الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ١٥
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الآخرة ١٤١٨
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٠٤١-٢
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الأول
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

Bp النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. VOIS 18 - 2 - 75 - 5503 - ISBN 964
ردمك (شابك). - 76 - 5503 - 964 / ج 1
L / VO / 0 - 76 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 15
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك):
الطبعة: الأولى - جمادى الآخرة - 1418 ه‍.
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 7500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 37185 / 996 - هاتف 4 - 370001
4

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
5

كتاب المطاعم والمشارب
وفيه أبواب:
7

الباب الأول
في بيان أصول عامة شاملة للحيوانات وغيرها
نذكرها في طي مسائل:
المسألة الأولى: الأصل الأولي في كل ما يمكن أكله وشربه:
الحلية، وجواز الأكل والشرب عقلا وشرعا إجماعا، وكتابا (1)، وسنة (2)، لما
ثبت في علم الأصول من أصالة حلية الأعيان، وإباحة الأفعال ما لم تثبت
حرمتها بدليل.
المسألة الثانية: الأصل في الخبائث: الحرمة، للاجماع، وقوله
سبحانه: (ويحرم عليهم الخبائث) (3) واستدل له بمفهوم قوله سبحانه:

(1) البقرة: 168.
(2) انظر الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.
(3) الأعراف: 157.
9

(يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات) (1) وهي المقابلة
للخبائث.
وفيه: أنه مفهوم لا حجية فيه، مع أن في استلزام عدم التحليل
للتحريم وكذا في مقابلة الطيبات للخبائث نظرا.
ثم المراد بالخبائث - على ما ذكرها جماعة (2) - ما تشمئز منه أكثر
النفوس المستقيمة، وتتنفر عنه غالب الطباع السليمة.
والظاهر أنه ليس مرادهم ما تتنفر الطباع وتشمئز عن أكله، إذ كثير من
العقاقير السبعة والأدوية - كالإهليلجات (3) ونحوها - كذلك، مع أنها ليست
خبيثة عرفا ولا محرمة شرعا. (بل كثير مما تتنفر عنه الطباع إنما يكون
لحرمته، أو توهم حرمته، أو عدم الاعتياد بأكله.. ولذا ترى تنفر طباع أكثر
العجم عن أكل الجراد دون العرب، وتنفر طباع أهل البلدان عن الحية
والفأرة والضب دون أهل البادية من الأعراب، وكأن كثيرا مما تتنفر عنه
الطباع الآن كانت العرب تأكله قبل الاسلام، كالضب، والمسلمون يتنفرون
من الخنزير دون النصارى، إلى غير ذلك) (4).
بل ما تتنفر الطباع عنه مطلقا، أكلا ولمسا ورؤية، كرجيع الانسان
والكلب، بل رجيع كل ما لا يؤكل لحمه، والقئ من الغير وقملته وبلغمه
- سيما المجتمع في موضع في مدة - والقيح، والصديد، والضفادع،
ونحوها.

(1) المائدة: 4.
(2) منهم المحقق الأردبيلي في زبدة البيان: 631 والفاضل الجواد في مسالك الأفهام
1: 146.
(3) الإهليلج: عقير من الأدوية معروف وهو معرب - انظر لسان العرب 2: 392.
(4) ما بين القوسين ليس في (س).
10

ولكن في كون المراد من الخبائث في الآية مطلق ذلك نظرا، إذ لا
دليل عليه من شرع أو لغة بل ولا عرف، ألا ترى تنفر الطباع عن ممضوغ
الغير، وما خرج من بين أسنانه، مع أن حرمته غير معلومة.
ولذا قال المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد: معنى الخبيث غير
ظاهر، إذ الشرع ما بينه، واللغة غير مراد، والعرف غير منضبط، فيمكن أن
يقال: المراد عرف أوساط الناس وأكثرهم - حال الاختيار - من أهل المدن
والدور، لا أهل البادية، لأنه لا خبيث عندهم، بل يطيبون جميع ما يمكن
أكله، فلا اعتداد بهم (1). انتهى.
أقول: إن ما ذكره -، - من إمكان الإحالة إلى عرف أوساط الناس
وأكثرهم: إن أراد إحالة التنفر والاشمئزاز إلى عرفهم، فهو إنما يتم لو علم
أنه معنى الخباثة، وهو بعد غير معلوم.
وإن أراد إحالة الخباثة، فلا عرف لها عند غير العرب، لأنها ليست
من لغتهم، ولا يتعين مرادفها في لغتهم.
هذا، مع أن طباع أكثر أهل المدن العظيمة أيضا مختلفة جدا في
التنفر وعدمه، كما لا يخفى على من اطلع على أحوال سكان بلاد الهند
والترك والإفرنج والعجم والعرب في مطاعمهم ومشاربهم.
ولذا خص بعض آخر بعرف بلاد العرب، وهو أيضا غير مفيد، لأن
عرفهم في هذا الزمان غير معلوم للأكثر - مع أنه لو كان مخالفا للغة لم
يصلح مرجعا - وكذا عرفهم في زمان الشارع.
وبالجملة: لا يتحصل لنا اليوم من الخبائث معنى منضبطا يرجع إليه،

(1) مجمع الفائدة والبرهان 11: 156.
11

فيجب الاقتصار فيها على ما علم صدقها عليه قطعا - كفضلة الانسان، بل
فضلة كل ما لا يؤكل لحمه من الفضلات النجسة المنتنة، وكالميتات
المتعفنة ونحوها - والرجوع في البواقي إلى الأصل الأول.
ولا يضر عدم حجية بعض العمومات المبيحة للأشياء لتخصيصها
بالمجمل، إذ الأصل العقلي والشرعي في حلية ما لم يعلم حرمته كاف في
المطلوب.
المسألة الثالثة: الأصل في الأعيان النجسة والمتنجسة - ما دامت
نجسة -: الحرمة بلا خلاف، كما في المسالك وشرح الإرشاد والكفاية
والمفاتيح (1)، بل بالاتفاق كما في شرح المفاتيح، بل بالاجماع كما عن
الغنية (2) وغيرهما (3)، بل يمكن عده من الضروريات كما قيل (4)، بل
بالاجماع المحقق، وهو الحجة فيه، مع التعليل لتحريم لحم الخنزير
بالرجسية في قوله تعالى: (فإنه رجس) (5)، وتعليل وجوب الاجتناب
الشامل لترك الأكل في الخمر والميسر والأزلام والأنصاب بالرجسية (6)
[و] (7) الأخبار المستفيضة، بل كما قيل: المتواترة معنى (8)، (الواردة في
موارد عديدة لا تحصى:

(1) المسالك 2: 243، مجمع الفائدة 11: 213، المفاتيح 2: 217، كفاية الأحكام: 251.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(3) انظر كشف اللثام 2: 267.
(4) كما في الرياض 2: 289.
(5) الأنعام: 145.
(6) المائدة: 90.
(7) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(8) انظر الرياض 2: 289.
12

منها: الأخبار) (1) الواردة في تحريم أكثر الأعيان النجسة
بخصوصها، كالدم والميتة والخمر ولحم الخنزير (2)، بل لعل كلها.
ومنها: الأخبار المتضمنة لوجوب إهراق بعض المائعات النجسة
والنهي عن أكلها، وغسل بعض غير المائعات قبل الأكل أو طرحه، بضميمة
الاجماع المركب:
كصحيحة زرارة: (إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فإن كان
جامدا فألقها وما يليها وكل ما بقي، وإن كان ذائبا فلا تأكله واستصبح به،
والزيت مثل ذلك) (3).
والأعرج، وفيها: عن الفأرة تموت في السمن والعسل، فقال: (قال
علي عليه السلام: خذ ما حولها وكل بقيته)، وعن الفأرة تموت في الزيت، فقال:
(لا تأكله ولكن أسرج به) (4).
وابن وهب: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، فقال: (أما
السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله، والزيت يستصبح به) (5).
والحلبي: عن الفأرة والدابة في الطعام والشراب فتموت فيه، فقال:
(إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون بعض هذا، فإن كان الشتاء

(1) ما بين القوسين ليس في (س).
(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1.
(3) الكافي 6: 261 / 1، التهذيب 9: 85 / 360، الوسائل 24: 194 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 43 ح 2. واستصبحت بالدهن: نورت به المصباح - المصباح
المنير: 331.
(4) التهذيب 9: 86 / 362، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 4.
(5) الكافي 6: 261 / 2، التهذيب 9: 85 / 359، الوسائل 24: 194 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 43 ح 1.
13

فانزع ما حوله وكله، وإن كان الصيف فادفعه حتى تسرج به، وإن كان بردا
فاطرح الذي كان عليه) (1).
وموثقة الساباطي: عن الدقيق يصيب فيه خر الفأرة هل يجوز أكله؟
قال: (إذا بقي منه شئ فلا بأس، يؤخذ أعلاه فيرمى به) (2).
ويونس: عن حنطة مجموعة ذاب عليها شحم الخنزير، قال: (إن
قدروا على غسلها أكلت، وإن لم يقدروا على غسلها لم تؤكل) (3).
ومرسلة سماعة: عن السمن تقع فيه الميتة، قال: (إن كان جامدا
فألق ما حوله وكل الباقي) قلت: الزيت؟ فقال: (أسرج به) (4).
ومرسلة ابن أبي عمير: في العجين يعجن من الماء النجس كيف
يصنع به؟ قال: (يباع ممن يستحل أكل الميتة) (5).
وأخرى: وهي مثلها، إلا أن فيها: (يدفن ولا يباع) (6).
ورواية السكوني: عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة، قال: (يهراق
مرقها، ويغسل اللحم ويؤكل) (7).

(1) التهذيب 9: 86 / 361 وفيه: ثردا، بدل: بردا.. والثرد ما صغر من الثريد - مجمع
البحرين 3: 19، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 3.
(2) التهذيب 1: 284 / 832، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43
ح 6.
(3) الكافي 6: 262، الوسائل 24: 203 أبواب الأطعمة المحرمة ب 50 ح 1.
(4) التهذيب 9: 85 / 358، الوسائل 24: 195 أبواب الأطعمة المحرمة ب 43 ح 5.
(5) التهذيب 1: 414 / 1305، الإستبصار 1: 29 / 76، الوسائل 1: 242 أبواب
الأسئار ب 11 ح 1.
(6) التهذيب 1: 414 / 1306، الإستبصار 1: 29 / 77، الوسائل 1: 243 أبواب
الأسئار ب 11 ح 2.
(7) الكافي 6: 261 / 3، التهذيب 9: 86 / 365، الوسائل 24: 196 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 44 ح 1.
14

وجابر: وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟
قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: (لا تأكله) إلى أن قال: (إن الله حرم من الميتة
كل شئ) (1) إلى غير ذلك.
ولا ينافي ذلك بعض الأخبار الدالة على نفي البأس عن أكل خبز
العجين الذي عجن بماء وقعت فيه ميتة لملامسة النار (2)، لأنه مبني على
تطهره (3) بالنار، وقد مر الجواب عنه في كتاب الطهارة.
ولا بعض آخر دال على جواز أكل المرق الذي وقع فيه دم (4)، لما
ذكر، ولشمول الدم فيه للحلال والحرام، فيجب التخصيص بالأول.
وكذا لا ينافي الاجماع قول بعض علمائنا بجواز شرب المائع النجس
بعد خلطه بالماء المطلق الطاهر الكر وإن لم يستهلك (5)، ونحو ذلك، لأنه
أيضا مبني على حصول الطهارة بذلك، وقد بينا ضعفه في كتابها.
المسألة الرابعة: الأصل في الأشياء الضارة بالبدن: الحرمة، فإنها
محرمة كلها بجميع أصنافها - جامدها ومائعها قليلها وكثيرها - إذا كان القليل
ضارا، للاجماع المنقول (6)، والمحقق.
ورواية المفضل، وهي طويلة، وفيها: (علم تعالى ما تقوم به أبدانهم
وما يصلحهم، فأحله لهم وأباحه تفضلا منه عليهم به لمصلحتهم، وعلم

(1) التهذيب 1: 420 / 1327، الإستبصار 1: 24 / 60، الوسائل 1: 206 أبواب
الماء المضاف ب 5 ح 2. والخابية: الحب - الصحاح 6: 2325.
(2) انظر الوسائل 1: 175 أبواب الماء المطلق ب 14 ح 17 و 18.
(3) في (ق) و (س): تطهيره.
(4) انظر الوسائل 24: 196 أبواب الأطعمة المحرمة ب 44.
(5) كالشهيد الثاني في الروضة 7: 334.
(6) انظر الرياض 2: 290.
15

ما يضرهم، فنهاهم عنه وحرمه عليهم، ثم أباحه للمضطر، فأحله في الوقت
الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك)
الحديث (1).
ومفهوم لفظ الكل في رواية محمد بن سنان المروية في العلل: (إنا
وجدنا كل ما أحل الله تعالى ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ولهم إليه الحاجة
التي لا يستغنون عنها، ووجدنا المحرم من الأشياء لا حاجة للعباد إليه،
ووجدناه مفسدا داعيا إلى الفناء والهلاك) (2).
والرضوي: (ولم يحرم إلا ما فيه الضرر والتلف والفساد، فكل نافع
مقو للجسم فيه قوة للبدن فحلال، وكل مضر يذهب بالقوة أو قاتل فحرام)
الحديث (3).
والاستدلال بحديث نفي الضرر والاضرار عليل (4)، لأن في الإباحة
والتخيير لا يصدق الضرر والاضرار، مع أن غايته - لو تم - عدم الإباحة
الشرعية، وهو غير التحريم.
وقد يستدل أيضا بما ورد في المنع من الطين من التعليل بأن فيه
إعانة على النفس في قتلها أو ضعفها.
وهو كان حسنا لو وجد ذلك التعليل في الأخبار (5)، ولكني ما

(1) الكافي 6: 242 / 1، المحاسن: 334 / 104، الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 1 ح 1. والبلغة: إذا اكتفى به وتجزأ - المصباح المنير: 61.
(2) علل الشرائع: 592 / 43، الوسائل 25: 51 أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح 4.
(3) فقه الرضا (ع): 254، المستدرك 16: 165 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1 ح 5.
(4) الكافي 5: 292 / 2، الفقيه 3: 147 / 648، التهذيب 7: 146 / 651، الوسائل
25: 428 أبواب إحياء الموات ب 12 ح 3.
(5) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58.
16

وجدته.
نعم، ورد في بعض الأخبار: أنه يورث السقم في الجسد ويهيج
الداء (1)، من غير جعل ذلك تعليلا للتحريم. وفيه أيضا: أنه من أكل الطين
وضعف عن العمل - الذي كان يعمله قبل أن يأكله - يعذب عليه (2). ثم كما
أشرنا إليه يعم التحريم القليل منه والكثير إذا كان قليله مضرا أيضا.
وأما ما يضر كثيره دون قليله - كالأفيون (3) والسقمونيا (4) وشحم
الحنظل وغيرها - فالمحرم منه ما بلغ ذلك الحد دون غيره، وكذا ما يضر
منفردا دون ما إذا أضيف إلى غيره ولو كان كثيرا لا يحرم الكثير المضاف إليه
أيضا، وما يضر تكريره دون أكله مرة يحرم التكرير خاصة.
والضابط في التحريم: ما يحصل به الضرر. والضرر الموجب
للتحريم يعم الهلاكة وفساد المزاج والعقل والقوة وحصول المرض أو
الضرر في عضو.
وبالجملة: كل ما يعد ضررا عرفا، للاجماع، وإطلاق رواية المفضل (5).
وهل يناط التحريم بالعلم العاري الحاصل بالتجربة وقول جمع من
الحذاق ونحوهما، أو يحرم بغلبة الظن أيضا؟
صرح في الكفاية بالثاني (6). وهو الأحوط، وإن كان الأصل يقوي الأول.

(1) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58.
(2) انظر الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58.
(3) الأفيون: عصارة لبنية تستخرج من الخشخاش - انظر المنجد: 13.
(4) السقمونيا: نبات يستخرج من تجاويفه رطوبة دبقة وتجفف وتدعى باسم نباتها،
وله خواص - انظر القاموس 4: 130.
(5) المتقدمة في ص: 15، 16.
(6) كفاية الأحكام: 251.
17

المسألة الخامسة: الأصل حرمة أكل مال الغير المحترم - مسلما كان
أو كافرا محفوظا في ماله - بدون إذنه، بالاجماع، بل الضرورة، والكتاب،
والسنة.
قال الله سبحانه: (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون
تجارة عن تراض) (1).
وقال سبحانه: (فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا
مريئا) (2) دل بمفهوم الشرط على عدم جواز الأكل بدون الطيبة، ويتعدى
إلى غير الزوجة بالفحوى والاجماع المركب.
وفي النبوي المشهور: (المسلم على المسلم حرام دمه وماله
وعرضه) (3).
وفي آخر: (المسلم أخو المسلم، لا يحل له ماله إلا عن طيب نفس
منه) (4).
وفي رواية الحسين المنقري عن خاله: (من أكل من طعام لم يدع
إليه فكأنما أكل قطعة من النار) (5).
وفي أحاديث الخمس عن صاحب الزمان صلوات الله عليه: (لا يحل

(1) النساء: 29.
(2) النساء: 4.
(3) صحيح مسلم 4: 1986 / 2564، ورواه الشهيد الثاني مرسلا في المسالك 2:
247.
(4) غوالي اللآلئ 3: 473 / 1، الوسائل 29: 10 أبواب القصاص في النفس ب 1
ح 3 بتفاوت.
(5) الكافي 6: 270 / 2، التهذيب 9: 92 / 398، الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 63 ح 1.
18

لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا؟!) (1)،
إلى غير ذلك (2).
المسألة السادسة: يستثنى من هذه الأصول الأربعة ومن سائر ما
حرم: ما يدعو الاضطرار إليه، لتوقف سد الرمق وحفظ النفس عليه،
فيختص التحريم بالمختار.
وأما المضطر فيجوز له - بل يجب - الأكل والشرب من كل محرم بلا
خلاف - إلا في الخمر والطين كما يأتي - للاجماع..
وقوله سبحانه: (فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن
الله غفور رحيم) (3) والمخمصة: المجاعة، والمتجانف: المائل.
وقال عز شأنه: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما
أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم) (4)،
وقريب منه في آية أخرى (5).
وقال جل اسمه: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد
فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) (6).
ولأدلة نفي العسر والحرج (7)، ونفي الضرر والضرار (8)، إذ لا حرج

(1) كمال الدين: 521 / 49، الإحتجاج: 480، الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 63 ح 3.
(2) انظر الوسائل 24: 234 أبواب الأطعمة المحرمة ب 63.
(3) المائدة: 3.
(4) النحل: 115.
(5) الأنعام: 145.
(6) الأنعام: 119.
(7) انظر عوائد الأيام: 57.
(8) انظر الفقيه 4:، 243 / 777، الوسائل 26: 14 أبواب موانع الإرث ب 1 ح 10،
مسند أحمد بن حنبل 1: 313، سنن ابن ماجة 2: 784 / 2340 - 2341، عوائد
الأيام: 16، القواعد الفقهية 1: 76.
19

ولا ضرر أعظم من المنع حينئذ.
ولرواية المفضل المتقدمة في المسألة الرابعة (1).
وفي مرسلة الصدوق: (من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم
يأكل شيئا من ذلك حتى يموت فهو كافر) (2)، ورواها أحمد بن محمد بن
يحيى في نوادر الحكمة.
وفي الدعائم: قال علي صلوات الله عليه: (المضطر يأكل الميتة وكل
محرم إذا اضطر إليه) (3).
وفي تفسير الإمام: قال: (قال الله سبحانه: فمن اضطر إلى شئ من
هذه المحرمات فإن الله غفور رحيم ستار لعيوبكم أيها المؤمنون، رحيم
بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرمه في الرخاء) (4)، إلى غير ذلك من
الروايات (5).
ثم إنه يحصل الاضطرار بخوف تلف النفس مع عدم التناول، أو
خوف المرض الشاق الذي لا يتحمل صاحبه عادة، أو خوف زيادة
المرض، أو بط برئه كذلك، أو خوف لحوق الضعف المؤدي إلى التلف
أو المرض، كل ذلك لصدق العسر والحرج والضرر والاضطرار معه عرفا.

(1) انظر ص: 15، 16.
(2) الفقيه 3: 218 / 1008، الوسائل 24: 216 أبواب الأطعمة المحرمة ب 56
ح 3.
(3) دعائم الاسلام 2: 125 / 435.
(4) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 585، مستدرك الوسائل 16: 201 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 40 ح 5.
(5) انظر الوسائل 24: 214 أبواب الأطعمة المحرمة ب 56.
20

والظاهر إلحاق خوف تلف العرض أو المال المحترم بترك تناوله بما
ذكر أيضا، لما ذكر.
وعن الشيخ في النهاية والفاضل في المختلف (1) وجماعة (2):
التخصيص بخوف تلف النفس، استنادا إلى الآيات السابقة. وإفادتها
للتخصيص ممنوعة.
ثم الاضطرار - كما ذكر - يحصل بالخوف الحاصل من العلم بالضرر
والظن، لصدق العسر والحرج بالترك مع الظن، وكذا الاضطرار والضرورة.
وأما مجرد الوهم والاحتمال فهو غير كاف في التحليل.
فروع:
أ: الحق المشهور: عدم الفرق بين المحرمات في ذلك، سواء الخمر
والطين وغيرهما، لعموم أكثر الأخبار المتقدمة.
وخصوص موثقة الساباطي في الخمر: عن الرجل أصابه عطش حتى
خاف على نفسه فأصاب خمرا، قال: (يشرب منه قوته) (3).
والمروي في الدعائم: (إذا اضطر المضطر إلى أكل الميتة أكل حتى
يشبع، وإذا اضطر إلى الخمر شرب حتى يروى، وليس له أن يعود إلى
ذلك حتى يضطر إليه) (4).

(1) النهاية: 591، المختلف: 687.
(2) منهم القاضي في المهذب 2: 433 ويحيى بن سعيد في الجامع: 390.
(3) التهذيب 9: 116 / 502، الوسائل 25: 378 أبواب الأشربة المحرمة ب 36
ح 1.
(4) دعائم الاسلام 2: 125 / 435، المستدرك 16: 201 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 40 ح 4.
21

ومرسلة العلل: (وشرب الخمر جائز في الضرورة) (1).
وتؤيده حلية الميتة والدم ولحم الخنزير - التي هي أشد حرمة وأغلظ
من الخمر - عند الضرورة، وأهمية حفظ النفس من سائر الواجبات.
خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف، فقال: لا يجوز دفع ضرورة
العطش والجوع أو التداوي بشرب الخمر أصلا (2).
استنادا إلى ثبوت حرمتها في الكتاب، وعدم معارضة آيات الاضطرار
لها، لتصدرها بحرمة الميتة والدم ولحم الخنزير، فهي المباحة للمضطر.
ولا مقاومة (3) أخبار الحلية لها، لأن كل خبر يخالف الكتاب فهو مردود.
ولرواية أبي بصير المروية في العلل: (المضطر لا يشرب الخمر، فإنه
لا تزيده إلا شرها، ولأنه إن شربها قتلته، فلا يشرب منها قطرة) قال:
وروي: (لا تزيده إلا عطشا) (4).
والجواب أولا: بأن استثناء المضطر أيضا ثبت من الكتاب، فإن الآية
الأخيرة مطلقة، وكذا آيات نفي العسر والحرج.
وثانيا: أن خاص السنة لا يعد مخالفا لعام الكتاب، ولذا يخصص
الثاني بالأول إذا كان خاصا مطلقا، كما في المقام، إذ الموثقة ورواية الدعائم
خاصان مطلقان، وكذا مرسلة العلل. ولا تعارضها رواية العلل، لأنها معللة
بما إذا كان المفروض خلافه.
وللمحكي عن بعض الأصحاب، فقال بعدم جواز دفع الضرورة

(1) علل الشرائع: 478 / 1، الوسائل 25: 379 أبواب الأشربة المحرمة ب 36 ذيل
الحديث 4.
(2) المبسوط 6: 288، الخلاف 2: 545.
(3) في (ح): ولا تقاومه، ولعل الأنسب: ولا مقاومة لأخبار الحلية لها.
(4) علل الشرائع: 478 / 1.
22

بالطين الأرمني، والطين المختوم، لعموم أدلة حرمة الطين (1). وجوابه
ظاهر.
ب: يحل للمضطر تناول قدر الضرورة من المحرمات، وهو ما يسد
به الرمق إجماعا، ولا يجوز له تناول الزيادة على الشبع كذلك، وبه فسر
بعضهم العادي في الآية المباركة، أي المتجاوز عن الحد، كما ذكره في
المفاتيح (2). والوجه في الحكمين ظاهر.
وكذا لو دعت الضرورة إلى الشبع، كما إذا كان في بادية وخاف أن
لا يقوى على قطعها لو لم يشبع، أو احتاج إلى المشي، أو العدو وتوقف
على الشبع.
وهل يجوز له أن يتجاوز عن سد الرمق إلى الشبع؟
ظاهر الأكثر: العدم. وهو مقتضى الأصل، وظاهر رواية المفضل
المتقدمة (3)، وفسر بعضهم العادي به أيضا، كما نقله في الكفاية (4).
والجواز مفاد رواية الدعائم المذكورة في الفرع الأول، حيث قال:
(حتى يروى) ولكنها لا تصلح مقاومة للأولى المعتضدة بالأصل. وأما
موثقة الساباطي فتحتمل الأمران، فالحق هو الأول.
ج: قد أشرنا إلى أن التناول في محل الضرورة على وجه الوجوب،
لأن تركه يوجب إعانته على نفسه وقد نهي عنه في الكتاب (5) والسنة (6)،

(1) انظر السرائر 3: 124.
(2) المفاتيح 2: 227.
(3) في ص: 15، 16.
(4) كفاية الأحكام: 254.
(5) البقرة: 195، النساء: 29.
(6) انظر الوسائل 29: 205 أبواب ديات النفس ب 5.
23

ويدل عليه قوله: (فأمره) في رواية المفضل، وكذا مرسلة الصدوق
المتقدمة.
د: لو لم يجد المضطر إلا مال الغير، فالغير إما مثله مضطر إليه، أو
لا..
فعلى الأول: لا يجوز الأخذ منه ظلما إجماعا، لحرمة الظلم، وعدم
مجوز له إلا الضرورة الحاصلة له أيضا، وهو أحد معاني الباغي المذكورة
في الآية عند بعض المفسرين (1).
وهل يجوز الأخذ منه بغير ظلم من التماس، أو دفع ثمن كثير
ونحوهما؟
احتمل بعضهم: العدم، لأنه إهلاك للغير لأجل إبقاء النفس (2).
وفيه نظر، لتعارض إهلاك أحد النفسين، فلا يحكم بتعين أحدهما
إلا بمعين، وليس.
نعم، لو ارتكب لابقاء أحدهما محرما آخر - كظلم أو قتل - تعينت
حرمته.
وهل يجوز لذلك الغير حينئذ الايثار واختيار الغير على النفس؟
قيل: لا، لأنه إلقاء بيده إلى التهلكة (3).
واحتمل بعضهم: الجواز (4)، لقوله سبحانه: (ولو كان بهم
خصاصة) (5).

(1) كالفخر الرازي في التفسير الكبير 5: 14، الزمخشري في الكشاف 1: 215.
(2) كما في كفاية الأحكام: 254.
(3) كفاية الأحكام: 254.
(4) كما في المسالك 2: 250.
(5) الحشر: 9.
24

ويرد بحمله على ما إذا لم تؤد الخصاصة إلى الهلاكة.
وفيه: أنه أعم من ذلك، كرواية السكوني: (من سمع مناديا ينادي
يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم) (1).
كما أن الالقاء إلى التهلكة أعم من إيجابه لاحياء الغير، فيتعارضان
بالعموم من وجه، ويرجع إلى أصل الجواز.
فالأظهر: الثاني، والأظهر منه ما إذا استنقذ بالايثار المتعدد. كما أن
الظاهر عدم جواز الايثار لو لم يكن الغير مؤمنا، لما ورد في الأخبار من
عدم مقابلة ألف من غير المؤمنين مع مؤمن واحد.
وعلى الثاني: فلا شك في وجوب البذل على ذلك الغير إجماعا، لأن
في الامتناع منه إعانة على هلاك المحترم أو ضرره، ولرواية السكوني
المتقدمة..
ورواية فرات بن أحنف: (أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه،
وهو قادر عليه من عنده أو من عند غيره، أقامه الله يوم القيامة مسودا
وجهه، مزرقة عيناه، مغلولة يده إلى عنقه، فيقال: هذا الخائن الذي خان
الله ورسوله، ثم يؤمر به إلى النار) (2)، وغير ذلك من الروايات (3).
وبها يخصص عموم مثل: (الناس مسلطون على أموالهم) (4).
والروايتان وإن اختصتا بالمسلم والمؤمن، ولكن المعروف من

(1) التهذيب 6: 175 / 351، الوسائل 15: 141 أبواب جهاد العدو وما يناسبه
ب 59 ح 1.
(2) الكافي 2: 367 / 1، المحاسن: 100 / 71، الوسائل 16: 387 أبواب فعل
المعروف ب 39 ح 1.
(3) انظر الوسائل 16: 387 أبواب فعل المعروف ب 39.
(4) غوالي اللآلئ 1: 222 / 99، و 2: 138 / 383.
25

كلامهم - كما في الكفاية (1) - ثبوت الحكم في الذمي والمستأمن أيضا.
وهو حسن إن ثبت وجوب استنقاذهما من الهلاكة أيضا كما ثبت
وجوب الاحتراز عن إهلاكهما، وإلا ففي الحكم بالوجوب إشكال، وأشكل
منه ما إذا أدى الامتناع إلى ما دون الهلاكة.
وكما يجب على الغير البذل يجب على المضطر القبول، والوجه
ظاهر، بل له الأخذ قهرا لو امتنع المالك ولو بالسرقة أو المقاتلة (2)، لأنه
مقدمة الواجب الذي هو حفظ النفس، فيعارض دليل وجوبها دليل حرمته،
ويرجع إلى الأصل، ولعموم المروي في تفسير الإمام المتقدم في صدر
المسألة (3).. بل يجب، للنهي عن المنكر، ويجب على غيرهما مساعدة
المضطر ومعاونته فيه.
ثم على جميع التقادير المذكورة إما لا يكون المضطر قادرا على
الثمن عاجلا أو آجلا، أو يتمكن منه..
فعلى الأول، يجب البذل على المالك والأخذ على المضطر مجانا.
وعلى الثاني، فإن بذله المالك مجانا فلا كلام، وإلا فلا يجب عليه
البذل مجانا ولا للمضطر الأخذ كذلك، بل يجب عليه بذل الثمن العاجل أو
الأجل على حسب المقدور.
ولو بذله بثمن مؤجل بأجل يعلم المضطر عدم القدرة في ذلك الأجل
يجب عليه القبول، وإن لم يجب عليه الأداء في الأجل إلا مع القدرة.
وهل الثمن الجائز للمالك أخذه والواجب على المضطر بذله هو ثمن

(1) كفاية الأحكام: 254.
(2) في (س): المقابلة.
(3) راجع ص: 20.
26

المثل، فلو أراد المالك الزائد عليه المقدور للمضطر لم يكن له ذلك ولم
يجب على المضطر البذل؟
أو مطلقا، فللمالك مطالبة الزائد ويجب على المضطر بذله؟
الأقرب - كما في الكفاية (1) وغيره (2)، بل هو المشهور كما في شرح
المفاتيح -: الثاني، لدفع الاضطرار بالتمكن على الابتياع بثمن مقدور.
خلافا للمحكي عن المبسوط، فقال: لو طلب منه المالك ما زاد عن
ثمن مثله كان ظالما ولم يجب على المحتاج بذل الزائد، لأنه مضطر إلى
دفع الزيادة، فهو كمن أجبر على بذل ماله لغيره، فعلى المالك بذله بثمن
المثل، وللمحتاج أخذه منه جبرا إن امتنع بثمن مثله (3).
وفيه: أن اضطراره مع التمكن من بذله ممنوع، فظلم المالك بمطالبته
الزائد مدفوع بتسلط الناس على أموالهم.
ولو أعطى المالك الطعام من غير ذكر العوض والثمن، فالظاهر أنه
بغير عوض، للأصل، والظاهر من العادة في بذل الطعام والماء للمضطر..
وينبغي ملاحظة القرائن والحال من الطرفين والطعام، فإن لم يكن فالمرجع
الأصل.
ولو ادعى المالك ذكر العوض وأنكره المحتاج فعلى المالك الاثبات،
لحصول الإباحة قطعا، وأصالة عدم الذكر.
وإن ادعى أنه قصده ولم يظهره لم يجب على المحتاج العوض،
لتسليطه على الاتلاف، وعدم تحقق ما يوجب لزوم العوض، فإن القدر

(1) كفاية الأحكام: 254.
(2) كما في الشرائع 3: 330، الروضة البهية 7: 355.
(3) المبسوط 6: 286.
27

الثابت لزومه مع الاظهار دون القصد.
ومنه يظهر عدم لزومه لو ثبت قصده بدون إظهاره، فإن إعطاء المالك
مجوز للاتلاف، والأصل عدم توقفه على شئ آخر ولو قصده من غير
إظهار، ومعه فالأصل عدم الاشتغال بشئ آخر.
ولو قدر المحتاج على الثمن والزائد ولم يبذله المالك وأخذ منه قهرا
أو خدعة أو سرقة لم يجب على المحتاج إلا ثمن المثل، والوجه ظاهر.
ويشعر كلام بعضهم بعدم لزوم ثمن المثل حينئذ، لأنه ليس بغاصب
ولا مشتر، بل أكل ما يجوز له أكله، بل يجب من غير تقويم، والأصل عدم
اشتغال الذمة بالثمن.
وفيه نظر، إذ لا نص على إباحة الاتلاف حتى يعمل بأصالة عدم
التقييد كما في الصورة السابقة، بل المبيح الاجماع والضرورة، فيكتفى فيه
بالقدر المتيقن.
ولا يتوهم أنه على ذلك يجب عليه ما يرضى به المالك أو يقدر عليه
دون ثمن المثل، لأنه ينافي أدلة الضرر، كما يأتي في ذيل الفرع اللاحق.
ه‍: لو وجد المضطر مال الغير ولم يكن الغير حاضرا فلا شك في
جواز أخذه.
وهل يشترط إذن الحاكم لو وجد، والعدول لو لم يوجد، أم لا؟
الظاهر أنه إن كان الغائب ممن ثبتت ولايته للحاكم والعدول وجب،
لأن الضرورة تقدر بقدرها، وإلا فلا.
فإن كان مما يأخذه بإذن الحاكم أو العدول يأخذه على حسب إذنهم
من التقويم وقدر القيمة، وإن كان مما يأخذه بنفسه يجب عليه التقويم
بنفسه، لأنه القدر الثابت جوازه من الشريعة، فإن الأصل عدم جواز
28

التصرف في مال الغير بدون إذنه، ولم يثبت الجواز هنا بدون التقويم، إذ لا
نص على إباحة الاتلاف هنا، بل المبيح الاجماع والضرورة، فيكتفى فيه
بالمتيقن.
ومنه تظهر التفرقة بين ذلك وبين ما مر في الفرع السابق.
ثم التقويم الواجب هل هو بثمن المثل، أو بكل ما يعلم رضا المالك
به ولو زاد عن الثمن بالقدر المقدور، أو كلما يقدر عليه؟
مقتضى الأصل: أحد الأخيرين، ولكن أدلة نفي الضرر والاضرار
تثبت الأول، ولا يعارضه حديث: (الناس مسلطون على أموالهم) (1)، إذ
ليس هناك صاحب مال حاضر.
ومنه يظهر الفرق بين ذلك وبين ما إذا كان ذو المال حاضرا وطلب
الزائد عن ثمن المثل.
و: لو وجد المضطر مال الغير والميتة ونحوها من الدم ولحم الخنزير
والمسكر، فإن بذله المالك بغير عوض أو بعوض مقدور عاجلا أو آجلا
تعين أكل مال الغير، لعدم الاضطرار ولو زاد الثمن عن ثمن المثل.. إلا إذا
كان بقدر يضر بحاله فلا يتعين، لأدلة نفي الضرر.
وإن لم يبذله المالك، أو من قام مقامه، أو كان غائبا، فالحق التخيير،
لوجوب أحد الأمرين بالاضطرار، وعدم المعين.
وقد يرجح أكل الميتة بل يعين، لأنه أبيح للمضطر بنص القرآن (2)
دون أكل مال الغير، فهو إن كان مضطرا تباح له الميتة كالمذكى، فلا يكون
مضطرا إلى مال الغير، وإن لم يكن مضطرا فلا يباح له شئ منهما، ومع

(1) غوالي اللآلئ 1: 222 / 99، و ج 2: 138 / 383، البحار 2: 272 / 7.
(2) النحل: 115.
29

ذلك فليس في أكل الميتة إلا حق الله الساقط بإباحته، وفي أكل مال الغير
حق الله وحق الناس ولزوم الثمن المخالف للأصل.
وفيه: أن مع إمكان أكل مال الغير لا نسلم أنه مضطر إلى الميتة، فلا
يشمله نص القرآن، بل هو مضطر إلى أحد المحرمين، فيباح أحدهما
مخيرا، بالاجماع والضرورة، ويسقط حق الناس بلزوم الثمن، ومخالفة
الأصل لازم على كل حال، والأكثرية في طرف لا يؤثر في التعيين
عندنا.
وقد يرجح أكل مال الغير، بتضمن أكل الميتة، لتنفر الطبع الموجب
للخباثة، وللضرر الذي هو علة تحريمها، ولأكل النجس، وحرمتها بنفسها،
بخلاف مال الغير، فإنه لا يتضمن إلا الأخير.
وفيه: أن أكثرية سبب الحرمة في طرف لا يوجب تعيين غيره إذا كان
هو أيضا محرما، مع أنه أيضا قد يوجب الاضرار بالغير المنفي شرعا كما إذا
لم يقدر على الثمن، أو بالمضطر كما إذا قدر عليه، وقد تكون الميتة مما لا
تنفر فيها، والضرر فيها بمرة واحدة احتمالي وفي مال الغير قطعي.
ز: قد خص الكتاب العزيز إباحة المحرم للمضطر بما إذا لم يكن
باغيا ولا عاديا (1).
وقد اختلفوا في تفسيرهما، وقد عرفت تفسير بعضهم الأول بمن
يأخذ من مضطر مثله، والثاني بمن يأكل الزائد عن قدر الشبع، أو الزائد
عن قدر الضرورة.
وفسر الأول في مرسلة البزنطي بالباغي على الإمام، والثاني بقاطع

(1) انظر النحل: 115.
30

الطريق (1).
وفي روايتي عبد العظيم (2) وحماد (3) فسر الأول بالذي يبغي الصيد
بطرا ولهوا، والثاني بالسارق.
والمروي في المجمع الأول بالباغي، والثاني بالعادي بالمعصية طريق
المحقين (4).
وفي تفسير الإمام الأول بالباغي، والثاني بالقول بالباطل في نبوة من
ليس بنبي وإمامة من ليس بإمام (5).
وفي معاني الأخبار الأول بباغي الصيد، والثاني باللص (6).
وفي المروي في تفسير العياشي الأول بالخارج على الإمام، والثاني
باللص. وفيه أيضا الأول بالظالم، والثاني بالغاصب (7).
ولا تنافي بين الروايات، لجواز كون المراد من اللفظين المعاني كلا،
فيحملان عليها جميعا، ولا يضر ضعف الروايات بعد وجودها في الأصول
المعتبرة. وأما غير المعنيين الواردين في النص فلا اعتبار به.
وأما غير المتجانف لإثم فمعناه - كما أشير إليه -: غير مائل إلى إثم في

(1) الكافي 6: 265 / 1، معاني الأخبار: 213 / 1، الوسائل 24: 216 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 56 ح 5.
(2) الفقيه 3: 216 / 1007، التهذيب 9: 83 / 354، الوسائل 24: 214 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 56 ح 1.
(3) التهذيب 9: 78 / 334، الوسائل 24: 215 أبواب الأطعمة المحرمة ب 56 ح 2.
(4) مجمع البيان 1: 257، الوسائل 24: 216 أبواب الأطعمة المحرمة ب 56 ح 6.
(5) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 585، مستدرك الوسائل 16: 201 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 40 ح 5.
(6) معاني الأخبار: 214.
(7) تفسير العياشي 1: 74 / 154 و 151، المستدرك 16: 200، 201 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 40 ح 1، 2.
31

الأكل، بأن يأكل زيادة على الحاجة، أو للتلذذ، أو يتعمد في الأكل من غير
حاجة. ويحتمل أن يكون المعنى: غير عاص بسفره.
ح: ظاهر الآيات المبيحة للمحرمات للمضطر (1) وأكثر رواياتها (2)
وإن اختص بإباحة أكل ما حرم أكله للمضطر، إلا أن مقتضى عموم تفسير
الإمام المتقدم (3) وأدلة نفي العسر والحرج والضرر: إباحة كل محرم
للمضطر في الأكل والشرب من غير اختصاص بإباحة ما يحرم أكله وشربه،
ولذا أبيح مال الغير، مع أن التصرف فيه والأخذ منه وإجباره محرم أيضا.
وعلى هذا، فتباح بالاضطرار إلى الأكل والشرب الأفعال المحرمة لو
توقف عليها، كما لو وجدت امرأة دفع اضطرارها بالتمكين من بضعها، أو
شرب خمر، أو ترك صلاة، بأن لا يبذل المالك قدر الضرورة إلا بأحد هذه
الأفعال، فتباح هذه الأفعال، لمعارضة أدلة حرمتها مع أدلة المضطر،
فيرجع إلى الأصل.
وهل يجب ارتكاب المحرم حينئذ؟
فيه نظر، إذ لا دليل عليه، إلا إذا أدى الاضطرار إلى هلاك النفس،
فإن الظاهر انعقاد الاجماع على تقدم حفظه على سائر الواجبات.
ومنه يظهر جواز أكل الميت الآدمي، وقتل الحي الحربي. وأما الذمي
والمستأمن فلا يجوز، لتعارض أدلة نفي الضرر والحرج من الطرفين،
وعدم صلاحية المروي في التفسير خاصة لإباحة المحرمات.
ومنه يظهر عدم جواز أخذ قطعة من لحم حي مسلم، كلحم فخذه.

(1) انظر الأنعام: 119، المائدة: 3، النحل: 115.
(2) انظر الوسائل 24: 99، 214 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1، 56.
(3) في ص: 20.
32

وبالجملة: المناط - في غير ما تجري فيه أدلة إباحة ما حرم أكله أو
شربه للمضطر - أدلة نفي العسر والحرج والضرر، وجريانها موقوف على
عدم جريانها في الطرف الآخر أيضا، فتأمل.
المسألة السابعة: يستثنى من الأصول الأربعة ومن كل محرم أيضا ما
إذا دعت إلى تناوله التقية، للاجماع، وأدلة وجوب التقية (1). ويجب
الاقتصار فيه على قدر التقية.
وأما ما ورد في مرسلة زرارة: في المسح على الخفين تقية؟ قال: (لا
يتقى في ثلاث) قلت: وما هن؟ قال: (شرب الخمر) أو قال: شرب
المسكر (والمسح على الخفين، ومتعة الحج) (2)، فإنما يدل على عدم
اتقائهم عليهم السلام، فلعله كان لعلمهم بأنه لا يترتب عليه ضرر في حقهم، أو لأنه
كان اجتناب هذه الأمور منهم معروفا مشهورا عند الناس، بحيث لا تؤثر
فيها التقية، أو لا يطلب منهم.
وأما رواية سعيد: (ليس في شرب النبيذ تقية) (3) فلعل المراد منه:
النبيذ الحلال، أو المراد - بل هو الظاهر -: أن التقية إنما تكون فيما يتقى
فيه عن المخالفة في المذهب، فيرتكب ما يوافق مذهبهم إخفاء لمذهبه ولو
لم يكرهوه عليه، وشرب النبيذ حرام عند الكل، فلا معنى للتقية فيه، لأنه
موافق لمذهبهم (4).

(1) انظر الوسائل 16: 214 أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما ب 25.
(2) الكافي 6: 415 / 12، التهذيب 9: 114 / 495، الوسائل 25: 350 أبواب
الأشربة المحرمة ب 22 ح 1.
(3) الكافي 6: 414 / 11، التهذيب 9: 114 / 494، الوسائل 25: 351 أبواب
الأشربة المحرمة ب 22 ح 2.
(4) كما في بداية المجتهد 1: 471.
33

نعم، لو أكره عليه فهو أمر آخر غير التقية، وقد رفع عن أمته ما
استكرهوا عليه. وبذلك يمكن الجواب عن الرواية الأولى وما بمعناهما
أيضا.
المسألة الثامنة: واستثني من الأصول الثلاثة الأولى - بل من كل
محرم أيضا - ما اضطر إليه للتداوي والخلاص من الأمراض، فاستثناه
جماعة مطلقا إذا انحصر الدواء فيه ولم تكن مندوحة منه، اختاره القاضي
والحلي والدروس والكفاية (1)، وإطلاق كلام الثاني أيضا محمول على عدم
المندوحة عنه.
ومنع جماعة عن التداوي بالخمر، بل كل مسكر، ونسبه المحقق
الأردبيلي وفي الكفاية والمفاتيح وشرحه إلى المشهور (2)، وعن الخلاف
دعوى الاجماع عليه (3)، بل ذكر الأول الخلاف والمنع من التداوي بالنسبة
إلى سائر المحرمات أيضا.
وفصل الفاضل في المختلف والشهيد الثاني وصاحب المفاتيح
وشارحه، فجوزوا التناول والمعالجة مع خوف تلف النفس مطلقا، ومنعوا
فيما دونه عن المسكرات أو كل محرم (4).
دليل الأول: صدق الاضطرار والضرورة المجوزين للتناول - كما مر -
مع توقف العلاج عليه، وأدلة نفي العسر والحرج والضرر والضرار، ورواية

(1) القاضي في المهذب 2: 433، الحلي في السرائر 3: 132 لكن ظاهر كلامه
الاختصاص بخوف تلف النفس فراجع، الدروس 3: 25، كفاية الأحكام: 254.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 11: 319، كفاية الأحكام: 254، المفاتيح 2: 228.
(3) الخلاف 2: 545.
(4) المختلف: 687، الشهيد الثاني في المسالك 2: 251، المفاتيح 2: 227.
34

المفضل والرضوي المتقدمة (1)، وفحوى موثقة الساباطي السابقة (2)، ورواية
سماعة المروية في طب الأئمة: عن رجل كان به داء فأمر بشرب البول،
فقال: (لا يشربه) فقلت: إنه مضطر إلى شربه، [قال: (إن كان مضطرا إلى
شربه] ولم يجد دواء لدائه فليشرب بوله، وأما بول غيره فلا) (3).
وحجة الثاني: عمومات حرمة المسكرات أو مع سائر المحرمات
كتابا (4)، وسنة (5)، وخصوص المستفيضة:
كصحيحة الحلبي: عن دواء عجن بالخمر، فقال: (لا والله، ما أحب
أن أنظر إليه، فكيف أتداوى به؟! إنه بمنزلة شحم الخنزير) أو لحم
الخنزير (وإن أناسا ليتداوون به) (6)، وقريبة منها الأخرى (7).
ورواية أبي بصير، وفيها - بعد السؤال عما وصف للسائلة أطباء
العراق لدفع قراقر بطنها من النبيذ بالسويق -: (لا والله، لا آذن لك في قطرة
منه، فلا تذوقي منه قطرة، فإنما تندمين إذا بلغت نفسك هاهنا)، وأومأ
بيده إلى حنجرته، يقولها ثلاثا: (أفهمت؟) قالت: نعم (8).

(1) في ص: 15 و 16.
(2) في ص: 12.
(3) طب الأئمة: 61، الوسائل 25: 346 أبواب الأشربة المحرمة ب 20 ح 8. وما
بين المعقوفين من المصدر.
(4) البقرة: 219، المائدة: 90 و 91.
(5) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1، وأيضا ج 25: 296 أبواب
الأشربة المحرمة ب 9.
(6) الكافي 6: 414 / 4، التهذيب 9: 113 / 490، الوسائل 25: 345 أبواب
الأشربة المحرمة ب 20 ح 4.
(7) طب الأئمة: 62، الوسائل 25: 346 أبواب الأشربة المحرمة ب 20 ح 10.
(8) الكافي 6: 413 / 1، الوسائل 25: 344 أبواب الأشربة المحرمة ب 20 ح 2.
35

ورواية ابن أسباط: إن بي - جعلت فداك - أرواح البواسير وليس
يوافقني إلا شرب النبيذ، فقال له: (مالك ولما حرم الله ورسوله)
الحديث (1).
وصحيحة ابن أذينة: عن الرجل يبعث له الدواء من ريح البواسير
ويشربه بقدر سكرجة من نبيذ صلب ليس يريد به اللذة وإنما يريد به
الدواء، فقال: (لا ولا جرعة) ثم قال: (إن الله لم يجعل في شئ مما حرم
شفاء ولا دواء) (2).
ورواية قائد بن طلحة: عن النبيذ يجعل في الدواء، قال: (ليس لأحد
أن يستشفي بالحرام) (3).
والمروي في رجال الكشي عن ابن أبي يعفور: قال: إذا أصابته هذه
الأوجاع، فإذا اشتدت به شرب الحسو من النبيذ فسكن عنه، فدخل على
أبي عبد الله عليه السلام فأخبره بوجعه وأنه إذا شرب الحسو من النبيذ سكن عنه،
فقال له: (لا تشربه) فلما أن رجع إلى الكوفة هاج به وجعه، فأقبل أهله
فلم يزالوا به حتى شرب، فساعة شرب عنه سكن، فعاد إلى أبي عبد الله عليه السلام

(1) الكافي 6: 413 / 3، التهذيب 9: 113 / 489، الوسائل 25: 344 أبواب
الأشربة المحرمة ب 20 ح 3.
والأرواح: جمع ريح وتجمع على أرياح قليلا وعلى رياح كثيرا - انظر النهاية 2:
272.
(2) الكافي 6: 413 / 2، الوسائل 25: 343 أبواب الأشربة المحرمة ب 20 ح 1.
والسكرجة: إناء صغير يؤكل فيه الشئ القليل من الأدم، وهي فارسية - انظر
مجمع البحرين 2: 310.
(3) الكافي 6: 414 / 8، طب الأئمة: 62، الوسائل 25: 345 أبواب الأشربة
المحرمة ب 20 ح 5.
36

فأخبره بوجعه وشربه، فقال: (يا بن أبي يعفور، لا تشرب فإنه حرام، إنما
هو الشيطان موكل بك ولو قد يئس منك ذهب) فلما رجع إلى الكوفة هاج
به وجعه أشد مما كان فأقبل أهله عليه، فقال لهم: والله ما أذوق منه قطرة
أبدا، فآيسوا منه أهله، وكان يهم (1) على شئ ولا يحلف، فلما سمعوا آيسوا
منه واشتد به الوجع أياما ثم أذهب الله به عنه، فما عاد إليه حتى مات، (2).
ومستند الثالث: أدلة الأول، مضافة إلى النهي عن إلقاء النفس إلى
التهلكة وقتلها.
قال الله سبحانه: (ولا تقتلوا أنفسكم) (3).
وقال: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) (4).
ووجوب حفظها عقلا ونقلا، وكون محافظتها مقدمة على أكثر
الواجبات.
أقول: لا شك أن أخبار المنع - التي هي حجة الثاني - كلها عامة
بالنسبة إلى الاضطرار والعسر والضرر وعدمها، بل بالنسبة إلى المندوحة عنه
وعدمها.
وأدلة الجواز منها أخص مطلقا من ذلك، من جهة اختصاصها
بالضرورة والخمر، كالموثقة ورواية الدعائم ومرسلة العلل (5)، الموافقة
لعمومات الكتاب من قوله سبحانه: (إلا ما اضطررتم إليه) (6) وما نفى

(1) في النسخ: يهتم، وما أثبتناه من المصدر.
(2) رجال الكشي 2: 516 / 459. والحسوة: الجرعة من الشراب - مجمع البحرين 1: 99.
(3) النساء: 29.
(4) الإسراء: 33.
(5) المتقدمة في ص: 21 و 22.
(6) الأنعام: 119.
37

العسر والحرج.. فيجب تخصيص أدلة المنع بها.
ومنها ما يختص بالمضطر وإن عم المسكر وغيره، فيتعارضان
بالعموم من وجه، فلو لم ترجح أدلة الجواز بالأكثرية وموافقة الاعتبار
والأصرحية يرجع إلى الأصل الأولي، وهو مع الجواز، فإذن الحق هو
الأول.
وقد يجمع بين الأخبار بحمل المجوزة على حال الضرورة وتوقف
السلامة، والمانعة على جلب المنفعة وطلب التقوية وبقاء الصحة ورفع
الأمراض الجزئية، وهو راجع إلى ما ذكرنا أيضا.
بقي الكلام فيما صرح بأن الله سبحانه لم يجعل فيما حرم شفاء ولا
دواء، فإنه يدل على انتفاء حصول الاضطرار للتداوي بالمحرمات،
ويستلزم انتفاء موضوع أدلة القولين الآخرين.
قلنا: هذا كلام في الموضوع دون المسألة، فإنها فرضت فيما إذا أدى
الاضطرار إليه.
ولتحقيق الموضوع نقول: إنه وإن ورد في الأخبار ذلك، إلا أنه
يخالف ما يشاهد بالتجربة من المنافع في بعض المحرمات، وتطابقت عليه
كلمات الأطباء الحذاق.
وجمع بعضهم بينهما بأن التحريم مرتفع مع الضرورة، فيصدق أن
الله سبحانه لم يجعل فيما حرم شفاء، لأنه حينئذ حلال (1).
وفساده ظاهر، لتوقف نفي التحريم حال الضرورة على وجود الشفاء
فيه، والنص يدل على انتفاء الشفاء فيه حتى يضطر إليه.

(1) إيضاح الفوائد 4: 154.
38

وقيل: إن الشفاء المنفي عن المحرمات إنما هو شفاء الأمرضة
الروحانية (1).
وهو تأويل بعيد غايته، لورود الخبر مورد الأمراض الجسمانية.
ويمكن الجمع بأن يقال: لا شفاء في المحرم، وما نشاهده إنما هو
مستند إلى أمر آخر اتفق مقارنته مع تناول المحرم.
ولكنه أيضا بعيد، سيما مع أقوال الأطباء المستندة إلى آثار الطبائع
والخواص، وظاهر قوله سبحانه: (وإثمهما أكبر من نفعهما) (2).
والأولى في الجمع أن يقال: إن المراد - والله أعلم - أن الله لم يجعل
في الحرام شفاء ولا دواء، أي لم يجعله ولم يقرره للشفاء حتى انحصر
الأمر فيه وكان الشفاء والدواء منحصرا به حتى يكون مجعولا ومقررا لذلك،
بل لكل مرض يداوى بالمحرم له علاج آخر أيضا، ولكنه لا ينفي
الاضطرار إلى المحرم، لجواز أن لا نعلم ذلك الدواء الآخر ولا نهتدي إليه،
فنضطر إلى الحرام.
ثم إنه - كما ذكرنا - لا بد في جواز التداوي بالمحرم من أمور ثلاثة:
أحدها: العلم بحصول العلاج به.
وثانيها: العلم بانحصار المعلوم من العلاج والدواء فيه. والظاهر كفاية
الظن الغالب فيهما، لحصول العسر والضرر بالترك. والمعتبر علم المريض
أو ظنه، سواء حصل بالتجربة من حاله أو قول الأطباء، دون علم غيره أو
ظنه ولو كان طبيبا.
وثالثها: كون المرض مما يعد ضررا وتحمله كان شاقا وحرجا، عرفا

(1) كما في المفاتيح 2: 227.
(2) البقرة: 219.
39

وعادة.
فرع: لو علم الطبيب بانحصار العلاج في المحرم، وأخبر به
المريض ولم يحصل له ظن بقوله لعدم معرفته بحاله، فلا يجوز للمريض
التناول بنفسه، ويجوز بل قد يجب على الطبيب إكراهه عليه لو تمكن.
المسألة التاسعة: ومما يستثنى أيضا من الأصل الرابع: الأكل مع
عدم العلم بالإذن من بيوت من تضمنته الآية الشريفة في سورة النور: (ولا
على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم
أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت
عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو
صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) (1).
فإنه يجوز الأكل من بيوت المذكورين مع حضورهم وغيبتهم وإن لم
يعلم رضاهم وإذنهم به، ولا أعرف في ذلك الحكم خلافا، وتدل عليه
الأخبار كما يأتي، وفي المروي في محاسن البرقي في هذه الآية: بإذن
وبغير إذن (2).
واشترطوا في جواز الأكل منها: عدم العلم بكراهتهم، فلو علمت لا
يجوز الأكل منها ولو كان العلم حاصلا بالقرائن الحالية، ولا أعرف في
اشتراط ذلك خلافا، وادعى بعض مشايخنا المعاصرين الاجماع عليه
ظاهرا (3)، إلا أنه نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور، وهو يشعر بوجود
المخالف، أو عدم حصول العلم بالاجماع.

(1) النور: 61.
(2) المحاسن: 415 / 171، الوسائل 24: 283 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 7.
(3) كما في الرياض 2: 297.
40

واستدل له بعضهم بالجمع بين الآية وبين سائر الأدلة.
وهو غير جيد، إذ لا دليل على ذلك الجمع، ولا ريب أنه أحوط.
وكيف كان، فلا يمنع ظن الكراهة من الأكل على الأقوى، وفاقا
لتصريح جمع من المتأخرين (1)،
بل هو الأشهر كما صرح به بعض من تأخر، حيث قال: وقيدت في
المشهور بما إذا لم تعلم كراهتهم، لاطلاق الكتاب والسنة المستفيضة، بل
تصريح بعضها بجواز الأكل من غير إذن، الشامل لصورة الظن بعدمه (2).
واحتمل المحقق الأردبيلي اشتراط عدم الظن القوي أيضا، بل جعله
ظاهرا (3).
ولا أرى له دليلا، وإن كان بالاحتياط أوفق.
ولا فرق في الحكم بين كون دخول البيت بإذنهم وعدمه على
الأقوى، وفاقا للأكثر، عملا بالاطلاقات.
خلافا للحلي، فقيد الدخول بالإذن، وحرم الأكل مع الدخول
بدونه (4). ومال إليه صاحب التنقيح (5).
لأن الأكل يستلزم الدخول، الذي هو بغير الإذن غير جائز، والنهي
عن اللازم نهي عن ملزومه.
وللأصل، فيقتصر فيه على المتيقن.
ولأن إذن الدخول قرينة على إذن الأكل، وحيث لا إذن لا قرينة

(1) منهم المحقق السبزواري في الكفاية: 253 وصاحب الرياض 2: 297.
(2) انظر الوسائل 24: 280 أبواب آداب المائدة ب 24.
(3) مجمع الفائدة 11: 305.
(4) كما في السرائر 3: 124.
(5) التنقيح 4: 60.
41

فلا يجوز.
ويرد الأول: بمنع الاستلزام أولا، وإنما هو إذا كان يقول: في
بيوتكم، الآية. ومنع استلزام حرمة اللازم لحرمة الملزوم مطلقا، وإنما هو
فيما يكون التلازم جهة الترتب دون التوقف.
والثاني: بأن الأصل بعد الدليل المزيل غير ملتفت إليه.
والثالث: بأنه مرجعه أيضا إلى أصالة عدم الجواز اللازم رفع اليد عنها
بما ذكر.
وكذا لا فرق في المأكول بين ما يخشى فساده في يومه وبين غيره،
لما ذكر، مضافا إلى بعض المعتبرة:
كرواية زرارة: (هؤلاء الذين سمى الله تعالى في هذه الآية تأكل بغير
إذنهم من التمر والمأدوم، وكذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه،
فأما ما خلا ذلك من الطعام فلا) (1).
والمروي في المحاسن: ما يحل للرجل من بيت أخيه؟ قال:
(المأدوم والتمر) الحديث (2). ولا شك أن التمر مما لا يخشى فساده.
والرضوي: (ولا بأس للرجل أن يأكل من بيت أخيه وأبيه وأمه وصديقه
ما لا يخشى عليه الفساد من يومه، مثل: البقول والفاكهة وأشباه ذلك) (3).

(1) الكافي 6: 277 / 2، التهذيب 9: 95 / 413، المحاسن: 416 / 175، الوسائل
24: 281 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 2.
والإدام: ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا، وأدمت الخبز وأدمته باللغتين: إذا
أصلحت إساغته بالإدام - مجمع البحرين 6: 6.
(2) المحاسن: 416 / 173، الوسائل 24: 282 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 6.
(3) فقه الرضا (ع): 355، المستدرك 16: 242 أبواب آداب المائدة ب 21 ح 1
وفيهما: ما لا يخشى عليه.
42

خلافا للمحكي عن شاذ (1)، ومستنده غير واضح، سوى ما في تفسير
علي: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وآخى بين المسلمين من المهاجرين
والأنصار، قال: فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية
يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ويقول له: خذ ما شئت وكل ما
شئت، فكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت، فأنزل الله
سبحانه: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) يعني: إن
حضر صاحبه أو لم يحضر (2).
ولا يخفى أنه لا دلالة له على التخصيص، ومع ذلك لم يسنده إلى
رواية.
فروع:
أ: مقتضى الاطلاقات كتابا وسنة: جواز تناول كل مأكول من البيوت
المذكورة، ويظهر من بعضهم الميل إلى الاختصاص بما يعتاد أكله وشاع،
دون نفائس الأطعمة التي تدخر غالبا ولا يؤكل شائعا، لانصراف المطلق إلى
ذلك. وهو أحوط لو لم يكن كذلك.
وكيف كان، لا يختص بما مر ذكره في الأحاديث المتقدمة من التمر
والمأدوم والبقول والفواكه، لعدم صلاحيتها للتخصيص..
أما رواية زرارة، فلاحتمال كون قوله: (ما خلا ذلك) إشارة إلى طعام
بيوت المذكورين ومنزل الزوج دون التمر والمأدوم، مع عدم صراحتها في
حرمة المستثنى واحتمال المرجوحية، لعدم مصرح بالتحريم.

(1) انظر المقنع: 125، وحكاه في الروضة 7: 342 عن ابن إدريس.
(2) تفسير القمي 2: 109، الوسائل 24: 283 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 8.
43

وأما رواية المحاسن، فلعدم دلالتها على عدم حلية غيرهما إلا
بمفهوم اللقب، وهو ليس بحجة.
وأما الرضوي، فلاحتمال كون البقول والفاكهة مثالا لما يخشى
فساده، مضافا إلى عدم حجيته، بل وكذلك رواية المحاسن.
ب: النص وإن اختص بالأكل لكنهم عمموه بالنسبة إلى الشرب أيضا
مما يتعارف شربه، سيما مثل الماء، لفحوى ما دل على جواز الأكل.
وفيه تأمل، والاقتصار فيه على ما يعلم رضا صاحب البيت بشاهد
الحال طريق النجاة.
ج: يختص الجواز بالأكل من بيوت المذكورين، فلا يتعدى إلى ما
في غيرها من الأمكنة، للأصل.. وبما إذا كان المأكول بنفسه في البيوت،
فلا يتعدى إلى شرائه من غير البيت بثمن يؤخذ من البيت، للاقتصار فيما
يخالف الأصل على القدر المتيقن، ويمكن استفادتهما من قوله: (ما خلا
ذلك) في رواية زرارة أيضا.
د: المراد ب‍: (بيوتكم): بيت الأكل، لأنه حقيقة.
قيل: يمكن أن تكون النكتة في ذكرها - مع ظهور الإباحة - التنبيه
على مساواة ما بعده له في الإباحة، وأنه ينبغي جعل المذكورين كالنفس (1).
وقد يقال: إن النكتة بيان حلية أكل ما يوجد فيها وإن لم يعرف
مالكه.
وقيل: بيت الأزواج والعيال (2).
وقيل: بيت الأولاد (3)، لأنهم لم يذكروا في الأقارب مع أنهم أولى

(1) كما في الروضة البهية 7: 343.
(2) كما في مجمع البيان 4: 156، التفسير الكبير 24: 36، الكشاف 3: 257.
(3) كما في تفسير الصافي 3: 448، وحكاه في التفسير الكبير 24: 36 عن ابن
قتيبة.
44

منهم، ولأن ولد الرجل بعضه ونسخته وحكمه حكمه، وهو وماله لأبيه - كما
في الحديث (1) - فجائز نسبته إليه، وفي آخر: (أطيب ما يأكل الرجل من
كسبه، وإن ولده من كسبه) (2).
ومنه يظهر وجه آخر لالحاق الأولاد بالأقارب فيما ذكر، وهو
الأولوية، وكذا يظهر وجه لصحة إلحاق الأجداد والجدات، لأقربيتهم من
الأعمام والأخوال، مع إمكان إدخالهم في الآباء والأمهات.
والمراد بما ملكتم مفاتحه: ما يكون وكيلا عليها وفيما يحفظها، كما
صرح به في مرسلة ابن أبي عمير: في قول الله عز وجل: (أو ما ملكتم
مفاتحه) قال: (الرجل يكون له وكيل يقوم في ماله فيأكل بغير إذنه) (3)،
ويدل عليه ما مر من تفسير علي.
وقيل: هو بيت العبد، لأنه وماله لمولاه (4).
وقيل: من له عليه ولاية (5).
ولا بأس بهما، لصدق اللفظ، وعدم منافاة الروايتين، فيكون الجميع
مرادا.
وقيل: ما يجد الانسان في داره ولا يعلم به.
وقيل: بيت الولد (6).
والمرجع في الصديق إلى العرف.

(1) التهذيب 5: 15 / 44، الوسائل 11: 91 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 36 ح 1.
(2) مستدرك الوسائل 13: 9 أبواب مقدمات التجارة ب 1 ح 12 بتفاوت يسير.
(3) راجع ص: 43.
(4) كما في الروضة البهية 7: 344.
(5) كما في المسالك 2: 247، الرياض 2: 298.
(6) انظر المسالك 2: 247.
45

ه‍: لا فرق في الإخوة والأخوات بين كونهم للأبوين أو لأحدهما،
للعموم، وكذلك الأعمام والأخوال.
وهل يختص بالنسبي، أو يتعدى إلى الرضاعي أيضا؟
الظاهر: الأول، للتبادر، ومنع الصدق الحقيقي اللغوي، ومنع حصول
الحقيقة الشرعية.
و: الحلية تختص بالأكل بنفسه، فلا يجوز حمل شئ منها، ولا
الإذن للغير في الأكل، للأصل.
ز: اختلفت الروايتان في جواز تصدق المرأة عن بيت زوجها بغير
إذنه..
ففي رواية جميل: (للمرأة أن تأكل وأن تتصدق، وللصديق أن يأكل
من منزل أخيه ويتصدق) (1).
وفي رواية علي: عن المرأة لها أن تعطي من بيت زوجها بغير إذنه؟
قال: (لا، إلا أن يحللها) (2).
ويمكن الجمع بوجوه. والأولى في الجمع ما دلت عليه موثقة ابن
بكير: عما يحل للمرأة أن تتصدق به من مال زوجها بغير إذنه، قال:
(المأدوم) (3)، فيخصص بالتصدق ومنه بالمأدوم، وعليه الفتوى. والظاهر
الاختصاص بما إذا لم يقارب صريح النهي، أو العلم بالكراهة.

(1) الكافي 6: 277 / 3، التهذيب 9: 96 / 417، المحاسن: 416 / 174، الوسائل
24: 281 أبواب آداب المائدة ب 24 ح 3.
(2) التهذيب 6: 346 / 974، مسائل علي بن جعفر: 158 / 231، الوسائل 17:
270 أبواب ما يكتسب به ب 82 ح 1.
(3) الكافي 5: 137 / 2، التهذيب 6: 346 / 973، الوسائل 17: 270 أبواب ما
يكتسب به ب 82 ح 2.
46

المسألة العاشرة: ومما يستثنى أيضا من الأصل الرابع: ما يمر به
الانسان من ثمر النخل والشجر أو المباطخ أو الزرع، فيجوز الأكل منه،
استثناه جماعة من المتقدمين (1) والمتأخرين (2)، وادعي الشهرة عليه مستفيضة.
وقيل: لم نقف على مخالف من قدماء الأصحاب إلا ما يحكى عن
السيد (3). وقيل: كاد أن يكون من القدماء إجماعا (4). بل عن الخلاف
والسرائر الاجماع عليه (5).
ومستنده: المستفيضة من الأخبار، كمرسلة ابن أبي عمير: عن
الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمرة فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن
صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: (لا بأس) (6).
ومرسلة الفقيه: (من مر ببساتين فلا بأس أن يأكل من ثمارها، ولا
يحمل منها شيئا) (7).
ورواية ابن سنان: (لا بأس بالرجل يمر على الثمرة ويأكل منها ولا
يفسد، قد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن تبنى الحيطان بالمدينة لمكان المارة)
قال: (وكان إذا بلغ نخلة أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارة) (8).

(1) منهم الصدوق في المقنع: 124، الشيخ في النهاية: 370 والمبسوط 6: 288،
ابن إدريس في السرائر 3: 126.
(2) كما في الشرائع 2: 55، التذكرة 1: 510، كفاية الأحكام: 253.
(3) انظر الرياض 1: 558.
(4) كما في الرياض 1: 558.
(5) الخلاف 2: 546، السرائر 3: 126.
(6) التهذيب 7: 93 / 393، الإستبصار 3: 90 / 306، الوسائل 18: 226 أبواب
بيع الثمار ب 8 ح 3.
(7) الفقيه 3: 110 / 464، الوسائل 18: 228 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 8.
(8) الكافي 3: 569 / 1، الوسائل 9: 203 أبواب زكاة الغلات ب 17 ح 1، و ج
18: 229 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 12.
47

ومثلها رواية أبي الربيع، إلا أن زاد فيها: (ولا يحمل) بعد قوله: (لا
يفسد) (1).
ورواية محمد بن مروان: أمر بالتمرة فآكل منها، قال: (كل ولا
تحمل) قلت: فإنهم قد اشتروها، قال: (كل ولا تحمل) قلت: جعلت
فداك، إن التجار اشتروها ونقدوا أموالهم، قال: (اشتروا ما ليس لهم) (2).
ومرسلة يونس: عن الرجل يمر بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط
عليه، هل يجوز له أن يأكل من ثمره، ليس يحمله على الأكل من ثمره إلا
الشهوة وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره؟ وهل له أن يأكل منه من جوع؟
قال: (لا بأس أن يأكل ولا يحمله ولا يفسده) (3).
وذهب السيد والفاضل في الإرشاد (4) وبعض آخر إلى المنع (5).
ومستندهم: قبح التصرف في ملك الغير بغير إذنه شرعا وعقلا،
المعتضد بنص الكتاب على النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بغير
تراض (6).
وصحيحة ابن يقطين: عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل
والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحل له أن يتناول منه شيئا
ويأكل من غير إذن من صاحبه؟ وكيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة أو أمره

(1) الكافي 3: 569 / 1، الوسائل 9: 204 أبواب زكاة الغلات ب 17 ح 2.
(2) التهذيب 6: 383 / 1134، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 4.
(3) التهذيب 6: 383 / 1135، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 5.
(4) نقله عن المسائل الصيداوية للسيد المرتضى في المسالك 1: 207، الإرشاد 2: 113.
(5) منهم يحيى بن سعيد الحلي في نزهة الناظر: 71، العلامة في المختلف 2: 343
والقواعد 1: 122، ولده في الإيضاح 4: 162.
(6) النساء: 29.
48

القيم فليس له؟ وكم الحد الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: (لا يحل له أن
يأخذ منه شيئا) (1).
ومرسلة مروان: الرجل يمر على قراح الزرع يأخذ منه السنبلة، قال:
(لا) قلت: أي شئ السنبلة؟! قال: (لو كان كل من يمر به يأخذ منه سنبلة
كان لا يبقى شئ) (2).
وصحيحة محمد الحلبي: عن البستان يكون عليه المملوك أو أجير
ليس له من البستان شئ، أيتناول الرجل من بستانه؟ فقال: (إن كان بهذه
المنزلة لا يملك من البستان شيئا فما أحب أن يأخذ منه شيئا) (3).
وأجاب هؤلاء عن الأخبار الأول تارة بضعف السند.
وأخرى بعدم صراحة الدلالة، لامكان حملها على حال الضرورة، أو
على من يجوز الأكل من بيوتهم، أو على الأكل اليسير جدا للذوق
والامتحان، أو على ما علم الإذن فيه بالفحوى مطلقا، أو على البلاد التي
يعرف من أرباب بساتينها وزروعها عدم المضايقة في مثله لوفورها عندهم.
وثالثة بمعارضتها مع الأخبار الأخيرة، ورجحان الأخيرة بموافقة
الكتاب ومطابقة الأصول العقلية والنقلية.
أقول: يرد الجواب الأول بعدم ضير ضعف السند عندنا أولا.
وانجبار تلك الأخبار بالشهرة العظيمة القديمة والجديدة المحكية
والمحققة والاجماعات المنقولة ثانيا.

(1) التهذيب 7: 92 / 392، الإستبصار 3: 90 / 307، الوسائل 18: 228 أبواب
بيع الثمار ب 8 ح 7.
(2) التهذيب 6: 385 / 1140، الوسائل 18: 227 أبواب بيع الثمار ب 8 ح 6.
وفي المصادر: مروك، بدل: مروان.
(3) التهذيب 6: 380 / 1117، الوسائل 17: 271 أبواب ما يكتسب به ب 82 ح 4.
49

وكون مراسيل ابن أبي عمير في حكم المسانيد (1)، وصحة المرسلة
عمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه (2)، وكذا رواية أبي
الربيع، ثالثا.
والثاني بأنها تأويلات بعيدة بلا مأول، وتخصيصات بلا مخصص
يمنع عنها العرف واللغة، مع أن أكثرها خلاف صريح النص، للتصريح فيه
بغير حال الضرورة وبغير الإذن، وبكون الأكل للجوع والشهوة.
وأما الثالث فحسن، إلا أن الأخيرتين من الروايات الأخيرة غير دالتين
على الحرمة، بل الأخيرة منهما ظاهرة في الكراهة، ومع ذلك هما أخصان
عن المدعى، لاختصاص أولاهما بالسنبل وثانيهما بالبستان.
فلم تبق إلا الأولى، وهي لمخالفتها للشهرة العظيمة من القدماء
خارجة عن حيز الحجية جدا، فلا تصلح لمعارضة ما مر قطعا، مع أن
دلالتها على المطلوب غير واضحة، لاحتمال أن يكون قوله: (لا يحل أن
يأخذ منه شيئا) جوابا عن السؤال الأخير، أي قوله: وكم الحد الذي يسعه
أن يتناوله، فأجاب بأنه لا يحل له الأخذ - أي الحمل - فيجوز غيره الذي
هو الأكل، ويشعر بذلك عدوله عن لفظ الأكل الواقع في السؤال إلى الأخذ.
ويؤكده اختصاص أخبار المنع طرا بالأخذ، وأخبار الجواز كلا بالأكل،
وهذا مراد الشيخ (3) وأتباعه (4) من حمل أخبار المنع على الأخذ. ولو قطع
النظر عن ذلك فلا شك في أن للأخذ أفرادا كثيرة يشملها من الأخذ للأكل

(1) انظر عدة الأصول: 387.
(2) كما في رجال الكشي 2: 830.
(3) كما في التهذيب 7: 92. (4) انظر المختلف: 343.
50

وللحمل ولاعطاء الغير وللبيع، فتكون تلك الأخبار أعم مطلقا من أخبار
الجواز، لاختصاصها بالأكل، فيجب تخصيصها بها قطعا. وأيضا نفي البأس
- الذي هو العذاب - في أخبار الجواز قرينة لحمل عدم الحلية في رواية
المنع على المرجوحية، فيتعين حملها عليها، سيما مع شهادة قوله: (فما
أحب) الظاهر عرفا فيها في الأخيرة.
وبجميع ما ذكر يجاب عن الأخيرتين أيضا على فرض الدلالة.
ويظهر منه الجواب عن الأصول والآية، مع أن القبح العقلي ممنوع،
لأن ما في الأرض كله لله سبحانه، فله الرخصة لمن شاء وأراد من العباد،
فيما شاء وأراد، وملكية الغير أمر شرعي، فيثبت منها ما ثبت شرعا، ولا
مدخلية للعقل فيها، بل يدل قوله في رواية محمد بن مروان: (اشتروا ما
ليس لهم) أن قدر حق المارة ليس ملكا للصاحب.
ودلالة الآية أيضا ممنوع، إذ بعد دلالة الأخبار لا يكون ذلك باطلا،
فالقول الأول هو الحق، وعليه المعول.
فروع:
أ: المذكور في أخبار الجواز هو النخل والسنبل والثمرة، فلا يجوز
التعدي إلى غير الثلاثة، نحو الخضراوات والزروع التي ليس لها سنبل،
اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص واليقين.
ومنه يظهر عدم جواز التعدي إلى ما يشك في صدق الثمرة عليه من
القثاء والبطيخ ونحوهما، لأن الظاهر أو المحتمل اختصاص الثمرة بما
يحصل من الشجر، سواء كان من الفواكه، كالرمان والتين والتفاح
والسفرجل ونحوها، أو كالجوز واللوز وأمثالهما، بل في الصدق على
51

القسم الثاني أيضا تأمل، فالاجتناب عنه أحوط، سيما مثل السماق، ولذا
خص بعضهم بثمرة النخل والفواكه (1)، وبعض آخر بالنخل (2). ولم يذكر
الأكثر المباطخ، إلا أن ظاهر صحيحة ابن يقطين (3) صدق الثمرة على مثل
البطيخ أيضا، فالتجويز فيه أيضا قوي.
ب: الرخصة في الأكل في أخبار الجواز غير محدودة بحد معين، بل
هي مطلقة.
وإبقاؤها على الاطلاق - حتى يشمل كل قدر أكل ولو كان أكلا
فاحشا، من كل ثمرة ولو كانت قليلة، كشجرة واحدة فيها ثمرة قليلة، من
كل مالك حتى فقير لم يملك إلا تلك الشجرة، من كل مار حتى من عسكر
كثير مرت ببستان صغير من رجل فقير - خلاف الاجماع، بل الضرورة
القطعية، سيما على ما في رواية محمد بن مروان من قوله: (اشتروا ما ليس
لهم) (4)، فإنه على ذلك لا يكون ما لهم معينا، بل لا يكون مال، لاحتمال
مرور جماعة تأكل الجميع.
وتخصيصها بحد خاص معين بلا دليل مجازفة غير جائزة.
والتحديد - بعدم التضرر بالمالك لمعارضة أخبارها مع أدلة نفي
الضرر - غير جيد، لتحقق الضرر في جميع الحالات، فتكون تلك الأخبار
أخص مطلقا من أدلة نفي الضرر.
وبعدم الأكل كثيرا - بحيث يؤثر فيها أثرا بينا، وهو أمر يختلف بكثرة

(1) كصاحب الرياض 1: 558.
(2) كالشيخ في المسائل الحائريات (الرسائل العشر): 330.
(3) المتقدمة في ص: 49.
(4) المتقدمة في ص: 49.
52

الثمرة والمارة وقلتهما، لقوله: (لا يفسد) في روايتي ابن سنان وأبي الربيع
وفي مرسلة يونس (1) - كان حسنا لو صدق الافساد على ذلك لغة أو عرفا،
وهو بعد غير معلوم.
فيشكل الأمر في العمل بمدلول تلك الأخبار، إلا أن يقال: إن تلك
الأخبار وإن كانت مطلقة إلا أنها غير باقية على إطلاقها قطعا إجماعا، والحد
الذي يقطع بانتهاء التقييد والتخصيص إليه غير معين البتة إذا تجاوز عما
يؤثر أثرا بينا، فيعلم تخصيصه ولا يعلم القدر المخصص حينئذ، فيكون
من باب التخصيص بالمجمل، فلا يكون حجة في موضع الاجمال، وهو ما
إذا تجاوز عن القدر الذي لا يستبين أثره ولا يعد في العرف ضررا بينا، فلا
يجوز التجاوز عن ذلك الحد، فعليه الفتوى.
ج: يعتبر للجواز هنا أمور:
أحدها: ما سبق من عدم الاكثار فيه، بحيث يظهر أثره أثرا بينا فيه
كما مر، ولو مر رجل وأكل ثم مر الثاني ثم الثالث فيعتبر ظهور الأثر في
اللاحق، ويجوز الأكل للسابق ما لم يظهر وإن علم مرور غيره أيضا.
نعم، على اللاحق ترك الأكل إذا علم أكل السابق وأن الأكلين معا
يوجبان الافساد بذلك المعنى، ولو لم يعلم أكل [السابق] (2) لا حرمة عليه،
لأصالة عدم أكل الغير.
وثانيها: كون المرور بالثمرة أو البستان اتفاقيا، بمعنى: أن لا يقصدها
للأكل ابتداء، فلو قصدها كذلك لم يجز الأكل منها، ولعله إجماعي، ويدل
عليه اختصاص أخبار التجويز طرا بالمرور، الذي هو العبور عن شئ

(1) المتقدمة في ص: 47 و 48.
(2) في النسخ: اللاحق، والصحيح ما أثبتناه.
53

لا يقصده أصالة وإن قصده تبعا، أي لم يقصده لشغل به وإن قصده لأن يمر
عنه، فالشرط عدم قصدها لأن يأكل منها، إذ معه لا يعلم صدق المرور،
ولا يضر قصدها لأن يمر منها.
وعلى ما ذكرنا من معنى المرور، يعلم عدم منافاة قوله في روايتي
ابن سنان وأبي الربيع (1) لذلك الاشتراط، ولا حاجة إلى تضعيفها وتفسيرهما
بأن المعنى: أنه لا بأس بالأكل بعد المرور اتفاقا.
ثم المراد بالمرور بها: عبوره عما يقرب منها عرفا وعادة بحيث يعد
مرورا عرفا، لا أن يعبر ملاصقا بها قريبا عنها قربا حقيقيا لا يحتاج إلى
التخطي إليها ولو بخطوات قلائل.
وثالثها: أن لا يحمل معه شيئا، بل يأكل في موضعه، والظاهر اتفاقية
ذلك أيضا، وتدل عليه جميع أخبار المنع بالتقريب الذي قدمناه، وقوله:
(ولا يحمل منها) و (لا يحمله) في مرسلتي الفقيه ويونس (2)، فلا يجوز
الحمل ولو لأجل الأكل بعد المضي.
ورابعها: أن لا يكون النخل أو السنبل أو الثمرة محاطا عليها بسور
مبوبة بباب، فلو كان كذلك لم يجز صعود السور أو خرقه، ولا فتح الباب
أو كسره، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، ولا إذن من الشارع.
ولا يدل نهي الرسول عن الحيطان - أو خرق حيطان نخله كما في
رواية ابن سنان - على جواز التصرف لو كان محاطا غير مخروق، مع أن
النهي ليس للتحريم، لكون نخله محاطا عليه ويخرقه إذا بلغ، وخرقه
حيطان نخله صلى الله عليه وآله لا يدل على وجوب ذلك على غيره أيضا.

(1) المتقدمتين في ص: 47 و 48.
(2) المتقدمتين في ص: 47 و 48.
54

ومما ذكرنا يظهر عدم جواز دخول ملك الغير أيضا لو كان الثمر في
ملكه.
ولا يتوهم أن الإذن في الأكل يستلزم الإذن في الدخول من الشارع
أيضا حيث توقف عليه، لأن هذا إنما يتم لو كان الإذن في المرور أيضا،
وليس كذلك، بل عرفت أنه تشترط اتفاقية المرور، ولا يجوز المرور في
ملك الغير بغير إذنه إجماعا.
ويمكن أن يقال: إن صدق المرور على الثمرة والسنبل إذا كان في
ملكه لا يتوقف على دخول الملك، لكفاية القرب العرفي في صدق
المرور، فلو مر من قرب أرضه يصدق المرور على الثمرة، فإذا جاز أكلها
جاز دخول الأرض أيضا، لتوقفه عليه.
ولكن فيه: أن شرط المباح لا يلزم أن يكون مباحا أيضا.
ومما ذكرنا ظهر أنه لو خرج غصن من الشجرة عن السور أو سنبل
من الزرع عن الملك يجوز أكل ثمره.
وقد يعتبر أمران آخران أيضا:
أحدهما: عدم علم كراهة المالك، بل قيل: عدم ظنها أيضا (1).
وثانيهما: كون الثمرة على الشجرة لا مقطوعة مجزوزة.
والأخبار بالنسبة إليهما مطلقة، بل في نهي النبي عن الحيطان، وفي
قوله: (اشتروا ما ليس لهم) (2) دلالة على عدم اشتراط الأول، فالحق عدم
اعتبارهما.
ثم إنه لو تخلف عن أحد الأمور الأربعة المعتبرة، فإن كان الأول

(1) كما في الرياض 1: 559.
(2) المتقدم في ص: 48.
55

يحرم الاكثار دون القدر المجوز أكله، فلا ارتكاب لمحرم أولا ولو قصد
الاكثار.
وإن كان الثاني حرم الأكل مطلقا، لأن المعلوم تجويزه إنما هو في
صورة المرور الاتفاقي دون ما إذا قصد به الأكل، فيبقى تحت أصل المنع.
ولو كان الثالث فيحرم الأكل أيضا إذا أكله بعد الحمل والنقل، إذ لم
يثبت إلا جواز الأكل عند الثمرة، ولو أكل شيئا وحمل شيئا لم يحرم ما أكل
ولو قصد الحمل بعده أيضا.
ولو كان الرابع لم يحرم الأكل إذا ارتكب المحرم ومر بملك الغير لا
بقصد الأكل، أو دخله بقصده بعد تحقق المرور قبل الدخول.
56

الباب الثاني
فيما يحل من الحيوانات ولا يحل
وهو إما بحري أو بري، وكل منهما إما غير طير أو طير، فهاهنا
فصول:
58

الفصل الأول
في الحيوان البحري غير الطير
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قالوا: لا يحل منه إلا ما كان على صورة السمك،
ونسبه المحقق الأردبيلي إلى المشهور (1)، وفي الكفاية إلى المعروف من
مذهب الأصحاب (2)، وفي المسالك نفى الخلاف عنه (3)، وعن الخلاف
والغنية والسرائر والمعتبر والذكرى (4) وشرح الشرائع للمحقق الثاني الاجماع
عليه.
فإن ثبت الاجماع وتحقق فهو المتبع، وإلا فلا دليل عليه غيره، كما
صرح به جماعة من المتأخرين (5)، سوى ما ذكره بعض متأخريهم من
عمومات ما دل على حرمة الميتة (6).
وفيه: أنه مبني على شمول الميتة لكل ما خرج روحه كيفما كان،
وهو في محل المنع، لجواز اختصاصها لغة بما مات بنفسه، أو بدون
التذكية الشرعية الشاملة أدلتها لحيوان البحر أيضا.
وقد صرح بذلك بعض شراح المفاتيح في بحث نجاسة الميتة، قال:

(1) مجمع الفائدة والبرهان 11: 187.
(2) كفاية الأحكام: 248.
(3) المسالك 2: 237.
(4) الخلاف 2: 524، الغنية: 618، السرائر 3: 99، المعتبر 2: 84، الذكرى: 144.
(5) منهم السبزواري في الكفاية: 248، الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 184.
(6) كصاحب الرياض 2: 279.
59

مع أن المعلوم من أدلة نجاسة الميتة ما يطلق عليه الميتة ويموت حتف أنفه
دون ما ذكي، لعدم إطلاق اسم الميتة عليه بحسب العرف، بل المستفاد من
بعض الأخبار أنها في مقابلة الذكاة، كقوله: (إن الله أحل الخز وجعل ذكاته
موته، كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها موتها) (1)، وفي رواية: (الكيمخت:
جلود دواب، منه ما يكون ذكيا ومنه ما يكون ميتة) (2)، وفي تفسير الإمام:
(قال الله تعالى: إنما حرم عليكم الميتة التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من
حيث أذن الله) (3). انتهى. وهو جيد.
ولا يلزم من شمول الموت لمطلق خروج الروح شمول الميتة أيضا،
لجواز اقتضاء الهيئة الاشتقاقية لخصوصية أخرى، كما بيناه في العوائد،
ويشعر به جعلها في الأخبار قسيمة للمذكى مقابلة لها، وفي الكتاب (4) لما
أهل لغير الله وللمنخنقة وما بعدها.
ولو سلمنا الشمول فيخصص لا محالة بما لم يذكر اسم الله عليه،
ويعارض بما يأتي من مقتضيات الحلية، الموجب للرجوع إلى الأصل
الأولي.
ويمكن أن يستدل له بموثقة الساباطي: عن الربيثا، فقال: (لا تأكلها،

(1) الكافي 3: 399 / 11، التهذيب 2: 211 / 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس
المصلي ب 8 ح 4. والخز: دابة من دواب الماء تمشي على أربع، تشبه الثعلب
وترعى من البر وتنزل البحر، لها وبر يعمل منه الثياب، تعيش بالماء ولا تعيش
خارجه - مجمع البحرين 4: 18.
(2) التهذيب 2: 368 / 1530، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 4، و ج
4: 356 أبواب لباس المصلي ب 55 ح 2.
(3) تفسير الإمام العسكري عليه السلام: 585 / 349، مستدرك الوسائل 16: 141 أبواب
الذبائح ب 17 ح 1.
(4) المائدة: 3.
60

فإنا لا نعرفها في السمك يا عمار) (1).
دلت بالعلة المنصوصة على حرمة ما لا يعرف في السمك.. ولكن
يضعفها عدم صراحة قوله: (لا تأكلها) في الحرمة أولا، وتعارضها مع ما
يصرح بحلية الربيثا ثانيا (2)، ولذا يظهر من جماعة من المتأخرين - منهم:
الأردبيلي وصاحب الكفاية والمفاتيح (3) وشرحه - التأمل فيه، بل من
بعضهم الميل إلى نفي الحرمة، والظاهر أنه مذهب الصدوق في الفقيه (4).
ويدل عليه الأصل، وعمومات حل صيد البحر (5)، وإطلاقات
الاسم..
وصحيحة زرارة: (ويكره كل شئ من البحر ليس له قشر، مثل:
الورق، وليس بحرام، إنما هو مكروه) (6).
ومرسلة الفقيه: (كل ما كان في البحر مما يؤكل في البر مثله فجائز
أكله، وكل ما كان في البحر مما لا يجوز أكله في البر لم يجز أكله) (7).
ورواية ابن أبي يعفور: عن أكل لحم الخز، قال: (كلب الماء إن كان
له ناب فلا تقربه، وإلا فأقربه) (8).

(1) التهذيب 9: 80 / 345، الإستبصار 4: 91 / 348، الوسائل 24: 140 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 12 ح 4.
(2) انظر الوسائل 24: 139 أبواب الأطعمة المحرمة ب 12.
(3) انظر مجمع الفائدة والبرهان 11: 190، المفاتيح 2: 184، كفاية الأحكام:
248.
(4) الفقيه 3: 215 / 998 و 999.
(5) المائدة: 96، النحل: 14.
(6) التهذيب 9: 5 / 15، الإستبصار 4: 59 / 207، الوسائل 24: 135 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 9 ح 19.
(7) الفقيه 3: 214 / 994، الوسائل 24: 159 أبواب الأطعمة المحرمة ب 22 ح 2.
(8) التهذيب 9: 49 / 205، الوسائل 24: 191 أبواب الأطعمة المحرمة ب 39 ح 3.
61

ودفع الأصل بالاجماعات المنقولة ضعيف، لعدم حجيتها.
ورد العمومات بمنع العموم، لوجوب حملها على السمك المتبادر،
أو لأنه لولاه لزم خروج الأكثر من أفراد العام الموجب لعدم حجيته، لأن
أكثر حيوانات البحر محرمة إما لاشتمالها على ضرر أو خباثة أو نحوهما من
موجبات الحرمة.
أضعف، لمنع التبادر، ومنع لزوم خروج الأكثر، إذ من الذي أحاط
بحيوانات البحر جميعا حتى يحكم باشتمال أكثرها على موجب الحرمة؟!
ومنه تظهر قوة أدلة الحلية، إلا أن أخبارها - للمخالفة القطعية للشهرة
العظيمة لا أقل منها لو لم يكن إجماعا - لاثبات الحكم غير صالحة، فلم
يبق إلا الأصل، وهو وإن كان كافيا إلا أن اتباعه في المقام خلاف الاحتياط.
هذا هو الأصل، وإلا فمن الحيوان البحري ما يحرم البتة كما يأتي.
المسألة الثانية: يحل من السمك كل ما له فلس، ويعبر عن الفلس
بالقشر والورق أيضا، ويحرم منه بجميع أنواعه ما لا فلس به.
أما الأول، فبلا خلاف فيه بين الأمة، كما صرح به جمع من
الأجلة (1)، ويدل عليه الاجماع، والأصل، والعمومات، وخصوص
المستفيضة الآتية إلى بعضها الإشارة.
ولا فرق فيه بين ما بقي عليه فلسه، كالشبوط - بفتح الشين المثلثة
وضم الموحدة التحتانية - وهو سمك دقيق الذنب عريض الوسط لين المس
صغير الرأس.
أو سقط عنه ولم يبق عليه، كالكنعت، مثل: جعفر، ويقال له:

(1) منهم الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 184، السبزواري في الكفاية: 248،
صاحب الرياض 2: 279.
62

الكنعد، بالدال المهملة، وهو ضرب منه له فلس ضعيف يحك نفسه على
شئ لحرارته فيذهب عنه فلسه ثم يعود، وصرح به في صحيحة حماد:
جعلت فداك الحيتان ما يؤكل منها؟ فقال: (ما كان له قشر) قلت: جعلت
فداك ما تقول في الكنعت؟ فقال: (لا بأس بأكله) قال: قلت له: فإنه ليس
له قشر، فقال لي: (بلى، ولكنها سمكة سيئة الخلق تحتك بكل شئ، وإذا
نظرت في أصل أذنها وجدت لها قشرا) (1).
وأما الثاني، فعلى الأقوى الأشهر بين المتقدمين والمتأخرين من
الطائفة (1)، وعن الانتصار والخلاف والسرائر الاجماع عليه (3)، للأخبار
المستفيضة:
كرواية أبي سعيد الخدري الطويلة، وفيها: (ألا فاتقوا الله عز وجل
ولا تأكلوا من السمك إلا ما كان له قشر، ومع القشر فلوس) الحديث (4).
ومرسلة حريز: إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يكره الجريث
وقال: (لا تأكلوا من السمك إلا شيئا له فلوس) وكره المارماهي (5).

(1) الكافي 6: 219، الفقيه 3: 215 / 1001، التهذيب 9: 3 / 4، الوسائل 24:
137 أبواب الأطعمة المحرمة ب 10 ح 1.
(2) انظر الوسيلة: 355، المراسم: 207، الشرائع 3: 217، القواعد 1: 155.
(3) الإنتصار: 187، الخلاف 2: 524، السرائر 3: 99.
(4) الكافي 6: 243 / 1، علل الشرائع: 460 / 1، الوسائل 24: 107 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 2 ح 9.
(5) الكافي 6: 219 / 3، التهذيب 9: 2 / 2، الوسائل 24: 128 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 8 ح 3.
والجريث: ضرب من السمك يشبه الحيات. وعن ابن الأثير: يقال له
بالفارسية: مارماهي، وعن ابن عباس: نوع من السمك يشبه المارماهي - مجمع
البحرين 2: 243 - 244.
63

وصحيحة ابن سنان: (كان أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة يركب بغلة
رسول الله صلى الله عليه وآله ثم يمر بسوق الحيتان فيقول: ألا لا تأكلوا ولا تبيعوا ما لم
يكن له قشر من السمك) (1)، ومثلها رواية مسعدة (2).
والمروي في العيون فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون: (يحرم الجري
والسمك الطافي والمارماهي والزمير وكل سمك لا يكون له فلس) (3).
المؤيدة بأخبار أخر، كصحيحة محمد، وفيها: (كل ما له قشر من
السمك، وما ليس له قشر فلا تأكله). (4)
ومرسلة الفقيه: (كل من السمك ما له فلوس، ولا تأكل منه ما ليس
له فلس) (5).
وحسنة حنان: عن الجري، فقال: (وجدنا في كتاب علي عليه السلام أشياء
محرمة من السمك فلا تقربها)، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: (ما لم يكن له
قشر من السمك فلا تقربنه) (6)، إلى غير ذلك (7).
وإنما جعلناها مؤيدة لاحتمال الجملة الخبرية التي لا تفيد عندنا

(1) الكافي 6: 220 / 6، التهذيب 9: 3 / 3، الوسائل 24: 128 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 8 ح 4.
(2) الكافي 6: 220 / 9، التهذيب 9: 3 / 5، المحاسن: 477 / 492، الوسائل
24: 129 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 6.
(3) عيون أخبار الرضا (ع) 2: 125، الوسائل 24: 132 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 9 ح 9.
(4) الكافي 6: 219 / 1، التهذيب 9: 2 / 1، الوسائل 24: 127 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 8 ح 1.
(5) الفقيه 3: 206 / 943، الوسائل 24: 129 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8 ح 7.
(6) الكافي 6: 220 / 7، الوسائل 24: 131، أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 4.
(7) انظر الوسائل 24: 127 أبواب الأطعمة المحرمة ب 8.
64

الحرمة.
خلافا للشيخ في كتابي الأخبار فيما عدا الجري (1)، ونسبه في الكفاية
إلى جماعة (2)، وظاهر المحقق والشهيد الثاني في المسالك التردد
كالأردبيلي (3)، لأخبار ظاهرة في الحلية، كصحيحة زرارة المتقدمة في
المسألة الأولى (4)..
وصحيحة ابن مسكان: (لا يكره شئ من الحيتان إلا الجري) (5).
ورواية حكم، وهي مثل الأولى إلا أن فيها الجريث مقام الجري (6).
وصحيحة محمد: عن الجري والمارماهي والزمير وما ليس له قشر
من السمك حرام هو؟ فقال لي: (يا محمد، اقرأ هذه الآية التي في الأنعام:
(قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما) (7)) قال: فقرأتها حتى فرغت
منها، فقال: (إنما الحرام ما حرم الله ورسوله في كتابه، ولكنهم قد كانوا
يعافون أشياء فنحن نعافها) (8).
والجواب عن الكل بأعميتها مما مر مطلقا، أما الأولى فلشمولها

(1) التهذيب 9: 5، الإستبصار 4: 59.
(2) الكفاية: 248.
(3) المحقق في الشرائع 3: 217، المسالك 2: 237، مجمع الفائدة والبرهان 11:
189.
(4) في ص: 61.
(5) التهذيب 9: 5 / 13، الإستبصار 4: 59 / 205، الوسائل 24: 134 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 9 ح 17.
(6) التهذيب 9: 5 / 14، الإستبصار 4: 59 / 206، الوسائل 24: 135 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 9 ح 18.
(7) الأنعام: 145.
(8) التهذيب 9: 6 / 16، الإستبصار 4: 60 / 208، الوسائل 24: 136 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 9 ح 20.
65

للحيتان وغيرها.
وأما الثانيتان، فلشمولهما لما له قشر وما ليس له قشر.
وأما الرابعة، فظاهرة، إذ ليس جواب الإمام إلا أن كلما لم يحرم في
الكتاب فليس بحرام، وعموم ذلك ظاهر فيجب تخصيصها بما مر.
مضافا إلى أن الأخيرة موافقة للعامة كما قالوا (1)، فهي مرجوحة
بالنسبة إلى الأولى لولا عمومها أيضا، ومع ذلك كله فمخالفة للشهرة
العظيمة، خارجة عن حيز الحجية.
وأما الجمع - بحمل الأولى على الكراهة - فموقوف على المكافاة،
وهي مفقودة بالمرة.
المسألة الثالثة: يحرم أيضا من السمك بخصوصه الجري - بالجيم
المكسورة فالراء المهملة المشددة المكسورة، ويقال: الجريث، وهو
كالجري إلا أنه مختوم بالثاء المثلثة - والمارماهي - قيل: بفتح الراء (2) -
والزمير - كسكيت ويقال: الزمار أيضا بكسر الزاء المعجمة والميم المشددة
والراء المهملة أخيرا - والزهو - بالزاء المعجمة فالهاء الساكنة - على الأقوى
الأشهر، سيما في الأول، ودعوى الاجماع على حرمته مستفيضة (3)، بل
احتمل بعضهم كونها من ضروريات مذهب الإمامية (4).
لكون الكل مما ليس له قشر كما قالوا، وصرح به في الأخير في
رواية الجعفري (5).

