوقف على التراضي، بل لا يظهر
كونها قسمة لكون المنافع معدومة، والخبر المزبور مع قطع النظر عن سنده
لا يدل على تعيين ذلك كما في المسالك، خصوصا بعد أن كان المفروض فيه الخدمة
ومعلوم عدم تساويها.
ومن هنا قال المصنف: (وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي تقدمت
الإشارة إلى جملة منها في كتاب القسمة، بل وفي كتاب الشركة التي من عيوبها ذلك
ونحوه، واستحسنه الكركي واختاره في الإيضاح، والله العالم.
المسألة (السابعة:)
(لو كاتب عبده ومات) وخلف ورثة قاموا مقامه في أنهم إذا أعتقوه أو
أبرؤوه من النجوم أو استوفوا المال عتق (و) لو (أبرأه أحد الوراث من نصيبه من
مال الكتابة) أو استوفاه بإذن شركائه (أو أعتق نصيبه صح) وانعتق من المكاتب
المطلق مقدار ذلك (ولا يقوم عليه الباقي) في صورتي الأداء والابراء، للأصل
بعد فرض عدم تناول دليل التقويم لمثله، خصوصا والمكاتب في المقام هو المورث،
وإنما الابراء تنفيذ المكاتبة.
على أن التحقيق عدم السراية في المطلق إذا أدى شيئا للمورث وانعتق منه
جزء فضلا عن الوارث، لعدم صدق العتق بالتحرير بأداء مال الكتابة التي قد عرفت
أنها معاملة مستقلة لا بيع العبد من نفسه ولا عتق بعوض.
وأما لو أعتق فإن قلنا بعدم السراية لو أعتق المورث بعض مكاتبة أو حصته
من المكاتب المشترك لخروجه بالمكاتبة عن محض الرقية فلا تشمله أدلة التقويم
المخالف للأصل، خصوصا مع إمكان تضرر المكاتب بالسراية حيث إنه ينقطع عنه
314

بها الولد والكسب اللذان يحصلان له بتحريره بأداء الكتابة، فعدمها هنا أولى،
لتنزيل عتق الوارث منزلة إبرائه الذي هو تنفيذ لفعل المورث، وإن قلنا بها في
المورث ففي القول بها هنا وجهان، من ذلك ومن صدق مباشرته للعتق ابتداء،
فيشمله دليل السراية، ولعله لا يخلو من قوة، بل هو خيرة الكركي في
حاشيته.
ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر ما في المسالك وغيرها من التشويش بعدم ذكر
الفرق بين الابراء والعتق وبتكثير الاحتمالات التي منها الفرق بين الابراء من مال
الكتابة وبين قبضه باعتبار كونه مختارا في الأول فيكون مختارا في سببه الذي هو
العتق، فيسري بخلاف القبض، فإنه غير مختار فيه، ومنها بناء المسألة على أن
الكتابة بيع للعبد من نفسه أو عتق بعوض، فعلى الأول لا سراية، وعلى الثاني وجهان،
إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا في المقام وفي المباحث
السابقة.
بقي شئ وهو ظاهر المصنف والفاضل في القواعد والتحرير عدم الفرق في
الحكم المذكور بين المطلق والمشروط، بل في إيضاح الفخر " أن البحث في
المشروط، ولعله المناسب لاستدلال المخالف وتشبيهه بما إذا كان المورث حيا،
صرورة عدم انعتاق البعض بأداء البعض فيه لو كان المورث حيا " وفي كشف اللثام
جزم بالحكم في المطلق وجعله في المشروط احتمالا، والذي حكاه في الإيضاح عن
الشيخ التصريح بالمشروط، قال: " لأنهما شريكان في العبد، نصيب كل واحد
مكاتب على قدر قسطه من مال الكتابة، وكل منهما ينفرد بحقه لا يتعلق عنق نصيبه
بأداء مال إلى غيره - إلى أن قال -: والحاصل أن الكتابة بموت السيد تتنزل
منزلة كتابتين - ثم حكى عن الشيخ أنه نقل قولا بأنه لا ينعتق - لأنهما معا
منزلان منزلة المورث ولو أبرأه المورث من البعض لم يعتق فكذا الوارث، ولأن
المكاتب المشروط إذا كاتبه واحد كان عتق كل واحد من أجزائه معلقا بأداء الكل
315

من حيث هو كذلك، وبموته لم يتجدد عقد آخر فلا ينعتق بعض منه بأداء بعض
ماله الكتابة ".
قلت: لا يخفى عليك قوة القول بعدم الانعتاق بالأداء أو الابراء في المشروط
الذي انتقل إلى الوارث على الوجه المذكور في عقد الكتابة، ودعوى انحلالها
بالموت إلى كتابتين واضحة المنع، اللهم إلا أن يقال إن المكاتب المشروط الذي
انتقل إلى الوارث كالمال الذي يشتريه المورث مثلا، وله فيه الخيار، فإنه يتبع الحصص
حينئذ، فتأمل جيدا، والله العالم.
المسألة (الثامنة:)
(من كاتب عبده) مطلقا أو مشروطا (وجب عليه أن يعينه من زكاته
إن وجب عليه، ولا حد له قلة ولا كثرة) بل المدار على صدق اسم إيتاء المال،
خلافا لبعض العامة، فقدره بالربع، ولا شاهد له، نعم ستسمع استحباب حط
السدس من النجوم.
(و) على كل حال (يستحب) له (التبرع بالعطية إذا لم تجب)
وفاقا في ذلك كله للمحكي عن الشيخ في خلافه وكثير من المتأخرين، بل عن
الأول دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم (1) بل في الرياض هو الحجة في الوجوب
والتخصيص بالمولى.
مضافا إلى ظاهر الآية (2) فيهما الناشئ عن كون الأمر حقيقة في الوجوب،
ولا ينافيه استعمال الأمر بالكتابة قبله في الاستحباب، وظهور السياق باختصاص
الضمير المتعلق به الأمر بالمولى، فلا يعم ما عداه، وفي تخصيص المال بالزكاة

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المكاتبة الحديث - 0 -.
(2) سورة النور: 24 - الآية 33.
316

وإن كانت الآية فيه مطلقة، وتخصيص الآية بصورة وجوبها والاستحباب في غيرها
تبرعا.
وفيه أولا عدم معلومية إرادة الشيخ الاجماع على ما ذكره من الحكم، كما
يقضي به التدبر في عبارته المحكية عنه في المختلف، لاحتماله إرادة الاجماع على
أصل الايتاء في الجملة، خصوصا بعد أن لم نقف على خبر أصلا فيما ذكره من
الحكم المزبور.
نعم في صحيح محمد بن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن قول الله عز
وجل: وآتوهم من مال الله (2) قال: الذي أضمرت أن تكاتبه عليه لا تقول أكاتبه
بخمسة آلاف وأترك له ألفا، ولكن انظر إلى الذي أضمرت عليه فأعطه " ونحوه
المرسل (3) عن الصدوق (ره).
وفي خبر العلا بن الفضيل (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال في قول (5) الله
تعالى " وكاتبوهم " إلى آخرها: " تضع عنه من نجومه التي لم تكن تريد أن تنقصه
منها، ولا تزيد فوق ما في نفسك، قلت: كم؟ قال: وضع أبو جعفر عليه السلام عن مملوك
ألفا من ستة آلاف ".
وفي خبر القاسم بن يزيد (6) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " سألته عن قوله
تعالى (7): وآتوهم - إلى آخرها - قال: سمعت أبي يقول: لا يكاتبه على الذي
أراد أن يكاتبه ثم يزيد عليه ثم يضع عنه، لكن يضع عنه مما نوى أن يكاتبه

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
(2) سورة النور: 24 - الآية 33.
(3) أشار إليه في الوسائل في الباب - 9 - من أبواب المكاتبة الحديث 1 وذكره
الصدوق (قده) في المقنع ص 38.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 3 والثاني عن القاسم بن بريد.
(5) سورة النور: 24 - الآية 33.
(6) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المكاتبة الحديث 2 - 3 والثاني عن القاسم بن بريد.
(7) سورة النور: 24 - الآية 33.
317

عليه " وهي صريحة في خلاف الحكم المزبور.
بل هو نفسه احتمل في الآية الوجوب من الزكاة والاستحباب، والخطاب لغير
السيد ممن تجب عليه الزكاة، بل قال في المحكي عن مبسوطه: الايتاء واجب
عندنا، وهو أن يحط السيد عن مكاتبه شيئا من مال الكتابة ويؤتيه شيئا يستعين به
على الأداء، لقوله تعالى (1) " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " وهذا أمر "
وظاهره الاجماع على ما ذكره.
وقال في محكي التبيان: " قال قوم: المعنى آتوهم من سهمهم من الصدقة
ذكره في قوله (2): " وفي الرقاب " ذكره ابن زيد عن أبيه، وهو مذهبنا " وظاهره
الاجماع أيضا على ذلك. ومن ذلك يضعف الظن بكون المراد أن الاجماع على
الحكم المزبور.
ومن الغريب اقتصاره في الرياض على خبر العلا ثم قال: " لكنه ضعيف بابن
سنان في المشهور، ومع ذلك كاد أن يلحق بالشواذ، لعدم مفت بمضمونه بالخصوص،
فإن الأصحاب ما بين مفت بما مر، وحاكم بالوجوب على المولى جاعلا متعلق
الوجوب هو الحط من مال الكتابة مع ايتائه شيئا يستعين به على الأداء، وجبت
على المولى الزكاة أم لا كما عن المبسوط وجماعة، ومخصص للحكم بالمشروط
العاجز عن توفية ثمنه، ومفصل في المطلق بين وجوب الزكاة على المولى، فتجب عليه
الإعانة منها، وعدمه فعلى الإمام أن يفكه من سهم الرقاب، كما عليه الحلي،
وناف للوجوب من أصله حاكم باستحباب الإعانة للسيد بدفعه إلى مكاتبه شيئا
من ماله من سهم الرقاب، كما عن ابن حمزة والقاضي - قال -: وهذه الأقوال كما
ترى ليس فيها ما يوافق مضمون الرواية عدا ما في المبسوط من تفسيره الايتاء بالحط
عن بعض النجوم كما فيها، لكن زاد ويؤتيه شيئا يستعين به على الأداء، فتخالفا

(1) سورة النور: 24 - الآية 33.
(2) سورة التوبة: 9 - الآية 60.
318

من هذه الجهة، فلا يمكن المصير إليها بعد كونها بهذه المثابة، ولم يعمل بمضمونها
أصلا، نعم عن الإسكافي أنه قال بعد ذكر الآية: يحتمل أن يكون ذلك أمرا بأن
يدفع إلى المكاتبين من سهم الرقاب من الصدقات إن عجزوا، ويحتمل أن يكون
ندبا للسيد أن يضع عنه جزء من مكاتبته، واحتماله الأخير موافق للرواية إن
حملت على الاستحباب ".
وفيه ما عرفت من أن مضمون الخبر المزبور قد اشتمل عليه الصحيح وغير
الصحيح، وأما العمل به فكل من قال بالندب كالفاضل في المختلف والشيخ ويحيى بن
سعيد في محكي التبيان والجامع عامل به، بل قد سمعت تفسير المبسوط الايتاء بذلك،
ولا ينافيه زيادة إيتاء شئ له للاستعانة، وبالجملة دعوى كونه من الشواذ كما
ترى، فالمتجه العمل بها على جهة الندب، بل لعله المنساق من الآية ولو لعطفه
على الأمر بالكتابة الذي هو للندب كما عرفت، وإشعار قوله صلى الله عليه وآله وسلم (1) " من أعان
مكاتبا على فك رقبته أظله الله في ظل عرشه " وقيل له صلى الله عليه وآله وسلم (2): " علمني عملا
يدخلني الجنة فقال: أعتق نسمة وفك رقبة، فقيل: أليسا واحدا؟ قال: لا، عتق
النسمة أن ينفرد بعتقها، وفك الرقبة أن يعين في عتقها " إذ لا يخفى على
من رزقه الله معرفة اللسان أن ذلك ونحوه بل والنصوص السابقة بل والآية
يراد به الندب.
ودعوى أن المنساق من مال الله في الآية الزكاة واضحة المنع بعد ما عرفت،
خصوصا بعد الوصف بقوله تعالى: " الذي " إلى آخرها وعلى تقديره فالمراد
بالأمر بها الندب، بل لعل ذلك خاص فيمن علم الخير منهم أي الايمان
لا مطلقا.

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 320 وفيه " من أعان مجاهدا... أو مكاتبا
في رقبة أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ".
(2) المستدرك الباب - 1 - من كتاب العتق الحديث 16 وسنن البيهقي
ج 10 ص 273.
319

كما أن الظاهر عدم اختصاص الايتاء بالحط، وإنما ذكر في النصوص (1)
لأنه أحد الأفراد المتيسرة للمكاتب دائما وإلا فالمراد إيتاؤه من الزكاة الواجبة
أو غيرها بحط أو غيره، بل هو المناسب لاطلاق الأمر بالايتاء الظاهر في تناول
الأفراد أجمع، بخلاف الزكاة المختصة بمن تكون عنده، ولعل هذا مرجح آخر
لعدم إرادة خصوص الزكاة، بل قد يرجحه أيضا أن ما ذكره المصنف مستلزم
للتجوز في الأمر بناءا على إرادة القدر المشترك منه بين الواجب لمن عنده زكاة
والندب لمن لم تكن عنده والتخصيص وغير ذلك.
وبذلك كله وغيره بان لك أن الندب هو الأقوى بل يستحب أن يكون مقدار
السدس ويكره له أن يزيد في مال الكتابة لإرادة الايتاء منه، كل ذلك لما
سمعته من النصوص (2).
وأما دعوى دلالة الآية (3) على الوجوب على الوجه الذي ذكره المصنف
فلا شاهد لها، وكون الأمر له لا يقتضي اختصاصه بالزكاة التي عليه، كما أن
آية (4) كون الرقاب مصرفا للزكاة كذلك أيضا، بل دعوى دلالتها على الوجوب
على المولى إذا كانت عليه زكاة وعلى الندب إذا لم تكن كادت تشبه
العلم بالمغيبات.
ومن ذلك كله يظهر لك ضعف الأقوال المزبورة أجمع، ومنها ما في المسالك
من " أن الأقوى وجوب الايتاء من الزكاة إن وجبت أو الحط عنه من مال الكتابة
أو دفع شئ إليه إن لم تجب " بل هو أضعفها، وكذا ما فيها أيضا تبعا للدروس من
أنه " يجب على المكاتب القبول إن أعطاه من جنس مال الكتابة لا من غيره، عملا

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المكاتبة.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المكاتبة.
(3) سورة النور: 24 - الآية 33.
(4) سورة التوبة: 9 - الآية 60.
320

بظاهر الآية، فقد قيل: إن المراد به مال الكتابة " ضرورة عدم اقتضاء الأمر
بالايتاء وجوب القبول، وعليه لا وجه للتفصيل بين الجنس وغيره كما جزم به
في الإيضاح.
ولا يخفى عليك ما في تعليل دعوى ظهور الآية بأنه قد قيل إلى آخره، وكأنه
تبع في ذلك ما في الدروس " ويجب على العبد القبول إن أتاه من عين مال الكتابة أو
من جنسه لا من غير جنسه "
لكن في القواعد وشرحها " قيل في المبسوط ويجب على المكاتب قبول الايتاء
إن دفع المالك من غير مال الكتابة أو من جنسه، لأنه من المال المأمور بايتائه
ولا يجب الايتاء إذا لم يجب القبول " وفي التحرير " ثم السيد مخير بين أن يحط
عنه بعض مال الكتابة وبين أن يؤتيه من جنس مال الكتابة أو من عين مال الكتابة
الذي نقص منه، وفي هذين يلزم العبد القبول، وإن أتاه من غير جنسه قال الشيخ:
لا يجب على العبد القبول ".
ولا يخفى عليك أن بناء ذلك على التلازم الذي أشار إليه في كشف اللثام،
وفيه منع واضح، نعم لا حاجة إلى القبول في صورة الحط التي هي بمعنى الابراء
الذي قد عرفت في محله عدم حاجته إلى القبول على الأصح وإلا احتيج
إليه.
ولو عتق قبل الايتاء سقط الوجوب، لفوات محله الذي هو المكاتب، وما عن
بعض العامة من أن وقت الايتاء بعد العتق كالمتعة في الطلاق كما ترى مناف لما
سمعته من النصوص (1) ولكون العلة فيه الإعانة على الفك، بل ظاهر الأمر
في الآية (2) إيتاء المكاتب، وإذا عتق لم يكن مكاتبا، ودعوى أنه كالدين -
فيجب وإن أعتق، بل عن الدروس اختياره، بل عن المبسوط ذلك أيضا، لأنه

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المكاتبة.
(2) سورة النور: 24 - الآية 33.
321

قضية كل حق مالي يثبت في الذمة - واضحة المنع، إذ الايتاء أعم من
ذلك.
ومنه يعلم أنه لا وجه لمقاصة المكاتب السيد بذلك، لعدم ثبوت شئ
له في ذمته، نعم للسيد مقاصته بمعنى احتساب ماله في ذمة المكاتب من الزكاة
التي عليه.
ولو دفع إليه من الزكاة وكان مشروطا فعجز ورد إلى الرق لم يجب عليه
إخراجها لغيره إن كانت منه، ولا ردها لدافعها ليخرجها إن كانت من غيره، لطريان
الرقية على الدفع الموجب للملك حال كونه قابلا له، والأصل براءة ذمة الدافع وبقاء
الملك بعد أن كان العود إلى المولى إحداث ملك لا إبطالا لما سلف، ومن ثم بقيت
المعاملة السابقة بحالها.
لكن ضعفه في المسالك بمنع كونه إحداثا بل إعادته في الرق تقتضي نقض جميع
ما سبق، ومن ثم عاد كسبه وأولاده ملكا له، وبقاء المعاملة بسبب الإذن الضمنية
بها في عقد المكاتبة، فإنها تستلزم الإذن في التصرف بالمعاملة ونحوها، ثم قال:
" والوجه وجوب صرفه على المستحقين إن كانت منه، وإلا أعادها على دافعها ليصرفها
بنفسه، نعم لو كان من المندوبة لم تجب الإعادة ".
وفيه ما لا يخفى، ضرورة أن ذلك فسخ من حينه، وعود كسبه وأولاده للسيد
للأدلة لا يقتضي تبين انتقاض جميع ما تقدم وإلا لم يكن فرق بين الواجبة والمندوبة،
كما هو واضح. والله العالم.
322

