الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٨
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : الشيخ عباس القوچاني
الطبعة: الثالثة
سنة الطبع: ١٣٦٧ ش
المطبعة: خورشيد
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات: نهض بمشروعه : الشيخ علي الآخوندي

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الثامن
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه الشيخ عباس القوچاني
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام
تأليف: الشيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتب الاسلامية
تيراژ: 1500 جلد
نوبت چاب: دوم
تاريخ انتشار: بهار 1365
چاب از: چاپخانه خورشيد
1

بسم الله الرحمن الرحيم
* (الثالث) * في * (ما يستقبل له) *
* (ويجب الاستقبال) * شرعا ولو لأنه شرط * (في فرائض الصلاة مع الامكان) *
بلا خلاف بين المسلمين، بل هو مجمع عليه بينهم إن لم يكن ضروريا عندهم، والكتاب (1)
كالمتواتر من النصوص (2) دال عليه، بل قد يندرج فيها ما وجب بالعارض من النفل
بنذر ونحوه في وجه، كما أنه يندرج في النفل ما كان واجبا بالأصل ثم صار ندبا كصلاة
العيد، فيجري حينئذ فيه ما تسمعه من وجوب الاستقبال فيه وعدمه، نعم قد يستثنى
من ذلك الفريضة المعادة للاحتياط ندبا، أو لتحصيل فضيلة الجماعة باعتبار مدخلية
الاستقبال في موضع حكم النفل، ضرورة عدم حصول الإعادة والتدارك الذي شرع
الاحتياط له بدون الاستقبال وغيره من أحكام الفريضة، ولا فرق في الفرائض بين
اليومية وغيرها حتى صلاة الجنازة والأدائية والقضائية والسفرية والحضرية، كما أن
الظاهر إلحاق ركعات الاحتياط والأجزاء المنسية بها، بل يقوى إلحاق سجدتي السهو

(1) سورة البقرة - الآية 139
(2) الوسائل - الباب 1 من أبواب القبلة
2

كما تسمعه في محله إن شاء الله.
* (و) * تسمع وجوب الاستقبال بالمذبوح والمنحور * (عند الذبح) * والنحر مع
الامكان في محله أيضا إن شاء الله. * (و) * أما وجوبه * (بالميت عند احتضاره ودفنه) *
فقد تقدم الكلام فيه وفي كيفيته، * (و) * يأتي وجوبه عند * (الصلاة عليه) * قال في
المهذب هنا بعد أن ذكر الوجوب في أحواله الثلاثة من غير ذكر خلاف: " ويختلف استقباله
باختلاف حالاته، ففي الاحتضار يكون مستلقيا، وظاهر رأسه مستدبرا، ووجهه
وباطن قدميه مستقبلا، وفي حال الصلاة يكون مستلقيا أيضا، ورأسه إلى المغرب،
ومقدم جنبه الأيمن مستقبلا، وفي حال دفنه يكون مضطجعا، رأسه إلى المغرب،
ووجهه وبطنه ومقاديم بدنه إلى القبلة، ومستند هذا التفصيل نصوص الطائفة وعملهم
عليه " انتهى.
* (وأما النوافل ف‍) * لا يشترط في صحتها ذلك، نعم * (الأفضل استقبال القبلة
بها) * فيجوز حينئذ فعلها لغير القبلة اختيارا مطلقا، وفاقا للمحكي عن ابن حمزة، وللفاضل
في الإرشاد وعن التلخيص وأبي العباس في المهذب وعن الموجز وكشف الالتباس ومجمع
البرهان، بل ربما نقل أيضا عن علم الهدى والشيخ في الخلاف، بل في مكان المصلي
من الذكرى نسبته إلى كثير، للأصل والنقل المستفيض كما اعترف به غير واحد أن
قوله تعالى (1): " فأينما تولوا فثم وجه الله " نزل في النافلة، فاطلاقه حينئذ حجة على
المطلوب، وما عرفته سابقا من استحباب التنفل في الكعبة مع النهي عن الفريضة للاستدبار،
وكلما دل على عدم اشتراطه للراكب والماشي من غير ضرورة مما ستعرفه من النصوص (2)
لاشتراك الجميع في الاختيار، وأولوية المقام بالصحة، للاستقرار، ومعلومية عدم

(1) سورة البقرة - الآية 109
(2) الوسائل - الباب 15 و 16 من أبواب القبلة
3

وجوب حمل المطلق على المقيد في المندوبات، بل يحمل على الندب في الندب، فينزل
حينئذ ما ظاهره الاشتراط لو كان على ذلك، ويبقى الاطلاق سليما، وظهور المروي (1)
عن مسائل علي بن جعفر في كراهية الالتفات في النافلة المستلزم لعدم وجوب الاستقبال
" سأل أخاه عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته؟ فقال: إذا كانت
الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته ولكن
لا يعود " ولامتناع ندب الفعل ووجوب الكيفية.
وفي الجميع نظر، ومن هنا كان المشهور نقلا وتحصيلا الاشتراط إلا فيما استثني
مما ستعرف، بل قيل إنه المصرح به في جميع كتب الأصحاب إلا ما قل، بل يمكن
إرادة ما لا ينافي ذلك من عبارة المصنف وما ضاهاها التي هي أظهر ما نسب إليها الخلاف
بدعوى حملها على بيان أفضلية الصنف من غيره مما رخص فيه بعدم الاستقبال كالصلاة
على الراحلة وماشيا وغيرهما، لا أنه أفضل من الصلاة مستقرا مستدبرا كي يقتضي
الجواز حينئذ، وكذا قوله فيما بعد: " وإلى غير القبلة " أو يكون معطوفا على ما قبله
على معنى إرادة بيان جواز فعل النافلة على الراحلة سفرا وحضرا وإلى غير القبلة، ولعله
لذا قال المحقق الثاني في حاشية الكتاب يلوح من المصنف عدم الاشتراط، ولم يجعله
صريحا ولا ظاهرا.
وكيف كان فقد يستدل للمطلوب بالتأسي بناء على عدم اشتراط معرفة الوجه
في تحققه، أو على عدم اعتبار معرفة شرطية الكيفية وعدمها في حصول معناه لو سلم
اشتراط معرفة الوجه في أصل الفعل في حصوله، ضرورة صدق الفعل مثل فعله وإن
لم تعلم الشرطية المزبورة، نعم قد يشكل الاستدلال به بالاطلاقات المقتضية لجواز غير
ما فعله من الكيفية، بناء على ما هو التحقيق من عدم إجمالها بالنسبة إلى ذلك وغيره

(1) الوسائل - الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة الحديث 7
4

مما شك في اشتراطه، اللهم إلا أن يشك ولو من الشهرة السابقة وما تسمعه في شمول المراد
منها لذلك كما ذكرناه سابقا في الصلاة الواجبة، فحينئذ يتم الاستدلال عليه أيضا مع قطع
النظر عن التأسي بتوقيفية العبادة، وأن الأصل فيها الفساد إلا ما ثبت، بل قد يستدل
عليه مع قطع النظر عنهما بقوله صلى الله عليه وآله: " صلوا كما رأيتموني أصلي " بناء على تناوله
للفرض والنفل، وإيجاب المساواة في الكيفية لو فعل لا ينافي الندب في الأصل، فيكون
الأمر حينئذ مستعملا في الوجوب الشرعي خاصة لا الأعم منه والشرطي كي يكون مجازا،
إذ ليس وجوب الفريضة مستفادا من هذا الأمر، بل المستفاد منه وجوب المساواة
التي ينافيها المخالفة في الكيفية لا الترك أصلا، ودعوى أن إطلاق وجوب المساواة يقتضي
وجوب الفعل مقدمة لتحصيلها، ولا يتم إلا في الفريضة يدفعها الفهم العرفي من هذه
العبارة، ونحوها ما سمعته، ومن ذلك يعرف الجواب عن الأخير، على أنه من
المعلوم عدم التنافي بين الوجوب المزبور والندب عقلا ولا شرعا. قال في جامع المقاصد
بعد ذكره ذلك دليلا للخصم وجوابه: إن الوجوب هنا يراد به أحد الأمرين، إما
كونه شرطا للشرعية مجازا، لمشاركته الواجب في كونه لا بد منه، فمع المخالفة يأثم
بفعل النافلة إلى غير القبلة، أو كون وجوبه مشروطا بمعنى أنه إن فعل النافلة وجب
فعلها إلى القبلة، فمع المخالفة يأثم بترك الاستقبال وبفعلها إلى غير القبلة معا، وهذا
المعنى يثبت على تقدير دلالة قوله صلى الله عليه وآله: " صلوا كما رأيتموني أصلي " على وجوب
الاستقبال، وإلا فالمعنى الأول، وفي بعض كلامه نوع تأمل، لكن الأمر سهل
بعد ما عرفت.
وقد يستدل أيضا بعموم قوله تعالى (1): " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم

(1) سورة البقرة - الآية 145
5

شطره " الذي لا ينافيه خروج البعض للدليل، نعم قد يشكل بظهور قول أبي جعفر (ع)
في صحيح زرارة (1) في أنها مختصة في الفريضة قال: " استقبل القبلة بوجهك، ولا
تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك، فإن الله عز وجل يقول لنبيه ص) في الفريضة:
فول وجهك. إلى آخره " بل الظاهر أيضا عدم الدلالة في الأمر بالاستقبال والنهي عن
القلب في صدره لإرادة الفريضة من الصلاة فيه بقرينة الاستدلال، وإمكان عموم
الدعوى وخصوص الدليل تجشم، كما أنه قد يقال بإرادة الفريضة من قوله (ع) في
صحيحه (2) أيضا: " لا صلاة إلا إلى القبلة " لقوله فيه: " قلت فمن صلى لغير القبلة
أو في غيم في غير الوقت قال: يعيد " لكن الانصاف أنه لا صلاحية فيه، خصوصا
بعد كونه من السائل لصرف الظهور المستفاد من النكرة بعد " لا " النافية للجنس التي هي
كالنص في إفادة العموم، فدلالة هذا الصحيح على المطلوب لا ينبغي إنكارها، بل يمكن
دعوى دلالة قوله (ع) أيضا في صحيحه (3) أيضا: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة:
الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود " وذكر الوقت فيه مع أن من النوافل
ما هو موقت أيضا بحيث لو صلى قبل الوقت مثلا أعيد لا يصلح قرينة لإرادة الفريضة،
ضرورة كون المراد منه حينئذ والوقت فيما اعتبر الوقت فيه من الصلاة، ولا يأتي مثله
في القبلة، لعدم معلومية كون محل النزاع مما لا يعتبر فيه القبلة من الصلاة، بل من ذلك
يظهر دلالة جملة من النصوص التي تدل بها على اشتراط القبلة في الفريضة، وعلى أن
الالتفات في الأثناء يبطلها، للتعبير بلفظ الصلاة الشاملة للنافلة لا الفريضة في أكثرها،
وذكر بعض خواص الفريضة فيها كالوقت ونحوه لا يصلح مقيدا لذلك فلاحظ وتأمل.
بل مفهوم قول الصادق (ع) (4) كما عن تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى: فأينما

(1) الوسائل - الباب 9 من أبواب القبلة الحديث 3 - 2 - 1
(2) الوسائل - الباب 9 من أبواب القبلة الحديث 3 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب 9 من أبواب القبلة الحديث 3 - 2 - 1
(4) البحار - ج 18 - ص 147 من طبعة الكمباني عن العبد الصالح عليه السلام
كما في تفسير علي بن إبراهيم.
6

تولوا فثم وجه الله: " إنها نزلت في صلاه النافلة فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر "
ظاهر في المطلوب أيضا، كالمروي (1) في الوسائل عن نهاية الشيخ عن الصادق (ع)
في قوله تعالى فأينما تولوا، إلى آخره " هذا في النوافل خاصة في حال السفر، فأما الفرائض
فلا بد فيها من استقبال القبلة " وفيها أيضا عن مجمع البيان (2) عن أبي جعفر وأبي عبد الله
(عليهما السلام) في قوله تعالى: فأينما تولوا إلى آخره " إنها ليست بمنسوخة وإنها مخصوصة
بالنوافل في حال السفر " بل منها يظهر عدم كون المراد الاطلاق من النقل المستفيض أنها
نزلت في النوافل، خصوصا ولم يكن مساقا لبيان ذلك. بل المراد من الآية عند التأمل
ولو بمعونة النصوص أنه أينما تؤمروا بأن تولوا وجوهكم فثم وجه الله من غير فرق بين
بيت المقدس والكعبة وغيرهما، إذ العمدة الأمر. فتعيير اليهود للمسلمين وسؤالهم
أنه ما ولاهم عن قبلتهم في غير محله، وربما فسرت الآية بذلك من غير ذكر للنوافل،
وعلى كل حال من ذلك يعرف ما في استدلال الخصم بالنقل المستفيض في معنى الآية،
بل في كشف اللثام أنه يجوز أن يكون لجواز الاستدبار في النوافل لأدنى حاجة، فتختص
بالسائر في حاجته أو ماشيا، وبه يفرق عن المستقر، فلا ريب حينئذ في ضعفه كسابقه
الذي هو بعد تسليمه يقطعه أدنى دليل، بل ولاحقه، بناء على ما سمعته منا سابقا
من صحة الفريضة في جوف الكعبة، فلا جهة حينئذ للاستدلال المزبور، بل وعلى
غيره أيضا، إذ هو إنما يعطي جواز استدبار بعض القبلة، والتتميم بعدم القول بالفصل
كما ترى، وليس بأولى من القول يكون التعدي عن ذلك قياسا محرما، بل ومع الفارق
كالاستدلال بحكم الماشي والراكب الذين من الواضح الفرق بينهما وبين المقام، خصوصا
والمراد بحسب الظاهر التنفل في حال المشي في حاجة مثلا والركوب كذلك لا المشي والركوب
لفعل النافلة، ولعله إلى ذلك أومأ في كشف اللثام بما سمعته سابقا منه.

(1) الوسائل - الباب 15 من أبواب القبلة الحديث 19 - 18
(2) الوسائل - الباب 15 من أبواب القبلة الحديث 19 - 18
7

وأما الاستدلال بقاعدة الاطلاق والتقييد في المندوبات ففيه أنه بعد تسليمها حتى
في مثل المقام الذي هو من بيان الكيفية ولم يعلم استحباب المطلق فيه وإن لم يكن بعنوان
الخصوصية يجب الخروج عنها هنا بما عرفته مما هو موافق لفتاوى الأصحاب عدا النادر،
وخبر المسائل (1) مع احتماله السهو وعدم الجابر له لا يستلزم جواز الترك ابتداءا قطعا
ومن ذلك كله ظهر لك وجه النظر في الأدلة المزبورة، كما أنه ظهر لك شدة
ضعف القول بالندب، خصوصا مع ملاحظة المعلوم من حال المتشرعة من شدة الانكار
على الصلاة إلى غير القبلة مع الاختيار والاستقرار، بل هو الفارق عندهم بين الاسلام والكفر
نعم قد يستثنى من ذلك النافلة حيث تجوز راكبا وماشيا، فلا يشترط فيها
الاستقبال حتى في تكبيرة الاحرام منها من غير فرق بين السفر والحضر، لاطلاق
النصوص (2) المستفيضة في الأول، سيما مع غلبة عدم التمكن من الاستقبال حال
الصلاة عليها، وخصوص صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (3) " سأل أبا عبد الله (ع)
عن الرجل يصلي النوافل في الأمصار وهو على دابته حيث ما توجهت به قال: لا بأس "
وخبر إبراهيم الكرخي (4) عن أبي عبد الله (ع) قال له: " إني أقدر أن أتوجه
نحو القبلة في المحمل فقال: ما هذا الضيق، أما لكم في رسول الله (ص) أسوة " وخبر
الحلبي (5) " سأل أبا عبد الله (ع) عن صلاة النافلة على البعير والدابة فقال: نعم
حيث كان متوجها، وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله " والمروي عن قرب الإسناد عن محمد
ابن عيسى والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى (6) قال:

(1) الوسائل - الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 7
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب القبلة
(3) الوسائل الباب - 15 من أبواب القبلة الحديث 1 - 6
(4) الفقيه ج 1 ص 285 من طبعة النجف
(5) الوسائل الباب - 15 من أبواب القبلة الحديث 1 - 6
(6) الوسائل الباب 15 من أبواب القبلة الحديث 20
8

" سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك فكان يصلي صلاة
الليل على راحلته حيث توجهت به ويومئ إيماء " وعن كشف الغمة نقلا من كتاب
الدلائل لعبد الله بن جعفري الحميري عن فيض بن مطر (1) قال: " دخلت على أبي
جعفر (ع) وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل في المحمل قال: فابتدأني فقال: كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على راحلته حيث توجهت به " وعن تفسير العياشي عن حريز (2)
قال أبو جعفر (ع): " أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة " فأينما تولوا فثم وجه الله "
إن الله تعالى واسع عليم، وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله إيماء على راحلته أينما توجهت به حيث
خرج إلى خيبر وحين رجع من مكة وجعل الكعبة خلف ظهره " مضافا إلى ما عن المعتبر
والمنتهى من الاجماع عليه في حال السفر.
وأما الماشي فكذا يدل عليه إطلاق النصوص أيضا كقول الصادق (عليه السلام)
في حسن معاوية بن عمار (3): " لا بأس أن يصلي الرجل صلاة الليل في السفر وهو
يمشي، ولا بأس إن فاتته صلاة الليل أن يقضيها بالنهار وهو يمشي يتوجه إلى القبلة، ثم
يمشي ويقرأ، فإذا أراد أن يركع حول وجهه إلى القبلة وركع وسجد ثم مشى " وصحيح
يعقوب بن شعيب (4) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) - إلى أن قال - قلت: يصلي
وهو يمشي قال: نعم يومئ إيماء، وليجعل السجود أخفض من الركوع " ومرسل
حريز (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) " أنه كان لا يرى بأسا بأن يصلي الماشي وهو
يمشي ولكن لا يسوق الإبل " والمروي في المعتبر نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي
نصر عن حماد بن عثمان عن الحسين بن المختار (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب 15 من أبواب القبلة الحديث 22 - 23
(2) الوسائل - الباب 15 من أبواب القبلة الحديث 22 - 23
(3) الوسائل - الباب 16 - من أبواب القبلة الحديث 1 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب 16 - من أبواب القبلة الحديث 1 - 4 - 5
(5) الوسائل - الباب 16 - من أبواب القبلة الحديث 1 - 4 - 5
(6) الوسائل - الباب 16 من أبواب القبلة الحديث 6
9

" سألته عن الرجل يصلي وهو يمشي تطوعا قال: نعم " قال أحمد بن محمد بن أبي نصر:
وسمعته أنا من الحسين بن المختار، وعن المنتهى نسبة جواز التنفل له في السفر إلى علمائنا،
ولا ريب في اقتضاء إطلاق ما عدا الأول منها عدم الفرق بين السفر والحضر، وبين
الصلاة إلى القبلة وعدمها، بل صريح الأول الثاني فيما عدا التكبير والركوع والسجود،
مع أنه لم يشترطه أصحابنا في الأخيرين، وإنما اشترطه الشافعي كما اعترف به بعضهم،
بل عن الخلاف الاجماع على استثنائه من اشتراط الاستقبال في غير التكبير، فلا بد من
حمل ذلك في الخبر المزبور على التقية أو الندب، ولعل الثاني أولى، خصوصا بعد
حمل ذلك في التكبير عليه أيضا كما هو الأقوى، تحكيما للاطلاقات المزبورة المعتضدة
باطلاق استثنائه من اشتراط القبلة في أكثر كتب الأصحاب، وبالآية التي قد عرفت
استفاضة النقل في نزولها في النافلة وغير ذلك مما سمعته سابقا في دعوى عدم الاشتراط
مطلقا، مضافا إلى خلو بعض النصوص هنا المشتملة على بيان كيفية الصلاة ماشيا عن
التعرض للاستقبال، كخبر إبراهيم بن ميمون (1) وغيره (2) وإلى موافقته للاعتبار كما
أومأ إليه في المحكي عن المنتهى بقوله: إن التنفل محل الترخص، فأبيحت هذه كغيرها
طلبا للمداومة على فعل النافلة وكثرة التشاغل بالعبادة.
كما أنه يحمل ما في صحيح عبد الرحمن (3) المتضمن للأمر بالاستقبال للراكب
في التكبير على ذلك أيضا، قال فيه: " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة
في الليل في السفر في المحمل فقال: إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر وصل
حيث ذهب بك بعيرك " إلى آخره. ضرورة قصوره عن تقييد تلك الاطلاقات
المعتضدة بكثير مما عرفته في الماشي، بل وبغيره، بل لا يخفى أولويته من الماشي بذلك،

(1) الوسائل - الباب 16 من أبواب القبلة الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب 16 من أبواب القبلة الحديث 2 - 3
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب القبلة الحديث 13
10

لقوة أدلته سندا ودلالة واعتضادا كما هو واضح، بل ورد في السفينة التي قد جعل
المحمل بمنزلتها في خبر ابن عذافر (1) الرخصة بتكبير النافلة إلى غير القبلة، ففي خبر
زرارة (2) عن الصادق (عليه السلام) المروي عن تفسير العياشي " قلت: أتوجه نحوها
- أي القبلة - في كل تكبير فقال: أما النافلة فلا، إنما يكبر إلى غير القبلة، ثم قال:
كل ذلك قبلة للمتنفل، أينما تولوا فثم وجه الله " إلى غير ذلك.
فما عساه يظهر من المحكي عن المبسوط والخلاف والجامع - من اشتراط الاستقبال
بالتكبيرة للماشي ومنها ومن الاقتصاد والمصباح ومختصره والسرائر والجامع وابن فهد والنهاية
من اشتراطه فيها للراكب، بل عن ابن إدريس منهم نسبته إلى جماعة الأصحاب إلا
من شذ للأصل، والخبرين المزبورين - ضعيف جدا، نعم هو أولى، كما عن جمل
العلم والعمل والمراسم التعبير بذلك في الراكب، بل صريح المبسوط استحباب الاستقبال
له في غير التكبير من الصلاة أيضا، أما فيه فهو شرط عنده، وإن كان يمكن المناقشة
فيه في الجملة باطلاق الأخبار السابقة، خصوصا المتضمنة لفعل رسول الله (صلى الله عليه
وآله) منها الذي لا يفعل إلا الأفضل، كما أومأ إليه خبر إبراهيم الكرخي السابق (3)
إلا أن الأمر سهل في الحكم الاستحبابي الذي يتسامح فيه.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعف الاشتراط المزبور، كضعف القول بعدم
جواز أصل فعل النافلة للراكب والماشي حضرا، كما عساه يظهر من المحكي عن ابن أبي
عقيل والحلي وسلار، بل هو ظاهر النافع والمحكي عن النهاية وجمل العلم والعمل، ولعل
المستند كما في الرياض إما الاقتصار فيما خالف الأصل - الدال على لزوم الصلاة إلى القبلة

(1) الوسائل - الباب 14 من أبواب القبلة الحديث 2
(2) الوسائل - الباب 13 من أبواب القبلة الحديث 17
(3) الفقيه - ج 1 ص 285 من طبعة النجف
11

مطلقا ولو نافلة من العموم وتوقيفية العبادة - على المجمع عليه وهو السفر خاصة، وفيه أنه
أخص من الدعوى، ولو أضاف إلى القبلة غيرها من الاستقرار ونحوه مما يعتبر في الصلاة
ولو نافلة كان الدليل أتم، ويجاب عنه حينئذ بأن الاقتصار على المتيقن غير لازم بعد
النصوص الصحيحة المتقدمة الظاهرة في الجواز حضرا على الراحلة، قيل ولا قائل بالفرق
بينه وبين الماشي، مضافا إلى ما سمعته فيه أيضا مما يدل باطلاقه عليه سفرا وحضرا،
وإما ظهور بعض الصحاح المتقدمة المرخصة لها فيه في التقييد بالسفر مؤيدا بجملة من
النصوص الواردة في تفسير قوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " أنه ورد في النافلة في السفر
خاصة، وفيه (1) أنه غير مقاوم لأدلة الجواز، خصوصا مع ضعف
النصوص المفسرة سندا بل ودلالة، إذ غايتها بيان ورود الآية فيه خاصة، وهو
لا يستلزم عدم المشروعية في غيره، والصحيح غير صريح بل ولا ظاهر في التقييد إلا
بالمفهوم الضعيف بورود القيد فيه مورد الغالب، بل لو سلم وضوح الدلالة في الجميع
لا ريب في رجحان أدلة الجواز عليها، سيما بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة، وإطلاق
معاقد الاجماعات، بل عن الخلاف الاجماع عليه في الحضر، وغير ذلك مما لا يخفى
على المتأمل، بل يمكن إنكار ظهور الخلاف من جملة من العبارات بعدم إرادة تخصيص
الرخصة فيما ذكروه من السفر، كما أنه لا يراد خصوص الراحلة أو الركوب ممن ذكرهما
ضرورة عموم الحكم لركوب غير الراحلة في السفر، بل ولعدم الركوب فيه كالماشي أيضا.
فما عساه يتوهم من المتن لقوله: * (ويجوز أن تصلى على الراحلة سفرا وحضرا
وإلى غير القبلة على كراهية متأكدة في الحضر) * وغيره من الخلاف في النافلة ماشيا حتى

(1) علق القمشهي على النسخة الأصلية بأن الصحيح " ففيه " لأنه جواب " أما "
بفتح الهمزة. وما ذكره غير صحيح لأن لفظة " إما " بكسر الهمزة لأنه معادل لقوله قدس سره
" إما الاقتصار ".
12

في السفر الذي قد نسب جوازه في المحكي من المنتهى إلى علمائنا في غير محله، كما أنه
لا ينبغي توهم اختلاف من اشترط الاستقبال من الأصحاب هنا لما وقع لهم من العبارات،
إذ المحكي عن ابن أبي عقيل استثناء الحرب والسفر على الراحلة، وفي كشف اللثام وكذا
جمل العلم والعمل والمراسم والنهاية والنافع والسرائر والجامع، لكن ليس فيها الحرب،
وفي الأخيرين الاحرام بها مستقبلا، وفي الأولين النص على أنه أولى، قال: وعلي
ابن بابويه استثنى الركوب، والصدوق في المقنع الركوب في سفينة أو في محمل، وظاهره
السفر، وابن فهد والنهاية ركوب سفينة أو راحلة بعد الاستقبال بالتحريمة، والشيخ في الجمل
والفاضل في التحرير ركوب الراحلة، ولولا ما في الخلاف والمنتهى - وسيأتي - من أنه
يجوز التنفل على الراحلة حضرا جاز أن يستظهر منه السفر، وفي الاقتصاد والمصباح
ومختصره أيضا ركوب الراحلة واشتراط الاحرام مستقبلا، وفي المبسوط والخلاف
السفر على الراحلة أو ماشيا بعد الاحرام مستقبلا، وكذا التذكرة لكن فيها النص على
عدم اشتراط الاستقبال عند الاحرام أيضا، وفي المختلف عن الشيخ استثناء الركوب
والمشي سفرا وحضرا واختياره، والذي رأيناه في كتب الشيخ جواز التنفل راكبا
وماشيا سفرا وحضرا، وفي الجامع استثناء المشي مطلقا بعد الاستقبال بأولها، قلت:
والظاهر أن مراده فيما رد به على المختلف أنه لا تصريح في كلام الشيخ بالاستثناء حتى
يكون قائلا بسقوط اشتراط الاستقبال، وحكمه بالجواز أعم من ذلك، إذ لعله يعتبر الاستقبال
معهما، وفيه أولا أنه لا قائل بجواز ذلك واشتراط الاستقبال في جميع الصلاة، وثانيا
حكى في مفتاح الكرامة أنه قال في الخلاف بعد أن نقل الاجماع على جواز صلاة النافلة
على الراحلة في غير السفر: " مسألة إذا صلى على الراحلة نافلة لا يلزمه أن يتوجه إلى جهة
سيرها، بل يتوجه كيف شاء، لعموم الآية والأخبار، وقال الشافعي: إذا لم يستقبله
القبلة ولا جهة سيرها بطلت صلاته " ولولا ما سلف له كما قيل من اعتبار الاستقبال في
13

التكبير أمكن حمل كلامه هذا على عدم اشتراط الاستقبال رأسا، فيوافق ما حكاه في
المختلف عنه كما أنه يوافقه فيما عداها، أو جعل هذا منه عدولا، أو أن مراده بما
سبق الفضل والاستحباب لا الشرطية كما هو محتمل المبسوط أيضا، قال فيه على ما في
المفتاح: " وأما النوافل فلا بأس أن يصليها على الراحلة في حال الاختيار، وكذلك
حال المشي ويستقبل القبلة. فإن لم يمكنه استقبل بتكبيرة الاحرام القبلة، والباقي يصلي
إلى حيث تصير الراحلة، ويتوجه إليه في مشيه، فإن كان راكبا منفردا وأمكنه أن
يتوجه إلى القبلة كان ذلك هو الأفضل، فإن لم يفعل لم يكن عليه شئ لأن الأخبار
الواردة في جواز ذلك على عمومها، هذا إذا لم يتمكن في حال كونه راكبا من استقبال
القبلة، فإن تمكن من ذلك بأن يكون في كنيسة واسعة يمكنه أن يدور فيها ويستقبل
القبلة كان فعل ذلك أفضل " فتأمل جيدا.
وكيف كان فقد عرفت التحقيق على كل حال، وهو الجواز للراكب والماشي
سفرا وحضرا وإلى القبلة وغيرها في التكبير وغيره من غير فرق بين المحمل وغيره وبين
البعير وغيره وبين كيفية الركوب والمشي المتعارفة وغيرها، بل يمكن إدراج السفينة
في إطلاق الركوب نصا وفتوى، وإن أبيت فالظاهر الاتحاد في الحكم، بل لعله أولى
كما لا يخفى على من لاحظ ما قدمناه سابقا فيها، وتوهم الخلاف ممن اقتصر في الرخصة
على ما لا يشملها من العبارات السابقة وغيرها بعيد، وعلى تقديره ضعيف، وإن كان
لم نعثر على نصوص خاصة في النوافل في السفينة عدا صحيح زرارة (1) " سأل أبا جعفر
(عليه السلام) في الرجل يصلي النوافل في السفينة قال: يصلي نحو رأسها " وإنما هو في
الكيفية التي لا تستلزم الرخصة في الجواز مع الاختيار، وعدا خبره الآخر المروي (2)
عن تفسير العياشي " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الصلاة في السفر في السفينة

(1) الوسائل - الباب 13 من أبواب القبلة الحديث 2 - 17
(2) الوسائل - الباب 13 من أبواب القبلة الحديث 2 - 17
14

والمحمل سواء، قال: النافلة كلها سواء تومئ إيماء أينما توجهت دابتك وسفينتك،
والفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الأرض إلا من خوف، فإن خفت أومأت، وأما السفينة
فصل فيها قائما - إلى أن قال -: فأتوجه نحوها في كل تكبير، قال: أما النافلة فلا، إنما يكبر
على غير القبلة - ثم قال -: كل ذلك قبلة للمتنفل، أينما تولوا فثم وجه الله " وهو إن
لم يكن كذلك فهو قريب منه، على أنه غير معلوم الصحة سندا، وعدا مضمر سليمان
ابن خالد (1) " يصلى النافلة وهو مستقبل صدر السفينة إذا كبر ثم لا يضره حيث دارت "
وهو كذلك أيضا، لكن النصوص (2) المطلقة في الصلاة في السفينة قد سمعتها سابقا،
وعدم قولنا بمقتضاها في الفريضة للمعارض المتقدم لا يستلزم عدم القول به هنا، بل فحوى
نصوص (3) التنفل راكبا وماشيا يكفي في ذلك، خصوصا بعد ما في خبر ابن عذافر (4)
من جعل المحمل بمنزلة السفينة، كما أنه يكفي فيه ما ورد (5) من النصوص في تفسير
قوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " أنها في النافلة في السفر الشامل للسفينة المتمم بعدم
القول بالفصل بينه وبين الحضر، فضلا عما ورد (6) من أنها في النافلة مطلقا، وخروج
غير ذلك عندنا بالأدلة السابقة التي لا تشمل الفرض لما سمعته، لا أقل من الشك
لا يقدح، فتأمل.
نعم لا يبعد الاحتياط في مراعاة القبلة فيها مع الامكان، لاحتمال الفرق بينها

(1) الوسائل - الباب 14 من أبواب القيام - الحديث 10 وحذف ما يضر
بالمعنى في الجواهر.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب القبلة
(3) الوسائل الباب - 15 و 16 من أبواب القبلة
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب القبلة الحديث 2
(5) الوسائل الباب 15 من أبواب القبلة الحديث 18 و 19 و 22
(6) الوسائل الباب 13 من أبواب القبلة الحديث 17
15

وبين الدابة في ذلك بالضيق وعدمه، لا أنه لا تشرع النافلة فيها إلا مع تعذر الشرط
كما قلناه في الفريضة. وكيف وقد سبق ظهور كلمات جملة من الأصحاب في جواز ذلك
في الفريضة فضلا عن النافلة كما تقدم البحث فيه مستوفى. فما عساه يلوح من الديلمي
كما قيل من اشتراط ذلك في النافلة أيضا لا ريب في ضعفه، بل وكذا ما عن المبسوط
والنهاية من اشتراط جواز استقبال الصدر بما إذا لم يتمكن من استقبال القبلة فيها، فتخالف
الراحلة حينئذ من هذا الوجه، نعم تساويها فيما نص الشيخ عليه من الجواز، وإن
أمكنه الخروج إلى الجدد البري، وعن الوسيلة " يجوز له أن يصلي النافلة في السفينة،
وإن راعى القبلة كان أفضل " ولعله بناه على ما سمعته من مذهبه من عدم اشتراط
الاستقبال في النافلة مطلقا.
ثم لا يخفى أن الظاهر من كل من أطلق الاستثناء وصريح بعضهم إرادة سقوط
الاشتراط في الأحوال المستثناة لا الانتقال إلى بدل تجري عليه أحكام القبلة بحيث لو
ترك استقباله بطلت صلاته وإن كان إلى القبلة في وجه، أو ما لم يكن للقبلة، وما في
بعض العبارات أن قبلة الراكب طريقه ومقصده، كالذي في آخر من أن قبلته رأس
دابته حيث ما توجهت محمول على إرادة بيان الرخصة في الترك والبقاء على حاله الغالب
من غير تكلف انحراف طلبا للقبلة، وكذا ما في النصوص السابقة من الصلاة إلى حيث
ما كان متوجها أو إلى حيث ما توجهت دابته أو إلى صدر السفينة، لا أن المراد وجوب
ذلك بدلا عن القبلة، فلو توجه حينئذ حال صلاته إلى غير رأس دابته أو طريقه بأن
كان متوركا كما هو المتعارف في الركوب على ما قيل بين أهل الحسا والقطيف صحت
صلاته عندنا، حتى لو فرض توجه الدابة والطريق إلى القبلة فضلا عن غيره، بل ينبغي
القطع به لو كان العدول عن توجه الدابة مثلا إلى القبلة، قال في المحكي عن التحرير
والمنتهى: قبلة المصلي على الراحلة حيث توجهت، فلو عدل إلى القبلة جاز إجماعا،
16

وإن كان إلى غيرها فالأقرب الجواز، قلت: ولا يتوهم من التعبير بلفظ الأقرب
وقوع خلاف في ذلك، بل الظاهر أنه للاحتمال دون القول، فإنا لم نعثر على من حكي
عنه ذلك، بل ظاهر نسبة الشيخ ذلك للشافعي عدم كونه لأحد من أصحابنا. وهو
كذلك على الظاهر، نعم حكي عن نهاية الإحكام وكشف الالتباس في الفريضة حيث
تجوز على الراحلة أنه لا بد أن يستمر على جهة واحدة، قالا: " المصلي لا بد أن يستمر
على جهة واحدة لئلا يتشوش فكره، وجعلت الجهة التي يصلى إليها اختيارا الكعبة
لشرفها، فإذا عدل عنها لضرورة السير وجب التزام الجهة، ثم الطريق لا يستمر على
جهة فلا بد فيه من معاطف يمنة ويسرة، فيتبعه كيف كان للحاجة " ولعلهما لا يقولان
به في النافلة، أو لم يريدا الوجوب الشرطي، أو غير ذلك، وإن أبيت فلا ريب
في ضعفه كما لا يخفى على من لاحظ نصوص المقام الظاهرة في إرادة التوسعة وعدم الالتزام
بالجهة، خصوصا المشتملة على الاستدلال بقوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله "
وتخصيصها توجه الدابة مع أنه في مقام توهم الحظر جريا على الغالب من إرادة الراكب
ذلك، فلاحظ وتأمل.
ولا فرق في ذلك بين الابتداء وغيره، فلو صلى من أول الأمر إلى غير توجه
دابته مثلا صح وإن كان توجه دابته إلى القبلة فضلا عن غيره، فله الركوب حينئذ مقلوبا
ثم الصلاة، إلا أن الاحتياط مراعاة توجه الدابة، وإن كان الأقوى ما ذكرناه، كما
أن الأقوى إرادة الرخصة أيضا مما تضمنته النصوص من الايماء لا العزيمة، فلو ركع
الماشي وسجد وكذلك الراكب لكونه في كنيسة واسعة مثلا صح قطعا، بل كاد يكون
صريح حسن بن عمار (1) المتقدم في الماشي، إذ حمل الركوع والسجود فيه على الايماء
لهما لا داعي إليه، بل لا يبعد عدم قيام الايماء مقامهما لراكب السفينة المتمكن منهما كما

(1) الوسائل - الباب 16 من أبواب القبلة الحديث 1
17

هو الغالب، لعدم الدليل، بل ظاهر نصوص (1) كيفية صلاة السفينة العدم، نعم
قد تضمن خبر العياشي (2) المتقدم الايماء فيها، والخروج به عن مقتضى الاطلاقات
كما ترى، اللهم إلا أن يكون الحكم ندبيا، وخصوصا قد ثبت الايماء في المحل الذي
جعل بمنزلة السفينة، لكن لا ريب أن الاحتياط المحافظة على الركوع والسجود، كما أنه
ينبغي المحافظة على ما تضمنه بعض النصوص (3) من الأمر بجعل السجود أخفض من
الركوع حيث يومي، وإن كان يحتمل عدم وجوب ذلك أيضا فيها، حملا للأمر
بذلك على الندب، كما هو الأصل في الاطلاق والتقييد في المندوبات. أما رفع ما يسجد
عليه ليضع الجبهة عليه فلا يجب هنا قطعا وإن أوجبناه في الفريضة، لاطلاق أكثر
النصوص وصريح البعض (4).
نعم ينبغي أن يعلم أن المراد في النافلة للماشي والراكب رفع مانعية المشي
والركوب وما يلزمهما غالبا كعدم التمكن من الاستقبال وعدم الركوع والسجود عن الصحة
لا إسقاط غير ذلك من الموانع كالفعل الكثير ومباشرة النجاسة ونحوهما، ضرورة
سلامة أدلة المنع فيها عن المعارض، ولعل في قول أبي جعفر (عليه السلام) في مرسل
حريز (5): " ولكن لا يسوق الإبل " تنبيها على ذلك، لأنه من الفعل الكثير، كما
أنه ينبغي أن يعلم أنه بناء على اختصاص الرخصة في النافلة للماشي والراكب في السفر
وإن كان خلاف المختار كما عرفت يراد المشي والركوب في حال التشاغل في قطع مسافة
السفر، فلا تصح حينئذ لهما حال إقامتهما في منزل أو بلد مثلا وإن لم تكن إقامة شرعية
اقتصارا في المخالف للأصل على المتيقن المنساق من النصوص، ولعله إليه أومأ ما في

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب القبلة الحديث. - 17
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب القبلة الحديث. - 17
(3) الوسائل - الباب 15 من أبواب القبلة الحديث 14 و 15 والباب 16 الحديث 3 و 4
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب السجود - الحديث 1
(5) الوسائل الباب 16 من أبواب القبلة الحديث 5
18

المحكي عن الايضاح من تقييد استثناء الراكب في سفر القصر من اشتراط الاستقبال
بحال السير، والله أعلم.
* (ويسقط فرض الاستقبال في كل موضع لا يتمكن منه كصلاة المطاردة، وعند ذبح الدابة
الصائلة والمتردية بحيث لا يمكن صرفها إلى القبلة) * كما تسمع ذلك مفصلا في محالها إن شاء الله
* (الرابع في أحكام الخلل) *
* (وهي مسائل: الأولى) * قد تقدم سابقا أن * (الأعمى يرجع إلى
غيره، لقصوره عن الاجتهاد) * المتيسر لغيره وإن قلنا هناك إن التحقيق كون
ذلك اجتهادا بالنسبة إليه، كما يومي إليه في الجملة قول المصنف وغيره هنا: * (فإن
عول على رأيه مع وجود المبصر لأمارة) * ظنية أقوى من قول المبصر * (وجدها صح) *
صلاته من هذه الحيثية، ضرورة ابتناء ذلك على كون المدار على ظنه، وقد فرض
حصول إمارة له أقوى من قول المبصر أو مساوية له، وهو لا يتم إلا على ما قلناه،
نعم هو مقيد قطعا بما يأتي من عدم ظهور الخطأ الموجب للتدارك، كما اعترف به في
جامع المقاصد وكشف اللثام وغيرهما، لاطلاق الأدلة الآتية، وخصوص صحيح
عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) " سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل أعمى صلى
على غير القبلة فقال: إن كان في وقت فليعد، وإن كان قد مضى الوقت فلا يعد "
الحديث. وخبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " الأعمى إذا صار لغير
القبلة فإن كان في وقت فليعد، وإن كان قد مضى الوقت فلا يعيد " مضافا إلى مساواته
المجتهد أو أولويته منه بالإعادة، كما يومي إليه صحيح الحلبي أو حسنه (3) عن أبي
عبد الله (عليه السلام) " في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة قال: يعيد ولا يعيدون
فإنهم قد تحروا " وإن كان لا بد من حمله على إرادة غير المتحري من الأعمى.

(1) الوسائل - الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 8 - 9 - 7
(2) الوسائل - الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 8 - 9 - 7
(3) الوسائل - الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 8 - 9 - 7
19

فمن الغريب ما في المدارك من أن إطلاق العبارة يقتضي أنه لا إعادة على الأعمى
مع التعويل على الأمارة مطلقا وإن تبين الخطأ، فيكون التفصيل الآتي مخصوصا بغير
الأعمى، وأشكله بعموم الأخبار الآتية، وخصوص صحيح عبد الرحمان السابق، ثم
قال: ويمكن حمل النفي المدلول عليه بالسياق في العبارة على نفي الإعادة مطلقا أي في جميع
الأحوال بقرينة أن الإعادة في الصورة الثانية، وهي ما إذا عول على رأيه من دون إمارة
ثابته على كل حال وإن ظهرت المطابقة، لدخوله في الصلاة دخولا منهيا عنه، وحينئذ
فلا ينافيه ثبوت الإعادة في الصورة الأولى على بعض الوجوه، وهو كما ترى فيه من
التكلف ما لا يخفى، على أنه لا داعي إليه، ضرورة كون المراد عدم الإعادة من هذه
الحيثية دفعا لما عساه يتوهم من كون تكليف الأعمى الرجوع إلى غيره، وأنه لا يجوز له
التعويل حينئذ على رأيه وإن كان أقوى عنده من قول المبصر، بل قد يوهمه فرض
المسألة في الذكرى في لمس الأعمى الكعبة بيده، أو محراب مسجد لا يشك فيه، ونحوها
مما لا يدخل تحت الأمارة الظنية، لكن قد عرفت أن التحقيق دوران أمره على
أقوى الظنون الحاصلة له من غير فرق بين الغير وغيره.
وكيف كان فالمراد التعويل على رأيه للأمارة سواء سأل المبصر وأخبره بخلاف
تلك الأمارة التي هي مساوية أو أقوى عنده من إخباره، أو لم يسأله إلا أنه علم بذلك
لو أخبر المبصر بخلافها، أما إذا احتمل إخبار المبصر بخلافها وأنه لو كان فهو أقوى من
تلك الأمارة لم يجز له التعويل عليها، لعدم كونه من التحري جهده، وهل يجب عليه
سؤال المبصر في الصورة الأولى، لوجوب أقوى الظنون عليه بعد تعذر العلم، فيحتمل
وفاقه للأمارة فتزداد قوة، أو لا يجب، لكون المفروض قوة الأمارة على فرض
خلاف المبصر، والأصل براءة الذمة من وجوب طلب ترك المرتبة من الظن الموافق؟
وجهان، قد يومي إلى الأول مع كونه أحوط ما في كشف اللثام، فإنه بعد قول الفاضل:
20

" صحت صلاته " قال: " إن كانت أقوى من إخباره أو مساوية ولم تتقو به "، فتأمل جيدا.
* (وإلا) * يكون تعويله على رأيه مع وجود المبصر لأمارة * (فعليه الإعادة) * إن
أخطأ قطعا لعدم الامتثال، وإطلاق النصوص السابقة (1) بل وإن أصاب إذا فرض
بحال لم يكن جازما بموافقة الأمر، ضرورة عدم تصور النية منه، فإصابته مع عدمها
لا تجديه، أما إذا كان بحال تتصور منه نية القربة لغفلة ونحوها فيحتمل الصحة، لوجود
المقتضي وارتفاع المانع، خصوصا على القول بصحة عبادة الجاهل مع الموافقة، بل وإن
لم نقل، بناء على اختصاص ذلك بالأجزاء ونحوها مما هو داخل في كيفية العبادة،
أو فيها وفي الشرائط مع فرض البحث في غير جاهل الشرطية، أما غير ذلك فيدور
الفساد فيه مع إحراز نية القربة وعدمه على حصوله وعدمه، لعدم الدليل على شرطية
سبق العلم للصحة، وحينئذ لا ينبغي إطلاق الصحة مع الإصابة، كما هو المحكي عن
الشيخ في المبسوط والخلاف، ولا إطلاق الفساد معها كما عن غيره ممن تأخر عنه، اللهم
إلا أن يختص هذا الشرط من بين الشرائط باشتراط إحرازه بالطريق الشرعي علما أو
ظنا في صحة الصلاة، للأمر بالعلم أو الاجتهاد في تحصيل القبلة المقتضي للشرطية،
كسائر الأوامر بالشئ للصلاة مثلا، فيكون الفساد حينئذ في الفرض لفقد الشرط، وهو
العلم أو الظن، وربما يلحق به في ذلك الوقت أيضا، للاشتراك في كيفية دلالة الأدلة،
لكن للنظر فيه مجال، لاحتمال إرادة الطريق منهما لا الشرطية، خصوصا بعد معروفية
كون الشرط القبلة نصا وفتوى، لا العلم بها أو الظن، فيشمل الفرض حينئذ كل
ما دل على صحة الصلاة إلى القبلة مما تقدم ويأتي، فقول الشيخ المزبور لا يخلو حينئذ
من وجه، ولعله لذا قال في المحكي عن المنتهى إن القولين قويان، بل عن المعتبر
والتحرير الاستشكال فيه، بل قد يقال إن ذلك من الشيخ في الخلاف بناء على مذهبه

(1) الوسائل - الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 7 و 8 و 9
21

فيه من أن الأعمى يصلي إلى الأربع ولا يرجع إلى غيره، فحينئذ إذا صلى إلى واحدة
منها فعلم أنه أصاب فيها صحت صلاته قطعا وسقط عنه الباقي كالمتحير، بل لعل ما حكاه
في ذكرى عنه من إطلاق الاجزاء فيما نحن فيه مع ضيق الوقت مبني على ذلك أيضا، نعم
ينبغي تقييده بما إذا لم يكن خطأه إلى دبر القبلة، بناء على ما ستعرفه من مذهبه، وإليه
أومأ في الذكرى حيث أنه بعد أن حكى ذلك عنه قال: وهو بعيد مع كونه مخطئا إلا
أن يكون المقلد مفقودا، أو لم يصل إلى دبر القبلة عند الشيخ، ثم قال: ولو أصاب
هنا فكالأول فيما قاله الشيخ وقلناه، نعم لو فقد المقلد صح هنا قطعا.
قلت: قد عرفت الحكومة بينه وبين الشيخ، ونزيد هنا بكشف الحال في سائر
الشرائط التي لم يظهر من الأدلة اعتبار سبق العلم بحصولها، فنقول إنها إن كانت لمعاملة
فلا يقدح الجهل ابتداء بحكمها، وحصولها في صحتها إذا فرق مصادفتها لها، لعدم
اشتراط نية القربة فيها، وكذا إن كانت شرطا لعبادة مع العلم بحصولها والجهل بحكمها،
وليس من عبادة الجاهل الموافقة للواقع التي جزم المشهور بفسادها، أما مع الجهل بالحصول
سواء علم بالحكم أو لا فإن أدى ذلك إلى عدم حصول نية القربة بطل العمل، وإلا صح
وكفى مجرد المصادفة للواقع كما هو واضح فيما نحن فيه مع فرض عدم ظهور الأدلة في اعتبار
العلم أو الظن بالقبلة في ابتداء العمل، وفرض عدم تزلزل في نية القربة المتجه فيه الصحة
حينئذ، فتأمل جيدا.
وكيف كان فلو صلى الأعمى مقلدا ثم أبصر في الأثناء فإن كان عاميا فرضه
التقليد أيضا استمر، وإن كان ممن يتمكن من الاجتهاد في أثناء الصلاة بحيث لا تبطل
به اجتهد وجوبا على الظاهر، لتغير موضوعه وشرطية القبلة للكل والبعض، فإن وافق
فلا بحث، وكذا لو ظهر له أنه منحرف يسيرا فإنه يستقيم وتصح صلاته لما ستعرف،
وأما إن كان منحرفا إلى اليمين واليسار استأنف الصلاة، وأولى منه إذا كان مستدبرا،
22

ولو افتقر في اجتهاده إلى زمان كثير لا يتسامح في الصلاة بمثله فالأقرب كما في الذكرى
البناء وسقوط الاجتهاد. قال: لأنه في معنى العامي، لتحريم قطع الصلاة، والظاهر
إصابة المخبر، ويقوى مع كونه مخبرا عن علم، بل يمكن هنا عدم الاجتهاد لما سلف،
واحتاط في المعتبر بالاستئناف مع احتياجه إلى تأمل كثير، وهو احتياط ظاهر، وقال:
إن قلنا له المضي فيها، لأنه لا دليل على انتقاله كان قويا، قلت: قد يشك في شمول
ما دل على حرمة الابطال لمثله كما تسمعه إن شاء الله في محله، فمع فرض شمول أدلة
الاجتهاد له يتوجه الابطال واستئناف الصلاة، ودعوى أن اجتهاده في هذا الحال
منحصر في البقاء على ما كان مبنية على حرمة الابطال التي قد عرفت الشك في شمول
دليلها لمثله، فتأمل.
ولو صلى بصيرا فكف في الأثناء بنى، فإن انحرف قصدا بطلت إن خرج عن
السمت، وإن كان اتفاقا وأمكنه علم الاستقامة استقام ما لم يكن قد خرج إلى حد
الابطال بالخروج عن الجهة، وإن لم يمكنه فإن اتفق مسدد عول عليه، بل ينتظره إذا
لم يخرج عن كونه مصليا، بل وإن خرج لعدم تمكنه من إتمام الصلاة على الوجه
المأمور به، واحتمال أنه كالمتحير حينئذ فيتمها إلى جهة ويضيف إليها ما يكملها أربعا مبني
على حرمة القطع التي قد عرفت الشك في شمول دليلها لمثله، بل في الذكرى أن الأقرب
البطلان مع توقع المسدد، فضلا عن الجزم بحصوله، نعم لو ضاق الزمان عن التوقع
كأن بقي مقدار أربع جهات صلى إليها، وكذا يصلي إلى الأربع مع السعة وعدم توقع
المسدد، قال في الذكرى: " وهل يحتسب بتلك الصلاة منها نظر، من حيث وقوعها
في جهتين فلا تكون صحيحة، ومن صحة ما سبق منها قطعا وجواز ابتدائها الآن إلى
هذه الجهة بأجمعها فبالبعض أولى، وحينئذ هل له الانحراف إلى جهة أخرى غير ما هو
قائم إليها يحتمل ذلك، تنزيلا للاتمام منزلة الابتداء، والأقرب المنع، تقليلا للاختلاف
23

والاضطراب في الصلاة، ولتخيل القرب إلى الجهة الأولى بهذا الموقف بخلاف العدول
إلى جهة أخرى " انتهى.
المسألة * (الثانية إذا صلى إلى جهة) * قد أمر بالصلاة إليها * (إما لغلبة الظن أو لضيق الوقت) *
أو لغير ذلك * (ثم تبين خطأه) * بعد الفراغ من الصلاة * (فإن كان منحرفا يسيرا) * أي
إلى ما بين المشرق والمغرب كما في النافع وعن المعتبر والنكت وسائر كتب الفاضل عدا
القواعد وغيرها مما تأخر عنها * (فالصلاة ماضية) * بلا خلاف معتد به بين المتأخرين من
أصحابنا ومتأخريهم، بل في التذكرة والتنقيح والمفاتيح والمحكي عن الروض والمقاصد
العلية الاجماع عليه، وهو الحجة، مضافا إلى المعتبرة (1) المتضمنة كون ما بين المشرق
والمغرب قبلة المتقدمة سابقا، وخصوص صحيح ابن عمار (2) عن الصادق (عليه السلام)
" قلت له: الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى أنه قد انحرف عن القبلة
يمينا أو شمالا فقال له: قد مضت صلاته، وما بين المشرق والمغرب قبلة " وموثق
عمار (3) عنه (عليه السلام) أيضا " في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة
قبل أن يفرغ من صلاته قال: إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه
إلى القبلة ساعة يعلم، وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة، ثم يحول وجهه
إلى القبلة، ثم يفتتح الصلاة " بناء على مساواة الكل البعض في ذلك، وخبر الحسن
ابن ظريف (4) المروي عن قرب الإسناد " من صلى على غير القبلة وهو يرى أنه
على القبلة ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق المغرب " وخبر

(1) الوسائل - الباب 35 من أبواب صلاة الجنازة الحديث 1 - والباب 10 من أبواب القبلة
(2) الوسائل - الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 1 - 4
(3) الوسائل - الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 1 - 4
(4) الوسائل - الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 5
24

موسى بن إسماعيل بن موسى (1) المروي عن نوادر الرواندي " من صلى على غير القبلة
فكان إلى غير المشرق والمغرب فلا يعيد الصلاة " بل عن المعتبر والمنتهى أنه قول أهل
العلم، ولعله كذلك، فإنه وإن أطلق في الخلاف والغنية الإعادة في الوقت لمن صلى إلى
غير القبلة باجتهاده ثم عرف ذلك كالمحكي عن المقنعة وجمل السيد والنهاية والمبسوط والسرائر
وظاهر الفقيه، بل قيل إنه حكي عن الكاتب والتقي، بل في كشف اللثام أنه المشهور
وفي الخلاف الاجماع عليه، وفي السرائر نفي الخلاف، بل فيه أيضا أني لم أظفر بقائل
صريحا بعدم الإعادة قبل الفاضلين، لكن لعل مرادهم من غير القبلة ما لا يشمل ذلك،
كما أومأ إليه قول أبي جعفر (عليه السلام) لزرارة (2) في الصحيح: " لا صلاة إلا إلى القبلة
قال: قلت: أين حد القبلة؟ قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة كله، قال: قلت: فمن
صلى لغير القبلة أو في يوم غيم في غير الوقت قال: يعيد " بل حكي عن بعضهم التصريح
بذلك كظاهر المصباح، بل لعله ظاهر المحكي عن التهذيب أيضا، بل لعله فهم من
المقنعة أيضا ذلك، فلاحظ وتأمل، بل يمكن دعوى ظهور معقد إجماع الخلاف فيه،
قال: " من اجتهد في القبلة وصلى إلى واحدة من الجهات ثم بان له أنه صلى إلى غيرها
والوقت باق أعاد الصلاة " ثم حكى الاجماع، فيحتمل إرادة إحدى الجهات الأربع
فلا يدخل ما بين المشرق والمغرب فيها، فتأمل. على أنه من المستبعد طرحهم النصوص
المزبورة التي لا يعارضها إطلاق المعتبرة المستفيضة (3) الآتية المتضمنة لإعادة من صلى إلى
غير القبلة في الوقت لا في خارجه بعد إرادة ما لا يشمل ذلك من غير القبلة فيها بشهادة
النصوص والاجماعات السابقة المؤيدة بقاعدة الاجزاء وإطلاقات الصلاة القاطعة لأصالة الشغل

(1) المستدرك - الباب 7 من أبواب القبلة الحديث 1 وفيه " فكان إلى المشرق أو المغرب "
(2) الوسائل - الباب 9 من أبواب القبلة الحديث 2
(3) الوسائل - الباب 11 من أ بواب القبلة
25

فمن الغريب بعد ذلك كله ميل المحدث البحراني لاطلاق القدماء المزبور محتجا
بأنه كما يمكن تقييد النصوص الآتية بما إذا لم يكن إلى ما بين المشرق والمغرب يمكن تقييد
هذه النصوص بإرادة عدم الإعادة في خارج الوقت كما تضمنته النصوص الآتية من نفي
الإعادة فيها، فإن بينها تعارض العموم من وجه، إذ ما بين المشرق والمقرب وإن كان
أخص من غير القبلة إلا أن تلك النصوص باعتبار اشتمالها على التفصيل بين الوقت وخارجه
أخص من هذه النصوص المشتملة على نفي الإعادة مطلقا، وترجيحها بأصل البراءة
معارض بأصالة الشغل، ثم إنه تبحج بهذا الكلام وأخذ في تسجيعاته كما هي عادته.
وفيه أنه لا يخفى عليك أولا الترجيح لهذه النصوص بالاجماعات وغيرها، مضافا
إلى عدم قابلية بعضها للتنزيل المزبور، لظهوره في نفي الإعادة في الوقت، كصحيح
ابن عمار (1) وغيره، بل لا يقبله كل ما تضمن الحكم بكون ما بين المشرق والمغرب
قبلة، ضرورة عدم الوجه حينئذ لهذه المنزلة، إذ نفي الإعادة في خارج الوقت يشترك
فيها الجميع حتى الاستدبار على الأصح، على أن صحيح زرارة الأخير شاهد للجمع بينها
بإرادة غير ما بين المشرق والمغرب من غير القبلة فيها لاندراجه فيها، بخلاف الجمع الذي ذكره،
ومعارضة أصل البراءة بعد ما عرفت من قاعدة الاجزاء وإطلاق أدلة الصلاة بأصالة الشغل
كما ترى، إلى غير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل، وثانيا أن المراد بالعموم من وجه الذي
يحتاج إلى الترجيح كونه بين موضوعي الحكم لا أن أحدهما فيه والآخر في الموضوع،
ضرورة أنه لا يعقل أحد من قول القائل اضرب الجهلاء في الليل لا في النهار ولا تضرب
زيدا منهم إلا التخصيص، وبقاء حكم الخاص على إطلاقه، سيما في المقام الذي لو
سلمنا فيه عدم اختصاص لفظ الإعادة في النصوص بالتدارك في الوقت إلا أنه لا ريب
في سبقه إلى الذهن من أول الأمر، بل قد يستنكر إطلاق نفي الإعادة مرادا منه خارج

(1) الوسائل - الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 1
26

الوقت خاصة، على أنه لا يلائم اشتراطه بما إذا كان بين المشرق والمغرب في خبر قرب
الإسناد (1) ولا تعليق الحكم على غير المشرق والمغرب في خبر النوادر (2) كما أنه
لا يلائم ذلك أيضا ظهور تعليل مضي الصلاة بأن ما بين المشرق والمغرب قبلة في صحيح
ابن عمار، إلى غير ذلك مما لا يخفى، فالقول حينئذ بوجوب الإعادة في الوقت لا في
خارجه في غاية الضعف.
وأغرب منه ما حكاه في كشف اللثام عن بعض الأصحاب من الإعادة مطلقا،
وأن القاضي في شرح جمل العلم والعمل احتاط بها، ولعله لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط
وهو اجتهاد في مقابلة النصوص السابقة والآتية التي كادت تكون متواترة، ولخبر معمر بن
يحيى (3) أو عمرو بن يحيى (4) وربما قيل إنهما خبران " سأل الصادق (عليه السلام)
عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبينت القبلة وقد دخل وقت الصلاة أخرى قال: يعيدها
قبل أن يصلي هذه التي دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي دخل وقتها " وهو - مع
الاغضاء عن سنده، واحتمال إرادة الاستدبار منه بناء على ما يقوله الشيخ والصلاة بغير
اجتهاد مع سعة الوقت ودخول الوقت المشترك، أو الوقت الفضيلي للثانية، والاستثناء
مع خوف فوت وقت الاجزاء وغير ذلك - واضح لقصور عن مقاومة تلك الأدلة، فلو كان
صريحا في ذلك وجب طرحه في مقابلتها فضلا عن كونه ظاهرا، بل لا ظهور فيه بعد
الملاحظة كما هو واضح، والله أعلم.
هذا كله إن كان منحرفا يسيرا * (وإلا أعاد في الوقت) * مطلقا * (وقيل) *
والقائل الشيخان وسلار وأبو المكارم والفاضل في جملة من كتبه والشهيد في اللمعة والمقداد

(1) الوسائل - الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 5
(2) المستدرك الباب 7 من أبواب القبلة الحديث 1 - وفيه " فكان إلى المشرق أو المغرب "
(3) الإستبصار ج 1 ص 297 - الرقم 1098 - 1099 طبعة النجف
(4) الإستبصار ج 1 ص 297 - الرقم 1098 - 1099 طبعة النجف
27

في التنقيح والمحقق الثاني في جامعه وفوائده وجعفريته وغيرهم على ما حكي عن بعضهم:
* (إن بان أنه استدبرها أعاد وإن خرج الوقت) * بل نسبه في جامع المقاصد إلى كثير من
الأصحاب، بل في الروضة أنه المشهور، بل عن إرشاد الجعفرية أن عليه عمل الأصحاب،
ولكن مع ذلك كله * (والأول أظهر) * وفاقا للسيد والحلي ويحيى بن سعيد واليوسفي
والفاضل في جملة أخرى من كتبه، والشهيد في دروسه وبيانه وذكراه، وأبي العباس
في موجزه، والفاضل الميسي والشهيد الثاني وولده وسبطه والكاشاني والخراساني والإصبهاني
والعلامة الطباطبائي وغيرهم على ما حكي عن البعض، بل ربما نسب إلى الأكثر، بل
لا خلاف معتد به في غير الاستدبار منه، كما عن السرائر الاعتراف به، بل في التنقيح
أن عليه الأصحاب، والمحكي عن المنتهى أنه ذهب إليه علماؤنا، بل في كشف اللثام
الظاهر أنه إجماع، بل في الخلاف والمدارك والمحكي عن شرح الشييخ نجيب الدين الاجماع
عليه، وكأنهم لم يتحققوا ما سمعته سابقا عن قوم من أصحابنا من الإعادة في الوقت
وخارجه في مطلق الخطأ، أو لم يعتدوا به.
للنصوص المستفيضة كصيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله (1) عن الصادق
(عليه السلام) " إذا صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على
غير القبلة وأنت في وقت فأعد وإن فاتك الوقت فلا تعد " وخبر يعقوب بن يقطين (2)
قال: " سألت عبدا صالحا (ع) عن رجل صلى في يوم سحاب على غير القبلة ثم طلعت الشمس
وهو في وقت أيعيد الصلاة إذا كان صلى على غير القبلة؟ وإن كان قد تحرى القبلة
يجهده أتجزيه صلاته؟ فقال: يعيد ما كان في وقت، فإذا ذهب الوقت فلا إعادة عليه "
وصحيح سليمان بن خالد (3) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون في قفر
من الأرض في يوم غيم فيصلي لغير القبلة ثم يصحى فيعلم أنه صلى لغير القبلة كيف يصنع؟

(1) الوسائل - الباب 11 - من أبواب القبلة الحديث 1 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب 11 - من أبواب القبلة الحديث 1 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب 11 - من أبواب القبلة الحديث 1 - 2 - 6
28

قال: إن كان في وقت فليعد صلاته، وإن كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده " إلى
غير ذلك من النصوص، كخبر محمد بن الحصين (1) وغيره (2) مضافا إلى ما تقدم
من النصوص في الأعمى، وإلى قاعدة الاجزاء وإطلاقات الصلاة التي لا يقدح في اقتضائها
عدم الإعادة خارج الوقت وجوب الإعادة فيه لهذه النصوص، ضرورة رجوع الحال إلى
قيام الظن مقام الواقع إذا لم ينكشف خلافه في الوقت، فيبقى حينئذ مقتضاه في غير ذلك
سالما، بل قوله: " فحسبه اجتهاده " ونحوه في النصوص المزبورة كقوله (عليه السلام)
في بعض نصوص الأعمى (3) المتقدم سابقا: " فإن القوم قد تحروا " وغير ذلك ما هو
كالصريح في أن سقوط القضاء خارج الوقت لصحة الفعل لا أنه لطف وإن تحقق اسم
الفوات الذي هو موضوع الأمر بالقضاء، مع أنه مناف لشدة أمر الصلاة وعظم الاهتمام
بها وأنها لا تسقط ولو قضاء بحال.
فلا ريب حينئذ في أن الشرط هنا بقاعدة الاجزاء مع النصوص ظن القبلة مثلا
إذا لم ينكشف الخطأ، ويقوى في النظر أن ظهور الخطأ كاشف لفساد الفعل الأول
لا أنه مؤثر له من حينه، استبعادا لتأثير شئ في الصلاة بعد الفراغ منها بالتسليم الذي
هو الأمان عن عروض المفسدات بعد ذلك، فظهور الخطأ حينئذ سبب لعلمنا بالفساد،
وإلا فهي في علم الشارع فاسدة من أول الأمر، وقد يحتمل للكشف معنى آخر قرر
نظيره في إجازة الفضولي، وفي العلم بالنجاسة المنسية في الوقت، إذ الجميع من واد
واحد، خصوصا مسألة النجاسة، ولا يخفى أن مقتضى ذلك مع إطلاق النصوص السابقة
عدم القضاء خارج الوقت حتى في الاستدبار، ولا وجه للخروج عنهما بخبر معمر بن
يحيى (4) المتقدم سابقا الذي هو بعد الاغضاء عن سنده غير صريح في ذلك،

(1) الوسائل - الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 4 - 0 - 7
(2) الوسائل - الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 4 - 0 - 7
(3) الوسائل - الباب 11 من أبواب القبلة الحديث 4 - 0 - 7
(4) الاستبصار ج 1 ص 297 - الرقم 1099 من طبعة النجف.
29

ضرورة عدم قرينة على إرادة خصوص الاستدبار من غير القبلة فيه، خصوصا مع إمكان
كون الحقيقي منه من الأفراد النادرة، وسيما من المجتهد، ولا يقدح ذلك في إطلاق
تلك النصوص بالنسبة إليه، إذ يمكن استفادة حكمه حينئذ من قاعدة الاجزاء مع القطع
بمساواته للتشريق والتغريب في الإعادة في الوقت، أو أولويته منهما بذلك، على أن
من المستبعد إرادته خاصة من غير القبلة لا مع غيره من الأفراد، فتأمل جيدا.
فالخبر المزبور على إطلاقه من الشواذ الذي ينبغي عدم الالتفات إليها، خصوصا
بالنسبة إلى ما بين المشرق والمغرب، بل ونفس المشرق والمغرب، ودعوى أن
التمسك باطلاقه الذي لا يقدح في حجيته تقييده بالأدلة يدفعها أنه إن سلم ذلك فهو في
خصوص ما بين المشرق والمغرب، أما هما فلا دليل عليهما سوى الاطلاقات السابقة
التي لا تخصهما، وتنزيلها على خصوص التشريق والتغريب فرع الشاهد عليه، فليس
حينئذ إلا ترجيحها على الخبر المزبور سندا ودلالة واعتضادا كما سمعته سابقا، مضافا إلى
ظهور سياقه في إرادة تقديم الفائتة على الحاضرة لا إرادة القضاء حيث يفوت الاستقبال
على كل حال.
وأقرب من ذلك الاستدلال بموثق عمار (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
قال: " في رجل صلى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته قال:
إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم، وإن كان
متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة، ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح الصلاة " مع
أنه كالصريح في غير محل النزاع من العلم بالاستدبار بعد خروج الوقت، إذ حمله على
ما إذا كان صلاته في آخر الوقت بحيث علم بذلك بعد إدراك الركعة منها مثلا
وخروج الوقت كما ترى لا ينبغي الاصغاء إليه، على أن ظاهر الاستدبار فيه ما يشمل

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 4
30

المشرق والمغرب كما في الرياض، وقضاء الصلاة معهما مخالف الاجماع إلا من شذ.
وأشنع من ذلك الاستدلال بما في النهاية من أنه رويت رواية أن من صلى إلى
استدبار القبلة ثم علم بعد خروج الوقت وجب عليه إعادة الصلاة، وهذا هو الأحوط،
وعليه العمل، بل ربما استشعر من ذيل عبارته الاجماع. وفيه مع أنها رواية مرسلة
بأضعف طرق الارسال بل يقوى في الظن كما عن ظاهر النكت إرادته موثق عمار السابق
الذي قد عرفت عدم دلالته على المطلوب بقرينة استدلاله به عليه في الخلاف وكتابي
الأخبار على ما في الكشف بزعم الدلالة، بل لعله هو مراد الناصريات وجمل العلم
والعمل بالمرسل فيهما نحو الارسال السابق على ما في الكشف أيضا، إذ هو (1) في غاية
القصور عن الحكم على تلك المطلقات، وجبر ذلك كله بالشهرة المحكية أو المحصلة معارض
بأنه موهن بالشهرة المحكية أو المحصلة على ما عرفت. كدعوى اعتضاده بقاعدة انتفاء المشروط
بانتفاء شرطه بناء على أنه القبلة، والعلم والظن مثلا طريق، كما هو مقتضى قول أبي جعفر (ع)
في صحيح زرارة (2): " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع
والسجود " وغيره مما دل على الشرطية، فيشمله حينئذ عموم " من فاتته " ولا يقدح في ذلك
خروج ما بين المشرق والمغرب لعموم المنزلة، فلم يفت الشرط، كما أنه لا يقدح
خروجهما بالنصوص، بل ظاهر اقترانه بما يوجب الإعادة في الوقت وخارجه الاشتراك
معه في ذلك، إذ قد عرفت ظهور النصوص في أن الشرط ظن القبلة مثلا، والمراد من الإعادة
بفوات القبلة في قول أبي جعفر (عليه السلام) على حسب ما بينته النصوص، إذ
لا أقل من كونه مطلقا قيد بها، ويكفي في الشركة ذلك أو مع القضاء في صورة

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " إنه في غاية القصور " لكونه مبتداءا للخبر
المتقدم وهو قوله: " وفيه ".
(2) الوسائل الباب - 9 من أبواب القبلة الحديث 1
31

التفويت عمدا أو جهلا أو نسيانا، بناء على عدم إلحاقهما بالظان، كما أن قول
أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة (1) الآخر المتقدم سابقا: " يعيد من صلى
لغير القبلة " مطلق أيضا يقيد بها، وكذا مفهوم خبر ابن ظريف (2) وغيره من المطلقات
فلا محيص حينئذ عن القول بعدم وجوب القضاء عليه، وعلم أن هذه المسألة غير مسألة
الالتفات التي يأتي حكمها مفصلا في القواطع إن شاء الله.
وكيف كان فبناء على المختار يسقط الاحتياج إلى تحقيق المراد من الاستدبار،
ضرورة مساواته حينئذ في الحكم للمشرق والمغرب والمنحرف عنهما إلى جهته، مع
أن الأقوى فيه التحقق بمجاوزة المشرق والمغرب وإن لم يبلغ مقابل القبلة وفاقا لكشف
اللثام، لصدق الخروج عن القبلة والاستدبار لغة وعرفا، وما سمعته من خبر عمار،
وخلافا لثاني الشهيدين في المسالك، قال: " المراد بالاستدبار ما قابل جهة القبلة بمعنى أن
كل خط يمكن فرض أحد طرفيه جهة لها فالطرف الآخر استدبار، فلو فرض وقوع
خط مستقيم على هذا الخط بحيث يحدث عنهما أربع زوايا قائمة فالخط الثاني خط اليمين
واليسار، فلو فرض خط آخر على الخط الأول بحيث يحدث عنهما زوايا منفرجة وحادة
فما كان منه بين خط اليمين واليسار وخط القبلة فهو الانحراف المغتفر، وما كان منه
بين خط الاستدبار وخط اليمين واليسار فهو يحكم اليمين واليسار لا الاستدبار، وإنما كان
كذلك لأن الخبر (3) الدال على إعادة المستدبر مطلقا عبر فيه بلفظ دبر القبلة،
وهو لا يتحقق إلا بما ذكر ".
وقريب منه ما في التنقيح، قال: " هنا فائدة يحسن الإشارة إليها، هي أن
جهة الكعبة التي هي القبلة للنائي هي خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتداليين

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب القبلة الحديث - 2
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 5 - 4
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب القبلة الحديث 5 - 4
32

ويمر بسطح الكعبة، فالمصلي حينئذ يفرض من قطره خطا يخرج إلى ذلك الخط. فإن
وقع عليه على زاوية قائمة فذاك هو الاستقبال حقيقة، وإن كان على حادة أو منفرجة
فهو إلى ما بين المشرق والمغرب، وإن لم يقع عليه بل وازاه فهو إلى المشرق أو المغرب،
وإن كان بضده فهو الاستدبار " قلت: قد يؤيدهما في الجملة ما ذكر في التخلي من عدم
عد مثله استدبار، وفيه منع أو فرق بين المقامين، فتأمل فيه، وكيف كان فالأمر
سهل بعد ما عرفت.
نعم ينبغي أن يعلم أن المراد بالمشرق والمغرب الملحق ما بينهما من جهة القبلة بها
في النص والفتوى الكناية عن اليمين واليسار، وخصا بالتعبير في النص لمكان قبلة
الراوي والمروي عنه، وللغلبة، بل ظاهر الأستاذ في شرحه المفروغية من ذلك، قال: " ما بين
المشرق والمغرب بالنسبة إلى أهل العراق واليمن، وبين الشمال والجنوب بالنسبة إلى أهل
المشرق وأهل المغرب، وما بين القوس الجنوبي بالنسبة إلى أهل الشام، وقس على
هذا " قلت: فلا فرق حينئذ بين من قبلته نفس المشرق والمغرب أو غيرهما، ولا يختص
هذا الحكم في غيرهما كما عساه يوهمه ما في كشف اللثام، قال: " ومن المعلوم اختصاص
ذلك بمن ليس قبلته المشرق أو المغرب " لكنك قد عرفت أنه ليس في البلاد ما قبلته
عين المشرق أو المغرب، فهو على عمومه لكن يشترط أن لا يكون دبر القبلة، ولولا
ما تسمع من كلامه أمكن أن يريد اختصاص ما بينهما بذلك لا أن المنزل منزلة القبلة هو
لا غير، وربما يومي إلى ما ذكرنا تعبير أكثر القدماء باليمين واليسار الذي نص بعضهم
على أنه أشمل من التعبير بالمشرق والمغرب، بل قيل لم يعبر أحد قبل الفاضلين بالمشرق
والمغرب، بل في الذكرى أن ظاهر كلام الأصحاب أن الانحراف الكثير ما كان إلى
سمت اليمين واليسار أو الاستدبار لرواية عمار، وذكره خبره الذي أسمعناكه، لكن في
كشف اللثام بعد حكاية ذلك عنه وهو مبني على كون المشرق والمغرب يمين القبلة ويسارها
33

وإنما يتم بالمعنى الذي أراده، وهو اليمين أو اليسار المقاطع لجهة القبلة على قوائم في بعض
البلاد، والأخبار مطلقة، وبلد المخبر والراوي فيها أيضا منحرف عن نقطة الجنوب
إلى المغرب، ولم أر ممن قبل الفاضلين اعتبار المشرق والمغرب، وليس في كلامهما ما يدل
على مرادفتهما لليمين واليسار، وملاحظة الآية: أي قوله تعالى (1) " ليس البر أن
تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " والأخبار ترفع استبعاد أن يكون الانحراف إليهما
كثيرا وإن لم يبلغا اليمين أو اليسار، والانحراف إليهما يسيرا وإن تجاوز المشرق والمغرب.
وأما اليمين واليسار فهما مذكورتان في الناصريات والاقتصاد والخلاف والجمل
والعقود والمصباح ومختصره والوسيلة، ولكن لا يتعينان للجهتين المقاطعتين للقبلة على
قوائم، وإنما تظهر مباينتهما للاستدبار، وهي أعم، لكن الاستدبار يحتمل البالغ
إلى مسامت القبلة والأعم إلى اليمين أو اليسار، فإن أرداوا الأول شمل اليمين واليسار
في كلامهم كل انحراف إلى الاستدبار الحقيقي المسامت، وإن أرادوا الثاني شملا كل
انحراف إلى اليمين واليسار المقاطعتين على قوائم لا ما فوقهما، وذلك لأنهم لم يفصلوا
الانحراف إلا بالاستدبار واليمين واليسار، قلت: بناء على ما ذكرناه سابقا في كلامهم
من عدم إرادتهم ما بين اليمين واليسار، وأنه قبلة عندهم يتعين على الثاني إرادة الانحراف
إليهما نفسيهما لا كل انحراف وإن لم يصل إليهما، والذي يختلج في البال بناء هذا التنزيل
على التسامح والتوسعة بإرادة جهة المشرق والمغرب لكل أحد تكون قبلته في هذا السمت،
فلا فرق حينئذ بين من انحرفت قبلته عن نقطة الجنوب والشمال وغيرهما ولا بين
الاعتداليين من المشرق والمغرب وغيرهما، إذا المراد التوسعة في أمر الجهة في بعض
الأحوال، لكن ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه بحال.
وكيف كان فقد ظهر لك مما قدمناه سابقا أنه كان مقتضى الأصل المستفاد من

(1) سورة البقرة - الآية 172
34

إطلاق ما دل على شرطية القبلة الإعادة في الوقت وخارجه بأدنى انحراف، إلا أنه لمكان
ما سمعته من النصوص وغيرها المعارضة لذلك خرجنا عنه إلى ما عرفت، لكن ينبغي
الاقتصار فيها على ما هو المعتبر من دلالتها عليه، وإلا بقي على الأصل الأول، ولا ريب
في اقتضاء إطلاق ما دل على قبلية ما بين المشرق والمغرب عدم الفرق بين الظان والناسي
وغيرهما مما عدا العالم العامد، للاجماع أو الضرورة على خروجه، وقد يلحق به الجاهل
بالحكم مقصرا أو لا مع فرض إمكان نية التقرب منه على إشكال خصوصا في غير المقصر
منه، ضررة ظهور النص (1) في إطلاق المنزلة من غير نظر إلى أحوال المكلفين، أما
غير ذلك مما تقدم حكمه فلا ريب في ثبوته للظان ونحوه مما ورد الأمر به بالخصوص حتى
المتحير إذا ضاق عليه الوقت وصلى إلى جهة، أو قلنا بالتخيير له من أول الأمر لشمول
النصوص، أو لاقتضاء قاعدة الاجزاء المعتضدة بعدم الخلاف على الظاهر فيه بين أصحابنا
كما يومي إليه إرساله إرسال المسلمات في شرح الأستاذ والرباض، اللهم إلا أن يظهر
الخلاف ممن اقتصر في التعبير على الظان والمتحري ونحوهما، بل يمكن دعوى ظهور
النصوص في غيره، لكن قد عرفت أنا في غنية عنها بالقاعدة.
وكيف كان فقد ألحق الشيخان والفاضلان والشهيدان وغيرهم على ما حكي عن
بعضهم الناسي، لعموم الأخبار التي يمكن دعوى ظهورها في غيره بشهادة التبادر، وما
في بعضها من ذكر الغيم، ورؤية أنه على القبلة، وحسبه اجتهاده، فإنهم قد تحروا،
ونحو ذلك مما لا يخفى على من تأمل في النصوص لا أقل من الشك. فيبقى الأصل الأول
سليما، بل لعل صحيح زرارة (2) الذي هو بعض الأصل المزبور كالصريح في تناول
النسيان، ضرورة كون المراد فيه لا تعاد الصلاة إلا من فوات خمسة عمدا أو سهوا،

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب القبلة الحديث 1
35

وإلا لم يكن لها خصوصية على ما يجب الإعادة بفواته عمدا. وهو جميع واجبات الصلاة،
ولحديث رفع الخطأ والنسيان (1) الذي فيه البحث المشهور، ولقاعدة الاجزاء، لا أقل
من الشك في صدق اسم الفوات معه، والأصل براءة الذمة من القضاء المحتاج إلى فرض
جديد، أما الإعادة في الوقت فلفحوى نصوص الظان (2) ويقين الشغل وغيرهما.
وفيه أن التحقيق عدم جريان قاعدة الاجزاء في مثله، لعدم الأمر به بالخصوص
كي يقتضي بظاهره البدلية عن المأمور به الواقعي، والشك في صدق اسم الفوات عليه
للشك في تناول النصوص المزبورة له يوجب بقاءه على مقتضى الأصل الأول الذي من
الواضح صدق اسم الفوات معه، ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، ومن المعلوم
إرادة الأعم من عدم الفعل والفساد الشرعي من الفوات لو سلمنا تعليق وجوب القضاء
عليه لا على شئ آخر أوضح في تناول محل النزاع كما تسمعه في محله إن شاء الله، ولعله
من هنا استشكله جماعة منهم الفاضلان والشهيد على ما قيل، بل عن المختلف ونهاية
الإحكام الجزم بالعدم ككشف اللثام وشرح الأستاذ الأكبر، ولا ريب في أنه أحوط
إن لم يكن أقوى.
وأضعف منه إلحاق الجاهل بالحكم به كما وقع من بعضهم، لاطلاق الأدلة وترك
الاستفصال فيها، وفيه أن ملاحظة ما فيها من قوله: " استبان " ونحوه مما سمعته
في الناسي كالصريح في إرداة غيره، خصوصا مع ضميمة أصالة صحة فعل المسلم، بل
لو جاز الركون إلى مثل هذه الاطلاقات ما كان ينبغي الاقتصار على المسألتين في الاستثناء
من حكم الجاهل، ولتخيل جريان حكم الظان من الإعادة في الوقت وعدمها في الخارج
على مقتضى الأصل، وهو كما ترى، خصوصا بعد الأدلة القطعية على كونه كالعامد،

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القبلة
36

وتسمع إن شاء الله في قواطع الصلاة ما له نفع في المقام، والله أعلم.
هذا كله إذا تبين الخطأ بعد الفراغ من الصلاة * (فأما إن تبين الخلل وهو في
الصلاة فإنه يستأنف) * مع سعة الوقت * (على كل حال إلا أن يكون منحرفا يسيرا، فإنه
يستقيم ولا إعادة) * لاطلاق الأدلة السابقة، وخصوص موثق عمار (1) ولأن شرط
الكل شرط البعض، كما أن ما لا يفسد الكل لا يفسد البعض، وإطلاق خبر القاسم
ابن الوليد (2) " سألته عن رجل تبين له وهو في الصلاة أنه على غير القبلة قال: يستقبلها
إذا ثبت ذلك، وإن كان فرغ منها فلا يعيدها " منزل على الانحراف اليسير بناء على
إرادة القبلة من الضمير، وإن أريد الصلاة وجب حمله على الكثير، كما أنه يجب حينئذ
حمل نفي الإعادة فيه على خروج الوقت، ضرورة قصوره سندا ودلالة عن إثبات حكم
مخالف لما ذكرناه مما هو مقتضى الأصول والأدلة السابقة، فما يحكى عن يحيى بن سعيد
- من اطلاق الانحراف إن تبين الخطأ في الأثناء - فيه ما لا يخفى، كما أن المحكي عن
المبسوط كذلك أيضا، فإنه بعد أن ذكر الخلاف في قضاء المستدبر قال: " هذا إذا
خرج من صلاته، فإن كان في حال الصلاة ثم ظن أن القبلة عن يمينه أو شماله بنى عليه
واستقبل القبلة ويتمها، وإن كان مستدبر القبلة أعادها من أولها بلا خلاف " مع احتمال
إرادته ما بين المشرق والمغرب من اليمين والشمال كما في الخبر، ونفسهما مع الاستدبار
من الاستدبار، فلا يكون مخالفا حينئذ، ويؤيده أن ذلك أقرب لنفي الخلاف من غيره
وإن كن موهونا بندرته وشذوذه، ومحجوجا بما عرفت، أما لو تبين في أثنائها الخطأ
الموجب للإعادة في الوقت وكان الوقت قد خرج كما لو كانت صلاته بادراك ركعة مثلا
من الوقت وبان له الخطأ في الثانية أو الثالثة ففي الذكرى فيه وجهان، من فحوى أخبار
نفي القضاء، ومن إطلاق خبر عمار، وأنه لم يأت بها في الوقت، وفي كشف اللثام

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة الحديث 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب القبلة الحديث 4 - 3
37

" وقد يتأيد بكون نحو هذه الصلاة أداء وإن كان الاستيناف قضاء اتفاقا - إلى أن قال بعد
أن حكى عبارة المبسوط السابقة -: وهو يعطي انتفاء الخلاف في ثاني الوجهين، وكذا
ما في الشرائع والتحرير والتذكرة والمعتبر والمنتهى يعطيان الأول ".
قلت: لا يخفى ما في اندراج الفرض في إطلاق هذه الفتاوى، بل والموثق بناء
على تنزيله على الوقت. مع أنه أشكله في الرياض أيضا تبعا للاستاد الأكبر بأن الظاهر
تقدم مراعاة الوقت على مراعاة القبلة، ولذا يجب على الجاهل بها الغير المتمكن من
الاجتهاد فيها أن يصلي إلى حيث شاء في الجملة أو مطلقا، بل تقدمه على جل واجبات
الصلاة من الشرائط والاجزاء، ثم قال: واستشكل فيه الشهيدان، بل رجح الالحاق
بالصورة الأولى: أي الانحراف يسيرا ثانيهما وسبطه في المدارك وغيرهما، وهو الأقوى
قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله من النظر، وإن كان الأقوى فيه
الاستقامة ثم الاتمام، لكن لا لما ذكره من القضاء المنفي، لانتفاء الدلالة على بطلان
اللازم، ضرورة اختصاصه بما لو جاء بالفعل تاما في الوقت ثم بان له الخطأ خارج الوقت
فإنه حينئذ لا قضاء لصحة فعله السابق بقاعدة الاجزاء، وبقوله (1) (عليه السلام):
" فحسبه اجتهاده " وغيرهما مما تقدم، لا إذا لم يأت بشئ يكون سببا لسقوط القضاء عنه،
ولا لترجيح الوقت على غيره عند التعارض الذي هو خارج عما نحن فيه عند التأمل،
بل هو لصحة ما وقع منه في صلاته، إذ الفرض ظهور الخطأ خارج الوقت، وقد
عرفت أنه في هذا الحال لا يفسد ما في الوقت من تمام الفعل، وما لا يفسد الكل
لا يفسد البعض، ودعوى أنه من ظهور الخطأ في الوقت باعتبار تنزيل الشارع إدراك
الركعة منزلة إدراك الوقت كما ترى، ضرورة عدم التلازم، وصدق خروج الوقت
لغة وعرفا، على أن المراد من الوقت هنا المتمكن من الإعادة فيه كما هو ظاهر النصوص

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القبلة - الحديث 6
38

فإذا صح الأول وجب الاتمام المتمكن من فعله جامعا للشرائط، فيستقيم حينئذ (1) لما
بقي ويتم صلاته، ولعله إليه يرجع ما في المدارك من التعليل بأنه دخل دخولا مشروعا،
والامتثال يقتضي الاجزاء، والإعادة إنما تثبت إذا تبين الخطأ في الوقت على ما هو
منطوق روايتي عبد الرحمان (2) وسليمان بن خالد (3) فتأمل جيدا، والله أعلم.
المسألة * (الثالثة إذا اجتهد لصلاة وقد دخل وقت أخرى فإن تجدد عنده شك) * في
اجتهاده السابق بحيث زال الظن منه ولو لقوة احتمال تغير الأمارات السابقة أو حدوث
غيرها * (استأنف الاجتهاد) * وجوبا، لوجوب الدخول في الصلاة بالعلم أو الظن مع
التمكن، واستصحاب حكم الظن الأول لا وجه له بعد ظهور النصوص (4) والفتاوى
في دورانه مدار الظن، فلا بقاء له مع انتفائه، لا أقل من أن يكون ذلك هو المتيقن
منهما في البدلية عن العلم، ودعوى إطلاق قوله (5) إذا لم يعلم أين وجه القبلة: " فاجتهد
رأيك وتعمد القبلة جهدك " وغيره من أدلة الاجتهاد يدفعها ظهوره في إرادة أن
كل ما كانت القبلة شرطا فيه إذا لم تعلم أين وجهها فاجتهد إلى آخره، لا أن المراد
الأمر بطبيعة الاجتهاد التي تحصل بمرة في العمر قطعا، إذ فيه من المفاسد المعلومة من
المذهب ما لا يخفى.
نعم يمكن دعوى ظهوره في الاجتزاء بالاجتهاد الواحد للعمل الواحد، فلا يقدح
حينئذ حدوث الشك في الأثناء، لحصول الشرط، ولاستصحاب الصحة، وغير ذلك
مما لا يخفى، ولعل ما في التذكرة والتحرير والمنتهى على ما قيل من عدم الالتفات لو تجدد
شك في أثناء الصلاة مبني على ذلك، لكن في كشف اللثام لا بأس عندي بتجديد

(1) هو جيد إن لم يكن الاستقامة فعلا كثيرا " منه رحمه الله "
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القبلة الحديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب القبلة الحديث 5 - 6
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة الحديث 0 - 2
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب القبلة الحديث 0 - 2
39

الاجتهاد إن أمكنه من غير إبطال الصلاة، قلت: لا ريب في عدم البأس به، وأنه
أحوط، فيجتهد حينئذ، فإن وافق الأول استمر، وإن خالفه يسيرا استقام وأتم،
وإن خالفه كثيرا كان كظهور الخطأ بالاجتهاد بعد الفراغ الذي ستسمع الكلام فيه،
وأنه عندنا لا ينقض السابق فيتمها حينئذ على الأخير، ولا إعادة، فلاحظ وتأمل.
إنما البحث في وجوب هذا الاجتهاد عليه، وفي بطلان الصلاة لو فرض توقفه
على ذلك، لأنه لا يجوز إتمامها على الشك كالأعمال المستقلة، لاشتراك الجميع في اشتراط
الاستقبال، وليس هو إبطالا للعمل، بل بطلان، لكن في كشف اللثام في مسألة
نقض الاجتهاد بالاجتهاد التصريح بأنه إن لم يمكنه الاجتهاد في الصلاة أتمها ولم يلتفت
إلى شكه، فإذا فرغ استأنف الاجتهاد، وهو لا يخلو من وجه إن لم يكن الأقوى،
لكن لا ريب أن الأحوط الاتمام ثم الاستئناف بعد تجديد الاجتهاد.
هذا كله إن تجدد شك * (وإلا) * يتجدد شك * (بنى على) * اجتهاده * (الأول) *
قطعا، إذا فرض العلم بعدم تغير الأمارات وعدم حدوث غيرها، إذ احتمال التعبدية
مقطوع بعدمه، أما إذا علم تغيرها أو حدوث غيرها وجب عليه التجديد وإن لم يزل
ظنه السابق، لعدم صدق بذل تمام جهده في هذا الحال لو اقتصر على الأول، ولأن
الاجتهاد الثاني إن وافق الأول تأكد الظن، وطلب الأقوى واجب، وإن خالفه
عدل إلى مقتضاه، لأنه لا يكون إلا لأمارة أقوى، فهو أبدا متوقع لظن أقوى، بل
مال في كشف اللثام إلى ذلك لو احتمل الحدوث أو التغير فضلا عن الظن والعلم لعين
ما عرفت، وقد تبع بذلك الشيخ في المبسوط، قال فيما حكي عنه: يجب على الانسان
أن يتتبع إمارات القبلة كل ما أراد الصلاة عند كل صلاة، اللهم إلا أن يكون قد علم
أن القبلة في جهة بعينها أو ظن ذلك بأمارات صحيحة ثم علم أنها لو تتغير جاز حينئذ التوجه
40

إليها من غير أن يجدد اجتهاده في طلب الأمارات، وقد استذل له بما سمعت، وبوجوب
السعي في طلب الحق أبدا. لكن في كشف اللثام قلنا: نعم إذا لم يكن سعى أو احتمل
حصول العلم أو ظن أقوى مما قد حصله موافق أو مخالف له.
قلت: لا يخفى استلزام كلام الشيخ الثاني، ومقتضاه حينئذ التكرير لصلاة
واحدة إذا أخرها عن اجتهاده لها واحتمل تغير الأمارات أو حدوث غيرها، كطلب
الماء عند إرادة التيمم، إذ هما من واد واحد، نعم قد يفرق بينهما بتغير المكان
وعدمه، إذ أدلة القبلة لا تختلف بحسب المكان بخلاف التيمم. لكن ومع ذلك كله فقد
يفرق في المقام بين العلم بحدوث الأمارات أو تغيرها وبين احتمال ذلك، فيجب تجديد
الاجتهاد في الأول بخلاف الثاني، استصحابا للظن المجزئ، وصدق الصلاة باجتهاد،
فهو كالمجتهد في الأحكام الذي لا يجب عليه بمجرد احتمال التغير أو قوة الظن تجديد
الاجتهاد قطعا، إذ أقصى ما حكي عن جماعة من المحققين وجوب النظر على المجتهد فيما
اجتهد فيه إذا لم يكن الدليل حاضرا، مع أن فيه للنظر مجالا، اللهم إلا أن يفرق
بينهما بأن وجوب التجديد في الثاني بمجرد الاحتمال مستلزم للعسر والحرج المنفيين آية
ورواية بخلاف المقام، وعلى كل حال فقد ظهر لك أن إطلاق المتن والفاضل
وبعض من تأخر عنه عدم التجديد كاطلاق المبسوط وجوبه لا يخلو من بحث، وطريق
الاحتياط غير خفي.
المسألة الرابعة لا إعادة فضلا عن القضاء لو ظهر خطأ الاجتهاد بالاجتهاد وإن كان
كثيرا، كأن رأى نجما فظنه سهيلا ثم ظنه جديا، أو رأى قبرا فظن أحد طرفيه رأسه
ثم ظنه رجليه، أو رأى محرابا ظنه كنيسة ثم ظنه بيعة أو محرابا لنا، أو هبت ريح
فظنها صباء ثم ظنها دبورا كما صرح به جماعة، بل عن الفاضل أنه لا يعرف فيه خلافا،
للأصل بعد اختصاص أدلة الإعادة في الظاهر بمن بان له بغير الاجتهاد، ولقاعدة الاجزاء
41

ولأن نقض الأول بالثاني ليس بأولى من العكس، فهو حينئذ كالاجتهاد في الأحكام
بل ما نحن فيه أولى، ضرورة ظهور النص (1) في بدلية الظن لقاعدة الاجزاء، بخلافه في
الأحكام، لاحتمال العذرية فيه إن لم يكن الأقوى، لعدم دليل لفظي يقتضي بظاهره البدلية
ومن هنا لو علم المجتهد في الحكم خطأه بدليل قطعي قضى في خارج الوقت بخلافه
هنا كما عرفت، فلو صلى حينئذ أربع صلوات بأربع اجتهادات لم يجب عليه فعل واحدة
منهن، لأن كل واحدة قد صليت باجتهاد لم يتبين فيه الخطأ، فما عن نهاية الإحكام
من احتمال قضاء الجميع، لأن الخطأ متيقن في ثلاث صلوات منها وإن لم يتعين، فأشبه
ما لو فسدت صلاة من صلوات، واحتمال قضاء ما سوى الأخيرة لكون الاجتهاد
الأخير ناسخا لما قبله ضعيف، لما عرفت من عدم مدخلية الواقع، ودعوى الاندراج
في الأدلة للعلم بالخطأ في الجملة يدفعها ظهورها في العلم بالخطأ بالخصوص كما لا يخفى،
فالاحتمالان حينئذ في غاية الضعف، خصوصا الثاني الذي هو تحكم، إذ الاجتهادات
متعاقبة متنافية، ورد أولهما في الذكرى بأنه لو وجبت الإعادة لم يؤمر بالصلاة مع تغير
الاجتهاد، ولعله أراد ما أشرنا إليه من عدم أولوية نقض الأول بالثاني من العكس،
إذ صيرورته الآن وهما لا يقدح فيما وقع فيه حال كون الثاني وهما. نعم هو أرجح منه
بالنسبة إلى ما يأتي من الأفعال، كرجحان الأول قبل أن ينقلب وهما.
ومن ذلك يعلم ما في الذكرى من أنه يحتمل قويا مع تغير الاجتهاد أن يؤمر
بالصلاة إلى أربع، لأن الاجتهاد عارضه الاجتهاد فيتساقطان فيتحير، ولا يجب إعادة
ما صلاه أولا، لامكان صحته ودخوله مشروعا، إذ هو كما ترى ضعيف جدا،
كالاشكال في القواعد في أصل الحكم، قال: لو ظهر خطأ الاجتهاد بالاجتهاد ففي
القضاء أي إعادة ما صلى بالأول مطلقا أو بالوقت خاصة على حسب ما مر من وجوه

(1) الوسائل الباب - 6 من أبواب القبلة.
42

الخطأ إشكال، ولعله مما عرفت ومن احتمال أن الشرط التوجه إلى القبلة لا ما ظنها،
وقد ظن اختلال الشرط فظن أنه لم يخرج عن العهدة، وعلى المكلف أن يعلم خروجه
عنها أو يظنه إن لم يمكنه العلم، أو يقال شرط الصلاة استقبال ما يعلمه أو يظنه قبلة
بشرط استمراره، ولذا بعيد إذا علم الخطأ ولم يستمر الظن هنا، وأيضا فتعارض الظنان
فيجب عليه الصلاة مرتين وإن خرج الوقت، لوجوب قضاء الفائتة إجماعا، وقد فاتته
إحدى الصلاتين الواجبتين عليه، قال في كشف اللثام: " وفي الأول أن على المكلف
علم الخروج أو ظنه عند الفعل لا أبدا، وخصوصا بعد خروج الوقت " قلت: قد
يناقش بأن مقتضاه حينئذ عدم الإعادة حتى لو علم الخطأ بعد ذلك، فينبغي تقييده
حينئذ بما إذا لم يعلم الخطأ في الوقت، والأمر سهل، وفي الثاني إنا إنما نسلم اشتراط
عدم ظهور الخطأ والعلم به وخصوصا إذا خرج الوقت، وفي الأخير أن الصلاتين إنما
تجبان لو تعارض الظنان في الوقت: أي قبل وقوع الفعل بحيث آل الأمر إلى الشك
بسبب التعارض.
هذا كله لو ظهر خطأ اجتهاده بالاجتهاد، أما لو علم خطأه في الوقت بما يوجب
الإعادة أو ظنه وقلنا إنه كالعلم ولم يترجح عنده جهة بل بقي متحيرا لا أنه اجتهد إلى غير
الجهة فعليه الإعادة ثلاث مرات إلى ثلاث جهات أخرى، وفي خارج الوقت وجهان،
أصحهما عندنا العدم، خصوصا مع احتمال كون الخطأ مما يوجب الإعادة في الوقت
فالأصل البراءة، قال في كشف اللثام: وإن شك في اجتهاده ضعف الإعادة جدا،
وخصوصا القضاء، قلت: بل لا وجه لها بعد ما عرفت من عدم نقضه بالظن فضلا عن
الشك، فلم يظهر له خطأ فعله أصلا، فلا يندرج في نصوص الإعادة، ثم قال: وإن
شك أو ظن الخطأ في أثناء الصلاة ولم يترجح عنده جهة وأمكنه استئناف الاجتهاد في
الصلاة استأنفه، فإن وافق الأول استمر، وإن خالفه يسيرا استقام وأتم، وإن
43

خالفه كثيرا كان كظهور الخطأ بالاجتهاد بعد الفراغ، وإن لم يمكنه استئناف الاجتهاد
فيها أتمها ولم يلتفت إلى شكه أو ظنه، فإذا فرغ استأنف الاجتهاد، قلت: قد
عرفت في المسألة السابقة أن الاشكال في وجوب الاجتهاد عليه في الأثناء مع التمكن وفي
جواز الاتمام والاجتزاء به مع عدم التمكن، ثم قال: وإن تيقن الخطأ في الأثناء ولم
يترجح عنده جهة ولا يمكنه الاجتهاد وهو في الصلاة فإن ضاق الوقت أتمها، وإلا استأنف
الصلاة إن علم أن له أن يجتهد أو يحصل العلم إذا أبطل الصلاة، وإلا احتمل إتمامها ثم
السعي في تحصيل القبلة، فإن حصلها وإلا كانت هذه إحدى الأربع، قلت: لا يخفى
عدم خلوه عن البحث في الجملة بعد تقييد الاتمام في كلامه بأن يكون على غير تلك الجهة
التي علم خطأها، هذا.
وفي المحكي عن التحرير والمنتهى أنه لو بان له الخطأ في الأثناء ولم يعرف القبلة
إلا بالاجتهاد المحوج إلى الفعل الكثير فإنه يقطع ويجتهد، ولعل ظاهرهما سعة الوقت
والعلم بحصول الاجتهاد مع الابطال، فلا منافاة حينئذ بينهما وبين ما في الكشف، نعم
أطلق في الذكرى أنه إن لم يمكن تحصيله حال الصلاة فالأجود البطلان، لامتناع
الاستمرار على الخطأ وعدم علم الجهة وظنها، قلت: قد يحتمل أنه يكون متحيرا باعتبار
حرمة قطع الصلاة، فيعدل عن جهة الخطأ ويتمها، وإن كان الأقوى ما ذكره، ثم
قال: ولو تحير الشامي أو اليمني فاجتهد وصلى إلى جهة فانكشف الغيم فإذا كوكب في
الأفق يقطع بأنه إما في المشرق أو المغرب وهو بإزائه فإنه يتبين الخطأ قطعا، ويحكم
هنا ببطلان الصلاة في الحال، فإن رأى الكوكب ينحط علم به المغرب، وإن رآه يرتفع
علم به المشرق، وإن أطبق الغيم في الحال فالتحيير باق إلا أنه في جهتين، فإن انكشف
فيما بعد وإلا صلى إليهما لا غير، ولو كان المصلي مشرقيا أو مغربيا لم يحكم ببطلان
صلاته في الحال بظهور الكوكب الأفقي، بل يتربص فينتظر علوه وعدمه فيبني على
44

ما علمه، ولو عاد الغيم في الحال لم يحكم هنا ببطلان الصلاة إلى الجهة الأخرى، ويمكن
ذلك إن لم يكن الاجتهاد الأول باقيا ولا يجدد غيره، وإن كان باقيا فلا، وإن تجدد
غيره استأنف، ولو كان المصلي في إحدى الزوايا التي بين الجهات الأربع فظهور الكوكب
الأفقي لا يبطل استمراره أيضا في الحال، بل بعد اعتبار العلو والانخفاض مراعيا
ما سلف، فيستمر مع إصابة القبلة وما في حكمها، ويستأنف مع عدمها إن بقي الوقت
أو مطلقا لو كان مستدبرا على القول به، ولو عاد الغيم فإن قطع على مخالفة قبلته وما في
حكمها أعاد إلى الجهات التي يعلم معها إصابة القبلة، وإن لم يقطع على المخالفة فالبناء
متعين وفي الصلاة إلى جهة أخرى الاحتمال، فيراعي جهتين ليس فيهما محض المشرق
والمغرب، والله أعلم.
المسألة الخامسة قد ظهر مما قدمنا أنه لا بأس بائتمام المجتهدين بعضهم ببعض وإن
تضادوا في الاجتهاد أو اختلفوا بالكثير فضلا عن الاختلاف اليسير، لصحة صلاة كل
واحد منهم واقعا بقاعدة الاجزاء وغيرها مما عرفته سابقا وفاقا لكشف اللثام، ولم
يستبعده في التذكرة والمدارك، وخلافا للشيخ وجماعة، بل قيل الأكثر كالفاضلين
والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، فهو حينئذ كالجماعة حول الكعبة أو في شدة الخوف،
وما في الذكرى - من منع الاقتداء حالة الشدة مع اختلاف الجهة، ولو سلم فالاستقبال
فيه ساقط بالكلية بخلاف المقام، ومن ظهور الفرق بين المصلين إلى نواحي الكعبة وبين
المجتهدين بالقطع بأن كل جهة قبلة هناك والقطع بالخطأ هنا، وكذا نقول في صلاة
الشدة أن كل جهة قبلة - كما ترى في غاية الضعف، ضرورة اشتراك الجميع في ذلك،
فكما أن كل جهة من الكعبة قبلة فكذا قبلة كل مجتهد ما أداه إليه اجتهاده، فكما تصح
صلاة كل ممن حول الكعبة قطعا للاستقبال تصح صلاة هؤلاء قطعا، وكما يقطع بصحة
صلاة المصلين في شدة الخوف للاستقبال، أو لعدم اشتراطه في حقهم فكذا صلاة هؤلاء،
45

ولا يضر الافتراق بأن كل جهة من الكعبة قبلة على العموم بخلاف ما أدى إليه الاجتهاد
فإنما هو قبلة لهذا المجتهد.
وكذا الكلام إذا علم أحدهما واجتهد الآخر وتخالفا وإن لم يذكروه من غير
فرق بين اقتداء العالم بالمجتهد والعكس، وإن كان الأول أبعد، إلا أنه لا بأس به
عند التحقيق، لصحة صلاته واقعا في حقه لا عذرا، ولا يجب في الائتمام أزيد من
ذلك، ومن الغريب تعليل الذكرى عدم الجواز في أصل المسألة بأن المأموم إن كان محقا
في الجهة فسدت صلاة إمامه، وإلا فصلاته، فيقطع بفساد صلاة المأموم على التقديرين،
إذ قد عرفت أنه لا فساد في شئ من صلاتهما بعد بدلية الظن شرعا كالتيمم، وأضعف
من ذلك احتمال البطلان في الخطأ اليسير في التذكرة، ثم قال: وهو أحد وجهي
الشافعية، والثاني له، ذلك لقلة الانحراف، ثم قال: وهما مبنيان على أن الواجب إصابة
العين أو الجهة، ونحوه عن نهاية الإحكام، إذ فيه مع أنك قد عرفت فيما تقدم كون
فرض البعيد الجهة عنده وعند غيره أنه لا وجه لهذا البناء، ضرورة عدم حصول الجهة
فيه أيضا، وإلا لجاز اختيارا التوجه إلى ما بين المشرق والمغرب، لأن الواجب الجهة،
والفرض حصوله، بل هو ليس إلا لتنزيل الشارع له منزلة القبلة مع العذر، فصلاة كل
منهما صحيحة واقعا نحو ما قلناه في التخالف الكثير، فالقول بالصحة هنا عند التأمل
لازمة لها هناك، مع أن الشهيد استقرب الجواز فيها ومنع في تلك، وفيه ما لا يخفى.
ومن ذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكروه هنا من أنه لو صلى جماعة جماعة في ظلمة
بالاجتهاد فلما أصبحوا علموا الاختلاف ولم يعلموا جهة الإمام صحت صلاتهم عندنا ولا
قضاء، بل يمكن ذلك على القول الآخر أيضا، إذ لم يعلم أحد منهم مخالفة الإمام كما
استوجهه في التذكرة لكن في الذكرى أن الأقرب أنه إن كانت الصلاة مغنية عن القضاء
بأن لم يكن في الجهة استدبار، أو قلنا إنه لا يوجب القضاء فصلاتهم صحيحة، والتخالف
46

هنا في الجهة مع الإمام غير ضائر لأن غايته الصلاة خلف من صلاته فاسدة في نفس الأمر
وهو لا يعلم الفساد، وإلا قضى كل من علم أنه صلى إلى جهة توجب ذلك، وكذا عليه
الإعادة إن علم ما يوجبها والوقت باق دون من علم خلافه أو جهل الحال، ولو جهلوا
أجمع فلا إعادة ولا قضاء، ولو علموا أن فيهم من عليه القضاء أو الإعادة ولم يتعين
فالأقرب أن لا قضاء ولا إعادة كواجدي مني في ثوب مشترك بينهما، لأصل صحة
الصلاة، ويحتمل أن يكون عليهم الإعادة ليتيقنوا الخروج عن العهدة، قلت: لا يخفى
عليك ما في هذا الاحتمال خصوصا في المقام، كما أنه لا يخفى عليك ما في كلامه بناء
على المختار، بل في كشف اللثام وهذا موافق للتذكرة في أن هذا التخالف لا يوجب
القضاء ولا الإعادة لتخالف الإمام والمأموم، وإنما وجب أحدهما فيما فرضه بسبب آخر.
ثم لا يخفى عليك أن امتناع اقتداء أحد المتخالفين بالآخر لو قلنا به لا يقتضي
امتناع اعتداده بقبلة الآخر في كل أمر، بل يحل له ذبيحته، لأنا لا نعرف خلافا
كما في كشف اللثام في أن من أخل بالاستقبال بها ناسيا أو جاهلا بالجهة حلت ذبيحته
كما يأتي، وتجتزي بصلاته على الميت وإن كان مستدبرا، لأن المسقط لها عن سائر
المكلفين إنما هي صلاة صحيحة جامعة للشرائط عند مصليها لا مطلقا، وإلا وجب
على كل من سمع بموت مسلم أن يجتهد في تحصيل علمه بوقوع صلاة جامعة للشرائط عنده
ليخرج عن العهدة، ولا قائل به كما في الكشف.
نعم لا يكمل عدد أحدهما بالآخر في صلاة الجمعة بناء على ذلك، ولم يجز لهما أن
يصليا جمعة واحدة، بل أطلق في القواعد أنهما يصليان جمعتين، ولعله لأصل البراءة
من التباعد مع اعتقاد كل بطلان صلاة الآخر، وفيه نظر ظاهر، نعم إن تعذر لضيق
وقت أو غيره ووجبت عليهما عينا صليا كذلك، وإن وجبت تخييرا قال في كشف اللثام
احتمل عندي ضعيفا، وكيف كان فإذا صليا معا ففي القواعد اكتفيا بخطبة واحدة
47

يسمعها الجميع، اتفقا في الصلاة أو سبق أحدهما الآخر، فلا يتوهم أن الخطبة الواحدة
إنما تكفي مع اتفاقهما، خصوصا إذا طال الفصل، ولا أن عليهما الاتفاق في الصلاة ليعقد
كل منهما صلاته ولما تنعقد صلاة أخرى صحيحة شرعا عند مصليها، لكن في كشف اللثام
أن الاحتياط عندي الاتفاق إن جازت صلاتهما، لما أشرت إليه من ضعف الدليل.
قلت لا يخفى عليك سقوط ذلك كله عندنا، وأنه لا مانع من الائتمام من هذه
الجهة، نعم قد يشك فيها باعتبار عدم كونها من الهيئة المعلومة للجماعة، وخروج الاستدارة
حول الكعبة بالاجماع المدعى في الذكرى وغيره لا يقضي بخروج غيرها، لحرمة القياس،
فلا ينبغي حينئذ ترك الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة، كما أنه لا يخفى عليك
أيضا بعد ما ذكرنا ما في الذكرى من أنه لو تغير اجتهاد أحد المأمومين انحرف ونوى
الانفراد إذا كان ذلك غير يسير، ولو تغير اجتهاد الإمام انحرف وأتم المأمومون
منفردين أو مؤتمين ببعضهم، نعم ما ذكره فيها هنا بعد ذلك جيد جدا كما لا يخفى على
من أحاط بما أسلفناه في المباحث السابقة، ثم قال: ولو ضاق الوقت إلا عن صلاة
وأدى اجتهاد أحدهم إلى جهة جاز للآخر الاقتداء به إذا قلده وإن كان مجتهدا،
لتعذره حينئذ، وهل يجب عليه تقليده؟ الأقرب نعم، لعجزه وظن صدق الآخر،
ووجه المنع أن الشرع جعل فرضه عند ضيق الوقت التخيير، فليس عليه سواه، وفيه
منع ظاهر، إذ التخيير إنما يكون عند عدم المرجح، والله أعلم.
* (المقدمة الرابعة) *
من مقدمات الصلاة
* (في) * البحث عن * (لباس المصلي) *
* (وفيه مسائل: الأولى لا يجوز الصلاة في جلد الميتة) * وغيره من أجزائها
48

* (ولو كان مما يؤكل لحمه، سواء دبغ أو لم يدبغ) * إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا أو
متواترا كالنصوص (1) التي في بعضها (2) " لا يلبس في الصلاة ولو دبغ سبعين مرة "
فضلا عما دل منها على النهي (3) عن استعمال الميتة ومطلق الانتفاع بها حتى الآية (4)
بناء على عدم إرادة خصوص الأكل منها، وما في الذكرى من استثناء من شذ منا من
اتفاق الأصحاب على عدم جواز الصلاة فيه لم نتحققه، ولعله الشلمغاني الذي حكي عن
ظاهره الجواز، لكن لم يثبت أنه منا، لما قيل من انحرافه، ولذا رفضت كتبه،
وأما احتمال أنه الصدوق والكاتب ففيه أنهما وإن قالا بطهارته إلا أنهما وافقا على المنع
من الصلاة، ومن هنا حكي عن المجمع الاجماع من أصحابنا حتى القائلين بطهارته، ومنه
يعلم حينئذ عدم انحصار المانعية فيه بالنجاسة، بل الموت من حيث أنه موت مانع لها
أيضا، لظاهر النصوص (5) ولذا ذكر بالخصوص، ولم يكتفوا عنه باشتراط الطهارة في
اللباس، قيل كما أنه لم يكتفوا عنه باشتراط كونه من مأكول اللحم باعتبار كونه ولو للموت
من غيره، فتجتمع حينئذ فيه عندنا ثلاث جهات للمنع، لكن فيه أن مثله لا يندرج في
إطلاق غير مأكول اللحم المنصرف بالتبادر إلى ما لا يكون كذلك بغير الموت، كما
أن مأكول اللحم يكفي في صدقه تقدير التذكية، ولذا جاز الصلاة في فضلاته التي لم
تنجس بملاقاته كالشعر والصوف ونحوهما، فينحصر المنع حينئذ في جهتين.
وكيف كان فلا إشكال في مانعية الموت للصلاة، بل قول الصادق (عليه السلام)
لزرارة (6) في صحيح ابن بكير " وإن كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وشعره

(1) الوسائل - الباب - 1 و 2 من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب 34 - من أبواب الأطعمة المحرمة - من كتاب الأطعمة والأشربة
(4) سورة المائدة - الآية 4
(5) الوسائل - الباب - 1 و 2 من أبواب لباس المصلي
(6) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
49

وبوله وروثه وألبانه وكل شئ منه جائزة إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح " ظاهر
في اشتراط التذكية، كخبر علي بن أبي حمزة (1) " سألت أبا عبد الله وأبا الحسن
(عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها فقال: لا تصل فيها إلا فيما كان منه
ذكيا، قلت: أوليس الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال: بل إذا كان مما يؤكل لحمه "
وغيرهما، فكان الأولى تعبير المصنف وغيره باشتراط التذكية لا بأن لا يكون جلد ميتة،
اللهم إلا أن يراد العلم بعدم كونه جلد ميتة، فيكون حينئذ بمعنى اشتراط التذكية، ولعله
كذلك، لظهور اتفاق الأصحاب على عدم الواسطة بين الحكم بالتذكية والحكم بالميتة،
فلا تفاوت حينئذ بين اشتراط التذكية وبين اشتراط عدم كونه ميتة، إذ المشكوك فيه
باعتبار عدم العلم بتذكيته وعدم إمارة شرعية تدل عليها محكوم بأنه ميتة لأصالة عدم
التذكية، ومعروفية الفرق بين الشرط والمانع بالاكتفاء في نفي الثاني بالأصل دون الأول
إنما هي حيث يكون نفي الثاني مقتضى الأصل، لا نحو المقام الذي مقتضى الأصل تحققه،
والمناقشة في حجية الأصل وغيره من أقسام الاستصحاب مفروغ من فسادها في محله،
كالمناقشة فيه بأنه معارض بأصالة عدم الموت حتف أنفه، فتبقى كل من أصالة عدم
الاجتناب وقاعدة الطهارة واستصحاب حالة الحياة وطهارة الملاقي سالمة عن المعارض،
إذ قد سبق في كتاب الطهارة أنه لا معنى لأصالة عدم الموت حتف أنفه، بل الأصل
بقاؤه إلى الغاية التي أجلها الله له، والأصل عدم عروض شئ غيرها، وبه ينقطع أصالة
الطهارة وقاعدتها فضلا عن أصالة طهارة الملاقي وعدم الاجتناب، خصوصا بعد اشتراط
الشارع بقاءها بالتذكية المشكوك فيها الذي مقتضى الأصل عدمها، فلا معنى لاستصحاب
حال الحياة لما بعد الموت الذي هو حالة أخرى، وثبوت الطهارة فيه للتذكية لا للحياة
السابقة، ولو سلم أنها تلك الطهارة فهي مشروطة بالتذكية التي قد عرفت اقتضاء الأصل

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
50

نفيها، على أنه لو أغضي عن ذلك كله لم تثبت التذكية التي هي شرط الصلاة كما عرفت
بنحو ذلك، ضرورة الاكتفاء في بقاء الطهارة باحتمال التذكية لا ثبوتها قطعا، إذ هي
من لوازم الطهارة الواقعية، لا الثابتة بالأصل الذي لا دليل على حجيته بالنسبة إلى أمثال
هذه اللوازم للواقع، بل الدليل على خلافها قائم كما لا يخفى على من له أدنى معرفة، فما
في المدارك وتبعه غيره من المناقشة فيما ذكرنا بنحو ما عرفت في غير محلها.
نعم قد يناقش بأن ظاهر النصوص الحكم بالتذكية حتى يعلم كونه ميتة، قال
سماعة (1) في الموثق: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن تقليد السيف في الصلاة
فيه الفراء والكيمخت فقال: لا بأس ما لم يعلم أنه ميتة " وقال الحلبي (2) في الصحيح:
" سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق فنشتريها فما ترى
في الصلاة فيها؟ فقال: اشتر وصل فيها حتى تعلم أنه ميت بعينه " وفي صحيحة الآخر (3)
" حدثني علي ابن أبي حمزة أن رجلا سأل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن
الرجل يتقلد السيف ويصلي فيه قال: نعم، فقال الرجل: إن فيه الكيمخت، فقال:
وما الكيمخت؟ فقال: جلود الدواب منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة، فقال:
ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه " وقول الصادق (عليه السلام) أيضا في الحسن (4):

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 12
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 والباب 38 من
أبواب لباس المصلي - الحديث 2 لكن باسقاط جملة " فنشتريها فما ترى في الصلاة فيها "
(3) رواه في الوسائل في الباب 50 من أبواب النجاسات - الحديث 4 عن عبد الله
ابن المغيرة عن علي بن أبي حمزة وفي الباب 55 من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 عن
عبد الله بن مسكان عن علي بن أبي حمزة ولكن في التهذيب ج 2 ص 368 - الرقم 1530
من طبعة النجف عن عبد الله بن مسكان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام إلى أن قال:
" قال عبد الله: حدثني علي بن أبي حمزة أن رجلا.. الخ " والمراد من عبد الله الحلبي
(4) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
51

" يكره الصلاة في الفراء إلا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاة " بناء على
إرادة المعنى الأخص من الكراهة فيه لا الحرمة، وفي الفقيه (1) " روي عن جعفر
ابن محمد بن يونس أن أباه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن الفرو والخف
ألبسه وأصلي فيه ولا أعلم أنه ذكي فكتب لا بأس به " مضافا إلى خبر السكوني (2)
المتقدم في كتاب الطهارة في السفرة المطروحة في الطريق وفيها لحم ولم يعلم أنها لمسلم أو ذمي
وخبر الهدي (3) المذكور في كتاب الطهارة أيضا، وغيرها من النصوص، وإلى قاعدة
كل شئ يكون فيه حلال وحرام فهو حلال لك حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه،
وقاعدة كل شئ لك طاهر حتى تعرف أنه قذر، وغيرها.
وتدفع بأن المراد بهذه النصوص ما هو الأصح عندنا من الحكم بتذكية المأخوذ
من يد المسلم مستحلا للميتة بالدبغ وذبائح أهل الكتاب أولا، أخبر بالتذكية أولا، في
السوق كان أولا، بل ومن يد من لم يعلم إسلامه إذا كان في بلاد المسلمين فضلا عمن
علم وجهل استحلاله، بل والمطروح في أرض المسلمين إذا كان عليه أثر الاستعمال
ككونه نعلا أو خفا حتى يعلم أنه ميتة، لا أن المراد الحكم بتذكيته مع فقد سائر هذه
الأمارات كالجلد في يد الكافر أو سوقه أو أرضه أو أرض المسلمين وليس عليه أثر
الاستعمال، وأن الأصل فيه التذكية على كل حال حتى يعلم أنه ميتة بغير أصالة عدم
التذكية، لعدم الدليل الصالح لقطع الأصل المزبور، بل ظاهر الأدلة خلافه، بخلاف
ما حكمنا فيه بالتذكية لظاهر النصوص المتقدم بعضها المنزل إطلاقها على ما في غيرها من
النصوص، ضرورة كونها من مذاق واحد كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسان

(1) الفقيه ج 1 ص 167 - الرقم 789 من طبعة النجف
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 11
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب الذبح - الحديث 1 من كتاب الحج
52

أهل العصمة (عليهم السلام)، ففي صحيح الحلبي (1) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟ فقال: صل فيها حتى يقال
لك إنها ميتة بعينها " ومرسل ابن الجهم (2) " قلت لأبي الحسن (عليه السلام):
أعترض السوق فأشتري خفا لا أدري أذكي هو أم لا؟ قال: صلى فيه، قلت: فالنعل
قال: مثل ذلك، قلت: إني أضيق من هذا قال: أترغب عما كان أبو الحسن (عليه السلام)
يفعله؟ " وصحيح البزنطي (3) " سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري
أذكية هي أم غير ذكية أيصلي فيها؟ قال: نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر (عليه
السلام) كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، وإن الدين أوسع من
ذلك " وفي الفقيه (4) " سأل الجعفري العبد الصالح موسى بن جعفر (عليهما السلام)
عن رجل يأتي السوق " الحديث. وخبر إسحاق بن عمار (5) عن العبد الصالح (عليه
السلام) " لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الاسلام، قلت: فإن
كان فيها غير أهل الاسلام قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس " وخبر إسماعيل
ابن موسى عن أبيه (6) " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن جلود الفراء أيشتريها
الرجل في سوق من أسواق الجيل (7) أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟

(1) فروع الكافي ج 1 ص 403 المطبوعة بطهران عام 1377
(2) الوسائل - الباب 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 9 - 3 - 5
(3) الوسائل - الباب 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 9 - 3 - 5
(4) الفقيه ج 1 ص 167 - الرقم 787 من طبعة النجف
(5) الوسائل - الباب 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 9 - 3 - 5
(6) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 7 لكن رواه عن
سعد بن إسماعيل عن أبيه إسماعيل بن عيسى كما في التهذيب ج 2 ص 371 - الرقم 1544
من طبعة النجف وهو الصحيح
(7) في الوسائل من طبعة عين الدولة " الجيل " لكن في التهذيب " الجيل " كما في
الفقيه وكذا تقدم في ج 6 ص 246 من الجواهر.
والجيل: بالجيم والياء المثناة التحتانية: الصنف من الناس
53

قال: عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، وإذا رأيتم يصلون
فيه فلا تسألوا عنه " بل عن الفقيه (1) " سأل إسماعيل بن عيسى أبا الحسن الرضا
(عليه السلام) الحديث. وخبر البزنطي (2) عن الرضا (عليه السلام) " سألته عن
الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا؟ ما تقول في الصلاة فيه وهو
لا يدري أيصلي فيه؟ قال: نعم، أنا أشتري الخف من السوق ويصنع لي وأصلي فيه،
وليس عليكم المسألة " إلى غير ذلك مما هو ظاهر أو صريح في جميع ما ذكرنا بعد تنزيل
مطلقها على مقيدها، فما عساه يتوهم من حلية ما في سوق المسلمين وإن كان في يد كافر
لاطلاق بعض هذه النصوص يدفعه قوله (عليه السلام): " عليكم أنتم أن تسألوا
عنه " إلى آخره.
ودعوى كون التعارض بينهما من وجه يدفعها - بعد إمكان دعوى ظهور سوق
المسلمين فيه - الترجيح بالشهرة بين الأصحاب أو الاجماع إلا ممن لا يعتد بخلافه، كما
أن خبر إسحاق بن عمار ظاهر في الحكم بميتة ما هو في أرض الكفار، بل لعل منه
مع خبر إسماعيل يستفاد كون يد الكافر وأرضه إمارة على عدم التذكية معاضدة
للأصل، لا أنها لا أثر لها أصلا، ومن هنا حكم بعدم التذكية لما في يده وإن كان في
أرض المسلمين التي هي إمارة على التذكية لولاها، وقاطعة للأصل ترجيحا لها عليها،
بل هو الداعي لذكر بعض الأصحاب الحكم بميتة خصوص ما في يده، خصوصا من
علله بالعمل الظاهر كما في الذكرى، ولا ينافي ذلك ما سبق منا في كتاب الطهارة من الحكم
بتذكية ما في يد المسلم وإن سبقتها يد الكافر، إذ يمكن القول برجحانها عليها وإن قلنا
بأنها إمارة، استظهارا من النصوص المزبورة قوة يد المسلم، وأنها مع وجودها

(1) الفقيه ج 1 ص 167 - الرقم 788 من طبعة النجف
(2) الوسائل - الباب 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 6
54

لا يلتفت إلى غيرها.
ودعوى تعارض العموم من وجه بين دليلي كل من اليدين يدفعها أولا أن
المعلوم من مراعاة الترجيح بين المتعارضين ما كان بينهما نفسيهما لا دليليهما، اللهم إلا أن
يفرق بانحصار طريق الترجيح في المقام بين الأدلة، فتأمل. وثانيا أنه لا ريب في رجحان
دليل يد المسلم بالتعدد ووضوح الدلالة ومعلومية أصالة الصحة في فعل المسلم، بخلاف
أصالة الفساد في فعل غيره، مع أنه قد يقال في المقام: إن التعارض بين استصحاب
حكم يد الكافر ونفس يد المسلم، نعم لو فرض كونه في يديهما معا لشركة أو غيرها
تحقق التعارض بينهما، والترجيح ليد المسلم أيضا بما عرفت، بل الظاهر ترجيح
استصحاب حكم يد المسلم على خصوص يد الكافر بما سمعت، أما يد الكافر على سوق
المسلم وأرضه فلا ريب في رجحانها عليهما لاطلاق النص والفتوى، بل يمكن دعوى
ترجيح استصحاب حكمها عليهما فضلا عنها على إشكال، كما أن الظاهر ترجيح أرض
المسلم وسوقه ولو استصحابا على أرض الكافر وسوقه ولو شخصا، ضرورة ظهورهما
في اليد للمسلمين وإن لم تكن في القوة بمنزلة اليد الشخصية، هذا لو قلنا بكون أرض
الكافر وسوقه إمارة على عدم التذكية، وإلا فلا معارض حينئذ إلا الأصل الذي قد
عرفت قطع اليد له وإن سبق الحكم ظاهرا بمقتضاه، فلو اشترك السوق والأرض حينئذ
فهو كاشتراك اليدين يقدم الاسلام، هذا.
وفي كشف الأستاذ " أنه لو علم وجوده في السوقين أو اليدين علم التاريخ أو
جهل بني على التذكية، وفي الأرضين مع سبق الاسلام يقوى ذلك، وفي خلافه يقوى
خلافه " وظاهره الفرق بين الأرض والسوق، وهو لا يخلو من نظر، كما أن ما فيه
- من أنه لو ترافع الكافر والمسلم فيه وكل يدعيه بقي على الحكم بعدم التذكية، ولا يبنى
هنا على ترجيح الأرض والسوق - لا يخلو منه أيضا، فتأمل.
55

وعلى كل حال فحيث يحكم بالتذكية لحصول إمارتها الشرعية بعد الحكم بالميتية
للأصل أو لليد أو بالعكس فهل هو على الكشف بمعنى جريان حكم المذكى عليه مثلا فيما
مضى من الأفعال والمباشرة لو كانت أولا بل من حين تحقق الأمارة؟ وجهان، أوفقهما
بالأصل والاحتياط الثاني، ولا ينافيه عدم تصور التذكية له الآن، ضرورة كون المراد
جريان الأحكام لا التذكية حقيقة، وربما يؤيده في الجملة ما قيل من وجوب الوضوء
للعصر مثلا على من شك فيه بعد الفراغ من الظهر، وإن حكم بصحة الظهر بناء على
أن الدليل فيها صحة فعل المسلم، فهي حينئذ وإن ثبتت في الظهر لكن لا يثبت بها
كونه متوضئ حقيقة، فتأمل جيدا.
والمراد باليد للمسلم فيه على الوجه الممنوع في الميتة، أو اتخاذه لذلك،
وهل يكفي في الثاني مجرد كونه في يده وإن احتمل فيه لإرادة الالقاء مثلا؟ إشكال،
أقواه العدم، لأصالة عدم التذكية، والشك في انقطاعها بذلك، إذ ليس ما نحن فيه
بعد التأمل في النصوص والفتاوى إلا من جزئيات أصالة صحة فعل المسلم، ولا ينافيه
الحكم سابقا بتذكية مجهول الاسلام إذا كان في بلاد المسلمين، لأنه محكوم عليه شرعا
بأنه منهم، ولذا يجب تغسيله ودفنه وغيرهما من أحكام المسلمين، ومنها صحة فعله الذي
نحن فيه، كما أنه لا ينافيه الحكم بتذكية ما عليه أثر الاستعمال في أرضهم وسوقهم (1) إذ
هو لظهور كون يدهم عليه، فإن أرضهم بالنسبة إليهم جميعا كدار كل واحد بالنسبة إليه،
وعليه جرى حكم اللقطات وغيرها، فالجميع حينئذ راجع إلى أصالة صحة فعل المسلم،

(1) هذا يخرج المسألة عن محل النزاع الذي هو في الأرض والسوق من حيث هما
كذلك ولو كان خاصا في ذي الأثر فلا معنى للرد على المحدث البحراني كما سيأتي إلا أن يدعى
إرادة المحدث الحل مطلقا (منه رحمه الله)
56

وحينئذ قد يتوقف في الحكم بالتذكية بمجرد كونه في يد المسلم وإن ظن أو احتمل إرادة
الالقاء، بل ظاهر بعض عبارات الأستاذ في كشفه الجزم بالعدم، ودعوى ظهور
القبض في التصرف المحرم بالميتة ظهورا معتبرا شرعا يمكن منعها، خصوصا مع ملاحظة
أصالة عدم التذكية التي لم يعلم انقطاعها بمثل ذلك، ضرورة كون المعلوم من الأدلة فعل
المسلم كبيع ونحوه، ومن ذلك يمكن استفادة كون المراد بأصالة صحة فعل المسلم الحكم
بالصحة واقعا لا في حقه خاصة، ولعله كذلك بالنسبة إلى كل ما علم حصول الفساد
بسببه، أما مع اختلاف الاجتهاد أو التقليد فحمل الفعل فيه على الصحة حينئذ في حق
المخالف بالاجتهاد لا يخلو من تأمل، إذ كل منهما صحيح وإن كانت السيرة والعمل على
ذلك أيضا، كما هو واضح، لكن لا يخلو من إشكال، بل قد يشعر خبر أبي بصير (1)
الآتي باعتبار عدم اعتقاد الفساد في أصالة صحة القول والفعل، وهو لا يخلو من وجه
في غير الأمور العامة البلوى التي قضت السيرة فيها بالصحة واقعا وإن كان مخالفا في
الاعتقاد، ولتحقيق المسألة محل آخر.
وكيف كان فقد ظهر من النصوص المزبورة صحة ما ذكرناه جميعه، ومن الغريب
طرح جماعة منهم الشيخ على ما قيل والفاضل والمحقق الثاني بعض النصوص السابقة،
وتقييد آخر في مقابلة أصالة عدم التذكية، فمنع من إباحة ما في يد مستحل الميتة بالدبغ
وإن أخبر بالتذكية كما عن صريح الثاني منهم وغيره، بل صريح الأولين المتهم بذلك
أيضا، كالمحكي عن نهاية الإحكام وكشف اللثام أن الأقرب عدم إباحة ما في يد المسلم
المجهول حاله بعد أن ذكرا فيه وجهين كالتذكرة، كل ذلك للأصل الذي يقطعه أدنى
دليل فضلا عن تلك النصوص الواضحة الدلالة المعتضدة بفتوى الأكثر كما عن كشف
الالتباس، والمشهور فتوى ورواية كما عن روض الجنان، وعليه عمل الأصحاب

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
57

وفتواهم كما في المدارك، قلت: بل عليه السيرة المعلومة التي هي فوق الاجماع، خصوصا
في مجهول الحال.
وخبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " كان علي بن الحسين
(عليهما السلام) رجلا صردا فلا تدفئه فراء الحجاز، لأن دباغها بالقرظ، فكان
يبعث إلى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى
القميص الذي يليه، وكان يسأل عن ذلك فيقول: إن أهل العراق يستحلون لباس
جلود الميتة، ويزعمون أن دباغه ذكاته " مع الطعن في سنده وقصوره عن معارضة غيره
ظاهر بقرينة لبسه إياها في إرادة الاحتياط من جهة الموضوع الذي لا ينافي الاحتياط
فيه العصمة، وأما احتمال الفرق بين الصلاة وغيرها بكفاية عدم العلم بالميتة في الثاني
دون الأول كما أومأ إليه في الذكرى حيث قال بعد نقله: وفيه دلالة على جواز لبسه
في غير الصلاة، وكذا مفهوم خبر ابن مسلم (2) عن الباقر (عليه السلام) قال:
" سألته عن الجلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ فقال: لا ولو دبغ سبعين مرة " فيرده
الاجماع على عدم الفرق، وأنه لا واسطة بين المحكوم بتذكيته وميتته، ومن الغريب
دعواه دلالة مفهوم سؤال ابن مسلم على ذلك، ومن هنا اعترف بعد ذلك بضعفه.
وما أبعد ما بين دعوى الجمود على الأصل المزبور وبين دعوى جواز الاستعمال
إذا لم يعلم كونه ميتة كما ذهب إليه جماعة من متأخري المتأخرين على ما سمعت، بل ظاهر
المحدث البحراني منهم عدم الفرق في ذلك بين ما في يد الكافر وغيره، أخذا بعموم
قوله (عليه السلام) (3): " كل شئ يكون فيه حلال وحرام فهو حلال لك حتى

(1) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 1 من كتاب التجارة
مع اختلاف يسير
58

تعرف الحرام منه بعينه فتدعه " الذي قد عرفت إرادة تلك الأفراد منه، خصوصا مع
ملاحظة الأمثلة منهم في نصوص الشبهة بالموضوع التي حكموا فيها بالحل حتى يعرف
الحرام منه بعينه، إذ هي ظاهرة في إرادة حل ذلك عند حصول الأمارة الشرعية عليه
كسوق المسلمين ونحوه، أو لم يكن هناك أصل يقتضي عدم الحل وكانت الشبهة غير
محصورة، وإلا فمع فرض كونه حجة شرعية ولا قاطع له قد عرفت الحرام بعينه من
جهته، كما هو واضح، على أنه لو سلم العموم المزبور أمكن الخروج عنه بالنسبة إلى
خصوص ما في يد الكافر وسوقه وأرضه بظاهر بعض النصوص المزبورة، كخبري
إسحاق (1) وإسماعيل (2) وغيرهما، فلا ريب حينئذ في ضعف هذا القول أيضا
كسابقه كما عرفت.
ومثله ما يحكى عن الشهيد في الذكرى والدروس وبعض من تأخر عنه من التفصيل
فيما في يد المستحل بين الأخبار بالتذكية وعدمه، فيقبل في الأول لأنه ذو يد دون الثاني
ضرورة منافاته لاطلاق النصوص السابقة بل صريح بعضها من غير شاهد معتد به،
مع أن الموجود في الذكرى غير صريح فيما حكي عنها، قال: ما حاصله ولو وجد في يد
مستحل الميتة بالدبغ ففيه صور ثلاث: الأولى أن يخبر بأنه ميتة، فليجتنب، الثانية أن
يخبر بأنه مذكى، والأقرب القبول، لكونه ذا يد عليه فيقبل قوله كما يقبل في تطهير
الثوب النجس، ويمكن المنع لعموم " فتبينوا " (3) ولأن الصلاة ثابتة في الذمة بيقين
فلا يزول بدونه، الثالثة أن يسكت، ففي الحمل على الأغلب من التذكية أو على الأصل
من عدمها الوجهان، وقد روي في التهذيب عن عبد الرحمان الحجاج (4) " قلت

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 5 - 7
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 5 - 7
(3) سورة الحجرات - الآية 6
(4) الوسائل - الباب - 61 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
59

لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدعون
الاسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة، فأقول لصاحبها: هي ذكية فيقول: بلى، فهل
يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟ فقال: لا، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول: قد
شرط الذي اشتريتها منه أنها ذكية، قلت: وما أفسد ذلك؟ قال: استحلال أهل العراق
الميتة، وزعموا أن دباغ الجلد ذكاته، ثم لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله
(صلى الله عليه وآله) " وفيه دلالة على أنه لو أخبر المستحل بالذكاة لا يقبل منه، لأن
المسؤول في الخبر إن كان مستحلا فذاك، وإلا فبطريق الأولى.
وهو كما ترى لا ظهور فيه في التفصيل، بل قد اعترف بعد ذلك عند روايته
خبر علي بن أبي حمزة (1) المتقدم سابقا بأن فيه دلالة على تغليب الذكاة عند الشك،
وهو يشمل المستحل وغيره، وعند روايته خبر البزنطي (2) المتقدم أيضا بأن يدل على
الأخذ بظاهر الحال على الاطلاق، وهو شامل للأخذ من المستحل وغيره، بل قال:
ويؤيده أن أكثر العامة لا يراعي في الذبيحة الشروط التي اعتبرناها مع الحكم بحل
ما يذكونه بناء على الغالب من القيام بتلك، وأيضا فهم مجمعون على استحلال ذبائح
أهل الكتاب واستعمال جلودها، ولم يعتبر الأصحاب ذلك أخذا بالأغلب في بلاد
الاسلام من استعمال ما ذكاه المسلمون، وظاهره الميل إلى ما ذكرناه من الاطلاق.
وإن كان بعض كلامه لا يخلو من مناقشة، كدعواه دلالة خبر ابن الحجاج
على ما ذكرناه، إذ من المحتمل إرادة عدم صلاح بيعها كذلك لظهور الاخبار به في العلم
به، ولأن قول المخبر: هو ذكي يحتمل لإرادة الذكاة ولو بالدبغ، لأن من ذكاة الجلد
عندهم دباغه، بل لعل تعليل الإمام (عليه السلام) بما سمعت يومي إلى ذلك، وهذا
غير الاخبار بالتذكية بمعنى الذبح، فلا يكون في الخبر دلالة على عدم قبوله منه لو وقع،

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 - 3
60

بل ظاهر خبر الأشعري (1) قبوله، قال: " كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني
(عليه السلام) ما تقول في الفرو نشتري من السوق؟ فقال: إذا كان مضمونا فلا بأس "
بناء على إرادة ضمان البائع ذكاته، بل يمكن تأييده باشعار نصوص المسألة المتقدمة سابقا
به أيضا بناء على إرادة سؤال من في يده الجلد.
وكيف كان فلعل هذا الخبر هو الذي دعا إلى التفصيل، مضافا إلى التعليل
السابق بأنه ذو يد، لكن هو - مع قصوره عن معارضة تلك النصوص من وجوه
متعددة - يمكن إرادة الكراهة ونحوها من البأس فيه، والتعليل أقصاه قبول خبره به
لو قال، لا أنه بدونه لا يجوز، مع أنه قد يناقش في قبوله بمنع ما يدل على قبول ما يقوله
ذو اليد مما كان لا يجب عليه في مذهبه، بحيث يحكم على إطلاق دليل التبين في خبر
الفاسق، وقياسه على التطهير للثوب مع كونه مع الفارق ليس من مذهبنا.
ومن ذلك ظهر لك ضعف التفصيل المزبور كاحتمال التفصيل بين السوق وغيره
بأنه يكفي في الأول عدم العلم بكفر ذي اليد دون الثاني أو بما يقرب من ذلك، ضرورة
اشتراك الجميع في الاعراض عن الأدلة السابقة التي من المعلوم كون ذكر السوق في بعضها
كناية عن بيع من لم يعلم حاله في بلاد الاسلام الذي يكفي فيه غلبة المسلمين، كما دل عليه
خبر إسحاق المزبور (2) فلا مدخلية حينئذ للسلطنة ونحوها في ذلك، ويمكن إحالته
على صدق إضافة أرض الاسلام وسوقه عرفا.
وعلى كل حال فلا ريب في أن مقتضى أدلة المنع من الصلاة في الميتة عدم
الفرق بين الساتر وغيره، وبين ما لا تتم الصلاة به وعدمه بلا خلاف صريح أجده فيه،
بل بعضها كالتصريح في ذلك سواء اتخذ منه على هيئة الملابس المعهودة أو لا، ضرورة
صدق الصلاة فيها على جميع ذلك، لأن المراد كون المصلي أو بعضه حال الصلاة في شئ

(1) الوسائل - الباب 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 10 - 5
(2) الوسائل - الباب 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 10 - 5
61

منه، وما في خبر الهاشمي (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لباس الجلود
والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم يكن من أرض المسلمين فقال: أما النعال والخفاف
فلا بأس بها " فمطرح أو محمول على معلومية التذكية ولو لأنه لم يصنعها غير المسلمين أو
غير ذلك، وأما احتمال التوسعة فيهما بالخصوص - فيكتفى فيهما باحتمال التذكية بخلاف
غيرهما لهذا الخبر المزبور - ففيه ما لا يخفى، كاحتمال جواز خصوص النعال من الميتة،
لما في المرسل (2) وغيره (3) المعلل لأمر موسى (على نبينا وآله وعليه السلام) بخلع
نعليه بأنهما كانتا من جلد ميتة، مع أن هذه النصوص ليس فيها القابل لتخصيص أدلة
المنع، فضلا عن معارضة بعضها، خصوصا بناء على عدم التعبد بشريعة من قبلنا، على
أن في المروي عن إكمال الدين - من خبر سعد بن عبد الله (4) لما دخل على العسكري
(عليه السلام) فأمره بسؤال القائم (عليه السلام)، فسأله عن هذه الآية وحكى له
ما يقوله فقهاء الفريقين من أنهما كانا من الميتة، شدة الانكار على هذا الكلام، وأنه
ربما يؤل إلى الكفر، إلى أن قال: " بل المراد انزع حب أهلك من قلبك إن كانت
محبتك لي خالصة " الحديث. فلا ريب في عدم الفرق بين أصناف الملبوس في ذلك،
بل لعل تقليد السيف منه، ولذا منع من الصلاة فيه مع العلم بكونه ميتة في الخبر السابق (5)
لا أنه من المحمول منها، وإن كان قد يقال بمنعه أيضا لخبر الفأرة (6) وغيره المتقدم
في كتاب الطهارة، وقد استوفينا الكلام في البحث عن المحمول الذي منه المقام هناك،
من إرادة فليلاحظه.