(1) كالعلامة في المختلف: 677 وصاحب الوسائل 16: 404 وصاحب الرياض 2: 280.
(2) انظر الرياض 2: 280.
(3) انظر الإنتصار: 186، الخلاف 2: 524.
(4) كما في الرياض 2: 280.
(5) الكافي 6: 221 / 10، التهذيب 9: 3 / 6، الوسائل 24: 138 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 11 ح 1.
66

مضافا في خصوص الجميع - غير الأخير - إلى كونها مسوخة، كما
صرح به في رواية الكلبي النسابة (1)، فتشملها أدلة حرمة المسوخات (2)،
وإلى المروي في العيون المتقدمة.
وإلى صحيحة محمد: أقرأني أبو جعفر عليه السلام شيئا من كتاب علي
عليه السلام، فإذا فيه: (أنهاكم عن الجري والزمير والمارماهي والطافي
والطحال) (3).
وفي الأولين خاصة إلى موثقة سماعة: (لا تأكل الجريث ولا
المارماهي ولا طافيا ولا طحالا) (4).
ورواية سمرة: (لا تشتروا الجريث ولا المارماهي ولا الطافي على
الماء ولا تبيعوه) (5).
ومرسلة ابن فضال: (الجري والمارماهي والطافي حرام في كتاب
علي عليه السلام) (6).
وفي الأول خاصة إلى حسنة حنان السابقة، وصحيحة الحلبي: (لا

(1) الكافي 6: 221 / 12، الوسائل 24: 131 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 5.
(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2.
(3) الكافي 6: 219 / 1، التهذيب 9: 2 / 1، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 9 ح 1.
(4) الكافي 6: 220 / 4، التهذيب 9: 4 / 8، الإستبصار 4: 58 / 200، الوسائل
24: 130 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 2.
(5) التهذيب 9: 5 / 11، الإستبصار 4: 59 / 203، المحاسن: 477 / 491،
الوسائل 24: 133 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 14.
(6) التهذيب 9: 5 / 12، الإستبصار 4: 59 / 204، الوسائل 24: 134 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 9 ح 15.
67

تأكلوا الجري ولا الطحال، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كرهه) وقال: (إن في كتاب
علي عليه السلام ينهى عن الجري) الحديث (1).
وأبي بصير: (أما في كتاب علي عليه السلام فإنه نهى عن الجريث) (2).
وعلي: (لا يحل أكل الجري ولا السلحفاة ولا السرطان) الحديث (3).
إلى غير ذلك.
خلافا لشاذ (4)، لبعض ما ذكر في المسألة السابقة بجوابه.
ثم المستفاد من الروايات تغاير الجري والمارماهي، إلا أنه قال في
حياة الحيوان: إن الجري يسمى بالفارسية مارماهي (5). وكذا ظاهر الأخبار
اتحاد الجري والجريث، وقال في حياة الحيوان: الجريث سمك يشبه الثعبان (6).
المسألة الرابعة: يحرم الطافي - وهو السمك الذي يموت في الماء -
بإجماعنا المحقق والمحكي في كلام جماعة (7)، والمستفيضة من الصحاح

(1) التهذيب 9: 6 / 18، الوسائل 24: 134 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 16.
(2) التهذيب 9: 4 / 10، الإستبصار 4: 59 / 202، الوسائل 24: 133 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 9 ح 13.
(3) الكافي 6: 221 / 11، التهذيب 9: 12 / 46، قرب الإسناد: 279 / 1108،
الوسائل 24: 146 أبواب الأطعمة المحرمة ب 16 ح 1، مسائل علي بن جعفر:
131 / 191. والسرطان: حيوان معروف، ويسمى: عقرب الماء، وكنيته: أبو
بحر، وهو من خلق الماء، ويعيش في البر أيضا، وهو جيد المشي سريع العدو ذو
فكين ومخاليب وأظفار حداد، كثير الأسنان صلب الظهر، من رآه رآه حيوانا بلا
رأس ولا ذنب، عيناه في كتفيه وفمه في صدره، له ثمان أرجل، وهو يمشي على
جانب واحد، ويستنشق الماء والهواء معا - حياة الحيوان 1: 553.
(4) كما في الكفاية: 248.
(5) حياة الحيوان 1: 274.
(6) حياة الحيوان 1: 274.
(7) منهم الشيخ في الخلاف 2: 525، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
618، الفيض الكاشاني في المفاتيح 2: 204.
68

وغيرها المتقدمة إلى جملة منها الإشارة، وعمومات الكتاب (1) والسنة (2) في
تحريم الميتة.
والحرمة تعم ما مات في الشبكة والحظيرة ونحوهما من الآلات
المعدة لصيد السمكة أيضا، كما ذكر في باب الصيد والذبيحة.
المسألة الخامسة: مقتضى رواية ابن أبي يعفور - المتقدمة في
المسألة الأولى (3) وغيرها - إناطة حلية كلب الماء وحرمته بكونه ذا ناب
وغيره، ولعله على قسمين، ونظر الإمام إلى التقسيم لا أنه لا يعلم حاله،
فيحرم منه ما كان ذا ناب دون غيره.
ولا يخالف ذلك مع ما دل على أن ما لا يؤكل في البر لا يؤكل مثله
في البحر، لأن الكلب الذي لا ناب له ليس مماثلا للكلب البري، وإنما
الاشتراط في مجرد التسمية.
المسألة السادسة: كلما يحرم في البر يحرم مثله في البحر والماء،
لمرسلة الفقيه المتقدمة في المسألة الأولى (4)، ولصدق الاسم، فتشمله أدلة
تحريمه، وتلزمه حرمة حشرات الماء، أي دوابه الصغار كالعلق والديدان
ونحوها، لما يأتي من حرمة حشرات الأرض.
المسألة السابعة: يحرم السلحفاة - بضم السين المهملة وفتح اللام
فالحاء المهملة الساكنة فالفاء المفتوحة والهاء بعد الألف - والسرطان - بفتح
الثلاثة الأولى، ويسمى عقرب البحر - والضفادع - جمع ضفدع بكسر الأول

(1) النحل: 114.
(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1.
(3) في ص: 61.
(4) في ص: 61.
69

وفتحه وضمه، مع كسر ثالثه وفتحه في الأول، وكسره في الثاني، وفتحه
في الثالث، كذا ذكره في المسالك (1) - بلا خلاف في شئ منا خاصة
يعرف.
لصحيحة علي المتقدم بعضها في المسألة الثالثة، وتتمتها: عن اللحم
الذي يكون في أصداف البحر والفرات أيؤكل؟ فقال: (ذاك لحم الضفادع
لا يحل أكله).
المسألة الثامنة: بيض السمك المحلل حلال إجماعا، له، وللأصل،
والعمومات (2)..
ومنطوق رواية ابن أبي يعفور، وفيها: (إن البيض إذا كان مما يؤكل
لحمه فلا بأس بأكله، فهو حلال) (3).
ورواية داود بن فرقد، وفيها: (كل شئ يؤكل لحمه فجميع ما كان
منه من لبن أو بيض أو إنفحة فكل هذا حلال طيب) (4).
وبيض المحرم حرام على الأظهر الأشهر، لمفهوم الشرط في الرواية
الأولى، المثبت للبأس - الذي هو العذاب - في بيض ما لا يؤكل، المؤيد
بمفهوم الوصف في الثانية.
خلافا للحلي والمختلف (5) وبعض المتأخرين (6)، فحكموا بالحلية
أيضا، للأصل والعمومات اللازم دفعه وتخصيصها بما ذكر.

(1) المسالك 2: 237.
(2) انظر المائدة: 88 و 96، الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.
(3) الكافي 6: 325 / 6، الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 1.
(4) الكافي 6: 325 / 7، الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40 ح 2.
(5) الحلي في السرائر 3: 113، المختلف: 684.
(6) كالسبزواري في الكفاية: 248.
70

وأما عمومات حلية صيد البحر (1) المعارض لما ذكر بالعموم من وجه
فلا تجري هنا، لأن المتبادر من الصيد نفس الحيوان دون بيضه.
ولو اشتبه المحلل منه بالمحرم، فقالوا بحلية الخشن منه دون
الأملس (2)، وظاهرهم الاتفاق عليه، فإن ثبت وإلا فللتأمل فيه مجال،
ومقتضى: (كل شئ فيه حلال وحرام) (3) الحلية مطلقا، كما أن مقتضى
الاحتياط الاجتناب كذلك.
ومنهم من لم يقيد التفصيل المذكور بصورة الاشتباه بل عممه (4)،
والروايتان تدفعانه.

(1) المائدة: 96.
(2) كما في الشرائع 3: 218، التبصرة: 166، الروضة 7: 266.
(3) الكافي 5: 313 / 39، الفقيه 3: 216 / 1002، التهذيب 9: 79 / 337،
الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.
(4) انظر الكافي في الفقه: 277.
71

الفصل الثاني
في الطير مطلقا بحريا كان أو بريا
اعلم أنه قد عرفت أن الأصل في كل شئ - سواء كان غير حيوان أو
حيوانا، غير طير أو طيرا، بحريا أو بريا - الحلية، ولكن خرج من تحت
ذلك الأصل من الطيور أنواع، وقرر على مطابق الأصل أيضا منها أنواع،
واختلف في أنواع نذكرها في ضمن مسائل:
المسألة الأولى: مما خرج من تحت الأصل وحرم: السبع من
الطيور، وهو ما كان ذا مخلب، أي ظفر يفترس ويعدو به على الطير، قويا
كان - كالبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق - أو ضعيفا، كالنسر
والرخمة (1) والبغاث (2).
بلا خلاف فيه يعرف كما في الكفاية (3)، بل مطلقا كما في غيره (4)،
بل هو عندنا موضع وفاق كما في المسالك (5)، بل إجماعي كما في المفاتيح
وشرحه وعن الخلاف والغنية (6)، بل هو إجماع محقق، فهو الدليل عليه.

(1) الرخمة: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، وكنيتها: أم جعران وأم رسالة وأم عجيبة
وأم قيس وأم كبير، ويقال لها الأنوق - حياة الحيوان 1: 524.
(2) البغاث: طائر أغبر دون الرخمة، بطي الطيران، وهو من شرار الطير ومما لا
يصيد منها - حياة الحيوان 1: 194.
(3) كفاية الأحكام: 249.
(4) انظر الرياض 2: 284.
(5) مسالك الأفهام 2: 239.
(6) مفاتيح الشرائع 2: 185، الخلاف 2: 541، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
72

مضافا إلى ما دل على حرمة السباع بقول مطلق، كمرسلة الكافي: (لا
تأكل من السباع شيئا) (1).
وصحيحة الحلبي: (لا يصلح أكل شئ من السباع، إني لأكرهه
وأقذره) (2).
وموثقة سماعة: عن لحوم السباع وجلودها، فقال: (أما لحوم السباع
والسباع من الطير [والدواب] فإنا نكرهه، وأما الجلود فاركبوا عليها ولا
تلبسوا شيئا [منها] تصلون فيه) (3)، وفي النهي عن الصلاة فيه دلالة على
إرادة الحرمة من الكراهة.
وفي موثقة أخرى لسماعة: (يا سماعة، السبع كله حرام وإن كان
سبعا لا ناب له) (4).
أو حرمة كل ذي مخلب من الطير، كصحيحة ابن أبي عمير (5)،
ومرسلة الفقيه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (كل ذي ناب من السباع ومخلب

(1) الكافي 6: 245 / 3، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 2.
(2) التهذيب 9: 43 / 178، الوسائل 24: 115 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 5.
(3) التهذيب 9: 79 / 338، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 4
وما بين المعقوفين من المصدر.
(4) الكافي 6: 247 / 1، التهذيب 9: 16 / 65، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 3 ح 3.
(5) الكافي 6: 245 / 3، التهذيب 9: 38 / 162، الوسائل 24: 114 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 3 ح 2.
73

من الطير حرام) (1)، ونحوها رواية داود بن فرقد (2)..
وموثقة سماعة المتقدم بعضها: (حرم رسول الله صلى الله عليه وآله كل ذي مخلب
من طير وكل ذي ناب من الوحش).
وقد وردت بخصوص بعضها نصوص أيضا، ففي موثقة سماعة
المتقدم بعضها: (وكل ما صف وهو ذو مخلب فهو حرام، والصفيف كما
يطير البازي والصقر والحدأة وما أشبه ذلك).
وفي رواية سليمان بن جعفر الهاشمي: قال: حدثني أبو الحسن الرضا
عليه السلام قال: (طرقنا ابن أبي مريم ذات ليلة وهارون بالمدينة فقال: إن هارون وجد
في خاصرته وجعا في هذه الليلة وقد طلبنا له لحم النسر فأرسل إلينا منه شيئا)
فقال: (إن هذا شئ لا نأكله ولا ندخله بيوتنا، ولو كان عندنا ما أعطيناه) (3).
وأما صحيحة محمد -: عن سباع الطير والوحش - حتى ذكر له
القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل - فقال: (ليس الحرام إلا ما حرم
الله في كتابه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر عن أكل لحوم الحمير)
الحديث (4) - فلا تدل على الحلية، لاحتمال دخول السباع والقنافذ
والوطواط في الخبائث، والوطواط في الميتة، لعدم قبوله التذكية.
المسألة الثانية: ومما خرج أيضا وحرم: المسوخ من الطيور، بلا
خلاف فيه كما صرح به جماعة (5)، لمطلقات حرمة المسوخ، كموثقة
سماعة المتقدم بعضها: (وحرم الله ورسوله المسوخ جميعا)، وموثقته
الأخرى المتضمنة لتعليل النهي عن أكل الدبى (6) والمهرجل بأنه مسخ (7).

(1) الفقيه 3: 205 / 938، الوسائل 24: 113 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 1.
(2) الكافي 6: 244 / 2، التهذيب 9: 38 / 161، الوسائل 24: 113 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 3 ح 1.
(3) التهذيب 9: 20 / 83، الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرمة ب 40 ح 1.
(4) التهذيب 9: 42 / 176، الإستبصار 4: 74 / 275، الوسائل 24: 123 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 5 ح 6.
(5) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 174، صاحب الرياض 2: 285.
(6) الدبى: الجراد قبل أن يطير - حياة الحيوان 1: 463.
(7) التهذيب 9: 82 / 350، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 7.
74

وفي رواية الحسين بن خالد: أيحل أكل لحم الفيل؟ فقال: (لا)
قلت: ولم؟ قال: (لأنه مثلة وقد حرم الله الأمساخ ولحم ما مثل به في
صورها) (1).
ورواية الجعفري الآتية المعللة لحرمة الطاووس بأنها مسخ.
ورواية المفضل، وفيها: (وأما لحم الخنزير فإن الله تعالى مسخ قوما
في صور شتى شبه الخنزير والقردة والدب وما كان من المسوخ، ثم نهى
عن أكله للمثلة، لكي لا ينتفع الناس بها ولا يستخف بعقوبتها) (2).
والمروي في العيون: (حرم القرد لأنه مسخ مثل الخنزير)
الحديث (3).
والرضوي: (والعلة في تحريم الجري وما يجري مجراه من سائر
المسوخ البرية والبحرية ما فيها من الضرر للجسم، ولأن الله سبحانه
تقدست أسماؤه مثل على صورها مسوخا فأراد أن لا يستخف بمثله) (4)،
دلت بالتعليل على حرمة كل مسوخ.
ثم من مسوخات الطيور المحرم أكله: الطاووس، لرواية الجعفري:
(الطاووس مسخ، كان رجلا جميلا فكابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها
ثم راسلته بعد فمسخهما الله طاووسين أنثى وذكر، فلا يؤكل لحمه

(1) الكافي 6: 245 / 4، التهذيب 9: 39 / 165، المحاسن: 335 / 106، علل
الشرائع 2: 485 / 5، الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 2.
(2) الكافي 6: 242 / 1، المحاسن: 334 / 104، الوسائل 24: 100 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 1 ح 1.
(3) عيون أخبار الرضا (ع) 2: 94، الوسائل 24: 102 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1
ح 3.
(4) فقه الرضا (ع): 254، المستدرك 16: 166 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 1.
75

وبيضه) (1).
وقد نص على تحريمه في رواية أخرى للجعفري: قال: (الطاووس
لا يحل أكله ولا بيضه) (2).
ومنها: الوطواط - ويقال له الخشاف والخفاش، صرح به في
القاموس والصحاح (3)، كرمان أيضا - لرواية الأشعري: (والوطواط مسخ،
كان يسرق تمور الناس) (4).
وفي المروي في العلل: (المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا) (5)
وعد منها الخفاش مكان الوطواط.
وعن الكنز: أن الوطواط الخطاف، ونقله في الصحاح أيضا (6). وفي
القاموس: الوطواط: الخفاش وضرب من الخطاطيف (7).
والأول أصح، لأن الخطاف ليس مسوخا ولا حراما كما يأتي.
ومنها: الزنبور، لما في الرواية المذكورة: (والزنبور كان لحاما يسرق
في الميزان).
وعد في الفقيه النعامة أيضا من المسوخات (8)، ولم يثبت عندي بعد.

(1) الكافي 6: 247 / 16، التهذيب 9: 18 / 70، الوسائل 24: 106 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 2 ح 6.
(2) الكافي 6: 245 / 9، الوسائل 24: 106 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 5.
(3) القاموس 2: 406، الصحاح 3: 1168.
(4) الكافي 6: 246 / 14، التهذيب 9: 39 / 166، الوسائل 24: 106 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 2 ح 7.
(5) علل الشرائع 2: 487 / 4، الوسائل 24: 109 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 12.
(6) الصحاح 3: 1168.
(7) القاموس 2: 406.
(8) الفقيه 3: 213 / 988.
76

المسألة الثالثة: ومما خرج وحرم: ما صف حال طيرانه - وهو أن
يطير مبسوط الجناحين من غير أن يحركهما ولم يدف، بأن يحركهما حال
الطيران ويضربهما كضرب الدف - نسبه في الكفاية إلى المعروف من
مذهب الأصحاب (1)، ونفى عنه الخلاف في شرح المفاتيح، وبعض
آخر (2).
وتدل عليه صحيحة زرارة: أصلحك الله ما يؤكل من الطير؟ فقال:
(كل ما دف ولا تأكل ما صف) إلى أن قال: قلت فطير الماء؟ قال: (ما
كانت له قانصة فكل، وما لم تكن له قانصة فلا تأكل) (3).
ورواية ابن أبي يعفور: إني أكون في الآجام فيختلف علي الطير فما
آكل منه؟ فقال: (كل ما دف ولا تأكل ما صف) قلت: إني أؤتى به
مذبوحا، فقال: (كل ما كانت له قانصة) (4).
وليس المراد بكونه مما صف أو دف كونه كذلك دائما فيصف ولا
يدف قط وبالعكس، إذ لا طير كذلك قطعا، بل كل ما يصف يدف أيضا
وبالعكس، كما يعلم ذلك بالعيان والمشاهدة.
ولا ما صف في الجملة أو دف كذلك، وإلا لغت الأخبار وتعارضت،
إذ كلما يصف في الجملة يدف كذلك.
بل المراد ما كان صفيفه أكثر من دفيفه أو بالعكس، كما تطابقت عليه

(1) الكفاية: 249.
(2) كصاحب الرياض 2: 284.
(3) الكافي 6: 247 / 3، الفقيه 3: 205 / 936، التهذيب 9: 16 / 63، الوسائل
24: 150 أبواب الأطعمة المحرمة ب 18 ح 2.
(4) الكافي 6: 248 / 6، التهذيب 9: 16 / 64، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 19 ح 3.
77

كلمات علمائنا الأخيار.
ودلت عليه من الأخبار مرسلة الفقيه: (إن كان الطير يصف ويدف
فكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه فلم
يؤكل) (1).
(والرضوي: (يؤكل من الطير ما يدف بجناحيه ولا يؤكل ما يصف،
وإن كان الطير يدف ويصف وكان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، وإن كان
صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل) (2)) (3).
والضعف منجبر بعمل الأصحاب.
ولو تساوى الصف والدف يرجع إلى سائر العلامات، ومع فقدها إلى
أصل الإباحة، وكذا لو اشتبهت الغلبة.
المسألة الرابعة: ومما خرج وحرم من الطير: ما لم تكن له قانصة
ولا حوصلة - بتشديد اللام وتخفيفها - ولا صيصية، بكسر أوله وثالثه
مخففا.
والقانصة للطير بمنزلة المعاء لغيره.
والحوصلة: مكان المعدة لغيره يجتمع فيها الحب وغيره من المأكول
عند الحلق.
والصيصية: الإصبع الزائدة في باطن رجل الطائر بمنزلة الابهام من
بني آدم، سميت بها لأن الصيصية هي الشوكة، وهي شوكة رجله، أي

(1) الفقيه 3: 205 / 937، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة المحرمة ب 19 ح 4.
(2) فقه الرضا (ع): 295، المستدرك 16: 183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 15
ح 1.
(3) ما بين القوسين ليس في (س).
78

شوكة في رجله موضع العقب، وأصلها شوكة الحائك التي تسوى بها
السداة واللحمة، ويقال لها بالفارسية: مهميز.
وقال في مهذب اللغة: القانصة: سنگ دان مرغ، والحوصلة: چينه
دان مرغ، والصيصية: خارپس پاي خروس.
فما لم تكن له إحدى الثلاث فهو محرم، وما كان له إحداها فهو حلال.
أما حرمة الفاقد لهذه الثلاثة فهو المعروف من مذهب الأصحاب كما
في الكفاية (1)، بل لا خلاف فيه كما في غيره (2)، ونقل عن المحقق
الأردبيلي الاجماع عليه (3)، وكذا عن الغنية ولكن في القانصة والحوصلة (4).
وتدل عليه من الأخبار في الثلاث رواية ابن بكير: (كل من الطير ما
كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة) (5) دلت بمفهوم لفظة: (ما)
المتضمنة لمعنى الشرط على عدم جواز أكل ما لم تكن له إحدى الثلاث.
وأما حلية ما كانت له إحداها فيدل في الجميع منطوق رواية ابن بكير
المتقدمة.
وفي القانصة خاصة: صحيحة زرارة ورواية ابن أبي يعفور
المتقدمتين، ورواية مسعدة: (كل من الطير ما كانت له قانصة ولا مخلب
له) قال: وسألته عن طير الماء، فقال: (مثل ذلك) (6).

(1) الكفاية: 249.
(2) انظر الرياض 2: 284.
(3) نقله عنه في الرياض 2: 284، وهو في مجمع الفائدة 11: 177.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(5) الكافي 6: 248 / 5، التهذيب 9: 17 / 68، الوسائل 24: 151 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 18 ح 5.
(6) الكافي 6: 248 / 4، التهذيب 9: 17 / 66، الوسائل 24: 151 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 18 ح 4.
79

ومفهوم صحيحة ابن سنان: الطير ما يؤكل منه؟ فقال: (لا يؤكل منه
ما لم تكن له قانصة) (1).
ومنطوق الأخرى: ما تقول في الحبارى؟ قال: (إن كانت له قانصة
فكل) وسألته عن طير الماء، فقال: (مثل ذلك) (2).
وفي القانصة والصيصية: مرسلة الفقيه، وفيها: (ويؤكل من طير الماء
ما كانت له قانصة أو صيصية، ولا يؤكل ما ليست له قانصة ولا صيصية) (3).
وفي القانصة والحوصلة: موثقة سماعة، وفيها: (فكل الآن من طير
البر ما كانت له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا
معدة كمعدة الانسان)، إلى أن قال: (والحوصلة والقانصة يمتحن بهما من
الطير ما لا يعرف طيرانه وكل طير مجهول) (4).
والمستفاد من التفصيل القاطع للشركة في الأخيرة وإن كان اختصاص
الحوصلة بالطير البري والقانصة بالبحري، إلا أن صريح قوله فيها: (كقانصة
الحمام) ورواية مسعدة وصحيحة ابن سنان وبعض العمومات السابقة عدم
اختصاص القانصة بالبحري، فلعل انتفاء الشركة إنما هو في الحوصلة
خاصة، وانتفاءها للبحري، فتأمل.
وبه يمكن دفع التعارض بين ما دل على حلية ما كانت له الحوصلة

(1) الكافي 6: 247 / 2، الوسائل 24: 149 أبواب الأطعمة المحرمة ب 18 ح 1.
(2) التهذيب 9: 15 / 59، الوسائل 24: 158 أبواب الأطعمة المحرمة ب 21 ح 3.
والحبارى: طائر طويل العنق، رمادي اللون، في منقاره بعض الطول - حياة
الحيوان 1: 321.
(3) الفقيه 3: 205 / 937، الوسائل 24: 153 أبواب الأطعمة المحرمة ب 19 ح 4.
(4) الكافي 6: 247 / 1، التهذيب 9: 16 / 65، الوسائل 24: 150 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 18 ح 3.
80

خاصة، وبين مرسلة الفقيه المقتضية لحرمة ما لم تكن له قانصة ولا صيصية
من طير الماء، فتأمل.
نعم، يبقى التعارض ظاهرا بين ما دل على كفاية إحدى الثلاث في
الحلية كرواية ابن بكير، وما دل على كفاية الحوصلة أو الصيصية فقط
كموثقة سماعة ومرسلة الفقيه، وبين ما دل منطوقا أو مفهوما على حرمة ما
لم تكن له القانصة، ويجب تخصيص عموم الثاني بخصوص الأول، أو
يتعارضان فيرجع إلى الأصل، وهو الإباحة، كما عليها فتوى الجماعة.
وأما الجمع بين أخبار هذه العلامات الثلاث وبين أخبار الصف
والدف والمخلب والمسخ فإنما هو بما مر من موثقة سماعة المصرحة بأن
الامتحان بهذه العلامات إنما هو فيما لا يعرف طيرانه وكل طير مجهول،
وأما ما عرف - كذوي المخالب والمسوخ والصافات - فلا يرجع فيه إلى
تلك العلامات.
وأما بين أخبار الدف وأخبار المخلب والمسخ المتعارضين بالعموم
من وجه فتخصص المرجوحة منهما بالراجحة مع وجود المرجح،
والرجوع إلى الأصل بدونه، ولكن الاجماع على حرمة ذوي المخالب
والمسوخ والصافات مطلقا يرجح الثانية.
وحاصل الجميع: حرمة ذوي المخالب والمسوخ والصافات مطلقا،
سواء كان لها سائر العلامات أولا، وحلية الدافات من غير ما ذكر كذلك،
وحرمة ما انتفت فيه العلامات الثلاث إذا كان مجهولا من حيث الطيران
والسبعية، وحلية ما وجد فيه إحداها كذلك.
هذا مقتضى قاعدة الجمع بين الأخبار على فرض انفكاك العلامات
بعضها عن بعض.
81

ولكن صرح بعض المتأخرين بأن الظاهر عدم الانفكاك (1)، وقال
الأردبيلي: بأن الانفكاك غير معلوم (2)، فلا طير ذا مخلب أو مسوخ أو
صاف تكون له إحدى علامات الحلية، ولا طير ذا حوصلة أو قانصة أو
صيصية تكون له إحدى علامات الحرمة، وهو المستفاد من كلام الحجج عليهم السلام
ولا ينبئك مثل خبير.
ثم إن جميع ما ذكر إنما هو القاعدة الكلية.
وقد وردت بخصوص بعض الطيور أيضا نصوص خاصة حلا أو
حرمة، يجب اتباعها لو لم يكن منه مانع من إجماع أو غيره، سواء طابقت
القاعدة أو خالفت أو اشتبه الأمر، لخصوصيتها.
ومنها ما وقع الاجماع على حليته وحرمته، واختلفت في بعضها
الأخبار والأقوال، وها هي نذكرها في طي بعض المسائل الآتية.
المسألة الخامسة: قد عرفت حرمة الطاووس بخصوصه وحرمة
الوطواط والزنابير، لكونها من المسوخات. وكذا يحرم الذباب والبق
والبرغوث، للاجماع، وقيل: لخباثتها (3). وفيه تأمل.
المسألة السادسة: اختلفوا في الغراب على أقوال:
الحل مطلقا، وهو للتهذيبين والنهاية والقاضي والنافع والكفاية
والمحقق الأردبيلي (4).

(1) كما في الروضة البهية 7: 279.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 11: 178.
(3) كما في الرياض 2: 286.
(4) التهذيب 9: 18 / 72 ذ. ح، الإستبصار 4: 66 / 238 ذ. ح، النهاية: 577،
القاضي في المهذب 2: 249، المختصر النافع: 252، الكفاية: 249، الأردبيلي
في مجمع الفائدة والبرهان 11: 172، 173.
82

والحرمة كذلك، وهو للخلاف والمختلف والايضاح والروضة (1)،
ونسب إلى ظاهر المبسوط أيضا (2)، وعن الأول وظاهر الأخير الاجماع
عليه.
والتفصيل بجعل الغربان أربعة: غراب الزرع الذي يأكل الحب، وهو
الصغير من الغربان السود، الذي يسمى الزاغ، وفي مصباح المنير: إنه بقدر
الحمامة، برأسه غبرة (3).
والكبير من الغربان الذي يأكل الجيف ويفترس ويسكن الخرابات،
ويسمى بالغداف، بضم الغين المعجمة.
والأغبر الكبير الذي يفرس ويصيد الدراج.
والأبقع، أي الأبلق الذي له سواد وبياض طويل الذنب، ويسمى
بالعقعق.
فالحكم بالحل في الأول، والحرمة في البواقي، وهو مذهب
الحلي (4)، ونسب ذلك إلى التحرير والارشاد واللمعة (5) أيضا.
وبتقسيمها إلى الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف،
والأبقع المذكور، والزاغ المتقدم، ونوع آخر أصغر من الزاغ أغبر اللون
كالرماد، قيل: ويقال له: الغداف (6).. فالحكم بالتحريم في الأولين والحل

(1) الخلاف 2: 541، المختلف: 678، الإيضاح 4: 147، الروضة 7: 277.
(2) المبسوط 6: 281.
(3) المصباح المنير: 260.
(4) السرائر 3: 103.
(5) تحرير الأحكام 2: 160، اللمعة (الروضة 7): 274 - 275، الإرشاد 2: 110.
(6) كما في المفاتيح 2: 186.
83

في الأخيرين، نسب إلى المبسوط وبعض كتب الفاضل (1).
وبتقسيمها إلى ثلاثة: غراب الزرع، والأبقع، والأسود الكبير الذي
يسكن الجبال. والحكم بالحل في الأول، والحرمة في الثاني.
دليل الأول: الأصل، والعمومات (2)، وخصوص موثقة زرارة
الصحيحة، عن أبان المجمع على تصحيح ما يصح عنه: (إن أكل الغراب
ليس بحرام إنما الحرام ما حرم الله في كتابه، ولكن الأنفس تتنزه عن كثير
من ذلك تقززا) (3).
وجعل هذه الموثقة شاذة، لتضمنها الحكم بحل كل ما لم يحرمه
القرآن وهو فاسد إجماعا.
فاسد جدا، إذ كل ما يحكم بحرمته في غير القرآن لا بد وأن يكون
في القرآن أيضا وإن لم نعرفه، لأن فيه تبيان كل شئ، وما فرطنا فيه من
شئ، ولكن علمه عند الراسخين فيه، فإذا حكم الإمام بحلية شئ يعلم
أنه ليس في القرآن [تحريمه] (4) سلمنا غايته أن يكون عاما مخصوصا
بالسنة، ومثله ليس بعزيز، ولا يلزم خروج الأكثر، لتصريح الكتاب بحرمة
الخبائث (5) الغير المحصورة أو المعلومة أنواعها، والرجس الشامل لجميع
النجاسات المأمور باجتنابه الشامل للأكل (6)، ومال الغير بدون التراضي (7)،

(1) المبسوط 6: 281، الفاضل في قواعد الأحكام 2: 156.
(2) انظر الوسائل 24: 125 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7.
(3) التهذيب 9: 18 / 72، الإستبصار 4: 66 / 237، الوسائل 24: 125 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 7 ح 1.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(5) الأعراف: 157.
(6) المائدة: 90.
(7) النساء: 29.
84

ومال اليتيم (1)، والميتة والدم ولحم الخنزير (2)، والخمر (3)، وما أهل لغير
الله وما لم يذكر اسم الله عليه والمنخنقة وما تعقبها (4)، ولم يعلم كون ما عدا
ذلك من المحرمات أكثر نوعا من هذه المذكورات، سلمنا ولكن خروج
جزء من الحديث عن الحجية لا يوجب خروج غيره عنها.
ودليل الثاني: المستفيضة من الروايات:
كصحيحة علي: عن الغراب الأبقع والأسود أيحل أكلهما؟ قال: (لا
يحل أكل شئ من الغربان زاغ ولا غيره) (5).
والنبوي: إنه صلى الله عليه وآله أتي بغراب فسماه فاسقا فقال: (والله ما هو من
الطيبات) (6).
ومرسلة الفقيه: (لا يؤكل من الغربان زاغ ولا غيره) (7).
ورواية أبي يحيى الواسطي: عن الغراب الأبقع، فقال: (إنه لا يؤكل)
وقال: (من أحل لك الأسود؟!) (8).
ورواية أبي إسماعيل: عن بيض الغراب فقال: (لا تأكله) (9).

(1) الإسراء: 34.
(2) المائدة: 3.
(3) المائدة: 90.
(4) المائدة: 3.
(5) الكافي 6: 245 / 8، مسائل علي بن جعفر: 174 / 310، الوسائل 24: 126
أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 3.
(6) غوالي اللآلئ 3: 468 / 27.
(7) الفقيه 3: 221 / 1027.
(8) الكافي 6: 246 / 15، التهذيب 9: 18 / 71، الإستبصار 4: 65 / 235،
الوسائل 24: 126 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 4.
(9) الكافي 6: 252 / 10، التهذيب 9: 16 / 62، الوسائل 24: 126 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 7 ح 5.
85

مع ما يدل على تبعية بيض الحيوان للحمه في الحل والحرمة (1).
ودليل المفصلين: إما الجمع بين الأخبار، أو عد قسميه اللذين
يأكلان الجيف من الخبائث، أو جعل ما حكموا بحرمته من السباع.
أقول: أما الجمع بين الأخبار بذلك فهو كما صرح به في المسالك (2)
غير متجه، لأنه جمع بلا وجه ولا شاهد.
وأما العد من الخبائث فهو في حيز المنع، وأكل الجيفة لا يوجبه،
ومطلق تنفر النفس لا يستلزمه، كما يستفاد من موثقة زرارة المذكورة.
وأما جعل بعضها من السباع دون بعض والتفصيل لأجله فإنما يتم
لولا تمامية دليل أحد القولين الأولين، وإلا فيكون دليله أخص مطلقا،
فيجب الحكم إما بحلية الجميع أو حرمته، مضافا إلى أنه لو كان كذلك لما
حسن الاقتصار على السبعية وعدمها، بل يجب الرجوع إلى جميع
العلامات المتقدمة.
ومنه يظهر سقوط الأقوال المفصلة وبقي الأولان، أما الثاني فغير
الصحيحة من أدلته والنبوي غير دالة على الحرمة، لاحتمال الكل للجملة
الخبرية، والنبوي - لكونه ضعيفا - ليس بحجة، مع أنه لا عموم فيه البتة،
لكونه قضية في واقعة، فلم تبق إلا الصحيحة، وهي تعارض الموثقة التي
هي للأولين حجة، فالمحرمون رجحوا الأولى بالأصحية والاعتضاد
بالروايات المتأخرة والاجماعات المحكية واحتمال الثانية للحمل على
التقية، والمحللون رجحوا الثانية بالأصرحية، لأن عدم الحلية في الأولى

(1) الوسائل 25: 81 أبواب الأطعمة المباحة ب 40، و ج 24: 154 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 20.
(2) المسالك 2: 240.
86

أعم من الحرمة، لصدقه أيضا مع الكراهة، ولو سلم الاختصاص فالموثقة
قرينة لها على إرادة الكراهة، سيما مع اشتمالها على تنزه الأنفس، والقرينة
الأخرى موثقة غياث: إنه كره أكل الغراب لأنه فاسق (1).
أقول: مرجحات الأولين ضعيفة، لأن الأصحية والمطابقة لحكاية
الاجماع لم يثبت كونهما من المرجحات، سيما مع كون المعارض أيضا
مما صح عمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، والروايات
الأخر - بعد عدم دلالتها على الحرمة - لا تصلح للمعاضدة، والحمل على
التقية فرع ثبوت مذهب العامة في المسألة، وهي بعد عندنا غير معلومة، بل
ولا مظنونة، مع أن في المسالك نسب التفصيل إلى بعض العامة (2).
وكذا المرجح الأخير للطائفة الثانية، لأن الكراهة في الصدر الأول
تصدق أيضا على الحرمة.
نعم، ما ذكروه - من صلاحية [الموثقة] (3) للقرينة على إرادة الكراهة
لو قلنا بكون عدم الحلية مساوقة للحرمة - في غاية الجودة.
فإذن الأجود: عموم الحلية، ولكن الاحتياط رفع اليد عن تلك الأدلة
ومتابعة العلامات المتقدمة من المخلب والطيران والحوصلة والقانصة
والصيصية.
المسألة السابعة: اختلف الأصحاب في الخطاف - كرمان - وهو
الذي يقال له في الفارسية: پرستوك، فعن النهاية والقاضي والحلي القول

(1) التهذيب 9: 19 / 74، الإستبصار 4: 66 / 238، علل الشرائع: 485 / 1،
الوسائل 24: 125 أبواب الأطعمة المحرمة ب 7 ح 2.
(2) المسالك 2: 240. (3) في النسخ (الصحيحة) والصحيح ما أثبتناه.
87

بالحرمة (1)، بل عن الأخير عليه دعوى الاجماع.
لرواية الرقي: بينا نحن قعود عند أبي عبد الله عليه السلام إذ مر رجل بيده
خطاف مذبوح، فوثب إليه أبو عبد الله عليه السلام حتى أخذه من يده، ثم دحا به
الأرض، ثم قال عليه السلام: (أعالمكم أمركم بهذا أم فقيهكم؟ لقد أخبرني أبي
عن جدي: أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن قتل الستة، منها: الخطاف)
الحديث (2).
ونحوها الأخرى، إلا أن فيها مكان قوله: (منها الخطاف): (النحلة
والنملة والضفدع والصرد والهدهد والخطاف) (3).
وصحيحة جميل الواردة في الخطاف: (يا بني لا تقتلهن ولا تؤذهن،
فإنهن لا يؤذين شيئا) (4).
والمروي في الخصال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: نهي عن أكل الصرد
والخطاف) (5).
وعن المفيد والنافع (6) وعامة المتأخرين (7) بل أكثر الأصحاب مطلقا:

(1) النهاية: 577، القاضي في المهذب 2: 429، الحلي في السرائر 3: 104.
(2) الكافي 6: 223 / 1، الوسائل 23: 392 أبواب الصيد ب 39 ح 2.
(3) التهذيب 9: 20 / 78، الإستبصار 4: 66 / 239، الوسائل 24: 147 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 17 ح 1.
(4) الكافي 6: 224 / 3، الوسائل 23: 391 أبواب الصيد ب 39 ح 1.
(5) الرواية طويلة، وهي في الخصال: 208 / 30 مقطوعة، ونقلها الصدوق كاملة في
عيون أخبار الرضا (ع) 1: 188 / 1، الوسائل 24: 148 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 17 ح 3.
(6) حكاه عن المفيد في المختلف 2: 678، المختصر النافع: 252.
(7) منهم المحقق في الشرائع 3: 221، العلامة في المختلف 2: 678، الشهيد
الأول في اللمعة 7: 282، الشهيد الثاني في الروضة البهية 7: 283، صاحب
الرياض 2: 285.
88

الحلية.
للأصل، والعمومات (1)، وكونه من الدافات غير ذي مخلب، كما
يدل عليه قوله في صحيحة جميل: (فإنهن لا يؤذين شيئا)، وكون ذرقه
طاهرا (2)، وإلا لحصل الايذاء، لعموم البلوى بهن، وهو يستلزم الحلية عند
جماعة.
وموثقة الساباطي: عن الخطاف قال: (لا بأس به، وهو مما يحل
أكله، لكن كره لأنه استجار بك ووافى منزلك، وكل طير يستجير بك
فأجره) (3).
والأخرى: عن الرجل يصيب خطافا في الصحراء أو يصيده أيأكله؟
فقال: (هو مما يؤكل)، وعن الوبر يؤكل؟ قال: (لا، هو حرام) (4).
والمروي في المختلف عن كتاب عمار: (خر الخطاف لا بأس به،
وهو مما يحل أكله، ولكن كره لأنه استجار بك) (5).
وهو الأقوى، لما ذكر، وضعف أدلة الحرمة، لأن النهي عن القتل في
الصحيحة إنما هو في الحرم كما هو صريح صدرها، فيمكن أن يكون ذلك
لأجل الحرم.. وفي الرواية للمرجوحية قطعا، لوروده على أشياء لا يحرم
قتلها إجماعا، فالحمل على الحرمة يستلزم استعمال اللفظ الواحد في

(1) الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.
(2) كذا في النسخ، والظاهر لزوم تقديم قوله: (وكون ذرقه طاهرا) على قوله: كما
يدل عليه...
(3) التهذيب 9: 80 / 345، الوسائل 23: 393 أبواب الصيد ب 39 ذ. ح 5.
(4) التهذيب 9: 21 / 84، الإستبصار 4: 66 / 240، الوسائل 23: 394 أبواب
الصيد ب 39 ح 6، و ج 24: 148 أبواب الأطعمة المحرمة ب 17 ح 2.
(5) المختلف: 679.
89

الحقيقة والمجاز.. وكذا في رواية الخصال، مع أن حرمة القتل لا تستلزم
حرمة الأكل إلا إذا قلنا بأن النهي في مطلق المعاملات يدل على الفساد.
نعم، قد تستفاد حرمة الأكل من صدر الرواية، حيث إنه لولاها لما
جاز أخذها من يد مالكها وإلقاؤها على الأرض، لأنه إتلاف لمال محترم.
ولكن يمكن أن يقال: مطلق الأخذ والالقاء ليس إتلافا ومنعا عن
الأكل، ولعله فعل ذلك ابتداء حتى ينبهه على مرجوحية القتل والأكل وإن
أخذها مالكها بعد من الأرض وأكلها، فهذا القدر هو لأجل الكراهة.
وعلى هذا، فلا معارض لأخبار الحلية، وعلى فرض التعارض يرجع
إلى أصل الإباحة.
نعم، يكره وفاقا للجماعة، للتصريح بها في بعض الأخبار المتقدمة.
المسألة الثامنة: قال جماعة من الأصحاب بكراهة الهدهد (1)، بضم
الهاءين وسكون الدال الأولى، ويقال له بالفارسية: شانه سر.
والقبرة، بالباء الموحدة المشددة المفتوحة بعد القاف المضمومة
وقبل الراء المهملة المفتوحة، وورد في رواية الجعفري (2): قنبرة، بالنون
الساكنة بعد القاف المضمومة وقبل الباء الموحدة المفتوحة، فجعلها من
لحن العامة - كما في المسالك والروضة (3) - غير جيد، وهي بالفارسية:
چلو، وعلى رأسها خصلة شعر، كما في رواية الجعفري أيضا.
والصرد - بالمهملات، كرطب - طائر ضخم الرأس والمنقار يصيد

(1) منهم المحقق في الشرائع 3: 221، العلامة في القواعد 2: 156، الشهيد الأول
في اللمعة (الروضة 7): 281.
(2) الكافي 6: 225 / 4، الوسائل 23: 396 أبواب الصيد ب 41 ح 4.
(3) المسالك 2: 241، الروضة 7: 283.
90

العصافير، ويقال: إنه نقار للأشجار.
والصوام - بالمهملة، كرمان - طائر أغبر اللون، طويل الرقبة، أكثر ما
يبيت في النخل.
والشقراق، بفتح الشين المعجمة وكسر القاف وتشديد الراء،
وكقرطاس، ما يقال له بالفارسية: سبزمرغ.
والفاختة، وهو ما يقال له في بعض بلاد الفرس: قوقو.
والحبارى كسكارى، يقال له بالفارسية: هبرة.
أما إباحة الجميع فللاجماع، والعلامات، والأصل، والعمومات.
مضافة في الفاختة إلى الاندراج تحت حد الحمام المنصوص على
حليته.
وفي الحبارى إلى رواية مسمع: عن الحبارى، قال: (وددت أن
يكون عندي منه فآكل حتى أتملأ) (1).
ورواية نشيط: (لا أرى بأكل الحبارى بأسا) (2).
وأما الكراهة فلفتوى الجماعة والشهرة.
مضافة في القبرة إلى رواية الجعفري: (لا تأكلوا القبرة ولا تسبوها
ولا تعطوها الصبيان يلعبون بها، فإنها كثيرة التسبيح لله سبحانه، وتسبيحها:
لعن الله مبغضي آل محمد صلى الله عليه وآله) (3).
وفي رواية أخرى: (لا تقتلوا القنبرة ولا تأكلوا لحمها) (4).

(1) الفقيه 3: 206 / 940، التهذيب 9: 17 / 69، الوسائل 24: 158 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 21 ح 2.
(2) الكافي 6: 313 / 6، الوسائل 24: 157 أبواب الأطعمة المحرمة ب 21 ح 1.
(3) الكافي 6: 225 / 1، التهذيب 9: 19 / 77، الوسائل 23: 395 أبواب الصيد
ب 41 ح 1.
(4) الكافي 6: 225 / 3، الوسائل 23: 396 أبواب الصيد ب 41 ح 3.
91

وفي الصرد إلى رواية الخصال المتقدمة، وفي غير الأخيرين إلى
النهي عن القتل (1).
وفي ثبوت كراهة الأكل بعد القتل نظر، كما في إثبات كراهة أكل
الفاختة بروايتي حفص (2) وأبي بصير (3) الدالتين على شؤمها ودعائها على
أرباب البيت.
المسألة التاسعة: يحل الحمام من غير كراهة إجماعا، له، ولرواية
الرقي: (لا بأس بأكل الحمام المسرول) (4).
وفي رواية أخرى: (أطيب اللحمان لحم فرخ حمام) (5).
ثم الحمام جنس لكل مطوق من الطيور، أو ما عب الماء، أي يشربه
من غير مص كما تمص الدواب، بل يأخذه بمنقاره قطرة قطرة..
فيدخل فيه القمري - بضم القاف وسكون الميم وكسر الراء - وهو
الحمام الأزرق، ولعله ما يقال له بالفارسية: كبوتر چاهي.
والدبسي - بضم الدال - وهو الحمام الأحمر.
والورشان - بالتحريك - وهو الحمام الأبيض.
وتدخل فيه الفواخت أيضا، والحبارى، والحجل - بفتح الحاء
المهملة ثم الجيم - وفي القاموس: إنه الذكر من القبج، بسكون الباء

(1) الوسائل 23: 394، 397 أبواب الصيد ب 40 و 43.
(2) الكافي 6: 551 / 1، الوسائل 11: 528 أبواب أحكام الدواب ب 41 ح 1.
(3) الكافي 6: 551 / 3، الوسائل 11: 528 أبواب أحكام الدواب ب 41 ح 2.
(4) الكافي 6: 311 / 2، الفقيه 3: 213 / 990، التهذيب 9: 49 / 204،
الإستبصار 4: 79 / 291، الوسائل 24: 189 أبواب الأطعمة المحرمة ب 38 ح 1.
والمسرولة: أي في رجليها ريش - مجمع البحرين 5: 396.
(5) الكافي 6: 312 / 2، المحاسن: 475 / 477، الوسائل 25: 46 أبواب الأطعمة
المباحة ب 16 ح 2.
92

الموحدة بعد القاف المفتوحة وقبل الجيم، معرب: كبك (1)، وفي المهذب:
إن الحجل نوع من القبج.
ويدخل فيه أيضا الدراج كرمان.
والقطاة، وهي بالفارسية: صفر، وفسره في كنز اللغة ب‍: سنگخواره.
والطيهوج، طائر من طيور الماء طويل الرجلين والعنق، كذا قاله
الشهيد الثاني (2)، وفي الكنز: إنه تيهو.
والدجاج - بتثليث الدال، والفتح أشهر - وهو معروف.
والكروان - بفتح الكاف والراء - ما يقال له بالفارسية: ما هي خواره.
والكركي - بضم الكاف - وهو بالفارسية: كلنگ.
والصعوة - بفتح الصاد وسكون العين - واشتهرت بالفارسية ب‍: برف
چين.
ويدل على حل بعض هذه بعض الأخبار أيضا، ففي رواية محمد بن
حكيم: (أطعموا المحموم لحم القباج، فإنه يقوي الساقين ويطرد الحمى
طردا) (3).
وفي مرفوعة السياري: (من سر أن يقل غيظه فليأكل لحم
الدراج) (4).
وفي رواية علي بن مهزيار: تغديت مع أبي جعفر عليه السلام فأتى بقطاة،
فقال: إنه مبارك وكان أبي يعجبه، وكان يقول: أطعموه صاحب اليرقان

(1) القاموس المحيط 3: 366.
(2) كما في الروضة البهية 7: 288.
(3) الكافي 6: 312 / 4، الوسائل 25: 49 أبواب الأطعمة المباحة ب 18 ح 1.
(4) الكافي 6: 312 / 3، المحاسن: 475 / 478، الوسائل 25: 50 أبواب الأطعمة
المباحة ب 18 ح 3.
93

يشوى له، فإنه ينفعه) (1).
وروى الطبرسي في المجمع: أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأكل الدجاج (2).
وورد: أن الدجاج الجلالة تربط ثلاثة أيام ثم تؤكل، والبطة تربط
خمسة أيام ثم تؤكل (3).
وصرح الشهيد الثاني بورود النص على الحجل والطيهوج والكروان
والكركي والصعوة أيضا (4)، إلا أنا لم نقف على نص فيها بعد.
المسألة العاشرة: لا خلاف بين أصحابنا في أن طير البحر - كالبط
والاوزة وغيرهما - كطير البر في اندراجه تحت القواعد الكلية المتقدمة،
المثبتة للحل والحرمة، ومساواته له فيما ينص عليه، لاطلاق أخبار
العلامات، بل تنصيص بعضها بأن طير الماء مثل ذلك كما مر (5)، ولمرسلة
الفقيه المتقدمة في المسألة الأولى من الفصل الأول (6).
وفي رواية زكريا بن آدم: عن دجاج الماء، قال: (إذا كان يلتقط غير
العذرة فلا بأس) (7).
وفي حسنة [نجية] (8) بن الحارث: عن طير الماء وما يأكل السمك
منه يحل؟ قال: (لا بأس به كله) (9).

(1) الكافي 6: 312 / 5، الوسائل 25: 49 أبواب الأطعمة المباحة ب 18 ح 2.
(2) مجمع البيان 2: 236.
(3) الكافي 6: 251 / 3، التهذيب 9: 46 / 192، الإستبصار 4: 77 / 285،
الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 1.
(4) المسالك 2: 241.
(5) في ص: 790 و 80.
(6) راجع ص: 16.
(7) الفقيه 3: 206 / 941، الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 5.
(8) في النسخ: جنة، والصحيح ما أثبتناه، كما في التهذيب والوسائل.
(9) الفقيه 3: 206 / 939، التهذيب 9: 17 / 68، الوسائل 24: 158 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 22 ح 1.
94

ومقتضاها: حلية مطلق طير الماء وإن كان مثله حراما في البر، إلا أنه
يقيد بما مر، وكذا مقتضاها حلية ما يأكل منه السمك.
قيل: الظاهر أنها محمولة على التقية، إذ لا قائل بمضمونها من
الأصحاب (1).
فإن أراد به حكمها بحلية مطلق الطير فلا بأس به.
وإن أراد حكمها بحلية ما يأكل السمك، فإن كان نظره إلى أن ما يأكل
اللحم من طيور البر حرام عند الأصحاب ففيه نظر، لما عرفت في الصرد
وأنه يصيد العصافير.
وإن كان أن الأصحاب صرحوا بحرمة ما يأكل السمك فلم نقف على
تصريح من الأصحاب به.
المسألة الحادية عشرة: البيض تابع للمبيض، فيحل بيض ما يؤكل
لحمه ويحرم مما لا يؤكل، بلا خلاف فيه يعرف، بل مطلقا كما قيل (2).
وظاهر الكفاية وعن صريح الغنية الاجماع عليه (3)، ولعله محقق أيضا، فهو
الحجة فيه، مضافا إلى الخبرين المتقدمين في بيض السمك (4).
وأما ما في المستفيضة المعتبرة من حلية ما اختلف طرفاه مطلقا
وحرمة ما تساويا كذلك، كصحيحة محمد: (إذا دخلت أجمة فوجدت
بيضا فلا تأكل منه إلا ما اختلف طرفاه) (5).

(1) قال في المسالك 2: 241... ونبه المصنف بتخصيصه على خلاف بعض العامة
حيث ذهب إلى حله كله كحيوانه.
(2) انظر الرياض 2: 286.
(3) الكفاية: 249، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(4) في ص: 70.
(5) الكافي 6: 248 / 1، التهذيب 9: 15 / 57، الوسائل 24: 154 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 20 ح 1.
95

وزرارة: البيض في الآجام، فقال: (ما استوى طرفاه فلا تأكل، وما
اختلف طرفاه فكل) (1).
ورواية مسعدة: (كل من البيض ما لم يستو رأساه) وقال: (ما كان
من بيض طير الماء مثل بيض الدجاج وعلى خلقته أحد رأسيه مفرطح، وإلا
فلا تأكل منه) (2).
أقول: المفرطح ماله عرض في استدارة.
وصحيحة ابن سنان: عن بيض طير الماء، فقال: (ما كان منه مثل
بيض الدجاج) يعني على خلقته (فكل) (3).
فهي وإن كانت بإطلاقها أو عمومها شاملة لبيض كل طير، إلا أن
الأصحاب حملوها على صورة اشتباه البيض أنه من أي طير لا مطلقا، كما
هو ظاهر مورد الصحيحين الأولين..
وصريح رواية أبي الخطاب: عن رجل يدخل الأجمة فيجد فيها بيضا
مختلفا لا يدري بيض ما هو، أبيض ما يكره من الطير أو يستحب؟ فقال:
(إن فيه علما لا يخفى، انظر إلى كل بيضة تعرف رأسها من أسفلها فكل،
وما سوى ذلك فدعه) (4).

(1) الكافي 6: 249 / 2، الفقيه 3: 205 / 936، التهذيب 9: 16 / 60، الوسائل
24: 155 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 4.
(2) الكافي 6: 249 / 4، التهذيب 9: 16 / 61، قرب الإسناد: 49 / 160، الوسائل
24: 155 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 5.
(3) الفقيه 3: 206 / 942، التهذيب 9: 15 / 59، الوسائل 24: 154 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 20 ح 2.
(4) الكافي 6: 249 / 3، التهذيب 9: 15 / 58، الوسائل 24: 155 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 20 ح 3.
96

وابن أبي يعفور: إني أكون في الآجام فيختلف علي البيض فما آكل
منه؟ فقال: (كل منه ما اختلف طرفاه) (1).
وظاهر الروايتين اعتقاد السائل الكلية الأولى انتفاء وثبوتا، وأن
المشتبه له حكم البيض المشتبه، فهاتان الروايتان - مضافتين إلى ظاهر
الاجماع المحقق والمحكي - شواهد على الحمل المذكور، مضافا إلى كون
الروايتين المثبتتين للكلية الأولى أخص مطلقا من تلك الاطلاقات أو
العمومات، لاختصاصهما بالبيض المعلوم حال مبيضه وعموم غيرهما له
وللمشتبه، فمقتضى القاعدة التخصيص.
هذا على تقدير انفكاك الضابطين وإمكان تعارضهما، وأما على تقدير
ثبوت التلازم بينهما - كما يستفاد من رواية أبي الخطاب - فيرتفع الاشكال
رأسا.
ومما ذكر ظهر حكم المشتبه من البيض أيضا، فيرجع إلى الكلية
الثانية من ملاحظة الطرفين، والظاهر أنه لا خلاف فيه أيضا كما صرح به
بعضهم (2)، وعليه الاجماع عن الغنية (3)، وتدل عليه الروايات المذكورة.

(1) الكافي 6: 249 / 5، الوسائل 24: 156 أبواب الأطعمة المحرمة ب 20 ح 6.
(2) كصاحب الرياض 2: 286.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
97

الفصل الثالث
في غير الطير من الحيوانات البرية من الأهلية والوحشية
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: السباع حرام مطلقا، سواء كانت قوية أو ضعيفة،
بلا خلاف فيه يعرف، أو مطلقا كما في الكفاية (1) وشرح المفاتيح
وغيرهما (2)، بل مجمع عليه كما في شرح الإرشاد للأردبيلي (3)، وعن
الخلاف والغنية (4) وغيرهما من كتب الجماعة (5)، بل بالاجماع المحقق،
فهو فيه الحجة، مضافا إلى المستفيضة المعتبرة المتقدمة في مسألة سباع
الطير (6).
وأما بعض الأخبار الدالة على انحصار الحرام فيما حرمه الله في
القرآن (7) فهي عامة بالنسبة إلى الأخبار المتقدمة، فبها مخصصة، وعلى
فرض التساوي فإما مؤولة، أو محمولة على التقية لموافقتها في المورد
للعامة (8)، أو مطروحة لمخالفتها الجماعة.

(1) الكفاية: 248.
(2) انظر الرياض 2: 283.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 11: 166.
(4) الخلاف 2: 538، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(5) كما في كشف اللثام 2: 83.
(6) في ص: 73.
(7) انظر الوسائل 25: 9 أبواب الأطعمة المباحة ب 1.
(8) انظر المغني والشرح الكبير 11: 67، صحيح مسلم بشرح النووي 13: 82.
98

ثم السبع هو المفترس من الحيوانات بطبعه أو للأكل كما في
القاموس (1)، أو هي التي لها أنياب أو أظفار يعدو بها على الحيوان
ويفترسه، وقد يوجدان معا في السبع، كما في الأسد والسنور.
والناب من الحيوان: السن الذي يفترس به، ومن الانسان ما يلي
الرباعيات.
وقد يقال: إن السبع هو الذي يأكل اللحم (2). والكل متلازمة على
الظاهر.
ثم من السباع من غير الطيور: الأسد والنمر والفهد والذئب والكلب
والدب، وهي من أقويائها، والثعلب والضبع والسنور وابن آوي، وهي من
ضعفائها، ويصرح بكون السنور سبعا بعض الروايات: (إن في كتاب علي
عليه السلام أن الهر سبع) (3).
ومنهم من عد منها الأرنب، وتدل عليه رواية العلل: (وحرم الأرنب
لأنها بمنزلة السنور، ولها مخالب كمخالب السنور وسباع الوحش فجرت
مجراها) إلى أن قال: (لأنها مسخ أيضا) (4).
المسألة الثانية: يحرم من الحيوانات المسوخات أيضا، بلا خلاف
فيها يعرف كما في الكفاية (5). وفي شرح المفاتيح: إن عليه عمل
الأصحاب. بل بالاجماع، فهو الدليل عليه، مضافا إلى المستفيضة بل

(1) القاموس المحيط 3: 37.
(2) كما في بداية المجتهد 1: 468.
(3) الكافي 3: 9 / 4، التهذيب 1: 227 / 655، الوسائل 1: 227 أبواب الأسئار
ب 2 ح 2.
(4) علل الشرائع: 482 / 1، الوسائل 24: 109 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 11.
(5) الكفاية: 248.
99

المتواترة معنى المتقدمة كثيرة منها في مسألة مسوخ الطير (1).
ثم من المسوخات: الفيل والذئب والأرنب والوطواط والقردة والخنازير
والجريث والضب والفأرة والعقرب والدب والوزغ والزنبور والدبى - وهو شئ
يشبه الجراد - ذكرها كلا سوى الأخير في رواية محمد بن الحسن الأشعري (2).
وتدل عليه في الفيل رواية الحسين بن خالد، وفي القردة والخنزير
والدب رواية المفضل، وفي القرد رواية العيون المتقدمة جميعا في مسألة
مسخ الطير (3)، وفي الأرنب رواية العلل المذكورة في المسألة السابقة، وفي
الضب والفأرة والقردة والخنازير حسنة الحلبي (4)، وفي القردة والخنازير
والوبر والورل رواية الكلبي النسابة (5).
والوبر - بسكون الباء - دويبة على قدر السنور، غبراء أو بيضاء،
حسنة العينين، لا ذنب لها، شديدة الحياء، حجازية.
والورل - محركة - دابة كالضب أو العظيم من أشكال الوزغ، طويل
الذنب، صغير الرأس.
وفي الأخير: موثقة الساباطي: في الذي يشبه الجراد وهو الذي
يسمى الدبى، ليس له جناح يطير به إلا أنه يقفز قفزا أيحل أكله؟ قال: (لا
يؤكل ذلك، لأنه مسخ) (6).

(1) راجع ص: 74.
(2) المتقدمة في ص: 76.
(3) في ص: 75.
(4) الكافي 6: 245 / 5، التهذيب 9: 39 / 163، الوسائل 24: 104 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 2 ح 1.
(5) المتقدمة في ص: 67.
(6) التهذيب 9: 82 / 350، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 7.
100

وفي رواية أبي سهل القرشي: عن لحم الكلب، قال: (هو مسخ) (1).
وبعض الروايات - المشعرة بحلية بعض أفراد ما ذكر أو من السبع أو
الحشار (2) - مطروحة أو على التقية محمولة.
وقد ظهر منها أن المسوخ من حيوانات البر - غير الطير - أربعة عشر:
الفيل والذئب والأرنب والكلب والقردة والخنازير والضب والفأرة والعقرب
والدب والوزغ والوبر والورل والدبى، ومع الطيور الثلاثة - الطاووس
والوطواط والزنبور - تصير ستة عشر، ومع الثلاثة البحرية المصرح بمسخها
في رواية الكلبي (3) ترتقي إلى تسعة عشر، وجميعها أمساخ.
وزاد فيها في الفقيه سبعة أخرى: النعامة والدعموص والسرطان
والسلحفاة والثعلب واليربوع والقنفذ (4). ولجواز أن يكون ذلك من كلامه
دون تتمة رواية محمد - كما صرح به بعضهم (5) - لا حجية فيه.
نعم، ذكر بعض المتأخرين - بعد نقل ذلك عن الصدوق -: ويؤيده
بعض الأخبار. ولكن لم نعثر عليه، فلا يفيد.
وفي ذيل رواية أبي سعيد الخدري الطويلة: (إن الله مسخ سبعمائة
أمة عصوا الأوصياء بعد الرسل، فأخذ أربعمائة منهم برا وثلاثمائة بحرا) (6).
ويحتمل أن تكون تلك العدة من أنواع العصاة دون المسوخ،
فمسخت عدة منهم على نوع واحد من الحيوانات.

(1) الكافي 6: 245 / 7، التهذيب 9: 39 / 164، الوسائل 24: 105 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 2 ح 4.
(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2.
(3) الكافي 6: 221 / 12، الوسائل 24: 131 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 5.
(4) الفقيه 3: 213.
(5) وهو الفيض الكاشاني في الوافي 19: 33.
(6) الكافي 6: 243 / 1، علل الشرائع: 460 / 1، الوسائل 24: 107 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 2 ح 9.
101

ويحتمل أن تكون تلك العدة من أنواع المسوخ ولكن لم يبق
للجميع مثال، كما روى الصدوق في الفقيه: إن المسوخ لم تبق أكثر من
ثلاثة أيام وأن هذه مثل لها (1).
المسألة الثالثة: ومن الحيوانات المحرمة: حشرات الأرض، جعله
في الكفاية من المعروف (2)، وفي المسالك: إنه عندنا موضع وفاق (3). وفي
شرح الإرشاد للأردبيلي: لعله إجماعي (4).
وقيل - بعد ذكر حيوانات منها: الحشار كلها، والحكم بتحريمها -:
ولا خلاف في شئ من ذلك (5).
بل عليه الاجماع في الخلاف والغنية (6)، وغيرهما (7)، والظاهر كون
حرمتها إجماعا محققا، فهو الحجة فيه.
مضافا إلى المروي في الدعائم - المنجبر ضعفه بما ذكر -: عن
علي عليه السلام: أنه نهى عن الضب والقنفذ وغيره من حشرات الأرض (8).

(1) الفقيه 3: 213 / 989، الوسائل 24: 108 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2 ح 10.
(2) الكفاية: 249.
(3) المسالك 2: 239.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 11: 167.
(5) كما في المسالك 2: 239.
(6) الخلاف 2: 541، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(7) كالمفاتيح 2: 183.
(8) دعائم الاسلام 2: 123، المستدرك 16: 170 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2
ح 6.
102

مضافا في بعضها إلى أنه من المسوخ، وبعضها من الخبائث، بل عد
بعضهم جميعها منها (1)، وبعضها ذو سم مضر.
قال الشهيد الثاني في حاشية المسالك: الحشار صغار دواب
الأرض (2).
أقول: حشرات الأرض هي الحيوانات التي تأوي ثقب الأرض، وهي
كثيرة لا تكاد تحصر، ومنها: الفأرة، والحية، والعقرب، والجرذ وهي نوع
من الفأرة.
واليربوع، وهي أيضا نوع من الفأرة قصير اليدين جدا، طويل
الرجلين، لونه كلون الغزال.
والخنفساء، بضم الأول وفتح الثالث أو ضمه على لغة مع المد.
والصراصر، وهي التي يقال لها بالفارسية: زنجرة.
والقنفذ، ويسمى بالفارسية: خارپشت.
وسام أبرص، ويقال بها: سوسمار، وهو الضب.
والعظاية - بالظاء المعجمة بعد المهملة - دويبة أكبر من الوزغة، قاله
الجوهري (3). وفي القاموس: إنها دويبة كسام أبرص (4).
واللحكة - كهمزة - دويبة زرقاء تشبه العظاية، وليس لها ذنب طويل
كذنبها، وفي السرائر: إنها دويبة كالسمك تسكن الرمل، فإذا رأت الانسان

(1) انظر المسالك 2: 239.
(2) الحاشية غير موجودة، لكن في متن المسالك 2: 232: المراد بالحشرات ما
سكن باطن الأرض من الدواب.
(3) انظر الصحاح 6: 2431.
(4) القاموس المحيط 4: 366.
103

غاصت وتغيبت فيه، وهي صقيلة تشبه أنامل العذارى (1).
وبنات وردان - بفتح الواو مبنيا على الفتح - وهي دويبة تتولد في
الأماكن الندية، وأكثر ما تكون في الحمامات والسقايات.
والديدان بأنواعها، والعناكب، والرتيلا، وما يقال له بالفارسية:
هزارپا، والبرغوث، وغير ذلك.
وفي كثير منها أيضا نصوص خاصة محرمة، كالحية والعقرب والفأرة
واليربوع والقنفذ والضب (2).
المسألة الرابعة: تحرم القمل إجماعا - لخباثتها، بل هي من أخبث
الخبائث - والدود الخارج من الانسان، والحيوانات الصغار التي تلصق
بأبدان الحيوانات كما يقال لها بالفارسية: كنه ومله، للاجماع والخباثة.
المسألة الخامسة: هل تحرم الديدان المتكونة في الفواكه كدود
التفاح والبطيخ ونحوهما؟
فيه إشكال، ولا دليل على حرمتها إلا الخباثة، وفي تأمل يعلم وجهه
مما مر في بيان الخباثة.
المسألة السادسة: صرح جمع من المتأخرين بعدم الخلاف في
تحريم الخز والسمور والفنك والسنجاب (3).
أما الخز، فقد مر تحقيقه في كتاب الطهارة.
وأما البواقي، فصرح به في الرضوي بتحريمها (4)، وضعفه غير

(1) السرائر 3: 105.
(2) انظر الوسائل 24: 104 أبواب الأطعمة المحرمة ب 2.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 240، الفيض في المفاتيح 2: 183.
(4) فقه الرضا (ع): 302، المستدرك 16: 207 أبواب الأطعمة المحرمة ب 47
ح 2.
104

ضائر، لأن الاشتهار له جابر، فما ذكره بعض متأخري المتأخرين من انتفاء
المستند لتحريم السمور والفنك (1) غير جيد. وبعض الأخبار المشعرة بعدم
تحريم السنجاب (2) مرجوحة، لمخالفة الطائفة وموافقة العامة (3).
المسألة السابعة: حلية النعم الثلاث الأهلية - الإبل والبقر والغنم -
من الضروريات الدينية..
قال الله سبحانه: (ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم
الله) إلى أن قال سبحانه: (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز
اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين) إلى أن قال عز شأنه: (ومن الإبل
اثنين ومن البقر اثنين) (4).
في تفسير علي: فهذه التي أحلها الله في كتابه - إلى أن قال -: فقال
صلى الله عليه وآله: (من الضأن اثنين) عنى الأهلي والجبلي (ومن المعز اثنين)
عنى الأهلي والوحشي الجبلي (ومن البقر اثنين) عنى الأهلي والوحشي
الجبلي (ومن الإبل اثنين) عنى البخاتي والعراب، فهذه أحلها الله) (5).
وفي معناه خبر آخر في الكافي، وفيه: (ومن المعز اثنين زوج داجنة
يربيها الناس، والزوج الآخر الظباء التي تكون في المفاوز) (6).
المسألة الثامنة: الحق المشهور بين الأصحاب حلية الحمول الثلاثة

(1) كما يستفاد من كلام المحقق السبزواري في الكفاية: 249.
(2) الوسائل 24: 192 أبواب الأطعمة المحرمة ب 41.
(3) المغني والشرح الكبير 11: 72.
(4) الأنعام: 142، 143، 144.
(5) تفسير القمي 1: 219، المستدرك 16: 349 أبواب الأطعمة المباحة ب 17
ح 2.
(6) الكافي 8: 283 / 427.
105

الأهلية التي تحمل الأثقال وتركب: الخيل والبغال والحمير. وفي الكفاية:
إنه المعروف بين الأصحاب حتى كاد أن يكون اتفاقيا (1). وفي شرح
الأردبيلي: كاد أن يكون إجماعيا (2). وعن الخلاف الاجماع عليه (3)، بل هو
إجماع محقق ظاهرا، فهو الدليل عليه، مضافا إلى الأصل، والعمومات (4)،
وخصوص المستفيضة (5).
والأخبار المعارضة لها (6) مرجوحة جدا، لمخالفتها عموم الكتاب
وعمل الأصحاب، وموافقتها لهؤلاء... (7).
خلافا للمحكي عن الحلبي في البغال، فحرمها (8)، لبعض الأخبار
المشار إليها، وهي - مع ما فيها مما ذكر - متضمنة للخيل والحمير أيضا،
وهو لا يقول بحرمتهما، فالنهي فيها غير باق على ظاهره عنده أيضا.
نعم، تكره هذه الثلاثة، حملا للأخبار الناهية على الكراهة، والظاهر
عدم الخلاف فيها وإن اختلفوا فيما هو أشد كراهة من الحمير والبغال،
والأمر فيه سهل.
المسألة التاسعة: يحل من البهائم الوحشية: البقر، والكباش الجبلية
- جمع الكبش والمراد به: الضأن والمعز الجبليين - والغزلان - جمع الغزال

(1) الكفاية: 248.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 11: 158.
(3) الخلاف 2: 540.
(4) الأنعام: 145.
(5) انظر الوسائل 24: 117، 121 أبواب الأطعمة المحرمة ب 4، 5.
(6) انظر الوسائل 24: 118، 120 أبواب الأطعمة المحرمة ب 4 ح 3 و 4 و 9، و ص
121، 122 ب 5 ح 1، 2، 5.
(7) انظر بداية المجتهد 1: 469، المغني والشرح الكبير 11: 66 و 67.
(8) كما في الكافي في الفقه: 277.
106

وهو الظبي - والحمر، واليحامير - جمع يحمور - قيل: هو حيوان شبيه
بالإبل وليس هو إياه (1). وفي عجائب المخلوقات: إنه دابة وحشية نافرة لها
قرنان طويلان كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما كل سنة (2). وفي
القاموس: اليحمور يقال لحمار الوحش، ولدابة أخرى، ولطائر (3).
ثم حلية الخمسة مما لا خلاف فيه بين المسلمين، صرح به
جماعة (4)، وفي المفاتيح وشرحه الاجماع عليه (5).
ويدل في الجميع: الأصل والعمومات الكتابية والسنتية.
وفي الثلاثة الأولى: ما يدل على حلية الأزواج الثمانية، سيما مع ما
سبق في بيانها.
وفي خصوص الأول أو الثاني: مرسلة الفقيه: في إيل اصطاده رجل
فقطعه الناس والذي اصطاده يمنعه ففيه نهي؟ فقال: (ليس فيه نهي وليس
به بأس) (6).
والإيل - بكسر الهمزة وضمها - بقر الجبل، وقيل: هو - بالكسر
فالفتح - ذكر الأوعال، ويقال: هو الذي يسمى بالفارسية: گوزن (7)، وفي
كنز اللغة: إيل بز كوهي نروگوزن.

(1) قال في لسان العرب 4: 215 هو دابة تشبه العنز.
(2) لم نعثر عليه في عجائب المخلوقات وهو موجود في حياة الحيوان الكبرى
للدميري 2: 434.
(3) القاموس المحيط 2: 14.
(4) كما في المسالك 2: 239، كشف اللثام 2: 83، رياض المسائل 2: 283.
(5) مفاتيح الشرائع 2: 182.
(6) الفقيه 3: 204 / 930، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 17 ح 4.
(7) انظر لسان العرب 11: 35 و 36.
107

وفي الثالث والرابع: موثقة سماعة: عن رجل رمى حمار وحش أو
ظبيا فأصابه ثم كان في طلبه - إلى أن قال -: فقال عليه السلام: (إن علم أنه أصابه
وأن سهمه هو الذي قتله فليأكل، وإلا فلا يأكل) (1).
وفي الرابع: رواية أبي بصير: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن لحوم الحمر
الأهلية، وليس بالوحشية بأس) (2).
وفي الخامس: المروي في محاسن البرقي: عن الآمص فقال عليه السلام:
(وما هو؟) فذهبت أصفه فقال: (أليس اليحامير؟) قلت: بلى، قال:
(أليس تأكلونه بالخل والخردل والأبزار (3)؟) قلت: بلى، قال: (لا بأس
به) (4).
وقال الصدوق في الفقيه: ولا بأس بأكل الآمص، وهو اليحامير (5).
وكلامه هذا يحتمل أن يكون من تتمة الحديث السابق عليه، المروي
عن محمد، وأن يكون من كلامه، كذا قيل (6).
ثم المستفاد من رواية أبي بصير بقرينة التفصيل: عدم الكراهة في
الحمر الوحشية.

(1) الكافي 6: 210 / 4، التهذيب 9: 34 / 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد
ب 18 ح 3.
(2) التهذيب 9: 42 / 177، الوسائل 24: 124 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 7.
(3) كذا في (ح) والمصدر، وأما في سائر النسخ: والأرز.
(4) المحاسن: 472 / 470. الآمص والآميص طعام يتخذ من لحم عجل بجلده، انظر
القاموس 2: 306.
والأبزار جمع البزر وهو التابل يقال لها بالفارسية: أدوية جات، انظر لسان
العرب 4: 56.
(5) الفقيه 3: 213.
(6) قاله الفيض في الوافي 19: 33.
108

وعن الحلي والتحرير والدروس: كراهته (1). قيل: وله وجه، لاطلاق
بعض أخبار كراهة الحمار (2)، وخصوص رواية نصر بن محمد: في لحوم
حمر الوحش أنه: (يجوز أكله لوحشته، وتركه عندي أفضل) (3).
ولا بأس به وإن كان في الدليلين كلام.
ثم تخصيص الفقهاء هذه الخمسة بالذكر إما لشيوع صيدها، أو
لورودها في الأخبار المذكورة. وقال الأردبيلي: وكأنه للتمثيل والتبيين في
الجملة (4). وإلا فلا تختص الحلية بها، بل كل غير ما ذكرت حرمته داخل
تحت أصل الإباحة وعمومات الحلية.

(1) الحلي في السرائر 3: 101، تحرير الأحكام 2: 159، الدروس 3: 5.
(2) كما في الوسائل 24: 117 أبواب الأطعمة المحرمة ب 4.
(3) الكافي 6: 313 / 1، الوسائل 25: 50 أبواب الأطعمة المباحة ب 19 ح 1.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 11: 165.
109

الفصل الرابع
في التحريم العارض للحيوانات المحللة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من موجبات عروض الحرمة: الجلل، وهو موجب
للحرمة على الأشهر، بل بلا خلاف يذكر، إلا من شاذ ممن تأخر كما
ستعرف، إذ لا ينسب الخلاف إلا إلى الخلاف والمبسوط والإسكافي،
حيث تنسب إليهم الكراهة (1).
وحاول جماعة بإرجاع كلامهم إلى المشهور بإرادتهم كراهة ما تكون
العذرة أكثر غذائه لا أن ينحصر فيها، والجلل يختص بالأخير (2). وكلام
الخلاف ظاهر في ذلك (3).
وكيف كان، فالأقوى هنا: الحرمة، للمستفيضة:
منها صحيحة أبي حمزة: (لا تأكلوا لحوم الجلالات، وإن أصابك من
عرقها فاغسله) (4).
ومفهوم الشرط في مرسلة ابن أسباط: في الجلالات، قال: (لا بأس
بأكلهن إذا كن يخلطن) (5).

(1) نسبه إليهم الفاضل المقداد السيوري في التنقيح 4: 37 والمحقق السبزواري في
الكفاية: 249.
(2) منهم فخر المحققين في الإيضاح 4: 149، صاحب الرياض 2: 282.
(3) الخلاف 2: 541.
(4) الكافي 6: 250 / 1، الإستبصار 4: 76 / 281، الوسائل 24: 164 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 27 ح 1.
(5) الكافي 6: 252 / 7، الإستبصار 4: 78 / 288، التهذيب 9: 47 / 195،
الوسائل 24: 164 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 3.
110

ومفهوم الغاية في مرسلة النميري: في شاة شربت بولا ثم ذبحت،
قال: فقال: (يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به، وكذلك إذا اعتلفت العذرة
ما لم تكن جلالة، والجلالة: التي يكون ذلك غذاؤها) (1).
وفي مرسلة الفقيه: نهى عليه السلام عن ركوب الجلالات وشرب ألبانها،
وقال: (إن أصابك شئ من عرقها فاغسله، والناقة الجلالة تربط أربعين
يوما ثم يجوز بعد ذلك نحرها وأكلها، والبقرة تربط ثلاثين يوما) (2).
المؤيدة بأخبار أخر متضمنة للجمل الخبرية، كما يأتي بعضها.
ولا تنافيها صحيحة سعد: عن أكل لحوم دجاج الدساكر وهم لا
يمنعونها من شئ تمر على العذرة مخلى عنها، وعن أكل بيضهن، فقال:
(لا بأس به) (3)، إذ لم يصرح السائل فيها بأكل العذرة، والأصل يقتضي
عدمه، وعلى تقدير الأكل لم تعلم الأكثرية أو الدوام الموجب للجلل،
فالقول بالكراهة - كما في الكفاية - (4) ضعيف جدا.
ثم إنه يشترط في حصول الجلل أمور ثلاثة: الاغتذاء بعذرة الانسان،
محضا، في مدة يحصل فيها الجلل.
أما الأول، فلمرسلة النميري المتقدمة، حيث قال فيها: (التي يكون

(1) الكافي 6: 251 / 5، التهذيب 9: 47 / 194، الإستبصار 4: 78 / 287،
الوسائل 24: 160 أبواب الأطعمة المحرمة ب 24 ح 2.
(2) الفقيه 3: 214 / 991، الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 6.
(3) الكافي 6: 252 / 8، التهذيب 9: 46 / 193، الإستبصار 4: 77 / 286،
الوسائل 24: 165 أبواب الأطعمة المحرمة ب 27 ح 4.
الدسكرة: القرية والصومعة والأرض المستوية وبيوت الأعاجم يكون فيها
الشراب والملاهي - القاموس 2: 30.
(4) الكفاية: 249.
111

ذلك غذاؤها)، فإن المشار إليه هو العذرة، مضافا إلى وجوب الاقتصار في
التحريم على المعلوم، ولم يعلم صدق الجلل في الاغتذاء بغير العذرة.
خلافا للمحكي عن الحلبي، فألحق بالعذرة غيرها من النجاسات (1).
وهو شاذ مندفع بما مر.
وأما الثاني، فللأصل المذكور أيضا، مضافا إلى مرسلتي النميري وابن
أسباط المتقدمتين، المنجبرتين لو كان فيهما ضعف. خلافا للمحكي عن
المبسوط، فلم يعتبر التمحض (2). وهو أيضا شاذ ضعيف وإن كان النزاع
يرجع لفظيا، لأنه يقول فيه بالكراهة.
وأما الثالث، فظاهر، ولكنهم اختلفوا في المدة التي يحصل بها
الجلل، فقدرها بعضهم بأن ينمو ذلك في بدنه ويصير جزءا (3)، وآخر بيوم
وليلة (4)، وثالث بأن يظهر النتن، أي رائحة النجاسة التي اغتذت بها في
لحمه وجلده (5)، ورابع بأن يسمى في العرف جلالا (6).
وغير الأخير خال عن المستند والدليل، والأخير وإن كان المحكم
فيما لم يرد به من الشرع تعيين إلا أن العرف فيه غير منضبط جدا،
خصوصا عند أهل تلك الأزمنة، سيما تلك البلاد العجمية، فإنه لا عرف
لهم في لفظ الجلا ل، إلا أن يقال: إن معناه آكل العذرة المعبر عنه
بالفارسية: نجاست خوار، وهذا يحتمل معنيين:

(1) الكافي في الفقه: 278.
(2) المبسوط 6: 282.
(3) كالشهيد الثاني في الروضة 7: 290.
(4) كالمقداد السيوري في التنقيح 4: 36.
(5) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 238.
(6) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 249 وصاحب الرياض 2: 283.
112

أحدهما: أنه لا يحترز ولا يتوقى من أكل النجاسة، ولا شك أنه
يصدق بأكل مرة ومرتين، بل بميله إلى الأكل وإن منع عنه.
وثانيهما: أن مأكوله العذرة من غير تقييد بوقت، ومرادفه في
الفارسية: خوراك آن نجاست است، ولا شك أن هذا بالاطلاق لا يصدق
إلا إذا اغتذى بالنجاسة مدة طويلة، كشهر أو نصف شهر أو نحوهما، ولا
أقل من أسبوع أو ثلاثة أيام، فصدق الجلا ل في الأقل غير معلوم، والأصل
أقوى متبع، والاجماع المركب في أمثال المقام غير معلوم، ولو أبيت عنه فخذ
بأكثر ما قيل من ظهور النتن، ولو احتطت فخذ بيوم وليلة، وهو طريق السلامة.
ثم لو انتفى التمحض، ولكن كان أكل العذرة أكثر، كره على
المشهور، فهو الحجة فيه، لتحمله المسامحة.
المسألة الثانية: تحريم الجلال ليس بالذات حتى يستقر ولم يرتفع،
بل هو لصدق الجلال، فيرتفع بالاستبراء إجماعا، بأن يربط ويطعم العلف
الطاهر في مدة معينة، وهي في الإبل أربعون يوما اتفاقا فتوى ونصا، ومما
ينص عليه مرسلة الفقيه المتقدمة..
ورواية السكوني: (الدجاجة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تقيد ثلاثة
أيام، والبطة الجلالة خمسة أيام، والشاة الجلالة عشرة أيام، والبقرة الجلالة
عشرين يوما، والناقة أربعين يوما) (1).
ومرفوعة يعقوب بن يزيد: (الإبل الجلالة إذا أردت نحرها تحبس
البعير أربعين يوما، والبقرة ثلاثين يوما، والشاة عشرة أيام) (2).

(1) الكافي 6: 251 / 3، التهذيب 9: 46 / 192، الإستبصار 4: 77 / 285،
الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 1.
(2) الكافي 6: 252 / 6، الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 4.
113

ورواية يونس المروية في الكافي في الدجاج: (يحبس ثلاثة أيام،
والبطة سبعة أيام، والشاة أربعة عشر يوما، والبقر ثلاثين يوما، والإبل
أربعين يوما ثم يذبح) (1).
وبسام: في الإبل الجلالة، قال: (لا يؤكل لحمها ولا تركب أربعين
يوما) (2).
ومسمع: (الناقة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغتذي
أربعين يوما، والبقرة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغتذي
ثلاثين يوما، والشاة الجلالة لا يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها حتى تغتذي
عشرة أيام، والبطة الجلالة لا يؤكل لحمها حتى تربط خمسة أيام،
والدجاجة ثلاثة أيام) (3)، وفي نسخ التهذيب والاستبصار بدلت ثلاثين
البقرة في هذه الرواية بأربعين، وعشرة الشاة بخمسة.
وفي رواية الجوهري المروية في الفقيه: (إن البقرة تربط عشرين
يوما، والشاة تربط عشرة أيام، والبطة تربط ثلاثة أيام) (4) قال: وروي ستة
أيام، والدجاجة تربط ثلاثة أيام (5).
والمروي في الدعائم: (الناقة الجلالة تحبس على العلف أربعين
يوما، والبقرة عشرين يوما، والشاة سبعة أيام، والبط خمسة أيام،

(1) الكافي 6: 252 / 9، الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 5.
(2) الكافي 6: 253 / 11، التهذيب 9: 46 / 190، الإستبصار 4: 77 / 283،
الوسائل 24: 167 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 3.
(3) الكافي 6: 253 / 12، التهذيب 9: 45 / 189، الإستبصار 4: 77 / 282،
الوسائل 24: 166 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 2.
(4) الفقيه 3: 214 / 992، الوسائل 24: 168 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 6.
(5) الفقيه 3: 214 / 993، الوسائل 24: 168 أبواب الأطعمة المحرمة ب 28 ح 6.
114

والدجاجة ثلاثة أيام، ثم يؤكل بعد ذلك لحومها، وتشرب ألبان ذوات
الألبان منها، ويؤكل بيض ما يبيض منها) (1).
ثم أكثر أخبار الباب وإن كانت خالية عن الدال على وجوب تعيين
هذه المدة، إلا أن مفهوم المرسلة الأولى يدل على انتفاء الجواز قبلها،
مضافا إلى استصحاب التحريم حتى يعلم جواز الأكل.
فالقول بمتابعة زوال اسم الجلل (2) غير جيد، لأنه لا يستلزم الحل
بعد عروض الحرمة، فيمكن أن يكون الجلا ل حراما مؤيدا وإن انتفى جلله،
فالمتبع دليل التحليل ورفع الحرمة في مدة معينة، وهي - كما عرفت - في
الإبل أربعون يوما.
وأما البقرة، فقد عرفت أن أقل ما ورد في الروايات في مدة استبرائها
عشرون يوما، وعليه المشهور المدعى عليه في الخلاف الاجماع (3)،
وأوسطه الثلاثون، وهو المحكي عن الصدوق والإسكافي (4)، وأكثره
الأربعون، وهو المنقول عن المبسوط (5) والقاضي (6).
فالحق: هو الأول، لا لما قيل من ضعف جميع روايات الباب
واختصاص رواية العشرين بالانجبار (7)، لمنع الضعف عندنا..
بل لدلالة رواية العشرين على جواز الأكل بعدها، وعدم دلالة غيرها
على عدم الجواز قبل ما ذكر فيها، غايتها الرجحان والاستحباب.

(1) دعائم الاسلام 2: 174، المستدرك 16: 187 أبواب الأطعمة المحرمة ب 19 ح 3.
(2) قاله في الروضة 7: 293.
(3) الخلاف 2: 542.
(4) المقنع: 141، حكاه عنهما في المختلف: 676.
(5) المبسوط 6: 282.
(6) حكاه عنه في الرياض 2: 283.
(7) الرياض 2: 283.
115

ودليل القولين الآخرين بجوابه ظاهر مما ذكر، مع أن الأخبار - التي
هي حجة أربابهما - مشتملة على ما لا يقولون به في الشاة.
وأما الشاة، فأقل ما ورد فيها خمسة، ولا قائل بها، وأوسطه عشرة،
وهو المشهور المدعى عليه الاجماع (1)، وأكثره أربعة عشر، وهو المحكي
عن الإسكافي (2)، وقيل فيها بسبعة، وهو المنقول عن المبسوط (3)
والقاضي (4)، وعن الصدوق بعشرين (5)، ولا أعرف مستنده، فهو ساقط،
وكذا السبعة والخمسة، لضعف روايتهما، أما الأولى فلعدم ثبوتها عن
الأصل المعتبر، وأما الثانية فلعدم العامل بها، مضافا إلى ما عرفت من
اختلاف النسخة.. فبقي القولان الآخران، والترجيح للعشرة البتة، لما مر
في البقرة، مضافا إلى أكثرية الرواية.
وأقل مدة البطة في الروايات ثلاثة، وهي المحكية عن الصدوق في
المقنع (6)، وأوسطها الخمسة، وهي المشهورة فيها، بل عن الغنية الاجماع
عليها (7)، وأكثرها السبعة، وهي مختار الخلاف مدعيا عليها الاجماع (8)،
ولولا ضعف رواية الثلاثة - بمخالفة الشهرة العظيمة - لكنا نقول بها، لما مر
في البقرة، ولكنه يمنعنا فنقول بأقل ما فوقها، وهو الخمسة، لما ذكر.

(1) الرياض 2: 283.
(2) حكاه عنه في المختلف: 676.
(3) المبسوط 6: 282.
(4) نقله عنه في الرياض 2: 283.
(5) المقنع: 141.
(6) حكاه عنه في المختلف: 676.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(8) الخلاف 2: 542.
116

وأما الدجاجة، فالروايات متفقة فيها على الثلاثة، فهي المدة المعينة
لها، وأما الخمسة - كما عن الحلبي (1) - أو السبعة - كما عن المبسوط (2) -
فلا نعرف لهما حجة.
ثم طرح جميع الروايات - للضعف والرجوع إلى زوال الجلل عرفا،
كما احتمله بعض المتأخرين (3) - ضعيف غايته، لأنه - مع عدم اعتبار
ضعف السند بعد اعتبار الأصل عندنا - خرق للاجماع المركب أولا، وطرح
للضعيف المنجبر - الذي هو في حكم الصحيح - ثانيا، ورجوع إلى ما لا
دليل على مرجعيته ثالثا، إذ غاية ما علت مرجعيته من الدليل استلزام الجلل
للحرمة، وأما إيجاب رفعه للحرمة المستصحبة فمن أين يعلم؟! إلا
بتخريج عامي ضعيف!!
ومنه يعلم ضعف ما قيل فيما لا تقدير له من الرجوع إلى زوال
الجلل (4)، وقيل بالرجوع فيه إلى ما يستنبط من المقدرات بالفحوى (5)، ولا
بأس به فيما أمكن فيه ذلك، والرجوع إلى أكثر ما يمكن أن يكون مدة
مقتضى الاستصحاب.
فروع:
أ: لا يحصل الجلل بغير أكل العذرة من النجاسات، للأصل، وعدم
الدليل. والتعدي باستنباط العلة قياس مردود.

(1) الكافي في الفقه: 277.
(2) المبسوط 6: 282.
(3) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 11: 254.
(4) انظر إيضاح الفوائد 4: 150، مسالك الأفهام 2: 239.
(5) انظر الرياض 2: 283.
117

ب: الظاهر عدم اختصاص الجلل بالحيوانات المذكورة، بل
يحصل لكل حيوان يغتذي بالعذرة، لعموم صحيحة أبي حمزة (1). والكلام
في استبراء ما ليس له مقدر كما مر.
ج: هل تقع على الجلال الذكاة، أم لا؟
الظاهر: الأول، للاستصحاب، والاطلاقات، وعدم توقف التذكية
على الحلية كما في السباع.
د: هل يشترط في حصول الاستبراء الربط أو الحبس أو القيد، كما
في أكثر الروايات؟ أو يحصل بمطلق الاغتذاء بغير ما يوجب الجلل، كما
هو ظاهر رواية مسمع (2)؟
الظاهر: الثاني، والأحوط: الأول، بل لا يبعد أن يكون أظهر،
لمفهوم قولهم (3): (يجوز) في مرسلة الفقيه (4)، والتعدي في غير موردها
بعدم القول بالفصل.
ه‍: هل يشترط في حصوله العلف بالطاهر، أو يحصل بالمتنجس،
بل بالنجس غير العذرة لو خصصنا الجلل بالعذرة؟
مقتضى الاستصحاب وظهور الطاهر من الاطلاقات: الأول، وهو - كما
قيل (5) - الأشهر.
والمستفاد من إطلاقات النصوص: الثاني، ولا يبعد أن يكون هو الأظهر.

(1) الكافي 6: 250 / 1، الإستبصار 4: 76 / 281، الوسائل 24: 164 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 27 ح 1.
(2) المتقدمة في ص: 114.
(3) كذا في النسخ، والظاهر: قوله...
(4) المتقدمة في ص: 111.
(5) انظر كشف اللثام 2: 262 والرياض 2: 281.
118

و: ظاهر الأصحاب وبعض الروايات المتقدمة - بضميمة الاجماع
المركب - حرمة ألبان الجلالات وبيضها، فيجب الاجتناب عنها قبل
الاستبراء.
ز: يستحب ربط الدجاجة التي يراد أكلها أياما ثم ذبحها وإن لم يعلم
جللها، للمروي في حياة الحيوان: إن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا أراد أن يأكل
دجاجة أمر بها فربطت أياما ثم أكلها (1).
المسألة الثالثة: ومن موجبات عروض الحرمة: وطء الانسان الحيوان
المحلل، بلا خلاف فيه يذكر كما في شرح الإرشاد للأردبيلي (2)، وبلا
خلاف مطلقا كما في شرح المفاتيح وكلام بعض آخر (3)، بل هو فتوى
الأصحاب المشعر بالاجماع كما في المفاتيح (4).
والدليل عليه - بعد الاجماع المحقق ظاهرا في الجملة - رواية مسمع
المنجبر ضعفها - لو كان - بالعمل: سئل عن البهيمة التي تنكح، قال:
(حرام لحمها وكذلك لبنها) (5).
وموثقة سماعة: عن الرجل يأتي بهيمة شاة أو بقرة أو ناقة، قال:
فقال: (عليه أن يجلد حدا غير الحد، ثم ينفى من بلاده إلى غيرها، وذكروا
أن لحم تلك البهيمة محرم ولبنها) (6).

(1) حياة الحيوان 1: 472.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 11: 261.
(3) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 85.
(4) المفاتيح 2: 189.
(5) الكافي 6: 259 / 1، الوسائل 24: 170 أبواب الأطعمة المحرمة ب 30 ح 3.
(6) الكافي 7: 204 / 2، التهذيب 10: 60 / 219، الوسائل 24: 169 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 30 ح 2.
119

وروايات ابن سنان والحسين بن خالد وإسحاق بن عمار: في الرجل
يأتي البهيمة، فقالوا جميعا: (إن كانت البهيمة للفاعل ذبحت، فإذا ماتت
أحرقت بالنار فلم ينتفع بها، وإن لم تكن البهيمة له قومت وأخذ ثمنها منه
ودفع إلى صاحبها وذبحت وأحرقت بالنار ولم ينتفع بها) الحديث (1)، دل
النهي عن مطلق الانتفاع بها على حرمتها.
وحسنة سدير: في الرجل يأتي البهيمة، قال: (يحد دون الحد ويغرم
قيمة البهيمة لصاحبها، لأنه أفسدها عليه، وتذبح وتحرق وتدفن إن كانت
مما يؤكل لحمه، وإن كانت مما يركب ظهره أغرم قيمتها وجلد دون الحد
[وأخرجها] (2) من المدينة التي فعل بها فيها إلى بلاد أخرى حيث لا
تعرف، فيبيعها فيها كيلا يعير بها) (3)، دل التعليل بالافساد على الحرمة وإلا
لم يكن فيه إفساد.
ويؤيده أيضا ما دل على ذبحها وإحراقها:
كصحيحة محمد بن عيسى: عن رجل نظر إلى راع نزا على شاة،
قال: (إن عرفها ذبحها وأحرقها، وإن لم يعرفها قسمها نصفين أبدا حتى
يقع السهم بها، فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها) (4).
والمروي في تحف العقول: سأل يحيى بن أكثم موسى المبرقع عن

(1) الكافي 7: 204 / 3، التهذيب 10: 60 / 218، الإستبصار 4: 222 / 831،
الوسائل 28: 357 أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات والاستمناء ب 1 ح 1.
(2) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: وأخرجت، وما أثبتناه من المصدر.
(3) الكافي 7: 204 / 1، الفقيه 4: 33 / 99، التهذيب 10: 61 / 220، الإستبصار
4: 223 / 833، علل الشرائع: 548 / 3، المقنع: 147، الوسائل 28: 358
أبواب نكاح البهائم ب 1 ح 4.
(4) التهذيب 9: 43 / 182، الوسائل 24: 169 أبواب الأطعمة المحرمة ب 30 ح 1.
120

رجل أتى إلى قطيع غنم فرأى الراعي ينزو على شاة منها، فلما بصر
بصاحبها خلى سبيلها فدخلت في الغنم، كيف يذبح؟ وهل يجوز أكلها أم
لا؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن الثالث عليه السلام فقال: (إنه إن عرفها ذبحها
وأحرقها، وإن لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما، فإذا وقع على
أحد النصفين فقد نجا النصف الآخر، فلا يزال كذلك حتى تبقى شاتان،
فيقرع بينهما، فأيهما وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم) (1).
فروع:
أ: قالوا: كما يحرم لحمها ولبنها كذلك يحرم لحم نسلها المتجدد
بعد الوطء. ونسبه في الكفاية وشرح المفاتيح إلى المشهور (2)، ونفى بعض
من تأخر عنهما الخلاف فيه (3).
وربما يستفاد ذلك من النهي عن الانتفاع بها بقول مطلق شامل
للاستنسال أيضا. وهو حسن، ويؤكده التعليل بإفسادها عليه، ويستأنس له
بالأمر بالذبح والاحراق.
وهل يختص تحريم النسل بنسل الموطوءة الأنثى، أو يحرم نسل
الفحل الموطوء أيضا على تقدير التعدي في الحكم إلى وطء دبر البهيمة
أيضا؟
صرح المحقق الأردبيلي في كتاب الحدود من شرحه باحتمال التعدي
إلى الفحل أيضا، ولعله استند في ذلك إلى أن حلية نسله أيضا نوع انتفاع.

