الكتاب: كتاب الصلاة
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء: ١
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الأول ١٤١٥
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك:
ملاحظات:

كتاب الصلاة
1

الأنصاري
المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية
لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
كتاب الصلاة
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ المرتضى الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍
الجزء الأول
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
3

الكتاب: كتاب الصلاة
المؤلف: الشيخ الأعظم الشيخ المرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى - جمادى الأول 1415
صف الحروف: مؤسسة الكلام - قم
الليتوغراف: مؤسسة الهادي - قم
المطبعة: باقري - قم
الكمية المطبوعة: 2000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره.
4

برعاية
قائد الثورة الاسلامية ولي أمر المسلمين
سماحة آية الله السيد الخامنئي دام ظله الوارف
تم طبع هذا الكتاب
5

بسم الله الرحمن الرحيم
6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
لم تكن الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه حدثا سياسيا
تتحدد آثاره التغييرية بحدود الأوضاع السياسية إقليمية أو عالمية، بل كانت
وبفعل التغييرات الجذرية التي أعقبتها في القيم والبنى الحضارية التي شيد
عليها صرح الحياة الانسانية في عصرها الجديد حدثا حضاريا إنسانيا شاملا
حمل إلى الانسان المعاصر رسالة الحياة الحرة الكريمة التي بشر بها الأنبياء،
عليهم الصلاة والسلام على مدى التأريخ وفتح أمام تطلعات الانسان الحاضر أفقا باسما
بالنور والحياة، والخير والعطاء.
وكان من أولى نتائج هذا التحول الحضاري الثورة الثقافية الشاملة
التي شهدها مهد الثورة الاسلامية إيران والتي دفعت بالمسلم الإيراني إلى
اقتحام ميادين الثقافة والعلوم بشتى فروعها، وجعلت من إيران، ومن قم
المقدسة بوجه خاص عاصمة للفكر الاسلامي وقلبا نابضا بثقافة القرآن
وعلوم الاسلام.
7

ولقد كانت تعاليم الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه ووصاياه وكذا
توجيهات قائد الثورة الاسلامية وولي أمر المسلمين آية الله الخامنئي المصدر
الأول الذي تستلهم الثورة الثقافية منه دستورها ومنهجها، ولقد كانت الثقافة
الاسلامية بالذات على رأس اهتمامات الإمام الراحل رضوان الله عليه وقد أولاها
سماحة آية الله الخامنئي حفظه الله تعالى رعايته الخاصة، فكان من نتائج ذاك
التوجيه وهذه الرعاية ظهور آفاق جديدة من التطور في مناهج الدراسات
الاسلامية بل ومضامينها، وانبثاق مشاريع وطروح تغييرية تتجه إلى تنمية
وتطوير العلوم الاسلامية ومناهجها بما يناسب مرحلة الثورة الاسلامية
وحاجات الانسان الحاضر وتطلعاته.
وبما أن العلوم الاسلامية حصيلة الجهود التي بذلها عباقرة الفكر
الاسلامي في مجال فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة فقد كان من أهم
ما تتطلبه عملية التطوير العلمي في الدراسات الاسلامية تسليط الأضواء
على حصائل آراء العباقرة والنوابغ الأولين الذين تصدروا حركة البناء
العلمي لصرح الثقافة الاسلامية، والقيام بمحاولة جادة وجديدة لعرض
آرائهم وأفكارهم على طاولة البحث العلمي والنقد الموضوعي، ودعوة
أصحاب الرأي والفكر المعاصرين إلى دراسة جديدة وشاملة لتراث السلف
الصالح، من بناة الصرح الشامخ للعلوم والدراسات الاسلامية ورواد الفكر
الاسلامي وعباقرته.
وبها أن الإمام المجدد الشيخ الأعظم الأنصاري قدس الله نفسه يعتبر
الرائد الأول للتجديد العلمي في العصر الأخير في مجالي الفقه والأصول
- وهما من أهم فروع الدراسات الاسلامية - فقد اضطلعت الأمانة العامة
لمؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري - بتوجيه من سماحة قائد الثورة الاسلامية
8

آية الله الخامنئي ورعايته - بمشروع إحياء الذكرى المئوية الثانية لميلاد
الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره وليتم من خلال هذا المشروع عرض
مدرسة الشيخ الأنصاري الفكرية في شتى أبعادها وعلى الخصوص ايداعات
هذه المدرسة وإنتاجاتها المتميزة التي جعلت منها المدرسة الأم لما تلتها من
مدارس فكرية كمدرسة الميرزا الشيرازي والآخوند الخراساني والمحقق
النائيني والمحقق العراقي والمحقق الأصفهاني وغيرهم من زعماء المدارس
الفكرية الحديثة على صعيد الفقه الاسلامي وأصوله.
وتمهيدا لهذا المشروع فقد ارتأت الأمانة العامة أن تقوم لجنة مختصة
من فضلاء الحوزة العلمية بقم المقدسة بمهمة إحياء تراث الشيخ الأنصاري
وتحقيق تركته العلمية وإخراجها بالأسلوب العلمي اللائق وعرضها لرواد
الفكر الاسلامي والمكتبة الاسلامية بالطريقة التي تسهل للباحثين الاطلاع
على فكر الشيخ الأنصاري ونتاجه العلمي العظيم.
والأمانة العامة لمؤتمر الشيخ الأنصاري إذ تشكر الله سبحانه وتعالى على هذا
التوفيق تبتهل إليه في أن يديم ظل قائد الثورة الاسلامية ويحفظه للاسلام
ناصرا وللمسلمين رائدا وقائدا وأن يتقبل من العاملين في لجنة التحقيق
جهدهم العظيم في سبيل إحياء تراث الشيخ الأعظم الأنصاري وأن يمن
عليهم بأضعاف من الأجر والثواب.
أمين عام مؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري
محسن العراقي
9

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
واللعنة الدائمة على أعداء الدين.
أما بعد:
فبين أيدينا كتاب (الصلاة) للشيخ الأعظم الشيخ مرتضى
الأنصاري قدس سره، والكتاب - وإن كان فيه بعض النقائص كما سنشير إليها -
لكنه يعتبر من الثروات العلمية التي خلفها الشيخ الأنصاري قدس سره للأجيال
المتأخرة عنه، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه قدس سره قد لاحظ الكتاب
وراجعه قبيل مرجعيته العامة، لدلالة بعض التواريخ المكتوبة في هامش
النسخة الأصلية على ذلك، فقد كتب في هامش الصفحة اليسرى من الورقة:
(78) من المخطوطة: (لا بد أن يكتب من هنا إلى أول الخلل، 3 ربيع
المولود 1263) أي قبل مرجعيته العامة بثلاث سنوات. ومقصوده من إعادة
الكتابة، هو إعادة تحرير المسألة كما هي طريقته في مواطن كثيرة.
ولنا مؤشرات تدل على وجود فاصل زمني لا يستهان به بين
الكتابتين، كما سيأتي بيانه.
11

النسخ المعتمد عليها:
اعتمدنا في تحقيق الكتاب على نسختين وهما:
أولا - مصورة النسخة الأصلية، مخطوطة الشيخ الأنصاري قدس سره،
المحفوظة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد برقم (11130)، وهي في
(340) ورقة أي (680) صفحة بمقياس (5 / x 21 15 سم).
والنسخة جيدة الخط واضحة إلا أن كثرة الخروج من المتن إلى
الحواشي، وعدم تشخيصها أحيانا، وسراية الرطوبة إلى خطوطها، وتشويه
بعض الكلمات، ووقوع الانخرام في بعض أوراقها، أو ضياع بعضها الآخر،
أدى إلى صعوبة قراءتها، بل وإلى ضياع بعض العبارات من دون إمكان
تداركها من نسخة أخرى.
ورمزنا هذه النسخة برمز (ق).
ثانيا - نسخة العلامة الشيخ فضل الله النوري قدس سره التي استنسخ
أكثرها بيده، وهي تقع في مجلدين:
الأول - من أول المواقيت إلى التسليم في (139) صفحة.
الثاني - من مستحبات الصلاة إلى آخر صلاة المسافر في (169)
صفحة بمقياس (5 / x 17 5 / 10).
وهذه النسخة حسب ترتيب الأصل إلا أنه لم يرد فيها بعض المواضيع
المكررة.
والنسخة محفوظة في مكتبة آية الله المرعشي قدس سره القسم الأول منها
برقم (4427) والثاني برقم (3925).
لكن لم نتمكن - مع الأسف - من الاستفادة من هذه النسخة في المجلد
12

الأول لأننا وفقنا للحصول عليها بعد صف الحروف، ولم يكن بوسعنا تأخير
العمل، ولذلك نأمل أن نستفيد منها في المجلدات اللاحقة إن شاء الله تعالى.
وسوف نرمز لها برمز (ن).
ثالثا - النسخة المطبوعة عام (1305) بالطبعة الحجرية.
وهذه النسخة مستنسخة من نسخة آية الله الشيخ فضل الله النوري
المتقدمة.
ورمزنا لها ب‍ (ط).
خصوصيات النسختين (أي الأصلية والمطبوعة):
تبين لنا خلال العمل ومقارنة النسختين أمران:
الأول: أن الترتيب الذي عليه كتاب الصلاة لم يكن على ما رتبه
الشيخ قدس سره نفسه، بل إن أوراقه قد اختلط بعضها ببعض، أو ضاع بعضها،
ثم جاء بعده من اهتم بتجميعها، فجمعها حسب اجتهاده، بل وغير في
التعقيبات التي تلي نهاية الصفحات، والتي كتبها الشيخ نفسه، رجاء أن يوفق
بين بعض الصفحات، ولربما اضطر إلى أن يغيرها مرة ثانية لتنبهه إلى عدم
الملاءمة بين الصفحات.
وعلى هذا الأساس قمنا بملاحظة ترتيب الصفحات من جديد من
خلال التعقيبات التي كانت مكتوبة بخط الشيخ قدس سره، والتي شطب عليها
مجمع الأوراق، وبعد جهد كتير تمكنا - إلى الآن - من كشف عدة موارد وقع
فيها تقديم وتأخير، نذكر منها ما يلي:
1 - الورقة (54) من مصورة المخطوطة، فإن الصفحة اليمنى منها
- وهي تبحث عن السجود الاضطراري وعن أن الواجب هو الايماء أو مع
13

وضع ما يصح السجود على الجبهة - ترتبط ببقية هذا البحث في الصفحة
اليسرى من الورقة (128) وأولها: (الوضع عن الايماء)، راجع الصفحة
(511) من هذا المجلد، هذا وقد وردت هذه الصفحة في الصفحة (158)،
من الطبعة الحجرية من دون ارتباط بما قبلها وما بعدها.
2 - كما أن الصفحة اليسرى منها - وهي تبحث حول عدم التمكن من
القراءة - ترتبط بالصفحة اليمنى من الورقة (69).
3 - إن الصفحة اليمنى من الورقة (55) - والبحث فيها في الاجتزاء
بالذكر لمن لا يحسن القراءة - ترتبط ببقية هذا البحث في الصفحة اليسرى
من الورقة (69).
4 - كما أن الصفحة اليمنى من الورقة (129) - والبحث فيها حول
احتياج أبدال الركوع والسجود كالايماء إلى نية خاصة وعدمه - ترتبط ببقية
البحث في الصفحة اليسرى من الورقة (55).
5 - إن الصفحة اليمنى من الورقة (187) من المصورة لم ترتبط
بالصفحة اليسرى منها من الناحية الموضوعية; فإن اليمنى تبحث في قاعدة
(لا سهو في سهو) والمحتملات فيها، بينما اليسرى منها تبحث - من ابتداء
الصفحة - في أن معرفة أحكام الشكوك شرط في صحة الصلاة أو لا؟
ومع الأسف لم يلتفت لا مجمع الأوراق ولا من قام بطبع النسخة
الحجرية إلى هذه النكتة، فوردتا متصلتين، وجاءت العبارة في المطبوعة
الصفحة (246) هكذا:
(... ولنشر إلى حكم هذه الاحتمالات في ضمن مسائل:
الأولى: الشك في أصل الشك في الشئ، وحكمه جعل الشك
المشكوك فيه كالعدم; للأصل فيلتفت إلى نفسي الشئ في هذا الآن... فإن
14

شك فيها عمل على مقتضي * معرفة أحكام صور الشكوك والسهو الكثيرة
الوقوع شرط في صحة الصلاة وإن لم تتفق فيها أم لا؟ وجهان، من عدم
الدليل، ومن أنه يعتبر في النية الجزم بإيقاع الفعل على وجه يكون مطلوبا
للشارع...).
فإن كلمة (مقتضى) هي نهاية الصفحة اليمنى، وكلمة (معرفة) هي
بداية الصفحة اليسرى، وعندما يلاحظهما القارئ لا يرى انسجاما بينهما.
ومما يدلل على عدم الارتباط: أنه لم يأت ذكر لبقية الاحتمالات،
ولم نر (ثانية) (للأولى)، وأنه وضع على عبارة (معرفة أحكام صور
الشكوك) - في المخطوطة - علامة أنه من المتن.
كانت هذه بعض الموارد، وربما كانت هناك موارد أخرى سوف نشير
إليها في محالها إن شاء الله تعالى.
الأمر الثاني: والأمر الآخر الذي تبين لنا خلال العمل هو: أن
المخطوطة اشتملت على أبحاث مكررة حذفت من المطبوعة من قبيل:
أ - مباحث الاستقبال، وهي ست أوراق تبتدئ من الصفحة اليسرى
من الورقة (22) وتنتهي بالصفحة اليمنى من الورقة (28)، وكتب مرتب
الأوراق في هامش الصفحة الأولى من هذه الأوراق ما يلي: (هذا الورق
مكرر خامس أوراق مسألة الاستقبال)، وفي هامش الورقة (26) ما يلي:
(لا يخفى أن هذا الورق وما بعده مكرر الورق العاشر من مسألة
الاستقبال).
ب - مباحث في القيام والنية وتكبيرة الاحرام والقراءة، وهي تبتدئ
بالصفحة اليسرى من الورقة (47) حتى الصفحة اليمنى من الورقة (77).
ومع ذلك فقد ورد في المطبوعة بعض الموارد المكررة من قبيل:
15

1 - ما كتبه في الخلل الواقع في الصلاة، فإن الشيخ قدس سره كتب
رسالتين صغيرتين غير كاملتين في موضوع الخلل، طبعتا معا في المطبوعة،
وقد قمنا بطبعهما مع ما كتبه في أحكام الخلل بصورة مستقلة في مجلد واحد
تحت عنوان (أحكام الخلل الواقع في الصلاة).
2 - ما كتبه في صلاة الجماعة، فإنه قدس سره كتب في صلاة الجماعة
مرتين: مرة بصورة شرح على الإرشاد، ومرة بصورة مستقلة، وتكرر فيهما
البحت عن بعض المواضيع وطبع القسمان معا، فلم يحذف المكرر كما حذف
في الاستقبال والقيام والنية....
ولا بد من أن نشير - هنا - إلى أن بعضهم قد جمع بين الرسالتين
ورتبهما ترتيبا فنيا مع حذف المكررات، وتقديم بعض المطالب وتأخير
بعضها الآخر، فحصل من ذلك كتاب مستقل في صلاة الجماعة، وطبع مع
بعض طبعات المكاسب، جاء في مقدمته:
(فيما كتب قدس سره في صلاة الجماعة، وقد وجدت أوراقا بخطه
الشريف قدس سره كتبها سابقا شرحا على الإرشاد، وأوراقا كتبها لاحقا
مستقلة، فقدمت السابقة على اللاحقة وأتممتها بإلحاق اللاحقة عليها بعد
حذف المكررات السابقة، وراعيت فيها الترتيب في المتفرقات، فأوجب ذلك
تقديم شئ من اللاحق، وهو فضيلة الجماعة واشتراط العدالة، ونبهت في
الهامش على مبدأ كل واحد منهما ومنتهاه...).
وأشار العلامة الطهراني إلى هذا فقال تحت عنوان (رسالة في صلاة
الجماعة): (للشيخ الأنصاري المرتضى بن المولى محمد أمين، المتوفى
(1281)، فإنه كتب أولا شرحا على الإرشاد، ثم كتب رسالة مستقلة ثم
رتبتا مع إسقاط المكررات، فصار الكل رسالة واحدة مرتبة، وهي المطبوعة
16

الآن، ويوجد في مكتبة سيدنا الحسن صدر الدين ما كتبه أولا، وأولها في
إدراك الإمام راكعا) (1).
3 - ما ورد في الصفحة (158) من المطبوعة في آخر مباحث الركوع،
حيث أورد ما يرتبط بالسجود - وهو البحت عن كفاية وضع ما يصح
السجود عليه على الجبهة عن الايماء، وعدمه - ذيل البحث عن الركوع
وقبل الدخول في البحث حول الواجب السادس وهو (السجود)، ولذلك
علق عليه في هامش المطبوعة - ولا ندري من المعلق - وكتب:
(هنا بياض في الأصل، وما بعده ابتداء الصفحة)، وكتب أيضا:
(هذه من مسائل السجود، والاشتباه ممن رتب هذه الأوراق في الأصل،
بل لا دخل له بالسجود أيضا، بل هو زائد مكرر مربوط بنظير ما تقدم في
القيام من القيام المكرر الغير المكتوب).
وموارد أخرى من هذا القبيل نشير إليها في مواضعها إن شاء الله
تعالى.
والذي توصلنا إليه هو: أن الشيخ قدس سره كان يهدف في تكرار الكتابة
إلى تنقيح ما كتبه أولا، والذي يدل على ذلك أمران:
الأول - ما وجدناه مكتوبا بخطه الشريف على أول الصفحة اليسرى
من الورقة (78) وهو عبارة: (لا بد أن يكتب من هنا إلى الخلل، 3 ربيع
المولود سنة 1263)، وما كتبه على هامش الصفحة اليسرى من الورقة
(79) من قوله: (بلغ كتابة إلى هنا).
الثاني - إن كيفية دراسته للمواضيع المكررة تختلف عما كتبه أولا، فإن

(1) الذريعة 15: 62.
17

بعض ما كتبه ثانيا أوسع وأدق مما كان كتبه أولا، بل وحتى أن عباراته
أسلس منها، ولعل هذا يشعر بوجود فاصل زمني لا يستهان به بين
الكتابتين.
وعلى هذا الأساس كان يقتضي ظاهر الحال أن نقدم جميع ما كتبه
مؤخرا فنجعله في أصل الكتاب، ونؤخر ما كان كتبه أولا، ولكن منعنا من
ذلك أمران وهما:
1 - فقدان بعض الصفحات من القسم المكرر، مما جعل العبارات غير
مترابطة نوعا ما وخصوصا في بحت القراءة.
2 - وجود انخرام في عدد من صفحات الأوراق المكررة مما أوجب
تعذر قراءتها، ونحن وإن استعنا - أحيانا - بالنسخة الأخرى - أي ما كتبه
أولا - لترميم بعض هذا النقص إلا أنه واجهتنا عبارات أخرى لم نتمكن من
قراءتها مطلقا، أو موارد وقع فيها الانخرام الكثير بحيث لم يمكن ترميمها;
ولذا جعلنا بدلها ثلاث نقاط للدلالة على موضع الانخرام والنقص، وربما
حددنا مقداره في الهامش.
كيفية التحقيق:
نرى من الضروري أن نشير - قبل التطرق لبيان كيفية التحقيق - إلى
نقطة، وهي:
أننا نبئنا - حين بدأنا بالعمل التحقيقي في كتب الشيخ قدس سره - أن
مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين العامرة كانت قد أقدمت
على تحقيق كتاب الصلاة، ولذلك توقفنا عن الاقدام رعاية للجانب
الأخلاقي، وعدم إهدار الطاقات نتيجة تكرار العمل، ولكن - بعد مدة -
لم نر التحرك اللازم في اتجاه تحقيق الكتاب وطبعه ونحن على أعتاب المؤتمر
18

المنعقد للشيخ الأعظم قدس سره، ولذلك صممنا على تحقيق الكتاب وطبعه،
ولكن - رعاية لعدم إتلاف الثروات - طلبنا منهم أن يقدموا لنا ما أنجزوه
في الكتاب لنكمله نحن، فقدموه لنا، ولما لاحظناه وجدناه:
أولا - أنه مستنسخ على الطبعة الحجرية، ولم يقابل مع المخطوطة
الأصلية.
ثانيا - أن الاستخراجات كانت لا تتعدى الروايات وبعض الأقوال.
ثالثا - لم يصل العمل - بعد - إلى مرحلة تقويم النص، ولا إلى معالجة
المشاكل الكثيرة التي أشرنا إليها فيما سبق.
ولذلك كله - ومع شكرنا للمؤسسة ومسؤوليها - قمنا بتشكيل عدة
لجان لاتمام العمل، فتشكلت اللجان الآتية:
أولا - لجنة المقابلة:
اهتماما بالموضوع وإذعانا بصعوبة التوصل إلى مراد الشيخ قدس سره من
خلال كتاباته - وخاصة كتاب الصلاة على ما وصفنا - فلذلك قام ثلة من
الفضلاء - ممن اشتركوا في اللجان الأخرى - بمقابلة النسختين: نسخة الأصل
والنسخة الحجرية، واشترك معهم الأخ صادق الحسون.
هذا وقد تكررت المقابلة عدة مرات.
ثانيا - لجنة الاستخراج:
قامت هذه اللجنة بمراجعة الاستخراجات التي قامت بتخريجها مؤسسة
النشر الاسلامي، واستخراج الموارد غير المستخرجة حيث كانت تشكل الغالبية
وخاصة في قسم الأقوال. وكانت هذه اللجنة تضم حجج الاسلام والمسلمين:
1 - السيد جواد الشفيعي.
2 - الشيخ جعفر الطبسي.
19

3 - الشيخ مصطفى الهروي.
4 - الشيخ صادق الكاشاني.
ثالثا - لجنة المراجعة:
تمت مراجعة الاستخراجات التي قام بها الإخوة في اللجنة السابقة
في مرحلتين، قبل صف الحروف وبعده، وفي كل مرة كانت تراجع
الاستخراجات مراجعة دقيقة، وكان ذلك يأخذ جهدا بالغا.
هذا وقد قام حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد باقر حسن پور
بمراجعة القسم الأول من الكتاب، وقام حجة الاسلام والمسلمين الشيخ
مرتضى الواعظي بمراجعة القسم المكرر أي الملاحق.
رابعا - لجنة تقويم النص:
اهتمت هذه اللجنة بتقويم النص حسبما تقتضيه القواعد الفنية، وقد
لاقت صعوبات كثيرة في تحقيق هذا الهدف لما اتصفت به النسخة من
التشويش والاضطراب.
وقد اشترك في هذه اللجنة: حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد باقر
حسن پور، وحجة الاسلام والمسلمين السيد محمد جواد الجلالي.
وأما الفهرس فقد قام بتدوينه حجة الاسلام والمسلمين الشيخ خالد
غفوري.
وختاما نشكر جميع المحققين الذين بذلوا الجهد في إحياء هذا السفر
القيم، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياهم لاتمامه، إنه قريب مجيب.
مسؤول لجنة التحقيق
محمد علي الأنصاري
20

صورة الصفحة الأولى من كتاب الصلاة
21

صورة الصفحة اليسرى من الورقة (128) وهي ترتبط بالصفحة اليمنى من الورقة (54)
انظر الصفحة (511) من هذا الكتاب
22

صورة الصفحة اليمنى من الورقة (129) وهي ترتبط بالصفحة اليسرى من الورقة (55)
انظر الصفحة (517) من هذا الكتاب
23

صورة الصفحة الأخير لما من هذا المجلد
انظر الصفحة (445) من هذا الكتاب
24

كتاب الصلاة
والنظر في المقدمات والماهية واللواحق
25

النظر الأول
في
المقدمات
وفيه مقاصد
27

الأول: في أقسامها
وهي واجبة، ومندوبة.
فالواجبات تسع: اليومية، والجمعة، والعيدان، والكسوف، والزلزلة،
والآيات، والطواف، والأموات، والمنذور وشبهه.
والمندوب: ما عداه.
فاليومية خمس: الظهر، والعصر، والعشاء - كل واحد أربع ركعات
في الحضر، ونصفها في السفر - والمغرب ثلاث فيهما، والصبح ركعتان كذلك.
ونوافلها في الحضر: ثمان ركعات قبل الظهر، وثمان قبل العصر، وأربع
بعد المغرب، وركعتان من جلوس - تعدان بركعة - بعد العشاء، وإحدى عشرة
ركعة صلاة الليل، وركعتا الفجر، وتسقط نوافل الظهرين والوتيرة في السفر.
29

المقصد الثاني: في أوقاتها
فأول وقت الظهر: إذا زالت الشمس، المعلوم بزيادة الظل بعد نقصه،
أو ميل الشمس إلى الحاجب الأيمن للمستقبل إلى أن يمضي مقدار أدائها، ثم
تشترك مع العصر إلى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر فتختص به.
وأول المغرب: إذا غربت الشمس، المعلوم بغيبوبة الحمرة المشرقية
إلى أن يمضي مقدار أدائها، ثم يشترك الوقت بينها وبين العشاء إلى أن يبقى
لانتصاف الليل مقدار العشاء فيختص بها.
وأول الصبح: إذا طلع الفجر الثاني المعترض، وآخره: طلوع الشمس.
ووقت نافلة الظهر: إذا زالت الشمس إلى أن يزيد الفئ قدمين، فإن خرج
ولم يتلبس قدم الظهر ثم قضاها بعدها، وإن تلبس بركعة أتمها ثم صلى الظهر.
ونافلة العصر: بعد الفراغ من الظهر إلى أن يزيد الفئ أربعة أقدام،
فإن خرج قبل تلبسه بركعة صلى العصر وقضاها، وإلا أتمها.
ويجوز تقديم النافلتين على الزوال في يوم الجمعة خاصة، ويزيد فيه
أربع ركعات.
ونافلة المغرب: بعدها إلى ذهاب الحمرة، فإن ذهبت الحمرة ولم يكملها
30

اشتغل بالعشاء.
والوتيرة: بعد العشاء، وتمتد بامتدادها.
ووقت صلاة الليل: بعد انتصافه، وكلما قرب من الفجر كان أفضل،
فإن طلع وقد صلى أربعا أكملها، وإلا صلى ركعتي الفجر.
ووقتهما: بعد الفجر الأول إلى أن تطلع الحمرة المشرقية، فإن طلعت
ولم يصلهما بدأ بالفريضة، ويجوز تقديمهما على الفجر.
وقضاء صلاة الليل أفضل من تقديمها، وتقضى الفرائض كل وقت
ما لم تتضيق الحاضرة، والنوافل ما لم يدخل وقتها.
ويكره ابتداء النوافل: عند طلوع الشمس، وغروبها، وقيامها إلى أن
تزول - إلا يوم الجمعة - وبعد الصبح والعصر عدا ذي السبب.
وأول الوقت أفضل إلا ما يستثنى، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها
ولا تقديمها عليه.
ويجتهد في الوقت إذا لم يتمكن من العلم، فإن انكشف فساد ظنه
وقد فرغ قبل الوقت أعاد، وإن دخل وهو متلبس ولو في التشهد أجزأ،
ولو صلى قبله عامدا أو جاهلا أو ناسيا بطلت صلاته، ولو صلى العصر قبل
الظهر ناسيا أعاد إن كان في المختص، وإلا فلا.
والفوائت ترتب كالحواضر، فلو صلى المتأخرة ثم ذكر عدل مع
الامكان، وإلا استأنف، ولا ترتب الفائتة على الحاضرة وجوبا على رأي (1).

(1) إلى هنا من كتاب إرشاد الأذهان للعلامة الحلي قدس سره وإنما أوردناها هنا لكون
أكثر الكتاب هو شرح لما ورد في الإرشاد، عدا مباحث الأوقات التي أوردها المؤلف
قدس سره بصورة مسألة مسألة.
31

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
في المواقيت
وفيه فصلان:
32

الفصل الأول
في
أوقات الفرائض الخمس
وفيه مسائل
33

[مسألة]
[1] (1)
لا خلاف ظاهرا في أن زوال الشمس أول وقت الظهر،
وإنما الخلاف
في أنه من حين الزوال يشترك الوقت بينها وبين العصر أو يختص الظهر من
أول الزوال بمقدار أدائها؟ المشهور هو التأني، والأول محكي عن الصدوق (2)
ونسب إلى والده (3) أيضا قدس سره، والمعتمد ما ذهب إليه المعظم.
لنا - مضافا إلى الأصل -: ما رواه الشيخ عن داود بن فرقد، عن أدلة المختار
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (إذا زالت الشمس فقد دخل

(1) وردت عناوين المسائل في (ق) بالأرقام (1) (2)... بينما ترك لبعضها بياضا
بمقدار كلمة أو أكثره وأما في (ط) فوردت العناوين هكذا: (الأول) (المسألة الثانية)
وتركت لبعضها بياضا كالنسخة (ق). وقد رقمنا المسائل متسلسلة حسب ورودها في
النسختين.
(2) المقنع والهداية (الجوامع الفقهية): 8 و 51
(3) جامع المقاصد 2: 24.
35

وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك
فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع
ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى
تغيب الشمس)، (1).
وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن سندها إلى الحسن بن فضال
صحيح، وبنو فضال ممن أمر بالأخذ بكتبهم ورواياتهم (2)، مضافا إلى
انجبارها بالشهرة العظيمة، بل عدم الخلاف الصريح في المسألة; نظرا إلى أنه
لم يظهر من الصدوق المخالفة إلا لا يراد أخبار الاشتراك في كتابه (3)، ونسبة
المخالفة إليه بمجرد هذا مشكل، سيما بعد ملاحظة أن ما أورده من الأخبار
ظاهر في اشتراك الوقت من أوله إلى آخره بين الظهرين، مع أن كلامه
في الفقيه - كما سيجئ (4) - صريح في اختصاص آخر الوقت بالعصر.
وبالجملة، فنسبة القول باشتراك الوقت من أوله إلى آخره إلى
الصدوق مشكل.
ومما يقوي ذلك الاشكال: وقوع التصريح بالاجماع في كنز العرفان (5)،
وحكايته عن الحلي في السرائر (6)، وظهوره من كلام السيد المحكي

(1) التهذيب 2: 25، الحديث 70 والوسائل 3: 92، الباب 4 من أبواب المواقيت،
الحديث 7.
(2) انظر الوسائل 18: 72، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 79.
(3) راجع الأخبار في الفقيه 1: 215، باب مواقيت الصلاة.
(4) في الصفحة: 41.
(5) كنز العرفان 1: 77.
(6) السرائر 1: 196 و 200.
36

في المختلف (1) والمدارك (2).
واحتج للصدوق (3) بأخبار الاشتراك، وهي كثيرة:
منها: ما رواه الصدوق - في الصحيح - عن زرارة، عن أبي جعفر
عليه السلام، أنه قال: (إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر، وإذا
غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة) (4).
ومنها: رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام حيث سأله
عن وقت الظهر والعصر، فقال: (إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر
والعصر إلا أن هذه قبل هذه، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب
الشمس) (5).
ومنها: ما رواه عبيد بن زرارة أيضا، عن أبي عبد الله عليه السلام،
في قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال: (إن الله
تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل،
منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن
هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف

(1) 1 لمختلف 2: 7.
(2) المدارك 3: 35.
(3) احتج له في الحدائق 6: 101.
(4) الفقيه 1: 216، الحديث 648، والوسائل 3: 91، الباب 4 من أبواب المواقيت،
الحديث الأول.
(5) الفقيه 1: 216، الحديث 647، والوسائل 3: 92، الباب 4 من أبواب المواقيت،
ذيل الحديث 5.
37

الليل) (1).
ومنها: رواية الصباح بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
(إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين) (2).
ومثلها رواية سفيان [بن] السمط (3) ومالك الجهني عن أبي عبد الله
عليه السلام (4) ورواية منصور بن يونس (5) والمكاتبة المروية عن محمد بن أحمد
بن يحيى عن أبي الحسن عبد السلام (6)، ورواية إسماعيل بن مهران عن الرضا
عليه السلام (7).
والجواب: أما عن روايتي عبيد، فباشتمالهما على ما يؤنس كون المراد
من دخول الوقتين عند زوال الشمس: دخولهما متعاقبين، وهي قوله في
الأولى منهما: (ثم أنت في وقت منهما حتى تغيب الشمس) مع أنه لم يقل
أحد ظاهرا باشتراك آخر الوقتين، ونسبته إلى الصدوق غير صحيحة - كما
سيجئ (8) - وقوله في الثانية: (افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال
الشمس إلى انتصاف الليل)، وقوله: (ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب

(1) الوسائل 3: 115، الباب 10 من أبواب المواقيت، الحديث 4، وفي آخره: (إلا أن
هذه قبل هذه).
(2) الوسائل 3: 93، الباب 4 من أبواب المواقيت، الحديث 8.
(3) نفس المصدر، الحديث 9.
(4) نفس المصدر، الحديث 11.
(5) نفس المصدر، الحديث 10
(6) الوسائل 3: 98، الباب 5 من أبواب المواقيت، الحديث 13.
(7) الوسائل 3: 95، الباب 4 من أبواب المواقيت، الحديث 20.
(8) في الصفحة: 41
38

الشمس إلى انتصاف الليل).
وقد يرد هذه الرواية وما قبلها بأن قوله فيهما: (إلا أن هذه قبل هذه)
دال على تقدم وقت الأولى على الثانية.
وفيه: ما لا يخفى؟ فإن الفقرة دالة على ثبوت الترتيب بين الصلاتين
لا بين وقتيهما.
وأما عن الروايات الباقية: فبأنها - على ضعفها سندا - عامة بالنسبة
إلى المرسلة المتقدمة المنجبرة بما تقدم، المعتضدة بالأصل، فتعين
تخصيصها بها.
ثم إنه قد يستدل على المذهب المشهور بأدلة أخر:
منها: ما ذكره العلامة قدس سره في المختلف (1)، وحاصله - كما لخصه
بعض (2) -: أن القول باشتراك الوقت حين الزوال بين الصلاتين مستلزم لأحد
باطلين: إما التكليف بما لا يطاق، وإما خرق الاجماع; لأن التكليف
حين الزوال إن كان واقعا بالعبادتين معا كان تكليفا بما لا يطاق، وإن كان
واقعا بأحدهما الغير المعين أو بأحدهما المعين وكان هو العصر كان ذلك
خرقا للاجماع، وإن كان واقعا بأحدهما المعين وكان هو الظهر ثبت
المطلوب.
والجواب عن ذلك بوجوه، أوضحها: النقض بالزمان الواسع لصلاة
أربع ركعات من وسط الوقت; فإنه مشترك بين الظهرين اتفاقا، مع أنه يرد
عليه ما أورد على أول الوقت حرفا بحرف.

(1) المختلف 2: 7.
(2) هو المحدث البحراني، انظر الحدائق 6: 103.
39

ومنها: ما ذكره في المدارك: من أنه لا معنى لوقت (1) الفريضة
إلا ما جاز إيقاعها فيه ولو على بعض الوجوه، ولا ريب أن إيقاع العصر في
هذا الوقت على سبيل العمد ممتنع، وكذا مع النسيان على الأظهر; لعدم
الاتيان بالمأمور به على وجهه، وانتفاء ما يدل على الصحة مع المخالفة، فإذا
امتنع إيقاع العصر في هذا الوقت انتفى كون ذلك وقتا لها (2).
والجواب عن ذلك: أن امتناع إيقاع العصر في هذا الوقت عمدا - عند
الخصم - إنما هو لفقدان الترتيب، لا لعدم صلاحية الوقت له، ولازمه أنه
لو لم يثبت اعتبار الترتيب في صورة النسيان لم يمتنع إيقاعها قبل الظهر،
فدعوى عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه مصادرة إن استندت إلى عدم
صلاحية الوقت، وعرية عن البينة إن استندت إلى دعوى اشتراط الترتيب
ولو في صورة النسيان.
بل يمكن أن يستدل على عدم اشتراط الترتيب مع النسيان مطلقا
حتى فيما لو وقع العصر في الجزء الأول من الوقت بصحيحة صفوان عن
أبي الحسن عليه السلام قال: (سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس،
قد كان صلى العصر، فقال: كان أبو جعفر عليه السلام - أو كان أبي عليه السلام -
يقول: إذا أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها، وإلا صلى المغرب
ثم صلاها) (3)، فإن عمومها الناشئ من ترك الاستفصال يشمل ما لو صلى
العصر في الوقت المختص، بل يمكن جعل هذا دليلا مستقلا للصدوق قدس سره..

(1) في (ق): لايقاع.
(2) المدارك 3: 36.
(3) الوسائل 3: 210، الباب 62 من أبواب المواقيت، الحديث 7
40

اللهم إلا أن يقال بانصراف السؤال بحكم التبادر إلى غير هذه
الصورة، فتأمل.
ومنها: ما ذكره غير واحد من مشايخنا (1) وغيرهم (2) من الروايات
الدالة على اختصاص آخر الوقت بالعصر (3)، المستلزم لاختصاص أول
الوقت بالظهر، بالاجماع المركب.
والجواب عن ذلك: أن قول الصدوق باشتراك آخر الوقت غير
معلوم، بل الظاهر منه قدس سره اختصاص آخر الوقت. قال في الفقيه - في
أواخر باب أحكام السهو في الصلاة - ما هذا لفظه: (وإن نسيت الظهر
والعصر ثم ذكرتهما عند غروب الشمس فصل الظهر ثم صل العصر إن كنت
لا تخاف فوات إحداهما، وإن خفت أن يفوتك إحداهما فابدأ بالعصر
ولا تؤخرها فيكون قد فاتتك جميعا، ثم صل الأولى بعد ذلك على
إثرها) (4).
وقال أيضا بعيد هذا: (ومن فاتته الظهر والعصر جميعا ثم ذكرهما
وقد بقي من النهار بمقدار ما يصليهما جميعا، بدأ بالظهر ثم بالعصر، وإن بقي
من النهار بمقدار ما يصلي إحداهما بدأ بالعصر) (5).

(1) منهم صاحب الجواهر في الجواهر 7: 83، والسيد الشفتي في مطالع الأنوار 1:
12.
(2) لم نقف عليه.
(3) انظر الوسائل 3: 91، الباب 4 من أبواب المواقيت، الأحاديث 7 و 17 و 18،
وغيرها.
(4) الفقيه 1: ذيل الحديث 1029
(5) الفقيه 1: ذيل الحديث 1029
41

وحكي مثل هذا التصريح عنه في المقنع (1) واستظهر منه أيضا في
الهداية ومع ذلك كله، فكيف ينبغي دعوى الاجماع المركب؟!

(1) المقنع (الجوامع الفقهية): 9
لم نعثر على المستظهر، ولعله يستظهر من كلام الصدوق قدس سره في وقت الظهر
والعصر، راجع الهداية (الجوامع الفقهية): 51
42

[مسألة
[2]
قد عرفت أن الظهر يختص من أول الوقت بمقدار أدائها
فاعلم أن
العبرة في أدائها بحال المصلي في ذلك الوقت، باعتبار كونه قويا أو ضعيفا،
بطئ القراءة أو سريعها، حاضرا أو مسافرا، فاقد لبعض الشروط
أو جامعا لجميعها، حتى أنه لو فرض كون المصلي في شدة الخوف وقد دخل
عليه الوقت جامعا للشروط فوقت الاختصاص بالنسبة إليه مقدار صلاة
ركعتين عوض كل ركعة تسبيحات مع ما يضاف إليها، ولو فرض كون
المصلي فاقدا لشروط لا يحصلها إلا إذا بقي إلى الغروب مقدار ثمان ركعات،
فهنا لا وقت مشترك بين الفرضين (1)

(1) في النسختين، هنا بياض بمقدار نصف صفحة
43

[مسألة]
[3]
الأقرب أن آخر وقت الظهر للمختار: هو ما إذا بقي إلى الغروب
مقدار أداء الفرضين، وفاقا للمحكي عن السيد المرتضى (1) وابن
الجنيد (2) وسلار (3) وابن سعيد (4) وابن إدريس (5) وابن زهرة (6)
قدس الله أسرارهم، وحكى عن الأخيرين: دعوى الاجماع عليه (7) وهو اختيار

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 229 المسألة: 72
(2) حكاه في المعتبر 2: 30
(3) حكاه العلامة في المختلف 2: 9، ولكن سلار جعله وقتا للمعذور، انظر المراسم:
62.
(4) الجامع للشرائع: 60
(5) السرائر 1: 195 و 200
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 494
(7) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 39 وراجع الغنية (الجوامع الفقهية): 494،، والسرائر
1، 200.
44

الفاضلين (1) والشهيدين (2) وأكثر المتأخرين (3)، خلافا لظاهر المفيد في
المقنعة (4)، والمحكي عن العماني (5) فجعلا آخر الوقت: ما إذا صار الظل مقدار
سبعي الشاخص، وللمحكي عن الشيخ في المبسوط (6) والقاضي (7) فجعلاه
ما إذا صار ظل كل شئ مثله، وللمحكي عن الشيخ في الاقتصاد (8)
والحلبي (9) فجعلاه ما إذا صار الظل أربعة أسباع الشاخص.
لنا - مضافا إلى الأصل، وعموم قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك
الشمس إلى غسق الليل) - (10): ما ورآه الشيخ عن عبيد بن زرارة عن أبي
عبد الله عليه السلام، في قوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق
الليل) قال: (إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى
انتصاف الليل، منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب
الشمس إلا أن هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس

(1) المحقق في الشرائع 1: 60، والمعتبر 2: 30 والعلامة في القواعد 1: 246،
والتذكرة 2: 302.
(2) اللمعة وشرحها (الروضة البهية) 1: 486.
(3) انظر الحدائق 6: 111، ومطالع الأنوار 1: 14 والجواهر 7: 123.
(4) المقنعة: 92.
(5) حكاه في المختلف 2: 11.
(6) المبسوط 1: 72.
(7) المهذب 1: 69.
(8) الإقتصاد: 394.
(9) الكافي في الفقه: 137.
(10) الإسراء: 78.
45

إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه) (1).
وليس في سند هذه الرواية من يتوقف في شأنه سوى الضحاك بن
زيد، والظاهر أنه أبو مالك الحضرمي الذي حكي فيه عن النجاشي أنه
ثقة ثقة (2); إذ لم نجد فيما عندنا من الرجال في عنوان المسمين بهذا الاسم من
يصلح لكونه هذا الرجل إلا من ذكر مكنى بأبي مالك. نعم، يحتمل أن يكون
هذا الرجل ممن لم يذكر في الرجال أصلا، لكن فتح باب هذا الاحتمال مما
يسد باب الرجوع إلى كتب الرجال; إذ لو فرض أنهم ذكروا أيضا الضحاك
بن زيد ووثقوه، قلنا: من أين نعلم أن هذا الرجل هو المذكور في الرجال،
فلعله رجل آخر غير من ذكر مشترك معه اسما وأبا.
ومما يؤيد وثاقته، بل يدل عليه: رواية البزنطي عنه، وحكي عن
الشيخ في العدة (3) في شأن البزنطي أنه لا يروي إلا عن ثقة، هذا كله مضافا
إلى أن تقدم البزنطي عليه يغني عن تشخيص حاله; حيث إن البزنطي ممن
حكي إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه (4)، فلا حاجة إلى ملاحظة من
بعده، على ما هو أحد معاني هذه العبارة.
وما رواه الشيخ عن معمر بن يحيى، قال: (سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول: وقت العصر إلى غروب الشمس (5)).

(1) التهذيب 2: 25، الحديث 72، والوسائل 3: 115، الباب 10 من أبواب
المواقيت، الحديث 4.
(2) رجال النجاشي: 205، الرقم: 546..
(3) عدة الأصول 1: 387.
(4) انظر رجال الكشي 2: 830، الرقم 1050.
(5) التهذيب 2: 25، الحديث 71، والوسائل 3: 113، الباب 9 من أبواب المواقيت،
الحديث 13.
46

دل على امتداد وقت العصر إلى الغروب المستلزم لامتداد وقت الظهر
إلى ما قبل مقدار أداء العصر بالاجماع المركب.
وما رواه عن داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله
عليه السلام (1)، وقد تقدم ذكره واعتبار سنده في المسألة السابقة (2).
ويؤيد هذه الروايات روايات أخر، مثل: ما رواه عبيد بن زرارة،
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن وقت الظهر والعصر؟ فقال: إذا زالت
الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعا، إلا أن هذه قبل هذه، ثم أنت في
وقت منهما حتى تغيب الشمس) (3).
وليس في سنده إلا القاسم بن عروة، وهو وإن لم يصرح بتوثيقه
إلا أنه يروي عنه هذه الرواية جماعة من الثقات، وهم الحسين بن سعيد،
والبرقي، والعباس بن معروف، وهذا مما يقرب صحة الرواية، مع أن القاسم
بن عروة - هذا - الظاهر أنه مولى أبي أيوب، كما يظهر من الرجال (4)،
وقد روى عنه ابن أبي عمير والبزنطي في بعض الروايات، وهذا من أمارات
وثاقته.
وما رواه الشيخ - أيضا - عن زرارة، قال: (قال أبو جعفر عليه السلام:

(1) التهذيب 2: 25، الحديث 70. والوسائل 3: 92، الباب 4 من أبواب المواقيت،
الحديث 7.
(2) تقدم في الصفحة: 35 - 36.
(3) الوسائل 3: 92، الباب 4 من أبواب المواقيت، الحديث 5.
(4) انظر رجال الكشي 2: 670، الرقم 695 ورجال النجاشي: 314، الرقم:
860.
47

أحب الوقت إلى الله أوله، حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة، وإن
لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغرب الشمس) (1).
وفي طريق الرواية موسى بن بكر الواسطي الواقفي الغير الموثق.
حجة من قال بامتداد وقت الاختيار إلى أن يصير الظل قدمين - أعني
سبعي الشاخص -: ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (سألته عن
وقت الظهر فقال: ذراع من زوال الشمس، ووقت العصر ذراع من وقت
الظهر، فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس) (2).
وما رواه حريز، عن الفضلاء، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام:
(وقت الظهر بعد الزوال قدمان، ووقت العصر بعد ذلك قدمان، وهذا أول
وقت إلى أن يمضي أربعة أقدام للعصر) (3).
وبما دل على أن وقت الظهر قامة من زوال الشمس (4); بناء على
تفسير القامة بالذراع، كما في غير واحد من الأخبار (5).

(1) التهذيب 2: 24، الحديث 69، والوسائل 3: 113، الباب 9 من أبواب المواقيت،
الحديث 12، وفيهما: (حتى تغيب الشمس).
(2) التهذيب 2: 19، الحديث 55 والوسائل 3: 103، الباب 8 من أبواب المواقيت،
الحديث 4.
(3) التهذيب 2: 255، الحديث 1012، والوسائل 3: 103، الباب 8 من أبواب
المواقيت، الحديث 2.
(4) الوسائل 3: 97، الباب 5 من أبواب المواقيت، الحديث 6، و 3: 105 و 108،
الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 12 و 29، وغيرها.
(5) الوسائل 3: 105، الباب 8 من أبواب المواقيت، الأحاديث 14 - 16، وغيرها،
48

والجواب: أما عن [رواية] (1) زرارة فبأن المراد منها: تأخير صلاة
الظهر إلى الذراع لأجل النافلة، لا أن مجموع وقت الظهر ذراع، ويشهد
بذلك قوله عليه السلام في ذيل الرواية: (إن حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم كان قامة، وكان إذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، وإذا مضى من
فيئه ذراعان صلى العصر، ثم قال: أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟
قلت: لم جعل ذلك؟ قال: لمكان الفريضة (2)، فإن لك أن تتنفل من زوال
الشمس إلى أن يمضي الفئ ذراعا، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت
بالفريضة وتركت النافلة) (3).
وبهذا المضمون أخبار كثيرة دالة على تأخير الفريضة إلى الذراع (4).
وبمثل هذا يجاب عن رواية الفضلاء، ولو سلم عدم ظهورها فيه
فلا أقل من احتمالها له احتمالا مساويا، فيقع الاجمال، ولو سلم ظهورها في

(1) من المطبوعة، ومحلها بياض في (ق) بمقدار كلمة، وقد نبه ناسخ المطبوعة على ذلك
في الهامش.
(2) كذا في النسختين، إلا أنه في المصادر الحديثية: (لمكان النافلة)، وقد أورد المؤلف
قدس سره هذه الرواية في الصفحة: 116، وكتب فوق كلمة (الفريضة): (النافلة
خ ل).
وفي هامش التهذيب (2: 20) ما يلي: في المطبوعة وبعض المخطوطات:
(الفريضة)، والصواب ما أثبتناه، وهو موافق لما في الفقيه.
(3) التهذيب 2: 20، الحديث 55. والوسائل 3: 103، الباب 8 من أبواب المواقيت،
الحديث 3.
(4) راجع الوسائل 3: 105، الباب 8 من أبواب المواقيت، الأحاديث 10 و 27 و 28
وغيرها.
49

امتداد الوقت إلى قدمين حملناها على بيان أول أوقات الفضيلة - كما سيجئ
في أخبار المثل والمثلين - كما يشهد مكاتبة محمد بن الفرج، قال: (كتبت إليه
أسأله عن أوقات الصلاة؟ فأجاب: إذا زالت الشمس فصل سبحتك،
وأحب أن يكون فراغك من الفريضة والشمس على قدمين، ثم صل
سبحتك، وأحب أن يكون فراغك من العصر والشمس على أربعة أقدام) (1).
وأما عن أخبار القامة: فبأن حمل القامة على الذراع مما لم يشهد به
إلا أخبار ضعيفة، فلا وجه لصرفها عن معناها اللغوي والعرفي، مع أن بعض
أخبار القامة صريح في قامة الانسان (2)، فإرجاع ما أطلق فيه القامة إلى
ما فسرت فيه بالذراع ليس بأولى من إرجاعه إلى ما فسرت فيه بقامة
الانسان.
حجة من قال بالامتداد إلى أن يصير ظل كل شئ مثله روايات:
منها: ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن أحمد بن عمر، عن أبي
الحسن عليه السلام، قال: (سألته عن وقت الظهر والعصر، فقال: وقت الظهر إذا
زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة، ووقت العصر قامة ونصف إلى
قامتين)، (3).
ومنها: رواية يزيد بن خليفة، قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن
عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال عليه السلام: إذا لا يكذب علينا، قلت:

(1) الوسائل 3: 109، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 31.
(2) راجع الوسائل 3: 105، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 13، 110 نفس
الباب، الحديث 33.
(3) التهذيب 2: 19، الحديث 52. والوسائل 3: 104، الباب 8 من أبواب المواقيت،
الحديث 9.
50

ذكر أنك قلت: إن أول صلاة افترضها الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم
الظهر، فقال تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس) فإذا زالت الشمس لم يمنعك
إلا سبحتك، ثم لا تزال في وقت الظهر إلى أن يصير الظل قامة وهو آخر
وقت الظهر، فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت
العصر حتى يصير الظل قامتين، وذلك المساء، قال: صدق) (1).
ومنها: صحيحة البزنطي، قال: (سألته عن وقت صلاة الظهر
والعصر؟ فكتب: قامة للظهر وقامة للعصر) (2).
ومنها: رواية محمد بن حكيم، قال: (سمعت العبد الصالح عليه السلام وهو
يقول: أول وقت الظهر زوال الشمس، وآخر وقتها قامة من الزوال، وأول
وقت العصر قامة، وآخر وقتها قامتان، قلت: في الشتاء والصيف سواء؟
قال: نعم) (3).
والجواب عن الجميع - بعد تسليم سلامة السند -: حملها على وقت
الفضيلة; لاشتمال كل منها على ما يشهد بذلك.
أما الأولى: فلأن قوله عليه السلام: (وقت العصر قامة ونصف إلى
قامتين) محمول على وقت الفضيلة; لأنه القابل للترتيب والتفاوت دون
وقت الاختيار، فوجب حمل وقت الظهر فيها على الفضيلة قضية للمقابلة
وحذرا عن التفكيك.

(1) التهذيب 2: 20، الحديث 56. والوسائل 3: 97، الباب 5 من أبواب المواقيت،
الحديث 6، مع اختلاف يسير.
(2) الوسائل 3: 105، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 12.
(3) الوسائل 3: 108، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 29.
51

وأما الثانية: فلأن قوله عليه السلام: (فإذا صار الظل قامة دخل وقت
العصر) ليس المراد به وقت الاجزاء لصحة العصر قبل ذلك إجماعا، فتعين
أن يكون المراد وقت فضيلة العصر، إما بناء على استحباب التفريق - كما هو
مذهب جماعة - وإما بناء على أن المراد بوقت العصر: وقت فضيلتها
المختصة بها، بحيث لا يشاركها الظهر فيه في الفضيلة.
وعلى التقديرين، فمعنى الحديث حينئذ، هو: أنه إذا صار الظل قامة
فهذا آخر وقت فضيلة الظهر، وبعده يدخل وقت أصل فضيلة العصر بناء
على استحباب التفريق، أو يدخل الوقت المختص بفضيلة العصر بحيث
لا يشاركها الظهر وإن كان للعصر قبله أيضا فضيلة; بناء على عدم التفريق.
ومثل هذا الشاهد موجود أيضا في الروايتين الأخيرتين; لأن الوقت
المحدود للعصر فيهما ليس وقتا للاجزاء قطعا، فتعين أن يكون للفضيلة،
ومقتضى المقابلة حمل وقت الظهر أيضا على الفضيلة.
ولو سلم عدم شهادة هذه الأمور في هذه الأخبار بإرادة وقت الفضيلة
فلا أقل من تطرق الوهن لأجل هذه الأمور في ظهور هذه الأخبار في إرادة
وقت الاختيار. وقد عرفت غير مرة أن الحقيقة المتعقبة بما يصلح أن يكون
صارفا لها لا دليل على اعتبارها، فيحصل لذلك إجمال بالنسبة إلى وقت
الاختيار والفضيلة، فلا يزاحم بها ما قدمنا من الأخبار الدالة على بقاء وقت
الاختيار للمصلي إلى آخر النهار.
ثم لو سلم عدم الوهن وسلامة ظهورها، دار الأمر بين صرف هذه
عن ظواهرها إلى الفضيلة وبين تقييد تلك الأخبار بما عدا المختار،
فلو أغمض النظر عن موافقة الكتاب فلا دليل على ترجيح التقييد على
التجوز بقول مطلق، فيحصل التكافؤ ويرجع إلى الأصل وهو موافق
52

للمختار.
فإن قلت: حمل الوقت في هذه الأخبار على وقت الفضيلة دون
الاختيار مما يأباه كثير من الأخبار، مثل قوله عليه السلام - في رواية عبد الله
ابن سنان -: (لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يجعل
آخر الوقت وقتا إلا في عذر من غير علة) (1).
وقوله عليه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان - أيضا -: (لكل صلاة
وقتان، وأول الوقتين أفضلهما، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن
يتجلل الصبح السماء، ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا، ولكنه وقت لمن شغل
أو نسي أو نام) (2).
ورواية أبي بصير، قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: إعلم أن لكل
صلاة وقتين (3) أول وآخر، فأول الوقت رضوان الله، وأوسطه عفو الله،
وآخره غفران الله، وأول الوقت أفضله، وليس لأحد أن يتخذ آخر الوقت
وقتا، إنما جعل آخر الوقت للمعتل والمريض والمسافر) (4).
إلى غير ذلك من الأخبار.
قلت: لا تصريح في هذه الأخبار بحرمة التأخير عن الوقت كما اعترف

(1) الوسائل 3: 89، الباب 3 من أبواب المواقيت، الحديث 13.
(2) الوسائل 3: 151، الباب 26 من أبواب المواقيت، الحديث 5.
(3) كذا في النسختين، ولم نقف عليه بهذا اللفظ في كتب الحديث، وفي الفقه المنسوب
إلى الإمام الرضا عليه السلام (71) ما يلي: ونروي أن لكل صلاة ثلاثة أوقات، أول
وأوسط وآخر...
(4) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 71.
53

به الشيخ في التهذيب (1)، بل ربما يشعر قوله فيها: (وأول الوقت أفضله)
بثبوت أصل الفضيلة للوقت الآخر، ولو فرض ظهورها فيها جاء فيها
ما ذكرنا أخيرا في التفصي عن أخبار القامة.
ومما يؤيد إرادة وقت الفضيلة من الوقت الأول في هذه الأخبار:
ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن زرارة، قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام:
أصلحك الله، وقت كل صلاة، أول الوقت أفضل أو أوسطه أو آخره؟
فقال: أوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله يحب من الخير
ما يعجل) (2).
فإن استشهاده بكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أن تقديم الصلاة
في أول الوقت إنما هو من باب تعجيل الخير، ولا شك في أنه مستحب.
ونحوها رواية أخرى لزرارة - والظاهر أنها صحيحة - قال: (قال
أبو جعفر عليه السلام: واعلم أن أول الوقت أبدا أفضل، فتعجل الخير
ما استطعت) (3).
واعلم أنه قد يستدل لهذا المطلب بموثقة زرارة، قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن وقت صلاة الظهر في القيظ فلم يجبني، فلما أن كان
بعد ذلك قال لعمر بن سعيد بن هلال: إن زرارة سألني عن وقت صلاة
الظهر في القيظ فلم أخبره فحرجت بذلك فاقرأه مني السلام وقل له: إذا

(1) التهذيب 2: 41، ذيل الحديث 132.
(2) التهذيب 2: 40، الحديث 127، والوسائل 3: 89، الباب 3 من أبواب المواقيت،
الحديث 12.
(3) الوسائل 3: 88، الباب 3 من أبواب المواقيت، الحديث 10.
54

كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك فصل العصر) (1).
وفي هذا الاستدلال ما لا يخفى، فإن الرواية لا تدل إلا على الرخصة
في الصلاة بعد المثل والمثلين في القيظ أعني شدة الحر، ولا يستفاد منها أزيد
من ذلك، فتأمل.
ويمكن أن يراد بهذه الرواية أنه إذا صار ظلك مثلك تعين عليك
الظهر ولا يجوز لك فعل نافلتها، وكذلك يتعين العصر إذا صار ظلك مثليك.
حجة من قال بامتداد الوقت للمختار إلى أن يصير الظل أربعة أقدام
- وهي أربعة أسباع الشاخص -: ما رواه الشيخ عن إبراهيم الكرخي، قال:
(سألت أبا الحسن موسى عليه السلام: متى يدخل وقت الظهر؟ قال: إذا زالت
الشمس، فقلت: متى يخرج وقتها؟ فقال: من بعد ما يمضي من زوالها أربعة
أقدام، إن وقت الظهر ضيق ليس كغيره، قلت: فتى يدخل وقت العصر؟
فقال: إن آخر وقت الظهر أول وقت العصر، قلت: فمتى يخرج وقت
العصر؟ فقال: وقت العصر إلى أن تغرب الشمس، وذلك من علة وهو
تضييع، فقلت له: لو أن رجلا صلى الظهر من (2) بعد ما يمضي من زوال
الشمس أربعة أقدام أكان عندك غير مؤد لها؟ فقال: إن كان تعمد ذلك
ليخالف السنة [والوقت] (3) لم يقبل منه، كما لو أن رجلا أخر العصر إلى
قرب أن تغرب الشمس متعمدا من غير علة لم تقبل منه، إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قد وقت للصلوات المفروضات أوقاتا وحد لها حدودا في

(1) الوسائل 3: 105، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 13.
(2) لم ترد في المصدر.
(3) من المصدر.
55

سنته للناس، فمن رغب عن سنة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن
فرائض الله تعالى) (1).
وما رواه الشيخ عن الفضل بن يونس، قال: (سألت أبا الحسن الأول
عليه السلام قلت: المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة؟
قال: إذا رأت الطهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصلي
إلا العصر; لأن وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم وخرج الوقت وهي في
الدم، فلم يجب عليها أن تصلي الظهر، وما طرح الله عنها من الصلاة وهي
في الدم أكثر) (2)
والجواب، أما عن الرواية الأولى: فبضعف السند بإبراهيم - وإن كان
الراوي عنه الحسن بن محبوب - مع عدم صراحة دلالتها ولا ظهورها في
المطلوب; نظرا إلى أن المراد بوقت العصر في قوله عليه السلام: (آخر وقت
الظهر أول وقت العصر) ليس هو وقت إجزائها إجماعا، فتعين أن يكون
المراد وقت فضيلتها المختصة بها، فيقوى بذلك احتمال كون المراد بخروج
وقت الظهر بمضي أربعة أقدام: خروج وقت فضيلته أيضا، وليس في ذيل
الرواية ما ينافي هذا المعنى صريحا وإن توهم منه في بادئ النظر كما لا يخفى.
وأما عن الرواية الثانية: فبضعفها أيضا بالفضل بن يونس، مع أنها
بظاهرها - من خروج وقت المعذور أيضا بمضي أربعة أقدام - مما لم يقل به

(1) التهذيب 2: 26، الحديث 74 والوسائل 3: 109، الباب 8 من أبواب المواقيت،
الحديث 32
(2) التهذيب 1: 389، الحديث 1199. والوسائل 2: 598، الباب 49 من أبواب
الحيض، الحديث 2.
56

غير الشيخ في التهذيب (1).
ثم لو فرض اعتبار سند الروايتين - ولو لأجل تقدم ابن محبوب على
إبراهيم والفضل - كان حكم معارضتهما مع أخبار التوسعة ما ذكرنا في
الجواب عن القولين السابقين.
فتلخص من جميع ما ذكرنا من أول المسألة: امتداد وقت إجزاء الظهر
إلى أن يبقى من الغروب مقدار أداء العصر، وأن الأفضل الاتيان بها قبل أن
يصير ظل كل شئ مثله، وأفضل منه: الاتيان بها قبل مضي أربعة أقدام،
وأفضل من هذين: الاتيان بها قبل أن يمضي قدمان.

(1) راجع التهذيب 1: 391، ذيل الحديث 1207.
57

[مسألة]
[4]
آخر وقت العصر: غروب الشمس، وفاقا للمحكي عن المرتضى (1)
وابن الجنيد (2)، وابن زهرة (3) وابن إدريس (4) وحكي عنهما الاجماع على
ذلك (5)، واختاره معظم المتأخرين، بل كلهم، عدا نادر من متأخريهم، خلافا
للآخرين فجعلوا وقتها للمختار أدون من ذلك وإن اختلفوا في تعيينه، بعد
اتفاقهم ظاهرا على امتداد الوقت لذوي الأعذار إلى الغروب، فمنهم من حده

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 229، المسألة: 72.
(2) حكاه عند في المعتبر 2: 37.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 494
(4) السرائر 1: 195.
(5) حكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 24 وغيره، وانظر الغنية (الجوامع
الفقهية): 494، والسرائر 1: 197 و 200.
58

باصفرار الشمس للغروب، وهو المحكي عن المفيد (1)، ومنهم من حده
بصيرورة ظل كل شئ مثليه، وهو المحكي عن الشيخ في المبسوط (2)
والقاضي (3) والحلبي (4) وسلار (5) وابن حمزة (6)، ومنهم من حده بمضي
ذراعين، وهو المحكي عن العماني (7).
لنا - مضافا إلى الأصل -: ما تقدم من الأخبار في الظهر (8).
حجة المفيد: ما رواه في التهذيب عن أبي بصير، قال: (قال
أبو عبد الله عليه السلام: إن الموتور أهله وماله من ضيع صلاة العصر، قلت:
وما الموتور؟ قال: لا يكون له أهل ولا مال في الجنة، قلت: وما تضييعها؟
قال: يدعها حتى تصفر أو تغيب الشمس) (9).
وقول أبي الحسن عليه السلام - في رواية إبراهيم الكرخي المتقدمة (10) -:
(وقت العصر إلى أن تغرب الشمس وذلك من علة وهو تضييع)، وقوله في

(1) المقنعة: 93.
(2) المبسوط 1: 72.
(3) المهذب 1: 69.
(4) الكافي في الفقه: 137.
(5) لم نقف عليه في المراسم، وقال العلامة في المختلف 2: 19: وهو الظاهر من كلام
سلار.
(6) الوسيلة: 82.
(7) حكاه في المختلف 2: 19.
(8) انظر الصفحة: 35 وما بعدها.
(9) التهذيب 2: 256، الحديث 1018، والوسائل 3: 111، الباب 9 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول، وفيهما: (تغيب).
(10) في الصفحة: 55.
59

ذيلها: (لو أن رجلا أخر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس متعمدا من
غير علة لا تقبل منه) (1).
والجواب عن الأولى - بعد فرض سلامة السند -: أنها لا تفيد سوى
الكراهة، وعن الثانية - بعد فرض سلامة سندها -: أن المراد بعدم القبول
ليس عدم الاجزاء لسقوط الأمر والقضاء بفعلها حينئذ إجماعا، فلا بد من
حمله على عدم الكمال، وهو مسلم ولا يضرنا.
وحجة الشيخ وأتباعه: ما تقدم مع جوابه في المسألة السابقة (2) من
الأخبار الدالة على امتداد الوقت إلى القامة والقامتين.
وحجة العماني: ما تقدم مع جوابه (3) في حجة القول بامتداد وقت
الظهر إلى الذراع والقدمين، وما رواه الشيخ عن سليمان بن خالد عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: (العصر على ذراعين، فمن تركها حتى تصير على
ستة أقدام فهو المضيع) (4).
والجواب عن ذلك - بعد عدم صحة السند -: ما مر من استفاضة
الأخبار، بل تواترها من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم العصر بعد ما مضى من
فئ الجدار ذراعان (5)، فلا بد من حمل الرواية على تأكد استحباب المبادرة

(1) التهذيب 2: 26، الحديث 74، والوسائل 3: 109، الباب 8 من أبواب المواقيت،
الحديث 32.
(2) راجع الصفحة: 50 وما بعدها.
(3) في الصفحة: 48 وما بعدها.
(4) التهذيب 2: 256، الحديث 1016، والوسائل 3: 111، الباب 9 من أبواب
المواقيت، الحديث 2 وفيهما: (فذلك المضيع).
(5) راجع الوسائل 3: 102، الباب 8 من أبواب المواقيت، الأحاديث 3 و 4 و 7 و 10
و 28 وغيرها.
60

إليها بعد الذراعين وأن لا تترك إلى ستة أقدام.
ومما يقرب إرادة وقت الفضيلة من هذه الرواية وأمثالها - الواردة في
تحديد وقت الظهرين بما دون الغروب - شدة اختلافها، بحيث لا تنتظم
إلا بالحمل على اختلاف مراتب الفضيلة.
وتلخص مما ذكرنا: امتداد وقت الاختيار للعصر إلى الغروب، وأن
الأفضل فعلها قبل اصفرار الشمس، وأفضل من ذلك: فعلها قبل أن يصير
ظل كل شئ مثليه، وأفضل من هذين: فعلها قبل أن يمضي أربعة أقدام.
واعلم، أن ظاهر كثير من الأخبار: استحباب تأخير الظهر عن أول
الزوال وتأخير العصر عن الظهر، وإن اختلفت في تحديد مقدار التأخير
فيهما.
فمنها: ما دل على تحديده بالذراع والذراعين والقدمين وأربعة أقدام،
كصحيحة زرارة والفضلاء المتقدمتين في حجة من قال بامتداد وقت الظهر
إلى القدمين (1)، والأخبار المستفيضة الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وأنه كان يصلي الظهر إذا صار فئ الجدار ذراعا، والعصر إذا صار فيئه
ذراعين (2)، ورواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (سألته
عن وقت الظهر، فقال: إذا كان الفئ ذراعا) (3) ونحوها رواية زرارة عن

(1) راجع الصفحة: 48.
(2) راجع الوسائل 3: 103، الباب 8 من أبواب المواقيت، الأحاديث 3 و 4 و 7 و 10
و 27 و 28 وغيرها.
(3) الوسائل 3: 106، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 18، باختلاف يسير.
61

أبي عبد الله عليه السلام قال: (وقت الظهر على ذراع) (1).
إلى غير ذلك من الأخبار.
ومنها: ما دل على تحديده بالمثل والمثلين، كرواية عمر بن سعيد بن
هلال المتقدمة (2): (إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك مثليك
فصل العصر) (3).
ومنها: ما دل على تحديد وقت الظهر بقدم ونحوه، كرواية سعيد
الأعرج، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (سألته عن وقت الظهر أهو إذا
زالت الشمس؟ فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في السفر أو يوم
الجمعة، فإن وقتها: إذا زالت) (4) ومثلها رواية (5) إسماعيل بن عبد الخالق (6).
ومنها: ما دل على استحباب أن يكون الفراغ من الظهر ونافلتها
والشمس على قدمين، وأن يكون الفراغ من العصر ونافلتها والشمس على
أربعة أقدام، كمكاتبة محمد بن الفرج المتقدمة (7).
ومنها: ما دل على تحديد مقدار تأخير الظهر عن الزوال، ومقدار
تأخير العصر عن الظهر، بفعل نافلة كل من الفرضين - طال أو قصر - وهي
كثيرة:

(1) الوسائل 3: 106، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 19.
(2) تقدمت في الصفحة: 54
(3) الوسائل 3: 105، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 13.
(4) الوسائل 3: 106، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 17.
(5) في (ق) كتب فوق كلمة (رواية): (صحيحة).
(6) الوسائل 3: 105، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 11.
(7) تقدمت في الصفحة: 50
62

منها: ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن حماد، عن عيسى بن أبي
منصور، قال: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إذا زالت الشمس فصليت
سبحتك فقد دخل وقت الظهر) (1). والمراد وقت الفضيلة قطعا.
وما رواه الشيخ - في الصحيح - عن محمد بن أحمد بن يحيى، قال:
(كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام: روي عن آبائك: القدم،
والقدمين، والأربعة، والقامة، والقامتين، وظل مثلك، والذراع، والذراعين؟
فكتب عليه السلام: لا القدم ولا القدمين، إذا زالت الشمس فقد دخل وقت
الصلاتين وبين يديها سبحة وهي ثمان ركعات، فإن شئت طولت وإن شئت
قصرت، ثم صل الظهر، فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة، وهي
ثمان ركعات إن شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم صل العصر) (2).
وما رواه عن عمر بن حنظلة، قال: (كنت أقيس الشمس عند
أبي عبد الله عليه السلام، فقال: يا عمر ألا أنبئك بأبين من هذا؟ قلت: بلى،
جعلت فداك، قال: إذا زالت الشمس فقد وقع وقت الظهر، إلا أن بين يديها
سبحة، وذلك إليك، فإن أنت خففت فحين تفرغ من سبحتك وإن طولت
فحين تفرغ من سبحتك) (3).
إلى غير ذلك من الأخبار.

(1) التهذيب 2: 1 2، الحديث 60 والوسائل 3: 97، الباب 98 من أبواب المواقيت،
الحديث 8
(2) التهذيب 2: 249، الحديث 990 والوسائل 3: 98، الباب 5 من الأبواب،
الحديث 13.
(3) التهذيب 2: 246، الحديث 977 والوسائل 3: 98، الباب 5 من الأبواب،
الحديث 9.
63

والذي يقتضيه النظر - في هذا المقام - أن يقال: إنه لما ثبت - بالدليل
العقلي والنقلي - استحباب المبادرة بالعبادة المأمور بها في أول الوقت،
وثبت
أيضا - بالاجماع، بل الضرورة - استحباب النافلة قبل الفرضين، اقتضى
الجمع بينهما استحباب التأخير بمقدار أداء النافلة، كما صرح به في الأخبار
الأخيرة، ولا دليل على استحباب تأخير الظهر من الزوال أو تأخير العصر
من الظهر إلى غاية ولو فرغ من النافلة قبلها، عدا ما يتراءى من الأخبار
السابقة وغيرها مما يظهر منه استحباب التفريق بين الظهرين، وليس في
شئ منها تصريح باستحباب تأخيرهما حتى عن وقت إجزائهما بغير مقدار
أداء النافلة، كما يظهر بالتأمل فيها.
ومما صرح فيه بأن استحباب التأخير عن أول وقت الاجزاء إنما هو
لأجل النافلة، مضافا إلى ذيل صحيحة زرارة المتقدمة (1) الحاكية لفعل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر بعد الذراع، والعصر بعد الذراعين -:
ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: (صلاة المسافر حين تزول
الشمس؟ لأنه ليس قبلها في السفر صلاة، وإن شاء أخرها إلى وقت الظهر
في الحضر، غير أن أفضل ذلك أن يصليها في أول وقتها حين تزول
الشمس) (2).
ومن هذه الرواية يظهر أن استثناء يوم الجمعة والسفر من تحديد وقت
الظهر بالقدم ونحوه - في روايتي سعيد الأعرج وإسماعيل بن عبد الخالق

(1) في الصفحة: 49.
(2) الوسائل 3: 99، الباب 6 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
64

المتقدمتين (1) - ليس إلا لأجل عدم ثبوت نافلة الزوال في يوم الجمعة والسفر،
وأن التحديد بالقدم ونحوه تخمين لأجل النافلة.
ومما يدل على عدم ثبوت التفريق - مضافا إلى ما تقدم -: صحيحة
زرارة، قال: (قلت لأبي جعفر عليه السلام: بين الظهر والعصر حد معروف؟
قال: لا) (2).
دلت بظاهرها على عدم ثبوت حد معروف بين الظهرين لا وجوبا
ولا استحبابا.
وفي تقييد الحد بالمعروف إيماء لطيف إلى علم زرارة بثبوت حد غير
مضبوط بينهما، وهو مقدار أداء نافلة العصر.
أما الأخبار الحاكية لتأخير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر إلى
الذراع والعصر إلى الذراعين (3): فلا تدل إلا على التأخير، ويحتمل أن يكون
لأجل انتظار حضور الناس أو فراغهم من النافلة، أو لتطويله صلى الله عليه وآله
وسلم نافلته إلى الذراع والذراعين، أو لبيان جواز التأخير.
وأما روايتا يعقوب وزرارة وأمثالهما: فلقوة احتمال أن يكون المراد
بوقت الظهر فيها: الوقت المختص بها الغير الصالح لنافلتها، كما يرشد قوله
عليه السلام في رواية إسماعيل الجعفي: (وإنما جعل الذراع لئلا يكون تطوع في
وقت فريضة) (4).

(1) تقدمتا في الصفحة: 62.
(2) الوسائل 3: 92، الباب 4 من أبواب المواقيت، الحديث 4.
(3) راجع الوسائل 3: 102، الباب 8 من أبواب المواقيت، الأحاديث 3 و 4 و 7 و 10
و 27 وغيرها.
(4) الوسائل 3: 108، الباب 8 من أبواب المواقيت. الحديث 28.
65

وكذا القول في إطلاق وقت العصر على ما بعد الذراعين في الأخبار،
مع احتمال آخر فيه، وهو: أن يكون المراد بوقت العصر الوقت المختص به
من حيث الفضيلة بحيث لا تشاركها الظهر حينئذ في الفضيلة.
وبه يذب في هذا المقام عما دل على أن أول وقت العصر آخر وقت
الظهر - كما في رواية إبراهيم الكرخي المتقدمة (1) -، أو أن أول وقت العصر
قامة - كما في روايتي يزيد بن خليفة ومحمد بن حكيم المتقدمتين (2) -
ولا يستفاد منها استحباب التأخير إلى هذا المقدار.
وأما رواية عمر بن سعيد بن هلال: فقد عرفت (3) أنها لا تدل
إلا على التأخير في شدة الحر، فتأمل.
ويمكن أن يكون المراد منها: أنه إذا كان ظلك مثلك فيتعين عليك
الظهر، بمعنى: أنه لا يجوز النافلة، وكذلك يتعين العصر إذا صار ظلك
مثليك.
وأما ما دل على التحديد بالقدم ونحوه: فالظاهر أنه تخمين لأجل
النافلة، كما يدل عليه استثناء يوم الجمعة والسفر.
نعم، في كثير من الأخبار ظهور تام في استحباب تأخير العصر عن
وقت إجزائها لا لأجل النافلة، بحيث لا يحتمل شيئا مما ذكر من
[التوجيهات] (4).

(1) المتقدمة في الصفحة: 55.
(2) تقدمتا في الصفحة: 50 و 51.
(3) في الصفحة: 55.
(4) من مصححة (ط)، والكلمة غير واضحه في (ف).
66

منها: ما رواه الشيخ في التهذيب - في الصحيح - عن معاوية بن عمار
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (المستحاضة تنظر أيامها فلا تصلي،
ولا يقربها بعلها، فإذا جازت أيامها ورأت الدم يثقب الكرسف اغتسلت
للظهر والعصر، تؤخر هذه وتعجل هذه، وللمغرب والعشاء الآخرة غسلا
تؤخر هذه وتعجل هذه، واغتسلت للصبح... الخبر) (1)، فإن الحكم برجحان
تأخير الظهر وتعجيل العصر ليس إلا لادراك فضيلتهما، فلو لم يكن أول
وقت فضيلة العصر آخر وقت فضيلة الظهر لم يكن معنى لتفويت رجحان
المسارعة إلى الظهر على المصلي بالأمر بتأخيرها [......] (2) العشاء
لا ذهاب الشفق اتفاقي.
ومنها: ما رواه عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا كان
الرجل يقطر منه البول والدم، إذا كان حين الصلاة اتخذ كيسا وجعل فيه
قطنا ثم علقه عليه وأدخل ذكره فيه، ثم صلى يجمع بين الصلاتين، يؤخر
الظهر ويعجل العصر بأذان وإقامتين، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء بأذان
وإقامتين، ويفعل ذلك في الصبح) (3).

(1) التهذيب 1: 170، الحديث 484، والوسائل 2: 604، الباب الأول من أبواب
الاستحاضة، الحديث الأول.
(2) في هامش (ق) مقدار من الكتابة لا يمكن قراءة سوى كلمات أوائل السطور
وهي: (وكذا... وتعجيل... رجحان...) وكتب ناسخ المطبوعة في الهامش - هنا -
ما يلي: (هنا في الأصل أسطر في الهامش قد سقط قريب من نصفه، ولا يمكن
نقله، وهو متعلق بالتكلم في الرواية).
(3) التهذيب 1: 348، الحديث 1021، والوسائل 1: 210، الباب 19 من أبواب
نواقض الوضوء، الحديث الأول.
67

والتقريب فيها ما تقدم في الصحيحة السابقة عليه.
ومنها: مرفوعة أحمد بن محمد بن عيسى، عن سماعة، عن
أبي عبد الله عليه السلام: (إن الشمس إذا طلعت كان الفئ طويلا ثم لا يزال
ينقص حتى تزول، فإذا زالت زادت، فإذا استبنت الزيادة فصل الظهر، ثم
تمهل قدر ذراع فصل العصر) (1).
ومنها: رواية زرارة قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصوم
فلا أقيل حتى تزول الشمس، فإذا زالت الشمس صليت نوافلي ثم صليت
الظهر ثم صليت نوافلي ثم صليت العصر ثم نمت وذلك قبل أن يصلي الناس،
قال: يا زرارة إذا زالت الشمس دخل الوقت، ولكني أكره لك أن تتخذه
وقتا دائما) (2).
ويمكن التفصي عن الصحيحتين الأوليين بالحمل على صورة رجاء
انقطاع الاستحاضة والسلس في وقت يتمكن المكلف من الاتيان بهما في
وقت فضيلتهما، وعن الثالثة بضعف السند، وعن الرابعة - مضافا إلى ضعف
السند - بالحمل على التقية; لاشتهار استحباب تأخير العصر بين الطائفة
الغوية، كما يشعر به قوله عليه السلام: (أكره لك).
ثم غاية الأمر: وقوع التكافؤ بينها وبين ما تقدم من الأخبار الدالة
على عدم ثبوت حد معروف بين الظهرين، وأن الحد بينهما ليس أزيد من

(1) التهذيب 2: 27، الحديث 75، والوسائل 3: 119، الباب 11 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول.
(2) التهذيب 2: 247، الحديث 981، والوسائل 3: 98، الباب 5 من أبواب
المواقيت، الحديث 10.
68

مقدار نافلة العصر، تممت أو قصرت، فيجب التساقط والرجوع إلى عموم
ما دل من العقل والنقل على رجحان المسارعة إلى الخير وتعجيله وإبراء
الذمة عن الفرض الكذائي، كما يرشد قوله عليه السلام: (إذا دخل الوقت فصلهما
فإنك لا تدري ما يكون) (1)، بل يمكن أن يستدل على استحباب الجمع بين
الظهرين بالخصوص برواية عباس الناقد عن أبي عبد الله عليه السلام (2):

(1) الوسائل 3: 87، الباب 3 من أبواب المواقيت، الحديث 3.
(2) هنا بياض في النسختين، وهو في (ق) أكثر من نصف صفحة. ورواية عباس الناقد
- كما في الوسائل 3: 162 الباب 32 من أبواب المواقيت، الحديث 9 - ما يلي:
قال: تفرق ما كان في يدي وتفرق عني حرفائي فشكوت ذلك إلى
أبي محمد عليه السلام فقال لي: اجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ترى ما تحب.
69

[مسألة]
[5]
لا خلاف ظاهرا - كما في كلام جماعة (1) وعن آخرين (2) - في أن أول
وقت صلاة المغرب: غروب الشمس، وإنما الخلاف فيما يتحقق به الغروب،
والأظهر - المعزى إلى الأكثر (3) ممن تقدم وتأخر -: أنه إنما يعلم بزوال
الحمرة المشرقية، وإن اختلف ظواهر عباراتهم في كفاية ذلك أو اعتبار جواز
الحمرة عن قمة الرأس إلى ناحية المغرب، وقيل: إنه عبارة عن غيبوبة
القرص عن العين في الأفق مع عدم الحائل، وهو المحكي عن الشيخ في

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 191، والبحراني في الحدائق 6: 163، ولم نعثر
عليه بعينه في غيرهما، نعم يوجد التعبير بالاجماع والاتفاق، وفي الجواهر 7:
106، بل هو من ضروريات الدين.
(2) انظر مفتاح الكرامة 2: 25.
(3) كما في جامع المقاصد 2: 17، والمدارك 3: 50، وغيرهما.
70

المبسوط (1) والسيد (2) والإسكافي (3) والصدوق (4).
لنا على ما اخترناه - مضافا إلى الأصل -: ما رواه ثقة الاسلام في
الكافي، والشيخ في التهذيب في كتاب الصوم، عن ابن أبي عمير عمن ذكره
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " وقت سقوط القرص ووجوب الافطار أن
تقوم بحذاء القبلة وتتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق، فإذا جازت قمة
الرأس إلى المغرب فقد وجب الافطار " (5).
وليس في سنده إلا سهل بن زياد الآدمي، وأمره سهل بعد توثيق
الشيخ (6) إياه وإكثار المشايخ الرواية عنه، ولا يضر أيضا إرساله: لما اشتهر
من أن مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسندات، فتأمل، ولاشتهار
مضمونها بين الأصحاب، فقد حكي عن المحقق في المعتبر (7) أن عليه عمل
الأصحاب، وهو مشعر بدعوى الاجماع.
وما رواه الشيخ في التهذيب عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر
عليه السلام. قال: " إذا غابت الحمرة من هذا الجانب - يعني من المشرق - فقد
.

(1) المبسوط 1: 74.
(2) حكاه السبزواري في الذخيرة 191 وغيره، وانظر رسائل الشريف المرتضى
(المجموعة الأولى): 274.
(3) المختلف 2: 39.
(4) الهداية (الجوامع الفقهية): 51، وعلل الشرائع: 350.
(5) الكافي 4: 100، باب وقت الافطار الحديث الأول، والتهذيب 4: 185، الحديث
516، والوسائل 7: 89، الباب 52 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث الأول.
(6) رجال الشيخ الطوسي: 416 (أصحاب الإمام الهادي عليه السلام).
(7) المعتبر 2: 51
71

غابت الشمس من شرق الأرض وغربها " (1).
وليس في السند سوى القاسم بن عروة، ولا يقدح بعد كون الراوي
عنه ابن أبي عمير، بل والبزنطي أيضا في بعض الروايات على الظاهر.
ولعله لهذا وصف في المختلف هذه الرواية بالصحة (2)، وأراد أنها في
حكم الصحيح، وإلا فلا أعرف له وجها.
وما رواه في الفقيه في الصحيح عن بكر بن محمد عن أبي الحسن
الأول (3) عليه السلام حين سئل عن وقت المغرب؟ قال: " إن الله تعالى يقول في
كتابه لإبراهيم عليه السلام: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) فهذا أول
الوقت " (4).
وجه الدلالة: أن المشار إليه ب‍ " هذا " هو زمان جنان الليل الذي رأى
فيه إبراهيم عليه السلام كوكبا، ولا يخفى أن جنان الليل عليه: ستره بظلمته،
ولا يتحقق إلا إذا ذهبت الحمرة إلى جانب المغرب.
وقد يتوهم دلالة هذا الصحيح على خلاف المطلب، نظرا إلى أن
الكوكب يرى قبل ذهاب الحمرة، سيما " زهرة " بناء على ما اشتهر من أنا
التي رآها إبراهيم عليه السلام.
وجه التوهم، أن رؤية إبراهيم عليه السلام للكوكب إنما وقع عندما جن
.

(1) التهذيب 2: 29، الحديث 84، والوسائل 3: 1218، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 7.
(2) المختلف 2: 40.
(3) كذا في النسختين، وفي المصادر: " عن أبي عبد الله ".
(4) الفقيه 1: 219، الحديث 657، والوسائل 3: 127، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 6، والآية من سورة الأنعام: 76
72

عليه الليل كما هو صريح الآية، فهذا الزمان هو المشار إليه بقوله عليه السلام
" فهذا أول الوقت "، فكأنه عليه السلام قال: زمان رؤية إبراهيم عليه السلام
للكوكب هو أول الوقت، لا أن مطلق زمان رؤية الكوكب هو أول الوقت،
مع أن رؤية الكوكب لغير من يدقق النظر من متعارف أوساط الناس
لا يتحقق إلا بعد ذهاب الحمرة.
وما رواه عن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " إنما أمرت
أبا الخطاب أن يصلى المغرب حين زالت الحمرة [من مطلع الشمس] (1)
فيجعل هو الحمرة من قبل المغرب " (2).
وفي معنى هذه الأخبار أخبار كثيرة، كرواية ابن أشيم المروية في
التهذيب في هذا الباب (3)، ورواية يعقوب بن شعيب (4)، والروايات الواردة
في الإفاضة من عرفات (5) المحدودة إجماعا على الظاهر بغروب الشمس،
والرضوي (6)، وفيه الدليل على [أن] غروب الشمس ذهاب الحمرة عن
جانب المشرق.

(1) من المصدر.
(2) الوسائل 3: 128، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 10.
(3) التهذيب 2: 29، الحديث 83، والوسائل 3: 126، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 3.
(4) التهذيب 2: 258، الحديث 1030، والوسائل 3: 129، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 13.
(5) راجع الوسائل 10: 29، الباب 22 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة.
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 104، وفيه: والدليل على غروب
الشمس ذهاب الحمرة من جانب المشرق.
73

ثم إن هذه الأخبار وإن دل بعضها على كفاية مجرد زوال الحمرة عن
المشرق وإن لم تجز عن قمة الرأس، إلا أنه مقيد بما دل على اعتبار
جوازها عنها - كما عرفت من رواية سهل، بل صحيحه بكر بن محمد - حيث
إن جنان الليل لا يتحقق إلا بعد جواز الحمزة عن قمة الرأس، فظهر بذلك
ضعف ما ربما يظهر من بعض من كفاية زوال الحمرة عن المشرق لاطلاق
بعض الأخبار المتقدمة.
حجة القول الثاني: الأخبار القريبة من التواتر الدلالة على أن وقت
المغرب غروب الشمس أو سقوط القرص، المتحقق لغة وعرفا بسقوط
قرصها وغيبوبتها عن الأفق الحسي، كما صرح به في مرسلة علي بن الحكم،
عن أحدهما: " أنه سئل عن وقت المغرب؟ فقال: إذا غاب كرسيها، قلت:
وما كرسيها؟ قال: قرصها، قلت: متى تغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليها
فلم تره " (1).
ويؤيدها رواية سماعة، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام في المغرب:
إنا ربما صلينا، ونحن نخاف أن تكون الشمس باقية خلف الجبل أوقد سترها
منا الجبل، فقال: ليس عليك صعود الجبل " (2).
ورواية زيد الشحام، قال: " صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس
يصلون المغرب (3) فرأيت الشمس لم تغب، إنما توارث خلف الجبل عن

(1) الوسائل 3: 132، الباب 16 من أبواب المواقيت، الحديث 25.
(2) الوسائل 3: 144، الباب 20 من أبواب المواقيت، الحديث الأول، مع اختلاف
يسير.
(3) في " ق " فوق كلمة " يصلون ": " في صلاة ".
74

الناس، فلقيت أبا عبد الله عليه السلام فأخبرته بذلك، فقال لي: ولم فعلت
ذلك؟! وبئس ما صنعت، إنما تصليا إذا لم ترها خلف الجبل غابت
أو غارت ما لم يجللها سحاب أو ظلمة، وإنما عليك مشرقك ومغربك " (1).
والجواب: إما عن الأخبار الدالة على التوقيت بالغروب والسقوط.
فبما أجاب به في المختلف (2) وغيره (3): من أنه لا كلام ولا خلاف في أن
أول الوقت غروب الشمس، وإنما الكلام فيما به يتحقق الغروب، وقد فسر
في الأخبار المتقدمة بزوال الحمرة، فهي مفسرة لتلك الأخبار المتواترة
أو القريبة منه، لا معتبرة لشئ زائد على ما اعتبر فيها.
ومن هنا يظهر أن نسبة القول الثاني إلى من عبر عن أول وقت
المغرب بغروب الشمس - كالسيد في الجمل (4) ونحوه - لمجرد هذا التعبير،
لا يخلو عن نظر، لاحتمال أن يكون قد عبر بذلك تبعا للأخبار، لكن يقول
بعدم تحقق الغروب إلا بزوال الحمرة.
ومما يدلك على هذا: أن ابن أبي عقيل صرح - على ما في المختلف (5) -
بأن أول وقت المغرب سقوط القرص، ثم قال: وعلامته أن يسود أفق السماء
من المشرق، وذلك إقبال الليل وتقوية الظلمة في الجو.
.

(1) الوسائل 3: 145، الباب 20 من أبواب المواقيت، الحديث 2، مع اختلاف يسير،
(2) المختلف 2: 41.
(3) كالمحدث البحراني في الحدائق 6: 166.
(4) لم نقف عليه في الجمل، نعم نقل العلامة في المختلف 2: 19 هذا القول عن السيد
في الجمل، لكن نقل عنه ذلك في 2: 40 عن المسائل الميافارقيات، انظر رسائل
الشريف المرتضى (المجموعة الأولى): 274.
(5) المختلف 2: 40
75

فانظر إلى تصريحه بأن أول الوقت سقوط القرص، ثم جعل علامته
اسوداد الأفق الشرقي، وتقوية الظلمة في الجو.
نعم، الانصاف: أن المتبادر من غيبوبة الشمس وغروبها وسقوط
قرصها هو السقوط عن النظر، المتحقق قبل زوال الحمرة، ولكن هذا الظهور
غير مقاوم لما دل صريحا على اعتبار زوال الحمرة، لأن الظاهر يدفع
بالنص.
بقي الكلام في الأخبار المصرح فيها بدخول الوقت بسقوط القرص
عن النظر فنقول:
أما رواية علي بن الحكم المتقدمة: فهي مرسلة ضعيفة خالية عن
الجابر، وكذا رواية سماعة، مضافا إلى أنه عليه السلام لم يزد الجواب على أنه
" ليس عليك صعود الجبل " فلعل معناه: أن مناط الغروب هو ذهاب
الحمرة، ولا يجب عليك الصعود، وإنما عبر بهذا الكلام لما فيه من إيهام
كفاية سقوط القرص عن النظر وإن كان خلف الجبل كما عليه عوام العامة.
[......] (1) من ذلك يجاب عن قوله عليه السلام في رواية زيد الشحام:
" إنما عليك مشرقك ومغربك ". وهذا موجب لثوران الفتنة.
وبالجملة: فلم أجد على هذا المطلب خبرا صحيحا صريحا.
نعم، قد يتوهم دلالة بعض الصحاح على ذلك صريحا بحيث لا يمكن
حمل غيبوبة القرص فيه على زوال الحمرة، وهو الذي رواه الشيخ في
.

(1) كلمتان لا يمكن قرائتهما في " ق "، والعبارة في " ط " هكذا: كما عليه عوام العامة،
ومن ذلك يجاب... الخ
76

الصحيح، عن زرارة عن [أبي جعفر] (1) عليه السلام، قال: " وقت المغرب إذا
غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت، أعدت الصلاة ومضى
صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا " (2)، بناء على أن المراد
من غيبوبة القرص ذهاب الحمرة، لا غيبوبته عن النظر [وإلا] (1) لم يكن
معنى لرؤيته بعد ذلك، فهذا خبر صحيح صريح في المطلوب.
وفيه: أن غيبوبة القرص عن النظر - التي اعتبره أصحاب القول
الثاني - ليس المراد به مجرد عدم إبصاره ولو لحيلولة مثل جبل، كما استفيد
من رواية الشحام المتقدمة، المحمولة على التقية بقرينة ذم الشحام على
استكشاف خطأ المخالفين الموجب لثوران الفتنة، فافهم، بل المراد من غيبوبة
القرص عندهم - على ما حكي من اتفاقهم عليه - هو سقوطه عن الأفق
الحسي بحيث لا يرى في شئ من عوالي ناحية المصلى.
ولا يخفى أن هذا المعنى أيضا ينافيه رؤية القرص بعده إلا إذا فرض
اعتقاده الغيبوبة لموجب شبهة من غيم أو ظلمة ونحوهما، ومع هذا الفرض
يستقيم إرادة ذهاب الحمرة أيضا من الغيبوبة في الصحيح، فافهم.
ثم لو سلم صحة بعض الأخبار وصراحته يكون غاية الأمر وقوع
التعارض بينه وبين ما دل على اعتباره زوال الحمرة، فيجب ترجيح أدلة
اعتبار زوال الحمرة بموافقة المشهور ومخالفة الجمهور.
.

(1) من المصدر، ومحله بياض في النسختين.
(2) التهذيب 2: 261، الحديث 1039، الوسائل 3: 130، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 17.
(3) الزيادة اقتضاها السياق
77

لا يقال: إن بناء الجمهور على اعتبار استتار القرص عن النظر، وإن
كان خلف الجبل - كما يشعر به روايتا سماعة والشحام المتقدمان (1) -
فلا يكون القول الثاني من قولي المسألة موافقا لهم.
لأنا نقول: الظاهر - على ما عن صريح المنتهى (2) - أن بناء علمائهم
على اعتبار الغيبوبة عن الأفق الحسي، كما عليه أرباب القول الثاني، إلا أن
جهالهم وعوامهم يفعلون ذلك لفرط عدم المبالاة.
واعلم أنه حكي هنا قولان آخران:
أحدهما: اعتبار اسوداد أفق السماء من المشرق، وحكي هذا عن ابن
أبي عقيل (3)، ولعله لما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن علي، قال:
" صبحت الرضا عليه السلام في السفر فرأيته يصلي المغرب إذا أقبلت الفحمة من
المشرق، يعني: السواد " (4).
وفيه أنه - على فرض المنافاة لما عليه المشهور - لا يقاوم الأدلة
المتقدمة المعتضدة بالكثرة والشهرة.
ثم إن ظاهر عبارة ابن أبي عقيل - المحكية سابقا عن المختلف (5) -
لا يأبى الحمل على المذهب المشهور، فراجع.
.

(1) تقدمتا في الصفحة: 74.
(2) راجع المنتهى 1: 203.
(3) حكاه في المختلف 2: 21 و 40.
(4) التهذيب 2: 29، الحديث 86، والوسائل 3: 128، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 8.
(5) في الصفحة: 75
78

الثاني: ما حكي عن الصدوق من اعتبار بدو ثلاثة أنجم (1)، ولعله
لما رواه الشيخ - في باب الصوم من التهذيب - عن زرارة، قال: (سألت
أبا جعفر عليه السلام عن وقت إفطار الصائم، قال: حين يبدو ثلاثة أنجم) (2).
وفيه: أنه شاذ مخالف لما عليه المعظم، مع أنه قابل للحمل على
المذهب المشهور، لأن الغالب أن بدو ثلاثة أنجم لغير من يدقق النظر من
أوساط الناس إنما يحصل مع زوال الحمرة، ولو فرض حصوله بعده بيسير
لم يكن به بأس من جهة رجحان الاحتياط في الصوم حتى يحصل اليقين
بتجاوز الحمرة عن قمة الرأس.
ثم إن في ذيل هذا الخبر: أنه عليه السلام قال لرجل ظن أن الشمس قد
غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد ذلك، قال: (ليس عليه قضاء) (3)، فتدبر.

(1) راجع الفقيه 2: 129، ذيل الحديث 1932.
(2) التهذيب 4: 318، الحديث 968، والوسائل 7: 89، الباب 52 من أبواب
ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3.
(3) راجع التهذيب 4: 318، الحديث 968، والوسائل 7: 88، الباب 51 من أبواب
ما يمسك عنه الصائم، الحديث 2.
79

[مسألة]
[6]
الأظهر امتداد وقت المغرب إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أربع،
فإذا بقي هذا المقدار اختص الوقت بالعشاء، وهو المحكي (1) عن السيد (2)
وابن الجنيد (3) وابن زهرة (4) وابن إدريس (5) محكيا عنه دعوى الاجماع (16)،
ونسب هذا القول إلى المشهور (7).

(1) حكاه عنهم في المختلف 2: 19 و 20
(2) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الأولى): 274
(3) راجع المختلف 2: 20
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 494
(5) السرائر 1: 195
(6) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 27 وانظر السرائر 1: 197
(7) انظر الذخيرة: 193 والحدائق 6: 175.
80

وعن العماني (1) والشيخين (2) والسيد في الناصريات (3) والقاضي (4)
والديلمي (5) والحلبي (6) وابن حمزة (7): انتهاؤه بغيبوبة الشفق، واختاره
بعض متأخري المتأخرين (8).
لنا على ما اخترنا - مضافا إلى الأصل -: ما رواه الشيخ في التهذيب
عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قوله تعالى: (أقم الصلاة
لدلوك الشمس إلى غسق الليل) قال: (إن الله افترض أربع صلوات أول
وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان أول وقتهما من
زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أول
وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه) (9).
وليس في سنده من يتوقف فيه سوى (الضحاك بن زيد) الذي روى
عنه البزنطي، وقد تقدم في مسألة الظهرين حسن حاله في نفسه وبملاحظة

(1) حكاه في المعتبر 2: 40 والمختلف 2: 21.
(2) الشيخ المفيد في المقنعة: 93، والشيخ الطوسي في المبسوط 1: 74.
(3) المسائل الناصريات (الجوامع الفقهية): 229، المسألة: 73.
(4) المهذب 1: 69.
(5) المراسم: 62.
(6) الكافي في الفقه: 137.
(7) الوسيلة: 83.
(8) راجع الحدائق 6: 180 - 188.
(9) التهذيب 2: 25، الحديث 72، والوسائل 3: 115، الباب 10 من أبواب
المواقيت، الحديث 4.
81

رواية البزنطي عنه (1).
وما رواه الشيخ عن داود بن فرقد، عن بعض أصحابنا، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى
يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت
المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي
أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء
الآخرة إلى انتصاف الليل) (2).
وإرساله غير قادح بعد وجود ابن فضال الذي ورد الأمر - في بعض
الأخبار المعتبرة - بالأخذ بكتبه ورواياته وكذا كتب أولاده أحمد ومحمد
وعلي ورواياتهم (3).
وما رواه الشيخ في التهذيب عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: (إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل
إلا أن هذه قبل هذه) (4).
وليس في سنده من يتوقف في شأنه سوى (القاسم) مولى أبي أيوب
- الغير الموثق صريحا في الرجال - وهو غير قادح بعد رواية البزنطي عنه

(1) تقدم في الصفحة: 46.
(2) التهذيب 2: 28، الحديث 82، والوسائل 3: 134، الباب 17 من أبواب
المواقيت، الحديث 4.
(3) مثل ما ورد في الجواب عن كتب بني فضال: (خذوا ما رووا وذروا ما رأوا)، انظر
الوسائل 18: 72، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 79.
(4) التهذيب 2: 27، الحديث 78، والوسائل 3: 132، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 24.
82

من وجهين كما لا يخفى.
مضافا إلى موافقته للأصل، وفتوى الأكثر، والاجماع المنقول عن
الحلي (1) والمحصل المركب المدعى في المختلف (2) حيث إن كل من قال بامتداد
الظهرين إلى الغروب قال بامتداد العشاءين إلى انتصاف الليل.
وربما يتوهم صحة الاستدلال في المقام بما رواه الشيخ في التهذيب عن
داود الصرمي، قال: (كنت عند أبي الحسن الثالث عليه السلام يوما فجلس
يحدث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدث، فلما خرجت
من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب، ثم دعا بالماء
فتوضأ وصلى) (3).
وليس فيه سوى (داود الصرمي) ولا يقدح، مع كون الراوي عنه
أحمد بن محمد بن عيسى الذي أخرج من قم من كان يروي عن الضعفاء
مثل البرقي وسهل بن زياد، فكيف يرضى بأن يروي هو نفسه عن غير
ثقة؟!
ولكن الاستدلال به في المقام فاسد، لأن فعل الإمام عليه السلام المغرب
بعد الشفق في وقت ما لا يدل على جوازه مطلقا ولو لغير المعذور، لأن
الفعل لا عموم فيه، فيحتمل أن يكون تأخيره لأجل عذر، لاحتمال كون
التحديث بعد الغروب بأمر لازم، مع أنه يظهر من بعض الأخبار وكلام

(1) نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 27.
(2) المختلف 2: 22 و 25.
(3) التهذيب 2: 30، الحديث 90، والوسائل 3: 143، الباب 19 من أبواب
المواقيت، الحديث 10.
83

بعض القائلين بانتهائه بغيبوبة الشفق للمختار جواز التأخير لأولي عذر.
حجة الآخرين أخبار:
منها: ما رواه ابن بابويه - في الصحيح - عن بكر بن محمد عن أبي
عبد الله عليه السلام (1) قال: (سأله سائل عن وقت المغرب، فقال: إن الله تعالى
يقول في كتابه لإبراهيم عليه السلام: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا) فهذا أول
الوقت وآخر ذلك غيبوبة الشفق...) (2).
ومنها: - ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن عبد الله بن سنان عن
أبي عبد الله عليه السلام (وقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك
النجوم) (3).
ومنها: ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن علي بن يقطين، قال:
(سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق، أيؤخرها إلى أن يغيب
الشفق؟ قال: (لا بأس بذلك في السفر، فأما في الحضر فدون ذلك شيئا) (4).

(1) العبارة في (ق) هكذا: (عن أبي الحسن الأول عليه السلام [مقدار نصف سطر
مشطوب عليه] عن أبي عبد الله).
وحيث إن المصادر اتفقت على رواية بكر بن محمد هذه الرواية عن أبي عبد الله
عليه السلام مباشرة، فيحتمل قويا أن الاسم الأول كان ضمن ما أريد الشطب عليه،
وقد ترك سهوا.
(2) الفقيه 1: 219، الحديث 657، والوسائل 3: 127، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 6.
(3) التهذيب 2: 257، الحديث 1023، والوسائل 3: 132، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 26، وفيهما: (من حين تغيب الشمس... الخ).
(4) التهذيب 2: 32، الحديث 97، والوسائل 3: 144، الباب 19 من أبواب
المواقيت، الحديث 15.
84

ومنها: ما رواه الشيخ - في الموثق بابن فضال - عن جميل بن دراج،
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في الرجل يصلي المغرب
بعد ما يسقط الشفق؟ فقال: لعلة لا بأس) (1) دل بمفهومه على ثبوت البأس
بالتأخير لا لعلة، وهو ظاهر في التحريم.
ومثله: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا بأس أن تؤخر
المغرب في السفر حتى يغيب الشفق) (2).
وبمضمونها أخبار أخر، مثل: رواية إسماعيل بن مهران (3)، ومرسلة
سعيد بن جناح عن الرضا عليه السلام (4)، ورواية زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام (5)، وموثقة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام (6) والمحكي
عن الفقه الرضوي (7).
ويؤيد ذلك كله: ما ورد مستفيضا من أن لكل صلاة وقتين إلا صلاة

(1) التهذيب 2: 33، الحديث 101، والوسائل 3: 143، الباب 19 من أبواب
المواقيت، الحديث 13.
(2) التهذيب 2: 35، الحديث 108، والوسائل 3: 142، الباب 19 من أبواب
المواقيت، الحديث 4.
(3) الوسائل 3: 137، الباب 18 من أبواب المواقيت، الحديث 4.
(4) الوسائل 3: 140، الباب 18 من أبواب المواقيت، الحديث 19.
(5) الوسائل 3: 137، الباب 18 من أبواب المواقيت، الحديث 2.
(6) الوسائل 3: 139، الباب 18 من أبواب المواقيت، الحديث 14.
(7) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 73 و 74.
85

المغرب، فإن لها وقتا واحدا (1)، بناء على حمل الوقتين لكل صلاة على
الفضيلة والاجزاء دون الاختيار والاضطرار، لأن للمغرب أيضا وقتا
اضطراريا اتفاقا، فلا معنى لاستثنائها.
فمعنى هذه الأخبار - والله العالم -: أن لكل صلاة وقت فضيلة ووقت
إجزاء، إلا المغرب فإن لها وقتا واحدا للفضيلة والاجزاء، وليس وقت
إجزائها مغايرا لوقت فضيلتها كما في غيرها من الصلوات.
ويمكن الجواب عن هذه الأخبار - بعد الاعتراف باعتبار سندها
وظهور دلالتها -: بالحمل على وقت الفضيلة، جمعا بين ظواهر هذه
والنصوص السابقة المصرحة بامتداد الوقت إلى الانتصاف.
وهذا الحمل أولى من حمل الأخبار السابقة على المضطر وتخصيص
هذه بالمختار من وجوه:
الأول: أن الأخبار السابقة معتضدة بما عرفت سابقا من المرجحات،
فتعين التصرف في مخالفاتها.
الثاني: أن الحمل الأول (2) ليس فيه إلا مخالفة للظاهر في الأخبار الدالة
على انتهاء الوقت بغيبوبة الشفق، وفي الحمل الثاني مخالفة للظاهر فيها
بالتقييد بالمختار وفي الأخبار السابقة بالحمل على المضطر.
الثالث: أن حمل الأخبار السابقة على المضطر مع إطلاقها المنصرف
بحكم الغلبة إلى صورة الاختيار، حمل بعيد.
الرابع: اشتمال كثير من الأخبار المحددة لآخر الوقت بغيبوبة الشفق

(1) الوسائل 3: 137، الباب 18 من أبواب المواقيت، الحديث 1 و 2 و 11.
(2) في (ق): (الأولى)
86

على تحديد أول العشاء بها، وستعرف أنه محمول على الفضيلة، فكذا تحديد
آخر المغرب، صونا لسياق الكلام عن الاختلاف، ثم غاية الأمر تكافؤ
الأخبار من الطرفين، فوجب الرجوع إلى موافقة الأصل، وهو مع المختار.
بقي الكلام في الأخبار المستفيضة الدالة على أن لكل صلاة وقتين
إلا المغرب، حيث إن المعروف بين الأصحاب أن للمغرب أيضا وقتين وإن
اختلفوا في أنهما للاختيار والاضطرار أو للفضيلة والاجزاء، ويمكن أن يحمل
على المبالغة والتأكيد في الاتيان بها في الوقت الأول، حتى كأن الوقت الثاني
الذي هو للاجزاء على قول وللاضطرار على قول آخر لا يعد وقتا له، بل
الفعل فيه كالفعل خارج الوقت، وبه يعلل ما في بعض هذه الأخبار من أن
جبرئيل على نبينا وآله وعليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل صلاة بوقتين، غير
المغرب فإن وقتها واحد (1).
وكيف كان، فالاحتياط في هذه المسألة المشكلة مما لا ينبغي تركه
بتقديم الصلاة على غيبوبة الشفق، ودونه في الاحتياط: أن لا يؤخره إلى
ربع الليل، ودونه: أن لا يؤخره إلى ثلث الليل، ودون الكل: أن لا يؤخره
إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أداء سبع ركعات، وإن كان الأقوى جواز
التأخير إليه كما عرفت.
ومقتضى ما ذكرنا من الأخبار في إثبات المختار: كون الصلاة قضاء
بعد الوقت المذكور للمضطر والمختار، خلافا للمحكي عن المحقق في
المعتبر (2) من امتداد الوقت للمضطر إلى أن يبقى إلى الفجر مقدار ما يصلي

(1) الوسائل 3: 137، الباب 18 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
(2) المعتبر 2: 40.
87

المغرب والعشاء،
وتبعه على ذلك صاحب المدارك (1)؟ لما رواه الشيخ في
الزيادات من التهذيب في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: (إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة، فإن
استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما، وإن خاف أن يفوت
إحداهما فليبدأ بالعشاء، وإن استيقظ بعد طلوع الفجر فليصل الصبح ثم
المغرب ثم العشاء) (2). ونحوها رواية حماد عن شعيب عن أبي بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام (3).
ويؤيدهما: ما دل من الأخبار على أن المرأة إذا طهرت قبل طلوع
الفجر صلت المغرب والعشاء (4)، ورواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: (لا يفوت الصلاة من أراد الصلاة، لا يفوت صلاة النهار حتى
تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر، ولا صلاة الفجر حتى تطلع
الشمس) (5).
ويمكن أن يجاب عن روايتي ابن سنان وأبي بصير: بأن موضع الدلالة

(1) المدارك 3: 54.
(2) التهذيب 2: 270، الحديث 1076، والوسائل 3: 209، الباب 62 من أبواب
المواقيت، ذيل الحديث 4.
(3) التهذيب 2: 270، الحديث 1077، والوسائل 3: 209، الباب 62 من أبواب
المواقيت، الحديث 3.
(4) راجع الوسائل 2: 599 و 600، الباب 49 من أبواب الحيض، الأحاديث 7 و 10
و 11 و 12.
(5) التهذيب 2: 256، الحديث 1015، والوسائل 3: 116، الباب 10 من أبواب
المواقيت، الحديث 9.
88

فيهما ليس إلا وجوب تقديم العشاء على المغرب فيما إذا لم يسع المقدار الباقي
من الليل لأدائهما، وليس إلغاء الترتيب إلا لاختصاص الوقت بالعشاء،
وهذا يستلزم كون ما قبله وقتا للمغرب بالاجماع المركب.
وفيه: منع الدليل على كون إلغاء الترتيب إنما هو لكون الباقي مختصا
بالعشاء، لم لا يجوز أن يكون هذا الوقت خارجا عن وقت الصلاتين؟! لكن
يجب أو يستحب تقديم قضاء العشاء على قضاء المغرب إذا لم يتمكن من
قضاء كلتيهما في ليلة الفوت، مع أن الاجماع المركب المدعى ممنوع وبدونه
لا يتم الاستدلال، فلعل وقت العشاء فقط باق للمضطر إلى طلوع الفجر.
قال في الحدائق (1): إنه قد نقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال:
لا خلاف بين أهل العلم في أن أصحاب الأعذار إذا أدرك أحدهم قبل الفجر
الثاني مقدار ركعة أنه يلزمه العشاء الآخرة (2).
هذا كله مع اختصاص الخبرين بالنوم والنسيان، فلا يعمان تمام
المدعى.
وقد يجاب عنهما: بموافقتهما لمذهب العامة، فلتحملا على التقية.
وفيه: أن الترجيح بموافقة العامة فيما إذا كان تعارض الخبرين على
غير وجه الاطلاق والتقييد، وإلا فالمقيد الموافق للعامة لا يطرح في مقابل
المطلق المخالف له، لأن أخبار علاج التعارض لا تشمل هذا القسم منه،
كما لا يخفى على من راجعها. إلا أن يقال: إن النوم قد يكون في أول الوقت
متعمدا مع ظنه بأنه لا يستيقظ قبل الانتصاف، وهذا ليس داخلا في

(1) الحدائق 6: 193 و 194.
(2) الخلاف 1: 271، كتاب الصلاة، المسألة: 13.
89

المضطر، ويشمله الروايتان، فليستا أخص من الأخبار الدالة على خروج
الوقت بالانتصاف إلا بعد تخصيصهما بواسطة الاجماع ونحوه بالمضطر،
وحينئذ فيدور الأمر بين ارتكاب التخصيص فيهما وبين الحمل على التقية،
ولا مرجح.
وفيه: منع دوران الأمر بين التخصيص والحمل على التقية، بل يجمع
بينهما بأن يقال: إن العام مخصص في الواقع بغير المتعمد ويتأدى التقية بدلالة
ظاهره على العموم، مع أن الغالب في النوم عن العشاءين هو النوم مع ظن
الاستيقاظ، والنوم عنهما مع ظن عدمه نادر فلا ينصرف إليه الاطلاق،
ولو سلم شموله له كان إخراجه عنه تقييدا هينا كتقييد ما دل على خروج
الوقت بالانتصاف بصورة الاختيار، فإنه أيضا صرف للمطلق إلى أفراده
الغالبة، فكلا التقييدين هينان مع صحة الدليل المقيد واعتضاده بالأصل.
وأما الأخبار الآمرة بالصلاتين إذا طهرت الحائض قبل طلوع الفجر:
فلا يبعد حملها على استحباب قضائهما حينئذ كما ذكره الشيخ في التهذيب (1)،
إلا أن سياق بعضها يأبى ذلك، وهو ما اشتمل منها على الأمر بفعل الظهرين
إذا طهرت قبل غروب الشمس (2); فإنه واجب عندنا وفاقا للشيخ في غير
التهذيبين (3).
وأما الخبر الأخير: فهو ضعيف سندا، ومع ذلك فالأحوط للناسي

(1) لم نقف عليه في التهذيب، نعم هو موجود في الإستبصار 1: 144، ذيل الحديث
492.
(2) انظر الوسائل 2: 559، الباب 49 من أبواب الحيض، الأحاديث 7 و 10 و 11
و 12 وغيرها.
(3) راجع الخلاف 1: 273، كتاب الصلاة، المسألة: 14، والمبسوط 1: 73.
90

والنائم،
بل مطلق المضطر إذا فاتهم الصلاتان قبل الانتصاف أن يصلياه بعده
من غير تعرض للأداء والقضاء.
91

[مسألة]
[7]
الأظهر أنه لا يتوقف دخول وقت العشاء على غيبوبة الشفق، بل
على مضي مقدار أداء المغرب، كما تقدم في أول وقت العصر، وهو المحكي
عن الأكثر (1). وقيل: بعدم دخوله لغير المعذور إلا بعدها، وهو المحكي عن
الشيخين (2).
لنا على ذلك: الأخبار المستفيضة:
منها: صحيحة زرارة المتقدمة قي أول وقت الظهر الدالة على أنه إذا
غابت الشمس دخل وفت المغرب والعشاء (3).

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 28 عن كشف الرموز، وانظر كشف
الرموز 1: 126
(2) حكاه في المختلف 2: 24، وراجع المبسوط 1: 75، والمقنعة: 93.
(3) الوسائل 3: 91، الباب 4 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
92

ومنها: روايتا عبيد بن زرارة (1) ورواية ابن فرقد (2) [المتقدمتان] (3) في
المسألة السابقة في أدلة القول المختار.
ومنها: ما رواه الشيخ في زيادات التهذيب عن حمل بن زياد عن
إسماعيل بن مهران، قال: (كتبت إلى الرضا عليه السلام: ذكر أصحابنا أنه إذا
زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر، وإذا غربت الشمس دخل
وقت المغرب والعشاء الآخرة إلا أن هذه قبل هذه في السفر والحضر، وأن
وقت المغرب إلى ربع الليل. فكتب عليه السلام: كذلك الوقت، غير أن وقت
المغرب ضيق، وآخر وقتها ذهاب الحمرة، ومصيرها إلى البياض في أفق
المغرب) (4).
ويظهر من هذه الرواية أن دخول وقت المغرب والعشاء بغروب
الشمس كان معروفا بين الإمامية في ذلك الوقت، فتأمل.
وخصوص الأخبار المستفيضة الدالة على جواز تقديم صلاة العشاء
على مغيب الشفق:
منها: ما رواه الشيخ في الموثق بابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد
الله عليه السلام، قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس الظهر والعصر
في جماعة من غير علة، وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من
غير علة في جماعة، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتسع

(1) تقدم في الصفحة: 81 و 82.
(2) تقدم في الصفحة: 81 و 82.
(3) في النسختين: المتقدمة.
(4) التهذيب 2: 260، الحديث 1037، وورد صدر الرواية في الوسائل 3: 95
الباب 4 من أبواب المواقيت، الحديث 20، وذيلها في الوسائل 3: 137، الباب 18
من أبواب المواقيت، الحديث 4.
93

الوقت) (1).
ومنها: ما رواه عن إسحاق بن عمار، قال: (سألت أبا عبد الله
عليه السلام: نجمع بين المغرب والعشاء في الحضر قبل أن يغيب الشفق من غير
علة؟ قال: لا بأس) (2).
ومنها: ما رواه في الموثق بابن فضال، عن زرارة، قال: (سألت
أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام عن الرجل يصلي العشاء الآخرة قبل سقوط
الشفق؟ فقالا: لا بأس به) (3).
ومنها: ما رواه عن الحلبيين، قالا: (كنا نختصم في الطريق في صلاة
العشاء الآخرة قبل سقوط الشفق، وكان منا من يضيق بذلك صدره، فدخلنا
على أبي عبد الله عليه السلام فسألناه عن صلاة العشاء الآخرة قبل سقوط
الشفق؟ فقال: لا بأس بذلك. قلنا: وأي شئ الشفق؟ قال: الحمرة) (1).
حجة الشيخين ومن وافقهما قدس الله أرواحهم روايات كثيرة:
منها: ما رواه في الصحيح عن عمران بن علي الحلبي، قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام متى تجب العتمة؟ قال: إذا غاب الشفق، والشفق:

(1) التهذيب 2: 263، الحديث 1046، والوسائل 3: 101، الباب 7 من أبواب
المواقيت الحديث 6.
(2) التهذيب 2: 263، الحديث 1047، والوسائل 3: 149، الباب 22 من أبواب
المواقيت، الحديث 8.
(3) التهذيب 2: 34، الحديث 104، والوسائل 3: 148، الباب 22 من أبواب
المواقيت، الحديث 5.
(4) التهذيب 2: 34، الحديث 105، والوسائل 3: 148، الباب 22 من أبواب
المواقيت، الحديث 6.
94

الحمرة) (1).
ومنها: ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن بكر بن محمد، وفيه:
(وأول وقت العشاء ذهاب الحمرة وآخر وقتها إلى غسق الليل [يعني] (2)
نصف الليل) (3).
ومنها: مفهوم ما رواه الشيخ عن الحلبي بسندين، أحدهما صحيح
والآخر حسن - بإبراهيم بن هاشم - عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
(لا بأس بأن تعجل العتمة في السفر قبل أن يغيب الشفق) (4).
ونحوه مفهوم موثقة جميل بن دراج بابن فضال، وفيه: (قلت:
فالرجل يصلي العشاء الآخرة قبل أن يسقط الشفق؟ قال: لعلة لا بأس) (5).
وبمضمونها أخبار كثيرة أخر، مثل رواية محمد بن عيسى، عن يونس
عن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله عليه السلام (6)، ورواية زوارة عن أبي جعفر
عليه السلام (7).

(1) التهذيب 2: 34، الحديث 103، والوسائل 3: 149، الباب 23 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول.
(2) من المصدر.
(3) الفقيه 1: 219، الحديث 657، والوسائل 3: 127، الباب 16 من أبواب
المواقيت، الحديث 6.
(4) التهذيب 2: 35، الحديث 107 و 108، والوسائل 3: 147 و 148، الباب 22 من
أبواب المواقيت، الحديث 1 و 4.
(5) الوسائل 3: 144، الباب 19 من أبواب المواقيت، الحديث 13.
(6) الوسائل 3: 114، الباب 10 من أبواب المواقيت، الحديث 2.
(7) الوسائل 3: 115، الباب 10 من أبواب المواقيت، الحديث 3.
95

ويمكن الجواب عن هذه الأخبار: بحملها على وقت الفضيلة، وهو
أولى من حملها على المختار وحمل ما تقدم على المعذور; لكون هذه الأخبار
موافقة للمشهور - كما عن الخلاف والمنتهى (1) - فالتصرف فيها أولى، مع أن
الحمل على المعذور غير مستقيم في موثقتي زرارة و [ابن] عمار
المتقدمتين (2); للتصريح فيهما بجواز التقديم من غير علة، وبعيد في غيرهما;
لكونه حملا للمطلق على الفرد الغير الغالب، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط
بتأخير الصلاة إلى مغيب الشفق.
واعلم أنه صرح بعض (3)، بأن الخلاف المتقدم في مسألة اشتراك أول
الزوال بين الصلاتين أو اختصاص مقدار أداء الظهر بها، جار في العشاءين
أيضا، وأن الصدوق القائل بالاشتراك هناك قائل به هنا أيضا، لكن لم نقف
على تصريح بذلك هنا في كلام الصدوق. نعم روى في الفقيه صحيحة زرارة
الدالة على أنه إذا غابت الشمس دخل وقت المغرب والعشاء (4). لكنه روى
أيضا مرسلا أنه إذا صليت المغرب فقد دخل وقت العشاء (4). فإن كان
نسبة الاشتراك إليه لا يراد رواية زرارة، كانت نسبة الاختصاص إليه أولى;

(1) الخلاف 1: 262، كتاب الصلاة، المسألة 7، ولم نقف عليه في المنتهى صريحا.
راجع المنتهى 1: 205..
(2) في الصفحة: 92 و 93.
(3) لم نقف عليه.
(4) الفقيه 1: 216، الحديث 648، والوسائل 3: 134، الباب 17 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول.
(5) الفقيه 1: 221، الحديث 663، والوسائل 3: 134، الباب 17 من أبواب
المواقيت، الحديث 2.
96

لايراده هذه المرسلة المقيدة لرواية زرارة. ولا فرق في رواياته الموردة في
الفقيه - التي التزم بصحتها واعتقد حجيتها بينه وبين الله تعالى (1) - بين المرسلة
والصحيحة.
وكيف كان، فلو فرض قوله أو قول غيره هنا أيضا بالاشتراك كان
الكلام عليه كما عرفت في الظهرين.