المسألة (التاسعة:)
(لو كان له مكاتبان فأدى أحدهما واشتبه) فعن المبسوط (صبر عليه
لرجاء التذكر) حتى يموت (فإن مات) أي (المولى استخرج بالقرعة)
وفي الدروس أرجئ ليتذكر، فإن زال الرجاء أقرع، وعن الخلاف إطلاق القرعة،
لأنها لكل أمر مشكل، ويمكن إرادته زوال الرجاء واستقرار الاشتباه والاشكال
في مقابل الصبر إلى الموت المستلزم للضرر على المؤدى منهما.
ولو اعترف أحدهما بعدم الأداء واختصت دعواه بالآخر ففي إلزام المولى
بذلك إشكال، أقواه العدم.
(ولو ادعيا على المولى العلم كان القول قوله مع يمينه) لأنه شئ لا يعلم
إلا من قبله، وإن بين أحدهما وادعى التذكر قبل قوله بغير يمين إن صدقه الآخر
أو سكت، وإن كذبه وقال: استوفيت مني فله تحليفه أيضا، ويحلف هنا على البت،
لدعواه التذكر، فإن حلف بقيت كتابته إلى أن يؤدى، وإن نكل المولى حلف
المكذب، وعتق أيضا مع الأول أحدهما باقراره والآخر بيمينه، كما أنهما يعتقان
باليمين من كل منهما لو نكل عن يمين نفي العلم قبل دعوى التذكر، والعلم بكذب
أحدهما في نفس الأمر لا ينافي الحكم في الظاهر، ولو مات المولى قبل التذكر تعينت
القرعة لليأس منه.
ولكن لو ادعى أحدهما أو هما على الوارث العلم حلف على نفيه كالمورث،
وليس له أن يستوفى منهما، لأن أحدهما برئ، فأخذ المالين ظلم، ولا من
أحدهما قبل القرعة، لعدم تعينه شرعا وكذا القول في المورث بناءا على شرعية
القرعة في حياته.
ولو بذلا مالا بقدر المتخلف أو الأكثر على تقدير الاختلاف فالوجه انعتاقهما
بذلك، كما لو دفع المتبرع.
323

ولو أقام أحدهما بينة بالأداء قبلت، سواء كان في حياة المولى أو بعد موته،
وسواء كان قبل القرعة أو بعدها، بل الظاهر فساد القرعة، لأن البينة أقوى،
وربما احتمل عتقهما معا لكونهما حجتين شرعيتين، وفي كشف اللثام أنه من
الضعف بمكانة، للقطع بأن المؤدي منهما واحد، والقرعة لا تستقل بالاعتاق، هذا،
وظاهر قول المصنف: (ثم يقرع بينهما لاستخراج المكاتب) بقرينة ما سبق كون
ذلك إذا مات المولى بعد أن حلف على نفي العلم لكل منهما، فلا منافاة كما ظنه
في المسالك، والأمر سهل، والله العالم.
المسألة (العاشرة:)
المشهور نقلا وتحصيلا أنه (يجوز بيع مال الكتابة) المطلقة والمشروطة
بعد الحلول وقبله وغيره من سائر وجوه النقل، كغيره من الديون التي قد عرفت
الحال في نقلها بالبيع وغيره، وأن النهي (1) عن بيع ما لم يقبض محمول على
ضرب من الكراهة.
فما عن مبسوط الشيخ وابن البراج - من عدم جواز بيع المال الذي في ذمة
المكاتب للنهي المزبور - واضح الضعف، وكذا ما عن ابن الجنيد: من التصريح
بعدم جواز بيعه في المطلقة والمشروطة، لأنه نظير بيع حبل الحبلى ولقاح الفحل،
إذ فيه منع واضح، ضرورة كون ما في ذمة العبد مالا معلوما مملوكا للسيد كغيره
من الديون، وكأنه لحظ عدم استقراره لاحتمال العجز المسلط للمولى على رده رقا
مطلقا أو في المشروطة.
ولعله الذي لاحظ الشيخ في المحكي من خلافه الجواب عنه، قال: " يجوز
بيع المال الذي على المكاتب، فإن أدى المكاتب مال الكتابة انعتق على سيده،

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.
324

وإن عجز رجع بها على سيده، وكان للمشتري الدرك بما اشتراه، وقال أبو حنيفة:
لا يجوز بيع ذلك - واستدل بأصالة الجواز، والمنع يحتاج إلى دليل وقوله
تعالى: (1) " وأحل الله البيع " يدل على ذلك - فإن قيل: نهى النبي صلى الله عليه وآله عن
بيع ما لم يقبض (2) قلنا: نحمله على ما إذا لم يكن مضمونا، وأما إذا ضمنه
فلا بأس " وهو محتمل لبطلان البيع كقول المصنف: (فإن أدى المكاتب مال
الكتابة انعتق، وإن كان مشروطا فعجز وفسخ المولى رجع رقا لمولاه).
وفي المسالك " فإذا صح البيع لزم المكاتب دفع المال إلى المشتري، فإذا
أداه إليه عتق، كما لو أداه إلى المولى، ولو لم يدفعه أجمع وكان مشروطا فعجز
وفسخ المولى رجع رقا لمولاه وهل يبطل البيع؟ يحتمله، لأن الفسخ يوجب رفع
أثر الكتابة، ومن ثم رجع ولده رقا وتبعه كسبه، والعدم لمصادقة الملك حال
البيع، فلا يضره الفسخ الطارئ " قلت: فيكون العبد حينئذ رقا للسيد ولكنه
مديون للمشتري.
وفيه أن مقتضى الفسخ رد العوضين على حالهما السابق، وحينئذ لم يبق في
ذمة العبد شئ بعد أن دعا إلى الرقية.
نعم قل يقال: بانعتاق المكاتب ببيع ما عليه، لوصول مال الكتابة لسيد أو
كوصوله، بل هو أقوى من ضمانه له، فيبقى حرا مشغول الذمة بمال الكتابة
للمشتري، فلا فسخ حينئذ للسيد بالعجز عن المال الذي انتقل عنه للمشتري وإن
كان له الفسخ حيث كان المال له ويعجز عنه المكاتب، ولا للمشتري الذي لم يقع
معه عقد الكتابة، وحينئذ فلا يطالب المشتري البائع بدرك مال الكتابة كما سمعته
من الشيخ، ولا يبقى المكاتب مشغول الذمة وإن رجع عبدا لسيده، كما هو أحد
احتمالي المسالك، فتأمل جيدا فإني لم أجد ذلك محررا في كلامهم.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 275.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام العقود الحديث 21.
325

وقاعدة " تلف كل مبيع قبل قبضه من مال بائعه " - لو سلم جريانها في المقام
باعتبار تنزيل إعسار العبد بما عليه بمنزلة تلف المبيع مع عدم جريانها في غير البيع
من النواقل - إنما تقتضي الانفساخ من حينه لا من الأصل، والفرض صيرورة العبد
حرا يدفع عوض ما عليه للسيد، فإذا فرض الانفساخ عاد عوض المشتري إليه، وعاد
ما في ذمة المكاتب للسيد، إلا أن المفروض تحرره، فيكون نحو ما سمعته في
(من خ ل) الإقالة في الضمان لا أنه يعود رقا للسيد.
اللهم إلا أن يقال: فرق واضح بينه وبين الضمان الذي هو انتقال ما في ذمة
المضمون عنه إلى ذمة الضامن وإن ثبت مثله في ذمة المضمون عنه للضامن إذا كان
بإذنه بخلاف البيع، فإنه لم يخرج به المال عن كونه مال الكتابة وإن باعه السيد،
فيصدق مع فرض إعسار العبد عجزه عنه، فيتحقق عنوان الخيار للسيد وإن لم يكن
المال له، فإذا اختار الفسخ ورجع العبد رقا ذهب مال المشتري، فيطالب السيد به
أو لم يذهب بل يبقى العبد مشغول الذمة به كما سمعته من الوجهين.
لكنه كما ترى لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن الأصل
اللزوم في العقد، والثابت من الخيار في المشروطة مع العجز عن أداء مال الكتابة للسيد
لا مطلقا وإن ملكه غيره، فالمتجه حينئذ عدم الفسخ، نعم في انعتاق العبد كما
ذكرناه أو يبقى إلى أن يؤدي وجهان، فتأمل.
وكيف كان فعلى القول ببطلان بيع مال الكتابة أو فرض فساد البيع من
وجه آخر لا يجوز للمكاتب تسليم النجوم للمشتري، وليس له مطالبته بها، لعدم
استحقاقه لها، بل هي باقية على ملك السيد، بل لا يحصل عتقه إلا بدفعها إليه
كما عن الشيخ والأكثر.
وقيل: يحصل أيضا بتسليمها إلى المشتري وإن لم يكن مستحقا لها، لأن
السيد سلطه على القبض، فهو كما لو وكل وكيلا في القبض.
وفيه ما عرفته غير مرة من عدم اقتضاء البيع الفاسد ذلك، ولذا يكون مضمونا
عليه لو تلف في يده، بل لعل الأقوى ذلك، حتى لو قال للمشتري بعد البيع:
326

خذها من المكاتب، أو قال للمكاتب: ادفعها إليه بعنوان المعاوضة المفروض
فسادها، فإنه ليس استنابة مستقلة عن إذن المعاوضة، وحينئذ فللسيد أن يطالب
المكاتب بماله في ذمته، والمكاتب يسترد ما دفع إلى المشتري، فإن سلمه المشتري
إلى البائع كان للعبد الاحتساب به جديدا من مال الكتابة، بل ربما احتمل تعينه
لها نظرا إلى تعيين المكاتب بالدفع إلى المشتري، وفيه أن تعيينه مبني على
المعاوضة المفروض فسادها، فالتحقيق بقاؤه على حكم مال العبد الذي لم يدفعه لها،
والله العالم.
(و) لا خلاف كما لا إشكال في أنه (يجوز بيع) المكاتب (المشروط
بعد عجزه مع الفسخ) لصيرورته رقا حينئذ فتوى ونصا (1) بل بيعه بعد تحقق
عجزه فسخ كما في نظائره.
نعم قد أطلق المصنف (و) غيره أنه (لا يجوز بيع المطلق) أي بعد عجزه،
ولعله لعدم جواز الفسخ من المولى معه، لأصالة اللزوم وغيرها، وهو مؤيد لما ذكرناه
سابقا، لكن قيده الكركي بما إذا لم يتحقق العجز ويستقر الرق في الكل أو البعض،
وفي المسالك " يجب تقييده بما إذا لم يبلغ حدا يجوز للمولى فسخ كتابته، فلو
عجز عن الأداء بعد حلول المال ولم يمكن الوفاء عنه من سهم الرقاب جاز بيعه،
كما يجوز فسخها حينئذ، وقد تقدم " ونحوهما في ذلك الشهيد في الدروس، لكن
لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما قدمناه.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المكاتبة.
327

المسألة (الحادية عشرة:)
(إذا زوج) السيد (ابنته من مكاتبه) المشروط أو المطلق المؤدي بعض
ما عليه أو غير المؤدي (ثم مات) السيد (فملكته) كلا أو بعضا
بالإرث منه لعدم خروجه بالكتابة مطلقا عن أصل الرقية (انفسخ النكاح
بينهما) كما عن الشيخ والأكثر، لما عرفته في محله من عدم اجتماع النكاح
والملك.
خلافا للمحكي عن ابن الجنيد، فقال: " لو مات السيد وابنته تحت المكاتب
الذي شرط عليه الرقية عند عجزه منع من الوطء، وإن أدى كانا على النكاح، لأنها
لم ترث من رقبته شيئا، وإن عجز بطل النكاح، فإن كان ممن يعتق بما أدى بطل
النكاح إذا حصل له أداء بعض الكتابة " وهو واضح الضعف. نعم لو لم تكن البنت
وارثة بأن تكون قاتلة مثلا فالنكاح بحاله، والله العالم.
المسألة (الثانية عشرة:)
(إذا اختلف السيد والمكاتب في) قدر (مال الكتابة) فقال السيد:
ألفان مثلا، وقال المكاتب: ألف (أو في) قدر (المدة) فقال السيد: سنة،
وقال المكاتب: سنتان (أو في النجوم) بأن قال السيد مثلا: جعلنا السنة التي
هي الأجل المتفق عليه ثلاثة نجوم كل نجم أربعة أشهر، بحيث يحل في كل نجم
ثلث المال، فقال المكاتب: بل جعلناها نجمين بحيث يحل في كل نصف سنة نصف
المال (ف‍) في محكي الخلاف (القول قول السيد مع يمينه) أما في المدة
فلأن الأصل عدم الزائد عما يعترف به، كما في غيرها من سائر المعاوضات، وأما
في قدر المال فلأن الأصل في المكاتب وكسبه لسيده، ولأن المكاتب يدعي العتق
328

بما يدعيه من المقدار والمولى ينكره، والأصل بقاء الرق.
وفي الإيضاح والمسالك " وبهذا يحصل الفرق بين الكتابة والبيع في الاختلاف
في مقدار الثمن، فإن الكتابة ليست معاوضة حقيقية، لأنها معاملة على مال المولى
بماله، والأصل أن لا يخرج ذلك عن ملكه إلا برضاه، لأنها أشبه بالتبرع من
شبهها بعقود المعاوضات، بل زاد في الأول إنما قدمنا قول المنكر في سائر المواضع
لأن الأصل معه، وهاهنا مع السيد، ولأن العبد هو المدعي للعتق والمولى ينكره،
والأصل بقاء الرق ".
قلت: بل لو قلنا بأن الكتابة بيع أو كالبيع فالقول قول السيد أيضا، لما
عرفته في محله من أن القول قول البايع في المقدار إذا كانت العين قائمة، والفرض
قيامها في المقام.
ولكن مع ذلك كله قال المصنف: (ولو قيل: القول قول منكر زيادة
المال والمدة كان حسنا) بل في المسالك بعد أن جعله الأقوى نسبه إلى الأكثر،
وفي حاشية الكركي " نعم، فيكون القول قول العبد في المال، والسيد في المدة
والنجوم، وكان الوجه فيما استحسنه المصنف أصالة عدم الزيادة، ولأن المولى
باعترافه بأصل الكتابة واستحقاقه العتق خرج عن أصالة بقاء ملكه على المكاتب
وعلى ماله، ثم هو يدعي زيادة في ذمة المكاتب وهو منكرها فيكون قوله مقدما
في ذلك ".
لكن لا يخفى عليك عدم جريان الأصل المزبور في الاختلاف في قدر النجوم
على الوجه الذي ذكرناه، ويمكن أن لا يريده المصنف اللهم إلا أن يكون قد
فرضه الكركي فيما إذا كان الاختلاف في النجوم موجبا للاختلاف في أصل المدة،
كما لو اتفقا على أن الأجل نجمان ولكن ادعى المولى أن كل نجم شهر، وادعى
المكاتب أن كل نجم شهران، أو اتفقا على أن النجم شهر، ولكن اختلفا في قدر
النجوم، فقال المولى، إنهما نجمان وادعى المكاتب أنها ثلاثة، ولا ريب في أن
329

القول قول المولى في ذلك كله، لرجوعه للاختلاف في المدة.
بل قد يدعى أن القول قوله أيضا في التقسيط على الوجه الذي ذكرناه أولا،
ولكن مع دعوى المكاتب الأربعة في السنة والسيد الاثنين فيها، لأصالة عدم
الزيادة في التقسيط وإن كان لا يخلو من نظر أيضا إلا أن منه ينقدح تقديم قول
المكاتب لو اختلفا في المدة وكان هو يدعي الأقل والسيد يدعي الأكثر، لغرض
الامتناع عن القبض والتعرض لعجز المكاتب أو موته أو غير ذلك من الأغراض، هذا
وقد تقدم في كتاب البيع وغيره ما له مدخلية في المقام.
بل منه يعلم الوجه في المحكي عن الجامع هنا من أنهما يتحالفان إذا اختلفا
في المال أو المدة كما عن الشافعي، بل ويعلم قوة القول بأن القول قول منكر
الزيادة مع فرض كون الدعوى فيها وعدمه، والبيع إنما خرج بدليله إذا كانت
العين قائمة، ولا دليل على إلحاق الكتابة به في ذلك.
بل ويعلم منه أيضا أنه إذا كان الاختلاف بينهما في الجنس فالتحالف، أما
إذا كان في الأداء وعدمه فالقول قول السيد بلا إشكال، والله العالم.
330

المسألة (الثالثة عشرة:)
(إذا دفع مال الكتابة وحكم بحريته فبان العوض) مستحقا للغير أو
(معيبا) بغير الجنس بقي على حكم من لم يؤد، وتبين فساد الحكم
الأول.
وإن كان العيب جنسيا (فإن رضي المولى فلا كلام) لكون المدفوع أحد
أفراد الكلي وإن كان للسيد حق الرد والجبر بالأرش، فمع فرض إسقاطه بالرضا
لم يكن بحث.
وما في المسالك - من أنه يجعل رضاه بالمعيب كالابراء عن بعض الحق ثم
قال: " وهل يحصل العتق عند الرضا أو حصل من وقت القبض فيه وجهان،
أجودهما الثاني - لا يخلو من نظر، خصوصا بعد أن توقف فيها في أن الرد نقض
لتبين عدم الملك في أول الأمر أو فسخ من حينه من غير ترجيح، ولا ريب في أن
التحقيق تحقق الملك بالقبض وأنه ليس للسيد إلا حق الخيار في الرد والجبر
بالأرش كما مر تحقيق ذلك، وحينئذ فإذا رضي بالمعيب وأسقط حقه من الخيار
المزبور فلا إشكال، وكان حرا من أول القبض لا حين الرضا وإن توقف فيه الفاضل
في القواعد من دون ترجيح. هذا كله إذا رضي به.
(وإن رده بطل العتق المحكوم به) عند الشيخ والمصنف وجماعة إما
(لأنه مشروط بالعوض) فيتبعه في الاستقرار والتزلزل كما هو حكم المعاوضة،
وإما لتبين أنه لم يملكه بالقبض، كما هو أحد الوجهين في المسالك في كل جزئي
دفع عن كلي في صرف أو سلم أو غيرهما وإن كان لا يخفى عليك ما فيه كما تقدم
الكلام فيه مفصلا في الصرف والسلم، ولذا اقتصر المصنف على تعليله
الأول.
وأشكله الكركي في حاشيته بأن العتق إتلاف واستهلاك، فإذا حكم بوقوعه
331

لم يبطل، مع أنه مبني على التغليب قال وقول المصنف: " لأنه مشروط بالعوض "
يقتضي عدم حصوله، وليس كذلك، ومن ثمة لو رضي بهذه استمر العتق بحاله
وإن مضى على ذلك مدة طويلة قبل العلم والرضا ولم يكن محجورا عليه في شئ من
تصرفاته السابقة، إلا أن يدعى عدم زوال الحجر عن المكاتب بمجرد الدفع إلى أن
يتحقق سلامة العوض، وهو خلاف ما يظهر من كلامهم، والمسألة محل نظر،
وبطلان العتق لا يخلو من شئ. وقد تبع في ذلك الفاضل في القواعد حيث حكم في
موضع منها ببطلان العتق على إشكال.
وفي الإيضاح " منشأ الاشكال أن يقال: العتق إتلاف واستهلاك فإذا حكم
بوقوعه لم يبطل كالخلع، وأن يقال: العتق إنما يستقر باستقرار الأداء، وقد
ارتفع الأداء، فيرتفع العتق، - قال -: وهذان الوجهان كتبهما المصنف حاشية
بخطه على الأصل ".
قلت: لا يخفى عليك ما في الأول، فإن العتق إتلاف واستهلاك إذا وقع
مستقلا، كما لو أعتق العبد الذي فيه الخيار للبائع على ما حررناه في محله لا ما
إذا كان العتق من أصل وقوعه قد وقع متزلزلا وليس هو تصرفا مستقلا، وقاعدة
أن الحر لا يعود رقا إنما هي في الأول، وكذا دعوى بنائه على التغليب، فالتحقيق
حينئذ ما ذكره المصنف، اللهم إلا أن يدعى أن هذه المعاوضة ليست معاوضة
حقيقية كي يجري عليها حكم المعاوضة، لكنه كما ترى.
ومما ذكرنا يظهر لك النظر فيما أطنب فيه في المسالك من بناء المسألة تبعا
للفخر في إيضاحه على أن الرد بالعيب فسخ متجدد للقبض أو دفع للقبض من أصله،
فعلى الأول لا يبطل العتق وعلى الثاني يبطل، لأن الرد يكون كاشفا عن بطلان
الأداء، إذ لا يخفى عليك ما فيه، فإن التحقيق كونه فسخا من حينه ومقتضيا
لبطلان العتق، ودعوى الاجماع على عدم وقوع العتق متزلزلا ممنوعة على مدعيها
كما عرفته في كتاب العتق.
332