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 4
(4) البحار - ج 18 - 101 من طبعة الكمباني
(5) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
(6) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
62

ثم من المعلوم أنه لا فرق في أجزاء الميتة بين الجلد وغيره عدا ما ستعرفه،
وذكره بالخصوص لأنه مظنة اللبس، كما هو واضح، نعم قد يخص المنع من حيث
الموت بميتة ذي النفس، لأنه المنساق إلى الذهن، خصوصا مع ملاحظة ما في النصوص
من الدبغ ونحوه مما لا يعتاد إلا في ذي النفس، بل هو ظاهر في مقابلة العامة، وخصوصا
مع مقابلة الميتة بالمذكى المنصرف إلى المذبوح، بل قد يدعى أن الذبح هو المعنى الحقيقي
للتذكية، وأن غيره منزل منزلته، لا أقل من الشك في شمول الاطلاقات، فتبقى على
إطلاقات الصلاة المقتضية للصحة عندنا، لعدم مانعية ما شك فيه، لا يقال: إنه قد تقدم
آنفا أن التذكية شرط، فلو سلم عدم تناول إطلاقات الميتة إلا أنه لا يجدي في تحقق
الشرط، ضرورة عدم صدق التذكية على ميتة غير ذي النفس، لأنا نقول: ظاهر
دليل الشرطية المزبور كون موضوعه ذا النفس، فيكون الحاصل إن كان اللباس من
ذي النفس اعتبر فيه التذكية، على أنك ستسمع فيما يأتي أن خبر ابن أبي يعفور (1)
الوارد في الخز دال على تحقق الذكاة بالموت لغير ذي النفس، ولا ينافيه اشتراط الأكل
في البعض مثلا بأمر زائد على ذلك كالاخراج ونحوه، فتأمل.
هذا كله مضافا إلى ما قيل من خبر علي بن مهزيار أو إبراهيم بن مهزيار (2)
عن أبي محمد (عليه السلام) " إن الصلاة تجوز في القرمز، وهو صبغ أرمني من عصارة
دود تكون في آجامهم " فتأمل. وإلى السيرة القطعية في نحو القمل والبق والبرغوث
ونحوها، وإلى ما في جامع المقاصد عن المعتبر من دعوى الاجماع على جواز الصلاة
فيما لا نفس له وإن كان ميتة، وإن كنا لم نتحقق هذا النقل، بل أنكره عليه ثاني
الشهيدين على ما قيل، قائلا: إن الذي أوهمه عبارة الذكرى، لكن عدالته وحسن

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 44 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
63

الظن به وعلو مرتبته تدفع هذا الانكار، ولعله عثر عليه في موضع لم نعثر عليه، نعم
قد يبعد دعوى الاجماع في المقام عدم تعرض أساطين الأصحاب لذلك صريحا، بل
أطلقوا الميتة كالنصوص كما اعترف به في كشف اللثام، نعم قيل: إن بعض الفضلاء
فهم من عبارة الألفية عدم جواز التستر بجلود السمك في الصلاة، ورده الشهيد الثاني
بأنه لا مانع من الصلاة فيه، لأنه طاهر حال الحياة، ولا ينجس بالموت، وبأن أكثر
الأصحاب جوزوا الصلاة في جلد الخز وإن كان غير مذكى مع كون لحمه غير مأكول،
فجوازها في جلد السمك أولى، وفيه أن الطهارة لا تقتضي جواز الصلاة، إذ قد عرفت
أن الموت من حيث هو مانع لا للنجاسة، وخروج الخز بالدليل لا يقتضي تمشية الحكم
لغيره، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه، ومقتضاه عدم الفرق بين المائي وغيره، فما عن ثاني
المحققين والشهيدين من تخصيص ذلك بحيوان الماء لا شاهد له، كما أن ما عن البهائي
ووالده من المنع مطلقا كذلك أيضا، لما عرفت من انصراف الاطلاق إلى غيره، فحينئذ
الأقوى الجواز إلا أن الأحوط العدم، والله أعلم.
* (وما لا يؤكل لحمه) * ولو بالعارض * (وهو طاهر في) * حال * (حياته) * وكان
* (مما تقع عليه الذكاة إذا ذكي كان طاهرا) * كما تقدم البحث فيه، وفي أصالة وقوع
التذكية في كتاب الطهارة، ويأتي له تتمة في الصيد والذباحة إن شاء الله * (و) * لكن
* (لا يستعمل) * جلده * (في الصلاة) * بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه،
بل لعل المحكي منه متواتر أو مستفيض قريب منه، مضافا إلى النصوص (1) والاجماعات
المستفيضة أو المتواترة في خصوص السباع منه مع التتميم بعدم القول بالفصل، كبعض

(1) الوسائل - الباب - 5 و 6 - من أبواب لباس المصلي
64

النصوص (1) في غير السباع أيضا، وإلى موثق ابن بكير أو صحيحه (2) قال: " سأل
زرارة أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من
الوبر فأخرج كتابا زعم أنه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن الصلاة في وبر
كل شئ حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وروثه وألبانه وكل شئ منه
فاسدة، لا يقبل الله تلك الصلاة حتى يصلى في غيره مما أحل الله أكله، ثم قال: يا زرارة
هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظ ذلك يا زرارة، وإن كان مما يؤكل
لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شئ منه جائزة إذا علمت أنه
ذكي قد ذكاه الذبح، وإن كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله
فالصلاة في كل شئ منه فاسدة ذكاه الذبح أو لم يذكه " وإلى خبر علي بن أبي حمزة (3)
المتقدم سابقا، وإلى خبر أنس بن محمد عن أبيه (4) عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم
السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) " يا علي لا تصل في
جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه " وإلى فحوى نصوص المنع (5) عن الصلاة في
وبره وصوفه وشعره، وغير ذلك من مفاهيم النصوص ومناطيقها، بل قد يظهر للناظر
فيها أن ذلك كان في الزمان القديم من ضروريات مذاهب الإمامية، خصوصا بعد
ملاحظة اتفاق فتاوى الأصحاب الحفاظ للأحكام في الحلال والحرام، فمن الغريب
وسوسة سيد المدارك فيه.
نعم ما استدل له به في المعتبر والمنتهى زائدا على ما ذكرنا لا يخلو من نظر، قال
الأول في السباع: " إن خروج الروح من الحي سبب الحكم بموته الذي هو سبب المنع

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 6 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 6 - 0 -
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 6 - 0 -
65

من الانتفاع بالجلد، ولا تنتهض الذباحة مبيحة ما لم يكن المحل قابلا، وإلا لكانت ذباحة
الآدمي مطهرة جلده، يعني أنها بالموت تصير ميتة ذبحت أو لا كالآدمي، فيعمها
نصوص (1) منع الصلاة في الميتة، قال: لا يقال: الذباحة هنا منهي عنها، فيختلف
الحكم لذلك، لأنا نقول: ينتقض بذباحة الشاة المغصوبة، فإنها منهي عن ذباحتها،
ثم الذباحة تفيد الحل والطهارة، وكذا بالآلة المغصوبة، فبان أن الذباحة مجردة لا تقتضي
زوال حكم الموت ما لم يكن للمذبوح استعداد قبول أحكام الذباحة، وعند ذلك لا نسلم
أن الاستعداد التام موجود في السباع، لا يقال: فيلزم المنع من الانتفاع بها في غير
الصلاة، لأنا نقول علم جواز استعمالها في غير الصلاة بما ليس موجودا في الصلاة، فيثبت
لها هذا الاستعداد لكن ليس تاما تصح معه الصلاة، فلا يلزم من الجواز هناك لوجود
الدلالة الجواز هنا مع عدمها " وقد يؤيد أيضا بأصالة عدم التذكية وبانحصار التذكية في
مأكول اللحم في ظاهر خبر ابن أبي حمزة (2) المتقدم سابقا، وبحصر المحرمات في
الآية (3) في الميتة والدم ولحم الخنزير، وفيه كما في الذكرى أن هذا تحكم محض،
لأن الذكاة إن صدقت فيه أخرجته عن الميتة، وإلا لم يجز الانتفاع به، ولأن تمامية
الاستعداد عنده بكونه مأكول اللحم، فيتخلف عند انتفاء أكل لحمه، فليستند المنع من
الصلاة فيه إلى عدم أكل لحمه من غير نقص الذكاة فيه، وتكلف في كشف اللثام لدفع
ذلك عنهما بما يطول ذكره، ولكن الانصاف أن تعارف صدق الميتة على ما قابل المذكى
في النصوص والفتاوى كتعارف صدق التذكية فيهما أيضا على ذبح غير المأكول المفيد
طهارته وجواز استعماله مما يفسد ذلك كله عليهما، ضرورة عدم اندراجه في الميتة حينئذ،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
(3) سورة الأنعام - الآية 144
66

بل هو مندرج في المذكى، فيدخل في إطلاق ما دل على جواز الانتفاع به والصلاة فيه،
أو يبقى على أصل الجواز، إلا أن النصوص أخرجته عن خصوص صلاحية ذلك، على
أن هذا أولى من القول بأنه ميتة جرى عليه جميع أحكام المذكى في غير الصلاة،
واشتراط المأكولية في خبر ابن أبي حمزة إنما هو للصلاة لا للتذكية، فدلالته حينئذ على
خلاف ما ذكره الخصم أولى، أو يراد التذكية المسوغة للصلاة. وحصر المحرمات في
الميتة والدم ولحم الخنزير لا يقتضي اندراجه فيه، بل لعله خرج من مفهوم الحصر
بالنصوص، ولو سلم فلعل تعارف الميتة في غير المذكى متأخر عن زمان الآية، أو أنه
أريد منها ذلك في خصوص الآية بالقرينة، فالأولى الاقتصار في الاستدلال على ما
ذكرنا، والأمر سهل.
ثم إن مقتضى إطلاق النص والفتوى والعموم اللغوي في الموثق المزبور عدم
الفرق في ذلك بين ذي النفس وغيره إذا كان له لحم، بل اقتصارهم على استثناء الخز
والحواصل بناء على أنه لا نفس له مما يؤكد ذلك، ودعوى انصراف الاطلاق إلى
ذي النفس - بل هو المراد من العموم في الموثق بقرينة قوله (ع) في ذيله: " ذكاه الذبح أو لم
يذكه " المشعر بكون ذكاته الذبح - واضحة المنع، خصوصا في العموم المزبور، وما في
الذيل لا دلالة فيه، ضرورة إمكان الذبح في كثير مما لا نفس له من الحيوانات البحرية
وإن كانت طهارته غير موقوفة عليه، إذ لا تنحصر فوائد التذكية بالطهارة بناء على
أصالة قبول كل حيوان للتذكية، لأنها لغة الذبح يمكن القول بوقوعها على غير ذي النفس
مما لم يجعل له الشارع ذكاة مخصوصة كالسمك ونحوه، ولو سلم عدم قبولها للذبح فقد
يقال: إن المراد ذكاه الذبح أو لم يذكه، إما لعدم قابليته للتذكية بالذبح، أو لعدم وقوعها
عليه وإن كان قابلا، فيدخل فيه ما لا نفس له على كل حال، ولا يتوهم أن ذكاته
موته، فلا يندرج حينئذ، إذ من المعلوم أنه ميتة وإن كان طاهرا، لكن الطهارة
67

لا تكفي في صدق التذكية، وإلا فهو طاهر حال الحياة كما هو واضح، وقد ظهر من
ذلك كله اندراجه حينئذ في نصوص المنع هنا التي من الواضح الفرق بينها وبين نصوص
الميتة، ولذا قلنا بخروجه عنها هناك.
نعم لا ريب في خروج القمل والبراغيث ونحوها مما لا لحم له، للسيرة القطعية،
وقصور النصوص عن تناوله، والعسر والحرج في اجتنابه، وغير ذلك، فلا بأس حينئذ
بالشمع في الثوب وغيره، ولا بالحرير الممتزج، ولا باللؤلؤ ونحوه مما هو من فضلات
مثل هذه الحيوانات التي لا تندرج في غير مأكول اللحم قطعا، بل في كشف الأستاذ
أن إطلاق جواز التلبيد في الحج بل ظهور بعضه فيما فيه الشمع من الشواهد على ذلك،
بل قد يقال: إن ظاهر اقتصار أساطين الأصحاب قديما وحديثا إلى زمن بعض
متأخري المتأخرين على الجلد والشعر والوبر والصوف والعظم ظاهر في عدم البأس بغير
ذلك من فضلاته، لا أقل من أن يكون ذلك من المثال لباقي أجزائه التي لا يدخل فيها
الرطوبات ونحوها من الفضلات التي ليست من أجزائه، بل لعل الموثق (1) الذي هو
الأصل في هذا التعميم يراد منه ذلك وإن كان بعيدا أو ممتنعا، وربما أيده إطلاق نفي
البأس عن سؤرها نصا وفتوى المستلزم عادة لمباشرة اللباس أو البدن لأمثال هذه
الرطوبات، بل كأنه في بالي أن في بعض النصوص نفي البأس عن لحس الهرة
بدن المصلي في أثناء الصلاة، بل لعل إطلاقهم هناك واقتصارهم هنا على ما عرفت
كالظاهر أو الصريح فيما ذكرنا، اللهم إلا أن يكون الوجه في الاقتصار هنا إرادة بيان
جنس المتخذ من اللباس، وهو لا يكون في العادة إلا من ذلك، ولذا تركوا التعرض
لباقي الأجزاء التي من المعلوم مساواتها في الحكم، وفيه أنه احتمال مقابل بالاحتمال

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
68

السابق، والأصول والاطلاقات تقتضي الصحة، لأن الحق عدم مانعية ما شك في مانعيته
عندنا، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا بعد ظهور الموثق فيما يتناول ذلك،
ولم يثبت الاعراض عنه كي يخرج عن الحجية، بل ظاهر مشائخنا كون الحكم من
القطعيات المفروغ منها.
وعلى كل حال فلا حاجة إلى ما في كشف اللثام من حمل صحيح علي بن جعفر (1)
سأل أخاه (عليهما السلام) " هل يصلح للرجل أن يصلي وفي فيه الخرز واللؤلؤ؟ قال:
إن كان يمنعه من قراءته فلا، وإن كان لا يمنعه فلا بأس " على الفرق بين الظاهر
والباطن، لما سمعته من عدم اندراج مثله في نصوص المنع عما لا يؤكل لحمه، اللهم إلا
أن يقال: إن الموثق المزبور الذي هو العمدة في الباب خال عن ذكر اللحم (2) بل فيه
حلال الأكل وحرامه، ووجود لفظ اللحم في غيره لا يقتضي تقييده بذلك بعد فرض
شموله لذي اللحم وغيره، ولعله من هنا توقف الأستاذ الأكبر في شرحه في الشمع
ونحوه مما ليس فيه سيرة قطعية، لكن قد يناقش بمنع عدم السيرة أولا، وبانصرافه
وإن لم يكن فيه لفظ اللحم ثانيا، ضرورة ظهور المنشئية والاستعداد مما لا يؤكل لحمه
كما هو واضح، فتأمل.
بل قيل لبعض ما عرفت بخروج الانسان عنه أيضا، خصوصا مع ملاحظة
السيرة والطريقة في مص ريق الزوجة ومباشرة النساء لفضلات الأطفال بالرضاع وغيره،
والصلاة في ثياب بعضهم بعضا وإن كان فيها من العرق وغيره، وفي الصحيح (3)
" كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) هل يجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من
شعر الانسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه، فوقع (عليه السلام) يجوز "

(1) الوسائل - الباب - 60 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) فيه ذكر اللحم فلاحظ (منه رحمه الله)
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
69

وفي آخر سأل علي بن الريان بن الصلت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) " عن الرجل
يأخذ من شعره وأظفاره ثم يقوم إلى الصلاة من غير أن ينفضه من ثوبه فقال: لا بأس "
وخبر الحسين بن علوان (2) عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) المروي عن قرب الإسناد قال: " سئل عن البزاق يصيب الثوب قال: لا بأس به " وما دل (3) على
جواز حمل الامرأة ولدها وارضاعه في الصلاة، كاطلاق خبر سعد الإسكاف (4) قال:
" إن أبا جعفر (عليه السلام) سئل عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن يصلنه
بشعورهن قال: لا بأس به على المرأة ما تزينت به لزوجها " وفي خبر آخر (5) عن
الصادق (عليه السلام) " يكره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غيرها " ولعله على
ذلك يحمل ما في ثالث (6) " إن كان صوفا فلا بأس، وإن كان شعرا فلا خير فيه
من الواصلة والموصولة " وما في مكارم الأخلاق (7) عن زرارة عن الصادق
(عليه السلام) قال: " سأله أبي وأنا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن إنسان
ميت فيجعله مكانه قال: لا بأس " مضافا إلى عدم انفكاك الثياب من الفضلات شتاء
وصيفا بحيث يعسر التجنب عنه " على أنه بملاحظة ذكر الأمثلة في بعض النصوص
وكون الخطاب مع الانسان ونحو ذلك يقطع بإرادة غيره مما لا يؤكل كما هو واضح.
وحينئذ تجوز الصلاة في شعره مثلا حتى لو نسج منه لباسا، للاطلاق بلا معارض،

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب النجاسات - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب 24 - من أبواب قواطع الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 101 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه - الحديث 2 - 1 من كتاب النكاح
(5) الوسائل - الباب - 101 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه - الحديث 2 - 1 من كتاب النكاح
(6) الوسائل - الباب 19 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 5 من كتاب التجارة
(7) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
70

قلت: قد يقال: إنه لو سلمت ذلك فقد يمنع الصلاة فيه لظهور الموثق المزبور في اشتراط
كون ما يصلى فيه مما يؤكل لحمه، فخروج الانسان حينئذ مما لا يؤكل لا يقتضي تحقق
الشرط المزبور، إذ أقصاه البقاء على أصالة الجواز التي لا تعارض الدليل، نعم لا بأس
بما جرت السيرة والطريقة عليه، وما فيه عسر وحرج باجتنابه، وما دل عليه بالخصوص
أما غير ذلك كاللباس المنسوج منه مثلا فيمنع لا لتحقق المانع بل لانتفاء الشرط، اللهم
إلا أن يكون المراد اعتبار المأكولية فيما إذا كان اللباس من حيوان غير الانسان مؤيدا
بمعلومية جواز الصلاة في غير المأكول كالقطن ونحوه مما يقضي بكون موضوع الشرط
المزبور الصلاة فيما كان من حيوان، فمع فرض انسياق غير الانسان يكون الموضوع
الحيوان غير الانسان مثلا، ولا ريب حينئذ في انطباق الشرط المزبور، بل هو غير
مناف للقول بجواز التستر بكل شئ لم يمنع منه الدليل، ضرورة كون اشتراط المأكولية
إنما هو في المتخذ من حيوان غير الانسان، ومن ذلك كله يعلم أنه لا وجه يعتد به في
الفرق بين الانسان نفسه وغيره كما عساه يظهر من كشف اللثام تنزيلا لخبر السن (1)
على الفرق بين الظاهر والباطن، وخبر ابن الريان (2) وسابقه (3) على شعر الانسان
نفسه، ولا يخفى ما فيه من الضعف بعد الإحاطة بما ذكرنا، حتى لو سلمنا إرادة الانسان
مما لا يؤكل لحمه أمكن دعوى اقتضاء السيرة ورفع الحرج وإطلاق بعض الأدلة السابقة
الأعم من ذلك، كما هو واضح.
ثم إنه لا فرق في إطلاق النص والفتوى بين ما تتم الصلاة فيه منفردا وغيره كما
صرح به بعضهم، بل هو كصريح الموثق وغيره، فما عساه يظهر من التحرير - من
الاشكال في التكة والقلنسوة من جلد ما لا يؤكل لحمه، ثم قال: أحوطه المنع، كقوله

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
71

في التذكرة: " لو عمل من جلد ما لا يؤكل لحمه قلنسوة أو تكة فالأحوط المنع " بل فيها
أن للشيخ قولا بالكراهية وإن أنكره عليه بعض من تأخر عنه - في غير محله، ويمكن
أن يريد التكة والقلنسوة المتخذة من صوف الجلد ووبره كما يومي إليه استدلاله، فيكون
خارجا عما نحن فيه، وللشيخ قول بالكراهة فيه كما ستسمع، فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فلا ريب في المنع، وخبر ريان بن الصلت (1) سأل الرضا
(عليه السلام) " عن أشياء منها الخفاف من أصناف الجلود فقال: لا بأس بهذا كله "
- مع الطعن في سنده - بينه وبين الأدلة السابقة تعارض العموم من وجه، والترجيح لها
من وجوه، كما أن ما في كشف اللثام (2) عن بعض الكتب عن الرضا (عليه السلام)
" وقد تجوز الصلاة فيما لم تنبته الأرض ولم يحل أكله مثل السنجاب والفنك والسمور
والحواصل إذا كان مما لا يجوز في مثله وحده الصلاة " غير صالح لاثبات ذلك للارسال،
واحتمال أنه من الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) الذي ليس بحجة عندنا، وعدم
ذكر الجلود فيه واختصاصه بالحيوانات الخاصة التي ستسمع البحث فيها، فلا ريب حينئذ
في عدم جواز الصلاة في ذلك مطلقا.
كما أنه لا ريب في عدم الفرق بين الجلد وغيره من أجزائه التي تحلها الحياة،
وتخصيص الجلد في عبارات الأصحاب لأنه هو الذي مظنة اللباس في الصلاة، بل لا
فرق أيضا بين اتخاذ ذلك على شبه اللباس المعتاد وعدمه، إذ المدار على صدق كونه
كلا أو بعضا فيه حال الصلاة، وهو المراد من النهي عن الصلاة فيه، نعم قد يتوقف
في المحمول منه على وجه لا تصدق معه الصلاة فيه الذي هو مناط البطلان، واشتمال

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
72

الموثق على البول والروث ونحوهما مما يراد من الصلاة فيها الصلاة في ملابسها لا يقتضي
المنع في المحمول، ضرورة انصراف الذهن بعد تعذر الحقيقة إلى إرادة معنى مجازي
لا يشمل المحمول، كتلطخ الثوب بها ونحوه، كما ستسمع تحقيق ذلك إن شاء الله،
فحينئذ يقوى القول بعدم المنع حينئذ، للأصل والاطلاق السالمين عن المعارض.
* (و) * كيف كان ف‍ * (هل يفتقر استعماله) * أي الجلد * (في غيرها) * أي الصلاة
* (إلى الدباغ؟ قيل: نعم) * بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا * (وقيل: لا) *
بل عن صلاة الايضاح أنه مذهب الأكثر، وطهارة روض الجنان أنه أشهر الأقوال،
ومقتضاه أن في المسألة قولا آخر، ولعله أشار إلى ما حكاه المحقق الثاني عن بعض
مشائخه والشهيد عن بعض الأصحاب كما قيل من اشتراط الدبغ إن استعمل في مائع،
وإلا فلا * (و) * كيف كان فلا ريب في أن الثاني * (هو الأشبه على كراهية) * لما تقدم
في كتاب الطهارة، ويأتي إن شاء الله في كتاب الصيد والذباحة، بل قد ذكرنا سابقا
أنا لم نعثر لهم إلا على مرسل (1) لم يصلح للحجية فضلا عن أن يعارض إطلاق الأدلة
كرواية أبي مخلد السراج (2) قال: " كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل
عليه معتب فقال: بالباب رجلان، فقال: أدخلهما، فقال أحدهما: إني سراج
أبيع جلود النمر، فقال: أمدبوغة هي؟ قال: نعم " إذ هي - مع أنها في البيع دون
الاستعمال، والضعف في السند، واحتمال التقية ولو لعدم معرفة الرجلين، وغير ذلك -
لا دلالة فيها على المطلوب إلا باشعار ضعيف، ثم على تقدير الاشتراط فهل لتوقف الطهارة
والاستعمال عليه أو الثاني خاصة؟ قولان، تقدما في كتاب الطهارة، ويأتي إن شاء الله
تمام البحث في ذلك.

(1) المتقدم في الجزء 6 - ص 351
(2) الوسائل - الباب 38 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 1 من كتاب التجارة
73

المسألة * (الثانية الصوف والشعر والوبر والريش مما يؤكل لحمه طاهر سواء جز
من حي أو مذكى أو ميت، وتجوز الصلاة فيه) * بلا خلاف في شئ من ذلك، بل
الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص (1) فما عساه يظهر من المحكي
عن المراسم من اشتراط التذكية في الصلاة فيها في غير محله أو غير مراد له، لأنه قد
ذكر الجلد، فلعله اعتبر التذكية بالنسبة إليه، وإلا فذلك معلوم من مذهبنا، نعم فيه
خلاف بين العامة، بل لا يحتاج إلى الغسل عندنا للأصل والاطلاق، وخبر حريز (2)
منزل على غير ذلك كما أوضحناه في كتاب الطهارة، نعم قد قلنا هناك إنه لو فرض
تكونه بعد الموت وقد تأخر الجز عنه بحيث كان فيما جز بعض الأصول التي لاقت الميتة
برطوبة اتجه وجوب الغسل حينئذ * (و) * من هنا يعلم أنه * (لو قلع من الميت) * قلعا
أزيل منه ما استصحب من الأجزاء و * (غسل منه موضع الاتصال) * لنجاسته بملاقاة
رطوبة باطن الجلد بناء على عدم انفكاكه عن ذلك، ولاطلاق حسن حريز وغيرهما
مما تقدم في الكتاب المزبور، فما عن الأردبيلي من أنه لم يظهر دليل على وجوب الغسل
في غير محله، كما أن ما عن نهاية الشيخ والمهذب والاصباح والوسيلة من إطلاق عدم
الحل مع القلع كذلك أيضا، إلا أن يراد قبل الغسل وإزالة ما استصحبه، أما المقلوع
من الحي فإن لم يستصحب شيئا من الأجزاء فلا ريب حينئذ في عدم حاجته إلى الغسل،
وإن استصحب وجب الإزالة والغسل مع فرض الرطوبة في المحل المستصحب، لنجاسة
الجزء المبان من الحي، وعليه ينزل إطلاق ما عن النهاية والمنتهى من اشتراط الإزالة
والغسل في المنتوف من الحي، بل وما عن الوسيلة من اشتراط الصلاة بما لم يكن منتوفا
من حي، ولعل ما يرى في أصول الشعر عند تسريح اللحية والوضوء في الأهوية الحارة
اليابسة ليس منه، بل من الفضلات، أو يعفى عنه كالبثورات للعسر والحرج، فلا جهة

(1) الوسائل - الباب 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 0 - 3
(2) الوسائل - الباب 33 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 0 - 3
74

حينئذ للمناقشة في الحكم المزبور، فتأمل.
* (وكذا) * في جميع ما ذكرنا * (كل ما لا تحله الحياة من الميت إذا كان طاهرا
في حال الحياة) * فتجوز الصلاة حينئذ فيه على النحو السابق لا لأنه طاهر، إذ لا تلازم
بين ذلك وبين الصلاة فيه، وإن كان هو مقتضى الأصل، لكن إطلاق النهي عن
شئ من الميتة قطع ذلك، بل لتعليل الصلاة في الصوف بأنه لا روح فيه المشترك بين
الجميع وغيره مما هو ظاهر من النصوص (1) ومن ذلك يظهر وجه التوقف في جواز
الصلاة فيما كان من الميتة مما حكم بطهارته ولا يجري فيه التعليل المزبور كالإنفحة، ولا
ريب في أن الأحوط اجتنابها * (و) * أما * (ما كان نجسا في حال حياته فجميع ذلك منه
نجس على الأظهر) * كما تقدم البحث في ذلك، بل وفيما تقدم أيضا في كتاب الطهارة
مفصلا، فلاحظ وتأمل.
* (و) * كذا * (لا تصح الصلاة في شئ من ذلك) * لو جعل لباسا أو جزء لباس
* (إذ كان مما لا يؤكل لحمه ولو أخذ من مذكى) * عدا ما استثني مما ستعرف إجماعا
محصلا ومحكيا مستفيضا، بل عن المعتبر والمنتهى الاجماع على أن ما لا تجوز الصلاة في
جلده لا تجوز في وبره أو شعره أو صوفه إلا ما استثني، وقد عرفت الحال في الجلد
وعدم الفرق بين الوبر وغيره، وترك الريش من بعضهم كالصوف من آخر ليس خلافا
في المسألة، بل هو إما لادراج بعضها في بعض، أو لمعلومية الحكم في الجميع، أو غير
ذلك، كما أن عدم نهي الصدوق في المقنع إلا عن الصلاة في الثعلب وما يليه من فوق
أو من تحت والخز ما لم يغش بوبر الأرانب قيل: وكذا الفقيه ليس لجواز غير ذلك
مما لا يؤكل لحمه عنده، كما يكشف عنه كلامه في هدايته وأماليه، فالاجماع حينئذ بحاله،

(1) الوسائل - الباب - 68 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 و 7 والباب 33 من
أبواب الأطعمة المحرمة
75

وهو الحجة، مضافا إلى الموثق (1) المتقدم سابقا، والمرسل في التهذيب المروي (2)
عن العلل صحيحا " كان أبو عبد الله (عليه السلام) يكره الصلاة في وبر كل شئ
لا يؤكل لحمه " بناء على إرادة الحرمة من الكراهة للنصوص والفتاوى، والمروي (3)
عن العلل " لا تجوز الصلاة في شعر ووبر ما لا يؤكل لحمه، لأن أكثرها مسوخ "
وخبر إبراهيم بن محمد الهمداني (4) " كتبت إليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر مما لا
يؤكل لحمه من غير تقية ولا ضرورة فكتب لا تجوز الصلاة فيه " إلى غير ذلك مما تسمعه
في أثناء البحث، بل للأخير جزم بعضهم، بل قيل: إنه ظاهر الأكثر، بل عن
الذخيرة والمجلسي أنه المشهور ببطلان الصلاة في الشعرات الملقاة على اللباس وإن لم تكن
جزءا منه، بل في جامع المقاصد وإن كانت شعرة واحدة، بل في حاشية المدارك
للأستاذ " أن الظاهر من غير واحد من الفقهاء أن المنع غير مختص باللبس بل شامل
للاستصحاب أيضا، لأنهم يذكرون الأخبار الدالة على ذلك في جملة أدلتهم من غير
تعرض لكون مدلولاتها غير المطلوب، بل يذكرون ما دل على جوازه ويتعرضون
للعلاج من غير تعرض بأن ذلك غير المطلوب - ثم قال -: وأرى العلماء وأسمع أنهم
يتنزهون عنه ".
وعن الكفاية أن كلام أكثر الأصحاب مطلق في المنع من الصوف والشعر
والوبر وغيرها، وخصه بعضهم بالملابس دون الشعرات الملقاة، واحتج عليه مضافا
إلى الخبر المزبور (5) بما ورد (6) من النهي عن الصلاة في الثوب الذي يلي جلود الثعالب
من حيث ظهوره في أنه لما يقع عليه من شعره، وبالموثق (7) الذي هو العمدة في الباب

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 5 - 7
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 5 - 7
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 5 - 7
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(7) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
76

وغيره مما دل على النهي عن الصلاة فيه، إذ توهم اختصاصه بالملابس بملاحظة لفظ " في "
المقتضية لذلك مدفوع بعدم جريانه في الموثق لدخولها عليه وعلى البول والروث مما ليست
هي بالنسبة إليهما للظرفية قطعا، بل لمطلق الملابسة الشاملة لمحل البحث، وإليه أومأ
الأستاذ في الحاشية، قال: رواية ابن بكير أيضا ظاهرة فيه، فإن الصلاة في الروث
مثلا ظاهرة في المعية، وتقدير الكلام بإرادة الثوب الذي يتلوث به غلط، لأن الأصل
عدم التقدير سيما مثله، وقد قرر في الأصول أنه إذا دار الأمر بين المجاز والاضمار
فالمجاز متقدم متعين.
قلت: قد يناقش في ذلك بأنه لا ريب في ظهور لفظ " في " في " الظرفية، ولكن
لما تعذرت الحقيقة بالنسبة إلى الروث ونحوه حمل على أقرب المجازات، وهو ظرفية
المتلطخ به بخلاف الشعر، فإن الحقيقة ممكنة فيه، فلا حاجة إلى صرفه، بل ولا قرينة،
ضرورة عدم صلاحية التجوز في الروث، لمكان تعذر الحقيقة للصرف، كما هو واضح،
ونصوص النهي عن الصلاة فيما يلي الثعلب لا صراحة فيها بكون ذلك لما عليه من
الشعر، بل هو مناف لاطلاق النهي عنه، ولعله للكراهة فيما يباشره، كما يومي إليه
النهي (1) عن الصلاة فيما يليه من تحت، بل في خبر ابن مهزيار (2) " عن رجل سأل
الماضي (عليه السلام) عن الصلاة في جلود الثعالب فنهى عن الصلاة فيها وفي الثوب الذي
يليه، فلم أدر أي الثوبين الذي يلصق بالوبر أو الذي يلصق بالجلد، فوقع بخطه
الثوب الذي يلصق بالجلد، قال: وذكر أبو الحسن يعني علي بن مهزيار أنه سأله عن

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) فروع الكافي ج 1 ص 399 المطبوعة بطهران عام 1377 لكن في الوسائل في
الباب 7 من أبواب لباس المصلي - الحديث 8 وكذا الاستبصار ج 1 ص 381 والتهذيب
ج 2 ص 206 من طبعة النجف عن الرضا عليه السلام
77

هذه المسألة فقال: لا تصل في الثوب الذي فوقه ولا في الذي تحته ".
ومن هنا قال بعضهم: إن ما في النهاية من أنه لا تجوز الصلاة في الثوب الذي
يكون تحت وبر الثعالب ولا في الذي فوقه يحتمل أن يكون لما يقع من الشعر، أو أن
يكون لأن الثعلب نجس عنده كما صرح بذلك في المبسوط وقد حكم فيه بالكراهة في
الثوبين المذكورين، ولعله لاطلاق ما سمعت، فدعوى أن المنع حينئذ للشعر المتساقط
يمكن منعها، بل هي أشبه شئ بالعلة المستنبطة، بل لو فرض حصول الظن بذلك أمكن
منع حجيته، لعدم استفادته مما جعله الشارع حجة، فلم يبق إلا خبر الهمداني المعارض
بما في المدارك من صحيح ابن عبد الجبار (1) قال: " كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام)
هل يصلى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكة حرير أو تكة من وبر الأرانب فكتب
لا تحل الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيا حلت الصلاة فيه " وإن كان فيه ما فيه
كما تسمعه في التكة والقلنسوة، وكذا معارضته بالنصوص (2) السابقة في شعر الانسان
وأظفاره وباقي فضلاته، إذ قد عرفت خروجه عن موضوع البحث، فلا يدل على ما نحن
فيه، نعم قد يناقش فيه بأنه مضمر، وفي سنده عمر بن علي بن عمر، وهو مجهول،
لكن قيل: إنه لم يستثن من نوادر الحكمة، ولا ريب في احتياجه إلى جابر، وليس،
إذ جبره بدعوى الشهرة يمكن المناقشة فيه بأنها مستنبطة من إطلاق قولهم: " لا يجوز
الصلاة في الشعر " وقد عرفت أن مثله في الموثق المشتمل على غيره مما لم يرد فيه الظرفية
حقيقة لا يقتضي ذلك فضلا عنه.
ولعله من هنا كان خيرة المسالك والمدارك والمفاتيح والمحكي عن الروض الجواز،
بل عن الأخير أنه حكاه عن صريح الشيخ والذكرى وظاهر المعتبر، بل قد يشعر ما في

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) المتقدمة في ص 70
78

الأول بكون ذلك ظاهر الأصحاب من حيث أن السياق في اللباس، ولذا استظهر
من عبارة المتن اختصاص الحكم به، فالمنع حينئذ لا يخلو من إشكال، لاطلاق ما يقتضي
الصحة، وإن كان هو أحوط.
وأولى منه إشكالا المحمول الذي لم يلتصق بالثياب حتى يكون من توابعه
ويصدق الصلاة فيه ولو مجازا، إذ إرادة المعية من " في " كما ذكره الأستاذ في حاشيته
ممنوعة، ضرورة عدم اقتضاء تسليم إرادة المعنى المجازي الشامل للشعرات الملقاة وتلطخ
الثوب ونحوه المعية الشاملة للمحمول، فالاطلاقات حينئذ تقتضي الصحة، لكن عن
الجعفرية وشرحها أنه من صلى في جلد أو ثوب من شعر حيوان، أو كان مستصحبا
في صلاته عظم حيوان ولم يعلم كون ذلك الجلد وذلك الشعر والعظم من جنس ما يصلى
فيه فقد صرح الأصحاب بوجوب الإعادة مطلقا، يعني أن الحكم بوجوب الإعادة
إجماعي للأصحاب، ومقتضاه أنه لا بحث في المستصحب مع العلم بحاله، وعن مجمع
البرهان الظاهر من كلام بعض الأصحاب أن كلما لا يعلم أنه مأكول لا تجوز الصلاة
في شئ منه أصلا حتى عظم يكون عروة للسكين وغير ذلك، بل لعله ظاهر من منع
الصلاة في العظم من غير المأكول علما أو شكا، لتعارف المحمول منه، اللهم إلا أن
يفرض كونه خاتما ونحوه مما يعد ملبوسا أو توابع الملبوس، كما مثل به له في المسالك
والمحكي عن الميسية، بل يمكن إرادته كذلك من المستصحب في عبارتي الجعفرية وشرحها،
إذ هو مظنة الاجماع، لا المحمول الذي يمكن بسبب التغيير بلفظ " في " دعواه على
خلافه، على أنه إنما هو بصدد بيان حكم المشكوك من حيث كونه مشكوكا فيه، فلعل
الاجماع المدعى حينئذ على ذلك، فإنه هو المصرح به في كلامهم، ففي المدارك في أحكام
الخلل وعن الشافية نسبة المنع عند عدم العلم بجنس الشعر والجلد إلى الأصحاب مع زيادة
قطعهم في الأول، وفي المنتهى " لو شك في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول
79

اللحم لم تجز الصلاة فيه، لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه، والشك في الشرط
يقتضي الشك في المشروط " ونحوه ما في التحرير والقواعد والشرائع في بحث السهو
والبيان والهلالية وفوائد الشرائع والميسية والمسالك على ما حكي عن البعض مع زيادة
الجلد في بعض والعظم في آخر، لكن في البيان " إلا أن تقوم قرينة قوية ".
وأشكله في المدارك وتبعه المحدث البحراني بأنه يمكن أن يقال: إن الشرط ستر
العورة، والنهي إنما تعلق بالصلاة في غير المأكول، فلا يثبت إلا مع العلم بكون الساتر
كذلك، ويؤيده صحيحة عبد الله بن سنان (1) قال: " قال أبو عبد الله (عليه السلام):
كل شئ يكون فيه حرام وحلال فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه " ورده
الأستاذ الأكبر (رحمه الله) بما حاصله عدم مدخلية العلم في مفاهيم الألفاظ، فالمفسد
حينئذ للصلاة واقعا حرام الأكل فيه، فلا بد أن يكون عدمه في الواقع شرطا، وليس
هو إلا حلال الأكل، فالمشكوك غير مجز، للشك في الشرط، ولا أصل ينقحه، ولعدم
العلم بالصحة حتى يخرج عن يقين الشغل على حسب ما قرروه في اشتراط العدالة من
قوله تعالى (2): " إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " ونظائره.
قلت: قد يقال: إنه بعد فرض الاطلاق أو العموم المتناول لكل ساتر لا يتم
الكلام المزبور، ضرورة كون المعلوم أن فائدتهما دخول الفرد المشتبه، وهذا هو الفارق
بين ما نحن فيه وبين اشتراط العدالة، لعدم الأمر بقبول كل خبر ثم نهي عن خبر
الفاسق كي يدخل مجهول الحال، بل ظاهر الآية إنما اقتضى رد خبر الفاسق، واستفيد
من مفهومه قبول خبر غيره، وليس هو إلا العدل في الواقع، فمن هذه الجهة اشترط

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 1 من كتاب التجارة
(2) سورة الحجرات - الآية 6
80

العدالة، ولم يعتبر خبر مجهول الحال لعدم العلم بكونه غير فاسق في الواقع، بخلاف المقام
المفروض فيه تحقق الاطلاق أو العموم الذين فائدتهما دخول مثل ذلك، ولا ينافيه كون
المانع عدم المأكولية واقعا، لعدم تحققها مع تحقق مقتضى الصحة، وهو مطلق الاستتار،
ودعوى صيرورة العام أو المطلق بعد التقييد موصوفا بضد ذلك القيد، فلا يتحقق مع
الشك يمكن منعها، لعدم تعقل ذلك من نحو استتر بأي ساتر ولا تستتر بما لا يؤكل
مثلا كما في نظائره، والالتجاء إلى باب المقدمة في اجتناب المشكوك يدفعه أنه في حكم
غير المحصور من المشتبه الذي لا يجب اجتنابه، كما في كل فرد واحد لم يعلم أنه من
المحلل أو المحرم، إنما الذي يجب اجتنابه المعلوم تحققه المشتبه شخصه، ودعوى إلحاق
ذلك به باعتبار أن المدار في المحصور وغيره على الحرج في الاجتناب وعدمه، وإلا
فالجميع تجري فيه باب المقدمة، وما نحن فيه مما لا حرج في اجتنابه يدفعها أنه خلاف
المعلوم منهم في عدم اجتناب ذلك منهم للمقدمة، خصوصا في نحو المقام المتحقق فيه
مقتضى الامتثال للاطلاق أو العموم مع أصالة البراءة عن مقتضى المنع.
فالأولى حينئذ في الرد دعوى ظهور قوله (عليه السلام) في الموثق المزبور (1):
" لا يقبل الله تلك الصلاة " إلى آخره في اشتراط المأكولية في الساتر إذا كان من
حيوان كما أومأنا إليه سابقا، ولعله إليه مطمح نظر العلامة، فالمشكوك فيه لا يجري
لعدم تحقق الشرط المنصوص عليه المقيد للاطلاق المفروض، بل الظاهر ذلك حتى لو
كان الثوب مشتبها بغير المحصور، فإن سقوط حكم باب المقدمة فيه لا يقتضي تحقق
الشرط الوجودي الذي فرض النص عليه، فإن ذلك أمر آخر زائد على سقوط حكم
المقدمة، ضرورة عدم صدق الامتثال عليه، ومن ذلك لو اشتبه التراب بغير محصور
لم يجز التيمم به، وكذلك الماء، نعم لو كان المنع من حيث النجاسة وفرض الاشتباه

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
81

بغير المحصور أسقط الشارع وجوب الاجتناب من جهتها، فجاز استعماله حتى فيما اشترط
فيه الطهارة، لعدم الواسطة عنده بينهما، إذ كل ما لم يعلم نجاسته وليس بمحصور طاهر
عنده، وكذا الكلام في الحل والحرمة، فتأمل جيدا فإنه نافع جدا.
اللهم إلا أن يقال في خصوص المحصور المشتبه بغير المحصور: إنه يستفاد من
الشرع إعطاء حكم غير المحصور للمحصور المشتبه موضوعا وحكما، فغير الماء المحصور
المشتبه فيما لا ينحصر من الماء ماء، وبالعكس غير ماء، وغير الحرير (1) مثلا المشتبه
فيما لا ينحصر في غيره من القطن محكوم بكونه قطنا على وجه تجري عليه الأحكام،
وكذا غير المأكول المحصور فيما لا ينحصر من المأكول، وهكذا حتى لو حصل الشك
في الفرد بل والظن، فإنه يعطي حكم غير المحصور المشتبه فيه، وهو حسن إن ثبت
إجماع ونحوه عليه، وإلا فقاعدة الشك في الشرط بحالها، هذا.
ولكن قد يقال: إن المستفاد من الموثق المزبور شرطية المأكول بالنظر إلى
الملبوس نفسه، أما ما كان عليه من الشعرات بناء على المنع منها أو الفضلات أو المحمول
أو نحو ذلك فلا دلالة فيه على اشتراط كونه من المأكول كي لا يجزي الصلاة مع الشك
فيها، بل هي تبقى على النهي عنها من غير المأكول، فمع تحققها تبطل الصلاة، ومع الشك
فلا، ويؤيده مع ذلك استصحاب عدم المانعية، بل والسيرة المستمرة على عدم اجتناب
اللباس بمجرد عدم معرفة ما فيه من رطوبة أو شعر أو نحو ذلك، بل والعسر والحرج
وغير ذلك مما لا يخفى، وهذا مؤيد آخر لما ذكرناه من عدم استفادة الشرطية من النهي
المزبور، وإلا لاقتضى وجوب اجتناب جميع ذلك، كما هو واضح.
ومن ذلك كله يعلم ما في منظومة العلامة الطباطبائي، قال:
وغلب التحريم فيما مزجا * بالحل إلا ما بنص خرجا

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " الحرير " بدل " غير الحرير "
82

يعني كالممتزج بالحرير، ثم قال:
وهكذا مشتبه بما حظر * منحصر دون الذي لا ينحصر
واحتمال أنه مبني ذلك على المانعية التي تسقط في غير المنحصر يدفعه - مضافا
إلى ما عرفته من الموثق في غير المأكول - إنه خلاف ما يظهر منه سابقا، قال في بيان
شرائط الساتر:
وكونه إن كان من حيوان * محلل اللحم على الانسان
وهو مضمون الموثق المزبور، وكذا يظهر النظر في ما ذكره بعض مشائخنا (1)
فيما نحن فيه من " أن الأقسام أربعة، إذ الشك إما أن يكون بين فرد مثلا من الحرير
محصور وفرد من غيره محصور، أو بين أفراد غير محصورة منهما، أو بين فرد من غير
الحرير محصور في أفراد من الحرير غير محصورة، أو بين فرد من الحرير محصور وأفراد
من غيره مما يجوز لبسه غير محصورة، والمتجه البطلان فيما عدا الأخيرة، أما فيها فالأقوى
الصحة وعدم الالتفات إلى هذا الشك - ثم قال: هذا بالنسبة إلى الصلاة الموقوف
صحتها على العلم بحصول شرطها، أما بالنسبة إلى اللبس فيما يحرم لبسه وكذا بالنسبة إلى
الصلاة حيث يكون المنع فيها تابعا للتحريم كالمغصوب فالظاهر قصر التحريم، ويتبعه
البطلان على الصورة الأولى والثالثة، لحصول العلم بالحرام فيهما - إلى أن قال: " أما
الصورة الثانية فالأقوى سقوط حكم التحريم فيها كالرابعة، وحيث أن الشارع قد جعل
الطهارة أصلا يرجع إليه عند الاشتباه والأصل الشرعي بمنزلة العلم كان الحكم في مشكوك
النجاسة في الصلاة كحكم المشكوك في جواز اللبس، فيمنع منه في الأولى والثالثة، ويجوز
في الثانية والرابعة " وفي كلامه مواضع للنظر تعرف بأدنى تأمل، على أن مقتضى ما يظهر
منه بعد ذلك أن محل البحث هنا في غير المشتبه المعلوم اشتماله على الجائز وغيره كالفرد

(1) هو الشيخ موسى في شرح الرسالة (منه رحمه الله)
83

المتحد مثلا، وهو لا ينطبق عليه بعض ما ذكره، التحقيق ما عرفته سابقا، فلاحظ
وتأمل. هذا كله في المشكوك فيه ابتداء أما المشتبه فيما يعلم اشتماله على القابل، ولا ساتر
عنده غيره فستعرف الحال فيه عند البحث عن تعذر الساتر، والله الموفق.
ثم إن الظاهر عدم الفرق بين ما تتم الصلاة فيه وحده وغيره نحو ما ذكرناه في
الجلد وفاقا لجماعة، بل الأكثر كما في المدارك، بل المشهور كما في غيرها، فلا يجوز في
التكة والقلنسوة المعمولتين منهما، لاطلاق النصوص (1) ومعاقد الاجماعات، بل
العموم في بعضها (2) وخصوص خبر علي بن مهزيار (3) " كتب إليه إبراهيم بن عقبة
عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من
غير ضرورة ولا تقية فكتب (عليه السلام) لا تجوز الصلاة فيها " وخبر أحمد بن إسحاق
الأبهري (4) قال: " كتبت إليه " وذكر نحو ذلك، والضعف في السند مجبور بالشهرة،
وبالموافقة لعموم النصوص المعمول بها، خلافا للمبسوط والمنتهى فالكراهة إذا عملا
من وبر ما لا يؤكل لحمه، بل والاصباح على ما قيل وإن لم يذكر إلا التكة من وبر ما لا
يؤكل لحمه ما لم يكن هو أو المصلي رطبا.
وعن ابن حمزة أنه قسم ما لا تتم الصلاة فيه منفردا إلى ما يكره فيه، وعد منها
التكة والجورب والقلنسوة المتخذات من شعر الأرنب والثعلب، وما لا يكره فيه،
وعد منها الثلاثة من غير ما ذكر، بل مال إليه في المدارك كما عن المعتبر، للأصل المنقطع
بما عرفت، والجواز في النجس والحرير الذي لا يتم بعد حرمة القياس عندنا.
واحتمال أنه ليس من القياس بل هو من القاعدة المعلومة المقررة - وهي كلما كان
ملزوم المدعى شيئا يلزم أي المدعى من وجوده وعدمه يثبت المدعى على كل حال، إذ

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 5
84

يكشف حينئذ أن العلة في ثبوت اللازم الذي هو المدعى أمر آخر غير ذلك الملزوم،
ففي المقام مثلا المدعى جواز الصلاة في التكة النجسة، وملزومه وصف النجاسة،
والفرض ثبوته على تقدير وجوده وعدمه فيعلم حينئذ أن العلة في الجواز التكة مثلا،
وهي موجودة إذا كانت من وبر الأرانب، بل هي من أفراد عادم الوصف - يدفعه
أولا إمكان منع القاعدة، لجواز توجه النفي إلى الذات لا إلى وجودها مع فرض
استلزامها وجودا وعدما، وهو أمر ثالث غير الوجود والعدم اللذين هما فرع التصور
نحو قولهم بانتفاء النقيضين. وثانيا ثبوت المدعى الذي هو اللازم من حيث عدم الملزوم
الخاص لا ينافي امتناعه من حيث أمر آخر كالغصب ونحوه ولو بعد دلالة الدليل عليه
كما هو واضح، فتأمل جيدا.
ولما في كشف اللثام من أنه وجد في بعض الكتب (1) عن الرضا (عليه السلام)
" وقد تجوز الصلاة فيما لم تنبت الأرض ولم يحل أكله مثل السنجاب والفنك والسمور
والحواصل إذا كان مما لا تجوز في مثله وحده الصلاة " وهو مع عدم دلالته على تمام
المدعى مرسل لا جابر له، بل من المحتمل أنه من الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام)
وهو غير حجة عندنا، على أنه ربما كان فيه إشعار ببطلان بعض الدعوى، فالتتميم
حينئذ بعدم القول بالفصل مقلوب، كما هو واضح.
ولصحيح محمد بن عبد الجبار (2) المتقدم سابقا المرجح غيره عليه بالمشافهة التي
هي أقوى من الكتابة باعتبار شدة احتمال وقوعها في يد أعدائهم، وقد كان أحمد بن
حنبل المعاصر للرضا (عليه السلام) يحكم بعدم جواز الصلاة في الحرير المحض، وباشتراط
كون الشعر والوبر مأخوذا من حي أو مذكى، بل في أحد قوليه: النجاسة إذا أخذ

(1) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
85

من ميت، وقد اشتهر مذهبه ومذهب الشافعي في زمن العسكري (عليه السلام)، ولذا
اشتدت التقية فيه، ولعله من هنا فرض في السؤال في المكاتبتين السابقتين عدم التقية،
وبقوة الدلالة، لاحتمال إرادة المأكول من المذكى، كما أوما إليه خبر علي بن أبي حمزة (1)
وإلا فاشتراط التذكية لحلية الصلاة في الوبر وغيره مما لا تحله الحياة مخالف لاجماع الفقهاء
من العامة والخاصة، وبكثرة العدد، بالموافقة لما عليه الإمامية من منع الصلاة فيما لا
يؤكل لحمه، وبغير ذلك مما لا يخفى، على أنه لا يدل على تمام المدعى، إذ القلنسوة إنما
كان عليها الوبر لا أنها متخذة منه، والتمسك باطلاق الجواب بحمل اللام فيه على الحقيقة
لا العهد من أنه خلاف الظاهر يوهن الخبر من وجه آخر، فلا ريب حينئذ في كون
الترجيح للمنع الموافق للاحتياط.
وكيف كان فقد استثنى المصنف من الكلية السابقة الخز، فقال: * (إلا) * وبر
* (الخز الخالص) * من وبر الأرانب والثعالب ونحوهما، فتجوز الصلاة فيه بلا خلاف
أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر
كالنصوص (2) فما عساه يظهر - من ترك الحلبي التعرض له وعدم استثناء الصدوق له
في الهداية بعد أن قال: " باب ما تجوز الصلاة فيه وما لا تجوز " مقتصرا على قول الصادق
(عليه السلام) (3): " صل في شعر ووبر كل ما أكلت لحمه، وما لم تأكل لحمه فلا تصل
في شعره ووبره " كالمحكي عن الشيخ في كتاب عمل يوم وليلة من الخلاف فيه - لا يلتفت
إليه، مع أن من المحتمل أن يكون ذلك منهم لظهور الحال فيه، وما عن الأمالي " الأولى
ترك الصلاة فيه " يمكن حمله على الجلد، إذ من البعيد إرادة الوبر بعد تصريحه به في

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب لباس المصلي
(3) المستدرك - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
86

الفقيه حاكيا له عن رسالة والده التي هي الركن الأعظم عنده. وبعد استفاضة النصوص (1)
في صلاتهم (عليهم السلام) به، حتى أن في خبر دعبل (2) المشهور خلع الرضا (ع) قميصا
من خز، وقال له: " احتفظ به فقد صليت فيه ألف ليلة كل ليلة ألف ركعة " كما أن
من البعيد إرادة الفاضل من قوله في التحرير: " إلا الخز الخالص والحواصل والسنجاب
على قول " ذلك، إذ مثله مما هو مجمع عليه بين الطائفة لا يعبر عنه بذلك، وما عن المنتهى
من نسبة الجواز إلى الأكثر مشعرا بوجود المخالف لم نتحققه، بل المحكي عنه أنه نسبه
فيه في موضعين إلى فتوى علمائنا مشعرا بالاجماع عليه.
وكيف كان فلا ريب في جواز الصلاة فيه إن لم يكن مستحبا، لما في صحيح ابن
مهزيار (3) " رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يصلي الفريضة ويغرها في جبة خز طاروي،
وكساني جبة خز وذكر أنه لبسها على بدنه وصلى فيها، وأمرني بالصلاة فيها " إلا أنه
ظاهر في الإباحة لتوهم الحظر، أو في الرجحان لكن لتشرفها بلبسه وصلاته فيها لا
لكونها خزا، بل الأقوى جواز الصلاة في جلده أيضا وفاقا لجماعة، بل عن كشف
الالتباس أنه المشهور، وفي الذكرى وغيرها أن مضمون خبر ابن أبي يعفور (4) عن
الصادق (عليه السلام) مشهور بين الأصحاب، قال: " إنه كان عنده ودخل عليه رجل
من الخزازين، فقال له: جعلت فداك ما تقول في الصلاة في الخز؟ فقال: لا بأس
بالصلاة فيه، فقال له الرجل: جعلت فداك إنه ميت وهو علاجي وأنا أعرفه، فقال له
أبو عبد الله (عليه السلام): أنا أعرف به منك، فقال له الرجل: إنه علاجي وليس
أحد أعرف به مني، فتبسم أبو عبد الله (عليه السلام) ثم قال: أتقول إنه دابة تخرج

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أعداد الفرائض - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 4
87

من الماء أو تصاد من الماء فتخرج، فإذا فقد الماء مات، فقال الرجل: صدقت
جعلت فداك هكذا هو، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) فإنك تقول: إنه دابة تمشي
على أربع، وليس هو على حد الحيتان فتكون ذكاته خروجه من الماء، فقال الرجل:
إي والله هكذا أقول، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): فإن الله أحله وجعل ذكاته
موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها " ضرورة أن التذكية إنما تعتبر في الجلد دون
الوبر، فبيانه (عليه السلام) أن ذكاته موته ردا على السائل الذي زعم أنه ميتة، وأنه
لا تجوز الصلاة فيه لذلك أظهر شئ في إرادة الجلد، بل منه يستفاد دخول الجلد في
إطلاق الخز، فترك الاستفصال حينئذ في موثق معمر بن خلاد (1) دال على المطلوب
أيضا، قال: " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الصلاة في الخز فقال: صل
فيه " وخبر يحيى بن عمران (2) أنه قال: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام)
في السنجاب والفنك والخز، قلت: جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك،
فكتب إلي بخطه صلى فيها " مضافا إلى صحيح سعد بن سعد (3) قال: " سألت الرضا (عليه السلام) عن جلود الخز فقال: هو ذا نحن نلبس، فقلت: ذاك الوبر جعلت
فداك فقال: إذا حل وبره حل جلده " قيل: " هو ذا " في كلامه (عليه السلام) بفتح
الهاء وسكون الواو كلمة مفردة تستعمل للتأكيد والتحقيق والاستمرار والتتابع والاتصال
مرادفة " همي " في لغة الفرس المستعملة في أشعار بلغائهم كثيرا، لا أن المراد منها
الضمير واسم الإشارة كما يشهد له التأمل من وجوه، فيكون إخباره (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 وفيه عن يحيى
ابن أبي عمران وهو الصحيح كما يأتي نقل الحديث عنه قريبا
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 14
88

باستمرار لبسه واتصاله كالصريح في شموله لحال الصلاة، وإلا لنقل عنهم (ع) نزعهم لها حالها،
وقول السائل: " ذاك الوبر " اشتباه منه، إلا أنه (عليه السلام) أراد قطعه على فرض
ذلك، فقال له (عليه السلام): " إذا حل " إلى آخره. على أن ظاهر تعليق حل الجلد
على حل الوبر الشامل باطلاقه لحل الصلاة مع حل الصلاة فيه إجماعا ونصا هو حل الصلاة
في الجلد، بل قد يقال بإرادة التلازم بالنسبة إليها لا اللبس في غيرها، لأنها هي المشروطة
بأن لا يكون اللباس حالها من ما لا يؤكل لحمه من غير فرق بين الجلد والوبر، فإذا حل
الوبر حينئذ منه فيها حل الجلد، لاشتراكهما في علة المنع، أما اللبس فلا تلازم بينه وبين
الجلد قطعا، ضرورة جوازه في الصوف ونحوه مطلقا من غير فرق بين المأكول وغيره
والمذكى وغيره بخلاف الجلد، ولعله إلى ذلك أومأ في الذكرى بقوله بعد أن حكى عن
الحلي المنع: ولا وجه له، لعدم افتراق الأوبار والجلود في الحكم غالبا، فتأمل.
بل قد يستفاد منه على هذا التقدير الجواز في باقي أجزاء الخز، وعدم ذكر
الأصحاب ذلك لعدم تعارف استعمال غيرهما، كما يومي إليه اقتصارهم عليهما في مطلق
ما لا يؤكل لحمه، ولعله لذا اقتصروا عليهما هنا، لا أنه استثناء منهما، فتأمل، ولو أغضي
عن ذلك كله وقلنا بدلالتها على اللبس دون خصوص الصلاة فلا ريب في كون التعارض
حينئذ بينه وبين ما دل (1) على المنع عما لا يؤكل لحمه من وجه، والترجيح له، خصوصا
بعد تطرق التخصيص إليه بالشهرة وبالأخبار السابقة، وبأقربية إرادة الصلاة من هذا
الاطلاق، خصوصا بعد تعارف السؤال عن الصلاة من إرادة جلود الخز من ذلك
العموم، وبغير ذلك مما لا يخفى.
ومنه يظهر حينئذ وجه الاستدلال أيضا بما في صحيح ابن الحجاج (2) " سأل

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
89

أبا عبد الله (عليه السلام) رجل وأنا عنده عن جلود الخز، فقال: ليس بها بأس "
وغيره (1) كما أنه يظهر فساد المناقشة في هذه النصوص بأنها ما بين صريح في الجلد لكن
في اللبس، وبين صريح في الصلاة لكن صريح في الوبر أو ظاهر، ولو لأنه المتعارف
في الاستعمال حتى صار متعارفا في الاطلاق، كما يشهد له النصوص، إذ هي كما ترى
دعوى بلا شاهد، بل يمكن دعواه على خلافها، على أن تعارف الاستعمال لا يقتضي
تعارف الاطلاق، وأيضا هو لا إشكال في مجازيته في كل منهما، والعلاقة في الجلد أتم
وأظهر، وليس هو من المتواطئ الذي يشيع بعض أفراده وينصرف إليها الاطلاق،
ودعوى شهرة المجاز في الوبر بحيث ينصرف اللفظ إليه بمجرد العلم بتعذر الحقيقة واضحة
المنع، فما عن العجلي والفاضل في المنتهى والتحرير من المنع من الصلاة فيه - بل عن
الأول نفي الخلاف فيه - ضعيف، على أن الثاني منهما خيرته في التذكرة، والمحكي عن
المختلف الجواز، فانحصر الخلاف صريحا في الأول، ومنه يعلم ما في نفي الخلاف وإن
كان ربما استظهر من عدم تعرض جماعة من الأصحاب له واقتصارهم على استثناء الخز
الخالص الظاهر بقرينة الوصف في الوبر، مع أنه يمكن منع ظهور ذلك فيما لا يشمل
الجلد، كما أنه لم نعثر لهم على ما يدل على ذلك سوى العمومات المخصصة بما عرفت،
وما عن كتاب الاحتجاج مما كتبه محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري (2) إلى الناحية
المقدسة " روي عن صاحب العسكر أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر
الأرانب فوقع (عليه السلام) يجوز، وروي عنه أيضا أنه لا يجوز، فأي الأمرين
نعمل به؟ فأجاب إنما حرم في هذه الأوبار والجلود، فأما الأوبار وحدها فحلال " وعن
نسخة " فكلها حلال " وما عن كتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم الذي لم يتداول
بين الطائفة، ولم تعرف عدالة مصنفه، قال: " والعلة في أن لا يصلى في الخز أنه من

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث - 0 - 15
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث - 0 - 15
90

كلاب الماء، وهي مسوخ إلا أن يصف وينقى " وهما معا كما ترى لا يلتفت إليهما في
مقابلة ما عرفت، سيما مع الاضطراب في الجملة في متن أولهما، والغرابة في الفرق بين
الجلود والأوبار مما لا يؤكل لحمه، وعدم نقل الثاني منهما عن معصوم، مع إمكان حمله
على خصوص كلب الماء من الخز بناء على أنه أحد أفراده وإن كان بعيدا بل ضعيفا.
ثم إن الظاهر جريان الحكم على ما في أيدي التجار مما يسمى في زماننا خزا،
لأصالة عدم النقل كما جزم به الأستاذ في كشفه، لكن عن المجلسي والاسترابادي
الاشكال فيه، ولعله للشك في كونه الخز في زمن الخطاب، بل الظاهر عدمه، لأنه
يظهر من الأخبار (1) أنه مثل السمك يموت بخروجه من الماء، وذكاته إخراجه،
والمعروف بين التجار أن المسمى بالخز الآن دابة تعيش في البر ولا تموت بالخروج من
الماء، إلا أن يقال: إنهما صنفان بري وبحري، وكلاهما يجوز الصلاة فيه، وهو بعيد
خصوصا مع إطلاق تشبيهه بالسمك، واستبعاد اتصال هذا الزمان بذلك الزمان مع
الاختلاف في حقيقته في زمن علمائنا السابقين.
قلت: لكن ذلك كله كما ترى لا يقدح في حجية أصالة عدم النقل، وما في
خبر ابن أبي يعفور (2) من موته بخروجه من الماء - كصحيح عبد الرحمان (3) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) قال له فيه: " إنها في بلادي، وإنما هي كلاب تخرج من
الماء، فقال له، أبو عبد الله (عليه السلام): إذا خرجت من الماء تعيش خارجه فقال
الرجل: لا، فقال: لا بأس " - يمكن حمله على إرادة عدم بقائه زمانا طويلا جمعا بينه

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 والباب 10 - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
91

وبين ما في خبر حمران بن أعين (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) من أنه سبع يرعى
في البر، ويأوى في الماء، وقد يشهد له الجملة ما عن مجمع البحرين أنه " دابة من دواب
الماء تمشي على أربع تشبه الثعلب، وترعى من البر، وتنزل البحر، لها وبر يعمل منه
الثياب، تعيش بالماء ولا تعيش بغيره، وليس على حد الحيتان، وذكاتها إخراجها من
الماء حية، قيل: وكانت أول الاسلام إلى وسطه كثيرة جدا " بل عن السرائر أنه قال
بعض أصحابنا المصنفين: " إن الخز دابة صغيرة تطلع من البحر تشبه الثعالب، ترعى
في البر وتنزل البحر، لها وبر يعمل منه ثياب " ثم قال فيها: وكثير من أصحابنا
المحققين المسافرين يقول: إنه القندس، ولا يبعد هذا القول من الصواب، لقوله
(عليه السلام) (2): " لا بأس بالصلاة في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب
والثعالب " والقندس أشد شبها بالوبرين المذكورين، وفي المعتبر أنه حدثني جماعة من
التجار أنه القندس، ولم أتحققه، وعن الشهيد في حواشي القواعد سمعت بعض مدمني
السفر يقول: إن الخز هو القندس، قال: وهو قسمان ذو ألية وذو ذنب، فذو الألية
الخز، وذو الذنب الكلب، وفي الذكرى أنه لعله ما يسمى في زماننا بمصر وبر السمك،
وهو مشهور هناك، وفي كشف اللثام عن القانون أن خصيته الجندباد ستر (3) وقيل: إن
الذي يصلح من ذكره الخصي، ومن الأنثى الجلد والشعر والوبر، وفي جامع الأدوية
للمالقي عن البصري أن الجندباد ستر هيئته كهيئة الكلب الصغير، وفي الذكرى أن من
الناس من زعم أنه كلب الماء، وجز به المحدث البحراني، ولعله لما في صحيح ابن
الحجاج (4) وإن كان هو في كلام السائل ولا إضافة فيه، ولذا كان خبر ابن

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 2
(2) المستدرك - الباب - 9 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 مع تفاوت
(3) في القانون ج 1 ص 281 من طبع مصر " جند بيد ستر هو خصية حيوان البحر "
وهو معرب كند بيد ستر وقد يقال: جند بيدست كما في برهان قاطع ج 1 ص 421
(4) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
92

أبي يعفور (1) أولى منه في ذلك، قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أكل
لحم الخز قال: كلب الماء إن كان له ناب فلا تقربه، وإلا فأقربه " بل عن بعضهم
القطع بأنه القندس فينطبق عليه حينئذ جميع ما سمعته ممن فسره بالقندس، بل قد يؤيده
ما قيل من قرب وبره لوبر بالثعالب والأرانب، لكن في الذكرى أنه على هذا يشكل
ذكاته بدون الذبح، لأن الظاهر أنه ذو نفس سائلة.
قلت: وهو المتعارف بين من يصطاده في زماننا، وما في كشف اللثام من أن
المعروف أنه لا نفس لأكثر حيوانات الماء بل لغير التمساح والتنين غير مجد مع الاختيار
التام ممن يعتاد صيده، نعم يمكن دعوى خروجه عن قاعدة توقف ذي النفس على الذبح
بخبر ابن أبي يعفور الناص على أن ذكاته ذكاة السمك، لكن الخروج به عن ذلك
كما ترى، بل حمله حينئذ على غير كلب الماء المتعارف في هذا الزمان أولى، كما يشهد له
أيضا أن المشاهد منه الآن لا وبر له بحيث يعمل منه ثياب، وهو خلاف المستفاد من
النصوص وغيرها من وصفه بذلك، فما وقع من المحدث البحراني من حصول تذكيته
بذلك وإن كان ذا نفس للخبر المزبور في غاية الضعف، كما أن ما وقع منه من حل أكل
غير ذي الناب منه للخبر المزبور، وخبر عمران بن أعين (2) " سألت أبا الحسن (عليه
السلام) فقلت: إن أصحابنا يصطادون الخز أفنأكل من لحمه؟ قال: فقال: إن كان
له ناب فلا تأكله، ثم سكت ساعة فلما هممت بالقيام قال: أما أنت فإني أكره لك،
فلا تأكله " وخبر ابن أبي يعفور المتقدم المخصصة لقاعدة حرمة حيوان البحر إلا السمك،

(1) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 3 من كتاب
الأطعمة والأشربة عن أبي جعفر عليه السلام
(2) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب الأطعمة المحرمة - الحديث 1 لكن رواء
عن زكريا بن آدم
93

وحرمة السمك إلا ما له فلس كذلك أيضا في غاية الضعف، خصوصا مع احتمال الأخير
إرادة مساواته في التذكية للحيتان لا للأكل، وإمكان تحصيل الاجماع على عدم حل
أكله، وظهور خبر حمران السابق في أنه سبع المعلوم حرمة أكله، وحمله على ذي الناب
خاصة يحتاج إلى شاهد معتد به.
وكيف كان فينبغي أن يعلم أن الظن هنا كاف، لأنه من الظن بمفهوم الموضوع
لا مصداقه، ولا ريب في حصوله فيما في يد التجار، بل يمكن دعوى حصوله بجميع
ما ذكر من كلب الماء والقندس وغيرهما، لا أنه كلب الماء خاصة أو غيره، ولعل هذا
هو الجامع بين الجميع، بل كان سبب الاختلاف تخييل كون بعض الأفراد تمام المصداق،
فيضبطه بأوصاف لا تنطبق على المصداق الآخر، ولم يتنبهوا إلى كون مفهوم اسم الخز
للأعم من ذلك، فتأمل جيدا.
ثم ما كان منه تذكيته بغير الذبح فهل هي مجرد موته ولو في البحر بمعنى أن الشارع
جعل نفس موته كيفما كان تذكيته، فلا ميتة له حينئذ، أو أنها كتذكية السمك من
الاخراج حيا؟ قولان كما عن المقاصد العلية، بل فيها أن أجودهما الاشتراط، ولعله
للاقتصار على المتيقن، ولامكان استفادته من التشبيه في خبر ابن أبي يعفور السابق،
وغير ذلك، هذا.
وظاهر تقييد المصنف وغيره بالخالص عدم جوازه بالمغشوش بغيره مما لا تجوز
الصلاة فيه مطلقا، لكن قال: * (وفي المغشوش منه بوبر الأرانب والثعالب روايتان (1)
أصحهما المنع) * فيعلم إرادة ما قابل الغش المخصوص منه، وكأنه لتعرض النصوص (2)
بالخصوص له، بل يمكن دعوى ظهور الخلوص فيها في ذلك، خصوصا وقد كان المتعارف

(1) الوسائل - الباب 9 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب 9 - من أبواب لباس المصلي
94

غشه فيهما، وكيف كان فرواية المنع مرفوعة أحمد بن محمد (1) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) " في الخز الخالص أنه لا بأس به، فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب وغير
ذلك مما يشبه هذا فلا تصل فيه " وبمعناها مرفوعة أيوب بن نوح (2) إليه (ع) أيضا،
ورواية الجواز خبر داود الصرمي (3) لكن تارة قال: " سأل رجل أبا الحسن الثالث
(عليه السلام) " وأخرى عن بشر بن بشار (4) قال: " سألته عن الصلاة في الخز
يغش بوبر الأرانب فكتب يجوز ذلك " إلا أنها - مع اتحادها، واختصاصها بوبر
الأرانب، واضطرابها بما عرفت، وضعفها ولا جابر، واحتمالها الصلاة عليه، واحتمال
" تجوز " كونه من التجويز أي يجوزه العامة، وموافقتها للتقية، ومخالفتها لعمومات
الإمامية، بل في الخلاف الاجماع على اشتراط الخلوص عن وبر الأرانب، وفي الغنية
والثعالب كالمحكي في المفتاح من الاجماع أيضا على ذلك عن التذكرة ونهاية الإحكام
وكشف الالتباس وجامع المقاصد وظاهر المنتهى وإن كنت لم أتحققه فيما حضرني من
نسخ بعضها كالتذكرة وجامع المقاصد، وظني أنه اشتباه في الفهم، فلاحظ وتأمل، بل
عن المعتبر والمنتهى أن أكثر أصحابنا، وإن كنا لم نعرف من ادعى الاجماع فيهما غير
الشيخ في الأرانب وابن زهرة فيهما، كما عرفت ادعوا الاجماع على العمل بمضمون
مرفوعي أحمد بن محمد وأيوب بن نوح - لا تصلح معارضة، خصوصا مع تبين ذلك
كله منا، فلم نعثر على مفت بها إلا الصدوق (رحمه الله)، فإنه بعد أن رواها قال هذا
رخصة، الآخذ بها مأجور، والراد لها مأثوم، والأصل ما ذكره أبي في رسالته إلي
" وصل في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب " وخلاف مثله غير قادح، مع احتمال

(1) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 عن بشير بن بشار
95

الرخصة للضرورة لا مطلقا.
نعم لا بأس به لو مزج بالإبريسم وغيره مما تحل الصلاة فيه ولو ممزوجا، لوجود
المقتضي وعدم المانع، واحتمال اشتراط الخلوص من غيره مطلقا لصدر الخبر السابق الذي
بين فيه إرادة الخلوص منهما في غاية الضعف، أما لو مزج بما يمنع من الصلاة فيه كصوف
ما لا يؤكل لحمه غير الثعالب والأرانب فالمتجه المنع، لصدق الصلاة في شئ مما لا يؤكل
لحمه قطعا، كما هو واضح بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل لعل المراد من الثعالب والأرانب
في المرفوعين المثال لغيرهما مما لا يؤكل، وخصا لتعارف الغش بهما، بل هما بمعونة قوله
(عليه السلام) فيهما ": أو غير ذلك مما يشبه هذا " كالصريحين في ذلك، لكن في
المحكي عن التحرير بعد القطع بالمنع منهما قال: " والأقرب المنع من الخز المغشوش
بصوف ما لا يؤكل لحمه وشعره " ولفظ الأقرب فيه مشعر بالفرق بينهما، بل عن المنتهى
بعد ذلك أيضا " وفي الممتزج بصوف ما لا يؤكل لحمه أو شعره تردد، والأحوط فيه
المنع، لأن الرخصة وردت في الخالص، ولأن العموم الوارد في المنع من الصلاة في شعر
ما لا يؤكل لحمه وصوفه يتناول المغشوش بالخز " وهو كما ترى، اللهم إلا أن يكون
فرقة بالنظر إلى فتاوى الأصحاب، لاقتصار أكثرهم عليهما، وادعاء الاجماع عليهما،
والله أعلم.
المسألة * (الثالثة تجوز الصلاة في فرو السنجاب، فإنه لا يؤكل اللحم، وقيل:
لا يجوز، والأول أظهر) * وفاقا للشيخ والفاضل والشهيدين والمقداد والمحقق الثاني
والفاضل الميسي وغيرهم، بل عن الأنوار القمرية نسبته إلى الأكثر خصوصا بين
المتأخرين، وفي جامع المقاصد إلى جمع من كبراء الأصحاب، وعن الذخيرة إلى المشهور
بين المتأخرين، وفي الرياض وهو كذلك، بل لعله عليه عامتهم عدا الفاضل في التحرير
96

والقواعد وفخر الدين في شرحه والصيمري، فظاهرهم التردد، لاقتصارهم على نقل
القولين من غير ترجيح وإن كان ستعرف ما فيه، وفي كشف الرموز عن القطب أنه
الأظهر بين الطائفة، بل عن المبسوط نفي الخلاف فيه والحواصل، وفي المنظومة إرسال
الاجماع عليه، وعن الأمالي أن من دين الإمامية الرخصة فيه والفنك والسمور، والأولى
الترك، واحتمال أن مراده ورود الرخصة وإن لم يكن معمولا بها - بقرينة أن والده
الذي هو من رؤساء الإمامية من جملة المانعين، وعدم معلومية قائل بجوازه في الفنك
والسمور، بل ظاهرهم الاتفاق على العدم - خلاف الظاهر، على أنه المحكي من رسالة والده
إليه مشتمل على ذكر الرخصة، قال: " لا بأس بالصلاة في شعر ووبر ما أكل لحمه،
وإن كان عليك غيره من سنجاب أو سمور أو فنك وأردت أن تصلي فانزعه وقد
روي فيه رخص ".
وكيف كان فالمتبع الدليل، ولا ريب في اقتضائه الجواز، إذ روى علي بن
راشد (1) في الصحيح " قلت لأبي جعفر (عليه السلام) " ما تقول في الفراء أي شئ
يصلى فيه؟ فقال: أي الفراء؟ قلت: الفنك والسنجاب والسمور، فقال: فصل في
الفنك والسنجاب، فأما السمور فلا تصل فيه، قلت: في الثعالب نصلي فيها قال: لا،
ولكن تلبس بعد الصلاة " إلى آخره. والحلبي (2) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" سألته عن الفراء والسمور والسنجاب والثعالب وأشباهه فقال: لا بأس بالصلاة فيه "
وبشر بن بشار (3) " سألته عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمور والحواصل

(1) ذكر صدره في الوسائل - في الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
وذيله في الباب 7 - الحديث 4 لكن رواه عن أبي علي بن راشد
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 لكن رواه عن
بشير بن بشار
97

التي تصاد ببلاد الشرك أو بلاد الاسلام أن أصلي فيه لغير تقية، قال: فقال: صل
في السنجاب والحواصل الخوارزمية، ولا تصل في الثعالب والسمور " ويحيى بن
أبي عمران (1) أنه قال: " كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) في السنجاب
والفنك والخز وقلت: جعلت فداك أحب أن لا تجيبني بالتقية في ذلك، فكتب بخطه
إلي صل فيه " والوليد بن أبان (2) " قلت الرضا (عليه السلام): أصلي في الفنك
والسنجاب قال: نعم " إلى غير ذلك.
واحتمال حمل الجميع على التقية - بقرينة اشتمالها على ما علم كون الإذن في الصلاة
فيه لذلك حتى عند الخصم - يدفعه أولا اشتمالها على ما ينافي التقية، لجواز الصلاة في جميع
ما لا يؤكل لحمه، اللهم إلا أن يكتفى في التقية بمجرد وقوع الخلاف بين الشيعة كي
لا يعرفوا فيؤخذوا، وفيه بحث، أو بالموافقة لبعض رواياتهم وإن كان علمهم على
خلافه، وثانيا أن العلم بكون الجواز في غير ما نحن فيه للتقية لا يقضي به فيه، إذ
هو في الحقيقة إبطال للدليل بمجرد الاحتمال، على أن من المعلوم عدم الالتجاء إلى التقية
التي لا تخفى على الخواص الذين كان من المعروف عندهم الاعطاء من جراب النورة إلا
عند الضرورة، فحينئذ لا يقدح في الحجية وحدة الجواب عنها بعد اشتراك الجميع في
الجواز، وإن كان بعضها للتقية والضرورة، وآخر مطلقا، وكان اختصاص بعضها
بذلك لتفاوتها في مصلحة الامتناع، كما يومي إليه خبر محمد بن علي بن عيسى (3) المروي
عن مستطرفات السرائر قال: " كتبت إلى الشيخ يعني الهادي (عليه السلام) أسأله عن
الصلاة في الوبر أي أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب الصلاة في شئ منه، قال: فرددت
الجواب إنا مع قوم في تقية، وبلادنا بلاد لا يمكن أحد أن يسافر منها بلا وبر، ولا

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 - 7
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 - 7
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
98

يأمن على نفسه إن هو نزع وبره، وليس يمكن الناس ما يمكن الأئمة (عليهم السلام)
فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب، قال: فرجع الجواب إلي تلبس الفنك
والسمور " وثالثا أن في النصوص ما فقد المانع المزبور، بل الشاهد على ما قلناه من إرادة
التقية والاضطرار في غير السنجاب، كخبر مقاتل بن مقاتل (1) قال: " سألت أبا الحسن
(عليه السلام) عن الصلاة في السمور والسنجاب والثعلب فقال: لا خير في ذا كله ما خلا
السنجاب، فإنه دابة لا تأكل اللحم " وذيل خبر علي بن أبي حمزة (2) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " قلت: وما يؤكل لحمه من غير الغنم قال: لا بأس بالسنجاب، فإنه
دابة لا تأكل اللحم، وليس هو فيما نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ نهى
عن كل ذي ناب ومخلب ".
والضعف في السند منجبر بما عرفت، والمناقشة فيه أيضا - باقتضاء الثاني كونه
من مأكول اللحم، وهو مجمع على خلافه، واقتضاء التعليل فيهما أن كل ما لا يأكل اللحم
تجوز الصلاة فيه وإن كان غير مأكول اللحم - يدفعها عدم قدح ذلك في الحجية فيما نحن
فيه، مع أن الموجود فيما حضرني من الوسائل التي عليها آثار الصحة " وما لا يؤكل "
إلى آخره. بل وفي وسائل أخرى، لكن فيها أن ذلك نسخة، وكان المراد بالتعليل
دفع ما اشتهر من عدم الصلاة في السباع، نحو خبر قاسم الخياط (3) قال: " سمعت
موسى بن جعفر (عليهما السلام) يقول ما أكل الورق والشجر فلا بأس بأن يصلى فيه،
وما أكل الميتة فلا تصل فيه " كل ذلك مع السلامة عن المعارض عدا عمومات تقبل
التخصيص بذلك، سيما بعد الاعتضاد بما عرفت.

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 3 والثاني
في الكافي هكذا ولكن في الوسائل والتهذيب " قلت: وما لا يؤكل لحمه "
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 3 والثاني
في الكافي هكذا ولكن في الوسائل والتهذيب " قلت: وما لا يؤكل لحمه "
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
99

وما في المدارك - من أن رواية ابن بكير (1) وإن كانت عامة إلا أن ابتناءها
على السبب الخاص وهو السنجاب وما ذكر معه يجعلها كالنص في المسؤول عنه، وحينئذ
يتحقق التعارض، ويصار إلى الترجيح - يدفعه أن مثله لا يقدح في التخصيص في
المتصل قطعا، فكذا المنفصل، خصوصا مع اندراج بعض أفراد السؤال في عموم
الجواب، ولعله نصب للسائل قرينة حالية على إخراج السنجاب، وليس المقام مقام
حاجة، ولذا لم يستثن فيها الخز المعلوم استثناؤه، كما أن ما يقال من عدم مقاومة لهذا
الخاص على تلك العمومات المزبورة المخالفة للعامة، لمعارضة الشهرة المتأخرة بالشهرة
المتقدمة، إذ هو منقول عن علي بن بابويه في الرسالة وولده في الفقيه والهداية والمقنعة
وجمل العلم والجمل والعقود والمصباح ومختصره والكاتب والتقي والديلمي والخلاف
والنهاية في الأطعمة والسرائر وكشف الرموز والتذكرة والمختلف ونهاية الإحكام
والمهذب البارع والموجز الحاوي، بل نسبه غير واحد إلى ظاهر الأكثر، بل عن روض
الجنان أنه مذهب الأكثر، وفي السرائر " لا تجوز الصلاة في جلد ما لا يؤكل لحمه بغير
خلاف من غير استثناء - إلى أن قال -: فعلى هذا لا تجوز الصلاة في السمور
والسنجاب " إلى آخره. وهو كالصريح في اندراجه في معقد نفي خلافه، وفي الخلاف
والغنية الاجماع على المنع في كل ما لا يؤكل لحمه، لكن قال في الخلاف: " وردت
رخصة في الفنك والسنجاب،، والأحوط ما قلناه من المنع: وربما استفيد من ذلك ظهوره
أو صراحته في إرادة دخول السنجاب في معقد إجماعه، على أن نفي الخلاف في المبسوط
يوهنه تحقق الخلاف أولا وبالاجماع أو الشهرة العظيمة على خلافه في الحواصل، مضافا
إلى ما في الفقه الرضوي (2) " ولا تجوز الصلاة في فرو سنجاب ولا سمور " وإلى ما

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 4 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 لكن باسقاط لفظ
" فرو " كما في فقه الرضا عليه السلام
100

سمعته سابقا من المناقشة في إجماع الأمالي وغيره، إذ هي لو سلمنا دفعها أو دفع بعضها
فلا ريب في أنها تورث وهنا في تلك الأدلة.
ولعله لهذا اضطرب الأمر على بعض الأصحاب فلم يرجح أحد القولين بل
اقتصر على نقلهما، كالمحكي عن الايضاح وغاية المرام وكشف الالتباس وتلخيص
التلخيص بل والتحرير والتلخيص على ما حكي، فلا أقل من ذلك كله الشك في خروج
هذا الخاص عن تلك العمومات التي هي كالصريحة فيه المعتضدة بالاحتياط الذي إن لم
نقل بوجوب مراعاته في الفراغ من الشغل اليقيني فلا ريب في رجحانه.
(و) قد يذب عنه بمنع تحقق الشهرة وإن حكيت، لأن التتبع يشهد بأن جماعة ممن
نسب إليه ذلك لا تصريح له فيه، نعم أطلق المنع مما لا يؤكل لحمه، ومن هنا حكاه في
كشف اللثام عن ظاهر الجمل والاقتصاد والمصباح ومختصره والسيد وأبي علي والحلبيين
والمفيد، بل من لاحظ الخلاف علم أنه مائل إلى الجواز لا العدم، لأنه بعد الحكم بالمنع
فيما لا يؤكل قال: ورويت رخصة في جواز الصلاة في الفنك والسمور والسنجاب،
والأحوط ما قلناه، لا أقل من أن يكون غير معلوم الحال، ولذا اقتصر في الكشف
على ذكر أنه احتاط فيه، ومن الغريب دعوى تناول إجماعه لذلك، والصدوق (رحمه الله)
قد صرح بالجواز فلا يلتفت إلى إطلاق بعض كلماته، بل جماعة ممن نسب إليه المنع قد
صرح بورود الرخصة فيه، منهم الديلمي ويحيى بن سعيد وعلي بن بابويه، فبناء على
عمله بها وإرادته ذلك على الاطلاق لا في حال الضرورة يكون ممن قال بالجواز، وليس
في التذكرة وكشف الرموز إلا أنه أحوط.
وبالجملة من تتبع كلمات الأصحاب مع التأمل علم الفرق بين الشهرتين، وعلم ما في
دعوى كونه من معقد إجماع الغنية والخلاف، بل ونفي الخلاف في السرائر مع أنه لو
كان مرادا أمكن له دعوى كونه مما تبين الخطأ فيه، والرضوي ليس حجة عندنا، مع
101

أنه مصرح بالرخصة أيضا، فلا شك حينئذ في خروجه عن العمومات المزبورة، لا أقل
من الشك في تناولها له، فتبقى الصحة حينئذ على مقتضى الاطلاقات، لأصالة عدم مانعية
المشكوك فيه عندنا، فالجواز حينئذ لا ريب في أنه أقوى، بل قد يتوقف في الكراهة
فيه فضلا عن المنع، وإن حكي عن ابن حمزة القول بها ومال إليها في الرياض، لكن
لا دليل، إذ إرادة القدر المشترك من العمومات لا قرينة عليه، بل هي على خلافه،
نعم الأولى والأحوط الترك خروجا عن شبهة الخلاف نصا وفتوى.
ثم من المعلوم أنه على تقدير الجواز الظاهر عدم الفرق بين الجلد نفسه والوبر،
لأنه مقتضى الأدلة السابقة ولو بضميمة قوله (عليه السلام) (1) في الخز: " إذا حل
وبره حل جلده " ومن هنا نصل المصنف على الفرو، بل لعله ظاهر الجميع لاطلاق
السنجاب، وجمع المبسوط وغيره له مع الحواصل، وغير ذلك، وأما المانعون ففي كشف
اللثام أن ما عدا السرائر والنهاية يعم الجلد والوبر، قلت: وهو المتجه، لأنه مقتضى
العمومات، وكذا من المعلوم اعتبار التذكية فيه، لأنه من ذي النفس، فمع عدمها يندرج
فيما دل على المنع من الميتة، مضافا إلى ما في بعض النصوص (2) السابقة الذي ينبغي
تنزيل إطلاق الآخر عليه، لكن يد المسلم تكفي في الحكم بتذكيته كغيرها من الأمارات
السابقة، فلا عبرة بما اشتهر بين التجار والمسافرين من أنه غير مذكى ما لم يحصل منه
علم بذلك، فيحرم، حينئذ كما هو واضح، فظهر حينئذ من ذلك كله أن المستثنى عندنا
من الكلية المزبورة الخز والسنجاب وبرا وجلدا.
* (و) * أما الصلاة * (في الثعالب والأرانب) * ففيها * (روايتان (3) أصحهما) *

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 14
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب لباس المصلي
102

وأشبههما وأشهرهما * (المنع) * بل لم يعمل برواية الجواز أحد كما اعترف به في التنقيح،
بل والمحكي عن المهذب، بل في كشف الرموز الاجماع عليه، بل حكاه أيضا عن علم
الهدى والشيخ، ولعله لذا قال في الدروس والبيان: إن رواية الجواز مهجورة، مضافا
إلى ما سمعته سابقا في الخز المغشوش بوبرهما، وعن مجمع البرهان أنه ورد في المنع أربعة
عشر حديثا، قلت: بل يمكن دعوى تواتر رواية المنع (1) في الثعالب، وفيها الصحيح
الصريح وغيره، فمن العجيب بعد ذلك كله ما في المدارك حيث أنه ذكر منها صحيح
ابن مهزيار (2) الوارد في التكك والجوارب من وبر الأرانب المتقدم سابقا، وصحيح
ابن مسلم (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جلود الثعالب فقال: ما أحب
أن أصلي فيها " ثم قال: وبإزاء هاتين الروايتين أخبار كثيرة دالة على الجواز، كصحيحة
الحلبي (4) وصحيحة علي بن يقطين (5) وصحيحة جميل (6) ثم حكى عن المعتبر أنه قال:
واعلم أن المشهور في فتوى الأصحاب المنع مما عدا السنجاب ووبر الخز، والعمل به
احتياط في الدين، قال بعد أن أورد روايتي الحلبي وعلي بن يقطين: وطريق هذين
الخبرين أقوى من ذلك الطريق، ولو عمل بها عامل جاز، وعلى الأول عمل الظاهرين
من الأصحاب منضما إلى الاحتياط للعبادة، ثم قال: قلت: ومن هنا يظهر أن قول
المصنف " أصحهما المنع " غير جيد، ولو قال أشهرهما المنع كما ذكر في النافع كان أولى،
والمسألة قوية الاشكال من حيث صحة أخبار الجواز واستفاضتها واشتهار القول بالمنع
بين الأصحاب، بل إجماعهم عليه بحسب الظاهر، وإن كان ما ذكره في المعتبر

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 و 6 و 7 وغيرها
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 9
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 9
103

لا يخلو من قرب.
إذ فيه ما لا يخفى، بل لولا الوثوق بعدالته وكمال تقواه لأمكن كونه من التدليس
المحرم، ضرورة استفاضة المنع في الثعالب، مع أنه لم يذكر منها إلا صحيح ابن مسلم
الذي ظاهره الجواز، وترك موثق ابن بكير (1) أو صحيحه الذي هو عنده من
الصريح باعتبار بناء العام فيه على السبب الخاص، وصحيح ابن راشد (2) وعلي بن
مهزيار (3) وصحيح الريان بن الصلت (4) وخبر ابن أبي زيد (5) وخبر الوليد بن
أبان (6) وخبر بشر بن بشار (7) ومقاتل بن مقاتل (8) وغيرهم، بل قد سمعت
الاعتراف عن أستاذه بأنها تبلغ أربعة عشر خبرا، على أن ظاهره عدم الفرق بين
الثعالب والأرانب في قوة الاشكال، مع أنه لم يذكر خبرا دالا على الجواز فيه
بالخصوص، بل ولا وقفنا نحن عليه بالنسبة إلى الجلود إلا ما في مكاتبة محمد بن إبراهيم (9)
من الكراهة في جلد الأرانب، وهي مع عدم جمعها لشرائط الحجية يراد الحرمة من
لفظ الكراهة فيها قطعا، وأما وبره ففيه صحيح محمد بن عبد الجبار (10) المتقدم

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 3
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 - 7
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 - 7
(7) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 لكن عن بشير
ابن بشار
(8) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(9) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(10) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
104

سابقا ما فيه عند البحث عن حكم ما لا تتم الصلاة فيه، بل تقدم هناك ما يعارضه
من خبر إبراهيم بن عقبة (1) وغيره، كما أنه تقدم في الخز خبر الغش بوبر
الأرانب (2) وما فيه.
كل ذا مع أن صحيح علي بن يقطين الذي ذكره في اللباس لا الصلاة حتى يعارض
ما دل على المنع منها فيه، ولو أريد ذلك منه فلا ريب في حمله على التقية، لما فيه من نفي
البأس عن جميع الجلود الذي علم من ضرورة مذهب الشيعة خلافه، مع أن علي بن يقطين
كان من الوزراء الذين لا بد لهم من التقية، بل ظاهر صحيح الحلبي أيضا ذلك باعتبار
اشتماله على قول السائل: " وأشباهه " كجميع الجلود في السابق، على أن في صحته
إشكالا، وهو محتمل لإرادة نفي البأس عن الصلاة في الأول، لأنه أفرد الضمير فيه،
لا أقل من أن يكون قصد الاجمال بذلك من جهة التقية، ضرورة حصوله بتعدد المرجع
ولا قرينة، وإلا لقال: لا بأس بالصلاة فيها، وأما صحيحة جميل فقد يتوقف في
صحتها، لأن الشيخ على ما قيل رواها بسند آخر عن جميل عن الحسين بن شهاب عن
الصادق (عليه السلام)، والظاهر أن الروايتين واحدة، وإلا كان اللازم عليه أن يذكر
لهذا الراوي روايته عن الصادق (عليه السلام) بلا واسطة، ولراوي الأولى رواية
بالواسطة كما هو الظاهر من حالهم، ولو قلنا بعدم ظهور الاتحاد فظهور التعدد محل نظر،
وكيف كان فثبوت العدالة بالنسبة إلى الجميع لا يخلو من شك، ولو سلم فهي لا تعارض
ما عرفت من وجوه، بل يمكن كون اشتراط نفي البأس فيها بالتذكية كناية عن عدم
الجواز، لاستحالة تحقق الشرط بناء على اعتبار المأكولية فيها، كما نص عليه الصادق

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب لباس المصلي
105

(عليه السلام) في خبر علي بن أبي حمزة (1) على ما سمعته سابقا من الفاضلين، ومنه
يعلم الوجه حينئذ في جملة من النصوص في غير المقام أيضا، فلا بد من طرحها أو حملها
على التقية، ومن الغريب ما في المعتبر من تجويز العمل بها بعد أمرهم (عليهم السلام)
بطرح أمثالها وعدم الالتفات إليها، وكأنه (رحمه الله) هو الذي أوقع هؤلاء في هذه
الوسوسات فيما هو عندنا الآن من الضروريات، والحمد لله رب الأرضين والسماوات.
وقد ظهر من هذا كله أن الكلية السابقة بحالها بالنسبة إلى الثعالب والأرانب
جلدا ووبرا وغيرهما من الأجزاء، أما الفنك والسمور والحواصل الخوارزمية ففي جملة
من النصوص (2) جواز الصلاة فيها، وفيها الصحيح وغيره، بل في كشف اللثام لم أظفر
بخبر معارض للجواز في خصوص الفنك، وإن كان قد يناقش فيه بأن المنع منه كصريح
موثق ابن بكير الذي هو الأصل في الباب، بل ربما عد من الصريح باعتبار ابتنائه على
السبب الخاص، بل لعل خبر بشر بن بشار (3) أيضا كذلك، وإن اقتصر في النهي
فيه على الثعالب والسمور، إلا أنه بقرينة تقدم الإذن فيه في السنجاب والحواصل
يراد منه غيرهما (4) مما وقع في السؤال، ومنه الفنك، بل لعل خبر محمد بن علي بن
عيسى (5) المروي عن مستطرفات السرائر كالصريح في عدم جواز الصلاة لغير الضرورة
من التقية ونحوها، بناء على إرادة المنع من نفي الحب فيه، كما في صحيح ابن مسلم (6)

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 3 و 4 - من أبواب لباس المصلي
(3) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 لكن رواه عن
بشير بن بشار
(4) في النسخة الأصلية " وغيرها " والصحيح ما أثبتناه
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
(6) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
106

وأنه عبر بذلك للتقية، قال فيه: " كتبت إلى الشيخ يعني الهادي (عليه السلام) أسأله
عن الصلاة في الوبر أي أصنافه أصلح؟ فأجاب لا أحب الصلاة في شئ منه، قال:
فرددت الجواب إنا مع قوم في تقية، وبلادنا بلاد لا يمكن أحدا أن يسافر منها بلا وبر،
ولا يأمن على نفسه إن هو نزع وبره، وليس يمكن للناس ما يمكن للأئمة (عليهم السلام)
فما الذي ترى أن نعمل به في هذا الباب، قال: فرجع الجواب إلي تلبس الفنك
والسمور " وكان نظر الشيخ في النهاية إلى هذا الخبر، فجوز الصلاة في وبريهما اضطرارا،
ولا بأس به، بل لا يبعد ذلك في جلديهما كما هو ظاهر المحكي عن الوسيلة حيث أطلق
جواز الصلاة فيهما اضطرار، ولعله نزل أخبار الجواز على ذلك.
ومنه يعلم حينئذ أولوية تقديمهما في حال الضرورة على غيرهما مع التعارض،
وربما يشم أولوية الفنك من السمور للتصريح في كثير من النصوص (1) بالمنع منه دونه،
فلم نجد تصريحا بالمنع منه عدا ما عرفت، وإن كان يحتمل لكثرة استعماله في ذلك
الوقت، وكيف كان فلا يجوز فيهما اختيارا وفاقا للمشهور، بل في المفاتيح الاجماع
عليه، كما أن في الدروس والبيان أن رواية الجواز متروكة، ولعلهما لم يفهما العمل من
قول علي بن بابويه في الرسالة المتقدم آنفا، ولا مما عن المبسوط " وردت فيهما رخصة "
والأصل المنع كالخلاف، لكن فيه والأحوط المنع، والمراسم وردت الرخصة فيهما،
بل قد سمعت ما عن الأمالي أن من دين الإمامية الرخصة فيهما بحمل الرخصة في كلامهم
على الجواز بعد النهي لضرورة لا الرخصة الاختيارية، أو على إرادة الرواية وإن لم
يفت بها، أو أن عملهم خاصة لا يرفع المتروكية ولا يمنع الاجماع، أو غير ذلك، لكن
من الغريب نقل هذا الاتفاق في المفاتيح فيهما دون الثعالب، بل فيها أن منهم من
كرهها، والتتبع يشهد بخطئه في ذلك، وعلى كل حال فرواية الجواز فيهما قاصرة عن

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 و 4 و 5
107

معارضة دليل المنع من وجوه، خصوصا السمور الذي روي المنع فيه بالخصوص، بل
في خبر سعد بن سعد (1) عن الرضا (عليه السلام) ما يقضي بأنه من السباع التي عدم
الجواز فيها قطعي أو ضروري، كما يومي إليه ما سمعته في السنجاب من تعليل الجواز
فيه بأنه لا يأكل اللحم.
بل من ذلك يعلم وجه المنع في الحواصل زيادة على عموم المنع فيما لا يؤكل لحمه،
لأن الظاهر أنها من سباع الطير كما ذكروه في تفسيرها من أنها طيور لها حواصل عظيمة
تعرف بالبجع والكي بضم الكاف وجمل الماء، طعامها اللحم والسمك يعمل من جلودها
بعد نزع الريش مع بقاء الوبر، ويتخذ منه الفراء، وقد ينسج من أوبارها الثوب،
مع أن رواية الجواز هي خبر داود الصرمي عن بشير بن بشار (2) وهما معا لم ينص على
توثيقهما، على أنها مضمرة، وإن قيل: إنها في مستطرفات السرائر مسندة إلى علي
ابن محمد (عليهما السلام)، وفيها أيضا تصاد في بلاد الشرك أو بلاد الاسلام، مع أن
الأولى ميتة، وأما صحيح عبد الرحمان بن الحجاج (3) " سألته عن اللحاف من
الثعالب أو الخوارزمية أيصلى فيها أم لا؟ قال: إن كان ذكيا فلا بأس " ففي الوافي
أن الذي وجدناه في نسخ التهذيب " أو الجرذ منه " قيل بكسر الجيم وتقديم المهملة على
المعجمة من لباس النساء، وعلى هذا فلا شاهد فيه، لكن قال: وفي الاستبصار " أو
الخوارزمية " وكأنها الصحيح، فيكون المراد بها الحواصل، قلت: يحتمل العكس،
وعلى كل حال يكون الخبر مضطربا، وحجية مثله - خصوصا في نحو المقام، وخصوصا
مع اشتماله على الثعالب التي قد عرفت الحال فيها - كما ترى، ولم أعثر على غيرهما مما يدل

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 11
108

على الجواز، وما عن الخرائج من توقيع الناحية المقدسة لأحمد بن أبي روح (1) " وسألت
ما يحل أن يصلى فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل، فأما
السمور والثعالب فحرام عليك وعلى غيرك الصلاة فيه، ويحل لك جلود المأكول من
اللحم إذا لم يكن فيه غيره، وإن لم يكن لك ما يصلى فيه فالحواصل جائز لك أن تصلي
فيه " فهو خاص بعدم الساتر من غيرها، كالذي في كشف اللثام عن بعض الكتب (2)
عن الرضا (عليه السلام) " وقد تجوز الصلاة فيما لم تنتبه الأرض ولم يحل أكله مثل
السنجاب والفنك والسمور والحواصل إذا كان مما لا يجوز في مثله وحده الصلاة " خاص
بما لا تتم الصلاة به، والتتميم بعدم القول بالفصل ليس أولى من العكس، فلا محيص
حينئذ عن القول بعدم الجواز الموافق للاطلاقات والعمومات ومعاقد الاجماعات،
خصوصا ولم يعرف الخلاف في ذلك إلا من الشيخ والاصباح والجامع والوسيلة، مع أن
الأخير قيده بالخوارزمية موافقة لما سمعته من النص، والأولون أطلقوا، ولم نعرف
لهم دليلا بل ولا موافقا سوى ما عن المراسم من أنه وردت رخصة في الحواصل، وفيه
الاحتمال السابق، فمن الغريب دعوى الشيخ في المبسوط عدم الخلاف في الجواز، ومنه
يعرف ما في منظومة الطباطبائي من الجواز للنص والاجماع المنقول، فإن أراد ما في
المبسوط فاعتماده عليه فضلا عن تسميته إجماعا غريب، وإن أراد غيره فلم نعثر عليه،
وأما النص فهو مقيد بالخوارزمية، فكان عليه التقييد به، مع أنه من الغريب على طريقته
العمل بمثله، خصوصا بعد ما في الدروس والبيان من أن رواية الجواز مهجورة، والله أعلم.
المسألة * (الرابعة) * لا يجوز لبس الذهب للرجل إجماعا أو ضرورة، ولا الصلاة
في الساتر منه بلا خلاف أجده، بل ولا فيما تتم الصلاة به منه وإن لم يقع به الستر فعلا،

(1) المستدرك - الباب - 3 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) المستدرك - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
109

كما عن الشيخ نجيب الدين الاعتراف به، قال: " يشترط أن لا يكون لباس الرجل
في الصلاة ذهبا بلا خلاف " وما في المحكي عن الألفية والمقاصد العلية ورسالة صاحب
المعالم " يشترط في الساتر أن لا يكون ذهبا " لا يراد منه الجواز في غيره، بل قد يظهر
من منظومة العلامة الطباطبائي عدم الخلاف في مطلق الملبوس من الذهب ولو خاتما، ولعله
كذلك، وإن كان قد تردد فيه في المحكي عن المنتهى والمعتبر، بل في الأول التردد في
غير الساتر من الثوب المنسوج بالذهب والمموه به وفى المنطقة، لكن قرب البطلان،
لأن الصلاة فيه استعمال له، والنهي في العبادة يدل على الفساد، ومثله لا يعد خلافا،
بل قد يناقش في دليله المقتضي للبطلان في كل ما حرم لبسه من الذهب وغيره بأنه لا
تلازم بين الحرمة والبطلان إلا إذا أريد من اللبس الكون فيه، كما هو ظاهره أو
صريحه في التذكرة، فيتجه البطلان حينئذ كالصلاة في المكان المغصوب، بناء على المعلوم
من مذهب الإمامية من عدم جواز اجتماع الأمر والنهي، لكن قد يمنع، للفرق الواضح
بين حرمة اللبس وبين الكون في المكان المغصوب بعدم رجوع الأول إلى النهي عن
شئ من أجزاء الصلاة، فإن اللبس أمر مغاير للأجزاء بخلاف الثاني.
نعم لو قلنا باقتضاء الأمر بالشئ عن النهي عن الضد أمكن ذلك، لأنه مأمور
بالنزع من غير فرق بين الساتر وغيره مع استلزام نزعه ما يبطل الصلاة كالفعل الكثير
وزوال الطمأنينة، كما أنه يمكن البطلان فيما يحصل به الستر فعلا منه وإن لم نقل بذلك،
لكونه من موارد اجتماع الأمر والنهي عندنا، لعدم الفرق بين الواجب الأصلي
والمقدمي في ذلك، بناء على وجوب مقدمة الواجب شرعا، أو على أن الأمر بالستر
في الصلاة قد تحقق، فلا يتحقق في المنهي عنه، وليس هو كقطع المسافة للحج الذي
علم إرادة التوصل منه صرفا بحيث لا يقدح اجتماعه مع المحرم، مع أن المتجه بناء على
وجوب المقدمة شرعا التزام أنه حرام سقط به الواجب لا أنه مما اجتمعا فيه.
110

والمناقشة بأنه يلتزم بنحوه في المقام أيضا يدفعها إمكان الفرق بينهما أولا بظهور
أدلة الشرطية هنا فيما لا يشمل مثل هذا الستر، فالبطلان حينئذ لعدم تحقق الشرط
بخلاف مثال القطع الذي لا مدخلية له في الصحة، وثانيا بأنه لما أمر بالستر للصلاة كان
الشرط الستر المأمور به، ولا ريب في عدم حصوله في الفرض، ضرورة كون الحاصل
منه في الخارج فردا للبس المحرم، فلا يتحقق كونه المأمور به، لعدم اجتماع الأمر والنهي
في شئ واحد شخصي من غير فرق بين العبادة وغيرها، فلم يحصل الشرط للصلاة،
فتبطل كما تسمعه إن شاء الله في الاستتار بالمغصوب، ولعل ما ذكرناه أولا يرجع إلى
هذا، ومن ذلك كله يظهر لك ما في كشف اللثام، فإن الجمع بين أطراف كلامه محتاج
إلى تأمل، بل لعل كلامه في المغصوب كالصريح فيما ينافي أول كلامه هنا، فلاحظ وتأمل.
كما أنه ظهر لك وجه البطلان لو كان هو الساتر من غير جهة اتحاد الكون،
إلا أنه على كل حال لا ريب في أولوية الاستناد هنا إلى النصوص الدالة على الحكم في
جميع أفراد الدعوى، ففي موثق عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) " لا يلبس الرجل
الذهب ولا يصلي فيه، لأنه من لباس أهل الجنة " وفي خبر موسى بن أكيل (2) عنه
(عليه السلام) أيضا " جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه
والصلاة فيه " وفي خبر جابر الجعفي (3) المروي عن الخصال عن أبي جعفر (عليه السلام)
" يجوز للمرأة لبس الديباج - إلى أن قال -: ويجوز أن تتختم بالذهب وتصلي فيه،
وحرم ذلك على الرجال " والمناقشة في السند أو الدلالة أو فيهما مدفوعة بالانجبار بالشهرة
العظيمة أو الاجماع كما عرفت.