(1) تحف العقول: 359، الوسائل 24: 170 أبواب الأطعمة المحرمة ب 30 ح 4.
(2) الكفاية: 250، المفاتيح 2: 189.
(3) انظر الرياض 2: 498.
121

ولا يخفى أنه خلاف الظاهر المتبادر، وإن لم يكن في التعدي إليه
كثير بعد.
ب: صرح الشهيد الثاني والمحقق الأردبيلي (1) بشمول الواطئ
- الموجب وطؤه للتحريم - للبالغ وغيره، والأول بشموله للمنزل وغيره،
والثاني بشموله للحر والعبد، والعاقل والمجنون، والجاهل بالحكم والعالم.
وهو كذلك، لاطلاق رواية مسمع وصحيحة محمد بن عيسى بالنسبة
إلى الجميع، وإطلاق البواقي بالنسبة إلى غير التعميم الأول، لاختصاصها
بالرجل، ولكنه لا يخصص الأوليين أيضا، لأن التخصيص إنما هو في
السؤال، بل وكذلك لو كان في الجواب أيضا، مع أنه لو دلت على
الاختصاص أيضا لكان لأجل اشتمالها على أحكام لا تجري على غير البالغ
من الحد وأخذ الثمن.
ح: صرح الثاني بشمول الوطء للدبر والقبل ودبر الأنثى والفحل (2).
ويمكن أن يستدل لها بإطلاق النكاح والاتيان والنزو الشاملة لوط
الدبر أيضا، إلا أن بعض الروايات المشتملة للبن أيضا وضميره الراجع إلى
البهيمة يخصصها بالمؤنث، ولكن يكفي إطلاق الباقي بضميمة الاجماع
المركب في الأحكام الغير المذكورة فيه.
د: هل يعم الموطوءة كل حيوان من ذوات الأربع وغيرها - كالطير -
كما هو المشهور؟ أو يختص بالأولى كما حكي عن الفاضل (3)، ويميل إليه

(1) الشهيد الثاني في المسالك 2: 239، الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 11:
261.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 11: 261.
(3) القواعد 2: 157.
122

كلام جمع ممن تأخر عنه (1)؟
حجة الأكثر: صدق البهيمة على كل حيوان لغة، قال الزجاج: هي كل
ذات الروح التي لا تميز، سميت بذلك لذلك (2).
ودليل الباقين: الأصل، وعدم انصراف الاطلاق إلى مثل الطيور، مع
أنه صرح جماعة - منهم الشهيد الثاني في المسالك -: أن البهيمة لغة ذات
الأربع من حيوان البر والبحر (3).
وهو الأقوى، لذلك، مضافا إلى اشتمال بعض الأخبار المتقدمة للبن
المخصوص بذوات الأربع، واختصاص بعضها بالشاة.
ه‍: الواطئ إما مالك البهيمة أو غيره، وعلى التقديرين إما تكون
البهيمة مما يقصد منها لحمها ولبنها - كالشاة والبقرة والغنم - أو ظهرها
وركوبها، كالخيل والبغال والحمير.
فعلى الأول: تذبح وتحرق بالنار، كما هو مدلول روايات أبناء سنان
وخالد وعمار، ويدل عليه إطلاق صحيحة ابن عيسى أيضا، ولا معارض
لها سوى موثقة سماعة، حيث دلت على النفي من البلد دون الاحراق، إلا
أنه يمكن أن يكون المنفي عنها فيها هو الواطئ دون الموطوء، وعدم قائل
به إن سلم يجري في الموطوء المذكور أيضا.
وعلى الثاني: قالوا: تنفى إلى غير بلد الوطء وتباع فيه. وفي أخذ
الثمن منه وعدمه - ثم مصرف الثمن - خلاف، ولا دليل على شئ من

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 239 والفاضل الهندي في كشف اللثام 2:
85.
(2) نقله عنه في لسان العرب 12: 56.
(3) المسالك 2: 239.
123

ذلك، إذ لا دليل على النفي سوى حسنة سدير، وهي ظاهرة في تغاير
المالك والواطئ، إلا أن بعضهم نفى الخلاف فيه (1).
وقد يتوهم شمول التعليل بعدم التعيير في الحسنة لصورة الاتحاد
أيضا.
وفيه نظر، لأن مثل ذلك يستحق التعيير، بل ظاهر التعليل التخصيص
بصورة التغاير، حيث أراد الشارع أن لا يعير به عار بفعل غيره، فإن ثبت
الاجماع وإلا فالأصل يقتضي العدم، وهو الأقوم خصوصا في أخذ الثمن
منه، سيما في التصدق به المخالف لاستصحاب ملكيته.
وعلى الثالث: تذبح وتحرق بالنار، ويغرم الواطئ بثمنها يوم الوطء
لمالكها، للروايات والحسنة والصحيحة ورواية تحف العقول، المتقدمة
جميعا من غير معارض.
وعلى الرابع: تخرج البهيمة من البلد وتغرم قيمتها، ثم تباع في البلد
المخرجة إليه، للحسنة المخصصة للروايات بغير ما يركب ظهرها.
ولا يضر ورود تلك الأحكام بالجملة الخبرية الغير المثبتة للزائد عن
الرجحان، لاستلزامه الوجوب في المقام بالاجماع المركب، وكذا فيما يأتي
من التقسيم والاقراع.
ثم القيمة - التي أغرمها الواطئ - للمالك، لأنه معنى الاغرام.
وأما الثمن الحاصل بالبيع فقد قيل بتصدقه (2)، ولا دليل عليه أصلا.
وقيل بالرجوع إلى المالك (3)، لأصالة بقاء ملكيته، وعدم دلالة

(1) انظر الرياض 2: 498.
(2) المقنعة: 790.
(3) الرياض 2: 499.
124

الاغرام على خروجها عنها.
ولزوم الجمع بين العوض والمعوض باطل، لمنع التعويض، فإنه إنما
هو إذا كان دليل على التعويض.
واحتمل بعضهم الرجوع إلى الواطئ، لتملكه لها بالاغرام (1).
وفيه منع ظاهر، قيل: لأن المالك لا يملكها لأخذه القيمة، وعدم
جواز كون الملك بلا مالك (2).
قلنا: مجرد الأخذ لا يدل على الخروج.
ثم لو كانت الدابة مما يقصد منها الأمران - كالناقة، سيما عند العرب -
يحتمل فيها التخيير، لعدم المرجح، ويحتمل ملاحظة الغالب فيها.
و: لو اشتبه الموطوء بغيره يقسم المجموع نصفين ويقرع عليه مرة
بعد أخرى حتى يبقى واحد فيذبح ويحرق، وفي تغاير الواطئ والمالك
يغرم، على المعروف من مذهب الأصحاب، وفي المسالك وشرح المفاتيح
نسبته إلى عمل الأصحاب (3)، وفي المفاتيح إلى فتواهم (4)، معربين عن
دعوى الاجماع عليه.
وتدل عليه صحيحة ابن عيسى ورواية تحف العقول المتقدمتين،
المنجبر ضعف سندهما - لو كان - بما ذكر، وضعف دلالتهما لعدم
صراحتهما في الوجوب بعدم الفصل.
ثم إن كان العدد زوجا قسم نصفين متساويين، كما هو مدلول

(1) إيضاح الفوائد 4: 498.
(2) الرياض 2: 499.
(3) المسالك 2: 239.
(4) المفاتيح 2: 189.
125

الروايتين، وإن كان فردا اغتفرت زيادة الواحدة في أحد النصفين، بل
الظاهر أن المراد فيهما مطلقا القسمان المتقاربان.
هذا إذا كان الاشتباه في العدد، الذي كان ممكن الحصر والتقسيم،
كما هو مورد الروايتين، وإلا سقط الحكم ويرجع إلى الأصل.
ثم هذا الحكم وإن كان واردا في الروايتين بخصوص الشاة إلا أنه
يتعدى إلى غيرها بالاجماع المركب.
المسألة الرابعة: لو شرب الحيوان المحلل لحمه خمرا فالمشهور أنه
لا يؤكل ما في بطنه من الأمعاء والقلب والكبد، بل يطرح، ويؤكل لحمه
بعد غسله وجوبا.
ولو شرب بولا نجسا لم يحرم شئ منه، بل يغسل ما في بطنه
ويؤكل.
ومستند الأول: رواية زيد الشحام: في شاة شربت الخمر حتى
سكرت ثم ذبحت على تلك الحال، [قال:] (لا يؤكل ما في بطنها) (1).
ومستند الثاني: مرسلة النميري المتقدمة في المسألة الأولى (2).
ولا يخفى أن مورد الأولى ما إذا شربت بقدر سكرت، فلا يحرم ما
في البطن بمطلق الشرب الخالي عن الاسكار..
وما إذا ذبحت حال السكر، فلا يحرم ما إذا ذبحت بعدها، ولا دلالة
لها على غسل اللحم، والبواطن لا تنجس بالملاقاة، مع أن الملاقاة مع
اللحم غير معلومة، والأصل يقتضي عدمه.

(1) الكافي 6: 251 ح 4، التهذيب 9: 43 / 181، الوسائل 24: 160 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 24 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2) في ص: 111.
126

والاستناد إلى مرسلة النميري فاسد، لاختصاصها بالبول، ودلالتها
على غسل ما في الجوف دون اللحم، ومع ذلك كله خالية عن الدال على
الحرمة، ولذا ذهب الحلي إلى كراهة ما في البطن (1)، واستقر به في
الكفاية (2)، وحكي عن المسالك (3)، ومال إليه الأردبيلي (4). وهو الأقوى.
وأما الثانية، فهي أيضا على الوجوب غير دالة، والاجماع غير ثابت
وإن لم يظهر المخالف.
نعم، يمكن أن يستند في وجوب الغسل بوجود عين البول مع ما في
البطن إذا ذبحت في الحال، كما صرح بالاختصاص به جماعة (5)، فلا يجوز
الأكل قبل إزالته.
ومنه يعلم أنه لو دلت الرواية على الوجوب أيضا لم يدل على نجاسة
البواطن، مضافا إلى احتمال كونه تعبديا.
المسألة الخامسة: لو أرضع جدي (6) أو عناق (7) أو عجل من لبن
انسان حتى فطم لم يحرم، للأصل، والمستفيضة النافية للبأس عنه (8)، إلا
أن فيها: أنه فعل مكروه. ويحتمل أن يكون المراد بالفعل المكروه هو
الارضاع، وأن يكون أكل لحمه ولبنه.

(1) السرائر 3: 97.
(2) الكفاية: 250.
(3) المسالك 2: 239، حكاه عنه في الرياض 2: 286.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 11: 260.
(5) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 239، الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:
261، صاحب الكفاية: 250.
(6) الجدي: من أولاد المعز، وهو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة - مجمع البحرين 1:
81.
(7) العناق: الأنثى من ولد المعز قبل استكمالها الحول - مجمع البحرين 5: 219.
(8) انظر الوسائل 24: 163 أبواب الأطعمة المحرمة ب 26.
127

الفصل الخامس
في مسائل متفرقة مما يتعلق بالحيوانات وأجزائها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الميتات من الحيوانات - أي الخارج روحه بغير
التذكية المعتبرة شرعا، سواء كان مما لا تقع عليه التذكية ولا يقبلها شرعا
كالكلب والخنزير، أو كان يقبلها وتقع عليه في الشرع، ولكن لم تقع عليه
ومات قبلها - محرمة إجماعا، والآيات (1) والسنة المتواترة (2) ناطقتان
بحرمتها، وفي تفسير الإمام عليه السلام: قال الله تعالى: (إنما حرم عليكم
الميتة) (3) (التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث أذن الله فيها) (4).
وفي حكم الميتة في الحرمة أجزاؤها المقطوعة منها أو من الحي إن
كانت الأجزاء مما تحله الحياة بلا خلاف، كما صرح به غير واحد (5)،
لصدق الاسم عليها، ولنجاستها كما مر في كتاب الطهارة، ولخصوص
رواية أبي بصير (6) وصحيحة الوشاء (7) المتقدمتين في حكم الميتة من كتاب

(1) البقرة: 173، المائدة: 3، النحل: 115.
(2) انظر الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1.
(3) البقرة: 173.
(4) تفسير العسكري 7: 585.
(5) منهم الفيض في المفاتيح 2: 191، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 86،
صاحب الرياض 2: 287.
(6) الكافي 6: 255 / 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.
(7) الكافي 6: 255 / 3، الوسائل 24: 178 أبواب الأطعمة المحرمة ب 32 ح 1.
128

المكاسب.
وتدل عليه أخبار الحبالة، كرواية محمد بن قيس: (ما أخذت الحبالة
من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت، وكلوا ما أدركتم حياته
وذكرتم اسم الله عليه) (1).
ورواية البصري: (ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت، وما
أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه) (2).
وأخبار القطع بالسيف، كمرسلة النضر بن سويد: في الظبي وحمار
الوحش يعترضان بالسيف فيقدان، فقال: (لا بأس بأكلهما ما لم يتحرك
أحد النصفين، فإن تحرك أحدهما فلا يؤكل الآخر، لأنه ميتة) (3)، وغير
ذلك.
وكما يحرم أكل الميتة تحرم جميع وجوه الانتفاعات منها - كما مر
في المكاسب - حتى الانتفاع بجلدها للاستقاء في غير مشروط الطهارة.
خلافا فيه لجماعة (4)، وهم محجوجون بما مر.
المسألة الثانية: قد مر في بحث الطهارة: طهارة ما لا تحله الحياة من
أجزاء الميتة وعددها، وهو وإن كان أكثر مما ذكر - لكون البول والروث

(1) الكافي 6: 214 / 1، التهذيب 9: 37 / 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد
ب 24 ح 1.
(2) الكافي 6: 214 / 2 و 3، الفقيه 3: 202 / 918، التهذيب 9: 37 / 155
و 156، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24 ح 2.
(3) الكافي 6: 255 / 6، التهذيب 9: 77 / 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد
ب 35 ح 3.
(4) منهم المحقق في المختصر النافع 2: 254 والمحقق السبزواري في الكفاية:
252.
129

والدم والبصاق والقيح أيضا مما لا تحله الحياة - إلا أن الدم منها قد عدوه
في النجاسات إذا كان مما له نفس، والبواقي مائعات تنجس بملاقاة الميتة،
فلا وجه لذكر طهارتها، ولم يدل دليل خارجي على (1) عدم تنجسها كما في
اللبن والإنفحة، فلذا لم يذكروها.
نعم، كان عليهم ذكر مثل البعرة (2) القابلة للتطهير أيضا كما ذكروا
العظم والسن ونحوهما (3). ويمكن أن يكون الوجه في عدم ذكرها: أن
الكلام في الميتة مطلقا سواء كان مما يؤكل أو لا يؤكل، والبعرة إنما تطهر
مما يؤكل خاصة وقد ذكروها، بل ذكر طهارتها حال الحياة مع انفصالها يدل
عليها بعد الموت أيضا وإن احتاجت إلى الغسل بالملاقاة.
ثم ما ذكر في البحث المذكور إنما هو طهارة تلك الأمور المعدودة،
وأما حليتها فالظاهر - المقتضي للأصل المصرح به في بعض العبارات،
كالشرائع والنافع (4) وغيرهما (5) - الحلية، وعلى هذا فهي حلال أيضا إذا لم
تحرم من جهة أخرى، من إيجاب ضرر أو خباثة معلومة أو نص، كبيض ما
لا يؤكل لحمه، وقد مر في البحث المذكور ما يدل على حل بعضها..
وتدل عليه أيضا روايتا ابن أبي يعفور وداود المتقدمتين في المسألة
الثامنة من الفصل الأول (6)، مضافا إلى الأصل والعمومات السليمة عن
المعارض، لعدم صدق الميتة عليها، إذ لا روح لها حتى تصير بخروجه ميتة.

(1) هنا زيادة لفظ: طهارة في جميع النسخ، ولم نعرف له وجها.
(2) البعرة: وهي من البعير والغنم بمنزلة العذرة من الانسان - مجمع البحرين 3: 227.
(3) انظر الروضة 7: 301، المسالك 2: 243، كشف اللثام 2: 85.
(4) الشرائع 3: 222، المختصر النافع: 253.
(5) انظر المسالك 2: 242، الكفاية: 250.
(6) في ص: 70.
130

ومنها: اللبن، وحليته هي الأشهر، كما يظهر من صريح اللمعة (1)،
وظاهر الدروس، حيث نسب رواية الحرمة إلى الندرة (2)، وعن الخلاف
الاجماع عليه (3)، وحكي عن الغنية أيضا (4)، وتدل عليه طائفة من الأخبار
المشار إليها (5) المعتضدة بالشهرة العظيمة.
خلافا للحلي والديلمي والصيمري والشرائع والنافع والتنقيح وجملة
من كتب الفاضل، فحرموه (6)، لنجاسته بملاقاته للنجس بالرطوبة، ولرواية
وهب بن وهب (7) المتقدمة في بحث الطهارة.
والأول مدفوع بمنع النجاسة كما مر. والثاني بمعارضته مع الأخبار
المتكثرة وموافقته للعامة (8).
ومنها: البيض قبل اكتسائها القشر الأعلى الصلب، ولا يضر فيها
رواية غياث (9) المتقدمة في ذلك البحث المثبتة لبأس فيها قبله، لعدم
معلومية البأس، وإجماله وإن كان مضرا للعمومات ولكن لا يضر

(1) اللمعة (الروضة البهية 7): 306.
(2) الدروس 3: 15.
(3) الخلاف 2: 533.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 619.
(5) انظر الوسائل 3: 513 أبواب النجاسات ب 68.
(6) الحلي في السرائر 3: 112، الديلمي في المراسم: 211، حكاه الصيمري في
الرياض 2: 288، الشرائع 3: 223، المختصر النافع 2: 253، التنقيح 4: 44،
الفاضل في التحرير 2: 161، والقواعد 2: 157.
(7) التهذيب 9: 76 / 325، الإستبصار 4: 89 / 340، قرب الإسناد: 135 / 474،
الوسائل 24: 183 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 11.
(8) المغني والشرح الكبير 1: 90، مغني المحتاج 1: 80.
(9) الكافي 6: 258 / 5، التهذيب 9: 76 / 322، الوسائل 24: 181 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 33 ح 6.
131

الأصل.
فرع: البول وإن كان مما لا تحله الحياة ولكنه إن كان مما يحل أكله
يحرم من ميتته، لتنجسه بالملاقاة، لكونه مائعا لاقى نجسا. وأما اللبن
فالحكم بطهارته من الميتة وعدم تنجسه بالملاقاة لأدلة خاصة به.
المسألة الثالثة: تحرم من أجزاء الحيوان المحلل - وإن ذكي - أشياء
بعضها متفق على حرمته، وبعضها مختلف فيها.
فالأول خمسة: الدم، والطحال - وهو الذي يقال له بالفارسية: سپرز
- والقضيب وهو الذكر، والأنثيان وهما البيضتان، والروث. ودعوى الاجماع
ونفي الخلاف فيها مستفيضة، وجعل بعضهم حرمة الطرفين من
الضروريات الدينية (1).
وتدل عليه في الجميع مرسلة ابن أبي عمير: (لا يؤكل من الشاة
عشرة أشياء: الفرث، والدم، والطحال، والنخاع، والعلباء، والغدد،
والقضيب، والأنثيان، والحياء، والمرارة) (2).
ومرسلة الفقيه (3)، وهي كالأولى إلا أن فيها بدل (العلباء والمرارة):
(الأوداج والرحم).

(1) كصاحب الرياض 2: 287.
(2) الكافي 6: 254 / 3، التهذيب 9: 74 / 316، الوسائل 24: 172 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 31 ح 4.
والفرث: الكرش من السرجين - مجمع البحرين 2: 261.
العلباء: هو عصب في العنق يأخذ إلى الكاهل، وهما علباوان يمينا وشمالا، وما
بينهما منبت عرف الفرس - انظر النهاية 3: 285.
الحياء: الفرج من ذوات الخف والظلف - راجع النهاية 1: 472.
(3) الفقيه 3: 219 / 1010، الوسائل 24: 174 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31
ح 8.
132

ورواية الخصال (1)، وهي كالثانية إلا أن الراوي قال بعد (الأوداج): أو
قال: العروق.
والمروي في محاسن البرقي: (حرم من الذبيحة سبعة (2) أشياء) إلى
أن قال: (فأما ما يحرم من الذبيحة: فالدم، والفرث، والغدد، والطحال،
والقضيب، والأنثيان، والرحم) الحديث (3).
مضافة في الأربعة الأولى إلى مرفوعة الواسطي: مر أمير المؤمنين عليه السلام
بالقصابين فنهاهم عن بيع سبعة أشياء من الشاة، نهاهم عن بيع الدم،
والغدد، وآذان الفؤاد، والطحال، والنخاع، والخصي، والقضيب. الحديث (4).
ورواية ابن مرار: (لا يؤكل مما يكون في الإبل والبقر والغنم وغير
ذلك مما لحمه حلال الفرج بما فيه ظاهره وباطنه، والقضيب، والبيضتان،
والمشيمة وهو موضع الولد، والطحال لأنه دم، والغدد مع العروق، والمخ
الذي يكون في الصلب، والمرارة، والحدق والخرزة التي تكون في الدماغ،
والدم) (5).
ورواية إبراهيم بن عبد الحميد: (حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم،
والخصيتان، والقضيب، والمثانة، والغدد، والطحال، والمرارة) (6).

(1) الخصال: 433 / 18، الوسائل 24: 172 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 4.
(2) في المصدر: عشرة.
(3) المحاسن: 471 / 464، الوسائل 24: 177 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 20.
(4) الكافي 6: 253 / 2، التهذيب 9: 74 / 315، الخصال: 341 / 4، الوسائل
24: 171 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 2.
(5) الكافي 6: 254 / 4، التهذيب 9: 74 / 317، الوسائل 24: 172 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 31 ح 3.
(6) الكافي 6: 253 / 1، التهذيب 9: 74 / 314، المحاسن: 471 / 463، الوسائل
24: 171 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 1.
133

وفي الثلاثة الأولى إلى المروي في الخصال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يكره أكل خمسة: الطحال، والقضيب، والأنثيين، والحياء وآذان القلب (1).
وفي الأولين موثقة سماعة: (لا تأكل الجريث و [لا] المارماهي، ولا
طافيا، ولا طحالا لأنه بيت الدم) (2).
وعمار: عن الطحال أيحل أكله؟ قال: (لا تأكله فهو دم) (3).
والمروي في العيون: (وحرم الطحال لما فيه من الدم) (4)، دلت
بالتعليل على حرمة الدم أيضا.
وفي الدم خاصة إلى الآيات (5) والأخبار الغير العديدة (6).
وفي الطحال خاصة إلى صحيحة محمد: (أنهاكم عن الجري والزمير
والمارماهي والطافي والطحال) (7).
وقصور بعض الأخبار عن إفادة الحرمة غير ضائر بعد تصريح بعض
آخر بالتحريم، فهو قرينة على إرادة الحرمة من البواقي أيضا.
ثم قول الإسكافي بكراهة الطحال (8) ليس صريحا في المخالفة، لأنها

(1) الخصال: 283 / 32، الوسائل 24: 174 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 10.
(2) الكافي 6: 220 / 4، التهذيب 9: 4 / 8، الإستبصار 4: 58 / 200، الوسائل
24: 130 أبواب الأطعمة المحرمة ب 9 ح 2.
(3) التهذيب 9: 80 / 345، الإستبصار 4: 91 / 348، الوسائل 24: 202 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 49 ح 2.
(4) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 93، الوسائل 24: 201 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 48 ح 2.
(5) البقرة: 173، المائدة: 3، النحل: 115.
(6) الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1.
(7) الكافي 6: 219 / 1، التهذيب 9: 2 / 1، الوسائل 24: 130 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 9 ح 1.
(8) حكاه عنه في المختلف: 682.
134

في عرف القدماء أعم من الحرمة.
وأما المختلف فيه فكثيرة:
منها: النخاع - مثلثة النون - وهو: الخيط الأبيض الذي في وسط فقار
الظهر، منظم خرزه، وهو الوتين الذي لا قوام للحيوان بدونه.
والمثانة، وهو: مجمع البول.
والغدد، وهي: كل عقدة في الجسم يطاف بها شحم، وكل قطعة
صلبة بين القضيب، وهي تكون في اللحم مدورة تشبه البندق في الأغلب.
والمرارة - بفتح الميم - وهي: التي تجمع المرة الصفراء معلقة مع
الكبد كالكيس.
والمشيمة، وهي: موضع الولد يخرج معه.
وهي حرام على الأقوى الأشهر، كما صرح به في المختلف
والتحرير (1)، وبعض من تأخر (2).
لمرفوعة الواسطي المتقدمة، والمروي في العلل: قال: قلت له: كيف
حرم الله النخاع؟ قال: (لأنه موضع الماء الدافق من كل ذكر وأنثى، وهو
المخ الطويل الذي يكون في فقار الظهر) (3) في الأول.
وضعفهما - لو كان - ينجبر بما ذكر، وبضميمتهما يتم الاستدلال
بالروايات الثلاث الأولى أيضا.
ولرواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة في الثانية والرابعة.
وللمرفوعة ورواية المحاسن المتقدمتين ورواية مسمع: (إذا اشترى

(1) المختلف 2: 682، التحرير 2: 161.
(2) كصاحب الرياض 2: 288، غير أن فيه أيضا كالمختلف ادعاء الشهرة العظيمة.
(3) العلل: 562 / 1، الوسائل 24: 175 أبواب الأطعمة المحرمة ب 31 ح 11.
135

أحدكم لحما فليخرج منه الغدد) (1) في الثالث.
ولرواية المحاسن المنجبرة في الخامسة، فإن المراد بالرحم فيها كما
ذكروا المشيمة.
خلافا للمحكي عن جماعة، فبين غير متعرض لها، وبين مصرح
بالكراهة (2)، لأصالتي البراءة والإباحة، وعمومات الكتاب والسنة، اللازم
رفع اليد عن الأوليين وتخصيص الثاني بما مر.
ومنها: الفرج، والعلباء، بكسر العين المهملة، ثم اللام الساكنة،
ثم الباء الموحدة، عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة إلى عجب
الذنب.
وذات الأشاجع، وهي: أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظهر
الكف.
وخرزة الدماغ، وهي في المشهور: المخ الكائن في وسط الدماغ،
شبه الدودة بقدر الحمصة تقريبا، يخالف لونها لونه، وهي تميل إلى الغبرة.
وحبة الحدق، وهو: الناظر من العين لا جسم العين كله.
حرم هذه الخمسة جماعة (3)، بل نسب إلى الشهرة (4)، وكرهها
آخرون (5)، وهو الأقوى فيها، لخلو الروايات الصريحة في التحريم عنها
بالمرة، وقصور ما يتضمنها عن إفادة الحرمة جدا.

(1) الكافي 6: 254 / 5، العلل: 561 / 1، الوسائل 24: 173 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 31 ح 6.
(2) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 251.
(3) منهم العلامة في التحرير 2: 141 والشهيد في الدروس 3: 14.
(4) الرياض 2: 288.
(5) منهم المحقق في الشرائع 3: 223 والشهيد الثاني في المسالك 2: 243.
136

وقد ظهر مما ذكر أن الأقوى: أن المحرم من أجزاء المذكى عشرة:
الدم، والفرث، والطحال، والقضيب، والأنثيان، والنخاع، والمثانة،
والغدد، والمرارة، والمشيمة.
والمكروه خمسة: الفرج، والعلباء، وذات الأشاجع، وخرزة الدماغ،
وحبة الحدقة.
وتكره أيضا الكليتان - وتسمى الكلوتين أيضا - لما في مقطوعة
سهل: إنه كره الكليتين، وقال: (لأنهما مجمع البول) (1).
وفي الصحيحة الرضوية عن آبائه عليهم السلام، قال: (كان النبي صلى الله عليه وآله لا
يأكل الكليتين من غير أن يحرمهما، لقربهما من البول) (2).
وكذا تكره أذنا القلب، والعروق، لبعض الروايات المتقدمة. وتعلق
النهي ببيع آذان الفؤاد في بعضها غير مفيد لاثبات الحرمة، لعدم قول بها
فيها.
وبضميمة هذه الثلاثة مع الخمسة المختلف في وجوبها (3) تصير
المكروهات ثمانية.
فروع:
أ: اعلم أن ما ذكر من تحريم الأشياء المذكورة فإنما هو إذا كانت من
الذبيحة والمنحورة، وأما ما لا يذبح ولا ينحر - كالسمك والجراد -

(1) الكافي 6: 254 / 6، التهذيب 9: 75 / 318، الوسائل 24: 173 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 31 ح 5.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 40 / 131، الوسائل 24: 177 أبواب الأطعمة
المحرمة ب 31 ح 18.
(3) يعني وجوب الاجتناب عنها.
137

فلا يحرم منه غير الرجيع والدم البتة، للأصل، وعمومات الحل، سيما مما ذكر
اسم الله عليه، واختصاص ما يثبت منه التحريم من الأخبار المتقدمة
بغيرهما.. وأما رجيعهما، فالأصل يقتضي الحلية، والخباثة غير معلومة،
وما يتراءى من التنفر ففي الأكثر لمظنة الحرمة أو كون أكله خلاف العادة،
وأما دم السمك فيأتي حكمه.
ب: إطلاق تحريم المذكورات في كثير من العبارات يشمل كبير
الحيوان المذبوح كالجزور والبقر والشاة، وصغيره كالعصفور وفرخه، بل
عن جماعة التصريح بالتعميم، ومنهم الشهيد الثاني في الروضة، إلا أنه
قال: ويشكل الحكم بتحريم جميع ما ذكر مع عدم تميزه لاستلزامه تحريم
جميعه أو أكثره للاشتباه، والأجود اختصاص الحكم بالنعم من الحيوان
الوحشي دون مثل العصفور (1).
قيل بعد نقله: وهو جيد فيما كان مستند تحريمه الاجماع، لعدم معلومية
تحققه في العصفور وشبهه، مع اختصاص عبارات جماعة - كالصدوق
وغيره، وجملة من النصوص - بالشاة والنعم، وعدم انصراف باقي
الاطلاقات إليهما (2).
أقول: لا شك أن الدال على الحرمة من الأخبار الحجة بنفسها أو
بالانجبار لا يشمل مورد النزاع إلا في الدم والطحال، أو مع الرجيع على
تسليم استخباثه، فالتعدي إلى الغير مشكل، وتحليل الجميع من مورد
النزاع أشكل، والاجماع المركب غير معلوم، فتخصيص المحرم من هذه
الحيوانات الصغار بالدم والطحال أو مع الرجيع حسن، والاحتياط أحسن.

(1) الروضة 7: 311.
(2) الرياض 2: 288.
138

ج: الأصل في الدم كله الحرمة، كما صرح به في المسالك (1)،
لاطلاقات الكتاب والسنة.
قال الله سبحانه في سورة المائدة: (حرمت عليكم الميتة والدم
ولحم الخنزير) الآية (2).
وقال في سورة البقرة: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم
الخنزير) (3).
مرسلة محمد بن عبد الله، وروايتي المفضل وعذافر - الواردة في علل
تحريم الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير -: (وأما الدم فإنه يورث أكله
الماء الأصفر) (4).
وفي المروي في العيون: (حرم الله الدم كتحريم الميتة) الحديث (5).
وقد مر مطلقات تعليل حرمة الطحال بأن فيه الدم.. إلى غير ذلك.
ولكنه خرج من تحت الأصل ما يتخلف في لحم الحيوان المأكول
مما لا يقذفه المذبوح، فإنه حلال بالاجماع المحقق، والمحكي في كلمات
جماعة (6)، المعاضد بالاعتبار، لاستلزام تحريمه العسر والحرج المنفيين

(1) المسالك 2: 245.
(2) المائدة: 3.
(3) البقرة: 173.
(4) الكافي 6: 242 / 1، الفقيه 3: 218 / 1009، المحاسن: 334 / 104، العلل:
483 / 1، أمالي الصدوق: 529 / 1، الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 1 ح 1.
(5) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 92، الوسائل 24: 102 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 1 ح 3.
(6) منهم العلامة في المختلف: 59، الشهيد الثاني في المسالك 2: 245، صاحب
الرياض 2: 293.
139

شرعا وعقلا، لعدم خلو اللحم عنه وإن غسل مرات.
ولانحصار دليله بالاجماع يجب الاقتصار في استثنائه على ما ثبت فيه
الاجماع، وهو المتخلف عن الذبيحة المأكول من غير الخلط بالمسفوح
بجذب نفس أو علو رأس، كما مر في بحث الطهارة، فلا يحل المخلوط
به، ولا دم غير الذبيحة وإن كان مما لا نفس له ولو من السمك.
فيحرم ما عدا ما ذكر مطلقا، للأصل، لا للاستخباث، لمنعه جدا،
فإن الدم لو كان خبيثا لكان كله كذلك، مع أنه لا يستخبث المتخلف من
الذبيحة.
نعم، تثبت حرمة بعض أفراد الغير المتخلف بواسطة النجاسة أيضا.
ومن الأصحاب من توقف في حرمة الدم المتخلف في غير المأكول،
ومنهم من حكم بحلية ما عدا المسفوح من الدماء، كدم الضفادع والقراد
والسمك مما لا نفس له (1)، وظاهر المعتبر والغنية والسرائر والمختلف
والمنتهى والنهاية: حلية دم السمك (2)، بل ظاهر الأول دعوى الاجماع عليها.
ولا أعرف لهم دليلا سوى الأصل، والعمومات، وقوله سبحانه في
سورة الأنعام: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا
أن يكون ميتة أو دما مسفوحا) (3) حيث قيد الدم المحرم بالمسفوح.
والأولان بما ذكر مندفعان. والثالث لا يدل إلا على عدم الوجدان فيما
أوحي إليه، أو فيما أوحي إليه حين نزول الآية، فلا ينافي تحريم المطلق

(1) انظر السرائر 1: 174.
(2) المعتبر 1: 117، الغنية (الجوامع الفقهية): 550، السرائر 1: 175،
المختلف: 59، المنتهى 1: 163، نهاية الإحكام 1: 268.
(3) الأنعام: 145.
140

بعد ذلك، فإن آية الحل مكية وآيتا الحرمة مدنيتان، فهما نازلتان بعد
الأولى، فلا تنافي بينهما أصلا، وحمل حرف التعريف في الآيتين على
المعهود خلاف الأصل.
مع أنه لو لم تحمل الآية الأولى على ما ذكرنا وحملت على نفي
التحريم المطلق لزم الحكم إما بنسخها، فلا تكون حجة، أو تخصيصها إلى
أن لا يبقى ما يقرب مدلول العام، وهو يخرج عن الحجية.
ثم مما ذكرنا ظهر حرمة العلقة ودم البيضة، لصدق الدم، مضافا إلى
ما مر من نجاستهما في بحث الطهارة.
المسألة الرابعة: لا شك في حرمة أبوال ما لا يؤكل لحمه مما له
نفس، لنجاستها.
وأما ما يؤكل لحمه ففي حلية بوله وحرمته قولان:
الأول: للسيد والإسكافي والحلي والنافع والمعتبر والشرائع
والأردبيلي والكفاية وإليه يميل كلام المسالك (1)، وعن الأول الاجماع عليه.
للأصل، والعمومات، وحصر المحرمات، ورواية الجعفري: (أبوال
الإبل خير من ألبانها) (2).
والثاني: لظاهر الشيخ في النهاية وصريح ابن حمزة ومطاعم الشرائع
والارشاد والتحرير والقواعد والمختلف والدروس وظاهر الروضة (3)،

(1) السيد في الإنتصار: 201، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 686، الحلي في
السرائر 3: 125، المختصر النافع 2: 254، المعتبر 1: 411، الشرائع 1: 51، مجمع
الفائدة والبرهان 11: 214، الكفاية: 252، المسالك 2: 247.
(2) الكافي 6: 338 / 1، التهذيب 9: 100 / 437، الوسائل 25: 114 أبواب
الأطعمة المباحة ب 59 ح 3.
(3) النهاية: 590، ابن حمزة في الوسيلة (الجوامع الفقهية): 733، الشرائع 3:
227، الإرشاد 2: 111، التحرير 2: 161، القواعد 2: 158، المختلف: 686،
الدروس 3: 17، الروضة 7: 324.
141

واختاره بعض مشايخنا المعاصرين عطر الله مرقده (1).
للقطع بالاستخباث.
أو احتماله الموجب للتنزه عنه من باب المقدمة، فإن التكليف
باجتناب الخبيث ليس تكليفا مشروطا بالعلم بخباثته، بل هو مطلق.
والأولوية المستفادة من أدلة حرمة الفرث والمثانة التي هي مجمع
البول.
ولمفهوم موثقة عمار: عن بول البقر بشربه الرجل، قال: (إن كان
محتاجا إليه يتداوى به شربه، وكذلك بول الإبل والغنم) (2).
وفي الكل نظر، أما الأول فلمنع الخباثة جدا، وتنفر بعض الطباع أو
جلها غير الخباثة المحرمة، فإن تنفرها عما تغسل فيه اليد الدنسة - أو يوطأ
بالرجل الدنسة، أو تمرس فيه اللحية الكثة، أو تدخل فيه الذباب أو القمل
الكثيرة ثم تخرج - أكثر بكثير من ذلك، مع أنه ليس بحرام قطعا ولا يعد
من الخبائث شرعا، مع أنه لو كان [لكان] (3)، لعدم الاعتياد أو مظنة الحرمة،
ولولاهما لم أر فرقا بين لبنها وبولها بالمرة، كيف؟! وصرح الإمام بكون
بول الإبل خيرا من لبنها كما عرفت، وما أظن فيها تنفرا إلا من إحدى
الجهتين المذكورتين.
وأما الثاني، فلمنع عدم كون التكليف باجتناب الخبيث مشروطا
بالعلم، ولولاه لزم التكليف بما لا يعلم، فإنه يصير المفاد حينئذ: حرمت

(1) وهو صاحب الرياض 2: 295.
(2) الوسائل 25: 113 أبواب الأطعمة المباحة ب 59 ح 1.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
142

عليكم الخبائث، سواء علمتم خباثتها أو علمتم عدم خباثتها أو لم يعلم
شئ منهما، وهذا باطل قطعا، ويلزم الإثم بأكل ما ظن طيبا وكان خبيثا
واقعا وهو خلاف الاجماع.
سلمنا أنه ليس مشروطا بالعلم، ولكن لا يجب تحصيل العلم
بالاجتناب عنه، إذ لا دليل على ذلك الوجوب واجتناب المحتمل مقدمة
لذلك.
وأما الثالث، فلمنع الأولوية، وكون المثانة مجمعا للبول لا يوجبها،
وإلا لزم حرمة الكليتين المصرح في الرواية بأنهما مجمع البول (1).
وأما الرابع، فلأن المفهوم لا يثبت أزيد من المرجوحية، مع أن
الاحتياج للتداوي أعم من الضرورة المبيحة للأشياء المحرمة.
وقد يستدل بوجوه أخر ضعيفة.
المسألة الخامسة: المشهور بين الأصحاب تبعية لبن الحيوان للحمه
حلا وكراهة وحرمة، وعليه الاجماع في الثالث عن الغنية (2)، ونفي الخلاف فيه
وفي الثاني في كلام بعض الأجلة (3)، والاجماع في الجميع في شرح
المفاتيح.
والاجماع في الأول محقق، ومرسلة داود - المتقدمة في المسألة
الثامنة من الفصل الأول (4) المنجبرة بالعمل - عليه دالة.
والشهرة والاجماع المنقول كافيان لاثبات الثاني، لتحمله المسامحة.

(1) تقدمت في ص: 137.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(3) كصاحب الرياض 2: 295.
(4) في ص: 70.
143

ولا ينافيها ورود الرخصة في أكل شيراز الأتن (1) في بعض المعتبرة (2)، لأنها
تجتمع مع الكراهة.
وأما الثالث، فإن ثبت الاجماع عليه - كما هو المحتمل - فهو، وإلا
فلا دليل عليه، والأصل يقتضي الحلية.
وغاية ما استدل بعضهم (3) عليه الاجماع المنقول.
ومفهوم المرسلة المشار إليها.
واستصحاب الحرمة، حيث إن اللبن كان قبل الاستحالة دما محرما.
والجزئية لما يحرم كله، فبحرمة الكل يحرم هو أيضا، إذ لا وجود
للكل إلا بوجود أجزائه، فتحريمه في الحقيقة تحريم لها.
والكل مردود جدا:
أما الأول: فبعدم الحجية.
وأما الثاني: فلأنه مفهوم وصف وليس بحجة.
وأما الثالث: فلتغير الموضوع، مع أن حرمة ذلك الدم المستحيل لبنا
غير معلومة أولا، فإن المعلوم حرمته هو الدم المسفوح.
وأما الرابع: فبمنع حرمة الكل، بل المحرم لحمه وسائر أجزائه الثابتة
حرمته.
نعم، لو ثبتت أولا حرمة الكل - الذي من أجزائه اللبن - يمكن
استصحاب حرمته، وأين ذلك وأنى؟! فالتأمل في التبعية في الحرمة

(1) الشيراز: اللبن الرائب يستخرج منه ماؤه، وقال بعضهم: لبن يغلي حتى يثخن ثم
ينشف حتى ينتقب ويميل طعمه إلى الحموضة.
والأتن: جمع أتان: الأنثى من الحمير - راجع المصباح المنير: 3: 309.
(2) الوسائل 25: 115 أبواب الأطعمة المباحة ب 60.
(3) وهو صاحب الرياض 2: 295.
144

- كالمقدس الأردبيلي، وصاحب الكفاية (1) - في موقعه جدا، ولولا مظنة
الاجماع لحكمنا بالحلية قطعا، ولكنها تخوفنا من الحكم الصريح.
المسألة السادسة: قد علم حكم الأجزاء التي عدوها مما لا تحله
الحياة مما يؤكل ومما لا يؤكل، وكذا حكم البول والفرث والدم واللبن
والبيض، وبقيت أشياء أخر، كالقيح، والوسخ، والبلغم، والنخامة،
والبصاق، والعرق، والرجيع مما لا يسمى فرثا (2) وروثا.
أما الأربعة الأولى فالظاهر ظهور حرمتها مطلقا، لظهور خباثتها جدا،
بحيث لا يستراب فيها أبدا.
وأما الخامس والسادس، فنسب إلى المشهور حرمتهما أيضا (3)،
واستدل بعضهم (4) لهما بالخباثة.
وفيه نظر، سيما في البصاق، بل قد يستطاب بصاق المحبوب،
ويمص فمه ولسانه، ويبلع بصاقه بميل ورغبة.
والتنفر عن بصاق بعض الأشخاص - لتنفره بنفسه - لا يوجب
الحرمة، كيف؟! وليس البصاق أظهر خباثة من اللقمة المزودة (5)، وهي
محللة قطعا، وقد ورد في الأخبار: أن النبي صلى الله عليه وآله أعطى لقمته من فيه إلى
من طلبها (6)، مع أنها ممزوجة بالبصاق قطعا.

(1) مجمع الفائدة والبرهان 11: 215، الكفاية: 252.
(2) في (ح): بولا.
(3) الرياض 2: 295.
(4) الدروس 3: 17.
(5) في (ق) و (س) و (ح): المردودة.
(6) الكافي 6: 271 / 2، المحاسن: 457 / 388، الوسائل 25: 218 أبواب
الأطعمة المباحة ب 131 ح 1.
145

وقد وردت النصوص بمص الحسين عليه السلام لسان النبي صلى الله عليه وآله وأنه نشاء
من لعاب فمه (1)، وأن الحسين عليه السلام مص لسان علي بن الحسين عند غلبة
العطش يوم الطف (2).
ووردت نصوص ظاهرة في حل بصاق المرأة والبنت (3)، فالحكم
بحليته - كما هو ظاهر الأردبيلي (4)، وصاحب الكفاية - قوي جدا، وكذا
العرق.
وأما السابع - فيما كان مما لا يؤكل مما له نفس - فنجس محرم قطعا،
وأما في غيره فلا دليل فيه على الحرمة سوى الخباثة، وإثباتها بالكلية
مشكل غايته، سيما في مثل فضلات الديدان الملصقة بأجواف الفواكه
والبطائخ ونحوها، ولكن لا يبعد ظهورها في البعض، كذرق الدجاجة
والسلحفاة والضفادع، فالوجه الإناطة بها فيها، والحكم بالحلية فيما لم
تعلم خباثته منها.

(1) الكافي 1: 465 ذيل الحديث 4، البحار 44: 198 / 14.
(2) البحار 45: 43.
(3) الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الامساك ب 34.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 11: 214.
146

الفصل السادس
في حكم المشتبه من الحيوان وأجزائه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن الاشتباه على أربعة أقسام:
الأول: أن يعلم أن هذا الجزء من أي حيوان، ويعلم أن هذا الحيوان
مأكول أو قابل للتذكية، ولكن شك في أنه هل ذكي أم لا.
الثاني: أن يعلم أن هذا الحيوان مأكول أو قابل، وهذا ليس بمأكول
ولا قابل، ولكن لم يعلم أن هذا الجزء من أي الحيوانين المعلوم حالهما.
الثالث: أن يعلم أن هذا الجزء من هذا الحيوان المشاهد أو المسمى
بالاسم الفلاني، ولكن لم يعلم أن هذا الحيوان هل هو مأكول أو قابل أم لا.
الرابع: أن يعلم أن هذا الجزء ليس من الحيوانات المعروفة له (1)
حكما، ولم يعرف الحيوان الذي هو منه مشاهدة ولا اسما، ولم يعلم أن
الذي هو منه هل هو مأكول أو قابل أم لا.
والفرق بين ذلك وسابقه في مجرد تعين الحيوان، الذي هو منه
شخصا أو اسما وعدمه.
وإن شئت جعلت الأقسام قسمين، لأن الجهل إما يتعلق بنفس التذكية
وعدمها، وهو القسم الأول، أو بالحيوان الذي هذا الجزء منه، وله الأقسام
الثلاثة الأخيرة.

(1) كذا، والظاهر زيادتها.
147

ثم على التقادير المذكورة يكون البحث عنها إما للشك في الطهارة
والنجاسة - وهذا إنما يكون فيما تحله الحياة من أجزاء الحيوان خاصة - أو
للشك في جواز الصلاة وعدمه، أو للشك في حلية الأكل وعدمها.
ثم إنه قد تقدم الكلام في البحث في الأول عن القسم الأول في بحث
الجلود من كتاب الطهارة، وهو وإن كان مخصوصا بالجلود إلا أنه يتعدى
إلى غيرها من الأجزاء الموقوفة طهارتها على التذكية بالاجماع المركب، كما
أشير إليه في البحث المذكور، مع أن كثيرا من أدلتها شامل للحم وغيره
أيضا.
ومما ذكر هناك يعلم حق الكلام فيما يتعلق بالبحث في الثاني عن
القسم الأول، بل يعلم الحكم بما يتعلق بالبحث في الثالث أيضا عن هذا
القسم، وأنه يحكم فيه بالتذكية والحلية في كل ما عرفت أنه يحكم فيه
بالطهارة، وأما فيما عداه فلا.
والحكم بأصالة الحلية هنا في جميع الموارد ما لم تعلم الحرمة،
لعمومات أصالة الحلية، مثل قوله: (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك
حلال حتى تعرف الحرام بعينه) (1) ونحوه، ومثل ما دل على جواز الصلاة
في كل شئ ما لم يعلم أنه ميتة، وغير ذلك.
غير مفيد، لأن دلالة جميع هذه الأدلة من باب الأصل الذي يندفع
ويزال البتة باستصحاب عدم التذكية، الموجب للعلم الشرعي بكونه ميتة،
فالمناط إنما هو الأدلة المذكورة المزيلة للاستصحاب في مواردها.

(1) الفقيه 3: 216 / 1002، التهذيب 9: 79 / 337، مستطرفات السرائر:
84 / 27، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1، و ج 24: 236 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 64 ح 2.
148

وكذا تقدم الكلام فيما يتعلق بالبحث في الأول والثاني عن القسم
الثاني في بحث اللباس من كتاب الصلاة، وقد عرفت أن الأصل فيه الطهارة
وجواز الصلاة، ويلزم الثاني الحلية وجواز الأكل أيضا، وتدل عليه جميع
أدلة الحلية من الأصول والعمومات والأخبار الواردة في الموارد الجزئية.
فلم يبق إلا الكلام في القسم الثالث والرابع، وهو أن يكون الجزء من
حيوان معين، أو كان هناك حيوان معين ولم يعلم أنه هل هو حلال قابل
للتذكية أو لا، أو يكون الجزء من حيوان غير معين إلا أنه يعلم أنه ليس من
هذه الحيوانات المعروفة القابلة للتذكية وغير القابلة.
والحق فيهما أيضا: الحلية والطهارة بالتذكية الواقعية أو الشرعية
المحكوم بها شرعا من الموارد التي يحكم بها فيها في القسم الأول،
ويلزمهما جواز الصلاة، لجميع الأدلة المذكورة من الأصول والعمومات
الخالية عن المعارض رأسا.
ولا يتوهم معارضة أصالة عدم ورود التذكية عليها، حيث إنها أمر
توقيفي شرعي يقتصر فيه على ما علم، لأن عمومات حصول التذكية كافية
في إثبات أصالة عموم ورود التذكية، مثل قوله سبحانه: (فكلوا مما
أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه) (1).
وقوله: (وما لكم إلا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) (2).
وما في الأخبار من قولهم: (ما قتلت من الجوارح مكلبين وذكر اسم
الله عليه فكلوا من صيدهن) (3).

(1) المائدة: 4.
(2) الأنعام: 119.
(3) الكافي 6: 203 / 5، التهذيب 9: 23 / 90، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد
ب 7 ح 1.
149

وقوله في صحيحة البصري: (كل ما قتل الكلب إذا سميت عليه) (1).
وفي صحيحة محمد: (كل من الصيد ما قتل السيف والسهم
والرمح) (2)، إلى غير ذلك.
نعم، إن كان الحيوان المشتبه حاضرا، وأمكن الفحص عن حليته
وحرمته بالعلامات المتقدمة المحللة أو المحرمة، لم يجز الحكم بالأصل
والعمومات قبل الفحص الممكن، والوجه ظاهر.
المسألة الثانية: المشهور أنه إذا وجد لحم ولم يعلم هل هو ذكي أو
ميت يطرح على النار، فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط فهو ميت، وعن
الدروس يكاد أن يكون إجماعا (3)، ونفى عن إجماعيته البعد في المسالك،
مؤيدا لها بموافقة الحلي - الذي لا يعمل بالآحاد - عليه (4)، وعن الغنية (5)
وبعض آخر من الأصحاب (6) الاجماع عليه.
وتدل عليه رواية شعيب: في رجل دخل قرية فأصاب بها لحما لم
يدر ذكي هو أم ميت، قال: (يطرحه على النار، فكلما انقبض فهو ذكي،
وكلما انبسط فهو ميت) (7).

(1) الكافي 6: 205 / 13، التهذيب 9: 24 / 97، الإستبصار 4: 68 / 245،
الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 8.
(2) الكافي 6: 209 / 1، التهذيب 9: 34 / 137، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد
ب 16 ح 2.
(3) الدروس 3: 14.
(4) المسالك 2: 247.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 619.
(6) حكاه في الكفاية: 252، وانظر كشف اللثام 2: 272.
(7) الكافي 6: 261 / 1، التهذيب 9: 48 / 200، الوسائل 24: 188 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 37 ح 1.
150

وضعفها - لو كان - غير مضر، لانجباره بما ذكر، مضافا إلى صحتها
عمن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه.
ثم لا يخفى أن مقتضى الرواية حصول معرفة المذكى والميت بذلك،
وذلك يعارض أصالة عدم التذكية المعمول عليها في مواردها، وأصالة
الحلية وعموماتها في مظانها.
والعمل في الأولى على الرواية، لكونها للأصل دافعة.
خلافا للمحكي عن الإرشاد والقواعد والايضاح والتنقيح والصيمري
وأبي العباس والروضة (1)، للأصل المذكور المندفع بالرواية.
وكأن في الثانية كذلك لو كان المناط هو الأصل خاصة، ولكن
يحصل التعارض بين الرواية وبين مثل ما دل على حلية ما يؤخذ من سوق
المسلمين أو يوجد في أرضهم (2) ونحو ذلك بالعموم من وجه، والمرجع
أصل الإباحة.
بل يمكن أن يقال: إن موارد الحكم بالحلية مما تعلم فيه التذكية
لأجل أدلة الحلية، فلا تكون من مورد الرواية.
إلا أن يقال: إن موارد الحلية أيضا من باب الأصل، لأن بعض أدلتها
وإن كان عاما إلا أن بعضها مقيد بمثل قوله: (حتى تعلم أنه ميتة) (3) وبه
تقيد المطلقة أيضا، فيجب تقديم الرواية، بل الفحص بمقتضى الرواية في

(1) الإرشاد 2: 113، القواعد 2: 159، الإيضاح 4: 161، التنقيح 4: 57، حكاه عن
الصيمري وأبي العباس في الرياض 2: 296، الروضة 7: 337.
(2) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.
(3) الكافي 3: 403 ح 28، التهذيب 2: 234 / 920، الوسائل 3: 490 أبواب
النجاسات ب 50 ح 2.
151

كل واقعة، لأن العمل بالأصل إنما هو بعد الفحص.
ولكن يجاب عنه: بأن هذا من باب إجراء الأصل في الموضوعات
ولا يجب الفحص فيه، مع أنه صرح في بعض الأخبار المعتبرة الواردة في
موارد الحلية أنه: (ليس عليكم المسألة) (1) فالاشكال منتف بالمرة، إلا إذا
امتحن شخص اتفاقا بمقتضى الرواية وظهرت المخالفة فيشكل الأمر
حينئذ، والاجماع على الحلية أيضا غير معلوم، ولا يبعد الحكم بالحرمة
حينئذ.
ولو تعدد قطعات اللحم تختبر كل قطعة على حدة ما لم يعلم اتحاد
حكمها من جميع الوجوه، كما إذا أمكن أن تكون من حيوانات متعددة، أو
من حيوان واحد واحتمل قطع بعض أجزائه قبل التذكية، وإلا فتكفي
الواحدة، إذ بها يعلم حكم الباقي، فلا يصدق عدم الدراية، كما في الرواية.
وهل الاختبار عند الاشتباه في الذبح وعدمه، أو يجري فيما إذا شك
مثلا في التسمية أو الاستقبال أو كون الذابح مسلما مثلا، أم لا؟
ظاهر بعضهم: الثاني (2)، هو مشكل جدا، إذ الظاهر أن السؤال عن
الميت حتف أنفه.
المسألة الثالثة: إذا اختلط المذكى من اللحم وشبهه بالميتة ولا سبيل
إلى التمييز، فإن كان الخلط خلط مزج - كاللحوم المتعددة المدقوقة مخلوطا -
وجب الاجتناب عن الجميع، والوجه ظاهر.
وإن كان من باب اشتباه الأفراد فالمشهور وجوب اجتناب الجميع إذا

(1) الفقيه 1: 167 / 787، التهذيب 2: 368 / 1529، الوسائل 3: 491 أبواب
النجاسات ب 50 ح 3.
(2) كصاحب الرياض 2: 296.
152

كانا محصورين.
ولم أعثر على دليل له، سوى ما قيل من أن العلم بالاجتناب عن
الميتة لازم، وهو موقوف على اجتناب الجميع، فيجب من باب المقدمة (1).
وقد مر جوابه وأن الثابت وجوب اجتناب ما علم أنه ميتة دون العلم
باجتنابها.
وربما يستأنس له بصحيحة الكناسي: عن السمن والجبن نجده في
أرض المشركين بالروم أنأكله؟ فقال: (أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام
فلا تأكله، وأما ما لا تعلم فكله حتى تعلم أنه حرام) (2).
وفيه: أنها ظاهرة في المزج، ولو شملت غيره أيضا فدالة على
خلاف مطلوبهم، لأن بعد إبقاء ما يساوي الميتة من الأفراد لا يعلم حرمة
الباقي، فيجوز أكله.
وقد يستدل له أيضا بصحيحتي الحلبي، إحداهما: أن الميتة والمذكى
اختلطا فكيف يصنع؟ قال: (يبيعه ممن يستحل الميتة ويأكل ثمنه، فإنه لا
بأس به) (3)، وقريبة منها الأخرى (4).
وفيه: أنهما غير مفيدتين للوجوب، غايتهما الرجحان، ولا كلام فيه،
مع أنه لا يمكن أن يكون للوجوب، إذ لا شك في عدم وجوب بيعه، بل

(1) كما في الرياض 2: 297.
(2) التهذيب 9: 79 / 336، مستطرفات السرائر: 78 / 4، الوسائل 24: 235
أبواب الأطعمة المحرمة ب 64 ح 1.
(3) الكافي 6: 260 / 1، التهذيب 9: 47 / 198، الوسائل 24: 187 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 36 ح 2.
(4) الكافي 6: 260 / 2، التهذيب 9: 48 / 199، الوسائل 24: 187 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 36 ح 1.
153

تجوز هبته وصلحه للكافر ودفنه وطرحه.
سلمنا الوجوب، ولكن لا يدل وجوب بيعه على حرمة أكله لو لم
يبع، فلعله لأجل الانتفاع بقدر ثمن الميتة وعدم تضييعه.
فالحق - وفاقا للأردبيلي وصاحب الكفاية (1)، وغيرهما من
المتأخرين (2) -: عدم وجوب اجتناب الجميع، بل يجب الاجتناب عن القدر
المعلوم كون الميتة بهذا القدر مخيرا بين الأفراد، ويجوز تناول الباقي، كما
مر في نظائره كثيرا، والأصل والعمومات عليه دليل محكم.
ثم إن ما دلت عليه الصحيحتان - من جواز البيع لمستحلي الميتة -
مذهب جماعة، منهم الشيخ في النهاية وابن حمزة (3)، وهو الأقوى،
للصحيحين المذكورين، المخصصين للأخبار المانعة عن الانتفاع بالميتة
مطلقا وعن بيعها (4)، لأخصيتهما المطلقة منها من وجوه.
خلافا للحلي والقاضي (5) وجمع آخر (6)، فمنعوه، للأخبار المذكورة
بجوابها، ولما دل على حرمة الإعانة على الإثم، بناء على كون الكفار
مكلفين بالفروع كما هو المذهب.
وفيه: منع كونه إعانة، كما يظهر وجهه مما ذكرناه في بيان الإعانة

(1) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 11: 271، الكفاية: 251.
(2) كالعلامة المجلسي في البحار 62: 144.
(3) النهاية: 586، ابن حمزة في الوسيلة: 362.
(4) الوسائل 3: 501 أبواب النجاسات ب 61، و ج 17: 92 أبواب ما يكتسب به
ب 5، و ص 172 ب 38.
(5) الحلي في السرائر 3: 113، القاضي في المهذب 2: 442.
(6) منهم الشهيد في المسالك 2: 242 وصاحب الرياض 2: 297.
154

على الإثم في كتاب العوائد (1)، مع أنها أيضا ليست إلا قاعدة كلية
للتخصيص صالحة.
وقد يعتذر المانعون للصحة عن الصحيحين ببعض الوجوه الغير
التامة، التي لا فائدة في ذكرها بعد العمل بظاهرهما.

(1) عوائد الأيام: 26.
156

الباب الثالث
في بيان ما يحل من غير الحيوانات وما يحرم
وفيه فصلان:
158

الفصل الأول
في الجوامد
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من الجوامد المحرمات أو المحللات: أجزاء
الحيوانات وفضلاتها، وقد مر حكمها وبيان المحرم منها والمحلل مفصلا.
المسألة الثانية: من الجوامد المحرمة: الطين، ولا خلاف في تحريم
عدا ما يستثنى منه، ونقل الاجماع عليه مستفيض (1)، بل هو إجماع محقق،
فهو الدليل.
مضافا إلى النصوص المستفيضة، كرواية سعد: (أكل الطين حرام
مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، إلا طين قبر الحسين عليه السلام، فإن فيه شفاء
من كل داء وأمنا من كل خوف) (2).
ومرسلة الواسطي: (الطين حرام كله (3) كلحم الخنزير، ومن أكله ثم
مات لم أصل عليه، إلا طين القبر، فإن فيه شفاء من كل داء، ومن أكله
بشهوة لم يكن فيه شفاء) (4).

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 618، المختصر النافع: 253، المختلف: 686،
الروضة 7: 326، الرياض 2: 289.
(2) الكافي 6: 266 / 9، التهذيب 9: 89 / 377، الوسائل 24: 226 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 59 ح 2.
(3) في (س) و (ح): أكله...
(4) الكافي 6: 265 / 1، علل الشرائع: 532 / 2، كامل الزيارات: 285 / 1،
الوسائل 24: 226 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 1.
159

وصحيحة هشام بن سالم: (إن الله خلق آدم من الطين فحرم أكل
الطين على ذريته) (1).
ورواية القداح: (قيل لأمير المؤمنين عليه السلام في رجل يأكل الطين فنهاه،
فقال: لا يأكله) الحديث (2).
والمروي في كامل الزيارة، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال:
(كل طين محرم على بني آدم ما خلا طين قبر أبي عبد الله عليه السلام، من أكله
من وجع شفاه الله) (3).
وفي العلل: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أكل الطين فهو ملعون) (4)،
إلى غير ذلك.
ولا فرق في حرمته بين قليله وكثيره.
ثم الطين - كما صرحوا به -: هو التراب المخلوط بالماء، وقالوا: إنه
معناه لغة وعرفا. قال في القاموس: الطين معروف، والطينة: قطعة منه،
وتطين: تلطخ به (5). وعن الراغب الأصفهاني في مفرداته: الطين: التراب
والماء المختلط به (6).

(1) الكافي 6: 265 / 4، التهذيب 9: 89 / 380، المحاسن: 565 / 973، علل
الشرائع: 532 / 1، الوسائل 24: 221 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58 ح 5.
(2) الكافي 6: 266 / 5، التهذيب 9: 90 / 381، المحاسن: 565 / 977، الوسائل
24: 222 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58 ح 6.
(3) كامل الزيارة: 286 / 4، الوسائل 24: 228 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 4.
(4) علل الشرائع: 533 / 4، الوسائل 24: 225 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58
ح 15.
(5) القاموس المحيط 4: 247.
(6) غريب القرآن: 312.
160

والظاهر - كما صرح به جماعة (1) - عدم اشتراط بقاء الرطوبة بعد
الامتزاج أو لا، فيحرم رطبه ويابسه.
وتدل عليه صحيحة معمر: ما يروي الناس في أكل الطين وكراهته؟
قال: (إنما ذاك المبلول وذاك المدر) (2) والمدر: هو الطين اليابس، كما
صرح به أهل اللغة (3).
ومنه تظهر حرمته بعد اليبوسة أيضا.
ويمكن إثباتها باستصحابها أيضا وإن أمكن الخدش فيه. فما لم
يمتزج أولا بالماء أو لم يعلم فيه ذلك لم يكن حراما، كما صرح به المحقق
الأردبيلي، ثم قال: والمشهور بين المتفقهة أنه يحرم التراب والأرض كلها
حتى الرمل والأحجار (4). انتهى.
وقد يستدل على حرمة التراب بما في الأخبار من استثناء طين قبر
الحسين عليه السلام، فإن المراد منه ترابه فكذا المستثنى منه، وبأن التراب أيضا
مضر بالبدن قطعا، فيكون لا محالة حراما.
وفيهما نظر، أما الأول فلأن في القبر المقدس أيضا طينا كما نشاهد
من التربة الشريفة المأخوذة، فإن ما رأيناه من المدر في الأغلب، فيمكن أن
يكون هو المراد من المستثنى، مع أن في تقديرها بالحمصة ورأس الأنامل
إشعارا بالمدرية أيضا.

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 235، المحقق السبزواري في
الكفاية: 251، الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 87.
(2) الكافي 6: 266 / 7، التهذيب 9: 89 / 379، معاني الأخبار: 262 / 1،
الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58 ح 1.
(3) لسان العرب 5: 162، القاموس المحيط 2: 136.
(4) مجمع الفائدة 11: 235.
161

وأما الثاني، فلأنه يختص التحريم حينئذ بما يوجب الضرر، فلا
يحرم نصف مثقال منه مرة، بل في كل سنة مثقال، والمطلوب أعم من
ذلك.
وبالجملة: القدر الثابت هو تحريم الطين والمدر، وأما التراب والرمل
والحجارة وأنواع المعادن فلا دليل على حرمة الغير المضر منها، والأصل
مع الحلية، والقياس باطل، فلا بأس في تراب الدبس وما تستصحبه الحنطة
وما يقع على الثمار، مع أن هذه مستهلكة.
فائدة: قد عرفت استثناء طين قبر الحسين عليه السلام، وهو أيضا إجماعي،
والأخبار فيه بلغت حد التواتر، وقد روى في كامل الزيارة بإسناده المتصل
إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: (في طين قبر الحسين الشفاء من كل داء، وهو
الدواء الأكبر) (1).
فلا شك في استثنائه، ولكن يشترط في استثنائه أمران:
الأول: أن يكون لأجل الاستشفاء، فلا يجوز لغيره بلا خلاف أجده
- إلا من شاذ - للمروي في المصباح المنجبر ضعفه بالاشتهار: (من أكل من
طين قبر الحسين عليه السلام غير مستشف به فكأنه أكل لحومنا) الحديث (2).
المؤيد بتعليل التحليل في أكثر الأخبار بأن فيه شفاء من كل داء وأمانا
من كل خوف، ولا يصلح ذلك دليلا للاشتراط، كما أن قوله في مرسلة
الواسطي: (ومن أكله بشهوة لم يكن فيه شفاء) لا يدل عليه أيضا، لأخصية
الأكل بالشهوة عن الاشتراط، وعدم دلالته على الحرمة.

(1) كامل الزيارة: 275 / 4، مستدرك الوسائل 10: 330 أبواب المزار وما يناسبه
ب 53 ح 3.
(2) مصباح المتهجد: 676، الوسائل 24: 229 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 6.
162

خلافا للمصباح، فجوز الأكل منه تبركا (1)، ولكن رجع عنه في سائر
كتبه.
وقد يستدل له برواية النوفلي المروية في الإقبال: إني أفطرت يوم
الفطر بطين وتمر، فقال: (جمعت ببركة وسنة) (2).
وفيه: أنه قضية في واقعة، فلعله كان مستشفيا أيضا، إلا أن يعمم
بترك الاستفصال، ولكن مع ذلك لا يفيد، لضعف الرواية.
كما لا تضر رواية الحسين بن أبي العلاء: (حنكوا أولادكم بتربة
الحسين عليه السلام) (3)، لأن التحنيك لا يستلزم الأكل.
كذا لا يثبت جواز الأكل للأمان من الخوف بالتعليل به في كثير من
الأخبار، إذ ليس فيها إلا أنه أمان، وأما أنه في أكله أو استصحابه فلا، بل
في رواية الحرث بن المغيرة - المروية في أمالي الشيخ - تصريح بالأخير،
حيث قال فيها - بعد قوله عليه السلام: (إن فيه شفاء من كل داء وأمنا من كل
خوف) وبيان كيفية أخذه - قلت: قد عرفت جعلت فداك الشفاء من كل داء
فكيف الأمن من كل خوف؟ فقال: (إذا خفت سلطانا أو غير سلطان فلا
تخرجن من منزلك إلا ومعك من طين قبر الحسين عليه السلام) الحديث (4).
الثاني: أن لا يتجاوز قدر الحمصة المتوسطة المعهودة، كما صرح به
المحقق (5) وجماعة (6).

(1) مصباح المتهجد: 713.
(2) الإقبال: 281، الوسائل 7: 445 أبواب صلاة العيد ب 13 ح 1.
(3) كامل الزيارة: 278، الوسائل 14: 524 أبواب المزار وما يناسبه ب 70 ح 8.
(4) أمالي الشيخ الطوسي: 325.
(5) الشرائع 3: 224.
(6) منهم الشهيد الثاني في الروضة 7: 326، المسالك 2: 244، صاحب الرياض
2: 290.
163

للمروي في مكارم الأخلاق: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن كيفية تناوله،
قال: (إذا تناول التربة أحدكم فليأخذ بأطراف أصابعه، وقدره مثل
الحمصة، فليقبلها وليضعها على عينيه وليمرها على سائر جسده وليقل:
اللهم بحق هذه التربة، وبحق من حل بها وثوى فيها، وبحق أبيه وأمه
وأخيه والأئمة من ولده، وبحق الملائكة الحافين به إلا جعلتها شفاء من كل
داء، وبرءا من كل مرض، ونجاة من كل آفة، وحرزا مما أخاف وأحذر.
ثم ليستعملها) (1).
وفي كامل الزيارة ومصباح المتهجد: ما تقول في طين قبر الحسين
عليه السلام؟ فقال: (يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل لهم أكل لحومنا،
ولكن اليسير منه مثل الحمصة) (2).
وفي المروي في مصباح الزائر في رواية طويلة: (ويستعمل منها
وقت الحاجة مثل الحمصة) (3).
والمروي في مصباح المتهجد: إني سمعتك تقول: (إن تربة الحسين
عليه السلام من الأدوية المفردة، وإنها لا تمر بداء إلا هضمته) فقال: (قد كان ذلك
أو قد قلت ذلك، فما بالك؟) قال: إني تناولتها فما انتفعت، قال: عليه السلام:
(أما إن لها دعاء فمن تناولها ولم يدع به لم يكد ينتفع به) فقال له: ما أقول
إذا تناولتها؟ قال: (تقبلها قبل كل شئ وتضعها على عينيك ولا تناول منها
أكثر من حمصة، فإن من تناول منها أكثر من ذلك فكأنما أكل لحومنا

(1) مكارم الأخلاق 1: 361 / 1179.
(2) كامل الزيارة: 286، مصباح المتهجد: 676، التهذيب 6: 74 / 145، الوسائل
14: 528 أبواب المزار وما يناسبه ب 72 ح 1.
(3) مصباح الزائر: 97.
164

ودمانا، فإذا تناولت فقل: اللهم إني أسألك بحق الملك الذي قبضها،
وأسألك بحق النبي الذي خزنها، وأسألك بحق الوصي الذي حل فيها أن
تصلي على محمد وآل محمد وأن تجعله شفاء من كل داء وأمانا من كل
خوف وحفظا من كل سوء. فإذا قلت ذلك فاشددها في شئ واقرأ عليها
سورة إنا أنزلناه، فإن الدعاء الذي تقدم لأخذها هو الاستئذان عليها، وقراءة
إنا أنزلناه ختمها) (1).
إلا أن في رواية أخرى مروية في كامل الزيارة بسنده المتصل إلى أبي
عبد الله عليه السلام: (لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق أبي عبد الله الحسين بن
علي عليهما السلام وحرمته وولايته أخذ من طين قبر الحسين عليه السلام مثل رأس أنملة
كان له دواء) (2).
ولكنه لا يدل على أكل قدر رأس الأنملة، فالأحوط - بل الأظهر -
عدم التجاوز عن الحمصة.
فروع:
أ: مقتضى الأصل - ولزوم الاقتصار على المتيقن من ماهية التربة
المقدسة والمستفاد من مطلقات طين القبر - هو ما أخذه من قبره أو ما جاوره
عرفا، إلا أن في رواية ابن عيسى المروية في الكافي (3) ومرسلة سليمان بن
عمرو المروية في كامل الزيارة وفي مصباح المتهجد وعن مصباح الزائر أنه:

(1) مصباح المتهجد: 677، الوسائل 24: 229 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 7.
(2) كامل الزيارة: 277 / 8، الوسائل 14: 530 أبواب المزار ب 72 ح 4.
(3) الكافي 4: 588 / 5، مستدرك الوسائل 10: 333 أبواب المزار وما يناسبه
ب 53 ذيل الحديث 10.
165

(يؤخذ طين قبر الحسين عليه السلام من عند القبر على سبعين ذراعا) (1).
وفي رواية أخرى مروية في الكامل أيضا أنه: (يؤخذ على سبعين
باعا) (2).
وفي أخرى مروية فيه أيضا، وفي المكارم: (إن طين قبر الحسين عليه السلام
فيه شفاء وإن أخذ على رأس ميل) (3).
وكذا أخرى في الكامل، قال: (لو أن مريضا من المؤمنين يعرف حق
أبي عبد الله عليه السلام وحرمته وولايته أخذ من طينه على رأس ميل كان له دواء
وشفاء) (4).
وفي أخرى مروية فيه أيضا: (يستشفى بما بينه وبين القبر على رأس
أربعة أميال) (5)، وقريبة منها مرسلة أخرى فيه أيضا، وفيه: وروي فرسخ
في فرسخ (6).
وفي بعض كتب الأصحاب: وروي إلى أربعة فراسخ، وروي
ثمانية (7). ولم أعثر على حديث يدل عليهما.

(1) مصباح المتهجد: 676، مصباح الزائر: 96، الوسائل 14: 511 أبواب المزار
وما يناسبه ب 67 ح 3، ولم نعثر عليها بهذا النص في كامل الزيارات.
(2) كامل الزيارات: 279 / 2، والباع: هو مسافة ما بين الكفين إذا بسطهما يمينا
وشمالا - المصباح المنير: 66.
(3) كامل الزيارات: 275 / 5، مكارم الأخلاق 1: 360 / 1175، الوسائل 14: 513
أبواب المزار ب 67 ح 9.
(4) كامل الزيارات: 279 / 6، مستدرك الوسائل 10: 331 أبواب المزار وما يناسبه
ب 53 ح 7.
(5) كامل الزيارات: 280 / 5، مستدرك الوسائل 10: 332 أبواب المزار وما يناسبه
ب 53 ح 9.
(6) كامل الزيارات: 271 / 2، الوسائل 14: 510 أبواب المزار وما يناسبه ب 67 ح 2.
(7) انظر الرياض 2: 290.
166

نعم، ورد في الحائر الشريف أنه خمس فراسخ (1).
وفي إثبات الحلية بهذه الأخبار الضعيفة الغير المنجبرة إشكال جدا،
والاقتصار على المفهوم العرفي هو مقتضى الأصل، إلا أنه يشكل حينئذ
أيضا بأنه يوجب عدم بقاء شئ من تلك البقعة المباركة، لكثرة ما يؤخذ
منها في جميع الأزمنة وسيؤخذ إن شاء الله تعالى إلى يوم القيامة.
قيل: إلا أن يؤخذ من المواضع المذكورة ويوضع على القبر أو
الضريح، فيقوى احتمال جوازه (2).
ولكن في صدق طين القبر عليه مع ذلك نظر، وعليه يشكل الأمر،
للعلم بتغير طين القبر في تلك الأزمنة المتطاولة التي تناوبت عليه أيدي
العامرين له، والله أعلم.
وروى في الكافي وكذا الكامل عن أبي عبد الله عليه السلام: (أن عند رأس
الحسين بن علي عليهما السلام لتربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام) قال
الراوي: فاحتفرنا عند رأس القبر فلما حفرنا قدر ذراع انحدرت علينا من
عند رأس القبر شبه السهلة حمراء قدر درهم الحديث (3).
ثم إنه يشكل أيضا الاكتفاء بما يأتون به كثير من الزوار وأخذوه من
بعض أهل تلك الديار، إلا أن يقبل فيه قول ذي اليد إذا أخبر بكونه التربة
المقدسة.. ولو احتاط من لم يأخذه بنفسه أو بواسطة ثقة أخذه كذلك أو
مطلقا فحله في ماء أو شربة أخرى بحيث يخرج عن صدق الطين ويشرب

(1) انظر البحار 86: 89.
(2) الرياض 2: 290.
(3) الكافي 4: 588 / 4، كامل الزيارة: 279 / 1، مستدرك الوسائل 10: 331
أبواب المزار وما يناسبه ب 53 ح 8.
167

كان أولى، فقد روي في الكامل عن محمد بن مسلم حديثا طويلا، فيه
إرسال أبي جعفر عليه السلام له شربة لوجعه فشرب وبرئ، وقال: (يا محمد، إن
الذي شربته فيه من طين قبور آبائي، وهو أفضل ما أستشفي به، فلا تعدلن
به، فإنا نسقيه صبياننا ونساءنا ونرى فيه كل خير) الحديث (1).
ب: هل يختص ذلك بالتربة الحسينية، أو يعم تربة سائر الأئمة
أيضا؟
مقتضى الأصل: الأول، وبه صرح في المروي في العيون بسنده
المتصل عن موسى بن جعفر عليهما السلام: (لا تأخذوا من تربتي شيئا لتتبركوا به،
فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين عليه السلام) الحديث (2).
وفي المروي في العلل: (من أكل طين الكوفة فقد أكل لحوم
الناس) (3).
نعم، في رواية الكامل المتقدمة بعضها - بعد قوله: (على رأس أربعة
أميال) -: (وكذلك طين قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذلك طين قبر
الحسين وعلي ومحمد، فخذ منها، فإنها شفاء من كل سقم، وجنة مما
يخاف) الحديث (4).
وحملها المحدث المجلسي على مجرد الأخذ والاستصحاب دون
الأكل (5)، ولا بأس به.

(1) كامل الزيارة: 275 / 7، وفيه: (من طين قبر الحسين عليه السلام)، بدل: (من طين
قبور آبائي).
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 82 / 6، الوسائل 14: 529 أبواب المزار ب 72 ح 2.
(3) علل الشرائع: 533 / 4، الوسائل 24: 225 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58 ح 15.
(4) كامل الزيارة: 280 / 5، الوسائل 24: 227 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 3.
(5) البحار 57: 156 ذ. ح 22.
168

وأما ما في رواية محمد بن مسلم المتقدمة من قوله: (من طين قبور
آبائي) فمع أن آخرها يدل على أنه من قبر أبي عبد الله عليه السلام لا يضر لدخوله
في التربة.
ج: قد وردت في الأخبار لأخذه واستعماله آداب وشرائط وأدعية،
وفي بعضها: أنه لا شفاء إلا بها، وكذا في ضبطه واستصحابه إلى المنزل،
وأنه ينبغي أن يكتم به، ويكثر ذكر الله عليه، ولا يجعل في الخرج الجوالق
ونحوها وفي الأشياء الدنسة والثياب الوسخة، وأنه لو فعل به ذلك لذهب
منه الشفاء والبركة (1).
د: هل يستثنى الطين الأرمني أيضا، أم لا؟
ظاهر بعضهم: العدم (2)، للأصل.
واستثناه في الدروس واللمعة والروضة (3)، للمنفعة.
وتدل عليه المرسلة المروية في المصباح والمكارم: عن الطين
الأرمني يؤخذ للكسير أيحل أخذه؟ قال: (لا بأس به أما إنه من طين قبر
ذي القرنين) (4).
والمسندتين المرويتين في طب الأئمة، الدالتين على جواز أكل
سفوفه دواء (5).

(1) كامل الزيارة: 281، الوسائل 14: 521 أبواب المزار وما يناسبه ب 70 و ص:
530 ب 73، و ج 24: 227 أبواب الأطعمة المحرمة ب 59 ح 3 و 7، مستدرك
الوسائل 10: 329، 338 أبواب المزار وما يناسبه ب 53 و 56.
(2) كصاحب الرياض 2: 290.
(3) الدروس 3: 14، اللمعة (الروضة 7): 327.
(4) مصباح المتهجد: 676، مكارم الأخلاق 1: 362 / 1182، الوسائل 24: 230
أبواب الأطعمة المحرمة ب 60 ح 3.
(5) طب الأئمة عليهم السلام: 65 و 66، الوسائل 24: 230 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 60 ح 1 و 2.
169

وردت - بعد التضعيف - بالحمل على حال الاضطرار، مضافا إلى
عدم صراحة الأول في الأكل، فلعله للضماد أو الطلا.
نعم، يمكن أن يقال بعدم انصراف الاطلاق إلى مثل ذلك الطين،
سيما مع كونه نافعا، وتعليل حرمة الطين في بعض الأخبار بالضرر (1).
ومنه يظهر جواز استثناء الطين المختوم أيضا، مضافا فيهما إلى عدم
تيقن كونهما طينا وإن سميا به، كما يستفاد من آثارهما وخواصهما،
ولصوقهما باللسان، وقول الأطباء بأن الأول حار، مع أن كل طين بارد.
المسألة الثالثة: يحرم من الجوامد ما كان منه مسكرا، كالبنج ونحوه
من المعاجين المسكرة، لأن كل مسكر حرام إجماعا فتوى (2) ونصا (3).
وما كان منه نجس العين - كالخرء والعذرة - أو متنجسا غير قابل
للتطهير - كالعجين الذي عجن بالماء النجس، وبعض الحبوبات المنقوعة
في المائع النجس، فإنها غير قابلة للتطهير على الأقوى، كما مر في بحثه -
أو متنجسا قابلا له قبل تطهيره، أو مضرا بالبدن، أو خبيثا، أو مغصوبا.
والوجه في الكل ظاهر مما مر.
وما عدا ذلك من الجوامد باق على أصل الإباحة، داخل في
العمومات، ولا يحرم منها شئ، فتحل النباتات من الحشائش والأوراد
والأوراق والأخشاب، حتى أصول العنب والزبيب والفحم ما لم يضر، وغير
ذلك مما لا يعد ولا يحصى كثرة.

(1) الوسائل 24: 220 أبواب الأطعمة المحرمة ب 58.
(2) القواعد 2: 159، الروضة 7: 316، الرياض 2: 290.
(3) الوسائل 25: 325 أبواب الأشربة المحرمة ب 15.
170

الفصل الثاني
في المائعات
وفيه أيضا مسائل:
المسألة الأولى: من المائعات المحرمة: ما مر من فضلات الحيوانات،
من الدم والبول واللبن، على التفصيل المتقدم.
ومنها: المائعات النجسة الغير القابلة للتطهير، كغير الماء مطلقا على
الأظهر، والقابلة له قبل التطهير، وجميع ما كان مضرا بالذات أو بالعارض،
أو مغصوبا، كما مر جميعا.
المسألة الثانية: من المائعات المحرمة: الخمر، وحرمته إجماعية،
بل ضرورة دينية ثابتة بالكتاب والسنة، ويلحق به كل مسكر في الحرمة،
بالاجماع والنصوص المستفيضة، بل المتواترة:
كرواية الصيداوي، وفيها: (كل مسكر حرام) (1).
ورواية أبي الربيع الشامي: (إن الله حرم الخمر بعينها، فقليلها
وكثيرها حرام، كما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير، وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله
الشراب من كل مسكر، وما حرم رسول الله صلى الله عليه وآله فقد حرمه الله تعالى) (2).
وموثقة سماعة: عن التمر والزبيب يطبخان للنبيذ، قال: (لا) وقال:

(1) الكافي 6: 407 / 1، التهذيب 9: 111 / 483، الوسائل 25: 325 أبواب
الأشربة المحرمة ب 15 ح 3.
(2) الكافي 6: 408 / 2، التهذيب 9: 111 / 480، الوسائل 25: 325 أبواب
الأشربة المحرمة ب 15 ح 4.
171

(كل مسكر حرام) وقال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل ما أسكر كثيره فقليله
حرام) (1).
ورواية عطاء: (كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر) (2).
وفي صحيحة ابن وهب: (كل مسكر حرام، فما أسكر كثيرة فقليله
حرام) قلت: فقليل الحرام يحله كثير الماء؟ فرد عليه بكفه مرتين: لا،
لا (3).
ورواية كليب: (ألا أن كل مسكر حرام، ألا وما أسكر كثيره فقليله
حرام) (4)، إلى غير ذلك.
والمدلول عليه من تلك الأخبار وغيرها مما يطول الكلام بذكره
والمتفق عليه بين العلماء الأخيار أن المعتبر في التحريم إسكار كثيره، فما
أسكر كثيره حرم قليله ولو قطرة منه وإن مزجت بغيره وغلب الغير عليها،
كما صرحت به صحيحة ابن وهب.
وفي صحيحة البجلي: (إن ما أسكر كثيره فقليله حرام)، فقال له
الرجل: فأكسره بالماء، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (لا، وما للماء يحل الحرام،
اتق الله ولا تشربه) (5).
ورواية عمر بن حنظلة: ما تقول في قدح من المسكر يغلب عليه

(1) الكافي 6: 409 / 8، الوسائل 25: 338 أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 5.
(2) الكافي 6: 408 / 3، التهذيب 9: 111 / 482، الوسائل 25: 326 أبواب
الأشربة المحرمة ب 15 ح 5.
(3) الكافي 6: 408 / 4، التهذيب 9: 111 / 481، الوسائل 25: 336 أبواب
الأشربة المحرمة ب 17 ح 1.
(4) الكافي 6: 408 / 6، الوسائل 25: 337 أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 2.
(5) الكافي 6: 409 / 11، الوسائل 25: 339 أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 7.
172

الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره؟ فقال: (لا والله ولا قطرة تقطر
منه في حب إلا أهريق ذلك الحب) (1).
ويلحق بالمسكر: الفقاع قليله وكثيره مطلقا وإن لم يكن مسكرا، بلا
خلاف بين الأصحاب، بل عليه الاجماع عن الغنية والسرائر والتحرير
والقواعد والدروس والمسالك (2)، وغيرها من كتب الجماعة (3)، بل هو
إجماع محقق، فهو الحجة، مضافا إلى النصوص المستفيضة المطلقة من
غير تقييد بالاسكار.
ففي صحيحة الوشاء: (كل مسكر حرام، وكل مخمر حرام، والفقاع
حرام) (4).
وفي المستفيضة: أنه يقتل بائعه ويجلد شاربه (5).
المسألة الثالثة: ومن المائعات المحرمة: العصير العنبي إذا غلى، بأن
يصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله، وهذا هو المراد من القلب الوارد في بعض
الروايات الآتية، بلا خلاف فيه، بل بالاجماع المحكي مستفيضا (6)،
والمحقق، وهو الحجة فيه مع النصوص المتكثرة الدالة منطوقا أو مفهوما..

(1) الكافي 6: 410 / 15، التهذيب 9: 112 / 485، الوسائل 25: 341 أبواب
الأشربة المحرمة ب 18 ح 1.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 618، السرائر 3: 128، التحرير 2: 161، القواعد
2: 158، الدروس 3: 16، المسالك 2: 244.
(3) الرياض 2: 291، مفاتيح الشرائع 2: 219.
(4) الكافي 6: 424 / 14، التهذيب 9: 124 / 536، الإستبصار 4: 95 / 365،
الوسائل 25: 360 أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 3.
(5) الوسائل 25: 365 أبواب الأشربة المحرمة ب 28.
(6) انظر المسالك 2: 244، كشف اللثام 2: 89، الرياض 2: 291.
173

ففي صحيحة حماد: (لا يحرم العصير حتى يغلي) (1).
وفي روايته: عن شرب العصير، فقال: (اشربه ما لم يغل، فإذا غلى
فلا تشربه) قال: قلت: جعلت فداك فأي شئ الغليان؟ قال: (القلب) (2).
وفي موثقة ذريح: (إذا نش العصير أو غلى حرم) (3).
أقول: النش: صوت الماء وغيره إذا غلى.
وفي صحيحة ابن سنان: (كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى
يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) (4).
ورواية أبي بصير: عن الطلا، فقال: إن طبخ حتى يذهب منه اثنان
ويبقى منه واحد فهو حلال، وما كان دون ذلك فليس فيه خير) (5).
أقول: الطلا: ما طبخ من عصير العنب.
وصحيحة ابن سنان: (إن العصير إذا طبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى
ثلثه فهو حلال) (6).
وابن أبي يعفور: (إذا زاد الطلا على الثلث فهو حرام) (7).

(1) الكافي 6: 419 / 1، التهذيب 9: 119 / 513، الوسائل 25: 287 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 3 ح 1.
(2) الكافي 6: 419 / 3، التهذيب 9: 120 / 514، الوسائل 25: 287 أبواب
الأشربة المحرمة ب 3 ح 3.
(3) الكافي 6: 419 / 4، التهذيب 9: 120 / 515، الوسائل 25: 287 أبواب
الأشربة المحرمة ب 3 ح 4.
(4) الكافي 6: 419 / 1، التهذيب 9: 120 / 516، الوسائل 25: 282 أبواب
الأشربة المحرمة ب 2 ح 1.
(5) الكافي 6: 420 / 1، الوسائل 25: 285 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 6.
(6) الكافي 6: 420 / 2، الوسائل 25: 288 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 1.
(7) الكافي 6: 420 / 3، التهذيب 9: 120 / 519، الوسائل 25: 285 أبواب
الأشربة المحرمة ب 2 ح 8.
174

ورواية عقبة: في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصب
عليه عشرين رطلا من ماء، ثم طبخها حتى ذهب منه عشرون رطلا وبقي
عشرة أرطال، أيصلح شرب ذلك أم لا؟ فقال: (ما طبخ على ثلثه فهو
حلال) (1).
ورواية محمد بن الهيثم: عن العصير يطبخ في النار حتى يغلي من
ساعته فيشربه صاحبه؟ قال: (إذا تغير عن حاله وغلى فلا خير فيه حتى
يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) (2).
ومقتضى إطلاق أكثر هذه الأخبار وفتاوى الأصحاب وصريح جماعة
- كالشرائع والتحرير والمسالك والروضة (3) وغيرها (4) - عدم الفرق في
الحكم بتحريمه بالغليان بين كونه بالنار أو غيرها.
ويدل عليه صريحا الرضوي: (اعلم أن أصل الخمر من الكرم، إذا
أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار فهو خمر، ولا يحل شربه حتى
يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) (5)، وضعفه بالعمل مجبور.
ولا يضر عموم المفهوم في صحيحة ابن سنان الأولى، لأنه مفهوم
وصف لا حجية فيه.
وكذا مقتضاه عدم الفرق في ذهاب الثلثين بين الأمرين.

(1) الكافي 6: 421 / 11، التهذيب 9: 121 / 521، الوسائل 25: 295 أبواب
الأشربة المحرمة ب 8 ح 1.
(2) الكافي 6: 419 / 2، التهذيب 9: 120 / 517، الوسائل 25: 285 أبواب
الأشربة المحرمة ب 2 ح 7.
(3) الشرائع 3: 225، التحرير 2: 161، المسالك 2: 244، الروضة 7: 320.
(4) كالكفاية: 251 والمفاتيح 2: 220.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 280، مستدرك الوسائل 17: 39 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 5.
175

ولا يعارضه مفهوم الشرط في رواية أبي بصير، لأن الطلا لا يكون
إلا مطبوخا.
نعم، يعارضه مفهوم صحيحة ابن سنان الأخيرة بالعموم من وجه،
ومقتضاه الرجوع إلى استصحاب الحرمة.
وتوهم عدم اعتبار المفهوم - لأن التقييد من جهة أن الغالب أن ذهاب
الثلثين لا يكون إلا بالنار، بل هو المتبادر منه - يوجب الخدش في
الاطلاقات أيضا، لانصرافها إلى الذهاب بالنار.
فالقول بالتفرقة في التثليث - كما هو ظاهر التحرير، حيث قال بعد
التصريح بعدم التفرقة في الغليان: فإن غلى بالنار وذهب ثلثاه فهو حلال - (1)
كان جيدا لولا مظنة انعقاد الاجماع على خلافه لندرة القائل.
مع احتمال كون كلامه أيضا واردا مورد الغالب، بل احتمال كون
ذهاب الثلثين في كلامه مطلقا ويكون التقييد للغليان، يعني: إذا حصل
الغليان الناري - الذي هو أحد سببي التحريم - وذهب الثلثان بأي نحو كان
فهو حلال.
ولكنه بعيد. والأحوط اعتبار الذهاب الناري في الجملة.
وقد يتوهم تصريح رواية ابن سنان بكفاية غير الناري، حيث قال:
(العصير إذا طبخ حتى يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف ثم يترك حتى يبرد
فقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه) (2)، لأن تتمة الثلثين في الرواية قد ذهبت بعد
الترك.
وفيه: أن الطبخ وإن ترك ولكن الحرارة النارية باقية، وهي أوجبت

(1) التحرير 2: 161.
(2) التهذيب 9: 120 / 518، الوسائل 25: 291 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 7.
176

ذهاب تتمة الثلثين.
ثم إن ما ذكر من التبادر والغلبة جاريان في الغليان أيضا، إلا أن عدم
ظهور قائل بالفرق - بل تصريح بعضهم بعدم الخلاف فيه (1)، وكون
الاحتياط فيه موافقا لعدم التفرقة - يوهن التفرقة فيه جدا.
وأما ما ذكره بعضهم (2) من أن مقتضى انصراف المطلق إلى الغالب
وإن كان تخصيص الغليان بالناري أيضا، إلا أن تصريح موثقة ذريح
المتقدمة وتنصيصها بالتحريم بغير الناري أيضا أوجب عدم الفرق فيه.
وليت شعري من أين فهم تصريحها بذلك؟! مع أن كلا من النشيش
والغليان مطلقان، بل قيل: إن النشيش هو الصوت الحاصل بالغليان (3). إلا
أن يستند إلى ما قيل من أن النشيش هو صوت الغليان الحاصل من طول
المكث (4)، ولكنه غير ثابت.
وكذا مقتضى الاطلاقات كفاية مجرد الغليان في حصول التحريم من
غير اعتبار أمر آخر، وهو ظاهر فتاوى الأكثر.
خلافا للفاضل في الإرشاد، فاشترط أيضا الاشتداد (5)، وهو الغلظة
والثخن والقوام الغير الحاصلة إلا مع تكرار الغليان، فالقول بالتلازم - كما
عن الشهيد (6) - غير سديد، كما أن اشتراط الإرشاد خال عن السداد، لعدم
المقتضي له.
ويمكن أن يستدل له بمرسلة محمد بن الهيثم: عن العصير يطبخ في

(1) الرياض 2: 291.
(2) الرياض 2: 291.
(3) المفاتيح 2: 220، الرياض 2: 292.
(4) الرياض 2: 293.
(5) الإرشاد 2: 111.
(6) الذكرى: 13.
177

النار حتى يغلي من ساعته فيشربه صاحبه؟ قال: (إذا تغير عن حاله وغلى
فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه)، فإنه لا تغير في الحال بعد
الغليان سوى الاشتداد مشروطا قطعا.
وفيه: أن الظاهر أن قوله: (وغلى) بيان لتغير الحال، فالمراد بالتغير:
تأثره بحيث يصير أعلاه الأسفل وبالعكس، ولا أقل من الاحتمال المسقط
للاستدلال.
وكذا مقتضى تعليق الحكم بالحرمة على العصير - وفاقا لظاهر الكفاية (1) -
قصر التحريم على ما إذا صدق عليه العصير عرفا.
وأما بدون ذلك - كما إذا كان الماء في الحب ولم يعصر بعد - فلا
وجه للحكم بتحريمه - كما هو ظاهر بعضهم (2)، بل ظاهر قول الأردبيلي أنه
قول كثير، حيث عبر بلفظ: قالوا (3) - لعدم صدق العصير عليه، وإرادة ما يصلح
أن يكون عصيرا خلاف الأصل، مع أن في صدق الغليان عليه أيضا نظرا،
ولو سلم صدقه فانصراف المطلق عليه بعيد غايته.
فالظاهر حلية حبة العنب الداخلة في الماء أو المرق ولو غلى الماء أو
المرق وطبخت فيه، وكذا الزبيب الداخل فيه، على القول بحرمة العصير
الزبيبي بالغليان أيضا، إلا أن يعلم انشقاق الحبة وخروج مائها ومزجها مع
المرق مثلا وغليانه، بل في حصول التحريم حينئذ أيضا نظر، لأن
باستهلاكه في المرق يخرج عن صدق غليان العصير، فتأمل.
ودعوى الاجماع البسيط أو المركب في أمثال المقام مجازفة جدا.

(1) الكفاية: 251.
(2) حكاه في الحدائق 5: 153 عن بعض مشايخه وهو الشيخ سليمان البحراني.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 11: 200.
178

بل قيل: إن في رواية رواها الحلي في السرائر - عن كتاب مسائل
محمد بن علي بن عيسى: عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم، وربما جعل فيه
العصير من العنب وإنما هو لحم يطبخ به، وقد روي عنهم: في العصير
أنه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، وأن الذي
يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة، وقد اجتنبوا أكله إلى أن نستأذن
مولانا في ذلك، فكتب بخطه: (لا بأس بذلك) (1) - دلالة على أنه إذا صب
العصير في الماء وغلى الجميع حل أكله، ولا يشترط فيه ذهاب الثلثين (2).
انتهى.
وهو حسن، إلا أنه تعارضها الأخبار العديدة المشترطة للذهاب، مع
تضمنها لمزج العصير بالماء من غير استهلاك، فتأمل.
ثم إنه قد عرفت تصريح الأخبار بحصول الحلية بذهاب الثلثين، وهو
أيضا إجماعي، بل ضروري.
ولو انقلب العصير المذكور دبسا أو خلا قبل الذهاب فهل يحل، أم
لا؟
قال المحقق الأردبيلي - بعد ذكر كلام -: فقد ظهر المناقشة في
حصول الحل بصيرورة العصير دبسا أو بانقلابه خلا، فإن الدليل كان
مخصوصا بذهاب الثلثين، إلا أن يدعى الاستلزام، أو الاجماع، أو أنه إنما
يصير خلا بعد أن يصير خمرا، وقد ثبت بالدليل أن الخمر يحل إذا صار
خلا، أو يقال: إن الدليل الدال على أن الدبس والخل مطلقا حلال يدل

(1) مستطرفات السرائر: 69 / 16، الوسائل 25: 288 أبواب الأشربة المحرمة ب 4
ح 1.
(2) البحار 63: 504.
179

عليه (1). انتهى.
وظاهر كلامه: كون عروض الحل بالخلية أو الدبسية مظنة الاجماع.
وصرح بعض سادة مشايخنا المحققين بأنه مذهب بعض الأصحاب،
ولكنه نسب عدم الحل إلى المشهور، قال في رسالته المعمولة في حكم
العصير في طي بعض مطالبه: هذا إن اشتراطنا في حلية العصير ذهاب ثلثيه
مطلقا كما هو المشهور، فلو قلنا بالاكتفاء بصيرورته دبسا يخضب الإناء
- كما ذهب إليه بعض الأصحاب - زال الاشكال من أصله. انتهى.
وكيف كان، فاحتمال الحلية قوي جدا، لما أشير إليه من عمومات
حلية الخل المعارضة لعمومات حرمة العصير الذي غلى قبل ذهاب الثلثين
بالعموم من وجه، فيرجع إلى أصل الإباحة وعمومها.
ولا يتوهم الرجوع إلى استصحاب النجاسة، لتغير موضوعها، فإن
النجاسة ثابتة في الأخبار للعصير، فهذا من باب استحالة النجس الذاتي،
التي لا تستصحب معها النجاسة، دون المتنجس، الذي يستصحب على
التحقيق، مع أنه لعل في الأخبار ما يشعر بالحلية أيضا.
فإن في رواية سفيان بن السمط: (عليك بخل الخمر فاغمس فيه
الخبز فإنه لا يبقى في جوفك دابة إلا قتلها) (2).
وفي حسنة سدير: ذكر عنده خل الخمر، فقال: (إنه ليقتل دواب
البطن ويشد الفم) (3).