وأغرب من ذلك ما في المسالك أيضا من أنه " لو طلب الأرش مع الرضا
بالعيب فله ذلك، وتبين حينئذ أنه لم يقبض كمال النجوم، فإذا أداه حصل كمال
العتق حينئذ، وإن عجز عنه وكانت مشروطة فللسيد استرقاقه كما لو عجز عن
بعض النجوم " إذ هو كما ترى، فإن التحقيق كون الأرش جبرا لتفاوت النقض
بالعيب، لا أن بعض العوض باق، وإلا لم يحصل الحرية بالرضا بالمعيب من حين
القبض كما اختاره هو، إذ لو كان ذلك إبراءا لحصل بحصوله لا قبله، كما هو
واضح.
(ولو تجدد في العوض عيب لم يمنع من الرد بالعيب الأول مع أرش
الحادث) لاستصحاب الرد، ولأنها ليس معاوضة حقيقة، فليس لها حكم
المعاوضات اللازمة. (و) لكن مع ذلك (قال الشيخ: يمنع، وهو بعيد)
عند المصنف لما عرفت، إلا أن الانصاف قربه، بل عن الفاضل في التحرير اختياره،
وفي حاشية الكركي هو قوي، وذلك لأن أصل إثبات الرد فيها للالحاق بالمعاوضات،
وإلا فلا دليل بالخصوص، والضرر يرتفع بالأرش، وحينئذ فمقتضاه ثبوته فيها على
حسبها، بل قد يقال إن الرد لا يتحقق مع العيب، ضرورة كون المراد رده بحاله
الذي قد وصل إليه، والفرض أعيبه، ولعل هذا هو الأصل في منع العيب الرد،
مؤيدا بقاعدة " لا ضرر ولا ضرار " وهو مشترك بين الجميع.
ومما ذكرنا يعلم أولوية استقرار الأرش بالتلف من العيب، وفي القواعد ولو
اطلع على العيب بعد التلف كان له رد العتق إلا أن يسلم الأرش، فإن عجز كان
له الاسترقاق كالعجز عن بعض النجوم، وهو نحو ما سمعته من المسالك الذي قد
عرفت النظر فيه، والله العالم.
333

المسألة (الرابعة عشرة:)
(إذا اجتمع على المكاتب ديون) معاملة مثلا (مع مال الكتابة)
لمولاه أو لغيره أو لهما (فإن كان ما في يده يقوم بالجميع فلا بحث) سواء كان
مشروطا أو مطلقا، (وإن عجز) وكان الدين للمولى والمكاتب مشروط فإن
تراضيا على تقديم أحدهما فلا بحث أيضا وإلا ففي القواعد وشرحها والمسالك
كان للسيد أخذ ما في يده عن دين المعاملة أو أرش الجناية ثم يعجزه ويرجعه
رقا إن شاء، وإن اختار المكاتب دفع مال الكتابة فللسيد منعه، لاحتمال عدم تمكنه
بعد من وفاء دينه، ولا يجد مرجعا له بعد عتقه.
وهل له تعجيزه قبل أخذ ما في يده؟ وجهان: أحدهما لا، لأنه قادر على
أداء النجوم ما دام المال في يده، وثانيهما له، وفي الإيضاح والمسالك أوجههما
نعم، لأنه يتمكن من مطالبته بالدينين معا وأخذ ما في يده عنهما، وحينئذ فيعجز
عن قسط من النجوم.
وفيه أنه لا حاجة للمطالبة بهما، لما عرفت أن الاختيار للسيد في أخذ
أيهما شاء لا للمكاتب، نعم قد يناقش فيه بأن ذلك كله لا يحقق العجز فعلا وإنما
أقصاه القدرة، بل وفي الأول إن لم يكن إجماعا بأن الاختيار في تعيين جهة الدين
للمديون لا الديان، ولذا لو دفع المكاتب ما في يده ولم يتعرضا لذكر الجهة ثم
قال: قصدت النجوم وأنكر السيد كان القول قول المكاتب، لأنه أعرف بقصده،
كالمديون بدينين وأحدهما عليه رهن.
ودعوى ترجيح دين المعاملة باستقراره بخلاف دين المكاتبة لا حاصل لها
على وجه ترجع إلى دليل شرعي، وتمكينه من مطالبته بهما لا يوجب على المديون
دفعه إليهما معا كي يحصل العجز عن قسط من النجوم، بل هو على اختياره،
لأنه المكلف بالأداء والمخاطب به، فالنية نيته والامتثال امتثاله، وحينئذ فالمشروط
334

بالنسبة إلى التخيير المزبور كالمطلق الذي اعترف في القواعد بتخييره في الفرض،
بل ظاهره عدم الفرق بين المؤدى بعضا وغيره وإن قيده في كشف اللثام بالأول
لكنه لا أثر له.
وربما يؤيد ما قلناه ما في الإيضاح والمسالك بل وغيرهما فيما لو كانت الديون
عليه لغير المولى، كما لو كان عليه دين معاملة لأجنبي وأرش جناية لآخر ومال
الكتابة، ولم يف ما في يده بها، فإن لم يحجر عليه فله تقديم من شاء منهم كالحر
المعسر، إذ ليس ذلك إلا لقاعدة التخيير للمديون المشتركة بين المقامين.
وإن حجر عليه (وكان مطلقا تحاص فيه الديان والمولى) على قدر
ديونهم من دون تقديم أحدهما على الآخر، لتساويهما أجمع حينئذ في التعليق بما
في يده.
ويحتمل بل في المسالك هو الأجود أنه يقدم دين المعاملة، لأنه يتعلق
بما في يده خاصة، بخلاف أرش الجناية الذي له متعلق آخر، وهو الرقبة، وحق
السيد الذي بالعجز يعود فيه المكاتب إلى الرقية، ثم يقدم أرش الجناية على مال
الكتابة، لأن الأرش مستقر بخلافه، فإنه عرضة للسقوط بالعجز، ولأن حق
المجني عليه يقدم على حق المالك في القن ففي عوضه بطريق أولى.
لكن - هو مع ابتنائه على عود المطلق رقا بالعجز وقد عرفت ما فيه - يدفعه
أنها مجرد اعتبارات لا ترجع إلى دليل شرعي بعد كون الجميع ديونا في ذمته،
فتندرج فيما دل على تعلقها بما في يد المحجر عليه، كما هو واضح.
(وإن كان) المكاتب (مشروطا) ففي المتن وغيره (قدم الدين)
على مال الكتابة (لأن في تقديمه حفظا للحقين) وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة
بما ذكرناه سابقا ولاحقا، وكذا ما قالوه من تقديم حق أرش الجناية عليه وأن
في تقديم الدين عليه ومساواته له وجهين كما في الإيضاح، إذ الجميع كما ترى
مبنية على اعتبارات لا تصلح معارضة لاطلاق الأدلة.
335

وأضعف من ذلك ما قيل من أنه لو كان للمولى معهم دين معاملة احتمل
مساواته لمال الكتابة، لأن ديون السيد ضعيفة باعتبار كونها عرضة للسقوط
بالعجز، إذ هو كما ترى لا حاصل له، فإن دين المولى لا بدل له كديون الغرماء
مع عوده رقا، إذ رقيته بدل مال الكتابة لا غيرها من الديون، كما هو واضح.
(ولو مات) قبل أن يقسم ما في يده (وكان مشروطا بطلت الكتابة)
كما عرفته سابقا وسقطت النجوم (ودفع ما في يده في الديون خاصة) بل عن
المبسوط واختاره في الإيضاح سقوط أرش الجناية، لتعلقه بالرقبة وقد فاتت،
وتعلقه بما في يده بحكم الكتابة التي قد فرض بطلانها فيتبعها بطلان ذلك التعلق
وإن كان هو لا يخلو من نظر، لمنع تعلق أرش الجناية برقبته من أول الأمر
كالقن، لأن له ذمة قابلة لتعلق الدين بها بخلاف القن، ومن هنا تحاص مع
الديون.
فالتحقيق بناء المسألة على أن أرش جناية المكاتب الموجبة مالا تتعلق أولا
برقبته، وله فداؤها بالمال، أو أنها تتعلق أولا بذمته، فإن لم يكن له مال كان
للمجني عليه استيفاؤها من رقبته، ظاهر كلامهم في المقام الأول، ويأتي بعض
الكلام فيه إن شاء الله تعالى، وعليه فمع فرض المسألة في المحجور عليه ولكن مات
قبل قسمة ماله يتجه حينئذ مساواة الأرش للدين، لتعلقه بالتركة قبل الموت،
فيستصحب، ولأنه أقوى من دين المعاملة، ولذا تتعلق برقبة القن دونه، وزوال
الكتابة ينقله إلى الرقية مع الامكان، بل لا وجه لتقديم الدين عليه هنا وإن
احتمل ذلك حال الحياة باعتبار كون الرقبة محلا آخر له، إلا أن الفرض فواتها،
ومن ذلك يعلم أنه لا فرق في الحكم المزبور بين المحجور عليه وغيره.
(و) كيف كان ف‍ (لو قصر) ما في يده عن الديون (قسم بين الديان
بالحصص) على نحو غيره من قاصري التركة (ولا يضمنه المولى) بلا خلاف
أجده، للأصل و (لأن الدين تعلق بذلك المال فقط) وما في بعض النصوص
336

السابقة من ضمان المولى عنه لأنه عبد مطرح أو محمول على ضرب من الندب أو
على غير محل الفرض، والله العالم.
المسألة (الخامسة عشرة:)
لا خلاف ولا إشكال في أنه (يجوز أن يكاتب بعض عبده إذا كان الباقي
حرا) بل في الإيضاح اتفاق الفرق عليه، لاطلاق الأدلة وعمومها وإفادتها العبد
الاستقلال بل (أو رقا له،) أيضا (و) إن (منعه الشيخ) في المحكي عن
مبسوطه لتخلف رفع الحجر الذي هو من لوازم الكتابة معه بعدم استقلاله فيما
يحتاج إليه من سفر ونحوه من أنواع السعي، ولزوم مشاركته له فيما يدفع إليه من
سهم الرقاب من الزكاة لأنه كسبه.
وأجيب باندفاع ذلك بالمهاياة، وبالتزام عدم المشاركة في المدفوع من سهم
المكاتبة، لعدم قابلية جزء الرق للملك، والأولى الجواب عن الأول باقتضاء كتابته
إياه الإذن في ذلك، وعلى كل حال فالمنع ضعيف.
(ولو كان الباقي رقا لغيره فأذن صح) لوجود المقتضي من إطلاق الأدلة
وعمومها وارتفاع المانع الذي هو الحجر عليه المانع له من السعي.
(وإن لم يأذن بطلت الكتابة لأنها تتضمن ضرر الشريك) بتبعض العبد،
(ولأن الكتابة ثمرتها الاكتساب ومع الشركة لا يتمكن من التصرف) وأجيب
عن الأول بمنع اقتضاء الضرر المزبور الناشي من التصرف بماله المسلط عليه عدم
جوازها المستفاد من إطلاق الأدلة وعمومها، وعن الثاني باندفاعه بالمهاياة.
وفيه أنه لا دليل على لزوم إجابته إليها كما لا دليل على لزومها بعد
الإجابة إليها، فلا يحرز التمكن من الاكتساب الذي يتوقف جواز الكتابة عليه،
بل منه ينقدح الاشكال في جوازها مع الإذن، لعدم التزامه بالاستمرار عليها، ولعله
لذا قيل بعدم الجواز مطلقا.
337

لكن يمكن منع اعتبار إحراز التمكن المزبور في صحة الكتابة، لاطلاق
الأدلة وعمومها، وخصوص موثق سماعة (1) عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا
المشتمل على النهي عن الامتناع عن مكاتبة من ليس له كثير مال ولا قليله، وعلى
التعليل بأن المؤمن معان، ومن هنا جزم الفاضل وغيره بالصحة مطلقا وإن كره
الشريك، ولعله الأقوى، والله العالم. هذا كله في أركان المكاتبة وأحكامها.
(وأما) الكلام في (اللواحق فيشتمل على مقاصد).
(الأول:)
(في لواحق تصرفاته، وقد بينا) في المسألة الثانية من مسائل الأحكام
تمام البحث في (أنه لا يجوز) للمكاتب (أن يتصرف) بما في يده من المال
وإن كان مملوكا له (بما ينافي الاكتساب من هبة أو محاباة أو إقراض أو
إعتاق) أو فيه خطر (إلا بإذن مولاه) فيجوز، لأن الحق لهما (و) حينئذ
ف‍ (كما يصح أن يهب من الأجنبي) مثلا (بإذن المولى فكذا هبته لمولاه)
بلا خلاف ولا إشكال، (ونريد أن نلحق هنا مسائل:)
(الأولى:)
لا إشكال في أن (المراد من الكتابة تحصيل العتق) بالعوض (وإنما
يتم باطلاق التصرف في وجوه الاكتساب)، وحينئذ فاطلاقها يقتضي ذلك (فيصح
أن يبيع من مولاه ومن غيره وأن يشتري منه ومن غيره) كما يصح له غيرهما
من وجوه التكسب، إذ المولى كالأجنبي في ذلك بلا خلاف أجده.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
338

(و) لكن ذكر غير واحد أنه (يتوخى ما فيه الغبطة في معاوضاته)
بل ظاهرهم المفروغية منه (فيبيع بالحال لا بالمؤجل إلا أن يسمح المشتري
بزيادة عن الثمن فيعجل مقدار الثمن ويؤخر الزيادة) و (أما هو فإذا ابتاع
بالدين جاز، وكذا إن استسلف، وليس له أن يرهنه، لأنه لاحظ له، وربما
تلف منه، وكذا ليس له أن يدفع قراضا) إلى غير ذلك مما ذكروه من الأمثلة
التي لا طائل في التعرض لها، ولكن جعلوا الضابط في الجائز له التصرف الاكتسابي
المشتمل على المصلحة وأن لا يكون فيه خطر كما سمعته في المسألة الثالثة من
فصل الأحكام.
بل في المسالك هنا " فرقوا بين المكاتب وبين الولي حيث يبيع مال الطفل
نسيئة ويرتهنه للحاجة أو المصلحة الظاهرة، فإن المراعي هناك مصلحة الطفل،
والولي منصوب لينظر له، وهاهنا المطلوب العتق، والمراعي مصلحة السيد، والمكاتب
غير منصوب لينظر ".
بل فيها أيضا " أنه متى باع أو اشترى لم يسلم ما في يده حتى يتسلم العوض،
لأن رفع اليد عن المال بلا عوض لا يخلو عن غرر، ولذلك ليس له السلم، لأن
مقتضاه تسليم رأس المال في المجلس وانتظار المسلم فيه ".
بل فيها أيضا " لما كان الواجب عليه تحري ما فيه الغبطة ومظنة الاكتساب
فعليه أن يبيع بالحال لا بالمؤجل، لأن إخراج المال عن اليد بلا عوض في الحال
تبرع ومشتمل على خطر، سواء باع بمثل قيمته أو أكثر، وسواء استوثق بالرهن
أو الكفيل أم لا، لأن الكفيل قد يفلس والرهن قد يتلف، نعم يجوز أن يبيع
ما يساوي مأة بمأة نقدا وبمأة نسيئة، ويجوز أن يشتري نسيئة بثمن النقد، ولا
يرهن به، فإنه قد يتلف، وإن اشتراه بثمن النسيئة ففي جوازه وجهان: من اشتماله
على التبرع، ومن عدم الغبن " إلى غير ذلك مما فيها وفي غيرها كالقواعد وشرحيها
والتحرير ونحوها، وليس فيها كثير اختلاف، ومرجعها إلى كون المكاتب
كعامل القراض بل أشد، لكن إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة في ذلك بعدم
339

الدليل على التعليل المزبور.
وصحيح معاوية (1) عن الصادق عليه السلام المتقدم - الذي فيه " لا يصلح له أن
يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام " مع أن الموجود في سؤاله " المملوك الذي
كاتب على نفسه وماله " المحتمل لكون المراد منه اشتراط عدم التصرف بماله - إنما
يراد منه المنع من التصرفات التبرعية كالهبة والعتق ونحوهما، لا مطلق التصرف
حتى الاكتسابي منه الذي هو من لوازم عقد الكتابة ومقتضيات إطلاقها. ولذا
قال الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (2) السابق في المسألة المزبورة في المكاتب المشروط:
" لا يجوز له عتق ولا هبة، ولكن يبيع ويشتري ".
بل لعل المستفاد منه ومن غيره أن رفع الحجر عن المكاتب في تصرفاته
الاكتسابية شرعي لا مالكي كي يلاحظ إذن السيد فيه وجودا وعدما، كالعامل
الذي هو وكيل عن المالك، بل لا عبرة بنهي المالك للمكاتب عن تصرفه الاكتسابي
فضلا عن اعتبار إذنه بخلاف العامل.
كما أن المستفاد من قوله عليه السلام فيه: " يبيع ويشتري " الإذن له في التكسب
الجاري مجرى تكسب العقلاء في النقد والنسيئة والقراض والإجارة بالنقد وبغيره
والسلم وغيرها، من غير فرق بين ما كان فيه خطر أو لا، وبين أخذ الرهن والكفيل
أو لا، إذ المدار على التكسب المزبور مكانا وزمانا وأحوالا، بل الظاهر جواز
التصرف له بماله بما لا مفسدة فيه للمال ولا حاجة إلى ملاحظة الغبطة، فله بيع الشئ
بثمن مثله وغير ذلك.
وبالجملة ما ذكروه من التقييدات المزبورة التي هي أشد منها في ولي الطفل
لا أعرف له دليلا سوى دعوى كون المكاتب لم يخرج بالكتابة عن الرقية التي
مقتضاها الحجر عليه، وأنه كل على مولاه لا يقدر على شئ، وأقصى ما خرج
عن ذلك بسبب الكتابة ما اشتمل على القيود المزبورة دون غيره الذي يكفي في
مثله الشك فيه.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة الحديث 1 - 3.
340

لكنه كما ترى مناف لاطلاق الإذن بالبيع والشراء الذي هو كناية عن
الاكتساب، ولما هو المعلوم من أن مقتضى عقد الكتابة استقلال العبد بالتصرف في
ماله بغير التبرع المؤدي إلى تلف المال بلا عوض.
ولو تصرف تبرعا ولم يرده السيد ولو لعدم علم به فتحرر بالأداء صح
تصرفه في قول قوي، لما ذكرناه في نظيره من بيع المالك المال المرهون ثم فكه،
ولما سمعته في صحيح معاوية بن وهب (1) المتقدم من صحة نكاحه، وقيل بالعدم،
لاستلزامه تعليق البيع أو نفوذه مع تعلق حق الغير به من دون إذن منه،
والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(إذا كان للمكاتب) مشروطا أو مطلقا (على مولاه مال وحل نجم)
من نجومه كان حكمه كالأجنبي مع الأجنبي بالنسبة إلى التقاص (فإن كان المالان
متساويين جنسا ووصفا تهاترا) قهرا سواء كانا نقدين أو عرضين مثليين، كما في
الدروس والمسالك، لما بيناه في محله من عدم ملك شخص على آخر ما يملكه عليه.
(ولو فضل لأحدهما رجع صاحب الفضل).
(وإن كانا مختلفين) جنسا أو وصفا ولو بالحلول والتأجيل أو اختلاف الأجل
وفي الدروس والمسالك أو كانا قيميين (لم يحصل التقاص إلا برضاهما) للأصل
وقاعدة التخيير للمديون في جهات القضاء وغير ذلك، لكن قد يناقش في خصوص ما
سمعته من الدروس والمسالك بأن ما أشرنا إليه من دليل التهاتر شامل للمثلي
والقيمي، اللهم إلا أن يقال: إن دليل التهاتر القهري الاجماع، والمسلم منه
المثلان دون القيميين، فلو فرض أن لكل واحد على الآخر عبدا مثلا موصوفا
بصفات متحدة لم يتقاصا إلا بالتراضي.