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
111

نعم قد يتوقف في المذهب تمويها أو غيره باعتبار انسياق لباس خصوص الذهب
من الأدلة، لا أقل من أن يكون مشكوكا فيه منها، فينبغي الاقتصار على المتيقن
فيما خالف الأصل، خصوصا ولا جابر للنصوص هنا، لاختلاف الأصحاب فيه، ففي
الغنية " تكره الصلاة في المذهب والملحم بالذهب بدليل الاجماع المشار إليه " وفي الإشارة
" وكما يستحب صلاة المصلي في ثياب البيض القطن والكتان كذلك تكره في المصبوغ
منها، وتتأكد في السود والحمر، وفي الملحم بذهب أو حرير " وفي المحكي عن الوسيلة
" والمموه من الخاتم والمجرى فيه الذهب والمصوغ من النقدين على وجه لا يتميز
والمدروس من الطراز مع بقاء أثره حل للرجال " وعن الحلبي " وتكره الصلاة في الثوب
المصبوغ، وأشده كراهية الأسود، ثم الأحمر المشبع والمذهب والموشح والملحم بالحرير
والذهب " واختاره العلامة الطباطبائي في المنظومة، بل لعله ظاهر من اقتصر على اشتراط
أن لا يكون من ذهب.
خلافا للفاضل والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم على ما حكي عن البعض فالبطلان
مطلقا، ولعله لاطلاق النصوص السابقة، خصوصا في المنسوج الذي هو جزء لباس،
بل قد يدعى أن المراد من النهي في النصوص أمثال ذلك، لعدم تعارف لباس ساتر
مثلا منه خالص، فالمراد حينئذ ما تعارف اتخاذه منه من حلي أو نسج أو تمويه أو نحو
ذلك، لكن قد يناقش بأنه مجاز في لفظ " في " لا قرينة عليه ولو تعذر الحقيقة كما
سمعته فيما لا يؤكل لحمه، اللهم إلا أن يدعى أن ذلك كله من مصداق " في " حقيقة،
أو أن القرينة تعارف لباس الذهب على النحو المزبور، ومن هنا جزم الأستاذ في كشفه
بالبطلان، فقال: " الشرط الثالث أن لا يكون هو أو جزؤه ولو جزئيا أو طليه مما يعد
لباسا أو فيما يعد لباسا أو لبسا ولو مجازا بالنسبة إلى الذهب من الذهب، إذ لبسه ليس
112

على نحو لبس الثياب، إذ لا يعرف ثوب مصوغ منه، فلبسه إما بالمزج أو التذهب
أو التحلي أو التزيين بخاتم ونحوه " وإن كان لا يخلو من مناقشة في الجملة، لكن لا ريب
في أنه أحوط إن لم يكن أقوى.
نعم ينبغي الجزم بعدم البأس في المحمول منه سواء في ذلك المسكوك وغيره،
والمتخذ للنفقة وغيره، لعدم تناول الأدلة السابقة له حتى خبر النميري (1) فيبقى على
الأصل، بل قد يؤيده إطلاق الأمر للحاج بشد هميان نفقته على بطنه مع غلبة كونها
دنانير، وما تسمعه من جواز ضب الأسنان به، والسيرة المستمرة، وظهور تلك
النصوص في أن المبطل للصلاة ما يحرم لبسه منه، ضرورة انسياق وحدة الموضوع في
اللبس والصلاة منها، ولذا قيل: إن لبسه في الصلاة يجمع ثلاثة آثام لحرمة لبسه في نفسه
وللصلاة ذاتا وتشريعا، وإن كان لا يخلو من نظر، وعلى كل حال فمن هذا الأخير
يستفاد حينئذ عدم البطلان فيما جاز منه وإن سمي لبسا عرفا، كالسيوف المحلاة به
والخناجر وغيرها من أنواع السلاح ونحوه مما دلت النصوص على نفي البأس عنه، كخبر
داود (2) عن الصادق (عليه السلام) " ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضة
بأس " وعبد الله بن سنان (3) " ليس بتحلية السيف بأس بالذهب والفضة " وبه جزم
الأستاذ في كشفه، بل لم أعرف من تردد في المحمول منه عدا الأستاذ الأكبر في أول
كلامه لخبر النميري، واحتمال صدق " في " على نحو ما ادعى في غبر المأكول، مع أن
ظاهره العدم أيضا بعد ذلك، وهو الوجه، بل ينبغي الجزم بعدم البأس في شد الأسنان

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 3 - 1 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 3 - 1 من كتاب الصلاة
113

به، إما لعدم اندراجه في النصوص السابقة، أو لما في صحيح ابن مسلم (1) عن
أبي جعفر (عليه السلام) " إن أسنانه استرخت فشدها بالذهب " وفي خبر عبد الله بن
سنان (2) المروي عن مكارم الأخلاق للطبرسي عن أبي عبد الله (عليه السلام) " سألته
عن الرجل ينفصم سنه أيصلح له أن يشدها بالذهب؟ وإن سقطت أيصلح أن يجعل
مكانها سن شاة؟ قال: نعم إن شاء ليشدها بعد أن تكون ذكية " وكان اعتبار التذكية
فيه كخبري الحلبي (3) عنه (عليه السلام) لما يستصحبها من اللحم، واحتمال أن
الجواب فيه للثاني دون الأول بعيد، ولعله لذا جزم به الأستاذ في كشفه، بل زاد على
ذلك، فقال: " والضب للأسنان أو بعض الأعضاء والوجود في البواطن لا بأس به "
والله أعلم.
وكذا * (لا يجوز ليس الحرير المحض للرجال) * إجماعا من المسلمين * (ولا الصلاة
فيه) * عندنا إذا كان مما تتم به الصلاة، سواء كان ساترا أم لا كما في الذكرى وكشف
اللثام، بل هو مقتضى إطلاق معقد الاجماع في الخلاف والتذكرة، والمحكي عن كشف
الالتباس والمنتهى على البطلان به، بل عن الأخير في أثناء عبارته التصريح به ناسبا له
إلى علمائنا، ولعله كذلك، لما عرفته في الذهب وإن كان لا ينطبق على تمام المدعى
إلا على وجه سمعت البحث فيه، وللنصوص المستفيضة المعتبرة ولو بضميمة ما سمعت،
ففي مكاتبة ابن عبد الجبار (4) إلى أبي محمد (عليه السلام) " عن الصلاة في قلنسوة
حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض " ونحوها مكاتبته

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 3
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 و 5
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
114

الأخرى (1) المتقدمة سابقا، وسأل أبو الحارث (2) الرضا (عليه السلام) " هل
يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال: لا " ونحوه خبر إسماعيل بن سعد الأحوص (3)
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب منطوقا أو مفهوما.
فما في خبر ابن بزيع (4) " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة
في ثوب ديباج فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس " يجب طرحه أو حمله على
التقية، لأن المشهور عندهم صحتها وإن حرم اللبس، أو على إرادة الممتزج بالحرير
من الديباج فيه، كما يومي إليه مقابلته بالحرير المحض في الخبر السابق وغيره، وعن
المغرب الديباج الثوب الذي سداه أو لحمته إبريسم، وعندهم اسم للمنقش، والجمع:
ديابيج، وعن النخعي أنه كان له طيلسان مدبج أي أطرافه مزينة بالديباج، أو على غير
ذلك مما لا ينافي ما ذكرناه.
فعدم الجواز حينئذ في الصلاة وغيرها لا ريب فيه * (إلا في) * حال * (الحرب
وعند الضرورة كالبرد المانع من نزعه) * فيجوز لبسه حينئذ بلا خلاف أجده، بل في
الذكرى وظاهر المدارك وصريح المحكي عن المعتبر وكشف الالتباس الاجماع عليه،
كصريح جامع المقاصد في الأول، وظاهره والمحكي عن المنتهى وصريح التذكرة في الثاني،
وقال الصادق (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن الفضل (5): " لا يصلح للرجل أن
يلبس الحرير إلا في الحرب " ومرسل ابن بكير (6) " لا يلبس الرجل الحرير
والديباج إلا في الحرب " ولسماعة بن مهران (7) لما سأله عن لباس الحرير والديباج

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 10
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 10
(5) الوسائل - الباب 12 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2 - 3
(6) الوسائل - الباب 12 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2 - 3
(7) الوسائل - الباب 12 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2 - 3
115

" أما في الحرب فلا بأس وإن كان فيه تماثيل " إلى غير ذلك مما ورد في الحرب.
أما الضرورة فمع معلومية إباحة المحظورات عند الضرورات يدل عليها عموم (1)
قولهم (عليهم السلام): " ليس شئ مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه " و " كلما
غلب الله عليه فالله أولى بالعذر " (2) و " رفع عن أمتي ما لا يطيقون " (3) ونحو
ذلك مما دل على دفع الضرر من العقل والنقل، وتقدمه على غيره من الواجبات،
ولا إشكال حينئذ في صحة الصلاة معها، لعدم سقوطها بحال، والبحث في وجوب
التأخير مع العلم بالزوال أو رجائه وعدمه ما سمعته مكررا في غيره من ذوي الأعذار،
فلا وجه لإعادته، كما أنه لا وجه للبحث عن الضرورة، إذ هي كغيرها من الضرورات
التي يسقط بها التكليف في الواجبات والمحرمات، وربما كان دفع القمل والحكة ونحوهما
منها إذا كانا بحيث لا يتحملان عادة، ولعله لذا رخص النبي (صلى الله عليه وآله) (4)
عبد الرحمان بن عوف والزبير في لبسه لما شكيا من القمل.
ومن الغريب ما عن المعتبر من أن الأقوى عدم التعدية إلى غيرهما وإن وجه
بأنه مبني على ما ذهب إليه في أصوله من عدم حجية منصوص العلة إلا أن يكون هناك
شاهد حال دال بالقطع على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلة حتى يصير برهانا. إذ فيه
أن الدليل ما عرفته لا العلة المزبورة، نعم لو أراد عدم التعدية من حيث القمل وإن
لم يبلغ حد الضرورة اتجه ذلك، لعدم العلم بكيفية ثبوت ذي العلة، بل لم أعثر على الخبر
المزبور مسندا من طرقنا وإن اشتهر نقله في كتب أصحابنا، قال في الفقيه: لم يطلق

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 6 و 7
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب قضاء الصلوات - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس - من كتاب الجهاد
(4) صحيح مسلم ج 6 - ص 143 - المطبوع بالأزهر
116

النبي (صلى الله عليه وآله) لبس الحرير لأحد من الرجال إلا لعبد الرحمان بن عوف،
وذلك أنه كان رجلا قملا، ولا ريب في إرادة وصوله إلى حد الضرورة المبيحة، وإلا
ثبت جوازه لغير الأمرين المذكورين المنافي لظاهر النصوص والفتاوى، بل ربما أدرج
أولهما في ثانيهما، وإن كان هو خلاف ظاهر العطف في كلام الأكثر، بل وخلاف
إطلاق النصوص، نعم ينبغي الفرق بين ضرورة القمل ونحوه وضرورة البرد مثلا
بجواز الصلاة فيه في الثانية دون الأولى، لعدم خوف ضرر القمل بلبس غيره حال
الصلاة خاصة، بخلاف البرد المفروض التضرر بنزعه معه ولو حال الصلاة خاصة، أما لو
فرض العكس انعكس الحكم، وبالجملة فالمدار على الضرورة حال الصلاة، واحتمال
الاكتفاء في رفع مانعيته للصلاة بجواز لبسه للضرورة لا للتلازم بين البطلان وحرمة
اللبس، والجواز والصحة، ضرورة تعقل الانفكاك، بل لدعوى ظهور النصوص
والفتاوى في اتحاد موضوع الحرمة والبطلان والصحة والجواز واضح المنع، بل يمكن
القول بوجوب ساتر آخر ولو فوقه في صورة جوازه للضرورة، إذ هي ترفع مانعيته
لا تثبت (1) صلاحيته، لتحقق الساتر المأمور به الذي علم من الأدلة كونه غير حرير،
لعدم اقتضاء دليلها ذلك، ونحوه يأتي في الحرب أيضا، ودعوى التلازم بين رفع المانعية
هنا وبين تحقق الشرطية التي هي مطلق التستر يمكن منعها، لظهور قوله (عليه السلام)
في التوقع (2): " لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته فطن أو كتان " وغيره
في خلافه بعد حمل ذلك فيه على المثال لكل ما تجوز الصلاة فيه، ولو سلم في المقام أمكن
منعه في غيره من محال الضرورة كالمأكولية ونحوها، فتأمل جيدا فإن المسألة عامة نافعة.
وليس من الضرورة عدم الساتر غيره بلا خلاف أجده فيه، بل في الذكرى وغيرها

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " لا أنها تثبت "
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8
117

ما قد يشعر بالاجماع عليه، فيصلي حينئذ عاريا وإن فاته من الأركان ما لم يفته لو صلى
فيه، لاطلاق النهي، فوجوده كعدمه حينئذ، فيشمله حينئذ ما دل (1) على كيفية صلاة
فاقد الساتر، ودعوى أن ما دل (2) على وجوب الركوع ونحوه يشرع الصلاة في الحرير
مقدمة لحصوله كما ترى، ولو سلم أن بين الأدلة التعارض من وجه كان الترجيح لما
ذكرنا قطعا، فتأمل.
ولو اضطر إلى لبسه أو النجس بناء على عدم الإذن في النجس مطلقا إلا
للضرورة أمكن ترجيحه على الحرير بأن مانعه عرضي بخلاف الحرير، وبأن في الحرير
حرمة اللبس وليس في النجس ذلك، واحتمال معارضة ذلك بأهونية حرمته من النجس،
ولذا جوز في الحرب، وبأنه خص جواز لبسه للضرورة في الفتاوى، وهو أولى مما بقي
تحت الضرورة الكلية، ولعله بهذا الاعتبار يرجح الفنك والسمور على غيرهما مما لا يؤكل،
لما سمعته من النص عليهما بالخصوص للضرورة، كما أنه بالاعتبار الأول يعلم ترجيح
النجس على غير المأكول، وبالثاني ترجيح غير المأكول على الحرير، والمدار في الترجيح
على تعدد جهة النهي وعلى شدة المبغوضية ونحو ذلك مما يساعد عليه العقل، أما غيرهما
من الاعتبارات فيقوى عدم اعتبارها، ولعل هذا هو الذي أراده العلامة الطباطبائي بقوله:
وفي اضطرار استبح ما منعا * وأخر المغصوب حيث وقعا
وأنت في الباقي على الخيار * وقد يرى الترتيب باعتبار
ولعل منه ترجيح الفنك بكثرة ما دل على جوازه أو الحواصل بناء على المنع
منها بأنه قد ذهب جماعة إلى جوازها اختيارا ونحو ذلك مما لا يرجع إلى شئ معتبر
شرعا أو عقلا بحيث يصلح للوجوب.

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع
118

ثم إن إطلاق الحرب في النصوص يقضي بعدم اختصاص الرخصة فيه بكونه
بطانة للدرع، ليدفع ضرر زرده عند الحركة، كما عساه يتوهم من تعليل بعضهم بذلك،
مع أنه علل أيضا بأنه يحصل به قوة الغلب ونحوه مما لا يخصه، وما عن المراسم " وكذلك
رخص للمحارب أن يصلي وعليه درع إبريسم " كالمحكي عن الجامع يراد منه الثوب،
وما في كشف اللثام من أن المراد بطانة الدرع بعيد، وعليه فقد لا يريد الاختصاص،
نعم الظاهر اختصاص الرخصة في الجائز من الحرب ولو للدفع عما له الدفع دونه، لأنه
المنساق، واحتمال التخصيص بالجهاد مع الإمام أو مأذونه بعيد، ولعل التقييد في كشف
اللثام بالحرب في سبيل الله يرجع إلى ما ذكرنا، والمدار على صدق كونه في الحرب عرفا،
والظاهر تحقق ذلك في الاشراف والاستعداد ونحوهما، فلا يعتبر فعلية القتال، ولا
يكفي المقدمات البعيدة.
والمراد استثناء حال الحرب من حرمة اللبس وبطلان الصلاة معا كما هو ظاهر
المتن أو صريحه، بل وغيره من كلمات الأصحاب، ولعله لاطلاق نفي البأس حاله في
النصوص السابقة المرجحة على إطلاق النهي عن الصلاة فيه بفهم الأصحاب،
ومناسبة التخفيف الذي هو الحكمة في الرخصة، وبغير ذلك، فلا يقدح حينئذ
كون التعارض بينهما من وجه، فتصح الصلاة فيه حينئذ حال الحرب وإن أمكنه
النزع بمقدار الصلاة، لما عرفت من إطلاق النص والفتوى، فما عساه يظهره مما عن
المبسوط " فإن فاجأته أمور لا يمكنه معها نزعه في حال الحرب لم يكن به بأس " من اعتبار
عدم التمكن ضعيف، أو لا يريده، والله أعلم.
هذا كله في الرجال * (و) * إلا ف‍ * (يجوز) * لبسه * (للنساء) * من حيث كونه لبسا
إجماعا أو ضرورة من المذهب بل الدين، بل * (مطلقا) * في حال الصلاة وغيرها على المشهور
شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل في حاشية الأستاذ الأكبر والمحكي عن شرح الشيخ
119

نجيب الدين أن عليه عمل الناس في الأعصار والأمصار، بل في الذكرى وغيرها أن
عليه فتوى الأصحاب مشعرا بدعواه، ولعله كذلك، إذ لم أجد فيه خلافا إلا من
الصدوق (رحمه الله)، فلم يجوزها لهن فيه (1) وحكي عن أبي الصلاح ولم أتحققه،
وربما مال إليه المقدس الأردبيلي والفاضل البهائي، وخلاف مثلهم لا يقدح في دعواه،
وكأنه من جملة الأحكام التي استغنت بشهرتها عن ورود النصوص فيها بالخصوص،
مع أن أكثر ما ورد بالمنع من الصلاة لا يخلو من إشعار بالاختصاص بالرجل، كصحيح
إسماعيل بن سعد (2) وخبر أبي الحارث (3) بل وصحيح ابن عبد الجبار (4) الذي
ذكر فيه القلنسوة التي هي من خواص الرجال، وإن كان هو لا يخصص الجواب،
وكخبر الحلبي (5) المذكور فيه مع ذلك لفظ " ويصلى فيه " الظاهر فيهم أيضا، بل
قصر السؤال في بعض النصوص (6) على الرجل كالصريح في ذلك، ضرورة أولوية
النساء منهم في السؤال باعتبار حلية لبسه لهن المقتضية بالاستصحاب، وباطلاق ما دل
عليها من النصوص (7) منطوقا أو مفهوما، كالمنطوق جوازه في الصلاة أيضا، مضافا
إلى أصالة عدم المانعية، ومرسل ابن بكير (8) " النساء يلبسن الحرير والديباج إلا في
الاحرام " الذي هو بقرينة الاستثناء كالصريح في ذلك، على أنه لم نقف على شاهد
لدعوى الصدوق بالخصوص إلا خبر جابر الجعفي (9) المروي عن الخصال " يجوز للمرأة

(1) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " فلم يجوز لهن فيها "
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 7 - 2
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 7 - 2
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 7 - 2
(5) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(6) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 و 7 والباب
12 - الحديث 1 و 2
(7) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 3 - 6
(8) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 3 - 6
(9) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 3 - 6
120

لبس الحرير والديباج في غير صلاة أو إحرام " الذي هو قاصر عن معارضة ما تقدم
حتى الأصل منه من وجوه، ومحتمل لإرادة الجواز الذي لا كراهة شديدة فيه.
وأما صحيح زرارة (1) " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس
الحرير للرجال والنساء - إلى أن قال -: إنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء "
فلا إشعار فيه بالصلاة، فهو على تقدير إرادة الحرمة منه من الشواذ التي يجب الاعراض
عنها، وحمله على الصلاة - مع أنه من المأول الذي ليس بحجة عندنا - ليس بأولى من
إرادة الأعم من الحرمة من النهي والكراهة فيه على عموم المجاز، بل هو أولى من وجوه،
كما أن تناول إطلاق الجواب في صحيح ابن عبد الجبار (2) وخبر التوقيع الآتي (3)
وخبر عمار (4) سأل الصادق (عليه السلام) " عن الثوب يكون علمه ديباجا قال:
لا يصلى فيه " إذا قرئ بالبناء للمجهول للمرأة ليس بأولى من تناول إطلاق ما دل على
جواز اللبس لها لحال الصلاة، إذ التعارض من وجه، ولا ريب في رجحانه عليه لو سلم
جمعه لشرائط الحجية من وجوه لا تخفى، فقاعدة الاشتراك بعد تسليمها يجب الخروج
عنها بما ذكرنا، كما أن تأييده بما في جملة من النصوص (5) الآتية في محلها من النهي عن
إحرامها فيه باعتبار ما دل (6) على عدم جواز الاحرام إلا بما تصح الصلاة فيه ستعرف
ما فيه هناك إن شاء الله.
فمن الغريب بعد ذلك كله الوسوسة فيه من بعض متأخري المتأخرين، خصوصا
إذا قلنا باتحاد موضوع حرمة اللبس والبطلان، فإن عدم الأولى معلوم هنا بالضرورة
كما عرفت.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 8
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 8
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 8
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 8
(5) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب الاحرام من كتاب الحج
(6) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الاحرام - الحديث 1 من كتاب الحج
121

والخنثى المشكل ملحق بها في جواز اللبس على الأقوى، لأصالة براءة الذمة،
بل وفي الصلاة أيضا عندنا، لصدق الامتثال، وعدم العلم بالفساد، وما ذكره غير واحد
من مشائخنا من إلحاقها في الصلاة بأخس الحالين مبني على أصالة الشغل وإجمال العبادة
ونحو ذلك مما لا نقول به، كما هو محرر في محله.
ولا يجب على الولي للطفل والمجنون منعه منه، بل لا يحرم عليه تمكينه، للأصل
السالم عن المعارض، لاختصاص أدلة المنع حتى قوله (صلى الله عليه وآله) (1): " هذان
حرام على ذكور أمتي " بالمكلفين، وليس فيها ما يقضي بالتكليف بعدم لبس الذكر
له في الخارج حتى يجب على الولي أو على غيره كفاية المنع من وجود ذلك في الخارج
نحو ما قلناه في مس كتابة القرآن، وقول جابر: " كنا ننزعه عن الصبيان ونتركه على
الجواري " لا دلالة فيه على فعل ذلك على جهة الوجوب كي يستكشف منه تقرير المعصوم
أو أمره، إذ لعله للتنزه والمبالغة في التورع، فأصالة البراءة حينئذ بحالها، لكن لا تصح
صلاته فيه بناء على شرعيتها، ضرورة كون المعتبر فيها ما يعتبر في صلاة المكلف، ولذا
جعلوا مورد البحث في التشريع والتمرين ما لو جاء بها جامعة للشرائط فاقدة للموانع
التي تراد من المكلف، اللهم إلا أن يفرق بين ما كان منشأ الشرطية أو المانعية فيه
الحرمة المنتفية في الصبي كالغصب مثلا ونحوه وبين غيره، فيعتبر الثاني دون الأول،
وفيه بعد التسليم أن ما نحن فيه من الثاني لا الأول، لما عرفت من ظهور النصوص (2)
في مانعية الحرير للصلاة لا حرمة اللبس.
* (وفيما لا تتم الصلاة فيه منفردا) * للرجل المستوي الخلقة، بل المراد الوسط،
لا أن المراد كل بحسب حاله حتى أنه يجوز لعوج بن عناق ومتعدد العورة ما لا يجوز

(1) المستدرك - الباب - 16 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي
122

لغيرهما، بل لا يجوز لذي العورة الواحدة ما يجوز للوسط، لعدم الدليل، بل المنساق
إلى الذهن ما ذكرناه كما في غير المقام من الأشبار والذراع ونحوهما، كما أن المراد عدم
التتمة به لصغره لا لرقته ولا لطيه ولا نحوهما، بل كان * (كالتكة والقلنسوة تردد) * واختلاف
بين الأصحاب، إلا أن الأشهر بينهم كما في الوافي * (والأظهر) * كما في التنقيح،
وعليه المتأخرين كما في المفاتيح، وأجلاء الأصحاب كما في حاشية الإرشاد لولد العلي
الجواز وفاقا للشيخ وأتباعه والعجلي والآبي والفاضلين والشهيد والكركي والميسي
والمنظومة وكشف الأستاذ وغيرهم على ما حكي عن البعض، بل في شرح الأستاذ أنه
يظهر من الشهيد الثاني كونه ليس محل كلام كالكف به، ثم قال: والظاهر من المفيد
في المقنعة ذلك أيضا، بل يظهر منه أن ما لا تتم به الصلاة لا مانع فيه أصلا سواء كان
نجسا أو حريرا أو غيرهما، لأصل والاطلاق، وقول الصادق (عليه السلام) في خبر
الحلبي (1): " كلما لا تجوز الصلاة فيه فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم والقلنسوة
والخف والزنار يكون في السراويل ويصلي فيه " المؤيد بحكم الكف به، وحكم العلم في
الثوب ونحوه مما سيأتي، وبالعفو في النجاسة، والمناقشة في سنده بأحمد بن هلال يدفعها
أولا ما قيل من أن ابن الغضائري لم يتوقف في حديثه عن ابن أبي عمير والحسن بن
محبوب، لأنه قد سمع كتابيهما جل أصحاب الحديث. وثانيا أن التأمل في كلام
الأصحاب هنا حتى بعض المانعين يرشد إلى عدم الاشكال في حجيته، ضرورة كونهم
بين عامل به وبين متوقف متردد من جهته وبين مرجح لغيره عليه، والجميع فرع الحجية،
بل في جملة القائلين به من لا يعمل إلا بالقطعيات كابن إدريس وغيره ممن حكي عنه.
خلافا للصدوق، بل بالغ فمنع من التكة التي في رأسها الإبريسم، والجامع
وفخر المحققين والمنتهى والمختلف والبيان والموجز ومجمع البرهان والمدارك ورسالة الشيخ

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
123

حسن والكفاية والمفاتيح والرياض على ما حكي عن البعض، بل قيل: إنه ظاهر الكاتب
والمقنعة وجمل العلم والمراسم والوسيلة والغنية والمهذب البارع، بل عن الشيخ أن له قولا
بالمنع إلا أنا لم نتحققه، كما أنا لم نتحقق النسبة إلى الجامع والفخر، بل ولا بعض
المنسوب إلى ظاهره الذي مستنده في الظاهر إطلاق النهي عن الحرير، وهو - مع إمكان
دعوى انصرافه إلى غير محل البحث - لا يوثق بظهوره حتى يلحظ كلامه في العفو
عن ذلك من حيث النجاسة، فإنه ربما ذكر ما يغني عن الاستثناء في المقام كما سمعته عن
المفيد، ولم يحضرني جميعها.
وعلى كل حال فدعوى شهرة المنع حينئذ مطلقا أو بين المتقدمين لا تخلو من
نظر بل منع، قطعا للأولى (1) كما لا يخفى على الخبير الممارس، للعمومات، ومكاتبة محمد
ابن عبد الجبار (2) المتقدمة سابقا فيما لا يؤكل لحمه، ومكاتبته الأخرى في الصحيح (3)
قال: " كتبت إلى أبي محمد أسأله هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج
فكتب لا تحل الصلاة في حرير محض " وفيه أنا لم نعثر على عموم النهي عن الصلاة في
الحرير غير الصحيحين، وإطلاق حرمة اللبس - مع أنها لا تقضي ببطلان الصلاة - يمكن
صرفه إلى غير ذلك ولو بقرينة باقي النصوص (4) المصرحة بالثوب ونحوه، بل الموجود
في نصوص الصلاة عدا الصحيحين ذلك ونحوه مما لا يشمل ما نحن فيه، بل يمكن منه
دعوى إرادة الثوب ونحوه من الحرير في الصحيحين إن لم نقل إنه المنساق منه، كما عن
الشهيد والمختلف عند الرد على القاضي الاعتراف به، ومنه يرتفع الوثوق بخلافه هنا،
بل قيل: إن الحرير المحض لغة هو الثوب المتخذ من الإبريسم أي مع الاطلاق، ولا

(1) أي للشهرة مطلقا
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 0 -
124

ينافيه العرف المظنون حدوثه بنص اللغوي المزبور على ذلك وتركه المعنى العرفي، لا أقل
من أن يكون من تعارض العرف واللغة، وفي تقديم أيهما بحث معروف، وربما تقدم
اللغة هنا بما سمعته من الانسياق واشتمال غيرهما على الثوب وغير ذلك، فيكون بناء على
ذلك جواب السؤال متروكا فيه، ولعل تركه لأشعار الحكم بالصحة فيه بالبطلان في
غيره، وهو مناف للتقية، إذ الصلاة صحيحة عندم وإن حرم اللبس من غير فرق بين
ما تتم فيه الصلاة وغيره، فعدل الإمام (عليه السلام) إلى بيان حرمة الصلاة فيه المسلمة
عندهم، وإن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم، بل ربما كان في التعبير بالحل إيماء إلى
ذلك ولعل السبب في التجائه (عليه السلام) إلى ذلك زيادة على ما عرفت هو إشعار السؤال
أيضا بما ينافي التقية من مفروغية عدم الصلاة في غير التكة والقلنسوة، والفرض أنها
مكاتبة، وشدة التقية فيها مطلوب، لكثرة احتمال العوارض فيها، بل يؤيد ذلك كله
ما ذكرناه سابقا في صحيحة (1) السابق مما يشرف على القطع أو الظن الغالب بخروجه
مخرج التقية، فلاحظ وتأمل، بل قد يومي تكرر الكتابة من الرواي إلى عدم ظهور الجواب
عنده في حكم ما يسأل عنه، بل لعله ظهر له أنه قد صدر منه ذلك للتقية، ولهذا احتاج
إلى تكرار الكتابة تخيلا منه أن المصلحة قد تغيرت، فيجاب بالواقع لا التقية.
فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض من عدم إمكان حملها على التقية باعتبار
صرحتها في نفي الصحة المخالفة للعامة، وأغرب منه الترقي إلى قابلية خبر الحلبي (2)
للحمل على ذلك باعتبار تضمنه صحة الصلاة في الأمور المزبورة، وهي مذهبهم، ودلالته
على نفي الصحة في غيرها إنما هي بالمفهوم الضعيف، إذ جميعه كما ترى، كدعواه الشهرة
على الاطلاق على المنع، ومعارضته خبر الحلبي بالرضوي (3) الذي قد عرفت عدم

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 2
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 2
(3) فقه الرضا عليه السلام ص 16
125

حجيته عندنا غير مرة، وغير ذلك مما أطنب فيه مما لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما
ذكرناه، كل ذا مع أن خبر الحلبي مشافهة ومخالف للعامة، وهذه مكاتبة موافقة لهم،
بل هي عامة تقبل التخصيص به، وابتناؤها على السبب الخاص لا ينافيه كما أوضحناه
سابقا، بل قد يقال، إن احتمال التخصيص فيها بحمل التكة والقلنسوة فيها على الأعم
مما لا تتم الصلاة فيهما، فيخصان حينئذ بخبر الحلبي، بل ربما قيل إن: " لا تحل " فيها
يراد منه " لا تباح " وهو في الاصطلاح للمتساوي فعلا وتركا، والقائل بالجواز يقول
بالكراهة وإن كان فيه ما فيه، اللهم إلا أن يريد حمل نفي الحل فيه على القدر المشترك
بين الحرمة والكراهة ولو بقرينة خبر الحلبي، ولعله لذا حكم بها في النافع والتذكرة
والمحكي عن المبسوط والنهاية والسرائر، وإن كان موضوعها في كلامهم التكة والقلنسوة
كما عن الكافي مع زيادة الجورب والنعلين والخفين، لكن مراد الجميع المثال على الظاهر
لكل ما لا تتم الصلاة فيه، ولذا عمم * (الكراهة) * في المتن، بل منه يعلم أن مراد المجوز
والمانع ذلك أيضا، وإن مثل بعضهم بالتكة والقلنسوة، إذ قد عرفت أن الدليل من
الطرفين يقتضي التعميم، كما أن المراد مما في الإرشاد من جواز التكة والقلنسوة من
الحرير والمحكي عن التلخيص من الصلاة فيهما واحد على الظاهر، واحتمال أعمية الجواز
من صحة الصلاة هنا بعيد، فحينئذ من جوز الصلاة فيما لا تتم به جوز لبسه في غيرها،
ومن منع منه فيها حرم لبسه في غيرها (1).
وكيف كان فالبحث في أن العمامة مما لا تتم الصلاة بها وفي أن مدار العفو كونها
في المحال أو مطلقا وغيرهما يعرف مما قدمناه في أحكام النجاسات، نعم ينبغي أن يعلم
أن المراد هنا بقرينة التمثيل في النصوص والفتاوى مما لا تتم الصلاة به ما لا يشمل الرقعة

(1) لا يلزم من المنع فيها حرمة لبسه في غيرها لانفكاكهما في غير المأكول فلعله استفاد
التلازم في المقام من قرائن خارجية (منه رحمه الله)
126

ونحوها للثوب، ولعله لذا استثناها في فوائد الشرائع، وإن كان قد يقال بالعفو عنها
من غير هذه الجهة كما تسمعه فيما يأتي إن شاء الله، وربما يومي إلى ما ذكرنا عدم إدراج
الأصحاب علم الثوب ونحوه تحت هذه المسألة، ولا استدلوا بدليلها على تلك، والزنار
في خبر الحلبي (1) يراد به ما يشد به على الوسط، فهو كالكمرة من الملابس، نعم قد
يقوى الجواز في المنتفع به من الحرير كانتفاعها وإن لم يدخل تحت اسمها لكن بشرط
كونه بمقاديرها، فيعفى حينئذ عن قطعة من الحرير مثلا اتخذت اتخاذ القلنسوة في الانتفاع
والفرض أنها بقدر المعتاد منها، وإن كان هي مع الاسم وعدم تتمة الصلاة بها معفوا
عنها ولو خرجت عن المعتاد بالتركيب من طيات متعددة، هذا.
وليعلم أن المنع في الحرير إنما هو من حيث اللبس كما هو ظاهر الأدلة السابقة،
* (و) * إلا ف‍ * (يجوز) * كل ما عداه مما لا يدخل تحت اسمه، ومنه * (الركوب عليه
وافتراشه على الأصح) * وفاقا للأكثر، بل المشهور نقلا وتحصيلا، بل في المدارك أنه
المعروف من مذهب الأصحاب، بل قال بعد ذلك: حكى العلامة في المختلف عن بعض
المتأخرين القول بالمنع، وهو مجهول القائل والدليل، لكن فيه أن ابن حمزة في المحكي
عن الوسيلة في آخر كتاب المباحات ممن صرح بالمنع، قال: " وما يحرم عليه لبسه يحرم
فرشه والتدثر به والاتكاء عليه وإسباله سترا " بل عن المبسوط مثل ذلك أيضا، وتردد
فيه في النافع، نعم هو لا دليل يعتد به عليه، إذ النصوص السابقة بين صريح في اللبس
وبين منساق إليه حتى النبوي (2) الذي لم نجده مسندا في طرقنا " هذان - أي الحرير
والذهب - محرمان على ذكور أمتي " فالاستدلال حينئذ بعموم تحريمه على الرجال فيه
ما لا يخفى، لما عرفت، وما عن الفقه الرضوي (3) " لا تصل على شئ من هذه الأشياء

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) المستدرك - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
(3) المستدرك - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
127

إلا ما يصلح لبسه " - مع أنه ليس بحجة عندنا - قاصر عن معارضة ما سمعت، مضافا إلى
صحيح علي بن جعفر (1) سأل أخاه " عن الفراش الحرير، ومثله من الديباج، والمصلى
الحرير، هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال: يفترشه ويقوم عليه ولا
يسجد عليه " وعدم ذكر التكأة في الجواب غير قادح بعد تنقيح المناط وعدم القول
بالفصل، وإلى خبر مسمع بن عبد الملك البصري (2) " لا بأس أن يأخذ من ديباج
الكعبة فيجعله غلاف مصحف، أو يجعله مصلى يصلي عليه " وحمله وسابقه على إرادة
الممتزج مع بعده لا داعي إليه، على أنه قد عرفت أنا في غنية عن ذلك بالأصل السالم
عن المعارض، إذ المحرم اللبس، والظاهر عدم صدقه على الالتحاف والتدثر، خلافا
لما عن مجمع البرهان من أنه إن كان عموم يدل على تحريم اللبس حرم التدثر والالتحاف،
وفرق بينهما في المدارك فجوز الالتحاف ومنع التدثر، لصدق اسم اللبس عليه دونه،
وهو بعد الاغضاء عن الفرق بين موضوعيهما كما ترى، نعم قد يتوقف في صحة الصلاة
تحته خصوصا إذا كان هو الساتر، مع أن الأقوى الصحة إذا كان الساتر غيره، بل
وإن كان هو أيضا لكن على إشكال، وتوسده كافتراشه، فما عن المحقق الثاني من
التردد فيه في أول كلامه في غير محله، والله أعلم.
* (و) * كذا * (تجوز الصلاة في ثوب مكفوف به) * عند الشيخ وأتباعه كما عن
المنتهى، وعليه المتأخرون كما في المفاتيح، بل في الذكرى والمحكي عن شرح الشيخ
نجيب الدين نسبته إلى الأصحاب، بل فيه أنه لا خلاف فيه إلا من القاضي، فمنع منه،
قلت: وهو كذلك، فإنه لم يحك عن غيره إلا المرتضى في بعض مسائله، والكاتب
في ظاهره، حيث منع من العلم الحرير في الثوب، مع أنه يمكن فرقه بينهما ولو بالأدلة،

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
128

بل يمكن أن لا يريده القاضي من المدبج بالديباج أو الحرير المحض الذي حكي عنه بطلان
الصلاة فيه، ولعله لذا ادعى في الرياض الاجماع عليه، إذ المرتضى لم يثبت النقل عنه،
نعم مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين، منهم الفاضل الإصبهاني وسيد المدارك وغيرهما
ممن لا يقدح خلافهم في دعوى الاجماع، لكن لا ريب في أنه أحوط وإن كان الأول
أقوى، للأصل أو الأصول والاطلاق، وخبر جراح المدائني (1) " إن الصادق
(عليه السلام) كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، ويكره لباس الحرير
ولباشي الوشي، ويكره الميثرة الحمراء، فإنها ميثرة إبليس " والعامي عن أسماء (2)
" إنه كان للنبي (صلى الله عليه وآله) جبة كسروانية لها لبنة ديباج، وفرجاها مكفوفان
بالديباج وكان يلبسها " وخبر عمر (3) " وإن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن
الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع " بل لعله المراد من صحيح ابن بزيع (4)
لما سأل أبا الحسن (عليه السلام) " عن الصلاة في ثوب ديباج، فقال: ما لم يكن فيه
التماثيل فلا بأس " كما أنه يمكن استفادته من صحيح صفوان عن يوسف بن إبراهيم (5)
" لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه حريرا، وإنما يكره الحرير المبهم للرجال "
ورواه الصدوق بإسناده عن يوسف بن محمد بن إبراهيم، كصحيحه الآخر عن العيص
ابن القاسم عن أبي داود بن يوسف (7) بن إبراهيم (6) قال: " دخلت على الصادق
(عليه السلام) وعلي قباء خز - إلى أن قال -: علي ثوب أكره لبسه، قال: وما هو؟
قلت: طيلساني هذا، قال وما طيلسانك؟ قلت: هو خز، قال: وما بال الخز؟ قلت:

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9 - 10
(2) صحيح مسلم ج 6 - ص 140 - 141 المطبوع بالأزهر
(3) صحيح مسلم ج 6 - ص 140 - 141 المطبوع بالأزهر
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9 - 10
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
(6) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
وذيله في الباب 16 - الحديث 1
(7) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح أبي داود يوسف بن إبراهيم كما أشار إليه في ص 135
بقوله (قد) " كخبري يوسف بن إبراهيم "
129

سداه إبريسم، قال: وما بال الإبريسم؟ لا يكره أن يكون سدى الثوب إبريسم ولا
زره ولا علمه، وإنما يكره المصمت من الإبريسم للرجال ولا يكره للنساء " ولو كان
الكف بما لا تتم الصلاة به كما هو الغالب، وقلنا بتناول خبر الحلبي (1) لمثل ذلك،
لأنه مما لا تتم فيه الصلاة تكثرت الأدلة أو المؤيدات، بل لعل ما تسمعه مما ورد (2)
من عدم البأس في المحشو بالقز مما يؤيده أيضا، ضرورة ابتنائه على كونه ليس من
الحرير المصمت، بل قد يؤيده أيضا ما في خبر إسماعيل بن الفضل (3) الذي تسمعه
فيما يأتي عن الصادق (عليه السلام) " عن الثوب يكون فيه الحرير فقال: إن كان فيه
خلط فلا بأس " بناء على إرادة المنسوج من الحرير فيه، كما هو الظاهر المنساق
لا الإبريسم، فإنه لا يسمى حريرا، فيشمل حينئذ ما نحن فيه، فتأمل.
والمناقشة - بانقطاع الأصل والاطلاقات بعموم النهي (4) عن الصلاة في الحرير
المحض، وبجهل جراح والقاسم بن سليمان الذي رووا عنه الخبر، وبمنع الحقيقة الشرعية
للفظ الكراهة في المعنى المصطلح، مع أنها من لفظ جراح، بل لعل قوله بعده: " ويكره
لباس الحرير " مما يعين إرادة الحرمة منه، وبأن خبر أسماء وعمر من طرق العامة،
وبجهل يوسف، ومعارضته بخبر عمار (5) عن الصادق (عليه السلام) " عن الثوب
يكون علمه ديباجا قال: لا يصلى فيه " الذي هو أخص منهما، وبأنه لا تلازم بين الجواز
في العلم والجواز في المكفوف، إذ لعل النساجة لها مدخلية - يدفعها منع شمول النهي
بعد ظهور " في " في الملابس، لا أقل من الشك ولو بملاحظة ما سمعته وتسمعه، وجهل
جراح والقاسم غير قادح بعد الانجبار، خصوصا في مثل المقام الذي هو كالاجماع،

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 8
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 8
130

مع أن المحكي عن الصدوق عد جراح من الممدوحين، وللصدوق إليه طريق، وقال
النجاشي: " يروي عنه جماعة منهم النضر بن سويد " بل عن الأستاذ لعله كثير الرواية،
ورواياته متلقاة بالقبول، وأما القاسم فللصدوق إليه طريق ويروي عنه النضر بن
سويد وأحمد بن محمد والحسين بن سعيد، وقد قيل فيه إنه صحيح الحديث، ولفظ
الكراهة من الحقيقة الشرعية المفروغ من البحث فيها في زمن الصادقين (عليهما السلام)
كما أومأ إليه الشهيد والكركي، ولا ينافيه قوله: " ويكره لباس الحرير " إذ هو لفظ
آخر دلت القرينة على إرادة الحرمة منه، مع أنه ليس بأولى من أن يقال معلومية إرادة
المعنى المصطلح منها في لباس الوشي والميثرة الحمراء مما يؤكد إرادتها في محل النزاع، لظهور
إرادة المعنى الواحد من الجميع، فيحمل الحرير فيه حينئذ على غير المحض، بل قد يؤكده
عطف لباس الوشي عليه من غير إعادة لفظ الكراهة، وإن أبيت عن ذلك كله فلا
أقل من أن يكون لفظ الكراهة للقدر المشترك تعين إرادة أحد فرديه بالشهرة والاجماع
وما سمعته من الأدلة الأخر، وجراح إن كان ناقلا للفظ فلا بحث، وإن كان ناقلا
بالمعنى فشرطه القطع والاتيان بلفظ مرادف، والخبر العامي إذا تناقلته الأصحاب في
كتبهم وعملوا به لا بأس بالعمل به عندنا، إذ هو أعظم طرق التبين، كما يكشف عن
ذلك تصفح كلام الأصحاب في القصاص والديات وغيرهما من المقامات، ويوسف بن
إبراهيم لا يقدح جهله بعد أن كان الراوي عنه صفوان بن يحيى الذي أجمعت العصابة
على تصحيح ما يصح عنه، وأنه لا يروي إلا عن ثقة، على أن هذا الخبر قد رواه
المحمدون الثلاثة، وفيهم الصدوق الذي أخذ على نفسه أن لا يروي فيه إلا ما هو حجة
بينه وبين ربه، بل قيل: إن يوسف هذا ملقب بالطاطري، وقد نقل الشيخ في العدة
إجماع الشيعة على العمل بما رواه الطاطريون، كل ذا مع قطع النظر عن الشهرة العظيمة
131

الجابرة وعن باقي الأخبار المعاضدة له في أنه إنما يكره الحرير المبهم كخبر زرارة (1)
وغيره (2) ومنهما وغيرهما يضعف خبر عمار عن التخصيص، خصوصا وإطلاق نفي
البأس فيه كالصريح في عدمه بالنسبة للصلاة، إذ هي أعظم الأحوال وأهمها في نظر
السائل والإمام (عليه السالم) على أنه يمكن دعوى الاجماع المركب على خلافه، فحينئذ
لا بأس بحمل موثق عمار على الكراهة التي هي مجاز شائع في النهي، والعلم لا يخص
المنسوج، بل هو العلامة في الثوب من طراز وغيره كما عن المصباح المنير، مع أن الخبر
قد اشتمل على الزر، وعلل الجواز في الجميع بأنه ليس من الحرير المبهم، فهو كالصريح
في تخصيص المنع بما إذا كان الملبوس حريرا مبهما لا بعضه، بل قد يدعى أولوية جواز
المكفوف من ذي العلم الذي نسج طرائق بعضها من إبريسم محض سدى ولحمة وبعضها
من غيره، كما يظهر من بعضهم تفسيره بذلك، والعمدة ظهور الخبرين في أن علة الجواز
عدم كونه حريرا مبهما، وهي بعينها جارية في المكفوف.
ومنه يعلم أن المراد من قوله (عليه السلام) (3): " لا تصل في حرير محض "
ما لا يشمل المكفوف، ضرورة عدم صدق كونه حريرا محضا، وكون البعض كذلك
لا يقدح، وإلا القدح في العلم ونحوه.
ومن ذلك ينقدح جواز الكف بما لا يدخل تحت اسم اللباس لسعته، كما لعله
مقتضى عدم التحديد في المتن والنافع والقواعد والإرشاد والتذكرة والدروس والبيان
والذكرى والمحكي عن النهاية والمبسوط والوسيلة والمعتبر والتحرير والمختلف ونهاية
الإحكام، لكن المحقق والشهيد الثاني حداه بأربع أصابع كما عن الفاضل الميسي
وصاحب الغرية وإرشاد الجعفرية، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى الشهرة، بل عن

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 6
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
132

شرح الشيخ نجيب الدين نسبة ذلك إلى الأصحاب، وربما كان من معقد ما في المدارك
من نسبة القطع به إلى كلام المتأخرين، وعن رسالة الشيخ حسن حدوه بذلك، وقد
يحتمل رجوع الاطلاق السابق إليه بدعوى أنه المتعارف من الكف، وعن الصحاح
" كفة القميص: ما استدار حول الذيل " بل قد يظهر من استدلال بعض المطلقين على حكم
الكف بخبر عمر (1) التحديد بما فيه أيضا، بل ينبغي الاقتصار حينئذ على المضمومة
كما صرح به بعض من سمعت، لأنها المنساقة منها في التحديد، بل إن لم يكن مضمومة
لم يصدق الكف بقدرها، على أنها كالتقدير بالأربع هي المتيقن في الحكم المخالف لاطلاق
المنع، بل ينبغي الاقتصار حينئذ على مسمى الكف، وقد سمعت من الصحاح أنه المستدير
حول الذيل، لكن في المدارك وغيرها أنه الذي يجعل في رؤوس الأكمام والذيل
وحول الزيق، ولعل ما في الصحاح تفسير بالأخص، بل قد يشكل إلحاق اللبنة به
التي هي الجيب، وإن صرح به بعضهم لضعف دليلها، بل هو من طرق العامة، ولا
شهرة تجبره، فلا يصح الخروج به عن مقتضى عموم المنع، لكن لا يخفى عليك بعد
الإحاطة بما ذكرناه ما في ذلك كله، وإن المتجه إن لم ينعقد إجماع على خلافه جواز كل
ما لم يكن ملبوسا، كالمحمول والموضوع على اللباس والجزء كالأعلام والرقاع ما لم تكثر
حتى تبعث على الاسم، والملفوف والمشدود كخرق الجبيرة وعصائب الجروح والقروح
وحفيظة المسلوس والمبطون، والموضوع في البواطن كخرقة المستحاضة وغير ذلك، فاللبنة
والكف بالأزيد من الأربع وغيرهما على حد سواء في الجواز، بل لو نسج ثوب طرائق
أو لفق من قطع متعددة من حرير وغيره صح لبسه والصلاة فيه.
نعم لو كان من قبيل البطانة للقميص لم يصح، لأنهما ملبوسان وإن وصلت مع
الوجه، وكذا لو كانت إلى نصفه أو خيط ثوب نصفه الأعلى من حرير والأسفل من

(1) صحيح مسلم ج 6 ص 141 - المطبوع بالأزهر
133

غيره أو بالعكس، فإن ذلك كله من لبس الحرير المبهم، وعدم صدق التعدد عرفا إنما
هو للوحدة العرفية، وإلا فكل منهما قابل لأن يكون لباسا متعددا وإن لم يدخل تحت
اسم من أسماء الملبوسات، إذ ليس المدار عليه، فتأمل جيدا فإنه نافع دقيق.
ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا ينبغي التوقف في الثياب المخيطة بالإبريسم التي
يمكن دعوى القطع بخلاف ذلك فيها للسيرة القطعية، ولا فيما هو مستعمل في زماننا من
وضع السفايف والقياطين على أكمام الثياب وعلى الزيق وغبر ذلك وإن تعددت وتكثرت،
ولا في مثل العباية القزية المستعملة في زماننا أيضا التي يجعل لها شمسية على يمينها أو عليه
وعلى شمالها، ولا في التكة التي في رأسها الإبريسم، ولا في غير ذلك مما لا يمكن حصره
بناء على المختار بلا خلاف صريح معتد به أجده في شئ من ذلك عدا ما عن الكاتب
" لا أختار للرجل الصلاة في الثوب الذي علمه حرير محض " المحتمل لإرادة الكراهة
بحمل خبر عمار السابق عليها، وإلا كان محجوجا بما عرفت، كالذي في جامع المقاصد
من الجزم بمنع الرقعة والوصلة من الإبريسم، وعدا ما يحكى عن الصدوق من التصريح
بالمنع في الأخير، وربما استنبط منه ومما سلف له أنه يمنع في مطلق الحرير المحض ولو خيط
الثياب إلا الممتزج سدى ولحمة، ولم نعرف له دليلا عدا المنع عن الحرير المحض الذي
قد عرفت عدم شموله لأمثال ذلك، إما لاقتضاء الظرفية كونه من الملابس، خصوصا
مع ملاحظة باقي النصوص، أو لعدم صدق الحرير على نحو الخيوط لغة وعرفا،
لاختصاصه بالمنسوج، أو لانسياق غيرها منه، أو لغير ذلك مما لا يخفى بعد ما عرفت.
* (و) * منه يعلم أنه * (إذا مزج) * الإبريسم والقز * (بشئ) * مما يجوز لبسه دون
الصلاة فيه كوبر ما لا يؤكل لحمه جاز لبسه دون الصلاة فيه، وإن كان بشئ * (مما تجوز
فيه الصلاة) * كالقطن والكتان وغيرهما بأن جعل أحدهما سدى والآخر لحمة * (حتى
خرج عن كونه محضا جاز لبسه والصلاة فيه سواء كان أكثر من الحرير أو أقل منه) *
134

بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل الثاني منهما مستفيض كالنصوص (1)
أو متواتر، قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبيد بن زرارة (2): " لا بأس بلباس
القز إذا كان سداه أو لحمته من قطن أو كتان " وقال في خبر إسماعيل بن الفضل (3)
في الثوب يكون فيه الحرير: " إن كان فيه خلط فلا بأس " وفي خبر أبي الحسن
الأحمسي " إنه سأل أبو سعيد أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخميصة وأنا عنده
سداه إبريسم أيلبسها وكان وجد البرد؟ فأمره أن يلبسها " والخميصة: كساء أسود مربع
له علمان، وقال زرارة (5): " سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير
للرجال والنساء إلا ما كان من حرير مخلوط بخز، لحمته أو سداه خز، أو كتان أو قطن،
وإنما يكره الحرير المحض للرجال والنساء " وعن الاحتجاج (6) " إن محمد بن عبد الله
ابن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يتخذ بأصبهان ثياب فيها عتابية
على عمل الوشي من قز وإبريسم هل تجوز الصلاة فيها أم لا؟ فأجاب (عليه السلام)
لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتان " إلى غير ذلك من النصوص
التي تقدم بعضها، كخبري (7) يوسف بن إبراهيم وغيره، وصريح المتن والتذكرة
كالمحكي عن الوسيلة والسرائر والمعتبر ونهاية الإحكام الاكتفاء بالمزج بكل محلل تجوز
الصلاة فيه من غير فرق بين القطن والكتان وغيرهما، كما هو مقتضى كل من أطلق
الامتزاج، أو ذكر القطن والكتان بكاف التشبيه ونحوه مما يشعر بإرادة المثال، بل
لعله مراد الجميع وإن لم يأت بالكاف اعتمادا على ظهور الحال، وعلى معلومية إرادة

(1) الوسائل - الباب 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 5 - 8
(5) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 5 - 8
(6) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 5 - 8
(7) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 والباب 16
الحديث 1.
135

الخروج عن المحضية والابهامية بذلك، والاقتصار في المحكي عن الخلاف والنهاية والمراسم
على القطن والكتان وكشف الالتباس وإرشاد الجعفرية بزيادة الصوف - مع أن من
المعلوم نصا وفتوى وسيرة الجواز بالخز، وعن المنتهى الاجماع عليه - محمول على إرادة
المثال من ذلك، كما أنه المراد من الاقتصار في المحكي عن المقنع والمقنعة والمبسوط والمهذب
والجامع على القطن والكتان والخز، للمعلوم أيضا من الجواز بالصوف، فلا ريب في
إرادة المثال، ومن هنا نسب الاجتزاء بمزج كل محلل في التذكرة والمحكي عن المعتبر
إلى علمائنا مشعرين بدعوى الاجماع عليه، مع أن هذه الاقتصارات بمرأى منهما
ومسمع، ومن عادتهما وعادة من تأخر عنهما كالشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم التعرض
للنادر من خلاف القدماء، بل لا يتركون احتمال الخلاف.
فما عساه يظهر - من بعض متأخري المتأخرين من احتمال الخلاف في المسألة،
وأنها ثلاثية الأقوال أو رباعيتها حتى أنه ذكر مستندا لكل واحد من الثلاثة، فجعل
خبر إسماعيل (1) وما شابهه ولو بالمفهوم دليل الاطلاق، وخبر زرارة (2) وما شابهه
دليل الاقتصار على الثلاثة: الخز والقطن والكتان، وخبر التوقيع (3) وما شابهه دليل
الاقتصار على الأخيرين - في غير محله قطعا، بل لا بد من حمل ما في النصوص على
إرادة المثال كما سمعته في الفتاوى، وخصا بالمثال لغلبة الامتزاج بهما وبالخز، وكان
ما في زماننا الآن من غلبة الامتزاج بالصوف في العباءة وغيرها حادث، ولذا ترك
التمثيل به، بل ظاهر المتن وغيره - ممن عبر كعبارته، بل ومن ذكر السدى واللحمة
لكن بكاف التشبيه المشعر بالمثال للامتزاج - الاجتزاء بمطلق الخلط والامتزاج

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8
136

الرافعين للمحضية والابهامية والمصمتية من غير فرق بين امتزاج السدى واللحمة وغيره،
لاطلاق خبر إسماعيل المعتضد بمفهوم الحصر والوصف في غيره، وبالقطع بجواز لبس
المنسوج من خيوط اتخذت من القطن والإبريسم مثلا الذي هو أشد امتزاجا من
امتزاج السدى واللحمة، وبنصوص الثوب (1) ذي العلم المتقدمة آنفا التي منها خبر
الخميصة (2) ولعل ذكر السدى واللحمة في بعض النصوص السابقة للتمثيل في رفع
الابهام، كما يشعر به خبر زرارة المتقدم، وخص بالتمثيل لغلبة حصول الامتزاج به،
فحينئذ لا ينبغي التوقف في المنسوج من الكلبدون إذا كان مركبا من الفضة والحرير،
ولا في المنسوج طرائق، ولا في غير ذلك مما هو مخلوط بغير السدى واللحمة: أي ليس
السدى بتمامه قطنا أو حريرا مثلا.
وفي كشف اللثام في شرح قول الفاضل في القواعد " ويجوز الممتزج كالسدى
واللحمة " قال: " لا المموه بالفضة، أو المخيط بخيوط من نحو القطن، أو المخيط مع ثوب
من نحوه، أو الملصق به، أو المحشو بنحوه، أو المنسوج طرائق بعضها من الحرير المحض
وبعضها من نحو القطن كما هو المتبادر من هذه العبارة الشائعة في الأخبار والفتاوى،
ويؤيده خبر عمار (3) سأل الصادق (عليه السلام) " عن الثوب يكون علمه ديباجا
قال: لا يصلى فيه " نعم خبر إسماعيل بن الفضل (4) يشمل ما إذا كان الخليط بعضا
من السدى أو اللحمة، ويحتمله العبارة الشائعة أيضا، ويؤيده أن المجمع على حرمته
وفساد الصلاة فيه هو المحض، فيحل ما خرج عن اسمه عرفا وتصح الصلاة فيه، ويؤيده

(1) المتقدمة في ص 129 - 130
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
137

خبرا يوسف بن إبراهيم المتقدمان آنفا " وفيه أنه إن كان المدار على العبارة الشائعة
في الأخبار والفتاوى التي ادعى تبادرها فيما عرفت - بل صريح النصوص أو ظاهرها
اعتبار كون تمام السدى أو اللحمة غير حرير - وجب حمل إطلاق خبر إسماعيل ومفهوم
الحصر والوصف عليه، نعم التحقيق ما عرفت من أن هذه العبارة الشائعة مراد منها
التمثيل، كما يشعر به الكاف في عبارة الفاضل وغيره، بل الظاهر إرادته من الخلط أيضا
في خبر إسماعيل، وإلا فالمدار على المستفاد من مفهوم الحصر والوصف وغيرهما من رفع
المحضية والابهامية عرفا الموافق للأصول، بل والفتاوى مع التأمل والتدبر من رفع
المحضية والابهامية عرفا، فلو فرض الارتفاع بما لا يصدق مع الخلط وإن كان نادرا
جاز لبسه والصلاة فيه.
نعم لا عبرة بما لا يرفعها كما في الأمثلة التي ضربها في الكشف عدا المنسوج
طرائق منها والمموه إن أراد ما فرضناه من الكلبدون بناء على أنه منسوج من الفضة
والحرير، وكما في الخليط المستهلك الذي لا يرفع صدق كونه لباس حرير محض حقيقة
لا على وجه التسامح العرفي الذي هو ليس من الحقائق العرفية، فلا يجدي الهلاك بالنسبة
إلى اسم الحريرية دون المحضية، وكأن هذا هو مراد من صرح من الأصحاب بعدم
اعتبار المستهلك، وما عساه يظهر من بعض العبارات - من أنه يجدي المستهلك الذي
لا يرفع صدق الحريرية - محمول على إرادة ما ذكرنا من الحريرية المحضة، ودعوى أنه
لا استهلاك إلا على وجه التسامح بالنسبة إلى المحضية يدفعها التأمل في مصاديق ذلك
عرفا، وما عن السرائر - من أنه يجوز وإن كان أكثر بعد أن يكون منسوبا إليه بالجزئية
كعشر وتسع وثمن وأمثال ذلك - ليس منعا من فرض الاستهلاك، بل يمكن أن يكون
مراده بذلك اعتبار عدم الاستهلاك كقول غيره: " يجزي ولو كان الخليط عشرا " بل
138

في معقد المحكي من صريح الاجماع في المنتهى وظاهره في المعتبر والتذكرة التصريح باعتبار
عدم الاستهلاك المصرح به في عبارات الشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم ممن تأخر عنهم،
نعم مع عدم الاستهلاك لا فرق بين تساوي الخليط وأقليته وأكثريته عندنا، بل الاجماع
صريحا وظاهرا عليه، وقال أحمد بن محمد بن أبي نصر (1) " سأل الحسين بن قياما
أبا الحسن (عليه السلام) عن الثوب الملحم بالقز والقطن والقز أكثر من النصف أيصلى
فيه؟ قال: لا بأس قد كان لأبي الحسن (عليه السلام) منه جباب " بل وافقنا على
ذلك ابن عباس وجماعة من أهل العلم، خلافا للشافعي وأبي حنيفة فيحرم إذا كان الحرير
أكثر، ولو تساويا فللشافعي قولان، والتحقيق ما عرفت، لكن ينبغي أن يعلم أن
المراد بالعشر ونحوه في معاقد الاجماعات السابقة الاكتفاء بمزجهما سدى ولحمة وإن كان
القطن الذي هو أحدهما عشرا من الآخر، لا أن المراد الاجتزاء بعشر أو نصف العشر
مثلا من السدى وإن كان اللحمة كلها حريرا، فيجتزى حينئذ بالثوب المنسوج من الحرير
الممتزج بالخليط في حاشيته التي هي نسبتها إلى الجميع عشر أو نصف عشر مع فرض الثوب
مثلا في نهاية العرض.
ومن هنا صرح الأستاذ الأكبر في شرح المفاتيح بأن العبرة بصدق الحرير
المحض، فلا ينفع إذا حصل في خصوص الحاشية شئ من الخليط بعد أن يكون الأصل
حريرا محضا، ومما يؤيد أن مرادهم بالعشر ونحوه ما ذكرنا ظهور اتفاقهم على الاجتزاء
به، بل قد عرفت التصريح به من بعضهم مع توقفهم في العلم للثوب الذي هو مع فرض
الاجتزاء بذلك لا ينبغي التوقف فيه، فلا ريب في إرادتهم ما ذكرناه من الامتزاج
بأن يكون أحدهما تمام السدى والآخر تمام اللحمة وإن كان نسبة أحدهما إلى الآخر
عشرا أو أقل.

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
139

نعم التحقيق ما عرفت من دوران الحكم على صدق لباس الحرير المحض وعدمه
كما سمعته مفصلا، بل المدار على غير المقترح من الصدق قطعا، فلا بأس بالصدق الذي
منشأه وضع جديد أو نحوه، فالعباءة القزية التي لحمتها صوف لا إشكال فيها، ومن
الغريب ما حكاه المحقق الثاني عن بعض الأصحاب من أن العباءة التي سداها قز لا يصلى
فيها، لتسميتها قزية، إذ هو كما ترى من الأوهام الفاسدة التي لا ينبغي سطرها في
كتب الأفاضل.
وأما اللباس المحشو بالإبريسم أو القز ففي الفقيه والتذكرة والدروس وجامع
المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك والمحكي عن المعتبر والغرية والجعفرية والروض
وظاهر الشيخ المنع، بل قد يظهر من نسبة الخلاف في التذكرة وغيرها إلى غيرنا الاجماع
عليه عندنا، ولعله لصدق المحض والمبهم والمصمت عليه، ولأنه بتلبده يكون كالبطانة
ونحوها من اللباس، لكن قطع في المفاتيح بالجواز، ولم يستبعده في الذكرى، واحتمله
في المدارك، قيل وإليه مال مولانا محمد تقي ونقله عن شيخه الفاضل الشوشتري، ولعله
لصحيح الريان بن الصلت (1) " سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن لبس فراء
السمور والسنجاب والحواصل وما أشبهها والمناطق والكيمخت والمحشو بالقز والخفاف
من أصناف الجلود فقال: لا بأس بهذا كله إلا بالثعالب " والحسين بن سعيد (2)
قال: " قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى الرضا (عليه السلام) يسأله عن الصلاة
في ثوب حشوه قز فكتب إليه وقرأته لا بأس بالصلاة فيه " وخبر سفيان بن السمط

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 لكن فيه " لبس
الفراء والسمور " وفي التهذيب الذي نقل عنه في الوسائل ج 2 ص 369 الرقم 1533
" لبس فراء السمور "
(4) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
140

في حديث (1) قال: " قرأت في كتاب محمد بن إبراهيم إلى أبي الحسن (عليه السلام)
يسأله عن ثوب حشوه قز يصلى فيه فكتب نعم لا بأس به " وخبر إبراهيم بن مهزيار (2)
" إنه كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) الرجل يجعل في جبته بدل القطن قزا هل يصلي
فيها؟ فكتب نعم لا بأس به " مضافا إلى عدم صدق اللباس عليه، بل ولا صدق الحرير
بناء على أنه المنسوج، بل ولا المحض، وبعد التسليم فهي خاصة تقدم على العام،
واحتمال إرادة قز المعز - كما عن الصدوق وارتضاه الشيخ، ولعله لعدم معهودية غيره
إلا من مترف جاهل، لعلو القيمة وعدم المنفعة والزينة بخلاف قز المعز في البلاد الباردة
بالنسبة إلى أهل الفقر والمسكنة - يدفعه أنه مجاز بلا قرينة، ومن القز ما لا ينتفع به
إلا لذلك، بل قيل: إنه يفيد الثوب ثخانة، كما أن احتمال عدم جواز العمل ببعضها
لأن الراوي لم يسمعه من محدث وإنما وجده في كتاب يدفعه - مع عدم انحصار الدليل
فيما فيه هذا المحذور - إن اخبار الراوي بصيغة الجزم، والمكاتبة المجزوم بها في قوة
المشافهة، نعم يمكن حملها على التقية كما هو المظنة في المكاتبات، بل يشهد له خبر الريان
لكن إن تم الاجماع الذي استظهرناه من عبارة الفاضل وغيرها، ولا ريب أن الأحوط
التجنب، والله أعلم.
المسألة * (الخامسة الثوب المغصوب لا تجوز) * ولا تصح * (الصلاة فيه) * إجماعا
في الغنية والتذكرة والذكرى والمحكي عن الناصريات والتحرير ونهاية الإحكام وكشف
الالتباس وظاهر المنتهى، بل قد يظهر من الأول كصريح الثاني والخامس والسادس
والبيان أيضا والدروس وفوائد الشرائع والمحكي عن الموجز والجعفرية وغيرها أنه لا
فرق بين الساتر منه وغيره، بل عن المقاصد العلية نسبته إلى الأكثر، وفي المدارك إلى
العلامة ومن تأخر عنه، قلت: بل هو ظاهر كل من أطلق، وعلى كل حال فقد يمكن

(1) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 47 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 4
141

تحصيله: أي الاجماع في خصوص الساتر منه المدعى عليه الاجماع زيادة على ما عرفت في
جامع المقاصد وعن الغربة وإرشاد الجعفرية وروض الجنان، إذ المحكي عن الفضل بن
شاذان من القول بالصحة فيه وفي المكان المغصوب ونحوهما غير متحقق، وعلى تقديره
غير قادح، وإن وافقه عليه جماعة من محققي متأخري المتأخرين، مع احتمال كون ذلك
منهم للقاعدة، وإلا فقد يستظهرون من الأدلة الخاصة ما يقضي بالبطلان، فالخلاف
منهم هنا غير متحقق، أما غير الساتر منه ففي المعتبر والمدارك عدم البطلان فيه، بل
في الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام والمحكي عن المقاصد العلية وإرشاد الجعفرية
الميل إليه، قال في المعتبر: " إعلم أني لم أقف على نص من أهل البيت (عليهم السلام)
بابطال الصلاة، وإنما هو شئ ذهب إليه المشائخ الثلاثة وأتباعهم، والأقرب أنه إن ستر
به العورة أو سجد عليه أو قام فوقه كانت الصلاة باطلة، لأن جزء الصلاة يكون منهيا
عنه، وتبطل الصلاة بفواته، أما لو لم يكن كذلك لم تبطل وكان كلبس خاتم من ذهب ".
قلت: قد يناقش فيه بأنه يكفي فيه إطلاق الاجماعات السابقة المعتضدة بعدم
ظهور مخالف محقق فيه قبله، مضافا إلى خبر إسماعيل بن جابر (1) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) بل صحيحه بناء على توثيق محمد بن سنان، بل إرسال الصدوق له في
الفقيه إلى الصادق (عليه السلام) على سبيل الجزم مما يشعر بوصوله إليه بطريق صحيح،
خصوصا بعد التزامه أنه لا يورد فيه إلا ما هو حجة بينه وبين ربه، قال: " لو أن
الناس أخذوا ما أمرهم الله به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم
الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم حتى يأخذوه من حق وينفقوه في حق "
بناء على إرادة عدم الاجزاء من عدم القبول كما هو الظاهر منه حال عدم القرينة،
وعلى إرادة ما يشمل ما نحن فيه من الانفاق ولو من حيث المنفعة، أو كونه مفهوما منه،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
142

والمرسل في المحكي من تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة (1) عن أمير المؤمنين
(عليه السلام) في وصيته لكميل " يا كميل انظر فيما تصلي وعلى ما تصلي إن لم يكن من
وجهه وحله فلا قبول " بل عن الطبري أنه رواه في بشارة المصطفى عن كميل بسند
لا يقدح ما فيه بعد الانجبار بما عرفت، بل يكفي فيه إمكان دعوى معلومية اعتبار
تجنب أمثال ذلك من المحرمات في الصلاة التي هي الوصلة إلى الله تعالى، وبأنه لا يتم
بناء على اقتضاء الأمر بالشئ النهي عن الضد، بل وعلى ما هو المعلوم عند الشيعة من
عدم اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد شخصي، ولو لأنه فرد لكلي متعلق الأمر
وفرد لكلي متعلق النهي، إذ لو قلنا إن الأمر بالكلي أمر بأفراده خصوصا مثل هذه
الكليات كان منع الاجتماع واضحا، بل وكذا إن قلنا إنه مقدمة له لكن مثل هذه
المقدمة التي لا يتصور حصول لذيها متميزا عنها تعامل معاملة المتعلق الأصلي في المنع
قطعا، وما نحن فيه بعد ضرورية حرمة التصرف والانتفاع في مال الغير من ذلك قطعا،
إذ القيام فيه والركوع والسجود وغيرها من حركات الصلاة وأكوانها من التصرف
والانتفاع فيه، فيجتمع حينئذ فيه الأمر والنهي كالصلاة في المكان المغصوب ونحوه
مما رجع النهي فيه إلى جزء الصلاة، بل هو ما اعترف فيه بالفساد من القيام عليه
والسجود عليه، فالمكلف إذا كان متلبسا بلباس مغصوب في حال الركوع مثلا فلا خفاء
في أن الحركة الركوعية منه حركة واحدة شخصية محرمة، لكونها محركة للشئ
المغصوب، فيكون تصرفا في مال الغير، فلا يصح التعبد به مع أنه جزء الصلاة.
ومن ذلك يظهر وجه الفساد حتى لو كان خيطا كما صرح به في البيان وغيره،
أو مصطحبا فضلا عما كان ملبوسا، لاتحاد الجميع فيما ذكرناه الذي لولاه لم يتجه الفساد
فيما اعترف فيه في الساتر منه، لأنه وإن كان شرطا لكن النهي عنه يقتضي الفساد فيه

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
143

إذا كان عبادة لا مطلقا، ولذ لم يقدح إزالة النجاسة التي هي شرط لصحة الصلاة بالماء
المغصوب مثلا، والستر ليس عبادة قطعا، وإلا لما صح بدون النية، فليس الفساد فيه
حينئذ إلا للاتحاد المزبور الذي إليه يرجع ما في الخلاف من الاستدلال على البطلان في
المغصوب بأن التصرف في الثوب المغصوب قبيح، ولا تصح نية القربة فيما هو قبيح،
ولا صلاة إلا بنية القربة، بل وما عن الناصريات من أن صحة الصلاة وغيرها من العبادات
إنما يكون بدليل شرعي، ولا دليل، إذ الظاهر إرادته أنه بعد تعارض الأمر والنهي
ينتفي المقتضي لصحة العبادة، لأن تحكيم الأمر على النهي ليس أولى من العكس، بل
ربما ادعي أولويته أو تبادره، بل وما في غيرهما من كتب الأصحاب مما يقرب إلى ذلك.
لكن قد يدفع ذلك كله عنه بعدم ثبوت إجماع محصل لديه، وعدم حجية مثل
هذا المنقول منه عنده، كعدم حجية مثل هذه النصوص القاصرة سندا ودلالة، خصوصا
مع عدم معروفية استناد الأصحاب إليها، ويمنع المعلومية المزبورة، بل لعل المعلوم
خلافها في سائر المحرمات المقارنة، وبأن بناء المقام على مسألة الضد - مع أنه لا يخص
الملبوس بل ولا المصطحب، ولا يتم مع فرض عدم الضدية، ومع وجوب حفظه عليه،
وكان لا يتم إلا باللبس - موقوف على القول فيها بالاقتضاء المقتضي للفساد، ولعله
لا يقول به، وبأن حاصل مراده كما في كشف اللثام أن النهي إنما يقتضي الفساد إذا
تعلق بالعبادة لجزئها أو لشرطها، وأدرجه هنا في الجزء في كلامه لجريانه مجراه باعتبار
مقارنته، فإذا استتر بالمغصوب صدق أنه استتر استتارا منهيا عنه، ضرورة كون
الاستتار به عين لبسه والتصرف فيه، فلا يكون استتارا مأمورا به في الصلاة، فقد
صلى صلاة خالية عن شرطها الذي هو الاستتار المأمور به، وليس هذا كالتطهر من
الخبث بالمغصوب، فإنه وإن نهي عنه لكن تحصل الطهارة، وشرط الصلاة إنما هو
144

الطهارة لا فعلها لينتفي الشرط إذا نهي عنه، وإذا سجد أو قام على المغصوب فعل سجودا
أو قياما منهيا عنه لمثل ذلك، بخلاف ما إذا قام وركع وسجد لابسا للمغصوب متحركا
فيه، إذ ليس شئ من ذلك عين التصرف فيه، وإنما هو مقرون به، والتصرف هو
لبسه وتحريكه، ثم قال: وهو كلام متين لا يخدشه شئ وإن اتجه البطلان بغير الساتر،
بل وغير اللباس وغير المستصحب أيضا، بناء على الأمر بالرد أو الحفظ، مع منافاة
الصلاة وكون الأمر نهيا عن الضد واقتضائه الفساد إن كان الضد عبادة.
ومن ذلك ظهر لك وجه الفرق بين الساتر وغيره، وأنه يتجه الفساد مع حرمته
وإن لم يكن عبادة يشترط في صحتها القربة، ضرورة أنه بعد فرض اعتبار صفة المأمورية
فيه لم يمكن حصوله في المنهي عنه، سواء كان الأمر عبادة أو لا، لعدم تصور الاجتماع
في الجميع عندنا، فيكون العبادة منهيا عنها، لفقد شرطها.
ومن الغريب ما في الرياض من دعوى عدم تصور الفساد في النهي عن الشرط
إلا إذا كان عبادة قائلا إن النهي عن غيرها لا يقتضي إلا الحرمة التي لا تلازم بينها
وبين فساد المشروط، والستر من هذا القبيل، وإلا لما صح صلاة من ستر عورته من
دون قصد القربة، بناء على اشتراطه في مطلق العبادة، وأنها به تفترق عما ليس بعبادة،
ثم قال: " ومن هنا يظهر ما في دعوى بعض الأفاضل كون الستر عبادة - مشيرا به إلى
ما سمعته من كشف اللثام، وقد حكاه عنه بلفظه إلى أن قال -: ومحصل كلامه كما
ترى في وجه الفرق بين التطهير والستر كونه عبادة دون سابقه، إذ به تتم الخصوصية
للستر، وقد عرفت ما فيه، فليت شعري ما الذي دعاه إلى جعله عبادة، ولم أر له أثرا
عدا تعلق الأمر بالستر، وأن الأصل فيما تعلق به أوامر الشرع أن تكون عبادة موقوفة
على قصد القربة، وهذا بعينه موجود في إزالة الخبث عن الثوب، فإن ادعى خروج
ذلك بالاجماع على عدم اعتبار قصد القربة قلنا له كذلك الأمر في محل النزاع، وإلا
145

لما صح صلاة من ستر عورته بمحلل بلا قصد قربة فيه، وهو خلاف الاجماع بل البديهة،
ومن هنا ظهر أنه لا وجه للفساد في المغصوب الساتر إلا ما قدمنا إليه الإشارة من كون
الحركات الأجزائية منهيا عنها باعتبار كونها تصرفا فيه، وهذا لا يختلف فيه الحال
بين الساتر وغيره ".
قلت: قد عرفت تماميته من دون التزام بكونه عبادة، بل ليس في كلامه ما يوهم
ذلك عدا قوله أولا إن النهي إلى آخره، ومراده من التعلق بالعبادة رجوع النهي
إلى جزئها أو شرطها الذي ينافي النهي تحققه باعتبار دخول صفة المأمورية في الشرط
كما كشف عنه ما سمعته من كلامه، نعم يتوجه عليه أنه ليس في الأدلة ما يستفاد منه
اعتبار الصفة المزبورة في الشرط المقتضية على تقديرها بطلان صلاة من أجبر شخصا على
تستيره يقبض إزار ونحوه إلى تمام الصلاة أو بعضها، ودعوى استفادتها من مجرد الأمر
بها للصلاة - كما هو الظاهر من جعله ذلك كالقاعدة، وإلا لأستند إلى خصوص الأدلة
في المقام - في غاية المنع، ضرورة كونه أعم من ذلك، فلعل مطلق الستر شرط العبادة
وإن كان لا يؤمر إلا بالمحلل منه لا أن الشرط الستر المأمور به، فالمحرم حينئذ يتحقق
به الشرط دون الأمر حتى لو كان دليل الشرطية منحصرا في الأمر، ضرورة ظهوره
في الحكم الوضعي الذي هو غير مقيد بالتكليفي، اللهم إلا أن يقول: إنه هو المتيقن
من الشرط، وغيره محل شك، وليس في الأدلة إطلاق يقضي باجزاء الستر كيفما كان،
بل قد يقال إنه الموافق لقوله: صل واستتر للصلاة الذي فرض عدم غيره من النصوص،
إذ لا تكليف إلا بخطاب الشارع، وقولهم شرط ومانع إنما هو أسماء للمحصل منه،
وإلا فالمدار على امتثال نفس الخطاب، ولا ريب في عدمه في محل البحث، لعدم اندراجه
تحت الأمر بالاستتار قطعا وإن لم يكن الأمر عبادة، لكن فيه أن المتجه عندنا الصحة
فيما شك في شرطتيه، تمسكا باطلاق أوامر الصلاة، والأمر بالاستتار منصرف كما في
146

نظائره إلى إرادة بيان الشرطية، ولذا لا يقدح فيه الوقوع عن غفلة ونحوها، فتأمل
جيدا، اللهم إلا أن يدعى الشك في كون ذلك مرادا من الاطلاق بحيث يشكل التمسك
به عليه، لكنه كما ترى.
فالانصاف كون المسألة جميعا من واد واحد بحسب القاعدة، إذ احتمال الفرق
بين الساتر وغيره مبني على ما هو ممنوع، أو خروج عن محل البحث، كدعوى ظهور
نصوص الشرطية في المحلل، أو أن الأمر به للصلاة يقضي بذلك، أو أن الستر المقارن
للصلاة من جملة أجزائها كما هو ظاهر عبارة المحقق إن لم تنزل على ما عرفت، أو غير
ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما سمعت، فإن قلنا باتحاد كون الصلاة وكون
التصرف اتجه المنع في الجميع، وإلا فلا.
ولعل عدم الاتحاد لا يخلو من قوة، وذلك لأن المتصور في لبس المغصوب
ثلاثة محرمات:
أولها أصل الغصب، وهو لا يقضي بالفساد إلا على مسألة الضد كما عرفته سابقا.
وثانيها لبسه بمعنى ملابسته، وهو لا يقضي بالفساد أيضا، ضرورة عدم كون
اللبس أحد أجزاء الصلاة، إذ هو يرجع إلى حرمة كونه عليك لا كونك فيه، ومن
هنا كان المتجه الصحة في كل ما حرم لبسه كلباس الشهرة وغيرها، خلافا للأستاذ في
كشفه، فقال في الشرائط: السابع أن لا يكون محرما من جهة خصوص الزي كلباس
الرجال للنساء وبالعكس، ولباس الشهرة البالغة حد النقص والفضيحة، والحاصل أن
كلما عرضت له صفة التحريم من الوجوه لا تصح به الصلاة على الأقوى، وكأنه إن أراد
الأعم من الساتر بناه على اتحاد الكون المحرم والواجب، لكن قد يستظهر من اقتصار
الأصحاب على اشتراط ما عدا ذلك عدم البأس في ذلك، وأنه ليس من الاتحاد في شئ،
147

وفي خبر يونس بن يعقوب (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي
وعليه البرطلة فقال: لا يضره " وبه أفتى الشهيد في الذكرى، والبرطلة بالتخفيف وقد
تشدد قلنسوة، ولعلها من لباس الشهرة لبعض الناس، وفي صحيح العيص (2) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتم بخمارها
قال: نعم إذا كانت مأمونة " وهو محتمل للصلاة فيه لا على وجه زي النساء حتى يكون
محرما، لكنه غير خفي عليك أنا في غنية عن إثبات الصحة به باطلاق الأدلة السالم عن
المعارض، نعم في خصوص الساتر منه البحث السابق، وقد عرفت أن التحقيق كونه
كغيره بالنسبة إلى القاعدة، والظاهر عدم اقتضائها الفساد هنا كما أوضحناه في الذهب،
ضرورة عدم اتحاد اللبس مع شئ من أجزاء الصلاة، إذ ليس القيام والركوع والسجود
أفرادا له، بل هي أفعال تقارنه، فحرمة الملابسة حينئذ حالها لا تقتضي حرمة في شئ
منها، ولعله لذلك بنى في الرياض البطلان في الذهب مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة
على مسألة الضد مع قوله بالبطلان في المغصوب للاتحاد، وليس إلا للفرق بينهما، فظهر
حينئذ أنه لا اقتضاء للبطلان في المغصوب من حيث اللبس.
وثالثها تحريكه بالقيام والركوع والسجود ونحوها، ولا ريب في حرمة ذلك،
لكن قد يمنع اتحاده مع الأفعال المزبورة التي هي حركات للبدن وتصرف فيه من غير
توقف على حركات اللباس، نعم تحريكه مقارن لها، فهو محرم حالها لا أنها هي هو،
ضرورة كون المتحرك أمرين متغايرين هما البدن واللباس، والفرق بينه وبين المكان
واضح بمعلومية ضرورية الجسم وأكوانه للمكان، بخلاف اللباس المعلوم كونه ليس من
ضرورياته وما يتراءى في بادي النظر - من أن هذه الأفعال نفسها تصرف في اللباس،

(1) الوسائل - الباب - 42 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
148

وحرمة التصرف في مال الغير من الضروريات - يرفعه التأمل الجيد فيما ذكرناه، وأن
مرجع هذا التصرف إلى التحريك المزبور، وليس المدار على إطلاق التصرف فيه في
العرف الذي لم يلتفت إلى التحليل المذكور، ومن ذلك يظهر لك الحال في حمل المغصوب
الذي أبطل الصلاة به أيضا جماعة، بناء منهم إما على مسألة الضد أو على الاتحاد المذكور،
وفيهما معا ما عرفت، فالمتجه فيه حينئذ الصحة إن لم يقم إجماع أو غيره من الأدلة
المعتبرة، والظاهر عدم قيام شئ منها له، لأن المتعرض له بعض المتأخرين كالفاضل
وبعض من تأخر عنه، خصوصا مع ذكر بعضهم المستند لذلك مما عرفت فساده، نعم
يمكن دعوى تحققه في الساتر منه بل وفي غيره، لكن قد يورث التردد فيه الاستدلال
عليه من جماعة بما سمعت النظر فيه من مسألة الضد والاتحاد ونحوهما، إلا أن الاحتياط
لا ينبغي تركه في مثل المقام الذي قد يقال فيه إنه لا أقل من الشك، لجميع ما سمعته
سابقا في تناول الاطلاقات المقتضية للصحة لمثله، فيبقى شغل الذمة مستصحبا.
هذا كله في العالم بالغصب وحرمته، أما الجاهل بهما أو بالأول منهما فالوجه فيه
الصحة، لعدم النهي المقتضي للفساد بسبب اتحاد الكونين، أو لانتفاء الشرط الذي
هو الستر المأمور به، وكذا لو جهل بها خاصة جهلا يعذر به كغير المتنبه بغير تقصير
منه، بخلاف غير المعذور منه الذي هو كالعالم في العقاب الذي عليه يترتب الفساد هنا،
واحتمال انحصار إثمه بترك السؤال خاصة، فلا عقاب عليه في الخصوصيات قد بينا ضعفه
سابقا، وإطلاق بعضهم البطلان هنا لجهل الحرمة كاطلاق عدمه من آخر محمول على
التفصيل المزبور، وجهل البطلان هنا لا أثر له كنسيانه، لأن المدار على علم الحرمة كما
هو واضح، ولعله المراد من إطلاق بعضهم البطلان مع العلم بالغصب وإن جهل الحكم
أو هو مع الحرمة إذا لم يكن معذورا، والجهل بأسباب الغصب وما في حكمه من أحكام
المعاملات ونحوها لا يعذر فيه إلا غير المقصر، كالجهل بالحرمة الذي منه أو في حكمه
149

نسيان الحرمة أيضا، ضرورة كونه بنسيانه رجع إلى الجهل.
ولعله لذا قال في البيان وعن كشف الالتباس والمقاصد العلية وروض الجنان
من أن ناسي الحكم كجاهله، بخلاف نسيان الغصب من غير الغاصب، فإنه عذر قطعا،
لعدم تكليفه بعدمه، للأصل وعدم القدرة عادة في أكثر أفراده، فلا نهي حينئذ
يعارض الأجزاء الحاصل بامتثال الأمر بالصلاة مستترا حتى يحكم عليه، أو تحتاج الصحة
إلى شئ غير الأمر، وليس، والفرض انحصار مقتضى الفساد بالنهي، أما الغاصب
فلا ريب في عذرية غير المقدور منه عادة بالنسبة إليه، وعلى فرض خروجه مطلقا عن
القدرة فهو عذر مطلقا، فتصح صلاته حينئذ ولا إعادة عليه في الوقت ولا في خارجه،
لما عرفت وفاقا للبيان وجامع المقاصد وحاشية الإرشاد والمحكي عن ابن إدريس والمنتهى
وإرشاد الجعفرية، وخلافا للقواعد والتذكرة والمحكي عن نهاية الإحكام والايضاح
والمؤجر الحاوي وروض الجنان، بل قيل: إنه مقتضى إطلاق الفتاوى، فيعيد في الوقت
بل وخارجه على الظاهر من إطلاقهم الإعادة، وللدروس وظاهر الذكرى والمحكي من المختلف،
فيعيد في الوقت لا في خارجه، إذ ليس للأول إلا أنه كالمصلي عاريا، لأن هذا الستر
كالعري وكالتستر بالظلمة وباليد وبالنجس، وأنه مفرط بالنسيان، لأنه قادر على
التكرار الموجب للتذكار، وأنه لما علم كان حكمه المنع من الصلاة، والأصل بقاؤه، ولم
يعلم زواله بالنسيان.
وفي الأول أن الفرق واضح بعدم حصول الشرط في المشبه به، وحصوله في
المشبه، ضرورة عدم المانع شرعا، لصلاحية الامتثال به، ودعوى أن أوامر الستر
تنصرف إلى المحلل يدفعها - مع أن فرض البحث كون الفساد من النهي الذي لا يجامع
الأمر - أنه محلل له واقعا ما دام الوصف وإن ضمن الأجرة، إذ لا نعني بالمباح إلا
ما لا عقاب على فعله، فإن قيل: إن المراد انصراف أوامر الستر إلى غير هذا الفرد
150

كانت دعوى بلا شاهد، بل اتفاقهم ظاهرا في الحكم بالصحة مع الجهل هنا وفي المكان
وغيرهما مما يشهد بخلافها، إذ ليس الجهل إلا عدم العلم كالنسيان مما رفع المؤاخذة عليه.
وفي الثاني ما في جامع المقاصد لا نسلم أن التكرار الموجب للتذكار يمنه عروض
النسيان، والوجدان يشهد بخلافه، قلت: على أنه يفرض البحث في غير المفرط بسبب
الاشتغال بواجب مضيق أهم منه، أو بغير ذلك، بل قد يقال بعدم المؤاخذة له حال
النسيان وإن فرط حتى نسي، لخبر الرفع (1) وللاجماع في جامع المقاصد على عدم الإثم
على الناسي، والعقاب على التفريط حتى نسي لا يستلزمه بعد تحققه المقتضي لاندراجه
في موضوع خبر الرفع، كالمضطر باختياره.
وفي الثالث أن الاستصحاب لا وجه له هنا بعد معلومية كون الفساد للنهي
المنتفي في محل البحث، فلا حاجة حينئذ إلى الاستناد في قطعه إلى خبر الرفع بحمله على
رفع جميع الأحكام التي منها عدم الإعادة، لأنه أقرب المجازات، أو على إرادة إلغاء
الفعل الحاصل معه من الرفع، فلو ثبت له شئ من الأحكام لم يصدق إلغاؤه كي يناقش
في الأول بمنع إرادة العموم المستلزم زيادة الاضمار، وفي الثاني بأن صحة الصلاة معه
تستلزم ثبوت حكم له، فلا يصدق الرفع الكلي ويحتاج في الدفع إلى ما أطنب به في
جامع المقاصد من " أن زيادة الاضمار في اللفظ لا المدلول، فلو كان أحد اللفظين أشمل
وهما في اللفظ سواء لم يتحقق الزيادة، بل زيادة الاضمار لازمة له بتقدير بعض الأحكام،
بخلاف تقدير لفظ " من " دون " بعض " على أن الاقتصار على الأقل إذا كان
بمرتبة واحدة، فلو اقتضى المقام الأكثر وجب المصير إليه، وليس المراد رفع جميع
الأحكام حتى المترتبة على النسيان باعتبار كونه عذرا، بل المراد رفع الأحكام المترتبة
على الفعل إذا وقع عمدا، فإن المعنى والله أعلم اغتفر لأمتي الأمر الممنوع منه إذا كان

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس - من كتاب الجهاد
151

خطأ أو نسيانا حتى كأنه لم يكن، فلا يتعلق به شئ من أحكام عمده، ولو قدرنا أن
المراد رفع جميع الأحكام فإنما يرفع الحكم الممكن رفعه لا مطلقا، وما ذكره غير
ممكن الرفع، لامتناع الخلو عن جميع الأحكام الشرعية " إلى آخره. مع أنه لا يخلو
بعض كلامه من نظر، والعمدة ما ذكرنا.
وليس لما في المختلف سوى ما حكي عنه من أنه لم يأت بالمأمور به على وجهه،
فلم يخرج عن العهدة، فيعيد في الوقت لا في خارجه، لأن القضاء محتاج إلى أمر جديد،
وفيه أن مقتضى الأدلة السابقة الاشتراط بعدم العلم بالغصب لا عدم الغصب، فهو حينئذ
على وجهه، ولو لم تكن على وجهها فهي فائتة، ومن فاتته فريضة فليقضها إجماعا ونصا (1)
ولعله لذا عدل عنه في الذكرى إلى الاستدلال بأن السبب وهو الوقت قائم، ولم يتيقن
الخروج عن العهدة، بخلاف ما بعد الوقت، لزوال السبب، والقضاء يحتاج إلى أمر
جديد، وإن كان فيه ما فيه أيضا، وعلى كل حال فلا وجه للتفصيل المزبور، كما أنه
لا وجه لما في كشف اللثام من أنه يمكن الفرق بين العالم بالغصب عند اللبس الناسي له
عند الصلاة وبين الناسي له عند اللبس، لتفريط الأول ابتداء واستدامة دون الثاني،
ضرورة أنه لو أثر ذلك لأثر أصل التفريط بالغصب في الثاني أيضا، فتأمل.
* (ولو أذن صاحبه لغير الغاصب أوله) * في الانتفاع به فضلا عن خصوص
الصلاة فيه * (جازت الصلاة فيه) * وصحت بلا إشكال ولا خلاف، لعدم حرمة التصرف
عليه كي يقتضي ذلك البطلان، وقول المصنف: * (مع تحقق الغصبية) * محمول على إرادة
الضمان، أو على إرادة أن العين باقية على الغصب بسبب منع يد المالك عنها وإن كان
اللبس والحركات مأذونا فيها، فإن هذا الإذن لا ينافي الغصب للعين بالمعنى المذكور،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب قضاء الصلوات
152

أو على إرادة تحقق الغصب في غير ما أذن له فيه، أو غير ذلك مما لا يقتضي الغصب
فيما أذن له فيه، ضرورة امتناع اجتماعهما، كما هو واضح، وفي جواز رجوعه عن الإذن
في أثناء الصلاة مع اقتضاء النزع البطلان وجوه، ثالثها التفصيل بين الإذن باللبس وبين
الإذن بخصوص الصلاة فيه، فيجوز في الأول لا الثاني، تسمع تمام البحث فيها في المكان
إن شاء الله، كما أنك تسمع فيه إن شاء الله غير ذلك مما له تعلق في المقام.
* (ولو أذن مطلقا) * بأن قال: أذنت في الصلاة فيه أو لكل أحد * (جاز لغير
الغاصب) * قطعا، أما له فلا، عملا * (على الظاهر) * من حاله المستفاد من عادة غالب
الناس من الحقد على الغاصب وميل النفس إلى مؤاخذته والانتقام منه، فيقيد به المطلق
ويخص به العام بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كالفاضل والشهيدين والمحقق الثاني
وغيرهم، ومرجعه إلى ظن إرادة غيره من العام والمطلق، فيكون حينئذ هو المدار
وجودا وعدما، إذ لا ريب في اختلافه باختلاف الأشخاص وكيفيات الغصب وغير
ذلك، نعم قد يتوقف في الخروج عن ظاهر اللفظ بمثل هذا الظن، خصوصا في تخصيص
العام الذي يمكن دعوى تعبدية العمل بظاهره، إلا أن يعارض بظاهر آخر علم حجيته،
بل قد يمنع حصول الظن مع التصريح بالعموم اللغوي خصوصا إذا أكده، فتأمل جيدا.
المسألة * (السادسة لا تجوز الصلاة فيما يستر ظهر القدم كالشمشك) * - بضم الأولين
وسكون الثالث، وقيل بضم الأول وكسر الثاني، لكن في كشف اللثام ولعله ليس
بصواب - عند أكثر القدماء كما في المفاتيح، وكبراء الأصحاب كما في جامع المقاصد،
بل الأشهر كما في البيان، بل المشهور كما في المسالك والروضة وحكاه الفاضلان وغيرهما
عن الشيخين في المقنعة والنهاية، بل في المدارك زيادة ابن البراج وسلار، لكن المحكي عنهم
جميعا والجامع في كشف اللثام لا تجوز في الشمشك والنعل السندي مع استثناء الصلاة على
الموتى من سلار، ولا يظهر منه إلا النهي عنهما بخصوصهما، فقد لا يكون لسترها ظهر
153

القدم كما ظنه الفاضلان وغيرهما ممن سمعت حتى نسبه إلى الشهرة ونحوها، بل لورود
خبر (1) بهما كما عن الوسيلة، أو لأنه لا يمكن معهما الاعتماد على الرجلين في القيام أو
على أصابعهما أو إبهاميهما على الأرض عند السجود، نعم هذا التعميم خيرة المصنف
والفاضل في بعض كتبه والشهيد والمحكي عن السرائر، خلافا للفاضل في بعض آخر من
كتبه والمحقق الثاني والفاضل الميسي والشهيد الثاني وسبطه والكاشاني فالكراهة، كما
عن المبسوط والوسيلة والاصباح لكن مع عدم التعميم المزبور، بل خصوها بالشمشك
والنعل السندي، وعن مجمع البرهان والبحار والكفاية الجواز من غير تعرض للكراهة،
وفي الروضة أن الجواز قوي متين، ولم يتعرض له في الدروس، وضعف ما في المعتبر
من دليل المنع في الذكرى.
وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى الجواز، لاطلاق أوامر الصلاة، وإطلاق
جوازها في النعل، والتوقيع (2) المروي عن الاحتجاج وغيره " إن محمد بن عبد الله
ابن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله هل يجوز للرجل أن
يصلي وفي رجليه بطيط لا يغطي الكعبين أم لا يجوز؟ فوقع (عليه السلام) جائز " بناء
على إرادة العظمين من الكعبين فيه، بل وعلى إرادة قبتي القدم منهما إن قلنا بأن
موضوع البحث ما يستر ظهر القدم بعضا أو كلا كما فهمه في حاشية الإرشاد وإن كان
خلاف ظاهرهم، والبطيط رأس الخف بلا ساق، كأنه سمي به تشبيها بالبط، وغير ذلك مما هو سالم عن معارض معتد به، إذ ليس إلا ما في المعتبر من عدم فعل النبي (صلى الله
عليه وآله) والصحابة والتابعين، يعني (3) وقوله (صلى الله عليه وآله): " صلوا كما رأيتموني
أصلي " والمرسل (4) في الوسيلة " روي أن الصلاة محظورة في الشمشك والنعل السندية "

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 4 - 7
(3) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر زيادة كلمة " يعني "
154

وخبر سيف بن عميرة (1) " لا يصلى على جنازة بحذاء " مع أن صلاتها أوسع من غيرها.
والجميع كما ترى، إذ الأول شهادة على نفي غير محصور، إذ من الذي أحاط
علما بأنهم كانوا لا يصلون فيه، واحتمال كون المراد منه الدليل الثاني - فيكون المراد
أنه يجب أن يصلى كما رأوه يصلي، فلا يجوز أن يصلى إلا فيما رؤي يصلي فيه، أو رأى
غيره فأقره عليه، فيكفي في المنع حينئذ عدم العلم بصلاتهم فيه - يدفعه أولا أنهما دليلان
مستقلان لا يدخل أحدهما في الآخر، ضرورة رجوع الأول منهما إلى أدلة التأسي
المطلقة، والثاني إلى خصوص الخبر المزبور، وثانيا أن المراد بالخبر بعد التسليم وجوب
الصلاة عليهم كصلاته (صلى الله عليه وآله) التي رأوها منه، فكل فعل فيها أولها
وترك كذلك يجب فعله وتركه، أما إذا كان محتملا لعدم اعتياده لهم فإنه ليس لباس
العرب والحجاز فليس مما رأوه تركه للصلاة، إذ ذاك إنما يعلم باستمرار نزعه لها، بل
في جامع المقاصد لو علم نزعهم له حال الصلاة لم يكن دالا على ذلك لأعميته منه ومن
الاستحباب، وإن كان قد يناقش بمنافاته الخبر المزبور، بل ولدليل التأسي السابق
الذي لا يفرق فيه بين الفعل والترك، اللهم إلا أن يعتبر في مفهومه معرفة الوجه كما هو
ظاهر كلام الأصوليين.
وفي الثاني - بعد تسليم حجية مثله مما لم نجده مسندا في طرقنا، مضافا إلى ما عرفت
- ما في كشف اللثام، قال: " إنه ظاهر في إرادة أجزاء الصلاة وكيفياتها لا كيفيات
شروطها " قلت: بل لو كان المراد من هذا الخبر تناول اعتبار كل ما تركه (صلى الله
عليه وآله) في صحة الصلاة وإن لم يعلم كونه لها لكان مقتضاه ثبوت فقه جديد لا يقول
به أحد من الإمامية بل ولا من المسلمين، وليس هو من التخصيص قطعا بناء على جوازه
وإن كان أضعاف الداخل، بل هو مما لم يرد فيه العموم أصلا كما ذكرنا، ولعله إلى

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب صلاة الجنازة - الحديث 1 من كتاب الطهارة
155

ذلك يرجع ما عن المختلف من الجواب بأن المراد المتابعة في الأفعال والأذكار لا في الجميع،
إذ لا بد من مفارقة بين المثلين وإلا اتحدا، يعني لا في التروك، وإلا لم تجز الصلاة إلا في
عين ما صلى فيه من اللباس والمكان والزمان، لأنه صلى الله عليه وآله تارك للصلاة في غيرها وإن قال:
لا بد من المتابعة في ترك نوع ما تركه لزم أن لا تجوز الصلاة إلا في الأنواع التي صلى
فيها من الألبسة، فلم يجز في غيرها ولا يقول به، واحتمال أن له أن يقول لا بد من
المماثلة في كيفية الستر لا كيفيات الألبسة في أنفسها ولا في أنواعها يدفعه ما عرفت، مع
أنه تشهي وتحكم.
وفي الثالث أنه - مع عدم حجية مثله، وعدم اقتضائه التعميم الذي في المتن
وغيره، وعدم العمل به ممن أرسله - لا يصلح معارضا لما سمعت، ودعوى جبر سنده
ودلالته بالشهرة كما ترى.
وفي الرابع - مع قصوره أيضا - أنه غير معمول بظاهر كما ستعرفه إنشاء الله
في صلاة الجنازة كي يستفاد من فحواه ما نحن فيه، ودعوى أن المراد من هذه الأدلة
منضمة إلى الشهرة حصول الشك، فيجب حينئذ اجتنابه تحصيلا ليقين البراءة يدفعها
أنها قاصرة عن إفادة الشك أيضا حتى الشهرة بين القدماء وبعض المتأخرين في خصوص
الشمشك والنعل السندي لو قلنا بتحققها بذهاب من عرفت بعد نفي إرادتهم الكراهة
من نفي الجواز كما وقع لهم، لمعارضتها بالشهرة المتأخرة وغيرها مما سمعت، على أنه قد
عرفت غير مرة عدم شرطية المشكوك فيها عندنا، فلا محيص عن القول بالجواز
نعم لا يبعد الكراهة في خصوص الشمشك والنعل السندي تنزيلا لمرسل
ابن حمزة (1) عليها، ولو جعلناهما فيه مثالا لكل ما يستر ظهر القدم أو قلنا بالاكتفاء
فيها بالتفصي عن شبهة الخلاف أو بفتوى الفقيه أمكن القول بالتعميم.

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7
156

ثم إن الظاهر كما عرفت اختصاص البحث منعا أو كراهة بما يستر تمام ظهر القدم،
أما ما ستر بعضه فينبغي القطع في جوازه، لكن في حاشية الإرشاد للكركي التعميم في
الكراهة، كما عن البحار أنه لا يبعد شموله لما يستر أكثر ظهر القدم، ولعلهما أخذا
ذلك من التمثيل بالشمشك والنعل السندية، وهما غير ساترين تمام ظهر القدم على الظاهر،
وكأن المجلسي (رحمه الله) لحظ في اقتصاره على إلحاق الأكثر أنهما - خصوصا الشمشك
بناء على أنه المشاية البغدادية كما عن مجمع البحرين نسبته إلى بعضهم، ولعلها المسماة عندنا
الآن باليمني - يستران الأكثر، وهو كما ترى خروج عن ظاهر عبارات الأصحاب
بالتهجس، نعم يمكن إلحاق ما استغرق تمام الظهر ولم يستر لعدم كثافته أو لأن فيه
بعض الخروق التي لم تخرجه عن اسم الساتر، بل جزم به الأستاذ في كشفه، بل يمكن
القول بعدم المداقة في استيعاب تمام الظهر، والظاهر أن المراد المتخذ لباسا كذلك،
فلا يشمل الستر بخرقة ونحوها، ولو خيط بغيره من السروال ونحوه أمكن ارتفاع
الكراهة والحرمة، بخلاف الملبوس معه من غير خياطة وإن كان متصلا به.
* (و) * كيف كان ف‍ * (يجوز) * بلا كراهة * (فيما له ساق كالخف والجورب) * إجماعا
بقسميه ونصوصا (1) والمراد من كون الساق له أنه يغطي بعض الساق، لكن يكفي
فيه مسمى تغطية بعض الساق لا أن المراد وضعه على أن له ساقا وإن كان لبسه من لا يغطى
به بعض ساقه، مع احتماله ويكون المدار على الوضع، لكن يشكل بأن مقتضاه المنع
أو الكراهة من الصلاة فيما لا ساق له لمن يغطى به بعض ساقه لصغر قدمه، ولعلنا
نلتزمه، وأولى بالجواز الصلاة بذي الساق الذي لم تحصل فيه التغطية الفعلية لعارض
في ساقه من كف ونحوه، فتأمل.
* (ويستحب في النعل العربية) * إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا صريحا وظاهر،

(1) الوسائل - الباب 31 - من أبواب النجاسات
157

للنصوص الكثيرة (1) حتى أن في بعضها عن الرضا (عليه السلام) (2) " أفضل موضع
القدمين للصلاة النعلان " لكنها مطلقة نزلها الأصحاب على العربية للانسياق من
الاطلاق، ولأنها هي التي لا تمنع من السجود على الابهامين وغيره مما يعتبر في الصلاة،
لا لتعارف اللبس الذي لا يقضي بتعارف الاطلاق، إلا أن الانصاف عدم خلوه من
إشكال، ولذا عمم الحكم في المدارك والمحكي عن البحار، ويؤيده التسامح، نعم ينبغي
استثناء النعال الملس المسماة بالممسوحة، وكأنها لعدم تخصيرها، وللمبالغة في النهي عنها
في النصوص (3) كالنعل السوداء (4) المضعفة للبصر والمرخية للذكر والمورثة للهم،
عكس الصفراء التي لم يزل لابسها مسرورا حتى يبليها (5) بل إن كانت مائلة إلى البياض
لم يعدم مالا وولدا (6) كما أن البيضاء لم يبلها حتى يكتسب مالا من حيث لا يحتسب (7).
المسألة * (السابعة كل ما عدا ما ذكرناه) * من الذهب ولباس الشهرة وغيرهما مما
حرم لبسه وذكره المصنف * (تصح الصلاة فيه بشرط أن يكون مملوكا) * عينا ومنفعة
أو منفعة غير ممنوع من التصرف فيه برهن أو غيره * (أو مأذونا فيه) * عموما أو خصوصا
منطوقا أو مفهوما، بل لو أفادت القرائن القطعية الرضا الفعلي جاز أيضا، إذ احتمال
التعبد بالألفاظ مقطوع بعدمه، بل يمكن دعوى القطع من النصوص (8) والسيرة
القطعية وغيرها الاكتفاء بها في تحصيل الرضا التقديري، بمعنى أنه لو علم بذلك لرضي

(1) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 9
(2) الوسائل - الباب - 37 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 9
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 40 - من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(7) الوسائل - الباب - 39 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(8) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب مكان المصلي
158

به، أما القرائن المفيدة ظنا بالإذن الفعلية أو الإذن التقديرية فتسمع البحث فيها في
المكان إن شاء الله، وكان اشتراط المصنف ذلك هنا مع تقديمه حكم المغصوب الذي
قد يظن أن غيره ليس إلا المملوك أو المأذون فيه، فيندرج حينئذ فيما ذكره، لأعمية
غير المغصوب من ذلك كالمشتري بالبيع الفاسد وغيره مما لا يندرج تحت اسم المغصوب
عرفا وإن كان هو بحكمه شرعا في عدم جواز الصلاة فيه لفقده الملك والإذن وغيره.
* (و) * أما اشتراط * (أن يكون طاهرا) * فهو مفروغ منه في الجملة * (و) * إنما لم نذكره هنا
لأنه * (قد بينا حكم) * الصلاة في * (الثوب النجس) * مفصلا في كتاب الطهارة، ومنه يعلم
اشتراط الطهارة، فلاحظ وتأمل.
* (و) * كيف كان ف‍ * (يجوز للرجل أن يصلي في ثوب واحد) * قولا واحدا ونصوصا (1)
وما في بعض النصوص (2) من الأمر بلبس ثوبين محمول على الاستحباب، كآخر (3)
الدال على وضع شئ على منكبيه إذا صلى بالسراويل، ضرورة كون المستفاد من
الأصل والنصوص (4) والفتاوى وجوب ستر العورة خاصة للرجل في الصلاة من غير
مدخلية للاتحاد والتعدد، فلو تستر حينئذ بمجموع ثوبين كل منهما غير ساتر بانفراده جاز
كالثوب الواحد الساتر بلا خلاف أجده، عدا ما عساه يظهر مما في المقنعة " لا تجوز في
قميص شف لرقته حتى يكون تحته غيره كالمئزر والسراويل أو قميص سواه غير شفاف "
وهو - مع أنه قد لا يريد الاشتراط بحيث لا يجوز في الفرض - ضعيف محجوج بالمستفاد
نصا وفتوى من إجزاء مطلق الستر من غير اشتراط أمر زائد، مضافا إلى الأصل،
وإطلاق مرفوع أحمد بن حماد (5) الآتي مراد منه ما لا يشمل ذلك قطعا، فليس

(1) الوسائل - الباب 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 11 - 2
(2) الوسائل - الباب 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 11 - 2
(3) الوسائل - الباب 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 11 - 2
(4) الوسائل - الباب - 21 و 22 - من أبواب لباس المصلي
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4
159

الشرط حينئذ إلا سترها.
نعم في اعتبار سترها حتى حجمها خلاف بين الأصحاب، خيرة الفاضلين
والذكرى والمحكي عن ابن فهد والصيمري والبحار والمدارك والمنظومة على ما حكي عن
البعض الثاني، للأصل وتحقق الستر، ولتجويز الصلاة في قميص واحد إذا كان كثيفا
في صحيح محمد بن مسلم وحسنه (1) والكثافة لا تفيد إلا ستر اللون، ولأن جسد المرأة
كله عورة، فلو وجب ستر الحجم وجب فيه، وهو معلوم البطلان في الصلاة فضلا
عن غيرها، خصوصا في الاحرام ونحوه، ولقول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر عبيد الله
الواقفي (2) لما أطلى فقيل له: رأيت الذي تكره، فقال: " كلا إن النورة سترة " بل
فيه أيضا أنه (عليه السلام) " كان يطلي عانته وما يليها، ثم يلف إزاره على أطراف
إحليله، ثم كان يعود القائد فيطلي سائر جسده " ولمرسل محمد بن عمر (3) " إن
أبا جعفر (عليه السلام) تنور فلما أن أطبقت النورة على بدنه ألقى المئزر، فقيل له في
ذلك، فقال: أما علمت أن النورة قد أطبقت العورة ".
لكن قد يناقش في ذلك كله بمنع تحقق الستر المطلق، لا المقيد باللون مثلا
عرفا بدون الحجم، إذ المراد به الشبح الذي يرى من خلف الثوب من غير تمييز للونه،
لا أن المراد به شكله الذي يرى مع الثوب حال لفه به مثلا، فإن ذلك لا يمنع تحقق
الستر قطعا، إنما البحث في الأول الذي هو عند التأمل الجيد إبصار لنفس البشرة من
خلل الساتر وإن لم يتميز لونها، ضرورة عدم كون المتستر به صقيلا ترتسم فيه صورته،
أو يحدث به ظل كي يكون هذا المرئي مثاله أو ظله، بل ليس هو إلا نفس الجسم،

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 18 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1 - 2 من كتاب الطهارة
(3) الوسائل - الباب 18 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1 - 2 من كتاب الطهارة
160

مع أنه يمكن منع الاجتزاء بالأول منهما، لعدم كونه سترا عرفا، ولمرفوع أحمد بن
حماد (1) " لا تصل فيما شف أو وصف " الذي قد يدعى أولوية إرادته من وصف
الثوب فيه مما نحن فيه، قال في التهذيب: يعني " الثوب المصقل " وهو إما كلام الشيخ
أو أحد الرواة كما جزم به في الوافي، وأنه تفسير للوصف. وعن المقنع وهو المصقل،
قال في كشف اللثام: " وهو يعطي إهمال الصاد إن كان تفسيرا له، أو للفظين كالقاع
الصفصف أي الأملس " قلت: لم أر من احتمل كونه بالضاد المعجمة عداه، فإنه قال:
يجوز أن يكون باعجام الضاد من الضف: أي الضيق كما في الصحاح عن أبي يزيد، وفي
الفائق عن ابن الأعرابي والضيق يؤدي إلى الوصف، وفيه مع أن المعروف كونه
بواوين من الوصف، وإن قال الشهيد في الذكرى: إن في خط الشيخ أبي جعفر
" أوصف " بواو واحدة أن الضيق قد يؤدي إلى وصف الحجم الذي قد عرفت أنه
لا ينبغي البحث في عدم وجوب ستره، وقال في الذكرى: " معنى شف لاحت منه
البشرة، ووصف حكى الحجم " وفي الوافي شف الثوب: أي رق، فحكي ما تحته ووصفه،
والمتجه حينئذ على ذلك بقاء النهي على الحرمة، لكن عن الوسيلة كراهية الثوب الشاف،
والمهذب الشفاف، إلا أنه قال في كشف اللثام: فإما أن يريد الصقيل أو الرقيق كما في
المبسوط والنهاية والنفلية: أي رقيقا لا يصف البشرة كما في المنتهى والتحرير، أو مع
وجود ساتر غيره، قلت: لا الشفاف الذي في الخبر المزبور الذي قد سمعت تفسيره
بما لا يناسب الكراهة.
نعم لا بأس بإرادة الأعم مما نحن فيه والارتسام من الخبر المزبور، فيكون
حينئذ مؤكدا لما قلناه من عدم حصول الستر به، مع احتمال أن يقال: لو قلنا بعدم
تيقن توقف صدق الستر على ستر الحجم باعتبار ستره في خصوص الصلاة للخبر المزبور

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
161

الذي لم يظهر من الأصحاب الاعراض عنه بالنسبة إلى ذلك، إذ إطلاقهم الستر محتمل
لما يشمله باعتبار توقف الصدق عليه، وإرساله بعد كونه في الكتب المعتمدة وقيام
بعض القرائن على صحته غير قادح، لا أقل من أن يكون ذلك مضافا إلى ما ذكرنا
موجبا للشك، فيجب حينئذ تحصيلا ليقين البراءة، بناء على أصالة الشغل، بل وعلى
المختار إن قلنا بانقداح الشك بذلك في المراد من الاطلاقات كما قررناه غير مرة،
ودعوى عدم الشك للأدلة المزبورة يدفعها أنه قد ظهر مما ذكرنا خروج أكثرها أو
جميعها عن الدلالة على عدم ستر الحجم بالمعنى الذي ذكرناه حتى صحيح ابن مسلم (1)
إذ الكثافة غالبا تستره بالمعنى المراد، بل الخبران (2) منها لا يحتملان أو ظاهران في
إرادة العانة لا القضيب الذي لم يتعارف وضع النورة عليه، ولعله لذلك أو وغيره كان
خيرة الأستاذ الأكبر الأول: أي وجوب الستر، بل هو المحكي عن فوائد الشرائع
وفوائد القواعد والجعفرية وجامع المقاصد، وإن كان لم نعثر عليه في الأول، والذي
عثرنا عليه في الأخير عدم الخلو من قوة، نعم حكاه فيه عن الذكرى وغيرها، ولم نجده
فيها صريحا، وقد ينقدح من تلك الأدلة المزبورة لفظية النزاع بحمل الحجم في كلام
النافي على غير الحجم في كلام المثبت.
وكيف كان فالمدار على تحقق إطلاق الستر بدون قيود كالستر في غير الشمس
وعدمه فيها وإن قرب أو بعد للمعمق في النظر وعدمه ولحاد البصر وعدمه ونحو ذلك،
فإن الظاهر تحقق مصداق لمطلقه في العرف، فيكون هو المدار، ضرورة كونه هو متعلق
الحكم لا المضاف منه، والحجم فيه بناء على وجوب ستره كاللون في ذلك، والله أعلم.
* (ولا يجوز للمرأة) * الحرة * (إلا في ثوبين: درع وخمار ساترة جميع جسدها) *

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 18 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1 و 2 من كتاب الطهارة
162

بهما أو بغيرهما مما يجزي الستر به، ضرورة عدم مدخلية خصوصهما في الصحة فذكرهما
في بعض النصوص (1) والفتاوى للمثال، إنما الكلام هنا فيما يجب ستره من بدنها،
ففي التذكرة وعن المعتبر والمختلف " عورة المرأة الحرة جميع بدنها إلا الوجه باجماع علماء
الأمصار " وفي المحكي عن المنتهى " بدن المرأة الحرة عورة بلا خلاف بين كل من
يحفظ عنه العلم " ولعله يريد ما عدا الوجه بقرينة ما حكي عنه أيضا من أنه لا يجب ستر
الوجه في الصلاة، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم، وفي الذكرى " أجمع العلماء على
عدم وجوب ستر وجهها إلا أبا بكر بن هشام " وفي التنقيح وعن الروض الاجماع على
ذلك أيضا، مضافا إلى ما سمعته من معاقد الاجماعات السابقة التي ظاهرها الاستثناء
من موضوع العورة لا عدم الستر في الصلاة خاصة حتى يجمع بينها وبين معقد إجماعه
بذلك، نعم يمكن أن يجاب بنحو ذلك بالنسبة إلى معقد اجماعيه وما شابههما، كما أنه
يجاب بنحوه عن المناقشة في معقد إجماع الكتب السابقة عليه بما تسمعه من الاجماع
صريحا وظاهرا منها ومن غيرها على عدم وجوب ستر الكفين في الصلاة، فيقال حينئذ
إنه عورة لا يجب سترها في الصلاة.
لكن قد يناقش في ذلك كله بما تعرفه إن شاء الله في باب النكاح من الخلاف
في جواز النظر للأجنبي إلى الوجه والكفين، بل في الرياض أن المشهور فتوى ورواية
الجواز في الجملة أو مطلقا، وحينئذ يشكل كونها عورة مطلقا، إذ معظم أحكامها النظر
والستر في الصلاة مثلا، ومن هنا قال في الرياض: لا يأتي لنا القطع بكون المرأة بجملتها
عورة من جهة الاجماع لمكان الخلاف، نعم في جملة (2) من النصوص العامة والخاصة
ما يدل عليها، لكنها بحسب السند قاصرة، ودعوى جبرها فتوى العلماء غير ممكنة
على سبيل الكلية، بل هي جابرة في الجملة، كما أن منه يعرف ما في شرح الأستاذ

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي
163

الأكبر، حيث أنه بعد أن ذكر أن مقتضى الاجماع والأخبار وجوب ستر ما سمي عورة
قال: " لا شك أن المرأة كلها عورة لغة وعرفا، أما لغة فظاهر، وأما عرفا فلأن
المتعارف التعبير عنها بالعورة، وإطلاق هذه اللفظة عليها شائع ذائع مع عدم صحة
السلب، على أنه قد ثبت كونها عورة شرعا من الأخبار مثل " إن النساء عي عورات " (1)
وغيره والاجماع، فإن الفقهاء قد اتفقت كلمتهم على أن المرأة كلها عورة، ثم يستثنون
شيئا منها.
ومن الغريب دعواه ظهور أنها عورة لغة وعرفا، قال في المجمل " عورة
الانسان سوأته، وكل شئ يستحى منه عورة " وفي مختصر النهاية ما يستحى منه إذا
ظهر، والمراد أنه يستحيى منه في نفسه لكل أحد يراه، ولا ريب أن المرأة لا تستحيي
من خروج شئ من جسدها لمثلها أو لمحارمها مثلا، كما أن الرجل لا يستحيي إلا من
خروج سوأته، وأما العرف فليس العورة فيه إلا السوأة، نعم لما عرف وجوب الستر
للمرأة عن النظر وللصلاة وغيره من أحكام العورة تعارف حتى في النصوص المدعاة
إطلاق اسم العورة عليها بطريق الحمل مرادا منه أنها بمجموعها لا جميعها كالعورة في
أكثر الأحكام، نحو قولهم (2): " الطواف في البيت صلاة " لا أن لفظ
العورة مشترك فيه بين السوأة والمرأة لفظا أو معنى كما هو واضح بأدنى تأمل في
العرف واللغة وفي كلامهم في البحث عن العورة، ولو سلم فلا دليل على وجوب ستر
المسمى بالعورة في الصلاة، بل أقصى مفاد النصوص وجوب ستر السوأة كما لا يخفى
على من تأملها.