(1) انظر الفقيه 1: 3.
97

[مسألة]
[8]
الأظهر الأشهر: امتداد وقت العشاء الآخرة إلى نصف الليل، وهو
المحكي عن السيد (1) وابن الجنيد (12 وسلار (3) وابن زهرة (1) وابن إدريس (5)،
وقيل بامتداد وقته إلى ثلت الليل للمختار، وهو الظاهر من المفيد (6)، وحكي
عن ابن أبي عقيل أن وقتها الأول إلى ربع الليل (7).
لنا على ما اخترناه - مضافا إلى الأصل وظاهر الكتاب، بناء على

(1) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الأولى): 274.
(2) المختلف 2: 27.
(3) المراسم: 62.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 494.
(5) السرائر 1: 195.
(6) المقنعة: 93.
(7) المختلف 2: 28.
98

تفسير الغسق بالانتصاف -: الأخبار المستفيضة:
منها: صحيحة زرارة المروية في زيادات التهذيب عن أبي جعفر
عليه السلام، وفيها: (ففيما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل أربع صلوات
سماهن وبينهن ووقتهن، وغسق الليل: انتصافه) (1).
ومنها: ما رواه الشيخ - أيضا - عن البزنطي، عن الضحاك بن زيد،
عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام، في قوله تعالى: (أقم الصلاة
لدلوك الشمس إلى غسق الليل)، قال: (إن الله افترض أربع صلوات أول
وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل، منها صلاتان أول وقتهما من
زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه، ومنها صلاتان أول
وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه) (2).
ومنها: مرسلة داود بن فرقد المتقدمة (3).
ومنها: رواية عبيد بن زرارة - المتقدمة - في آخر المغرب (4).
ومنها: صحيحة بكر بن محمد المتقدمة في المسألة السابقة (5).
وبمعناها أخبار كثيرة، مثل رواية أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام (6)

(1) التهذيب 2: 241، الحديث 954، وراجع الوسائل 3: 6، الباب 2 من أبواب
أعداد الفرائض، ذيل الحديث الأول
(2) التهذيب 2: 25، الحديث 72، والوسائل 3: 115، الباب 10 من أبواب
المواقيت. الحديث 4 والآية في سوره الإسراء: 78.
(3) تقدم في الصفحة: 81 و 82.
(4) تقدم في الصفحة: 81 و 82.
(5) المتقدمة في الصفحة: 72
(6) التهذيب 2: 261، الحديث 1041، والوسائل 3: 135، الباب 17 من أبواب
المواقيت، الحديث 7
99

وروايتي المعلى بن خنيس (1) والحلبي (2) ومرفوعة ابن مسكان عن
أبي عبد الله عليه السلام (3) المذكورة كلا في باب الأوقات من زيادات التهذيب.
حجة القول الثاني: ما رواه الصدوق في الفقيه بسنده إلى معاوية بن
عمار: (وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل) (4).
وما رواه الشيخ عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يزيد بن
خليفة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (وقت العشاء حين يغيب الشفق إلى
ثلث الليل) (5). ونحوها رواية زرارة عنه عليه السلام (6).
والجواب: أما عن الرواية الأولى; فبالحمل على وقت الفضيلة جمعا،
وهذا أولى من حمل الآية والأخبار على صورة الاضطرار.
وبهذا يجاب عن الأخيرتين مع أنهما ضعيفتان. أما أولاهما فبيزيد

(1) التهذيب 2: 262، الحديث 1042، والوسائل 3: 135، الباب 17 من أبواب
المواقيت، الحديث 8.
(2) التهذيب 2: 262، الحديث 1043، والوسائل 3: 135، الباب 17 من أبواب
المواقيت، الحديث 9.
(3) التهذيب 2: 276، الحديث 1097، والوسائل 3: 134، الباب 17 من أبواب
المواقيت، الحديث 5.
(4) الفقيه 1: 19، الحديث 658، والوسائل 3: 146، الباب 21 من أبواب
المواقيت، الحديث 4.
(5) التهذيب 2: 32، ذيل الحديث 95 والوسائل 3: 114، الباب 10 من أبواب
المواقيت، ذيل الحديث 2.
(6) لم نعثر على الرواية عن الصادق عليه السلام، نعم رويت عن أبي جعفر، انظر التهذيب
2: 263، ذيل الحديث 1045، والوسائل 3: 115، الباب 10 من أبواب المواقيت،
الحديث 3.
100

ابن خليفة، وإن كان الراوي عنه (يونس)، الذي حكي إجماع العصابة على
تصحيح ما يصح عنه (1); لأن الراوي عنه (محمد بن عيسى) الذي حكي عن
الصدوق وشيخه ابن الوليد: عدم الاعتداد بما يرويه عن (يونس) (2)، مع أن
في هذا الاجماع كلاما.
وأما حجة القول الثالث فلم نقف عليها، واحتج له في المختلف (3)
بمكاتبة إسماعيل بن مهران، قال: (كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه
ذكر أصحابنا أنه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر، وإذا
غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة، إلا أن هذه قبل هذه، في السفر
والحضر، وأن وقت المغرب إلى ربع الليل. فكتب عليه السلام: كذلك (4)، غير أن
وقت المغرب ضيق، وآخر وقتها ذهاب الحمرة ومصيرها إلى البياض في
أفق المغرب) (5).
ولا يخفى أن هذه الرواية لا دلالة لها على المذهب المذكور إلا بتمحل
شديد وتعسف بعيد.
ثم إن مقتفى النصوص المذكورة خروج الوقت بالانتصاف مطلقا من
غير تفرقة بين المضطر والمختار، خلافا للمحكي عن جماعة، منهم المحقق في

(1) انظر اختيار معرفة الرجال 2: 830، الرقم 1050.
(2) راجع رجال النجاشي: 333، الرقم 896.
(3) المختلف 2: 29.
(4) في المصدر: كذلك الوقت.
(5) الوسائل 3: 136، الباب 17 من أبواب المواقيت، الحديث 14، وأورد ذيله في 3:
137، الباب 18 من أبواب المواقيت، الحديث 4.
101

المعتبر (1)، فقالوا بامتداد الوقت للمضطر إلى طلوع الفجر; لما تقدم من
الروايات في آخر وقت المغرب.
وهذا حسن; لظهور روايتي ابن سنان وأبي بصير السابقتين (2) في هذا
المطلب، مضافا إلى ما تقدم في آخر وقت المغرب، من دعوى الشيخ في
الخلاف - المحكي نقلها عنه في الحدائق (3) - عدم الخلاف في لزوم العشاء على
من أدرك ركعة قبل طلوع الفجر. لكن بعض المتأخرين (4) حمل الروايتين
على التقية; لموافقة مضمونهما لفتوى الفقهاء الأربعة (5).
وفيه: أن التقية تتأدى بدلالة ظاهرهما على عموم الحكم للمختار
والمضطر، ولا ينافي ذلك إرادة خصوص المضطر منهما في نفس المتكلم
عليه السلام; لأجل قيام الدليل على خروج وقت الاختيار بالانتصاف، بل يمكن
القول بعدم احتياجهما إلى التقييد; لأن المتبادر من النوم عن العشاءين بحكم
الغلبة هو النوم عنهما لا متعمدا.
وكيف كان، فيصير الروايتان بعد ملاحظة تقييدهما أو تقيدهما أخص
من الأخبار الدالة بإطلاقها على خروج الوقت مطلقا بالانتصاف، فتعين
تقييدها بهما.
لكن لا يخفى أن مورد الروايتين: النائم والناسي، ولا دليل على إلحاق
غيرهما من المضطرين.

(1) المعتبر 2: 43 ومنهم السيد السند في المدارك 3: 54 و 60
(2) تقدمتا في الصفحة: 88.
(3) تقدم في الصفحة: 89
(4) هو الشهيد الثاني قدس سره في روض الجنان: 180.
(5) انظر مختصر المزني: 11، والمحلى 2: 220، والفقه على المذاهب الأربعة 1: 184.
102

وقد يرد (1) حمل الروايتين المذكورتين على المضطر باستلزام ذلك
ثبوت أوقات ثلاثة للعشاء، أحدها للفضيلة، والثاني للاجزاء، والثالث
للاضطرار، وهذا مخالف للأخبار الكثيرة الدالة على أن لكل صلاة وقتين.
وفيه: أن الظاهر المراد بالوقتين المجعولين لكل صلاة وقت الفضيلة
والاجزاء.
وكيف كان، فمقتضى الاحتياط في المقام ترك تعرض المضطر سيما النائم
والناسي لنية الأداء والقضاء إذا صلى العشاء بعد الانتصاف، وقد عرفت (2)
نظيره في المغرب، ولكن الاحتياط هنا أشد وآكد.

(1) انظر الحدائق 6: 188 و 198.
(2) الصفحة: 90 - 91.
103

[مسألة]
[9]
أول وقت صلاة الصبح: طلوع الفجر الثاني، بلا خلاف
فتوى ونصا،
وإنما الخلاف في آخره، فالمشهور: امتداده إلى
طلوع الشمس، حكاه في المختلف (1) عن السيد (2) وابن الجنيد (3)
والمفيد (4) وسلار (5) وابن البراج (6) وأبي الصلاح (7) وابن زهرة (8)

(1) المختلف 2: 30.
(2) لم نقف عليه فيما بأيدينا من كتبه ورسائله، ونقله عنه في المعتبر 2: 45 أيضا.
(3) المعتبر 2: 45
(4) المقنعة: 94.
(5) المراسم: 62.
(6) المهذب 1: 69.
(7) الكافي في الفقه: 138
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 494
104

وابن إدريس (1)، وعن الشيخ في المبسوط (2) وابن أبي عقيل (3): امتداده
للمختار إلى طلوع الحمرة المشرقية وللمضطر إلى طلوع الشمس. والمختار:
ما ذهب إليه المشهور.
لنا على ذلك - مضافا إلى الأصل -: ما روي في الصحيح وغيره من
أن لكل صلاة وقتين (4)، وقد ظهر مما ذكرنا في أوقات سائر الصلوات أن
الأول منهما للفضيلة لا للاختيار، والثاني للاجزاء، فنقول: لا خلاف في كون
ما بعد طلوع الحمرة إلى طلوع الشمس وقتا لها وإن اختلفوا في كونه وقتا
للاجزاء أو للاضطرار، وقد عرفت أن الوقت الثاني للاجزاء.
ويدل على ذلك أيضا: ما رواه الشيخ، عن زرارة، عن أبي جعفر
عليه السلام، قال: (وقت صلاة الفجر (5) ما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس) (6).

(1) السرائر 1: 195.
(2) المبسوط 1: 75، وفيه: وآخر وقت المختار طلوع الحمرة من ناحية المشرق، فمن
لحق قبل طلوع الشمس ركعة على التمام كان قد أدرك الوقت، ويجب على أصحاب
الضرورات عند ذلك صلاة الصبح بلا خلاف، وإن لحق أقل من ذلك لم يكن عليه
شئ.
(3) انظر المعتبر 2: 45، والمختلف 2: 31.
(4) انظر الوسائل 3: 86، الباب 3 من أبواب المواقيت، الأحاديث 4 و 11 و 13.
(5) في المصدرين: الغداة.
(6) التهذيب 2: 36، الحديث 114، والوسائل 3: 152، الباب 26 من أبواب
المواقيت، الحديث 6.
105

[وما رواه عن] (1) الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:
(من أدرك ركعة من الغداة قبل طلوع الشمس كان كمن أدرك (2) الغداة
تامة) (3).
وما رواه عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
(لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس، ولا صلاة الليل حتى يطلع
الفجر، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) (4).
وهذه الروايات وإن كانت مشتركة في الضعف إلا أنها منجبرة
بالشهرة، وحكاية الاجماع عن السرائر (5) موافقة للأصل، مع أن الرواية
الأولى وإن اشتملت على موسى بن بكر، إلا أن الراوي عنه عبد الله بن
المغيرة، وهو من أصحاب الاجماع.
حجة العماني والشيخ: ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله
عليه السلام، قال: (وقت الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء،
ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا، لكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام) (6).

(1) ما بين المعقوفتين استظهرناه للسياق، ومحله بياض في النسختين بمقدار كلمتين.
(2) في المصدر: فقد أدرك.
(3) التهذيب 2: 38، الحديث 119، والوسائل 3: 158، الباب 30 من أبواب
المواقيت، الحديث 2.
(4) التهذيب 2: 256، الحديث 1015، والوسائل 3: 116، الباب 10 من أبواب
المواقيت، الحديث 9.
(5) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 30 وانظر السرائر 1: 197.
(6) التهذيب 2: 39، الحديث 123، والوسائل 3: 151، الباب 26 من أبواب
المواقيت، الحديث 5.
106

وما روي في الصحيح وغيره: من أن لكل صلاة وقتين، وليس لأحد
أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا في علة (1).
وما رواه الشيخ عن أبي بصير المكفوف، قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم متى يحرم عليه الطعام؟ قال: إذا كان الفجر
كالقبطية البيضاء (2). قلت: فمتى تحل الصلاة؟ فقال: إذا كان كذلك. فقلت:
ألست في وقت من تلك الساعة إلى أن تطلع الشمس؟ فقال: لا، إنما نعدها
صلاة الصبيان) (3).
والجواب عن هذه الروايات: أولا: بعدم دلالة شئ منها على امتداد
الوقت إلى طلوع الحمرة.
وثانيا: بالحمل على وقت الفضيلة; لعدم صراحتها ولا ظهور
[ل‍] ما عدا الأخيرة في حرمة التأخير، ولو سلم ظهورها تعين مخالفة الظاهر
جمعا، وهذا أولى من حمل الأخبار الأولة على المضطر كما عرفت مرارا،
ولو تساوى الحملان وجب الرجوع إلى مقتضى الأصل كما تقدم في نظائره.
ثم إن مقتضى إطلاق ما دل من العقل والنقل على رجحان المبادرة إلى
فعل الواجب: أن يكون الأفضل الشروع في فريضة الفجر في أول ما يطلع
الفجر، ويؤيده بل يدل عليه: خصوص ما رواه الشيخ، عن البزنطي، عن
عبد الرحمن بن سالم، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت

(1) راجع الوسائل 3: 87 و 89، الباب 3 من أبواب المواقيت، الحديث 4 و 13.
(2) القبطية: الثوب من ثياب مصر رقيقة بيضاء وكأنه منسوب إلى القبط، وهم أهل
مصر، وضم القاف من تغيير النسب. [النهاية، لابن الأثير 4: 6، (قبط)].
(3) التهذيب 2: 39، الحديث 122، والوسائل 3: 155، الباب 28 من أبواب
المواقيت، الحديث 2.
107

لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر، قال:
(مع طلوع الفجر، إن الله تعالى قال: (إن قرآن الفجر كان مشهودا) يعني
صلاة الفجر، تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، فإذا صلى العبد صلاة
الصبح مع طلوع الفجر أثبتت له مرتين، تثبته ملائكة الليل وملائكة
النهار) (1).
ولكن المستفاد من بعض الأخبار رجحان تأخيره عن أول الفجر،
مثل ما روي من أنه كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم [يصلي ركعتي الصبح، وهي
الفجر] (2) إذا اعترض الفجر وأضاء حسنا (3)، وفي صحيحة محمد بن مسلم
قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل صلى الفجر حين طلع الفجر، قال:
لا بأس) (4)، فإن المستفاد من السؤال شكه في رجحان ذلك، ومن الجواب
عدم رجحانه، كما يستشم من قوله: (لا بأس).
ويمكن حمل فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على انتظار الجماعة أو المتنفلين،
وأن يكون المراد من قوله: (وأضاء حسنا) أضاء ضوءا بينا غير خفي،
فيكون المعنى: أنه كان يصلي إذا تبين له ضوء الفجر، ويكون إشارة إلى
عدم جواز الشروع مع الاشتباه. ويؤيد هذا الحمل: ما روي من أنه
صلى الله عليه وآله وسلم كان يغلس بصلاة الفجر (5) أي يصليها في ظلمة آخر الليل.

(1) التهذيب 2: 37، الحديث 116، والوسائل 3: 154، الباب 28 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول، والآية من سورة الإسراء: 78.
(2) ما بين المعقوفتين من المصدر.
(3) الوسائل 3: 154، الباب 27 من أبواب المواقيت، الحديث 5.
(4) الوسائل 3: 151، الباب 26 من أبواب المواقيت، الحديث 4.
(5) انظر الوسائل 4: 764، الباب 25 من أبواب القراءة، الحديث 3.
108

وأما صحيحة ابن مسلم: فيمكن حملها على كون نفي البأس إشارة إلى
مرجوحية ذلك من حيث استلزامه لترك نافلة الفجر إن لم يصلها قبل الفجر،
ومخالفة العامة المعرضة للضرر إن صلاها قبل الفجر. فلعل المراد: أن
الراجح الاشتغال بنافلة الفجر مع طلوعه موافقة للعامة ثم المشروع
في الفريضة.
هذا كله، مع أن ظهور نفي البأس في إثبات المرجوحية أو نفي
الرجحان ممنوع، فلعله لمجرد توهم البأس، لكن هذا التوهم المخالف لما ثبت
بضرورة الدين من عدم البأس بالصلاة مع طلوع الفجر بعيد من مثل محمد
ابن مسلم - الذي [هو] من أجل فقهاء أصحاب الصادق عليه السلام - فلا بد
أن يكون للسؤال جهة أخرى لا مجرد المبادرة إلى الصلاة مع الطلوع، وهذا
كاف في سقوط الاستدلال بالرواية لما نحن فيه.
109

الفصل الثاني
في
أوقات النوافل
111

[مسألة]
[1]
في نافلة الظهرين
الظاهر عدم مشروعية فعل شئ من نافلة الظهرين قبل الزوال.
ويدل عليه - مضافا إلى الأصل -: العمومات الدالة على وضع الشارع
إياها بعد الزوال، فيكون الفعل الواقع قبله غير موضوع من الشارع، مثل:
ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن الحارث النصري، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سمعته يقول: (صلاة النهار ست عشرة ركعة، ثمان إذا زالت الشمس
وثمان بعد الظهر) (1).
وما رواه عن حماد، عن شعيب، عن أبي بصير، قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن التطوع بالليل والنهار، قال: الذي يستحب ألا يقصر

(1) التهذيب 2: 4، الحديث 5، والوسائل 3: 33، الباب 13 من أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها، الحديث 9.
113

عنه ثمان ركعات عند زوال الشمس... الحديث) (1).
وما رواه - في الموثق بابن بكير - عن زرارة، قال: (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام ما جرت به السنة في الصلاة؟ فقال: ثمان ركعات
الزوال... الحديث) (2). إلى غير ذلك من العمومات، وخصوص مفهوم
صحيحة محمد بن مسلم الآتية إلى غير ذلك من الأخبار.
وأما ما في بعض الروايات من جواز تقديمها على الزوال - مثل ما رواه
الشيخ عن القاسم بن الوليد الغفاري (3) قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
جعلت فداك صلاة النهار النوافل كم هي؟ قال: هي ست عشرة ركعة، أي
ساعات النهار شئت أن تصليها صليتها إلا أنك إن صليتها في مواقيتها كان
أفضل) (4) وما رواه عن علي بن الحكم عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (قال لي: صلاة النهار ست عشرة ركعة، [صلها] (5) أي النهار

(1) التهذيب 2: 6، الحديث 11، والوسائل 3: 42، الباب 14 من أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها، الحديث 2
(2) التهذيب 2: 7، الحديث 12، والوسائل 3: 43، الباب 14 من أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها، الحديث 3
(3) في (ق) كتب فوق كلمة (الغفاري): (الغساني) ولعل وجهه ما رواه الشيخ
قدس سره في التهذيب 2: 267، الحديث 1063 بعنوان الغساني.
(4) التهذيب 2: 9، الحديث 17، والوسائل 3: 36، الباب 13 من أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها، الحديث 18، و 3: 169، الباب 37 من أبواب المواقيت،
الحديث 5.
(5) من المصدر.
114

شئت، إن شئت في أوله، وإن شئت في وسطه، وإن شئت في آخره) (1).
وما رواه عن عبد الأعلى قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن نافلة النهار
قال: ست عشرة ركعة متى ما نشطت، إن علي بن الحسين عليهما السلام كان له
ساعات من النهار يصلي فيها، فإذا شغله ضيعة أو سلطان قضاها، إنما النافلة
مثل الهدية متى ما أتي بها قبلت) (2). ومنها: ما رواه عن محمد بن عذافر،
قال: (قال أبو عبد الله عليه السلام: صلاة التطوع بمنزلة الهدية متى ما أتي بها
قبلت، فقدم منها ما شئت وأخر منها ما شئت) (3) - فلا يقاوم شئ منها
ما قدمنا من الروايات; لضعف ما هو الصريح منها في جواز التقديم على
الزوال، وهي مرسلة علي بن الحكم، وعدم صراحة باقيها، مع ضعف بعضها
أيضا; إذ يحتمل أن يراد بقوله عليه السلام - في الرواية الأولى -: (أي ساعات
النهار) ما بعد الزوال، ويحتمل - أيضا - قويا أن يكون المراد من قوله عليه السلام
- في الثالثة -: (متى ما نشطت) أي سواء كان في وقتها أو بعد خروجه،
كما يدل عليه استشهاده عليه السلام بقضاء علي بن الحسين عليهما السلام للصلوات
التي اشغله عنها سلطان أو ضيعة، ومثلهما قوله عليه السلام - في الرابعة -: (فقدم
منها ما شئت وأخر منها ما شئت)، فإن المراد من التقديم: فعلها في الوقت
أو في أوله، ومن التأخير: فعلها في آخر وقتها، أو بعد خروج وقتها،

(1) التهذيب 2: 8، الحديث 15، والوسائل 3: 36 الباب 13 من أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها، الحديث 17.
(2) التهذيب 2: 267، الحديث 1065، والوسائل 3: 169، الباب 37 من أبواب
المواقيت، الحديث 7.
(3) التهذيب 2: 267، الحديث 1066، والوسائل 3: 170، الباب 37 من أبواب
المواقيت، الحديث 8.
115

ولا ينافي هذا المعنى تنزيل النافلة منزلة الهدية; لأنها بمنزلتها بعد تعلق
الأمر بها لا مطلقا.
وكيف كان، فليس في سليم السند من هذه الأخبار تصريح بجواز
تقديم نافلة الزوال عليه حتى يرفع اليد من أجله عن ظواهر ما قدمنا من
الأخبار.
ثم لو سلم - تنزلا - صراحتها في ذلك، تعين حملها على ما إذا علم
المكلف بأنه لو لم يقدمها على الزوال اشتغل عنها بعده ولن يتمكن منها;
لمفهوم ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم، قال: (سألت
أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يشتغل عن الزوال، أيتعجل من أول النهار؟
فقال: نعم إذا علم أنه يشتغل فيعجلها في صدر النهار كلها) (1).
ويؤيده: ما رواه في الصحيح عن إسماعيل بن جابر، قال: (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: إني أشتغل، قال: فاصنع كما نصنع، صل ست ركعات
إذا كانت الشمس في مثل موضعها صلاة العصر، يعني ارتفاع الضحى الأكبر
واعتد بها من الزوال) (2).

(1) التهذيب 2: 268، الحديث 1067، والوسائل 3: 168 الباب 37 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول
(2) التهذيب 2: 267، الحديث 1062، والوسائل 3: 169، الباب 37 من أبواب
المواقيت، الحديث 4.
116

[مسألة]
[2]
الأظهر الأشهر: انتهاء وقت نافلة الظهر بصيرورة الظل الحادث
قدمين، أعني سبعي الشاخص، وبعبارة ثالثة: ذراعا من قامة الانسان،
وانتهاء وقت نافلة العصر بصيرورة الظل أربعة أقدام.
وقيل: بانتهاء وقت نافلة الظهر بصيرورة ظل كل شئ مثله (1)،
وانتهاء العصر بصيرورته مثلين.
وقيل: بامتدادهما إلى ما قبل آخر وقت الفريضة (2).
لنا على ما اخترناه - مضافا إلى العمومات الناهية عن التطوع في وقت

(1) وبه قال الحلي في السرائر 1: 199، والمحقق في المتبر 2: 48 والمحقق الثاني في
جامع المقاصد 2: 20 وغيرهما، انظر مفتاح الكرامة 2: 31
(2) قال في المدارك (3: 69) هو مجهول القائل، وقال في الجواهر (7: 171) ولعله
الحلبي في الكافي. انظر الكافي في الفقه: 158، واختاره النراقي في المستند (1: 241)
وحكاه فيه عن والده أيضا.
117

الفريضة خرج منها ما قبل القدمين إجماعا وبقي الباقي -: خصوص صحيحة
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الحاكية لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر
بعد الذراع والعصر بعد الذراعين، قال عليه السلام بعد ذلك: (أتدري لم جعل
الذراع والذراعان؟ قلت: لم جعل ذلك؟ قال: لمكان النافلة (1)، فإن لك أن
تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفئ ذراعا، فإذا بلغ فيئك ذراعا من
الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة، وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت
بالفريضة وتركت النافلة) (2) فإن ظاهرها وجوب ترك النافلة بعد بلوغ الفئ
ذراعا.
ولو نوقش في إفادة الجملة الخبرية للوجوب، أمكن التفصي عنها
بوجهين:
الأول: إن مفهوم الغاية - في قوله عليه السلام: (لك أن تتنفل إلى أن يمضي
الفئ ذراعا) الدال على أنه ليس له التنفل بعد ذلك - كاف في الحكم بعدم
جواز النافلة بعد ذلك قبل الفريضة.
والثاني: إن الجملة الخبرية تفيد الرجحان قطعا، فإذا كان ترك النافلة
راجحا كفى ذلك في انتفاء الصحة، فإن المفروض أن أدلة رجحان فعل نافلة
الزوال قد خصصت بذلك، فلا يبقى بعد ذلك دليل على رجحانها، فتأمل.
ويؤيد هذه الصحيحة: موثقة عمار الساباطي الطويلة - المروية في

(1) في (ق): الفريضة، وكتب فوقها: النافلة (خ ل)، وفي هامش التهذيب ما يلي: في
المطبوعة وبعض المخطوطات (الفريضة) والصواب ما أثبتناه، وهو موافق لما في
الفقيه
(2) التهذيب 2: 19، الحديث 55، والوسائل 3: 103، الباب 8 من أبواب المواقيت،
الحديث 3 و 4
118

زيادات الصلاة من التهذيب - عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: (للرجل
أن يصلي الزوال ما بين الزوال وبين أن يمضي قدمان... إلى أن قال: وإن
مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد
ذلك) (1).
حجة القول الثاني: أصالة عدم خروج الوقت وبقاء الرجحان بعد
مضي القدمين، وما دل على أن حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كان قامة، فإذا مضى من فيئه ذراع صلى الظهر، وإذا مضى من فيئه ذراعان
صلى العصر (2)، بضميمة ما دل على أن المراد بالقامة: الذراع (3).
ورواية زرارة: (إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر، وإذا كان ظلك
مثليك فصل العصر) (4)، بناء على أن الأمر بفعل الظهر بعد المثل دال على
تعينه واختصاص الوقت به، في مقابلة ما قبل المثل، حيث إن المكلف مخير
فيه بين فعل الظهر ونافلتها، لاشتراك الوقت بينهما.
والجواب، أما عن الأصل: فبما تقدم من الدليل عموما وخصوصا على
خروج الرجحان والرخصة بعد مضي القدمين.
وأما عن الاستدلال بأخبار القامة، المبني على تفسير القامة بالذراع:
فبفساد المبنى، لأن الأخبار المفسرة للقامة بالذراع ضعيفة جدا، فلا يرفع

(1) التهذيب 2: 273، الحديث 1086، والوسائل 3: 178، الباب 40 من أبواب
المواقيت، الحديث الأول.
(2) انظر الوسائل 3: 102، الباب 8 من أبواب المواقيت، الأحاديث 3 و 4 و 7 و 27.
(3) انظر الوسائل 3: 106، الباب 8 من أبواب المواقيت الأحاديث 15 و 16
وغيرهما.
(4) الوسائل 3: 105، الباب 8 من أبواب المواقيت، الحديث 13.
119

اليد عن المعنى اللغوي والعرفي للقامة من أجلها، مع أن هذا التفسير يرده
مريح صحيحة زرارة السابقة (1) حيث قال فيها: (فإذا بلغ فيئك ذراعا
بدأت بالفريضة) فإنها صريحة في أن العبرة بذراع من قامة الانسان، وهو
سبعا الشاخص.
وأما عن رواية زرارة: فلأن الاستدلال بها مبني على أن يكون
سؤال زرارة عن الوقت المختص بالفريضتين الغير المشترك بينهما وبين
نافلتهما، وهو غير معلوم، بل الظاهر أن سؤاله كان عن وقت الصلاتين في
القيظ - يعني: شدة الحر ولو كان السؤال عن الوقت المختص بالفرضين
لم يكن معنى لتخصيصه بالقيظ.
ثم اعلم أن القائلين بامتداد وقت النافلة إلى المثل بين من استثنى
مقدار أداء الفريضة من هذا الوقت وبين من أطلق القول بالامتداد إلى
المثل، ورواية زرارة إنما يتجه الاستدلال بها على تقدير صحتها على القول
الثاني دون الأول.
حجة القول الثالث: أصالة بقاء الأمر بالنافلة إلى أن يتيقن ارتفاعه،
ولا يتيقن إلا إذا ضاق وقت الفريضة، والعمومات المتقدمة الدالة على جواز
تقديم النافلة وتأخيرها وأنها بمنزلة الهدية (2)، وخصوص ما رواه الشيخ في
الموثق عن سماعة، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي
المسجد وقد صلى أهله أيبتدئ بالمكتوبة أو يتطوع؟ قال: إن كان في وقت
حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة، وإن كان خاف الفوت من أجل

(1) تقدمت في الصفحة: 118.
(2) الوسائل 3: 169 - 170، الباب 37 من أبواب المواقيت، الحديث 7 و 8 وغيرهما.
120

ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حق الله، ثم ليتطوع ما شاء، الأمر
موسع أن يصلي الانسان في أول وقت الفريضة، والفضل إذا صلى الانسان
وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها، ليكون فضل أول الوقت للفريضة،
وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت إلى قريب من آخر
الوقت) (1).
والجواب، أما عن الأصل والعمومات: فبما تقدم.
وأما عن الموثقة: فباحتمال أن يكون المراد بالوقت الحسن: وقت
فضيلة الفريضة المشترك بينها وبين نافلتها، ولا ينافيه قوله: (وإن كان
خاف الفوت)، لأن المراد خوف فوت وقت فضيلة الفريضة.
ولكن هذا الاحتمال إنما يلائم القول بامتداد وقت النافلة إلى أن يبقى
إلى المثل مقدار أداء الظهر، إذ حينئذ يتجه أن يقال: إذا خاف المكلف فوت
وقت فضيلة الفريضة بأن يبقى من بلوغ الظل مثل الشاخص مقدار أداء
الظهر، فليبدأ بالفريضة، لئلا تتأخر عن وقت فضيلتها الذي بلغ من شدة
اهتمام الشارع في محافظته إلى أن ذهب طائفة بحرمة التأخير عنه مع
الاختيار.
وأما بناء على المختار - من امتداد وقت النافلة إلى مضي القدمين -
فلا وقع لهذا الحمل، لأن المراد من وقت فضيلة الظهر الذي إذا خاف فوته
وجب الابتداء بالفريضة، وإذا لم يخف فوته جاز التنفل، إن كان وقت
صيرورة الظل مثل الشاخص، فلا ريب في عدم جواز النافلة قبله مطلقا

(1) التهذيب 2: 264، الحديث 151، والوسائل 3: 165، الباب 35 من أبواب
المواقيت، ذيل الحديث الأول.
121

على المختار، بل يجوز إذا لم يمض القدمان، وإن كان وقت مضي القدمين
فلا يستقيم وجوب البدأة بالفريضة مع خوف فوته، لأن المختار جواز فعل
النافلة قبل مضي القدمين وإن استلزم تأخير الظهر عنهما.
اللهم إلا أن يراد بخوف فوتها: خوف فواتها في وقته الأفضل المختص
بها، الغير الصالح لنافلتها، وهو أول ما بعد مضي القدمين، لكن لا يخلو ذلك
عن بعد.
فالأولى: أن يحمل التطوع في هذه الرواية على غير الرواتب اليومية
من النوافل، كما يدل عليه قوله عليه السلام: (والفضل إذا صلى الانسان وحده
أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة)، فإنه
لا خلاف فتوى ونصا في استحباب تقديم نافلة الظهر في أول الوقت
وتأخيرها عنه بمقدار أداء النافلة، فكيف يكون الفضل في تقديم الفريضة
على النافلة في أول الوقت؟! اللهم إلا أن يراد بالوقت: الداخل.
ثم لو سلم بعد التقييد المذكور في الرواية كان أولى من اطراحها، لما
تقدم من الأدلة على المختار المعتضدة بعمل جمهور الأخيار الموافقة
للاحتياط المطلوب في ملة سيد الأبرار.
ثم إنه قد يستفاد من بعض الأخبار: امتداد وقت نافلة الزوال إلى أن
يذهب ثلثا القامة، وهما روايتان رواهما الشيخ في زيادات التهذيب بسندين
ضعيفين عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1) ولم أقف على قائل
بمضمونهما.

(1) التهذيب 2: 248، الحديث 985 و 986، والوسائل 3: 107، الباب 8 من أبواب
المواقيت، الحديث 23 وذيله.
122

[مسألة]
[3]
لو اشتغل بالظهر قبل التنفل ثم فرغ منها ولم يمض وقت النافلة، فهل
له الاتيان بها أداء أم لا؟ وكذا الكلام في العصر، وجهان بل قولان،
منشأهما أنه هل يكون لو صف تقدم نافلة الظهرين عليهما مدخلية في كون
النافلة أداء، بمعنى أن وقت نافلة الظهر هو إذا لم يمض قدمان ولم يجئ
بالظهر، فإذا انتفى أحدهما انتفى الأداء، وكذا وقت نافلة العصر إذا لم يمض
أربعة أقدام ولم يجئ بالعصر، أم لا؟
الأظهر: الأول، للأخبار الكثيرة الظاهرة في كون نوافل الظهرين
موضوعة ومقررة قبلهما، مثل موثقة سليمان بن خالد - بعثمان بن عيسى،
الذي حكي القول (1) بأنه من أصحاب الاجماع - عن أبي عبد الله عليه السلام،

(1) انظر رجال الكشي 2: 831، تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن
الرضا عليهما السلام، الرقم 1050.
123

قال: (صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر، وست
ركعات بعد الظهر، وركعتان قبل العصر... الحديث) (1).
ومثلها: الأخبار الكثيرة الدالة على أنه إذا زالت الشمس دخل وقت
الظهر إلا أن بين يديها سبحة، منها: ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن محمد
بن أحمد بن يحيى، قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام: روي
عن آبائك القدم، والقدمين، والأربعة، والقامة، والقامتين، وظل مثلك،
والذراع، والذراعين، فكتب عليه السلام: (لا القدم ولا القدمين، إذا زالت
الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة، وهي ثمان ركعات، فإن
شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم صل الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر
والعصر سبحة، وهي ثمان ركعات، وإن شئت طولت وإن شئت قصرت، ثم
صل العصر) (2).
إلى غير ذلك من الأخبار.

(1) التهذيب 2: 5، الحديث 8، والوسائل 3: 36، الباب 12 من أبواب أعداد
الفرائض ونوافلها، الحديث 16.
(2) التهذيب 2: 249، الحديث 990، والوسائل 3: 98، الباب 5 من أبواب
المواقيت، الحديث 13.
124

[مسألة]
[4]
لو نذر الصلاة النافلة في وقت الفريضة على القول بعدم مشروعيتها
بأصل الشرع، فهل ينعقد أو لا؟ وجهان، بل قولان، قد يستظهر الثاني،
للأدلة الدالة على اشتراط الرجحان في متعلق النذر، الظاهرة في اعتباره فيه
مع قطع النظر عن النذر، وليس للنافلة في الوقت المذكور - مع قطع النظر
عن تعلق النذر بها وإخراجها عن النفل إلى الوجوب - مشروعية بالفرض
حتى يصح نذرها.
والحاصل: أن تعلق الوجوب بها بسبب النذر موقوف على
مشروعيتها، بل رجحانها بمقتضى أدلة اشتراط الرجحان في متعلق النذر،
ومشروعيتها فرع وجوبها: لأنها غير مشروعة ما دامت متصفة بالنفل،
فيلزم الدور الصريح.
فإن قلت: فعلى هذا إذا نذر مطلق الصلاة النافلة فلا يشرع فعلها
ولا يحصل البر بفعلها في وقت الفريضة، لأنه إذا فرض عدم مشروعية
125

النافلة في وقت الفريضة، فيختص متعلق النذر بالنافلة في غير ذلك الوقت،
فيخرج المأتي به في ذلك الوقت عن متعلق النذر.
قلت: ليس الأمر كذلك، لأن الحكم بعدم المشروعية كراهة أو تحريما
إنما يتعلق بالصلاة النافلة.
لا بمعنى المتصفة نوعا بالنفل بحسب أصل الشرع، لأنه خلاف ظاهر
الأدلة الدالة على حكم المسألة، نعم لو قيل به فلا إشكال في عدم حصول
البر بفعلها في وقت الفريضة.
ولا بمعنى المتصفة شخصا بالنفل فعلا، لأنه مستلزم لاجتماع حكمين
متضادين.
ولا بمعنى المتصفة بالنفل لولا الكراهة أو التحريم، لقبح الحكم على
مثلها حينئذ بأحدهما.
بل بمعنى المتصفة شخصا بالنفل فعلا لولا الخصوصية الموجبة للكراهة
أو التحريم.
فمعنى كراهة النافلة في وقت الفريضة أو تحريمها، هو: أن الصلاة التي
لو فرض وقوعها في غير هذا الوقت كانت متصفة بالاستحباب، غير
مشروعة في هذا الوقت، وغير خفي أن النذر إذا تعلق بالنافلة بقول مطلق
فلا يصدق عليها لو فرض وقوعها في غير وقت الفريضة أنها مستحبة،
فلا تكون متصفة بالكراهة أو التحريم إذا وقعت في وقت الفريضة.
فإن قلت ء: إن المحصل مما ذكرت، هو: أن النذر المخرج للنافلة إذا
وقعت في غير وقت الفريضة من النفل إلى الوجوب، هو الذي أوجب
خروج النافلة إذا وقعت في وقت الفريضة من الكراهة أو الحرمة، وجعلها
قابلة لتعلق النذر بها، فيتعلق بها.
126

وحاصله: أن النذر حقق مورده القابل لتعلقه به فتعلق به، وهذا أمر
غير معقول، إذ لا يعقل وجود الموضوع وتحققه في الخارج بنفس إيجاد الحكم
وتحققه.
قلت: إن النذر لا يتعلق بالنافلة بوصف أنها مطلوبة بالأمر
الاستحبابي، بل يتعلق بالصلاة التي لولا النذر كانت مطلوبة على وجه.
الاستحباب، وهذا ليس موضوعا للكراهة أو الحرمة، لما عرفت من أنهما
إنما تتعلقان بالصلاة التي هي مطلوبة استحبابا بالفعل لولا الخصوصية
الموجبة لهما، فخروج مورد النذر عن مورد الكراهة أو الحرمة ليس لأجل
صيرورته واجبا بالنذر حتى يكون النذر محققا لمورده، بل خروجه لأجل
عدم ملاحظة الاستحباب الفعلي فيه، خلافا لمورد الكراهة أو الحرمة.
نعم، لو تعلق النذر بالصلاة المستحبة بملاحظة أنها مستحبة حتى
يكون تعلقه حقيقة على إطاعة الأمر الاستحبابي الموارد في هذا الفعل
فلا مناص عن القول بعدم البر من المنذور في وقت الفريضة، لأنه إنما نذر
إطاعة الأمر الاستحبابي الوارد في النافلة، وكلما وجد أمر استحبابي بالنافلة
يبر بإطاعته، والفرض أنه لا أمر بالنافلة في وقت الفرض، فلا إطاعة
[فلا بر (1)، لكن الكلام ليس فيه] (2)، بل فيما إذا تعلق النذر بالممنوع (3) فعلا
بالأمر الاستحبابي مع قطع النظر عن استحبابه فعلا، فافهم حتى لا يختلط

(1) في (ط): فلا برء.
(2) ما أثبتناه من (ط)، وفي (ق) بدل ما بين المعقوفتين ما يلي: (للأمر الاستحبابي)
وبعده بياض بمقدار كلمة، ولعلها: فيه.
(3 ا) في (ط): (بما هو موضوع) بدل (بالممنوع).
127

عليك الفرق بين تعلق النذر بما هو مستحب فعلا بملاحظة استحبابه، الراجع
في الحقيقة إلى تعلق النذر بإطاعة الأمر الاستحبابي، وبين تعلق النذر
بالعنوان الذي يثبت له الاستحباب لولا النذر.
128

[المقصد الثالث] (1)
في الاستقبال
(يجب) بالوجوب الشرطي أو التكليفي (استقبال) عين
(الكعبة) أو الاستقبال بالغير إليها (مع) تيسر (المشاهدة) بل المحاذاة
ولو لم يشاهد، (و) استقبال (جهتها مع) عدم التيسر لأجل (البعد)
عنها (في فرائض الصلاة) اختيارا، (وعند الذبح) مع التمكن، (و)
عند (احتضار الميت، ودفنه، والصلاة عليه)، وقد تقدم تفصيل الكلام
فيما يتعلق بالميت (2)، وسيأتي بالنسبة إلى غيره.
وما ذكره المصنف من اعتبار استقبال المصلي العين للقادر والجهة للبعيد
هو أصح القولين للأصحاب.

(1) ورد في نسخة الأصل - هنا - ما يلي: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب
العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
إلى يوم الدين، في الاستقبال).
(2) الظاهر أنه قد تقدم في كتاب الطهارة، فراجع.
129

ويدل على الأول - بعد الأصل والاجماع المحكي عن كنز العرفان (1)
والمعتبر (2) -: ما دل على كون الكعبة قبلة للناس جميعا من الأخبار المتواترة (3).
وهي الدليل أيضا على الثاني - بعد الاجماع المحقق في الجملة
والمحكي - فإن كونها قبلة للبعيد العاجز عن استقبال العين لا معنى له إلا
وجوب استقبال جهتها والتوجه إلى سمتها.
مضافا إلى قوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث
ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (4) وما دل من الأخبار (5) على وجوب التوجه
نحوها من كل مكان.
خلافا للمحكي عن الشيخين (6) والطبرسي (7) - مع دعوى
الأخيرين الاجماع - وسلار (8) والقاضي (9) وابن حمزة (10) وابن زهرة (11)

(1) كنز العرفان 1: 85.
(2) المعتبر 2: 65.
(3) انظر الوسائل 3: 215، الباب 2 من أبواب القبلة، الأحاديث 8 و 10 و 14.
(4) البقرة: 144.
(5) الوسائل 3: 219، الباب 2 من أبواب القبلة، الحديث 14.
(6) المقنعة: 95، النهاية: 62، والمبسوط 1: 77، والخلاف 1: 295، المسألة: 41
(7) مجمع البيان 1، 227، وفيه: قاله أصحابنا
(8) المراسم: 60.
(9) المهذب 1: 84.
(10) الوسيلة: 85
(11) الغنية (الجوامع الفقهية) 494
130

والمحقق في الشرائع (1)، بل أكثر الأصحاب، على ما ذكره الشهيدان (2) فأفتوا
بما في مرسلة الحجال عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن الله تعالى جعل الكعبة
قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، وجعل الحرم قبلة لأهل
الدنيا) (3)، ونحوها رواية بشر بن جعفر الجعفي (4)، والنبوي المحكي عن المعتبر
والمنتهى (5)، ومرسلة الصدوق (6)، وفي المحكي عن العلل: (إن الكعبة قبلة
المسجد، والمسجد قبلة مكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة الدنيا) (7).
وزاد الشيخ فاستدل بما دل على رجحان التياسر لأهل العراق معللا
بما لفظه: (إن نور الحجر عن يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية
أميال، كله اثنا عشر ميلا، فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد
القبلة لقلة أنصاب (8) الحرم، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن
حد القبلة) (9)، وبأن لكل مصل جهة، والكعبة لا تكون في الجهات كلها،

(1) الشرائع 1: 65.
(2) الذكرى: 162، المسالك 1: 151.
(3) الوسائل 3: 220، الباب 3 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
(4) نفس المصدر، الحديث 2.
(5) المعتبر 2: 66، ولم نقف عليه في المنتهى.
(6) الفقيه 1: 272، الحديث 844، والوسائل 3: 220، الباب 3 من أبواب القبلة،
الحديث 3.
(7) علل الشرائع: 318، الباب 3، الحديث 2، والوسائل 3: 221، الباب 3 من
أبواب القبلة، الحديث 4، وفيهما: (البيت قبلة المسجد).
(8) الأنصاب: جمع نصب، وهي علائم موضوعة على جانبي الطريق إلى مكة، للتعريف
بحدود الحرم، وانظر القاموس المحيط 1: 132، مادة: (نصب).
(9) التهذيب 2: 44، الحديث 142، والوسائل 3: 222، الباب 4 من أبواب القبلة،
الحديث 2.
131

ولا كذلك التوجه إلى الحرم لأنه طويل يمكن أن يكون كل واحد متوجها إلى
جزء منه (1).
والجواب عن الأخبار - بعد ضعف سندها وخلوها عن الجابر، لوهن
الشهرة والاجماع المنقولين على مضمونها بشهرة الخلاف، بل الاجماع عليه
بين المتأخرين وبعض القدماء كالسيد (2) والإسكافي (3) -: بضعف الدلالة، بناء
على أن القبلة لأهل الدنيا ليست عين الحرم; لعدم إمكان توجه البعيد إليها
وإن كان طويلا، ولذا اتفقوا على اجتزاء البعيد بالعلامات الآتية التي لا تعين
إلا جهة الحرم والكعبة، وإن كان الظاهر من الدليل الأخير للشيخ: إمكان
توجه البعيد إلى جزء من العين، وهو الذي فهمه جماعة حيث أوردوا عليه
بما سيجئ من بطلان صلاة بعض الصف المستطيل.
إلا أن الانصاف أنه مخالف للمحسوس، وأن عين المسجد ليست أيضا
قبلة لقاطبة أهل الحرم، إذ يتعذر أو يتعسر على من كان في أقصى الحرم
مواجهة عين المسجد، مضافا إلى أنه حكى الاجماع غير واحد على أن من
تمكن من مشاهدة الكعبة يجب عليه مواجهتها وإن خرج عن المسجد،
وحكي (4) التصريح - بهذا الحكم وبوجوب استقبال عين المسجد لمن تمكن منه

(1) راجع الخلاف 1: 296، كتاب الصلاة، ذيل المسألة: 41.
(2) حكاه عنه في المعتبر 2: 65، وراجع رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة):
29.
(3) حكاه عنه في المختلف 2: 61
(4) حكاه في الجواهر 7: 323
132

وإن خرج عن الحرم - عن جماعة من أرباب هذا القول كالشيخ (1)
والقاضي (2) وابن حمزة (3)، فالأولى حينئذ حمل الروايات على إرادة جهتي
المسجد والحرم، كما ذكره جماعة (4) تبعا للذكرى (5).
ولعل وجه الاختلاف في التعبير مع اتحاد الجهتين، هو: أنه كلما ازداد
ذو الجهة بعدا يعبر عن جهته بما هو أوسع، كما يشهد به التعبيرات العرفية
عن جهات الأماكن والبقاع.
وأما رواية العلل: فلم يقل بها أحد.
وأما ما دل على التياسر: فمع ضعفه سندا، لا دلالة لها بعد ما ذكرنا أن
قبلة البعيد جهة الحرم اتفاقا، لعدم تمكنه من العين قطعا، فهو على تقدير
تسليمه حكم تعبدي قال به المشهور من أهل القولين (6).
وأما الدليل الأخير للشيخ: فهو بظاهره مخالف للمحسوس، لأن أهل
العراق والخراسان، بناء على ما ذكره جمع (7) من اتحاد قبلتهم، كيف يمكن لكل

(1) المبسوط 1: 77.
(2) المهذب 1: 84، وفيه: فكل من شاهد الكعبة وجب عليه التوجه إليها.
(3) الوسيلة: 85.
(4) منهم المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 58، والسيد العاملي في المدارك 3:
120 وصاحب الجواهر في الجواهر 7: 324.
(5) الذكرى: 162.
(6) كما في النهاية: 63، والشرائع 1: 66، والقواعد 1: 251، والدروس 1: 159،
وغيرها، انظر مفتاح الكرامة 2: 93.
(7) منهم: الشيخ في النهاية: 63، والمحقق في المعتبر 2: 65، والعلامة في المنتهى 1:
218، وغيرهم.
133

مصل منهم أن يتوجه إلى عين جزء من الحرم؟! بل اللازم على هذا التقدير
- كما ذكره جماعة (1) - بطلان صلاة بعض الصف الذي يزيد طوله على سعة
الحرم، لأن الخطوط الخارجة المتوازية لا تلتقي أبدا، فكيف يصح صلاة أهل
الإقليم الواحد بعلامة واحدة؟!
وقد تصدى جمال الملة في حاشية الروضة لدفع هذا، أولا: بمنع كون
الخطوط الخارجة متوازية بناء على كروية الأرض فحينئذ لا مانع من التقائها
كما تلتقي الخطوط الخارجة من محيط الدائرة في نقطة واحدة هي قطبها.
وثانيا: بأن العلم بخروج بعضهم عن العين لا ينافي صحة صلاة كل
واحد منهم، لعدم علمه بذلك كما لو اختلفوا في الاجتهاد.
ثم قال: نعم، يستشكل بلزوم عدم صحة الجماعة إذا كان بينه وبين
الإمام ما يزيد عن قدر الحرم، ثم احتمل اندفاع ذلك بالتزام صحة صلاتهما
كما لو ائتم أحد واجدي المني في الثوب المشترك بالآخر.
ثم أورد على ذلك: بأن هذا رجوع في الحقيقة إلى القول بالجهة، إذ
ليس التعويل على هذا في صحة صلاة كل واحد على القطع بعدم خروجه
عن حد الحرم، بل على صلاته إلى سمت احتمل كونه فيه وقطع بعدم
خروجه عنه، وهو ليس إلا اعتبار الجهة ولا نزاع فيه (2)، انتهى.
أقول: لا يخفى أن ما ذكره قدس سره لا يغني في دفع ما أوردوه على الشيخ
في استدلاله (3) على أن قبلة البعيد هي عين الحرم دون الكعبة، لعدم إمكان

(1) انظر روض الجنان: 189، والمستند 1: 257، وغيرهما.
(2) حاشية الروضة: 173.
(3) راجع استدلال الشيخ الطوسي قدس سره في الصفحة: 131.
134

استقبال المصلي الجزء من الكعبة، وإمكان استقباله الجزء من الحرم، فإن
ما ذكره من الوجهين في تصحيح صلاة الصف الزائد على طول الحرم بعينه
جار في تصحيح صلاة الصف الزائد عن طول الكعبة، كما اعترف هو به
حيث أورد نظير هذا على ما ذكره في الروضة من أنه لو كانت القبلة للبعيد
عين الكعبة لزم بطلان صلاة بعض الصف الزائد على طول الكعبة (1).
مع أنه يرد على الوجه الثاني مما ذكره: ما اعترف به أخيرا من أن
فيه التزام عدم كون القبلة هي عين الحرم (2)، إذ المفروض أنه يحتمل عند كل
واحد من الإمام والمأموم المتباعدين بما يزيد على طول الحرم أن يكون
خارجا عن العين، فكيف يكون العين قبلة لهما مع جهلهما باستقبالها؟!
وعلى الوجه الأول: أن المقدار القليل من التقوس الحاصل بسبب
كروية الأرض لموقف ذلك الصف الطويل لا يوجب [التقاء] (3) الخطوط
الخارجة واتصالها بالحرم كما هو معلوم بالحدس ويمكن أن يستعلم بالحس.
ثم إن ظاهر المتن اختصاص الجهة بالبعيد، وألحق به جماعة القريب
العاجز عن العلم بالعين (4)، وهو حسن مع شمول أدلة الجهة له، وإلا فالأقوى
والأحوط له تحصيل الظن بالعين، ويمكن إرادة ذلك من المتن بأن يراد
باستقبال العين استقبالها علما أو ظنا.
واعلم أنهم اختلفوا في تعريف الجهة التي هي قبلة البعيد، ولا ثمرة في

(1) انظر حاشية الروضة: 173.
(2) نفس المصدر.
(3) من هامش (ط).
(4) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 189، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2:
58، والسيد الطباطبائي في الرياض 3: 111.
135

ذكرها بعد اتفاق كلهم أو جلهم على وجوب إعمال العلامات الآتية وشبهها.
نعم، ربما يظهر من جماعة من متأخري المتأخرين (1) عدم وجوب ذلك
وأنه يكفي أن يصدق في العرف التوجه إلى جانب الكعبة، لقوله تعالى:
(فولوا وجوهكم شطره) (2)، بل لعموم قوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه
الله) (3) خرج منه ما خرج بالاجماع، وقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن
عمار: (ما بين المشرق والمغرب قبلة) (4)، وفي صحيحة زرارة: (لا صلاة إلا
إلى القبلة. قلت: وأين حد القبلة؟ قال: ما بين المشرق والمغرب)، (5).
وربما استظهر سيد مشايخنا - في مناهله - ذلك من عبارتي المعتبر (6)
والمنتهى (7) حيث عرفا الجهة بالسمت الذي فيه الكعبة، قال: فإذا كان الكعبة
في جهة الجنوب أو الشمال كان القبلة بالنسبة إلى النائي جميع ما بين المشرق
والمغرب، وإذا كانت في جهة المشرق أو المغرب كان جميع ما بين الشمال
والجنوب قبلة بالنسبة إلى النائي. ثم قال: ولا فرق حينئذ بين علمه بعدم
استقباله الكعبة أو ظنه أو لا. ثم نسب ذلك إلى مجمع الفائدة والمدارك
والذخيرة. وحكى عن بعض الأجلة نسبته إلى أكثر المتأخرين ثم استدل

(1) كالسيد العاملي في المدارك 3: 121 والمحقق الأردبيلي في المجمع 2: 58 والمحدث
البحراني في الحدائق 6: 387 وما حب الجواهر في الجواهر 7: 343.
(2) البقرة: 144.
(3) البقرة: 115.
(4) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
(5) نفس المصدر، الحديث 2.
(6) المعتبر 2: 66.
(7) المنتهى 1: 218.
136

لهم بما ذكرنا من الكتاب والسنة وأيدهما بالسيرة المستمرة بين المسلمين من
المسامحة في أمر القبلة فيما يعتبر فيه القبلة من أمورهم المهمة كالصلاة والذبح
ونحو ذلك (1).
أقول: الظاهر أن كون مجموع ما بين المشرق والمغرب قبلة وإن علم
أو ظن بكون الكعبة في جزء معين من هذه الجهة - مع كونه مخالفا للأخبار
المتواترة (2) الدالة على كون الكعبة قبلة لجميع الناس - خلاف ظاهر الفقهاء،
كما صرح به وحيد عصره في شرحه على المفاتيح، بل صرح بأن صلاة العالم
المتعمد على هذا الوجه خلاف طريقة المسلمين في الأعصار، بل هو عندهم
مثل منافيات ضروري الدين (3). ويظهر ذلك من غيره أيضا.
نعم، حكى الشهيدان في الذكرى (4) والمقاصد العلية (5) عن بعض العامة
أن المشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس، والجنوب قبلة لأهل الشمال
وبالعكس. ويظهر منهما أن المخالف بين المسلمين منحصر في ذلك. ولأجل
ما ذكرنا اتفقوا على عد من انحرف عما يقتضيه الأمارات إلى ما بين المشرق
والمغرب من أقسام المصلي إلى غير القبلة وإن استدلوا على صحة صلاته
بما دل على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة. لكن ليس غرضهم من ذلك
إخراجه عن مسألة الخاطئ في القبلة، بل إظهار أن الانحراف ما لم يصل إلى

(1) لم نجده في المناهل (مخطوط)، انظر مجمع الفائدة 2: 58 و 59، والمدارك 3: 121،
والذخيرة: 214.
(2) الوسائل 3: 218، الباب 2 من أبواب القبلة، الأحاديث 8 و 10 و 14 وغيرها.
(3) شرح المفاتيح (مخطوط): الورقة 76.
(4) الذكرى: 162.
(5) المقاصد العلية: 127.
137

محض التيامن والتياسر غير مضر في نفس الأمر وإن أضر مع التعمد،
كما يشهد بذلك اتفاقهم على وجوب الرجوع إلى الأمارات المذكورة وعلى
وجوب الاستدارة إذا تبين في أثناء الصلاة انحرافه إلى ما بين المغرب
والمشرق.
ودل عليه أيضا: موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، في رجل صلى
على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: (إن
كان متوجها إلى ما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة
يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى
القبلة ثم يفتتح الصلاة) (1).
ورواية القاسم بن وليد، عن الرجل تبين له وهو في الصلاة أنه على
غير القبلة، قال: (يستقبلها إذا ثبت ذلك وإن كان فرغ منها فلا يعيدها) (2)
فإن المراد منه بقرينة نفي الإعادة بعد الفراغ، عدم تعديه عما بين المشرق
والمغرب، وقد حكم الإمام عليه السلام فيها وفي الموثقة السابقة بوجوب
الاستقبال إلى القبلة، فيعلم من الجواب والسؤال عدم كون ما بين المشرق
والمغرب قبلة.
ومما ذكرنا يظهر أن التمسك بقوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) (3)
في غاية الضعف، لمخالفته للاجماع فتوى ونصا على عدم كون مضمونه حكما

(1) الوسائل 3: 229، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 4، وفيه: (فيما بين المشرق
والمغرب).
(2) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 3.
(3) البقرة: 115.
138

للعارف المختار في الفرائض، بل هي إما في النوافل أو عند الضرورة
أو التحير، كما يظهر من النصوص المختلفة، والتمسك بعمومه بعد خروج
ما خرج من الجهات القابلة للتوجه كاليمين واليسار والخلف بالنسبة إلى بعض
المكلفين مستهجن جدا بشهادة السياق.
وأما صحيحتا زرارة ومعاوية بن عمار (1) فقد عرفت وجوب توجيههما
بما يخرجهما عن مخالفة الاجماع.
وأما السيرة المدعاة فلعمري إنها على العكس، كما تقدم (2) من كلام
شارح المفاتيح من أن من انحرف فاحشا عن الجهة المعلومة ينكر عليه أشد
الانكار (3). نعم، يتسامحون في تحصيل الجهة على وجه الدقة، لكن لا على هذه
المسامحة بحيث يسلبون عن هذا الشخص عنوان التوجه إلى القبلة.
فالمحقق في ذلك والقول الفصل هو أن ما يجب استقباله من جهة الكعبة
ليس أمره بذلك الضيق حتى يجب - كما ذكر بعضهم (4) - مراعاة بلاد العراق
من حيث التشريق والتغريب، ولا بتلك السعة حتى يجعل مجموع ما بين
المشرق والمغرب قبلة، كما يظهر ذلك من التدبر في الأدلة من الكتاب والسنة
وفتاوى الفقهاء وسيرة أواسط الناس ممن لا يحتمل في حقه عدم المبالاة في
أمر دينه ولا الوسواس.
وعليه شواهد كثيرة، من أعظمها: ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة

(1) تقدمتا في الصفحة: 136.
(2) تقدم في الصفحة: 136 - 137.
(3) تقدم في الصفحة: 137.
(4) انظر روض الجنان: 197، والغنائم: 161.
139

عليهم السلام للتعرض لأمرها ببيان ضابط لبلادهم فضلا عن غيرها مع كونه من
أهم المهمات، وترك أصحابهم رضوان الله عليهم للتعرض لأمرها بالسؤال عن أئمتهم
مع أنهم كانوا يسألونهم عن كثير مما لا يحتاج إليه إلا نادرا.
فالظاهر أن الأئمة صلوات الله عليهم وأصحابهم كلهم قد اكتفوا بما هو معلوم
عند أغلب الناس بأدنى التفات إلى نسبة بلده مع مكة زادها الله شرفا إما لكثرة
التردد أو بملاحظة أوضاع النجوم من الشمس والقمر وغيرهما من الكواكب،
لا على وجه الدقة في علم الرصد أو التقليد من رصدي دقيق، بل كملاحظتها
عند القصد إلى تعيين جهات سائر البقاع والبلاد عند إرادة السير إليها في
البر والبحر - لا عند الإشارة إلى جهتها تسامحا - لتميز جهتها من بين الجهات
الأربع حتى يرجع ذلك إلى ما بين المشرق والمغرب، فتدبر.
نعم، لو علم أو ظن سمت القبلة بأزيد من ذلك، فالظاهر عدم جواز
التعدي عنه بحيث يصح السلب عرفا، ولا بأس باليسير.
ولو عجز عن معرفة أزيد ما (1) بين المشرق والمغرب علما أو ظنا،
فلا يبعد أيضا القول باكتفائه بالصلاة إلى أي جزء شاء، ولا يجب عليه تكرار
الصلاة وإن قلنا بالتكرار للمتحير; لاختصاص دليله بالمتحير في أربع
جوانب، مع أنه لا يبعد أن يكون الوجه في الاقتصار على الأربع إدراك
ما بين المشرق والمغرب، وهو حاصل للمكلف في مفروض مسألتنا، مضافا
إلى ما سيجئ من الروايات المعتبرة في المتحير (2)، ومخالفتها للمشهور فيما نحن
فيه غير معلومة، إذ لعل مقصودهم من التكرار في محله إدراك الجهة المذكورة

(1) كذا، ولعل الأصح: مما.
(2) راجع الوسائل 3: 225، الباب 8 من أبواب القبلة وغيره.
140

المفروض حصولها لهذا الشخص.
والأصل: أن القدر المخالف للنصوص والفتاوى والسيرة هو كون
ما بين المشرق والمغرب قبلة حتى بالنسبة إلى العالم أو المتمكن من تمييز الجهة
الخاصة علما أو ظنا، دون غيره كالمتحير والناسي والظان وغير ذلك،
وسيجئ تمام الكلام في مسألة المتحير.
(ويستحب) الاستقبال (للنوافل) تارة كاستحباب الطهارة فيها
كما إذا فعلت مع الاستقرار، وأخرى كاستحباب السورة كما إذا صليت غير
مستقر
(و) لذا (تصلى) مع الاختيار (على الراحلة) سفرا - ولو مع
الاستدبار - إجماعا نصا وفتوى، وحضرا على المشهور كما قيل (1) ونسبه آخر
إلى الشيخ والمتأخرين (2)، وعن الخلاف: دعوى الاجماع عليه (3)، والأخبار
به مع ذلك مستفيضة.
ففي صحيحة الحلبي: (أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة النافلة
على البعير والدابة، قال: نعم، حيث ما كان متوجها، قلت: أستقبل القبلة إذا
أردت التكبير؟ قال: لا، ولكن تكبر حيثما كان متوجها، وكذلك فعل رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم) (4).
وصحيحة ابن الحجاج: (أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيثما توجهت، قال: لا بأس) (5)،

(1) مصابيح الظلام (مخطوط): 29 و 67.
(2) نسبه في الذخيرة: 215.
(3) الخلاف 1: 299، كتاب الصلاة، المسألة: 45.
(4) الوسائل 3: 240، الباب 15 من أبواب القبلة، الحديث 6.
(5) الوسائل 3: 239، الباب 15 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
141

نحوها صحيحة حماد بن عثمان (1).
وفي صحيحة أخرى لابن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام، قال:
(سألته عن صلاة النافلة في الحضر على ظهر الدابة إذ أخرجت قريبا من
أبيات الكوفة أو كنت مستعجلا بالكوفة، قال: (إن كنت مستعجلا لا تقدر
على النزول وتخوفت فوت ذلك إن تركته وأنت راكب فنعم، وإلا فإن
صلاتك على الأرض أحب إلي) (2)،
خلافا للمحكي (3) عن العماني (4) وظاهر
الحلي (5) من المنع عن فعلها على الراحلة حضرا، وهو ضعيف بما عرفت.
ويلحق بالراكب الماشي فيجوز له النافلة ولو مستدبرا في السفر إجماعا
على الظاهر المصرح به في محكي المنتهى (6) وللأخبار المستفيضة:
ففي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا بأس بأن
يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو يمشي، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل
أن يقضيها بالنهار وهو يمشي، يتوجه إلى القبلة ثم يمشي ويقرأ، فإذا أراد أن
يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى) (7)
وصحيحة يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الصلاة في السفر وأنا أمشي. قال: (أوم إيماء واجعل السجود أخفض من

(1) الوسائل 3: 240، الباب 15 من أبواب القبلة، الحديث 10.
(2) الوسائل 3: 241، الباب 15 من أبواب القبلة، الحديث 12.
(3) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 3: 149.
(4) المختلف 2: 73.
(5) انظر السرائر 1: 208.
(6) المنتهى 1: 223، وحكاه السيد الطباطبائي في الرياض 3: 148.
(7) الوسائل 3: 244، الباب 16 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
142

الركوع) (1).
وعن المعتبر - نقلا عن جامع البزنطي - عن حماد بن عثمان، عن
الحسين بن المختار، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (سألته عن الرجل
يصلي وهو يمشي تطوعا؟ قال: نعم)، قال البزنطي: وسمعته أنا من الحسين
ابن المختار (2).
وإطلاق هذه الرواية يشمل الحضر أيضا فيجوز فيه النافلة ماشيا
على المشهور كما قيل (3)، ويقتضيه إطلاق الاجماع المحكي عن المنتهى
على الجواز للماشي (4)، وفي الرياض (5) تبعا لوحيد عصره في شرح
المفاتيح (6) دعوى عدم الفصل بين الراكب والماشي الحاضرين.
وربما يستدل للجواز بأخبار ظاهرة في السفر، كصحيحة ابن عمار
المتقدمة ونحوها (7)، أو واردة في مقام بيان كيفية صلاة الماشي، مثل رواية
إبراهيم بن ميمون: (إن صليت وأنت تمشي كبرت ثم مشيت فقرأت، فإذا
أردت أن تركع أومأت ثم أومأت بالسجود وليس في السفر تطوع...
الحديث) (8)، وليس في الفقرة الأخيرة شهادة أو إشعار بورود الحكم في

(1) الوسائل 3: 244، الباب 16 من أبواب القبلة، الحديث 3.
(2) المعتبر 2: 77، والوسائل 3: 245، الباب 16 من أبواب القبلة، الحديث 6
(3) مصابيح الظلام (مخطوط): 29، و 67.
(4) المنتهى 1: 223.
(5) الرياض 3: 149.
(6) مصابيح الظلام (مخطوط): 29.
(7) تقدمتا في الصفحة السابقة.
(8) الوسائل 3: 244، الباب 16 من أبواب القبلة، الحديث 2.
143

الحضر، بل هو للتنبيه على لزوم ترك الرواتب النهارية في السفر كما لا يخفى.
ثم إن الظاهر سقوط الاستقبال رأسا، كما عن الشيخ (1) وجماعة (2)،
لظاهر الترخيص في فعل مجموع الصلاة على الراحلة حيثما توجهت سيما في
مقام البيان، وتصريح ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة (3)، ورواية إبراهيم
الكرخي أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: إني أقدر على التوجه نحو القبلة في
المحمل. قال: (هذا لضيق، أما لكم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة؟!) (4)
خلافا للمحكي عن الحلي (5) وجماعة (6) فأوجبوا الاستقبال بالتكبير، ولعله
لصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (7) الظاهرة في وجوب ذلك على الماشي
فيجب على الراكب، لعدم الفرق، ولمصححة ابن أبي نجران عن الصلاة في
المحمل في السفر، قال: (إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر
وصل حيث ذهب بك بعيرك...) (8) ويحمل على الاستحباب جمعا، كظاهر

(1) لم نعثر عليه في كتب الشيخ، ولا على من نقل عنه، وفي الجواهر عن المبسوط
والخلاف: اشتراط الاستقبال في التكبيرة، وكذا غيره، انظر الجواهر 8: 11.
(2) منهم المحقق في الشرائع 1: 67، وابن فهد في المهذب 1: 305، والمحقق الثاني في
جامع المقاصد 2: 65، والسيد في المدارك 3: 148، والبحراني في الحدائق 6: 428،
وانظر مفتاح الكرامة 2: 98.
(3) تقدمت في الصفحة: 141.
(4) الوسائل 3: 239، الباب 15 من أبواب القبلة، الحديث 2، وفيه: (ان أتوجه).
(5) السرائر 1: 208 و 336.
(6) منهم الشيخ في الخلاف 1: 298، كتاب الصلاة، المسألة: 43، وابن سعيد في
الجامع للشرائع: 64.
(7) تقدمت في الصفحة: 142.
(8) الوسائل 3: 241، الباب 15 من أبواب القبلة، الحديث 13.
144

صحيحة معاوية بن عمار الآمرة بالركوع والسجود مستقبلا، مع استفاضة
الأخبار بالايماء لهما (1).
بقي الكلام في جواز النافلة إلى غير القبلة مع الاختيار والاستقرار
على الأرض، فالمشهور كما قيل (2) على المنع; لأن العبادات توقيفية ولم يعهد
من أحد من الحجج صلوات الله عليهم فعلها كذلك، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(صلوا كما رأيتموني أصلي) (3)، ولعموم صحيحة زرارة: (لا صلاة إلا إلى
القبلة) (4).
ويضعف الأول: بحصول التوقيف بإطلاقات الصلاة وخصوص أدلة
النوافل وما سيأتي من أدلة الجواز، والثاني: بضعف السند وقصور الدلالة من
وجوه مذكورة في بعض مباحث الأصول، والثالث: بظهور الصحيحة في
الفريضة أو وهن شمول إطلاقها للنافلة بقرينة قول الراوي في ذيلها: (قلت:
فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت؟ قال: يعيد)، مع أن
الصحيحة صريحة في تحديد القبلة بما بين المشرق والمغرب، فلا تدل على
اعتبار أزيد من ذلك في النافلة إلا أن يثبت الأزيد بالاجماع، فتأمل.
ومن هنا (قيل، و) القائل الشيخ (5) والمحقق (6) وجماعة من متأخري

(1) انظر الوسائل 3: 244، الباب 16 من أبواب القبلة وغيره.
(2) انظر كشف اللثام 1: 175، والبحار 84: 48، والمستند 1: 268، والجواهر 8: 4.
(3) عوالي اللآلي 1: 198.
(4) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(5) لم نقف على تصريح به في كتب الشيخ قدس سره، نعم في روض الجنان: 194 (إنه
مختار المحقق وظاهر الخلاف)، ومثله في البحار 84: 48، والجواهر 8: 4.
(6) انظر الشرائع 1: 67، والمعتبر 2: 65.
145

المتأخرين (1)،
وفي الذكرى - في بحث مكان المصلي - نسبته إلى كثير من
الأصحاب (2): بجواز فعلها للمختار المستقر (إلى غير القبلة)، لأصالة عدم
الاشتراط، وفحوى جوازها غير مستقر، وإطلاق أدلة الصلاة والنوافل،
وعموم قوله تعالى: (فأينما تولوا فثم وجه الله) (3) خرج منه الفريضة.
ويؤيد العموم ما عن العياشي في تفسيره (4)، والراوندي في فقه
القرآن (5)، والمحقق والمصنف في المعتبر (6) والتذكرة (7)، من ورود الرواية
بأنها نزلت في النافلة.
ولا يعارضها ما عن الشيخ في النهاية (8) والطبرسي في مجمع البيان (9)
من أنها نزلت في التطوع في حال السفر، لعدم التعارض إن أريد مورد
النزول، وإن أريد اختصاص حكمها بالمسافر فهو مناف لما دل على جواز
النافلة للراكب والماشي إلى غير القبلة حضرا (10). ولا مجال لتوهم التزام

(1) منهم ابن فهد الحلي في المهذب 1: 305، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 60.
(2) الذكرى: 151.
(3) البقرة: 115.
(4) تفسير العياشي 1: 56، الحديث 80، والوسائل 3: 243، الباب 15 من أبواب
القبلة الحديث 23.
(5) فقه القرآن 1: 91.
(6) المعتبر 2: 76.
(7) التذكرة 3: 19، وفيه (قال الصادق عليه السلام: إنها نزلت في النافلة).
(8) النهاية: 64.
(9) مجمع البيان 1: 191.
(10) الوسائل 3: 239، الباب 15 من أبواب القبلة، و 244، الباب 16 من الأبواب.
146

خروج ما خرج بالدليل، لأن المفروض أن الأخبار المفسرة ناصة باختصاص
حكمها بالمسافر وليس فيها لفظ عام كما لا يخفى، ولظاهر قوله عليه السلام في
صحيحة زرارة: (ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإن الله عز وجل
يقول لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في الفريضة: (فول وجهك شطر المسجد الحرام)) (1)
دلت على أن تشريع القبلة على وجه الوجوب إنما كان في الفريضة.
ويؤيده رواية علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: (سألته عن
الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ فقال: إذا كانت الفريضة
والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته،
ولكن لا يعود) (2).
ولا يبعد أن يكون المراد من النهي عن العود الكراهة، وإلا فلا تحريم
مع عدم كونه قاطعا إلا أن يحمل مورد السؤال على النسيان، فتأمل. ونحوها
المحكي عن مستطرفات السرائر (3) بدون زيادة النهي عن العود.
ويؤيده أيضا ما عن تفسير العياشي بسنده إلى زرارة في حكم الصلاة
في السفر في السفينة والمحمل، وفي آخرها: (قلت: فأتوجه نحوها - يعني
القبلة - في كل تكبيرة، قال: أما النافلة فلا، إنما تكبر على غير القبلة، ثم
قال: كل ذلك قبلة للمتنفل (أينما تولوا فثم وجه الله) (4) وسيجئ تمام

(1) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 3، والآية في البقرة: 144.
(2) قرب الإسناد: 210، الحديث 820، والوسائل 4: 1250، الباب 3 من أبواب
قواطع الصلاة، ذيل الحديث 8.
(3) مستطرفات السرائر (السرائر) 3: 572، والوسائل 4: 1249، الباب 3 من أبواب
قواطع الصلاة، الحديث 8، ولكن فيه النهي عن العود - أيضا -.
(4) تفسير العياشي 1: 56، الحديث 81، والوسائل 3: 236، الباب 13 من أبواب
القبلة، الحديث 17.
147

الرواية في الصلاة في السفينة (1)، فإن مورد الرواية وإن كان هو المسافر إلا
أن هذا لا يوجب تقييد إطلاق (المتنفل) سيما مع الاستشهاد بإطلاق الآية.
وكيف كان، فهذا القول لا يخلو عن قوة وإن كان الأحوط الترك،
لضعف ما أجبنا به عن قاعدة التوقيف وصحيحة زرارة (2).
وربما يتوهم مشروعية الفعل على هذا الوجه بمجرد وجود القول به
واحتمال الدليل عليه تسامحا في مدارك السنن، وفيه نظر، فإن التسامح مختص
بمقتضى أدلته بما إذا لم يكن لذلك الثواب الملتمس طريق متيقن، فعند دوران
المستحب بين المطلق والمقيد لا وجه لإتيان فرد آخر من المطلق تسامحا. نعم،
لو لم يتمكن من المقيد أمكن الاتيان بالفرد الآخر، إذ لا طريق إلى إدراك
الثواب المحتمل إلا العمل بهذا الاحتمال. وتمام الكلام في محله.
(و) كيف كان، (لا يجوز ذلك) المذكور من الصلاة على الراحلة
وإلى غير القبلة (في الفريضة، إلا مع التعذر كالمطاردة) راكبا وماشيا،
والمرض المانع من النزول، ويجب الاستقبال حينئذ مهما أمكن، والمحافظة
على الاستقرار مع التيسر.
ثم إن المنع عن فعل الفريضة على غير القبلة مما لا إشكال فيه
ولا خلاف، وكذا على الراحلة وإن تمكن من الاستقبال. والاجماع عليه (3)
كالأخبار مستفيضة:

(1) في الصفحة: 154.
(2) انظر الصفحة: 145.
(3) انظر المعتبر 2: 75، والمنتهى 1: 222، والذكرى 166، وغيرها.
148

ففي صحيحة عبد الرحمان عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا يصلي
الفريضة على الدابة إلا مريض يستقبل به القبلة، وتجزيه فاتحة الكتاب،
ويضع بوجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ ويؤمي في النافلة إيماء) (1).
وفي رواية ابن سنان: (أيصلي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال:
لا، إلا من ضرورة) (2).
وفي التوقيع إلى الحميري إنه (يجوز مع الضرورة الشديدة) (3)، وقريب
منه توقيع آخر (4).
وفي رواية منصور بن حازم قال: سأله أحمد بن النعمان فقال: أصلي
في محملي وأنا مريض؟ قال: [فقال]: (5) (أما النافلة فنعم، وأما الفريضة
[فلا] (6)، قال: فذكر أحمد شدة وجعه، فقال: أنا كنت مريضا شديد المرض
فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة أن يقيموني (7) فاحتمل بفراشي فأوضع
وأصلي، ثم احتمل بفراشي فأوضع في محملي) (8).
وظاهر هذه الأخبار طرا - سيما الأول والأخير - عدم الاكتفاء في
الجواز بمطلق العسر المرخص في ترك الواجبات; فإن المريض المستثنى في
الصحيحة الأولى هو الذي لا يتمكن من استقبال القبلة بنفسه. إلا أن الظاهر
من الأخبار الأخر كالأخبار الحاكية لصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في

(1) (2) (3) (4) الوسائل 3: 237 و 238، الباب 14 من أبواب القبلة، الأحاديث 1
و 4 و 5 و 11.
(5) من المصدر.
(6) من المصدر.
(7) كذا في النسخ، والاستبصار 1: 243، وفي التهذيب 3: 308: ينيخوا بي، وفي
الوسائل 3: 238: يضخوني (يقيموني، ينحوني، ينيخوني).
(8) الوسائل 3: 238، الباب 14 من أبواب القبلة، الحديث 10.
149

المحمل يوم المطر وغيرها (1) يدل على عدم اعتبار الشدة; فإن نزول الرجل
الصحيح في يوم المطر عن المحمل ليس بذلك العسر، مضافا إلى أنه يكفي في
الرخصة عمومات نفي العسر والحرج.
وأما المريض المستثنى في الصحيحة فلا يبعد أن يكون عجزه عن
الاستقبال بنفسه لا بمجرد المرض، بل بضميمة ما يعرض المسافر على الدابة
من التعب بحيث يصعب عليه صرف الدابة إلى القبلة أو صرف نفسه في
المحمل، مع أن قوله: (يستقبل) لا يظهر كونه وصفا للمريض، بل هو إنشاء
حكم من الإمام عليه السلام في بيان كيفية صلاته كما يظهر من سياق الرواية،
وحينئذ فذكر استقبال الغير به جري على ما هو الغالب، من أن المريض في
السفر لا يخلو من صاحب يراقبه ويباشر خدماته.
وأما الرواية الأخيرة: فحكاية الإمام عليه السلام، لقضية نفسه - بعد ذكر
أحمد بن النعمان لشدة وجعه وعدم ترخيصه في ترك النزول - وإن كان ربما
يظهر منه وجوب تحمل متل تلك المشقة التي تحملها الإمام عليه السلام إلا أنه
مع ذلك لا يأبى الحمل على الاستحباب; إذ القول بوجوب النزول على مثل
هذا المريض خلاف الاجماع.
ثم إنه لا فرق في إطلاق النصوص ومعاقد الاجماعات بين أن
يتمكن من استيفاء الأفعال على الراحلة وبين عدمه، كما هو مذهب الأكثر،
بل نسبه غير واحد (2) إلى المشهور، خلافا للمحكي عن المصنف قدس سره

(1) الوسائل 3: 237 - 238، الباب 14 من أبواب القبلة، الأحاديث 5 و 8 و 9،
وغيرها.
(2) المدارك 3: 142، والحدائق 6: 414، والغنائم: 135، ومفتاح الكرامة 2: 105.
150

في النهاية (1) - تبعا لما حكاه المحقق في الشرائع عن بعض (2) واختاره من
متأخري المتأخرين جماعة (3) - لدعوى انصراف إطلاقات النصوص ومعاقد
الاجماعات إلى الغالب، ولا يخلو عن قوة، فيجوز الصلاة حينئذ في المحمل
إذا تمكن من أفعال الصلاة ولم يفت الاستقرار بسبب مشي الدابة كما يتفق
أحيانا، إلا أن الأقوى في النظر أن مبنى المنع في النصوص وأكثر الفتاوى
على حصول الاضطراب الحاصل للمصلي ولو بواسطة الراحلة، سواء تمكن
من باقي الأفعال أم لا، وإن قلنا إن هذا الاضطراب لا يقدح في الاستقرار
المعتبر في الصلاة لولا النص، ولذا عنون في الذكرى (4) مسألتي الصلاة على
الراحلة مع التمكن من استيفاء الواجبات والصلاة على الدابة المعقولة (5)، بعد
مسألة الصلاة على الراحلة، بحيث يظهر أنها من فروع هذه لا من أفرادها
الداخلة تحت إطلاق عنوانها وإن كان ملحقا بها في المنع عنده وعند جماعة (6)
بل نسب إلى المشهور، لكن الأقوى فيها الجواز إذا تحقق سائر الأفعال

(1) نهاية الإحكام 1: 404، وحكاه في المدارك 3: 143.
(2) الشرائع 1: 67.
(3) منهم: السيد السند في المدارك 3: 143، والمحقق القمي في الغنائم: 135،
وصاحب الجواهر في الجواهر 7: 430، ويستفاد ذلك أيضا من المحدث البحراني في
الحدائق 6: 414.
(4) انظر الذكرى: 167.
(5) أي المشدودة، يقال: عقلت البعير عقلا، إذا ثني وظيفه مع ذراعه وشدتا معا في
وسط الذراع بحبل، وذلك هو العقال. (انظر المصباح المنير: 422).
(6) منهم العلامة في المنتهى 1: 223، وفخر المحققين في الإيضاح 1: 80، وابن فهد في
الموجز (الرسائل العشر): 67.
151

والشروط; لما استظهرناه من مبنى المنع، ولانصراف الأخبار إلى غيرها، وكذا
على الدابة الواقفة إذا أمن الحركة المنافية للاستقرار أو الاستقبال، وأولى منها
الأرجوحة (1) المعلقة بالحبال.
ثم إنه لا فرق في الاطلاقات بين أقسام الفرائض الأصلية وإن
استحبت لعارض كالمعادة، وأولى منها المحتاط بها، ولا بينها وبين الواجب
بالنذر، كما صرح به في محكي المبسوط (2) والتحرير (3)، ورسالة شاذان بن
جبرئيل القمي (4)، والذكرى (5).
بل عن التذكرة أن المنذورة لا تصلى على الراحلة، لأنها فرض
عندنا (6)، وتبعه في الذكرى حيث علل المنع بأنها بالنذر أعطيت حكم
الواجب، ولا فرق بين أن ينذرها راكبا أو مستقرا (7).
وفيه: أنه مبني على كون الحكم متعلقا بمطلق الواجب، وهو في محل
المنع; إذ لا يبعد دعوى انصراف الاطلاقات إلى الواجبات لو لم ندع
اختصاصها بالفرائض اليومية، ومقابلة الفريضة بالنافلة في بعض الأخبار
لا إشعار فيها بالتعميم; إذ المتبادر من النافلة أيضا خصوص النوافل

(1) الأرجوحة: حبل يشد طرفاه في موضع عال ثم يركبه الانسان ويحرك وهو فيه،
سمي به لتحركه ومجيئه وذهابه. انظر النهاية 2: 198، مادة: (رجح).
(2) المبسوط 1: 80.
(3) تحرير الأحكام: 29.
(4) انظر البحار 84: 85.
(5) الذكرى: 167.
(6) التذكرة 3: 16.
(7) الذكرى: 167.
152

المتعارفة لا مطلقها، مع أن الشيخ روى بطريقه المصحح عن علي بن جعفر
عن أخيه عليهما السلام قال: (سألته عن رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا،
هل يجزيه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال: [نعم]) (9)، وتقييده
بحال الضرورة لا وجه له، كتضعيف سندها على بعض الطرق.
ولو نذر نافلة معينة على الراحلة، فالأقوى انعقاده وإن قلنا بعدم
صحة المنذورة المطلقة على الراحلة; لأن ظاهر الأخبار المنع عن فعل
الواجب على الراحلة لا عن فعل ما وجب على الراحلة كما لا يخفى، إلا أن
يدعى أن المنساق من الأخبار منافاة صفة الوجوب للاتيان على الراحلة،
وفيه تأمل.
ثم إن المصنف قدس سره - كالمحقق طاب ثراه - لم يتعرض لحكم الصلاة في
السفينة اختيارا، وقد جوزه في كثير من كتبه (2) وفاقا للمشهور كما قيل (3).
وقيده آخر (10) بالشهرة العظيمة التي لا يبعد معها شذوذ المخالف;
للأصل والأخبار المستفيضة:
ففي مصححة جميل بن دراج: (أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: تكون
السفينة قريبة من الشط (5)، فأخرج وأصلي؟ قال: صل فيها، أما ترضى

(1) التهذيب 3: 231، الحديث 596، والوسائل 3: 238، الباب 14 من أبواب
القبلة، الحديث 6.
(2) قواعد الأحكام 1: 253، والتذكرة 3: 34، ونهاية الإحكام 1: 406.
(3) لم نقف عليه، وفي الذكرى: 168 والغنائم: 135: نسبته إلى كثير من الأصحاب.
(4) لم نقف عليه.
(5) في الوسائل: الجد (الجدد خ ل).
153

بصلاة نوح على نبينا وآله وعليه السلام) (1).
ولا إشعار في الاستشهاد بصلاة نوح على اختصاص الحكم بحال
الاضطرار كما ادعاه في الروض (2).
ورواية المفضل بن صالح - أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة
في الفرات وما هو أصغر منه (3) من الأنهار في السفينة، قال: (إن صليت
فحسن، وإن خرجت فحسن) (4)، ونحوها رواية يونس بن يعقوب (5) بزيادة
ربما توهم اختصاص السؤال بالنافلة أو توهن عمومها للفريضة.
وعن تفسير العياشي عن زرارة قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء؟ قال: النافلة كلها سواء، تؤمي
إيماء أينما توجهت دابتك وسفينتك، والفريضة تنزل لما عن المحمل إلا من
خوف، فإن خفت أومأت، وأما السفينة فصل فيها قائما وتوخ (6) القبلة
بجهدك، فإن نوحا قد صلى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة، وهي مطبقة
عليهم. قلت: وما كان علمه بالقبلة (فيتوجهها) وهي مطبقة عليهم؟! قال:
كان جبرئيل يقومه نحوها، [قال:] قلت: فأتوجه نحوها في كل تكبيرة؟

(1) الوسائل 3: 233، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 3.
(2) روض الجنان: 192.
(3) في المصدر: وما هو أضعف منه.
(4) الوسائل 3: 235، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 11.
(5) الوسائل 3: 233، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 5 و 6.
(6) من هنا إلى قوله قدس سره في الصفحة: 161: (والأول أحوط)، كتبها المؤلف مكررا
مع اختلاف في البيان، لاحظ نص ذلك في الملحق رقم (1) الصفحات: 463 - 468
154

قال: أما في النافلة فلا، إنما يكبر على غير القبلة [الله أكبر]، ثم قال: كل
ذلك قبلة للمتنفل (أينما تولوا فثم وجه الله)) (1).
ومصححة علي بن جعفر عن أخيه. عليهما السلام، قال: (سألته عن الرجل
هل يصلح له أن يصلي في السفينة الفريضة وهو يقدر على الجدد؟ قال: نعم،
لا بأس) (2) إلى غير ذلك من الاطلاقات.
خلافا للشهيدين في الذكرى (3) والروض (4)، وحكاه أولهما عن الحلبي
والحلي بل صرح في الدروس - على ما حكي - بأن ظاهر الأصحاب أن
الصلاة في السفينة مقيدة بحال الاضطرار إلا أن تكون مشدودة (5).
ويوهن الحكايتين ما عن كاشف اللثام بأن الحلبي والحلي لم يصرحا
بالمنع وإنما تعرضا (6) للمضطر إلى الصلاة في السفينة كالسيد في الجمل (7)،
ولا ظهور لذلك في اختصاص هذه الصلاة بالمضطر، وبأنه لم يظهر لي
ما استظهره في الدروس من الأصحاب إلا أن يكون قد استظهره من
اشتراطهم الاستقرار ومنعهم عن الفعل الكثير في الصلاة، ثم أخذ في

(1) تفسير العياشي 1: 56، الحديث 81، والوسائل 3: 236، الباب 13 من أبواب
القبلة، الحديث 17. والزيادات من المصدر.
(2) قرب الإسناد: 216، الحديث 849، والوسائل 4: 707، الباب 14 من أبواب
القيام، الحديث 13.
(3) الذكرى: 168.
(4) روض الجنان: 192.
(5) الدروس 1: 161.
(6) انظر الكافي في الفقه: 147، والسرائر 1: 336.
(7) انظر رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 47.
155

الاعتراض عليه (1).
وكيف كان، فاحتج للمنع بحسنة حماد بن عثمان (2) - بابن هاشم - قال:
(سمعت أبا عبد الله عليه السلام يسأل عن الصلاة في السفينة، قال: إن استطعتم
أن تخرجوا [إلى الجدد] (3) فاخرجوا، وإن لم تقدروا فصلوا قياما، وإن
لم تستطيعوا فصلوا قعودا وتحروا القبلة) (4).
ومضمرة علي بن إبراهيم، قال: (سألته عن الصلاة في السفينة، قال:
يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام، ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على
الشط) (5).
وبأن القرار ركن في القيام وحركة السفينة تمنع من ذلك، وبأن الصلاة
فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة.
ولا يخفى ضعف الوجهين الأخيرين؟ لمنع ما ذ كر من الاستلزام، كمنافاة
حركة السفينة لاستقرار المصلي. والروايتان المانعتان محمولتان على أفضلية
الخروج أو صورة عدم التمكن من استيفاء الأفعال، بل لا يبعد دعوى ظهور
المضمرة في ذلك.
وهذا أولى من حمل الأخبار المتقدمة على صورة تعسر الخروج، بل
يأبى عنه بعضها، كالحمل على صورة ربط السفينة.
مضافا إلى ترجيح تلك الأخبار بالشهرة العظيمة، خصوصا بناء على

(1) كشف اللثام 1: 177
(2) كذا في نسختين، وفي كتب الحديث: حماد بن عيسى
(3) من المصدر.
(4) الوسائل 3: 235، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 14.
(5) الوسائل 3: 234، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 8.
156

صحة ما تقدم عن الكشف من عدم تعرض الحلبي والحلي للمنع، وبعد
التكافؤ فالمرجع هو الأصل والعمومات الحاكمة بصحة الصلاة في كل مكان
مباح: لأن الظاهر من الاجماع عدم توقيفية الصلاة بالنسبة إلى الأمكنة
بحيث يطالب الدليل على صحتها في كل مكان مكان بالخصوص، وإن كان
الاحتياط يقتضي الأخذ بالمتيقن عند كل شك.
ثم إن مقتضى الأدلة القطعية الدالة على وجوب أفعال الصلاة
وشروطها اختصاص الجواز بصورة التمكن من ذلك، كما حكي التصريح به
عن غير واحد (1)، لكن المحكي عن كشف اللثام بأن ظاهر المبسوط (2)
والوسيلة (3) والمهذب (4) ونهاية الإحكام (5) الاطلاق (6) وهو ضعيف؟ لمنع
إطلاق في الأخبار المتقدمة المجوزة لكونها مسوقة لبيان أصل الجواز في مقام
دفع توهم المنع قياسا على الراحلة، فلا يقوى على تخصيص الأدلة القطعية
الدالة على اعتبار الشروط والأفعال الموجبة للخروج عن السفينة مقدمة
لتحصيل تلك الواجبات، ولو فرض ظهور بعض الأخبار في الرخصة مع
عدم التمكن من الاستيفاء، لم ينهض بعد الاغماض عن سنده - لعدم معلومية

(1) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 63، والرسالة الجعفرية (رسائل المحقق
الكركي) 1: 105، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 177، والسيد العاملي في
مفتاح الكرامة 2: 107.
(2) المبسوط 1: 130.
(3) الوسيلة: 115.
(4) المهذب 1: 118.
(5) نهاية الإحكام 1: 406.
(6) كشف اللثام 1: 177، وحكاه في الجواهر 7: 437، 438.
157

انعقاد الشهرة على مضمونه; بل معلومية عدمه - لتخصيص الأدلة القطعية
المتعددة المتكثرة.
ويظهر من الحدائق: أن الخلاف إنما هو في صورة عدم التمكن (1).
وفيه نظر، بل الظاهر من استدلال المانعين بفوات الاستقرار أو لزوم
الفعل الكثير أن تحقق باقي الشروط والأفعال مفروغ عنه، ولو فرض صحة
ما ذكره كان الأقوى في المسألة المنع.
ثم إن كلام بعض المانعين وإن كان مطلقا يشمل السفينة الواقفة، نظير
ما أطلقوه في الراحلة، إلا أن الظاهر أنه لا خلاف في الجواز إذا كانت
السفينة واقفة كما يظهر من عبارة الدروس المتقدمة (2) وصرح به فيما حكي
عن المحقق الثاني (3)، كما لا خلاف ولا إشكال في جواز الصلاة في الجارية
منها مع الاضطرار،
ويجب - حينئذ - مراعاة ما يمكن منها من الأفعال
والشروط; للاجماع على قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور) في خصوص
الصلاة كما يستفاد من التتبع، وإن كانت هذه القاعدة منقرة (4) في غيرها،
مضافا إلى أن المتبادر عرفا من أدلة الشروط اعتبارها بقدر الامكان من
غير أن يكون للهيئة المجموعية مدخلا في اعتبار الشرط بحيث إذا لم يقدر
على مراعاته في الكل يسقط مراعاته في البعض، مضافا إلى أن مقتضى أدلة
الشروط مثل قوله عليه السلام (لا صلاة إلا إلى القبلة) كون الفاقدة للقبلة في

(1) الحدائق 6: 420
(2) تقدمت في الصفحة: 155.
(3) جامع المقاصد 2: 64.
(4) في (ط): مقررة، وهو تصحيف
(5) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 2
158

مجموعها غير صحيحة، خرج من ذلك ما إذا راعى الشرط فيها بقدر
الامكان وبقي الباقي.
وكيف كان، فلا يحتاج الحكم المذكور إلى ابتنائه على مسألة أن الأمر
بالكل أمر بالاجزاء أصالة أم لا؟ كما عن الذخيرة (1)، مع أن في صحة هذا
الابتناء كلاما مذكورا في محله.
ومما ذكر يعلم وجوب استقبال القبلة في تكبيرة الاحرام والاستمرار
عليه، بأن يدور مع القبلة لو دارت السفينة إلى أن يحصل العجز فيسقط.
ويدل على ما ذكر - مضافا إلى القاعدة المتقدمة -: الاجماع والأخبار المستفيضة، قيل (2): بل ربما كانت متواترة.
ففي رواية سليمان بن خالد: (فإن دارت السفينة فليدر معها إن قدر
على ذلك) (3).
وفي رواية الحلبي: (يستقبل القبلة ويصف رجليه، فإذا دارت
واستطاع أن يتوجه إلى القبلة، وإلا فليصل حيثما توجهت [به]) (4).
وفي رواية يونس بن يعقوب: (عن الصلاة المكتوبة في السفينة وهي
تأخذ شرقا وغربا، قال: استقبل القبلة ثم كبر ثم در مع السفينة حيث دارت
بك) (5).

(1) لم نقف عليه.
(2) لم نقف على القائل.
(3) الوسائل 4: 707، الباب 14 من أبواب القيام، الحديث 10، وفيه: (فليدر مع
القبلة).
(4) الوسائل 3: 233، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
(5) الوسائل 3: 234، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 6.
159

وفي المرسل المحكي عن الهداية: (فإن دارت السفينة فدر معها وتحر
القبلة) (1).
وفي خبر سويد بن غفلة: (إذا صليت في السفينة فأوجب الصلاة إلى
قبلة، فإن استدارت فأثبت حيث أوجبت) (2).
وغير ذلك من الأخبار (3).
ومنها - مضافا إلى الاجماع المدعى - يعلم تقديم مراعاة القبلة على
الاستقرار الذي يفوت بالدوران.
نعم، لو أمكن الجمع بالسكوت حال الحركة وجب.
(ولو لم يمكنه الاستقبال، فهل يجب تحري ما بين المشرق والمغرب؟
[وجهان] (4) من إطلاق الفتوى والنص بأنه يصلي) (5) مع عدم إمكان
الاستقبال حيث توجهت مع اقتضاء المقام للبيان، ومن أن الجهة المذكورة
أقرب إلى القبلة في نظر الشارع; ولذا أمر المتحير بإدراكها بتكرار
الصلاة إلى أربع جهات، وعذر الخاطئ في القبلة إذا لم يخطئ تلك
الجهة، مضافا إلى التصريح بكونها قبلة مطلقا في صحيحتي زرارة (6)

(1) الهداية (الجوامع الفقهية): 52، ومستدرك الوسائل 3: 178، الباب 9 من أبواب
القبلة، الحديث 5.
(2) الوسائل 5: 554، الباب 28 من أبواب صلاة المسافر، الحديث الأول، وفيه:
(فأثبت الصلاة إلى القبلة).
(3) انظر الوسائل 3: 235، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 13 وغيره.
(4) من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره.
(5) ما بين القوسين ساقط من (ط).
(6) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 2.
160

ومعاوية بن عمار (1) المتقدمتين (2)، خرج من ذلك المتعمد القادر، وهذا أقوى.
ولو عجز عن ذلك، ففي وجوب استقبال صدر السفينة قولان: يشهد
لأولهما بعض الأخبار (3) الضعاف الخالية عن الجابر، وللثاني خلو النصوص
المعتبرة الواردة في مقام البيان، وهو الأقوى، والأول أحوط.
واعلم (4) أن مقتضى أدلة وجوب الصلاة إلى القبلة وجوب تحصيل
العلم بها جهة أو عينا (فإن علم بها فعلا) (5)، ويحصل العلم بالمشاهدة
أو ما يقوم مقامها وعد منه محراب المعصوم عليه السلام الذي بناه أو بني بحضرته
فقرره من دون عذر، أو صلى فيه من دون انحراف، وعد من ذلك محاريب
مساجد كثيرة في المدينة والكوفة والبصرة.
لكن لا يخفى أن العلم ببقاء شئ منها علي بنائه السابق والعلم بصلاة
المعصوم عليه السلام فيه من دون انحراف مشكل، فإن أولى تلك المساجد في
ذلك: مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة ومسجد الأمير عليه السلام بالكوفة.
وقد ذكر المجلسي رحمه الله في البحار ما يدل على تغيرهما بعد تصريحه
بانحراف مسجد الكوفة بأزيد من عشرين درجة عما تقتضيه القواعد، وكذا
مسجد السهلة ومسجد يونس، قال: (ولما كان أكثر تلك المساجد مبنية في

(1) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
(2) تقدمتا في الصفحة: 136.
(3) راجع الوسائل 3: 236، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 15.
(4) في هامش (ط) ما يلي: قوله: (واعلم) غير مربوط بالسابقة، [وهو] واقع في
الأمل في أول الصفحة. هذا وقد وقفنا في النسخة المكررة بخط المؤلف على مطالب
بدأت بالبسملة، أوردناها في الملحق رقم (1) الصفحات 469 - 473 فراجع.
(5) ما بين القوسين مشطوب عليه في (ط) وكتب الناسخ فوقه: (ظاهرا).
161

زمان عمر وغيره من الخلفاء، لم يمكنهم عليهم السلام القدح في ذلك، فأمروا
بالتياسر لأجل ذلك، وعللوه بالوجوه الخطابية لاسكاتهم وعدم التصريح
بخطأ الخلفاء.
وما ذكره أصحابنا من أن محراب مسجد الكوفة صلى فيه أمير المؤمنين
عليه السلام ولا يجوز الانحراف عنه، إنما يثبت إذا علم أن الإمام عليه السلام
[بناه] (1)، ومعلوم أنه عليه السلام لم يبنه، أو صلى فيه من غير انحراف، وهو
أيضا غير ثابت، بل ظهر من بعض ما سنح لنا من الآثار القديمة عند تعمير
المسجد في زماننا ما يدل على خلافه، كما سنذكره في المزار (2)، مع أن الظاهر
من بعض الأخبار أن هذا البناء غير البناء الذي كان في زمن أمير المؤمنين
عليه السلام، بل ظهر لي من بعض الأدلة والقرائن أن محراب مسجد النبي
صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة أيضا قد غير عما كان في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم;
لأنه على - ما شاهدنا في هذا الزمان - موافق لخط نصف النهار، وهو مخالف
للقواعد الرياضية من انحراف قبلة المدينة إلى اليسار قريبا من ثلاثين
درجة، ومخالف لما رواه العامة والخاصة من أنه صلى الله عليه وآله وسلم زويت له
الأرض ورأي الكعبة، فجعله بإزاء الميزاب (3) فإن من وقف بحذاء الميزاب
يصير القطب الشمالي محاذيا لمنكبه الأيسر ومخالف لبناء بيت الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم الذي دفن فيه، مع أن الظاهر أن بناء البيت كان موافقا لبناء

(1) من المصدر.
(2) في المصدر، كما سيأتي ذكره، وذكره العلامة المجلسي في البحار 100: 431 - 434.
(3) لم نقف عليه في كتب الحديث، وذكره الشهيد قدس سره في الذكرى: 163
والمحدث البحراني في الحدائق 6: 395، وانظر تاريخ المدينة للسمهودي 1: 261
162

المسجد، وبناء البيت أوفق بالقواعد من المحراب، وأيضا مخالف لمسجد قبا
ومسجد الشجرة وغيرهما من المساجد التي بناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أو صلى فيها.
ولذا خص بعض الأفاضل ممن كان في عصرنا حديث المفضل رحمه الله
وأمثاله في التياسر على مسجد المدينة، وقال: لما كانت الجهة وسيعة وكان
الأفضل بناء المحراب على وسط الجهات إلا أن يعارضه مصلحة كمسجد
المدينة; حيث بني محرابه على خط نصف النهار لسهولة استعلام الأوقات، مع
أن وسط الجهات فيه منحرف نحو اليسار [فلذا] (1) حكموا باستحباب التياسر
فيه ليحاذي المصلي وسط الجهة المتسعة، وسيأتي مزيد توضيح لتلك المقاصد
مع الأخبار والقرائن الدالة عليها في كتاب المزار) (2)، انتهى كلامه رفع في
الخلد مقامه.
وربما يمنع من كون محراب المعصوم عليه السلام من الأدلة العلمية - وإن
علم بقاؤه علي بنائه وصلاة المعصوم عليه السلام فيه من دون انحراف - بمنع
وجوب عمل المعصوم عليه السلام بالعلم في تلك الصلاة، فلعله اكتفى بالجهة
العرفية إما لمنع تمكنه في ذلك الوقت من العلم العادي البشري وعدم تكليفه
بالعمل بعلومهم المختصة، وإما لمنع وجوب العمل بالمعلم للبعيد مع استقبال
ما يصدق عليه الجهة عرفا، أو لعله اكتفى بسبب شرعي يقوم مقام العلم
كالبينة ونحوها وإن كان مخالفا للواقع، سيما إذا كان مورد العمل من قبيل
الشروط العلمية التي لا يوجب اختلالها فساد العبادة في الواقع، كما قال

(1) من المصدر.
(2) البحار 84: 53 و 54، مع اختلاف يسير.
163

الأمير عليه السلام: (لا أبالي أبول أصابني أم ماء; إذا لم أدر) (1).
وعلى فرض الاغماض عن الكل فلعل الإمام عليه السلام صلى على وضع
المحراب تقية، ودفع ذلك ونحوه بالأصل يخرج العلامة عن كونها قطعية
لتقدم على غيرها.
(و) كيف كان، (لو فقد) تيسر (العلم (2) عول على العلامات)
المنصوبة للدلالة عليها المذكورة في كتب الفقه وغيرها، وسيأتي جملة منها
لبعض الآفاق.
واشتراط التعويل عليها بفقد العلم يكشف عن عدم كونها مفيدة
للعلم، مع أن الظاهر المصرح به في كلام بعض (3) ومحكي (4) آخرين - منهم
المصنف في المنتهى (5) تبعا للمحقق في المعتبر (6) والشهيد في الذكرى (7) - أنها
تفيد العلم بالجهة إذا حررت (8) على وجهها المعتبر، وإن أراد العلم بالعين فهو
حق، إلا أنه لا بد من تخصيص العلم المذكور في أول الكلام أيضا بالعين،

(1) الوسائل 2: 1054، الباب 37 من أبواب النجاسات، الحديث 5، وفيه: (إذا
لم أعلم)
(2) في الإرشاد: علم القبلة
(3) انظر: جامع المقاصد 2: 69، والمسالك 1: 156، والروض: 194، والمدارك 3:
132، والرياض 3: 129
(4) حكاه عن ظاهر المعتبر والمنتهى في الذخيرة: 218، وانظر الرياض 3: 129
(5) المنتهى 1: 219
(6) المعتبر 1: 69 و 70
(7) الذكرى: 162.
(8) في (ط): أحرزت
164

فتبقى العبارة خالية عن ذكر العلم بالجهة التي هي قبلة البعيد، والبلوى بها
أعم.
إلا أن يقال: إيجاب التعويل على تلك العلامات، مع فرض إفادتها
العلم بالجهة (و)، الحكم بأنه (يجتهد مع الخفاء) (1) أي خفاء تلك
العلامات، في قوة التصريح بأنه يجب على من فقد العلم بالعين - كالبعيد -
العلم بالجهة بإعمال تلك العلامات، ومن فقد ذلك يجتهد في الأمارات الموجبة
للظن بالجهة.
ويمكن - أيضا - ابتناء الكلام على عدم كون العلامات مفيدة للعلم
لأغلب الناس لعدم اطلاعهم على وجه دلالتها على الجهة، بل هذا مخفي على
من عدا الرصدي الدقيق، المباشر لملاحظة طول البلد وعرضه بالنسبة إلى
طول مكة زادها الله شرفا وعرضها، فيكون مرجع جل الناس في ذلك إلى قول
أهل الرصد، وقولهم لا يفيد إلا الظن! لأن فنهم علم دقيق لا يؤمن فيه الخطأ
في الأحكام والاشتباه في الموضوعات والمحاسبات وغيرها.
بل ربما حكي عن بعض (2) أنه قال - وأفرط فيما قال -: إن شيئا من
كلامهم لا يفيد علما ولا ظنا، ولا وثوق لنا بإسلامهم فضلا عن عدالتهم،
فكيف يحصل لنا علم أو ظن بصحة ما يلقونه إلينا من قواعدهم؟!
وهذا القول وإن كان مصادما للوجدان إلا أن دعوى حصول العلم

(1) هذه الفقرات من كتاب الإرشاد تعرض المؤلف قدس سره لشرحها مكررا، راجع
الملحق رقم (1) الصفحات 475 - 482.
(2) حكاه في المستند 1: 259، وتعرض له الشيخ بهاء الدين في الحبل المتين: 193
بعنوان: (فإن قلت)، وأجاب عنه.
165

منها بجهة الكعبة لكل أحد مشكل، بل غايته الظن، وحينئذ فوجه تقديم هذا
الظن على الظن الذي يحصله بالاجتهاد بعد خفاء تلك العلامات: إما قيام
الاجماع على العمل بها بعد فقد العلم، فيكون ظنا مخصوصا مقدما على مطلق
الظن، وإما لأن المراد من الاجتهاد مع خفاء هذه العلامات إعمال الأمارات
الظنية الدالة على هذه العلامات; فإن الاجتهاد في يوم الغيم مثلا أو الليل إنما
هو بتحصيل الظن بجهة المشرق والمغرب وموضع الجدي وغيره من الكواكب،
ولازم ذلك تقديم نفس العلامات على أماراتها؟ لأن الظن الحاصل من نفس
الأمارة أقوى من الحاصل من أمارتها; لتعدد احتمال الخطأ في الثاني ووحدته
في الأول، فتأمل.
ومما يدل على تقديم هذه العلامات على الاجتهاد الظني: صحيحة
زرارة (يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة) (1). والظاهر، بل
المقطوع أن المراد بالعلم بوجه القبلة الذي قدمه الإمام عليه السلام على التحري
ليس إلا الاعتقاد الحاصل من إعمال هذه العلامات; إذ لا يوجد غيرها
للبعيد غالبا.
ثم إن البينة القائمة على هذه العلامات الظاهر أنها مقدمة على الظن
المطلق، بل ربما يقوى جواز الاعتماد عليها مع التمكن من العلم بتلك
العلامات; لأنها حجة شرعية كما يشهد به الاستقراء، وحكي وجود نص
صحيح على عموم حجيتها (2)، ويظهر من الإيضاح (3) دعوى الاجماع على

(1) الوسائل 3: 223، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
(2) لم نقف عليه.
(3) إيضاح الفوائد 1: 81.
166

حجيتها إذا شهدت بالقبلة للأعمى، ولكن الاحتياط لا يترك.
ثم إن صحيحة زرارة المتقدمة ظاهرة - بل صريحة - في جواز العمل
بالظن والتحري عند تعذر العلم. والأخبار في ذلك مستفيضة (1) كنقل
الاجماع، بل ادعى المصنف في المنتهى (2) تبعا للمحقق في المعتبر (3) اتفاق أهل
العلم، إلا أن المحكي عن المبسوط (4) وجوب الصلاة إلى أربع جهات إذا فقد
العراقي ما نصب له من العلامات، وهو على تقدير شموله لمن تمكن من الظن
شاذ وإن كان يدل عليه ظاهر مرسلة خراش الآتية (5) في الصلاة إلى أربع،
بل ربما يستشكل في جواز الاحتياط بالتكرار حينئذ. ولا بعد في مشروعيته
بعد الامتثال على حسب الظن; لحسن الاحتياط لاحراز ما بين المشرق
والمغرب، وللخروج عن الخلاف في المسألة فتوى ورواية.
ثم إن الظاهر من التحري والاجتهاد الواردين في النصوص والفتاوى
هو بذل الجهد في تحصيل الظن، فإن التحري هو طلب الحري بالعمل
أو الأحرى بالعمل من غيره. وفي موثقة سماعة: (اجتهد برأيك، وتعمد
القبلة جهدك) (6)، ويترتب على ذلك أن مجرد حصول الظن غير كاف
ما أمكنه مراجعة الأمارات الأخر المحتملة لكونها مفيدة لظن آخر أقوى مما
حصل. نعم، لو يئس من المعارض الأقوى فالظاهر عدم وجوب تقوية الظن،

(1) انظر الوسائل 3: 223، الباب 6 من أبواب القبلة وغيره من الأبواب.
(2) المنتهى 1: 219.
(3) المعتبر 2: 70.
(4) المبسوط 1: 78.
(5) سيذكر المؤلف قدس سره في الصفحة التالية بعنوان (المرسل ".)
(6) الوسائل 3: 223، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث 2.
167

بل ظاهر إطلاق كلمات كثير منهم وصريح قليل، (1) هو الاكتفاء بمجرد الظن
وعدم لزوم الفحص.
وكيف كان، (فإن فقد الظن) الاجتهادي بالقبلة الذي هو في المرتبة
الثانية أو الثالثة من مراتب تحصيل الجهة (صلى إلى أربع جهات كل
فريضة) على المشهور، بل عن ظاهر المعتبر (2) والمنتهى (3) وجامع لمقاصد (4)
ومحكي الغنية (5) الاجماع عليه، وبذلك ينجبر المرسل: (قلت: جعلت فداك
إن هؤلاء المخالفين علينا يقولون: إذا أطبقت السماء علينا أو أظلمت
فلم تعرف السماء، كنا وأنتم سواء في الاجتهاد. فقال: ليس كما يقولون، إذا
كان كذلك صلى لأربع وجوه) (6)، ونحوها مرسلة الكليني (7) بحذف قصة
المخالفين، ولا يقدح اشتمالها على نفي الاجتهاد في القبلة، مع أنا لا نقول به؟
لامكان تأويلها - ولو بعيدا - بما لا ينافي ذلك كما ارتكبه في الرياض (8)،
ولا إرسالها وضعف المرسل; لانجبارها بما عرفت، مضافا إلى موافقتها

(1) لم نقف عليه.
(2) المعتبر 2: 70.
(3) المنتهى 1: 219.
(4) جامع المقاصد 2: 71 و 72.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 494.
(6) الوسائل 3: 226، الباب 8 من أبواب القبلة، الحديث 5 وفيه: إذا كان ذلك
فليصل لأربع وجوه.
(7) الكافي 3: 286، ذيل الحديث 10، والوسائل 3: 226، الباب 8 من أبواب
القبلة، الحديث 4.
(8) رياض المسائل 3: 134.
168

لأصالة وجوب تحصيل يقين البراءة عن التكليف باستقبال القبلة الواقعية،
ولا يحصل إلا بالأربع; لانتفاء وجوب الزائد، إما بالاجماع وإما لكون قبلة
المتحير ما بين المشرق والمغرب، فلا بد من إدراكها، مضافا إلى استصحاب
عدم براءة الذمة بالصلاة إلى جهة واحدة، خلافا للمحكي عن العماني
وظاهر ابن بابويه (1) ومال إليه المصنف قدس سره في المختلف (2) والشهيد في
الذكرى (3) واختاره من متأخري المتأخرين جماعة (4); لضعف الخبر المذكور،
ووهن الاجماعات المزبورة بمصير كثير إلى الخلاف كالعماني وابن بابويه
والكليني (5) من القدماء وتقوية المصنف، والشهيد وغيرهما من المتأخرين (6).
والظاهر أن من عدا ابن زهرة لم يدعوا الاجماع المصطلح، وإنما ادعوا
اتفاق أعيان أهل الفتوى من أصحابنا. وكيف يدعي المصنف في المنتهى
الاجماع ويميل في المختلف إلى الخلاف ويتبعه الشهيد، وبعد ذلك يدعي
المحقق الثاني الاجماع؟! وبعد ذلك فالمرجع إلى أصالة البراءة عن وجوب
التعدد; للاجماع على عدم وجوب الصلاة إلى القبلة الواقعية وإن اقتضته

(1) حكاه عنهما في المختلف 2: 67، وراجع الفقيه 1: 276، الحديث 847 و 848.
(2) المختلف 2: 68.
(3) الذكرى: 166.
(4) منهم السيد في المدارك 3: 136، والسبزواري في الذخيرة: 218، والبحراني في
الحدائق 6: 400، وغيرهم.
(5) لم نقف عليه في الكافي صريحا، ولعله يستظهر مما في الكافي 3: 286، الحديث 10،
فراجع.
(6) لم نعثر على تقوية المصنف لذلك في كتبه، وأما بالنسبة إلى غيره. فراجع التخريجات
المتقدمة
169

الأدلة اللفظية، وإلا وجب تكرار الصلاة أزيد من عشر مرات.
ودعوى نفي وجوب الزائد بالرواية معلومة الفساد مما ذكر في
تضعيف الرواية.
ودعوى نفيه بالاجماع على ذلك مدفوعة، أولا: بأن هذا الاجماع
مركب من قول المشهور وقول من اكتفى بالواحد منعا لتعلق التكليف بالواقع
إما لعدم اقتضاء أدلة التكاليف ذلك، وإما لورود الدليل على خلاف ذلك
على ما سيجئ من الأخبار.
فالقول بوجوب الزائد على الأربع تداركا للواقع مخالف للمشهور في
حكم الزائد، ومخالف لغير المشهور في صغرى تعلق التكليف بالواقع. ومخالفة
الاتفاق على هذا الوجه غير مضر; لأن حصول الحدس القطعي برضى
المعصوم عليه السلام لا يحصل غالبا من هذا الاتفاق. نعم، لا مناص عن اعتباره
لو علم بدخول شخص المعصوم عليه السلام فيهم أو قوله في قولهم على طريق
القدماء، وتمام الكلام في محله.
وأما ثانيا: فلأن الاجماع على نفي الزائد كاشف عن عدم وجوب
مراعاة الواقع في الامتثال، لما قرر في محله (1) من أن تجويز ترك بعض
المقدمات العلمية كاشف عن عدم إيجاب ذي المقدمة. اللهم إلا أن يقال: بأن
ذلك إنما يلزم لو أوجبنا الأربع من باب كونها بعض المقدمات العلمية، أما
لو قلنا بأن الاجماع دلنا على كونها بدلا عن الواقع، ولا دليل على بدلية
الواحدة.
والحاصل: أن مقتضى الأدلة استحقاق العقاب بترك القبلة الواقعية،

(1) أنظر فرائد الأصول: 425 و 426.
170

خرج عن ذلك من أتى بالأربع، فالأولى حينئذ منع تحقق الكشف في الاتفاق
المذكور.
هذا كله إن جعل المناط في التكليف القبلة الواقعية. أما لو تعلق
التكليف بما بين المشرق والمغرب لأنها قبلة في الجملة، كما يظهر من
الصحيحتين السابقتين (1)، فامتثال ذلك وإن أمكن بالأربع، إلا أنه يمكن أيضا
بالثلاث كما سيجئ، ولم يقولوا به، فالالتزام بالأربع لا بد له من مستند
آخر.
بل الموجود في المسألة الروايات الدالة على التخيير، مثل: الصحيح
عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن زرارة، قال: (سألت أبا جعفر
عليه السلام عن قبلة المتحير فقال: يصلي حيث يشاء) (2).
وصحيحة زرارة: (يجزي المتحير أينما توجه، إذا لم يعلم أين وجه
القبلة) (3).
واحتمال تصحيفها عما تقدم من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدمة:
(يجزي التحري أبدا... الخ) (4)، كما في المنتقى (5) وعن غيره (6) خلاف الأصل
والظاهر، وقول الصدوق بأنه نزلت هذه في قبلة المتحير: (أينما تولوا فثم

(1) راجع الصفحة: 136.
(2) الوسائل 3: 226، الباب 8 من أبواب القبلة، الحديث 3.
(3) نفس المصدر، الحديث 2.،
(4) الوسائل 3: 223، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث الأول، وقد تقدمت
الصحيحة في الصفحة: 166.
(5) منتقى الجمان 1: 453.
(6) انظر الجواهر 7: 412، و 413.
171

وجه الله) (1) فإن الظاهر أن إخباره بذلك على وجه القطع ليس إلا عن
رواية معتبرة عنده، لكنها لم توجد في روايات الخاصة وإن وجدت في
روايات العامة، كما عن مجمع البيان عن جابر (2).
نعم، في رواياتنا ما يظهر منه شمول الآية للمتحير، مثل: رواية محمد
بن الحصين، قال: (كتبت إلى العبد الصالح عن الرجل يصلي في يوم غيم في
فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة فيصلي، حتى إذا فرغ من صلاته بدت له
الشمس، فإذا هو قد صلى لغير القبلة، أيعتد بصلاته أم يعيدها؟ فكتب (3):
يعيدها ما لم يفته الوقت أو لم يعلم أن الله يقول وقوله الحق: (فأينما تولوا فثم
وجه الله) (4).
فإن الظاهر من الاستشهاد بالآية المسوقة في مقام التوسعة والرخصة;
أن المصلي إنما صلى إلى جهة على وجه التخيير لا على وجه الالتزام بها لظنها
قبلة، مع أنه لو منع الظهور فيكفي الاطلاق، فيحكم بعموم الجواب لترك
الاستفصال.
ودعوى ظهورها في المتحري ممنوعة جدا وإن كان الغالب عدم خلو
المتحير من ظن ولو ضعيفا، لكن مثل هذه الغلبة لا تغني عن الاستفصال على
تقدير عدم عموم الحكم للفرد الغير الغالب.

(1) الفقيه 1: 276، ذيل الحديث 848، والآية من سورة البقرة: 115.
(2) مجمع البيان 1: 191.
(3) في (ق): قال.
(4) الوسائل 3: 230، الباب 11 من أبواب القبلة، الحديث 4، والآية من سورة
البقرة: 115.
172

ثم إن جماعة من المتأخرين (1) بنوا على أن ما نسبناه إلى الصدوق من
قوله: (ونزلت هذه الآية في قبلة المتحير)، من تتمة صحيحة معاوية بن
عمار (2) المذكورة في الفقيه متصلا بهذا الكلام، فكون حينئذ من أقوى أدلة
المسألة، لكن الانصاف ظهور كونه من كلام الصدوق.
وكيف كان، فهذا القول لا يخلو عن قوة لهذه الأخبار المعتبرة السليمة
عن الموهن، ولو لم يكن إلا مرسلة ابن أبي عمير (3) التي هي في حكم
الصحيح لكفى.
ويمكن حمل رواية خراش (1) أيضا على الاستحباب، أو على أن مقصود
الإمام عليه السلام الرد على ذلك العامي الطاعن على الراوي بأنكم أيضا
قد لا تجدون بدا من الاجتهاد، فرده الإمام عليه السلام بإمكان تحصيل العلم هنا
أيضا بالصلاة إلى أربع جهات.
وهذا الحمل وإن بعد ليس بأبعد من تأويل الرواية على وجه تستقيم
دلالتها على وجوب الأربع عند عدم التمكن من الاجتهاد إلا أن الاحتياط
مما لا ينبغي تركه بتكرار الصلاة أربعا بل أزيد في بعض الموارد كما ستقف
عليه إن شاء الله تعالى.
ثم إنه نسب إلى ابن طاووس القول بالقرعة في المقام (5)، فيحتمل أن

(1) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 67، والسيد في المدارك 3: 136، والسبزواري
في الذخيرة: 219، والخوانساري في حاشية الروضة: 179.
(2) الفقيه 1: 276، ذيل الحديث 848.
(3) الوسائل 3: 226، الباب 8 من أبواب القبلة، الحديث 3،
(14 المتقدمة في الصفحة 168.
(5) الروضة البهية 1: 519.
173

يريد الاقراع بين الجهات الأربع وأن ينصف الأفق نصفين، فيخرج بالقرعة
النصف المشتمل على القبلة، ثم ينصف المخرج ويقرع.. وهكذا إلى أن يبقى
مقدار الجهة العرفية وأن يقرع بين كل نقطتين يكون ما بينهما أزيد من الجهة
العرفية.
وعلى أي احتمال فمستنده عموم: (القرعة لكل مشكل) (1). ويضعفه عدم
الاشكال؟ لوجود أصالة التخيير أو الاحتياط على الخلاف المطرد في نظائر
المسألة ووجود الروايات على الاحتياط أو التخيير، كما عرفت.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: ظاهر النص - سيما مرسلة الكليني - والفتاوى وجوب كون
الصلاة على جهات متقاطعة على زوايا قوائم عرفية لا حقيقية، ولو استندنا
في الحكم إلى باب المقدمة فالأمر كذلك أيضا; لأن الاجماع قام على نفي
الزائد على أربع صلوات على هذا الوجه. نعم، لو استندنا فيه إلى وجوب
إدراك ما بين المشرقين أمكن الاقتصار على ثلاث جهات بحيث يحصل مثلث
متساوي الأضلاع، فإنه إذا صلى كذلك كان البعد بين كل نقطتين صلى إليهما
مائة وعشرين درجة، فإن وافق القبلة إحداها فذاك، وإلا كان منتهى بعده

(1) لم نقف على هذه العبارة في كتب الحديث، نعم في دعائم الاسلام 2: 522، الحديث
1864، عن علي وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم السلام أنهم أوجبوا الحكم بالقرعة
فيما أشكل، وفي الوسائل 18: 189 و 191، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم،
الحديث 11 و 18: كل مجهول فقيه القرعة.
174

عنها بمقدار نصف البعد المذكور، وهو ستون درجة، وهو لا يبلغ اليمين
واليسار; إذ لا بد فيه من الانحراف بقدر ربع الدور وهو تسعون درجة.
الثاني: ذكر في الروض إن المصنف قدس سره أراد بقوله: (صلى إلى أربع
جهات كل فريضة) أنه لو اجتمع فرضان في وقت واحد كالظهرين لم يجز
الشروع في الثانية حتى يصلي الأولى إلى الأربع، المحصل يقين البراءة من
الأولى عند الشروع [في الثانية] (1): كالصلاة في ثوبين أحدهما نجس فيصير
الصلاة إلى أربع جهات بمنزلة فريضة واحدة. ويتفرع على ذلك أنه لو أدرك
من آخر وقت الظهرين مقدار أربع رباعيات تعينت العصرة لأن الجميع
مقدار أدائها على تلك الحال (2)، انتهى.
أقول: الثابت من الأدلة اعتبار الترتيب بين الظهر والعصر الواقعيين،
وهذا لا يختل إذا صلى العصر إلى الجهة التي صلى الظهر إليها قبل أن يتم
جهات الظهر، اللهم إلا أن يستظهر من طريقة الأصحاب أن الواجب في
العبادات العلم التفصيلي بها وبإحرازها للشرائط بالامتثال، بمعنى أن يعلم
حين الاشتغال كونها هي العبادة المطلوبة الجامعة للشروط لا أن يأتي بأمور
يعلم باشتمالها على الجامع للشروط; ولذا لا يجوز الصلاة إلى الجهات المتعددة
مع إمكان العلم بالقبلة تفصيلا، بل ومع إمكان الظن. وفيما نحن فيه وإن
لم يمكن إحراز العلم بالقبلة تفصيلا إلا أن العلم بالترتيب يمكن فيه ذلك بأن
يعلم عند الاشتغال بجهات العصر أن هذا العصر المحتمل لكونها واقعية
مترتبة بالفعل على الظهر لا أنها مترتبة عليها على تقدير كونها واقعية بحيث

(1) من (ط) والمصدر.
(2) روض الجنان: 194
175

يحصل العلم بالترتيب بعد الفراغ كما يحصل العلم بالقبلة.
لكن الانصاف أن هذا لم يثبت بدليل تطمئن به النفس كما بيناه في
مسألة ما لو تمكن من الصلاة في ثوب طاهر يقيني فهل يجوز الاتيان بصلاتين
في ثوبين مشتبهين؟ ولو سلم ذلك، كما يظهر كونه مفروغا عنه بين
الأصحاب، فهو مختص بما إذا كان الاقتصار على العلم الاجمالي بإحراز
الشروط مستلزما لتكرار العبادة، الذي هو غير معهود في الشريعة مع التمكن
من واحد معلوم تفصيلا مع كونه أنسب بمقام العبودية بأن يعلم حين
الاشتغال بكون ما اشتغل هو الذي أريد منه. وأما إذا كان التكرار حاصلا
من جهة غير فقد الشرط مما لا يمكن إحرازه تفصيلا فلا دليل على لزوم
العلم التفصيلي من جهة سائر الشروط؟ لأن المفروض عدم التمكن من العلم
التفصيلي بالماهية المطلوبة بحيث يعلم عند الاشتغال أنها هي المطلوبة منه
كما لا يخفى.
فإن قلت: إذا شك في براءة ذمته عن الظهر فالأصل عدم البراءة،
فكما لا يجوز الدخول في العصر المقطوع ولا المحتمل مع القطع بعدم البراءة
فكذلك مع الشك فيها.
قلت: المانع من الدخول في العصر المقطوع أو المحتمل عند القطع بعدم
البراءة عن الظهر إنما هو للقطع باختلال الترتيب في الأول واحتماله في الثاني،
وهذه العلة إن وجدت مع الشك منعت من الدخول، كما لو صلى العصر إلى
جهة غير ما صلى الظهر إليها، ولو انتفت - كما فيما نحن فيه - لم يكن مانع عن
الدخول. وقد تقرر في باب الاستصحاب أن الحكم في السابق إذا كان معللا
بعلة قطع بانتفائها في زمان الشك، فلا يجري الاستصحاب لاحتياج الحكم
إلى علة أخرى. نعم، لو كان فرضان مرتبان بحيث لا يحدث التكليف بالثاني
176

إلا بعد البراءة من الأول كالظهرين بالنسبة إلى أول الوقت مثلا أمكن إثبات
عدم وجوب الثاني مع الشك في البراءة عن الأول فلا يشرع الدخول في
محتملاته، مع إمكان أن يقال هنا: لا دليل على لزوم العلم تفصيلا بوجوب
شئ في إطاعته، بل يكفي في تحقق الإطاعة للأمر الذي يعلم المكلف إجمالا
بأنه إما تعلق به بالفعل أو سيتعلق به العلم بأنه يتحقق من المكلف متصفا
بالوجوب جامعا لشرائط الواجب فينوي العصر بعد ظهر واحد من أول
الوقت قصدا إلى أن يحصل من هذا وما بعده امتثال الأمر الذي يتعلق به عند
فعل واحد من المحتملات. وإن شئت فقايس ذلك بإطاعة الأوامر العرفية
تجد الإطاعة متحققة بما ذكرنا، فافهم.
وأما ما ذكره أخيرا - من أنه لو أدرك من آخر الوقت مقدار أربع
رباعيات تعينت العصر - فهو حسن، لو ثبت اعتبار القبلة مع ضيق الوقت.
نعم، يتفرع على ما ذكره - من كون الأربع بمنزلة صلاة واحدة - أنه لو مضى
من الوقت أنقص من ثمان صلوات فحاضت المرأة لم يجب عليها قضاء
العصر.
الثالث:
لو قصد المصلي الاقتصار على بعض الجهات كان ما فعله
فاسدا سواء انكشف الحال أو لم ينكشف، ولو قصد الاتيان بالكل فانكشف
بعد بعض الصلوات مطابقة ما فعله للواقع فالظاهر الاجزاء، لأنه أتى بالفعل
لداعي التقرب إلى الله بتحقق الواقع به أو بغيره فاتفق تحققه به، خلافا
لبعض المعاصرين (1)، زعما منه انحصار امتثال أوامر الصلاة في أربع صلوات
أو صلاة واحدة مع علمه حين الاشتغال بكونها إلى القبلة.