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2.
341

هذا (و) قد عرفت أنه (هكذا حكم كل غريمين) في جميع ما سمعت
(و) لكن (إذا تراضيا كفى ذلك) في براءة ذمة كل منهما عما للآخر عليه
في المشهور (ولو لم يقبض الذي له ثم يعيده عوضا سواء كان المال أثمانا أو
أعراضا) لما تقدم في محله من أن الوفاء معاوضة مستقلة برأسها، ومن أن ما في
الذمة مقبوض لمن هو عليه، فلاحظ وتدبر.
(وفيه قول آخر) للشيخ في المحكي عن مبسوطه (بالتفصيل) وهو
إن كانا نقدين قبض أحدهما ودفعه عن الآخر، وإن كانا عرضين فلا بد من قبضهما،
وإن كان أحدهما نقدا فقبض العرض ثم دفعه عن النقد جاز دون العكس، وفي
الدروس والمسالك وكان الشيخ يجعل المقاصة بيعا فيلحقها أحكامه من بيع الدين
بالدين وشبهه، والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(إذا اشترى أباه) مثلا (بغير إذن مولاه) سابقا أو لاحقا (لم يصح)
إذا لم يكن له مدخلية في التكسب، لعدم ثبوت الإذن له شرعا بمثل هذا التصرف،
فيبقى على أصل الحجر عليه وإن لم ينعتق عليه فما عن بعض - من الجواز لأنه
اشترى مملوكا لا ضرر على المولى في شرائه، ولهذا كان كسبه له، وإن عاد المكاتب
في الرق عاد هو معه كالأجنبي - ضعيف لا لما في المسالك من أن صرف المال في
ثمنه مع عدم جواز بيعه والتكسب به غير سائغ له وإن لم يعتق في الحال، إذ يمكن
منع عدم جوازه له إذا فرض قلة ثمنه مع كونه كسوبا بحيث يستعين به على أداء
مال الكتابة بل لأن المفروض شراؤه على وجه لا مدخلية له في التكسب، ويكفي
في ضرر المولى دفع المال في مقابلة من لا يجوز له التكسب فيه ببيع ونحوه، ولا
كسب له يستعين به على أداء مال الكتابة.
نعم لو قلنا يجوز له التصرف فيه ببيع ونحوه لم يكن إشكال في جواز شرائه،
ضرورة كونه حينئذ كالأجنبي إلا أني لم أجد من صرح بجوازه، بل ظاهر بعض
من تعرض لذلك وصريح آخر كالفاضل في القواعد والإصبهاني في شرحها وغيرهما
342

العدم، بل أرسلوه إرسال المسلمات، وإن كان دليله إن لم يكن إجماعا لا يخلو من
إشكال للأصل وغيره، وكونه يتحرر تبعا لتحرر الولد الذي لم يعلم حصوله
لا يقتضي عدم جواز بيعه، ولعله لذا تردد فيه الكركي في حاشية الكتاب إلا أني
لم أجده لغيره.
نعم في الإيضاح في تقرير دليل القول بجواز الشراء من دون إذن ما يقتضي جواز
بيعه عند معاينة العجز، نحو ما سمعته عن بعضهم في ولد المكاتبة، لكن صريحه في
تقرير القول بعدم جواز شرائه عدم جواز التصرف فيه بنحو ذلك.
ومن الغريب قوله في الحاشية المزبورة: " إني لم أظفر للأصحاب بتصريح
بجواز البيع وعدمه " مع تصريح الفاضل في القواعد التي هي بين يديه بذلك، وقد
حكى هو عن الإيضاح شرحها ما نقلناه عنه قال فيها: " وإذا اشتراه أو قبله في الوصية
ملكه وليس له بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه، ولا ينعتق عليه " وقد صرح أيضا
في التحرير والدروس بعدم جواز التصرف فيه، بل المصنف في المسألة الثانية قد
صرح بعدم جواز التصرف، ويمكن أن يكون دليلهم على ذلك مضافا إلى الاجماع
فحوى ما دل على الانعتاق عليه بالملك (1) القاضي بعدم جواز التصرف فيه بنحو ذلك
وإن منع من الانعتاق مانع من جهة ضعف الملك أو غير ذلك بل وفحوى، نصوص (2)
أولاد المكاتب والمكاتبة الظاهرة في عدم دفع الأولاد عن مال المكاتبة، وغير ذلك،
والله العالم. هذا كله إذا لم يأذن له المولى.
(وإن أذن له صح) ولو لم يكن له مدخلية فيه، لأن الحق لهما
(وكذا) يصح من دون إذن (لو أوصى له به ولم يكن في قبوله ضرر) من
حيث الانفاق عليه (بأن يكون مكتسبا يستغني بكسبه) وإن كان لو مرض أو
عجز أنفق عليه كما في المسالك، لأنه من صلاح ماله لا للمواساة الممنوع منها كما

(1) الوسائل الباب - 7 - من كتاب العتق.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المكاتبة.
343

في أقاربه الأحرار وإن كان قد يناقش بأن ذلك كاف في عدم جواز قبوله المعتبر في
صحة الغبطة عنده، فلا بد من فرض كونه كسوبا يستعين به على مال الكتابة، ولا
يكفي عدم الضرر، بل قد عرفت في كتاب الوصايا جزم المصنف وغيره بعدم صحة
الوصية من غير السيد للمكاتب، بل ادعى بعضهم الاجماع عليه مضافا إلى بعض
النصوص (1) فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (إذا قبله فإن أدى مال الكتابة عتق المكاتب وعتق
الآخر مع عتقه، وإن عجز ففسخ المولى استرقهما) معا مثل غيره من عبيد
المكاتب، وفي كشف اللثام " لانكشاف أنه الذي ملكه لا المكاتب " وهو
كما ترى.
نعم في المتن (وفي استرقاق الأب تردد) قيل مما ذكرناه، ومن تشبثه
بالحرية بجريانه في ملك ولده، وهو كما ترى. ضرورة أنه لا سبيل إلى إبطال القبول
بعد صحته، ولا إلى عتق الأب مع استرقاق الولد، ولعله لذا لم يحك عن غير المصنف
احتمال ذلك، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا جنى عبد المكاتب) غير أبيه بما يوجب الأرش (لم يكن له أن
يفكه بالأرش إلا أن يكون فيه الغبطة له) ولو لقصور الأرش عن قيمته، فيفضل
له ما ينتفع به، أو لأن عينه تشتمل على منفعة تعود على المكاتب في ماليته
بكسب وغيره.
(ولو كان المملوك) الجاني (أب المكاتب) الذي دخل في ملكه بوجه
من الوجوه السالفة قيل: (لم يكن له افتكاكه بالأرش ولو قصر عن قيمته)
أي الأب (لأنه يتعجل باتلاف مال له التصرف فيه، ويستبقي ما لا ينتفع به، لأنه

(1) الوسائل الباب - 79 و 80 - من كتاب الوصايا.
344

لا يتصرف في أبيه، و) لكن (في هذا تردد) مما سمعت ومن امكان فرض الغبطة
له بزيادة كسبه.
ولعل هذا أولى مما في حاشية الكركي والمسالك من أن مرجع التردد فيه
إلى الاشكال في جواز شرائه وعدمه، فإن أجزناه فذاك وإلا فلا، إذ فيه أن
المصنف قد جزم بعدم الجواز سابقا اللهم إلا أن يكون هذا التردد بعده،
والأمر سهل.
وفي الإيضاح جعل أحد وجهي التردد فيه إمكان الاستعانة بثمنه عند معاينة
العجز، وفيه ما ذكرناه سابقا في ولد المكاتبة من أنه لا دليل على خصوص ذلك إلا
بعض الوجوه الاعتبارية، والله العالم.
(المقصد الثاني)
(في جناية المكاتب والجناية عليه، وفيه قسمان:)
(الأول:)
(في مسائل المشروط وهي سبع:)
(الأولى):
(إذا جنى المكاتب على مولاه عمدا فإن كانت نفسا فالقصاص للوارث،
فإن اقتص كان كما لو مات) في بطلان الكتابة وانتقال ما في يده وأولاده
للوارث (وإن كانت طرفا فالقصاص للمولى، فإن اقتص فالكتابة بحالها)
للأصل وغيره، وإن عفى هو أو الوارث على مال صح، وبقيت كتابته كما لو كانت
الجناية توجب مالا، لأن المولى مع المكاتب كالأجنبي بالنسبة إلى ذلك وإن
كان ملكا له، وإنما لا يثبت له على ملكه مال في غير المكاتب الذي هو كالحر في
345

قابلية الملك والملك عليه.
نعم الأقوى وفاقا للفاضل وولده والكركي والشهيدين والإصبهاني وغيرهم
ثبوت الأرش له ما لم يزد عن قيمته، وإلا كان له مقدار القيمة، لقوله عليه السلام (1):
" لا يجني الجاني على أكثر من نفسه " ومساواته للحر إنما هو في ثبوت مال في
ذمته لا في مقدار الأرش، فما عن بعض - من ثبوته في ذمته ولو أضعاف قيمته بل قيل
إنه مقتضى إطلاق المصنف الأرش بل قد يؤيده كلامه في المسألة الثانية -
واضح الضعف.
وعلى كل حال فإن وفي ما في يده بالأرش ومال الكتابة وفي الحقين وعتق،
وكذا إن قصر عنهما معا، ولكن يفي بمال الكتابة ورضي السيد بالأداء عنه
وبقاء الأرش، وإلا فقد سمعت سابقا ما ذكروه من تسلط المولى على أخذ
ما في يده وتعجيزه عن مال الكتابة، فيرجع حينئذ رقا، وعرفت البحث فيه إن لم
يكن إجماعا.
ولو لم يكن في يده مال أصلا عجزه المولى إن شاء وسقط أرشه حينئذ،
لعدم ثبوت مال له في ذمة عبده، مع احتماله ويتبع به بعد العتق إن حصل، لثبوته
في ذمته، وهو قابل لذلك، والأصل بقاؤه، والمسلم من عدم ثبوت المال له في ذمة
عبده إنما هو في الابتداء لا الاستدامة، اللهم إلا أن يكون إجماعا وأولى من ذلك
في الثبوت ما لو أعتقه بعد جنايته أو أبرأه من مال الكتابة ولم يكن في يده شئ، لأصالة
بقائه حال الحرية التي هي أولى بالثبوت من حاله الأول.
فما عساه يقال: بل ربما كان ظاهر بعض اختياره - من سقوط الأرش حينئذ
بل صريح الدروس ذلك لأنه أزال الملك عن الرقبة التي كانت متعلق الأرش
باختياره ولا مال غيرها - واضح الفساد، ضرورة اقتضائه السقوط أيضا لو أدى مال
الكتابة سابقا على دفع الأرش إذا كان ما في يده يفي بهما، واحتمال الفرق - بأن

(1) الوسائل الباب - 33 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 10 من كتاب
القصاص.
346

العتق هنا بسبب من جهته بخلاف ما لو أعتقه مجانا، مع أنه لا يتم في البراء الذي
هو بمنزلة الأداء - لا حاصل له.
وأضعف من ذلك ما احتمله في الدروس وغيرها من سقوط الأرش لو أعتقه وإن
كان عنده مال، لتعلق الأرش بالرقبة أصالة والمال يثبت تبعا والفرض فواتها،
إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، على أن دعوى تعلق الأرش بالرقبة
في الجناية على المولى يمكن منعها لكونها ملكا له قبل الجناية، فلا وجه لتعلق حقه
بملكه، وإنما يثبت له في ذمته إلا على احتمال ستعرفه إن شاء الله فتأمل جيدا،
والله العالم.
وعلى كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ما في قول المصنف وغيره: (وإن كانت
الجناية خطأ فهي تتعلق برقبته، وله أن يفدي نفسه بالأرش لأن ذلك يتعلق
بمصلحته) التي هي كنفقته وعلاج مرضه، إذ قد عرفت أن رقبته ملك للسيد، فلا
وجه لتعلق حقه بها، نعم لما صار له بالكتابة ذمة قابلة لأن يملك عليه بها من غير
فرق بين المولى وغيره تعلق أرش جنايته على المولى بها، كما هو مقتضى إطلاق
ما دل على ديتها الظاهر في أن موردها الذمم كقيم المتلفات، وإنما تعلقت برقبة
العبد في بعض المواضع لعدم ذمة له فعلا يتمكن من الأداء بها مع قوة أمر الجناية
وأنه لا يطل دم امرئ مسلم (1) فشرع الاستيفاء منها عوض الذمة، فتأمل جيدا،
والله العالم.
وكيف كان (ف‍) حكم الخطأ حكم العمد الموجب مالا، وهو ما سمعته
من أنه (إن كان ما بيده) من المال (بقدر الحقين فمع الأداء ينعتق، وإن قصر دفع
أرش الجناية) وفيه البحث السابق. (فإن ظهر عجزه كان لمولاه فسخ الكتابة،
وإن لم يكن له مال أصلا وعجز فإن فسخ المولى سقط الأرش لأنه لا يثبت للمولى

(1) الوسائل الباب - 46 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 والباب - 2 -
من أبواب دعوى القتل الحديث 1 من كتاب القصاص وفيهما " لا يبطل دم امرئ مسلم ".
347

في ذمة المملوك مال) وفيه البحث السابق. (وسقط مال الكتابة بالفسخ).
والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(إذا جنى على أجنبي عمدا فإن) كانت طرفا واقتص منه أو (عفى)
على مال أولا عليه (فالكتابة بحالها وإن كانت الجناية نفسا واقتص الوارث كان
كما لو مات) في بطلان الكتابة على نحو ما سبق، وإن عفى على مال أو كانت
الجناية موجبة له جاز له دفع الأرش الذي هو أقل الأمرين منه ومن قيمته أو المقدر
له بالغا ما بلغ على البحث السابق.
وفي المسالك " أولى بالاكتفاء بالأقل هنا، لأن الأرش يتعلق برقبته وإن
استرقه المولى، بخلاف ما لو كانت على المولى، فمراعاة جانب الحرية ثم أقوى،
ومراعاة جانب القن هنا أقوى ".
قلت: الذي يظهر منهم في المقام وفيما تقدم أن أرش الجناية يحاص الديون،
ويوجب التحجير لو طلبه من الحاكم، وغير ذلك مما هو مستلزم لكونه دينا متعلقا
في الذمة، لا أنه متعلق بالرقبة، مؤيدا ذلك بأن ظاهر الأدلة اتحاد كيفية تعلق
الأرش فيهما، وحينئذ فيقوى تعلقه بذمته في المقامين، لما عرفت من عدم تعلق حق
المولى بملكه.
اللهم إلا أن يلتزم بكون فائدته التسلط على بيعه مثلا الذي لم يكن جائزا
له بسبب الكتابة التي لا يجوز له فسخها قبل حصول سببه وإن كان هو كما
ترى يمكن منعه، خصوصا مع بذله الأرش، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة
في كلامهم، بل هو كالمتدافع بالنسبة إلى ذلك، والمسألة لا تخص الفرض، بل المراد
أن أرش جناية المكاتب مطلقا في ذمته والرقبة كالمرهونة عليه، أو في رقبته وإن كان
له فكها بالأرش، وقد عرفت أن الأقوى الأول.
348

نعم قد يقال في الفرض الذي هو الجناية عمدا: إنه لما كان الخيار فيه للمجني
عليه وطلب الأرش الذي هو أزيد من القيمة فهل للمكاتب دفعه بدون إذن المولى
كالأقل والمساوي؟ المحكي عن الشيخ العدم، لأنه ابتياع لنفسه، بأكثر من ثمن
المثل، وهو لا يملك التبرع، وفي التحرير الوجه عندي جواز دفع الأكثر، ولعله
لا يخلو من قوة، والله العالم.
(وإن كان) قد جنى عليه (خطأ كان له فك نفسه بأرش الجناية)
الذي هو ما عرفته وإن نافى ذلك الاكتساب لكنه لمصلحته التي هي أعظم من
نفقته المأذون فيها وعلاج مرضه، بل قد عرفت أن المنهي عنه التصرف التبرعي
لا غيره، نعم ظاهر قولهم: " له فك نفسه " تعلق الجناية أولا بالرقبة، ويمكن
منعه لما عرفت، فيكون متعلقا بذمته وإن كانت العين كالرهن عليه، بمعنى
تسلط المجني عليه على الاستيفاء منها إن لم يدفع له، لأهمية حق الجناية من
غيره، فيلاحظ فيه الأمران.
(و) حينئذ ف‍ (لو لم يكن له مال فللأجنبي بيعه) أجمع (في أرش
الجناية) مع الاستغراق وإلا بيع منه قدر الأرش وبقي الباقي مكاتبا، فإن عجز
وفسخ المولى صار العبد مشركا، وإن أدى عتق الباقي، وفي تقويم حصة الشريك على
العبد مع يساره أو تمكنه من السعي البحث السابق وإن جزم به الفاضل هنا في القواعد،
بل في كشف اللثام " وهل يجبر عليه أو الشريك على القبول؟ وجهان " لكن لا يخفى
عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.
بقي الكلام في شئ، وهو أن ظاهر بعض وصريح آخر أن المجني عليه إذا
أراد البيع لا بد له من فسخ الحاكم الكتابة، لأن المكاتب لا يباع وليس له فسخها،
لأنه ليس بالعاقد لها، بل ولا للسيد قبل حصول العجز المسلط له على الخيار،
فليس حينئذ إلا الحاكم. وفيه أنه بعد أن دلت الأدلة على تقديم حق الجناية على
غيره من كتابة أو رهن أو غيرهما لم يحتج إلى فسخ، بل هو تسلط شرعي على
349