(1) الوسائل - الباب - 130 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه - الحديث 1
من كتاب النكاح
(2) كنز العمال - ج 3 ص 10 - الرقم 206 وسنن البيهقي - ج 5 ص 78
164

فظهر من ذلك كله أنه يمكن حينئذ نفي كل ما شك في وجوب ستره منها في الصلاة
بالأصل السالم عن معارضة الدعوى السابقة التي لا يمكن ثبوتها بالاجماع المحصل، ولا بما
يورث الظن المعتد به من الاجماع المنقول وبعض النصوص.
نعم يمكن تحصيل الاجماع على وجوب ستر ما عدا الوجه والكفين والقدمين
والشعر والعنق في الصلاة فضلا عن منقوله، إذ المحكي عن ابن الجنيد من تساوي الرجل
والمرأة في العورة - مع أنه غير ثابت، لاحتمال وقوع ذلك منه في بيان اتحاد مسمى
العورة لا الملحق بها في الحكم من باقي الجسد، كما يؤيده ما قيل من أن المصنف في المعتبر
نسب إليه أن المرأة لا تكشف في الصلاة غير الوجه، وإن أبا العباس في المهذب نسب
إليه أن جسدها عورة دون رأسها - غير قادح، خصوصا مع عدم الدليل له سوى الأصل
المقطوع بما عرفت وتعرف، وما في كشف اللثام من قول أبي جعفر (عليه السلام) في
خبر زياد بن سوقة (1): " لا بأس أن يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محللة،
إن دين محمد (صلى الله عليه وآله) حنيف " الذي هو كما ترى ظاهر في غير الامرأة.
كما أنه غير قادح أيضا في الاجماع بقسميه لو كان خلافه في خصوص الرأس على
ما حكاه عنه أبو العباس، وإن كان قد يشهد له قول الصادق (عليه السلام) في خبر
ابن بكير (2): " لا بأس بالمرأة المسلمة الحرة أن تصلي وهي مكشوفة الرأس " إلا أنه
- مع قصوره عما عرفت وتعرف من المعارض - محتمل للضرورة، وللتخلي من الجلباب
وإن كان عليها خمار، وعن الشيخ " والصغيرة " وفي كشف اللثام " وللنافلة، وأن
يراد أنه لا بأس بها أن تكون بين أيدينا مكشوفة الرأس ونحن نصلي، أو وأنت تصلي "
وقوله (عليه السلام) في خبر آخر (3) له أيضا " لا بأس أن تصلي المرأة المسلمة وليس

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 6
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 6
165

على رأسها قناع " الذي هو - مع أنه كسابقه حتى في جملة من الاحتمالات - محتمل
للأمة والتستر بغير القناع من ملحفة ونحوها، كما في خبري علي بن جعفر (1) ومعلى
ابن خنيس (2) الآتيين، بل في النهاية الأثيرية وعن العين والمحيط والمحكم والصحاح
أن القناع أكبر من المقنعة وإن أنكره الأزهري على ما قيل.
فلا إشكال حينئذ في غير المذكورات، بل وفي الأخير منها أيضا المندرج في
النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات، وليس مما ظهر أو يحتاج إلى كشفه، مع
التصريح به من جماعة، بل في الذكرى لا شك في وجوب ستره من الحرة، بل لا خلاف
فيه فيما أجد، نعم في كشف اللثام في الألفية أنه أولى، ولعله ليس خلافا، وفي المدارك
يمكن الاستدلال بخبر الفضيل (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " صلت فاطمة
(صلوات الله عليها) في درع وخمارها على رأسها، ليس عليها أكثر مما وارت به
شعرها وأذنيها " ثم قال: " وفي رواية زرارة إشعار به أيضا مشيرا إلى صحيحه (4)
قال: " سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلي فيه المرأة فقال: درع وملحفة
تنشرها على رأسها وتجلل بها " وهو مع أنه ليس خلافا أيضا فيه أن الصحيح مشعر
بخلاف ذلك، ضرورة كون التجلل بالملحفة المنشورة على رأسها ساترا للعنق، إذ المراد
به الالتفاف بها أو نحوه، وأما خبر الفضيل فمع ضعفه وقصوره عن المقاومة لما سمعت
وتسمع من النصوص (5) الآمرة بالقناع والمقنعة والخمار ونحوها الساترة للعنق عادة،
بل في التذكرة الخمار هو الجلباب، وهو ما يغطي رأسها وعنقها محتمل للعنق لإرادة بيان عدم
الزيادة على الدرع والخمار من الإزار والملحفة ونحوهما، لا أن المراد ما كان على رأسها
من الخمار إلا قدر قليل تستر به الشعر والأذنين، بل ظاهر قوله (عليه السلام):

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 5
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 9 - 0 -
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 9 - 0 -
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 9 - 0 -
166

" وارت به شعرها " كون خمارها (عليها السلام) كالخمر المتعارفة التي تستر الشعر المنسدل
على الكتفين والعنق غالبا، وليس فيه أنه جمعت الشعر كله تحت ذلك، فالخبر المزبور
حينئذ أولى في الدلالة على ستر العنق من عدمه، لاستلزام ستر الشعر المنسدل عليه ستره
قطعا، كما أنه واضح الدلالة على ستر الشعر وإن كان هو حكاية فعل، إلا أنه مع
إمكان جريان دليل التأسي بناء على عدم اختصاصه بالنبي (صلى الله عليه وآله) وعدم
اشتراط معرفة الوجه فيه ظاهر في كون المراد من حكاية ذلك أنه لا يجب أزيد من
ذلك من إزار ونحوه، وأن هذا أقل الواجب، وسأل علي بن جعفر أخاه (عليهما السلام)
في الصحيح (1) " عن المرأة ليس لها إلا ملحفة واحدة كيف تصلي؟ قال: تلتف فيها
وتغطي رأسها وتصلي، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس "
وزرارة (2) أبا جعفر (عليه السلام) ما سمعته، ولعل المراد برأسها ما يشمل الشعر،
فيشمله حينئذ الاجماع في الخلاف، بل في كشف اللثام ممن عدا أبي علي على وجوب
ستر الرأس.
كما أنه يدل عليه فحوى ما تسمعه في الصبية والأمة قيل والاجماعات المحكية على
أنها عورة من غير استثناء للشعر مع استثناء غيره، كما يومي إليه ترك التعرض له بالخصوص
من كثير لا لعدم وجوبه عندهم كما ظن، بل لا يبعد إرادته من الجسد والبدن في معقد
إجماع بعضهم، بل في الرياض لو كان مرادهم بالجسد ما يقابل الشعر ما كان لأمرهم
بلزوم الخمار وجه، لستر الشعر جلد الرأس، فكان فيه غنى عن الخمار قطعا، وإن كان
قد يناقش فيه بأنه يمكن عدم الاكتفاء بالشعر في الساتر، لعدم اعتياده أولا، ولظهور
الأدلة في اعتبار كون الساتر من غير المستور كما ستعرف ثانيا.
نعم لا بأس بالاستدلال في نصوص الخمار لا لذلك بل لظهوره ولو بحسب المتعارف

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 9
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 9
167

فيه المشاهد منه الآن على نساء الأعراب في الساتر للشعر، ففي صحيح يونس بن
يعقوب (1) " إنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي في ثوب واحد قال:
نعم، قلت: فالمرأة؟ قال: لا، ولا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار إلا أن لا تجده "
وصحيح محمد بن مسلم (2) قلت لأبي جعفر (عليه السلام): " ما ترى للرجل يصلي
في قميص واحد؟ فقال: إذا كان كثيفا فلا بأس به، والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة
إذا كان الدرع كثيفا، يعني إذا كان ستيرا " وموثق ابن أبي يعفور (3) قال أبو عبد الله
(عليه السلام): " تصلي المرأة في ثلاثة أبواب: إزار ودرع وخمار، ولا يضرها بأن
تقنع بخمار، فإن لم تجد فثوبين تتزر بأحدهما وتقنع بالآخر، قلت: فإن كان درع وملحفة
ليس عليها مقنعة فقال: لا بأس إذا تقنعت بملحفة، فإن لم تكفها فلتلبسها طولا "
وخبر أبي البختري (4) المروي عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي
(عليهم السلام) " إذا حاضت الجارية فلا تصلي إلا بخمار " إلى غير ذلك من النصوص
التي لا ينكر ظهورها في ذلك.
ومن هنا نص الشهيدان في الذكرى والدروس والروض والمقاصد العلية على ما
حكي عن ثانيهما والمحقق الثاني في جامع المقاصد وفوائد الشرائع والإصبهاني في كشفه
والعلاقة الطباطبائي في منظومته والفاضل المعاصر في رياضه على وجوب ستره، ولعله
ظاهر الأستاذ الأكبر، بل والمحكي عن الألفية وإن قال فيها إنه أولى، خلافا للسيد
في المدارك، ولم أجد له موافقا صريحا معتدا به، نعم عن القاضي في شرح الجمل أنه
حكي عن بعض أصحابنا ذلك أيضا، ولا ريب في ضعفه كمستنده من الأصل المقطوع

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 8 - 13
(3) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 8 - 13
(4) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 8 - 13
168

بما عرفت، وإشعار اشتراط الكثافة في الدرع خاصة في صحيح ابن مسلم الذي هو
مناف له أيضا، إذا لا ريب في اعتبار ستر المقنعة ولو من جهة جلدة الرأس، بناء على
عدم الاكتفاء بالشعر كما عرفت، فلا بد من عدم إرادة ذلك من التخصيص، واحتمال
خروج ما طال من الشعر عن الرأس الذي يمكن منعه عليه، لما عرفت، وغير ذلك مما لا
يخفى الجواب عنه بعد الإحاطة بما عرفت، فحينئذ ستره مع كونه أحوط أقوى.
نعم لا بأس باستثناء ما عدا ذلك مما ذكرناه وذكره المصنف وغيره بقوله * (عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين على تردد في القدمين) * أما الوجه فللأصل بناء على
ما ذكرنا، ولاستثنائه في معاقد الاجماعات السابقة، وخصوص إجماع الذكرى والروض
والتنقيح المتقدمة آنفا، وللسيرة القطعية، وشدة الحاجة إلى كشفه، وتفسير ابن عباس
ما ظهر من الزينة به والكفين، وغيره مما استدلوا به على جواز النظر إليه، بناء على
اقتضاء ذلك عدم كونه من العورة فيه وفي الصلاة، ولظهور جملة من النصوص (1)
السابقة وغيرها خصوصا خبر الفضيل (2) فيه، ضرورة عدم تعارف ستره بالمقنعة والخمار
ونحوهما، وخصوص موثق سماعة (3) " سألته عن المرأة تصلي متنقبة قال: إذا كشفت
عن موضع السجود فلا بأس به، وإن أسفرت فهو أفضل " وغير ذلك، خصوصا
ما ستعرفه إن شاء الله من كراهة النقاب لها، فما عن ابن حمزة في وسيلته من أنه يجب
ستر جميع بدنها إلا موضع السجود، بل في الغنية والجمل والعقود ذلك من غير استثناء
كما ترى، وكذا ما في الإشارة " تكشف بعض وجهها وأطراف يديها وقدميها " لكن
قد يريد ستر بعض الوجه من باب المقدمة، كما أنه يمكن إرادة ما عدا الوجه من السابقين
عليها، بل عن السرائر أنه حكي استثناؤه عن الجمل والعقود، وإلا لم يكن لهم دليل

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 1
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
169

سوى بعض نصوص (1) الملحفة والأزار التي لو سلم دلالتها لا تقاوم ما ذكرنا، ودعوى
كونها جميعها عورة ممنوعة كما عرفت، أو مخصصة بعد التسليم بما سمعت.
والمراد بالوجه وجه الوضوء بناء على أن ذلك التحديد من الشرع، لكشف
العرف كما قلناه في نظائره، فيخرج عنه حينئذ الصدغان وغيرهما مما لا يجب غسله منه،
ويدخل فيما دل على وجوب ستر الرأس، لكن في الذكرى وفي الصدغين وما لا يجب
غسله من الوجه نظر، من تعارض العرف اللغوي والشرعي في كشف اللثام يعني في
الوجه، فإنه لغة ما يواجهه به، وشرعا ما دارت عليه الإصبعان، لكنه إنما ثبت في
الوجه المغسول في الوضوء خاصة، أو في الرأس، لدخول ما خرج من الوجه فيه، وهو
إن سلم فالخروج في الوضوء خاصة، وفي الجميع ما عرفت، مع أن اللغوي لا يعارض
العرف الشرعي، واحتمال كون التعارض المزبور في الرأس كما ترى.
وكيف كان فلا ريب في خروج الأذنين منه، كما صرح به في الذكرى والدروس،
ومن الغريب ما قيل من احتمال دخولهما في الوجه، ضرورة خروجهما عنه عرفا وشرعا
كما هو واضح.
وأما الكفان فعندنا كما في المختلف لا يجب سترهما في الصلاة، بل عن المعتبر
والمنتهى نسبته إلى علمائنا، بل في التذكرة وجامع المقاصد وعن الروض الاجماع صريحا
عليه، بل في الذكرى إجماع العلماء إلا أحمد وداود، وهو الحجة في تخصيص ما دل
على عورية بدن المرأة كله إن كان، وإلا كان هو مع الأصل الحجة على ذلك، مضافا
إلى ما في صحيح ابن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) وخير الفضيل (3) عنه
(عليه السلام) أيضا، وصحيح ابن أبي يعفور (4) عن الصادق (عليه السلام) وخبر

(1) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 7 - 1
(2) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 7 - 1
(3) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 7 - 1
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8
170

يونس بن يعقوب (1) عنه (عليه السلام) أيضا المتقدمة سابقا، وغير ذلك مما دل (2)
على جواز صلاتها بالدرع والخمار، بناء على ما ذكره غير واحد من أن الغالب في الدرع
عدم ستره الكفين الذي يقصر معارضته بما في الحدائق من أن الغالب فيه العكس
مدعيا أنه المشاهد في نساء العرب الآن، والأصل عدم التغيير، وأنه الذي أومي إليه
في بعض النصوص، كالمرسل " إن فاطمة (عليها السلام) كانت تجر أدراعها
وذيولها " وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " من جر ثوبه خيلاء لم ينظر
الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: كيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا،
قالت: إذن تنكشف أقدامهن، قال: إذن يرخين ذراعا لا يزدن " (3) وقوية سماعة (4)
عن الصادق (عليه السلام) " في الرجل يجر ثوبه قال: إني أكره أن يتشبه بالنساء "
مع أن هذا المرسل المزبور غير ثابت، كما أنه غير دال إلا على الذيول التي لا مدخلية
لها فيما نحن فيه لا غيرها الذي لو كان منع من المشي، بل هو دال على ذلك بالنسبة إلى
زمان النبي (صلى الله عليه وآله) قبل أن تغلب على الناس المدن والتحضر كما في زمن
الصادقين (عليهما السلام)، كل ذا مضافا إلى ما دل على جواز النظر إليهما من السيرة
وشدة الحاجة، وما عن ابن عباس من تفسير قوله تعالى (5): " إلا ما ظهر " بهما
والوجه، وغير ذلك مما يقضي بأنه ليس كالعورة، فلا يجب ستره في الصلاة، للأصل،
وحصر وجوب الستر في العورة في النص (6) والفتوى، أو ما نزل منزلتها.
وأما القدمان فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ذلك أيضا من غير فرق

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 0 -
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 0 -
(3) سنن النسائي - ج 8 ص 29 المطبوعة بالأزهر
(4) الوسائل - الباب 23 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 4 من كتاب الصلاة
(5) سورة النور - الآية 31
(6) الوسائل - الباب - 3 و 4 - من أبواب آداب الحمام من كتاب الطهارة
171

بين ظاهرهما وباطنهما كما صرح به الشهيدان والمحقق الثاني، بل لعل الاقتصار على الظهر في
القواعد والتحرير والبيان والمحكي عن المبسوط والاصباح والجامع وغيرها لا لوجوب ستر الباطن
كما ظن باعتبار استتاره غالبا بالأرض أو الثياب، فلا حاجة إلى كشفه، بل لأنه مفروغ
منه ولو للسيرة القطعية على عدمه، وإلا لم يجتز بالأرض ساترة له مع التمكن من غيرها،
ولأولويته من الظاهر والوجه والكفين قطعا، فما في المدارك من الاقتصار على الظاهر
في معقد نسبته إلا الأكثر يمكن إرادته ذلك، وإن كان قد يناقش فيه أيضا بأن إطلاق
عدم ستر القدمين أو مع التنصيص على عدم الفرق بين الظاهر والباطن هو المشهور كما
عرفت، بل هو الأقوى، لأصل، ونصوص الدرع والثوب (1) التي قد تقدم شطر
منها، بناء على ما عرفته من أن الغالب فيه عدم ستره الظهر تمامه أو بعضه، ويتم بعدم
القول بالفصل، بل هو المشاهد الآن، والأصل عدم التغير، لا أقل من أن يكون
ذا فردين أو أفراد، منها ما لا يحصل به التغطية خصوصا في زمن الصادقين (عليهما السلام)
فالاطلاق وترك الاستفصال حينئذ هو الحجة.
وما في التذكرة من أن الدرع هو القميص السابغ الذي يغطي ظهور القدمين
لم نتحققه، على أن في بعض النصوص الثوب، وتعارف الذيل كما في الخبر (2) والمرسل
السابقين لا يقتضي ستر الظهر وأولويتهما من الوجه والكفين، بل يمكن دعوى السيرة
أيضا على عدم سترهما، كل ذا مضافا إلى ما ذكروه في باب النكاح مما يدل على عدم
وجوب سترهما عن الأجنبي ككونهما مما ظهر من الزينة في بعض النصوص وغيره مما هو
مسطور في محله مما هو ظاهر في اقتضائه عدم كونهما مما نزل منزلة العورة في وجوب الستر
للصلاة أيضا، وإلى إمكان دعوى الاجماع على عدم وجوب الستر في خصوص الظهر

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب 23 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 4 من كتاب الصلاة
172

هنا كالكفين، إذ لا خلاف فيهما فيما أجد إلا من خالف في الوجه، والاقتصاد حيث
اقتصر على استثناء الوجه خاصة، والمقنع حيث قال: " أقل ما يجزي الحرة البالغة درع
سابغ إلى القدمين وخمار " وبعض متأخري المتأخرين مما لا يقدح خلافهم في تحصيل
الاجماع، ولذا ادعاه من عرفت في الوجه والكفين، أو يكون مرادهم مما أطلقوه من
كون بدن المرأة عورة عدا هذه المستثنيات المعلومة، ولعله لذا حكي عن ابن إدريس أنه
حكى عن الشيخ في الخلاف والجمل استثناء الثلاثة، مع أنه ليس إلا الوجه خاصة في
الخلاف، فتردد المصنف فيه هنا والنافع حينئذ في غير محله، خصوصا المتن حيث لم يعقبه
كما في النافع بالجواز بعد ذلك، بل يمكن أن يقال: إن القول بالوجوب فيهما مع القول
بعدمه في الكفين خرق للاجماع المركب، كما أنه يمكن القول بأنه إن تم في الظهر تم في
الباطن، لعدم قائل معتد به في التفصيل بينهما، لما عرفت من احتمال الاقتصار على الظهر
في الكتب السابقة المفروغية منه.
ومن ذلك كله تعرف ما في الحدائق من الميل إلى ما سمعته عن الاقتصاد من
وجوب ستر ما عدا الوجه محتجا بأنه عورة، وقد عرفت ما فيه، وبأن النصوص عدا
أخبار الدرع (1) لا تأبى الانطباق عليه، بل هي ظاهرة فيه، كصحيح زرارة (2)
ومحمد بن مسلم (3) وعلي بن جعفر (4) وموثق ابن أبي يعفور (5) المتقدمة سابقا.
وصحيح المعلى بن خنيس (6) " سألته عن المرأة تصلي في درع وملحفة ليس عليها إزار
ولا مقنعة قال: لا بأس إذا التفت بها، فإن لم تكفها عرضا جعلتها طولا " قال: والظاهر
من قوله: " إذا لم تكفها " إلى آخره. يعني لأجل الوصول إلى القدمين وسترهما،

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9 - 7 - 2
(3) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9 - 7 - 2
(4) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9 - 7 - 2
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8 - 5
(6) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8 - 5
173

وفيه اعتراف بأن الدرع قد لا يستر الظهر، وصحيح جميل بن دراج (1) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تصلي في درع وخمار قال: يكون عليها ملحفة تضمها
عليها " وفيه أن نصوص الملحفة والأزار ونحوها مما زاد على ما تستر به البدن كالدرع
والخمار محمولة على الندب عند الجميع، بل قد يفهم الكراهة من قول أبي الحسن (ع)
في صحيح عبد الرحمان بن الحجاج (2): " لا ينبغي للمرأة أن تصلي في درع وخمار،
قال: ويكون عليها محلفة تضمها عليها " وخبر علي بن جعفر (3) حيث سأل أخاه "
عن المرأة الحرة هل يصلح لها أن تصلي في درع ومقنعة قال: لا يصلح لها إلا في
ملحفة إلا أن لا تجد بدا " وأما صحيح علي بن جعفر المتقدم (4) فمحتمل لإرادة ما عدا
القدم من الرجل فيه، والأمر بالالتفاف في الملحفة لتوقف الستر عليه في مفروض
السؤال، ولا بأس بوجوب ستر الكفين مقدمة لستر غيرهما، فلا يتوهم منه حينئذ
وجوب سترهما أصالة، وبالجملة إعطاء النظر حقه في النصوص يقضي بما ذكرناه، بل
قد يستفاد من نصوص الملحفة والأزار، بناء على أن الحكمة في ذلك الاستظهار في ستر
القدمين والكفين، إذ لا ريب في اقتضاء حملها على الاستحباب عدم لزوم الستر المزبور
الحاصل منها للقدمين وغيرهما، فتأمل جيدا.
وقد ظهر من ذلك كله بحمد الله يجب على المرأة ستره للصلاة من غير فرق
بين وجود الناظر وعدمه وما لا يجب، لكن في كشف الأستاذ احتمال إلحاق ما في
باطن الفم من اللسان أو الأسنان ونحوهما بعورة الصلاة للمرأة في وجه قوي، ثم قال:

(1) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 11 - 14 - 2
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 10 ونصه، قال:
ليس على الإماء أن يتقنعن في الصلاة، ولا ينبغي للمرأة أن تصلي إلا في ثوبين " ولم نعثر
على رواية لابن الحجاج على ما نقله في الجواهر
(3) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 11 - 14 - 2
(4) الوسائل - الباب 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 11 - 14 - 2
174

وكذا الزينة المتصلة بالبدن الحاجبة له عن الرؤية كما سيجئ مشيرا به إلى قوله فيما بعد
ذلك: " والزينة المتعلقة بما لا يجب ستره في النظر على الأصح والصلاة من خضاب أو
كحل أو حمرة أو سواد أو حلي أو شعر خارج وصل بشعرها ولو كان من شعر الرجال
أو قرامل من صوف ونحوه يجب ستره عن الناظر دون الصلاة على الأقوى، ومع كشفها
للناظر في غير محل الرخصة عمدا لا يبعد البطلان " وهو بعد الاغضاء عن بعض ما في
عبارته كما ترى لا تساعد عليه النصوص ولا الفتاوى، بل ظاهرهما إن لم يكن المعلوم
منهما خلافه، خصوصا مع السيرة القطعية على عدم المحافظة على ستر اللسان والأسنان
ونحوهما، ومعلومية عدم بطلان صلاتها بالتبسم ونحوه، كمعلومية كراهة النقاب لها،
وكشف الزينة عمدا لو قلنا بحرمته لا مدخلية له في الصلاة، لاطلاق الأدلة، ضرورة
عدم التلازم بين وجوب الستر عن النظر ووجوبه للصلاة، ولذا اتفق ظاهرا على عدم
وجوب ستر الوجه مثلا لها حتى على القول بوجوب ستره للنظر، وكذا رأس الأمة
لو قلنا بوجوب ستره عن النظر، إذ من الواضح كون الحرمة حينئذ خارجة عن أفعال
الصلاة، فلا تقتضي فسادا، وهو أدرى بما قال، على أن ما حضرني من نسخة كشفه
غير نقية من الغلط، والله أعلم.
* (ويجوز أن يصلي الرجل عريانا إذا ستر قبله ودبره) * بناء على أنهما تمام العورة
* (على كراهية) * لا إذا لم يسترهما مختارا، فإنها تبطل حينئذ، للاجماع بقسميه منا ومن
أكثر العامة على اشتراط الصحة معه، ولقوله تعالى (1): " خذوا زينتكم عند كل
مسجد " بناء على ما حكاه في الذكرى بلفظ القيل من أنه اتفق المفسرون على أن
الزينة هنا ما يوارى به العورة للصلاة والطواف، لأنهما المعبر عنهما بالمسجد، بل قال:
ويؤيده قوله تعالى (2): " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم " امتن

(1) سورة الأعراف - الآية 29 - 25
(2) سورة الأعراف - الآية 29 - 25
175

الله تعالى باللباس المواري للسوأة، وهو ما يسوء الانسان انكشافه ويقبح في الشاهد
إظهاره، وترك القبيح واجب، وإن كان فيه ما لا يخفى، ولصحيح ابن مسلم (1) عن
أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يصلي في قميص واحد فقال: " إذا كان كثيفا فلا بأس "
إذ ليس البأس الثابت في المفهوم إلا الفساد ولو بمعونة الاجماع السابق، ولنصوص
العاري (2) المشتملة على إبدال الركوع والسجود بالايماء، والقيام في بعض الأحوال
بالقعود التي من المعلوم وجوبها في الصلاة، ولولا أن الستر شرط في الصحة لما جاز
ترك مثل ذلك لفقده، مع أن إطلاق وجوبها المتوقف وجوده على الستر قاض بوجوبه
ضرورة للمقدمة، ويتم حينئذ بعدم القول بالفصل، ولغير ذلك مما سمعته وتسمعه في
غير الامرأة وفيها، إذ وجوب سترها في الصلاة باعتبار كونها عوره، فحينئذ جميع
ما دل على ذلك فيها دال على المطلوب هنا، خصوصا مع انضمام عدم القول بالفصل،
فالشرطية في الجملة حينئذ عندنا من الواضحات فيها وفي أجزائها المنسية والركعات
الاحتياطية، بل وسجود السهو فيها على ما تعرفه في محله كسجود الشكر والتلاوة.
والظاهر أن النافلة كالفريضة في ذلك، لأصالة الاشتراك، لكن قد يظهر من
حمل ما في خبر ابن بكير (3) من نفي البأس عن صلاة الحرة مكشوفة الرأس في كشف
اللثام على النافلة الفرق بينهما في الجملة.
أما صلاة الجنازة فالأقوى عدم اشتراطها به، للأصل، وإطلاق النصوص (4)
وعدم كونها من الصلاة حقيقة، ولو سلم وأنه على الاشتراك المعنوي فلا إطلاق في

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة
176

النصوص (1) دال على اعتباره في مطلق الصلاة، مثل لا صلاة إلا بستر ونحوه كي
تندرج فيه، كما لا يخفى على من لاحظها، ومن ذلك يعلم حينئذ سقوط ما في الذكرى
وجامع المقاصد من القول به أو الميل إليه، لأنها من الصلاة حقيقة.
كما أنه علم مما عرفت أنه لا بحث في الاشتراط في الفريضة في الجملة، إنما البحث
في إطلاقها أو تخصيصها بالذاكر أو بغير التكشف مع عدم العلم في الأثناء أو مطلقا، قد
اضطربت كلمات الأصحاب في ذلك دعوى واستدلالا وتحريرا لمحل البحث كما لا يخفى
على من لاحظ جملة منها كالمبسوط والمعتبر والتذكرة والمنتهى والمختلف والذكرى والمدارك
وشرح الأستاذ والرياض وغيرها، وكان المهم تحرير دليل الشرطية كي يصح التمسك
بأصالة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه مطلقا التي مرجعها إلى إطلاق دليل الشرطية وإن
كان بلفظ الأمر والنهي، بناء على استفادة حكم وضعي منهما غير مقيد بالحكم التكليفي،
بل قد يقال بعدم إرادة غير الوضعي منهما إذا كانا في بيان ذلك، فيقتصر حينئذ في
الخروج عن الأصل المزبور - على تقدير ثبوته هنا، وعدم تحكيم حديث الرفع (2) عليه -
على خصوص المستفاد من صحيح علي بن جعفر (3) الآتي، أما إذا لم يكن دليل للشرطية
يتمسك باطلاقه كان المتجه حينئذ الاقتصار على المعلوم منها ونفي الباقي بالأصل، بناء على
المختار عندنا، ولعل الاضطراب الواقع في كلمات بعض الأصحاب لعدم تحرير ذلك هنا.
وقد يحتج لثبوتها على الوجه الأول مضافا إلى الآية (4) والصحيح السابق (5)
باطلاق معاقد بعض الاجماعات كاجماع جامع المقاصد ونحوه مما لم يتعقب بما يقتضي إرادة

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(4) سورة الأعراف - الآية 25
(5) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
177

حاكيه الشرطية في الجملة منه، وبالنهي في المرفوع (1) السابق عن الصلاة فيما شف
أوصف الظاهر في إرادة الكناية بذلك عن غير الستير، وبما في صحيح علي بن جعفر (2)
عن أخيه من الأمر بالتستر بالحشيش إذا تمكن منه، قال فيه: " سألته عن الرجل قطع
عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال: إن أصاب حشيشا
يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ
وهو قائم " وبالأمر بغسل الثوب من النجاسة والصلاة فيه مع الامكان في بعض
النصوص (3) وبالصلاة فيه مع عدم الامكان في آخر (4) وبما تقدم من نصوص ستر
الامرأة (5) وبغير ذلك، بل لعل ملاحظة جميع النصوص سؤالا وجوابا تشرف
الفقيه على القطع بإرادة شرطية الستر للصلاة منها، فحينئذ لا بأس بالتمسك في المقام بأصالتها
بناء على عدم تحكيم حديث الرفع عليها، فمن صلى حينئذ ناسيا للستر بطلت صلاته كما
صرح به الشهيد وغيره، بل ظاهر التذكرة والمنتهى والمحكي عن المعتبر الاجماع عليه
ظهورا كالصريح في ذلك كما لا يخفى على من لاحظها، ومنه يعلم حينئذ خروج هذا الفرد
عن محل النزاع، فما في المدارك والرياض وشرح الأستاذ من تحريره بما يشمل ذلك،
وإنه كغيره مختارين الصحة فيه أيضا في غير محله قطعا، ودعوى تنقيح المناط بينه وبين
مضمون صحيح علي بن جعفر ممنوعة كدعوى شموله لذلك، بل هي أشد منعا من
الأولى، فلا مناص عن البطلان حينئذ بناء على ما ذكرنا، كما أنه لا خلاف معتد به
على ما عرفت، نعم قد يظهر من المحكي عن الكاتب اختصاص الإعادة في الوقت دون

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 و 3
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب النجاسات
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي
178

خارجه، لأنه بأمر جديد، وفيه أن عموم " من فاتته " وغيره من أدلة القضاء (1)
شامل له كفقدان غيره من الشرائط.
ولا فرق فيما ذكرنا بين نسيان ستر جميع العورة أو بعضها، ولا بين جميع الصلاة
أو بعضها، كما لو علم عدم الستر في الأثناء فنساه حتى فرغ، أما لو انكشف قهرا بريح
أو بغيره على علم منه بذلك حال وقوعه فقد يقال: إن مقتضى ما ذكرناه سابقا من
الأصل البطلان وفاقا للتذكرة والمحكي عن المعتبر ونهاية الإحكام، بل هو من معقده
نسبة الأول له إلى علمائنا، لعدم شمول صحيح علي بن جعفر (2) الآتي له، لكن قد
يدعى الخروج عنه فيقال بالصحة، وفاقا للدروس وكشف اللثام والمنظومة وظاهر المبسوط
والبيان، لاقتضاء، صحتها لو لم يعلم به ثم علم به في الأثناء وستره المستفادة من الصحيح
الآتي الصحة هنا، ضرورة اتحادهما في العلم إلى حصول الستر، وعدم العلم به سابقا إنما
يرفع قدح الكشف حاله لا حال العلم الذي هو مقارن لبعض الصلاة، إذ لا فترة فيها،
فلا يصلح فارقا بين المسألتين، واحتمال الالتزام بعدم الصحة فيها أيضا يدفعه أولا
أنه خلاف المستفاد من البيان والتحرير والتذكرة والمحكي عن المعتبر والمختلف والمنتهى
ونهاية الإحكام، بل لم أجد مخالفا صريحا في ذلك، نعم ظاهر التحرير احتمال البطلان.
وثانيا أنه لا ريب في صدق مضمون الصحيح عليه، ولو سلم ظهوره في ذي الغفلة إلى
الفراغ أمكن دعوى استفادة حكم ذيها قبله منه بدعوى أن الظاهر اتحاد الجميع والبعض
في الحكم في الشرطية وعدمها، ومع فرض هذا الظهور لا ريب في استفادة اغتفار زمان
الستر كجاهل النجاسة وغيره مما لا ينكر ظهور العفو عنه في العفو عن لوازمه التي تلغى
ثمرة العفو بدونها، نعم يجب المبادرة إلى الستر، فلو تراخى فيه بطلت وإن لم يقع جزء

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب قضاء الصلوات
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
179

جديد منه كقراءة ونحوها، بل قد يشكل الصحة فيما لو احتاج الستر إلى زمان لا يصل
إلى حد محو صورة الصلاة، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، أما إذا لم يحتج
إلى زمان معتد به فيتجه الصحة حينئذ لما ذكرناه، اللهم إلا أن يقال: إن اشتراك
الجميع والبعض في العفو إنما يقتضي عدم البطلان من حيث التكشف زمن الغفلة،
والفرض أن البطلان ليس من ذلك، بل من التكشف من حال العلم إلى حال الستر،
وهو أمر آخر، فمع فرض تسليم ظهور الصحيح المزبور في ذي الغفلة المستمرة لا يستفاد
منه حكم الحال المزبور، وليس هو بمنزلة التصريح بالعفو عن الغفلة التي تعقبها العلم في
الأثناء كي يستفاد منه ولو بالالتزام العرفي العفو عن زمن العلم إلى التستر.
ولعله لذا فرق في التحرير بين استمرار الغفلة إلى تمام الصلاة وعدمه، فقال:
" لو انكشفت عورته في الأثناء ولم يعلم صحت صلاته، ولو علم في الأثناء سترها سواء
طالت المدة قبل علمه أو لم تطل، أدى ركنا أو لا، ولو علم به ولم يستره أعاد سواء
انكشف ربع العورة أو أقل أو أكثر، ولو قيل بعدم الاجتزاء بالستر كان وجها،
لأن الستر شرط وقد فات، أو يكون قد اكتفي باحتمال عدم الاجتزاء بالستر عن احتمال
البطلان مع استمرار الغفلة " وفيه أن مرجع ظهور اتحاد الجميع والبعض في حكم العفو
مثلا إلى الاندراج في الدليل وأنه لا مدخلية للجميعية الواقعة في السؤال مثلا، فتتحقق
حينئذ الدلالة على العفو عن زمان العلم إلى وقوع الستر الذي سلم أنه مستفاد من نفي
البأس عن الغفلة التي لم تستمر، فتأمل فإنه مع أنه ربما دق لا يخلو من بحث أيضا.
ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا إشكال في الصحة مع استمرار الغفلة لا لعدم التكليف
معها الذي لا ينافي الفساد، بناء على إرادة رفع الإثم من حديث الرفع (1) بل لأنه

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد
180

من مدلول صحيح علي بن جعفر (1) عن أخيه الذي رواه الشيخ وابن إدريس في المحكي
عن مستطرفاته نقلا عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، قال: " سألته عن الرجل يصلي
وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه إعادة أو ما حاله؟ قال: لا إعادة عليه وقد تمت صلاته "
وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين انكشاف جميع العورة أو بعضها وبين الخروج في تمام
الصلاة أو بعضها واستمر إلى الفراغ، وبه ينقطع الأصل المزبور في ذلك كله وفي غيره
مما يندرج فيه، خصوصا بعد عدم الخلاف فيه فيما أجد إلا ما سمعته من احتمال التحرير،
ولا ريب في ضعفه، وأنه كالاجتهاد في مقابلة النص.
وفي الذكرى بعد أن حكى عن ابن الجنيد " لو صلى وعورتاه مكشوفتان غير
عامد أعاد في الوقت فقط " وعن المبسوط " فإن انكشفت عورتاه في الصلاة وجب
عليه سترهما ولا تبطل صلاته سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا بعضه أو كله "
والمعتبر " لو انكشفت العورة ولم يعلم سترها ولم يبطل صلاته، تطاولت المدة قبل علمه
أو لم تطل، كثيرا كان الكشف أو قليلا، لسقوط التكليف مع عدم العلم - قال -:
كلام الشيخ والمحقق ليس فيهما تصريح بأن الاخلال بالستر غير مبطل مع النسيان على
الاطلاق، لأنه يتضمن أن الستر حصل في بعض الصلاة، ولو انتفى في جميع الصلاة لم
يتعرضا له بخلاف كلام ابن الجنيد، فإنه صريح في الأمرين، والرواية تضمنت الفرج،
وجاز كونه للجنس فيشمل الفرجين، وللوحدة، فإن كان للجنس ففيه مخالفة في الظاهر
لكلام ابن الجنيد، وإن كان للوحدة ففيه موافقة في الظاهر لكلام الجماعة، وليس
بين الصحة مع عدم الستر بالكلية وبينها مع عدمه ببعض الاعتبارات تلازم، بل جاز
أن يكون المقتضي للبطلان انكشاف جميع العورة في جميع الصلاة، فلا يحصل البطلان
بدونه، وجاز أن يكون المقتضي للصحة ستر جميعها في جميعها، فيبطل بدونه - إلى أن

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
181

قال -: ولو قيل بأن المصلي عاريا مع التمكن من الساتر يعيد مطلقا، والمصلي مستورا
ويعرض له التكشف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا كان قويا " وفيه أولا أن
النسيان خارج عن كلام الجميع كما عرفت، إنما المندرج فيه الانكشاف قهرا أو غفلة،
وهو لا يعلم به، وثانيا أنه وإن كان لا تلازم عقلا ولا شرعا بين الصحتين إلا أنه
لا ينكر اقتضاء الصحة في البعض الصحة في الجميع عرفا، لمعروفية اتحاد أجزاء الصلاة
في الشرطية، على أن ذلك هو مقتضى الأدلة هنا كما عرفت. وثالثا أنه لا فرق بين
الجميع والأثناء في الصحة مع فرض صدق مضمون الصحيح السابق، كما لا فرق بينهما
في الفساد مع عدمه كصورة النسيان. ورابعا أنه لا ريب في ظهور الفرج فيما يتناول
الكل والبعض كما اعترف به في كشف اللثام، ومن ذلك كله يظهر لك عدم تحرير
المسألة في المدارك وشرح الأستاذ والرياض وغيرها من كتب الأصحاب على ما ينبغي،
فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فما ذكره المصنف من أن العورة هي القبل والدبر هو المشهور بين
الأصحاب نقلا وتحصيلا، بل في الخلاف وعن السرائر الاجماع عليه، كما عن المعتبر
والمنتهى الاجماع على أن الركبة ليست من العورة، وفي التحرير وجامع المقاصد وظاهر
التذكرة الاجماع على خروجها، والسرة من العورة، لأصالة عدم ترتب شئ من أحكام
العورة على غير القبل والدبر مع قطع النظر عن كونها في العرف اسما لهما، والأصل عدم
التغيير، ولمرسل أبي يحيى الواسطي (1) عن الصادق (عليه السلام) " العورة عورتان:
القبل والدبر، والدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 2 عن أبي الحسن
الماضي عليه السلام
182

العورة " وخبر الصدوق (1) ومحمد بن حكيم عنه (عليه السلام) أيضا " الفخذ ليس
من العورة " كقوله (عليه السلام) في خبر الأخير: " إن الركبة ليست من العورة " (2)
وسأل علي بن جعفر أخاه في المروي (3) عن قرب الإسناد " عن الرجل بفخذه أو أليتيه
الجرح هل يصلح للمرأة أن تنظر أو تداويه؟ قال: إذا لم يكن عورة فلا بأس " وفي
خبر عبيد الله الواقفي المتقدم (4) سابقا ما سمعته، إلى غير ذلك.
والمراد بالقبل للرجل في النص والفتوى القضيب والبيضتان كما صرح به غير
واحد، بل في الذكرى أنه المشهور لأنه المتبادر، وللمرسل المزبور (5) بل لا أجد فيه
خلافا إلا ما في حاشية الإرشاد للكركي من أن الأولى إلحاق العجان بذلك في وجوب
الستر، والمراد به ما بين الأنثيين والدبر، ولا دليل له يعارض ما عرفت، كما أن ما
عن القاضي من أنها من السرة إلى الركبة، ولعله مذهب التقي أيضا وإن قال: إنه لا يتم
ذلك في الصلاة إلا بساتر من السرة إلى نصف الساق ليصح سترها في حال الركوع
والسجود، حتى أنه نسب إليه من جهة ذلك تحديد العورة به، لكنه كما ترى ضعيف
متروك عند الأصحاب، نعم هو قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي، وقال أبو حنيفة:
" إن الركبتين عورة " وهو مع مخالفته لما عرفت لا دليل عليه سوى ما عن قرب الإسناد
من قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر الحسين بن علوان (6): " إذا زوج الرجل

(1) الوسائل - الباب 4 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 4 - 2 من كتاب الطهارة
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1 من كتاب الطهارة
وفي الوسائل والتهذيب " إن الفخذ ليس من العورة "
(3) الوسائل - الباب - 130 - من أبواب مقدمات النكاح وآدابه - الحديث 3
من كتاب النكاح
(4) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1 من كتاب الطهارة
(5) الوسائل - الباب 4 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 4 - 2 من كتاب الطهارة
(6) الوسائل - الباب 44 - من أبواب نكاح العبيد والإماء - الحديث 7 من كتاب النكاح
183

أمته فلا ينظر إلى عورتها، والعورة ما بين السرة إلى الركبة " وخبر بشير النبال (1)
" إن أبا جعفر (عليه السلام) اتزر بإزار وغطى ركبتيه وسرته، ثم أمر صاحب الحمام
فطلى ما كان خارجا من الإزار، ثم قال: اخرج، ثم طلى هو ما تحته بيده، ثم قال:
هكذا فافعل " وخبر الخصال (2) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) " ليس للرجل
أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم " وهي - مع ضعفها، وعدم الجابر لها،
ومخالفتها لما عرفت، وموافقتها للعامة، وعدم صراحة بعضها، بل وعدم ظهوره - محمولة
على الاستحباب المشهور بين الأصحاب، بل عن الخلاف الاجماع على أن الفضل في
ذلك، وكأنه هو المراد مما في الغنية والمحكي عن الوسيلة من تسميته عورة إلا أنه يستحب
ستره، إذ احتمال إرادتهما كون ذلك منها حقيقة بحيث تجري عليه أحكامها في غير المقام
لكن فيه بالخصوص يستحب ستره بعيد جدا مخالف للاجماع بقسميه على وجوب
سترها في الصلاة، كما أن المحكي عن القاضي من الاحتياط في ستر ذلك مع قوله بما عرفت
كذلك أيضا، وربما يكون ذلك منه قرينة على عدم إرادة كونه من العورة حقيقة
كأبي المكارم وابن حمزة، ولعل التقي كذلك أيضا، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف.
ويكون المراد بسبب شدة الرجحان في ستره حتى في غير الصلاة استحق إطلاق
اسم العورة عليه، وامتاز بذلك عن باقي البدن الذي يعتاد ستره عمن يحترم، وهو
الرأس وما تحت الرقبة إلى القدمين خلا الكفين، وإن كان ستره أيضا مستحبا كما صرح
به غير واحد، لقوله تعالى (3): " خذوا زينتكم عند كل مسجد " والنبوي (4)

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1 من كتاب الطهارة
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أحكام الملابس - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(3) سورة الأعراف - الآية 29
(4) كنز العمال - ج 4 - ص 72 - الرقم 1437
184

" إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق أن يتزين له " وخبر علي بن جعفر (1)
المروي عن قرب الإسناد للحميري سأل أخاه (ع) " عن الرجل هل يصلح له أن يصلي
في سراويل وهو يصيب ثوبا؟ قال: لا يصلح " لكن ليس متأكدا كما بين
السرة إلى الركبة.
ولعله للخبر المزبور، ومفهوم مرسل سماعة (2) " سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
عن الرجل يصلي في ثوب واحد يأتزر به قال: لا بأس به إذا رفعه إلى الثديين " حكم
المصنف بالكراهة، لا لما في المدارك من صحيح زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام)
" أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف "
وصحيح عبد الله بن سنان (4) " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل ليس معه
إلا سراويل فقال: يحل التكة منه ويضعها على عاتقه ويصلي " ضرورة عدم اقتضاء
ذلك الكراهة في مفروض المتن، كما أن قوله بعد ذلك: " وتتأكد الكراهة للإمام،
بل يكره له الصلاة في القميص وحده - لما رواه الشيخ في الصحيح عن سليمان بن خالد (5)
" سألت أبا عبد الله (ع) عن رجل أم قوما في قميص واحد ليس عليه رداء قال: لا ينبغي
إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها " - خروج عما نحن فيه، ضرورة كون
الكراهة من حيث ترك الرداء لا من حيث الاقتصار على ستر القبل والدبر، نعم قد يكون
في صحيح علي بن جعفر (6) عن أخيه موسى (ع) قال: " سألته عن الرجل هل يصلح
أن يؤم في سراويل وقلنسوة؟ قال: لا يصلح " دلالة على ذلك، كل ذا مع التسامح.
نعم ينبغي تقييده بحال الاختيار، أما مع الاضطرار بأن ستر العورتين ولم يجد

(1) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 6 - 3
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 وهو مرسل رفاعة
(3) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 6 - 3
(4) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 6 - 3
(5) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
185

الثوب مثلا لسائر جسده فلا كراهة، لكن صرح في القواعد وغيرها بأنه يستحب
أن يجعل على عاتقه شيئا ولو تكة، لصحيح ابن سنان السابق، بل قد يقال باستحباب
ذلك مطلقا ولو حال الاختيار، لخبر جميل (1) " إن مرازما سأل الصادق (عليه السلام)
عن الرجل الحاضر يصلي في إزار مؤتزرا به قال: يجعل على رقبته منديلا أو عمامة
يرتدي به " وقال (عليه السلام) في حسن ابن مسلم (2) ": إذا لبس السراويل فليجعل
على عاتقه شيئا ولو حبلا " هذا. وعن التذكرة والنهاية استحباب ستر جميع البدن بقميص
وإزار وسراويل، قال في النهاية: " وإن اقتصر على ثوبين فالأفضل قميص ورداء أو
قميص وسراويل، فإن اقتصر على واحد فالقميص أولى، ثم الإزار، ثم السراويل،
ولا بأس به " وكأن أولوية الإزار لأنه يتجافى، وربما تسمع إن شاء الله فيما يأتي ما ينفع
في المقام، والله أعلم.
* (و) * كيف كان ف‍ * (إذا لم يجد ثوبا) * يستر به القبل والدبر * (سترهما بما وجده
ولو بورق الشجر) * لصحيح علي بن جعفر (3) سأل أخاه (ع) " عن رجل قطع عليه أو غرق
متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي؟ قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته
أتم صلاته بركوع وسجود، وإن لم يصب شيئا يستر عورته أومأ وهو قائم " إذ من
المعلوم إرادة المثال من الحشيش لما يشمل الورق ونحوه، خصوصا بعد قوله (عليه السلام):
" وإن لم يصب شيئا " مؤيدا بامكان دعوى الاجماع على عدم الفرق بين هذه الأفراد
ونظائرها، نعم لا دلالة فيه على اشتراط جواز الستر بها بانتفاء الثوب وإن ظنه بعض
الناس، ضرورة أعمية فرض السؤال من ذلك، فالأصل حينئذ يقتضي عدمه وفاقا

(1) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
186

للذكرى وجامع المقاصد والمحكي عن المهذب وغيره، بل ربما نسب إلى الأكثر، وكون
الدرع والثوب والقميص والملحفة ونحوها في النصوص مثالا لصنفها مادة وهيئة أو هيئة
لا مادة ليس بأولى من دعوى كونها مثالا لما يشمل الحشيش والورق ونحوهما، بل قد
يقال: إنها خصت بالذكر لغلبتها وتعارفها لا لإرادة عدم جواز الصلاة بغيرها وغير
صنفها، وليس في النصوص لفظ الساتر والستر كي يدعى انصرافهما إلى المعتاد الذي
يمكن منعه أيضا، وإلا لوجب مراعاة الاعتياد في ذلك الزمان في الساتر بل وكيفية الستر
كما التزم به بعض مشائخنا، نعم يجتزى بالوضع ونحوه مما لا يعد لبسا، ضرورة عدم
الاكتفاء باعتياد غير ذلك الزمن، لعدم تعليق الحكم على الاعتياد المختلف باختلاف
الأزمنة والأمكنة كالمكيل والموزون، ولعل بأدنى نظر وتأمل في خلو النصوص عن
الإشارة إلى شئ من ذلك تقطع ببطلان الدعوى المزبورة وإن اشتهرت في هذه الأعصار
التي قد اشتهر فيها قاعدة الشغل وإجمال العبادة المقتضيان لليقين بالخروج عن العهدة،
فأثبت بها فقه جديد لم يكن معروفا في الأزمنة السابقة، بل ربما تجاوز بعضها لعدم
معرفته بمحال الشك الذي تجرى فيه نحو ذلك، فلم يميز ما يختلج في نفسه أنه شك أو
احتمال قريب أو بعيد، وكل ذلك من الخلط والخبط وقلة التدبر والتأمل في الفقه،
وكان المقام من ذلك.
ومن هنا كان خيرة الذكرى وجامع المقاصد وكشف اللثام ومنظومة الطباطبائي
والمحكي عن المهذب والموجز وكشف الالتباس وغيرها جواز التستر بالحشيش والورق
ونحوهما اختيارا، بل لعله مقتضى إطلاق معقد إجماع التحرير والتذكرة والمحكي عن
المنتهى جوازه به من غير تقييد بالضرورة، بل في الأخير نفي الخلاف فيه بين أهل
العلم، بل قيل: إن ذكر القطن والكتان معه دال على ذلك، بل قد يقال: إنه مراد
المتن والقواعد وما ماثلهما في التعبير وإن عبروا بما ظاهره الشرطية، إلا أنه يمكن
187

إرادتهم الترتيب في الوجود والتنبيه على الأفراد الغير المتعارفة، ضرورة عدم صحة
الشرطية بالنسبة إلى الجلد والملبد غير المنسوج من الصوف والقطن ونحو ذلك مما لا يسمى
ثوبا، ولم يحك عن أحد الخلاف فيه، بل يمكن دعوى الاجماع والنصوص على خلافه،
فلا بد من حمل الشرطية في كلامهم على ما ذكرنا، وربما يؤيده عدم ذكر الخلاف في
الجواز اختيارا في كشف اللثام، مع أن عبارة القواعد والشرائع بمرأى منه.
بل ظاهر اقتصاره على نقله في الطين يقضي بذلك، كما أن ما عن المجلسي من
نسبة الجواز اختيارا حتى في الطين إلى الأكثر يؤيد ما ذكرنا، خصوصا مع تنصيصه
أن منهم الشيخ والفاضلين والشهيد في البيان، مع أن عبارة البيان " وفاقد الستر يستر
بما أمكن من ورق الشجر والحشيش والبارية والطين " فلم يفهم منه اشتراط الستر
بذلك بالفقد، وقد يشهد له ما في المبسوط والسرائر والمنتهى والتحرير والإرشاد ونهاية
الإحكام على ما حكي عن بعضهم، قال في المحكي عن موضع من الأول: " فإن لم يجد
ثوبا يستر العورة ووجد جلدا طاهرا أو ورقا أو قرطاسا أو شيئا يمكنه أن يستر به
عورته وجب عليه ذلك، فإن وجد طينا وجب عليه أن يطين عورته " وفي آخر " وأما
العريان فإن قدر على ما يستر به عورته من خرق أو ورق أو طين يطلي به وجب عليه
أن يستره " ومثلها عن السرائر، ضرورة عدم إرادة حقيقة الشرطية، لما عرفته من
إمكان دعوى الاجماع على عدمها بالنسبة إلى الجلد، ومنه يعلم عدم إرادة مفهوم الوصف
مما في التحرير كما عن المنتهى " الفاقد للساتر لو وجد جلدا طاهرا أو حشيشا وجب،
ولو وجد طينا وجب عليه تطيين العورة " قيل ونحوه ما في نهاية الإحكام، وما في
القواعد " ولو فقد الثوب ستر بغيره من الشجر والطين ونحوهما " وفي النافع كما في المعتبر
" يجوز الاستتار بكل ما يستر العورة كالحشيش وورق الشجر والطين " وفي الإرشاد
" ويجب سترها مع القدرة ولو بالورق والطين " إلى غير ذلك من الأمارات الكثيرة
188

الدالة على عدم كون المراد من أمثال هذه العبارات الشرطية التي أوقعت بعض الناس
- منهم سيد المدارك تبعا لجده في المسالك، ففي الأخير " الثوب ثم الحشيش ثم الطين
ثم الحفيرة ثم الوحل والماء الكدر " - في الوهم حتى جعلوا الساتر مراتب وأشكل عليهم
الحال في بعض صور التعارض كتعارض غير المنسوج من الصوف والقطن مثلا مع
الحشيش ونحوه، وربما قدموا الأول باعتبار كونه مادة المعتاد من المنسوج منهما، وغير
ذلك مما لا دليل عليه بعد ما عرفت.
نعم في جوازه اختيارا بالطين والجص ونحوهما قولان، ظاهر العبارات السابقة
الأول، وقرب الشهيد العدم، لعدم انصراف اللفظ إليه، يعني الستر في فتاوى
الأصحاب، وتردد الفاضل فيه في المحكي عن نهايته، وقد يقوى في النظر العدم في
الاطلاء به، لعدم شاهد على إرادة المثال لما يشمله مما في النصوص خصوصا بعد ترك
الاستفصال فيها عن وجوده وعن إيجاده بوضع الماء على التراب مثلا للرجل والامرأة
ولو لستر بعض العورة للأول والبدن للثانية، وكذا عن باقي اللطوخات، وقوله
(عليه السلام) في الصحيح السابق: " إن لم يصب شيئا " بعد تقديم الحشيش ظاهر
في إرادة شئ من الحشيش ونحوه الذي قد ذكر الستر به مما هو ساتر منفصل عن البدن،
وما دل (1) على أن النورة ستر يراد منه بالنسبة إلى النظر لا الصلاة، كالأليتين المدلول
على الستر بهما في خبر آخر (2) بل لعل إطلاق نصوص العاري (3) يشمله.
نعم لو فرض إمكان التستر به على وجه يساوي التستر بالحشيش ونحوه في
الانفصال وشبهه أمكن الصحة، كما أن المتجه بعد البناء على أنه ليس سترا صلاتيا

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1 من كتاب الطهارة
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 2 من كتاب الطهارة
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي
189

وجوب التستر به عن الناظر المحترم، فيصلي به حينئذ قائما وفي الركوع والسجود، أو
الايماء لهما ما تعرفه إن شاء الله في العاري الآمن من قوة القول بالأول فيه، خلافا
للمشهور بين المتأخرين فالثاني، فيركع ويسجد حينئذ أو يومي على اختلاف القولين،
إلا أني لم أجد قائلا صريحا بالثاني، بل ظاهر القائل بكونه ساترا ولو حال الضرورة
أنه به يتم الركوع والسجود، نعم قال في كشف اللثام: " إن ستر اللون والحجم فلا
كلام، وإن ستر اللون فقط فكذلك، بناء على ما مر يعني من عدم وجوب ستر الحجم
وخصوصا عند الضرورة، لكن إن لم يكف إلا عند الضرورة احتمل أن يجب عليه
ما على العاري من الايماء للركوع والسجود " وأشار بذلك إلى ما في الذكرى حيث
أنه بعد أن ذكر وجوب ستر الحجم واللون به عند الاضطرار قال: " ولو ستر اللون
فقط لا مع إمكان ستر الحجم وجب لما روى ابن بابويه عن عبيد الله الواقفي (1) عن
قيم حمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: " النورة سترة " وفي سقوط الايماء هنا نظر،
من حيث إطلاق الستر عليه، ومن إباء العرف " ونحوه في الدروس، بل عن الموجز
وكشفه أنه يومي حينئذ، إذ المراد على الظاهر بستر الحجم واللون به أو الثاني خاصة
أن التستر به إن كان بطريق الاطلاء به فهو الثاني، وإن كان متماسكا يمكن أن يستتر
به منفصلا فهو الأول لا الحجم الذي ذكرناه سابقا، لاستبعاد عدم ستر الطين له بالمعنى
الذي قلناه سابقا في حال ستره اللون، كما هو واضح.
وكيف كان فقد عرفت أن الأقوى عدم الاجتزاء به للستر من حيث الصلاة
وإن وجب من حيث النظر، وأنه به يكون العاري آمن المطلع، فيجب عليه الاطلاء
به لذلك، إذ الظاهر وجوب تحصيل ما يأمن به العاري عن المطلع من مكان وغيره
لتحصيل الواجب من القيام، أوله وللركوع والسجود على القول الآخر، وإطلاق

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 1 من كتاب الطهارة
190

الإذن (1) بالجماعة للعراة من جلوس للدليل لا ينافيه.
ومن ذلك كله يظهر ضعف القول بكونه من الساتر اختيارا، وأضعف منه
القول به عند الاضطرار، لعدم الدليل على الترتيب، إذ هو إما أن المفهوم من الأدلة
الاجتزاء في الصلاة بكل ما يستر عن النظر، ومقتضاه عدم الفرق بين الثوب والطين،
بل وغيره من يده أو يد زوجته ونحوهما، بناء على عدم اشتراط المأكولية في الساتر،
وعدم شمول دليل مانعية ما لا يؤكل لمثل الانسان، أو أن المفهوم منها خصوص ما لا
يشمل الاطلاء بالطين ونحوه، فلا يجزي حينئذ مطلقا، ويجري عليه حكم العريان،
وبالجملة تحصيل الترتيب المزبور في غاية الصعوبة من النصوص، وإن كان قد يقال: إن
المعتاد منه لاطلاق الستر المعهود منه والثوب والدرع والملحفة في النصوص، وأما تقديم
الحشيش ونحوه على الطين فلأقربيته إلى الستر المعتاد المدعى فهمها من الاطلاق عند تعذر
الفرد الغالب كما هو الشأن في سائر المطلقات، أو شمول لا يسقط الميسور بالمعسور (2)
للأجزاء العقلية كالحسية، وغير ذلك، لكن الجميع كما ترى لا يعذر به الفقيه.
وأضعف من الجميع القول بعدم أثر للطين أصلا كما عساه يظهر من صاحب
المدارك وغيره، ضرورة أنك قد عرفت اندراج العاري بسببه تحت آمن المطلع،
لكون المقصود حصول مانع من الرؤية، فيصلي حينئذ قائما موميا أو راكعا وساجدا
على الخلاف الآتي.
كما أنه يظهر لك أيضا ضعف ما ذكره غير واحد، بل عن الروض أنه المشهور
مرتبا له على انتفاء الطين، أو مقدما له عليه، أو مخيرا بينهما من النزول في الوحل
والماء الكدر مع عدم التضرر به والمشقة الرافعة للتكليف، والتحقيق فيه أنه مع وجود

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب لباس المصلي
(2) غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام
191

المطلع وعدم حصول ما يمنع الرؤية من اللطوخ ونحوه يجب النزول فيه، تحصيلا للقيام
الواجب في الصلاة، ويأتي بما يتمكن من الانحناء للركوع والسجود، ومع عدمه فبناء
على أن العاري الآمن يصلي بركوع وسجود لا يجوز له النزول فيهما إذا كانا مفوتين
لهما، لعدم كونهما من الستر الصلاتي، وبناء على أنه يومي لا يجب عليه النزول، لعدم
المقتضي بعد ما عرفت من عدم حصول الستر الصلاتي بشئ من ذلك، نعم لو قلنا بكونه
سترا صلاتيا وجب، وفي الايماء حينئذ لهما أو للمتعذر منهما أو الانحناء الممكن، لعدم
كونه من العاري كي تشمله نصوص الايماء وجوه لا تخفى.
بل وكذا يظهر لك مما ذكرناه ما في التحرير وجامع المقاصد والمحكي عن المعتبر
والمنتهى والموجز الحاوي وكشفه وروض الجنان " أنه إذا وجد حفيرة دخلها وصلى
قائما ويركع ويسجد " وفي البيان " صلى قائما أو جالسا ويركع ويسجد إن أمكن "
وعن المبسوط ونهاية الإحكام والمهذب البارع " إنه يصلي قائما " ولم يذكر الركوع
والسجود، وظاهر التذكرة والذكرى والدروس التوقف فيهما، لاقتصارهما على نسبة
ذلك للبعض، وأن دليله حصول الستر، وليس التصاقه بالبدن شرطا، والمرسل الآتي (1)
قال الشهيد وتبعه غيره: وأولى بالجواز الفسطاط الضيق إذا لم يمكن لبسه، أما الحب
والتابوت فمرتب على الفسطاط والحفيرة، لعدم التمكن من الركوع والسجود إلا أن
تكون صلاة الجنازة والخوف، وقد ينافيه إطلاق التذكرة عدم الاكتفاء بإحاطة الفسطاط
الضيق به، لأنه ليس بلبس كما عن نهاية الإحكام، إلا أن ينزل كما في كشف اللثام
على إرادة الاختيار.
وكيف كان فالأصل في ذلك مرسل أيوب بن نوح (2) عن بعض أصحابه

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
192

عن أبي عبد الله (عليه السلام) " العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفرة دخلها
وسجد فيها وركع " ولا يقدح إرساله بعد العمل به، لكن أشكل الحال على بعض
المتأخرين كالفاضل الإصبهاني وغيره من حيث أن مثله عار لغة وعرفا، إذ الحفرة
كالحجرة إنما تجدي في الأمن عن المطلع فيومي، لا في الركوع والسجود، ومن هنا قال:
" الذي أفهمه من الحفرة حفرة ضيقة قريبة القرار تواري العورة، إذا قام أو قعد فيها
سائر بدنه خارج، وقد تكون ملتصقة به، فعليه ولوجها والركوع والسجود على الخارج
وهو فيها، وأما حفرة تسع سجوده فهي كحجرة لا يجدي ولوجها " وفيه أنه مخالف
لظاهر النص والفتوى والذي ألجأه إلى ذلك الحكم بايماء العاري الآمن، أما إذا قلنا بأنه
يركع ويسجد كما ستعرف قوته ودعوى ابن زهرة الاجماع عليه فلا إشكال، إذ المرسل
حينئذ منزل على ولوج الحفرة ليأمن بها عن المطلق ويركع ويسجد، ولا حاجة حينئذ
إلى ما ذكره، ولا إلى تخصيص أدلة العاري بما إذا لم يتمكن منها، وكذا الفسطاط،
أما الحب والتابوت فيجب ولوجهما لتحصيل القيام بأمن المطلع كما سمعته في الطين
لا لتحصيل الستر الصلاتي، ومع فرض عدمه لا يجوز الولوج، لفواتهما حينئذ مع
وجوبهما عليه، وعدم كون مثله سترا صلاتيا.
أما لو دار الأمر بين الستر والقيام والركوع والسجود كما إذا فرض وجود
ساتر عنده حال الجلوس خاصة ففي كشف اللثام وجوب الجلوس عليه، لأن الظاهر أن
الستر أهم من الركوع والسجود فضلا عن القيام، وفيه أنه من فاقد الساتر نصا وفتوى،
إذ الظاهر إرادة فقده لصلاة المختار، فيجري عليه حكمه الذي منه أنه إن كان آمنا
صلى قائما، نعم يتجه القول بوجود الاستتار به للصلاة لو كان فرضه الجلوس، لعدم
أمن المطلع، خصوصا إذا تمكن من الركوع والسجود فيه، لتمكنه من الستر للصلاة في
هذا الحال الذي فرضه الجلوس، وقد ظهر بما ذكرنا تشويش كثير من كلمات الأصحاب،
193

وأن الحال غير منقح عندهم، بل وسقوط جملة من الكلام زيادة على ما عرفت، كالمحكي
عن المهذب والموجز من " أن الحفرة مقدمة على الماء الكدر، وهو مقدم على الطين "
وما في جامع المقاصد من تقديم الحفرة على ولوج الوحل والماء الكدر إذا تعذر استيفاء
الأفعال فيهما، قال: " وأما مع الامكان فيحتمل التخيير أو تقديم الوحل أو تقديم
الحفيرة " وما في حاشية الإرشاد وعن الجعفرية والمسالك من تقديم الماء الكدر على
الحفيرة، وظاهر الأول تقديمها على الحب والتابوت، كما أن ظاهره تقديم الطين عليهما
جميعا، وما عن إرشاد الجعفرية " إنما يقدم الماء والوحل إذا تمكن من استيفاء الأفعال
فيهما، وإلا فالحفيرة " وما عن حاشية الميسي " الطين مقدم على الماء الكدر " وما عن
الروض " الوحل مقدم على الماء الكدر وعلى الحفيرة إلا إذا تمكن من السجود فيها
ولم يتمكن منه في الماء، فإنه تقدم الحفيرة " إلى غير ذلك مما هو واضح السقوط على
ما ذكرناه من أنه لا ترتيب في ستر الصلاة، بل هو مرتبة واحدة يشترك جميع الأفراد
في الصلاة فيها اختيارا، وأنه ليس منها الطين والوحل والماء الكدر والحفيرة والفسطاط
ونحوها، بل هي وأشباهها إنما ينفع بالنسبة إلى منع النظر، فيكون المصلى به آمنا للمطلع،
ويجري عليه حكمه من القيام خاصة، أو الركوع والسجود معه، فتأمل جيدا، فإن
تحقيق ذلك على الوجه الذي ذكرنا مما لم يقم به أحد، والحمد لله رب العالمين.
ثم من المعلوم أن البحث في وجوب تحصيل الساتر كالبحث في الماء وغيره من
مقدمات الوجوب المطلق، فيجب حينئذ شراؤه بما لا يضر به، وفي قبول هبنه أو عاريته
ما سمعته في الماء من احتمال العدم للمنة، فضلا عن الاتهاب والاستعارة، إلى غير ذلك
مما سمعته سابقا، كما أن البحث في وجوب الانتظار على فاقده إلى آخر الوقت وعدمه،
أو التفصيل بين الرجاء وعدمه كالبحث في غيره من ذوي الأعذار التي تقدم البحث
فيها سابقا، وأنه يقوى التفصيل بين ما كان من نحو المقام مما علق فيه الحكم على موضوع
194

لا يتوقف صدقه على التأخير إلى الآخر كالعري ونحوه وبين غيره مما لم يرد فيه بالخصوص
مثل ذلك، فللأول المبادرة ما لم يعلم الحصول، بل ربما احتمل مع العلم بخلاف الثاني،
وقد تقدم البحث في ذلك مفصلا، وفي خبر أبي البختري (1) المروي عن قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) ما يشعر باستحباب التأخير وكراهة
التقديم مع الرجاء، قال: " من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب
الوقت يبتغي ثيابا، فإن لم يجد صلى عريانا " الحديث.
وذو الساتر بين العراة يستأثر به، فلو أعاره في ضيق الوقت وصلى عاريا بطلت
صلاته حيث يكون له الرجوع، لصدق اسم الواجد عليه، والأقوى صحة صلاة المستعير
لكن في البيان فيها نظر، ثم قال: ولو جهل الحكم فالأقرب أنه معذور، فتأمل.
ولو نقله بناقل لازم أثم وصحت صلاته عاريا، ولو كان له خيار سابق ففي وجوب
الفسخ عليه نظر، من صدق التمكن والقدرة، ومن أن مثله تحصيل للقدرة التي هو
مقدمة وجوب لا وجود، ومثله الرجوع في الهبة ونحوها.
ولو صلى فيه مالكه ففي البيان أستحب له إعارته، فيختص به النساء، ثم القارئ
العدل ليؤتم به، وفي كشف الأستاذ " لو وجد المباح أو المشترك استحب ترجيح
الفاضل من العباد أو العبادة، ومع التعارض ترعى الميزان " قلت: لا بد من مراعاتها
في جميع ذلك، لعدم دليل بالخصوص.
وكل من تمكن من شرط الساتر وغيره بمقدار من فرضه التقصير تعين
عليه القصر في مواضع التخيير.
ولو بذل له الساتر أو غيره على وجه يجب قبوله بشرط التمام أو القصر تعينا عليه.
ولو كان الساتر القابل مشتبها في غيره من المحصور صلى عاريا إذا كان في المشتبه

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
195

فيه محرم ذاتي كالمغصوب والحرير والذهب ولباس الشهرة وزي الرجال للنساء والعكس
بالنسبة إلى الرجال، بل قد يقع في بادئ النظر أنه كذلك هنا وإن قلنا بالصحة والإثم
لو صلى فيما لا نهي عن الصلاة فيه بالخصوص منه في الاختيار، لأنه مكلف بصلاة المختار
معه بخلافه في المقام الذي قد انقلب تكليفه فيه إلى صلاة العاري، فهو كواجد
الماء في الآنية المغصوبة ولا ماء غيره، كما أن الأول بمنزلة من توضأ فيه مع وجدان
غيره من المباح، لكن فيه أولا بعد التسليم أن المتجه للصحة إذا كان لا مخالفة في صلاته
على فرض عريه لصلاة المختار كما لو كان آمن المطلق، بناء على ما تسمعه من ابن زهرة
إن شاء الله، ضرورة عدم المقتضي حينئذ للبطلان، لعدم زيادته على العري إلا بالإثم
المفروض عدم مدخليته في صحة الصلاة. وثانيا أنه يمكن منع أصل الدعوى، ويقال
بوجوب صلاة المختار عليه مطلقا على القولين بعد إقدامه على الإثم، ضرورة عدم شرطية
الجلوس تعبدا في صلاة العاري، بل هو للأمن من المطلع الحاصل ولو بمقدمة محرمة،
كما أن الايماء مقدمة لعدم التكشف الحاصل بالتستر المزبور، واحتمال أن هذا الستر
كعدمه لحرمته يدفعه أن مثله جار في الصلاة فيه مع الاختيار الذي قد فرض تسليم
الصحة فيه، وعدم الأمر بالصلاة فيه لحرمته لا ينافي الأمر بها فيه بعد الإثم، فيكون
حينئذ مكلفا بصلاة العاري ما لم يأثم باللبس، وإلا كلف بصلاة المختار، إذ المحرم إنما
يمتنع كونه مقدمة وجود لا وجوب، على أن مبنى الصحة في المختار لو فرض كونه الساتر
عدم اتحاد كون اللبس والصلاة، وعدم اشتراط الحلية في الستر الذي هو ليس بعبادة،
ولا دليل على كونه مأمورا به كما سمعته سابقا مفصلا، وهو بعينه جار في المقام الذي
هو كما إذا لم يكن عنده إلا المحرم، نعم لو فرض اختصاص الصحة في المختار بما إذا لم
يكن هو الستر أمكن الفرق بين ما نحن فيه وبينه، واتجه حينئذ إجراء حكم العاري
عليه إلا في الجلوس مع وجود المطلع، فإنه قد يقال بوجوب القيام عليه لحصول الأمن
196

له بذلك وإن كان محرما، فإنه لا دليل على اشتراط الحلية فيما يحصل به الأمن، فيصلي
فيه قائما حينئذ موميا بناء على القول به فيه، وعلى عدم تعليل الايماء بالتكشف، وأنه
يمكن كونه تعبديا.
وعلى كل حال فلو ذهل وصلى صحت صلاته من غير حاجة إلى تكرار فيما لو كان
المانع من الصحة في المشتبه به حرمة اللبس المدعى اتحادها مع كون الصلاة كالمشتبه
بالمغصوب، ضرورة ارتفاعها في الفرض، فيكون الستر به في محله، كالذاهل عن معلوم
الغصبية وصلى فيه.
أما لو كان المانع أمرا تعبديا كالحريرية مثلا فإن استمر ذهوله حتى صلى بالجميع
الذي يقطع معه بوقوع صلاة في الساتر القابل صحت، وإلا وجب عليه ما كان واجبا
عليه قبل الذهول من حكم العاري مع فرض استمرار الفقد، فيفعله ويجتزئ به حتى
لو كان قد تذكر في أثناء الأخيرة وأتمها على كيفية صلاة العاري، وقد يحتمل وجوب
الاستيناف ولو عاريا قضاء مطلقا في غير المشتبه بالمغصوب، تنزيلا لهذا المشكوك منزلة
المعلوم، ولأنه هو تكليفه، فما أمر به لم يقع، وما دفع لم يؤمر به، إذ الفرض وجوب
الاجتناب عليه، وفيه منع واضح بعد عدم توجه النهي للذهول.
أما المشتبه بغير المحرم لبسه ذاتا كجلد غير المأكول ونحوه وجب التكرار زائدا
على غير القابل بواحدة، فلو ترك الجميع أو البعض عن نسيان أو عمد وجب القضاء،
لكن يجزيه مرة واحدة إذا فعلها بالساتر القابل، لأصالة براءة الذمة من قضاء ما يجب
للمقدمة كما سمعته في مشتبه القبلة، بل ذكرنا هناك من الفروع ما لا يخفى جريانه في المقام.
ولو ضاق الوقت قبل أتى بالممكن مع الصلاة عاريا، وإلا اقتصر على الصلاة عاريا ما لم
يكن الاشتباه بالنجس، فيصلي الممكن حتما، ولا يجمع معه الصلاة من عري، وهو لا يخلو
من نظر، كما أنه لا يخلو منه ما قيل أيضا من أنه لو تلف بعض المشتبه وارتفع بسببه
197

العلم بوجود القابل فالأظهر رجوعه إلى حكم المشكوك فيه ابتداء مع الحصر من أنه بمنزلة
المعلوم، فيترك ويصلي عاريا في غير النجس، واحتمال لزوم الصلاة به مع الصلاة عاريا
له وجه، ويتخير فيه في النجس، إلى آخره. ومن أحاط خبرا بما ذكرناه في كتاب
الطهارة في الصلاة في الثوب المشتبه بالنجس، وفي بحث القبلة عند اشتباه القبلة، وما
نذكره بعد من قوة ما ذهب إليه ابن زهرة من اتحاد صلاة العاري مع صلاة المختار حال
أمن المطلع يعرف مواقع النظر فيه، بل يعرف كثيرا مما يذكر هنا من الفروع، كما أن
كثيرا مما ذكر في كشف الأستاذ وغيره من الفروع المتعلقة بالعاري لا يخفى وجه الحكم
فيها بأذني نظر، على أنك ستسمع البحث في المهم منها عند التعرض لكيفية صلاة
العاري، والله أعلم.
* (و) * كيف كان ف‍ * (مع عدم ما يستتر به) * ولو اضطرارا على القول به الذي
هو ستر عن النظر على ما عرفت لم تسقط الصلاة عنه قولا واحدا كغيره من الشرائط
عدا الطهورين، ولكن في كيفية صلاته حينئذ لو صلى منفردا بالنسبة إلى القيام مطلقا
والجلوس كذلك أو التفصيل، وإلى وجوب الايماء عليه مطلقا أو الركوع حال القيام
خلاف بين الأصحاب، فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا في الأول أنه * (يصلي
عريانا قائما إن كان يأمن أن يراه أحد) * يحرم نظره على الأصح كما ستعرف * (وإن
لم يأمن صلى جالسا) * بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في الغنية الاجماع عليه، كما
أن في الخلاف ذلك أيضا حيث لا يأمن المطلع، وهو الحجة مع زيادة الأصل حال
الأمن، وأنه مقتضى الجمع بين النصوص الذي هو أرجح من الطرح قطعا بعد الشاهد
من النص والاجماع السابق، إذ في صحيح علي بن جعفر (1) السابق " وإن لم يصب
شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم " وصحيح ابن سنان (2) عن الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 4
198

" وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف ويصلي قائما " وموثق سماعة (1)
على ما في التهذيب " في رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلا ثوب واحد
وأجنب فيه وليس عنده ماء قال: يتيمم ويصلي عريانا قائما، ويومي إيماء " وفيه على
ما في الكافي " قاعدا " بدل " قائما " وفي صحيح زرارة أو حسنه الآتي (2) وخبر
أبي البختري (3) وخبر محمد بن علي الحلبي (4) يصلي جالسا فيحمل الأول على أمن
المطلع، والثاني على عدمه للاجماع السابق، ومرسل ابن مسكان (5) المنجبر بالشهرة
وغيرها " يصلي عريانا قائما إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلى جالسا " وصحيحه المروي
عن المحاسن (6) عن أبي جعفر (عليه السلام) " إذا كان حيث لا يراه أحد فليصل
قائما " وإن كان في روايته عنه بلا واسطة غرابة، والمروي عن نوادر الراوندي (7)
بسنده إلى موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) في العريان " إن رآه الناس صلى
قاعدا، وإن لم يره الناس صلى قائما " والمرسل في الفقيه (8) قال: " وروي في الرجل
يخرج عريانا فتدركه الصلاة أنه يصلي قائما إن لم يره أحد، فإن رآه أحد صلى جالسا "
على أنه قد عرفت كونه موافقا للأصل حال الأمن ومجمعا عليه حال عدمه.
وما عن ابن إدريس - من إطلاق صلاته قائما مع ما فيه من طرح جملة من
النصوص المعتبرة، وهتك الستر الذي هو أعظم حرمة من القيام في الصلاة الذي له

(1) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 و 1
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
(5) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 7 - 1
(6) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 7 - 1
(7) المستدرك - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 لكن الحديث
مروي فيه عن الجعفريات
(8) الوسائل - الباب - 50 من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
199

بدل عند التعذر الذي منه ما نحن فيه - واضح الضعف، على أن المحكي من كلامه في بحث
اللباس وصلاة العاري لا يخلو من اضطراب في الجملة، كما أن ما عن المصنف من احتمال
التخيير لتعارض النصوص وضعف خبر ابن مسكان عن إثبات التفصيل كذلك أيضا،
لما عرفت من عدم انحصار الدليل فيه أولا، ومن أن المراسيل إذا تؤيدت بالشهرة
والاجماع السابق والمحافظة على الستر صارت في قوة المسانيد، وخصوصا مع كون المرسل
من أجل الثقات ثانيا، على أنه على التخيير قد يقال: إنه إذا انضم الاحتياط إلى خبره
وشهرة العمل به تعين العمل على وفقه من غير حاجة إلى مراعاة صيرورته حجة بالانجبار.
بل من ذلك كله يظهر أن مثلهما في الضعف أو أزيد ما يحكى عن الصدوق في
الفقيه والمقنع والسيد في الجمل والمصباح والشيخين في المقنعة والتهذيب من الجلوس مطلقا
الذي هو مقتض لطرح الأدلة السابقة، ومخصص لأدلة وجوب القيام في الصلاة الذي
يبعده زيادة على ما عرفت أنه لا داعي للجلوس بعد سقوط الستر من حيث الصلاة،
وأنه ليس الستر بالبدن والأرض منه في حال من الأحوال، لعدم الدليل، فلا محيص
بحمد الله عن التفصيل المزبور.
* (و) * أما البحث في المقام الثاني أي أنه * (في الحالين يومي للركوع والسجود) *
أو يختص ذلك بحال الجلوس فستعرف الحال فيه عند البحث في كيفية جماعة العراة،
لكن حيث يجب الايماء فالظاهر كفاية مسماه، لصدق الامتثال، وظهور قوله (عليه
السلام) في صحيح زرارة (1): " إيماء برؤوسهما " فيه، بل منه فضلا عن انصراف
لفظ الايماء إليه يعلم اعتبار كونه بالرأس كما نص عليه غير واحد من الأصحاب، بل إن
تعذر فبالعينين، لما ستعرفه إن شاء الله في إيماء المريض، لظهور اتحاد كيفيته في كل
مقام وجب فيه.

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
200

نعم ينبغي أن يكون الايماء للسجود أخفض منه للركوع على ما نص عليه غير واحد،
بل في الذكرى نسبته إلى الأصحاب، ولعله لخبر أبي البختري (1) الآتي، ولتحصيل
الفرق بينهما بالمناسب الذي يمكن استفادة اعتباره مع التمكن منه من النصوص (2) في
المريض وغيره، ومن ذلك مع الأصل والاطلاق يستفاد عدم وجوب الممكن من الانحناء
الذي لا تبدو معه العورة، ضرورة أنه على تقدير وجوبه والفرض أنه دون الركوع
لم يبق محل للخفض المزبور، اللهم إلا أن يقال بوجوب الممكن إلا ما يحصل به الفرق،
كما يظهر من المحقق الثاني، لكن قد عرفت عدم انحصار الدليل فيه، فما في الذكرى
وجامع المقاصد وفوائد الشرائع وغيرها - من وجوب ذلك، لقاعدة الميسور ونحوها
التي يجب الخروج عنها بالاطلاق المزبور الذي يقطع بتحققه بدون ذلك، بل يمكن دعوى
القطع بعدم إرادة خصوص هذا الفرد منه لو سلم تحقق المطلق فيه - ضعيف قطعا، بل
قد يشكل فعله للاحتياط، لاحتمال عدم كونه من أفراد الايماء، وأضعف منه احتمال
وجوب وضع اليدين والركبتين وإبهامي الرجلين على الكيفية المعتبرة في السجود، بل
اختاره ثاني الشهيدين والميسي فيما حكي عنه، كما أنه قواه في الجامع، وفي كشف اللثام
أن الأقرب وضع اليدين أو إحداهما على الأرض دون أطراف أصابع الرجلين إن كان
يؤدي إلى انكشاف العورة، وأما الركبتان فهما على الأرض إن كان جلس عليهما،
وإلا وضعهما على الأرض إن لم تؤد الحركة إلى الانكشاف، ضرورة كون جميع ذلك
خلاف الأصل مع الاجتزاء بالايماء في النصوص في مقام البيان، واحتمال الاكتفاء بأصالة
وجوبها، ومعلومية كون الايماء بدل الانحناء حتى يصل إلى وضع الجبهة على المسجد،

(1) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 15 و 16 والباب 15
من أبواب القبلة - الحديث 14 و 15
201

فلا يجزي عن غيره مما وجب كما ترى، ضرورة انصراف كون المراد من السجود في
نصوصهم (عليهم السلام) الهيئة الخاصة المركبة من جميع ذلك، فيكون الايماء حينئذ بدلا
عن ذلك كله، على أن وجوب ذلك إنما علم حال السجود على الأرض لا الايماء، ودعوى
أن ذلك مقتضى البدلية يدفعها أن وجوبها وإن كان حاله لكن ليس له حتى يجري
ذلك في البدل، فالأقوى الاجتزاء بمسمى الايماء عن ذلك كله، بل قد يقوى في النظر
عدم وجوب رفع شئ يسجد عليه على وجه لا يخل بما وجب عليه من وضع اليدين،
وإلا سقط وجوب وضع اليد التي يرفع بها، ترجيحا له على وجوب وضعها، للأصل،
وظاهر بيان الكيفية في النصوص (1) خلافا للمسالك وغيرها، ولعله للقياس على المريض
ونحوه مما ورد (2) فيه من الذي هو بعد التسليم في المقيس عليه ليس بحجة عندنا.
وكيف كان فلو وجد الساتر في أثناء الصلاة ففي المدارك تبعا للتذكرة " إن أمكنه
الستر من غير فعل المنافي استتر وجوبا وأتم، وإن توقف على فعله بطلت صلاته إن كان
الوقت متسعا ولو بركعة، وإلا استمر " وزاد في الأول احتمال الاستمرار مطلقا،
للأصل والنهي عن الابطال، وقد يناقش في الأول مع السعة أولا بعدم تحقق الامتثال
مع التمكن من الستر في وقت الصلاة، ولذا جزم الأستاذ الأكبر في الشرح بالاستيناف،
وفيه أن صحة ما فعله قبل الوجدان مقتضى إجزاء الأمر، وما بعده بالاحراز، وما بينهما
من الزمان عفو نحو ما قلناه في المنكشف قهرا، فلعل بناء المسألة على تلك المسألة أوجه،
اللهم إلا أن يقال وإن كان فيه ما فيه: إنه إن قلنا به في تلك فلخصوص الخبر
المزبور (3) بخلاف هنا، ولا دليل على التعدية، ومقتضى أصالة الشرطية الفساد.

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب القيام - الحديث 7 و 11
(3) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
202

نعم تتجه الصحة في الفرض لو صادف حصول الستر به العلم بوجدانه، إذ لا ريب
في ضعف دعوى البطلان فيه أيضا وإن كان هو ظاهر الأستاذ، لعدم تحقق الامتثال
المبني على إنكار قاعدة الاجزاء المفروغ منها في الأصول، أو لأن ما نحن فيه من تخيل
الأمر لا من الأمر حقيقة الذي يرده ظاهر النصوص والفتاوى وحملها على إرادة العاري
الذي لم يحصل له الستر في وقت الصلاة لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافه، ولذا
كان المتجه عدم الإعادة لو وجد الساتر بعد الفراغ، ومفروض المسألة جواز البدار
لذوي الأعذار مع الرجاء، وإلا كانت صلاته باطلة وإن لم يجده في الأثناء مع فرض
فعلها مع في السعة، اللهم إلا أن يفرض عدم الرجاء فاتفق حصوله، لكن المتجه عليه
الصح أيضا لقاعدة الأجزاء السابقة، كما هو واضح، فتأمل. وثانيا بأنه يمكن القول
بالصحة بدونه فيما إذا كان محتاجا إلى زمان أكثر من زمن فعل الباقي من الصلاة كالتسليم
ونحوه، بل ظاهر الأستاذ في كشفه الجزم بها في نحو المقام، لكن قد يجاب بأن المستفاد
العفو عن زمن الاستمرار إلى حصول الستر دون غيره من أجزاء الصلاة، فلا مدخلية
للطول والقصر كي يرجح بهما، فتأمل.
وفي الثاني بأنه قد يمنع البطلان مع فرض إدراك وقت الاضطرار، ترجيحا
لمصلحة الوقت على مصلحة الساتر، ومنه ينقدح حينئذ وجوب الصلاة عاريا إذا لم يبق
من الوقت إلا مقدار الصلاة كملا وإن علم حصوله لو أخر بحيث يتمكن من الركعة أو
أزيد في الوقت، وقد يحتمل ترجيح مصلحة الساتر على الوقت بالبدلية للثاني دون
الأول، بل لعل مشروعية اضطراري الوقت لذلك ونحوه، بل قد يندرج بذلك تحت
المتمكن من الساتر، فتشمله العمومات حينئذ، ولا يمتثل بالصلاة عاريا، كالمتمكن من
فعلها به تامة في الوقت الاختياري الذي لا ريب في البطلان معه والاستيناف، وما في
المدارك من الاحتمال المزبور في غاية الضعف، والأصل بعد تغير الموضع لا يجري،
203

والنهي لا يشمل المقام كما تعرفه في محله إن شاء الله، على أنه كما في شرح الأستاذ يخصص
بما دل على وجوب الستر. وأن الصلاة باطلة بدونه، فتأمل.
ثم من المعلوم بالسيرة القطعية في جميع الأعصار والأمصار من العوام والعلماء
عدم وجوب الستر للصلاة والطواف من جهة التحت، بل هو مقتضى إطلاق ما دل (1)
على جواز الصلاة في القميص ونحوه، وعدم وجوب السراويل والاستثفار ونحوهما،
نعم ذلك كله في غير الواقف على طرف سطح بحيث ترى عورته لو نظر إليها، ولذا
جزم بالبطلان فيه في التذكرة وحاشية المدارك للأستاذ الأكبر، واستقربه في المحكي
عن نهاية الإحكام، بل وشيخنا في كشفه مع الناظر، وتردد فيه في الذكرى من أن
الستر إنما يلزم من الجهة التي جرت العادة بالنظر منها، ولذا جزم الشافعي بالصحة، ومن
أن الستر من تحت إنما لا يراعي إذا كان على وجه الأرض لعسر التطلع حينئذ، أما في
صورة الفرض فالأعين تبتدر لادراك العورة، قال: " ولو قام على مخرم لا يتوقع ناظر
تحته فالأقرب أنه كالأرض، لعدم ابتدار الأعين ".
قلت: قد يشكل عليه الفرق بين السطح والمخرم كالشباك ونحوه، ولا مدخلية
لعدم توقع الناظر، إذ المدار في عورة الصلاة على الستر على تقديره، ومنه يعرف ما في
كشف الأستاذ، بل منه يعرف الحكم في أصل المسألة، ضرورة عدم صدق المطلق عليه
من الستر الذي هو شرط الصلاة لا المضاف كما أشرنا إليه سابقا، والمراد من أول
وجهي التردد عدم الوجوب من حيث الصلاة لا النظر، فما في حاشية الأستاذ الأكبر
- من المناقشة فيه بأنه لا خفاء في وجوب الستر مطلقا عقلا ونقلا، وعدم جواز كشفها
كذلك، وأي عاقل يرضى بأن يكشف عورته على الناس من تحت لكون الكشف
من تحت حلالا، أي عاقل يرضى بالحلية والكشف بوجه من الوجوه - كما ترى.

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
204

وعلى كل حال فما ينافي إطلاق الستر المزبور التكشف من جهة الفوق أيضا،
فلو صلى في ثوب واسع الجيب بحيث تنكشف عورته عند الركوع لغيره بطلت صلاته
بلا خلاف أجده فيه إن لم يتداركه قبل الانكشاف عمدا، بل الظاهر البطلان في صوره
النسيان أيضا، لما سمعته سابقا من أصالة الشرطية، لكن من المعلوم أن البطلان فيه
وفي سابقه من حينه لا قبله كما عن بعض العامة، لعدم الدليل، نعم إن كان حين ينوي
الصلاة متذكرا لهذا الانكشاف عازما على عدم التدارك وقلنا بالبطلان في مثله من نية فعل
المنافي اتجه حينئذ البطلان، قيل وتظهر الفائدة للصحة قبله وحينه في نية الانفراد للمأموم.
ولو كان شعر رأسه أو لحيته يمنع من الانكشاف المزبور فعن نهاية الإحكام
أن الأقرب الجواز كما لو ستره بمنديل، وفي الذكرى الأقرب الاجتزاء بكثافة اللحية
المانعة عن الرؤية، وفيه ما قد عرفته سابقا من عدم الاجتزاء بمثل هذا الساتر وإن كان
من جهة، ضرورة عدم تحقق إطلاق الستر بالثوب، بل هو لا يوافق ما اختاره فيما لو
كان في الثوب خرق، قال وتبعه غيره: " فأما لم يحاذ العورة فلا بحث، وإن حاذاها
بطل، ولو جمعه بيده بحيث يتحقق الستر بالباقي صح، ولو وضع يده عليه فالأقرب
البطلان، لعدم فهم الستر ببعض البدن من إطلاق اللفظ، ولو وضع غير المصلي يده عليه
في موضع يجوز له الوضع أمكن الصحة، لحصول الستر وخروجه عن المصلي، والوجه
البطلان أيضا، مخالفة الستر المعهود، وإلا لجاز ستر جميع العورة ببدن الغير " قلت:
مع أنك عرفت فيما تقدم اعتبار المأكولية فيما إذا كان الساتر من حيوان، وما عساه
يقال: إنه في صورة الوضع على الخرق غير ساتر بانفراده بل هو مع الثوب يدفعه عدم
الفرق بين كونه ساترا وبعضه، نعم لو فرض كون الوضع بحال لا يرفع صدق اسم
الستر بالثوب حقيقة صح، لحصول الشرط وعدم المانع، ومن ذلك يعلم أن الدار في
هذه المسألة ونظائرها على ذلك، ولعله هو الذي دعا الشهيد إلى الفرق، بل والفاضل
205

فيما حكي عنه من نهايته، حيث أنه تردد في مسألة الخرق، واستقرب الصحة في واسع
الجيب المستور باللحية، وإلا فمن المعلوم عندهم عدم الاجتزاء بستر مثل ذلك لكونه
بعضا من المكلف، ولأنه مما لا يؤكل لحمه، فالحكم بالصحة حينئذ ليس إلا لتخيل أنه
ستر بالثوب مثلا لا غير، لكنه في حال من أحوال المكلف، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.
هذا كله إذا انكشف لغيره، أما إذا لم ينكشف إلا لنفسه فالأقرب البطلان
أيضا، لعدم تحقق الاطلاق المزبور الذي هو المدار في الصلاة، ولو فرض تحققه أتجه
الصحة، ولعله إليه أومأ في الذكرى حيث اشترط البطلان بما إذا قدر رؤية الغير إذا
حاذى الموضع، فإنه به ينتفي الاطلاق حينئذ، بخلاف ما إذا لم يكن كذلك، بل كان
لنفسه خاصة من جهة تسلط بصره مثلا، فلا ينتفي الاطلاق، ولعله أولى مما في كشف
اللثام، قال: يعني إذا نظر الغير من حيث ينظر نفسه، وإن كان حين ينظر نفسه مانعا
من نظر الغير، بناء على أنه ستر لعورته بوجهه مثلا، والستر يجب أن يكون بغيره
لا بعضوه، بل قد يجعل ما ذكرنا وجه جمع بين ما قلناه وبين المحكي عن المعتبر والمنتهى
والتحرير من أنه لا بأس بالصلاة إذا لم ينكشف إلا لنفسه بحمله على الصورة الأخيرة
التي ذكرنا فيها الصحة، كما أن ما في الخلاف والمحكي عن المبسوط - من إطلاق نفي البأس
عن صلاه الرجل في قميص واحد وأزراره محلولة حاكيا عليه في الأول الاجماع - يجب
حمله على ما إذا لم ينكشف العورة بذلك، وإن قال في الثاني " واسع الجيب أو ضيقه،
دقيق الرقبة كان أو غليظه، كان تحته مئزر أو لم يكن " إذ ذلك منه تعريض بخلاف.
بعض العامة، كقول الباقر (عليه السلام) في خبر زياد بن سوقة (1): " لا بأس أن
يصلي أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محللة، إن دين محمد (صلى الله عليه وآله) حنيف "
وقيل للصادق (عليه السلام) في مرسل ابن فضال (2): " إن الناس يقولون: إن

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 4
206

الرجل إذا صلى وأزراره محلولة ويداه داخلة في القميص إنما يصلي عريانا، فقال:
لا بأس " وأما قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1): " إذا كان عليه قميص
صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس " وقول أبيه (عليهما السلام) في خبر
غياث (2): " لا يصلي الرجل محلول الأزرار إذا لم يكن عليه إزار " ففي صورة
انكشاف العورة، أو للاحتياط تحرزا عن التعرض له، أو على الكراهية، كما ورد (3)
" إن حل الأزرار من عمل قوم لوط " هذا.
ولا ريب في استحباب الجماعة للعراة، بل في ظاهر التذكرة وصريح الذكرى
والمحكي عن المنتهى والمختلف الاجماع عليه، لاطلاق الأدلة، وخصوص صحيح ابن
سنان (4) " سألته عن قوم صلوا جماعة وهم عراة، قال: يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي
بهم جلوسا " وموثق إسحاق بن عمار (5) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
قوم قطع عليهم الطريق وأخذت ثيابهم فبقوا عراة وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟
قال: يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه، فيومي إيماء الركوع والسجود، وهم
يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم " فما في خبر أبي البختري (6) عن الصادق
(عليه السلام) المروي عن قرب الإسناد " فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا
كذلك فرادى " محمول على عدم إرادة الجماعة منهم، لعدم من يؤتم به منهم أو لغير
ذلك، أو على التقية بقرينة الراوي، أو غير ذلك، وإن كان المحكي عن المقنع والشيخ
في آخر باب صلاة الخوف والمطاردة من الخلاف العمل به.

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 6
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 6
(4) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2
(6) الوسائل - الباب - 52 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
207

إنما الكلام في كيفيتها والمعروف في الفتاوى كالخبرين السابقين إطلاق الجلوس
فيها، بل هو معقد المحكي عن السرائر من الاجماع أيضا، والنسبة إلى أهل العلم في المعتبر
والمنتهى من غير تفصيل بين أمن المطلع وعدمه، لكن الخروج به عن إطلاق ما دل
على القيام مع الأمن المؤيد بأصالة وجوبه في الصلاة وبغيرها لا يخلو من إشكال،
خصوصا بعد خروج هذا الاطلاق مخرج الغالب من عدم الأمن في الفرض إلا ببعض
الصور النادرة كالعمى والظلمة ونحوهما، وخصوصا بعد كون التعارض بين الأدلة من
وجه لا بالخصوص المطلق، فترجيحه حينئذ على إطلاق القيام لا يخلو من منع، ولعله
لذا جزم في البيان بمراعاة الأمن وعدمه.
وكيف كان ففي الوسيلة والدروس والمحكي عن النهاية والجامع والاصباح والمعتبر
والمنتهى العمل بما في الموثق المزبور (1) من إيماء الإمام خاصة، وركوع المأمومين
وسجودهم، ولم يرجح في التذكرة والتحرير وعن المختلف من جهته، بل في المعتبر الرواية
حسنة لا يلتفت إلى من يدعي الاجماع على خلافها، معترضا بذلك على العجلي حيث
حكى الاجماع على إيماء الجميع الذي هو خيرة القواعد والبيان والمدارك وغيرها من كتب
متأخري المتأخرين، والمنقول عن جمل السيد ومصباحه والمفيد ونهاية الإحكام وإن
كنا لم نتحققه من الأخير منهم، اللهم إلا أن يكون قد استفيد مما ذكره في المنفرد،
لكن لا ينبغي الاقتصار عليه في النسبة حينئذ، إذ الغنية أيضا كذلك، لكنك خبير
أن مثل هذا الاجماع لا يعارض مثل الخبر الزبور، كما أن إطلاق نصوص الايماء
لا تعارضه بعد كونه مقيدا ومن قسم الموثق الذي هو حجة عندنا، ومعمولا به عند
جماعة من الأساطين، والمناقشة فيه - كما في شرح الأستاذ مع أن ظاهره في حاشية

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
208

المدارك العمل به بأن المفهوم منه كون الستر لأجل عدم رؤية الناس لا لله، وهو مخالف
لظاهر الأخبار الصحاح والمعتبرة المعمول بها بين الأصحاب، بل الاجماع أيضا، لأن
وجوب ستر العورة عند الفقهاء ليس سترها عن الناظر بل لله تعالى بالبديهة - كما ترى،
إذ لا خبر فضلا عن الأخبار، والاجماع بدل على سترها في هذا الحال للصلاة، بل
لعل الظاهر من نصوص التفصيل (1) بالأمن وعدمه والتعليل بالبدو في الحس الظاهر
للناظر بقرينة الجلوس فيه خلافه كما ستعرفه مفصلا، وبه يندفع ما في الذكرى من
إشكاله بأنه يلزم من العمل به أحد أمرين، إما اختصاص المأموين بعدم الايماء مع
الأمن أو عمومه لكل عار آمن، ولا سبيل إلى الثاني، والأول بعيد، إذ الظاهر إمكانهما
معا، وأما ما في كشف اللثام من احتماله إيمائهم لركوعهم وسجودهم بوجوههم، وركوعهم
وسجودهم على الوجه الذي لهم، وهو الايماء، ولذا قال في نهاية الإحكام: إنها متأولة،
فهو كما ترى لا يترك بمثله المعتبر من النصوص، مع أنه لا ينبغي تخصيص المأمومين
بذلك، فالعمل به حينئذ متجه، ولا غرابة حينئذ في التفصيل بين المأموم وغيره لذلك.
بل يمكن الفرق بينهما أن الايماء في الجالس غيره، لعدم أمن المطلع الذي سوغ
له الجلوس بخلافه، فإنه باعتبار التصاق المأمومين بعضهم ببعض في سمت واحد لا اطلاع
لأحد على الآخر في الركوع والسجود، ولذا اختص الإمام بالايماء بينهم، لعدم الأمن
بالنسبة إليه باعتبار تقدمه عليهم، وإلى ذلك أشار في المنتهى بعد أن رجح الموثق المزبور
بقوله: " لا يقال: إنه قد ثبت أن العاري مع وجود غيره يصلي بالايماء، لأنا نقول:
إنما ثبت ذلك فيما إذا خاف من المطلع، وهو مفقود هنا، إذ كل واحد مع سمت صاحبه
لا يمكنه أن ينظر إلى عورته حالتي الركوع والسجود " ونحوه في الذكرى، لكن
أشكله بأن المطلع هنا إن صدق وجب الايماء، وإلا وجب القيام، وأجاب بأن التلاصق

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 و 5 و 7
209

في الجلوس أسقط اعتبار الاطلاع بخلاف القيام، وكان المطلع موجودا حالة القيام وغير
معتد به حالة الجلوس، وهو جيد جدا.
نعم لو فرض صف ثان بعد الصف الأول كان فرض الأول إلا بماء كالإمام،
لوجود المطلع، وفي التحرير الاجماع عليه، والركوع والسجود للصف الثاني، نعم إذا
كانوا في مكان مظلم مثلا أمكن وجوب الركوع والسجود على الجميع كما صرح بجميع
ذلك في الذكرى أيضا، ولا ينافيه الرواية المزبورة المنزلة على الغالب، كما أنه لا مجال
لاحتمال اشتراط صحة الجماعة بكونها في صف واحد بعد إطلاق النص والفتوى
وتصريح البعض.
بل من ذلك كله يظهر قوة ما ذهب إليه ابن زهرة مدعيا الاجماع عليه من
الفرق في المنفرد بين صلاته من جلوس لعدم أمن المطلع وصلاته من قيام لأمنه، فيومي
الأول للركوع والسجود، دون الثاني فيركع ويسجد، للأصل، وخير الحفيرة (1)
والموثق المزبور (2) والاجماع المنقول، ولأن الذي يسوغ له القيام المقتضي لانكشاف
قبله الأمن من المطلع فليقتض أيضا وجوب الركوع والسجود وإن استلزما انكشاف
العورة، ضرورة اشتراكهما في عدم قدحها مع عدم التمكن، ولذا لم يقدح انكشاف قبله
في القيام، ودعوى الفرق بينهما بامكان وضع يده في القيام على قبله، فيكون مستور
العورتين باليد والأليتين بخلافهما يدفعها أن ظاهر النص والفتوى عدم وجوب الوضع
المزبور، على أنه عليه لم يتجه التفصيل بين أمن المطلع وعدمه، ضرورة ظهوره في عدم
البأس في التكشف في الأول دون الثاني.
وما في حسن زرارة (3) " قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل خرج من

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 6
210

سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه فقال: يصلي إيماء، فإن كانت امرأة
جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته، ثم يجلسان فيوميان
ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما، تكون صلاتهما إيماء برؤوسهما، قال: وإن
كانا في ماء أو بحر لجي لم يسجدا عليه وموضوع عنهما التوجه فيه يوميان في ذلك إيماء
رفعهما توجه ووضعهما " - مع إجمال لفظ التوجه فيه، بل وترتب الجلوس فيه على
الوضع، وربما قيل: إنه يشهد لما تسمعه عن السيد العميد من وجوب الجلوس لايماء
السجود على القائم الآمن، وعدم اطراد التعليل فيه عندهم، ضرورة عدم جوازهما عندهم
بمجرد عدم البدو بوضع يده أو يد زوجته أو شعره أو غير ذلك، ومع أنه كما في الوافي
رواه في الفقيه مرسلا مقطوعا مختلفا في الألفاظ والزيادة والنقيصة وغير ذلك مما يقضي
باضطرابه، قال فيه: " والعريان يصلي قاعدا ويضع يده على فرجه، وإن كانت امرأة
وضعت يدها على فرجها ثم يوميان إيماء، ويكون سجودهما أخفض من ركوعهما، ولا
يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما، ولكن إيماء برؤوسهما، وإذا كانوا جماعة
صلوا وحدانا، وفي الماء والطين تكون الصلاة بالايماء، والركوع أخفض عن السجود "
لكن قد يدفع بامكان أن يكون ذلك من كلام الفقيه بمضمون الخبر المزبور، لعدم
ما يشعر فيه بصدور ذلك منه على وجه الرواية، فلاحظ، وعلى كل حال - محمول عندهم
على عدم الأمن، ولذا كانت الصلاة فيه من جلوس، فيخرج حينئذ عن مفروض المسألة
الذي هو من صلى قائما لأمن المطلع، وإلا لم أر من عمل به من الأصحاب، فإن الفتاوى
كالنصوص مطلقة في الصلاة من قيام من غير تعرض لوضع اليد، بل لعل اشتراط
القيام بأمن المطلع والجلوس بعدمه كالصريح في عدم اعتباره، كما هو واضح بأدنى تأمل،
فتعليل عدم الركوع والسجود فيه بالبدو يراد منه الظهور للناظر المحترم الذي يمكن
دعوى أهمية مراعاته عند الشارع من القيام والركوع والسجود ونحوها من أفعال
211

الصلاة المقتضية للبدو للناظر.
بل يقوى في النفس مع التأمل الجيد أن المراد من النصوص سقوط الستر من
حيث الصلاة كباقي الشرائط المتعذرة، إلا أن الفرق بينها وبينه وجوب الستر عن الناظر
لا للصلاة، فمع فرض عدمه لا يسقط شئ من أفعال الصلاة، ومعه يتعارض ما دل
على وجوب القيام والركوع والسجود وما دل على وجوب الستر، إلا أن الظاهر من
هذه النصوص المعتضدة بالفتاوى تقديم الثاني على الأول، فينتقل من القيام إلى الجلوس،
ومن الركوع والسجود إلى الايماء، فيتجه على ذلك عدم بطلان الصلاة بتكشف العورة
في حال القيام والجلوس عمدا فضلا عن السهو، ضرورة كون النهي من حيث النظر
لا الصلاة، وهذا وإن صعب على أذهان جملة من الناس لغلبة التقليد عليهم، إلا أن
التأمل الجيد في الموثق (1) وخبر الحفيرة (2) وفي نصوص التفصيل (3) بين أمن
المطلع وعدمه، وفي إطلاق ما دل على وجوب القيام (4) والركوع (5) والسجود (6)
في الصلاة، وفي أنه لا دليل على شرطية الستر للصلاة بالأليتين وبباقي بدن المصلي وغيره
مما هو محلل لمسه، بل ظاهر كثير منهم وصريح بعضهم انتهاء مراتب الستر بالأمور
السابقة، وأن البدن والشعر وغيرهما ليس منها، وفي غير ذلك مما لا يخفى على الماهر
يشرف الفقيه على القطع بما ذكرنا.
ومنه يظهر ما في شرح الأستاذ من دعوى عموم في الستر للصلاة، مهما أمكن
بحيث يشمل البدن ونحوه، بل يظهر غير ذلك مما فيه أيضا، وما في خبر أبي يحيى

(1) الوسائل - الباب - 51 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 و 5 و 7
(4) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب القيام
(5) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع
(6) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب الركوع
212

الواسطي (1) " إن الدبر مستور بالأليتين، فإذا سترت القضيب والأنثيين فقد سترت
العورة " لا دلالة فيه على أن ذلك للصلاة، بل ظاهره تحقق الستر من حيث النظر،
كما أن المراد من إطلاق النصوص الصلاة قائما صلاة القائم المعهودة، بمعنى أنه مع عدم
المطلع يرتفع المانع عن القيام، لا أن المراد الاتيان بجميع صلاته من ركوع وسجود
وتشهد وتسليم حال القيام، بل وكذا قوله (عليه السلام): " صلى جالسا " أي جاء
بصلاة الجالس المعهودة، إلا أنه لما تكثرت النصوص (2) المفتى بها من الأصحاب
في أن فرضه الايماء، وعلم أن الجلوس لمكان حصول الستر به عن المطلع تعين القول به
حينئذ مع وجود المطلع، وعدم إمكانهما مع الأمن من بدوهما له.
أما القيام فلم نجد في النصوص ما يدل على أمره فيه بالايماء سوى ما في صحيح
علي بن جعفر (3) " وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم " الذي هو
- مع عدم العمل به على إطلاقه لوجوب الجلوس عليه مع عدم الأمن ولا صراحة فيه
بالايماء للسجود - قاصر عن معارضة ما سمعته، خصوصا مع إمكان حمل الايماء فيه على
إرادة أول أفراد مسمى الركوع.
ودعوى ترجيحه على ما تقدم - باعتضاده بفتاوى الأصحاب، وباجماع ابن
إدريس، وبأن المحصل من الأدلة وجوب ستر العورة للصلاة وإن كان ما تستر به
مرتبا، وبما في مضمر سماعة (4) المروي في التهذيب " سألته عن رجل يكون في فلاة
من الأرض وليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 2 من كتاب الطهارة
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 1
(4) الاستبصار - ج 1 ص 168 - الرقم 582 من طبعة النجف والموجود في
التهذيب ج 2 ص 223 - الرقم 881 " قاعدا "
213

قال: يتيمم ويصلي عريانا قائما، ويومي إيماء " بل هو دليل في نفسه خصوصا بعد اعتضاده
بما عرفت، وبأنه لو كان المدار في الركوع والسجود على أمن المطلع وعدمه لم يصح
إطلاق الايماء للجالس في جملة من النصوص المعتبرة (1) مع إمكان عدم البدو بوضع
يديه أو يد زوجته أو نحو ذلك - يدفعها أنه لا شهرة في العمل بالخير المزبور فضلا عن
الاجماع، وذلك لأن الصدوق والمفيد والسيد وإن حكي عنهم الايماء إلا أن مذهبهم تعين
الجلوس على العاري المنفرد مطلقا أمن المطلع أو لا كما عرفته سابقا، كما أن ابن إدريس
مذهبه وجوب القيام عليه مطلقا، وهذا منهم طرح لنصوص التفصيل، بل من الأولين
طرح لنصوص القيام التي هذا الصحيح من جملتها، والبحث في الركوع والسجود والقيام
على تقدير العمل بنصوص التفصيل، وأما الشيخ في مبسوطه ونهايته وخلافه وابن
حمزة في الوسيلة وابن البراج والديلمي في المراسم فالمحكي عنهم عدم التعرض للايماء في
المنفرد أصلا، نعم الشيخ وابن حمزة منهم ذكراه في الإمام خاصة، وربما استظهر منهم
جميعا موافقة ابن زهرة في الركوع والسجود، ضرورة أنه لو كان الفرض عندهم الايماء
لوجب ذكره خصوصا، ومقتضى الأصل وجوب غيره، فليس حينئذ إلا يحيى بن سعيد
والفاضلان والشهيدان والمحقق الثاني ومن تأخر عنهم من متأخري المتأخرين.
بل المحكي عن العلامة منهم في النهاية التردد في الايماء قائما مع تقريبه من أنه
أقرب إلى الستر، وأبعد عن الهيئة المستنكرة في الصلاة، ومن أنهما ركنان، والستر
زينة وكمال للأركان، فلا يسقط الركن لسقوط الزينة، والوجه الأول من التردد كما
ترى، وقد سمعت كلامه في المنتهى في ركوع المأمومين وسجودهم، وربما ظهر من كشف
اللثام نوع ميل إليه، قال بعد أن حكى عن ابن زهرة الجزم وعن الفاضل التردد: " قلت:

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 والباب 52
الحديث 1 والمستدرك - الحديث 1 من باب 33 و 34 من أبواب لباس المصلي
214

وفرقهما بين الحالتين للأمن حال القيام ووحدة خبرة، ولم يذكره أي الايماء سلار
أصلا ولا الشيخ وابنا حمزة والبراج إلا إذا صلى العراة جماعة، فأوجبوه على الإمام
خاصة " إلى آخره: بل قد يوهن الخبر المزبور زيادة على ذلك عدم العمل به من بعض
المفصلين، حيث أوجبوا الجلوس لايماء السجود كما حكاه في الذكرى عن شيخه
عميد الدين، وفي مفتاح الكرامة عن أبي العباس، ومال إليه في كشف اللثام لأنه
مستطاع فيجب، خصوصا إذا قلنا بأصالة وجوبه لا أنه مقدمة للسجود، وإن أشكله
في الذكرى بأنه تقييد للنص من غير دليل، ومستلزم للتعرض لكشف العورة في القيام
والقعود، فإن الركوع والسجود إنما سقطا لذلك، فليسقط الجلوس الذي هو ذريعة
إلى السجود، ولأنه يلزم القول بقيام المصلي جالسا ليومي للركوع لمثل ما ذكره، وما
أعلم به قائلا، فالتمسك بالاطلاق أولى، لكن قد يدفعه أنه ليس من التقييد في شئ،
وإنما هو إيجاب لما وجب بدليله من غير علم بسقوطه، بل في كشف اللثام أن الأخفض
يحتمله، وكذا خبر زرارة (1) المتقدم كما أشرنا إليه سابقا، والفرق بين القيام والقعود
وعكسه ظاهر، فإن القعود أستر، ولذا وجب إذا لم يأمن، بل الفرض أنه كان قد
تعين الجلوس عليه لعدم أمنه، فلا يسوغ له القيام للركوع، وإلا لقام قبله، والتعرض
للتكشف مع أنه لا نهي عنه بالخصوص يرفعه الأمر بالتحفظ في هذا الحال بأن يجلسن
على هيئة لا تقتضي للتكشف بناء على مراعاة مستورية الدبر، وأن الايماء لذلك لا أنه
تعبد محض كما عساه يتخيل، بل لعله أقوى من سابقه، ضرورة خلو النص والفتوى
عما يقتضي اشتراط الستر هنا للصلاة، وإيجاب الايماء فيها أعم من ذلك كما أن قوله
(عليه السلام): " ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما " قد عرفت كونه من
حيث وجود المطلع لا من حيث الصلاة، والتمسك باطلاق هذه العلة المنافية لاطلاق

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
215

الفتاوى - بل قد عرفت قصورها من وجوه أخر، منها أن مقتضاها الركوع والسجود
للقائم مع عدم البدو أو كان الدبر مكشوفا لا يمكن ستره بالأليتين، وهو مخالف لاطلاق
الفتاوى - كما ترى، فالمتجه حينئذ بناء على العمل بهذا الصحيح (1) وغيره من
النصوص الاقتصار على الكيفية المزبورة للعاري من غير مدخلية لانكشاف العورة
حينئذ في الصلاة، لعدم الدليل، بل إطلاق الأدلة قاض بخلافه، وحينئذ لا بأس
بالجلوس لايماء السجود وإن تكشف به فضلا عن تعرضه له، على أن مقتضاه أنه يتشهد
ويسلم قائما، ولا أعرف تصريحا به ممن تقدم عليه، كما أنه لا أعرف دليلا له، بل
الأصل قاض بخلاف، ومن ذلك كله تعرف وهن الصحيح المزبور (2) بل قد يوهنه
أيضا بعد وجوب الايماء من قيام بحيث لا يجوز له الجلوس في صورة عدم بدو العورة،
بل يمكن دعوى أنه لا يلتزمه أحد منهم، ولذا صرح بعض مشائخنا بالجواز في مثل
الفرض مع قوله بمقالتهم، فتأمل.
وإجماع ابن إدريس معارض باجماع ابن زهرة، بل قد يشهد التتبع برجحان
الثاني عليه، خصوصا وقد ادعاه في المأمومين الذين قد عرفت حالهم، والقائل بركوعهم
وسجودهم، كما أنك قد عرفت ما في دعوى أن المحصل من الأدلة وجوب الستر
للصلاة مطلقا، بل سيرها مع التأمل فيها قاض بخلاف ذلك كما هو واضح.
ومضمر سماعة (3) مروي في الكافي الذي هو أضبط من التهذيب بلفظ القعود،
فيكون حينئذ كباقي نصوص الايماء (4) للقاعد المحمولة على عدم أمن المطلع، ولا ريب

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب النجاسات - الحديث؟
(4) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 والباب 52
الحديث 1 والمستدرك - الحديث 1 من باب 33 و 34 من أبواب لباس المصلي
216

أن إطلاقها منزل على الغالب من عدم التمكن من الركوع والسجود على وجه لا عسر
فيه ولا تشويش بالبدو معه، وإلا فلو فرض إمكانه كذلك وجب من غير فرق بين
المأمومين وغيرهم، بناء على ما ذكرنا الذي مع التأمل فيه يظهر لك ما في جملة من
المصنفات في النقل والاستدلال وتحرير البحث، خصوصا مصنفات أهل العصر من
مشائخنا وغيرهم، وهو الذي دعانا إلى التطويل في البحث.
والمحصل أن الذي يمكن دعواه في المقام أحد أمور أربعة: أولها ما ذكرناه من
سقوط الستر للصلاة وبقائه من حيث النظر، فمع عدمه يأتي بالصلاة تامة، ومع وجوده
ينتقل إلى الابدال كلا أو بعضا، كما لو أمن المطلع في القيام دون الركوع أو بالعكس.
وثانيها السقوط للصلاة أيضا إلا أنه يجب التعبد بالكيفية المخصوصة الحاصلة من مجموع
النصوص والفتاوى، وهي على الأصح الجلوس مع عدم الأمن، والقيام معه، والايماء
في الحالين. ثالثها هذه الكيفية المخصوصة إلا أنه يجب ستر العورتين في حال الجلوس
للصلاة وعن النظر، والدبر خاصة للصلاة في حال القيام والركوع والسجود. رابعها
وجوب ستر القبل باليد ونحوها لها أيضا، وأضعفها الأخير، لما عرفته من منافاته لأكثر
النصوص والفتاوى، ثم سابقه، بل لا يخلو تخصيص ستر الدبر بالشرطية من غرابة،
وأما الأولان فقويان جدا، ولعل أولهما لا يخلو من رجحان، لما عرفته فتأمل جيدا،
فإن المسألة غير محررة في كثير من الكتب.
ثم من الواضح أنه تجب على الأول إرادة الناظر المحترم من النص والفتوى
لا مطلق الناظر وإن لم يكن محترما، لما عرفته سابقا من سقوط الستر للصلاة، وعدم
حرمة التكشف إلا من حيث النظر، فيجب حصره حينئذ في المحترم منه لا غيره كالزوجة
ونحوها كما جزم به شيخنا في الرياض، ولعله المتبادر من نحو قولهم: أمن المطلع، خلافا
لشيخنا في كشفه فالجميع، تمسكا بعموم النصوص المنصرف إلى ما ذكرنا ولو بقرينة
217

الفتاوى وما سمعته سابقا منا مفصلا، كما أنه من المعلوم عدم الاجتزاء بالركوع والسجود
منه عمدا حيث يكون فرضه الايماء، للنهي، وعدم الامتثال للأمر به في النص والفتوى
المراد منه العزيمة وانتقال الفرض قطعا لا الرخصة، والجهل غير عذر فيه كغيره من
الأحكام، بل ولا النسيان أيضا وإن احتمل الصحة فيه في البيان، بل جزم بها الأستاذ
الأكبر في شرحه، قال: لعدم توجه النهي والخطاب بالايماء، لقبحه، والصلاة ثلثها
ركوع وسجود، بل ما دل على الايماء نص في أن الأصل الركوع والسجود، والعدول
إلى الايماء لئلا يبدو ما خلفه، فإذا بدا نسيانا لم يبق مانع من الأصل، ولا مقتضي
للعدول. والجميع كما ترى لا يجدي في صدق الامتثال المزبور، فالبطلان حينئذ لذلك
لا للتكشف كي ينافي ما قلنا من عدم قدحه في الصلاة في هذا الحال، كما أن تعليل الايماء
وعدم الركوع والسجود لهما بالبدو لا يقتضي كون المدار في التكليف بذلك على الإثم
وعدمه، كما هو واضح، لكن هذا لو اجتزى بهما، أما لو ذكر بعد فعل الركوع
والسجود فقد يحتمل أن له التدارك فيومي وتصح صلاته، لعدم ركنيتهما في هذا الحال
كي يستلزم زيادتهما البطلان، اقتصارا فيما دل عليها على المتيقن، فحينئذ لو نسي إيماء
الركوع حتى دخل في السجود نفسه أومأ وصحت صلاته، لكن الأحوط استيناف
الصلاة مع ذلك، خصوصا مع القول بأصالة الفساد مع الزيادة التي هي مبنى الركنية،
أما لو زاد إيماء أو تركه فلا إشكال في البطلان، للبدلية، كما أنه لا إشكال فيه أيضا
لو نسي إيماء الركوع حتى دخل في إيماء السجود.
وكيف كان فلو لم يجد الرجل ساترا إلا لإحدى العورتين وجب ستره للصلاة بلا
خلاف أجده بيننا، لأنه المستطاع والميسور والمدرك، وإطلاق الأدلة منضما إلى أصالة
عدم اشتراط ستر أحدهما بالآخر، بل لا يبعد لذلك كله وجوب ستر البعض مع إمكانه،
ولا ترتيب في أجزائه على الظاهر، نعم يقدم القبل عند كثير ممن تعرض لذلك كالفاضلين
218

والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم، نعم عن حواشي الشهيد منهم جعله والدبر احتمالين،
وفي بيانه احتمال رجحان الدبر، لاستتمام الركوع والسجود بستره مع كون القبل مستور
بالفخذين، واحتمال جعل الساتر حال القيام على القبل، وعلى الدبر في حالتي الركوع
والسجود، ولا يعد ذلك مبطلا، لأنه من أفعال الصلاة.
وكيف كان فقد عللوه بأن الدبر مستور بالأليتين كما في خبر أبي يحيى (1)
وببروزه وكونه إلى القبلة، بل صرح جماعة بالبطلان لو خالف، كما صرحوا ببقاء الايماء
عليه حينئذ، لكن قد يناقشون بعدم صلاحية الأمور المزبورة للترجيح من حيث ستر
الصلاة، وبحيث يقضي مخالفتها بالبطلان المذكور، وبامكان أولوية الدبر بناء على التمكن
بذلك من الركوع والسجود ولو حالهما كما سمعته من الشهيد، ضرورة أهمية المحافظة عليهما
من غيرهما، لأنهما معظم الأركان وثلث الصلاة، ولأن الدبر لم يسقط قادحية كشفه
عندهم في حال من الأحوال بخلاف القبل، ولغير ذلك، بل ينبغي الجزم فيما لو فرض
كفاية الستر له دون القبل، بل ذلك كله مع التأمل الجيد مما يؤيد ما ذكرناه سابقا
من سقوط اشتراط الصلاة، وأنه لا تبطل بانكشاف الدبر حال القيام والقبل أيضا حال
الجلوس، إذ المتجه بناء على ذلك ترجيح الدبر أو التخيير كما عرفت، أما على ما حققناه
فقد يتجه الأخير حتى في حال الجلوس إلا إذا كان بستر الدبر به عن النظر يتمكن من
الركوع والسجود، لعدم انكشاف القبل مثلا، فقد يترجح كالعكس لو فرض ذلك
فيه، لعدم مرجح يصل إلى حد الوجوب، ولعله لندرة الفرض المزبور أطلق ما يقتضي
التخيير في المحكي عن المبسوط، قال: " لو وجد ما يستر به بعض عورته وجب ستر ما يقدر
عليه " وفي المحكي عن المنتهى نسبة التخيير إلى قوم، وتقديم الدبر إلى آخرين، وفي
التحرير اقتصر على نسبة الأول إلى البعض.