(1) انظر المستند 1: 267.
177

وفيه: ما ذكرنا من أن المحصل للامتثال للكل هو الاتيان بما هو مطابق
للواقع في الواقع لداعي التقرب. وأما لو انكشف بعد تمام الصلوات انحراف
الكل عن القبلة، فلا ينبغي الخلاف في الاجزاء لعموم (ما بين المشرق
والمغرب قبلة) (1)، وفحوى ما سيجئ في الظان والمتحير العاجز عن
التكرار.
الرابع:
أنه لا يجب على المتحير تأخير الصلاة ولو مع رجاء زوال
تحيره، لاطلاق النص والفتوى، وفحوى ما تقدم من عدم وجوب التأخير
على الظان الراجي لحصول العلم، فإن العلم الاجمالي أقوى من الظن من
حيث البدلية عن العلم التفصيلي.
الخامس:
يجوز أن يصلي العصر إلى غير الجهات التي صلى
إليها الظهر بأن يصلي هكذا:
وقطعه بمخالفة القبلة في إحدى
الصلاتين غير ضائر، لاطلاق الدليل
الكاشف عن عدم اعتبار القبلة
الواقعية، مع أن الظاهر أن الوجه في
تكرار الصلاة أربعا إدراك ما بين المشرقين، وهذا يحصل في تكرار الصلاة
الأخرى إلى غير جهات الأولى.
السادس:
المتردد بين جهتين أو ثلاث يجب عليه التكرار; لقاعدة
المقدمة، مع إمكان استفادة المناط من النص، ويقوى في النظر عدم وجوب
التكرار إذا كان مترددا في جهات غير خارجة عما بين المشرقين; لما استظهرنا

(1) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 2 وغيره.
178

سابقا من كون الوجه في تربيع الصلاة في النص والفتوى هو إدراك ما بين
المشرقين، مضافا إلى ما عرفت من الروايات في اقتصار المتحير على صلاة
واحدة، خرج منها - مراعاة للنص المنجبر بفتوى المشهور - مورده، وهو
المتحير في الجهات الأربع أو ما دونها مع عدم إحراز ما بين المشرقين.
ويؤيده، بل يدل عليه أيضا: عموم الصحيحتين في كون ما بين
المشرقين قبلة، خرج العالم العامد وبقي الباقي.
ومما ذكرنا يظهر أن المتحير الخارج عن مورد النص كالمقصر في
تحصيل العلم والظن حتى ضاق الوقت عن التعلم لا يجب عليه أزيد من
الأربع؟ لأنه يدرك بها ما بين المشرقين، وإلا فمقتضى قاعدة المقدمة:
وجوب التكرار إلى أن يحصل العلم بعدم الانحراف عن القبلة إلا يسيرا;
لعدم تحقق الاجماع والنص على نفي الزائد على الأربع في خصوص المقام.
السابع:
أنه لو تعذر عليه الصلاة إلى الأربع اقتصر على الممكن; لأن
مقتضى وجوب التوجه إلى القبلة الواقعية وجوب التكرار مهما أمكن ليقطع
بأن الصلاة إلى القبلة الواقعية إما تحققت وإما أنها سقطت عنه بالعجز.
ولكن الانصاف ضعف هذا الوجه، سواء كان العجز عن جهة معينة
أو جهة لا بعينها، فالعمدة استظهار ذلك من النص وكلام الأصحاب.
(و) كيف كان، فلا إشكال في أنه (مع) عموم (العذر) لما عدا
الجهة الواحدة (يصلي إلى أي جهة شاء) ومن جملة الأعذار ضيق الوقت،
فلا يجب عليه إتمام باقي الجهات بعد خروج الوقت مع احتماله.
ثم إنه قد تبين مما ذكرنا - من وجوب العمل بالظن مع تعذر العلم
(و) أنه لا فرق بين الظنون ولا بين الأعذار - أن (الأعمى) وما يشبهه
من العامي الغير العارف بالعلامات، والعارف العاجز عن الاعتبار لطروء
179

بعض الأعذار، بل العارف القادر على الاجتهاد، بل المجتهد فعلا إذا كان
قول الغير عندهما أوثق من اجتهادهما، يجب على كل واحد منهم أن
(يقلد) العالم أو الظان، عادلا كان أو كافرا، ذكرا أو أنثى، بالغا أو غيره.
وعن الشيخ وجوب الصلاة على الأعمى إلى أربع جهات (1).
وظاهر المصنف قدس سره هنا - كما فهمه غير واحد (2) -: اختصاص التقليد
بالأعمى دون أخويه، ولازمه وجوب التكرار عليهما; ولعله لظهور أدلة
التحري في المباشر للاجتهاد، وعموم ما دل على وجوب التكرار من النص
والقاعدة لهما بل للأعمى، لولا الاجماع وثبوت الحرج الشديد المنتفي في
أخويه; لقدرة أولهما على التعلم وندور اتفاق العذر للثاني.
ويضعفه: منع ظهور أدلة التحري في مباشرة ملاحظة الأمارات، بل
الظاهر أن الغرض من الأمر بالتحري - الذي هو طلب الأحرى بالاستعمال -
هو حصول الطرف الأحرى، من غير فرق بين أن ينشأ عن ملاحظة
الأمارات وبين أن ينشأ عن التقليد، وقد اشتهر (خذ الغايات واترك
المبادئ).
واستظهر في الذكرى وجوب الأربع على العارف العاجز عن الاعتبار،
قال: (لأن القدرة على أصل الاجتهاد حاصلة، والعارض سريع الزوال) (3)،
وهو ضعيف.

(1) الخلاف 1: 302، كتاب الصلاة، المسألة: 49.
(2) روض الجنان: 195، ومفتاح الكرامة 2: 118.
(3) الذكرى: 164.
180

ويتلوه في الضعف: ما في الروض (1) من منع تقليد الكافر، بل المسلم
المجهول; للنهي عن الركون إلى الكافر، ووجوب التبين في خبر محتمل
الفسق، وعدم الدليل على العمل بمطلق الظن; فيتعين عليه الصلاة إلى أربع
جهات.
نعم، لو كان التقليد من باب التعبد، لا من باب إفادة الظن - نظير
التقليد في الأحكام الشرعية - كان اللازم الاقتصار فيه على المتيقن وهو قول
العدل، لكن يبقى على مدعي حجية قول العدل مع عدم إفادة الظن إقامة
الدليل وإلا فاللازم وجوب الصلاة أربعا; لانحصار الطريق في العلم والبينة
ومطلق الظن، ولا دليل على ما سوى الثلاثة.
ثم إن ظاهر لفظ التقليد هو قبول قول الغير المستند إلى الاجتهاد،
فالرجوع إلى المخبر بمحل القطب عن حس ليس تقليدا، كما صرح به في
الذكرى (2) ونسبه في الروض إلى الأصحاب (3)، فما عن الشيخ (4) من وجوب
الصلاة على الأعمى إلى أربع جهات وعدم جواز التقليد له، لا يرد عليه
ما ذكره كثير (5) مخالفة السيرة ولزوم الحرج الشديد عليه في أغلب
الأوقات مع ورود الأخبار بإمامة الأعمى إذا كان من يسدده (6) وذلك لأن

(1) روض الجنان: 195.
(2) الذكرى: 164.
(3) روض الجنان: 195.
(4) الخلاف 1: 302، كتاب الصلاة، المسألة 49.
(5) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 70، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 2:
116 وحكاه في الجواهر 7: 397 بلفظ (قيل).
(6) الوسائل 5: 409، الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة.
181

محل كلام الشيخ هي صورة تعذر العلم على كل من البصير والأعمى مع
قدرة البصير على الاجتهاد دون الأعمى، ولا ريب في ندرة وقوعه.
ولو أخبره اثنان بجهتين مع عدم المرجح في البين، ففي تخييره بينهما
أو وجوب جمعه بين الجهتين أو تساقطهما ووجوب التربيع وجوه، أقواها:
الثاني إن حصل له منهما الظن بنفي الثالث، وإلا فالثالث.
ولو أخبره كل من البينتين بجهة فالأقوى الأول، ويحتمله الأول لو كان
المخبر الواحد عدلا بناء على كونه كالبينة حجة شرعية لا من باب الوصف،
كما أن الأقوى كون البينة كالمخبر لو اعتبرنا في حجيته إفادة الظن، كما لا يبعد
في غير مقام رفع الخصومة.
(و) يجوز للمكلف أن (يعول على قبلة) أهل (البلد مع عدم علم
الخطأ) إجماعا على ما عن التذكرة (1)، فلا يجب الاجتهاد، بل لا يجوز في
أصل الجهة; لامتناع خطأ أهل البلد خلفا عن سلف عادة، ويجوز في التيامن
والتياسر; لأن احتمال الخطأ من مؤسسها غير بعيد، وتقرير الخلف لعله لعدم
وجوب الفحص عليهم، فلم يطلعوا على خطائه.
ويعرف قبلة البلد بمحاريبه المبنية في مساجده ومقابرهم ومذابحهم. ثم
الظاهر من عنوان التعويل على قبلة البلد ما لو كان جهة قبلة البلد مجهولة
للشخص; لعدم العلم بطولها وعرضها بالنسبة إلى مكة زادها الله شرفا، فيجوز له
الاعتماد على الجهة التي بنوا على كونها قبلة واستمروا عليها، المكشوف عنها
بمحاريبهم ومقابرهم ونحوها.
وأما لو كانت قبلة البلد معلومة الصحة ووجد محراب أو مقبرة لم يعلم

(1) التذكرة 3: 25.
182

انطباقهما عليها، فلا يظهر من هذا العنوان ومعقد إجماع التذكرة جواز الاعتماد
عليه وعدم وجوب الاجتهاد ولو مع احتمال الظن الأقوى بخلافه وإن كان
يشمله إطلاق بعض العنوانات. وكيف كان، فالأنسب الرجوع إلى قاعدة
وجوب التحري والأخذ بالأوفق، والتعويل على فعل الواضع حملا له على
الصحة مشكل.
(والمضطر) إلى فعل الفريضة (على الراحلة) يجب عليه أن
(يستقبل) القبلة في جميع الصلاة (إن تمكن) ولو بالركوب منحرفا
أو مقلوبا، (وإلا) يتمكن (فبالتكبير) إن أمكن; لما تقدم في صلاة
السفينة من وجوب الاستقبال مهما أمكن، (وإلا) يمكن (سقد)
الاستقبال عنه (وكذا الماشي) إذا اضطر إلى الصلاة ماشيا.
وهل يجب تحري ما بين المشرق والمغرب؟ وجهان، تقدما في الصلاة
في السفينة، وكذا في تقديم الانحراف يمينا أو شمالا على الاستدبار.
ولو تعارض الركوب والمشي قدم أكثرهما استيفاء للشرائط والأركان،
وإن تساويا ففي ترجيح الركوب; إذ لا يحصل معه إلا حركة عرضية،
أو ترجيح المشي; إذ يحصل معه القيام، أو التخيير; لتعارض الاستقرار الذاتي
والقيام، ولظاهر الآية (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) (1) وجوه، خيرها:
أوسطها; لتحقق القيام مع المشي وإن فات وصفه وهو الاستقرار، مضافا إلى
إطلاق النهي عن الصلاة على الراحلة على غير من يشق عليه النزول،
فتأمل.
ثم إنه قد جرت عادة الفقهاء بذكر بعض العلامات لبعض الآفاق، وقد

(1) البقرة: 239.
183

قدم المصنف منها علامة أهل العراق لكونها منصوصة في الجملة، فقال:
(وعلامة) أهل (العراق ومن والاهم) أي وراءهم بالنسبة إلى جهة القبلة
وعد منه المحقق الثاني إصفهان وفارس وآذربايجان والري وخراسان
وسمرقند إلى بلاد الترك (1) (جعل) مطلع (الفجر) وهو المشرق (على
المنكب) وهو مجمع العضد والكتف (الأيسر، والمغرب على) المنكب
(الأيمن) والظاهر المصرح به في كلام كثير (2) بل نسبه في الروض (3) إلى
المشهور أن المراد المشرق والمغرب الاعتداليان; إذ جعل مطلقهما على
المنكبين غير ممكن، وجعل أحدهما على أحدهما يوجب انحراف الآخر عن
الآخر انحرافا بينا.
(و) جعل (الجدي) مكبرا كما عن المشهور (4)، وربما يصغر ليتميز
عن الجدي الذي حو أحد البروج، وهو في مضئ في جملة أنجم بصورة
سمكة يقرب من القطب الشمالي، الجدي رأسها والفرقدان ذنبها، يجعله العراقي
(بحذاء)، المنكب (الأيمن) إما مطلقا، كما هو ظاهر المصنف والمحكي عن
غيره (5)، أو حال استقامته، أعني: غاية ارتفاعه أو انخفاضه، كما قيده كثير (6)

(1) لم نقف عليه.
(2) منهم الشهيد الأول في البيان: 114، والشهيد الثاني في المسالك 1: 153،
والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 174، والسيد في المدارك 3: 128 وغيرهم.
(3) روض الجنان: 197.
(4) لم نعثر عليه بعينه ونسبه في مفتاح الكرامة 2: 92 إلى أكثر الأصحاب.
(5) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 92 عن الشيخين وغيرهما.
(6) منهم الشهيد الأول في الذكرى: 163، والشهيد الثاني في الروض 196، والفاضل
في كشف اللثام 1: 174، وانظر مفتاح الكرامة 2: 91.
184

لأنه حينئذ على دائرة نصف النهار المارة على القطبين القاطعة للأفق نصفين.
(و) من العلامات لهم أيضا: جعل (عين الشمس عند الزوال
على) طرف (الحاجب الأيمن) مما يلي الأنف.
والمروي من هذه العلامات هو الجدي، ففي رواية محمد بن مسلم
قال: (سألته عن القبلة، قال عليه السلام: ضع الجدي على قفاك وصل) (1).
والراوي كوفي، كما صرح به في الروض (2) وغيره (3).
وفي مرسلة أخرى مروية في الفقيه: (قال رجل للصادق عليه السلام: إني
أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة، فقال له: أتعرف الكوكب الذي يقال
له الجدي؟ قال: نعم، قال: اجعله على يمينك، فإذا كنت في طريق الحج
فاجعله بين الكتفين) (4).
وقد جمع بين الروايتين بحمل (القفا) في الأولى على موضع خاص،
وهو محاذي المنكب الأيمن، وهو - على بعده - لا يشهد له الرواية الثانية إلا
إذا أريد من اليمين بقرينة الروايتين الأولى اليمين من طرف الخلف، فينصرف
ظاهر إطلاق كل واحدة من الروايتين بنص الأخرى، لكنه مع ذلك - مع أنه
يشمل الكتف الأيمن - فالانصاف أن مقتضى الجمع إرادة مجموع الجانب الأيمن
من (القفا)، هذا بعد فرض اتحاد الروايتين في الإقليم وهو غير معلوم،
مع
أن مقتضى العمل بهذا الجمع عدم جواز العمل بالعلامة الأولى والثالثة; لأن

(1) الوسائل 3: 222، الباب 5 من أبواب القبلة، الحديث الأول مع اختلاف يسير.
(2) روض الجنان: 197.
(3) ذخيرة المعاد: 220.
(4) الفقيه 1: 280، الحديث 860، والوسائل 3: 222، الباب 5 من أبواب القبلة،
الحديث 2.
185

اللازم من مراعاة كل منهما وقوع الجدي بين الكتفين.
فالانصاف: أنه لا يستفاد من الروايتين في كيفية وضع الجدي ما يغني
عن الرجوع إلى قواعد الهيئة بملاحظة أطوال البلد وأعراضها بالنسبة إلى
طول مكة وعرضها زادها الله، فإن زاد طول البلد وعرضه على طولها
وعرضها فسمت القبلة جنوبي غربي، وإن نقصا فشمالي شرقي، وإن زاد
الطول ونقص العرض فشمالي غربي، وإن انعكس فجنوبي شرقي.
وتوضيح ذلك في الجملة: أنهم قسموا الربع المسكون المشتمل على
الأقاليم السبعة طولا وعرضا، فطوله من مبدأ العمارة من جانب المغرب
وهي (جزائر الخالدات) (1) أو ساحل البحر الغربي على الاختلاف وإلى
منتهاها من الجانب الشرقي ويقال له: (كنك دز) (3)، ومجموع ذلك من الجزائر
مائة وثمانون جزءا، ومن ساحل البحر مائة وسبعون من نصف دائرة عظمي
من دوائر الفلك المقسومة كل واحدة بثلاثمائة وستين جزءا، وعرضه من
خط الاستواء أو من جهة الجنوب حيث يكون ارتفاع القطب الجنوبي ست
عشرة درجة - على اختلاف القولين لبطلميوس - إلى حيت يكون ارتفاع

(1) نقل الحموي عن البيروني: جزائر السعادة - وهي الجزائر الخالدات - هي ست
جزائر واغلة في البحر المحيط، قريبا من مائتي فرسخ وهي ببلاد المغرب، يبتدئ،
بعض المنجمين في طول البلدان منها. (معجم البلدان 2: 132)، وتسمى اليوم بجزر
كناري أو الجزر الخضراء. (انظر المنجد 2: 594 (كناري)،).
(2) (كنك دز) أي حصن كنك، و (كنك) بلدة تقع في سلسلة الجبال الشرقية لإيران
القديمة، وقد ذكرها بعض المؤرخين عند وصفهم لأرض توران، وقالوا: إنها كانت في
بخارا أو خوارزم، وكانت هذه البلدة تسورها حصن من ناحية الشمال، وكان البعض
يعتبرها جنة كنك. (انظر فرهنك معين 6: 1612).
186

القطب الشمالي ست وستين درجة، وهذا مجموع عرض الربع المسكون إن
ابتدئ به من خط الاستواء، وعلى القول الآخر يزيد عليها ست عشرة
فيصير اثنتين وثمانين درجة.
إذا عرفت ذلك، فطول كل بلد عبارة عن قوس من معدل النهار
محصور بين دائرة نصف نهار ذلك البلد ونصف نهار آخر طرف العمارة من
الجانب الغربي، وعرض كل بلد عبارة عن قوس من دائرة نصف النهار فيما
بين معدل النهار وسمت الرأس، وطول مكة من جزائر الخالدات على
ما حكاه غير واحد من أهل الرصد سبعة وسبعون جزءا وعشر دقائق، هي
سدس جزء وعرضها من خط الاستواء إحدى وعشرون جزءا وأربعون
دقيقة هي ثلثا جزء، فحينئذ فكل بلد كان عرضه أكثر من مكة تكون مكة
زادها الله شرفا واقعة في طرف الجنوب من ذلك البلد فإن وافقها في الطول كانت
مكة واقعة في نقطة الجنوب من ذلك البلد ويكون القطب الشمالي بين كتفي
المستقبل والمشرق والمغرب الاعتداليان على منكبيه وعين الشمس عند
الزوال مائلة إلى عينه اليمنى، وإن زاد طوله على طولها انحرفت قبلته عن
نقطة الجنوب إلى المغرب بمقدار تفاوت الطولين، وإن نقص عنه انحرفت عنها
نحو المشرق كذلك، وحينئذ فكل بلد طوله أكثر من بلد آخر يكون انحراف
قبلته نحو المغرب أزيد، إلا أن يكون عرضه أقل منه.
وقس على ما ذكرنا حال البلاد التي هي أقل عرضا من مكة، فإن
قبلتها شمالية مستقيمة إن ساوى طولها طول مكة، وإن زاد عليها لزم
الانحراف نحو المغرب وإن نقص لزم الانحراف نحو المشرق.
ومما ذكرنا ظهر أن العلامات الثلاث المذكورة في كلام المصنف
187

وغيره (4) قدس الله أسرارهم، لأهل العراق غير متطابقة، والجمع بينها - كما في
المقاصد العلية (2) - يحصل بأحد أمرين:
الأول: بتقييد كلماتهم بحمل العلامة الأولى والثالثة على أطراف العراق
الغربية كالموصل ونحوه مما قارب مكة في الطول، وتقييد الثانية بأوساط
العراق ككوفة وبغداد والمشهد (3) والحلة ونحوها مما يزيد طوله على طول مكة،
ويبقى أطراف العراق الشرقية كالبصرة ونحوها غير منصوص عليه في
كلماتهم، فإن قبلتها أزيد انحرافا إلى المغرب من أوساط العراق; ولذا علمت
فيما حكي على ما صح بجعل الجدي على الخد الأيمن.
والثاني: اغتفار هذا التفاوت في اعتبار الجهة، فإن مسامتة البعيد
لا يؤثر فيها هذا الاختلاف.
ويؤيده: إطلاق رواية ابن مسلم - الذي هو من سكان الكوفة - في
وضع الجدي على (القفا)، وما نسبه في الذكرى (4) إلى أكثر الأصحاب من
جعل قبلة العراق وخراسان واحدة، مع ما قيل (5): من أن طول جملة من
بلادها يزيد على مكة بست عشرة درجة وطول كوفة يزيد عليها بدرجتين،
بل في المقاصد العلية (6) أن انحراف قبلة خراسان إلى المغرب يقرب من نصف

(1) مثل المحقق في الشرائع 1: 66، والشهيد في الدروس 1: 159 وغيرهما
(2) المقاصد العلية: 122.
(3) أي مدينة النجف الأشرف على مشرفها السلام
(4) الذكرى: 163.
(5) لم نقف عليه.
(6) المقاصد العلية: 122.
188

ما بين نقطتي المغرب والجنوب، وقوى في المقاصد العلية (1) الوجه الأول بعد
أن نفى البعد عن الثاني مع مبالغته في الروض (2) في نفي الوجه الثاني.
والانصاف: أن كلا من الوجهين في غاية البعد.
أما الأول: فلأنه مضافا إلى كونه إجمالا في مقام البيان، بل إغراء
بخلاف الواقع، مناف لما نسب إلى الأكثر، ومنهم المصنف والمحقق قدس سره
من اتحاد قبلة خراسان والعراق، فإن شيئا من العلامات الثلاث لا ينطبق
على بلد ينحرف قبلته إلى المغرب قريبا من نصف ما بين نقطتي الجنوب
والمغرب.
وأما الثاني: فلرجوعه في الحقيقة إلى عدم وجوب المسامتة على
البعيد، وما ذكر من أن مسامتة البعيد لا يؤثر فيها هذا الاختلاف مخالف
للمحسوس، فإن من استقبل في بلده نقطة الجنوب وعلم أن مكة زادها الله شرفا
متوسطة فيما بين نقطتي الجنوب والمغرب فهو غير مسامت لمكة قطعا.
ولو جاز هذا المقدار من التياسر عن مكة مسامحة لزم جواز مثله في
التيامن عنها، فيجوز لهذا الشخص استقبال نقطة المغرب; إذ المفروض أن
نسبة نقطتي المغرب والجنوب إلى مكة في هذا الفرض قريبة من التساوي
أو متساوية، مع أنهم حكموا ببطلان العبادة مع التقريب المحض ووجوب
الإعادة فيما لو ظهر ذلك بعد ظن المطابقة فضلا عما لو تعمده، فتأمل.
هذا كله، مع أن سياق كلماتهم في بيان هذه العلامات كل ظاهرة في المداقة
آبية عن المسامحة، ولذا خصوا موضع الجدي بحذاء المنكب الأيمن، ولا يطلقوا

(1) المقاصد العلية: 123.
(2) روض الجنان: 198.
189

ذكر (القفا) تبعا لرواية ابن مسلم (1).
(و) اعلم أن المشهور - كما صرح به جماعة (2) -: أنه (يستحب
لهم) أي لأهل العراق (التياسر قليلا)، وعن ظاهر جماعة من القدماء (3)
- ومنهم الشيخ في الخلاف (4) مدعيا عليه الاجماع - وجوبه، فظاهر جماعة (5)
أنه مبني على كون قبلة البعيد هي الحرم، وأنصابه عن يسار الكعبة أكثر،
إلا أن الظاهر اطراده على القولين، ولذا قال به جماعة، منهم: الفاضل هنا
وفي جملة من كتبه (6)، والشهيد في الذكرى (7)، مع قولهم بأن القبلة هي الجهة،
وإن كان المتراءى من مستند الحكم هو كون الحرم قبلة البعيد، ففي رواية
المفضل قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التحريف لأصحابنا ذات
اليسار عن القبلة وعن السبب فيه؟ قال: إن الحجر لما أنزله الله سبحانه من
الجنة ووضع في موضعه، جعل أنصابه من حيث يلحقه نور الحجر فهي عن

(1) الوسائل 3: 222، الباب 5 من أبواب القبلة، الحديث الأول، وفي نسخة (ق) هنا
بياض بمقدار صفحة ونصف، ولعل المؤلف قدس سره تركها لإضافة معلومات أخرى
مناسبة للمقام.
(2) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 159، والشهيد الثاني في الروض: 198،
والسيد في المدارك 3: 130، والمحدث البحراني في الحدائق 6: 383، وغيرهم.
(3) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 93، وانظر النهاية: 63، والمقنعة: 96 والوسيلة: 85.
(4) الخلاف 1: 297، كتاب الصلاة، المسألة: 42.
(5) منهم المحقق في المعتبر 2: 69، والعلامة في نهاية الإحكام 1: 396، والشهيد
الثاني في روض الجنان: 198، والسيد الطباطبائي في الرياض 3: 126، وغيرهم.
(6) القواعد 1: 251، والمختلف 2: 64.
(7) الذكرى: 167.
190

يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال، فإذا انحرف الانسان ذات
اليمين عن حد اليمين (1)، وإذا انحرف ذات اليسار لم يخرج عن حد
القبلة) (2).
وفي مرفوعة علي بن محمد عن أبي عبد الله عليه السلام: (إن قيل لم صار
الرجل ينحرف في الصلاة إلى اليسار؟ فقال: إن الكعبة لستة (3) حدود،
أربعة منها على يسارك واثنان منها على يمينك، فمن أجل ذلك وقع التحريف
إلى اليسار) (4).
والحق أن الروايتين ضعيفتان، وما ذكر فيها من التعليل من
المتشابهات، فإن التياسر لا يستلزم مواجهة عين الأنصاب، ولو كانت مائة
ميل، فإن جوزنا المسامحة في القبلة بحيث لا يقدح فيه الانحراف اليسير شمالا
ويمينا صح الحكم بالاستحباب بمقدار يتسامح فيه بفتوى المشهور وإن لم تكن
رواية، وإلا فلا تنفع الروايتان في إثبات الحكم المخالف للأصل، ولذا منعه
جماعة منهم المحقق (5) والشهيد (6) الثانيان، بل حكي عن الأولين (7) أيضا في

(1) كذا في النسختين، وفي المصدر: خرج عن حد القبلة، ولعل ما ورد في النسخ سهو
من قلمه الشريف.
(2) الوسائل 3: 221، الباب 4 من أبواب القبلة، الحديث 52 مع اختلاف يسير.
(3) في الوسائل: لأن للكعبة ستة حدود.
(4) الوسائل 3: 221، الباب 4 من أبواب القبلة، الحديث الأول، مع اختلاف يسير.
(5) جامع المقاصد 2: 57.
(6) روض الجنان: 198 و 199، وانظر المسالك 1: 155.
(7) حكاه في المستند 1: 266 عن محكي النافع وظاهر الدروس، وانظر مفتاح الكرامة
191

النافع (1) وظاهر الدروس (2)، وحيث إن المستفاد من النصوص الموجبة
للاستقبال والواردة في طريق وضع الجدي والفتاوى المخصصة لكل إقليم
بعلامة مع تقارب العلامات (3).
ويؤيدها أن صريح الرواية الأولى عدم جواز الانحراف إلى اليمين
ولو قليلا.
فالأقوى: عدم جواز التياسر عما اقتضاه إعمال العلامات وصدق عليه
التوجه العرفي وإن كانت الجهة العرفية والمطابقة للعلامات وسيعة في نفسها،
فإن ذلك لا يقتضي جواز الانحراف عن أصل تلك الجهة، وإنما يقتضي جواز
الانحراف إلى أجزاء الجهة يمينا وشمالا، ولا يبعد إرادة هذا المعنى من
الروايتين، فيكون المستحب حينئذ هو الميل عن وسط الجهة التي اقتضته
الأمارات (إلى يسار المصلي) بحيث لا يخرج عن أجزاء الجهة، فيكون
التياسر من القبلة إلى القبلة لا عن القبلة، كما ذكره المحقق قدس سره في جواب
سلطان الحكماء والمتكلمين الخواجة نصير الدين الطوسي حيث أورد عليه
بأن التياسر إن كان إلى القبلة فواجب، وإن كان عنها فحرام. ثم كتب
المحقق في توضيح الجواب رسالة ذكرها ابن فهد في المهذب البارع (4).
وقد تقدم (5) في مسألة محراب المعصوم عليه السلام عن البحار حمل هاتين

(1) انظر المختصر النافع: 24
(2) الدروس 1: 159
(3) كذا، والعبارة لا تخلو عن تشويش، وقد شطب المؤلف قدس سره على ما بعده وفي
ضمنها عبارة: (هو جواز الانحراف) فتأمل.
(4) المهذب البارع 1: 312.
(5) راجع الصفحات: 161 - 163
192

الروايتين على التقية، وأنه حكى عن بعض معاصريه اختصاص مضمونها
بمسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
(وعلامة) أهل (الشام) وهو دمشق وما والاها (جعل بنات)
ال‍ (نعش) الكبرى وهي سبعة كواكب أربعة منها نعش وثلاث بنات (حال
غيبوبتها) وهو انحطاطها ودنوها إلى المغرب (خلف الأذن اليمنى) وجعل
(الجدي عند طلوعه)، وهو غاية ارتفاعه (خلف الكتف اليسرى (1)
وظاهره أن انحراف الشامي عن نقطة الجنوب إلى المشرق أقل من انحراف
العراقي عنها إلى المغرب، (و)، جعل (مغيب سهيل) وهو أخذه في
الانحطاط وميله عن دائرة نصف النهار (على العين اليمنى، وطلوعه)،
وهو كما قيل: بروزه على الأفق المرئي (بين العينين)، وأما طلوعه بمعنى
غاية ارتفاعه، فجعله بين العينين يستلزم استقبال نقطة الجنوب، لما صرح به
غير واحد (2) من أن ارتفاع كل كوكب عبارة عن كونه على دائرة نصف
النهار، فيتحد مع قبلة العراقي بناء على بعض العلامات المتقدمة لها.
(و) جعل (الصبا) بالقصر وفتح الصاد وهو - كما صرح به
جماعة (3) -: ريح محلها ما بين مطلع الشمس والجدي. وحكى في الذكرى (4)

(1) في الإرشاد: والجدي خلف الكنف الأيسر عند طلوعه.
(2) انظر روض الجنان: 196 و 197، والروضة 1: 508، ومفتاح الكرامة 2: 91،
والجواهر 7: 362
(3) منهم الشهيد في الذكرى: 162، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 58، والسيد
العاملي في مفتاح الكرامة 2: 96
(4) الذكرى: 162.
193

والروض (1) قولا بأن مبدأ هبوبها من مطلع الشمس (على الخد الأيسر،
والشمال) - بفتح الشين -: ريح محلها ما بين الجدي ومغرب الشمس (على
الكتف الأيمن).
وجعل الرياح علامة - مع أنها لا تعرف غالبا إلا بعد معرفة المشرق
والمغرب الغنية عن استعلام القبلة بالرياح - مفروض في بعض الصور التي
تعرف الرياح من غير جهة المشرق والمغرب، كالبرودة والرطوبة ومقابلهما،
وغيرهما من علامات الرياح كإثارة السحاب.
وفي جعل الرياح ونحوها كالقمر علامات دلالة على توسعة الجهة
بالمعنى الذي قدمنا (2)، ولذا جعلها في الذكرى (3) وغيره (1) من أضعف
العلامات معللا باضطراب هبوبها، وصرح فيه بأنه تتقارب فيها قبلة
العراقي والشامي لاتساع زواياها، لكن الظاهر من الروض (5) عدم جواز
الاعتماد عليها وعلى منازل القمر عند التمكن من الجدي، لكن ظاهر
المصنف (6) والشهيد (7) وغيرهما: كالشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي
في رسالته (8)، جعل الرياح في عداد سائر العلامات.

(1) روض الجنان: 200.
(2) راجع الصفحة: 137 وما بعدها.
(3) الذكرى: 162.
(4) الجواهر 7: 372.
(5) روض الجنان: 199.
(6) في هذا الكتاب والتذكرة 3: 12 وغيرهما من كتبه.
(7) الذكرى: 162
(8) انظر الذكرى: 163، وقد أورد العلامة المجلسي هذه الرسالة بتمامها في البحار 84:
74 - 85.
194

(وعلامة) أهل (المغرب: جعل الثريا) عند طلوعها (على
اليمين، والعيوق) بالتشديد وهو - كما قيل -: نجم مضئ في طرف المجرة (1)
(على الشمال و) جعل (الجدي) مستقيما (على صفحة الخد الأيسر).
وذكر في الروض: المراد - هنا - بعض أهل المغرب كالحبشة والنوبة
وإن ذكره الأصحاب مطلقا; لأن البلاد المشهورة في زماننا بالمغرب
- كطرابلس وقيروان - قبلتها نقطة المشرق، بل ويميل عنها نحو الجنوب يسيرا
فهي بعيدة عما ذكروه (2)، انتهى.
(وعلامة اليمن: جعل الجدي عند طلوعه (3)) أو انخفاضه (بين
العينين)، و (سهيل عند مغيبه بين الكتفين، و) جعل (الجنوب) بفتح
الجيم: ريح مقابل للشمال، محله ما بين المشرق والجنوب، أو مطلع سهيل كما في
الذكرى (4) (على مرجع الكتف الأيمن) أي أسفله، وذكر الشهيد في الألفية:
أن العلامة لليمني. عكس علامات الشامي (5).
والأولى في ذلك كله: ما ذكرنا من إعمال قواعد الهيئة وملاحظة طول
البلد وعرضه بالنسبة إلى مكة زادها الله شرفا أو الرجوع إلى من يعملها، ومع عدم
التمكن فيكفيه التوجه إلى الجهة العرفية التي قد يبلغ إلى ربع الدور، ولا يجب
حينئذ الاحتياط; لما ذكرنا فيما بين المشرق والمغرب.

(1) قاله الشهيد الثاني في روض الجنان: 200.
(2) روض الجنان: 200، مع حذف واختصار.
(3) في الإرشاد: وقت طلوعه.
(4) الذكرى: 162.
(5) الألفية: 53.
195

(والمصلي في) جوف (الكعبة) حيث تصح صلاته فيه إما
للضرورة أو لكونها نافلة كما هو إجماع نصا وفتوى، أو قلنا بصحة الفريضة
فيه وإن كانت مكروهة، كما هو المشهور المعروف عمن عدا الشيخ المدعي
للاجماع على المنع (1) والقاضي (2)، وعلى الصحة رواية موثقة (3) منجبرة
بالشهرة صارفة لبعض الصحاح (4) الظاهرة في الحرمة إلى الكراهة، وحينئذ
فيكفيه أن (يستقبل أي جدرانها شاء)، بل أي جزء من فضائها وإن
لم يكن جدار كما لو استقبل الباب وليس له عتبة; لأن مقتضى دليل الجواز
بضميمة ما دل على اعتبار القبلة في الصلاة كون كل جزء منها قبلة.
ولا ينافي ذلك قوله تعالى: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) (5) لأنها
للبعيد، وفي رواية ضعيفة: (أنه يصلي مستلقيا) (6).
ومنه يعلم ضعف الاستدلال على المنع بفوات الاستقبال.
(و) المصلي (على سطحها) حيث قلنا بالجواز إما اضطرارا
أو مطلقا للعمومات، خلافا للمحكي عن القاضي (7) وابن سعيد (8) المحتج لهما
بما عرفت منعه من فوات الاستقبال (يصلي قائما)، لعموم أدلة وجوب

(1) الخلاف 1: 439، كتاب الصلاة، المسألة: 186.
(2) المهذب 1: 76
(3) الوسائل 3: 246، الباب 17 من أبواب القبلة، الحديث 5 و 6
(4) الوسائل 3: 246، الباب 17 من أبواب القبلة، الحديث 3 و 4 وغيرهما.
(5) البقرة: 144
(6) الوسائل 3: 247، الباب 17 من أبواب القبلة، الحديث 7، نقلا بالمعنى.
(7) المهذب 1: 85
(8) الجامع للشرائع: 64.
196

القيام، (و) يكفيه في الاستقبال أن (يبرز بين يديه شيئا [منها] (1))
يستقبله في جميع أحوال الصلاة، وعن الخلاف (2) والنهاية (3) والقاضي (4)
وجوب أن يستلقي ليستقبل البيت المعمور فيومئ إيماء بغمض عينيه للركوع
والسجود وفتحهما للرفع عنهما كما في رواية الهروي (5)، وهي على ضعفها
مخالفة لأدلة وجوب القيام والركوع والسجود. وعن الصدوق في الفقيه
وجوب الاضطجاع (6)، ولا دليل عليه إلا أن يريد خصوص الاستلقاء.
(ولو صلى باجتهاد) أو تقليد (أو لضيق الوقت) أو مع السعة إن
قلنا بالتخيير للمتحير (ثم انكشف فساده) أي فساد عمله; لوقوعه إلى
غير القبلة الواقعية (أعاد مطلقا)، أي: وقتا وخارجا (إن كان) حين
العمل (مستدبرا) على المشهور كما في الروضة (7) وحاشيتها (8); لفوات
المأمور به واقعا، فيقضي.
ولعموم قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: (لا تعاد الصلاة إلا من خسة:
الوقت والطهور والقبلة والركوع والسجود) (9) وفي صحيحته الأخرى:

(1) كلمة (منها) من الإرشاد.
(2) الخلاف 1: 441، كتاب الصلاة، المسألة: 188
(3) النهاية: 101.
(4) المهذب 1: 85.
(5) الوسائل 3: 248، الباب 19 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(6) الفقيه 1: 274، الحديث 845.
(7) الروضة البهية 1: 520.
(8) حاشية الروضة: 183.
(9) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
197

(لا صلاة إلا إلى القبلة، قلت: فأين حد القبلة؟ قال: ما بين المشرق
والمغرب قبلة، قلت: فمن صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير وقت؟
قال: يعيد) (1).
ورواية معمر بن يحيى، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى، قال:
يصليها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي دخل
وقتها) (2).
ورواية عمار عن الصادق عليه السلام في رجل صلى على غير القبلة فيعلم
وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته، قال: (إن كان متوجها إلى ما بين
المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم، وإن كان متوجها إلى
دبر القبلة فليقطع صلاته ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة) (3).
وعن النهاية: أنه وردت رواية بأنه إذا صلى إلى استدبار القبلة، ثم
علم بعد خروج الوقت وجب إعادة الصلاة (4).
وفي الجميع نظر; أما الاطلاقات الثلاثة الأول، فهي مقيدة بما سيأتي
من الأخبار المفصلة بين بقاء الوقت وخروجه.
ودعوى: عدم شمول الاطلاقات الآتية لصورة انكشاف الاستدبار، إن
كان من جهة ندرة انكشاف الاستدبار إلى هذا الحد مع فرض الاجتهاد،

(1) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(2) التهذيب 2: 46، الحديث 150، وانظر الوسائل 3: 228، الباب 9 من أبواب
القبلة، الحديث 5.
(3) الوسائل 3: 229، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 4، مع اختلاف يسير.
(4) النهاية: 64.
198

ففيه: أن بعض تلك الأخبار غير مختص بالاجتهاد، كما سيأتي، مع أنه على
هذا ينبغي تخصيص الانكشاف فيها بالاستدبار.
وإن كان من جهة ندرة اتفاق وقوع الصلاة إلى النقطة المقابلة حتى
لغير المجتهد كالمتحير مثلا، ففيه: أنه لا فرق بين تلك النقطة ونقطة أخرى
غيرها من حيث غلبة اتفاق الصلاة في إحداهما وندرته في الأخرى، مضافا
إلى ما سيأتي من أن الأقوى أن المراد بالاستدبار هو العرفي لا الحقيقي،
ورواية ابن يحيى مع ضعفها لا شاهد لتقييدها بصورة الاستدبار، والاجماع
المخصص لأحد المتعارضين المتباينين لا يوجب حمل المخصص منهما نصا
ليقدم على الآخر ويقوى على تخصيصه وإن كان ربما يفهم ذلك عرفا في
المخصص اللفظي كما قرر في محله، مع إمكان حمل وقت صلاة أخرى على
وقت فضيلتها.
وأما رواية عمار: فالظاهر منها بقاء الوقت كما لا يخفى.
وأما المرسلة: فهي ضعيفة مجردة عن شهرة يعتد بها، كيف؟!
والمحكي عن سيدنا المرتضى (1) وابن إدريس (2) وابن سعيد (3)
والمحقق (4) والمصنف في جملة من كتبه (5) والشهيد في الذكرى (6) والدروس (7)

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 230.
(2) السرائر 1: 205.
(3) الجامع للشرائع 63.
(4) الشرائع 1: 68.
(5) التذكرة 3: 29، والمختلف 2: 69.
(6) الذكرى: 166.
(7) الدروس 1: 160.
199

والمحقق (1) والشهيد (2) الثانيين، وعامة من تأخر: هو عدم وجوب القضاء.
ثم إن الظاهر من الاستدبار في كلمات الأصحاب هو العرفي،
لا استقبال خصوص النقطة المقابلة للقبلة. ويؤيده - مضافا إلى وجوب
الرجوع إلى العرف في مثل المقام -: تقسيمهم صور انكشاف الخطأ إلى أقسام
ثلاثة: الانحراف اليسير، والتشريق أو التغريب، والاستدبار. ولا إشكال في
عدم دخول ما تعدى عن التشريق والتغريب [داخلا] (3) في شئ من
القسمين الأولين فتعين دخوله في الثالث، أو إهمالهم لذكره موضوعا وحكما،
وهو بعيد.
(و) يعيد (في الوقت) خاصة دون خارجه (إن كان) حين
العمل (مشرقا أو مغربا).
أما وجوب الإعادة في الوقت، فيدل عليه - قبل الاجماع المحقق
والمستفيض -: العمومات المتقدمة، مضافا إلى خصوص ما يدل أيضا على نفي
القضاء خارج الوقت، مثل صحيحة عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام:
(إذا صليت وأنت على غير القبلة ثم استبان لك أنك صليت على غير القبلة
وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد) (4).
وصحيحة سليمان بن خالد، قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل
يكون في قفر من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يضحى فيعلم

(1) جامع المقاصد 2: 74 - 75، وفيه: قال المرتضى: لا يعيد بعد خروج الوقت...
وفيه قوة، والعمل على الأول [وهو القول بالإعادة مطلقا].
(2) روض الجنان: 203، والمسالك 1: 161.
(3) كذا، والظاهر زيادتها.
(4) الوسائل 3: 229، الباب 11 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
200

أنه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟ قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، وإن
كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده) (1).
ونحوها صحيحة ابن يقطين (2)، وغيرها من الأخبار (3).
وهل المراد بالمشرق والمغرب خصوص نقطتيهما أم يعم ما تعداهما
ولم يبلغ الاستدبار العرفي؟ وجهان، لا ثمرة في الترجيح بينهما على المختار
- من عدم وجوب القضاء مع الاستدبار أيضا - وعلى المشهور فالأقوى
الثاني; لاطلاق هذه الأخبار النافية للقضاء، واختصاص أدلة ثبوت القضاء
بالاستدبار العرفي.
وكذا الوجهان في اختصاص الحكم بخصوص نقطتي المشرق والمغرب
أو عمومه لمطلق نقطتي اليمين واليسار كنقطتي الشمال والجنوب لمن كان قبلته
نقطة المغرب أو نقطة المشرق. والعموم هنا أوضح; لعموم الأدلة.
(ولا يعيد) لا في الوقت ولا في خارجه (إن كان) حين العمل
منحرفا إلى ما (بينهما) بالاجماع المستفيض والأخبار المستفيضة، منها:
صحيحة زرارة السابقة (4) الدالة - كصحيحة معاوية بن عمار (5) - على أن ما بين
المشرق والمغرب قبلة، وبها يقيد إطلاق كثير من الفتاوى - كفتوى

(1) الوسائل 3: 230، الباب 11 من أبواب القبلة، الحديث 6.
(2) الوسائل 3: 230، الباب 11 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(3) راجع الوسائل 3: 230 - 231، الباب 11 من أبواب القبلة، الأحاديث 5 و 8 و 9
وغيرها.
(4) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 2، وتقدمت في الصفحة:
145.
(5) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة الحديث الأول.
201

المقنعة (1) والنهاية (2) والغنية (3) ونحوها (4)، ككثير من الروايات المتقدمة -
بوجوب الإعادة في الوقت على من صلى إلى غير القبلة، بل لا يبعد دعوى
التقييد بناء على أن ما بين المشرق والمغرب قبلة حقيقة ولو للمجتهد والمتحير
وشبههما.
وهل المراد بما بين المشرق والمغرب: مطلق ما بين اليمين واليسار،
فيشمل ما بين الجنوب والشمال لمن كانت قبلته نقطة المغرب أو نقطة المشرق،
أو خصوص ما بين الجهتين؟ إشكال، من عموم وجوب الإعادة في الوقت
لمن صلى إلى غير القبلة، ومن أن المستظهر من الأدلة إناطة الحكم بالانحراف
اليسير والفاحش.
وعلى كل حال، فينبغي القطع بعدم الاعتبار بهما لمن كان قبلته غير
نقطتي الجنوب والشمال وما يقربهما; إذ ربما تكون القبلة على وجه يكون
ما بين المشرق والمغرب متجاوزا عن حد اليمين واليسار، بل ملحقا
بالاستدبار، فلا تأمل في وجوب الإعادة عليه، بل القضاء على المشهور (5).

(1) المقنعة: 97
(2) النهاية: 64
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 494.
(4) مثل سلار في المراسم: 61، وابن حمزة في الوسيلة 99، وابن إدريس في السرائر
1: 205، وغيرهم
(5) هذا آخر الصفحة اليمنى من الورقة: (47) من نسخة (ق)، وتبدأ الصفحة اليسرى
من الورقة: (47) بقوله: الأول: القيام ويبدو أن المؤلف قدس سره لم يتعرض لشرح
ما بقي من مبحث الاستقبال في الإرشاد، وهو قول المصنف: ولو ظهر الخلل في الصلاة
استدار إن كان قليلا، وإلا استأنف، ولم يتعدد الاجتهاد بتعدد الصلاة، كما لم نجد في
المخطوطة شرحا لست صفحات من كتاب الإرشاد المشتملة على مباحث لباس المصلي
ومكان المصلي وأحكام المساجد والأذان والإقامة.
هذا وقد ترك ناسخ (ط) بياضا بمقدار عدة أسطر، وكتب في الهامش ما يلي:
ولم يخرج من قلمه الشريف في أبواب مقدمات الصلاة غير مسألتي الأفعال والقبلة.
202

المقصد الرابع (1)
ما يصلى فيه
وفيه مطلبان:
الأول: اللباس
يجب ستر العورة في الصلاة بثوب طاهر إلا ما استثني، مملوك
أو مأذون فيه - ولو صلى في المغصوب عالما بالغصب بطلت وإن جهل
الحكم - من جميع ما ينبت من الأرض: من القطن والكتان والحشيش،
وجلد ما يؤكل لحمه مع التذكية وإن لم يدبغ، وصوفه وشعره وريشه
ووبره وإن كان ميتة مع غسل موضع الاتصال، والخز (2) الخالص،

(1) لم يتعرض المؤلف قدس سره لشرح هذا المقصد والمقصد الخامس من كتاب الإرشاد،
وأوردناهما هنا إتماما للفائدة.
(2) الخز: دابة من دواب الماء تمشي على أربع، تشبه الثعلب وترعى من البر وتنزل
البحر، لها وبر يعمل منه الثياب (مجمع البحرين 2: 18، مادة: (خزر)).
203

والسنجاب (1)، والممتزج بالحرير.
ويحرم الحرير المحض على الرجال إلا التكة والقلنسوة، ويجوز الركوب
عليه والافتراش له والكف به، ويجوز للنساء.
ويكره: السود عدا العمامة والخف، والواحد الرقيق غير الحاكي للرجل،
وأن يأتزر على القميص، ويشتمل الصماء أو يصلي بغير حنك، واللثام،
والنقاب - ويحرم لو منع القراءة - والقباء المشدود في غير الحرب، والإمامة
بغير رداء، واستصحاب الحديد ظاهرا، وفي ثوب المتهم، والخلخال المصوت
للمرأة، والتماثيل، والصورة في الخاتم.
وتحرم في جلد الميتة وإن دبغ، وجلد ما لا يؤكل لحمه وإن دبغ،
وصوفه وشعره ووبره وريشه عدا ما استثني، وفيما ستر ظهر القدم
كالشمشك، إلا الخف والجورب.
وعورة الرجل قبله ودبره، يجب سترهما مع القدرة ولو بالورق والطين،
فإن فقد صلى عريانا قائما مع أمن المطلع، وجالسا مع عدمه، ويؤمي في
الحالين راكعا وساجدا.
وجسد المرأة كله عورة، عدا الوجه والكفين والقدمين، ويجوز للأمة
والصبية كشف الرأس.
ويستحب للرجل ستر جميع جسده، وللمرأة ثلاثة أثواب: درع وقميص
وخمار.

(1) السنجاب: حيوان على حد اليربوع، أكبر من الفأرة، شعره في غاية النعومة، يتخذ
من جلده الفراء يلبسه المتنعمون (مجمع البحرين 2: 84، مادة: (سنجب))
204

المطلب الثاني: في المكان
تجوز الصلاة في كل مكان مملوك أو في حكمه، كالمأذون فيه صريحا
أو فحوى أو بشاهد الحال.
وتبطل في المغضوب مع علم الغصبية وإن جهل الحكم. ولو كان
محبوسا جاز، أو جاهلا أو ناسيا.
ولو أمره بالخروج من المأذون وقد اشتغل بالصلاة تممها خارجا، وكذا
لو ضاق الوقت ثم أمره قبل الاشتغال.
وتجوز في النجس مع عدم التعدي، ويشترط طهارة موضع الجبهة،
دون باقي مساقط الأعضاء، وكذا يشترط وقوع الجبهة في السجود على
الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس.
ولا يصح السجود على الصوف، والشعر، والجلد، والمستحيل من
الأرض إذا لم يصدق عليه اسمها كالمعادن، والوحل - فإن اضطر أومأ -
والمغصوب.
205

ويجوز على القرطاس وإن كان مكتوبا، وعلى يده إن منعه الحر
ولا ثوب معه، ويجتنب المشتبه بالنجس في المحصور دون غيره.
ويكره أن يصلي وإلى جانبه أو قدامه امرأة تصلي على رأي، ويزول
المنع مع الحائل، أو تباعد عشرة أذرع، أو مع الصلاة خلفه.
وتكره أيضا في الحمامات، وبيوت الغائط، ومعاطن (1) الإبل، وقرى
النمل (2)، ومجرى الماء، وأرض السبخة والرمل والبيداء (3)، ووادي ضجنان (4)،
وذات الصلاصل (5)، وبين المقابر من دون حائل أو بعد عشرة أذرع، وبيوت
النيران والخمور والمجوس، وجواد الطرق، وجوف الكعبة وسطحها، ومرابط
الخيل والحمير والبغال، والتوجه إلى نار مضرمة أو تصاوير أو مصحف مفتوح
أو حائط ينز من بالوعة أو إنسان مواجه أو باب مفتوح.
ولا بأس بالبيع، والكنائس، ومرابط الغنم، وبيت اليهودي والنصراني.

(1) هي جمع معطن كمجلس: مبارك الإبل عند الماء لتشرب علا بعد نهل (مجمع
البحرين 6: 282، مادة: (عطن))
(2) القرى - بضم القاف -: جمع قرية، وهي: الأماكن التي يجتمع النمل فيها (مجمع
البحرين 1: 339، مادة: (فرا)).
(3) هي: أرض مخصوصة بين مكة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة، كأنها
من الإبادة وهي الاهلاك (مجمع البحرين 3: 18، مادة: (بيد)).
(4) ضجنان: جبل بناحية مكة، انظر: الصحاح 6: 2154، مادة: (ضجن).
(5) ذات الصلاصل: اسم لموضع مخصوص في طريق مكة، انظر: مجمع البحرين 5:
408، مادة: (صلصل).
206

تتمة
صلاة الفريضة في المسجد أفضل، والنافلة في المنزل.
ويستحب: اتخاذ المساجد مكشوفة، والميضاة على بابها، والمنارة مع
حائطها، وتقديم اليمنى دخولا واليسرى خروجا، والدعاء عندهما، وتعاهد
النعل، وإعادة المستهدم، وكنسها، والاسراج، ويجوز نقض المستهدم خاصة،
واستعمال آلته في غيره.
ويكره: الشرف، والتعلية، والمحاريب الداخلة، وجعلها طريقا، والبيع
فيها والشراء، وتمكين المجانين، وإنفاذ الأحكام، وتعريف الضوال، وإنشاد
الشعر، وإقامة الحدود، ورفع الصوت، وعمل الصنائع، ودخول من في فيه
رائحة ثوم أو بصل، والتنخم، والبصاق، وقتل القمل فيستره بالتراب، ورمي
الحصى خذفا، وكشف العورة.
ويحرم: الزخرفة، ونقش الصور، واتخاذ بعضها في ملك أو طريق،
وبيع آلتها، وتملكها بعد زوال آثارها، وإدخال النجاسة إليها، وإزالتها فيها،
207

وإخراج الحصى منها فتعاد، والتعرض للكنائس والبيع لأهل الذمة، ولو كانت
في أرض الحرب أو باد أهلها جاز استعمال آلتها في المساجد.
208

المقصد الخامس
في الأذان والإقامة
وهما مستحبان في الفرائض اليومية خاصة، أداء وقضاء، للمنفرد
والجامع، للرجل والمرأة إذا لم يسمع الرجال، ويتأكدان في الجهرية، خصوصا
الغداة والمغرب.
ويسقط أذان العصر يوم الجمعة، وفي عرفة، وعن القاضي المؤذن في
أول ورده، وعن الجماعة الثانية إذا لم تتفرق الأولى.
وكيفيته: أن يكبر أربعا، ثم يشهد بالتوحيد، ثم بالرسالة، ثم يدعو إلى
الصلاة، ثم إلى الفلاح، ثم إلى خير العمل، ثم يكبر، ثم يهلل مرتين مرتين
والإقامة كذلك، إلا أنه يسقط من التكبير الأول مرتان، ومن التهليل
مرة، ويزيد مرتين قد قامت الصلاة بعد حي على خير العمل.
ولا اعتبار بأذان الكافر، وغير المميز، وغير المرتب ويجوز من المميز.
ويستحب أن يكون: عدلا صيتا، بصيرا بالأوقات، متطهرا، قائما على
مرتفع، مستقبل القبلة، متأنيا في الأذان، ومحدرا في الإقامة، واقفا على آخر
209

الفصول. تاركا للكلام خلالهما، فاصلا بركعتين أو سجدة أو جلسة، وفي
المغرب بخطوة أو سكتة، رافعا صوته، والحكاية، والتثويب بدعة.
ويكره: الترجيع لغير الاشعار، والكلام بغير مصلحة الصلاة بعد قد
قامت الصالح، والالتفات يمينا وشمالا.
ومع التشاح يقدم الأعلم، ومع التساوي يقرع، ويجوز أن يؤذنوا دفعة،
والأفضل أن يؤذن كل واحد بعد أذان الآخر.
ويجتزئ الإمام بأذان المنفرد، ويؤذن خلف غير المرضي، فإن خاف
الفوات اقتصر على التكبيرتين وقد قامت، ويأتي بما يتركه.
210

النظر الثاني
في
الماهية
وفيه مقاصد
211

الأول: في كيفية اليومية
يجب معرفة واجب أفعال الصلاة من مندوبها، وإيقاع كل منهما على
وجهه، والواجب سبعة: (1)

(1) من الإرشاد.
213

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
214

(الأول: القيام)
قدمه على النية والتكبير لاعتباره في كليهما ولو من جهة وجوب
مقارنتهما، وهو أولى من تأخيره; نظرا إلى أنه لا يجب حتما إلا بعدهما،
لأنه لا ينافي أحقيته بسبق المعرفة.
(وهو ركن) بإجماع العلماء كما في المعتبر (1) وعن جماعة (2)، بل علماء
الاسلام كما في المنتهى (3)، مضافا إلى ظهور الأدلة اللفظية وقضاء أصالة
الركنية; بناء على تفسير الركن بما (تبطل الصلاة بتركه (4) عمدا أو سهوا)
كما يظهر من الكتاب والشرائع (5) ونحوهما، وصرح به في

(1) المعتبر 158: 2.
(2) جامع المقاصد 2: 200، والمدارك 3: 326، وكشف اللثام 1: 211.
(3) المنتهى 1: 264، و 265.
(4) في الإرشاد: (لو أخل به) بدل: (بتركه).
(5) الشرائع 1: 80.
215

المعتبر (1) والمنتهى (2) والذكرى (3) وحكاه الأول عن الشيخ (4).
ولو ضم إلى تركه زيادته - كما في جامع المقاصد (5) والروض (6)
ومجمع الفائدة (7)، وعن المهذب (8) ناسبين له إلى الأصحاب - سقط التمسك
بالأخيرين، واحتاج إلى استثناء زيادة القيام في كثير من الموارد.
وكيف كان، فقد استشكل جماعة من المتأخرين (9)، أولهم - فيما أعلم -
المحقق الثاني (10) [في] إطلاق القول بركنية القيام، بأن ناسي القراءة
وأبعاضها صلاته صحيحة مع فوات بعض القيام المستلزم لفوات المجموع،
وعدلوا عن القول بالاطلاق إلى ما حكوه عن الشهيد قدس سره في بعض
تحقيقاته (11) من أن القيام بالنسبة إلى الصلاة على أنحاء، فهو شرط في حال
النية، وركن في حال التكبير وكذا المتصل منه بالركوع، وواجب في حال

(1) المعتبر 2: 151.
(2) المنتهى 1: 264.
(3) الذكرى: 178.
(4) المبسوط 1: 100.
(5) جامع المقاصد 2: 199.
(6) روض الجنان: 249.
(7) في مجمع الفائدة 2: 252.
(8) المهذب البارع 1: 356، وفيه النسبة إلى الفقهاء، 5 وانظر الجواهر 9: 239.
(9) منهم الشهيد الثاني في روض الجنان: 249، والمسالك 1: 200، والسيد السند في
المدارك 3: 326، والسبزواري في الذخيرة: 260، والبحراني في الحدائق 8: 60.
(10) انظر جامع المقاصد 2: 200.
(11) حكاه المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 200، والسيد السند في المدارك 3:
326، والسبزواري في الذخيرة: 260.
216

القراءة، فلو سها وكبر أو ركع جالسا بطلت صلاته، بخلاف ما لو قرأ
جالسا، فالركن منه في الركعة الأولى هو المقدار الذي يسع للافتتاح
والمسمى الذي عنه يتكون تقوس الركوع وإن حصل في ضمن ما للافتتاح،
وفي سائر الركعات هو الأخير.
وهو حسن إن ثبت الاجماع على ركنيته في نفسه، كما هو ظاهر معاقد
الاجماعات، وإلا فيمكن القول بعدمه واستناد بطلان صلاة من كبر جالسا
إلى فقد شرط التكبير لا فقد القيام الركني، كما يساعده قوله عليه السلام في موثقة
عمار: (لا يعتد بالتكبير وهو قاعد) (1)، واستناد بطلان [صلاة] (2) من ركع
جالسا إلى عدم تحقق الركوع القيامي الذي هو ركن في حق القائم - أعني
الانحناء عن استقامة مع الوقوف على القدمين - لا إلى ترك القيام مع تحقق
الركوع، كما ادعاه الفاضل في شرحه على الروضة (3) وتبعه في الرياض (4)،
وركوع الجالس وإن كان ركوعا - لأنه هو الانحناء سواء كان عن اعتدال
القيام أو عن اعتدال القعود - إلا أن الركن ليس هو المشترك بين الركوعين
كما يومي إليه تحديدهم الركوع الركني له للقائم في بابه.
ويؤيده: اعتراف بعض القائلين بركنية هذا القيام (5) بعدم انفكاك تركه
عن ترك الركوع، ويزيده تأييدا قوله عليه السلام: (لا تعاد الصلاة إلا من

(1) التهذيب 2: 354، ذيل الحديث 1466، والوسائل 4: 704، الباب 13 من
أبواب القيام، الحديث الأول، مع اختلاف يسير.
(2) من هامش (ط).
(3) المناهج السوية (مخطوط): 164.
(4) الرياض 3: 368 و 369.
(5) انظر المسالك 1: 200، والمدارك 3: 326.
217

خمسة) (1) الدال على حصر مستند بطلان الصلاة المنعقدة صحيحا في الاخلال
بالركوع أو السجود، وحينئذ فيقوى احتمال كون القيام الذي عنه يركع
ركنيته باعتبار مقدميته للركوع وشرطيته للافتتاح، وإن كان واجبا مستقلا
في الجملة، ويكون إجماعهم على ركنيته بالمعنى الأعم من النفسي والمقدمي،
كيف وقد يطلقون الركن على المقدمات الخارجة كإطلاق الركن على النية في
كلام كثير ممن قال بشرطيتها (2)، وإطلاقه على دخول الوقت كما عن
العماني (3)، وعلى استقبال القبلة كما عن ابن حمزة (4)؟!
ويتفرع على ما ذكرنا (5): عدم اعتبار شروط القيام الآتية في القيام
المتصل بالركوع إلا إذا وقع فيه واجب كالقراءة، أو ركن كالافتتاح.
ولكن الانصاف: أن الخروج عن مقتضى ظاهر الاجماعات المستفيضة
مشكل، بل غير صحيح. فالمذهب ما حققه المتأخرون.
ولا منافاة بين كون القيام الذي يركع عنه ركنا مستقلا ومقدمة لتحقق
الركوع القيامي; بناء على أن الركن من الركوع ليس هو القدر المشترك بين
ركوعي القائم والقاعد، لكن ربما يستظهر من المصنف والشهيد قدس سرهما في

(1) الوسائل 4: 1241، الباب الأول من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.
(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 266، والشهيد الثاني في المسالك 1: 195، والسيد في
المدارك 3: 308.
(3) انظر المختلف 2: 140.
(4) الوسيلة: 93.
(5) في هامش (ط) - هنا - ما يلي: (قوله: ويتفرع على ما ذكرنا... إلى آخره أقول:
فيه تأمل; لأن جملة من الأمور الآتية كما يعترف به قدس سره مأخوذة في مفهوم القيام،
فيعتبر فيه سواء كان ركنا أم لا وسواء وقع فيه شئ أم لا، فتدبر).
218

القواعد (1) والذكرى (2) - في مسألة ما لو تجدد قدرة العاجز عن القيام بعد
القراءة - حيث حكما بأنه يجب حينئذ القيام للهوي إلى الركوع: أن وجوب
القيام حينئذ من باب المقدمة، وكذا ما ذكره في الذكرى (3) - فيما لو تجدد
القدرة حال الركوع -: أنه يقوم منحنيا، وليس له الانتصاب لئلا يزيد
ركنا. نعم، علل هذا الحكم في جامع المقاصد (4) بقوله: لئلا يزيد ركنين.
وأظهر من هذا كله كلام له في الذكرى (5) في رد بعض العامة - في
مسألة ناسي السجدة الثانية -: أنه لو ذكرها قائما وقد جلس بعد الأولى
لا يجب عليه الجلوس ثانيا للسجدة المنسية، فلاحظ (6)، ولاحظ تفسيره من
الفاضل في شرح الروضة (7)، والله العالم.
ثم إن الظاهر من كلام بعضهم كالشهيد الثاني في الروض (8)
والمسالك (9) وسبطه (10) أن المراد بالقيام المتصل بالركوع هو المتصل بجزء من

(1) القواعد 1: 269.
(2) الذكرى: 182.
(3) الذكرى: 182.
(4) جامع المقاصد 2: 215.
(5) الذكرى: 221.
(6) في هامش (ط) ما يلي: في الذكرى: وقال بعض العامة: (لا يكفي الجلوس الأول،
بل يجب الجلوس هنا لينتقل إلى السجود، كما لو خف المريض بعد القراءة قاعدا; فإنه
يجب عليه القيام ليركع عن قيام، قلنا: الفرق واضح; لأن الركوع عن قيام لا بد منه
مع القدرة عليه، ولا يتم إلا بالقيام فيجب.
(7) المناهج السوية (مخطوط): 272.
(8) روض الجنان: 253، وفيه: القيام الركني إنما يتحقق مع اتصاله بالركوع.
(9) المسالك 1: 200.
(10) المدارك 3: 326 و 329.
219

هويه وإن حصل الفصل بين أجزاء الهوي، ولذا حكما (1) فيمن نسي الركوع
بعد الهوي له قليلا: أنه يقوم منحنيا إلى ذلك الحد، وظاهر إطلاق آخرين
بل صريح بعضهم: وجوب الانتصاب في هذه الصورة أيضا، وهو الأقوى;
بناء على ما ذكرنا من أن ركوع القائم هو الانحناء عن اعتدال القيام.
وكيف كان، فظاهر القولين: وجوب اتصال القيام بجزء من هوي
الركوع وعدم جواز الفصل بينهما بأجنبي، فلو هوى بقصد السجود أو لغرض
آخر غير الركوع فلما بلغ حد الركوع نوى جعله ركوعا لم يجز، مضافا إلى
ما سيجئ في بطلان الفرض من وجوب قصد الركوع في الهوي، وسيجئ
أيضا للكلام تتمة في مباحث السهو إن شاء الله تعالى.
واعلم: أن الركن من القيام هو الانتصاب - المتحقق بنصب فقار الظهر
أعني عظامه المنتظمة في النخاع - ومنه الاستقامة ضد الاعوجاج، فيخل به
الانحناء ولو يسيرا إذا سلب عنه اسم الاستقامة، وكذا الميل إلى اليمين
واليسار، ولا يضره إطراق الرأس، بل عن التقي (2): استحباب إرسال الذقن
إلى الصدر، لكن في مرسلة حريز (3) تفسير النحر (4) بإقامة الصلب والنحر،
وعليه العمل استحبابا.
(ويجب) فيه أمور خارجة عن مفهومه على الظاهر.
منها: (الاستقلال) وعدم الاستناد إلى شئ على وجه الاعتماد على

(1) راجع المسالك 1: 291، والمدارك 4: 234.
(2) الكافي في الفقه: 142.
(3) الوسائل 4: 694، الباب 2 من أبواب القيام، الحديث 3.
(4) الوارد في قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) الكوثر: 2.
220

المشهور، بل عن المصنف قدس سره في المختلف (1) وابن [أبي] الجمهور في شرح
الألفية (2) الاجماع عليه; لتوقف البراءة عليه، وللتأسي الواجب عموما،
وخصوصا لقوله: (صلوا كما رأيتموني أصلي) (3)، ولصحيحة حماد الواردة في
تعليم الصلاة (4)، ولتبادر الاستقلال من القيام، بل في الإيضاح: أن القيام هو
الاستقلال (5)، وعن المحقق الثاني (6) والفريد البهبهاني (7) أنه داخل في مفهوم
القيام; للتبادر وصحة السلب عن غيره، أو لتبادر ايجاده من غير معاون من
إطلاقات الأوامر، كما عن المحقق الثاني (8) والمقدس الأردبيلي (9) وابن [أبي]
الجمهور (10).
ولصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: لا تمسك
بخمرك وأنت تصلي ولا تستند إلى جدار إلا أن تكون مريضا) (11).
ورواية عبد الله بن بكير - المحكية عن قرب الإسناد - قال: (سألت

(1) المختلف 2: 194.
(2) المسالك الجامعية: (الفوائد الملية): 144.
(3) عوالي اللآلي 1: 198، ذيل الحديث 8.
(4) الوسائل 4: 673، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث الأول.
(5) الإيضاح 1: 99.
(6) حكاه في الجواهر 9: 246 عن ظاهر المحقق، وفي جامع المقاصد 2: 203: (فإن
المتبادر منها وجوب قيام المصلي لنفسه، ولا يعد المعتمد على شئ قائما بنفسه).
(7) مصابيح الظلام في شرح المفاتيح (مخطوط): 97.
(8) حكاه المولى النراقي في المستند 1: 328، وانظر جامع المقاصد 2: 203.
(9) مجمع الفائدة 2: 189 - 190.
(10) المسالك الجامعية: 144.
(11) الوسائل 4: 702، الباب 10 من أبواب القيام الحديث 2.
221

أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط، قال:
لا ما شأن أبيك وشأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد) (1).
وفي الوجوه المتقدمة على الروايتين نظر، فهما العمدة بعد اعتضادهما
بالشهرة ونقل الاجماع، الذي لا ينافيه المحكي عن الحلبي (2) من كراهة
الاعتماد على ما يجاور المصلي من الأبنية; إما لاحتمال إرادته الحرمة من
الكراهة، كما قيل إنه شائع في كلام القدماء (3)، أو لأن خروجه غير مضر
بالاجماع المحقق فضلا عن المنقول (4).
نعم، مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين (5) فحملوا النهي المتقدم
على الكراهة، بقرينة صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام: (عن الرجل
هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على
الحائط من غير مرض ولا علة؟ فقال: لا بأس، وعن الرجل يكون في
صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأوليين هل يصلح له أن يتناول حائط
المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ فقال:
لا بأس) (6).

(1) قرب الإسناد: 171، الحديث 626، والوسائل 4: 693، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 20.
(2) الكافي في الفقه: 125.
(3) المستند 1: 328.
(4) نقله قدس سره عن المختلف وشرح الألفية لابن أبي جمهور، وقد تقدم في الصفحة
السابقة.
(5) انظر المدارك 3: 328، والكفاية: 18، والحدائق 8: 62.
(6) الوسائل 4: 701، الباب 10 من أبواب القيام، الحديث الأول، مع اختلاف في
بعض الألفاظ.
222

وفي موثقة ابن بكير: (لا بأس بالتوكؤ على عصا، والتوكؤ على
الحائط) (1).
وفيه: أن الرواية الأخيرة محمولة على المريض، حملا للمطلق على
المقيد، وأما الأولى فهي محمولة - كما في كلام جماعة (2) - على الاستناد العاري
عن الاعتماد جمعا; إذ الحمل على الكراهة لا يتأتى في الرواية الثانية من
الروايتين المتقدمتين، وفي الإيضاح حمل رواية الجواز على التقية (3).
والحاصل: أنها لا تقاوم أدلة المنع من وجوه.
ثم إن ظاهر المحقق الثاني في جامع المقاصد (4): عدم جواز الاستناد
في النهوض أيضا; ولعله لما تقدم من تبادر إيجاد القيام من غير استعانة.
وفيه نظر; لأن النهوض من المقدمات الصرفة وإلا لما جاز النهوض
إلى الركعة الأولى مستعينا وهو باطل، مع أن ذيل صحيحة علي بن جعفر
- المتقدمة - صريح في الجواز، فهو الأقوى.
ومنها: القيام على الرجلين، ذكره الشهيدان (5) والمحقق الثاني (6)

(1) الوسائل 4: 702، الباب 10 من أبواب القيام، الحديث 4.
(2) كالشهيد الأول في الذكرى: 180، والشهيد الثاني في روض الجنان: 250.
والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 203
(3) إيضاح الفوائد 1: 99.
(4) جامع المقاصد 2: 203.
(5) الذكرى: 181، الروض: 250.
(6) جامع المقاصد 2: 202.
223

، وغيرهم (1) وعن الحدائق: أنه لا خلاف فيه، وأنه اتفاق الأصحاب (2)،
قيل (3): لعدم الاستقرار مع القيام على الواحدة، ولأنه كاللاعب، ولكثير
مما ذكر في الاستقلال، والتبادر هنا قوي، ويؤيده: ما ورد في آداب تباعد
الرجلين (4); فإن الظاهر منها كون القيام عليهما مفروغا عن وجوبه.
نعم، في بعض الأخبار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يصلي وهو
قائم، يرفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن
لتشقى) (5)، وفي السند، بل في الدلالة ضعف لا يخفى على من لاحظهما.
والظاهر أيضا: وجوب الوقوف على أصل القدمين، لا على الأصابع;
للتبادر المذكور، مع إخلاله بالاستقرار غالبا، وفي رواية أبي بصير: أن نزول
الآية السابقة كان لوقوفه صلى الله عليه وآله وسلم على أطراف أصابع رجليه (6)
ولا يبعد وجوب الاعتماد عليهما في الجملة، بمعنى عدم كفاية مجرد مماسة
أحدهما للأرض، وعن البحار: أنه المشهور (7)، وأما بمعنى التساوي في
الاعتماد فالظاهر عدم وجوبه، وعليه يحمل حسنة أبي حمزة - بابن هاشم -
قال: (رأيت علي بن الحسين عليه السلام في فناء الكعبة في الليل وهو يصلي

(1) كالسيد في المدارك 3: 328، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 261.
(2) الحدائق 8: 64.
(3) جامع المقاصد 2: 202.
(4) الوسائل 4: 710، الباب 17 من أبواب القيام.
(5) الوسائل 4: 695، الباب 3 من أبواب القيام، الحديث 4، والآية من سورة
طه: 1.
(6) الوسائل 4: 695، الباب 3 من أبواب القيام، الحديث 2.
(7) البحار 84: 342.
224

فأطال القيام حتى جعل يتوكأ [مرة] على رجله اليمنى ومرة على رجله
اليسرى) (1) مع ظهورها في النافلة.
ومما ذكرنا من التبادر يظهر الوجه في عدم جواز التباعد بين الرجلين
بحيث يخرج عن متعارف القيام، وعن ابن [أبي] الجمهور (2) أنه لا خلاف
في ذلك، بل يمكن أن يفهم هذا من الانتصاب; فإن الظاهر منه كون القائم
كالشاخص المنصوب.
ومنها: الاستقرار، بمعنى: الوقوف المقابل للجري، والسكون المقابل
للاضطراب، ويدل عليه - مضافا إلى الاجماع المصرح به في الايضاح في
باب الصلاة على الراحلة (3)، وشرح المفاتيح للفريد البهبهاني (4)، وشرح
الشرائع (5) لبعض مشايخنا المعاصرين، والمحكي عن المسالك الجامعية (6) -:
رواية السكوني (7) - المنجبرة بعمل الأصحاب كما في موضع من
الذكرى (8)، أو بشهرتها بينهم كما في باب القراءة منه (9)، بزيادة نسبة التوقف
في مضمونها إلى بعض المتأخرين -: (عن الرجل يريد أن يتقدم قال: يكف

(1) الوسائل 4: 695، الباب 3 من أبواب القيام، الحديث الأول.
(2) المسالك الجامعية: (الفوائد الملية): 147.
(3) إيضاح الفوائد 1: 79.
(4) مصابيح الظلام في شرح المفاتيح (مخطوط): 97.
(5) الجواهر 9: 260.
(6) المسالك الجامعية (الفوائد الملية): 145.
(7) الوسائل 4: 775، الباب 34 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(8) الذكرى: 182.
(9) الذكرى: 196.
225

عن القراءة حال مشيه).
ونحوها: رواية يونس، الواردة في المشي في الإقامة المروية في باب
الإقامة (1).
وفي ذلك الباب أيضا، في رواية سليمان بن صالح: (وليتمكن في
الإقامة كما يتمكن في الصلاة; فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة) (2) دلت
عرفا على لزوم التمكين في الصلاة وإن كان مستحبا في الإقامة.
وأظهر من الكل: رواية الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام عن الصلاة
في السفينة (فقال: إن كانت ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصل قائما،
وإن كانت خفيفة تكفا، فصل قاعدا) (3).
إلا أن يحمل التحرك على ما تكفا معه السفينة - أي: تقلب - بقرينة
المقابلة، فيخرج عن الدلالة على المطلب، وفيما سبق كفاية.
وفي المفاتيح (4) والرياض (5): أن الاستقرار مأخوذ في مفهوم القيام،
وفيه تأمل. نعم، لا يبعد أخذ الاستقرار بمعنى الوقوف وعدم المشي في
مفهومه، ودعوى أن المتبادر من القيام عرفا الوقوف على القدمين، لكن
سلبه عن الماضي مشكل.
وكيف كان، فمقتضى الأصل اشتراط القيام بالصفات المذكورة ولو في

(1) الوسائل 4: 635، الباب 13 من أبواب الأذان والإقامة، الحديث 9.
(2) الوسائل 4: 636، الباب 13 من أبواب الأذان والإقامة، الحديث 12
(3) الوسائل 4: 705، الباب 14 من أبواب القيام، الحديث 2، وفيه: عن هارون بن
حمزة الغنوي... بدل (الحلبي)
(4) مفاتيح الشرائع 1: 121.
(5) رياض المسائل 3: 369.
226

حالة النسيان أو الخروج عن الاختيار، مضافا إلى أن اعتبارها في القيام
يرجع إلى تقييد أدلة القيام المعتبر حتى في الحالتين المذكورتين بها، وليس في
أدلة التقييد ما يتقيد بحال العمد والاختيار عدا ظاهر التكليف في صحيحة
ابن سنان (1) في الاستقلال، ولا يقدح بعد ظهور تاليتها في الحكم الوضعي، بل
ظهورها أيضا بعد ملاحظة النواهي الواردة في موانع العبادة الظاهرة كلا
أو جلا في الإرشاد، وبيان إفادة مجرد المانعية، وحينئذ فناسي الاستقرار
وأخواته في القراءة أو في التكبير كناسي نفس القيام، وأما ناسيها عند
الركوع فلا شئ عليه لو قلنا باعتبارها في القيام المتصل مع التعمد؟
لأنها واجبات خارجة عن ماهية القيام فات محلها بالدخول في الركوع،
فلا يقدح تركها
كما لا يقدح مع العجز، على ما أشار إليه قدس سره بقوله: (فإن
عجز، عن الاستقلال (اعتمد) على شئ مقدور ولو بأجرة ميسورة،
بلا خلاف نصا وفتوى; لعموم (كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر) (2)
المعدود من الأبواب التي تنفتح عن كل واحدة منها ألف باب، ورواية
سماعة: (ما من شئ حرم الله تعالى إلا وقد أحله لمن اضطر إليه) (3)،
وإطلاق موثقة ابن بكير المتقدمة (4)، ونحوها رواية سعيد بن يسار (5).

(1) الوسائل 4: 702، الباب 10 من أبواب القيام، الحديث 2.
(2) الوسائل 5: 352، الباب 3 من أبواب قضاء الصلوات، الحديث 3 و 16.
(3) الوسائل 4: 690، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 6 و 7، وفيهما: (وليس
شئ مما... الخ).
(4) تقدمت في الصفحة: 223.
(5) الوسائل 4: 702، الباب 10 من أبواب القيام، الحديث 3.
227

وخصوص روايتي المختار (1) في مسألة الاستقلال.
وبهذين العمومين - الدالين على اختصاص اعتبار القيود في أصل
القيام بحال التمكن - يستدل على طرد الحكم في سائر الصفات إذا عجز عنها،
مقدما جميع ذلك على الجلوس حتى الاستقرار عند المصنف - على ما حكى
عنه الشارح في الروض، واختاره (2) - لعموم أدلة القيام. واختصاص
مقيداتها بصورة إمكان مراعاتها.
وإليه يرجع ما قيل (3): من أن فوات الوصف أولى من فوات
الموصوف، واستشهد عليه بالاتفاق على تقديم القيام معتمدا على القعود،
ومعناه أن رفع اليد من القيد أولى من رفع اليد من أصل المقيد.
وإن أريد به معنى آخر، فلا دليل عليه إلا الاعتبار المجرد عن
الاعتبار.
ويؤيده رواية المروزي، قال: قال الفقيه عليه السلام؟ (المريض إنما يصلي
قاعدا إذا صار بالحالة التي لا يقدر فيها [على] (4) أن يمشي مقدار صلاته إلى
أن يفرغ من صلاته (5).
وأما التمسك باستصحاب وجوب القيام فإن أريد مقيدا بالاستقرار

(1) المراد به روايتي عبد الله بن سنان و عبد الله بن بكير المذكورتين في الصفحة:
221 - 222.
(2) روض الجنان: 251.
(3) قاله الشهيد الثاني في روض الجنان: 251.
(4) من المصدر.
(5) الوسائل 4: 699، الباب 6 من أبواب القيام، الحديث 4، وفيه: (إلى أن يفرغ
قائما).
228

فلا شك في ارتفاعه، وإن أريد مع قطع النظر عنه فيكفي فيه عموم أدلة
وجوب القيام في نفسه، ولو منع دلالة العمومات إلا على وجوبه مقيدا
بما يعتبر فيه من الاستقرار ونحوه فهو أيضا جار في الاستصحاب; لمنع
وجوب القيام سابقا إلا مقيدا وقد ارتفع القيد فلا يبقى المقيد.
هذا، إن أخذ الاستقرار قيدا للقيام، وإن أخذناه واجبا مستقلا في
أصل الصلاة كالقيام، فيتعارض استصحابا وجوب القيام ووجوب
الاستقرار، بل يتعارض حينئذ عموم أدلة وجوب القيام مع عموم أدلة
الاستقرار، فينهدم الاستدلال المتقدم.
وبعد ملاحظة ضعف سند الرواية، بل دلالتها; لاحتمالها لما حكي عن
المفيد قدس سره كما سيجئ (1) لا بد من الرجوع إلى المرجحات.
والظاهر أن مراعاة الاستقرار أرجح، لا لما دل على الرجوع إلى
القعود عند العجز عن القيام، المتبادر منه القيام مستقرا، ولا لأن العبادة
تتوقف على النقل، والمنقول هو الجلوس; لضعف الأول بأن مساق تلك
الأدلة - مثل قوله عليه السلام: (صل قائما وإن لم تستطع فجالسا) (2) - بيان
وجوب أصل القيام على القادر والجلوس على العاجز، لا بيان وجوب
كيفيات القيام ووجوب الجلوس للعاجز عنها; ولذا لا يقدم الجلوس على
الاستقلال ونحوه قولا واحدا، وضعف الثاني باشتراك الصلاة ماشيا والصلاة
قاعدا بالتعبد بهما في النافلة اختيارا وفي الفريضة إذا اضطر إليهما، وإنما

(1) انظر الصفحة: 234.
(2) الوسائل 4: 706، الباب 14 من أبواب القيام، الحديث 8، والحديث منقول
بالمعنى
229

الكلام في الترجيح إذا اضطر إلى أحدهما.
بل لأهمية الاستقرار في نظر الشارع على ما يستفاد من ملاحظة أصل
وضع الصلاة المبنية على الخشوع والسكون المطلق بإمساك القوى عن
التصرف في الجوارح والجوانح، ولا شك في الترجيح بالأهمية عند تعارض
الواجبين كما يعلم بالتتبع، ولأن الطمأنينة أقرب إلى حال الصلاة وصورتها،
مضافا إلى ما عرفت سابقا من دعوى غير واحد (1) أخذ الاستقرار في مفهوم
القيام، بحيث يسلب القائم عن الماشي، وأنه ليس بذلك البعيد.
بل يمكن أن يقال بصحة سلب اسم المصلي عن الماشي، والاجتزاء به
مع الاضطرار إليه لا يستلزمه مع عدمه; فإن محافظة صورة الصلاة - التي
هي جزء كمادتها - واجبة مهما أمكن; ولذا عدوا الفعل الكثير الماحي مبطلا
مع عدم ورود نص فيه.
وكيف كان، فترجيح الاستقرار لا يخلو من قوة، وفاقا للشهيد في
الذكرى (2) والمحقق الثاني في جامعه (3) وصاحب المدارك (4) وجماعة (5).
هذا في الاستقرار المقابل للمشي والمجري، وأما المقابل للاضطراب مع
الوقوف: فترجيحه مشكل; لعدم مساعدة ما ذكرنا من المرجح عليه، فالقول

(1) انظر مفاتيح الشرائع 1: 121) والرياض 3: 369، وتقدم ذلك في الصفحة:
226.
(2) الذكرى: 180.
(3) جامع المقاصد 2: 205.
(4) المدارك 3: 329.
(5) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 75، ومطالع الأنوار 2: 25، وفي البحار 84:
335: أنه أوفق بفحوى الأخبار.
230

بترجيح القيام حينئذ لا يخلو عن قوة، إلا أن يثبت الاجماع المركب، وهو
بعيد.
ويمكن الاستدلال لترجيح القعود في هذه الصورة - المستلزم لترجيحه
في الصورة المتقدمة بالأولوية القطعية والاجماع المركب - بما تقدم من رواية
الحلبي الواردة في الصلاة في السفينة، من أنها إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت
فيها [لم تتحرك] فصل قائما وإن كانت خفيفة تكفا فصل قاعدا (1).
لكن قد عرفت أنه لا يبعد أن يراد وجوب الجلوس مع خوف أن
تكفا السفينة - أي: تنقلب لو قام فيها، كما هو المحسوس في الصغار من
السفن - فليس فيها دلالة على المطلوب.
ويحتمل في هذه الصورة التخيير; لعدم المرجح كما ذهب إليه غير
واحد (2) في كلتا الصورتين، والله العالم.
ومما ذكرنا يظهر أنه لو دار الأمر بين إهمال الاستقرار وإهمال
الاستقلال أهمل الثاني. وبالغ المصنف قدس سره (3) على ما حكي (4) فعكس.
وأنه لو دار الأمر بين الاستقرار والوقوف على القدمين أو تباعد
الرجلين قدم الأول، وإن قلنا بأن الاستقرار من الصفات المعتبرة في القيام
لا من واجبات أصل الصلاة.
ولا ينافي ذلك إثبات اعتبار الوقوف على القدمين وتقاربهما في القيام

(1) الوسائل 4: 705، الباب 14 من أبواب القيام، الحديث 2، وهي عن هارون بن
حمزة الغنوي، وقد تقدمت في الصفحة: 226.
(2) منهم النراقي في المستند 1: 330، ولم نقف عليه في غيره.
(3) التذكرة 3: 92.
(4) حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان: 251.
231

بتبادرهما من إطلاقاته بتوهم أنهما حينئذ يصيران بمنزلة الانتصاب
- المأخوذ في مفهومه - مقدمين على ما ثبت اعتباره من التقييدات الخارجة
المختصة مجال التمكن بمقتضى عموم: (ما غلب الله) (1) ونحوه، للاجماع على
أن الركن هو مجرد القيام المحدود بالانتصاب، وما عداه أمور خارجة معتبرة
فيه عند التمكن ملغاة مع عدمه، فمع تعارض بعضها مع بعض وعدم ورود
التعبد بالترجيح لا بد من الترجيح الخارجي، وقد عرفت - سابقا - أنه مع
الاستقرار؟ للأهمية والأقربية إلى هيئة الصلاة التامة - التي هي جزء صوري -
لا بد عند تعذرها من ملاحظة الأقرب إليها فالأقرب، كما يلاحظ ذلك في
الأجزاء المادية، إذ التأمل الصادق والذوق المستقيم يشهد بجريان قاعدة:
(الميسور لا يسقط بالمعسور) في الصورة كما تجري في المادة.
ولو دار الأمر بين مراعاة الوقوف على القدمين والاستقلال، فالظاهر
ترجيح الثاني، لأن ما دل على جواز الاستناد للمريض لا يشمل القادر على
الاستقلال بقدم واحد، فبقي داخلا في عموم المنع عن الاستناد في روايتي ابن
سنان وابن بكير المتقدمتين (2).
ولو دار الأمر بين الوقوف على قدم واحد وتباعد الرجلين، فلا يبعد
تقديم الأول، لما ذكرنا في الاستقرار.
ولو دار بين التباعد والاعتماد، قدم الاعتماد، لعموم أدلته للعاجز عن
الاستقلال في القيام المتعارف من حيث الهيئة، ولا ينتقض بما ذكرنا - من
تقديم الوقوف على قدم واحد على الاعتماد - لما لا يخفى من الفرق بينهما.

(1) الوسائل 3: 59، الباب 20 من أبواب أعداد الفرائض الحديث 2.
(2) تقدمتا في الصفحة: 221 - 222.
232

ولو دار الأمر بين شئ من هذه الصفات عدا الاستقرار - الذي قد
عرفت (1) ترجيحه في الجملة على أصل القيام - وبين ترك الانتصاب، فالظاهر
ترجيح الانتصاب; لأنه المأخوذ في مفهوم القيام، كما صرح به بعض (2)،
وهو الظاهر ممن حده بالانتصاب كما عن جمهور الأصحاب (3)، فيقدم على
القيود الخارجة عنه المختص اعتبارها بحال التمكن - كما عرفت في تحقيق
معنى قولهم: (فوات الوصف أولى من فوات الموصوف) (4) - ومن هنا قال في
الذكرى: (لو تردد الأمر بين الانحناء وبين تفريق الرجلين تعارض الفوز
بقيام النصف الأعلى والأسفل، وفي ترجيح أيهما نظر، أقربه: ترجيح قيام
الأعلى; لأن به يتحقق الفرق بين الركوع والقيام، ولبقاء مسمى القيام
معه) (5).
ثم الظاهر: أن الانحناء بجميع أنحائه مقدم على القعود ولو بلغ حد
الركوع، ويشعر كلام المصنف قدس سره في المنتهى بعدم الخلاف فيه إلا من
بعض العامة في مسألة ما إذا قصر السقف أو كانت السفينة مظللة (6).
ويشعر به أيضا ما سيجئ من حكم الأصحاب على ما في الذكرى (7)
بوجوب القراءة في حال الهوي إلى القعود إذا تجدد العجز عن القيام.

(1) في الصفحة: 224.
(2) المستند 1: 328.
(3) مفتاح الكرامة 2: 304.
(4) راجع الصفحة: 228.
(5) الذكرى: 181.
(6) المنتهى 1: 266.
(7) الذكرى: 182.
233

هذا كله مضافا إلى صحيحة ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام،
قال: (سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام، أيصلي فيها وهو
جالس يؤمي أو يسجد؟ قال: يقوم وإن حنى ظهره) (1).
ثم المنحني إن قدر على زيادة الانحناء للركوع وجب كما صرح به
المصنف (2) في باب الركوع وإلا فالظاهر أنه يجلس للركوع، ويحتمل الايماء
له في حال الانحناء.
واعلم أن الانحناء باعتبار صفاته المأخوذة فيه - أعني الاستقلال،
وتقارب الرجلين، والوقوف عليهما، والاستقرار، وتعارض بعضها مع
بعض - حكمه حكم القيام،
(فإن عجز) عن الانحناء أيضا ولو معتمدا واقفا
على أحد الرجلين أو مفرقا بينهما (قعد) فيما يعجز عنه من الصلاة
أو أبعاضها بالاجماع بقسميه، والعجز أمر وجداني موكول إلى الانسان الذي
هو على نفسه بصيرة (3)، وعن المفيد (4) تحديده بأن لا يقدر على المشي بمقدار
صلاته، لرواية المروزي المتقدمة (5) مع ما فيها من ضعف السند وعدم الدلالة
على ذلك.
ولو دار الأمر بين القيام لقراءة ركعة وبين القيام لركوعها، فقيل (6)

(1) الوسائل 4: 706، الباب 14 من أبواب القيام، الحديث 5.
(2) إرشاد الأذهان 1: 254، والقواعد 1: 276.
(3) اقتباس من سورة القيامة: 14، وانظر الوسائل 4: 698، الباب 6 من أبواب
القيام، الحديث 1 و 2.
(4) المقنعة: 215
(5) الوسائل 4: 699، الباب 6 من أبواب القيام، الحديث 4.
(6) قاله ابن فهد قدس سره في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 75، والمحقق
النراقي قدس سره في المستند 1: 329، وغيرهما.
234

- كما عن نهاية الإحكام (1) -: بتقديم الأول، لقدرته على القيام حين القراءة،
فيجب عليه للعمومات، فإذا طرأ العجز ركع جالسا.
فإن قلت: إن وجوب الاجزاء ليس كوجودها على وجه الترتيب، بل
وجوبها في ضمن وجوب المركب يتحقق قبل الشروع، فعند كل جزء يكون
هو وما بعده سواء في صفة الوجوب، والمفروض ثبوت العجز عن أحدهما
لا بعينه فيتصف المقدور - وهو الواحد على البدل - بالوجوب، وهو معنى
التخيير، إلا أن يوجد مرجح كما عن المبسوط (2) والسرائر (3) ومحتمل
جماعة (4) في جانب القيام للركوع لادراك الركوع القيامي والقيام المتصل
بالركوع، وربما يؤيد بما ورد في الجالس من أنه إذا قام في آخر السورة
فركع عنه احتسب له صلاة القائم (5).
قلت: أولا: إن الجزء الثاني إنما يجب إتيانه قائما بعد إتيان الواجبات
المتقدمة عليه التي منها القيام، والفرض أن إتيانه قائما كذلك غير ممكن
فلا يقع التكليف به، فتعلق الوجوب بالأجزاء وإن لم يكن فيه ترتيب كنفس
الأجزاء، إلا أنه إنما يتعلق بكل شئ مقدور في محله، وهذه قاعدة مطردة
في كل فعلين لو حظ بينهما الترتيب شرعا ثم تعلق العجز بأحدهما على البدل
كما في من نذر الحج ماشيا فعجز عن بعض الطريق، وكما فيمن عجز عن

(1) نهاية الإحكام 1: 439.
(2) المبسوط 1: 100.
(3) السرائر 1: 348.
(4) انظر مفتاح الكرامة 2: 307، والمستند 1: 329.
(5) الوسائل 4: 700، الباب 9 من أبواب القيام.
235

تغسيل الميت بالأغسال الثلاثة; فإنه يجب في الموضعين وأمثالهما إتيان المقدار
المقدور بحسب الترتيب الملحوظ فيهما عند القدرة على المجموع.
وثانيا: إن المستفاد من قوله عليه السلام: (إذا قوي فليقم) (1) ونحوه: أن
وجوب القيام في كل جزء وعدمه يتبع قدرة المكلف عليه وعجزه عنه في
زمان ذلك الجزء.
وما ذكر في وجه النظر إنما يستقيم إذا كان تقييد الواجبين المترتبين في
الوجود دون الوجوب بالقدرة بمجرد اقتضاء العقل له، الحاكم بكفاية ثبوت
القدرة في جزء من وقت الوجوب، ولم يرد دليل لفظي يدل على اشتراط
وجوب الفعل بالقدرة عليه عند حضور زمانه; المستلزم لسقوطه عمن عجز
عنه حينئذ وإن كان يقدر قبله وبعد زمان الوجوب على ما يتمكن معه من
الفعل في زمانه، وحينئذ فيسقط ما ذكر من الترجيح.
وأما أدلة احتساب صلاة الراكع عن قيام آخر السورة صلاة القائم،
فهي وإن وردت في النافلة إلا أنها لا تخلو عن تأييد، سيما بملاحظة ما ورد
من (أن أول صلاة أحدكم الركوع) (2).
ومن فحوى ما ذكرنا يستفاد حكم ما لو دار الأمر بين القيام والايماء
للركوع والسجود وبين الجلوس والآتيان بهما عن جلوس، وإن تردد فيه
المحقق الثاني، قال: (من فوات بعض الأفعال على كل تقدير) (3) وهو مؤيد

(1) الوسائل 4: 698، الباب 6 من أبواب القيام، الحديث 3.
(2) الوسائل 4: 932، الباب 9 من أبواب الركوع، الحديث 6.
(3) جامع المقاصد 2: 204.
236

لما قدمناه من عدم صلاحية تقدم الفعل للترجيح (1)، ثم قال: (ويمكن ترجيح
الجلوس باستيفاء معظم الأركان معه) (2)، انتهى.
ويرتفع تردده قدس سره - مضافا إلى ما ذكره أخيرا - بإطلاق قوله
عليه السلام: (من لم يستطع أن يصلي قائما فليصل جالسا) (3) فإن الظاهر منه
الرخصة في القعود لمن لا يستطيع الاتيان بالصلاة المتعارفة المشتملة على
الركوع والسجود عن قيام.
وقد توهم بعض (4) من عبارة المنتهى دعوى اتفاق علمائنا على
وجوب القيام في هذه المسألة، حيث قال: لو أمكنه القيام وعجز عن الركوع
قائما أو السجود لم يسقط عنه فرض القيام بل يصلي قائما ويؤمي للركوع ثم
يجلس ويؤمي للسجود وعليه علماؤنا وبه قال الشافعي وأحمد وقال
أبو حنيفة: يسقط عنه القيام إلى أن قال: احتج أبو حنيفة بأنها صلاة
لا ركوع ولا سجود فيسقط القيام كالنافلة على الراحلة (5)، انتهى.
ولا يخفى أن فرض مسألة (المنتهى) فيمن عجز عن الركوع والسجود
على كل حال كما لا يخفى.
ثم إن فرض القاعد: الركوع والسجود مع الامكان، ويجب في ركوع
القاعد الانحناء إلى أن يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع بالإضافة
إلى القائم المنتصب; لأنه المفهوم من إطلاق الأمر بالصلاة; لأن الملحوظ في

(1) المتقدم في الصفحة السابقة.
(2) جامع المقاصد 2: 204.
(3) الوسائل 4: 693، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 18، مع اختلاف يسير.
(4) لم نقف عليه.
(5) المنتهى 1: 265.
237

الصلاة المقيدة بالقيام مع القدرة وبالقعود مع العجز مركب واحد، يعتبر فيه
وجوبا واستحبابا ما عدا نفس القيام والقعود وما يستتبعهما من الوظائف
الشرعية، مثل: (بحول الله وقوته) عند النهوض ونحوه، والهيئات التكوينية
مثل: تجافي أسفل البطن عن الفخذين ورفعهما المتحققين في ركوع القائم.
ومنه يظهر ضعف قول الذكرى (1) بوجوب رفع الفخذين في ركوع
الجالس لأصالة بقاء وجوبه الثابت حال القيام; فإن رفعهما من لوازم
الانحناء القيامي لا مما يجب فيه شرعا، مع أنه منقوض بالتجافي المذكور
الذي لم يقل أحد - ظاهرا - بوجوبه.
نعم، الأحوط للجالس في الفريضة عجزا ما ذكره قدس سره; لأنه أقرب
إلى ركوع القائم - سيما إذا قدر على الارتفاع زيادة عن حال الجلوس ودون
ما يحصل به أدنى ركوع القائم - وأوجبناه تحصيلا للواجب بقدر الامكان.
ثم إن المعروف في ركوع القاعد كيفيتان، إحداهما: ما تقدم من
مقايسته بركوع القائم، والأخرى: أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع
سجوده وهو أكمله، كما أن أكمل ركوع القائم يستلزم محاذاتهما أيضا، وأدناه
أن ينحني بحيث يحاذي جبهته ما قدام ركبتيه، والظاهر أن الأخيرة حد
تقريبي يعرف به ما ذكر في الأولى من المقايسة بأقل ركوع القائم وأكمله.
ولو عجز القاعد عن أدنى الركوع وجب عليه الانحناء بقدر الامكان;
لعموم أدلة (الميسور لا يسقط بالمعسور) (2) ويجب عليه ذلك للسجود،

(1) لم نقف عليه في الذكرى في كيفية ركوع الجالس: 180 - 181، وقد صرح به في
الدروس 1: 168، فراجع
(2) منها: (لا يترك المسور بالمعسور) و (ما لا يدرك كله لا يترك كله) وغيرهما، انظر
عوالي اللآلي 4: 58.
238

ولا يجب عليه تقليله للركوع ليتحقق الفرق بينه وبين السجود; لأن الفرق
بينهما ليس أمرا تكليفيا يصلح أن يهمل لمراعاته ما ثبت وجوبه من تتمة
الانحناء، بل هو لازم تكويني للتكليف بالانحناء للسجود، بل لا يهمل
لمراعاته ما ثبت استحبابه، فلو قدر على أكمل الركوع لم يجب عليه تقليله
والاكتفاء بأدنى الواجب ليحقق الفرق وفاقا للشهيد في الذكرى (1) والمحكي
عن المصنف قدس سره في النهاية (2) وجماعة (3); إذ المفروض ثبوت استحباب
أكمل الركوع ولم يكلف للسجود بأزيد منه، ولا بأس بعدم تحقق الفرق.
أما لو قدر على أدنى الركوع فلا يجوز له تقليله لمراعاة الفرق قولا
واحدا.
وأما ما اشتهر في الأخبار، بل وفتاوى الأصحاب - كما في الذكرى (4) -
من وجوب كون السجود أخفض من الركوع، فإنما هو في الايماء بالرأس
أو بالعين الذي لا دخل له في انحناء الركوع والسجود وإنما جعله الشارع
بدلا، فجعل الأقل عن الركوع والأخفض للسجود، فليس وجوبه من جهة
نفس وجوب الركوع والسجود بقدر الميسور ليثبت وجوب الانحناء للعاجز
بقدر الامكان للركوع والسجود وإن لم يحصل الفرق، ولهذا لا يجب في الايماء
إلا مسماه للركوع وأخفض منه للسجود كما سيجئ. نعم، لو كان مدرك

(1) الذكرى: 181.
(2) النهاية 1: 440.
(3) لم نقف على مصرح به. نعم، يظهر من السيد في المدارك 3: 330، والسبزواري في
الذخيرة: 262، والسيد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 25، الميل إليه.
(4) الذكرى: 181.
239

الايماء هو قاعدة وجوب الانحناء ولو للرأس بقدر الامكان وجب فيه أيضا
الانحناء بقدر الامكان لكل منهما.
ويعتبر في القعود ما يعتبر في القيام من الاعتدال والاستقلال
والاستقرار، إلا أن الأول ليس مأخوذا في مفهوم القعود; فترجيحه على
أخويه عند التعارض يحتاج إلى دليل. نعم، هو ركن في موضع ركنية القيام
كما هو ظاهر الروض (1) وصريح كشف الغطاء (2); وكأنه للبدلية.
(ولو عجز (3)) عنه بجميع أنحائه (اضطجع) على جانبه الأيمن، عند
المعظم، وفي المعتبر (4) والمنتهى (5): أنه مذهب علمائنا، وفي الغنية (6) وعن
الخلاف (7): الاجماع عليه; لقول أبي عبد الله عليه السلام في رواية عمار - المبدل
بحماد في المعتبر (8) والذكرى (9) والروض (10) وجامع المقاصد (11) -: (يوجه
كما يوجه الرجل في لحده، وينام على جنبه الأيمن، فإن لم يقدر أن ينام على

(1) روض الجنان: 249.
(2) كشف الغطاء: 234.
(3) في الإرشاد: فإن عجز.
(4) المعتبر 2: 160.
(5) المنتهى 1: 265.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
(7) الخلاف 1: 420، كتاب الصلاة، المسألة: 167.
(8) المعتبر 2: 161.
(9) الذكرى: 181.
(10) روض الجنان: 251.
(11) جامع المقاصد 2: 207.
240

جنبه الأيمن فكيف ما قدر، فإنه جائز، ويستقبل بوجهه القبلة ثم يؤمي
بالصلاة إيماء) (1).
وفي المرسلة: (المريض يصلي قائما، فإن لم يستطع صلى جالسا،
فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيسر،
فإن لم يستطع استلقى وأومى إيماء، وجعل وجهه نحو القبلة، وجعل سجوده
أخفض من ركوعه) (2) ونحوها مرسلة أخرى عن الدعائم (3).
وضعف سند الروايات منجبرة بالشهرة والاجماعات المحكية (4) مع
كون رواية ء عمار موثقة معتضدة بالأصل، فهي حجة مستقلة، بل لولاها
أشكل الركون إلى الأوليين، بخلو عبارة جماعة كعبارة الشرائع والنافع (5)
وعبارة الكتاب - كما عن المقنعة (6) وجمل السيد (7) والوسيلة (8) والألفية (9)
وموضع من المبسوط (10) - عن التقييد بالأيمن، مع اقتضاء المقام للبيان، بل

(1) الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 10.
(2) الوسائل 4: 692، الباب 1 من أبواب القيام، الحديث 15.
(3) دعائم الاسلام 1: 198.
(4) في الصفحة السابقة، عن الخلاف والمعتبر والمنتهى.
(5) انظر الشرائع 1: 80، والمختصر النافع 1: 30.
(6) المقنعة: 215
(7) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 49.
(8) الوسيلة: 114
(9) الألفية: 59.
(10) المبسوط 1: 100
241

عن صريح الشيخ (1) والمصنف طاب ثراهما في التذكرة والنهاية (2): التخيير
بين الجانبين.
ويجب عليه استقبال القبلة بلا خلاف ظاهر كما عن الذخيرة (3)، ونسبه
في المنتهى (4) إلى علمائنا، وتدل عليه الموثقة وذيل مرسلة الدعائم
المتقدمتين (5)، بل إطلاقات الاستقبال بما أمكن (6).
وفي وجوب اعتدال القامة عند الاضطجاع والاستلقاء نظر، والأقوى
العدم.
فإن لم يتمكن من الاضطجاع على الأيمن اضطجع على الأيسر، على
المعروف بين المتأخرين; لمرسلة الصدوق (7) المنجبر ضعفها بالشهرة، بل لعدم
الخلاف المستظهر من عبارة المفاتيح (8).
وفيه نظر، مضافا إلى إطلاقات وجوب الاضطجاع كتابا وسنة (9)

(1) لم نعثر عليه. نعم، في الذخيرة: 262: وهو المستفاد من كلام الشيخ في بعض مواضع
المبسوط، ومثله في مفتاح الكرامة 2: 317.
(2) تذكرة الفقهاء 3: 94، ونهاية الإحكام 1: 440.
(3) ذخيرة المعاد: 262.
(4) منتهى المطلب 1: 265.
(5) تقدمتا في الصفحة السابقة.
(6) الوسائل 3: 233، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث الأول، والباب 16 من
أبواب القبلة، الحديث الأول وغيرهما
(7) الفقيه 1: 362، الحديث 1037، والوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 15.
(8) مفاتيح الشرائع 1: 122.
(9) الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 10، وتقدم تمام الحديث
في الصفحة: 240 - 241.
242

خرج العاجز عنه بالمرة، وخصوص قوله عليه السلام في الموثقة: (ويستقبل
بوجهه القبلة)، حيث إن استقبال الوجه إليها لا يحصل إلا مع الاضطجاع كذا
في الروض (1) وشرح الروضة (2)، لكنه محل نظر، لكثرة استعمال التوجه إلى
القبلة في المستلقي أيضا.
بل ربما يدعى (3) دلالة قوله فيها: (فإن لم يقدر فكيف ما قدر) (4)
على التخيير بين الاضطجاع على الأيسر والاستلقاء، وهو أيضا محل نظر
كما صرح به بعض الأجلة (5)، لشيوع استعمال مثل هذه العبارة في وجوب
الاتيان بالشئ بالقدر المستطاع والمقدور، فلا يدل على التخيير بين الحالات
المقدور عليها. وظاهر عبارة الرياض (6): عدم القول بالتخيير. نعم، استظهره
بعض الأجلة (7) من كتب المصنف قدس سره.
وفي ظاهر الغنية (8): الاجماع على الاستلقاء بعد العجز عن الأيمن،
لكن كلامه - بعد التأمل - لا يدل على ذلك; لأنه ليس بصدد استيفاء جميع

(1) روض الجنان: 252.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 90.
(3) انظر الحدائق 8: 78.
(4) الوسائل 4: 691، الباب 1 من أبواب القيام، الحديث 10، وقد تقدم تمامه في
الصفحة: 240 - 241.
(5) المناهج السوية (مخطوط): 90.
(6) انظر رياض المسائل 3: 375.
(7) المناهج السوية (مخطوط): 90.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
243

المراتب، وحكاه في الرياض (1) عن ظاهر جماعة، ولعلها مثل عبارة الغنية (2)
في عدم الظهور، على ما استظهره بعض سادة مشايخنا (3).
وكيف كان، فهو مخالف لاطلاقات الصلاة على الجنب كتابا وسنة،
وإن كان موافقا لذيل رواية الدعائم المتقدمة (4) الخالية عن الجابر.
وعلى كل تقدير، فإن قدر المضطجع على الركوع أو السجود أو على
شئ من الانحناء لهما تعين، وإلا أومأ لهما بالرأس أو بالعين، على التفصيل
الآتي،
(ولو عجز) عن الاضطجاع مطلقا (استلقى (5))، قولا واحدا;
لرواية محمد بن إبراهيم - المروي عن المشايخ الثلاثة - عن الصادق عليه السلام:
(يصلي المريض قائما، فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا، فإن لم يقدر أن
يصلي جالسا صلى مستلقيا، يكبر ثم يقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه ثم
سبح، فإذا سبح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا
أراد أن يسجد غمض عينيه ثم سبح، فإذا سبح فتح عينيه فيكون فتح عينيه
رفع رأسه من السجود، ثم يتشهد وينصرف) (6).

(1) رياض المسائل 3: 375.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
(3) لم نقف عليه.
(4) تقدمت في الصفحة: 241
(5) في الإرشاد: بعد قوله (استلقى) ما يلي: (ويجعل قيامه فتح عينيه، وركوعه
تغميضهما، ورفعه فتحهما، وسجوده الأول تغميضهما، ورفعه فتحهما، وسجوده ثانيا
تغميضهما، ورفعه فتحهما)، هذا وقد أورد المؤلف قدس سره شرحا لذلك في النسخة
المكررة بخطه، فراجع الصفحة: 515.
(6) الفقيه 1: 361، الحديث 1033، والتهذيب 3: 176، الحديث 6، والكافي 3:
411، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، الحديث 12، وفيه: (يصلي المريض
قاعدا...)، وانظر الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 13.
244

وفي مرسلة الصدوق فيمن شبكته الريح (1): (إن استطعتم أن تجلسوه
فأجلسوه، وإلا فوجهوه إلى القبلة ومروه فليؤم برأسه إيماء ويجعل السجود
أخفض من الركوع) (2).
ولا يقدح ظهور الرواية الأولى كغيرها في تعيين الاستلقاء بعد العجز
عن الجلوس، الذي هو مخالف لفتوى الطائفة عدا شاذ من أصحابنا (3) لم يعبأ
به جماعة كثيرة من الأصحاب; حيث ادعوا الاجماع على خلافه (4)، بل
للكتاب والسنة كما تقدم، بل للاجماعات المستفيضة، وموافق لفتوى أصحاب
الرأي كما في المنتهى (5); لوجوب تقييدها بصورة العجز عن الاضطجاع،
ويستفاد من إطلاق الثانية: وجوب توجيه المستلقي إلى القبلة، وظاهر
جماعة (6) وجوب استقبالها بباطن قدميه أيضا، وفي كشف اللثام (7)

(1) قال الطريحي في مجمع البحرين (5: 273): رجل شبكته الريح، كأن المعنى:
تداخلت فيه واختلطت في بدنه وأعضائه.
(2) الفقيه 1: 362، الحديث 1038، والوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 16.
(3) لم نقف عليه، نعم في مصابيح الظلام للبهبهاني: 102 ما يلي: (وظاهر ق تجويز
ذلك وربما كان الظاهر من الكليني أيضا على اشكال).
(4) انظر كشف اللثام 1: 212، والرياض 3: 377، والمستند 1: 331، والجواهر 9:
264.
(5) منتهى المطلب 1: 265.
(6) القواعد 1: 268. ومفتاح الكرامة 2: 312، والمستند 1: 331.
(7) كشف اللثام 1: 212.
245

والرياض (1): الاجماع عليه.
وفي رواية عبد السلام بن صالح - المحكية عن العيون -: (إن لم يستطع
أن يصلي جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة (2)، فإن أريد من
الرجلين القدمان لم يخالف المشهور. وفي رواية الدعائم: (ورجلاه مما يلي
القبلة) (13 وفيه إجمال.
ثم المضطجع والمستلقي إن قدرا على الركوع والسجود أو بعض
الانحناء لهما تعين لهما كما مر، وإلا فيؤميان - كسائر من تعذر عليه الانحناء
رأسا - لهما بالرأس مع الامكان، كما عن جمل السيد (4) والمحقق (5) والمصنف
قدس سره في جملة من كتبه (6) والصيمري (7) والكركي (8) وجميع من تأخر عنهم،
بل حكي عن المشهور (9) بل عن مذهب الأصحاب (10)، لا لأن الايماء

(1) الرياض 3: 376 و 377.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 68، الحديث 316، والوسائل 4: 693، الباب
الأول من أبواب القيام، الحديث 18.
(3) دعائم الاسلام 1: 198.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 49.
(5) الشرائع 1: 80 والمعتبر 2: 160 و 161.
(6) منتهى المطلب 1: 265، والتذكرة 3: 93 و 94، والتحرير 1: 36.
(7) لم نقف عليه في تلخيص الخلاف، ولا في غاية المرام، وقد نقله عنه السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 2: 312.
(8) جامع المقاصد 2: 209.
(9) حكاه في الحدائق 8: 79
(10) لم نقف عليه صريحا، وفي الذخيرة: 263 ما يلي: ولم يذكروا خلافا في هذا الباب،
ولم أطلع على مصرح بخلافه.
246

بالرأس أقرب إلى حقيقة المبدل كما قيل (1); لعدم مدخلية انحناء الرأس في
مفهوم الركوع والسجود، بل لما تقدم من الروايات في صلاة العاري (2).
ولسنة الحلبي - بابن هاشم -: (المريض إذا لم يستطع القيام والسجود يؤمي
برأسه إيماء وأن يضع جبهته على الأرض أحب إلي) (3) وستعرف محمل
ذيلها، ورواية الكرخي في: (رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء
ولا يمكنه الركوع والسجود، قال: ليؤم برأسه إيماء، فإن كان له من يرفع
الخمرة (4) فليسجد، فإن لم يمكنه ذلك فليؤم برأسه نحو القبلة إيماء) (5).
ونحوهما المرسلة المتقدمة فيمن شبكته الريح (6) المعمول بها بين الأصحاب
كما في شرح الروضة (7)، وجميع ما دل على وجوب كون السجود أخفض من
الركوع (8); حيث إن الأخفضية لا تتحقق في تغميض العين إلا مجازا، بل
وجميع إطلاقات الايماء (9) حيث إن المتبادر منه أن يكون بالرأس، بل

(1) لم نقف على القائل.
(2) الوسائل 3: 326، الباب 50 من أبواب لباس المصلي.
(3) الوسائل 4: 689، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 2.
(4) الخمرة: سجادة صغيرة تعمل من سعف النخل، وقيل: هي مقدار ما يضيع الرجل
عليه وجهه في سجوده، ولا تكون خمرة إلا في هذا المقدار ومنه في الخبر كان أبي
يصلي على الخمرة فيضعها على الطنفسة (النهاية، لابن الأثير 2: 77 (خمر)).
(5) الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 11.
(6) تقدمت في الصفحة: 245.
(7) المناهج السوية (مخطوط): 91 وفيه: والأصحاب قد عملوا بمضمونها.
(8) الوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب القيام، الأحاديث 15 و 16 وغيرهما،
وفي النسختين: (وجوب كون الركوع أخفض من السجود).
(9) الوسائل 4: 690، الباب الأول من أبواب القيام، الأحاديث 4، 5، 10، 18 و 22.
247

لا يكاد يوجد في الروايات إطلاق الايماء على تغميض العين، ولعله الوجه
في عدم تقييد الايماء بالرأس في كلام المصنف قدس سره - هنا - وغيره ممن
أطلق (1).
ولجميع ما ذكرنا يجب حمل ما ورد من التغميض على صورة العجز
عن الايماء بالرأس كما يشهد به وروده في المستلقي العاجز غالبا عن ذلك،
وهو الوجه أيضا في اقتصار غير واحد على التغميض في المستلقي (2)، بل في
الغنية: دعوى الاجماع عليه (3). وهذا أولى من حمل إطلاقات الايماء بالرأس
على المضطجع خاصة، لو سلم تكافؤهما.
وهل يجب على المؤمي وضع شئ على جبهته حال الايماء مطلقا
أو مع التمكن من الاعتماد عليه أم لا؟ وجوه، لا يخلو أولها عن قوة، لموثقة
سماعة - في المضطجع -: (ويضع على جبهته شيئا إذا سجد فإنه يجزيه،
ولن يكلفه الله ما لا طاقة له به) (4).
ونحوها مرسلة الصدوق: (عن المريض لا يستطيع الجلوس أيصلي وهو
مضطجع ويضع شيئا على جبهته؟ قال: نعم، لم يكلفه الله إلا طاقته) (5).