ما يلزمه الفسخ من البيع ونحوه، والله العالم.
وكيف كان فله بيعه (إلا أن يفديه السيد) بالأرش، (فإن فداه
فالكتابة بحالها)، ويجب على المجني عليه قبول الفداء إن كانت الجناية خطأ،
وإن كانت عمدا ففي المسالك التخيير للمجني عليه كالقن، وفيه أنه بناءا على
ما ذكرناه من تعلق الأرش بذمته لا رقبته يتجه عليه قبوله، لأنه حينئذ كالتبرع
بوفاء الدين وأولى بالقبول لو فرض بذل المكاتب الأرش في جناية العمد الموجبة مالا.
ولو اختار السيد الفداء لم يلزمه الاستمرار عليه ما لم يكن ضمانا، بل له
أن يرجع عن اختياره ويسلم العبد، نعم إذا مات العبد بعد الاختيار أو باعه أو أعتقه
ففي المسالك " التزم به، لأنه فوت بالاعتاق والبيع والتأخير متعلق حق المجني
عليه " وكأنه أخذه مما في القواعد من أنه " إن أعتقه السيد كان عليه فداؤه بذلك،
لأنه أتلف محل الاستحقاق كما لو قتله، وإن عجز ففسخ السيد فداه بذلك أو
دفعه " ونحوه في التحرير، لكنه كما ترى خال عن ذكر الموت الذي يمكن المناقشة
في التزامه بالفداء معه وإن اختاره ما لم يكن بالتزام شرعي.
بل قد يقال بعدم صحة البيع ونحوه مع الجناية عمدا أو عدم لزومه، بل
يبقى مراعى بالفداء، فإن حصل ففدا وإلا كان له فسخه، بل إن لم يكن إجماعا
في العتق لبنائه على التغليب أمكن دعوى ذلك فيه، بل في الدروس الجزم بعدم الصحة،
قال: " ولو أعتقه بعد جنايته على أجنبي عمدا لم يصح، وإن كان خطأ فكعتق
القن مراعى بضمان الجناية، وعليه أقل الأمرين من قيمته والأرش، سواء كان
الأرش لواحد أو جماعة " إلى آخره.
بل من ذلك يعلم النظر فيما في المسالك وغيرها من أنه " يضمن المكاتب
الأرش للمجني عليه لو أدى ما عليه لسيده وانعتق بذلك " قال في الدروس: " ولو
جنى ثم أدى مال الكتابة عتق، وضمن أروش الجنايات أو الأقل على الخلاف،
لأنه أتلف الرقبة بفعله " وقال في المسالك: " ولو فرض عتق المكاتب بأداء النجوم
فعليه ضمان الجناية، ولا يلزم المولى فداؤه وإن كان هو القابض للنجوم، لأنه
350

يجبر على قبولها فالحوالة على المكاتب أولى " ونحوه في التحرير وغيره،
إذ يمكن منع ترتب العتق على الأداء بناء على ما عرفت، خصوصا في
الجناية عمدا، وخصوصا إذا قلنا بكون المتعلق الرقبة لا الذمة، فتأمل جيدا
والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(لو جنى عبد المكاتب) على أجنبي عمدا في النفس أو في الطرف فاقتص
منه فلا بحث، وإن عفي على مال أو كانت الجناية موجبة له أو كانت (خطأ كان
للمكاتب فكه بالأرش إن كان دون قيمة العبد) أو مساويا، لعدم التبرع منه (وإن
كان أكثر لم يكن له ذلك) إلا بإذن المولى (كما ليس له أن يبتاع بزيادة
عن ثمن المثل) إلا أن يفرض حظ له في ذلك بكون العبد كسوبا ونحوه.
هذا وفي المسالك " ثم الاعتبار بقيمة العبد يوم الجناية، لأنه يوم تعلق
الأرش بالرقبة، وفيه وجه آخر أنه يعتبر قيمته يوم الاندمال بناء على أنه وقت
المطالبة بالمال، وثالث وهو اعتبارها يوم الفداء، لأن المكاتب إنما يمنع من
بيعه، ويستديم الملك فيه يومئذ، ورابع وهو اعتبار أقل القيمتين من يوم الجناية
ويوم الفداء احتياطا للمكاتب وإبقاء للمالك عليه والأوجه آتية في قيمة المكاتب نفسه
إذا اعتبرت قيمته " ونحوه في الإيضاح لكن اقتصر على الثلاثة.
قلت: لا ريب في كون المعتبر قيمته وقت الجناية بالنسبة إلى تعلقها
برقبته المقتضي لملاحظة قيمته في ذلك الوقت، كي يعرف مقدار ما تسبب بالجناية
من استحقاقها، بل لا وجه لاعتبار القيمة المتأخرة في مقدار سبب الجناية المتقدم
الذي لا يتأخر أثره، وليس المقام كقبض المغصوب، بل هو كالاتلاف المسبب لضمانه ما
أتلفه ولو على وجه يتعلق استحقاقه بالرقبة على الوجه المزبور وإن لم يملكها،
كما أنه لا ريب في اعتبار ملاحظة يوم الفداء بالنسبة إلى فك المكاتب له باعتبار
351

الغبطة له في فكه وعدمه.
ولو كان عبده أباه أو ولده ففي فكه بالأرش الكلام السابق في شرائه.
ولو كانت جناية العبد على سيده بما يوجب القصاص اقتص منه من غير حاجة
إلى إذن السيد، لاطلاق الأدلة المقتضي ثبوت هذا الحق له على وجه يقدم على
ما دل على منع التصرف له في ماله، وإن كانت بما يوجب المال لم يثبت له على ماله
مال، نعم لو جني على سيد سيده فهو كما لو جنى على أجنبي.
هذا وقد يستفاد من عبارة المتن هنا اختيار كون الأرش المقدر وإن زاد
على قيمة العبد وهو وإن كان أحد قولي الشيخ في المسألة لكنه في غاية الضعف، بل
عنه نفسه دعوى الاجماع على خلافه، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا جنى على جماعة فإن كان عمدا) وكانت الجناية عليهم دفعة بأن
قتلهم بضربة واحدة أو ألقى عليهم جدارا دفعة (كان لهم القصاص) جميعا
(وإن كان خطأ) أو عمدا توجب مالا (كان لهم الأرش متعلقا برقبته)
أو في ذمته على كلام السابق، سواء كانت الجناية متعاقبة أو دفعة (فإن كان ما في
يده يقوم بالأرش فله افتكاك رقبته وإن لم يكن له مال تساووا في قيمته بالحصص)
هذا إن أوجبنا الأرش بالغا ما بلغ.
وإن أوجبنا الأقل من أرش الجنايات كلها ومن قيمته تحاصوا فيه بالنسبة،
لأن الجاني لا يجني على أزيد من نفسه، اتحدت جنايته أو تعددت، مترتبة أو
دفعة، وسبق تعلق الاستحقاق للأول لا ينافي شركة الآخر له بالجناية المتأخرة.
ولو كانت الجناية موجبة للقصاص على التعاقب ففي مساواته للأرش في
الاشتراك وعدمه ما لم يكن قد حكم به لأولياء الأول قولان يأتي تحقيقهما في
352

محله إن شاء الله تعالى، كما أنه يأتي تحقيق المراد بالاشتراك في القصاص وما
يترتب على العاصي لو فعل من دون إذن، وغير ذلك من هذه المسائل.
ولو عفى بعضهم قسم على الباقين، ولو كان بعضها يوجب القصاص استوفي
وسقط حق الباقي، وإن عفي على مال شارك، ولو أعتقه أو أبرأه من النجوم ففيه
البحث السابق، وكذا لو أدى نجوم كتابته، والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
(إذا كان للمكاتب أب وهو رق) ل‍ (ه) في جملة عبيدة (فقتل عبدا له
لم يكن له القصاص) فيه (كما لا يقتص منه في قتل الولد) بل هذا أولى، لأنه
لا يثبت للولد على الوالد قصاص بلا خلاف ولا إشكال، نعم لو كان ابنه رقا له وقتل
عبيدا من عبيده اقتص منه، لاطلاق أدلته.
(و) لذا (لو كان للمكاتب عبيد فجني بعضهم على بعض) بما يوجب
القصاص (جاز له الاقتصاص) من دون إذن سيده وإن لم يكن تصرفا اكتسابيا
وأدى إلى قتل عبده أجمع (حسما لمادة التوثب) الذي فيه حفظ للمال أيضا،
واهتماما بالدماء الذي هي أعظم من الأموال، وربما احتمل العدم للحجر عليه في
التصرف في ماله بغير الاكتساب، وفيه منع واضح، ضرورة كون المسلم الحجر
عليه في التبرع بالمال، وليس الفرض منه، بل هو في الحقيقة من سياسة المال
وحفظه.
ولو كانت الجناية توجب مالا لم يثبت له على ماله مال حتى في الأب
والولد، وإن احتمل جواز بيعهما له في جنايتهما الموجبة مالا تحصيلا للاستعانة
بأرش جنايتهما بعد أن لم يكن له بيعهما قبل الجناية، بخلاف غيرهما من العبيد
الذين لم يثبت له عليهم مال بجنايتهم، لأنه يملك بيعهم قبل الجناية، إلا أنه
353

كما ترى، وثبوت المال للسيد على المكاتب لو جنى عليه باعتبار خروجه عن
محض الرقية، وصيرورة ذمة له يملك بها، فيندرج في أدلة الجناية، بخلاف المملوك
فإنه لا ذمة له بالنسبة إلى المولى، وهو واضح، والله العالم.
المسألة (السادسة:)
(إذا قتل المكاتب) المشروط (فهو كما لو مات) تبطل كتابته ويموت
رقيقا، وللسيد كسبه وأولاده، فإن كان القاتل المولى فليس عليه إلا الكفارة،
وإن قتله أجنبي حر فلا قصاص أيضا، ولكن عليه القيمة.
ولو كان القتل بسراية الجرح فإن كان قبل أن يعتق وقد أدى أرش الجرح
إلى المكاتب أكمل القيمة للمولى، وإلا دفع إليه تمام القيمة، وإن كان الجاني
المولى سقط عنه الضمان، وأخذ كسبه الذي منه أرش الجرح الذي دفعه إليه، وإن
كانت السراية بعد ما عتق بأداء نجومه فعلى الجاني الأجنبي تمام الدية، لأن
الاعتبار في الضمان بحالة الاستقرار وتكون لوارثه، بل لو كان الجاني المولى
كان عليه ذلك أيضا، وإن كان لا ضمان عليه لو جرح عبده القن ثم أعتقه
ومات قبل السراية، للفرق بينهما بأن ابتداء الجناية هنا غير مضمون بخلاف المكاتب
فإن ابتدائها مضمون.
(ولو جني على طرفه) أي المكاتب (عمدا وكان الجاني هو المولى فلا
قصاص) قطعا، لعدم المكافاة، (و) لكن (عليه الأرش) الذي هو من
كسبه وعوض عضوه الذي فاته الاكتساب به. (وكذا إن كان) الجاني (أجنبيا
حرا) أو مبعضا (و) ذلك لما عرفته من عدم المكافاة.
نعم (إن كان) الجاني (مملوكا ثبت) له (القصاص) وليس للسيد
منعه ولا إجباره على العفو على مال كالمريض والمفلس، لعدم كونه تصرفا في مال،
مع إطلاق أدلة القصاص، وإن احتمل لأنه قد يعجز فيعود إلى المولى مقطوع اليد
354

مثلا بلا جابر، إلا أنه كما ترى لا يصلح لتقييد إطلاق الأدلة، بل لو عفى عما له
من القصاص مجانا صح، لأن موجب الجناية القصاص لا المال، وأولى منه لو عفى
على أقل من أرش الجناية، وربما احتمل العدم فيهما، بل هو خيرة الكركي في
حاشيته في الأول، لأنه تصرف غير اكتسابي، وفيه منع الحجر عليه في مثله وإن
لم يكن اكتسابا، لأنه ليس تبرعا بمال، نعم لو كانت الجناية توجب مالا لم يكن
له العفو من دون إذنه.
(و) كيف كان ف‍ (كل موضع يثبت فيه الأرش) في العمد والخطأ
على المولى أو على غيره (فهو للمكاتب، لأنه من كسبه) وعوض ما فاته من
الاكتساب بسبب الجناية، والله العالم.
المسألة (السابعة:)
(إذا جنى عبد المولى على مكاتبه عمدا فأراد الاقتصاص) منه (ف‍) عن
المبسوط (للمولى منعه) لأنه تصرف غير اكتسابي، فلا تنقطع عنه سلطنة
المولى، وفيه أن إطلاق الأدلة ينافيه، خصوصا بعد ما سمعت من أن له الاقتصاص
من غيره ومن عبيده لو جني بعضهم على بعض.
ومن الغريب جزم المصنف هنا بأن للمولى منعه المبني على بقاء سلطنة المولى
له على ذلك مع جزمه السابق بأن له القصاص من عبيده وأنه إن جني عليه مملوك
ثبت له القصاص الظاهر في أن ليس للسيد منعه عن ذلك، ضرورة عدم الفرق في المملوك
بين عبد السيد وبين غيره.
وتحقيق المسألة مبني على أن المكاتب محجور عليه في سائر تصرفاته
المالية وغيرها إلا التصرف الاكتسابي، وإلا ما يرجع إلى الانفاق عليه وعلى غيره
ممن نفقته عليه من عبد أو أمة ونحوهما، أو أنه بالكتابة قد ارتفع الحجر عنه
355

مطلقا إلا التصرف التبرعي في ماله، فله استيفاء حقه من القصاص وغير ذلك من
التصرفات التي ليست اكتسابية الظاهر الثاني.
وصحيح معاوية بن عمار (1) المتقدم سابقا المشتمل - على النهي عن أن
يحدث في ماله إلا الأكلة من الطعام مع أنه في المكاتب على نفسه وماله الذي يمكن
إرادة اشتراط ذلك عليه من الكتابة على ماله كما ذكرناه سابقا - إنما هو في
التصرف في المال، والنهي عن التزويج فيه وفي غيره لا يقتضي المنع عن سائر
التصرفات التي يمكن القطع بخلاف ذلك فيها من إيداع ماله والتصرف فيه بركوب
ولبس واستعمال ونحو ذلك، كالقطع بثبوت الحق له بسبب الجناية أو غيرها، ولو
لأنه قد يرجع إلى مال، فيكون سلطنة الاستيفاء له، فتأمل جيدا فإني لم أجد
المسألة محررة في كلامهم، والله العالم.
(و) على كل حال ف‍ (إن كانت) الجناية (خطأ فأراد الأرش لم
يملك منعه، لأنه بمنزلة الاكتساب) الذي ليس له منعه منه (و) لكن
(لو أراد الابراء توقف على رضا السيد) لأنه تصرف تبرعي، وكذا في العمد لو
عفي على مال ثم أراد الابراء منه، والله العالم. هذا كله في المشروط.
(وأما المطلق ف‍) إن لم يكن قد أدى شيئا فهو بحكمه و (إذا أدى من
مكاتبته شيئا تحرر منه بحسابه فإن جنى هذا المكاتب، وقد تحرر منه شئ)
وكانت (جناية عمدا على حر اقتص منه) إلا أن يعفي عنه على مال أولا
عليه.
(ولو جنى على مملوك) أو على من كان أقل حرية منه (لم يقتص
منه لما فيه من الحرية، ولزمه من أرش الجناية بقدر ما فيه من الحرية وتعلق برقبته
منها بقدر رقيته) كما هو حكم المبعض في أكثر المقامات.
(ولو جني على مكاتب مساو له) في الحرية (اقتص منه) لحصول

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب المكاتبة الحديث 1.
356

المكافاة (و) إطلاق أدلة القصاص نعم (لو كان حرية الجاني أزيد لم
يقتص) منه لعدم المكافاة (وإن كانت أقل اقتص منه) لحصولها وزيادة.
(ولو كانت الجناية خطأ تعلق بالعاقلة بقدر الحرية، وبرقبته بقدر الرقية)
للتبعيض (وللمولى) ولنفسه (أن يفدي نصيب الرقية بنصيبها من أرش
الجناية) بالغا ما بلغ أو بأقل الأمرين على الأصح (سواء كانت الجناية على
عبد أو) على (حر) خلافا لما عن بعض العامة، فجعل دية الجناية على العبد
في ذمة الجاني وإن كانت خطأ.
(ولو جني عليه حر) أو أزيد حرية منه (فلا قصاص) لعدم المكافاة،
(وعليه الأرش) الذي هو هنا مركب من بعض دية هذه الجناية على الحر
وبعض أرشها على العبد (ولو كان) الجاني (رقا) أو أقل حرية أو مساويا
(اقتص منه) في العمد بلا خلاف ولا إشكال، والله العالم.
357

(المقصد الثالث)
(في أحكام المكاتب في الوصايا، وفيه مسائل:)
(الأولى:)
(لا تصح الوصية) التمليكية (برقبة المكاتب) وإن كان مشروطا
وعجز ورد في الرق بعد الوصية التي قد عرفت فسادها (كما لا يصح بيعه) ولا
نقله بسائر النواقل ولو ممن ينعتق عليه وإن استشكل فيه الفاضل في القواعد باعتبار
كونه كتعجيل عتقه، لكن فيه أنه موقوف على الانتقال المتوقف على جواز النقل
بخلاف تعجيل العتق بالاعتاق. (نعم لو أضاف الوصية به إلى عودة في الرق جاز)
ويكون من الوصية العهدية أو التمليكية بناء على مشروعية التعليق فيها بغير
الموت (كما لو قال: إن عجز وفسخت كتابته فقد أوصيت لك به).
وفي المسالك " ثم إن عجز فأراد الوارث انتظاره فللموصي له تعجيزه
ليأخذه، وإنما يعجزه بالرفع إلى الحاكم كما في المجني عليه، ويحتمل تقديم
الوارث، لأن الوصية له مشروطة بفسخ كتابته ولم يحصل الشرط هذا إذا كانت
الوصية معلقة على فسخ كتابته مطلقا، أما لو قيدها بكونه هو الفاسخ اعتبر في صحتها
عجزه في حياته، وفي التحرير جعل الاطلاق محمولا على عجزه في حياته، وإنما يكتفي
بما بعد موته لو صرح به، وهو غير واضح ".
وفيه أولا أن ما ذكره احتمالا هو الأصح لما ذكره من الوجه الأول
وإن اختاره في التحرير أيضا، بل ظاهر ما تسمعه منه فيما يأتي تقديمه على الوارث
مع الاختلاف في الفسخ مع العجز، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه من أنه لا تسلط
358