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب آداب الحمام - الحديث 2 من كتاب الطهارة
219

وأما المرأة فلا ريب في تقديم فرجيها على باقي بدنها، بل بالتمكن من سترهما يجب
عليها صلاة المختار، لعدم اندراجها في نصوص العاري حينئذ قطعا، بل ربما كان في قوله
(عليه السلام): " وإن خرجت رجلها " في بعض النصوص السابقة (1) إشارة إلى
عدم اعتبار كشف ما عدا العورتين للضرورة، فلا يجب عليها الجلوس حينئذ مع وجود
المطلع وإن استترت به ما ينكشف حال القيام ولا الايماء.
أما إذا وجدت ساتر أحدهما خاصة فقد قدم القبل أيضا جماعة منهم الشهيد
والمحقق الثاني لما سمعته في الرجل، لكن قد يقال بالتخيير هنا وإن قلنا بالتقديم هناك،
لاشتراكهما في المستورية عن النظر بالفخذين والأليتين، أو لأن ستر الأليتين بالنسبة
إليها باعتبار كونهما منها عوره كعدم الستر، فلا يرجح (2) الدبر بذلك على القبل،
كما أنه لا يرجح هو على الدبر بالأفظعية، ولعله لذا جزم في كشف اللثام بالتخيير هنا
مع قوله بالتقديم في الرجل، بل كأنه مال إليه العلامة الطباطبائي في منظومته، قال:
وعند فقد ساتر الكل الرجل * قدم من سترهما ستر القبل
والمرأة الفرجين ثم القبلا * وللخيار فيه وجه قبلا
وعلى كل حال فلا يسقط الايماء عنها بذلك عند من أوجبه حال القيام، لعدم حصول
شرط الركوع والسجود الذي هو ستر العورتين، كما هو ظاهر صحيح علي بن جعفر (3)
السابق الذي هو الأصل في إيماء القائم عندهم، لكن في كشف اللثام ما يوهم ركوعها
وسجودها، قال: " وإن لم تجد المرأة إلا ما يستر السوأتين أو إحداهما فالأقرب الستر

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " فلا يرجح القبل بذلك على الدبر "
إذ لولا ستر الأليتين الدبر كعدم الستر لكان القبل أولى بالستر بالساتر الذي لا يكفي إلا
لأحدهما لمستورية الدبر بالأليتين إلا أن هذا الستر كالعدم فلا يرجح على الدبر بل مخير بينهما
(3) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
220

لمثل ما عرفت، ولا أولوية لأحدهما إلا في الركوع والسجود " وهو غريب مع إيجاب
الايماء في الرجل، ولعل العبارة لا في الركوع ولا السجود كما حكاها عنه في مفتاح
الكرامة، لكنه كما ترى أيضا، أو يراد أن الأولوية تتصور في حالتي الركوع
والسجود باعتبار ستر أحدهما حالهما ومستورية الآخر، والفرض أن لا ركوع ولا سجود
لها، لأن فرضها الايماء، فليس حينئذ إلا حال القيام والجلوس، ولا ترجيح لأحدهما
على الآخر حالهما كما عرفت، فتأمل جيدا.
وأما الخنثى المشكل فلا ريب في وجوب ستر الفرجين عليها، بل في التحرير
وعن المنتهى الاجماع عليه للمقدمة، وفي وجوب ستر غيرهما عليها قولان مبنيان على
إقعاد قاعدة الشغل وعدمه، ولو لم تجد إلا ساتر أحدهما قيل قدمت القبل، لاحتمال أنها
رجل، وإن لم تجده إلا لأحد القبلين قدمت القضيب، وعن بعض العامة أنه إن كان
عنده رجل ستر آلة النساء، وإن كان امرأة فآلة الرجل، وقواه في جامع المقاصد،
قال: ولو اجتمعا فاشكال، قلت: قد يرجح الدبر على كل حال باعتبار أنه ستر عورة
قطعا بخلاف القضيب أو الفرج، لكن الجميع كما ترى اعتبارات يشكل بناء البطلان
عليها، والله أعلم.
* (والأمة والصبية تصليان بغير خمار) * لعدم اشتراط صحة صلاتهما بستر الرأس
إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا عنا وعن غيرنا من علماء الإسلام عدا الحسن البصري،
فأوجبه على الأمة إذا تزوجت أو اتخذها الرجل لنفسه، وقد سبقه الاجماع ولحقه،
ونصوصا مستفيضة (1) في الأمة أو متواترة، فهما حينئذ مستثنيان من إطلاق أدلة
الشرطية، وعدم تكليف الصبية لا ينافي اشتراط صحة عبادتها بناء على الشرعية بذلك،
بل موضوع القول بالشرعية العبادة الجامعة للشرائط، لعدم ثبوت شرعية غيرها،

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي
221

فاستثناء الأصحاب الصبية حينئذ هنا في محله، ولا وجه لما في الحدائق من الانكار عليهم
بذلك، كما أنه لا وجه للاستدلال من غير واحد على عدم شرطية ستر رأسها بعدم
تكليفها، وبعدم تناول دليل الشرطية لها باعتبار اشتماله على الامرأة ونحوها، ضرورة
أنه على ما ذكرنا يكفي ثبوت شرطيته للبالغة في ثبوته لها.
وكيف كان فاطلاق معاقد الاجماعات وأكثر النصوص يقتضي عدم الفرق في
الأمة بين القن والمدبرة والمكاتبة المشروطة والمطلقة التي لم تؤد شيئا والمزوجة وموطوءة
المولى وأم الولد وغيرها، بل استثناء خصوص خلاف الحسن البصري في خصوص
السرية والمزوجة كالصريح في إرادة العموم المزبور، بل عن جمهور علمائنا التصريح
بذلك كله، بل في الخلاف الاجماع على أن أم الولد مثل الأمة، لكن ومع ذلك كله
احتمل في المدارك إلحاق أم الولد مع حياة ولدها بالحرة، لصحيح محمد بن مسلم (1)
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له: " الأمة تغطي رأسها فقال: لا، ولا على أم
الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد " قال: " وهو يدل بمفهومه على وجوب تغطية
الرأس مع الولد، ومفهوم الشرط حجة كما حقق في محله، ويمكن حمله على الاستحباب
إلا أنه يتوقف على وجود المعارض " وفيه - مع أنه لا ذكر فيه للصلاة وإنما يدل على
أنها تغطي في الجملة إذا كان لها ولد فقد يكون بعد موت المولى - أن المعارض ما عرفته
من إطلاق النص ومعقد الاجماع الذي من الواضح قصور تقييده بالمفهوم المزبور،
خصوصا بعد ما عرفت، وخصوصا بعد ما في خبر محمد بن مسلم الآخر (2) أنه سأل
أبا جعفر (عليه السلام) " عن الأمة إذا ولدت عليها الخمار فقال: لو كان عليها لكان
عليها إذا حاضت، وليس عليها التقنع في الصلاة " بناء على إرادة ما يشمل أم الولد
من الضمير، فتأمل. وخصوصا بعد موافقته للمحكي عن ابن سيرين وأحمد في إحدى

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 7
222

الروايتين، والله أعلم.
والظاهر المنساق إلى الذهن من النص والفتوى ما صرح به الشهيدان والمحقق الثاني
وغيرهم من دخول الرقبة في الرأس سيما في المقام، وسيما مع ملاحظة غلبة سترها بالتقنع
المصرح بسقوطه في النصوص (1) كالإذن لها في الصلاة في قميص واحد (2) فاحتمال
العدم كما عن الروض في غاية الضعف، نعم يجب عليها ستر ما عدا ذلك مما سمعته في
الحرة لتلك الأدلة في المستثنى والمستثنى منه، بل هي أولى منها بالأول، وفي التذكرة
" عورة الأمة كالحرة إلا في الرأس عند علمائنا أجمع " وعن المنتهى أنه نسب إلى علمائنا
عدم جواز كشف الأمة ما عدا الوجه والكفين والقدمين خلافا لبعض الشافعية وأحمد
في إحدى الروايتين، فحكمها حكم الرجل، ولعل إلى ذلك نظر الشيخ في المحكي عن
مبسوطه وخلافه، قال في الأول: " وأما ما عدا الرأس فإنه يجب عليها تغطيته من
جميع جسدها، لأن الأخبار وردت بأن لا يجب عليها ستر الرأس، ولم ترد بجواز
كشف ما عداه " لا أن مراده عدم استثناء ما يستثنى في الحرة، لكن عن المعتبر بعد
نقل ذلك عنه قال: " ويقرب عندي جواز كشف وجهها وكفيها وقدميها كما قلناه في
الحرة " وكأنه فهم منه خلاف ذلك، ولقد أجاد في الذكرى بعد أن حكى عن المعتبر
ما سمعت فقال: ليس هذا موضع التوقف، لأنه من باب كون المسكوت أولى بالحكم
من المنطوق، ولا نزاع في مثله، ومنه يعلم ما في نسبة بعض مشائخنا وجوب الجميع حتى
الوجه والكفين والقدمين إلى ظاهر المبسوط والخلاف والسرائر والتبصرة والبيان
وصريح كشف الالتباس والمدارك، مع أنا لم نجده في الأخير، ولعل سابقه مثله، كما
أن ظهور الباقي من نحو ما عرفت، اللهم إلا أن يقال: إن الشيخ ممن لا يرى الاستثناء
في الحرة، لكن قد عرفت أن ذلك في غير الكتابين المزبورين، وبالجملة لا ينبغي

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 10
(2) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 10
223

التوقف في ذلك بعد الاشتراك في الأدلة وأولوية الحرة بالستر.
ثم إنه قد يوهم ظاهر المتن وجوب الكشف وعدم جواز الستر حتى في الصبية
لكن بمعنى الشرط في الصحة حينئذ، إلا أنه من المعلوم إرادة الرخصة من الأمر فيه
الذي هو في مقام توهم الخطر، بل لم أجد خلافا في ذلك إلا ما يحكى عن علل الصدوق
من عدم الجواز في الأمة، ويمكن إرادته الكراهة من ذلك كما عن المجلسي، ولعله
لخبر حماد اللحام (1) المروي عن العلل سأل الصادق (عليه السلام) في أحد خبريه " عن
الخادم تقنع رأسها في الصلاة فقال: اضربوها حتى تعرف الحرة من المملوكة " وفي
الآخر (2) المروي عنها وعن المحاسن وفي الذكرى نقلا من كتاب البزنطي " عن
المملوكة تقنع رأسها إذا صلت فقال: لا، كان أبي إذا رأى الخادم تصلي وهي مقنعة
ضربها لتعرف الحرة من المملوكة " وربما استفيد منه الحرمة لكنه كما ترى قاصر عن
معارضة الأصول وظاهر رفع الوجوب في النصوص والاجماع ممن عداه، وقول الصادق
(عليه السلام) في خبر أبي بصير (3): " ليس عليها خمار إلا أن تحب أن تختمر "
وخير أبي خالد القماط (4) المروي في الذكرى عن كتاب علي بن إسماعيل الميثمي " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأمة أتقنع رأسها؟ فقال: إن شاءت فعلت، وإن
شاءت لم تفعل، سمعت أبي يقول: كن يضربن، فيقال لهن: لا تشبهن بالحرائر ".
بل قد يناقش في العمل به على الكراهة بظهور إعراض الأصحاب عنه بالنسبة
إليها، إذ المصرح به في الوسيلة والغنية والنافع والمعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير
والمراسم على ما حكي عن بعضها الاستحباب، لأنه أنسب بالحياء والعفة، ولأن

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9 - 3 - 11
(3) الوسائل - الباب 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9 - 3 - 11
(4) الوسائل - الباب 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9 - 3 - 11
224

النصوص إنما أفادت رفع الوجوب، وبأن الغالب في الظن صدور ذلك مصدر التقية،
لأن المحكي عن عمر أنه كان يضرب الأمة لذلك، وقد ضرب أمة لآل أنس، وقال
لها: لا تشبهي بالحرائر، بل في الخبر المزبور إشارة إلى ذلك، بل قد يؤيده أيضا
أن الضرب أذبة لا يجوز أن يرتكب إلا لفعل حرام أو ترك واجب، وليس عدم الستر
واجبا، إذ لا قائل به سوى الصدوق في ظاهره كما عرفت، وقد ورد النهي الشديد (1)
عن ضرب المملوك، والأمر بالعفو عنه (2) حتى أنهم أمروا بالعفو عنه سبعين مرة (3)
وعن ضربه في النسيان والزلة فضلا عن إرادة الستر والعفاف والحياء، مع أن ظاهر
الروايات أن الضرب كان من دون أن يتقدم إليهن بالمنع، ولا كان منهن إصرار،
كما صنع عمر بأمة آل أنس، ومعرفة المملوكة من الحرة في الصلاة ما الباعث عليها، على
أنها معروفة بلا شبة، وكل ذلك وغيره شواهد على التقية، اللهم إلا أن يكون هناك
حكمة خفية، فالحكم بالكراهة حينئذ لهذه النصوص لا يخلو من شئ، كالحكم بندب
الكشف كما في منظومة الطباطبائي، بل والحكم بعدم استحباب الستر كما في المدارك،
ولعله ظاهر الذكرى، أو الكراهة أو التردد، وليس التسامح في الكراهة أولى من التسامح
في استحباب الستر الذي هو مخالف لفعل عمر، والأمر سهل، هذا.
ولا يندرج في الأمة نصا وفتوى المبعضة، فتبقى حينئذ على إطلاق الستر للنساء
في الصلاة، قيل: وربما كان في صحيح ابن مسلم (4) إشعار به، قال: " سمعت
أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ليس على الأمة قناع في الصلاة ولا على المدبرة ولا على

(1) كنز العمال - ج 5 ص 18 - الرقم 394 و 395
(2) كنز العمال - ج 5 ص 20 - الرقم 447
(3) كنز العمال - ج 5 ص 20 - الرقم 448 و 449 و 450
(4) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7
225

المكاتبة إذا اشترطت عليها قناع في الصلاة وهي مملوكة حتى تؤدي جميع مكاتبتها "
الحديث. حيث خص الحكم بالمكاتبة المشروطة التي لا يتحرر منها شئ حتى تؤدي
الجميع بخلاف المطلقة، قلت: في الصحيح عن حمزة بن حمران (1) على ما في الوسائل
عن الشيخ أنه سأل أحدهما (عليهما السلام) " عن الرجل أعتق نصف جاريته - إلى
أن قال -: قلت: فتغطي رأسها منه من حين أعتق نصفها قال: نعم، وتصلي وهي
مخمرة الرأس " الحديث. وعلى كل حال فما عساه يتخيل من بقاء المبعضة على الأصل
لا تندرج فيما دل على الستر ولا فيما دل على عدمه غلط قطعا، لعدم اختصاص أدلة
الستر بالحرة كما هو واضح.
وكيف كان * (فإن أعتقت الأمة في أثناء الصلاة) * وعلمت به * (وجب عليها ستر
رأسها) * وحينئذ فإن لم يتخلل زمان بين العتق وستر رأسها أتمت صلاتها قطعا، لأصل
بلا معارض، وما سبق من احتمال عدم الاجتزاء في واجد الساتر في الأثناء حتى إذا
لم يتخلل زمان بين وجدانه والتستر لا يتأتى هنا، وإن كان هو ضعيفا عندنا كما عرفت،
للفرق الواضح بينهما بحصول التمكن الذي عليه المدار في مثله من الصلاة تامة بساتر،
فلا يجتزي منه بالفاقد ولو بعضا، وعدم مدخليته في المقام، ضرورة تغير الموضوع فيه،
وعدم احتمال العذرية له، بل وكذا يقوى الصحة إذا علمت به حال وقوعه وبادرت
إلى الستر للباقي من الصلاة بلا فعل مناف، لعموم الدليل، وزوال المسقط، وصدق
الامتثال، وأصالة صحة ما مضى، فيختص التكليف حينئذ بالستر للباقي. ويلزمه العفو
عن التكشف زمن الاشتغال بالامتثال، ولم تكن مكلفة قبل العتق بستر الرأس مع التمكن
منه كي يحتمل هنا الاستيناف لحصوله، كما سمعته فيمن وجد الساتر في الأثناء، ولعله
لذا جزم الأستاذ الأكبر هنا بالستر والمضي، وهناك بالاستيناف، وإن كان قد عرفت

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 12
226

ما فيه سابقا، كما أن الفرق المزبور يمكن المناقشة فيه، ضرورة واقعية التكليف فيهما
للأصل وظاهر الأوامر، فإن كان ذلك يقتضي اختصاص التكليف بالستر للباقي المستلزم
للعفو عن التكشف زمن الاشتغال بالامتثال فليقتض فيهما، وإن كان لا يقتضي فهو
كذلك فيهما أيضا باعتبار أن الأصل والواقعية المزبورة لا تقتضي كون التكليف بالاتمام
حتى يستلزم ذلك، إذ يمكن التكليف بالاستيناف الذي لا ينافيهما، إذ هو إنما كان
للتكشف آنا ما من الصلاة حال كونها حرة، وقد عرفت أصالة شرطية الستر، والاقتصار
في الخروج عنه على خصوص غير العالم بالكشف، وكون تكليف الواجد في الأثناء
الصلاة به مع التمكن بخلافها لا يجدي عند التأمل بعد تغير موضوعه بصفة التمكن وعدمها،
والمفروض عدم انكشاف فساد ما فعله بحدوث صفة التمكن.
نعم يؤيد الصحة في المقام عدم الخلاف فيها فيما أجد إلا ما حكاه في كشف اللثام
عن ابن إدريس من البطلان، بناء على أن انكشاف العورة كالحدث فيها، مع أن
المحكي عن سرائره خلاف ذلك، قال: " إن بلغت الصبية بغير الحيض وجب عليها ستر
رأسها وتغطيته مع قدرتها على ذلك، وكذلك حكم الأمة إذا أعتقت في خلال الصلاة "
إلى آخره. وبناء على اتحاد المقامين تتأكد الصحة حينئذ هناك، فلاحظ وتأمل.
أما إذا تركت ستر رأسها فلا ريب في البطلان وإن جهلت الحكم، لكن أطلق
الخلاف أنها إذا أعتقت فأتمت صلاتها لم تبطل صلاتها، بل قد يظهر من نسبة التفصيل
للشافعي الصحة وإن لم تستر، ولعله لاحتمال كون شرطية الستر في الابتداء لا ما يشمل
ذلك، إلا أنه كما ترى، وإن كان هو مقتضى ما تسمعه من المدارك.
وإن لم تعلم بالعتق حتى أتمت الصلاة ففي التحرير والبيان والمحكي عن نهاية
الإحكام والمنتهى الصحة، لامتناع تكليف الغافل، بل في شرح الأستاذ أنه لا تأمل
فيها، وإن كان الإعادة لا تخلو من احتياط، بل قيل: إنه يظهر من المنتهى دعوى
227

الاجماع على ذلك حيث نسب الخلاف فيه لبعض الجمهور، لكن الانصاف أنه إن لم
يتم الاجماع عليه لا يخلو من مناقشة بناء على ما ذكرناه من الاقتصار على خصوص الغفلة
عن الانكشاف في الخروج عن شرطية الستر، إذ الظاهر عدم كون ما نحن فيه منه وإن
احتمله في كشف اللثام، لكنه ضعيف كضعف تردد التذكرة من امتناع تكليف
الغافل، ومن كونها صلت جاهلة بوجوب الستر، فهي كما لو جهلت الحكم، إذ الوجه
الأول لا يقتضي الصحة التي يكفي في عدمها انتفاء الشرط ولو بغير تقصير من المكلف،
والثاني واضح المنع، ضرورة كونه من الجهل بالموضوع لا الحكم، وكان الأولى جعل
الصحة والفساد من احتمال أنه من الغفلة عن الانكشاف أو ملحق بها، ومن قاعدة انتفاء
المشروط بانتفاء شرطه، فتأمل. ونحو المسألة ما لو تخلل زمان بين عتقها وبين العلم بذلك
وهي في أثناء الصلاة، وإن أطلق الأصحاب فيه ما عرفت.
* (وإن افتقرت) * في الستر * (إلى فعل كثير) * أو غيره من المنافيات * (استأنفت) *
الصلاة كما عن الجامع، لانتفاء الشرط، والمراد ما في التذكرة والتحرير والذكرى
والدروس والمسالك وغيرها مع اتساع الوقت ولو لركعة، إذ لا ريب في مضيها مع
الضيق ترجيحا لمصلحة الوقت وعدم سقوط بحال كما في غيره من الشرائط، فما
في فوائد الشرائع من التردد في الاستمرار فيه للشك في كونه مسقطا للستر في غير محله
قطعا، كما أن ما يقتضيه إطلاق الخلاف - من الاستمرار مطلقا ولو مع السعة بل عن
المبسوط والمعتبر التصريح به، لأن دخولها كان مشروعا، والصلاة على ما افتتحت عليه
- كذلك أيضا، وإن قال في المدارك: إنه لا يخلو من قوة، لأن الستر إنما ثبت وجوبه
إذا توجه التكليف قبل الشروع في الصلاة مطلقا، إذ هو كما ترى مقتضاه عدم وجوب
الستر حتى إذا لم يتوقف على مناف، وهو معلوم البطلان، لاطلاق دليل الشرطية،
وقاعدة أن كل شرط للكل شرط للجزء، فما في جامع المقاصد والمحكي عن المنتهى - من
228

التردد من ذلك، ومن تساوي المانع الشرعي والعقلي مع انعقاد الصلاة صحيحة،
وعموم (1) " لا تبطلوا أعمالكم " وأصل البراءة - في غير محله قطعا كما عرفته في واجد
الستر في الأثناء، إذ الظاهر اتحاد المسألتين هنا، فلاحظ وتأمل، نعم إذا لم تتمكن
من الستر لفقده مثلا مضت في صلاتها وسقط عنها الستر إجماعا كما في كشف اللثام،
وهو واضح.
* (وكذلك) * البحث بتمامه في * (الصبية إذا بلغت في أثناء الصلاة بما لا يبطلها) *
كما عن المبسوط والسرائر والمعتبر والمنتهى، ولعله بناء منهم على شرعية عبادتها
والاجتزاء بها عن الفرض، فتستر حينئذ إذا أمكن بلا مناف، ومعه تستأنف في السعة،
وتستمر في الضيق، لكنه مناف لما سمعته من بعضهم في المواقيت، بل قد يتجه ذلك
أيضا وإن لم نقل بالاجتزاء به عن الفرض وإنما هو نافلة وقلنا بحرمة القطع، نعم يتجه
الاستيناف حينئذ إذا بقي من الوقت قدر ركعة ترجيحا لوجوب الفرض على حرمة
القطع كما أوضحناه في مسألة بلوغ الصبي في الأثناء، بل قد يتجه أيضا وإن لم نقل
بحرمة القطع في غير الضيق لكن على وجوب الستر حينئذ شرطا لا شرعا، بل قد
عرفت في المواقيت احتمال جامع المقاصد الاتمام نافلة على التمرينية أيضا وإن كان
هو ضعيفا، لكن يأتي عليه في غير الضيق وجوب الستر شرطا بل وشرعا، بناء
على حرمة القطع.
ومن ذلك كله يعلم ما في المحكي في مفتاح الكرامة عن المنتهى ونهاية الإحكام
والمختلف والتذكرة والتحرير والذكرى والبيان والدروس والموجز الحاوي وحاشية
الميسي والروض وفوائد القواعد وجامع المقاصد وفوائد الشرائع والمسالك وغيرها من
إطلاق الاستيناف وإن أمكنها التستر من غير فعل مناف إذا اتسع الوقت للستر

(1) سورة محمد صلى الله عليه وآله - الآية 35
229

وركعة، ولعله بناء منهم على التمرينية، إلا أنه ينبغي حينئذ اعتبار مقدار الطهارة مع
ذلك، لعدم اعتبار الطهارة السابقة، بل ينبغي بناء اعتبار الستر على اعتبار سعة الوقت
لاحراز غير الطهارة من الشرائط في ابتداء التكليف وعدمه كما سمعت الكلام فيه مفصلا
في الأبحاث السابقة، أو يكون ذلك بناء منهم على عدم الاجتزاء بالنفل عن الفرض،
فيراد حينئذ الاستيناف بعد إتمام ما في يدها على الوجه الذي ذكرنا، ولعل تصفح جملة
من الكتب المنسوب إليها ما عرفت يشهد لذلك، ومن هنا اقتصر في كشف اللثام على
نسبة الاستيناف وإن أمكنها الستر بلا مناف إلى والد العلامة، بل حكى عن المنتهى
ما نقلناه سابقا، وبالجملة كلامهم في المسألة لا يخلو من تشويش، وتنقيح الحال فيه
موقوف على ملاحظة ما تقدم في بلوغ الصبي في الأثناء، وعلى معرفة القائل بالشرعية
والتمرينية، وعلى معرفة اعتبار سعة الوقت لسائر الشرائط مع الركعة في ابتداء التكليف
أو الطهارة خاصة، فمن أراده فليلاحظ ذلك كله حتى يعرف مواقع المنافاة بين الكلمات،
بل يعرف الحال أيضا في الاتمام ندبا أو وجوبا إذا كان الباقي أقل من ركعة، فلاحظ
وتأمل، والملخص ما ذكرناه أولا، والله أعلم.
المسألة * (الثامنة تكره الصلاة في الثياب السود ما عدا العمامة والخف) * بلا خلاف
أجده في المستثنى منه، بل ربما ظهر من بعضهم الاجماع عليه، بل عن الخلاف ذلك
صريحا، وهو الحجة، مضافا إلى استفاضة النصوص (1) في النهي عن لبسه الذي ربما
قيل باستفادة الكراهة في خصوص الصلاة منه، إما لدعوى اتحاد الكونين كما سمعته
في المغصوب، أو لأن إطلاق الكراهة يقتضي شمول خصوص الصلاة، ولا ينافيه شمول
غيرها، إذ ليس المراد اختصاص الصلاة بذلك من بين الأفراد، بل المراد الكراهة
فيها بالخصوص وإن كان غيرها من الأفراد كذلك، وقد سمعت نظيره في استحباب

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب لباس المصلي
230

خصوص بعض الأذكار في الصلاة، لكن لا يخفى عليك أنا في غنية عن هذا التكلف -
خصوصا الأخير الذي يمكن دعوى ظهور العبارات بخلافه - بما سمعت من الاجماع المحكي
المعتضد بما عرفت، وبالمرسل (1) في الكافي أنه " روي لا تصل في ثوب أسود،
فأما الكساء والخف والعمامة فلا بأس " بل وبالمستفاد من بعض النصوص في القلنسوة
من كراهة لباس أهل النار في الصلاة، ففي مرسل محمد بن سليمان (2) " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أصلي في القلنسوة السوداء قال: لا تصل فيه فإنها
لباس أهل النار " ولا ريب في ظهور التعليل فيه بكراهة الصلاة في كل ما كان كذلك.
وقد ورد في السواد أنه لباس فرعون، وأنه زي بني العباس، وفي الممطر منه
أنه لباس أهل النار، ففي مرسل الفقيه (3) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) فيما علم
أصحابه: " لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون " وفيه أيضا (4) " روي أن جبرائيل
(عليه السلام) هبط على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قباء أسود ومنطقة فيها
خنجر، فقال: يا جبرائيل ما هذا؟ فقال: زي ولد عمك العباس، يا محمد صلى الله عليه وآله ويل
لولدك من ولد عمك العباس " وفي خبر حديفة بن منصور (5) قال: " كنت عند
أبي عبد الله (عليه السلام) بالحيرة فأتاه رسول أبي العباس الخليفة يدعوه، فدعا بممطر
أحد وجهيه أسود والآخر أبيض فلبسه، ثم قال: أما أني ألبسه وأنا أعلم أنه لباس أهل
النار " بل من المعلوم كون ذلك من حيث السواد لا خصوصية الممطر، كما أن من المعلوم
كون لبسه للتقية، فيتجه حينئذ كراهة الصلاة فيه للتعليل المزبور، بل منه ينقدح المناقشة
فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من شدة الكراهة وتأكدها في القلنسوة السوداء
للخبر المزبور، ضرورة أنه بعد تعليل الكراهة فيه بالعلة المشتركة بين الجميع لم يبق

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 6 - 7
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 6 - 7
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 6 - 7
231

حينئذ خصوصية لمورد التعليل، سيما مع كونه من كلام السائل، ولعله لذا أطلق الباقون.
أما المستثنى فقد يقضي عدم الاستثناء في كلام كثير من الأصحاب على ما في
الذكرى بعدمه، لكن فيه أن النصوص صريحة في الاستثناء، منها مرسل الكليني
السابق، ومنها قول الصادق (عليه السلام) في مرسل أحمد بن محمد (1): " يكره
السواد إلا في ثلاثة: الخف والعمامة والكساء " ومنها المرسل الآخر (2) " كان
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف والكساء والعمامة "
وكذا الفتاوى بالنسبة للخف والعمامة، بل عن المعتبر نسبة ذلك إلى الأصحاب،
والمنتهى إلى علمائنا، ومنه يعلم حينئذ ما في اقتصاد المفيد وسلار وابن حمزة والشهيد
في الدروس على استثناء العمامة، اللهم إلا أن يكون لعدم دخول الخف في المستثنى منه،
لأنه ليس من الثياب، لكن فيه أولا أن المحكي عن المقنعة عدم كون العمامة من الثياب
أيضا كما عن جماعة من الأصحاب في بحث الحبوة، وثانيا بقاء المناقشة بالنسبة إلى
الكساء، بل في كشف اللثام أنه لم يستثنه أحد من الأصحاب إلا ابن سعيد إلى أن
قال: " وكأن إعراضهم جميعا عنه لكونه من الثياب، مع إرسال أخبار الاستثناء،
وعموم نحو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) " مشيرا به إلى ما سمعت، قلت: قد
يؤيده أيضا خبر الممطر السابق بناء على أنه من الأكسية، لكن فيه أنا لم نجد الخف
مستثنى إلا مع الكساء، أما العمامة فقد يفهم استثناؤها من قول الباقر (عليه السلام)
في خبر علي بن المغيرة (3): " كأني بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء
ذوابتاها بين كتفيه مصعدا في لحف الجبل بين يدي قائمنا أهل البيت (عليهم السلام)

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2 - 10
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2 - 10
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 2 - 10
232

في أربعة آلاف يكبرون ويكررون " وخبر عبد الله بن سليمان (1) المروي عن مكارم الأخلاق " إن علي بن الحسين (عليهما السلام) دخل المسجد وعليه عمامة سوداء قد أرسل
طرفيها بين كتفيه " وخبر معاوية بن عمار (2) عن الصادق (ع) المروي عن الكتاب
المزبور أيضا قال: " سمعته يقول: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحرم يوم
دخل مكة وعليه عمامة سوداء وعليه السلاح ".
لكن الظاهر أن مستند الأصحاب في الاستثناء غيرها، بل ليس هو إلا تلك
النصوص، وحينئذ يقوى الاعتماد عليها، خصوصا مع ما قيل من استثناء جماعة له
كالخلاف والبيان واللمعة والموجز الحاوي وكشف الالتباس وجامع المقاصد وفوائد
الشرايع وحاشية الإرشاد وحاشية الميسي والروض والروضة والمسالك ومجمع البرهان
والكفاية والمفاتيح، بل عن ظاهر الخلاف اندراج هذا الاستثناء في معقد إجماعه،
ومن ذلك يعلم ما في قوله: إنه لم يذكره إلا ابن سعيد.
كما أنه منه يعلم الحال فيما عساه يقال في المقام: " إن النصوص هنا جميعها لا تخلو
من ضعف مانع عن الحجية إلا أنه لما علم التسامح في الكراهة وجب قبولها بالنسبة إليها
بخلاف الاستثناء منها، فإنه محتاج إلى دليل معتبر، والفرض عدمه، وليس دليل الكراهة
منحصرا في المشتمل على الاستثناء حتى يلتزم قبوله في المستثنى والمستثنى منه، لكونه
هو الذي بلغنا، بل قد سمعت نحو قول أمير المؤمنين (عليه السلام) الظاهر في العموم
بلا استثناء " إذ قد عرفت أولا اعتضاد أخبار الاستثناء بما تقدم ونحوه مما لا يخفى
على الفقيه الماهر من القرائن الدالة على اعتبارها وإن ضعفت أسانيدها، وثانيا يمكن
أن يقال - بعد اشتراك جميع النصوص في الضعف مطلقها ومقيدها -: إنه ما بلغنا إلا

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 9 - 10 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 9 - 10 من كتاب الصلاة
233

المقيد، ضرورة تساوي المطلق والمقيد في غير جهة التقييد، فيحكم حينئذ عليه، ويتجه
الاستثناء المزبور، فكان على المصنف وغيره ذكره، بل هو أولى من الخف الذي لا يحتاج
إلى الاستثناء، لعدم اندراجه في الثياب، بل والعمامة في وجه، وربما يؤيد ذلك كله
سيرة من شاهدناه من العلماء على لبس العباءة السوداء وعدم اجتنابها ومعاملتها معاملة
غيرها من الثياب، ولعلها من الكساء عندهم، كما عن الميسي وتلميذه التصريح به، بل
في المسالك نسبته إلى الجوهري، بل قيل: وفي القاموس أن العباءة ضرب من الأكسية.
وكيف كان فالمدار في السواد على مسماه عرفا من غير فرق بين المصبوغ وغيره،
نعم يمكن عدم اندارج الأدكن فيه عرفا، بل عن المجمع أنه لون بين الغبرة والسواد،
فلا حاجة حينئذ إلى حمل ما في خبر جابر (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) " قتل
الحسين بن علي (عليهما السلام) وعليه جبة خز دكناء " على بيان الجواز ونفي التحريم،
لكن عن المسالك " تكره الصلاة في غير السواد من الألوان " وهو - مع أنه لا صراحة
في الخبر المزبور أنه كان يلبسها وقت الصلاة - لم نقف على دليل له في ذلك، واستفاضة
النصوص (2) بلبس الأبيض لا تقتضي كراهة غيره، وكان ما عن الميسي - من أن
الصلاة في غير السواد من الألوان أيضا على خلاف الأصل، لأن الأصل البياض - يريد
به ما ذكرنا، بل ولم نقف على ما يدل على ما عن الغنية من كراهة الصلاة في الثوب
المصبوغ، وأشده الأسود، وإن قيل: إن ظاهره الاجماع عليه.
أما ما عن السرائر - من الكراهة في الثوب المشبع الصبغ، وكأنه بمعنى ما عن
الكاتب والمبسوط من الكراهة في الثوب المصبوغ المشبع المفدم - فقد يدل عليه قول

(1) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة
234

الصادق (عليه السلام) في خبر حماد بن عثمان (1): " يكره الصلاة في الثوب المصبوغ
المشبع المفدم " بناء على إرادة الأعم من الأحمر من " المفدم " فيه، فعن الجوهري يقال
صبغ مفدم أي خاثر مشبع، وكأن من خص الكراهة بالأحمر حمل المفدم بكسر الدال
على المصبوغ بالحمرة المشبع كما عن الجوهري أيضا، ولعل التعميم أكثر فائدة وأقرب
إلى العرف، بل المغروس في الذهن منه المشبع الشديد
المزعفر والمعصفر فقد نص على كراهة الصلاة فيهما في المحكي عن المعتبر والمنتهى
ونهاية الإحكام والتحرير والتذكرة والذكرى والموجز الحاوي وكشف الالتباس،
ولعله للمرسل (2) عن يزيد بن خليفة عن أبي عبد الله (عليه السلام) " إنه كره الصلاة
في المشبع بالعصفر والمضرج بالزعفران " إلا أنه كان عليهم التعبير بمضمون الخبر المزبور،
والأمر سهل في ذلك كله بعد التسامح، هذا.
وعن غير واحد من كتب الأصحاب التصريح باختصاص كراهة السواد في
الرجل، ولعله لأنه أبلغ من غيره في سترها، وظهور فحوى استثناء العمامة ونحوها فيه،
إلا أنه كما ترى مناف لقاعدة الاشتراك وظاهر التعليل السابق، والله أعلم.
* (و) * كذا تكره الصلاة * (في ثوب واحد رقيق للرجل) * وفاقا لكثير من
الأصحاب، بل هو المراد بالشاف في الوسيلة وعن الاصباح، وبالشفاف في المحكي عن
الجامع والمهذب، تحصيلا لكمال الستر، ولمفهوم (3) " إذا كان كثيفا فلا بأس " في
الصحيح، وإن فسر بالستير الذي يمكن إرادة الكامل بالستر منه، ولو أريد به ما يفيد
نفس الستر كما يقضي به الاستدلال به على وجوب الستر هناك أشكل إرادة الكراهة
من البأس في مفهومه، ضرورة كون المتجه حينئذ إرادة المنع، كما أنه يشكل استفادتها

(1) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 3
(2) الوسائل - الباب - 59 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
235

من قوله (عليه السلام) (1): " لا تصل فيما شف أو صف " مع إرادة حكاية اللون
أو الحجم منهما كما سمعته سابقا، بناء على وجوب ستر كل منهما، نعم يمكن للتسامح
وفتوى الأصحاب إرادة الأعم من ذلك حتى في مفهوم الصحيح السابق على عموم
المجاز، بل ومفهوم ما في الحسن (2) عن أحدهما (عليهما السلام) " إذا كان عليه قميص
صفيق أو قباء ليس بطويل الفرج فلا بأس " خصوصا بعد قول أمير المؤمنين (عليه
السلام) في حديث الأربعمائة (3) المروي عن الخصال: " عليكم بالصفيق من الثياب،
فإن من رق ثوبه رق دينه، لا يقو من أحدكم بين يدي الرب جل جلاله وعليه ثوب يشف ".
كل ذلك إذا لم يحك، وإلا * (فإن حكى ما تحته لم يجز) * لونا أو حجما على ما
ذكرناه سابقا الذي قد يشهد له إطلاق عدم الجواز هنا من المصنف وغيره إذا حكى،
والظاهر عدم زوال الكراهة بالتعدد الذي لا يدفع مقتضى الرقة لشدتها فيهما مثلا،
ضرورة عدم حصول كمال الستر فيهما أيضا، وقد عرفت أنه مدار البأس في المفهوم
السابق، بل مقتضاه ثبوت البأس في غير الكثيف والصفيق وإن لم يسم رقيقا وشفافا
في العرف، ومقتضى المتن وغيره عدم الكراهة في غير الرقيق، وهما غيران.
وعلى كل حال فلا كراهة في الوحدة من حيث كونها وحدة وفاقا لصريح جماعة،
وللمفهوم من عبارات كثير من الأصحاب هنا، ومن إطلاقهم الجواز فيه من غير تعرض
للكراهة، ومن هنا نسب عدمها فيه في المدارك وعن غيرها إلى الأصحاب، خلافا للنافع
فيكره. واختاره في الذكرى لعموم (4) " خذوا زينتكم " ودلالة الأخبار (5) على

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 عن أبي عبد الله
عليه السلام
(3) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 5
(4) سورة الأعراف - الآية 29
(5) كنز العمال ج 4 ص 72 - الرقم 1437 و 1455 وسنن البيهقي ج 2 ص 236
236

إن الله أحق أن يتزين له، والاتفاق على أن الإمام يكره له ترك الرداء، وما روي (1)
من قوله (صلى الله عليه وآله): " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما " قال: والظاهر أن القائل بثوب واحد من الأصحاب إنما يريد به الجواز المطلق ويريد به أيضا على البدن
وإلا فالعمامة مستحبة مطلقا، وكذا السراويل، وقد روي (2) تعدد الصلاة الواحدة
بالتعمم والتسرول، وفيه أن جميع ما ذكره عدا كراهة الإمام الرداء إنما يدل على
استحباب التعدد، وهو غير كراهة الوحدة، نعم عن قرب الإسناد للحميري عن
أبي عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (3) أنه سأل أخاه (عليه السلام) " عن
الرجل هل يصلح له أن يصلي في سراويل واحد وهو يصيب ثوبا؟ قال: لا يصلح "
مع أنه في خصوص وحدة السراويل، كما أن كراهة ترك الرداء للإمام لا تقضي بكراهة
الوحدة من حيث كونها وحدة، مع أنه قد استظهر في المدارك عدم كراهة ترك الرداء
مع كثافة الثوب، كما يدل عليه قول أبي جعفر (عليه السلام) (4) لما أم أصحابه في
قميص بغير رداء وسألوه عن ذلك: " إن قميصي كثيف، فهو يجزي أن لا يكون عليه
إزار ولا رداء " وإن كان لا يخلو من نظر، لما ستعرفه، واحتمال الخبر إرادة بيان
أصل الاجزاء.
* (و) * كذا * (يكره أن يأتزر فوق القميص) * وفاقا للمشهور كما في الحدائق،
لقول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر أبي بصير (5) المروي في الكافي لا التهذيب:
" لا ينبغي أن تتوشح بإزار فوق القميص وأنت تصلي، ولا تتزر فوق القميص إذا

(1) سنن أبي داود ج 1 - ص 242 من الطبعة الثانية
(2) الوسائل - الباب - 64 - من أبواب لباس المصلي
(3) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
237

أنت صليت " بعد حمل ما في خبر البجلي (1) " رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام)
يصلي في قميص وقد اتزر فوقه بمنديل وهو يصلي " وخبر موسى بن عمر بن بزيع (2)
قلت للرضا (عليه السلام): " أشد الإزار والمنديل فوق قميصي في الصلاة فقال:
لا بأس به " على الجواز، خصوصا بعد قوله (ع) في الخبر الأخير: " لا بأس " كما في
الذكرى أن في الائتزار فوق القميص تشبها بأهل الكتاب وقد نهينا عن التشبه بهم،
ومن ذلك يعرف ما في المدارك وغيرها تبعا للمعتبر من نفي الكراهة للأصل والخبرين
المزبورين، والذي أوقعهم في ذلك أنهم رووا خبر أبي بصير المتقدم على ما في التهذيب
من الاقتصار فيه على التوشح، كما أنه في المدارك روى خبر ابن بزيع إلى قوله: " لا
بأس " وقالوا: إن التوشح غير الائتزار، وقد عرف روايته في الكافي الذي هو أضبط
من التهذيب سندا ومتنا خصوصا في المقام على الوجه المذكور.
بل الظاهر كراهة التوشح أيضا لخبر أبي بصير السابق، وخبر زياد بن المنذر (3)
عن أبي جعفر (عليه السلام) " أنه سئل وهو حاضر عن الرجل يخرج من الحمام أو يغتسل
فيتوشح ويلبس قميصه فوق إزاره فيصلي وهو كذلك قال: هذا من عمل قوم لوط،
فقلت له: إنه يتوشح فوق القميص قال: هذا من التجبر " والمراد فوق إزاره الذي
توشح به، للاجماع نقلا إن لم يكن تحصيلا على عدم كراهة الاتزار تحت القميص،
وخبر الهيثم (4) المروي عن العلل عن الصادق (عليه السلام) " أنه سئل ما العلة التي
من أجلها لا يصلي الرجل في قميص متوشحا؟ فقال: لعلة التكبر في موضع الاستكانة
والذل " وخبر أبي بصير ومحمد بن مسلم (5) المروي عن الخصال عن الصادق عن آبائه

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 - 5 - 4
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 - 5 - 4
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6 - 5 - 4
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 11 وهو خبر يونس
ابن عبد الرحمان عن جماعة من أصحابه عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 9
238

عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) " لا يصلي الرجل في قميص متوشحا فإنه من أفعال
قوم لوط " بل يتأكد ذلك في الإمام، للموثق (1) عن الصادق (عليه السلام) " سئل
عن رجل يؤم بقوم يجوز له أن يتوشح فوق القميص قال: لا، لا يصلي الرجل
بقوم وهو متشح فوق ثيابه وإن كان عليه ثياب كثيرة، لأن الإمام لا يجوز له الصلاة
وهو متوشح ".
ولا ينافي ذلك ما في حسن حماد بن عيسى (2) " كتب الحسن بن علي بن يقطين
إلى العبد الصالح (ع) هل يصلي الرجل الصلاة وعليه ثوب متوشح به؟ فكتب نعم "
وخبر علي بن جعفر (3) المروي عن كتاب المسائل وقرب الإسناد عن أخيه موسى (عليه
السلام) قال: " سألته عن الرجل يتوشح بالثوب فيقع على الأرض أو يتجاوز عاتقه
أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس " بعد إمكان خروج الثاني عما نحن فيه، وحمله بعد التسليم
كالأول على الجواز والرخصة، كما أومأ إليه في الفقيه بعد أن روى ما دل على الكراهة،
قال: " وقد روي رخصة في التوشح بالإزار عن العبد الصالح وعن أبي الحسن الثالث
وعن أبي جعفر (عليهم السلام)، وبها آخذ وأفتي " (4) وإن كنا لم نعثر على ما أرسله
عدا ما عرفت، ولعله أولى مما ذكره الشيخ من الجمع بحمل النهي على الالتحاف بالثوب
كما يلتحف اليهود به، والجواز على أن يتوشح بالإزار ليغطي ما قد كشف منه ويستر
ما تعرى من بدنه، مستشهدا له بموثق سماعة (5) " سألته عن رجل يشتمل في صلاته
بثوب واحد فقال: أما أن يتوشح فيغطي منكبه فلا بأس " إذ هو لا يتم في التوشح
فوق القميص، مع أن ظاهر التعليل السابق له كونه من فعل الجبابرة وأصحاب التكبر

(1) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 7
(2) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 7
(3) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 12 - 8
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 12 - 8
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
239

لا التشبيه باليهود الوارد في سدل الرداء (1) وفي اشتمال الصماء، فلا ريب أن الأرجح
ما قلناه، بل هو مقطوع به بناء على أن التوشح الشملة الصماء، كما يقتضي به بعض
التفاسير لهما.
وكيف كان فالمراد بالتوشح بالثوب كما عن بعض أهل اللغة والمصباح المنير
إدخاله تحت اليد اليمنى وإلقاؤه على المنكب الأيسر كما يفعله المحرم، وزاد في المصباح
وكذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه، فتقع الحمائل على عاتقه الأيسر وتكون اليمين
مكشوفة، ولعله إليه يرجع تفسيره بالتقلد، يقال: توشح الرجل بثوبه أو سيفه إذا تقلد
بهما، خصوصا مع إرادة المثال من المنكب الأيسر، وإلا فهو يحصل أيضا بالالقاء على
الأيمن، نعم هو غير ما يحكى عن بعض العامة من أنه أخذ طرف الذي ألقاه على
المنكب الأيمن من تحت يده اليسرى، وأخذ طرفه الذي ألقاه على الأيسر من تحت
يده اليمنى، ثم يعقدهما على صدره، بالمخالفة بين طرفيه والاشتمال بالثوب بمعنى التوشح،
اللهم إلا أن يجعل مشتركا، والله أعلم.
* (و) * كذا يكره * (أن يشتمل الصماء أو يصلي في عمامة لا حنك لها) * متلحيا به
أو مسدلا له، بل كانت طابقية بلا خلاف أجده فيه في الأول، بل الاجماع بقسميه
عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، بل في المدارك والتحرير والمحكي عن المنتهى
أنه إجماع العلماء، وكفى بذلك مستندا للكراهة من حيث الصلاة، بل لعله المراد مما في
صحيح زرارة (2) عن أبي جعفر (عليه السلام) ولو بقرينة ما عرفت " إياك والتحاف
الصماء، قلت: وما التحاف الصماء؟ قال: أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله
على منكب واحد " بل قد عرفت سابقا إمكان استفادة الكراهة بالخصوص من أمثال

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 1
240

هذه الاطلاقات وإن كان لا يخلو من نظر بل منع إن أريد به زيادة الخصوصية، أو
الاتحاد الذي قد سمعته في حرمة لبس الذهب والحرير.
وكيف كان فالحكم لا إشكال فيه بعد ما عرفت، بل ولا في الموضوع بعد تفسيره
في الصحيح السابق الذي لم أجد مخالفا له الأصحاب عدا ابن إدريس فيما حكي عنه
من اتحاده مع السدل، وهو مع مخالفته للصحيح المزبور لا شاهد له في النصوص سوى
ما دل على النهي عن السدل مما ستعرفه من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) (1) الآتي
وغيره، ولا دلالة فيه على الاتحاد المزبور، بل هو مكروه آخر، خصوصا والسدل
الارسال المنافي للاشتمال والالتحاف، كما أن ما تسمعه فيما يأتي إن شاء الله من صحيح
علي بن جعفر (2) عن أخيه الأمر بجمع طرفي الرداء على اليمين أو تركهما لا مدخلية له
فيما نحن فيه، بل المراد منه التعريض بما يفعله أهل الهند وأنه خلاف المسنون، فلا محيص
حينئذ عن تفسيرها بما في الصحيح السابق، ولا حاجة إلى كلام أهل اللغة وأقوال العامة
المختلفة فيه أشد اختلاف، والكيفية المذكورة فيه واضحة، لكن في جامع المقاصد بعد
ذكر الخبر المزبور قال: " وهو يحتمل أمرين: الأول أن يأخذ الإزار على المنكبين جميعا،
ثم يأخذ طرفيه من قدامه ويدخلهما تحت يده ويجمعهما على منكب واحد، وهو المتبادر
من قوله (عليه السلام): " التحاف " والثاني أن يجعله على أحد الكتفين مع المنكب
بحيث يلتحف به من أحد الجانبين، ويدخل كلا من الطرفين تحت اليد الأخرى
ويجمعهما عل أحد المنكبين " وفيه أن ما في الصحيح لا يتوقف تحققه على شئ من ذلك.
وأغرب منه ما في وافي الكاشاني، قال بعد أن روى الصحيح المزبور: " في
هذا التفسير إجمال، قال في الصحاح: اشتمال الصماء أن تجلل جسدك بثوبك نحو شملة
الأعراب بأكسيتهم، وهو أن يرد الكساء من قبل يمينه على يده اليسرى وعاتقه

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 7
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 7
241

الأيسر، ثم يرده ثانية من خلفه على يده اليمنى وعاتقه الأيمن، فيغطيهما جميعا، وعن
أبي عبيدة أن اشتمال الصماء عند العرب أن يشتمل الرجل بثوب يجلل به جسده كله،
ولا يرفع جانبا يخرج منه يده، قال بعض اللغويين: وإنما قيل صماء لأنه إذا اشتمل به
سد على يديه المنافذ كلها كالصخرة الصماء، قال بعضهم: إنما كان غير مرغوب فيه لأنه
إذا سد على يديه المنافذ فلعله يصيبه ما يريد الاحتراس منه، فلا يقدر عليه، وقال
أبو عبيدة: إن الفقهاء يقولون: إن اشتمال الصماء هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه
غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبيه فيبدو فرجه، وفي القاموس فسره
تارة بهذا المعنى، وأخرى بالمعنى الأول، وما في الحديث لا ينافي شيئا من هذه
التفاسير " انتهى، إذ هو كما ترى - مع أن ما في الحديث لا إجمال فيه - هو غير هذه
التفاسير كلها.
ولقد أجاد في كشف اللثام حيث أنه - بعد أن حكى ما سمعته عن أبي عبيدة
ناسبا له إلى الديوان وأدب الكاتب وفقه اللغة للثعالبي والفائق والمغرب والمعرب وإلى
تهذيب الأزهري، والغريبين نسبته إلى الأصمعي، ثم قال: وهو ما في الصحاح إلى
آخره، ونحوه المحيط للصحاب، وفي العين أن الشملة أن يدير الثوب على جسده كله
لا يخرج منه يده، والشملة الصماء التي ليس تحتها قميص ولا سراويل، وقال أبو عبيدة:
إن الفقهاء إلى آخره - قال: " وقيل غير ذلك، ولا طائل في استيفائه، فإنما العبرة عندنا
بما نطق به الخبران " مشيرا بهما إلى الصحيح المزبور باعتبار روايته في الكافي والتهذيب
بسندين عن زرارة مختلفين.
وأما الثاني فلا أجد فيه خلافا بين أصحابنا سوى ما حكاه في الفقيه، فقال:
" سمعت مشائخنا يقولون: لا تجوز الصلاة في طابقية، ولا يجوز للمعتم أن يصلي إلا وهو
متحنك " وربما نسب إليه نفسه ذلك أيضا، ولعله لما وقع له في غير المقام من نحو ذلك
242

وظهر منه اختياره، بل قيد به النصوص، وما هو إلا لاعتماده على مشائخه، وأنهم
لا يقولون بغير دليل، لكن على كل حال لا ريب في ضعفه، بل الاجماع في المحكي
عن المنتهى على كراهة الثاني أي ترك التحنك كما عن المعتبر نسبته إلى علمائنا، والبحار
إلى الأصحاب، وفي المدارك أنه مذهبهم لا أعلم فيه مخالفا، على أنا لم نعثر على دليل
صالح بعد ذلك لتقييد الاطلاقات، بل ليس في الطابقية إلا ما في الكافي روي (1)
" أن الطابقية عمة إبليس " ومثله عن محاسن البرقي (2) وهما مع أنهما ليسا في الصلاة
مرسلان صالحان للكراهة دون الحرمة، كما أن ما ورد في ترك التحنك ظاهر أو صريح
في الكراهة كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم (عليهم السلام)، قال الصادق
(عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير (3): " من تعمم ولم يحنك فأصابه داء لا دواء
له فلا يلومن إلا نفسه " وفي الموثق (4) " من اعتم فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه
ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه " والنبوي المرسل في الفقيه (5) " الفرق بين المسلمين
والمشركين التحلي بالعمائم " وخبر أبي البختري (6) المروي عن قرب الإسناد عن
جعفر بن محمد عن أبيه (عليهم السلام) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
الفرق بيننا وبين المشركين في العمائم الالتحاء بالعمائم " وهي كما ترى غير صالحة إلا
لاستحباب فعله وكراهة تركة، ضرورة ظهور مثل هذا الخطاب في إرادتهما معا.
بل لا اختصاص فيها بالصلاة، ومن هنا صرح الفاضل في المحكي عن منتهاه
والشهيدان وغيرهم بعموم الحكم لها ولغيرها، بل عن البهائي " كأن تخصيص الصلاة
في كلام الأصحاب مأخوذ من كلام علي بن بابويه، فإنهم يتمسكون بما يجدونه في كلامه
عند إعواز النصوص، فالأولى المواظبة على التحنك في جميع الأوقات، ومن لم يكن

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 12 - 1
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 12 - 1
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 12 - 1
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 8 - 10
(5) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 8 - 10
(6) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 8 - 10
243

متحنكا وأراد الصلاة فالأولى أن يقصد أنه مستحب في نفسه لا أنه مستحب لأجل
الصلاة " قلت: يمكن الاكتفاء في ذلك بما عرفت من الاجماعات السابقة على الكراهة
التي تركها هنا من المستحب، مضافا إلى ما في كشف اللثام عن شرح الإرشاد لفخر
الاسلام وفي غيره عن غوالي اللئالي (1) " إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:
من صلى مقتعطا فأصابه داء لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه " وإلى ما قيل من أنه يظهر
من النصوص أن ما هو ممنوع في نفسه ممنوع من الصلاة فيه، بل قد سمعت دعوى ذلك
مع قطع النظر عن استفادته من النصوص، كما أنك سمعت دعوى استفادة الخصوصية
بالمعنى المزبور من أمثال هذه الاطلاقات، بل ربما استفيد ما نحن فيه من قول الصادق
(عليه السلام) (2): " وصاحب الفقه والعقل ذو كآبة وحزن وسهر قد تحنك في
برنسه وقام الليل في حندسه " وإن كان فيه ما فيه، والعمدة بعد التسامح تظافر الفتاوى.
وعلى كل حال فالسيرة وظاهر النصوص واللغة والعرف أن التحنك والتلحي
بإدارة جزء من العمامة تحت الحنك، فلا يجزى في تأدي السنة التحنك بغيرها وإن
احتمله في كشف اللثام، قال: خصوصا إذا أوصله بها بحيث لا يتميز في الحس منها،
بل عن الموجز الجزم به، كما عن أول الشهيدين وثاني المحققين التردد فيه، من مخالفة
المعهود، ومن إمكان كون الغرض حفظ العمامة من السقوط، وهو حاصل، لكن الوجه
الثاني للتردد كما ترى، وكذا لا تتأدى السنة بالتحنك حال فعل التعمم كما نشاهده من
بعض السواد وإن كان ربما توهم من نحو قوله (عليه السلام): " من تعمم ولم يتحنك "
إلى آخره. إلا أنه كما ترى مع النظر إلى السيرة، وما دل (3) على أنه الالتحاء الفارق
بين المسلمين والمشركين، وأنه ضد الطابقية والاقتعاط الذي قد عرفت النهي عن الصلاة

(1) المستدرك - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 1
(2) المستدرك - الباب - 21 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 10
244

معه، بل هو كالصريح في نفي المعنى المزبور، ضرورة تحقق صدق الطابقية وإن تحنك
حال التعمم، بل من الواضح كون المراد منهما صنفا خاصا من كيفية العمامة، وهو معنى
قوله (عليه السلام): " عمة إبليس " على أنه لو كان المدار على حال التعمم لم يمكن
الحكم بوصف الاقتعاط والطابقية بالرؤية، بل لا بد من تعرف حال التعمم الذي قل
ما يعرف بدون تعرف، كما أن من الواضح صدق الصلاة مقتعطا وفي الطابقية وإن
كان قد تحنك حال التعمم.
فمن الغريب ما في كشف اللثام من احتمال تأدي السنة يفعله ثم الاقتعاط أو السدل
فلا تنافيه أخبار السدل (1) وهي كثيرة، بل جزم به في الوسائل والحدائق، وهو
مما ينبغي أن يقضى العجب منه، وكأن الذي ألجأه إلى ذلك الجمع بين أخبار التحنك
والسدل، وانسياق المعنى المزبور في بادئ النظر من نحو العبارة المزبورة، ولم يتفطنوا
لمنافاة ذلك للمعلوم من المذهب، وأن المراد من العبارة المزبورة، ولو بقرينة ما سمعت
لزوم التحنك لوصف التعمم لا فعله، ولو سلم فالنصوص الآخر (2) دالة على استحباب
استمراره وأنه الفارق بين المسلمين والمشركين فيتحقق حينئذ التعارض المزبور بالنسبة
إلى ذلك، واستحباب التحنك حال الفعل بعد تسليمه لا يجدي. إذ أقصاه أنه مستحب
واستمراره مستحب آخر، لا أنه هو المراد من التحنك الراجح فعله والمرجوح تركه على
وجه الكراهة، والجمع بين النصوص لا يكون سببا لارتكاب الفاسد، على أن التخيير متجه
حينئذ بعد فرض التعارض، ويكون مراد الأصحاب بترك التحنك كون العمامة طابقية
لا تلحي ولا سدل فيها، خصوصا مثل عبارة المتن. بل لعلها هي شاهد على غيرها، ولقد
أجاد العلامة الطباطبائي في اقتصاره هنا على كراهة الصلاة فيها، فقال:

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي
245

وعمة حرمها بعض السلف * بلا تلحي وبلا سدل الطرف
وربما كان في النصوص (1) ما يشهد لذلك وأن المقصود عدم الطابقية والاقتعاط
الذي يحصل إما بالتلحي أو السدل، وبهما يمتاز المسلم من المشرك لا بخصوص التحلي،
فإنه وإن اقتضاه بعض تلك النصوص (2) لكن في بعض أخبار السدل ما تضمن أنه
به يحصل الامتياز، فعن كتاب الأمان للسيد بن طاووس نقلا عن كتاب أبي العباس
ابن عقدة المسمى بكتاب الولاية (3) باسناده قال: " بعث رسول الله (صلى الله عليه
وآله) يوم غدير خم إلى علي (عليه السلام) فعممه وأسدل العمامة بين كتفيه، وقال:
هكذا أيدني ربي يوم حنين بالملائكة معممين قد أسدلوا العمائم، وذلك حاجز بين
المسلمين والمشركين ".
بل ربما يستفاد منه ومن قوله في الحديث الآخر (4) " عمم رسول الله (صلى الله
عليه وآله) عليا (عليه السلام) يوم غدير خم عمامة فأسدلها بين كتفيه، وقال: هكذا أيدني ربي بالملائكة " تحقق السدل ولو من خلف، ولا يعتبر فيه كونه بين اليدين
والخلف كما تقضي به الأخبار الأخر كالصحيح (5) عن الرضا (عليه السلام) في قول
الله عز وجل (6): " مسومين " " لفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسدلها بين
يديه ومن خلفه، واعتم جبرائيل (عليه السلام) فسدلها بين يديه ومن خلفه " وقال
الصادق (عليه السلام) (7): " عمم رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا بيده فسدلها

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 8
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 8
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 11 - 12 - 1 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 11 - 12 - 1 من كتاب الصلاة
(5) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 11 - 12 - 1 من كتاب الصلاة
(6) سورة آل عمران - الآية 121
(7) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 3 من كتاب الصلاة
246

بين يديه وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثم قال: أدبر فأدبر، ثم قال: أقبل
فأقبل، ثم قال: هكذا تيجان الملائكة " وعن ياسر الخادم (1) " إنه لما حضر العيد
بعث المأمون إلى الرضا (عليه السلام) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب،
فبعث الرضا (عليه السلام) يستعفيه، فألح عليه فقال (عليه السلام): إن لم تعفني
خرجت كم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)،
فقال المأمون: أخرج كيف شئت - إلى أن قال -: فلما طلعت الشمس قام (عليه السلام)
واغتسل واعتم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره وطرفا منها بين كتفيه "
وفي المروي (2) عن المكارم المتقدم آنفا " إن علي بن الحسين (عليه السلام) دخل
المسجد وعليه عمامة سوداء ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه " إلى غير ذلك،
أو يقال: إنه لا صراحة في الخبرين الأولين بعدم السدل بين اليدين.
وكيف كان فالجمع بين النصوص بما عرفت ضعيف جدا، والأولى منه ما قلناه،
بل هو أولى أيضا مما يقال من حمل نصوص السدل على حال الحرب ونحوها فيما يراد
فيه الترفع والاختيال، والتلحي فيما يراد منه التخشع والسكينة، كما يرشد إليه ما ذكره
الوزير السعيد أبو سعد منصور الآبي في نثر الدر (3) قال: " قالوا: قدم الزبير بن
عبد المطلب من إحدى الرحلتين، فبينما رأسه في حجر وليدة له تذري لمته إذ قالت:
ألم يرعك الخبر، قال: وما ذاك؟ قالت: زعم سعيد بن العاص أنه ليس لأبطحي
أن يعتم يوم عمته، فقال: والله لقد كان عندي ذا حجى وقد يأجن القطر وانتزع لمته

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 9 من كتاب الصلاة
مع الاختلاف
(3) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح نثر الدرر، وهو مخطوط غير مطبوع
247

من يدها، وقال: يا رعاث علي عمامتي الطولى فأتى بها فلابسها على رأسه وألقى ضيفها
قدام وخلف حتى لطخا قدميه وعقبيه، وقال: علي فرسي فأتى به فاستوى على ظهره
ومر يخرق الوادي كأنه لهب عرفج، فلقيه سهل بن عمرو فقال: بأبي أنت وأمي
يا أبا الطاهر مالي أراك تغير وجهك؟ قال: أو لم يبلغك الخبر هذا سعيد بن العاص
بزعم أنه ليس لأبطحي أن يعتم يوم عمته، ولم فوالله لطولنا عليهم أوضح من وضح
النهار وقمر التمام ونجم الساري، والآن ننتل كنانتنا فتعجم قريش عيدانها فتعرف بازل
عامنا وثنياته، فقال له سهل: رفقا بأبي أنت، فإنه ابن عمك ولم يعيك شاؤه ولن
يقصر عنه طولك، وبلغ الخبر سعيدا فرحل ناقته واغترز رحله ونجا إلى الطائف "
إذ هو - مع أنه لا شاهد له ولا إشارة في شئ من النصوص على كثرتها إليه حتى هذا
الخبر عند التأمل، إذ أقصاه وقوع ذلك منه في هذا الحال، ونحن نقول به، بل الظاهر
عدم معرفة التحلي قبل الاسلام - قد سمعت ما في بعض نصوص التلحي مما يقضي بأعميته
من الحالين، كما أن في بعض نصوص السدل ما يقضي بفعله في غير الحرب كصلاة العيد
وغيرها الذي يظهر من فعل علي بن الحسين (عليهما السلام) (1).
بل وأولى مما قيل أيضا من اختصاص السدل بالنبي والأئمة وأولادهم (صلوات
الله عليهم أجمعين) ضرورة خلو النصوص عن الإشارة إليه أيضا، بل هي في مقام
التعليم والبيان ظاهره فيما ينافي ذلك إن لم تكن صريحة.
بل وأولى مما يقال أيضا إنه لا منافاة بين السدل والتلحي، إذ هما يجتمعان معا
فيتلحى ولو ببعض العمامة ويسدل بعد ذلك، إذ هو كما ترى مخالف لظاهر الكيفيتين
المستفادتين من النصوص، بل يمكن القطع مع ملاحظتها بعدمه.

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 9 من كتاب الصلاة
248

بل وأولى مما تكلفه المجلسي في المحكي من بحاره من إرجاع التحلي إلى السدل،
قال بعد نقل أخبار التحنك: " ولنرجع إلى معنى التحنك، والظاهر من كلام بعض
المتأخرين هو أن يدخل جزءا من العمامة تحت حنكه ويغرز في الطرف الآخر كما يفعله
أهل البحرين في زماننا، ويوهمه كلام بعض اللغويين أيضا، والذي نفهمه من الأخبار
هو إسدال طرف العمامة من تحت الحنك وإسداله كما مر في تحنيك الميت، وهو المضبوط
عند سادات بني حسين، أخذوه عن أجدادهم خلفا عن سلف، ولم يذكر في تعمم
رسول الله والأئمة (عليهم الصلاة والسلام) إلا هذا - ثم ذكر أخبار السدل وكلام
اللغويين وقال -: لم يتعرض في شئ من تلك الروايات لإدارة العمامة تحت الحنك على
الوجه الذي فهمه أهل عصرنا مع التعرض لتفصيل أحوال العمائم وكيفيتها، وأكثر كلمات
اللغويين لا تأبى عما ذكرناه، إذ إدارة رأس العمامة من خلف إلى الصدر إدارة أيضا،
بل كلام الجزري والزمخشري ظاهر في ذلك، حيث قالا في تفسير الاقتعاط: أن لا
يجعل شيئا منها تحت حنكه - ثم استظهر من ابن طاووس موافقته على ذلك إلى أن
قال -: وكذا سائر أخبار تعمم الميت (1) ليس فيها غير إسدال طرفي العمامة على صدره
كما عرفت في باب التكفين ".
ولقد أطنب في الحدائق في مناقشته وأجاد إلا فيما أساء الآداب به معه مما لا
ينبغي من مثله لمثله، خصوصا وتحقيق الحق غير موقوف على السب والشتم ونحوهما،
ولو ساغ ذلك لوقع منا نظيره فيما سمعته منه من الجمع بين النصوص بما عرفت مظهرا أنه
مما وصل إليه فكره، مع أنه هو على فساده من وجوه قد سبقه إليه الحر في وسائله
واحتمله الإصبهاني في كشفه.
وكيف كان فلا ريب في ضعف ما ذكره شيخنا المزبور، ضرورة عدم صدق

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب التكفين من كتاب الطهارة
249

التحنك والتلحي لغة وعرفا على مثل الاسدال المذكور الذي هو من جانب الوجه،
وليس شئ منه تحت الحنك الذي هو مجمع اللحيين، وما ذكره من كلام أهل اللغة حتى
الجزري والزمخشري ظاهر في خلافه، قال الجوهري: التحنك التلحي، وهو أن تدير
العمامة تحت الحنك، وقال: الاقتعاط شد العمامة على الرأس من غير إدارة تحت الحنك،
وفي الحديث أنه نهي عن الاقتعاط وأمر بالتلحي، وقال: التلحي تطويق العمامة تحت
الحنك، وقال الفيروزآبادي: " اقتعط تعمم ولم يدر تحت الحنك - وقال -: العمة
الطابقية هي الاقتعاط - وقال -: تحنك أدار العمامة تحت حنكه " وقال الجزري: " إنه
نهي عن الاقتعاط، وهو أن يتعمم بالعمامة ولا يجعل شيئا منها تحت ذقنه - وقال -:
إنه نهي عن الاقتعاط وأمر بالتلحي، وهو جعل بعض العمامة تحت الحنك، والاقتعاط
أن لا يجعل تحت حنكه منها شيئا " وقال الزمخشري في الأساس: " اقتعط العمامة إذا
لم يجعلها تحت حنكه " وقال الخليل في العين: " اقتعط بالعمامة إذا اعتم ولم يدرها تحت
حنكه " وقال في مختصر النهاية للسيوطي: " الاقتعاط أن يعتم بالعمامة ولا يجعل منها
شيئا تحت ذقنه " واقتصر في التحنك على حكاية ما سمعته من الصحاح، وقال في المجمل:
" يقولون: اقتعطت العمامة إذا لم تجعلها تحت الحنك " وقال في المحكي عن مجمع البحرين:
" قد تكرر في الحديث ذكر الحنك، وهو إدارة جزء من العمامة تحت الحنك، والحنك
ما تحت الذقن من الانسان وغيره ".
وهو جميعه كما ترى ظاهر المخالفة لما قاله من تحقق التحنك بالاسدال، نعم
بعضه ظاهر فيما قلناه من ارتفاع الاقتعاط بارسال جزء من العمامة وإن لم يكن بطريق
التحنك، وليس في نصوص تعميم الميت ما يدل على أن التحنك هو الاسدال، وحكم
الأصحاب باستحبابه قد ذكرنا مستنده هناك لا للاسدال الموجود في بعض النصوص،
لكن قد يفهم منها ومن بعض كلام أهل اللغة السابق وغيرهما تحقق التحنك بمجرد
250

ميل الطرف بحيث يصير تحت جهة الذقن المسمى بالحنك، بل يمكن القطع بعدم اعتبار
الهيئة التي نقلها عن علماء البحرين من إدارة جزء من العمامة وغرزها بالطرف الآخر
المأخوذة كما في الحدائق من ظاهر قوله في الصحاح: تطويق العمامة المراد منه جعله كالطوق
لها، وربما يؤيده تعليل بعض الأصحاب فائدة الحنك بمخافة السقوط، لكن الجميع
لا يعبأ به في مقابلة المستفاد من النصوص، خصوصا نصوص الميت والفتاوى وكلام
أهل اللغة والسيرة من عدم اعتبار ذلك فيه.
وحينئذ يمكن انقداح وجه آخر للجمع بين النصوص بإرادة السدل الذي لا ينافي
التحنك بمعنى الميل بالطرف إلى ما يتحقق معه مسمى التحنك بالمعنى المزبور، فهو حينئذ
سدل وتحنك، ولعله هو المراد مما سمعته سابقا من عدم المنافاة بين التحنك والسدل وأنهما
يجتمعان معا، وإن أبيت فلا محيص عن التخيير الذي قلناه.
وعلى كل حال فلا ريب في تأكد استحباب التحنك للحاجة وعند الخروج في
السفر، للمرسل (1) عن الصادق (عليه السلام) " إني لأعجب ممن يأخذ في حاجة وهو
متعمم تحت حنكه كيف لا تقضى حاجته " وموثق الساباطي (2) عنه (عليه السلام)
أيضا " من خرج في سفر فلم يدر العمامة تحت حنكه فأصابه الداء الذي لا دواء له فلا
يلومن إلا نفسه " وعن أمان الأخطار أنه روينا من كتاب الآداب الدينية للطبرسي (3)
فيما رواه عن مولانا موسى بن جعفر (عليهما السلام) أنه قال: " أنا ضامن ثلاثا لمن
خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه أن لا يصيبه السرق ولا الغرق ولا الحرق " ورويناه
أيضا عن البرقي من كتاب المحاسن باسناده إلى أبي الحسن (عليه السلام) انتهى.
وبذلك يقيد حينئذ أخبار السدل بناء على التعارض المزبور كما هو واضح.

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 5
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7 - 5
(3) الأمان من الأخطار - الباب السابع الفصل الثاني الحديث 1 - ص 91 من طبعة النجف
251

ثم من الواضح كون الكراهة المذكورة لذي العمامة بمعنى أنه هو الذي يكره له
ترك التحنك، ويستحب له فعله، فمن صلى بلا عمامة لم يكن له هذا الحكم.
نعم قد يقال باستحباب العمامة للمصلي كما صرح به الشهيد وغيره، ولعله لأنها
من الزينة، والنبوي (1) المروي عن مكارم الأخلاق " ركعتان بعمامة أفضل من أربعين
بغير عمامة " وعن الأستاذ الأكبر في حاشيته عن جوامع الجامع (2) على الظاهر " أن
النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لو أن رجلا صلى معتما بجميع أمتي بغير عمامة تقبل
الله صلاتهم جميعا من كرامته عليه " مضافا إلى التسامح، لكن عن البحار أن الظاهر
كون رواية المكارم عامية، وبها استدل الشهيد وغيره ممن ذكر استحبابها في الصلاة،
ولم أر في أخبارنا ما يدل على ذلك، نعم ورد استحباب العمامة مطلقا في أخبار كثيرة (3)
وحال الصلاة من جملة تلك الأحوال، وكذا ورد (4) استحباب كثرة الثياب في
الصلاة، وهي منها، وهي من الزينة، فتدخل تحت الآية الكريمة (5) والأمر سهل
بعد ما عرفت، هذا.
وفي المفاتيح " إن التحنك صار في هذا الزمان لباس شهرة " قلت: فينبغي أن
يكون محرما بناء على حرمة الشهرة في اللباس وإن كان في الأصل مندوبا كما يقضي به

(1) مكارم الأخلاق ص 136 - المطبوعة بطهران عام 1376 وفيه " أربعة "
بدل " أربعين "
(2) المستدرك - الباب - 44 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 لكن عن
جامع الأخبار
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 63 - من أبواب لباس المصلي
(5) سورة الأعراف - الآية 29
252

إطلاق قول الصادق (ع) في صحيح أبي أيوب (1): " إن الله يبغض شهرة اللباس "
ومرسل ابن مسكان (2) " كفى بالمرء خزيا أن يلبس ثوبا يشهره، أو يركب دابة تشهره "
ومرسل عثمان بن عيسى (3) " الشهرة خيرها وشرها في النار " وقول الحسين (عليه السلام)
في خبر أبي سعيد (4) " من لبس ثوبا يشهره كساه الله يوم القيامة ثوبا من النار " لكن
قد يناقش في خصوص ما كان منه مندوبا سابقا بأن بين هذه الأدلة وأدلة الندب تعارض
العموم من وجه، ولعله لذا تأمل فيه الأستاذ الأكبر، وقد تدفع بأن الحرمة من جهة
الشهرة لا تنافي دليل الندب الظاهر فيما لا يشمل هذه الجهة ونحوها، مضافا إلى إمكان
ترجيح هذا الاطلاق بما في خبر معلى بن خنيس (5) عن الصادق (عليه السلام) " أن
عليا (عليه السلام) اشترى ثلاثة أثواب بدينار: القميص إلى فوق الكعب، والأزار
إلى نصف الساق، والرداء من بين يديه إلى ثدييه، ومن خلفه إلى أليتيه، ثم رفع يده
إلى السماء فلم يزل يحمد الله على ما كساه حتى دخل منزله، ثم قال: هذا اللباس الذي
ينبغي للمسلمين أن يلبسوه - قال أبو عبد الله (عليه السلام) -: ولكن لا يقدرون
في هذا اليوم، ولو فعلنا لقالوا: مجنون، ولقالوا: مرائي، والله تعالى يقول: " وثيابك
فطهر " (6) وثيابك ارفعها ولا تجرها، وإن قام قائمنا كان هذا اللباس " والله أعلم،
ولتمام الكلام في المراد من الشهرة وفي أصل الحكم وفي خصوص المندوب منه محل آخر.
* (و) * كذا * (يكره اللثام للرجل) * وفاقا للمشهور، بل عن المختلف أنه مذهب

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 1 - 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 3 - 4
(5) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب أحكام الملابس - الحديث 7
(6) سورة المدثر - الآية 4
253

جل علمائنا، بل في الخلاف الاجماع عليه، وهو الحجة بعد صحيح ابن مسلم (1) " قلت
لأبي جعفر (عليه السلام): أيصلي الرجل وهو متلثم؟ فقال: أما على الأرض فلا،
وأما على الدابة فلا بأس " المحمول تفصيله بقرينة عدم القائل به على خفة الكراهة
للاحتياج إلى اللثام حينئذ توقيا عن الغبار، كحمل ما في مضمر سماعة (2) " سألته
عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو متلثم فقال: لا بأس به، وإن كشف عن فيه فهو
أفضل " على إرادة مرجوحية التلثم على وجه الكراهة، ضرورة عدم الفضل فيه،
وإلا كانا معا مستحبين، ويكون الجائز حينئذ ستر الفم بما لا يسمى لثاما، وهو مقطوع
بعدمه، فلا بد حينئذ من عدم إرادة معنى التفضيلية من أفعل التفضيل فيه، وهو وإن
كان لا يستلزم الكراهة في اللثام على هذا التقدير، لامكان تحققه بجواز اللثام، لكن
بقرينة ما عرفت ينبغي إرادة المرجوحية السابقة، لكن على كل حال هو مع الأصل
والاجماع المعتضد بالشهرة حجة على المحكي عن المفيد من إطلاق عدم جوازه حتى يكشف
موضع السجود والفم للقراءة، قيل: وكذا في المبسوط والنهاية أطلق النهي عنه حتى
يكشفهما، ويحتمل إرادة المانع منه للقراءة والسجود حال منعه، وإلا فلا دليل له سوى
النهي في الصحيح السابق المشتمل على ما لا يقول به من التفصيل المحمول على الكراهة
بقرينة ما عرفت، مضافا إلى صحيح ابن سنان (3) " سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
هل يقرأ الرجل في صلاته، وثوبه على فيه؟ فقال: لا بأس بذلك " وقول أحدهما (عليهما
السلام) في مرسل الحسن بن علي (4) " لا بأس بأن يقرأ الرجل في الصلاة وثوبه على
فيه " ونحوهما صحيحا الحلبي عن الصادق (عليه السلام) لكن مع تقييد نفي البأس بما
إذا سمع الهمهمة في أحدهما (5) وفي الآخر (6) إذا أسمع أذنيه الهمهمة، واحتمال كون

(1) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 6 - 2
(2) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 6 - 2
(3) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 6 - 2
(4) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 3
(5) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 3
(6) الوسائل - الباب - 35 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
254

اللثام غير وضع الثوب يدفعه - مع أن المنساق إلى الذهن منه ما يشمله - ظهورها في
كون المدار على تحقق القراءة، كما هو واضح.
* (و) * أما كراهة * (النقاب للمرأة) * فقد يكفي في ثبوتها - بعد النسبة إلى الشمهور
في المدارك، وجل علمائنا في المحكي عن المختلف، والتسامح - فحوى كراهة اللثام في
الرجل، وما في مضمر سماعة (1) " سألته عن المرأة تصلي متنقبة قال: إن كشفت عن
موضع السجود فلا بأس به، وإن أسفرت فهو أفضل " إذا كان المراد منه نحو ما سمعته
في اللثام، إذ هي رواية واحدة.
* (و) * كيف كان ف‍ * (إن منع) * كل منهما * (القراءة) * الواجبة مثلا * (حرم) *
الاكتفاء بالصلاة المشتملة عليه، لفوات القراءة، ولمفهوم صحيحي الحلبي السابقين المعبر
بلفظهما في المحكي عن التهذيب والمعتبر والمنتهى والتحرير من الحرمة إذا منع إسماع
القراءة الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة الكناية بذلك عن تحقق القراءة، فإنها متى
تحققت سمع القارئ الهمهمة إذا صح سمعه، بل المراد منشئية الاسماع لا فعليته التي قد
يمنعها هو مع تحقق القراءة، ضرورة عدم كون ذلك المدار، وإلا فموانع السمع كثيرة،
ولعل ما في التذكرة والدروس والبيان من الحرمة إذا منع القراءة أو سماعها مبني على
وجوب كون القراءة بحيث يسمعها القارئ، وأنها تتحقق بدون ذلك كما ستعرفه
إن شاء الله في تحديد الجهر والاخفات، وينبغي حينئذ اكتفاؤهما بسماع الهمهمة في سماع
القراءة لهذين الصحيحين، والله أعلم.
* (و) * كذا * (تكره الصلاة في قباء مشدود) * في المشهور بين الأصحاب نقلا
وتحصيلا إلا أنه بناء على إرادة غير التحزم منه لم نقف لها على مستند فضلا عن دعوى
الحرمة الظاهرة من " لا يجوز " في الوسيلة والمحكي عن المقنعة، بل قيل هو ظاهر المبسوط

(1) السوائل - الباب - 35 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
255

والنهاية، وفي التهذيب " قد ذكر ذلك علي بن الحسين، وسمعناه من الشيوخ مذاكرة،
ولم أعرف به خبرا مسندا " انتهى. ويمكن إرادتهم الكراهة من ذلك كما وقع التعبير
به عنها كثيرا من مثلهم، أما لو أريد منه التحزم كما عساه يومي إليه قول المصنف وغيره:
* (إلا حال الحرب) * الذي من العادة التحزم له، ومظنة المشغولية عن حله، أو ما يشمله
فقد يقال: إن مستنده ما رواه العامة (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
" لا يصلي أحدكم وهو محزم " وهو كناية عن شد الوسط، بل في الخلاف يكره أن
يصلي وهو مشدود الوسط، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة وطريقة
الاحتياط، بل ربما استفيد من الخبر المزبور كراهة مطلق الشد وإن لم يكن بالتحزم
بدعوى أولويته منه بذلك، لأنه شد قليل، وهو كما ترى نحو المحكي عن بعضهم من
حمل القباء المشدود في كلام الأصحاب على إرادة شده بالأزرار، وفيه أنه قد صرح غير
واحد بكراهة حل الأزرار جمعا بين النهي عن ذلك في خبر غياث (2) إذا لم يكن عليه
إزار و " لا ينبغي " في خبر إبراهيم الأحمري (3) وبين نفي البأس عنه في غيرهما من
النصوص (4) اللهم إلا أن يخص ذلك بالقميص الواسع الجيب دون غيره، لكن يبقى
عليه حينئذ أنه لا دليل على كراهة ذلك أيضا إلا أن يكون مراده بيان المراد لا إثبات
الدليل، وفيه حينئذ أن الأولى من ذلك إرادة التحزم كما عرفت، أو إرادة ما يستعمله
العجم من القباء والشد، وربما يؤيده ما حكاه في كشف اللثام من تفسيره، قال:
والقباء قيل عربي من القبو، وهو الضم والجمع، وقيل: معرب، قال عيسى بن إبراهيم

(1) لم نعثر على هذا النص والموجود في سنن البيهقي ج 2 ص 240 " نهى أن يصلي
الرجل حتى يحتزم "
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 5
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 5
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 و 2 و 7
256

الربعي في نظام الغريب: " إنه قميص ضيق الكمين مفرج المقدم والمؤخر " قلت:
إن المتعارف في هذا الزمان تفريجه من الجانبين لا المقدم والمؤخر، والله أعلم.
* (و) * كذا يكره * (أن يؤم بغير رداء) * إجماعا محكيا في الذكرى إن لم يكن
محصلا معتضدا بالشهرة العظيمة بقسميها التي كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في
الجملة، بل مطلقا أيضا، لعدم قدح خلاف من ستعرفه من متأخري المتأخرين في ذلك،
وبالصحيح (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أم قوما في قميص واحد
ليس عليه رداء فقال: لا ينبغي إلا أن يكون عليه رداء أو عمامة يرتدي بها " بل منه
ومن أنه من الزينة والتأسي والمعلوم من طريقة السلف بل والخلف يستفاد استحباب
الفعل أيضا من غير حاجة إلى إثباته بدعوى لزومه لكراهة الترك التي يمكن منعها،
كمنع لزوم الكراهة لترك المستحب، إذ هما من واد واحد عند التأمل، وعلى كل حال
فما في المدارك وغيرها - من أنها إنما تدل على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص
وحده لا مطلقا، ويؤكد هذا الاختصاص قول أبي جعفر (عليه السلام) (2) لما أم
أصحابه في قميص بغير رداء: " إن قميصي كثيف فهو يجزي أن لا يكون علي إزار ولا
رداء " وإليه يرجع ما في كشف اللثام من أنه يجوز أن يراد السؤال عن إمامته إذا لم
يكن عليه إلا قميص أو لم يلبس فوق القميص شيئا، فلا يفيدها مطلقا - يدفعه أنه يمكن
إرادة السائل السؤال عن أن القميص من حيث كونه قميصا يجزئ عن الرداء، خصوصا
وفيما حضرني من الوسائل عدم وصفه بالواحد، أو السؤال عن الإمامة من غير رداء،
فيكون الضمير المجرور راجعا للرجل، وحاصل المعنى أنه سأله عن رجل ليس عليه رداء
قد أم قوما، فيكون المستثنى منه في الجواب حينئذ سائر الأحوال: أي لا ينبغي أن

(1) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 7
257

يؤم في حال إلا أن يكون عليه رداء، بل لعله أولى من تقدير جميع ما في السؤال الذي
لا يحسن الاستثناء منه حينئذ، أو تقدير خصوص الايتمام في القميص منه، ولو سلم
المساواة أمكن ترجيح ما ذكرناه بالاجماع المتقدم المعتضد بما عرفت، بل لو سلم ظهوره
في ذلك فأقصاه أنه أخص من المدعى، ويجبر بعدم القول بالفرق بين جمهور أصحابنا
الذي لا يقدح فيه خلاف الشاذ من متأخري المتأخرين، خصوصا والمقام مقام كراهة
يتسامح فيه، وأما قول أبي جعفر (عليه السلام) فلا تأييد فيه لما ذكره من الاختصاص
المزبور، لاحتمال الاجزاء فيه الاكتفاء بأقل الواجب من ستر العورة لا الاجزاء عن
الاستحباب كما يومي إليه ذكر الإزار، وإلا لنا في إطلاق الصحيحة المتقدمة، بل عمومها
الناشئ عن ترك الاستفصال، وتقييدها أو تخصيصها به يقتضي عدم الاستحباب في هذه
الصورة وإن اتحد القميص، وظاهره هنا عدم القول به، بل قد يقال: إن التأمل في
الصحيح المزبور يؤكد ما قلناه، ضرورة ظهوره في معروفية الرداء للإمام، ولذا احتاج
(عليه السلام) إلى الاعتذار عنه بكثافة القميص، وظاهر لفظ الاجزاء فيه على هذا
التقدير أن هذا أقل المجزئ، وإلا فالفضل في غيره، فلا بأس حينئذ بالقول بخفة
الكراهة بحصول بعض الرجحان بكثافة القميص لهذا الصحيح، كما أنها تخف بوضع
القميص تحت الممطر أو الجبة، بل بمطلق لبس الثوبين، للجمع بين ما عرفت وبين ما
في خبر علي بن جعفر (1) المروي عن كتاب المسائل سأل أخاه (عليه السلام) " عن
الرجل هل يصلح أن يؤم في ممطر وحده أو جبة وحدها؟ قال: إذا كان تحتها قميص
فلا بأس - وسأله أيضا - عن الرجل يؤم في قباء وقميص قال: إذا كان ثوبين فلا بأس "
بحمل البأس المنفي فيه على البأس الحاصل من ترك ذلك مع الرداء، إذا هو أولى من
تخصيص ما عرفت من دليل الكراهة المبنية على التسامح بذلك خصوصا مع قوة إطلاق

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 12 و 13
258

معقد الاجماع المعتضد باطلاق الفتاوى.
فقد ظهر حينئذ أنه لا ريب في كراهة الترك واستحباب الفعل للإمام، بل صريح
الشهيدين والمحكي عن الحلي وابن فهد استحبابه لمطلق المصلين، بل قد يريدون هنا عدا
الشهيد الثاني منهم الاستحباب الذي تركه مكروه، فيكون غير الإمام حينئذ كالإمام
في ذلك وإن أمكن اختلافهما في الشدة والضعف، أما هو فقد صرح بأن غير الإمام
يستحب له الرداء، لكن لا يكره تركه بل هو ترك الأولى، ولعل المستند على التقدير
الأول ظاهر ما تسمعه من خبر علي بن جعفر (1) والتعبير بلفظ الاجزاء في الصحيح
الآتي (2) الذي هو ظاهر في الواجب، فمع معلومية عدمه يراد منه القريب إليه، وهو
راجح الفعل مرجوح الترك على وجه الكراهية، مضافا إلى دعوى انسياق التخلص
عن الكراهة مما تسمعه في النصوص (3) من المحافظة على صورة الرداء فضلا عن
حقيقته، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من كراهة الاكتفاء بالسراويل، فيكون المراد
هنا من وضع التكة ونحوها رفع تلك الكراهة، كما أنه مما هنا قد يستكشف كون الكراهة
في مثل الصلاة في السراويل مثلا وحدها من جهة ترك الرداء وصورته، كما أومأنا إليه
سابقا، فحينئذ إرادة الاستحباب الذي يكون تركه مكروها لا يخلو من قوة.
وعلى كل حال فقد استدل على الاستحباب المزبور في المحكي عن الروض بتعليق
الحكم على المصلي في عدة أخبار، كصحيح زرارة (4) " أدنى ما يجزيك أن تصلي فيه
بقدر ما يكون على منكبيك مثل جناحي الخطاف " وصحيح عبد الله بن سنان (5)

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 11
(2) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 25 و 53 - من أبواب لباس المصلي
(4) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 6
(5) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
259

" سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل ليس معه إلا سراويل قال: يحل التكة
منه فيطرحها على عاتقه ويصلي، وإن كان معه سيف وليس معه ثوب فليتقلد السيف
ويصلي قائما " وصحيح محمد بن مسلم (1) عن أحدهما (ع) " إذا لبس السراويل فليجعل
على عاتقه شيئا ولو حبلا " قلت: ومرفوع علي بن محمد (2) عن الصادق (عليه السلام)
" في رجل يصلي في سراويل ليس معه غيره قال: يجعل التكة على عاتقه " وخبر
جميل (3) " سأل مرازم أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا معه حاضر عن الرجل الحاضر
يصلي في إزار مؤتزرا به قال: يجعل على رقبته منديلا أو عمامة يرتدي به " وخبر علي
ابن جعفر (4) المروي عن كتابه سأل أخاه (ع) " عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في
قميص واحد أو قباء وحده؟ قال: ليطرح على ظهره شيئا " إلى غير ذلك.
لكن في المدارك بعد أن حكى عن جده الاستدلال بالأخبار الثلاثة الأول قال:
" ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من الضعف، لاختصاص الروايتين بالعاري، وعدم
ذكر الرداء في الرواية الأولى، بل أقصى ما يدل على استحباب ستر المنكبين سواء كان
بالرداء أم بغيره، وبالجملة فالأصل في هذا الباب رواية سليمان بن خالد (5) وهي إنما تدل
على كراهة الإمامة بدون الرداء في القميص وحده، فاثبات ما زاد على ذلك محتاج إلى
دليل، وينبغي الرجوع في الرداء إلى ما يصدق عليه الاسم عرفا، وإنما تقوم التكة
ونحوها مقامه مع الضرورة، كما يدل عليه رواية ابن سنان، أما ما اشتهر في زماننا
من إقامة غيره مقامه مطلقا فلا يبعد أن يكون تشريعا ".

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 عن أبي عبد الله
عليه السلام
(2) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 1
(4) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 11
(5) الوسائل - الباب - 53 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 1
260

وفيه مواضع للنظر، منها ما عرفت، ومنها أنه قد يدفع التشريع إطلاق صحيح
زرارة وخبر علي بن جعفر وخبر جميل وغيرها الذي لا يعارضه مورد السؤال في صحيح
ابن سنان، بل ولا ما فيه من اشتراط تقلد السيف بعدم الثوب الخارج مخرج الغالب
في تردي الثوب لواجده، على أن المقصور منه على الظاهر بيان شدة المحافظة على صورة
التردي وعدم سقوطها حتى في هذا الحال، لا أن المراد منه حقيقة الشرطية، كما أن
صحيح ابن مسلم كذلك قطعا، فمن الغريب دعوى التشريعية بعد ظهور النصوص في
ذلك، نعم ظاهر قوله (عليه السلام) في الصحيح: " تجزيك " إلى آخره أن ذلك
أقل المجزي في رفع الكراهة أو حصول الاستحباب، بل المراد من أقليته على الأول
تخفيف الكراهة، كما أن المراد منه على الثاني تحصيل جملة من ثواب المستحب، وإلا
فالأفضل منه التردي مثلا حقيقة، ومنها أنه لا يخفى على كل ذي مسكة بعد معروفية
ستر المنكبين بالرداء أن المراد من هذه النصوص البدلية عنه، وأنه هو الفرد الكامل،
بل قوله (عليه السلام) في خبر مرازم: " أو عمامة يرتدي به " كالصريح في ذلك،
وأصرح منه خبر وهب بن وهب (1) عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) " أن عليا (ع)
قال: السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر دما، والقوس بمنزلة الرداء " فلا ريب
حينئذ في دلالة هذ النصوص على كون الرداء هو الأصل، وأن هذه أبدال له تخف
بها الكراهة أو يحصل بها معظم الثواب، بل قد ترتفع الأولى ويحصل الجميع في مقام
الاضطرار، فتأمل جيدا في جميع ما ذكرنا ليظهر لك أيضا ما في المحكي عن البحار أيضا
من أن الرداء إنما يستحب للإمام وغيره إذا كان في ثوب واحد لا يستر منكبيه أو لا
يكون صفيقا وإن ستر منكبيه، ولكنه في الإمام آكد، وإذا لم يجد ثوبا يرتدي مع
كونه في إزار وسراويل فقط يجوز أن يكتفى بالتكة والسيف والقوس ونحوها، ويمكن

(1) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
261

القول باستحباب الرداء مع الأثواب، لكن الذي ورد فيه التأكيد الشديد يكون مختصا
بما ذكرناه، أما ما هو الشائع من جعل منديل أو خيط على الرقبة في حال الاختيار مع
لبس الأثواب المتعددة ففيه شائبة بدعة، بل وما في الحدائق من أنه لا خصوصية للرداء
أصلا لا في الإمام ولا في غيره، وإنما المستحب ستر المنكبين به أو بغيره، وربما أمكن
كونه خرق الاجماع، بل وما في غيرهما من كتب متأخري المتأخرين، والحمد لله رب
العالمين، هذا.
وقد صرح غير واحد من الأصحاب بكراهة سدل الرداء، بل ربما نسب إلى
الأكثر، ولعله لخبر زرارة (1) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: " خرج أمير المؤمنين
(عليه السلام) على قوم فرآهم يصلون في المسجد قد سدلوا أرديتهم فقال: ما لكم قد
سدلتم ثيابكم؟ كأنكم يهود قد خرجوا من فهرهم يعني بيعهم، إياكم وسدل ثيابكم "
لكن قد ينافيه خبر عبد الله بن بكير (2) " سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الرجل يصلي ويرسل جانبي ثوبه قال: لا بأس " وخبر علي بن جعفر (3) عن أخيه
موسى (عليهما السلام) " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟
قال: لا يصلح جمعهما على اليسار، ولكن أجمعهما على يمينك أودعهما " وخبر
أبي بصير (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " لا بأس بأن يصلي الرجل وثوبه
على ظهره ومنكبيه فيسبله إلى الأرض ولا يلتحف به، وأخبرني من رآه يفعل ذلك ".
وقد يجمع بينها - مع عدم كون الثاني منها في الصلاة، ولعل معناه النهي عما
يفعله أهل الهند من إلقاء طرف الرداء على الأيسر، والأمر بالمسنون الذي هو إلقاؤه
على الأيمن، فهو جمع الطرفين عليه - بحمل نفي البأس والأمر بالدعة على الجواز، أو

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 4 - 7
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 4 - 7
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 4 - 7
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2
262

بما عن النهاية، قال: " نهي عن السدل في الصلاة، وهو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه
من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك، وكانت اليهود تفعله فنهوا عنه، وهذا مطرد
في القميص وغيره من الثياب " وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل
طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه، ومنه حديث علي (عليه السلام) (1)
" أنه رأى قوما " إلى آخره. ومنه حديث عائشة (2) " إنها سدلت قناعها وهي
محرمة " أي أسبلته، وقال في المغرب: " سدل الثوب سدلا من باب طلب إذا أرسله
من غير أن يضم جانبيه، أو هو أن يلقيه على رأسه ويرخيه على منكبيه، وأسدل خطأ "
قال الكاشاني: " والفرق بين ما نهي عنه في هذ الحديث وبين ما جوز في الحديث
السابق بوضعه على الرأس ووضعه على المنكب " قلت: هو مخالف للمعروف من معنى
السدل الذي هو الارخاء بلا شاهد، قال في المحكي عن نهاية الإحكام: " السدل أن
تلقى طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الآخر ولا يضم طرفيه
بيده " وعن النفلية " هو أن يلتف بالإزار ولا يرفعه على كتفيه، وعلى كل حال هو
مخالف لما ذكره، ولو جمع بينهما بأن المكروه سدل الرداء على الإزار مثلا دون الجبة
والقميص كان وجها، لشهادة خبر الحسين بن علوان (3) المروي عن قرب الإسناد
عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال: " إنما كره السدل على الإزار بغير قميص،
فأما على القميص والجباب فلا بأس " لكنه خلاف إطلاق المصرح بالكراهة، فالأولى
ما ذكرناه أولا.

(1) الوسائل - الباب - 25 من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 8 مع اختلاف في اللفظ في الثاني
(2) سنن أبي داود ج 2 ص 167 باب المحرمة تغطي وجهها الرقم 1833
ونصه " عن عائشة قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
محرمات فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه "
(3) الوسائل - الباب - 25 من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 8 مع اختلاف في اللفظ في الثاني
263

والمراد بالرداء على ما صرح به بعضهم الثوب الذي يجعل على المنكبين، ولعل
المراد الإشارة بذلك إلى ما هو المستفاد من النصوص وغيرها من أنه ثوب مخصوص
ليس بذي أكمام يستر أعالي البدن يلبس فوق الثياب، قال في المحكي عن مجمع البحرين:
" إنه ما يستر أعالي البدن فقط، أو الثوب الذي على العاتقين وبين الكتفين " وعن
ابن الأثير " أنه الثوب أو البرد الذي يضعه الانسان على عاتقه وبين كتفيه وفوق
ثيابه " قلت: على كل حال كون العباءة فردا منه به يرفع يقين الكراهة ويحصل يقين
الاستحباب لا يخلو من إشكال، فالأحوط وضع غيرها مما هو على الكيفية المزبورة،
والله أعلم.
* (و) * كذا يكره * (أن يصحب شيئا من الحديد بارزا) * إجماعا محكيا عن المعتبر
والتذكرة وجامع المقاصد إن لم يكن محصلا سواء كان ملبوسا أو غير ملبوس، قال
الصادق (عليه السلام) في خبر السكوني (1): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
لا يصل الرجل وفي يده خاتم حديد " وسأله الساباطي (2) " عن الرجل يصلي وعليه
خاتم حديد قال: لا، ولا يتختم به الرجل فإنه من لباس أهل النار " بل هو ظاهر في
كراهة التختم به في غير الصلاة، كخبر أبي بصير (3) عن الصادق (عليه السلام) قال:
" قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا تختموا بغير الفضة، فإن رسول الله (صلى الله
عليه وآله) قال: ما طهرت كف فيها خاتم حديد " وقد يستفاد منه أن الحديد غير
الفضة، وعلى كل حال فهو ظاهر الدلالة على كراهة اللبس مطلقا، ويتأكد حينئذ في
الصلاة، وإليه أومأ في الخلاف بقوله: " يكره التختم بالحديد خصوصا في حال الصلاة "

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4
264

ثم احتج بالاجماع، ولا ينافيه ما في خبر عبد خير (1) المروي عن العلل " كان لعلي
ابن أبي طالب (عليه السلام) أربعة خواتيم يتختم بها: ياقوت لنيله، وفيروزج لنصره،
والحديد الصيني لقوته، وعقيق لحرزه " بعد إمكان حمله على إرادة بيان الجواز، أو
على اقترانه بما يرفع الكراهة من المرجحات، أو على التخصيص بالصيني لكن في اللبس
خاصة، لأنه غير مناف لاطلاق الكراهة فيها الذي ذكرناه، خصوصا بعد مكاتبة
الحميري (2) المروية عن الاحتجاج إلى صاحب الزمان (عليه السلام) " يسأله عن الفص
الخماهن هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه؟ فكتب الجواب فيه كراهية أن يصلى
فيه وفيه أيضا إطلاق، والعمل على الكراهية، وسأله عن الرجل يصلي وفي كمه أو
سراويله سكين أو مفتاح حديد هل يجوز ذلك؟ فكتب في الجواب جائز " والخماهن
على ما قيل الحديد الصيني، لكن عن نسخة " الجوهر " بدل الخماهن، فيسقط بها
التأييد حينئذ، إلا أنك قد عرفت عدم الحاجة إليه.
وكيف كان فقد يقال بشدة الكراهة في خصوص الخاتم من حديد، للنهي عنه
بالخصوص في جملة من النصوص، منها ما عرفت زيادة على اندراجه في لبس الحديد
المنهي عنه فيها، قال الصادق (عليه السلام) في خبر النميري (3) في الحديد: " إنه
حلية أهل النار - إلى أن قال - " وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين،
فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة إلا أن يكون قبال عدو فلا بأس به، قال:
قلت: فالرجل يكون في السفر معه السكين في خفه لا يستغني عنها، أو في سراويله
مشدودا، والمفتاح يخشى إن وضعه ضاع، أو يكون في وسطه المنطقة من حديد قال:
لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة، وكذا المفتاح إذا خاف الضيعة
والنسيان، ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب، وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة

(1) الوسائل - الباب 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 10 - 11 - 6
(2) الوسائل - الباب 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 10 - 11 - 6
(3) الوسائل - الباب 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 10 - 11 - 6
265

في شئ من الحديد، فإنه نجس ممسوخ " ومنه يستفاد عدم الاختصاص باللبس، كقول
الصادق (عليه السلام) في مرسل المدائني (1): " لا يصل الرجل وفي تكته مفتاح حديد ".
لكن هذه النصوص كما ترى لا فرق فيها بين البارز وغيره، فلا يبعد القول
باطلاق الكراهة المتسامح فيها، بل قد يؤيده النهي (2) عن الصلاة في السيف ونحوه
مع غلبة كونه في الغلاف، نعم ينبغي استثناء حال الحرب وخوف التلف والضرورة
للخبر المزبور، بل قد يستفاد منه مراعاة الميزان لا ارتفاعها بمطلق الستر، اللهم إلا أن
يكون الدليل عليه ما عن المصنف في المعتبر، قال: قد بينا أن الحديد ليس بنجس
باجماع الطوائف، فإذا ورد التنجيس حملناه على كراهية استصحابه، فإن النجاسة تطلق
على ما يستحب أن يجتنب، وتسقط الكراهية مع ستره، وقوفا بالكراهة على موضع
الاتفاق ممن كرهه، وما أرسله الكليني (3) بعد خبر المدائني المزبور أنه " روي وإذا
كان المفتاح في غلاف فلا بأس " وما عن التهذيب من أنه قد قدمنا في رواية عمار (4)
" إن الحديد متى كان في غلافه فلا بأس بالصلاة فيه " متممين بعدم القول: بالفصل بين
الغلاف وغيره مما يستره، بل قد يدعى انسياق إرادة الستر من ذلك، خصوصا بعد
فهم المشهور.
وكيف كان فلا ريب في كون الحكم على الكراهة، لضعف الأخبار المزبورة
عن تقييد الاطلاقات، ومعارضة المحكي من الاجماعات المعتضدة بالشهرة، وما دل (5)
على جواز الصلاة في السيف، وخصوص التوقيع السابق وغير ذلك، بل في المدارك
احتمال ضعفها عن معارضة أصالة عدم الكراهة، فضلا عن معارضة دليل الجواز، على

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 6 - 3
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 6 - 3
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 2 - 6 - 3
(4) التهذيب ج 2 - ص 7؟ 2 من طبعة النجف
(5) الوسائل - الباب - 57 - من أبواب لباس المصلي
266

أنا لم نجد عاملا صريحا بهذه النصوص، لجريان احتمال الكراهة في عبارة من عبر
بمضمونها من القدماء، كالمحكي عن مقنع الصدوق " لا تصل وفي يدك خاتم حديد، ولا
تجوز الصلاة في شئ من الحديد إلا إذا كان سلاحا " والنهاية " لا تجوز الصلاة إذا
كان مع الانسان شئ من حديد مشهر مثل السكين والسيف، فإن كان في غمد أو قراب
فلا بأس بذلك، والمفتاح إذا كان مع الانسان لفه في شئ ولا يصلي وهو معه مشهر "
والمهذب " إن مما لا تصح الصلاة فيه على حال ثوب الانسان إذا كان عليه سلاح مشهر،
مثل سيف أو سكين، وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد إلا أن يلفه " وإلا
كانوا محجوجين بما عرفت، والله أعلم.
* (و) * كذا يكره الصلاة * (في ثوب متهم صاحبه) * المباشر له بالنجاسة، وفاقا
للمشهور، لأن علي بن جعفر (1) سأل أخاه (عليهما السلام) " عن رجل اشترى ثوبا
من السوق للبس لا يدري لمن كان قال: إن اشتراه من مسلم فيلصل فيه، وإن اشتراه من
نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله " وعبد الله بن سنان (2) عن الصادق (ع) في الصحيح
أيضا " عن الذي يعير ثوبا لمن يعلم أنه يأكل الجري ويشرب الخمر فيرده أفيصلي فيه قبل
أن يغسله؟ فقال: لا يصلي فيه حتى يغسله " وسأله العيص (3) في الصحيح أيضا " عن
الرجل أيصلي في إزار المرأة وفي ثوبها ويعتم بخمارها؟ فقال " إذا كانت مأمونة فلا بأس "
ومنه يعلم عدم الفرق بين الاتهام لأن دينه عدم النجاسة، أو لعدم المبالاة بما يقتضيه دينه،
كما يومي إلى ذلك ما تقدم سابقا في كراهة سؤر الحائض غير المأمونة (4) بل للتسامح

(1) الوسائل - الباب - 50 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 74 - من أبواب النجاسات - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 49 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب الأسئار من كتاب الطهارة
267

في الكراهة يمكن تعميمها للاتهام بسائر المحرمات من الغصب وغيره كما صرح به الفاضل
والشهيدان والعليان وغيرهم على ما حكي عن البعض، وربما كان في إطلاق الأمن وما
تقدم سابقا من تجنب الجلود المأخوذة من مستحل الميتة بالدبغ ومعلومية رجحان الاحتياط
الذي يمكن دعوى ظهور بعض أدلته في كراهة تركه مطلقا، أو في خصوص الصلاة
التي أمرها شديد، وينبغي النظر فيما يفعلها فيه وعلى ما يفعلها (إيماء إلى ذلك) (1).
وعلى كل حال فلا حرمة قطعا في المتهم بالنجاسة فضلا عن غيره، لما سمعته سابقا
في كتاب الطهارة مفصلا من عدم التنجيس بغير العلم من الاحتمال والظن، واحتمال
التعبد للنواهي السابقة وإن لم نقل بالتنجيس في غاية الضعف، لوجوب حمل النهي فيها
على الكراهة، لأن ابن سنان كما سأله عن ذلك فنهاه كذلك، سأله (2) " عن الذمي
يعيره الثوب وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير فيرده عليه أيغسله؟ فقال له:
صل فيه ولا تغسله، فإنك أعرته وهو طاهر ولم تستيقن أنه نجسه، فلا بأس أن تصلي
فيه حتى تستيقن أنه نجسه " وسأله ابن عمار (3) أيضا " عن الثياب السابرية يعملها
المجوس وهم أخباث وهم يشربون الخمر ونساؤهم على تلك الحال ألبسها ولا أغسلها وأصلي
فيها قال: نعم، فقطعت له قميصا وخطته وفتلت له أزرارا، ورداء من السابري ثم
بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة "
وجميل بن عياش (4) أيضا " عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل أن يغسل

(1) ما بين القوسين ليس في النسخة الأصلية وإنما زاده القمشهي رحمة الله عليه
لتصحيح العبارة ولعل العبارة وافية بدونه بأن كان " الايماء " مستترا في قوله قدس سره:
" وربما كان في اطلاق الأمن "
(2) الوسائل - الباب - 74 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب النجاسات - الحديث 5 وفي الوسائل
" عن عبد الله بن جميل بن عياش عن أبي علي البزاز عن أبيه قال.. " الخ
268

قال لا بأس، وإن يغسل أحب إلي " إلى غير ذلك من النصوص الواضحة الدلالة
التي يجب بسبب اعتضادها بأكثر الفتاوى مع ذلك، وبالأمر (1) بالرش للثوب المأخوذ
من المجوسي الظاهر في عدم إرادة التطهير منه، وبغير ذلك حمل النهي في غيرها على
الكراهة، فما عن الكاتب والمبسوط والجامع والسرائر من حرمة الصلاة في ذلك
لا ريب في ضعفه، بل ربما حكي عن الأول ما يقضي بموافقته المشهور، كما أن ما حكي
عن الثاني من النهي لا صراحة فيه، خصوصا بعد تصريحه في المحكي عن نهايته بعدم
الحرمة، وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت، والله أعلم.
* (و) * كذا يكره * (أن تصلي المرأة في خلخال له صوت) * وفاقا للمشهور بين
الأصحاب، لما فيه من اشتغال القلب به الذي يمكن دعوى ظهور النصوص (2) في كراهة
كل ما يحصل به، فيتعدى حينئذ إلى كل شاعل للقلب أي شاغل يكون، ولعله لذا
كان المحكي عن الروض تعدية الحكم إلى الجلجل وكل مصوت، لكن عن نهاية الإحكام
الاشكال فيه، وفي كشف اللثام يقوى التعدية النهي عن اتخاذه، وفي السرائر أنه
مروي وفي الصحيح (3) أن علي بن جعفر سأل أخاه (ع) " عن الخلاخل هل يصلح للنساء
والصبيان لبسها؟ فقال: إذا كانت صماء فلا بأس، وإن كان له صوت فلا " قلت:
قد يقال بظهور هذا الصحيح في الصلاة بملاحظة ما قبله وما بعده، لأنه قد اشتمل على
أسئلة كثيرة كلها متعلقة بالصلاة، بل المتأخر عنه بلا فصل (4) " وسألته عن فأرة
المسك تكون مع الرجل في جيبه أو ثيابه قال: لا بأس بذلك " ولا شك في أن المراد
حال الصلاة مع أنه أطلق كالاطلاق السابق، كل ذلك مضافا إلى ذكر الأصحاب له

(1) الوسائل - الباب - 73 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 1
(3) الوسائل - الباب - 62 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 1
(4) الوسائل - الباب - 41 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
269

بالخصوص، وإلى ما يمكن أن يقال من أن إطلاق الكراهة يقضي بالكراهة في
خصوص الصلاة، كما يومي إليه تعليل النهي (1) عن السواد والحديد بأنه لباس أهل
النار (2) بل قد عرفت في الذهب والحرير دعوى أن عموم المنع في مثل ذلك يقضي
به في الصلاة وإن كان فيها ما فيها.
وعلى كل حال فما عن المهذب من " أنها مما لا تصح فيها الصلاة بحال " والنهاية
" لا تصلي المرأة فيها " لا ريب في ضعفه إن أريد منه ذلك حقيقة، لعدم دليل يصلح
لتقييد الاطلاقات والعمومات، ونفي الصلاحية في الصحيح المزبور إن لم يكن ظاهرا في
الكراهة ولو بمعونة الشهرة القريبة من الاجماع هنا فلا ظهور فيه بالمنع قطعا، كما هو
واضح، والأمر بستر الزينة والنهي عن ضرب الأرجل وقلنا إن صوت الخلخال منها
لا مدخليه له في الصلاة، فلو كشفته حينئذ عمدا للناظر المحترم لم تبطل صلاتها وإن قلنا
بوجوب ستره عليها عن الناظر، لكنها حرمة خارجية لا تقدح في الصلاة، للأصل،
وإطلاق الأدلة، خلافا للأستاذ في كشفه، فلم يستبعد البطلان بكشف الزينة عمدا
في غير محل الرخصة، وضعفه واضح.
وكذا يجوز * (و) * لكن * (يكره الصلاة في ثوب فيه تماثيل أو خاتم فيه صورة) *
على المشهور بين الأصحاب، بل عن المختلف نسبته إلى الأصحاب، لصحيح ابن بزيع (3)
سأل الرضا (عليه السلام) " عن الصلاة في الثوب المعلم فكره ما فيه التماثيل " وخبر
عبد الله بن سنان (4) عن الصادق (عليه السلام) " أنه كره أن يصلي وعليه ثوب فيه

(1) هكذا في النسخة الأصلية المسودة والمبيضة والأولى أن تكون العبارة كذا
" تعليل النهي عن الصلاة في السواد "
(2) الوسائل - الباب 20 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1 والباب 32 - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 2
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 4 - 2
270

تماثيل " بناء على أن لفظ الكراهة ولو في زمن الصادقين (عليهما السلام) حقيقة في
جائز الفعل راجح الترك، بل لو سلم كونه للقدر المشترك يجب هنا للشهرة العظيمة بين
الأصحاب وغيرها إرادة ذلك منه، فيشهد حينئذ على إرادة الكراهة أيضا مما في خبر
علي بن جعفر (1) عن أخيه (ع) المروي عن المحاسن " عن الثوب يكون فيه التماثيل أو في
علمه. أيصلى فيه؟ قال: لا يصلى فيه " من النهي، ومما في موثق عمار (2) عن الصادق
(عليه السلام) أيضا " في الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير ذلك أيصلى فيه؟
قال: لا، والرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك قال: لا تجوز الصلاة
فيه " خصوصا بعد اشتمال الموثق المزبور على النهي عن التختم بالحديد والصلاة فيه الذي
قد عرفت حمله على الكراهة، وخصوصا بعد خبر علي بن جعفر (3) المروي عن
قرب الإسناد للحميري أنه سأل أخاه (عليهما السلام) " عن الخاتم يكون فيه نقش سبع
أو طير أيصلى فيه؟ قال: لا بأس " مؤيدا بما في الصحيح عن البزنطي (4) " إن
الرضا (عليه السلام) أراه خاتم أبي الحسن (عليه السلام) وفيه وردة وهلال في أعلاه "
بناء على إرادة الأعم من ذي الروح من المثال والصورة، وعلى إرادتها من البأس في
مفهوم الصحيح (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) " لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب
إذا غيرت الصورة منه " مؤيدا ذلك كله بما في الصحيح (6) " لا بأس أن يصلي وفي
كمه طير " بل وبما في الحدائق من الاستدلال على الجواز بصحيح ابن مسلم (7) الوارد في
الدراهم، ونفي البأس في صحيحه الآخر (8) وغيره " عن تماثيل الشجر والشمس "

(1) الوسائل - الباب 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 16 - 15 - 23
(2) الوسائل - الباب 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 16 - 15 - 23
(3) الوسائل - الباب 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 16 - 15 - 23
(4) الوسائل - الباب - 46 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 13 - 9
(6) الوسائل - الباب - 60 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 13 - 9
(8) الوسائل - الباب 2 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 17 و 6 من كتاب الصلاة
271

ولفظ " لا أشتهي " و " لا أحب " في بعض النصوص (1) ونحو ذلك، بل جعل فيها هذا
ونحوه الدليل الذي به يخرج عن حقيقة النهي، وإن كان قد يناقش فيه بأن ليس شيئا
مما ذكره فيما نحن فيه من الصلاة في الثوب والخاتم، ولا أولوية ولا تنقيح، فالأولى
أخذ ذلك مؤيدا لا دليلا على المطلوب، فضلا عن كونه الدليل.
وعلى كل حال فما عن النهاية وظاهر المبسوط من الحرمة فيهما والمهذب وظاهر
المقنع في الخاتم لخبر عمار المزبور ضعيف، لما عرفت، بل عن المنتهى أنه لا يعتمد على
هذه الرواية في الدلالة على التحريم، لقصور اللفظ عنه، ولضعف السند، ولعل القصور
المزبور لكثرة استعمال " لا تجوز " في شدة الكراهة، ولاحتمال نفي الجواز بالمعنى
الأخص الذي هو الإباحة، بل الاحتمال الأول جار في عباراتهم كما سمعته مكررا،
فيرتفع الخلاف حينئذ في المسألة.
وتزول الكراهة أو تخف بتغيير الصورة أو حكايتها ناقصة ولو في بعض
الأجزاء، للصحيح (2) السابق الذي يمكن تأييده بما في خبر الحلبي (3) المروي عن
كتاب المكارم عن الصادق (عليه السلام) " قد أهديت إلي طنفسة من الشام فيها تماثيل
طائر فأمرت به فميز رأسه، فجعل كهيئة الشجر " وبما في خبر علي بن جعفر (4) سأل
أخاه (ع) " عن البيت قد صور فيه طير أو سمكة أو شبهة يعبث به أهل البيت هل يصلح
الصلاة فيه؟ قال: لا حتى يقطع رأسه أو يفسده " وبما في مرسل ابن أبي عمير (5)
عنه (عليه السلام) " عن التماثيل تكون في البساط تقع عينك عليه وأنت تصلي - وفي

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 13
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3 - 13
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 7 من كتاب الصلاة
مع اختلاف في اللفظ
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 18 - 7
(5) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 18 - 7
272

التهذيب لها عينان وأنت تصلي - فقال: إن كان له عين واحدة فلا بأس، وإن كان له
عينان فلا " وغيرهما مما هو في غير ما نحن فيه، نعم قد يقوى بقاؤها في التغيير الذي
لا يخرج عن صدق التمثال، لاطلاق النص والفتوى على وجه يبعد تقييدهما بالصحيح
المزبور في الصورة المذكورة، هذا.
وفي المدارك أنها تخف أيضا بالستر، لصحيح حماد بن عثمان (1) سأل أبا عبد الله
(عليه السلام) " عن الدراهم السود التي فيها التماثيل أيصلي الرجل وهي معه؟ قال:
لا بأس إذا كانت مواراة " قلت: قد ورد في غيره من النصوص (2) ما يقضي بزوال
الكراهة أو خفتها في الصلاة إلى الصورة أو معها بسترها، بل لعل منه ما في صحيح
ابن مسلم (3) سأل أبا جعفر (عليه السلام) " عن الرجل يصلي وفي ثوبه دراهم فيها
تماثيل فقال: لا بأس بذلك " إن لم يحمل على إرادة بيان الجواز، إلا أنه في استفادة
ذلك منهما فيما نحن فيه يحتاج إلى ما يدل على المساواة أو الأولوية، وليس، فبقاء
الكراهة التي يتسامح فيها فيه حينئذ كما هو مقتضى الأصل وإطلاق النص والفتوى
قوي، نعم لا بأس به في الدراهم وغيرها من المحمول الذي يقضي بالكراهة فيه مع
عدم الستر جملة من النصوص، منها ما عرفت، ومنها ما في خبر علي بن جعفر (4)
سأل أخاه (ع) " عن الدراهم والحجرة فيها التماثيل أيصلي فيها؟ قال: لا تصلي في شئ منها "
وإنما قلنا بالتخفيف دون الارتفاع لظاهر جملة من النصوص من بقاء الكراهة حتى مع
الستر، منها الصحيح (5) عن الصادق (عليه السلام) سأله عبد الرحمان بن الحجاج
" عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو يصلي مربوطة أو غير مربوطة فقال:

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8 - 0 - 9
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8 - 0 - 9
(3) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 8 - 0 - 9
(4) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 21 مع الاختلاف
(5) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 3
273

ما أشتهي أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها التماثيل، ثم قال: ما للناس بد من حفظ
بضائعهم، فإن صلى وهي معه فلتكن من خلفه، ولا يجعل شيئا منها بينه وبين القبلة "
ومنها ما في المروي عن الخصال (1) بسنده عن أمير المؤمنين (عليه السلام) " ولا يعقد
الرجل الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي، ويجوز أن يكون الدراهم في هميان
أو في ثوب إذا خاف الضياع ويجعلها في ظهره ".
نعم قد يستفاد منها أيضا حصول خفة أخرى بالوضع خلف، كصحيح ليث (2)
عن الصادق (عليه السلام) " وإذا كان معك دراهم سود فيها تماثيل فلا تجعلها بين يديك،
واجعلها من خلفك " بل يمكن استفادة نحو ذلك من فحواها فيما نحن فيه أيضا، ضرورة
كون الحكمة التجنب عن شبه السجود للمثال، وهي جارية في الثوب أيضا، نعم ربما
يقال بتخصيص ذلك فيما إذا كان عليه نحو ما على الدراهم من تمثال الأصنام ونحوها
مما يسجد له.
ثم إنه صرح جماعه من الأصحاب بعدم الفرق في الكراهة بين مثال الحيوان
وغيره، لاطلاق النصوص، بل نسبه بعض منهم إلى الأكثر، وآخر إلى الأصحاب
تارة، وإلى المشهور أخرى، كما أنهم لم يحكوا الخلاف إلا عن ابن إدريس، فخصها
بالأول، وفيه أن المحكي عنه التعرض للخاتم خاصة، وظاهر كل من عبر فيه بالصورة
وفي الثوب بالتمثال كالمتن وغيره، بل لعل أكثر عبارات الأصحاب على ذلك موافقته
لما صرح به في الروضة وحاشية الإرشاد والمحكي عن حاشية الميسي والروض من
اختصاصها بالحيوانات بخلاف التمثال، قال في كشف اللثام: ظاهر الفرق تغاير المعنى،
وقد يكون المراد بالصور صور الحيوانات خاصة، وبالتماثيل الأعم، ولعل وجه الفرق
أنه المنساق مما ورد فيه، وما سمعته مما روي " أن نقش خاتم أبي الحسن (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 11
(2) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5 - 11
274

هلال ووردة " واحتمال صحيح ابن بزيع السابق الوارد في المعلم أنه المراد من التماثيل،
فيكون نصا في غير ذي الروح، لكن قد يقال إن ذلك تفنن منهم في التعبير، وإلا
فالمحكي عن أكثر اللغويين تفسير الصورة والمثال والتمثال بما يشمل غير الحيوان، ومقتضاه
حينئذ اتحاد المراد في المقامين، ولعله الأقوى، إلا أن المنساق إلى الذهن خصوصا من
لفظ الصورة المرادف لها التمثال ذو الروح، وربما يؤيده إطلاق نفي البأس عن تمثيل
غير الحيوان من الشجر ونحوه المقتضي عموم سائر الأحوال التي حال الصلاة أهمها
وأعظمها، وما سمعته من زوال الكراهة بتغيير الصورة المنصرف إلى الذهن منه ذلك،
خصوصا بعد ملاحظة ما في الصحيح (1) " لا بأس أن يكون التماثيل في البيوت إذا
ميزت رؤوسها " ونحوه غيره، بل لا يخفى على من لاحظ ذلك، وخبر ابن أبي عمير
السابق وخبر الطنفسة وخبر الخاتم وجميع ما ورد من النصوص (2) في تعذيب المصورين
وتكليفهم نفخ الروح، وقوله تعالى (3): " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل "
وما قيل في تفسيرها، قيل: قال في الوافي: " التمثال الصورة، وقد يخص بما فيه روح،
لأنه المحرم تصويره والمكروه استعماله دون غيره مما لا روح فيه " ثم نقل ذلك عن
الصادق (عليه السلام)، وغير ذلك من النصوص أنه يمكن القطع بأن المراد من الصورة
والتمثال المنهي عن فعلهما واستعمال ما فيهما لذي الروح، كما يؤمى إليه إطلاقهما في السؤال
أو غيره، ثم ذكر خواص ذي الروح من قطع الرؤوس ونفخ الروح ونحو ذلك،
ضرورة إشعار كون ذلك مما هو مفروغ منه، ومن هنا مال إلى التخصيص المزبور
المجلسي في المحكي عن بحاره، والإصبهاني في كشفه، والأستاذ الأكبر في شرحه، بل

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 3 من كتاب الصلاة
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 2 و 5 و 12
(3) سورة السبأ - الآية 12
275

هو الذي وجدناه في السرائر كما حكاه عنها في كشف اللثام وغيره لا خصوص الخاتم،
بل أيده زيادة على ذلك في كشف اللثام بأنه لو عمت الكراهة كرهت الثياب ذات
الاعلام، لشبه الاعلام بالأخشاب والقبصات ونحوها، والثياب المحشوة لشبه طرائقها
المخيطة بها، بل الثياب قاطبة، لشبه خيوطها بالأخشاب ونحوها، وإن كان هو كما ترى
واضح الضعف، ضرورة عدم صدق التمثال على شئ من ذلك، وهو المدار، هذا كله
إن لم نقل إن التمثال حقيقة في صورة ذي الروح، وأنه إن صح تمثال شجر فمجاز كما
عن المعرب المهمل، وإلا فلا إشكال أصلا، إلى غير ذلك من المكروهات والمندوبات
التي ذكرنا بعضها سابقا، وتضمن النصوص والمطولة من كتب أصحابنا التعرض لها
تماما، من أرادها فليرجع إليهما، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا، وصلى الله
على محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات متتابعة إلى يوم الدين، ووفقنا ببركتهم إلى
إتمام ما بقي من كتاب الصلاة عاجلا متبوعا بتتميم ما بقي من هذا الشرح، أنه أكرم
المسؤولين، وأجود المعطين، وأرحم الراحمين، وخير الموفقين.
* (المقدمة الخامسة في مكان المصلي) *
وقد قيل إنه في عرف الفقهاء بين معنيين: أحدهما باعتبار إباحته، والآخر
باعتبار طهارته، وفيه نظر بل منع، إذ الظاهر كما ستعرف إرادة معنى مجازي منه بالنسبة
إلى الثاني، أما الأول فعن الايضاح " أنه في عرف الفقهاء ما يستقر عليه المصلي ولو
بوسائط، وما يلاقي بدنه وثيابه وما يتخلل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة كما يلاقي
مساجده ويحاذي بطنه وصدره " وهو قريب إلى ما عن بعض الحكماء من " أنه السطح
الباطن للجسم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي " لكن أورد عليه بأنه
يقتضي بطلان صلاة ملاصق الحائط المغصوب، وكذا واضع الثوب المغصوب الذي
لا هواء له بين الركبتين والجبهة، والحكم به غير واضح، والقائل به غير معلوم، ولذا
276

عدل عن تعريفه إلى أنه الفراغ الذي يشغله بدن المصلي أو يستقر عليه ولو بوسائط،
وبطلان الصلاة تحت الخيمة والسقف المغصوبين لو قلنا به ليس من حيث كونه مكانا
للمصلي، بل من حيث صدق التصرف والانتفاع، إذ هما بالنسبة إلى كل شئ بحسبه،
قلت: ستعرف تحقيقه بالمعنى الثاني بما لا مزيد عليه عند البحث في اعتبار الطهارة فيه،
بل ستعرف المراد بالأول الذي متى تحقق وصف الغصب عليه كانت الصلاة باطلة،
لعدم اجتماع الأمر والنهي، وأن المدار فيه على صدق كون الواجب من أفعال الصلاة
تصرفا فيه من حيث كونه محلا ضروريا للجسم فراغا أو مستقرا وإن اختلف ذلك
باعتبار القيام والركوع والسجود وغيرها من الأجزاء، أما المندوبة كجلسة الاستراحة
ونحوها فالبطلان مع غصب المكان فيها من حيث التشريع، وإلا فلو فرض غصب
الفضاء مثلا فيها فليس يقتضي إلا بطلانها لا بطلان الصلاة، لعدم الملازمة بينهما، بل
بطلان بعض الأجزاء الواجبة إنما هو من ذلك، وإلا فلو أراد تداركها بالانتقال إلى
الفضاء المباح مثلا صحت الصلاة، بناء على عدم قدح مثل التشريع المزبور فيها، وأنه
إنما يقتضي فساد ذلك الجزء خاصة، فمع الاقتصار عليه تبطل الصلاة لفقد الجزء، وأما
مع التدارك فالصلاة صحيحة، وتسمع تحقيق ذلك إن شاء الله في القراءة ونحوها من
أفعال الصلاة.
وعلى كل حال فمدار البطلان في الغصب على ما عرفت، وإلا فلو فرض كون
يده في حال القيام مثلا أو في حال الركوع أو غيرهما مما لا مدخلية لمكان وضعها في
الصلاة في مكان مغصوب لم تبطل الصلاة من حيث غصب بعض المكان، بل لو فرض
كون مكان بعض ثيابه المتصلة به مغصوبا فكذلك، ضرورة عدم تصور اتحاد الأمرين
فيه: أي الكون الصلاتي والكون الغصبي، كما هو واضح، ومن التأمل في ذلك
فضلا عما تسمعه إن شاء الله فيما يأتي تعرف المراد من المكان الذي تشترط إباحته في
277

الصلاة بحث تبطل الصلاة بعدمها حتى بالنسبة إلى ما يستقر عليه منه ولو بوسائط، فإنه
لا ريب فيه في الاستعلاء الحقيقي، أما إذا كان مثل ساباط أو أرجوحة غصب قوائمهما
وفضائهما محللا فقد يتأمل في البطلان فيه، لعدم صدق اتحاد الكونين فيه وإن كان
هو بالواسطة مستقرا عليه، ولعل من ذلك الصلاة في السفينة التي فيها لوح مغصوب
متوقف عليه بقاؤها في البحر مثلا، فإن المتجه الصحة إذا لم يكن مباشرا لذلك اللوح
ولو بالواسطة كما صرح به المحقق الجزائري في شافيته، ولعله لا ينافيه ما في الذكرى من
البطلان في السفينة ولو كان المغصوب لوحا واحدا مما له مدخل في استقرار المصلي، بناء
على إرادته من المدخلية ما لا يشمل محل الفرض، فتأمل جيدا، بل قد تأمل المحقق
الجزائري في شافيته في البطلان بغصب غير ما استقر عليه المصلي وما تقع عليه مساجده
ولو بواسطة أو وسائط من الفضاء، قال فيه تارة بعد ما سمعت: وقيل: المراد بالمكان
ما يشغله المصلي من الحيز أو يستقر عليه ولو بالواسطة أو الوسائط، فيدخل فيه الهواء
المغصوب وإن كان الاستقرار على موضع مباح، وفيه تأمل، وفي حاشية على هذا
الكلام مكتوبا بعدها منه كالجناح إلى الدار المغصوبة، مثلا لو صلى في نفس الجناح
المباح تكون الصلاة باطلة، لأن الهواء إلى عنان السماء مملوك لصحاب تلك الدار المغصوبة
فيكون الهواء المحيط ببدن المصلي في الجناح مغصوبا تبعا للدار، والحق أن الهواء لا يملك،
نعم لصاحب الدار أولوية بالفضاء المقابل، وقال في الشافية تارة أخرى: الرابع الرواشن
والأجنحة الخارجة إلى حيث يكون ما تحتها ملك غيره، وكذا الحفائر العميقة بحيث
يكون ما فوقها ملك غيره مع عدم الضرر. فإن قلنا إنه لا يملك إلا ما جرت به العادة
وكانت هذه خارجة عنه جازت الصلاة فيها، وإن قلنا إنه يملك إلى عنان السماء وتخوم
الأرض احتمل الصحة في نحو الأجنحة أيضا، لأن المغصوب إنما هو الهواء، وهو
ملاصق للمصلي، فلا يقدح في الصحة كالحائط والسقف المغصوبين، ومثله الرف المعلق
278

بين نخلتين لمالك الرف إذا كان ما تحته من الأرض مغصوبا، وإن كان ما ذكره واضح
النظر فيه للسيرة المعلومة في ذلك الفضاء، وجريان حكم الأملاك عليه، وليس هو في
الحقيقة ملك للهواء بل الفضاء، وفرق واضح بينهما، نعم قد يشك في ملك خارج
المعتاد منه، وعلى تقدير الملك فحكمه حكم غيره مما لم يكن خارجا عن المعتاد الذي جزم
الشهيد وغيره بالفساد فيه، ووجهه واضح.
وكيف كان ف‍ * (الصلاة في الأماكن كلها جائزة بشرط أن يكون) * المكان
* (مملوكا أو مأذونا) * في الكون * (فيه) * باجماع العلماء كافة في المدارك، وبلا خلاف
فيه في الذكرى وبين العلماء في التذكرة مع التقييد بالخلو عن النجاسة، والأخبار به
متواترة معنى إلا ما خرج بالدليل في المحكي عن البحار، قلت: لعل منها نصوص (1)
عموم مسجدية الأرض التي في بعضها (2) أيضا " أينما أدركتني الصلاة صليت " مضافا
إلى إطلاقات الصلاة، والمراد بالإذن الأعم من الشرعية والمالكية، فيشمل المباحات
ونحوها، ولا ينافيه قوله: * (والإذن قد يكون بعوض كالأجرة وشبهها وبالإباحة،
وهي إما صريحة كقوله: صل فيه، أو بالفحوى كإذنه في الكون فيه، أو بشاهد الحال
كما إذا كان هناك إمارة تشهد أن المالك لا يكره) * إذ لم نقل إن الإباحة تشملها أيضا،
فأقصاه بيان تعميم إذن المالكية، وهو لا ينافي غيرها. نعم نظر فيه في المدارك بأن
جعل المستأجر من أقسام المأذون فيه الذي هو قسيم للمملوك غير جيد، لأن الإجارة
تقتضي ملك المنفعة، فكان الأولى إدراج المستأجر في المملوك كما فعله غيره من
الأصحاب، وقد يدفع بأن الإذن بعوض لا يجب أن تكون إجارة يملك فيها المنفعة
ليندرج في الملك، فعلل المنصف أراد به ما لا يحصل به ملك المنفعة، كما هو واضح،
ونظر فيه أيضا تبعا لجده في المسالك بأن تمثيله للفحوى بالإذن في الكون غير واضح،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 0 - 5
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 0 - 5
279