(1) مثل الشيخ في المبسوط 1: 129، وابن حمزة في الوسيلة: 114 والمحقق في
الشرائع 1: 80.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 1: 129 وابن حمزة في الوسيلة: 114، وغيرهما.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
(4) التهذيب 3: 306، الحديث 944، والوسائل 4: 690، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 5.
(5) الفقيه 1: 361، الحديث 1034، والوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 14.
248

ورواية علي بن جعفر المحكية عن قرب الإسناد: (عن المريض الذي
لا يستطيع القعود ولا الايماء كيف يصلي وهو مضطجع؟ قال: يرفع مروحة
إلى وجهه ويضع على جبينه ويكبر هو) (1).
وقد يحتمل في المسألة التخيير بين الايماء والوضع مع أفضلية الثاني؟
ولعله للجمع بين رواياتهما الخالية كل واحدة عن ذكر الآخر، ويستشهد له
بحسنة الحلبي السابقة (2) ورواية زرارة المصححة عن سجود المريض فقال:
(يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك يرفعه هو أفضل من
الايماء) (3) ولا يخفى ما في هذا الجمع والاستشهاد.
أما الأول: فلأن مقتضى الجمع بين الأخبار هو الجمع بين مضامينها مع
الامكان، وعدم التعرض في روايات كل من الأمرين للآخر ليس له ظهور
يغلب ظهور التعيين من الأمر فيها، مع أن قوله: (إذا سجد) في موثقة
سماعة (4) دال على الجمع، لأن الظاهر من قوله: (إذا سجد) إذا أومأ
للسجود.
وأما الاستشهاد بروايتي الحلبي وزرارة، فلأن الظاهر منهما أفضلية
وضع الجبهة على الشئ مع الانحناء، بل هو صريح قوله عليه السلام في الأولى:
(يضع جبهته على الأرض) وفي الثانية: (يسجد على الأرض) ولا خلاف

(1) قرب الإسناد: 213، الحديث 834، والوسائل 4: 693، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 21
(2) المتقدمة في الصفحة: 247.
(3) التهذيب 2: 311، الحديث 1264، والوسائل 3: 607، الباب 15 من أبواب
ما يسجد عليه، الحديث 2.
(4) المتقدمة في الصفحة السابقة
249

في وجوب ذلك، بل وجوب أقل الانحناء والوضع مع الامكان - كما صرح
به في المعتبر (1) والمنتهى (2) في باب السجود، وأين هذا من محل الكلام الذي
هو وضع الشئ على الجبهة مع الاعتماد أو بدونه من دون انحناء للبدن
رأسا؟! فاللازم - حينئذ - تنزيل الروايتين على من يتمكن من الوضع على
الأرض لكن بصعوبة، فقد رخص الشارع في العدول عن هذه المشقة إلى
الايماء مع أفضلية تحملها، وهذا أولى من حمل بعض الأفضلية فيهما على
ما لا ينافي التعيين، وكيف كان، فالروايتان مؤولتان أو منزلتان.
وقد يستدل لوجوب وضع الشئ على الجبهة بوجوب مماسة
الجبهة للشئ مع الانحناء، ولا يسقط الأول بتعذر الثاني، ولا يخلو
عن تأمل.
ويجب جعل السجود أخفض من الركوع، لما ورد في صلاة العاري (3)
مع عدم القول بالفصل، ولمرسلتي الصدوق المتقدمتين (4) المنجبرتين بما في
شرح الروضة هنا (5) وفي الذكرى في باب اللباس من نسبته إلى الأصحاب (6)
وفي كشف اللثام في باب السجود، إن الأخبار والفتاوى ناطقة به (7)، وإن

(1) المعتبر 2: 208.
(2) المنتهى 1: 288.
(3) الوسائل 3: 328، الباب 52 من أبواب لباس المصلي، الحديث الأول.
(4) تقدمتا في الصفحتين 241 و 245.
(5) راجع الصفحة 247، والهامش (7) فيها.
(6) الذكرى: 142.
(7) كشف اللثام 1: 228.
250

حكى فيه عن المقنعة (1) والصدوق (2) أن السابح يعكس الأمر وقواه، لكنه
لضعف مستنده المذكور هناك وندرة القائل به، لا يوهن في الشهرة الجابرة،
هذا، مضافا إلى ما في المستفيضة الواردة في الصلاة ماشيا وعلى
الراحلة من مراعاة أخفضية السجود (3)، وهي وإن كانت ظاهرة في النافلة
إلا أن مقتضى القاعدة اتحاد النافلة والفريضة في الكيفيات المعتبرة، مضافا
إلى أن مراعاة شئ في النافلة يقتضي مراعاته في الفريضة بالأولوية، بل
بالاجماع المركب، فلا إشكال في المسألة،
كما لا إشكال في أنه إذا عجز عن
الايماء بالرأس أومأ بالعين بلا خلاف؟ لرواية محمد بن إبراهيم المتقدمة (4)
ولا يقدح اختصامها بالمستلقي بعد ظهور عدم القول بالفصل إلا عن شاذ (5).
وهل يجب - هنا - جعل السجود أخفض، بأن لا يبالغ في التغميض
للركوع، كما في جامع المقاصد (6) والروض (7) وعن الوسيلة (8) والجامع (9)

(1) المقنعة: 215.
(2) الفقيه 1: 468، ذيل الحديث 1349.
(3) الوسائل 3: 241 - 242، الباب 15 من أبواب القبلة، الأحاديث 14 و 15، و 3:
244، الباب 16 من أبواب القبلة، الحديث 3 و 4.
(4) الوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 13، وتقدمت في
الصفحة: 245.
(5) انظر الحدائق 8: 80.
(6) جامع المقاصد 2: 210.
(7) روض الجنان: 252، وفيه: وجعل الايماء للسجود أزيد، نعم في الروضة البهية
(1: 587) فإن عجز عن الايماء به غمض عينيه لهما مزيدا للسجود تغميضا.
(8) الوسيلة: 114.
(9) الجامع للشرائع: 79.
251

والمراسم (1)، أم لا كما عليه آخرون؟ (2) الأقوى الثاني; للأصل، وخلو رواية
التغميض عنه مع وروده في مقام البيان، مضافا إلى أن الأخفضية لا تتحقق
في التغميض إلا مجازا.
ولو لم يتمكن من الايماء بالعينين أومأ بواحدة. ولو عجز عن ذلك
ففي كشف الغطاء (3) أنه يؤمي ببعض أعضائه، كيده مثلا؟ ولعله لمطلقات
الايماء، واختصاص تقييدها بالرأس أو العين بحال التمكن، وفيه إشكال،
إلا أن مراعاته أحوط.
ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى: الاكتفاء في الايماء بمسمى تحريك
الرأس أو تغميض العين للركوع، وأزيد منه للسجود، نعم يعتبر في الرفع من
الركوع والسجود إقامة الرأس وتمام فتح العين.
وهل يجب أن يقصد بهذه الأبدال كونها تلك الأفعال؟ ظاهر جماعة (4)
نعم، لأصالة الاشتغال، ولأنه لا يعد التغميض ركوعا والفتح قياما إلا
بالنية; إذ لا ينفك المكلف عنهما غالبا فلا يتمحضان للبدلية إلا بالقصد; ولأن
هذه الأمور كما لا يخل زيادتها ونقصانها في الصلاة التامة، فكذا لا تخل في
الناقصة استصحابا لحكمها، ولا شك أن ما هو بدل عن الركوع والسجود يخل
زيادته ونقصه قضية للبدلية، فلا بد أن يكون ما هو ركن مغايرا لما ليس

(1) المراسم: 77.
(2) كالمحقق في الشرائع 1: 80، والعلامة في القواعد 1: 268، والشهيد في الدروس
1: 169.
(3) كشف الغطاء: 241.
(4) كالعلامة في القواعد 1: 268، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 210، والفاضل
الهندي في كشف اللثام 1: 212.
252

كذلك، وليست المغايرة إلا بالنية، ولأن مفهوم الايماء لا يتحقق ظاهرا
إلا بالنية.
وفي الكل نظر، لورود الاطلاقات على أصالة الاشتغال، وعدم اشتراط
القصد في البدلية لصيرورتها أفعالا في تلك الحالة، فتكفي في نيتها نية أصل
الصلاة، بل لو طرأ الانتقال إليها في الأثناء كفى معرفة بدليتها والاستمرار
على نية الصلاة السابقة وإن تغيرت أفعالها؟ لعدم اختلاف حقيقة الفردين.
والفرق بين الأبدال والأفعال الأصلية: بأنها متعينة متميزة فلا تفتقر
إلى نيات تخصها، بخلاف الأبدال فإنها مشتركة بين العادة والعبادة فلا بد من
النية لتتعين للعبادة، مردود بأن صيرورة الأفعال الأصلية عبادة، إنما هي
لأجل التعبد بها في الصلاة المنوية عبادة، وإلا فهي في حد ذاتها أيضا
حركات عادية، فإذا قصد التعبد بالأبدال في ضمن الصلاة خرجت
كالمبدلات من العادة إلى العبادة.
وأما حديت إخلال نقصها مطلقا بالصلاة: فلا دخل له بالمطلوب.
وأما زيادتها: فلو سلمنا إخلالها مطلقا على حسب إخلال مبدلاتها
إغماضا عن القدح في عموم البدلية والتفاتا إلى إطلاق الايماء والتغميض على
الركوع والسجود وبالعكس، فلا تلازم بين اعتبار القصد في الاخلال نظرا
إلى عدم صدق الزيادة إلا مع قصد البدلية، وبين عدم اعتباره في الامتثال
اكتفاء بنية أصل الصلاة، بل حيث عرفت سابقا أن الايماء للركوع والايماء
للسجود متحدان مصداقا فيما عدا أقل مراتبه المختص بالركوع وآخرها
المختص بالسجود، فلا يترتب على المزيد حكم زيادة الركوع أو السجود
إلا بقصد أحدهما. نعم لو قصد كون المزيد جزءا غير الركوع والسجود بطل
العمل من جهة الزيادة على الأجزاء لا من جهة زيادتها.
253

وقد ظهر مما ذكرنا: أن ما ذكره في شرح الروضة (1) من أن الخلاف في
اعتبار القصد في الاخلال بالزيادة مبني على الخلاف في اعتباره في تحقق
البدلية محل نظر.
وأما دعوى أخذ النية في مفهوم الايماء، فلو سلم فإنما هو في تحقق
معناه المصدري، والقدر المطلوب في أفعال الصلاة - المشتملة على معان
لا توجد إلا بالقصد والالتفات، كالتكبير والتشهد والقنوت والتسليم - ليس
إلا أشباح تلك الأفعال دون إنشاء مفاهيمها. ولذا اعترض (2) على الشهيد
في الدروس حيت قال: إنه يجب في التشهد الاتيان بلفظه ومعناه (3).
ولو عجز عن الايماء رأسا أخطر الأفعال بباله، ذاكرا للأقوال
أو أبدالها بلسانه مع الامكان وإلا فبقلبه، كما في كلام جماعة (4).
وكذا لو لم يقدر على الاستلقاء نام على وجهه (5) خلاف المحتضر بحيث
لو رفع رأسه استقبل القبلة; لأنه التوجه المستطاع، وحكم إيمائه كالمستلقي.
وإنهاء مراتب العجز في كلام جل الأصحاب إلى الاستلقاء والايماء
بالعين، إنما هو لأجل متابعة النصوص الواصلة إليهم في مراتب العجز، فيكفي
في غيرها عموم الأدلة، مثل قوله عليه السلام في الموثقة: (صلى كيف ما قدر) (3)،

(1) المناهج السوية (مخطوط): 92.
(2) لم نقف على المعترض.
(3) الدروس 1: 182.
(4) منهم العلامة في القواعد 1: 268 والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 210
والشهيد الثاني في روض الجنان: 252.
(5) في ق: على القفا.
(6) راجع الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 10.
254

والآية: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (1)، وأدلة ما لا يدرك
كله (2) بعد ضم فهم العرف والأصحاب.
واعلم أن قول المصنف قدس سره: (وكذا) القول (في) باقي
(الركعات) كالمستغنى عنه; إذ لم يسبق منه قدس سره ما يوهم اختصاص
الأحكام المتقدمة بالركعة الأولى.
(ولو تجدد عجز القائم) بأقسامه (قعد) في أي فعل كان من غير
استئناف للصلاة إن علم باستمرار العجز إلى آخر الوقت بلا خلاف
ولا إشكال، بل ومع العلم بعدمه كما يقتضيه إطلاق كلام المعظم هنا
وفيما لو تجدد قدرة العاجز، واستدل عليه جماعة (3) - تبعا للذكرى (4) - بأصالة
الصحة والامتثال المقتضي للاجزاء.
ويشكل بأن ارتفاع العجز وثبوت القدرة على الصلاة قائما في جزء
من الوقت موجب لاختصاص الوجوب بذلك الجزء; ولذا لو علم في أول
صلاته بطروء العجز له في الأثناء وارتفاعه قبل خروج وقت الصلاة لم يجز
له الدخول; بناء على ما تحقق من وجوب تأخير أولي الأعذار في صورة
العلم بارتفاعها قبل خروج الوقت. وكذلك الكلام في القدرة المتجددة في
الأثناء، فإنها كاشفة عن عدم تعلق الأمر بالفعل عند الدخول فيه، فما أتى به
من الأجزاء قاعدا إنما كان باعتقاد الأمر وتخيله، كالمأتي به منها قائما في

(1) النساء: 103
(2) مثل: (ما لا يدرك كله لا يترك كله) و (لا يترك الميسور بالمعسور)، وغيرهما، انظر
عوالي اللآلي 4: 58.
(3) انظر جامع المقاصد 2: 213، وكشف اللثام 1: 212، والجواهر 9: 275.
(4) الذكرى: 182
255

الصورة الأولى، كما يوضح ذلك كله فرض العلم بتجدد الوصفين قبل
الدخول في الفعل. ولا ريب أن إتيان الشئ بتخيل الأمر به ليس مجزيا عن
المأمور به الواقعي.
لكن الظاهر عدم الخلاف الصريح في عدم وجوب الاستئناف إلا عن
بعض العامة، وإن احتمل الوجوب في النهاية - على ما قيل (1) - ولعل وجه
اتفاقهم على الحكم دعوى أن المستفاد من الأدلة - مثل قوله: (إذا قوي
فليقم) (2)، وقوله عليه السلام: (فإن لم تستطع قائما فصل جالسا) (3) - عموم
وجوب القيام والرخصة في القعود لما إذا طرأ موجبهما في الأثناء.
فالاستمرار في الصلاة مستفاد من هذه الأدلة، لا من قاعدة الاجزاء
والنهي عن الابطال الممنوعين بأنهما إنما يثبتان مع تحقق الأمر لا مع تخيله
واعتقاده.
وكيف كان، إذا بنينا على الاستمرار فإن كان العجز قبل القراءة أو في
أثنائها قعد قارئا عند المصنف قدس سره (4)، والأكثر كما في الروض (5)، بل نسبه
في الذكرى إلى الأصحاب (6)، لكن حكاه في الدروس (7) - على ما حكي عنه -
بلفظ (القيل)، فيجمع بينهما بإرادة مشايخه المعاصرين والمقاربين، كالفاضل

(1) لم نقف عليه في النهاية، ولا على من قاله.
(2) الوسائل 4: 699، الباب 6 من أبواب القيام، الحديث 3.
(3) الوسائل 4: 693، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 18 نقلا بالمعنى.
(4) انظر تحرير الأحكام 1: 37، وقواعد الأحكام 1: 269.
(5) روض الجنان: 252.
(6) الذكرى: 182.
(7) الدروس 1: 169.
256

والفخر والعميد وابني سعيد وغيرهم (1)، وإلا فقيل (2) بخلو كلام من تقدم
عليهم عن الحكم.
وكيف كان، فهو الأظهر، لا لأن الانتقال والهوي واجب; فلا يشترط
الاستقرار; إذ لا منافاة بين وجوبهما وشرطيته كما لو وجب المشي في الصلاة
لغرض فإنه يجب السكوت.
ولا لأن كل مرتبة من الانحناءات الغير القارة - المتدرجة إلى القعود -
هيئة خاصة مستقلة من القيام يجب أن يوقع فيها ما يسعها من القراءة،
وليست قابلة لاعتبار الاستقرار فيها; لمنع كونها متصفة بالوجوب الأصلي،
بناء على ترجيح الاستقرار لكونه معتبرا في أصل الصلاة، بل تصير حينئذ
مقدمات للقعود، فدعوى كونها - على عدم قرارها - من أفعال الصلاة
مصادرة، بل لعموم أدلة القيام ولو مع الانحناء التام، وعدم الدليل على
اعتبار الاستقرار بمعنى عدم الحركة في المقام لأن التعويل في وجوبه على
الاجماع المفقود هنا.
ولو سلم جريان الدليل رجع الأمر إلى تعارض الاستقرار بالمعنى
المزبور مع القيام، وقد تقدم (3) قوة ترجيح الثاني خلافا للمحقق الثاني (4)

(1) راجع لما قاله الفاضل: تحرير الأحكام 1: 37 وقواعد الأحكام 1: 269،
وأما غيره ممن وردت أسماؤهم فلم نقف على قولهم، نعم تعرض لذكر هذا الجمع
السيد العاملي، في مفتاح الكرامة 2: 315.
(2) قاله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 315.
(3) في الصفحة: 230 - 231.
(4) جامع المقاصد 2: 214.
257

وصاحب المدارك (1) كما عن الأردبيلي (2); نظرا إلى أن الطمأنينة أقرب إلى
هيئة الصلاة، وهو ضعيف بما تقدم آنفا: من أن الأقرب والمقدم على القيام
هي الطمأنينة، بمعنى الوقوف وعدم المشي، لا بمعنى عدم الحركة.
ومنه ظهر ضعف ما في كشف اللثام (3) - بعد استشكاله لحكم الأكثر
تبعا للذكرى (4) معللا بتعليله من أن الاستقرار شرط مع القدرة -: أن
القراءة هاويا كتقديم المشي على القعود.
وأضعف منه: ما في الذكرى (5) من تقوية وجه الاشكال المزبور برواية
السكوني (6) الدالة على وجوب الكف عن القراءة حال المشي.
ثم على المختار من القراءة حال الهوي، فهل يجب عليه الاشتغال بها
فورا؟ الظاهر نعم; بناء على ما يقتضيه القاعدة من وجوب المبادرة إلى
الصلاة في زمان يعلم بعدم التمكن بعده من إحراز واجباتها الاختيارية، وفي
حكم الصلاة أبعاضها، فيجب المبادرة إليها مع العلم المذكور، ويحتمل
العدم; بناء على تحكيم أدلة التوسعة.
وعلى الأول; فلو عصى، فهل تبطل الصلاة للاخلال عمدا بما يجب
فيها، أم لا؟ إذ لا يلزم من ذلك الاخلال بالجزء، فيأتي ببدله في حال
القعود، غاية الأمر عصيانه بتركه الصلاة مع القراءة قائما إلى أن وجب عليه
الصلاة مع القراءة قاعدا، وهذا هو الأقوى.

(1) المدارك 3: 334.
(2) مجمع الفائدة 2: 192.
(3) كشف اللثام 1: 212.
(4) الذكرى: 182.
(5) الذكرى: 182.
(6) الوسائل 4: 775، الباب 34 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
258

ثم إذا قرأ هاويا واتفق إتمام القراءة في حال الهوي، فإن أمكنه
الركوع القيامي عن ذلك الهوي وجب وإلا فيجلس للركوع، ومثله ما إذا
طرأ العجز بعد القراءة، وإن لم يتمكن في الموضعين إلا من صورة الركوع
من غير طمأنينة تسع الذكر وجب الذكر هاويا، أو بقاؤه منحنيا إلى أن
يجلس فيسبح مطمئنا، على الخلاف المتقدم في القراءة، ولو لم يتمكن من ذلك
فالظاهر سقوط الذكر، ويحتمل حينئذ الجلوس للركوع تقديما للذكر
والطمأنينة على الركوع القيامي.
ولو طرأ العجز بعد الدخول عن القيام في الركوع فحكم الذكر هاويا
أو جالسا مطمئنا باقيا على انحنائه ما تقدم، ولو تعذر البقاء على الانحناء
تعين هنا سقوط الذكر والطمأنينة.
وإن كان العجز بعد تمام الركوع قعد مطمئنا بدل القيام عن الركوع،
إن لم يقدر على مسمى رفع الرأس عن أقل مراتب الركوع وإن لا يبلغ حد
الانتصاب، وإلا سجد عنه.
(ولو تجددت قدرة العاجز قام) للقراءة أو لاتمامها من غير
استئناف، ولو استحبابا - خلافا للمحكي عن الذكرى (1) وجامع المقاصد (2) -
ساكتا عنها بلا خلاف هنا ظاهرا، إلا أن يستلزم فوات الموالاة بين القراءة
لطول زمان نهوضه فيحتمل حينئذ وجوب تقديم القراءة ناهضا أو قاعدا
على الخلاف المتقدم; ترجيحا للموالاة في القراءة، والسكوت ترجيحا للقيام

(1) الذكرى: 182.
(2) جامع المقاصد 2: 214، وفيه: وإن جاز له ذلك لتقع القراءة كلها في حال
الانتصاب
259

فيها، ووجوب الاستئناف بعد النهوض جمعا بينهما، وهو أقوى، وإن كان
الأول أيضا قويا.
ولو كان في أثناء كلمة: ففي وجوب إتمامها قاعدا أو ناهضا على
الخلاف، أو السكوت واستئنافها قائما وجهان مبنيان على كون تجدد القدرة
على إتيان الفعل صحيحا في وقته كاشفا عن عدم تعلق الأمر بناقصه قبل
القدرة كما سبق في صدر المسألة.
(ولو) خف بعد القراءة و (تمكن من القيام للركوع [خاصة] (1)
وجب); لوجوب الركوع عن قيام، كما يظهر من الشهيد في الذكرى في
مسألة نسيان إحدى السجدتين (2)، وعلله جماعة (3) من المتأخرين تبعا
للروض (4 1 والمدارك (5) بتحقق القيام المتصل بالركوع، ولا منافاة بين التعليلين
عند التأمل، فتأمل. وفي وجوب الطمأنينة في هذا القيام قول ضعيف الوجه.
ولو خف في الركوع قبل الطمأنينة بقدر الواجب أو بعدها قبله قام
منحنيا، ولم يجز له الانتصاب; لئلا يزيد ركنا كما في الروض (6) والذكرى (7)،

(1) من الإرشاد.
(2) الذكرى: 221.
(3) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 263، والمحدث البحراني في الحدائق 8:
86، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 316 وغيرهم.
(4) روض الجنان: 253.
(5) مدارك الأحكام 3: 329.
(6) روض الجنان: 253.
(7) الذكرى: 182.
260

بل ركنين كما في جامع المقاصد (1)، ويسكت عن الذكر حال الارتفاع، ولو كان
في أثناء كلمة أو ما بحكها، فقد تقدم في القراءة: أن الأولى إتمامها ثم
استئنافها.
وإن خف بعد الذكر وجب القيام للاعتدال، وكذا لو خف بعد
الاعتدال قبل الطمأنينة فيه. ولو قدر على الاعتدال دون الطمأنينة قام،
قيل (2): والأولى الجلوس بعده مطمئنا فيه، وهو حسن. ولو خف بعدها ففي
الذكرى: الأقرب وجوب القيام ليسجد عن قيام (3)، وتبعه في الجعفرية (4)
والمقاصد العلية (5)، وفيه إشكال كما عن التذكرة (6) والنهاية (7)، بل منع كما في
كلام بعض (8) لمنع مدخلية الهوي عن قيام في ماهية السجود كما سيجئ في
بابه.

(1) جامع المقاصد 2: 215.
(2) كشف اللثام 1: 212.
(3) الذكرى: 182.
(4) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 107.
(5) المقاصد العلية: 149.
(6) التذكرة 3: 98.
(7) نهاية الإحكام 1: 443
(8) لم نقف عليه.
261

[الثاني من الواجبات: النية]
(الثاني) من الواجبات بالمعنى الأعم من الشرط: (النية،
وهي (1)) لغة: العزم. وأريد به عند الفقهاء: القصد المقارن، حتى أنه صرح
في الإيضاح (2) وجامع المقاصد (3) - عند شرح قول، المصنف قدس سره: (ولو نوى
في الأولى الخروج في الثانية) - أن استعمال النية هنا مجاز، وفيه إشكال بل
منع إن أرادوا به الحقيقة المتشرعية فضلا عن الشرعية.
وكيف كان، فلا ريب في اعتبار النية في الصلاة، بل في كل عبادة،
ويدل عليه: الأدلة الأربعة، وإن كان دلالة بعضها لا يخلو عن مناقشة.

(1) في الإرشاد: (وهي ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا)، ولم يتعرض المؤلف
قدس سره لمسألة ركنية النية هنا.
(2) إيضاح الفوائد 1: 101.
(3) جامع المقاصد 2: 223
263

إنما الكلام في شرطيتها وجزئيتها، وقد أطال جماعة البحث وطواه
آخرون لقلة فائدته، ولم نقف في أدلة الطرفين على ما يعتمد عليه، إلا أن
المستفاد من الاطلاقات العرفية والشرعية أن النية في الصلاة وسائر العبادات
- كهي في غيرها من الأعمال - خارجة عن مفهومها، فالأقوى أنها من
الشروط، كما في المعتبر (1) والمنتهى (2) وغيرهما (3)، فلا يعتبر فيه ما يعتبر في
الصلاة من القيام والاستقبال وغيرهما - بناء على كونها الصورة المخطرة -
إلا من حيث اعتبار مقارنتها لتكبيرة الاحرام، إن استلزم فقدها عدم المقارنة.
وربما يستظهر من استدلال بعض القائلين (4) بجزئيتها - بأنه يعتبر فيها
ما يعتبر في الصلاة - كون ذلك مسلما ومتفقا عليه، وهو استظهار ضعيف;
لجواز كون الصغرى مثبتة لا مسلمة، مع أن في البيان (5) أن الأقرب وجوب
القيام في النية، وعن المصنف في بعض كتبه أنه الأقوى (6)، وهو يؤذن بعدم
الاتفاق وإن صرح في جامع المقاصد في أول باب القيام بثبوت الاتفاق على
اعتبار القيام في النية (7).
(و) كيف كان، فلا ريب في أنه (يجب فيها (8) تعيين الصلاة) مع

(1) المعتبر 2: 149.
(2) المنتهى 1: 266.
(3) انظر روض الجنان: 254 و 255، والمدارك 3: 308.
(4) لم نقف عليه، نعم نقل هذا القول واستدل له في المدارك 3: 308.
(5) البيان: 150.
(6) حكاه الشهيد الثاني في الروض: 256 عن النهاية، ولكن لم نعثر عليه فيها.
(7) جامع المقاصد 2: 200.
(8) في الإرشاد: ويجب أن يقصد فيها.
264

تعددها في حق المكلف، إما بسبب تعدد التكليف بالصلوات المختلفة ذاتا
كالظهر والعصر، كما يكشف عن ذلك اختلاف أحكامهما وكذلك الأداء
والقضاء، وإما بسبب التخيير في التكليف الواحد بين أمرين أو أمور مختلفة
كذلك، ولا فرق في الكل بين ما إذا اتحدت صورة أو اختلفت من جهة الكم
كالصبح والعشاء، أو من جهة الهيئة كاليومية مع الآيات، أو من جهتهما
كالظهر والجمعة.
ووجه اعتبار التعيين في هذه المواضع - بعد استكشاف تغاير الحقائق
من تغاير الأحكام في الفروض المذكورة -: عدم تحقق امتثال الأمر المختص
بكل واحد من المتعدد إلا بالقصد إليه بعنوانه المأمور به، ولا يجدي صرف
المشترك من العملين - أو المقدار المشترك بينهما - إلى أحدهما بالنية اللاحقة،
أو بالمميزات اللاحقة، لأن قصد الامتثال معتبر عند الشروع.
وأما مع عدم اختلاف المتعدد الواجب عينا أو تخييرا إلا من حيث
الوجود من دون اختلاف في الحقيقة - بأن يرجع تعدد التكليف في الأول إلى
التكليف بتكرار الفعل الواحد، ويرجع تخيير المكلف في الثاني إلى عدم
ملاحظة الشارع إلا للقدر المشترك - فلا يشترط نية التعيين، كما لا يشترط
إذا اتحد التكليف، كما لو لم يكن على المكلف إلا صلاة واحدة، فإن قصد
الامتثال تعيين له.
وجملة القول في ذلك: أنه مع تعدد الأمر بفعلين مشتركين في تمام
الصورة كالظهر والعصر والزكاة والخمس، أو في بعض الصورة كالصبح مع
العشاء أو الظهر والجمعة، لا مناص من قصد التعيين إن علم اختلاف المتعدد
في الحقيقة في نظر الشارع كالأمثلة المتقدمة، وكذا إذا احتمل ذلك، وأما إن
علم عدم الاختلاف في الحقيقة في نظر الشارع كصلاتين متماثلتين وجبتا
265

بالنذر، أو قضاء عن مثلهما الفائت مع جهل الترتيب، وكالقصر والاتمام في
مواضع التخيير على أقرب الوجهين فلا يعتبر التعيين.
ثم الظاهر أن الخلاف الواقع بين الفقهاء في بعض الموارد خلاف في
اختلاف الحقيقة واتحادها، ففي القواعد: إن النوافل المسببة لا بد في النية من
التعرض لسببها (1)، وفي كشف اللثام: إن الأقرب الاشتراط في بعضها كصلاة
الطواف والزيارة والشكر، دون بعض كصلاة الحاجة والاستخارة، ودون
ذوات الأوقات إذا لم يكن لها هيئات مخصوصة كصلاة العيد والغدير (2).
أقول: ولعل وجهه أن الثابت من أدلة هاتين الصلاتين: استحباب
كون سؤال الحاجة أو طلب الخير عقيب التنفل بركعتين أو في أثنائه، فمعنى
استحباب صلاة الحاجة أو الاستخارة: استحباب التنفل قبلها. ودعوى
خروجها حينئذ عن ذوات الأسباب ممنوعة أو سهلة، لكن الأقوى هنا
أيضا: اشتراط التعيين كما في ذوات الأوقات مطلقا، لما ذكرنا من أنه يكفي
في اعتبار التعيين احتمال اختلاف الحقيقة.
ومنه يعلم وجه اشتراط تعين
القصر أو الاتمام في مواضع التخيير كما في البيان (3) وجامع المقاصد (1)
والموجز (5) والجعفرية (6) وشرحها (7)، وإن علله في جامع المقاصد باختلاف

(1) القواعد 1: 270.
(2) كشف اللثام 1: 213 و 214.
(3) البيان: 153.
(4) جامع المقاصد 2: 231.
(5) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 73.
(6) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 105.
(7) لا يوجد لدينا.
266

أحكامها، مثل أن الشك في المقصورة مبطل مطلقا بخلاف التمام، فلا بد من
مائز ليترتب على كل واحد حكمه وليس إلا النية، قال: (ولا يستقيم أن
يقال: ترتب حكم الشك عليه يتوقف على التعيين الواقع بعده; لأن أثر
السبب التام لا يجوز تخلفه، فإن قيل: يكون كاشفا فلا تخلف، قلنا: بل مؤثر
لأن تعيين العدد إنما تؤثر فيه النية اللاحقة على ذلك) (1)، انتهى.
وما ذكره وإن كان لا يخلو عن تأمل إلا أنه قد عرفت كفاية احتمال
اختلاف الحقيقة القائم فيما نحن فيه، إلا أن يمنع ذلك بما ثبت من جواز
العدول عن أحدهما إلى الآخر; بناء على تسليم قاعدة كل ما لا يتعين في
العمل لا يتعين في النية كعكسها، ولذا لا يجب في الصلاة تعيين كونها مع
المستحبات أو بدونها أو غير ذلك من المشخصات الغير المقومة، إلا أن
يحتاج إليه من جهة أخرى مثل نية المأمومية التي يتوقف عليها عنوان
الاقتداء الذي يترتب عليه أحكام كثيرة، ولذا لا يجب نية الانفراد ولا نية
الإمامة، ويجوز العدول عن المأمومية إلى أحدهما، وعدم جواز العكس
لا يقدح في عكس الكلية المزبورة لثبوت المانع كما في محله، إلا أن يقال في
منع القاعدة المزبورة: إن جواز العدول - بعد فرض أخذه مسلما والاغضاء
عن دعوى ترتبه على مسألة اعتبار نية التعيين فيه دون العكس - لا يكشف
إلا عن قابلية كل جزء وقع من العمل على خصوص أحد الوجهين لأن
يصرف إلى الآخر، وهو يستلزم قابلية ما وقع على وجه مطلق للصرف إلى
أحدهما المعين بالأولوية وتنقيح المناط، إن ثبت جواز الشروع في العمل
على هذا الوجه، وهو عين محل الكلام.

(1) جامع المقاصد 2: 231.
267

ولعله لذا جمع في البيان بين القول بوجوب التعيين وبقاء التخيير،
قال: والأقرب اشتراط نية القصر والاتمام وأنه لا يخرج بها عن
التخيير (1).
نعم، يمكن أن يقال - في توجيه عدم اعتبار التعيين بعد تسليم اختلاف
حقيقة الفردين -: إن التعيين إنما يعتبر في مختلفي الحقيقة إذا تعلق بكل منهما
أمر مخصوص، أما إذا تعلق الأمر بالقدر المشترك كصلاة الظهر مثلا، ثم بين
الشارع تخيير المكلف في امتثال هذا الأمر الواحد الكلي بين فردين منه
مختلفين بالحقيقة والأحكام، فإن اشتركا في تمام العمل وجب التعيين، وإن
اشتركا في بعضه، كما فيما نحن فيه، كفى في تعيين أحد الفردين - ليترتب عليه
الأحكام - تميزه عن الآخر ببعضه الآخر.
(و) يجب أيضا قصد (الوجه) الذي وقع عليه العبادة من
الوجوب والندب، (و) لا يكفي قصد (التقرب) بها (2)، بل عن التذكرة
الاجماع عليه (3). وعن الكتب الكلامية (4) إن مذهب العدلية: أنه يشترط في
استحقاق الثواب على واجب، أن يوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه (5)، وعن
الروض: أن المشهور اعتبار استحضار أحد الوصفين وصفا وغاية (6)، وعن

(1) البيان: 265.
(2) في النسختين بياض بمقدار كلمة واحدة.
(3) التذكر ة 3: 101.
(4) حكاه عن الكتب الكلامية: الشهيد الثاني في روض الجنان 257، والسبزواري في
الذخيرة: 23، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 321.
(5) راجع كشف المراد: 408، المسألة الخامسة من المقصد السادس.
(6) انظر روض الجنان: 257.
268

بعضهم (1) اعتبار أحدهما، وعن آخر إغناء الوصفي عن الغائي، وعن ثالث
العكس.
وأيا ما كان، فلم أتحقق على اعتباره دليلا، عدا ما قيل (2): من
وجوب إتيان المأمور به على وجهه الممنوع إن أريد بالوجه ما يعم الوجه
العارض بعد تعلق الطلب كالوجوب والندب والأداء والقضاء ونحوهما،
والمسلم إن أريد به ما لا بد منه في تعيين ذات المأمور به، وعدا إجماع التذكرة
الموهون سندا - كالمحكي عن العدلية - بمصير جماعة (3) إلى خلافه، ودلالة
باحتمال اختصاصهما - ككلام نفس المجمعين - بصورة توقف تعيين الفعل
المعتبر عقلا ونقلا عليه، كما يظهر من استدلالهم عليه بأن جنس الفعل
لا يستلزم وجوهه، فكل ما يمكن أن يقع على أكثر من وجه واحد افتقر
اختصاصه بأحد الوجوه إلى النية، فينوي الظهر مثلا ليتميز عن بقية
الواجبات، والفرض ليتميز عن إيقاعها ندبا، كمن صلى منفردا ثم أدرك
الجماعة، وإن كان الظاهر من تمثيلهم بمن صلى منفردا ثم أدرك الجماعة، بل
صريحه: وجوب نية الوجه بمجرد تعدد الفعل واشتراكه بين الواجب والندب
في أصل الشرع، وإن لم يجتمعا على المكلف في زمان واحد فلا تغني الوحدة
الواقعية الفعلية مع التعدد بحسب القابلية الذاتية، لكنه لا يقدح في إرجاع
مسألة نية الوجه إلى مسألة التعيين المجمع عليها بزعم لزوم التعيين مع

(1) انظر مفتاح الكرامة 2: 321 والذخيرة: 23 - 24، والغنائم: 176، والجواهر 9:
160 و 161، وكذا في تالييه.
(2) لم نقف عليه.
(3) غاية المراد: 7 - 8 ومجمع الفائدة 1: 98، والجواهر 2: 81 و 9: 161.
269

التعدد الشأني أيضا.
فظهر أن الاجماع المدعى على اعتبار نية الوجه ناش من تحقق
الاجماع على لزوم التعيين عند الاشتراك، بزعم تحقق الاشتراك بمجرد قابلية
الفعل بذاته لوقوعه على وجهين، ولو بالنسبة إلى مكلفين.
وحيث عرفت أن الوجه قي اعتبار التعيين هو توقف الامتثال عليه مع
الاشتراك الفعلي - وأما مع وحدة الفعل واقعا فقصد امتثال الأمر الواحد
تعيين للمأمور به - ظهر أنه لا وجه لاعتبار نية الوجه إلا فيما يعتبر فيه
التعيين، لاختلاف الحقيقة، وينحصر التعيين في قصد الوجه، فمع عدم
اختلاف الحقيقة لا يعتبر قصد الوجه وإن اختلف المتعدد من حيث الوجه،
كما إذا أمر العبد وجوبا بصوم يوم وندبا بصوم يوم آخر، فإنه يكفي إيقاع
كل واحد منهما للتقرب من غير تعرض لوجه، ولو اقتصر على فعل واحد
سقط الواجب. وكذا لو اختلفا في الحقيقة ولم ينحصر التعيين في قصد الوجه.
ومما ذكرنا يظهر أنه لا يبعد صحة العبادة وإن نوى الوجه المخالف
اشتباها بل وعمدا، إذا كان الداعي على الاتيان بالفعل اتصافه بالمطلوبية
المطلقة، وفاقا للمحكي عن المحقق قدس ره في بعض تحقيقاته المحكية في باب
الوضوء (1).
(و) كذا الكلام في نية (الأداء والقضاء) التي حكم بوجوبها أكثر
الأصحاب، بل عن التذكرة عليه الاجماع (2). وقد عرفت عدم الدليل على
أكثر من اعتبار التعيين مع الاشتراك الفعلي كما لو كان عليه حاضرة وفائتة،

(1) المسائل الطبرية (الرسائل التسع): 317، المسألة 15.
(2) التذكرة 3: 101.
270

أما مجرد قابلية الفعل لهما ولو بالنسبة إلى مكلفين أو حالين فلا، إذ المقصود
من التعيين: التعين.
ومنه يظهر أنه لا يقدح نية الخلاف هنا أيضا - اشتباها أو عمدا - مع
عدم حصول التشريع المفوت لنية التقرب.
وأما التمسك هنا وفي المسألة السابقة بقاعدة الاحتياط فيما يحتمل
مدخليته في العبادة، ففيه: بعد فرض تسليم وجوبه، أنه مختص بما إذا كان
الشك في مدخلية شئ في ماهية العبادة على وجه التقييد أو التركيب. وأما
بعد إحراز الماهية بقيودها فإذا شك في حصول الامتثال للأمر المتعلق بها
فالمحكم هو عرف العقلاء وحكمهم بتحقق الإطاعة وعدمه. ولا ريب في
حكم العرف فيما نحن فيه بتحقق الإطاعة المطلوب عقلا ونقلا مجرد (1) تحققها
من غير اعتبار خصوصية زائدة.
ثم القدر الواجب من النية بحكم الأدلة الأربعة: إرادة إتيان الفعل
لامتثال أمر الله، بحيث يكون الباعث على كل جزء منه هو تحقق الامتثال
بالكل، وهذا المعنى يتوقف على تصور الفعل المعين وغايته مقارنا لنفس
الفعل أو لما هو مرتبط به، بحيث يكون مجموعهما في نظر المكلف وإرادته
فعلا واحدا، وإلا فمجرد تصور الفعل وغايته والعزم عليه مع الاشتغال بفعل
أجنبي لا يكفي في صدور الفعل في وقته، بل لا بد من توجه جديد حين
الاشتغال بالفعل أو بما هو مرتبط به منضم معه.
(و) أما اعتبار استحضار الإرادة الكامنة في النفس المنبعثة عن
تصور الفعل وغايته، عند القيام إلى الفعل والاشتغال بما هو مرتبط به

(1) في (ط): بمجرد.
271

والالتفات إليها في أول جزء من العمل حتى حكموا بوجوب (إيقاعها)
للصلاة (عند أول جزء من التكبير): فلم يدل عليه ما دل على اعتبار النية
في تحقق الإطاعة والاخلاص المقرون مع العمل، وليس وراء أدلة النية
ما يدل على اعتباره.
مع أن الاستحضار المذكور ليست نية، بل هو التفات إلى النية
الحاصلة في النفس، المستمرة فعلا مع العمل من أوله إلى آخره، بحكم قوله:
(لا عمل إلا بالنية) (1) الظاهر في اعتبار تلبس مجموع العمل بنفسها
لا بحكمها، نعم هو مؤكد للإرادة الكامنة، إذ لا شبهة في أنها تضعف
بالذهول; ولذا يعدل عنها بتجدد داع آخر لم ينهض لمعارضتها مع الالتفات
التفصيلي. فينبغي مراعاته في الصلاة التي هي أعظم الطاعات.
ويؤيده: ما ورد في حكمة رفع اليدين عند التكبير أنها (إحضار النية
وإقبال القلب على ما قال وقصد) (2).
وربما يستأنس له بما رواه - في زيادات الصلاة من التهذيب - عن
زرارة، قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض في الصلاة؟ فقال: الوقت
والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت: وما سوى
ذلك. قال: سنة في فريضة) (3); بناء على أن المراد بالتوجه هو الاستحضار
المقارن، وإلا فمطلق التوجه ولو كان منفصلا عن نفس الفعل مما لا بد منه

(1) الوسائل 1: 33، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث الأول وغيره.
(2) انظر الوسائل 4: 727، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 11.
(3) التهذيب 2: 241، الحديث 955، والوسائل 3: 80، الباب الأول من أبواب
المواقيت، الحديث 8، و 3: 214، الباب الأول من أبواب القبلة، الحديث الأول.
272

عقلا في تحقق أصل الإرادة التي لا يخفى على زرارة - بل على أدنى
جاهل - اعتبارها في الصلاة.
ولو كان المراد بالتوجه: التوجه بالتكبير في افتتاح الصلاة، كما هو
شائع الاستعمال في الأخبار، لم يخرج أيضا عن إشعار بكون التوجه عند
التكبر، بل استحباب قراءة آية التوجه (1) أيضا يشعر بذلك، لكن لا يبلغ
شئ مما ذكر حد إيجاب الاستحضار، اللهم إلا بضميمة ذهاب المعظم
ودعوى الاجماع واستمرار السيرة؟.
وربما يستظهر أن مراد القائلين بالأخطار والاستحضار: اعتبارهما
حيت يكون المكلف خاليا عن التصور السابق التي تكون الإرادة منبعثة
عنه، وهو صلح من غير تراضي الخصمين، لأن صريح كلام بعضهم كم كالمصنف
قدس سره في المنتهى (2) والشهيد (3) عدم الاكتفاء بالتصور السابق ولو يسيرا،
ونسبوا (الاكتفاء) إلى بعض العامة كما في المنتهى (4)، وقال في الذكرى:
لو فرق بين التكبير وبين التقرب بقوله: (إن شاء الله) بطلت إلا أن يكون
مستحضرا لها بالفعل حال التلفظ (5)، انتهى.
(و) مما بتفرع على ما ذكروه من أن النية (الاستحضار) المذكور:
الالتجاء إلى أنه لا يجب (استمرارها) فعلا إلى آخر العمل، لتعسر ذلك
بل تعذره، بل ولا إلى آخر التكبير للتعسر، ولعدم الفرق بين ما عدا جزئه

(1) الأنعام: 79.
(2) المنتهى 1: 267.
(3) الذكرى: 177.
(4) المنتهى 1: 267، وراجع الخلاف 1: 312، كتاب، الصلاة، المسألة: 61.
(5) الذكرى: 177
273

الأول وبين سائر الأجزاء ولظاهر الاجماع المحكي.
وأضعف من هذا: ما يحكى (1) من وجوب إيقاعها بين أجزاء التكبير
مستوعبة لها، ولغاية وهنه أرجعه في شرح الروضة (2) إلى سابقه بدعوى
تسامح قائله في التعبير، فيكفي استمرارها (حكما إلى الفراغ) بمعنى أن
لا يوقع جزءا منه على ما يخالف النية الأولى.
وأما على ما ذكرنا في معنى النية - تبعا للمحققين من متأخري
المتأخرين (3) - فهذا المعنى هو الاستمرار الفعلي للنية التي قد دل مثل قوله:
(لا عمل إلا بنية) (4) على وجوب تلبس العمل جزءا فجزءا بنفسها لا بحكها.
وكيف كان، فالاستمرار بالمعنى المذكور مما لا ريب فيه، ويدل عليه
نفس الأدلة الأربعة الدالة على اعتبار أصل النية، وفي الإيضاح: إن عليه
إجماع المسلمين (5).
وأما الاستمرار بمعنى أن لا يحدث في آن من آنات العمل - وإن
لم يكن مشتغلا بجزء منه - ما ينافي النية الأولى، فاختاره المصنف هنا، تبعا
لما قواه الشيخ أخيرا في الخلاف (6). وفرع عليه ما ذكره بقوله:
(ولو نوى (7) الخروج) عن الصلاة في الحال (أو) ثانيه بطلت، وهو مختار

(1) انظر الذكرى 177، والغنائم: 176.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 97.
(3) منهم المحدث البحراني في الحدائق 8: 17، وصاحب الجواهر في الجواهر 9: 176.
(4) الوسائل 4: 711، الباب الأول من أبواب النية، الحديث 1 و 4.
(5) إيضاح الفوائد 1: 104.
(6) الخلاف 1: 308، كتاب الصلاة، ذيل المسألة: 55.
(7) في الإرشاد: فلو نوى.
274

الشهيدين (1) والمحقق الثاني (2) وفخر الاسلام (3) وحكي عن جماعة (4)، لأن
النية الأولى إذا زالت فإن جددت اختل شرطها وهي المقارنة لأول العمل،
وإلا فقد أصلها في باقي الأجزاء; ولأن بعد رفع اليد عن النية الأولى
خرجت الأجزاء السابقة عن قابلية انضمام الباقي إليها؟ ولأن استمرار حكم
النية شرط إجماعا وقد زال، ولأن ظاهر قوله عليه السلام: (لا عمل إلا بنية) (5)
- نظير قوله: (لا صلاة إلا بطهور) (6) أو (إلا إلى القبلة) (7) -: عدم جواز خلو
آن من آنات العمل من النية كالطهور والقبلة; ولأنه حين نوى الخروج
خرج من الصلاة، إذ لا يشترط في الخروج فعل يخل بها، بل العمدة هي نية
الخروج، فلا بد من دخول مجدد فيها بنية وتكبيرة مجددتين; ولأن نية
الخروج كما قيل موجب لوقوع باقي الأفعال بلا نية.
وفي الكل نظر، أما في الأول: فلأن المسلم وجوب مقارنة نية تمام
العمل للتكبيرة، لا النية المجددة للأبعاض الباقية، بل اللازم مقارنتها لأولها.
وأما في الثاني: فلأنها مصادرة.
وأما في الثالث: فلمنع تحقق الاجماع.

(1) الذكرى: 178، والدروس 1: 166، والمسالك 1: 197، وروض الجنان: 257.
(2) جامع المقاصد 2: 222.
(3) إيضاح الفوائد 1: 102 و 104.
(4) منهم ابن فهد قدس سره في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 73، والمحقق القمي
قدس سره في الغنائم: 176، وانظر مفتاح الكرامة 2: 328، والجواهر 9: 178.
(5) الوسائل 4: 711، الباب الأول من أبواب النية، الحديث الأول.
(6) الوسائل 1: 256، الباب الأول من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(7) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 2.
275

وأما في الرابع: فلأن الظاهر منه وجوب تلبس كل جزء بنيته
لا تلبسه في كل آن بنية الكل، نظير التلبس بالطهور، لأنه غير متصور هنا.
وأما دعوى كون كل آن من الآنات المتخللة بين الأجزاء معدودا من
أجزاء الصلاة، فهي ممنوعة، كما لا يخفى على من لاحظ تحديد أفعال الصلاة
في كلام الشارع والمتشرعة.
وأما في الخامس: فلمنع تحقق الخروج شرعا بمعنى الانقطاع بمجرد
نيته; لأن القواطع محصورة، وصدق الخروج عرفا لا يقتضي الانقطاع لحكمهم
بعد العود إلى الباقي بتحقق الصلاة، الذي هو المدار في الامتثال إذا لم يرد من
الشرع اعتبار أمر آخر وجودا أو عدما.
وأما السادس: فإن أريد وقوع باقي الأفعال بلا نية مستمرة من
الابتداء فبطلانه ممنوع. وإن أريد وقوعها بلا نية أصلا فليس الكلام إلا
فيما إذا جدد النية لها.
فالحق: الصحة وفاقا لجماعة، منهم المحقق قدس سره (1)، لعدم الدليل على
اعتبار أزيد من الاستمرار بالمعنى الأول، ووضوح تحقق الامتثال بمجرده،
وعدم الدليل على كون نية الخروج من القواطع.
وقد يستدل (2) أيضا باستصحاب الصحة، وبعموم قوله تعالى:
(ولا تبطلوا أعمالكم) (3)، وقوله عليه السلام: (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة) (4)

(1) شرائع الاسلام 1: 79، وانظر مفاتيح الشرائع 1: 124، ومجمع الفائدة 2: 193.
(2) استدل به المحقق النراقي قدس سره في المستند 1: 323، وصاحب الجواهر قدس سره في
الجواهر 9: 178، وفيه: للأصل.
(3) سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 33.
(4) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
276

وبقوله: (تحليلها التسليم) (1) الحاصر للمخرج عن الصلاة - المنعقدة صحيحة -
في التسليم.
وفي الجميع نظر، أما في الأول: فلأن المستصحب إن كان صحة
الأجزاء السابقة فلا يجدي، بل لا يجدي القطع بها مع الشك في إمكان انضمام
الباقي إليها مستجمعة للشروط; لأجل الشك في شرطية الاستمرار بالمعنى
المبحوث عنه الذي لا يقبل التدارك بعد نية الخروج، وإن كان صحة الكل
فلم يتحقق بعد.
وأما استصحاب حرمة الابطال: فهو موقوف على كون رفع اليد عن
هذه الصلاة إبطالا لها، فلعله بطلان وانقطاع لا قطع وإبطال. مع أنه لو سلم
هذا الاستصحاب - أو استصحاب وجوب الاتمام أو غيرهما من
الاستصحابات المتصورة في المقام، عدا استصحاب الصحة - فلا ينفع في نفي
وجوب الإعادة الذي هو مقتضى الاشتغال اليقيني; لأنها بالنسبة إليه من
قبيل الأصول المثبتة، بل اللازم حينئذ الجمع بين الاتمام والإعادة عملا
بالأصول.
ومما ذكرنا يظهر الجواب عن آية الابطال.
وأما قوله: (لا تعاد...): فهو مسوق لحكم الاخلال بالأجزاء
المعلومة سهوا كما بين في بحث الخلل.
وأما قوله: (تحليلها التسليم): فلأن الضمير إشارة إلى الصلاة
المستجمعة لجميع الشرائط التي يمنع الخصم تحققها مع نية الخروج، مع أن
ظاهره حصر التحليل بعد الفراغ عما عدا التسليم فيه، لا حصر قواطع

(1) الوسائل 4: 1003، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث الأول.
277

الصلاة فيه.
هذا، واعلم أن حكم التردد في الخروج وعدمه في الحال أو ثانيه
حكم نية الخروج في عدم الابطال،
ويشترط في الكل: تجديد النية عند
الشروع في باقي الأفعال، خلافا لما يتوهم من إطلاق مثل الشرائع (1).
فلو أتى ببعضها خاليا عن النية فلا شبهة في بطلانه، وفي إبطاله للصلاة وإن
تداركه ما سيجئ في المسائل الآتية. وفي القواعد: لو نوى في الأولى
الخروج في الثانية، فالأقرب عدم البطلان إن رفض القصد قبل البلوغ إلى
الثانية (2)، وظاهره يشمل صورة الاشتغال وهو ضعيف، لمنافاته للاستمرار
بالمعنى الأول الذي قد مر اعتباره قولا واحدا.
وفي حكم نية الخروج في ثاني الحال: ما إذا علقه على أمر معلوم
الوقوع، وفي حكم التردد: ما إذا علقه على ما يحتمل الوقوع ولم يمتنع
الامتثال عقلا أو شرعا عند وقوعه كالموت والحيض - مثل مجئ زيد
ونحوه - وأما التعليق عليهما فلا يقدح، لأنه قاصد للامتثال ما دام الامتثال
[ممكنا] (3).
ولو علقه على ما لا يحتمل وقوعه: فالظاهر أنه لا يقدح، إلا إذا اتفق
حصول المعلق عليه ولم يرفض التعليق. وظاهر المصنف في القواعد: الصحة
في التعليق على مثل مجئ زيد، مع عدم حصول المعلق عليه (4)، وعنه في

(1) انظر شرائع الاسلام 1: 79.
(2) القواعد 1: 269.
(3) من هامش (ط)
(4) القواعد 1: 270.
278

درسه (1): احتمال انكشاف البطلان من حين التعليق. وتظهر الثمرة إذا علم
المأموم بتعليق الإمام ولم ينفرد من حينه.
ولو نوى فعل المنافي: فاختار في القواعد الصحة على إشكال (2)،
ومختاره حسن، وفاقا للشيخ (3) وأكثر الأصحاب، كما في المدارك (4)
وغيره (5)، لكن مع الذهول عن كونه منافيا. ومع عدمه فالأقرب أنها ترجع
إلى نية الخروج.
ولو نوى (الرياء ببعضها) المعدود جزءا أصليا واجبا (أو غير
الصلاة بطلت) الصلاة إن مضى على تلك النية، قولا واحدا، وكذا إن
تداركه بناء على أن تداركه يستلزم الزيادة المبطلة، لأن المفروض أن الجزء
المذكور قد نوى به جزء الصلاة في ضمن نية أصل الصلاة المستمرة حكما
إلى الاتيان به. فهو إنما قصد الرياء أو غير الصلاة في الجزء على أنه جزء،
لكن في صدق الزيادة بتداركه مع رفع اليد عن جزئية ما أتى به أولا، ثم في
إبطال مطلق الزيادة لمثل قوله: (من زاد في صلاته أعاد) (6) نظر.
ولو مضى على نية الرياء أو غير الصلاة في مقدمات الأجزاء

(1) حكاه في الإيضاح 1: 103، مع اختلاف في العبارة.
(2) القواعد 1: 270.
(3) المبسوط 1: 102.
(4) المدارك 3: 315.
(5) لم نقف عليه في غير المدارك، نعم في الذخيرة: 265، وطالع الأنوار 2: 11، نسبة
ذلك إلى المشهور.
(6) الوسائل 5: 332، الباب 19 من أبواب الخلل، الحديث 2، وفيه: (فعليه
الإعادة).
279

كالنهوض للقيام، فالظاهر عدم البطلان، وإن كان في أدلة حرمة الرياء
وإبطاله ما ربما يوهم عدم قبول العبادة بمجرد اشتماله على الرياء.
وكذا لو مضى عليهما في الأفعال المستحبة; لأن بطلان الجزء المستحب
لا يوجب الاخلال بالأجزاء الواجبة التي هي المناط في تحقق الامتثال للأمر
الوجوبي وإن لم يحصل امتثال الأمر الاستحبابي المتعلق بنفس المستحب
أو بالعبادة المشتملة عليه. ولو فرض تعلق نية أول العمل بهذا الفرد المشتمل
على هذا الفعل لم يكن مناط الامتثال إلا الماهية المشتركة بين هذا الفرد وبين
غيره العاري عن هذا الفعل، ولذا يجوز العدول عنه إليه في الأثناء ولا يجب
نية أحدهما في الابتداء، فقصد الرياء بالفعل المذكور مع قصد التقرب بجميع
الأفعال الواجبة لا يزيد على تركه فيها.
ومما ذكر يظهر الجواب عن التمسك للابطال بما دل على بطلان كل
عمل لم يخلص لله، مثل رواية علي بن سالم: (قال الله سبحانه: أنا خير
شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله إلا ما كان خالصا لي) (1).
ورواية زرارة وحمران: (لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله
والدار الآخرة، فأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا) (2)، وغير
ذلك مما دل على بطلان العمل المشترك على وجه الإشاعة أو التبعيض،
كما فيما نحن فيه; فإنا لا نمنع بطلان هذه العبادة بمعنى مخالفته للأمر الخاص
المستحب المتعلق بهذا الفرد الخاص، ولا يلزم منه عدم مطابقته للأمر بمطلق
الماهية الموجودة فيه، الذي هو مناط التقرب بالعمل من حيث كونه واجبا.

(1) الوسائل 1: 44، الباب 8 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 9.
(2) الوسائل 1: 49، الباب 11 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 11.
280

نعم، لو كان الفعل المتصف بالاستحباب متصفا بالوجوب التخييري،
مثل سورة الجمعة المستحبة في ظهر الجمعة، والتسبيح الراجح في الأخيرتين
على الفاتحة، فقصد الرياء بهما، فلا إشكال في بطلان العبادة بذلك،
كما لا يخفى.
ومما ذكرنا يظهر حكم ما لو نوى الرياء بالزائد على الواجب من
الأفعال كطول الركوع والسجود، وقد يستثنى منه ما إذا كثر بحيث يلحق
بالفعل الكثير، ويشكل - مضافا إلى أن هذا ليس في الحقيقة استثناء عما نحن
بصدده من عدم إبطال الرياء من حيث هو إذا تعلق بجزء من العمل - بأن
مناط إبطال الفعل الكثير هو محو صورة الصلاة، والظاهر عدم تحقق المحو
عرفا مع كون الزائد من جنس أفعال الصلاة، كيف؟! ولو تحقق المحو بطول
مثل الركوع والسجود لم يجز مطلقا ولو قصد به التقرب.
وإن كان المنوي به الرياء أو غير الصلاة قولا مستحبا، فظاهر
جماعة (1) فيه البطلان، بناء على أنه يصير كلاما خارجا عن الصلاة فيكون
مبطلا لها، وفي المقدمتين نظر; لامكان منع صيرورته بإحدى النيتين كلاما
خارجا بعد كونه في حد ذاته دعاء أو قرآنا، وإمكان دعوى حصر الكلام
المبطل بما يعد عرفا من كلام الآدميين، فلا يبعد القول بعدم البطلان، وإن
كان قولا طويلا. واحتمال البطلان مع الكثرة من جهتها وإن كان قائما لكنه
مضعف بما ذكرنا، ومع ذلك فالبطلان لا يخلو عن قوة فيما إذا نوى الرياء;
لأن الظاهر من كلماتهم عدم الخلاف في كون الكلام المحرم مبطلا، بل حكي

(1) انظر قواعد الأحكام 1: 270، والدروس 1: 166، والبيان: 154، وفوائد
الشرائع (مخطوط): 26.
281

عن نهاية المصنف - في مسألة قول آمين في الصلاة -: الاجماع على أن الكلام
الغير السائغ مبطل (1). وحكى شارح الروضة الاجماع على بطلان الصلاة
بالدعاء المحرم (2)، مضافا إلى عمومات إبطال الكلام وخروج الدعاء
والقرآن إما بأوامرهما وإما بالاجماع، وكلاهما مفقودان، وفي قوله عليه السلام
- في مرسلة الصدوق -: (كل ما ناجيت به ربك في الصلاة فليس بكلام) (3)
إشارة لطيفة إلى أن حكم الكلام مطلقا الابطال والتحريم، لكن المناجاة
نزلت منزلة غير الكلام.
وأظهر منه قوله عليه السلام - في صحيحة الحلبي -: (كل ما ذكرت الله
عز وجل والنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهو من الصلاة) (4) دل على أن ذكر الله والنبي
صلى الله عليه وآله وسلم إنما لا يفسد لكونه من الصلاة، وغير خارج عنها في نظر
الشارع، وإلا فعموم المنع عن الكلام الخارج بحاله، فافهم.
واعلم، أنه كما يعتبر استمرار نية التقرب، فكذا يعتبر استمرار نية
التعيين ونية الوجه والأداء والقضاء في موضع اعتبارهما، فلا يجوز العدول
عن الظهر مثلا إلى غيره، ولا عن الفريضة إلى النافلة، ولا من الأداء إلى
القضاء، إلا ما استثني من المسائل الثلاث.
والضابط أن كل ما يعتبر قصده في الابتداء فلا يجوز العدول عنه في الأثناء.

(1) نهاية الإحكام 1: 466.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 144.
(3) الفقيه 1: 317، الحديث 939، والوسائل 4: 917، الباب 19 من أبواب القنوت،
الحديث 4.
(4) الوسائل 4: 1262، الباب 13 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 2. وفيه: (كل
ما ذكرت الله عز وجل به والنبي...).
282

(الثالث) من الواجبات: (تكبيرة الاحرام)
سميت به وبالافتتاح: لأن بها يحصل الدخول في الصلاة ويحرم ما كان
محللا قبلها، ففي المعتبر إن الدخول في الصلاة لا يتحقق إلا بإكمالها (1)، وبه
قال الشيخ (2) وهو ظاهر الذكرى (3)، ولعله لظاهر قوله عليه السلام: (تحريمها
التكبير) (4) منضما إلى ما دل على تحريم المنافيات في الصلاة (5) ويشكل بأن
فرض جزئيتها مستلزم للدخول في الصلاة بأول جزء منها; لأن جزء الجزء
جزء، اللهم إلا أن يقال: بأن آخر التكبير كاشف عن الدخول في أولها

(1) المعتبر 2: 152.
(2) الخلاف 1: 316، كتاب الصلاة، المسألة: 67.
(3) لم نعثر على هذا الظاهر، انظر الذكرى: 178.
(4) الوسائل 4: 715، الباب الأول من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 10.
(5) الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب القواطع، الحديث 1 و 4، و 4: 1264،
الباب 15 من أبواب القواطع وغيرهما من الأبواب.
283

كما صرح به السيد في الناصريات في مسألة التسليم، على ما حكاه في
الذكرى في باب التسليم (1)، فقال السيد - على ما في الذكرى -: لا يقال:
الاجماع على أنه ما لم يتم التكبير لا يدخل في الصلاة، فيكون ابتداؤه
وقع خارج الصلاة، فكيف يصير بعد ذلك منها؟! لأنا نقول إذا فرغ
من التكبير تبين أن جميع التكبير من الصلاة، وله نظائر (2)، انتهى. لكن
عقبه في الذكرى بقوله: ولمانع أن يمنع توقف الدخول في الصلاة على تمام
التكبير، ولم لا يكون داخلا في الصلاة عقيب النية؟ للاجماع على وجوب
مقارنة النية لأول العبادة، وهذا الاجماع يصادم الاجماع المدعى. نعم
لو قيل ببسط النية على التكبير توجه ما قاله السيد (3)، انتهى. وفيما
ذكره على السيد من المنع، ثم توجيهه; بناء على القول ببسط النية،
نظر.
أما في الأول: فلأن الاجماع إنما انعقد على مقارنة النية للجزء الأول
الواقعي من الصلاة، وقد اعترف السيد بكون تمام التكبير كاشفا عن كون
أوله المقارن للنية من أجزاء الصلاة.
وأما في التوجيه: فلأن بسط النية يقتضي وقوع الجزء الأول بلا نية،
المخالف للاجماع على المقارنة، اللهم إلا أن يريد بالبسط: الاستمرار إلى
آخر التكبير، كما رجحه في الذكرى (4)، لكن الجمع بين الاجماعين المذكورين

(1) الذكرى: 205.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 232، المسألة: 82، مع اختلاف في الألفاظ.
(3) الذكرى: 205.
(4) الذكرى: 177.
284

بما ذكرنا من اعتبار المقارنة للجزء الأول الواقعي أولى من الجمع باعتبار
الاستمرار.
ثم الظاهر إن وجه الحكم بالكشف المذكور هو الجمع بين المقدمات
الثلاث، أعني: حصول التحريم بمجموع التكبير، وتحريم المنافيات في
الصلاة، وكون جزء الجزء جزء، فما في المدارك: من أن الحكم بالكشف
تكلف مستغنى عنه، وأن الحق تحقق الدخول بمجرد الشروع في التكبير، وأن
توقف تحريم المنافيات على انتهاء التكبير حكم آخر (1)، محل نظرة لأن الجمع
بما ذكروه أولى من تخصيص أدلة تحريم المنافي في الصلاة بما بعد
التكبيرة.
(وهي ركن) في الصلاة (تبطل [الصلاة] (2) بتركها عمدا وسهوا (3))
إجماعا محققا ومحكيا، وإن قال في البيان: الأقرب أنها جزء من الصلاة (4).
ويدل على ركنيته بالمعنى المذكور: روايات كثيرة (5) مطابقة للأصل،
والروايات المخالفة (6) محمولة أو مطروحة.
وأما إبطال زيادتها مطلقا: فهو مستفاد من عموم قوله: (من

(1) المدارك 3: 313، مع اختلاف في بعض الألفاظ.
(2) من الإرشاد.
(3) في الإرشاد: أو سهوا.
(4) البيان: 156.
(5) الوسائل 4: 715 و 718، الباب 2 و 3 من أبواب تكبيرة الاحرام.
(6) الوسائل 4: 717، الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، الأحاديث 8 و 9 و 10.
و 4: 718، الباب 3 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 2.
285

زاد..) (1) ونحوه (2).
(و) حيث إنها من الأمور التوقيفية ولم يرد في مقام بيانها إطلاق
لفظي يدفع به اعتبار الخصوصيات الآتية - المقومة لوجودها الخارجي الغير
القابلة لأجل ذلك لجريان أصالة البراءة فيها - وجب الاقتصار على
(صورتها) المنقولة المأتي بها في مقام بيان الواجب، وهي: (الله أكبر)،
لعدم تيقن البراءة والدخول في الصلاة بدونها، مضافا إلى النبوي المنجبر
بظاهر ما في المنتهى (3) والمعتبر (4) والغنية (5) وعن غيرها (6) من الاجماع:
(لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه، ثم يستقبل القبلة
ويقول: الله أكبر) (7).
وقد يستدل (8) برواية حماد الواردة في بيان تعليم الصلاة، وقوله
عليه السلام: (يا حماد هكذا صل) (9)، وفيه نظر.
(فلو) خالف ذلك، بأن (عكس) ترتيب الكلمتين، (أو أتى

(1) الوسائل 5: 332، الباب 19 من أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 2.
(2) التهذيب 2: 194، الحديث 763.
(3) المنتهى 1: 268.
(4) المعتبر 2: 153.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 495.
(6) انظر الإنتصار: 40.
(7) لم نقف عليه في المجاميع الروائية، نعم نقل في المنتهى 1: 267 ونحوه في المعتبر 2: 151
(8) انظر الذخيرة: 266.
(9) الوسائل 4: 674، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، ذيل الحديث الأول.
286

بمعناها، في لفظ يؤدي مؤداها في العربية أو غيرها، (مع القدرة) على
نفسها، (أو) أتى بها (قاعدا معها) أي مع القدرة، (أو) ناهضا بحيث
شرع فيه (قبل استيفاء القيام)، أو هاويا إلى الركوع كما يتفق للمأموم،
(أو أخل) بشئ منها ولو (بحرف واحد، بطلت)، لمخالفته للمأمور به،
بلا خلاف في شئ من ذلك ظاهرا إلا من الشيخ في الخلاف (1)، حيث جوز
وقوع بعض التكبير هاويا - على ما حكي عنه (2) - وهو ضعيف. وقريب منه
ما عن الإسكافي من كراهة تعريف (أكبر) (3)، ولعله أراد بها الحرمة.
ومن الاخلال بالحرف الواحد: الاخلال بهمزة الوصل في لفظة الجلالة
ولو مع وقوعها في الدرج لتقدم التلفظ بالنية أو بعض أدعية الافتتاح، فيجب
الوقف على الكلام السابق مقدمة لتحصيل اليقين بالافتتاح الذي لا صلاة
بدونه كما في النص والفتوى، والوقف على لفظ النية لا ينافي مقارنة معناها
للتكبيرة بل يمكن دعوى أن ترك الوقف عليها لا ينافي وجوب قطع الهمزة،
لأن التلفظ بها كلام لغو معترض لا يعد معه الكلمة المتأخرة وسطا حتى
بسقط همزتها، فتأمل.
. وإطلاق الأمر بأدعية التوجه (4) الدال على تخيير المكلف في الوقف
على آخرها وعدمه، ليس حاكما على أصالة الشغل في التكبيرة كاشفا عن
جواز إسقاط همزتها عند ترك الوقف على آخر الدعاء، لأن تلك

(1) الخلاف 1: 340، أبواب الصلاة، المسألة: 92.
(2) حكاه عنه في الروض: 259، والذخيرة: 266
(3) انظر المعتبر 2: 152، والذكرى: 178.
(4) الوسائل 4: 723، الباب 8 من أبواب تكبيرة الاحرام.
287

الاطلاقات لا تقتضي إلا جواز الدعاء على النهج العربي المقتضي لجواز
تحريك آخر الكلمة إذا لم يكن بعدها كلمة تجب شرعا ولو يحكم قاعدة
الشغل إثبات همزتها الوصلية، فلا يتوهم الاعتراض بأن قاعدة [الشغل] (1)
لا تقاوم الاطلاق، مضافا إلى أن تلك الاطلاقات واردة في مفام بيان
رجحان القراءة لا بيان كيفيتها.
ومنه ظهر ضعف القول (2) بجواز إسقاط همزة الوصل مع التلفظ
بالدعاء، فضلا عن النية.
(والعاجز عن العربية يتعلم وجوبا) بعد دخول وقت الصلاة، بل
قبله لمن يعلم بعدم التمكن بعده في وجه قوي، كما هو شأن كل مقدمة علم
بامتناع تحصيلها في زمان تعلق الوجوب مع تحقق الخطاب بذيها غير مقيد
بالتمكن منها في الوقت. ولا يجوز منه الصلاة بدون التكبير الصحيح مع سعة
الوقت ورجاء التعلم، ولو مع عدم التقصير، لأنه قادر على الصلاة التامة;
لقدرته على تحصيلها بالاشتغال بالتعلم، فلا يعد من المعذور في شئ،
كما لو احتاج تحصيل الساتر إلى زمان طويل.
نعم، لو عجز عن الاشتغال
بالتعلم مع رجاء حصول العلم به في آخر الوقت فهو من أولي الأعذار،
لكن عليه أيضا الانتظار، لأن عدم تمكن المكلف من الفعل التام في جزء من
الوقت موجب لعدم شمول الأمر التخييري المتولد من توسعة الوقت لذلك
الجزء كما لا يخفى.

(1) من (ط)
(2) لم نقف على قائلة، وحكاه الشهيد قدس سره في روض الجنان: 259 عن بعض
المتأخر بن، ومثله في الذخيرة: 266
288

نعم، لو كان المعجوز عنه في أول الوقت من الشروط كالستر مع ثبوت
اختصاص اشتراطها بحال التمكن، ففي جواز الصلاة بدونه في أول الوقت مع
رجاء حصوله فيما بعد وعدمه، وجهان مشهوران في مسألة أولي الأعذار،
والأقوى هناك أيضا: وجوب الانتظار، كما بين في محله. ويمكن جريان
الوجهين في الجزء المعجوز عنه أيضا، فيتحد عنوان الشروط والأجزاء.
ثم لو تعذر عليه التعلم; إما لضيق الوقت أو لليأس عنه، فإن عرف
الملحون من التكبيرة في إحدى كلمتيها أو فيهما مع إطلاق التكبير عليه
عرفا، فالظاهر وجوبه مقدما على الترجمة; لاشتماله على معنى التكبير والقدر
الميسور من لفظه، فلا يسقط بالمعسور، وإلا أتى بترجمته أعني ما يرادفه في
لغة أخرى، نسبه في المدارك إلى علمائنا ثم احتمل السقوط (1). وهو محجوج
بقوله عليه السلام: (لا صلاة بغير افتتاح) (2)، المعتضد بما ادعاه من الاتفاق، بل
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحريمها التكبير) (3) بناء على أن لفظ التكبير
كالتحميد والتسبيح ونحوهما من المصادر الموضوعة لانشاء مبادئها، وهو في
التكبير: الثناء على الله بصفة الكبرياء المتحقق بالعربي وغيره، غاية الأمر
قيام الدليل على وجوب كونه في ضمن القول المخصوص بالنسبة إلى القادر
فيبقى على إطلاقه بالنسبة إلى غيره، فالتقييد إنما أريد من الخارج لا من
اللفظ بقرينة الخارج.
نعم، لو ادعى انصرافه إلى الفرد المتحقق منه في ضمن القول

(1) المدارك 3: 320
(2) الوسائل 4: 716، الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 7.
(3) الوسائل 4: 1003، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث الأول.
289

المخصوص أو جعل من المصادر الجعلية المولدة من الألفاظ كالبسملة
والحولقة والتهليل ونحوها، فيراد منه التلفظ بالعبارة المخصوصة، سقط
الاستدلال المذكور، لكن كلتا الدعويين على خلاف الأصل والظاهر، مضافا
إلى استلزام ذلك تقييد الفقرة المزبورة - بل وخبر الافتتاح - بالقادر.
ولعل ما ذكرنا هو مرجع استدلال الجماعة (1) على الحكم المذكور، بأن
التكبير ذكر والمقصود منه المعنى، فإذا تعذر اللفظ الخاص عدل إلى معناه،
وإلا فهذا الوجه بمجرده اعتبار لا يصلح لوجوب الترجمة فضلا عن تقديمها
على ذكر عربي آخر.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا فرق في الترجمة بين اللغات،
وتقييد بعضهم (2) أنه يحرم بلغته محمول على غلبة التزام المترجم بلغته،
وقيل (3) بالترتيب بين العبراني والسرياني والفارسي وغيرها، لنزول كثير من
الكتب بالأولين، ونزول كتاب المجوس بالثالث، وما قيل (4) من أنها لغة
حملة العرش، والكل ضعيف.
(والأخرس)، الذي سمع التكبيرة وأتقن ألفاظها ولا يقدر على التلفظ

(1) انظر المعتبر 2: 153، والمنتهى 1: 268، والذكرى: 178.
(2) منهم العلامة قدس سره في القواعد 1: 271 والشهيد قدس سره في الذكرى: 178،
وغيرهما.
(3) لم نقف على القائل، وفي مفتاح الكرامة 2: 338: (وحكي في المقاصد العلية عن
بعض القول بوجوب تقديم السريانية والعبرانية) وفي نهاية الإحكام 1: 455 ويحتمل
أولوية السريانية والعبرانية. وفي الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 74، والأفضل
تقديم السريانية والعبرانية ثم...
(4) لم نقف على القائل، ونقاط الفاضل قدس سره في كشف اللثام 1: 214 بلفظ (قيل)
ومثله غيره.
290

بها أصلا، ومن بحكمة في العجز عن النطق (يعقد قلبه بها (1)) أي بصيغة
التكبير في حال تحريك اللسان أو الشفة أو اللهاة حركة منطبقة على الصيغة
المخطرة جزءا بجزء، بأن تكون حركة لسانه تعبيرا عن التكبيرة بمنزلة كلام
غير. متمائز الحروف، لأنه المقدور في حقه من التكبير، ولموثقة مسعدة بن
صدقة - المحكية عن قرب الإسناد - عن مولانا الصادق عليه السلام (إنك
قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح،
وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة
العجم والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح) (2).
وأما الاكتفاء عند حركة اللسان بنية كونها حركة التكبيرة - الراجعة
إلى نية البدلية، كما هو ظاهر بعض (3) - فممنوع أو محمول على الأخرس الذي
لم يسمع التكبيرة، ولكن عرف أو عرف إجمالا أن في الصلاة صيغة يتلفظ
بها، فإن الظاهر كفاية مجرد تحريك لسانه ناويا كونها التكبيرة، ويدل عليه:
رواية السكوني: إن (تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصلاة
تحريك لسانه والإشارة بإصبعه) (4) وظاهر الرواية اعتبار الإشارة بالإصبع
مع التحريك، وهو الأقوى في هذا القسم؟ للرواية المنجبرة بما في الرياض

(1) في الإرشاد: يعقد قلبة ويشير بها.
(2) قرب الإسناد: 49، الحديث 158، والوسائل 4: 812، الباب 67 من أبواب
القراءة في الصلاة، الحديث 2.
(3) لم نقف عليه.
(4) الوسائل 4: 801، الباب 59 من أبواب القراءة. الحديث الأول، مع اختلاف
يسير.
291

من عدم الخلاف في اعتبار الإشارة (1)، وإن قال في الروض: إنه ذكرها
بعضهم (2)، فلا أقل من عمل الأكثر، مضافا إلى أن المتعارف في الأخرس
إبراز مقاصده بحركة اللسان أو اللهاة أو الشفتين مع الإشارة باليد، فقد
أرجعه الشارع في تكلمه بالألفاظ المعتبرة في عباداته ومعاملاته إلى
ما اعتاده في إبراز سائر مقاصده، ومن هذا الوجه الاعتباري - منضما إلى
ظهور سياق الرواية في إرادة المثال من التلبية والقراءة - يظهر شمول الحكم
لما نحن فيه.
واحتمال اختصاص الإشارة في الرواية بمن لم يتمكن من تحريك
اللسان، فيكون جمعهما في الرواية باعتبار قسمي الأخرس القادر على
التحريك والعاجز عنه، بعيد.
وأما القسم الأول: فالأقوى عدم اعتبارها فيه، بناء على أن المتبادر
من الأخرس بحكم الغلبة هو غيره.
وأما الأخرس الذي لا يعرف أن في الوجود ألفاظا وأصواتا: فإن
أمكن إفهامه معنى التكبير إجمالا أفهمه وأمر بعقد قلبه عليه، للاجماع ظاهرا
- كما حكي (3) - على عدم السقوط عنه، وعدم القدرة على أزيد منه ومن
تحريك اللسان والإشارة إلى ذلك المعنى، المستفاد وجوبهما من الرواية
المتقدمة المنجبرة بما عرفت من الاشتهار، المعتضدة بما مر من الاعتبار.
ولا يتوهم أن عقد القلب بالمعنى غير معتبر بالنسبة إلى القادر على

(1) رياض المسائل 3: 359.
(2) روض الجنان: 259.
(3) انظر مجمع الفائدة 2: 196.
292

التلفظ وقصد المعنى تفصيلا، فكيف يجب على العاجز عنهما؟! لأن التلفظ
باللفظ الدال بالوضع على المعنى المستلزم للقصد إلى المعنى التفصيلي إجمالا
يغني عن الالتفات إليه تفصيلا، وإذا تعذر الالتفات إجمالا إلى المعنى
التفصيلي في ضمن اللفظ الموضوع له تعين الالتفات تفصيلا إلى المعنى
الاجمالي الذي أفهمه، لما عرفت من أن المقصود الأصلي معنى التكبير، مع
أنه لولا اعتبار قصد المعنى هنا لم يكن شئ يشار بإصبعه أو بيده إليه.
والتزام وجوب إفهامه الصيغة إجمالا فيشير إليها ليس بأولى من التزام
وجوب إفهام معناها، لما عرفت من أن المقصود الأصلي هو معنى التكبير
وأنه هو التكبير الحقيقي. نعم، لو تعذر إفهام المعنى أفهم الصيغة إجمالا.
واعلم أنه يستحب افتتاح مطلق الصلاة ولو نافلة في وجه قوي
- وفاقا لجماعة منهم المفيد (1) والمحقق (2) والمصنف (3) والشهيدان (4) والحلي (5)
قدس الله أسرارهم في المقنعة والمعتبر والمنتهى والذكرى والروض - بسبع تكبيرات
إحداها تكبيرة الافتتاح، على المعروف عن غير والد المجلسي المحكي عنه
كون الافتتاح بمجموع ما يختاره من الثلاث أو الخمس أو السبع (6); لظاهر
الأخبار، مثل قوله عليه السلام - في رواية أبي بصير -: (إذا افتتحت فكبر إن
شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا، وكل ذلك

(1) المقنعة: 111.
(2) المعتبر 2: 155.
(3) المنتهى 1: 269.
(4) الذكرى: 179، وروض الجنان: 260.
(5) السرائر 1: 216 و 307.
(6) البحار 84: 357.
293

مجز عنك، غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بواحدة) (1). ونحوها غيرها (2)
المحمولة - بقرينة الاجماع على اتحاد التحريمة، المنقول عن الأصحاب في
البحار (3) بعد حكاية القول المزبور عن والده، والمدعى في كلام كل من
ادعى الاجماع على التخيير - على إرادة بيان أصل استحباب التكبيرات
والابتداء بها في الصلاة، بناء على معلومية كون الافتتاح منها هي المقرونة
بالنية، ويدل عليه: ما ورد في المستفيضة من استحباب إجهار الإمام
بواحدة (4)، إذ الظاهر أن فائدة الجهر علم المأمومين بدخول الإمام في
الصلاة.
(و) كيف كان، فالمعروف بين الأصحاب: أن المصلي (يتخير في
السبع أيها شاء) قرنها بالنية و (جعلها تكبيرة الافتتاح) عند الأصحاب
كما في المنتهى (5) والذكرى (6)، وبلا خلاف كما عن المفاتيح (7) وشرحه (8)
والبحار (9)، ويدل عليه: ذيل الرواية السابقة، وصحيحتي الحلبي: (فإذا كنت

(1) الوسائل 4: 721، الباب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 3، وفيه: إلا
بتكبيرة.
(2) راجع الوسائل 4: 721، نفس الباب
(3) البحار 84: 358
(4) الوسائل 4: 730، الباب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام وغيره.
(5) المنتهى 1: 268
(6) لم نعثر عليه في الذكرى، وحكاه في مفتاح الكرامة 2: 341.
(7) المفاتيح 1: 127، المفتاح: 147
(8) مصابيح الظلام (مخطوط): 119.
(9) البحار 84: 357
294

إماما يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها، وتسر ستا) (1)
وصرح جماعة (2)
كما عن المشهور (3): أن الأفضل جعلها الأخيرة، وحكي عن الذكرى (4) نسبته
إلى الأصحاب، وفي الحكاية نظر.
وكيف كان، ففي المدارك (5) وكشف اللثام (6) أنه لم يعرف مأخذه، لكن
في شرح الروضة لكاشف اللثام (7) الاستدلال عليه برواية أبي بصير، وفيها
- بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله: (اللهم أنت الملك الحق...
إلخ) والدعاء عقيب الاثنتين بقوله: (ليبك وسعديك) وعقيب السادسة
بقوله: (يا محسن قد أتاك المسئ) - قال عليه السلام: (ثم تكبر للاحرام) (8)،
وفي الرضوي أيضا: (واعلم أن السابعة هي تكبيرة الاحرام) (3)، وفي روايتي
معاوية بن عما ر و عبد الله بن مغيرة وغيرهما: (أن التكبير في الفرائض

(1) الوسائل 4: 730، الباب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 1 و 3.
(2) منهم الشيخ قدس سره في المبسوط 1: 104، والعلامة قدس سره في النهاية 1:
458 وابن فهد الحلي قدس سره في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 75.
(3) حكاه البهبهاني في مصابيح الظلام (مخطوط): 119 وفيه: والمشهور أن الأفضل
جعلها الأخيرة.
(4) لم نعثر عليه في الذكرى، وحكاه السيد العاملي قدس سره في مفتاح الكرامة 2:
341.
(5) المدارك 3: 321.
(6) كشف اللثام 1: 215.
(7) المناهج السوية (مخطوط): 136،
(8) لم نقف على هذه الرواية في المجاميع الروائية، نعم نقلها في جامع المقاصد 2: 241.
(9) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 105 وفيه: هي الفريضة.
295

الخمس: خمس وتسعون تكبيرة، منها تكبيرات القنوت خمس) (1)، ولا يقف
التكبيرات على هذا العدد إلا إذا كان ما عدا واحدة من السبع خارجة عن
الصلاة، وجميع ذلك كاف في الاستحباب المذكور، مضافا إلى أنه أبعد عن
طروء المبطل. ولو لم يكن إلا فتوى جماعة بالاستحباب كفى ذلك فيه،
مضافا إلى أنه أحوط للخروج عن الخلاف المحكي (2) عن ظاهر المراسم (3)
والكافي (4) من تعين جعلها الأخيرة، وقد سبقهما على هذا في الغنية مدعيا
عليه الاجماع (5)، ولعله لظاهر ما ذكرنا من أدلة المشهور التي لا تنهض دلالة
لاثبات الوجوب، مضافا إلى وهنها بما عرفت من دعوى الاتفاق على
التخيير، بل معارضتها بظاهر الخبرين الواردين في علة زيادة الست على
تكبيرة الاحرام، وهي أن الحسين عليه السلام كان إلى جنب النبي صلى الله عليه وآله
وسلم فافتتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكبر الحسين عليه السلام وكان قد أبطأ
عن الكلام حتى خافوا أن يكون عليه السلام أخرس فكرر صلى الله عليه وآله وسلم
التكبير إلى سبع وكبر الحسين عليه السلام (6)، ويظهر ذلك أيضا من غيرهما (7)،
ولذلك حكم جماعة من متأخري المتأخرين (8) بتعين جعلها الأولى، وهو

(1) الوسائل 4: 719، الباب 5 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 1 و 2 و 3.
(2) حكاه الفاضل في كشف اللثام 1: 215.
(3) المراسم: 70.
(4) الكافي في الفقه: 122.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 497.
(6) الوسائل 4: 721، الباب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 1 و 4.
(7) انظر الوسائل 4: 722، الباب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام.
(8) منهم المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 127، المفتاح: 147، والوافي 8: 638،
والمحدث البحراني في الحدائق 8: 21 و 29 وحكاه عن الشيخ البهائي والسيد
الجزائري في الحدائق 8: 21.
296

كسابقه في الضعف لقصور الخبرين عن إفادة الوجوب سيما في مقابلة
إطلاقات التخيير المعتضدة بالاتفاقات المنقولة على التخيير، ولكن الأحوط
جعلها الأخيرة أو الاتيان بها بعد التحريمة بقصد مطلق الذكر.
(ولو كبر ونوى الافتتاح ثم كبر ثانيا كذلك) أي بنية أنه الافتتاح
سواء قارنه بنية الصلاة أم تجرد عنها على ما في جامع المقاصد (1)، لأن مقارنة
النية شرط لصحة التكبيرة لا لركنيتها (بطلت الصلاة); للزيادة الواقعة على
جهة التشريع، فتبطل اتفاقا إذا تعمده، وأما إذا وقع سهوا فقيل (2): لزيادة
الركن، بناء على ما هو المسلم بينهم من بطلان الصلاة بزيادته كنقيصته.
فهذا كله إذا لم ينو الخروج من الصلاة أو نواه وقلنا بعدم البطلان بنية
الخروج، وإلا كان البطلان مستندا إليها فتنعقد الصلاة بالثاني إن قارنه النية.
ثم على تقدير إبطال الثاني فلا ريب في عدم انعقاد الصلاة به وإن قارنه نية
الصلاة.
(فإن كبر ثالثة (3)) مع نية الصلاة (صحت)، وهذا في صورة تعمد
زيادة الثاني واضح، ضرورة عدم تحقق الانعقاد بالتكبير المنهي عنه، وأما
مع عدم النهي - كما في حال السهو أو النافلة، بناء على عدم حرمة إبطالها -
فقد يشكل بأنه لا مانع من حصول الأمرين به، الابطال والانعقاد، وقد
يدفع بأن بطلان التكبير الثاني لوقوعه في حال الصلاة مانع عن تأثيره،

(1) جامع المقاصد 2: 239.
(2) لم نقف عليه.
(3) في الإرشاد: ثالثا.
297

ضرورة عدم إمكان التأثير في حال صحة الصلاة، وهي إنما تنتفي بآخر جزء
من التكبير الثاني فكيف يتصور تأثيره بأول أجزائه للعقد والاحرام؟!
وفيه نظر يعلم منه النظر في الحكم بفساد صلاة من زعم تمام صلاته فأحرم
لصلاة جديدة نافلة أو غيرها، مضافا - في هذا الفرض - إلى منع تحقق
التكبير في الفريضة المتلبس بها على أنه جزء منها.
(ويستحب رفع اليدين بها) وبباقي التكبيرات سيما للإمام، بغير
خلاف بين العلماء كما في المعتبر (1) والمنتهى (2)، بل علماء الاسلام كما عن
جامع المقاصد (3)، وعن الصدوق أنه من دين الإمامية (4)، لأن رفع اليدين
ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع فأحب الله أن يكون العبد في وقت
ذكره مبتهلا متضرعا متبتلا، ولأن في رفع اليدين إحضارا للنية وإقبال
القلب على ما قصد، كما عن علل الفضل عن الرضا عليه السلام، ولأن زينة
الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة، كما في الخبر المحكي عن مجمع البيان (6)
في تفسير قوله تعالى: (وانحر) (7).

(1) المعتبر 2: 156.
(2) المنتهى 1: 269.
(3) جامع المقاصد 2: 240، وفيه: بين أهل الاسلام.
(4) أمالي الصدوق: 511.
(5) علل الشرائع: 264، الباب 182 الحديث 9، والوسائل 4: 727، الباب 9 من
أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 11.
(6) مجمع البيان 5: 550، والوسائل 4: 728، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام،
الحديث 14.
(7) الكوثر: 2.
298

خلافا للمحكي عن السيد، فأوجبه عند كل تكبيرة جاعلا له من
منفردات الإمامية (1)، متمسكا بظاهر الأمر به في الكتاب والسنة، المحمول
على الندب لقرائن كثيرة تظهر من الأخبار، كالمتقدم عن العلل والمجمع،
وكرواية علي بن جعفر عليه السلام المصححة: (على الإمام أن يرفع يده في
الصلاة وليس على غيره) (2)، فإنه لا مناص عن حملها على الاستحباب
المؤكد، سيما وأن إرادة الوجوب النفسي في التكبيرات - سيما المستحبة منها -
بعيدة، والحمل على الندب أولى من الوجوب الشرطي، ولعل السيد أراد من
الوجوب: تأكد الاستحباب; لأنه جعله من منفردات الإمامية الذين
لم يعرف القول بالوجوب عن واحد منهم إلا الإسكافي في خصوص تكبيرة
الاحرام (3)، لظاهر بعض الأخبار في خصوص التحريمة (4).
وكيف كان، فيستحب - على المختار -: أن يكون الرفع (إلى شحمتي
أذنيه (5)) كما عن كثير من الأصحاب (6)، بل عن المحكي عن الخلاف
الاجماع عليه (7)، ويدل عليه المحكي عن الرضوي (8)، واستدل عليه في

(1) الإنتصار: 44.
(2) الوسائل 4: 726، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 7.
(3) انظر الذكرى: 198.
(4) الوسائل 4: 728، الباب 10 من أبواب تكبيرة الاحرام.
(5) في الإرشاد: الأذنين.
(6) منهم الشيخ في المبسوط 1: 103، والعلامة في القواعد 1: 272، والشهيد الثاني
في الروضة البهية 1: 628، وانظر مفتاح الكرامة 2: 346،
(7) الخلاف 1: 321، كتاب الصلاة، المسألة: 72
(8) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 105
299

المعتبر (1) برواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا افتتحت
وكبرت فلا تجاوز أذنيك) (2)، ونحوها حسنة زرارة بابن هاشم (3)، وفي
صحيحة صفوان، قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام إذا كبر في الصلاة يرفع
يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه) (4)، وفي صحيحة معاوية بن عمار: (رأيت
أبا عبد الله عليه السلام حين يفتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلا) (5)،
وفي صحيحة ابن سنان: (يرفع يديه حيال وجهه) (6)، ومثلها رواية منصور
[بن] (7) حازم بزيادة قوله: (واستقبل القبلة ببطن كفيه) (8)، وفي رواية
الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام - في تفسير قوله تعالى: (وانحر) -
(معناه: ارفع يديك إلى النحر) (9)، ولكن في رواية عمر بن يزيد و عبد الله بن
سنان تفسيره برفعهما حذاء الوجه (10)، ونحوهما في التفسير: رواية جميل
بزيادة استقبال القبلة باليدين (11)، وعن الشيخ أن بالرفع إلى المنكبين رواية

(1) المعتبر 2: 157.
(2) الوسائل 4: 725، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 5.
(3) الوسائل 4: 728، الباب 10 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 2.
(4) الوسائل 4: 725، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث الأول.
(5) الوسائل 4: 725، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 2.
(6) الوسائل 4: 725، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 3.
(7) من المصدر.
(8) الوسائل 4: 726، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 6.
(9) الوسائل 4: 728، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 15. وهي مرسلة
ولكن ليست عن الأصبغ، وإنما ورد بمضمونها عن الأصبغ في الحديث 13.
(10) الوسائل 4: 728، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 16 وذيله.
(11) الوسائل 4: 728، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 17.
300

عن أهل البيت عليهم السلام (1)، ويستفاد من مجموع هذه الأخبار - بعد ملاحظة
مطلقات الرفع -: التخيير بين الكل واستحباب أصل الرفع; بناء على عدم
حمل المطلق على المقيد في السن والآداب، أو بناء على التسامح بمجرد احتمال
دلالة المطلقات على استحباب المسمى، وكون أخذ القيود مستحبا في
مستحب.
ثم المشهور في كيفية الرفع - بل في المنتهى (2) وعن المعتبر (3) ما يظهر منه
الاتفاق عليه -: الابتداء بالرفع عند ابتداء التكبير والانتهاء عند الانتهاء،
لأنه الظاهر من الرفع وقت التكبير، أو الرفع بالتكبير - الوارد كل منهما في
الروايات (4) - والظاهر كفاية المقارنة العرفية، وعن بعض (5): أن التكبير بعد
الرفع وقبل الارسال; لظاهر الحسنة: (إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم
ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات) (6)، وعن ثالث (7): أنه حال
الارسال، قيل (8): لعله لدعوى أن المراد من البسط في الرواية هو الارسال.

(1) لم نقف عليه في كتب الشيخ قدس سره، وحكاه صاحب الجواهر في الجواهر 9: 233
نعم، هذا هو قول المحقق قدس سره في المعتبر 2: 200.
(2) المنتهى 1: 285.
(3) المعتبر 2: 200.
(4) انظر الوسائل 4: 725 و 728، الباب 9 و 10 من أبواب تكبيرة الاحرام.
(5) لم نقف على قائله، ونقله في الحدائق 8: 49 والظاهر اختياره هذا.
(6) الوسائل 4: 723، الباب 8 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث الأول.
(7) لم نقف على قائله، ونقله الشهيدان في الذكرى: 179، وروض الجنان: 260
ولم يعينا القائل ومثلهما غيرهما.
(8) انظر الجواهر 9: 235.
301

ثم إن المحكي عن الأكثر (1)، بل عن بعضهم أن الظاهر اتفاقهم
عليه (2): استحباب ضم ما عدا الابهام من الأصابع، إلا أن المحكي عن
البحار عن كتاب زيد النرسي عن أبي الحسن عليه السلام: أنه فرق بين الأربع
وبين الخنصر (3)، والظاهر أنه شاذ، كما عن المصابيح (4).
واختلفوا في تفريق الابهام وضمه إلى الأربع، فعن الإسكافي (5)
والمفيد (6) والسيد (7) والقاضي (8) والحلي (9): التفريق، وجعله في الذكرى أولى،
ثم قال: والكل منصوص (10)، انتهى.
ولعل مستند القول بالضم: ظاهر رواية حماد الدالة على أنه عليه السلام
أرسل يديه على فخذيه قد ضم أصابعه (11); فإن الظاهر منها - بقرينة
ورودها في بيان حدود الصلاة الكاملة -: كون الضم كالارسال مقدمة للرفع

(1) لم نقف عليه، نعم في الرياض 3: 366 نسبة ضم الأصابع كلها إلى الأكثر ومثله في
المستند 1: 327.
(2) انظر الحدائق 8: 51.
(3) البحار 84: 225 الحديث 12
(4) لا يوجد لدينا، ونقله في الجواهر 9: 237 عن منظومة السيد الطباطبائي، انظر
الدرة النجفية: 118
(5) نقله في المعتبر 2: 156.
(6) المقنعة: 103.
(7) نقله في المعتبر 2: 156.
(8) المهذب 1: 92.
(9) السرائر 1: 216.
(10) الذكرى: 179.
(11) الوسائل 4: 674، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث الأول.
302

مضمومة الأصابع، مع أنه لو فرقه في حال الرفع لحكاه حماد، ويدل عليه
أيضا: صدر رواية زيد النرسي المتقدمة (1)، ولا يقدح فيه شذوذ ذيلها.
وأما التفريق: فلم أعثر له على مستند، كما اعترف به بعض (2).
(و) يستحب (إسماع الإمام) ل‍ (من خلفه) تكبيرة الاحرام;
ليقتدوا به - إذ لا يعتد بتكبيرهم قبله - كما عن المشهور (3)، وفي المنتهى
لا نعرف فيه خلافا (4); لعموم ما ورد من استحباب إسماع الإمام من خلفه
ما يقوله (5). ولا ينبغي المناقشة بعدم كونه إماما قبل التحريمة، بعد ما أطلق
عليه ذلك مثل قوله: (إذا كنت إماما يجزيك أن تكبر واحدة تجهر فيها) (6)،
وقوله في رواية أبي بصير: (إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة) (7)، ونحوهما،
وقد يستفاد من هذه الرواية - كالمحكي (8) من مداومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم -
استحباب الاخفات بالبواقي.
ويسر المأموم، لعموم: (لا ينبغي لمن خلفه أن يسمع الإمام شيئا) (9).

(1) تقدم آنفا عن البحار 84: 225.
(2) لم نقف عليه.
(3) الجواهر 9: 228.
(4) المنتهى 1: 269.
(5) الوسائل 5: 452، الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(6) الوسائل 4: 730، الباب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث الأول.
(7) الوسائل 4: 730، الباب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 4.
(8) الوسائل 4: 730، الباب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 2.
(9) الوسائل 5: 452، الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3 مع اختلاف
يسير.
303

ويتخير المنفردة للاطلاق، وعن الجعفي (1): استحباب الجهر له; للنبوي (2)
الضعيف سندا ودلالة.
(و) ينبغي (عدم المد بين الحروف) كمد الألف التي بين اللام
والهاء بحيث يخرج عن مقداره الطبيعي، أو مد همزة لفظ الجلالة بحيث
يخرج (3) إلى الاستفهام، أو إشباع فتحة الباء بحيث يخرج إلى (أكبار) - الذي
هو جمع (كبر) بالتحريك، وهو الطبل الذي له وجه واحد - وإلا بطل إن
قصدهما إجماعا، وعلى الأقوى إن لم يقصدهما، وفاقا لجماعة (4) منهم الشارح
في الروض (5); معللا بأنه لا اعتبار للقصد في دلالة اللفظ على معناه
الموضوع له، وفيه: مع (6) منع دلالة اللفظ على المعنى المغاير للتكبير مع عدم
قصده إلا إذا لم يكن التلفظ به للتكبير جاريا على القانون العربي، وإلا فإن
قلنا بورود الاشباع في الحركات في لغة العرب إلى أن ينتهي إلى الحروف
كما في المنتهى (7)، كان اللفظ من حيث الهيئة مشتركا بين اسم التفضيل
والجمع، فلا بأس به ما لم يقصد المعنى الآخر، فالعمدة في المنع وجوب

(1) نقله عنه في الذكرى: 179، وفيه: وأطلق الجعفي رفع الصوت بها.
(2) الظاهر أن المراد منه، ما مر في الصفحة السابقة، الهامش رقم: 8، ولم نعثر على
غيره.
(3) في النسختين: لا يخرج.
(4) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 236 والسيد السند في المدارك 3: 323،
وانظر مفتاح الكرامة 2: 339 و 345 والجواهر 9: 227 و 228.
(5) روض الجنان: 260.
(6) كذا في (ط)، والظاهر أنه مرض عنه في (ق).
(7) المنتهى 1: 268،
304

الاقتصار على المتيقن وعدم التعدي إلى غيره وإن كان موافقا للقانون.
ومنه يعلم وجه المنع عن ذكر المفضل عليه، مثل قوله: (من كل
شئ) و (من أن يوصف) وإن فسر بهما في الأخبار (1)، كما في القواعد (2)
وغيره (3).
وفيه نظر; لأن الزيادة لا يخرج المزيد عليه عن الهيئة الموظفة، ومنه
يعلم قوة جواز عطف شئ آخر مثل قوله: و (أجل) و (أعظم)، خلافا
للعلامة الطباطبائي في الموضعين (4).
وكذا زيادة مد الألف بين اللام والهاء، المحكوم في كلام المحقق (5)
والمصنف (6) وغيرهما (7) قدس الله أسرارهم باستحباب تركه; لأنها أيضا لا تخرج
عن توقيفية الهيئة، بل الحكم بتوقيفية مثل هذه الخصوصيات مستلزم للحرج
الشديد، مضافا إلى منع الدليل على اعتبارها، لانصراف الإشارة في قوله
عليه السلام لحماد: (هكذا صل) (8) إلى غير هذه الخصوصيات، فينفي وجوبها
بإطلاق هذا الأمر.

(1) انظر معاني الأخبار: 11، باب معنى (الله أكبر).
(2) القواعد 1: 271.
(3) انظر جامع المقاصد 2: 237، ونقله في مفتاح الكرامة 2: 338، عن كشف
الالتباس.
(4) انظر الدرة النجفية: 117.
(5) الشرائع 1: 80.
(6) راجع الصفحة السابقة.
(7) مثل الشهيد الثاني في روض الجنان: 260 والفيض في المفاتيح 1: 126 وغيرهما.
(8) الوسائل 4: 674، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث الأول.
305

ومما ذكرنا أيضا يعلم جواز إظهار ضم الراء وعدم وجوب الجزم،
وإن كان أقوى في الاعتبار من سابقه، إلا أن ظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(التكبير جزم) (1): الاستحباب، كما في الروض (2) والمفاتيح (3)، وعن
غيرهما (4) وعن بعض (5): اتفاق الأصحاب عليه.

(1) نقله في الذكرى: 179.
(2) روض الجنان: 260.
(3) مفاتيح الشرائع 1: 126، المفتاح: 146.
(4) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 240، والسيد الشفتي في المطالع 2: 23.
(5) لم نقف عليه.
306

(الرابع) من الواجبات (القراءة)
(وتجب) الحمد إجماعا محققا ومستفيضا (في) الفريضة
(الثنائية)، بل الأحادية كصلاة الاحتياط والمنذورة فردا على الأقوى،
(وفي الأوليين (1)) باليائين المثناتين، وهو الأشهر كما في الروض (2)، ويجوز
بالتاء تثنية (أولة) كما في الروض (3) وشرح الروضة (4)، وهي مؤنث أول
الاسمي، كما أن (الأولى) مؤنث أول الوصفي، كما عن أبي حيان في
الارتشاف (5)، فظهر ما في جامع المقاصد من عدم استعمال الأولة (6).
وكيف كان، فليست قراءة الفاتحة ركنا على المشهور، بل عن الخلاف

(1) في الإرشاد: وفي الأولتين من غيرها الحمد.
(2) روض الجنان: 260
(3) روض الجنان: 260
(4) المناهج السوية (مخطوط): 100، وفيه: (الأولى قراءته بالتاء الفوقانية).
(5) نقله عنه في المناهج السوية (مخطوط): 100
(6) جامع المقاصد 2: 244.
307

دعوى الاجماع (1)، ويدل عليه الأخبار المستفيضة الدالة على عدم
الإعادة بنسيان ما عدا الخمسة، كما في قوله عليه السلام: (لا تعاد الصلاة
إلا من خمسة) (2)، أو بنسيان خصوص القراءة مثل ما ورد في ناسي
القراءة في صلاته تارة: (أليس قد أتممت الركوع والسجود؟ قال: بلى.
قال: تمت صلاتك) (3)، وأخرى: (إذا حفظت الركوع والسجود تمت
صلاتك) (4).
وما ورد من أن القراءة سنة، كما يظهر من صحيحة ابن سنان من أن
الله فرض من الصلاة الركوع والسجود (5)، وصرح به في صحيحة ابن مسلم
بزيادة: (ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته) (6).
وبذلك ظهر أن القول بالركنية - كما عن محكي الشيخ (7) وعن التنقيح (8)
نسبته إلى ابن حمزة، وإن قال بعض: إني لم أجده في وسيلته (9) - ضعيف جدا،

(1) نقله في مفتاح الكرامة 2: 349، وانظر الخلاف 1: 334، كتاب الصلاة،
المسألة: 85.
(2) الوسائل 4: 770، الباب 29 من أبواب القراءة الحديث 5.
(3) الوسائل 4: 769، الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 2، وفيه: قد
تمت صلاتك إذا كان نسيانا.
(4) الوسائل 4: 771، الباب 30 من أبواب القراءة، الحديث 3.
(5) الوسائل 4: 735، الباب 3 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(6) الوسائل 4: 767، الباب 27 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(7) المبسوط 1: 105.
(8) التنقيح الرائع 1: 197.
(9) مفتاح الكرامة 2: 350.
308

وإن دل عليه ظاهر النبوي المشهور: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (1)
المصرح به في صحيحة ابن مسلم من أن تارك القراءة لا صلاة له إلا أن
يبدأ بها في جهر أو إخفات (2)، وكذا رواية سماعة (3).
ثم إن مقتضى بعض ما تقدم من أدلة المختار: اختصاص البطلان
بصورة تعمد الترك، المتبادر منه القصد إليه مع العلم بالوجوب. نعم، الجاهل
به عندهم كالعامد، دون الجاهل بالموضوع الذي يتركها لاعتقاد عدم
الوجوب في خصوص الموضع، مثل: ما لو صلى بنية الاقتداء فبان عدم
الإمام، أو فقد شرط من الشروط المطلقة للجماعة، أو زعم أن الإمام في
إحدى الأوليين فلم يقرأ فتبين بعد الركوع أنه كان في غيرهما، ومثله:
ما إذا صلى رجلان نوى كل منهما الائتمام بصاحبه، مع أن الصحة فيما قبل
المسألة الأخيرة ثابتة من غير هذه الجهة.
أما في الأوليين: فلما دل على عدم إعادة الصلاة خلف الكافر بعد
تبين كفره (4); فإن فحواه يدل على عدم الإعادة خلف من تبين عدم إيمانه،
فإذا انضم ذلك إلى ما ورد من أن الإمام المخالف قدام المأموم بمنزلة
الجدار (5) بمعنى أن وجوده كعدمه غير مؤثر، دل على صحة الصلاة مع عدم
الإمام أو فساد الائتمام، فتأمل.

(1) مستدرك الوسائل 4: 158، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث 5 و 8.
(2) الوسائل 4: 732، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث الأول، نقلا بالمعنى.
(3) الوسائل 4: 768، الباب 28 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(4) الوسائل 5: 435، الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل 5: 429، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10، وفيه: (ما
هم عندي إلا بمنزلة الجدر).
309

وأما في الثالثة: فلأن المأموم وإن كان حال قيام الإمام مخاطبا
بالقراءة; بناء على وجوبها على المأموم المسبوق، إلا أن ذلك التكليف سقط
عنه عند ركوع الإمام، وتعين عليه المتابعة في الركوع، ولهذا لو تبين له ذلك
في حال قيامه وركوع الإمام لم تجب القراءة عليه، ووجبت المتابعة في
الركوع، وتمام الكلام في باب الجماعة.
وكيف كان، فيشكل ما ذكرنا في أصل المسألة بأن ظاهر كلام جماعة
كالفاضلين (1) والشهيدين (2) وغيرهم (3)، بطلان الصلاة في المسألة الأخيرة
معللين بترك القراءة، وأيدوه برواية السكوني (4) الواردة في المسألة، ولعله
لدعوى مدق تعمد الترك عليه المبطل فتوى ونصا; فإن التعمد قد يكون
للعصيان، وقد يكون للجهل بالحكم أو الموضوع.
والتبادر المدعى ممنوع،
فالأقوى البطلان مطلقا، كبطلان النافلة مع تركها فيها أيضا، على المشهور
بل المعروف عن غير (5) المصنف قدس سره في التذكرة (6); لاطلاق أكثر ما تقدم،
مضافا إلى قاعدة اتحاد النافلة والفريضة في الأجزاء والشروط إلا ما خرج،
وتوقيفية النافلة، والنبوي المرسل: (كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب

(1) التذكرة (الطبعة الحجرية) 1: 175، والنهاية 2: 127، والمعتبر 2: 424.
(2) الذكرى: 272، وروض الجنان: 375.
(3) منهم السيد السند في المدارك 4: 333، والمحقق النراقي في المستند 1: 524
وصاحب الجواهر في الجواهر 13: 237.
(4) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(5) انظر الحدائق 8: 94، والجواهر 9: 286، ومفتاح الكرامة 2: 350.
(6) انظر التذكرة 3: 130.
310

فهي خداج) (1) أي ناقص. ويشعر به أيضا: رواية إسماعيل بن جابر - أو ابن
سنان - قال: (قلت له أقوم آخر الليل وأخاف الصبح، فقال: إقرأ الفاتحة
وأعجل وأعجل) (2)، فإن التأكيد في الاعجال مع الأمر بتمام الفاتحة في ضيق
الوقت الذي قد يرخص لأجله في ترك بعض واجبات الصلاة، ظاهر في
وجوبها في النافلة، بمعنى اعتبارها فيها.
فظهر ضعف ما حكي عن التذكرة (3) - ورجع عنه في المختلف (4)،
كما قيل (5) - من عدم وجوبها فيها; ولعله لعموم المنزلة في قوله عليه السلام: (إن
النافلة بمنزلة الهدية متى ما أتى بها قبلت) (6)، حيت إن النقص من الهدية
لا يوجب عدم قبولها، بناء على أن قوله: (متى ما أتى بها قبلت) ليس مقيدا
للمنزلة، بل هو من الأحكام المتفرعة عليها، ورواية علي بن أبي حمزة
الضعيفة: (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الراحل المستعجل، ما الذي
يجزيه في النافلة؟ قال: ثلاث تسبيحات في القراءة وتسبيحة في الركوع
وتسبيحة في السجود) (7)، والعمل على المشهور.

(1) الوسائل 4: 733، الباب الأول من القراءة في الصلاة ه الحديث 6.
(2) الوسائل 3: 187، الباب 46 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
(3) تقدم في الصفحة السابقة.
(4) المختلف 2: 160، وفيه: (والأقوى قراءة الفاتحة أيضا).
(5) لم نقف عليه بعينه، نعم قد يستفاد هذا مما في مفتاح الكرامة 2: 350.
(6) الوسائل 3: 169، الباب 37 من أبواب المواقيت، الحديث 3، وفيه: (اعلم أن
النافلة... الخ).
(7) الوسائل 4: 925، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 9، وفيه: سألت أبا
الحسن عن الرجل المستعجل... الخ.
311

(و) يجب - فيما ذكر من الفريضة - بعد الحمد: قراءة (سورة كاملة)
على الأشهر بين من تقدم ومن تأخر، وعن الانتصار (1) والغنية (2) والوسيلة (3)
وشرح القاضي للجمل (4): الاجماع عليه، بل وعن الصدوق (5) وعن الخلاف (6)
والمبسوط (7): نسبته إلى ظاهر روايات أصحابنا ومذاهبهم، مثل رواية يحيى
ابن عمران الهمداني: (أنه كتب إلى أبي جعفر عليه السلام يسأله عمن ترك
البسملة في السورة؟ فكتب عليه السلام: يعيد) (8).
وحسنة عبد الله بن سنان - بابن هاشم - عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، ويجوز للصحيح
في قضاء صلاة التطوع بالليل والنهار)، (9).
ومفهوم صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (لا بأس بأن
يقرأ الرجل بفاتحة الكتاب في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة

(1) الإنتصار: 44.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 495.
(3) الوسيلة: 93، وفيه: المتفق على وجوبه.
(4) شرح جمل العلم والعمل: 85.
(5) أمالي الصدوق: 512، وفيه: (أنه من دين الإمامية)، والظاهر سقوط هذه العبارة
من المتن. انظر الجواهر 9: 331.
(6) الخلاف 1: 335، كتاب الصلاة، المسألة: 86.
(7) المبسوط 1: 107.
(8) الوسائل 4: 746، الباب 11 من أبواب القراءة، الحديث 6، نقلا بالمعنى.
(9) الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة، الحديث 5.
312

أو تخوف شيئا) (1).
وما ورد في المعتبرة في باب الجماعة - من أمر المسبوق بقراءة أم
الكتاب وسورة -: (فإن لم يدرك السورة تامة أجزأه أم الكتاب) (2).
وما روي عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام: (إنما أمر الناس
بالقراءة في الصلاة لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا وليكن محفوظا مدروسا
ولا يضمحل ولا يجهل، وإنما بدئ بالحمد في كل قراءة دون سائر السور
لأنه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة
ما جمع في سورة الحمد.. إلى آخر الحديث) (3)، وما رواه الشيخ في الصحيح
عن معاوية بن عمار قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أقرأ بسم الله
الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، قلت: فإذا قرأت الفاتحة، أقرأ
بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال: نعم،) (4).
فإن السؤال في المقامين إنما هو عن وجوب قراءة البسملة،
وإلا فجوازها، بل استحبابها غير قابل للسؤال.
ويؤيد هذه الروايات روايات أخرى كثيرة جدا، مثل: ما يظهر منه
اعتقاد الراوي لوجوب السورة وتقرير الإمام عليه السلام إياه، كروايتي علي بن
جعفر عن أخيه، والصيقل عن أبيه صلوات الله عليهما، المسؤول فيهما عن إجزاء

(1) الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(2) الوسائل 5: 445، الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(3) الفقيه 1: 310، الحديث 926، والعيون 2: 107، والعلل: 260، ذيل الحديث
9، والوسائل 4: 733، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث 3.
(4) التهذيب 2: 69، الحديث 251، وفيه: (في فاتحة القرآن)، والوسائل 4: 746،
الباب 11 من أبواب القراءة في الصلاة، ذيل الحديث 6.
313

فاتحة الكتاب وحدها مع الاستعجال (1)، وصحيحة محمد بن مسلم
- المتقدمة (2) - في تارك الفاتحة وفيها بعد قوله: (لا صلاة له إلا أن يبدأ بها
في جهر أو إخفات. قلت: فأيهما أحب إليك إذا كان خائفا أو مستعجلا،
يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب؟ قال: فاتحة الكتاب) (3).
ومضمرة محمد بن إسماعيل: (أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في
مواضع فيها الأعراب، أنصلي المكتوبة على الأرض فنقرأ أم الكتاب
وحدها، أم نصلي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ فقال: إذا
خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها، وإذا قرأت الحمد والسورة أحب
إلي، ولا أرى بالذي فعلت بأسا) (4).
وربما يستدل (5) على المطلب بنفس أمر الإمام عليه السلام بالصلاة على
الراحلة - المحرمة إجماعا مع الاختيار - لمراعاة السورة، وفيه نظر; لأن
الظاهر أن أمره بذلك من جهة ثبوت أصل الخوف هناك، المستفاد من قوله:
(ننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب) وإن تفاوتت مراتبه بالاقتصار على
الفاتحة أو زيادة السورة عليها، فإن هذا المقدار لا يوجب الاختلاف في
أصل الخوف وعدمه، فكأن الإمام ردعه عما اعتقد من جواز الصلاة مخففة
في المنازل المخوفة تخفيفا للخوف، ونهاه عن النزول لأجل الصلاة في مثل

(1) الوسائل 4: 734 - 735، الباب 2 من أبواب القراءة، الحديث 6 و 4.
(2) تقدمت في الصفحة: 309.
(3) الوسائل 4: 732، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 4: 736، الباب 4 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(5) استدل هو به صاحب الوسائل قدس سره في ذيل الحديث المتقدم، والسيد
الطباطبائي في الرياض 3: 385 و 386.
314

تلك المنازل، وفي الرواية قرائن على ما قلنا كما لا يخفى.
ومثل ما دل على حرمة العدول بعد النصف (1)، الظاهرة في وجوب
الاتمام، ومثل ما ورد في بيان كيفية صلاة الآيات وكميتها لزرارة ومحمد بن
مسلم، السائلين عنهما بقولهما: كم هي ركعة؟ وكيف نصليها؟ فقال: (عشر
ركعات وأربع سجدات تفتتح الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة) (2) حيث إنه
لم يتعرض لوجوب السورة ولا الفاتحة فيها مع وجوبهما فيها، كما دلت عليه
ذيل هذه الرواية وغيرها، فقد أحال ذلك على علم السائل بوجوب السورة
كالفاتحة في كل فريضة. وكذا ما ورد في بيان صلاة العيد مع وجوب السورة
فيها (3)، كما اعترف به بعض منكري وجوبها في غيرها، مدعيا عليه
الاجماع (4)، إلى غير ذلك مما ربما يقف عليه المتتبع.
كيف؟! ويكفي في مثل المسألة - التي لا يبعد في مثلها لزوم الاحتياط
تحكيما لقاعدة الشغل - واحد مما قدمناه من الأخبار، بعد الاعتضاد
أو الانجبار بالاجماعات المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة التي لا يبعد
معها دعوى ندرة المخالف; لرجوع المحقق (5) والمصنف (6) قدس سرهما - على

(1) الوسائل 4: 776، الباب 36 من أبواب القراءة وغيره من الأبواب، وانظر دعائم
الاسلام 1: 161.
(2) الوسائل 5: 150، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، الحديث 6.
(3) انظر الوسائل 5: 105، الباب 10 من أبواب صلاة العيد.
(4) مثل السيد السند في المدارك 4: 108،: واختار قدس سره استحباب السورة في
المدارك 3: 347.
(5) المختصر النافع: 30، والشرائع 1: 82.
(6) القواعد 1: 272، والنهاية 1: 461، والمختلف 2: 142.
315

تقدير تسليم ميله إليه في المنتهى (1) - عنه في كتبهما المتأخرة، واضطراب
العبارة المحكية عن خلاف (2) الشيخ، مضافا إلى نسبته الوجوب فيه إلى
ظاهر روايات الأصحاب ومذاهبهم (3)،
مع احتمال أن يكون أورد في
النهاية (4) مضمون بعض الأخبار الدالة على عدم الوجوب إيرادا
لا اعتقادا، كما ينادي به الحلي (5) في كثير من الموارد. فلم يبق إلا الإسكافي (6)
والديلمي (7)، مع أن الغالب - كما قيل (8) - مطابقة فتوى الأول منهما لفتاوى
العامة، حتى أنه في الرياض (9) كثيرا ما يجعل فتواه قرينة على حمل الخبر

(1) لم نقف على ميله إلى ذلك في المنتهى، ونسبه إليه في المدارك 3: 347 (انظر المنتهى
1: 272، مبحث القراءة).
(2) كذا، والظاهر أنه سهو، فإن الاضطراب هو في عبارة النهاية لا الخلاف، كما ورد في
الأوراق المكررة بخط المؤلف قدس سره، انظر الصفحة: 567 من هذا الكتاب ومفتاح
الكرامة 2: 350 و 351.
وأما نسبة الوجوب إلى ظاهر روايات الأصحاب، فقد تقدم عن الخلاف
والمبسوط، فراجع الصفحة: 312.
(3) الخلاف 1: 335، كتاب الصلاة، المسألة: 86.
(4) النهاية: 75.
(5) انظر السرائر 1: 99 و 269 و 394 وغيرهما من الموارد.
(6) حكاه عنه في المختلف 2: 142.
(7) حكاه عنه في المختلف 2: 142، وانظر المراسم: 69، ذكر كيفية الصلاة.
(8) لم نقف عليه.
(9) انظر الرياض (الطبعة الحجرية) 2: 66، وفيه: (فلتحمل تلك الأخبار على التقية
لذلك، مع اعتضاده بمصير الإسكافي كما عرفته غير مرة) و 1: 14 و 20 أيضا
وغيرها من الموارد.
316

الموافق لها على التقية كما اتفق ذلك فيما نحن فيه (1) على تقدير فتواه بعدم
الوجوب، وإلا فالمحكي عنه (2) ظاهر في جواز التبعيض لا ترك السورة
رأسا.
نعم، حكي عن ظاهر العماني حيث قال: (وأقل ما يجزي في الصلاة
من القراءة عند آل الرسول فاتحة الكتاب) (3) مع أنه حكي عنه في المختلف
- على ما قيل - القول بالوجوب (4)، فلعله أراد أقل المجزي بالنسبة إلى الجميع
حتى المستعجل وخائف ضيق الوقت، فلم يبق - فيما استقر عليه صريح آراء
المتقدمين والمتأخرين إلى زمان صاحب المدارك - إلا الديلمي.
نعم، تبعه صاحب المدارك (5) وجماعة ممن تأخر عنه (6); لصحيحة ابن
رئاب والحلبي - أو صحيحتيهما; بناء على التعدد - عن الصادق عليه السلام: (إن
فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة) (7) المحمولة على صورة العذر
لما تقدم، وصحيحتي سعد بن سعد (8) وزرارة (9) الدالتين على جواز التبعيض

(1) الرياض 3: 389.
(2) حكاه المحقق في المعتبر 2: 174.
(3) لم نقف عليه بعينه، نعم يظهر ذلك من كشف الرموز 1: 153.
(4) المختلف 2: 142.
(5) المدارك 3: 347.
(6) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 268، والفيض الكاشاني في مفاتيح الشرائع
1: 131.
(7) الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة، الحديث 1 و 3.
(8) الوسائل 4: 737، الباب 4 من أبواب القراءة، الحديث 6.
(9) الوسائل 4: 737، الباب 4 من أبواب القراءة، الحديث 7.
317

المحمولتين على النافلة، وما ورد من تبعيض الصادقين عليهما السلام في
صلاتهما (1)، وحمل على التقية بقرينة قول الصادق عليه السلام بعد الصلاة: (إنما
أردت أن أعلمكم) (2)، وقوله عليه السلام بعد السؤال عن فعل أبيه عليهما السلام: (إنما
صنع ذا ليفقهكم ويعلمكم) (3).
وعلى أحد هذه المحامل الثلاثة يحمل جميع ما ورد في هذا الباب (4) من
التبعيض الدال بضميمة الاجماع المركب المدعى في كلام بعض (5) على عدم
وجوب السورة إغماضا عما يظهر من المحكي عن الإسكافي (6).
ولو سلم تعارض أحدهما - مع احتمال حمل أخبار المختار على
الاستحباب; بناء على تمشيه في جميعها - كفى في الترجيح مطابقة الأصحاب
وموافقة الكتاب ومخالفة [العامة] كالشافعي وغيره من الجمهور كما في
المعتبر (7) والمنتهى (8)، مع كونه مقتضى الاحتياط اللازم هنا أو المطلوب في
كل باب.
ثم إن الخلاف في المسألة - على ما في المعتبر (9)

(1) الوسائل 4: 738، الباب 5 من أبواب القراءة، الحديث 1 و 3.
(2) الوسائل 4: 738، الباب 5 من أبواب القراءة، الحديث 1 و 3.
(3) الوسائل 4: 738، الباب 5 من أبواب القراءة، الحديث 1 و 3.
(4) راجع الوسائل 4: 737، الباب 4 من أبواب القراءة، الأحاديث 4 و 5 و 6، و 4:
738، الباب 5 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(5) انظر المختلف 2: 144، والذخيرة: 269، ومفاتيح الشرائع 1: 131.
(6) تقدم حكاية ذلك في الصفحة: 316.
(7) المعتبر 2: 171.
(8) المنتهى 1: 272.
(9) المعتبر 2: 171.
318

والمنتهى (1) والمدارك (2) - منحصر في الفرائض مع الاختيار وسعة الوقت
وإمكان التعلم،
وصرحوا بعدم الخلاف في غير ذلك، فلا يجب في النوافل
بالنص (3) - ومنه ما ورد في صلاة الاحتياط (4) - والاجماع (5) نقله، إلا إذا أخذ
السورة المطلقة أو سورة خاصة في كيفيتها فلا تشرع من دونها، إلا أن
يقصد بها امتثال مطلق الأمر بالنافلة لا النافلة الخاصة.
وكذا لا يجب مع الاضطرار، ولو بأن يشق عليه لمرض يطلب معه
تخفيف الصلاة; لحسنة ابن سنان (6) المتقدمة في أدلة المشهور، وإطلاق
المريض فيها محمول بل منصرف إلى ما ذكرنا، وفي كشف اللثام: دعوى
النص والاجماع على خروج المريض والمستعجل (7)، وظاهره - ككثير من
النصوص المتقدمة (8) -: كفاية مطلق الاستعجال لغرض ديني ولو لم يبلغ حد
الوجوب، أو دنيوي ولو لم يبلغ حد الاضطرار، ولا بأس به بعد قيام الدليل
عليه الرافع لاستبعاد كون مطلق الحاجة عذرا في ترك الواجب.