للموصى له على الفسخ، لعدم دخول الرقبة في ملكه قبله، كما هو واضح.
وأما ما حكاه عن التحرير فالذي فيه " أنه لو قال: إن عجز ورق فهو لك بعد
موتي صحت الوصية إذا عجز في حياة المولى، وإن عجز بعد موته لم يستحقه،
ولو قال: إن عجز بعد موتي فهو لك كان تعليقا للوصية على صفة توجد بعد الموت "
وهو أجنبي عما ذكره، لظهور مثاله في المفسوخة قبل الموت، بل من المحتمل
إرادته بطلان الوصية التمليكية المقتصر في مشروعيتها نصا وفتوى على التعليق
بالموت على وجه يكون الاستحقاق به بخلاف المعلقة على صفة توجد بعد الموت.
بل قد يكون في عبارة المتن إشعار بذلك إذا قرئ قوله: " فسخت " بضمير
المتكلم، بل وعبارة الكركي في حاشيته، لأنه اقتصر على تقييد الصحة بالفسخ
حال الحياة وعلى نقل عبارة التحرير في الفسخ بعد الوفاة، فلاحظ وتأمل.
(و) على كل حال فلا إشكال بل ولا خلاف في أنه (يجوز الوصية بمال
الكتابة) لاطلاق أدلتها، بل هي أولى من بيعه الذي قد عرفت جوازه، كما أنك
عرفت الكلام فيه لو عجز بعد ذلك.
وفي المسالك هنا " فإن أداها - أي النجوم - فهي للموصي له، وإن عجز
فللوارث تعجيزه وفسخ الكتابة وإن أنظره الموصى له، وهل يملك الموصى له
إبراءه من النجوم؟ وجهان، أجودهما ذلك، لأنه يملك الاستيفاء فيملك الابراء،
ووجه العدم أنه ملكه استيفاء النجوم ولم يملكه تفويت الرقبة على الورثة ".
قلت: لا يخفى عليك ما في الوجه الأخير، ضرورة اقتضاء الوصية ملكية المال
الذي في ذمة العبد، بل قد عرفت في مسألة بيع مال الكتابة احتمال الانعتاق بذلك،
واحتمال عدم التسلط على فسخ الكتابة لا ممن انتقل إليه المال، لعدم كون العقد
معه، ولا من غيره، لظهور الأدلة في ثبوت الخيار له إذا كان المال له ويؤخره عن
أجله كما سمعته سابقا، ولا يخلو من قوة.
واحتمل الفاضل في القواعد كون التعجيز إلى الموصى له، قال: " والتعجيز
إلى الورثة، لأن الحق ثبت لهم بتعجيزهم، ويصير عبدا لهم، ويحتمل إلى الموصى
359

له، لتسلطه على العتق بالابراء، ولأنه حق له، فله الصبر به " وهو غير ما ذكرناه
من الاحتمالين.
(ولو جمع بين الوصيتين لواحد أو لاثنين جاز) بلا خلاف ولا إشكال
بأن يقول: " مال الكتابة لزيد بعد موتي " وإن عجز وفسخت فرقبته له بعد موتي أو
لعمرو " لكن إن أدى المال بطلت الثانية، وإن استرق بطلت الأولى، لكن إن كان
قد قبض منه شيئا فهو له، وفي التحرير لو اختلف الموصى له بالرقبة والموصى له
بالمال في فسخ الكتابة عند العجز قدم قول صاحب الرقبة، وكذا إن اختلف صاحب
الرقبة والوارث، وفيه ما عرفته سابقا، والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(لو كاتبه مكاتبة فاسدة ثم أوصى به جاز) لما عرفته من عدم ترتب
أثر على الفاسدة عندنا، خلافا لبعض العامة. (و) حينئذ ف‍ (لو أوصى) له
(بما في ذمته لم يصح) لعدم شئ له في ذمته بعد فرض فساد الكتابة، ولا فرق في
ذلك كله بين العلم بالفساد والجهل به، كما سمعته في نظائره، وتخيله عدم التأثير
للوصية بالرقبة مع جهله بالفساد فتكون وصيته بالمحال كما عن بعض العامة لا ينافي
الترتب الشرعي المنوط بسببه المفروض حصوله باطلاق الأدلة (و) لذا نسبه في
المسالك إلى ظاهر إطلاق المصنف والأصحاب بل صريح بعضهم كالشيخ في
المبسوط.
نعم (لو قال: فإن قبضت منه شيئا فقد أوصيت لك به صح) إذا كان
المقبوض من كسب العبد الذي هو باق على ملك السيد الموصي بعد فرض فساد
الكتابة، فالوصية له حينئذ بما يقبضه منه وصية في الحقيقة بكسب العبد لا بمال
الكتابة، أما لو صرح بالوصية بما يقبضه من مال الكتابة ففي المسالك لم يصح،
360

كما لو أوصى بمال كتابته من دون القبض، ولكن إطلاقه لا يخلو من بحث، والله
العالم.
المسألة (الثالثة:)
(إذا أوصى أن يوضع عن مكاتبه) صح وخرج من الثلث، والمدار فيها
على المفهوم من لفظ الوصية ولو بالقرينة، كما في نظائره، فإن قال: ضعوا عنه
(أكثر ما بقي عليه) أو أكثر ما عليه (فهي وصية بالنصف وزيادة) تتحقق
بها الأكثرية عرفا (و) حيث كانت أفرادا متعددة ف‍ (للورثة المشيئة) في تعيين
الزيادة) وإن كانت هي وصية أيضا مفوضة إليهم لا ابتداء عطية منهم.
وهل يعتبر في الزيادة عن النصف أن تكون متمولة أم يكفي التمول بانضمامها
إلى النصف؟ ففي المسالك " وجهان، أظهرهما الثاني، لأن التمول إنما يعتبر في
الوصية وغيرها مع الانفراد، أما مع انضمام بعض الأجزاء إلى بعض فالمعتبر المجموع،
وإلا لزم عدم صحة الجميع، لأن أجزائه تبلغ حدا لا يتمول، والوصية هنا بمجموع
النصف والزيادة لا بالزيادة وحدها " وفيه أن العرف لا يفرق في اعتبار التمول بين
الأمرين، والله العالم.
(ولو قال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه ومثله فهو وصية ب‍) جميع (ما
عليه) وزيادة، لأن ما يزيد على النصف نصف الوصية، فيكون محلها زائدا على
مجموع المال (و) من هنا (بطلت) الوصية (في الزائد) لعدم المحل لها
حينئذ، وكذا لو قال: " ضعوا أكثر مما عليه أو ما عليه وأكثر " ونحو ذلك،
ولو قال: " ضعوا عنه أكثر ما عليه ونصفه " وضع عنه ثلاثة أرباع ما عليه وزيادة
شئ، بل في المسالك " لا يعتبر فيه أن يتمول ويقبل التنصيف إلى ما يتمول إلا
على الاحتمال السابق، وأما توهم اعتبار تمول الزيادة دون نصفها بناء على أن ما
361

يتمول يصح أن يقال له نصف معتد به وإن لم يتمول، بخلاف نصف ما لا يتمول
فهو فاسد، لما ذكرنا من الوصية بالمجموع لا بالزيادة منفردة، سواء نصفها أم لا "
وإن كان فيه ما لا يخفى من منافاة العرف لما ذكره.
(ولو قال: ضعوا عنه ما شاء) أو ما شاء من مال الكتابة (فإن شاء وأبقى
شيئا) ولو قل، بل في كشف اللثام وإن لم يتمول (صح) بلا إشكال ولا خلاف
(وإن شاء الجميع قيل) والقائل الشيخ في المحكي من المبسوط: (لم يصح)
أما في الثاني فظاهر، لأن " من " للتبعيض وأما في الأول فلأن فيه " من " مقدرة،
فهي كالموجودة، وإلا لقال: " ضعوا عنه النجوم " (و) حينئذ فلا بد أن (يبقى
منه شئ بقرينة حال اللفظ) بل لو قلنا بعدم تعين " من " للتبعيض خصوصا المقدرة
لترددها بينه وبين التبيين أمكن أن نقول: إن البعض معلوم على التقديرين،
والجميع مشكوك فيه، لقيام الاحتمال، فيرجع إلى معنى التبعيض وإن لم نحمل
عليه بالخصوص، ولو دلت القرينة على إرادة التبيين أو إرادة الجميع من غير اعتبار
من عمل بها.
وربما احتمل وجودها في الصورة الأولى على إرادة ما يتناول الجميع، لكن
ظاهر المصنف خلافه، لقوله: " بقرينة حال اللفظ " المحتمل لإرادة الافتقار إلى
تقدير " من " التي لا يتيقن من معناها إلا التبعيض، ولإرادة حال التركيب الذي
أشرنا إليه من أنه لو أريد الجميع لقال: " ضعوا عنه النجوم " وإن نوقش في
الأخير بالفرق بين الإرادتين فإنه في الأولى جعل المشيئة إليه في إرادة البعض
والجميع، وهذا الفرض لا يتأدى بقوله: " ضعوا عنه النجوم " الذي مدلوله وضع
الجميع خاصة لا جعل المشيئة إليه، والأغراض تتفاوت في ذلك، ولعله لذا كان خيرة
الفاضل في القواعد وشرحها للإصبهاني تناول الجميع فيه دون المذكور فيه لفظ
" من "
ويمكن أن يريد بحال اللفظ دعوى الفهم عرفا من أمثاله عدم إرادة الجميع
وإن كان هو مقتضاه لغة خصوصا في المجرد من لفظ " من " ولعل هذا هو الأولى،
362

بل هو المدار في كثير من الأمثلة التي لا فائدة في التعرض لها وإن ذكر جملة منها
في القواعد وغيرها، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا قال: " ضعوا عنه أوسط نجومه " فإن كان فيها أوسط عددا) خاصة
كما إذا كانت ثلاثة نجوم مثلا كل نجم دينار في شهر (أو قدرا) خاصة كما
إذا كانت أربعة نجوم مثلا اثنان منها دينار إلى شهر، والثالث ثلاثة إلى شهر،
والرابع أربعة كذلك، فإن الثالث هو الأوسط في المقدار، لأنه فوق ما دونه مطلقا
ودون ما فوقه كذلك (انصرف إليه) بلا خلاف ولا إشكال، بل أو أجلا خاصة،
كما إذا كانت أربعة مثلا، اثنان منها دينار كل واحد إلى شهر، والثالث دينار
إلى ثلاثة، والرابع دينار إلى أربعة مثلا، فإن الثالث هو الوسط في الأجل على
حسب ما سمعته في القدر، إذ الوسط كما يطلق على المحفوف بمتساويين يطلق على
المتوسط بين الناقص والزائد في المقدار مالا أو أجلا.
لكن ظاهر الشهيد الأول في شرح الإرشاد أنه على كل حال متواطئ قال:
" مقدمة: إذا أوصى بلفظ متواطئ مضاف إلى معين ولم يوجد إلا واحد من أفراد
معناه تعين ذلك الواحد، وإن تعدد تخير الوارث عند الشيخ، وقال القاضي بالقرعة
إذا عرفت ذلك فالأوسط لفظ موضوع للشئ بين الشيئين، والبينية قد تكون مكانية
أو زمانية وزيادة ونقيصة " إلى آخر ما ذكره من أمثلة المسألة.
ونحوه الكركي في حاشيته، فإنه بعد أن ذكر ما ذكرناه من الأمثلة قال:
" فإذا وجد الأوسط بأحد الاعتبارات تعين، ولو كان بجميعها، فأولى، وإن حصل
التعدد كأربعة ثالثها أوسط في القدر وثانيها في الأجل تخير الوارث في التعيين،
لأن متعلق الوصية متواطئ، فالتعيين فيه إلى الوارث على الأصح " لكن في
المسالك " الأوسط لفظ متواطئ، ويراد به الشئ بين الشيئين على السواء، والبينية
363

قد تكون بالزمان، كوسط النهار المتوسط بين طرفيه، وبالمقدار بسبب زيادته
ونقصانه كالاثنين المتوسطين بين الواحد والثلاثة، والمقدار هنا قد يكون في مال
النجوم وقد يكون في الآجال، والنجم لفظ مشترك في هذا الباب بين أجل مال الكتابة
ونفس المال المفروض في الأجل كما بيناه سابقا، وقد تقدم في الوصايا أنه إذا
أوصى بلفظ يقع على شيئين فصاعدا سواء كان مشتركا أم متواطئا ووجد في مال
الموصي منها أفراد متعددة يتخير الوارث في تعيين أيها شاء، وأن فيها قولا ضعيفا
بالقرعة، وهذه المسألة من جزئيات تلك المسألة ".
ولا يخفى عليك ما في دعوى تخيير الوارث في اللفظ المشترك الذي لم يرد به
عموم الاشتراك الذي هو مجاز لا يصار إليه إلا بقرينة، وليس منها إطلاقه مجردا
عنها كما هو محرر في محله، ودعوى رجوع حق التعيين للوارث قد عرفت فسادها
في كتاب الطلاق.
وكذا لا يخفى عليك ما في دعوى كون لفظ الوسط متواطئا بالنسبة إلى
الأفراد المزبورة، نعم لا إشكال في تنزيل الوصية على ما كان موجودا من الثلاثة في
خصوص تلك الوصية للقرينة، وكذا إذا اجتمعت الثلاثة في واحد منها أو الاثنان
منها، فهذه صور خمسة أو سبعة لا إشكال فيها.
إنما الكلام في صورة اجتماعها في متعدد بمعنى فرض الوسط في المقدار بالمال
في ثانيها والعدد في ثالثها أو الأجل من غير فرق بين اجتماع الاثنين منها في مقابلة
الواحد وبين مقابلة الواحد بالواحد، فإن تعدد اعتبارات الوسط في بعضها لا يصلح
للترجيح على آخر، وظاهرهم هنا بل صريح جماعة تخيير الوارث. وإليه أشار
المصنف بقوله: (وإن اجتمع الأمران كان الورثة بالخيار في أيهما شاء) بناء
على أنه من المتواطئ.
(وقيل: تستعمل القرعة، وهو حسن) بل متعين بناء على أنه مشترك،
ضرورة أنه لا معنى للتخيير مع إجمال المراد، إلا أن يراد منه مصداق على عموم
الاشتراك، فيكون حينئذ من المتواطئ، كما هو واضح.
364

ثم إن ظاهر غاية المراد والمسالك كون المراد بالمثال المفروض في المتن
ونحوه نجما واحدا متوسطا، ومن هنا لو كانت النجوم خمسة مثلا متساوية بالمقدار
والأجل كان الوسط فيها الخامس دون الثلاثة المتوسطة وإن حفت أيضا بمتساويين،
لأن الوصية بنجم واحد فلا يصار إلى المتعدد مع إمكان المتحد المطابق للوصية،
ولو فرض إرادته ما هو أعم من الواحد بأن يريد ما صدق عليه الوسط مطلقا كان
من باب المتعدد، فيتخير الوارث، وكذا الكلام في نظائر المقام.
قلت: قد يقال: إن العمدة في ذلك العرف القاضي بكون الوسط في الخمسة
الخامس المحفوف من الطرفين بالأربعة، وكذا السبعة والتسعة وأمثالها، بل لعل
صدق الوسط على غيره إضافي نحو ما تسمعه في صورة تعذر الأوسط حقيقة التي ذكر
المصنف حكمها، لأن المراد نجم واحد إذ الأوسط يصدق على المتحد والمتعدد،
والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (إن لم يكن أوسط لا قدرا ولا عددا) ولا أجلا
(جمع بين نجمين، لتحقق الأوسط، فيؤخذ من الأربعة الثاني والثالث، ومن
الستة الثالث والرابع) لصدق الحف بمتساويين عليهما، وإن كان في انصراف
الوسط إلى مثل ذلك نظر بل منع، نعم لا يبعد ذلك بعد تعذر الحقيقة، وهل يؤخذ
منهما واحد خاصة بتخير الوارث أو يؤخذ الاثنان، لأن مجموعهما هو الأوسط؟
وجهان، وظاهر الأصحاب القطع بالثاني، وهو مؤيد لما ذكرناه من عدم فهمهم
الواحد من الأوسط.
ومن ذلك يعلم ما في مناقشة ثاني الشهيدين، فإنه بعد أن اعترف بأن ظاهر
الأصحاب القطع بذلك قال: " وفيه نظر، لأنهم إذا سلموا أن الاطلاق محمول
على الواحد، والانتقال إلى المجاز لتعذر الحقيقة، فالمجاز متعدد بالاعتبارين،
لأن أحدهما مجاز في الوسط باعتبار أنه بعض أجزائه حقيقة في الواحد، والاثنان
حقيقة في الأوسط مجاز بعيد في الواحد، فالحمل عليه ليس أولى من الآخر إن
لم يكن المرجح في ذلك الجانب، لظهور مجازيته في الاستعمال " إذ قد عرفت أنهم
365

لم يسلموا ذلك في الاطلاق وإنما حملوا اللفظ على الواحد باعتبار الفهم عرفا كون
الواحد في الخمسة مثلا هو الوسط، لا أن المراد بالوسط المفروض في المثال الواحد،
ولو لم يكن للنجوم وسط أصلا - كما لو كانت اثنين خاصة - بطلت الوصية، لفقد
الموصى به حقيقة، ولا انصراف إلى مجاز بخصوصه بعد تعذرها كما في المثال
السابق، لكن في المسالك في الفرض قال: " وفي بطلان الوصية لفقد الموصى به أو
الحمل على واحد التفاتا إلى المجاز وبابه المتسع نظر " ولا يخفى عليك ما فيه،
والله العالم.
المسألة (الخامسة:)
" إذا أعتق مكاتبه في مرضه أو أبرأه من مال الكتابة فإن برئ فقد لزم العتق
والابراء) بلا خلاف ولا إشكال (وإن مات خرج من ثلثه) على ما هو الأصح
من أن منجزات المريض منه. (وفيه قول آخر أنه من أصل التركة) قد عرفت
الحال فيه في محله.
وحينئذ (فإن كان الثلث بقدر الأكثر من قيمته ومال الكتابة) مع
اختلافهما أو أحدهما مع التساوي (عتق) بلا إشكال أيضا (وإن كان أحدهما
أكثر اعتبر الأقل) لأن ملك السيد إنما يستقر على الأقل منهما، فإن كانت
النجوم أقل فالكتابة لازمة من جهته، وقد ضعف ملكه في المكاتب، فليس له إلا
المطالبة بالنجوم التي صارت عوضا، وإن كانت القيمة أقل فهي التي تخرج عن ملكه
والعبد معرض لاسقاط النجوم بتعجيزه نفسه على قول أو بعجزه على آخر.
وحينئذ فإن كان له سوى المكاتب مأتان مثلا وكانت القيمة مأة وخمسين مثلا
والنجوم مأة اعتبرت النجوم، وحكم بنفوذ العتق، ولو انعكس الأمر اعتبرت القيمة
وحكم بنفوذ العتق أيضا، وإن لم يخرج واحد منهما من الثلث بأن كان يملك سوى
366