إذ المعهود من اصطلاحهم أن دلالة الفحوى هي مفهوم الموافقة، وهو التنبيه بالأدنى على
الأعلى: أي كون الحكم في غير المذكور أولى منه في المذكور باعتبار المعنى المناسب
المقصود من الحكم، كالاكرام في منع التأنيف، وقد مثل له هنا بادخال الضيف في المنزل
للضيافة، وهو إنما يتم مع ظهور المعنى المناسب المقصود من الادخال، وكونه في غير
المذكور وهو الصلاة مثلا أتم منه في المذكور، ومرجعها إلى مناقشة لفظية اصطلاحية
لا تحسن من مثله بعد وضوح المراد، وإلا فالفحوى عند متشرعة العصر ليست إلا
حصول القطع بالرضا بسبب صدور فعل من المالك أو قول لم يكن المقصود منه بيان
الرضا في المراد، أو غيرهما بلا مراعاة أولوية ومساواة ونحوهما من أسباب القطع، ولعل
المصنف يريد الكون الذي ليس بصلاتي المستفاد منه الكون الصلاتي بالفحوى لا مطلق
الكون الذي أحد أفراده الكون الصلاتي، فيكون من مدلول عبارة الإذن لا مستفادا
من الفحوى، وأما دليل جواز غير الناقل من التصرف بالقطع المزبور فالسيرة القطعية،
بل يمكن دعوى الضرورة من المذهب بل الدين، سواء كان الرضا المقطوع به فعليا
أو تقديريا، بمعنى أنه لو علم به رضي به، وربما كان في خبر سعيد بن الحسن (1)
إيماء إليه، قال: " قال أبو جعفر (عليه السلام): أيجئ أحدكم إلى أخيه فيدخل يده
في كيسه فيأخذ حاجته فلا يدفعه؟ قلت: ما أعرف ذلك فينا، فقال أبو جعفر (عليه
السلام): فلا شئ إذا، قلت: فالهلاك إذا، فقال: إن القوم لم يعطوا أحلامهم "
كالمروي عن كتاب الاختصاص المفيد عن أبان بن تغلب عن ربعي عن يزيد العجلي (2)

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 وفي الوسائل عن
بريد العجلي وهو الصحيح
280

قال: " قيل لأبي جعفر (عليه السلام): إن أصحابنا بالكوفة لجماعة كثيرة فلو أمرتهم
لأطاعوك واتبعوك، قال: يجئ أحدهم إلى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته فقال: لا،
قال: هم بدمائهم أبخل، ثم قال: إن الناس في هدنه تناكحهم وتوارثهم حتى إذا قام
القائم (عليه السلام) جاءت المزايلة وأتى الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته فلا يمنعه "
وتنزيلهما على صورة علم المالك به لا داعي إليه، وإن كان في قوله (عليه السلام):
" يدفعه " و " يمنعه " نوع إيماء إليه، ونصوص (1) عدم حل مال المسلم أو المؤمن إلا بطيب
نفسه إن لم تشمل مثل الفرض يجب تخصيصها به.
ولا فرق في ذلك بين المكان وغيره من أموال المسلم، ومنع ثاني الشهيدين
الاكتفاء بشاهد الحال في اللباس بخلاف المكان، قال: اقتصارا فيما خالف الأصل،
وهو التصرف في مال الغير بغير إذنه على محل الوفاق قد لا يريد به ما يشمل الفرض،
وإلا كان واضح الفساد بما عرفت، وكذا نظر في المدارك في اكتفائه في شاهد الحال
بأن يكون هناك إمارة تشهد أن المالك لا يكره بأنه غير مستقيم، لأن الأمارة تصدق
على ما يفيد الظن أو منحصرة فيه، وهو غير كاف هنا. بل لا بد من إفادتها العلم كما
بيناه، وظاهره المفروغية من عدم الاكتفاء بما لا يفيد القطع من شاهد الحال، قلت:
هذه العبارة كما وقعت للمصنف حكيت عن غيره، فإن كان ظاهرها ذلك فهو ظاهر
الجميع، بل قد عرفت أنه معقد وفاق الشهيد الثاني في خصوص المكان، ولعل مرادهم
منه ما جرت السيرة والطريقة في سائر الأعصار والأمصار على الأخذ به والتصرف
معه مما نصب دلالة على الإذن، كنصب المضايف والرباع ونحوها التي في كثير من
الأحوال لم يحصل العلم بالرضا معها بل ولا الظن المعتد به، بل يؤخذ بظاهر ما وقع منه
مثلا مما هو منصوب الدلالة على الإذن من أفعاله ما لم يعلم الكراهة، ولعل هذا الظاهر

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 و 3
281

من الأفعال أو غيرها حجة كظاهر الأقوال ما لم يحصل الصارف المعتد به في صرف
أمثاله، لا أن المراد بشاهد الحال الكناية عن حصول الظن مطلقا وإن لم يكن بسبب
فعل يعتاد التعويل عليه مثلا من المكلف، أو اتساع في المتصرف به لم يعتد المنع عنه،
أو نحو ذلك، فإنه لا يساعد عليه دليل بحيث يخرج به عما علم عقلا من قبح التصرف
في مال الغير بدون طيب نفسه بخلاف الأول الذي قامت عليه السيرة المزبورة التي
بالأقل منها يخرج عن ظاهر ذلك، ولا قبح للعقل هنا قطعا، فلعل المصنف وغيره ممن
عبر بشاهد الحال يريد ذلك، وهو شئ غير مستنكر حتى يحتاج إلى التنزيل على إرادة
ما يفيد العلم كما وقع من بعض متأخري المتأخرين، بل لم يتعارف التعبير عن ذلك بهذه
العبارة، ولعله المراد مما حكي عن البحار والكفاية من جواز الصلاة في كل موضع لم
يتضرر المالك بالكون فيه وجرت العادة بعدم المضايقة في أمثاله وإن فرضنا عدم العلم
برضا المالك، بل عن البحار منهما أن اعتبار العلم ينفي فائدة هذا الحكم، إذ قلما يتحقق
ذلك في مادة، فاعتبار الظن أوفق بعمومات الأخبار، وإلا فإن أرادا بذلك مطلق
الظن كان فيه ما عرفت، بل لعله مراد العلامة الطباطبائي بقوله:
والإذن بالنص وبالفحوى ومن * شواهد الأحوال في ذاك استبن
فكلما لم تجر فيه العادة * بالمنع لم تفسد به العبادة
بل بنى بعضهم جواز الصلاة في الأراضي المتسعة على قيام شاهد الحال مصرحا
بعدم اعتبار العلم فيه، بل ظاهره أن مداره على عدم علم الكراهية، ولعله كذلك حيث
لا يقوم شاهد حال على الكراهة، للسيرة القطعية على أمثال هذه التصرفات من غير
مراعاة إذن المالك وأنه ممن له الإذن أو لا، أو من أعداء الدين أو لا، بل يمكن عدم
مراعاة منعه فضلا عن إذنه فيما يلزم الحرج والعسر والضرر باجتنابه كما جزم به شيخنا
في كشفه، قال: لأن المالك للملك ومالكه أذن في ذلك باعتبار لزوم المنع للحرج العام،
282

فيسري إلى الخصوص كما في المياه إن لم يترتب ضرر على بعض الماكثين والعابرين،
وإن كان قد يناقش فيه بعدم اقتضاء نفي الحرج في الدين والضرر والضرار حل أموال
المسلمين المحرمة في الكتاب والسنة وفطرة العقل مجانا بلا عوض، وإلا لاقتضى ذلك
إباحة كثير من المحرمات، ولعله بعموم التحريم يستكشف أنه لا حرج لا يتحمل في
الحرمة المزبورة، وكأنه لذا وغيره أطلق غير واحد من الأصحاب كالشهيد في الذكرى
وغيره حرمة التصرف مع العلم بالكراهة في الأراضي المتسعة، بل هو المستفاد من جعل
التصرف فيها بشاهد الحال، بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه من ملاحظة حصرهم
أسباب إباحة مال الغير في الإذن ولو بعوض أو الفحوى أو شاهد الحال، ودعوى
أن مالك الملك الأصلي أذن بذلك، مصادرة واضحة، لعدم الدليل على إذنه، ضرورة
أن الأصل في الحكم المزبور السيرة، وهي غير معلومة في الفرض. أو معلوم عدمها،
فحينئذ الاقتصار على المعلوم منها من الذي لم يعلم الكراهة فيه هو المتجه.
لكن الانصاف مع ذلك كله أنه يمكن دعوى تحقق السيرة في نحو الأراضي
التي في غاية السعة التي كان بناء ملك المالك لها من المالك الأصلي على جواز هذه
التصرفات من الاستطراق والمكث لقضاء الحوائج وأمثالها فيها، نحو ملك المياه المحازة
في الأنهار العظيمة التي لا ينكر تحقق السيرة على عدم الامتناع من الشرب منها، ونقل
المياه للمسافرين والمترددين ونحو ذلك وإن كره المالك، فالتحقيق حينئذ التفصيل في
الأفراد وتمييزها بحسب قيام السيرة، فمنها ما يجوز التصرف فيه بالصلاة ونحوها وإن
كره المالك، ومنها ما قد عرفت من أن مقتضى السيرة فيه عدم مراعاة كون المالك مما
له الإذن أو لا أو ممن يأذن أو لا، بل المدار عدم علم الكراهة، ولعله كذلك في كل
ما كان مستند التصرف فيه شاهد الحال كالمضايف والرباع ونحوها، أما ما كان مستنده
الفحوى: أي القطع بالإذن فلا بد من اعتبار حصول العلم بالإذن ممن له الإذن من مالك
283

أو ولي إجباري أو شرعي مع المصلحة أو عدم المفسدة، وإلا لم يجز التصرف قطعا،
ضرورة عدم الجدوى بالعلم بحصولها على تقدير من التقادير مع احتمال غيره كما هو
واضح، وحينئذ فلا فرق في هذا بين العلم بكونه لمولى عليه وعدمه، أما الأول أي
الذي قامت السيرة على التصرف فيه بدون مراعاة الإذن إذا علم كونه لمولى عليه ففي
الذكرى أن الظاهر، لاطلاق الأصحاب، وعدم تخيل تحقق ضرر لا حق به
كالاستظلال بحائطه، ولو فرض ضرر امتنع منه ومن غيره، ووجه المنع أن الاستناد
إلى أن المالك أذن بشاهد الحال، والمالك هنا ليس أهلا للإذن، إلا أن يقال: إن
الولي أذن هنا، والطفل لا بد له من ولي، قلت: لا يخفى عليك ما فيه وإن تبعه غيره
عليه، إذ لا إطلاق للأصحاب يطمأن به في إدراج هذه الصورة على وجه يصلح للعذر
عن القول بغير علم، وعدم الضرر لا يبيح التصرف في أموال الناس الذي ليس منه
الاستظلال بالحائط، إذ هو انتفاع لا تصرف، وقد يفرق بينهما، وما ذكره في وجه
المنع يدفعه ما عرفت سابقا من أنه ليس بناء التصرف على حصول الإذن، وإلا لم يجز
مع ظن عدمها أو الشك فيها، بل مبناه السيرة القطعية ما دام لم يعلم الكراهية، وأولياء
الطفل منهم من له الإذن من غير اشتراط المصلحة، وآخر ليس له ذلك إلا معها،
فالتحقيق بناء الحكم في الفرض المزبور على السيرة، فإن كانت جاز التصرف بلا مراعاة
شئ من ذلك، وإلا فلا، والظاهر تحققها في نحو الأراضي المتسعة والأنهار والطرق
المرفوعة وأمثالها وإن علم كونها لمولى عليه.
* (و) * كيف كان ف‍ * (المكان المغصوب) * الذي هو غير ما عرفت * (لا تصح
الصلاة فيه للغاصب ولا لغيره ممن علم بالغصب و) * كان مختارا، ف‍ * (إن صلى عامدا
عالما) * والحال هذه * (كانت صلاته باطلة) * للاجماع محصله ومحكيه صريحا وظاهرا مستفيضا
284

إن لم يكن متواترا، ولبعض النصوص (1) المتقدمة في اللباس المنجبرة سندا ودلالة
بما عرفت، كبعض الأخبار (2) الواردة في حل ما فيه الخمس من المساكن للشيعة لتصح
عباداتهم، ولاجماع المسلمين على حرمتها فيها، لأن أكوانها حركات وسكنات بعض
أفراد الغصب المعلوم حرمة، فيمتنع الأمر الذي تتوقف عليه صحة العبادة بها، ضرورة
امتناع اجتماع الأمر والنهي في شئ واحد شخصي عرفا، لقبح التكليف بما لا يطاق
عندنا، بل يمكن دعوى استحالة أصل التكليف هنا باعتبار عدم تصور تحقق طلب الفعل
وطلب تركه في وقت واحد من مكلف واحد، وكون متعلق الأمر هنا الصلاة والنهي
الغصب وهما كليان متغايران يجتمعان ويفترقان لا يجدي في رفع اتحاد الحركة والسكون
الخارجيين اللذين هما محل تحقق الكليين معا ومتعلق خطاب الله، كما أنه لا ينافي ما ذكرناه
عدم كون التكليف بالكلي تكليفا بالفرد على ما هو التحقيق، بل ولا أن مقدمة الواجب
من التوصليات التي يمكن حصولها بالمحرم، إذ الظاهر أن نحو ما نحن فيه من أفراد أمثال
هذه الكليات لا إشكال في تعلق الأوامر بها تعلقا لا يحصل امتثاله بالمحرم، والتدقيقات
الحكمية التي هي عند التأمل خيالات وهمية بل شبيهة بالخرافات السوداوية لا يبنى عليها
شئ من الأحكام الشرعية، على أنه قد كتبنا ولله الحمد رسالة مستقلة في فسادها على
التفصيل، فما وقع من جماعة من متأخري المتأخرين ممن له أنس ببعض التدقيقات
الكلامية من القول بالصحة تبعا للمحكي عن الفضل بن شاذان المحتمل صدور ذلك منه
للالزام للعامة على مقتضى قياسهم وأصولهم في غاية الضعف بل الفساد، بل لو أغضي
عن ذلك كله أمكن دعوى فهم أهل العرف من أمثال هذين الخطابين: أي " صل "
و " لا تغصب " تحكيم خطاب النهي على الأمر، فيراد الصلاة حينئذ في غير المغصوب،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب الأنفال - الحديث 12 من كتاب الخمس
285

كالعام والخاص المطلقين، وتفصيل هذه الجملة ذكرناه في الأصول تحريرا وتقريرا،
والحمد لله رب العالمين.
ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين مغصوب العين والمنفعة ولو بدعوى الاستيجار
أو الوصية بها أو الوقف كذبا، بل من الغصب التصرف في الأعيان التي تعلق بها حق
مالي للغير كحق التحجير المانع من تصرف الغير بالمحجر وإن لم يدخل به في الملك،
أما حق السبق في المشتركات كالمسجد ونحوه ففي بطلان الصلاة بغصبه وعدمه وجهان
بل قولان، أقواهما الثاني وفاقا للعلامة الطباطبائي في منظومته، لأصالة عدم تعلق الحق
للسابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه، سواء كان هو الدافع أو غيره وإن أثم
بالدفع المزبور، لأولويته، إذ هي أعم من ذلك قطعا، وربما يؤيده عدم جواز نقله
بعقد من عقود المعاوضة، مضافا إلى ما دل على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسبق
المزبور، إذ عدم جواز المزاحمة أعم من ذلك، فتأمل.
وكذا لا فرق في الصلاة بين اليومية وغيرها، وما عن بعض العامة - من أنه
يصلى الجمعة والعيد والجنازة في الموضع المغصوب، لأن الإمام إذا صلى في موضع
مغصوب فامتنع الناس فاتتهم الصلاة، ولهذا أبيحت الجمعة خلف الخوارج والمبتدعة -
غلط فاحش، نحو ما يحكى عن المحقق منا. وإن كنا لم نتحققه من جواز النافلة في
المغصوب، لأن الكون ليس جزءا منها ولا شرطا فيها، مع أنه قال في كشف اللثام
يعني أنها تصح ماشيا موميا للركوع والسجود، فيجوز فعلها في ضمن الخروج المأمور به،
والحق أنها تصح إن فعلها كذلك لا إن قام وركع وسجد، فإن هذه الأفعال وإن لم
تتعين عليه فيها لكنها أحد أفراد الواجب فيها، وقطع في التذكرة ونهاية الإحكام
بتساوي الفرائض والنوافل في البطلان، وكأنه يريد إذا قام وركع وسجد لا إذا مشى
وأومأ، وهو خارج، قلت: لا ريب في البطلان حينئذ، واحتمال أنها لا تتشخص
286

بذلك - فلا يلزم من بطلان هذه الحركات والسكونات بطلانها، بل أقصاه الانتقال
إلى فردها المجرد عن هذه الأفعال - واضح الفساد، ضرورة أنه يرجع إلى أن النافلة
مجرد النية ونحوها من الأفعال القلبية، أو هي والقراءة مثلا، وهو خلاف المقطوع
به من النصوص والفتاوى بل الضرورة، مع أن القراءة في التحقيق أيضا من التصرف
في الفراغ، لأن حركات الفم تقومه الألفاظ التي هي عبارة عن الأصوات المقطعة
لا مقدمة، فيتجه اجتماع الأمر والنهي فيه، ولعله لذا جزم ببطلان القراءة المنذورة
في المكان المغصوب في المحكي عن نهاية الإحكام والدروس والموجز الحاوي والروض
والمقاصد العلية، خلافا لما عن مجمع البرهان من عدم البطلان، وأما صحتها ماشيا خارجا
موميا فقد يشهد لها ما تسمعه من صحة صلاة الغاصب عند الضيق ماشيا خارجا موميا،
إذ ليس مبناه إلا نفي الإثم في الكون الخروجي، فلا مانع من وقوع الصلاة حاله
فريضة كانت أو نافلة، إلا أن الفرق بينهما عدم جواز الكيفية المزبورة في الأولى
إلا في حال الاضطرار ولو للضيق، بخلاف الثانية، فيجوز فيها ذلك اختيارا، وهو
لا ريب فيه، بناء على عدم اختصاص ذلك بدليل يختص به من إجماع ونحوه،
وستعرف البحث فيه، لكن حمل كلام المصنف عليه كما ترى كاد يكون مقطوعا
بعدم إرادته.
وأولى منه تنزيله على ما سمعته منه في القبلة سابقا مما يظهر منه أنه لا يعتبر في النافلة
كون ولا استقبال ولا غيرهما، فحينئذ له فعلها قائما وجالسا ومضطجعا وماشيا وراكبا،
ومحصله أن ذلك كله من ضروريات الجسم، وإلا فلا يعتبر فيها شئ من الكون وإن كان
فرد من أفرادها كذلك، فحينئذ له فعل ما لا مدخلية للكون فيه من أفرادها كالصلاة
ماشيا وإن لم يكن خارجا من الدار الخروج المأمور به، أو واقفا لا بقصد إرادة الفرد
الوقوفي منها، أو غير ذلك، ولعله لا يعتبر الايماء للركوع والسجود فيها كي يلزم به
287

التصرف المنهي عنه، بل يكتفي بالقصد القلبي مع الاتيان بذكرهما، كما أنه لعله لا يرى
كون النطق في المغصوب من التصرف فيه كما سمعت وجهه، بل قواه شيخنا في كشفه،
فحينئذ يتم له القول بصحة النافلة في المغصوب بمعنى فعل غير ذات الكون منها، فتأمل
جيدا فإنه دقيق نافع، بل منه ومما تقدم يظهر أن البطلان الناشئ من القاعدة المزبورة
لا يخص الصلاة، بل هو ثابت في كل عبادة اتحد شئ من أجزائها مع الكون الغصبي،
بخلاف ما إذا لم يتحد فلا فساد فيه من هذه الجهة،
ولعل منه عند الفاضلين في المحكي عن المعتبر والمنتهى والسيد في المدارك والبهائي
في حبله الوضوء في المكان المغصوب، فحكموا بصحته فيه، وينبغي أن يكون مثله
الأغسال الواجبة والمندوبة، ضرورة اشتراك الجميع في ما ذكروه له من التعليل بأن
الكون ليس جزء منها ولا شرطا فيها، فلا يؤثر تعلق النهي به في فسادها، بل يمكن
أولويتها منه بالصحة باعتبار أن من أجزائه المسح دونها، وهو إمرار الماسح على الممسوح
الذي هو عين الحركة، فيكون الكون حينئذ جزء، نعم هما على حد سواء لو فرض
إيقاع المسح في خارج المغصوب، لكون الباقي حينئذ الغسل المشترك بين الجميع، فمع
فرض أن الكون ليس جزءا منه صح في الجميع، وبه حصل الفرق بين ذلك وبين
الصلاة التي قد عرفت جزئية الكون منها، لكن في الحدائق " لا فرق بينهما في ذلك،
لأن المكان كما يطلق على ما استقل عليه الانسان واعتمد عليه كذلك يطلق على الفراغ
الذي يشغله بدن الانسان كما عرفت في تعريفه، فكما أن القيام في الصلاة منهي عنه
باعتبار أنه استقلال في المكان كذلك حركات اليد في الوضوء في هذ الفراغ، وإذا
بطلت بطل الوضوء " وهو كما ترى واضح الفساد، ضرورة أن حركات اليد وإن
كانت محرمة إلا أنه لا يستلزم ذلك بطلان الوضوء، لأنها ليست أجزاء، بل هي
288

مقدمة لخصوص فرد من أفراد الغسل الذي هو عبارة عن انتقال الماء من جزء إلى آخر،
فالنهي حينئذ عن أمر خارجي لا مدخلية له في العبادة، بخلاف قيام الصلاة ونحوه من
حركاتها وسكناتها، ومثلها المناقشة من بعض مشائخنا أيضا بأن المقدمة إذا انحصرت
في الحرام فالتكليف بذيها إن كان باقيا لزم التكليف بالمحال، وإن لم يكن باقيا لزم أن لا
تكون المقدمة واجبة مطلقا، لأن وجوبها من جهة وجوب ذيها، إذ هي أيضا كما ترى
يدفعها فرض المسألة الوضوء مثلا بالمكان المغصوب مع القدرة على المباح، فلا انحصار
للمقدمة بالمحرم، وأوضح منهما فسادا ما عن الذكرى من المناقشة بأن هذه الأفعال من
ضرورتها المكان، فالأمر بها أمر بالكون مع أنه منهي عنه، إذ بعد تسليم التلازم
بين هذين الأمرين لا يقتضي توقف امتثال الأمر بالأفعال على امتثال الأمر بالكون،
فالعصيان فيه حينئذ لا يقتضي بطلانا في الأفعال بعد عدم ثبوت اشتراط صحتها بعدم
العصيان في الكون، إذ التلازم بين الأمرين لا يقتضي ذلك قطعا، كما هو واضح.
نعم قد يناقش بأن الغسل جريان الماء على المغسول، وانتقال الماء من جزء إلى
آخر، وكل منهما حركة توليدية من المكلف في المغصوب، فهي محرمة لا يصح تعلق
الأمر بها فيبطل، اللهم إلا أن يقال: إن الغسل عبارة عن نفس الأثر الحاصل من
تلك الحركة، فهي مقدمة له لا عينه، فلا يقدح حرمتها حينئذ في صحة العبادة التي هي
شئ آخر غيرها، أو يناقش بأن أهل العرف لا يتوقفون في صدق التصرف عرفا في
المكان المغصوب بنفس الوضوء والغسل والانتفاع، بل لو كان مسقط الماء مغصوبا كان
كافيا في الصدق المزبور فضلا عن نفس الوضوء فيه مثلا، والمدار في الحرمة على هذا
الصدق لا على تلك التدقيقات الحكمية، ولعله لذا جزم بالبطلان في المحكي عن نهاية
الإحكام والذكرى والدروس والموجز الحاوي وكشف الالتباس والروض والمقاصد
العلية ومجمع البرهان، بل تسرى شيخنا وحيد عصره الشيخ جعفر إلى البطلان في كل
289

ما يعد الوضوء فيه تصرفا فيه بحسب حاله حتى اللباس والنعل المغصوبين ونحوهما مما يصدق
معه التصرف فيه بالوضوء، لكنه كما ترى غريب، والفرق بين ما يكون التصرف فيه
حال الوضوء أو بنفس الوضوء في غاية الوضوح، ولعله صدر ذلك منه (رحمه الله)
لشدة تورعه عن اجتناب المحرمات. نعم لا يبعد القول بالبطلان في خصوص الوضوء
بالفراغ المغصوب، لما عرفت.
وقضاء الدين ليس من العبادات، فلا ينبغي التأمل في صحته في المغصوب كغيره
من أقسام المعاملات والايقاعات فعلية وقولية، إذ نحو هذه الحرمة فيها لا تستلزم
البطلان، بل وكذا الصوم من العبادات الذي لا تصرف في شئ منه فيه، والانتفاع
به حاله لا يقتضي البطلان قطعا، ولذا جزم بصحته وقضاء الدين في المحكي عن نهاية
الإحكام والدروس والموجز، فما عن الروض والمقاصد العلية من التردد في غير محله،
أما الزكاة والخمس والكفارة ونحوها ففي المحكي عن الروض والمقاصد الجزم بالبطلان
فيها، كالمحكي عن الكتب الثلاثة في خصوص الزكاة وإن كان يلزمه ذلك فيما بعدها،
ولعله لأن الدفع نفسه هو الايتاء المشروط بنية القربة، ويمكن أن يكون المراد منه
الوصول والدفع مقدمة، فحينئذ يتجه الصحة، والله أعلم بتحقيق ذلك كله، وربما يوفق
الله لتفصيل البحث في جميع ذلك في محل آخر.
وكيف كان فقد عرفت أن مدار البطلان الناشئ من قاعدة الاجتماع الاتحاد
المزبور، فمع عدمه يكون المتجه الصحة، فلو صلى تحت سقف مغصوب أو خيمة فقد
جزم في جامع المقاصد بأنه لا بطلان فيه من حيث إباحة المكان، لأنه لا يعد مكانا
بوجه من الوجوه وإن كان المصلي متصرفا بكل منهما ومنتفعا به، لأن التصرف في
كل شئ يحسب ما يليق به، والانتفاع فيه بحسب ما أعد له، قال: " لكن هل تبطل
بهذا القدر من التصرف؟ لا أعلم لأحد من الأصحاب المعتبرين تصريحا في ذلك بصحة
290

ولا فساد، والتوقف موضع السلامة إلى أن يتضح الحال ".
قلت: قد يقوى الصحة وفاقا للشهيدين في البيان والمحكي عن الروض والمحقق
الجزائري في شافيته والعلامة المجلسي في البحار، للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة
وبين كون الصلاة نفسها تصرفا منهيا عنه، والمتحقق في الفرض الأول، إذ الأكوان
من الحركات والسكنات في الفضاء المحلل، ويقارنها الانتفاع حالها بالمحرم، وهو أمر
خارج عن تلك الأكوان لا أنها أفراده، ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلي
في أفراده، كما هو واضح بأدنى تأمل، وقد مر في لباس المغصوب ما يزيد ذلك
إيضاحا، وربما اشتبه الحال على بعض الأعيان فحكم بالبطلان في ذلك وأشباهه حتى
تعدى إلى الحجر الواحد في حائط الدار، وقارب في ذلك ما يحكى عن أهل البحرين
من بطلان الصلاة مع غصب الجدار، بل أدرجوه في المكان بتقريب أنه ما أحاط بك،
والجدران محيطة وإن كان جدران سور البلد، قال: " يعتبر في المكان الإباحة بحيث
لا يتوجه إليه منع التصرف أو الانتفاع بوجه من الوجوه في أرض أو فضاء أو فراش
أو خيمة أو صهوة أو أطناب أو حبال أو أوتاد أو خف أو نعل أو مركب أو سرجه
أو وطائه أو رحله أو نعله أو باقي ما اتصل به أو بعض منها مع الدخول في الاستعمال
وإن قل أو سقف أو جدار أو بعض منهما ولو حجر واحد، وإباحة البيت مع إحاطة
جدار الدار المغصوب، لا يخرجه من حكم المغصوب، بخلاف سور البلد " وهو
كما ترى وإن خالف المحكي عن أهل البحرين باستثناء سور البلد لكنه أيضا لا يوافق
ما سمعته منا، وكان استثناؤه للسور لعدم صدق الاستعمال، أو لأن الغصب في مثل
السور ونحوه مما يعسر التجنب عنه، فهي كالأراضي المتسعة التي يشق على الناس التحرز
عنها، ولا يحتاج مثل هذا التصرف فيها إلى مراعاة إذن المالك الصوري، بل لا فرق
فيه بين الغاصب وغيره، أو لغير ذلك مما لا حاجة إليه بعد ما عرفت من اشتراك الجميع
291

في الصحة، لعدم اتحاد مورد النهي والأمر في شئ من ذلك، إذ من الواضح الفرق
بين الانتفاع بالشئ حال الصلاة وبين كون الصلاة نفسها استعمالا وتصرفا في الشئ،
نعم لا ريب في تحقق الفساد في الثاني كما عرفته مفصلا.
وما عن المرتضى (رحمه الله) وأبي الفتح الكراجكي من الصحة في وجه في
الصحاري المغصوبة استصحابا لما كانت الحال تشهد به من الإذن فيه ليس خلافا في
ذلك قطعا، على أنه باطلاقه واضح الفساد، ضرورة اختلاف الأمكنة والملاك
والأحوال والمصلين، والأوقات في منع الغصب من استصحاب الإذن الذي شهدت به
الحال، وإلا فمن الواضح الاكتفاء بمثله في التصرف في مال الغير في نحو المقام بعد تسليم
تصور جريان فيه، ولا فرق في ذلك بين القول باستناد الجواز لشهادة الحال بإذن المالك
الصوري والمالك الحقيقي دفعا للحرج، ضرورة كون الفرض في الجملة خارجا عن
موضوع الجواز على كل حال، فيبقى حينئذ على أصالة المنع كما هو واضح، وإذن الغاصب
بالتصرف كعدمها، ولذا قال في المحكي عن المبسوط: " فإن صلى في مكان مغصوب مع
الاختيار لم تجز الصلاة فيه، ولا فرق بين أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له
في الصلاة فيه، لأنه إذا كان الأصل مغصوبا لم تجز الصلاة فيه " لكن عن المصنف أنه
فهم منه إرادة إذن المالك لا الغاصب، وأيده في الذكرى بأنه لا يذهب الوهم إلى احتمال
جواز إذن الغاصب، فكيف ينفيه الشيخ معللا له بما لا يطابق الحكم، كما أنه قد
يناقش في إرادة المالك بما عن معتبر المصنف من أن الوجه حينئذ الجواز لمن أذن له
المالك ولو الغاصب لا المنع، اللهم إلا أن يكون وجهه ما ذكره الشهيد من أن المالك لما
لم يكن متمكنا من التصرف لم يفد إذنه الإباحة، كما لو باعه فإنه باطل لا يبيح المشتري
التصرف فيه، وفيه أن الفرق واضح بين البيع وغيره باعتبار اشتراط القدرة على التسليم
في صحة البيع وعدمه، نعم قد يقال بعدم تأثير إذن المالك في خصوص الصلاة مثلا
292

للغاصب الذي لم يرفع يده عن الغصب، ضرورة صدق اسم الغاصب عليه في حال الصلاة
التي أذن المالك فيها، مع أن التحقيق خلافه، إذ صدق اسم الغاصب عليه وكونه آثما
باستمرار المنع على المالك لا يقتضي حرمة في نفس حركات الصلاة وسكناتها التي فرض
الإذن فيها كي تبطل الصلاة بذلك، هذا. وفي الذكرى أنه يجوز أن يقرأ " أذن "
بصيغة المجهول ويراد به الإذن المطلق المستند إلى شاهد الحال، فإن طريان الغصب يمنع
من استصحابه كما صرح به ابن إدريس، ويكون فيه التنبيه على مخالفة المرتضى (رحمه الله)
وتعليل الشيخ مشعر بهذا، قلت: لا يخفى بعده، كما أنه لا يخفى قلة الجدوى في البحث
عن مراده بعد معرفة الحكم على سائر التقادير.
* (و) * على كل حال ف‍ * (إن كان ناسيا أو جاهلا بالغصب صحت صلاته) * بلا
خلاف أجده في الثاني، بل في المدارك والمحكي عن المنتهى الاجماع عليه، لعدم النهي
المقتضي للبطلان، ضرورة تعلقه في معلوم الغصب لا مجهوله، نعم لو العكس الأمر
بأن صلى فيه على أنه غصب فبان أنه له لم يبعد البطلان هنا، لعدم تصور نية القربة فيه،
فتأمل جيدا، أما الناسي ففي القواعد إشكال، ولعله لما مر في اللباس، إلا أنه لم يقو
البطلان هنا كما قواه ثم، وكأنه لأنه نزل الناسي فيه منزلة العاري ناسيا، وهذا لا ينزل
منزلة الناسي للكون، لكن فيه أنه يمكن أن ينزل منزلة الناسي للقيام والركوع والسجود
لأن هذه الأفعال إنما فعلت فيما لا يريد الشارع فعلها فيه، على أن علة التنزيل بأن هذه
الأفعال إنما فعلت فيما لا يريد الشارع فعلها فيه مشتركة وإن كان فيها مثل ما مر من
أن الشارع إنما أنكر فعلها في معلوم الغصبية كما تقدم الكلام فيه مفصلا، ولذا كان
الأقوى الصحة هناك فضلا عن المقام من غير فرق بين الغاصب وغيره، فلاحظ وتأمل.
* (و) * أما * (إن كان جاهلا ب‍) * الحكم الشرعي ولو الوضعي ك‍ * (تحريم المغصوب) *
وفساد الصلاة فيه وغصبية المأخوذ بالبيع الفاسد * (لم يعذر) * كغيره من الجاهل بالحكم
293

الشرعي، فلم يفد حينئذ هذا الجهل الصلاة صحة، لتحقق النهي فيه، نعم لو فرض
جهله بحال لا عقاب ولا إثم عليه فيه وكان متمكنا من نية القربة معه اتجه الصحة، لعدم
النهي كما أوضحناه هناك بما لا مزيد عليه، فما في كشف اللثام من الحكم بالبطلان مطلقا
معللا ذلك بأنها صلاة لم يردها الشارع وإن لم يأثم إذا كان غافلا كما ترى، وإن كان
قد يشهد له إطلاق الفتاوى بطلان عبادة الجاهل، إلا أنه يجب تنزيله على غير الفرض،
لأن مدار البطلان وعدمه في المقام على تحقق النهي وعدمه كما سمعته غير مرة، والله أعلم.
* (وإذا ضاق الوقت و) * كان * (هو) * أي الغاصب * (آخذا في الخروج) *
متشاغلا به صلى على هذا الحال و * (صحت صلاته) * وإن كان قد أثم بابتداء الكون
واستدامته إلى الخروج، أما هو فلا ريب في طاعته وعدم النهي له عنه، وإلا كان
تكليفا بما لا يطاق، وربما ظهر من المحكي عن المنتهى الاجماع عليه كما ستسمع، فالجمع
حينئذ بين هذين الواجبين الفوريين ليس إلا بذلك، لكن عن أبي هاشم أن الخروج
أيضا تصرف في المغصوب فيكون معصية، فلا تصح الصلاة حينئذ وهو خارج، سواء
تضيق الوقت أم لا، وعن المنتهى " إن هذا القول عندنا باطل " بل في التحرير " أطبق
العقلاء كافة على تختطئة أبي هاشم في هذا المقام " قلت: لا ريب في صحة كلامه إذا
كان الخروج لا عن ندم على الغصب ولا إعراض، ضرورة كونه على هذا الفرض
كالدخول تصرفا فيه، أما إذا كان مع التوبة والندم وإرادة التخلص من الغصب فقد
يقال أيضا: إن محل التوبة بعد التخلص، والتخلص بلا إثم هنا غير ممكن بعد قاعدة
الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فلا قبح حينئذ في تكليفه بالخروج مع تحريمه عليه
كما حقق في الأصول، فيتجه حينئذ قول أبي هاشم بحرمة الصلاة.
نعم قد يقال: إن الكون حال تشاغله بالخروج ليس صلاتيا كي يقتضي حرمته
فسادها، بل الصلاة ليس إلا النية والأقوال بناء على أنها ليست من التصرف،
294

وحينئذ فلا بأس بتكليفه بالصلاة في هذا الحال، لعدم سقوط الصلاة بحال،
والميسور بالمعسور.
لكن قد يشكل الاجتزاء بمثل هذه الصلاة بأنه مع فرض تكليفه بصلاة المختار
لقاعدة الاختيار لا يصلح حينئذ الخطاب بالبدل معه، وإلا كان جمعا بين العوض
والمعوض عنه، ولعله من هنا نسب يحيي بن سعيد على ما قيل صحة نحو هذه الصلاة
كما ستسمع إلى القيل مشعرا بنوع توقف فيها، اللهم إلا أن يقال: إنه لا خطاب
بالمبدل بحيث يراد منه الأداء حقيقة، بل أقصاه إجراء حكم ذي الخطاب عليه من
العقاب ونحوه. ومثله لا ينافي الخطاب بالبدل حقيقة، ولا يناقش بعدم ثبوت بدلية
هذا الفرد، ضرورة أنه يكفي فيه قاعدة الميسور وما لا يدرك مع عدم سقوط الصلاة بحال.
وكذا قد يشكل بأن مقتضى ذلك أنه لو صلى هذه الصلاة من غير اشتغال
بالخروج تصح صلاته وإن أثم يترك التشاغل، وحينئذ فقول المصنف: * (ولو صلى ولم
يتشاغل بالخروج لم تصح) * صلاته في غير محله، إلا أن يريد الصلاة المشتملة على الركوع
والسجود مثلا، وإلا فقد عرفت أن مقتضى ما ذكرنا صحة تلك الهيئة من الصلاة
وإن لم يتشاغل، بل مقتضاه صحة الصلاة جالسا مثلا لو فرض مساواته القيام في المبادرة
للخروج من المغصوب، ضرورة عدم مدخلية القيام وغيره من الأكوان في الصلاة على
الفرض المزبور، ويندفع بأنه لا مانع من التزام ذلك كله إن لم ينعقد إجماع على خلافه.
* (ولو حصل في ملك غيره بإذنه ثم أمره بالخروج) * قبل التلبس بما يحرم بعده
قطع الصلاة * (وجب عليه) * ذلك فورا مع التمكن ما لم يعلم الإذن في التراخي فيه * (فإن
صلى والحال هذه) * والوقت متسع * (كانت صلاته باطلة) * قطعا، سواء صلاها مشتغلا
بالخروج أو مستقرا كما هو واضح * (و) * مثله وضوحا ما ذكره المصنف وغيره من أنه
* (يصلي وهو خارج إن كان الوقت ضيقا) * ترجيحا لحق الآدمي على حق الله تعالى
295

مع عدم سقوط الصلاة بحال والميسور بالمعسور ونحو ذلك، فيومي للركوع والسجود
حينئذ، ويراعي باقي الشرائط من الاستقبال ونحوه بمقدار المكنة من الاتيان مع مراعاة
الخروج على حسب المعتاد، فما عن المنتهى من أنه لا اعتبار بالقبلة منزل على ذلك،
كما أن ما عن نهاية الإحكام من أنه إن تمكن من القهقرى وجب كذلك أيضا، لكن
عن ابن سعيد أنه نسب صحة هذه الصلاة إلى القيل مشعرا بنوع توقف فيها، ومثله
العلامة الطباطبائي في منظومته، ولعله لعدم ما يدل على صحتها، بل قد يدعى وجود
الدليل على العدم باعتبار معلومية اعتبار الاستقرار والركوع والسجود ونحو ذلك ولم
يعلم سقوطها هنا، والأمر بالخروج بعد الإذن في الكون وضيق الوقت وتحقق الخطاب
بالصلاة غير مجد، فهو كما لو أذن له في الصلاة وقد شرع فيها وكان الوقت ضيقا مما
ستعرف عدم الاشكال في إتمام صلاته، فالمتجه حينئذ عدم الالتفات إلى أمره بعد
فرض كونه عند ضيق الوقت الذي هو محل الأمر بصلاة المختار المرجح على أمر المالك
يسبق التعلق، فلا جهة للجمع بينهما بما سمعت، بل يصلي صلاة المختار مقتصرا فيها
على الواجب مبادرا في أدائها على حسب التمكن، لكن لم أجد قائلا بذلك، بل ولا
أحدا احتمله ممن تعرض للمسألة كالشيخ والفاضلين والشهيدين وغيرهم، ولعله لأن
الإذن في الكون ليس إذنا في الصلاة كي يكون الأمر بالخروج رجوعا عما أذن،
فلا يسمع بعد فرض تعلق الأمر بالصلاة عند ضيق الوقت، ومشروعية الصلاة كما هو
المفروض لعلها من جهة الإذن في الكون مع عدم المنع عن أفراد خاصة منه، وبالجملة
الأمر بالخروج ليس رجوعا عن الإذن في الصلاة قطعا حتى يتجه ما سمعت، فتأمل جيدا.
وإن كان أمره بالخروج بعد التلبس بالصلاة مع اتساع الوقت ففي الاتمام
والقطع والخروج مصليا وجوه أو أقوال، أضعفها الأخير، بل لم أعرفه لغير الفاضل
296

في الإرشاد، كما أني لم أعرف له وجها سوى تخيل أنه جمع بين امتثال النهي عن الابطال
والتصرف في مال الغير، وهو كما ترى فيه تغيير هيئة الصلاة من غير ضرورة،
للاتساع، فهو في الحقيقة إسقاط لحق الله لا جمع بينه وبين حق الآدمي، وحرمة
القطع إن فرض تحققها هنا فليس حينئذ إلا الوجه الأول الذي قواه الشهيد في الذكرى
والبيان، والأستاذ الأكبر، وهو الاتمام مستقرا بالاستصحاب، وإن الصلاة على ما
افتتحت، والمانع الشرعي كالعقلي، مع أن المالك إن علم بتلبسه بها فهو آمر بالمنكر،
فلا ينفذ أمره، لأن الفرض دخوله بوجه شرعي، ولأن المالك بإذنه في الكون واللبث
مثلا قادم على احتمال اشتغاله بما لا يمكنه قطعه لاحتمال القتل أو الضرر العظيم أو نحو
ذلك. وإن لم تكن متحققة بل قلنا بانقطاع الصلاة كالحدث ونحوه مما لم يتمكن معه من
الاتمام فليس حينئذ إلا الوجه الثاني الذي اختاره جماعة، ترجيحا لحق الآدمي الذي
لا يجامع أداؤه صلاة الاختيار التي لم يثبت التكليف بغيرها في هذا الحال، بل التكليف
بها، وهو مقتضى الأدلة، فلا محيص حينئذ عن إبطال المشغول بها وتخليص مال الغير،
ثم استيناف صلاة جديدة، لفرض الاتساع، والإذن في اللبث ليس إذنا في الصلاة،
ولا بد من خلو العبادة من المفاسد، والتصرف في ملك الغير بغير إذنه مفسدة، اللهم
إلا أن يقال بترجيح نهي الابطال باعتبار سبق تعلقه، لفرض الدخول الشرعي من
المصلي، فهو في الحقيقة كالعارية اللازمة بالعارض، بل ما نحن فيه من ذلك، ضرورة
رجوع الإذن في الكون أو اللبث مثلا إلى الإذن في الصلاة ولو باعتبار كونها من
أفراد المطلق المأذون فيه، والفرض أن النهي عن اللبث رجوع عن الإذن الأولي لا
كشف لإرادة غير هذا الفرد من المطلق، ومثله الإذن في التصرف بمال مثلا فرهنه
أو دفن فيه ميتا أو غير ذلك مما هو لازم شرعا.
وربما ينقدح من ذلك التفصيل بين الكشف والبداء، فيقطع في الأول لعدم
297

الإذن فيه، وتخيلها يسوغ الأقدام لا أنه يذهب حرمة مال الغير، بخلاف الثاني الذي
لا فرق عند التأمل بينه وبين الإذن بخصوص الصلاة، إذ الفرض تعلق الإذن بالمطلق
الشامل، والنهي رجوع لا كشف، وأولى منه بذلك العموم في المأذون فيه، فرجوعه
حينئذ بعد التلبس في الصلاة التي نهاه الشارع عن قطعها في غير محله، ولا يؤثر أثرا
فضلا عن أن يعارض نهي المالك الأصلي، ودعوى تقييد النهي عن الابطال بما إذا
لم يرجع المالك تحكم محض، بل لعل اللزوم في المقام من تسلط الناس على أموالها،
ضرورة اقتضائه ترتب أحكام كل ما أذنوا فيه من بيع أو رهن أو إجارة أو دفن ميت
أو غير ذلك مما رتب الشارع عليه حكما، فلا تعارض حينئذ بين نهي الابطال وقاعدة
التسلط، ولو سلم فتقييد قاعدة تسلط الناس على أموالها بغير المقام ونحوه أولى من
وجوه، خصوصا بعد أن أوضحنا رجوعه للإذن في الصلاة التي لا ريب في وجوب
الاتمام عليه معها كما صرح به جماعة، بل لم أجد أحد أفتى بغيره ضاق الوقت أم اتسع،
لما عرفت من أن الإذن في اللازم شرعا يفضي إلى الملزوم كالإذن في الرهن وفي دفن الميت.
نعم احتمل الوجهان الآخران في الذكرى من الأصل وإمكان الجمع بين الحقين،
بل في المحكي عن مجمع البرهان لا يبعد أن لا يلزم المالك شئ على تقدير الإذن الصريح،
لأن له أن يرجع، للاستصحاب، والناس مسلطون على أموالهم (1) واللزوم في بعض
الأفراد لدليل مثل اللزوم بإذنه في الرهن والدفن، فلا يجوز له الاخراج، بخلاف
الإذن في الصلاة، فإنه لا يضره المنع، ولا يلزم محذور أصلا، إذ لا يفعله هو حراما،
ولا يأمر بالحرام، لأن القطع مع عدم إذنه واجب لا حرام، وفيه ما لا يخفى بعد
الإحاطة بما ذكرنا.
نعم المراد تعين الاتمام عليه مع هذا الفرض، أما لو فرض حصول الضرر العظيم

(1) البحار - ج 2 ص 272 المطبوعة بطهران عام 1376
298

على المالك مثلا بالاتمام فذاك أمر آخر خارج عما نحن فيه، ولعلنا نقول بالابطال معه
في الاتساع، والتشاغل به خارجا في الضيق، ترجيحا لقاعدة التسلط بسبب اعتضادها
بقاعدة نفي الضرر وتقديم حق الآدمي ونحو ذلك، وإليه أومأ المحقق الثاني في المحكي
عن حاشية الإرشاد حيث قيد الاتمام هنا بما إذا لم يحصل ضرر على المالك، قال:
" وإلا قطع قطعا ".
وعلى كل حال فمما ذكرنا ظهر لك الحال في أكثر صور المسألة وإن لم نصرح بها
جميعها، بل منه يظهر لك التأمل في جملة من عبارات الأصحاب حتى ما في المسالك على
جودته، قال في صور المسألة: " إن من دخل أرض غيره فلا يخلو أما أن يكون بصريح
الإذن في الصلاة أو في الكون، أو بالفحوى، أو بشاهد الحال، أو بغير إذن كمن
دخل المغصوب جاهلا بالغصب ثم علم، وعلى التقادير الخمسة فلا يخلو إما أن يكون
الرجوع في الإذن أو النهي أو العلم بالغصب قبل الشروع في الصلاة، أو بعده مع سعة
الوقت أو ضيقه، ومضروب الأربعة في الخمسة عشرون، والأجود في حكمها أنه مع
الإذن في الصلاة ثم الرجوع بعد التلبس لا التفات إليه بل يستمر على الصلاة حتى يفرغ،
سواء كان الوقت واسعا أو ضيقا، وإن كان بغير الصريح في الصلاة أو كان الرجوع
قبل التلبس وجب الخروج على الفور مطلقا، ثم إن كان الوقت واسعا أخر الصلاة إلى
أن يخرج أو قطعها، وإن كان ضيقا تشاغل بالخروج والصلاة جامعا بين الحقين موميا
للركوع والسجود بحيث لا يتثاقل في الخروج عن المعهود مستقبلا ما أمكن قاصدا
أقرب الطرق تخلصا من حق الآدمي المضيق بحسب الامكان " انتهى. غير خفي عليك
محال التأمل فيه بعد الإحاطة فيما ذكرنا.
ثم لا يخفى عليك أنه لا إشكال عندهم في الصحة مع فرض عدم الرجوع من غير
فرق بين الإذن بالصلاة أو الكون صريحا أو فحوى، ومنه يعلم حينئذ أنه لو كان
299

مكرها على الكون في المكان لحبس بباطل من المالك أو غيره لا على هيئة مخصوصة أو
خوف على النفس أو غير ذلك من وجوه الاكراه تصح منه صلاة المختار، ضرورة عدم
الفرق بينه وبين المأذون في الكون بعد اشتراكهما في إباحته وحليته، نعم لو استلزمت
الصلاة تصرفا زائدا على أصل الكون لم يجز، لعدم الإذن فيه، لا ما إذا لم تستلزم،
فإنها حينئذ أحد أفراد الكون الذي فرض الإذن فيه، على أن القيام والجلوس والكون
والحركة وغيرها من الأحوال متساوية في شغل الحيز، وجميعها أكوان، ولا ترجيح
لبعضها على بعض. فهي في حد سواء في الجواز، وليس مكان الجسم حال القيام أكثر
منه حال الجلوس، نعم يختلفان في الطول والعرض، إذ الجسم لا يحويه الأقل منه ولا
يحتاج إلى أكثر مما يظرفه كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومن الغريب ما صدر من بعض متفقهة العصر، بل سمعته من بعض مشائخنا
المعاصرين من أنه يجب على المحبوس الصلاة على الكيفية التي كان عليها أول الدخول إلى
المكان المحبوس فيه، إن قائما فقائم، وإن جالسا فجالس، بل لا يجوز له الانتقال إلى
حالة أخرى في غير الصلاة أيضا، لما فيه من الحركة التي هي تصرف في مال الغير بغير
إذنه، ولم يتفطن أن البقاء على الكون الأول تصرف أيضا لا دليل على ترجيحه على
ذلك التصرف، كما أنه لم يتفطن أنه عامل هذا المظلوم المحبوس قهرا بأشد ما عامله الظالم
بل حبسه حبسا ما حبسه أحد لأحد، اللهم إلا أن يكون في يوم القيامة مثله، خصوصا
وقد صرح بعض هؤلاء أنه ليس له حركة أجفان عيونه زائدا على ما يحتاج إليه " ولا
حركة يده أو بعض أعضائه كذلك، بل ينبغي أن تخص الحاجة في التي تتوقف عليها
حياته ونحوها مما ترجح على حرمة التصرف في مال الغير، وكل ذلك ناش عن عدم
التأمل في أول الأمر والأنفة عن الرجوع بعد ذلك، أعاذ الله الفقه من أمثال هذه
الخرافات، وأغرب شئ دعواهم أن الفقهاء على ذلك، ولم يتأمل أنهم لو أرادوا ذلك
300

وجب المبالغة في تحريره وإظهاره وبيان مقدار الجائز من حركاته وسكناته وغير الجائز،
بل كان من الأمور العجيبة في الفقه المحتاجة إلى كمال الاطناب في موضوع الحكم ودليله،
ولا كان ينبغي ذكرهم المحبوس مع جاهل الغصب ونحوه المشعر باتحاد كيفية الصلاة فيهما،
قال العلامة الطباطبائي في منظومته:
واستثن مغصوبا من المكان * لعالم بالغصب ذي إمكان
فما على الجاهل والمضطر * شئ سوى ضمانه لأجر
وفي الروضة بعد أن ذكر المنع في المغصوب قال: " كل ذلك مع الاختيار، أما
مع الاضطرار كالمحبوس فيه فلا منع " وفي الإرشاد " ولو كان محبوسا أو جاهلا لا
ناسيا جاز " وفي حاشيته للكركي " المراد بالجاهل جاهل الغصب - إلى أن قال -: وإنما
تصح صلاة المحبوس إذا كان الحبس بباطل أو بحق هو عاجز عن أدائه، وإلا لم يكن
عذرا " وفي حاشية ولده " وهل يرعى المحبوس ضيق الوقت رجاء لزوال العذر؟ يحتمل
ذلك، ومن فقهائنا من أطلق الجواز لقبح التحريم " وفي البيان " ولو جهل الغصب
أو كان محبوسا فيه أو ضاق الوقت فيصلي وهو آخذ في الخروج، أو أذن المالك ولو كان
المأذون له الغاصب أو أذن مطلقا وصلى غير الغاصب، أو نسي على أقوى الوجهين،
أو أذن في الصلاة ثم رجع بعد التلبس وإن اتسع الوقت، أو قبل التلبس مع ضيق الوقت
إذا صلى ماشيا موميا للركوع والسجود ويستقبل ما أمكن ولا يفعل حراما بخروجه،
أو أذن في الكون في المغصوب فصلى، أو كان السقف أو الجدار مغصوبا صحت
الصلاة " وهو - مع التأمل فيه، وذكره المخالفة في الكيفية حيث تكون في بعض وتركه
في آخر - كالصريح فيما قلنا، وفي الذكرى " ولو صلى في المغصوب اضطرارا صحت
صلاته كالمحبوس، ومن يخاف على نفسه التلف بخروجه منه صحت صلاته لعموم (1)

(1) الوسائل - الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس - من كتاب الجهاد
301

وما استكرهوا عليه " وفي المفاتيح " تبطل في المغصوب عالما اختيارا، أما مع الجهل
والاضطرار فلا " وفي القواعد " ولو صلى في المغصوب عالما في الغصب اختيارا بطلت
صلاته وإن جهل الحكم " وفي جامع المقاصد " صرح بقيد الاختيار ليخرج حال
الاضطرار، كالمحبوس في مكان مغصوب، والمتوسط أرضا مغصوبة عالما وجاهلا إذا
أراد الخروج منها تخلصا من الغصب، ومن يخاف على نفسه التلف بخروجه، والضابط
زوال المنع من التصرف للضرورة، فإن الصلاة في هذه المواضع كلها صحيحة لقبح
التحريم حينئذ، إذ هو تكليف بما لا يطاق، إلا أن المحبوس ونحوه يصلي بحسب تمكنه،
والخارج من المغصوب مع ضيق الوقت يراعي الجمع بين الحقين، فيخرج مصليا " وهي
كالصريحة فيما قلناه، خصوصا بعد فرقه بين المحبوس وغيره بعدم مراعاة الأول الجمع
بين الحقين الذي هو مبنى كلام المعاصر بخلاف الثاني، إلى غير ذلك من العبارات،
ولولا وقوع الشبهة ممن لا ينبغي وقوعها منه ما أطنبنا في مثل هذه المسألة الواضحة، بل
اللازم على كلام المعاصر عدم صحة الوضوء والغسل مثلا من المحبوس، لاستلزامهما
الحركات التي هي غير جائزة، فتسقط الصلاة حينئذ ولم يسقطها الشارع بحال، بل لا
ينبغي له الاستنجاء من نجاساته ولا نحو ذلك مما هو لا يعارض حرمة التصرف في مال
الغير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله أعلم.
* (ولا يجوز أن يصلي) * الرجل * (وإلى جانبه امرأة) * محاذية له ولم يحصل ما تسمعه
من الحائل ونحوه * (تصلي) * عند الشيخين والحلبيين وابني حمزة والبراج والفاضل في
تلخيصه، والحلي مع التقييد بالعمد على ما حكي عن البعض * (أو أمامه) * كما نص عليه
الشيخ وابن حمزة وابن زهرة والحلبي في الإشارة، بل لعله مراد الجميع وإن لم يتعرضوا
له، لمعلومية أولويته، نعم ربما قيل بالعكس كما عن كشف الرموز، وعن المقنع " أنها
لا تبطل إلا أن تكون بين يديك، ولا بأس لو كانت خلفك وعن يمينك وعن شمالك "
302

وإن كان في كشف اللثام بعد حكاية ذلك عنه قال: " والذي فيما عندنا من نسخه
لا تصل وبين يديك امرأة تصلي إلا أن يكون بينكما بعد عشرة أذرع، ولا بأس بأن
تصلي المرأة خلفك " قلت: وعليه يمكن دعوى الاجماع على عدم الفصل فضلا عن
معلومية أولوية ما بين اليدين منهما، كمعلومية إرادة البطلان من المنع هنا، وإن كان
الذي نص عليه جماعة منهم الشيخان وابن حمزة الثاني، إلا أنه مراد الجميع على الظاهر،
كما أن مرادهم اشتراط ذلك بالنسبة للرجل والمرأة لا الأول خاصه وإن أوهمه جملة من
العبارات حتى عبارة المتن والقواعد، بل لم يحك في كشف اللثام إلا عن الشيخين
وابن حمزة النص على بطلان صلاتهما، لكن التدبر في الأدلة وفي باقي العبارات يقضي
بإرادة الجميع ذلك، وبه صرح في جامع المقاصد وغيره، ولعله لذا قال الشهيد في المحكي
عن غاية المراد: إنه إذا بطلت صلاته بطلت صلاتها، ولا قائل بالفرق وإن كان ستعرف
ما فيه عند البحث في اختصاص البطلان بحال الاقتران وإلا فيختص اللاحق وعدمه
* (سواء صلت بصلاته أو كانت منفردة) * خلافا لأبي حنيفة في الثانية * (وسواء كانت
محرما أو أجنبيه) * لاطلاق أكثر النصوص (1) والفتاوى والاجماع في المحكي عن التحرير
وظاهر التذكرة وخصوص بعض النصوص الآتية (2).
وكيف كان فقد نسب عدم الجواز إلى أكثر القدماء بل العلماء بل المشهور،
بل في الخلاف والغنية الاجماع عليه، وهو الحجة بعد اعتضاده بما عرفت، مضافا إلى
صحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما (عليهما السلام)، وخبر أبي بصير (4) عن الصادق
(عليه السلام)، واللفظ للأول " عن المرأة تزامل الرجل في المحمل يصليان جميعا فقال: لا، ولكن يصلي الرجل فإذا فرغ صلت المرأة " وخبر إدريس بن عبد الله

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 4
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 4
303

القمي (1) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وبحياله امرأة قائمه
على فراشها أجنبية فقال: إن كانت قاعدة فلا يضرك. وإن كانت تصلي فلا " وموثق
عمار (2) عن الصادق (عليه السلام) أنه سأل " عن الرجل يستقيم له أن يصلي وبين
يديه امرأة تصلي قال: لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإن
كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، فإن كان تصلي خلفه فلا
بأس وإن كانت تصيب ثوبه، وإن كانت المرأة قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة
فلا بأس حيث كانت " وصحيح علي بن جعفر (3) سأل أخاه موسى (عليهما السلام)
" عن إمام كان في الظهر فقامت امرأته بحياله تصلي وهي تحسب أنها العصر هل يفسد
ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال:
لا يفسد ذلك على القوم، وتعيد المرأة " وصحيحي الحلبي (4) وابن مسلم (5) واللفظ
للأول سأل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يصلي في زاوية الحجرة وامرأته أو
ابنته تصلي بحذاه في الزاوية الأخرى قال: لا ينبغي ذلك إلا أن يكون بينهما ستر،
فإن كان بينهما ستر أجزأه " والنبوي (6) " أخروهن حيث أخرهن الله " وصحيح
ابن أبي يعفور (7) " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أصلي والمرأة إلى جنبي

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 مع الاختلاف في
نقله بين الكافي والتهذيب والوافي والوسائل
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 5
(6) المستدرك - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 5
304

وهي تصلي فقال: لا إلا أن تتقدم هي أو أنت، ولا بأس تصلي وهي بحذاك جالسة
أو قائمة " المراد منه بحسب الظاهر التقدم من أحدهما في فعل الصلاة ثم يفعل الآخر
بعد فراغ الأول من صلاته، بل بذلك كله يظهر إرادة المنع من البأس في مفهوم خبر
عبد الرحمان (1) وموثق عمار السابق (2) وخبر البصري (3) وصحيح ابن مسلم (4)
في الحاجز وغيرها، فتتكثر الأدلة حينئذ على المطلوب، بل تزداد كثرة أيضا بتفسير
جملة من نصوص (5) الشبر والذراع ونحوهما بإرادة تقدير تقدم الرجل عليها بذلك
كما ستعرف.
* (وقيل) * والقائل السيد فيما حكي عنه وأكثر المتأخرين ومتأخريهم بل عامتهم
عدا النادر كالفاضل في المحكي عن تلخيصه، والمحدث البحراني في حدائقه * (ذلك مكروه
وهو الأشبه " بأصول المذهب وإطلاق الأدلة، مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام)
في صحيح جميل (6): " لا بأس أن تصلي المرأة بحذاء الرجل وهو يصلي، فإن النبي
(صلى الله عليه وآله) كان يصلي وعائشة مضطجعة بين يديه وهي حائض، وكان إذا
أراد يسجد غمز رجليها فرفعت رجليها حتى يسجد " وفي خبر ابن فضال عمن أخبره
عن جميل (7) عن الصادق (عليه السلام) " في الرجل يصلي والمرأة تصلي بحذاه فقال:
لا بأس " وإرساله - بعد انجباره بالعمل ممن عرفت، خصوصا وفيهم من لا يعمل إلا

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(3) لم نعثر على خبر البصري غير خبر عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري الذي
ذكره آنفا
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 و 3 و 4 و 7
(6) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 4
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
305

بالقطعيات كالسيد وابن إدريس - غير قادح، على أن المظنون اتحاد هذه الخبر مع
الصحيح السابق وإن اختلف في التأدية للنقل بالمعنى فيه، فلا بأس حينئذ بالارسال فيه
بعد روايته بطريق صحيح في الفقيه، ولا يقدح في دلالته التعليل المحتمل إرادة
الاستدلال به بطريق الأولوية: أي إذا جازت الصلاة مع اضطجاعها بين يديه وهي
حائض فبالأولى الجواز حال صلاتها محاذية له، أو بطريق عدم التفصيل بين المسلمين،
أو بغير ذلك، فاحتمال تصحيف، " تصلي " فيه بتضطجع لا داعي إليه ولا شاهد عليه،
وفتح مثله في النصوص يرفع الوثوق في كثير منها.
وصحيح الفضيل (1) المروي عن العلل عن أبي جعفر (عليه السلام) " إنما
سميت مكة بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك
وعن يسارك ومعك، ولا بأس بذلك وإنما يكره في سائر البلدان " وهو نص في المطلوب
بناء على ثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ الكراهة أو المتشرعية في زمن الباقر (عليه السلام)
وإلا فلا ريب في ظهوره في ذلك، خصوصا بعد غلبة التعبير عند إرادة الحرمة بغيره،
على أنه يمكن الاستدلال بالنص فيه على رفع المنع عن ذلك في مكة متمما بعدم القول
بالفصل، بل هو مؤيد حينئذ لإرادة المصطلح من لفظ الكراهة، وإلى خبر عيسى بن
عبد الله القمي سأل الصادق (عليه السلام) " عن امرأة صلت مع الرجال وخلفها صفوف
وقدامها صفوف قال: مضت صلاتها ولم تفسد على أحد ولا تعيد ".
وإلى شدة اختلاف النصوص في تقدير البعد والتقدم المقتضيين لرفع المنع، ففي
موثق عمار (2) وغيره ما عرفت، وفي خبر أبي بصير (3) " سألت الصادق (عليه
السلام) عن الرجل والمرأة يصليان جميعا في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه قال:

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 4
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 4
306

لا حتى يكون بينهما شبر أو ذراع أو نحوه " ونحوه خبره الآخر (1) لكن مع حذف
" أو نحوه " وزيادة " ثم قال: كان طول رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذراعا
وكان يضع بين يديه إذا صلى شيئا يستره ممن يمر بين يديه " وصحيح معاوية بن
وهب (2) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الرجل والمرأة يصليان في بيت واحد
قال: إذا كان بينهما قدر شبر صلت بحذاه وحدها وهو وحده لا بأس " وفي صحيح
زرارة (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) " إذا كان بينها وبينه ما لا يتخطى أو قدر
عظم الذراع فصاعدا فلا بأس إن صلت بحذائه وحدها " وفي حسن حريز أو صحيحه (4)
عن الصادق (عليه السلام) " في المرأة تصلي إلى جنب الرجل قريبا منه فقال: إذا
كان بينهما موضع رحل فلا بأس " وفي خبر هشام بن سالم (5) عن أبي عبد الله (عليه
السلام) في حديث " الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه سجودهما مع ركبتيه "
وفي صحيح زرارة (6) عن أبي جعفر (عليه السلام) " سألته عن المرأة تصلي عند الرجل
فقال: لا تصلي المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها ولو بصدره " وفي المرسل عن
جميل (7) عن الصادق (عليه السلام) " في الرجل يصلي والمرأة بحذاه أو إلى جنبه فقال:
إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس " ونحوه مرسل ابن بكير (8) وفي المروي عن
مستطرفات السرائر نقلا من كتاب حريز عن زرارة (9) عن أبي جعفر (عليه السلام)
إلى أن قال: " قلت له: المرأة تصلي حيال زوجها قال: تصلي بإزاء الرجل إذا كان
بينها وبينه قدر ما لا يتخطى أو قدر عظم الذراع فصاعدا ".

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 7 - 11 - 9 - 13
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 7 - 11 - 9 - 13
(3) الفقيه ج 1 ص 159 - الرقم 748 من طبعة النجف مع اختلاف يسير
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 7 - 11 - 9 - 13
(5) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 7 - 11 - 9 - 13
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 5
(7) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 5
(8) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 5
(9) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 7 - 11 - 9 - 13
307

إلى غير ذلك من النصوص التي قد يقرر دلالتها على المطلوب بأن هذا الاختلاف
فيها لا يصلح له إلا الكراهة المختلفة باختلاف هذه المراتب شدة وضعفا كما لا يخفى على
الخبير الممارس لما وقع منهم (عليهم السلام) في بيان المندوبات والمكروهات من منزوحات
البئر وغيرها، أو بأن هذه النصوص قد اشتركت في الدلالة على عدم اعتبار الحائل
والعشر، فإذا انتفى ذلك ثبت الجواز مطلقا، إذ لا قائل بالفصل سوى ما يحكى عن
الجعفي من المنع فيما دون عظم الذراع والجواز معه، وهو شاذ لم ينقله إلا قليل، بل
ظاهر جمع الاجماع على خلافه حيث ادعوا عدم القول بالفرق بين القولين المشهورين
مؤذنين بدعوى الاجماع على فساد القول الثالث، فلا بد حينئذ من حمل النهي في
بعضها والبأس في مفهوم الآخر على الكراهة، ومعارضة ذلك بأنها قد اشتركت في
الدلالة على المنع في الجملة، فيثبت خصوص العشر والحائل مثلا لعدم القول بالفصل إلى
آخر ما عرفت يدفعها أن ذلك مقتض لطرحها، ضرورة عدم الوجه لما فيها من التصريح
بالجواز مع حصول الشبر ونحوه بما ذكر فيها، بخلافه على التقدير الأول الذي قد
عرفت حمل النهي والبأس على الكراهة باختلاف مراتبها بناء عليه، ولا ريب أن ذلك
أولى من الطرح.
بل منه ينقدح مرجح آخر لأدلة الجواز زائد على الأصل والاطلاقات والشهرة
المتأخرة وغير ذلك مما عرفته، وهو أنه بناء على العمل بها يتجه حمل نصوص المنع على
الكراهة التي هي مجاز شائع حتى ادعي مساواته للحقيقة، بخلاف العكس المقتضي لطرح
أدلة الجواز التي هي أكثر عددا وأوضح سندا بل ودلالة، إذ الأولان وإن اشتملا
على لفظ النهي في جواب السؤال الذي يمكن دعوى ظهوره في إرادة مطلق الجواز،
إلا أن الاستدارك بعده بذكر تقديم الرجل الذي هو مستحب على الأصح كما ستعرف
قد يشعر بعدم إرادة الحرمة منه، وإلا كان المناسب استدراك الجائز: أي تقدم
308

أحدهما الذي هو ضد الممنوع لا المستحب الذي هو ضد المكروه.
والثالث أقصاه بملاحظة أن نفي النفي إثبات ثبوت الضرر في المفهوم، وهو أعم
من الكراهة والفساد، ضرورة تحققه بنقصان ما أعده الله من الثواب لطبيعة الصلاة
كتحققه بانعدامه أصلا على تقدير الفساد، بل ربما ادعي عدم ترتب الثواب بالمرة على
المكروه في العبادة وإن حصل به الاجزاء، ولا ريب في حصول الضرر حينئذ، كما أنه
كذلك أيضا بناء على تفسير الكراهة في العبادة باقتران العبادة بجهة تقتضي المرجوحية
بالإضافة لا من جهة نقصان الثواب كما حرر في محله.
والرابع مع الأعضاء عما فيه من التقدير بالأكثر من عشرة مما لا يقول به مرجعه
بعد التدبر إلى نفي الاستقامة الذي إن لم يكن مشعرا بالكراهة فلا ريب في تحققه بها
ضرورة عدم استقامة المكروه واعتداله واستوائه بنقصانه عما وضع عليه الفعل المجرد
عن أمثال هذه العوارض، وأما إثبات البأس في مفهوم ذيله فهو كغيره من النصوص
التي هي كذلك قدر مشترك عرفا بين المحرم والمكروه.
والخامس يمكن إرادة تلقاء الوجه من الحيال فيه كما فسره به في مختصر النهاية
الأثيرية، فيكون فساد صلاتها حينئذ لفقد شرط الجماعة، إذ الظاهر من الخبر أن
صلاتها معهم كانت جماعة، فلا دلالة فيه على المطلوب، واستبعاد سؤال علي بن جعفر (ع)
عن صحة صلاتها في هذا الحال لمعلومية مانعية تقدم المأموم من الصحة يدفعه احتمال
الاعتفار في خصوص النساء كالاقتداء لهن خلف الحائل ونحوه.
والسادس مع إشعار لفظ " لا ينبغي " فيهما بالكراهة إن لم يكن ظاهرا فيها
بناء الاستدلال بهما على كون الستر فيهما بالسين المهملة والتاء المثناء لا الشين المعجمة
والباء الموحدة كما عن المشايخ ضبطه بذلك، ضرورة كونهما حينئذ من نصوص الشبر
التي عرفت شهادتها للمطلوب، وربما يؤيد الثاني زيادة على ضبط المشائخ لفظ الاجزاء
309

فيهما الذي لا ينكر ظهوره في أقل المجزي، وهو إنما يتجه عليه لكونه أقل ما ترتفع به
الكراهة، أما على الأول فهو تمام المجزئ، إذ ليس بعد الستر منع إجماعا، ولا يعارضه
ظهور لفظ الروايتين فيهما بكون ما بينهما أزيد من شبر، فلا وجه للاستثناء حينئذ،
إذ قد يقال بأنه يكفي في حسنه كون بعض البيوت في غاية الضيق، وأن المراد إظهار
أقل ما يرفع به المنع، أو يكون قوله: " ذلك " فيهما إشارة إلى نفس المحاذاة حتى يكون
ضابطة كلية.
والسابع إنما يدل على وجوب تأخيرهن حيث أخرهن الله، والبحث في
أن المقام منه.
والثامن - مع احتياجه إلى التقييد بالعشر والحائل، وتسليم أن المراد منه ما
عرفت لا التقدم في الصلاة كما فهمه في المدارك، وإلا كانت دليلا، للاقتصار في المنع
على المحاذاة دون التقدم لو وجد قائل به كما يوهمه ظاهر بعض من قصر كما عرفت -
لا يجوز الاستدلال لأحد الفريقين، إذ ليس فيه إلا النهي الذي قد عرفت ما يشهد
لإرادة الكراهة منه، مع احتماله النفي وأن السؤال عن الجواز بلا كراهة، فليس حينئذ
إلا الاجماعين المحكيين الموهنين بمصير السيد وأكثر المتأخرين بل عامتهم إلى خلافهما،
بل عن الشيخ حاكي أحدهما في استبصاره ظهور الموافقة للمختار، ومثلهما لا يعارض
بعض الأدلة السابقة فضلا عن جميعها.
وما عساه يقال في معارضة ذلك كله - بأن الذي تجتمع عليه جميع النصوص (1)
عدا النادر اعتبار الحائل أو العشرة في صورتي تقدم المرأة والمحاذاة، والاكتفاء بعظم
الذراع والشبر ونحوهما في تقدم الرجل عليها، كما يشهد لذلك خبر تقدمها (2) بصدره

(1) الوسائل - الباب - 7 و 8 - من أبواب مكان المصلي
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " قدامها ولو بصدره " كما تقدم في
صحيفة 307 في التعليقة (6)
310

وخبر (1) سجودها عند ركوعه أو ركبتيه، وصحيح محمد بن مسلم (2) المتقدم، بناء
على ما رواه الشيخ وغيره من لفظ الشبر بالباء الموحدة، وزاد يعني " إذا كان الرجل
متقدما على المرأة بشبر " فتكون حينئذ نصوص الشبر ونحوه على حالها من الدلالة على
المنع إذا لم يحصل تقدم الرجل ولو بما سمعت، فلا اختلاف في النصوص، كما أنه لم يبق
بعد ذلك من النصوص ما يدل على الجواز مما يعتد به سوى مرسل جميل (3) المجرد
عن التعليل، وإرادة القرب من المحاذاة منه للتقدم بشبر ونحوه ممكنة ولو للجمع -
يدفعه ما عرفت من أنه ليس للمنع من الأدلة ما يحسن له هذا التكلف المنافي للفظ المحاذاة
وللفظ البينية، ضرورة عدم صدقهما بتقدم الرجل المقدار المزبور مع خلو الجميع عن
إشعار بإرادة تقدم الرجل من البينية المذكورة، وخبر الصدر (4) أقصاه الدلالة على
الاجتزاء به لا الشهادة على كون المراد ذلك من هذه النصوص، مع أنه في كشف
اللثام احتمل إرادة الخلف منه. كما أنه احتمل في مرسلي جميل (5) وابن بكير (6)
وصحيح هشام (7) إرادة أنها إذا سجدت حاذته إذا ركع وإن كان هو بعيدا، بل
المراد التقدم بالصدر وحده. وأن محل سجودها يكون عند ركبتيه اللتين هما محل الركوع
نعم لا شهادة فيها على إرادة التقدم بالشبر وعظم الذراع وموضع الرحل من النصوص
الأخر، على أنه لم يعلم من المانع اكتفاؤه بمثل هذا التقدم، خصوصا مع ظهور موثق
عمار (8) في خلافه.
بل ظاهر بعض ما حضرني من كتب المانعين عدم الاكتفاء به في رفع المنع،

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 والباب 5 - الحديث 9
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 6 - 9
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 6 - 9
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 5
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 5
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 5
(7) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 6 - 9
(8) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
311

ولعل الباقي كذلك، قال في الخلاف: " لا يجوز الرجل أن يصلي وامرأة تصلي إلى
جانبه أو قدامه - إلى أن قال -: ومتى صلى وصلت إلى جانبه أو قدامه بطلت صلاتهما
معا اشتركا في الصلاة أو اختلفا " ثم ادعى إجماع الفرقة على ذلك، والظاهر تحقق
صدق الصلاة إلى الجانب مع التقدم بشبر ونحوه، وقال في الغنية: " ويجب عليه أن
يجتنب وأمامه أو إلى جانبه امرأة تصلي سواء اشتركا في الصلاة أو اختلفا بدليل
الاجماع " وقال في الوسيلة: " فالمانع من صحة الصلاة ثلاثة أشياء: كونه مغصوبا أو
نجسا بحيث يتعدى إليه النجاسة أو بجنبه أو قدامه تصلي امرأة " وقال في إشارة السبق:
" ويجتنب إيقاعها وراء امرأة مصلية أو مع أحد جانبيها " إلى غير ذلك، بل في ظاهر
الرياض حكايته الشهرة على العمل بالموثق المزبور بالنسبة إلى ذلك، حيث أنه - بعد
أن حكى عن الفاضلين والذخيرة الاجتزاء بتقدم الرجل بشبر ونحوه في رفع الكراهة،
واحتماله عن الشيخ في كتابي الحديث - قال: " ولا بأس به لولا الموثقة السابقة الظاهرة
في بقاء المنع في صورة التأخر إلى أن تتأخر عنه بحيث لا يحاذي جزء منها جزء منه،
والأخبار الصحيحة وإن ترجحت عليها من وجوه عديدة ولكن الأخذ بها أولى في
مقام الكراهة بناء على التسامح في أدلتها مع اشتهار العمل بها أيضا، فلتحمل الصحاح
على خفة الكراهة لا انتفائها، وعليه يحمل الموثقة " قلت: هو جيد لو أن هذه
الصحاح داله على إرادة التقدم بشبر وعظم الذراع ونحوهما، وقد عرفت بعده فيها
باشتمالها على لفظ المحاذاة والبينية وغيرهما، بل قد يظهر من ذيل خبر أبي بصير منها أن
المراد تقدير الحائل بالشبر وعظم الذراع والرحل ونحوها وإن كان بعيدا في بعضها،
لا المسافة حتى يصح قوله (عليه السلام) فيه: " كان رحل رسول الله (صلى الله عليه
وآله): إلى آخره الظاهر في إرادة بيان الاجتزاء بمثله ساترا عن المار، فليجتز به بين
312

الرجل والمرأة لتحقق الحجز به، وإلا فلا معنى للاستدلال به على الاجتزاء بالمسافة
المذكورة، اللهم إلا أن يكون كلاما مستأنفا لا مدخلية في الأول، لكن على كل
حال فيه إشعار بالكراهة لما تعرفه إن شاء الله في استحباب السترة عن المارة، وأنها
بها ترتفع الكراهة، فبيانها في المقام مما يشعر بكونه مقام كراهة أيضا.
وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا محيص عن القول بالكراهة،
كما أنه يظهر لك من التأمل فيه وجه النظر فيما أطنب فيه في الحدائق من ترجيح المنع،
والظاهر أن المدار في الكراهة أو المنع صحة الصلاتين لولا المحاذاة، فلا عبرة بالفاسدة
لفقد طهارة مثلا، أما بناء على أنها اسم للصحيح فواضح، وأما على الأعم فلأنها
المنساقة إلى الذهن في أمثال هذه المقامات، بل هي المسؤول عن صحتها وفسادها في
النصوص السابقة، فاطلاق الأدلة المقتضي صحة المقارنة لها الفاسدة بحاله بلا معارض.
ومنه يظهر ضعف احتمال التعميم في جامع المقاصد وغيره لاطلاق اسم الصلاة
على الصورة غالبا، ولامتناع تحقق الشرط عند بطلان الصلاتين، ولا يجدي التخصيص
بقيد لولاه، وفيه أن الاطلاق لا ينافي الانسياق في خصوص المقام، وأنهما عند الصحة
لولاه تنعقدان ثم تبطلان، ولا تنعقدان عند البطلان، فلا تبطل الصحيحة منهما، بل
هو عند التأمل مرجعه إلى مغالطة، كالمحكي عن بعضهم من المناقشة في أصل الحكم بأن
المانع إما صورة الصلاة، وهو باطل، لعدم اعتبار الشارع إياها، وإما الصحيحة، وهو
باطل، وإلا لاجتمع الضدان أو ترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجح، ضرورة عدم
كون الشرط الصحة، بل هو عدم البطلان بسبب آخر، ومعناه الصحة على تقدير عدم
المحاذاة والتقدم، وما أشبه هذه المناقشة بما وقع لأبي حنيفة في الاستدلال على دعواه
من اقتضاء النهي في العبادة الصحة، فلا ينبغي وقوع مثلها بعد وضوح المراد.
ثم لا يخفى أن مقتضى ما ذكرنا عدم الفرق بين معلوم الفساد حال الشروع أو في
313

الأثناء أو بعد الفراغ، ضرورة انكشاف عدم تحقق المانع حينئذ، نعم يعتبر إمكان
فرض حصول النية من ذي الصلاة الصحيحة ولو بسبب جهله بحكم المحاذاة شرعا على وجه
يحصل معه نية التقرب وإن لم يكن معذورا به، إذ عدم معذورية الجاهل لا مدخلية له
في المقام، إذ ليس العذر هنا لجهله بل لانكشاف عدم المانع، والجهل إنما أفاده إمكان
حصول نية التقرب، وبالجملة فمحل البحث الفساد وعدمه من حيث محاذاة الفاسدة
واقعا لا من حيث النية وعدمها.
ومن ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاذ الأكبر وغيره، قال: " يعتبر في رفع
المنع حرمة أو كراهة العلم بالفساد قبل الشروع، فلو علم بعد الفراغ لم يؤثر في الصحة
وعدم الكراهة، لصيرورتها باطلة أو مكروهة بالمحاذاة عنده، أما الأول فلعدم تأتي
نية القربة التي هي شرط الصحة والحلية، وأما الثاني فلاقدامه على فعل المكروه
والمرجوح، والظاهر أنه مكروه ومرجوح " إذ هو كما ترى خروج عن محل البحث،
وأغرب من ذلك ما في الحدائق من أن الظاهر بناء هذه المسألة على مسألة أخرى، وهي
أن الصلاة إذا كانت صحيحة بحسب الواقع ونفس الأمر وإن كانت بالنظر إلى الظاهر باطله
فهل يحكم بصحتها باعتبار ما كانت عليه في الواقع أو يحكم بالبطلان بالنظر إلى الظاهر؟ المشهور
الثاني، وعليه يتجه ما ذكره الأصحاب هنا، إلى أن قال: وأما على ما ذهب إليه جمع
من الأصحاب من القول الأول في تلك المسألة، ومنهم السيد في المدارك في مسألة الصلاة
قبل الوقت جاهلا أو ناسيا فالوجه الصحة، وكيف للسيد اختيار البطلان هنا مع اختياره
في تلك المسألة الصحة، إذ لا يخفي على من له أدنى نظر أن ما فرضه من موضوع المسألة
غير متصور فضلا عن أن يكون فيه خلاف بين العلماء، إذ مع فرض الصحة في نفس
الأمر كيف يتجه حينئذ البحث في صحتها وفسادها، والبطلان الظاهري قد انكشف فساده
نعم له خلاف أشرنا إليه سابقا في بحث القبلة في خصوص بعض الشرائط كالوقت
314

والقبلة أن الشرط فيها إحراز المكلف لها بطريق العلم أو الظن حيث يعتبر، أو يكفي
مصادفة المكلف لها مع فرض حصول نية التقرب، وهو لا مدخلية له هنا، ضرورة
كون المحاذاة مانعة، فمع فرض أن المانع منها الصحيحة لولا المحاذاة وفرض حصول نية
التقرب للمكلف لم يكن وجه للبطلان أصلا بعد انكشاف عدم المانع وتخيله آنا ما لم
يثبت مانعيته كما هو واضح، وبه يعلم ما في كلام جماعة من المحققين، منهم من عرفت،
ومنهم المحقق الثاني في جامعه، ولذا قال في كشف اللثام: " وإن صلى مع الغفلة عن
التحاذي أو الحكم أو الاستفسار وكان الظاهر البطلان لم يعد ".
هذا كله في المنكشف فساده من رأس بفقد الطهارة ونحوها، أما لو حدث
الفساد فيه بعروض مبطل في الأثناء ففي البطلان به وعدمه وجهان ينشئان من أنه
كالمنكشف فساده بالآخرة، ومن تحقق الحكم بالمحاذاة واقعا قبل عروض المفسد، وهو
كاف في حصول الفساد، لعدم الدليل على اعتبار الاتمام صحيحة لولا المحاذاة في مانعية
المحاذاة، بل ظاهر الأدلة خلافه، وإن المدار على تحقق المحاذاة ولو في بعض صلاة
صحيحة لولا المحاذاة، وهو الأقوى، هذا.
وفي رجوع كل منهما إلى إخبار الآخر بالصحة والبطلان نظر كما في القواعد
وغيرها ينشأ من أن من أسباب الصحة والبطلان ما لا يعلم إلا من قبل المصلي مع أصالة
صدقه، ولأنه إذا أخبر بالبطلان لم يتحقق شرط بطلان صلاة الآخر، والأصل
الصحة، ولأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، ولأن الصحة التي قد لا تعلم إلا من
قبل المصلي لو تعلق بها تكليف مكلف ولم يقبل فيها قول الغير لزم تكليف ما لا يطاق،
ومن أن إخبارها بحال صلاتها بمنزلة الاخبار بحال صلاته، وهو غير مسموع خصوصا
البطلان، لأصل الصحة وانتفاء شرطه، والأقرب الأول وفاقا لثاني المحققين والإصبهاني
والمحكي عن غيرهما، خصوصا في البطلان وإن كان في بعض تلك الأدلة نظر.
315

وقد يظهر من المحكي عن حواشي الشهيد عن نسخة مقروة على الفاضل المصنف
التفصيل بين الاخبار بالبطلان والصحة، فيقبل الأول دون الثاني، قال: " الأقرب
قبول إخبارها بعدم طهارتها، للاستناد إلى أصلين: عدمها وصحة صلاة الرجل، لا
بطهارتها، استنادا إلى خلافهما: طهارتها وبطلان صلاته " وفيه - مع أن هذا رجوع
إلى الأصول لا إخبارها - يعضد إخبارها بالطهارة أصالة الصحة والاندراج في ظاهر
النصوص، ضرورة صدق أنه صلى وامرأة تصلي بحذاه أو أمامه صلاة لم يعلم فسادها.
بل قد يقوى اعتمادا على ذلك وعلى أصالة البراءة عدم وجوب السؤال والاستفسار
عليهما، خلافا لجامع المقاصد معللا له بأنه متى صح الرجوع إلى المرأة المحاذية في صحة
صلاتها تحتم على الرجل إعادة صلاته، وكذا في الطرف الآخر، لأن شرعية الإعادة
حتما موقوفة على تحقق الإعادة، فمع تحقق فساد صلاتها لا تشرع الإعادة كذلك،
وهو كما ترى، إذ يكفي في تحتم الإعادة ما عرفت من أصالة الصحة والاندراج في ظاهر
النصوص من غير حاجة إلا الاستفسار، ولعل مراده وجوب الرجوع بعد فرض الاخبار،
فيتجه حينئذ ما ذكره، إذ هو معنى صحة الرجوع إليها في الحقيقة.
وفي كشف اللثام متصلا بما نقله عن المقروة على الفاضل " وعليه الاستفسار
إذا احتملت الصحة، وكذا إذا فرغ من الصلاة واحتمل البطلان وقد شرع فيها غافلا
أو مع زعم الفساد ثم احتمل الصحة، فإن لم يكن لم يشرع فيها " وكأنه أشار بذلك
إلى تنقيح ما في جامع المقاصد، قال: " إني لم أطلع على عبارة لأحد من الأصحاب
فيها التعرض لوقت الرجوع هل قبل الصلاة أم بعدها أم في خلالها أم مطلقا؟ - إلى
أن قال -: والذي يقتضيه النظر أن الاخبار إن كان قبل الصلاة وجب قبوله، وإن كان
بعدها فإن أخبر ببطلان صلاته لم يؤثر ذلك في صلاة الآخر التي قد حكم ببطلانها بصلاة
الأصل فيها الصحة، وإن أخبر بالصحة فلا أثر له، لتحقق البطلان قبل ذلك، هذا
316

إذا شرعا في الصلاة عالمين بالمحاذاة المفسدة، ولو شرعا في الصلاة وكان كل واحد غير
عالم بالآخر لظلمة ونحوها ففي الابطال هنا تردد، فإن قلنا به ففي رجوع أحدهما إلى
الآخر في بطلان صلاته لتصح الأخرى نظر، من الحكم ببطلانها، وكونها على ظاهر
الصحة، فلا يؤثر فيها الحكم بالبطلان الذي قد علم خلاف بخلاف الصلاة التي فعلها المصلي
على اعتقاد فسادها، فإنها لا تصير صحيحة بعد، لفوات النية، وإن كان في خلالها
فإن شرعا عالمين فلا كلام في الابطال، وكذا لو علم أحدهما اختص ببطلان صلاته،
وإن لم يعلم كل منهما بالآخر ثم علما ففي رجوع أحدهما إلى الآخر في بطلان صلاته
التردد " انتهى.
وفيه مواضع للنظر يعرف بعضها مما قدمنا وإن تبعه على بعضه في المدارك فقال:
" لا بد من العلم قبل الشروع ولو بالاخبار، ولو وقع بعده لم يعتد به، للحكم ببطلان
الصلاة ظاهرا بالمحاذاة وإن ظهر خلافه بعده، ولو لم يعلم أحدهما بالآخر إلا بعد الصلاة
صحت الصلاة، وفي الأثناء يستمر " إذ قد سمعت أولا أن الحكم بالصحة ظاهرا لا
يجدي بعد ظهور البطلان ولو باخباره الذي قد عرفت اعتباره، وأن احتمال الفساد هنا
من جهة النية لا مدخلية له فيما نحن فيه، وثانيا أن الظاهر مانعية المحاذاة وإن لم يعلم بها
إلا بعد الفراغ أو غفل عنها أو كان غير ذلك، تمسكا بظاهر الأدلة كغيره من
الشرائط والموانع وإن كانت مستفادة من أوامر ونواهي، لما سمعته غير مرة من انسياق
المانعية التي هي حكم وضعي من غير تقييد بالتكليفي، إلى غير ذلك من وجوه النظر التي
لا تخفى خصوصا بعد ملاحظة ما سلف له من قبول إخبار كل منهما، فلاحظ وتأمل جيدا.
ثم إن صريح الدروس وظاهر كثير كما عن الروض وفي كشف اللثام أنه ظاهر
كلام الشيخين والتلخيص بل عن كشف الالتباس أنه المشهور عدم الفرق في ذلك بين
اقتران الصلاتين، وعدمه، بل قد سمعت ما عن غاية المراد من أنه إذا بطلت صلاته
317

بطلت صلاتها، ولا قائل بالفرق، قلت: وهو قوي، لمعلومية قاعدة أن مانع صحة
الجميع مانع للبعض، ولظاهر ذيل صحيحي ابني مسلم (1) وأبي يعفور (2) وخبر أبي بصير (3)
بل لعله يظهر من باقي النصوص أيضا وإن كان فيها الجملة الحالية، إلا أنها تتحقق أيضا
في اللاحقة في الأثناء، وصحيح علي بن جعفر (4) السابق لم يعلم فيه الأمر بإعادة المرأة
خاصة للاجتماع المفروض كي يدل على صحة السابقة، واستبعاد فساد فعل مكلف بفعل
آخر خصوصا إذا لم يكن عالما حين شروعه بوقوع التحاذي حتى يحترز منه استبعاد لغير
البعيد بعد ظهور الأدلة فيه، كما أنه لا جهة للتمسك باستصحاب الصحة معه.
ومن ذلك كله يعلم ما في المدارك من القطع باختصاص المتأخرة بالنهي تبعا لجده
في المسالك، والمحكي عن أستاذه وابن فهد في الموجز، ومال إليه في كشف اللثام،
واختاره في المنظومة، وكأنه يميل إليه في الذكرى، بل عن المحقق الثاني في أكثر كتبه
وتلميذيه الميل إليه، بل عن حاشية الإرشاد له الجزم به، لكن الموجود فيما حضرني من
نسختها التفصيل، قال في شرح متن الإرشاد بعد أن اختار الكراهة: " وينبغي أن
يخص بها إذا تحرما بالصلاة دفعة، أو كان كل منهما غير عالم بالآخر ثم علما في خلال
الصلاة، أو سبق أحدهما ثم تحرم الآخر وهو لا يعلم بالأول، وإلا فيختص المنع بالثاني
أعني الذي تحرم بعد الأول، لأن المحاذاة في الصلاة الممنوع منها إنما يحصل بسببه " وهو
كما ترى لا يساعده على هذا التفصيل دليل، كما أنه لا يساعد ما عن غير واحد من
الكتب السالفة التي خصت الفساد بالمتأخرة من التقييد بما إذا لم يكن الأول عالما حين
شروعه، وكأن ذلك كله لما قوي في نفوسهم استبعاد البطلان للمنعقد صحيحا بما لم يفعله

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 5
(2) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 5
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(4) الوسائل - الباب - 9 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
318

ولا تقصير له في التحرز عنه، بل ربما أيد بالأخبار (1) الدالة على أن صلاة المسلم لا يقطعها
شئ، والشئ نكرة في سياق النفي تفيد العموم لمحل البحث، بل في صحيح أبي بصير (2)
منها " لا يقطع صلاة المسلم شئ كلب ولا حمار ولا امرأة " ولا مضى له إلا إرادة
شئ من فعلها، لكن من المعلوم أن ذلك كله لا يعارض ما سمعته من الأدلة السابقة،
فالقول بالتعميم حينئذ على تقدير البطلان لا يخلو من قوة، نعم قد يقال بالاختصاص
على تقدير الكراهة، لعدم إمكان التخلص منها بعد فرض تلبسه بما يحرم قطعه عليه،
فلا يصح تكليفه حينئذ بها، ولعل الحكم بالاختصاص في بعض الكتب المزبورة للبناء
منهم على الكراهة، اللهم إلا أن يقال بجواز القطع له، أو كان متلبسا فيما يجوز قطعه،
أو يقال بصحة الكراهة بمعنى أقلية الثواب وإن لم يتمكن من بدل كما في النفل في
الأوقات المكروهة والصوم تطوعا في السفر، فتأمل جيدا، والله أعلم.
* (و) * كيف كان ف‍ * (يزول التحريم أو الكراهة) * عن المحاذاة * (إذا كان بينهما
حائل) * بلا خلاف أجده فيه، بل عن المعتبر وما تسمعه من المنتهى الاجماع عليه، وعن
البحار كأنه لا خلاف فيه، ومنه وغيره يعلم أن ترك ذكره في النهاية والخلاف والوسيلة
والغنية والسرائر وكذا المقنعة والمبسوط على ما حكي عن البعض ليس للخلاف
فيه، وكيف كان فالحجة عليه - بعد الاجماع المحكي المعتضد بما سمعت، وللأصل،
وإطلاق الأدلة السالمين عن المعارض بعد انسياق غيره من نصوص المنع. خصوص
صحيح ابن مسلم (3) عن أبي جعفر (عليه السلام) في المرأة تصلي عند الرجل قال:
" إذا كان بينهما حاجز فلا بأس " والمروي عن قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسين

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 8 و 9
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
319

عن علي بن جعفر (1) أنه سأل أخاه (ع) " عن الرجل هل يصلح له أن يصلي في مسجد
قصير الحائط وامرأته قائمة تصلي وهو يراها وتراه؟ قال: إن كان بينهما حائط طويل
أو قصير فلا بأس " مضافا إلى صحيحي الحلبي (2) وابن مسلم (3) السابقين على
قراءة " ستر " فيهما بالمهلة والمثناة، فتصح حينئذ صلاتهما معا به كما نص عليه غير واحد،
بل عن المنتهى الاجماع عليه، بل لعله قضية إجماع المعتبر السابق بل والفتاوى، لكن
في التحرير " صحت صلاته " ولعله لا يريد التخصيص.
وليس الظلمة من الحاجز والستر عرفا، ولا العمى ولا تغميض العين، وفاقا
لجماعة، وإلا لأومي إليه في النصوص، بل هي خصوصا الأخير أيسر من غيرها، خلافا
للمحكي عن الشهيد الثاني في الأولين، ومحتمل الأول فيهما، وكشف اللثام في خصوص
الأول منهما، وفي التحرير " لو كان الرجل أعمى فالوجه الصحة، ولو غمض الصحيح
عينيه فاشكال " ولعله لتخيل أن المراد بالستر المنع عن النظر، ولذا ارتفعت الكراهة
مع صلاتها خلف، وهو كما ترى من العلة المستنبطة، ولقد أجاد الفاضل في المحكي عن
نهايته في قوله: " وليس المقتضي للتحريم أو الكراهة النظر، لجواز الصلاة وإن كانت
قدامه عارية، ولمنع الأعمى ومن غمض عينيه " وظاهره المفروغية، من عدم الاكتفاء
بهما، وهو في محله، واحتمال تعميم الحاجز والستر لما يشمل ذلك كما ترى حتى في الظلمة
فضلا عن غيرها، بل ظاهر الخبرين الأولين عدم اعتبار المنع من النظر فيه، بل هو
صريح ثانيهما، كصحيحة الآخر (4) سأل أخاه (ع) " عن الرجل يصلي في مسجد حيطانه
كوى كله قبلته وجانباه وامرأته تصلي حياله يراها ولا تراه فقال: لا بأس " بل قد

(1) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 3 - 1
(2) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 8 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 3 - 1
320

عرفت ما احتملناه سابقا في نصوص (1) الشبر والذراع ونحوهما من الحائل بهذا المقدار،
فما في المنظومة وعن الشهيد الثاني من اعتبار كونه مانعا عن الرؤية في غير محله، ومفهوم
خبري الستر يجب تقييده بما عرفت، هذا.
وفي المحكي عن المبسوط قال: " فإن صلت خلفه في صف بطلت صلاة من عن
يمينها وشمالها، ومن يحاذيها من خلفها، ولا تبطل صلاة غيرهم، وإن صلت بجنب الإمام
بطلت صلاتها وصلاة الإمام ولا تبطل صلاة المأمومين الذين هم وراء الصف الأول "
ويحتمل قوله: " من عن يمينها وشمالها " جميع من في صفها، ورجلين منهم خاصة،
وكذا يحتمل " من يحاذيها " جميع من في الصف الثاني، ومن يحاذيها حقيقة، ومن
يحاذيها ويراها، لكن على كل حال قد يشكل بأنه كيف تصح صلاتهم مع بطلان صلاة
الإمام، وقد يدفع بأنه يجوز أن يريد صحتها إذا نووا الانفراد، ولم يعلموا (2) بصلاتها
إلى جنبه، وبطلان صلاته وعدم العلم بفساد صلاة الإمام كاف في جواز الاقتداء، نعم
صحة صلاة الصف الثاني في هذا الحال مبنية على أن الصف الأول حائل، فلا يقدح
حينئذ تقدمها عليهم، وإنما يقدح بالنسبة إلى الصف الأول لعدم الحائل، بل قد ينقدح
من ذلك تعين الاحتمال الثاني فيما لو صلت في الصف الأول، لكون من على يمينها وشمالها
من الرجلين حائلا بينها وبين الباقين، كما أنه قد يتعين الاحتمال الأول فيمن خلفها،
بناء على إرادته بطلان صلاة الصف لمكان تقدم المرأة.
ثم من المعلوم أن أصل الفساد فيما ذكره مبني على عدم اختصاص المتأخرة به،
وإلا لم يتجه بطلان صلاة الإمام، كما أنه من المعلوم الحكم في الفرع الذي فرضه بعد
الإحاطة بجميع ما ذكرناه، وأن فصل الشخص ونحوه من الحائل الذي ترتفع الحرمة

(1) الوسائل - الباب - 5 و 8 - من أبواب مكان المصلي
(2) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح " أو لم يعلموا "
321

أو الكراهة به * (أو) * بالتباعد * (بمقدار عشرة أذرع) * بلا خلاف معتد به أجده فيه
أيضا كالحائل، بل عن المعتبر الاجماع على سقوط المنع، وهو معنى ما عن المنتهى من
الاجماع على صحة صلاتهما، بل وجامع المقاصد وإرشاد الجعفرية من الاجماع على عدم
الكراهة، فما في كشف اللثام - من أنه أطلق الشيخان في غير كتابي الأخبار والحلبيان
وابنا حمزة والبراج المنع من غير ذكر للحائل والبعد - غير مراد منه الخلاف كما سمعته
في الحائل، ومراد الجميع على الظاهر صحة الصلاتين، وما في التحرير - من الاقتصار
على صحة صلاته - غير مراد منه الخلاف قطعا.
وكيف كان فالحجة - بعد الأصل والاطلاق والاجماع المحكي المعتضد بما سمعت.
خبر علي بن جعفر (1) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (ع) " عن الرجل يصلي
الضحى وأمامه امرأة تصلي بينهما عشرة أذرع قال: لا بأس ليمض في صلاته " وموثق
عمار السابق (2) الذي يمكن حمل الأكثر فيه على إرادة العشرة فأكثر على حد قوله
تعالى (3): " كن نساء فوق اثنتين " خصوصا مع ملاحظة غلبة وقوع أمثال ذلك
في روايات عمار، وفي كشف اللثام " لعل الأكثر فيه لوجوب العشر بين موقفها
ومسجده، فلا يكفي العشر بين الموقفين إذا تقدمت " قلت: لكن في المدارك والمحكي
عن الروض والبحار ذكر ذلك احتمالا، وإلا فظاهرهم أن مبدأ التقدير الموقف، وقد
يقوى كون المدار على ذلك في جميع الأحوال، فيكفي حال الوقوف العشر من محله من
طرف إبهامي قدميه إلى عقبيها مثلا لو كانت متقدمة، ويعتبر في حال السجود من منتهى
رأسه إلى عقبيها مثلا، إذ المدار على صدق البينية في أحوال الصلاة، والظاهر عدم
الاكتفاء بالتسامح العرفي، لأصالة الحقيقة.

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1
(3) سورة النساء - الآية 12
322

وعلى كل حال فلم يقل أحد بالزيادة على العشر كما في جامع المقاصد والمحكي عن إرشاد الجعفرية، بل عن الروض الاجماع على عدم اعتبار ذلك، فما في المفاتيح - من
توقف ارتفاع الكراهة أصلا على الزيادة وإن خفت بالعشرة حتى أشرفت على الزوال
بعد أن ترتبت من الشبر إليها، ولعله للخبر المزبور - فيه ما لا يخفى لولا أن الكراهة
مما يتسامح بها، كما أن ما عن الجامع - من زوال الكراهة بذراع وشبر، والجعفي من
أن من صلى وحياله امرأة ليس بينهما قدر عظم الذراع فسدت صلاته مما يظهر منه
اعتبار التقدير به - لا يخفى ما فيه أيضا وإن كان يشهد لهما ما سمعته من النصوص (1)
السابقة، إلا أنك قد عرفت الحال فيها وأن مقتضى الجمع بعد تسليم إرادة ذلك منها
بينها وبين الموثق (2) وغيره التنزيل على تفاوت مراتب الكراهة، ولا ينافيه الاقتصار
في الفتاوى على العشر في رفعها من رأس كما هو واضح مع احتمال إرادة الجامع
التخفيف من الزوال فيه، ولذا ذكر الشبر والذراع مع أن الأول كاف، بل لا مدخلية
حينئذ الزيادة عليه بعد فرض الارتفاع به، هذا.
وقد أغفل من تقدم على الشهيد من الأصحاب التعرض للفوقية والتحتية، وأنها
ملحقة بالتقدم والمحاذاة أو بالتأخر، أما هو فقال في المحكي عن غاية المراد: إنه محتمل
من فحوى المنع من إمكان إلحاقه بتأخرها، وخصوصا فوقيتها، وقال عند ذكر موثق
عمار: " من هنا وقع الشك في الفوقية والتحتية " قلت: من اختصاص اشتراط البعد
بالجهات الثلاث، ومن اختصاص نفي البأس بالخلف، فيتدافع المفهومان، وقال عند
قول الباقر (عليه السلام) (3): " لا تصل المرأة بحيال الرجل إلا أن يكون قدامها

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 و 3 و 4 و 7 و 8 و 13
والباب 7 - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
323

ولو بصدره ": " إنه يظهر من فحواه المنع من الجهتين " قلت: لا يخفى عليك ظهور الفتاوى
ومعاقد الاجماعات في أن المانع المحاذاة والتقدم، لا أن الشرط كونها خلفه، بل الظاهر
أن تعرض النصوص لذلك، ولا إيماء في شئ منها إلى الفوقية والتحية، فالرجوع إلى
بعض إطلاقاتها كأنه من الرجوع إلى ما علم عدم إرادته من الاطلاق، على أنك قد
عرفت التدافع في المفهوم منها، ودعوى أن المسامتة من جهة الفوق أو التحت أولى من
المحاذاة والتقدم بالمنع، ضرورة اتحاد جهة المكان فيه بخلافهما لا شاهد لها، فليس حينئذ
إلا الاطلاقات، وهي تقتضي الصحة، واختصاص المانعية بغيرهما، ومن هنا جزم بذلك
الفاضل الإصبهاني والأستاذ الأكبر والشهيد الثاني في المحكي عن روضته، ومال إليه العلامة
الطباطبائي في منظومته، إلا أنه ينبغي أن يعلم كون المراد بالفوق والتحت ما لا يصدق
معه وصف التقدم والمحاذاة وإن كان قد يوهم كلام البعض بل هو صريح آخر احتمال
السقوط فيه أيضا، لكنه لا ريب في ضعفه، ضرورة تناول أدلة المنع له، والارتفاع
والهبوط لا مدخلية له قطعا.
نعم في اعتبار العشر حينئذ إشكال، ففي المحكي عن الروض " أنها لو كانت
في إحدى الجهات التي يتعلق بها الحكم وكانت على مرتفع بحيث لا يبلغ من موقفه إلى
أساس الحائط المرتفع عشر أذرع ولو قدر إلى موقفها، أما مع الحائط مثلا أو ضلع
المثلث الخارج عن موقفه إلى موقفها بلغها ففي اعتبار أيهما نظر " وتبعه في المدارك،
لكن قال: " ويحتمل قويا سقوط المنع مع عدم التساوي في الموقف " وفي كشف اللثام
" إن كانت على مرتفع أمامه اعتبر كون ضلع المثلث الذي ساقاه من موقفه إلى أصل
ما هي عليه من البناء ومن أصله إلى موقفها عشرا، وكذا إذا كانت بجنبه وكان أحدهما
كذلك كانت الزاوية التي بين البناء والأرض قائمة أو حادة أو منفرجة، واحتمل
سقوط المنع حينئذ بناء على أنه لا يتبادر من الأمام والمحاذاة ونحوهما " قلت: قد عرفت
324

أن في النصوص التقدم والأمام والجنب واليمين واليسار أيضا مما لا إشكال في صدقه،
وأن المراد الجهة، نعم العبرة في التقدير بضلع الثلث بين الذاتين أورث زاوية أو لا،
لعدم صدق بينهما حقيقة إلا بذلك، واحتمال إرادة الجهة حتى في التقدير فلا يعتبر
الزوايا لا شاهد له، بل هو خلاف المعنى الحقيقي للفظ " بينهما " وكذا الظاهر عدم
اعتبار نفس الحائط ونحوه من المرتفع، ضرورة ظهور إرادة البعد المسافي، وإلا
لاجتزي بحفرة بينهما تبلغ ذلك وإن كان الذي بينهما لولا الحفرة ذراعا مع احتماله،
لكن الأقوى الأول.
ومن ذلك كله يعلم ما في محتمل الشيخ والمصنف المتقدم سابقا من الاجتزاء
بتقدم الرجل بالشبر ونحوه، بل ربما جزم غيرهما من متأخري المتأخرين به وبزوال المنع
بالتقدم بالصدر ونحوه، ولعله لعدم صدق المحاذاة حينئذ، مضافا إلى النصوص السابقة،
وربما يوافقه في الجملة قول المصنف: " ولو كانت وراءه بقدر ما يكون موضع سجودها
محاذيا لقدمه سقط المنع) * كاللمعة، بل قيل: وقول المفيد: " تصلي بحيث يكون سجودها
تجاه قدميه في سجوده " بل قد يظهر من المحكي عن المنتهى أنه من المجمع عليه، حيث
أنه بعد أن حكى الاجماع على صحة صلاتيهما مع الحائل والأذرع قال: " وكذا لو صلت
متأخرة عنه ولو بشبر أو قدر مسقط الجسد " بل قد يوهم كلام بعضهم أن ما في النافع
وفوائد الشرائع وحاشية الإرشاد من التقدير بمسقط الجسد يرجع إليه أيضا، لتحققه
بدون التأخر تماما، وفيه منع واضح، بل ظاهرها خصوصا فوائد الشرائع أن المراد
به تأخرها عنه تماما بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه، بل لعل عبارة المقنعة والمتن
واللمعة يراد منها ذلك كما في كشف اللثام بحمل المحاذاة فيها على قرب المحاذاة أو نحو
ذلك، وإلا فيعتبر التأخر تماما كما هو صريح الشهيد الثاني والمحكي عن الميسي، ولعله
لموثق عمار السابق، وصدق اليمين والجنب ونحوهما على غير المتأخر تماما، ولا يعارضهما
325

نصوص الشبر (1) بعد أن عرفت الحال فيها، وصحيح الصدر (2) يمكن إرادة الكناية
به عن تأخرها تماما كما في كشف اللثام، وما في الصحيحين السابقين (3) من أنه إذا
كان سجودها مع ركوعه أو ركبتيه فلا بأس غير متضح المعنى، فلا يخرج به عما يقتضي
المنع خصوصا مع ندرة العامل بهذه النصوص حتى من المفيد والمصنف ونحوهما ممن
عبر بالعبارة المزبورة، ضرورة الزيادة على محاذاة موضع السجود للقدمين المعتبرة
في الصحة عندهم.
نعم قد سمعت احتماله من الشيخ والمصنف في المعتبر في نصوص الشبر، وتبعهما
الفاضل في المنتهى وبعض متأخري المتأخرين كصاحبي الذخيرة والحدائق، فالخروج
بمجرد ذلك عما يقتضيه الموثق وغيره من المنع لا تخلو من إشكال، سيما وظاهر لفظ
الخلف والوراء في عبارات الأصحاب ومعقد إجماع الخلاف خلافه، ضرورة ظهورها
في اعتبار ذلك في الصحة، ودعوى أن التقدم بالشبر والصدر ونحوهما يصدق معه أنها
وراء وخلف دون اليمين واليسار والجنب يشهد العرف بخلافها.
نعم يمكن دعوى ذلك في نحو ما لو حاذى سجودها القدمين، ولعله لذا عبر في
المتن والمقنعة واللمعة بما عرفت، وهو لا يخلو من وجه، فيكون المدار على صدق ذلك
وإن حصل معه محاذاة البعض، كما أن القول بناء على المختار من الكراهة بالمراتب في
المقام كالمسافة لا يخلو من وجه، فترتفع أصلا بالخلف كلا بحيث لا يحاذي جزء منها
جزءا منه، وتخف بدون ذلك إلى أن تحصل المحاذاة حقيقة، فتثبت الكراهة تماما،
والله أعلم.

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 و 3 و 4
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب 6 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 والباب 5 - الحديث 9
326

* (ولو حصلا في موضع لا يتمكنان من التباعد) * ولا من التأخر الرافع للمحاذاة
وكان الوقت واسعا ترتبا في فعل الصلاة وجوبا أو استحبابا، ولا يتعين تقدم الرجل،
للأصل والاطلاق، وذيل صحيح ابن أبي يعفور (1) السابق " إلا أن تتقدم هي أو
أنت " الذي لا ريب في ظهوره ولو للاطلاق بجواز تقدم المرأة، ولا ينافي الظهور احتمال
كون المراد به عدم ارتفاع النهي إلا بذلك ولو حال اتفاق تقدم صلاتها لعدم إرادة
الرجل، أو لعدم علمها بإرادته الصلاة، أو بالحكم في المسألة، أو لأنها عصت وتقدمته،
أو لغير ذلك. ضرورة أنه مثله ينافي النص لا الظهور، مع أنه يمكن منع تسويغ التقدم
لها ببعض المزبورات، كما أنه يمكن منع الصحة في صورة العصيان تمسكا بظاهر الأمر.
لكن في صحيح ابن مسلم (2) وخبر أبي بصير (3) السابقين * (صلى الرجل
أولا ف‍) * إذا فرغ صلت * (المرأة) * إلا أنه يجب حمله على الندب بناء على المختار، بل
وعلى غيره جمعا بينه وبين ما سمعته من ذيل الصحيح (4) السابق المعتضد بالأصل
والاطلاق، وقوة احتمال أن المراد من صحيح ابن مسلم عدم الاجتماع واستبعاد وجوب
ذلك خصوصا على إرادة الاشتراط في الصحة، مع أن المكان قد يكون ملك المرأة،
وقد لا يريد الرجل الصلاة في الوقت المخصوص، أوله مانع منه عكس المرأة التي يفرض
وجود المقتضي لها، بل قد يفرض كونه على جهة اللزوم، وبغير ذلك مما لا يخفى استبعاد
التزامه في كل شرط صحة فعل مكلف بفعل مكلف آخر لا يدخل تحت قدرة الأول،
بل عن المنتهى الاجماع على صحة صلاتهما لو عكست المرأة فصلت أولا، فما عن الشيخ
(رحمه الله) وأتباعه من الوجوب تعبدا أو شرطا لا ريب في ضعفه، ولعله عبر بنحو
لفظ الصحيح المزبور، فيمكن حمله حينئذ على الندب، ويرتفع الخلاف كما يومي إليه عدم

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
327

نقل بعض من هو مظنة ذلك عنه، والظاهر شمول خطاب الندب لهما، بمعنى أنه يستحب
للرجل التقدم وللامرأة تقديمه وتأخرها عنه حتى لو كان المكان ملكها، إذ الأمر بأن
يصلي الرجل أولا في الصحيح السابق لا يختص به، بمعنى أنه لو تقدمت الامرأة عليه
ما تركت مستحبا لعدم خطابها به، بل المراد من كل منهما وقوع صلاة الرجل أولا
والامرأة ثانيا، فتأمل جيدا فإنه ربما دق.
ولو كان الوقت ضيقا سقط الوجوب والندب كما صرح به جماعة، بل ربما نسب
إلى الأكثر بل إلى الأصحاب، لكن أشكله الكركي بما حاصله أن التحاذي إن كان
مانعا من الصحة منع مطلقا، لعدم الدليل على الابطال بموضع دون موضع، إذ النص
والفتوى عامان، وحينئذ فعلى الحرمة إن كان المكان لأحدهما اختص به، ولا يجوز
إيثار الآخر به، وإن كان لهما أو استويا فيه أمكن القول بالقرعة، فيصلي من خرج
اسمه ويقضي الآخر، وفيه أن من المعلوم عدم سقوط الصلاة في الوقت بحال، وتقديم
مراعاة الوقت على سائر الشرائط والموانع حتى فقد الطهورين على قول، وحتى غصب
المكان كما عرفت، على أنه يمكن الاستناد مضافا إلى ذلك إلى صحيح الفضل (1) عن
أبي جعفر المروي عن العلل المتقدم سابقا المشتمل على وجه تسمية مكة بكة، بناء
على تنزيله على حال الضرورة، ومنه يظهر أيضا وجه دلالة خبر معاوية (2) عليه أيضا،
قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أقوم أصلي في مكة والمرأة بين يدي جالسة
أو مارة قال: لا بأس، إنما سميت مكة بكة لأنه يبك فيها الرجل والنساء ".

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 لكن رواه عن
الفضيل وهو الصحيح كما تقدم في التعليقة (1) من الصحيفة 306
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7
328

وأما احتمال استثناء خصوص مكة لهذين الخبرين فلم أره لأحد من الأصحاب،
نعم حكي عن ظاهر الصدوق القول به، وعن البحار نفي البعد عنه، لمكان الحرج غالبا،
على أنه على هذا التقدير فيه أيضا إيماء إلى استثناء الضرورة كما هو واضح، وقد ظهر
من ذلك أيضا أنه وإن كان المكان لأحدهما ليس له منع الآخر من الصلاة ولو الاضطرارية
مع الضيق بناء على ما عرفته في الغاصب، هذا.
وعن الروض " أن المشهور اختصاص الحكم في أصل المسألة بالمكلفين " قلت:
لعله لأن الموجود في النصوص لفظ الرجل والمرأة الذي لا يشمل غير المكلفين، ولا
ينافيه لفظ البنت في بعضها (1) بعد إمكان حمله على البالغة إن لم يكن الظاهر منه ذلك،
لكن قد يقال إنه يتجه بالنسبة إلى صلاة كل من الرجل والمرأة بمعنى أنه لا يفسدهما
محاذاتهما ولا تقدم الصبية، بل ولا يفسد صلاة الصبي محاذاة الصبية أو تقدمها كالعكس،
أما بالنسبة إلى صلاتهم حال تقدم المرأة على الصبي أو محاذاتها وتقدم الصبية على الرجل
ومحاذاتها فقد يتجه الفساد، بناء على الشرعية التي من المعلوم كون المراد بها المشروعة
للبالغ، فكل شرط لصلاة الرجل مثلا هو شرط في صلاة الصبي، وكل شرط لصلاة
المرأة هو شرط لصلاة الصبية، فتفسد صلاة الصبي حينئذ بتقدم المرأة ومحاذاتها كصلاة
الرجل، وصلاة الصبية يتقدمها على الرجل ومحاذاتها له كالامرأة، ولا ينافي ذلك كون
الرجل والمرأة مورد النصوص، إذ الشرائط جميعها أو أكثرها كذلك كالحرير وغيره،
ضرورة عدم إرادة شمول الخطابات للصبيان، بل المراد في موضوع عبادة الصبي الجامعة
للشرائط عدا البلوغ كما هو معلوم في ذلك، ولعله إلى هذا أومأ الشهيد بما في المحكي
عن حواشيه من أن الصبي والصبية يقرب حكمهما من الرجل والمرأة، كما أنه منه يعلم
عدم الحاجة في ثبوت ذلك إلى دعوى شمول لفظ الرجل لغير المكلف لما عن القاموس

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
329

" أنه بالضم معروف، وإنما هو لمن شب واحتلم أو هو ساعة يولد " والصحاح " هو
الذكر من الناس " حتى يحتاج إلى ردها بأنه لا ريب في مجازيته، والاطلاق أعم منه
والحقيقة، ولو سلم فالمنساق المكلف منه، بل لعل حصر القاموس مبني على ذلك أو
الأول، إذ قد عرفت أنا في غنية عن ذلك كله بما عرفت الذي بالتأمل فيه يعرف منشأ
الوهم في المقام في كلام بعض الأعلام، بل ويعرف به الحال فيما أطنب به المولى الأكبر
في شرح المفاتيح من تأييد الاختصاص بالبالغين.
وأما الخنثى المشكل فالأقوى عدم فساد صلاتها وعدم الفساد بها مطلقا، بناء
على التحقيق من عدم المانعية فيما شك فيه بل ولا الشرطية، وإن التمسك بالاطلاقات في
نفي هذا وشبهه في محله كما أوضحناه غير مرة، والله أعلم.
* (و) * المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أنه * (لا بأس أن يصلي) * الرجل
وغيره * (في الموضع النجس إذا كانت نجاسته لا تتعدى إلى ثوبه ولا إلى بدنه وكان
موضع الجبهة طاهرا) * بل في الخلاف الاجماع، للأصل والاطلاقات وخصوص إطلاق
صحيح علي بن جعفر (1) سأل أخاه (ع) " عن البيت والدار لا يصيبهما الشمس ويصيبهما
البول ويغتسل فيهما من جنابة أيصلى بهما إذا جفا؟ قال: نعم " وخبر عمار (2) سأل
الصادق (عليه السلام) " عن البارية يبل قصبها بماء قذر هل يجوز الصلاة عليها؟ قال:
إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها " بناء على إرادة الجفاف بغير الشمس من الجفاف فيه،
وصحيح زرارة (3) سأل أبا جعفر (عليه السلام) " عن الشاذكونة تكون عليها الجنابة
أيصلى عليها في محمل؟ فقال: لا بأس بالصلاة عليها " وخبر ابن أبي عمير (4) " قلت
لأبي عبد الله (عليه السلام): أصلي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة فقال: لا بأس "

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 5
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب النجاسات - الحديث 1 - 5
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 4
(4) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب النجاسات - الحديث 3 - 4
330

وصحيح علي بن جعفر الآخر (1) " سألته عن البواري يصيبها البول هل يصلح
الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل؟ قال: نعم لا بأس " إن أريد من الجفاف
فيه بغير الشمس، إلى غير ذلك من النصوص المتقدم بعضها في تطهير الشمس من كتاب
الطهارة التي يمكن الاستدلال ببعضها هنا في وجه وإن رجحنا خلافه هناك، بل بالاطلاق
هذه النصوص قد اغتر بعض متأخر المتأخرين، فمال إلى عدم البأس في ذلك حتى بالنسبة
إلى محل الجبهة مؤيدا له بعدم ثبوت الاجماع على خلافه، لما مر في كتاب الطهارة أن
المحقق نقل عن الرواندي منا وصاحب الوسيلة " أن الأرض والبواري والحصر إذا
أصابها البول وجففتها الشمس لا تطهر بذلك لكن يجوز السجود عليها " واستجوده،
وفيه أنه يكفي في تقييد غير القابل للحمل على إرادة تجفيف الشمس من الاطلاقات
السابقة الاجماع المحكي مستفيضا بل متواترا، إذ ربما زادت حكايته على اثني عشر
كتابا في المقام وفي كتاب الطهارة وفي بحث ما يسجد عليه، بل في التذكرة منها أنه إجماع
كل من يحفظ عنه العلم، بل يمكن دعوى تحصيله، وأنه لا يقدح فيه خلاف الراوندي
فضلا عن المحكي عنه كما أوضحناه في بحث تطهير الشمس من كتاب الطهارة، بل قد
ذكرنا هناك انحصار الخلاف فيه، وأن المصنف وابن حمزة ليس كما حكي عنهما، بل ربما
يظهر مما نقله عنه في المعتبر أنه فهم منه استثناء السجود، على أن خلافه في خصوص
تجفيف الشمس، ومرجعه إلى أنها يحصل بها العفو عن السجود دون باقي ما يشترط فيه
الطهارة، فهو في الحقيقة موافق على اشتراط الطهارة فيه إلا أنه مخالف في كيفية تأثير
الشمس، بل لعل هذا العفو من الطهارة عنده، فيرجع إلى أنها تفيد الطهارة بالنسبة
إلى شئ دون آخر، إذ هي عند التأمل ليست إلا أحكام شرعية، بل قد سلف لنا
في ذلك المبحث من الكتاب المزبور ما يمكن استفادة اشتراط الطهارة في محل السجود

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب النجاسات - الحديث 3
331

من غير الاجماع، كبعض النصوص (1) المشتملة على اشتراط الصلاة على البارية أو السطح
بتجفيف الشمس، بناء على إرادة ما يشمل السجود عليها من الصلاة فيها، ضرورة
كون المفهوم حينئذ عدم جواز السجود عليها إذا لم تجففها الشمس وإن جفت بغيرها،
بل قد يستفاد من الصحيح (2) عن الرضا (عليه السلام) كون الحكم مفروغا منه،
" كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد أيسجد
عليه؟ فكتب إليه أن الماء والبار قد طهراه " بل ظني والله أعلم إن لم يكن يقيني أن
المقام من الأمور التي استغنت بضروريتها عن تظافر النصوص بها وعن سؤال الرواة
عنها أو نقلهم إياها.
فظهر من ذلك كله أن احتمال عدم الاشتراط فيه أو الوسوسة فيه في غير محله،
وما أبعد ما بينه، وبين المحكي عن أبي الصلاح من اشتراط طهارة محل غير الجبهة من
المساجد السبعة، بل المرتضى اشتراط ذلك في سائر مكان المصلي وإن كان هما معا
ضعيفين، إذ لم نجد للأول ما يصلح معارضا للأدلة السابقة المعتضدة بما عرفت سوى
ما قيل من حمل المسجد في جميع ما دل (3) على اشتراط طهارته على الجبهة وغيرها،
وإطلاق بعض النصوص (4) التي تسمعها للثاني بعد خروج ما عدا ذلك منه بالاجماع
وغيره، وفيه أنك قد عرفت كون العمدة في دليل الاشتراط في حل الجبهة الاجماع
بقسميه، وهما معا لا يستفاد منهما غيرها، بل ربما يعطي بعض المحكي منها نفيه في غيرها،
بل هو ظاهر مفهوم اللقب في عبارات الفقهاء الذي عليه مبنى الوفاق والخلاف غالبا،

(1) الوسائل - الباب 29 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 81 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 29 - من أبواب النجاسات - الحديث 4 والباب 30 منها الحديث 6
332

وصحيح الجص (1) بناء على عدم إرادة الصلاة من السجود فيه لا يخفى ظهوره في إرادة
محل الجبهة منه، بل هو المنساق إلى الذهن من هذه العبارة وشبهها، بل تعرف إن شاء الله
في بحث السجود عدم مدخلية غير الجبهة في مسماه لغة وشرعا وإن وجبت حاله،
كما أنك ستعرف حال الاطلاقات، ولم نجد للثاني سوى خبر ابن بكير (2) عن الصادق
(عليه السلام) " في الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلى عليها؟ قال: لا " وموثق
عمار (3) سأله " عن الموضع القدر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس ولكنه
قد يبس الموضع القدر قال: لا يصلي عليه، وأعلم موضعه حتى تغسله " وهما - مع احتمالهما
الكراهة، وإرادة موضع السجود خاصة أو ما يشمله من الصلاة فيهما، والأول منهما
التعدية - قاصران عن معارضة ما عرفت من وجوه وإن أبدا بقوله تعالى (4):
" والرجز فاهجر " المحتمل لإرادة العذاب والغضب، وبأن وجوب تجنيب المساجد
النجاسة لكونها، مواضع الصلاة الذي يمكن - بعد تسليمه واحتمال إرادة مواضع
السجود من المساجد في أخباره - أن يكون العلة فيه صلاحيتها للسجود على أي موضع
أريد منها، وبأن النهي عن الصلاة في المجزرة والمزبلة والحمامات وبيوت الغائط لأنها
مواطن النجاسة الذي يمكن - بعد إرادة الكراهة من النهي كما ستعرف - أن يكون
العلة فيه ما فيها من مزيد الاستخباث والاستقذار الدال على مهانة نفس من يستقر بها "
فلا يلزم من منع الصلاة فيها المنع في غيرها مما لا ينتهي في الاستقذار إلى حدها،
وبغير ذلك كالبأس في مفهوم بعض نصوص الحمام الآتية ونحوه مما لا يخفى ضعفه في
مقابلة ما عرفت.