(1) المنتهى 1: 271 - 272.
(2) المدارك 3: 347.
(3) انظر الوسائل 4: 734 الباب 2 من أبواب القراءة.
(4) الوسائل 5: 322، الباب 11 من أبواب الخلل، الأحاديث 1 و 3 و 6.
(5) انظر الذكرى: 194، وفيه: تستحب السورة في النافلة عقيب الحمد بالاجماع.
(6) الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة، الحديث 5، وتقدمت في
الصفحة: 312.
(7) كشف اللثام 1: 220.
(8) تقدمت في الصفحة: 312 - 314.
319

وفي الحكم (1) بترك السورة لمتابعة الإمام في الركوع مع القول بجواز نية
الانفراد في جميع الأحوال إيماء إلى ذلك، وإن كان المتابعة عذرا في ترك
ما هو أهم من السورة كالفاتحة وبدلها كلا أو بعضا إذا فات بهما لحوق الإمام
في الركوع.
ومن فحوى ما ذكرنا يعلم سقوط السورة مع ضيق الوقت بحيث يخرج
الوقت بقراءته، وإن أدرك منه ركعة; فإن إدراك مجموع الصلاة في وقتها
غرض مطلوب للعقلاء والمتدينين، مضافا إلى إطلاق نفي الخلاف في الكتب
المتقدمة (2) وعن الحدائق (3)، ومع ذلك فالحكم لا يخلو عن إشكال; لو هن نفي
الخلاف بمصير بعض ناقليه - كالمصنف قدس سره في التذكرة - إلى عدم
السقوط (4)، وتردد في النهاية (5)، وقواه في جامع المقاصد (6)، وكأنه مال إليه
في شرخ الروضة (7).
وأما الوجه المذكور: فيشكل بأن مرجع إدراك مجموع الصلاة في وقتها
إن كان إلى الغرض الدنيوي أو الديني المندوب، فهو على تسليمه فرضا
لا يوجب أزيد من الرخصة، والمقصود العزيمة. وإن كان إلى الغرض الديني

(1) شطب في (ق) على عبارة: (وفي الحكم) والظاهر أنه شطب على ما بعده، فامتد
إليه الشطب سهوا.
(2) تقدم النقل عنها في الصفحة: 318.
(3) الحدائق 8: 115.
(4) انظر التذكرة 2: 324.
(5) نهاية الإحكام 1: 467.
(6) لم نعثر عليه بعينه، انظر جامع المقاصد 2: 31.
(7) المناهج السوية (مخطوط): 99.
320

الحتمي فهو فرع الأمر بإدراك الصلاة في الوقت، وهو بعد فرض السورة
جزءا منها ممنوع; ضرورة عدم جواز الأمر بفعل في وقت يقصر عنه،
وسقوط السورة حينئذ عين محل الكلام. وأهمية الوقت إنما هي بالنسبة إلى
الشرائط الاختيارية دون الأجزاء، إلا أن يتمسك بفحوى تقديم الوقت على
كثير من الشرائط التي علم أنها أهم في نظر الشارع من السورة. مع أن
دعوى الاتفاق على المسألة في المعتبر (1) والمنتهى (2) وعن غيرهما (3) مما
لا مساغ لردها، مضافا إلى إمكان منع دلالة أدلة وجوب السورة على
وجوبها في المقام.
(ويتخير) المصلي (في الزائد) على الأوليين (بين) قراءة
(الحمد وحدها) من غير سورة وبين التسبيح بإجماع علمائنا، كما في ظاهر
المنتهى (4) والذكرى (5) والروض (6) والمدارك (7) وعن الخلاف (8) والمختلف (9)

(1) المعتبر 2: 171.
(2) المنتهى 1: 272.
(3) كالمحقق السبزواري في ذخيرة المعاد: 268، والسيد السند في المدارك 3: 347،
والعلامة المجلسي في البحار 85: 12.
(4) المنتهى 1: 275.
(5) الذكرى: 188.
(6) روض الجنان: 261.
(7) المدارك 3: 344.
(8) الخلاف 1: 338، كتاب الصلاة، المسألة: 88.
(9) المختلف 2: 145.
321

والمهذب (1) وجامع المقاصد (2) وإرشاد الجعفرية (3) والمفاتيح (4)،
وبلا خلاف كما عن السرائر (5) والبحار (6)، والأخبار به قريبة من التواتر (7)،
بل هي متواترة عن أهل البيت عليه السلام كما في المعتبر (8) والمنتهى (9).
ثم إن معقد هذه الاجماعات هو المنفرد (10)، وأما غيره فسيأتي الخلاف
فيه في باب الجماعة، نعم عن الخلاف: إن من نسي القراءة في الأوليين
فالقراءة له أحوط (11)، وفي محكي التنقيح (12) عن الشيخين تعين القراءة
حينئذ، وفي الروض: أنه مال إليه في الخلاف (13)، وعن المبسوط: إن في
رواية تعين القراءة (14)، لكن الموجود من الروايات بأيدينا ما يدل على
خلاف ذلك، كقوله عليه السلام لمن نسي القراءة في الأوليين: (إني أكره أن

(1) المهذب البارع 1: 371.
(2) جامع المقاصد 2: 256.
(3) لا يوجد لدينا. وحكاه عند في مفتاح الكرامة 2: 375.
(4) مفاتيح الشرائع 1: 130.
(5) السرائر 1: 222
(6) البحار 85: 88
(7) الوسائل، 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة.
(8) المعتبر 2: 166.
(9) المنتهى 1: 275.
(10) في (ق): المفرد
(11) الخلاف 1: 343، كتاب الصلاة، المسألة: 93.
(12) التنقيح الرائع 1: 205.
(13) روض الجنان: 262.
(14) المبسوط 1: 106.
322

أجعل آخر صلاتي أولها) (1).
(و) كيف كان، فاختلف في التسبيح كما وكيفا، فالأشهر كما عن
المقاصد العلية (2)، والأكثر كما عن مجمع الفائدة (3): كفاية (أربع تسبيحات
صورتها: (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر))، لصحيحة
زرارة: (قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما يجزي من القول في الركعتين
الأخيرتين؟ قال: أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
أكبر) (4) وفي خبر محمد بن حمزة - في علة فضل التسبيح -: (إن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم لما كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله فدهش فقال:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فلذلك صار التسبيح
أفضل من القراءة) (5).
والخدشة في الأولى - كما في كشف اللثام - بأنه يمكن أن يكون بيانا
لأجزاء ما يقال، لا عددها (6)، كاحتماله في الثانية، ليس في محلها، وبهما يقيد
إطلاق ما دل على كفاية مطلق الذكر كما في رواية علي بن حنظلة (7)،
أو مطلق التسبيح والتحميد كما في صحيح ابن زرارة (8)، أو بزيادة التهليل

(1) الوسائل 4: 770، الباب 30 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(2) المقاصد العلية: 144.
(3) مجمع الفائدة 2: 207.
(4) الوسائل 4: 782، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث 5.
(5) الوسائل 4: 792، الباب 51 هن أبواب القراءة، الحديث 3.
(6) كشف اللثام 1: 219.
(7) الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث 3.
(8) الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
323

والتكبير ونقصان التحميد كما في حسنة زرارة بابن هاشم (1)، أو مع نقصان
التهليل كما في رواية الحلبي (2)، مع أن ذكر الجميع - كذكر مطلق التسبيح في
كثير من الأخبار - إشارة إجمالية إلى الذكر المعهود كالإشارة بالقراءة إلى
خصوص الفاتحة.
وأما مما دل على أن أدنى ما يجزي هو (سبحان الله) ثلاثا - كما في
رواية (3): فهو محمول على صورة الضرورة جمعا، كما أن صحيحة زرارة
- المحكية عن أول السرائر عن كتاب حريز - عن أبي جعفر عليه السلام، قال:
(لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما
كنت أو غير إمام، قلت: فما أقول فيهما؟ فقال: إذا كنت إماما أو وحدك
فقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات، ثم
تكبر وتركع) (4) محمولة على الاستحباب; نظرا إلى أن السؤال ليس عما يجب
قوله في الأخيرتين; لأن نهيه عليه السلام عن القراءة فيهما ليس للتحريم قطعا،
فالسؤال عما ينبغي أن يقال بدل القراءة، فلا يدل على تعيين الذكر.
فظهر ضعف ما عن (5) النهاية (6) والاقتصاد (7) والعماني (8)

(1) الوسائل 4: 782، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث 6.
(2) الوسائل 4: 793، الباب 51 من أبواب القراءة، الحديث 7.
(3) الوسائل 4: 782، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث 7.
(4) السرائر 1: 219. والوسائل 4: 792، الباب 51 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(5) حكاه، عنهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 375.
(6) النهاية: 76.
(7) الإقتصاد: 401.
(8) حكاه عنه في المختلف 2: 145.
324

والتلخيص (1) والبيان (2) والمهذب (3) من وجوب التسبيحات الأربع ثلاثا،
وقد رجع عنه الشيخ في المبسوط (4) وكذا الشهيد في اللمعة (5) والدروس (6)،
والمحكي عن العماني في المعتبر (7) والمنتهى (8) القول بالعشر، نعم اختاره غير
واحد (9) ممن قاربنا عصرهم.
وقد روي هذا الصحيح عن الصدوق بحذف التكبير وزيادة قوله
(تكمله تسع تسبيحات) (10) ونحوه في الحذف ما عن مستطرفات السرائر مع
إبدال الزيادة بقوله: (ثلاث مرات) (11). وهذا أيضا مما يوهن التمسك بها
للقول بالاثني عشر، مضافا إلى ذكر الرواية في المعتبر (12) والمنتهى (13) عن

(1) تلخيص المرام (مخطوط): الورقة 16، وفيه: يجزي الحمد وحدها أو التسبيح اثنا
عشرة على رأي في الأواخر.
(2) البيان: 159
(3) المهذب 1: 94.
(4) المبسوط 1: 106.
(5) اللمعة الدمشقية: 33.
(6) الدروس 1: 173.
(7) المعتبر 2: 189.
(8) المنتهى 1: 275.
(9) وهو يظهر من السيد الطباطبائي في الرياض: 3: 423 ولم نقف عليه في غيره.
(10) الفقيه 1: 392، الحديث 1159، والوسائل 4: 791 و 792، الباب 51 من أبواب
القراءة، الحديث الأول.
(11) مستطرفات السرائر (السرائر) 3: 585.
(12) المعتبر 2: 189.
(13) المنتهى 1: 275.
325

كتاب حريز مطابقا لما في المستطرفات.
ولأجل ذلك كله يقوى الظن بزيادة التكبير فيما رواه الحلي في باب
الصلاة من السرائر (1)، سيما مع حكاية القول بالتسع عن حريز (2) وحكاية
القول بالعشر عن الحلي (3).
وأما التمسك بها للتسع، فهو وإن كان حسنا من جهة ترجيح ما في
المستطرفات أو كتاب الصدوق، إلا أن مثل هذا الاضطراب في المتن يمنع عن
مكافئة الرواية لما تقدم من صحيحة زرارة (4)، مضافا إلى أنها لا تدل على
الوجوب، وإلى اعتضاد الصحيحة بما دل على ثبوت التكبير في هذا الذكر،
ولعله لهذا اختار جماعة (5) وجوب تكبير واحد زائدا على التسع بعدها، إما
للأدلة الخارجية، وإما لجعل التكبير في قوله: (ثم تكبر وتركع) (6) ما عدا
تكبيرة الركوع المستغنى عن ذكرها هنا بمعلومية ثبوتها للركوع، لكنه أيضا
خلاف الظاهر كما لا يخفى، وإن كان ظاهر عطف التكبير على التسبيح يعطي
الوجوب.
والأدلة الخارجية الدالة على وجوب التكبير إنما تؤيد صحيحة المختار
ولا تقيد هذه إلا على أن يكون التكبير عقيب كل من التسبيحات الثلاث،

(1) السرائر 1: 219.
(2) حكاه في المعتبر 2: 189
(3) حكاه في المنتهى 1: 275 وانظر السرائر 1: 222 و 230.
(4) تقدم في الصفحة: 323.
(5) منهم: سلار في المراسم: 72، والعماني وغيره كما في المعتبر 2: 189 والمنتهى 1:
275، والمحدث البحراني في الحدائق 8: 416.
(6) في صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة: 324.
326

ليقع جوابا لما تضمنته الرواية من السؤال عما ينبغي أن يقال لأن الاثني
عشر منتهى الاستحباب، على المعروف عن غير العماني (1) القائل باستحباب
الخمس والسبع - الذي لا يعمل عليه إلا لمتابعة هذا الشيخ العظيم الشأن في
استحباب ذكر الله - كما في الذكرى (2) تسامحا في طرق السنن.
ثم إن لأصحابنا رضوان الله عليهم في ترجيح التسبيح على القراءة مطلقا
كما عن العماني (3) وظاهر الصدوقين (4) والحلي (5) وجملة من متأخري
المتأخرين (6)، أو القراءة مطلقا كما عن الحلبي (7) واللمعة (8) والمدارك (9)،
أو للإمام مطلقا والتسوية في غيره كما في الشرائع (10) وعن غيره (11)،

(1) راجع المختلف 2: 146.
(2) الذكرى: 189.
(3) المختلف 2: 148.
(4) الهداية (الجوامع الفقهية): 52، وعن والد الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): 9،
وحكاه عنهما في المختلف 2: 148.
(5) السرائر 1: 230،
(6) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 271، والمحدث البحراني في الحدائق 8: 388،
والسيد الطباطبائي في الرياض 3: 398، والميرزا القمي في الغنائم: 183، وصاحب
الجواهر في الجواهر 9: 324.
(7) الكافي في الفقه: 144.
(8) اللمعة الدمشقية: 33.
(9) المدارك 3: 345.
(10) الشرائع 1: 82.
(11) كالعلامة في القواعد 1: 273، والشهيد في البيان: 160، والأردبيلي في مجمع
الفائدة 2: 208 و 209، ويظهر ذلك - أيضا - من الشيخ في الإستبصار 1: 322،
ذيل الحديث 1021، وانظر الحدائق 8: 388.
327

أو التسبيح للمأموم كما عن المنتهى (1)، أو المنفرد كما عن الدروس (2)، أو إن
تيقن دخول مسبوق معه كما عن الإسكافي (3) وغيره (4)، أقوال، منشأها:
اختلاف الأخبار، واختلاف وجوه الجمع بينها (5).
ثم إن المعروف: عدم وجوب الاستغفار، وفي المنتهى: الأقرب أنه
ليس بواجب (6); ولعله في مقابل الروايات المخالفة، مثل ظاهر قوله عليه السلام
- في صحيحة عبيد بن زرارة بعد السؤال عن ذكر الأخيرتين -: (تسبح
وتحمد الله وتستغفر لذنبك، وإن شئت فاتحة الكتاب; فإنها تحميد ودعاء) (7)،
فإن عطف الاستغفار على الواجب ظاهر في وجوبه، مضافا إلى تعليل إجزاء
الفاتحة بكونها تحميدا ودعاء، مع أن الدعاء في المبدل ليس إلا الاستغفار،
إلا أن يقال: المراد اشتمالها على ذكر المبدل وزيادة، ومثل قوله عليه السلام في

(1) المنتهى 1: 275،
(2) الدروس 1: 175.
(3) حكاه في المختلف 2: 148.
(4) حكاه الفاضل النراقي في المستند 1: 346 عن والده، واستحسنه الفاضل الهندي في
كشف اللثام 1: 220.
(5) هذا هو آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة: (100)، وما يليه ورد في أول
الصفحة اليسرى من الورقة: (100) وعبارة: (وجوه الجمع بينها) كتبها المؤلف
قدس سره في آخر الصفحة [تابعة]، ولكن مرتب الأوراق شطب عليها وكتب بدلها
عبارة (ثم إن)، فلاحظ.
(6) المنتهى 1: 275.
(7) الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث الأول وفيه: تسبح
وتحمد الله.
328

حسنة زرارة - بابن هاشم - مشيرا إلى ما عدا الأوليين: (سبع ركعات هي
سنة ليس فيهن قراءة إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء) (1)، ونحوها
غيرها (2).
ومن طريف ما رشح من قلم السيد الداماد في رواشحه (3): توجيه
الصحيحة الأولى طاعنا على من مال إلى وجوب الاستنفار من معاصريه
أو احتاط به لأجلها، بأن (الواو) بمعنى (حتى)، والمراد: كون الاستغفار
غاية للتسبيح والتحميد، والأحسن حمل الروايتين على استحباب الدعاء
بقرينة خلو غيرهما الوارد في مقام البيان عنه على كثرتها.
ثم إنه إن قلنا بوجوب الاستغفار فهو عقيب الذكر، فإن أوجبنا
تكراره ثلاث مرات كرر عقيب كل مرة; لأنه مقتضى تقييد مطلق التسبيح
المستعقب للاستغفار بالتكرار.
والأقوى: وجوب الترتيب بين الأذكار الأربعة وفاقا للمشهور كما عن
جامع المقاصد (4) بل الموالاة أيضا; لظاهر الصحيحة المتقدمة (5) وفي المعتبر:
الأشبه عدم وجوب الترتيب (6); لورود بعض الروايات بتقديم التحميد (7)،

(1) الوسائل 4: 782، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث 6.
(2) انظر الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة، و 4: 791، الباب 51 من
أبواب القراءة.
(3) الرواشح السماوية: 44، ذيل الراشحة 2.
(4) جامع المقاصد 2: 257.
(5) تقدمت في الصفحة: 323.
(6) المعتبر 2: 190.
(7) الوسائل 4: 793، الباب 51 من أبواب القراءة، الحديث 7.
329

وهو حسن على ما استوجهه من جواز العمل بكل ما ذكر من الروايات.
وهل يجوز العدول عن كل واحد من القراءة والتسبيح إلى الآخر؟
قولان; من الأصل وكون الذكر والقرآن لا يقدح زيادتهما، ومن أنه إبطال
للعمل كما في الذكرى (1)، بل موجب للزيادة عمدا; لأنه نوى بالأول
الجزئية.
وفي كلا الوجهين نظر، يعلم مما تقدم في تضاعيف المسائل.
والظاهر: عدم اعتبار نية قصد تعيين أحدهما، بل يجزي ما جرى
منهما على لسانه بنية الصلاة المركوزة في نفسه من أول الصلاة.
ولو قصد تفصيلا أحدهما فسبق لسانه إلى الآخر، فإن كان من غير
نية فيجب استئنافه أو غيره، وإن كان لغفلته عن القصد التفصيلي وكان
الاتيان بما سبق لسانه بنية الصلاة المركوزة، أجزأ، لما مر. نعم، في بعض
الروايات الواردة في سجدتي السهو رجحانهما فيما إذا أردت أن تقرأ فسبحت
وإذا أردت أن تسبح فقرأت (2)، فإن ظاهره وجوب الرجوع إلى ما أراد،
بقرينة قوله قبلهما: (إذا أردت أن تقوم فقعدت أو أردت أن تقعد فقمت)،
إلا أن يحمل القراءة مقام التسبيح على ما لا يجزي عنه كالسورة وأبعاضها
وأبعاض الفاتحة.
والمشهور: وجوب الاخفات في هذا الذكر، وعن الغنية: الاجماع
عليه (3)، للاحتياط، ولعموم البدلية المستفادة من مثل قوله عليه السلام - في

(1) الذكرى: 189.
(2) الوسائل 5: 346، الباب 32 من أبواب الخلل، الحديث 2.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 496.
330

صحيحة عبيد بن زرارة -: (وإن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد ودعاء) (1)،
حيث دلت على أن إجزاء الفاتحة لكونها من أفراد التحميد، والمفروض
ثبوت الاخفات في الفاتحة لما سيجئ، فلولا اتحاد الفاتحة مع التسبيح في
الكيفية لم تكن العلة في إجزاء الفاتحة مجرد كونها فردا من التسبيح، بل هو
مع كونه بوصف الاخفات، ولما شهد به في الذكرى من ورود عموم النص
بالاخفات (2)، ولصحيحة زرارة: (في رجل جهر فيما لا ينبغي الجهر
فيه... الخ)؟ بناء على ترك لفظ القراءة فيها وإن اشتمل رواية أخرى
لزرارة عليها (3). ولا شك أن التسبيح مما لا ينبغي الجهر فيه للاتفاق ظاهرا
على رجحان الاخفات فيه، ولرواية علي بن يقطين المصححة: (قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أيقرأ فيهما بالحمد
وهو إمام يقتدى به؟ قال: إن قرأت فلا بأس وإن سكت فلا بأس) (4)
والظاهر أن المراد بالركعتين هما الأخيرتان، وقد اعتقد السائل أن الموظف
فيهما الاخفات وقرره الإمام عليه السلام.
وجميع الوجوه لا تخلو عن نظر، فالعمدة هو الاجماع المعتضد بالشهرة
العظيمة حيث لم يخالف في المسألة إلا الحلي (5) والمصنف قدس سره في بعض

(1) الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(2) الذكرى: 189. وفيه: قلنا: عموم الاخفات في الفريضة كالنص.
(3) الوسائل 4: 766، الباب 26 من أبواب القراءة، الحديث الأول، وفيه: لا ينبغي
الاجهار فيه.
(4) الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 13.
(5) السرائر 1: 222.
331

كتبه (1) وما عن الموجز الحاوي (2). نعم، قواه غير واحد من متأخري
المتأخرين مثل أصحاب الذخيرة (3) والبحار (4) والحدائق (5)، مضافا إلى أنه
أحوط، وإن كان في تعينه نظر; إذ الظاهر أن اجماع الغنية على الاخفات فيما
عدا الجهرية مختص بإخفات القراءة، كما لا يخفى على من لاحظها.
وقد يحكى عن بعض (6): استحباب الجهر بها; ولعله لخبر رجاء بن
الضحاك - وهو ممن سعى على قتل الإمام عليه السلام كما قيل (7) -: (إنه صحب
الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو، فكان يقرأ في الأوليين ويسبح في
الأخريين) (8); بناء على أنه سمع التسبيح وأقل الجهر أن يسمع الغير، والدلالة
كالسند في الضعف.
ومثله ما اشتهر في بعض الأزمان المتأخرة في بلاد البحرين من
وجوب الجهر على الإمام في الركعتين الأخيرتين وفساد صلاة من أخفت
بالتسبيح; لما ورد من أنه (ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه) (9)، مع أن

(1) التذكرة 3: 145.
(2) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 78.
(3) الذخيرة: 272.
(4) البحار 85: 95.
(5) الحدائق 8: 438.
(6) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 365.
(7) لم نقف عليه
(8) العيون 2: 182، الباب 44، ذيل الحديث 5، والحديث منقول بالمعنى، والوسائل
4: 782، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث 8. وفيهما: أبي الضحاك.
(9) الوسائل 5: 451، الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
332

أصحابنا قديما وحديثا فهموا من لفظ (ينبغي) الاستحباب، واستدلوا (1)
بالرواية على استحباب الجهر للإمام بالتشهد وأذكار الركوع والسجود.
ثم إنه لو شرع في الزائد على القدر الواجب فهل يجب إتمامه بشروط
الواجب; بناء على اتصاف الفرد الكامل بالوجوب، كما هو مذهب جماعة (2)،
بل في الروضة إنه ظاهر النص والفتوى (3)، أم لا، بل يجوز تركه وتغييره عن
صفة الوجوب؟ وجهان; أقواهما: الثاني; لأن الظاهر أن التخيير هنا بين
الأقل بوصف الأقلية وبين الأكثر، فكل ما وجد منهما في الخارج حصل به
الامتثال، ولا ينافيه قصد الآخر أولا; لما مر في النية من أن القصد إلى
الخصوصيات الغير المقومة لحقيقة الواجب وإن وقعت متعلقة للأوامر المتعددة
التخييرية لا يمنع العدول إلى الآخر.
(ولو لم يحسن القراءة وجب عليه التعلم) لما يجهله منها إجماعا بعد
دخول الوقت، بل قبله لمن يعلم بعدم التمكن قبله في وجه تقدم في
التكبيرة (4)، وظاهر العبارة - كغيرها -: وجوب التعلم عينا، فلا يسقط
بالتمكن من الائتمام، فلو تركه في السعة وائتم أثم وصحت صلاته، قيل:

(1) استدل به المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 339 و 340، والسيد السند في
المدارك 4: 362، والمحدث البحراني في الحدائق 11: 174، وصاحب الجواهر في
الجواهر 13: 367 وغيرهم.
(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 205، والمحقق الثاني في جامع المقاصد
2: 256، والشهيد الثاني في الروض: 261، والمحدث البحراني في الحدائق 8:
428.
(3) الروضة البهية 1: 596.
(4) راجع الصفحة: 288.
333

ولعله لأن الائتمام ليس من أفعاله ليتخير بينه وبين التعلم; لتوقفه على
ما لا يدخل في قدرته، من وجود الإمام وبقائه وسائر شروط الجماعة،
فتركه للتعلم ترك للواجب مع عدم العلم بما يسقطه (1)، وفيه نظر ظاهر.
فالتحقيق: أن إطلاق وجوب التعلم في كلامهم ليس إلا كإطلاق
وجوب أصل القراءة في الصلاة، غير مناف للسقوط إذا اطمأن بالتمكن من
الائتمام. ومثل الائتمام: اتباع القارئ والقراءة من المصحف، خلافا في
الأخير للمحكي عن الشيخ في كتبه (2) والمصنف قدس سره في التحرير (3) وولده (4)
والشهيدين (5) والكركي (6); لانصراف أدلة القراءة إلى القراءة عن ظهر القلب،
ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر الأعرابي (7) بالقراءة من المصحف، ولوجوب
تعلم أجزاء الصلاة ومنها القراءة، ولأن القراءة من المصحف مكروه إجماعا
كما عن الإيضاح (8)، ولا شئ من المكروه بواجب، ولخصوص الخبر: (عن
الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه يقرأ ويصلي، قال: لا يعتد بتلك

(1) انظر الجواهر 9: 300.
(2) لم نقف عليه صريحا في كتب الشيخ قدس سره، وحكاه في مفتاح الكرامة 2: 372
عن ظاهر كتبه، وانظر المبسوط 1: 109، والنهاية: 80،
(3) تحرير الأحكام 1: 38.
(4) إيضاح الفوائد 1: 108.
(5) الذكرى: 187، روض الجنان: 263.
(6) جامع المقاصد 2: 253.
(7) راجع سنن أبي داود 1: 220، الحديث 832، وفيه: جاء رجل...
(8) إيضاح الفوائد 1: 108.
334

الصلاة) (1)، والكل ضعيف حتى الخبر، فلا مخرج عن الأصل وإطلاقات
القراءة المؤيدة برواية الصيقل (في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ
فيه يضع السراج قريبا منه، قال: لا بأس بذلك) (2)، وحمله الأولون (3) على
النافلة ولا شاهد له، فالجواز أقوى وفاقا للمحكي عن المحقق (4) وعن
المصنف قدس سره في التذكرة (5) والنهاية (6) وجماعة من متأخري المتأخرين (7)،
ويظهر من الذكرى جريان هذا الخلاف في اتباع القارئ (8).
ومقتضى ما ذكرنا وجوب الائتمام عند ضيق الوقت وعدم التمكن من
أخويه. وقد يستشكل إن لم ينعقد الاجماع عليه بأن مقتضى إطلاق
النصوص والاجماعات المنقولة: ثبوت الأحكام الآتية لمن لا يحسن القراءة،
وليس المراد منه من لا يحسنها مدة العمر، بل عند الحاجة إليها، وهو صادق
في المقام، وفيه نظر; لأن مفروض كلامهم صورة وجوب التعلم المتفرع على

(1) الوسائل 4: 780، الباب 41 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(2) الوسائل 4: 780، الباب 41 من أبواب القراءة. الحديث الأول.
(3) لم نقف عليه في كلام الأولين، نعم نسبه في الوسائل إلى بعض علمائنا في ذيل الباب
41 من أبواب القراءة، وذكره الشهيد الثاني في روض الجنان: 263، والمحدث
البحراني في الحدائق 8: 109.
(4) المعتبر 2: 174
(5) التذكرة 3: 136.
(6) نهاية الإحكام 1: 479.
(7) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 212، والمحقق السبزواري في الذخيرة:
272، وانظر المستند 1: 336، والجواهر 9: 311.
(8) انظر الذكرى: 187.
335

وجوب القراءة.
(فإن ضاق الوقت) عن التعلم ولم يتمكن من أحد الثلاثة المذكورة
(قرأ ما يحسن‍) - ه منها إجماعا محققا في الجملة.
فإن كان مجموع الفاتحة أو هي مع بعض السورة: اقتصر عليه
ولم يعوض عن المجهول بلا خلاف، على ما في المنتهى (1)، ويظهر من الذكرى
أيضا (2); حيت جعل محل الخلاف وجوب كون العوض بقدر الفاتحة وعدمه.
وإن كان بعض الفاتحة: فإن لم يصدق عليه القرآن، فالظاهر عدم
وجوب قراءته، كما صرح به الفاضلان (3) والشهيدان (4) وغيرهم (5).
والمراد صدق قراءة القرآن عرفا، لا مجرد التكلم بما يعد من القرآن
لغة ويترتب عليه أحكامه، من حرمة المس محدثا وحرمة التلفظ به جنبا
إذا كان من إحدى العزائم.
وإن صدق عليه أنه قرآن وأن المتلفظ به يقرأ القرآن، قرأها (6)
إجماعا محققا ومحكيا.
وظاهر عبائر الجماعة في اعتبار تسمية البعض قرآنا: اعتبار صدق
القرآن عليه في نفسه ولو مع عدم القصد، ويشهد له: أن النبي صلى الله عليه

(1) المنتهى 1: 272.
(2) الذكرى 187 و 189.
(3) العلامة في التحرير 1: 38، والمنتهى 1: 274 وغيرهما، والمحقق في المعتبر
2: 170.
(4) الذكرى: 187، روض الجنان: 262.
(5) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 250.
(6) كذا في النسختين.
336

وآله وسلم أمر الأعرابي بالتسبيحات الأربع (1) مع كون ما عدا التكبير منها
مذكورا في القرآن، والنبوي الآخر: (إن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد
الله وهلله وكبره) (2) حيث جعل فيه التحميد والتهليل خارجا عن القرآن،
كما صرح به الشهيد (3) والمحقق الثاني (4).
وهل يقتصر على ما يحسن، كما هو ظاهر العبارة، كعبارة الشرائع (5)
واللمعة (6) وصريح المعتبر (7) والمنتهى (8) والمدارك (9)، أو وجوب التعويض عنه
كما في الروض أنه المشهور بين المتأخرين (10)؟ قولان; من أصالة البراءة
واقتضاء الأمر بالقدر المستطاع إجزاءه، كالأمر في النبوي: (إن كان معك
قرآن فاقرأ به).
ومن الاحتياط في العبادة، وأن كل ما دل على البدلية عند تعذر جميع
الفاتحة دل على اعتبارها عن كل جزء منها.

(1) سنن البيهقي 2: 381، وفيه: جاء رجل.
(2) سنن البيهقي 2: 380.
(3) الذكرى: 187.
(4) جامع المقاصد 2: 250.
(5) الشرائع 1: 81.
(6) اللمعة الدمشقية: 33.
(7) المعتبر 2: 170.
(8) المنتهى 1: 274.
(9) المدارك 3: 343.
(10) روض الجنان: 262.
337

ولعموم: (فاقرأوا ما تيسر) (1).
ولعموم قوله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (2)، خرج الصلاة المجردة
عنها المشتملة على بدلها.
ولقوله عليه السلام - في علل الفضل -: (إنما أمر الناس بالقراءة في الصلاة
لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا - إلى أن قال -: وإنما بدئ بالحمد دون
غيرها من السور لأنه جمع فيه من جوامع الخير والكلم ما لم يجمع في
غيرها) (3) فإن ظاهرها يدل على أن ماهية القراءة مطلوبة في نفسها لحكمة
عدم هجر القرآن، وخصوصية الفاتحة لحكمة أخرى، ففقد الخصوصية
لا يوجب سقوط الماهية.
ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأعرابي بالتسبيحات الأربع (4) مع بعد
أن يكون جاهلا بالتسمية، بل وبفم كلمتي: (رب العالمين) إلى التحميد،
الذي هو من أجزاء التسبيحات فيحصل له ثلاث آيات، فلولا وجوب
التعويض ولو بالذكر لاستغنى بالآيات الثلاث عن الذكر.
وهذه الأدلة لا تخلو عن النظر، إلا أن القول بالتعويض لا يخلو عن

(1) المزمل: 20.
(2) عوالي اللآلي 1: 196، الحديث 2، و 2: 218، الحديث 13، و 3: 82، الحديث
65.
(3) الوسائل 4: 733، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث 3 بتفاوت. وراجع
الفقيه 1: 310، الحديث 926، والعلل: 260، ذيل الحديث 9، مع اختلاف في
بعض الألفاظ.
(4) سنن البيهقي 2: 381.
338

قوة.
وعليه، فهل يتعين تكرار ما يعلم من الفاتحة؟ كما عن التذكرة (1)
والمنظومة (2) وغيرهما (3)، لأقربيته إلى الفائت، أو يتعين الابدال من غيرها
المغاير لها صورة، لا بمجرد القصد كما في بسامل السور والآيات المكررة في
القرآن مع القدرة، كما عليه جماعة (4)، لعموم: (فاقرأوا ما تيسر) (5) والنبوي
(إن كان معك قرآن فاقرأ به وإلا فاحمد الله وهلله وكبره) (6)، وصحيحة
ابن سنان: (لو أن رجلا دخل في الاسلام ولا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه
أن يكبر ويسبح) (7)، ولأن الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا، ولأن
المستفاد من رواية العلل المتقدمة (8): أن تقديم الحمد لحكم متفرقة في آياتها
لا توجد في غيرها، ولا شك في أنها لا تحرز بتكرار بعضها، ونحوها ما ورد
من (أن اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب) (9).
وهذا هو الأقوى، وأقربية بعض الفاتحة إلى بعضها الفائت ممنوعة

(1) التذكرة 3: 138 ولكن يظهر منه تقيده بما إذا لم يعلم من غيره.
(2) الدرة النجفية: 139.
(3) لم نعثر عليه وحكى في مفتاح الكرامة 2: 370 عن إرشاد الجعفرية الميل إليه.
(4) كالعلامة في النهاية 1: 475، وابن فهد في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 77
والمحقق الكركي في الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 108، وجامع المقاصد 2:
250، والميرزا القمي في الغنائم: 186، وراجع مفتاح الكرامة 3: 370.
(5) المزمل: 20.
(6) سن البيهقي 2: 380.
(7) الوسائل 4: 735، الباب 3 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(8) تقدمت في الصفحة السابقة.
(9) الوسائل 4: 733، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث 5.
339

جدا.
ولو عجز عن غير ما يعلم، فهل يجب التكرار؟ كما حكي (1) نسبته إلى
جماعة (2); لأنه أقرب، أو يجب الابدال بالذكر; لأن بدليته عن مجموع
الفاتحة عند تعذرها يقتضي بدلية بعضه عن بعضها، ولأن الشئ الواحد
لا يكون أصلا وبدلا، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأعرابي بالذكر مع
بعد عدم علمه بالقرآن حتى البسملة، مع كون (الحمد لله) 9 من القرآن، وكذا
(لا إله إلا الله)، فلولا وجوب الذكر لأمره بتكرار التحميد مع البسملة
وضم كلمتي: (رب العالمين); ليحصل ثلاث آيات، أو بدونهما.
الأقوى: الثاني، ويحتمل قويا سقوط الابدال حينئذ، كما اختاره بعض
السادة المعاصرين (3) لعدم الدليل على التكرار، مضافا إلى الاجزاء المستفاد
من قوله: (فاقرأوا ما تيسر)، والنبوي: (إن كان معك قرآن فاقرأ به)،
وضعف النبوي المشتمل على أمر الأعرابي بالذكر (4)، إلا أن يقال: إن ضعفه
منجبر بذكر الإمامية له في كتبهم (5) على وجه الاستناد، مضافا إلى صحيحة
ابن سنان (6) الدالة على وجوب الذكر على جاهل القرآن الذي يبعد جهله

(1) حكاه في الجواهر 9: 305.
(2) منهم العلامة في النهاية 1: 475، وابن فهد في الموجز الحاوي (الرسائل العشر):
77، والشهيد الثاني في روض الجنان: 262، والروضة 1: 609 وغيرهم.
(3) هو السيد الشفتي قدس سره في مطالع الأنوار 2: 34 و 35.
(4) المتقدم أعلاه.
(5) كالمحقق في المعتبر 2: 170، والعلامة في المنتهى 1: 274، والمحقق الثاني في
جامع المقاصد 2: 251، وغيرهم.
(6) تقدمت في الصفحة السابقة.
340

بالبسملة والتحميد، إلا أن يقال: إنها مسوقة لبيان حكم فرض فرضه
فلا ينافي ندرة المفروض لينصرف إلى الغالب.
وإن جهل الجميع ولم يعلم شيئا من الفاتحة: قرأ من غيرها بلا خلاف
ظاهر، إلا ما يوهمه ظاهر عبارة الشرائع (1) وظاهر المحكي عن الشيخ في
المبسوط (2) من التخيير بين قراءة غيرها والذكر. قيل (3): ولم نر لهما موافقا،
ويدل [عليه] (4) صحيحة ابن سنان والنبويين المتقدمين، مضافا إلى المستفاد
من قوله: (فاقرأوا ما تيسر) من الوجوب العيني.
وعلى المختار، فإن علم سورة كاملة قرأ منها ما يساوي الحمد ثم
أعادها أو غيرها; لعموم: (فاقرأوا ما تيسر)، ولأن الابدال عن الفاتحة
الثابت مع الجهل بالسورة لا يسقط بالعلم بها، وإلا لم يجب التعويض عن
الفاتحة بالقرآن أصلا وهو خلاف الاجماع، لأن ما يعلمه من السورة
أو بعضها إنما يمتثل به إيجاب السورة التي لا تسقط رأسا بتعذر بعضها،
مضافا إلى عموم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (6) خرج ما إذا عوض عنها.
ولكن فيه ما مر من النظر، خلافا للمنتهى (7)، فلم يوجب التعويض

(1) الشرائع 1: 81.
(2) المبسوط 1: 107.
(3) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 9: 306.
(4) من (ط).
(5) تقدمتا في الصفحة السابقة وما قبلها.
(6) عوالي اللآلي 1: 196، الحديث 2، و 2: 218، الحديث 13، و 3: 82،
الحديث 65.
(7) المنتهى 1: 274.
341

هنا، ولعله للأصل وامتثال أوامر القراءة وسقوط أمر الفاتحة وعدم ثبوت
الأمر ببدلها على الخصوص، بل وجوب القرآن غيرها لامتثال أمر القراءة
لا لخصوص بدل الفاتحة.
مضافا إلى قيام شبهة القرآن في هذا المقام، كما في كشف اللثام (1).
والجميع كما ترى، بل التعويض هنا متعين، وإن لم نقل به فيما تقدم من
صورة معرفة بعض الفاتحة، لامكان أن يقال هناك بكفاية ما يعلم منها
عما لا يعلم; لظاهر الاجزاء في حديث الأمر بالمستطاع، بخلاف ما نحن فيه.
ولعله لذا أفتى في التحرير (2) هناك بعدم وجوب التعويض عن الفائت
واستشكل فيه هنا.
ثم إن صريح المعتبر (3) والمنتهى (4) كما عن التحرير (ع): عدم وجوب كون
العوض بقدر الفاتحة؟ لما مر في جواز الاقتصار على ما يعلمه من الفاتحة.
وفيه: ما تقدم من أدلة وجوب التعويض عن الفائت، المستلزم
لوجوب المساواة هنا بالاجماع ظاهرا; والأولوية القطعية، فإنه إذا لم يكتف
بثلاث آيات من نفس الفاتحة فكيف بها من غيرها؟!
فالأقوى: وجوب كونها بقدرها، وفاقا لجماعة (6) كما عن

(1) كشف اللثام 1: 218.
(2) تحرير الأحكام 1: 38.
(3) المعتبر 2: 169 و 170.
(4) المنتهى 1: 274
(5) تحرير الأحكام 1: 38
(6) منهم المحقق في الشرائع 1: 81، والمختصر النافع 1: 30، وابن فهد في الموجز
الحاوي (الرسائل العشر): 77، والسعد الطباطبائي في الرياض 3: 383، وفي
الذخيرة: 273 والحدائق 8: 112، والمستند 1: 337 أنه المشهور بين
المتأخرين.
342

التذكرة (1) والشهيدين (2) والمحقق الثاني (3).
وهل المراد قدرها في الآيات، أو في الحروف، أو فيهما إن تيسر
وإلا ففي الحروف؟ أقوال، خيرها أوسطها، وهو المشهور كما في الروض (4);
إذ لا عبرة بالآيات في كم القراءة والتلاوة، ولذا لو أمر بكتابة مقدار الفاتحة
لم يفهم غير ما ذكرنا.
والمدار على الملفوظ من الحروف دون المرسوم، وفي همزات الوصل
قولان، أقواهما عدم الاعتبار; لعدم تعين التلفظ بها وفاقا لشرح الروضة (5)،
وكذا ما يقرأ على وجهين (كملك) و (مالك).
وأما اعتبار التوالي; قيل: فلا خلاف أجده فيه (6)، وعن إرشاد
الجعفرية الاجماع عليه (7); ولعله لوجوب مراعاة صفات المبدل في البدل.
وفيه: أن المسلم وجوب تساويهما في الأحكام لا في الصفات، فالبدل
بصفاته المختصة به قائم في الأحكام والآثار مقام المبدل، فالأولى التمسك
بظهور الأمر بالقراءة في المتوالي.

(1) التذكرة 3: 136.
(2) الذكرى: 187، والدروس 1: 172 والروضة البهية 1: 610 و 611.
(3) جامع المقاصد 1: 251.
(4) روض الجنان: 262.
(5) المناهج السوية: 110.
(6) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 9: 307.
(7) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 370.
343

(ولو لم يحسن) إلا المتفرقة أجزأت، إن لم تخرج بذلك عن القرآن،
وإلا فهو داخل فيمن لم يحسن من القراءة (شيئا)، و (سبح الله وهلله
وكبره) كما في كلام جماعة (1)، وعن الحدائق (2): أنه المشهور وفي الذكرى (3)
وعن النهاية: زيادة (التحميد) (4) عن مجمع البرهان نقص (التهليل) (5)،
وعن موضع من الخلاف: ذكر الله وكبره (6)، وعن آخر منه، وجب أن يحمد
الله مكان القراءة إجماعا (7)، وفي اللمعة ذكر الله بقدرها (8). وفي صحيحة ابن
سنان: (أجزأه أن يكبر ويسبح ويصلي) (9) وفي النبوي المتقدم: (فاحمد الله
وهلله وكبره) (10)، وفي آخر: تقدم التسبيحات الأربع (11)، والعمل به أولى;
جمعا بين الأقوال والروايات، وخروجا عن خلاف من أوجب ذكر

(1) منهم الشيخ في المبسوط 1: 107، والمحقق في الشرائع 1: 81، وابن سعيد في
الجامع للشرائع: 81، وغيرهم.
(2) الحدائق 8: 112.
(3) الذكرى: 187.
(4) نهاية الإحكام 1: 474.
(5) مجمع الفائدة 2: 216.
(6) الخلاف 1: 343، كتاب الصلاة، المسألة: 94.
(7) الخلاف 1: 466، كتاب الصلاة، المسألة: 213، وفيه: وجب عليه أن يحمد الله
ويكبره...
(8) اللمعة الدمشقية: 34.
(9) الوسائل 4: 735، الباب 3 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(10) سنن البيهقي 2: 380.
(11) سنن البيهقي 2: 381.
344

الأخيرتين، كما استوجهه في الذكرى، بعد ما حكاه عن الإسكافي والجعفي (1)،
وتبعه الثانيان في جامع المقاصد (2) والروض (3) وحكي عن الميسية (4)
والموجز (5) وكشف الالتباس (6).
ويمكن إرجاع صحيحة ابن سنان إليه، بأن يراد من التكبيرة: تكبيرة
الاحرام، ومن التسبيح: التسبيحات الأربعة التي يطلق عليها التسبيح في
الأخبار كثيرا، إما تغليبا أو لاشتمال الفقرات الأربع على تنزيه الله سبحانه.
والمراد: أجزأه أن يفتتح الصلاة ويسبح عن القراءة ويصلي.
وهل يجب أن يكون (بقدر) ها، أي (القراءة) أو الفاتحة، أم لا؟
أقوال: ظاهر العبارة - كصريح الفريد في شرح المفاتيح - هو الأول (7)،
وربما يظهر من عبارة الخلاف المتقدمة: (وجب أن يحمد الله مكان القراءة
إجماعا) (8) لكن في المنتهى (9) وعن الذخيرة (10) والبحار (11) عدم الخلاف في

(1) الذكرى: 187.
(2) جامع المقاصد 2: 251.
(3) روض الجنان: 263.
(4) لا يوجد لدينا، وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 371.
(5) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 77.
(6) كشف الالتباس (مخطوط): 179، وحكاه في مفتاح الكرامة 2: 371.
(7) شرح المفاتيح (مخطوط): الورقة: 123 - 124.
(8) المتقدمة في الصفحة: 344.
(9) المنتهى 1: 272، وفيه: لا خلاف... لصاحب الضرورة.
(10) ذخيرة المعاد: 268 و 272.
(11) البحار 85: 12 و 64.
345

الاقتصار على الفاتحة مع جهل السورة وضيق الوقت عن التعلم، وهو
الظاهر من الذكرى (1) - حيث خص الخلاف في وجوب مساواة الذكر
للفاتحة - والأوفق بالأصل; لاختصاص أدلة التعويض بجاهل الفاتحة،
فلا يجب التعويض عن السورة في حق العالم بها، ولا يجب في حق الجاهل
بهما أيضا، لعدم القول بالفصل.
وصريح المعتبر (2) والمنتهى (3) عدم وجوب المساواة مطلقا; ولعله لمنع
اقتضاء البدلية التساوي إلا في الأحكام، مع أنه سيجئ كفاية التسبيحات
الأربع مرة واحدة بدل الفاتحة في الأخيرتين، فهو الأقوى.
ولو عجز عن الذكر العربي فالأقوى أن ترجمة الفاتحة مقدمة على
ترجمة الذكر; لاشتمال الفاتحة على الذكر، إلا أن يلتزم بوجوب ترجمة الذكر
البدلي فتقدم، لأنها يصدق عليه التسبيح كما تقدم في تكبيرة الاحرام،
بخلاف ترجمة الفاتحة التي لا يصدق الفاتحة عليها، نعم لو لم يحسنها تعين
ترجمة الفاتحة.
ولا يجوز ترجمة الآيات المشتملة على القصص; لصيرورته كلاما
خارجا عن القرآن والذكر.
ولو عجز عن الجميع: ففي التذكرة (4) والنهاية (5) والدروس (6)

(1) الذكرى: 187.
(2) المعتبر 2: 169 و 170.
(3) المنتهى 1: 274.
(4) التذكرة 3: 138.
(5) نهاية الإحكام 1: 475.
(6) الدروس 1: 172.
346

والموجز (1) وشرحه (2): وجب أن يقوم بقدر القراءة، واستحسنه في الروض (3)
والروضة (4)، وعن الجعفرية: إن في بعض الأخبار إيماء إليه (5) واحتمل
وجوب تحريك لسانه كالأخرس.
وما ذكروه حسن إن ثبت وجوب القيام بمقدار القراءة، أما إذا كان
الثابت وجوب القيام حال القراءة فلا. وقد يرد بأن وجوب القيام تبعي،
وفيه نظر.
(ثم) يجب على العاجز المذكور أن (يتعلم)، وظاهر العبارة
- كغيرها -: عدم سقوط وجوب التعلم بالتمكن من الائتمام أو متابعته، وقد
مر (6) أن الأقوى سقوطه مع الاطمئنان بحصول الصلاة على أحد الوجهين.
ولو ارتفع العذر في أثناء الصلاة بعد الفراغ عن البدل مع بقاء محل
القراءة، فعن جماعة (7) وجوب الاتيان بالأصل، ولعله لكشف تجدد القدرة
قبل الركوع عن عدم الأمر واقعا بالبدل، وإنما تخيل الأمر بتخيل استمرار
العجز، مع إمكان دعوى ظهور أدلة البدلية فيها مع استمرار العجز، عكس
ما ادعي في مسألة بدلية الجلوس عن القيام عند العجز، فراجع وتأمل.

(1) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 77.
(2) كشف الالتباس (مخطوط): 180، وحكاه في مفتاح الكرامة 2: 371.
(3) روض الجنان: 263.
(4) الروضة البهية 1: 612.
(5) الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 109.
(6) مر في الصفحة: 334.
(7) منهم العلامة في النهاية 1: 476، والتذكرة 3: 139، والشهيد في الدروس 1:
172، والذكرى: 187، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 252.
347

(والأخرس يحرك) مع الصوت (لسانه) بالمعنى الأعم من لهواته
وشفتيه بالقراءة (ويعقد قلبه) بها، بأن ينوي كونها حركة قراءة; لأن
الحركة بنفسها تصلح لغيرها، كما في الروض (1) وجامع المقاصد (2) مفسرين به
كلام كل من اشترط عقد القلب بمعناها، وهو حسن بالنسبة إلى من يعرف
أن في الوجود كلاما وقراءة ولا يعرف أزيد من ذلك.
وأما من سمع ألفاظ القراءة وأتقنها بل تكلم بها مدة: فالظاهر عدم
الاكتفاء بمجرد نية كون الحركة حركة قراءة، بل لا بد من تطبيق الحركة على
حروف القراءة جزءا فجزءا بحيث يكون صوته بمنزلة كلام غير متمايز في
الحروف (3); لأنه المقدور في حقه من القراءة، بل هي منه قراءة عرفا.
كما أن من لا يعرف أن في الوجود ألفاظا وقراءة وصوتا، كما في
غالب الأخرس الخلقي،
فلا يبعد وجوب عقد قلبه عند تحريك اللسان بمعنى
آيات القراءة، إذا أمكن إفهامه إياها، ولا بعد في وجوب ذلك عليه وعدم
وجوبه على غير الأخرس; لأن التلفظ بالألفاظ المستقلة في الدلالة على
المعاني مغن عن عقد القلب بمعناها، بخلاف حركة اللسان التي لا تعد قراءة
ولا قدرا ميسورا منها. فيجب القصد تفصيلا إلى المعنى ليكون حركة لسانه
مع هذا القصد بمنزلة تلفظ غيره، ولا ريب في أن هذا منه أقرب إلى القراءة
من حركة اللسان ناويا أنها القراءة التي لا يعلم أنها من أي مقولة.

(1) روض الجنان: 263.
(2) جامع المقاصد 2: 254.
(3) كذا في (ق) ظاهرا، وفي (ط): متمايزة الحروف.
348

ويمكن أن يحمل على هذا القسم: ما في الذكرى (1) وعن الدروس (2)
والبيان (3) من أن الأخرس يعقد قلبه بمعناها، إذا أمكن إفهام معانيها كلا،
وأنه إن تعذر أفهم بعضها وحرك لسانه به وأمر بتحريك اللسان بقدر الباقي
وإن لم يفهم معناه مفصلا، ثم قال: وهذه لم أر فيها نصا (4).
وتعرض له الثانيان (5) بأن القصد إلى المعنى لا يجب على غير الأخرس
فضلا عنه، واحتمل في الروض أن يكون مراده بفهم المعاني فهم ما به يتميز
بين ألفاظ الفاتحة; ليتحقق القصد إلى أجزائها جزءا فجزءا مع الامكان، ثم
استحسنه (6).
وفي كشف اللثام إن ما في كتب الشهيد مسامحة أو أن المراد من معنى
القراءة هي الألفاظ، وأنه إن أراد معانيها فقد يكون اعتبارها; لأنها
لا تنفك عن ذهن من عقد قلبه بالألفاظ إذا عرف معانيها (7).
وأنت خبير ببعد هذه المحامل عن ظاهر كلام الشهيد.
نعم، ذكر في الكشف - في وجه حكم الشهيد: أن الأصل هو المعنى وإنما
سقط اعتباره عن الناطق باللفظ رخصة، فإذا سقط اللفظ وجب العقد

(1) الذكرى: 188.
(2) الدروس 1: 173.
(3) البيان: 159.
(40) الذكرى: 188.
(5) روض الجنان: 263، وجامع المقاصد 2: 254، مع تفاوت يسير.
(6) روض الجنان: 263.
(7) كشف اللثام 1: 219، مع تفاوت يسير.
349

بالمعنى (1)، والظاهر أن مراده: أن الأصل هو ملاحظة المعنى مع اللفظ، لا أن
المقصود الأصلي هو المعنى; لمنع ذلك في القراءة التي أمر بها الناس،
لئلا يكون القرآن مهجورا، كما في علل الفضل (2).
لكن فيه: أن الأصل المذكور لا ينفع بعد عدم اعتباره قطعا في الناطق،
وعدم الدليل على اعتباره في الأخرس، فالأولى توجيه حكم الشهيد
بما يكون دليلا عليه، لا بالاعتبار المحض. وقد عرفت أن الدليل هو كون
حركة لسانه مع قصد المعنى الذي أفهمه أقرب إلى القراءة من قصد كون
الحركة حركة قراءة، فهو المتعين بعد اتفاقهم ظاهرا على وجوب العقد بشئ،
والأولى: الجمع بين العقدين.
ثم إنه حل يجب على الأخرس الإشارة بالإصبع، كما في رواية
السكوني: (تلبية الأخرس وتشهده وقراءته للقرآن في الصلاة تحريك لسانه
والإشارة بإصبعه) (3)؟ الأقوى: نعم في القسم الأول والثالث من أقسام
الأخرس الثلاثة المتقدمة (4); للرواية، المؤيدة بأن المتعارف في الأخرس
إبراز مقاصده بحركة اللسان أو اللهوات أو الشفتين مع الإشارة باليد، فقد
أرجعه الشارع في تكلمه بالألفاظ المعتبرة في عباداته ومعاملاته إلى
ما اعتاده في إبراز سائر مقاصده.
وأما القسم التأني: ففي انصراف لفظ الأخرس في الرواية إليه نظر،

(1) كشف اللثام 1: 216
(2) راجع الصحفة: 338
(3) الوسائل 4: 802، الباب 59 من أبواب القراءة الحديث الأول.
(4) تقدمت في الصحفة: 348.
350

من غلبة غيره مع أنه حيث فرض تكلمه بالألفاظ غير متمايزة الحروف،
فليس في نفسه مطلب ومعنى يشير إليه بيده فهو قارئ في الحقيقة بكلام
كالمندمج.
وأما الأخرس الذي لا يمكن تفهيمه القراءة أو المعاني ولو إجمالا:
فالظاهر سقوط تحريك اللسان عنه; لعدم الدليل عليه إلا ما يتوهم من أن
التحريك كان واجبا مع القراءة فلا يسقط بسقوطها، وفيه ما لا يخفى.
وأما رواية السكوني: فهي - بقرينة ذكر الإشارة فيها - محمولة على من
يمكن تفهيمه شيئا من القراءة أو المعنى، ليشير إليه، كالقادر على الكلام
الجاهل بالقرآن والذكر، الذي تقدم أن الأحوط، بل الأقوى أن يقف بقدر
القراءة، والله العالم.
وفي حكم الأخرس: من عجز عن النطق لعارض، وأما من لا يقدر
على إصلاح لسانه كالتمتام (1) والفأفأ (2) والألثغ (3)، أو لغيرها، فهو يأتي
بالمقدور; لفحوى ما مر في الأخرس.
وفي موثقة مسعدة بن صدقة عن مولانا الصادق عليه السلام: (إنك قد
ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك
الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم،
والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح) (4)، وفي رواية

(1) التمتام: الذي فيه تمتمة، وهو الذي يتردد في التاء. (الصحاح 5: 1878 - تمتم).
(2) الفأفأ: الذي يتردد في الفاء إذا تكلم (الصحاح 1: 62 - فأفأ).
(3) اللثغة في اللسان، هو أن يصير الراء غينا أولاما، والسين تاء. (الصحاح 4:
1325 - لثغ).
(4) الوسائل 4: 802، الباب 59 من أبواب القراءة، الحديث 2.
351

السكوني عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الرجل
الأعجمي من أمتي ليقرأ القرآن بعجميته فترفعه الملائكة على عربيته) (1)، وفي
الخبر: (سين بلال عند الله شين) (2).
والظاهر عدم وجوب الائتمام على من ذكر; لعموم (3) أدلة استحباب
الجماعة بالنسبة إلى جميع المكلفين وإن وجبت على بعضهم في بعض الأحوال
مثل من ضاق وقته عن التعلم; فإن استحباب الجماعة ذاتا له لا ينافي
وجوبها عليه في هذا الحال، بخلاف من ذكر; فإن إيجاب الجماعة عليهم
يستلزم تخصيص العمومات بالنسبة إلى الأشخاص، ولعله الفرق بين
المقامين، فتأمل.
مضافا إلى عدم الخلاف ظاهرا في عدم لزوم الجماعة عليهم واستلزام
إيجابه العسر الأغلبي، الذي يكون مناطا لدفع الحكم على الاطلاق، لا دائرا
معه وجودا وعدما.
(ولا تجزي) عن القراءة (الترجمة) لها (مع القدرة) عليها
إجماعا; لعدم صدق قراءة الفاتحة والسورة على ترجمتهما. ولو دار الأمر بين
الترجمة والذكر قدم الثاني; لصحيحة ابن سنان والنبويين المتقدم ذكرها (4)،
ولو دار الأمر بين ترجمتهما فقد مر الكلام.
(ولا) تجزي القراءة (مع الاخلال بحرف) منها عمدا إجماعا،

(1) الوسائل 4: 866، الباب 30 من أبواب قراءة القرآن، الحديث 4.
(2) عدة الداعي: 27، ومستدرك الوسائل 4: 278، الباب 23 من أبواب قراءة
القرآن، الحديث 4696.
(3) انظر الوسائل 5: 370، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة.
(4) في الصحفة: 344
352

كما في كشف اللثام (1)، وعند علمائنا أجمع كما في المعتبر (2)، وبلا خلاف كما في
المنتهى (3) وعن الذخيرة (4); لأن الفاتحة اسم للمجموع المنتفي بانتفاء جزء منه
ولا عبرة بالمسامحات العرفية. فلو أخل فإن كان المتروك حرفا من كلمة
بحيث خرج بذلك عن كونه قرآنا، فإن اقتصر عليها بطلت صلاته للنقص،
بل وللزيادة حيث قصد بالمأتي به الجزئية وللكلام الخارج، وإن لم يقصد
الجزئية فللأول والثالث، وإن لم يقتصر فللأخيرين، وإن لم يكن جزءا من
كلمة كواو العطف، فللنقص مع عدم التدارك، وللزيادة معه.
والاخلال بالتشديد مع إثبات المدغم متحركا إخلال بالكيفية المعتبرة
في الحرف، وساكنا إخلال بالموالاة المعتبرة في الكلمة، ومع حذفه إخلال
بالحرف. ولما لم يكن كاملا في التلفظ عطفه بقوله: (حتى التشديد)، بل في
الروض (5) وجامع المقاصد (6): أنه إخلال بحرف وزيادة، (و) هو إدغامه
حيث إن الادغام بمنزلة (الاعراب) الذي يبطل الاخلال به في المشهور،
بل عند علمائنا أجمع كما في المعتبر (7)، وعن غيره (8) أيضا نفي الخلاف، لكن

(1) كشف اللثام 1: 216.
(2) المعتبر 2: 166.
(3) المنتهى 1: 273.
(4) الذخيرة: 273.
(5) روض الجنان: 264.
(6) جامع المقاصد 2: 245.
(7) المعتبر 2: 166.
(8) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 352، عن المنتهى وفوائد الشرائع
وانظر المنتهى 1: 273.
353

عن التذكرة أنه أقوى القولين (1)، والظاهر أنها إشارة إلى ما يحكى عن
السيد من كون الاخلال بالاعراب الغير المغير للمعنى مكروها غير مبطل (2)،
واقتصر في المعتبر (3) والمنتهى (4) على نسبة الجواز إلى بعض العامة.
وكيف كان، فضعفه ظاهر; لأن الاخلال بالاعراب مطلقا إخلال
بالجزء الصوري للقراءة المأمور بها (5) كما في المنتهى (6) وكشف اللثام (7)،
فيكون منهيا عنه، فيخرج من القرآن إلى كلام الآدميين، كما في جامع
المقاصد (8); فيبطل من وجهين أو وجوه، كما تقدم في الاخلال بالحرف.
وقد ذكر الشارح (9) وسبطه (10) أن المراد بالاعراب ما تواتر نقله منه
في القرآن لا ما وافق العربية، فإن القراءة سنة متبعة، وهو حسن مع عدم
العلم بكون ذلك الاعراب الخاص من قياسات القراء ومقتضيات قواعدهم

(1) التذكرة 3: 141.
(2) حكاه في الذخيرة: 273، ومفتاح الكرامة 2: 352، ولم نقف على ذلك في كتب
السيد ورسائله، نعم يمكن استشعار بعض ما حكي في ما ذكره السيد في الجواب عن
اللاحن في القراءة في المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى 2: 387).
(3) المعتبر 2: 167.
(4) المنتهى 1: 273.
(5) في (ق) كتب على (القراءة المأمور بها): (للفاتحة).
(6) المنتهى 1: 273.
(7) كشف اللثام 1: 216.
(8) جامع المقاصد 2: 245.
(9) روض الجنان: 264.
(10) مدارك الأحكام 3: 338
354

في العربية; بناء على ما حكي (1) من أن المصاحف كانت في الصدر الأول غير
معربة ولا منقطة، وأن أبا الأسود الدؤلي أعرب مصحفا واحدا في زمان
خلافة معاوية. وقد شهد غير واحد ممن شاهد المصاحف الموجودة في خزانة
مشهد الرضا عليه السلام بخط مولانا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين
صلوات الله عليهم بكونها كذلك.
ويؤيد ذلك: ما ذكر في سبب تدوين النحو، أن رجلا قرأ بمسمع من
أمير المؤمنين عليه السلام قوله تعالى: (أن الله برئ من المشركين ورسوله) (2)
- بالجر - فأمر عليه السلام أبا الأسود بتدوين النحو ولقنه بعض قواعده (3).
نعم، دعوى كون جميع إعرابها موكولا مفوضا إلى ما يقتضيه قواعد
العربية خلاف الظاهر، بل المقطوع; إذ الظاهر أن أكثر الاعرابات والنقط
كانت محفوظة في الصدور بالقراءة على مشايخها خلفا عن سلف; لأن اهتمام
الصحابة والتابعين بالقرآن أشد من أن يهملوا الاعرابات والنقط المتلقاة عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإليه ينظر ما حكي عن بعضهم من أن أئمة القراءة
لا يعملون بشئ من حروف القرآن على الأفشى في اللغة والأقيس في
العربية، بل على الأثبت في الأثر والأصح في النقل، وإذا ثبتت الرواية
لم يردها قياس عربية ولا فشو لغة; لأن القراءة سنة متبعة (4) انتهى.
وعن بعضهم: أن المردود في القراءة ما وافق العربية والرسم ولم ينقل،

(1) راجع بغية الوعاة: للسيوطي 2: 22.
(2) التوبة: 3.
(3) لم نقف عليه، راجع سير أعلام النبلاء 4: 83، ووفيات الأعيان 2: 537.
(4) لم نعثر عليه بعينه، نعم يوجد بعضه في مفتاح الكرامة 2: 395، والجواهر
9: 297،
355

وهذا مرتكبه مرتكب لعظيم من الكبائر، وقد جوزه بعضهم فعقد له مجلس
وأجمعوا على منعه (1) انتهى.
نعم، يوهن ذلك حكاية تجردها المذكورة المشتملة على تصرف القراء
في الاعرابات والنقط على ما يوافق مذهبهم في اللغة والعربية، فلا ينفع
توجيه التجريد بأن يحمل على أن ضبط رسوم إعراب الكلام في الكتابة
لم يكن متعارفا، سواء في ذلك إعرابات أواخر الكلم وحركات موادها من
حيث استغنائهم عن ذلك بانطلاق ألسنتهم بها، كانطلاق ألسنة أهل العجم
بحركات كلماتهم على مقتضى العادة والجبلة، إلا أن يصرف عنه صارف،
كظاهر العطف في لفظة: (ورسوله) - في الآية السابقة - منضما إلى الغفلة عن
المعنى، فجروا في كتابة القرآن على مقتضى عادتهم في كتابة غيره.
وبالجملة: إن علم كون الاعراب الخاص المضبوط في المصاحف
مأثورا عن مهبطه، فلا إشكال في وجوب اتباعه، وكذا إن أحتمل ذلك; لعدم
العلم بكون غيره قرآنا بمادته وصورته.
وأما مع العلم بكونه عن قياس عربي في مذهب بعض القراء، بل
وكلهم، فالظاهر عدم وجوب متابعتهم، وجواز القراءة بغيره إذا وافق
العربية; لأن الاعراب من حيث هو ليس مقوما للكلام النوعي وإن كان
مقوما للشخصي، حيث إنه من أجزائه الصورية كحركات البنية المقومة لهما;
ولذا لو قرأ أحد دعاء الصحيفة بأحد إعرابين صحيحين لغة، مع عدم علمه
بموافقة الاعراب الذي أعربه سيد الساجدين عليه وعلى آبائه وأبنائه أكمل صلوات المصلين،
صدق عليه أنه قرأ دعاء الصحيفة، ولو سلبه عنه أحد كان كاذبا في سلبه،

(1) لم نقف عليه.
356

فإذا لم يكن مقوما للكلام النوعي الذي هو المأمور به دون الشخصي، فليس
اعتباره إلا من حيث محافظة ما علم اعتباره في قراءة القرآن، من عدم
اللحن العربي، فإذا فرض عدم اللحن فيه فلا وجه لعدم الاجتزاء به.
وما سبق من حكاية دعوى أنهم لا يتصرفون في شئ من الحروف
الشامل لاعرابها بالقياس فممنوع، ومن هنا طعن نجم الأئمة - تبعا للزجاج -
في قراءة حمزة: (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) (1) - بجر
المعطوف - بأنها صدرت عنه جريا على مذهبه ومذهب غيره من
الكوفيين، من جواز العطف على الضمير المجرور بلا إعادة الجار، وإن تواتر
القراءات السبع غير مسلم (2). وعن الزمخشري: الطعن في رواية ابن عامر:
(قتل أولادهم شركائهم) (3) بالفصل بين المتضايفين (4).
نعم، طعن بعض شراح الشاطبية على مثل نجم الأئمة والزمخشري
والزجاج، من أرباب العربية الطاعنين في قراءة القراء، بأنهم اعتمدوا في
قواعدهم الكلية وفروعهم الجزئية على كلام أهل الجاهلية، وبنقل الأصمعي
ونحوه ممن يبول على قدمه نظما ونثرا ويحتجون به، ويطعنون تارة في قراءة
نافع، وأخرى في قراءة ابن عامر، ومرة في قراءة حمزة وأمثالهم، فإنهم إن
لم يعتقدوا تواتر القراءة فلا أقل من أن يعتبروا صحة الرواية من أرباب
العدالة (5).

(1) النساء: 1
(2) الكافية 1: 320.
(3) الأنعام: 137.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 394، وانظر تفسير الكشاف 2: 70.
(5) شرح الشاطبية: لا يوجد لدينا.
357

وهذا الطعن كما ترى مردود بأنه بعد ما ثبت أن القرآن منزل على
لسان الأصمعي ونحوه ممن يبول على قدمه، ولم يثبت صحة قراءة حمزة في
لسانهم ولا تواترها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتخطئة اجتهاد حمزة في
قراءته لا تقدح في عدالته.
ومنه يظهر ضعف ما حكاه في ذلك الشرح - أيضا - عن بعض أهل
التفسير الطاعن على الزجاج المخطئ لقراءة الجر المذكورة: أن مثل هذا
الكلام مردود عند أئمة الدين; لأن القراءات التي قرأها القراء ثبتت عن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم تواترا يعرفه أهل الصنعة، فمن رد ذلك فقد رد على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا المقام محذور لا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو،
انتهى.
فقد حصل مما ذكرنا: أن المتبع من الاعراب الموجود في المصاحف
ما لم يعلم استناده إلى القياس.
ومنه يظهر حكم غير الاعراب مما اعتبره القراء ولو بأجمعهم،
من بعض أفراد الادغام ونحوه من القواعد المقررة عندهم لتجويد
قراءة مطلق الكلام قرآنا أو غيره، مما لا مدخل له في صحة الكلام من
حيث العربية، إذا علم استنادهم فيه إلى اقتضاء قاعدة التجويد
الجارية في مطلق ما يتلى من القرآن والدعاءة فإن مثله ليس
من مقومات القرآن - من قبيل حركات البنية وترتيب الحروف
والكلمات - ولا من مصححاته في العربية; لأن المفروض كونها غير
موجبة للحن في الكلام، ولذا ترى القارئ المتبحر يهملها في
المحاورة وعند قراءة عبائر الأخبار والكتب، بل مطلقا عند الاستعجال،
ولا يعد لاحنا.
358

ولعلة لذا احتمل الشارح قدس سره - على ما حكي عنه (1) - أن يكون
مرادهم من الوجوب فيما يستعملونه: تأكد الفعل، كما اعترفوا به في
اصطلاحهم على الوقف الواجب، وعلى تقدير إرادتهم المعنى الحقيقي فلا دليل
على وجوب متابعتهم بعد إحراز القرآنية والصحة اللغوية، عدا ما دل على
وجوب القراءة على الوجه المتعارف بين القراء، من الاجماع المنقول
مستفيضا، بل متواترا - كما في مفتاح الكرامة (2) - على تواتر القراءات السبع
أو العشر، المفسر تارة: بتواتر كل واحدة منها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
وأخرى: بانحصار المتواتر فيها، وثالثة: بتواتر جواز القراءة بها، بل وجوبها
عن الأئمة عليهم السلام، المستلزم لعدم جواز القراءة بغيرها; لعدم العلم بكونه
قرآنا، مضافا إلى دعوى الاجماع بالخصوص على عدم الجواز بالغير.
وما ورد من الروايات الآمرة بالقراءة (كما يقرأ الناس) كما في رواية
سالم بن أبي سلمة (3)، أو (كما تعلمتم) كما في مرسلة محمد بن سليمان (4)،
أو (كما علمتم) كما في رواية سفيان بن السمط (5)، مع إمكان دعوى انصراف
إطلاق الأمر بالقراءة إلى المتعارف منها، سيما في تلك الأزمنة.

(1) لم نعثر على هذه الحكاية، وفي روض الجنان (265) ما يلي: ويستفاد من تخصيص
الوجوب بمراعاة المخارج والاعراب فما تقدم عدم وجوب مراعاة الصفات المقررة في
العربية من الجهر والهمس والاستعلاء والاطباق ونظائرها، وهو كذلك، بل مراعاة
ذلك مستحبة.
(2) انظر مفتاح الكرامة 2: 392 و 393.
(3) الوسائل 4: 821، الباب 74 من أبواب القراءة. الحديث الأول.
(4) نفس المصدر، الحديث 2.
(5) نفس المصدر، الحديث 3.
359

وليس في شئ من هذه دلالة على المطلب; لمنع التواتر بالنسبة إلى
الهيئة الحاصلة من إعمال تلك القواعد المقررة عندهم لتجويد الكلام العربي
من حيث هو كلام، لا من حيث إنه قرآن، مع صدق القرآن على المجرد
عنها صدقا حقيقيا جزما وصحته من حيث العربية قطعا بحكم الفرض، مع
أنه لو سلم تواتر الهيئة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا دليل على وجوب
متابعة كل هيئة قرأ بها صلى الله عليه وآله وسلم، ولو من جهة اعتياده بها في مطلق
الكلام; حيت إنه أفصح من نطق بالضاد، سيما وأن خصوصيات الهيئات غير
منضبطة. فالمدار في غير ما ثبت اعتباره من خصوصيات الهيئات على
ما يصدق عرفا معه التكلم بما تكلم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقام حكاية
الوحي، وإن اختلفا في المد والغنة أو مقدارهما، وفي الوقف والوصل.
وأما الأخبار الآمرة بالقراءة كما يقرأ الناس ونحوها: فملاحظتها مع
الصدر والذيل تكشف عن أن المراد حذف الزيادات التي كان يتكلم بها
بعض أصحاب الأئمة بحضرتهم صلوات الله عليهم، إلى أن يقوم القائم روحي وروح العالمين
فداه عجل الله فرجه، فيظهر قرآن أمير المؤمنين عليه السلام،
والحاصل: أن مدار اعتبار
الخصوصيات في القراءة على أحد أمور ثلاثة:
أحدها: كونها مقوما للقرآنية من حيث المادة أو الصورة، وبه يثبت
مراعاة الحروف وترتيبها وموالاتها وحركات بنية الكلمة ونحو ذلك.
الثاني: كونه مصححا لعربيته، وبه يثبت وجوب مراعاة جميع قواعد
العربية في الأبنية وإعراب الكلم.
الثالث: كونه مأثورا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إما مجرد ذلك; بناء
على أصالة وجوب التأسي في غير ما خرج بالدليل، أو مع ثبوت الدليل
على اعتباره.
360

وإذا فرض خروج ما اتفق عليه القراء من الأولين، فلا بد من إثبات
تواتره - أولا - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إقامة الدليل على وجوب
التأسي فيه; بناء على منع قاعدة التأسي، سيما في الخصوصيات العادية. وكلتا
المقدمتين صعبة الاثبات.
ومما يوهن الأولى: ما عرفت من حكاية خلو المصاحف عن
الاعراب والنقط، فضلا عن المد ونحوه حتى اختلفوا فيه اختلافا فاحشا،
خطأ كل واحد منهم مخالفه، بل قيل: إن كل واحد من القراء كان يمنع عن
قراءة من تقدم عليه من السبعة، وربما خطأهم الإمام عليه السلام الذي هو من
أهل بيت الوحي، كما في جزئية البسملة لغير الفاتحة من السور، وتخطئتهم
عليهم السلام ابن مسعود الذي هو عماد القراء في إخراج المعوذتين من القرآن (1).
مضافا إلى أنهم يستندون غالبا في قواعدهم إلى مناسبات اعتبارية وقلما
يتمسكون فيه بالأثر، فلو كان القرآن بتلك الخصوصيات متواترة لاستندوا
في الجميع إلى إسنادهم المتواتر كما يفعلون في قليل من المواضع.
ودعوى: أن ذكرهم للمناسبات إنما هو لبيان المناسبة في الكيفية
المأثورة لا لتصحيحها بنفس تلك المناسبة، كما هو دأب علماء النحو في ذكر
المناسبات مع أن قواعدها توقيفية إجماعا، غير مجدية بعدما علمنا أن
مستندهم في التوقيف هو مجرد موافقة القراءة أحد المصاحف العثمانية،
ولو باحتمال رسمه له (كملك) و (مالك) مع صحة سندها.
قال [ابن] الجزري في كتابه - على ما حكي عنه -: كل قراءة وافقت
العربية ولو بوجه، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالا وصح سندها

(1) انظر تفسير القمي 2: 450، وتفسير نور الثقلين 5: 717.
361

فهي القراءة الصحيحة، سواء كانت من السبعة أم غيرهم - إلى أن قال -:
هذا هو الصحيح عند أئمة التحقيق من السلف والخلف، لا نعرف من أحد
منهم خلافه، وما عداها ضعيفة أو شاذة أو باطلة سواء كانت من السبعة
أو غيرهم (1)، انتهى. ثم صرح في آخر كلامه بأن السند لا يجب أن يتواتر،
وأن ما قيل: من أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، لا يخفى ما فيه.
وأنت خبير بأن السند الصحيح - بل المتواتر باعتقادهم - من أضعف
الاسناد عندنا; لأنهم يعتمدون في السند على من لا نشك نحن في كذبه.
وأما موافقة أحد المصاحف العثمانية فهي أيضا... (2) وطيخوا (3)
المصاحف الأخر لكتاب الوحي.
فلم يبق - من الثلاثة المذكورة في كلام [ابن] الجزري، التي هي المناط
في صحة القراءة دون كونها من السبعة أو العشرة، كما صرح هو به في ذيل
ما ذكرنا عنه - ما نشاركهم في الاعتماد عليه، إلا موافقة العربية التي لا تدل
إلا على عدم كون القراءة باطلة، لا كونها مأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
مع أن حكاية طيخ عثمان ما عدا مصحفه من مصاحف كتاب الوحي،
وأمره - كما في شرح الشاطبية - كتاب المصاحف عند اختلافهم في بعض
الموارد بترجيح لغة قريش; معللا بأن أغلب القرآن نزل عليها، الدال على

(1) النشر في القراءات العشر; لابن الجزري: 9، وحكاه السيد العاملي في مفتاح
الكرامة 2: 390، والمحدث البحراني في الحدائق 8: 101.
(2) مقدار سطرين من العبارة وردت في هامش (ق) ترتبط بالموضوع وقد أصابهما
الماء فلم يمكن إيراده هنا.
(3) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحة، من طاخ الأمر طيخا: أفسده، ويحتمل (طلخ)
وهو بمعنى إفساد الكتاب، انظر لسان العرب 3: 39 و 38، مادتي: (طيخ) و (طلخ).
362

أن كتابة القرآن وتعيين قراءاتها وقعت أحيانا بالدحس الظني بحكم الغلبة،
وجه مستقل في عدم التواتر.
ولعله لذلك كله أنكر تواتر القراءات جماعه من الخاصة والعامة، مثل
الشيخ في التبيان (1) وابن طاووس (2) ونجم الأئمة (3) وجمال الدين
الخوانساري (4) والبهائي (5) والسيد الجزائري (6) وغيرهم من الخاصة،
والزمخشري (7) والزركشي (8) والحاجبي (9) والرازي (10) والعضدي (11) من العامة،
وعن الفريد البهبهاني في حاشيته على المدارك (12) كما عن غيره: أن المسلم
تواتر جواز القراءة بها عن الأئمة عليهم السلام، وأما ما أدعي من الاجماع (13)

(1) انظر التبيان 1: 7.
(2) حكاه في الجواهر 9: 295. ومفتاح الكرامة 2: 390 عن سعد السعود، وانظر
سعد السعود: 283.
(3) شرح الكافية 1: 320
(4) لم نقف عليه.
(5) لم نقف عليه.
(6) لم نقف عليه، وحكاه عند السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 390.
(7) لم نقف عليه، وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 392، وصاحب الجواهر
في الجواهر 9: 295.
(8) البرهان في علوم القرآن 1: 318 - 319، وفيه: أما تواترها عن النبي (ص) ففيه
نظر، وانظر مفتاح الكرامة 2: 392.
(9) لم نقف عليه.
(10) التفسير الكبير 1: 63.
(11) لم نقف عليه
(12) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 393.
(13) انظر الجواهر 9: 292.
363

على عدم جواز القراءة بغير القراءات السبع أو العشر فإنما هو في الشواذ
التي لا يعلم كونها قرآنا، كنا يومي إليه استدلالهم عليه بأنه ليس بقرآن;
بناء على وجوب تواتر كل ما هو قرآن، أو بأنه لم يعلم كونه قرآنا; بناء
على عدم وجوب تواتر كل جزء من القرآن، لا في مثل فك بعض الادغام
أو ترك المد المخالفين لقراءة القراء مع العلم بصدق القرآن عليه كما تقدم.
وأما دعوى انصراف الأوامر المطلقة بالقراءة إلى المتعارف منها، سيما
في تلك الأزمنة: فهي ممنوعة، إلا إذا قلنا بانصراف المطلق إلى الكامل، وهو
أيضا ممنوع.
فظهر مما ذكرنا: عدم الدليل على اعتبار كثير مما اتفقوا على اعتبارها،
وإن كان بعضها مما اعتبره كثير من الأصحاب (1) كالمد المتصل وهو في أحد
حروف المد إذا تعقبه همزة في كلمة واحدة. وعن فوائد الشرائع: إنه
لا نعرف في وجوبه خلافا (2)، وعلله في جامع المقاصد بأن الاخلال به
إخلال بالحرف (3) ولعله أراد أن الحرف بدون المد غير تام. وفيه منع،
وإلا لم يفرق بين المتصل والمنفصل، وعلله القراء بمناسبات ضعيفة.
وربما يراد من المد المتصل: ما كان حرف المد وموجبه في كلمة
واحدة، سواء كان موجبه همزة أو سكون لازم في مدغم لازم أو عارض
أو غير مدغم، نحو (جاء) و (سوء) و (جئ) و (دابة) وتأمروني)، وحروف
فواتح السور الثلاثية المتوسطة بحرف المد التالي للحركة المجانسة، مثل (ق)

(1) راجع جامع المقاصد 2: 245، والمسالك 1: 203، وانظر الذخيرة: 273.
(2) فوائد الشرائع (مخطوط): 27.
(3) جامع المقاصد 2: 245.
364

و (ن) و (طسم) ونحوها. ولو قلنا بوجوب المد فالظاهر كفاية مسمى الزيادة
على المد الطبيعي، ولا يجب ما اصطلح عليه القراء من تحديده بالالفات.
وأما الادغام الصغير: وهو ما إذا كان أول المتماثلين أو المتقاربين
ساكنا، فقد صرح غير واحد بوجوبه (1)، وعن فوائد الشرائع أيضا: لا نعرف
فيه خلافا (2)، وهو إن سلم في المتماثلين لأجل فوات الموالاة بفكه ففي
المتقاربين إشكال; من عدم الدليل إلا أن يثبت أن العرب لا تتلفظ بالحرف
المدغم في المتقاربين والمتجانسين إلا مبدلا ومشددا، فيكون الفك فيهما إبدالا
للحرف بغيره، لكنه لم يثبت إلا في إدغام لام التعريف في الحروف الأربعة
عشر المسماة بالحروف الشمسية، ولذا قال في المنتهى: إن في الفاتحة أربع
عشرة تشديدة بلا خلاف (3)، وعن التذكرة أيضا: الاجماع عليه (4). وقد
أوجب القراء أيضا الادغام الصغير بلا غنة في (التنوين) و (النون المتطرف
الساكن) إذا وقع بعدها الراء أو اللام، على خلاف ضعيف في الغنة مع اللام
ومع الغنة في الميم والنون، وكذا الواو والياء على المعروف عن غير خلف (5)،
وأوجبوا إظهارهما مع حروف الحلق وإخفاءهما مع الغنة، والاخفاء: حالة
بين الاظهار والادغام من غير تشديد في البواقي غير الباء وقلبهما ميما

(1) كالشهيد الأول في البيان: 157، والشهيد الثاني في المسالك 1: 203، والمحقق
الثاني في جامع المقاصد 2: 245.
(2) فوائد الشرائع (مخطوط): 27، وحكاه عنه في الجواهر 9: 287.
(3) المنتهى 1: 273، وفيه: (عشرة تشديدة)، والظاهر سقط كلمة (أربع)، انظر
التذكرة 3: 140.
(4) التذكرة 3: 140.
(5) راجع النشر في القراءات العشر 2: 24، والإرشادات الجلية: 28.
365

عنده (1) وفي شرح الشاطبية، عن بعضهم: أنه أجمع القراء وأهل العربية
على وجوب قلبهما عند الباء ميما وإخفاء الميم المقلوبة مع الغنة. وقد نقل (2)
حكاية الاتفاق على الادغام الصغير أيضا في مواضع، مثل: إدغام الذال في
الظاء نحو: (إذ ظلموا) (3)، والدال في التاء نحو: (قد تبين) (4)، والعكس نحو:
(وعدتني)، وإدغام تاء التأنيث في الدال والطاء نحو: (قد أجيبت
دعوتكما) (5) (فآمنت طائفة) (6)، واللام في الراء نحو: (قل ربي) (7).
وأما الادغام الكبير، وهو: ما إذا كان أحد المتماثلين أو المتقاربين
متحركا نحو: (ما سلككم في سقر) (8) و (ألم نخلقكم) (9)، فلا أعرف القول
بوجوبه لأحد من أصحابنا، كما اعترف به بعض مشايخنا المعاصرين حاكيا
الاعتراف به عن بعض مشايخه (10)، وإن أفرط بعضهم حتى حكم - على
ما حكي عنه - بوجوب مراعاة صفات الحروف (11) من الاستعلاء والهمس

(1) راجع النشر كما القراءات العشر 2: 22، وكتاب السبعة في القراءات: 125.
(2) نقله في الجواهر 9: 289.
(3) النساء: 64.
(4) البقرة: 256.
(5) يونس: 89.
(6) الصف: 14.
(7) الكهف: 22.
(8) المدثر: 42.
(9) المرسلات: 20.
(10) الجواهر: 9: 288.
(11) انظر الجواهر 9: 298.
366

والاطباق والغنة ونحوهما; ولعله لبعض ما ذكر في توجيه اعتبار ما اتفق عليه
القراء.
وقد عرفت أن الأقوى - وفاقا لجماعة -: عدم اعتباره. قال في كشف
الغطاء: لا يجب العمل على قرائتهم إلا فيما يتعلق بالمباني (1) من حروف
وحركات وسكنات بنية أو بناء، والتوقيف على العشرة إنما هو فيها، وأما
المحسنات في القراءة - من إدغام بين كلمتين، أو مد أو وقف أو تحريك
ونحوها - فإيجابها كإيجاب مقدار الحرف في علم الكتابة والمحسنات في علم
البديع والمستحبات في مذهب أهل التقوى (2).
وفرقه بين ما يتعلق بالمباني وغبره مبني ظاهرا على ما عرفت من
مدخلية الأول في الخصوصيات المقومة للقرآنية بخلاف الثاني، فلا وجه
لما اعترض عليه من عدم الفرق (3).
نعم، يجوز القراءة; على طبق قراءتهم، بل قراءة واحد منهم وإن
اشتمل على ما يخالف الأصل - مثل الحذف والابدال والإمالة - إذا لم يخطئه
مثله من القراء أو أهل العربية، كما عرفت (4) من رد قراءة ابن عامر من
الزمخشري في الفصل بين المتضائفين في: (قتل أولادهم شركائهم) (5)، ووجه
الجواز: صدق القرآنية وعدم اللحن من حيث العربية. ومجرد ارتكاب
الحذف والابدال ونحوهما من أحد السبعة الذين هم من فحول أهل العربية

(1) في المصدر: بالمعاني.
(2) كشف الغطاء: 236.
(3) انظر الجواهر 9: 299.
(4) راجع الصفحة: 357.
(5) تفسير الكشاف 2: 70.
367

الذين استقرت سيرة الفريقين قديما وحديثا على الركون إليهم، لا يوجب
التزلزل في صحة الكلام من حيث العربية.
وكيف يحتمل أن يكون مثل الإمالة الكبرى التي يقرأ بها الكسائي
وحمزة - اللذين تلمذ أولهما على أبان بن تغلب المشهور في الفقه والحديث،
الذي قال له الإمام عليه السلام: (اجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وافت الناس) (1)، وعلى ثانيهما، الذي قرأ على الإمام أبي عبد الله جعفر بن
محمد عليها السلام، وعلى حمران بن أعين الجليل في الرواة، القارئ على أبي
الأسود الدؤلي، القارئ على مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (2) - مع اشتهارهما
بذلك وعدم هجر قراءتهما وجوبا لذلك، أن يكون لحنا في العربية ومبطلا
للصلاة؟!
فما يظهر من بعض المعاصرين (3) من التأمل في بعض القراءات المشتملة
على الحذف والابدال، ليس على ما ينبغي، قال في المنتهى: وأحب القراءات
إلي ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عياش، وطريق أبي عمرو بن
العلاء; فإنها أولى من قراءة حمزة والكسائي لما فيهما من الادغام والإمالة
وزيادة المد، وذلك كله تكلف، ولو قرأ به صحت بلا خلاف (4).
بقي الكلام في حكم قراءة الثلاثة تمام العشرة: وهم أبو جعفر ويعقوب
وخلف، ففي الروض أن المشهور بين المتأخرين تواترها، ثم قال - تبعا

(1) انظر رجال النجاشي: 10، الرقم 7.
(2) انظر معجم الأدباء 10: 290، الرقم: 40، و ج 13: 168، الرقم: 24.
(3) راجع الجواهر 9: 288.
(4) المنتهى 1: 273.
368

للمحقق الثاني في جامعه (1) -: وممن شهد بتواترها الشهيد في الذكرى (2)
ولا يقصر ذلك عن ثبوت الاجماع بخبر الواحد (3)، انتهى. واعترضهما غير
واحد ممن تأخر عنهما (4) بأنه رجوع عن اعتبار التواتر.
والتحقيق - بعد عدم ثبوت تواتر السبعة; وفاقا لجماعة ممن تقدم
ذكرهم (5) -: وجوب إناطة حكم القرآن - من جواز القراءة في الصلاة
أو الاستناد إليه في الأحكام - على ما هو موجود في المصاحف الموجودة
بأيدي الناس أو ما ثبت أنها قراءة كانت متعارفة مقررا عليها في زمن
الأئمة عليهم السلام، والله العالم.
وحكي عن بعض أهل هذا الفن: أن القراءة المنسوبة إلى كل قارئ
من السبعة وغيرهم، منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة
- لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه في قراءتهم - تركن النفس إلى ما نقل
عنهم، فوق ما نقل عن غيرهم (6).
(ولا) يجزي القراءة أيضا (مع مخالفة ترتيب الآيات) على الوجه
المنقول المتعارف إجماعا; لمخالفة المأمور به، وأولى منه ترتيب الكلمات
والجمل; لفوات النظم الذي هو مناط الاعجاز، فلو خالف عمدا أعاد الصلاة

(1) جامع المقاصد 2: 246.
(2) الذكرى: 187.
(3) روض الجنان: 264.
(4) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 273، والمحدث البحراني في الحدائق
8: 95.
(5) راجع الصفحة: 363.
(6) النشر في القراءات العشر 1: 10، وحكاه المحدث البحراني في الحدائق 8: 101.
369

إن فرض بذلك خروجه عن القرآنية، أو قلنا بالخروج عنها بمجرد النهي
المدخل له في كلام الآدميين، أو بأن زيادة الجزء في الصلاة مبطلة; بناء على
أنه فعل ذلك بقصد الجزئية فلو تداركها لزم الزيادة وإلا لزم النقصان،
أو لأنه نوى بتعمد ذلك في أجزاء الصلاة الخروج عن الصلاة المشروعة.
وفي كل من مقدمتي الوجوه الثلاثة نظر; لمنع النهي عن القراءة مع
مخالفة الترتيب إلا على وجه الارشاد المقتضي لعدم احتسابه من الصلاة
لا التحريم، إلا من باب التشريع الذي قد يمنع كونه موجبا إلا لتحريم نفس
الاعتقاد لا نفس الفعل. وعلى تقدير تسليمه فخروجه بذلك عن القرآنية
ممنوع.
وأما حديث الزيادة: فقد تقدم مرارا الكلام في صغراه وكبراه. وكذا
بطلان الصلاة بنية الخروج لو سلم. تحققها بمجرد إفساد الجزء، فالحكم
بالصحة مع عدم الفرض المتقدم لا يخلو عن قوة. ولعل إطلاق كلمات الأكثر
في حكمهم ببطلان الصلاة مع التعمد في مقام بيان أن الاخلال بذلك في قراءة
الصلاة مبطل لها، لا أنه مبطل حتى إذا تدارك القراءة، كما تقدم احتمال مثله
في حكمهم ببطلان الصلاة إذا نوى ببعض أجزائها الرياء أو غير الصلاة (1).
نعم صريح الشهيد (2) والمحقق (3) الثانيين في أمثال المقام بطلان الصلاة مع
التدارك أيضا.
(و) مما ذكرنا يظهر قوة أن (لا) تبطل الصلاة (مع قراءة السورة

(1) تقدم في الصفحة: 279.
(2) روض الجنان: 257.
(3) جامع المقاصد 2: 226.
370

أولا) إلا إذا اكتفى بها أو قصد بها الجزئية - ولو استحبابا - وبقي على قصده
إلى أن قرأ الفاتحة للاخلال بالسورة والفاتحة، التي لا يجدي وقوعها في حال
نية الاخلال بالسورة الرافعة لاستمرار نية الصلاة؟ بناء على القول بوجوب
السورة، والاخلال بالفاتحة فقط; بناء على القول باستحباب السورة.
ومما ذكرنا يظهر ما في المدارك (1) من حكمه بالصحة بمجرد إعادة
السورة بعد الفاتحة المقروءة في حال زوال نية الصلاة الصحيحة بنية ترك
السورة بعد الحمد، بل بها وبنية جزئية السورة المقدمة.
وكذا ما في الذكرى من أنه لو لم نوجب السورة لا يضر التقديم على
الأقرب; لأنه أتى بالواجب، وما سبق قرآن لا يبطل الصلاة (2); إذ لا يخفى
أن المفسد حينئذ أمران، أحدهما: قصد جزئية ما ليس جزءا، والثاني:
الاستمرار عند الأفعال الباقية على هذه النية المنافية لنية أصل الصلاة.
ولو كان تقديمها لا بنية الجزئية فلا يضر وإن قيل بوجوب السورة،
فما في كشف اللثام - بعد حكاية ذلك الحكم عن الذكرى من أنه لو أراد
العموم للعمد فعسى أن لا يريد بنية الجزئية (3) - تعريض لا توجيه.
ولو كان تقديم السورة سهوا: فلا خلاف في عدم الابطال، ومقتضى
إطلاق كلامهم - كصريح كشف اللثام (4) -: عموم الحكم لما إذا كانت السورة
المقدمة طويلة موجبة للفعل الكثير; ولعله للأصل، وعموم لا تعاد، وعدم

(1) المدارك 3: 351.
(2) الذكرى: 188.
(3) كشف اللثام 1: 219.
(4) كشف اللثام 1: 219.
371

الرافع، عدا ما يتوهم من كونها فعلا كثيرا، الممنوع بأن المبطل منه هو
الخارج الماحي لصورتها، والخارج هنا من جنس أفعال الصلاة، بل قصد به
جزء الصلاة غافلا عن تقدمها على الفاتحة، فلا يوجب محو الصورة. وقد
تقدم نظيره فيما إذا نوى بالزائد على الواجب من أفعال الصلاة الرياء أو غير
الصلاة (1).
ويؤيده: ما سيجئ من جواز العدول ووجوبه فيما إذا شرع في إحدى
العزائم فذكر قبل بلوغ آية السجدة.
وما عن قرب الإسناد عن علي بن جعفر: (أنه سأل أخاه عليه السلام عن
الرجل يصلي، له أن يقرأ في الفريضة فيمر بالآية فيها التخويف فيبكي
ويردد الآية؟ قال: يردد القرآن ما شاء) (2) وما ورد في ناسي الفاتحة وأنه
يعيد ما لم يركع (3).
وما ورد من إطلاقات جواز قراءة القرآن في الصلاة (4) الشامل للكثير
والطويل.
والعمدة: عدم محو صورة الصلاة مع القراءة بقصد الجزئية غفلة.
(ولا) يجوز القران بين السورتين، المتحقق عند المصنف قدس سره.

(1) تقدم في الصفحة: 279.
(2) قرب الإسناد: 203، الحديث 786، والوسائل 4: 813، الباب 68 من أبواب
القراءة، الحديث 3، وفيهما: (فتمر الآية).
(3) انظر الوسائل 4: 768، الباب 28 من أبواب القراءة.
(4) انظر الوسائل 4: 839، الباب 11 من أبواب قراءة القرآن، الأحاديث 4 و 5 و 6
و 8.
372

والمحقق (1) والشهيد الثانيين (2) (مع الزيادة على سورة)، أما بين الكاملتين:
فالظاهر أنه مذهب كثير من القدماء كالشيخ (3) والسيد (4)، بل عن الصدوق:
أنه من دين الإمامية (5)، وعن الانتصار: الاجماع عليه (6)، واختاره جماعة
من المتأخرين على ما حكي (7)، منهم المصنف قدس سره (8); للأخبار المستفيضة (9)
المحمولة عند أكثر المتأخرين - كالحلي (10) والمحقق (11) والشهيدين (12)
والكركي (13) وغيرهم، تبعا للشيخ في الاستبصار (14) والسيد على
ما حكى عنه المصنف في محكي التذكرة (15) وكأنه في غير كتبه المعروفة - على
الكراهة بقرينة صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام: (عن القران

(1) جامع المقاصد 2: 248.
(2) المسالك 1: 206.
(3) النهاية: 75.
(4) الإنتصار: 44.
(5) أمالي الصدوق: 512.
(6) الإنتصار: 44، وحكاه في مفتاح الكرامة 2: 360.
(7) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 360، والجواهر 9: 354.
(8) نهاية الإحكام 1: 467، والقواعد 1: 272.
(9) راجع الوسائل 4: 740، الباب 8 من أبواب القراءة.
(10) السرائر 1: 220.
(11) المعتبر 2: 174، والشرائع 1: 82.
(12) البيان: 158، والذكرى: 190، روض الجنان: 264.
(13) جامع المقاصد 2: 248.
(14) الإستبصار 1: 317.
(15) التذكرة 3: 148.
373

بين السورتين في المكتوبة والنافلة، قال: لا بأس) (1)، والمحكي عن
مستطرفات السرائر، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام:
(لا تقرنن بين السورتين في الفريضة، فإنه أفضل) (2). وصرف ظاهر تلك
الأخبار أولى من حمل هذه على التقية - المستبعدة في زمان مولانا الباقر
عليه السلام - لأن تقديم المخالف للعامة على الموافق لها في غير تعارض النص
والظاهر، كما في محله (3).
مضافا إلى إشعار التعليل في الأخبار الكثيرة المانعة - بالأمر بإعطاء
كل سورة حقها من الركوع (4) - بأن هذا على خلاف الأولى.
نعم، يبعد الحمل المذكور في محل قوله عليه السلام: (لا تقرأ في المكتوبة
بأقل من سورة ولا أكثر) (5); بناء على تحريم الأقل، فلا بد من إرادة مطلق
المرجوحية، وهو أولى مما في الروض من: أن النهي في الرواية متعدد
وحرف النهي فيها مكررة فيحمل الأول على التحريم والثاني على
الكراهة (6)، كما لا يخفى.
وكيف كان، فظاهر هذه الرواية - كعبارة المصنف وصريح الروض (7)

(1) الوسائل 4: 742، الباب 8 من أبواب القراءة، الحديث 9.
(2) مستطرفات السرائر (السرائر) 3: 586، والوسائل 4: 742، الباب 8 من أبواب
القراءة، الحديث 11 وفيهما: في الفريضة في ركعة.
(3) انظر فرائد الأصول: 804 (مبحث التراجيح - الترجيح من حيت وجه الصدور).
(4) انظر الوسائل 4: 740، الباب 8 من أبواب القراءة، الأحاديث 3 و 5 و 10.
(5) الوسائل 4: 736، الباب 4 من أبواب القراءة، الحديث 2، وفيه: ولا بأكثر.
(6) روض الجنان: 265.
(7) روض الجنان: 264.
374

وجامع المقاصد (1) والمحكي (2) عن الاقتصاد (3) والخلاف (4) والكافي (5) ورسالة
عمل اليوم والليلة (6) -: شمول الحكم لمطلق الزيادة على السورة; فإن الظاهر
من لفظ الأكثر فيها وإن كان تعدد الآحاد لا الأبعاض إلا أن مقابلته بالأقل
يدل على إرادة مطلق الأزيد منه، الصادق ولو بتكرار بعض السورة، بل
يمكن دعوى تعميم القران لغير صورة التكرار من مطلق الزيادة، سيما مع
وصل الآخر بالأول، لكن الظاهر عدم ثبوت الحكم في ذلك; لأن المستفاد
من الأخبار الكثيرة المعللة للحكم: (بأن لكل سورة ركعة فاعطها حقها) (7)
هو اختصاص منع الزيادة بالسورتين، وكون مطلق الزيادة مرجوحا للرواية
- لا لأجل تحقق القران - وإن كان ممكنا لكنه بعيد، سيما مع ضعف سند
الرواية بمحمد بن عبد الحميد المختلف فيه (8)، وإن أمكن جبرها بما يلوح
من كلام جماعة منهم الفاضلان (9) - في مسألة قراءة العزيمة - من عموم محل
الخلاف لزيادة البعض أيضا، بل كلام شارح الروضة في تلك المسألة (10)

(1) جامع المقاصد 2: 248.
(2) حكاه عنهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 360.
(3) الإقتصاد: 401.
(4) الخلاف 1: 336، كتاب الصلاة، المسألة: 87.
(5) الكافي في الفقه: 118.
(6) رسالة عمل اليوم والليلة (الرسائل العشر): 146.
(7) راجع الصفحة المتقدمة.
(8) راجع تنقيح المقال 3: 136، الرقم 914.
(9) انظر المعتبر 2: 176، والمنتهى 1: 276.
(10) المناهج السوية (مخطوط): 107.
375

صريح في ذلك، فيمكن دعوى عدم القول بالتفصيل بين زيادة السورة
وبعضها.
ودعوى معارضة الرواية بما دل على جواز العدول (1) فاسدة:
أولا: بأن الظاهر من القرآن هو نية الجمع بين السورة والزائد من أول
الأمر أو بعد الشروع، والظاهر من العدول هو رفع اليد عما شرع فيه
والقصد إلى ما يعدل إليه; ولذا جعل غير واحد الأصل في العدول: الحرمة;
لأنه إبطال للعمل.
وثانيا: إن أدلة العدول أخص مطلقا من الرواية، فتخصها. وكذا
معارضة الرواية بما دل على جواز تكرر الآية من القرآن (2); لما سيجئ من
أن تكرار السورة أو الآية ليس من القران، مضافا إلى أن تلك الأخبار عام
للنوافل والفريضة، فتخصص بالرواية المختصة بالمكتوبة.
والتحقيق: أن عنوان القران بين السورتين والجمع بينهما الوارد في
الأخبار لا يشمل الموضوع المذكور. والرواية مع قصور سندها، لا تخلو عن
قصور دلالة، وإن استظهرنا من لفظ (الأكثر) فيها مطلق الأزيد، والاجماع
المركب أيضا غير ثابت، فلا بد من ملاحظة الأصل; فإن جعلناه الجواز
كما يظهر من بعض; بناء على أن المكلف به مطلق السورة الصادق مع
الوحدة والتعدد فلا إشكال بعد طرح الرواية، وإن جعلناه المنع - بناء على
أن المتيقن جزئية السورة الواحدة، وليس في المقام إطلاق يشمل جزئية
ماهية السورة المشتركة بين الواحدة والمتعددة - فإتيان البعض من السورة

(1) انظر الوسائل 4: 776، الباب 36 من أبواب القراءة.
(2) الوسائل 4: 813، الباب 68 من أبواب القراءة. الحديث 1 و 3.
376

الأخرى بقصد أنه من قراءة الصلاة يحتاج إلى توقيف مفقود في المقام.
فإن قلنا بالحرمة والبطلان مع زيادة السورة التامة: فالفرض ملحق به
بحكم الأصل، وتبقى الرواية المذكورة مؤيدة.
أما لو قلنا بالكراهة الرافعة لحكم أصالة عدم المشروعية: فيثبت
مشروعية الاتيان بالبعض أيضا بالاجماع المركب أو الفحوى، مع إمكان
منعهما، وأما الكراهة: فيحكم بها لأجل الرواية وإن قصرت دلالة أو سندا.
هذا كله مع قصد كون الزائد من جملة قراءة الصلاة، ولو قصد به
الجزئية المستقلة فلا إشكال في البطلان،
كما لا إشكال ظاهرا في عدم
المرجوحية لو لم يقصد به قراءة الصلاة أصلا - بل يدخل حينئذ في القرآن
المستحب عموما ما لم يخل بالموالاة ويخرج عن محل الخلاف، كما في
المدارك (1) وكشف الغطاء (2) وعن الحدائق (3) والبحار (4) وغيرها (5) - كما يظهر
من ملاحظة الأخبار الواردة، وقوله عليه السلام في أكثرها: (أعط كل سورة
حقها من الركوع والسجود) (6)، ومقابلة الفريضة بالنافلة التي لا ريب في
كون زيادة السورة فيها بقصد الوظيفة لا القرآن الخارج عن الصلاة،
واستثناء (والضحى) و (ألم نشرح) من الجمع بين السورتين (7)، وقوله:

(1) المدارك 3: 356.
(2) كشف الغطاء: 239.
(3) الحدائق 8: 151.
(4) البحار 85: 13، ذيل الحديث 4.
(5) انظر الذخيرة: 274 وكشف اللثام 1: 217.
(6) الوسائل 4: 741، الباب 8 من أبواب القراءة، الحديث 3 و 5 وغيرهما.
(7) الوسائل 4: 744، الباب 10 من أبواب القراءة، الحديث 5.
377

(لا تقرأ بأقل ولا أكثر) (1) مع أن النهي عن الأقل إنما هو بعنوان كونه
وظيفة. هذا كله مضافا إلى عموم أدلة (2) قراءة القرآن.
فتحصل مما ذكرنا: أن قراءة سورة أو بعضها عقيب السورة يتصور
على وجوه ثلاثة:
أحدها: أن يأتي به بقصد أنه جزء مستقل ومشروع في نفسه وجوبا
أو استحبابا.
والثاني: أن يأتي به بقصد أنها قراءة قرآن أمر بها.
الثالث: أن يأتي به بقصد أنه من قراءة الصلاة الواجبة الممتثلة في
ضمن مجموع السورتين.
والذي ينبغي أن يكون محل الكلام هو الثالث، وأما الثاني فلا ينبغي
الاشكال في عدم المرجوحية. نعم، في بعض الروايات ما يشعر بها.
وأما الأول: فلا ينبغي الاشكال ولا الخلاف في كونه مبطلا، قال في جامع
المقاصد - بعد ذكر حكم القران وإلحاق بعض السورة بها -: ولو قرن على
قصد التوظيف شرعا وجوبا أو استحبابا حرم وأبطل قطعا (3)، انتهى.
وربما يعزى إليه وإلى بعض من تأخر عنه تخصيص محل النزاع بما إذا
أتى به على الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة، بحمل قوله: (ولو قرن على
قصد التوظيف) على ما يعم قصد كونه من القراءة المعتبرة، وفيه نظر. وكذا
في جعل تكرار السورة الواحدة أو الفاتحة أو الآية منها لا للتدارك من

(1) الوسائل 4: 736، الباب 4 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(2) انظر الوسائل 4: 839، الباب 11 من أبواب قراءة القرآن وغيره من الأبواب.
(3) جامع المقاصد 2: 248،
378

القران; لظهور النصوص والفتاوى في غيره (1)، إلا أن يتمسك بعموم قوله
عليه السلام: (لا تقرأ بأقل من السورة ولا أكثر)، ولا يخلو عن تأمل، بل منع.
وعليه، فلو قصد به ما قصد في القران من إدخاله في القراءة المعتبرة،
فلا يبعد القول بالتحريم وإن كرهنا القران - لأجل ورود الدليل على كراهته
المخرج عن حكم أصالة عدم الشرعية المتقدمة سابقا - ولو قصد به التوظيف
أبطل قطعا.
(ويجب الجهر) بالقراءة (في الصبح وأولتي المغرب وأولتي
العشاء، والاخفات) بهاء (في البواقي) على المشهور، بل إجماعا كما قي
الغنية (2)، وعن الخلاف (3) وظاهر التبيان (4) وعن السرائر (5): نفي الخلاف عن
عدم جواز الجهر في الركعتين الأخيرتين والاخفاتية; لرواية زرارة - بسند
الصدوق إليه -: (قلت له: رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه
أو أخفى لا ينبغي الاخفات فيه؟ قال: أي ذلك فعل متعمدا فقد نقض
صلاته وعليه الإعادة، وإن فعل ذلك ناسبا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ
عليه) (6).

(1) كذا صححه ناسخ (ط) في الهامش، وفي النسختين: بغيره.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 496.
(3) الخلاف 1: 331، كتاب الصلاة، المسألة: 83 و 371 المسألة: 130.
(4) لم نقف عليه ولا على من حكاه
(5) السرائر 1: 218.
(6) الفقيه 1: 344، الحديث 1003، والوسائل 4: 766، الباب 26 من أبواب
القراءة، الحديث الأول، وفيهما: (في رجل) بدل: (قلت له: رجل)، و (الاخفاء)
بدل: (الاخفات).
379

ونحوها أخرى بزيادة - في السؤال - قوله: (أو ترك القراءة فيما ينبغي
القراءة فيه) (1). وهذا مؤكد لظهور النقض في البطلان، وعدم جواز إرادة
نقص الثواب منه واستحباب الإعادة.
وعن الصدوق بسنده الحسن إلى الفضل بن شاذان - في حديث ذكر
العلة التي من أجلها جعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض -: (إن
الصلوات التي يجهر فيها إنما هي في أوقات مظلمة، فوجب أن يجهر فيها
ليعلم المار أن هناك جماعة، فإن أراد أن يصلي صلى; لأنه إن لم ير جماعة
علم ذلك من جهة السماع، والصلاتان اللتان لا يجهر فيهما إنما هما بالنهار في
أوقات مضيئة، فهي من جهة الرؤية لا يحتاج فيهما إلى السماع) (2).
وفي رواية محمد بن حمران عن الصادق عليه السلام - في علة الجهر
والاخفات -: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أسري به إلى السماء كان أول
صلاة فرض الله عليه: الظهر يوم الجمعة، فأضاف الله إليه الملائكة
[تصلي] (3) خلفه فأمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فضله،
ثم فرض عليه العصر ولم يضف إليه أحدا من الملائكة وأمره أن يخفي
القراءة; لأنه لم يكن وراءه أحد، ثم فرض عليه المغرب وأضاف إليه
الملائكة، وكذا العشاء الآخرة، فلما كان قرب الفجر نزل ففرض الله عليه
الفجر فأمره بالاجهار; ليبين للناس فضله كما بين للملائكة) (4).

(1) الوسائل 4: 766، الباب 26 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(2) الفقيه 1: 310، الحديث 926، والوسائل 4: 763، الباب 25 من أبواب القراءة،
الحديث الأول.
(3) من المصدر، وفي النسختين: فيصلون.
(4) الوسائل 4: 764، الباب 25 من أبواب القراءة، الحديث 2 مع اختلاف.
380

وقد يستدل بقوله تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وأبتغ
بين ذلك سبيلا) (1) ولا يخفى ما فيه، وإن ضم إليها ما ورد في
تفسيرها (2)، بل قيل (3) بدلالتها على الخلاف. وفيه أيضا نظر
ظاهر.
خلافا للإسكافي فاستحبهما في مواضعهما (4)، وعن السيد: أنه من السنن
المؤكدة (5)، وهو شاذ، وإن مال إليه - مطلقا أو لولا خوف الاجماع -
جماعة (6)، أولهم: الشارح المحقق المقدس (7)، واستدل لهم بالآية السابقة مع
النظر فيها.
ورواية علي بن جعفر - الموصوفة بالصحة - عن أخيه موسى عليه السلام:
(قال: سألته عن الرجل يقرأ من الفرائض ما يجهر فيه، هل عليه أن
لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر وإن شاء لم يجهر) (8) وهي لمخالفتها للمشهور
وموافقتها فيه لمن عدا ابن أبي ليلى من الجمهور (9) محمولة على التقية، ومجرد

(1) الإسراء: 110.
(2) راجع الوسائل 4: 773، الباب 33 من أبواب القراءة الحديث 2 و 6 وغيرهما في
غبر الباب
(3) قاله المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 225.
(4) حكاه عنه، المحقق في المعتبر 2: 176.
(5) حكاه عنه، المحقق في المعتبر 2: 176.
(6) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 274، والكفاية: 180، والسيد السند في
المدارك 3: 358، والعلامة المجلسي في البحار 85: 71 و 77.
(7) مجمع الفائدة 2: 226 و 227.
(8) الوسائل 4: 765، الباب 25 من أبواب القراءة، الحديث 6، مع تفاوت يسير.
(9) انظر المعتبر 2: 176.
381

وجود موافق لهم منا لا يمنع من ذلك.
ثم إن مقتضى صحيحة زرارة (1): معذورية الناسي والجاهل، وعن
التذكرة: الاجماع عليه (2)، ويشترط في معذورية الجاهل عدم تردده حين
العمل، وإلا لم يتأت منه نية التقرب.
والظاهر: عدم الفرق فبه بين الجاهل بأصلهما أو محلهما لاطلاق
الرواية، ولا بين الجاهل بحكمها أو موضوعهما كمن تخيل أدنى الجهر إخفاتا;
لأنه لم يتعمد الجهر وإن تعمد فعل ما هو جهر في الواقع، ولا يضره
انصراف قوله: (لا يدري) إلى من لا يدري بأصل الحكم; لأن الظاهر من
قوله: (وإن كان ناسيا.. الخ) هو ما عدا صورة التعمد بالجهر والاخفات في
غير محلهما.
ولو كان في صلاة الظهر فظنها عشاء فجهر; فالظاهر أنه داخل في
الساهي.
هذا كله في حكم الجهر والاخفات من حيت وظيفة الصلاة، فإخفات
المأموم المسبوق أو المرأة - لكون صوتها عورة - الظاهر أنه خارج عن
مدلول الرواية، فلا يعذر فيه الجاهل.
مع احتمال المعذورية أيضا عملا بإطلاق الرواية (3) والاجماع المحكي (4)،
أو تنقيحا لمناط الحكم، أو لاختصاص أدلة اشتراطها في الموضعين بصورة

(1) المتقدمة في الصفحة: 379.
(2) التذكرة 3: 303، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 384.
(3) وحكى رواية زرارة المتقدمة في الصفحة: 379.
(4) المحكى عن التذكرة آنفا وانظر الرياض 3: 401 ومفتاح الكرامة 2: 384.
والجواهر 10: 25
382

الالتفات، والأقوى ما تقدم.
ولو ذكر الناسي أو علم الجاهل في الأثناء لم يعيدا ما سبق من القراءة
ولو كان بعض كلمة ولا ما سبق لسانه إليه بعد الذكر; لعدم تعمده في ذلك
واستناد المخالفة فيه إلى السهو أو الجهل السابق.
ثم إن المصرح به في كلام جماعة (1): إن أقل الجهر أن يسمع غيره
القريب، والاخفات أن يسمع نفسه أو كان بحيث يسمع لو كان سميعا، بل في
المعتبر أنه إجماع العلماء (2)، وفي المنتهى أنه لا خلاف فيه (3)، وعن التبيان
نسبته إلى الأصحاب (4). وظاهر ذلك أن صورة إسماع الغير داخل في الجهر
مطلقا، كما أفصح عنه ما في المنتهى - من تعليل تحديد الاخفات بما حكيناه
عنه -: بأن ما دونه لا يسمى كلاما ولا قرآنا، وما زاد عليه يسمى جهرا (5).
وما في المعتبر (6) والمنتهى (7) كما عن التذكرة (8) من الاستدلال - على
رجحان الجهر بالبسملة - بما عن بعض الصحابة من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

(1) منهم العلامة في التحرير: 39، والقواعد 1: 273، والشهيد في الذكرى: 190
والشهيد الثاني في روض الجنان: 265 وغيرهم
(2) المعتبر 2: 177.
(3) المنتهى 1: 277.
(4) التبيان 6: 534.
(5) المنتهى 1: 277.
(6) المعتبر 2: 180.
(7) المنتهى 1: 278.
(8) التذكرة 3: 152، وفيه: (وهو اخبار عن السماع، ولا نعني بالجهر إلا سماع
الغير)
383

صلى فقرأ البسملة، قال (1) في تقريب الاستدلال: وإخبارهم بالقراءة إخبار
بالسماع ولا نعني بالجهر إلا إسماع الغير، انتهى.
وأصرح منها: ما عن الحلي من: أن حد الاخفات أعلاه أن تسمع
أذناك القراءة وليس له حد أدني، بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له،
وإن سمعه من عن يمينه أو يساره صار جهرا، فإن تعمده بطلت صلاته (2).
وعن محكي الراوندي في تفسيره: أن أقل الجهر أن تسمع من يليك،
وأكثر الاخفات أن تسمع نفسك (3)، لكنها كما ترى مخالفة للعرف، بل اللغة
أيضا; فإن الجهر كما عن الصحاح (4) رفع الصوت، وعن المجمل: إن الجهر
الاعلان بالشئ والخفت إسرار النطق به (5)، فتأمل.
مضافا إلى أن التزام الاخفات بحيث لا يسمع الغير عسر جدا، بل في
كشف اللثام: عسى أن لا يكون مقدورا (6)، مع أنه لا يبعد أن يكون مراد
الفاضلين (7) من التحديد المذكور: ما هو المشهور بين المتأخرين، الراجع إلى

(1) أي المحقق.
(2) السرائر 1: 223.
(3) فقه القرآن 1: 104 مع اختلاف في بعض الألفاظ.
(4) الصحاح 2: 618، مادة: جهر.
(5) مجمل اللغة 1: 465 و 2: 205 مادتي (جهر) و (خفت)، ونقله السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 2: 366.
(6) كشف اللثام 1: 220، وفيه: (عسى أن لا يكون إسماع النفس بحيث لا يسمع من
يليه، مما لا يطاق) ولكن في المحكي عنه - في مفتاح الكرامة 2: 366 - مما يطاق.
ومثله الرياض 3: 403، والجواهر 9: 380.
(7) تقدم عنهما في الصفحة السابقة.
384

ما يوافق العرف، وإن كان هذا التأويل بعيدا في عبارتي المعتبر (1) والمنتهى (2)،
إلا أن حملهما على ظاهرها أبعد; لما عرفت من أن المحقق صرح في النافع
- الذي جعل المعتبر له بمنزلة شرح مشتمل على تحرير مسائله وتقرير
دلائله، كما ذكره في أول المعتبر (3) -: بأن أدنى الاخفات أن - يسمع نفسه (4)،
وهذا نص في أن للاخفات فردا آخر يتحقق بإسماع الغير، وكذا المصنف في
التحرير على ما حكي عنه (5).
ولعله لذلك كله قال في جامع المقاصد - بعد ذكر حد الجهر والاخفات
في عبارة القواعد -: إن الدين يحتاجان إلى قيد زائد، وهو صدق العنوانين
في العرف (6); فإن ظاهره أنه تفسير لكلام المصنف، لا أنه بيان لمذهب
نفسه، المخالف لظاهر عبارة المتن.
ومع ذلك كله، فالأحوط مراعاة أدنى الاخفات; حيث إن التأويل في
كلام الجماعة المتقدمة بعيد جدا، نعم ليس له الاقتصار على مثل الهمهمة بحيث
لا يسمع نفسه من الحروف إلا ما كان فيه صفير، بل لا بد من إسماع نفسه إذا
كان سميعا مجموع الحروف; لعدم صدق القراءة بدون ذلك كما في المعتبر (7)

(1) المعتبر 2: 177.
(2) المنتهى 1: 277.
(3) المعتبر 1: 20.
(4) المختصر النافع 1: 30.
(5) تحرير الأحكام 1: 39، وفيه: أقل الجهر أن يسمعه القريب الصحيح السمع، وأقل
الاخفات أن يسمع نفسه.
(6) جامع المقاصد 2: 260.
(7) المعتبر 2: 177.
385

والمنتهى (1) بعد دعوى الاجماع.
مضافا إلى حسنة زرارة بابن هاشم: (لا يكتب من القراءة والدعاء
إلا ما أسمع نفسه)، (2)، وموثقة سماعة المفسرة للاخفات المنهي عنه في الآية
بما دون السمع (3). وأصرح منهما: رواية إسحاق بن عمار المفسرة للآية (4).
فاحتمال كفاية سماع الهمهمة - لصحيحة الحلبي: (هل يقرأ الرجل وثوبه
على فيه؟ قال: لا بأس بذلك إذا أسمع أذنيه الهمهمة) (5)، وصحيحة علي بن
جعفر عليه السلام: (عن الرجل يصلح أن يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة
في لهواته من غير أن يسمع نفسه، قال: لا بأس [أن لا] يحرك لسانه،
يتوهم توهما) (6) - ضعيف; لما تقدم من الأدلة على وجوب إسماع النفس،
الذي لا ينافيه صحيحة الحلبي; لأن الهمهمة كما عن القاموس الصوت
الخفي (7)، فهو لا ينافي حمل الصحيحة على خصوص المسموع منه جواهر
الحروف، بقرينة ما تقدم من المقيدات.
نعم، عن نهاية ابن الأثير: أنها كلام خفي لا يفهم (8)، ولعل المراد منه:

(1) المنتهى 1: 277
(2) الوسائل 4: 773، الباب 33 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 4: 773، الباب 33 من أبواب القراءة، الحديث 2، والآية من سورة الإسراء: 111.
(4) الوسائل 4: 774، الباب 33 من أبواب القراءة، الحديث 6.
(5) الوسائل 4: 774، الباب 33 من أبواب القراءة، الحديث 4.
(6) الوسائل 4: 774، الباب 33 من أبواب القراءة. الحديث 5 والزيادة من المصدر.
(7) القاموس المحيط 4: 192 (فصل الهاء، باب الميم)، وفيه: الهمهمة: الكلام الخفي.
(8) النهاية 5: 276.
386

لا يفهمه الغير، لكن في كلام الطريحي: أنها ترديد الصوت في الصدر (1) وهو
غير قابل للتأويل، إلا أن العرف يأبى عن تخصيصه بذلك; فإن إطلاق
الهمهمة على الكلام الخفي الذي تسمعه النفس بل الغير أيضا إذا كان قريبا
مما لا ينكر، فيقيد الصحيحة بهذا الفرد.
وأما الصحيحة الثانية: فهي محمولة على ما إذا كان خلف المخالف;
لما دل على أنه يجزي من القراءة معهم مثل حديت النفس.
وكما يعتبر في الاخفات عدم التفريط فكذا يعتبر في الجهر عدم
الافراط، كما عن العلامة الطباطبائي وغيره (2)، بل عن آيات الأحكام
للفاضل الجواد (3) نسبته إلى فقهائنا، المشعرة بدعوى الاجماع.
ويدل عليه - مضافا إلى قوة احتمال كونه ماحيا لصورة الصلاة -:
صحيحة ابن سنان: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: على الإمام أن يسمع من
خلفه وإن كثروا؟ قال: ليقرأ قراءة وسطا، إن الله تبارك وتعالى يقول:
(ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها)) (4)، وقريب منه غيرها من الأخبار
المفسرة للآية، مثل: موثقة سماعة (5)، ورواية إسحاق بن عمار (6)، والمرسل

(1) مجمع البحرين 6: 189.
(2) راجع الجواهر 9: 382، وجامع المقاصد 2: 260 والرياض 3: 403
(3) مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1: 302، وحكاه صاحب الجواهر في الجواهر
9: 382.
(4) الوسائل 4: 773، الباب 33 من أبواب القراءة، الحديث 3، والآية من سورة الإسراء: 110.
(5) الوسائل 4: 773، الباب 33 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(6) الوسائل 4: 774، الباب 33 من أبواب القراءة، الحديث 6.
387

المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم (1).
واعلم أنه لا جهر على النساء إجماعا كما في كلام جماعة (2)؟ للأصل،
ولرواية علي بن جعفر عليه السلام - المحكية عن قرب الإسناد - أنه سأل أخاه
موسى عليه السلام: (عن النساء، هل عليهن جهر بالقراءة؟ قال: لا، إلا أن
تكون امرأة تؤم النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها) (3)، وظاهر ذيلها:
وجوب الجهر في المستثنى، ولم يظفر بقائل به كما في كشف اللثام (4) وغيره (5)،
فيمكن حملها على الاستحباب، أو الجواز لدفع توهم المنع، وهو المصرح به
في كلام جماعة (6) مع عدم سماع الأجنبي; للأصل والرواية المذكورة.
وصحيحة ابن يقطين، عن أبي الحسن عليه السلام: (قال: سألته عن المرأة
تؤم النساء ما حد رفع صوتها بالقراءة والتكبير؟ فقال: بقدر ما تسمع) (7)،

(1) تفسير القمي 2: 30، وراجع الجواهر 9: 377، والوسائل 4: 774، الباب 33
من أبواب القراءة. الحديث 7.
(2) منهم المحقق في المعتبر 2: 178، والعلامة في النهاية 1: 472، والشهيد في
الذكرى: 190، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 2: 261 وغيرهم.
(3) قرب الإسناد: 223، الحديث 867، والوسائل 4: 772، الباب 31 من أبواب
القراءة، الحديث 3.
(4) كشف اللثام 1: 220.
(5) انظر الجواهر 9: 383.
(6) منهم الشهيد في الذكرى: 190، والسبزواري في الذخيرة: 275، والفاضل في
كشف اللثام 1: 220، وغيرهم، فحكموا بالجواز، وصاحب الجواهر في الجواهر 9:
383 فحمل الرواية على الندب مع عدم وجود الأجنبي.
(7) الوسائل 4: 772، الباب 31 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
388

ومثلها صحيحة علي بن جعفر عليه السلام (1)، ولفظة (تسمع) فيها بضم التاء،
بقرينة الرواية الأولى، لكن الاستدلال بها موقوف على القول بمضمونها من
جواز إمامة النساء كما سيجئ (2).
فالعمدة: هو الأصل، مضافا إلى ظهور عدم الخلاف، بل قد يقال
- وفاقا للمحكي عن جماعة (3) -: بجواز الجهر لهن في الاخفاتية; نظرا إلى
اختصاص أدلة الاخفات - كالجهر - بالرجل. وهو ضعيف; لأن قاعدة
اشتراك الرجل والمرأة في الأحكام لا يخرج عنها إلا بدليل، ومجرد الخلاف
في المسألة لا يوجب رفع اليد عن القاعدة المجمع عليها، كما لا يخفى على
المنصف.
مضافا إلى إشعار الروايتين المتقدمتين في علة الجهر والاخفات (4): بأن
الاخفات هو الأصل، والجهر إنما شرع للداعي المزاحم في حق المرأة بالستر
المطلوب منها.
وأما مع سماع الأجنبي فيحرم الجهر; بناء على أن صوتها عورة يحرم
سماعها وإسماعها، واحتمال وقوع التعارض بين أدلة وجوب الجهر - بناء على
شمولها للمرأة، ولو بحكم قاعدة الاشتراك - وبين أدلة تحريم الاسماع، توهم
فاسد، كتوهم كون الصلاة ضرورة مبيحة.
والمتجه: الفساد مع التحريم; لتوجه النهي إلى صفة لازمة متحدة

(1) الوسائل 4: 772، الباب 31 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(2) في أحكام الجماعة.
(3) حكاه الطباطبائي في الرياض 3: 404 انظر مجمع الفائدة 2: 228، والذخيرة
275، والغنائم: 192.
(4). تقدمتا في الصفحة: 380.
389

وجودا مع القراءة; إذ الصوت الذي يحرم إظهاره ليس إلا تلك الألفاظ.
نعم، لو قلنا بأن صوتها ليس بعورة فلا إشكال في الجواز.
وأما الخنثى: فإن ألزمناها بالاحتياط وجب عليها الجهر مع عدم سماع
الأجنبي، وأحوط من ذلك: تكرارها للصلاة.
(و) كذا يجب (إخراج الحروف من مخارجها (1)) الشخصية الطبيعية
الثابتة لها عند العرب، فيجب على الأعجمي الرجوع إليهم في الحروف التي
ليس لها مخرج عند العجم - كالذال والظاء والضاد والتي يخرجونها من مخرج
الزاء المعجمة - لأن الاخلال بالمخرج إخلال بالحرف. وأما سائر صفات
الحروف من الجهر والاستعلاء والاطباق وغيرها، فلا دليل على وجوب
مراعاتها. نعم، هي مستحبة وإن احتفل عدم الاستحباب في موضع من مجمع
الفائدة (2) إلا أنه استحسن حكم الشارح بالاستحباب هنا (3).
(و) كذا يجب (البسملة في أول الحمد) إجماعا، (و) كذا في
أول (السورة); لأنها جزء مما عدا سورة براءة من السور على المعروف
عن غير الإسكافي المحكي عنه (4) كونها افتتاحا لغير الفاتحة; لبعض
النصوص (5) المحمولة على التقية أو على عدم وجوب إكمال السورة، الذي مر
ضعفه في مسألة وجوب السورة الكاملة.
(و) يجب (الموالاة) في القراءة بأن لا يفصل بين كلماتها المرتبطة

(1) في الإرشاد: من مواضعها
(2) مجمع الفائدة 2: 219.
(3) مجمع الفائدة 2 ت 229، وانظر روض الجنان: 265.
(4) حكاه عند المحقق في المعتبر 2: 180.
(5) الوسائل 4: 748، الباب 12 من أبواب القراءة الحديث 2 و 3.
390

بما يخرج الكلام عن النظم، كما لو فصل بين المتضائفين والمتعاطفين والجار
ومجروره ونحوها، أو يمزج الكلمات مطلقا بغيرها مزجا يسلب اسم القرآن،
ولا بين الآيات والفقرات بما يعتد به مما يخرج عن منصرف إطلاق القراءة
المأمور بها في الأدلة لا مطلق الفصل، كيف؟! وقد ورد الأمر بسؤال الرحمة
والتعوذ من النقمة عند آيتيهما (1) ونحو ذلك مما ورد استحبابه في أثناء
القراءة (2)، وإطلاق الحكم بوجوب الموالاة، وجعل هذه الأمور مستثناة عن
قدح الموالاة، لا يخفى ما فيه.
وكيف كان، (فيعيد القراءة لو قرأ خلالها) ما يخل بالموالاة سهوا على
المشهور، كما عن المقاصد العلية (3)، بل يظهر من الروض (4) نسبته إلى باقي
الأصحاب، بعد ما حكى عن الشيخ (5) والمصنف قدس سره) - في النهاية: البناء على
ما مضى (6)، الذي لا إشكال في ضعفه بعد اعتبار الموالاة في القراءة المنضم
إلى قاعدة عدم معذورية الناسي للشرط مع بقاء محل المشروط.
ثم ظاهر الحكم بوجوب إعادة القراءة في المتن وغيره (7): إعادة
مجموعها،
ولا وجه له بعد إحراز الموالاة بإعادة بعضها، فلو فصل بين الجار

(1) الوسائل 4: 753، الباب 18 من أبواب القراءة، الأحاديث 1 - 3.
(2) الوسائل،: 755، الباب 20 من أبواب القراءة الحديث 3 وغيره.
(3) المقاصد العلية: 138، ولكن الموجود فيه: نسبة مورد النسيان إلى المشهور " كما في
مفتاح الكرامة 2: 354.
(4) روض الجنان: 266.
(5) المبسوط 1: 105.
(6) نهاية الإحكام 1: 463.
(7) كالشهيد الأول قدس سره في الدروس 1: 171.
391

والمجرور بشئ حق إعادة الجار، وكذا المتضائفين. نعم، لو انقطع التوالي بين
مجموع ما سبق وبين الباقي اتجهت إعادته، كان كلام المصنف - وغيره من
المطلقين - مختص بما إذا اختلت الموالاة المعتبرة في أصل القراءة، لا بين
خصوص جزءين منها.
هذا، مع نسيان الاخلال بالموالاة وأما مع تعمده فيظهر من الروض
أن مذهب الجماعة فيه: البطلان; لتحقق النهي المقتضى في للفساد (1)، فإن أراد
ذلك مع المضي عليه، فلا إشكال فيه ولا خلاف، كما لا إشكال فيه أيضا إذا
خرج القرآن بالفصل بين كلماته عن القرآنية، بأن يمزجه بغيره مزجا يسلب
الاسم عنه. وأما مع عدم الأمرين فلا وجه للفساد عدا الأمور المتقدمة في
نظائر المسألة مع وجوه النظر فيها; ولذا حكي (2) عن المبسوط (3) والتذكرة (4)
والدروس المسألة والموجز (6) وكشف الالتباس (7): وجوب استئناف القراءة حينئذ،
ومال إليه في مجمع الفائدة (8) وجزم به في المدارك (9).