المكاتب خمسين ضم أقلهما إلى الخمسين وأنفذ العتق في ثلثهما من العبد، فإذا كانت
القيمة مأة وخمسين والنجوم مأة ضممنا النجوم إلى الخمسين ونفذنا العتق في ثلثهما، وهو
نصف العبد، وذلك لأن ثلث العبد قد عتق بالتنجيز وبقي ثلثاه للورثة في مقابلة ثلثي
مال الكتابة الذي علم ضرر الوارث بها، فإذا وصل منه ثلث الخمسين الذي هو نصف
ثلث المأة انعتق من العبد نصف ثلثه، فإذا ضم إلى الثلث كان نصفا، لأن ثلث ونصف،
وحينئذ تبقى الكتابة في نصفه الآخر بنصف النجوم، فإذا أداه إلى الورثة عتق،
وإن عجز فلهم رد ما بقي بهم في الرق.
وإن كان يملك سوى المكاتب مأة والقيمة والنجوم على الحال السابق عتق ثلثاه،
وذلك لأن ثلثه من المال يقابل ثلث ما للوارث من ثلثي مال الكتابة، فيعتق من العبد
ثلثاه وتبقى الكتابة في ثلثه بثلث مال الكتابة وإن كانت القيمة مأة والنجوم مأة
وخمسين فكذا يعتق ثلثاه، وتبقى الكتابة في ثلثه بثلث مالها، وهو خمسون.
وإلى ذلك كله أشار المصنف كغيره بقوله: (فإن خرج الأقل من الثلث
عتق والغي الأكثر وإن قصر الثلث عن الأقل عتق منه ما يحتمله الثلث وبطلت
الوصية في الزائد ويسعى في باقي الكتابة) التي قد فرضنا بقاءها، لا القيمة وإن
احتمل، لأنه لا يقصر عن مرتبة القن الذي أعتق وقصر الثلث عن قيمته، إلا أنه كما
ترى لا يخرج عن القياس، نعم لو فسخ الكتابة كان حكمه كذلك وإلا فما دام مكاتبا
لا ينعتق إلا بأداء مال الكتابة.
(وإن عجز كان للورثة أن يسترقوا منه بقدر ما بقي عليه) لا جميعه وإن
كان مشروطا، لما عرفته سابقا في المكاتب المشروط الذي انتقل إلى ورثة متعددين
وقد أدى قسط بعضهم إليه ولو بإذن الباقين.
ومن ذلك يعلم فساد ما احتمل من الفرق في المسألة بين العتق والابراء في
المشروط، فيبطل الثاني ولا ينعتق منه شئ مع قصور الثلث عن مال الكتابة، لأن
هذا الابراء يكون كالابراء من البعض الذي لا يفيد شيئا من العتق للمشروط، فإنه
367

رق ما بقي عليه درهم، إذ قد عرفت أن ذلك كذلك إذا بقي مال الكتابة لواحد،
لا ما إذا صار لمتعددين منهم المنجز الذي قد وصل إليه حقه تماما فيعتق في مقابله
كالوارث.
هذا ولكن في المسالك " هو يتم - أي أصل الحكم في المسألة - بلا إشكال
على القول بجواز الكتابة من جهة المكاتب، ليكون مال الكتابة غير مستقر، أما
على القول بلزومها فلا يخلو اعتباره من إشكال إلا أن يتحقق العجز بالفعل، وأيضا
فإنه إذا أدى الخمسين في المثال زاد مال المولى، لأنه ثبت هذا المال بعقده وورث
منه، فينبغي أن يزيد ما يعتقه منه، فيدخلها الدور، وتستخرج حينئذ بالجبر
كنظاهرها ".
وفيه أن لزومها لا ينافي مراعاته بعدم العجز الذي به يكون المال غير مستقر
أيضا، كما أنه لا ينافيه صيرورة المسألة دورية في الفرض المزبور الذي ستعرف
صحته في المسألة الأخيرة، نعم قد يقال إن لم يكن إجماع في المسألة إنه يقوم
العبد مكاتبا محتملا للعجز وعدمه كالمريض ونحوه، ويخرج حينئذ من الثلث،
لأنه لو لم يعتقه أو يبرأه لانتقل إليهم مكاتبا، فيكون ذلك هو الذي فوته عليهم،
والله العالم.
368

المسألة (السادسة:)
(إذا أوصى بعتق المكاتب) أو أعتقه (فمات وليس له سواه ولم يحل
مال الكتابة يعتق ثلثه معجلا) عندنا، لوجوب المبادرة إلى تنفيذ الوصية
(و) حينئذ ف‍ (لا ينتظر بعتق الثلث حلول الكتابة) خلافا لبعض الشافعية،
فاعتبر في عتق الثلث وصول الثلثين إلى الوارث، لأن نفوذ الوصية مشروط بكون
ضعفها في يد الوارث، ولما لم يرجع هنا إليه ثلثا العبد ولا مقداره من المال لم
يحكم بنفوذ العتق في الثلث، وهو واضح الضعف. وذلك (لأنه) قد انتقل إليهم
ثلثا المكاتب في مقابل الثلث وإن كان انتقاله إليه على وجه (إن أدى حصل ل‍ (هم أي
(الورثة) ثلثا (المال وإن عجز استرقوا ثلثيه) استرقاق مكاتبة (و) حينئذ
ف‍ (يبقى ثلثاه مكاتبا يتحرر عند أداء ما عليه) كما هو واضح ومنعه من
التصرف فيه قبل استقرار أحد الأمرين مع نفوذ الوصية بغير مانع لا ينافي صدق
وصول الضعف إلى الوارث، والله العالم.
369

المسألة (السابعة:)
(إذا كاتب المريض عبده اعتبر من الثلث) وإن كان عقدها عقد معاوضة
مالية (لأنها) إما بيع العبد من نفسه بثمن أو عتق بعوض، فالعوض حاصل
على التقديرين، وهو واصل إلى الورثة في مقابلة العبد، فإذا كان بقدر قيمته أو
أزيد انتفى التبرع، لكنها (معاملة على ماله بماله فجرت) حينئذ أي (المكاتبة
مجرى الهبة) بخلاف المعاوضة مع الغير بثمن المثل التي ليس فيها تفويت مال
بل تبديل مال بمال (و) المعتبر في نظر العقلاء غالبا أصل المالية دون خصوصية
العين. نعم (فيه قول آخر أنه) أي عقد المكاتبة (من أصل المال بناء على القول
بأن المنجزات من الأصل) لا أنه منه وإن قلنا بأن المنجز من الثلث، مع
احتماله لأنه لولاه لم يحصل الكسب الذي يمكن حصوله له باحتساب زكاة
ونحوها مما لا يحصل للوارث لولا المكاتبة التي لا يلزمها حصول كسب للعبد
يحصل للوارث على كل حال، بل الغالب على خلافه، ولا أقل من الخروج بذلك
عن اسم التبرع أو الشك فيه، فيبقى على ما يقتضيه القواعد من الخروج عن الأصل،
والله العالم.
وعلى كل حال فعلى الأول (فإن خرج) المكاتب (من الثلث نفذت
الكتابة فيه أجمع، وينعتق عند أداء المال فإن لم يكن سواه) وأدى النجوم في
حياة المولى وكان قد كاتبه على مثلي قيمته عتق كله أيضا، لأنه يبقى للورثة
مثلاه، فإن كاتبه على مثل قيمته عتق منه ثلثاه، لأنه إذا أخذ مأة فالجملة مأتان،
فينفذ التبرع في ثلث المأتين، وهو ثلثا المأة، ولو كاتبة على مثل قيمته وقبض منه نصف
النجوم نفذ الكتابة في نصفه.
وإن لم يؤد شيئا في حياة المولى ولم يجز الوارث (صحت في ثلثه وبطلت
في الباقي) فإن أدى عتق الثلث، وهل يراد حينئذ في الكتابة بقدر نصف ما أدي وهو
370

سدس العبد إذا كانت النجوم مثل القيمة؟ فيه في المسالك وجهان كما في المسألة
السابقة، ووجه العدم أن الكتابة قد بطلت في الثلثين فلا تعود، وهذا هو الذي جزم
به المصنف والجماعة.
وفيه (أولا) أن المسألة السابقة قد جزم فيها بالزيادة. و (ثانيا) أن
الحكم بالبطلان هنا مراعى بعدم حصول مال للميت ولو بما تصيده شبكته التي نصبها
في حياته بناء على ما يحصل فيها بعد موته له، ولا ريب في أن المقام أولى من ذلك،
ضرورة انتقال ما قابل الثلث من مال الكتابة منه إلى الوارث، فهو حينئذ من تركته
تتعلق به وصاياه ومنجزاته كغيره من مال الكتابة، فالمتجه حينئذ في المقام
الزيادة كما هو واضح، وتكون المسألة دورية تحتاج إلى الاستخراج بالجبر والمقابلة
على حسب ما سمعته في نظائرها من مسائل العتق.
ثم لا يخفى عليك أنه قد بان لك في المباحث السابقة جواز عتق السيد
المكاتب، لأنه باق على ملكه، إنما الكلام في عتقه بالعوارض كالجذام والعمى
والاقعاد والتنكيل؟ الظاهر ذلك لاطلاق الأدلة، لكن في الدروس عندي فيه نظر
ينشأ من تشبثه بالحرية، فلا يدخل تحت لفظ المملوك، ومن بقاء حقيقة الرقية،
ومن ثم لو أسلم في دار الحرب قبل مولاه عتق، ولا يخفى عليك ما في الوجه
الأول، والله العالم. هذا كله في التدبير والكتابة.
(وأما الاستيلاد فيستدعي بيان أمرين:)
371

(الأول:)
(في كيفية الاستيلاد) الذي هو عنوان لجملة أحكام شرعية مخالفة للأصول
والقواعد، كعدم جواز نقلها وانعتاقها من نصيب ولدها وغير ذلك من أحكامها التي
ستعرف بعضها وتقدم في الكتب السالفة بعض آخر.
(و) كيف كان ففي المتن (هو يتحقق بعلوق أمته منه في ملكه) وفي
القواعد " وهو يثبت بوطء أمته وحبلها منه - ثم قال -: وإنما يثبت حكم الاستيلاد
بأمور ثلاثة: (الأول) أن تعلق منه بحر، وإنما تعلق بمملوك من مولاها في
موضعين: أن يكون الواطي عبدا قد ملكه مولاه الموطوءة وقلنا إنه يملك بالتمليك
وأن يكون الواطئ مكاتبا اشترى جارية للتجارة، فإن الجارية مملوكته، ولا
يثبت حكم الاستيلاد في الأول، وأما الثاني فإن عجز استرق المولى الجميع،
وإن عتق صارت أم ولد، وليس للمكاتب بيعها قبل عجزه وعتقه، (الثاني) أن
تعلق منه في ملكه إما بوطء مباح أو محرم كالوطء في الحيض والنفاس والصوم
والاحرام والظهار والايلاء، ولو علقت في غير ملكه لم تكن أم ولد، سواء علقت
بمملوك كالزنا والعقد مع اشتراط الولد، أو بحر كالمغرور والمشتري إذا ظهر
الاستحقاق، (الثالث) أن تضع ما يظهر أنه حمل ولو علقه، أما النطفة فالأقرب
عدم الاعتداد بها " وستسمع في كلام المصنف الإشارة إلى بعض ذلك.
وفي الإيضاح " كل مملوكة علقت من مالك حر حين ملكه بحر يلحق به
شرعا فهي أم ولد له حقيقة شرعية ".
وفي الدروس " هي من حملت من مولاها بحر في ملكه " إلى غير ذلك من
كلماتهم، إلا أني لم أجد في شئ مما وصل إلي من النصوص التعرض لبيان تمام
372

موضوعها إلا ما تسمعه من خبر ابن مارد (1) فالمتجه عدم لحوق حكم الاستيلاد
في محال الشك.
(و) على كل حال ف‍ (لو أولد أمة غيره) ولدا (مملوكا) للزنا
أو للعقد المشترط فيه عليه ذلك بناء على صحته أو لغير ذلك (ثم ملكها لم
تصر أم ولد) ل‍ (ه) وإن ملكها بعد ذلك عندنا وعند جماعة في المبسوط
للأصل وغيره سواء ملكها حاملا أو بعد ولادتها.
(ولو أولدها) ولدا (حرا) تابعا له لشبهة أو لعدم اشتراط الرقية
أو لغير ذلك (ثم ملكها قال الشيخ) في المبسوط: (تصير أم ولده) على
الأقوى للصدق، بل في الخلاف صيرورتها أم ولد في الأول إذا ملكها وملك ولدها
بعد ذلك، بل لعله ظاهر ابن حمزة أيضا للصدق، إلا أن المشهور بينهم شهرة
عظيمة خلاف ذلك للأصل بعد انسياق غير الفرض من الاطلاق الذي لا عموم فيه
ولم يسق لبيان الموضوع (و) خصوص ما (في رواية ابن مارد) (2) عن
أبي عبد الله عليه السلام المنجبرة بما سمعت من أنها (لا تصير أم ولد) ل‍ (ه) قال: " في
رجل يتزوج أمة فتلد منه أولادا ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه
شيئا بعد ما ملكها، ثم يبدو له في بيعها، قال: هي أمته إن شاء باع ما لم يحدث
عنده حمل بعد ذلك، وإن شاء أعتق " بل ظاهرها مع حرية الولد فضلا عن
رقيته.
نعم لا فرق في صيرورة أمته التي علقت منه أم ولد بين كونه على وجه محلل
أو محرم بحيض أو نفاس أو إحرام أو ظهار أو نحو ذلك، بل في القواعد " لو زوج
أمته ثم وطأها فعل محرما، فإن علقت منه فالولد حر، ويثبت للأم حكم
الاستيلاد " بل فيها أيضا " لو ملك أمه أو أخته أو بنته من الرضاع انعتقن على
الأصح، وقيل لا ينعتقن، فلو وطأ إحداهن فعل حراما، ويثبت لهن حكم
الاستيلاد " ونحوه عن المبسوط، ولعله لصدق أم الولد وإن كان لا يخلو من نظر

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
373

أو منع مع العلم بالتحريم، لنفي الولد عنه شرعا ولثبوت الحد عليه، ومن هنا
مال في الدروس إلى العدم، بل عنه وعن غيره القطع بالعدم. وربما يشهد له - مضافا
إلى ما ذكرنا - ما سمعته من خبر ابن مارد، ضرورة عدم صدق حدوث الحمل
عنده على المزوجة.
بل قد يقال: إن المستفاد من الأدلة أن يملك وطأها وإن حرم عليه بالعارض
لحيض أو نفاس بخلاف المزوجة والبنت والأخت، فإنه لا يملك وطأهن وإن ملكهن
حتى الأولى التي ملك بضعها غيره بالعقد.
ولو اشترى مزوجة الأمة فأتت بولد يمكن تجدده بعد الشراء وقبله ففي
القواعد " قدمت أصالة عدم الحمل على أصالة عدم الاستيلاد أما لو نفاه فإنه ينتفي
الاستيلاد قطعا، وفي افتقار نفي الولد إلى اللعان إشكال " ولعله من أنه ولد مملوكته
المحكوم هنا بتأخر حملها، ومن أنه ولد من كانت زوجته، والأصل بقاء الفراش
مع قوة فراش العقد الدائم، ولحوق النسب وعدم الاكتفاء بالاحتمال في نفسه.
قلت: قد تقدم في اللعان ما يستفاد منه تحقيق ذلك، فلاحظ وتأمل،
كما أنه تقدم في المباحث السابقة ما يستفاد منه عدم ثبوت مثل موضوع أم الولد
بأصالة عدم تأخر الحمل.
(ولو وطأ المرهونة فحملت دخلت في حكم أمهات الأولاد) ولو من غير
إذن المرتهن بلا خلاف ولا أشكال.
إنما الكلام في جريان حكم الاستيلاد بالنسبة إلى المرتهن، فيجب على
الراهن وضع رهن غيره أو الوفاء، وعدمه لتقدم حقه على الاستيلاد، أو التفصيل
بين الموسر والمعسر، فيجب على الأول الابدال أو الوفاء دون الثاني كما عن
الخلاف، وفي قواعد الخلاف " هو الأقرب " وعن المبسوط والسرائر " أنه لا يبطل
الرهن مطلقا لتأخر الاستيلاد عنه " وعن غيرهما بطلانه لا مطلقا لاطلاق النهي (1)

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
374

عن بيع أمهات الأولاد، وعن ثالث التفصيل بين الوطء بإذن المرتهن فيبطل وبلا
إذنه فلا يبطل، وربما احتمل عدم الخلاف في عدم بطلان الرهن، لبقاء الملك
عليها وجواز موت الولد، وإنما الخلاف في جواز بيعها. هذا وقد تقدم الكلام في
المسألة في كتاب الرهن (1).
ولو أولد أمة القراض ففي القواعد " يبطل القراض فيها، وإن كان فيها ربح
جعل الربح في مال المضاربة " قلت: مع ظهور الربح وقلنا بملك العامل يتجه حينئذ
أن يكون حكمها حكم الأمة المشتركة إذا أولدها أحد الشريكين، والله العالم.
(وكذا) في جميع ما ذكرنا (لو وطأ الذمي) مثلا (أمته ف‍) أولدها
أو (حملت منه،) لعدم الفرق في أمهات الأولاد بين المسلم وغيره لاطلاق
الأدلة (و) لكن (لو أسلمت بيعت عليه) كما عن السرائر وموضع من
المبسوط قطعا لسبيله.
(وقيل) والقائل الشيخ أيضا في المحكي من خلافه وموضع آخر من
المبسوط: (يحال بينه وبينها وتجعل على يد امرأة ثقة) ولا يمكن من
التصرف فيها والتسلط عليها، عملا بعموم النهي عن بيعها (2) وعن المختلف تستسعي
في قيمتها جمعا بين الحقين.
(والأول أشبه) عند المصنف وقد تقدم في كتاب البيع (3) ما يستفاد
منه تحقيق ذلك، فلاحظ وتأمل.
ويكفي في إجراء حكم أم الولد علوقها بما هو مبدأ انسان ولو علقة بلا خلاف
أجده، بل في الإيضاح الاجماع عليه، وفي صحيح ابن مسلم (4) عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: " في جارية لرجل وكان يأتيها فأسقطت سقطا منه بعد ثلاثة أشهر،

(1) راجع ج 25 ص 208.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
(3) راجع ج 22 ص 334 - 338.
(4) الوسائل الباب - 3 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
375

قال: هي أم ولد " ومنه يعلم حينئذ أن المراد بأم الولد من حملت بما هو مبدأ
نشوء ولد، وإلا فالسقط بعد ثلاثة أشهر ليس بولد قطعا، فيبطل حينئذ التصرف
بها حينه ولا ريب في أن المضغة والعلقة كذلك بل والنطفة مع فرض بقائها في
الرحم وانعقادها ولدا، وربما يشهد لذلك معلومية بطلان بيع الأمة إذا واقعها
سيدها وباعها بلا فصل ثم بان أنها من تلك المواقعة قد حملت.
نعم لو فرض أنها ألقتها نطفة وكان التصرف بها حال وجودها فيها اتجه حينئذ
الحكم بصحة البيع، لعدم العلم بكونها نشوء آدمي، إذ لعلها فاسدة، بخلاف ما لو ألقتها
علقة، فإنه يعلم كونها نشوء آدمي، فيبطل التصرف بها المقارن لحال كونها
نطفة.
وعلى ذلك يحمل كلام الأصحاب الذي منه ما في الدروس قال: " ولا بد
مع الاشتباه من شهادة أربع من النساء ذوات الخبرة بأن ذلك مبدأ خلق آدمي ولو
مضغة أما النطفة فلا، خلافا للشيخ، والفائدة ليس في استتباع الحرية، لأنها تزول
بموت الولد، فكيف بعدم تمامه عندنا، بل في إبطال التصرفات السابقة على الوضع
بالبيع وشبهه ".
لكن في الرياض بعد أن ذكر تحقق أم الولد بعلوقها بما يكون نشوء آدمي
ولو مضغة قال: " ولا عبرة بالنطفة وفاقا للأكثر، للأصل وعدم تسميتها ولدا في
العرف، وهو وإن جرى في نحو المضغة على تقدير تسليمه لكن تلحق بالولد
بالاجماع، خلافا للنهاية فألحقها به أيضا، ونظرا منه إلى بناء الاستيلاد على التغليب،
ولذا يعتد بالعلقة والمضغة، والنطفة بعد استقرارها للصورة الانسانية تشبه العلقة
في الجملة، وهو كما ترى ".
قلت: إن كان مراده ما ذكرناه فذاك وإلا كان محلا للنظر، ضرورة عدم
الفرق بين النطفة وغيرها بعد تبين انعقادها وصيرورتها نشوء آدمي، فيبطل البيع
حينئذ من حين وقوع النطفة في رحمها.
376