(1) مجمع الفائدة والبرهان 11: 201، وفيه:... إلا أن يدعى الاستلزام لولا
الاجماع...
(2) الكافي 6: 330 / 11، المحاسن: 487 / 551، الوسائل 25: 93 أبواب
الأطعمة المباحة ب 45 ح 3.
(3) الكافي 6: 330 / 8، المحاسن: 487 / 549، الوسائل 25: 93 أبواب الأطعمة
المباحة 45 ح 1.
180

قال في الوافي في بيان الحديث: خل الخمر: هو عصير العنب
المصفى الذي يجعل فيه مقدار من الخل ويوضع في الشمس حتى يصير
خلا (1). فإنه لا شك أن بالوضع في الشمس - خصوصا في الحجاز ونحوه -
يحصل الغليان وصيرورته خلا قبل ذهاب الثلثين قطعا.
ويمكن أن يستدل على الحلية أيضا بصحيحة عمر بن يزيد الواردة
في البختج - وهو العصير المطبوخ -: (إذا كان يخضب الإناء فاشربه) (2).
ولا يعارضها مفهوم صحيحة ابن وهب: عن البختج، فقال: (إذا كان
حلوا يخضب الإناء وقال صاحبه: قد ذهب ثلثاه وبقي الثلث، فاشربه) (3)،
إذ ليس باقيا على ظاهره قطعا، إذ قول الصاحب إن كان مثبتا لذهاب الثلثين
فلا معنى لاشتراط الحلاوة وخضب الإناء إجماعا، وإن لم يكن مثبتا مطلقا
أو بإطلاقه فلا وجه لاشتراطه، بل يثبت المطلوب، فلا بد إما من جعل
الواو بمعنى: أو، فيثبت المطلوب، أو حمل الشرط الأخير على الأولوية،
فكذلك أيضا، أو حمل الأول عليها، فلا ينافي المطلوب.
فروع:
أ: يتحقق ذهاب الثلثين بنقصهما كيلا، ولا يحتاج إلى ذهابهما وزنا،

(1) الوافي 19: 325 ب 59 ذيل ح 9.
(2) الكافي 6: 420 / 5، التهذيب 9: 122 / 525، الوسائل 25: 293 أبواب
الأشربة المحرمة ب 7 ح 2.
(3) الكافي 6: 420 / 6، التهذيب 9: 121 / 523، الوسائل 25: 293 أبواب
الأشربة المحرمة ب 7 ح 3، والبختج: العصير المطبوخ. وأصله بالفارسية ميبخته
- النهاية (لابن الأثير) 1: 101.
181

لصدق نقص الثلثين، ولأن الكيل كان هو المتعارف في ذلك الاعتبار،
وللتصريح به في موثقتي الساباطي ورواية الهاشمي، الآتية جميعا في
المسألة الآتية في الدليل التاسع من أدلة المحرمين.
ب: لو صب قدر من العصير في القدر وغلى، ثم صب عليه قدر آخر
قبل ذهاب ثلثي الأول، فهل يكفي ذهاب ثلثي مجموع ما صب أولا وصب
ثانيا، أو يلزم ذهاب ثلثي مجموع ما صب ثانيا مع ما بقي من الأول، أو
يجب العلم بذهاب ثلثي كل واحد مما صب أولا وما صب ثانيا؟
مثلا: إذا صب في القدر تسعة أرطال وغلى حتى بقيت ستة أرطال،
ثم صب فيه تسعة أرطال أخر..
فعلى الأول: يكفي الغليان حتى يبقى من المجموع ستة أرطال - ثلث
ثمانية عشر رطلا - كيل مجموع المصبوبين.
وعلى الثاني: يغلي حتى تبقى خمسة أرطال - ثلث خمسة عشر
رطلا - كيل الباقي من الأول والمصبوب ثانيا.
وعلى الثالث: يجب الغلي حتى تعلم صيرورة الباقي من الأول ثلاثة
أرطال، ومن المصبوب بعده ثلاثة أرطال، ولا يكفي في ذلك بقاء مطلق
الستة، إذ لعله نقص من المصبوب ثانيا أقل من الستة أو أكثر ومن الباقي
أكثر من الثلاثة أو أقل، وعلى هذا فلا يمكن الحكم بالحلية حينئذ أصلا،
لعدم سبيل إلى حصول ذلك العلم، بل يجب طبخ كل على حدة.
الظاهر: هو الوسط، لأن الحاصل بعد الخلط عصير واحد، فبعد
الغلي وذهاب ثلثيه يصدق عنوانا الحرمة والحلية عليه، ولأن الاحتمال
182

الأول مدفوع باستصحاب الحرمة، والثاني (1) بعدم إمكان تحقق ذلك العلم،
مع ما يعلم قطعا من صب الأعصرة بعضها على بعض، مع تفاوتها في
اللطافة والغلظة، الموجبتين لسرعة الذهاب وبطئه، فإن أنواع العنب متفاوتة
في ذلك قطعا، بل قد يعصر بعضها في زمان غلي بعض آخر، وفي مر
الزمان مدخلية في سرعة الذهاب وعدمه أيضا.
وتؤيده موثقتا الساباطي ورواية الهاشمي الآتية، الآمرة بإذهاب ثلثي
المجتمع بعد غلى سابق للبعض، بل تدل عليه على القول بتحريم العصير
الزبيبي بالغليان أيضا.
وتدل عليه أيضا رواية عقبة بن خالد المتقدمة (2)، المتضمنة لضم
الماء مع العصير وكفاية ذهاب ثلثي المجتمع، مع اختلافهما في سرعة قبول
الذهاب وعدمه.
ج: لو طرح في العصير قبل ذهاب الثلثين جسم فجذب من العصير
شيئا ولم يعلم بعد ذهاب ثلثي العصير ذهاب ثلثي ما جذبه ذلك الجسم
أيضا، يحرم ما فيه حتى يعلم الذهاب، ولا تكفي حلية ما في القدر في
حلية ما في ذلك الجسم.
نعم، لو لم يدخل العصير في ذلك الجسم، بل اكتسب الجسم
رطوبته حتى كبر - كالحنطة المنقوعة في العصير - ففي حرمته من بدو الأمر
إشكال، لعدم صدق اسم العصير على ما فيه، فتأمل.
المسألة الرابعة: الأقوى اختصاص التحريم بالغليان مطلقا - الناري
وغيره - بالعصير العنبي، فلا يحرم الزبيبي أو التمري بالغليان مطلقا، وفاقا

(1) كذا، والأنسب: الثالث.
(2) في ص: 175.
183

للفاضلين والشهيدين وفخر المحققين والسيوري والصيمري (1) وأكثر
المتأخرين (2).
وهو ظاهر المقنعة والمراسم (3) وكتب السيد (4)، حيث لم يتعرضوا
لبيان تحريم العصير مطلقا.
بل هو الأشهر، كما صرح به جماعة، كالأردبيلي والسبزواري
والصيمري (5).
وهو ظاهر المسالك (6)، لنسبته الخلاف في الزبيبي إلى بعض
علمائنا، ولم ينقل في التمري خلافا أصلا، ولذا نسب إليه وإلى الدروس
القول بعدم وجود الخلاف في التمري (7).
وربما كان ذلك أيضا ظاهرا من اللمعتين (8)، حيث لم يشيرا إلى
الحكم في التمري مطلقا، مع تصريحهما بأنه لا يحرم العصير من الزبيب
على الأقوى.

(1) المحقق في الشرائع 1: 52، العلامة في القواعد 2: 158، الشهيد الأول في
الدروس 3: 16، الشهيد الثاني في المسالك 2: 244، فخر المحققين في الإيضاح
4: 156، السيوري في التنقيح الرائع 4: 51، حكاه عن الصيمري في الرياض 2: 291.
(2) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 206، الفاضل الهندي في كشف اللثام
2: 89.
(3) المقنعة: 581، المراسم: 55.
(4) الإنتصار: 200، الناصريات (الجوامع الفقهية): 181.
(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 202، السبزواري في الكفاية: 251، حكاه عن
الصيمري في الرياض 2: 291.
(6) المسالك 2: 245.
(7) راجع الرياض 2: 291.
(8) اللمعة والروضة 7: 321.
184

بل حكي عن بعض الفضلاء التصريح بعدم الخلاف فيه (1)، بل عن
الشهيد الثاني في شرح الرسالة الاجماع على عدم إلحاق التمري.
دليلنا: أصل الإباحة، واستصحاب الحل، والعمومات الكتابية والسنية
الدالة على حلية الأشياء السليمة عن المعارض والمخصص - إلا ما يستدل
به للتحريم، وهو غير دال كما يأتي - وما قيل من تداول تناول الدبس
الزبيبي في الأعصار والأمصار بحيث انعقد الاجماع عليه، مع أنه لا يكاد
يتحقق التثليث في العصير الزبيبي إلا بانعقاده واحتراقه وخروجه عن
الدبسية وتغير طعمه إلى المرارة، ولا يفيد في ذلك ازدياد الماء وتليين النار
إذ الماء يحترق.. إلا أن فيه: أنه مبني على عدم حصول الحلية بصيرورته
دبسا قبل ذهاب الثلثين وقد عرفت أن الأقوى حصولها.
هذا، مع ما صرح به في رواية الهاشمي وموثقتي الساباطي الآتية
بإمكان التثليث مع كون الماء ضعف الزبيب أو متساويا له.
وتدل على المطلوب في التمري أيضا رواية محمد بن الحسن [وعلي
ابن محمد بن] بندار جميعا، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد،
عن محمد بن جعفر، عن أبيه، وهي طويلة، وفيها: فقالوا: يا رسول الله،
إن القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (وما
النبيذ؟ صفوه لي) فقالوا: يؤخذ من التمر فينبذ في إناء، ثم يصب عليه
الماء حتى يمتلي ويوقد تحته حتى ينطبخ، فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء
آخر، ثم صبوا عليه ماء، ثم يمرس، ثم صفوه بثوب، ثم يلقى في إناء، ثم
يصب عليه من عكر ما كان قبله، ثم يهدر ويغلي، ثم يسكن على عكرة،

(1) انظر الحدائق 5: 125.
185

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا هذا، قد أكثرت، أفيسكر؟) قال: نعم، قال:
(فكل مسكر حرام) الحديث (1).
وجه الدلالة واضح جدا، فإنه لو كان الهدر والغلي كافيين في التحريم
لم يسأل عن الاسكار وعدمه لذكرهما في الكلام، بل أهل العرف كلا يفهم
من هذا الكلام عدم التحريم بدون الاسكار.
وتؤيد المطلوب أيضا النصوص الواردة في علة تحريم العصير، فإنها
ظاهرة في أن العلة إنما هي شركة إبليس في شجرة الكرم وثمرته بالثلثين،
وأنه إذا ذهب نصيبه منها حل الباقي (2)، ولا ريب أن الزبيب قد ذهب ثلثاه
وزيادة بالشمس.
وما قيل (3) من أن ذهاب الثلثين بالشمس إنما يفيد إذا كان قد غلى
حتى يحرم ثم يحل بعد ذلك بذهاب ثلثين، والغليان بالشمس غير
معلوم، بل قد يجف الزبيب بغير الشمس أيضا ولا غليان فيه البتة، فلا
وجه لتحريمه حتى يحتاج إلى التحليل بذهاب الثلثين.
فيأتي ما يرده في مطاوي أدلة المحرمين، وملخصه: أنه مبني على
دلالة تلك النصوص أو غيرها على اعتبار كون ذهاب الثلثين بعد الغليان
وحصول التحريم، وأنه لو ذهبا قبله لا يعبأ به.. وهي ممنوعة، إذ لا أثر له
فيها، بل ظاهرها اعتبار ذهاب الثلثين مطلقا، بعد الغلي كان أم لا.
ويؤيد المطلوب أيضا بعض الروايات الأخر، كرواية مولى حر بن

(1) الكافي 6: 417 / 7، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 6،
وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2) الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2.
(3) رياض المسائل 2: 292.
186

يزيد الآتية في الدليل الثاني من أدلة المحرمين، فإن ترك الاستفصال فيها
عن أنواع الأشربة وطريق صنعتها يقتضي ثبوت الحلية لكل نوع منه وإن
غلى ولم يذهب ثلثاه، خرج العنبي فيبقى الباقي.
ورواية إسحاق بن عمار الآتية في الدليل التاسع منها، فإن المستفاد
من قوله عليه السلام فيها: (أليس هو حلوا؟) (1) كون العلة في إباحة الشراب
المسؤول عنه كونه حلوا غير متغير بما يوجب الاسكار، فيطرد فيما كان
كذلك وإن لم يذهب منه الثلثان، لحجية العلة المنصوصة.
وكصحيحة أبي بصير: قال: كان أبو عبد الله عليه السلام يعجبه الزبيبة (2).
وروى الراوندي في الخرائج والجرائح عن صفوان أمر أبي عبد الله
بإطعام امرأة غضارة مملوءة زبيبا مطبوخا (3).
وظاهر أن طعام الزبيبة لا يذهب فيه ثلثا ماء الزبيب ولا ثلثا ماء طبخ
فيه الزبيب واكتسب منه الحلاوة.
واحتمال كون الزبيبة ما فيه قليل زبيب مخلوط مع أشياء أخر - يستهلك
الزبيب وماؤه فيها - فاسد، كما يستفاد من حديث الراوندي.
وتؤيده بل تدل عليه أيضا المستفيضة الكثيرة الدالة على دوران
الحكم في النبيذ - حرمة وحلا - مدار السكر وعدمه، كما تأتي جملة منها،
ولو كان مجرد الغليان يوجب التحريم وإن لم يبلغ حد الاسكار لجرى له
ذكر أو إشارة ولو في بعضها، سيما مع ورودها في مقام الحاجة.

(1) الكافي 6: 426 / 4، الوسائل 15: 291 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 5.
(2) الكافي 6: 316 / 7، المحاسن: 401 / 92، الوسائل 25: 62 أبواب الأطعمة
المباحة ب 27 ح 1.
(3) الخرائج والجرائح 2: 614 / 13، البحار 47: 98 / 116.
187

وتوهم أن بمجرد الغليان يحصل منه السكران ففاسد، يشهد بفساده
العيان.
ولو سلم فيخرج عن المفروض، لأنه إنما هو فيما لم يسكر.
وتوهم حصول الاسكار الخفي أو مبادئه أيضا كذلك، لمنعه.
ولو سلم فغير مفيد، لأن الاسكار المعلق عليه الحكم في الأخبار هو
الظاهر منه، لأنه الاسكار العرفي الذي يجب حمل اللفظ عليه.
احتج للقول بالتحريم بأدلة بعضها يعم التمري والزبيبي، وبعضها
يختص بأحدهما:
فمنها: استصحاب الحالة التي كانت للعنب بعد الزبيبية وللباقي من
مائه فيه.
والجواب: أن الموضوع قد تغير، لأنه العنب وعصير العنب، أو
العصير الذي يختص بمعتصر العنب كما يأتي، وقد تغير وذهب فلا يمكن
أن يستصحب.
وأما بعض المناقشات - الذي ذكره بعض سادة مشايخنا المحققين في
ذلك المقام، في رسالته المعمولة لهذا المرام - فهو بطوله ناشئ عن عدم
التحقيق في معنى عدم تغير الموضوع، كما يظهر لمن نظر إليه، وإلى
ما ذكرناه في معناه في كتابي مناهج الأحكام وعوائد الأيام (1).
ومنها: العمومات المتقدمة الدالة على تحريم العصير عموما أو
إطلاقا بالغليان، والعصير هو الماء المستخرج من الشئ عنبا كان أو غيره،
أصليا كان المستخرج أم عارضيا، ابتدائيا كان الاستخراج أم مسبوقا بعمل،

(1) عوائد الأيام: 210.
188

كالنقع وغيره.
والجواب عنه: بمنع عموم العصير لغة بحيث يشمل المفروض أولا.
وبمنع إمكان حمله على ما يعمه في تلك الأخبار ثانيا.
أما الأول: فليس لأجل ما قيل من أن المتبادر من العصير حيث
يطلق المتخذ من العنب دون العام (1).
أو أن العصير استعمل في اللغة والعرف والأخبار في الخاص،
والأصل في الاستعمال الحقيقة (2).
أو أن إطلاق العصير حقيقة على الخاص ثابت وعلى غيره مشكوك
فيه، فينفي بالأصل (3).
أو أن العصير إنما يتحقق في العنب، لأن العصير إنما يطلق على
المأخوذ من الأجسام التي فيها مائية لاستخراج الماء منها، كالعنب والرمان،
وأما التمر والزبيب والسماق - ونحوها من الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة
أو حموضة ويراد استخراج حلاوتها أو حموضتها - فالمتحقق فيها هو
النبيذ والنقيع، أو المرس، أو الغلي (4).
[لرد الأول: بمنع التبادر] (5). نعم، لو قيل بعدم تبادر التمري والزبيبي
لكان صحيحا، [ولكنه غير مفيد] (6).
وأما تسليم المخالف تبادر العنبي ورده بتجويز كونه إطلاقيا فلا

(1) انظر الذخيرة: 155.
(2) الحدائق 5: 127.
(3) الرياض 2: 293.
(4) الحدائق 5: 125.
(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة النص.
189

يكون علامة للحقيقة - كما وقع لبعضهم - فيرد عليه أن ذلك وإن أخدش
في إثبات كونه حقيقة في العنبي ولكنه يخدش في عمومه الذي عليه بناء
الاستدلال أيضا فيبطل.
والقول - بأنه إذا تعارض الاحتمالان يرجع إلى الأصل، الذي هو بقاء
العموم - إنما يصح لو كان مراد الراد: إثبات الحقيقة الطارئة بالتبادر، ولكن
له أن يمنع أصالة العموم وأراد الحقيقة الأولية.
ودعوى أن مقتضى الوضع الاشتقاقي العموم - فلو ثبت حقيقة في
الخصوص لكانت طارئة - يأتي جوابها.
كما أن تسليم الموافق لنا إطلاقية التبادر الحاصل بسبب الشيوع وجعله
كافيا في إثبات المطلوب لأن المطلق يحمل على الأفراد الشائعة دون الخفية
النادرة، يرد عليه: أن الحمل على الشائع إنما يكون إذا كان غيره نادرا
خفيا، وهو في المقام غير ثابت، فإن انصراف المطلق يستدعي الظهور
الذي يقابل الندرة، دون الأظهرية والأشهرية، مع أن من أخبار المقام ما
يشتمل على لفظ العموم الاستغراقي، وحمل مثله على الشائع ممنوع.
ورد الثاني: بمنع استعمال العصير في الخاص أولا وإن دلت القرائن
على إرادته في بعض المواضع، فإن إرادة الخاص لا تستلزم استعمال اللفظ
فيه بعينه، لجواز فهم الخصوصية من الخارج دون اللفظ.
ومنع كون الأصل في الاستعمال الحقيقة مطلقا، ثانيا، وإنما هو إذا
اتحد المستعمل فيه، والمورد ليس كذلك، لاستعماله في الأعم في اللغة
والعرف والأخبار أيضا، وعلى هذا فللخصم قلب الدليل وإثبات الحقيقة في
الأعم بالاستعمال فيه.
ورد الثالث: بأنه إن أريد بثبوت إطلاق العصير على الخاص حقيقة
190

إطلاقه عليه لكونه موضوعا له بالخصوص فهو أول النزاع، وإن أريد ثبوت
إطلاقه عليه حقيقة ولو لوضعه للمعنى العام فهو غير مفيد.
ورد الرابع: بأن النبيذ والنقيع وإن تحققا في التمر والزبيب ولكن
يحصل العصير بعدهما أيضا، ولأجل ذلك يطلق على عصيرهما النقيع
والنبيذ.
والحاصل: أنه إن أريد اختصاص العصير بالعنب فنمنع، وإن أريد
تحقق النبيذ والنقيع في التمر والزبيب فنسلم، ولكن لا يلزمه انتفاء العصير
فيهما، إلا أن يخص العصير بما لم يتوقف على نبذ ونفع، وحينئذ يكون
الكلام متوجها كما يأتي.
بل لأن لفظ العصير: فعيل، وهو إما بمعنى الفاعل، فهو بمعنى
العاصر، أو بمعنى المفعول، وهو الشئ الذي وقع عليه العصر دون ما
خرج من العصر، وإنما يسمى ذلك عصارا وعصارة.
صرح بذلك في القاموس، قال: وعصر العنب ونحوه يعصره فهو
معصور وعصير، واعتصره استخرج ما فيه، وعصره ولي ذلك بنفسه،
واعتصره عصر له وقد انعصر وتعصر، وعصارته وعصاره ما يحلب منه (1).
انتهى.
صرح بأن العصير هو نفس العنب وأن ماءه عصارة وعصار، وعلى
هذا فإطلاق العصير على الماء المستخرج لا يكون مقتضى وضعه الاشتقاقي
حتى يستدعي عموما، بل هو معنى مجازي له، فيمكن أن يكون ذلك
المعنى المجازي هو خصوص ماء العنب، أو هو ونحوه مما لا يحتاج إلى

(1) القاموس المحيط 2: 93.
191

ضم ماء خارجي، فلا يعلم العموم.
سلمنا كون لفظ العصير حقيقة في الماء المستخرج، كما هو ظاهر
كلام صاحب المصباح المنير، حيث قال: عصرت العنب ونحوه عصرا - من
باب ضرب - استخرجت ماءه فانعصر، واعتصرته كذلك، واسم ذلك الماء
العصير: فعيل، بمعنى: مفعول، والعصارة بالضم ما سيل عن العصر (1).
انتهى.
ولكنه حقيقة طارئة، إذ حقيقة الاشتقاقية هو ما وقع عليه العصر - أي
الجسم الذي استخرج ماؤه - كما صرح به في القاموس، وتلك الحقيقة
الطارئة يمكن أن تكون ما لا يصدق على مثل ما يستخرج من التمر
والزبيب، بل يختص بما كان ماء نفسه، ولذا لا يقال لما يخرج من الثوب
ونحوه بعد العصر: عصير، وكذا ما يخرج من اليد الرطبة بعد عصرها.
ولا عموم في كلام المصباح، لأنه قال: العنب ونحوه، فيمكن أن
يكون مراده ب‍: نحوه: ما كان الماء من نفسه، بل هو الظاهر من قوله:
استخرجت ماءه، حيث أضاف الماء إلى الضمير الراجع إلى نفس الشئ،
ولم يقل: الماء الذي فيه.
ويؤكد ذلك عدم وقوع تصريح في كلام لغوي باستعمال العصير في
غير ما كان الماء المستخرج من نفسه، وإنما استعملوه في ما كان الماء من
نفسه، كالعنب والرطب والنخيل والأعناب، أو نحو العنب وغير ذلك.
وعلى هذا، فلا دلالة لتقييد بعض اللغويين وغيرهم العصير بالعنب
على استعماله في التمري والزبيبي أيضا.

(1) المصباح المنير: 413.
192

نعم، يدل على استعماله على غير ماء العنب أيضا كماء الرطب
والحصرم والرمان، ولكنه غير مفيد.
والحاصل: أن مقتضى الوضع الاشتقاقي والمطابق لحقيقته الأصلية
كون العصير هو ما وقع عليه العصر، كنفس العنب والثوب وغيرهما، دون
ما خرج من العصر، فيكون استعماله في الخارج كلا أو بعضا إما مجازا - كما
هو ظاهر القاموس، وحينئذ فيتكثر المجاز ويتسع باب الاحتمال - أو حقيقة
طارئة، كما هو ظاهر المصباح، ولا يعلم أن حقيقته الطارئة هل هي الماء
الذاتي المستخرج، أو مطلقا فيبطل معه أيضا الاستدلال.
فإن قلت: قول صاحب المصباح: فعيل بمعنى مفعول، يدل على أنه
وضعه الاشتقاقي، فيكون عاما لكل ما يصدق فيه مبدأ اشتقاقه.
قلنا: مع أنه لا حجية في قوله فقط أنه لو كان حجة لكان في تعيين
المعاني، وأما في غير ذلك فلا، وكون ذلك فعيلا بمعنى المفعول مما نعلم
انتفاءه، فإن المعصور - الذي هو المفعول - هو ما وقع عليه العصر، وليس
هو إلا نفس العنب ونحوه دون ما استخرج منه، وأما إرادة المستخرج من
شئ آخر فهو حقيقة ليس مفعولا يكون الفعيل بمعناه، فإنه ليس مفعولا
للعصر أصلا.
سلمنا، ولكن يحتمل أن يكون إطلاق العصير على الماء من باب
الفعيل بمعنى المفعول إذا كان ذلك الماء أيضا جزءا من حقيقة المسمى
بالاسم حتى يصدق عليه المفعول من تلك الجهة، دون ما إذا ضم الماء مع
شئ آخر وأدخل فيه، كما في الثوب ونحوه.
ومما ذكرنا ظهر ما في كلام بعض سادة مشايخنا المحققين، حيث
قال: عموم لفظ العصير باعتبار وضعه اللغوي الأصلي أمر بين يجب القطع
193

به، فإن العصير فعيل من العصر، فهو كغيره من المشتقات موضوع بالوضع
النوعي للذات المبهمة المتصفة بالمبدأ على وجه مخصوص، ومن المعلوم
أن ليس للفظ العصير من بين المشتقات في أصل اللغة وضع يخصصه
ببعض الذوات كالعنب، فإذن العصير - بمقتضى وضعه الأصلي - عام صادق
على كل شئ معصور مطلقا، عنبا كان أو تمرا أو زبيبا أو غير ذلك.
انتهى.
فإنا نقول: إنا نسلم عمومه باعتبار وضعه الأصلي، ومقتضاه صدق
العصير على كل ما وقع عليه العصر من عنب وتمر وزبيب وثوب ولبد
ولحاف وغيرها، وأما صدقه على الماء المستخرج مطلقا فبأي وضع؟
نوعي أو شخصي أو اشتقاقي؟ ودلالته عليه ليس بالوضع الأصلي
الاشتقاقي، وإنما هو أمر طار عارضي، يجب الفحص عن معروضه عموما
وخصوصا، وليس في كلام أهل اللغة ونحوهم من الأدباء تصريحا أو
استعمالا مطلقا ما يدل على التعميم، وإنما هو محض استعمال في كلام
الفقهاء لبيان المسألة، ولو كان ذلك مقتضى الوضع الاشتقاقي للزم صحة
استعماله في الماء المستخرج من عصر الثوب واللبد واليد والشعر، فيقال:
عصير الثوب واليد والشعر إلى غير ذلك، وبطلانه ظاهر جدا.
بل في كلام المصباح إشارة إلى أنه ليس وضعا اشتقاقيا، حيث قال:
واسم ذلك الماء العصير، ثم قال: والعصارة ما سيل من العصر.
فإنه لا يقال للضارب: إنه اسم ذلك الشخص، ولذا فرق بين العصير
والعصارة، فالأول ليس مقتضى الوضع الوصفي الاشتقاقي، وإنما هو علمي
عارضي، وهذا ظاهر جدا.
وتؤكد بعض ما ذكرنا صحيحة البجلي: (الخمر من خمسة: العصير
194

من الكرم، والنقيع من الزبيب، والبتع من العسل، والمزر من الشعير،
والنبيذ من التمر) (1).
فإنها دالة على اختصاص العصير بماء العنب وعصارته إن جعلنا
العصير بيانا للخمسة، يعني: أن الخمر يحصل من خمسة أشياء: من العصير
وهو من الكرم، ومن النقيع الذي هو من الزبيب، إلى آخره. أو اختصاصه
بالخمر العنبية إن جعلناه بيانا لأقسام الخمر.
وأما الثاني: فلأن العصير في تلك الأخبار لو كان عاما لزم تخصيص
الأكثر، بل إلا الاندر، وهو هذه الثلاثة، وخروج سائر أفراده التي لا تحصى
من الكثرة، وذلك غير جائز على التحقيق، فيكون العصير إما مخصوصا
بالوضع، أو مستعملا في بعض الأفراد تجوزا لا من باب تخصيص العام،
وعلى التقديرين لا تكون إرادة الزائد عن العنبي عنه معلومة.
وأورد عليه بوجهين:
الوجه الأول: منع عدم جواز تخصيص الأكثر، لوقوعه في الكتاب
العزيز، قال سبحانه: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك
من الغاوين) (2).
مع قوله تعالى: (ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين) (3)،
فإن المخلصين لو كانوا أقل كان الغاوون أكثر وقد استثنوا من الأولى، وإن
كانوا أكثر فقد استثنوا من الثانية، ويلزم استثناء الأكثر.

(1) الكافي 6: 392 / 1، التهذيب 9: 101 / 442، الوسائل 25: 279 أبواب
الأشربة المحرمة ب 1 ح 1.
(2) الحجر: 42.
(3) الحجر: 40.
195

ولأن المقتضي له موجود والمانع مفقود..
أما الأول: فللوضع لما يصح منه الاخراج تجوزا، ووجود علاقة
مصححة، هي علاقة العموم والخصوص، دون المشابهة المنتفية في
المقام.
وأما الثاني: فإذ ليس إلا قبح مثل قول القائل: أكلت كل رمانة في
البستان، وفيه آلاف ولم يأكل إلا واحدة أو ثلاثة. و: كل من جائك فأكرمه،
ثم قال: أردت زيدا أو هو مع عمرو. وذلك القبح ليس كليا حتى يكون
مستندا إلى اشتراط الواضع بقاء الأكثر من العام، بل لأمر عارض يزول إذا
روعيت فيه الجهات المحسنة والاعتبارات اللائقة وتصرف المتكلم فيه
تصرفا يخرجه عن الضعة والابتذال، بل قد يلتحق به الكلام بالبليغ الذي
يتنافس به الأعلام، وذلك كما في: علي واحد وواحد وواحد إلى عشرة،
فإنه يستقبح مع كونه موافقا للغة، وإذا كانت هناك نكتة يرتفع القبح كما في
بنت سبع وأربع وثلاث، وكما أن التكرار مما تستقبحه الطباع، وقد
يستحسن بمراعاة بعض النكات كما في سورتي: الرحمن والمرسلات،
وكتوجه الخطاب الموضوع للموجود أو الحاضر أو ذوي العقول إلى
المعدوم أو الغائب أو غير ذوي العقول أو عكس ذلك بملاحظة بعض
اللطائف والأحوال، وبهذا الاعتبار يحسن استعمال أدوات العموم في قليل
من أفراد العام، كأن ينظر في المثالين المتقدمين إلى أن ما عدا المراد بمنزلة
المعدوم لنوع امتياز للمراد من بين الأفراد فكأنه لا فرد لذلك العام سوى
المراد..
أو إلى أنه لما أكل أحسن الرمانات وأراد أفضل الجائين فكأنه أكل
الكل وأكرم الجميع، فيطلق لفظ العموم نظرا إلى ما وقع عليه الفعل من
196

القليل بمنزلة الكثير، كقوله: زيد كل الرجل، يريد بذلك معادلته
للجماعة.. أو إلى أن القليل المأكول مثلا لما كان قدر كفايته فكأنه أكل
الكل، فيقصد المبالغة دون الحقيقة، وبمثل تلك الاعتبارات يزول القبح
الثابت له قبل ذلك.
ومن ذلك يعلم أن القبح لم يكن مستندا إلى مخالفة اللغة أو الخروج
عن قوانين العربية، وإلا لاستمر مع اللفظ ولم يكن يزول أبدا وإن روعيت
فيه أنواع اللطائف أو اختلفت الأحوال والمقامات.
وفيه أولا: أن الاستثناء في الآية الأولى منقطع، لأن من اتبعه من
الغاوين ليس داخلا في العباد، لأن العبد من أقر بالعبودية وتلبس بآداب
العبادة، قال الله سبحانه: (فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) (1)، فلا
تخصيص فيها. والمخرج في الآية الثانية قليل بالنسبة إلى الباقين.
وثانيا: أنه لا يعلم أن من اتبع الشيطان من الغاوين - الذي عليه
سلطانه - يكون أكثر من غيره من العباد أو مساويا له، لأنهم بين تابع لله
ومستضعف من الدين لم تقرع أسماعهم شريعة أو لم يعلموا غير طريقتهم
طريقة حقة، وبين تابع للشيطان.
وبتقرير آخر: بين ذوي النفوس المطمئنة وذوي النفوس اللوامة
وذوي النفوس الأمارة والمستضعفين الخالين عن النفوس الثلاث الذين هم
أكثر الناس، ومن سلط عليه الشيطان هو الثالث، ومن أين علم أنه أكثر
العباد أو مساو لغيره؟! ومن أحاط بعباد الله سبحانه من بدو خلقهم إلى
انقراضهم في شرق الدنيا وغربها وبرها وبحرها؟!

(1) الفجر: 29.
197

وأما الآية الثانية فمعناها: أني أكون بصدد إغواء الجميع إلا العباد
المخلصين الذين هم الأنبياء وأوصياؤهم - كما ورد في الأخبار - فإني لست
بصدد إغوائهم.. ولا يريد أني أغوي غير المخلصين، إذ ليس جميع
غيرهم غاويا من جانب الشيطان، فإن منهم المؤمنين الأبرار، والمتوسطين
التابعين للشريعة التائبين بعد المعصية، والمستضعفين، وأما المخلصون
فهم الذين جزاؤهم فوق أعمالهم ويصفون الله سبحانه بما يليق بجلاله..
قال الله سبحانه: (وما تجزون إلا ما كنتم تعملون إلا عباد الله
المخلصين) (1).
وقال: (سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين) (2).
فليس كل غير المخلصين غاويا من إغواء الشيطان، فأراد: أني أكون
بصدد إغواء غير المخلصين.
وعلى هذا، فلا يفيد ضم الآية الثانية مع الأولى لاثبات مطلوبه، لأنا
نقول: إن كلا ممن اتبع الشيطان وله عليه السلطان ومن المخلصين أقل
أفراد العباد، ولا ضير، إذ ليس كل من أراد إغواءه ممن اتبعه.
وثالثا: أنا لا نسلم وجود المقتضي، إذ هو - كما اعترف به - العلاقة
المصححة، وهي هنا غير موجودة.
قوله: وهي العموم والخصوص.
قلنا: نعم، ولكن لا كل خصوص، إذ لم تثبت لنا صلاحية كل
خصوصية حتى الأكثر للعلاقة، كيف؟! وقد منعه أكثر المحققين ولم يدل
عليه شاهد من الواضع، والعلاقات أيضا أمور توقيفية يجب ثبوتها من

(1) الصافات: 39 - 40.
(2) الصافات: 159 - 160.
198

الواضع، وهذا هو سبب القبح الذي يلاحظ في العرف وادعاه المحققون،
وهو أمر مستمر لا ينفك أبدا، وليس القبح لأجل أمر خارجي يزول بزواله
ويعد من الموانع.
وأما ما ذكره - من زوال قبحه أحيانا بمراعاة بعض النكات واللطائف -
فهو خطأ محض واشتباه بين يقضى منه العجب سيما من هذا الجليل الشأن
الذي ذكره، فإن الاستعمالات التي ذكرها مراعيا فيها النكات واللطائف ليس
من باب التخصيص ولا علاقة العموم والخصوص، وإنما هو تجوز آخر
وعلاقة أخرى.. ولذا لا يرتفع القبح لو صرح بالتخصيص، فيقول: أكرم
كل من جاء دارك إلا غير زيد العالم، أو: ولا تكرم غير زيد العالم، أو:
أكلت كل رمانة إلا غير الرمانة الفلانية الحسنة.. ولذا لو علم السامع بذلك،
ولكن لم يعلم خصوص مراده عددا، لا يحمله على غير ما علم عدم
إرادته، كما هو شأن التخصيص.
ولو تنزلنا عن الحكم - البات بكون ذلك تجوزا آخر - فلا أقل من
احتماله المسقط للاستدلال، لثبوت التوقيف وارتفاع القبح عن التخصيص.
ورابعا: أنا سلمنا أن القبح يرتفع بمراعاة اللطائف والنكات، فما
اللطيفة التي رفعته في تلك الأخبار والنكتة التي أزالته فيها؟!
فإن قلت: النكتة هو شيوع هذه الثلاثة وتعارفها وتداولها.
قلنا: مع أن كفاية مجرد ذلك لرفع القبح غير معلوم، إنه إن أريد
الشيوع وجودا - أي أن هذه العصيرات الثلاثة أكثر وجودا من غيرها - فهو
ممنوع جدا، كيف؟! مع أن عصارة الزيت وسائر الحبوبات التي يستضاء
بعصارتها وعصير الحصرم والرمان والأترج والليمون وغير ذلك ليس بأقل
من عصارة الزبيب قطعا.
199

وإن أريد شيوع إغلائها وأكثرية غليانها فكذلك أيضا، فإن تحقق
الغليان في العصارات التي يستضاء بها وفي ماء الحصرم والرمان والأترج
والسماق والإجاص في الطبائخ والربوب ليس أقل وقوعا من تحقق الغليان
في عصارة الزبيب والتمر أصلا، وقد وقع السؤال في الأخبار العديدة عن
رب الرمان والتفاح والسفرجل والتوت وغيرها (1).
وإن أريد شيوع جعله دبسا فلا مدخلية له في ذلك، كما أن لشيوع
بعض الحالات الأخر لبعض العصارات الأخرى لا مدخلية له في ذلك
أيضا.
الوجه الثاني: عدم اقتضاء امتناع تخصيص الأكثر إرادة العصير
العنبي من اللفظ ولا وضعه له، لجواز إرادة الثلاثة بتوجه الخطاب إلى
الأفراد دون الأنواع، فإن أفراد هذه الثلاثة أكثر من أفراد غيرها.
وفيه: منع أكثرية أفراد هذه الأنواع الثلاثة جدا ولو سلمت أكثرية
مقدارها، مع أنها أيضا ممنوعة، مضافا إلى أن الارجاع إلى الأفراد خلاف
الظاهر.
قيل: سلمنا وضعه للخاص أو استعماله تجوزا فيه، ولكن الخاص
الموضوع له أو المستعمل فيه لا يجب أن يكون خصوص ماء العنب، بل
الظاهر أنه ما يتخذ منه الدبس، لقربه من المعنى الأصلي ومطابقته لما
يقتضيه ظاهر كلام الفقهاء، حيث يطلقون العصير على العصارات الثلاث
دون غيرها.
قلنا: الظهور ممنوع لا وجه له، بل وليس مطلق الماء المستخرج

(1) الوسائل 25: 366 أبواب الأشربة المحرمة ب 29.
200

معناه الأصلي كما عرفت، حتى تكون الثلاثة أقرب إليه من الواحدة،
وإطلاق بعض الفقهاء لا يجدي نفعا، ونحن لا نقول،: إن العصير حقيقة
في العنبي خاصة وضعا أوليا أو ثانويا، ولا إنه مستعمل فيه كذلك، بل
نقول: إنا نعلم أنه موضوع أو مستعمل في معنى يصدق على العنبي قطعا،
ولا نعلم غيره.
ومما ذكرنا يظهر دفع بعض ما قيل في ذلك المقام من أن اختصاصه
بالعنبي يحتاج إلى هجر غيره وهو غير معلوم، أو إلى ارتجال وعدمه
معلوم، وأنه لو سلم أحدهما فأصالة تأخر الحادث تقتضي تأخره عن
صدور الروايات، ونحو ذلك مما لا يصلح للركون إليه بعد ما ذكرنا، وإن
صلح بعضها لتأيد بعض المطالب لو تم أصلها ومبناها.
ومنها: ما دل على حرمة كل شراب لم يذهب ثلثاه، كصحيحة علي:
عن الرجل يصلي إلى القبلة لا يوثق به أتى بشراب زعم أنه على الثلث
فيحل شربه؟ قال: (لا يصدق إلا أن يكون مسلما عارفا) (1)، وروى مثله
في قرب الإسناد (2).
وموثقة الساباطي: عن الرجل يأتي بالشراب فيقول: هذا مطبوخ على
الثلث، فقال: (إن كان مسلما ورعا مأمونا فلا بأس أن يشرب) (3).
والجواب عنه - مضافا إلى ما مر من إيجابه تخصيص الأكثر لو جعل
من باب العموم والخصوص - أن الأولى غير دالة على عدم جواز التصديق،

(1) التهذيب 9: 122 / 528، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 7.
(2) قرب الإسناد: 271 / 1078، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرمة ب 7
ح 7.
(3) التهذيب 9: 116 / 502، الوسائل 25: 294 أبواب الأشربة المحرمة ب 7 ح 6.
201

لمكان الجملة الخبرية.
ولو سلم فغايته عدم التصديق في الطبخ على الثلث، وهو لا يستلزم
التحريم، إذ لعله للحكم بالكراهة - كما حكي عن جماعة - فلا يجوز
الحكم بالإباحة بالمعنى الخاص.
وهما معارضتان مع الأخبار الكثيرة الدالة على اعتبار قول ذي اليد،
وائتمان الصانع في عمله، وجواز الأخذ من سوق المسلمين، وعدم
وجوب التفتيش والسؤال (1)، ونفي الحرج في الدين (2)، بل لاجماع
المسلمين، حيث يأخذون الدبس في الأسواق خلفا وسلفا، مع أن صناعه
غالبا ليسوا ورعين مأمونين، ولا يتفحصون عن حال الصانع.
وأما ما حكي عن جماعة من أصحابنا - من عدم جواز أخذ العصير
من المتهم باستحلاله قبل التثليث - فهو مخصوص بالمتهم بالاستحلال لا
مطلقا، كما هو مورد الروايتين، وسائر الأخبار الواردة في الباب أيضا
مخصوص بالمستحل، فالروايتان مطروحتان من هذه الجهة.
وكذا تعارضان بمثل رواية مولى حر بن يزيد: إني أصنع الأشربة من
العسل وغيره وأنهم يكلفونني صنعتها فأصنعها لهم، فقال: (اصنعها
وادفعها إليهم وهي حلال من قبل أن يصير مسكرا) (3).
هذا كله مع أن السؤال والجواب في الروايتين مسوقان لحكم قبول
قول مثل ذلك الشخص وعدمه، دون حكم اشتراط ذهاب الثلثين وعدمه،

(1) الوسائل 25: 292 أبواب الأشربة المحرمة ب 7، و ص 381 ب 38 ح 3،
الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.
(2) الحج: 78.
(3) التهذيب 9: 127 / 548، الوسائل 25: 381 أبواب الأشربة المحرمة ب 38
ح 3.
202

ومثل ذلك لا يفيد في إطلاق حكم الشراب عند جمع من المحققين.
وأيضا إنا نعلم قطعا أن علي بن جعفر وعمار الساباطي كانا يعلمان
أن الشراب على قسمين: قسم تتوقف حليته على ذهاب الثلثين، وقسم لا
تتوقف، فسؤالهما إنما هو عن القسم الأول قطعا، يعني: أن الشراب الذي
تتوقف حليته على ذهاب الثلثين هل يكفي قول ذي اليد فيه، أم لا؟ فلا
عموم في الروايتين.
ومنها: عموم مفهوم قوله: (ما طبخ على الثلث فهو حلال) في رواية
عقبة بن خالد: في رجل أخذ عشرة أرطال من عصير العنب فصب عليه
عشرين رطلا من ماء، ثم طبخها حتى ذهب منه وبقي عشرة أرطال،
أيصلح شرب ذلك أم لا؟ فقال: (ما طبخ على الثلث فهو حلال) (1).
وجوابه: ما مر من لزوم تخصيص الأكثر، بل هنا أشد، لعدم
اختصاصه بالشراب والعصير.
هذا، مضافا إلى منع العموم في المنطوق، لظهوره في عصير العنب
الذي هو مورد السؤال، ومنع حجية ذلك المفهوم، الذي هو مفهوم
الوصف.
ومنها: الأخبار الواردة في بيان ما يحل من النقيع والنبيذ وما يحرم
منهما، وأن الذي يحل هو ما ينقع غدوة ويشرب عشية أو بالعكس.
كصحيحة الجمال: أصف لك النبيذ، فقال عليه السلام لي: (بل أنا أصفه
لك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام)
فقلت: هذه نبيذ السقاية بفناء الكعبة، فقال 7 لي: (ليس هكذا كانت

(1) الكافي 6: 421 / 11، التهذيب 9: 121 / 521، الوسائل 25: 295 أبواب
الأشربة المحرمة ب 8 ح 1.
203

السقاية، إنما السقاية زمزم، أفتدري من أول من غيرها؟) قال: قلت: لا،
قال: (العباس بن عبد المطلب كانت له حبلة، أفتدري ما الحبلة؟) قلت:
لا، قال: (الكرم، كان ينقع الزبيب غدوة ويشربونه بالعشي وينقعه بالعشي
ويشربونه من الغد، يريد أن يكسر غلظ الماء عن الناس، وإن هؤلاء قد
تعدوا فلا تشربه ولا تقربه) (1).
وحسنة حنان: ما تقول في النبيذ؟ فإن أبا مريم يشربه ويزعم أنك
أمرته بشربه فقال: (صدق أبو مريم، سألني عن النبيذ فأخبرته أنه حلال
ولم يسألني عن المسكر) إلى أن قال: هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم أي
شئ هو؟ فقال: (أما أبي عليه السلام فإنه كان يأمر الخادم فيجئ بقدح ويجعل
فيه زبيبا ويغسله غسلا نقيا ثم يجعله في إناء ثم يصب عليه ثلاثة مثله أو
أربعة ماء ثم يجعله بالليل ويشربه بالنهار ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي،
وكان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم، فإن كنتم
تريدون النبيذ فهذا النبيذ) (2).
ورواية أيوب بن راشد: عن النبيذ، فقال: (لا بأس به) فقال: إنه
يوضع فيه العكر، فقال عليه السلام: (بئس الشراب، ولكن انبذوه غدوة واشربوه
بالعشي) قال: فقال: جعلت فداك هذا يفسد بطوننا، قال: فقال أبو عبد الله
عليه السلام: (أفسد لبطنك أن تشرب ما لا يحل لك) (3).
دلت تلك الروايات على أن الذي يحل من النقيع والزبيب هو ما ينقع

(1) الكافي 6: 408 / 7، التهذيب 9: 111 / 484، الوسائل 25: 337 أبواب
الأشربة المحرمة ب 17 ح 3.
(2) الكافي 6: 415 / 1، الوسائل 25: 352 أبواب الأشربة المحرمة ب 22 ح 5.
(3) الكافي 6: 415 / 2، الوسائل 25: 274 أبواب الأشربة المباحة ب 30 ح 1.
والعكر: دردي الزيت ودردي النبيذ ونحوه مما خثر ورسب - مجمع البحرين 3: 411.
204

عشية ويشرب غدوة أو بالعكس، وأن ما عدا ذلك حرام، وظاهر أن مضي
هذه المدة لا يقتضي تحريما، فهو إما لكونه مظنة للنشيش والغليان، أو
لحصول الاسكار، وبمجرد هذا المكث لا يحصل إسكار بين، فوجب كونه
للنشيش، فإنه كثيرا ما يحصل معه ذلك في البلاد الحارة.
والجواب عنه:
أولا: أن غاية ما تدل عليه تلك الأخبار أن ما ينقع غدوة ويشرب
عشية أو بالعكس فهو حلال، وأن ما عدا ذلك حرام مطلقا، فلا تدل عليه
بوجه..
فإن الأولى تدل على أن ما تعدوا فيه هؤلاء فهو حرام، وأما أن
تعديهم في أي شئ وبأي قدر فلا. قال في الوافي: إن الجبابرة تعدوا
وغيروه بإكثار الزبيب والتمر فيه، وإطالة مدة النقع، حتى صار نبيذا
مسكرا (1).
فيمكن أن يكون تعديهم إلى حد الاسكار.
وأما ما ذكره بعض مشايخنا في رسالته المعمولة في هذه المسألة،
من أنه لا يمكن أن يكون ذلك التعدي بالغا حد الاسكار، إذ من المستبعد
جدا - بل المستحيل عادة - تظاهر الناس بشراب النبيذ المسكر في زمن
الصحابة والتابعين في المسجد الحرام بفناء الكعبة مع فتاوى الفقهاء
وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله على الحظر، وأن ما يسكر كثيره فقليله حرام.
ففيه - مع أنه لم يكن في زمن الصحابة بل ولا التابعين إلا ما شذ
منهم وندر، ومع أنهم قد تظاهروا على أمور كثيرة هي أشد مما ذكر وأشنع

(1) الوافي 20: 626 أبواب المشارب ب 156.
205

وأفضح -: أنه يظهر من أخبارنا أنهم كانوا متظاهرين بشرب النبيذ المسكر،
ففي رواية عمرو بن مروان: إن هؤلاء ربما حضرت معهم العشاء فيجيئون
بالنبيذ بعد ذلك فإن أنا لم أشربه خفت أن يقولوا: فلأني، فكيف أصنع؟
قال: (اكسره بالماء) قلت: فإذا أنا كسرته بالماء أشربه؟ قال: (لا) (1).
ولعل معنى جزئه الأخير: إني إذا كسرته أشربه مطلقا ولو من غير
ضرورة أيضا. وظاهر أن المراد بكسره: كسر شدته وإسكاره، كما صرح به
في أخبار أخر، كرواية عمر بن حنظلة (2)، ورواية كليب الآتية.
ويظهر من قوله: خفت أن يقولوا: فلأني، أن فتاوى فقهائهم أيضا
كانت على الحلية.
بل يظهر من أخبارنا أن من أصحابنا أيضا من كان يزعم حلية النبيذ
المسكر إذا انكسر سكره بالماء، فيمكن أن يكون المتظاهر عليه في
المسجد النبيذ المنكسر، ففي رواية كليب: كانوا أبو بصير وأصحابه
يشربون النبيذ يكسرونه بالماء، فحدثت بذلك أبا عبد الله عليه السلام، فقال لي:
(وكيف صار الماء يحلل المسكر؟! مرهم لا يشربوا منه قليلا ولا كثيرا)
قلت: إنهم يذكرون أن الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله يحله لهم، قال: (وكيف
كان يحلون آل محمد المسكر؟!) الحديث (3).
ويظهر من بعض أخبارنا الأخر أنهم كانوا يقولون بحلية قليل ما
يسكر كثيره، فلعلهم كانوا متظاهرين بشرب القدر الذي لا يسكر، كما ورد

(1) الكافي 6: 410 / 13، الوسائل 25: 342 أبواب الأشربة المحرمة ب 18 ح 3.
(2) الكافي 6: 410 / 15، التهذيب 9: 112 / 485، الوسائل 25: 341 أبواب
الأشربة المحرمة ب 18 ح 1.
(3) الكافي 6: 411 / 17، الوسائل 25: 341 أبواب الأشربة المحرمة ب 18 ح 2.
206

في رواية يزيد بن خليفة، المتضمنة لحكاية دعوة جماعة كل جمعة
وشربهم النبيذ مصليا على محمد وآل محمد، حتى بلغ ذلك أبا عبد الله عليه السلام
ونهاهم لأجل أن ما يسكر كثيره فقليله حرام (1).
وفي صحيحة البجلي: إنما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر
فيغلي حتى يسكر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر
حرام) فقال الرجل: أصلحك الله، فإن من عندنا بالعراق يقولون: إن رسول
الله صلى الله عليه وآله إنما عنى بذلك القدح الذي يسكر، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (إن ما
أسكر كثيره فقليله حرام) (2).
وفي رواية مسعدة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (كان عند أبي قوم
فاختلفوا في النبيذ، فقال بعضهم: القدح الذي يسكر فهو حرام، وقال
قوم: قليل ما أسكر وكثيره حرام) الحديث (3).
وأما الثانية، فغاية ما تدل عليه أن أبا جعفر عليه السلام كان يشرب نقيع
الليل بالنهار وبالعكس، ولا دلالة لها على انحصار الحلال في ذلك، بل في
العدول عن الجواب عما أذن فيه إلى بيان فعل أبيه عليهما السلام دلالة واضحة على عدم
الانحصار، فإنه لو كان يقول: إن المأذون فيه هو ذلك، ربما كان يوهم
الانحصار.
وأما قوله: (فإن كنتم تريدون النبيذ) فلا يفيد الحصر، بل مثل ذلك
الكلام متداول في العرف في مقام التنبيه على فساد النية، فإن من يريد

(1) الكافي 6: 411 / 16، الوسائل 25: 340 أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 9.
(2) الكافي 6: 409 / 11، الوسائل 25: 339 أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 7.
(3) الكافي 6: 430 / 6، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 244، الوسائل 25: 338
أبواب الأشربة المحرمة ب 17 ح 6.
207

ابتياع فرس ويرد ما يعرض عليه فيؤتى له بفرس حسن، ويقال: إن كنت
تريد الفرس الحسن فهذا الفرس الحسن، وإن كنت تريد أمرا آخر فأنت
وشأنك، ولا دلالة لذلك على انحصار الفرس الحسن، ومقصود الإمام: أنه
إن كنت تريد النبيذ الذي نحن نشربه أو ينفع بعد الطعام فهذا هو، وإن كنت
تريد أمرا آخر من نشاط وإطراب أو متابعة الناس في أنبذتهم فهو أمر آخر.
وأما الثالثة، فغاية ما تدل عليه: أن في الأنبذة ما لا يحل شربه،
وظاهرها أن ما يوضع فيه العكر، وسيأتي أنه مسكر، فلا يفيد.
وثانيا: أنا لو سلمنا النهي عن غير ما ذكر ولكنه لا يعلم كونه لأجل
الغليان، فلعله كان لأجل الاسكار، بل هو الظاهر من صدر صحيحة الجمال
وحسنة حنان، وأظهر منه قوله في حسنة أخرى لحنان - بعد قوله: ويزعم
أنك أمرته بشربه - فقال: (معاذ الله أن أكون آمر بشرب مسكر) (1).
قول المستدل: مضي تلك المدة لا يوجب إسكارا.
قلنا: إن أراد أنه على سبيل الاطلاق لا يستلزم الاسكار فهو مسلم،
ولكن الغليان أيضا كذلك، فإن مجرد مضي تلك المدة لا يوجب الغليان، سيما
في الخريف والشتاء، سيما في البلاد الغير الحارة، سيما إذا كان الماء كثيرا
وما نبذه فيه قليلا، كما ذكر في حسنة حنان (2): أن الماء أربعة أمثال الزبيب.
بل في رواية الكلبي النسابة أكثر من ذلك بكثير، وهي: عن النبيذ،
فقال: (حلال) قلت: إنا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك، فقال:
(شه شه تلك الخمرة المنتنة) قلت: جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ فقال:
(إن أهل المدينة شكوا إلى النبي صلى الله عليه وآله تغير الماء وفساد طبائعهم فأمرهم أن

(1) الكافي 6: 410 / 12، الوسائل 25: 351 أبواب الأشربة المحرمة ب 22 ح 3.
(2) المتقدمة في ص: 203 و 204.
208

ينبذوا، فكان الرجل منهم يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كف من تمر،
فيلقيه في الشن، فمنه شربه ومنه طهوره) فقلت: وكم كان عدد التمرات
التي كانت تلقى؟ قال: (ما يحمل الكف) قلت: واحدة واثنتين؟ فقال:
(ربما كانت واحدة وربما كانت اثنتين) فقلت: وكم كان يسع الشن ماء؟
قال: (ما بين الأربعين إلى الثلاثين إلى ما فوق ذلك) فقلت: بأي الأرطال؟
فقال: (أرطال بمكيال العراق) (1).
وإن أراد أنه يمكن حصول الغليان بمضيها، فلا شك أن مجرد
الامكان أو الحصول في بعض الأحيان لا يوجب التحريم المطلق، مع أن
الاسكار أيضا كذلك، فإنه ربما يحصل بذلك الاسكار سيما في الهواء الحار
والاكثار في الزبيب أو التمر.
والظاهر أن التخصيص بما نقع أو نبذ غدوة وعشيا لأجل أنه مع فتح
باب الانباذ والنقيع مطلقا يؤدي إلى ما يحصل معه المحرم من الغليان أو
الاسكار بتكثير المنقوع والمنبوذ وتطويل المدة، فلذا خص ذلك بالذكر،
ولا يعلم أنه مظنة التعدي حتى يحصل الغليان، بل لعله مظنة التعدي حتى
يحصل الاسكار.
بل يظهر من بعض العامة استلزام ذلك الغليان للاسكار، فإنه روى
مسلم في صحيحه عن عائشة: إنا كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله غدوة فيشربه
عشيا، وننبذه عشيا فيشربه غدوة (2).
وروى فيه أيضا عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان ينقع له

(1) الكافي 6: 416 / 3 وفيه: (ما بين الأربعين إلى الثمانين)، الوسائل 1: 203
أبواب الماء المضاف ب 2 ح 2. والشن: القربة الخلق - مجمع البحرين 6: 272.
(2) صحيح مسلم 3: 1590 / 85. (195).
209

الزبيب، فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة، ثم يأمر به فيسقى أو
يهراق (1).
قال ابن حجر بعد ذكر الروايتين: الشراب في المدة التي ذكرتها
عائشة يشرب حلوا، وأما القضية التي ذكرها ابن عباس فقد ينتهي إلى
الشدة والغليان، لكن يحمل ما ورد من أمر الخدم بشربه على أنه لم يبلغ
ذلك ولكن قرب منه، لأنه لو بلغ ذلك لأسكر، ولو أسكر لحرم تناوله
مطلقا، وقد تمسك بهذا الحديث من قال بجواز شرب قليل ما أسكر
كثيره (2). انتهى.
وأما جعل سبب النهي عن شرب ما مضت عنه أزيد من تلك المدة
الاسكار الخفي الغير البين، وجعل كاشفه الغليان، فهو مما لا يصلح
الاصغاء إليه في الأحكام الشرعية.
ومنها: الأخبار المتضمنة لحرمة النبيذ الذي يتحقق فيه الغليان مطلقا.
كمرسلة أبي البلاد: كنت عند أبي جعفر فقلت: يا جارية، اسقيني
ماء، فقال لها: (اسقيه من نبيذي) فجائتني بنبيذ مريس (3) في قدح من
صفر، قال: فقلت: إن أهل الكوفة لا يرضون بهذا، قال: (فما نبيذهم؟)
قلت: يجعلون فيه القعوة، قال: (ما القعوة؟) قلت: اللاذي (4)، قال: (فما
اللاذي؟) فقلت: ثفل التمر يضرى به في الإناء حتى يهدر النبيذ ويغلي ثم
يسكن فيشرب، فقال: (هذا حرام) (5).

(1) صحيح مسلم 3: 1589 / 81.
(2) فتح الباري 10: 47 وفيه: وأما الصفة التي ذكرها ابن عباس...
(3) في الكافي: من بسر. ومرست التمر وغيره: دلكته بالماء حتى تتحلل أجزاؤه - مجمع
البحرين 4: 106.
(4) كذا في النسخ، وفي الكافي والوسائل: الداذي.
(5) الكافي 6: 416 / 4، الوسائل 25: 353 أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 1.
والثفل: الدقيق والسويق وحثالة الشئ - مجمع البحرين 5: 329.
والضري: اللطخ - القاموس 4: 357.
210

وخبر إبراهيم بن أبي البلاد، وفيه: فقال: (وما نبيذهم؟) قال: قلت:
يؤخذ التمر فينقى وتلقى عليه القعوة، قال: (وما القعوة؟) قلت:
اللاذي (1)، قال: (وما اللاذي؟) قلت: حب يؤتى به من البصرة فيلقى في
هذا النبيذ حتى يغلي ويسكن ثم يشرب، فقال: (هذا حرام) (2).
والجواب عنه: أن النسخ في الحديثين مختلفة، ففي طائفة منها:
(ويسكر) بدل: (يسكن) فيخرج عن محل النزاع، ومع الاختلاف لا يبقى
الاعتماد على النسخة الأخرى، مع أن في بعض الأخبار تصريحا بكون
ذلك مسكرا، كرواية عبد الله بن حماد المتقدمة في أدلة الحل (3)،
وكصحيحة البجلي: عن النبيذ، فقال: (حلال) فقال: أصلحك الله إنما
سألت عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكن، فقال أبو عبد الله
عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل مسكر حرام) (4).
ومنها: الروايات الدالة على أن ما يحصل من الكرم سواء كان عنبا أو
زبيبا ثلثاه لإبليس - لعنه الله - لمنازعته مع آدم ونوح على نبينا وعليهما
السلام، وأن ذلك علة تحريم الثلثين وتحريم الخمر..
كصحيحة زرارة (5)، وروايات سعيد بن يسار (6) وأبي الربيع (7) وخالد

(1) كذا في النسخ، وفي الكافي: الدازي، وفي الوسائل: الدادي.
(2) الكافي 6: 416 / 5، الوسائل 25: 354 أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 3.
(3) الكافي 6: 417 / 7، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 6.
(4) الكافي 6: 417 / 6، الوسائل 25: 355 أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 5.
(5) الكافي 6: 394 / 3، الوسائل 25: 284 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 4.
(6) الكافي 6: 394 / 4، الوسائل 25: 284 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 5، في
النسخ: سعد بن يسار، والصحيح ما أثبتناه.
(7) الكافي 6: 393 / ح 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 2.
211

ابن نافع (1) وإبراهيم (2) المروية جميعا في الكافي، وروايات محمد بن
مسلم (3) ووهب بن منبه (4) وأبي الربيع (5) المروية في العلل، ورواية سعيد
ابن يسار المروية في تفسير العياشي (6).
وجه الاستدلال: أن المذكور في تلك الأخبار هو الحبلة والكرم وما
في معناهما، والمراد منها: ما يحصل منها دون نفس الشجرة، كما يقتضيه
تثليث الحاصل، ولا ريب أن الحاصل يعم الزبيب أيضا.
والجواب عنه: أن الثلثين اللذين هما نصيب الشيطان قد ذهبا في
الزبيب بالجفاف فلا يبقى بعده.
والقول - بأن ذهاب الثلثين المعتبر في حاصل الكرم إنما هو بعد
حصول الغليان المحرم - فقد مر جوابه في طي أدلة الحلية.
والحاصل: أنه إن أريد أن ذهاب ثلثي الشيطان يعتبر فيه ذلك فلا
دليل عليه ولا تصريح به في تلك الأخبار، بل [مطلقا] (7).
نعم، في رواية وهب بن منبه: (فما كان فوق الثلث من طبخها
فلإبليس وهو حظه) ولكن الضمير في: (طبخها) لحبلة العنب أو
لعصيرها، فإنهما المذكوران في الكلام، وظاهر أنه ليس المراد طبخ الحبلة
ولا عصير الحبلة، بل طبخ عنبها أو طبخ عصير عنبها، فلا يشمل الزبيب..
وجعل المقدر طبخ حاصلها أو عصير حاصلها لا دليل عليه، مع أن العصير

(1) الكافي 6: 393 / ح 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 2.
(2) الكافي 6: 393 / 2، الوسائل 25: 283 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 3.
(3) العلل: 477 / 2، الوسائل 25: 286 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 10.
(4) العلل: 477 / 3، الوسائل 25: 286 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 11.
(5) العلل: 476 / 1، الوسائل 25: 282 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 2.
(6) تفسير العياشي 2: 262 / 40.
(7) في النسخ: مطلق. والصحيح ما أثبتناه.
212

المطلق أيضا لا يعلم صدقه على المستخرج من الزبيب كما عرفت.
ومنه يظهر حال ما تضمن لفظ العصير من تلك الأخبار، كصحيحة
زرارة.
والحاصل: أن تلك الأخبار بين أربعة أقسام:
قسم يصرح بذهاب الثلثين بنار روح القدس، وعدم فائدته للمخالف
ظاهر.
وقسم يدل على أن الثلثين مطلقا نصيب الشيطان، وعدم دلالته على
حال الزبيب - لكونه أنقص من الثلث - أيضا واضح.
وقسم يدل على حرمة عصير الحبلة (أو عصير عنب الحبلة) (1) بعد
الطبخ قبل ذهاب الثلثين.
وقسم يدل على حرمة مطلق العصير كذلك.
وحالهما أيضا قد ظهر.
وقد عرفت استدلال بعض المحللين على الحلية بتلك الأخبار كما
مر.
ومنها: الرضوي المتقدم في مسألة العصير العنبي، الدال على أنه إذا
أصابت النار الكرم - أي حاصله - لا يحل شربه حتى يذهب ثلثاه (2).
والجواب عنه - مضافا إلى عدم حجيته - أنه إذا لم يمكن إرادة نفس
الكرم من ضمير أصابته فمن أين علم إرادة مطلق حاصله؟! بل لعله عنبه،
مع أنه يظهر من بعضهم أن الكرم هو نفس العنب (3)، وهو الظاهر من

(1) ما بين القوسين ليس في (س).
(2) فقه الرضا عليه السلام: 280، مستدرك الوسائل 17: 39 أبواب الأشربة المحرمة ب 2 ح 5.
(3) الحدائق 5: 160.
213

صحيحة البجلي المتضمنة لخمسة أقسام الخمر (1).
ومنها: رواية علي: عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج
طعمه، ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث، ثم يرفع
ويشرب منه السنة؟ قال: (لا بأس به) (2).
قد ذكرها بعض مشايخنا في طي أدلته، ولا أرى لدلالتها وجها، فإنها
إما لتقييد السؤال بالطبخ على الثلثين، أو لأجل نفي البأس في الجواب عن
ذلك المقيد فيثبت البأس فيما عداه بالمفهوم، وضعف الوجهين في غاية
الظهور..
أما الأول، فلأنه لا يتعين أن يكون تقييد السائل لاعتقاده الحرمة
بدونه وأنه لرفع الحرمة الحاصلة بالغليان، فلعله لأجل حفظه في السنة
ليصلح للمكث في تلك المدة ولا يتسارع إليه الاسكار المستند إلى المائية
المغيرة، بل الظاهر أنه لذلك وأن السؤال باعتبار الشرب منه في السنة.
ولو كان لأجل رفع الحرمة الحاصلة بالغليان لما احتاج إلى سؤال، إذ
من يعلم أن العصير الزبيبي بالغليان يحرم حتى يذهب ثلثاه فيحل فمن أي
شئ يسأل؟! سيما مثل علي بن جعفر، الذي هو بمكان رفيع من فقه
الأحكام، ولو كان سمع الحرمة بالغليان ولم يسمع الحل بذهاب الثلثين
فمن أين قيده بذلك؟! بل كان عليه أن يسأل عن كيفية حله، وأيضا لو كان
لذلك لما ذكر شرب السنة.

(1) الكافي 6: 392 / 1، التهذيب 9: 101 / 442، الوسائل 25: 279 أبواب
الأشربة المحرمة ب 1 ح 1.
(2) الكافي 6: 421 / 10، التهذيب 9: 121 / 522، قرب الإسناد: 271 / 1077،
الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرمة ب 8 ح 2.
214

والتخصيص بذهاب الثلثين في عدم التغير في السنة - مع أنه يحصل
ذلك المطلوب بذهاب الأقل من الثلثين والأكثر - فلعله لوقوع الطبخ على
الثلثين لأجل كراهته قبل ذلك.
واتصال هذه الرواية في قرب الإسناد (1) بما مر في صدر الدليل الثاني
من أدلة المحرمين وكونه سؤالا عن الحلية لا يدل على أن ذلك أيضا
كذلك، لأن ذلك الاتصال إنما هو من الحميري دون علي، ولو كان منه
أيضا لا يفيده، لأنه مسألة أخرى.
والقول بأن مثل علي بن جعفر العارف بالأحكام لو لم يعلم أن هذا
شرط في الحلية لم يقيده في سؤاله.
فيه: أنه لو علم ذلك وعلم حصوله فمن أي شئ سؤاله؟! سلمنا أن
تقييد السائل إنما هو لذلك، ولكنه لا حجية في اعتقاده، وتقرير الإمام له لا
يفيد، إذ لا دليل على حجية التقرير على مثل تلك الاعتقادات، كما بينا في
الأصول.
وأما الثاني، فظاهر جدا، لأن إرجاع الضمير إلى المسؤول عنه المقيد
لا يدل بوجه على التقييد في الجواب أصلا، وقد وقع مثل ذلك السؤال
والجواب بعينه في ماء السفرجل الذي لا يحرم بالغليان قطعا في رواية
خليلان بن هشام، فسأله عن ماء السفرجل يمزج بالعصير المثلث فيطبخ
حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه أيحل شربه؟ فكتب: (لا بأس به ما لم
يتغير) (2).

(1) قرب الإسناد: 271 / 1077، الوسائل 25: 295 أبواب الأشربة المحرمة ب 8
ح 2.
(2) الكافي 6: 427 / 3، الوسائل 25: 367 أبواب الأشربة المحرمة ب 29 ح 3.
215

ومنها: الأخبار الواردة في بيان ما يحل من المعتصر من الزبيب
بالخصوص وما لا يحل، كموثقة الساباطي: عن الزبيب كيف طبخه حتى
يشرب حلالا؟ فقال: (تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه، ثم تطرح عليه اثنى
عشر رطلا من ماء، ثم تنقعه ليلة، فإذا كان من الغد نزعت سلافته، ثم
تصب عليه من الماء بقدر ما يغمره، ثم تغليه بالنار غلية، ثم تنزع ماءه
فتصبه على الماء الأول، ثم تطرحه في إناء واحد جميعا، ثم توقد تحته
النار حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث وتحته النار، ثم تأخذ رطلا من عسل
فتغليه بالنار غلية وتنزع رغوته، ثم تطرحه على المطبوخ، ثم تضربه حتى
يختلط به، واطرح فيه إن شئت زعفرانا، وطيبه إن شئت بزنجبيل قليل)
قال: (فإذا أردت أن تقسمه أثلاثا لتطبخه فكله بشئ واحد حتى تعلم كم
هو، ثم اطرح عليه الأول في الإناء الذي تغليه فيه، ثم تجعل فيه مقدارا
وحده حيث يبلغ الماء، ثم اطرح الثلث الآخر، ثم حده حيث يبلغ الماء،
ثم تطرح الثلث الأخير، ثم حده حيث يبلغ الآخر، ثم توقد تحته بنار لينة
حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) (1).
وقريبة منها الأخرى وصدرها: وصف لي أبو عبد الله عليه السلام المطبوخ
كيف يطبخ حتى يصير حلالا، وفي آخرها: (وإن أحببت أن يطول مكثه
عندك فروقه) (2).
ورواية الهاشمي: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام قراقر تصيبني في
معدتي وقلة استمرائي الطعام، فقال لي: (لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن وهو

(1) الكافي 6: 425 / 2، الوسائل 25: 290 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 3.
(2) الكافي 6: 424 / 1، الوسائل 25: 289 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 2..
روقه: الترويق: التصفية - القاموس المحيط 3: 247.
216

يمرأ الطعام ويذهب بالقراقر والرياح من البطن؟) قال: فقلت له: صفه لي
جعلت فداك، فقال: (تأخذ صاعا من زبيب فتنقي حبه وما فيه، ثم تغسل
بالماء غسلا جيدا، ثم تنقعه في مثله من الماء أو ما يغمره، ثم تتركه في
الشتاء ثلاثة أيام بلياليها وفي الصيف يوما وليلة، فإذا أتى عليه ذلك القدر
صفيته وأخذت صفوته وجعلته في إناء وأخذت مقداره بعود، ثم طبخته
طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، ثم تجعل عليه نصف رطل عسل
وتأخذ مقدار العسل، ثم تطبخه حتى تذهب تلك الزيادة، ثم تأخذ زنجبيلا
وخولنجانا ودار صيني والزعفران وقرنفلا ومصطكي تدقه وتجعله في خرقة
رقيقة وتطرحه فيه وتغليه معه غيلة، ثم تنزله، فإذا برد صفيته وأخذت منه
على غذائك وعشائك) قال: ففعلت فذهب عني ما كنت أجد وهو شراب
طيب لا يتغير إذا بقي إن شاء الله (1).
والجواب عنها - مع ما في الثانية من التعقيد والاجمال في المتن،
وفي الأخيرة من عدم الدلالة على توقف الحلية على ذهاب الثلثين
والتحريم بدونه أصلا -: أنه لا يلزم من الأمر بطبخه على الثلث أن يكون
ذلك لأجل حليته بعد حرمته بالغليان، بل يجوز أن يكون لئلا يصير
مسكرا، كما يدل عليه قوله في آخر الرواية الأخيرة: وهو شراب لا يتغير
إذا بقي.
ولا ينافيه قوله في آخر الثانية: (وإن أحببت أن يطول مكثه) إلى
آخره، إذ يمكن أن يكون ذلك لعدم فساده بنحو آخر غير الاسكار، أو أن
يكون المراد بطول المكث: المكث في المدة الطويلة، وبقوله: إذا بقي، في

(1) الكافي 6: 426 / 3، الوسائل 25: 290 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 4.
217

الأخيرة أقل من ذلك.
ويجوز أن يكون لأجل أن الخاصية والنفع المترتب عليه لا يحصل
إلا بطبخه على الوجه المذكور، كما ورد مثله في رواية خليلان المتقدمة،
المتضمنة لطبخ ماء السفرجل على الثلثين، مع أنه ليس للحلية قطعا.
ويدل عليه الأمر بالطبخ حتى يذهب العسل الزائد في رواية الهاشمي
المتقدمة، مع أنه غير محتاج إليه في الحلية البتة، بل يدل عليه أمر الأطباء
بذلك، كما ورد في رواية إسحاق بن عمار: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام
بعض الوجع وقلت: إن الطبيب وصف لي شرابا آخذ الزبيب وأصب عليه
الماء للواحد اثنين، ثم أصب عليه العسل، ثم أطبخه حتى يذهب ثلثاه
ويبقى الثلث فقال: (أليس حلوا؟) قلت: بلى، فقال: (اشربه) ولم أخبره
كم العسل (1).
وكذا يدل عليه ما ورد في النضوح - كما يأتي - مع أنه للتطيب لا
للأكل.
والقول - بأن وظيفة الإمام بيان ما له مدخلية في الأحكام دون غيرها -
معارض بأن وظيفة الطبيب بيان ما له مدخلية في الآثار دون غيرها، مع أن
أكثر ما ورد في تلك الأخبار الثلاثة مما ليس له تعلق بالأحكام، بل الأخيرة
مسوقة لبيان الفوائد.
فإن قيل: إن قوله: كيف يطبخ حتى يصير حلالا، في الثانية، أو:
حتى يشرب حلالا، في الأولى يدل على التحريم بدونه، وكذا قوله في
الثانية: (وإذا كان في أيام الصيف وخشيت أن ينش جعلته في تنور) إلى

(1) الكافي 6: 426 / 4، الوسائل 25: 291 أبواب الأشربة المحرمة ب 5 ح 5.
218

آخره، فإن النشيش: هو صوت الغليان، والظاهر من المحافظة عليه بأن لا
ينش ليس إلا لخوف تحريمه بالغليان.
قلنا: مع أن قوله: حتى يصير، أو: يشرب حلالا، من قول الراوي
في سؤاله - ولا حجية فيه إلا من حيث تقرير المعصوم له على فهمه، وقد
بينا في موضعه أنه ليس بحجة - أكثر ما ذكر في الكيفية، بل كله - عدا الغلي
حتى يذهب الثلثان - لا دخل له في الحلية قطعا، فلا بد في الكلام من
ارتكاب تجوز إما في كلام السائل بمثل إرادة أنه كيف يطبخ حتى يبقى على
الحلية ولا يصير مسكرا، أو حتى تحصل فيه فوائد النبيذ وخواصه المطلوبة
منه من دون عروض إسكار، أو غير ذلك من المعاني، بل الأول هو الظاهر
من قوله: حتى يشرب حلالا.
والقول: بأن العدول عن الظاهر في غير ذهاب الثلثين لوجود
الصارف القطعي لا يقتضي العدول عنه في الذهاب أيضا مع انتفاء الصارف
عنه، بل يجب إبقاؤه على ظاهره.
مردود بأن هذا ليس من باب تخصيص العام حتى يقتصر فيه على
المتيقن، بل من باب ارتكاب أحد التأويلين أو التجوزين، وعدم وجود
مرجح لأحدهما، بل وجوده لما يخالف مطلوب المستدل.
وأما قوله: (حتى لا ينش) فإن فيه: أن بعد ذلك أمر بغليانه حتى
يذهب ثلثاه فهو وإن حرم بالنشيش فلا مانع منه، لتعقبه بالغليان الموجب
للتحليل بعد ذلك، وحينئذ فلعل المحافظة عليه من النشيش إنما هو لغرض
آخر، لا لأنه يحرم بعد ذلك، فإنه وإن حرم لكن لا منافاة فيه بعد غليه إلى
ذهاب الثلثين المأمور به ثانيا، وحينئذ فلا فرق في حصول التحريم فيه في
وقت النشيش ولا وقت الغليان أخيرا.
219

ومنها: ما رواه في البحار، عن كتاب زيد النرسي أنه قال: سئل أبو
عبد الله عليه السلام عن الزبيب يدق ويلقى في القدر، ثم يصب عليه الماء ويوقد
تحته، فقال: (لا تأكله حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث، فإن النار قد
أصابته) قلت: فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصب عليه، ثم يطبخ
ويصفى منه الماء، فقال: (كذلك هو سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء وصار
حلوا بمنزلة العصير ثم نش من غير أن تصيبه النار فقد حرم، وكذلك إذا
أصابته النار فأغلاه فقد فسد) (1).
والجواب عنه: أنها لا تصلح لمقاومة ما ذكرنا من أدلة الحلية، فإن
الكتاب المنسوب إلى زيد النرسي مطعون فيه، حكى الشيخ في الفهرست
عن الصدوق أنه لم يرو أصل زيد النرسي، وكذا حكى عن شيخه محمد بن
الحسن بن الوليد، بل كان يقول: إنه موضوع وضعه محمد بن موسى
الهمداني المعروف بالسمان (2).
مضافا إلى أن كتابه غير معروف بتواتر ونحوه في زمن صاحب
البحار، وليس إلا مجرد إسناد إليه من غير اتصال السند في الكتاب
المخصوص، فمن أين يعلم أنه كتاب النرسي الذي روى عنه المتقدمون
على أرباب الكتب الأربعة؟! فإنه مهجور في تلك الأزمنة المتطاولة.
ومن ذلك يندفع ما قيل من تضعيف حكاية الصدوق وشيخه
ومعارضتها بتغليط ابن الغضائري لابن بابويه (3).
ومنها: ما ورد في النضوح، كموثقتي الساباطي، إحداهما: عن

(1) البحار 76: 177 / 8، وهو في كتاب زيد النرسي (الأصول الستة عشر): 58.
(2) الفهرست: 71.
(3) انظر مجمع الرجال للقهپائي 3: 84.
220

النضوح قال: (يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث ثم يتمشطن) (1).
والأخرى: عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل؟ قال: (خذ
ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر) (2).
والجواب: أنه لا تصريح في الروايتين بحرمة الشرب قبل ذهاب
الثلثين من الإمام عليه السلام أصلا، وإنما غايتهما الأمر بغليه حتى يذهب ثلثاه،
وهو أعم من تحريمه بالغلي قبله، ولعل الوجه فيه ما ذكره بعضهم من أن
النضوح - على ما ذكره اللغويون -: ضرب من الطيب تفوح رائحته (3).
وفي مجمع البحرين: إن في كلام بعض الأفاضل: أنه طيب مائع،
ينقعون التمر والسكر والقرنفل والتفاح والزعفران وأشباه ذلك في قارورة
فيها قدر مخصوص من الماء، ويشد رأسها، ويصبر به أياما حتى ينش
ويتخمر، وهو شائع بين نساء الحرمين الشريفين (4).
وعلى هذا فتحمل الروايتان على أن الغرض من طبخه حتى يذهب
ثلثاه إنما هو لئلا يصير خمرا ببقائه مدة، لأن غليه هذا الحد الذي يصير به
دبسا يذهب الأجزاء المائية التي يصير بها خمرا لو مكث مدة كذلك، لأنه
يصير خمرا بسبب ما فيه من تلك الأجزاء المائية، فإذا ذهب أمن من
صيرورته خمرا.
ويؤيد ذلك قوله: النضوح المعتق، على صيغة اسم المفعول، أي

(1) التهذيب 9: 123 / 531، الوسائل 25: 379 أبواب الأشربة المحرمة ب 37
ح 1، في المصدر: يمتشطن.
(2) التهذيب 9: 116 / 502، الوسائل 25: 373 أبواب الأشربة المحرمة ب 32
ح 2.
(3) الرياض 2: 291.
(4) مجمع البحرين 1: 419.
221

الذي يراد جعله عتيقا بأن يحفظ زمانا حتى يصير عتيقا.
ويؤيده أيضا قوله: (يتمشطن) الظاهر في أن الغرض منه التمشط،
وهو: الوضع في الرأس، فالمراد من السؤال في الروايتين من كيفية عمله
هو التحرز عن صيرورته بزيادة المكث خمرا نجسا يمتنع الصلاة فيه ولا
يحل إذا تمشطن به، وإلا فهو ليس بمأكول.. ولا الغرض من السؤال عن
كيفية عمله حل أكله، حتى يكون الأمر بغليه على ذلك الوجه لأجله، بل
حل استعماله، فمعنى قوله: حتى يحل، أن يحل استعماله، مع أنه في كلام
الراوي، وقد عرفت مرارا ما فيه.
ومنها: أنه يطلق عليه اسم النبيذ، ويشابه العصير العنبي، مع أن
الزبيبي مشترك مع العنبي في أصل الحقيقة.
والجواب: منع صدق النبيذ على مطلق العصير أولا، ومنع حرمة
مطلق النبيذ ثانيا، بل الأخبار مصرحة بأن من النبيذ ما هو حلال (1).
ومنع المشابهة، وبطلان القياس لو سلمت.
ومنع الشركة في أصل الحقيقة، ومنع اقتضائها الشركة في الحكم لو
سلمت بعد اختصاص دليل الحكم، أي الحرمة بالعصير العنبي خاصة، والله
العالم.
المسألة الخامسة: إذا انقلبت الخمر خلا، فإما يكون بنفسه، أو بالعلاج.
فعلى الأول: يصير حلالا بلا خلاف بين الفقهاء كما عن التنقيح (2)، وفي
غيره (3)، وبين الأصحاب بل المسلمين كما في شرح الإرشاد للأردبيلي (4)،

(1) الوسائل 25: 353 أبواب الأشربة المحرمة ب 24 ح 1 و 3 و 5.
(2) التنقيح 4: 61.
(3) الرياض 2: 299.
(4) مجمع الفائدة والبرهان 1: 354.
222

بل بالاجماع المحقق، فهو الحجة فيه، مع القاعدة الثابتة من تبعية الأحكام
للأسماء حلا وحرمة وطهارة ونجاسة.
مضافا إلى المستفيضة من الصحاح وغيرها، كموثقتي عبيد.
إحداهما: في الرجل باع عصيرا، فحبسه السلطان حتى صار خمرا،
فجعله صاحبه خلا، فقال: (إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به) (1).
والأخرى: عن الرجل يأخذ الخمر فيجعلها خلا، قال: (لا بأس) (2).
وصحيحتي زرارة وجميل، إحداهما: عن الخمر العتيقة تجعل خلا،
قال: (لا بأس) (3).
والأخرى: يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني بها خمرا، فقال:
(خذها ثم أفسدها) قال علي: فاجعلها خلا (4).
وروايتي عبد العزيز وأبي بصير، الأولى: العصير يصير خمرا،
فيصب عليه الخل وشئ يغيره حتى يصير خلا، قال: (لا بأس به) (5).
والأخرى مروية في السرائر عن جامع البزنطي: عن الخمر تعالج
بالملح وغيره لتحول خلا، قال: (لا بأس بمعالجتها) (6).

(1) التهذيب 9: 117 / 506، الإستبصار 4: 93 / 357، الوسائل 25: 371 أبواب
الأشربة المحرمة ب 31 ح 5.
(2) الكافي 6: 428 / 3، التهذيب 9: 117 / 505، الإستبصار 4: 93 / 356،
الوسائل 25: 370 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 3.
(3) الكافي 6: 428 / 2، التهذيب 9: 117 / 504، الوسائل 25: 370 أبواب
الأشربة المحرمة ب 31 ح 1، وفي الكافي: العقيقة بدل العتيقة.
(4) التهذيب 9: 118 / 508، الإستبصار 4: 93 / 358، الوسائل 25: 371 أبواب
الأشربة المحرمة ب 31 ح 6.
(5) التهذيب 9: 118 / 509، الإستبصار 4: 93 / 359، الوسائل 25: 372 أبواب
الأشربة المحرمة ب 31 ح 8.
(6) مستطرفات السرائر: 60 / 31، الوسائل 25: 372 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 11.
223

وموثقتي أبي بصير، إحداهما: عن الخمر تصنع فيها الشئ حتى
تحمض، قال: (إذا كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه فلا
بأس) (1) وفي بعض النسخ: يضع، ووضع من الوضع، وفي بعض آخر
بترك لفظة: (فيه).
ثم تقريب الاستدلال: أن يراد بالغلبة: الغلبة في الكيفية، أي الشئ
القاهر على كيفيتها، الجاعل لها خلا، كالملح وغيره، دون الغلبة في الكمية
الموجبة لترك العمل بالرواية وشذوذها، كما يأتي.
وأما احتمال إرادة الخمر من الغالب كمية - كما جوزه بعض
مشايخنا (2) حاكيا عن العلامة المجلسي في بعض حواشيه - فبعيد غايته، بل
لا تحتمله العبارة من حيث التركيب اللفظي.
والأخرى: عن الخمر يجعل خلا، قال: (لا بأس إذا لم يجعل فيها ما
يغلبها) (3) بالغين المعجمة كما في نسخ الكافي، بل التهذيب على ما يظهر
من الوافي (4)، وإن نقل بعضهم عنه وعن الاستبصار بالقاف (5).
ثم الاجماع والأخبار كما يثبتان ارتفاع الحرمة الخمرية وإثبات الحلية
الخلية، كذلك يثبتان الحلية المطلقة أيضا، حتى من جهة الطهارة أيضا،

(1) الكافي 6: 428 / 1، التهذيب 9: 119 / 511، الوسائل 25: 370 أبواب
الأشربة المحرمة ب 31 ح 2.
(2) الرياض 2: 299.
(3) الكافي 6: 428 / 4، التهذيب 9: 117 / 506، الإستبصار 4: 94 / 361،
الوسائل 25: 371 أبواب الأشربة المحرمة ب 31 ح 4، وفي الاستبصار: عن عبيد
ابن زرارة.
(4) الوافي 20: 677 ب 165.
(5) كالهندي في كشف اللثام 2: 89، وصاحب الرياض 2: 299.
224

فلا ينجس ذلك الخل بنجاسة الآنية المشتملة عليه، إما لتطهر الآنية تبعا
أيضا كما ذكره جمع من الأصحاب (1)، أو لعدم سراية نجاستها إلى الخل،
كما هو الحق عندي، إذ الثابت ليس إلا طهارة الخل الحاصلة بأحد الأمرين،
فتستصحب نجاسة الآنية، مضافا إلى منع وجود خصوص أو عموم دال
على تنجس أحد المتلاقيين بنجاسة الأخرى مطلقا بحيث يشمل مثل
المورد أيضا.
والمناقشة في دلالة الروايات - بأن غايتها انتفاء العذاب والإثم في
ذلك الجعل والمعالجة، دون حلية الخل وطهارته من جميع الجهات - وإن
أمكن في بعضها جدلا، إلا أنه بعيد عن الانصاف، مخالف لفهم
الأصحاب، مع أنه غير جار في الجميع، كالموثقة الأولى النافية لجميع
أنواع البأس بما تحول عن اسم الخمر لا عن الجعل والعلاج، والصحيحة
الثانية المجوزة لأخذ الخمر عوض الدراهم وجعلها خلا ولو كان حراما ولو
بسبب التنجس الحاصل بملاقاة الآنية الغير المنفك عنه البتة لما تترتب
فائدة على جعلها خلا، بل الموثقتين الأخيرتين، فإنه لولا إرادة الحلية للغا
الاشتراط، إذ لا إثم حينئذ مع غلبة الخمر أيضا.
وعلى الثاني: فإما يكون العلاج بشئ لا يدخل في الخمر - بل بنحو
تدخين أو مجاورة شئ ونحو ذلك - أو بجسم يدخل فيها ويلاقيها..
فعلى الأول: فالظاهر أيضا عدم الخلاف في الحلية، فإن الشهيد
الثاني المتوقف في الحلية بالعلاج خصه بالعلاج بالأجسام (2)، فيحل أيضا،

(1) منهم الشهيد في الروضة 7: 347، المحقق الكركي في جامع المقاصد 1: 19،
والهندي في كشف اللثام 2: 89.
(2) المسالك 2: 248.
225

لصدق الاسم، وعموم أكثر الأخبار المتقدمة.
وعلى الثاني: فإما يكون العلاج بما يذهب عينه قبل صيرورة الخمر
خلا، كقليل خل أو ملح يدخل في الخمر فيستهلك ويضمحل، وبالجملة:
يكون بقدر يطلق على المجموع خمرا أيضا. وليس شئ غير الخمر عرفا.
أو بما لا يذهب، بل تكون باقية إلى أن يصير الخمر خلا، كحديدة
محماة يدخل فيها أو سفرجلة أو تفاحة أو نحوها.
فعلى الأول: يحل الخل ويطهر أيضا على الأقوى الأشهر، لعموم
بعض ما تقدم من الأخبار، وخصوص بعض آخر، حيث إن الخل والملح
المصبوبين في الخمر ينقلبان إلى الخمر أولا غالبا، من جهة اشتراط قلة
الخل أو الملح - كما يأتي - ثم ينقلب المجموع خلا.
مضافا إلى أن بعد انقلاب المصبوب خمرا وانقلاب تلك الخمر أيضا
خلا لا يبقى وجه للتشكيك في الحلية لأجل بقاء النجاسة.
والتشكيك بأن القدر المعلوم ارتفاع النجاسة الخمرية الذاتية
بالانقلاب خلا، وأما ارتفاع النجاسة العارضية ولو كانت خمرية بالانقلاب
خلا فغير معلوم كما قاله الأردبيلي (1)، فالخل والملح وإن انقلبا خمرا ثم
خلا إلا أنهما تنجسا بنجاسة عارضية بملاقاة الخمر أولا، ولا دليل على
ارتفاع تلك النجاسة.
غير جيد، لأن الخل والملح وإن تنجسا بالخمرية قبل الانقلاب خمرا
إلا أن بعد انقلابهما إليها ليسا بنجسين من جهتين، لأن النجاسة الخمرية أمر
واحد، فتأمل.

(1) مجمع الفائدة والبرهان 11: 201.
226

وعلى الثاني: فالمشهور - كما في الكفاية (1) وغيرها (2) - الحلية أيضا.
وقد يناقش فيها حينئذ نظرا إلى تنجس ما دخل فيه وعدم مطهر له،
وبنجاسته ينجس الخل أيضا.
وأجيب عنه: بإمكان اغتفار ذلك، نظرا إلى عموم الأدلة المتقدمة،
أي بعضها، لأن الكل لا يعم مثل ذلك.
ويمكن المناقشة في تنجس الخل حينئذ مع قطع النظر عن عموم
الأدلة أيضا، لما أشير إليه من منع ما يدل على تنجس أحد المتلاقيين
بنجاسة الأخرى مطلقا، حتى فيما إذا كانا نجسين فيتطهر أحدهما، فتأمل.
وربما يناقش في الحلية بمطلق العلاج، لرواية أبي بصير: عن الخمر
يجعل فيها الخل، فقال: (لا، إلا ما جاء من قبل نفسه) (3).
وفيها: أنها - لمقاومة ما يعارضها من الأخبار المتكثرة الموافقة لعمل
الطائفة - قاصرة، ومع ذلك لإرادة أن مجرد جعل الخل في الخمر لا يكفي
في الاستحالة أو الحلية - بل لا بد أن يترك حتى ينقلب ذلك خلا بنفسه ردا
على أبي حنيفة (4) - محتملة.
وللموثقة الأخيرة على نسخة القاف.
وفيها: أن اختلاف النسخة يمنع عن الاستدلال.

(1) الكفاية: 253.
(2) المسالك 2: 248.
(3) التهذيب 9: 118 / 510، الإستبصار 4: 93 / 360، الوسائل 25: 371 أبواب
الأشربة المحرمة ب 31 ح 7.
(4) راجع المغني والشرح الكبير 10: 338.
227

فروع:
أ: لو ألقي في الخمر خل كثير حتى استهلكها، أو ألقي قليل خمر في
كثير خل كذلك، فلا يحل ولا يطهر ولو مضت مدة انقلب الخمر خلا.
لا للموثقتين الأخيرتين كما قيل (1)، لاختلاف النسخ في إحداهما،
وإجمال المعنى في الأخرى.
بل لتنجس الخل بالملاقاة وعدم حصول مطهر له أصلا، فتكون
الخمر أيضا منقلبة إلى الخل النجس.
ولا ينتقض بصورة عدم استهلاك الخمر، بل استهلاك الخل، لأنه
وإن تنجس الخل ولكن انقلب خمرا، ثم انقلب المجموع خلا، فيطهر
المجموع، بخلاف المفروض.
ولا تفيد الأخبار المتقدمة في ذلك، لأن ذلك ليس جعلا للخمر خلا،
بل هو استهلاكها واضمحلالها، مع أنه على فرض الجعل تدل على حليتها
وانتفاء البأس عنها من حيث هي هي لا مطلقا، حتى إذا عرضت لنجاستها
سبب آخر أيضا.
ولو لم يستهلك أحدهما في الآخر، بأن يدخل مساوي الخمر من
الخل أو قريب منه فيها، فيحصل حينئذ لا محالة مزاج ثالث شبه
السكنجبين بالنسبة إلى الخل والدبس، فإذا انقلب المجموع خلا ففي
طهارته وحله ونجاسته وحرمته إشكال، من جهة عموم الأخبار المتقدمة،
ومن جهة أن ما فيه من الخل متنجس غير الخمر صار خلا ولا دليل على

(1) الرياض 2: 299.
228

طهارة ذلك، وبملاقاته الأجزاء الخمرية المنقلبة خلا تنجس تلك الأجزاء
أيضا، وعموم الأخبار لا يفيد عدم عروض التنجيس لهذه الأجزاء من جهة
أصلا.
ب: لو عولجت الخمر بشئ نجس، فإن انقلب المعالج به خمرا ثم
انقلب المجموع خلا، فالظاهر الحلية والطهارة وإلا فالنجاسة، والوجه يظهر
مما مر.
ومنه يظهر حكم ما إذا وقع نجس في الخمر ثم انقلبت خلا.
ج: لو وقع في الخمر جسم وكان فيها إلى أن انقلبت خلا، فلا يطهر
ذلك الجسم، للأصل، والاستصحاب، ومقتضاه تنجس الخل، ولا تنصرف
العمومات إلى مثل ذلك، إلا أن يمنع عموم تنجس كل ملاق للنجاسة، كما
أشير إليه.
د: لا شك في تنجس الظرف الذي فيه الخمر قبل انقلابها، وأما بعده
فإما طاهر بالتبعية كما قيل (1)، أو نجس لا تسري نجاسته إلى الخل،
للعمومات، حيث إن الخمر لا ينفك عن ظرف أبدا.
ولو لاقى جزء من الظرف الخمر قبل الانقلاب، وكان حال الانقلاب
خاليا عن الخمر، لا يطهر هذا الجزء، وتسري نجاسته إلى الخل لو لاقاه،
فلو ملأت قارورة أو دن (2) خمرا، ثم أخذ منها شئ وخلا رأس القارورة
أو الدن، ثم انقلب الباقي خلا، يشترط في إخراج [الخل] (3) عنه أن يكون
بحيث لا يلاقي ذلك الجزء، وإلا ينجس بملاقاته إياه، والله العالم.

(1) انظر جامع المقاصد 1: 180.
(2) الدن: كهيئة الحب.. إلا أنه أطول منه وأوسع رأسا - المصباح المنير: 201.
(3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الخمر، والظاهر الصحيح ما أثبتناه.
229

المسألة السادسة: ذهب جماعة - منهم: الشيخ في النهاية (1) والحلي
وفخر المحققين (2) والشهيد في الدروس (3) وصاحب التنقيح (4) - إلى حرمة
استئمان من يستحل العصير قبل ذهاب ثلثيه بعد الغليان في طبخه. وحكي
عن الفاضل أيضا (5). ولازمه عدم جواز شربه.
واستدل لهم بموثقة ابن عمار: عن الرجل من أهل المعرفة بالحق
يأتيني بالبختج ويقول: قد طبخ على الثلث، وأنا أعلم أنه يشربه على
النصف، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال: (لا تشربه) قلت:
فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحله
على النصف، يخبرنا أن عنده بختجا قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه نشرب منه؟
قال: (نعم) (6).
وصحيحة عمر بن يزيد: الرجل يهدي إلي البختج من غير أصحابنا،
فقال: (إن كان ممن يستحل المسكر فلا تشربه، وإن كان ممن لا يستحل
شربه فاقبله) أو قال: (اشربه) (7).
ولموثقة الساباطي المتقدمة في الدليل الثاني من أدلة المحرمين

(1) النهاية: 591.
(2) الحلي في السرائر 3: 129، فخر المحققين في الإيضاح 4: 159.
(3) الدروس 3: 17.
(4) التنقيح 4: 63.
(5) انظر القواعد 2: 159.
(6) الكافي 6: 421 / 7، التهذيب 9: 122 / 526، الوسائل 25: 293 أبواب
الأشربة المحرمة ب 7 ح 4، والبختج: العصير المطبوخ. وأصله بالفارسية ميبخته
- النهاية (لابن الأثير) 1: 101.
(7) الكافي 6: 420 / 4، التهذيب 9: 122 / 524، الوسائل 25: 292 أبواب
الأشربة المحرمة ب 7 ح 1.
230

للعصير الزبيبي والتمري (1).
ويرد على الأوليين: عدم الدلالة على الحرمة، لاحتمال الجملة
الخبرية، مع أن الثانية مخصوصة بمن يستحل المسكر دون مطلق ما لم
يذهب ثلثاه.
وعلى الثالثة: أنها أخص من المدعى، إذ قد يكون الرجل مسلما
ورعا مأمونا ولكن يستحل العصير قبل ذهاب الثلثين لمسألة اجتهادية،
كصيرورته دبسا، أو كونه ممن لا يشترط الذهاب في غير العنبي ويطبخ
لمن يشترطه فيه.
وعلى المجموع: بالمعارضة بعموم صحيحة علي المتقدمة في الدليل
الثاني المذكور أيضا (2)، وصحيحة ابن وهب المتقدمة في المسألة الثالثة (3)،
وبالأخبار الدالة على أن كل ذي عمل مؤتمن في عمله، وأن قول ذي اليد
مقبول مطلقا، وأن ما في أسواق المسلمين حلال لا يسأل عنه (4).
فإذن القول بالجواز والحلية - كما ذهب إليه جماعة، منهم: المحقق
في الشرائع والنافع والفاضل في الإرشاد وصاحب الكفاية (5) - هو الأقوى
وإن كان مكروها، لفتوى الجماعة.