(1) الوسائل - الباب - 81 - من أبواب النجاسات - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب النجاسات - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
(4) سورة المدثر - الآية 5
333

نعم يعتبر عدم كون النجاسة متعدية إلى ثوبه وبدنه ونحوهما مما يعتبر في الصلاة
طهارته بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، كما أن موثق عمار (1) المتقدم
في بحث تطهير الشمس بل وغيره مما اشترط الصلاة فيه بالجفاف ظاهر أو صريح فيه،
إلا أن المنساق من الجميع والفتاوى خصوصا بعد ملاحظة ما استدلوا به عليه تفويت
شرط الثوب والبدن للصلاة لا أنه من شرائط المكان حينئذ، وخصوصا بعد أصالة
عدم شرط آخر، والنصوص ومعاقد الاجماعات بعد احتمال كون المنع فيها لفوات طهارة
الثوب والبدن لا دلالة فيها، إذ العام لا يدل على الخاص، فيبقى الأصل سالما، فيحب
حينئذ اعتبار عدم تعدي ما لا يعفى عنه من النجاسة إلى ما لا يعفى عنه من الملبوس أو
المحمول إن قلنا به، خلافا للمحكي عن ظاهر فخر المحققين من كونه ذلك من شرائط
المكان حينئذ، بل عن إيضاحه دعوى الاجماع عن والده على عدم صحة الصلاة في ذي
المتعدية وإن كان معفوا عنها فيها، بل ربما أيد بظاهر العبارات هنا المحكي على بعضها
الاجماع، بل هو كالصريح من بعضهم كالذكرى وغيرها، لكن قد عرفت أن المنساق
إلى الذهن خصوصا مع ملاحظة ما ذكروه من الأدلة على ذلك ما سمعت، ولا ينافيه
التنصيص هنا على اشتراط عدم التعدية مع أنه راجع إلى ما ذكروه سابقا من
اشتراط طهارة الثوب والبدن، إذ لعله لدفع ما يتوهم من التنافي بين الاطلاقين، ولذا
لم يتعرضوا لأحكامه من السهو والنسيان والجهل والعفو وغيرها، وما ذاك إلا لإرادة
التنبيه بذلك على الشرط المزبور الذي قد تقدمت أحكامه لا أنه من شرائط المكان.
على أنه قد يقال بمساواته للباس في جميع الأحكام، فيعفى عما يعفى عنه فيه مثلا
كما استقر به الشهيد في الذكرى، فلا يتصور له حينئذ ثمرة معتد بها غالبا، قال: ولو
كان المكان نجسا بما يعفى عنه كدون الدرهم دما ويتعدى فالظاهر أنه عفو لأنه لا يزيد

(1) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب النجاسات - الحديث 4
334

على ما هو على المصلي، وعلى قول المرتضى لو كان على المكان أي ما يعفى عنه كدون
الدرهم دما ولا يتعدى فالأقرب أنه كذلك لما قلناه، ويمكن البطلان لعدم ثبوت العفو
هنا، وإن كان قد يناقش أولا بأنه لا تلازم بين العفوين بعد اختصاص اللباس منهما
بالدليل، ولا تنقيح ولا أولوية، ومن هنا كان المتجه فيما نقول باشتراط الطهارة فيه
من المكان كمحل الجبهة عدم العفو فيه عما يعفى عنه في اللباس، خلافا له أيضا، قال:
لو سجد على النجس أو المغصوب فكالصلاة فيهما في جميع الأحكام وهو جيد في الثاني
مطالب بالدليل في الأول. وثانيا بما عرفت من عدم كون ذلك من شرائط المكان حتى
في حال التعدي، فلا يتجه تفريعه الأول فضلا عن تعليله بأنه لا يزيد على ما هو على
المصلي، ثم قال: وعلى قول المرتضى الظاهر أنه لا يشترط طهارة كل ما تحته، فلو كان
المكان نجسا ففرش عليه طاهر صحت الصلاة، وقد رواه عامر القمي (1) عن الصادق
(عليه السلام).
قلت: تسمع في أحكام المساجد جملة من النصوص (2) دالة على جواز اتخاذ
الحش مسجدا إذا ألقي عليه من التراب ما يواريه، ونحوه يأتي على المختار أيضا بالنسبة
إلى خصوص محل الجبهة، فلا بأس بنجاسة ما تحت المباشر منه كما صرح به الأستاذ في كشفه
قال: ولا بأس بنجاسة ما تحت المباشر ما لم ينافي الاحترام كالملوث لأسفل التربة الحسينية،
ولأسفل قرطاس مكتوب في وجهه الأسفل شئ من القرآن أو الأسماء المحترمة ونحوها،
بل مطلق المتصل وإن لم يكن ملوثا لهما في وجه قوي لا يستند إلى النهي عن الضد،
وإن كان لا يخفى عليك ما في استثنائه وأنه مبني على غير مسألة الضد، ثم قال أي الشهيد:
ولو سقط طرف ثوبه أو عمامته على نجاسة أمكن على قوله بطلان الصلاة اعتدادا بأن

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب أحكام المساجد من كتاب الصلاة
335

ذلك مكان المصلي، وقد بناه على ما ذكره قبل ذلك بقليل من أن الأقرب قول
المرتضى أن المكان ما لاصق أعضاء المصلي وثيابه لا ما أحاط به في الجهات الآخر، لأنه
المفهوم من المكان، قلت: هو وإن تبع في ذلك المحكي عن الايضاح وتبعه عليه غيره،
لكن قد يمنع عليه كونه المفهوم منه، ضرورة عدم صدقه على ملاقاة الجدار ونحوها
مما لا استقرار فيه له ولثيابه.
ومنه يعلم حينئذ ما في المحكي عن الفخر من أن الصدر والبطن والفرج بين الأعضاء
في حالة السجود على قول المرتضى والجبائيين من المكان، وعلى تفسير أبي الصلاح ليس
من المكان، فعلى الأول إن لاقى أبطل، وعلى الثاني لا يبطل، ضرورة أنه لا دلالة
في اشتراط المرتضى طهارة مكان المصلي على إرادة مما يشمل ذلك منه، ولعله يخصه
بالمفهوم منه عرفا، وهو محل ثقله من الأرض مثلا في أحوال صلاته، فلا يدخل فيه
بعض ملاقاة البدن فضلا عن الثياب، بل لولا أن العرف يقضي بتبعية الثياب للمصلي
في نسبة المكان إليه لأمكن القول باختصاصه بخصوص مسقط البدن من الأرض، ولعله
إليه يرجع المحكي عن حواشي الشهيد عن بعضهم من أنه عبارة عن موقفه ومقعده للتشهد
أو الجلسة الاستراحة وموضع مساجده السبعة، ثم قال: وقيل: إنه ما يلاقيه بدنه
وثيابه من الموضع الذي هو فيه، وقيل: هو منسوب إليه لكونه مكان صلاته، فيدخل
مما يحاذي صدره وبطنه في السجود، على أن ما ذكروه هنا للمرتضى لا يوافق المحكي
عن الايضاح عنه، قال فيه: إن للفقهاء في تعريف المكان باعتبار الطهارة عبارات،
الأولى تفسير السيد أنه مسقط كل البدن، الثاني أنه ما يماس بدنه أو ثوبه من موضع
الصلاة، ويلوح هذا من كلام الشيخ، الثالث أنه مساقط أعضاء السجود، ويلوح من
كلام أبي الصلاح، ونسبه إلى والده أيضا، لقوله: ولا يشترط طهارة مساقط باقي
336

الأعضاء، ولا دلالة فيه، بل هو رد لأبي الصلاح، الرابع أن الصلاة تشتمل على حركات
وسكنات وأوضاع لا بد في الجميع من الكون، فالمكان هو ما تقع فيه هذه الأكوان،
قال: وهو مذهب الجبائيين والمصنف في بعض أقواله، وتبعه في نسبة الأول للمرتضى
في جامع المقاصد، وهو كالصريح في خلاف ما ذكروه هنا على قوله، كما أن الرابع
لا يناسب ما نحن فيه كما اعترف به في الجامع، قال: لأنه لو كان في الهواء نجاسة جافة
لم يعف عنها تماس بدن المصلي يلزم بطلان الصلاة بها على القول باشتراط طهارة المكان،
ولا نعلم به قائلا، ولعله من ذلك يمكن أن يكون مرادهما بموضع الصلاة المذكور في
التعريف ما يرجع إلى ما قلناه لا مطلق الملاقاة.
لكن قد يناقش في بعض هذه التفاسير للمكان، ضرورة ابتنائها على ما يعتبر
طهارته منه في الصلاة لا أنه نفس المكان، إذ ليس هو عند أبي الصلاح مساقط أعضاء
السجود خاصة قطعا، كما أنه ليس محل الجبهة عند غيره، فحينئذ يتبع الدليل على خصوص
الدعوى، ومع فرض أن مقتضاه المكان كما يقوله المرتضى رجع في مصداقه إلى العرف
واللغة، لعدم الحقيقة الشرعية فيه قطعا، على أنه ليس في شئ من النصوص لفظ
المكان، بل الموجود يصلي عليه وفيه ونحوهما، ولا ريب في الرجوع فيهما إلى العرف واللغة.
ومن ذلك يظهر ما في المحكي عن الايضاح في وجه الفائدة لمعرفة المكان من أن
نجاسة عين المكان إذا لم تتعد إلى ثوب المصلي وبدنه بالملاقاة في الصلاة لا تبطل، أما
نجاسة موضع السجود إذا لاقى الجزء من الجبهة وحده في الصلاة فإنها تبطل عندنا، وأما
عند من يشترط طهارة المكان فنجاسة جزء من المكان مع ملاقاة جزء من البدن أو الثوب
مبطلة وإن لم تتعد، ولهذا الفرق احتاج الفقيه إلى مفهوم اسم المكان، وقد عرفت
عدم مدخلية ذلك.
ولو كبر في مكان نجس تتعدى نجاسته عند السجود فانتقل عنه قبله فالمتجه على.
337

تقدير كونه شرطا للمكان أولا عدم بطلان صلاته إن قصد ذلك من أول الصلاة أو لم
يقصد شيئا، لا أن قصد السجود فيه، فإنه يبطل على التقديرين في وجه تعرفه في بحث
النية، كما أنه يبطل على التقديرين لو لم ينتقل إلى أن تعدت.
ولو كان في مسجد الجبهة نجاسة لا تتعدى أو على نفس الجهة نجاسة معفو عنها
ولم يستوعب المسجد والجبهة بل بقي ما يكفي للسجود بشرطه فالمتجه عند المحقق الثاني
وغيره عدم بطلان الصلاة إذا سجد على الطاهر، لعدم تحقق المنافي، ومقتضاه أنه وإن
كان الموجود في الخارج من وضع الجبهة عليهما، وقد يناقش باطلاق معاقد الاجماعات
اشتراط طهارة محل الجبهة، وتدفع بأن المراد المعتبر من محل الجبهة، ضرورة كون
الفرض حينئذ كوضع الجبهة على ما يصح السجود عليه وما لا يصح، فإنه لا إشكال في
الصحة مع فرض تحقق مقدار الواجب منها وإن قارنه غيره، وكونه وضعا واحدا
لا مدخلية له في المقام، فتأمل.
ولو ضاق الوقت وانحصر الأمر في الفرض ففي كشف الأستاذ أعنى السجود
بمقدار ما يقارب محل السجود. ولا يلزمه الإصابة، ولا يكفيه مجرد الايماء على الأحوط،
ولو أمكن رفع مسجد طاهر لزم، قلت: يمكن القول بوجوب الإصابة عليه تحصيلا
لكمال السجود إن لم نقل بسقوط شرطية الطهارة في الفرض، ولو كان بدنه من الجبهة
وغيرها وثيابه متلوثة بالنجاسة ففي كشف الأستاذ استوى المتعدي وغيره في الجواز في
وجه يشتد ضعفه مع زوال العين وبقاء الحكم، وفيه أيضا ولو أزيل المانع من النجاسة
عن المكان وأمكن التطهير أو التبديل من غير فعل مناف لزم وأتم، وإلا قطع وأعاد
مع سعة الوقت، ومع ضيقه بحيث لا يفي بركعة أثم ولا قضاء، وأما البحث في الجهل
بنجاسة محل الجبهة أو نسيانه فستعرف البحث فيه في أحكام الخلل، كما أنك تعرف
إن شاء الله بعض الأحكام في بحث ما يسجد عليه، والله أعلم.
338

* (وتكره الصلاة في الحمام) * على المشهور نقلا وتحصيلا: بل في الخلاف والغنية
الاجماع عليه، للنهي عنها المحمول عليها في مرسلي عبد الله بن الفضل (1) وابن
أبي عمير (2) " عشرة مواضع لا تصل فيها: الطين والماء والحمام والقبور ومسان الطرق
وقرى النمل ومعاطن الإبل ومجرى الماء والسبخ والثلج " لضعف السند عن تقييد
الاطلاقات ومعارضة المحكي من الاجماعين، وموثق عمار (3) سأل الصادق (عليه السلام)
" عن الصلاة في بيت الحمام فقال: إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس " وحمله على إرادة
المسلخ بقرينة ما في صحيح علي بن جعفر (4) سأل أخاه موسى (عليه السلام) " عن
الصلاة في بيت الحمام فقال: إذا كان الموضع نظيفا فلا بأس يعني المسلخ " إذ فهم مثله
حجة ليس بأولى من الحمل على إرادته بيان الجواز، وفهم علي بن جعفر في خصوص
الخطاب المزبور المحتمل اشتماله على قرائن الأحوال لا يقتضي إرادته من الخطاب الآخر،
بل لعل حمل صحيح علي بن جعفر أولى مما فهمه هو، ودعوى حجية مثله بعد نقل
اللفظ وظهور كون التفسير اجتهادا لا نقلا يمكن منعها، على أن الذي صرح به غير
واحد كون التفسير من الصدوق لا من علي بن جعفر، لكن المتجه على ذلك شمول
الكراهة للمسلخ، ضرورة كونه منه عرفا، وملاحظة مبدأ الاشتقاق فيه منافيه للعرف،
ولعله وجه التسمية الذي لا يعتبر اطراده، أو أنه كان في الأصل كذلك ثم غلب،
وكأنه لذلك لم يستثنه المصنف، بل هو الظاهر من معقد إجماع الخلاف، بل عن
الأردبيلي أنه لا يبعد دخوله فيه. لكن صريح الفاضل وبعض من تأخر عنه كالمحكي
عن السرائر وظاهر التهذيب استثناؤه، ولعل التسامح في أمر الكراهة يؤيد الأول،
وليس العلة فيها مظنة النجاسة كي يتجه انتفاؤها بانتفائها، بل لعلها تكشف العورة أو

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
(3) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 34 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1
339

المشغولية بورود الناس وصدورهم، بل في الفقيه لأنه مأوى الشياطين أو غير ذلك،
فالنهي حينئذ على ظاهره، إذ احتمال كون العلة فيه النجاسة فيدور الحكم مدارها لا يجدي
في رفع ظاهر النهي، ومن هنا كان المتجه الكراهة فيه وإن كان نظيفا، إلا أن
الظاهر خفتها فيه، فما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين من دورانها على ذلك
وعدمه لا يخلو من نظر.
نعم لا بأس بالصلاة على سطحه قطعا، للأصل السالم عن المعارض، وعلى كل
حال فلا إشكال في عدم الحرمة من حيث الحمامية، وما عن الكافي - من أنه لا يحل
للمصلي الوقوف في معاطن الإبل ومرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ومرابض الغنم
وبيوت النار والمزابل ومذابح الأنعام والحمامات وعلى البسط المصورة وفي البيت المصور،
ولنا في فسادها في هذه المحال نظر - واضح الضعف، خصوصا ما ذكره من النظر في
الفساد، ضرورة عدم الاشكال فيه بناء على الحرمة كما هو واضح، والله أعلم.
* (و) * كذا تكره الصلاة في * (بيوت الغائط) * وفاقا للمشهور نقلا في المحكي عن
التخليص إن لم يكن تحصيلا، بل في كشف اللثام عن الغنية الاجماع عليه وإن كنا لم
نتحققه، اللهم إلا أن يكون أخذه من الاجماع فيها على المزبلة، وحينئذ يمكن الاستدلال
عليه بنهي النبي (صلى الله عليه وآله) (1) عن الصلاة في سبعة مواطن: ظهر بيت الله
والمقبرة والمزبلة والمجزرة والحمام وعطن الإبل ومحجة الطريق مؤيدا بقوله (عليه السلام)
في خبر عبيد بن زرارة (2): " الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة " وبأنه
مظنة النجاسة، ومناف لتعظيم الصلاة، وبفحوى النهي (3) عنها إلى حائط ينز من

(1) كنز العمال ج 4 ص 74 - الرقم 1483
(2) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(3) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب مكان المصلي
340

بالوعة، والنهي (1) عنها إلى عذرة، ونصوص (2) عدم دخول الملائكة بيتا يبال فيه،
أو فيه بول في إناء فلا يصلح للعبادة، وصحيح زرارة وحديد بن حكيم الأزدي (3)
سألا الصادق (عليه السلام) " عن السطح يصيبه البول ويبال عليه أيصلى في ذلك الموضع
فقال: إن كان تصيبه الشمس والريح فكان جافا فلا بأس به إلا أن يكون يتخذ مبالا "
مضافا إلى التسامح، فالتأمل فيها حينئذ في غير محله، كالمحكي عن المقنعة من التعبير بعدم
الجواز، والنهاية بالنهي، ضرورة عدم صلاحية ما عرفت لاثبات الحرمة، ويمكن
إرادتهما الكراهة من ذلك، وقد سمعت كلام الحلبي بناء على إرادته ما يشمل بيوت
الغائط من المزابل فيه، وعلى كل حال فضعفه واضح.
* (و) * كذا تكره في * (مبارك الإبل) * كما في المحكي عن التخليص، ونحوه
ما حضرني من نسخة النافع " المنازل " والمشهور في التعبير المعاطن كالنصوص (4) وكأن
المصنف أشار بذلك إلى أن المراد بها المبارك كما عن الفاضل والشهيد وغيرهما التصريح به،
بل في التحرير عن الصحاح وفي جامع المقاصد عن المنتهى أن الفقهاء جعلوا المعاطن هي
المبارك التي تأوى إليها الإبل مطلقا، وعن السرائر أن أهل الشرع لم يخصوا ذلك بمبرك
دون مبرك، قلت: بل أهل اللغة يعرفون من الفقهاء ذلك، فعن الأزهري أنها في
كلامهم المبارك، فما في الروضة تبعا للمشهور عند أهل اللغة من أنها مبارك الإبل عند
الشرب ليشرب علا بعد نهل لا يخلو من نظر إن أراد بذلك قصر الكراهة عليه،
مع أنه حكى في كشف اللثام عن العين - بعد تفسير العطن بما حول الحوض والبئر من

(1) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب مكان المصلي
(3) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب النجاسات - الحديث 2 وفي النسخة الأصلية
" حكم " والصحيح ما أثبتناه
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب مكان المصلي
341

مباركها - أنه قال: " ويقال: كل مبرك كون مألفا للإبل فهو عطن بمنزلة الوطن للناس،
وقيل: أعطان الإبل لا تكون إلا على الماء، فأما مباركها في البرية فهي المأوى والمراح "
وظاهره حيث نسب الأخير إلى القيل اختيار الأول، وعن ابن فارس في المقاييس
" العين والطاء والنون أصل صحيح واحد يدل على إقامة وثبات، من ذلك العطن
والمعطن، وهو مبرك الإبل، ويقال: إن إعطانها أن تحبس عند الماء بعد الورد،
قال لبيد:
عافت الماء فلم تعطنهما * إنما يعطن من يرجو العلل
ويقال: كل منزل يكون مألفا للإبل فالمعطن ذلك الموضع.
ولا تكلفي نفس ولا تقلعي * حرصا أقيم به في معطن الهون
وقال آخرون: لا تكون أعطان الإبل إلا على الماء، فأما مباركها بالبرية أو عند
الحي فهي المأوى والمراح، وهذا البيت الذي ذكرناه في معطن الهون يدل على أن
المعطن يكون حيث تحبس الإبل في مباركها أين كانت، وبيت لبيد يدل على القول
الآخر، والأمر قريب " انتهى. قلت: بل يناسب التعميم عدم تعقل الفرق بين مبارك
الماء وغيرها، بل التعليل في المروي عن دعائم الاسلام (1) عن النبي (صلى الله عليه وآله)
" إنه نهى عن الصلاة في أعطان الإبل، لأنها خلقت من الشياطين " والنبوي (2)
وإن كان عاميا قال: " إذ أدركتكم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فاخرجوا منها
وصلوا، فإنها جن من جن خلقت، ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها " شاهد
عليه، مضافا إلى التسامح، فالمعاطن أو الأعطان أو نحوهما حينئذ في المراسيل الثلاثة

(1) المستدرك - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 لكن رواه
عن غوالي اللئالي
(2) كنز العمال ج 4 ص 74 - الرقم 1484
342

السابقة وصحيحي الحلبي (1) وابن مسلم (2) وموثق سماعة (3) وخبري المعلى (4) وعلي
ابن جعفر (5) وغيرها ومعقد صريح الاجماع المحكي عن الغنية وظاهر المنتهى إن لم يكن
معناها مطلق المبارك فمراد منها ذلك ولو بقرينة ما عرفت، بل لا فرق بين وجودها
فيه وعدمه، لكن عن المنتهى أنه استوجه عدم الكراهة في المواضع التي تبيت فيها
الإبل في سيرها أو تناخ لعلفها أو وردها، ولعله يريد الذي لم يتخذ مألفا، بل كان
في السير ونحوه، وإلا كان واضح المنع، خصوصا في مناخ الورد الذي هو معنى المعطن
أو من أفراده.
وكيف كان فلا ريب في الكراهة كما لا يخفى على من لاحظ نصوص المقام،
وما في بعضها (6) من نفي الصلاحية، وآخر (7) من لفظ الكراهة، وثالث (8) من
اعتبار الرش والكنس ونظمه في سلك المعلوم كراهته، وإجماع الأصحاب وغير ذلك،
فما سمعته من الحلبي من القول بالتحريم بل قيل: إنه ظاهر المقنعة واضح الفساد، مع
احتمال إرادة الكراهة مما في المقنعة كالنهي في المحكي عن نهاية الشيخ، خصوصا بعد
تصريحه في موضع آخر منها بالكراهة كما قيل.
ثم إن الظاهر خفة الكراهة بالكنس والرش خصوصا إذا خاف على متاعه
التلف لو صلى في غير ذلك، لكن ينبغي انتظار يبسه كما في موثق سماعة (9) ويحتمل
العدم لاطلاق صحيحي الحلبي (10) وإمكان حمل موثق سماعة على اليبس في مرابض
الغنم، والأمر سهل، والله أعلم.
* (و) * كذا تكره في * (مساكن النمل) * إجماعا في الغنية، ونصوصا، منها المرسلان

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1 - 4 - 5 - 6 - 6 - 5 - 2 - 4 - 2
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(6) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(7) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(8) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(9) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(10) تقدم آنفا تحت رقم 1.
343

السابقان (1) إذ هي المراد من القرى فيهما كما عن المحيط وفقه اللغة للثعالبي والسامي
تفسيرها بالمأوى، لكن عن القاموس أنها مجمع ترابها، وفي الصحاح والمحكي عن
الأساس والشمس جرائيمها أي مجتمعها أو مجتمع ترابها، وفي خبر عبد الله بن عطا (2)
عن الباقر (عليه السلام) " هذا وادي النمل لا يصلي فيه " وفي المروي (3) عن تفسير
العياشي " هذه أودية النمال وليس يصلى فيها " مضافا إلى ما عن الصدوق من التعليل
بأنها لا تخلو من التأذي بالنمل واشتغاله بذلك، ولعل منه يمكن أن يتعدى إلى مطلق
مساكن باقي الحيوانات مما يتأذى الواقف فيه منها، والظاهر تحقق الكراهة في مسمى
القرية والمسكن والوادي وإن لم يكن فيه نمل ظاهر حال الصلاة، والله أعلم.
* (و) * كذا تكره عند علمائنا في جامع المقاصد والمحكي عن المنتهى في * (مجرى
المياه) * للمرسلين (4) وخبر المناهي (5) وقول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر
أبي هاشم الجعفري (6): " لا تصل في بطن واد جماعة " وفي كشف اللثام لا فرق
بين أن يكون فيه ماء أو لا توقع جريانه عن قريب أو لا، صلى على الأرض أو في
سفينة، بل عن المنتهى وكذا لو صلى على ساباط تحته نهر يجري أو ساقية، ثم قال:
" وهل يشترط جريان الماء؟ عندي فيه توقف، أقربه عدم الاشتراط " وقال أيضا:
" وهل تكره الصلاة على الماء الواقف؟ فيه تردد، أقربه الكراهية " وعن التحرير نفي
البأس عن الصلاة على ساباط يجري تحته نهر أو ساقية، وقرب الكراهية على الماء

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
(3) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
(5) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(6) الوسائل - الباب - 29 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
344

الواقف، وعن نهاية الإحكام أنه إن أمن السيل احتمل بقاء الكراهة اتباعا لظاهر
النهي، قال في المدارك: لم أقف على ما ادعاه من الاطلاق، قلت: يمكن إرادته ما سمعت
من قول أبي الحسن (عليه السلام)، بل الظاهر أن المراد بمجرى الماء محل جريان الماء
وإن لم يكن جاريا فيه فعلا بل ولا متوقفا فيه كما سمعته من الكشف، فما عن البحار
- من أن ظاهر الأخبار كراهة الصلاة في المكان الذي يتوقع فيه جريان الماء، وفي المكان
الذي يجري فيه الماء فعلا - لا يخلو من تأمل، وعلى كل حال فليس منه الساباط قطعا،
بل ولا الماء الواقف، بل قد يتأمل في السفينة، والله أعلم.
* (و) * كذا تكره الصلاة في * (أرض السبخة) * بفتح الباء واحدة السباخ، وهو
ما يعلوها كالملح، وإن وقعت نعتا للأرض كسر الباء فيها، وربما قرئت في نحو المتن
بكسر الباء على إرادة الأرض ذات السباخ من إضافة الموصوف إلى الصفة كمسجد
الجامع، وكيف كان فالمشهور بين الأصحاب ذلك، بل عن الخلاف والغنية وظاهر
المنتهى الاجماع عليه، للنهي عنه في المرسلين السابقين المحمول عليها بالاجماع السابق،
وفي خبر معمر بن خلاد (1) عن أبي الحسن (عليه السلام) " لا تسجد في السبخة "
وسأل علي بن جعفر أخاه (عليه السلام) في المروي عن كتابه (2) " عن الأرض
السبخة أيصلي فيها؟ فقال: لا إلا أن يكون فيها نبت إلا أن يخاف فوت الصلاة "
وهي المرادة من المالحة أو مندرجة فيها في خبر عبد الله بن عطا (3) في حديث " أنه
سار مع أبي جعفر (عليه السلام) حتى إذا بلغا موضعا قال له: الصلاة جعلت فداك،
فقال: هذا وادي النمل لا يصلى فيه حتى إذا بلغا موضعا آخر، قال له: مثل ذلك فقال:
هذه أرض مالحة لا يصلي فيها " وكره الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي أو حسنه (4)

(1) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب 20 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 11 - 5 - 1
(3) الوسائل - الباب 20 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 11 - 5 - 1
(4) الوسائل - الباب 20 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 11 - 5 - 1
345

الصلاة في السبخة إلا أن يكون مكانا لينا يقع فيه الجبهة مستوية، وسأله في صحيحه (1)
الآخرة " عن الصلاة في السبخة فكرهه، لأن الجبهة لا تقع مستوية عليها، فقلنا فإن كانت
أرضا مستوية فقال: لا بأس فيها " وسأله (ع) أبو بصير أيضا في الموثق (2) " عن الصلاة في السبخة
لم تكرهه؟ قال: لأن الجبهة لا تقع مستوية، فقلت: إن كان فيها أرض مستوية فقال:
لا بأس " ومعلى بن خنيس (3) " عن السبخة أيصلي الرجل فيها؟ فقال: إنما يكره
الصلاة فيها من أجل أنها لا يستمكن الرجل يضع وجهه كما يريد، قلت: أرأيت إن
هو وضع وجهه متمكنا؟ فقال: حسن " وهي المراد من الحرمة في خبر ابن السري (4)
" قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لم حرم الله الصلاة في السبخة؟ فقال: لأن
الجبهة لا تتمكن عليها " أو تبقى على حقيقتها مع إرادة عدم تحقق الواجب من التمكن،
بل لعله محتمل في كل خبر نهي عنها فيه مع ذكر التعليل وبدونه، بل والمشتمل على
لفظ الكراهة مما سمعت، بل وخبر يحيى بن أبي العلاء (5) المروي عن أمالي الشيخ
قال: " سمعته (عليه السلام) يقول: لما أخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى نهروان
وطعنوا في أرض بابل حتى دخل وقت العصر فلا يقطعوها حتى غابت الشمس فنزل
الناس يمينا وشمالا يصلون إلا الأشتر وحده، قال: لا أصلي حتى أرى أمير المؤمنين
(عليه السلام) قد نزل يصلي، فلما نزل قال: يا مالك إن هذه أرض سبخة ولا تحل
الصلاة فيها، فمن كان صلى فليعد الصلاة ".
وأما احتمال الحرمة وإن حصل الواجب من التمكن فيها فلا ريب في بطلانه،

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب مكان المصلي الحديث 2 - 7 - 10 - 3
(2) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب مكان المصلي الحديث 2 - 7 - 10 - 3
(3) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب مكان المصلي الحديث 2 - 7 - 10 - 3
(4) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب مكان المصلي الحديث 2 - 7 - 10 - 3
(5) المستدرك - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 وفي المستدرك
عن يحيى بن العلاء الرازي
346

للنصوص المزبورة المعتضدة بالاجماع المحكي إن لم يكن محصلا، وإطلاق الأدلة،
وخصوص موثق سماعة (1) " سألته عن الصلاة في السباخ فقال: لا بأس " والمروي (2)
عن العلل مسندا عن أم المقدام الثقفية عن جويرية بن مسهر قال: " قطعنا مع أمير المؤمنين
(عليه السلام) جسر الصراة في وقت العصر، فقال: إن هذه أرض معذبة لا ينبغي
لنبي ولا وصي نبي أن يصلي فيها، فمن أراد منكم أن يصلي فليصل " ونحوه عن بصائر
الدرجات، بل عن الفقيه (3) مرسلا عن جويرية " إن هذه أرض ملعونة عذبت
في الدهر ثلاث مرات " قال: " وفي خبر آخر مرتين " مع ورود الأخبار بأن
الأرض كانت سبخة، ولعله لهذا الخبر قال الصدوق في المحكي من خصاله: " أنه لا يصلي
في السبخة نبي ولا وصي نبي، وأما غيرهما فإنه متى دق مكان سجوده حتى تتمكن الجبهة
فيه مستوية في سجوده فلا بأس " وإن كان هو ضعيفا لم أجد من وافقه عليه إلا ما يحكى
عن المجلسي من الميل إليه، إلا أنه في غير محله، لعدم صلاحية الخبر المزبور سندا
ودلالة لقطع الاطلاقات، وأصالة الاشتراك، خصوصا بعد الاعراض عنه، على أنه لا ظهور
فيه بأن امتناعه (عليه السلام) كان للسبخ، بل لعله للتعذيب، بل هو الظاهر منه،
اللهم إلا أن يجعل السبخ علامة التعذيب كما يومي إليه ما عن علل محمد بن علي بن إبراهيم
ابن هاشم من أن العلة في السبخة أنها أرض مخسوف بها، واحتمال إرادة أنه ينخسف
وينغمر فيها الجبهة وغيرها من الأعضاء بعيد جدا، وحينئذ فالظاهر ولو بقرينة خبر
يحيى بن أبي العلاء المتقدم - إذ الظاهر اتحاد القضية فيهما - كون المراد أنه لا ينبغي للنبي

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 هكذا في النسخة
الأصلية وفي الوسائل " الفرات " بدل " الصراة "
(3) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
347

والوصي الصلاة من جهة شدة الكراهة لهما، أو لأنهما لا يفعلان إلا الراجح لا أن ذلك
مختص بهما، وعن القاموس أن الصراة نهر بالعراق، وعن بعض النسخ الفرات، فلعله
كان مكان جسر الحلة، وعن الفقيه والبصائر نهر سوري، وهو موضع بالعراق.
وعلى كل حال فما عن المقنعة من أنه " لا تجوز الصلاة فيها " والنهاية " لا يصلى "
والعلل " باب العلة التي من أجلها لا تجوز الصلاة في السبخة " إن كان المراد منه الكراهة
أو الحرمة حيث لا يحصل الواجب من التمكن فمرحبا بالوفاق، وإلا كان ضعيفا جدا،
ويقوى في النفس بمشاهدة حصول الواجب من التمكن في الغالب من الأرض السبخة
أن المراد من التعليل في النصوص السابقة كمال التمكن، بل قد يستفاد منه حينئذ كراهة
تركه مطلقا ولو في غير السبخة، وحينئذ تزول الكراهة بحصول التمكن ولو بدق
الأرض وتسويتها، ومن هنا قيدها في المفاتيح والمحكي عن المبسوط والوسيلة بما إذا لم
يتمكن من السجود عليها، بل هو مقتضى استدلال غيرهم عليه بعدم حصول التمكن أو
كماله، بل صرح بعضهم أنه إن تمكن فلا بأس، لكن قد يشكل باطلاق كثير من
الأصحاب ومعاقد الاجماعات وبعض النصوص (1) وما سمعته من التعليل السابق بأنها
معذبة، مع التسامح في الكراهة، فيحتمل حينئذ إرادة الحكمة من التعليل المزبور،
أو حصول الخفة معه لا زوالها أصلا، هذا.
وقد يستفاد من التعليل بالتعذيب والخسف كراهة الصلاة في كل أرض عذاب
أو خسف بل أو سخط عليها كما عن الحلي والفاضلين والشهيد التصريح به، وربما يؤيده
ما عن النبي (صلى الله عليه وآله) (2) " إنه لما مر بالحجر قال لأصحابه: لا تدخلوا
على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم ".

(1) الوسائل - الباب - 20 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 و 6 و 9
(2) سنن البيهقي - ج 2 ص 451 مع اختلاف يسير
348

قيل: ومن ذلك الصلاة في المواطن الأربعة: البيداء وضجنان وذات الصلاصل
ووادي الشقرة، لأنها من المواضع المغضوب عليها، وأنها مواضع خسف، بل قيل:
إن ذات الصلاصل اسم الموضع الذي أهلك الله فيه النمرود، وضجنان واد أهلك الله
فيه قوم لوط، والبيداء هي التي يأتي إليها جيش السفياني قاصدا مدينة الرسول (صلى الله
عليه وآله) فيخسف الله به تلك الأرض. وفي خبر ابن المغيرة (1) المروي عن
كتاب الخرائج والجرائح " نزل أبو جعفر (عليه السلام) في ضجنان فسمعناه يقول
ثلاث مرا ت: لا غفر الله لك، فقال له أبي: لمن تقول جعلت فداك؟ قال: مر بي
الشامي لعنه الله يجر سلسلته التي في عنقه وقد دفع لسانه يسألني أن أستغفر له، فقلت
له: لا غفر الله لك " وعن عبد الملك القمي (2) " سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)
يقول: بينا أنا وأبي متوجهان إلى مكة من المدينة فتقدم أبي في موضع يقال له ضجنان
إذ جاءني رجل في عنقه سلسلة يجرها فأقبل علي فقال: اسقني فسمعه أبي فصاح بي
وقال: لا تسقه لا سقاه الله تعالى، فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحها على
وجهه في أسفل درك الجحيم، فقال أبي: هذا الشامي لعنه الله تعالى " والمراد به
على الظاهر معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله تعالى في سورة الحاقة.
قلت: لكنا في غنية عن ذلك باستفاضة النصوص (3) في النهي عنها بالخصوص
المحمول على الكراهة لقرائن متعددة، وبما عن الغنية من الاجماع على الكراهة في
الأربعة، والظاهر كما هو صريح بعضهم أنها أماكن مخصوصة، بل هو مقتضى جميع
ما سمعته، بل لا ينبغي التأمل في البيداء وضجنان منها، لتصريح النصوص (4) وغيرها

(1) الخرائج والجرائح ص 134 وفي الثاني عن أخيه إدريس
(2) الخرائج والجرائح ص 134 وفي الثاني عن أخيه إدريس
(3) الوسائل - الباب - 23 و 24 - من أبواب مكان المصلي
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب مكان المصلي
349

بكونهما مكانين مخصوصين، بل في خبر ابن أبي نصر (1) منها عن أبي الحسن (عليه
السلام) قلت: " وأين حد البيداء؟ فقال: كان جعفر (عليه السلام) إذا بلغ ذات
الجيش جد في السير ثم لا يصلي حتى يأتي معرس النبي (صلى الله عليه وآله)، قلت:
وأين ذات الجيش؟ فقال: دون الحفيرة بثلاثة أميال " بل وذات الصلاصل، لقول
الصادق (عليه السلام) في موثق عمار (2): " الصلاة تكره في ثلاثة مواطن من الطريق:
البيداء، وهي ذات الجيش، وذات الصلاصل وضجنان: والمراد طريق مكة من المدينة،
كما يشهد له المرسل (3) عن المقنعة قال: " قال (عليه السلام): تكره الصلاة في طريق
مكة في ثلاثة مواضع: أحدها البيداء، والثاني ذات الصلاصل، والثالث ضجنان "
فما عن السرائر والمنتهى من تفسير ذات الصلاصل بأنها الأرض لها صوت ودوي، وعن
الشهيد من أنها الطين الحر المخلوط بالرمل، فصار صلصالا إذا جف أي يصوت إن كان
المراد به التعميم لكل أرض كذلك فلا يخلو من إشكال أو منع، وإن كان المراد به
وجه المناسبة أو بيان الأصل فلا بأس به.
أما وادي الشقر بفتح الشين وكسر القاف فعن السرائر أنه موضع مخصوص
سواء كان فيه شقائق النعمان أو لم يكن، قال: وليس كل موضع فيه شقائق النعمان تكره
الصلاة فيه، ثم استند في ذلك إلى كلام ابن الكلبي، ويؤيده ما عن مجمع البحرين في
الحديث (4) " نهي عن الصلاة في وادي الشقرة " بضم الشين وسكون القاف، وقيل
بفتح الشين وكسر القاف موضع معروف في مكة، بل يؤيده أيضا تعليل الصادق (عليه
السلام) النهي عن الصلاة فيه في موثق عمار (5) بأن فيه منازل الجن، اللهم إلا أن

(1) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 9
(2) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 لكن رواه
عن معاوية بن عمار
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 9
(4) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 24 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2
350

يكون المراد أنهم ينزلون في كل مكان فيه شقائق النعمان، وهو المراد من وادي الشقرة
كما عن بعض أصحابنا، ويؤيده التسامح في أمر الكراهة، وظهور كون السبب
مشغولية القلب، لكن يمكن كونه المكان المخصوص وإن قلنا بعموم الكراهة لذلك،
والأمر سهل.
* (و) * كذا تكره الصلاة في أرض * (الثلج) * كما ذكره غير واحد للمرسلين
السابقين (1) وموثق عمار (2) وصحيح هشام بن الحكم (3) المروي عن كتاب محمد
ابن علي بن محبوب عن الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يصلي على الثلج قال: لا،
فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه، وصلى عليه " وعن مشكاة الأنوار (4) للطبرسي
" إن رجلا أتى أبا جعفر (عليه السلام) فقال له: أصلحك الله إني أتجر إلى هذه
الجبال فنأتي أمكنة لا نستطيع أن نصلي إلا عل الثلج، فقال (عليه السلام): ألا تكون
مثلا فلان يعني رجلا عنده يرضى بالدرن؟ ولا تطلب التجارة إلى أرض لا تستطيع
أن تصلي إلا على الثلج " بل لعله المراد من النهي عن السجود في خبري معمر بن خلاد (5)
وداود الصرمي (6) عن أبي الحسن (عليه السلام)، لظهور إرادة الكراهة منه فيهما
بقرائن متعددة التي لا تلائم إرادة السجود حقيقة عليه، لمعلومية عدم جوازه لا كراهته
وإن أبيت فالنصوص الأول المعتضدة بفتوى من تعرض له كافية فيه، ولضعف بعضها
سندا، وظهور الكراهة في جميعها، بل لم أعثر على قائل بالحرمة هنا، والاطلاقات
وجب حمل النهي فيها على ذلك، ومن الغريب احتمال بعض متأخري المتأخرين بقاء
النهي فيها على حقيقته مع حمل الصلاة على ذات السجود عليه، فيكون الحرمة حينئذ

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6 - 5
(2) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1 - 3
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6 - 5
(4) المستدرك - الباب - 21 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1 - 3
(6) الوسائل - الباب - 28 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1 - 3
351

متجهة، لعدم جواز السجود عليه، ومقتضاه حينئذ بقاء الكراهة بلا دليل، وفيه أنه
لا دليل في الصلاة عليه على السجود عليه، بل الظاهر صدقها بدونه، بل التأمل في
النصوص يقضي بالقطع بإرادة الصلاة عليه مع السجود على غيره مما يصح السجود عليه،
بل ظاهر موثق عمار وصحيح هشام السابقين بقاء الكراهة حتى لو فرش عليه فراشا
إلا إذا لم يقدر على الأرض.
* (و) * كذا تكره الصلاة * (بين المقابر) * على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا
بل عن الغنية وظاهر المنتهى الاجماع عليه، جمعا بين ما يقتضي الجواز - من الأصل
والاطلاقات والاجماع السابق المعتضد بما عرفت وخصوص صحيح علي بن جعفر (1)
سأل أخاه موسى (عليه السلام) " عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ فقال: لا بأس "
وصحيح علي بن يقطين (2) " سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عن الصلاة بين
القبور هل تصلح؟ قال: لا بأس " بل وصحيح ابن خلاد (3) عن الرضا (عليه السلام)
" لا بأس بالصلاة بين المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة " بناء على ما تسمع في تفسيره،
كصحيح زرارة (4) المروي عن العلل قال لأبي جعفر (عليه السلام): " الصلاة بين
القبور فقال: بين خللها، ولا تتخذ شيئا منها قبلة، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
نهى عن ذلك، وقال: لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا، فإن الله تعالى لعن الذين
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " - وبين النهي في المرسلين السابقين (5) وخبر المناهي (6)
" نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصلي الرجل في المقابر والطرق والأرحية

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 4 - 3 - 2
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 4 - 3 - 2
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 4 - 3 - 2
(4) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
(6) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 4 - 3 - 2
352

والأدوية ومرابط الإبل وعلى ظهر الكعبة " وخبر عبيد بن زرارة (1) سمع الصادق
(عليه السلام) يقول: " الأرض كلها مسجد إلا بئر غائط أو مقبرة " وخبر النوفلي (2)
" قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الأرض كلها مسجد إلا الحمام والقبر " وموثق
عمار (3) سأل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يصلي بين القبور، قال: لا يجوز
ذلك إلا أن يجعل بينه وبين القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه وعشرة أذرع
من خلفه وعشرة أذرع عن يمينه وعشرة أذرع عن يساره ثم يصلي إن شاء " والشاهد
الاجماع السابق المعتضد بما عرفت، وجمعه في المرسلين وغيرهما مع معلوم الكراهة بلفظ
واحد، وعموم المجاز وإن كان جائزا إلا أنه محتاج إلى قرينه، وليست، بل خلافها
موجود، على أن شاهد الجمع يحتاج إليه بعد فرض تكافؤ الأدلة، ومن المعلوم رجحان
أدلة الجواز سندا واعتضادا ودلالة، فيتعين حمل المنافي حينئذ على الكراهة التي هي
بعد التسامح فيها أولى من الطرح، بل الظاهر انسياقها إلى الذهن بعد فرض رجحان
المقابل، وصيرورته بذلك كالنص على الجواز مع معلومية كون كلامهم (ع) بمنزلة متكلم
واحد وأن الخبر الوارد عنهم (ع) بالطريق المعتبر حجة علينا يعامل معامله المسموع منهم.
ومن ذلك يظهر أن الجمع بينهما بحمل ما دل على الجواز على حصول البعد المزبور
للاطلاق والتقييد في غير محله، لعدم التكافؤ، مع أنه ينافيه صحيحا زرارة ومعمر بناء
على إرادة كونه بين يدي المصلي من الاتخاذ قبلة فيه، ضرورة اقتضائه منع ذلك فيه
وإن حصل البعد المزبور، ولم يقل به أحد، نعم - بناء على إرادة استقبال أي جزء
منه كالكعبة من الاتخاذ كما هو الظاهر المناسب للفظ الاتخاذ الظاهر في القصد القلبي،
ولظاهر كون الشرط مع تحقق موضوع البينية، لا أن المراد منه استثناء بعض الأفراد

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
353

منها، ولا شعار ذيل صحيح زرارة منهما بذلك، كالمرسل (1) في الفقيه عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا، فإن الله عز وجل لعن
اليهود حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " بل الظاهر إرادة ذلك من الاتخاذ قبلة فيه
كالاتخاذ مسجدا، بل لعل المراد النهي عن البناء عليه معاملين له معاملة الكعبة في استقبال
أي جزء منه، كما أنه المراد من اتخاذه مسجدا بناؤه معاملا معاملة المساجد في الصلوات
فيه ونحوها - يتجه حينئذ تقييد الصحاح الأربعة (2) بالموثق المزبور (3) لو كان له
مقاومة، فما عن سلار - من فساد الصلاة في المقابر، بل حكاه الشيخ في الخلاف قولا
لبعض الأصحاب لنحو ما سمعت مما ذكرنا حمله على الكراهة - في غاية الضعف، بل يمكن
دعوى سبقه بالاجماع في الجملة ولحوقه به.
كما أن ما عن المفيد والحلبي من عدم جواز الصلاة إلى القبور للصحيحين
المزبورين (4) كذلك أيضا، وإن اختاره في الحدائق مدعيا أنه هو الذي يقتضيه الجمع
بين الأخبار بحمل ما دل على الجواز على غير المتخذ قبلة للاطلاق والتقييد، بل لا معارض
أصلا للمقيد منهما، إذ الموثق مؤكد له، نعم يراد منه الكراهة بالنسبة إلى غيره جمعا
بينه وبين أدلة الجواز من الصحاح الأربعة وغيرها التي لا يمكن تقييدها بما في الموثق
من التباعد عشرة أذرع كي يبقى النهي فيه على حاله بعد تقييد المتخذ قبلة به، وهو
مستثنى منها، فلا محيص عن الجمع بالكراهة حينئذ، ولا مانع من إرادة القدر المشترك
على عموم المجاز من نفي الجواز فيه، والحرمة والكراهة مشتركان في الرفع بما فيه من

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 و 3 و 4
والباب 26 - الحديث 5
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 والباب 26 - الحديث 5
354

التباعد، إذ فيه - مع عدم التكافؤ كما عرفت، وإرادة الحرمة والكراهة من لفظ " لا
يجوز " في الموثق بلا قرينة، وأن أحد الصحيحين مع كون دلالته بالمفهوم لا يقتضي
إلا ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة، واحتمالهما معا التقية، لأنهم رووا نحوها،
وعن أحمد منهم العمل بها - أنك قد عرفت كون المراد بالصحيحين الاتخاذ كالكعبة
في استقبال أي جزء منه، لا أقل من تساوي الاحتمالين فيه، فلا يخرج بمثلهما عن
أدلة الجواز المعتضدة بما عرفت.
على أن قد يشكل باستفاضة النصوص في الصلاة خلف قبور الأئمة (عليهم السلام)
ففي خبر عبد الله الحميري (1) المروي في التهذيب " كتبت إلى الفقيه (عليه السلام)
أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمة (عليهم السلام) هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟
وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم (عليهم السلام) أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة
ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت أما السجود على القبر فلا يجوز في نافلة ولا فريضة
ولا زيارة، بل يضع خده الأيمن على القبر، وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله الإمام، ولا
يجوز أن يصلي بين يديه. لأن الإمام لا يتقدم، ويصلي عن يمينه وشماله " ومثله عن
الاحتجاج عن الحميري (2) عن صاحب الزمان (عليه السلام) إلا أنه قال: " ولا يجوز
أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن يساره، لأن الإمام لا يتقدم عليه ولا يساوى "
وقال الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن البصري (3) المروي عن مزار ابن قولويه
في حديث زيارة الحسين (عليه السلام): " من صلى خلفه صلاة واحدة يريد بها الله
تعالى لقي الله يوم يلقاه وعليه من النور ما يغشى له كل شئ يراه " وعنه أيضا مسندا

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2 - 6
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2 - 6
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2 - 6
355

إلى هشام بن سالم (1) في حديث طويل أنه قيل للصادق (عليه السلام): هل يزار
والدك؟ قال: نعم ويصلى عنده، قال: ويصلى خلفه ولا يتقدم عليه " وعنه أيضا مسندا
إلى الحسن بن عطية (2) عنه (عليه السلام) أيضا " إذا فرغت من التسليم على الشهداء
أتيت قبر أبي عبد الله (عليه السلام) تجعله بين يديك ثم تصلي ما بدا لك " قيل:
وهو مروي في الكافي أيضا.
وتقييد الصحيحين بما في هذه النصوص - فيستثنى حينئذ قبورهم (عليهم السلام)
من الاتخاذ قبلة فيهما كما التزمه في الحدائق - فيه أولا أنه لا يقول به المفيد ومن تبعه،
بل ظاهره عدم الفرق بين القبور في منع الصلاة إليها، لأنه قال بعد إطلاق المنع: وقد
قيل: لا بأس بالصلاة إلى قبلة فيها قبر إمام (عليه السلام) والأصل ما ذكرنا، لكنه
قال بعد ذلك بلا فصل: ويصلي الزائر مما يلي رأس الإمام، فهو أفضل من أن يصلي
إلى القبر من غير حائل بينه وبينه على حال، وظاهره الجواز لكنه مفضول، بل قد
ينقدح من ذلك - لمساواته بين الإمام وغيره - إرادة الكراهة من المنع في كلامه، بل
لعل الحلبي كذلك، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، ويكون المحدث البحراني خارقا
للاجماع بغير شئ يعول عليه. وثانيا أنه لا يتم في صحيح زرارة الذي هو أحد
الصحيحين المعتمد عليهما في تقييد أدلة الجواز، بل هو العمدة منهما باعتبار اشتماله على
النهي بخلاف الآخر المقتضي لثبوت البأس في المفهوم، وهو أعم من المنع، ضرورة
اقتضاء التعليل فيه مساواة القبور في منع الاتخاذ قبلة على وجه لا يصح تقييده بالنصوص
المزبورة، وحمله على الكراهة كقول النبي (صلى الله عليه وآله) (3) فيما أرسله في الفقيه:
" لا تتخذوا قبري قبلة ولا مسجدا " يقضي بإرادتها من المعلل حينئذ، ويتم المقصود

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7 - 3
(2) الوسائل - الباب - 69 - من كتاب المزار - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7 - 3
356

حتى في الصحيح الآخر الذي يحمل البأس في مفهومه حينئذ على الكراهة، واحتمال
خروج قبر النبي (صلى الله عليه وآله) من بين قبورهم - فيبقى على المنع كغيره من القبور
لعلمه بدفن الفاجرين معه، أو لأن قبر النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي يخشى من
اتخاذه قبلة وكون السجود له والشبه بفعل السابقين - لا يقوله الخصم بل ولا غيره،
وإن احتمله في المحكي عن البحار، إلا أنه لا يخفى بعده.
وكيف كان فلا ريب في أن الكراهة هي الأقوى، لكن في مصداق بين القبور
الذي هو موضوع الحكم في النصوص، أما القبر الواحد والقبران فقد ألحقهما جماعة،
بل عن الروض نسبته إلى الأصحاب، كما عن المنتهى أنه يلوح منه الاجماع ولعل الظاهر
إرادة الجميع الصلاة على القبر وإليه، أما الأول فلما في خبر يونس بن ظبيان (1) عن
أبي عبد الله (عليه السلام) " أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى أن يصلى على
قبر أو يقعد عليه أو يبنى " بل لعله المراد أيضا مما في حديث النوفلي (2) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " الأرض كلها مسجد إلا الحمام والقبر " المراد منه استثناء أرض
القبر من المسجدية التي هي بمعنى الصلاة عليها، بل لعله يندرج في قوله (عليه السلام)
في مرسلي العشرة (3) في القبور على إرادة معنى " على " من لفظ " في " والجمع مع
الاستغراق شامل للواحد. وأما الثاني فلنصوص الاتخاذ (4) بناء على تفسيرها
بالاستقبال، أو أن احتماله كاف في الكراهة، خصوصا مع تأييده بفتوى من عرفت،
وبما يشعر به بعض أسئلة قبور الأئمة (عليهم السلام) من معلومية مرجوحية استقبال

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 8
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
(4) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 والباب 26
الحديث 3 و 5
357

غيرها، وأن غرض السائل كونها هي كذلك أو لا، والأمر بالتنحي ناحية في قبر الحسين
(عليه السلام) فضلا عن غيره في خبر أبي اليسع (1) المروي عن مزار ابن قولويه،
قال: " سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع قال: إذا أتيت قبر الحسين
(عليه السلام) أجعله قبلة إذا صليت قال: تنح هكذا ناحية " وبغير ذلك. لا ما إذا
كان يمينا أو شمالا أو خلف، للأصل بلا معارض، واحتمال أن المراد بموثق عمار (2)
عدم كون القبر في جهة من الجهات، والبينية المذكورة فيه لا يراد منها اشتراط الكراهة
بها كما ترى، وإن كان الحكم مما يتسامح به.
وأما القبران فلا ريب في تحقق البينية بهما حيث يكونان على اليمين والشمال أو
أماما وخلفا مثلا، واحتمال كون المراد بينية قبور بمعنى كون ما على جهة اليمين مثلا
أقل جمع والشمال كذلك ينفيه إرادة الاستغراق من الجمع المنسلخ منه معه معنى الجمعية،
ولولا لفظ البينية لاجتزأنا بالواحد، لكن معها يجب إرادة مصداقها في أفراد القبر،
ولا ريب في تحققه هنا بالاثنين بعد القطع بعدم إرادة البينية بالنسبة إلى جميع القبور،
كما أن احتمال اعتبار البينية المربعة في الكراهة بقرينة استثناء مقدار العشرة من الجهات
الأربعة في الموثق - فلا يكفي حينئذ القبور على الجهتين في الكراهة فضلا عن القبرين -
ينفيه ما في ظاهر عبارات الأصحاب من عدم اعتبار أزيد من صدق البينية، بل لعله
مقطوع به من كلامهم، فينزل الموثق حينئذ على إرادة بيان التربيع حيث يكون، ومنه
يفهم البينية المثناة، هذا.
وقد ظهر من ذلك كله حينئذ أن الكراهة في الاستقبال والاستعلاء ومصداق
البينية، وقد تجتمع وقد تفترق، وربما يقال نظرا إلى حديث المناهي (3) وخبر عبيد

(1) الوسائل - الباب - 69 - من كتاب المزار - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5 - 2
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5 - 2
358

ابن زرارة (1) بالكراهة في مسمى المقبرة وإن لم يحصل فيها أحد الأمور الثلاثة، بل
لعل عبارة المصنف وما شابهها يراد منها بينية القبور فيها. بل لعل ذلك هو المراد من
الموثق، وعليه حينئذ لا تفترق بينية القبور عن الصلاة في المقبرة بخلاف العكس، وإن
أريد من الموثق بينية القبور وإن لم تكن في مقبرة حصل الافتراق منهما معا.
وعلى كل حال فالكراهة ثابتة في مصداق البينية * (إلا أن يكون حائل) * كما
في النافع والمحكي عن الجامع والتحرير والإرشاد والتذكرة والكفاية، بل في المدارك
نسبته إلى قطع الأصحاب، كما عن ظاهر المنتهى الاجماع عليه، ولعله كذلك في الجملة،
إذ معه يخرج عن مفاهيم ألفاظ النصوص والفتاوى، وإلا لزمت الكراهة وإن حالت
جدران، نعم ربما استشكل في المحكي عن المقنعة ونهاية الإحكام والتلخيص والبيان
واللمعة وإرشاد الجعفرية والروضة من الاكتفاء به * (ولو عنزة) * بل عن جامع المقاصد
أنه مستفاد من كلام الأصحاب، بل زاد في الأول كالمحكي عن الروض " قدر لبنة
أو ثوب موضوع " وفي الثاني " وما أشبهها " بعدم الدليل، وقد يدفع بما في كشف
اللثام وغيره من أنه عموم نصوص الحيلولة بها، ولعل المراد أخبار السترة (2) ونحوها،
وإلا فلم نقف على نص في المقام في الحائل أصلا فضلا عنها، وكأنه لذا ترك ذكره في
المحكي عن المبسوط والمفاتيح واقتصر على العشرة أذرع، إلا أنك قد عرفت أنه لا ينبغي
التوقف فيه في الجملة، أما المذكورات ونحوها فلعل الوجه فيها ما تسمعه إن شاء الله
من أخبار السترة المبنية في الظاهر على أنه بها يخرج عن صدق اسم الصلاة إلى الانسان
مثلا بعد القطع بعدم إرادة المصداق المزبور ولو بعد مصاديق متعددة، بل المراد أنه
هو أول المصاديق، ومع السترة تكون هي أول المصاديق مثلا، ونحوه يقرر في المقام،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي
359

ضرورة عدم إرادة مصداق البينية كيفما كان ولو بعد مصداق بينيات متعددة قبلها،
بل المراد أول مصاديق البينية، فمع فرض وجود الحائل يكون هو أول المصاديق.
نعم ينبغي أن يعتبر في الحائل كونه مما يلحظ بينيته ويعتد بها عرفا ولو بضميمة
قصد الحيلولة به، فلا عبرة ببعض الأجسام الصغار، خصوصا إذا كانت من توابع
الأرض ولا تلحظ بينيتها، ومن ذلك يعلم أنه كما ترتفع كراهة البينية بذلك كذلك
ترتفع كراهة " إلى " به أيضا، بل هو أولى بالفهم من نصوص السترة، ومن هنا
حكي عن المقنعة والبيان والدروس التصريح برفع الكراهة فيه بالحائل ولو عنزة أو لبنة
أو ثوب، وكذا المراسم، هذا.
وقد ظهر مما ذكرنا أن المتجه في رفع كراهة بين المربعة حائلان: أحدهما في
إحدى جهتي الأمام والخلف، والثاني اليمين والشمال، أما المثناة فواحد، لكن حيث
يكون الحائل في غير جهة الأمام قد يتجه بقاء الكراهة فيه من حيث الصلاة إليه، إذ
أقصاه حينئذ أنه يكون كالقبر الواحد، وقد عرفت كراهة الصلاة إليه، أما كراهة
" على " و " في " فلا يجدي الحائل من فراش ونحوه في صدقهما، فحينئذ لا ريب في
بقاء الكراهة، نعم لو فرض عدم صدقهما بالاستعلاء ونحوه اتجه ارتفاعها كما هو واضح.
* (أو) * يكون * (بينه وبينها عشرة أذرع) * بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى
أنه قد يفهم منه الاجماع عليه، بل في المدارك قطع به الأصحاب، قلت: لا ينبغي
التوقف فيه بعد ذلك للموثق المزبور (1) الذي لا ريب في ظهوره بل صراحته باعتبار
العشر من الجهات الأربع حيث تكون البينية مربعة بحيث لو نقص شئ منها في إحداها
لم ترتفع في الجميع لا في خصوص الناقصة، وليس بعد العشرة بينه وبين القبر في الجهة

(1) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
360

يصيره كعدم القبر نحو ما سمعته في الحائل، وإلا لاجتزي في المربعة بعشرين، عشرة
في الأمام، وعشرة في أحد الجانبين، ضرورة أنك عرفت سابقا عدم الكراهة في
القبر في الخلف أو أحد الجانبين، فما في التذكرة والوسيلة والمحكي عن النهاية والمبسوط
والجامع والاصباح ونهاية الإحكام من اعتبار العشر في غير جهة الخلف في غير محله،
بل لعله اجتهاد في مقابلة النص، وإن وجه في المحكي عن الروض بأنه إذا بعد عن القبور
بعشرة أذرع في الجهات الثلاث لم يكن بين القبور ولا إلى القبر، لكن فيه ما أومأنا
إليه سابقا من أن مقتضى ذلك عدم اختصاص الخلف، بل يجزي العشرون كما عرفت،
وهو واضح الفساد بعد الموثق المزبور.
واحتمال أن ذلك بناء منهم على عدم الصلاة خلف القبر ويمينه ويساره ولو كان
متحدا دون ما إذا كان خلفا، فاعتبار الثلاثين حينئذ في محله يدفعه أولا ما عرفت من
عدم الدليل على اليمين واليسار في القبر الواحد، واستنباطه من موثق عمار بالوجه الذي
ذكرناه سابقا يقتضي اعتبار الخلف أيضا، لذكره في الموثق المزبور. وثانيا أنه لا تلازم
بين عدم الكراهة مع الوقوع خلفا مع عدم كونه أحد طرفي البينية وبين ثبوتها فيه حال
كونه أحد طرفيها، فيحتاج حينئذ في رفع الكراهة عنه إلى البعد المزبور كما هو مضمون
الموثق، وحيث قد عرفت سابقا عدم اعتبار التربيع فيه في الكراهة وجب حينئذ
الاجتزاء في رفعها بالعشرين في المثناة.
هذا كله في رفع كراهة " بين " بذلك، أما " في " و " على " فلا يرتفعان
بهذا البعد قطعا، بمعنى أنه لو فرض كونه على قبر أو في المقبرة وقد بعد عن القبور
التي في جهاته الأربعة بالمقدار المذكور لم يجد في رفع كراهة كونه في المقبرة وعلى القبر،
أما " إلى " فقد يقوى بملاحظة عبارات الأصحاب وذيل الموثق ارتفاعها، مع احتمال
البقاء، لأن الرفع من حيثية لا يلزمه الرفع من حيثية أخرى، لكن على الأول حينئذ
361

يتجه استفادة ارتفاعها في المتحد المستقبل، ضرورة لزوم ارتفاعها مع البينية لارتفاعها
بدونها، بخلاف الثاني، فيشكل حينئذ ارتفاعها بغير البعد الذي لا يجامع صدق الصلاة
إليه، واحتمال أن التقدير في الموثق للكشف عن عدم صدق ذلك، وعدم صدق البينية
عرفا مما يؤيد الأول، بل قد يؤيده غير ذلك أيضا مما يظهر بالتأمل، كما أنه به لا يحتاج
إلى تكرار ما ذكرنا سابقا في نحو هذا التقدير في محاذاة النساء مما له تعلق في المقام،
بل ولا يحتاج إلى بعض ما يذكر هنا في موضوع القبر والمعتبر فيه من السقط والاجزاء
ونحوها مما لا ينبغي للفقيه تضييع العمر في أمثالها، وترك تحرير المهم مما تعرضت له
النصوص والفتاوى.
هذا كله في قبور غير الأئمة (عليهم السلام)، بل لعلها لا تندرج لمكان مزيد
مزيتها في إطلاق القبور نصا وفتوى، فيبقى حينئذ حكمها مقصورا على الأصل وما تقتضيه
الأدلة بالخصوص، وتفصيل البحث فيها حينئذ أن الذي يظهر من الأصل وإطلاق
الأدلة عدم البطلان بالتقدم عليها، بل لعل سكوت المعظم عن ذكر ذلك مع ظهور
استقصائهم في المندوبات والمكروهات كالصريح في ذلك، على أنه لم نجد في الأدلة
ما يقتضيه سوى النهي في صحيح الحميري (1) السابق المعتضد بما سمعته في خبر هشام
ابن سالم (2) المروي عن مزار ابن قولويه، بل وبالأمر بالصلاة خلفه أو عند الرأس
في غيره من النصوص المتقدم بعضها (3) ويأتي الآخر (4) لكن التعويل عليه في
قطع ما عرفت - بعد ظهور إعراض الأساطين عنه، إذ هم كما ستعرف بين راد للخبر من
أصله، وبين حامل له على الكراهة - مما لا يلائم أصول المذهب، خصوصا مع ظهور

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 7
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 7
(3) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6 و 7
(4) الوسائل - الباب - 69 - من كتاب المزار - الحديث 5
362

التعليل فيه في غير الواجب من الأدب إن كان المراد من الإمام فيه المعصوم (عليه السلام)
إذ حرمة التقدم عليه في المكان الذي هو غير مناف للاحترام الواجب في زمن الحياة
غير معلومة، فضلا عما بعد الموت، وفضلا عن كونه شرطا في صحة الصلاة، بل معلوم
عدمها، وإن كان المراد إمام الجماعة فغرابة انطباقه على المعلل واضحة، ومن هنا كان
الأليق إرادة الأول، خلافا لما يظهر من غير واحد من الأصحاب، وحينئذ فيراد
غير الواجب من الأدب منه كما عرفت، وعليه حينئذ يتم القول بكراهة التقدم.
واستحباب تركه باعتبار كونه من الآداب المندوب إليها، فمن الغريب ركون جماعة
من متأخري المتأخرين إلى البطلان كالبهائي وغيره للصحيح (1) المزبور الذي لم يخص
الصلاة بالنهي، بل مقتضاه مطلق التقدم وإن لم يكن في الصلاة، ولا غر وممن لم يتحرر
عنده الطريقة منهم، أو لم يعض عليها بضرس قاطع، وعليه قد يقال بعدم البطلان في
هذه الأزمنة لوجود الحائل من الصندوق والثياب والشبابيك ونحوها، واحتمال سريان
حكم القبر إليها باعتبار معاملتها معاملته في التعظيم وغيره لا تساعده الأدلة.
وأما المحاذاة فهي أولى بالصحة من التقدم، خصوصا بعد صحيح الحميري الآمر
فيه بالصلاة عن اليمين والشمال، إذ احتمال عطف قوله (عليه السلام): " يصلي " فيه
على " يتقدم " أو " يصلي " الأولى فلا يكون دالا على ذلك كما ترى مخالف للمعروف
في تأدية هذا المعنى بإعادة النفي، وعدم الاتكال على النفي الأول بل تركه فيه قرينة على
إرادة الاثبات من المعطوف، ودعوى أن رواية الاحتجاج (2) قرينة على إرادة ذلك
منه يدفعها أولا أن المعنى المذكور مما لم يتعارف إرادته من مثل العبارة المزبورة اعتمادا
على أمثال هذه القرائن. وثانيا أن اليمين والشمال في الصحيح أعم من المساواة في خبر
الاحتجاج، فنفيها فيه لا يصلح قرينة على إرادة النفي من اليمين والشمال فيه، نعم لولا

(1) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2
363

أنه قاصر أمكن تقييد الصحيح به، لكن لا ريب في قصوره، لضعفه، واعتضاد
الصحيح باطلاق قول الصادق (عليه السلام) في صحيح جعفر بن ناجية (1): " صل
عند رأس الحسين (عليه السلام) " وفي خبر الثمالي (2) " ثم تدور من خلفه إلى عند
الرأس، وصل عنده ركعتين - إلى أن قال -: وإن شئت صليت خلفه، وعند رأسه
أفضل " وفي خبر صفوان (3) " ثم تصلي ركعتين عند الرأس " وفي خبره الآخر (4)
" ثم صل عند الرأس ركعتين " وفي المروي عن العيون مسندا إلى ابن فضال (5) قال:
" رأيت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) وهو يريد أن يودع للخروج إلى العمرة، فأتي
القبر من موضع رأس النبي (صلى الله عليه وآله) بعد المغرب فسلم على النبي (صلى الله
عليه وآله) ولزق بالقبر ثم انصرف حتى أتى القبر فقام إلى جانبه يصلي، فألزق منكبه
الأيسر بالقبر قريبا من الأسطوانة التي عند رأس النبي (صلى الله عليه وآله) فصلى
ست ركعات أو ثمان ركعات " إلى غير ذلك من النصوص التي أفتى بمضمونها جماعة
من الأصحاب في آداب الزيارة، فرفع اليد عن إطلاقها الذي يمكن دعوى أن أظهر
أفراده المحاذاة لمكاتبة الحميري (6) الضعيفة كما ترى.
ومن الغريب ما عن بعض متأخري المتأخرين من تحريم المساواة كالتقدم، للخبر
المزبور (7) المعارض بما عرفت، والجاري في تعليله ما سمعت، والمخالف للمشهور من
جواز المساواة إن أريد من الإمام فيه إمام الجماعة، على أنك قد عرفت عدم الحرمة
في التقديم الذي هو أقوى شبهة منه من وجوه فضلا عنه، بل حمله على الكراهة كالتقدم

(1) الوسائل - الباب - 69 - من كتاب المزار - الحديث 5
(2) المستدرك - الباب - 52 - من أبواب المزار - الحديث 3 من كتاب الحج
(3) البحار - ج 22 - ص 159 - 179 من طبعة الكمباني
(4) البحار - ج 22 - ص 159 - 179 من طبعة الكمباني
(5) الوسائل - الباب - 15 - من كتاب المزار - الحديث 3 مع نقصان في الجواهر
(6) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(7) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
364

بعد المعارضة بما سمعت لا يخلو من إشكال وإن كان مما يتسامح فيها، لأن معارضها أيضا
الاستحباب وهو مما يتسامح فيه، ولكن لا ريب في أن الأحوط في تحصيل الندب
والتجنب عن احتمال الكراهة الصلاة في جهة الرأس لكن لا على وجه المحاذاة والمساواة،
ولعله هو الذي أومأ إليه في خبر أبي اليسع (1) السابق بالأمر بالتنحي عن الخلف ناحية.
أما الصلاة خلفها فقد يظهر من المفيد وغيره المنع، كما أن الذي يظهر من غيره
من القائلين بالكراهة الكراهة فيها، وربما أشكل على الجميع بالصحيح المزبور، ودفع بأنه
ضعيف شاذ مضطرب اللفظ، ولعل الضعف لأن الشيخ رواه عن محمد بن أحمد بن داود عن
الحميري، ولم يبين طريقه إليه. ورواه في الاحتجاج مرسلا عن الحميري، والاضطراب
لأنه في التهذيب ظاهر في الأمر بالصلاة عن يمينه وشماله وفي الاحتجاج نهي فيه عن
التقدم والمساواة، ولأنه في التهذيب كتابة إلى الفقيه، وفي الاحتجاج إلى صاحب
الأمر (عليه السلام)، وقد يجاب بأن الظاهر من الشيخ في الفهرست كون الواسطة
بينه وبين الراوي جماعة المفيد والحسين بن عبد الله وأحمد بن عبدون، فيكون الخبر
صحيحا كما وصفه غير واحد، كما أن الظاهر تعدد الخبرين لا أنه خبر واحد مضطرب
اللفظ، أقصاهما المخالفة بالاطلاق والتقييد، فطرحه حينئذ حتى بالنسبة إلى الحكم بندب
الخلف أو جوازه من غير كراهة - مع اعتضاده بما سمعته من النصوص وفتوى جماعة
لنصوص النهي عن الاتخاذ قبلة التي بعضها يمكن دعوى عدم شموله لقبورهم (عليهم السلام)
فليس حينئذ إلا المرسل النبوي الواقع في ذيل صحيح زرارة (2) الذي قد ذكرنا احتماله
كغيره من نصوص الاتخاذ إرادة المعاملة معاملة الكعبة، بل قبل بموافقته لروايات العامة
وفتوى بعضهم بالحرمة، وقد جعل الله الرشد في خلافهم - مخالف لأصول المذهب

(1) الوسائل - الباب - 69 - من كتاب المزار - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 26 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
365

وطريقته، على أنه ربما احتمل الفرق بين قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وغيره من
الأئمة (عليهم السلام)، فيقتصر في النهي عن الاستقبال على الأول، لأنه مضمون
المرسل، ولأن الشبه بالمعبودية فيه أثم، وكونه كفعل السابقين بأئمتهم، وإن كان
هو في غاية البعد، بل ظاهر التعليل في ذيل خبر زرارة خلافه، بل صورة المعبودية
في أمير المؤمنين (عليه السلام) أتم باعتبار ضلال جمع من الناس ودعواهم فيه الربوبية.
فالقول حينئذ بعدم الكراهة في الجميع هو المتجه، وكأنه لخصوصيتهم (عليهم
السلام) على باقي الناس، فاغتفر صورة معبوديتهم دون غيرهم، بل قد يظهر من الأمر
به في النصوص السابقة ندبه، بل هو كالصريح من بعض أخبار الحسين (عليه السلام)
بل في منظومة الطباطبائي أن الصحيح وغيره صريح في ذلك، لكن الجزم به - مع
احتمال كون المراد من الأمر به رفع الكراهة، لأنه في مقام توهمها أو عدم التقدم،
خصوصا مع ملاحظة خبر أبي اليسع المشتمل على الأمر بالتنحي عنه ناحية - لا يخلو من
إشكال، وربما احتمل اختصاص قبر الحسين (عليه السلام) بالندبية، للأخبار السابقة
فيه، ولا ريب في أن الأحوط في تحصيل المندوب وفي غيره الصلاة في جهة الرأس
من غير محاذاة.
والظاهر عدم الفرق فيما ذكرنا بين الفريضة والنافلة ركعتي الزيارة وغيرها،
لاطلاق الصحيح المنبئ عن الحكمة التي ذكرناها، فما يظهر من بعض الأصحاب من
قصر موضوع البحث على النافلة في غير محله، خصوصا بعد ملاحظة معلومية الفرق بين
قبورهم (عليهم السلام) وقبور غيرهم، فإنه لا مجال حينئذ لتوهم المشاركة، والله أعلم.
* (و) * كذا تكره الصلاة في * (بيوت النيران) * على المشهور بين الأصحاب، بل
عن الذكرى وجامع المقاصد نسبته إليهم، بل عن الغنية الاجماع عليه، لكن ظاهرها
إرادة المعابد منها، ولذا عمم الحكم مدعيا الاجماع عليه لغيرها من معابدهم، بل في
366

كشف اللثام أنه ظاهر المعتبر، لقوله: " وفي بيوت النيران والمجوس إلا أن ترش "
وفي المدارك " إن الأصح اختصاص الكراهة بموضع عبادة النيران، لأنها ليست
مواضع رحمة، فلا تصلح لعبادة الله " قلت: ولعله يمكن تنزيل المطلق من عبارات
الأصحاب عليه، لكن صرح ثاني المحققين والشهيدين وسيد المدارك بأن المراد المعدة
لاضرام النار بها عادة وإن لم تكن موضع عبادة، بل صرح الأولان بأنه على ذلك
لا فرق بين وجود النار حال الصلاة وعدمه، وكأنهم أخذوه من إطلاق اللفظ، وتعليل
المشهور الكراهة كما قيل بأنه تشتبه بعبادها، وإن استضعفه في المدارك، وفيه أن
الاطلاق منصرف إلى الأول، والتعليل لا ينافي الاختصاص، بل ظاهر كشف اللثام
أن مفاده الاختصاص، وحينئذ يتجه الحكم بالكراهة للاجماع المزبور المعتضد بما عرفت،
وبتعليلي المشهور والمدارك، بل وبالمحكي من علل محمد بن علي بن إبراهيم من أن العلة
في كراهة الصلاة في بيت فيه صلبان أنها شركاء يعبدون من دون الله، فينزه الله تعالى
أن يعبد في بيت يعبد فيه من دون الله، على أنه يمكن القول بالتعميم بعد التسامح بأن
الصلاة في غير المعابد من بيوت النيران كالفرن والأتون والمطابخ ونحوها أقرب إلى معنى
التشبه بهم من الصلاة في نفس المعابد، فمع فرض كراهة التشبه بهم - كما يظهر معلوميته
بين الأصحاب من التعليل المزبور، بل يومي إليه في الجملة ما تقدم في أخبار الجنائز (1)
من تعليل النهي عن اتباع الجنازة المشيع بأنه من عمل المجوس الكاشف عن أن المراد
في الأمر بمخالفة أهل الكتاب في غيرها من أخبارها كراهة المشابهة لهم - يتجه حينئذ
الحكم بتعميم الكراهة، لكن مع عدم إرادة خصوص الصلاة من بين أفراد المشابهة،
اللهم إلا أن يدعى مرجوحية التشبه بهم فيها بالخصوص، أن يستند في الكراهة إلى

(1) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب الدفن - الحديث 6 من كتاب الطهارة
367

فحوى ما تسمعه من النهي (1) عن الصلاة إلى النار المضرمة المستفاد من بعض النصوص
فضلا عن الانسياق أن الحكمة فيه صورة عبادة النار، فلعل مثلها يتأتى في المقام،
لكن من المعلوم زوال الكراهة بزوال نسبة الإضافة، كما أن المعلوم ثبوتها على التقدير
المزبور فيما اعتيد إضرام النار فيه وإن لم يكن أعد من أول الأمر له، نعم يعتبر في
صدق النسبة فيه على الظاهر تكرر الاضرام فيه حتى يصل إلى حد النسبة عرفا، أما
المعد فقد يحتمل الاكتفاء باعداده وكونه مما يضرم فيه النار عرفا عن الاضرام فيه،
فضلا عن تكرره ما لم يعدل بالقصد فيه إلى أمر آخر غيرها بحيث تنتفي النسبة عرفا،
وفي إلحاق أمكنة النار عرفا في الصحراء ونحوها مما لا يسمى بيتا بالبيوت وجه.
وعلى كل حال فما عن المقنعة والنهاية من التعبير بلا يجوز يظن إرادة الكراهة
منه، إذ قد عرفت التكلف في دليلها فضلا عن عدم الجواز، واحتمال خفاه الدليل في
زماننا دون زمانهم مستبعد جدا، ومنه ينقدح عدم خلافهما في جملة مما نسب إليهما
لهذا التعبير، كما أن مما ذكرنا يعلم ما في المحكي عن الحلبي من التعبير بعدم حل الوقوف
فيها، وأن له في الفساد نظرا، والديلمي من عدها في الضرب الذي لا تجوز فيه الصلاة
بل تفسد، والصدوق من الحرمة، مع أن الأخير لم يثبت، والجمع بين الحرمة
واحتمال عدم الفساد من الأول معلوم البطلان عندنا، وضعف الجميع بعدم الدليل على
ذلك واضح، لما عرفت من أنه لا دليل إلا على كراهة ما سمعت بالتكلف المزبور.
وعلى كل حال هو لا يشمل سطوحها، ولذا حكي عن غير واحد التصريح بنفيها
عن الصلاة عليها، نعم مقتضاه كاطلاق الفتاوى بقاؤها ولو مع الرش، فما سمعته عن
المعتبر - بناء على رجوع الاستثناء فيه إلى ما يشمله، ولذا استظهر منه ما عرفت -

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 و 2
368

لم نقف له على دليل، ولعل هذا يؤيد رجوعه إلى الأخير، فيكون الاستظهار السابق
منه لا يخلو من منع، والأمر سهل.
* (و) * كذا في * (بيوت الخمور إذا لم تتعد إليه نجاستها) * أي إلى ما يشترط طهارته
فيها على المشهور نقلا في المحكي عن المختلف وتخليص التخليص إن لم يكن تحصيلا، لكن
الموجود في موثق عمار (1) عن الصادق (عليه السلام) الذي هو المستند على الظاهر
" لا يصلى في بيت فيه خمر أو مسكر، لأن الملائكة لا تدخله " فكان الأولى التعبير
به كما عن الدروس وإرشاد الجعفرية، إذ الخمر في المتن وغيره وإن أمكن إرادة ما يشمل
المسكر منه إلا أن من الواضح صدق ما في النص على غير المعتاد لذلك، كصدق ما في
المتن على المعتاد المعد له غير الموجود فيه فعلا، ولو تكلف لكراهة الأخير بأنه من
مظان النجاسة، وبعيد عنه الرحمة، وأنه عبر بذلك لشموله ففيه بعد التسليم أنه مفوت
لكراهة غير المعد من البيوت وفيه الخمر المستفاد من الموثق المزبور، فهو أولى بالتعرض
منه، اللهم إلا أن يكونوا قد فهموا من قوله (ع): " فيه خمر " الدوام والاتصال والاعتياد
نحو ما تسمعه إن شاء الله في بيت فيه مجوسي، فيحسن حينئذ منهم التعبير بيوت الخمر،
كقولهم: بيوت المجوس.
وفي إلحاق بيت الفقاع أو بيت فيه الفقاع احتمال ينشأ مما في النصوص (2)
من خمر مجهول، فهو مندرج فيه فيما جاء من الشارع، أو ثابتة له أحكامه التي منها
ما نحن فيه، وعلى كل حال فالموثق المزبور بعد ظهور الكراهة من تعليله وإعراض
المعظم عن ظهور التحريم منه قاصر عن تقييد إطلاقات الجواز وعموماته، خصوصا بعد

(1) الوسائل - الباب - 38 - من أبواب النجاسات - الحديث 7
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب الأشربة المحرمة - الحديث 9 و 12
والباب 28 - الحديث 2 من كتاب الأطعمة والأشربة
369

اعتضادها بما عن المقنع من أنه روي (1) أنه يجوز، فما عن الفقيه والمقنع والمقنعة
والنهاية والمراسم من التعبير بلا يجوز، بل عن المراسم منها التعبير بالفساد مع ذلك
لا ريب في ضعفه إن لم يرد منه الكراهة، وإن كان المحكي من عبارة فقه الرضا (عليه
السلام) (2) نحو ما عن الصدوق من النهي عن الصلاة في بيت فيه خمر محصور في
آنية (3) لكنه مع إمكان حمله على الكراهة أيضا غير حجة عندنا، على أنه قد يستبعد
من الصدوق إرادة الحرمة مع تجويزه الصلاة في الثوب الذي فيه الخمر لطهارته عنده،
واحتمال عدم البعد مع النص يدفعه أنه هو مما يدل على نجاسة الخمر كغيره من نصوصها،
إذ لا صراحة فيه بذلك مع الحكم بالطهارة كي يلتزم به، فكان الواجب عليه بعد
اختياره الطهارة طرحه كغيره من نصوص النجاسة، لا التزام البطلان مع القول بالطهارة
الذي هو في غاية البعد عن مذاق قواعد الشريعة، والله أعلم.
* (و) * كذا تكره الصلاة في * (جواد الطرق) * على المشهور بين الأصحاب، بل
عن الغنية والمنتهى وظاهر التذكرة الاجماع عليه، لقول الصادق (عليه السلام) في
صحيح معاوية (4): " لا بأس أن يصلي بين الظواهر وهي الجواد جواد الطرق،
ويكره أن يصلى في الجواد " وصحيح الحلبي أو حسنه (5) " لا بأس أن تصلي في
الظواهر التي بين الجواد، فأما الجواد فلا تصل فهيا " جواب سؤاله عن الصلاة في ظهر
الطريق، ومحمد بن مسلم (6) " لا تصل على الجادة واعتزل على جانبيها " جواب سؤاله
عن الصلاة في السفر، كقوله (عليه السلام) (7) في خبره أيضا: " لا تصل على الجادة

(1) الوسائل - الباب - 21 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 2
(2) المستدرك - الباب - 16 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 8
(4) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 8
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 8
(6) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 8
(7) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 8
370

وصل على جانبيها " جواب سؤاله من الصلاة على ظهر الطريق أيضا، وخبر الفضيل
ابن يسار (1) " لا تصل على الجواد " ولعلها المراد من مسان الطرق في مرسلي العشرة (2)
ومن قارعته في مرسل الخصال (3) عن النبي (صلى الله عليه وآله) " ثلاثة لا يتقبل
الله لهم بالحفظ: رجل نزل في بيت خرب، ورجل صلى على قارعة الطريق، ورجل
أرسل راحلته ولم يستوثق منها " وفي خبر علي بن مهزيار (4) " ويتجنب قارعة
الطريق " وبها عبر في المحكي عن نهاية الإحكام، بل ومن الطرق في مرسلي العشرة (5)
وخبر المناهي (6) والبيان واللمعة والمنظومة، لكن قال الرضا (عليه السلام) في خبر
محمد بن الفضيل (7) " كل طريق بوطأ ويتطرق كانت فيه جادة أم لم تكن لا ينبغي
الصلاة فيه، قلت: فأين أصلي؟ قال: يمنة ويسرة " وموثق ابن الجهم (8) " كل
طريق يوطأ فلا تصل عليه، قال: قلت: إنه روي عن جدك أن الصلاة على الظواهر
لا بأس بها، قال: ذلك ربما سايرني عليه الرجل، قال: قلت: فإن خاف الرجل على
متاعه قال: فإن خاف فليصل ".
قلت: ومنه يعلم أن المراد بالظواهر التي نفي البأس عن الصلاة فيها في تصحيح
السابق - بل وفي القواعد والمحكي عن المبسوط والوسيلة والتذكرة ونهاية الإحكام
والمنتهى وغيرها - الأراضي المرتفعة عن الطريق حسا أو جهة التي لا تندرج تحت اسم
الطريق، وإن كانت بينه، وكأنه أحد الاطلاقين لها، وإلا فقد صرح في صحيح معاوية
بأنها الجواد، والمراد بها حينئذ الطرق الواضحة، نعم قد يستفاد شدة الكراهة في الجواد

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 4 - 7 - 4 - 3 - 6
(2) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 4 - 7 - 4 - 3 - 6
(3) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 4 - 7 - 4 - 3 - 6
(4) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
(5) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 4 - 7 - 4 - 3 - 6
(6) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
(7) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 4 - 7 - 4 - 3 - 6
(8) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 4 - 7 - 4 - 3 - 6
371

باعتبار اختصاصها بالنهي في النصوص المزبورة، مع أنها من الطريق الذي تكره الصلاة
فيه، هذا إن لم نقل بشهادة العرف، ولا ينافيه الأمر بالصلاة على الجانبين ويمنة ويسرة
بعد إمكان إرادة ما يوافق ذلك منها لا ما كان متصلا بالجادة منهما مما قد يستطرق،
فلا معارضة حينئذ بين نفي البأس عن الظواهر والنهي عن مطلق الطريق حتى يحتاج
إلى ما في الرياض من الجمع بتفاوت مراتب الكراهة بالنسبة إلى الجادة والظواهر المنافي
بحسب الظاهر لظاهر نفي البأس المزبور في النص والفتوى، ضرورة أولوية ما أشار
إليه الرضا (عليه السلام) (1) من الجمع مما سمعت منه، (بل يقوى) (2) أن المراد
بالجواد بل والقارعة والمسان الطرق، وإلا كانت الكراهة في الجميع على مرتبة واحدة،
بل به تجتمع حينئذ جميع النصوص والفتاوى، وربما يشهد له في الجملة ما عن ابن الأثير
من تفسيره القارعة في خصوص خبر النهي بنفس الطريق بعد أن فسرها بالوسط في
غيره، بل قال: ومسان الطرق ما يستطرق منها، لكن عن القاموس والديوان تفسير
الجادة بمعظم الطريق، وفي كشف اللثام أي الطريق الأعظم المشتمل على جدد: أي
طرق كما حكاه الأزهري عن الأصمعي، وفي المغرب المعجم أنها معظم الطريق ووسطه،
فيحتمل تفسير المعظم بالوسط، ونحو منه المصباح المنير، قلت: فيوافق حينئذ ما حكاه
هو أيضا عن المجمل والمقاييس والشمس والنهاية والجزرية من تفسير جواد الطرق
بسوائها: أي وسطها المسلوك أيضا من الجد: أي القطع، لانقطاعه مما يليه، أو من
الجدد: أي الواضح كما عن العين والمحيط والسامي، وفي المدارك وعن غيرها جواد
الطرق هي العظمى منها التي يكثر سلوكها إلا أنه على ذلك ينبغي تخصيص الكراهة في

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3
(2) ليس كلمة " بل يقوى " في النسخة الأصلية المبيضة، ولكنها موجودة في النسخة
الأصلية المسودة، إلا أنه شطب عليها تبعا لما قبلها سهوا، ولكنه محتاج إليها
372

عبارة الأكثر بوسط الطريق، لاقتصارهم على ذكر الجواد، فالصلاة في نفس الطريق
الخارج عن الوسط حقيقة أو عرفا لا كراهة فيها، وهو كما ترى يمكن القطع بخلافه من
النصوص، ومن حكمة الكراهة في المقام.
ومن هنا لم يبعد إرادتهم الطريق من الجادة، بل قد يشهد له أيضا مضافا إلى
ما عرفت ظهور النصوص في مقابلة الجواد بالظواهر، وقد بان من موثق ابن الجهم (1)
أن المراد بالظواهر المنفي عنها البأس ما لا تدخل تحت اسم الطريق، فالمراد بالجواد
حينئذ ما دخل تحت اسمه.
وكيف كان فلا ريب في إرادة الكراهة من النهي المزبور بعد الأصل وإطلاقات
الصلاة وعموم مسجدية الأرض والاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة العظيمة، والتعبير
بلفظ " يكره " و " لا ينبغي " في الخبرين السابقين الذي إن لم يكن حقيقة في إرادة
المعنى المصطلح فلا ريب في ظهوره فيه ولو بضميمة ما عرفت، ودرجه في معلوم الكراهة
عندنا في مرسلي العشرة وخبر المناهي ومرسل الخصال، بل لا ينكر ظهور الأخير كما
لا يخفى على العارف بلغاتهم (عليهم السلام)، فما عن الفقيه " لا تجوز في مسان الطرق
وجواده " والمقنعة والنهاية " لا تجوز في جواد الطرق، وأما الظواهر فلا بأس "
ضعيف إن لم يريدوا بذلك الكراهة أيضا، وإن احتج لهم في كشف اللثام بظاهر
الأخبار الكثيرة التي لم يظفر بمعارض لها إلا عموم مسجدية الأرض في خبري
النوفلي (2) وعبيد بن زرارة (3) إلا أنك قد عرفت غير ذلك مما يعارضها.
ثم لا يخفى أن مقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في الجواد أو الطرق
بين كثرة الاستطراق وقلته، إلا أن يهجر، فلا يطلق عليه اسم الطريق والجادة فعلا،

(1) الوسائل - الباب - 19 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 4
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 4
373

ولا بين وجود المارة أو ترقبها وعدمهما، وحكمة الحكم لا يجب إطرادها ولا يدور
عليها، خصوصا مع عدم ذكر النصوص لها في صورة العلة، نعم عن كشف الالتباس
والروض والمسالك والبحار أنه لو تعطلت المارة اتجه التحريم والفساد، وقيده في المدارك
بما إذا كانت موقوفة لا محياة لأجل المرور، ثم قال: ويحتمل عدم الفرق، قلت: كأنه
لحظ في الأول أن له التصرف بما يريد وإن حرم عليه منع الغير من الاستطراق، وإثمه
في الثاني لا يرفع الإذن في الأول وإن كان هو مقدمة له، ولا دليل على حرمة التصرف
عليه في هذا الحال، ولذا لو منع المارة بغير فعل الصلاة ثم صلى حاله لم يكن إشكال في
الصحة، لكن ذلك كله في المحياة، أما الموقوفة للاستطراق فلا ريب في تحقق الغصبية
فيها، ضرورة كون صلاته في هذا الحال تصرفا منافيا لغرض الواقف، فيحرم الكون
حينئذ كالدار المغصوبة، قلت: يمكن دعوى مثله في الأول أيضا بأن يقال أن له
التصرف غير المنافي للاستطراق، أما هو فمحرم أيضا، فتبطل الصلاة كالكون في الدار
المغصوبة، ويكفي في الدليل على ذلك حرمة الضرر والاضرار فضلا عن غيره، وفرق
واضح في المقدمات بين كونها أفرادا للمنهي عنه وعدمه، ولعل ما نحن فيه من الأول،
وبالجملة فالمسألة مبنية على كون المقام من مسألة الضد أو الصلاة في الدار المغصوبة،
لا أن المحرم أمر خارجي عن الصلاة، كما يقال مثله في المسجد على ما عرفت سابقا.
وكيف كان فالمنساق من النصوص كون المراد بالطرق في البراري ونحوها لا
المدن، إلا أن ظاهر بعض الأصحاب بل صريح آخر عدم الفرق، ويؤيده أنه مقتضى
الحكمة المفهومة في المقام، بل فيها أشد، بل هو مقتضى عموم الخبرين السابقين وغيرهما
بل لذلك قيل بشمول الحكم للطرق المرفوعة مع إذن أربابها وإن كان لا يخلو من إشكال،
وأشكل منه تعدية الحكم لبعض الطرق في الدار ونحوها، لعدم انسياقه من الطريق،
وإن كان التعميم للخبرين مع التسامح في الكراهة لا يخلو من وجه، اللهم إلا أن
374

يكون مثله تسامحا في التسامح، والله أعلم.
* (و) * كذا تكره الصلاة في * (بيوت المجوس) * على المشهور بين الأصحاب،
بل عن جامع المقاصد نسبته إليهم في أثناء كلامه، كما أن فيه نسبة تعليل ذلك بأنها
لا تنفك عن النجاسة إليهم أيضا، لكن لا يخفى عليك أن مقتضاه عدم الاختصاص
بالمجوس، بل وعدمها على فراش المصلي ونحوه، وهو مخالف لظاهر العبارات، ومن
هنا ربما توقف بعضهم فيها، بل كأنه ظاهر كشف اللثام حيث قال: إنما ظفرت
بأخبار سئل فيها الصادق (عليه السلام) عن الصلاة (1) فقال: " رش وصل " أي
وهي لا تقضي بالكراهة بل باستحباب الرش.
* (و) * لذا كان * (لا بأس) * ولا كراهة * (بالبيع والكنائس) * عند المشهور بين
الأصحاب نقلا إن لم يكن تحصيلا، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، مع أنه ورد (2)
في نصوصهما مثل ذلك، بل سأل عبد الله بن سنان (3) الصادق (عليه السلام) في
الصحيح " عن الصلاة في البيع والكنائس وبيوت المجوس فقال: رش وصل " فلو
اقتضى مثل ذلك الكراهة لاقتضاها في الجميع، وليس، كما عرفت، نعم عن جماعة منهم
الفاضل وثاني المحققين والشهيدين أنه يستحب الرش فيهما كما هو مقتضى الأمر المزبور،
ومن هنا قد استغرب بعض متأخري المتأخرين الفرق بين المقامين في الكراهة وعدمها
مع استحباب الرش، والدليل واحد، بل لم يذكروا استحباب الرش في بيوت المجوس
عدا ما تسمعه من البحار، وإنما حكي عن المبسوط بعد الحكم بالكراهة أنه إن فعل رش
الموضع بالماء، فإذا جف صلى فيه، واستحسنه المحقق الثاني، والوسيلة " تكره في بيوت

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 و 4 والباب 14 منها
(2) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 و 4
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2
375

المجوس اختيارا، فإن اضطر رش الموضع أولا بالماء " والمعتبر " إلا أن يرش بالماء "
وجملة من كتب الفاضل " لو اضطر رشة بالماء استحبابا " والبيان " لو اضطر رشه بالماء
وفرش وصلى أو تركه حتى يجف " وجامع المقاصد وفوائد الشرائع " إذ رش زالت
الكراهة " بل في المدارك " قطع بذلك الأصحاب ".
قلت: يمكن بعد التسامح والشهرة العظيمة بل ظاهر الاجماع الاستناد فيها إلى
قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي أسامة (1): " لا تصل في بيت فيه مجوسي،
ولا بأس أن تصلي وفيه يهودي أو نصراني " بناء ولو بمعونة فهم الأكثر على إرادة
استقرار المجوسي فيه، كما يقال في العرف هذا بيت فيه فلان، بل قد عرفت احتماله
سابقا في بيت فيه خمر، بل لعله المراد من نحو " إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه
كلب " وحينئذ يتجه اقتصار المشهور في الكراهة على بيوت المجوس، بل لعله المراد
أيضا مما عن الكفاية والمفاتيح من التعبير بلفظ الخبر، لكن في القواعد كالمتن فيما يأتي،
والمحكي عن الوسيلة والبيان والدروس بل ومجمع البرهان ذكر الكراهة فيهما معا، إلا
أنه لعله لصدق المزبور على بيوت المجوس وإن لم يكونوا فيها، وعلى بيت هم فيه
وإن لم يكن من بيوتهم على التواطؤ أو عموم المجاز.
وعلى كل حال فما عن المحكي عن البحار - من أن ظاهر الأخبار كراهية الصلاة
في البيت الذي فيه مجوسي سوء كان بيته أم لا، وعدم كراهيتها في بيته إن لم يكن
فيه، لكن يستحب الرش - لا يخلو من نظر، إذ مرجعه إلى ما قلناه أولا، على أنه
يمكن استفادة الكراهة من نصوص الرش أيضا بتقريب أن ظاهره شرطية صحة الصلاة
بالرش، فمع فرض معلومية الصحة بدون ذلك وجب إرادة ما يشابه الفاسد، وليس

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
376

إلا المكروه، وبتقرير آخر أنه لا يخفى ظهوره في معنى إن رششت صل، والأمر بالصلاة مراد منه إباحة الايقاع في المكان الخاص بالمعنى الأخص، لأنه في مقام توهم
الحرمة أو الكراهة، فيكون المفهوم إن لم ترش لا يأذن لك في الصلاة، فمع فرض
معلومية الإذن يجب تنزيله على الكراهة، ولا يختص مفهوم الشرط في خصوص التعليق
بلفظ " إن " والحاصل أنه مع الرش تكون الصلاة كغيره من الأماكن، ومع عدمه
ينقص ما أعد لطبيعة الصلاة من الثواب، وإن استصعب جميع ذلك فلا ريب في ظهور
النصوص في شرطية الصلاة بالرش لا شرطية استحباب الرش بالصلاة، وفي أن المراد
من الأمر بالصلاة الإذن الخاصة المزبورة، ومقتضاه عدم المشروط بانعدام الشرط،
فثبتت الكراهة، لا أقل من جبر ذلك كله بفتوى الأصحاب.
وكان وجه الفرق بين المقام والبيع والكنائس هو ظهور النصوص في عدم
الكراهة فيهما ولو مع عدم الرش، ففي خبر حكم بن الحكم (1) " سمعت أبا عبد الله
(عليه السلام) يقول وسئل عن الصلاة في البيع والكنائس: صل فيها قد رأيتها ما أنظفها،
قلت: أيصلى فيها وإن كانوا يصلون فيها؟ فقال: نعم، أما تقرأ القرآن قل كل يعمل
على شاكلته؟ (2) " إلى آخرها وفي صحيح العيص (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام)
عن البيع والكنائس يصلى فيها فقال: نعم، وسألته هل يصلح بعضها مسجدا؟ فقال:
نعم " بل قد يستفاد من قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر أبي البختري (4)
عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام): " لا بأس بالصلاة في البيعة والكنيسة الفريضة
والتطوع، والمسجد أفضل " إن الصلاة فيها لا تخلو من فضل إلى غير ذلك من النصوص
الظاهرة في عدم الكراهة التي من أجلها وجب حمل الأمر بالرش بالنسبة إليها على الندب،

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 1 - 6
(2) سورة الإسراء - الآية 86
(3) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 1 - 6
(4) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 1 - 6
377

بخلاف بيوت المجوس التي ليس في نصوصها شئ مثل ذلك، فصح حينئذ للأصحاب
الفرق بين المقامين كما لا يخفى على من لاحظها مع التأويل، ولا يقدح فيه الجواب عن
الجميع بالأمر بالرش في الخبر المزبور، لأنه يمكن دعوى ندبية الرش في الجميع وإن كان
مع ذك رافعا للكراهة في بيوت المجوس، بل لا مانع في الجمع المزبور وإن لم نقل بذلك
أيضا، ومن أبى ذلك كله كان لا بأس عليه بالتزام الكراهة فيها أيضا لذلك كما عن
المراسم والاصباح والمهذب والإشارة والدروس والبيان، بل هو من المندرج في إجماع
الغنية على الكراهة في معابد أهل الضلال، ولتساوي الاحتمالين لم يرجح في المحكي
عن الذكرى، وقد اتضح بحمد الله الوجه في المسألة.
كما أنه اتضح مما ذكرنا أن المتجه على تقدير الكراهة ارتفاعها بالرش كما سمعته
سابقا ممن عرفت، وأنه نسبة في المدارك إلى قطع الأصحاب، أما احتمال التجفيف أو
التخصيص بحال الاضطرار فلم أقف على ما يشهد له من النصوص، كما أنه ليس فيها
مراعاة الجفاف إلا أنه قد يكون للتجنب عن النجاسة، بل هو أولى مما قبل الرش،
لكن قد يناقش بأن المستفاد من النصوص زوال النفرة من جهة احتمال النجاسة بالرش
من غير تقييد بالجفاف، فلعله به دونه لم يبق لاحتمال النجاسة حينئذ أثر، بل لولا
إطباق الأصحاب ظاهرا هنا على كون التجنب لاحتمال النجاسة أمكن حمل النصوص
على إرادة الأمر بالأشد لرفع الوسوسة على معنى الإذن في الصلاة مع الرش الذي هو
مظنة التعدي فضلا عن غيره، بل ربما كان في صحيح الحلبي (1) إيماء إليه، قال:
" سئل الصادق (عليه السلام) عن الصلاة في بيوت المجوس وهي ترش بالماء قال:
لا بأس به " إلا أنه للاتفاق المزبور وجب إرادة المعنى المزبور من الرش.
ثم إن الظاهر المنساق إلى الذهن من بيوت المجوس دورهم من غير فرق بين

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
378

الحجر وغيرها، وإطلاق البيت على الدار غير عزيز، بل لعل منه قول الملائكة: " إنا
لا ندخل بيتا فيه كلب " كما أن الظاهر زوال الكراهة من حيث كونها بيوت المجوس
بالرش، أما لو كان فيها مع ذلك مجوسي وقلنا بالكراهة فيه من حيث ذلك كما إذا كان
في بيت غيره فلا تزول به، لعدم الدليل وحرمة القياس، هذا.
ولا يخفى أن مقتضى الأصل والسيرة وظاهر النصوص حتى ترك الاستفصال فيها
بل هو كصريح بعضها (1) جواز الصلاة في البيع والكنائس من غير حاجة إلى إذن
من أهل الذمة أو الناظر أو الواقف، وأن حالها كالمساجد، ومثل هذا يجري في
مساجد المخالفين أيضا، والظاهر أنه لا ينبغي التأمل في الجواز مع العلم بعدم إرادة
الخصوصية من الواقف، بل ومع الجهل، أما معه فإن وقف على المصلين مثلا وكان
بزعمه أنهم هم فالظاهر الجواز أيضا، إذ الغلط في الاعتقاد لا ينافي تعلق الحكم بمقتضى
اللفظ، بل لعل القول بالحرمة في الواقع بالنسبة إليهم متجه، وإن وقف على وجه لا يحتمل
إلا الخصوصية لفرقته مثلا فقد يقوى بطلان الشرط والوقف، ويحتمل بطلان الأول
خاصة، وتسمع إن شاء الله في المساجد تمام الكلام، وعلى كل حال فما عن الشهيد
(رحمه الله) - من احتمال توقف الصلاة في البيع والكنائس على إذن أهل الذمة تبعا
لغرض الواقف وعملا بالقرينة - لا ريب في ضعفه، لما عرفت، بل الأصل عدم ثبوت
ملكهم عليها وعدم احترامها، مع أنه ثبت مراعاة غرض الواقف اتجه المنع مطلقا إلا
أن يعلم إناطة ذلك برأي الناظر، فيتجه اعتبار إذنه خاصة، والله أعلم.
* (و) * كذا * (يكره أن يكون) * في حال صلاته * (بين يديه نار مضرمة) *: أي
مشعلة * (على الأظهر) * الأشهر، بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، لكن الذي

(1) الوسائل - الباب - 13 - من أبواب مكان المصلي
379

ظفرنا به في النصوص النار بلا قيد، ففي صحيح علي بن جعفر (عليه السلام) (1) عن
أبي الحسن (عليه السلام) " سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي والسراج موضوع
بين يديه في القبلة؟ قال: لا يصلح له أن يستقبل النار " وفي موثق عمار (2) عن
الصادق (عليه السلام) " لا يصلي الرجل وفي قبلته نار أو حديد، قلت: أله أن يصلي
وبين يديه مجمرة شبه؟ قال: نعم، فإن كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحيها عن قبلته،
وعن الرجل يصلي وبين يديه قنديل معلق وفيه نار إلا أنه بحياله فقال: إذا ارتفع كان
أشر لا يصلي بحياله " ولعله لذا ترك التقييد في المحكي عن المقنعة والخلاف والنهاية والكافي
والاصباح والجامع والنزهة والوسيلة وبعض كتب الفاضل والشهيدين والمحقق الثاني
وغيرهم، بل قيل: إنه معقد شهرة المختلف وإجماع الخلاف، اللهم إلا أن يدعى كون
النار حقيقة أو ظاهرة في المضرمة، لكن العرف شاهد عدل على خلافه، أو يدعى
أنه هو المشابه لعبادة أهل الضلال، إذ الظاهر أن المجوس كانوا يعبدون النار المضرمة،
ولعلها نار فارس التي خمدت بمولد النبي (صلى الله عليه وآله)، لكن فيه بعد التسليم
أنه لا مانع من كون ذلك داعيا لكراهة استقبال مطلق النار لاطلاق النصوص.
نعم قد يقال بأشدية الكراهة فيها للشبه المزبور، كالأشدية أيضا إذا كانت
معلقة مرتفعة، لقوله (عليه السلام) في الموثق: " أشر ".
وكيف كان فللاجماع المزبور - المعتضد بالشهرة العظيمة التي لا بأس بدعوى
الاجماع معها كما وقع من بعض متأخري المتأخرين، وبالاطلاقات والعمومات، ومرفوع
عمرو بن إبراهيم الهمداني (3) المروي في التهذيب والفقيه والعلل بل والمقنع إن كان
هو مراده بما أرسله، وإلا كان خيرا آخر (4) عاضدا له عن الصادق (عليه السلام)

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2 - 4
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2 - 4
(3) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2 - 4
(4) المقنع ص 25 المطبوع بطهران عام 1377
380

" لا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه، لأن الذي يصلي له
أقرب إليه من الذي بين يديه " والمروي عن إكمال الدين (1) بسنده إلى أبي الحسين
محمد بن جعفر الأسدي فيما ورد عليه من محمد بن عثمان العمري عن صاحب الزمان
(عليه السلام) في جواب مسائله " وأما ما سألت عنه من أمر المصلي، والنار والصورة
والسراج بين يديه، وإن الناس قد اختلفوا في ذلك قبلك فإنه جائز لمن لم يكن من
أولاد عبدة الأصنام والنيران " بل عن الاحتجاج روايته عن الأسدي أيضا مع زيادة
" ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران " إذ لا ريب في ظهوره
في الجواز لمن لا يعلم، وهو الغالب إن لم يكن الجميع، إذ ليس شرط الجواز كونه من
غيرهم، وإلا لم يتم في أحد في هذا الزمان إلا للسادة، فهو حينئذ عاضد له، بل يمكن
بمعونة الاجماع على عدم هذا التفصيل فيه إرادة تفاوت الكراهة فيه، فيكون عاضدا
للمطلوب على كال حال، بل قد يؤيده أيضا جمعه مع الحديد وغيره مما هو مكروه عندنا،
ولفظ " لا يصلح " بل ربما كان في قوله (عليه السلام): " أشر " نوع إيماء باعتبار
ظهوره في الشدة والضعف اللذين هما من أوصاف الكراهة وغير ذلك - وجب صرف
النهي المزبور إلى إرادة الكراهة.
فما عن الكافي من أنها تحرم، وفي فسادها نظر، بل عن المراسم الجزم بالفساد
لا ريب في ضعفه، وإن أيده في كشف اللثام وغيره بأن مرفوع الهمداني للجهل والرفع
لا يصلح لتنزيل النهي في غيره على الكراهة، بل حكي عن التهذيب أنه خبر شاذ
مقطوع، وما يجري هذا المجرى لا يعدل إليه عن أخبار كثيرة مسندة، لكن فيه أولا
ما عرفت من عدم انحصار المعارض به، ولا أن العدول به نفسه من غير انجبار ولا
اعتضاد، بل عن الصدوق (رحمه الله) أنها رخصة اقترنت بها علة صدرت عن ثقات

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
381

ثم اتصلت بالمجهولين والانقطاع، فمن أخذ بها لم يكن مخطأ بعد أن يعلم أن الأصل هو
النهي، وإن الاطلاق هو رخصة، والرخصة رحمة، بل ربما استظهر منه صحة الخبر
عنده، ولعله لوجوده في الأصول المعتمدة التي من المعلوم قصد مصنفيها العمل بما يودعونه
فيها لا أن مرادهم الجمع كما هو ظاهر قصد بعض من تأخر عنهم، وعبارته ظاهرة في
إرادة الجواز اختيارا من الرخصة لا المتعارف منها عند المصنفين، وهي الإذن في المحرم
للضرورة، فيكون المراد حينئذ الجواز مع الاضطرار ولو بوضع أحد لها قهرا عليه.
وثانيا أنا لم نقف إلا على الأخبار السابقة، وليس النهي عن الصلاة إلا في الموثق منها
والتوقيع لخصوص من كان من أولاد عبدة النيران، فما ذكره من الأخبار الكثيرة
لم نتحققه، فلا ريب حينئذ في الكراهة، وليس في شئ من النصوص هنا ولا الفتاوى
ارتفاع الكراهة أو تخفيفها ببعد العشرة أو القلنسوة ونحوها من الحائل، مع احتمال
الثاني منهما هنا بناء على التقريب الذي ذكرنا سابقا، بل ربما كان في التعليل في خبر
الهمداني إيماء إليه، إذ الظاهر أن المراد منه بقرينة ما وقع (1) للكاظم (عليه السلام)
مع أبي حنيفة كما تسمعه إن شاء الله في أخبار السترة التعريض في الرد على العامة بذلك
وأنه مع أقربية الله للمصلي من كل شئ، لأنه أقرب إليه من حبل الوريد تكون الصلاة له.
فلا ريب حينئذ في ظهوره في رفع نسبة صورة الصلاة إلى النار مثلا بوجود
ما هو أقرب منها من الحائل (2) وإن لم يكن ساترا، بل قد يحتمل الاجتزاء بالعشرة
أذرع أيضا بناء على أن المراد بهذا التحديد فيما ورد (3) فيه الكشف عن أول

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 11
(2) هكذا في النسخة الأصلية المسودة وهو الصحيح لأن لفظة " من " بيان للموصول
في قوله: " ما هو أقرب "
(3) الوسائل - الباب - 25 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 5
382

مصاديق البعد التي يصح فيها سلب الصلاة إليها مثلا كما هي عادة الشارع في نحو هذا
التحديد في كل ما كان فيه أول المصاديق غير متضح في العرف ولا منقح، فلا يخص
حينئذ ما ورد فيه من القبور والنساء ونحوها، إلا أن الجزم بشئ من ذلك مع إغفال
الأصحاب والنصوص في المقام لا يخلو من إشكال، فالاحتياط الاقتصار في الحائل
والبعد هنا على ما يرتفع به موضوع من صدق كونه بين يديه ونحوه، والله أعلم.
* (أو) * بين يديه * (تصاوير) * كما في جمله من العبارات، بل هو معقد الشهرة
في المحكي عن تخليص التخليص، بل مذهب الأصحاب في المحكي عن جامع المقاصد،
ولعله كذلك وإن عبر في المحكي عن المقنعة والخلاف بالصورة، بل هو معقد إجماع
الثاني منهما، والنزهة والجامع ومجمع البرهان والمفاتيح وموضع من البيان بالتماثيل، بل
هو معقد الشهرة في الثالث منها، والوسيلة والمنتهى ونهاية الإحكام والتحرير والتذكرة
صور وتماثيل، بل هو معقد النسبة إلى علمائنا في الثاني منها، لكن المراد من الجميع
واحد على الظاهر كما أوضحناه في اللباس، بل في كشف اللثام هنا أن المعروف عند
أهل اللغة ترادف التماثيل والتصاوير، والصورة بمعنى التصاوير، قلت: فلعل العطف
حينئذ للتفسير والبيان كما عن المطرزي التصريح به، إلا أنه ادعى اختصاص التماثيل
بذي الروح بخلاف الصورة، قال: " التمثال ما تصنعه وتصوره شبها لخلق الله من
ذي الروح " وقال: " قوله (عليه السلام): لا تدخل الملائكة بيتا فيه تماثيل أو تصاوير
كأنه شك من الراوي " وقال: " وأما قولهم تكره التصاوير والتماثيل فالعطف للبيان،
وأما تماثيل الشجر فمجاز إن صح " وإن كان لا يخلو بعض كلامه من النظر، خصوصا
دعواه عموم الصورة، بل هي أولى من التمثال بدعوى الاختصاص، كما أن التمثال أولى
بدعوى العموم منها، كما يؤيد ذلك إطلاق الصورة مرادا بها ذات الروح في أخبار
كثيرة على وجه إن لم يظهر منه كونها حقيقة في ذلك فلا ريب في ظهوره في أنه المراد
383

عند الاطلاق، منها ما ورد (1) في عذاب المصورين، وأنهم يكلفون بنفخ الروح فيها
مع إطلاق التماثيل مرادا بها غير ذي الروح في نحو قوله تعالى (2): " يعلمون له ما يشاء
من محاريب وتماثيل " لما عن أهل البيت (عليهم السلام) (3) أنها كانت أمثال الشجر،
بل يؤيده أيضا مبدأ الاشتقاق، فإن التمثال جعل المثال، وهو أعم من كونه لذي الروح
وغيره، والتصوير حكاية الصورة، وهي حقيقة في ذي الروح، أو هو أظهر أفرادها.
نعم قد يقال هنا باختصاص الكراهة بذي الروح وإن اختلفت النصوص في
التعبير كاختلاف العبارات السابقة، للأصل، وكثير مما سمعته في اللباس، ولأنه به
يحصل الشبه بعبادة الأوثان الذين يحكى عنهم عبادة صور ذوات الأرواح، ولقول
جبرائيل في خبر محمد بن مروان (4): " إنا معاشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه كلب
ولا تمثال جسد ولا إناء يبال فيه " وغيره من نصوص المقام وإطلاق نفي البأس (5) عن مثال
غيره الشامل لحال الصلاة التي هي أهم الأحوال، ولغير ذلك مما قدمنا ذكره هناك الذي
منه النصوص المتضمنة لعدم البأس إذا كان التمثال بعين واحدة، قيل: فإنها نص في
المطلوب، منها مرسل ابن أبي عمير (6) عن أبي عبد الله (عليه السلام) " في التمثال
يكون في البساط فتقع عينك عليه وأنت تصلي قال: إن كان بعين واحدة فلا بأس،
وإن كان له عينان فلا " وخبر ليث (7) أنه " سئل أبو عبد الله (عليه السلام) أيضا
عن التماثيل تكون في البساط لها عينان وأنت تصلي فقال: إن كان لها عين واحدة

(1) الوسائل - الباب - 3 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 5 من كتاب الصلاة
(2) سورة السبأ - الآية 12
(3) الوسائل - الباب 3 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 4 و 6 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب 3 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 4 و 6 من كتاب الصلاة
(6) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6 - 8
(7) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6 - 8
384

فلا بأس، وإن كان لها عينان وأنت تصلي فلا " وفي المرسل (1) عنه (عليه السلام)
أيضا " لا بأس بالصلاة وأنت تنظر إلى التصاوير إذا كانت بعين واحدة " ونحوه
المرسل الآخر (2) " لا بأس بالصلاة والتصاوير تنظر إليه إذا كانت بعين واحدة "
ولها صرح بعض الأصحاب برفع الكراهة أو تخفيفها بنقص الصورة بذلك، بل تعدى
من العين إلى باقي الأعضاء أيضا، بل ألحق طمس العين به، وكأنه لأن المنساق من
النصوص والفتاوي الكاملة من الصورة التي هي متعلق الحكم، وربما تسرى بذلك إلى
رفع الحرمة عن عملها مجسمة أو مطلقا.
لكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم سلب اسم الصورة عرفا بذلك، ودعوى
أنه المنساق ممنوعة، بل إن قلنا به ففي المقام خاصة للنصوص السابقة التي يمكن كون
المراد بها وإن بعد خصوصا في بعضها الكناية عن استقبال الصورة وعدمه، بمعنى إن
كانت العينان من المصلي لها أي مشغولة بالنظر إليها من غير انحراف كما يقال عين زيد
له فالصلاة مكروهة، بخلاف ما إذا كانت عين واحدة، لأنها لا تكون حينئذ إلا عن
اليمين أو الشمال، كما يؤيده وقوع السؤال في بعضها عن نظر المصلي القابل لهذا التفصيل،
وقوله (عليه السلام) في خبر ليث: " وأنت تصلي " على أن الواقع في سؤاله فرض
العينين، بل يؤيده أيضا غلبة نقص العين وغيرها في صورة غير الانسان المنقوشة على جدار
ونحوه، لعدم التمكن من حكاية الصورة تماما، بل والانسان أيضا، فإنه لا يحكي ما خلفه
إذا نقش نقشا، مع إطلاق النهي عن الصلاة إلى التماثيل مطلقا في الجدران والبسط
وغيرها، وعلى ذلك فلا تكون حينئذ شاهدة لنقص العين فضلا عن غيره، بل قد يؤيده
ظهور صحيح علي بن جعفر (3) عن أبي الحسن (عليه السلام) في عدم ذهاب مسمى
الصورة بقطع الرأس فضلا عن العين، قال: " سألته عن الدار والحجرة فيها التماثيل

(1) الوسائل - الباب 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 9 - 13 - 5
(2) الوسائل - الباب 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 9 - 13 - 5
(3) الوسائل - الباب 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 9 - 13 - 5
385

أيصلى فيها؟ فقال: لا تصل فيها وفيها شئ يستقبلك إلا أن لا تجد بدا فتقطع رؤوسها
وإلا فلا تصل فيها " وإلا لم يعلقه على عدم وجدان بد، فوجب حينئذ حمل نفي البأس
ونحوه مع كسر الرؤوس وتلطيخها في خبره الآخر (1) المروي عن قرب الإسناد وغيره
على حال الضرورة أو تخفيف الكراهة، قال: " سألت أخي موسى بن جعفر (عليه
السلام) عن مسجد يكون فيه تصاوير وتماثيل يصلى فيه فقال: تكسر رؤوس التماثيل
وتلطخ رؤوس التصاوير، وتصلي فيه ولا بأس " وسأله تارة أخرى (2) " عن البيت
فيه صوره سمكة أو طير أو شبههما يعبث به أهل البيت هل تصلح الصلاة فيه؟ فقال:
لا حتى يقطع رأسه منه ويفسد، وإن كان قد صلى فليس عليه إعادة ".
نعم لو غير تغيرا خرج به عن اسم الصورة ذات الروح وكان كهيئة الشجر
ونحوه لم يكن به بأس، لانعدام الموضوع. وإليه أومأ لصادق (عليه السلام) في المروي (3)
عن مكارم الأخلاق قال: " قد أهديت إلي طنفسة من الشام فيها تماثيل طائر
فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة الشجر " الحديث. بل لعله هو المراد من الافساد
في الخبر المتقدم.
وكيف كان فلا ريب في كراهة استقبال الصورة حملا للنهي في صحيح علي بن
جعفر السابق وصحيح ابن مسلم (4) " قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلي والتماثيل
قدامي وأنا أنظر إليها قال: لا " وعن نسخة " لا بأس اطرح عليها ثوبا، ولا بأس
بها إذا كانت عن يمينك أو شمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك. وإن
كان في القبلة فألق عليها ثوبا وصل " وغيرهما عليها، للاجماع المحكي المعتضد بظاهره
وبالشهرة العظيمة التي لا بأس بدعوى الاجماع معها، وبالاطلاقات والعمومات، ومرفوع

(1) الوسائل - الباب 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 12 - 1
(2) الوسائل - الباب 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 12 - 1
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 7 من كتاب الصلاة
(4) الوسائل - الباب 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10 - 12 - 1
386

الهمداني (1) والتوقيع (2) المتقدمين وصحيح علي بن جعفر المتقدم آنفا الذي لا داعي
إلى حمل عدم الإعادة فهي على الجهل أو النسيان، وبغير ذلك مما لا يخفى على من له أدنى نظر
فما عن كافي أبي الصلاح - من عدم حلها على البسط والبيوت المصورة، وإن له
في فسادها نظرا، مع أنه ليس خلافا في خصوص
استقبال الصورة، إذ يمكن أن يقول
بالجواز فيها إذا لم تكن في بساط أو بيت - لا ريب في ضعفه وإن كان ستعرف شهادة
بعض النصوص له، كما أنه لا يخفى عليك شهادة ما دل (3) من النصوص المستفيضة على
نفي البأس عنها إذا لم تكن في القبلة عليه، مضافا إلى ما ذكرناه سابقا، فمن الغريب
ما عساه يظهر من كشف اللثام من نوع ميل إليه، فإنه بعد أن حكى الشهرة على الكراهة
قال: وأخبار النهي كثيرة، إلى أن قال: وسمعت كلام الحلبي، ويؤيده ظواهر
الأخبار، وإنما يعارضها المرفوع المقدم، ويؤيد الفساد توجه النهي فيها إلى الصلاة،
ثم حمل صحيح علي بن جعفر المتقدم على الجهل والنسيان، وأنت خبير بما فيه مما لا
يحتاج إلى إطناب.
ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات عدم الفرق بين المجسمة من
التماثيل وغيرها، خلافا للمحكي عن سلار، فخصها بالأول للأصل، واحتمال اختصاص
النصوص بها، لأنها المشابهة للأصنام، واحتمال الاشتقاق من المثول بمعنى القيام، وورود
المرفوع المتقدم المنفي عنه البأس بلفظ الصورة، وللتعبير بالقطع والكسر في خبري علي
ابن جعفر السابقين، وهما يناسبان التجسيم ظاهرا، قال في كشف اللثام: ولا ينافي ذلك
أخبار البسط والوسائد، فإنها أيضا مجسمة.
لكن الجميع كما ترى، إذ الأصل مقطوع بظاهر ما عرفت، كاندفاع احتمال

(1) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 5
(2) الوسائل - الباب - 30 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب مكان المصلي
387

الاختصاص به أيضا، ولعله للمشابهة المزبورة عم الحكم، واحتمال الاشتقاق معارض
بالأقرب منه، بل هو الظاهر: أي الاشتقاق من المماثلة، والمرفوع السابق قد عرفت
إرادة بيان الجواز منه لا من حيث عدم التجسيم، ولفظ القطع والكسر ونحوهما من
الألفاظ باعتبار المحكي من ذي الصورة، على أن مثله لا يرفع به اليد عن مقتضى الأدلة
السابقة، فلا ريب في ضعف القول بالاختصاص وإن احتمل أنه مذهب الصدوق في
المقنع أيضا، قال: " لا تصل وقدامك تماثيل، ولا في بيت فيه تماثيل - ثم قال -:
ولا بأس أن يصلي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه، لأن الذي يصلى له أقرب
من الذي بين يديه " مع أنه يمكن أن يكون هذا التفصيل منه بناء على ما سمعته من
المطرزي من الفرق بين التمثال والصورة، ويكون حينئذ موافقا للمختار من اختصاص
النهي بتمثال ذي الروح، وأظهر من ذلك كله كما لا يخفى على العارف بطريقة الصدوق
ومذاقه أنه ذكر مجموع ما ورد في الخبرين قاصدا به ما قصد بهما، لأن من عادتهم الفتوى
بمضمون النصوص، وقد عرفت أن الجمع بينهما بالجواز مع الكراهة، فيكون هو مختار
الصدوق (رحمه الله)، فيختص الخلاف حينئذ بسلار، وقد عرفت شهادة النصوص
بخلافه، خصوصا نصوص البسط والوسائد، ومن الغريب ما سمعت عن كشف اللثام
من أنها من الصور المجسمة.
هذا كله في الصورة المستقبلة، أما إذا كانت في باقي الجهات الخمس فقد قال
أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1) المروي عن المحاسن: " لا بأس
بالتماثيل أن تكون عن يمينك وعن شمالك وخلفك وتحت رجليك، فإن كانت في القبلة
فألق عليها ثوبا إذا صليت " كصحيحه (2) المتقدم عنه لكن مع زيادة " أو فوق
رأسك فيه " وفي صحيحه (3) الآخر " سألت أحدهما (عليهما السلام) عن التماثيل

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 11 - 1 - 4
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 11 - 1 - 4
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 11 - 1 - 4
388

في البيت فقال: لا بأس إذا كانت عن يمينك وعن شمالك وعن خلفك أو تحت رجليك،
وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا " وفي صحيحه (1) الثالث عن أبي جعفر (عليه
السلام) " لا بأس بأن تصلي على التماثيل إذا جعلتها تحتك " وسأل ليث المرادي (2)
أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الوسائد تكون في البيت فيها التماثيل عن يمين أو عن
شمال فقال: لا بأس به ما لم تكن تجاه القبلة، وإن كان شئ منها بين يديك مما يلي
القبلة فغطه وصل ".
ولعله لذا قصر المشهور الكراهة على ما بين اليدين، لكن أطلق ابن زهرة
الكراهة على البسط المصورة، كالمحكي عن المختلف والبيان وموضع من التلخيص، بل
هو معقد الشهرة في المختلف والتلخيص، بل معقد الاجماع في الغنية، بل زاد في المختلف
والتلخيص البيت المصور، وعن الهداية إطلاق كراهة البيت الذي فيه تماثيل نحو ما سمعته
عن المقنع، ومقتضى ذلك ثبوت الكراهة للجهات مطلقا، وعن المبسوط " لا يصلي
وفي قبلته أو يمينه أو شماله صور وتماثيل إلا أن يغطيها، فإن كان تحت رجليه فلا بأس "
قيل ونحوه البيان والاصباح.
وقد يشهد لخصوص البسط خبر سعد بن إسماعيل (3) عن أبيه أنه سأل الرضا
(عليه السلام) " عن المصلي والبساط يكون عليه التماثيل أيقوم عليه فيصلي أم لا؟
فقال: والله إني لأكره " مضافا إلى ما سمعته من مرسل ابن أبي عمير (4) وخبر ليث
المرادي (5) بل ربما استشهد له بخبر عبد الله بن يحيى الكندي (6) عن أبيه المروي
عن المحاسن عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث " إن جبرئيل قال: إنا

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7 - 8 - 3 - 6 - 8
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7 - 8 - 3 - 6 - 8
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7 - 8 - 3 - 6 - 8
(4) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7 - 8 - 3 - 6 - 8
(5) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7 - 8 - 3 - 6 - 8
(6) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
389