(1) روض الجنان: 265 و 266.
(2) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 354.
(4) المبسوط 1: 105.
(4) التذكرة 3: 142.
(5) الدروس 1: 171.
(6) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 76.
(7) كشف الالتباس (مخطوط): 178. وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة
2: 354
(8) مجمع: الفائدة 2: 226 - 230.
(9) مدارك الأحكام 3: 375.
392

(ولو نوى القطع، وسكت) على وجه يخل بالموالاة لا بصورة الصلاة
(أعاد) على ما يحصل معه الموالاة، سواء نوى قطع القراءة مع نية عدم
العود الراجع إلى قطع الصلاة، أو نوى قطع القراءة بنية العود، وكذا الحكم
لو سكت لا بنية القطع، سواء كان السكوت عمدا أو نسيانا أو لأجل السعال
أو نسيان الآية، وإن استثنى الأخيرين بعضهم (1)، لكن الأقوى أنهما
لا يقصران عن النسيان، مع أن مقتضى دليل اعتبار الموالاة من الخروج
بدونها عن نظم الكلام أو القرآن أو عن منصرف إطلاق الأمر بالقراءة هو
الاعتبار في جميع الصور.
نعم يتوجه على من حكم في المسألة السابقة بالبطلان مع القراءة في
خلال القراءة الواجبة، إذا أخل بالموالاة بأن قرأ خلالها من غيرها عمدا
- من جهة النهي المقتضي للفساد كالشارح قدس سره (2) - الحكم بالبطلان هنا مع
السكوت المخل بالموالاة عمدا، إلا أن يعلل الفساد هناك بتعلق النهي
بالقراءة الأجنبية، فيدخل في كلام الآدميين. لكن هذا الدليل - مع ممنوعية
كلتا مقدمتيه - لم يتمسكوا به هناك.
ثم إن مناط إعادة القراءة وعدمها في المسألة هو السكوت المخرج
للقراءة عن التوالي وعدمه، وأما نية قطع القراءة وعدمها فلا مدخل له في
الحكم، فلو سكت لا مع نية القطع سكوتا يخل بالموالاة، وحيت إعادة

(1) الظاهر من (الأخيرين) هما: ما لو قطع القراءة بنية العود، وما لو سكت واستثناهما في الشرائع 1: 83.
(2) روض الجنان: 266.
393

القراءة فلم يعرف حينئذ وجه لاقحام المصنف - تبعا لشيخه في الشرائع (1)
قدس الله روحيهما - نية القطع قي مناط الإعادة، حتى يترتب عليه قوله: (بخلاف
ما لو فقد أحدهما) إلا أن يريد من السكوت مطلقه ولو قصيرا، ويجعل
مجرد السكوت المسبب عن نية قطع القراءة مخلا بالموالاة، فيقيد السكوت
بنية القطع; للاحتراز من السكوت لأجل الوقف أو غرض آخر، فيستقيم
حينئذ إناطة الإعادة بمجموع الأمرين.
نعم يبقى عليه: أن اللازم حينئذ كون نية قطع القراءة مع الاشتغال بها
لا يقدح فيها، وهو خلاف التحقيق، فلا بد مات تقييد الحكم بما إذا رفض
القصد قبل الاشتغال، وهو بعيد عن الفرض، أو ينزل على ما اختاره في
القواعد (2) من أن نية الخروج عن الصلاة في الزمان المستقبل فضلا عن
القراءة لا تقدح إذا رفض النية قبل بلوغ الزمان.
ويمكن أيضا حمل عبارة المصنف على ما عن الشيخ من إعادة الصلاة
مع السكوت بنية القطع (3)، وإن اعترض عليه (4) بأنه ينافي حكمه بعدم
بطلان الصلاة بنية فعل المنافي، فكيف بنية قطع القراءة; إذ لو سلم أن نية
القطع مع السكوت قطع - كما ذكرنا في توجيه كلام المصنف - فليس قطعا
للصلاة ولا منافيا لها إلا إذا نوى عدم العود، لكن يمكن توجيهه بأن نية قطع
القراءة المتلبس بها - الذي بنى على الاكتفاء بها في الصلاة وعدم الاتيان

(1) الشرائع 1: 83.
(2) قواعد الأحكام 1: 269.
(3) المبسوط 1: 105.
(4) اعترض عليه الشهيد في الذكرى: 188، والسيد في المدارك 3: 376.
394

بغيرها - نية لقطع الصلاة والخروج عنها، وقد تقدم أن الذي قواه الشيخ في
الخلاف هو البطلان بنية الخروج (1).
(وتحرم) قراءة إحدى سور (العزائم في الفرائض) على
الأشهر، كما في الذكرى (2) والروض (3)، بل المشهور عمن عدا
الإسكافي من القدماء، مع كون المحكى من كلامه ليس نصا في
الجواز - كما اعترف به في كشف اللثام (4) - فإنه لم يزد على أن
قال: (لو قرأ سوره من العزائم في النافلة سجد وإن كان في
فريضة أومأ، فإذا فرغ قرأها وسجد) (5) فيحتمل الحمل على
صورة السهو أو التقية الداعية لقراءتها أحيانا، مضافا إلى ما في
الروض من احتمال أن يريد بالايماء: ترك قراءة آية السجدة،
بقرينة قوله: (فإذا فرغ قرأها وسجد) (6)، فيناسب مذهب
الإسكافي من جواز تبعيض السورة، كما دلت عليه موثقة عمار
الآتية.
وكيف كان، فعلى عدم الجواز: الاجماع عن صريح الانتصار (7)

(1) تقدم في مبحث النية في الصفحة: 274، وانظر الخلاف 1: 308، كتاب الصلاة
المسألة: 55.
(2) الذكرى: 190.
(3) روض الجنان: 266.
(4) كشف اللثام 1: 216.
(5) حكاه المحقق في المعتبر 2: 175.
(6) روض الجنان: 266.
(7) الإنتصار: 43.
395

والخلاف (1) والغنية (2) ونهاية الإحكام (3) وكشف الالتباس (4) وإرشاد
الجعفرية (5)، وظاهر التذكرة (6) وشرح جمل السيد للقاضي (7)، وعن شرح
الفريد البهبهاني: أنه إجماع وأن الإسكافي خارج معلوم النسب (8)، وفي
مجمع الفائدة: الظاهر عدم الخلاف في عدم جواز الاكتفاء بقراءتها على تقدير
وجوب سورة كاملة وتحريم إتمامها [فيها] والبطلان معه (9)، انتهى.
ويكفي ما ذكر في المسألة، مضافا إلى النهي عنه في رواية زرارة وليس
فيها إلا القاسم بن عروة، وإن خص في الروض (10) الطعن فيها بوجود ابن
بكير - الذي هو من أصحاب الاجماع (1) -: (لا تقرأ في المكتوبة بشئ من
العزائم; فإن السجود زيادة في المكتوبة) (12).

(1) الخلاف 1: 426، كتاب الصلاة، المسألة: 174.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 496.
(3) نهاية الإحكام 1: 466.
(4) كشف الالتباس (مخطوط): 177 وحكاه في مفتاح الكرامة 2: 356.
(5) لا يوجد لدينا، وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 356،
(6) التذكرة 3: 146
(7) شرح جمل العلم والعمل: 86.
(8) شرح الفريد البهبهاني (مخطوط): 138، وفيه: بل الظاهر الاجماع، وأن ابن الجنيد
خارج معلوم النسب
(9) مجمع الفائدة 2: 232، والزيادة من المصدر.
(10) روض الجنان: 266
(11) انظر رجال الكشي 2: 673 الرقم: 705.
(12) الوسائل 4: 779، الباب 40 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
396

ونحوها في الاشتمال على التعليل: المحكي عن كتاب علي بن جعفر (1)،
وفي رواية سماعة: (لا تقرأ في الفريضة، واقرأ في التطوع) (2)، وضعفها
- لو كان - منجبر بالشهرة العظيمة التي عرفت أنه لا يبعد دعوى عدم
المخالف على أحد الوجهين المتقدمين في عبارة الإسكافي، كما أن صحة
الأخبار المخالفة (3) موهونة بها، محمولة لأجلها على التقية; لاطباق العامة
على الجواز كما عن جماعة (4)، بل يجب حملها في أنفسها على النافلة أو على
صورة النسيان أو التقية الداعية لقراءتها في بعض الأوقات؟ لاختصاص
أخبار المنع بغير هذه، فالميل إلى الجواز وحمل أخبار المنع على الكراهة
ضعيف جدا.
ولا فرق ظاهرا في الفرائض بين اليومية وغيرها، وبالجملة ما يقابل
التطوع، كما يظهر من رواية سماعة المتقدمة، مضافا إلى دلالة التعليل في
سابقتها (ع)، حيث إنه لا فرق بين الفرائض في المنع عن الزيادة فيها.
ثم إن حرمة قراءة هذه السور لا تنفك عن بطلان الصلاة لو اكتفى بها;
بناء على وجوب السورة الكاملة، بل ولو قلنا بعدم وجوب السورة الكاملة
أيضا لأن قراءة البعض منها إنما وقعت للداعي المحرم وهي قراءة الكل،

(1) الوسائل 4: 780، الباب 40 من أبواب القراءة، الحديث 4.
(2) الوسائل 4: 779، الباب 40 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(3) انظر الوسائل 4: 777 الباب 37 من أبواب القراءة الحديث الأول و 778 الباب 39
من الأبواب، الحديث الأول و 780، الباب 40 من الأبواب، الحديث 5.
(4) منهم ابن الجنيد كما سبق، ويظهر من السيد الميل إليه في المدارك 3: 353، ولم نعثر
على غيرهما.
(5) وهي رواية زرارة، المتقدمة في الصفحة السابقة.
397

أو حال نية قطع الصلاة في المستقبل بالقراءة المحرمة فلا تجزي، بل بفساده
تفسد الصلاة; بناء على ما تقدم غير مرة عن جماعة، منهم الشهيد والمحقق
الثانيان (1): من أن تعلق النهي بالجزء يستلزم فساد الكل، ولذا حكم
الشارح (2) هنا بفساد الصلاة بمجرد الشروع في العزيمة، مضافا إلى أن ظاهر
النهي في أمثال المقام هو التنبيه على الفساد.
نعم، لو أراد الاقتصار
على ما عدا آية السجدة منها; بناء على جواز التبعيض، أو مع قصد سورة
كاملة غيرها; بناء على جواز القران، فلا تحريم، كما صرح به في المعتبر (3)
والمنتهى (4) والذكرى (5) والروض (6).
ويمكن الاستدلال على بطلان الصلاة بقراءة آية السجدة فقط أو مع
غيرها من السورة: بأن قراءتها مبطلة للصلاة من جهة توجه الأمر في

(1) لم نعثر عليه بعينه في كلامهما انظر جامع المقاصد 2: 245 و 247 وروض الجنان
266 وغيرهما من الموارد،
(2) وهو الشهيد الثاني قدس سره، في روض الجنان: 266.
(3) المعتبر 2: 176.
(4) المنتهى 1: 276.
(5) الذكرى: 190.
(6) روض الجنان: 266، هذا، وفي (ط) - هنا - زيادة ما يلي: (فإن اقتصر على ما قرأ
منها لزم تبعيض السورة الذي مر ضعف القول به، وإن رجع إلى غيرها لزم القران،
وهو محرم) 1.
وهذه العبارة كانت ضمن عبارات عديدة قد شطب على أكثرها في (ق)، ولم
يشطب على هذه العبارة، فأوردها ناسخ (ط)، والظاهر أن المؤلف قدس سره كان قد
أعرض عن هذه أيضا.
398

الصلاة بالسجدة المبطلة لها; لعموم أدلة إبطال الزيادة (1)، وخصوص ما في
الإيضاح (2) وعن التنقيح (3) من الاجماع على أن زيادة السجود للتلاوة في
الفريضة حرام، يعني من حيت هي هي لولا الأمر بها، فتبطل الصلاة بنفس
الأمر بإبطالها بفعل السجدة خلالها، لا من حيث إن الأمر بالسجدة مستلزم
للنهي عن الصلاة حتى يتوقف الحكم بالبطلان على القول بحرمة الأضداد
الخاصة، ومن هنا حكموا ببطلان صلاة من وجب عليه إخراج ما يدافعه من
الأحداث الثلاثة لتضرره بالامساك.
نعم، لو منع فورية السجود لأجل التلبس بالصلاة لم يتوجه البطلان،
كما صرح به جماعة منهم فخر الدين في الإيضاح (4) والشهيد في الذكرى (5).
ولو أريد إثبات بطلان الصلاة بالشروع في إحدى السور بقصد السورة
الموظفة للصلاة، انضم إلى ما ذكر - من فورية السجود حتى في الصلاة -
وجوب إكمال السورة وحرمة القران ولو بين سورة وبعض أخرى، وحيث
كان المختار كراهة القران، فلا وجه للحكم بالبطلان بمجرد الشروع إلا في
الفرضين المتقدمين، وهما: قصد الاقتصار; بناء على وجوب إكمال السورة،
أو قصد تجاوز آية السجدة في القراءة.
ثم لا يخفى أن الاستدلال المذكور إنما يثبت البطلان لو قرأ آية
السجدة، وأما حرمة قراءتها أو قراءة السورة فلا يثبت، إذ لا نهي قبل

(1) راجع الوسائل 5: 332، الباب 19 من أبواب الخلل
(2) إيضاح الفوائد 1: 109.
(3) التنقيح الرائع 1: 199.
(4) إيضاح الفوائد 1: 109 - 110.
(5) الذكرى: 190.
399

القراءة، وبعدها لا أمر بالصلاة، إلا أن يقال: إن حرمتها من جهة كونها
تسبيبا إلى الأمر بإبطال الصلاة، ولو سلم تحريمه فيرد مثله فيما إذا قلنا بكون
التلبس بالصلاة مانعا عن الفورية; فإن السجدة وإن كان يسقط فوريتها
لأجل الصلاة إلا أن التسبب إلى إيجاد موجبها في أثناء الصلاة تسبيب إلى
الأمر بتأخير السجدة التي كان من حقها التعجيل، نظير الأمر بإبطال الصلاة
التي كان حقها الاتمام. فلا وجه حينئذ لما ذكره الجماعة: من توقف
الاستدلال على ثبوت الفورية حتى في الصلاة، إلا أن يريدوا توقف
الاستدلال بالبطلان دون التحريم، لكن الظاهر أنهم يريدون إثبات كلا
الأمرين.
ومما ذكرنا يظهر الوجه في فتوى جماعة - منهم المصنف قدس سره في بعض
كتبه (1) على ما حكي، والشهيد الثاني في الروضة (2) وشارحها (3) - بتحريم
الاستماع لآية السجدة مع عدم وجوب السجدة في الصلاة، فإن فورية
السجود إذا سقطت لأجل التلبس فلا وجه لتحريم الاستماع إلا كونه تسبيبا
إلى الاخلال بفورية السجود ولو بأمر الشارع من جهة أهمية إتمام الصلاة،
بل قد يضاف إلى ذلك: البطلان بمجرد الاستماع; بناء على ثبوت فورية
السجدة حتى في الصلاة، لأنه بعد الاستماع يصير مأمورا حال الصلاة
بالسجود المبطل، فتبطل بمجرد الأمر بالمبطل وإن لم يوجده، وما أبعد ما بينه

(1) نهاية الإحكام 1: 467.
(2) الروضة البهية 1: 607.
(3) المناهج السوية (مخطوط): 108.
400

وبين قول الشهيد في البيان (1) بعدم حرمة الاستماع فضلا عن إبطاله!
ومحصل نظر الأولين في الحكم بإبطال القراءة وتحريمها وحرمة الاستماع
دون إبطاله - على ما ذكرنا سابقا من قضية التسبيب -: إلى أن أدلة الفورية
لا تشمل حال التلبس بالصلاة، بل ملاحظة الأخبار الآمرة بالايماء في
الصلاة في الفروع الآتية تنبئ عن أهمية الصلاة، وحينئذ فلا أمر بالسجدة
بعد القراءة حتى تبطل الصلاة للأمر بإبطالها، إلا أن التسبب إلى مزاحمة
المضيقين الموجب لسقوط أحدهما - ولو كان بأمر الشارع - بمنزلة ترك
الساقط اختيارا حرم القراءة والاستماع، لكن حرمة القراءة المأتي بها على
وجه الجزئية لما كانت موجبة عند الجماعة لبطلان الصلاة - لما تقدم منهم غير
مرة في الجزء المنهي عنه - حكموا بالبطلان، وأما الاستماع فلما لم يستلزم
حرمته شيئا لم يحكموا بالابطال.
هذا مقتضى استدلالهم المركب من المقدمات المتقدمة، وأما بناء على
التمسك بالأخبار والاجماعات فلا يحتاج إلى ذلك، ولم تدل أيضا على إبطال
الاستماع، إلا أن يدعى أن الظاهر من التعليل في الروايتين المتقدمتين بكون
السجود زيادة في المكتوبة (2)، هو لزوم السجدة في الصلاة لأجل تحقق
موجبها، فالنهي عن القراءة لأجل لزوم إبطال الصلاة ولو بأمر الشارع به،
والاستماع أيضا موجب للسجود كالقراءة فيجب إبطال الصلاة بمجرده.
لكن لا يبعد أن يقال: إن المراد أن السجود لما كانت زيادة في
المكتوبة فإن فعلتها أبطلت صلاتك، وإن تركتها أخللت بحقها من التعجيل;

(1) البيان: 173 - 174.
(2) تقدمتا في الصفحة: 396 - 397.
401

فلذلك لا يجوز فعل موجبها، فورود المحذور في طرفي السجود فعلا وتركا
هو السبب في النهي، لا أن السجود الزائد المبطل لما كان لازما بمجرد تحقق
الموجب كان فعل الموجب حراما، لكونه سببا إلى إبطال الصلاة، حتى يكون
المحذور الموجب للنهي هو خصوص وجوب فعل السجود في الصلاة
المستلزمة لبطلانها بمقتضى التعليل، وإلا لوجب الحكم بمقتضى التعليل ببطلان
الصلاة - يعني بوجوب إبطالها - فيما إذا قرأ أو استمع سهوا، مع أنه قيل بعدم
وجدان خلاف في عدم بطلان الصلاة حينئذ، وإن احتمل المعترف بعدم
وجدان الخلاف في الصحة والبطلان للتعليل المذكور.
ولأن أدلة فورية السجود حاكمة ببطلان الصلاة بمجرد تحقق موجبه،
فلا يزاحمها نواهي الابطال; لأن المحقق في المقام: البطلان، لا الابطال.
وفي التعليل ما عرفت، من عدم دلالته إلا على لزوم المحذور في قراءة
العزيمة من جهة السجود فعلا أو تركا، لا لزومه من جهة فعله اللازم في
الصلاة.
وفيما ذكره من حكومة أدلة الفورية ما لا يخفى; من انصرافها إلى غير
المقام، والصريح منها في الشمول للمقام ليس إلا التعليل الذي قد عرفت منع
دلالته على تقديم الفورية على إتمام الصلاة، ولو سلم عموم تلك الأدلة فغاية
الأمر تعارضها مع أدلة الابطال.
وكون المحقق فيما نحن فيه البطلان لا الابطال موقوف على سلامة
الخطاب بالسجود - الذي به يحصل الابطال - عن مزاحمة أدلة النهي عن
الابطال، فالمرجع بعد التعارض هو أصالة البراءة عن التكليف بالسجود في
الصلاة وأصالة تأخر التكليف به، ولعله السر في عدم ظهور القائل بالبطلان
في المسألة كما اعترف به من احتمله.
402

نعم اختلفوا بين قائل بتأخير السجود، لما أشرنا إليه من عدم الدليل
على تعلق التكليف حال الصلاة بعد تعارض الأدلة، مضافا إلى ما علم من
أهمية إتمام الفريضة كما ذهب إليه العلامة الطباطبائي في منظومته مشيرا إلى
الوجهين بقوله:
والأصل بالتأخير فيه يقتضي إذ منع البدار حق الفرض (1)
وبين قائل بوجوب الايماء في الصلاة; لرواية سماعة: (وإن ابتليت بها
مع إمام لا يسجد فيجزئك الايماء والركوع) (2).
وخبر أبي بصير: (إن صليت مع قوم، فقرأ الإمام: (إقرأ باسم ربك
الذي خلق) أو شيئا من العزائم ولم يسجد، فأوم إيماء) (3).
والمحكي عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى
عليه السلام، قال: (سألته عن الرجل يكون في صلاة في جماعة فيقرأ إنسان
السجدة، كيف يصنع؟ قال: يؤمي برأسه (4). قال: وسألته عن الرجل يكون
في صلاة فيقرأ آخر السجدة؟ قال: يسجد إذا سمع شيئا من العزائم إلا أن
يكون في فريضة فيؤمي برأسه إيماء) (5).
نعم، قد استشكل العلامة المتقدم إليه الإشارة في الايماء من حيث إن

(1) الدرة النجفية: 135 (باب سجدات القراءة).
(2) الوسائل 4: 777، الباب 37 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(3) الوسائل 4: 778، الباب 38 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(4) مسائل علي بن جعفر: 172، الحديث 300، والوسائل 4: 882، الباب 43 من
أبواب قراءة القرآن، الحديث 3.
(5) نفس المصدر: 173، الحديث 303، والوسائل 4: 882، الباب 43 من أبواب
قراءة القرآن، الحديث 4.
403

مقتضى بدليته للسجود كونه بحكمه في إبطال زيادته (1)، لكنه - مع ضعفه في
مقابلة النصوص - فيه: أنه لا دليل على كون إيماء غير العاجز بدلا عن
السجود حتى فيما نحن فيه، مع قوة احتمال أن يكون الحكمة في تشريعه هو
الفرار عن محذور زيادة السجود، فكيف يوجب الوقوع فيه.
وبين جامع بين الايماء في الصلاة والسجود بعده; ولعله للجمع بين
محتملي المكلف به، وإلا فلا أرى له وجها، مع أن الجمع وجه ضعيف مع
وجود الأخبار بالايماء.
ومنه يظهر ضعف القول الرابع بوجوب السجدة في الصلاة كما في
كشف الغطاء (2)، بناء على منع بطلان الصلاة بإتيان سجدة العزيمة لمنع صدق
الزيادة في الصلاة بالاتيان بفعل خارج مشابه للفعل الصلاتي من حيث
الصورة، بل مخالف له; بناء على أنه لا يعتبر في سجدة التلاوة تساوي
موضع الجبهة والموقف وغيره، ولعموم بعض الروايات (3) الدالة على وجوب
السجدة في الصلاة بعد تقييدها بالنوافل أو بصورة السهو في الفرائض، وهو
قوي كما قواه بعض المعاصرين (4) لولا عموم أخبار الايماء (5) وخصوص
التعليل المتقدم في الروايتين المتقدمتين: بأن السجود زيادة في المكتوبة (6)،
مضافا إلى ما تقدم من الإيضاح والتنقيح من الاجماع على عدم جواز

(1) الدرة النجفية: 135 (باب سجدات القراءة)
(2) كشف الغطاء: 236.
(3) راجع الوسائل 4: 777، الباب 37 من أبواب القراءة، الحديث 1 و 2.
(4) الجواهر 9: 346.
(5) الوسائل 4: 882، الباب 43 من أبواب قراءة القرآن، الحديث 3 و 4.
(6) تقدمتا في الصفحة: 396.
404

السجود للتلاوة في الصلاة (1)، وفي كلام بعض سادة مشايخنا: أنه لا يبعد
دعوى الاتفاق على عدم جواز السجود في الصلاة في خصوص المسألة (1).
وأما ما دل على وجوب السجود في الصلاة إذا قرأ العزيمة كصحيحة
محمد بن مسلم (3) الآتية: فهي ظاهره في خصوص النافلة، فالأقوى الايماء،
والأحوط السجود أيضا بعد الصلاة.
هذا كله إذا تجاوز آية السجدة، سواء أكمل السورة أم لا، وهل
يكفي بما أكمله، أو بإكمال ما بقي؟ قولان، الأقوى: نعم، ووجه العدم: عدم
اعتناء الشارع بها في مقام الجزئية، ويضعف: بأن المستفاد من الأدلة
والفتاوى: عدم جواز تعمد قراءة آية السجدة، فالفساد تابع للنهي
كما لا يخفى.
ولو شرع في السورة ساهيا ثم تذكر قبل بلوغ آية السجدة فالظاهر
وجوب العدول ولو تجاوز النصف، لأصالة بقاء الأمر بالسورة الكاملة،
وما دل (4) على تحديد العدول بما إذا لم يتجاوز النصف، لا يشمل ما نحن فيه،
لظهورها في العدول اقتراحا، ولا يقدح في المقام أيضا حرمة القرآن - لو قلنا
به - لاختصاصها بصورة التعمد في الزائد والمزيد، فاحتمال بطلان الصلاة
لدورانها بين محذوري القران وتبعيض السورة ضعيف جدا.
ثم إن المعروف بين الفقهاء: تخصيص المنع بالفريضة، فيجوز قراءتها

(1) تقدم في الصفحة: 399.
(2) لم نقف عليه.
(3) الوسائل، 4: 779، الباب 39 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(4) انظر الوسائل 4: 776، الباب 36 من أبواب القراءة وغيرة من الأبواب.
405

في النوافل، وعن الحدائق أنه لا خلاف فيه (1)، وعن الخلاف الاجماع
عليه (2).
ويدل عليه - مضافا إلى الأصل، ومفهوم التقييد بالمكتوبة في الروايتين
المتقدمتين (3)، ومنطوق موثقة سماعة السابقة (4) -: جميع روايات الجواز بعد
تقييدها بما تقدم بما عدا الفريضة، مثل: حسنة الحلبي - بابن هاشم -: (عن
الرجل يقرأ بالسجدة، قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب فيركع
ويسجد) (5)، ونحوها موثقة سماعة (6).
ومثل صحيحة ابن مسلم: (عن الرجل يقرأ السجدة فينساها حتى
يركع ويسجد، قال: يسجد إذا ذكر إذا كانت من العزائم) (7)،
ومنها
- مضافة إلى عموم أدلة وجوب المبادرة مع عدم المانع - يظهر وجوب
السجود لها في أثناء الصلاة، وليس ذلك زيادة في أفعال الصلاة كما سمعت،
مع أن المنع عن الزيادة مختص بالمكتوبة، كما في التعليل السابق وغيرها من
الروايات.
ولو نسيها في محلها أتى بها عند تذكرها; لصحيحة ابن مسلم المتقدمة

(1) الحدائق 8: 160.
(2) الخلاف 1: 430، كتاب الصلاة، المسألة: 178.
(3) تقدمتا في الصفحة: 396.
(4) تقدمت في الصفحة: 397.
(5) الوسائل 4: 777، الباب 37 من، أبواب القراءة في الصلاة، الحديث الأول، مع
اختلاف.
(6) الوسائل 4: 777، الباب 37 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 2.
(7) الوسائل 4: 779، الباب 39 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
406

المعتضدة بأدلة الفورية وبحكاية نفي الخلاف عن بعض كتب المصنف
قدس سره (1)
ومتى سجد لها فقام ولم يبق شئ من قرائته قرأ الفاتحة ندبا ليركع عن
قراءة، لحسنة الحلبي وموثقة سماعة المتقدمتين.
(و) كذا لا يجوز قراءة (ما يفوت بقرائته الوقت) المضروب لتلك
الفريضة أو لاحقته كالعصر، المعروف عن ظاهر الشيخ في المبسوط (2)
والفاضلين (3) والشهيدين (4) والكركي (5) وعن الحدائق (6): نسبة التحريم
والبطلان إلى الأصحاب، وفي الرياض: لا خلاف فيه إلا عن بعض
متأخري المتأخرين (7)، حيت فرعه على وجوب إكمال السورة وحرمة القران
الممنوعين عنده (8)، وفيه: أن وجوب إكمال السورة كاف في تحريم الشروع
فيها بقصد الاقتصار كما هو محل الكلام وإن لم نقل بحرمة القران.
ودعوى: أنه حينئذ يعدل إلى سورة قصيرة وما أتى به من القراءة
غير مضر، ممنوعة: بأن المأمور به مع ضيق الوقت هي الصلاة مع سورة
قصيرة لامتناع إيجاب غيرها ولو تخييرا، فإتيان غيرها بقصد الجزئية

(1) لم نقف عليه في كتبه ولا على من حكى عنه.
(2) المبسوط 1: 108.
(3) الشرائع ا: 82، والمعتبر 2: 175، والمنتهى 1: 277، والنهاية 1: 467.
(4) الذكرى: 190، الدروس 1: 173، والمسالك 1: 206، وروض الجنان: 267.
(5) جامع المقاصد 2: 247.
(6) الحدائق 8: 125.
(7) انظر المدارك 3: 354، والحدائق 8: 126.
(8) الرياض 3: 395.
407

والاقتصار عليها زيادة محرمة، بل كلام خارج، لخروجه بالتحريم عن
القرآنية.
أما لو شرع فيها لا بنية الاقتصار بل بنية العدول إلى غيرها عند ضيق
الوقت، فلا كلام لأحد في الجواز على القول بجواز القران. نعم، يرد على
ما ذكره الشارح (1) - من البطلان بمجرد الشروع - أنه لا دليل على ذلك
إلا ما سبق في نظائر المسألة من أن النهي في الجزء يستلزم فساد الكل وأن
القراءة المحرمة كلام أجنبي، وقد مر أيضا (2) أن للنظر فيه مجالا.
بل قد يناقش في الفساد مع إتمامها أو مع الاشتغال بها حتى فات
الوقت: بأنها لا توجب الاخلال بشئ مما يعتبر في الصلاة عدا السورة
الساقطة لضيق الوقت ولو بسبب الاشتغال بالقراءة المحرمة، إذ الظاهر عدم
الفرق في الضيق المسقط للسورة بين كونه لعذر أو لسوء اختيار المكلف. نعم،
قد يوجب الاشتغال بها: الاخلال بالموالاة بين الفاتحة وبين ما يجب عليه
قراءته من السورة القصيرة، لكن البطلان به منحصر بصورة حصول المقدار
المخل قبل الحكم بسقوط السورة.
وبالجملة: فإتمام المسألة بمجرد القواعد مشكل، إلا أن يتمسك فيها
برواية سيف بن عميرة عن الحضرمي عن الصادق عليه السلام: (لا تقرأ في
الفجر شيئا من آل حم) (3)، فإن الظاهر كون النهي لفوت الوقت، كما أفصح
عنه رواية أخرى عن عامر بن عبد الله: (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام

(1) انظر المسالك 1: 206.
(2) في الصفحة: 377 - 378.
(3) الوسائل 4: 784، الباب 44 من أبواب القراءة، الحديث 2.
408

يقول: من قرأ شيئا من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت) (1)، وما في
سندهما منجبر بما عرفت من الشهرة والاتفاق المحكي (2)، لكن في دلالتهما
على أزيد من التحريم المقدمي لأجل إفضائه إلى ترك الفعل الواجب في وقته
المضروب نظر، بل منع، ومجرد هذا التحريم - بل التحريم التشريعي الحاصل
من استلزام الأمر بالشئ أعني السورة القصيرة، عدم الأمر بضده، بل
التحريم الاستقلالي، بناء على استلزام الأمر [بالشئ] (3) النهي عن الضد -
لا يثبت إلا فساد الجزء، وقد عرفت غير مرة ضعف ما دل على أن فساد
الجزء وتحريكه مستلزم لفساد الكل ما لم يوجب نقص جزء أو شرط،
والسورة القصيرة وإن انتفت هنا لكنها ساقطة لضيق الوقت الذي ثبت كونه
عذرا حتى إذا كان بسوء اختيار المكلف.
وقد يوجه الحكم بالبطلان - فيما إذا فرض تشاغله بالسورة الطويلة في
الركعة الأولى إلى أن خرج الوقت - بعدم ورود التعبد بهذه الصلاة الملفقة، إذ
القدر الثابت من صحة الملفقة في الشريعة: ما إذا أدركت من الوقت ركعة
أو شرع في الصلاة بظن السعة ثم تبين عدم سعتها لركعة.
وفيه: إن صحة التلفيق في الفرض الثاني ليس إلا لأجل الدخول في
العبادة على الوجه المشروع مع كون الصلاة مطلوبة من المكلف بمجرد دخول
الوقت إلى آخر أوقات تمكنه منه، غاية الأمر أن الطلب في خارج الوقت
بأمر جديد غير الأمر الأول بمعنى احتياجه إلى الأمر الجديد وإلا فالمطلوبية

(1) الوسائل 4: 783، الباب 44 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(2) انظر الصفحة: 407.
(3) من (ط).
409

مستمرة، وكيف كان، فالحكم في المسألة لا يتم إلا بالاجماع أو بقاعدة إفساد
الجزء الفاسد.
وكيف كان، فلو شرع في السورة الطويلة أو بظن سعة أو غفلة عن
طولها، ثم تنبه رجع - ولو بعد تجاوز النصف - إلى سورة أخرى إن وسع
الوقت لها، وإلا فيركع عن بعض تلك السورة، والعدول المحرم بعد تجاوز
النصف في الفرض الأول، بل القران - بناء على تحققه فيما نحن فيه - كتبعيض
السورة في الفرض الثاني، كلها غير قادح في المقام، كما مر وسيجئ.
(و) يحرم (قول: (آمين) (1)) بعد الحمد على المشهور، وقد حكي
الاجماع عليه عن المشايخ الثلاثة (2) والمصنف (3) وغيرهم، والروايات به
مستفيضة (4)، خلافا للمحكي في الذكرى عن الإسكافي (5) فجوزه، ومال إليه
في المعتبر مع أنه حكى فيه عن المشايخ الثلاثة: الاجماع على تحريمها
وإبطال الصلاة بها (6) ولعله للأصل، وعموم أدلة جواز الدعاء، ولصحيحة
جميل: (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الناس في الصلاة جماعة
- حين يقرأ فاتحة الكتاب - آمين؟ قال: ما أحسنها، وأخفض الصوت
بها) (7).

(1) في الإرشاد زيادة: وتبطل اختيارا.
(2) الاعلام: 23، والانتصار: 42، والخلاف 1: 332، كتاب الصلاة، المسألة: 84.
(3) المنتهى 1: 281.
(4) انظر الوسائل 4: 752، الباب 17 من أبواب القراءة.
(5) الذكرى: 194.
(6) المعتبر 2: 186، وفيه: وممكن أن يقال بالكراهة.
(7) الوسائل، 753، الباب 17 من أبواب القراءة، الحديث 5.
410

والنظر في الجميع ظاهر، بعد الأخبار والاجماعات المستفيضة، مضافا
إلى منع دلالة الصحيحة، نظرا إلى أن قوله: (ما أحسنها) إن كان بصيغة
التعجب فمع منافاته للأمر بخفض الصوت بها إنما يدل على الاستحباب الذي
هو مذهب العامة، فيتعين حملها على التقية، وإن كان جملة نافية فقد يرد
بأنه لا دلالة فيها على الإذن. وفيه: أن الجواز مستفاد من قوله: (واخفض
الصوت بها)، إلا أن يقال: إنه يحتمل حينئذ أن يكون هذا الكلام إخبارا
من الراوي بأن المعصوم عليه السلام لم يعلن هذا الكلام; لأجل التقية، أو يكون
أمرا ويكون الضمير في قوله (بها) راجعا إلى الجواب، فقد أمره عليه السلام بعدم
إعلان هذا الجواب وخفض الصوت بها عند الشيعة، ويحتمل [على]
التقديرين أن يكون كلمة (1).
ولقد أجاد في الذكرى حيت قال: إن الرواية. تنادي على نفسها
بالتقية (2) ويشير إلى ذلك - مضافا إلى أن راوي هذه الرواية قد روى المنع (3)
أيضا -: صحيحة معاوية بن وهب، عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: (قلت
له: أقول: آمين، إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ فقال:
هم اليهود والنصارى) (4)، بناء على عدوله عن جواب السؤال إلى تفسير
(المغضوب عليهم ولا الضالين)، وليس - ظاهرا - إلا لأجل التقية، وإن كان
ضمير الجمع راجعا إلى قائلي هذه الكلمة، فهي ظاهرة بل صريحة في

(1) إلى هنا تنقطع العبارة في (ق) بسبب حصول انخرام في هامش النسخة، وقد أشار
إلى ذلك ناسخ (ط)، في الهامش.
(2) الذكرى: 194.
(3) الوسائل 4: 752، الباب 17 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 4: 752، الباب 17 من أبواب القراءة، الحديث 2.
411

التحريم.
ثم إن الأخبار وإن كانت بلفظ النهي إلا أن الظاهر أن المراد في أمثال
المقام: التنبيه على الفساد، مضافا إلى كفاية الاجماعات المستفيضة على
البطلان، مضافا إلى ما سبق تقويته: من أن الكلام إذا صار منهيا عنه يدخل
في كلام الآدميين (1) وإن كان بذاته دعاء أو قرآنا، بل قد يحكم بتحريمه
وإبطاله من جهة عدم كونه بالذات دعاء أو قرآنا فيحرم ويبطل، كما هو
المشهور بين الفقهاء وأهل العربية.
قال في كشف اللثام: إنه المشهور المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
[و] (2) مرفوعا في معاني الأخبار (3) عن الصادق عليه السلام، وأنها كلمة تقال
أو تكتب للختم، كما روى أنها خاتم رب العالمين، وقيل: إنها يختم بها
براءة أهل الجنة وبراءة أهل النار (4)، انتهى، وعن التنقيح: اتفق الكل عليه (5)،
وعن الانتصار: لا خلاف في أنها ليس قرآنا ولا دعاء مستقلا (6)، وعن
ظاهر الغنية: أن العامة أيضا متفقون عليه (7)، وفي النسبة نظر، وعن
حاشية الفريد البهبهاني - في موضع -: أن (آمين) عند فقهائنا من كلام

(1) راجع الصفحة: 393.
(2) من المصدر.
(3) معاني الأخبار: 349.
(4) كشف اللثام 1: 217.
(5) التنقيح الرائع 1: 202.
(6) الإنتصار: 43.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 496.
412

الآدميين (1).
ولكن الظاهر أن هذه الدعاوي كلها مستندة إما إلى الرواية المروية في
المعاقب أو مثلها، وإما إلى ما حكي عن أهل العربية (2) من أن أسماء الأفعال
أسماء لألفاظها، لا أنها مرادفات لها فهي اسم للدعاء، والاسم مغاير
للمسمى، كما صرح به جماعة من أصحابنا (3)، وعن الكشاف: أنها صوت
سمي به: (استجب)، كما أن (حيهل) و (هلم) أصوات سمي بها الأفعال (4)،
وعن حاشية الفريد البهبهاني: ان (آمين) اسم للفظ الفعل، بإجماع أهل
العربية، بل هو بديهي عندهم (5) والظاهر أن مرادهم: هو أن الكلمة لا ينشأ
بها الطلب الذي هو حقيقة الدعاء، إنما هي علم للفظ ينشأ به الطلب،
فالفرق بين قول: (آمين) وقول: (استجب) هو: أن الأول يكشف عن قيام
حالة بالنفس تقتضي التكلم باستمع، فيتكلم بما هو علم لما لينتقل المخاطب
إلى كون الاستجابة مراده، والثاني ينشأ بها الطلب، فكلمة (آمين) مثل

(1) حكاه في مفتاح الكرامة 2: 368، وانظر هامش المدارك (الطبعة الحجرية): 164.
ذيل قوله قدس سره: اختلف الأصحاب.
(2) شرح الكافية 1: 67، باب أسماء الأفعال، وحكاه في المدارك 3: 373، ومفتاح
الكرامة 2: 368.
(3) كالعلامة في التحرير 1: 39، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 248، والشهيد
الثاني في روض الجنان: 267 وغيرهم.
(4) الكشاف 1: 17، والعبارة في (ط) هكذا: وعن الكشاف أنها صوت سمى به الفعل
وهو: استجب، كما أن (رويد) و (حيهل) و (هلم) أصوات سميت بها الأفعال، وهي:
امهل وأسرع، كما في الكشاف.
(5) راجع هامش المدارك (الطبعة الحجرية): 164.
413

الأصوات التي تجعل معرفات للمطالب.
وعلى أي حال: فيرد على ما ذكروه أنه إن كان الاستناد إلى الرواية
- فمع أنها غير معلومة السند والدلالة - لا ريب في أنها لا تسلب صدق
الدعاء عليه عرفا، فيدخل في عموم أوامر الدعاء في كل حال حتى في
الصلاة، إلا أن يقوم الدليل على المنع عن هذا الدعاء الخاص.
وأما منع صدق الدعاء عليه: فهو أمر عرفي لا يرجع فيه - بعد تحقق
الصدق العرفي - إلى الأخبار الآحاد، ومنه يظهر أنه لا ينفع في نفي صدق
الدعاء عليه عرفا ما ادعي: من أنها اسم للفظ الفعل لا مرادف له، فإنا
ندعي - مع ذلك - كونه داخلا في عموم ما ورد من أنه (كل ما كلمت به
ربك فهو من الصلاة) (1).
مضافا إلى ما حكي (2) عن نجم الأئمة (3) بل نسبه شارح الروضة (4) إلى
المحققين من منع ما ادعوه من كون أسماء الأفعال أسماء لألفاظها، لعدم
استحضار المتكلم بها ألفاظ الأفعال في بعض الأحيان، فهي في الحقيقة
مرادفات لها وإضافتها إلى الأفعال للملابسة، حيث إنها ليست أفعالا، لعدم
اشتقاقها.
ولعله لما ذكرنا - من منع كونه من كلام الآدميين، منضما إلى منع دلالة

(1) لم نقف عليه بعينه. نعم ورد مضمونه في الوسائل 4: 1262، الباب 13 من أبواب
قواطع الصلاة.
(2) حكاه في الجواهر 10: 7 عن بعض المحققين
(3) انظر شرح الكافية 2: 67.
(4) المناهج السوية (مخطوط): 148.
414

النواهي المتعلقة بخارج العبادة على فسادها - اقتصر في المدارك (1) على الحكم
بالتحريم ومنع الابطال، وقد ظهر بما ذكرنا ضعفه، كضعف القول بالكراهة،
وأضعف منهما: المنع عن قول: (اللهم استجب)، كما عن ظاهر الفاضلين (2).
وهل يختص التحريم والبطلان بما إذا قاله آخر الحمد - كما هو صريح
كلام بعض (3) ومنصرف إطلاق الآخرين (4) والمتيقن من الأخبار - أم يعم
جميع حالات الصلاة، كما هو مقتضى إطلاق كلام بعض (5) وصريح آخرين،
كما عن الخلاف (6) مدعيا عليه الاجماع، كالمصنف في تحريره (7)؟ قولان،
أقواهما: الأول; بناء على منع ما تقدم من كونها من كلام الآدميين، ومنع
حجية إجماع المنقول ما لم يفد الاطمئنان بالحكم، فبقي أصالة الجواز، بل
استحبابها، بناء على ما عرفت من كونها - ولو على تقدير كونها من أسماء
الألفاظ - داخلة في الدعاء المستحب عموما وخصوصا في الصلاة، حتى
ورد (8) أنه أفضل فيها من قراءة القرآن، مضافا إلى ورود بعض الأدعية
المشتملة على هذه الكلمة كدعاء صنمي قريش الذي كان يقنت به

(1) المدارك 3: 374.
(2) المعتبر 2: 185، والتذكرة 3: 162، ونهاية الإحكام 1: 466.
(3) هو المحقق النراقي في المستند 1: 354، ويظهر من الجواهر 10: 10 أيضا.
(4) كالشيخ قدس سره في النهاية: 77، والمحقق في الشرائع 1: 83، والعلامة في القواعد
1: 272.
(5) انظر الحدائق 8: 196.
(6) الخلاف 1: 332، كتاب الصلاة، المسألة: 84.
(7) التحرير 1: 39.
(8) لم نقف عليه.
415

أمير المؤمنين عليه السلام (1)، ودعاء آخر مشتمل عليها حكي عن المهج (2) والبلد
الأمين (3) نسبته إلى مولانا أبي إبراهيم عليه السلام، وما عن مفتاح الفلاح (4) من
ذكر بعض القنوتات المشتملة عليها.
نعم، لو قيل بجوازها في النافلة، أمكن حمل هذه الأخبار عليها، لكن
الظاهر من إطلاق الفتاوى ومعاقد الاجماع - سيما المستدل عليها بكون
(آمين) من كلام الآدميين -: التعميم، كما هو مقتضى إطلاق غير واحد من
الأخبار، فلا محمل لتلك الأخبار المجوزة.
لكن الانصاف: أن الأحوط مع ذلك الاجتناب في جميع الأحوال;
لاطلاق كثير من الاجماعات المحكية وصراحة إجماعي الخلاف والتحرير في
العموم، بل صراحة كل إجماع استدل مدعيه على معقد الاجماع بما يوجب
عموم الحكم، مثل كونه عملا كثيرا، وعدم كونه قرآنا ولا دعاء (5)، بل
عرفت استفاضة نقل الاجماع على خروجه عنهما، فهي حجة أخرى مستقلة،
مضافا إلى ما مر (6) من الاجماعات على عدم كونه قرآنا ولا دعاء.
ثم لا ريب في جواز قولها للتقية، بل وجوبها إذا توقف الاتقاء عليه،
والظاهر الاجماع على عدم البطلان حينئذ حتى ممن جعله داخلا في كلام

(1) البحار 85: 261.
(2) حكاه في البحار 85: 220.
(3) البلد الأمين: 393.
(4) مفتاح الفلاح: 58.
(5) لم نقف على من استدل بأنه عمل كثير، نعم استدل بعدم كونه قرآنا ولا دعاء في
الخلاف والتحرير وغيرهما من المصادر المتقدمة آنفا.
(6) تقدم في الصفحة: 412
416

الآدميين الذي لا يوجب الاكراه عليه رفع حكمه، بل يكون الاكراه عليه
إكراها على إبطال الصلاة، إلا أن الظاهر أن التقية عنوان مستقل غير عنوان
عموم الاكراه; ولذا يصح معها من الوضوء والصلاة ما لا يصح مع الاكراه،
بل مع التقية عن غير المذهب، ولو تركها مع التقية فالظاهر أنه لا يبطل
الصلاة وإن فعل محرما.
(ويستحب الجهر بالتسمية (1) في) مواضع يتعين فيها القراءة
و (الاخفات) بها على المشهور; للنصوص المستفيضة، منها: عموم ما دل
على أنه من علامات المؤمن (2) وما عن العيون بسنده الحسن كالصحيح إلى
الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام فيما كتبه إلى المأمون: (والاجهار ببسم
الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنة) (3)، بل في رواية الأعمش
- المحكية عن الخصال -: (أن الاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة
واجب) (4).
ومقتضى إطلاق كثير من الأخبار: عدم الفرق بين الإمام والمنفرد،
فتخصيص الحكم بالإمام كما عن الإسكافي (5) شاذ، ومثله ما عن الحلي من

(1) في الإرشاد وبالبسملة.
(2) الوسائل 10: 373، الباب 56 من أبواب المزار، الحديث الأول.
(3) العيون 2: 123، الباب 35، ذيل الحديث الأول، والوسائل 4: 758، الباب 21
من أبواب القراءة، الحديث 6.
(4) الخصال: 604، ذيل الحديث 9، والوسائل 4: 758، الباب 21 من أبواب
القراءة، الحديث 5.
(5) حكاه في المختلف 2: 155.
417

تخصيص الحكم بأوليي الظهرين حاكيا له عن جمل الشيخ (1); استنادا إلى
شمول أدلة وجوب الاخفات في الركعات الأخيرة للبسملة، ولا مخرج له
لتقيد أكثر أدلة الجهر بمواقع تعيين القراءة، وانصراف مطلقاتها إليها وبحكم
التبادر.
ويضعفه: منع انصراف المطلقات، مضافا إلى عدم الدليل المعتمد على
وجوب الاخفات في الأخيرتين - كما عرفت - عدا الاجماع المفقود في
البسملة، بل ظاهر المعتبر (2) نسبة عدم الفرقة في الحكم بالاستحباب بين
الأوليين وغيرهما إلى جميع الأصحاب، وما حكاه الحلي عن جمل الشيخ
- حيث قال فيه: ويستحب الجهر بها في الموضعين (3)؟ بناء على إرادة
الظهرين من لفظ (الموضعين) - ممنوع بما احتمله في المنتهى (4) من إرادة
الفاتحة والسورة، مضافا إلى أنه لا دلالة في الكلام على مطلب الحلي إلا من
باب مفهوم اللقب.
وما يدعى أن مفهوم اللقب معتبر في كلام الفقهاء، فهو على إطلاقه
خلاف المحسوس، بل التحقيق أنه قد يفهم منه ذلك بقرينة المقام.
وما أبعد ما بين هذا القول وقول القاضي (5) بوجوب الجهر بها حتى في
الأخيرتين; ولعله لبعض الاطلاقات المستظهر منها الوجوب، وخصوص

(1) السرائر 1: 218 و 219.
(2) المعتبر 2: 181.
(3) انظر الجمل والعقود (الرسائل العشر): 183.
(4) المنتهى 1: 278.
(5) لم نعثر عليه في كتبه ولا على من نسب ذلك إليه، نعم حكم بوجوب الجهر فيما يجهر
أو يخافت في المهذب 1: 97.
418

رواية الأعمش المتقدمة (1).
وظهور الاطلاقات في الوجوب ممنوع، بل الانصاف سوقها مساق
بيان الفضيلة، كما ينادي بذلك جعله من العلامات الخمس للمؤمن (2) ويظهر
من رواية العيون (3).
ورواية الأعمش - مع ضعفها سندا - قاصرة دلالة عن إفادة الوجوب
المصطلح، مع أن المحكي عن الحلي (4) عدم الخلاف بين المسلمين في جواز
الاخفات في بسملة الأخيرتين; ولعله لذلك خص الوجوب الحلبي (5)
بالأوليين، وحكي عن ظاهر الأمالي (6)، ويظهر وجهه وضعفه مما ذكرنا.
والأحوط في المسألة: عدم ترك الجهر في الأوليين وترك القراءة في
الأخيرتين.
وهل يعم الحكم ما لو وجب الاخفات لعارض الجماعة، أم لا؟ الظاهر
الثاني; لانصراف هذه الأخبار إلى غيرها، فيبقى إطلاق ما دل على
الاخفات بالقراءة خلف الإمام - مثل قوله عليه السلام في تلك الأخبار: (قرأ في
نفسه بأم الكتاب) (7)، وعموم قوله: (لا ينبغي للمأموم أن يسمع الإمام

(1) تقدمت في الصفحة: 417.
(2) راجع الوسائل 10: 373، الباب 56 من أبواب المزار، الحديث الأول.
(3) المتقدمة في الصفحة: 417.
(4) السرائر 1: 218.
(5) الكافي في الفقه: 117.
(6) أمالي الصدوق: 511.
(7) الوسائل 5: 445، الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
419

ما يقوله) (1) - سليما عن المقيد، مع أنه لو سلم الانصراف فغاية الأمر تعارض
المطلقين بالعموم من وجه، ولا دليل على الاستحباب، مع أنه إذا سقط الجهر
في موارد وجوبه لمراعاة جانب الإمام اللائق بالاحترام فسقوطه في موارد
ندبه أولى.
(و) يستحب أيضا (الترتيل) في القراءة، وهو تبيين الحروف من
غير مبالغة كما عن المعتبر (2) والمنتهى (3)، وبيان الحروف وإظهارها ولا يمد
بحيث يشبه الغناء كما عن النهاية (4) والتذكرة (5) وغيرهما (6)، وتبيين الحروف
بصفاتها المعتبرة من الهمس والجهر والاستعلاء والاطباق والغنة كما عن
النفلية (7)، والترسل فيها من غير تغن كما عن الصحاح (8)، وتحسين
تأليفها كما عن القاموس (9)، والتؤدة فيها بتبيين الحروف وإشباع
الحركات كما عن الزمخشري (10) ومرجع عبارتي النهاية (11)

(1) انظر الوسائل 4: 994، الباب 6 من أبواب التشهد، و 5: 451، الباب 52 من
أبواب صلاة الجماعة.
(2) المعتبر 2: 181.
(3) المنتهى 1: 278.
(4) نهاية الإحكام 1: 476.
(5) التذكرة 3: 157.
(6) كالمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 270.
(7) الألفية والنفلية: 116.
(8) الصحاح 4: 1704، مادة (رتل).
(9) القاموس المحيط 3: 381، مادة (رتل).
(10) الكشاف 4: 637.
(11) النهاية 2: 194، مادة (رتل).
420

والمغرب (1).
والكل متقارب، والجمع بين الجميع مستحب، وفي بعض الأخبار
تفسير قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا): بينه بيانا، ولا تهذه هذ الشعر،
ولا تنثره نثر الرمل، ولكن أقرع به القلوب القاسية، ولا يكن هم أحدكم
آخر السورة (2). والهذ: السرعة، والنثر: التفريق.
وعن الصادق عليه السلام: (هو أن تتمكث فيه وتحسن به صوتك) (3).
وفي مرسلة ابن أبي عمير: (ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل في قرائته،
فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة والنار سأل الله الجنة وتعوذ من النار، وإذا مر
ب‍ (يا أيها الناس)، و (يا أيها الذين آمنوا)، فيقول: لبيك ربنا) (4).
وعن علي عليه السلام: أنه حفظ الوقوف وبيان الحروف (5)، وفسره به في
الذكرى إلا أنه قال: أداء الحروف (6) (و) هو حسن إلا أنه غير مقصود
في عبارة الماتن; لأنه ذكر (الوقوف على مواضعه) بعنوان على حدة،
كما في الشرائع (7).

(1) المغرب 1: 320، مادة (رتل).
(2) الوسائل 4: 856، الباب 21 من أبواب قراءة القرآن، الحديث الأول مع اختلاف
يسير، والآية من سورة المزمل: 4.
(3) نفس المصدر، الحديث 4.
(4) الوسائل 4: 753، الباب 18 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(5) الوافي 9: 1739، باب ترتيل القرآن بالصوت الحسن، والبحار 84: 188.
(6) الذكرى: 192 وفيه: وهو حفظ الوقوف وأداء الحروف.
(7) الشرائع 1: 82.
421

واعلم أن مواضع الوقف عند القراء - على ما حكي (1) عن جماعة
منهم - أربعة: ينقسم الوقف باعتبار وقوعه فيها إلى أقسام أربعة:
الأول: التام، وموضعه اللفظ الذي لا يتعلق بما بعده لفظا ولا معنى،
سواء كان آخر الآية كآخر البسملة و (يوم الدين) و (نستعين)
و (لا الضالين) أو لم يكن، كما في لفظ الجلالة في قوله تعالى: (وما يعلم
تأويله إلا الله) (2) على بعض الوجوه.
والثاني: الكافي، وهو ما تعلق بما بعده من حيث المعنى فقط، سواء كان
أيضا آخر آية، كقوله: (ومما رزقناهم ينفقون) (3) أو لا، ككلمة (من قبلك)
في قوله تعالى: (وما أنزل من قبلك) (4).
وهذان القسمان يشتركان في عدم وجوب إعادة الموقوف عليه وجواز
الابتداء بما بعده.
والثالث: الحسن، وهو عكس الكافي، وهو ما تعلق بما بعده لفظا
لا معنى، وهذا القسم يجب الابتداء بالموقوف عليه. قيل (5): أو ما يكون
الموقوف عليه كلاما تاما لكن يتعلق به ما بعده لفظا ومعنى.
والوقوف الحسنة في الفاتحة عشرة على ما حكي عن النفلية وشرحها:
(بسم الله) و (الرحمن) و (الحمد لله) و (العلمين) و (الرحمن) و (الرحيم)

(1) حكاه السيد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 56.
(2) آل عمران: 7.
(3) البقرة: 3.
(4) البقرة: 4.
(5) لم نقف عليه.
422

و (نعبد) و (المستقيم) و (عليهم) الأول و (عليهم) الثاني (1)، وعرفت أن التام
فيها أربعة.
والقبيح: ما تعلق بما بعده لفظا ومعنى، كالوقف على المضاف.
هذا محصل ما حكي عنهم، لكن تحديد التعلق المعتبر في القسمين بحيث
لا يوجد في الآخر صعب، لكن الأمر حمل بعد حكاية الاجماع عن
جماعة (2) على جواز الوقف بأقسامه حتى القبيح على مصطلح القراءة
لما حكي (3) عن محققيهم من أنه ليس المراد به: الممنوع شرعا، بل الممنوعية
في مقام التجويد والترتيل.
ويؤيد ما ذكرنا: رواية علي بن جعفر عليه السلام المصححة عن أخيه
عليه السلام: (في الرجل يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وسورة بنفس واحد،
قال: إن شاء قرأ في نفس وإن شاء في غيره) (4) فإن ظاهرها وإن اختص
بالتسوية بين القراءة بنفس والقراءة بأزيد، لكن سوق الكلام يعطي أنه
لا حرج في أن يقرأ على ما يشاء مطلقا، نعم ليس له أن يجمع بين جميع
الوقوف الأربعة عشر للفاتحة لخروجها بذلك عن النظم، فالمراد أنه لو أراد
الوقف فالأحسن اختيار التام، ثم الحسن، ثم الكافي.
ولا يبعد أن يكون مراد المصنف رحمه الله وغيره هو استحباب المحافظة
على الوقوف التامة; إذ لا يستحب غيره من الوقوف، نعم الوقف القبيح

(1) لم نعثر عليه في النفلية، نعم هو موجود في شرحها (الفوائد الملية): 86.
(2) منهم المحقق النراقي في المستند 1: 335.
(3) حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان: 268، والسيد السند في المدارك 3: 361.
(4) الوسائل 4: 785، الباب 46 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
423

خلاف الأولى.
ثم إنه لو وقف على جزء الكلمة اضطرارا فلا إشكال في وجوب إعادة
الموقوف عليه، ولو وقف على المضاف ففي وجوب إعادته وجهان: أحوطهما
الوجوب; إذ لا يخاف منه صدق الزيادة ولا صدق القران، بعد ما حكم
القراء بجواز الإعادة، بل بوجوبه الشرطي للترتيل المستحب في القراءة
عموما حتى في حق هذا المرتكب للوقف القبيح، ومنه يظهر - أيضا - جواز
الإعادة، بل حسنها الذي حكموا به في الوقف الحسن، لكن عدم الوجوب
في هذا القسم هو المتعين، وفي الوقف القبيح أيضا لا يخلو عن قوة.
ثم إن المصرح به في كلام جماعة (1): عدم جواز الوقف مع إبقاء حركة
الآخر، ويسمى الوقف على الحركة، وكذا عدم جواز الوصل بالسكون، بل
عن المحدث الزاهد التقي المجلسي: أنهما غير جائزين باتفاق القراء وأهل
العربية (2)، وأنكر ذلك جماعة (3) محتجين بصدق القراءة، مضافا إلى صحيحة
علي بن جعفر السابقة.
والأظهر أن يقال: أما الوصل بالسكون، فالأقوى فيه عدم الجواز;
لأن الحركة في آخر الكلمة من قبيل الجزء الصوري، فإذا وقف عليها
سقطت لقيام الوقف مقامها في عرف العرب وعند القراء وأهل العربية، وأما
سقوطها مع الوصل، فهو نقص للجزء الصوري، ولا فرق بين حركات

(1) منهم المحقق القمي في الغنائم: 193.
(2) البحار 85: 8.
(3) منهم الفاضل النراقي في المستند 1: 335، ولم نقف على غيره.
424

الأواخر وغيرها في أن أبدالها أو حذفها موجب لتغير الجزء الصوري (1); فإن
صورة (نعبد) بالجزم، غير صورتها بالضم؟ فإن السكون هيئة مغائرة
للحركة، فتسكين الآخر في المضارع المعرب في حال الوصل مخالف لقواعد
العربية، وكذا سكون المبتدأ المعرب في الحمد، وكذا سكون كاف (إياك) في
الوصل، مخالف لوضعه اللغوي، وقد عرفت وجوب متابعة اللغة والعربية في
القراءة.
وقد تردد المصنف قدس سره في ظاهر عبارة المنتهى - فيمن عجز عن تعلم
الاعراب على الاستقامة - بين ترك الاعراب الخطأ والتسكين وبين عدمه،
قال: ينشأ ذلك من أن حذف الحركات يبطل الجزء الصوري من الكلام،
ومن أن الواجب عليه الاعراب الصحيح وترك الخطأ، وقد فات الأول
فيجب الثاني، والأخير أقرب (2)، انتهى.
نعم، قد يحكى جواز الوصل بالسكون عن غير المشهور، كما يظهر من
الروض (3) والروضة (4)، وقد يخص ذلك بالفقرات المستقلة التي تعد كل منها
كلاما مستقلا كفصول الأذان ونحوها، على ما حكاه شارح الروضة عن
ابن الأنباري عن أهل اللغة، ثم قال: ووجهه ظاهر وعلله بما ذكرنا من
استقلال الفصول (5)،
وأما الوقف على الحركة: فلا دليل على منعه عدا ما يستفاد من حكم

(1) في (ق): ظاهرا الصورة ويحتمل: المتصور.
(2) المنتهى 1: 273.
(3) انظر روض الجنان: 244 و 268.
(4) انظر الروضة البهية 1: 602 و 603، ولم نقف فيه على ما ظهر ذلك منه.
(5) المناهج السوية (مخطوط): 86.
425

القراء بلزوم حذف الحركة، وقد عرفت - هنا، وفيما سبق في بحث وجوب المد
والادغام (1) - عدم وجوب ما يلتزمونه.
نعم، يمكن أن يقال: إن هذا أيضا من قواعد العربية، حيث إنهم
عنونوا في علم العربية (باب الوقف) وصرحوا بوجوب حذف حركة الاسم
وصلة ضمير المذكر مع حركته حال الوقف، وإبدال التنوين في النصب ألفا،
وقلب تاء التأنيث هاء، وغير ذلك من قواعد الوقف المتعلقة بالأجزاء
المادية أو الصورية (2)، ولهذا ادعى المحدث - المتقدم إليه الإشارة (3) - الاجماع
من أهل العربية على المنع، لكن الاشكال عليه مشكل، سيما مع قوة كون
المنشأ فيه ما ذكرنا من تعرض أهل العربية لقواعد الوقف; فإن مجرد هذا
منهم لا يدل على كون مخالفة ذلك عندهم مسقطا للكلام مادة أو صورة عن
العربية; فإنهم قد تعرضوا لكثير مما لا يجب كبحث الإمالة ونحوها.
إلا أن يقال: إن ظاهر حكمهم بوجوب مراعاة تلك القواعد مدخليتها
في صحة الكلام من حيث العربية، سيما ومن المشاهد ثبوت اللحن بإلغاء
بعض قواعد الوقف، مغل قلب تاء التأنيث هاء، وأما الإمالة; فهم وإن
عنونوها في العربية، إلا أنهم صرحوا بعدم وجوبها (4) بخلاف الوقف،
فلا ينبغي ترك الاحتياط.
ثم بناء على جواز الوقف على المتحرك، فإذا كان بعده همزة الوصل

(1) راجع الصفحة: 358 - 361.
(2) انظر البهجة المرضية في شرح الألفية: 229 (باب الوقف)، وشرح ابن عقيل
2: 580.
(3) وهو المحدث المجلسي قدس سره، وتقدمت إليه الإشارة في الصفحة: 424.
(4) انظر البهجة المرضية: 233 (باب الإمالة)، وشرح ابن عقيل 2: 520.
426

نطق بها لحصول الفصل بالوقف، ولو حصل الوقف على المتحرك اضطرارا
لم يجب الابتداء بالموقوف عليه وإن قلنا بعدم جواز الوقف على المتحرك;
لحصول الامتثال بذلك الجزء، ويحتمل وجوبه لوجوب مراعاة النظم بين
الفقرات.
ثم إنه لا يتعين في الوقت التنفس قطعا ولا السكوت بمقدار التنفس، بل
مسمى الوقف كاف ظاهرا في اللحن مع الحركة وفي الخروج عنه مع
السكون.
ويؤيد ما ذكرنا، بل يدل عليه: ترك الاستنفصال في الصحيحة
السابقة (1) المجوزة لقراءة السورة بنفس واحد.
ومن مستحبات القراءة في الصلاة وغيرها: سؤال، الرحمة والتعوذ عن
النقمة عند تلاوة آيتيهما، بلا خلاف ظاهرا، بل إجماعا كما عن الخلاف (2)
والبيان (3); لعمومات رجحانهما، وخصوص مرسلة البرقي وأبي أحمد - قيل (4):
يعني ابن أبي عمير - عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(ينبغي للعبد إذا صلى أن يرتل في قرائته فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة وذكر
النار سأل الله الجنة وتعوذ بالله من النار وإذا مر ب (يا أيها الناس) و (يا أيها
الذين آمنوا) يقول: لبيك ربنا (5).
ونحوها موثقة سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (ينبغي لمن قرأ

(1) وهي صحيحة علي بن جعفر المتقدمة في الصفحة: 423.
(2) الخلاف 1: 422، كتاب الصلاة، المسألة: 170.
(3) البيان: 162، وليس فيه: الاجماع، وفي (ق)، التبيان ولم نقف عليه فيه.
(4) قاله صاحب الوسائل.
(5) الوسائل 4: 753، الباب 18 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
427

القرآن إذا مر بآية فيها مسألة أو تخويف أن يسأل عند ذلك خير ما يرجو
أو يسأل العافية من النار ومن العذاب) (1).
(و) يستحب قراءة (قصار) السور الموصوفة - باعتبار كثرة
فواصلها، أو قصور فواصلها أو باعتبار اشتمالها على الحكم المنفصلة أي الغير
المنسوخة - ب‍ (المفصل). المحدود - باعتبار - من سورة (محمد صلى الله عليه
وآله وسلم) إلى آخر القرآن - على ما عن التبيان من نسبته إلى أكثر أهل
العلم (2) - أو من (ق)، أو من (الضحى)، أو من (الحجرات)، أو من
(الجاثية)، أو من (القتال) (3)، أو من (الصافات)، أو من (الصف)، أو من
(تبارك)، أو من (إنا فتحنا)، أو من (الرحمن)، أو من (الانسان)، أو من
(الأعلى)، والأول لا يخلو عن قوة للشهرة الكافية في المقام، ويمكن أن
ينطبق عليه المروي عن الكليني بسنده إلى سعد الإسكاف، عن
النبي صلى الله وآله وسلم أنه قال: (أعطيت السور الطوال مكان التوراة، ويس
مكان الإنجيل، والمثاني مكان الزبور، وفضلت بالمفصل ثمان وستون
سورة) (4) وهذا العدد من سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخر القرآن،
واحتمال غير ذلك مدفوع بعدم القول به بين المسلمين.
ثم المحكي عن الطبرسي بعد اختيار هذا القول: إن مطولات المفصل
إلى (عم)، ومتوسطاته إلى (الضحى)، وقصاره البواقي (5).

(1) الوسائل 4: 753، الباب 18 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(2) التبيان 1: 20.
(3) كذا في النسختين، والمراد: سورة محمد (ص)، والظاهر أنه تكرر سهوا.
(4) الكافي 2: 601، كتاب فضل القرآن، الحديث 10.
(5) لم نقف عليه ولا على من حكاه.
428

وكيف كان، فالمشهور كما في المدارك (1) استحباب قراءة القصار (في
الظهرين والمغرب) ولم يوجد عليه خبر، إنما المروي مصححا عن محمد بن
مسلم: (أن الظهر والعشاء الآخرة تقرأ فيهما سواء، والعصر والمغرب سواء،
وأما الغداة: فأطول، فأما الظهر والعشاء الآخرة: فسبح اسم ربك الأعلى،
والشمس وضحيها ونحوهما، وأما العصر والمغرب: فإذا جاء نصر الله،
وألهيكم التكاثر ونحوهما، وأما الغداة: فعم يتساءلون وهل أتيك حديث
الغاشية، ولا أقسم بيوم القيمة وهل أتى على الانسان) (2).
ونحوها معتبرة بابن محبوب (3) حاكية لقراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في فرائضه الخمس وتسويته بين الظهر والعشاء وبين العصر والمغرب (4)،
والعمل بهما قوي وفاقا لجماعة (5).
(و) مما ذكر يظهر أنه يستحب أن يختار من المفصل (متوسطاته
في العشاء ومطولاته في الغداة).
وبإزاء ما ذكر أخبار أخر مرجحة لسورتي التوحيد والقدر، فعن
الكليني عن أبي علي بن راشد: (أنه قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك
أنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه إن أفضل ما يقرأ في الفرائض إنا أنزلناه،
وقل هو الله أحد، وإن صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر. فقال: لا يضيق

(1) المدارك 3: 363.
(2) الوسائل 4: 787، الباب 48 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(3) في (ط): ابن محبوب.
(4) الوسائل 4: 787، الباب 48 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(5) منهم المحقق في المعتبر 2: 182، والشهيد في الذكرى، 192، والفيض الكاشاني في
مفاتيح الشرائع 1: 136.
429

صدرك; فإن الفضل - والله - فيهما) (1).
وفي التوقيع إلى الحميري - كما عن الاحتجاج -: (من ترك سورة
مما أتى فيها الثواب وقرأ (قل هو الله أحد) و (إنا أنزلناه) لفضلهما أعطي
ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك) (2)، ويمكن الجمع بينهما على بعض
الوجوه.
(و) يستحب أيضا قراءة سورة (هل أتى) على الانسان (في
صبح الاثنين و) صبح (الخميس) كما عن (3) الشيخ (4) والجماعة (5)، وعن
الصدوق: زيادة استحباب قراءة (الغاشية) في الركعة الأخرى مسندا ذلك
إلى رواية رواها عمن صحب الرضا عليه السلام من أنه عليه السلام، قال: (من
قرأ بهما في صلاة الغداة يوم الاثنين ويوم الخميس، وقاه شر اليومين) (6).
وفي رواية أخرى: (من قرأ هل أتى في كل غداة خميس زوجه الله من
الحور العين ثمان مائة عذراء وأربعة آلاف ثيب وحورا من الحور العين

(1) الكافي 3، 315، الحديث 19، والوسائل 4، 760، الباب 23 من أبواب القراءة،
الحديث الأول.
(2) الإحتجاج 2: 303، والوسائل 4: 761، الباب 23 من أبواب القراءة،
الحديث 6.
(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 304.
(4) المبسوط 1: 108.
(5) منهم: المحقق في الشرائع 1: 82، والعلامة في القواعد 1: 274، والفيض
الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 137.
(6) الفقيه 1: 308، ذيل الحديث 922، والوسائل 4: 791، الباب 50 من أبواب
القراءة، الحديث الأول.
430

[وكان مع محمد]) (1).
(و) يستحب أيضا قراءة (الجمعة والأعلى ليلة الجمعة في
العشاءين، على المشهور كما عن الحدائق (2)، بل عن الانتصار الاجماع عليه
وأنه مما انفردت به الإمامية (3); لرواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: (الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ في ليلة
الجمعة (بالجمعة) و (سبح اسم ربك الأعلى) وفي صلاة الظهر (بالجمعة)
و (المنافقين) فإذا فعل ذلك فكأنما يعمل بعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنة) (4).
وهنا أقوال (5) كإبدال الأعلى بالمنافقين أو التوحيد.
(و) يستحب قراءة سورة (الجمعة والتوحيد في صبيحتها) لرواية
الحسين بن أبي حمزة (6) وعن الخلاف الاجماع (7) وأبدل جماعة التوحيد
بالمنافقين (8) لما ورد من أن قراءتهما سنة يوم الجمعة في الغداة والظهر والعصر

(1) الوسائل 4: 791، الباب 50 من أبواب القراءة، الحديث 2، وما بين المعقوفتين من
هامش (ط) والمصدر.
(2) الحدائق 8: 181.
(3) الإنتصار: 54.
(4) الوسائل 4: 790، الباب 49 من أبواب القراءة، الحديث 8.
(5) راجع المختلف 2: 158 و 159، ومفتاح الكرامة 2: 403.
(16 الوسائل 4: 790، الباب 49 من أبواب القراءة، الحديث 10.
(7) الخلاف 1: 620، كتاب الصلاة، ذيل المسألة: 389.
(8) منهم الصدوق في الهداية (الجوامع الفقهية): 12. والسيد المرتضى في الإنتصار: 54
وابن أبي عقيل في المختلف 2: 157.
431

فلا ينبغي لك أن تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر من يوم الجمعة (1).
(و) يستحب قراءة (الجمعة والمنافقين في الظهرين) يوم الجمعة
(و) في صلاة (الجمعة) على المشهور; لما تقدم من رواية ابن حازم (2)
وغيرها (3)، بل في بعض الصحاح أن من تركهما فلا صلاة له (4)،. وفي آخر من
لم يقرأ بهما في الجمعة فلا جمعة له (5).
[(و (الضحى) و (ألم نشرح) سورة، وكذا (الفيل) و (لإيلاف)، وتجب
البسملة بينهما)] (6).
(ويجوز) للمصلي (العدول عن سورة) لا يتعين إتمامها لعارض
(إلى غيرها) في الجملة; للاجماع والنصوص المستفيضة مثل رواية الحلبي
المصححة في كشف اللثام (7)، - وفيها أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن
مسكان، وفي شرح الفريد (8) أن بينهما واسطة - عن أبي عبد الله، قال: (من

(1) الوسائل 4: 789، الباب 49 من أبواب القراءة، الحديث 6.
(2) تقدمت في الصفحة السابقة، ولم تتعرض لصلاة الجمعة، وإنما وردت في صلاة الظهر
يوم الجمعة.
(3) راجع الوسائل 4: 788، الباب 49 من أبواب القراءة، و 4: 815، الباب 70 من
أبواب القراءة.
(4) الوسائل 4: 815، الباب 70 من أبواب القراءة، الحديث 3.
(5) الوسائل 4: 816، الباب 70 من أبواب القراءة الحديث 7.
(6) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نجد شرحه فيما بأيدينا من النسخ، ويحتمل سقوط
ورقة أو أكثر من هنا; فإن قوله: (فلا جمعة له) هو آخر ما ورد في الصفحة من
الورقة: (120 / ب)، وقوله:) (ويجوز) هو أول الصفحة من الورقة: (121 / ألف)
(7) كشف اللثام 1: 224.
(8) مصابيح الظلام (مخطوط): 138.
432

افتتح سورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس، إلا (قل هو الله
أحد) فلا يرجع منها إلى غيرها، وكذلك (قل يا أيها الكافرون) (1).
وفي رواية عمرو بن أبي نصر المصححة: (يرجع من كل سورة إلا
من (قل هو الله أحد) و (قل يا أيها الكافرون)) (2).
وعن قرب الإسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى
عليهما السلام: (عن الرجل إذا أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها، هل يصلح له أن
يقرأ نصفها ثم يرجع إلى التي أراد؟ قال: نعم، ما لم يكن (قل هو الله أحد)
و (قل يا أيها الكافرون)) (3).
مضافا إلى أصالة بقاء التخيير ما لم يحصل الامتثال بأحد فرديه
وإطلاق أدلة القراءة، السليمين عن معارضة ما يصلح مزاحما لهما عدا
ما يظهر من الشهيد والمحقق الثانيين (4) من أن العدول إبطال للمعدول عنه
فيكون منهيا عنه للآية (5)، وما ربما يتخيل من أنه مستلزم للزيادة عمدا
حيث إنه يأتي بالمعدول عنه بقصد الجزئية، وما يتوهم من أنه قران،
والأصل فيه التحريم; للعمومات.
وفي كل من مقدمتي الوجوه الثلاثة نظر، تقدم إليه الإشارة سابقا (6).

(1) الوسائل 4: 775، الباب 35 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(2) الوسائل 4: 775، الباب 35 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(3) قرب الإسناد: 206، الحديث 802، والوسائل 4: 776، الباب 35 من أبواب
القراءة، الحديث 3.
(4) انظر جامع المقاصد 2: 279، وروض الجنان: 270.
(5) سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 33.
(6) راجع الصفحة: 377 - 378.
433

وكيف كان، فلا إشكال في أصل العدول. كما لا خلاف ظاهرا في أن
جوازه ليس على إطلاقه، وإنما الاشكال والخلاف في أنه هل يجوز
(ما لم يتجاوز النصف) كما اختاره المصنف هنا، وفي القواعد (1) والمنتهى (2)
وفاقا للمعتبر (3) كما عن المقنعة (4) والمبسوط (5) والمهذب (6) والاصباح (7)
والبيان (8) والألفية (9) وعن جماعة (10) أنه المشهور; لعموم أدلة جواز العدول
خرج ما إذا تجاوز النصف، وخصوص رواية قرب الإسناد المتقدمة (11)،
وأصرح منها رواية دعائم الاسلام (12) وخصوص مقطوعة أبي العباس
المروية في الذكرى، عن البزنطي، عنه: (في الرجل يريد أن يقرأ السورة
فيقرأ في أخرى، قال: يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف) (13) وضعف

(1) قواعد الأحكام 1: 275.
(2) المنتهى 1: 280.
(3) المعتبر 2: 191.
(4) المقنعة: 147.
(5) المبسوط 1: 107.
(6) المهذب 1: 103.
(7) إصباح الشيعة (الينابيع الفقهية) 4: 620.
(8) البيان: 157.
(9) الألفية: 58.
(10) منهم المحقق السبزواري في الذخيرة: 280، والعلامة المجلسي في البحار 85: 16.
وانظر مفتاح الكرامة 2: 407.
(11) تقدمت في الصفحة: 432.
(12) دعائم الاسلام 1: 161.
(13) الذكرى: 195، والوسائل 4: 776، الباب 36 من أبواب القراءة، الحديث 3.
434

سنده لا يقدح بعد إيراد البزنطي له الذي لا يروي المسندات إلا عن ثقة،
فكيف يروي ما لم يقطع بإسناده إلى الإمام عليه السلام؟!، ودلالتها على
المقصود أيضا واضحة; فإن الظاهر من قوله: (فيقرأ من (1) الأخرى) هو
أنه يقرأ قصدا، لا أنه يقرأ لا عن قصد حتى يقال: إنه لا كلام في وجوب
الرجوع عنها وإن فرغ منها.
ورواية أبي بصير المصححة: (في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف
السورة ثم ينسى فيأخذ في أخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع،
قال: يركع ولا يضره) (2) وجه الدلالة: إنه لو حرم العدول ببلوغ النصف
لم يجتزأ بالمعدول إليها، إلا أن يقال: إن التحريم مختص بالمتعمد، فالناسي
يجتزئ بما أتى مع عدم النهي، ولعله لذا قال في جامع المقاصد: أنه لا دلالة
لها بوجه (3).
وأما موثقة عبيد بن زرارة: (إنه يرجع ما بينه وبين ثلثيها) (4) فهي
شاذة، وحملت على الشروع في الثلث الثاني، ولا يخفى ما فيه.
خلافا للمحكي عن السرائر (5) وجامع الشرائع (6) والموجز (7)

(1) كذا في النسختين.
(2) الوسائل 4: 777، الباب 36 من أبواب القراءة، الحديث 4.
(3) جامع المقاصد 2: 279.
(4) الوسائل 4: 776، الباب 36 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(5) السرائر 1: 222.
(6) الجامع للشرائع: 81.
(7) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 78.
435

والدروس (1) والروض (2) وجامع المقاصد (3) وحكاه في الذكرى (4) عن الجعفي
والإسكافي; ولعله لمخالفة العدول للأصل; لبعض ما تقدم (ع)،
وقد عرفت أن
مقتضى الأصل والعموم والخصوص جوازه (إلا في التوحيد والجحد)
فلا يعدل منهما على المشهور، بل كاد يكون إجماعا كما في شرح الفريد (6)،
وأن الشهرة بل الاجماع عليه كما في مجمع الفائدة (7)، وعن البيان نسبته إلى
فتوى الأصحاب (8) وعن الانتصار التصريح بالاجماع عليه (9); للأخبار
المستفيضة المتقدم بعضها، خلافا للمحقق في المعتبر (10) فكرههما; لعموم:
(فاقرأوا ما تيسر) وعدم قوة الأخبار لتخصيصها، وفيه - مع استفاضة
الأخبار، بل تواترها، بقرينة عمل السيدين والحلي بها -: أنه لا معنى
للحكم بالكراهة أيضا إلا أن يكون للخروج عن الخلاف.
وكيف كان (فلا يعدل عنهما إلا إلى الجمعة والمنافقين، ومع

(1) الدروس 1: 173.
(2) روض الجنان: 270.
(3) جامع المقاصد 2: 279.
(4) الذكرى: 195.
(5) تقدم في الصفحة السابقة.
(6) مصابيح الظلام (مخطوط): 141.
(7) مجمع الفائدة 2: 244 و 245.
(8) البيان: 164.
(9) الإنتصار: 44.
(10) المعتبر 2: 191.
436

العدول) من سورة إلى أخرى (يعيد البسملة (1))، لأن البسملة التي قرأها
أولا كانت جزءا من العدول عنها فلا تصير جزءا من العدول إليها، ومجرد
اشتراك البسملتين في الصورة لا يوجب قابلية كل منهما لأن يصير جزءا من
سورة صاحبها، مثلا بسملة سورة التوحيد هي البسملة الشخصية التي نزلت
معها وكذا بسملة الجحد وبسملة غيرهما، فإذا بسمل بقصد حكاية تلك
البسملة الشخصية النازلة مع التوحيد يصدق أنه قرأ جزءا من سورة
التوحيد، ويصح أن يسلب عنه قراءة جزء غيرها من السور، فإذا ضم إليها
غيرها فلا تنقلب عن جزئية الأولى إلى جزئيته; لأن ما وقع على وجه
لا ينقلب عما وقع عليه.
وبعبارة أوضح: إن بسملة كل سوره بحسب وجودها الأصلي القائم
بمتكلمه الأول - أعني: الملك أو النبي صلى الله وآله وسلم أو غيرهما - كلام
شخصي وموجود مغاير لبسملة السورة الأخرى، ومعنى قراءة المكلف تلك
البسملة: التكلم بألفاظها النوعية بقصد حكاية ذلك الكلام الشخصي،
فالمقوم لجزئية البسملة للكلام الشخصي القائم بالمتكلم الأول هو انضمامها
إليه وتركبه منها ومن غيرها، ولجزئيتها لكلام المكلف القارئ هو قصد
حكاية ذلك الجزء، فعلم من ذلك أن قراءة البسملة التي قصد بها حكاية
بسملة الاخلاص النازلة معها، لا يعقل أن يصدق عليها قراءة جزء سورة
الجحد إذا رفع اليد عن الاخلاص وضم إليها بقية سورة الجحد.
ونظير ذلك: الكلام المشترك بين القرآن وبين مصراع من بيت غير

(1) في الإرشاد بعد هذه الفقرة ما يلي: وكذا يعيدها لو قرأها بعد الحمد من غير قصد
سورة، بعد القصد.
437

مقتبس منه; فإن القرآن هو الكلام الشخصي المنزل من عند الله القائم
بمتكلمه الأول، وغيره هو الكلام الشخصي القائم بالشاعر، فالقارئ إذا
قصد حكاية كلام الله المنزل الشخصي صدق عليه القرآن، ولا يعقل أن
يصدق عليه بعد ما ضم إليه بقية كلام ذلك الشاعر أن يصدق على ما قرأ
أولا أنه قرأ مصراع بيت فلان الشاعر.
فعلم أن بسملة كل سورة باعتبار كل من وجودها الأصلي القائم
بالمتكلم الأول ووجودها الحكائي القائم بالقارئ موجود مغاير لبسملة
سورة أخرى باعتبار وجوديها المذكورين، نعم هما مشتركتان في جزء
الماهية وهي الصورة الخارجية للبسملة، وتغايرهما في الوجود الحكائي ليس
باعتبار قصد كونها جزءا لإحدى السورتين، حتى يقال: إن الجزء إذا كان
تحت ماهية قابلة لمركبين فقصد جزئيته لأحدهما لا يخرجه عن الاشتراك
والقابلية، بل تغايرهما باعتبار كون المقصود في إحداهما حكاية الكلام
الشخصي النازل مع السورة المعينة التي هي عبارة عن قطعة شخصية من
الكلام الشخصي المنزل، ولا ريب أن قصد المحكي الخاص مقوم لوجود
الحاكي من حيث إنه حاك.
فعلم من ذلك: أن قياس البسملة بالنسبة إلى السور، على الجزء
المشترك بين مركبين خارجيين عينيين - مثل العسل الذي هو جزء مشترك
بين السكنجبين والأطريفل (1)، أو القائمة المشتركة بين قائمة السرير وقائمة
الباب مثلا - قياس مع الفارق; إذ الجزء في كل من المركبين هو تمام الموجود

(1) هو بريسم الماء، وهو نبات عشبي طبي معمر، من فضيلة الجنطيانيات، تشبه أوراقه
أوراق النخل (لاروس: 114).
438

العيني القابل لها، وقصد جزئيته لأحدهما لا يخرجه عن قابلية الجزئية
للآخر، كما عرفت في البسملة من أن تغاير البسملتين في الوجود الحكائي
ليس بهذا الاعتبار، بل باعتبار أمر داخل في مفهوم الوجود الحكائي.
ومن قبيل الأمثلة المذكورة للمركبات الخارجية: البسملة المنقوشة في
الكتاب; فإن جزئيتها لكل سورة تكتب بعدها باعتبار هذا الوجود النقشي
الخارجي، وقصد نقشها لسورة لا يخرجها عن قابلية جزئيتها لأخرى،
كتخليل ماء العنب لخصوص واحد من السكنجبين والأطريفل، ونحت قطعة
من الخشب قائمة لخصوص السرير أو الباب.
ثم على تقدير الاغماض عن دقيقة مدخلية قصد حكاية الكلام
الشخصي في صيرورة البسملة جزءا، وتسليم كون السور على حد سائر
المركبات الخارجية العينية، نقول: إن المأمور به في الصلاة هو قراءة السورة،
وصدق هذا العنوان موقوف على كون الشخص في كل جزء قاصدا لقراءة
تلك السورة، أي كل جزء منها، ولا ريب أن الآتي بالبسملة بقصد كونها
جزءا من سورة التوحيد يصدق عليه أنه أتى بجزئها ولم يأت بجزء من
سورة الجحد، فإذا ضم باقي الجحد فلا [يصدق] (1) على الفعل المتقدم منه
قراءة جزء من سورة الجحد حتى يصدق عليه أنه قرأ كل جزء منها، وإن
سلمنا أنه يصدق على الموجود الخارجي المجتمع في الذهن من الأجزاء
الموجودة تدريجا أنها سورة الجحد، لكن المناط صدق الاشتغال بقراءة
سورة الجحد عند الاشتغال بكل جزء جزء منه.

(1) من (ط) والكلمة غير واضحة في (ق)، وكتب ناسخ (ط) في الهامش ما مفاده:
لم يمكننا القراءة من نسخة الأصل.
439

نظير ذلك في المركبات الخارجية: ما إذا أمر السيد عبده بالاشتغال
بنحت السرير في قطعة من الزمان، فإذا اشتغل في بعض ذلك الزمان بنحت
قائمة بقصد قائمة الباب، فلا ينفعه ضم بقية الأجزاء بنية السرير في صدق
أنه اشتغل بنحت السرير في الزمان المأمور به.
فالمعتبر هو أن يصدق عليه حين القراءة أنه يقرأ السورة الفلانية،
ولا شك في توقفه على أن يقصد بكل جزء مشترك قراءة تلك السورة حتى
أنه لو قصد ببعض أجزائها في وسطها أنه جزء لسورة أخرى، لم يصدق
عليه حين الاشتغال بذلك الجزء أنه مشغول بقراءة تلك السورة، وإن سلمنا
أنه يصدق على ما قرأ أنها سورة كذا، بمعنى أن المجتمع في الذهن من
الأجزاء المنقضية كالمجتمع في الخارج من الأجزاء المنقوشة، فكما أنه إذا
قصد حين الكتابة بكتابة البسملة بقصد سورة التوحيد لا يصدق عليه أنه
يكتب سورة الجحد، وكذا إذا كتب سائر الأجزاء الأثنائية (1) بقصد سورة
لا يصدق عليه في تلك الحالة كتابة سورة أخرى، نعم يصدق على الجميع
أنها سوره كذا وأنه كتب سورة كذا، أي: كتب ما هو مصداق في العرف
لسورة كذا الموجودة في الخارج بالوجود النقشي، فالمنقوش في الذهن من
السورة كالمنقوش منها في الخارج.
ثم بما ذكرنا في التقرير الأول يظهر ما في القول: بأن معنى كون البسملة
بقصد هذه السورة العزم على جعلها جزءا من سورة يشخصها بمشخصها من
بين السور، فهو من قبيل التشخيص بالغايات، ومن المعلوم عدم صيرورتها
بذلك من المشخص. ومنشأ هذا التوهم أيضا قياس البسملة بالنسبة إلى

(1) أي، الأجزاء المتوسطة التي تقع في الأثناء
440

السور على الجزء المشترك بين المركبين، وقد عرفت فساده وأن اشتراك
السور في البسملة ليس من قبيل اشتراك المركبات الخارجية في بعض
الأجزاء.
ومما ذكرنا يظهر: أنه كما لا تكون البسملة المقصودة بها سورة معينة
قابلة لأن تصير جزءا من سورة أخرى، إما لأجل مدخلية قصد حكاية
بسملة تلك السورة في مفهومها، فعند وجودها مع قصد لا يتعقل ضم قصد
آخر إليه، فلا يكون جزءا من المعدول إليها، وإما لأجل أنه (1) وإن سلمنا
عدم مدخلية قصد الحكاية في مفهومها لكن لا يصدق عليه إذا اشتغل ببعض
الأجزاء على قصد جزئية سورة ثم ضم إليها بقية الأخرى أنه قرأ تلك
السورة الأخرى، يظهر لك أن مجرد قصد سورة غير معينة بالبسملة
لا يوجب قابليتها لأن تضم إلى سورة معينة فتصير بذلك جزءا منها، بحيث
يصدق بعد ضم البقية أنه قرأ السورة المعينة يعني قرأ جميع أجزائها; لأن
المفروض أن الجزء من تلك السورة هو البسملة النازلة معها، فما لم يقصد
القارئ حكاية تلك البسملة لا يصدق عليه أنه قرأ بسملة تلك;
لما عرفت (2) من أن الوجود الحكائي لبسملة سورة الذي تعرض له القراءة
مغاير للوجود الحكائي لبسملة أخرى.
فإن قلت: هذه البسملة التي قرأها بقصد سورة لا بعينها لا شك في
أنه يصدق عليه القرآن، فإذا صدق عليه القرآن فإما أن يصدق عليه أنه
بعض من سورة دون سورة، وإما أن يصدق عليها أنها بعض من كل

(1) في (ق) ظاهرا: هو أنه وقد شطب ناسخ (ط) على كلمة: هو.
(2) في الصفحة: 437.
441

سورة، بمعنى أنها قابلة لها; إذ لولا يصدق عليه أنها بعض سورة أصلا
لم يصدق عليه القرآن، وقد فرض الصدق قطعا، والمفروض أنه لا يصدق
عليه بعض من سورة دون أخرى، فتعين أنه قابل لكل سورة.
قلت: كونها قرآنا مسلم (1) ويصدق عليها أنها جزء من سورة، بمعنى
أنها قابلة لأن يقصد بها حين القراءة كل سورة، لا أن هذه التي لا يقصد بها
سورة قابلة لأن تصير بعد الضم جزءا من كل سورة، ولا تنافي بين
أن يصدق كلي على شئ - كالقرآن على البسملة التي لم يقصد لسورة - وأن
لا يصدق عليه أنه جزء من هذه السورة، ولا من ذيك، ولا من تلك،
نظيره: ما إذا طلب المخاطب الاتيان برجل مبهم شائع، فإنه يصدق عليه
أنه طلب رجلا، لكن لا يصدق عليه أنه طلب زيدا ولا أنه طلب عمروا
ولا أنه طلب بكرا، وإن كان كل من أتى به حصل الامتثال، لكن الكلام في
تمثيل القراءة وتشبيهها بالطلب وأنه لا يجب على ما يعرض للواحد المبهم أن
يعرض لشئ من الآحاد الخاصة، فإنا نرى بالعيان إن من قصد بالبسملة
مجرد القرآن لا يصدق عليه أنه قرأ بعض سورة التوحيد ولا بعض سورة
العزيمة ولا بعض سورة كذا، فكل حكم ترتب على سورة خاصة وجزئها
لا يترتب على قراءة هذه البسملة، فإذا أمر الشارع تخييرا بقراءة سورة من
بين السور فلا بد من أن يصدق حين القراءة أنه مشغول بالسورة الفلانية،
وهذا مسلوب عن هذا الشخص.
فإن قلت: يكفي بعد الاتمام أن يصدق أنه قرأ سورة كذا.

(1) في (ق): زيادة لكن صدق وقد شطب المؤلف قدس سره على عبارة بعدها والظاهر
أنه قد ترك الشطب عليها سهوا.
442

قلت: لا يصدق عليه بعد الاتمام أنه قرأ سورة كذا; لما عرفت من
الوجهين في أن قراءة سورة كذا لا تصدق إلا إذا كان حين الاشتغال بكل
جزء أنه قارئ لسورة كذا ومشغول، وإلا فصدق سورة كذا على المجتمع
في الذهن المنقوش فيه من قبل صدقها على المجتمع المنقوش في الخارج.
نعم، لو كانت السورة موضوعة للقطعة المعينة من القرآن المبدوءة
ببسملة، استقام ما ذكر، لكن قد عرفت فساد ذلك وأن السورة اسم للقطعة
المبدوءة ببسملتها، وإن شئت فاجعل البسملة داخلة في تلك القطعة، وقل:
السورة اسم لإحدى القطعات المشخصة المعينة، فلا بد من امتثال الأمر
التخييري بها أن يصدق بعد القراءة أنه قرأ تلك القطعة المشخصة، والعرف
لا يحكم بهذا الصدق إلا إذا شرع في تلك القطعة ناويا لها بأول جزء منها.
ثم إنه قد يتوهم دلالة أخبار العدول على جواز الاكتفاء بالبسملة
المقصود بها سورة أخرى، وقد يتوهم من رواية المعراج جواز قصد البسملة
من غير قصد سورة معينة، حيث إن الله سبحانه أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم
بالتسمية فسمى لا بقصد سورة معينة، ثم أمره بالحمد أو التوحيد (1).
وفساد التوهم الأول يظهر بالتأمل في أخبار العدول، وفساد الثاني
بأن قضية المعراج هي السبب لوجوب قراءة تلك البسملة التي أمر الله بها
نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لأجل التوحيد وهو لا يحصل إلا بالقصد إليه. وأما
النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن البسملة يومئذ مشتركة بين السور، مع أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمى بقصد ما يأمره الله من السور أو بقصد الامتثال،
ولم يكن هو صلى الله عليه وآله وسلم مكلفا بسورة من السور حتى يكون إهمال

(1) انظر الوسائل 4: 679، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 10.
443

القصد موجبا لعدم صدق قراءة السورة.
وقد يتوهم أيضا، أن فتوى الشهيد (1) والمحقق (2) الثاني وغيرهما (3)
بالاكتفاء بما لو جرى على لسانه بسملة مع سورة; مستدلين بتحقق الامتثال،
مناقض لما ذكرنا وذكروا.
وفيه: أن الغرض من وجوب القصد وجوب كون البسملة مقصودة
ولو بالقصد الاجمالي; إذ لا ريب أن من جرى لسانه على بسملة وسورة
بداع واحد مركوز في ذهنه، فقد قصد إجمالا إلى بسملة تلك السورة.
وبعبارة أخرى: الداعي المركوز داع لقراءة مجموع السورة، ومنها
البسملة، فالحكم بكون البسملة بعضا من تلك السورة لقصدها إجمالا،
لا لأن القصد غير شرط، فينزل كلام من أطلق (4) وجوب الإعادة لو لم يقصد
سورة على صورة قصد الخلاف; لما ذكره الشهيد والمحقق (5) من عدم اعتبار
القصد، غاية الأمر اعتبار عدم قصد الخلاف.
وقد يسلم وجوب القصد، ويقال بكفاية قصد السورة التي يوقعها الله
في قلبه. وفيه: أنه قول بعدم وجوب القصد; لأن القائل بالقصد إنما يقول

(1) انظر الذكرى: 195، والدروس 1: 174.
(2) انظر جامع المقاصد 2: 282، والرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي)
1: 110.
(3) انظر الذخيرة 281، وكشف اللثام 1: 225.
(4) كالعلامة في القواعد 1: 275، والشهيد في الذكرى: 195، والمحقق الثاني في جامع
المقاصد 2: 281، وغيرهم، انظر مفتاح الكرامة 2: 411.
(5) لم نقف عليه، ولعل المراد: ما تقدم في الصفحة السابقة من الأجزاء فيما لو جرى
على لسان المصلي بسملة... الخ.
444

به لأجل كون البسملة من دونه لا يتعين كونها لسورة معينة إلا بالقصد، فإذا
قصد الشخص بالبسملة جزء السورة التي يقذفها الله في قلبه فهو بعد ذلك
مخير في ضم أي سورة شاء أم لا، والثاني خلاف المفروض، والأول
لا يتحقق إلا بعد كون البسملة قابلة لكل ما يجوز له أن يختاره، فصارت
البسملة قابلة لجميع السور، فأين المعين لها بخصوص ما يوقعه الله في
قلبه؟! فهذا قول بعدم وجوب قصد السورة المعينة من حيث لا يشعر قائله.
وأعجب من ذلك: ما قيل (1) في توجيهه من أن الاشتراك يقطع بذلك
ويرتفع - ليت شعري - فأين محك الاشتراك؟ إلا أن يقال: إنه فرق بين أن
يقصد سورة غير معينة، وبين أن يقصد خصوص ما يقذفها الله في قلبه،
فيفرق بين الموضعين، لكن فيه ما مر (2) من أن هذا المقدار لا يرفع عموم
قابلية البسملة الذي كان هو الداعي على وجوب القصد، مع أنه مدفوع
بأن المكلف لا ينفك عن أن يقصد بتلك البسملة جزئيتها لما يقع منه من
السورة، وإن كان لا يعلم خصوص ما يقع منه، ثم قياس هذا الفرض على
ما إذا قصد بالبسملة أطول السور أو أقصرها - مع عدم علمه بذلك حين
البسطة - قياس مع الفارق; لأن قصد السورة النازلة مع أقصر السور
أو أطولها يكفي، ويجب عليه بعده اختيار ذلك، بخلاف قصد ما يوقعه الله في
قلبه، فإنه باق على التخيير، فالبسملة باقية على القابلية.
ومنه يظهر الكلام فيما إذا تعين السورة بنذر أو ضيق أو عدم معرفة
غيرها; فإن البسملة المقروءة غير قابلة لغيرها.

(1) هو المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 249.
(2) راجع الصفحة السابقة.
445

الملحق 1
في الاستقبال

(1) أوردنا في هذا الملحق ما وجدناه مكررا بخط المؤلف قدس سره في مبحث الاستقبال.
وهي ست أوراق تبدأ بالصفحة اليسرى من الورقة: (22) وتنتهي بالصفحة اليمنى من
الورقة: (28) وكل أربع صفحات ترتبط بجانب من البحث، وقد حصل فيها تقديم
وتأخير فرتبناها حسب البحث عنها في كتاب الإرشاد، ويحتمل سقوط أوراق من
البين أيضا، راجع ما كتبه قدس سره شرحا للارشاد في هذا الموضوع في الصفحات:
129 - 202.
447

(يجب استقبال الكعبة مع المشاهدة، وجهتها مع البعد في
فرائض الصلوات وعند الذبح، واحتضار الميت ودفنه والصلاة
عليه.
ويستحب للنوافل، وتصلى على الراحلة، قيل: وإلى غير القبلة (1)
ولا يجوز (2) ذلك) المذكور (في الفريضة إلا مع التعذر كالمطاردة) راكبا
وماشيا، والمرض المانع من النزول أو من التوجه إلى القبلة ولو بمعين،
أو للخوف وغير ذلك من الأعذار، فيجوز الصلاة حينئذ على الراحلة وعلى
غير القبلة مع وجوب مراعاة ما لا يتعذر من الأمور المعتبرة في الصلاة
شرطا أو شطرا بقدر الامكان; لعموم أدلتها، والميسور لا يسقط بالمعسور،

(1) ما بن المعقوفتين من الإرشاد.
(2) هذا هو أول الصفحة اليسرى من الورقة: (24) من النسخة المخطوطة
449

كما هو الأصل المجمع عليه في باب الصلاة نصا وفتوى.
ففي رواية ابن عذافر عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل يكون في
وقت الفريضة لا تمكنه الأرض من القيام عليها ولا السجود عليها من
كثرة الثلج والماء والمطر، أيجوز أن يصلي الفريضة في المحمل؟ قال:
نعم هو بمنزلة السفينة، إن أمكنه قائما وإلا قاعدا، وكل ما كان
من ذلك فالله أولى بالعذر، يقول الله عز وجل: (بل الانسان على نفسه
بصيرة) (1).
والظاهر أن عموم المنزلة بالنسبة إلى كيفية الصلاة في السفينة من
وجوب مراعاة الواجبات من القيام وغيره مهما أمكن، لا بالنسبة إلى حكمها
حتى يتوهم من الرواية جواز الفريضة في المحمل كما تجوز في السفينة.
ثم إن المنع من فعل الفريضة على الراحلة في حال الاختيار
مما لا خلاف فيه ظاهرا، وعن المحقق (2) والمصنف (3) والشهيد في الذكرى (4)
الاجماع عليه، والأخبار به مستفيضة:
ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله: (لا يصلي الفريضة على
الدابة إلا مريض يستقبل به القبلة، وتجزيه فاتحة الكتاب، ويضع بوجهه - في
الفريضة - على ما أمكنه من شئ، ويؤمي في النافلة إيماء) (5).

(1) الوسائل 3: 237، الباب 14 من أبواب القبلة، الحديث 2، والآية من سورة
القيامة: 14.
(2) المعتبر 2: 75.
(3) المنتهى 1: 222.
(4) الذكرى: 167.
(5) الوسائل 3: 236، الباب 14 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
450

وفي رواية ابن سنان - أيضا -: (أيصلي الرجل شيئا من المفروض
راكبا؟ قال؟ لا، إلا من ضرورة) (1).
وفي التوقيع عن أبي الحسن الثالث عليه السلام - في جواب السائل عن
الصلاة في المحامل -: إنه (يجوز مع الضرورة الشديدة) (2).
وفي التوقيع عن الحجة عجل الله فرحه: (لا بأس به عند الضرورة
والشدة) (3).
وفي رواية منصور بن حازم، قال: سأله أحمد بن النعمان، فقال:
(أصلي في محملي وأنا مريض؟ قال: فقال: أما النافلة فنعم، وأما الفريضة
فلا. قال: وذكر أحمد شدة وجعه، فقال: أنا كنت مريضا شديد المرض
فكنت آمرهم إذا حضرت الصلاة أن يقيموني (4) فاحتمل بفراشي فأوضع
وأصلي ثم احتمل بفراشي فأوضع في محملي) (5).
وظاهر هذه الأخبار كلا هو اختصاص الجواز بصورة العذر الكثير،
لا مجرد العذر المسوغ لترك الواجبات الاختيارية، فإن المريض المستثنى - في
الصحيحة - هو الذي يستقبل به القبلة ولا يقدر على أن يستقبل بنفسه، وكذا
التوقيعان ورواية ابن حازم، بل ابن سنان أيضا، حيث إن الضرورة عرفا
فوق العسر، إلا أن الخروج بمجرد هذه عن عموم ما دل على نفي العسر

(1) الوسائل 3: 237، الباب 14 من أبواب القبلة، الحديث 4.
(2) نفس المصدر، الحديث 5.
(3) الوسائل 3: 239، الباب 14 من أبواب القبلة، الحديث 11.
(4) كذا في النسخ والاستبصار 1: 243، وفي التهذيب 3: 308: ينيخوا بي، وفي
الوسائل: يضخوني (يقيموني، ينحوني، ينيخوني).
(5) الوسائل 3: 238، الباب 14 من أبواب القبلة، الحديث 10.
451

وعدم جعل مجرد العسر مرخصا مشكل، سيما مع ورود الروايات بأن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم صلى الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر (1).
ومن البين أن الرجل الصحيح يمكنه - ولو بعسر - النزول مع الوحل
والمطر والصلاة على الأرض، إلا أن الأحوط الاقتصار على ظاهر هذه
الأخبار في الخروج عن الأدلة القطعية الدالة على أفعال الصلاة وشروطها.
ولا فرق في إطلاق النص ومعاقد الاجماع بين أن يتمكن من استيفاء
الأفعال والشروط على الراحلة وبين عدمه، كما هو مذهب الأكثر ونسبه غير
واحد إلى المشهور (2)، خلافا لما عن نهاية المصنف (3) - تبعا لما حكاه المحقق
في الشرائع (4) - فخصصوا المنع بما هو الغالب من عدم التمكن من استيفاء
ما يعتبر في الصلاة، واختاره من المتأخرين جماعة، منهم: الوحيد في شرح
المفاتيح (5) لدعوى انصراف الاطلاقات إلى الغالب.
والذي يقوى في النظر: أن مبنى المنع في النصوص وأكثر الفتاوى على
فوات الاستقرار وحصول الاضطراب الحاصل للمصلي ولو بواسطة الراحلة
سواء تمكن من باقي الأفعال أم لا، ويظهر ذلك بالتأمل في النصوص سيما

(1) الوسائل 3: 238، الباب 14 من أبواب القبلة، الأحاديث 5 و 8 و 9، والفقيه 1:
445، الحديث 1293.
(2) المدارك 3: 142، والحدائق 6: 414، ومفتاح الكرامة 2: 105.
(3) نهاية الإحكام 1: 404.
(4) الشرائع 1: 67.
(5) به مصابيح الظلام: وفد اختاره السيد السند في المدارك 3: 143 والميرزا القمي في
الغنائم: 135 وصاحب الجواهر في الجواهر 7: 430.
452

ما قوبل فيه الفريضة بالنافلة (1)، ويشهد له استدلال الشهيد في الذكرى على
المنع بعدم تحقق الاستقرار وقياسه على الماشي (2).
والقياس المذكور وإن كان مع الفارق إلا أن الاستدلال يكشف عن
اختصاص بصورة مشي الراحلة، نعم يعارض هذا الاشعار تصريح بعض
المانعين كصاحب الروض (3) بالمنع عن الصلاة على الدابة المعقولة، وتصريح
جماعة (4) بتحقق الخلاف فيها أيضا.
وكيف كان، فالحق في الدابة المعقولة الجواز، وفي الماشية المنع، وإن
استوفى باقي الأفعال، وإن قلنا بأن حركة الدابة لا تسلب الاستقرار عرفا
عن المصلي، إلا أن الشارع دلنا بهذه الأخبار على اعتبار الاستقرار بهذا
المعنى أيضا.
ولا ينافي ذلك ما سيأتي من الجواز في السفينة; للفرق الواضح بين
حركتها وحركة الدابة مع بطلان [القياس] (5)، فإن أخبار الجواز هناك
مستفيضة نظير الأخبار المانعة هنا.
ثم إنه لا فرق في إطلاق النص والفتوى بين الصلاة
الواجبة أصالة أو بالعرض كالمنذورة كما صرح به في محكي المبسوط (6)

(1) انظر الوسائل 3: 236، الباب 14 من أبواب القبلة و 3: 239، الباب 15 من
أبواب القبلة.
(2) الذكرى: 167.
(3) روض الجنان: 192.
(4) منهم فخر المحققين في الإيضاح 1: 79 - 80.
(5) الزيادة اقتضاها السياق.
(6) المبسوط 1: 80.
453

والذكرى (1)، معللا في الأخير بأنها بالنذر أعطيت حكم الواجب ولا يخلو
عن نظر; لابتنائه على أن هذا حكم لمطلق الواجب، وهو محل المنع;
لانصراف النصوص والفتاوى إلى الفروض أصالة، بل خصوص اليومية
- كما قيل (2) - لولا الاجماع على عدم الفرق بينها وبين غيرها.
ومقابلة الفريضة بالنافلة في بعض الأخبار لا إشعار فيه بإرادة الأعم;
لأن الظاهر (3) من النافلة أيضا هي المتعارفة، لا مطلقها المقابل بمطلق
الواجب مع أن الشيخ روى بطريقه الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه
عليهما السلام (قال: سألته عن رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا، هل
يجزيه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر؟ قال: نعم) (4).
وتقييده بحال الضرورة لا وجه له، كضعف السند ببعض الطرق، نعم
لو خصصنا المنع عن الصلاة على الراحلة بصورة عدم تحقق استيفاء أفعال
الصلاة وشروطها لم ينهض هذا الخبر مقاوما لعموم ما دل على وجوب
واجبات الصلاة المعتضد بعموم إطلاق الاجماعات المنقولة التي تبعد دعوى
انصرافها إلى الواجب أصالة، وإن لم تبعد هذه الدعوى في إطلاق الأخبار.
ودعوى: أن أدلة وجوب تلك الواجبات إنما هي في الفريضة، ولذا
تسقط في النافلة على الراحلة، مدفوعة بأن تلك عامة، والمتيقن خروجه هو
النفل الباقي على نفليته، خصوصا بمعونة ما قيل من أن الوجه في سقوط كثير

(1) الذكرى: 167.
(2) حكاه في الجواهر 7: 422 عن الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح.
(3) هذا أول الصفحة اليسرى من الورقة: (25).
(4) التهذيب 3: 231، الحديث 596. والوسائل 3: 238، الباب 14 من أبواب
القبلة، الحديث 6.
454

من الأمور عن النافلة هو بناء الشارع [على] تسهيل الأمر والمسامحة فيها
لأجل الترغيب.
فالخارج عن النفلية بالنذر يرجع فيه إلى عموم أدلة الوجوب، نعم
لو نذر النافلة مقيدة بالراحلة فالظاهر الجواز; لرجحان أصل المنذور
ووجوب الوفاء بالنذر، وعلى المنع ففي بطلان النذر أو انعقاده وإلغاء القيد،
وجهان، بل قولان، أقواهما: البطلان.
455

[مسألة]
إذا نسي القبلة - أي غفل عنها - فصلى إلى غيرها فالأقوى عدم
وجوب الإعادة مع الخلل اليسير; لأن أدلة الإعادة باختلال القبلة مصروفة
إلى غير ما بين المشرق والمغرب بحكم صحيحتي زرارة ومعاوية بن عمار (1)
الواردتين في تحديد القبلة بما بين المشرق والمغرب، الدالتين على أنه لا يقدح
تبين الصلاة إلى هذه الجهة ولا يجب الإعادة، وهذا وإن لم يكن كذلك
بالنسبة إلى العامد إجماعا إلا أنه قد دل الاجماع على أنه يجب على
العارف الذاكر المختار التوجه إلى جزء من هذه الجهة الذي دل عليه
الأمارات.
مضافا إلى إطلاق صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي
عبد الله عليه السلام [قال]: (إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك

(1) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الأحاديث 1 و 2.
456

أنك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت
فلا تعد) (1)، ونحوها موثقة عمار (2).
نعم، ربما يعارض ما ذكر بصحيحة الحلبي: (في الأعمى يؤم القوم
وهو على غير القبلة. قال: يعيد ولا يعيدون; فإنهم قد تحروا) (3).
فإن الظاهر بقرينة نفي الإعادة أن موردها الانحراف إلى ما بين
المشرق والمغرب أو التبين بعد خروج الوقت.
وعلى التقديرين، فتعليل نفي الإعادة بالتحري المستلزم لتعليل
الإعادة على الأعمى بعدم التحري دليل على عدم معذورية كل من لم يتحر.
ويؤيده: مفهوم قول علي عليه السلام: (من صلى على غير القبلة وهو
يرى أنه على القبلة، ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان متوجها
فيما بين المشرق والمغرب) (4). دل بمفهومه على [أن] من صلى على غير القبلة
من غير ظن بأنه على القبلة فيعيد وإن كان متوجها فيما بين المشرقين.
ويمكن التفصي عن الأولى: بأن الظاهر أن المعلل بالتحري راجع إلى
عدم التقصير في تعرف القبلة، فوجوب الإعادة على الأعمى لأجل التقصير
بخلاف القوم، ولا ينافي تقصير الأعمى صحة صلاة المأمومين; لأن الظاهر
عدم اطلاعهم على كونه مقصرا في الفحص وقيامه على نحو قيامهم من غير

(1) الوسائل 3: 229، الباب 11 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 3: 229، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 4 كذا ولعله سهو، لأن
الرواية التي بهذا المضمون هي رواية سليمان بن خالد راجع الوسائل 3: 230،
الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 6.
(3) الوسائل 3: 231، الباب 11 من أبواب القبلة، الحديث 7.
(4) الوسائل 3: 229، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 5.
457

مستند شرعي.
وعن الثانية: بضعف ما استفيد من العموم المذكور كما لا يخفى.
458

[مسألة]
لو اجتهد فصلى فإما أن يبقى لظن السابق أو لا، وعلى الأول فلا يجب
تجديد الاجتهاد; لأن الفرض له: التحري، وهو طلب الأحرى وهو
حاصل، فلا وجه لطلبه.
وطلب الأحرى من هذا الحاصل لو وجب، لزم عدم جواز الاكتفاء به
في الصلاة الأولى، مضافا إلى لزوم الحرج، وقد يتمسك بالاستصحاب، وفيه
تأمل.
وإن لم يبق الظن [ولو بعد ملاحظة أنه بذل الجهد في الأول بأن
يحسن ظنه باجتهاده السابق، لا بأن يبقى الظن التفصيلي] (1) فالظاهر وجوب
التجديد; لأن المفروض زوال الظن وكونه متحيرا، والصلاة إلى الجهة

(1) كذا في النسخة، وما بين المعقوفتين ورد بين عبارتين قد شطب المؤلف قدس سره
عليهما.
459

السابقة لم تكن لخصوصية فيها، بل لكونها مظنونة، وهذا المعنى مفقود في
اللاحق فهي مع باقي الجهات في مرتبة واحدة، لا معنى لترجيحها.
والتمسك بالاستصحاب لا وجه [له] لأن المستصحب إن كان نفس
الظن فهو مرتفع، وإن كان وجوب الصلاة إلى هذه الجهة فهو إنما كان لوصف
عنواني كانت الجهة متلبسة به وهو وصف كونه مظنونا، وقد ارتفع.
وتفصيل الكلام في هذه المسألة: إن الشخص في الزمان الثاني، إما أن
يبقى مستحضرا للأمارة واجدا للاعتقاد الحاصل منها، ولا ينبغي الاشكال
في جواز الاعتماد علجه، إلا أن يحتمل عنده تجدد أمارة أقوى مخالفة، فيجب
التجديد; بناء على ما اخترناه سابقا من أنه يجب الفحص عن المعارض
ما لم ييأس منه.
وإما أن يبقى مستحضرا للأمارة، غير واجد للاعتقاد الذي حصل
وإما أن يكون بالعكس بأن يبقى واجدا للاعتقاد غير مستحضر
للأمارة التي أفادته.
وإما أن لا يستحضر الأمارة ولا يجد الظن الحاصل منها.
وفي الصورة الثانية: الظاهر أيضا عدم وجوب التجديد لحصول ما هو
المطلوب من التحري إلا في صورة احتمال تجدد المعارض كما ذكرنا.
وأما الصورة الأولى: وهو استحضار الأمارة مع فقد ما أفادته من
الاعتقاد، فظاهر جماعة وجوب التجديد; لأن مناط العمل: وصف الظن،
وقد ارتفع; فحينئذ لا فرق بين أن يكون زوال الاعتقاد لأجل التفطن
والتنبه; لعدم كون ما اعتقدها أمارة: أمارة عقلية أو عادية، وهذا في الحقيقة
460

تفطن لفساد الاجتهاد، وبين أن [يكون] (1) لعروض معارض لها لم يكن
سابقا، وقد يكون لعروض الشك في تحقق أمر كان هو المدار في كون
الأمارة أمارة، كالشك في عدالة العدل الذي أخبره بالجهة حين الأخبار;
بناء على ما تقدم من أن الرجوع إلى العادل، بل إلى مطلق مظنون الصدق
نوع من التحري.
وحكم هذه الصورة يعلم مما سيجئ في حكم الصورة الثالثة التي هي
عدم استحضار الأمارة وعدم بقاء الاعتقاد، وحينئذ يمكن أن يقال: إن كان
الشك اللاحق مستندا إلى صحة الأمارة السابقة وفسادها، بحيث يكون
منشأ الشك: الشك في صحة الاجتهاد وفساده، وإلا يعلم أنه على تقدير
صحة الاجتهاد السابق كان مؤداه أقرب إلى الواقع كما قد يتحقق للمجتهد في
الأحكام أنه يعلم أنه إن لم يكن له اشتباه خارجي...... (2) في خبر، كان
مؤدى اجتهاده السابق أقرب إلى الواقع، وحينئذ فلا...... (3) على الصحة
والعمل عليه، وإن كان (4).

(1) الزيادة اقتضتها العبارة.
(2) محل النقط كلمات لا يمكن قرائتها.
(3) محل النقط كلمات لا يمكن قرائتها.
(4) هذا آخر ما في الصفحة اليمنى من الورقة: (26) وهو غير مرتبط بما في أول الصفحة
اليسرى من الورقة: (26) فإن البحث فيها عن التعويل على العلامات عند عدم
العلم بجهة القبلة، وحيث كانت الأوراق غير منتظمة وظهر من النسخة الأخرى بخط
المؤلف قدس سره إن البحث عن حكم الصلاة في السفينة مقدم على ذلك، فلذا قدمناه
هنا أيضا، وحيث إن الصفحة اليسرى من الورقة (22) تبدأ بنقل شطر رواية أورد
المؤلف تمامها في النسخة الأخرى آثرنا نقل مقدار من العبارات المرتبطة بالبحث من
النسخة الأخرى، بين معقوفتين إتماما للفائدة.
461

[ثم إن المصنف قدس سره - كالمحقق طاب ثراه - لم يتعرض لحكم الصلاة في
السفينة اختيارا، وقد جوزه في كثير من كتبه (1) وفاقا للمشهور، كما قيل (2).
وقيده آخر (3) بالشهرة العظيمة التي لا يبعد معها شذوذ المخالف
للأصل والأخبار المستفيضة:
ففي مصححة جميل بن دراج أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: (تكون
السفينة قريبة من الشط (4). فأخرج وأصلي؟ قال: صل فيها أما ترضى
بصلاة نوح على نبينا وآله وعليه السلام) (5).
ولا إشعار في الاستشهاد بصلاة نوح على اختصاص الحكم بحال
الاضطرار كما ادعاه في الروض (6).
ورواية المفضل بن صالح: أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في
الفرات وما هو أصغر منه (7) من الأنهار في السفينة، قال: (إن صليت
فحسن، وإن خرجت فحسن) (8). ونحوها رواية يونس بن يعقوب (9) بزيادة
ربما توهم اختصاص السؤال بالنافلة أو توهن عمومها للفريضة.

(1) قواعد الأحكام 1: 253، والتذكرة 3: 34، ونهاية الإحكام 1: 406.
(2) لم نقف عليه، وفي الذكرى: 168 والغنائم: 135: نسبته إلى كثير من الأصحاب.
(3) لم نقف عليه.
(4) في الوسائل: الجد (الجدد).
(5) الوسائل 3: 233، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 3.
(6) روض الجنان: 192.
(7) في المصدر: وما هو أضعف منه.
(8) الوسائل 3: 235، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 11.
(9) الوسائل 3: 233، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 5 و 6.
462

وعن تفسير العياشي عن زرارة قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء؟ قال: النافلة كلها سواء، تؤمي
إيماء أينما توجهت دابتك وسفينتك، والفريضة تنزل لها عن المحمل إلا من
خوف، فإن خفت أومأت. وأما السفينة فصل فيها قائما] (1) وتوخ (2) القبلة
بجهدك، فإن نوحا قد صلى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة، وهي مطبقة
عليهم. قلت: وما كان علمه بالقبلة فيتوجهها، وهي مطبقة عليهم؟ قال:
كان جبرئيل يقومه نحوها، قال قلت: فأتوجه نحوها في كل تكبيرة؟ قال:
أما النافلة فلا، إنما يكبر على غير القبلة، الله أكبر، ثم قال: كل ذلك قبلة
للمتنفل (أينما تولوا فثم وجه الله)) (3).
ومصححة علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام قال: (سألته عن الرجل
هل يصلح له أن يصلي في السفينة الفريضة وهو يقدر على الجدد؟ قال:
نعم، لا بأس) (4)
خلافا للشهيدين في الذكرى (5) والروض (6)، وحكاه أولهما عن الحلبي

(1) ما بين المعقوفتين من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره، راجع: الصفحات
153 - 154.
(2) هذا أول الصفحة اليسرى من الورقة: (22)
(3) تفسير العياشي 1: 56، الحديث 81، والوسائل 3: 236، الباب 13 من أبواب
القبلة، الحديث 17، والآية من سورة البقرة: 115.
(4) قرب الإسناد: 216، الحديث 849، والوسائل، 4: 707، الباب 14 من أبواب
القيام، الحديث 13.
(5) الذكرى: 168.
(6) روض الجنان: 192.
463

والحلي بل صرح في الدروس بأن ظاهر الأصحاب أن الصلاة في السفينة
مقيدة [بالضرورة] إلا أن تكون مشدودة (1).
ولكن صرح في محكي كشف اللثام بأن الحلي والحلبي لم يصرحا بذلك
وإنما تعرضا للمضطر إلى الصلاة فيها (2) كالسيد في الجمل (3)، وبأنه
لم يظهر لي ما استظهره من الأصحاب، إلا أن يكون قد استظهره من
اشتراطهم الاستقرار ومنعهم من الفعل الكثير، ثم أخذ في الاعتراض
عليه (4).
وظاهر إطلاق الذكرى - كالمحكي عن الحلبي والحلي - ثبوت المنع في
السفينة الواقفة، إلا أن يدعى انصراف الاطلاق إلى الجارية، أو الظاهر عدم
الخلاف في المشدودة، كما يظهر من عبارة الدروس.
وكيف كان، فحجة المنع أخبار لا تنهض في مقابلة ما تقدم من الأخبار
المجوزة.
منها: حسنة حماد بن عثمان (5) بابن هاشم، قال: (سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يسأل عن الصلاة في السفينة. فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا إلى
الجدد فاخرجوا، فإن لا تقدروا فصلوا قياما، وإن لم تستطيعوا فصلوا قعودا
وتحروا القبلة) (6).

(1) الدروس 1: 161، وما بين المعقوفتين من المصدر.
(2) انظر السرائر 1: 336، والكافي في الفقه: 147.
(3) انظر رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 47.
(4) كشف اللثام 1: 177.
(5) كذا، وفي كتب الحديث: - حماد بن عيسى.
(6) الوسائل 3: 235، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 14.
464

ومضمرة علي بن إبراهيم، قال: سألته عن الصلاة في السفينة، قال:
(يصلي وهو جالس إذا لم يمكنه القيام، ولا يصلي في السفينة وهو يقدر على
الشط) (1).
وبأن القرار ركن في القيام وحركة السفينة تمنع من ذلك، وبأن الصلاة
فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة عن الصلاة.
ولا يخفى ضعف هذين الوجهين; لمنع منافاة حركة السفينة لاستقرار
المصلي، أو كونها لكثرتها منافية للصلاة، على أن النص ورد باغتفارها.
والروايتان المانعتان محمولتان على أفضلية الخروج أو صورة عدم التمكن من
استيفاء الواجبات، بل لا يبعد دعوى ظهور الثانية في ذلك.
وهذا الحمل أولى من حمل الأخبار المتقدمة على صورة تعسر الخروج،
أو صورة ربط السفينة، ولاشتماله لذكر صلاة نوح في ذلك.
مضافا إلى ترجيح تلك الأخبار بالاعتضاد بالشهرة العظيمة،
خصوصا بناء على صحة ما عن الكشف (2) من عدم تعرض الحلي والحلبي
للمنع، وبعد التكافؤ فالمرجع هو الأصل والعمومات الحاكمة بصحة الصلاة
في كل مكان مباح، أو لا يجب إقامة الدليل على خصوص كل مكان مكان
من الأمكنة.
ثم إن مقتضى أدلة وجوب استيفاء الأفعال: اختصاص جواز الصلاة
في السفينة بصورة التمكن من ذلك.

(1) الوسائل 3: 234، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 8.
(2) كشف اللثام 1: 177.
465

فما ربما يستظهر (1) من إطلاق المبسوط (2) والنهاية (3) والوسيلة (4)
والمهذب (5) ونهاية الإحكام (6) ضعيف، لا يفي بإثباته إطلاق الأخبار المتقدمة
وغيرها، المسوقة لبيان أصل الجواز في مقام توهم المنع من حيث حركة
السفينة الذي لا ينافيه وجوب الخروج عنها مقدمة لإتيان الصلاة التامة
الواجبة على كل قادر.
نعم، ظاهر بعض الأخبار الرخصة مع عدم التمكن من الاستيفاء
أيضا، إلا أنها مع ضعف سندها لا تقوى على تخصيص ما استفيد من الأدلة
القطعية الدالة على اعتبار أفعال الصلاة وشروطها كالقيام والاستقبال.
نعم، لو ثبت أن محل الخلاف في المسألة هو هذا الفرض - كما يظهر من
الحدائق (7) - أمكن تقوية تلك الأخبار بالشهرة، لكنه - مع بعده - خلاف
المصرح به في المحكي عن جماعة (8)، فإثبات شهرة الجواز في هذا الفرض
دونه خرط القتاد; ولذا لم يستند المانع بعد الأخبار إلا إلى فوت خصوص

(1) استظهره الفاضل قدس سره في كشف اللثام 1: 177.
(2) المبسوط 1: 130.
(3) النهاية: 132.
(4) الوسيلة: 115.
(5) المهذب 1: 118.
(6) نهاية الإحكام 1: 406.
(7) الحدائق 6: 420.
(8) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 107، وصاحب الجواهر في الجواهر
7: 437 عن جماعة منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 63، والجعفرية (رسائل
المحقق الكركي) 1: 105.
466

الاستقرار لأجل حركة السفينة.
ولو لم يقدر على الخروج فلا كلام في أنه لا يقدح فوت ما فات،
ويجب حينئذ مراعاة المقدور من الشرائط والأفعال لعموم أدلة وجوبها.
وتوهم أن الشرائط إنما اعتبر في مجموع الصلاة فإذا لم يتمكن منه
فلا دليل على مراعاته في بعض أجزائها، مدفوع بأن قاعدة عدم سقوط
الميسور بالمعسور إجماعية في خصوص الصلاة لم يتأمل فيها أحد، كما يستفاد
من تتبع مسائل شروط الصلاة وأفعالها.
مع أن المستفاد عرفا من أدلة الشروط اعتبارها بقدر الامكان من
دون أن يكون للهيئة المجموعة مدخلا في اعتبار الشرط كما لا يفي على من
تأمل قوله عليه السلام في بعض أخبار المسألة: (وتحر القبلة بجهدك) (1)، وقوله
عليه السلام في رواية سليمان بن خالد: (فإن دارت السفينة فليدر مع القبلة إن
قدر على ذلك) (2).
مع أنه يمكن أن يقال: إن مثل قوله: (لا صلاة إلا إلى القبلة) (3)
و (لا صلاة لمن لم يقم صلبه) (4) دال على أن الصلاة الفاقدة لأحدهما - ولو في
بعض الأوقات - فاسدة مطلقا، خرج من ذلك ما إذا أتى بالممكن، وبقي
الباقي، فتأمل.
وكيف كان، فلا حاجة إلى ابتنائه على مسألة أن الأمر بالكل أمر

(1) الوسائل 4: 707، الباب 14 من أبواب القيام، الحديث 9.
(2) نفس المصدر، الحديث 10.
(3) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(4) الوسائل 4: 939، الباب 16 من أبواب الركوع، الحديث 2.
467

بالأجزاء أصالة كما عن الذخيرة (1)، مع أن صحة هذا الابتناء محل كلام.
ومما ذكر يظهر الوجه في وجوب الاستقبال في تكبيرة الاحرام
كما صرح به في صحيحة حماد بن عثمان (2) ورواية يونس بن يعقوب (3).
ولو لم يمكنه الاستقبال، فهل يجب تحري ما بين المشرق والمغرب
وجهان: من إطلاق الفتوى والنص بأنه إذا لم يعرف القبلة فليصل حيث
دارت السفينة، ومن أن الجهة المذكورة أقرب إلى القبلة في نظر الشارع ولذا
عذر الخاطئ في القبلة إذا لم يخطأ تلك الجهة، بل هي قبلة في الجملة
كما يشهد به صحيحتا زرارة (4) ومعاوية بن عمار (5).
ويؤيده: أن الظاهر من حكمة إيجاب الصلاة إلى أربع جهات مع
التحير إدراك هذه الجهة، لا جهة القبلة الواقعية; لعدم الظن بها بالعدم.
وهل يجب مع العجز عن الاستقبال استقبال صدر السفينة، قولان:
يشهد للأول أخبار ضعاف (6)، وللثاني: خلو النصوص المعتبرة الواردة في
مقام البيان، وهو الأقوى، والأول أحوط (7).