(1) في ص: 201.
(2) في ص: 201.
(3) في ص: 181.
(4) انظر الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50، و ج 25: 292 أبواب الأشربة
المحرمة ب 7، و ص 381 ب 38 ح 3.
(5) الشرائع 3: 228، المختصر النافع: 255، إرشاد الأذهان 2: 111، الكفاية: 253.
232

الباب الرابع
في أمور مرتبطة بالأطعمة والأشربة
وفيه فصلان:
233

الفصل الأول
في بعض الأحكام المتعلقة بالمطاعم والمشارب
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يجوز سقي الدواب وإطعامهم المسكر وسائر
المحرمات والمنجسات على الأصح الأشهر، للأصل، والعمومات، وحصر
المحرمات، وعدم الدليل على التحريم.
نعم، يكره ذلك، لروايتي أبي بصير (1) وغياث (2) المصرحتين بأنه
يكره ذلك.
وعن القاضي: تحريمه (3)، ولعله لحمل الكراهة في الخبرين على
الحرمة. ولا وجه له بعد كونها أعم بحسب اللغة.
المسألة الثانية: المعروف في كلامهم - كما في الكفاية (4) - أنه يحرم
سقي الأطفال المسكر، وتدل عليه روايتا عجلان.
إحداهما: (من سقى مولودا مسكرا سقاه الله من الحميم وإن غفر
له) (5).

(1) التهذيب 9: 114 / 497، الوسائل 25: 309 أبواب الأشربة المحرمة ب 10 ح 5.
(2) الكافي 6: 430 / 7، التهذيب 9: 114 / 496، الوسائل 25: 308 أبواب
الأشربة المحرمة ب 10 ح 4.
(3) المهذب 2: 433.
(4) الكفاية: 253.
(5) الكافي 6: 397 / 6، التهذيب 9: 103 / 449، الوسائل 25: 307 أبواب
الأشربة المحرمة ب 10 ح 2.
234

والثانية: (قال الله عز وجل: من شرب مسكرا أو سقاه صبيا لا يعقل
سقيته من ماء الحميم معذبا أو مغفورا له) (1).
ورواية أبي الربيع الشامي، وفيها - بعد السؤال عن الخمر -: (ولا
يسقيها عبد لي صبيا صغيرا أو مملوكا إلا سقيته مثل ما سقاه من الحميم
يوم القيامة معذبا بعد أو مغفورا له) (2).
وهل يختص ذلك بالمسكر، أو يتعدى إلى سائر المحرمات؟
ظاهر المحقق الأردبيلي: الثاني، حيث قال هنا: والناس مكلفون
بإجراء أحكام المكلفين عليهم (3). انتهى.
وفي ثبوت ذلك التكليف للناس مطلقا نظر، ولا يحضرني الآن دليل
على التعميم الموجب لتخصيص الأصل، والله سبحانه هو العالم.
المسألة الثالثة: ذكر جماعة أنه يكره أكل ما باشره الجنب أو
الحائض وشربه إذا كانا غير مأمونين، وكذا كل ما يعالجه من لا يتوقى
النجاسة، والمتهم بعدم الاجتناب عنها، بل عن المحرمات أيضا،
كالعاشر (4) ونحوه (5).
قال في الكفاية بعد نقل ذلك: ولا أعلم عليه دليلا إلا رواية مختصة
بالحائض (6). انتهى.

(1) الكافي 6: 397 / 7، الوسائل 25: 308 أبواب الأشربة المحرمة ب 10 ح 3.
(2) الكافي 6: 396 / 1، الوسائل 25: 307 أبواب الأشربة المحرمة ب 10 ح 1.
(3) مجمع الفائدة والبرهان: 283.
(4) التعشير: وهو أخذ العشر من أموال الناس بأمر الظالم، ومنه العاشر - مجمع
البحرين 3: 404.
(5) منهم المحقق في الشرائع 3: 228، العلامة في التحرير 2: 161، والشهيد في
الدروس 3: 17.
(6) الكفاية: 253.
235

أقول: تكفي فتوى جمع من الفقهاء دليلا على الكراهة، ولا فرق بين
غلبة الظن بالنجاسة وعدمها على الأصح.
المسألة الرابعة: من شرب خمرا أو شيئا نجسا أو أكله فبصاقه طاهر
ما لم يتغير بالنجاسة، بلا خلاف يوجد، للأصل، وعدم دليل على تنجس
ما في الباطن بالملاقاة أصلا، كما مر في كتاب الطهارة.
وقد يستدل له برواية أبي الديلم: رجل يشرب الخمر فيبزق،
فأصاب ثوبي من بزاقه، فقال: (ليس بشئ ولا يضر) (1).
وإن تغير وهو في الباطن لم يكن نجسا ما دام فيه على الأظهر، لما
مر.
فإن خرج وزال تغيره في الباطن كان طاهرا، وإن خرج متغيرا فظاهر
كلامهم نجاسته، ولا دليل عليه، إلا إذا علم بالتغير وجود أجزاء من النجس
فيه.
وإن اشتبه التغير يحكم بالطهارة مطلقا، وإن اشتبه الزوال بعد التغير
فيستصحب التغير حتى يعلم الزوال.
وحكم سائر ما يخرج من البواطن حكم البصاق، مثل: الدمعة مع
الاكتحال بالكحل النجس، والنخامة مع التسعط بالسعوط النجس، وغير
ذلك.
المسألة الخامسة: يكره الاستشفاء بالمياه الحارة التي تشم منها
رائحة الكبريت ويكون في الجبال، بلا خلاف يوجد، لرواية مسعدة بن
صدقة: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الاستشفاء بالحميات، وهي العيون

(1) التهذيب 9: 115 / 498، الوسائل 25: 377 أبواب الأشربة المحرمة ب 35
ح 1.
236

الحارة التي تكون في الجبال التي توجد فيها رائحة الكبريت، فإنها تخرج
من فوح جهنم) (1).
والاستشفاء يعم الشرب والجلوس واستعمال آخر لأجل الشفاء.
وقال المحقق الأردبيلي (2) وصاحب الكفاية (3) باحتمال كراهة مطلق
الجلوس، نظرا إلى العلة المذكورة، بل تعدى بعضهم (4) إلى مطلق
الاستعمال، لذلك.
ويمكن أن يقال: إن الخروج من فيح جهنم يمكن أن يمنع عن
حصول الشفاء ولا يقدح في أمر آخر، فلا يدل التعليل على التعميم، ولذا
قال في الفقيه: وأما ماء الحميات فإن النبي صلى الله عليه وآله إنما نهى أن يستشفى بها
ولم ينه عن التوضؤ بها (5).

(1) الكافي 6: 389 / 1، المحاسن: 579 / 47، الوسائل 1: 221 أبواب الماء
المضاف ب 12 ح 3.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 11: 289.
(3) الكفاية: 253.
(4) كصاحب الرياض 2: 300.
(5) الفقيه 1: 13 / 24 ذ. ح.
237

الفصل الثاني
في بعض الآداب المتعلقة بالأكل والشرب
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يستحب في الأكل أمور:
منها: غسل اليدين قبل الطعام وبعده، للمستفيضة من الصحاح
وغيرها، المعللة لهما في بعضها: بأنهما يوجبان السعة في الرزق والعافية
في الجسد (1).
وفي آخر: بأنهما ينفيان الفقر ويذهبان به (2).
وفي ثالث: بأنهما زيادة في العمر وإماطة للغمر عن الثياب ويجلو
البصر (3).
وفي رابع: بأنهما يزيدان في الرزق (4).
وفي خامس: بأن أوله ينفي الفقر وآخره ينفي الهم (5).
وفي سادس: بأن الأول يكثر خير البيت (6).

(1) أمالي الطوسي: 601، الوسائل 24: 338 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 15.
(2) الفقيه 3: 226 / 1060، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 11.
(3) الكافي 6: 290 / 3، المحاسن: 424 / 220، الوسائل 24: 336 أبواب آداب
المائدة ب 49 ح 6. والغمر: الدسم والزهومة من اللحم كالوضر من السمن - مجمع
البحرين 3: 428.
(4) الكافي 6: 290 / 5، المحاسن: 424 / 221، الخصال 1: 23 / 82، الوسائل
24: 335 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 2.
(5) الكافي 6: 290 / 5، الوسائل 24: 335 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 4.
(6) الكافي 6: 290 / 4، المحاسن: 424 / 217، الوسائل 24: 335 أبواب آداب
المائدة ب 49 ح 3، وانظر الحديثين 12، 13.
238

وفي سابع: بأنهما يثبتان النعمة (1).
وفي ثامن: بأنهما شفاء في الجسد ويمن في الرزق (2).
وفي تاسع: بأنهما ينفيان الفقر ويزيدان في العمر (3).
وإطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق بين كون الطعام مائعا
أو جامدا، وبين كونه مما يباشر باليد أو بآلة كالملعقة.
ويستحب أن يبدأ في الغسل الأول صاحب البيت يغسل يده، ثم يبدأ
بعده بمن على يمينه، ثم على من يمينه، إلى أن يتم الدور بمن على
يساره، وفي الغسل الثاني يبدأ بمن على يسار صاحب البيت، ثم بمن على
يساره، وهكذا إلى أن يختم به.
ودليل ذلك: روايتان في الكافي، إحداهما مرسلة (4)، والأخرى
رواية محمد بن عجلان (5)، ولكنهما لا تفيان بتمام المطلوب، لأن الأولى
وإن تضمنت حكم البدأتين - كما مر - وحكم من بعدهما، إلا أنها لا
تتضمن حكم من بعد البعد، ولكن الظاهر منها أن المراد ما ذكر، والثانية
وإن تضمنت حكم البدأة الأولى ولكنها لا تتضمن غيرها، وقال في الغسل
الثاني: (يبدأ بمن على يمين الباب)، ومقتضى الجمع التخيير في البدأة
الثانية بين من على يسار صاحب المنزل ومن عن يمين الباب.
والظاهر أن المراد بيمين الباب: يمين الداخل، والمراد بالباب: باب

(1) المحاسن: 424 / 218، الوسائل 24: 336 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 7.
(2) المحاسن 424 / 222، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 8.
(3) المحاسن: 425 / 225، الوسائل 24: 337 أبواب آداب المائدة ب 49 ح 10.
(4) الكافي 6: 290 ذيل الحديث 1، الوسائل 24: 340 أبواب آداب المائدة ب 50
ح 3.
(5) الكافي 6: 290 ح 1، الوسائل 24: 339 أبواب آداب المائدة ب 50 ح 1.
239

المجلس الذي جلسوا فيه - أي طريقه - وإن لم يكن له باب، أو كانت له
أبواب متعددة.
وهل المراد بصاحب البيت والمنزل هو صاحب الطعام كما فهمه
الأصحاب، أو خصوص صاحب المنزل وإن كان الطعام من غيره؟
مقتضى وضع اللفظ: الثاني، إلا أن ظاهر التعليل في الرواية الثانية
بقول: (لئلا يحتشم أحد) هو ما فهمه الأصحاب، فعليه العمل.
وأما رواية الفضل: لما تغدى عندي أبو الحسن عليه السلام وجي بالطست
بدئ به عليه السلام وكان في صدر المجلس، فقال عليه السلام: (إبداء بمن على يمينك)
فلما أن توضأ واحد وأراد الغلام أن يرفع الطست فقال له أبو الحسن عليه السلام:
(دعها واغسلوا أيديكم فيها) (1) فلا تنافي ما مر، لأن الظاهر أنه الغسل
الثاني، ومعنى قوله: بدئ به: أراد أن يبدأ به، فأمر الغلام بالبدأة بمن على
يمينه وهو يمين الباب.
وأما حملها على أن أبا الحسن عليه السلام كان صاحب الطعام فبدئ به ثم
بمن على يساره الذي هو يمين الغلام فينافي ما مر - كما وقع للمحقق
الأردبيلي (2) - فلا وجه له، لأن الظاهر من قوله: تغدى عندي، أنه كان
ضيفا للفضل، مع أنه على فرض ذلك يمكن أن يكون المراد: أنه أراد أن
يبدأ به فأمر بالبدأة بمن على يساره، وهو يمين الغلام، فيوافق الفرد الآخر
من فردي التخيير الذي ذكرناه.
وهل المستحب غسل اليدين معا في الغسلين، أو يكفي إحداهما
المباشرة للطعام؟

(6) الكافي 6: 291 / 3، التهذيب 9: 98 / 425، المحاسن: 425 / 228، الوسائل
24: 341 أبواب آداب المائدة ب 51 ح 2.
(2) مجمع الفائدة والبرهان 11: 341.
240

قال المحقق الأردبيلي قدس سره باحتمال الأمرين (1).
والظاهر كفاية غسل إحداهما في تحصيل الاستحباب، لورود
الترغيب في أكثر الأخبار المتقدمة بغسل اليد، الصادق على غسل إحداهما
وإن كان غسلهما مستحبا في مستحب.
لرواية أبي بصير المشار إليها، فإن فيها: (غسل اليدين قبل الطعام
وبعده زيادة في العمر وإماطة للغمر عن الثياب ويجلو البصر) (2).
ولما في محاسن البرقي: إن أبا جعفر عليه السلام يوم قدم المدينة تغدى معه
جماعة، فلما غسل يديه من الغمر مسح بهما رأسه ووجهه قبل أن يمسحهما
بالمنديل، وقال: (اللهم اجعلني ممن لا يرهق وجهه قتر ولا ذلة) (3).
ولا يتوهم أن بتقييدهما تقيد المطلقات، إذ لا منافاة بين الأمرين هنا.
ويستحب ترك المسح بالمنديل في الغسل الأول والمسح به في
الثاني، لمرسلة أبي محمود: (إذا غسلت يدك للطعام فلا تمسح يدك
بالمنديل، فإنه لا تزال البركة في الطعام ما دامت النداوة في اليد) (4).
ورواية مرازم: رأيت أبا الحسن عليه السلام إذا توضأ قبل الطعام لم يمس
المنديل، وإذا توضأ بعد الطعام مس المنديل (5).
ويستحب مسح الوجه والعينين بعد الغسل الثاني قبل المسح بالمنديل،

(1) مجمع الفائدة والبرهان 11: 341.
(2) الكافي 6: 290 / 3، المحاسن: 424 / 220، الوسائل 24: 336 أبواب آداب
المائدة ب 49 ح 6.
(3) المحاسن: 426 / 234، الوسائل 24: 345 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 3.
(4) الكافي 6: 291 / 1، المحاسن: 424 / 216، الوسائل 24: 343 أبواب آداب
المائدة ب 52 ح 2.
(5) الكافي 6، 291 / 2، التهذيب 9: 98 / 426، المحاسن: 428 / 244،
الوسائل 24: 343 أبواب آداب المائدة ب 52 ح 1.
241

لما مر في المروي عن المحاسن، وفيه أيضا: (إذا غسلت يدك بعد الطعام
فامسح وجهك وعينيك قبل أن تمسح بالمنديل، وتقول: اللهم إني أسألك
المحبة والزينة، وأعوذ بك من المقت والبغضة) (1).
ومسح الحاجبين بعد الغسل الثاني، داعيا بالمأثور لرفع الرمد، لرواية
المفضل: شكوت إليه الرمد، فقال لي: (أو تريد الطريف؟) ثم قال لي: (إذا
غسلت يدك بعد الطعام فامسح حاجبيك وقل ثلاث مرات: (الحمد لله المحسن
المجمل المنعم المفضل) قال: ففعلت ذلك فما رمدت عيني بعد ذلك (2).
وغسل الجميع في إناء واحد، لرواية الفضل المتقدمة، ورواية عمرو
ابن ثابت: (اغسلوا أيديكم في إناء واحد يحسن أخلاقكم) (3).
ومنها: غسل الفم بعد الطعام، سيما بالسعد، فإنه قد ورد أن من
غسل فمه بالسعد بعد الطعام لم يصب علة في فمه (4).
ومنها: التسمية إذا وضعت المائدة، بأن يقول: بسم الله، لروايات
السكوني (5)، ويونس بن ظبيان (6)، وأبي بصير (7)، وأبي خديجة (8)،

(1) المحاسن: 426 / ذ. ح 234، الوسائل 24: 346 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 4.
(2) الكافي 6: 292 / 5، الوسائل 24: 345 أبواب آداب المائدة ب 54 ح 2.
(3) الكافي 6: 291 / 2، المحاسن: 426 / 229، الوسائل 24: 341 أبواب آداب
المائدة ب 51 ح 1.
(4) الكافي 6: 378 / 3، الوسائل 24: 427 أبواب آداب المائدة ب 107 ح 2.
والسعد: طيب معروف بين الناس - مجمع البحرين 3: 69.
(5) الكافي 6: 292 / 1، الفقيه 3: 224 / 1047، التهذيب 9: 98 / 427،
المحاسن: 431 / 258، الوسائل 24: 351 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 1.
(6) الكافي 6: 295 / 21، المحاسن: 437 / 284، الوسائل 24: 359 أبواب آداب
المائدة ب 59 ح 8.
(7) الكافي 6: 292 / 2، التهذيب 9: 99 / 428، المحاسن: 433 / 262، الوسائل
24: 352 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 2.
(8) الكافي 6: 292 / 3، المحاسن: 431 / 255، الوسائل 24: 352 أبواب آداب
المائدة ب 57 ح 3.
242

ومحمد بن مروان (1).
ولو كان حينئذ جماعة وسمى واحد منهم أجزأت هذه التسمية
للجميع، لصحيحة البجلي (2).
وإذا أراد الشروع في الأكل، للمستفيضة، بل المتواترة.
ولو قال حينئذ: (بسم الله على أوله وآخره) كما في رواية أبي بصير،
أو: (في أوله وآخره) كما في مرسلة حسين بن عثمان (3)، كان أحسن.
بل تستحب التسمية عند إرادة أكل كل نوع من الطعام، لروايات
غياث (4)، والعرزمي (5)، وكليب (6).
ومرسلة الفقيه، وفيها: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: ضمنت لمن سمى
على طعامه أن لا يشتكي منه، فقال له ابن الكواء: يا أمير المؤمنين، لقد
أكلت البارحة طعاما فسميت عليه وآذاني، قال: فلعلك أكلت ألوانا فسميت
على بعضها ولم تسم على بعض يا لكع) (7).

(1) الكافي 6: 293 / 4، المحاسن: 432 / 260، الوسائل 24: 348 أبواب آداب
المائدة ب 56 ح 2.
(2) الكافي 6: 293 / 9، التهذيب 9: 99 / 429، المحاسن: 439 / 293، الوسائل
24: 356 أبواب آداب المائدة ب 58 ح 2.
(3) الكافي 6: 294 / 11، المحاسن: 432 / 259، الوسائل 24: 349 أبواب آداب
المائدة ب 56 ح 5.
(4) الكافي 6: 293 / 5، المحاسن: 434 / 265، الوسائل 24: 349 أبواب آداب
المائدة ب 56 ح 3.
(5) الكافي 6: 294 / 14، المحاسن: 434 / 270، الوسائل 24: 353 أبواب آداب
المائدة ب 57 ح 5.
(6) الكافي 6: 293 / 7، المحاسن: 435 / 273، الوسائل 24: 348 أبواب آداب
المائدة ب 56 ح 1.
(7) الفقيه 3: 224 / 1050، الوسائل 24: 362 أبواب آداب المائدة ب 61 ح 3.
ولكع، صغير العلم - مجمع البحرين 4: 388.
243

وفي مرسلته الأخرى: قال الصادق عليه السلام: (ما اتخمت قط، وذلك
أني لم أبدأ بطعام إلا قلت: بسم الله، ولم أفرغ من طعام إلا قلت: الحمد
لله) (1).
بل عند الأكل من كل آنية ولو اتحدت أطعمتها، لصحيحة داود بن
فرقد (2).
ولو نسيها عند بعض الألوان أو بعض الأواني فليقل إذا ذكر: بسم الله
على أوله وآخره، كما في صحيحة داود، ومرسلة الفقيه (3).
ولو تكلم في أثناء طعام سمي عليه أعاد التسمية، لرواية مسمع (4)،
وصرح فيها بأن إضرار الطعام إنما هو إذا لم يعد التسمية بعد الكلام.
ومنها: قول: الحمد لله، بعد الفراغ من الطعام، لمرسلة الفقيه،
وروايات مسمع (5)، ويونس بن ظبيان، وجراح (6)، والعرزمي، والسكوني.
وفي بعضها: (قل: الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم).
وفي آخر: (الحمد لله هذا منك ومن محمد صلى الله عليه وآله)، وزاد في بعض
آخر عليهما.

(1) الفقيه 3: 225 / 1052، الوسائل 24: 354 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 7.
(2) الكافي 6: 295 / 20، التهذيب 9: 99 / 431، الوسائل 24: 361 أبواب آداب
المائدة ب 61 ح 1.
(3) الفقيه 3: 224 / 1051، الوسائل 24: 357 أبواب آداب المائدة ب 58 ح 3.
(4) الكافي 6: 295 / 19، المحاسن: 438 / 287، الوسائل 24: 361 أبواب آداب
المائدة ب 61 ح 2.
(5) الكافي 6: 296 / 25، الوسائل 24: 353 أبواب آداب المائدة ب 57 ح 6.
(6) الكافي 6: 294 / 13، المحاسن: 434 / 268، الوسائل 24: 353 أبواب آداب
المائدة ب 57 ح 4.
244

وبعد رفع المائدة، لروايات أبي خديجة، وأبي بصير، والصنعاني (1)،
ومرسلة إبراهيم بن مهزم (2)، وزاد فيها فقرات أخر.
ويستحب تكرار الحمد في الأثناء أيضا، كما في رواية سماعة: (يا
سماعة أكلا وحمدا، لا أكلا وصمتا) (3).
ويستحب رفع الصوت بالحمد بعد الفراغ، لما روي في تحف
العقول: (يا كميل، إذا استوفيت طعامك فاحمد الله على ما رزقك، وارفع
بذلك صوتك يحمده سواك، فيعظم بذلك) (4).
ومنها: الأكل باليد اليمنى، إلا مع العذر، لما يأتي من كراهة الأكل
باليسار.
ومنها: الأكل من بين يديه من غير أن يتناول من عند غيره من هذا
الظرف وهذا الظرف، لروايات أبي خديجة، والقداح (5)..
والكرخي، وفيها: (وأما التأديب فالأكل مما يليك، وتصغير اللقمة،
وتجويد المضغ، وقلة النظر في وجوه الناس) (6).
والمروي في الخصال، وفيها: (وأما السنة فالجلوس على الرجل

(1) الكافي 6: 294 / 12، المحاسن: 433 / 263، الوسائل 24: 358 أبواب آداب
المائدة ب 59 ح 4.
(2) الكافي 6: 294 / 15، المحاسن: 436 / 277، الوسائل 24: 358 أبواب آداب
المائدة ب 59 ح 5.
(3) الفقيه 3: 224 / 1049، الوسائل 24: 350 أبواب آداب المائدة ب 56 ح 8.
(4) تحف العقول: 115، وفيه زيادة: أجرك، في آخر الحديث.
(5) الكافي 6: 297 / 3، المحاسن: 448 / 348، الوسائل 24: 369 أبواب آداب
المائدة ب 66 ح 1.
(6) الفقيه 3: 227 / 1067، الوسائل 24: 433 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 1.
245

اليسرى، والأكل بثلاث أصابع، وأن يأكل مما يليه، ومص الأصابع) (1).
والمروي في مكارم الأخلاق: (كان صلى الله عليه وآله إذا أكل سمى وأكل بثلاث
أصابع ومما يليه، ولا يتناول من بين يدي غيره، ويشرع قبل القوم) (2).
ومنها: ابتداء صاحب الطعام بالأكل وتأخيره في الامتناع ورفع اليد،
لرواية القداح (3).
ومنها: أن يأكل بثلاث أصابع أو الأربع أو الخمس لا أقل منها.
ففي رواية الكرخي: (وأما السنة: فالوضوء قبل الطعام، والجلوس
على الجانب الأيسر، والأكل بثلاث أصابع، ولعق الأصابع).
وفي رواية أبي خديجة: أنه كان يجلس جلسة العبد ويضع يده على
الأرض، ويأكل بثلاث أصابع، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأكل هكذا، ليس
كما يفعل الجبارون، أحدهم يأكل بإصبعيه (4).
وفي مكارم الأخلاق - بعد ما تقدم ذكره -: (ويأكل بأصابعه الثلاث:
الابهام والتي تليها والوسطى، وربما استعان بالرابعة، وكان صلى الله عليه وآله يأكل بكفه
كلها ولم يأكل بإصبعين، ويقول: هو أكلة الشيطان).
وفي مرفوعة علي بن محمد: كان أمير المؤمنين عليه السلام يستاك عرضا
ويأكل هرتا، وقال: الهرت: أن يأكل بأصابعه أجمع (5).

(1) الخصال: 485 / 61، الوسائل 24: 432 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 2.
(2) مكارم الأخلاق 1: 70 / 88، الوسائل 24: 435 أبواب آداب المائدة ب 112
ح 12.
(3) الكافي 6: 285 / 2، المحاسن: 448 / 349 و 449 / 354، الوسائل 24: 320
أبواب آداب المائدة ب 41 ح 1.
(4) الكافي 6: 297 / 6، الوسائل 24: 372 أبواب آداب المائدة ب 68 ح 1.
(5) الكافي 6: 297 / 5، الوسائل 24: 372 أبواب آداب المائدة ب 68 ح 2.
246

ومنها: لعق الأصابع ومصها.
ومنها: تجويد المضغ.
ومنها: تصغير اللقمة.
ومنها: أن يعتمد على يساره بوضع يده اليسرى على الأرض عند
الأكل، للمروي في المحاسن وفعل الصادق عليه السلام الآتيين في المسألة الآتية.
ومنها: لطع القصعة ولحسها.
كل ذلك للأخبار (1)، وورد في الأول: (أن الله سبحانه يقول: بارك
الله فيك) (2).
وأن أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إني ألحس أصابعي من الأدم حتى أخاف
أن يراني خادمي فيرى أن ذلك من التجشع وليس ذلك كذلك) الحديث (3).
وفي الأخير: أنه كأنما تصدق بمثلها (4).
ومنها: طول الجلوس على الموائد وطول الأكل، روي الأول في
مكارم الأخلاق (5)، والثاني في تحف العقول (6). وعلل الأول بأنها ساعة لا
تحسب من أعماركم، والثاني: بأنه يستوفي من معك، ويظهر منه أن

(1) الوسائل 24: 370 أبواب آداب المائدة ب 67.
(2) الكافي 6: 297 / 7، المحاسن: 443 / 315، الوسائل 24: 370 أبواب آداب
المائدة ب 67 ح 2.
(3) الكافي 6: 301 / 1، المحاسن: 586 / 85، الوسائل 24: 382 أبواب آداب
المائدة ب 78 ح 1.
(4) الكافي 6: 297 / 4، المحاسن: 443 / 318، الوسائل 24: 370 أبواب آداب
المائدة ب 67 ح 1.
(5) مكارم الأخلاق 1: 305 / 968، مستدرك الوسائل 16: 233 أبواب آداب
المائدة ب 13 ح 1.
(6) تحف العقول: 115.
247

استحبابه إذا كان معه غيره.
ومنها: الكف عن الطعام مع اشتهائه، ففي مكارم الأخلاق: (من أكل
الطعام على النقاء وأجاد الطعام تمضغا وترك الطعام وهو يشتهيه ولم
يحبس الغائط إذا أتى ولم يمرض إلا مرض الموت) (1).
وفي طب الأئمة: (من أراد أن لا يضره طعام فلا يأكل حتى يجوع،
فإذا أكل فليقل: بسم الله، وليجد المضغ، وليكف عن الطعام وهو يشتهيه،
وليدعه وهو يحتاج إليه) (2).
وزاد في وراية أخرى: (ويعرض النفس على الخلا عند النوم) قال:
(فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب) (3).
وفي تحف العقول: (يا كميل، لا توفرن معدتك طعاما) إلى أن قال:
(ولا ترفع يدك عن طعام إلا وأنت تشتهيه، فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه،
فإن صحة الجسم من قلة الطعام وقلة الماء) (4).
ومنها: الاستلقاء بعد الطعام واضعا الرجل اليمنى على اليسرى،
لرواية البزنطي (5)، وروايته الأخرى المروية في المحاسن (6)، وفي دعوات

(1) مكارم الأخلاق 1: 314 / 1003.
(2) طب الأئمة عليهم السلام: 29، الوسائل 24: 433 أبواب آداب المائدة ب 112 ح 4.
(3) الخصال: 228 / 67، دعوات الراوندي: 74 / 173، الوسائل 24: 245 أبواب
آداب المائدة ب 2 ح 8، البحار 59: 267 / 42.
(4) تحف العقول: 115، مستدرك الوسائل 16: 219 أبواب آداب المائدة ب 2
ح 14. ومر الطعام مراء فهو مري: أي صار لذيذا. وأمرأني الطعام: إذا لم يثقل
على المعدة وانحدر عليها طيبا - مجمع البحرين 5: 391.
(5) الكافي 6: 299 / 21، التهذيب 9: 100 / 435، الوسائل 24: 376 أبواب
آداب المائدة ب 74 ح 1.
(6) المحاسن: 449 / 352، الوسائل 24: 377 أبواب آداب المائدة ب 74 ح 3.
248

الراوندي: (الاستلقاء بعد الشبع يسمن البدن ويمرأ الطعام ويسل
الداء) (1).
ومنها: إحضار البقل والخضر على المائدة، لرواية موفق المدائني،
عن أبيه، عن جده، وفيها: أنه عليه السلام قال: (إني لا آكل على مائدة ليس فيها
خضرة) (2).
وفي حسنة حنان: (إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يؤت بطبق إلا وعليه
بقل) وقال: (لأن قلوب المؤمنين خضرة، وهي تحن إلى أشكالها) (3).
ومنها: الخلال (4) بعد الطعام، للروايات المستفيضة، وفي بعضها:
(إنه يطيب الفم) (5).
وفي آخر: (إنه مصلحة للفم أو اللثة، مجلبة للرزق) (6).
وفي ثالث: (إنه ينقي الفم ومصلحة للثة) (7).
ويكره الخلال بعود الريحان وقضيب الرمان، فإنهما يهيجان عرق

(1) الدعوات: 80 / 200، المستدرك 16: 289 أبواب آداب المائدة ب 66 ح 1.
(2) الكافي 6: 362 / 1، المحاسن: 507 / 651، الوسائل 24: 419 أبواب آداب
المائدة ب 103 ح 2.
(3) الكافي 6: 362 / 2، المحاسن: 507 / 652، الوسائل 24: 419 أبواب آداب
المائدة ب 103 ح 1.
(4) الخلال: العود يخلل به الثوب والأسنان وخلل الشخص أسنانه تخليلا: إذا أخرج
ما يبقى من المأكول بينها - المصباح المنير: 180.
(5) الكافي 6: 376 / 3، المحاسن: 559 / 931، الوسائل 24: 420 أبواب آداب
المائدة ب 104 ح 1.
(6) الكافي 6: 376 / 4، المحاسن: 563 / 962، الوسائل 24: 421 أبواب آداب
المائدة ب 104 ح 7.
(7) الكافي 6: 376 / 5، الوسائل 24: 421 أبواب آداب المائدة ب 104 ح 5.
249

الجذام (1).
وكذا بالخوص والقصب، ففي رواية ابن سنان: (كان النبي صلى الله عليه وآله
يتخلل بكل ما أصاب، ما خلا الخوص والقصب) (2).
أقول: الخوص: ورق النخل.
ويستحب تهيئة الخلال للضيف، كما في مرسلة الفقيه (3).
ثم ما يخرج بالخلال فيكره أكله، لمرسلة الفقيه: (ما أدرت عليه
لسانك فأخرجته فابلعه، وما أخرجته بالخلال فارم به) (4).
وفي مرفوعة أحمد: (لا يزدردن أحدكم ما يتخلل به، فإنه يكون من
الدبيلة) (5).
وفي صحيحة ابن سنان: (ما يكون على اللثة فكله، وما يكون بين
الأسنان فارم به) (6).
بل يكره أكل كل ما يخرج من بين الأسنان، سواء خرج بالخلال أو
الإصبع أو غيرهما.
وأما قوله في المرسلة: (ما أدرت عليه لسانك) فالمراد ما ألصق باللثة

(1) الكافي 6: 377 / 7، المحاسن: 564 / 966، العلل: 533 / 1، الوسائل 24:
423 أبواب آداب المائدة ب 105 ح 1.
(2) الكافي 6: 377 / 10، المحاسن: 564 / 965، الوسائل 24: 424 أبواب آداب
المائدة ب 105 ح 4.
(3) الفقيه 3: 226 / 1058، الوسائل 24: 319 أبواب آداب المائدة ب 40 ح 4.
(4) الفقيه 3: 226 / 1059، الوسائل 24: 426 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 5.
(5) الكافي 6: 378 / 4، الوسائل 24: 426 أبواب آداب المائدة ب 106 ح 4،
والدبيلة هي خراج ودمل كبير، تظهر في الجوف فتقتل صاحبها غالبا: النهاية 2: 99.
(6) الكافي 6: 377 / 2، المحاسن: 559 / 936، الوسائل 24: 425 أبواب آداب
المائدة ب 106 ح 1.
250

ونحوها، كما صرح في الصحيحة، ولأنه الذي يدار عليه اللسان ويخرج
بإدارته، دون ما دخل بين الأسنان، وتدل عليه أيضا رواية الفضل الآتية،
المصرحة بأن ما بقي في الفم منها ما يدار عليه اللسان، ومنها ما يستكن
فيخرج بالخلال.
نعم، الظاهر: استثناء ما استكن في الثنايا - أي مقاديم الأسنان - فيؤكل
وإن أخرج بالخلال، لرواية إسحاق بن جرير: عن اللحم الذي يكون في
الأسنان، فقال: (أما ما كان في مقدم الفم فكله وما كان في الأضراس
فاطرحه) (1).
فإن هذه الرواية أخص مطلقا من روايات الطرح، ولو خص ما يؤكل
باللحم الداخل في المقاديم - كما في الرواية - كان أولى.
ثم الأمر بالرمي والطرح فيها محمول على الكراهة، للاجماع، ورواية
الفضل بن يونس: (كل ما بقي في فمك، فما أدرت عليه لسانك فكله، وما
استكن فأخرجه بالخلال، وأنت فيه بالخيار إن شئت أكلته وإن شئت
طرحته) (2).
ومنها: الافتتاح بالملح والاختتام به، للمستفيضة من الصحاح وغيرها:
كصحيحة هشام معللة بأن فيهما المعافاة عن اثنين وسبعين نوعا من
البلا، منه: الجذام والجنون والبرص (3).

(1) الكافي 6: 377 / 1، المحاسن: 559 / 935، الوسائل 24: 425 أبواب آداب
المائدة ب 106 ح 3.
(2) الكافي 6: 377 / 3، المحاسن: 559 / 934، الوسائل 24: 425 أبواب آداب
المائدة ب 106 ح 2.
(3) الكافي 6: 326 / 2، المحاسن: 593 / 108، الوسائل 24: 403 أبواب آداب
المائدة ب 95 ح 1.
251

وفي موثقة زرارة: إن فيهما دفع سبعين نوعا من البلا أيسرها
الجذام (1).
وفي مرسلة الفقيه: (ابدؤا بالملح في أول طعامكم، فلو يعلم الناس
ما في الملح لاختاروه على الدرياق المجرب) (2).
وفي رواية الجعفري (لا يخصب خوان لا ملح عليها، وأصح للبدن
أن يبدأ به في أول الطعام) (3).
وفي رواية فروة: (أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران مر قومك
أن يفتتحوا بالملح ويختموا به، وإلا فلا يلوموا إلا أنفسهم) (4).
وأما ما في رواية محمد بن علي الهمداني، من افتتاح الرضا عليه السلام
بالخل، وقوله: إنه مثل الملح (5).
وما في رواية إسماعيل من قوله: (إنا لنبدأ بالخل كما تبدؤون بالملح

(1) الكافي 6: 325 / 1، المحاسن: 593 / 109، الوسائل 24: 403 أبواب آداب
المائدة ب 95 ح 2.
(2) الفقيه 3: 225 / 1056، الوسائل 24: 403 أبواب آداب المائدة ب 95 ح 3،
وفي الفقيه: الترياق وهو أيضا بمعنى الدرياق، والمراد به: ما يستعمل لدفع السم
من الأدوية والمعاجين - مجمع البحرين 5: 142.
(3) الكافي 6: 326 / 5، المحاسن: 591 / 101، الوسائل 24: 404 أبواب آداب
المائدة ب 95 ح 4، وفي النسخ: لا يحضر خوان... وما أثبتناه من المصدر،
والمراد به: النماء والبركة - مجمع البحرين 2: 50، والخوان: ما يؤكل عليه،
معرب - المصباح المنير: 184.
(4) الكافي 6: 326 ح 6، المحاسن: 592 / 103، الوسائل 24: 404 أبواب آداب
المائدة ب 95 ح 6.
(5) الكافي 6: 329 / 4، المحاسن: 487 / 554، الوسائل 24: 407 أبواب آداب
المائدة ب 96 ح 2.
252

عندكم) (1).
فمعارض بما في رواية الديلمي: (نحن نستفتح بالملح ونختم
بالخل) (2).
ومرسلة الفقيه: (إن بني أمية يبدؤن بالخل في أول الطعام ويختمون
بالملح، وإنا نبدأ بالملح في أول الطعام ونختم بالخل) (3).
والترجيح للأول، لموافقة الثاني لبني أمية، مع أنه على فرض التكافؤ
لا يعلم ما كانوا يبدؤن به للتعارض، فتبقى الأخبار السابقة خالية عن
المعارض.
نعم، يعارض الخبران الأخيران للصحيح والموثق الأولين في الختم
بالملح أو الخل، فالظاهر فيه التخيير.
وفي مرفوعة يعقوب بن يزيد: (من ذر على أول لقمة من طعامه
الملح ذهب عنه بنمش الوجه) (4).
ومنها: التقاط ما يسقط من الخوان، للمتواترة معنى من الأخبار،
كالأخبار التسعة التي بعضها من الصحاح لأبي بصير (5)، وداود بن كثير (6)،

(1) الكافي 6: 329 / 5، المحاسن: 485 / 539، الوسائل 24: 407 أبواب آداب
المائدة ب 96 ح 1.
(2) الكافي 6: 330 / 12، الوسائل 24: 408 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 3.
(3) الفقيه 3: 225 / 1055، الوسائل 24: 408 أبواب آداب المائدة ب 96 ح 4.
(4) الكافي 6: 326 / 8، المحاسن: 593 / 112، الوسائل 24: 404 أبواب آداب
المائدة ب 95 ح 5، والنمش محركة: نقط بيض وسود تقع في الجلد يخالف لونه
لونه - مجمع البحرين 4: 156.
(5) الكافي 6: 299 / 1، المحاسن: 444 / 323، الوسائل 24: 378 أبواب آداب
المائدة ب 76 ح 3.
(6) الكافي 6: 300 / 2، المحاسن: 443 / 319، الوسائل 24: 378 أبواب آداب
المائدة ب 76 ح 2.
253

ووهب (1)، وعبد الله بن صالح (2)، وإبراهيم بن مهزم (3)، وعبد الله
الأرجاني (4)، ومعمر (5)، والكرماني (6)، وعمر بن قيس (7).
وفي بعضها: (إنه شفاء من كل داء إذا قصد الاستشفاء به).
وفي بعضها: (إنه يدفع وجع الخاصرة).
وفي ثالث: (إنه ينفي الفقر ويكثر الولد).
والمستفاد من تلك الأخبار: أن المراد بما يسقط عن الخوان ما يقع
خارج السفرة والطبق والمائدة، لا ما يقع خارج الصحفة (8) والقصعة على
السفرة أو الطبق.
ثم المستحب التقاط ما يسقط منه في البيت ونحوه، دون ما يسقط في
الصحراء ونحوها، لروايتي معمر والكرماني، وفي الأولى: إن في الصحراء يترك
للطير والسبع. وفي الثانية: (إن ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذ شاة).
ومنها: الأكل غداء وعشاء وعدم الأكل بينهما. والغداء صدر النهار،

(1) الكافي 6: 300 / 4، المحاسن: 444 / 326، الوسائل 24: 379 أبواب آداب
المائدة ب 76 ح 4.
(2) الكافي 6: 300 / 3، المحاسن: 444 / 324، الوسائل 24: 378 أبواب آداب
المائدة ب 67 ح 1.
(3) الكافي 6: 300 / 7، المحاسن: 444 / 325، الوسائل 24: 379 أبواب آداب
المائدة ب 76 ح 5.
(4) الكافي 6: 301 / 9، المحاسن: 444 / 321، الوسائل 24: 379 أبواب آداب
المائدة ب 76 ح 6، في النسخ: الأرمني، بدل: الأرجاني، والصحيح ما أثبتناه.
(5) الكافي 6: 300 / 8، المحاسن: 445 / 327، الوسائل 24: 375 أبواب آداب
المائدة ب 72 ح 1.
(6) الفقيه 3: 225 / 1054، الوسائل 24: 376 أبواب آداب المائدة ب 72 ح 2.
(7) الفقيه 3: 225 / 1053، الوسائل 25: 257 أبواب الأشربة المباحة ب 14 ح 3.
(8) الصحفة: كالقصعة الكبيرة، منبسطة تشبع الخمسة - مجمع البحرين 5: 77.
254

والعشاء أول الليل.
ويستحب أن يكون التعشي بعد العتمة، فإن في رواية محمد: (عشاء
الأنبياء [بعد العتمة] فلا تدعوه) (1) وأولها عند سقوط نور الشفق.
وفي رواية زياد بن أبي الحلال: (العشاء بعد العشاء الآخرة عشاء
النبيين) (2).
وفي رواية اللهبي: (ما يقول أطباؤكم في عشاء الليل؟) قلت: إنهم
ينهونا عنه، قال: (ولكني آمركم به) (3).
وفي مرسله ثعلبة: (طعام الليل أنفع من طعام النهار) (4).
ومنها: غسل الثمار بالماء قبل أكلها، لرواية فرات: (إن لكل
ثمرة سما، فإذا أتيتم بها فمسوها بالماء أو اغمسوها في الماء) يعني:
اغسلوها (5).
ومنها: جمع العيال والأكل معهم، لرواية مسمع: (ما من رجل جمع
عياله ويضع مائدة ويسمي ويسمون في أول الطعام ويحمدون الله في آخره
فترتفع المائدة حتى يغفر لهم) (6)

(1) الكافي 6: 288 / 1، المحاسن: 420 / 197، الوسائل 24: 331 أبواب آداب
المائدة ب 47 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2) الكافي 6: 289 / 7، المحاسن: 421 / 198، الوسائل 24: 332 أبواب آداب
المائدة ب 47 ح 3.
(3) الكافي 6: 289 / 10، الوسائل 24: 331 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 2.
(4) الكافي 6: 289 / 11، الوسائل 24: 332 أبواب آداب المائدة ب 47 ح 4.
(5) الكافي 6: 350 / 4، المحاسن: 556 / 913، الوسائل 25: 147 أبواب
الأطعمة المباحة ب 80 ح 1. (6) الكافي 6: 296 / 25، الوسائل 24: 263 أبواب آداب المائدة ب 12 ح 3.
255

المسألة الثانية: يكره في الأكل أمور:
منها: أكل الشئ فيما بين أكل الغداء وأكل العشاء، لرواية ابن أخي
شهاب: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام ما ألقى من الأوجاع والتخم، فقال
لي: (تغد وتعش ولا تأكل بينهما شيئا، فإن فيه فساد البدن) (1).
ومنها: الأكل متكئا، للمستفيضة، كصحيحة الشحام: (ما أكل رسول
الله صلى الله عليه وآله متكئا منذ بعثه الله إلى أن قبضه، وكان يأكل أكل العبد ويجلس
جلسة العبد تواضعا لله تعالى) (2).
ورواية أبي خديجة: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأكل متكئا على يمينه
وعلى يساره، ولكن كان يجلس جلسة العبد) (3).
ورواية المعلى: (ما أكل نبي الله صلى الله عليه وآله وهو متكئ منذ بعثه الله
تعالى، وكان يكره أن يتشبه بالملوك، ونحن لا نستطيع أن نفعل) (4).
وموثقة سماعة: عن الرجل يأكل متكئا، فقال: (لا، ولا منبطحا) (5).
أقول: الانبطاح: الاستلقاء على الوجه.

(1) الكافي 6: 288 / 2، المحاسن: 420 / 196، الوسائل 24: 327 أبواب آداب
المائدة ب 45 ح 1.
(2) الكافي 6: 270 / 1، المحاسن: 457 / 390، الوسائل 24: 251 أبواب آداب
المائدة ب 6 ح 7.
(3) الكافي 6: 271 / 7، المحاسن: 457 / 389، الوسائل 24: 251 أبواب آداب
المائدة ب 6 ح 6، بتفاوت يسير.
(4) الكافي 6: 272 / 8، المحاسن: 458 / 396، الوسائل 24: 249 أبواب آداب
المائدة ب 6 ح 2.
(5) الكافي 6: 271 / 4، المحاسن: 458 / 393، الوسائل 24: 250 أبواب آداب
المائدة ب 6 ح 4.
256

والمروي في المحاسن: (ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله متكئا ولا نحن) (1)
إلى غير ذلك.
وقد اختلفوا في المراد من الاتكاء في هذا المقام، قال ابن الأثير: (لا
آكل متكئا) المتكئ في العربية: كل من استوى قاعدا على وطاء متمكنا،
والعامة لا تعرف المتكئ إلا من مال في قعوده معتمدا على أحد شقيه،
ومعنى الحديث: أني إذا أكلت لم أقعد متمكنا فعل من يريد الاستكثار،
ومن حمل الاتكاء على الميل إلى أحد الشقين تأوله على مذهب الطب (2).
وفي المصباح: اتكأ: جلس متمكنا (3).
وفي فتح الباري لابن حجر: اختلف في صفة الاتكاء، فقيل: أن
يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان. وقيل: أن يميل على أحد
شقيه. وقيل: أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض. ثم فسر الحديث
نحوا من النهاية. وعن أبي الجوزاء: الجزم في تفسير الاتكاء أنه الميل إلى
أحد الشقين (4).
أقول: المستفاد من كلماتهم أن للاتكاء معاني:
أحدها: الجلوس على البساط متمكنا، مسندا ظهره إلى الوسائد، من
دون ميل إلى جانب.
وثانيها: الاتكاء باليد.
وثالثها: الميل إلى أحد الشقين كما هو المتعارف عند العامة.

(1) المحاسن: 458 / 392، الوسائل 24: 252 أبواب آداب المائدة ب 6 ح 8.
(2) النهاية (لابن الأثير) 1: 193.
(3) المصباح المنير: 671.
(4) فتح الباري 9: 446. وفيه: ابن الجوزي.
257

ليس المراد - في ذلك المقام - الثاني قطعا، لأن المستفاد من أخباره:
أنه صلى الله عليه وآله يجتنب عنه لأنه كان يجلس جلسة العبد، والاتكاء ينافيه وأنه
تشبه بالملوك.
مع أنه ورد في رواية أبي خديجة: أن أبا عبد الله عليه السلام كان يجلس
جلسة العبد ويضع يده على الأرض ويأكل بثلاث أصابع، وأن رسول الله
صلى الله عليه وآله كان يأكل هكذا (1)، فإنها تدل على أن في وضع اليد على الأرض
تواضعا وانكسارا.
وأيضا صرح في رواية أبي خديجة المتقدمة أولا: أنه لم يأكل متكئا
على يمينه وعلى يساره، وظاهر أنه في الأكل لا يتحقق الاتكاء على اليمين
غالبا، لأن اليمين يد الأكل.
وأيضا في رواية المعلى علله بكراهة أن يتشبه بالملوك، والملوك
يأكلون متكئين على الوسائد. قال بعض المتأخرين: الأكل كذلك من دأب
الملوك (2).
وأيضا عطف الانبطاح عليه يؤكد إرادة أحد المعنيين الآخرين.
وأيضا روى في المحاسن بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام يقول: (إذا
أكلت فاعتمد على يسارك) (3).
وأيضا في رواية الفضيل الصحيحة عمن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه وضع أبي عبد الله عليه السلام يده على الأرض عند الأكل،
واعتراض عباد عليه ورفعها، ثم وضعها، ثم اعتراضه، ثم رفعه إياها، ثم

(1) المحاسن: 441 / 307، الوسائل 24: 256 أبواب آداب المائدة ب 8 ح 6.
(2) انظر البحار 63: 391.
(3) المحاسن: 441 / 306، الوسائل 24: 254 أبواب آداب المائدة ب 7 ح 3.
258

وضعها، ثم اعتراضه، ثم عوده عليه السلام، وقوله بعد اعتراضه ثالثا: (والله ما
نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذا قط) (1).
مع أنه قد مر عن المحاسن قوله: (ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله متكئا ولا
نحن). والتنافي بينهما ظاهر.
وقوله: (لا نستطيع أن نفعل) في رواية المعلى لا يدل على أنهم كانوا
يتكئون، لاجمال ما لا يستطيعون فعله، فلعله الاتكاء دون تركه، بل هو الظاهر.
فتعين أحد المعنيين الأول أو الثالث، مع أنه على فرض عدم التعين
واحتمال ذلك المعنى أيضا لا ينبغي ترك الرواية الآمرة بالاعتماد على
اليسار - المعتضدة بفعل الإمام ويمينه عليه السلام على عدم نهي رسول الله صلى الله عليه وآله
عنه - قط بمجرد الاحتمال.
ثم إن الاحتمال الأول يرجح بتشبهه بجلسة الملوك، والثالث بقوله:
على يمينه وعلى يساره، في رواية أبي خديجة، ويمكن كراهته بالمعنيين
وترك رسول الله صلى الله عليه وآله لهما معا، كما هو الظاهر.
ومنها: الأكل على الشبع، للأخبار المستفيضة (2).
ومنها: التملي عن الطعام، فإنه ورد في رواية أبي الجارود: (ما من
شئ أبغض إلى الله من بطن مملوء) (3).
وفي رواية أبي بصير: (كثرة الأكل مكروه) (4).

(1) الكافي 6: 271 / 5، الوسائل 24: 253 أبواب آداب المائدة ب 7 ح 1.
(2) الوسائل 24: 243 أبواب آداب المائدة ب 2.
(3) الكافي 6: 270 / 11، المحاسن: 447 / 339، الوسائل 24: 248 أبواب آداب
المائدة ب 4 ح 2.
(4) الكافي 6: 269 / 2، التهذيب 9: 92 / 394، الوسائل 24: 239 أبواب آداب
المائدة ب 1 ح 2.
259

وفي أخرى: (إن البطن ليطغى من أكله، وأقرب ما يكون البعد إلى
الله إذا خف بطنه، وأبغض ما يكون العبد إلى الله إذا امتلأ بطنه) (1).
وفي رواية السكوني: (أطولكم جشاء في الدنيا أطولكم جوعا في
الآخرة) (2).
وفي مرسلة ابن سنان: (كل داء من التخمة ما خلا الحمى، فإنها ترد
ورودا) (3).

(1) الكافي 6: 269 / 4، المحاسن: 446 / 337، الوسائل 24: 239 أبواب آداب
المائدة ب 1 ح 1.
(2) الكافي 6: 269 / 5، التهذيب 9: 92 / 395، المحاسن: 447 / 345، الوسائل
24: 246 أبواب آداب المائدة ب 3 ح 1، والجشاء كغراب: صوت مع ريح يخرج
من الفم عند شدة الامتلاء - مجمع البحرين 1: 87.
(3) الكافي 6: 269 / 8، المحاسن: 447 / 341، الوسائل 24: 247 أبواب آداب
المائدة ب 4 ح 1.
260

ومنها: النظر إلى وجوه الناس عند الأكل، لرواية الكرخي المتقدمة (1).
ومنها: تقشير الثمرة، لرواية القداح: إنه كان يكره تقشير الثمرة) (2).
ومنها: رمي بقية الثمرة قبل الاستقصاء في أكلها، لرواية ياسر: أكل
الغلمان يوما فاكهة ولم يستقصوا أكلها ورموا بها، فقال أبو الحسن عليه السلام:
(سبحان الله إن كنتم استغنيتم فإن أناسا لم يستغنوا، أطعموه من يحتاج إليه) (3).
ومنها: المبالغة في أكل اللحم الذي على العظام، لرواية الفضيل:
صنع لنا أبو حمزة طعاما ونحن جماعة، فلما حضرنا رأى رجلا ينهك
عظما، فصاح به: وقال: (لا تفعل، فإني سمعت علي بن الحسين عليهما السلام
يقول: (لا تنهكوا العظام، فإن فيها للجن نصيبا، وإن فعلتم ذهب من البيت
ما هو خير من ذلك) (4).
ومنها: أكل طعام أو شراب حار، للمستفيضة:
فمنها: (أقروا الحار حتى يبرد) (5).
ومنها: (الطعام الحار غير ذي بركة) (6).

(1) في ص: 246.
(2) الكافي 6: 350 / 3، المحاسن: 556 / 912، الوسائل 25: 147 أبواب
الأطعمة المباحة ب 80 ح 2.
(3) الكافي 6: 297 / 8، المحاسن: 441 / 304، الوسائل 24: 372 أبواب آداب
المائدة ب 69 ح 1.
(4) الكافي 6: 322 / 1، المحاسن: 472 / 466، الوسائل 24: 402 أبواب آداب
المائدة ب 94 ح 1. والمراد ب‍: (لا تنهكوا العظام) ألا تبالغوا في أكلها من قولهم:
نهكت من الطعام أي بالغت في أكله - مجمع البحرين 5: 296.
(5) الكافي 6: 321 / 1، المحاسن: 406 / 118، الوسائل 24: 399 أبواب آداب
المائدة ب 91 ح 4.
(6) الكافي 6: 322 / 3، المحاسن: 407 / 119، الوسائل 24: 398 أبواب آداب
المائدة ب 91 ح 1.
261

ومنها: (أقروه حتى يبرد ويمكن، فإنه طعام ممحوق البركة وللشيطان
فيه نصيب) (1).
وفي المروي في العيون: (أتي النبي صلى الله عليه وآله بطعام، فأدخل إصبعه فيه
فإذا هو حار، قال: دعوه حتى يبرد، فإنه أعظم بركة) (2).
ومنها: النفخ على طعامه أو شرابه، للمروي في كتاب الخصال في
حديث الأربعمائة: (لا ينفخ الرجل في موضع سجوده ولا في طعامه ولا
في شرابه) (3).
ومنها: القيام عن الطعام قبل الفراغ منه، لرواية ياسر ونادر: (إن
قمت على رؤوسكم وأنتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا) الحديث (4).
وظاهر الحديث عمومه لمطلق القيام حتى لتواضع الغير.
ومنها: إظهار الصوت عند الأكل، لرواية محمد: (اذكروا الله على
الطعام ولا تلغطوا) الحديث (5).
واللغطة محركة: الصوت أو الأصوات المبهمة، فيمكن أن يكون
المراد: صوت المضغ، ويمكن أن يراد: صوت الحلق حين البلع.
ومنها: الأكل ماشيا، لصحيحة ابن سنان: (لا تأكل وأنت تمشي، إلا

(1) الكافي 6: 322 / 2، المحاسن: 406 / 116، الوسائل 24: 399 أبواب آداب
المائدة ب 91 ح 5.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 39 / 124، المستدرك 16: 308 أبواب آداب المائدة
ب 81 ح 4.
(3) الخصال 2: 613 / 10، الوسائل 6: 352 أبواب السجود ب 7 ح 9.
(4) الكافي 6: 298 / 10، المحاسن: 423 / 214، الوسائل 24: 266 أبواب آداب
المائدة ب 14 ح 2، في النسخ: إن قمتم...، وما أثبتناه من المصادر.
(5) الكافي 6: 296 / 23، المحاسن: 434 / 266، الوسائل 24: 350 أبواب آداب
المائدة ب 56 ح 6.
262

أن تضطر إليه) (1).
إلا أن في رواية السكوني: (خرج رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الغداة ومعه
كسرة قد غمسها في اللبن، وهو يأكل ويمشي، وبلال يقيم الصلاة، فصلى
بالناس صلى الله عليه وآله) (2).
وفي رواية العرزمي: (لا بأس أن يأكل الرجل وهو يمشي، كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل ذلك) (3).
ويمكن أن يكون فعل الرسول صلى الله عليه وآله للضرورة - كخوف طلوع الصبح
في يوم الصوم - أو لبيان الجواز، ونفي البأس لا ينافي الكراهة.
وهل المشي يعم حال الركوب أيضا، أو يختص بالراجل؟
كل محتمل، والأول أظهر.
ومنها: تكليف أخيه المسلم على التكلف له في الأكل، أو التكلف له
فيه ولو كان ضيفا، لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (إني لا أحب
المتكلفين) (4).
وفي صحيحة جميل: (المؤمن لا يحتشم من أخيه، ولا يدرى أيهما
أعجب: الذي يكلف أخاه إذا دخل أن يتكلف له، أو المتكلف لأخيه) (5).

(1) الفقيه 3: 223 / 1044، المحاسن: 459 / 400، الوسائل 24: 261 أبواب
آداب المائدة ب 11 ح 1.
(2) الكافي 6: 273 / 1، التهذيب 9: 94 / 406، المحاسن: 458 / 398، الوسائل
24: 261 أبواب آداب المائدة ب 11 ح 2.
(3) الكافي 6: 273 / 2، التهذيب 9: 94 / 405، المحاسن: 458 / 397، الوسائل 24:
261 أبواب آداب المائدة ب 11 ح 3، وفي المحاسن والكافي: العزرمي بدل العرزمي.
(4) الكافي 6: 275 / 1، المحاسن: 415 / 168، الوسائل 24: 275 أبواب آداب
المائدة ب 20 ح 2.
(5) الكافي 6: 276 / 2، المحاسن: 414 / 164، الوسائل 24: 275 أبواب آداب
المائدة ب 20 ح 1، بتفاوت يسير.
263

وفي صحيحة صفوان: (هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره، وهلك
امرؤ احتقر من أخيه ما قدم إليه) (1).
وفي صحيحة السراد: (هلك المرء المسلم أن يستقل ما عنده للضيف) (2).
وينبغي تخصيص ذلك بالضيف الداخل بنفسه بلا دعوة، لصحيحة
هشام: (إذا أتاك أخوك فأته مما عندك، وإذا دعوته فتكلف له) (3).
ومنها: أن يوضع الخبز تحت إناء ووضع الإناء عليه، للمستفيضة..
ففي صحيحة أبان: (لا يوضع الرغيف تحت القصعة) (4).
وفي موثقة أبي بصير: كره أن يوضع الرغيف تحت القصعة (5).
وفي رواية الفضل: تغدى عندي أبو الحسن عليه السلام فجئ بقصعة
وتحتها خبز، فقال: (أكرموا الخبز أن يكون تحتها) قال لي: (مر الغلام أن
يخرج الرغيف من تحت القصعة) (6).

(1) الكافي 6: 276 / 3، المحاسن: 414 / 166، الوسائل 24: 276 أبواب آداب
المائدة 21 ح 2.
(2) الكافي 6: 276 / 5، المحاسن: 415 / 167، الوسائل 24: 276 أبواب آداب
المائدة ب 21 ح 1، وفي الجميع: عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان...
(3) الكافي 6: 276 / 6، الوسائل 24: 278 أبواب آداب المائدة ب 22 ح 2، وفي
المصدر: فأته بما عندك...
(4) الكافي 6: 303 / 3، المحاسن: 589 / 90، الوسائل 24: 390 أبواب آداب
المائدة ب 81 ح 1.
(5) الكافي 6: 304 / 12، المحاسن: 589 / 91، الوسائل 24: 390 أبواب آداب
المائدة ب 81 ح 3.
(6) الكافي 6: 304 / 11، المحاسن: 589 / 89، الوسائل 24: 390 أبواب آداب
المائدة ب 81 ح 2.
264

ومنها: قطع الخبز بالسكين، للروايات (1)، وفيها: أنه يستحب
إكرامه، ومن إكرامه: أن لا يوطأ ولا يقطع ولا ينتظر به غيره إذا وضع.
ومنها: انتظار غير الخبز إذا وضع، لما مر.
ومنها: شم الخبز، ففي رواية السكوني: (إياكم أن تشموا الخبز كما
تشمه السباع، فإن الخبز مبارك) (2).
ويكره إحصاء الخبز في البيت أيضا، لرواية الكناني: (دخل رسول
الله صلى الله عليه وآله على عائشة وهي تحصي الخبز، فقال: يا عائشة، لا تحصي الخبز
فيحصى عليك) (3).
ويستحب تصغير الأرغفة، فإنه ورد في الرواية المعتبرة: (صغروا
رغفانكم، فإن مع كل رغيف بركة) (4).
المسألة الثالثة: للشرب أيضا مستحبات ومكروهات.
أما المستحبات:
فمنها: شرب الماء مصا لا عبا، فإن في رواية القداح: إن من عبه
يوجد وجع الكبد (5).

(1) الوسائل 24: 392 أبواب آداب المائدة ب 84.
(2) الكافي 6: 303 / 6، المحاسن: 585 / 82، الوسائل 24: 393 أبواب آداب
المائدة ب 85 ح 1.
(3) الفقيه 3: 171 / 762 بتفاوت يسير، التهذيب 7: 163 / 721، الوسائل 17:
446 أبواب آداب التجارة ب 39 ح 1.
(4) الكافي 6: 303 / 8، الوسائل 24: 394 أبواب آداب المائدة ب 86 ح 1.
(5) الكافي 6: 381 / 1، المحاسن: 575 / 27، الوسائل 25: 235 أبواب الأشربة
المباحة ب 3 ح 1.
265

ومنها: الشرب قائما بالنهار، ففي رواية السكوني: (إن شرب الماء
من قيام بالنهار أقوى وأصح للبدن) (1).
وفي رواية أخرى له لم يقيده بالنهار بل أطلقه (2)، ولكن ينبغي
التقييد، لما يأتي من مرجوحية الشرب قائما في الليل، كما ينبغي تقييد ما
نهى عن الشرب قائما بقول مطلق - كروايتي محمد (3) والجراح (4) - بالليل،
كما فعله في الوافي (5).
وفي مرفوعة أبي محمود: (أنه يمرئ الطعام، وشربه من قيام بالليل
يورث الماء الأصفر) (6).
وفي مرسلة الفقيه: (أن شرب الماء بالنهار [من قيام] أدر للعرق
وأقوى للبدن، وبالليل [من قيام] يورث الماء الأصفر) (7).
ومنها: شربه ثلاثة أنفاس، لصحيحتي الحلبي (8) وسليمان (9)، وروايتي

(1) الكافي 6: 382 / 1، المحاسن: 581 / 57، الوسائل 25: 239 أبواب الأشربة
المباحة ب 7 ح 1.
(2) التهذيب 9: 94 / 409، الإستبصار 4: 93 / 354، الوسائل 25: 241 أبواب
الأشربة المباحة ب 7 ح 5.
(3) الكافي 6: 534 / 8، الوسائل 25: 240 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 4.
(4) التهذيب 9: 95 / 412، الإستبصار 4: 92 / 353، الوسائل 25: 241 أبواب
الأشربة المباحة ب 7 ح 6.
(5) الوافي 20: 569.
(6) الكافي 6: 383 / 2، المحاسن: 572 / 17، الوسائل 25: 240 أبواب الأشربة
المباحة ب 7 ح 2.
(7) الفقيه 3: 223 / 1037، 1038، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر،
الوسائل 25: 241 أبواب الأشربة المباحة ب 7 ح 7 و 8.
(8) الكافي 6: 383 / 7، الفقيه 3: 223 / 1040، المحاسن: 576 / 29، الوسائل
25: 248 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 17.
(9) التهذيب 9: 94 / 410، المحاسن: 576 / 33، الوسائل 25: 245 أبواب
الأشربة المباحة ب 9 ح 1.
266

المعلى (1) وأبي بصير (2).
نعم، ورد في مرسلة الفقيه أنه: (إذا ناولك الماء حر فاشربه بنفس
واحد) (3)، فينبغي التخصيص به، لأخصيته.
ومنها: التسمية عند الشروع والحمد عند الفراغ، لرواية الماصر (4).
ومنها: أن يشرب ثلاثة أنفاس ويحمد الله بعد القطع في النفسين
الأولين، لصحيحة ابن سنان (5).
بل في الأنفاس الثلاث مع التسمية عند الشروع في النفس الأول،
لرواية أبي بصير (6).
بل مع التسمية في أول كل نفس، لرواية عمر بن يزيد (7).
وفي الروايتين الأوليين: إن الله سبحانه يدخله بذلك الجنة.
وفي الأخيرة أن: (يسبح ذلك الماء له ما دام في بطنه).
ومنها: أنه إذا شرب الماء بالليل حرك الماء ويقول: يا ماء ماء زمزم
وماء فرات يقرءانك السلام (8).

(1) الكافي 6: 383 / 8، المحاسن: 575 / 28، الوسائل 25: 248 أبواب الأشربة
المباحة ب 9 ح 18.
(2) التهذيب 9: 94 / 411، الوسائل 25: 245 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 2.
(3) الفقيه 3: 223 / 1039، الوسائل 25: 245 أبواب الأشربة المباحة ب 9 ح 3.
(4) الفقيه 3: 225 / 1053، الوسائل 25: 257 أبواب الأشربة المباحة ب 14 ح 3.
(5) الكافي 6: 384 / 1، المحاسن: 578 / 44، معاني الأخبار: 385 / 17،
الوسائل 25: 249 أبواب الأشربة المباحة ب 10 ح 1.
(6) المحاسن: 578 / 44، الوسائل 25: 251 أبواب الأشربة المباحة 10 ح 3.
(7) الكافي 6: 384 / 3، المحاسن: 578 / 45، الوسائل 25: 251 أبواب الأشربة
المباحة ب 10 ح 4.
(8) الكافي 6: 384 / 4، المحاسن: ذ. ح 17 572 / 17، الوسائل 25: 251 أبواب
الأشربة المباحة ب 10 ح 5.
267

ومنها: أن يذكر الحسين الشهيد عليه السلام وأهل بيته بعد شرب الماء
ولعن قاتله.
فإن في رواية الرقي: (ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام
وأهل بيته ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة ألف حسنة، وحط عنه مائة ألف
سيئة، ورفع له مائة ألف درجة، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله
تعالى يوم القيامة ثلج الفؤاد) (1).
ومنها: أن يشرب ماء السماء، فإن في رواية أبي بصير: (أنه يطهر
البدن ويدفع الأسقام) (2).
ومنها: أن يشرب من اليد اليمنى، وقد مر ما يدل عليه.
وأما المكروهات:
فمنها: الشرب باليسار.
ومنها: الشرب عبا.
ومنها: الشرب في الليل قائما.
وقد مر ما يدل على الجميع.
ومنها: الاكثار في شرب الماء، ففي مرسلة موسى بن بكر: (لا تكثر
من شرب الماء فإنه مادة لكل داء) (3).

(1) الكافي 6: 391 / 6، كامل الزيارات: 106 / 1، الأمالي: 122 / 7، الوسائل
25: 272 أبواب الأشربة المباحة ب 27 ح 1.
(2) الكافي 6: 387 / 2، المحاسن: 574 / 25، الوسائل 25: 266 أبواب الأشربة
المباحة ب 22 ح 2.
(3) الكافي 6: 382 / 4، الوسائل 25: 238 أبواب الأشربة المباحة ب 6 ح 2.
268

وفي رواية أحمد بن عمر الحلبي: (اقلل من شرب الماء فإنه يمد كل
داء) (1).
وفي حسنة ياسر: (لا بأس بكثرة شرب الماء على الطعام، ولا تكثر
منه على غيره) (2)، ويستفاد منها استثناء كراهة الاكثار عنه عند الاكل.
وورد في الاخبار الامر بشرب الماء عند الاكل ولو أكل قليلا، وفيها
أن: (عجبا لمن أكل ولم يشرب عليه الماء كيف لا تنشق معدته) (3).
ومنها: أن يشرب من عند كسر الكوز إن كان فيه كسر، ومن عند
عروته (4).
صلى الله على عروته الوثقى وحبله المتين محمد خاتم النبيين وآله
الطاهرين.
تم كتاب المطاعم والمشارب من كتاب مستند الشيعة في أحكام
الشريعة، على يد مؤلفه العاصي أحمد بن محمد مهدي النراقي، في العشر
الاخر من شهر جمادي الأول من شهور سنة 1242 من الهجرة النبوية،
على هاجرها ألف سلام وتحية.

(1) الكافي 6: 382 / 2، المحاسن: 571 / 11، الوسائل 25: 238 أبواب الأشربة
المباحة ب 6 ح 1.
(2) الكافي 6: 382 / 3، المحاسن: 572 / 16، الوسائل 25: 236 أبواب الأشربة
المباحة ب 4 ح 1.
(3) الكافي 6: 382 / 4، الوسائل 25: 236 أبواب الأشربة المباحة ب 4 ح 2.
(4) انظر الوسائل 25: 256 أبواب الأشربة المباحة ب 14.
269

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
272

كتاب الصيد والذباحة
وفيه مقدمة وأبواب:
273

أما المقدمة: ففي بيان أصول ثلاثة نذكرها في ثلاث مسائل، ونعقبها
بفائدة.
المسألة الأولى: الأصل في كل حيوان مأكول اللحم: حرمة أكله ما
لم يذك تذكية شرعية، للاجماع المحقق، ولأنه إما خرج روحه، أو لا..
والأول: ميتة، لأنها إما مطلق ما خرج روحه أو مقابل المذكى، وكل
ميتة حرام، كما مر في كتاب المطاعم.
والثاني: لا يمكن أكله إلا بقطع جزئه، وقد مر في الكتاب المذكور
حرمة الأجزاء المبانة عن الحي.
نعم، ما يمكن بلعه حيا - كالسمكة الصغيرة - لا يجري فيه ذلك
الدليل، وفي حرمته أيضا خلاف كما يأتي.
ويدل على ذلك الأصل أيضا قوله سبحانه: (ولا تأكلوا مما لم يذكر
اسم الله عليه وإنه لفسق) (1).
وموثقة سماعة: عن صيد البزاة والصقور والطير الذي يصيد، فقال:
(ليس هذا في القرآن إلا أن تدركه حيا فتذكيه وإن قتل فلا تأكل حتى
تذكيه) (2).
وفي موثقته الأخرى في صيد الفهد المعلم: (إن أدركته حيا فذكه
وكله) (3).

(1) الأنعام: 121.
(2) التهذيب 9: 31 / 124، الإستبصار 4: 71 / 260، الوسائل 23: 353 أبواب
الصيد ب 9 ح 14.
(3) التهذيب 9: 27 / 110، الإستبصار 4: 69 / 251، الوسائل 23: 344 أبواب
الصيد ب 6 ح 3.
274

دل قوله: (إلا أن تدركه حيا فتذكيه) على عدم كفاية درك الحياة في
الحلية مطلقا ما لم يذك وإن قتل. وقوله: (فلا تأكل حتى تذكيه) صريح في
المطلوب.
وخبر المرادي: عن الصقور والبزاة وعن صيدها، قال: (كل ما لم
يقتلن إذا أدركت ذكاته) (1).
وصحيحة الحذاء: ما تقول في البازي والصقر والعقاب؟ فقال: (إن
أدركت ذكاته فكل، وإن لم تدرك ذكاته فلا تأكل) (2)، إلى غير ذلك.
المسألة الثانية: التذكية أمر شرعي يتوقف ثبوتها - وكون فعل تذكية
موجبة للحلية - على دليل شرعي، فكل عمل شك في أنه هل هو تذكية أم
لا يحكم بالعدم حتى يثبت.
والحاصل: أن الأصل في كل عمل عدم كونه تذكية شرعية، وهذا
أحد معنيي أصالة عدم التذكية.
والدليل عليه - بعد الاجماع المعلوم قطعا - استصحاب الحرمة الثابتة
للمحل حتى يعلم المزيل، ولا يعلم إلا إذا علم كونه تذكية بالدليل، ولكن
الله جل اسمه قال: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل
لكم ما حرم عليكم) (3) يعني: من حيوان ذكر اسم الله عليه، وهو في قوة
قوله: كلوا كلما ذكر اسم الله عليه.. وعلم من الخارج أيضا أنه يجب أن
يكون الذكر عند إزهاق روحه بمدخلية فيه من المكلف، ولازمه كون ذلك

(1) الكافي 6: 208 / 10، التهذيب 9: 33 / 131، الإستبصار 4: 73 / 267،
الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4.
(2) الكافي 6: 208 / 7، التهذيب 9: 32 / 128، الإستبصار 4: 72 / 264،
الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 11.
(3) الأنعام: 119.
275

تذكية شرعية.
ولا يتوهم أنه لما علم لزوم كون خروج روحه بمدخلية من
المكلف، وعلم أنها أيضا مدخلية خاصة، فيحصل في تخصيص ما ذكر
اسم الله عليه إجمال.
لأنه قد علم بعض خصوصيات المدخلية بالأدلة، كمعلومات شرائط
الصيد والذبح، والأصل عدم الزائد.
وقد علم بذلك أن الأصل في كل عمل وإن كان عدم كونه موجبا
للحلية وعدم كونه تذكية شرعية، إلا أن الأصل الثانوي الطارئ عليه كون
ذكر اسم الله عليه حين إزهاق روحه - مع نوع مدخلية للمكلف فيه - سببا
للحلية وتذكية شرعية، فهذا أصل ثابت من كلام الله سبحانه.
لا يقال: إنه قال سبحانه: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) ومما
فصل: الميتة الشاملة لكل ما خرج روحه.
قلنا: شمول الميتة لكل ما خرج روحه ممنوع، كما مر في بحث
المطاعم في المسألة الأولى من الفصل الأول من الباب الثاني (1).
سلمنا، ولكن المراد مما ذكر اسم الله عليه: عند خروج روحه
إجماعا، فهو أخص مطلقا من الميتة، فيجب تخصيصها به.
هذا، وقد روى سماعة في الموثق: سألته عن جلود السباع ينتفع
بها؟ قال: (إذا رميت وسميت فانتفع بجلده، وأما الميتة فلا) (2).
ومقتضاها أيضا كون الرمي مع التسمية في الوحوش ذكاة، لتجويز
الانتفاع، ومقابلتها بالميتة.

(1) في ص: 59.
(2) التهذيب 9: 79 / 339، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 4.
276

ويمكن أن تكون التذكية هي مجرد التسمية، وذكر الرمي لتوقف قتل
الصيد عليه.
وتدل عليه أيضا رواية عباد بن صهيب: عن رجل سمى ورمى صيدا
فأخطاء وأصاب آخر، فقال: (يأكل منه) (1) (2).
المسألة الثالثة: الأصل عدم وقوع التذكية الثابتة كونها تذكية، فلا
يحكم بها إلا مع العلم بها، وهذا المعنى الآخر لأصالة عدم التذكية.
والدليل عليه: أنها موقوفة على أمور وجودية حادثة بعد عدمها،
والأصل عدم تحقق كل منها، وبه تعلم الحرمة، فلا تجري فيه عمومات
الحلية، ولا يجدي التعارض، لأن الأول - وهو عدم التذكية الثابت بالأصل -
مزيل للحلية ولا عكس، فإن الحلية ليست مزيلة للأعدام الثابتة لكل فعل
من أفعال التذكية، كما يعلم تحقيقه مما ذكرنا في بيان الاستصحاب المزيل
وغير المزيل.
وتدل على ذلك الأصل أيضا أخبار معتبرة مستفيضة.
كصحيحة سليمان: عن الرمية يجدها صاحبها أيأكلها؟ قال: (إن كان
يعلم أن رميته هي التي قتلته فليأكل) (3).
وصحيحة حريز: عن الرمية يجدها صاحبها في الغد أيأكل منه؟
فقال: (إن علم أن رميته هي التي قتلته فليأكل من ذلك إن كان قد
سمى) (4).

(1) الكافي 6: 215 / 1، التهذيب 9: 38 / 160، الوسائل 23: 380 أبواب الصيد
ب 27 ح 1.
(2) ما بين القوسين ليس في (ح).
(3) الكافي 6: 210 / 7، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 1.
(4) الكافي 6: 210 / 3، الفقيه 3: 202 / 917، التهذيب 9: 34 / 135، الوسائل
23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 2.
277

وموثقة سماعة، وفيها: (إن علم أنه أصابه وأن سهمه هو الذي قتله
فليأكل منه، وإلا فلا يأكل منه) (1).
وتدل عليه أيضا الأخبار الآتية المصرحة بأنه: إذا وجد الكلب الغير
المعلم مع المعلم عند الصيد لا يؤكل منه (2).
اعلم أنه قد مر في كتاب الطهارة: أن الميتة من كل حيوان له نفس
نجس، وفي كتاب المطاعم أيضا: أن الميتة من كل حيوان - ولو كان مما
يؤكل لحمه - حرام، والميتة في المقامين مقابل المذكى شرعا، ولكون
التذكية أمرا شرعيا توقيفيا فلا بد من معرفتها ومعرفة أحكامها من الشرع.
ومما ذكرنا وإن ثبت كون مطلق ذكر اسم الله عليه تذكية، إلا أنه قد
ثبتت من الشرع لذلك الاطلاق تقييدات في الاسم والذاكر وحال الذكر
وبعض خصوصيات أخر لا بد من معرفة جميعها، فعقد ذلك الكتاب إنما
هو لمعرفة خصوصيات التذكية الشرعية وما يتعلق بها.
ولما كانت الخصوصيات المنضمة مع ذكر الله - المعبر عن مجموعها
بالتذكية - تحصل في ضمن أحد الأمور الستة: الصيد، والذبح، والنحر،
والتبعية كما في ذكاة الجنين، والاخراج من الماء، والقبض باليد، وكان
الثالث شبيها بالذبح، والرابع تابعا لأحد الأولين، لم يذكروهما في عقد
عنوان الكتاب وأدرجوهما في الأولين، كما أدرجوا الأخيرين في الصيد
وعنونوا الكتاب بكتاب الصيد والذباحة، ولو كانوا عنونوه بكتاب التذكية

(1) الكافي 6: 210 / 4، التهذيب 9: 34 / 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد
ب 18 ح 3.
(2) الوسائل 23: 342 أبواب الصيد ب 5.
278

لكان أحسن وأولى.
(هذا على ما هو الظاهر من جعل المذكى مقابل الميتة مطلقا، وقد
يخص المذكى بالمذبوح أيضا) (1).
واعلم أيضا أن الصيد يطلق على معنيين.
أحدهما: إثبات اليد على الحيوان الوحشي بالأصالة وإن كان حيا..
وتقييد الحيوان هنا بالمحلل - كما في المسالك والكفاية (2) - لا وجه له.
وثانيهما: إزهاق روحه على الوجه المعتبر شرعا من غير ذبح أو
نحر، بل بآلة الصيد المعتبرة شرعا.
والمقصود الأصلي ذكره في ذلك الكتاب: الصيد بالمعنى الثاني، وأما
المعنى الأول فيناسب ذكره في كتاب المكاسب كما فعله في المفاتيح (3)،
لأن الكلام فيه إنما هو من حيث التملك وعدمه، وأما تذكيته فإنما هي
تكون بالذبح، ولكن منهم من يذكره هنا تبعا للصيد بالمعنى الثاني (4).
وقد علم بذلك أن المقصود من عقد هذا الكتاب بيان التذكية الشرعية
بالمعنى الأعم وما يتعلق بها، ولأنها إما بالصيد، أو الذبح الشامل للنحر
أيضا، أو التبعية، أو الأخذ حيا، ببين أحكامها في أربعة أبواب:

(1) ما بين القوسين ساقط عن (ق) و (س).
(2) المسالك 2: 217، الكفاية: 244.
(3) المفاتيح 3: 35.
(4) كصاحب الرياض 2: 264.
280

الباب الأول
في الصيد
والمراد الصيد بالمعنى الثاني، أي إزهاق روح الحيوان الوحشي من
غير ذبح، بل بمجرد الاصطياد، الذي هو أحد أفراد التذكية.
وأما الصيد بمعنى إدراك المصيد حيا ثم ذبحه فهو وإن كان اصطيادا
عرفا أيضا إلا أنه الصيد بالمعنى الأول مع التذكية الذبحية، فهو مركب من
الصيد بالمعنى الأول والذبح، والكلام فيه من جهة الصيد إنما هو من حيث
التملك دون التذكية، وأما من حيث التذكية فبعينها أحكام الذبيحة.
ثم الكلام في هذا الباب إما في آلة الصيد - أي فيما تحصل التذكية
للحيوان مع إزهاق روحه به من دون ذبح - أو في المصيد - أي ما يقبل
الاصطياد بهذا المعنى من الحيوانات - أو في الصائد، أو في شرائط الصيد،
أو في أحكامه، فها هنا خمسة فصول:
281

الفصل الأول
في الآلة التي تتحقق بها التذكية الاصطيادية ويحل مقتولها من غير
ذبح، وهي إما حيوان، أو جماد، فها هنا بحثان:
البحث الأول
في الآلة الحيوانية
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الآلة الحيوانية التي يحل مقتولها وتحصل التذكية
بها: الكلب المعلم مطلقا، سلوقيا (1) كان أو غيره، أسودا كان أم غير أسود،
بمعنى: أن ما أخذه وجرحه وأدركه صاحبه ميتا يحل أكله.
ويقوم جرح الكلب المذكور بعد إرساله - في أي موضع كان الجرح -
مقام الذبح، بلا خلاف فيه كما في الكفاية (2) وغيره (3)، بل بالاجماع كما في
المسالك (4) وشرح الإرشاد للأردبيلي (5)، ونقل عن جماعة أيضا (6)، وكأنهم

(1) السلوق: قرية باليمن ينسب إليها الدروع والكلاب - مجمع البحرين 5: 187.
(2) الكفاية: 244.
(3) كالرياض 2: 262.
(4) المسالك 2: 217.
(5) مجمع الفائدة 11: 6.
(6) نقله صاحب الرياض 2: 262.
282

لم يلتفتوا إلى خلاف الإسكافي في الكلب الأسود (1)، لشذوذه، وهو
كذلك، فهو إجماع محقق حقيقة، فهو الدليل عليه.
مضافا إلى قوله سبحانه: (قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من
الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم
واذكروا اسم الله عليه) (2).
وفي صحيحة الحلبي: (في كتاب علي عليه السلام في قول الله عز وجل:
(وما علمتم من الجوارح مكلبين) قال: هي الكلاب) (3).
وإلى السنة المتواترة معنى (4)، منها: صحيحة محمد وغير واحد
(عنهما عليهما السلام جميعا أنهما قالا) (5) في الكلب يرسله الرجل
ويسمي، قالا: (إن أخذه فأدركت ذكاته فذكه، وإن أدركته وقد قتله وأكل
منه فكل ما بقي، ولا ترون ما ترون في الكلب) (6).
وصحيحة حكم بن حكيم: ما تقول في الكلب يصيد الصيد فيقتله؟
قال: (لا بأس بأكله) الحديث (7). وسيأتي تمامه.

(1) حكاه عنه في المختلف: 675.
(2) المائدة: 4.
(3) الكافي 6: 202 / 1، التهذيب 9: 22 / 88، الوسائل 23: 331 أبواب الصيد
ب 1 ح 1.
(4) ليست في (ق).
(5) ما بين القوسين ليس في (ح).
(6) الكافي 6: 202 / 2، التهذيب 9: 22 / 89، الإستبصار 4: 67 / 241،
الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 2. وفي بعض المصادر: ولا ترون ما
يرون.
(7) الكافي 6: 203 / 6، التهذيب 9: 23 / 91، الإستبصار 4: 69 / 253،
الوسائل 23: 333 أبواب الصد ب 2 ح 1.
283

وصحيحة جميل: عن الرجل يرسل الكلب على الصيد فيأخذه ولا
يكون معه سكين يذكيه بها، أيدعه حتى يقتله ويأكل منه؟ قال: (لا بأس،
قال الله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) ولا ينبغي أن يؤكل مما قتل
الفهد) (1).
ورواية (2) عبد الله بن سليمان: عن رجل أرسل كلبه وصقره، فقال:
(أما الصقر فلا تأكل من صيده حتى تدرك ذكاته، وأما الكلب فكل منه إذا
ذكرت اسم الله عليه، أكل الكلب منه أو لم يأكل) (3)، إلى غير ذلك مما
يأتي في طي المسائل الآتية.
وإطلاق الآية والأخبار - كفتاوى العلماء الأخيار - يقتضي عدم الفرق
بين الكلب السلوقي وغيره، حتى الأسود، وهو كذلك.
خلافا للإسكافي، فخصه بما عدا الأسود، تبعا لبعض الشافعية (4)
وأحمد (5)، لخبر السكوني (6) الضعيف دلالة - لموضع ما يحتمل الجملة
الخبرية - ومتنا - للشذوذ - ومقاومة للاطلاقات، لما ذكر ولموافقة العامة.
المسألة الثانية: يشترط في حلية صيد الكلب ومقتوله - كما أشرنا
إليه -: أن يكون معلما، بالاجماع، والكتاب، والسنة المستفيضة:

(1) الكافي 6: 204 / 8، التهذيب 9: 23 / 93، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد
ب 6 ح 2.
(2) في (ح) و (س): وصحيحة...
(3) الكافي 6: 207 / 3، الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 6.
(4) نسبه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 9: 494 إلى إسحاق والظاهر أنه إسحاق بن
إبراهيم المعروف بابن راهويه أحد أئمة الفقه والحديث ومن أصحاب الشافعي.
(5) كما في بداية المجتهد 1: 456، والمغني والشرح الكبير 11: 13.
(6) الكافي 6: 206 / 20، التهذيب 9: 80 / 340، الوسائل 23: 356 أبواب
الصيد ب 10 ح 2.
284

منها: حسنة محمد بن قيس: (ما قتلت من الجوارح مكلبين وذكر
اسم الله عليه فكلوا من صيدهن، وما قتلت الكلاب التي لم تعلموها من
قبل أن تدركوه فلا تطعموه) (1).
وصحيحة الحضرمي: عن صيد البزاة والصقور والكلب والفهد،
فقال: (لا تأكل صيد شئ من هذه إلا ما ذكيتموه إلا الكلب المكلب) قلت:
فإن قتله؟ قال: (كل، لأن الله تعالى يقول: (وما علمتم من الجوارح)
الآية (2).
ورواية زرارة في صيد الكلب، وفيها: (فإن كان غير معلم فعلمه في
ساعته حين يرسله، وليأكل منه) (3).
ورواية أبي بصير: عن قوم أرسلوا كلابهم، وهي معلمة كلها، وقد
سموا عليها، فلما أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لم يعرفوا له
صاحبا، فاشتركن جميعا في الصيد، فقال: (لا تأكل منه، لأنك لا تدري
أخذه معلم أم لا) (4).
وصحيحة سليمان بن خالد: عن كلب المجوسي يأخذه الرجل
المسلم، فيسمي حين يرسله، أيأكل مما أمسك عليه؟ قال: (نعم، لأنه

(1) الكافي 6: 203 / 5، التهذيب 9: 23 / 90، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد
ب 7 ح 1.
(2) الكافي 6: 204 / 9، التهذيب 9: 24 / 94، تفسير علي بن إبراهيم 1: 162،
الوسائل 23: 348 أبواب الصيد ب 9 ح 1.
(3) الكافي 6: 205 / 14، الفقيه 3: 201 / 911، التهذيب 9: 24 / 98،
الإستبصار 4: 68 / 246، الوسائل 23: 346 أبواب الصيد ب 7 ح 2، بتفاوت
يسير.
(4) الكافي 6: 206 / 19، التهذيب 9: 26 / 105، الوسائل 23: 343 أبواب
الصيد ب 5 ح 2.
285

مكلب ذكر اسم الله عليه) (1)، دل التعليل على أن علة الحلية: التكليب،
الذي هو التعليم.
وخبر عبد الرحمن بن سيابة: إني أستعير كلب المجوسي فأصيد به،
فقال عليه السلام: (لا تأكل من صيده إلا أن يكون علمه مسلم فتعلمه) (2).
ورواية السكوني: كلب المجوسي لا تأكل صيده إلا أن يأخذه المسلم
فيعلمه ويرسله) (3)، إلى غير ذلك.
وبهذه الأدلة يقيد إطلاق الكلب في الأخبار المتقدمة في المسألة
الأولى وسائر المطلقات التي لم تذكر.
المسألة الثالثة: اختلفوا فيما يعتبر في صيرورة الكلب معلما، فمنهم
من اعتبر ثلاثة أمور، ومنهم من اعتبر أمرين. ثم اختلفوا في أحد هذين
الأمرين هل هو مطلق أو مقيد على التفصيل الآتي.
وليعلم أولا: أن شأن الفقيه في الألفاظ الواردة في كلامهم عليهم السلام إذا لم
يرد منهم بيان في معانيها - كما هو كذلك في مفروض المسألة - الرجوع إلى
العرف إن كان، وإلا فإلى اللغة، فاللازم في معرفة المعلم وفي تفسير قوله
سبحانه: (ما علمتم) الرجوع إليهما.
ومعنى اللفظين - بحسب العرف واللغة - واضح جدا، فإن تعليم شئ
للغير: تكريره لمن لا يعلمه حتى يأخذه ويعلمه، والمعلم: من كرر غيره له

(1) الكافي 6: 208 / 1، الفقيه 3: 202 / 913، التهذيب 9: 30 / 118،
الإستبصار 4: 70 / 254، الوسائل 23: 360 أبواب الصيد ب 15 ح 1.
(2) الكافي 6: 209 / 2، التهذيب 9: 30 / 119، الإستبصار 4: 70 / 255،
الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 2.
(3) الكافي 6: 209 / 3، التهذيب 9: 30 / 120، الإستبصار 4: 71 / 256،
الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.
286

شيئا لا يعلمه حتى يعلمه ويأخذه، فلا إبهام في معنى التعليم والمعلم.
نعم، لو كان الأمر الذي يطلب تعليمه معينا من جهة الطالب واقعا
ولم يعلم أنه أي شئ، يحصل الاجمال من هذه الجهة.. وأما لو لم يكن
دليل على تعيينه من جهته فهو مطلق يتحقق بكل ما يصلح للتعليم، كما في
قولك: أكرم المعلم، وليس لفظ التعليم بالنسبة إلى ما علم إلا كنسبة الأكل
إلى المأكول، فلو قال: رأيت الآكل، أو: أكرم الآكل، لم يكن فيه إجمال،
وليس هناك دليل أو قرينة على أن مراد الله سبحانه من المعلم بصيغة
المفعول شئ خاص لا نعلمه حتى يحصل الاجمال من تلك الجهة.
ولا يتوهم أن قوله جل شأنه: (تعلمونهن مما علمكم الله) يوجب
إجمالا.
لأن المعنى: بعض ما علم الله سبحانه للانسان ولا يعلمه الكلب،
ومصاديق ذلك المعنى واضحة لكل أحد، ومقتضى الاطلاق عدم تعين
ذلك البعض.
نعم، حصل بالقرائن والاجماع اعتبار بعض الأمور - التي هي أيضا
من أفراد ما يعلم - فيجب الحكم باعتباره، ونفي غيره بالأصل.
وأما الأخبار فلا يثبت منها اعتبار شئ مخصوص في التعليم، لأن
غايتها ذكر أن الكلب الفلاني يؤكل صيده أو لا يؤكل، وهذا لا يدل على أنه
لأجل اعتباره في التعليم وعدمه، كما أنه ورد أكل صيد كلب المجوسي
والأسود والمغصوب، أو المنفرد والمشارك مع غيره أو عدم الأكل، وليس
ذلك إلا كاعتبار التسمية ونحوها.
ومما ذكرنا ظهر لك ما في كلام المحقق الأردبيلي، حيث قال: وظاهر
الآية أنه لا بد من كون ما يصير به معلما شيئا علمنا الله إياه في تعليم الكلب
287

حتى يكون معلما، وما عرفنا أي شئ ذلك من القرآن ولا من السنة، إلا ما
في كلام العلماء، ولم يعلم إجماعهم أيضا، لما عرفت من الاجمال
والخلاف، فتأمل حتى يفتح الله (1). انتهى.
فإن ظاهر الآية ليس أنه شئ خاص معين في تعليم الكلب، بل
مطلق ما علمنا الله، ولا بأس بزيادة شئ له مدخلية في تعليم الكلب للصيد
بدلالة القرينة الحالية كما يأتي، وهو أيضا مطلق بين أمور معلومة لنا من
الاسترسال والانزجار والامساك والقتل ونحوها.
وظهر مما ذكر صدق الكلب المعلم على كل كلب علم أمرا وأكثر مما
لا يعلمه الكلب بنفسه وطبعه، ويتوقف تعلمه على تعليم الانسان، كما في
سائر الحيوانات التي يتعلمون عملا خاصا، فيقال: القرد المعلم، والفرس
المعلم، والشاة المعلمة، والهرة المعلمة، وغيرها.
نعم، المستفاد من القرائن الحالية - بل من العرف والعادة - أن من
يطلب حيوانا معلما على الاطلاق أو ترتب عليه حكما نظره إلى تعليم
بعض ما يتعلق بما يطلب من ذلك الحيوان، إما مطلقا أو في موضع
خاص، فإذا قال: ابتع لي فرسا معلما، يطلب ما تعلم أمرا من الأمور
المتعلقة بالعدو والمشي والركوب، والوقوف عند سقوط راكبه، وأخذ شئ
سقط من يده على الأرض وإعطائه، وفي القرد المعلم ما يتعلق باللعب،
وفي الكلب المعلم في مقام الصيد ما يتعلق بذلك، وفي مقام الحفظ
والحراسة ما يتعلق بهما زائدا على ما يعلمه بالطبع، وفي مقام دفع العدو
كذلك، وهكذا..

(1) مجمع الفائدة 11: 35.
288

فالظاهر من القرائن من الكلب المعلم في مقام الصيد: ما له مدخلية
في الاصطياد، زائدا على ما يعلمه وتقتضيه خلقته وطبعه من الاسترسال
والانزجار والقتل والامساك، وأن لا يكون بحيث لا يطلب الصيد إلا حال
الجوع، وأن لا يجرحه ويتركه ويمضي منه، ونحو ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن غاية ما اعتبروه في معلمية الكلب أمور
ثلاثة:
أحدها: أن يسترسل وينطلق بإرسال صاحبه، يعني: إذا أغري بالصيد
هاج وإن كان شبعانا.
وثانيها: أن ينزجر ويقف عن الذهاب والاسترسال إذا زجر عنه.
وثالثها: أن يمسك الصيد ولا يأكله حتى يصل صاحبه.
ولا ريب في أن المعلمية للكلب في مقام الاصطياد تتحقق بتعليم
هذه الثلاثة لغة وعرفا، ولا كلام في ذلك والاجماع عليه منعقد.
وإنما الكلام في أنه هل يكفي بعضها كما هو كذلك بحسب اللغة
والعرف، أو تعتبر الثلاثة؟
فنقول: لا شك في اعتبار الأمر الأول مطلقا، ولا في الثاني في
الجملة، لانتفاء الخلاف في اعتبارهما، بل انعقاد الاجماع عليه، كما صرح
بهما بعض الأجلة (1)، بل تحققا عند التحقيق والدقة، فهما الحجة فيهما،
مضافا إلى عدم معلومية صدق المعلم العرفي بدونهما لو لم ندع معلومية
العدم.
وهل اعتبار الثاني مطلق - كما هو المحكي عن الأكثر (2) - أي ينزجر

(1) الفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 72.
(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 218، والمحقق السبزواري في الكفاية: 245،
وصاحب الرياض 2: 262.
289

عن الذهاب مطلقا إذا زجر عنه ولو كان ذاهبا إلى الصيد مشاهدا له قريبا
منه؟
أو يقيد بما إذا لم يكن بعد إرساله إلى الصيد ورؤيته له، كما قيده
الشهيدان في الدروس والمسالك (1)، والفاضل في التحرير (2)، واستحسنه
بعض من تأخر عنهم (3)، استنادا إلى أنه لا يكاد يقف بعد ذلك كلب أصلا،
فمع اشتراطه لا يتحقق كلب معلم إلا نادرا، وقد أخبر بذلك جمع من
الصائدين؟
وهو حسن، لما ذكر، ولصدق المعلم عرفا بعد تحقق الأمر الأول
والثاني في الجملة، ولا دليل على وجوب اعتبار الزائد.
وأما الأمر الثالث، فالمشهور اعتباره كما صرح به جماعة (4)، بل عن
الانتصار (5) وظاهر المختلف وكنز العرفان (6) الاجماع عليه.
وذهب الصدوقان (7) والعماني (8) وجمع آخر إلى عدم اعتبار ذلك
الشرط، واختاره من المتأخرين المحقق الأردبيلي (9) وصاحب الكفاية

(1) الشهيد في الدروس 2: 393، الشهيد الثاني في المسالك 2: 218.
(2) التحرير 2: 154.
(3) كالفيض في المفاتيح 2: 210.
(4) منهم العلامة في المختلف: 675، والسيوري في التنقيح 4: 7، والمحقق
السبزواري في الكفاية: 245، وكشف اللثام 2: 252.
(5) الإنتصار: 183.
(6) المختلف: 675، كنز العرفان 2: 309.
(7) كما في المقنع والهداية: 138، وقد حكاه عنهما في المختلف: 689.
(8) حكاه عنه في المختلف: 689. (9) مجمع الفائدة 11: 35.
290

والمفاتيح (1) وشارحه ووالدي المحقق العلامة قدس سره في بعض حواشيه على
المسالك، قال - طاب ثراه -:
إن أقرب المحامل وأمتنها هو حمل الأحاديث التي تدل على عدم
الجواز على التقية، والحمل الأول للشيخ لا تحمله صحيحة جميل بن دراج كما
أفاده الشارح، وكذا حمل ابن الجنيد لا يخلو عن شئ، لأن ترك الاستفصال
موضع الحاجة دليل العموم، وبالجملة: الحمل على التقية أقوى وأصح. انتهى.
ويحتمله كلام الشيخ في كتابي الأخبار أيضا (2) كما ذكره الأردبيلي (3).
حجة الأولين: توقف صدق المعلمية على ذلك.
وقوله سبحانه: (مما أمسكن عليكم).
وصحيحة الحذاء: عن الرجل يسرح كلبه المعلم ويسمي إذا سرحه،
فقال: (يأكل مما أمسك عليه) (4).
دلتا بالمفهوم على عدم الأكل مما لم يمسك عليه، وإذا اعتاد الأكل لا
يكون ممسكا على صاحبه، كما ورد في الأخبار أيضا.
والمستفيضة من المعتبرة الدالة على النهي عن أكل بقية ما أكله
الكلب:
منها: صحيحة رفاعة: عن الكلب يقتل، فقال: (كل) فقلت: أكل
منه، فقال: (إذا أكل منه فلم يمسك عليك، إنما أمسك على نفسه) (5).