لا ندخل بيتا فيه كلب ولا جنب ولا تمثال يوطأ ".
ولخصوص البيوت إطلاق خبر علي بن جعفر (1) المروي عن قرب الإسناد
المتقدم آنفا بناء على عدم الفرق بين المسجد والبيت، وخبره (2) الآخر الذي تضمن
عدم الإعادة مع الصلاة المتقدم آنفا أيضا، وخبره (3) الثالث سأل أخاه (عليه السلام)
" عن البيت يكون على بابه ستر فيه تماثيل أيصلي في ذلك البيت؟ قال: لا، قال:
وسألته عن البيوت يكون فيها التماثيل أيصلى فيها؟ قال: لا " مضافا إلى ما ورد (4)
مستفيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل أنه قال: " إنا معاشر الملائكة
لا ندخل بيتا فيه تماثيل " وفي بعضها " تمثال " وفي آخر " فيه صورة إنسان، ولا بيتا
فيه تماثيل " وغير ذلك من الاختلاف في المتن زيادة ونقصا بما لا يقدح في المطلوب
متمما ذلك بمعلومية كراهة الصلاة في مكان لا تدخله الملائكة لبعده عن الرحمة، وللتعليل
في المرسل (5) عن الصادق (عليه السلام) قال: " لا يصلى في دار فيها كلب إلا أن
يكون كلب الصيد، وأغلقت دونه بابا فلا بأس، فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب،
ولا بيتا فيه تماثيل، ولا بيتا فيه بول مجموع في آنية ".
وللمبسوط إطلاق بعض النصوص (6) السابقة مع صحيح ابن مسلم (7) المتقدم
المتضمن لنفي البأس عن الصلاة على التماثيل إذا جعلها تحته، ومرسل ابن أبي عمير (8)
المتقدم المتضمن للنهي حيث تقع العين، وربما احتج له أيضا بصحيح عبد الرحمان بن
الحجاج (9) سأل الصادق (عليه السلام) " عن الدراهم السود تكون مع الرجل وهو

(1) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي الحديث 10 - 12 - 14 - 0 - 7 - 6
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي الحديث 10 - 12 - 14 - 0 - 7 - 6
(3) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي الحديث 10 - 12 - 14 - 0 - 7 - 6
(4) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 4
(5) الوسائل - الباب - 33 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 0 - 4
(6) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي الحديث 10 - 12 - 14 - 0 - 7 - 6
(7) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي الحديث 10 - 12 - 14 - 0 - 7 - 6
(8) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي الحديث 10 - 12 - 14 - 0 - 7 - 6
(9) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3
390

يصلي مربوطة أو غير مربوطة فقال: ما أشتهي أن يصلي ومعه هذه الدراهم التي فيها
التماثيل، ثم قال: ما للناس بد من حفظ بضائعهم، فإن صلى وهي معه فلتكن من خلفه،
ولا يجعل شئ منها بينه وبين القبلة " والمروي (1) عن الخصال عن أمير المؤمنين (عليه
السلام) في خبر الأربعمائة قال: " لا يسجد الرجل على صورة ولا على بساط فيه صورة
ويجوز أن تكون الصورة تحت قدميه، أو يطرح عليها ثوبا يواريها، ولا يعقد الرجل
الدراهم التي فيها صورة في ثوبه وهو يصلي، ويجوز أن تكون الدراهم في هميان أو في
ثوب إذا خاف الضياع ويجعلها في ظهره ".
قلت: قد يقال بتقييد نصوص البساط ببعض النصوص السابقة المشتملة على
التفصيل، فيكره الصلاة عليه مع كون بعض ما فيه من الصور بين يدي المصلي، لكن
فيه أن التعارض بينها من وجه، ولعل الترجيح لها عليها بعدم ظهور نصوص التفصيل
فيما يشمل البسط، بل ظاهر الحجر والبيوت خلافه، خصوصا مع التسامح في أمر
الكراهة والاجماع المحكي المعتضد بالشهرة المحكية، وبغير ذلك، كالنهي عن الجلوس
عليه ونحوه، اللهم إلا أن يقال برجحانها عليها بسبب اعتضادها بظاهر الفتاوى
وبالأصل وبالصحة في السند والكثرة في العدد وبظهور الحكمة في الاستقبال، بل قد
سمعت تصريح بعض النصوص (3) بنفي البأس عما كان منها تحت، بل ربما كان فيه
إهانة لها، كما أومأ إليه أبو جعفر (عليه السلام) لما سئل عن الجلوس على بساط ذي
تمثال فقال: " أردت أن أهينه ".
وربما انقدح منه وجه بقصد الإهانة وعدمه، كاحتمال الجمع بخفة الكراهة

(1) الوسائل - الباب - 45 - من أبواب لباس المصلي - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 و 4 و 7
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 8 من كتاب الصلاة
391

فيه، وبما في خبر أبي بصير (1) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): " إنا نبسط عندنا
الوسائد فيها التماثيل وتفرشها قال: لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ، إنما يكره
ما نصب على الحائط والتستر " ويقرب منه خبره الآخر (2) وخبر الكندي (3) وإن
رواه في الوسائل كما عرفت، لكن الذي عثرنا عليه في موضع آخر منها " لا يوطأ "
وهو الموافق للاعتبار، وباحتمال جريان إطلاق النهي عن الصلاة على البسط المصورة
مجرى الغالب من استقبال الصور حينئذ، وكيف كان فالتسامح والاحتياط يؤيد الأول،
والأصل يؤيد الثاني، والأمر سهل.
أما البيوت فقد يقوى في النظر ثبوت الكراهة بمجرد كون الصورة فيها،
للاطلاقات المزبورة التي لا يقبل بعضها التقييد بالتفصيل السابق، كنصوص عدم دخول
الملائكة، ضرورة ظهوره في أن وجود الصورة مانع لهم عن دخولها كوجود الكلب
وإناء البول، وقد ثبت بالتعليل السابق وغيره كراهة الصلاة فيما لا تدخله الملائكة،
بل قد يقال: إن نصوص التفصيل لا تعارض ذلك. ضرورة ظهورها في نفي الكراهة
من حيث كون الصورة في إحدى الجهات من غير مدخلية للبيت ونحوه، بل لو كان
في مفازة جرى الحكم أيضا، والمراد بهذه النصوص - الظاهرة في ثبوتها من حيث عدم
دخول الملائكة بيتا هي فيه - أمر آخر غير كون الصورة في إحدى الجهات، بل الظاهر
ثبوت الحكم بناء على إرادة الدار من البيت وإن صلى في حجرة منها لا صورة فيها،
بل كانت في حجره أخرى، ولا تجدي تغطيتها من هذ الحيثية وإن أجدت من حيث

(1) الوسائل - الباب - 94 - من أبواب ما يكتسب به - الحديث 4 من كتاب التجارة
وفي الوسائل " وعلى السرير " بدل " والتستر "
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب أحكام المساكن - الحديث 2 من كتاب الصلاة
(3) الوسائل - الباب - 23 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
392

كراهة الاستقبال، فتأمل فإنه جيد جدا، نعم ما سمعته عن المبسوط لا تساعده قاعدة
الاطلاق والتقييد، وصحيح عبد الرحمان وخبر الخصال واردان في المحمول كغيرها
لا فيما نحن فيه، والمحصل جميعا خفة الكراهة فيه بالوضع خلف في هميان ونحوه، هذا.
وليعلم أن ظاهر العبارة وغيرها بل هو ظاهر بعض النصوص دوران الكراهة
على كون الصورة بين اليدين سواء كانت في جهة القبلة أو لا، كما في بعض أحوال
الاضطرار في الصلاة، والتخصيص بجهة القبلة في بعض النصوص جار مجرى الغالب،
واحتمال معارضته بامكان جريان القدام ونحوه في آخر مجراه يدفعه التسامح في أمر
الكراهة وظاهر الفتاوى، ووجود حكمة الكراهة، بل هي في غير القبلة أشد مشابهة
لعبادة الأصنام.
وليس في الفتاوى ولا النصوص التعرض لدفع الكراهة ببعد العشرة بل ولا
بالحائل كالعنزة ونحوها، ويجري فيه ما سمعته سابقا في المسألة المتقدمة، نعم لا ريب
في زوالها بالحائل الساتر كما يفهم من الأمر بالتغطية، وفي خبر علي بن جعفر (1) المروي
عن قرب الإسناد سأل أخاه (ع) " هل يصلح له أن يصلي في بيت على بابه ستر خارجه فيها
التماثيل، ودونه مما يلي البيت ستر آخر ليس فيه تماثيل، هل يصلح له أن يرخي الستر
الذي ليس فيه التماثيل حتى يحول بينه وبين الستر الذي فيه تماثيل أو يسد الباب دونه
ويصلي؟ قال: نعم لا بأس " والله أعلم، هذا.
* (و) * قد تقدم في بحث القبلة الدليل على أنه * (كما تكره الفريضة في جوف الكعبة) *
كذلك * (تكره على سطحها) * والخلاف في ذلك وفي الكيفية، فلاحظ وتأمل.
* (و) * كذا * (تكره في مرابط الخيل والبغال والحمير) * على المشهور بين الأصحاب
شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل في الغنية دعواه عليه، وبه مع الأصل والاطلاقات

(1) قرب الإسناد ص 113 المطبوع بالنجف
393

والعمومات وغيرها يحمل النهي في مضمري سماعة عليها، قال في أحدهما (1): " لا تصل
في مرابط الخيل والبغال والحمير " وقال في ثانيهما (2): " سألته عن الصلاة في أعطان
الإبل وفي مرابض البقر والغنم فقال: إن نضحته بالماء وقد كان يابسا فلا بأس بالصلاة
فيها، فأما مرابض الخيل والبغال فلا " فما عن التقي من الجزم بعدم الحل والتردد في
الفساد ضعيف، مع أنه إن كان نظره إلى الخبرين المزبورين لا ينبغي منه التردد في
الفساد، لتوجه النهي فيهما للصلاة، وعلى كل حال لا ريب في ضعفه، نعم لا يبعد شدة
الكراهة فيهما كما يومي إليه ظاهر ما في الأخير من عدم الارتفاع أو الخفة بالرش ونحوه،
كما هو مقتضى الأصل، خلافا لما عن المفاتيح من الجزم بأحدهما، ولعله للقياس على
أعطان الإبل، ولا فرق في ثبوت الكراهة المزبورة بين حضورها وغيبتها، ضرورة
كون المدار على صدق المرابط والمرابض، وهما لا يتوقفان على ذلك، أما لو زال الاسم
اتجه زوالها، بل عن التحرير والمنتهى والروض التصريح بعدم الفرق بين الوحشية
والأهلية، ولعله للاطلاق الذي يمكن دعوى انصرافه للثانية لو سلم كونه حقيقة فيما
يشملهما، هذا.
* (و) * قد ظهر من الخبر السابق أنه * (لا بأس بمرابض الغنم) * كما صرح به جماعة،
بل عن المنتهى نسبته إلى أكثر علمائنا، والمراد على الظاهر من النص والفتوى عدم
الكراهة من نفي البأس، بل لعله مقتضى الأمر في صحيح الحلبي (3) قال: " سألت
الصادق (عليه السلام) عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صل فيها، ولا تصل في
أعطان الإبل إلا أن تخاف " إلى آخره. بل هو مقتضى نفي البأس في صحيح ابن مسلم (4)
سأل أبا عبد الله (عليه السلام) " عن الصلاة في أعطان الإبل فقال: إن تخوفت الضيعة

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 4 - 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 4 - 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 4 - 2 - 1
(4) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب مكان المصلي الحديث 3 - 4 - 2 - 1
394

على متاعك فاكنسه وانضحه وصل، ولا بأس بالصلاة في مرابض الغنم " لكن عن
المختلف أن المشهور الكراهة، بل عن الغنية الاجماع على ذلك وعلى الكراهة في مرابط
البقر أيضا، ويؤيده في الثاني ثبوت البأس في مفهوم الخبر السابق، أما الأول فقد
عرفت ظهور النصوص السابقة في عدمه، إلا أن أمر الكراهة مما يتسامح فيه، ويكفي
الاجماع المحكي في ثبوته وفي تنزيل النصوص على إرادة نفي كراهة أعطان الإبل ونحوها
لا مطلق الكراهة، وعلى كل حال فما عن الحلبي هنا أيضا من الجزم بعدم الحل فيهما:
أي البقر والغنم والتردد في الفساد لا يخلو من غرابة خصوصا في الغنم، والله أعلم.
* (و) * أما كراهة الصلاة * (في بيت فيه مجوسي) * المصرح بها في جملة من عبارات
الأصحاب سواء كان بيته أو غيره * (و) * أنه * (لا بأس باليهودي والنصراني) * فقد
عرفت دليلها، والبحث فيه سابقا عند البحث عنها في بيوت المجوس، وأنها على تقديرها
لا تزول بالرش وإن زالت بالنسبة إلى بيته، إذ هما حيثيتان مختلفتان لا تلازم بينهما،
فلاحظ وتأمل لتعلم أيضا أن المراد عدم الكراهة من حيث وجود اليهودي والنصراني،
وإلا فقد يقال بها في بيوتهم من حيث كونها مظنة النجاسة وبعيد عنها الرحمة وغير ذلك
مما يفهم من النصوص ثبوت الكراهة التي يتسامح بها معه، والله أعلم.
* (ويكره) * أيضا أن يصلي و * (بين يديه مصحف مفتوح) * على المشهور نقلا
وتحصيلا، لخبر عمار (1) سأل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يصلي وبين يديه
مصحف مفتوح في قبلته فقال: لا " المحمول على الكراهة، للشهرة العظيمة، وقصوره
عن قطع الأصل وتقييد اطلاقات وتخصيص العمومات، وللمروي عن قرب الإسناد
عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر (2) سأل أخاه (عليه السلام) " عن
الرجل هل يصلح له أن ينظر في نقش خاتمه كأنه يريد قراءته أو في المصحف أو في

(1) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 27 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 - 2
395

كتاب في القبلة؟ فقال: ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها " فما عن الحلبي من الجزم
بعدم الجواز والتردد في الفساد واضح الضعف، ولعله للتسامح والخبر المزبور، قال في
البيان: " أو كتاب مفتوح " بل عن المبسوط " أو شئ مكتوب " بل عن الفاضل
وثاني المحققين والشهيدين وغيرهم التعدية إلى كل منقوش مع ذلك، كما أنهم صرحوا
بعدم الفرق بين القاري وغيره، بل نسبه في كشف اللثام إلى ما عدا النزهة، أما فيها
فخصها به، لأنه الذي يشتغل به عن الصلاة، ورده بأنه ممنوع كالتعليل، قلت: وهو
كذلك، لاطلاق الخبرين، وإن كان قد يقال: إن الاشتغال سبب آخر لنقص الصلاة،
والتعدي المزبور في كلام من عرفت إن كان هو مناطه فلا يخلو من خروج عن البحث،
فالأجود حينئذ الاقتصار على مضمون الخبرين وما ينتقل إليه مما فيهما، ولعله ليس إلا
المكتوب أو هو والمنقوش، لقوله: " نقش خاتمه " إلا أنه ينبغي الاقتصار فيه على
النظر إليه كأنه يقرأه، فلا كراهة مع العمى والظلمة ونحوهما مما لا نظر معها، أما فتح
المصحف فلا يتقيد كراهيته بشئ من ذلك، بل وكذا أن ألحق به كل مكتوب،
لاطلاق خبر عمار المزبور، ولو انتقل من الكتابة فيه إلى مطلق النقش أمكن التعميم
أيضا حتى فيه، لكن ذلك كما ترى مآله إلى التسامح في التسامح، بل بناء على عدم
استلزام النقص في الصلاة الكراهة لاحتمال كونها نقصا مخصوصا لا يصل إلى حد النهي
يحسن الاقتصار على نفس المصحف، كما هو مضمون الخبر الأول، وتعليله بالمشغولية
ليتعدى لا دليل عليه، والتسامح لا يشرعه، اللهم إلا أن يدعى أن الظاهر هنا إرادة
الكراهة من النقص في الخبر المزبور ولو بمعونة اشتماله على ما نهي عنه في خبر عمار،
وفيه حينئذ شهادة على المسألة الأصولية، وهي أن الكراهة في العبادات بمعنى نقصان
الثواب فيها، والله أعلم.
* (أو حائط ينز من بالوعة يبال فيها) * كما عن جماعة التصريح به، منهم الشيخ
396

وابن حمزة والفاضل والشهيدان وغيرهم، لمرسل البزنطي (1) عن أبي عبد الله (عليه السلام)
" عن المسجد ينز حائط قبلته من بالوعة يبال فيها فقال: إن كان نزه من البالوعة فلا
تصل فيه، وإن كان نزه من غير ذلك فلا بأس " بعد إلغاء خصوص المسجد فيه
وإرادة ما كان في قبلة المصلي من الحائط فيه، وجعل اللام للعهد في البالوعة، وكأنه لم
يلحظ الأخير في النافع وغيره، فأطلق البالوعة، لكن الظاهر إرادة تعميم سائر
النجاسات من ذلك، فيوافق المحكي عن المبسوط والاصباح والجامع والدروس والبيان
" بالوعة بول أو قذر " المراد منه سائر النجاسات، لا خصوص الغائط حتى يوافق ما عن
المحقق الثاني والشهيد الثاني وغيرهما " بالوعة بول أو غائط " معللين له بأن الغائط أفحش،
نعم في الروضة " في إلحاق غير الغائط من النجاسات وجه " وفي المحكي عن نهاية الإحكام
" في التعدي إلى الماء النجس والخمر وشبههما إشكال " والتذكرة والمسالك وغيرهما " في
التعدي إلى الماء النجس تردد " وفي الذكرى وعن التخليص والبحار " تكره إلى النجاسة
الظاهرة " بل عن التلخيص " أنه المشهور " وعن المقنعة " تكره إلى شئ من النجاسات "
وعن التحرير " تكره إلى بيوت الغائط ".
قلت: الذي عثرت عليه من النصوص مما له مدخلية في المقام مضافا إلى الخبر
المزبور قول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في خبر محمد بن أبي حمزة (2): " إذا
ظهر النز من خلف الكنيف وهو في القبلة يستره بشئ " وخبر الفضيل بن يسار (3)
قلت لأبي جعفر (عليه السلام): " أقوم في الصلاة فأرى قدامي في القبلة العذرة فقال:
تنح عنها ما استطعت " وفي المحكي من البحار نقلا من كتاب الحسين بن عثمان (4)

(1) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1
(2) الوسائل - الباب - 18 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 1
(3) الوسائل - الباب - 31 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1 لكن رواه في
الوسائل والتهذيب والكافي عن أبي عبد الله عليه السلام
(4) المستدرك - الباب - 13 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 1
397

أنه قال: " روي عن أبي الحسن (عليه السلام) إذا ظهر النز إليك من خلف الحائط
من كنيف في القبلة سترته بشئ " وهي كما ترى ليس فيها إلا الأمر بالستر، اللهم
إلا أن يراد منه حصول الكراهة مع عدم امتثاله، ولولا أن الحكم مما يتسامح فيه لأمكن
المناقشة في جملة من ذلك حتى في استفادة الكراهة من الأمر فضلا عن بعض التعدي
المذكور، وإن كان قد يقال هنا بإرادة حصول النقص في الصلاة مع عدم امتثال الأمر
المزبور الذي من المعلوم كون المراد منه أنه مع امتثاله تكون الصلاة مساوية لغيرها من
الصلوات التي ليس في إقامتها ما يحتاج إلى ستر، فمع عدم امتثاله حينئذ تنقص عنها،
وليس إلا الكراهة بناء على لزومها لمطلقه، فتأمل جيدا، وكيف كان فالأمر سهل
ما لم يرجع إلى التسامح في التسامح الذي مآله إلى التسامح في الدين وأحكام رب
العالمين، والله أعلم.
* (وقيل) * والقائل أبو الصلاح على ما قيل وجماعة، بل عن المهذب البارع نسبته
إلى الأكثر، بل حكى الشهيد الثاني الشهرة، بل عن روضه ومجمع البرهان نسبته إلى
الأصحاب: إنه * (يكره) * الصلاة * (إلى باب مفتوح) * لكن قد اعترف جماعة بعدم
الدليل عليه حتى أن المصنف لما نسبه إلى الحلبي قال وهو أحد الأعيان فلا بأس باتباعه،
واقتصر بعض من تأخر عنه على نقل ذلك عنه، نعم في كشف اللثام بعد أن نقله عن
معطي كلام الحلبي حيث كره التوجه إلى الطريق تبعا للتذكرة أن دليله استفاضة الأخبار
باستحباب الاستنار ممن يمر بين يديه ولو بعنزة أو قصبة أو قلنسوة أو عود أو كومة
من تراب، قال الرضا (عليه السلام) (1): " أو يخط بين يديه بخط " ويحتمل أن
يريد إن لم يجد شيئا، كما قال (صلى الله عليه وآله) في خبر السكوني (2): " إذا صلى
أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فإن لم يجد فحجرا، فإن لم

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 4
398

يجد فسهما، فإن لم يجد فليخط في الأرض بين يديه " وظاهره أن الحلبي لم يصرح
بذلك، إذ كراهتها إلى الطريق أعم منها إلى الباب من وجه كالعكس من آخر.
* (و) * كذا قيل والقائل أيضا جماعة، منهم أبو الصلاح والديلمي ويحيى بن
سعيد والفاضل والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم: إنها تكره أيضا * (إلى إنسان مواجه) *
بل في المسالك والروضة أنه المشهور، وأنه لا دليل عليه أيضا حتى أن المصنف حكاه
عن الحلبي، وقال هو أحد الأعيان فلا بأس باتباع فتواه، واقتصر أيضا جماعة ممن تأخر
عنه على نقل ذلك عنه، لكن في كشف اللثام بعد أن حكاه عن المراسم والنزهة وأن في
الكافي شدة الكراهة إلى المرأة النائمة قال: ولعله للاشتغال وخصوصا غير المحرم من المرأة
إذا كان المصلي رجلا، وخصوصا إذا نامت: أي اضطجعت أو استلقت أو انبطحت،
وللمشابهة بالسجود له، ولإرشاد أخبار (1) السترة إليه، ولخبر علي بن جعفر (2)
الذي في قرب الإسناد للحميري أنه سأل أخاه (ع) " عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح
له أن تكون امرأته مقبلة بوجهها عليه في القبلة قاعدة أو قائمة؟ قال: يدرأها عنه، فإن لم
يفعل لم يقطع ذلك صلاته " وعن عائشة (3) " أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان
يصلي حذاء وسط السرير وأنا مضطجعة بينه وبين القبلة يكون لي الحاجة فأكره أن
أقوم فأستقبله فأنسل انسلالا " لكن قال بعد ذلك: وعندنا الأخبار بنفي البأس عن
أن تكون المرأة بحذاء المصلي قائمة وجالسة ومضطجعة كثيرة، وكره ابن حمزة أن تكون
بين يديه امرأة جالسة فقط، والأحسن عندي قول ابن إدريس: " ولا بأس أن يصلي
الرجل وفي جهة قبلته إنسان قائم، ولا فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى، والأفضل

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي
(2) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 2
(3) صحيح مسلم ج 2 ص 60
399

أن يجعل بينه وبينه ما يستر بعض المصلي عن المواجهة " وظاهره عدم الكراهة وإن
استحبت السترة، وكأنه مناف لما ذكره سابقا، خصوصا في المسألة السابقة التي استدل
على الكراهة فيها بأخبار السترة، على أنه قد يكفي في الكراهة بعد التسامح ما سمعت،
مضافا إلى قول الصادق (عليه السلام) في خبر البرقي (1): " من تأمل خلق امرأة
في الصلاة فلا صلاة له " وإلى ما تقدم سابقا مما دل (2) على كراهتها إلى الصور التي
يمكن أولوية ذي الصورة منها بذلك، لكن عليه لا ينبغي اختصاص الانسان حينئذ
بالكراهة، ولعلنا نلتزمه، خصوصا إذا قلنا باستفادة الكراهة من نصوص السترة،
إذ ستعرف ظهور النصوص في استحبابها من كل ما يمر بين يدي المصلي، بل في بعضها (3)
التصريح بالحمار والكلب.
وحينئذ يتجه تعميم الكراهة لسائر الحيوانات، واحتمال اختصاص السترة بالمار
يدفعه أولوية الواقف منه بذلك قطعا، على أن علي بن جعفر قد سأل أخاه (عليه السلام)
في المروي (4) عن قرب الإسناد " عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وأمامه حمار
واقف؟ قال: يضع بينه وبينه عودا أو قصبة أو شيئا يقيمه بينهما ويصلي ولا بأس،
قلت: وإن لم يفعل وصلى أعيد صلاته أو ما عليه؟ قال: لا يعيد صلاته وليس عليه
شئ " وقد ظهر من ذلك أن القول بالكراهة ليس بذلك البعيد، ونفي البأس عن
محاذاة الامرأة وكونها بحياله إذا لم تكن تصلي في النصوص السابقة يمكن إرادة نفي البأس
الحاصل مع صلاتها منه لا نفيه مطلقا، أو يحمل على ما إذا لم تكن مواجهة له، بل قد

(1) الوسائل - الباب - 22 - من أبواب قواطع الصلاة - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 32 - من أبواب مكان المصلي
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 12 - 3
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 12 - 3
400

يدعى ظهوره في إرادة نفيه من حيث المحاذاة والتقدم لا من حيث المواجهة، فلاحظ وتأمل.
وكيف كان فتفصيل الحال في السترة أنه لا خلاف عندنا فيما أجد في عدم
وجوب السترة، بل عن المنتهى لا خلاف فيه بين علماء الإسلام، كما في التذكرة والذكرى
وعن التحرير والبيان الاجماع عليه، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير (1)
" لا يقطع الصلاة شئ لا كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشئ، وإن كان
بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت. والفضل في هذا أن تستتر بشئ،
وتضع بين يديك ما تتقي به من المار، فإن لم تفعل فليس به بأس، لأن الذي يصلي له
المصلي أقرب إليه ممن يمر بين يديه، ولكن ذلك أدب الصلاة وتوقيرها ".
نعم هي مستحبة بلا خلاف، بل عليه الاجماع منقولا في جمله من كتب
الأساطين إن لم يكن محصلا، بل في التذكرة يستحب أن يصلى إلى سترة، فإن كان في
مسجد أو بيت صلى إلى حائط أو سارية، فإن صلى إلى فضاء أو طريق صلى إلى شئ
شاخص بين يديه، أو نصب بين يديه عصا أو عنزة أو رحلا أو بعيرا معقولا بلا
خلاف بين العلماء في ذلك، وقال الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية بن وهب (2):
" كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجعل العنزة بين يديه إذا صلى " وقال (ع) أيضا
في خبر أبي بصير (3): " كان طول رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذراعا،
فإذا كان صلى وضعه بين يديه يستتر به ممن يمر بين يديه " وقال (عليه السلام) أيضا
في خبر غياث (4): " إن النبي (صلى الله عليه وآله) وضع قلنسوة وصلى إليها " وقال (ع)
أيضا عن أبيه (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن مسلم (5): " كانت لرسول الله

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 7
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 7
(4) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 7
(5) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 5 - 7
401

(صلى الله عليه وآله) عنزة في أسفلها عكازة يتوكأ عليها ويخرجها في العيدين يصلى
إليها " وقد سمعت خبري السكوني (1) ومحمد بن إسماعيل (2) في عبارة كشف اللثام
السابقة، وسأل علي بن جعفر (3) أخاه موسى (عليه السلام) " عن الرجل يصلي
وأمامه حمار واقف قال: يضع بينه وبينه قصبة أو عودا أو شيئا يقيمه ثم يصلي فلا بأس "
وزاد فيما رواه الحميري (4) عنه كالمروي عن كتابه، قلت: " فإن لم يفعل وصلى أيعيد
صلاته أم ما عليه؟ قال: لا يعيد صلاته وليس عليه شئ " وفيه إيماء إلى مرجوحية
ذلك مع عدم السترة، وأن الغرض من وضعها رفع المرجوحية المزبورة بها، بل قد
يظهر من بعض النصوص (5) معلومية ذلك في الزمن السابق، بل كانوا يتوهمون
خصوصا العامة منهم انقطاع الصلاة بالمرور بين يدي المصلي، ولذا أكثروا عليهم السلام
في بيان فساد الوهم المزبور، وأن ذلك ليس من الأمور الواجبة، بل هو من آداب
الصلاة وتوقيرها، وإلا فالله عز وجل أقرب إلى المصلي من كل ما يمر بين يديه،
فالصلاة له حينئذ لا للمار، كما أوضح ذلك في خبر أبي بصير السابق وغيره مما سمعت،
وفي خبر ابن أبي عمير (6) المروي عن كتاب التوحيد " رأى سفيان الثوري أبا الحسن
موسى بن جعفر (عليهما السلام) وهو غلام يصلي والناس يمرون بين يديه فقال له:
إن الناس يمرون بين يديك وهم في الطواف، فقال له: الذي أصلي له أقرب من هؤلاء "
وفي المرفوع إلى محمد بن مسلم (7) أنه " دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (عليه السلام)
فقال له: رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم وفيه ما فيه،
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ادعوا لي موسى (عليه السلام) فدعي، فقال: يا بني

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 3
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 - 3
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 0 - 3 - 11
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 0 - 3 - 11
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 0 - 3 - 11
(6) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 0 - 3 - 11
(7) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 2 - 0 - 3 - 11
402

إن أبا حنيفة يذكر أنك صليت والناس يمرون بين يديك فلم تنههم، فقال: نعم يا أبة،
إن الذي كنت أصلي له أقرب إلي منهم، يقول الله عز وجل (1): " ونحن أقرب
إليه من حبل الوريد " فضمه أبو عبد الله (عليه السلام) إلى نفسه، ثم قال: يا بني
بأبي أنت وأمي يا مستودع الأسرار " وفي خبر سيف (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه
عن جده (عليهم السلام) قال: " كان الحسين بن علي (عليهما السلام) يصلي فمر بين
يديه رجل فنهاه بعض جلسائه، فلما انصرف قال له: لم نهيت الرجل؟ فقال:
يا بن رسول الله حضر فيما بينك وبين المحراب، فقال: ويحك إن الله عز وجل أقرب
من أن يحضر فيما بيني وبينه أحد " وفي خبر سفيان بن خالد (3) عن أبي عبد الله
(عليه السلام) " أنه كان يصلي ذات يوم إذ مر رجل قدامه وابنه موسى (ع) جالس،
فلما انصرف قال له ابنه: يا أبة ما رأيت الرجل مر قدامك؟ فقال له: يا بني إن الذي
أصلي له أقرب إلي من الذي مر قدامي " وفي خبر أبي سليمان (4) مولى أبي الحسن
العسكري (عليه السلام) " سأله بعض مواليه وأنا حاضر عن الصلاة يقطعها شئ مما يمر
بين يدي المصلي فقال: لا ليست الصلاة هكذا تذهب بحيال صاحبها، إنما تذهب
مساوية لوجه صاحبها " إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة فيما ذكرنا، بل يكفي فيه
ما سمعته في خبر أبي بصير السابق من أن السترة أدب الصلاة وتوقيرها الظاهر في أن
عدمها مناف لذلك.
بل يستفاد من نصوص غير المقام النهي عن عدم توقيرها، بل لا تخلو النصوص

(1) سورة ق - الآية 15
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4 وفي الوسائل
" خطر " و " يخطر " بدل " حضر " و " يحضر "
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6 - 5
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6 - 5
403

المتضمنة للأمر بالادراء من إشعار بذلك أيضا، ففي صحيح الحلبي (1) " سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل أيقطع صلاته شئ مما يمر بين يديه؟ فقال:
لا يقطع صلاة المسلم شئ، ولكن ادرأ ما استطعت " وفي خبر ابن أبي يعفور (2)
سأله أيضا " عن الرجل هل يقطع صلاته شئ مما يمر بين يديه؟ فقال: لا يقطع صلاة
المؤمن شئ، ولكن ادرؤا ما استطعتم " وفي خبر الحسين بن علوان (3) عن جعفر
عن أبيه (عليهما السلام) " إن عليا (عليه السلام) سئل عن الرجل يصلي فيمر بين
يديه الرجل والمرأة والكلب والحمار فقال: إن الصلاة لا يقطعها شئ، ولكن ادرؤا
ما استطعتم، هي أعم من ذلك " وقد فهم الشهيد في الذكرى وغيره من هذه النصوص
استحباب الدفع للمصلي مضافا إلى استحباب السترة، نعم قال بعد ذلك: " هل كراهة
المرور وجواز الدفع مختص بمن استتر أو مطلق؟ نظر، من حيث تقصيره وتضييعه حق
نفسه، وفي كثير من الأخبار التقييد بما إذا كان له سترة ثم لا يضره ما مر بين يديه
ومن إطلاق باقي الأخبار، ويمكن أن يقال بحمل المطلق على المقيد " بل قال أيضا:
" لو احتاج في الدفع إلى القتال لم يجز، ورواية أبي سعيد الخدري (4) وغيره عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان " للتغليظ أيضا، أو يحمل
على دفاع مغلظ لا يؤدي إلى حرج (5) أو ضرر ".
قلت: يمكن أن يقال: إن المراد بالادراء الكناية عن التستر الذي هو المدافعة
بالتي هي أحسن، ضرورة ظهور النصوص بل صراحتها كما اعترف هو في أنه مع السترة
لا يضره بعد مرور المار، لكونه مستورا ولو شرعا كالتستر بالعنزة ونحوها، وإليه

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 8 - 9 - 12
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 8 - 9 - 12
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 8 - 9 - 12
(4) صحيح البخاري ج 1 ص 104
(5) وفي النسخة الأصلية " جرح " بدل " حرج "
404

أومأ الصادق (عليه السلام) في خير أبي بصير (1) السابق بقوله: " إنه إن كان بين
يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استرت " ونحوه غيره، فحينئذ لا يحتاج إلى
الدفاع حتى لو مر فيما بينه وبين السترة فضلا عما لو مر من خلفها، لأن ذلك المرور
منه كعدمه بعد السترة. أو لأنه إنما يقدح المرور المتعارف، والفرض أنه قد توقى عنه،
وغيره له يثبت الأمر بالتحرز عنه. لاطلاق الأدلة الظاهرة في الأجزاء، ولعل الانكار
في النصوص السابقة على من نهي عن المرور إنما كان لوجود السترة منهم (عليهم السلام)
بل قد يؤيد ذلك أن مرور المار إنما هو في أرض مباحة ونحوها مما يجوز له المرور فيه،
فلا يستحق الدفع والرمي بالحجر ونحوهما من أنواع الأذى المشهورة بين العامة العمياء
حتى أنه يحصل منهم بذلك بعض الأحوال المشابهة لأحوال الكلاب والخنازير عند
مزاحمتها، بل ربما توصلوا إلى جواز المقاتلة معه لخبر أبي سعيد الخدري المتقدم الذي
قد روي نحوه عن دعائم الاسلام (2) عن علي (عليه السلام) أنه " سئل عن المرور
بين يدي المصلي فقال: لا يقطع الصلاة شئ ولا تدع من يمر بين يديك ولو قاتلته "
وحمله في الحدائق على ما سمعته من الذكرى من التغليظ والمبالغة في الدفع، ولعل ما نراه
الآن من بعض السواد من الشيعة مأخوذ من أحوال العامة المزبورة، ولا يخفى على
الخبير بلسان الشرع العراف بأحكامه وسهولته وإرادته اليسر وشرع أحكامه على
ما يستحسن عند سائر العقول أن ذلك كله مما هو مناف لمذاق الشريعة.
فلا يبعد والله أعلم حمل نصوص الدرء على إرادة التستر لا المدافعة المزبورة التي
ربما كانت محرمة على المصلي، كما أن المرور ربما كان واجبا على المار أو مستحبا أو مباحا،
بل لا أجد في شئ من نصوصنا كراهة المرور للمار بين يدي المصلي حتى خبر الدعائم

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 10
(2) البحار ج 18 - ص 116 من طبعة الكمباني
405

المتضمن للنهي للمصلي، بل ربما كان في سكوتهم (عليهم السلام) وعدم إنكارهم على المارين إيماء إلى عدم ذلك، مضافا إلى الأصل وغيره، لكن في الذكرى الجزم بكراهة
المرور مع السترة وعدمها، قال: لما فيه من شغل قلبه وتعريضه للدفع، وحرمه بعض
العامة لما صح عن النبي (صلى الله عليه وآله) في رواية أبي جهم الأنصاري (1) " لو
يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه "
وشك أحد الرواة بين اليوم أو الشهر أو السنة، وهو محمول على التغليظ، لأنه صح
في خبر ابن عباس (2) أنه مر بين يدي الصف راكبا ولم ينكر عليه ذلك، فإن قلت
في الرواية " وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام " فترك الانكار لعدم البلوغ، قلت:
الصبي ينكر عليه المحرمات والمكروهات على سبيل التأديب.
قلت: لا يخفى عليك ما في الركون إلى هذه التعليلات وأمثال هذه الروايات
في إثبات الأحكام الشرعية ولو على التسامح، ضرورة كون مثله تسامحا في التسامح،
نعم قد يحتج للكراهة بنصوص الدرء وخبر الدعائم بدعوى أنها المناسبة لأمر المصلي بأن
يدرأ ما استطاع، ولنهيه عن دعة المار، إذ من المستبعد إباحة المرور أو ندبه مع أمر
المصلي بالدفع وأن لا يدعه، وإن كان لا مانع منه عقلا، لكن قد عرفت أن المراد
بنصوص الدرء الكناية عن التستر، كما أن الظاهر عامية خبر الدعائم، فحينئذ يشكل
الجزم بالكراهة للمار، خصوصا إذا لم يضع المصلي سترة باعتبار أنه قد يقال هو ضيع
حق صلاته ولم يجعل ما أعده الشارع رافعا لتأثير المرور فيها، كما قال في الذكرى: إنه
لو كان في الصف الأول فرجة جاز التخطي بين الصف الثاني لتقصيرهم باهمالها، وإن
كان لا يخلو من نظر، بل وإن وضع سترة، فإنه قد يقال حينئذ إنه يحكم المتستر، فلا يكره
المرور بين يديه، بل قد يؤيد عدم الكراهة مطلق ظهور النصوص في أن السترة ترفع

(1) صحيح البخاري ج 1 ص 104 - 101
(2) صحيح البخاري ج 1 ص 104 - 101
406

تأثير مرور كل حيوان بين يدي المصلي لا خصوص الانسان منه، فليس هو إلا كباقي
الحيوانات التي من المعلوم عدم تعلق الكراهة بها، فلا ينبغي الانتقال من الأمر بالدرء
في النصوص إلى كراهة المرور.
كما أنه لا ينبغي تخصيص ثمرة السترة بمرور الانسان خاصه، مع أن في صحيح
الحلبي (1) المتقدم " مما يمر بين يده " كخبر ابن أبي يعفور (2) أيضا، نعم في حاشية
ما حضرني من الوسائل عن نسخة " ممن " وفي خبر ابن علوان (3) " الرجل والمرأة
والكلب والحمار " وفي خبر علي بن جعفر (4) السابق التصريح بوضع السترة بينه وبين الحمار.
بل الظاهر عدم اختصاص ثمرتها بالمرور خاصه، بل له وللحضور بين يديه الذي
هو أولى من المرور، بل في خبر معاوية بن عمار (5) الآتي إيماء إليه وإن كان ظاهره
اغتفار ذلك في خصوص مكة، بل لا يبعد كون ثمرة السترة التوقي عن المرور من جهته،
ولعله إليه أومأ العلامة الطباطبائي بقوله:
ويستحب الدرء والتستر * عمن يمر أو لديه يحضر
نعم يمكن اختصاص ذلك بمواجهته أو كمواجهته لا ما يشمل الخلف ونحوه،
لما يومي إليه الاكتفاء في السترة بالبعير المعقول، كما أرسله في الذكرى (6) عن النبي
(صلى الله عليه وآله) " إنه كان يعرض له البعير فيصلي إليه " بل هو من معقد نفي
الخلاف بين العلماء الذي سمعته من التذكرة، بل هو من معقد الاجماع في المحكي عن
نهاية الإحكام، ولما ذكره في الذكرى أيضا من أن ظهر كل واحد من المأمومين سترة
لصاحبه، إذ لو فرض الاحتياج إلى السترة عن الحيوان كيف كان لم يكتف بالبعير

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي لحديث 8 - 9 - 12 - 2 - 7
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي لحديث 8 - 9 - 12 - 2 - 7
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي لحديث 8 - 9 - 12 - 2 - 7
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي لحديث 8 - 9 - 12 - 2 - 7
(5) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي لحديث 8 - 9 - 12 - 2 - 7
(6) صحيح مسلم ج 2 ص 55
407

أو الظهر فيها، بل عن جماعة التصريح بجواز الاستتار بالحيوان والانسان المستدبر،
وإن كان قد يناقش في ذلك بأن المرسل الأول غير ثابت من طرقنا، ولعله عامي،
وبأنه لا دليل على كفاية الظهر، بل لا دليل على ما ذكره فيها أيضا تبعا للتذكرة من أن
سترة الإمام سترة لمن خلفه معللين له بعد دعوى الفاضل منهما الاجماع عليه بأن النبي
(صلى الله عليه وآله) لم يأمر المأمومين بذلك، وفيه أنه لعله اكتفى بالاطلاقات أو بفعله
أو نحو ذلك مما يقتضي التعميم، فارتباط صلاتهم بصلاته حتى أنه ربما أجرى عليهما
حكم الواحدة في بعض الأحوال لا يقتضي ذلك بحيث يخرج به عن إطلاقات السترة،
لكن قد يدفع الأولى بعد الاجماع المحكي المعتضدة بنفي الخلاف بأنه لا حاجة إلى المرسل،
بل يكفي فيه إطلاقات السترة، بل لعله أولى من كومة التراب والخط والعنزة ونحوها،
وحينئذ فيتجه الاكتفاء بالبعير والظهر ونحوهما، بل يكتفى بالإمام سترة لمن كان خلفه
أيضا لذلك، أما من كان على اليمين أو الشمال من الصف الأول فالاكتفاء به أو بسترته
له إن لم يثبت الاجماع السابق لا يخلو من إشكال، خصوصا على ما هو الظاهر من
النصوص والفتاوى من كون وضع السترة بين يدي المصلي لا عن يمينه ولا عن شماله،
خلاف للمحكي عن ابن الجنيد تبعا لبعض العامة من الأمر بجعلها على أحدهما، وأنه
لا يتوسطها فيجعلها بقصده تمثيلا بالكعبة، وكأنه اجتهاد في مقابلة النص، على أنه
قد يبعد المأمومون عن الإمام بغير الموظف في السترة، إذ الظاهر تقديره بمريض إلى
مربط فرس كما صرح به بعضهم، بل نسبه في المدارك إلى الأصحاب، بل في الذكرى
أن البعيد عن السترة كفاقدها، بل لعله المراد من قول الصادق (عليه السلام) في خبر
ابن سنان (1): " أقل ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز، وأكثر ما يكون مربط فرس ".

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 6
408

والظاهر وفاقا لجماعة منهم الشهيد عدم الترتيب فيما يسمى سترة ولو بتنزيل من
الشارع كالعنزة وكومة التراب والقلنسوة والسهم والخط، لاطلاق الأدلة، وخصوص
خبر محمد بن إسماعيل السابق (1) وغيره، وخبر السكوني (2) وإن كان ظاهره
الترتيب إلا أني لم أجد عاملا به، فلعل حمله على إرادة الترتيب في الفضل، أو على عدم
إرادة حقيقة الشرطية منه، بل المراد منه التنبيه على جواز ذلك كله، وربما كان نظائر
لهذا الخطاب في هذا المعنى في العرف، بل لعل ما في التذكرة والمحكي عن نهاية الإحكام
من أنه إن لم يجد سترة خط خطا مراد منه ذلك أيضا لا الترتيب حقيقة في الخط، بل
وكذا ما عن المنتهى والتحرير من أن مقدار السترة ذراع تقريبا، ولو لم يجد المقدار
استحب له الحجر والسهم وغيرهما، ولو لم يجد شيئا استحب له أن يجعل بين يديه كومة
من تراب، أو يخط بين يديه خطا، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله بعد البيت السابق:
ولو بعود أو تراب جمعا * بين يديه أو بخط منعا
ولعل مراده بالمنع باعتبار وضعه للدلالة على المنع، لا أنه يعتبر فيه كونه مانعا،
ضرورة منافاته إطلاق الأدلة.
والمنساق إلى الذهن من الخط ما صرح به في الذكرى من كونه عرضا، خلافا
لما عن بعض العامة من جعله طولا أو مدورا كالهلال، وربما استفيد من فحواه
الاجتزاء بوضع العنزة عرضا إذا لم يمكن نصبها كما في التذكرة، لأنه أولى كما في الذكرى،
قلت: بل وإن أمكن، لما عرفت من عدم الترتيب.
ولا يشترط الحلية في السترة على الأقوى وفاقا للشهيد وغيره، لتحقق امتثال
الأمر بالصلاة إلى سترة، وخروجها عن الصلاة، والأمر بها ليس عبادة مشروطة بنية
القربة قطعا، بل هو لتحصيل كون الصلاة إلى سترة، فما في التذكرة والمحكي عن نهاية

(1) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 4
(2) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 3 - 4
409

الإحكام - من عدم الاجتزاء، لعدم الاتيان بالمأمور به شرعا - كما ترى، اللهم إلا أن
يريد أمر الاستتار الذي هو مقدمة، أو يريد خصوص ما إذا كان هو الغاصب،
والفرض أنه مكلف بردها، فكأنها باعتبار وجوب ذلك كالعدم، لكن فيه أن أمر
المقدمة لا يقدح فواته، وكونه غاصبا لا يمنع الصدق قطعا، والصلاة إليها ليس تصرفا
فيها وإن كان انتفاعا.
وكذا لا يشترط طهارتها للاطلاق المزبور، قال في الذكرى: " إلا مع نجاسة
ظاهرة " قلت: أي يكره الصلاة إليها، أما إذا لم تكن كذلك فيشكل عدم الاجتزاء
بها، بل قد يشكل في الظاهرة التي على ثوب ونحوه وإن كره استقبالها، إذ لا مانع من
اجتماع المكروه من جهة والمندوب من أخرى بعد تعدد المتعلقين، كما هو واضح.
ثم إنه صرح جماعة بعدم الفرق بين مكة وغيرها في استحباب السترة، بل ربما
استظهر من المنتهى الاجماع عليه حيث نسب الخلاف فيه إلى أهل الظاهر، ولعله
لاطلاق الأدلة، لكن في خبر معاوية بن عمار (1) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
" أقوم أصلي بمكة والمرأة بين يدي جالسة أو مارة فقال: لا بأس، إنما سميت بكة
لأنه يبك فيها الرجال والنساء " أي يزدحمون، وفي التذكرة " لا بأس أن يصلي في مكة
بغير سترة، لأن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى هناك وليس بينه وبين الطواف ستره،
ولأن الناس يكثرون هناك لأجل المناسك ويزدحمون، وبه سميت بكة لتباك الناس
فيها، فلو منع المصلي من يجتاز بين يديه ضاق على الناس " ثم قال: " وحكم الحرم كله
كذلك، لأن ابن عباس قال: أقبلت راكبا على حمار أتان والنبي (صلى الله عليه وآله)
يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، ولأن الحرم محل المشارع والمناسك " قال في الذكرى

(1) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 7
410

بعد نقل ذلك: " وقد روي (1) في الصحاح " أن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى
بالأبطح فركزت له عنزة " رواه أنس وأبو جحيفة، ولو قيل السترة مستحبة مطلقا
ولكن لا يمنع المار في هذه الأماكن لما ذكر كان وجها " قلت: العمدة ما سمعته من
خبر معاوية، وإلا فغيره أخبار عامية، ومن الغريب ما في التذكرة والذكرى هنا من
التمسك بأمثالها والركون إليها كما لا يخفى على من لاحظها في بحث السترة، ولعل الجمع
بينه وبين غيره بالتأكد وعدمه أو بغير ذلك.
ثم إن الظاهر كون المرور ونحوه حكمة في السترة لا علة بحيث لا تستحب السترة
حيث يعلم عدم حضور أحد أو مروره، ومن أراد تمام البحث في أحكام السترة فليرجع
إلى مطولات كتب الأصحاب: كما أن من أراد الاطلاع على باقي المكروهات كالتوجه
إلى السلاح المشهور وغيره فعليه بملاحظتها وملاحظة النصوص، بل ربما زاد ما فيها
على ما تعرض له الأصحاب الذين ليس من عادتهم التعرض لذكر جميع المندوبات
والمكروهات لأن الأمر في غيرها أهم، والعمر أقصر من استيعاب البحث في الجميع،
والله المؤيد والمسدد.
* (المقدمة السادسة فيما يسجد عليه) *
* (لا يجوز السجود) * اختيارا * (على ما ليس بأرض) * ولا نابتا فيها عدا بعض
أفراد القرطاس كما ستعرف، بل كان متكونا منها * (كالجلود والصوف والشعر والوبر) * والريش
ونحوها إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا بل متواترا كالنصوص (2) التي ستسمع في
أثناء البحث جملة منها، بل يمكن دعوى ضرورة المذهب عليه، بل * (ولا على ما هو) *

(1) صحيح مسلم ج 2 ص 56
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يسجد عليه
411

متكون * (من الأرض) * إلا أنه خرج عن مسماها عرفا، كما * (إذا كان معدنا كالملح
والعقيق والذهب والفضة والقير إلا عند الضرورة) * لما عرفت من استفاضة النصوص
ومعاقد الاجماعات بعدم جواز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت إلا ما أكل أو لبس،
ومنه حينئذ يعلم سقوط ثمرة البحث في تحقيق معنى المعدن الذي عرف في المحكي عن نهاية
ابن الأثير والمنتهى والتذكرة والتحرير بكل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها مما له
قيمة، والمعتبر بما استخرج من الأرض مما كان فيها، والبيان وتعليق النافع بأنه كل
أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها، والتنقيح بأنه ما أخرج من الأرض مع زيادة
مما كانت أصله ثم اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها، ونحوه المسالك من دون
ذكر ما كانت أصله، والقاموس بأنه منبت الجواهر من ذهب ونحوه، ضرورة أنها
متعبة بلا ثمرة، إذ ليس في شئ من الأدلة المعتد بها تعليق الحكم على المعدن، بل ليس
عدم السجود عليه إلا لأنه ليس بأرض، وإلا فلو فرض منه ما كان يصدق عليه اسمها
فلا ينبغي التوقف في جواز السجود عليه، لتناول الأدلة له بلا معارض، فما في المفاتيح
- من أن في المغرة وطين الغسل وحجارة الرحى والجص والنورة إشكالا، للشك في إطلاق
اسم المعدن عليه وعدمه - في غير محله قطعا، كالذي يظهر من بعض التعاريف السابقة من
صدق اسم الأرضية على بعض أفراد المعدن إلا أنه امتنع السجود عليه لصدق اسم المعدنية،
إذ هو كما ترى قول بلا دليل، بل خلاف مقتضى الأدلة، نعم لو قيل بخروج كل مسمى
معدن عن اسم الأرض كما يقتضيه بعض التعاريف السابقة عند التأمل كان ممكنا وإن
كان هو لا يخلو من نظر خارج عن محل البحث الذي هو جواز السجود وعدمه، هذا.
وقد مر في باب التيمم ما له نفع في المقام، بل مر فيه تحقيق حال جملة مما وقع الشك في
خروجه عن الأرض وعدمه كالخزف والآجر والجص والنورة والرماد الكائن من
الأرض وغير ذلك، إذ المقام من واد واحد بعد أن كان المختار عندنا جواز التيمم
412

اختيارا بمسمى الأرض كالسجود، ولا يختص بالتراب، فلاحظ وتأمل.
ونزيد هنا أيضا ونقول قال في المدارك: " قطع الأصحاب بجواز السجود على
الخزف " وعن الروض " لا نعلم في ذلك مخالفا " وعن مجمع البرهان " معلوم جواز
السجود على الأرض وإن شويت لعدم الخروج عن الأرضية بصدق الاسم وللأصل "
بل قد يستفاد من استدلال الفاضل على عدم خروجه بالطبخ عن اسم الأرض بجواز
السجود عليه كونه مفروغا منه، كما أنه قد يظهر من معتبر المصنف جواز السجود عليه
وإن كان قد خرج عن اسم الأرض باسم الطبخ، فإنه بعد أن منع من التيمم به لذلك
قال: " ولا يعارض بجواز السجود عليه، لأنه قد يجوز السجود على ما ليس بأرض
كالكاغذ " بل في المحكي عن الروض " ربما قيل ببطلان القول بالمنع من السجود عليه
وإن قيل بطهارته، لعدم العلم بالقائل من الأصحاب، فيكون القول بالمنع مخالفا للاجماع
إذ لا يكفي في المصير إلى قول وجود الدليل مع عدم الموافق، والمسألة مما تعم به البلوى،
وليس من الجزئيات المتجددة، ولم ينقل عن أحد ممن سلف المنع " وإن كان فيه مواضع
للنظر، بل وفيما سمعته من المعتبر أيضا تعرف بعضها فيما يأتي إن شاء الله.
وكيف كان فقد يدل عليه الأصل، وما دل (1) على التيمم بالحجر الذي منه
المشوي، بل غير المشوي منه أشد تماسكا من الخزف، فهو أولى منه بالجواز المستند
إلى صدق اسم الأرض فيهما، مضافا إلى معلومية صدق الأرض على المحترقة منها التي
هي كالخزف أو أشد، وإلى ما قيل من صحيح الحسن بن محبوب (2) سأل أبا الحسن
(عليه السلام) " عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد
أيسجد عليه؟ فكتب (عليه السلام) إليه بخطه أن الماء والنار قد طهراه " باعتبار ظهوره

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب التيمم
(2) الوسائل - الباب - 10 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
413

في جواز السجود على الجص الذي هو بمعنى الخزف، قلت: أولى منه حينئذ الاستدلال
بما تقدم في التيمم بالجص والنورة، لما في مضمون الصحيح المزبور من التردد من حيث
عدم ظهور طهارة الماء له بل النار أيضا، وإن كان يدفع بعدم نجاسة الأرض قبل
الاحراق لليبوسة، ويكون المراد طهارة ما معه من العذرة التي احترقت وصارت دخانا
أو رمادا أو غير ذلك.
لكن ومع ذلك كله فالمحكي عن رسالة صاحب المعالم أن الخزف ليس من
الأرض، وأن التربة المشوية من أصناف الخزف، إلا أنه حكي عن الشيخ نجيب الدين
تلميذه أنه قال: " إن الأستاذ بعد تصنيف الرسالة لم يمنع من السجود على التربة المشوية "
كما عن المحقق الثاني أنه صنف رسالة في جواز السجود عليها، وربما استظهر الخلاف
أيضا من الشيخ القائل بطهارة الطين إذا صار خوفا للاستحالة، لكن هو مع أنه في
غاية الضعف كما اعترف به الروضة يمكن أن لا يلزمه ذلك، لعدم انحصار الاستحالة
في الخروج عن اسم الأرض، إذ قد يجتزى بالخروج عن اسم الطين ونحوه، فتأمل.
على أن المحكي عن نهايته ومبسوطه التصريح بجواز السجود على الجص والآجر، بل عن
جماعة من متأخري المتأخرين الميل إليه، بل قيل: إنه ظاهر الأكثر في الآجر، بل عن
البحار أنهم لم ينقلوا فيه خلافا، مع أن الشيخ جعل من الاستحالة المطهرة صيرورة
التراب خزفا، ولذا تردد فيه بعض المتأخرين، قلت: قد عرفت إمكان عدم لزوم
ذلك للخلاف هنا، وعلى تقديره فهو ضعيف.
ومنه يعلم حينئذ جوازه أيضا على الآجر والجص والنورة ونحوها، بل لا ينبغي
التوقف في أرض الأخيرين كما أوضحناه في التيمم، وبه صرح الفاضل هنا في المحكي
عن نهاية الإحكام، مضافا إلى ما سمعته من المبسوط والنهاية والمدارك في نفس الجص،
وما في التذكرة - من أنه يجوز على السبخة والرمل والنورة والجص - محتمل للأرض ولهما
414

نفسهما، ولكن مع ذلك كله لا ريب في أن الأحوط الاجتناب في الجميع، خصوصا
في النورة، لخبر عمرو بن سعيد (1) عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) " لا يسجد
على القفر ولا على القير ولا على الصاروج " وفي وافي الكاشاني " أن الصاروج النورة
باخلاطها فارسي معرب " وفي الذكرى أنه يستلزم المنع من النورة بطريق الأولى،
وخصوصا مع احتمال انصراف الأرض إلى غيرها من الأفراد الشائعة، ولعله لذا أو
للشك المقتضي لتعارض أصلي الشغل وبقاء حكم الأرضية، فلا يخرج عن يقين العهدة
مال في الرياض إلى العدم وإن كان فيه منع واضح أطلنا الحلام فيه في التيمم وفي بحث
النجاسات، وقلنا هناك أن أصل الشغل لا يعارض أصالة بقاء حكم الأرض، بل هو
مقطوع به لوروده عليه، كما أنه قلنا هناك أيضا لا مانع من استصحاب أحكام الأرض
بل واستصحاب حقيقة الأرض بعد العلم بأن المدار عليها من غير مدخلية للعلم بالصدق
عرفا وعدمه، فالشك فيه حينئذ لا يقدح في جريان الاستصحابين كما أوضحناه في بحث
الاستحالة وفي بحث العصير وفي بحث التيمم وفي أوائل كتاب الطهارة مفصلا، من أراده
فليلاحظه، نعم لا بأس بالاحتياط من جهة ما سمعت، بل عن جماعة التصريح بكراهته
على الخزف، كما عن فقه الرضا (عليه السلام) (2) " لا تسجد على الآجر ".
بل قد يقال بالكراهة في الرمل أيضا، لما في صحيح محمد بن الحسين (3) من
أن أبا الحسن (عليه السلام) كتب إلى بعض أصحابه " لا تصل على الزجاج وإن
حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل، وهما ممسوخان "

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 لكن رواه عن
محمد بن عمرو بن سعيد
(2) المستدرك - الباب - 7 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 12 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
415

ولا ينافيه اشتراكه مع الملح الذي مسخه منع من السجود عليه، لخروجه به عن الأرض
بخلاف الرمل الذي لم أجد أحدا من الأصحاب منع من السجود عليه، بل ظاهر
النصوص والفتاوى ومعاقد الاجماعات جوازه، فوجب صرف المسخ فيه إلى ما ذكرنا
من الكراهة، ولا ينافيها إرادة الحرمة حقيقة من النهي عن الصلاة على الزجاج، إذ
لعله لمكان الخليط، أو لأنه خرج عن مسمى الأرض أو غير ذلك، بل لعل المراد
من قوله (عليه السلام): " وهما ممسوخان " أنهما بالزجاجية قد تحولا عن صورتيهما
ولم يبقيا على صرافتهما.
أما الرماد الكائن من النبات فالظاهر عدم جواز السجود عليه على ما صرح به
غير واحد، بل في كشف اللثام كأنه لا خلاف فيه، لخروجه عن اسم الأرض وحقيقتها،
ولذا طهرت النجاسات بالاستحالة إليه، وما عساه يفهم من اقتصار الفاضلين على نسبة
المنع فيه إلى الشيخ من نوع تردد فيه في غير محله.
نعم قد يتردد في الفحم كما في كشف اللثام وإن كان قد يقوى الجواز فيه،
للأصل، وعدم طهارة المتنجس بالاستحالة إليه، كما أنه يقوى عدم الجواز فيما يفرض
من الأرض المستحيلة رمادا، لعين ما سمعته في النبات، اللهم إلا أن يمنع استحالة
الأرض إليه وإن كثر الحرق، فيخرج حينئذ عن البحث، إذ هو على فرضه.
ولا خلاف أجده بين الأصحاب قديما وحديثا في عدم جواز السجود على
القير، بل يمكن تحصيل الاجماع عليه، مضافا إلى إطلاق النصوص، ومعاقد الاجماعات
عدم الجواز في غير الأرض ونباتها، وخصوص خبر عمرو بن سعيد (1) المتقدم

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 لكن رواه عن
محمد بن عمرو بن سعيد
416

وصحيح زرارة (1) قلت لأبي جعفر (عليه السلام): " أسجد على الزفت يعني القير
فقال: لا ولا على الثوب الكرسف ولا على الصوف ولا على شئ من الحيوان ولا على
طعام ولا على شئ من ثمار الأرض ولا على شئ من الرياش " لكن في خبر معاوية
ابن عمار (2) " إنه سأل معلى بن الخنيس أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا عنده عن
السجود على القفر وعلى القبر فقال: لا بأس به " بل رواه الصدوق باسناد إلى المعلى
المزبور، وفي صحيح معاوية بن عمار (3) " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن
الصلاة في السفينة - إلى أن قال -: يصلى على القير والقفر ويسجد عليه " وخبر إبراهيم
ابن ميمون (4) " أنه قال لأبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: " تسجد على ما في
السفينة وعلى القير قال: لا بأس " بل قال الصادق (عليه السلام) في خبر منصور بن
حازم (5): " القير من نبات الأرض " وهي - مع قصورها عن معارضة ما تقدم من
وجوه وعدم العمل بها من أحد فيما أجده - يجب طرحها أو حملها على الضرورة، أو سجود
ما عدا الجبهة، كما في خبر معاوية بن عمار (6) الآخر سأل أبا عبد الله (عليه السلام)
" عن الصلاة على القار فقال: لا بأس " أو غير ذلك، فما في المدارك - من أنه لو قيل
بالجواز وحمل النهي على الكراهة أمكن إن لم ينعقد الاجماع على خلافه - في غير
محله، إذ لا ريب في قصورها عن إثبات ذلك وإن لم ينعقد الاجماع، إذ الشهرة مع
ما عرفت كافية.
* (و) * كذا * (لا) * يجوز السجود * (على ما ينبت من الأرض إذا كان مأكولا) *
بالعادة * (كالخبز والفواكه) * بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 6 - 7 - 8 - 5
(3) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 6 - 7 - 8 - 5
(4) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 6 - 7 - 8 - 5
(5) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 6 - 7 - 8 - 5
(6) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 6 - 7 - 8 - 5
417

منه صريحا وظاهرا معتضدا بنفي الخلاف ووجد أنه مستفيض أو متواتر كالنصوص (1)
بل يمكن دعوى ضروريته عند متشرعة الإمامية فضلا عن علمائها، نعم في التذكرة
والمحكي عن المنتهى ونهاية الإحكام والتحرير والموجز جوازه على الحنطة والشعير،
لأن القشر الذي ليس بمأكول حاجز بين المأكول، والجبهة والسجود واقع عليه، ولأنهما
في هذا الحال غير مأكولين، وأشكله في الذكرى بجريان العادة بأكلهما غير منخولين،
وخصوصا الحنطة، وخصوصا في الصدر الأول، قلت: ويشكل الثاني بأن المفهوم من
المأكول المستثنى من النبات ما من شأنه أن يؤكل وإن احتاج إلى علاج من طبخ أو
شئ أو غيرهما، خصوصا مع ملاحظة التعليل في صحيح هشام (2) " بأن أبناء الدنيا
عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن
يضع جبهته على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها " وقول أمير المؤمنين (عليه
السلام) في خبر الأربعمائة المروي عن الخصال (3): " لا يسجد الرجل على كدس
حنطة ولا شعير ولا على لون مما يؤكل ولا على الخبز " وليس هذا من إطلاق المشتق
على المستقبل المعلوم مجازيته الذي قد أجيب عنه بما يرجع إلى ما ذكرنا من أن إطلاق
المأكول والملبوس على ما أكل ولبس بالقوة القريبة من الفعل قد صار حقيقة عرفا،
وإلا لم يجز في العرف إطلاق اسم المأكول على الخبز قبل المضغ والازدراد، على أن
الموجود في أكثر النصوص " إلا ما أكل أو لبس " ولعله غير المشتق أيضا، لامكان
دعوى عدم الاشكال في صدقه على ما يتحقق أكله ولو بالعلاج، بل يمكن دعوى صدقه
على المحتاج أكله إلى البقاء مدة، فيشمل حينئذ سائر الثمار قبل أوان أكلها، وقد يؤيده

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
(3) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 4
418

تعليق الحكم على الثمرة في المرسل السابق (1) وخبر ابن مسلم (2) عن أبي جعفر (عليه
السلام) " لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكل نبات إلا الثمرة " وصحيح زرارة
السابق (3) فإنه قد يدعى صدقها عليه قبل الوصول إلى أوان الأكل، بل يكفي فيها تحقق
المبدأ، فطلع النخل وغيره الذي يؤول إلى الثمرة لا يجوز السجود عليه، بل قد يقال
بصدقها على القشر وما فيه والثمرة وما فيها، فيمتنع حينئذ السجود على قشور الرمان
ونوى التمر ونحوها حال اتصالها به، كما لو كشف بعض التمرة حتى خرجت النواة وهي
فيها، وربما كان في تعليل صحيح هشام شهادة على بعض ذلك، بل قد يقال بعدم الجواز
أيضا مع الانفصال، لأنه بعض الثمرة، ومعلوم إرادة النهي عن السجود على الثمرة
وأبعاضها من النهي عنها، خصوصا مع قاعدة الشغل ونحوها.
لكن الانصاف عدم خلو الجواز من قوة، للشك في شمول المستثنى لمثله، فيبقى
مندرجا في المستثنى منه، كما أن الانصاف انسياق المأكولة من الثمرة، خصوصا مع ملاحظة
التعليل، فلا يشمل غير المأكول منها كثمرة الشوك والحنظل ونحوهما من النباتات، ولذا
اقتصر الأصحاب على استثناء المأكول، وإلا فلا تنافي بين ما استثني فيه المأكول من
النصوص وما استثني فيه الثمرة إلا بالعموم والخصوص المطلق فلولا انسياق ما ذكرنا
من الثمرة لكان المتجه استثناءها لا خصوص المأكول منها، بل الظاهر المنساق إلى الذهن
سيما مع التعليل أن المراد مما أكل أو لبس الإشارة إلى ما في أيدي الناس من المآكل
والملابس، لا أن المراد التعليق على الاعتياد وعدمه كالمكيل والموزون المتجه فيه على

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 11 ولم يتقدم ذكر
هذا المرسل عنه قدس سره
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 9
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
419

هذا التقدير أحد الوجوه الثلاثة الذي هو الاختلاف باختلاف الأزمنة أو الأمكنة أو
الأحوال حتى أنه لو فرض تعارف أكل نبات مدة من الزمان ثم تعارف عدمه تبعهما
الجواز وعدمه في ذلك، ولو كان في قطر دون الآخر جاز لأهل أحدهما دون الآخر،
ولو فرض اتفاق مرور أهل أحدهما بالآخر ففي كون المدار على الأرض أو الشخص
وجهان، حتى لو فرض اعتياده كأهل القطر في الأكل وعدمه، إلى غير ذلك من
الأحكام التي لا يخفى على من له أدنى درية في الفقه فسادها، فما في التذكرة - " لو كان
معتادا عند قوم دون آخرين عم التحريم " وجامع المقاصد " المراد بالمأكول ما صدق
عليه اسم المأكول عرفا لكون الغالب أكله ولو في بعض الأقطار - إلى أن قال -:
ولو أكل شائعا في قطر دون غيره فهو مأكول على الظاهر إذ لا يطرد أغلبية أكل شئ
في جميع الأقطار، فإن الحنطة مثلا لا تؤكل في بعض البلاد إلا نادرا " ونحوه في فوائد
الشرائع والمسالك والمدارك وغيرها، مع احتمال اختصاص كل قطر بمقتضى عادته قويا
في الأخير تبعا للمحكي عن مقاصد جده ومجمع أستاذه - إن أريد به ما ذكرنا فمرحبا
بالوفاق، وإلا كان للنظر فيه مجال، كالمحكي عن السيد عميد الدين من أن المراد بالعادة
العادة العامة، فلو كان معتادا في بلد دون آخر ففيه وجهان، أرجحهما جواز السجود،
وإلا فالبلاد الواحدة لا عبرة بها قطعا، ولذا فرض موضوع المسألة القطر في كلام من
عرفت، وإن كان التحقيق عدم العبرة بكل منهما، فإن المأكولية لا تتوقف على شئ
منهما، فإن المخلوقات للأكل معلومة لسائر الناس، بل فطرت طبائعهم على معرفتها،
واتفاق عدم استعمال جملة من الناس لجملة منها استغناء منهم بغيرها مما هو أطيب منها
لا يرفع وصف استعدادها للأكل، وأنها مما خلقت واستعدت له، كما أن أكل جملة
من الناس لبعض النباتات في زمن الربيع أو غيره لا يصيرها منها، ولعل منه أكل
أصول البردي عند السواد.
420

والحاصل المآكل التي علل في الصحيح عدم السجود عليها " بأن أبناء الدنيا عبيد
ما يأكلون " معلومة معروفة لا تدور مدار الاعتياد المختلف في الأزمنة والأمكنة
والأحوال وعدمه، وليس منها عقاقير الأدوية قطعا، ولا ما يؤكل عند المخمصة، فما
في كشف اللثام من أن فيما يؤكل دواء خاصة إشكالا في غير محله، إذ احتمال صدق اعتياد
الأكل في حال الاحتياج إلى الدواء كما ترى، بل لعل ما صرح به غير واحد من
الأصحاب - من أن ما له حالتان يؤكل في إحداهما ولا يؤكل في الأخرى كقشر اللوز
وجمار النخل جاز السجود عليه في الثانية دون الأولى - لا يخلو من نظر، فإن احتساب
ذلك من المخلوق للأكل المعد له الذي يطلق عليه أنه مآكل أهل الدنيا كما ترى.
ولا تشمل المأكولية شرب التنباك قطعا، أما شرب القهوة فلا يخلو من وجه
قد يقوى خلافه، بناء على ما عرفت، ومصداق النبات معلوم، لكن قد يشك في
بعض ما ينبت على وجه الماء مما لا أصل له في الأرض، وقد يقال أنه لا بد من أجزاء
أرضية في منبته، بل لعل المراد صنف نبات الأرض وما من شأنه أن ينبت فيها،
فيندرج فيه المخلوق معجزة نابتا في غير الأرض أو غير نابت أصلا، هذا.
وكأن المصنف اكتفى عن اشتراط عدم الملبوسية في النبات التي هي كالمأكولية
في الاشتراط نصا وفتوى - بل عن نهاية الإحكام وكشف الالتباس نسبته إلى علمائنا،
بل عن الإنتصار والخلاف والغنية والروض والمقاصد العلية الاجماع عليه، والأمالي
أنه من دين الإمامية، والكفاية لا خلاف فيه - بقوله: * (وفي القطن والكتان روايتان،
أشهرهما المنع) * لعدم ملبوسية غيرهما من النبات عادة، فلا إشكال حينئذ في جواز السجود
عليه، لوجود المقتضي وارتفاع المانع، واعتياد اتخاذ النعل في ذلك الزمن من النخل
لا يصيره بذلك ملبوسا عادة، ولذا سجد النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)
والصحابة والتابعون وتابعوا التابعين على الخمرة من الخوص، كما أنه لو اتخذ منه في هذا
421

الزمان ثوبا جاز السجود عليه حتى لو اعتيد، بناء على ما سمعته في المأكول، لكن
عن المنتهى " أنه هل يصح السجود على ما يكون من نبات الأرض إذا عمل ثوبا وإن
لم يكن بمجرى العادة ملبوسا؟ فيه تردد، أقربه الجواز " قيل وجزم بما قربه فيه في
النهاية والتذكرة، ثم قال: " ولو مزج المعتاد بغيره ففي السجود عليه إشكال " قلت:
لا ينبغي الاشكال في الجواز إذا كان محل الجبهة مما يعتبر في السجود غير المعتاد، وفي
العدم إذا لم يكن كذلك كما هو واضح.
واحتمال أن المزج له مدخلية في المنع - للمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام) (1)
من النهي عن السجود على حصر المدنية، لأن سيورها من جلود، وخبر ابن الريان (2)
قال: " كتب بعض أصحابنا بيد إبراهيم بن عقبة إلى أبي جعفر (عليه السلام) يسأله عن
الصلاة عن الخمرة المدنية فقال: صل فيما كان معمولا بخيوطة، ولا تصل على ما كان معمولا
بسيورة " الحديث - في غاية الضعف إذ مع عدم حجية الأول منهما يجب الجمع بينهما وبين
النصوص (3) المستفيضة الدالة على جواز السجود على الخمرة بإرادة المعمولة بالسيور التي
لا تكون مستورة في الخوص بل كانت ظاهرة بحيث لا يحصل الواجب من السجود معها،
وبه صرح في الذكرى قال: " لو عملت بالخيوط من جنس ما يسجد عليه فلا إشكال،
ولو عملت بسيور فإن كانت مغطاة بحيث تقع الجبهة على الخوص صح السجود أيضا،
ولو وقعت على السيور لم يجز، وعليه دلت رواية ابن الريان، وأطلق في المبسوط جواز
السجود على المعمولة بالخيوط " قلت: الظاهر إرادته التفصيل المزبور، وفي الحدائق
" لعل بناء الفرق في خبر ابن الريان على أن ما يعمل بالخيوط الخيوط منه مستورة
بالسعف، وأما ما يعمل بالسيور فإنها تظهر من السعف أو تغطي على السعف فلا يقع

(1) المستدرك - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 2
(2) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 2 - 0 -
(3) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 2 - 0 -
422

السجود على السعف بالكلية، فيكون النهي محمولا على التحريم، أو لا يحصل الجزء
الأكمل فعلى الكراهة " ومرجعه إلى ما ذكرنا أيضا، والظاهر أن الخمرة سجادة
صغيرة دون المصلي تعمل من السعف.
وكذا لا ينبغي التردد في الثوب المتخذ من نبات الأرض إذا لم يكن بمجرى العادة
وإلا لوجب اجتناب صنف ذلك النبات، إذ ليس المراد مما ليس في النص والفتوى
الشخص، ومنه يعلم حينئذ جواز السجود على قراب السيف والخنجر ونحوهما، وإلا
لامتنع السجود على صنف الخشب المتخذين منه، وهو معلوم البطلان، ولعله لانصراف
الملبوس في النص والفتوى إلى غيرهما، خصوصا مع قوة العمومات، فما في التذكرة
من أن القنب لا يجوز السجود عليه إن ليس عادة لا يخلو من منع يعرف مما هنا وما
سمعته في المأكول، بل وما في الذكرى من أن الظاهر القطع بعدم جواز السجود على
القنب، لأنه معتاد اللبس في بعض البلدان، أما القطن والكتان فالمشهور نصا وفتوى
المنع، بل عن التذكرة والمهذب البارع والمقتصر نسبته إلى علمائنا، بل عن الخلاف
والمختلف والبيان الاجماع عليه، بل يشمله ما عن الإنتصار من الاجماع على منعه على
الثوب المنسوج من أي جنس كان، مضافا إلى ما كان من الاجماعات السابقة على
استثناء الملبوس من النبات الظاهر أو الصريح فيهما، لعدم ملبوسية غيرهما.
ومنه يعلم حينئذ صراحة نصوص استثناء الملبوس فيهما، مضافا إلى خصوص
خبر أبي العباس (1) عن الصادق (عليه السلام) " لا يسجد إلا على الأرض أو ما
أنبتت الأرض إلا القطن والكتان " وصحيح زرارة (2) السابق في الثوب الكرسف،

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 6
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
423

وخبر الأعمش المروي (1) عن الخصال عن الصادق (عليه السلام) أيضا " لا يسجد
إلا على الأرض أو ما أنبتت إلا المأكول والقطن والكتان " وخبر علي بن جعفر (2)
المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (عليه السلام) " عن الرجل يؤذيه حر الأرض
وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟
قال: إذا كان مضطرا فليفعل ".
خلافا للمحكي عن السيد في الموصليات والمصريات الثانية من الجواز على الثوب
المعمول منهما، لأنه لو كان محرما محظورا لجرى في القبح ووجوب إعادة الصلاة
واستينافها مجرى السجود على النجاسة، ومعلوم أن أحدا لا ينتهي إلى ذلك، وفيه
منع الملازمة أولا، إذ يمكن كونه محرما غير موجب للإعادة، وثانيا منع بطلان اللازم،
ودعواه عدم انتهاء أحد إلى ذلك ممنوعة عليه، بل هو مقتضى المنع في كلام من عرفت
الذين هو منهم في الجمل والمصباح والانتصار على ما قيل، بل في الأخير من كتبه
دعوى الاجماع على ذلك كما سمعت، اللهم إلا أن يريد ما عدا القطن والكتان من
الثوب في معقده.
ولخبر ياسر الخادم (3) قال: " مر بي أبو الحسن (عليه السلام) وأنا أصلي
على الطبري وقد ألقيت عليه شيئا أسجد عليه فقال لي: ما لك لا تسجد عليه؟ أليس
هو من نبات الأرض " وفيه أنه - بعد تسليم السند وعدم احتماله الالزام، بل ولا
التقية للاستفهام فيه المنافي لمذهبهم - محتمل لغير ما نحن فيه، بل في كشف اللثام أن

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 3
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 9
(3) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 5
424

المقنع صريح في كون الطبري مما لا يلبس، وعن مولانا التقي ومولانا مراد أن الطبري
هو الحصير الذي يصنعه أهل طبرستان.
وخبر داود الصرمي (1) " سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) هل يجوز
السجود على الكتان والقطن من غير تقية؟ فقال: جائز " وفيه - بعد الاغضاء عن
حال داود في السند، واحتمال إرادة غير سجود الصلاة من السجود فيه، والجواز
لضرورة غير التقية، وإرادة شجر القطن وخشب الكتان أو قبل اليبس أو قبل الغزل
أو قبل النسج بناء على جواز السجود عليهما في هذه الأحوال، وغير الجبهة من
المساجد، وما في كشف اللثام من احتمال تعلق " من غير " فيه بالسؤال، وغير ذلك -
أنه محتمل للتقية أيضا، إذ لا يلزم الإمام إلا الجواب بما فيه مصلحة السائل وغيره من
الشيعة من التقية أو غيرها وإن ألح عليه في سؤال الحكم من غير تقية ثم تعلم حينئذ
بالمعارض الراجح والموافقة والتصريح بها في حديث آخر، وغير ذلك.
وخبر الحسين بن علي بن كيسان الصنعاني (2) " كتبت إلى أبي الحسن الثالث
(عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة فكتب
إلي ذلك جائز " وفيه أكثر ما مر، وعن الشيخ احتمال إرادة ضرورة المهلكة، ولو
أغضي عن ذلك كله فمن الواضح عدم صلاحية هذه النصوص لمعارضة ما عرفت حتى
نصوص استثناء الملبوس من النبات التي هي كالصريحة في إرادة القطن والكتان، لعدم
اعتياد ملبوسية غيرهما منه، فمن الغريب ما عن المصنف في المعتبر من الميل إلى الجواز
على كراهة للجمع بين النصوص مرجحا له على الجمع بينها بالتقية بأن في سؤال بعضها
اشتراط عدمها، وتبعه الكاشاني، وفيه ما عرفت.
ولا فرق على الظاهر بين المنسوج من غزلهما وعدمه كما صرح به غير واحد،

(1) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 6 - 7
(2) الوسائل - الباب - 2 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 6 - 7
425

بل هو من معقدة شهرة المدارك للاطلاق نصا وفتوى، ولأن الصدق عليه قبل النسج
أتم منه بعده، وللتصريح به في المرسل (1) الآتي، فما في كشف اللثام عن التذكرة
والنهاية - من الاستشكال فيه من أنه عين الملبوس، والزيادة في صفة، ومن أنه حينئذ غير
ملبوس - ضعيف جدا، مع أن المحكي عن النهاية أنه قرب المنع فيها بلا إشكال، قال
في الكشف: " وقرب في نهاية الإحكام جواز السجود عليهما قبل الغزل، وفي التذكرة
عدمه " قلت: الذي وجدته في التذكرة " الكتان قبل غزله ونسجه الأقرب عدم جواز
السجود عليه، وعلى الغزل على إشكال ينشأ من أنه عين الملبوس، والزيادة في الصفة،
ومن كونه حينئذ غير ملبوس، أما الخرق الصغيرة فإنه لا يجوز السجود عليها وإن
صغرت جدا ".
وعلى كل حال فقد عرفت أن المتجه المنع مطلقا، ومرسل الحسن بن علي بن
شعبة في المحكي عن تحف العقول (2) عن الصادق (عليه السلام) " كل شئ يكون
غذاء الانسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود إلا ما
كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولا، فإذا صار غزلا فلا تجوز
الصلاة عليه إلا في حال الضرورة " غير صالح للخروج به عن الاطلاق المزبور، بل قد
يقوى في النظر بمعونة ما سمعته في المأكول المنع من السجود عليهما قبل وصولهما إلى
استعداد الغزل لإرادة الملبوس قوة ولو احتاج إلى إبقاء أو علاج أو نحو ذلك، فتأمل جيدا.
* (و) * كذا * (لا يجوز السجود على الوحل) * الذي لا تتمكن منه الجبهة التمكن
الواجب اختيارا بلا خلاف أجده، أما ما لم يكن كذلك من الوحل فلا إشكال في
السجود عليه، لأنه من الأرض، وما فيه من الأجزاء المائية مع أنها لا تمنع من
مباشرة الجبهة للأجزاء الأرضية منه قد استهلكت فيه، نعم إذا سجد عليه فرفع رأسه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 11
(2) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 11
426

وكانت جبهته قد تلطخت منه وجب إزالته للسجود الثاني، لعدم صدق الامتثال بالوضع
الثاني مع عدمه، لحصول الحجب عن غير المتلطخ به، وعدم صدق تعدد الوضع عليه
بالنسبة إليه، ولا يجري مثله في الوضع الأول الذي يصدق فيه السجود على الأرض وإن
كان قد حصل التلطخ بذلك الوضع، ومثله السجود على التراب وغيره مع نداوة الجبهة
بحيث يحصل اللصوص بها بالوضع، وتمام البحث في ذلك عند تعرض المصنف لعدم السجود
على كور العمامة في باب السجود.
وعلى كل حال فقد عرفت أنه لا خلاف في عدم جواز السجود على الوحل الذي
لا تتمكن معه الجبهة اختيارا، لفوات ما دلت عليه النصوص (1) والفتاوى مما يعتبر
في السجود، وموثق عمار (2) " سألته عن حد الطين الذي لا يسجد عليه ما هو؟
قال: إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض " وفي مرسلي النوفلي (3) وابن
أبي عمير (4) " عشرة مواضع لا يصلى فيها: الطين " إلى آخره وفي موثق عمار (5)
الآخر سأل الصادق (عليه السلام) " عن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر
أن يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعا جافا قال: يفتح الصلاة، فإذا ركع فليركع
كما يركع إذا صلى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليؤم بالسجود إيماء وهو قائم، يفعل
ذلك حتى يفرغ من الصلاة، ويتشهد وهو قائم ويسلم " قال في الوسائل: وقد رواه
محمد بن إدريس في آخر السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد عن
ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) كذلك (6) مع زيادة
" وسألته عن الرجل يصلي على الثلج قال: لا، فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه
(2) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي لحديث 9 - 6 - 6 - 4 - 5
(3) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي لحديث 9 - 6 - 6 - 4 - 5
(4) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي لحديث 9 - 6 - 6 - 4 - 5
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي لحديث 9 - 6 - 6 - 4 - 5
(6) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي لحديث 9 - 6 - 6 - 4 - 5
427

وصلى عليه " فالرواية حينئذ صحيحة، مع أنها بالسند الأول من الموثق الذي هو
حجة عندنا أيضا.
ولعله لهما قال المصنف كالفاضل في القواعد والشهيد في الدروس والمحقق الثاني
في حاشية الإرشاد وابن فهد في الموجز: * (فإن اضطر أوما) * للسجود، مضافا إلى
معلومية بدليته عنه في كل مقام يتعذر فيه، وإلى خبر أبي بصير (1) قال: " قال الصادق (عليه السلام): من كان في مكان لا يقدر على الأرض فليؤم إيماء " وموثق
عمار (2) سأله أيضا " عن الرجل يومي في المكتوبة والنوافل إذا لم يجد ما يسجد
عليه ولم يكن له موضع يسجد فيه فقال: إذا كان هكذا فليؤم في الصلاة كلها " بل
وإلى غير ذلك مما ورد في خائض الماء (3) ونحوه، لكن في جامع المقاصد وفوائد
الشرائع والمسالك والمدارك وكشف اللثام لا بد من الانحناء إلى أن تصل الجبهة إلى
الوحل، لعدم سقوط الميسور بالمعسور الذي لا يخرج عنه بالخبر المزبور مع ضعفه،
وكأنه اجتهاد في مقابلة النص الذي قد عرفت حجيته عندنا، على أنه معتضد بما سمعته
من السرائر وغيره، وبمعلومية عدم تكليف الشارع له بالتلطيخ المزبور، كما أومأ إليه
في المحكي عن نهاية الإحكام بقوله: إن أمن من التلطيخ فالوجه عدم وجوب إلصاق
الجبهة به إذا لم يتمكن من الاعتماد عليه، بل الظاهر عدم وجوب الجلوس عليه للخبرين
المزبورين، وللتلطخ المذكور، ولاطلاق الايماء، واحتمال كون الجلوس للسجود من
المقدمات التي تسقط بسقوط ذيها كالانحناء الذي ذكره الجماعة، واحتمال تنزيل الايماء
في الخبرين وغيرهما عليه وإن بعد كما ترى، خصوصا مع عدم الداعي إليه، وخصوصا
مع ظاهر فتوى من عرفت به، بل ربما كان هو مراد المفيد كما يظهر من الذكرى في
المحكي عن مقنعته من أن ركوع الغريق والمتوحل أخفض من سجوده، بل والصدوق

(1) الوسائل - الباب 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 1
(2) الوسائل - الباب 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 1
(3) الوسائل - الباب 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 2 - 3 - 1
428

حيث قال: وفي الماء والطين تكون الصلاة بالايماء، والركوع أخفض من السجود،
وإلا فحيث يكونان معا بالايماء لا ريب في اعتبار أخفضية إيماء السجود من إيماء الركوع
كما هو المستفاد من النصوص (1) والفتاوى في غير المقام مؤيدا بالاعتبار.
ولعله لذا حكم به في المحكي عن النهاية والمبسوط والوسيلة والسرائر وجامع
الشرائع في المتوحل والسابح، والمراسم في الأول، فيجمع حينئذ بين كلام الجميع بإرادة
من كان متمكنا من الركوع في الماء والطين، بخلاف السجود فإن ركوعه حينئذ أخفض،
أما إذا كان فرضه الايماء إليهما فلا ريب في اعتبار أخفضية إيماء السجود، وقال في
الدروس: " والمطر والوحل يجوز أن الايماء، ولو سجد فيهما جاز إذا تمكنت الجبهة ".
وكيف كان فالأقوى في النظر الايماء، في المقام، وعدم وجوب الجلوس عليه حتى
للتشهد، بل يمكن كونه عزيمة لا رخصة كما هو ظاهر الخبرين لولا ظهور اتفاق من تعرض
له على إطلاق الايماء من غير تقييد بالقيام، ولعله لظهور إرادة الرخصة من الأمر في الخبرين، لوقوعه في مقام توهم الخطر، بل في الذكرى وغيرهما تنزيل ذلك على تعذر
الجلوس، وفيه أنه لا دليل عليه، ولعل مجرد الوحلية كاف في عدم الوجوب، لما فيه
من التلطخ، وقد يؤيده المرسل (2) " إن النبي (صلى الله عليه وآله) صلى في يوم
مطر ووحل في المحمل " وفي الذكرى أنه رواه جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام)
ولعله أراد الصحيح المزبور ثم قال: وفي رواية أخرى (3) عنه (عليه السلام)
" صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) على راحلته الفريضة في يوم مطر " وقيده في

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب القبلة - الحديث 14 و 15 والباب 1 من
أبواب القيام - الحديث 15
(2) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 9 - 8
(3) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 9 - 8
429

مكاتبة أبي الحسن (عليه السلام) (1) بالضرورة الشديدة، كل ذلك مضافا إلى نفي
الحرج ومعلومية السهولة والخفة في هذه الملة وغير ذلك، والله أعلم.
* (ويجوز السجود على القرطاس) * بلا خلاف أجده فيه في الجملة كما اعترف به غير
واحد، بل اتفاق الأصحاب محكي عليه صريحا في جامع المقاصد والمسالك والروضة
والمفاتيح، فضلا عن الظاهر في التذكرة والمدارك وكشف اللثام إن يكن محصلا،
وقال صفوان الجمال في الصحيح (2): " رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) في المحمل
يسجد على القرطاس، وأكثر ذلك يومي إيماء " بل عن محاسن البرقي عن علي بن الحكم
عمن ذكره مثل ذلك أيضا، وقال ابن مهزيار (3) في الصحيح أيضا: " سأل داود بن
فرقد أبا الحسن (عليه السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها هل يجوز السجود
عليها أم لا؟ فكتب يجوز " وقال جميل بن دراج (4) في الصحيح أيضا: " كره
أبو عبد الله (عليه السلام) أن يسجد على قرطاس عليه كتابة " والنصوص والفتاوى
مطلقة لا تقييد في شئ منها بالمتخذ من النبات كما في نهاية الإحكام والقواعد والتذكرة
واللمعة والبيان وحاشية النافع على ما حكي عن بعضها، ولا بما إذا كان من جنس ما يسجد
عليه كما عن حاشية الإرشاد والجعفرية وإرشادها والغرية، بل في كشف اللثام إنما يجوز
إذا اتخذ من النبات وإن أطلق الخبر والأصحاب، لما عرفت من النص والاجماع على
أنه لا يجوز إلا على الأرض أو نباتها، ولا يصلح هذا الاطلاق لتخصيص القرطاس،
بل الظاهر أن الاطلاق مبني على ظهور الأمر، وإن كان ستعرف ما فيه، بل في جامع
المقاصد - بعد أن قال: إن إطلاق النبات في عبارة القواعد يقتضي جواز السجود على
القطن والكتان، كاطلاق الأخبار - أجاب بأن المطلق يحمل على المقيد، وإلا لجاز السجود

(1) الوسائل - الباب - 14 - من أبواب القبلة - الحديث 5
(2) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 2 - 3
(3) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 2 - 3
(4) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 2 - 3
430

على المتخذ من الإبريسم، مع أن الظاهر عدم جوازه، بل قطع في أول كلامه بعدمه،
كما عن نهاية الإحكام وغيرها الحكم بعدمه أيضا، وظاهره كصريح الدروس المنع من
المتخذ من القطن والكتان.
والجميع كما ترى تقييد للنص المعتضد باطلاق الأصحاب من غير دليل، كما في
الروضة والمدارك والمحكي عن الذخيرة والبحار، ودعوى أنه النص والاجماع على انحصار
الجواز في الأرض وما أنبتت يدفعها أنه - بناء على أن القرطاس حقيقة أخرى، وأنه
استحال بالنورة ونحوها إلى حقيقة غير المتخذ منه وإن كان نباتا، كما أنه يؤيده عدم
صدق كونه من النبات عرفا على معنى البعضية لا على إرادة الاتخاذ منه - لا محيص عن
تخصيص ذلك العام بنصوص القرطاس الصحيحة المعتضدة بما سمعت، ضرورة كونه
على هذا التقدير من العام والخاص المطلقين، وبناء على أنه تابع للمتخذ منه إن حريرا
فحرير وإن نباتا فنبات فهو وإن كان التعارض على هذا التقدير بين الدليلين بالعموم
من وجه لكن قد يرجح ما نحن فيه بقوة ظهور إطلاق الفتاوى بقرينة ذكره مستقلا
عن ذكر النبات في إرادة الأعم، بل لعل النصوص كذلك أيضا، ضرورة أنه لو كان
مبنى السجود عليه فيها من حيث النهاية لا القرطاسية لوجب حمله فيها على المتخذ من
الخشب ونحوه مما هو نادر بالنسبة إلى المتخذ من القطن والكتان الذي هو الغالب
والمتعارف، لما سمعته سابقا من عدم جواز السجود عليهما في سائر الأحوال من الغزل
وعدمه والنسج وعدمه، بل الظاهر تعارف اتخاذه من الملبوس منهما، ودعوى أنه قد
خرج بالقرطاسية عن صدق الملبوسية عليهما ليس بأولى من دعوى خروجه بها عن صدق
النباتية التي ليس في شئ من النصوص إشارة إليها، على أنك قد عرفت عدم كون
مدار المنع فيهما على الملبوسية فعلا.
ولعله لذا جزم في الروضة بخروج جواز السجود عليه عن الأصل بالنص الصحيح
431

والاجماع، قال: " لأنه مركب من جزءين لا يصح السجود عليهما، وهما النورة وما
مازجها من القطن والكتان " إلى آخره، فلا ريب حينئذ في أولوية حيثية القرطاسية،
فتعم سائر أفرادها ويحكم بها على ذلك العموم، وبأنه أقل أفرادا من ذلك العام،
فتكون دلالته عليها أقوى من دلالته على أفراده، وبأنه على تقدير مراعاة النباتية تنسد
ثمرة جواز السجود على القرطاس، لحصول الشك غالبا في جنس المتخذ منه، ومعه لا يجوز
السجود، لأن الشك في الشرط شك في المشروط، ودعوى غلبة اتخاذه مما يجوز السجود
عليه ممنوعة، كالاكتفاء بها مع عدم حصول العلم المعتبر منها، بل وكذا دعوى جوازه
على القرطاس إلا أن يعلم أنه مما لا يجوز السجود عليه، لاطلاق النصوص، ضرورة
أنه بعد تنزيل نصوصه على إرادة النبات وأنه لا زيادة فيها على نصوصه لا يتجه العمل
باطلاق القرطاس، بل الشك فيه كالشك في باقي ما يسجد عليه الذي لا ريب في اعتبار
إحراز كونه منه، لظهور النصوص في الشرطية، وبغير ذلك مما لا يخفى، كل ذلك
مضافا إلى ما في الروضة وغيرها " من أنه لا فائدة في التقييد المزبور، لأنه لا يزيله
عن حكم مخالفة الأصل، فإن أجزاء النورة المنبثة فيه بحيث لا يتميز من جوهر الخليط
جزء يتم عليه السجود كافية في المنع، فلا يفيده ما يخالطها من الأجزاء التي يصح السجود
عليها منفردة " إلى آخره. وإن كان فيه ما فيه كما ستعرف.
لكن على كل تقدير لا ريب في قوة الجواز عليه مطلقا حتى المتخذ من الحرير
منه، فضلا عن غيره، ولقد أجاد العلامة الطباطبائي في قوله:
والإذن في القرطاس عم ما صنع * من الحرير والنبات الممتنع
وعلى كل حال فلا ينبغي التأمل في الجواز عليه في الجملة بعد ما عرفت من النص
والاجماع، بل في منظومة الطباطبائي أنه لا التباس فيه في المذهب، وفي المفاتيح يجوز
432

قولا واحدا وإن تركب مما لا يصح عليه، مضافا إلى ما سمعته من الاجماعات السابقة،
بل يمكن دعوى تحصيل الاجماع عليه، وما كنا لنؤثر أن يقع بعد ذلك في نفس الشهيد
منه شئ من حيث اشتماله على النورة المستحيلة، قال: إلا أن يقال: الغالب جوهر
القرطاس، أو يقال: جمود النورة يرد إليها اسم الأرض، وهو لم تم لكان مؤيدا
لما ذكرناه أولا من أن جواز السجود على القرطاس من حيث القرطاسية لا من حيث
النباتية حتى يندرج في نصوصها، لا أنه يرفع اليد عن النص والاجماع من هذه الجهة،
لكنه غير تام أولا لما في كشف اللثام وغيره من أن المعروف في عمله جعل النورة أولا
في مادة القرطاس ثم يغسل حتى لا يبقى فيها شئ منها، فليست حينئذ جزءه، ويؤيده
أنه لم يتأمل أحد من الأصحاب في جواز السجود من هذه الجهة، وفي مفتاح الكرامة
أني لأعجب من الشهيدين والمحقق الثاني كيف تأملوا فيه منها والصانعون له من المسلمين
والنصارى قريبون منهم وبين أظهرهم، ولا يسألونهم عن كيفية عمله. وثانيا لما عرفت
من قوة جواز السجود على النورة بعد الحرق فضلا عن أرضها. وثالثا لما ذكره في
استثنائه وإن كان واضح الضعف، بل هو قد استبعد ثانيهما بعد ذلك، قال: " الأكثر
اتخاذ القرطاس من القنب، فلو اتخذ من الإبريسم فالظاهر المنع، إلا أن يقال ما اشتمل
عليه من أخلاط النورة مجوز له، وفيه بعد، لاستحالتها عن اسم الأرض، ولو اتخذ من
القطن والكتان أمكن بناؤه على جواز السجود عليهما، وقد سلف، وأمكن أن المانع
اللبس حملا للقطن والكتان المطلقين على المقيد، فحينئذ يجوز السجود على القرطاس
وإن كان منهما، لعدم اعتياد لبسه، وعليه يخرج جواز السجود على ما لم يصلح لللبس
من القطن والكتان ".
قلت: لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا وإن تبعه عليه في كشف اللثام،
فقال: " إن اتخذ القرطاس مما لا يلبس ولا يؤكل من النبات فالجواز ظاهر، وإن اتخذ
433

من نحو القطن والكتان فإن جاز السجود عليهما قبل الغزل لكونهما لا يلبسان حينئذ
فالأمر ظاهر، وإلا أمكن أن يقال: إنهما خرجا في القرطاس عن صلاحية اللبس بتأثير
النورة فيهما، فهما غير ملبوسين فعلا وقوة " بل أشكله في جامع المقاصد والروضة بأن
تجويزه القنب مناف لما ذكره سابقا من أنه ملبوس في بعض البلاد، وأن ذلك يوجب
عموم التحريم، بل لا يخفى ظهور ما سمعت من كلامه في شدة اضطراب الأمر عليه،
وأنه غير محرر للمسألة، كما أنه لا يخفى ما في كلام جملة من الأساطين بعد ما سمعته من
التحقيق، والله أعلم.
* (و) * كيف كان فلا خلاف أجده في أنه * (يكره) * السجود عليه * (إذا كان فيه
كتابة) * لصحيح جميل السابق (1) المجمع على إرادة المعنى المصطلح من الكراهة فيه
كما في الرياض، وهو مطلق كالنافع والقواعد والتحرير واللمعة والبيان والروضة والمدارك
والمفاتيح والمنظومة وغيرها والمحكي عن التهذيب والاستبصار والمهذب والجامع ونهايتي
الشيخ والفاضل، لكن عن المبسوط والوسيلة والسرائر " إنما يكره لمن أبصره وأحسن
القراءة " ونحوه ما في الدروس، واقتصر الكركي وثاني الشهيدين على التقييد بالمبصر،
وفي التذكرة " في زوال الكراهة عن الأعمى وشبهه إشكال ينشأ من الاطلاق من غير
ذكر علة، ولو سلمت لكن الاعتبار بالضابط وإن خلا عن الحكمة نادرا " وعن نهاية
الإحكام " الأقرب الجواز في الأعمى: أي عدم الكراهة " والجميع كما ترى مناف
للاطلاق المزبور المعتضد بقاعدة التسامح، نعم في البيان قد يتأكد الكراهة بذلك،
ولعله للشغل، ولما سمعته سابقا في المصحف المفتوح، لكن لا يخفى أن الكلام هنا من
حيث السجود لا من حيث كونه بين يديه، فتأمل.
نعم لا بأس بتقييد النص والفتوى بما إذا كان الواجب من محل الجبهة خاليا عن

(1) الوسائل - الباب - 7 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 3
434

الكتابة، وإلا كان غير جائز إذا كانت الكتابة جرما مما لا يصح السجود عليه حائلا
بين الجبهة وبين القرطاس، لما دل في محله على وجوب مباشرتها لما يسجد عليه مما لا يصلح
هذا الاطلاق المحتمل أو الظاهر في إرادة غير ذلك منه لتقييده أو تخصيصه، خصوصا
مع كون التعارض بينهما من وجه، أما إذا كانت صبغا أو مما يصح السجود عليها
فلا بأس، لمعلومية عدم اعتبار الصبغ، وقاعدة عدم حلول العرض بغير حامله إما غير
مسلمة، لما نشاهده بالوجدان من اكتساب حلول الروائح الطيبة والمنتنة بالمجاورة ونحوها
على وجه يقطع بعدم انتقال أجزاء، وإما غير معتبرة شرعا، ولذا كان لا عبرة بلون
النجاسة ورائحتها، وجاز التيمم والوضوء باليد المخضوبة ونحوها من الاصباغ كما هو واضح.
فما عساه يظهر من الذكرى من المنع منه في هذا الحال لا ريب في ضعفه، قال:
" ويختص المكتوب: أي في الاشكال بأن أجزاء الحبر مشتملة غالبا على شئ من المعادن،
إلا أن يكون هناك بياض يصدق عليه الاسم، وربما يخيل أن لون الحبر عرض والسجود
في الحقيقة إنما هو على القرطاس، وليس بشئ، لأن العرض لا يقوم بغير حامله،
والمداد أجسام محسوسة مشتملة على اللون، وينسحب البحث في كل مصبوغ من النبات،
وفيه نظر " وهو كما ترى في غاية الضعف بالنسبة إلى المصبوغ، بل لعل نصوص السجود (1)
على المروحة التي تعارف في هذا الزمان صبغ سعفها، وعلى الخمرة بناء على ما قيل في
تفسيرها من أنها سعف مصبوغ بالصفرة تومي إلى عدمها، زيادة على المعلوم من المذهب
من عدم قدح الاصباغ في شئ من ذلك، وظاهر الشهيد أنه قد فهم من النص والفتوى
السجود على الكتابة من القرطاس المكتوب، ولذا أكله بما سمعت، وهو وإن كان
مقتضى الاطلاق إلا أنك قد عرفت إمكان تنزيله على ما ذكرنا كما جزم به ثاني المحققين

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 و 2 والباب 1
من أبواب القيام - الحديث 21
435

والشهيدين والعلامة الطباطبائي وغيرهم.
وعلى كل حال فقد ظهر لك من مجموع ما ذكرنا انحصار ما يسجد عليه اختيارا
في ثلاثة: الأرض والنبات والقرطاس، وأفضلها الأرض بلا خلاف، لقول الصادق
(عليه السلام) في خبر هشام بن الحكم (1): " السجود على الأرض أفضل، لأنه
أبلغ في التواضع والخضوع لله عز وجل " وسأله أيضا إسحاق بن الفضل (2) " عن
السجود على الحصر والبواري فقال: لا بأس، وأن يسجد على الأرض أحب إلي
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحب ذلك أن يمكن جبهته من الأرض، فأنا
أحب لك ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبه " بل عنه (عليه السلام) أيضا
في المروي عن العلل (3) مسندا " السجود على الأرض فريضة، وعلى غير الأرض
سنة " الذي أقوى ما يقال فيه أن المراد ثواب الفريضة، أو لأن الأرض هي المستفاد
من إطلاق السجود في الكتاب العزيز، لما فيها من المبالغة في الخضوع، ولشيوع أنه
وضع الجبهة على الأرض، ولغير ذلك، وأما احتمال إرادة الأعم منها ومن النبات من
لفظ الأرض فيكون السنة حينئذ تعين شئ خاص للسجود كالخمرة واللوح ونحوهما فهو
في غاية الضعف، وإن قيل إنه قد يشهد له المرسل (4) " السجود على الأرض فريضة،
وعلى الخمرة سنة " لكن حمل هذا على إرادة التمثيل للنبات فيوافق الخبر الأول حينئذ
أولى، وخبر جابر (5) المروي عن مجالس ولد الشيخ مسندا عن النبي (صلى الله عليه وآله)
" إنه عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، وأخذ عودا ليصلي عليه

(1) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 4 لكن رواه عن
إسحاق بن الفضيل
(3) الوسائل - الباب - 17 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 11 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1
(5) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 4
436

فأخذه فرمى به، وقال: على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماء " الحديث.
الذي حمله في الوسائل على استحباب اختيار الأرض لكن بعد أن احتمل فيه النسخ
أو الكراهة في أول الاسلام من أجل الأوثان، أو صغر العود جدا بحيث لا تتمكن
الجبهة منه، والأمر سهل.
وأفضل الأرض تربة سيد الشهداء (عليه السلام) قطعا وسيرة، ولذا كان
الصادق (عليه السلام) لا يسجد إلا عليها تذللا لله واستكانة كما عن إرشاد الديلمي (1)
وعن مصباح الشيخ بسنده إلى معاوية بن عمار (2) " إنه كان لأبي عبد الله (عليه السلام)
خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فكان إذا حضرته
الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه، ثم قال (عليه السلام): إن السجود على تربة
أبي عبد الله (عليه السلام) يخرق الحجب السبع " وفي مرسل الفقيه (3) عنه (عليه
السلام) أيضا " السجود على طين قبر الحسين (عليه السلام) ينور إلى الأرضين السبعة "
وفي توقيع الحميري (4) المروي عن الاحتجاج " لما كتب إلى صاحب الزمان
(عليه السلام) يسأله عن السجود على لوح طين القبر هل فيه فضل؟ فأجاب يجوز ذلك
وفيه الفضل ".
* (و) * على كل حال ف‍ * (لا) * يجوز أن * (يسجد على شئ من بدنه) * أو غيره
مما هو ليس أحدها إجماعا ونصوصا (5) * (ف‍) * أما إذا اضطر ب‍ * (أن منعه الحر) * مثلا
* (عن السجود على الأرض) * ولم يتمكن من تبريد شئ منها ولا عنده غيرها من النبات

(1) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 3 - 1 - 2
(2) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 3 - 1 - 2
(3) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 3 - 1 - 2
(4) الوسائل - الباب - 16 - من أبواب ما يسجد عليه لحديث 4 - 3 - 1 - 2
(5) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه
437

والقرطاس سقط عنه ذلك إجماعا أو ضرورة ونصوصا (1) مستفيضة أو متواترة،
ولا يسقط أداء الصلاة عنه بذلك كتعذر غيره من الشرائط عدا الطهورين، لكن
مقتضى الأصل وقاعدة الميسور وغيرها عدم وجوب بدل عليه عن ذلك، بل يقتصر
على ما تمكن منه من باقي ما يعتبر في السجود حتى وضع الجبهة وتمكنها على شئ مما لا يصح
السجود عليه من ثوب أو يد أو جلد حيوان طاهر أو غيرها، تحصيلا للوضع الواجب
الذي لم يكن وجوبه مشروطا بحصول ما يصح السجود عليه، وإنما هو واجب آخر،
بل ستعرف في باب السجود إن شاء الله عدم توقف تحقق السجود على ذلك، إلا أنه قد
ذكر المصنف وغيره بل لا أجد فيه خلافا صريحا بينهم أنه * (يسجد) * حينئذ * (على ثوبه،
فإن لم يتمكن فعلى كفه) *: أي ظهره، كما في الخبر (2) ليحصل الجمع بين المسجدين.
وعلى كل حال فظاهرهم أنه بدل اضطراري يعتبر في الصحة كالاختياري، ولعله
لصحيح القاسم بن الفضيل (3) قلت للرضا (عليه السلام): " جعلت فداك الرجل
يسجد على كم قميصه من أذى الحر والبرد قال: لا بأس به " وخبر أبي بصير (4)
قلت لأبي جعفر (عليه السلام): " إني أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء
على وجهي كيف أصنع؟ قال: تسجد على بعض ثوبك، قلت " ليس علي ثوب يمكن
أن أسجد على طرفه ولا ذيله قال (عليه السلام): اسجد على ظهر كفك، فإنها إحدى
المساجد " وخبره الآخر (5) المروي عن العلل قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
" جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عريانا في سراويل ولا
يجد ما يسجد عليه يخاف أن يسجد على الرمضاء أحرقت وجهه قال: يسجد على ظهر
كفه، فإنها أحد المساجد " وخبره الثالث (6) سأل أبا عبد الله (عليه السلام) " عن

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه الحديث - 0 - 5 - 2 - 5 - 6 - 8
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه الحديث - 0 - 5 - 2 - 5 - 6 - 8
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه الحديث - 0 - 5 - 2 - 5 - 6 - 8
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه الحديث - 0 - 5 - 2 - 5 - 6 - 8
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه الحديث - 0 - 5 - 2 - 5 - 6 - 8
(6) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه الحديث - 0 - 5 - 2 - 5 - 6 - 8
438

الرجل يصلي في حر شديد يخاف على جبهته الأرض قال: يضع ثوبه تحت جبهته " وخبر
عيينة بياع القصب (1) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): " أدخل في المسجد في
اليوم الشديد الحر فأكره أن أصلي على الحصى فأبسط ثوبي فأسجد عليه قال: نعم ليس
به بأس " وخبر أحمد بن عمر (2) " سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يسجد
على كم قميصه من أذى الحر والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد
عليه فقال: لا بأس به " وخبر محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار (3) قال: " كتب
رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحر
والبرد ومن الشئ يكره السجود عليه فقال: نعم لا بأس " وصحيح منصور بن حازم (4)
عن غير واحد من أصحابنا قلت لأبي جعفر (عليه السلام): " إنا نكون بأرض باردة
يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال: لا، ولكن اجعل بينك وبينه شيئا قطنا أو
كتانا " وخبر علي بن جعفر (5) المروي عن قرب الإسناد سأل أخاه (عليه السلام)
" عن الرجل يؤذيه حر الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود هل يصلح له
أن يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا قال: إذا كان مضطرا فليفعل ".
لكن قد يناقش في دلالة ما عدا الأخيرين على البدلية المزبورة، أما الأول
فمع احتماله إرادة وضع شئ مما يسجد عليه من السجود عليه فيه بقرينة إطلاق
الثوب، وترك الاستفصال فيه عن التمكن عما يسجد عليه الذي من النادر فرض تعذره،
بل من المستبعد إمكان وقوفه ووضع يديه دون جبهته التي تحتاج إلى زمان أقصر من
الوقوف بمراتب، بل من المستبعد تعذر تحصيل شئ من النبات، أو تبريد شئ من
الأرض ولو بوضع ماء أو بوضع شئ منها في ثوبه مع انتظاره مدة أو نحو ذلك ليس

(1) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 3 - 4 - 7 - 9
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 3 - 4 - 7 - 9
(3) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 3 - 4 - 7 - 9
(4) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 3 - 4 - 7 - 9
(5) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 1 - 3 - 4 - 7 - 9
439

فيه إلا نفي البأس المحتمل أو الظاهر في إرادة نفيه بعد تعذر الواجب عليه، لأنه أحد
ما يحصل به استقرار الجبهة ووضعها، لا لأنه بدل تفسد الصلاة بعدمه في هذا الحال
كالمسجد الاختياري.
وخبر أبي بصير - مع أن في سنده علي بن أبي حمزة البطائني الكذاب المتهم الذي
هو وأصحابه أشباه الحمير وأجلس في قبره فضرب بمرزبة من حديد امتلأ منها قبره
نارا، واحتماله لما سمعته أولا في الخبر الأول - يمكن كون المراد منه الدلالة على بعض
أفراد ما يتوقى بها عن حر الرمضاء، ويحصل معها استقرار الجبهة، لا أن المراد وجوب
خصوص الثوب على جهة البدلية الاضطرارية، والتعليل بأحد المساجد يراد منه أنها
أحد ما يحصل بها استقرار الجبهة، فيكون حينئذ ظاهرا فيما ذكرناه لا منافيا. ومثله
خبره الآخر المروي عن العلل بعد الاغضاء عن سنده، وعن باقي ما يحتمل فيه مما عرفت
بل وخبره الثالث، وكان فهم هذا المعنى من هذه العبارة ونحوها مما يساعد عليه العرف
ضرورة ظهوره فيه، إذ المراد التعليم ووجوب الاستقرار، وأنه لا ينتقل إلى الايماء
بحرارة الأرض وبرودتها ونحوهما، فإن له طريقا بأن يضع ثوبه ونحوه مما يحصل معه
القرار الذي لا يسقط بتعذر الأرض، هذا إن لم نقل إن المراد منه وضع ما يسجد
عليه على ثوبه كما سمعته سابقا، بل لعله هو الظاهر من خبر عيينة بقرينة أنه كان في
البلاد، ومن المستبعد بل المقطوع بخلافه عدم إمكان تحصيل شئ يسجد عليه فيها من
حجر بارد أو نبات، لا أقل من أن يصلى في موضع ذي ظلال أو على بوريا أو حصير
أو نحوهما، على أن مجرد كراهته لا يصلح عذرا، فهو إما مراد منه ما ذكرنا، أو محمول
على التقية، ولا غرابة في السؤال عن ذلك على الأول، إذ لعله لم يكن متعارفا في ذلك
الزمان وضع شئ من الأرض والسجود عليه، بل قد يدعى أن المنصرف من السجود
على الأرض خلافه.
440

وخبر أحمد بن عمر الذي في سنده ما فيه، ومحتمل لبعض ما سمعته أيضا ليس
فيه إلا نفي البأس الذي لا دلالة فيه على البدلية المزبورة، بل هو على عدمها أدل،
ومثله خبر محمد بن القاسم، بل لعل عبارة المصنف وغيرها مما تعرض فيها لهذا الحكم
لا يراد منها البدلية المذكورة التي هي كبدلية التيمم عن الوضوء، نعم قد يظهر من
مرسل منصور بن حازم وخبر علي بن جعفر بدلية خصوص القطن والكتان في حال
الضرورة، ولعلهما لأنهما من النبات، إلا أنه منع السجود عليهما اختيارا للنصوص
السابقة (1) المتضمنة اعتبار عدم الملبوسية، فالجمع بينها حينئذ بالاضطرار وعدمه بشهادة
الخبرين المزبورين ممكن، وقد يحمل الثوب في النص والفتوى عليهما لا ما إذا كان من
صوف أو شعر أو نحوهما.
ومن هنا قال في الرياض بعد أن حكى عن جماعة الترتيب بين الثوب والكف،
وأنه لم ينقل فيه خلاف: " ربما يشعر به الخبران (2): أي خبرا أبي بصير المروي
أحدهما عن العلل المتقدمان آنفا - ثم قال -: ولا دلالة فيهما على الترتيب بلا ولا إشعار،
فيشكل إثباته بهما على القاعدة (3) أيضا إذا كان الثوب من غير القطن والكتان من
نحو الشعر والصوف، لعدم لفرق بينهما وبين الكف في عدم جواز السجود عليها
اختيارا، واشتراك الضرورة المبيحة له عليها اضطرارا، نعم لو كان من القطن والكتان
أمكن القول بأولوية تقديمهما على اليد بناء على الفرق بينهما وبينهما في حالة الاختيار
بالاجماع على العدم فيها نصا وفتوى، فتقديمهما عليها لعله أولى " قلت: قد يناقش في
عدم إشعار أولهما بالترتيب، ضرورة ظهور قوله (عليه السلام) فيه: " اسجد على

(1) الوسائل - الباب - 1 - من أبواب ما يسجد عليه
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 5 و 6
(3) هكذا في النسخة الأصلية وفي الرياض " بل وبالقاعدة " وهو الصحيح
441

بعض ثوبك " بالوجوب التعييني المقتضي لعدم ثبوت فرد آخر معه في هذه المرتبة،
والأمر بالسجود على ظهر الكف جواب فرض انتفائه فيه وفي خبر العلل لا ينافيه،
إذ لا يقتضي ثبوت الاجتزاء به في تلك الحال، بل هو يجامع الترتيب والتخيير، فظهور
التعيين حينئذ من الأول لا معارض له، كما أنه لا حاجة إلى تقرير على فرض كونه
قطنا أو كتانا بما سمعته بعد ظهور مرسل منصور بن حازم، بل وخبر علي بن جعفر
بناء على تركيب الجواب مع السؤال فيه، لعدم استقلاله، بل منهما يستفاد حينئذ إرادة
القطن والكتان من الثوب في النصوص المزبورة.
نعم قد عرفت المناقشة في أصل ثبوت بدلية الكف ونحوه عن الأرض على
وجه يكون كبدلية التيمم عن الوضوء. بل هو أحد أفراد ما يستقر عليه الجبهة، فحينئذ
مع انتفاء القطن والكتان بتخير في سائر الأفراد التي يحصل معها استقرار الجبهة من
دون مراعاة لما يسجد عليه الذي قد سقط بفرض التعذر، ولا دليل على بدلية خصوص
غيره عنه، ونصوص القير ليس في شئ منها الدلالة على البدلية، واحتمالها ذلك برجحان
غيرها عليها معارض باحتمال غيره من التقية ونحوها، ومجرد الاحتمال لا يصلح لأن
يكون مدركا لحكم شرعي، خصوصا وفي بعضها (1) " تسجد على ما في السفينة وعلى
القير قال: لا بأس " مما هو ظاهر في إرادة الاضطرار لا بمعنى البدلية، وقول الصادق
(عليه السلام) (2): " القير من ثبات الأرض " إنما يدل على أن أصل تكونه من
الأرض، بل قد يعطي التأمل في إطلاق نصوص القير مع غلبة استصحاب الانسان
للقطن والكتان، وإطلاق السجود على الثوب نصا وفتوى حتى أنك قد سمعت عدم
الخلاف فيه، وغير ذلك مما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا أنه لا بدلية أيضا فيهما
على الوجه المزبور.

(1) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 7 - 8
(2) الوسائل - الباب - 6 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 7 - 8
442

نعم يمكن لخبر منصور بن حازم وعلي بن جعفر الحكم بالندب، وكأنه لذا ترك
التعرض لأصل هذا الحكم بعضهم مقتصرا على بيان انحصار السجود في الثلاثة المزبورة،
إذ الظاهر أن ذلك منه لعدم بدلية عنده بالمعنى المصطلح، بل الكل تشترك في الجواز
للضرورة التي هي مسقطة للتكليف بأحد الثلاثة، ولم يبق مخاطبا بعد إلا بما يتمكن معه
من السجود، فله حينئذ إقرار جبهته على أي شئ يكون، ولا ريب في قوة هذا إن لم
ينعقد الاجماع على خلافه ولو بامكان حمل عبارات الأصحاب على عدم إرادة البدلية
الاصطلاحية مما ذكروه فيها وإن كان بعيدا في بعضها، قال في النافع: " ولا يجوز أن
يسجد على شئ من بدنه، فإن منعه الحر سجد على ثوبه، ويجوز السجود على الثلج
والقير وغيره مع عدم الأرض وما ينبت منها، فإن لم يكن فعلى كفه " وقال في التحرير:
" إذا اضطر جاز أن يسجد على المعادن، وكذا يسجد على الصوف والثياب للتقية "
وقال أيضا: " لا يجوز السجود على بدنه، فإن خاف الحر سجد على ثوبه، فإن فقد
سجد على كفه، والسجود على القطن والكتان حال الضرورة أولى من الثلج " وقال
في البيان: " ولو منعه الحر سجد على ثوبه، فإن تعذر فعلى كفه، وفي ترجيح المعدن
على النبات الملبوس نظر، نعم هما أولى من الثلج، وهو أولى من الكف " وقال في
الدروس: " ولو اضطر سجد على القطن والكتان لا اختيارا على الأصح، فإن تعذر
فعلى المعدن أو القير أو الصهروج، فإن تعذر فعلى كفه - ثم قال -: ولو خاف في الظلمة
من أذى الهوام وليس معه إلا الثوب جاز السجود عليه، ولو خاف على بقية الأعضاء
ولو وقاية جاز الايماء، وكذا في كل موضع يتعذر السجود " وفي الذكرى " ولو وجد
ملبوسا من نبات الأرض فهو أولى من الثلج، لأن المانع هنا عرضي بخلاف الثلج، وقد
روى ذلك منصور بن حازم - مشيرا به إلى الخبر السابق ثم قال -: ولو كان في ظلمة
وخاف من السجود على الأرض حية أو عقربا أو مؤذيا ولم يكن عنده شئ يسجد عليه
443

غير الثوب جاز السجود عليه - إلى أن قال -: ولو تعذر الثوب وخاف على بقية
الأعضاء جاز الايماء، وكذا في كل موضع يتعذر ما يسجد عليه " ثم ذكر خبر عمار (1)
عن الصادق (عليه السلام) الذي ذكرناه في السجود على الطين، إلى غير ذلك من
العبارات التي لم نجد شاهدا من النصوص على بعض ما فيها، إذ قد عرفت أن الذي
عثرنا عليه فيها السجود على الثوب والكف والقير والقفر بل والثلج في احتمال، وأن
مورد الأمر بالأولين أو الأول منهما منع الحر والبرد، بل ومن الشئ يكره السجود
عليه كما في خبر محمد بن القاسم (2) ومورد الأمر بالسجود على القير والقفر أو ما في
السفينة عدم التمكن من أصل الأرض لا من مباشرتها لحر أو برد مثلا، فعلى تقدير
البدلية لعل الاقتصار على هذا أولى.
أما بقية المعادن من الذهب والفضة ونحوهما فلم نجد لها أثرا في النصوص فضلا
عن تعارضها مع النبات الملبوس ولا النبات المأكول، بل ليس في النصوص تعرض أيضا
لتعارض القير والنبات الملبوس، وكان التعدي إلى بقية المعادن من نصوص القير،
لكن الجميع كما ترى، والمسألة غير محررة في كلمات الأصحاب، والله الموفق للصواب.
* (و) * كيف كان ف‍ * (الذي ذكرناه) * من اعتبار أحد الثلاثة * (إنما يعتبر في
موضع الجبهة لا في بقية المساجد) * إجماعا ونصوصا (3) مستفيضة أو متواترة، بل
ضرورة من المذهب أو الدين * (و) * لكن * (يراعى فيه) * وفيها * (أن يكون مملوكا أو
مأذونا فيه) * على حسب ما سمعته في مكان المصلي الذي منه مواضع السجود، وقد تقدم
تفصيل البحث فيه.

(1) الوسائل - الباب - 15 - من أبواب مكان المصلي - الحديث 4
(2) الوسائل - الباب - 4 - من أبواب ما يسجد عليه - الحديث 4
(3) الوسائل - الباب - 5 - من أبواب ما يسجد عليه
444

* (و) * في أنه يختص موضع الجبهة عنها ب‍ * (أن يكون خاليا من النجاسة) * وإن لم
يكن متعدية * (و) * حينئذ ف‍ * (إذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت وشبهه وجهل
موضع النجاسة لم يسجد على شئ منه) * لما سمعته مفصلا في الإناءين من جريان الشبهة
المحصورة مجرى النجس عند الشارع في كل ما اشترط فيه الطهارة، وعدم جريان
الاستصحاب وقاعدة الطهارة فيها وإن توهمه بعض متأخري المتأخرين. * (نعم) * لا ريب
في أنه * (يجوز السجود في المواضع المتسعة) * وغيرها مما هو ليس بمحصور * (دفعا للمشقة) *
وللنصوص المستفيضة التي اغتر بعض متأخري المتأخرين بعمومها، فأدرج المحصور فيها،
وللاجماع بقسميه، وللسيرة المستقيمة وغير ذلك.
لكن ليس في النصوص لفظ المحصور وغيره، ولذا اختلف في تعريفه كما حرر
في غير المقام، لكن في كشف اللثام هنا " لعل الضابط أن ما يؤدي اجتنابه إلى ترك
الصلاة غالبا فهو غير محصور، كما أن اجتناب شاة أو امرأة مشتبهة في صقع من الأرض
يؤدي إلى الترك غالبا " قلت: ربما رجع إلى التعريف بما في اجتناب نوعه حرج نوعي
وعدمه، ولعل الايكال إلى ما جرت السيرة بالتجنب عنه وعدمه، أو إلى ما ظهر من
النصوص تناوله وعدمه، والمشكوك فيه على قاعدة المنع - وقد يحتمل العكس - أولى.
وكيف كان ففي الذكرى أنه " لو سجد على النجس أو المغصوب فكالصلاة في
النجس أو في المكان المغصوب في جميع الأحكام، ولو سجد على غير الأرض ونباتها
أو على المأكول أو الملبوس متعمدا بطل ولو جهل الحكم، ولو ظنه غيره أو نسي فالأقرب
الصحة ولا يجب التدارك ولو كان في محل السجود بل لا يجوز، ولو كان ساجدا جر
الجبهة " وقال في البيان: " ولو سجد على الممنوع منه جاهلا أو ناسيا فالأقرب الصحة "
قلت: قد عرفت في البحث عن طهارة مكان المصلي بعض النظر في كلامه، وأنه خلاف
مقتضى واقعية الشرائط، وقياسه على الساتر قد يمنع، ومثله يأتي هنا في السجود على
445

الممنوع منه من المأكول والملبوس، اللهم إلا أن يكون قد فتح قاعدة العفو في النسيان
والجهل بالموضوع، أو أن ذلك من الضرورة، أو أنه ليس أولى من نسيان السجدة
مع التتميم بعدم القول بالفصل، أو أنه عثر على ما لم نعثر عليه، ولو انحصر الحال في
السجود على النجس ففي سقوط حكم النجاسة كما إذا كانت في البدن، أو الانتقال إلى
الاتيان بما يتمكن من السجود عدا مباشرة الجبهة، أو الجريان مجرى الرمضاء فيما سمعته
وجوه لا يخلو أولها من قوة، وكأنه إليه أومأ بالتقييد في المحكي عن نهاية الإحكام،
قال: " لو سجد على دم أقل من درهم أو كان على جبهته قدر ذلك وسجد عليه خاصة
فالأقرب عدم الاجزاء مع تمكن الإزالة " وفي كشف اللثام " يعني المتنجس بذلك بعد
زوال العين، وإلا فالسجدة على غير الأرض والنبات أو بغير البشرة " وهو جيد،
كما أنه ينبغي تقييده بما إذا كان السجود على ذلك الدرهم أو به، وإلا فلو شاركه غيره
مما يتحقق به أقل ما يجب في مسجد الجبهة فالظاهر الصحة لصدق الامتثال، والله أعلم.
إلى هنا تم الجزء الثامن من كتاب جواهر الكلام وقد بذلنا
غاية جهدنا في تصحيحه ومقابلته بالنسخة الأصلية
المخطوطة المصححة بقلم المصنف
قدس روحه الشريف
ويتلوه الجزء التاسع
في الأذان والإقامة
إن شاء الله
عباس القوچاني
446