هذا، وفي الرياض أيضا أن اطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة كالنصوص
وبه صرح جملة من الأصحاب أنه لا يشترط الوطء، بل يكفي مطلق العلوق منه.
وفيه أن المنساق من إطلاق النص والفتوى الأول الذي قد عبر به أيضا
بعض، ولا أقل من الشك، وقد عرفت أن الأصل بقاء حكم القن.
وبذلك كله ظهر لك الوجه في الأمور الثلاثة التي ذكرها الفاضل فيما حكيناه
عنه من عبارة القواعد، كما أنه ظهر لك في بحث المكاتبة الحال في المكاتب إذا وطأ
أمته التي اشتراها للتجارة، فلاحظ وتأمل.
الأمر: (الثاني)
(في الأحكام المتعلقة بأم الولد، وفيه مسائل:)
(الأولى:)
(أم الولد مملوكة) ما دام مولاها حيا بلا خلاف ولا إشكال، فيجوز له
التصرف بها بغير النقل كالوطء والإجارة وغيرهما، وفي صحيح زرارة (1) عن أبي جعفر
عليه السلام " سألته عن أم الولد، فقال: أمة " وفي خبر ابن بزيع (2) " سألت الرضا
عليه السلام عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها من غير طيب نفسها من خدم
أو متاع أيجوز ذلك له؟ قال: نعم إذا كانت أم ولده " إلى غير ذلك.
بل (لا تتحرر بموت المولى، بل من نصيب ولدها) إن كان له نصيب،
وإلا - كما لو كان غير وارث لمانع من الموانع - بقيت على الملك، للأصل
وظهور النصوص في أن عتقها من نصيب ولدها، بل هو صريحها، ففي الصحيح (3)

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
377

" إن كان لها ولد وترك مالا جعلت في نصيب ولدها " وفي المرسل (1) كالصحيح (2)
" إن كان لها ولد قومت على ولدها من نصيبه " ونحوهما غيرهما (3) فلا تعتق
من أصل التركة ولا من مال ولدها غير نصيبه من التركة.
بل في الدروس " ويجوز بيعها إذا مات مولاها والدين يستغرق تركته، إذ
لا إرث، فلا نصيب لولدها الذي عتقها بعد الوفاة مستند إليه " وإن كان قد يناقش
بأن الأصح انتقال التركة إلى الوارث وإن كان الدين مستغرقا، فيتجه انعتاق نصيبه
منها بملكه وإن كان الدين مستغرقا، لكن قد يدفع بظهور النص (4) في انعتاقها من نصيب
ولدها الذي لا تعلق حق فيه، والفرض في المقام تعلق حق الدين بها، وإن قلنا
بملك الوارث، اللهم إلا أن يكلف الولد بما يخصها من الدين، أو هي بالسعي،
وهما لا دليل عليهما، بل ظاهر الأدلة خلافهما فتأمل جيدا.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في ملك السيد لها (لكن) هي
وإن كان كذلك (لا يجوز ل‍) ه أي (المولى بيعها ما دام ولدها حيا إلا في
ثمن رقبتها إذا كان دينا على المولى ولا وجه لأدائه إلا منها) وكذا يجوز للوارث
بيعها فيه على الوجه المزبور، وأما في غيره من الديون بل وغير الديون من المواضع
المخصوصة فقد أشبعنا الكلام فيها في البيع (5) بل أشبعنا الكلام في جملة من
أحكامها فيه وفي غيره من الكتب السابقة، فلا وجه لإعادته.
(و) منها أنه (لو مات ولدها) في حياة أبيه (رجعت طلقا وجاز
التصرف فيها بالبيع وفي غيره من التصرفات) نصا (6) وفتوى، بل الظاهر ذلك
حتى لو خلف ولدها ولدا، لانسياق ولد الصلب من النصوص وإن قلنا: إنه ولد
حقيقة، فلا يشملها حينئذ إطلاق أم الولد. وتندرج في النصوص (7) المتضمنة

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الاستيلاد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 4 - 0 - 0.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 4 - 0 - 0.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 4 - 0 - 0.
(5) راجع ج 22 ص 374 و 375.
(6) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الاستيلاد.
(7) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الاستيلاد.
378

لحكم من مات ولدها، فما عن بعض - من كونها أم ولد بذلك - واضح الضعف وإن
قال بعض: إنه متجه لو كان وارثا لجده، لانعتاق نصيبه منها عليه دون ما إذا لم
يكن وارثا لانتفاء الملك المقتضي للعتق، بل ربما جعل هذا التفصيل قولا في
المسألة، وفي الدروس أنه ثالث الأوجه، وفيه أن انعتاق قدر نصيبه منها لا يقتضي
كونها أم ولد على وجه تلحقها أحكامها التي منها عدم جواز بيعها، ومنها
انعتاقها أجمع من نصيب الولد، للنص والاجماع، لا نصيب الولد منها خاصة، كما
هو واضح، والله العالم.
المسألة (الثانية:)
(إذا مات مولاها وولدها حي جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه) بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه هنا، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة (1) التي
منها خبر محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيما
رجل ترك سرية لها ولد أو في بطنها ولد أولا ولد لها فإن أعتقها ربها عتقت،
وإن لم يعتقها حتى توفي فقد سبق فيها كتاب الله، وكتاب الله أحق فإن كان لها
ولد وترك مالا جعلت في نصيب ولدها " وزاد في الفقيه " ويمسكها أولياؤها حتى
يكبر الولد، فيكون هو الذي يعتقها إن شاء الله، ويكونون هم يرثون ولدها ما دامت
أمة، فإن أعتقها ولدها عتقت، وإن توفي عنها ولدها ولم يعتقها فإن شاؤوا أرقوا،
وإن شاؤوا أعتقوا " وغيره من النصوص التي منها علم الحكم المزبور وإن كان مخالفا
للأصل لأن أقصى ما تقتضيه قاعدة انعتاق القريب أن ينعتق عليه منها مقدار ما يخصه
منها ولا يسري عليه لأنه عتق قهري لا اختياري إلا أن النصوص المزبورة المعتضدة
بعمل الأصحاب دلت على عتقها عليه أجمع واحتسابها من نصيبه.

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1 و 2.
379

(نعم لو لم يكن له سواها) تركة وكان له ورثة متعددون (أعتق نصيب
ولدها منها) لقاعدة القريب (وسعت في الباقي) في المشهور. لما سمعته سابقا
في كل من تحرر بعضه، ولا تقوم على ولدها إن كان له مال غيرها، لأن انعتاقها
عليه قهري، وقد عرفت في كتاب العتق عدم السراية، مضافا إلى ظهور نصوص (1)
المقام في انعتاقها عليه من خصوص النصيب لا من غيره، وإلى خصوص مقطوع
يونس (2) " في أم ولد - إلى أن قال -: فإن كان لها ولد وليس على الميت دين فهي
للولد، وإذا ملكها الولد فقد عتقت بملك ولدها لها، وإن كانت بين شركاء فقد
عتقت من نصيب ولدها، وتستسعى في بقية ثمنها " خلافا للمبسوط والإسكافي على
ما حكي عنهما، فحكما بالسراية عليه، للنبوي (3) " من ملك ذا رحم فهو حر "
وهو مع قصوره عن المعارضة لما عرفت من وجوه ظاهر في من ملكه بأجمعه لا بعضه
كما في المقام.
(و) لكن (في رواية) أبي بصير (4) عن الصادق عليه السلام (تقوم على
ولدها إن كان موسرا) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية فولدت
منه ولدا فمات، قال: إن شاء أن يبيعها باعها، وإن مات مولاها وعليه دين قومت
على ابنها فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر، ثم يجبر على قيمتها، وإن
مات ابنها قبل أمه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة ".
(وهي) وإن كانت موثقة إلا أنها (مهجورة) لم يحك العمل بها إلا عن
الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار، وقد رجع عنها على ما قيل في غيرها، وفي

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب الاستيلاد الحديث 3،
(3) المستدرك الباب - 12 - من كتاب العتق الحديث 1.
(4) الاستبصار ج 4 ص 14 الرقم 41.
380

الدروس عن الشيخ حمل الدين فيها على ثمنها، وأنه لو مات قبل البلوغ قضى منها
الدين، ثم حكى عن ابن حمزة إلحاق غيره من الديون به عملا باطلاق الرواية.
وعلى كل حال فالرواية غير نقية الدلالة على المطلوب، ضرورة كونها في الدين
نحو خبره الآخر (1) " أي رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات إن شاء
أن يبيعها في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها باعها، وإن كان لها ولد قومت
على ابنها من نصيبه، وإن كان ابنها صغيرا انتظر حتى يكبر، ثم يجبر على ثمنها،
وإن مات ابنها قبل أمه بيعت في ميراثه إن شاء الورثة " وخبره الثالث (2) عنه عليه السلام أيضا
" في رجل اشترى جارية يطأها فولدت له فمات، قال: إن شاؤوا أن يبيعوها باعوها
في الدين الذي يكون على مولاها من ثمنها، وإن كان لها ولد قومت على ولدها من
نصيبه، وإن كان ولدها صغيرا انتظر به حتى يكبر ".
اللهم إلا أن يكون وجه الاستدلال بها أنه إذا قومت عليه في الدين تقوم
عليه في غيره، ضرورة كون المرجع فيهما إلى الوارث وإن أداه في الدين، لأن
التركة على الأصح تنتقل إلى الوارث وإن تعلق بها حق الدين، ولعل ما في هذه
النصوص (3) وذيل خبر محمد بن قيس (4) السابق محمول على استحباب انتظار
الولد إذا كان على الميت دين ولا تركة سواها حتى يكبر لو كان صغيرا،
واستحباب وفاء الدين للولد حتى تعتق حينئذ عليه، وحينئذ لا تكون مما نحن
فيه من أنها تقوم عليه مع عدم تركة سواها، فتأمل جيدا.
وكيف كان فظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم السراية مع الاعسار، خلافا.
للمحكي عن ابن حمزة من السراية عليه، وأنه يستسعى في قيمتها، ولعله قرأ المقطوع

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 5 من كتاب التجارة.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 4 والباب - 24 - من
أبواب بيع الحيوان الحديث 5 والاستبصار ج 4 ص 14 الرقم 41.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب الاستيلاد الحديث 2.
381

السابق بالياء، والذي رأيناه بالتاء المثناة من فوق، بل في الرياض هو كذلك في
النسخة الصحيحة المضبوطة، والله العالم.
المسألة (الثالثة:)
(إذا أوصى لأم ولده) صح بلا خلاف ولا إشكال، ولكن (قيل)
والقائل جماعة: (تعتق من نصيب ولدها وتعطي الوصية، وقيل) والقائل
جماعة: (تعتق من الوصية، فإن فضل منها شئ عتقت من نصيب ولدها وهو
أشبه) عند المصنف، وقيل كما عن الإسكافي بالتخيير بينهما، وقيل كما عن
الصدوق تعتق من ثلث الميت غير ما أوصى به، وقد أشبعنا الكلام في المسألة في
كتاب الوصايا وقلنا: إن الأقوى الأول، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا جنت أم الولد خطأ تعلقت الجناية برقبتها) كغيرها من المملوك،
لاطلاق الأدلة وشدة الأمر في الجناية (وللمولى فكها، وبكم يفكها؟ قيل)
والقائل الشيخ في محكي المبسوط: يفكها (بأقل الأمرين من أرش الجناية
وقيمتها)، لأن الأقل إن كان هو الأرش فظاهر، وإن كان القيمة فهي بدل
العين تقوم مقامها، والجاني لا يجني على أكثر من نفسه، والمولى لا يعقل
مملوكه.
(وقيل) والقائل الشيخ أيضا (بأرش الجناية) بالغا ما بلغ، لاطلاق
الأدلة. (وهو الأشبه) عند المصنف نحو ما سمعته في المكاتب إلا أن الأقوى
خلافه كما عرفت، (وإن شاء دفعها إلى المجني عليه).
382

(وفي رواية مسمع) بن عبد الملك (1) (عن أبي عبد الله عليه السلام) " أن
أم الولد (جنايتها في حقوق الناس على سيدها)، وإن كان في حقوق الله تعالى
في الحدود فإن ذلك على بدنها، يقاص منها للمماليك " وعمل بها الشيخ في المحكي
من ديات مبسوطه نافيا الخلاف فيه إلا من أبي ثور، فجعله في ذمتها تتبع به بعد
العتق، وربما مال إليه بعض من تأخر عنه، مؤيدا له ببعض الوجوه الاعتبارية
ولا ريب في ضعفه، لاطلاق أو عموم ما دل (2) على تعلق الجناية برقبة المملوك، بل
يمكن حمل خبر مسمع المزبور على أن للسيد الفداء، والله العالم.
(ولو جنت على جماعة) دفعة أو متعاقبا ولم يتخلل فداء (فالخيار
للمولى أيضا بين فديتها) بأقل الأمرين من أرش مجموع الجنايات (أو)
القيمة أو أرش كل جناية بالغا ما بلغ وبين (تسليمها إلى المجني عليهم أو
ورثتهم) فيسترقونها (على قدر الجنايات) نحو ما سمعته في المكاتب، وإن تخلل
كان الفداء أو التسليم لغيره.
وفي الدروس " لو جنت على جماعة ولما يضمن السيد فعليه أقل الأمرين من
قيمتها والأرش. وإن ضمن للأول فظاهر المبسوط أنه لا ضمان عليه بعد إذا كان
قد أدى قيمتها، بل يشاركه من بعده فيما أخذ " قلت: هو غريب، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 43 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 1 من كتاب
القصاص.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.
383

المسألة (الخامسة:)
(روى محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام) في الموثق بل في نهاية المرام
في الصحيح (في وليدة نصرانية أسلمت عند رجل وولدت منه غلاما، فمات
فانعتقت وتزوجت نصرانيا وتنصرت وولدت، فقال: ولدها لابنها من سيدها،
وتحبس حتى تضع، فإذا ولدت فاقتلها، و) لفظها " قضى علي عليه السلام في وليدة كانت
نصرانية فأسلمت عند رجل فولدت لسيدها غلاما، ثم إن سيدها مات فأصابها
عتاق السراية، فنكحت رجلا نصرانيا داريا، وهو العطار، فتنصرت، ثم ولدت
ولدين وحملت آخر، فقضى فيها أن يعرض عليها الاسلام فأبت، قال: أما ما ولدت
من ولد فإنه لابنها من سيدها الأول، واحبسها حتى تضع ما في بطنها، فإذا
ولدت فاقتلها ".
إلا أني لم أجد عاملا بها حتى أن الشيخ (في النهاية) التي هي متون
أخبار شاذة وغيرها قال: (يفعل بها ما يفعل بالمرتدة) عن ملة (و) ما ذاك
إلا لأن (الرواية شاذة) شذوذا لا يجوز العمل بها معه فيما هو مخالف
للعمومات القاضية بكونها كالمرتدة وبقاء ولدها على الحرية، فلا بد من قصر الخبر
المزبور على أنه قضية في واقعة رأي أمير المؤمنين عليه السلام المصلحة في قتلها ولو من حيث
زناها بنصراني أو غير ذلك، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
وبهذه - والحمد لله - أنهينا تعاليقنا على الجزء 34 من كتاب جواهر الكلام
بجوار سيد الأوصياء أمير المؤمنين عليه آلاف التحية والثناء، وأقدم شكري المتواصل
إلى العلامة الأخ الشيخ محمد القوچاني لمشاركته في انجاز العمل، وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا لاتمام
هذا العمل الجبار والحاق الأواخر بالأوائل إنه سميع بصير.
محمود القوچاني
النجف الأشرف - 16 / ج 2 / 96
384

المسألة السادسة:
لا يجري حكم الاستيلاد إلى الأولاد للأصل وغيره، فلو تزوجت بعبد أو
حر شرطت رقية أولاده كان أولادها منه عبيدا يجوز بيعهم في حياة المولى
وبعد وفاته.
المسألة السابعة:
لو ماتت أم الولد قبل أن يفديها السيد لم يجب على المولى شئ، للأصل
بعد تعلق الجناية برقبتها، ولو نقصت قيمتها وأراد الفداء ففي القواعد:
(فداها بقيمتها يوم الفداء، ولو زادت زاد الفداء، ويجب قيمتها معيبة بعيب
الاستيلاد ".
المسألة الثامنة:
لو كسبت بعد جنايتها شيئا فهو لمولاها دون المجني عليه، نعم لو كسبت
بعد الدفع فهو للمجني عليه، فلو اختلفا قدم قول المجني عليه، ولو أتلفها سيدها
فعليه قيمتها، وكذا لو عيبها فعليه الأرش.
385

المسألة التاسعة:
لو باعها مولاها لم يقع موقوفا بل باطلا، فلو مات الولد لم ينتقل إلى المشتري
ولو كان بعد البيع بلا فصل.
المسألة العاشرة:
لا يبطل الاستيلاد بقتلها مولاها عمدا إذا عفي الورثة.
الحادية عشر:
للمولى أرش جناية الأجنبي عليها كغيرها من مماليكه، فإن كونها أم ولد
لا يخرجها عن ذلك، وله ضمان قيمتها على من غصبها.
الثانية عشر:
لو شهد اثنان على إقراره بالاستيلاد وحكم به ثم رجعا غرما له قيمة الولد
إن كذبهما في نسبه، ولا يغرمان في الحال قيمة الجارية، لأنهما إنما أزالا سلطنة
البيع ولا قيمة له مع احتمال ضمان الأرش للتعيب، بل ولا بعد الموت، لأنها
386

محسوبة على الولد، وهل يرث هذا الولد؟ إشكال فإن قلنا به فالأقرب أن للورثة
تغريمهما حصته، والله العالم.
وتم تصحيحه وتهذيبه في اليوم العشرين
من جمادى الثانية يوم ولادة مولاتنا
وسيدتنا الزهراء سلام الله عليها وعلى
أبيها وبعلها وبنيها سنة - 1398 -
والحمد لله أولا وآخرا وذلك بيد العبد:
السيد إبراهيم الميانجي
عفى عنه وعن والديه
387