(1) لم نقف عليه.
(2) الوسائل 3: 235، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 13 ولكن ليس فيه
تصريح بوجوب الاستقبال في التكبير.
(3) الوسائل 3: 234، الباب 13 من أبواب القبلة، الحديث 6.
(4) الوسائل 3: 228، الباب 10 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(5) نفس المصدر، الحديث الأول.
(6) راجع الوسائل 3: 233، الباب 13 من أبواب القبلة، الأحاديث 2 و 7 و 15
وغيره.
(7) تقدم نظير هذا البحث في الصفحات 153 - 161 فراجع.
468

بسم الله الرحمن الرحيم
لما كان مقتضى الأخبار المستفيضة الدالة على وجوب الاجتهاد في
القبلة هو (1) بذل الجهد في تحصيل الظن بها - كما هو مقتضى التحري المأمور به
في صحيحة زرارة; حيث إن معناه طلب الأحرى، وظاهر قوله: (اجتهد
رأيك وتعمد القبلة جهدك) في رواية سماعة (2)، وقوله في بعض أخبار
السفينة: (تحر القبلة - أو توخ القبلة - جهدك) (3) - اقتضى ذلك عدم جواز
الركون إلى ظن مع التمكن من الأقوى منه، فيجب على من حصل له ظن
بتحصيل أو بغير تحصيل أن لا يقتصر عليه ما أمكنه مراجعة أمارة أقوى منه

(1) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحة.
(2) الوسائل 3: 223، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(3) الوسائل 4: 706، الباب 14 من أبواب القيام، الأحاديث 9 و 3، 236، الباب
13 من أبواب القبلة الحديث 17.
469

ولو احتمالا، وإلا لم يحصل بذل الجهد.
نعم، لو حصل له اليأس من الظن الأقوى المخالف لهذا الظن، فالظاهر
جواز الاتكال وعدم وجوب الفحص وإن علم أو احتمل تقوي هذا الظن
الذي حصله; لأنه لا بد أن يصلي على هذه الجهة على كل تقدير.
ولا يسمى ذلك بذل الجهد في تحصيل الأحرى; لأن المفروض أنه
حصل الأحرى الذي هو مكلف [به]، غاية الأمر احتمال زيادة قوة في هذا
الظن، ومحل بذل الجهد في تحصيل الأحرى الذي هو الطرف الراجح.
نعم، يظهر من كلام بعضهم في مسألة تحديد الاجتهاد في القبلة:
وجوب تقوية الظن، ولا دليل عليه، نعم لو احتمل مساويا الظفر بظن مخالف
أقوى وجب الفحص، بخلاف ما لو احتمله موهونا.
ومما ذكر تبين عدم جواز التقليد لمن أمكنه الاجتهاد، لأن الحاصل من
الاجتهاد أقوى، نعم لو كان إخبار الغير عنده أوثق من اجتهاده; لقصور
باعه وقلة اطلاعه على الأمارات، فالظاهر تقديم التقليد.
وما ذكره الأصحاب من تقديم الاجتهاد، مبني على الغالب، وكذا
الكلام في ترجيحهم قول المخبر عن حس - كالخبر عن الجدي والمشرق
والمغرب - على الخبر عن اجتهاد والعدل والمسلم العدل على غيره، والأعلم
والأعدل على غيرهما، ونحو ذلك.
ومما ذكرنا ظهر ضعف ما ذكره في الروض حيث قال - بعد اعتبار
العدالة -: (فإن تعذر العدل ففي الرجوع إلى المستور، بل إلى الفاسق مع ظن
صدقه، بل وإلى [الكافر مع تعذر] (1) المسلم، وجهان: من استلزام الجهل

(1) من المصدر.
470

بالشرط الجهل بالمشروط، والأمر بالتثبت عند خبر الفاسق والنهي عن
الركون إلى الكافر، ومن صحة إخبار المسلم وقيام الظن الراجح مقام العلم
في العبادات.
وقوى في المنتهى (1) الجواز في الأخيرين، وقطع بالجواز في المستور،
والأولى العدم; لفقد شرط الشهادة والأخبار وعدم جواز العمل بمطلق الظن،
فيصلي إلى أربع جهات) (2) انتهى.
ودعوى: أن ما دل على العمل بالظن هنا من أدلة التحري والاجتهاد
- بعد تسليم شموله وضعا وانصرافا للرجوع إلى الغير وقبول قوله تعبدا -
معارض بما دل على وجوب التثبت عند خبر الفاسق بالمعنى الأعم الشامل
للكافر، بل وخبر المستور; لاحتمال فسقه، فيجب الرجوع إلى أصالة حرمة
العمل بما وراء العلم، ولزوم تحصيل البراءة اليقينية بالصلاة إلى أربع جهات،
مدفوعة: بأن حقيقة التحري والاجتهاد هو السعي في طلب الأحرى،
ومعلوم أن الأمر بالسعي وبذل الجهد ليس إلا لتحصيل الأحرى بالعمل،
فإذا حصل ذلك من قول الغير بدون بذل جهد فلا يقدح عدم تحقق مفهوم
الاجتهاد كما لا يقدح فيما إذا حصل الظن من دون سعي، فخذ الغايات
واترك المبادئ.
وأما وجوب التثبت عند خبر الفاسق فهو منحصر في صورة انفتاح
باب العلم التفصيلي في تلك الواقعة، واتفقوا على العمل بخبر الفاسق في
الأحكام الشرعية إذا انجبرت بالشهرة التي غايتها الظن، فيعلم من ذلك أنه

(1) في المصدر: (الذكرى) بدل (المنتهى).
(2) روض الجنان: 195
471

يكفي عند الانسداد الفحص إلى أن يحصل الظن المستقر والوثوق الثابت
بصدق الخبر.
وإنما قيدنا الظن بالمستقر; لأن الظن الابتدائي يحصل من قول الفاسق
في بادئ الأمر مع قطع النظر عن ملاحظة صدقه، وإلا فلا يتصور العمل به
من المختار حتى يحسن النهي عنه; لاستحالة أحد (1) طرفي الشك في العمل،
إلا أنه بعد ملاحظة فسقه إن حصل الظن نظرا إلى بعض القرائن الداخلية
أو الخارجية، فهو تبين بالنسبة إلى هذا المقام الذي انسد فيه باب العلم،
وإلا فيطرح.
مع أنا لو سلمنا بقاء التبين على ظاهره - من وجوب التبين العلمي
بمعنى اشتراطه في قول المخبر وعدم جواز العمل بخبر الفاسق حتى
لو لم يمكن تحصيل العلم، لأن الوجوب الشرطي لا يختص بصورة التمكن -،
لكن ظاهر الآية - بمعونة التعليل -: المنع عن العمل بكل ظن عدا خبر
العادل وإن الخبر (2) العادل بمنزلة العلم، فحينئذ ما دل على جواز التحري
عند عدم العلم - وفي حكمه خبر العادل - أخص مطلقا من الآية،
كما لا يخفى.
ومما ذكرنا - أيضا - يظهر أن التقليد ليس مختصا بالأعمى كما يستفاد
وجود القائل به من عبارة الروض (3). وحكي في شرح الألفية (4) عن

(1) كذا في النسخة، والظاهر: أخذ.
(2) كذا في النسخة.
(3) روض الجنان: 195.
(4) المقاصد العلية: 116.
472

العلامة (1) والشهيد في الذكرى (2) جوازه (3) للعالم الممنوع عن الاجتهاد
لعارض كالغيم ونحوه. ويظهر من الإيضاح (4) وجود الخلاف في العامي أيضا،
وقد خالف الشيخ في الخلاف (5) في الأعمى، فصح ما في الروض: إن الخلاف
وقع في كل من الثلاثة، أعني: الأعمى والعامي والعالم الممنوع لعارض (6).
وكيف كان، فالأقوى الجواز للجميع، بل للمجتهد الممنوع كما تقدم.
نعم لو كان كلامهم في التقليد تعبدا وإن لم يفد الظن فعلا، بل اكتفي فيه
بكونه مما يفيد الظن النوعي، كان اللازم الاقتصار على المتيقن.
بقي الكلام في مدركه... في صورة ثبوت الحرج... (7) لا يتم في المقام في
هذه الصورة، فيجب على غيره مع العجز عن الاجتهاد الصلاة إلى أربع
جهات، بل هو فرض كل عاجز عن الاجتهاد كما هو المشهور، بل استظهر
الاتفاق عليه، بل من كان قادرا مع كونه أوثق بقول الغير، كما هو صريح
الشرائع (8) ومحكي الذكرى (9). ولو تعارض البينتان تخير، لأنهما كالدليلين
المتكافئين.

(1) المنتهى 1: 221.
(2) الذكرى: 164.
(3) في النسخة: عدم جوازه.
(4) إيضاح الفوائد 1: 81 - 82.
(5) الخلاف 1: 302، كتاب الصلاة، المسألة: 49.
(6) روض الجنان: 193.
(7) محل النقط كلمات لا تقرأ.
(8) الشرائع 1: 66.
(9) الذكرى: 164.
473

[مسألة] (1)
لو تعارض مخبران عمل بأقواهما، ومع التساوي ففي انحصار الجهة فيما
أخبرا فيجب صلاتان; لاتفاقهما على نفي الثالث، أو التخيير; لأنهما كالدليلين
المتعارضين، أو تساقطهما فيصلي إلى أربع جهات; لأن العمل بكل منهما
مشروط بالظن المفقود في المقام، وجوه. أقواها: الأول إن ظن منهما بنفي
الثالث، وإلا فالثالث (2).

(1) العنوان زيادة منا.
(2) هذا آخر ما في الصحفة اليمنى من الورقة. (24)
474

[(و) كيف كان (لو فقد) تيسر (العلم، عول على العلامات)
المنصوبة للدلالة عليها، المذكورة في كتب الفقه] وغير (1) المذكورة فيها، فإن
ما ذكر فيها ليس للتوقيف، بل لمطابقة مقتضى قواعد الرصد، فيعم كل علامة
مطابقة، فهي مقدمة على إعمال سائر الأمارات الظنية، أما بالنسبة إلى
العارف بقواعد الرصد; فلأنها تفيد له القطع بالجهة، وأما بالنسبة إلى غير
العارف; فلأنها وإن لم تفد له القطع بالجهة الخاصة بواسطة التسامح والتظافر
الحاصلين بتلقيها بالقبول بين جميع علماء المسلمين من الفقهاء وغيرهم،
فلا أقل من حصول القطع له بوجوب العمل به حتى أنه ربما لا يخطر في
ذهن العوام من القبلة إلا الجهة الخاصة، من غير التفات أو اطلاع بأنها

(1) هذا هو أول الصفحة اليسرى من الورقة: (26)، وما بين المعقوفتين من النسخة
المكررة بخط المؤلف قدس سره، راجع الصفحة: 164 وما بعدها..
475

جهة الكعبة، ولو لم يحصل لهم ذلك فلا أقل من كونه شهادة من أهل الخبرة
على الجهة، فهو ظن خاص مقدم على غيره من الظنون المطلقة التي لم يثبت
حجيتها في المقام إلا من جهة أمثال قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: (يجزي
التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة) (1).
والظاهر، بل المقطوع به: أن المراد بالعلم بوجه القبلة العلم به من جهة
العلامات المذكورة; إذ لا يوجد غيرها للبعيد، فالرواية نص على تقديم
إعمال العلامات المذكورة.
ولو فقدها وتمكن من البينة عليها، فهل يجوز التعويل على
الأمارات؟ وجهان: من إطلاق الرواية المذكورة; فإن البينة لا تفيد العلم،
ومن كونها قائمة مقام العلم.
والتحقيق: أنه لو قلنا بجواز العمل بالبينة عند التمكن من العلم بتلك
العلامات، فالظاهر تقديم البينة على الأمارات في صورة عدم التمكن من
العلم; لأن البينة حينئذ بدل اختياري للعلم والأمارات أبدال اضطرارية.
وإن قلنا بعدم جواز العمل بها مع التمكن، فتصير كالأمارات بدلا
اضطراريا، ولا دليل على تقديمها على غيرها، وحيت إن الأقرب جواز
العمل بالبينة مع التمكن من العلم - لعموم النص الصحيح المدعى في كلام سيد
مشايخنا (2) و [دعوى] (3) الاجماع الذي حكاه عن الإيضاح (4)، مضافا إلى

(1) الوسائل 3: 223، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
(2) لم نقف عليه.
(3) الكلمة غير واضحة. وما أثبتناه من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره.
(4) الإيضاح 1: 81.
476

عموم قوله عليه السلام: (إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم) (1) مضافا إلى
الاستقراء كما ادعاه في الرياض في باب الشهادات (2) - كان تقدم البينة
فيما نحن فيه على التحري أقوى.
هذا كله إن أوجبنا العمل بالبينة مطلقا ولو مع ظن الخلاف، وأما
لو عملنا به مقيدا إما بإفادة الظن أو بعدم الظن على الخلاف فلا ريب في أن
التحري أحوط; لأن التحري - كما سيجئ - هو طلب الأحرى، ومرجعه إلى
وجوب العمل بأقوى الأمارات، المتوقف على ملاحظتها (3)، ومن جملتها
إخبار العدلين، فلا بد من الرجوع إليهما وملاحظة الأمارات الأخر، فإن
ترجح خبرهما على سائر الأمارات أخذ به، وإن انعكس الأمر أخذ
بالأمارات; لعدم الدليل على حجية العدلين مع الظن بالخلاف، سيما في غير
مقام المرافعة.
(ويجتهد) في تحصيل الظن بالقبلة (مع الخفاء) العارض
للعلامات المذكورة، ولا خلاف ظاهرا إلا ممن سيجئ، بل عن التذكرة (4)
وغيرها (5) التصريح بدعوى الاجماع، مضافا إلى الأخبار الكثيرة، ومنها:
الصحيح (يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم ا أين وجه القبلة) (6)، وموثقة سماعة
قال: (سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر

(1) الكافي 5: 299.
(2) لم نعثر عليه.
(3) كذا ظاهرا، والعبارة غير واضحة في الأصل.
(4) انظر التذكرة 3: 22.
(5) المنتهى 1: 219
(6) الوسائل 3: 223، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث الأول.
477

ولا النجوم. قال: تجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك) (1) وغير ذلك (2).
وبذلك كله يرفع اليد عن مقتضى الأصل الموجب للاحتياط بالصلاة
إلى الجهات، كما عن ظاهر الخلاف (3)، وظاهر الحلبي (4) حيث حكى عنه في
الذكرى (5) إطلاق القول بوجوب الأربع مع عدم العلم.
ويشهد لهما أيضا: مرسلة خداش - الآتية (6) - في المتحير، إلا أنها
لا تعارض الأخبار المستفيضة المعتضدة بالاجماع المنقول.
ثم إن مقتضى تعبير المصنف قدس سره هنا وفي معقد إجماع المنتهى (7)
والتحرير (8) والتذكرة (9) تبعا لمعقد إجماع المعتبر (10) بلفظ الاجتهاد - الذي
ورد في الموثقة المتقدمة وغيرها - هو عدم جواز الاقتصار في العمل على
مقتضى أمارة واحدة من الأمارات التي تمكن المكلف من مراجعتها، بل
بحسب ملاحظة الجميع وتتبع الأحرى منها بالاستعمال، كما هو ظاهر
الصحيحة المتقدمة، ومقتضى الاقتصار في مخالفة الأصل على المتيقن. فإطلاق

(1) الوسائل 3: 224، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث 3.
(2) الوسائل 3: 223، الباب 6 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(3) الخلاف 1: 302 كتاب الصلاة، المسألة: 49.
(4) الكافي: 139.
(5) الذكرى: 165.
(6) الوسائل 3: 226، الباب 8 من أبواب القبلة. الحديث 5.
(7) المنتهى 1: 219.
(8) التحرير 1: 29.
(9) التذكرة 3: 22.
(10) المعتبر 2: 70.
478

كلمات آخرين للتعويل على الظن من غير تقييد بالاجتهاد والفحص عن
أقوى الظنون، في مقام وجوب العلم لا في مقام جواز الاقتصار على الظن
الابتدائي.
ثم لا يخفى أن الواجب هو الفحص عن الأمارة الموجودة بالفعل التي
يحتمل أن يكون أقوى في الخلاف من هذا الذي حصل، فلو علم بعدم الظفر
بظن مخالف أقوى، بل لو ظفر لظفر إما بمعاضد أو بموهن للظن الحاصل
بالفعل من دون أن يرفعه بالمرة، أو بما يرفعه من دون أن يرجح عليه،
فالظاهر عدم وجوب الفحص; لأن الواجب على أحد التقديرين الأولين
العمل بهذا الظن الحاصل، فهو معلوم من أول الأمر.
وتوهم احتمال مطلوبية تقويته بقدر الامكان، مدفوع باحتمال تضعيفه
بالظفر بموهن له، من دون أن يرتفع من أصله، فيجب العمل على وهنه.
والعمل الموظف على التقدير الثالث ليس مطلوبا أصليا للشارع في
الاجتهاد، بل هو تكليف عملي إذا لم يؤد اجتهاده إلى شئ فلا يحسن
التكليف به في مقام الاجتهاد، فافهم فإنه دقيق في الجملة.
مع أن الظاهر من التحري طلب الأحرى، والمفروض اليأس منه،
وهو الظاهر أيضا من الاجتهاد.
وتوهم احتمال مطلوبية مجرد تقوية هذا الظن الحاصل، مدفوع بأن
اللازم من ذلك عدم وجوب الفحص، أو لعل هذا الظن الحاصل يضعف
بالمعارض من دون أن يزول، فيتعين العمل عليه مع تنزله عن قوته
السابقة، فتأمل.
فالظاهر أن مرادهم من وجوب تتبع أقوى الظنون هو وجوب الأخذ
بأقوى الأمارات المفيدة للظن إذا تعددت عند المكلف، لا وجوب طلب
479

أقوى مراتب الظن المتعلق بجهة واحدة.
وهل يجب الخروج إلى مكان يحصل الظن الأقوى؟ وجهان: من
إطلاقات الاجتهاد المعتضدة بالسيرة المستمرة، ومن الأصل، وأن التحري
هو طلب الأحرى وهو يحصل بالخروج إلى مكان يوجد فيه الأمارة القوية.
وهذا هو الأحوط بل الأقوى، إلا أن يلزم من ذلك مشقة وحرج
فينفي بقاعدة نفي العسر، سيما... (1).
وأما تأخير الصلاة مع رجاء تحقق العلم أو الظن الأقوى بالقبلة،
فالظاهر عدم وجوبه لظاهر الاطلاقات المتقدمة في التحري وما سيأتي من
الروايات فيمن يتحرى ثم يتبين خطأه; بناء على ثبوت إطلاق لتلك الأخبار بحيث تشمل صورة رجاء زوال الحيرة بالتأخير.
مضافا إلى أنه قد يدعى أن القاعدة في ذوي الأعذار عدم وجوب
التأخير; لعموم أدلة التوسعة، وإلى فحوى جواز العمل بالظن في الوقت
وعدم وجوب التأخير، مع أن مراعاة الوقت أهم في نظر الشارع من القبلة
قطعا.
وفي الوجهين الأخيرين نظر; لأن أدلة التوسعة إنما تدل على الرخصة
في براءة الذمة في كل جزء من الزمان، والمفروض أنها في الجزء الأول غير
ممكنة، لعدم حصول اليقين بالمأمور به أعني الصلاة إلى القبلة الواقعية، فلا بد
من التأخير ليتمكن من الامتثال الظني.
ودعوى قيام الظن مقام العلم أينما تعذر العلم بالقبلة، فالقبلة المظنونة
بمنزلة المعلومة في حصول البراءة بالصلاة إليها، إنما تستفاد من إطلاقات

(1) كذا في النسخة ولم نجد تتمة الكلام فبها.
480

التحري المتقدمة ولا دخل لأدلة التوسعة في ذلك.
وأما الفحوى: فلأن لازم جواز العمل بالظن في الوقت جوازه في
القبلة بطريق أولى، لكن على الوجه الذي جاز العمل به في الوقت، ومعلوم
أن العمل بالظن في الوقت إنما هو مشروط بعدم تمكنه من العلم، ففي القبلة
يجوز كذلك، والمفروض أن المكلف يتمكن من العلم بجهة القبلة بعد زمان
آخر، بخلاف الظان بالوقت; فإنه غير متمكن من العلم بكون هذا الجزء من
الزمان من الوقت وإن أخر الصلاة إلى ما بعده.
فإن قلت: الجامع بينهما هو تمكن المكلف من التأخير والآتيان بالصلاة
مع الشرط المتيقن في ما بعد زمان الشك، فعدم إلزام هذا الاتيان على
المكلف بالنسبة إلى الوقت يقتضي عدم إلزامه بالنسبة إلى القبلة بطريق
أولى.
قلت: لا شك أن العمل في كليهما بالظن جائز في الجملة، إلا أن لازم
الرخصة في العمل بالظن بالوقت عقلا هو عدم لزوم التأخير; إذ الكلام في
صورة تيقن بقاء الوقت بعد زمان الشك، وإلا فمع احتمال انقضاء الوقت
بمضي (1) الزمان المشكوك لا مناص من العمل بالظن وليس ذلك ترخيصا، بل
هو تضييق.
وأما العمل بظن القبلة فالرخصة فيه لا يستلزم عدم لزوم التأخير،
فورود الرخصة فيه إذا انضم إلى ما يقتضيه الاشتغال اليقيني من البراءة
اليقينية، فالحاصل من الجمع بينهما - بعد فرض عدم الاطلاق في أدلة
الرخصة في العمل بالظن - هو قصر ورود الأخبار في الرخصة على صورة

(1) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحة.
481

عدم رجاء البراءة اليقينية مع التأخير (1)

(1) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة: (27) وبه ينتهي كل ما وجدناه مكررا
بخط المؤلف قدس سره في مبحث الاستقبال.
482

الملحق (1)
2
في واجب أفعال الصلاة

(1) أوردنا في هذا الملحق ما وجدناه مكررا بخط المؤلف قدس سره في المباحث التالية:
القيام، النية، تكبيرة الاحرام والقراءة. وهي في المخطوطة تبدأ بالصفحة اليسرى من
الورقة: (47)، وتنتهي بالصفحة اليمنى من الورقة: (77).
483

كيفية اليومية
(يجب معرفة واجب أفعال الصلاة من مندوبها وإيقاع كل منهما على
وجهه.
والواجب سبعة (1):
الأول (2): القيام) قدمه على النية والتكبير لاعتباره فيهما (وهو
ركن، في الصلاة، مع القدرة بإجماع العلماء كما في المعتبر (3)، بل علماء الاسلام
كما في المنتهى (4)، مضافا إلى الأدلة اللفظية (5)، فظهر ضعف الخلاف المتوهم
من كلام من لم يذكر القيام فيما يبطل الاخلال به مطلقا.

(1) إلى هنا أخذناه من الإرشاد.
(2) هذا هو أول الصفحة اليسرى من الورقة: (47) من النسخة المخطوطة.
(3) المعتبر 2: 158.
(4) المنتهى 1: 264 - 265.
(5) الوسائل 4: 694، الباب 2 من أبواب القيام، الحديث 1 و 2.
485

والركن عند أصحابنا - كما في الروض (1) وجامع المقاصد (2) وعن
المهذب (3) -: ما (تبطل الصلاة بتركه (4) عمدا أو سهوا، وكذا بزيادته
إلا ما استثني من حكم الزيادة دون النقيصة، ومنه يشكل الأمر في القيام إن
جعل الركن [ال‍] مجموع المستمر الواجب منه; للاجماع على عدم بطلان
الصلاة مع الاخلال بالواجب منه حال القراءة، وكذا مع تعمد ترك ما يقع
منه في القنوت.
نعم، المتصل منه بالركوع والذي عنه يتكون التقويس، ركن; للاجماع
على بطلان صلاة من ركع ركوع الجالس، وليس لعدم تحقق الركوع، إذ
لا ريب في تحققه شرعا وعرفا، فإن الركوع هو الانحناء عن اعتدال القيام
أو الجلوس، فأيهما وجب قبله تعين الانحناء عنه، فركوع القائم: الانحناء عن
القيام، وركوع الجالس: الانحناء عن الجلوس، والحالة السابقة المنحني عنها
خارجة عن حقيقة الركوع، وكذا هيئة الوقوف على القدمين الحاصلة في
ركوع القائم خارجة عنه، فالاخلال بهذه الهيئة وتلك الحالة نسيانا
لا يوجب الاخلال بمفهوم الركن، مع إمكان تدارك الهيئة في الصلاة بالقيام
إلى حد الركوع، فيتعين أن يكون بطلان تلك الصلاة المجمع عليه للاخلال
بالقيام المذكور.
مع أنه بعد ما ادعي الاجماع من المسلمين على ركنية القيام بقول

(1) روض الجنان: 249.
(2) جامع المقاصد 2: 199.
(3) المهذب البارع 1: 356.
(4) في الإرشاد: لو أخل به.
486

مطلق - كإطلاق نفي الصلاة لمن لم يقم صلبه وغيره من الأخبار (1)، والأصل
فيه الركنية إلا الجزء الخارج بالدليل - كفانا مؤونة إثبات ركنية هذا الجزء
منه، ومع هذا ففي ركنيته تأمل، لامكان أن يقال: إن الركوع الذي هو ركن
في صلاة القائم ليس هو الانحناء المشترك بين ركوعي القائم والجالس،
كما أنه ليس مجرد المعنى اللغوي إجماعا، بل الركن في صلاة القائم هو
الانحناء عن قيام إلى الحد الخاص على الهيئة الخاصة، وفي صلاة القاعد له
حد آخر وهيئة أخرى، فالركن منه ليس مشتركا بين الركوعين.
والانحناء عن قيام والوقوف على القدمين داخل في مفهوم الركن
الشرعي، وبفواته يفوت الركن، ولذا اعترف غير واحد ممن قال بركنية هذا
القيام بأن تركه لا ينفك عن ترك الركوع (2)، وحينئذ فبطلان صلاة من ركع
جالسا أو قام منحنيا إلى حد الركوع بسبب فوات الركوع الركني، كما يشهد
به قوله: (لا تعاد الصلاة...) (3)، وقوله: (إذا حفظت الركوع والسجود...) (4)
ونحوهما مما دل على أن سبب إعادة الصلاة المنعقدة صحيحة منحصر في
الركوع والسجود.
وما ذكرنا إن لم يكن ظاهرا فلا أقل من احتماله، بل لازم المعترف
المذكور القطع به، فينحصر دليل الركنية في الأخبار والاجماع.
أما الأخبار: فلا دلالة فيها إلا على الوجوب دون الركنية إلا من باب

(1) الوسائل 4: 694، الباب 2 من أبواب القيام وغيره من الأبواب.
(2) انظر المسالك 1: 200، والمدارك 3: 326.
(3) الوسائل 4: 1241، الباب الأول من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.
(4) الوسائل 4: 77، الباب 30 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 3.
487

الاطلاق المقيد بقوله: (لا تعاد) وشبهه وإن كان ظاهر النسبة عموما من
وجه، إلا أن الحاكم مقدم على المحكوم عليه.
وأما الاجماع: فلا يبعد أن يكون على أنه ركن، بمعنى أنه واجب
يبطل الصلاة بتركه سهوا، ولولا فضائه إلى ترك ركن آخر، فهو ركن
باعتبار مقدميته للركن، وهذا وإن كان خلاف الظاهر، إلا أنه ربما
يستأنس له بإطلاقهم الركن أحيانا على المقدمات المحضة، كالنية في كلام
المشهور، والاستقبال كما عن ابن حمزة (1)، ودخول الوقت كما عن العماني (2)،
لكنها جرأة عظيمة في توجيه الاجماع المذكور.
وبهذا الوجه يمكن المناقشة أيضا في ركنية القيام عند التحريمة
كما لا يخفى، لاحتمال كون ركنيته حال التكبير، لاشتراط التكبير به، كما يظهر
من قوله في موثقة عمار: (لا يعتد بالتكبير وهو قاعد) (3) لا لكونه بنفسه
واجبا ركنيا.
فحاصل القول بركنية القدر المتصل بالركوع من القيام: إن القيام الذي
عنه يركع إن تحقق، فلا يقدح ترك ما عداه نسيانا، وإن ترك - ولو سهوا -
فلا ينفع ما عداه، فقد يكون هذا القيام هو بعينه القيام الواجب في الصلاة
كما لو استمر من أول الركعة; فهذا القيام واجب وركن، وقد يكون غيره،
كما لو خف المريض بعد القراءة; فإن وجوب القيام هنا من باب المقدمة
المحضة، ولا يكون من الواجبات الأصلية، على ما استظهرناه من الاحتمال.

(1) الوسيلة: 93.
(2) المختلف 2: 140.
(3) الوسائل 4: 704، الباب 13 من أبواب القيام، الحديث الأول مع اختلاف يسير.
488

وأما على غيره، فهو ركن مستقل; ولذا علل المحقق والشهيد الثانيان
في الجامع (1) والروض (2) وجوب القيام في المسألة، بأن القيام المتصل بالركوع
ركن، مع أن عبارة القواعد كالصريحة في وجوبه مقدمة، قال: ولو خف
المريض وجب القيام للهوي إلى الركوع (3)، وفي الشرائع: والقاعد إذا تمكن
من القيام للركوع وجب (4)، وفي الذكرى: لو خف المريض قام للركوع (5)،
وعلل ذلك في باب الخلل - في جملة كلام له في رد بعض العامة، القائل بعدم،
كفاية جلوس ناسي السجدة الثانية بعد الأولى لها، قياسا على وجوب قيام
المريض للركوع -: بأن الركوع من قيام لا بد منه مع القدرة عليه، فيجب،
ولا يتم إلا بالقيام (6).
وظاهره، بل صريحه - كما فهمه الفاضل الهندي في شرح اللمعتين (7) -:
وجوب القيام هنا من باب المقدمة، وفي الذكرى فيما لو خف المريض في حال
ركوعه: أنه يقوم منحنيا وليس له الانتصاب لئلا يزيد ركنا (8)... إن
القيام... علل الحكم (9)...

(1) جامع المقاصد 2: 201.
(2) روض الجنان: 249.
(3) قواعد الأحكام 1: 269 مع اختلاف.
(4) الشرائع 1: 80.
(5) الذكرى: 182.
(6) الذكرى: 221.
(7) المناهج السوية (مخطوط): 272.
(8) الذكرى: 182.
(9) ذهب من النسخة مقدار من الكتابة، ولعله ما يلي: (وحكم بأن القيام حينئذ
واجب من باب المقدمة، نعم علل الحكم في جامع المقاصد بقوله: لئلا يزيد ركنين)،
كما في النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره، من هذا الكتاب.
489

ثم الظاهر من كلام بعض هؤلاء أن المراد من اتصال القيام بالركوع
اتصاله بجزء من هويه ولو لم يحصل الركوع بلا فصل، كما لو هوى قليلا بقصد
الركوع ثم نسيه وجلس للسجود، فإن الشهيد حكم في الروض بعدم
وجوب الانتصاب حينئذ بل يقوم إلى حد النسيان (1).
ثم الظاهر أن المراد من تقسيم القيام باعتبار ما يقع فيه أو يتصل به
إلى الأحكام الثلاثة أو الأربعة - كما وقع في كلام الشهيد المحكي عنه في
بعض فوائده (2) وغير واحد ممن تأخر عنه (3)، وجعل ظرف التكبير والمتصل
منه بالركوع ركنا، وظرف القراءة واجبا وظرف القنوت مستحبا، ولازمه
أن يكون ظرف السكوت مباحا - تقسيمه باعتبار آناته المستمرة، فلا وجه
لتخصيص هذا التقسيم بالقيام، فإن الركوع والسجود باعتبار آناتهما
المستمرة كذلك باعتبار ظروف الأفعال الواجبة والمستحبة والمباحة، مع أن
مسماهما ركن، بل أصل التقسيم باعتبار الأجزاء المتدرجة لا يخلو عن
شئ، فإنه لو قيل: بأن القيام في كل ركعة أمر واحد كلي متصف بالركنية
وله أفراد مختلفة باختلاف مقدار استمراره فإذا اكتفى بمسماه وركع فقد أتى
بأقل الركن، فإن كان نسيانا صح صلاته وإن أتى منه بالمقدار الواسع لأقل
الواجب من القراءة أو بدلها فقد أتى منه بأقل الواجب، وإن اختار الأزيد
بمقدار يسع الواجب وبعض المستحبات فقد أتى بالفرد الأفضل من الأول..

(1) روض الجنان: 344.
(2) انظر جامع المقاصد 2: 200.
(3) مثل ابن فهد في المهذب البارع 1: 360، والشهيد الثاني في روض الجنان: 249.
490

وهكذا، فتطويله وتقصيره يرجع إلى اختيار الفرد الواحد الطويل
أو القصير، لم يكن بعيدا.
وعلى أي حال، فليس إطلاق القول ممن تقدم على الشهيد بركنية
القيام، إلا كإطلاقهم القول بركنية الركوع والسجود ولا يرد ما ذكر في معنى
الاعتراض عليهم من أن نقيصته لا يوجب بطلان الصلاة، كما لو نسي الفاتحة
والسورة، فإنه ينسى مقدارا من القيام، فإنهم لم يحكموا بركنية كل جزء من
أجزائه المستمرة، ونقص استمرار الركن ليس نقصه.
نعم، الفرق بينه وبين الركوع والسجود هو أن الركن فيهما يتحقق بأول
المسمى وإن انقطع، بخلاف القيام فإنه لا يكفي أول مسماه ما لم يركع عنه،
ولعله دعاهم إلى التقسيم المذكور، فإن الجزء الأول الحاصل من القيام
لا يتصف بالركنية ما لم يركع عنه، فحاصل مراد... (1) فافهم.
(و) اعلم أن الركن من القيام الواجب هو الانتصاب بنصب فقار
الظهر مع اعتماد على الرجل ولو يسيرا، لا مجرد مماستها للأرض، لا يضر
فيه إطراق الرأس وإن كان الأولى تركه; لمرسلة حريز: (النحر، الاعتدال

(1) كان قد كتب المؤلف قدس سره في المتن عبارة، ثم شطب عليها، وكتب بدلها في
الهامش: (فحاصل مراد... الخ) ولكن حصل اخترام لأكثر ما كتبه في الهامش،
ولم يبق منه سوى ما يلي: (فحاصل مراد... القيام في... شيئا... فافهم).
وأما ما كان قد كتبه في المتن ثم شطب عليه بعد قوله: (ما لم يركع عنه) فهو
ما يلي: (فله حكم غير الركن، باعتبار ما يقع فيه من الواجب والندب والمباح،
يعني: عدم جواز تركه عمدا في الأول، ومرجوحيته في الثاني، وتساويه في الثالث،
فافهم).
491

في القيام: أن يقيم صلبه ونحره) (1)، لكن (يجب) فيه أمور أخر خارجة
عن مفهومه.
منها: (الاستقلال) وعدم الاستناد إلى شئ بحيث لو أزيل السناد
سقط، على المشهور، بل عن المختلف (2) وابن [أبي] الجمهور في شرح
الألفية (3) الاجماع عليه، لتوقف البراءة عليه، وللتأسي، ولصحيحة حماد
الواردة في تعليم الصلاة (4).
ولأن المتبادر من الأمر بالقيام: قيامه بنفسه، بل في الإيضاح (5) وعن
الفريد البهبهاني (6) أن القيام هو الاستقلال.
ولرواية عبد الله بن سنان المصححة، عن أبي عبد الله عليه السلام:
(لا تمسك بخمرك وأنت تصلي ولا تستند إلى جدار إلا أن تكون مريضا) (7).
وعن قرب الإسناد، عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير، قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة قاعدا أو متوكئا على عصا أو حائط؟
قال: (لا، ما شأن أبيك وشأن هذا؟ ما بلغ أبوك هذا بعد) (8).

(1) الوسائل 4: 694، الباب 2 من أبواب القيام، الحديث 3.
(2) المختلف 2: 194.
(3) المسالك الجامعية (الفوائد الملية): 144.
(4) الوسائل 4: 673، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث الأول.
(5) الإيضاح 1: 99.
(6) مصابيح الظلام في شرح المفاتيح (مخطوط): 97.
(7) الوسائل 4: 702، الباب 10 من أبواب القيام، الحديث 2.
(8) قرب الإسناد: 171، الحديث 626، والوسائل 4: 693، الباب 1 من أبواب
القيام، الحديث 20.
492

وفي الوجوه المتقدمة على الروايتين نظر، فهما العمدة مع اعتضادهما
بالشهرة العظيمة ونقل الاجماع عن غير واحد، ولم يحك الخلاف إلا عن
الحلبي (1) فعد الاعتماد على ما يجاور المصلي من الأبنية مكروها، مع احتمال
إرادة الحرمة من الكراهية، وإن تبعه في ظاهر كلامه بعض متأخري
المتأخرين (2) فحملوا النهي على الكراهة، مع عدم تمشية في الرواية الثانية،
لرواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: (عن الرجل هل يصلح له أن
يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي أو يضع يده على الحائط وهو قائم من
غير مرض ولا علة؟ فقال: لا بأس، وعن الرجل يكون في صلاة فريضة
فيقوم في الركعتين الأوليين هل يصلح له أن يتناول حائط المسجد فينهض
يستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة؟ قال: لا بأس به) (3).
والأولى حمل الاستناد على اليسير الغير القادح في الاستقلال دون
الاعتماد، كما أشير إليه في الذكرى (4) وجامع المقاصد (5) والمسالك (6)، لعدم
جواز الاستناد في [النهوض أيضا; ولعله لما تقدم من تبادر إيجاد] (7) القيام
من غير استعانة من أوامر القيام، وفيه نظر; لأن النهوض من المقدمات

(1) الكافي في الفقه: 125.
(2) كما في المدارك 3: 327 - 1328 والكفاية: 18، والحدائق 8: 62.
(3) الوسائل 4: 702، الباب 10 من أبواب القيام، الحديث الأول.
(4) الذكرى: 180.
(5) جامع المقاصد 2: 203.
(6) المسالك 1: 201.
(7) ما بين المعقوفتين من النسخة المكررة بخط المؤلف، والعبارة في هذه النسخة لا تقرأ.
493

[الصرفة] (1) وإلا لما جاز النهوض إلى أول الصلاة مستندا، وهو باطل.
وعن الإيضاح حمل الرواية على التقية (2).
ومنها: القيام على الرجلين معا، ذكره الشهيدان (3) والمحقق الثاني (4)
وغيرهم (5) [وعن الحدائق أنه] لا خلاف فيه، وإنه اتفا [ق الأصحاب (6)،
قيل: (7)] (8) لعدم الاستقرار، وأكثر ما ذكر في الاستقلال، والتبادر هنا قوي.
ويؤيد الحكم: ما ورد في تباعد الرجلين (9)، فإن الظاهر منها كون
القيام على الرجلين مفروغا عنه، وإلا لأشير إلى استحبابه، فتأمل.
نعم، في بعض الأخبار عن قرب الإسناد: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
كان يصلي وهو قائم يرفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تعالى: (طه ما أنزلنا
عليك القرآن لتشقى) فوضعها) (10).
وفي السند والدلالة ضعف لا يخفى على من لاحظهما.

(1) ما بين المعقوفتين من النسخة المكررة بخط المؤلف، والكلمة في هذه النسخة لا تقرأ.
(2) إيضاح الفوائد 1: 99.
(3) ذكرى الشيعة: 181، وروض الجنان: 250.
(4) جامع المقاصد 2: 202.
(5) كالسيد في المدارك 3: 328، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 261.
(6) الحدائق 8: 64.
(7) قاله المحقق الكركي في جامع المقاصد 2: 202.
(8) ما بين المعقوفات غير مقروء في الأصل، وأخذناها من النسخة المكررة بخط المؤلف
قدس سره.
(9) الوسائل 4: 710، الباب 17 من أبواب القيام.
(10) قرب الإسناد: 171، الحديث 626، والوسائل 4: 695، الباب 3 من أبواب
القيام، الحديث 4، والآية من سورة طه: 1.
494

والظاهر - أيضا -: وجوب الوقوف على أصل القدم لا على الأصابع;
للتبادر المذكور، مع إخلاله بالاستقرار غالبا، وفي رواية: أن نزول الآية
السابقة كان لوقوف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أطراف أصابع رجليه (1).
وفي وجوب كون الاعتماد على الرجلين معا، بمعنى عدم كفاية مجرد
مماسة أحدهما للأرض قوة، وعن البحار أنه المشهور (2)، وبمعنى التساوي في
الاعتماد بعد، بل الظاهر عدم وجوبه، وعليه يحمل ما روي بطريق حكي
تصحيحه عن محمد بن أبي حمزة، قال: (رأيت علي بن الحسين عليهما السلام في
فناء الكعبة في الليل وهو يصلي، فأطال القيام حتى جعل مرة يتوكأ على
رجله اليمنى ومرة على رجله اليسرى) (3).
ومما ذكرنا من التبادر يظهر الوجه في عدم جواز التباعد بين الرجلين
بحيث يخرج عن متعارف القيام، أو عن أصله، وعن ابن [أبي] الجمهور (4)
أنه لا خلاف في ذلك، بل يمكن أن يفهم هذا من الانتصاب; فإن الظاهر
منه - مضافا إلى نصب الفقار - كون القائم كالشاخص المنصوب.
ومنها: الاستقرار في واجبات الأذكار، بمعنى الوقوف المقابل للجري
والسكون المقابل للاضطراب، ويدل عليه بالمعنى الأول - مضافا إلى الاجماع
المحكي عن المسالك الجامعية (5) والمصرح به في الإيضاح (6) في باب الصلاة

(1) الوسائل 4: 695، الباب 3 من أبواب القيام، الحديث 2.
(2) البحار 84: 342.
(3) الوسائل 4: 695، الباب 3 من أبواب القيام، الحديث الأول.
(4) المسالك الجامعية (الفوائد الملية): 147.
(5) نفس المصدر: 145.
(6) إيضاح الفوائد 1: 79.
495

على الراحلة وشرح المفاتيح للفريد البهبهاني (1)، وفي كلام بعض
المعاصرين (2) -: خبر السكوني: (عن الرجل يريد أن يتقدم، قال: يكف عن
القراءة حال مشيه) (3).
ونحوه ما روي عن يونس الشيباني في حديث المشي في الإقامة:
(قلت له: فيجوز المشي في الصلاة؟ قال: نعم، إذا دخلت من باب المسجد
فكبرت... وأنت مع إمام عادل، ثم مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك... إلى
آخره) (4).
وبالمعنى الثاني - مضافا إلى إطلاق الاجماع المذكور -: إخلال
الاضطراب المعتد به بالانتصاب، ولذا قيل: إنه مأخوذ في مفهومه كما في
الرياض (5) [وعن المفاتيح (6)] (7) وفي الذكرى (8) أن الاستقرار ركن في القيام.
ويمكن أن يستدل عليه - أيضا - بما روى [الحلبي] (9) بإسناده عن أبي
عبد الله عليه السلام: ([عن الصلاة في السفينة] (10)، فقال: إن كانت محملة ثقيلة

(1) مصابيح الظلام في شرح المفاتيح (مخطوط): 97.
(2) الجواهر 9: 260.
(3) الوسائل 4: 775، الباب 34 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 4: 635، الباب 13 من أبواب الأذان والإقامة، الحديث 9.
(5) رياض المسائل 3: 369.
(6) مفاتيح الشرائع 1: 121.
(7) من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره.
(8) الذكرى: 180.
(9) ما بين المعقوفات من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره.
(10) ما بين المعقوفات من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره.
496

إذا قمت فيها لم تتحرك فصل قائما، وإن كانت خفيفة فصل قاعدا) (1).
ورواية سليمان بن صالح: (ولتتمكن في الإقامة كما تتمكن في الصلاة;
فإنه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة) (2)، دلت عرفا على لزوم التمكن في
الصلاة وإن كان مستحبا في الإقامة، إلا أن يقال: إن المراد التمكن مقابل
المشي.
ثم إن مقتضى كون الانتصاب مأخوذا في ماهية القيام - كما نص عليه
بعض -: تقديم مراعاته على جميع الصفات; لأن فوات الوصف أولى من
فوات الموصوف; ولذا جزم المصنف قدس سره، في القواعد (3) وغيره (4) بتقديم
الاعتماد على الانحناء، ولكنه لا يخلو عن نظر، لامكان منع أخذه مطلقا في
ماهيته بحيث يصح سلبه بمجرد انحناء يسير; فإن الظاهر أن قوله: (منتصبا)
في قوله: (قم منتصبا) ليس حالا مؤكدة، وسيجئ ما يؤيد ذلك، ومنع
كون الصفات صفات للانتصاب [فلعلها - كالانتصاب - صفات] (5) الوقوف
على الرجلين. ثم منع أولوية فوات الوصف مطلقا، حتى مثل الاستقرار
المهتم به عند الشارع، وإن اقتضته الأدلة في بعض الموارد وبعض الأوصاف;
ولعله لذا تردد جماعة في ما إذا دار الأمر بين الانحناء وبين بعض تلك

(1) الوسائل 4: 705، الباب 14 من أبواب القيام، الحديث 2، وفيه: (عن هارون بن
حمزة الغنوي) بدل (الحلبي).
(2) الوسائل 4: 636، الباب 13 من أبواب الأذان والإقامة، الحديث 12.
(3) القواعد 1: 267.
(4) التذكرة 3: 90.
(5) ما بين المعقوفتين كان ضمن سطر مشطوب عليه، والظاهر امتداد الشطب على هذه
العبارة سهوا.
497

الصفات، وإن استقرب بعضهم أخيرا الانتصاب كالشهيد في الذكرى (1) في
مسألة الدوران بين الانحناء وتفريق الرجلين، والفريد البهبهاني في الدوران
بينه وبين الاعتماد (2).
وكيف كان، فالحكم بترجيح الانتصاب على الاستقرار سيما بمعنى
الوقوف وعدم المشي في غاية الاشكال، سيما على احتمال كون الاستقرار
شرطا في أصل الصلاة لا في القيام.
وكيف كان، فلا ينبغي التأمل في تقديم الانحناء على القعود ولو بلغ
الركوع، كما عن غير واحد (3) وصرح به أيضا في المنتهى (4) فيما إذا قصر
السقف أو كانت السفينة مظللة، ونسب الخلاف إلى بعض العامة على وجه
يشعر بعدم الخلاف بيننا; لأن المعسور لا يسقط الميسور، مع أنه لا يبعد
صدق القيام عليه في الجملة، فيدل عليه ما يدل عليه، وإن تعذر وصفه،
أعني الانتصاب.
ويدل على هذا وعلى أصل الحكم: صحيحة علي بن يقطين عن أبي
الحسن عليه السلام، قال: (سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام أيصلي
فيها [وهو] جالس يؤمي أو يسجد؟ قال: يقوم وإن حتى ظهره) (5).
وإطلاق الرواية كأكثر الفتاوى - كما يظهر من فتواهم فيما سيجئ

(1) الذكرى: 181.
(2) لا يوجد لدينا كتابه.
(3) منهم العلامة في القواعد 1: 267 والشهيد في الدروس 1: 168 والمحقق الثاني في
جامع المقاصد 2: 202.
(4) المنتهى 1: 266.
(5) الوسائل 4: 706، الباب 14 كل ت أبواب القيام، الحديث 5.
498

بوجوب القراءة في حال الهوي إلى الجلوس لو تجدد عجز القائم واضطر إلى
الجلوس -: تقديم الانحناء وإن تجاوز آخر مراتب الركوع...... (1) وحينئذ
فالظاهر وجوب الركوع عن جلوس، لا إيماء مع ذلك القيام الانحنائي،
ويحتمله أيضا.
ولو قدر على القيام بعض الصلاة بنحو من أنحائه ولو منحنيا إلى حد
الراكع معتمدا غير مستقر; بناء على عدم ترجيح الاستقرار، وجب
بلا خلاف كما في الرياض (2)، لقاعدة: (الميسور لا يسقط بالمعسور)، وفي
شرح الفريد البهبهاني أنه إجماعي (3).
وكذا لو قدر على القيام وعجز عن الركوع والسجود، نسبه في المنتهى
إلى علمائنا (4).
أما لو كان عجزه عنهما لقيامه قبلهما، فيدور أمره بين القيام والجلوس
للركوع والسجود، وبين القعود للقراءة ثم القيام للركوع والسجود، فقيل (5)
بتقديم الأول; لأنه في أول الركعة قادر على القيام فيشمله أدلة وجوب
القيام فإذا قرأ قائما فطرأ العجز عن الركوع قائما، قعد له.
وقيل بالثاني (6); لأولوية إدراك الركن، مضافا إلى ما روي من أن

(1) كلمتان لا يمكن قرائتهما.
(2) الرياض 3: 371.
(3) شرح المفاتيح (مخطوط) مصابيح الظلام:.
(4) المنتهى 1: 265.
(5) كشف اللثام 1: 211.
(6) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 9: 256 - 257.
499

الجالس إذا قام في آخر السورة فركع عن قيام احتسب له صلاة القائم (1).
ويضعف الأول: بأن ورود الأمر بالأجزاء ليس كوجودها على وجه
الترتيب، بل الأمر بالمركب يتحقق من غير تدريج، ولا شك أن المركب
بالنسبة إلى هذا الشخص لا يجب فيه القيام للقراءة والركوع معا، بل
الواجب هو القيام في الأول أو للثاني، فكما يصدق عليه بعد الافتتاح أنه
قادر على القيام للركوع، وليس... تقدم القراءة على الركوع موجبا لفراغ
الذمة... القراءة قائما، يمكن أن يقال: يجب عليه... (2) من القراءة زمان
الركوع الواجب لا زمان وجوبه.
ومع عدم المرجح فالتخيير، ومعه فيؤخذ بالراجح، وحيث إن ركوع
القائم ركن، بل هو مع القيام المتصل به - كما اتفقت عليه كلمة المتأخرين -
ركنان، كان مراعاتهما أولى.
اللهم إلا أن يقال: إن المستفاد من مثل قوله: (إذا قوي فليقم) (3)
ونحوه من الأدلة، أن تعين القيام والقعود في كل جزء يتبع صفة المكلف في
زمان ذلك الجزء من حيث القوة والعجز.
وإن كان يتجه ما ذكر في وجه التضعيف لو كان تقييد الواجبين
المترتبين في الوجود دون الوجوب بالقدرة بنفس اقتضاء العقل له.
ويمكن تضعيف ما ذكر في وجه الترجيح أيضا: بأن الفائت أمور
خارجة عن مفهوم الركن لا نفسه; بناء على أن الركن في الركوع هو الانحناء

(1) راجع الوسائل 4: 700، الباب 9 من أبواب القيام.
(2) محل النقط كلمات لا تقرأ.
(3) الوسائل 4: 698، الباب 6 من أبواب القيام، الحديث 3.
500

عن اعتدال، المشترك بين ركوعي القائم والقاعد، والفائت من القيام المتصل
بالركوع هو اتصاله بالركوع لا نفس القيام; فإنه ليس مغايرا في الوجود،
لقيام القراءة المتحقق في المقام.
وأما ما ورد من أن الجالس إذا ركع عن آخر السورة حسب له صلاة
القائم (1)، فغير شامل للمقام، كما لا يخفى على من لاحظ موارد تلك
الروايات.
نعم، يمكن ترجيح الركوع - بعد ملاحظة ما تقدم في أول القيام من أن
الركن في حق القائم هي هيئة الركوع القيامي عن قيام - بما ظهر من حال
الشارع في الأحكام الكثيرة من اهتمامه بالأركان، ويكفي في ذلك تسمية
الفقهاء لها أركانا.
نعم، لو دار الأمر بين فوت القيام في القراءة وبين فوت المتصل منه
بالركوع مع التمكن من هيئة ركوع القائم، فلا يبعد ترجيح الثاني.
ولو دار الأمر بين فوت القيام وفوت الركوع والسجود وتبديلهما
بالايماء، فالظاهر ترجيح الأول، وفاقا لبعض (2) لما ذكر من الاهتمام
بالأركان.
مضافا إلى أن المتبادر من قوله: (من لم يستطع أن يصلي قائما فليصل
قاعدا)، (3) من لم يستطع الصلاة المتعارفة المشتملة على حقيقة الركوع

(1) تقدم في الصفحة: 500.
(2) كشف اللثام 1: 211.
(3) الوسائل 4: 693، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 18 نقلا بالمعنى
وغيرها.
501

والسجود ففرضه القعود، وهو عام لما نحن فيه.
وتردد في المسألة المحقق الثاني، قال: من فوات بعض على كل
تقدير، فيمكن تخييره، ويمكن ترجيح الجلوس باستيفاء معظم الأركان معه (1)
انتهى.
وقد توهم بعض من عبارة المنتهى دعوى اتفاق علمائنا على وجوب
القيام في هذه المسألة، واشتبهت عليه هذه المسألة بالمسألة التي قدمناها قبل
مسائل الدوران.
(فإن عجز (2)) عن القيام في شئ مما يعتبر فيه بنحو مما يتصور فيه
(قعد) منتصبا مستقلا كيف شاء، إجماعا في أصل القعود وتقييده وإطلاقه،
إلا أن الأفضل له التربع حال القراءة، وتثنية رجليه حال الركوع والتورك
حال التشهد.
ويجب في ركوعه الانحناء إلى أن يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب
كالراكع بالإضافة إلى القائم المنتصب; لأنه المفهوم من إطلاق الأمر بالصلاة
قاعدا; لأن الملحوظ في الصلاة التي تقيد بالقيام مع القدرة وبالقعود مع
العجز ما عداهما من الأجزاء، فيجب ويستحب فيه جميع ما عدا وظائف
القيام وما يستتبعه من الهيئات.
ومنه يظهر ضعف قول الشهيد في الذكرى بوجوب رفع فخذيه;
لأصالة بقاء وجوبه الثابت حال القيام (3); وذلك لأن رفعهما من لوازم

(1) جامع المقاصد 2: 204.
(2) في الإرشاد: فإن عجز اعتمد، فإن عجز تعد.
(3) لم نقف عليه في الذكرى في كيفية ركوع الجالس: 180 - 181 صريحا، وقد صرح
به في الدروس 1: 168.
502

الانحناء عن قيام، لا مما يجب فيه شرعا، فهو نظير تجافي أسفل البطن عن
الفخذ - المتحقق حال القيام دون القعود - الذي لم يقل هو ولا غيره بوجوبه.
ولكن الأحوط ما ذكره الشهيد، لأنه أقرب إلى ركوع القائم، سيما إذا
قدر على الارتفاع زيادة عن حالة الجلوس ودون الحالة التي تحصل بها
أدنى ركوع القائم، وأوجبناه في القعود الاضطراري تحصيلا للواجب بقدر
الامكان.
ثم إن المعروف في ركوع القاعد كيفيتان، إحداهما: ما تقدم،
والأخرى: أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده، وهو أكمله،
كما أن أكمل ركوع القائم يستلزم محاذاتهما أيضا، وأدناه أن ينحني بحيث
يحاذي جبهته ما قدام ركبتيه، وهو حسن.
ثم إن القاعد إن تمكن من وضع الجبهة على الأرض على الوجه
الصحيح فهو، وإلا فسيأتي حكمه في بحث السجود إن شاء الله تعالى.
(ولو عجز) عن القعود مطلقا (اضطجع) على المعروف عن غير
شاذ منا قائل بالاستلقاء مستقبلا، كما حكاه في المعتبر (1) مستدلا بأنه
معرض للبرء، فلو عرض له البرء كان مستقبلا لو جلس.
ولا يخفى ضعفه وإن وردت به روايات مروية عن الكتب الثلاثة (2)

(1) المعتبر 2: 160.
(2) الفقيه 1: 361، الحديث 1033، والتهذيب 3: 176، الحديث 6. والكافي 3:
411، باب صلاة الشيخ الكبير والمريض، الحديث 12، وانظر الوسائل 4: 691،
الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 13.
503

وغيرها (1)، لكنها لمخالفتها للكتاب (2) بضميمة ما ورد في تفسيره (3)، والسنة
المستفيضة (4) [المعتضدة بعمل] (5) الأصحاب كما في الذكرى (6) والاجماعات
المنقولة كما في الرياض (7) والغنية (8) وعن غيرهما (9)، وموافقتها لفتوى
أصحاب الرأي كما في المنتهى (10)، لا بد من تقييدها بصورة العجز عن
الاضطجاع أو حملها على التقية.
ثم إن المحكي عن المعظم: وجوب الاضطجاع على جانبه الأيمن، بل

(1) كانت العبارة بعد قوله وغيرها ما يلي: (محمولة على التقية عن أصحاب الرأي
أو مقيدة بصورة العجز عن الاضطجاع لاطلاقات الاضطجاع بعد العجز عن القعود،
وخصوص المرسل الدال على تقديمه على الاستلقاء مع اعتضاده بعمل الأصحاب
كما في الذكرى، وبالاجماع كما ادعاه غير واحد). انتهى.
وقد أبدل المؤلف قدس سره هذه العبارة بما أثبتناه في المتن ولم يشطب على هذه
العبارة. فأوردناها هنا.
(2) وهو قوله تعالى: (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) آل عمران:
191. وقوله تعالى: (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) النساء: 103.
(3) كما في مجمع البيان 1: 556 و 2: 103.
(4) راجع الوسائل 4: 689، الباب الأول من أبواب القيام.
(5) من العبارة المعرض عنها، التي أوردناها في الهامش (3) في الصفحة السابقة.
(6) الذكرى: 181.
(7) الرياض 3: 374.
(8) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
(9) انظر مفتاح الكرامة 2: 311.
(10) المنتهى 1: 265.
504

في المعتبر (1) والمنتهى (2) إنه مذهب علمائنا، وفي الغنية (3) وعن الخلاف (4)
دعوى الاجماع، ويدل عليه موثقة عمار - المبدل بحماد في الذكرى (5)
والمعتبر (6) وجامع المقاصد (7) سهوا من القلم ظاهرا - عن مولانا أبي عبد الله
عليه السلام: (المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا، كيف قدر صلى إما أن يوجه
فيؤمي إيماء، وقال: يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جنبه الأيمن
ثم يؤمي بالصلاة إيماء، فإن لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر،
فإنه له جائز، وليستقبل بوجهه القبلة ثم يؤمي بالصلاة إيماء) (8).
ونحوه المرسلان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما عن الفقيه (9) وعن
الصادق عليه السلام كما عن الدعائم (10).
وفي ظاهر الشرائع (11) والنافع (12) وصريح المحكي عن المصنف في

(1) المعتبر 2: 160.
(2) المنتهى 1: 265.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
(4) الخلاف 1: 420، كتاب الصلاة، المسألة: 167.
(5) الذكرى: 181.
(6) المعتبر 2: 161.
(7) جامع المقاصد 2: 207.
(8) الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 10.
(9) الفقيه 1: 362، الحديث 1037، والوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 15.
(10) دعائم الاسلام 1: 198.
(11) شرائع الاسلام 1: 80.
(12) المختصر النافع 1: 30.
505

التذكرة (1) والنهاية (2)، بل حكي استظهاره عن كثير من العبائر (3): التخيير
بين الأيمن والأيسر، واختاره في المدارك (4) استنادا إلى الأصل وإطلاقات
بعض الروايات (5) وضعف مستند المقيد.
وفيه: إن الضعف ينجبر بالشهرة وحكاية الاجماع، إلا أن يوهن
حكاية الاجماع عن المحقق (6)...... (7) بوجود القائل في أصحابنا بوجوب
الاستلقاء مع العجز عن القعود.
هذا مع تهافت متن رواية عمار (8).
لكن الانصاف أنه لا يخلو عن قوة مع مطابقته للاحتياط.
ويجب عليه استقبال القبلة بلا خلاف ظاهرا [كما عن] (9) الذخيرة (10)
ونسبه في المنتهى (11) إلى علمائنا، ويدل عليه الموثقة المتقدمة (12) وذيل رواية

(1) التذكرة 3: 94.
(2) نهاية الإحكام 1: 440.
(3) انظر المدارك 3: 331 ومفتاح الكرامة 2: 312.
(4) انظر المدارك 3: 331 و 332.
(5) الوسائل 4: 689، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث الأول.
(6) المعتبر 2: 160
(7) كلمات لا تقرأ، ولعل أول كلمة منها: الغنية، انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
(8) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(9) من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره.
(10) ذخيرة المعاد: 262.
(11) منتهى المطلب 1: 265.
(12) الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 10، وقد تقدمت في
الصفحة السابقة.
506

الدعائم (1)، بل إطلاقات الاستقبال.
وفي وجوب اعتدال القامة في الاضطجاع والاستلقاء احتمال، قواه في
كشف الغطاء (2)، ثم جعل خلافه أقوى، وهو الأقوى.
وكيف كان، فإن لم يتمكن من الاضطجاع على الأيمن اضطجع على
الأيسر ولا يستلقي، على المعروف بين المتأخرين، ويدل عليه مرسلة
الصدوق (3) المنجبر ضعفها بالشهرة العظيمة، بل حكاية ظهور عبارة بعض في
الاجماع، مضافا إلى إطلاقات وجوب الاضطجاع، خرج منه ما أجمع على
وجوب الاستلقاء فيه، وخصوص قوله قي الموثقة المتقدمة: (فإن لم يقدر
على جانبه الأيمن فكيف ما قدر صلى; فإنه له جائز، ويستقبل بوجهه
القبلة) (4). فإن استقبال القبلة بالوجه لا يحصل إلا بالاضطجاع على الجنب
لا الاستلقاء.
لكنه ضعيف بأن التوجه إلى القبلة يطلق مع الاستلقاء كما يستفاد من
الأخبار والعرف، بل ربما يتوهم دلالة الموثقة على التخيير لمكان قوله:
(كيف ما قدر صلى) لكنه كسابقه في الضعف; لأنها في مقام بيان أن
الواجب في الصلاة هو الكيفية المقدورة وما لا يستطاع موضوع عن المصلي،
فلا يدل على تساوي الحالات المقدورة، كما لا يخفى على المتأمل.

(1) دعائم الاسلام 1: 198.
(2) كشف الغطاء: 234.
(3) الفقيه 1: 362، الحديث 1037، والوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 15.
(4) الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 10.
507

مضافا إلى ظهور عبارة الرياض (1) في عدم القول بالتخيير وإن
استظهره بعض الأجلة (2) من كتب المصنف قدس سره، وفي الرياض عن ظاهر
جماعة تعين الاستلقاء بعد العجز عن الأيمن (3)، وفي ظاهر عبارة الغنية (4)
الاجماع عليه; لذيل رواية الدعائم المتقدمة (5)، وهي ضعيفة مخالفة لاطلاقات
الصلاة على الجنب من الآية (6) والرواية (7)، مع أن هذا القول لم يصرح به
أحد ظاهرا، وإنما استظهر من عبارة جماعة، ومنعه بعض سادة مشايخنا (8);
ولعله لعدم بناء تلك العبارة على استيفاء جميع مراتب الاضطرار، بل على
بيان أصولها غالبا، كما لا يخفى على من تأمل في تلك العبائر، سيما عبارة
الغنية (9) التي ادعى فيها الاجماع على هذا الحكم.
ويجب على المضطجع - مطلقا -: الاتيان بالركوع والسجود إن قدر
عليهما، وإلا أومأ لما يعجز عنه برأسه، وإلا فبعينيه كما سيأتي.
(وإن عجز) عن الاضطجاع مطلقا (استلقى) على ظهره،
بلا خلاف ظاهرا فتوى ورواية، ويستقبل القبلة بوجهه بحيث لو قعد كان

(1) رياض المسائل 3: 375.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 90.
(3) الرياض 3: 375.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
(5) دعائم الاسلام 1: 198، وتقدمت في الصفحة: 505.
(6) وهو قوله تعالى: (فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم).
(7) الوسائل 4: 689، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث الأول.
(8) لم نقف عليه.
(9) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
508

مستقبلا، وظاهر جماعة وجوب استقبالها بباطن قدميه، وفي كشف اللثام (1)
والرياض (2) دعوى الاجماع عليه، وفي رواية العيون المتقدمة: (فإن
لم يستطع جالسا صلى مستلقيا ناصبا رجليه بحيال القبلة) (3) فإن أريد من
(الرجلين): القدمان، لم يخالف فتوى الجماعة. وفي رواية الدعائم: (ورجلاه
مما يلي القبلة) (4).
ثم إنه إن قدر المضطجع والمستلقي على السجود، ولو بالانقلاب إلى
ما يصح السجود عليه أو وضع الجبهة عليه وإن لم يبلغ حد السجود،
تعين; لقاعدة الميسور، وظاهر روايتي الحلبي (5) وزرارة (6) المصححتين:
التخيير بينه وبين الايماء بالرأس مع كون الأول أحب وأفضل، وهما
منزلتان أو مؤولتان، وإلا فيؤميان - كسائر من تعذر عليه الركوع
والسجود - برأسهما مع الامكان، وحكي (7) دعوى الشهرة عليه، وعن
آخر (8) أنه مذهب الأصحاب; لحسنة الحلبي - بابن هاشم (9) - ولرواية

(1) كشف اللثام 1: 212.
(2) رياض المسائل 3: 377.
(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 68، الحديث 316، والوسائل 4: 693، الباب
الأول من أبواب القيام، الحديث 18، وتقدمت في الصفحة: 246.
(4) دعائم الاسلام 1: 198.
(5) الوسائل 4: 689، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 2.
(6) الوسائل 3: 606، الباب 15 من أبواب ما يسجد عليه، الحديث الأول.
(7) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 8: 79.
(8) لم نقف عليه.
(9) الوسائل 4: 689، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 2.
509

الكرخي (1) ومرسلة الصدوق (2) بل جميع إطلاقات الايماء (3); لأن المتبادر منه
أن يكون بالرأس، سيما ما دل منها على وجوب أخفضية الركوع، حيث إنها
لا [تتحقق في تغميض العين إلا مجازا، بل وجميع إطلاقات الايماء; حيث إن
المتبادر منه أن يكون بالرأس] (4)، بل لا يكاد يوجد في الروايات إطلاق
الايماء على تغميض العين.
وهذا كله يجب حمل ما ورد من التغميض (5) على صورة العجز عن
الايماء، كما يشهد... مورده... (6) المستلقي; حيث إنه [عاجز] (7) غالبا
عن تحريك الرأس أيضا، هو الوجه في الاقتصار على تغميض العين
للمستلقي في... (8) جماعة (9) على ما حكي، بل ظاهر عبارة

(1) الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 11.
(2) الفقيه 1: 362، الحديث 1038، والوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 16.
(3) الوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب القيام، الأحاديث 15 و 16 وغيرهما.
(4) من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره، والعبارة غير قابلة للقراءة في هذه
النسخة.
(5) الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 13.
(6) محل النقط كلمات لا تقرأ، في النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره: كما يشهد به
وروده في المستلقي; راجع الصفحة: 248.
(7) من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره، والكلمة لا تقرأ هنا.
(8) محل النقط كلمة لا تقرأ، راجع النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره في
الصفحة: 248.
(9) منهم الشيخ في المبسوط 1: 129، وابن حمزة في الوسيلة: 114، والعلامة في
القواعد 1: 268.
510

[الغنية (1)] (2) دعوى الاجماع على ذلك.
ومن هذا ظهر ضعف ما عن الحدائق من أن وظيفة المضطجع الايماء
بالرأس، فإن تعذر عليه لم ينتقل إلى بدل، ووظيفة المستلقي التغميض،
ولا يجتزئ بالايماء بالرأس (3)، جمودا على ظاهر الأخبار.
وهل يجب مع ذلك وضع شئ على الجبهة؟ الظاهر: نعم، وإن
لم يصدق معه اسم السجود أصلا; لرواية سماعة: " ويضع على جبهته شيئا على
إذا سجد فإنه يجزئه، ولن يكلفه الله ما لا طاقة له به) (1).
ونحوها مرسلة الصدوق: (ويضع على جبهته شيئا) (5)، والمحكي عن
قرب الإسناد: (يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه) (6).
لكن ظاهر هذه الأخبار - من حيث عدم التعرض للايماء -
كفاية الوضع (7) عن الايماء، والأقوى الجمع عملا بروايات

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 499.
(2) اقتباس من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره.
(3) الحدائق 8: 80.
(4) الوسائل 4: 690، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 5.
(5) الفقيه 1: 361، الحديث 1034، والوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 14 وفيهما: (لم يكلفه الله...).
(6) قرب الإسناد: 213، الحديث 834، والوسائل 4: 693، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 21.
(7) هذا آخر ما في الصفحة اليمنى من الورقة: (54)، وقد عثرنا على تتمة الكلام في
الصفحة اليسرى من الورقة: (128) من المخطوطة، وقد أورده ناسخ المطبوعة في
الصفحة: 158، وصرح بما يشعر عدم ارتباطه بما قبله، فراجع كتاب الصلاة (الطبعة
الحجرية): 158.
511

الأمرين (1)، مضافا إلى دلالة رواية سماعة (2) عليه، فإن قوله: (إذا سجد)
يعني إذا أومأ للسجود - كما لا يخفى - فيمسك ما يصح السجود عليه محاذيا
برأسه على وجه يحصل ملاقاته للجبهة إذا أومأ برأسه.
وربما احتمل في كشف اللثام (3) الجمع بينها بالتخيير بين الأمرين، وهو
ضعيف، بأن مقتضى الجمع الجمع، والتخيير طرح.
وأضعف من هذا: الاستشهاد له بروايتي الحلبي (4) وزرارة (5) الدالتين
على أن وضع الجبهة على الأرض ورفع سواك أو مروحة يسجد عليه أحب
وأفضل من الايماء بالرأس، ولا يخفى أن موردهما وضع الجبهة على الشئ
اعتماد وانحناء في الجملة (6)، والظاهر أنه لا خلاف فيه كما في المعتبر (7)
والمنتهى (8) وعن الذخيرة (9) في باب السجود، وأين هذا من وضع الشئ
على الجبهة؟! وقد عرفت (10) [أن الروايتين مؤولتان كما عن الحدائق (11)،

(1) انظر الوسائل 4: 689، الباب الأول من أبواب القيام.
(2) الوسائل 4: 690، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 5.
(3) كشف اللثام 1: 228.
(4) الوسائل 4: 689، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 2.
(5) الوسائل 3: 606، الباب 15 من أبواب ما يسجد عليه الحديث الأول.
(6) كذا في النسخة، والعبارة كما ترى.
(7) المعتبر 2: 208.
(8) المنتهى 1: 288.
(9) لم نقف عليه.
(10) في الصفحة: 509.
(11) الحدائق 8: 83.
512

أو منزلتان على الرخصة في الايماء وأفضلية تحمل المشقة في الانحناء في
الجملة إلى المسجد المرفوع] (1).
بقي هنا شئ، وهو أن أخبار وضع الشئ على الجبهة كلها في
الاضطجاع، فإن ثبت إجماع مركب، وإلا فلا نحكم بوجوبه للمستلقي، مع أن
المضطجع يحصل له بإيمائه نوع اعتماد على المسجد، بخلاف المستلقي (إلا أن
يستدل على وجوبه بقاعدة الميسور، فتعم المستلقي أيضا] (2).
ويجب جعل السجود أخفض إيماء من الركوع، بمعنى أن لا يؤمي
للركوع إلى أقصى ما يمكنه; لمرسلتي الصدوق (3) المنجبرتين بما ورد من
المعتبرة في صلاة النافلة ماشيا وعلى الراحلة (4)، مع اتحاد كيفية الايماء في
النافلة والفريضة; للأصل، مضافا إلى الأولوية وظهور الاجماع المركب،
وبما في الذكرى (5) من نسبته إلى الأصحاب.
وفي كشف اللثام (6) - في باب السجود - من نسبته إلى منطوق الأخبار
والفتاوى، وإن حكى فيه عن المقنعة (7) والصدوق (8): أن السابح يعكس الأمر

(1) ما بين المعقوفتين من (ط)، ولا يمكن قراءته في (ق).
(2) ما بين المعقوفتين من (ط)، ولا يمكن قراءته في (ق).
(3) الفقيه 1: 362، الحديث 1037 و 1038، والوسائل 4: 692، الباب الأول من
أبواب القيام، الحديث 15 و 16.
(4) انظر الوسائل 3: 241، الباب 15 من أبواب القبلة، الحديث 14 و 3: 244،
الباب 16 من أبواب القبلة، الحديث 4.
(5) الذكرى: 142.
(6) كشف اللثام 1: 228، وفيه: (ثم الأخبار والفتاوى ناطقة بأن...).
(7) المقنعة: 215.
(8) الفقيه 1: 468، ذيل الحديث: 1349، وفيه: وفي الماء والطين تكون الصلاة
بالايماء، والركوع أخفض من السجود.
513

ويجعل الركوع أخفض، ومجرد الايماء بالرأس من دون انحناء القامة ليس
جزءا من الانحناء الركوعي حتى يقال: بأنه يجب بقدر الامكان; فلا معنى
لوجوب نقصه ليحصل الفرق، كما أنه لا يجوز للقادر على أقل الركوع تقليل
الانحناء لتحصيل الفرق، مع أنه يمكن أن يقال - في القادر على الانحناء الغير
البالغ حد الركوع -: إنه يجب عليه التقليل في الركوع; لأنه لا يدرك الركوع
الحقيقي على كل حال; فيدور الأمر بين فوات أقرب الانحناءات إلى الركوع،
وبين فوات الفرق بين ركوعه وسجوده، ولا مرجح، لكن الانصاف: عدم
جواز التقليل حينئذ، والأصل في ذلك: أن الفرق بين الركوع والسجود ليس
أمرا تكليفيا حتى يحتمل أن يهمل لمراعاته شئ من واجب الركوع، وإنما هو
لازم قهري يتبع ما وجب في السجود من الانحناء الزائد على انحناء الركوع،
فالتكليف بالانحناء إلى حد الركوع أو إلى القريب منه ثابت على القادر عليه
مطلقا، فإن كان مكلفا في السجود بالانحناء الزائد على المقدار الواجب
للركوع حصل الفرق وإلا لم يحصل، ومن هنا استقرب في الذكرى (1)، بل
حكي عن جماعة (2) جواز الانحناء إلى أكمل الركوع وإن لم يقدر على أزيد
منه للسجود، فلم يهملوا مستحبا لمراعاة الفرق، وإن ضعفه في جامع
المقاصد (3)، لكنه ضعيف.
وأما الايماء بالرأس: فإن كان المستند في وجوبه منحصرا في كونه

(1) الذكرى 1: 181.
(2) جامع المقاصد 2: 206.
(3) جامع المقاصد 2: 206.
514

القدر المستطاع من الركوع والسجود كان حكمهما حكم الانحناء، لا يجوز
التقليل منه للركوع ليحصل الفرق، إلا أن يرد النص في ذلك، وإن كان
المستند فيه النص - كما هو الظاهر; نظرا إلى أن حركة الرأس ليس قدرا
مستطاعا من الركوع والسجود - فهو بدل شرعي للركوع والسجود، جعل
الشارع ما للسجود منه أخفض مما للركوع، كما في نفس الانحناء.
وإن تعذر الايماء برأسه للعجز عن تحريكه، (جعل (1) قيامه) للنية
والتكبير والقراءة والركوع (فتح عينيه) معا، (وركوعه تغميضهما،
ورفعه) عنه (فتحهما، وسجوده للأول (2) تغميضهما، ورفعه) منه
(فتحهما، وسجوده ثانيا تغميضهما، ورفعه فتحهما) كما في رواية محمد بن
إبراهيم (3) المنجبرة بالعمل، ولا يقدح اختصاصه بصورة الاستلقاء لعدم القول
بالفصل - على الظاهر - إلا من صاحب الحدائق (4)، على ما حكي (5).
وهل يجب جعل السجود هنا أخفض من الركوع، بأن
لا يبالغ في تغميض الركوع كما في الروض (6) وجامع المقاصد (7)

(1) في الإرشاد: ويجعل.
(2) في الإرشاد: وسجوده الأول.
(3) الكافي 3: 411، الحديث 12، والوسائل 4: 692، الباب الأول من أبواب القيام،
ذيل الحديث 13.
(4) انظر الحدائق 8: 80.
(5) حكاه في الجواهر 9: 268.
(6) لم نقف عليه في الروض وفيه: (وجعل الايماء للسجود أزيد)، نعم هو موجود في
الروضة 1: 587.
(7) جامع المقاصد 2: 210.
515

وعن جماعة (1)؟ فيه نظر:
من خلو الرواية (2) المتضمنة للتغميض عنه مع اقتضاء المقام للبيان، بل
ظهورها في عدمه.
ومن عموم إحدى المرسلتين المتقدمتين (3)، إلا أن يحمل إطلاق الايماء
فيهما على الايماء بالرأس سيما مع ذكر الأخفضية فيه الغير المتحققة في
التغميض إلا مجازا، فتصير كالأخرى، مضافا إلى خلوها في المقام عن
الجابر، وفي كشف الغطاء; أنه إذا تعذر عليه الايماء بالعينين أومأ بواحدة،
وإذا تعذر ذلك عليه أيضا فبأعضائه الأخر (6); ولعله لمطلقات الايماء، فيجب
امتثالها مع العجز عن فعله بالرأس والعين، لكنه محل نظر.
وهل يجب مع الايماء بالعين وضع الشئ على الجبهة؟ فيه نظر; لأن
ظاهر الأخبار المتقدمة (5) - المتضمنة للوضع بحكم التبادر - منصرف إلى
المضطجع القادر على حركة الرأس، إلا أن يثبت عدم القول بالفصل.
واعلم أن الظاهر من الاطلاق: كفاية مسمى تحريك الرأس في إيماء
الركوع ووجوب الزيادة عليه للسجود، فحينئذ يكون أول مراتب حركة
الرأس مختصا بالركوع، وآخر مراتبها الممكنة للمريض مختصا بالسجود،
والوسائط مشتركة بينهما.

(1) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 114، وابن سعيد الحلي في الجامع: 79، وابن فهد
الحلي في الموجز (الرسائل العسر): 75. وغيرهم.
(2) المتقدمة آنفا.
(3) انظر الصفحة: 513، والهامش (3) هناك.
(4) كشف الغطاء: 241.
(5) تقدمت في الصفحة: 510.
516

وهل يجب أن يقصد بهذه الأبدال كونها تلك الأفعال؟ ظاهر جماعة (1)
نعم; لأصالة الاشتغال، ولأنه لا يعد التغميض مثلا ركوعا والفتح قياما
إلا بالنية، إذ لا ينفك المكلف عنهما غالبا فلا يصيران بدلا إلا بالقصد، ولأن
هذه الأمور كما لا يخل نقصانها وزيادتها في الصلاة الصحيحة، كذا لا يخل
بالناقصة استصحابا لحكمها، ولا شك أن ما هو بدل عن الركوع والسجود
يخل نقصانه وزيادته قضية للبدلية، فلا بد أن يكون ما هو ركن مغاير
لما ليس بركن، وليست المغايرة إلا بالنية، ولأن مفهوم الايماء لا يتحقق
ظاهرا إلا بالنية فكأنها منصوص عليها في أدلة الايماء.
وفي الكل نظر; لورود إطلاقات الأدلة على أصالة الاشتغال، وعدم
اشتراط القصد في البدلية، كما في الركوع جالسا; لصيرورتها أفعالا في تلك
الحالة، فيكفي في نيتها نية أصل الصلاة كالأفعال الأصلية.
والفرق - بأن الأفعال الأصلية متعينة متميزة ليست عادية فلا تفتقر
إلى نيات تخصها، بخلاف هذه فإنها مشتركة بين العادة والعبادة; فلا بد من
النية لتعين العبادة - مردود: بأن صيرورة الأفعال الأصلية عبادات إنما هي
لأجل قصد التعبد بها في الصلاة المنوية عبادة، وإلا فهي في حد ذاتها
حركات عادية للمكلف كأبدالها وإن كانت الأبدال في حد ذاتها أغلب
صدورا من المكلف، فإذا قصد التعبد بتلك الأبدال في ضمن نية الصلاة
خرجت من العادة إلى العبادة (2).

(1) منهم العلامة قدس سره في القواعد 1: 313، والشهيد في البيان: 150،، والفاضل في
كشف اللثام 1: 212، وغيرهم.
(2) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة: (128)، وما يليه هو أول الصفحة
اليسرى من الورقة: (55).
517

وأما بطلان الصلاة بزيادتها، فهو ممنوع مع النسيان; لعدم ما يدل على
عموم البدلية، رأس سلم; نظرا إلى ما يستفاد منه البدلية من الأخبار،
فلا نسلم كونه مقيدا بصورة قصد الركوع والسجود كما حكاه في الروضة، بل
يكفي فعله بعنوان، أنه من الصلاة وإن لم يستحضر الركوع.
ومع التسليم فلا يدل على وجوب قصدهما في أصل الصلاة لأن نيتها
يكفي في جعل الايماء ركوعا أو سجودا.
أما الزائد على الواجب فلما لم يصدق زيادة الركن إلا مع القصد
لم يحكم بالبطلان إلا معه، فلو قصد كونه من أفعال الصلاة ولم يقصد كونه
ركوعا لها لم تبطل زيادته إلا متعمدا; لأن الشارع إنما جعله ركوعا في محله،
فصيرورته إباها في غير محله يحتاج إلى قصد الركوعية.
ومن هنا ظهر ما في كلام الفاضل الهندي من أن الخلاف في اعتبار
القصد في الابطال بالزيادة مبني على الخلاف في اعتباره في البدلية.
وحاصل، أحكام صور زيادة هذه الأمور: أن المصلي إن أتى بشئ
منها زائدا على ما وجب عليه سواء كان في محله أو في غيره، فإن كان
لاقتضاء العادة له - كما يتفق كثيرا في حركة الرأس وتغميض العين -
فلا إشكال في عدم البطلان.
ولو أتى به بقصد أنه من أفعال الصلاة، فإن قصد به خصوص الركوع
أو السجود لحقه حكم زيادة المنوي، كما لو أتى بتحريك الرأس دون منتهى
الامكان فإنه يمكن جعله للركوع والسجود، وإن نوى به فعلا من أفعال
الصلاة غير مستحضر لخصوص أحدهما فالأقوى عدم البطلان في غير
518

صورة التعمد; لعدم صدق زيادة الركن مع عدم قصد خصوص الركوع.
ولو أتى بمنتهى ما يمكنه من حركة الرأس وغمض العين، انصرف إلى
السجود إن لم يستحضر خصوص المبدل أو قصد زيادة مجموعه.
وإن قصد به الركوع من حيث تحققه في ضمنه; لاشتماله على الايماء
الركوعي مع زيادة، فالوجه البطلان أيضا.
وأما دعوى أخذ النية في مفهوم الايماء: فلو سلم فإنما هو في تحقق
معناه المصدري، ولا ريب أن القدر المطلوب في أفعال الصلاة المشتملة على
معان لا تتحقق إلا بالقصد والالتفات كالتشهد والتسليم والقنوت، ليس
إلا أشباح تلك الأفعال دون إنشاء مفاهيمها - ولذا اعترض المتأخرون على
الشهيد في الدروس حيث قال: إنه يجب في التشهد قصد لفظه ومعناه - (1)
والايماء من هذا القبيل، فإن الواجب منه حركة الرأس.
ثم إنه لو لم يقدر المريض على الاستلقاء صلى كيف ما قدر، فالنائم
على وجهه ينام عكس المستلقي، ليكون وجهه إلى القبلة إذا رفع رأسه; لأنه
الظاهر من توجيه مثله نحو القبلة، ويؤمي برأسه، ثم بعينيه، ثم بواحدة، ثم
يخطر الأفعال بالبال، ويذكر الأقوال إن قدر، وإلا اكتفى بإخطارها; كل
ذلك لما علم من الأدلة الثلاثة من عدم سقوط الميسور بالمعسور، وأنه
يصلي كيف ما قدر (2) فإن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (3).
لكن إثبات وجوب المرتبة الأخيرة بغير الاجماع - لو ثبت - مشكل.

(1) الدروس 1: 182.
(2) انظر الوسائل 4: 691، الباب الأول من أبواب القيام، الحديث 10.
(3) اقتباس من سورة النساء: 103.
519

واعلم، أن قول المصنف قدس سره: (وكذا (1)) باقي (الركعات)
لم يظهر لذكره وجه; إذ لا إشعار في عبارته السابقة باختصاص البحث
بالركعة الأولى.
(ولو تجدد عجز القائم) بأقسامه (قعد) في أي فعل كان، فإن
كان قبل القراءة أو فيها قعد قارئا عند المصنف قدس سره (2) وعند الأكثر، كما في
الروض (3)، بل في الذكرى (4) - كما عن الروض (5) - نسبته إلى الأصحاب، لكن
عن الدروس نسبته إلى القيل (6)، لا لأن الانتقال والهوي واجب فلا يشترط
الاستقرار; إذ لا منافاة بين وجوب الهوي واعتبار الاستقرار والطمأنينة في
القراءة، كما لو وجب المشي في أثناء القراءة لعارض فإنه يجب السكوت.
ولا لأن كلا من الانحناءات المتدرجة إلى القعود مرتبة خاصة وهيئة
على حدة داخلة في أفعال الصلاة بحسب الاتيان فيها بما يسعها من أجزاء
القراءة، والاستقرار إنما يعتبر في الهيئة الواحدة المستمرة من هيئات الصلاة;
لامكان منع كون هذا الهوي من أفعال الصلاة وهيآتها الأصلية، بل مقدمة
للانتقال إلى فعل أصلي وهو الجلوس، والاستقرار معتبر في أصل الصلاة في
هيئاتها الأربع، أعني القيام والقعود والركوع والسجود.
بل لعدم الدليل على اعتبار الاستقرار في المقام من إجماع أو غيره مع

(1) في الإرشاد: وهكذا في.
(2) قواعد الأحكام 1: 269.
(3) الروض: 252.
(4) الذكرى: 182.
(5) الروض: 252.
(6) الدروس 1: 169.
520

وجوب مراعاة الحالة العليا بقدر الامكان; لعموم أدلة القيام ولو مع الانحناء
التام، فإن حال الهوي أعلى من حالة القعود، فيجب تقديمها وإن فات
الاستقرار (1) كما تقدم في ما لو دار الأمر بين القيام مضطرا والقعود مطمئنا،
واستشكل ذلك في كشف اللثام (2) تبعا للشهيد في الذكرى (3) بأن الاستقرار
شرط مع القدرة ولم يحصل، واختار المحقق الثاني (4) وصاحب المدارك (5)
كما عن الأردبيلي (6) ترجيح القعودة لأن الطمأنينة أقرب إلى هيئة الصلاة،
وهو ضعيف بما عرفت من أولوية القيام على الاستقرار المقابل للحركة، وإن
لم نجزم فيما تقدم (7) بأولوية القيام على الاستقرار المقابل للمشي، فظهر ضعف
ما في الكشف من أن القراءة في حال الهوي كترجيح المشي على القعود،
كضعف ما في الذكرى من تقوية وجه الاشكال برواية السكوني الدالة على
وجوب الكف عن المشي حين القراءة في الصلاة (8) من أولوية القيام على

(1) هذا آخر ما في الصفحة اليمنى من الورقة: (56)، وما يليه هو أول الصفحة اليسرى
من الورقة: (56) وكلمة (الاستقرار) قد كتب في آخر الصفحة اليمنى من الورقة:
(56) كتابع، ولكن مرتب الأوراق شطب عليها وكتب بدلها عبارة: (كما تقدم) ليربط
الكلام بما في أول الصفحة اليسرى من الورقة: (56).
(2) كشف اللثام 1: 212.
(3) الذكرى: 182.
(4) جامع المقاصد 2: 214.
(5) المدارك 3: 334.
(6) مجمع الفائدة 2: 192.
(7) راجع الصفحة: 498.
(8) الوسائل 4: 775، الباب 34 من أبواب القراءة.
521

الاستقرار المقابل للحركة، مضافا إلى أن الاخلال بالاستقرار هنا إنما هو
بالهوي الذي لا يعد هيئة خارجة عن الصلاة في نظر المتشرعة، نعم لو دار
الأمر بين القعود وبين الهوي ثم النهوض مكررا بحيث يختل هيئة الصلاة،
لم يبعد ترجيح القعود عليه; لما تقدم في تعارض القعود مع المشي. ولو سلمنا
عدم الترجيح، فلنرجع إلى التخيير.
وكيف كان، فلا ريب في جواز القراءة، وعليه: فهل يجب الاشتغال
بالقراءة حال الهوي بحيث لو تركها بطلت صلاته مع الإثم، أو أثم من غير
بطلان، أو لا يجب الاشتغال، بل يجوز السكوت في تلك الحال على وجه
لا يخل بموالاة القراءة، وجوه:
من أن القراءة في الهوي جزء من صلاة هذا المكلف وقد تركها عمدا
فيبطل.
ومن أن ترك هذا الجزء لا يوجب البطلان إلا إذا لم يتمكن من بدله
وهو القراءة حال القعود، فكأنه عدل عن فرد من الصلاة إلى فرد آخر،
ويعاقب على ترك الفرد الأقرب إلى الفرد الاختياري، كما لو ترك الفرد
الاختياري حتى عجز عنه وانحصر أمره في الاضطراري.
ومن أنه لا دليل على وجوب المبادرة إلى الفرد الأقرب، بل له
- بمقتضى إطلاق الأدلة - ترك التعجيل، وإن دخل به تحت عنوان المضطر،
بل له ذلك قبل الصلاة أيضا، كما لو علم بأنه لو أخر الصلاة عن أول وقتها
تعذر عليه القيام، فإن مقتضى أدله التوسعة: جواز التأخير.
ولو اتفق إتمام القراءة في الهوي: فإن أمكنه الركوع القيامي عن ذلك
الهوى وجب، وإلا فيجلس للركوع.
ولو طرأ العجز بعد الفراغ عن القراءة: فإن قدر على تحصيل أقل
522

الركوع بأقل الذكر في حال هويه إلى القعود - بأن يشرع فيه أول ما يبلغ حد
الركوع ويتمه هاويا - وجب، وإن لم يتمكن من الذكر فالظاهر وجوب بقائه
منحنيا إلى القعود ليأتي بالذكر في انحنائه قاعدا مطمئنا.
وإن لا يتمكن من ذلك: فيحتمل سقوط الذكر تقديما للركوع القيامي
عليه، ويحتمل سقوط القيام فيركع جالسا.
وإن لم يتمكن من أقل الركوع وجب الركوع جالسا.
ولو طرأ في أثناء الركوع: فإن كان قبل الذكر أتى به هاويا قبل أن
ينزل عن حد الركوع، وإلا قعد منحنيا، وإن تعذر البقاء على الانحناء:
سقط الذكر والطمأنينة، وكذا إن كان في أثنائه.
وإن كان بعده: قعد مطمئنا بدل القيام عن الركوع، والظاهر وجوب
رفع رأسه عن الركوع بقدر الامكان وإن لم يبلغ حد الانتصاب فيسجد عنه
من غير تخلل قعود.
وكذا الكلام فيما إذا طرأ العجز للقاعد فاضطجع، أو للمضطجع
فاستلقى.
(ولو تجددت قدرة العاجز) عن القيام (قام) للقراءة ساكتا عنها
بانيا على ما مضى منها من غير استئناف حتى على وجه الاستحباب; لعدم
الدليل، مع استلزام زيادة الواجب.
ولو كان في أثناء كلمة: فالوجه إتمامها هاويا أو قاعدا - على الخلاف
في ترجيح الاستقرار على القيام - لشروعه فيها على الوجه الصحيح فيجب
إتمامها; لعموم (لا تبطلوا) (1) ويغتفر عدم القيام للعذر الشرعي.

(1) سورة محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 33.
523

ويحتمل وجوب السكوت; لأن تجدد القدرة في أثنائها كاشف عن
عدم الأمر بها حين الشروع، فالأولى الاتيان بها ثم إعادتها.
ويقوم للركوع إن فرغ من القراءة، وفي وجوب الطمأنينة في هذا
القيام قول ضعيف الوجه.
ولو قدر على القيام في أثناء الركوع: فإن كان قبل الذكر قام منحنيا
ليذكر مطمئنا، وكذا إن كان قبل تمامها، ولو كان في أثناء الكلمة فالوجهان.
وإن كان بعده قبل الطمأنينة في الرفع: قام منتصبا مطمئنا، وإن كان
بعدها: ففي وجوب القيام للسجود قولان، أقواهما: العدم; لأن القيام
للسجود ليس من الأفعال الأصلية كما سيجئ (1).

(1) هذا آخر الصفحة اليمنى من الورقة: (57) من المخطوطة، ولم نجد بعده شرح
ما ورد في كتاب الإرشاد من قوله: (ولو تمكن من القيام للركوع خاصة وجب).
524

[الثاني: النية]
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
الواجب (الثاني: النية، وهي (2)) لغة العزم، وعند الفقهاء - كما يظهر
من جماعة (3) -: القصد المقارن، حتى إنه صرح في الإيضاح (4) وجامع المقاصد
- في شرح قول العلامة: (ولو نوى في الأولى الخروج في الثانية) (5) -: أن
استعمال النية هنا مجاز، فإن أرادوا ثبوت الحقيقة الشرعية أو المتشرعية
فلا يخفى عدمه، وإن أرادوا الحقيقة الاصطلاحية فله وجه، وإن لم يثبت أيضا.

(1) هذا هو أول الصفحة اليسرى من الورقة: (57) من النسخة المخطوطة.
(2) في الإرشاد: وهي ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا.
(3) انظر روض الجنان: 254 وغيره.
(4) إيضاح الفوائد 1: 101.
(5) جامع المقاصد 2: 223.
525

وكيف كان، فلا كلام في توقف الصلاة على النية، والأصل في ذلك:
عدم تحقق مفهوم العبادة بدونها، وقد استدل له أيضا بالآيات والأخبار،
ولا يخلو عن تأمل.
إنما الكلام في شرطيتها وجزئيتها، فقد طول غير واحد البحث في
ذلك، وطواه آخرون لقلة فائدته، ولم نقف في أدلة الطرفين على شئ يعتمد
عليه، إلا أن المستفاد من الاطلاقات العرفية والشرعية: كون النية في الصلاة
- كغيرها من الأعمال - خارجة عن مفهومها، فالأقوى أنها شرط، كما صرح
به في المعتبر (1) والمنتهى (2) والروض (3) وغيرها (4)، وعليه فلا يعتبر فيه
ما يعتبر في الصلاة من القيام والاستقبال وغيرهما إلا من حيث اعتبار
مقارنتها لتكبير الاحرام، إن استلزم فقدها عدم المقارنة.
نعم، ربما استظهر من استدلال القائلين بجزئيتها - بأنه يعتبر فيها
ما يعتبر في الصلاة -: كون ذلك مسلما ومتفقا عليه، وهو استظهار ضعيف;
لاحتمال كون الصغرى مثبتة لا مسلمة، وفي الروض (5) عن المصنف قدس سره:
أن الأقوى وجوب القيام في النية، وفي البيان: أنه الأقرب (6)، وهذا يؤذن
بعدم الاتفاق، نعم يظهر من جامع المقاصد (7) في أول بحث القيام: دعوى

(1) المعتبر 2: 149.
(2) المنتهى 1: 266.
(3) انظر روض الجنان: 254.
(4) انظر المدارك 3: 308، وكشف الرموز 1: 150.
(5) روض الجنان: 256 وحكاه فيه عن النهاية ولكن لم نقف عليه فيه.
(6) البيان: 150.
(7) جامع المقاصد 2: 200.
526

الاتفاق على وجوب القيام في النية.
وكيف كان، (فيجب أن يقصد فيها تعيين الصلاة) مع تعددها; إما
بسبب تعدد التكليف بالصلوات المختلفة نوعا كالظهر والعصر، لا شخصا
لتنحل التكاليف المستقلة فيها إلى الأمر بتكرار الفعل الواحد مرات.
وجملة الكلام: أن الفعل المأمور به إما أن لا يشترك معه - في تمام
الأجزاء أو في بعضها - مأمور به آخر، وإما أن يشترك.
فعلى الأول: لا ينفك قصد الامتثال عن قصد التعيين.
وعلى الثاني: فإما أن الاشتراك في تمام الصورة كالظهر والعصر
والزكاة والخمس، وإما أن يكون في بعضها، فإن كان في الكل، فإن اختلفا
من حيث الحقيقة في نظر الشارع، بأن علم ذلك من حاله ولو من جهة
اختلاف أحكامها، مثل ترتب العصر على الظهر والعدول عنه إليه وهكذا،
فلا بد من التعيين.
وإن علم اتحادهما من حيث الحقيقة، فيرجع الأمر بهما إلى الأمر
بتكرار تلك الصورة الواحدة كما إذا وجب صلاتان متحدتان لأجل نذرين..
وكذا إن كان الاشتراك في بعض الصورة سواء كان الأمر بالمتعدد في هذا
القسم تخييريا أو تعيينيا.
وإما بسبب التخيير في التكليف الواحد بين أمرين أو أمور مختلفة
نوعا، كالظهر والجمعة; بناء على التخيير، لا شخصا ليرجع التخيير إلى تعيين
الطبيعة المشتركة بينهما من غير ملاحظة الخصوصية.
والمعروف أن القصر والاتمام من قبيل متحد الحقيقة فلا يعتبر قصد
أحدهما في مقام التخيير ولهذا لا يتعين أحدهما بالنية، وهو حسن لو كان
عدم التعيين بالنية مفروغا عنه، مع احتمال أن يكون ذلك حكما شرعيا
527

لا من جهة اتحاد الحقيقة في نظر الشارع; ولذا قال في البيان في صلاة
المسافر: الأقرب اشتراط نية القصر أو الاتمام وأنه لا يخرج بها عن
التخيير (1).
ولعله لذا استقرب في الدروس (2) والبيان (3) وجوب التعيين، وتبعه
المحقق الثاني في جامع المقاصد; معللا باختلاف أحكامهما في نظر الشارع
مثل حكم الشك في ركعاتهما مثلا، فيكشف عن اختلاف حقيقتهما (4)، وفيه
تأمل; لأن الحكم ربما يلحق الفرد بعد التعيين، ولا يلزم تخلف أثر السبب
التام كما ذكره هناك، فالتمسك باحتمال اختلاف الحقيقة أنسب.
(و) لو توقف التعيين على قصد (الوجه) الواقعة عليه - من
وجوب وندب - وجب، وقيل (5): يجب قصد الوجه مطلقا على جهة
التوصيف أو التعليل أو أحدهما أو كليهما على اختلاف بينهم في ذلك.
وحكي عن ظاهر التذكرة (6) الاتفاق عليه وعلى وجوب قصد الأداء
والقضاء، ولم نتحقق له دليلا عدا هذا الاتفاق الموهون بحكاية خلافه عن
جماعة (7). وما استدل به من وجوب إتيان المأمور به على وجهه، وهو فرع
ملاحظة الوجه.

(1) البيان: 265.
(2) الدروس 1: 166.
(3) راجع البيان: 153.
(4) جامع المقاصد 2: 231.
(5) انظر مفتاح الكرامة 2: 321، والجواهر 9: 160.
(6) انظر التذكرة 3: 101.
(7) غاية المراد: 7 - 8، ومجمع الفائدة 1: 98، والجواهر 2: 81 و 9: 161.
528

وفيه: منع توقفه على ملاحظة الوجوه التي يحدث له بعد تحقيق
الطلب، عدا كونه مطلوبا متقربا به.
ومنه يظهر أنه لا يبعد صحة العبادة وإن نوى خلاف وجهه إذا
لم يقدح في التعيين وكان الداعي على العمل كونه متصفا بالمطلوبية المطلقة،
(و) قصد (التقرب) بها إلى الله من هذه الجهة.
(و) كذا لا يجب قصد (الأداء والقضاء) إلا مع توقف التعيين عليه،
خلافا للمصنف قدس سره (1) وجماعة (2)، ويحتمل حمل كلامهم كلا أو بعضا على
صورة توقف التعيين، فيكون المراد من التعيين المذكور مقابلا لهما: تعيين
ذات الفعل مثل كونه ظهرا أو عصرا، لا تعيينه مطلقا حتى من الجهات
العارضة له بعد التكليف، مثل الوجوب والندب والأداء والقضاء; وقد يقال:
إن التعيين شرعا لا يوجب التعيين قصدا لجواز مخالفة وجه التعيين تشريعا
أو اشتباها، ومعه لا يحصل الامتثال.
وفيه: إن التشريع يخرج بقصد القربة، وفي الاشتباه يلتزم الصحة إذا
قصد امتثال المعين الواقعي، إلا أنه وجهه بخلاف وجهه اشتباها.
ومما ذكر يظهر وجه الصحة، إذا نوى الأداء لتوهم بقاء الوقت
فانكشف خروجه أو عكس الأمر أو لم ينو أحدهما للشك في بقاء الوقت،
وإن قيل بجواز نية الأداء هنا للاستصحاب، لكنه لا يخلو عن إشكال، إذا
اعتبر الاستصحاب من حيث التعبد الشرعي; إذ مع صفة الشك في بقاء

(1) هنا، وفي التحرير 1: 37، والمنتهى 1: 266 والتذكرة 3: 101.
(2) منهم: المحقق في المعتبر 2: 149، والشهيد في الذكرى: 176، والمحقق الثاني في
جامع المقاصد 2: 218.
529

الوقت لا يتأتى حقيقة القصد إلى كون الفعل واقعا في الوقت والاستصحاب
- الموجب لجعل زمان الشك في حكم الوقت - لا يفيد إلا ترتب الأحكام
الشرعية الثابتة مع بقاء الوقت، والأدائية بمعنى كون الفعل واقعا في وقته
ليس حكما شرعيا، فالقصد إليه مع عدم الظن به غير معقول.
(و)، لما كانت النية - عند المشهور - عبارة عن القصد المخطر بالبال
- كما تقدم في الوضوء - وجب في نية الصلاة (إيقاعها عند أول جزء من
التكبير); لتوقف المقارنة على ذلك، نسبه في المنتهى إلى علمائنا (1)، فلو قصد
إلى إيقاع الصلاة المعينة قبل ذلك وافتتح مع عزوب الصورة لم تصح، وعلى
القول بكون النية أعم من التفصيلي المخطر ومن المركوز في النفس الباعث
على الفعل وإن لم يلتفت إليه تفصيلا - كما عليه جماعة من محققي متأخري
المتأخرين، ويعبرون عنه بالداعي -، فلا حاجة إلى مقارنة القصد المخطر
لأول التكبير، وهذا هو الظاهر من النية في العرف والشرع; فإن من الظاهر،
بل المقطوع أن أمر النية - من حيث الماهية والحكم في الصلاة وغيرها من
العبادات الواجبة والمستحبة - على نهج واحد، والمعلوم من الشرع وسيرة
أهله عدم الالتزام بما ذكروه في الصلاة فيما عداها، بل يكتفون فيها بما لا بد
منه عقلا في تحقق مطلق الفعل الاختياري عبادة كانت أو معاملة، من تصور
الفعل والغاية الداعية إليه، ثم القصد إليه مقارنا له، أو لما هو مشتمل عليه
مرتبط به، فإن نية الإقامة يتحقق بأن يقصد في أول الأذان الاتيان به مع
الإقامة، وإن كان حين الشروع في الإقامة قد عزبت عنه الصورة المذكورة
مع بقاء القصد الاجمالي.

(1) المنتهى 1: 267.
530

نعم، لا يكفي القصد التفصيلي المذكور إذا تخلل بينه وبين متعلقه فعل
آخر غير مرتبط به بحيث يجمعهما عادة قصد واحد، فإن ذلك يسمى عزما
لا يغني عن القصد المذكور; فإن من تصور الصلاة وغايتها فعزم على الاتيان
بعد الرجوع عن السوق أو بعد النوم، فلا يكفي هذا المقدار في تحقق القصد
المزبور، بخلاف ما لو تصورها وعزم على الاتيان بها مشتملة على الأذان
والإقامة فاشتغل بالأذان والإقامة وافتتح الصلاة، فإن التصور الأول
المقارن للأذان كاف وإن حصل العزوب حين الافتتاح، والمعتبر في العمل
ليس خصوص ذلك القصد المقارن الذي يتعسر، بل يتعذر استمرارها فعلا.
(و) لذلك (يجب) الالتجاء إلى اعتبار (استمرارها حكما إلى
الفراغ) بمعنى عدم إحداث ما يخالفها من التردد أو نية الخلاف، بل أعم منه
ومما يستمر إلى آخر العمل من الحالة الحاصلة عقيب ذلك القصد، المستمرة
إلى آخر العمل فعلا.
اللهم إلا أن يقال؟ إن النية حقيقة هي القصد التفصيلي دون الحاصلة
منه الباقية في النفس التي لا بد في صدور الفعل الاختياري من مصاحبته لها،
والفعل الاختياري لا بد من أن يكون عن نية، لا أن يكون بجميع أجزائه
مصاحبا لها، واتصاف أجزاء الفعل بكونها منوية باعتبار تعلق النية بها في
ابتداء الفعل، لا باعتبار مصاحبتها لنية وتسمية تلك الحالة نية، مخالفة
لمفهومها المصدري.
ولما انعقد إجماع المسلمين على اعتبار النية في الصلاة تعين مقارنة
القصد التفصيلي لأول جزء من واجباتها، ولم يكتف بالحالة الحاصلة عقيب
القصد التفصيلي المتعلق المتصل بالمجموع المركب منها ومن بعض ما يرتبط
بها كالأذان والإقامة أو هما مع الوضوء مثلا.
531

ويؤيد ذلك: ما ورد من أن الحكمة في رفع اليدين عند التكبير،
إحضار النية، وإقبال القلب على ما قال وقصد (1).
وما رواه الشيخ - في زيادات الصلاة من التهذيب - عن حماد عن
حريز عن زرارة، قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض في الصلاة؟
فقال: الوقت والطهور والقبلة والتوجه والركوع والسجود والدعاء. قلت:
وما سوى ذلك؟ قال: سنة في فريضة) (2) بناء على أن المراد بالتوجه هي
النية; إذ لا ريب أن مطلق التوجه الذي يحصل منه تلك الحالة الباعثة أمر
لا بد منه عقلا في صدور الفعل عن قصد واختيار، فلا حاجة إلى بيانه بل
لا معنى لجعل الشارع إياه من فروض الصلاة، فليس المراد إلا التوجه
المقارن وهو المقصود، لكن يحتمل قريبا أن يكون المراد من التوجه: التوجه
بالتكبير في افتتاح الصلاة.
ثم إنه ربما يستظهر أن مراد القائلين بالأخطار والاستحضار:
اعتبارهما حيث يكون المكلف خاليا عن التصور السابق التي تكون الإرادة
منبعثة عنه، وهو صلح من غير تراضي الخصمين; لأن صريح كلامهم: عدم
الاكتفاء بالتصور السابق ولو يسيرا، بل نسبوا الاكتفاء بالسابق يسيرا إلى
بعض العامة.
ثم اعلم، أن استمرار النية حكما أو فعلا على القولين في مجموع
العمل - بمعنى وجوب وقوع كل جزء منه بالداعي الذي وقع بدعوته الجزء

(1) الوسائل 4: 727، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 11.
(2) التهذيب 2: 241، الحديث 955، والوسائل 3: 80، الباب الأول من أبواب
المواقيت، الحديث 8، و 3: 214، الباب الأول من أبواب القبلة، الحديث الأول.
532

الأول - مما لا ريب فيه ولا خلاف فيه، كما صرح به جماعة (1)، بل في
الايضاح أن استمرار النية حكما واجب بإجماع المسلمين (2).
والمراد به هذا المعنى الذي يدل على وجوبه جميع ما يدل على وجوب
أصل النية، دون استمرارها بمعنى أن لا يحدث في آن من آنات الصلاة
- ولو خلا عن الاشتغال بجزء - ما ينافيها من التردد أو العزم على الخلاف،
فاختار المصنف هنا - تبعا للشيخ في الخلاف (3) - اشتراطه،
وفرع عليه
ما ذكره في قوله: (فلو نوى الخروج) من الصلاة في الحال أو ثانيه بطلت،
وهو ظاهر جماعة ممن تأخر عنه (4)، ملحقين بنية الخروج: التردد فيه ونية
فعل المنافي وإن لم يفعله; بناء على رجوعه إلى نية القطع.
وحاصل هذا القول أن كل ما يقدح في ابتداء النية يقدح في
استدامتها; لأنه إذا زالت النية الأولى بأحد تلك الأمور، فإن اكتفى بها في
بقية الأجزاء وقعت بلا نية، وإن جددها لها لم تكن مطابقا لمراد الشارع;
لأن شرط النية مقارنتها لأول العمل، ولأنه بعد رفع اليد عن الأجزاء
السابقة بنية الخروج لا تبقى قابلة للعود إليها وانضمام الباقي، ولأن استمرار

(1) منهم: المحقق في المعتبر 2: 150، والعلامة في التذكرة 3: 108، والسيد في
المدارك 3: 314.
(2) إيضاح الفوائد 1: 104.
(3) الخلاف 1: 308، كتاب الصلاة، ذيل المسألة: 55.
(4) منهم الشهيد في الذكرى: 178 والمسالك 1: 197، وروض الجنان: 257،
والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 222، والفخر في الإيضاح 1: 102 و 104.
وابن فهد في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 73، والمحقق القمي في الغنائم: 176،
وانظر مفتاح الكرامة 2: 328، والجواهر 9: 178.
533

حكم النية شرط إجماعا وقد زال، ولأن بنية الخروج حالا يتحقق الخروج
عرفا عن الصلاة; لأن المراد من نية الخروج في الحال إنشاؤه لا مجرد قصده
لأن هذا نية الخروج في الزمان الثاني.
وفي الكل نظر; لمنع مخالفة تجديد النية لمراد الشارع; إذ المقارنة بينها
وبين أول المنوي حاصلة، ومنع خروج الأجزاء السابقة عن قابلية العود
وانضمام الباقي إليها، وشرطية الاستمرار بالمعنى الأول مسلمة، لكن المفروض
عدم وقوع جزء من الصلاة بغير نية، وكون الآنات المتخللة بين أجزاء
الصلاة من الأجزاء ممنوع، كما لا يخفى على من لاحظ تحديد أفعال الصلاة في
كلام الشارع والمتشرعة، ولو سلم فوجوب النية في تلك الأجزاء ممنوع;
إذ لا تجب إلا للعمل وأجزائه العملية.
وأما شرطية الاستمرار بالمعنى الثاني: فهو عين المتنازع بين الفقهاء،
نعم ربما يوهم هذا قوله عليه السلام: (لا عمل إلا بنية) (1); حيت إنه - كنظائره
من قوله: (لا صلاة إلا بطهور) (2)، و (لا صلاة [إلا] إلى القبلة) (3)
و (لا صلاة للمرأة إلا بخمار) (4) - دال على وجوب التلبس بالنية الأولى في
جميع آنات الصلاة، وإن لم يشتغل بجزء كإخوته من الطهارة والستر
والاستقبال، ومرده أنه لو سلم المدعى في النظائر فالخبر مخالف لها; لوضوح
أن النية في الابتداء إنما يتعلق بمجموع الفعل، وفي غيره من الآنات إنما يتعلق

(1) الوسائل 4: 711، الباب الأول من أبواب النية، الحديث الأول.
(2) الوسائل 1: 256، الأول من أبواب الوضوء، الحديث الأول.
(3) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 2.
(4) الوسائل 3: 294، الباب 28 من أبواب لباس المصلي، الحديث 4، والحديث منقول
بالمعنى.
534

بما بقي من الأجزاء فليس على حد إخوته المذكورة، فالمعنى وجوب تلبس
العمل بجميع أجزائه بالحالة الباعثة على إتيان كل جزء جزء، وهو الاستمرار
بالمعنى الأول.
وأما كون نية الخروج مخرجة عرفا: فإن أريد منع صدق الصلاة على
المركب بعد ضم باقي الأجزاء، كما إذا تخلل الفعل الكثير والسكوت الطويل،
فالخروج ممنوع، وإن أريد مجرد الخروج العرفي فهو لو سلم لم يقدح في
الصحة بعد صدق الاسم على المركب وتحقق الامتثال، مع أن في جريان هذا
الوجه فيما لو نوى الخروج في ثاني الجال منعا ظاهرا; ولذا لم يقل به من قال
بالبطلان هنا مستدلا بهذا الوجه (1).

(1) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة: (60).
535

... الصلاة (1) الكاملة ثم ترك عمدا جميع مكملاتها.
والحاصل: أن الصلاة المشتملة على المستحبات تلاحظ، تارة:
مجموعها المركب من الواجبات والمستحبات، وحكمها الاستحباب، وأخرى:
يلاحظ فيها المجموع المركب من الواجبات فقط، وهذا موضوع آخر حكمه
الوجوب، فإذا طرأ الفساد على الجزء المشترك بين المركبين أو ترك، لم يحصل
امتثال، وإذا طرأ على الجزء المختص أعني المستحب أو ترك، بقي امتثال
الأمر الوجوبي المقصود أولا على حاله، ففساد الجزء بمنزلة تركه عمدا حيت
إنه موجب للعدول عن قصد الامتثال بالمجموع إلى قصده بما عداه.
ومنه يظهر ضعف الاستدلال بالرواية; لأن الاشتراك إنما كان في
المركب المتصف بالاستحباب الأول، ولا كلام في عدم قبوله، وأما المركب
المتصف بالوجوب الذي قصد تحقق الامتثال للوجوب باعتباره، فلم يرد به
غير الله.
وظهر من هذا - أيضا -: أن الجزء المستحب إذا كان متحدا مع
الواجب في الوجود كسورة الجمعة المستحبة في الجمعة، فالرياء فيه موجب
لبطلان العمل رأسا; لتعلق الرياء بالموجود المشترك، وأنه إذا تعلق الرياء
بالزائد عن القدر الواجب كطول القيام بعد الركوع رياء فلا يبطل، بل هو
كالجزء المستقل المقصود به الرياء أو غير الصلاة يصير فعلا خارجا لا يبطل

(1) هذا هو أول الصفحة اليسرى من الورقة: (60) وهو غير مرتبط بما تقدم، والظاهر
وجود سقط هنا، فإن البحث في هذه الورقة عن الرياء. وهو شرح لقول العلامة في
الإرشاد: (ولو نوى الرياء ببعضها أو غير الصلاة بطلت)، وقد تقدم شرح المؤلف
لهذه الفقرة في النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره في الصفحات: 279 - 282.
536

إلا مع الكثرة، بل وفي البطلان معها أيضا نظر.
أما في الزائد على القدر الواجب; فلأن طوله لو محا صورة الصلاة
لم يجز، ولولا للرياء، وإلا لم يفسد مع الرياء، فتأمل.
وأما موضوع المسألة: فلمنع كون الفعل المجانس لأفعال الصلاة مع
الكثرة موجبا لمحو الصورة، ولا يحكم به العرف حتى مع الاطلاع على
خروجه عن الصلاة، سيما إذا كان قصد الرياء منضما إلى قصد الصلاة
لا مستقلا.
نعم، لو ثبت المحو أو كون الفعل الكثير بنفسه قاطعا - كما هو ظاهر
معقد إجماع بعض - اتجه الحكم بالبطلان.
وإن كان المستحب المقصود به الرياء قولا مستحبا، ففي الابطال
مطلقا، وعدمه كذلك، وإلحاقه بالكلام الخارج في الابطال إن كان حرفين
فصاعدا، وجوه، تقدم وجه الأول والثالث، ووجه الثاني: دعوى حصر
الكلام المبطل فيما كان من كلام الآدميين أجنبيا عن الصلاة، والأقوى
الثالث.
ثم هل يجدي إعادة الجزء - حيت فرض بطلانه وعدم إبطاله - في
صحة الصلاة؟ ظاهر جماعة - منهم المحقق (1) والشهيد الثانيان (2) -: لا;
لاستلزامه الزيادة في الصلاة; لأن الجزء الباطل قد قصد به الصلاة فتكراره
زيادة.
ولمانع منع المقدمتين، أما الأولى: فلمنع صدق الزيادة في الصلاة إذا

(1) جامع المقاصد 2: 226.
(2) روض الجنان: 257 - 258.
537

أتى بجزء منها بقصدها على وجه باطل، ثم رفع اليد عنه وأتى به ثانيا
صحيحا، نعم لو أتى بالأول صحيحا ثم أتى به ثانيا على أنه من الصلاة
عمدا أو نسيانا، أو أتى به باطلا ولم يرفع يده عنه ثم أتى به ثانيا صدقت
الزيادة. فالمناط في صدق الزيادة على المأتي به ثانيا: إما اعتداد الشارع
بالأول وإما اعتداد الفاعل.
وأما الثانية: فلمنع العموم في أدلة إبطال الزيادة بحيث يشمل المقام
على الوجه العام، وسيجئ توضيح كلتا المقدمتين إن شاء الله تعالى.
هذا، إذا استصحب قصد غير الصلاة قصدها الحكمي أو الفعلي، وإلا
فلا يلزم من إعادته الزيادة قطعا، فحكمه حكم الفعل أو الذكر الخارجين.
واعلم، أنه كما يعتبر استمرار حكم أصل النية بمعنى عدم إحداث
ما ينافيها، كذلك يجب استمرار خصوصياتها المقومة كالظهرية أو العصرية،
والوجه والأداء أو القضاء على القول باعتبارهما، فلا يجوز الانتقال عنها إلى
غيرها; لأنه في الحقيقة دفع لاستمرار أصل النية بخلاف غير المقومة
كالقصر والاتمام على الأقوى، والائتمام والانفراد في وجه، قال في البيان:
لو نوى الصلاة بسورة معينة فله العدول إلى غيرها، ولو نوى الصلاة بغير
سنة فله فعل السنة ولو نواها بسنة فله تركها (1)، انتهى. وهو جيد.
ومما ذكرنا يعلم أن نقل النية من فعل إلى آخر مخالف للقاعدة، يقتصر
فيه على موضع الدليل - كالعدول عن الحاضرة إلى سابقة مثلها أو فائتة -
الثابت بالنص والاجماع، ومن فائتة إلى مثلها السابقة وإن لم أعثر فيه على
نص إلا أنه حكي فيه عدم الخلاف، وفي قوله: (إنما هي أربع مكان أربع)

(1) البيان: 184.
538

- في رواية زرارة عن الباقر عليه السلام: (إن نسيت الظهر حتى صليت العصر
فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر، فإنما
هي أربع مكان أربع) (1) - إشارة إلى ذلك، ويحمل (الفراغ) فيها على الفراغ
من الركعات وإن لم يتشهد، لا من أصل الصلاة; لئلا يخالف الاجماع فيجب
طرحه وطرح العلة المرتبطة به، مع أنه لو فرض طرحه فلا يلزم طرح
العلة; لارتباطها بقوله: (فانوها الأولى) الراجع إلى عموم قوله: (وأنت في
الصلاة أو بعد فراغك منها) فطرح الجزء الثاني لا يوجب التعليل.
مع أنه يمكن الاستدلال بإطلاق الظهر والعصر في الرواية وشمولهما
للفائتتين، لكن الانصاف ظهورها في الحاضرتين.
ويؤيد الحكم المذكور: ما ثبت من قوله: (إقض ما فات) (2) من أن
المقتضي عين ما فات، والمراد أنه مثله في جميع الصفات والأحكام إلا في
كونه واقعا خارج الوقت.
ولا ريب أن من جملة أحكام الحاضرة التي عرضها الفوت جواز
العدول منها إلى سابقتها، ومن صفاتها أنها قابلة للانقلاب إلى السابقة.
واحتمال زوال هذه الصفة وذلك الحكم لعروض صفة الفوت له وطروء
عنوان القضاء عليه - كما زال غيرهما من بعض الأحكام والصفات - خلاف
الأصل، ولعله مراد من تمسك في المقام بالاستصحاب، وأنه إذا جاز العدول
عند الحضور فالأصل بقاء الجواز بعد الفوات.

(1) الوسائل 3: 211، الباب 63 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
(2) راجع الوسائل 3: 200، الباب 57 من أبواب المواقيت الحديث 6 وانظر الوسائل
5: 359 الباب 6 من أبواب القضاء.
539

وأما العدول من الفائتة إلى الحاضرة التي تبين ضيق وقتها، فلا دليل
عليه ظاهرا; ولذا صرح غير واحد بمنعه (1)، إلا أن يتمسك بتنقيح المناط
ووحدة حكم الفائتة مع الحاضرة في نظر الشارع، فكما أن الثانية تنقلب إلى
الأولى فكذا العكس، ولا مدخلية لخصوص كون المعدول إليه غير حاضرة.
ويشعر بالاتحاد: ما تقدم (2) من قوله عليه السلام: (فإنما هي أربع مكان
أربع) بضميمة عدم القول بالفصل.
ثم إن معنى العدول: جعل ما مضى من الصلاة وما بقي منها للمعدول
إليها المتصور بمميزاتها، كما هو ظاهر قوله عليه السلام - في أخبار العدول -
(فاجعلها الأولى) (3)، وإن اقتصر في بعضها على مجرد إكمال الصلاة بركعة
فيما إذا عدل إلى المغرب.
واقتصر في جامع المقاصد (4) على قصد ما عدا الصفات المشتركة بين
الصلاتين; اكتفاء بقصد المشترك في الأولى.
وعلله آخر (5): بأن الصلاة على ما افتتحت عليه، أو أنها لما قام له،
وفيه نظر لا يخفى.
ثم إنه لو ذكر بعد العدول اشتغال ذمته بسابقة على المعدول إليها، عدل
إليها.. وهكذا، وهو المعبر عنه بترامي العدول، وجوازه بمقتضى نفس أدلة
العدول وصيرورة المعدول إليها كأنها مفتتح عليها، فيجوز العدول عنها،

(1) منهم السيد السند في المدارك 3: 317، وصاحب الجواهر في الجواهر 9: 197.
(2) في الصفحة السابقة.
(3) الوسائل 3: 213، الباب 63 من أبواب المواقيت، الأحاديث 3 و 4 و 5.
(4) جامع المقاصد 2: 33.
(5) لم نقف عليه.
540

كما يظهر ذلك من قوله: (إجعلها الأولى).
وأما دور العدول، وهو: العدول عن المعدول إليه إلى المعدول عنه،
كما لو عدل بزعم اشتغال ذمته بالمعدول إليه ثم ظهر عدمه، فلا يبعد الصحة،
وإن قلنا بعدم جواز العدول عما تبين عدم الاشتغال بها; لأن الصلاة على
ما افتتحت عليه ولما قام له; ولأنه لم يزد إلا على قصد كون الماضي من
الفعل للمعدول إليه، وهو حكم شرعي في محله، ومع عدم مصادفة المحل يقع
لغوا.
وأما نية كون المستقبل له، فهو أيضا لا يزيد على ما لو اعتقد كونه في
نافلة فأتم الفريضة بقصدها، وقد صح ذلك - لمقتضى الأخبار (1)، بل
الاجماع - أو أوقع أفعالا معينة بنية وركعة معينة من الصلاة فتبين أنه في
غيرها فإن الصحة هنا مجمع عليها، كما في الذكرى في مسألة ما إذا ركع فتبين
أنه ركع سابقا (2)، فعلم أن هذا كله لا يقدح في الاستمرار المركوز المنجز.
ومما ذكرنا يظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين ما إذا افتتح الصلاة بقصد
ما لم يشتغل ذمته بها،. ولم يجرز له صحة واقعية.
وأما نقل النية عمدا: فالظاهر أنه مبطل للمعدول عنه كالمعدول إليه،
كما مرح به في الذكرى (3); لأن المفروض اختلاف الحقيقتين; ولذا وجب
التعيين، فالعدول خروج عن الأول بفعل ما ينافيه من الأفعال المنوية
للثانية، ومجرد كون نية المستقبل لها لغوا لا يوجب وقوع تلك الأفعال قهرا

(1) انظر الوسائل 4: 711، الباب 2 من أبواب النية وغيره.
(2) الذكرى: 222.
(3) الذكرى: 178.
541

للأول، فاحتمال الصحة من بعض المعاصرين (1) - لكون كل من نية كون
الماضي والمستقبل للمعدول إليه لغوا لا تؤثر في البطلان، كما لا تؤثر لو وقعت
غفلة أو نسيانا - واضح البطلان.