(1) الكفاية: 245، المفاتيح 2: 211.
(2) التهذيب 9: 28، الإستبصار 4: 69.
(3) مجمع الفائدة 11: 35.
(4) الكافي 6: 203 / 4، التهذيب 9: 26 / 106، الوسائل 23: 340 أبواب الصيد
ب 4 ح 1.
(5) التهذيب 9: 27 / 111، الإستبصار 4: 69 / 252، الوسائل 23: 338 أبواب
الصيد ب 2 ح 17.
291

وصحيحة أحمد: (الكلب والفهد سواء، فإذا هو أخذه فأمسكه
فمات وهو معه فكل، فإنه أمسك عليك، وإذا أمسكه وأكل منه فلا تأكل،
فإنما أمسك على نفسه) (1)، ونحوها صحيحة ابن المغيرة (2).
وموثقة سماعة المضمرة، وفيها: (لا بأس أن تأكلوا مما أمسك
الكلب ما لم يأكل الكلب منه، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل
منه)، قال: وسألته عن صيد الفهد وهو معلم للصيد، فقال: (إن أدركته حيا
فذكه وكله وإن قتله فلا تأكل منه) (3).
ودليل الآخرين: أصالة عدم الاعتبار - كما يعلم وجهه مما ذكرنا في
صدر المسألة - والصحاح وغيرها من المستفيضة جدا، بل المتواترة معنى،
منها: صحيحة محمد وغير واحد، وصحيحة جميل، ورواية عبد الله بن
سليمان، المتقدمة جميعا في المسألة الأولى (4)، وإن أمكن الخدش في
دلالة الثانية بجعل قوله: ويأكل منه، عطفا على قوله: يدعه، دون: يقتله.
وصحيحة حكم بن حكيم المتقدم صدرها هناك، وتمامها: قال:
قلت: فإنهم يقولون: إنه إذا قتله وأكل منه فإنما أمسك على نفسه فلا
تأكله، فقال: (كل، أوليس قد جامعوكم على أن قتله ذكاته؟) قلت: بلى،
قال: (فما يقولون في شاة ذبحها رجل أذكاها؟) قال: قلت: نعم، قال:
(فإن السبع جاء بعد ما ذكاها فأكل منها بعضها أتؤكل منها البقية؟ فإذا

(1) التهذيب 9: 28 / 113، الوسائل 23: 338 أبواب الصيد ب 2 ح 18.
(2) التهذيب 9: 29 / 116، الوسائل 23: 345 أبواب الصيد ب 6 ح 6.
(3) التهذيب 9: 27 / 110، الإستبصار 4: 69 / 251، الوسائل 23: 344 أبواب
الصيد ب 6 ح 3.
(4) في ص: 283 و 284.
292

أجابوك إلى هذا فقل لهم: كيف تقولون: إذا ذكى ذلك فأكل منها لم
تأكلوا؟! وإذا ذكاها هذا وأكل أكلتم؟!) (1).
وصحيحة الحلبي، وفيها: (أما ما قتلته الطير فلا تأكل إلا أن تذكيه،
وأما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله عليه فكل وإن أكل منه) (2).
وصحيحة محمد الحلبي: عن الكلب يصطاد فيأكل من صيده أنأكل
من بقيته؟ قال: (نعم) (3).
ورواية سالم الأشل: عن الكلب يمسك على صيده وقد أكل منه،
قال: (لا بأس بما أكل، وهو لك حلال) (4).
وأخرى: عن صيد كلب معلم قد أكل من صيده، فقال: (كل منه) (5).
ورواية يونس بن يعقوب: عن رجل أرسل كلبه فأدركه وقد قتل،
قال: (كل وإن أكل) (6).
ورواية أبي بصير: (إن أصبت كلبا معلما أو فهدا بعد أن تسمي فكل
مما أمسك عليك، قتل أو لم يقتل، أكل أو لم يأكل، وإن أدركت صيده

(1) الكافي 6: 203 / 6، التهذيب 9: 23 / 91، الإستبصار 4: 69 / 253،
الوسائل 23: 333 أبواب الصيد ب 2 ح 1.
(2) الكافي 6: 205 / 15، التهذيب 9: 25 / 99، الإستبصار 4: 68 / 247،
الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 9.
(3) التهذيب 9: 27 / 109، الإستبصار 4: 69 / 250، الوسائل 23: 337 أبواب
الصيد ب 2 ح 15.
(4) الكافي 6: 203 / 3، التهذيب 9: 27 / 108، الإستبصار 4: 68 / 249،
الوسائل 23: 334 أبواب الصيد ب 2 ح 3.
(5) الكافي 6: 205 / 12، التهذيب 9: 24 / 96، الإستبصار 4: 67 / 244،
الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 6.
(6) الكافي 6: 204 / 7، التهذيب 9: 23 / 92، الإستبصار 4: 67 / 242،
الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 2 ح 4.
293

وكان في يدك حيا فذكه، فإن عجل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل) (1).
ورواية سعيد: (كل مما أمسك الكلب وإن أكل ثلثيه) (2).
ومرسلة الفقيه: (كل ما أكل الكلب وإن أكل ثلثيه، كل ما أكل الكلب
وإن لم يبق منه إلا بضعة واحدة) (3).
وموثقة البصري: عن رجل أرسل كلبه فأخذ صيدا فأكل منه، آكل من
فضله؟ قال: (كل ما قتل الكلب إذا سميت عليه، فإن كنت ناسيا فكل منه
أيضا، وكل فضله) (4).
وحسنة زرارة: في صيد الكلب أرسله الرجل وسمى (فليأكل كل ما
أمسك عليه وإن قتل، وإن أكل فكل ما بقي) الحديث (5).
والمروي في قرب الإسناد: (إذا أخذ الكلب المعلم الصيد فكله، أكل
منه أو لم يأكل، قتل أو لم يقتل) (6).
والرضوي: (وإن أدركته وقد قتله كلبك فكل منه وإن أكل بعضه،
لقوله تعالى: (فكلوا مما أمسكن عليكم) (7).
وأجاب الأولون عن تلك الأخبار بالحمل على صورة الندرة، فإن

(1) التهذيب 9: 28 / 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.
(2) الكافي 6: 204 / 10، التهذيب 9: 24 / 95، الإستبصار 4: 67 / 243،
الوسائل 23: 334 أبواب الصيد ب 2 ح 5.
(3) الفقيه 3: 202 / 912، الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 10.
(4) الكافي 6: 205 / 13، التهذيب 9: 24 / 97، الإستبصار 4: 68 / 245،
الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 8.
(5) الكافي 6: 205 / 14، الفقيه 3: 201 / 911، التهذيب 9: 24 / 98،
الإستبصار 4: 68 / 246، الوسائل 23: 335 أبواب الصيد ب 2 ح 7.
(6) قرب الإسناد: 106 / 361، الوسائل 23: 336 أبواب الصيد ب 2 ح 12.
(7) فقه الرضا عليه السلام: 296، مستدرك الوسائل 16: 104 أبواب الصيد ب 2 ح 2.
294

المراد بعدم الأكل: الاعتياد به، ولازمه ترك الأكل غالبا، ولا ينافيه الأكل
النادر، جمعا بينها وبين أخبار المنع، مع أنه لولاه أيضا لترجحت أخبار
المنع أيضا، لموافقتها ظاهر الكتاب من وجهين: من جهة التعليم ومن جهة
الامساك، ومعاضدتها بالاجماعات المنقولة والشهرة العظيمة، التي هي من
أعظم المرجحات الاجتهادية، بل المنصوصة.
أقول: أما الحمل المذكور فحمل بلا شاهد، ومثله عندنا فاسد.
وأما ترجيح أخبار المنع بما رجحوها به فغير صحيح..
أما الوجه الأول من وجهي موافقة الكتاب، فلأنه موقوف على توقف
صدق المعلمية على ذلك، وهو ممنوع جدا، وقد ظهر سنده مما ذكرنا في
صدر المسألة.
وأما الوجه الثاني، فلأنه مبني على أن يكون معنى قوله سبحانه:
(مما أمسكن عليكم) من الصيد الذي أمسكن تمامه عليكم، وهذا
تخصيص لا دليل عليه من عرف أو لغة أصلا.. بل المعنى: فكلوا مما
أمسكن عليكم وحفظه لكم، سواء كان تمام الصيد أو بعضه، فإن ما أبقاه
الكلب ولم يأكله يصدق عليه أنه ما أمسك عليه، سواء كان كلا أو بعضا.
وتدل على ذلك من الأحاديث صريحا روايات الأشل وسعيد وزرارة
والرضوي، حيث أثبت فيها الامساك مع تحقق أكل البعض، وظهر من ذلك
أن موافقة إطلاق الكتاب إنما هي لأخبار الحلية.
وأما الاجماع المنقول فلا يصلح لترجيح بعض الأخبار على بعض،
كيف؟! ومن يقول بحجيته ينزله منزلة خبر صحيح، وضم خبر واحد لا
يصير مرجحا لما ضم معه أصلا.
وأما الشهرة، فالشهرة التي تصلح للترجيح هي الشهرة في الرواية
295

دون الفتوى، وشهرة الرواية إنما هي مع الأخبار الأخيرة قطعا.
وقد ظهر من ذلك ترجيح روايات الجواز باعتبار الكثرة والشهرة بين
الرواة، التي هي من المرجحات المنصوصة، فإنها تكاد تبلغ حد التواتر..
بل تترجح عليها بموافقة إطلاقات الكتاب من وجوه:
أحدها: كون الكلب الجامع للأمرين الأولين من أفراد ما علم مما
علمنا الله.
وثانيها: من جهة كون الباقي من الأكل من أفراد ما أمسك عليه.
وثالثها: من جهة عمومات الحل.
وتترجح أيضا بموافقة الأصل وعمومات السنة بحلية كل شئ،
وبمخالفة العامة قطعا، التي هي أيضا من المرجحات العظيمة، كما صرح به
في صحيحة حكم.
وأما ما قيل من أن في بعضها المنع من أكل صيد الفهد - كما في
موثقة سماعة - وهو ينافي الحمل على التقية، لتحليل العامة لصيد الفهد (1).
فضعيف غايته، أما أولا: فلأنه إنما يصح إذا كانت الفقرتان حديثا
واحدا، وهو غير معلوم، بل خلافه ظاهر، حيث فصل بين الجزئين بقوله:
وسألته.
وأما ثانيا: فلأن الترجيح بمخالفة العامة لم يعلم أنه لأجل الحمل
على التقية.
هذا، مع ما في أخبار المنع من ضعف الدلالة، أما صحيحة رفاعة (2)
فلعدم اشتمالها على المنع من الأكل، وإنما غايتها أنه إذا أكل لم يمسك،

(1) رياض المسائل 2: 263.
(2) المتقدمة في ص: 291.
296

وأما أنه حرام فلا، فيمكن أن يكون المراد أنه ليس مما صرح بحليته
الكتاب وإن لم يكن فيه منع أيضا، وتقييد الكتاب ليس صريحا في المنع
كما يأتي. ويمكن أن يكون المراد أنه حينئذ يكون مما يمنع عنه العامة،
حيث يقولون: إنه ليس مما أمسك عليه، كما صرح به في صحيحة
حكم (1).
وأما البواقي (2)، فلعدم اشتمالها على النهي الصريح، بل يتضمن الكل
ما يحتمل الجملة الخبرية.
وقد ظهر مما ذكرنا ضعف الاحتجاج للمنع بالأخبار جدا.
وقد ظهر مما مر في مطاوي ما سبق ضعف الدليلين الأولين، من
توقف صدق المعلمية على عدم الأكل، ومن الآية والخبر المشتملين على
الامساك.
مضافا إلى ما في الأخيرين من أن دلالتهما على عدم أكل ما لم
يمسك - لو سلم بالتقريب الذي توهموه - إنما يكون بمفهوم الوصف، هو
ليس حجة عند أهل التحقيق.
هذا كله، مع أنه لو سلمنا دلالة الآية وتمامية الأخبار حجية لعدم
جواز الأكل من صيد أكله الكلب فلا دلالة لها على كون عدم الأكل معتبرا
في المعلمية أصلا، فيمكن أن يكون هذا شرطا آخر، كالتسمية وعدم كون
الكلب من الكافر ومغصوبا على رأي.
وتظهر الفائدة في الاعتياد وعدمه، فعلى اعتباره في المعلمية يعتبر
اعتياده بذلك، وعلى عدمه لا يعتبر، فيحل صيد ما لم يأكل في بعض

(1) المتقدمة في ص: 292.
(2) راجع ص: 291 و 292.
297

الأوقات حين لم يأكل وإن أكل في سائر الأوقات مساويا أو غالبا.
فالحق الحقيق بالاعتبار: عدم اعتبار ذلك في المعلمية ولا في الحلية
مطلقا، والمسألة واضحة بحمد الله سبحانه.
كما يتضح بطلان قول الإسكافي - بالفرق بين أكل الكلب من الصيد
قبل موته وبعده، وجعل الأول قادحا في التعليم دون الثاني (1) - لعدم الدليل
عليه رأسا، إلا الجمع بين الأخبار، وهو جمع مردود، لأن الشاهد عليه
بالمرة مفقود.
نعم، هنا أمر آخر لا يبعد اعتباره - بل الظاهر اعتباره - في المعلمية،
وهو أن لا يكون معتادا بأكل تمام الصيد، فيأكل تمامه دائما أو غالبا، فإنه
إن كان كذلك لا يكون معلما للصيد قطعا وإن كان معلما في الجملة.
ولعلهم لم يذكروه لندرة مثل ذلك الفرد، بل عدم تحققه، لأنه يستدعي
زمانا طويلا حتى يأكله الكلب بتمامه ويشتهيه ولم يصل إليه الصاحب، أو
لشمول اعتياد (2) عدم الأكل مطلقا لذلك أيضا.
فروع:
أ: لا بد من تكرر الأمرين الأولين - بل الثالث على القول باعتباره في
المعلمية - مرة بعد أخرى، حتى يغلب على الظن تأدب الكلب بها،
ويصدق عليه في العرف كونه معلما.
والأولى أن لا تقدر المرات بعدد - كما فعله جماعة (3) - بل يرجع إلى

(1) حكاه عنه في المختلف: 675.
(2) في (س): اعتبار...
(3) منهم العلامة في القواعد 2: 150، والشهيد في المسالك 2: 218، والفيض في
المفاتيح 2: 211، وصاحب الرياض 2: 263.
298

العرف وأهل الخبرة، فإنه يمكن إتيانه بهذه الأمور - بالتعدد الذي ذكروه -
في أزمنة قليلة متقاربة ولم يفعلها بعده لعدم التعلم.. إلا أن يقال: إنه يكون
في زمان الاتيان بها معلما، ولو لم يأت بها بعده يخرج عن التعليم، وذلك
أوفق بما مر في المسألة الثانية من روايتي زرارة والسكوني (1) المتضمنتين
للتعليم ساعة الارسال، فيتعلمه حينئذ بالتكرار مرات وإن لم يجعل له ملكة
راسخة، فإن التعليم أمر والصيرورة ملكة أمر آخر.
ب: لو كان الكلب بحيث يأتي بالأمرين أو الثلاث بمقتضى طبعه
وخلقته، فهل يكفي ذلك في كونه معلما، أم لا، بل يشترط أن يكون مما
علمه الانسان؟
ظاهر الآية ومقتضى لفظ المعلم: الثاني.
ج: لو صدق كونه معلما ولكن تعلم غير الأمرين أو الثلاثة - كبعض
الكلاب الروسية الذي يأخذ الشمعة باليد، ويقوم في المجلس إلى الصبح،
أو يدخل الماء ويخرج منه ما وقع فيه - فهل يحل صيده لو لم يعلم
الأمرين المذكورين؟
الظاهر: لا، للاجماع على اعتبار الأمرين كما مر، ولدلالة القرينة
الحالية على إرادة المعلمية للصيد.
د: الظاهر اعتبار بقاء المعلمية، فلو صار معلما في زمان ونسي ما
علم وخرج عن التعليم لم يحل صيده.
المسألة الرابعة: المشهور بين الأصحاب عدم تحقق الصيد بالمعنى
الثاني - أي التذكية - بغير الكلب من جوارح البهائم والسباع، كالفهد والنمر

(1) في ص: 285 و 286.
299

وغيرهما، ولا من جوارح الطير، كالصقر والباز والعقاب ونحوها، معلما
كان أو غير معلم.. بل يتوقف الحل في الجميع - غير الكلب في الاصطياد -
بإدراك التذكية، وحكاية الشهرة عليه متكثرة (1)، بل عن الخلاف والانتصار
والغنية والسرائر (2) الاجماع عليه.
واستدل له بظاهر الآية الشريفة (3)، فإن المكلب - بالكسر - هو معلم
الكلب لأجل الصيد، فالمعنى: أحل لكم الصيد حال كونكم معلمين
للكلب، فيكون الجارح - الذي هو آلة الصيد - مخصصا بالكلب، فلا
يحصل بغيره، وإلا لكان تقييده سبحانه بذلك خاليا عن الفائدة.
وتدل صحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة الأولى أيضا على
اختصاص الجوارح في الآية بالكلب (4)..
وكذا موثقة سماعة المتقدمة في المقدمة، حيث قال فيها: (وليس
هذا في القرآن) (5).
وكذا رواية زرارة، وفيها: (وما خلا الكلب مما يصيد الفهد والصقر
وأشباه ذلك فلا تأكل من صيده إلا ما أدركت ذكاته، لأن الله تعالى يقول:
(مكلبين) فما كان خلاف الكلب فليس صيده مما يؤكل إلا أن تدرك
ذكاته) (6).

(1) راجع المسالك 2: 217، مجمع الفائدة 11: 6، والكفاية: 245.
(2) الخلاف 2: 515، الإنتصار: 183، الغنية (الجوامع الفقهية): 617، السرائر
3: 82.
(3) المائدة: 4.
(4) راجع ص: 283.
(5) راجع ص: 274.
(6) تفسير العياشي 1: 295 / 29، البرهان 1: 448 / 11، الوسائل 23: 355
أبواب الصيد ب 9 ح 21.
300

يستدل عليه بالمستفيضة (1) أيضا - سوى ما مر من الروايات -
كصحيحة الحذاء وخبر المرادي وموثقة سماعة، المتقدمة جميعا في
المقدمة (2)، المانعة عن أكل صيد الصقور والبزاة والعقاب والطير الذي
يصيد.
ورواية عبد الله بن سليمان المتقدمة في المسألة الأولى (3)، المانعة عن
أكل صيد الصقر.
وصحيحة الحضرمي المتقدمة في الثانية (4)، المانعة عن أكل صيد
البزاة والصقور والفهد، بل المخصصة ما يحل أكل صيده بالكلب المكلب.
وموثقة سماعة في الفهد وصحيحة الحلبي في الطير، المتقدمتين في
الثالثة (5).
وصحيحة الحذاء، وفيها: قلت: فالفهد، قال: (إذا أدركت ذكاته
فكل) قلت: أليس الفهد بمنزلة الكلب؟ فقال: (ليس شئ مكلب إلا
الكلب) (6).
وصحيحة أخرى للحلبي: (كان أبي يفتي وكان يتقي، وكنا نفتي نحن
ونخاف في صيد البزاة والصقور، وأما الآن فإنا لا نخاف، لا يحل صيدها

(1) ليست في (س).
(2) في ص: 274 و 275.
(3) في ص: 284.
(4) في ص: 285.
(5) في ص: 292 و 293.
(6) الكافي 6: 203 / 4، التهذيب 9: 26 / 106، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد
ب 6 ح 1.
301

إلا أن تدرك ذكاته) (1).
وموثقة البقباق: (لا تأكل ما قتلت سباع الطير) (2).
ورواية أبان: (كان أبي يفتي في زمن بني أمية: أن ما قتل البازي والصقر
فهو حلال وكان يتقيهم، وأنا لا أتقيهم، وهو حرام ما قتل الصقر) (3).
والمروي في تفسير القمي: عن صيد البزاة والصقور والفهود
والكلاب، قال: (لا تأكلوا إلا ما ذكيتم إلا الكلاب) قلت: فإن قتله؟ قال:
(كل) (4).
والمروي في تفسير العياشي: (ما خلا الكلاب ما يصيد الفهود
والصقور وأشباه ذلك فلا تأكلن من صيده إلا ما أدركت ذكاته) الحديث (5)،
إلى غير ذلك من الأخبار.
خلافا لمحتمل التهذيبين في الفهد المعلم، فيحل مقتوله (6).
واختاره والدي المحقق العلامة قدس سره في حواشيه على المسالك، قال:
لا يخفى أن الأحاديث التي وردت في حلية ما قتلته الصقور والبزاة محمولة
على التقية، كما تدل عليه رواية أبان بن تغلب وصحيحة الحلبي.. وليس
الكلام في هذا، إنما الكلام في الأحاديث التي وردت في خصوص الفهد،

(1) الكافي 6: 207 / 1، التهذيب 9: 32 / 130، الإستبصار 4: 72 / 266،
الوسائل 23: 349 أبواب الصيد ب 9 ح 3، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 6: 208 / 11، الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 13.
(3) الكافي 6: 208 / 8، التهذيب 9: 32 / 129، الإستبصار 4: 72 / 265،
الوسائل 23: 352 أبواب الصيد ب 9 ح 12.
(4) تفسير القمي 1: 162.
(5) تفسير العياشي 1: 295 / 29، الوسائل 23: 355 أبواب الصيد ب 9 ح 21.
(6) التهذيب 9: 28، الإستبصار 4: 70.
302

كصحيحة ابن أبي نصر (1) ورواية أبي بصير (2)، فإنهما صريحتان في أن
الفهد كالكلب، فإن لم يعمل بهما يلزم الطرح وهو غير جيد، فالصحيح أن
يقال: إن الفهد كالكلب، والأحاديث الدالة على خصوص الكلب لا تدل
على عدم حلية ما قتله الفهد، بل تدل على أن ما قتله الكلب حلال، وهذا
لا ينافي حلية ما قتله الفهد، وإذا سمي الفهد في اللغة كلبا فلا إشكال في
الآية أيضا، وثبوت الاجماع مع مخالفة الشيخ وابن أبي عقيل محل كلام.
انتهى كلامه طاب ثراه.
وللعماني فيما يشبه الكلب، قال: يحل ما هو مقتول مثل الكلب
قدرا وجثة، كالفهد والنمر وغيرهما (3).
ولبعض المتأخرين في كل جوارح السباع من ذوات الأربع، فأحل
صيده مع التعليم.
دليل الشيخ ومن يتبعه: كون الفهد كلبا لغة، فتشمله الآية والأخبار،
وصحيحة أحمد المتقدمة في حجة الأولين من المسألة الثالثة (4)، ورواية
أبي بصير المتقدمة في حجة الآخرين منها (5).
وصحيحة زكريا بن آدم: عن الفهد والكلب يرسلان فيقتل، فقال:
(هما مما قال الله عز شأنه (مكلبين) فلا بأس بأكله) (6).
وصحيحة البزنطي: عما قتل الكلب والفهد، قال: فقال أبو جعفر عليه السلام:

(1) التهذيب 9: 28 / 113، الوسائل 23: 338 أبواب الصيد ب 2 ح 18.
(2) التهذيب 9: 28 / 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.
(3) نقله عنه في المسالك 2: 217.
(4) في ص: 291.
(5) في ص: 293.
(6) التهذيب 9: 29 / 114، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 4
303

(الكلب والفهد سواء قدرا) (1).
ولعل هذه الأخيرة حجة العماني، حيث علل إباحة مقتول الفهد
بمساواته للكلب قدرا.
وحجة الثالث: أن الكلب في اللغة يطلق على كل سبع، قال في
القاموس: الكلب: كل سبع عقور (2). ومنه الحديث: إنه صلى الله عليه وآله دعا على
رجل وقال: (اللهم سلط عليه كلبا من كلابك) فقتله الأسد (3).
أقول: إن ما ذكروه من صدق الكلب على الفهد - أو كل سبع - فهو
مردود، لمنع كون الفهد أو كل سبع كلبا لغة، كيف؟! وقال الجوهري:
الكلب معروف، وهو النابح (4).
وأما قول صاحب القاموس فمع أنه لا يفيد - لمعارضته مع كلام
الجوهري، وهو أرجح عند التعارض - معقب بقوله بعد ذلك: وغلب على
هذا: النابح، وظاهره أنه منقول لغوي.
ولو سلم قوله من كونه حقيقة لغة نقول: إنه معارض بالحقيقة العرفية
في زمان الشارع قطعا، لكون الكلب فيه حقيقة في النابح خاصة، لوجود
أماراتها فيه، وأمارات المجاز في غيره جدا، وهو مقدم على اللغوية (5).
هذا: مضافا إلى تصريح صحيحة الحذاء السابقة بأن الفهد ليس كلبا،
ولا مكلب إلا الكلب.

(1) التهذيب 9: 29 / 115، الوسائل 23: 345 أبواب الصيد ب 6 ح 5.
(2) القاموس المحيط 1: 130.
(3) الخرائج والجرائح 1: 56 / 93، مناقب آل أبي طالب 1: 80، البحار 18:
57 / 14.
(4) الصحاح 1: 213.
(5) في النسخ: العرفية. والظاهر ما أثبتناه.
304

وتدل عليه صحيحة الحضرمي وروايتا القمي والعياشي المتقدمة
أيضا (1).
ومنه يظهر فساد ما ادعوه من شمول الآية والأخبار الكلية للفهد أو
كل سبع، ولكن الانصاف أنها بنفسها لا تصير حجة للأولين أيضا، لأن
تخصيص الكلب بالذكر لا يدل على تخصيصه بالحكم إلا بمفهوم ضعيف،
فبقي الكلام في أخبار الطرفين.
والحق أن في كل منهما ضعفا من جهة:
أما أخبار الحرمة، فمن جهة الدلالة، لأنها بين ما يحتمل الجملة
الخبرية، وهو عن إفادة الحرمة قاصر، ومفهوم غايته نفي الإباحة بالمعنى
الأخص، فيحتمل الكراهة، سوى رواية القمي المشتملة على النهي، ولكنه
على سبيل العموم المتحمل للتخصيص.
وأما أخبار الجواز، فلمخالفتها للشهرتين العظيمتين - لو لم ندع
الاجماع - الموجبة لشذوذها وعدم حجيتها بالمرة.
فاللازم على أصولنا وقواعدنا رفع اليد عنهما والرجوع إلى مقتضى
الأصول الكلية، وقد عرفت في المقدمة أنه مع التذكية والحلية بعد تحقق
ذكر اسم الله عليه، إلا أن عموم رواية القمي - المنجبر ضعفها بالاجماعات
المنقولة والشهرة العظيمة، الخالي عما يصلح للتخصيص، إذ ليس إلا أخبار
الجواز الخارجة عن حيز الحجية بمخالفة الشهرة والشذوذ - [يمنع عن
الرجوع إليه] (2).
هذا في جوارح السباع ذوات الأربع.

(1) في ص: 285 و 302.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
305

وأما جوارح الطير، فالحرمة في صيودها المقتولة واضحة،
لاجماعيتها، وانتفاء المخالف فيها بالمرة، وصراحة بعض أخبارها في
الحرمة ونفي الحلية، كصحيحة الحلبي ورواية أبان (1)، وهما لمعارضة
أخبار الجواز كافيتان، فتترجحان عليها، لمخالفتها العامة (2)، وورود أخبار
الجواز مورد التقية، كما هو في بعض أخبار الباب مصرح به.
المسألة الخامسة: يجزي تعليم الكلب من أي معلم كان على الأظهر
الأشهر - بل عن الخلاف الاجماع عليه (3) - للأصل والاطلاق.
ومنه يظهر عدم اشتراط الاسلام فيه أيضا، لما مر، مضافا إلى
صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة في المسألة الثانية (4)، ورواية السكوني:
(وكلاب أهل الذمة وبزاتهم حلال للمسلمين بأن يأكلوا من صيدها) (5).
خلافا للمحكي عن الإسكافي (6) والمبسوط (7) ومال إليه في
التهذيبين (8) - كما قيل (9) - فمنعا عن أكل صيد كلب علمه المجوسي.
استنادا إلى ظاهر قوله سبحانه: (تعلمونهن) (10) فإن الخطاب إنما

(1) المتقدمتين في ص: 301.
(2) كما في بداية المجتهد 1: 456، المغني والشرح الكبير 11: 11.
(3) الخلاف 2: 520.
(4) في ص: 285.
(5) الكافي 6: 209 / 3، التهذيب 9: 30 / 120، الإستبصار 4: 71 / 256،
الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.
(6) حكاه عنه في المختلف: 676.
(7) المبسوط 6: 262.
(8) التهذيب 9: 30، الإستبصار 4: 70.
(9) في المسالك 2: 220.
(10) المائدة: 4.
306

هو للمسلمين.
وروايتي ابن سيابة والسكوني المتقدمتين في المسألة المذكورة (1)،
وبهما يقيد إطلاق الصحيحة.
ويضعف الأول بعدم دلالته على اشتراط الاسلام في المعلم، غايته
اختصاص الخطاب بالمسلم، وهو لا ينافي الثبوت في غيره بإطلاق آخر،
سيما مع وروده مورد الغالب، مع أنه لو سلم يقتضي حرمة مقتول ما علمه
الكافر مطلقا، وهو خلاف الاجماع، والتخصيص بالمجوسي إخراج للأكثر،
وهو غير مجوز.
والثاني بالضعف، لمخالفة شهرة القدماء، وعدم صراحة الدلالة،
لاحتمال الخبرية، فلا يثبت منه إلا الكراهة، وهي مسلمة كما صرح به
جمع من الطائفة (2)، مع أن الثانية ظاهرة في غير المعلم من المجوسي،
لقوله: (فيعلمه)، لامتناع تحصيل الحاصل وتعليم المعلوم.

(1) في ص: 286.
(2) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع 4: 5، والكاشاني في المفاتيح 2: 211.
وصاحب الرياض 2: 269.
307

البحث الثاني
في الآلة الجمادية
وهي إما مشتملة على نصل - أي زج من حديد - أو لا، وعلى الثاني
إما محددة أو لا، فهذه أقسام ثلاثة نذكرها وما يتعلق بها في مسائل:
المسألة الأولى: السيف والرمح والسهم مطلقا - صغيرا كان أم كبيرا،
طويلا أم قصيرا - تحصل التذكية به بشرائطها، ويحل مقتوله كيف ما قتل،
وكذلك كل آلة مشتملة على نصل - أي حديد محدد، كالخنجر والسكين
والألماس وحديدة العصا وغير ذلك - بلا خلاف يعرف في المسألة، إلا ما
حكاه بعضهم (1) عن الديلمي من جعله حكم مقتول ما ذكر حكم مقتول
الفهد والصقر في الاحتياج إلى التذكية.
ولكن ناقش بعض مشايخنا - طاب ثراه - في النسبة وقال: إن عبارته
المحكية كالصريحة في الموافقة للأصحاب من الإباحة بدون التذكية لكن
مع الكراهة، ولذا أن جملة من الأصحاب نفوا الخلاف في المسألة، بل
ادعي الاجماع عليه (2). انتهى.
وفي الكفاية: الظاهر أنه لا خلاف فيه (3). وفي شرح الإرشاد
للأردبيلي: كأنه إجماعي (4). وهو كذلك، بل الظاهر كونه إجماعيا كما هو

(1) كالعلامة في المختلف: 675، والفاضل المقداد في التنقيح 4: 4.
(2) صاحب الرياض 2: 261.
(3) الكفاية: 245.
(4) مجمع الفائدة 11: 12.
308

ظاهر المسالك (1)، حيث نسبه إلى أصحابنا، لعدم قدح مخالفة من ذكر لو
كان مخالفا فيه، فهو الحجة في المسألة.
مضافا في خصوص الثلاثة المذكورة أولا إلى المستفيضة:
كصحيحة محمد بن علي الحلبي: عن الصيد يضربه الرجل بالسيف،
أو يطعنه برمح، أو يرميه بسهم، فيقتله، وقد سمى حين فعل ذلك، فقال:
(كل لا بأس به) (2).
وموثقة محمد: (كل من الصيد ما قتل السيف والسهم والرمح) (3).
وصحيحة الحلبي: عن الصيد يصيبه السهم معترضا ولم يصبه
بحديدة، وقد سمى حين يرمي، قال: (يأكله إذا أصابه وهو يراه) (4).
والأخرى: عن الصيد يرميه الرجل بسهم فيصيبه معترضا فيقتله، وقد
كان سمى حين رمى ولم تصبه الحديدة، فقال: (إن كان السهم الذي أصابه
هو الذي قتله فإن أراده فليأكل) (5).
وموثقة سماعة: عن رجل رمى حمارا أو ظبيا فأصابه، ثم كان في
طلبه، فأصابه في الغد وسهمه فيه، فقال: (إن علم أنه أصابه وإن سهمه هو

(1) المسالك 2: 218.
(2) الكافي 6: 210 / 6، الفقيه 3: 203 / 920، التهذيب 9: 33 / 133، الوسائل
23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 3.
(3) الكافي 6: 209 / 1، التهذيب 9: 34 / 137، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد
ب 16 ح 2.
(4) الكافي 6: 213 / 5، التهذيب 9: 36 / 146، الوسائل 23: 371 أبواب الصيد
ب 22 ح 3، مع اختلاف يسير.
(5) الكافي 6: 212 / 4، الفقيه 3: 203 / 921، التهذيب 9: 33 / 132، الوسائل
23: 371 أبواب الصيد ب 22 ح 2، بتفاوت.
309

الذي قتله فليأكل منه، وإلا فلا يأكل منه) (1).
والأخرى: عن الرجل يرمي الصيد وهو على الجبل فيخرقه السهم
حتى يخرج من الجانب الآخر، قال: (كله) (2)، وقريبة منها روايته (3).
ومرسلة النضر بن سويد المرفوعة: في الظبي وحمار الوحش
يعترضان بالسيف فيقدان، فقال: (لا بأس بأكلهما ما لم يتحرك أحد
النصفين، فإن تحرك أحدهما فلا يؤكل الآخر لأنه ميتة) (4).
ورواية غياث بن إبراهيم: في الرجل يضرب الصيد فيقده نصفين،
قال: (فليأكلهما جميعا، فإن ضربه وبان منه عضو لم يؤكل منه ما أبانه
وأكل سائره) (5).
ورواية زرارة: (إذا رميت فوجدته وليس به أثر غير السهم وقد ترى
أنه لم يقتله غير سهمك فكل، غاب عنك أو لم يغب) (6).
ومرسلة الفقيه، وفيها: (فإن رميته وأصابه سهمك ووقع في الماء
فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء) (7).

(1) الكافي 6: 210 / 4، التهذيب 9: 34 / 136، الوسائل 23: 366 أبواب الصيد
ب 18 ح 3.
(2) الكافي 6: 211 / 11، التهذيب 9: 34 / 140، الوسائل 23: 369 أبواب
الصيد ب 20 ح 1.
(3) الكافي 6: 215 / 2، التهذيب 9: 38 / 158، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد
ب 20 ح 2.
(4) الكافي 6: 255 / 6، التهذيب 9: 77 / 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد
ب 35 ح 3.
(5) الكافي 6: 255 / 7، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35 ح 1.
(6) الكافي 6: 211 / 10، التهذيب 9: 34 / 139، مستطرفات السرائر: 18 / 5،
الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 5.
(7) الفقيه 3: 205 / 934، الوسائل 23: 379 أبواب الصيد ب 26 ح 3.
310

ورواية عيسى بن عبد الله: أرمي بسهمي فلا أدري سميت أم لم اسم،
فقال: (كل لا بأس) قال: قلت: أرمي فيغيب عني فأجد سهمي فيه، فقال:
(كل ما لم يؤكل منه، وإن كان قد أكل منه فلا تأكل منه) (1)، إلى غير ذلك
مما يأتي في طي المسائل.
وفي الثلاثة وغيرها مما ذكر: إلى عموم صحيحتي سليمان وحريز
المتقدمتين في المقدمة (2)..
وصحيحة محمد بن قيس: (من جرح صيدا بسلاح وذكر اسم الله
عليه، ثم بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع، وقد علم أن سلاحه هو
الذي قتله، فليأكل منه إن شاء) (3).
ومرسلة الفقيه، وهي أيضا قريبة من سابقتها (4).
وموثقة محمد الحلبي: عن الرجل يرمي الصيد فيصرعه فيبتدره القوم
فيقطعونه، فقال: (كله) (5).
ومرسلته الأخرى: (إذا كان ذلك سلاحه الذي يرمي به فلا بأس) (6).
وفي ثالثة: (إن كانت تلك مرماته فلا بأس) (7).

(1) الكافي 6: 210 / 5، الفقيه 3: 203 / 919، التهذيب 9: 33 / 134، الوسائل
23: 377 أبواب الصيد ب 25 ح 1.
(2) في ص: 277.
(3) الكافي 6: 210 / 2، التهذيب 9: 34 / 138، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد
ب 16 ح 1.
(4) الفقيه 3: 204 / 930، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.
(5) الكافي 6: 211 / 9، الفقيه 3: 204 / 931، الوسائل 23: 364 أبواب الصيد
ب 17 ح 3.
(6) الفقيه 3: 203 / 924، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 7.
(7) الفقيه 3: 203 / 925، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 8.
311

ورواية عباد بن صهيب الصحيحة عمن أجمعت العصابة على
تصحيح ما يصح عنه: عن رجل سمى ورمى صيدا فأخطاء وأصاب آخر،
فقال: (يأكل منه) (1).
ثم إن مقتضى إطلاقات أكثر تلك الأخبار حل المقتول بالآلة المذكورة
مطلقا، سواء جرحته وخرقته أم لا، بل قتلته معترضة، أي أصابته عرضا، وظاهر
المسالك والكفاية (2) كونه إجماعيا، وتدل عليه نصا صحيحتا الحلبي المتقدمتان.
المسألة الثانية: كل آلة محددة غير مشتملة على حديد يحل مقتولها
إن قتلت بخرقها للصيد ودخولها فيه ولو قدرا يسيرا فمات به، ولو قتلت
معترضة من دون خرق لم يحل، فالفرق بينها وبين الآلة المشتملة على
الحديد المحدد: أنه إن ما فيه الحديد يحل مقتوله مطلقا خرقا كان أم
عرضا، وذلك يحل مقتوله الخرقي دون العرضي.
وأسند الحكمان في الآلة الغير الحديدية إلى الأصحاب جميعا (3).
واستدل لهما بصحيحة الحذاء: (إذا رميت بالمعراض فخرق فكل،
وإن لم يخرق واعترض فلا تأكل) (4).
ومرسلة الفقيه: أنه (إن خرق أكل، وإن لم يخرق لم يؤكل) (5).
وفي النبوي في المعراض: (إن قتل بحده فكله، وإن قتل بثقله فلا

(1) الكافي 6: 215 / 1، التهذيب 9: 38 / 160، الوسائل 23: 380 أبواب الصيد
ب 27 ح 1.
(2) المسالك 2: 218، الكفاية: 245.
(3) كما في الرياض 2: 261.
(4) الكافي 6: 212 / 3، التهذيب 9: 35 / 143، الوسائل 23: 370 أبواب الصيد
ب 22 ح 1.
(5) 53 الفقيه 3: 204 / 926، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 9.
312

تأكل) (1).
والمعراض كمحراب: سهم بلا ريش ونصل، دقيق الطرفين، غليظ
الوسط، يصيب بعرضه دون حده.
أقول: أما الحكم الأول: فلا ريب فيه في المعراض إذا لم يكن غيره
وكان ذلك مرماته، لما ذكر، ولعموم صحيحتي محمد الحلبي وحريز، وما
تأخر عنهما من الأخبار المذكورة..
وصحيحة الحلبي: سئل عما صرع المعراض من الصيد، فقال: (إن
لم يكن له نبل غير المعراض وذكر اسم الله عز وجل عليه فليأكل ما قتل،
وإن كان له نبل غيره فلا) (2).
والأخرى، وفيها: عن صيد المعراض، فقال: (إن لم يكن له نبل
غيره وكان قد سمى حين رمى فليأكل منه، وإن كان له نبل غيره فلا) (3).
وأما إذا وجد غيره وإن حصل الخدش في الحكم - للصحيحين
الأخيرين المعارضين لما مر بالعموم من وجه - إلا أن تعارضهما موجب
للرجوع إلى أصالة الحلية بعد ذكر اسم الله عليه، مع أنه يمكن أن يقال
بعدم حجية الصحيحين، للشذوذ ومخالفة الشهرة، فتأمل.
هذا في المعراض.
وأما التعدي إلى غيره من الآلات المحددة الغير الحديدية فإما

(1) كما في صحيح البخاري 7: 111، وسنن أبي داود 3: 110 / 2854، والدارمي
2: 91، بتفاوت في الجميع.
(2) الكافي 6: 212 / 2، الفقيه 3: 203 / 923، التهذيب 9: 35 / 145، الوسائل
23: 371 أبواب الصيد ب 22 ح 4.
(3) الكافي 6: 213 / 5، التهذيب 9: 36 / 146، الوسائل 23: 370 أبواب الصيد
ب 22 ح 3.
313

بالاجماع المركب أو القياس بالمعراض، وإثبات الأول مشكل، والثاني باطل،
إلا أن الحكم للأصل موافق، والخلاف فيه غير معروف، بل نفاه بعضهم (1).
ويمكن أن يستدل له أيضا بعموم صحيحتي سليمان وحريز وما
تأخر عنهما من الأخبار المذكورة، ولكن في الحكم بالشمول للمورد
إشكالا، فإن بعضها مسوقة لبيان حكم آخر، وإطلاق مثله وإن كان معتبرا
في الجملة إلا أنه لا يخلو بعد عن نوع كلام عند بعضهم، وبعضها مشتملة
على لفظ (السلاح) و (المرماة)، وصدقهما على جميع أفراد المورد غير
معلوم، إلا أن موافقة أصل الحلية بعد التسمية كافية.
وأما الحكم الثاني: فهو مع مخالفته للأصل المذكور مخالف أيضا
للعمومات المذكورة، والصحيحة والمرسلة عن الدال على النهي الصريح
خاليتان، ومع ذلك يعارضهما إطلاق الصحيحين الأخيرين في خصوص
المعراض عند عدم وجود غيره، فالحكم به أيضا مشكل، سيما في صورة
عدم الغير، وسلوك جادة الاحتياط طريق النجاة، والله العالم.
المسألة الثالثة: المعروف منهم حرمة مقتول كل آلة جمادية غير
ذي حدين ولا محددة تقتل بثقله، كالحجر والعمود والمقمعة (2)، وهو
في الحجر منصوص عليه في صحاح عديدة، كصحيحة الحلبي: عما
قتل الحجر والبندق أيؤكل؟ قال: (لا) (3)، وكذا صحاح حريز (4)،

(1) كصاحب الرياض 2: 262.
(2) المقمعة: هي خشبة يضرب بها الانسان ليذل ويهان - المصباح المنير: 516.
وفي مجمع البحرين 4: 383: هي شئ من حديد كالمحجن يضرب به.
(3) الكافي 6: 213 / 1، التهذيب 9: 37 / 152، الوسائل 23: 374 أبواب الصيد
ب 23 ح 3. والبندق: الذي يرمى به عن الجلاهق، الواحدة: بندقة، وهي: طينة
مدورة مجففة - مجمع البحرين 5: 141.
(4) الكافي 6: 213 / 4، الفقيه 3: 204 / 928، التهذيب 9: 36 / 149، الوسائل
23: 375 أبواب الصيد ب 23 ح 7.
314

ومحمد (1)، وسليمان بن خالد (2) وابن سنان (3).
وكذا البندق، فإنه مرادف مع الحجر في تلك الأخبار.
ولا دليل على غيرهما، وقياسه عليهما باطل، سيما فيما يكون داخلا
في أفراد السلاح.
وفي مرسلة الفقيه: في رجل له نبال ليس فيها حديد، وهي عيدان
كلها، فيرمي بالعود فيصيب وسط الطير معترضا، فيقتله ويذكر اسم الله وإن
لم يخرج دم، وهي نبالة معلومة، فيأكل منه إذا ذكر اسم الله عليه (4).
وهي دالة على الحلية في بعض أفراد المسألة.
وبعض العمومات المتقدمة أيضا دال عليها في جميعها، فإن ثبت
الاجماع البسيط أو المركب فهو، وإلا فالأصل يقتضي الحلية في غير
المنصوص عليه.
المسألة الرابعة: ما كان له حدة وثقل معا ولم يعلم أن القتل بأيهما،
فمقتضى الأصل الثالث المتقدم في المقدمة (5): حرمته على القول بحرمة
المقتول بالثقل مطلقا.
ولو كان القتل بهما معا، فمقتضى الأصل الثاني (6): حليته، وهو أولى

(1) الكافي 6: 213 / 5، التهذيب 9: 36 / 150، الوسائل 23: 375 أبواب الصيد
ب 23 ح 6.
(2) الكافي 6: 213 / 3، التهذيب 9: 36 / 151، الوسائل 23: 373 أبواب الصيد
ب 23 ح 1.
(3) الكافي 6: 214 / 7، التهذيب 9: 36 / 147، الوسائل 23: 374 أبواب الصيد
ب 23 ح 5.
(4) الفقيه 3: 204 / 927، الوسائل 23: 373 أبواب الصيد ب 22 ح 10.
(5) في ص: 277.
(6) المتقدم في ص: 275.
315

بالاشكال في الحرمة مما مر في المسألة السابقة. وأولى منهما به ما إذا كانت
الآلة ذا حديدة أو حديدية، كما يسمى بالفارسية: كلنگ، وكالمسحاة، فإنه
ليس مظنة الاجماع ولا احتماله في مثلهما.
المسألة الخامسة: قال بعض شراح المفاتيح - بعد نقل صحيحة
الحلبي المتقدمة في البندق والحجر -: وفي معناها أخبار متضمنة لحرمة ما
يقتل منها بالثقل خدش أم لا، ففي الآلة المستحدثة في عصرنا - المسماة
بالفارسية: دور انداز - إشكال، والحرمة أظهر، لاندراجه تحت البندقة
والحجر. انتهى.
أقول: هي الآلة المعروفة في الفارسية بالتفنگ.
ويظهر منه على الحرمة دليلان:
أحدهما: ما تضمن حرمة ما يقتل بالثقل.
وثانيهما: اندراجه تحت البندقة والحجر.
وكلاهما ضعيفان غايته:
أما الأول: فبأنا لم نعثر على خبر واحد - ولو ضعيف - متضمن لذلك
أصلا، فكيف عن الأخبار؟!
نعم، ورد في نبوي عامي تقدم ذكره (1): أن المعراض إن قتل بثقله لا
يؤكل، وأين ذلك من العموم أو الاطلاق؟!
وإن كان نظره إلى أخبار البندق والحجر فهي برمتها خالية عن ذكر
الثقل، واحتمال كونه علة فيهما باطل، لمنعه، وكونه استنباط علة ممنوع
عن ترتب الحكم عليه في مذهبنا.

(1) في ص: 312.
316

هذا، مع أنه لو سلم لا يفيد، إذ هذه الآلة لا تقتل بالثقل أصلا - ولذا
لا تقتل لو سقطت على شئ ولم تنفذ فيه - وإنما تقتل بالخرق والنفوذ،
وهو أنفذ من السهم وأخرق من السيف.
وأما الثاني: فبمنع دخولها في البندقة جدا، فإنها شئ غير تلك الآلة
معروف في الأزمنة السالفة، وفي الحديث - كما نقله صاحب الكفاية (1) -:
إنها لا تصيد صيدا ولا تنكئ عدوا، ولكنها تكسر السن وتفقأ العين. وهذه
الآلة تصيد الصيد، بل تقتل الفيل والبعير، وتتلف العدو الكبير، وكأنها آلة
تسمى في هذا الزمان بالفارسية: پفك، بالباء الفارسية والفاء والكاف.
واستدل بعض مشايخنا المعاصرين قدس سره في شرحه على النافع (2)
بأصالة الحرمة، الثابتة بالأخبار المتقدمة في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة
المذكورة في المقدمة (3)، الدالة على توقف حل الصيد والذبيحة على ثبوت
التذكية، التي هي من قبيل الأحكام الشرعية المتوقفة على ثبوت آلة وكيفية.
وهو فاسد جدا، لأن الأخبار المتقدمة إنما تثبت أصالة عدم التذكية
بالمعنى الثالث، أي عدم حصول الأمور المعينة التي علم كونها تذكية بعد
معرفتها، لا بالمعنى الثاني الذي هو المفيد في ذلك المقام، وهو الذي أشار
إليه أخيرا: المتوقفة على ثبوت آلة وكيفية. والتذكية بذلك المعنى أيضا وإن
كان خلاف الأصل إلا أنه زال بعد التسمية بقوله سبحانه: (وما لكم ألا
تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) (4) كما مر تحقيقه في المقدمة.

(1) الكفاية: 245. وإنكى والاسم النكاية - بالكسر -: إذا قتلت وأثخنت - المصباح
المنير: 625.
(2) وهو صاحب الرياض 2: 261.
(3) في ص: 277 و 278.
(4) الأنعام: 119.
317

وبذلك ظهر أن الأقوى في مقتول هذه الآلة - بعد تحقق سائر
الشرائط الآتية - الحلية، لوجوه:
الأول: الأصل بالمعنى الثاني، الراجع إلى عموم قوله سبحانه: (مما
ذكر اسم الله عليه).
الثاني: العمومات المصرحة بحلية ما جرح وقتل بسلاح بعد ذكر اسم
الله عليه، كصحيحة محمد بن قيس ومرسلة الفقيه، المتقدمتين في المسألة
الأولى (1). وعدم تعارف هذا النوع من السلاح في زمان الشارع غير ضائر
كما يأتي.
الثالث: الأخبار المتضمنة لحلية مقتول كل ما قرره الصائد سلاحا
ومرماة وآلة لرميه وصنعه لذلك، كمرسلتي الفقيه المتقدمتين في الأولى (2)..
وموثقة زرارة وإسماعيل: عما قتل المعراض، قال: (لا بأس إذا كان
هو مرماتك وصنعته لذلك) (3).
ورواية زرارة: فيما قتل المعراض: (لا بأس به إذا كان إنما يصنع
لذلك) (4).
الرابع: عمومات حلية ما رماه شخص أو رميته، كصحيحتي سليمان
وحريز المتقدمتين في المقدمة (5).
وموثقة سماعة المتقدمة في الأصل الثاني (6) من المقدمة أيضا، حيث

(1) في ص: 311.
(2) في ص: 311.
(3) الكافي 6: 212 / 1، التهذيب 9: 35 / 144، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد
ب 22 ح 5.
(4) الفقيه 3: 203 / 922، الوسائل 23: 372 أبواب الصيد ب 22 ح 6.
(5) في ص: 277.
(6) في النسخ: الثالث، والصحيح ما أثبتناه.
318

قال: (إذا رميت وسميت فانتفع بجلده، وأما الميتة فلا) (1).
وموثقة محمد الحلبي ورواية عباد بن صهيب المتقدمتين في المسألة
الأولى (2).
وتخصيص الرمي بالرمي بالسهم - مع عمومه - لا وجه له، مع أنه
كان يرمى بغيره أيضا.
ولبعض ما ذكرنا استقرب صاحب الكفاية الحلية بعد تردده أولا،
قال: وفي مثل الآلة الموسومة بالتفنگ المستحدثة في قرب هذه الأعصار
تردد، ولو قيل بالحل لم يكن بعيدا، لعموم أدلة الحل، ودخوله تحت
عموم قول أبي جعفر عليه السلام: (من قتل صيدا بسلاح) الحديث (3). انتهى (4).
قال بعض مشايخنا المعاصرين قدس سره بعد نقل كلام الكفاية: والمناقشة
فيها واضحة، لضعف العموم بتخصيصه بأصالة الحرمة المتقدمة المدلول
عليها بالنصوص المتقدمة قبيل المسألة، بل أكثر نصوص هذا الكتاب الدالة
على توقف حل الصيد والذبيحة على التذكية، وهي من قبيل الأحكام
الشرعية تتوقف على الثبوت آلة وكيفية، مع معارضته بعمومات تحريم
الميتة (5)، الصادقة في اللغة على الميت حتف أنفه والمذبوح بكل آلة،
خرج منها الآلة المعتبرة وبقي ما عداها.
ودعوى عدم صدق الميتة في اللغة على المذكى بكل آلة مردودة بأن

(1) راجع ص: 276.
(2) في ص: 311.
(3) الكافي 6: 210 / 2، الفقيه 3: 204 / 930، التهذيب 9: 34 / 138، الوسائل
23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.
(4) كفاية الأحكام: 245.
(5) الوسائل 24: 184 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34.
319

التذكية حكم من الأحكام الشرعية المستحدثة، فلا يتصور توقف صدق
اللفظ فيها على عدمها مع كون اللغة سابقة، ومنع عموم السلاح، فإنه نكرة
مثبتة لا عموم فيها لغة، وإنما ينصرف إليه حيث لا يكون لها أفراد متبادرة،
ولا ريب أن المتبادر منه الغالب إنما هو ما عدا التفنگ (1). انتهى.
وفيه نظر، أما أولا: فلأن قوله: لضعف العموم بتخصيصه، إلى آخره،
يصح لو كان المراد بعموم الحل عمومات حلية الأشياء مطلقا كما هو
الظاهر، أما إذا أردنا منه عمومات حلية ما ذكر اسم الله عليه أو ما رمي
وسمي به - كما مر في المقدمة - لا يخصصها الأصل الذي ذكره، كما مر
وجهه.
وأما ثانيا: فلأن قوله: توقف حل الصيد والذبيحة على التذكية،
مسلم، ولكن نقول: إن هذا العمل أيضا تذكية.
قوله: هي من قبيل الأحكام، إلى آخره.
قلنا: نعم، ولكنها تثبت بقوله سبحانه: (مما ذكر اسم الله عليه).
فإن قال: نعم، ولكن ثبت التوقف على بعض أمور أخر.
قلنا: إن أريد الأمور المبهمة المجملة فغير مسلم، وإن أريد أمور
مخصوصة فنسلم منها ما ثبت، وندفع الزائد بالأصل.
وأما ثالثا: فلأن قوله: مع معارضته بعمومات حرمة الميتة، مردود
بمنع صدق الميتة على مفروض المسألة، لجواز اختصاصها بما يخرج
روحه حتف أنفه أو غيره مما لا يصدق على المفروض.
ولو سلم صدق الموت على مطلق خروج الروح لا يلزمه صدق

(1) الرياض 2: 265.
320

الميتة أيضا على مطلق ما خرج روحه، لاقتضاء الهيئة الاشتقاقية معنى،
فلعله ما يقيد المطلق، كما بيناه مفصلا في العوائد (1) وغيره، ويثبته عطف
ما أهل لغير الله في آيتين من كتاب الله سبحانه على الميتة، وكذا المنخنقة
وسائر أخواتها (2).
وأما رابعا: فلأن قوله: ودعوى عدم صدق الميتة، إلى آخره، فيه: أن
عدم توقف صدق لفظ الميتة على عدم التذكية لا يثبت صدقه على كل ما
خرج روحه، لاحتمال توقف صدقه على حتف الأنف، أو عدم مدخلية
إنسان في فنائه، أو غير ذلك، مع أنه يمكن أن يكون الميتة مقابل المذكى،
والتذكية أمر ثابت في كل شريعة من لدن آدم، كما نص عليه في بعض
أسفار التوراة فيما يخبر عن خطابه سبحانه مع نوح النبي صلى الله على نبينا
وعليه..
وتقدم سبق لغة الميتة على كل الشرائع ممنوع، ولو سلم ذلك بحسب
اللغة فنقول: إنه يظهر للمتتبع في أخبار الأطهار وكلمات الأبرار أن الميتة صارت
حقيقة شرعية فيما يقابل المذكى، فندعي الاختصاص شرعا أو عرفا عاما.
وأما خامسا: فلأن ما ذكره - من عدم عموم السلاح لغة، لأنه نكرة
مثبتة - مردود بأنه واقع موقع الشرط، ومثله يفيد العموم لغة، كما في قولك:
إذا جائك رجل فأكرمه، و: من جاءني برجل أكرمه. مع أن هذا القول لا
يجري في قوله: إذا كان ذلك سلاحه أو مرماته، والله سبحانه هو العالم.

(1) عوائد الأيام: 211.
(2) الأولى في البقرة: 173، النحل: 115، الثانية في المائدة: 3.
321

الفصل الثاني
في المصيد
أي الحيوان الذي يحل بالصيد الانتفاع منه أكلا أو غير أكل، كجلود
السباع.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الصيد المحلل لا يتحقق إلا فيما يقبل الذكاة من
الحيوانات، أما ما لا يقبلها - كالمسوخات والحشرات ونجس العين - فلا
يتحقق فيه الصيد بذلك المعنى، والوجه واضح.
المسألة الثانية: كل حيوان وحشي بالأصل، غير مستأنس بالعارض،
غير مقدور عليه غالبا، يحل منه بالصيد ما يحل منه بالذبح، بلا خلاف كما
في الكفاية وشرح الإرشاد (1)، بل هو موضع وفاق بين المسلمين.
وهو بإطلاقه يشمل مأكول اللحم وغيره، والتقييد بالمحلل في بعض
العبارات (2) كأنه أريد به المحلل بالصيد ما يحلل به من أكل أو انتفاع آخر.
وأخبار الباب وإن كان معظمها - بل غير نادر منها - مختصة بالمأكول،
لتضمنه الأكل، إلا أنه يمكن أن يستدل لغير المأكول أيضا باستصحاب
طهارة الجلد..
وبخصوص موثقة سماعة: عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: (إذا

(1) كفاية الأحكام: 244، انظر مجمع الفائدة 11: 5، 40.
(2) كما في المسالك 2: 217.
322

رميت وسميت فانتفع بجلده، وأما الميتة فلا) (1).
وعموم مرسلتي الفقيه المتقدمتين في المسألة الأولى من البحث
الثاني (2). وموثقة زرارة وإسماعيل ورواية زرارة المتقدمتين في الخامسة
منه (3). ولكنها مخصوصة بالآلات الجمادية، فليس في الكلب إلا أحد
الاجماعين لو ثبت والاستصحاب.
ويمكن أن يستدل له برواية زرارة: (إذا أرسل الرجل كلبه ونسي أن
يسمي فهو بمنزلة من ذبح ونسي أن يسمي، وكذلك إذا رمى بالسهم ونسي
أن يسمي) (4)، فتأمل.
المسألة الثالثة: كل حيوان مقدور عليه غالبا - كأطفال الحيوانات
الوحشية الغير القادرة على العدو، والفراخ الغير القادرة على الطيران - لا
يحل بالصيد ما لم يذكى بالذبح وإن كان وحشيا بالأصل، بلا خلاف فيه
يعرف، بل بالاجماع، وهو الدليل عليه..
مع رواية الأفلح: (ولو أن رجلا رمى صيدا في وكره فأصاب الطير
والفراخ جميعا فإنه يأكل الطير ولا يأكل الفراخ، وذلك أن الفرخ ليس بصيد
ما لم يطر، وإنما يؤخذ باليد، وإنما يكون صيدا إذا طار) (5).
ويظهر من التعليل حكم الكلب أيضا، بل وحكم صغار الحيوانات
الغير الطير.

(1) التهذيب 9: 79 / 339، الوسائل 3: 489 أبواب النجاسات ب 49 ح 2.
(2) في ص: 311.
(3) في ص: 318.
(4) الكافي 6: 206 / 18، الفقيه 3: 202 / 915، التهذيب 9: 25 / 102، الوسائل
23: 357 أبواب الصيد ب 12 ح 2.
(5) التهذيب 9: 20 / 82، الوسائل 23: 383 أبواب الصيد ب 31 ح 1.
323

وظهر مما ذكر أنه لا تحل بدون التذكية الذبيحة الوحشية الغير القادرة
على العدو، لانكسار رجليها أو عمى عينيها أو دخولها في حصار لا يمكن
لها الفرار، أو طير لا يقدر على الطير لانكسار جناحيه أو دخوله بيتا يمكن
أخذه بسهولة، ونحو ذلك.
المسألة الرابعة: كل حيوان مستأنس لا يحل بالصيد ما لم يذبح،
سواء كان استئناسه أصليا - كالبعير والبقر والشاة والهرة ونحوها - أو عارضيا
- كالظبي المستأنس والطير كذلك - للاجماع، وعدم صدق الصيد،
والعمومات المتضمنة لوجوب التذكية فيما أدركت ذكاته، كرواية عبد الله بن
سليمان: (إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك الذنب وأدركته
فذكه) (1).
المسألة الخامسة: كل وحشي بالعارض - كالشاة العاصية أو
المتوحشة، والبعير العاصي أو المتوحش، ونحوهما - يحل بما يحل به
الوحشي الأصلي من الاصطياد بالآلة الجمادية أو الحيوانية، وكذا الصائل من
البهائم الأنسية، والمتردي منها في بئر ونحوه إذا تعذر ذبحه ونحره.. بلا
خلاف يعرف بيننا وما في الكفاية (2)، بل مطلقا كما في غيرها (3)، بل هو
موضع وفاق منا ومن أكثر العامة كما في المسالك (4)، بل بالاجماع في
المتوحش والعاصي كما في شرح الإرشاد للأردبيلي (5).
وتدل عليه - في المتوحش والعاصي والصائل - رواية أبي بصير: (إذا

(1) الكافي 6: 232 ح 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.
(2) الكفاية: 246.
(3) كما في المفاتيح 2: 194.
(4) المسالك 2: 221.
(5) مجمع الفائدة 11: 5، 40.
324

امتنع عليك بعير وأنت تريد أن تنحره فانطلق منك، فإن خشيت أن يسبقك
فضربته بسيف أو طعنته برمح بعد أن تسمي فكل، إلا أن تدركه ولم يمت
بعد فذكه) (1).
وصحيحة العيص: (إن ثورا ثار بالكوفة فبادر الناس إليه بأسيافهم
فضربوه، فأتوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسألوه، فقال: ذكاة وحية ولحمه
حلال) (2)، وقريبة منها صحيحة محمد الحلبي (3)، وموثقة البقباق
والبصري (4)،
وصحيحة الحلبي: في رجل ضرب بسيفه جزورا أو شاة في غير
مذبحها وقد سمى حين ضرب، فقال: (لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح في
مذبحها) يعني: إذا تعمد لذلك ولم يكن حاله حال اضطرار، وأما إذا اضطر
إليها واستصعب عليه ما يريد أن يذبح فلا بأس بذلك (5).
والظاهر من الاضطرار فيها عدم التمكن من الذبح، لا الاضطرار إلى
الأكل.

(1) الكافي 6: 231 / 1، التهذيب 9: 54 / 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح
ب 10 ح 5.
(2) الكافي 6: 231 / 2، الفقيه 3: 208 / 957، التهذيب 9: 54 / 224، الوسائل
24: 19 أبواب الذبائح ب 10 ح 2. والمراد بالوحية: السريعة - مجمع البحرين 1:
432.
(3) الكافي 6: 231 / 3، التهذيب 9: 54 / 225، الوسائل 24: 19 أبواب الذبائح
ب 10 ح 1.
(4) الكافي 6: 231 / 4، الفقيه 3: 208 / 956، التهذيب 9: 54 / 226، الوسائل
24: 20 أبواب الذبائح ب 10 ح 3.
(5) الكافي 6: 231 / 1، التهذيب 9: 53 / 221، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح
ب 4 ح 3.
325

والمروي في قرب الإسناد: (إذا استصعبت عليكم الذبيحة فعرقبوها،
فإن لم تقدروا أن تعرقبوها فإنه يحلها ما يحل الوحش) (1).
والنبوي المشهور: (كل أنسية توحشت فذكها ذكاة الوحشية) (2).
وآخر: يا رسول الله، إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها، قال:
(كل ما أمسكن عليك) قلت: ذكي وغير ذكي، قال: (ذكي وغير ذكي) (3).
وفي المتردي رواية إسماعيل الجعفي: بعير تردى في بئر كيف
ينحر؟ قال: (تدخل الحربة فتطعنه بها وتسمي وتأكل) (4).
وموثقة زرارة: عن بعير تردى في بئر فذبح من قبل ذنبه، قال: (لا
بأس إذا ذكر اسم الله عليه) (5).
والمروي في قرب الإسناد: (أيما أنسية تردت في بئر فلم يقدر على
منحرها فلينحرها من حيث يقدر عليها ويسمي الله عليها) (6).
وأكثر الأخبار المذكورة وإن اختصت من الآلات بالجمادية، ومن
الحيوانات بالبعير والثور والشاة، إلا أن رواية قرب الإسناد الأولى والنبويين
تشمل جميع الحيوانات وتمام الآلات، بل أحد النبويين مصرح بالكلب.
وضعفها - بعد ما عرفت من الاشتهار وحكايات الاجماع ونفي

(1) قرب الإسناد: 145 / 524، الوسائل 24: 22 أبواب الذبائح ب 10 ح 9.
وعرقبت الدابة: قطعت عرقوبها، وهو: عبارة عن الوتر خلف الكعبين بين مفصل
الساق والقدم - مجمع البحرين 2: 120.
(2) كنز العمال 6: 261 / 15600.
(3) سنن أبي داود 3: 110 / 2857، مسند أحمد 2: 184.
(4) الكافي 6: 231 / 5، التهذيب 9: 54 / 222، الوسائل 24: 20 أبواب الذبائح
ب 10 ح 4.
(5) الفقيه 3: 208 / 958، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 6.
(6) قرب الإسناد: 106 / 360، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 8.
326

الخلاف - لا يضر.
نعم، هي مخصوصة بغير المتردي.
وأما المتردي، فتعميم الحيوان فيه لعله بالاجماع المركب، مع أن في
صحيحة الحلبي ذكر الشاة أيضا، بل يمكن إثبات التعميم فيه بالنسبة إلى
الحيوان برواية قرب الإسناد الثانية، فإن المراد بالنحر هو معناه اللغوي، كما
يدل عليه قوله: فلينحرها من حيث شاء.
وبالنسبة إليه وإلى الآلة: بروايته الأولى وبالنبوي الأخير، إلا أن
ضعفهما في تعميم الآلة غير معلوم الانجبار، إذ لم يعلم من كلام الأصحاب
تعميمهم في ذلك بالكلاب أيضا، فإن إرسال الكلب إلى المتردي غير
متعارف، بل غير ميسر غالبا، فالحكم به مشكل.
* * *
327

الفصل الثالث
في الصائد
ويشترط فيه أمور:
منها: أن يكون مسلما، سواء كان مرسلا للكلب أو صائدا بالآلة
الجمادية، فلا يحل صيد الكافر مطلقا، سواء كان حربيا أو ذميا، إجماعا
في الأول، وعلى الحق المشهور في الثاني، بل فيه أيضا الاجماع عن
الانتصار (1).
لتعليل حرمة ذبيحة الكفار في أخبار كثيرة، كروايتي قتيبة (2)، ورواية
الحسين بن المنذر (3) الآتية في الذبيحة بأنه لا يؤمن على الاسم إلا مسلم.
ولصحيحة محمد: عن نصارى العرب أتؤكل ذبيحتهم؟ فقال: (كان
علي بن الحسين عليهما السلام ينهى عن ذبائحهم وصيدهم ومناكحتهم) (4).
وصحيحة الحلبي: عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال: (كان
علي عليه السلام ينهاهم عن أكل ذبائحهم وصيدهم) (5).

(1) الإنتصار: 188.
(2) الأولى: الكافي 6: 241 / 17، الوسائل 24: 50 أبواب الذبائح ب 26 ح 6،
الثانية: الكافي 6: 240 / 12، التهذيب 9: 63 / 267، الإستبصار 4: 81 / 300،
الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 8.
(3) التهذيب 9: 63 / 268، الإستبصار 4: 81 / 301، الوسائل 24: 51 أبواب
الذبائح ب 26 ح 7.
(4) الكافي 6: 239 / 4، التهذيب 9: 65 / 278، الإستبصار 4: 83 / 311،
الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 6.
(5) التهذيب 9: 64 / 271، الإستبصار 4: 81 / 304، الوسائل 24: 58 أبواب
الذبائح ب 27 ح 19.
328

واختصاصهما بنصارى العرب غير ضائر، للاجماع المركب، ومفهوم
رواية عيسى بن عبد الله: عن صيد المجوسي، قال: (لا بأس إذا أعطوكه
حيا والسمك أيضا، وإلا فلا تجز شهادتهم إلا أن تشهده) (1).
وأما الأخبار الواردة في أكل ذبائحهم (2) فلا تضر هنا، لأن الذبيحة
غير الصيد، مع أنها فيها أيضا غير مفيدة كما يأتي.
ومنها: العقل، فلا يحل صيد المجنون، للاجماع، وعدم الائتمان
على الاسم.
ومنها: التمييز، فلا يحل صيد الصبي الغير المميز، للدليلين
المذكورين.
ومنها: أن لا يكون غاليا، للاجماع، وعدم كونه مسلما فلا يؤتمن
بالاسم.
ومنها: أن لا يكون ناصبيا، للاجماع، والعموم الناشئ عن ترك
الاستفصال في رواية أبي بصير: عن الرجل يشتري اللحم من السوق وعنده
من يذبح ويبيع من إخوانه فيتعمد الشراء من النصاب، فقال: (أي شئ
تسألني أن أقول؟! ما يأكل إلا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير)، قلت:
سبحان الله، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير؟! فقال: (نعم وأعظم عند
الله) (3).

(1) الكافي 6: 217 / 8، التهذيب 9: 10 / 33، الإستبصار 4: 64 / 229،
الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 34 ح 1.
(2) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.
(3) التهذيب 9: 71 / 303، الإستبصار 4: 87 / 334، الوسائل 24: 67 أبواب
الذبائح ب 28 ح 4.
329

ولا يشترط فيه البلوغ ولا الذكورة ولا الايمان، بلا خلاف في
الأولين، بل بالاجماع وهو الحجة فيهما، مضافا إلى الأصل الذي ذكرنا
مرارا، وإلى عمومات الحل بالصيد بالحيوان وبالآلة الشاملة لصيدهما، وإلى
ما سيأتي من حل ذبيحتهما الموجب لحل صيدهما بالطريق الأولى، فتأمل.
وعلى الأظهر الأشهر في الثالث، للثلاثة الأخيرة.
خلافا لظاهر من يحرم ذبيحة المخالف، لما دل عليه، وسيأتي
الكلام فيه إن شاء الله.
* * *
330

الفصل الرابع
في سائر شرائط الصيد
وهي أمور:
منها: أن يكون الصيد باستعمال الصائد للآلة، كالارسال في الكلب،
وكالرمي في السهم، والطعن في الرمح، والضرب بالسيف، والرمي في
التفنگ، ونحو ذلك مما يصدر من الصائد بقصد.
فلو لم يستعمله هو - بأن يسترسل الكلب بنفسه، أو يخرج التفنگ
من قبل نفسه، أو أخرج السيف ونحوه من غير اختيار وقصد - لم يفد
الحل بلا خلاف يعرف، وفي الكفاية في الأول: إنه المعروف بينهم (1).
وعن الخلاف فيه الاجماع (2).
لا لأصالة الحرمة - كما قيل (3) - لما ذكرنا من الأصل الثاني المقتضي
لأصالة الحلية بعد التسمية، كما ذكره المحقق الأردبيلي أيضا (4).
بل لمفهوم الشرط في النبوي: (إذا أرسلت كلبك المعلم فكل) (5).
وضعفه بالعمل منجبر. وكون الشرط مورد الغالب لا يضر في حجية
المفهوم، خصوصا مثل تلك الغلبة التي لا توهن في تبادر المفهوم.
ولرواية القاسم بن سليمان: عن كلب أفلت ولم يرسله صاحبه،

(1) الكفاية: 245.
(2) الخلاف 2: 519.
(3) في الرياض 2: 263.
(4) مجمع الفائدة 11: 27.
(5) صحيح البخاري 7: 111، صحيح مسلم 3: 1529 / 1929.
331

فصاد فأدركه صاحبه وقد قتله، أيأكله؟ قال: (لا) (1).
واحتمال استناد المنع فيه عن الأكل إلى عدم التسمية لا إلى
الاسترسال يمنعه ترك الاستفصال، وإن قلت بتلازم عدم التسمية
والاسترسال فهو بنفسه يكون دليلا على المطلوب.
وتقوية الاحتمال المذكور - بقول الراوي في ذيل الرواية: وقال عليه السلام:
(إذا صاد وقد سمى فليأكل وإن صاد ولم يسم فلا) - ضعيفة جدا، لأن
المراد من الذيل بيان ما يعتبر مع الارسال، ولا أقل ذلك من الاحتمال،
وهو كاف في بقاء العموم الناشئ من ترك الاستفصال.
ولمرسلة أبي بصير: (لا يجزي أن يسمي إلا الذي أرسل الكلب) (2).
وفي رواية زرارة: (لا يسمي إلا صاحبه الذي أرسله) (3).
وجه الدلالة: أنه لو لم يرسله فلا تكون تسميته مجزية بدلالة
الروايتين، إذ لا يكون مرسل حتى تكون التسمية ممن أرسله، وإذا لم تكن
تسمية لم يحل أصلا وإجماعا وكتابا وسنة.
ولرواية السكوني المتقدمة في كلب المجوسي: (لا تأكل صيده إلا أن
يأخذه المسلم فيعلمه ويرسله) (4)، وجه الدلالة واضح.
ولمفهوم قوله في رواية سليمان بن خالد المتقدمة: (إن كان يعلم أن

(1) الكافي 6: 205 / 16، الفقيه 3: 202 / 914، التهذيب 9: 25 / 100، الوسائل
23: 356 أبواب الصيد ب 11 ح 1.
(2) التهذيب 9: 26 / 104، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 2.
(3) التهذيب 9: 26 / 103، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 1.
(4) الكافي 6: 209 / 3، التهذيب 9: 30 / 120، الإستبصار 4: 71 / 256،
الوسائل 23: 361 أبواب الصيد ب 15 ح 3.
332

رميته هي التي قتلته فليأكل) (1).
ويدل عليه أيضا نهيه سبحانه في الكتاب والسنة عن أكل ما لم يذكر
اسم الله عليه، والتصريح باشتراط ذكر اسم الله عليه، فإن في تحقق ذكر
اسم الله على الصيد - الذي ليس في يد الذاكر بل قد يبعد عنه كثيرا - خفاء
وإجمالا، ولا يعلم متى يتحقق ذكر اسم الله عليه، ولازمه الأخذ بالمتيقن،
وهو إذا صادف الارسال والاستعمال، وأما بدونه فلا يعلم تحقق ذكر اسم
الله عليه.
ومما ذكرنا ظهر أن المسألة واضحة المأخذ بحمد الله سبحانه،
فمناقشة جمع من المتأخرين - كالأردبيلي (2) وصاحب الكفاية (3) وشارح
المفاتيح - في بعض أدلتها غير ضائرة.
فرعان:
أ: لو استرسل الكلب بنفسه فزجره صاحبه، فإن لم ينزجر فلا يحل
صيده، لعدم صدق الارسال قطعا.. وإن انزجر ووقف ثم أغراه صاحبه
حل، لصدق الارسال.
ب: لو استرسل بنفسه ثم أغراه صاحبه، فإن لم يزد في عدوه فلا
يتحقق الارسال قطعا، إذ لم يظهر أثر لاغرائه.
واحتمال كونه إرسالا - لجواز كون ذهابه بعد الاغراء بإذن المالك -
ضعيف، لتوقف الحل على العلم بذلك، مع أنه خلاف الأصل.

(1) الكافي 6: 210 / 7، الوسائل 23: 365 أبواب الصيد ب 18 ح 1.
(2) مجمع الفائدة 11: 28.
(3) الكفاية: 245.
333

وإن زاد في عدوه، فقال الأردبيلي: فيه وجهان: من حيث إن زيادة
العدو وسرعته بمنزلة الارسال، فيكفي. ومن حيث إن هذا العدو مركب من
إرسال واسترسال وليس هو إرسالا، فلا يكون محللا، كالقتل بالكلب
المعلم وغير المعلم (1).
والتحقيق: أن زيادة العدو بالاغراء لا يسمى في العرف إرسالا، ولا
أقل من عدم معلومية ذلك، مع أنه شرط في الحلية.
ومنها: أن يقصد بإرساله الكلب أو رميه السهم الصيد المحلل بلا
خلاف فيه، فلو أرسل كلبه لينظر عدوه، أو رمى السهم إلى هدف، أو
أرسل ورمى للامتحان أو اللعب أو المشق، فاتفق أنه أصاب صيدا وقتله،
أو أرسل الأول ورمى الثاني إلى غير محلل - كخنزير أو مسوخ - فصاد
الأول أو أصاب الثاني ظبيا اتفاقا، لم يحل، لما أشير إليه سابقا من دلالة
الكتاب والسنة المتواترة على اشتراط حلية الحيوانات على ذكر اسم الله
عليه، ولا يعلم ذكر اسم الله عليه، إلا إذا قصده بخصوصه حين الارسال
والرمي، فلا يحل إلا معه.
ومما ذكرنا ظهر ضعف ما استظهره المحقق الأردبيلي (2) من الحكم بالحل
في هذه الصور، للعمومات، وخلو الأدلة عن قصد الصيد، وتخصيص الحرمة
بما هو الغالب في هذه الصور من ترك التسمية وجعل البحث مع فرضها.
ثم إن مقتضى ما ذكرنا عدم الحلية مع عدم قصد الصيد المعين مطلقا
وإن قصد جنسه أو صيدا آخر محللا أو أحد هذه الظباء، إلا أن هذه الصور
خارجة بالاجماع، وبرواية عباد بن صهيب المتقدمة في المسألة الأولى من

(1) مجمع الفائدة 11: 28 - 29.
(2) مجمع الفائدة 11: 27.
334

البحث الثاني من الفصل الأول (1).
ولو سمى بعد مشاهدته ميل الكلب أو السهم إلى المحلل لم يفد،
لعدم معلومية كون ذلك ذكر اسم الله عليه، فيقتصر على موضع الاجماع.
نعم، لو أرسله إلى غير محلل، فزجره عنه وأوقفه، ثم أغراه إلى
المحلل وسمى، حل.
لا يقال: لا يتم ذلك لو نسي التسمية، حيث إنه لا يشترط حينئذ.
قلنا: يثبت الحكم حينئذ بالاجماع المركب، مضافا إلى أن الثابت من
معذورية ناسي التسمية إنما هي إذا قصد المعين بالارسال أو الرمي ونسي
التسمية لا مطلقا، لعدم شمول مطلقات معذورية الناسي لمثل ذلك ولو
لأجل ندرته، فتأمل.
ومنها: أن يسمي عند إرسال الآلة أو استعمالها مطلقا - حيوانا كانت
أو جمادا - بلا خلاف فيه عندنا بل بالاجماع، له، وللأصل، والآيات
العديدة من الكتاب (2)، والمتواترة من الأخبار، كالصحاح الأربع لمحمد بن
قيس وسليمان بن خالد والحلبي (3)، والموثقات الثلاث للبصري وسماعة
وزرارة (4)، وحسنة محمد بن قيس ومرسلة الفقيه (5)، والروايات الثلاث
لأبي بصير وعبد الله بن سليمان المتقدمة (6) جميعا وغيرها.
فلو ترك التسمية لم يحل الصيد، لأصالة عدم التذكية بدونها، كما مر

(1) في ص: 311 - 312.
(2) المائدة: 4، الأنعام: 119.
(3) المتقدمة في ص: 311 و 285 و 309.
(4) المتقدمة في ص: 294 و 276 و 326.
(5) المتقدمتين في ص: 284 و 315.
(6) في ص: 293 و 285 و 284.
335

في الأصل الثاني من المقدمات (1)، ولتقييد الحلية منطوقا أو مفهوما
بالتسمية، بل في مفهوم موثقة زرارة إثبات البأس في الأكل بدون التسمية،
وفي إحدى صحيحتي الحلبي: (من أرسل كلبه ولم يسم فلا يأكله) (2).
ثم إنه لا خلاف نصا وفتوى في إجزائها إذا وقعت عند الارسال، أي
ما يسمى مقارنا له عرفا، مقدما عليه أو مؤخرا بما لا ينافي المقارنة العرفية،
كما تدل عليه الصحاح الست المتقدمة (3) - ثلاث منها لسليمان والحذاء
ومحمد بن علي الحلبي، وثلاث للحلبي -:
ففي الأولى: (فيسمي حين يرسله).
وفي الثانية: (ويسمي إذا سرحه).
وفي الثالثة: (وقد سمى حين فعل ذلك).
وفي الرابعة: (وقد سمى حين يرمي).
وفي الخامسة: (وقد كان سمى حين رمى).
وفي السادسة: (وقد سمى حين ضرب).
وهل يجزي إذا سمى بعد الارسال ما بينه وبين عض الكلب أو إصابة
السهم؟
فيه خلاف، فالشهيدان (4) بل أكثر الأصحاب - كما في شرح المفاتيح - إلى
الاجزاء، للعمومات، وأولويته بالاجزاء من حال الارسال لقربه من وقت التذكية.
و [مذهب] (5) جماعة - ونسبه بعض مشايخنا (6) إلى ظاهر كثير - منا

(1) في ص: 275.
(2) التهذيب 9: 27 / 109، الوسائل 23: 358 أبواب الصيد ب 12 ح 5.
(3) في ص: 285 و 291 و 309 و 325.
(4) الشهيد الأول في الدروس 2: 394، والشهيد الثاني في الروضة 7: 199.
(5) في النسخ: ذهب، والصحيح ما أثبتناه.
(6) كما في الرياض 2: 264.
336

عدمه، وهو الأقوى، لأصالة عدم وقوع ذكر اسم الله على الصيد حتى يعلم
وقوعه عليه، فإن في معناه خفاء كما مر، فيقتصر على القدر الثابت،
ولمفهوم قوله عليه السلام في رواية أبي بصير السابقة في المسألة الثالثة من الفصل
الأول من البحث الأول: (إن أصبت كلبا معلما أو فهدا بعد أن تسمي
فكل) (1).
وعمومات التسمية إنما كانت مفيدة لو لم تكن مقيدة بكونها واقعة
على الصيد، الموجب لابهام معناه، المستلزم للاقتصار على القدر المعلوم.
والأولوية المدعاة ممنوعة، لعدم معلومية العلة.
فروع:
أ: ما ذكرنا من اشتراط التسمية والحرمة بدونها إنما هو إذا كان
متذكرا لوجوبها وتركها عمدا، أما لو اعتقد وجوبها ونسيها ولم يتذكر قبل
إصابة الآلة إلى الصيد فيحل الصيد بلا خلاف كما في شرح الإرشاد
والمفاتيح (2) وشرحه وغيرها (3)، لموثقة البصري المتقدمة في المسألة الثالثة
من الفصل الأول (4)، ورواية زرارة المتقدمة في الثانية من الثاني (5)،
المعتضدتين بما ذكر وبثبوت الحكم في الذبيحة - كما يأتي - فهاهنا أولى،
وبهما تقيد إطلاقات النهي عما لم يسم عليه في الكتاب والسنة.
ب: لو نسيها حال الارسال وتذكر قبل الإصابة، فعلى القول باتساع

(1) مرت في ص: 293.
(2) مجمع الفائدة 11: 19، المفاتيح 2: 210.
(3) كالرياض 2: 264.
(4) في ص: 294.
(5) في ص: 323.
337

الوقت ما بين الارسال والإصابة تجب التسمية، والوجه واضح، لبقاء وقت
الوجوب. ولو تركها حينئذ فيكون كمتعمد الترك عند الارسال.
وكذا على المختار، كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني، حيث حصر
محل الخلاف السابق في محل التسمية في المتذكر عند الارسال.. وأما
الذاهل عنها حينه المتفطن لها قبل الإصابة فلم يجعل وجوب التسمية فيه
محل الخلاف، بل كما قيل: قطع به في المسالك والروضة (1)، مؤذنا بدعوى
الاجماع عليه حينئذ. وجعله في الكفاية قولا واحدا (2).
ويدل عليه ما أشرنا إليه من إبهام معنى ذكر اسم الله على الصيد،
وكون التخصيص بحال الارسال للأخذ بالمتيقن، وهو يحصل حينئذ
بالتسمية في الأثناء، فإذا تركها حينئذ لا يعلم أنه ناسي التسمية المطلوبة،
فيبقى على أصالة الحرمة.
ج: هل النسيان - الذي يعذر تارك التسمية معه - هو الذي كان مع
اعتقاد الوجوب، أو لا؟
صرح المحقق في النافع والشيخ - طاب ثراه - في النهاية (3) والحلي
والقاضي (4) بالأول، حيث قيدوا النسيان بذلك القيد.
وظاهر الأكثر: الثاني، حيث لم يقيدوه به. وظاهر التنقيح التردد (5).
دليل الثاني: إطلاق النسيان.
وحجة الأول: تبادر معتقد الوجوب منه، وهو قريب، فإنه لا يقال

(1) المسالك 2: 219، الروضة 7: 198.
(2) الكفاية: 245.
(3) النافع: 248، النهاية: 581.
(4) الحلي في السرائر 3: 93، القاضي في المهذب 2: 438.
(5) التنقيح 4: 9.
338

لتارك شئ لا يعتقد وجوبه مع عدم تذكره وعدم التفاته إليه: إنه تركه
نسيانا، فإن المتبادر منه أن يكون الترك لأجل النسيان فقط.
د: لو تركها جهلا، ففي إلحاقه بالعامد أو الناسي وجهان، أوجههما
الأول، لأصالة الحرمة قبل ذكر اسم الله عليه الخالية عن الدافع، ولصدق
عدم التسمية الذي صرحت الأخبار منطوقا ومفهوما بعدم الحلية معه، وعدم
صدق النسيان الذي قام مقامها بالدليل.
ووجه الثاني: إلحاقه بالناسي، وهو قياس فاسد. ومثل قوله: الناس
في سعة مما لم يعلموا (1). وضعفه ظاهر.
ه‍: يشترط أن تكون التسمية من المرسل، فلو أرسل واحد كلبه ولم
يسم وسمى غيره لم يحل الصيد بدون التذكية، لعدم معلومية كون ذلك ذكر
اسم الله عليه، فيندرج تحت أصالة الحرمة، وللأخبار:
كصحيحة محمد الحلبي: (من أرسل كلبه ولم يسم فلا يأكله) (2)،
فإن إطلاقها يشمل ما لو سمى غيره أيضا.
ومرسلة أبي بصير: (لا يجزي أن يسمي إلا الذي أرسل الكلب) (3).
ورواية محمد: عن القوم يخرجون جماعتهم إلى الصيد، فيكون
الكلب لرجل منهم، ويرسل صاحب الكلب كلبه ويسمي غيره، أيجزي عن
ذلك؟ قال: (لا يسمي إلا صاحبه الذي أرسله) (4).
ومنها: أن يستقل السبب المحلل في إزهاق الروح.

(1) الكافي 6: 297 / 2، الوسائل 24: 90 أبواب الذبائح ب 38 ح 2.
(2) التهذيب 9: 27 / 109، الإستبصار 4: 69 / 250، الوسائل 23: 358 أبواب
الصيد ب 12 ح 5.
(3) التهذيب 9: 26 / 104، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13: ح 2.
(4) التهذيب 9: 26 / 103، الوسائل 23: 359 أبواب الصيد ب 13 ح 1.
339

ويتفرع عليه: أنه لو أرسل المسلم والكافر آلتيهما وقتل الصيد بهما
- بحيث علم أن لكل واحد دخلا في قتله - حرم، سواء اتفقت آلتيهما
- كالكلبين - أو اختلفت، كالكلب والسهم.
وأنه لو أرسل كلبان - معلم وغير معلم - وقتلاه معا، أو قتله كلبان - مرسل
وغير مرسل - لم يحل.
وأنه لو رمى صيدا، فوقع في الماء، أو تردى من جبل وقتل بهما
معا، لم يحل أيضا.
وأنه لو رمي سهمان، أو أرسل كلبان سمي على أحدهما ولم يسم
على الآخر، أو قصد الجنس المحلل بأحدهما دون الآخر وقتل بهما معا،
حرم أيضا.
والدليل على اشتراط ذلك - بعد ظاهر الوفاق - أن الثابت من أدلة
الشروط اشتراط الحلية بوقوع القتل من السبب الجامع للشرائط، وهو في
مفروض المسألة أحد السببين المختلفين ولم يحصل منه القتل، وما حصل
منه هو مجموع الأمرين، وهو غير جامع لها.. ولو تنزلنا لقلنا: لا نعلم كون
الأمرين جامعا لها، فلا يعلم حصول الشرائط المعتبرة، فلا يحكم بحصول
المشروط.
وتدل على المطلوب أيضا مرسلة الفقيه: (إذا أرسلت كلبك على
صيد وشاركه كلب آخر فلا تأكل منه إلا أن تدرك ذكاته) (1)، ونحوها
الرضوي بعينه (2).
استدل على المطلوب أيضا بالأخبار الكثيرة، الآتية بعضها في

(1) الفقيه 3: 205 / 934، الوسائل 23: 343 أبواب الصيد ب 5 ح 3.
(2) فقه الرضا (ع): 297، مستدرك الوسائل 16: 107 أبواب الصيد ب 5 ح 2.
340

الشرط الآتي، والمتقدم بعضها فيما سبق، المتضمنة للنهي عن أكل ما وجد
كلب غير معلم مع المعلم أو كلب غريب مع المعلمات، أو أكل ما غاب
ولم يعلم أن سلاحه أو سهمه هو الذي قتله أو رميته هي التي قتلته، أو أكل
ما وقع في ماء أو تدهده من جبل.
وفيه: أنه يحتمل أن يكون النهي عن الأكل في المذكورات لاحتمال
استقلال غير الآلة المحللة في القتل واستناده إلى ما ليس بمحلل، وهو غير
مفروض المسألة.. إلا أن يقال بثبوت المطلوب من عموم تلك الأخبار أو
إطلاقاتها، فإنها شاملة لما إذا لم يعلم استقلال شئ منهما وعلم
مدخليتهما، أو شك في استناد الموت إلى السبب المحلل خاصة، أو إليهما
معا، وحينئذ فيتم التقريب.
ثم إنه فرع بعضهم (1) على تلك المسألة ما إذا أثبت الصيد بآلة غير
محللة، أي جعلته غير قادر على الامتناع والعدو، وصار مثل الأهلي، وصار
أخذه سهلا، ثم قتلته الآلة المحللة، فاجتمع فيه سببان: محلل ومحرم.
وفرع ذلك بعض آخر على اشتراط الحلية بالصيد كونه وحشيا غير
مقدور عليه بالسهولة كما مر.
وليس شئ من التفريعين بجيد..
أما الأول: فلأن السبب الأول ليس سببا لازهاق الروح، ولا مدخلية
له فيه أصلا، وليس هو إلا مثل إعطاء الكافر سهمه أو كلبه للمسلم، أو
تنفير أحد صيدا من مكان يصعب الاصطياد فيه إلى مكان يسهل فيه، أو
كثرة عدو الصيد بحيث يعجز عن الفرار عن الكلب أو خوفه منه، مع أنه

(1) مجمع الفائدة 11: 26.
341

لا يعد شئ منها من باب اجتماع السببين.
وأما الثاني: فلأن تعجيز أحد الآلتين للصيد لا يخرجه عن صدق
الصيد عليه عرفا إذا كان ذلك مقارنا لأثر الآخر أو قريبا منه، والمنع عن
المقدور عليه إنما كان للخروج عن صدق الصيد، كما مر.
هذا، مع أنه روي في قرب الإسناد عن علي، عن أخيه عليه السلام: عن
ظبي أو حمار وحش أو طير صرعه رجل، ثم رماه بعد ما صرعه آخر،
قال: (كله ما لم يتغيب إذا سمى ورماه) (1).
ومنها: أن يعلم استناد موت الصيد إلى السبب المحلل، فلا يحل ما
شك فيه واحتمل استناده إلى غيره أو إليهما معا، بلا خلاف فيه كما صرح
به غير واحد.
ويتفرع على ذلك: أنه لو أرسل كلبان أو كلاب أو سهمان أو سهام أو
كلب وسهم، سمي على أحدهما دون الآخر، ولم يعلم استقلال المسمى
عليه في الموت، لم يحل، وكذا لو أرسل كلب وباز كذلك.
وأنه لو غاب الصيد بعد عض الكلب أو إصابة السهم ثم وجد مقتولا
لم يحل، إلا إذا علم استناد الموت إلى آلته المحللة.
وأنه لو رماه بسهم، فتردى من جبل أو حائط أو وقع في ماء ومات،
لم يحل إذا احتمل استناد الموت إلى كل منهما أو كليهما.
والدليل عليه: أصالة عدم التذكية، الثابتة بما مر في الأصل الثالث من
الأصول المذكورة في المقدمة.
مضافة إلى صحيحتي سليمان وحريز وموثقة سماعة، المتقدمة جميعا

(1) قرب الإسناد 278 / 1105، الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 7.
342

في المقدمة (1)، ورواية أبي بصير المتقدمة في المسألة الثانية من البحث
الأول من الفصل الأول، المعللة بقوله: (لأنك لا تدري أخذه معلم أم
لا) (2)، وصحيحة محمد بن قيس ومرسلتي الفقيه وروايتي زرارة وعيسى
ابن عبد الله، المتقدمة جميعا في المسألة الأولى من البحث الثاني من الفصل
الأول (3)، ومرسلة الفقيه المتقدمة في الشرط السابق (4).
وإلى صحيحة الحذاء في من يسرح كلبه المعلم، وفيها: (وإن وجد
معه كلبا غير معلم فلا يأكل منه) (5).
وصحيحة محمد بن قيس: في صيد وجد فيه سهم وهو ميت لا
يدري من قتله، قال: (لا تطعمه) (6).
ورواية زرارة: (إذا رميت فوجدته وليس به أثر غير السهم وقد ترى
أنه لم يقتله غير سهمك فكل، غاب عنك أو لم يغب) (7).
وموثقة سماعة: عن الرجل يرمي الصيد وهو على الجبل - إلى أن قال -:
(فإن وقع في ماء أو تدهده من الجبل فمات فلا تأكله) (8).

(1) في ص: 277 و 278.
(2) تقدمت في ص: 285.
(3) في ص: 310 و 311.
(4) في ص: 340.
(5) الكافي 6: 203 / 4، التهذيب 9: 26 / 106، الوسائل 23: 342 أبواب الصيد
ب 5 ح 1.
(6) الكافي 6: 211 / 8، الفقيه 3: 204 / 929، التهذيب 9: 35 / 141، الوسائل
23: 368 أبواب الصيد ب 19 ح 1.
(7) الكافي 6: 211 / 10، التهذيب 9: 34 / 139، مستطرفات السرائر: 18 / 5،
الوسائل 23: 367 أبواب الصيد ب 18 ح 5.
(8) الكافي 6: 211 / 11، التهذيب 9: 34 / 140، الوسائل 23: 369 أبواب
الصيد ب 20 ح 1.
343

وروايته، وفيها: (فإن وقع في الماء من رميتك ومات فلا تأكل
منه) (1).
ثم بعض تلك الروايات وإن كانت مطلقة في النهي عن أكل الصيد
بعد موته غائبا - كما حكي عن الشيخ في النهاية (2) - أو موته في الماء أو
بعد السقوط عن مثل الجبل - كما حكي عنه أيضا (3) - إلا أن بعد حمل
المطلقات على المقيدات يظهر أنه إذا لم يعلم استناد الموت إلى السبب
المحلل، ولو علم ذلك حل، ويؤكده أيضا ما دل على أكل الصيد الواقع في
الماء إذا كان رأسه خارجا عنه، كمرسلة الفقيه المتقدمة في المسألة الأولى
من البحث الثاني (4)، وصحيحة زرارة: (إن ذبحت ذبيحة، فأجدت الذبح،
فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك أو جبل، إذا كنت قد أجدت
الذبح فكل) (5).
وجعل من أسباب حصول العلم بالاستناد إلى الآلة المحللة:
صيرورتها باعث عدم استقرار حياة الصيد بعد إصابة الآلة ثم وقوعه في
الماء أو سقوطه عن الجبل.
وفيه نظر، لامكان تعجيل خروج الروح بالوقوع أو السقوط وإن كان
لا يعيش لولا ذلك أيضا.

(1) الكافي 6: 215 / 1، التهذيب 9: 38 / 158، الوسائل 23: 369 أبواب الصيد
ب 20 ح 2.
(2) النهاية: 581.
(3) النهاية: 581.
(4) في ص: 310.
(5) التهذيب 9: 58 / 241، تفسير العياشي 1: 291 / 16، الوسائل 24: 26
أبواب الذبائح ب 13 ح 1.
344

ومما ذكرنا يظهر ما في كلام جماعة - منهم: صاحب الكفاية (1)
والمقدس الأردبيلي (2) - من تقييد حرمة الغائب أو المتردي أو الواقع في
الماء بما إذا كانت حياته مستقرة، والحكم بالحل إذا لم يكن كذلك، مع
حكمهم بأن المناط: العلم بالاستناد إلى الآلة المحللة وعدمه، فإنه قد
يحصل العلم مع الحياة المستقرة، وقد لا يحصل مع عدمها.
ومما تدل على ما ذكرنا أيضا حسنة حمران في الذبيحة، وفيها: (فإن
تردى في جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه، فإنك لا تدري
التردي قتله أو الذبح) (3)، إذ ظاهر أن مع الذبح لا تبقى حياة مستقرة،
فالصواب ترك ذلك القيد الذي ليس في الأخبار أيضا عنه ذكر.
وهل يقوم الظن الغالب في المقام مقام العلم، أم لا؟
الحق: هو الثاني، للأصل، والتقييد في كثير من الأخبار - كصحيحتي
سليمان ومحمد بن قيس وموثقة سماعة ورواية أبي بصير ومرسلة الفقيه -
بالعلم أو الدراية.
وحكي عن بعض الاكتفاء بالظن (4)، ولعله لقوله في رواية زرارة:
(وقد ترى أنه لم يقتله غير سهمك)، وللاكتفاء بخروج الرأس عن الماء أو
إجادة الذبح، والتفصيل بين الأكل منه وعدمه بعد الغيبوبة في رواية عيسى
ابن عبد الله السابقة (5)، فإن شيئا منها لا يفيد غير الظن.
وهو حسن، ويؤيده عدم حصول غير الظن الغالب غالبا، لجواز

(1) الكفاية: 245.
(2) مجمع الفائدة 11: 22.
(3) الكافي 6: 229 / 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.
(4) كما في كشف اللثام 2: 72، والكفاية: 245، والمفاتيح 2: 213.
(5) في ص: 310 و 311.
345

استناد الموت إلى خوف حصل له عند وصول الآلة، أو سبب آخر من
الأمراض يخرج به روحه، فتكون هذه الوجوه قرينة لإرادة الظن الغالب من
العلم..
إلا أنه يمكن أن يقال: إن المعتبر هو العلم العادي أو ما يقوم مقامه
شرعا، ومنه أصالة عدم حدوث أمر آخر صالح لازهاق الروح، أو عدم
تأثير الأمر الحادث في الازهاق..
ولازمه الحلية إذا صلحت الآلة المحللة الحادثة للازهاق، كإجادة
الذبح أو شق البطن وخروج الحشو وفتق القلب، ولم يعلم حدوث ما
يصلح له، أو تأثير الحادث فيه، كالوقوع في الماء مع خروج الرأس..
والحرمة إذا صلح الأمران الحادثان للتأثير، كما إذا دخل الرأس في
الماء أو قطع بعضه وأكله، والظاهر تلازم الأمرين غالبا، أي العمل بالظن
والأصل في المسألة، والأحوط عدم التعدي عن العلم أو ما يقوم مقامه.
ومنها: عدم إدراك الصائد المتمكن من التذكية والذبح مع اتساع الوقت
لها للصيد حيا، فإن أدركه كذلك لم يحل الصيد بدون التذكية الذبحية.
أما اشتراط التذكية - مع إدراكه حيا ولو بحياة غير مستقرة وإمكان
التذكية واتساع الزمان لها - فلا يعرف فيه خلاف مع استقرار الحياة.
ويدل عليه قوله في صحيحة محمد وغير واحد: (إن أخذه فأدركت
ذكاته فذكه، وإن أدركته وقد قتله وأكل منه فكل) (1).
وفي صحيحة الحذاء: (فإذا أدركه قبل قتله ذكاه) (2).

(1) الكافي 6: 202 / 2، التهذيب 9: 22 / 89، الإستبصار 4: 67 / 241،
الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 2.
(2) الكافي 6: 203 / 4، التهذيب 9: 26 / 106، الوسائل 23: 340 أبواب الصيد ب 4 ح 1.
346

وفي رواية أبي بصير: (وإن أدركت صيده وكان في يدك حيا فذكه،
فإن عجل عليك فمات قبل أن تذكيه فكل) (1).
وفي الأخرى في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو الرمح: (فكل،
إلا أن تدركه ولم يمت بعد فذكه) (2).
وفي رواية عبد الله بن سليمان: (إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو
تحرك الذنب وأدركته فذكه) (3).
والرضوي: (إذا أردت أن ترسل الكلب على الصيد فسم الله، فإن
أدركته حيا فاذبحه أنت، وإن أدركته وقتله كلبك فكل منه) (4).
وبهذه الأخبار يخص عموم الكتاب والسنة، مع أن أكثرها معلق
للحل على القتل.
لا يقال: الأمر بالتذكية لا يدل إلا على وجوبها أو رجحانها، لا على
اشتراطها في الحلية الثابتة لمقتول الكلب - مثلا - بالعمومات.
قلنا: تثبت الحرمة بدونها بالاجماع المركب، بل تثبت بالمفهوم في
بعض الأخبار المذكورة أيضا.
وأما عدم اشتراطها مع عدم إمكان التذكية - لعدم وسعة الوقت، أو
لعدم حضور الآلة، أو امتناع الصيد ببقية قوته حتى مات، أو نحو ذلك - فعلى
الحق الموافق لجماعة، منهم: الصدوق والإسكافي (5) والشيخ في النهاية (6)

(1) التهذيب 9: 28 / 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.
(2) الكافي 6: 231 / 1، التهذيب 9: 54 / 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح ب 10 ح 5.
(3) الكافي 6: 232 / 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.
(4) فقه الرضا (ع): 296، مستدرك الوسائل 16: 111 أبواب الصيد ب 11 ح 2.
(5) الصدوق في المقنع: 138، حكاه عن الإسكافي في المفاتيح 2: 215.
(6) النهاية: 581.
347

والمختلف والكفاية والمفاتيح (1) وجمع أخر من القدماء (2) والمتأخرين (3).
وتدل عليه إطلاقات الكتاب والسنة الخالية عن المقيد سوى ما مر
من أوامر التذكية، وهي غير مفيدة، لتقييد الأمر الشرعي المثبت للشرطي
هنا بالامكان قطعا.
مع أنه على فرض الدلالة مطلقة يجب تقييدها بصحيحة جميل: عن
الرجل يرسل الكلب إلى الصيد فيأخذه وليس معه سكين يذكيه بها، أيدعه
حتى يقتله ويأكل منه؟ قال: (لا بأس) الحديث (4).
وروايته: أرسل الكلب واسمي عليه فيصيد وما بيدي شئ أذكيه،
فقال: (دعه حتى يقتله وكله) (5).
ومرسلة الفقيه: (إن أرسلت كلبك على صيد فأدركته ولم يكن معك
حديدة تذبحه بها فدع الكلب يقتله ثم كل منه) (6) ونحوها في الرضوي (7).
والمخالف في الأول فرقتان:
إحداهما: من استشكل في اعتبار التذكية مع إدراك الحياة مطلقا، وهو
صاحب الكفاية، حيث قال: وإن بقيت فيه حياة مستقرة فظاهرهم وجوب
المبادرة بالمعتاد إلى تذكيته، وفي إثباته إشكال (8). انتهى.

(1) المختلف: 676، الكفاية: 246، المفاتيح 2: 214.
(2) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 356.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 222، وصاحب الرياض 2: 267.
(4) الكافي 6: 204 / 8، التهذيب 9: 23 / 93، الوسائل 23: 344 أبواب الصيد ب 6 ح 2.
(5) الكافي 6: 206 / 17، التهذيب 9: 25 / 101، الوسائل 23: 348 أبواب
الصيد ب 8 ح 2.
(6) الفقيه 3: 205 / 934، الوسائل 23: 348 أبواب الصيد ب 8 ح 3.
(7) فقه الرضا (ع): 296، مستدرك الوسائل 16: 108 أبواب الصيد ب 8 ح 1.
(8) كفاية الأحكام: 246.
348

ولعله مبني على قاعدته من الاستشكال في دلالة الأوامر الشرعية على
الوجوب. ولا وجه له.
إلا أن يقال: الوجوب الشرعي - الذي هو حقيقة الأوامر - منفي هنا،
فيحمل على المجاز، وإذ لا يتعين فيحتمل مجرد الرجحان.
ولكن يرد عليه: أن المدلول عليه بالقرائن الحالية في أمثال المقام
كون التجوز هو الوجوب الشرطي، وهو مراد الأصحاب أيضا من وجوب
التذكية هنا، مع أن في انتفاء الوجوب الشرعي هنا أيضا نظرا، لكون ترك
التذكية إتلافا للمال المحترم وتضييعا له، وهو الاسراف المحرم بالكتاب والسنة،
فيكون فعل ضده واجبا، وقد صرح بذلك المحقق الأردبيلي قدس سره في المسألة (1).
وثانيتهما: من قال بعدم اعتبارها مع الحياة الغير المستقرة،
وتخصيص وجوبها بالحياة المستقرة المعتبرة في بعض كلماتهم بما يمكن
البقاء يوما أو يومين (2)، بل في بعضها: الأيام (3)، وفي بعض آخر: يوما أو
بعض يوم. وهو المحكي عن المبسوط (4)، بل عن المشهور بين المتأخرين
كما في شرح المفاتيح وغيره (5)، بل مطلقا كما في المفاتيح (6)، وهو
المصرح به في كلام الفاضلين (7).
واستدل له بأن ما لا تستقر حياته قد صار بمنزلة المقتول، وهو

(1) مجمع الفائدة 11: 49.
(2) التحرير 2: 156، الإيضاح 4: 120.
(3) كما في كشف اللثام 2: 75.
(4) المبسوط 6: 260.
(5) كالرياض 2: 268.
(6) المفاتيح 2: 214.
(7) المحقق في الشرائع 3: 207، والعلامة في المختلف: 676، والتحرير 2: 156.
349

اجتهاد فاسد في مقابلة النص.
وقد يتوهم أن القتل - الذي علقت عليه الحلية - يتحقق عرفا مع انتفاء
استقرار الحياة، فيقال لمن ضرب شخصا ضربا يقطع بموته بعد لحظة أو
لحظتين: إنه قتله.
وفيه - مع أن ذلك تجوز يراد به أنه أشرفه على القتل، ويراد أنه
يتحقق قطعا -: أن ذلك لو سلم فليس في عدم استقرار الحياة بالمعنى
المتقدم، فإنه يقال لمن قطع بموته غدا أو بعد غد: إنه لم يقتله بعد.
نعم، لو توهم فإنما هو إذا أريد منه أحد المعاني الأخر الذي ذكروه
كما قيل: إن غير مستقر الحياة ما لم يتسع الزمان للتذكية مع حضور الآلة،
أو ما كانت حركته حركة المذبوح، أو ما لم تطرف عينه ولم تركض رجله
ولم يتحرك ذنبه، ذكر هذه المعاني المحقق الأردبيلي (1). أو ما قطع حلقومه
أو فتق قلبه أو شق بطنه، ذكره بعض آخر (2). ومع ذلك أيضا لا يفيد،
لتعليق الحكم في روايتي أبي بصير المتقدمتين بالموت وعدم الموت،
وعدم صدق الموت مع بقاء مطلق الحياة ظاهر.
ولولا هاتان الروايتان لكنا نفسر الحياة المستقرة بما هو ظاهر معناها،
أي الحياة التي لم تشرع بعد في الخروج ولها استقرار في البدن، وغير
المستقرة بما تزلزل عن مستقره وشرع في النقصان والانتفاء والخروج وإن
بقي منه شئ بعد.
وهذا المعنى هو الراجع إلى أحد المعاني الأربعة الأخيرة، ونحكم
باشتراط وجوب التذكية بالحياة المستقرة، لصدق القتل عرفا بل لغة مع

(1) مجمع الفائدة 11: 50 - 51.
(2) انظر المسالك 2: 222، والرياض 2: 266.
350

جعل الحيوان بهذه المثابة، ولا دليل على توقف صدق القتل لغة على
خروج تمام الروح، مع عدم صحة السلب عما خرج شئ من روحه
ويتدرج في الخروج إلى أن يتم، ولبقاء هذه الحياة الغير المستقرة للذبائح
بعد التذكية ولا يحتاج إلى تذكية أخرى.
ولذا قالوا بعدم إبانة الرأس بعد التذكية وقبل خروج الروح، فيعلم منه
أنه تحصل التذكية بما يجعل الحياة غير مستقرة بهذا المعنى، فتكون
حاصلة في الصيد أيضا.
ولا تضر أخبار طرف العين أو ركض الرجل أو حركة الذنب في ذلك
أصلا، لأن أكثرها - كما يأتي - واردة في خصوص الذبيحة، ونادر منها
يحتملها ويحتمل الاطلاق أيضا، والمراد منها بيان وقت إدراك ذكاة ما لم
يذك بعد ويراد تذكيته، لا ما وردت عليه تذكية صيدية أو ذبحية.
وبالجملة: واردة فيما لم يكن مسبوقا بتذكية، أو ما يحتمل كونه
تذكية.
ومنه يظهر حال رواية ليث المرادي الواردة في صيد الصقور والبزاة:
(كل ما لم يقتلن إذا أدركت ذكاته، [وآخر] الذكاة إذا كانت العين تطرف
والرجل تركض والذنب يتحرك) (1) فإنه هذه الذكاة أيضا غير مسبوقة
بتذكية. فهو كالذبيحة ولا يشترط فيها حياة مستقرة إلا أن الروايتين
المذكورتين تصدنا عن الحكم بذلك الأمر المناسب للاعتبار.
ولعل المتأخرين - لبنائهم في العمل على تنويع الأخبار بأنواعها

(1) الكافي 6: 208 / 10، التهذيب 9: 33 / 131، الإستبصار 4: 73 / 267،
الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4، بدل ما بين المعقوفين في النسخ:
وخير، وما أثبتناه من المصدر.
351

المعروفة، وعدم العمل بالضعيف - أطرحوا الخبرين من البين، وحكموا
بالفرق بين الحياتين.
وأما القدماء، فلعدم معرفتهم في الأخبار بهذه التفرقة لم يذكروا
ذلك، وعلقوا الحكم على الحياة والموت بالاطلاق.
وترك جماعة - منهم: الشهيدان (1)، ومن تبعهما ممن تأخر عنهما (2)،
وابن حمزة كما حكي عنه في المختلف والتنقيح (3) - اعتبار استقرار الحياة
.. ولذا قال الشهيدان - كما حكي عنهما في شرح المفاتيح -: إنه ليس في
كلام قدمائنا حكاية استقرار الحياة.
وحكي عن الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أن اعتبار استقرار
الحياة ليس من المذهب (4).
وهو الظاهر - كما قيل - (5) من الشيخ والحلي أيضا، حيث نسبا مفاد
الأخبار - الذي هو الاطلاق - إلى الأصحاب، أو إلى رواياتهم، فتأمل.
ويحتمل أن يكون هذا الكلام منهم في الذبيحة دون الصيد، كما هو
الظاهر، وخلط في المقامين من لم يفهم الفرق بين التذكيتين، فإن الظاهر
أن بناء الأصحاب في غير الصيد عدم الاعتناء بالحياة المستقرة والاكتفاء
بطرف العين ومثله لبقاء الحياة، وفي الصيد اعتبار استقرار الحياة بالمعنى
الذي ذكرناه في لزوم التذكية لئلا ترد تذكية على تذكية، فإن بقاء الحياة
الغير المستقرة بعد الذبح كما لا يحتاج بعده إلى تذكية فيلزم أن يكون

(1) الشهيد الأول في الدروس 2: 415، الشهيد الثاني في الروضة 7: 227.
(2) كالفيض في المفاتيح 2: 214، وصاحب الرياض 2: 268.
(3) المختلف: 676، التنقيح 4: 7، وهو في الوسيلة: 356.
(4) حكاه عنه في الدروس 2: 415.
(5) في الرياض 2: 268، وهو في المبسوط 6: 260.
352

كذلك في الصيد.. ولذا اشترطوا في لزوم تذكيته بقاء الحياة المستقرة، ولم
يشترطوه في الذبيحة ومثلها، ومنه صيد الصقور والبزاة، وغير الماهر في
الفن قد يرى في كتب المحققين من العلماء اشتراط المستقرة في الصيد
دون غيره، فيحكم بالتنافي بين الموضعين، ولقد كنا نحكم بالتفصيل أيضا
لولا الروايتان كما ذكرنا.
وأما المخالف في الثاني فهو أيضا بين طائفتين:
أولاهما: من يقول باشتراط التذكية في حلية الصيد مع استقرار حياته
ولو لم يتسع الوقت لها، فلو تركها والحال ذلك حتى مات حرم، حكي عن
الخلاف والسرائر والمختلف (1)، لاطلاقات الأمر بالتذكية مع الحياة.
وأجيب بلزوم تقييد الأمر بها بالقدرة، ومع عدم اتساع الوقت لا
تكون مقدورة (2).
وفيه: أن لزوم التقييد بالقدرة إنما هو في الأمر بمعنى الوجوب
الشرعي دون الشرطي، إلا أن يقال بالشرعية هنا بالتقريب الذي تقدم منا،
فيقيد بالقدرة، ويبقى حال عدمها تحت عمومات حلية الصيد.
هذا، مع أن قوله -: (فإن عجل عليك) في ذيل رواية أبي بصير -
صريح في الحلية مع عدم اتساع الوقت، منجبر بحكاية الشهرة في المسالك
والروضة (3) لو قيل بضعف الرواية، فبه تقيد الأوامر لو كانت شرطية مطلقة.
وثانيتهما: من يقول باشتراطها في الحلية لو كان عدم إمكانها لعدم
حضور الآلة، فلو لم يذكها لعدم حضور الآلة لم تحل، ذهب إليه المحقق

(1) الخلاف 2: 518، السرائر 3: 85، المختلف: 676.
(2) كما في الرياض 2: 267.
(3) المسالك 2: 223، الروضة 7: 207.
353

في كتابيه (19)، وحكي عن الحلي وابن حمزة (20)، بل نسب إلى المشهور (3)،
لأصالة الحرمة، والأخبار المتقدمة الدالة على اعتبار الذبح بعد إدراكه مطلقا.
ويرده ما مر من إطلاقات الكتاب والسنة، ومن صحيحة جميل وما
تعقبها من الروايات المتقدمة (4).
وأجيب عن الأول: بمنع إطلاق الكتاب والسنة استنادا إلى أنه لو كان
كذلك لجاز ترك التذكية مع وجود [آلة] (5) الذبح (6).
وهو مردود بأنه نعم كان كذلك لولا الاجماع والأخبار الموجبة
للتذكية مع إدراكها.
والقول بأن الأخبار المذكورة شاملة لمفروض المسألة أيضا، لأن
غايتها التقييد بالامكان وعدم العذر، وفقد الآلة ليس بعذر، كما في الحيوان
الغير الممتنع الممكن فيه التذكية (7).
مردود بأنه لم ليس فقد الآلة عذرا؟! مع أنه لا يمكن الذبح بدونها
البتة، مع أنه قد يكون فقدها لنسيان أخذها، أو عدم إرادة صيد أولا، أو
افتقارها بعد الأخذ، أو انكسارها.. وعدم كونه عذرا في غير الممتنع لأنه لا
يقبل العذر أصلا، ولذا لو مات قبل وصول المالك إليه - ولو عجل في

(1) المختصر النافع: 249، والشرائع 3: 203.
(2) الحلي في السرائر 3: 93، وابن حمزة في الوسيلة: 356، حكاه عنهما في
المختلف: 674.
(3) في الرياض 2: 267.
(4) في ص: 348.
(5) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المتن.
(6) انظر الإيضاح 4: 122.
(7) الرياض 2: 267.
354

الوصول غاية التعجيل - لم يحل، وكيف يكون عدم اتساع الزمان عذرا كما
ذكره هذا القائل ولا يكون ذلك عذرا؟!
والتفرقة بينهما - بصدق الادراك مع فقد الآلة عرفا وعدم صدقه مع
عدم اتساع الزمان - فاسدة، لأنه إن أريد إدراك الذكاة فلم يدركها في شئ
من الحالين، وإن أريد إدراك الحياة فقد أدركها في الحالين، مع أنه استدل
للتقييد باتساع الزمان بعدم المقدورية بدونه - وهو هنا يتحقق قطعا - لا
بعدم صدق الادراك.
وعن الثاني: بمنع دلالة الروايات المتقدمة، لأنها لا تدل على الأزيد
من أخذ الكلب للصيد، وهو غير صريح في إبطال امتناعه، بل يجوز أن
يكون الصيد بعد باقيا على الامتناع والكلب ممسك له، فإذا قتله حينئذ فقد
قتل ما هو ممتنع، فيحل بالقتل (1).
وفيه: أن قوله: ولا يكون معه سكين، وقوله: فيذكيه بها، وقوله:
أيدعه؟ و: (دعه) قرائن موجبة لصراحته في صورة إبطال الامتناع، سيما
أن الغالب بطلانه بمجرد الأخذ، وتتضمن المرسلة لقوله: (فأدركته) الذي
هو بعينه عبارة أدلة الأمر بالتذكية.
والقول بأن غاية ما يفيد تلك القرائن الظهور، وهو لا ينافي الحمل
على صورة بقاء الامتناع جمعا بين الأدلة.
فاسد جدا، إذ هل تكون الأدلة الشرعية إلا الظواهر؟! وبها تخصص
العمومات وتقيد الاطلاقات، ولا يقول أحد بارتكاب خلاف الظاهر في
الخاص أو المقيد جمعا بينه وبين العام أو المطلق.

(1) الإيضاح 4: 122.
355

وأفسد منه ما قيل: إنه على تقدير الصراحة أيضا يقوى القول باعتبار
التذكية مع فقد الآلة، لاعتضاده بالشهرة العظيمة، التي هي من المرجحات
الشرعية (1).
فإنه أين ثبتت الشهرة فضلا عن العظيمة؟! غايتها المحكية، وهي
ليست بتلك المثابة، مع أن المرجح ليس هذه الشهرة، بل هي الشهرة في
الرواية، وهي هنا مفقودة.
وأيضا الاحتياج إلى المرجح إنما هو مع التعارض المحتاج إليه، وبعد
تسليم الصراحة تكون الصحيحة وما بمضمونها خاصة، فتكون مقدمة البتة،
سيما مع عمل فحول القدماء بها.
ولو سلم التعارض فلا يكون مرجح، فيرجع إلى أصل الإباحة
والتذكية بعد التسمية.
فروع:
أ: المشهور - كما قيل (2) - وجوب المسارعة العرفية بالمعتاد إلى
الصيد بعد إرسال الآلة أو بعد إصابتها الصيد شرطا أو شرعا.
وتأمل فيه جماعة من المتأخرين، كالمحقق الأردبيلي (3) وصاحب
الكفاية (4) وشارح المفاتيح وبعض مشايخنا المعاصرين (5)، مصرحين بعدم
وجدانهم دليلا عليه..

(1) الرياض 2: 267.
(2) الرياض 2: 268.
(3) مجمع الفائدة 11: 49.
(4) الكفاية: 246.
(5) صاحب الرياض 2: 268.
356

إلا ما ذكره الأول من أنه لولا المسارعة لاحتمل إصابة الآلة ومجرد
الجرح بها ثم الموت بعده لا بذلك الجرح فقط فلا يكون مقتولا بالآلة
فيحرم. أما مع المسارعة فإن أدركه حيا يذكيه، وإلا فيعلم أنه مقتول الآلة..
وما ذكره الأخير من أصالة الحرمة، وعدم انصراف الاطلاقات إلى
صيد لم تتحقق إليه المسارعة المعتادة، لأن المتبادر منها ما تحققت فيه،
وإلا لحل الصيد مع عدمها ولو بقي غير ممتنع سنة ثم مات بجرح الآلة، مع
أن الثابت من استقراء النصوص دوران حل الصيد بالاصطياد وحرمته مدار
حصول موته حال الامتناع به وعدمه مع القدرة عليه، فيحل في الأول دون
الثاني إلا مع تذكيته.
وعن الحلي الاجماع عليه، حيث قال: ولا يحل مقتول الكلب إلا مع
الامتناع إجماعا، فلو أخذته الآلة وصيرته غير ممتنع توقف حلها على
التذكية، فيجب تحصيلها بالمسارعة المعتادة (1).
ويرد على الأول: أن الاحتمال المذكور جار مع المسارعة أيضا، وقد
يعلم استناد الموت بدون المسارعة مع القرائن، وبالجملة: العلم باستناد
الموت إلى الاصطياد أمر آخر وراء المسارعة.
وعلى الثاني: منع أصالة الحرمة بعد إرسال الآلة وإجراء التسمية،
وعدم تفاوت الاطلاقات بالنسبة إلى ما تحققت إليه المسارعة أو لم تتحقق،
ونسلم حلية ما مات بالجرح ولو بعد سنة وإن ادعي الاجماع على خلافه
فهو فيه الحجة، ومنع دلالة الاستقراء على ما ذكره، وأي نص أو ظاهر فيه
عليه الدلالة؟!

(1) حكاه عنه في التنقيح 4: 14، والرياض 2: 268، وهو في السرائر 3: 93.
357

ومراد الحلي بيان ما يحل بالصيد - أي الحيوان الممتنع، كما ذكرنا
أيضا - لا وقوع الموت والقتل للممتنع حال الامتناع، فإنه غير محقق غالبا،
إذ بعد الأخذ والإصابة يضعف الصيد شيئا فشيئا حتى يموت.
وعلى هذا، فما ذكروه من خلو ذلك عن الدليل مطابق للواقع،
والأصل يقتضي العدم، إلا أن بعد مشاهدة الصائد إصابة الآلة إلى الصيد
وإيجابه عجزه وضعفه وإبطال امتناعه يصدق إدراكه حيا وتجب تذكيته،
فتلزم المسارعة إليه، لئلا يموت الصيد المدرك حياته، ولا يبعد أن يكون
مرادهم ذلك أيضا.
ب: قال بعض شراح المفاتيح باختصاص أدلة وجوب التذكية مع
إدراك الصيد حيا بما صيد بالآلة الحيوانية، قال: ووجوب التذكية فيما صيد
بالآلة الجمادية مع إدراكه حيا ووجوب المسارعة إليه بالمعتاد فمستنده غير
واضح.
أقول: تدل عليه رواية أبي بصير الثابتة في البعير الممتنع، المتقدمة
في صدر هذا الشرط (1).
إلا أن يقال: إنها مخصوصة بما تجب ذكاته أصلا ورخص في
الضرب بالسيف والرمح لمكان العذر، فإذا ارتفع وحياته باقية يعمل فيه
بمقتضى أصله، بخلاف ما لم يكن أصله كذلك، والاجماع المركب غير
ثابت.
وعلى هذا، فلا ينبغي الريب في حل مقتول الآلة الجمادية إذا أدركه
مع الحياة الغير المستقرة بالمعنى الذي ذكرناه من شروع الروح في

(1) في ص: 347.
358

الخروج، للاطلاقات وعدم المقيد في المقام، وأما فيما أدركت حياته
المستقرة فالأحوط التذكية مع الامكان واتساع الزمان ووجود الآلة، كما في
المقتول بالآلة الحيوانية.
ج: اعلم أن ما ذكر إنما هو إذا لم يقطع بعض أعضاء الحيوان بالآلة،
وأما إذا قطع وأبين منه فهو مسألة أخرى، لتعارض أخبار الأجزاء المبانة من
الحي مع بعض الاطلاقات، فلها حكم آخر غير حكم هذه المسألة، وما
أصاب من جعل المسألتين من باب واحد، ولذا أشكل عليه المقام وأما
على ما ذكرنا فلا إشكال كما يأتي.
* * *
359

الفصل الخامس
في سائر أحكام الصيد وما يتعلق به
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يشترط في حل الصيد اصطياده بآلة مباحة، فلو
غصب كلبا أو سهما أو غيرهما من الآلات فاصطاد به صيدا لم يحرم الصيد
وإن فعل حراما، للأصل، والاطلاقات، وعدم دلالة النهي في أمثال المقام
من المعاملات على الفساد وإن دل عليه في العقود والايقاعات.
المسألة الثانية: الحق المشهور: أن موضع عض الكلب من الصيد
نجس يجب غسله، لما ثبت من نجاسة الملاقي للكلب بالرطوبة.
خلافا للمحكي عن المبسوط والخلاف (1)، فقال بطهارة موضع العض،
لظاهر قوله سبحانه: (فكلوا مما أمسكن عليكم) (2) من غير أمر بالغسل.
وفيه: أن الإذن في الأكل لا ينافي توقفه على أمر آخر إذا ثبت بدليل
آخر.
المسألة الثالثة: المشهور كراهة رمي الصيد بآلة أكبر منه - كقتل
العصفور بالسيف والرمح - لمرفوعة محمد بن يحيى: (لا يرمي الصيد
بشئ هو أكبر منه) (3).

(1) المبسوط 6: 259، الخلاف 2: 517.
(2) المائدة: 4.
(3) الكافي 6: 211 / 12، التهذيب 9: 35 / 142، الوسائل 23: 370 أبواب
الصيد ب 21 ح 1.
360

وعن الشيخ في النهاية (1) وابن حمزة (2): حرمته، استنادا إلى
المرفوعة.
وهو ضعيف، لقصورها حجية ودلالة.
وأضعف منه قولهما بتحريم الصيد أيضا بذلك.
المسألة الرابعة: لو تقاطعت الكلاب أو السيوف مع اجتماع الشرائط
- التي منها: التسمية على كل واحد - حل الصيد بشرط عدم إدراك الصائد
إياه حيا في متقاطع الكلاب، بلا خلاف - كما قيل (3) - لوجود شرائط
الحل، وانتفاء المانع، إذ ليس إلا تعدد الآلة، وهو لا يصلح للمانعية،
للأصل المشار إليه مرارا والاطلاقات.
مضافا إلى مفهوم التعليل الوارد في رواية أبي بصير، المتقدمة في
المسألة الثانية من البحث الأول من الفصل الأول (4)، فإنه يدل على حل
الصيد بتعدد الآلة.
وإلى موثقة محمد الحلبي المتقدمة في الأولى من البحث الثاني من
الفصل الأول (5).
ولا فرق بين تقاطع الكلاب إياه وحياته مستقرة وعدمه.
نعم، لو تقاطع الصائدون المتعددون مقتول الكلب يشترط في حله
وقوع فعلهم بعد موت الصيد على المختار، وبعد صيرورته في حكم
المذبوح وانتفاء استقرار حياته عند من يشترط في وجوب التذكية بقاء

(1) النهاية: 580.
(2) في الوسيلة: 357 - 358.
(3) في الرياض 2: 265.
(4) في ص: 285.
(5) في ص: 311.
361

الحياة المستقرة، وفاقا لجماعة، منهم: السرائر والمسالك (1)، بل هو
المشهور بين الأصحاب، ووجهه ظاهر، لمطابقته للقاعدة المقررة في
المسألة.
وخلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية (2)، فسوى بين تقاطع الكلاب
والصائدين في الحلية، لموثقة محمد الحلبي المتقدمة إليها الإشارة،
ولصحيحة محمد بن قيس (3) ومرسلة الفقيه (4) الواردتين في الإبل المصطاد.
وأجيب عنها: بقصورها عن مكافأة أصالة الحرمة والأدلة الدالة على
اعتبار التذكية في الحيوانات الغير الممتنعة، مع قصورها عن صراحة
الدلالة، لتأتي الاحتمالات العديدة، كعدم صيرورة الصيد بالأول غير
ممتنع، واجتماع الجميع للشرائط، فيكونون فيه شركاء، أو كون التقطيع
بعد الموت أو بعد الحياة المستقرة، أو حمل التقطيع على الذبح.
ويرد عليه: منع أصالة الحرمة في المقام، ومنع مكافأتها للأخبار
الصحيحة والموثقة لو سلمت، ومنع اشتراط التذكية في الحيوانات الممتنعة
العاجزة عن الامتناع بالآلات الصيدية، فإنها بذلك غير خارجة عن صدق
الصيد كما مر، ومنع قصورها في الدلالة، غايتها أنها بالعموم أو الاطلاق
الذي هو في الألفاظ حجة.
نعم، تتعارض تلك الأخبار بالعموم من وجه مع أخبار التذكية، وإذ
لا مرجح - سوى الشهرة المحكية التي هو للترجيح غير صالحة - فيرجع إلى

(1) السرائر 3: 96، المسالك 2: 221.
(2) النهاية: 581.
(3) الكافي 6: 210 / 2، التهذيب 9: 34 / 138، الوسائل 23: 364 أبواب الصيد
ب 17 ح 2.
(4) الفقيه 3: 204 / 930، الوسائل 23: 362 أبواب الصيد ب 16 ح 1.
362

الأصل، وهو - على ما ذكرنا بعد اجتماع شرائط التذكية - مع الحلية، فقول
النهاية في غاية القوة والمتانة، والاحتياط أولى وأحسن.
فرع: لو رمى شخصان صيدا فوجداه ميتا بالرميين، فإن كان الجرح
عن كل واحد مستقلا في سببية الموت لولا الآخر حل الصيد، وكذا إن
جعلاه غير ممتنع وأدركا ذكاته، ويحكم بالشركة بينهما نصفين، ويحتمل
القرعة.
وإن لم يكن كل واحد من الجرحين مستقلا في إزالة الحياة، قيل: لم
يحل، لاحتمال جعله أحدهما غير ممتنع خارج عن الصيدية متوقف حله
على الذبح ثم قتله الآخر فقتل آلة الصيد غير ممتنع فلا يحل، وبمجرد
الاحتمال تنفى الحلية (1).
وفيه أولا: أن الأصل عدم انتفاء الامتناع قبل وصول الآلة الثانية.
وثانيا: ما عرفت من عدم الخروج عن الصيدية بمجرد عدم (2)
الامتناع الحاصل من الصيد، مع أنه لو صح ذلك لما حل صيد إلا نادرا، إذ
يحتمل في مقتول الكلب الواحد أن يجعله أولا غير ممتنع بجرح أو كسر ثم
يقتله، فكان قتل غير الممتنع، وفساده ظاهر.
المسألة الخامسة: قد مر في كتاب المطاعم حرمة الأجزاء المبانة من
الحي، وسواء في ذلك إذا كانت الإبانة من آلات الصيد الحيوانية والجمادية
أو من غيرهما، للاجماع، وإطلاق كثير من النصوص، وخصوص طائفة
منها، والنصوص في ذلك عموما أو خصوصا كثيرة جدا:
كرواية الكاهلي: عن قطع أليات الغنم - إلى أن قال -: (ما قطع منها

(1) مجمع الفائدة 11: 57.
(2) في النسخ: ذلك الامتناع، والظاهر ما أثبتناه.
363

ميت لا ينتفع به) (1).
ورواية أبي بصير: في أليات الضأن تقطع وهي أحياء (إنها ميتة) (2).
وصحيحة الوشاء: يثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال: (حرام
هي (3)) (4).
ومرسلة النضر: في الظبي وحمار الوحش يعترضان بالسيف فيقدان،
فقال: (لا بأس بأكلهما ما لم يتحرك أحد النصفين، فإن تحرك أحدهما فلا
يؤكل الآخر لأنه ميت) (5).
ورواية غياث بن إبراهيم: في الرجل يضرب الصيد فيقده نصفين،
قال: (يأكلهما جميعا، فإن ضربه وبان منه عضو لم يأكل منه ما أبانه وأكل
سائره) (6).
ومرسلة الفضل النوفلي: ربما رميت بالمعراض فأقتل، فقال: (إذا
قطعه جدلين فارم بأصغرهما وكل الأكبر، وإن اعتدلا فكلهما) (7).
ورواية إسحاق بن عمار: في رجل ضرب غزالا بسيفه حتى أبانه

(1) الكافي 6: 254 / 1، الفقيه 3: 209 / 967، التهذيب 9: 78 / 330، الوسائل
24: 71 أبواب الذبائح ب 30 ح 1.
(2) الكافي 6: 255 / 2، الوسائل 24: 72 أبواب الذبائح ب 30 ح 3.
(3) في النسخ زيادة: ميت.
(4) الكافي 6: 255 / 3، التهذيب 9: 77 / 329، الوسائل 24: 71 أبواب الذبائح
ب 30 ح 2.
(5) الكافي 6: 255 / 6، التهذيب 9: 77 / 326، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد
ب 35 ح 3.
(6) الكافي 6: 255 / 7، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35 ح 1.
(7) الكافي 6: 255 / 5، التهذيب 9: 77 / 327، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد
ب 35 ح 4.
364

أيأكله؟ قال: (نعم يأكل مما يلي الرأس ثم يدع الذنب) (1).
وصحيحة محمد بن قيس: (ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه
يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت، وكلوا ما أدركتم حياته وذكرتم اسم الله
عليه) (2).
وصحيحة البصري: (ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت،
وما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه) (3).
ورواية عبد الله بن سليمان: (ما أخذت الحبالة فانقطع منه شئ أو
مات فهو ميتة) (4).
وتفصيل الكلام في هذه المسألة: أن القاطع للجز إما آلة غير محللة
- كالحبالة والشبكة وآلات الصيد الغير الجامعة للشرائط - أو محللة،
كالكلب والسيف ونحوهما الجامع للشرائط.
وعلى التقديرين: إما يقطع بجزأين ميتين غير متحركين، أو جزأين
حيين بحياة غير مستقرة، أو أحدهما ميت والآخر حي بحياة مستقرة أو غير
مستقرة، وأما الجزءان الحيان بحياة مستقرة فهو غير ممكن.
فعلى الأول - أي إذا كانت الآلة غير محللة -: فمع القطع بالميتين
يحرم الجزءان، والوجه واضح.

(1) الكافي 6: 255 / 4، التهذيب 9: 77 / 328، الوسائل 23: 387 أبواب الصيد
ب 35 ح 2.
(2) الكافي 6: 214 / 1، التهذيب 9: 37 / 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد
ب 24 ح 1.
(3) الكافي 6: 214 / 3، التهذيب 9: 37 / 155، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد
ب 24 ح 2.
(4) الكافي 6: 214 / 4، الوسائل 23: 377 أبواب الصيد ب 24 ح 3.
365

وكذا بالحيين بالحياة الغير المستقرة عند من يعتبر المستقرة في تذكية
الذبيحة.
وكذا عند من لا يعتبرها لو أدرك الصائد والصيد ميت، ويحل أحد
الجزأين عنده بعد التذكية - وهو الجزء القابل لها - ويحرم الآخر، ولا يمكن
تذكية الجزأين، لاختصاص أحدهما بمحلها لا محالة، وأما التذكية الصيدية
الممكن ورودها على كل عضو فلم يثبت بدليل ورودها على بعض الحيوان
المنفصل أصلا.
وكذا لو كان أحدهما خاصة حيا بحياة مستقرة، فيحل بعد التذكية
إجماعا.
وعلى الثاني - أي كون الآلة محللة -: فمع القطع بالميتين يحل
الجزءان بلا خلاف، لاطلاقات القتل بالآلات الصيدية الخالية عن
المعارض، وخصوص مرسلة النضر.
وبالحيين بالحياة الغير المستقرة، فإن لم يدركهما الصائد حتى ماتا
معا حلا بلا خلاف، لما مر أيضا.
وإن أدركهما حيين فيحلان أيضا عند من يعتبر الحياة المستقرة في
وجوب تذكية الصيد المدرك مطلقا، أو في إحدى الآلتين، أي الجمادية كما
اخترناه.
وأما من لا يعتبرها ويوجب التذكية فيلزمه توقف حلية الجزء القابل
للتذكية عليها، وأما الجزء الآخر فيحتمل الحلية، لأحاديث الاصطياد وعدم
قبوله التذكية، فهو مما لم تدرك ذكاته.. ويحتمل الحرمة، لأنه جزء مبان
من الحي، ولعدم معهودية ورود تذكيتين ذبحية وصيدية على صيد واحد
باعتبار الجزأين، والأحوط الاجتناب عنه.
366

ومع القطع بميت وحي بالحياة المستقرة مع إدراك الصائد التذكية،
فيذكي الحي وجوبا في صيد الكلب، واحتياطا في صيد الآلة، ويحرم الآخر
إجماعا، لجميع الأخبار المتقدمة.
وبالحياة الغير المستقرة، فذهب الحلي (1) وجماعة (2) بل كافة
المتأخرين - كما قيل (3) - إلى حلية الجزأين، لاطلاق أحاديث الاصطياد،
سيما صحيحة محمد بن علي الحلبي، المتقدمة في المسألة الأولى من
البحث الثاني (4).
وعن النهاية (5) والقاضي وابن حمزة (6) حرمة الجزء الميت، لاطلاق
مرسلة النضر وما تأخر عنها من الأخبار.
والتحقيق: تعارض الاطلاقين بالعموم من وجه في الجزء الميت،
والترجيح للأول بموافقة الكتاب وأصل الحلية الثابتة بعد ذكر اسم الله
تعالى، فتأمل.
وأما الجزء الحي، فحلال عند من يعتبر في وجوب التذكية الحياة
المستقرة، وكذا عند من يكتفي فيه بغير المستقرة أيضا إن لم يدرك الصائد
ذكاته، أو كان الجزء الحي غير محل التذكية، وإن أدركها مع كون المحل
مما يقبلها فيتأتى الاشكال من عدم معهودية حلية جزأي حيوان واحد

(1) السرائر 3: 95.
(2) منهم العلامة في القواعد 2: 151، والشهيد في الدروس 2: 399، والفيض في
المفاتيح 2: 315.
(3) في الرياض 2: 266.
(4) في ص: 309.
(5) النهاية: 581.
(6) القاضي في المهذب 2: 436، وابن حمزة في الوسيلة: 357.
367

بتذكيتين مختلفتين، ومن إطلاقات الحلية بالتذكيتين، والأحوط الاجتناب
عن الجزئين.
المسألة السادسة: قد تقدم أن للصيد والاصطياد معنيين:
أحدهما: إزهاق روح الحيوان الوحشي الممتنع بالأصالة وتذكيته قبل
أخذه.
والثاني: إثبات اليد عليه وأخذه حيا لتملكه.
وقد سبقت أحكام المعنى الأول وشرائطه.
وأما الثاني: فالكلام فيه تارة في ما يحل أكله ويحرم، وقد مر في
كتاب المطاعم.
وأخرى في ما به يحل أكله من أنواع التذكية، وهو أيضا قد مر في
ذلك الباب، ويجئ في باب الذباحة.
وثالثة في ما يقبل التذكية وما لا يقبل، وهو أيضا يأتي في باب الذباحة.
وإنما الكلام هنا فيه من حيث التملك وعدمه، وهو أيضا إما في ما
يقبل منه التملك ويدخل في الملكية، أو في سبب تملكه.
أما الأول: فقد ذكرنا وأثبتنا في كتاب عوائد الأيام أصالة تحقق
الملكية بذلك المعنى لكل شئ له جهة انتفاع مقصود للعقلاء (1)، ولازمه
حصول التملك لكل حيوان ممتنع أصالة له جهة نفع مقصود للعقلاء مع
قصد جهة النفع بإحداث سببه.. فلا يتحقق الصيد بذلك المعنى في مثل
الزنبور والحية والفأرة ونحوها، إلا إذا فرض نفع لبعض أجزائها في دواء
ونحوه وصيد لأجل ذلك.

(1) عوائد الأيام: 40.
368

وأما الثاني: فهو المقصود ذكره في ذلك المقام، فنقول:
يتحقق الصيد المملك بهذا المعنى بالأخذ الحقيقي ووضع اليد حقيقة
عليه - كأن يأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو الحبل المشدود عليه بنفسه أو
بوكيله - بالاجماع وأخبار الأخذ الآتية.
وكذا يتحقق الصيد المملك بأخذه وإثبات اليد عليه بكل آلة معتادة
لذلك يتوصل بها إليه، كالكلب والصقر والباز والشاهين وسائر الجوارح
والشبكة والحبالة والفخ ونحوها، مع قصد الأخذ بها عند استعمالها، بمعنى
تسلط الآلة عليه أو وقوعه في الآلة، وأن يضع الصائد يده عليه بعد،
بالاجماع والنصوص:
منها: الأخبار العديدة المتضمنة لحلية صيد الصقور والبزاة والفهد
والحبالة بعد التذكية (1).
ومنها: أخبار أخر، كصحيحة ابن سنان: (من أصاب مالا أو بعيرا في
فلاة من الأرض قد كلت وقامت وسيبها صاحبها مما لم يتبعه، فأخذها غيره
فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الموت فهي له ولا
سبيل له عليها، وإنما هي مثل الشئ المباح) (2).
دل جزؤها الأخير على أن كل شئ مباح أخذه فهو له.
ورواية السكوني: (في رجل أبصر طائرا فتبعه حتى سقط على شجرة
فجاء رجل آخر فأخذه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: للعين ما رأت ولليد
ما أخذت) (3).

(1) كما في الوسائل 23: 348، 376 أبواب الصيد ب 9 و 24.
(2) الكافي 5: 140 / 13، التهذيب 6: 392 / 1177، الوسائل 25: 458 أبواب
اللقطة ب 13 ح 2.
(3) الكافي 6: 223 / 6، التهذيب 9: 61 / 257، الوسائل 23: 391 أبواب الصيد
ب 38 ح 1.
369

وصحيحة البزنطي، وفي آخرها: فإن هو صاد ما هو مالك لجناحيه لا
يعرف له طالبا؟ قال: (هو له) (1).
ومرسلة ابن بكير: (إذا ملك الطائر جناحه فهو لمن أخذه) (2).
ورواية ابن الفضيل: عن صيد الحمامة تساوي نصف درهم أو
درهما، فقال: (إذا عرفت صاحبه فرده عليه، وإن لم تعرف صاحبه وكان
مستوي الجناحين يطير بهما فهو لك) (3).
ورواية إسماعيل بن جابر، وفيها: (المستوي جناحاه، المالك
جناحيه يذهب حيث شاء، هو لمن أخذه حلال) (4).
ورواية السكوني: (الطير إذا ملك جناحيه فهو صيد، وهو حلال لمن
أخذه) (5).
دلت هذه الأخبار على تملك الممتنع بالأصالة من الحيوانات بالأخذ
كما في أكثرها، وبالصيد كما في صحيحة البزنطي و [رواية ابن الفضيل] (6)،
ولا شك بصدق الصيد عرفا بإثبات واحد من الآلات المذكورة عليه بعد

(1) الكافي 6: 222 / 1، التهذيب 9: 61 / 258، الوسائل 23: 388 أبواب الصيد
ب 36 ح 1.
(2) الكافي 6: 222 / 2، وقد رواها في الوسائل 23: 389 أبواب الصيد ب 37 ح 1
عن الكافي مسندة عن ابن بكير، عن زرارة، وكذا في التهذيب 9: 61 / 259.
(3) الكافي 6: 222 / 3، التهذيب 9: 61 / 260، الوسائل 23: 388 أبواب الصيد
ب 36 ح 2.
(4) الكافي 6: 223 / 4، التهذيب 9: 61 / 261، الوسائل 23: 389 أبواب الصيد
ب 37 ح 2.
(5) الكافي 6: 223 / 5، التهذيب 9: 61 / 256، الوسائل 23: 390 أبواب الصيد
ب 37 ح 3.
(6) بدل ما بين المعقوفين، في النسخ: مرسلة ابن بكير، والصحيح ما أثبتناه.
370

استعماله بقصد الصيد، وكذا الأخذ، إذ ليس المراد وضع الجارحة المسماة
باليد بخصوصها عليه، بل المراد إدخاله تحت تصرفه واقتداره، وهو
حاصل بأخذ الآلة له.
ومنه يظهر أن الأقوى: تحقق التملك بكل آلة استعملها لذلك مع
قصد ذلك، كوقوعه في حفيرة حفرها في طريق صيد، فوقع فيه وضربه
بالحجر حتى يقع، أو اتخاذ أرض وإجراء ماء عليها بحيث تصير موحلة
ليتوحل فيها الصيد فتوحل، أو بناء دار للتعشيش، أو فتح باب بيت وإلقاء
الحيوانات فيه لتدخل فيه العصافير، فتدخل فيه فيغلق عليها الباب.
لاتحاد كل ذلك مع الآلات المعتادة في صدق الاصطياد والأخذ،
اللذين هما موجبان للحكم بالتملك، فبعد الوقوع في تلك الآلات يصير
ملكه ولا يجوز لغيره أخذه منه.
ولكن يشترط في مثل الأرض والدار والبيت أن يخرج الصيد الواقع
فيه عن الامتناع عرفا وصدق عليه الاصطياد كذلك، فلو كان بيت كبير تطير
فيه العصافير ويصعب تصرفه فلا، لعدم معلومية صدق الصيد ولا الأخذ
عليه.
فروع:
أ: إنما يملك الصيد بالاصطياد إذا لم يعرف مالكه وإلا يجب الرد
عليه بلا خلاف فيه، لعدم جواز التصرف في ملك الغير مطلقا إلا بإذنه..
371

ولرواية محمد بن الفضيل المتقدمة. ويشعر بذلك بعض أخبار أخر
أيضا (1).
ويكفي في ثبوت ملكية الغير وجود أثر اليد فيه من قص الجناح، أو
وجود طوق في عنقه، أو شد حبل على أحد قوائمه، ونحو ذلك.
لإفادة اليد الخالية عن المعارض للملكية.
ولأصالة عدم تحقق ملكية الصائد، خرج ما إذا لم يكن عليه أثر يد
بما ذكر، فيبقى الباقي.
وللأخبار المشترطة لتساوي الجناحين أو تملك الجناح في ملكية
الصائد، كما تقدمت، ومنها: رواية إسحاق بن عمار: (لا بأس بصيد الطير
إذا ملك جناحيه) (2).
ب: لو وقع صيد في آلة ثم انفتل وخلص منها لا يخرج بذلك عن
ملك صائده، بل ملكه ونماؤه له، وكل من يجني عليه فهو له ضامن،
للاستصحاب، والأخبار المتقدمة المشترطة لتملكه بعدم معرفة الطالب له أو
الصاحب.
ج: من أطلق صيده من يده ولم يعرض عنه بقصد إزالة ملكه عنه لم
يخرج بذلك عن ملكه، للاستصحاب، والأخبار المذكورة الشاملة لمثل
تلك الصورة بترك الاستفصال أيضا.
وإن أعرض عنه ونوى بإطلاقه قطع ملكيته عنه فالأكثر - كما صرح به
بعض من تأخر (3) - على بقاء ملكيته له أيضا، لأن زوال الملكية يحتاج إلى

(1) الوسائل 23: 388 أبواب الصيد ب 36.
(2) التهذيب 9: 15 / 56، الوسائل 23: 390 أبواب الصيد ب 37 ح 4.
(3) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 232، والكاشاني في المفاتيح 3: 36.
372

دليل شرعي ولم يثبت كون الاعراض منه، ويدل عليه أيضا ترك الاستفصال
المذكور.
نعم، غايته جواز تصرف الغير فيه لاعراضه، بل تأمل فيه بعضهم
أيضا، سيما إذا كان بالتصرف الناقل.
وعن المبسوط: القطع بزوال ملكه عنه، لأن الأصل في الصيد هو
الإباحة العامة، وإنما حصلت ملكيته باليد، فإذا زالت اليد زالت الملكية (1).
وفيه - مع أن ذلك الأصل لا يختص بالصيد، بل يمكن إجراؤه في
كل شئ -: أن اليد سبب حصول الملكية لابقائها، وإنما تبقى
بالاستصحاب والاطلاقات.
د: لو أراد أحد أخذ صيد وتبعه لم يملكه بذلك، للأصل، وعدم
صدق الصيد (2) ولا الأخذ.
وتدل عليه أيضا رواية السكوني المتقدمة (3)، ومقتضى عمومها
الحاصل من ترك الاستفصال عدم التملك أيضا لو عجز الصيد باتباعه وكثرة
عدوه، أو من جهة الخوف عن الامتناع وصار سهل الأخذ، ولكن لم يقبضه
بعد، ويدل عليه أيضا الأصل.
إلا أن المذكور في كلام من ذكره التملك بذلك (4)، إلا أنه قال المحقق
الأردبيلي: إنه لا دليل عليه إلا رفع الامتناع، ولا نعلم كونه دليلا (5). وقال

(1) حكاه عنه في المفاتيح 3: 36.
(2) في (ق): اليد.
(3) في ص: 369.
(4) كما في المفاتيح 3: 35.
(5) مجمع الفائدة 11: 56.
373

في موضع آخر: ولعل دليله الاجماع (1).
ه‍: لو أرسل أحد كلبه إلى صيد، وأرسل آخر كلبه إليه أيضا، فهو
لصاحب الأخذ منهما، ووجهه ظاهر. وكذا لو كسر أحدهما سورة (2) عدوه
باتباعه أو تخويفه وأخذه الآخر.
ولو جرحه أحدهما من غير أخذ وإمساك وأخذه الآخر، فالظاهر أنه
أيضا كذلك، وهو المشهور أيضا - كما في شرح المفاتيح - سواء وقع
الفعلان دفعة واحدة أم كان الجرح مقدما، وسواء كان الجرح معينا لأخذه
وإثباته أو لا، لأن سبب الملك إنما هو وضع اليد أو ما يجري مجراه من
تصييره غير ممتنع، وذلك حاصل للمثبت خاصة، والإعانة لا تقتضي
الاشتراك.
ولا ضمان على الجارح، لأنه لم يجرح حين ملكية الغير.
وكذا لو رمى أحد صيدا بسهمه وأخذه الآخر ولو جرحه.
نعم، لو زال امتناعه بجرح الكلب أو السهم فهو للجارح، لصدق
الأخذ والصيد.
و: لو اشترك اثنان في صيد فجرحاه معا أو أثبتاه كان الصيد بينهما
نصفين، لأن تساويهما في سبب الملكية يقتضي اشتراكهما في الملك.
ولو كان القتل بأحد الجرحين دون الآخر اختص جارحه بالملكية.
ولو جهل الجارح القاتل أقرع على احتمال واشتركا على احتمال
آخر.
وكذلك لو جرحه أحدهما وأثبته الآخر وجهل المثبت منهما.

(1) مجمع الفائدة 11: 56.
(2) السورة: الحدة والبطش - المصباح المنير: 294.
374

ز: لو كان الصيد مما يمتنع بالطيران والمشي السريع كليهما - كالدراج
والقبج والحجل - فكسر أحدهما جناحه والآخر رجله، قال الشيخ في
المبسوط باشتراكهما فيه (1)، لأن سبب الملك حصل بفعلهما معا، إذ العلة
في زوال توحشه وعدم امتناعه إنما هي مجموع الفعلين من حيث هو
مجموع، وذلك يقتضي الاشتراك.
وقال المحقق والفاضل والشهيد (2) وجماعة (3) باختصاصه بالأخير،
وهو الأقوى، لأن بفعل الأول لا يزول امتناعه، وإنما يتحقق الاثبات بفعل
الثاني، وفعله إنما وقع عليه وهو ممتنع بعد ومباح، فهو كما إذا كسر رجل
مالا جناح له رأسا فأثر الأول كعدمه.
ولا يفيد أنه لو كان فعل الثاني فقط لم يثبت إذا كان يمتنع بالجناح - كما
هو المفروض - لأنه وإن كان كذلك إلا أنه قبل فعل الثاني كان ممتنعا،
فصدق عليه أنه جعل الصيد الممتنع الغير المملوك قبل أن يصير غيره فيه
أولى غير ممتنع فملكه، والله العالم.

(1) المبسوط 6: 271.
(2) المحقق في الشرائع 3: 213، الفاضل في التحرير 2: 157، الشهيد في
الدروس 2: 401.
(3) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 57، والفيض في المفاتيح 3: 37.
376

الباب الثاني
في الذباحة
والمراد منها ما يشمل النحر أيضا، والكلام فيه إما في الذابح، أو آلة
الذبح، أو محل الذبح وكيفيته، أو شرائط الذبح، أو فيما يقع عليه الذبح،
أو في بعض الأحكام المتعلقة به، فهاهنا ستة فصول:
377

الفصل الأول
في الذابح والناحر
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يشترط في الذابح الاسلام أو حكمه - كالمتولد منه
- فلا تحل ذبائح أصناف الكفار، سواء كان من غير الكتابي - كالوثني وعابد
النار وأصناف الهنود والمرتد وكافر المسلمين كالغلاة وغيرهم - أو من
الكتابي.
بلا خلاف في الأول، بل عليه الاجماع، بل إجماع المسلمين في
عبارات المتقدمين والمتأخرين (1)، بل هو إجماع محقق، فهو الحجة فيه.
مضافا إلى الأخبار، كصحيحة زكريا بن آدم: (إني أنهاك عن ذبيحة
كل من كان على خلاف الدين الذي أنت عليه وأصحابك، إلا في حال
الضرورة) (2).
والأخبار المستفيضة المتضمنة لقولهم عليهم السلام: إن الذبيحة بالاسم، ولا
يؤمن عليها إلا أهل التوحيد، أو إلا المسلم، أو إلا أهلها (3).
والأخبار الناهية عن أكل ذبائح الكتابيين (4)، فإنها تدل على النهي عن

(1) انظر المقنعة: 579، الإنتصار: 188، الغنية (الجوامع الفقهية): 618،
المسالك 2: 223، كفاية الأحكام: 246، والرياض 2: 270.
(2) التهذيب 9: 70 / 298، الإستبصار 4: 86 / 330، الوسائل 24: 51 أبواب
الذبائح ب 26 ح 9.
(3) الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.
(4) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.
378

ذبيحة غير الكتابي بطريق أولى، سيما ما تضمن منها تعليل النهي عن أكل
ذبيحة بعض النصارى بأنهم ليسوا من أهل الكتاب، أو بأنهم مشركوا
العرب.
وأما الكتابي فقد اختلفوا فيه على أقوال ثلاثة:
الأول: حرمة ذبائحهم مطلقا، وهو مذهب المعظم - كما صرح به غير
واحد من علماء الطائفة (1) - بل في المسالك: كاد أن يعد من المذهب (2).
وعن الخلاف والانتصار أنهما جعلاه من منفردات الإمامية، مدعين عليه
الاجماع (3).
والثاني: حليتها كذلك، حكي عن القديمين الإسكافي والعماني (4)،
إلا أن الثاني خص باليهودي والنصراني وقطع بتحريم ذبيحة المجوسي.
والثالث: التفصيل بالحلية مع سماع تسميتهم، والحرمة مع عدمه،
حكي عن الصدوق (5).
حجة الأولين: الاجماعات المنقولة، والشهرة العظيمة، والروايات
المستفيضة، وهي ما بين حقيقة في النهي والمنع عنها، وظاهرة فيه بقرينة
فهم الأصحاب وسائر الأخبار..
فمن الأولى صحيحة محمد: عن نصارى العرب أتؤكل ذبيحتهم؟
فقال: (كان علي بن الحسين عليه السلام ينهى عن ذبائحهم وصيدهم

(1) منهم الشهيد الأول في الدروس 2: 410، والمحقق السبزواري في الكفاية:
246، وصاحب الرياض 2: 270.
(2) المسالك 2: 225.
(3) الخلاف 2: 522، الإنتصار: 188.
(4) حكاه عنهما في المختلف: 679.
(5) المقنع: 140.
379

ومناكحتهم) (1).
وصحيحة أبي المعزا المروية في التهذيب: عن ذبيحة اليهودي
والنصراني، قال: (لا تقربوها) (2)، ورواها في الكافي عن سماعة مثلها، إلا
أنه قال: (لا تقربها) (3).
وصحيحة الأحمسي: إن لنا جارا قصابا يجي بيهودي فيذبح له حتى
يشتري منه اليهود، فقال: (لا تأكل من ذبيحته ولا تشتر منه) (4)، فإن قوله:
(لا تشتر) نهي حقيقة في المنع.
وصحيحة الحلبي: عن ذبائح نصارى العرب هل تؤكل؟ فقال: (كان
علي عليه السلام ينهاهم عن أكل ذبائحهم وصيدهم) الحديث (5).
وصحيحة العقرقوفي: عن ذبائح أهل الكتاب، فقال لهم أبو عبد الله عليه السلام:
(قد سمعتم ما قال الله في كتابه) فقالوا له: نحب أن تخبرنا، فقال: (لا
تأكلوها؟) الحديث (6).
وحسنة حنان: إن لنا خلطاء من النصارى، وإنا نأتيهم فيذبحون لنا
الدجاج والفراخ والجداء، أفنأكلها؟ قال، فقال: (لا تأكلوها ولا تقربوها)

(1) الكافي 6: 239 / 4، التهذيب 9: 65 / 278، الإستبصار 4: 83 / 311،
الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 6.
(2) التهذيب 9: 67 / 285، الوسائل 24: 61 أبواب الذبائح ب 27 ح 30.
(3) الكافي 6: 239 / 5، الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 9.
(4) الكافي 6: 240 / 8، التهذيب 9: 67 / 283، الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح
ب 27 ح 1.
(5) التهذيب 9: 64 / 271، الإستبصار 4: 81 / 304، الوسائل 24: 58 أبواب
الذبائح ب 27 ح 19.
(6) 102 التهذيب 9: 66 / 282، الإستبصار 4: 83 / 314، الوسائل 24: 59 أبواب
الذبائح ب 27 ح 25.
380

الحديث (1).
ومرسلة ابن أبي عمير: عن ذبيحة أهل الكتاب، قال: فقال: (والله ما
يأكلون ذبائحكم، فكيف تستحلون أن تأكلوا ذبائحهم؟!) الحديث! (2).
دلت بالاستفهام الانكاري على عدم استحلال أكل ذبائحهم.
ومن الثانية موثقة سماعة المشار إليها آنفا، والأخبار الكثيرة المتضمنة
ل‍: أن الذبيحة اسم ولا يؤمن عليه أو عليها إلا أهل التوحيد أو إلا مسلم،
وهي قريبة من عشرة أخبار صحيحة وغير صحيحة (3).
ورواية الشحام: عن ذبيحة الذمي، فقال: (لا تأكله إن سمى وإن لم
يسم) (4).
ورواية إسماعيل بن جابر: (لا تأكل من ذبائح اليهود والنصارى، ولا
تأكل في آنيتهم) (5).
والأخرى: (لا تأكل ذبائحهم، ولا تأكل في آنيتهم) يعني أهل
الكتاب (6).
ورواية محمد بن عذافر: رجل يجلب الغنم من الجبل، يكون فيها
الأجير المجوسي والنصراني، فتقع العارضة، فيأتيه بها مملحة، قال: (لا
تأكلها) (7).

(1) الكافي 6: 241 / 15، التهذيب 9: 65 / 277، الإستبصار 4: 82 / 310،
الوسائل 24: 53 أبواب الذبائح ب 27 ح 3.
(2) الكافي 6: 241 / 16، الوسائل 24: 53 أبواب الذبائح ب 27 ح 4.
(3) راجع الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.
(4) الكافي 6: 238 / 1، التهذيب 9: 65 / 276، الإستبصار 4: 82 / 309،
الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 5.
(5) الكافي 6: 240 / 11، الوسائل 24: 54 أبواب الذبائح ب 27 ح 7.
(6) الكافي 6: 240 / 13، التهذيب 9: 63 / 269، الإستبصار 4: 81 / 302،
الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 10.
(7) التهذيب 3: 232 / 603، الوسائل 24: 51 أبواب الذبائح ب 26 ح 8.
381

وصحيحة أبي بصير: (لا يذبح أضحيتك يهودي ولا نصراني ولا
المجوسي) الحديث (1).
وغير ذلك من الروايات الكثيرة المتضمنة للجمل المحتملة للخبرية
والانشائية وإن صارت ظاهرة في الحرمة بالقرائن المذكورة.
وحجة الثاني: أصل الإباحة.
وعموم قوله سبحانه: (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) (2).
وقوله: (وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه) (3).
وقول أبي بصير في صحيحة العقرقوفي المتقدمة - بعد نهي الإمام عليه السلام
كما تقدم -: كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته وسمعت أباه جميعا يأمران
بأكلها.
وصحيحة محمد الحلبي: عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم، فقال:
(لا بأس به) (4).
ورواية عن إسماعيل بن عيسى: عن ذبائح اليهود والنصارى
وطعامهم، قال: (نعم) (5).

(1) التهذيب 9: 64 / 273، الإستبصار 4: 82 / 306، الوسائل 24: 52 أبواب
الذبائح ب 26 ح 11.
(2) المائدة: 5.
(3) الأنعام: 119.
(4) التهذيب 9: 68 / 290، الإستبصار 4: 85 / 322، الوسائل 24: 62 أبواب
الذبائح ب 27 ح 34.
(5) التهذيب 9: 70 / 297، الإستبصار 4: 86 / 329، الوسائل 24: 64 أبواب
الذبائح ب 27 ح 41.
382

ورواية يونس بن بهمن: أهدى إلي قرابة لي نصراني دجاجا وفراخا
وقد شواها وعمل لي فالوذجة، فأكله؟ قال: (لا بأس) (1).
ورواية عبد الملك بن عمرو: ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال: (لا
بأس بها) قلت: فإنهم يذكرون عليها اسم المسيح!! فقال: (إنما أرادوا
بالمسيح الله) (2)، وقريبة منها رواية أبي بصير (3).
وصحيحة جميل ومحمد بن حمران: عن ذبائح اليهود والنصارى
والمجوس، فقال: (كل) فقال بعضهم: إنهم لا يسمون!! فقال: (إن
حضرتموهم فلم يسموا فلا تأكلوا) قال: (وإذا غاب فكل) (4).
وقد يستدل أيضا بصحيحة الأعشى الواردة في ذبيحة اليهودي: (لا
تدخل ثمنها مالك ولا تأكلها) إلى أن قال: فقال له الرجل: قال الله تعالى:
(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) فقال
له أبو عبد الله عليه السلام: (كان أبي يقول: إنما هو الحبوب وأشباهها) (5) حيث
أضاف الثمن فيها إلى الذبيحة، فيدل على حلية بيعها، وإلا لم يكن ثمنا.

(1) التهذيب 9: 69 / 296، الإستبصار 4: 86 / 328، الوسائل 24: 64 أبواب
الذبائح ب 27 ح 40.
والفالوذج: تجعل السمن والعسل ثم قسوطه حتى ينضج، فيأتي كما ترى - عن
مكارم الأخلاق في مجمع البحرين 2: 325.
(2) الفقيه 3: 210 / 972، التهذيب 9: 68 / 291، الإستبصار 4: 85 / 323،
الوسائل 24: 62 أبواب الذبائح ب 27 ح 35.
(3) التهذيب 9: 69 / 292، الإستبصار 4: 85 / 324، الوسائل 24: 62 أبواب
الذبائح 27 ح 36.
(4) التهذيب 9: 68 / 289، الإستبصار 4: 85 / 321، الوسائل 24: 62 أبواب
الذبائح ب 27 ح 33.
(5) الكافي 6: 240 / 10، التهذيب 9: 64 / 270، الإستبصار 4: 81 / 303،
الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26 ح 1.
383

وبالأخبار المخصصة للحرمة بنصارى العرب، فإنه لولا إباحة ذبيحة
غيرهم لما كانت للتخصيص فائدة، سيما ما تضمنت منها للتعليل: بأنهم
ليسوا من أهل الكتاب، أو أنهم من مشركي العرب (1).
وبالأخبار الناهية عن ذبحهم الضحايا (2)، حيث دلت بالمفهوم على
جواز ذبح غير الضحايا، فالنهي عنها يكون من جهة أخرى، ككون الضحايا
من متعلقات العبادة.
ومستند الثالث: الأخبار المستفيضة أيضا:
كحسنة حمران: في ذبيحة الناصب واليهودي والنصراني: (لا تأكل
ذبيحته حتى تسمعه يذكر اسم الله عليه) إلى أن قال: قلت: المجوسي،
فقال: (نعم، إذا سمعته يذكر اسم الله) الحديث (3).
وصحيحة حريز: في ذبائح أهل الكتاب: (فإذا شهدتموهم وقد
سموا اسم الله فكلوا ذبائحهم، وإن لم تشهدوهم فلا تأكلوا، وإن أتاك رجل
مسلم فأخبرك أنهم سموا فكل) (4).
وروايته: عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس، فقال: (إذا سمعتهم
يسمون أو شهد لك من رآهم يسمون فكل، وإن لم تسمعهم ولم يشهد
عندك من رآهم يسمون فلا تأكل ذبيحتهم) (5)، إلى غير ذلك.

(1) الوسائل 24: 52 أبواب الذبائح ب 27.
(2) الوسائل 24: 58، 61 أبواب الذبائح ب 27 ح 20، 21، 29.
(3) التهذيب 9: 68 / 287، الإستبصار 4: 84 / 319، الوسائل 24: 61 أبواب
الذبائح ب 27 ح 31.
(4) التهذيب 9: 69 / 294، الإستبصار 4: 86 / 326، الوسائل 24: 63 أبواب
الذبائح ب 27 ح 38.
(5) التهذيب 9: 69 / 295، الإستبصار 4: 86 / 327، الوسائل 24: 63 أبواب
الذبائح ب 27 ح 39.
384

أقول: وإن اتسعت دائرة الكلام في أدلة القولين الأخيرين دلالة
وسندا وتمامية، إلا أنا لا نطول الكلام بذكر جميع وجوه الضعف وعدم
التمامية، ونقتصر على ما يكفي في ردهما لعدم الاحتياج إليه..
ونقول: أما أدلة القول الثاني، فأصل الإباحة إنما هو مسلم إذا علم
ذكر اسم الله عليه، وهو لا يعلم إلا بسماعة، اكتفي بفعل المسلم في ذبيحته
إجماعا وضرورة، ولا دليل عليه في غيره، فإطلاق حلية ذبيحته مخالف للأصل.
وأما الآية الأولى، فالطعام فيها مفسر في أحاديث سادتنا الكبراء
بالحبوب، فلا دلالة لها أصلا، وجعله بعيدا اجتهاد في مقابلة النص يجب
رده، لأنهم الراسخون في العلم ولا ينبئك مثل خبير.
وأما الثانية، فيظهر عدم دلالتها، بل دلالتها على خلاف مطلوبهم بما
ذكرنا في رد الأصل.
فلم تبق إلا تلك الأخبار، وهي لو قطع النظر عما يمكن في أكثرها
من الخدش التام والنظر، بل ظهور ضعف دلالة بعضها جدا، نقول: إنها
بإطلاقها مخالفة للكتاب بالتقريب الذي ذكرناه.
بل تدل على المخالفة صحيحة شعيب العقرقوفي المتقدمة، حيث
قال فيها: (قد سمعتم ما قال الله في كتابه)، وهو إشارة إلى ما ذكرنا.
وموافقة للعامة، كما صرح به علماؤنا الأخيار، قيل (1): دلت عليه
رواية الشيباني: عن ذبائح اليهود والنصارى والنصاب فلوى شدقه وقال:
(كلها إلى يوم ما) (2).

(1) في الإستبصار 4: 87.
(2) التهذيب 9: 70 / 299، الإستبصار 4: 87 / 331، الوسائل 24: 60 أبواب
الذبائح ب 27 ح 28، والشدق: بالفتح والكسر، جانب الفم - المصباح المنير:
307.
385

ومخالفة للشهرة العظيمة الجديدة والقديمة، بل على خلافها يمكن
دعوى الاجماع المحقق، سيما ذبائح مطلق الكتابي، حيث إن العماني
صرح بحرمة ذبيحة المجوس.
فلم يبق إلا الإسكافي، الذي هو شاذ نادر معلوم النسب، ومثل هذه
لا حجية فيه أصلا، فيجب رفع اليد عن تلك الأخبار بالمرة وطرح ذلك
القول بلا شبهة.
وأما القول الثالث وإن كان موافقا لأصل الإباحة ولظاهر الآية إلا بأن
يقال باعتبار القصد في التسمية، ولكنه لا دليل عليه ولا حجة، وكانت
أخباره أخص من أكثر أخبار الحرمة، بل من جميع ما تتم فيه الدلالة..
إلا أن ما ذكرنا أخيرا لتضعيف القول الثاني - من مخالفة الشهرة بل
الاجماع - هنا أيضا متحقق، ولأجله تخرج تلك الأخبار أيضا عن حيز
الحجية، فلا تصلح لمعارضة أخبار الحرمة.
مضافا إلى ما يخرجها عن الدلالة بالمرة، وهو رواية ابن وهب
المنجبرة: عن ذبائح أهل الكتاب، فقال: (لا بأس إذا ذكر اسم الله تعالى،
ولكني أعني منهم من يكون على أمر موسى وعيسى عليهما السلام). (1).
فإنها صريحة على اختصاص ذلك بأهل الكتاب الذين كانوا من قبل
بعثة نبينا صلى الله عليه وآله، أو بعدها قبل قيام الحجة عليهم، لأن تهودهم وتنصرهم
اليوم مانع من كونهم على أمرهما، لأنهم مأمورون من قبلهما باتباع نبينا
صلى الله عليه وآله، إلا أن تكون لهم شبهة مانعة عن الاهتداء بالحق.

(1) الكافي 6: 240 / 14، الوسائل 24: 55 أبواب الذبائح ب 27 ح 11.
386

وصرح بذلك الشيخ المفيد، في رسالة الذبائح، قال بعد نقل
الرواية: ثم إنه شرط فيه أيضا اتباع موسى وعيسى، وذلك لا يكون إلا بمن
آمن بمحمد صلى الله عليه وآله، واتبع موسى وعيسى في القبول منه صلى الله عليه وآله والاعتقاد
بنبوته (1). انتهى.
ولعل ذلك الكلام من الإمام والعناية منه أيضا إشارة إلى التقية في
الاطلاق، فأفهمهم أن مرادي من الاطلاق غير ما يفهم ظاهرا، كما أن
التفصيل بين سماع التسمية منهم وعدمه أيضا نشاء من ذلك، حيث إن ذكر
اسم الله لوقوعه في الكتاب العزيز مما لا يمكن للعامة الكلام فيه.
هذا، مع أن - في أخصية هذه الأخبار مطلقا عن جميع أخبار الحرمة
التي تتم فيها الدلالة - نظرا، لأن منها صحيحة زكريا بن آدم المتقدمة في
صدر المسألة (1)، المخصصة للجواز بحال الضرورة، فهي أخص من وجه
من تلك الأخبار.
ومما ذكرنا ظهر ضعف التشبث بتلك الأخبار وبقاء أخبار الحرمة بلا
معارض يصلح للمعارضة.
ومنه يظهر الجواب عن أصل الإباحة وعن إطلاق الآية الكريمة،
لوجوب تخصيص عام الكتاب بخاص الرواية.
وإذ ظهر ضعف القولين يظهر أن الحق ما عليه معظم الطائفة من
الحرمة.
المسألة الثانية: ويشترط فيه أيضا أن لا يكون من النواصب، أي
معاديا لأهل البيت عليهم السلام معلنا بعداوتهم، ومنهم الخوارج، بلا خلاف فيه - كما

(1) رسالة الذبائح (مصنفات الشيخ المفيد 9): 32.
(2) في ص: 378.
387

قيل (1) - بل عن المهذب وغيره الاجماع عليه (2).
لموثقتي أبي بصير، إحداهما: (ذبيحة الناصب لا تحل) (3).
والأخرى: (لم تحل ذبائح الحرورية) (4).
والحرورية: فرقة من الخوارج منسوبة إلى الحر وراء - بالمد والقصر -
قرية.
وروايته الواردة في من يتعمد شراء اللحم من النصاب، وفيها: (ما
يأكل إلا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير) الحديث (5).
وأما حسنة حمران: (لا تأكل ذبيحة الناصب إلا أن تسمعه يسمي) (6).
وصحيحة الحلبي: عن ذبيحة المرجئ والحروري، قال: (كل وأقر
واستقر حتى يكون ما يكون) (7).
فلمخالفتهما للاجماع ظاهرا ولا أقل من شهرة القدماء لا تصلحان
للحجية ومعارضة ما مر، مع أنهما موافقتان للعامة، كما تشعر به الصحيحة.
المسألة الثالثة: يشترط فيه أيضا التميز، أي كونه بحيث يصح منه

(1) في الرياض 2: 272.
(2) حكاه عنه في الرياض 2: 272، وهو في المهذب 4: 163.
(3) التهذيب 9: 71 / 301، الإستبصار 4: 87 / 332، الوسائل 24: 67 أبواب
الذبائح ب 28 ح 2.
(4) التهذيب 9: 71 / 302، الإستبصار 4: 87 / 333، الوسائل 24: 67 أبواب
الذبائح ب 28 ح 3.
(5) التهذيب 9: 71 / 303، الإستبصار 4: 87 / 334، الوسائل 24: 67 أبواب
الذبائح ب 28 ح 4.
(6) التهذيب 9: 72 / 304، الإستبصار 4: 87 / 335، الوسائل 24: 68 أبواب
الذبائح ب 28 ح 7.
(7) الكافي 6: 236 / 1، الفقيه 3: 210 / 970، التهذيب 9: 72 / 305،
الإستبصار 4: 88 / 337، الوسائل 24: 68 أبواب الذبائح ب 28 ح 8.
388

قصد التسمية والعلم بشرائط الذبح، فلا يصح من الطفل الغير المميز ولا
المجنون كذلك، والوجه فيه ظاهر، فإن المتبادر من الذبح المحلل هو
الصادر من القاصد.
ويظهر من المحقق الأردبيلي التردد في اشتراط التميز أو لا (1)، حيث
إنه جعل دليله أولا: اشتراط كونه ذبيحة المسلم، وغير المميز ليس مسلما،
ورده: بأن الثابت حرمة ذبيحة الكافر دون اشتراط الاسلام.
وهو كان حسنا لولا فهم اعتبار القصد عرفا.
المسألة الرابعة: لا يشترط فيه الايمان على الأقوى الأشهر - كما
صرح به جمع ممن تأخر (2) - للأصل المشار إليه غير مرة، والآية (3)،
وصحيحة الحلبي المتقدمة، فإن المرجئ يطلق على مقابل الشيعة، من
الارجاء، بمعنى: التأخير لتأخيرهم عليا عليه السلام عن درجته.
وصحيحة محمد بن قيس: (ذبيحة من دان بكلمة الاسلام وصام
وصلى، لكم حلال، إذا ذكر اسم الله عليه) (4).
والأخبار المحللة لذبيحة المرأة إذا كانت مسلمة (5).
وتعضده أيضا الروايات المتكثرة، المعللة للنهي عن أكل ذبائح أهل
الذمة بأنها اسم ولا يؤمن عليها إلا المسلم، لظهورها في حصول الأمانة في

(1) مجمع الفائدة 11: 86.
(2) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 225، والكاشاني في المفاتيح 2: 197،
وصاحب الرياض 2: 271.
(3) الأنعام: 119.
(4) التهذيب 9: 71 / 300، الإستبصار 4: 88 / 336، الوسائل 24: 66 أبواب
الذبائح ب 28 ح 1.
(5) 141 الوسائل 24: 43 أبواب الذبائح ب 23.
389

التسمية إذا كانت الذبيحة من مسلم.
وكذا يعضده - بل يدل عليه - ما دل على حلية ما يشترى من اللحوم
والجلود في أسواق المسلمين (1).
خلافا للمحكي عن القاضي وابن حمزة (2)، فقالا باشتراط كون الذابح
مؤمنا اثنى عشريا.
والحلبي (3)، فخص المنع بالجاحد للنص منهم، فجوز ذبيحة
المستضعف.
ودليلهم إن كان كفر المخالف مطلقا أو غير المستضعف منهم فالكلام
معهم في ذلك، وقد مر في بحث الطهارة.
وإن كان أصالة عدم الإباحة إلا بعد ذكر اسم الله، وعدم حصول العلم
به إلا بالسماع أو ما يقوم مقامه من الدليل الشرعي، فجوابه: أن ما مر من
الأدلة أيضا دليل شرعي كما في المؤمن، سيما مفاهيم الاستثناء في الأخبار
الغير المحصورة، المتضمنة لائتمان مطلق المسلم في التسمية، وسيما
أخبار حلية ما يشترى في أسواق المسلمين.
وإن كان صحيحة زكريا بن آدم المتقدمة في صدر المسألة (4)،
فجوابه: أنه يمكن أن يكون المراد من الدين: الاسلام، مع أن ظاهر السياق
- من حيث تخصيص زكريا بالنهي واستثناء حال الضرورة - يشعر بالكراهة
دون الحرمة.

(1) الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50.
(2) القاضي في المهذب 2: 439، ابن حمزة في الوسيلة: 361.
(3) الكافي في الفقه: 277.
(4) في ص: 378.
390

وإرادة الايمان من الدين - وجعل هذه الصحيحة أخص مطلقا من
صحيحة محمد بن قيس وتخصيصها بها - غير جيد، لعدم دليل على هذه
الإرادة، مع أنه يوجب تخصيص الأكثر، وهو غير جائز.
وإن كان المروي في العيون: (من زعم أن الله يجبر عباده على
المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته) (1)، فمع كونه أخص من
المدعى من وجه - لاختصاصه بالأشاعرة خاصة - وأعم من وجه آخر - لشموله
للمؤمن إذا قال بهذه المقالة - محمول على الكراهة، لمعارضة ما مر.
المسألة الخامسة: لا يشترط في الذابح بعد إسلامه كونه ممن يعتقد
وجوب التسمية عند المعظم، للأصل، والاطلاقات، سيما إذا علم صدور
التسمية منه تبركا أو استحبابا.
خلافا للمحكي عن المختلف، فاشترط فيه اعتقاده وجوبها (2)،
واستدل له فيما إذا لم تعلم منه التسمية بأن مقتضى اشتراط التسمية حصول
العلم بها، ومقتضى الأخبار المعللة بأنه لا يؤمن عليها إلا مسلم اعتبار
حصول الأمن بتحققها، وهو لا يحصل في ذبيحة من لا يعتقد وجوبها.
وهو حسن لولا إطلاقات ائتمان المسلم بالاسم وحلية ما في أسواق
المسلمين.. إلا أن يقال: بأن إطلاق الأول لغلبة معتقدي وجوبها بل
تبادره، وكذا الثاني، والاحتياط في الأخذ عن خصوص يد من علم عدم
اعتقاده الوجوب أولى.
المسألة السادسة: لا تشترط فيه الذكورة، ولا الفحولة، ولا البلوغ،

(1) عيون أخبار الرضا (ع) 1: 100 / 16، الوسائل 24: 69 أبواب الذبائح ب 28
ح 9.
(2) المختلف: 680.
391

ولا كمال العقل، ولا الحرية، ولا الطهارة عن الحيض والجنابة، ولا طهارة
المولد، ولا البصر.
فتحل ذبيحة المرأة، والخصي، والطفل والمجنون المميزين،
والعبد، والجنب، والحائض، وولد الزنا، والأعمى، بلا خلاف في شئ
منها يعرف.
للأصل، والاطلاقات، والأخبار:
كصحيحة الحلبي: (كانت لعلي بن الحسين عليهما السلام جارية تذبح له إذا
أراد) (1).
وكصحيحتي سليمان بن خالد (2) ومحمد (3) ورواية مسعدة (4) في
ذبيحة الصبي والمرأة، وكمرسلة أحمد (5) في ذبيحة الصبي والمرأة
والخصي، ورواية صفوان (6) في المرأة والصبي وولد الزنا، ومرسلة ابن أبي
عمير (7) في الجنب، ومرسلة ابن أذينة (8) في المرأة والصبي والأعمى، وغير

(1) الكافي 6: 238 / 7، التهذيب 9: 74 / 313، الوسائل 24: 45 أبواب الذبائح
ب 23 ح 9.
(2) الكافي 6: 237 / 3، الفقيه 3: 212 / 983، التهذيب 9: 73 / 308، الوسائل
24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 7.
(3) الكافي 6: 237 / 1، الفقيه 3: 212 / 981، التهذيب 9: 73 / 310، الوسائل
24: 44 أبواب الذبائح ب 23 ح 5.
(4) الكافي 6: 237 / 2، التهذيب 9: 73 / 309، الوسائل 24: 44 أبواب الذبائح
ب 23 ح 6.
(5) الكافي 6: 238 / 4، الوسائل 24: 46 أبواب الذبائح ب 23 ح 10.
(6) الفقيه 3: 210 / 969، الوسائل 24: 47 أبواب الذبائح ب 25 ح 1.
(7) الكافي 6: 234 / 6، الوسائل 24: 32 أبواب الذبائح ب 17 ح 1.
(8) الكافي 6: 238 / 5، الفقيه 3: 212 / 982، التهذيب 9: 73 / 311، الوسائل
24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 8.
392

ذلك.
ولا يضر تقييد الصبي في بعض الأخبار بقوله: (إذا قوي) أو: (إذا
أحسن) والأعمى بقوله: (إذا سدد)، لأن الكلام في صورة تحقق الشرط،
وإلا فلا كلام في عدم الصحة.
نعم، قيد الأول في بعضها ببلوغ خمسة أشبار، والمراد منه القوة،
لعدم اشتراطه بخصوصه إجماعا.
وأما اشتراط ذبيحة المرأة والصبي والخصي وولد الزنا في بعضها بما
إذا لم يوجد من يذبح أو بصورة الاضطرار، فإنما هو مبني على الرجحان
دون الوجوب، للاجماع، ولأن الحرام لا يحل بعدم وجود ذابح آخر.
وكذا لا يضر اشتراط ذبيحة المرأة والصبي بذكر اسم الله في بعض
الأخبار، الموجب لاشتراط سماعه منهما وإلا لما يعلم الذكر، لأن الكلام
في عدم اعتبار الذكورة والبلوغ، وهو يثبت مما ذكر، وأما اشتراط ذكر اسم
الله فلا كلام فيه، وأما الاكتفاء بفعل المسلم أو من بحكمه فهو أمر آخر
يأتي بيانه.
نعم، شرط بعضهم (1) في ولد الزنا كونه بالغا مظهرا للشهادتين، إذ
ليس له أبوان شرعا حتى يكون بحكم المسلم. ولا بأس به.

(1) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 82.
393

الفصل الثاني
في الآلة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا تجوز التذكية إلا بالحديد مع الاختيار، فلا
يجزئ غيره ولا تقع به الذكاة وإن كان من المعادن المنطبعة، كالنحاس
والرصاص والذهب والفضة وغيرها، بلا خلاف بيننا - كما صرح به جماعة -
بل بالاجماع المحكي مستفيضا (1)، بل المحقق عند التحقيق، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى المستفيضة الخالية عن المعارض بالمرة..
منها صحيحة محمد: عن الذبيحة بالليطة والمروة، فقال: (لا ذكاة إلا
بحديدة) (2).
والليطة - بفتح اللام كما ذكره الشهيد الثاني (3)، وبكسرها كما في
القاموس (4) -: قشر القصبة الأعلى. والمروة: الحجر مطلقا، أو حجر تقدح
بها النار.
وصحيحة الحلبي: عن الذبيحة بالعود والحجر والقصبة، قال: (فقال
علي بن أبي طالب عليه السلام: لا يصلح الذبح إلا بالحديدة) (5).

(1) كما في كفاية الأحكام: 246، وكشف اللثام 2: 78، والرياض 2: 272.
(2) الكافي 6: 227 / 1، التهذيب 9: 51 / 211، الإستبصار 4: 79 / 294،
الوسائل 24: 7 أبواب الذبائح ب 1 ح 1.
(3) في المسالك 2: 226.
(4) القاموس المحيط 2: 398.
(5) الكافي 6: 227 / 2، التهذيب 9: 51 / 212، الإستبصار 4: 80 / 295،
الوسائل 24: 7 أبواب الذبائح ب 1 ح 2.
394

ورواية الحضرمي: (لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة) (1).
وموثقة سماعة: عن الذكاة، [فقال]: (لا يذكى إلا بحديدة، نهى عن
ذلك أمير المؤمنين عليه السلام) (2).
وتدل عليه أيضا مفاهيم الأخبار المجوزة لغير الحديد عند الضرورة
كما يأتي. وقد يستدل له أيضا بأصالة الحرمة وحكم التبادر والغلبة، وفيهما
نظر.
المسألة الثانية: تجوز التذكية في حال الاضطرار بغير الحديدة، من
مروة أو ليطة أو قصب أو زجاجة أو عود أو غير ذلك أو عظم، سوى السن
والظفر، إجماعا محكيا (3) ومحققا، له، وللمستفيضة:
كصحيحة البجلي: عن المروة والقصبة والعود أيذبح بهن إذا لم
يجدوا سكينا؟ قال: (إذا فرى الأوداج فلا بأس بذلك) (4).
وصحيحة الشحام: عن رجل لم يكن بحضرته سكين أيذبح بقصبة؟
قال: (اذبح بالقصبة وبالحجر وبالعظم وبالعود إذا لم تصب الحديدة، إذا
قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس به) (5).

(1) الكافي 6: 227 / 3، التهذيب 9: 51 / 209، الإستبصار 4: 79 / 292،
الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 1 ح 3.
(2) الكافي 6: 227 / 4، التهذيب 9: 51 / 210، الإستبصار 4: 79 / 293،
الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 1 ح 4.
(3) المسالك 2: 226.
(4) الكافي 6: 228 / 2، الفقيه 3: 208 / 954، التهذيب 9: 52 / 214،
الإستبصار 4: 80 / 297، الوسائل 24: 8 أبواب الذبائح ب 2 ح 1.
(5) الكافي 6: 228 / 3، التهذيب 9: 51 / 213، الإستبصار 4: 80 / 296،
الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 3.
395

وصحيحة ابن سنان: (لا بأس أن تأكل ما ذبح بالحجر إذا لم تجد
حديدة) (1).
وموثقة محمد: في الذبيحة بغير حديدة، قال: (إذا اضطررت إليها
فإن لم تجد حديدة فاذبحها بحجر) (2).
والمستفاد من تلك الأخبار حصول الاضطرار بعدم وجود الحديدة
وخوف فوات الذبيحة وإن لم يضطر إلى الأكل، وهو كذلك.
المسألة الثالثة: هل يجوز الذبح بالسن والظفر المتصلين أو
المنفصلين عند الاضطرار؟
الأكثر على الجواز، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه (3).
وعن الإسكافي (4) والشيخ في الخلاف والمبسوط والغنية (5): المنع،
واستقربه في الشرح، وتردد فيه المحقق (6)، وعن المبسوط والغنية:
الاجماع عليه.
دليل الجواز: ظواهر النصوص المتقدمة، حيث اعتبر فيها قطع
الحلقوم وفري الأوداج وخروج الدم لا خصوصية القاطع، وكون السن
عظما، وقد صرح فيه بالجواز في الصحيحة المتقدمة.
ودليل الثاني: رواية رافع بن خديج العامية: إن النبي صلى الله عليه وآله قال:

(1) الفقيه 3: 208 / 955، الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 2.
(2) الكافي 6: 228 / 1، التهذيب 9: 52 / 215، الإستبصار 4: 80 / 298،
الوسائل 24: 9 أبواب الذبائح ب 2 ح 4.
(3) السرائر 3: 86.
(4) حكاه عنه في المختلف: 673.
(5) الخلاف 2: 521، المبسوط 6: 263، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(6) في المختصر النافع: 249.
396

(ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفرا) (1).
والمروي في المجازات النبوية للسيد: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن
الذبح بالسن والظفر (2).
والمروي في قرب الإسناد للحميري: (لا بأس بذبيحة المروة والعود
وأشباهها، ما خلا السن والعظم والظفر) (3).
ويمكن جبر ضعف تلك الأخبار بالاجماعين المنقولين، فيخص بها
إطلاق ظواهر النصوص المتقدمة، مع أن في إطلاقها نظرا ظاهرا، كانصراف
العظم إلى الظفر أيضا، فالمنع أقرب.

(1) صحيح مسلم 3: 1558 / 20، صحيح البخاري 7: 119.
(2) المجازات النبوية: 430 / 348.
(3) قرب الإسناد: 106 / 363، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح ب 2 ح 5، عبارة:
والظفر، غير موجودة في المصدر.
397

الفصل الثالث
في محل التذكية الذبحية والنحرية وكيفيتهما
وهاهنا مقامان:
المقام الأول: في محل التذكية الذبحية.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يجب في التذكية قطع الحلقوم، وهو مجرى النفس
دخولا وخروجا، بلا خلاف فيه يعلم كما في الكفاية (1)، بل مطلقا كما في
المسالك (2)، بل هو إجماع محقق، فهو الدليل عليه.
مضافا إلى وجوب الذبح وتوقف الحلية عليه، كما هو المجمع عليه
والمدلول بالأخبار، كما في صحيحة محمد: (ولا تأكل من ذبيحة ما لم
تذبح من مذبحها) (3).
وفي صحيحة الحلبي: (لا يصلح أكل ذبيحة لا تذبح من مذبحها) (4).
وفي رواية أبان: (إذا شككت في حياة شاة) إلى أن قال: (فاذبحها
فهو لك حلال) (5).