(1) انظر الجواهر 9: 200
542

[الثالث: تكبيرة الاحرام]
(الثالث) من واجبات الصلاة: (تكبيرة الاحرام) سميت بذلك
وبالافتتاح; لأن بها يحصل الدخول في الصلاة ويحرم ما كان محللا قبلها.
(وهي ركن تبطل الصلاة بتركها) بل بزيادتها أيضا (عمدا وسهوا)
إجماعا في صورة الترك وبه روايات كثيرة معتبرة (1)، والمخالفة (2) لها محمولة
أو مطروحة.
(و) يجب الاقتصار على (صورتها) المنقولة وهي (الله أكبر)
لا غير; لعدم إطلاق لفظي يدل على كفاية مجرد تكبير الله عز وجل كيفما اتفق،
وعدم جواز إجراء الأصل في القيود المقومة للواجب وإن أجريناه في
الشروط الخارجة فتبقى أصالة الاشتغال سليمة، هذا مضافا إلى النبوي

(1) الوسائل 4: 715، الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، إلى الأحاديث 1 - 7.
(2) الوسائل،: 717، الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، الأحاديث 8 و 9 و 10.
543

- المنجبر بظاهر ما في المنتهى (1) والمعتبر (2) وعن غيرهما (3) والغنية (4) من
الاجماع -: (لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل
القبلة ويقول: الله أكبر) (5) وقد يستدل برواية حماد الواردة في بيان الصلاة
حيث قال عليه السلام له - بعد البيان -: (يا حماد هكذا صل) (6). وفيه نظر.
(فلو) خالف ذلك بأن (عكس) الترتيب بين الكلمتين (أو أتى
بمعناها) في لفظ يؤدي مؤداها في العربية أو غيرها (مع القدرة) على
الصورة (أو) أتى بها (قاعدا معها) أي مع القدرة (أو) آخذا في
القيام بحيث وقعت (قبل استيفاء القيام) - الذي هو جزء من الصلاة
وشرط في التكبيرة اتفاقا فتوى ورواية - أو هاويا إلى الركوع كما قد يتفق
للمأموم (أو أخل) ولو (بحرف واحد) منهما (بطلت) الصلاة، أي
لم تنعقد; لما ذكر، مضافا إلى ما يستفاد من قوله عليه السلام: (لا صلاة بغير
افتتاح) (7) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تحريمها التكبير) (8) من توقف الصلاة على
الافتتاح والتحريمة، ولا يعلم تحقق مفهومهما مع مخالفة المتيقن فيجب الرجوع

(1) المنتهى 1: 268.
(2) المعتبر 2: 152.
(3) انظر الإنتصار: 40.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 495.
(5) لم نقف عليه في المجاميع الروائية، نعم نقل في المنتهى 1: 267 ونحوه في المعتبر 2:
151.
(6) الوسائل 4: 674، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، ذيل الحديث الأول.
(7) الوسائل 4: 716، الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 7.
(8) الوسائل 4: 715، الباب الأول من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 10.
544

إلى أصالة عدم الانعقاد.
ويدخل في الاخلال بالحرف الاخلال بهمزة الوصل في لفظة الجلالة
ولو مع وقوعها في الدرج لتقدم التلفظ بالنية أو بعض أدعية الافتتاح، وهو
حسن بعد ما عرفت من وجوب الاقتصار على المتيقن فيجب الوقف حينئذ
على الكلام السابق مقدمة لتحصيل اليقين بالتحريمة.
والوقف على لفظ النية لا ينافي مقارنة معناها للتكبير، بل ترك الوقف
لا ينافي قطع الهمز; لأن التلفظ بالنية كلام لغو خارج معترض فلا تسقط معه
الهمزة، فتأمل.
وإطلاق أدلة أدعية التوجه الدال على جواز الوقف عليها والوصل
ليس حاكما على قاعدة الشغل في التحريمة كاشفا عن صحة إسقاط همزتها
الوصلية في الدرج; لأنها إنما تدل على جوازها على النهج العربي، وهو إنما
يقتضي جواز الوصل إذا لم تجب شرعا ولو بحكم أصالة وجوب الاقتصار
على المتيقن وهو إثبات همزة الوصل في الكلمة المتأخرة، فلا يتوهم أن
أصالة وجوب الأخذ بالمتيقن لا يقاوم الاطلاق.
مضافا إلى ورود تلك الاطلاقات في مقام بيان أصل الرجحان لا بيان
كيفية القراءة.
(والعاجز عن العربية يتعلم وجوبا) بعد دخول وقت الصلاة، بل قبله
لمن يعلم بعدم التمكن بعده في وجه قوي، كما هو شأن كل مقدمة علم بامتناع
تحصيلها في زمان تعلق الوجوب مع تحقق الخطاب بذيها غير مقيد بالتمكن
منها في الوقت، ولا يجوز منه الصلاة بدون التكبير مع سعة الوقت ورجاء
التعلم ولو مع عدم التقصير لعجزه عن المأمور به على الوجه المطلوب، وكون
العجز في جزء من الوقت مسقطا للمعجوز عنه لم يثبت.
545

والأصل في ذلك: أن الأمر الموسع المعلق بالصلاة المستلزم لتخيير
المكلف في إيقاعها في أي جزء من الوقت إنما تعلق بالمستجمعة منها للأمور
المعتبرة فيها، فتعذر بعض تلك الأمور في جميع الوقت يقتضي سقوط الأمر
رأسا; لتعذر المكلف به على الوجه المطلوب، إلا أن يدل دليل على ثبوته
فيسقط اعتبار ذلك الأمر المتعذر.
وكذلك تعذره في جزء من الوقت يقتضي سقوطه في ذلك الجزء إلا أن
يدل دليل على ثبوت الأمر فيه فيسقط اعتبار ذلك الأمر فيه، وإن قدر
عليه بعده، كما قد يدعى ذلك في العاري ومثله من بعض ذوي الأعذار.
ومبنى المسألة على أن الأمر الموسع إذا تعلق بفعل دل الدليل على
اشتراطه بشروط اشتراطا مختصا مجال التمكن، فهل يرد الأمر الموسع على
الفعل بوصف اجتماعه للشروط بكل زمان يتمكن من الفعل المجتمع للشروط
فيشمله الأمر، وكل زمان لا يتمكن منه لا يجب؟ أم يتعلق الأمر بنفس
الفعل، فيلزمه التخيير في كل جزء ثم يلاحظ اشتراط هذا الفعل المخير فيه
في كل زمان بالشروط محض اشتراط الفعل في كل زمان ما يتمكن منه في
ذلك الزمان؟ ولا دليل فيما نحن فيه.
ثم لو تعذر عليه التعلم إما لضيق الوقت أو لليأس عنه مطلقا; فإن
عرف الملحون من التكبير فالظاهر وجوبه مقدما على الترجمة; لاشتماله على
معنى التكبير والقدر الميسور من لفظه، فلا يسقط بالمعسور وإلا أتى بترجمته
- أعني ما يرادفه في لغة أخرى - نسبه في المدارك إلى علمائنا ثم احتمل
السقوط حينئذ (1)، وهو محجوج بقوله عليه السلام: (لا صلاة بغير

(1) المدارك 3: 320.
546

افتتاح) (1) وقوله عليه السلام: (تحريمها التكبير) (2); بناء على أن لفظ التكبير
كالتحميد والتسبيح ونحوهما من الألفاظ الموضوعة لانشاء مبادئها - وهو في
التكبير الثناء على الله تعالى بصفة الكبرياء المتحقق باللفظ العربي وغيره
ومنع انصرافه إلى المتحقق منه في ضمن القول المخصوص - لا من الألفاظ
المشتقة من الأقوال كالتهليل والحولقة والبسملة، فيراد منه قول (الله أكبر).
نعم، دل الدليل من الخارج على تقييد المعنى المذكور بكونه في ضمن
القول المزبور بالنسبة إلى القادر، لكنه لا يوجب البقاء المطلق بالنسبة إلى
العاجز، فالتقييد إنما أريد من الخارج لا من نفس اللفظ بقرينة الخارج،
مضافا إلى استلزام ذلك تقييد الحكم في الخبرين بالقادر، ولعل ما ذكرنا هو
السر فيما ذكره الجماعة من أنه ذكر والمقصود منه المعنى، فإذا تعذر اللفظ
الخاص عدل إلى غيره، وإلا فهو بمجرده اعتبار لا يصلح مستندا لعدم
سقوط الافتتاح، فضلا من ترجيح الترجمة على ذكر عربي آخر، كما لا يخفى.
ومما ذكرنا ظهر أنه لا فرق في الترجمة بين اللغات، وإن قيل (3)
بالترتيب بين العبراني والسرياني والفارسي وسائر اللغات لنزول بعض
الكتب بالأولين ونزول كتب المجوس - على ما حكي - بالثالث، بل حكي
أنها لغة حملة العرش (4)، وهذه كما ترى.
(و) ظهر الوجه في أن (الأخرس) يأتي بها بالمقدورة لما ذكرنا في

(1) الوسائل 4: 716، الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 7.
(2) الوسائل 4: 715، الباب الأول من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 10.
(3) لم نعثر على هذا الترتيب، نعم قيل بالترتيب بين السرياني والعبراني... انظر
مفتاح الكرامة 2: 338.
(4) انظر كشف اللثام 1: 214.
547

الملحون، فإن عجز عن التلفظ أصلا وجب علجه أن (يعقد قلبه ويشير
بها) (1) أي بالتكبيرة، والمراد بها إما صيغتها بأن يعقد قلبه بإرادة الصيغة
وقصدها كما عن كشف اللثام (2)، وإما معناها. لكن قصد الصيغة لا يتمشى
فهمه ولا تفهيمه في بعض أفراد الأخرس، ولعل مراده معنى الصيغة الذي
عرفه قبل حدوث الخرس أو عرفة بعده، وهو الثناء على الله بصفة
الكبرياء، أما المعنى الوضعي الذي يراد من اللفظ باعتبار قوانين أهل
اللسان فلا يجب ذلك فيه، ولا في غيره، بل لا يمكن تفهيمه بعض أفراد
الأخرس، والأول وإن لم يكن واجبا على غير الأخرس إلا أن اللفظ لما دل
عليه بأصل الوضع كفى القصد إلى اللفظ باعتبار مدلوله الواقعي عن قصده
التفصيلي، ولما لم يتمكن الأخرس من التلفظ وجب عليه قصد المعنى
المذكور، فالقادر يقصد إجمالا المعنى التفصيلي، والأخرس يقصد تفصيلا
المعنى الاجمالي.
ويحتمل قويا: اعتبار القصد إلى المعنى التفصيلي في الأخرس المسبوق
بالظن والمعرفة; لأنه تكبير قلبي.
ثم إن ظاهر جماعة كالمصنف والشهيدين في القواعد (3) والبيان (4)
والمسالك (5): اعتبار تحريك اللسان والإشارة بالإصبع مع عقد القلب،

(1) من الإرشاد.
(2) كشف اللثام 1: 214.
(3) قواعد الأحكام 1: 271.
(4) البيان: 155.
(5) مسالك الأفهام 1: 198.
548

واقتصر بعض كالمحقق (1) على الأخيرين، والمصنف هنا على الثالث، ورابع
على الثاني، كما عن الشيخ (2) وغيره (3).
والظاهر: أن المراد بالإشارة: الإشارة إلى المعنى الذي عقد قلبه
عليه، فيكون بمنزلة اللفظ إلا أن اللفظ لما دل على المعنى بالوضع كفى القصد
إليه عن القصد إلى المعنى بخلاف الإشارة، فهي كلفظ يدل على المعنى بالقصد
دون الوضع، وأما اعتبار تحريك اللسان فلأنه القدر الميسور، وحيت إنه
لا يشتمل على اللفظ الموضوع المغني عن عقد القلب بالمعنى احتاج إليه،
ومقتضى هذا عدم الحاجة معه إلى الإشارة، إلا أن في الرياض: أن اعتبارها
مما لا خلاف فيه (4) لكن في الروض: أنه ذكره المصنف وبعض الأصحاب،
ولا شاهد له على الخصوص (5)، واستدل فيه على وجوب تحريك اللسان
- تبعا للمحقق الثاني (6) -: بأنه كان واجبا مع النطق فلا يسقط بالعجز عنه;
إذ الميسور لا يسقط بالمعسور (7)، وفيه نظر.
وكيف كان، فلا شاهد على أحد من الأمرين، نعم يمكن أن يستأنس
لاعتبارهما برواية السكوني عن الصادق عليه السلام: (إن تلبية الأخرس
وتشهده وقراءته في الصلاة تحريك لسانه والإشارة بإصبعه) (8) بناء على أن

(1) الشرائع 1: 79.
(2) المبسوط 1: 103.
(3) تحرير الأحكام: 37.
(4) الرياض 3: 359
(5) روض الجنان: 259.
(6) جامع المقاصد 2: 238.
(7) روض الجنان: 259.
(8) الوسائل 4: 802، الباب 59 من أبواب القراءة، الحديث الأول مع اختلاف يسير.
549

ذكر هذه الأمور من باب المثال، أو أن اعتبارهما فيها يقتضي اعتبارهما في
التحريمة بطريق أولى.
وكيف كان، فاعتبارهما مع عقد القلب أحوط إن لم يكن أقوى; نظرا
إلى أن الغالب في تكلم الأخرس تفيهم المطالب بالإشارة مع حركة اللسان
أو الشفة مع العقد بالقلب، فهذه الأمور الثلاثة بمنزلة تكلم الأخرس; لانجبار
الرواية سندا ودلالة.
ولو قدر العاجز على إحدى كلمتي التكبيرة، تلفظ بها وعوض عن
الأخرى بالترجمة، أو بما هو وظيفة الأخرس.
(و) حيث إنه يستحب افتتاح الصلاة مطلقا ولو نافلة - في وجه
قوي، وفاقا لجماعة (1) - بسبع تكبيرات، ووجب مقارنة النية لأول واجبات
الصلاة المستلزمة لكون التكبير المقترن بها هي التحريمة (يتخير) المكلف
- عند الأصحاب، كما في المنتهى (2) والذكرى (3) والمفاتيح (4) وشرحه (5) - (في
السبع، أيها شاء) قرنها بالنية و (جعلها تكبيرة الافتتاح)، فتعينها إنما
يحصل من جهة النية.
ولو جعلنا النية هي الإرادة المنبعثة عن التصور السابق كانت التحريمة

(1) منهم المفيد قدس سره في المقنعة: 111، والمحقق قدس سره في المعتبر 2: 155، والعلامة
قدس سره في المنتهى 1: 269، والشهيدين قدس سرهما في الذكرى: 179 وروض الجنان:
260، والحلي قدس سره في السرائر 1: 216 و 307.
(2) المنتهى 1: 268.
(3) لم نعثر عليه في الذكرى، وحكاه عنه في مفتاح الكرامة 2: 341.
(4) مفاتيح الشرائع 1: 127 وفيه: بلا خلاف.
(5) شرح المفاتيح (مخطوط): 118.
550

أول ما يقع من التكبيرات مستصحبة لتلك الإرادة، ولكن الأفضل كما عن
المشهور جعلها الأخيرة، لما نقله بعض الأجلة (1) من رواية أبي بصير (2)،
ولم نعثر عليها، وللرضوي (3)، وللخروج عن خلاف جماعة كابن زهرة (4)
وسلار (5) والحلبي (6) حيث قالوا بتعيين الأخيرة، وظاهر الأول الاجماع عليه;
ولعله لرواية أبي بصير المتقدمة، والرضوي، وما دل على أن في الصلوات
الخمس خمسا وتسعين تكبيرة منها خمس تكبيرات للقنوت (7)، فإن هذا
العدد لا يستقيم إلا بجعل الست الافتتاحية خارجة عن الصلاة، ولكن هذا
القول ضعيف بالاتفاق المستفاد من المنتهى والذكرى (8)، مضافا إلى ضعف
الروايات سندا ودلالة، ومعارضتها بظاهر الخبرين الدالين على أن علة
زيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستا على التحريمة هي أن الحسين عليه السلام كان إلى
جنبه صلى الله عليه وآله وسلم وكان لا يحير الجواب) (9) وغيرهما (10) مما ظاهره كون

(1) هو الفاضل الهندي قدس سره في المناهج السوية (المخطوط): 136، وانظر البحث
المكرر بخط المؤلف قدس سره في الصفحة: 294.
(2) لم نعثر على الرواية في المجاميع الروائية نعم نقله في جامع المقاصد 2: 241.
(3) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 105.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 497.
(5) المراسم: 70.
(6) الكافي في الفقه: 122.
(7) الوسائل 4: 719، الباب 5 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 1 و 2.
(8) المنتهى 1: 268، والذكرى: 179، وراجع الصفحة السابقة.
(9) الوسائل 4: 721، الباب 7 من أبواب تكبيرة الاحرام، الأحاديث 1 و 4.
(10) انظر الوسائل، نفس الباب.
551

الأول افتتاحا، ولذا حكي عكس هذا القول عن جماعة من متأخري
المتأخرين (1) فجعلوا التحريمة هي الأولى، وهو أيضا ضعيف.
ثم إنه حكي عن المجلسي أنه حكى عن والده أنه استظهر كون
جميع ما يأتي المصلي من السبع أو الخمس أو الثلاث تكبيرة الافتتاح فهو
يحصل بالمجموع (2).
ويؤيده: ظاهر الأخبار الدالة على الافتتاح بالثلاث أو بالخمس أو
بالواحد، لكن الواضح منها - بعد التأمل - أن المراد مجرد ابتداء الصلاة
بالمجموع، لا تحريمة الصلاة بالمجموع; فلا ينافي فول المعظم بتعيين واحدة
للاحرام، مع أن عدم الخلاف في وجوب مقارنة النية لأول واجبات الصلاة
تنفي الفائدة في ذلك; لأن التحريمة تقع بما يقع مقارنا، ويمكن أن يكون عدم
التعرض لتعيين التحريمة للاكتفاء بمقارنة النية مع أن الأمر بدعاء التوجه
كالأمارة على كون سابقه هي التحريمة.
ويمكن استفادته من بعض الروايات أيضا مثل ما ورد في الكافي: (إن
في الصلوات الخمس خمسا وتسعين تكبيرة) (3) فإنه لا يستقيم إلا بجعل الست
من السبع الافتتاحية في خارج الصلاة،
(ولو كبر) المصلي (بنية

(1) منهم المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 127 والوافي 8: 638، والمحدث البحراني
في الحدائق 8: 11 و 29، وشيخنا البهائي والسيد الجزائري كما حكاه عنهما في
الحدائق 8: 21.
(2) البحار 84: 357 - 358، وحكاه في مفتاح الكرامة 2: 342.
(3) الكافي 3: 310، الحديث 5 و 6 والوسائل 4: 719، الباب 5 من أبواب تكبيرة
الاحرام، الحديث 1 و 2.
552

الافتتاح (1) ثم كبر ثانيا كذلك) بنية أنه الافتتاح (بطلت الصلاة) بالثانية
هنا إذا لم ينو قبلها الخروج عن الصلاة، ولم يلتفت إلى كون الزيادة التي
قصدها منافية للصلاة، أو قلنا: بأن نية الخروج أو نية فعل المبطل لا تبطل
وإلا بطلت الصلاة بما وقع من النية، فإن قارنت الثانية نية الصلاة صحت،
وعلى تقدير البطلان بالثانية; فإن وقعت على الوجه المحرم كما إذا كانت
الصلاة المفتتحة يحرم قطعها فلا إشكال في عدم انعقاد الثانية، وإن وقعت
مقرونة بنية الافتتاح على وجه لا تحرم كما إذا كانت نافلة على القول بجواز
قطعها، أو وقعت مع الغفلة عن الكون في الصلاة، فالظاهر عدم الانعقاد
أيضا; لعدم وقوع التكبيرة صحيحة; لعدم الأمر بها ما دامت الأولى
صحيحة، والمفروض أنها لا تبطل إلا بعد إتمام التكبيرة; لتحقق زيادة
الركن فابتداؤها لا يقع صحيحا، إلا أن يقال: إن تمامها يكشف عن بطلان
الأولى وتعلق الأمر بالثانية في أولها، أو أن البطلان يحصل بمجرد الدخول
فيه; لصدق الزيادة وإن لم يكن ركنا، وهذا لا ينافي الصحة; لأن المفروض
عدم تحريم الابطال فيمكن أن يتعلق الأمر التخييري الحاصل من اشتراك
الطبيعة بين الفرد الذي هو فيه والفرد الذي يريد الدخول فيه، فيرجع إلى
التخيير بين إتمام ما فيه واستئنافه مع كون بطلان ما فيه متوقفا على الدخول
في جزء المستأنف، فتأمل.
هذا كله مع إرادة الاستئناف بالثانية، وإلا فلا وجه للصحة إذ لم يقصد
الافتتاح الحقيقي، وإن قصد أنها هي نفس الافتتاحية للجهل أو التشريع،
لكن ظاهر كلامهم أعم من هذه الصورة ومن الافتتاح الحقيقي كما يشير إليه

(1) في الإرشاد: ونوى الافتتاح.
553

قولهم: (فإن كبر ثالثا صحت) صلاته وإن كبر رابعة بطلت وهكذا يصح
في الوتر ويبطل في المزدوج، فإن ظاهر الكلام كون التكبيرات كلها على
نسق واحد.
(ويستحب) سيما للإمام (رفع اليدين بها) وبباقي - التكبيرات بغير
خلاف بين العلماء كما في المنتهى (1) والمعتبر (2) وعن الصدوق أنه من دين
الإمامية (3); لأن رفع اليدين ضرب من الابتهال والتبتل; ولأن نية إحضار
النية وإقبال القلب على ما قال وقصد كما عن علل الفضل (4)، ولأن زينة
الصلاة رفع الأيدي عند كل تكبيرة كما في المحكي عن مجمع البيان في تفسير
النحيرة (5)، ولرواية صفوان بن مهران قال: (رأيت أبا عبد الله عليه السلام إذا
كبر يرفع يديه حتى يكاد يبلغ أذنيه) (6)، وهي المستند في استحباب كون
الرفع (إلى شحمتي الأذنين)، وفي رواية معاوية بن عمار: (أنه عليه السلام
رفع يديه أسفل من وجهه قليلا) (7)، وفي رواية ابن سنان: (يرفع يديه

(1) المنتهى 1: 269 و 285.
(2) المعتبر 2: 156 و 200.
(3) أمالي الصدوق: 511.
(4) علل الشرائع: 264، الباب 182، الحديث 9، والوسائل 4: 727، الباب 9 من
أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 11.
(5) مجمع البيان 5: 550، وانظر الوسائل 4: 727، الباب 9 من أبواب تكبيرة
الاحرام، الحديث 14.
(6) الوسائل 4: 725، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث الأول.
(7) نفس المصدر، الحديث 2.
554

حيال وجهه) (1) والكل حسن كما أن الأقل من ذلك والأكثر أيضا حسن
عملا بإطلاقات الرفع إلا أنه يكره مجاوزة الأذنين لروايتي أبي بصير (2)
وزرارة (3) عن الباقر والصادق عليهما السلام: (لا تجاوز بهما أذنيك).
والمعروف أن ابتداء الرفع عند ابتداء التكبير وانتهاءه بانتهائه. وعن
المعتبر (4)، وفي المنتهى (5) ما يظهر منه الاجماع عليه، لأنه الظاهر من الرفع
وقت التكبير أو الرفع بالتكبير.
وعن بعض (6) أن تمام التكبير بعد الرفع وقبل الارسال; لظاهر الحسنة:
(إذا افتتحت فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات) (7)،
وعن ثالث (8) أنه حال الارسال.
وعن السيد في الانتصار (9) والإسكافي (10) وجوب الرفع، مدعيا عليه
الاجماع ودلالة الآية (فصل لربك وانحر) (11) المفسرة برفع اليدين (12). وله

(1) نفس المصدر، الحديث 3.
(2) نفس المصدر، الحديث 5.
(3) الوسائل 4: 728، الباب 10 من أبواب تكبيرة الاحرام. الحديث 2، 3.
(4) المعتبر 2: 200.
(5) المنتهى 1: 285.
(6) لم نعثر على قائله، ولكن نقله في الحدائق 8: 49 والظاهر اختياره هذا.
(7) الوسائل 4: 723، الباب 8 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث الأول.
(8) لم نعثر على قائله ونقله الشهيدان في الذكرى: 179 وروض الجنان 260.
(9) الإنتصار: 44 وحكاه عنه في المختلف 2: 171.
(10) انظر الذكرى: 198.
(11) الكوثر: 2.
(12) الوسائل 4: 725، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام الأحاديث 4 و 13 و 15
و 16 و 17.
555

ظواهر بعض الأخبار الموهونة - كنقله الاجماع - بالشذوذ، المحمولة على
الاستحباب بقرينة بعضها مثل ما ورد من (أن الرفع زينة) (1) و (أنه ضرب
من التبتل والابتهال) (2)، وما ورد (أن الرفع على الإمام دون المأموم) (3)، مع
عدم القول بالفصل من علمائنا، بل من المسلمين كما يظهر من بعض (4)، الدال
على أن الفرق في تأكد الاستحباب.
ثم إن المحكي عن الأكثر بل عن الخلاف (5) دعوى الاجماع عليه:
استحباب ضم جميع الأصابع; لأنه الظاهر من رواية حماد الدالة على أنه
عليه السلام قبل التكبير أرسل يديه على فخذيه وقد ضم أصابعه (6)، فإن الظاهر
بقاء ضمها إلى وقت التكبير، ولو فرق شيئا منها بعد ذلك لحكاه حماد.
وعن الإسكافي (7) والسيد (8) والمفيد (9) والحلي (10) والقاضي (11) التفريق

(1) الوسائل 4: 728، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، ذيل الحديث 14، نقلا عن
مجمع البيان.
(2) الوسائل 4: 727: الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 11، نقلا عن
العلل والعيون.
(3) الوسائل 4: 726، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 7.
(4) انظر الرياض 3: 366 ومفتاح الكرامة 2: 346.
(5) الخلاف 1: 321، كتاب الصلاة، المسألة: 73.
(6) الوسائل 4: 674، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث الأول.
(7) حكاه عنه في المعتبر 2: 156.
(8) حكاه عنه في المعتبر 2: 156.
(9) المقنعة: 103.
(10) السرائر 1: 216.
(11) المهذب 1: 92.
556

بينها وبين الابهام، وجعله في الذكرى أولى، ثم قال: إن الكل منصوص (1)،
وفي المحكي عن البحار عن كتاب زيد النرسي؟ (عن أبي الحسن الأول:
(أنه عليه السلام ضم الأربع وفرج بينها وبين الخنصر) (2) ولم يعلم به قائل.
ويستحب استقبال القبلة بباطن الكفين; لرواية منصور بن حازم (3)،
(و) كذا يستحب للإمام (إسماع من خلفه) بتكبير الاحرام - [و] في
المنتهى: لا نعرف فيه خلافا (4) - ليقتدوا به ولا يدخلوا قبله وللرواية (5).
وأن يسر بها المأموم للرواية (لا ينبغي لمن خلفه أن يسمع الإمام
شيئا) (6) ويتخير المنفرد للاطلاقات، وعن الجعفي (7) استحباب الجهر له أيضا
للنبوي الضعيف سندا ودلالة (8).
(و) ينبغي (عدم المد بين الحروف) كمد الألف التي بين اللام
والهاء بحيث يخرج عن مقداره الطبيعي، أو مد همزة لفظ الجلالة بحيث
لا يخرج إلى الاستفهام، وكذا إشباع فتحة الباء بحيث يخرج إلى (أكبار)
الذي هو جمع (كبر) وهو الطبل الذي له وجه واحد، وإلا بطل إن قصدهما

(1) الذكرى: 179.
(2) البحار 84: 225، الحديث 12.
(3) الوسائل 4: 726، الباب 9 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 6.
(4) المنتهى 1: 269.
(5) الوسائل 3: 730 الباب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام.
(6) الوسائل 5: 452، الباب 52 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3 مع اختلاف
يسير.
(7) نقله عنه في الذكرى: 179. وفيه: وأطلق الجعفي رفع الصوت بها.
(8) الوسائل 4: 730، الباب 12 من أبواب تكبيرة الاحرام، الحديث 2.
557

إجماعا، وكذا إن لم يقصدهما على احتمال قوي، كما عن جماعة (1); للخروج
عن الصيغة الموظفة وعدم اعتبار القصد في دلالة اللفظ على معناه الموضوع
له.
ويمكن تضعيف الثاني: بمنع دلالة اللفظ على المعنى المغاير للتكبير
إلا إذا لم يكن التلفظ به له جاريا على القانون العربي، وإلا فإن قلنا بورود
الاشباع في الحركات في لغة العرب إلى أن ينتهي إلى الحروف كما في المنتهى (2)
كان اللفظ بحسب هيئته مشتركا بين التكبير وغيره، فلا بأس به ما لم يقصد
المعنى الآخر، فالعمدة هو الوجه الأول. وجواز الاشباع على الوجه المذكور
في ألسنة بعض العرب لو سلم عدم كونه لحنا، لا يوجب جواز الجري عليه
في الأقوال التوقيفية.
ويستحب ترك الاعراب كما عن جماعة (3)؟ لما روي من (أن التكبير
جزم) (4) وضعف سنده مجبور بعمل الأصحاب كما عن بعض (5) مع أنه في
مقام الاستحباب.

(1) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 236 والسيد السند في المدارك 3: 323،
وفي تعليق النافع والميسية وغيرهما كما نقله عنهم في المفتاح 2: 345.
(2) المنتهى 1: 268.
(3) المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 240 والشهيد الثاني في الروض 260 والفيض
في المفاتيح 1: 126 وغيرهم.
(4) رواه في الذكرى: 179، وكذا في الإقناع للخطيب الشربيني 1: 107 كما في حاشية
الحدائق 8: 37.
(5) لم نعثر عليه.
558

[الرابع: القراءة]
(الرابع) من الواجبات: (القراءة، وتجب) إجماعا محققا ومحكيا
حد الاستفاضة (في) الفريضة (الثنائية)، بل الأحادية كصلاة
الاحتياط والمنذورة وترا، على الأقوى فيهما. (وفي الأوليين (1) - باليائين
المثناتين من تحت - تثنية أولى، ويجوز بالتاء تثنية أولة، والأول أشهر، لكن
قيل: إن الثاني أولى (2)، فإن لفظة (أول) جاءت صفة بمعنى: الأسبق،
وجاءت اسما، فعلى الأول: لا تصرف، وعلى الثاني: تصرف، ومقابل
الأول: الآخر، ومقابل الثاني: الأخير، وتأنيث الأول أولى، وتأنيث الثاني
أولة، كما عن أبي حيان في الارتشاف (3).

(1) في الإرشاد: وفي الأولتين من غيرها الحمد.
(2) قاله الفاضل الهندي في المناهج السوية (مخطوط): 100.
(3) لا يوجد لدينا، ونقله الفاضل الهندي في المناهج السوية (مخطوط): 100.
559

ولما كان المراد هنا: الركعتان الغير المسبوقتين لا السابقتان، كان
الأليق به الأول، ولو أريد الثاني لم يكن بد من التغليب.
وكيف كان، فالقراءة ليست ركنا على المشهور، بل عن الخلاف دعوى
الاجماع (1)، ويدل عليه الأخبار المستفيضة الدالة على عدم بطلان الصلاة
بتركها.
منها: قوله: (لا تعاد الصلاة... الخ) (2).
ومنها: قوله - لمن قال: نسيت أن أقرأ في صلاتي كلها، قال -: (أليس
قد أتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى، قال: تمت صلاتك) (3).
وقوله عليه السلام في المورد المذكور -: (إذا حفظت الركوع والسجود فقد
تمت...) (4).
وهي المخصصة لما دل بظاهرها على الركنية، مثل قوله: (لا صلاة
إلا بفاتحة الكتاب) (5)، وقوله في صحيحة محمد بن مسلم عن مولانا
الباقر عليه السلام: (عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال:
لا صلاة له إلا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات) (6)، ونحوها رواية

(1) الخلاف 1: 334، كتاب الصلاة، المسألة: 85.
(2) الوسائل 4: 934، الباب 10 من أبواب الركوع، الحديث 5.
(3) الوسائل 4: 769، الباب 29 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 2، وفيه: قد
تمت صلاتك إذا كان نسيانا.
(4) الوسائل 4: 771، الباب 30 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 3.
(5) مستدرك الوسائل 4: 158، الباب الأول من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5
و 8.
(6) الوسائل 4: 732، الباب الأول من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1.
560

سماعة (1).
فالقول بركنيتها - كما عن الخلاف عن بعض أصحابنا (2)، وعن
التنقيح (3) عن ابن حمزة - ضعيف.
ومقتضى عموم قوله: (لا تعاد) وما بعده، وظاهر بعض الأخبار
المخصص للابطال بصورة تعمد الترك (4): عدم البطلان بتركها لا عن تعمد
وإن لم يكن ناسيا، كما لو دخل في الصلاة بنية الاقتداء فبان عدم الإمام،
لكن ظاهر جماعة كالفاضلين (5) والشهيدين (6) وجماعة (7) - في مسألة:
ما لو قال كل من الرجلين: كنت مأموما - بطلان صلاتهما; معللا بتركهما
للقراءة. مؤيدا له برواية السكوني (8)، إلا أن يقال بدخول غير الناسي في
المتعمد; فإن تعمد الترك قد يكون للعصيان، وقد يكون للتشريع، وقد يكون
للجهل بالحكم، وقد يكون للجهل بالموضوع، وما نحن فيه من الأخير.
ثم إن ظاهر قوله: (لا صلاة) في الروايتين المتقدمتين ونحوهما: عموم
الحكم للنوافل أيضا وهو المشهور، مضافا إلى قاعدة اتحاد النافلة مع

(1) الوسائل 4: 732، الباب الأول من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 2.
(2) لم نقف على هذه النسبة في الخلاف بل وجدناها في المبسوط 1: 105.
(3) التنقيح الرائع 1: 197.
(4) الوسائل 4: 766، الباب 37 من أبواب القراءة في الصلاة.
(5) المعتبر 2: 424، والتذكرة (الطبعة الحجرية) 1: 175.
(6) الذكرى: 272، وروض الجنان: 375.
(7) منهم المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 318 والسيد السند في المدارك 4:
333، والنراقي في المستند 1: 524 وصاحب الجواهر في الجواهر 13: 237.
(8) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
561

الفريضة في الكيفية وكون النافلة توقيفية.
مضافا إلى إشعار رواية إسماعيل بن جابر - أو عبد الله بن سنان -
عن الصادق عليه السلام، قال: (قلت له: إني أقوم آخر الليل وأخاف الصبح،
قال: إقرأ الفاتحة واعجل واعجل) (1).
وعن المصنف قدس سره في التذكرة (2) عدم وجوب القراءة في النافلة;
ولعله لعموم ما ورد من (أن النافلة بمنزلة الهدية متى ما أتي بها قبلت) (3)،
ولا شك أن النقص من النافلة لا يوجب عدم قبولها; بناء على أن قوله:
(متى ما أتي بها قبلت) ليس مقيدا للمنزلة، بل هو من الأحكام المتفرعة
عليها.
ورواية علي بن أبي حمزة، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الراحل المستعجل ما الذي يجزيه في النافلة؟ قال: ثلاث تسبيحات في
القراءة وتسبيحة في الركوع وتسبيحة في السجود) (4).
وفي كلا الوجهين نظر، فالأقوى ما عليه المشهور.
(و) يجب في الفريضة بعد الفاتحة قراءة (سورة كاملة) على
الأشهر بين من تقدم ومن تأخر، بل في الغنية (5) وعن الانتصار (6)

(1) الوسائل 3: 187، الباب 46 من أبواب المواقيت، الحديث الأول.
(2) تذكرة الفقهاء 3: 130.
(3) الوسائل 3: 169، الباب 37 من أبواب المواقيت، الحديث 3.
(4) الوسائل 4: 925، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 9، وفيه: سألت أبا الحسن
عن الرجل المستعجل... الخ.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 495.
(6) الإنتصار: 44.
562

والوسيلة (1) وجمل القاضي (2) وأمالي الصدوق (3) دعوى الاجماع، وعن
الخلاف نسبته إلى ظاهر روايات أصحابنا ومذاهبهم (4); لرواية منصور بن
حازم - وفيها محمد بن عبد الحميد - المصححة: (لا تقرأ في المكتوبة بأقل من
سورة ولا أكثر) (5).
وحسنة ابن سنان بابن هاشم، وإن كان فيها ابن عيسى عن يونس:
(يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، ويجوز للصحيح
في قضاء صلاة التطوع بالليل) (6).
والتفصيل بين المريض وغيره في الفريضة وبين التطوع وغيرها في
الصحيح، يقطع اشتراك المريض والصحيح في الفريضة، فلا يرد أن دلالة
الفقرة الأولى من باب مفهوم الوصف والثانية من مفهوم القيد.
ورواية يحيى بن عمران الهمداني: (إنه كتب إلى أبي جعفر عليه السلام
يسأله عمن ترك البسملة في السورة. فكتب: يعيد) (7).
وصحيحة الحلبي: (لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة

(1) الوسيلة: 93.
(2) شرح جمل العلم والعمل: 85.
(3) أمالي الصدوق: 512.
(4) الخلاف 1: 335، كتاب الصلاة، المسألة 86.
(5) الوسائل 4: 736، الباب 4 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(6) الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة، الحديث 5.
(7) الوسائل 4: 746، الباب 11 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 6، نقلا
بالمعنى.
563

الكتاب في الركعتين الأوليين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئا) (1).
وما ورد من المعتبرة - في المأموم المسبوق - من الأمر بقراءة (أم
الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب) (2).
وما روي عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام: (إنما أمر الناس
بالقراءة في الصلاة; لئلا يكون القرآن مهجورا مضيعا، وليكن محفوظا
مدروسا فلا يضمحل ولا يجهل، وإنما بدئ بالحمد في كل قراءة دون سائر
السور; لأنه ليس شئ من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير
والحكمة ما جمع في سورة الحمد... إلى آخر الحديث) (3). فإنها تدل على أن
القراءة المأمور بها في الصلاة أكثر من الحمد، بل يبدأ فيها بالحمد.
ويؤيد هذه الروايات روايات أخر كثيرة جدا.
مثل ما يظهر منه اعتقاد الراوي لوجوب السورة ولم يردعه الإمام عليه السلام: مثل روايتي علي بن جعفر عليهما السلام (4) والصيقل (5)، وفيهما السؤال
عن إجزاء الفاتحة عند الاستعجال، وصحيحة محمد بن مسلم، وفيها - بعد
قوله عليه السلام: (لا صلاة إلا أن يبدأ فيها (6) في جهر أو إخفات -: قلت: أيهما

(1) الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 2.
(2) الوسائل 5: 445، الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(3) الفقيه 1: 310، الحديث 926، والعيون 2: 107، والعلل: 260، ذيل الحديث
9، والوسائل 4: 733، الباب الأول من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 3.
(4) الوسائل 4: 735، الباب 2 من أبواب القراءة، الحديث 6.
(5) الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة، الحديث 4.
(6) كذا، وفي المصدر: يقرأ بها.
564

أصاب (1) إليك - إذا كان خائفا أو مستعجلا - يقرأ سورة أو فاتحة الكتاب؟
قال: فاتحة الكتاب) (2).
ومضمرة محمد بن إسماعيل: (أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في
مواضع يكون فيها الاعراب أنصلي المكتوبة على الأرض فنقرأ أم الكتاب
وحدها، أم نصلي على الراحلة فنقرأ فاتحة الكتاب والسورة؟ فقال: إذا
خفت فصل على الراحلة المكتوبة وغيرها، وإذا قرأت الحمد والسورة أحب
إلي، ولا أرى بالذي فعلت بأسا) (3).
ومثل ما دل على حرمة العدول (4)، ومثل ما ورد في بيان كيفية صلاة
الآيات، مثل صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم: (قالا: سألنا أبا جعفر
عليه السلام عن صلاة الكسوف، كم هي ركعة وكيف نصليها؟ قال هي عشر
ركعات وأربع سجدات، تفتتح الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة... إلى آخر
الحديث) (5)، حيت لم يتعرض في جواب هذا السؤال لبيان السورة كما
لم يتعرض للفاتحة، مع أن الظاهر من الأخبار، بل من هذه الرواية: وجوب
السورة في هذه الصلاة، فلولا علم السائل بوجوب السورة في كل فريضة،
كالفاتحة لم يطو ذكرها الإمام عليه السلام في مقام البيان.
إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في تضاعيف الأخبار، كيف؟!
ويكفي في مثل هذه المسألة التي لا يبعد لزوم الاحتياط فيها دون ما ذكرنا

(1) كذا، وفي المصدر: أحب.
(2) الوسائل 4: 732، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 4: 736، الباب 4 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 4: 775، الباب 36 من أبواب القراءة في الصلاة، وغيره من الأبواب.
(5) الوسائل 5: 150، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، الحديث 6.
565

من الأخبار بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة والاجماعات المستفيضة المؤيدة
بموافقة الكتاب ومخالفة [العامة].
فظهر ضعف ما عن الإسكافي (1) والديلمي (2) والشيخ في النهاية (3)
والمحقق في المعتبر (4) والمصنف في المنتهى (5) من القول بالاستحباب، وتبعهم
على ذلك جماعة من متأخري المتأخرين (6); لصحيحتي الحلبي وابن رئاب
- بناء على تعددهما - عن الصادق عليه السلام: (إن فاتحة الكتاب تجوز وحدها
في الفريضة) (7) المحمولتين على صورة العذر; لما تقدم (8)، وصحيحتي سعيد
ابن سعد الأشعري (9) وزرارة (10) الدالتين على جواز التبعيض المحمولتين على
النافلة; لما تقدم (11) أيضا.
ولو دار الأمر بين هذا الجمع وحمل أدلة الوجوب على الاستحباب
فلا بد من الرجوع إلى المرجحات، ولا يخفى أنها مع أدلة المختار من وجوه

(1) المختلف 2: 142.
(2) المختلف 2: 142.
(3) النهاية: 75.
(4) انظر المعتبر 2: 173.
(5) انظر المنتهى 1: 272، هذا ولكن عبارة المنتهى صريحة في الوجوب وإن نسب
الاستحباب إليه جماعة كالسيد في المدارك 3: 347، والسبزواري في الذخيرة: 268،
والمحدث البحراني في الحدائق 8: 114.
(6) منهم السيد السند في المدارك 3: 347، والسبزواري في الذخيرة: 268، والفيض
الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 131.
(7) الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1 و 3.
(8) في الصفحة: 317.
(9) الوسائل 4: 737، الباب 4 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 6 و 7.
(10) الوسائل 4: 737، الباب 4 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 6 و 7.
(11) في الصفحة: 317.
566

عديدة، أعظمها: شذوذ القول المذكور بين القدماء والمتأخرين; لأن المحكي
عن عبارة النهاية مضطرب، مع أن ما يورد في خصوص الكتاب ربما يكون
من باب الايراد لا الاعتقاد، كما أشار إليه ابن إدريس (1)، ورجوع الفاضلين
عما مالا إليه في المعتبر (2) والمنتهى (3) كما هو صايح كتبهما (4) المتأخرة،
والإسكافي غالبا فتاواه - كما قيل - موافقة لمذهب العامة، كما اتفق هنا،
فلم يبق إلا الديلمي، فلو ادعى أحد الاجماع فيه واستمرار المذهب على
ذلك - كسيرة المسلمين - إلى زمن صاحب المدارك لم يبعد عن الصواب،
والله العالم (5).
(ولو لم يحسن القراءة وجب عليه التعلم) لما يجهله من الفاتحة
والسورة وأبعاضها اتفاقا - من باب المقدمة بعد دخول الوقت، بل وقبله لمن
يعلم بعدم التمكن منه في الوقت - في وجه قوي تقدم في تكبيرة الاحرام،
وتقدم أيضا: أنه لا يجوز له الاشتغال بالصلاة في سعة الوقت، (فإن ضاق
الوقت)، ولم يتعلم قصورا أو تقصيرا وجب عليه الائتمام أو اتباع قارئ

(1) 1 نظر السرائر 1: 99، 269، 394.
(2) المعتبر 2: 173.
(3) انظر المنتهى 1: 272. وراجع الصفحة السابقة الهامش (5).
(4) الشرائع 1: 82، والقواعد 1: 272، والنهاية 1: 461.
(5) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة: (68) وبعدها بياض بمقدار صفحة
واحدة، ولم نقف في الأوراق المكررة على شرح ما في الإرشاد من قوله: (ويتخير في
الزائد بين الحمد وحدها وأربع تسبيحات صورتها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر) وقد تقدم للمؤلف قدس سره شرحه في الصفحات: 321 - 333،
فراجع.
567

أو القراءة من المصحف; بناء على عدم جوازه اختيارا، كما عن ظاهر الشيخ
في كتبه الفقهية (1) والمصنف قدس سره، في التحرير (2) وولده (3) والشهيدين (4)
والكركي (5); لانصراف أدلة القراءة إلى القراءة عن ظهر القلب، ولأنه
صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمر الأعرابي بالقراءة من المصحف (6)، ولوجوب تعلم
أجزاء الصلاة ومنها الفاتحة; ولأن القراءة من المصحف في الصلاة مكروه
إجماعا - كما عن الإيضاح (7) - ولا شئ من المكروه بواجب، ولخصوص
الخبر: (عن الرجل والمرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه يقرأ ويصلي، قال:
لا يعتد بتلك الصلاة) (8).
والكل ضعيف، لا ينهض في مقابل الأصل وإطلاق الأدلة، وخصوص
رواية الصيقل: (في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع
السراج قريبا منه. قال: لا بأس بذلك) (9).

(1) النهاية: 80، والمبسوط 1: 109.
(2) تحرير الأحكام 1: 38.
(3) إيضاح الفوائد 1: 108.
(4) الذكرى: 187، وروض الجنان: 263.
(5) جامع المقاصد 2: 252.
(6) راجع سنن أبي داود 1: 220، الحديث 832، وليس فيه (أعرابي) وفيه: (جاء
رجل).
(7) إيضاح الفوائد 1: 108.
(8) الوسائل 4: 780، الباب 41 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(9) نفس المصدر، الحديث الأول -
568

فالجواز أقوى، وفاقا للمحكي عن التذكرة (1) والنهاية (2) وجماعة من
متأخري المتأخرين (3)، وإن كان عدمه وتقديم أحد الأولين عليه عند الضيق
أحوط، وإن استشكل بعضهم (4) في وجوب الائتمام لو لم ينعقد الاجماع;
لصدق العجز عن القراءة في الجملة المسوغ للاكتفاء بما يحسنه; إذ ليس المراد
العجز تمام العمر.
مضافا إلى إطلاق الفتاوى، ولا ريب أن إطلاقاتها غير مسوقة
إلا لبيان صورة العجز عن الصلاة التامة ولو جماعة، كما لا يخفى.
وإن لم يتمكن من شئ من الثلاثة (قرأ ما يحسن‍) - ه منها، إجماعا
محققا ومستفيضا، إن كانت آية ولو غير مستقلة كما يقتضيه إطلاق
الاجماعات، وكذا إن كان بعض آية مع صدق القرآن عليه، كما مال إليه في
المعتبر (5) بعد تحسين عدم الوجوب، وجزم به في المنتهى (6) والذكرى (7)
والروض (8)، وعن جامع المقاصد (9) والموجز (10) وكشف

(1) التذكرة 1: 117.
(2) نهاية الإحكام 1: 479.
(3) راجع مجمع الفائدة 2: 212، والذخيرة: 272، والجواهر 9: 311.
(4) لم نقف عليه.
(5) المعتبر 2: 170.
(6) المنتهى 1: 274.
(7) الذكرى: 187.
(8) روض الجنان: 262، وفيه: ولو كان ما يحسنه بعض الفاتحة...
(9) جامع المقاصد 2: 250.
(10) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 77.
569

الالتباس (1)، والظاهر أن مرادهم صدق قراءة القرآن عرفا، وإن كانت
الكلمة الواحدة أيضا قرآنا في اللغة - ولذا يحرم مسها وقرائتها على الجنب
إذا كانت من العزائم - إن كان مقدارا يصدق معها أنه يحسن شيئا من
القرآن; لعموم قاعدة الميسور (2)، وعموم (فاقرأوا ما تيسر منه) (3). وهما
وإن اقتضيا وجوب مطلق الجزء بقصد أنه من الفاتحة، إلا أن ما سيجئ (4)
من وجوب الذكر على الجاهل يشمل عرفا العالم بمثل ذلك.
نعم، الظاهر عدم اشتراط صدق قراءة القرآن عليه بنفسه من
دون مدخلية، وإلا لما وجب على من تعلم الآيتين الأوليين من
الفاتحة، لأنهما مشتركتان بين القرآن وغيره مع أن شمول الآية
لما لا يسمى قرآنا مشكل، وقاعدة الميسور توجب القراءة [بقدر] (5)
اللفظ الميسور.
فإن كان ما لا يحسنه هي السورة أو بعضها، لم يجب التعويض عنها;
اقتصارا في مخالفة الأصل على مورد اليقين، ولما تقدم من أن السورة تسقط
مع الضرورة، وهذا منها، أو أولى.
وإن كان بعض آيات الفاتحة، ففي الاقتصار عليه كما هو ظاهر العبارة

(1) لا يوجد لدينا وحكى عند في مفتاح الكرامة 2: 370.
(2) هذا آخر الصفحة اليمنى من الورقة: (69) من المخطوطة وما يليه هو أول الصفحة
اليسرى من الورقة: (54)
(3) المزمل: 20.
(4) انظر الصفحة: 577 - 578.
(5) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحة في الأصل.
570

وصريح المعتبر (1) والمنتهى (2) والمدارك (3) وعن غيرها (4)، أو وجوب التعويض
عنه كما حكاه في الروض (5) عن المشهور بين المتأخرين قولان: من أصالة
البراءة، ومن الاحتياط في العبادة، وأن كل ما دل على البدلية عند تعذر
مجموع الفاتحة مشعر باعتبارها عن كل جزء من الفائت.
مضافا إلى وجوب قراءة ما تيسر، الدال على وجوب الابدال للعالم
بغير الفاتحة، وعموم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (6) خرج الصلاة المجردة
عنها المشتملة على بدلها، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأعرابي
بالتسبيحات الأربع (7) مع بعد أن يكون لم يحسن التسمية أو قول: (الحمد لله
رب العالمين)، بل ما عدا التكبير من الأربع مشتمل على فقرات القرآن،
نحو: (الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله) (8).
ويؤيد الجميع: ما سيجئ من علل الفضل (9) مما يستفاد منه أن القراءة

(1) المعتبر 2: 170.
(2) المنتهى 1: 274.
(3) المدارك 3: 343.
(4) مجمع الفائدة 2: 213.
(5) روض الجنان: 262.
(6) مستدرك الوسائل 4: 158، الحديث 4365.
(7) سنن البيهقي 2: 381.
(8) في هامش (ق) - بعد كلمة لا يمكن قرائتها - عبارة: (ملحوظ في خصوص الفاتحة)
ولم نعلم محلها بالضبط.
(9) يجئ في الصفحة: 574، وقد تقدم أيضا في الصفحة: 564.
571

بماهيتها مطلوبة، وتعينها في ضمن الفاتحة لمزية لها ليست في غيرها... (1).
فما رواه الجمهور عن رفاعة: (إذا قمت إلى الصلاة فإن كان معك قرآن
فاقرأ به، وإلا فاحمد الله وهلله وكبره) (2).
ومن هنا يعلم أن وجوب قرآن غير الفاتحة ليس من باب بدليته
للفاتحة، بل من جهة وجوب ماهية القراءة وسقوط خصوصية الفاتحة لا إلى
[بدل] (3) كما اعترف به الفريد البهبهاني (4) حيث إنهم يذكرون في الواجبات
القراءة... جواز... (5) والاغماض [عما] (6) ورد من أن [القراءة] (7) سنة (8)،
يعني أن وجوبها غير مستفاد من الكتاب، فهو إنما يدل على وجوب قراءة
ما تعلمه من غير الفاتحة، ونقول به إن كان سورة; بناء على وجوب
السورة، وإن كان أزيد فلا يتعين الاتيان بالأزيد.
ولو قلنا بوجوب التعويض، فحينئذ وجوب السورة مسلم اتفاقا منا،
ووجوب الأزيد منفي باتفاق الخصم; إذ على القول بالتعويض لا يتعين في
التعويض قراءة الأزيد، بل يمكن تكرار السورة أو بعضها للتعويض.
اللهم إلا أن يلتزم بعدم جواز تكرار السورة للعوض ولنفسها، فيثبت
حينئذ وجوب الزائد بالآية في هذه الصورة، ويتم في غيرها بعدم الفصل،

(1) كلمة غير مقروءة.
(2) سن البيهقي 2: 380.
(3) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحه.
(4) لا يوجد كتابه لدينا
(5) محل النفط كلمات لا يمكن قرائتها.
(6) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحة.
(7) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحة.
(8) الوسائل 4: 766، الباب 27 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث الأول.
572

وعليه فيقوى القول بالوجوب سيما بعد ضم الوجه الأخير إليه.
نعم، ربما يوهنه عدم التعرض في المنوي لوجوب التسمية، فالقول
بالتعويض أقوى وأحوط.
وفي الوجوه الثلاثة نظر; لأن الظاهر من أدلة بدلية غير القرآن أنه
بدل عن القرآن، لا عن خصوص الفاتحة.
فإذا كان يحسن شيئا من القرآن يكتفي به; لظاهر قوله صلى الله عليه وآله
وسلم، وقوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان: (لو أن رجلا دخل في الاسلام
ولا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يسبح ويكبر ويصلي...) (1). فإن
مساقه يدل على أن المتعين مع القدرة على قراءة القرآن هو قراءته.
وأما قوله: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (2) فظاهره نفي الصلاة عن
المجردة عن الفاتحة لأجل تجردها عنها، ومعلوم أن هذا مختص بالقادر، وأما
العاجز - كما في فرض المسألة - ففساد صلاته لو ثبت، فليس لتجردها عن
الفاتحة، بل ولا لتجردها عن بدلها; لأن الشأن في إثبات البدلية.
وأما ما استفيد من المروي [عن] علل الفضل (3)، ففيه: أن الظاهر منه
أن ما ذكر في وجه اختيار الفاتحة، إنما هي حكمة لاختيارها من بين سائر
السور، لا من بين سائر القراءات المساوية للفاتحة في الآيات والحروف أو في
أحدهما، كما لا يخفى (4)....

(1) الوسائل 4: 735، الباب 3 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث الأول.
(2) مستدرك الوسائل 4: 158، الحديث 4365.
(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 107. والوسائل 4: 733 الباب الأول من أبواب
القراءة الحديث 3.
(4) كلمات غير مقروءة.
573

وعليه، فهل يتعين تكرار ما تعلم من الفاتحة بقدرها، كما عن
التذكرة (1) والمنظومة (2)، وعن إرشاد الجعفرية الميل إليه (3); لأقربيته إلى
الفائت كما في الذكرى (4)، أو يتعين الابدال من غيرها مع القدرة، كما عن
الروض أنه المشهور (5)، وهو خطأ; لعموم: (فاقرأوا ما تيسر) (6) و (إن كان
معك قرآن فاقرأ به) (7); بناء على ظهوره في عدم تكرار ما معه; ولأن
الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا.
ويشعر به المروي عن علل الفضل: (إنما أمر بالقراءة لئلا يكون
القرآن مهجورا مضيعا وليكون محفوظا مدروسا، فلا يضمحل ولا يجهل،
وإنما بدئ بالحمد في كل قراءة دون سائر السور; لأنه ليس شئ من
القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير والحكمة ما جمع في سورة الحمد;
لأن قوله: " الحمد لله "; أداء لما أوجب الله على خلقه من الشكر...
الحديث) (8)، إذ المستفاد منه أن القراءة المطلقة مطلوبة، وخصوصية الفاتحة
مطلوب آخر، وحكمة المطلوبية فيها تحصل بمجموعها، وكذا الحكمة المذكورة

(1) التذكرة 1: 115.
(2) الدرة النجفية: 139.
(3) لا يوجد لدينا.
(4) الذكرى: 187.
(5) روض الجنان: 262.
(6) المزمل: 20.
(7) سنن البيهقي 2: 380.
(8) الوسائل 4: 733، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث 3 وتقدم في
الصفحة: 564.
574

في بعض الروايات من أن اسم الله الأعظم مقطع في أم الكتاب (1) ولا يخفى
عدم إحراز هذه الحكمة بتكرارها... مراعاة عدم تضييع القرآن
وهجره،... (2) بالقراءة من موضع آخر، لا بتكرار الآية.
وأما دعوى كون بعضها أقرب إلى الفائت فهي ممنوعة; لأن مجرد
جمعها في سورة واحدة لا توجب الأقربية.
ولو لم يعلم غير ذلك البعض: ففي وجوب التكرار أو التعويض عن
الفائت بالذكر، قولان; من أن الشئ الواحد لا يكون أصلا وبدلا، وعموم
ما تقدم من أن بدلية الذكر عن المجموع يقتضي بدلية بعضه عن البعض.
ومن أن المقصود الأصلي القراءة، فلا يعدل عنه مهما أمكن، وإذا كان
التقدير تقدير وجوب الابدال عن الفائت وجب القرآن.
ويحتمل - هنا -: سقوط الابدال; لعدم الدليل على الذكر هنا ولا على
التكرار.
والظاهر أن القول بالابدال مع التمكن من قرآن غير الفاتحة وعدمه مع
عدمه، ليس قولا بالفصل.
وإن جهل الجميع قرأ من غيرها، كما صرح به الفاضلان (3)
والشهيدان (4)، وفي كشف اللثام: لعله لا خلاف فيه (5)، وفي غيره أنه

(1) الوسائل 4: 733، الباب الأول من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 5.
(2) محل النقط كلمات لا تقرأ.
(3) المعتبر 2: 169، والمنتهى 1: 274.
(4) الدروس 1: 172، وروض الجنان: 262.
(5) كشف اللثام 1: 218.
575

المشهور; لعموم: (فاقرأوا ما تيسر) (1) وما ذكر في علل الفضل (2) والنبوي
المتقدم: (إن كان معك قرآن فاقرأ به) (3).
وصريح الجماعة - كالنبوي وظاهر الآية ورواية العلل -: عدم الاجتزاء
حينئذ بالذكر، وينضاف إليها مفهوم قوله عليه السلام (4) في صحيحة ابن سنان:
(لو أن رجلا دخل الاسلام ولا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبر
ويسبح ويصلي) (5)، خلافا لظاهر عبارة الشرائع (6) وظاهر المحكي عن الشيخ
من التخيير بين القراءة والتسبيحات (7)، قيل (8): ولم نر لهما موافقا.
ثم لو أحسن سورة كاملة فلا إشكال في وجوب قرائتها; بناء على
وجوب السورة; لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
وهل يجب التعويض عن الفاتحة، كما في الذكرى (9)، أم لا كما في
المنتهى (10)؟ إشكال كما عن التحرير (11).

(1) الحدائق 8: 111.
(2) تقدم في الصفحة: 574.
(3) تقدم في الصفحة: 572.
(4) هذا هو آخر ما في الصفحة اليمنى من الورقة: (55)، وقوله: (في صحيحة) هو أول
الصفحة اليسرى من الورقة: (69).
(5) المتقدمة في الصفحة: 573.
(6) الشرائع 1: 81.
(7) المبسوط 1: 107.
(8) الجواهر 9: 306.
(9) الذكرى: 188.
(10) المنتهى 1: 274
(11) التحرير 1: 38.
576

من الأصل وامتثال أوامر القراءة، وارتفاع أمر الفاتحة وعدم ثبوت
أمر ببدلها على الخصوص، وما تقدم من أدلة الابدال إنما يدل على الوجوب
بعنوان أنها قراءة، لا أنها بدل عن الحمد، مضافا إلى قيام شبهة القران بين
السورة وأزيد منه.
ومن أنه كان يجب عليه التعويض عن الحمد مع جهل السورة،
فلا يسقط مع علمها، ومنه يعلم أنه لو قلنا بعدم وجوب التعويض عن باقي
الفاتحة في المسألة السابقة أمكن القول هنا بالتعويض; لأن بعض الفاتحة إذا
تعذر ما عداه يقوم مقام الكل، كما يظهر من مساق قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
(إذا أمرتكم.... إلى آخر الحديث) (1) بخلاف ما إذا لم يعلم شيئا منه; فإن
الابدال هنا واجب اتفاقا، ولعله لذا أفتى في التحرير في المسألة بعدم
الوجوب واستشكل هنا.
ولأنه لو كان عوض الحمد ساقطا بامتثال السورة لم يجب عليه
التعويض عن الفاتحة بغيرها من القرآن - الذي قد مر دعوى عدم ظهور
الخلاف فيه -; لأنه حينئذ يجب من حيث كونه جزءا من السورة التي
لا تسقط رأسا بتعذر بعضها.
مضافا إلى عموم: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) (2)، خرج ما إذا أتى
ببدلها.
ويرد الكل: بأن الواجب في صورة الجهل رأسا هو التعويض بالذكر
عن القراءة لا الفاتحة، وأن وجوب قراءة غير الفاتحة في المسألة السابقة

(1) عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 206.
(2) عوالي اللآلي ا: 196، الحديث 2.
577

بوصف أنها بدل عن الفاتحة غير معلوم، بل لأجل التمكن من ماهية
القراءة بعد سقوط خصوصية الفاتحة للعجز، وعموم: (لا صلاة إلا بفاتحة
الكتاب) مختص بالقادر.
فالوجوب لا يخلو عن ضعف، سيما وأن فيه شبهة القران بين سورتين
أو بين سورة وأزيد، فتأمل.
ثم (1) إن صريح المعتبر (2) والمنتهى (3) كما عن التحرير (4): عدم وجوب
كون عوض الفاتحة بقدرها; لما مر في جواز الاقتصار على ما يحسنه من
الفاتحة من الأدلة، خلافا للمصنف قدس سره في القواعد (5) كما عن التذكرة (6)
والنهاية (7) والشهيدين (8) والمحقق الثاني (9) من وجوب كونها بقدرها.
وهل المراد: قدرها في الآيات؟ كما عن الموجز (10) وكشف
الالتباس (11)، لمراعاتها في قوله: (ولقد آتيناك سبعا من

(1) الظاهر أن الفقرات الآتية تتعلق بشرح فول العلامة في الإرشاد: (ولو لم يحسن
شيئا سبح الله وهلله وكبره بقدر القراءة).
(2) المعتبر 2: 170.
(3) المنتهى 1: 274.
(4) التحرير 1: 38.
(5) القواعد 1: 273.
(6) التذكرة 1: 115.
(7) نهاية الإحكام 1: 473.
(8) الذكرى: 187، وروض الجنان: 262.
(9) جامع المقاصد 2: 251.
(10) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 77.
(11) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 2: 370.
578

المثاني) (1); ولعدم العبرة بطول الآية وقصرها، كما يقع صوم يوم قصير بدلا
عن يوم طويل.
أو قدرها في الحروف؟ كما نسبه في الروض إلى المشهور (2); لأنها
المساواة الحقيقية.
أو في كليهما؟ بمعنى أن لا ينقص حروف الآيات السبع عن حروف
الفاتحة، كما عن النهاية (3) وجامع المقاصد (4) والجعفرية (5) وشرحها (6)، وجوه،
خيرها أوسطها.
والعبرة في الحروف بالملفوظة ولو مشددا، وهمزات الوصل لا تعد
منها على الأقرب; إذ لا يجب التلفظ بها عينا، وقيل: باعتبارها (7).
ولو أحسن سبع آيات متواليات لم يعدل إلى المتفرقة; لوجوب اعتبار
صفات المبدل في البدل، بل بلا خلاف أجده، وعن إرشاد الجعفرية الاجماع
عليه (8).
ويمكن دفعه: بأن التوالي - بمعنى عدم التفرق - كان من مقومات الفاتحة
لا من شروطها النوعية، فلا وجه لاعتباره في البدل، نعم الموالاة في القراءة

(1) الحجر: 87.
(2) روض الجنان: 262.
(3) نهاية الإحكام 1: 473 و 474.
(4) جامع المقاصد 2: 251.
(5) الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 109.
(6) لا يوجد لدينا.
(7) الجواهر 9: 307.
(8) حكى عنه في مفتاح الكرامة 2: 370.
579

لا شك في اعتبارها.
ولو لم يحسن إلا المتفرقة، فإن كان التفرق في الآيات فلا بأس وإن
كانت الآيات لا تفيد معنى منظوما; وفاقا للمحكي عن التذكرة (1).
(ولو) كان التفرق في أبعاض الآيات التي لا يصدق عليها اسم
القرآن عدل إلى ما يعدل إليه من (لم يحسن) من القرآن (شيئا)
و (سبح الله وهلله وكبره) كما في كلام جماعة (2)، وزاد في الذكرى: وحمده (3)
وعن موضع من الخلاف: ذكر الله وكبره (4)، وعن موضع آخر منه: وجب
أن يحمد الله إجماعا (5) " وفي صحيحة ابن سنان: (أجزأه أن يكبر ويسبح
ويصلي) (6)، وفي النبوي المتقدم: (فاحمد الله وهلله وكبره) (7). وعن
الجمهور: (إن رجلا قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني لا أستطيع أن
آخذ من القرآن، فعلمني ما يجزيني في الصلاة. فقال قل: سبحان الله

(1) لم نعثر عليه في التذكرة والعبارة في النهاية 1: 473 مع تفاوت، نعم حكاه في
مفتاح الكرامة 2: 370 عن التذكرة.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 1: 107، والمحقق في الشرائع 1: 81، وابن سعيد الحلي
في الجامع للشرائع: 81.
(3) الذكرى: 187.
(4) الخلاف 1: 343، كتاب الصلاة، المسألة: 94.
(5) الخلاف 1: 466، كتاب الصلاة، المسألة: 213، وفيه: وجب عليه أن يحمد الله
ويكبره.
(6) الوسائل 4: 735، الباب 3 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث الأول.
(7) سنن البيهقي 2: 380.
580

والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) (1).
ولا ريب أن العمل به أحوط; جمعا بين الأقوال والروايات،
وخروجا عما حكي عن الإسكافي والجعفي واستوجهه في الذكرى (2) وتبعه في
الروض (3) وجامع المقاصد (4). وعن الموجز (5) وكشف الالتباس (6) والعزية (7)
والميسية (8) من تعين ما يتعين في الأخيرتين، لثبوت بدليته عن الفاتحة فيهما.
ويمكن تنزيل صحيحة ابن سنان عليه، بأن يكون المراد من التكبير
فيها: تكبيره، والتسبيح إشارة إلى الفقرات الأربع المعبر عنها كثيرا
بالتسبيحات الأربع، إما تغليبا وإما لاشتمال الكل على تنزيه الله جل وذكره حتى
التحميد.
ثم إن ظاهر الرواية - كصحيحة ابن سنان -: عدم وجوب كون الذكر
(بقدر) الفاتحة، كما صرح به في المعتبر (9) والمنتهى (10)، خلافا لجماعة (11);

(1) سنن البيهقي 2: 381.
(2) حكاه الشهيد في الذكرى: 187.
(3) روض الجنان: 263.
(4) جامع المقاصد 2: 251.
(5) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 77.
(6) كشف الالتباس (مخطوط): 179 وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 371.
(7) لا بوجد لدينا، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 371.
(8) لا بوجد لدينا، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 371.
(9) المعتبر 2: 169 و 170.
(10) المنتهى 1: 274.
(11) منهم المحقق في الشرائع 1: 81، والعلامة في النهاية 1: 474، والشهيد في البيان:
159.
581

لقضية البدلية.
وفيه أولا: منع بدليته عن الفاتحة، بل هو بدل عن أصل (القراءة):
بناء على القول بالاقتصار على مسماها من الفاتحة أو غيرها.
وثانيا: منع اقتضاء البدلية للتساوي; فإن الأقوى - كما سيجئ
إن شاء الله تعالى - كفاية التسبيحات المذكورة مرة واحدة عن الفاتحة.
ثم إن ظاهر عبارة الذكرى حيث جعل الخلاف في وجوب كون الذكر
بقدر الفاتحة (1) عدم الخلاف - كما عن الذخيرة (2) والبحار (3) والمنتهى (4) - في
نفي وجوب التعويض عن السورة; للأصل واختصاص أدلة الذكر بمن
لا يحسن القراءة، الدال على عدم وجوبه عند العلم بالفاتحة، المتمم - في
صورة الجهل بها - بعدم الفصل.
كما لا دليل على وجوب التعويض عن السورة بمقدار أقل سورة من
الفاتحة.
ويظهر من الفريد البهبهاني في شرح المفاتيح (5) كظاهر المصنف هنا،
وعن التذكرة (6): وجوب التعويض; ولعله لظاهر بدلية الذكر عن القراءة

(1) الذكرى: 187.
(2) الذخيرة: 268 و 272.
(3) البحار 85: 12 و 64.
(4) المنتهى 1: 272 وفيه: لا خلاف... لصاحب الضرورة.
(5) شرح المفاتيح (مخطوط) الورقة: 123 - 124 عنه في مفتاح الكرامة 2: 371.
(6) لم نقف عليه في التذكرة، وفي الرياض (3: 384) كما حكى التصريح به عن
التذكرة.
582

الواجبة في الصلاة وإجزائه عنها على ما يستفاد من صحيحة ابن سنان (1)،
ولا يبعد أن يقال بكون التسبيحات الأربع بدلا عن الفاتحة والسورة كلتيهما،
لا بدلا عن الفاتحة مع سقوط السورة لا إلى بدل; للعذر.
لكن الظاهر - على أي تقدير - عدم تقسيط أجزائها على أجزائهما
ليترتب على كل مقابل أحكام مقابله.
ولو عجز عن الذكر بالعربي، فالظاهر أن ترجمته مقدمة على ترجمة
القرآن; لأن ترجمة القرآن لا يصدق عليه القرآن، ولا يجعل منه المقصود
الأصلي من القرآن وهو نظمه المعجز، بخلاف ترجمة الذكر; الذي لو لم يصدق
عليه خصوص الذكر المأثور، لكن يحصل منه المقصود الأصلي منه، كما تقدم
في تكبيرة الاحرام (2)، إلا أنه لو علم (3) ترجمة الفاتحة فهي ليست خارجة
عن الذكر، لأنها تحميد ودعاء، كما في الصحيح (4). نعم لو لم يعلم ترجمة
الذكر فلا يبعد ترجمة القرآن.
ولو عجز عنهما، فعن المصنف في النهاية (5) والتذكرة (6) وجوب أن
يقوم بقدر القراءة، واستحسنه في الروض (7) والروضة (8) وحكي عن

(1) الوسائل 4: 735، الباب 3 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث الأول.
(2) راجع الصفحة: 546.
(3) في الأصل: أنه لو علم أنه لو علم.
(4) الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث الأول.
(5) نهاية الإحكام 1: 475.
(6) التذكرة 3: 138.
(7) روض الجنان: 263.
(8) الروضة البهية 1: 612.
583

الدروس (1) والموجز (2) وشرحه (3) وعن الجعفرية (4) أن في بعض الأخبار إيماء
إليه، وهو حسن إن ثبت وجوب القيام بقدر القراءة مطلقا، أما إذا كان
الثابت وجوب القيام حال القراءة فلا.
وقد يرد: بأن وجوب القيام تبعي، وفيه نظر.
(ثم (5)) يجب على العاجز عن قراءة الفاتحة والسورة مطلقا أن
(يتعلم)، وظاهر العبارة كغيرها من عبائر الجماعة: وجوب التعلم عينا،
اللازم منه عدم السقوط بالتمكن من الائتمام أو متابعة قارئ، ولم يظهر له
وجه يعتمد عليه، عدا ما ربما يقال: من أن الائتمام من جهة ارتباطه بفعل
الغير في معرض الزوال; لعروض المانع عن الاقتداء من طرف الإمام
أو المأموم، فلا يسقط به وجوب التعلم.
وأما إطلاق دعوى الاجماع في المعتبر (6) والذكرى (7) فليس شاملا لهذه
الصورة، بل هو كإجماعهم على وجوب القراءة (8)، فسأله التعلم متفرعة على
مسألة القراءة; ولذا قالوا إجماعا من كل من أوجب القراءة، والحق أنه مع
الاطمئنان بحصول الصلاة جماعة يسقط وجوب التعلم.

(1) الدروس 1: 172.
(2) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 77.
(3) انظر مفتاح الكرامة 2: 371.
(4) الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 109.
(5) هذا هو أول الصفحة اليسرى من الورقة: (70).
(6) المعتبر 2: 169.
(7) الذكرى: 187
(8) راجع الصفحة: 559.
584

(والأخرس) الذي عرف ألفاظ القراءة أو يمكن أن يعرفها
(يحرك) مع الصوت (لسانه) أو لهواته أو شفتيه - ولعل في ذكر اللسان
تغليبا - بالقراءة (ويعقد قلبه) بها، بأن بنوي كونها حركة قراءة كما في
جامع المقاصد (1) والروض (2) مفسرين به كلام من أشترط عقد القلب بمعناها،
والظاهر أن المراد من ذلك أن ينوي بكل جزء من الحركة جزءا معينا من
لفظ القراءة، بأن يطبق حركة اللسان على حديث النفس بالقراءة جزءا
فجزءا، لا مجرد كون الحركة حركة القراءة، بلا خلاف ظاهرا في أصل
الحكم، حتى من الشيخ الذي لم يصرح باعتبار عقد القلب; حيث إن تحريك
اللسان بالقراءة - المقتصر عليه في المبسوط (3) - لا يتحقق إلا بعقد القلب
وبالقصد إلى القراءة، كما صرح به في كشف اللثام (4). ويدل على الحكم - بعد
ظهور الاجماع -: أن هذا القدر هو المقدور في حقه من القراءة، بل هي منه
قراءة عرفا.
وفي موثقة مسعدة بن صدقة، عن الصادق عليه السلام: (إنك قد ترى
من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، وكذلك
الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهد وما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم
والمحرم، لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح) (5).
وفي رواية السكوني: (تلبية الأخرس وتشهده وقراءته القرآن في

(1) جامع المقاصد 2: 254.
(2) روض الجنان: 263.
(3) المبسوط 1: 106.
(4) كشف اللثام 1: 218 و 219.
(5) الوسائل 4: 802، الباب 59 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 2.
585

الصلاة: تحريك لسانه وإشارته بإصبعه) (1).
وظاهرها: اعتبار الإشارة بالإصبع مع التحريك، كما صرح به
الثانيان في الروض (2) وجامع المقاصد (3) وهو ظاهر الذكرى (4)، وهو حسن،
على تقدير الاغماض عن السكوني، كما لا يبعد، وعن احتمال إرادة الإشارة
مع تعذر تحريك اللسان كما في كشف اللثام (5).
ويؤيده: أن الغالب أن تفهيم هذا النوع الأخرس، بل مطلقه المطالب
للغير إنما هو بتحريك اللسان أو اللهوات أو الشفتين مع حركة اليد، فهما فيه
بمنزلة التكلم في غيره; حيث إن الصوت الخارج منه لا يتميز منه الحروف
المقصودة بالنطق المضمرة في النفس، فكأنه يستعين بيده فاعتبر الشارع في
الأذكار اللفظية ما جعله الأخرس في حق نفسه تكلما وعود به نفسه،
ولا يقدح عدم تعود نادر; لأن الحكمة الغالبة يوجب اطراد الحكم بضميمة
حكمة الاطراد.
لكن الظاهر: أن تعارف ذلك إنما هو في الأخرس الذي يبرز المقاصد
بلسانه ويده، لا من يحرك لسانه بالقراءة; بحيث يكون حركته تلاوة للألفاظ
التي يتصورها، والحاصل أنه يصوت بالألفاظ من غير تمييز بينها، نعم هذا
يمشي في القسم الثالث.
وأما من لم يعرف ألفاظ القراءة، ولا يمكنه سماعها ومعرفتها: فإذا

(1) الوسائل 4: 802، الباب 59 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث الأول.
(2) روض الجنان: 263.
(3) جامع المقاصد 2: 254.
(4) الذكرى: 188.
(5) كشف اللثام 1: 219.
586

عرف إجمالا أن في الوجود أصواتا متميزة، بأن يكون يسمع مجرد الصوت
المشترك بين جميع الحروف والأصوات، لكن يعلم بقرينة اختلاف أوضاع
اللسان والشفتين والأسنان أن هنا أصواتا متميزة، ويعرف أشكال الحروف
مع ذلك، فيجب - بعد عرض الفاتحة والسورة وحفظ أشكالها - أن يعرف
بالإشارة وجوب تحريك لسانه، قاصدا بحركاته: الأصوات المتميزة المعلومة
له إجمالا والاشكال التي حفظها، وفي وجوب إشارته باليد ما تقدم.
وإن لم يعرف ذلك أيضا: فإن أمكن تفهيم معاني الحمد والسورة له،
فالظاهر وجوب تفهيمه إياها، ثم أمره بحركة لسانه عاقدا قلبه على تلك
المعاني، بأن يقصد بحركة اللسان إنشاء تلك المعاني، ووجه وجوب الالتفات
التفصيلي هنا إلى المعاني - التي تعلمها تفصيلا أو إجمالا بحسب قدرته، مع
عدم وجوبه على التكلم الصحيح - هو أنه لما تلفظ بالألفاظ الموضوعة
بإزاء تلك المعاني المفيدة لها مستقلة، وقد أمرنا بالتلفظ بها مع حصول القصد
إلى المعنى إجمالا، كفى التلفظ وإن لم يلتفت تفصيلا. وهنا، لما كان مجرد
الصوت لا يصدق [عليه] القراءة ولا الذكر ولا التكبير ولا يعد قدرا
ميسورا منهما إلا مع اقترانه بالالتفات التفصيلي، وجب الالتفات، فهذا بمنزلة
اللافظ بترجمة القراءة.
ولعل هذا القسم هو محل كلام الشهيد; حيث اعتبر فيه مع تحريك
اللسان عقد القلب بالمعنى (1)، وتعرض له من تأخر عنه بأنه لا دليل على
وجوب ذلك في حق الصحيح فضلا عن المريض (2). حتى قال في الروض:

(1) الدروس 1: 173، والبيان: 159، والذكرى: 188.
(2) جامع المقاصد 2: 254، وروض الجنان: 263، وفيه: ولا يدل عليه دليل في غير
الأخرس فضلا عنه
587

إنه لا يعلم به قائل ولا دل عليه دليل; ولذا أولوه بقصد كون الحركة حركة
القراءة، كما في الروض وجامع المقاصد (1); مستشهدا على ذلك بالاستدلال
عليه في المنتهى بأن حركة اللسان لا يكون بدلا إلا مع النية (2)، وفي كشف
اللثام: إن ما في كتب الشهيد من عقد القلب بالمعنى مسامحة، على أنه إنما
ذكر معنى القراءة.
وقد يقال: إن معناها الألفاظ وإن أراد معانيها فقد يكون اعتبارها;
لأنها لا تنفك عن ذهن من يعقد قلبه بالألفاظ إذا عرف معانيها، أو لأن
الأصل هو المعنى وإنما سقط اعتباره عن الناطق بلفظه رخصة، فإذا فقد
اللفظ وجب العقد بالمعنى، انتهى (3).
ولا يخفى ضعف بعض هذه الوجوه، وعدم الاحتياج إلى بعضها الآخر
وإن استقام في مقام التأويل.
والقسم المذكور من الأخرس، ليس نادرا حتى لا يمكن حمل كلام
الذكرى عليه، ومع ذلك فتخصيصه به بعيد، إلا أن يدعى عليه هذا القسم،
كما لا يبعد.
وكيف كان، فالظاهر وجوب الإشارة على مثل هذا الأخرس;
لاطلاق رواية السكوني (4)، المؤيد بأن عادة مثل هذا الأخرس جارية بحركة
اللسان مع الإشارة باليد في إبراز مقاصده.

(1) المصدران المتقدمان
(2) المنتهى 1: 274.
(3) كشف اللثام 1: 219.
(4) الوسائل 4: 801، الباب 59 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث الأول.
588

وإن لا يمكن إفهامه المعاني، فظاهر الذكرى (1): وجوب تحريك اللسان;
ولعله لأنه المقدور، ولظاهر الخبر.
وفي كليهما نظر، أما الأول: فلأن التحريك تابع للقراءة لا جزء منه
حتى لا يسقط بتعذر الكل.
وأما في الثاني: فلأن المتبادر منه - سيما بقرينة ذكر الإشارة بالإصبع -
هو من يتمكن من فهم معاني الحمد أو ألفاظها، وإلا فلا معنى للإشارة
بالإصبع; إذ لا مشار إليه في الفرض.
(ولا (2)) تجزي القراءة (مع الاخلال بحرف) منها عمدا إجماعا،
على ما يظهر من المحكي عن المعتبر (3) والمنتهى (4) وكشف اللثام (5)
والذخيرة (6); لعدم الاتيان بالمأمور به، لأن الفاتحة اسم للمجموع ولا يطلق
على الناقص إلا من باب التسامحات التي لا تبنى عليها الأحكام الشرعية.
فلو أخل، فإن كان المتروك حرفا من كلمة، بحيث خرج بذلك عن
كونه قرآنا، فإن اقتصر عليها بطلت صلاته; للنقص وللكلام الخارج عن
الصلاة عمدا، وللزيادة حيث قصد بها الجزئية. وإن تداركها بطلت

(1) الذكرى: 188.
(2) هذا أول الصحفة اليسرى من الورقة: (70). وفي الإرشاد قبل هذه الفقرة ما يلي:
(ولا تجزى الترجمة مع القدرة) ولم نقف على شرح هذه العبارة في الأوراق المكررة،
وقد شرحها المؤلف قدس سره في النسخة الأخرى، فراجع الصفحة: 352.
(3) المعتبر 2: 166.
(4) المنتهى 1: 273.
(5) كشف اللثام 1: 216.
(6) الذخيرة: 273.
589

للأخيرين.
وإن لم يكن جزءا من كلمة، ك‍ (واو العطف) بطلت للنقص مع عدم
التدارك، وللزيادة معه.
والاخلال بالتشديد مع حذف الحرف المدغم إخلال بالحرف، وهو
الظاهر من عطفه على الحرف بقوله: (حتى التشديد) ومع إثبات المدغم
محركا إخلال بالكيفية المعتبرة في الكلمة بحكم أهل العربية، وساكنا إخلال
بالموالاة المعتبرة فيها.
ولا فرق في التشديد بين الثابت في إدغام المتماثلين والثابت في إدغام
غيرهما، بشرط وجوب الادغام في لغة العرب، كإدغام لام التعريف في
الحروف الشمسية الأربعة عشر.
أو وجوبه في خصوص القرآن لو ثبت، وإن لم يثبت في أصل
لغة العرب، كما قيل في (أتحاجوني) في سورة الأنعام (1) و (ما مكني)
في الكهف (2) و (تأمروني) في الزمر (3)، لو ثبت إجماع القراء على وجوبه
- الكاشف عن كونه كذلك في أصل القرآن; بناء على تواتر كل من
القراءات السبع - كما هو ظاهر المشهور المدعى عليه الاجماع في
الروض (4) كما عن جامع المقاصد الاتفاق عليه (5)، وعن مجمع الفائدة نفي

(1) الأنعام: 80.
(2) الكهف: 95.
(3) الزمر: 64.
(4) انظر روض الجنان: 264.
(5) جامع المقاصد 2: 245.
590

الخلاف فيه (1) [وعن] المدارك (2) وعن الذخيرة (3) نقل جماعة الاجماع
عليه.
وإن خالف في ذلك جماعة من الخاصة والعامة، مطلقا، كالشيخ في
التبيان (4) ونجم الأئمة (5) والسيد نعمة الله الجزائري (6) وابن طاووس (7)
وجمال الدين الخوانساري (8) والمحدث البحراني (9) وجماعة (10).
أو في ما هو من مثل الهيئة، كالبهائي (11) والحاجبي (12) والعضدي (13).
أو وجود المتواتر فيها وعدم خروجه عنها وإن لم يكن كل واحدة
متواترة، كما عن الشهيد الثاني في المقاصد العلية (14)، وتلميذه والد الشيخ

(1) مجمع الفائدة 2: 217.
(2) المدارك 3: 338.
(3) الذخيرة: 273.
(4) التبيان 1: 7.
(5) شرح الكافية 1: 320.
(6) لم نقف عليه، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 390.
(7) سعد السعود: 283.
(8) لم نقف عليه.
(9) الحدائق 8: 101 و 102.
(10) راجع مفتاح الكرامة 2: 392.
(11) انظر مفاتيح الأصول: 322.
(12) لم نقف عليه.
(13) لم نقف عليه.
(14) المقاصد العلية: 108.
591

البهائي طاب ثراهم (1) تفسير تواتر السبع بذلك.
أو تواتر جواز القراءة بها، بل وجوبها عن الأئمة عليهم السلام، كما حكاه
بعض سادة مشايخنا عن بعض الأفاضل (2)، وبعض مشايخنا المعاصرين عن
الفريد البهبهاني في حاشية المدارك (3) وإنها المرادة ب‍ (قراءة الناس) التي ورد
في رواية سالم بن أبي سلمة (4) وخبر محمد بن سليمان (5) وخبر سفيان بن
السمط (6) والمرسل المشهور (7): (إن القراءة سنة متبعة)، المؤيدة بما عن (8)
مفتاح الكرامة وغيره (9) من الاتفاق على عدم جواز القراءة بما عدا السبع
أو العشر، مضافا إلى أصالة عدم كون غيره قرآنا بعد الاجماع - محققا
ومنقولا - على الجواز.
ومما ذكرنا ظهر وجوب متابعة كل ما أوجبه القراء السبعة أو العشرة
بأجمعهم في خصوص ألفاظ القرآن.
وأما ما اختلفوا فيه: فلا إشكال في عدم وجوب
مراعاته; بناء على ما ثبت بالاجماع المحقق والمحكي عن جماعة (10)

(1) لم نقف عليه
(2) حكاه السيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 322.
(3) الجواهر 9: 294.
(4) الوسائل 4: 821 الباب 74 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(5) الوسائل 4: 821 الباب 74 من أبواب القراءة، الحديث 2 و 3.
(6) الوسائل 4: 821 الباب 74 من أبواب القراءة، الحديث 2 و 3.
(7) لم نقف عليه
(8) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر 9: 292.
(9) مفتاح الكرامة 2: 390.
(10) حكاه السيد المجاهد في مفاتيح الأصول: 325.
592

- كمجمع البيان (1) والتبيان (2) والمنتهى (3) والبحار (4) والذخيرة (5) ومحكي
الفاضل الجواد (6) - من التخيير بين القراءات.
وأما ما أجمعوا على وجوبه في أصل القراءة - سواء كان المقروء قرآنا
أو دعاء أو نحوهما - كإدغام التنوين المتطرف والتنوين في حروف
(يرملون)، كما في الشاطبية (7) وشرحها (8) وعن محكي التيسير (9) وسراج
القارئ (10) مجردا عن الغنة في اللام والراء، مصاحبا لها في الثاني إلا عن
خلف في الواو والياء، وللاخفاء وإظهارهما عند حروف الحلق وإخفائهما
مع بقاء غنتهما في باقي الحروف، كما عن محكي الشاطبية (11) وسراج
القارئ (12) في الأخير، وفي إدغام الذال والظاء نحو: (إذ ظلموا) (13)،

(1) مجمع البيان 1: 12.
(2) التبيان 1: 7.
(3) المنتهى 1: 273.
(4) البحار 85: 23.
(5) الذخيرة: 273.
(6) لم نعثر عليه.
(7) الشاطبية: 8 - 10.
(8) شرح الشاطبية: لا يوجد لدينا.
(9) التيسير: 39.
(10) لم نقف عليه.
(11) الشاطبية: 18.
(12) سراج القاري: لا بوجد لدينا.
(13) النساء: 64.
593

والدال في التاء نحو: (قد تبين) (1)، والعكس نحو: (وعدتنا) (2)، وفي
إدغام تاء التأنيث في الدال والطاء نحو؟ (قد أجيبت دعوتكما) (3)
و (آمنت طائفة) (4)، واللام في الراء نحو: (قل رب) (5) (بل ربكم) (6) (بل
ران) (7) ونحو ذلك، فالظاهر عدم الدليل على وجوب مراعاته، لاحتمال أن
يكون مرادهم من الوجوب وجوب ذلك في مقام التجويد، كما عن محكي
الشهيد الثاني (8) احتماله، لا الوجوب في مقام اللغة بمعنى خروج اللفظ بإهماله
عن قانون اللغة - كالواجب عند النحاة والصرفيين - ولذا قوي وجوب كل
ما هو واجب عند الطائفتين.
ومع تسليم عدم هذا الاحتمال، فلا دليل على مراعاة ما أجمعوا عليه
بعد انصراف مطلقات الأمر [بالقراءة] (9).

(1) البقرة: 256.
(2) آل عمران: 194.
(3) يونس: 89.
(4) الصف: 14.
(5) الإسراء: 24.
(6) الأنبياء: 56.
(7) المطففين: 14.
(8) لم نعثر عليه في ما بأيدينا س كتبه (ره) ولا على من حكاه عنه.
(9) كلمة بالقراءة وردت في آخر الصحفة اليمنى من الورقة: (72) وقد شطب مرتب
أم الأوراق على هذه الكلمة وكتب بدلها: (لا في صحته) الذي هو أول الصفحة اليسرى
من الورقة (72) والظاهر سقوط ورقة هنا، راجع النسخة الأخرى، الصفحة: 366
وما بعدها.
594

(والاعراب) (1) لا في صحته من حيث فن العربية، فإنهم أهل الخبرة
في هذا الفن، فإذا حكموا بصحة قلب النون الساكنة قبل الباء ميما عند العرب
- في ضمن حكمهم بوجوب ذلك في علم القراءة - فلا ريب في اتباعهم، بل
منه يظهر جواز متابعة آحادهم في مثل ذلك إذا لم يخطئه مثله من القراء
أو من أهل العربية.
وكيف يحتمل أن يكون مثل الإمالة الكبرى التي يقرأ بها الكسائي
وحمزة - اللذين تلمذ أولهما على أبان بن تغلب، المشهور في الفقه والحديث،
وعلى ثانيهما، الذي قرأ على حمران بن أعين، الذي هو من أكابر الرواة
والقارئين على أبي الأسود الدؤلي، القارئ على أمير المؤمنين عليه السلام، بل
قرأ على جعفر بن محمد عليهما السلام، مع اشتهار ذلك عنهما، وعدم هجر
قراءتهما لذلك - أن يكون لحنا في العربية بحيث يخرج عنها وتبطل بها
الصلاة؟!
ويظهر من كلام العلامة في المنتهى: عدم الخلاف في ذلك; حيث قال:
وأحب القراءات إلي: ما قرأه عاصم من طريق أبي بكر بن عياش وطريق
أبي عمرو بن العلاء، فإنها أولى من قراءة حمزة والكسائي، لما فيهما من
الادغام والإمالة وزيادة المد، وذلك كله تكلف، ولو قرأ به صحت صلاته
بلا خلاف (2).

(1) ما بين القوسين من الإرشاد، وقد أضفناه لمناسبة الشرح الذي يليه، وقوله:
(لا في صحته..) هو أول ما في الصفحة اليسرى من الورقة: (72)، وقد تعرض
المؤلف قدس سره لشرح ذلك في النسخة المكررة تفصيلا فيها تقدم، فراجع الصفحات:
353 - 368.
(2) المنتهى 1: 273.
595

وأما التخيير المستفاد من إجماعهم على وجوب القراءة بإحدى السبع
أو العشر فلا ينفعنا بعد ما ذكرنا من أن المراد من ذلك: الاقتصار بها بالنسبة
إلى ما يخالفها في المقومات المعبر عنه بالشاذ - المعلل عدم جواز القراءة به:
بأنه ليس بقرآن -، والمفروض أن الصفات التي هي محل الكلام خارج عن
المقومات، بل فاقدها كواجدها في صدق القرآن عليه حقيقة، وليس المراد
بها خصوص شخص تلك القراءات المعروضة للهيئات المستحسنة، من حيث
كونه لفظا عربيا، وإلا يوجب اتباع هذه الكيفيات.
ومما ذكرنا يظهر حال المد الواجب، الذي أوجبوه في الألف والواو
والياء، الساكنين التاليين للحركة المجانسة، إذا وقع بعدها في كلمة واحدة (1)
همزة أو سكون لازم، في مدغم لازم أو عارض أو غير مدغم، نحو
(جاء) (2) و (سوء) (3) (وجئ) (4) و (دابة) (5) و (تأمروني) (6) وفواتح السور
الثلاثية المتوسطة بحرف المد التالي للحركة المجانسة مثل (ق) و (نون)
و (ص) ونحوها (7).
(ولا) تجزي القراءة (مع مخالفة ترتيب الآيات) على الوجه

(1) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحة.
(2) الأنعام: 61 وموارد أخرى كثيرة.
(3) النساء، 110 وموارد أخرى متعددة.
(4) الزمر: 69، والفجر: 23.
(5) البقرة: 164، وموارد أخرى كثيرة.
(6) الزمر: 64.
(7) هذا هو آخر ما في الصفحة اليسرى من الورقة: (72)، وبعده بياض بمقدار أربعة
أسطر، وقوله: (ولا تجزى) هو أول الصفحة اليمنى من الورقة: (73).
596

المنقول بالتواتر، وأولى منه: ترتيب الكلمات والجمل; لفوات النظم المقصود
من القراءة وعدم صدق السورة وإن صدق القرآن في بعض أفراده.
فلو خالف عمدا بطلت القراءة بلا خلاف ولا إشكال فيه، ولا في
إبطال الصلاة إذا كان مخالفة الترتيب بين الكلمات مخرجة للمقروء عن
القرآنية، أو لم يكن، لكن اقتصر عليه حتى ركع.
وأما مع عدم الأمرين: فهل يبطل به الصلاة؟ ظاهر جماعة: نعم،
قيل (1): ولعله المشهور; للنهي الملحق للمقروء بقصد الجزئية بعد إخراجه عن
صلاحية الجزئية بكلام الآدميين، فيبطل.
ولأن عدم إعادته يستلزم النقص وإعادته يستلزم الزيادة; لأن
المفروض قصد الجزئية بالأول.
ولأنه نوى فعل المنافي ونوى الخروج عن الصلاة المشروعة.
وفي الجميع نظر; لمنع الخروج عن القرآنية بمجرد النهي، فإن المبطل هو
كلام الآدميين، إلا أن يدعى عموم إبطال الكلام، خرج منه القرآن والدعاء
المشروعان من جهة عمومات الأمر بهما، ومع التحريم فيبقى تحت العموم،
ولذا ذهبوا إلى إبطال طلب المحرم.
ولمنع صدق الزيادة إذا أعاده مع رفع اليد عن جزئية ما قرأه أولا،
كما مر في مسألة ما لو نوى ببعض أفعال الصلاة غيرها (2).
ولمنع البطلان بنية الخروج وفعل المنافي ما لم يأت بالمنافي، ولا نسلم
تحققه مع التدارك قبل الركوع.

(1) لم نقف عليه.
(2) راجع بحث النية في الصفحة: 263 وما بعدها.
597

فالقول بالصحة مع التدارك قبل الركوع مراعيا للموالاة - كما في
الناسي - لا يخلو عن قوة، ولعل إطلاق كلمات جمع في الابطال محمول على
صورة المضي في الصلاة على هذا الوجه، نعم، صريح آخرين: عدم تأثير
التدارك.
وأما مقابلة العامد بالناسي والحكم على الأول بأنه يعيد الصلاة وعلى
الثاني بأنه يعيد القراءة، فليس صريحا في عدم تأثير التدارك للعامد; لأن
كلامهم في العامد مع بقاء وصف التعمد في الاخلال، المقتضي للمضي على
ما تعمده والاستمرار، فلا يشمل ما لو ندم العامد عما تعمده وبنى على
تداركه.
(و) كذا (لا) تجزي الصلاة (مع قراءة السورة أولا) فتبطل
السورة، عمدا أو سهوا.
وربما احتمل عدم بطلان السورة مع السهو; لأنه قد فات منها صفة
وهي الترتيب، وفيه نظر ظاهر، كما في بطلان الصلاة في صورة العمد مع
التدارك قبل الركوع، لما تقدم من أن الأقوى عدم البطلان إذا تدارك جميع
ما قرأ، فلا يجزي إعادة السورة كما زعم في المدارك (1); لأنه بعد قصد تقديم
ما حقه التأخير، فكل ما يأتي به من الأفعال باطل، سواء وقع في محله أو في
غير محله، إذ لم يقصد بها الصلاة المشروعة.
ثم إنه لو قلنا باستحباب السورة وقدمها، فإن رفع اليد عن جزئيتها
قبل الدخول في الفاتحة صحت الصلاة، وإلا وجب عليه تدارك ما قرأ من
الحمد مصاحبا لقصد جزئية السورة المقدمة، فلو لم يتداركه حتى ركع بطلت

(1) المدارك 3: 351
598

صلاته، لأنه بقصد جزئية السورة المقدمة قصد صلاة لم يأمر بها الشارع.
فما في الذكرى من أنه لو لم نوجب السورة لم يضر التقديم على
الأقرب لأنه أتى بالواجب وما سبق قرآن لا يبطل الصلاة (1) محل نظر،
مناف لما ذكره في مسألة تكرار السورة وحكمه بعدم إبطاله للصلاة، قال: أما
لو اعتقد المكرر استحباب التكرار توجه الابطال; لأنه ليس بمشروع على
هذا الوجه، فيكون المأتي به آتيا بغير المشروع، وأولى بالبطلان ما لو اعتقد
وجوبه (2) انتهى، ولذا تعرض في كشف اللثام (3) لتوجيه حكمه الأول بحمله
على صورة عدم قصد الجزئية.
ثم ظاهر إطلاق الفتاوى: الاجتزاء بقراءة السورة بعد الحمد مع
نسيان تقديمها، ولو كانت السورة المقدمة طويلة بحيث يلحق بالفعل الكثير
أو الفصل الكثير بين أجزاء الصلاة، ولا بأس لعدم محو صورة الصلاة الذي
هو مناط البطلان في الفعل الكثير; لأن الخارج من جنس الصلاة، وقد مر
نظيره في ما إذا أوقع بعض الأفعال بنية غير الصلاة.
ثم إنه لا خلاف في جواز الاقتصار على الحمد - وحدها - في النوافل،
على ما في المعتبر (4) والمنتهى (5) والمدارك (6)، ومقتضى إطلاقها:
الشمول لما إذا ورد للنافلة كيفية خاصة اعتبر فيها السورة خاصة

(1) الذكرى: 188.
(2) الذكرى: 188.
(3) كشف اللثام 1: 219.
(4) المعتبر 2: 272.
(5) المنتهى 1: 272.
(6) المدارك 3: 347.
599

لكن الظاهر: أن مرادهم صحة الغافلة من حيث الأمر المطلق بالتنفل
المطلق أو التنفل الخاص مثل الرواتب ونحوها، لا من حيث الأمر الخاص
المتعلق بالكيفية الخاصة، فإن مثل صلاة ليلة الفطر الواردة بالفاتحة والتوحيد
ألف مرة في الركعة الأولى (1) لا يمكن امتثالها بقراءة الفاتحة فقط، بل لا يمكن
امتثالها إلا إذا التفت إلى إطلاق أوامر النافلة المبتدأة وقصد امتثالها،
وإلا فهو تشريع محرم.
وكذا لا خلاف في جواز الاقتصار عليها للمريض، إذا شق عليه
تطويل الصلاة أو قراءة السورة بخصوصها، كما دل عليه حسنة ابن سنان
المتقدمة (2)، و (المريض) وإن أطلق فيها إلا أنه منصرف إلى من ذكرنا.
وكذا لا خلاف في جواز الاقتصار عليها للضرورة، وتقديرها إلى
العرف، وكذا لو خاف شيئا يضره وقوعه.
وفي كشف اللثام: دعوى الاجماع على جواز الاقتصار للمستعجل
بقول مطلق (3)، وظاهره - كثير من النصوص المتقدمة -: كفاية صدق
الاستعجال لمطلق الغرض الديني أو الدنيوي المباح المعتد به عند العقلاء،
ولو لم يبلغ الديني حد الوجوب ولا الدنيوي حد الاضطرار والعذر.
ولا بأس به بعد قيام الدليل الرافع، لاستبعاد كون مطلق الحاجة عذرا في
ترك الواجب.

(1) راجع الوسائل 5: 221، الباب الأول من أبواب بقية الصلوات المندوبة.
(2) المتقدمة في الصفحة: 563، وانظر الوسائل 4: 734، الباب 2 من أبواب القراءة،
الحديث 5.
(3) كشف اللثام 1: 220.
600

ومن فحواه يعلم سقوط السورة عند ضيق الوقت بحيث لو قرأها
خرج الوقت، كما في المعتبر (1) نافيا عنه الخلاف، وكذلك ظاهر المنتهى (2)
والمدارك (3)، لو منع صدق الاستعجال هنا; لعدم ثبوت الدليل الشرعي على
وجوب الاستعجال، فإن ضيق الوقت إنما يوجب المبادرة إلى الصلاة
بأجزائها، وهذا التكليف مفقود إذا لم يسع الوقت للصلاة مع أجزائها،
كيف؟! ولو كان كذلك لجاز تركها إذا ضاق وقت الفضيلة، فإن إحراز فعل
الصلاة فيه من أهم الأغراض، والمفروض أيضا عدم غرض دنيوي يستعجل
لأجله؟ ولعله لذا قوى المحقق الثاني إلى (4) عدم كونه عذرا (5) كما حكاه في
كشف اللثام (6) عن التذكرة (7) ومال إليه في شرح الروضة (8)، وعن النهاية
التردد (9).
اللهم إلا أن يمنع إيجاب ضيق الوقت المبادرة إلى الصلاة بأجزائها، بل
هو موجب للمبادرة إلى أصل ماهية الصلاة المشتركة بين واجد الأجزاء

(1) المعتبر 1: 171.
(2) المنتهى 1: 272.
(3) المدارك 3: 347.
(4) كذا، والظاهر زيادتها.
(5) جامع المقاصد 2: 259.
(6) كشف اللثام 1: 220.
(7) راجع التذكرة 3: 324 في بحث إدراك الركعة في آخر الوقت، وفيه: وقد تحصل
بإدراك النية وتكبيرة الافتتاح وقراءة الفاتحة وأخف السور إن قلنا بوجوبها...
(8) المناهج السوية (مخطوط): 40.
(9) حكاه في كشف اللثام وانظر نهاية الإحكام 1: 467.
601

وبين فاقد ما لا يضر فواته بأصل الماهية، كيف؟! ولولا ذلك لم يجز إهمال
شرط من الشروط لمراعاة الوقت; إذ المفروض - على هذا - ملاحظة الصلاة
مستجمعة للشرائط والأجزاء، ثم إيجابها وجوبا موسعا يستلزم تضييقه
ووجوب المبادرة إلى الواجب في آخر الوقت.
اللهم إلا أن يفرق بين الأجزاء والشرائط، بأخذ الأولى في أصل
الصلاة ثم إيجابها إيجابا يستلزم، التضييق، بخلاف الشرائط فإنها تقييدات
خارجة ملحوظة بعد تعلق الوجوب الموسع بأصل الفعل وتقييدها بحال عدم
الاضطرار; فإذا دار الأمر بين فوت أصل الصلاة في الوقت المضروب
وفوات أوصافها الخارجة، كان الموصوف أولى بالمراعاة (1).
ثم (2) إن جواز قراءة العزائم في النافلة مما لا خلاف فيه على الظاهر،
يسجد في الصلاة، وإذا كانت آية السجدة في آخر السورة فيستحب له إذا

(1) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة: (73)، ولم نجد في الأوراق المكررة
شرحا لما ورد في كتاب الإرشاد من قوله: (ولا مع الزيادة على سورة، ويجب الجهر
في الصبح وأولتي المغرب وأولتي العشاء، والاخفات في البواقي، وإخراج الحروف من
مواضعها، والبسملة في أول الحمد والسورة، والموالاة، فيعيد القراءة لو قرأ خلالها،
ولو نوى القطع وسكت أعاد، بخلاف ما لو فقد أحدهما، وتحرم العزائم في الفرائض).
وقد تقدم شرح العبارات الأولى في النسخة المكررة في الصفحات: 373 - 394
وما ورد في أول الصفحة اليسرى من الورقة: (74) إلى آخر ما ورد في الصفحة اليمنى
من الورقة: (76) يتعلق بالبحث عن البسملة، وتبدأ الصفحة اليسرى من الورقة:
(76) بقوله: (ثم إن جواز قراءة العزائم...) وحيث إنا تصورنا حدوث تقديم
وتأخير في ترتيب الأوراق المكررة، قدمنا البحث عما يتعلق بقراءة العزائم.
(2) هذا أول الصفحة اليسرى من الورقة (76)، وتقدم البحت عن هذا الموضوع في
النسخة المكررة في الصفحة: 405.
602

فرغ من السجدة وقام: أن يقرأ الفاتحة; ليركع عن قراءة.
(و) يحرم - أيضا - أن يقرأ من السورة (ما يفوت الوقت بقراءته) ك
لأن قراءتها منهي عنها; حيت يوجب إيقاع بعض الصلاة في خارج الوقت،
هذا على القول بعدم جواز التبعيض في السورة، وأما عليه فيجوز له أن يقرأ
ما لم يخف وقوع بعض الصلاة خارج الوقت، ومعه فيحرم القراءة، وفي بطلان
الصلاة بها وجه.
(و) يحرم (قول آمين (بعد الحمد للمصلي مطلقا، عند علمائنا
كما في المنتهى، وحكى فيه عن المشايخ الثلاثة الاجماع عليه (1) (و)، على
أنه (تبطل) الصلاة لو قاله (اختيارا) من غير تقية ولا نسيان; لأنه
من كلام الآدميين، فلا يصلح في الصلاة كما في النبوي (2); ولأنه بعد التحريم
لا يكون دعاء ولا ذكرا، فيكون تكلما مبطلا.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (3) فجوزه على كراهة، وحكى في
المدارك (4) عن المحقق في المعتبر (5) وشيخه المعاصر (6) الميل إليه، وقوى هو
التحريم دون الابطال (7).
وقد عرفت أنه إذا حرم الكلام خرج عن الدعاء والذكر المجوزين في

(1) المنتهى 1: 281.
(2) صحيح مسلم 1: 38، كتاب المساجد، الحديث 33.
(3) حكاه في الرياض 3: 415.
(4) المدارك 3: 372.
(5) المعتبر 2: 186.
(6) مجمع الفائدة 2: 234.
(7) المدارك 3: 374.
603

الصلاة; لمنافاة التحريم للجواز على المشهور، وبقي تحت عموم إبطال الكلام.
(ويستحب الجهر بالبسملة) في الفاتحة والسورة (مع الاخفات (1))
بهما; لعموم ما دل على استحباب الجهر بها، كالمروي في الكشف (2) عن
العيون بسنده إلى الفضل: (إن الاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع
الصلوات سنة) (3)، وفي رواية أخرى: عد الجهر بها من علامات المؤمن (4)،
وما روي من مداومة الإمام عليه السلام عليه عدة أيام (5).
خلافا للمحكي عن القاضي; حيث دل إطلاق كلامه على وجوب
الجهر بها في الاخفاتية (6)، ولا دليل من الآثار له فيرجع إلى الأصل، مضافا
إلى مصححة الحلبي (7).
والمحكي عن الحلي، فخص الاستحباب بأولتي الظهرين وأوجب
الاخفات بها في البواقي (8)، وعن الحلبي (9) فأوجب الجهر بها في أوليي
الظهرين.

(1) في الإرشاد: في الاخفات.
(2) كشف اللثام 1: 221.
(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 123، الوسائل 4: 758، الباب 21 من أبواب
القراءة، الحديث 6.
(4) الوسائل 10: 373، الباب 56 من أبواب المزار، الحديث الأول.
(5) الوسائل 4: 757، الباب 21 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(6) المهذب 1: 97.
(7) الوسائل 4: 748، الباب 12 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(8) السرائر 1: 218.
(9) الكافي في الفقه: 117.
604

وإطلاق الروايتين المتقدمتين يرد الحلي، إلا أن يرد مثل هذه الآحاد،
فالأولى مطالبته بدليل وجوب الاخفات بحيث يشمل ما نحن فيه; فإن
الدليل عليه - على ما عثر عليه جماعة -: مصححة زرارة المتقدمة (1) المعتضدة
بالاجماع المحكي، وليس فيها منافاة لما نحن فيه، كما لا يخفى على من
راجعها (2).
وأما قول الحلبي: فيرده - مضافا إلى الأصل وقصور أدلة الجهر عن
إفادة وجوبه -: مصححة الحلبي: (عمن يقرأ بالبسملة، قال: نعم إن شاء
سرا وإن شاء جهرا).
وعن الإسكافي (3) اختصاص استحباب الجهر بالإمام.
فالأقوى في المسألة: استحباب الجهر بها مطلقا، كما هو المشهور.

(1) لعل مراده قدس سره: رواية زرارة الواردة في الجهر والاخفات في القراءة، راجع
الوسائل 4: 766، الباب 26 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(2) هذا آخر الصفحة اليسرى من الورقة: (76) وما يليه هو أول الصفحة اليمنى من
الورقة: (77). ولم نقف على شرح ما ورد في كتاب الإرشاد من قوله - في عد
مستحبات القراءة -: (والترتيل، والوقوف على مواضعه، وقصار المفصل في الظهرين
والمغرب، ومتوسطاته في العشاء، ومطولاته في الصبح، و (حل أتى) في صبح الاثنين
والخميس و (الجمعة) و (الأعلى) في ليلة الجمعة في العشاءين، و (الجمعة) و (التوحيد) في
صبيحتها، و (الجمعة) و (المنافقين) في الظهرين والجمعة).
وقوله - أيضا -: (و (الضحى) و (ألم نشرح) سورة، وكذا (الفيل) و (لإيلاف)، وتجب
البسطة بينهما).
هذا وقد تقدم شرح المؤلف قدس سره لهذه الفقرات في النسخة الثانية في الصفحات:
419 - 431.
(3) راجع المختلف 2: 155.
605

وللإمام مطلقا، كما عن الإسكافي. وفي أوليي الظهرين، كما عن الحلي (1).
ووجوبه فيهما، كما عن الحلبي. ووجوب الجهر بها مطلقا، كما عن ابن
البراج (2)
(ويجوز [العدول] عن سورة إلى غيرها) سواء أرادها أولا، أو بدا
له عن الأولى (ما لم يتجاوز النصف) بلا خلاف ظاهرا (إلا في
التوحيد); لمصححة الحلبي: (من افتتح سورة ثم بدا له أن يرجع إلى سورة
غيرها فلا بأس
إلا (قل هو الله أحد) فلا يرجع عنها إلى غيرها) (3)، ونحوها
رواية (4).
(و) عموم الرواية وإن دل، على جواز العدول عن (الجحد) كما
هو المحكي عن ظاهر الصدوق، حيت اقتصر على التوحيد (5)، وكذا ظاهر
الانتصار; حيت جعل حظر الرجوع عن التوحيد من منفردات الإمامية،
ونسبه في (الجحد) إلى الرواية (6)، إلا أن المشهور إلحاقه بالتوحيد; لما رواه
الحميري في قرب الإسناد بطريق يقوى اعتباره، عن علي بن جعفر إنه سأل
أخاه عليه السلام: (عن الرجل إذا أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها، هل يصلح
له أن يقرأ نصفه ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال: نعم، ما لم تكن (قل

(1) تقدم آنفا.
(2) تقدم آنفا.
(3) الوسائل 4: 775، الباب 35 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(4) كذا في النسخة، ولم يذكر المؤلف قدس سره الرواية، ولعلها رواية عبيد بن زرارة، التي
سيثير إليها في آخر الصفحة الآتية.
(5) حكاه عنه، الشهيد في الذكرى: 195.
(6) الإنتصار: 44.
606

هو الله أحد) و (قل يا أيها الكافرون). (1)
ونحوه رواية عمر بن أبي نصر، عن الصادق عليه السلام: (ترجع من كل
سورة إلا من (قل هو الله أحد) و (قل يا أيها الكافرون)) (2)).
ثم أن التحديد بالتجاوز عن النصف يدل عليه المحكي عن الشهيد
عن البزنطي، عنه عليه السلام: (في الرجل يريد أن يقرأ سورة فيقرأ أخرى،
قال: يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف) (3); فإنه يدل على أن بلوغ
النصف آخر ما يجوز فيه الرجوع.
وفي رواية عبيد بن زرارة: (له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ
ثلثيها) (4).
وظاهر المحكي عن جماعة (5): تحديده ببلوغ النصف.
وهل الرجوع عن السورتين على سبيل الحرمة أو الكراهة؟ قولان،
حكي عن المعتبر (6) اختيار الثاني; مستدلا بعموم: (فاقرؤا ما تيسر) (7). وقد
عرفت أن ظاهر المحكي عن الانتصار إن من منفردات الإمامية حظر

(1) قرب الإسناد: 206، الحديث 802، الوسائل 4، 776، الباب 35 من أبواب
القراءة، الحديث 3.
(2) الوسائل 4: 775، الباب 35 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(3) الذكرى: 195، والوسائل 4: 776، الباب 36 من أبواب القراءة، الحديث 3.
(4) الوسائل 4: 776، الباب 36 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(5) منهم الحلي في السرائر 1: 222، ويحيى بن سعيد في الجامع والشهيد في الدروس
1: 173، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 279 وغيرهم.
(6) المعتبر 2: 191.
(7) المزمل: 20.
607

الرجوع، ويساعده ظواهر الأخبار، فالقول بتحريم الرجوع عنهما أقوى.
([فلا يعدل عنهما] (1) إلا إلى الجمعة والمنافقين) لما رواه عن قرب
الإسناد عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه عن القراءة في الجمعة، قال:
(سورة الجمعة و (إذا جاءك المنافقون)، وإن أخذت في غيرها - وإن كان (قل
هو الله أحد) - فاقطعها من أولها وارجع إليها) (2).
ونحوه خبر الحلي (3) وخبر عبيد بن زرارة (4)، وحملهما ابن إدريس
على ما إذا لم تبلغ النصف جمعا بينها... (5).

(1) من الإرشاد.
(2) قرب الإسناد: 214، الحديث 839، الوسائل 4: 814، الباب 69 من أبواب
القراءة، الحديث 4.
(3) الوسائل 4: 814، الباب 69 من أبواب القراءة، الحديث 2.
(4) نفس المصدر، الحديث 3.
(5) لم نقف عليه، وهذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة: (77) من الأوراق
المكررة وبعدها بياض بمقدار صفحتين.
608

بسم الله الرحمن الرحيم (1)
إذا قرأ البسملة بقصد القرآن فالظاهر أنها قرآن، وإن لم يكن جزءا
فعليا من سورة معينة; إذ يكفي في صدق القرآن على ملفوظ الانسان أن
يقصد به حكاية الكلام الشخصي المنزل، ولا مدخل في ذلك للخصوصيات
المكتنفة بالمحكي مثل زمانه ومكانه، وكذا كونه جزءا من سورة كذا.
والسورة ليست إلا عبارة عن قطعة من القرآن، فإذا تكرر آية في

(1) هذا أول أربع صفحات من النسخة المكررة بخط المؤلف قدس سره، وهي الصفحة
اليسرى من الورقة: (74) إلى الصفحة اليمنى من الورقة: (76) مرتبطة بما ذكره
الماتن قدس سره في الإرشاد من قوله: (ومع العدول يعيد البسملة، وكذا يعيدها
لو قرأها بعد الحمد من غير قصد سورة بعد القصد) وأوردناها هنا، حفاظا على
الترتيب في شرح عبارات الإرشاد.
هذا وقد تقدم بحث المؤلف قدس سره عن البسملة في النسخة الثانية في الصفحات:
437 - 445.
609

القرآن في سور متعددة، فالمعتبر في صدق القرآن التكلم بتلك الآية على
أنه جزء من كلام الله، لا أنه جزء من القطعة الفلانية، وكذا الكلام في
الآية المكررة في سورة واحدة، مثل: (فبأي آلاء ربكا تكذبان); فإنه
يصدق في صدق قراءة جزء من السورة: التكلم بتلك على أنها منها،
ولا يحتاج إلى ملاحظة كونها من أي قطعة من قطعات تلك السورة المشتملة
على تلك الفقرة، فإن من قرأ: (فبأي آلاء ربكما تكذبان) فقد صدق أنه
قرأ جزءا من سورة (الرحمن)، وإن لم ينو كون الفقرة جزءا من أي قطعة
من تلك السورة، فسورة (الرحمن) بمنزلة القرآن، والفقرات المشتملة على
قوله: (فبأي آلاء) بمنزلة السور المشتملة على البسامل.
فعلم أنه يكفي قصد كون الفقرة جزءا من القرآن، وهذا بعينه هو
المعتبر في كون أصل السورة أيضا من القرآن; فإنه يعتبر في قرائته قصد
كونه قرآنا، لا مجرد موافقة ألفاظها لألفاظه.
ثم إن السورة موضوعة للقطعات الخاصة من القرآن المشتملة على
البسملة، فالبسملة جزء من كل سورة، وكل سورة لها بسملة، لكن ليست
بسملة كل سورة مخالفة لبسملة الأخرى إلا من حيث انضمام هذه إلى قطعة
لم ينضم إلى الأخرى، فإذا قصد القارئ من البسملة كونها قرآنا، فهذه هي
القابلة لأن تصير جزءا من كل سورة.
فإن قلت: لا بد في قراءة السورة من قصد بسملتها.
قلت: هذه الإضافة الحاصلة في قول بسملتها، إما أن يكون من جهة
انضمام الباقي إلى البسملة فصارت بسملتها، وإما أن يكون لخصوصية أخرى
فيها ليست في بسملة غيرها.
أما الثاني: ففيه، أولا: مع اختلاف البسامل بالخصوصيات الأخر من
610

حيت إنها آيات من جنس الكلام، إذ من المقطوع أن بسملتين من سورتين
كلام واحد من حيث الماهية وليس اختلافهما إلا بحسب الوجود، ويرجع
حاصل (1) اختلافهما إلى التكرار.
وثانيا: أنه لو كان كذلك لم تكن البسملة المطلقة إذا أريد منها القرآن
قرآنا; لفقده جميع الخصوصيات المعتبرة في أجزاء السور فلا يقبل أن يصير
جزءا وإذا لم يقبل أن يصير جزءا من القرآن فليس بقرآن وعلى الأول
فلا ريب أن هذه الخصوصية إنما تحصل بعد ضم الباقي إليه، فأية قطعة ضم
إليها تصير البسملة بسملتها.
والحاصل: أن اختلاف بسامل السور، إما أن يكون باعتبار أنفسها،
بأن تكون بسملة هذه مخالفة لبسملة غيرها في نفسها كالأجزاء المشتركة
صورة بين عبادتين مختلفتين المختلفة حقيقة، وإما أن تكون باعتبار انضمام
باقي السورة إلى كل واحدة.
فعلى الأول: لا بد أن لا يصدق القرآن على البسملة المطلقة وهو
مكذب بالعرف.
وعلى الاثني: يصير من قبل سائر المركبات الخارجية المشتركة في
بعض الأجزاء; حيث إن جزء أحدها مغاير مع جزء الأجزاء، إذا وجد كل
منهما في ضمن كله، وإلا فالجزء الواحد صالح لكل منهما.
فإن قلت: لعل الخصوصية مأخوذة في جزء السورة، وصدق القرآن
على ما لم يلاحظ فيه ذلك، بل المعتبر في صدق القرآنية هو قصد حكاية
نوع كلام الله، بخلاف المأخوذ فيه حكاية شخص البسملة.

(1) كذا ظاهرا، والكلمة غير واضحة.
611

قلت: المفهوم من السورة - لغة وعرفا - هو الكلام المشتمل على هذه
الآية المكررة، فالبسملة شئ واحد مكررة في جميع السور، فتكرار البسملة
في السور ليس إلا كتكرار سائر الآيات والكلمات فيها.
وإن شئت فقل: إن القرآن بتمامه كلام واحد مشتمل على فقرات
مكررة من البسامل وغيرها، على نحو غيره من الكلامات المنثورة
والمنظومة، ثم أطلق على قطعات منه مبدوءة بالبسملة أنها سورة،
فاختصاص البسملة بسورتها باعتبار كونها جزءا منه كسائر أجزاء المركبات
الخارجية، فإذا قرأ بسملة بقصد القرآن المطلق فهو كما لو قرأ بيتا مشتركا
بين قصيدتي شخص واحد في أنه يصدق عليه أنه قول فلان، فله أن يضم
إليه ما شاء.
ثم إذا قصد البسملة لسورة معينة، فهذا يتصور على وجهين:
الأول: أن يقصد أن يضم إليها الباقي من سورة معينة ويقرأ بعدها
ما عدا البسملة من تلك السورة، فهذا بعينه كالصورة السابقة، فإنه لم يقصد
البسملة الخاصة المختصة بتلك السورة ولم يقصد حكاية كلام الله الشخصي
الحاصل في ضمن التكلم بمجموع السورة وهذا هو الغالب المتعارف في قصد
السورة المعينة، وقد عرفت أنه راجع إلى إرادة قراءة سورة التوحيد، فيقرأ
البسملة بقصد أنه من القرآن ثم يضم إليه باقي التوحيد، فهو في الحقيقة
عازم لضم بقية السورة إلى البسملة القرآنية، فيقال: إنه بسمل لسورة
التوحيد.
الاثني: أن يقصد بها خصوص الكلام الشخصي المتكلم به في ضمن
سورة التوحيد.
فعلى الأول: له أيضا أن يرجع ويضم إليه ما عدا التوحيد; لأنه
612

رجوع عن عزمه،
نعم لو تعلق حكم شرعي بالسورة المعينة كتحريم قراءة
سور العزائم فيحرم عليه البسملة لها، وإن كانت البسملة قابلة لغيرها، لأن
الدخول في المحرم يحصل بالدخول في الأجزاء المشتركة بينه وبين غيره
فليس تحريمه دليلا على عدم قابلية وقوعه لغيره; لأن تحريمه ليس
لاختصاصه بالسورة العزيمة، بل لأجل تخصصها بها في عزم المكلف، فحينئذ
لا منافاة بين ترتب العقاب عليه; إذ به يتحقق الدخول في العزيمة في عزم
المكلف، ثم ضم بقية سورة أخرى ليصير جزءا منها، ولا يلزم منه كونها
جزءا لسورتين، أحدهما بالقصد والآخر بالاتصال; لأنا نمنع كونه جزءا
للعزيمة، بل العقاب لأجل كون المكلف يصدق عليه الدخول في العزيمة إذا
عزم أن يقرأها للعزيمة، فهو مثل ما إذا اشتغل بصوغ بعض الآلات المحرمة
فحينئذ لا شبهة في أنه يستحق العقاب على هذا الاشتغال، فإذا رفع اليد
عن المحرم، وصاغ آلة محللة فقد صار جزءا منها دون المحرم، فالعقاب إنما
كان لقابليته لجزئية العزيمة والآتيان بها بذلك القصد ثم صار جزءا فعليا،
كيف؟! وجزء الشئ لا يوجد في الخارج بوصف أنه جزء منه وبعضه،
ما لم يوجد الكل.
قد يقال: إن المتبادر من أمر الشارع بقراءة سورة، وجوب كون
قراءة السورة المعينة مقصودة من أول القراءة، فكا أنه إذا أمر عينا بقراءة
سورة معينة لا يحصل الامتثال إلا بقصد السورة من أول الأمر، وكذلك إذا
نهى عن سورة فيعتبر في المخالفة قصد السورة من أول الأمر، فكذلك إذا
أمر تخييرا بقراءة إحدى السور، فإن مرجعه إلى تخيير المكلف في قراءة أية
سورة شاء المكلف، فلا بد من أن يصدق عليه أنه قرأ السورة الفلانية
والسورة الفلانية، وإن كانت هيئتها المنتظمة في الذهن لا يتوقف تحققها على
613

كون أولها مقصودا بها السورة بخصوصها، بل يكفي القصد إلى مطلق
السورة، بل القصد إلى غيرها ثم الرجوع إليها، إلا أن قراءة السورة الفلانية
إذا وقعت في جزء الأمر أو النهي عينا أو تخييرا، يفهم منها قراءة تلك
السورة أي مجموعها على أنها تلك السورة، لا مجرد قراءة ما يصدق عليه
بعد الوجود أنها السورة الفلانية.
نعم، مثل المركبات الخارجية المقصود منها الهيئة الحاصلة بعد الايجاد،
يكفي فيها صدق المركب بعد الايجاد، ولا يلزم فيها أن يصدق على المكلف
في جميع أزمنة الاشتغال بالايجاد أنه مشتغل بإيجاد ذلك المركب الخاص
بعنوان أنه ذلك المركب.
لكن هذا الوجه إنما يوجب أن لا يكتفي بالبسملة المقصود بها سورة
إذا عدل إلى أخرى; لأنه حين الاشتغال بالمجموع المركب من البسملة وباقي
السورة [لا يصدق] (1) أنه قرأ سورة، بل يصدق أنه قرأ بعضا من سورة
وبعضا من أخرى، بل يصح أن يسلب عنه قراءة كل سورة سورة من سور
القرآن حين الاشتغال بالقراءة، وإن كان الهيئة الحاصلة بعد ضم المجموع
يصدق عليها السورة الفلانية الكاملة، لكن المطلوب هي السورة الكاملة
على وجه لا يصدق معها أنه بعض سورتين، وصرف البعض المقروء إلى
المعدول إليه إنما يوجب حصولها في الخارج بعد الاكمال لا سلب صدق
تبعض السورتين; لأن صدق قولنا إنه بعض المعدول عنه لا يثبت بمجرد
صرف النية.
ونظير ذلك في المركبات الخارجية: ما إذا أمر بالاشتغال بأحد مركبين

(1) الزيادة اقتضاها السياق.
614

مشتركين في بعض الأجزاء بحيث يعلم أن المقصود الاشتغال بهذا المركب
لأن المقصود حصول الهيئة، فاشتغل العبد بالأجزاء المشتركة بعنوان ثم عدل
عنه إلى الآخر، فإنه غير ممتثل، لأنه لم يكن مشغولا بهذا المركب
ولا بذلك، بل كان مشغولا ببعض هذا وبعض ذلك.
وأما إذا بسمل بقصد مطلقه ثم ضم إليه بقية سورة خاصة، فلا ينهض
الوجه المذكور على عدم كفايته; لأن المسلم في وجوب امتثال الأوامر
التخييرية هو اشتراط أن يكون الداعي إلى كل فرد هو الأمر بأحد البدلين
- المتولد من الأوامر المتعددة بالأبدال - لا وجوب امتثال أحد الأوامر
الخاصة، بأن يلاحظ عنوانا خاصا من الأبدال.
وبعبارة أخرى: إذا قال الشارع إقرأ سورة، فالمعتبر في الامتثال أن
يقصد في أول الاشتغال امتثال الأمر بإحدى السور، ولا يعتبر أن ينوي
امتثال أحد - الأوامر بالسورة - المنحل إليها الأمر بالمطلق، مثل: إقرأ سورة
التوحيد، أو سورة الجحد، أو سورة الكوثر، أو سورة كذا.
وفرق بين بين وجود امتثال أحد الأوامر ووجوب امتثال الأمر بأحد
الأبدال.
هذا كله، إذا سلمنا ورود الأوامر المتعددة، وإلا فالوارد أمر واحد
بالمطلق (1).

(1) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة: (76)، وبه ينتهي ما وجدناه مكررا
بخط المؤلف قدس سره في مباحث: القيام، النية، تكبيرة الاحرام والقراءة، والحمد لله
أولا وآخرا.
615