(1) كفاية الأحكام: 246.
(2) المسالك 2: 226.
(3) الكافي 6: 229 / 5، التهذيب 9: 53 / 220، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح
ب 4 ح 1.
(4) 179 الكافي 6: 231 / 1، التهذيب 9: 53 / 221، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح
ب 4 ح 3.
(5) الكافي 6: 232 / 4، التهذيب 9: 57 / 238، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح ب 11 ح 5.
398

وفي رواية يونس: (لا تأكل إلا ما ذبح) (1).
وقد مر في الفصل السابق أيضا ما يدل على اشتراط الذبح وتوقف
صدق الذبح على قطع الحلقوم، إذ لا ذبح عرفا بدونه، ولا أقل من عدم
معلومية تحققه بدونه، فيجب.
وتدل عليه أيضا صحيحة ابن عمار: (النحر في اللبة والذبح في
الحلق) (2).
والحلق هو الحلقوم، مع أن في بعض النسخ: (والذبح في الحلقوم).
وتدل عليه أيضا صحيحة الشحام المتقدمة في الفصل السابق.
ويؤكده - بل يدل عليه أيضا - قوله في حسنة حمران الواردة في
كيفية الذبح: (ولا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم وتقطعه إلى
فوق) (3) فإنه لولا اعتبار قطع الحلقوم لما ذكر أدب قطعه وطريقته.
وهل يكتفى به ويجزي الاقتصار عليه؟ كما حكي عن الإسكافي (4)،
وعن الخلاف أيضا (5)، ونسب في شرح الإرشاد ميل الفاضل إليه (6)، وكذا
مال إليه المحقق والشهيد الثاني (7)، وهو ظاهر جمع من متأخري

(1) الكافي 6: 229 / 3، التهذيب 9: 53 / 219، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح
ب 5 ح 2.
(2) الكافي 6: 228 / 1، التهذيب 9: 53 / 217، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح
ب 4 ح 2، واللبة: المنحر وموضع القلادة - مجمع البحرين 2: 165.
(3) الكافي 6: 229 / 4، التهذيب 9: 55 / 227، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح
ب 3 ح 2.
(4) حكاه عنه في المختلف: 690.
(5) الخلاف 2: 522.
(6) مجمع الفائدة 11: 96.
(7) المحقق في الشرائع 3: 205، الشهيد الثاني في المسالك 2: 226.
399

المتأخرين، كالمحقق الأردبيلي وصاحب الكفاية والمفاتيح (1) وشرحه.
أو لا يكتفى به، بل يجب معه قطع المري - بالهمز كأمين، وهو
مجرى الطعام والشراب المتصل بالحلقوم من تحته - والودجان - بفتح الواو
والدال، وهما عرقان محيطان بالحلقوم - على ما ذكره جماعة (2).
أو بالمري خاصة على ما ذكره بعضهم (3)؟ كما هو مشهور بين
الأصحاب، صرح به جماعة، منهم: المحقق في الشرائع والمسالك
والمقدس الأردبيلي والكفاية والمفاتيح (4) وشرحه، بل عن المهذب
والصيمري الاجماع عليه (5)، وحكي عن الغنية أيضا (6)، ولكنه فيما عدا
المري.
ومنه يستفاد وجود قول ثالث أيضا، وهو اعتبار قطع الحلقوم
والودجين، وحكي ميل الفاضل في المختلف إليه أيضا (7).
وهنا قول رابع محكي عن العماني (8)، وهو التخيير بين قطع الحلقوم
وشق الودجين.
دليل الأولين: الأصل، ولزوم الاقتصار على القدر المتيقن فيما

(1) مجمع الفائدة 11: 96.
(2) منهم الشيخ في الخلاف 2: 529، والعلامة في المختلف: 690، والشهيد
الثاني في المسالك 2: 226.
(3) كما في المفاتيح 2: 201، وكشف اللثام 2: 78.
(4) الشرائع 3: 205، المسالك 2: 226، المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 11:
95، الكفاية: 246، المفاتيح 2: 201.
(5) حكاه عنهما في الرياض 2: 272.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(7) راجع المسالك 2: 226.
(8) حكاه عنه في الرياض 2: 273.
400

يخالف الأصل، وصدق الذبح العرفي بقطع الحلقوم خاصة، وإطلاق
منطوق صحيحة الشحام السالفة - التي هي أصح ما وصل إلينا في ذلك
الباب - وإطلاق الكتاب والسنة بحل ما تحقق فيه التذكية.
وحجة الثاني: أصالة الحرمة، والاجماع المنقول، والشهرة، ومفهوم
صحيحة البجلي السابقة التي في صحتها كلام لمكان إبراهيم بن هاشم وإن
لم يلتفت إليه.
أقول: أما الأصل فالحق فيه مع الأولين، لأنه ثبتت على ما ذكرنا
أصالة حلية ما ذكر اسم الله عليه، ولكن ثبت معه اشتراط شئ آخر لتتحقق
التذكية الشرعية، ولما نقول باشتراط قطع الحلقوم فحيث لا نعلم الزائد
عليه ننفيه بالأصل.
وإن قلت: هو الذبح كما هو مدلول الأخبار، فهو إما مجرد قطع
الحلقوم كما هو الظاهر، أو هو أيضا كالتذكية، فيقتصر فيه على المتيقن.
ومنه يظهر ضعف الدليل الأول للقول الثاني، وكذا الثاني والثالث،
لعدم حجيتهما أصلا، فبقي الأخير.
وأما القول الأول: فدليله الأخير مدخول، لأن الكلام بعد فيما تتحقق
به التذكية.
وأما الثلاثة الأول، فهي وإن كانت تامة إلا أنها إما أصل أو إطلاق
يدفع بحسنة البجلي إن كانت دالة على المطلوب وفارغة عن مكاوحة
صحيحة الشحام، فاللازم حينئذ التكلم أولا في دلالة الحسنة، ثم في حالها
مع المعارضة..
فنقول: مفهوم الحسنة ثبوت البأس - الذي هو العذاب المثبت
للحرمة على الأصح - بدون فري الأوداج.
401

ولكن قد يخدش في معنى الفري، فإنه بمعنى: الشق، كما هو
المحكي عن الهروي (1). وقال في القاموس: فرى يفريه شقه (2).
وقد يخدش في معنى الأوداج، هل المراد منه الأربعة، أو الثلاثة غير
الحلقوم، أو الاثنين غيره وغير المري؟.
وقد يذب عن الأول: بأن المستفاد من بعض كتب اللغة تفسيره بما
هو ظاهر في القطع.
ويمكن رده: بأنه غير ثابت، ولو سلم فمع ما ذكر معارض، فدلالته
على القطع - الذي هو المطلوب - غير واضحة.
وبأن المتبادر من الفري حين يطلق في التذكية هو ما يحصل به القطع
بحكم التبادر والغلبة.
ويرده: أنه كلام سخيف لا ينبغي الاصغاء إليه، فإنه لا يعلم عرف
العرب فيه ولا مرادفه من لغاتنا، وإنما هو شئ يسبق إلى بعض الأذهان
باعتبار ما سمعوا من المتفقهة من اشتراط القطع في التذكية، ولا يعلم حال
زمان الشارع فيه أصلا.
وبأنه إن أريد بالأوداج غير الحلقوم فيلزم اشتراط القطع في الحلقوم
وكفاية الشق في غيره، ولم يقل به أحد. وإن أريد المجموع فالمراد به في
الحلقوم القطع قطعا، ففي غيره أيضا كذلك، لئلا يلزم استعمال اللفظ في
المعنيين. قلنا: للمعترض اختيار الثاني.
وبأن الأوداج تشمل المري أيضا، وشقه بدون قطع الودجين غير
ممكن، لأنهما فوقه، فثبت اشتراط قطعهما من الحسنة ولو من باب

(1) حكاه عنه في المسالك 2: 226.
(2) القاموس المحيط 4: 376.
402

المقدمة.
ومنه يثبت اعتبار قطع الجميع، لعدم القول بهذه التفرقة.
وعن الثاني: بأن مقتضى الجمعية المعرفة إرادة الجميع إلا ما أخرجه
الدليل.
أقول: وإن أمكن تخصيص الفري بالقطع ببعض القرائن المذكورة، إلا
أنه ليس بعد بالظهور الذي يطلب في دلالة الألفاظ، ومع ذلك في صدق
الودج على الحلقوم خفاء ومنع، بل صرح بعضهم بعدم صدقه عليه ولا
على المرئ حقيقة (1).
وعلى هذا، فيتعارض مقتضى الجمعية مع مقتضى الحقيقة، وليس
أحد التجوزين أولى، مع أن الجمعية تحصل بإدخال المري أيضا، فتتعارض
الحسنة والصحيحة فيما إذا قطع الحلقوم دون غيره بالعموم من وجه.
ومع ذلك يمكن أن يكون المراد من الحسنة إرادة الحدة من المروة
وإخوتها، يعني: إذا كانت بحيث تشق الودج لا بأس به، ولكنه خلاف
المعنى الحقيقي، إذ يصير المعنى: إن كان من شأنه ذلك، وهو معنى مجازي.
وبالجملة: إثبات المشهور من الحسنة مشكل، ومقتضى التعارض إما
التخيير الذي ذكره العماني، أو الرجوع إلى الأصل، ولكن الظاهر أن الأول
مخالف للاجماع، بل لمفهوم الصحيحة، فيتعين الثاني، فيقوى الاكتفاء
بالحلقوم في الذبح، ولو تعدى عنه إلى الودجين فلا دليل تاما على إدخال
المري أصلا.
ومع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط، والأحوط اعتبار قطع الأربعة،

(1) الرياض 2: 273.
403

فتأمل واحتط.
المسألة الثانية: قيل: محل الذبح الحلقوم تحت اللحيين بلا خلاف
يظهر، لأصالة التحريم في غيره، مع عدم انصراف الاطلاقات إلا إلى
الحلقوم تحت اللحيين، لأنه المعروف المتعارف، فيجب حملها عليه،
وفي الصحيح: (لا تأكل من ذبيحة ما لم تذبح من مذبحها) (1). انتهى (2).
وفي الشرائع: الذبح في الحلق تحت اللحيين (3).
أقول: الظاهر أن تحت اللحيين بيان للحلق أو الحلقوم، ومقتضاه:
أنه يجب أن يكون قطع الأوداج إنما هو في الحلق، أي تحت اللحيين.
وهو كذلك وإن كانت الأدلة التي ذكرها الأول كلها مدخولة، لمنع
أصالة الحرمة، ومنع انصراف الاطلاق من جهة التعارف والعادة بحيث
يكون حجة، وعدم دلالة الصحيحة، لأن الكلام بعد في تعيين المذبح.
ولكن لقوله عليه السلام في صحيحة ابن عمار المتقدمة: (الذبح في
الحلق) (4)، والحلق تحت اللحيين، ولا أقل من عدم معلومية صدقه على
غيره.
ولأن المأمور به هو الذبح، وصدقه على قطع الأوداج في غير ما ذكر
غير معلوم.
والمعلوم من الحلق أو الحلقوم لغة وعرفا هو العنق ما بين أصل
الرأس ومبدأ الصدر، وهو الوهدة الكائنة تحت الحلق، وعلى هذا فلو قطع

(1) الكافي 6: 229 / 5، التهذيب 9: 53 / 220، الوسائل 24: 12 أبواب الذبائح
ب 4 ح 1.
(2) الرياض 2: 273.
(3) الشرائع 3: 205.
(4) في ص: 399.
404

شئ من الذقن أو من الوهدة لم يتحقق الذبح وإن فرض قطع الأوداج.
المسألة الثالثة: المصرح به في كلامهم وجوب قطع ما يجب قطعه
من الحلقوم أو الأوداج الأربعة كلا، أي قطع تمام كل واحد منها، فلو ترك
جلدة يسيرة من واحد منها ولم يقطعها حتى خرج روحه أو زالت حياته
المستقرة عند من يعتبرها حرمت الذبيحة.
وظاهر المحقق الأردبيلي (1) عدم اعتبار ذلك، وكفاية قطع البعض
الموجب لخروج الروح، وعدم اشتراط إتمامه بعده.
ولعله لصدق الذبح، وهو كذلك، إلا أن صدق القطع المصرح به في
صحيحة الشحام - ولو مع بقاء شئ يسير - غير معلوم، فاعتباره هو الوجه،
ولكنه مخصوص بالحلقوم، والاجماع المركب في أمثال تلك المسائل غير
واضح.
واحتمل المحقق المذكور إرادة المصنف أيضا اختصاصه بالحلقوم،
ويختص أيضا بما إذا لم يتمه قبل الموت، وأما إذا أتمه قبله حل ولو قلنا
باعتبار استقرار الحياة، كما يظهر وجهه مما يذكر في المسألة الآتية.
المسألة الرابعة: تجب متابعة الذبح حتى يستوفي الأعضاء الأربعة
قبل خروج الحياة مطلقا، أو الحياة المستقرة على القول باعتبارها، فلو قطع
بعض الأعضاء وأرسله، فانتهى إلى الموت أو إلى حركة المذبوح، ثم
استأنف قطع الباقي، حرم.
وقيل بالحلية مع بقاء مطلق الحياة ولو قلنا باعتبار الاستقرار، لاستناد
الإباحة إلى القطعين، ولأنه لو أثر في التحريم لم تحل ذبيحة أصلا ولو مع

(1) مجمع الفائدة 11: 96.
405

التوالي، لانتفاء الحياة المستقرة بعد قطع البعض لا محالة (1). وهو حسن.
المسألة الخامسة: لا يشترط أن يكون الذبح من القدام، للأصل،
والاطلاق، فلو ذبح ما يذبح من القفاء، فإذا سرع إلى قطع ما يعتبر قطعه
من الأوداج قبل خروج الروح حلت الذبيحة، وكذا قبل أن تنتفي حياتها
المستقرة على اعتبارها، للأصل الخالي عما يصلح للمعارضة.
وأما المروي في الدعائم: عن الذبيحة تذبح إن ذبحت من القفاء،
قال: (إن لم يتعمد ذلك فلا بأس، وإن تعمده وهو يعرف سنة النبي صلى الله عليه وآله
لم تؤكل ذبيحته ويحسن أدبه) (2).
فقاصر عن إثبات الحرمة سندا ودلالة.
ولو شك في أنه هل كان قبل انتفاء الحياة أو تزلزلها يحكم بعدمهما،
للأصل، والاستصحاب.
المسألة السادسة: لو قطع الأوداج أو واحد منها محرفا، فإن كان
التحريف بحيث لم يحصل القطع الطولي في عضو، بل كان بالعرض فقط، لم
يحل، لعدم صدق القطع.. وإلا حل، للأصل، وعدم دليل على اشتراط الاستقامة.
المقام الثاني: في بيان محل التذكية النحرية.
وهاهنا مسائل:
المسألة الأولى: محل النحر: اللبة - بفتح اللام وتشديد الموحدة
التحتانية -: أسفل العنق بين أصله وصدره، ووهدتها: الموضع المنخفض
منها، ويسمى بالثغرة.

(1) المسالك 2: 231.
(2) دعائم الاسلام 2: 180 / 654، مستدرك الوسائل 16: 159 أبواب الذبائح ب 38 ح 6.
406

والدليل على أنها محل النحر: الاجماع وصحيحة ابن عمار المتقدمة (1).
والنحر: أن يدخل السكين ونحوها من الآلات الحديدية في الثغرة
من غير قطع الحلقوم.
ودليله: الاجماع، والمروي في الدعائم المنجبر ضعفه: البعير يذبح
أو ينحر؟ قال: (السنة أن ينحر) قيل: كيف ينحر؟ قال: (يقام قائما حيال
القبلة، وتعقل يده الواحدة، ويقوم الذي ينحره حيال القبلة، فيضرب في
لبته بالشفرة حتى يقطع ويفرى) (2).
المسألة الثانية: يشترط في الناحر وآلته ما يشترط في الذابح وآلته،
بالاجماع، وبعض الاطلاقات.
المسألة الثالثة: التذكية بالنحر مخصوصة بالإبل، وما عداها يذكى
بالذبح، بلا خلاف، بل عن الخلاف والغنية والسرائر والشهيد الثاني وغيرهم
وفي المفاتيح وشرحه: الاجماع عليه (3)، بل هو إجماع محقق، فهو الدليل عليه.
مضافا إلى المستفيضة، المتضمنة لاطلاق اسم النحر للإبل والذبح لغيره،
كالأخبار الواردة في الهدي (4)، وروايتي أبي بصير (5) وإسماعيل الجعفي (6)

(1) في ص: 399.
(2) الدعائم 2: 180 / 652، والشفرة بالفتح فالسكون: السكين العريض وما عرض
من الحديد وحدد - مجمع البحرين 3: 352، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب
الذبائح ب 2 ح 5.
(3) الخلاف 2: 522، الغنية (الجوامع الفقهية): 618، السرائر 3: 107، حكاه عن
الشهيد الثاني في الرياض 2: 274، وانظر كشف اللثام 2: 259، المفاتيح 2: 201.
(4) الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35.
(5) الكافي 6: 231 / 1، التهذيب 9: 54 / 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح
ب 10 ح 5.
(6) الكافي 6: 231 / 5، التهذيب 9: 54 / 222، الوسائل 24: 20 أبواب الذبائح
ب 10 ح 4.
407

الواردتين في البعير الممتنع والمتردي، والصحيحة (1) والموثقة (2) الواردتين
في ذبح البقر وإن منحوره ليس بذكي ولا يؤكل، والصحيحتين الواردتين في
ذبح الشاة ومطلق الطير.
بل نقول: إن إطلاقات الأمر بالذبح كثيرة شاملة لجميع الحيوانات،
خرج منها البعير بما ذكر، فيبقى الباقي.
والظاهر أن الاجماع وعمل الناس وسيرتهم في الأعصار والأمصار
- بحيث صار ضروريا لكل أحد - يكفينا مؤنة الاستدلال على ذلك التفصيل.
وما يستفاد من بعض المتأخرين - كالمقدس الأردبيلي (3) وصاحب
الكفاية (4) وغيرهما (5) من عدم قيام دليل صالح على التفصيل - من
التدقيقات الباردة التي لا ينظر إليها الفقيه.
ومما ذكرنا ظهر حال الخبر الدال على أمر النبي صلى الله عليه وآله نحر الفرس (6)،
فإنه مخالف للاجماع، ومع ذلك محمول على التقية، ويشهد له كون بعض
رواته من العامة.
المسألة الرابعة: الواجب اختصاص كل حيوان بطريق تذكيته، فتنحر
الإبل ويذبح غيرها، فلو نحر ما يذبح أو ذبح ما ينحر حرم بالاجماع، وفي
مرسلة الفقيه: (كل منحور مذبوح حرام، وكل مذبوح منحور حرام) (7).

(1) الكافي 6: 228 / 2، التهذيب 9: 53 / 218، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح
ب 5 ح 1.
(2) الكافي 6: 229 / 3، التهذيب 9: 53 / 219، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح
ب 5 ح 2.
(3) مجمع الفائدة والبرهان 11: 98.
(4) كفاية الأحكام: 247.
(5) كالشهيد الثاني في بعض حواشيه على ما حكاه عنه في الرياض 2: 274.
(6) التهذيب 9: 48 / 201، الوسائل 24: 122 أبواب الأطعمة المحرمة ب 5 ح 4.
(7) الفقيه 3: 210 / 968، الوسائل 24: 14 أبواب الذبائح ب 5 ح 3.
408

الفصل الرابع
في سائر شرائط الذبح والنحر
وهي أمور تذكر في طي مسائل:
المسألة الأولى: من شرائط الذبح والنحر: استقبال القبلة، إجماعا
محكيا مستفيضا (1)، ومحققا، وهو الحجة فيه، مضافا إلى المستفيضة:
كصحيحة محمد: (استقبل بذبيحتك القبلة) (2).
والأخرى: عن رجل ذبح ذبيحة فجهل أن يوجهها إلى القبلة، قال:
(كل منها)، قلت له: فإن لم يوجهها، قال: (فلا تأكل، ولا تأكل من ذبيحة
ما لم يذكر اسم الله عليها)، وقال عليه السلام: (إذا أردت أن تذبح فاستقبل
بذبيحتك القبلة) (3).
والثالثة: عن ذبيحة ذبحت لغير القبلة، فقال: (كل ولا بأس بذلك ما
لم يتعمده) (4)، دلت بالمفهوم على المطلوب.
ومفهوم صحيحة الحلبي: عن الذبيحة تذبح لغير القبلة، قال: (لا

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 618، والمسالك 2: 226، والمفاتيح 2:
199.
(2) الكافي 6: 229 / 5، التهذيب 9: 53 / 220، الوسائل 24: 27 أبواب الذبائح
ب 14 ح 1.
(3) الكافي 6: 233 / 1، التهذيب 9: 60 / 253، الوسائل 24: 27 أبواب الذبائح
ب 14 ح 2.
(4) الكافي 6: 233 / 4، التهذيب 9: 59 / 250، الوسائل 24: 28 أبواب الذبائح
ب 14 ح 4.
409

بأس إذا لم يتعمد) (1).
والمروي في الدعائم أنهما قالا في من ذبح لغير القبلة: (إن كان أخطاء
أو نسي أو جهل فلا شئ عليه وتؤكل ذبيحته، وإن تعمد ذلك فقد أساء
ولا يجب أن تؤكل ذبيحته تلك إذا تعمد خلاف السنة) (2).
والأمر في تلك الأخبار محمول على الوجوب الشرطي، وجعلوا
الاستقبال شرطا للحلية وهو إجماعي، والاجماع عليه أيضا مصرح به في
كلامهم (3)، وهو الدليل عليه، وإلا فإثباته من الأخبار مشكل، لأن المتبادر
من الأمر الوجوب الشرعي، وهو غير مستلزم للحرمة مع ترك المأمور به.
وقوله: (فلا تأكل) في الصحيحة الثانية يحتمل الخبرية.
نعم، لو كان المشار إليه - في قوله: (بذلك) في الثالثة - هو الأكل
لدلت بالمفهوم على ثبوت البأس - الذي هو العذاب - في أكل ما تعمد فيه
ذلك، ولكن يحتمل أن يكون إشارة إلى الذبح لغير القبلة.
وكذلك مفهوم جواز الأكل يمكن عدم الجواز بالمعنى الأخص.
والظاهر من رواية الدعائم الكراهة، ولكنها خلاف الاجماع، فالدليل
هو الاجماع المعتضد ببعض ما ذكر.
ثم وجوب الاستقبال والحرمة بدونه إنما هو مع العلم بالوجوب
وتعمد تركه، فلا يحرم مع نسيانه إجماعا فتوى ونصا، وكذا لو تركه جهلا
بالحكم أو بالقبلة أو خطأ فيها، على المصرح به في كلام كثير من

(1) الكافي 6: 233 / 3، التهذيب 9: 59 / 251، الوسائل 24: 28 أبواب الذبائح
ب 14 ح 3.
(2) الدعائم 2: 174 / 626، مستدرك الوسائل 16: 138 أبواب الذبائح ب 12 ح 2،
وفيه: ولا نحب، بدل: ولا يجب.
(3) انظر كفاية الأحكام: 246، وكشف اللثام 2: 259.
410

الأصحاب، كالإرشاد والدروس والروضة والمفاتيح والكفاية (1)، بل نسبه
المحقق الأردبيلي إلى كلام الأصحاب (2)، لدلالة رواية الدعائم المنجبرة
على الجميع.. بل تدل على الحل في صورة الترك مع اعتقاد عدم
الوجوب، لصدق الخطأ والجهل حينئذ أيضا.
ويستدلون للحكم في صورة الجهل بالصحيحة الأولى.
وفيه نظر، لاحتمال أن يكون المعنى: أن ذبيحة الجاهل بوجوب
التوجيه تؤكل إذا وجه ولا تؤكل إذا علم عدم التوجيه، بل هو الظاهر من
معناها، فلا دلالة لها.
فروع:
أ: هذه الأخبار وإن اختصت بالذبيحة، إلا أنه يتعدى إلى المنحورة
بالمركب من الاجماع.
ب: هل اللازم استقبال جميع مقاديم الذبيحة القبلة، أو يكفي
استقبال المذبح والمنحر خاصة؟
ظاهر جماعة: الأول (3)، لظاهر الصحيحين الأولين، لأنه المتبادر من
استقبال الذبيحة، بل هو معناه.
ودليل الآخرين الأصل، وهو مدفوع بما مر.
ج: هل يشترط استقبال الذابح أو الناحر للقبلة أيضا، أم لا؟

(1) إرشاد الأذهان 2: 108، الدروس 2: 413، الروضة 7: 215، المفاتيح 2:
200، كفاية الأحكام: 246.
(2) مجمع الفائدة 11: 114.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 226،
411

فيه قولان، أظهرهما: الثاني، للأصل.
ويستدل للأول بأن المتبادر من التعدية بالباء: المصاحبة، أي استقبل
مع ذبيحتك.
ويرد بمنع التبادر، بل الظاهر أنها مثل التعدية بالهمزة، فإن المتبادر
من: (ذهب به) أنه أذهبه.
نعم روي في الدعائم عن أبي جعفر عليه السلام: (إذا أردت أن تذبح ذبيحة
فلا تعذب البهيمة، أحد الشفرة واستقبل القبلة) (1).
ولكنه - لضعفه - لا يصلح لاثبات الزائد على الاستحباب. وتقدمت
أيضا روايته الدالة على رجحان استقبال الناحر (2).
المسألة الثانية: ومن شرائطهما: التسمية، بالاجماع المحقق،
والمحكي بالاستفاضة (3)، والأصل، وصريح الكتاب..
قال الله سبحانه: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه) (4).
والسنة المتواترة معنى، منها: الأخبار المتكثرة المتقدمة كثير منها،
المصرحة بأن الذبيحة بالاسم ولا يؤمن عليها إلا مسلم (5).
ومنها: الأخبار المتقدمة، المتضمنة لحل بعض الذبائح بشرط سماع
التسمية (6).
ومنها: صحيحة محمد بن قيس المتقدمة في المسألة الرابعة من

(1) الدعائم 2: 174 / 625، مستدرك الوسائل 16: 137 أبواب الذبائح ب 12 ح 1.
(2) في ص: 407.
(3) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 618، والمسالك 2: 227، والمفاتيح 2: 198.
(4) الأنعام: 121.
(5) الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26.
(6) في ص: 384 و 385.
412

الفصل الأول (1).
وصحيحة محمد المتقدمة في المسألة السابقة.
والأخرى: عن الرجل يذبح ولا يسمي، قال: (إن كان ناسيا فلا بأس
عليه إن كان مسلما وكان يحسن أن يذبح ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما
ذبح) (2).
والثالثة: عن رجل ذبح ولم يسم، فقال: (إن كان ناسيا فليسم حين
يذكر ويقول: بسم الله على أوله وعلى آخره) (3).
والرابعة الواردة في ذبيحة المرأة، وفيها: (ولتذكر اسم الله عليها) (4).
وصحيحة سليمان: عن ذبيحة الغلام والمرأة، وفيها: (إذا كانت المرأة
مسلمة وذكرت اسم الله تعالى على ذبيحتها حلت ذبيحتها وكذلك الغلام) (5).
ورواية محمد الحلبي: (من لم يسم إذا ذبح فلا تأكله) (6).
ورواية مسعدة: عن ذبيحة الغلام، [قال:] (إذا قوي على الذبح وكان
يحسن أن يذبح وذكر اسم الله عليها فكل) (7)، إلى غير ذلك.

(1) في ص: 389.
(2) الكافي 6: 233 / 2، التهذيب 9: 60 / 252، الوسائل 24: 29 أبواب الذبائح ب 15
ح 2، والنخع للذبيحة أن يعجل الذابح فيبلغ القطع إلى النخاع - لسان العرب 8: 348.
(3) الكافي 6: 233 / 4، الفقيه 3: 211 / 977، التهذيب 9: 59 / 250، الوسائل
24: 30 أبواب الذبائح ب 15 ح 4.
(4) الكافي 6: 237 / 1، الفقيه 3: 212 / 981، التهذيب 9: 73 / 310، الوسائل
24: 44 أبواب الذبائح ب 23 ح 5.
(5) الكافي 6: 237 / 3، الفقيه 3: 212 / 983، التهذيب 9: 73 / 308، الوسائل
24: 45 أبواب الذبائح ب 23 ح 7.
(6) الفقيه 3: 211 / 980، الوسائل 24: 30 أبواب الذبائح ب 15 ح 6.
(7) الكافي 6: 237 / 2، التهذيب 9: 73 / 309، الوسائل 24: 42 أبواب الذبائح
ب 22 ح 2، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
413

ثم التسمية أيضا كالاستقبال في اختصاص وجوبها والحرمة بدونها
بصورة التذكر وتعمد الترك، فلا يحرم لو تركها نسيانا، وبالاجماعين (1)
والصحيحين المتقدمين..
وصحيحة الحلبي: عن الرجل يذبح فينسى أن يسمي أتؤكل ذبيحته؟
فقال: (نعم، إذا كان لا يتهم وكان يحسن الذبح قبل ذلك ولا ينخع ولا
يكسر الرقبة حتى تبرد الذبيحة) (2).
والمروي في تفسير العياشي: (إن كان الرجل مسلما فنسي أن يسمي
فلا بأس بأكله إذا لم تتهمه) (3) يعني: أنه ترك التسمية متعمدا لاعتقاده جواز
تركها.
وفي إلحاق الجهل هنا أيضا بالنسيان وعدمه قولان، صريح المحقق
الأردبيلي: الأول (4)، ولم يذكر عليه دليلا.
نعم استدل له بعض آخر بكون الجهل كالنسيان في المعنى المسوغ
للأكل، ولذا تساويا في ترك الاستقبال (5)، وهو عين المصادرة.
والثاني ظاهر الأكثر، حيث لم يذكروه، وقيل: لم أر من صرح بالحل
مع الترك جهلا (6). ودليله: الأصل، وإطلاق قوله سبحانه، والأخبار
المعصومية. وهو الأقرب.

(1) الرياض 2: 273.
(2) الكافي 6: 233 / 3، الفقيه 3: 211 / 979، التهذيب 9: 59 / 251، الوسائل
24: 29 أبواب الذبائح ب 15 ح 3.
(3) تفسير العياشي 1: 375 / 86، الوسائل 24: 46 أبواب الذبائح ب 23 ح 11.
(4) مجمع الفائدة 11: 115.
(5) الرياض 2: 274.
(6) الرياض 2: 274.
414

فروع:
أ: لا يشترط في التسمية كون الذابح ممن يعتقد وجوبها، وفاقا
للأكثر، للاطلاقات، والعمومات، والحكم بحل ذبيحة المخالف الذي لا
يعتقد وجوبها (1)، بل حل شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من الجلود
واللحوم من غير سؤال (2).
خلافا للفاضل في المختلف (3)، ولا دليل له سوى عدم قصده
بالتسمية بناء على اعتقاده.
وفيه: فقد الدليل على اعتبار القصد أيضا.
ب: لا يشترط في التسمية أن تكون في ضمن البسملة، بل تتحقق
بذكر كل ما يشتمل على اسم الله سبحانه، كما صرح به جماعة (4) من غير
خلاف بينهم يوجد.
وتدل عليه صحيحة محمد: عن رجل ذبح فسبح أو كبر أو هلل أو
حمد الله تعالى، قال: (هذا كله من أسماء الله تعالى ولا بأس به) (5).
والظاهر أن المراد أن الكل متضمن لاسمه سبحانه، ولا يثبت من
الصحيحة أزيد من كفاية كل ما يتضمن ذكر اسم الله، سواء كان بسملة أو

(1) الوسائل 24: 66 أبواب الذبائح ب 28.
(2) انظر الوسائل 3: 490 أبواب النجاسات ب 50، و ج 24: 70 أبواب الذبائح ب 29.
(3) المختلف: 680.
(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 2: 227، والمحقق السبزواري في الكفاية:
247، وصاحب الرياض 2: 273.
(5) الكافي 6: 234 / 5، الفقيه 3: 211 / 978، التهذيب 9: 59 / 249، الوسائل
24: 31 أبواب الذبائح ب 16 ح 1.
415

غيرها.
ولا يشترط ذكر لفظ الاسم، فيكفي مثل: أستغفر الله، وغيره.
وأما كفاية غير ذلك مما لا يتضمن اسم الله - كما أن يذكر صفاته
العليا، نحو: من دان له أو خضع له جميع الخلق، وأمثال ذلك - فلا يثبت
منها، بل وكذا غير لفظ " الله " من أسمائه الحسنى، نحو: الرحمن، و:
الرحيم، لجواز أن تكون الإضافة في اسم الله بيانية، بل يمكن الخدش في
كون غير لفظ الله اسما حقيقيا له.
ومنه يظهر أن الأقرب اعتبار العربية أيضا، كما به صرح طائفة (1).
ج: المستفاد من صحيحة محمد الثالثة: أن الناسي للتسمية يذكرها
عند الذكر، بل ظاهرها الوجوب، ولكن صرح جماعة بعدم قائل
بوجوبه (2)، ولذا حملوه على الاستحباب، وهو جيد.
وهل الاستحباب مخصوص بالتذكر حال الاستقبال بالذبح، أو يعم
جميع حالات الاشتغال بالذبيحة، مثل سلخها وتقطيع لحمها؟
مقتضى إطلاق الصحيحة: الثاني، بل لعله يشمل حال الفراغ أيضا.
د: هل يجب أن تكون التسمية مع التذكر مقارنة للشروع في الذبح،
أم يجوز مقدمة عليه حين الشروع في مقدماته، كأخذ الشاة، أو ربطها
وشدها، أو حين القيام للأخذ؟
الظاهر: الأول، لعدم معلومية صدق ذكر اسم الله عليه في غير
المقارن للشروع، ولكن المقارنة العرفية كافية قطعا.

(1) كما في الرياض 2: 273.
(2) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 11: 117، والعلامة المجلسي في
البحار 62: 298، وصاحب الرياض 2: 273.
416

ه‍: هل يجب أن تكون التسمية بقصد الذبح، أو لا؟
الظاهر: الأول، ليعلم تحقق ذكر اسم الله عليه، فلو اتفق مقارنة
الشروع في الذبح لذكر اسم الله بقصد آخر لم يكف.
و: يشترط أن يكون المسمي هو الذابح، فلا تكفي تسمية غيره
مقارنة لذبحه ولو بقصده، لوقوع الأمر به للذابح في كثير من الأخبار،
مضافا إلى ما مر من نوع خفاء في معنى ذكر اسم الله عليه، فيقتصر على
المتيقن.
ز: صرح في المسالك بأنه يكتفى من الأخرس بالإشارة المفهمة
للتسمية وقصدها إن كان قادرا عليها، وإن لم يقدر على الإشارة فهو كغير
القاصد لا تحل ذبيحته (1).
أقول: إن عمم ذكر اسم الله بحيث يشمل التذكر القلبي لكان ما ذكره
حسنا، ولكن لازمه الاكتفاء به في الناطق أيضا ولم يقل به أحد.
وإن خص باللفظي - كما هو المستفاد من الأخبار، بل هو حقيقة
التسمية المأمور بها في الأخبار، بل في بعضها: (ويقول: بسم الله على أوله
وآخره) وفي بعضها: (سمعته يقول) - فلا وجه للاكتفاء بإشارة الأخرس،
وقيامها مقام اللفظ في بعض المواضع بدليل لا يثبت الكلية، فالأقوى عدم
حلية ذبيحته، إلا أن يثبت عليه إجماع، ولم يثبت بعد.
ح: لو أكره على الذبح، فإن بلغ حدا يرفع القصد إلى الفعل لم تحل
ذبيحته - كأن يقبض يده ويمر مع السكين على المذبح - وإلا فتحل مع ذكر
اسم الله، للاطلاقات.

(1) المسالك 2: 225.
417

المسألة الثالثة: ومن الشرائط أيضا: حركة الذبيحة أو المنحورة
حركة الحي خاصة، عند الصدوق والفاضل في المختلف (1)، وقواه ثاني
الشهيدين (2).
وخروج الدم المعتدل خاصة لا المتثاقل - أي المتقاطر قطرة قطرة مع
التثاقل - عند الشهيد في الدروس على ما حكي عنه (3).
ومجموع الأمرين المذكورين عند جماعة، منهم: المفيد والإسكافي
والقاضي والديلمي والحلبي (4)، وابن زهرة مدعيا هو الاجماع عليه (5).
وأحد الأمرين عند طائفة أخرى، منهم: الشيخ في النهاية والحلي
والفاضلين (6) وأكثر المتأخرين كما في المسالك (7)، بل الأكثر مطلقا كما في
المفاتيح (8) وشرحه.
دليل الأولين: المستفيضة المعتبرة:
كموثقة البصري: (إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو تحرك
الذنب فكل منه فقد أدركت ذكاته) (9).

(1) الصدوق في المقنع: 139، المختلف: 681.
(2) في الروضة 7: 224.
(3) الدروس 2: 413.
(4) المفيد في المقنعة: 580، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 681، القاضي في
المهذب 2: 440، الديلمي في المراسم: 209، الحلبي في الكافي في الفقه:
320.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(6) النهاية: 584، الحلي في السرائر 3: 110، المحقق في المختصر: 250،
العلامة في التحرير 2: 159.
(7) المسالك 2: 227.
(8) المفاتيح 2: 201.
(9) الكافي 6: 232 / 3، التهذيب 9: 57 / 237، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح
ب 11 ح 6.
418

ورواية عبد الله بن سليمان: (إذا طرفت العين أو ركضت الرجل أو
تحرك الذنب وأدركته فذكه) (1).
ورواية أبان: (إذا شككت في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو
تحرك أذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها لك حلال) (2).
وصحيحة محمد الحلبي: عن الذبيحة، فقال: (إذا تحرك الذنب أو
الطرف أو الأذن فهو ذكي) (3).
ورواية رفاعة: في الشاة (إذا طرفت عينها أو حركت ذنبها فهي
ذكية) (4).
وصحيحة أبي بصير: عن الشاة تذبح فلا تتحرك ويهراق منها دم كثير
عبيط، فقال: (لا تأكل، إن عليا عليه السلام كان يقول: إذا ركضت الرجل أو
طرفت العين فكل) (5).
ورواية ليث المرادي: (وخير الذكاة إذا كانت العين تطرف والرجل
تركض والذنب يتحرك) (6).

(1) الكافي 6: 232 / 1، الوسائل 24: 24 أبواب الذبائح ب 11 ح 7.
(2) الكافي 6: 232 / 4، التهذيب 9: 57 / 238، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح
ب 11 ح 5، والمصع: الحركة والضرب - النهاية الأثيرية 4: 337.
(3) الكافي 6: 233 / 5، التهذيب 9: 56 / 235، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح
ب 11 ح 3.
(4) الكافي 6: 233 / 6، التهذيب 9: 56 / 234، الوسائل 24: 23 أبواب الذبائح
ب 11 ح 4.
(5) الفقيه 3: 209 / 962، التهذيب 9: 57 / 240، الوسائل 24: 24 أبواب
الذبائح ب 12 ح 1.
(6) الكافي 6: 208 / 10، التهذيب 9: 33 / 131، الإستبصار 3: 73 / 267،
الوسائل 23: 350 أبواب الصيد ب 9 ح 4.
419

دلت غير الأخيرتين منطوقا على كفاية الحركة، ومفهوما على عدم
كفاية غيره، والأخيرة منطوقا على كفاية الحركة، وما قبلها على عدم كفاية
خروج الدم.
حجة الثاني: صحيحتا محمد: عن مسلم ذبح شاة فسبقه السكين
بحدتها فأبان الرأس، قال: (إن خرج الدم فكل) (1).
ورواية سماعة، وفيها: (لا بأس إذا سال الدم) (2).
ورواية الحسن بن مسلم الواردة في بقرة ضربها رجل بفأس فسقطت
ثم ذبحها، وفيها: (إن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم
معتدلا فكلوا وأطعموا، وإن كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه) (3).
دلت بالمناطيق على كفاية خروج الدم، وبالمفاهيم على عدم كفاية
غيره.
ومستند الثالث - بعد أصالة الحرمة، ولزوم الاقتصار فيما خالفها على
المتيقن المجمع عليه، وليس إلا ما اجتمع فيه الأمران، والاجماع
المنقول (4)، والشهرة القديمة المحكية (5) - كون ذلك مقتضى تعارض أخبار
الطرفين والعمل بقواعد التعارض، حيث إن منطوق كل منهما يعارض

(1) الأولى: الكافي 6: 230 / 2، الفقيه 3: 208 / 960، التهذيب 9: 55 / 230،
الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.
الثانية: التهذيب 9: 57 / 239، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ذيل
الحديث 2.
(2) الفقيه 3: 208 / 961، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 4.
(3) الكافي 6: 232 / 2، التهذيب 9: 56 / 236، قرب الإسناد: 44 / 143، وفي
التهذيب والوسائل 24: 25 أبواب الذبائح ب 12 ح 2 عن الحسين بن مسلم.
(4) راجع ص: 418.
(5) حكاها صاحب الرياض 2: 274.
420

مفهوم الآخر بالعموم من وجه، والمرجح في البين مفقود، فيرجع في
موضع التعارضين - وهما ما تحرك ولم يخرج الدم، أو خرج الدم ولم
يتحرك - إلى أصالة الحرمة.
ومستمسك الرابع - بعد أصالة الحلية الحاصلة بذكر اسم الله عليه،
والشهرة الجديدة أو المطلقة المحكية - تعارض أخبار الطرفين - كما مر -
وعدم المرجح، فيحكم في موضع التعارض بالتخيير، كما هي القاعدة.
أقول - ومن الله التوفيق -: لا ينبغي الريب في دلالة نصوص كل من
الطرفين، إلا أن الأخبار الأولى أصرح دلالة وأوضحها، وذلك لما قيل (1) من
أن الصحيحين ورواية سماعة - من الأخبار الثانية - واردة في غير المشتبه
حياته وموته، بل المستقر حياته استقرارا يظن ببقائه زمانا يحتمله..
وإنما إشكال السائل فيها من حيث قطع الرأس بسبق المدية (2)، ولا
ريب أن الغالب في مثل هذه الذبيحة تحقق الحركات المزبورة منها.
والرواية الأخيرة فهي وإن كانت في المشتبه الذي هو مفروض
المسألة - كما صرح به جماعة (3) - إلا أنها مع قصور سندها غير صريحة بل
ظاهرة، لاحتمالها الحمل على ما إذا حصلت الحركة بعد التذكية، سيما مع
كونه من الأفراد الغالبة للذبيحة المشتبه حالها الخارج دمها معتدلا، وليس
كذلك الذبيحة المشتبهة بعدها حركة ما جزئية، فإنه غير معلوم خروج
الدماء عنها معتدلة..
إلا أنه يمكن أن يقال: إنه لا دليل على كون الصحيحين ورواية

(1) في الرياض 2: 274.
(2) المدية: الشفرة - الصحاح 6: 2490.
(3) منهم الشهيد في الدروس 2: 414، وصاحب الرياض 2: 274.
421

سماعة واردة في غير المشتبه.
نعم، هي مطلقة، وكثير من الأخبار الأولى أيضا كذلك، فتكون أخبار
الطرفين من تلك الجهة في مرتبة واحدة من الوضوح وعدمه.
نعم، تترجح الأولى بالخلو عن المعارض الأخص ولا كذلك الثانية،
لأن صحيحة أبي بصير المذكورة الناصة على عدم التحرك أخص مطلقا من
الثانية، فيخصص عموم مناطيقها بما إذا حصل مع خروج الدم، كما هو
الغالب، ولازمه اختصاص مفاهيمها، لأن المفهوم تابع للمنطوق.. وحينئذ
فتبقى الأخبار الأولى بلا معارض، إلا أنه يخدشها: أن اللفظ الوارد في
صحيحة أبي بصير ليس صريحا في النهي، لاحتمال الخبرية، وحينئذ لا
تكون الصحيحة معارضة للأخبار الثانية في الحكم.
وقد ظهر مما ذكر أن الصواب ترك الكلام في تضعيف ظهور دلالة
تلك الأخبار أو تخصيصها، والرجوع إلى ما يقتضيه تعارضهما، كما فعله
أرباب القولين الأخيرين، فنقول:
إن ما ذكره أهل القول الثالث - من الرجوع إلى الأصل - تماميته تتوقف على
فقد المرجح لأحد الطرفين أولا، وصحة أصل الحرمة ثانيا، وكلاهما ممنوعان..
أما الأول: فلأن من المرجحات المنصوصة: الشهرة رواية، وهي مع
الأخبار الأولى في الجملة وإن لم تكن بمرتبة توجب الحكم البتة، فتأمل.
وأما الثاني: فلما عرفت مرارا من أن الأصل - بعد ذكر اسم الله، سيما
مع الذبح أو النحر - مع الإباحة.
وما ذكره أصحاب القول الرابع من الرجوع إلى القاعدة - التي هي
التخيير - وإن كان صحيحا، إلا أن في كون مقتضى التخيير - الذي هو
القاعدة عند التعارض وفقد المرجح - الاكتفاء بأحد الأمرين، خفاء، إلا أنه
422

إن كان كذلك ثبت مطلوبهم، وإلا فيكون التخيير بالمعنى الآخر منفيا هنا
قطعا، للاجماع، فيبقى الرجوع إلى الأصل، وهو كما عرفت مع الإباحة.
فإذن الأقوى هو القول الرابع، وعليه الفتوى.
فروع:
أ: المستفاد من الأخبار المتقدمة كفاية واحدة من الحركات الثلاث أو
الأربع، من طرف العين، أو حركة الأذن، أو الرجل، أو الذنب، فعليها
العمل، ولا تنافيها رواية ليث المتضمنة للفظة " الواو " المقتضية للجمع، لأن
الموضوع فيها خير الذكاة دون مطلقها.
ب: اللازم في تلك الحركات حركة الحي، فلا تفيد غيرها - كالتقلص
ونحوه - للاجماع، ولأنها المتبادر من حركة الحيوان، سيما إذا أضيفت
الحركة إليه، كما في روايتي أبان ورفاعة.
ج: المصرح به في كلام جماعة - منهم: المحقق الأردبيلي (1)،
وبعض مشايخنا عطر الله مراقدهم - أن كون هذه الحركة أو الدم أو كليهما - على
اختلاف الأقوال - علامة للحل إنما هو فيما اشتبهت حياته وموته، فلو
علمت حياته قبل الذبح، فذبح ولم يوجد شئ منها، يكون حلالا، لأنه قد
علمت حياته وذبح على الوجه المقرر، وإن علم موته وذبح ووجد بعض
هذه العلامات لم يحل، وهو كذلك.
وقد صرح في رواية أبان بأن الرجوع إلى العلامات عند الشك في
الحياة، ويشعر به أيضا قوله: فقد أدركته وأدركت ذكاته، في روايتي

(1) مجمع الفائدة 11: 122.
423

البصري وعبد الله بن سليمان.
ويدل على أن المعلوم حياته لا يحتاج إلى وجود العلامات: ما دل
على كفاية الحياة في التذكية، كقوله في صحيحة محمد بن قيس الواردة
فيما أخذت بالحبالة: (وكلوا ما أدركتم حياته وذكرتم اسم الله عليه) (1).
وفي موثقة البصري: (وما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل
منه) (2).
وعلى أن المعلوم موته لا يفيد فيه وجود العلامات: عمومات حرمة
الميتة وإطلاقاتها (3)..
وقوله في رواية أبي بصير الواردة في البعير الممتنع: (إلا أن تدركه
ولم يمت بعد فذكه) (4).
هذا، مع أن الحكم في المقامين إجماعي، ومع ذلك، الفرض الذي
ذكر فيهما فرض نادر إن لم نقل بأنه محال عادي، ولا يلتفت إلى مثله في
الاستدلال بالأخبار.
د: محل الحركة التي بها تعرف الحلية هل هو قبل الذبح، أو بعده؟
صرح في المسالك بالثاني (5)، ونسب بعضهم إلى الأصحاب كافة (6)،

(1) الكافي 6: 214 / 1، التهذيب 9: 37 / 154، الوسائل 23: 376 أبواب الصيد
ب 24 ح 1.
(2) الكافي 6: 214 / 3، التهذيب 9: 37 / 155 و 156، الوسائل 23: 376 أبواب
الصيد ب 24 ح 2.
(3) الوسائل 24: 99 أبواب الأطعمة المحرمة ب 1.
(4) الكافي 6: 231 / 1، التهذيب 9: 54 / 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح
ب 10 ح 5.
(5) المسالك 2: 227.
(6) الرياض 2: 274.
424

وعن الغنية ادعاء إجماع الإمامية عليه (1)، وهو ظاهر صحيحة أبي بصير،
حيث قال: تذبح فلا تتحرك (2).
ويمكن استفادته من صحيحة محمد الحلبي ورواية رفاعة أيضا،
حيث قال: (إذا تحرك..... فهو ذكي) (3).
ولو أراد الحركة القبلية لكان يقول: يقبل الذكاة.
إلا أن ظاهر روايتي أبان وعبد الله بن سليمان (4) كفاية القبلية.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن غاية ما تدلان عليه: أنه إذا تحرك قبل
التذكية يقبلها، وأما توقف الحلية بعدها على حركة أخرى بدليل آخر فلا
ينافي ذلك أصلا، فتأمل.
المسألة الرابعة: اشتهر بين جماعة من المتأخرين - منهم: المحقق
في الشرائع والفاضل تبعا للشيخ - اشتراط استقرار حياة الذبيحة قبل
الذبح (5)، وفسر في الشرائع الحياة المستقرة - التي شرطها - بالتي يمكن أن
يعيش مثلها اليوم والأيام.
وظاهر عبارات القدماء عدم اعتباره، حيث لم يذكروه ولم يتعرضوا
له، وهو ظاهر المحقق في النافع والشهيدين والصيمري (6) ومعظم متأخري

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(2) المتقدمة في ص: 419.
(3) المتقدمتين في ص: 419.
(4) المتقدمتين في ص: 419.
(5) الشرائع 3: 207، الفاضل في القواعد 2: 155، والتحرير 2: 159، الشيخ في
المبسوط 6: 275.
(6) النافع: 249، الشهيد في الدروس 2: 415، الشهيد الثاني في الروضة 7:
227، وحكاه عن الصيمري في الرياض 2: 275.
425

المتأخرين (1)، بل نقل عن نجيب الدين يحيى بن سعيد أنه قال: إن اعتبار
استقرار الحياة ليس من المذهب ولم ينقل للمشترطين له حجة قابلة
للتعويل عليها (2).
واستدل بعضهم له بأن ما لا تستقر حياته قد صار بمنزلة الميتة.
وبأن إسناد موته إلى الذبح ليس بأولى من إسناده إلى السبب الموجب
لعدم استقرارها، بل السابق أولى، فصار كأن هلاكه بذلك السبب، فيكون
ميتة (3).
وزاد بعض آخر، فقال باعتضاد ما ذكر بأصالة الحرمة، واختصاص
الاطلاقات كتابا وسنة بحل المذكى - بحكم التبادر والغلبة - بما له حياة
مستقرة (4).
ويرد الأول: بمنع صيرورته بمنزلة الميتة في عدم قبول التذكية،
وليس هو غير المصادرة والاجتهاد في مقابلة ظواهر الكتاب والسنة.
ويرد الثاني أيضا من جهة أن مقتضى النصوص سببية ذبح الحي
لحليته وإن مات بعده بسبب آخر.
سلمنا، غايته اشتراط عدم العلم باستناده إلى غير الذبح، وهو في
المقام حاصل، مع أنه قد يعلم استناده إلى خصوص الذبح، كما إذا كانت
الحياة الغير المستقرة مما يعلم معها بقاؤه وتعيشه، أو يظن ذلك ساعة أو
ساعتين، فيذبح بحيث يعلم أنه عجل في إزهاق روحه.

(1) كالمحقق السبزواري في الكفاية: 248، والكاشاني في المفاتيح 2: 201،
وصاحب الرياض 2: 275.
(2) حكاه عنه في الدروس 2: 415، والمفاتيح 2: 202.
(3) كما في المسالك 2: 229.
(4) كصاحب الرياض 2: 275.
426

وكأنه إنما دعاه إلى الاستدلال بهذا الدليل: النصوص الواردة في
الصيد الذي سقط من جبل أو وقع في ماء قبل زهوق روحه فمات، حيث
إنها حكمت بعدم أكله (1).
ولقائل أن يقول: إن ثبوته في الاصطياد لا يستلزم ثبوته في الذبح
أيضا، فإنه يمكن أن تكون التذكية الصيدية هي ما يخرج روحه بالاصطياد
وليس غيره اصطيادا مع الحياة، ولا كذلك التذكية الذبحية، بل المعتبر فيها
قطع الأوداج مع الحياة بالشرائط من أي سبب كان خروج الروح.
ولذا فرق بينهما في الروايات أيضا، فحكمت بحرمة الصيد المذكور
بخلاف الذبحية، بل حكمت فيها بالحلية كما في صحيحة زرارة: (إن
ذبحت ذبيحة فأجدت الذبح فوقعت في النار أو في الماء أو من فوق بيتك
أو جبل إذا كنت قد أجدت الذبح فكل) (2).
وهل هذا من الشارع إلا التفرقة بين الصيد والذبح؟! وهذا ظاهر
جدا، ويؤكد ذلك ما يأتي من اختلافهم في حلية الذبيحة التي أبين رأسها
قبل خروج روحها، فإن إبانة الرأس أقوى سبب في خروج الروح، مع أن
من حكم فيها بالحرمة استند لها بالخبر الناهي عن أكله، لا باستناد الموت
إلى الإبانة.
ويرد الثالث: بمنع أصالة الحرمة، بل الأصل مع الحلية، كما ذكرناه
غير مرة.
والرابع: بمنع تبادر ما تستقر حياته وغلبته بحيث تنصرف الاطلاقات

(1) كما في الوسائل 23: 378 أبواب الصيد ب 26. (2) التهذيب 9: 58 / 241، تفسير العياشي 1: 291 / 16، الوسائل 24: 26
أبواب الذبائح ب 13 ح 1.
427

إليها، مع أن من نصوص الحلية بالذبح ما هو ظاهر أو صريح في غير مستقر
الحياة أو الغالب فيه ذلك..
منها: صحيحة زرارة المتقدمة آنفا.
ومنها: الأخبار المذكورة في المسألة الثالثة المكتفية بطرف العين أو
ركض الرجل أو حركة الأذن أو الذنب، فإن الاعتبار بهذه الحركات الجزئية
إنما يكون غالبا فيما لا حياة مستقرة له، سيما بضميمة قوله: (فقد أدركت
ذكاته).
مع أن رواية أبان وردت فيما شك في حياته (1)، ولا ريب أن الشك
لا يكون مع الحياة المستقرة، وإن كان فهو نادر شاذ جدا.
ورواية الحسن بن مسلم واردة في المضروبة بالفأس بحيث سقطت
وشك في قبولها الذبح (2)، ولا شك أن الحياة في مثلها غير مستقرة دائما أو
غالبا.
ومنها: بعض الأخبار الواردة فيما أخذته الحبالة وأنها إذا قطعت منه
شيئا لا يؤكل، وما يدرك من سائر جسده حيا يذكى ويؤكل (3)، فإنه لو لم
يكن الغالب في المأخوذ بالحبالة المنقطع بعض أجزائه الحياة الغير
المستقرة فلا شك في عدم غلبة المستقرة ولا تبادرها.
ومنها: الأخبار الواردة في وجوب ذبح ما يدرك حياته من الصيود،
فإن الغالب فيها لو لم يكن عدم الاستقرار ليس الاستقرار قطعا، بل في
بعضها إشعار بعدمه، كرواية أبي بصير المتضمنة لقوله: (فإن عجل عليك

(1) تقدمت في ص: 419.
(2) تقدمت في ص: 420.
(3) الوسائل 23: 376 أبواب الصيد ب 24.
428

فمات قبل أن تذكيه فكل) (1)، فإن التعجيل مشعر بعدم كونه مستقر الحياة.
ومنها: رواية أبي بصير الواردة في البعير الممتنع المضروب بالسيف أو
الرمح بعد التسمية، وقوله: (فكل إلا أن تدركه ولم يمت بعد فذكه) (2)،
فإن الظاهر فيه رفع استقرار الحياة بالضرب بالسيف أو الرمح.
ومنها: الأخبار الواردة فيما قطع بالسيف أو المعراض قطعتين،
المجوزة لأكل الأكبر أو ما يلي الرأس أو المتحرك من القطعتين، أي بعد
التذكية الذبحية (3)، وظاهر أن الغالب في مثل ذلك عدم استقرار الحياة.
ومنها: الأخبار الواردة في النطيحة والمتردية وما أكل السبع
والموقوذة (4)، المصرحة بأنها لا تؤكل إلا مع التذكية، مع أن الغالب فيها
عدم استقرار الحياة.
بل منها ما هو ظاهر فيه، وهو صحيحة زرارة: (كل من كل شئ من
الحيوان، غير الخنزير والنطيحة والمتردية وما أكل السبع، وهو قول الله
عز وجل: (إلا ما ذكيتم) (5) فإن أدركت شيئا منها وعين تطرف أو قائمة
تركض أو ذنب يمصع فقد أدركت ذكاته فكله) (6).
وقوله: (والنطيحة) معطوف على الحيوان أو كل شئ، فإن الحكم

(1) التهذيب 9: 28 / 112، الوسائل 23: 341 أبواب الصيد ب 4 ح 3.
(2) الكافي 6: 231 / 1، التهذيب 9: 54 / 223، الوسائل 24: 21 أبواب الذبائح
ب 10 ح 5.
(3) انظر الوسائل 23: 386 أبواب الصيد ب 35.
(4) الموقوذة: هي المضروبة حتى تشرف على الموت ثم تترك حتى تموت وتؤكل
بغير ذكاة - مجمع البحرين 3: 192.
(5) المائدة: 3.
(6) التهذيب 9: 58 / 241، تفسير العياشي 1: 291 / 16، الوسائل 24: 37
أبواب الذبائح ب 19 ح 1.
429

بإدراك ذكاة المذكورات بهذه الحركات الجزئية دال على عدم الحياة
المستقرة، بل ما ورد في تفسير هذه الألفاظ صريح في عدم اعتبار استقرار
الحياة.
ومنه تظهر دلالة الاستثناء بقوله عز شأنه: (إلا ما ذكيتم) على ذلك
أيضا، سيما بضميمة ما في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن قوله: (إلا
ما ذكيتم) يرجع إلى جميع ما تقدم ذكره من المحرمات، سوى ما لا يقبل
الذكاة من الخنزير والدم (1).
ومنه تظهر دلالة الكتاب والسنة المتواترة معنى على عدم اشتراط
استقرار الحياة، فالمسألة بحمد الله واضحة غاية الوضوح.
والذي يختلج ببالي أنه قد اختلط الأمر في ذلك المقام على بعضهم،
وذلك لما قد أشرنا إليه في مسألة تذكية الصيد المدرك ذكاته، من أن المراد
بعدم استقرار الحياة: صيرورتها في شرف الزوال وشروعها في الخروج..
ولا يبعد أن يكون ذلك مرادهم من قولهم: لا يمكن أن يعيش اليوم
والأيام، فإنه ما لم يشرع في الخروج لا يمكن الحكم بعدم الامكان،
والصيد الذي صار كذلك بالاصطياد يصدق عليه أنه مقتول الآلة، سيما إذا
ترك حتى خرج تمام روحه..
ومن يحكم بلزوم الذبح حينئذ فليس نظره إلا إلى بعض الأخبار كما
مر، ومن لم يعتبر هذه الأخبار حكم بعدم لزوم الذبح حينئذ، واشترط في
لزوم ذبح الصيد الحياة المستقرة لما ذكرنا، فاختلط الأمر على غيره، وآل
الأمر إلى أن تعدى بعضهم إلى الذبيحة من غير استبصار، والله العالم.

(1) مجمع البيان 2: 158.
430

المسألة الخامسة: هل يشترط في حلية الذبيحة أو أجزائها - بعد
وقوع الذبح عليها حيا - خروج روحها بذلك الذبح، فلو خرج روحها بعد
الذبح بسبب آخر أو شك في ذلك لا يحل، أو لا يشترط فيحل؟
كلامهم في ذلك المقام لا يخلو عن اضطراب واختلاف..
قال المحقق في الشرائع في مسألة ما إذا قطع بعض الأعضاء وأرسله
ثم استأنف قطع الباقي: هل يحل أو يحرم؟ ويمكن أن يقال: يحل، لأن
إزهاق الروح بالذبح لا غير (1).
ظاهر تعليله: أنه يشترط في الحلية كون إزهاق الروح بالذبح.
وقال الشهيد الثاني في مسألة ما إذا أخذ الذابح في الذبح والآخر في
انتزاع الحشو معا وبيان وجه حكم المصنف بالحرمة وأنه عدم العلم بسبب
الموت: هذا إذا اعتبرنا استقرار الحياة، وإلا كفى في حله الذبح أو ما يقوم
مقامه وإن تعدد سبب الازهاق (2).
وظاهر ذلك الكلام عدم اشتراط استقلال الذبح ولا العلم بكونه سببا
للازهاق.
وقال في مسألة إبانة الرأس قبل الموت بعد حكمه بتحريم الفعل
وحلية الذبيحة ردا على من حرمها لأنه كما إذا مات بقطع عضو من
أعضائه: ويضعف بأن قطع الأربعة قد حصل فحصل الحل به، ولا يلزم من
تحريم فعل الزائد تحريم الذبيحة (3).
فإن مقتضى كلامه حصول الحل بقطع الأعضاء الأربعة مطلقا ولو كان

(1) الشرائع 3: 209.
(2) المسالك 2: 231.
(3) المسالك 2: 227.
431

الموت مستندا إلى إبانة الرأس، التي هي غير الذبح، بل فعل محرم.
وقال المحقق الأردبيلي في مسألة قطع بعض الأعضاء أولا ثم قطع
الباقي بعد نقل الحلية عن الفاضل والحرمة عن الشهيد: إن اعتبر إزالة الحياة
المستقرة بقطع الأعضاء الأربعة - كما هو الظاهر - ينبغي التحريم، وإن لم
يعتبر، بل المعتبر قطع الجميع وإزالة الحياة، حل (1).
وظاهر ذلك الترديد في لزوم استناد الموت إلى قطع الأعضاء الأربعة
وكذا ظاهر كل من يقول بكراهة إبانة الرأس قبل الموت أو حرمتها مع حل
الذبيحة عدم اشتراط الاستناد إلى الذبح، إذ لا شك أن تمام الروح يخرج
بالإبانة.
وكذا كلامهم في كراهة العضو المقطوع قبل الموت، بل كل من يقول
بعدم اشتراط استقرار الحياة ظاهره عدم الاشتراط، لأن بعد عدم استقرارها
لا يعلم استناد خروج الروح إلى الذبح.
وكيف كان، فالظاهر عدم الاشتراط، للأصل، والاطلاقات،
وصحيحة زرارة المتقدمة (2)، الواردة في الذبيحة الواقعة في النار أو الماء أو
من البيت أو الجبل، ونحوها روى العياشي في تفسيره.
والمروي في الدعائم: عن ذبيحة تتردى بعد أن تذبح من مكان عال،
أو تقع في ماء، أو في نار، فقال: (إن كنت قد أجدت الذبح وبلغت
الواجب فيه فكل) (3).
بل كثير من الأخبار المتقدمة في المسألة السابقة، من المتضمنة

(1) مجمع الفائدة 11: 110.
(2) في ص: 427.
(3) الدعائم 2: 179 / 649، مستدرك الوسائل 16: 137 أبواب الذبائح ب 11 ح 1.
432

للمضروبة بالفأس والمشكوك حياته والنطيحة وأخواتها، فإن الغالب فيها
عدم العلم بسبب خروج الروح من السبب السابق أو اللاحق أو الذبح.
نعم، في رواية حمران بن أعين الواردة في الذبيحة: (فإن تردى في
جب أو وهدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعمه، فإنك لا تدري التردي قتله
أو الذبح) (1).
ولكنها - مع معارضتها لما هو أصح منها سندا، كما مر - قاصرة عن
إفادة الحرمة، لمكان احتمال الجملة الخبرية، ولذا احتمل المحقق
الأردبيلي حملها على الكراهة أو على ما إذا لم يقطع الأعضاء الأربعة.
ولعل الحمل الأخير - باعتبار المعارضة مع صحيحة زرارة،
وأخصيتها باعتبار قوله: (وأجدت الذبح) - أولى.
وبالجملة: الظاهر عندي عدم الاشكال في المسألة، وأن القدر
الواجب هو ورود الذبح على الحي بأحد الحياتين، ومعه تحل الذبيحة إما
مطلقا، أو بعد خروج الروح عنه كيف كان.
نعم، يحصل الاشكال فيما لو ورد السببان المستقلان لازهاق الروح،
أحدهما الذبح، والآخر غيره، كإخراج ما في الحشو في زمان واحد.
ثم ما ذكرناه إنما هو على سبيل الأصل، فلا ينافيه ما لو ثبتت الحرمة
في مورد خاص بدليل، كما يأتي في إبانة الرأس، أو سلخ الذبيحة، أو قطع
جزء من الذبيحة قبل موتها.
المسألة السادسة: قد ظهر مما ذكر في المسألة السابقة وفي مسألة عدم
اشتراط استقرار الحياة: عدم اشتراط كون الذبح سببا مستقلا في إزهاق الروح.

(1) الكافي 6: 229 / 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.
433

المسألة السابعة: هل يشترط في حلية الذبيحة خروج روحها، أم
لا، بل تحل بمجرد قطع الأوداج بالشرائط ولو لم يخرج روحها بعد،
فيجوز قطع جزء منها وإبانة رأسها قبل موتها وأكلها؟
ذهب الشيخ في النهاية والقاضي وابنا حمزة وزهرة إلى الاشتراط (1)،
حيث حكموا بحرمة أكل ما قطع منها من الأجزاء والرأس قبل الموت.
وذهب الشيخ في الخلاف والحلي والراوندي والفاضلان والشهيد
الثاني في المسالك وصاحب الكفاية (2) وجمع آخر من المتأخرين (3) إلى
عدم الاشتراط، ونسبه الأخيران وشارح المفاتيح إلى الأكثر، بل عن
الخلاف ادعاء إجماع الصحابة عليه.
وهو الحق، لاطلاقات الكتاب والسنة، والنصوص المجوزة لأكل ما
قطع رأسه قبل الموت، حيث إن الرأس أيضا جزء مقطوع قبل خروج
الروح، فلو اشترط الموت في الحلية لم يكن حلالا.
ومن تلك النصوص: صحيحة الحلبي: عن رجل ذبح طيرا فيقطع
رأسه، أيؤكل منه؟ قال: (نعم، ولكن لا يتعمد قطع رأسه) (4).
وصحيحة الفضيل: عن رجل ذبح فسبقه السكين فقطع رأسه، فقال:
(هو ذكاة وحية لا بأس به وبأكله) (5).

(1) النهاية: 584، القاضي في المهذب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة: 357،
ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(2) الخلاف 2: 531، الحلي في السرائر 3: 108، المحقق في الشرائع 3: 205،
العلامة في القواعد 2: 155، المسالك 2: 227، الكفاية: 247.
(3) كفخر المحققين في الإيضاح 4: 137، والكاشاني في المفاتيح 2: 203.
(4) الفقيه 3: 209 / 963، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 5.
(5) الكافي 6: 230 / 1، الفقيه 3: 208 / 959، التهذيب 9: 55 / 229، الوسائل
24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 1، والوحي بتشديد الياء: السريع - مجمع البحرين
1: 432.
434

وصحيحة محمد: عن مسلم ذبح شاة فسبقه السكين بحدتها فأبان
الرأس، فقال: (إن خرج الدم فكل) (1).
ورواية سماعة، وفيها: (لا بأس به إذا ذكر اسم الله عليه) وقال: (لا
بأس إذا سال الدم) (2).
والمروي في الدعائم عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: عمن نخع
الذبيحة قبل أن تموت - يعني كسر عنقها - فقال: (قد أساء ولا بأس
بأكلها) (3).
حجة المشترطين: مرفوعة محمد بن يحيى: (إذا ذبحت الشاة
وسلخت أو سلخ شئ منها قبل أن تموت لم يحل أكله) (4).
ورواية مسعدة: عن الرجل يذبح فيسرع السكين فيبين الرأس،
فقال: (الذكاة الوحية لا بأس بأكله إذا لم يتعمد ذلك) (5).
وصحيحة محمد: (ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما ذبح) (6).

(1) الكافي 6: 230 / 2، الفقيه 3: 208 / 960، التهذيب 9: 55 / 230، الوسائل
24: 17 أبواب الذبائح ب 9 ح 2.
(2) الفقيه 3: 208 / 961، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح ب 9 ح 4، صدر الرواية
غير موجود في المصدر.
(3) الدعائم 2: 175 / 632، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.
(4) الكافي 6: 230 / 8، التهذيب 9: 56 / 233، الوسائل 24: 17 أبواب الذبائح
ب 8 ح 1، بتفاوت يسير.
(5) الكافي 6: 230 / 3. التهذيب 9: 56 / 231، الوسائل 24: 18 أبواب الذبائح
ب 9 ح 3.
(6) الكافي 6: 233 / 2، التهذيب 9: 60 / 252، الوسائل 24: 29 أبواب الذبائح
ب 15 ح 2.
435

والجواب عن الأولى: أن تمامية دلالتها إنما هي إذا كان السلخ بمعنى
القطع، أو الضمير في: (أكله) راجعا إلى الجلد الذي انفصل بالسلخ، وإلا
لا يتم، إذ لا وجه لحرمة الشاة أو الجزء المسلوخ بمجرد السلخ، الذي هو
أعم مما يوجب موت الشاة أو الجزء.
هذا، مع معارضتها مع الأخبار السابقة المبيحة للرأس والذبيحة بإبانة
الرأس قبل الموت، فيرجع إلى الأصل.
وبذلك يجاب عن الرواية الثانية، فإنها معارضة - سيما مع رواية
سماعة - بالعموم من وجه، فالمرجع الأصل.
وقد ظهر من ذلك عدم حرمة الذبيحة ولا الجزء المقطوع لو أبين
الرأس، أو قطع الجزء قبل الموت.
وهل يجوز أصل الفعل أو يحرم؟
في كل واحد من الرأس والجز قولان:
فالأول في الأول: للخلاف والحلي والفاضلين (1) وغيرهم (2)، ونفى
الحلي عنه الخلاف بين المحصلين.
والثاني فيه: للإسكافي والمفيد وابن حمزة والقاضي والشيخ في
النهاية والفاضل في المختلف والشهيدان (3) وغيرهما (4).

(1) الخلاف 2: 531، الحلي في السرائر 3: 108، المحقق في الشرائع 3: 206،
العلامة في التحرير 2: 159.
(2) كالشهيد في الدروس 2: 415، والفيض في المفاتيح 2: 203.
(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 680، المفيد في المقنعة: 580، ابن حمزة
في الوسيلة: 360، القاضي في المهذب 2: 440، النهاية: 584، المختلف:
680، الشهيد في الدروس 3: 415، الشهيد الثاني في المسالك 2: 227.
(4) كفخر المحققين في الإيضاح 4: 137.
436

والأول في الثاني: للحلي والمحقق (1) وعامة من تأخر (2)، بل الأكثر.
والثاني: للنهاية والقاضي وابني حمزة وزهرة (3) وبعض آخر (4).
والحق في كل منهما: الأول، للأصل الخالي عما يصلح للمعارضة،
أما في الجزء فظاهر، وأما في الرأس فلأن ما يظن تعارضه منحصر في
صحيحتي الحلبي ومحمد الأخيرة - وهما لمقام الجملة الخبرية عن إفادة
الحرمة قاصرتان - ورواية الدعائم المذكورة، والأخرى: إن رسول الله صلى الله عليه وآله
نهى عن أن تسلخ الذبيحة أو يقطع رأسها حتى تموت (5).. وهما - لمكان
الضعف الخالي عن الجابر - عن صلاحية المعارضة عاجزتان.

(1) الحلي في السرائر 3: 110، المحقق في الشرائع 3: 205.
(2) كالعلامة في القواعد 2: 155، والكاشاني في المفاتيح 2: 203، وصاحب
الرياض 2: 276.
(3) النهاية: 584، القاضي في المهذب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة: 360،
ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(4) كالشهيد في الدروس 2: 415.
(5) الدعائم 2: 175 / 630، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 6 ح 1.
437

الفصل الخامس
فيما تقع عليه الذكاة
وفيه مقدمة ومسائل.
المقدمة:
اعلم أن الحيوانات على قسمين: مأكول اللحم وغيره، وغير مأكول
اللحم على قسمين: نجس العين وغيره، وغير نجس العين على قسمين:
آدمي وغيره، وغير الآدمي على قسمين: ما لا نفس سائلة له وما له نفس،
والأخير باعتبار الخلاف في قبول التذكية وعدمه على أربعة أقسام: السباع
والمسوخات والحشرات وغيرها.
ثم المراد بالتذكية في مأكول اللحم الذي لا نفس له - كالسمك
والجراد -: ما يصير به جائز الأكل بعد عدم جوازه، وفي مأكول اللحم الذي
له نفس: ما يصير به جائز الأكل ويبقى على طهارته الحاصلة له في الحياة،
وفي غير المأكول الذي له نفس: ما يبقى معه على طهارته، وفيما لا نفس
له منه لا يظهر لها أثر فيه، لأنه طاهر ذكي أم لم يذك.
ثم الأصل في القسم الأول - وهو مأكول اللحم - وقوع التذكية عليه،
لأنه مقتضى كونه مأكول اللحم، وللاجماع، ولقوله سبحانه: (إلا ما
ذكيتم) (1) وقوله: (فكلوا مما ذكر اسم الله عليه) (2)، ولاطلاقات
الأخبار الواردة في الصيود والذبائح، وهي غير محصورة جدا.

(1) المائدة: 3.
(2) الأنعام: 118.
438

والقسم الأول من القسم الثاني - وهو نجس العين - لا يقبل الذكاة
إجماعا، فهو الأصل فيه، ويدل عليه - مع الاجماع - استصحاب النجاسة.
وكذا القسم الأول من القسم الثالث - أي الآدمي - فإن عدم وقوع
التذكية عليه إجماعي، بل ضروري.
وأما القسم الأول من الرابع - وهو ما لا نفس له من غير المأكول - فقد
عرفت أنه لا معنى للتذكية فيه.
فبقي الكلام في الأربعة الأخيرة من جهة الأصل.
فنقول: الأصل في بادئ النظر في الجميع قبول التذكية، إذ عرفت أن
التذكية إنما هي ما تبقى معه الطهارة، ومقتضى الأصل والاستصحاب بقاؤها
إلا فيما علم فيه ارتفاعها، وليس هو إلا ما لم تقع عليه التذكية، أي الصيد
أو الذبح مع شرائطهما المقررة، فكل حيوان مما ذكر صيد أو ذبح كذلك
يكون طاهرا بالاستصحاب، فيكون مذكى، وهو المراد بقبول التذكية.
فإن قيل: التذكية أمر توقيفي شرعي موقوف على توقيف الشارع في
كيفيته وأثره ومورده، فكلما وقع فيه الشك من هذه الأمور فالأصل عدمه،
وهذا الأصل وإن عارضه أصل الطهارة ولكن تعارضهما من باب تعارض
الاستصحابين، اللذين أحدهما مزيل للآخر ولا عكس، فإن عدم التذكية
رافع للطهارة، بخلاف الطهارة، فإنها ليست سببا للتذكية، كما بين تحقيقه
في الأصول، ولازم ذلك تقديم أصالة عدم التذكية.
قلنا: أصالة عدم التذكية بذلك المعنى وإن كان مقدما على أصالة
الطهارة ولكن الكلام في كون عدم التذكية أصلا هنا، وهو ممنوع، وذلك
لأنا لا نقول: إن الطهارة هنا أمر يتوقف حصوله على تذكية جعلية من
الشارع.. بل نقول: إن الطهارة الحاصلة أمر محكوم ببقائها، إلا إذا علم
439

المزيل، ولم يعلم إلا مع الموت حتف أنفه، أو الموت بدون الصيد أو
الذبح المقرونين بالأمور المعهودة من الاستقبال والتسمية، ومع أحد
الأمرين لا يعلم ارتفاع الطهارة، فيحكم ببقائها من غير حاجة إلى جعل من
الشارع وتأثير من ذلك الجعل.
والحاصل: أن مع هذه الأعمال المعينة المقطوع حصولها لا دليل على
ارتفاع الطهارة.
فإن قيل: عمومات نجاسة الميتة تدل على ارتفاعها، خرج ما اقترن
بما جعله الشارع مطهرا، فيبقى الباقي.
قلنا: هذا إذا سلمنا كون ذلك ميتة لم لا يجوز أن تكون الميتة هي ما
خرج روحه حتف أنفه؟!
هذا غاية ما يمكن أن يقال في ذلك المقام، ولكن الانصاف أنه لا
يخلو عن جدل واعتساف، لأن الظاهر أنه انعقد الاجماع القطعي على أن
التذكية المبقية للطهارة - المانعة عن حصول النجاسة، المخرجة للمذكى
عن مصداق الميتة - هي التي اعتبرها الشارع ورتب عليها تلك الآثار، وأن
إبقاءها ومنعها موقوف على اعتبار الشارع إياها آثارا وأجزاء وشرائط وموردا
ومحلا خصوصا أو عموما أو إطلاقا، وما لم يتحقق فيه اعتباره وملاحظته
وجوده كعدمه، ومع عدمه يكون المورد ميتة، ومعها يكون نجسا.
ويظهر من ذلك أن الأصل في جميع الموارد عدم قبول التذكية إلا
بدليل شرعي عام أو خاص - كما في مأكول اللحم - فيحكم في كل مورد
بأصالة عدم قبوله التذكية إلا بدليل.
وإذ عرفت أن الأقسام التي يراد معرفتها من جهة ورود التذكية وعدمه
أربعة: السباع والمسوخات والحشرات وغيرها، فنبين أحكامها في أربعة
440

مسائل:
المسألة الأولى: الحق المشهور - كما في المسالك والكفاية
والمفاتيح (1) وشرحه، بل في الأخير وعن الشهيد أنه لا يعلم في ذلك
مخالف (2)، وفي المفاتيح: أنه مذهب الكل -: ورود التذكية على السباع من
الوحوش والطيور، وهي ما يفترس الحيوان بنابه أو مخلبه للأكل، أو ما كان
ذات مخلب أو ناب يفترس به الحيوان، أو ما يغتذي باللحم، كالأسد والنمر
والفهد والذئب والثعلب والسنور والضبع وابن آوى والصقر والبازي
والعقاب والباشق.
لا للأصل، لما عرفت.
ولا لما قيل من أن السبب في وقوعها على المأكول إنما هو الانتفاع
منه بلحمه وجلده، وهو متحقق فيما نحن فيه بالنظر إلى جلده خاصة (3)،
لكونه علة استنباطية لا يتحقق تمامها في المورد أيضا.
بل لاستعمال المسلمين قاطبة من الصدر الأول إلى زماننا هذا
لجلودها من غير نكير، بحيث يمكن فهم انعقاد الاجماع عليه..
ولموثقتي سماعة المعتضدتين بعمل الجماعة:
إحداهما: عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: (إذا رميت وسميت
فانتفع بجلده، وأما الميتة فلا) (4).
والثانية: عن لحوم السباع وجلودها، فقال: (أما لحوم السباع والسباع من

(1) المسالك 2: 232، كفاية الأحكام: 247، المفاتيح 1: 69.
(2) نقله عنه في الروضة 7: 237.
(3) المفاتيح 1: 69.
(4) التهذيب 9: 79 / 339، الوسائل 24: 185 أبواب الأطعمة المحرمة ب 34 ح 4.
441

الطير فإنا نكرهه، وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه) (1).
ويؤيده ما ورد في جواز لبس جلود السمور والثعالب ونحوهما في
غير الصلاة (2)، فإنه دليل على وقوع الذكاة عليها، إذ لا يجوز استعمال شئ
من الميتة.
وتدل عليه أيضا رواية أبي مخلد: إني رجل سراج أبيع جلود النمر،
فقال: (مدبوغة هي؟) قال: نعم، قال: (ليس به بأس) (3).
وظاهر المسالك الميل إلى عدم وقوع الذكاة عليها، لاستضعاف
الموثقتين بكون سماعة واقفيا، والروايتان موقوفتان مضمرتان (4).
وفيه: أن الوقف في الراوي غير مضر، سيما بعد كونه ثقة، والاضمار
في الرواية غير ضائر، سيما مع كونها في طريق آخر مسندة، فإن الثانية في
الفقيه مسندة وإن كانت مضمرة في التهذيب، هذا مع كونهما منجبرتين
بالاشتهار التام.
المسألة الثانية: الحق عدم وقوع الذكاة على المسوخات - وقد مر
عددها في كتاب المطاعم - وفاقا لكل من قال بنجاستها - كالشيخ والديلمي
وابن حمزة (5) - وجماعة من القائلين بطهارتها - كالمحقق والشهيد الثاني (6) -

(1) التهذيب 9: 79 / 338، الوسائل 24: 114 أبواب الأطعمة المحرمة ب 3 ح 4.
(2) الوسائل 4: 352، 355 أبواب لباس المصلي ب 5 و 7.
(3) الكافي 5: 227 / 9، التهذيب 6: 374 / 1087، الوسائل 17: 172 أبواب ما
يكتسب به ب 38 ح 1.
(4) المسالك 2: 232.
(5) الشيخ في الخلاف 2: 538، والمبسوط 6: 280، الديلمي في المراسم: 55،
ابن حمزة في الوسيلة: 78.
(6) المحقق في الشرائع 1: 53، الشهيد الثاني في الروضة 7: 237.
442

للأصل المتقدم ذكره الخالي عن الدافع.
وخلافا للسيد والشهيد (1) وجماعة (2)، لما أشير إليه من الأصل،
ووجود المقتضي.
ولورود روايات بحل الأرنب والقنفذ والوطواط (3)، وهي مسوخ،
وليس ذلك في لحمها عندنا فيكون في جلدها.
ولدلالة رواية عبد الحميد بن سعد على حل بيع عظام الفيل وشرائها
واتخاذ الأمشاط منها، بل اتخاذ الإمام عنها مشطا أو أمشاطا (4).
وضعف الكل ظاهر:
أما الأولان فلما مر.
وأما الثالث، فلأن الروايات إنما تدل على حل الأكل، وهو عندنا - معاشر
الإمامية - باطل.
وأما الرابع، فلعدم توقف استعمال العظم على التذكية، لعدم كونها مما
تحل فيه الحياة.
نعم، استدلوا على تلك الرواية بطهارة الفيل، وهو صحيح.
المسألة الثالثة: الحشرات، والمراد منها: ما يسكن باطن الأرض،
واحدها: الحشرة - بالتحريك - كاليربوع والفأرة والحية، والبحث في وقوع

(1) حكاه عن السيد في المسالك 2: 231، الشهيد في الدروس 2: 410.
(2) منهم العلامة في التحرير 2: 159، وفخر المحققين في الإيضاح 4: 130،
والهندي في كشف اللثام 2: 77.
(3) التهذيب 9: 42 و 43 / 176 و 177 و 180، الوسائل 24: 112 و 123 أبواب
الأطعمة المحرمة ب 2 و 5 ح 20 و 21 و 6.
(4) الكافي 5: 226 / 1، التهذيب 6: 373 / 1083، الوسائل 17: 171 أبواب ما
يكتسب به ب 37 ح 2.
443

الذكاة عليها وعدمه كالبحث في المسوخ بعينها.. إلا أن أكثر الأصحاب هنا
على عدم الوقوع - كما صرح به جماعة (1) - للتقريب السابق.
المسألة الرابعة: غير الثلاثة من الحيوانات، وهو على قسمين، لأنه إما
حرام عارضي - كالجلال والموطؤة - أو ذاتي، كبعض أنواع الغراب
على القول بحرمته.
أما الأول: فالحق وقوع التذكية عليه، كما مر في مسألة الجلا ل،
لاستصحاب وقوعها عليها، وهو الرافع لأصالة عدم التذكية التي هي
العمدة في ذلك المقام.
وأما الثاني: فالحق عدم وقوعها، لأصالة عدم ورودها عليه.

(1) انظر الكفاية: 247.
444

الفصل السادس
في بعض الأحكام المتعلقة بالذبائح
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تستحب في التذكية أمور، بعضها خاص ببعض،
وبعضها عام في الكل.
أما الخاص: فالمستحب في ذبح الغنم: أن تربط يداه وإحدى رجليه
وتطلق الأخرى، وأن يمسك صوفه أو شعره حتى يموت ويبرد من دون
إمساك يده أو رجله.
وفي ذبح البقر: أن تعقل يداه ورجلاه جميعا ويطلق ذنبه يتحرك.
وفي نحر الإبل: أن يشد خفها إلى إباطها وتطلق رجلاها.
وفي ذبح الطير: أن يرسل بعد ذبحه.
وأن تنحر الإبل قائمة من قبل يمينها.
وتدل على جميع ذلك فتوى الجماعة، والاشتهار بين الطائفة..
مع رواية حمران بن أعين في الأكثر، وفيها: (إذا ذبحت فأرسل ولا
تكتف، ولا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق،
والارسال للطير خاصة) إلى أن قال: (وإن كان شئ من الغنم فأمسك
صوفه أو شعره ولا تمسكن يدا ولا رجلا، وأما البقر فاعقلها وأطلق
الذنب، وأما البعير فشد أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه) الحديث (1).

(1) الكافي 6: 229 / 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2، والمراد بجملة:
ولا تكتف: عدم شد يد الحيوان إلى خلفه بحبل ونحوه - مجمع البحرين 5: 110.
445

ورواية الدعائم المتقدمة في نحر الإبل (1).
ورواية الكناني: كيف تنحر البدنة؟ قال: (تنحر وهي قائمة من قبل
اليمين) (2).
ورواية ابن سنان: في قول الله سبحانه: (فاذكروا اسم الله عليها
صواف) (3) قال: (ذلك حين تصف للنحر تربط يديها ما بين الخف إلى
الركبة) (4).
ورواية أبي خديجة: إنه رأى أبا عبد الله عليه السلام وهو ينحر بدنته معقولة
يدها اليسرى، ثم يقوم به من جانب يدها اليمنى (5).
وليس في شئ من هذه الروايات حكاية ربط إحدى رجلي الغنم مع
يديه، فالدليل فيه منحصر بفتوى الأصحاب، وكذا تقييد إمساك صوفه أو
شعره إلى وقت الموت والبرد.
ويظهر من عطف الشعر على الصوف إرادة مطلق الشاة من الغنم.
وعقل البقر وإن كان مطلقا في الرواية، إلا أن الظاهر من إطلاقها ما
ذكروه من عقل اليدين والرجلين، ويشعر به تخصيص الاطلاق بالذنب.
وأما شد يد الإبل من الخف إلى الركبتين فالمراد به إما ما قيل من أن

(1) في ص: 407.
(2) الكافي 4: 497 / 2، الفقيه 2: 299 / 1488، التهذيب 5: 221 / 744،
الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.
(3) الحج: 36.
(4) الكافي 4: 497 / 1، الفقيه 2: 299 / 1487، التهذيب 5: 220 / 743،
الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35 ح 1.
(5) الكافي 4: 498 / 8، التهذيب 5: 221 / 745، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح
ب 35 ح 3.
446

تجمع اليدان معا وتربطان من الخف إلى الركبة، أي تربط إحداهما بالأخرى
وتلفان بحبل من غير أن ترد اليد إلى الإبط، ويلصق خفه بإبطه، ويشد ما
بين الركبة والخف (1).
أو ترد إحدى اليدين إلى الإبط وتشد.
والأول: هو محتمل روايتي حمران وابن سنان، بل ظاهر المحقق
الأردبيلي: أنه مصرح به في رواية (2).
والثاني: هو مدلول روايتي أبي خديجة والدعائم.
وأما رد اليدين معا وشدهما من الخف إلى الركبة فهو وإن كان أحد
احتمالي روايتي حمران وابن سنان، ولكنه لا يلائم ما هو المشهور - كما
صرح به بعضهم (3) - من استحباب نحر الإبل قائمة، ودلت عليه روايتي
الدعائم والكناني المتقدمتين.
ولا ينافيه المروي في قرب الإسناد: عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو
باركة؟ قال: (يعقلها، فإن شاء قائمة وإن شاء باركة) (4).
لأن الاستحباب لا ينافي التخيير. وأما حمل القيام على مقابل الاضطجاع
حتى يشمل البروك أيضا أو تخصيص رد اليدين بما إذا نحره باركا فلا دليل
عليه، فالمستحب فيه أحد الأمرين إما جمع اليدين وشدهما، أو رد
إحداهما من الخف إلى الركبة بحيث يجتمع نصفها الأسفل مع الأعلى.
وأما العام، فمنها: تحديد الشفرة وسرعة الفعل، وأن يواري الشفرة عن

(1) المسالك 2: 228.
(2) مجمع الفائدة 11: 133.
(3) انظر المسالك 2: 228.
(4) قرب الإسناد: 235 / 921، الوسائل 14: 150 أبواب الذبح ب 35 ح 5.
447

البهيمة، للمروي عن النبي صلى الله عليه وآله: (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد
أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) (1).
والآخر: أنه أمر أن يحد الشفار، وأن توارى عن البهائم، وقال: (إذا
ذبح أحدكم فليجهز) (2).
والمروي في الدعائم: (من ذبح ذبيحة فليحد شفرته، وليرح
ذبيحته) (3).
والآخر: (إذا أردت أن تذبح ذبيحة فلا تعذب البهيمة، أحد الشفرة
واستقبل القبلة) (4).
ومنها: استقبال الذابح للقبلة، للرواية الأخيرة في الذبيحة، ورواية
الدعائم السابقة في المنحورة (5)، وقول الأصحاب فيهما معا.
ومنها: ترك الذبيحة في مكانها إلى أن يفارقها الروح من غير تحريكها،
ولا جرها من مكان إلى آخر، وأن تساق إلى المذبح برفق بعد عرض
الماء عليها، وأن يمر السكين في مذبحها بقوة، ويجد في الاسراع
ليكون أسهل وأوحى، أي أسرع وأعجل.
كل ذلك لموافقته للإراحة وإحسان الذبح المأمور بهما فيما تقدم،
ولترك التعذيب المنهي عنه، وللرفق المأمور به في المروي في الدعائم:
(يرفق بالذبيحة ولا يعنف بها قبل الذبح ولا بعده) (6).

(1) صحيح مسلم 5: 1548 / 1955، سنن ابن ماجة 2: 1058 / 3170.
(2) سنن ابن ماجة 2: 1059 / 3172.
(3) الدعائم 2: 174 / 624، مستدرك الوسائل 16: 131 أبواب الذبائح ب 2 ح 1.
(4) الدعائم 2: 174 / 625، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب الذبائح ب 2 ح 2.
(5) في ص: 407.
(6) الدعائم 2: 179 / 648، مستدرك الوسائل 16: 132 أبواب الذبائح ب 2 ح 3.
448

المسألة الثانية: يكره في الذباحة أيضا أمور:
منها: إبانة الرأس، وقطع الجزء، وسلخ الذبيحة، وقد مر ما يدل
عليها وقول طائفة بالحرمة فيها وأن الأقوى الكراهة.
ومنها: كسر الرقبة قبل البرد - وهو أعم من إبانة الرأس - لرواية
الدعائم المتقدمة (1)، وصحيحة الحلبي، وفيها: (ولا تنخع ولا تكسر الرقبة
حتى تبرد الذبيحة) (2).
ومنها: نخع الذبيحة قبل الموت، أي إبلاغ السكين إلى أن يتجاوز
منتهى الذبح، فيصيب النخاع - مثلث النون - وهو الخيط الأبيض وسط
الفقار - بالفتح - ممتدا من الرقبة إلى عجز الذنب - بفتح العين المهملة
وسكون الجيم - وهو أصله.
لصحيحتي محمد والحلبي (3) المتقدمتين، وصحيحة محمد الحلبي: (لا
تنخع الذبيحة حتى تموت، فإذا ماتت فانخعها) (4).
وذهب جماعة - منهم: الدروس (5) والمحقق الأردبيلي (6) - إلى الحرمة،
لظاهر النهي في تلك الصحاح.

(1) الدعائم 2: 175 / 632، مستدرك الوسائل 16: 134 أبواب الذبائح ب 5 ح 2.
(2) الكافي 6: 233 / 3، الفقيه 3: 211 / 979، التهذيب 9: 59 / 251، الوسائل
24: 29 أبواب الذبائح ب 15 ح 3.
(3) الكافي 6: 229 / 5، التهذيب 9: 53 / 220، الوسائل 24: 15 أبواب الذبائح
ب 6 ح 1. الكافي 6: 233 / 3، التهذيب 9: 59 / 251، الوسائل 24: 28 أبواب
الذبائح ب 14 ح 3.
(4) الكافي 6: 229 / 6، التهذيب 9: 55 / 228، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح
ب 6 ح 2.
(5) الدروس 2: 415.
(6) مجمع الفائدة 11: 130.
449

وفيه: منع صراحة النهي فيها، لاحتمال الجملة الخبرية.
ومنها: قلب السكين في الذبح ليدخلها تحت الحلقوم ويقطعه من
خارج عكس المتعارف، فيقطع من التحت إلى الفوق، لقوله في رواية
حمران: (ولا تقلب السكين لتدخلها من تحت الحلقوم وتقطعه إلى
فوق) (1)، والحمل على الكراهة، لما مر غير مرة من احتمال الخبرية.
وعن النهاية والقاضي والغنية: الحرمة (2)، للنهي المذكور. وجوابه
ظاهر. بل عن الغنية: تحريم الذبيحة أيضا، مدعيا عليه إجماع الإمامية.
ولا دليل عليه ظاهرا، بل لم نعثر على موافق له في أصل الفتوى،
ويحتمل إرجاعها في عبارته - كما قيل - إلى شئ آخر غير ما نحن فيه.
ومنها: الذبح من القفاء، لرواية الدعائم المتقدمة في بحث محل
التذكية (3)، وهو غير تقليب السكين المتقدم ذكره أو أخص منه.
ومنها: إيقاع الذباحة ليلا ويوم الجمعة قبل الصلاة، إلا مع الضرورة،
بلا خلاف فيها، له، وللنبوي: نهى عن الذبح ليلا (4).
والعلوي: (إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يمر بالسماكين يوم الجمعة
فينهاهم عن أن يتصيدوا من السمك يوم الجمعة قبل الصلاة) (5).
ورواية أبان: (لا تذبحوا حتى يطلع الفجر، فإن الله جعل الليل سكنا
لكل شئ) قال: قلت: جعلت فداك وإن خفت؟ فقال: (إن خفت الموت

(1) الكافي 6: 229 / 4، الوسائل 24: 26 أبواب الذبائح ب 13 ح 2.
(2) النهاية: 584، القاضي في المهذب 2: 440، الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(3) في ص: 406.
(4) السنن الكبرى للبيهقي 9: 290.
(5) الكافي 6: 219 / 17، التهذيب 9: 13 / 49، الوسائل 24: 383 أبواب الصيد
ب 30 ح 1.
450

فاذبح) (1).
ورواية محمد الحلبي: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكره الذبح وإراقة الدماء
يوم الجمعة قبل الصلاة إلا من ضرورة) (2).
ومنها: ذبح الذبيحة وحيوان آخر ينظر إليها من جنسه، لرواية غياث
ابن إبراهيم: (لا تذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عن الجزور وهو ينظر
إليه) (3).
ورواية طلحة: (إن أمير المؤمنين عليه السلام كان لا يذبح الشاة) إلى آخر
الحديث (4).
وهما - لقصور دلالتهما على الحرمة - لا تثبتان الأزيد من الكراهة،
كما عليه الأكثر.
خلافا للمحكي عن النهاية، فحرمه (5).
والمستفاد من الروايتين: كراهة ذبح كل واحد من الإبل والغنم إذا
نظر إليه غيره من جنسه، فلا يكره ذبح الشاة إذا نظر إليه الجزور وبالعكس،
بل يحتمل التخصيص بالشاة والجزور أيضا، إلا أن فتوى الأصحاب
بالتعميمين يكفي لاثبات الكراهة.

(1) الكافي 6: 236 / 3، التهذيب 9: 60 / 254، الوسائل 24: 41 أبواب الذبائح
ب 21 ح 2.
(2) الكافي 6: 236 / 1، التهذيب 9: 60 / 255، الوسائل 24: 40 أبواب الذبائح
ب 20 ح 1.
(3) الكافي 6: 229 / 7، التهذيب 9: 56 / 232، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح
ب 7 ح 1.
(4) التهذيب 9: 80 / 341، الوسائل 24: 16 أبواب الذبائح ب 7 ذيل الحديث 1.
(5) النهاية: 584.
451

ومنها: أن يذبح بيده ما رباه من النعم، للنهي عنه في الخبر (1)
المحمول على الكراهة إجماعا، ولعله لايراثه قساوة القلب، والله أعلم.
المسألة الثالثة: وإذ عرفت أن حل الذبائح والصيود يتوقف على
أمور وجودية مسبوقة بالأعدام، تعلم أن الأصل في كل ذبيحة: عدم
التذكية، إلا إذا علم تحققها بجميع شرائطها، ودلت على ذلك الأصل أيضا
أخبار معتبرة، مرت في بحث الجلود من كتاب الطهارة.
وأما تأمل المحقق الأردبيلي في ذلك الأصل (2) - لمعارضته مع أصالة
الحل والطهارة في جميع الأشياء إلا ما خرج بالدليل، وحصر المحرمات في
أمور - فغير سديد البتة، لاندفاع الأصل الثاني بالأخبار المشار إليها وبالأصل
الأول، لكونه مزيلا للثاني ولا عكس، ولدخول ما لم يعلم تذكيته بأدلة
الاستصحاب الواردة من أهل بيت العصمة وحكام الشريعة فيما علم
خروجه من الأصل الثاني بالدليل.
ولكن خرج من تحت الأصل الأول ما أخذ من يد مسلم لم يخبر عن
عدم التذكية، وما أخذ في سوق المسلمين ولو من يد مجهول الحال، أو
في سوق مجهول الحال، بل الكفار في بلد غالب أهله المسلمون، أو ما
وجد في أرض المسلمين، أو في أرض كان الغالب عليها المسلمين، أو
من يد مجهول الحال إذا أخبر بالتذكية.
ومر دليل كل واحد من ذلك في البحث المذكور، فلا حاجة إلى
التكرار.

(1) الكافي 4: 544 / 20، التهذيب 5: 452 / 1578، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح
ب 61 ح 1.
(2) مجمع الفائدة 11: 87.
452

وتدل على خروج الأول أيضا - مضافة إلى ما مر - المستفيضة
المتقدمة في بيان شرائط الذبيحة، المصرحة بأنه لا يؤمن على الذبيحة إلا
المسلم، كروايتي الحسين بن منذر (1)، والحسين بن عبد الله (2)، وصحيحة
قتيبة (3)، فإن مفهومها: أن المسلم مؤتمن عليها.
ويظهر من بعض الأخبار المتقدمة الإشارة إليها عدم استحباب
الاجتناب عن كثير مما ذكر أيضا، كما صرح به في الدروس (4)، بل قال في
شرح الشرائع بكراهة الفحص والسؤال حتى في المأخوذ عن مجهول الحال
أو عن المسلم المستحل لذبيحة الكتابي (5).
وهو جيد، سيما نفي الاستحباب، لقوله عليه السلام في بعض تلك الأخبار: (ولا تسأل عنه) (6)، وفي بعض آخر: (ليس عليكم المسألة) (7)،
وفي البعض: (إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم وإن الدين أوسع
من ذلك) (8).
ولا وجه لاستبعاد المحقق الأردبيلي الناشئ عن كثرة تورعه ووفور
احتياطه، حيث قال بعد نقل ما ذكر: وليت شعري كيف صار سوق الاسلام

(1) الكافي 6: 239 / 2، الوسائل 24: 48 أبواب الذبائح ب 26 ح 2.
(2) الكافي 6: 239 / 6، الفقيه 3: 211 / 975، التهذيب 9: 66 / 280، الوسائل
24: 49 أبواب الذبائح ب 26 ح 4.
(3) الكافي 6: 241 / 17، الوسائل 24: 50 أبواب الذبائح ب 26 ح 6.
(4) الدروس 2: 416.
(5) المسالك 2: 228.
(6) الكافي 6: 237 / 2، الفقيه 3: 211 / 976، التهذيب 9: 72 / 306، الوسائل
24: 70 أبواب الذبائح ب 29 ح 1.
(7) الفقيه 1: 167 / 787، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ذيل الحديث 3.
(8) التهذيب 2: 368 / 1529، الوسائل 3: 491 أبواب النجاسات ب 50 ح 3.
453

بهذه المثابة؟! مع العلم بأحوال الناس من عدم التقييد والمذاهب
المشتبهة، ومن أين سقط الاحتياط والزهد والورع والملاحظة؟! حتى
قالوا: يستحب الاجتناب عن الحائض المتهمة وعدم الوضوء بسؤرها، بل
قيل عن مطلق المتهم ومن كان ماله لا يخلو عن شبهة (1). انتهى.
فإن بعد أمر الشارع بعدم المسألة لا يبقى محل للتورع والاحتياط،
فإن بعد تصريحه بحلية ما ذكر والنهي عن السؤال يكون المأخوذ عن يد
من ذكر بعينه كالمعلوم تذكيته.
فإن بعد حلية الحيوان بعد قطع الأوداج مثلا بحكمه وانتفاء الاحتياط
فيه وعدم اقتضاء التورع لترك اللحم، لم لا يحل بحكمه بحلية المأخوذ عن
يد فلان فلا ينبغي الاحتياط، وأي تفرقة بين الحكمين؟!
فإن من يحل مقطوع الأوداج مثلا بحكمه من غير اقتضاء الورع
والاحتياط تركه كذلك يحل المأخوذ عن يد المسلم أو في سوقهم بحكمه
كذلك، ويكون ذلك قائما مقام مشاهدة قطع الأوداج والاستقبال والتسمية
إلى آخر الشرائط.
وليت شعري لم ينفي الأول الاحتياط دون الثاني؟! وأين ترك قاعدة
نفي العسر والحرج وسهولة الملة الحنيفية ونحو ذلك؟!

(1) مجمع الفائدة 11: 126.
454

الباب الثالث
في التذكية التبعية
وهي تحصل للجنين في بطن أمه بعد تذكية الأم.
وتفصيل الكلام فيه: أن الجنين - الذي يكون في بطن الحيوان
ويخرج - إما يخرج من بطن الحي، أو من بطن الميت، أو من بطن
المذكى.
والأخير: إما لم تتم خلقته بعد ولم يشعر ولم يوبر، أو تمت وأشعر
وأوبر.
وعلى التقدير الثاني: إما لم يولج فيه الروح أو أولج.
وعلى الثاني: إما يخرج روحه قبل خروجه من البطن، أو لا يخرج.
فإن خرج من بطن الحي أو الميت، فإن لم يكن حيا لم يحل بلا
خلاف، سواء لم يلج فيه الروح أو ولج وخرج.
455

لا للأصل - كما قيل - لأنه في صورة عدم ولوج الروح غير معلوم،
بل مقتضي أصالة حلية الأشياء: حليته، واستصحاب حرمته حال كونه نطفة
أو علقة غير صحيح، لتغير الموضوع. نعم، هو يصح إن علم ولوج الروح
فيه وخروجه، لصدق الميتة.
بل لأنه إن لم تتم خلقته فيحرم مع ذكاة أمه - كما يأتي - فبدونها
أولى، وإن تمت فصرح في الأخبار الآتية: أن ذكاته ذكاة أمه، فإذا لم تذك
أمه لم يكن مذكى، مع دلالة قوله: (فذكاته) على توقف حله على الذكاة،
فيكون حراما.
وتدل على الحرمة مع خروجه عن الميت الأخبار الكثيرة، المتضمنة
ل‍: أنه لا ينتفع من الميتة بشئ، والحاصرة لما يحل من الميتة بأشياء
مخصوصة (1) ليس ذلك منها، ومفهوم العلة في رواية الثمالي الطويلة،
المعللة لحلية إنفحة الميتة: بأنه (ليس لها عروق، ولا فيها دم، ولا لها
عظم) (2).
وإن كان حيا فيحل مع تذكيته بنفسه، وإلا فيحرم، والوجه فيهما واضح.
وإن خرج من بطن المذكى فقد عرفت أن أقسامه أربعة:
الأول: أن لم تتم خلقته ولم يشعر ولم يوبر، وهو حرام لا يجوز
أكله، بلا خلاف فيه بين الأصحاب يعرف - كما في الكفاية (3) - بل بلا
خلاف مطلقا - كما في شرح الإرشاد للأردبيلي (4) - بل عن الانتصار (5)

(1) الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33.
(2) الكافي 6: 256 / 1، الوسائل 24: 179 أبواب الأطعمة المحرمة ب 33 ح 1.
(3) كفاية الأحكام: 248.
(4) مجمع الفائدة 11: 151.
(5) الإنتصار: 195.
456

وغيره (1) الاجماع عليه.
ويستدل له بصحيحة الحلبي: (إذا ذبحت الذبيحة فوجدت في بطنها
ولدا تاما فكل، وإن لم يكن تاما فلا تأكل) (2).
وصحيحة يعقوب: عن الحوار تذكى أمه، أيؤكل بذكاتها؟ فقال: (إذا
كان تاما ونبت عليه الشعر فكل) (3).
وصحيحة ابن مسكان: في الذبيحة تذبح وفي بطنها ولد، قال: (إن
كان تاما فكله، فإن ذكاته ذكاة أمه، وإن لم يكن تاما فلا تأكله) (4)، ونحوها
خبر جراح المدائني (5).
ورواية مسعدة بن صدقة: في الجنين (إذا أشعر فكل، وإلا فلا تأكل)
يعني: إذا لم يشعر (6).
ولا يخفى أن هذه الروايات عن إفادة حرمة الجنين الغير التام قاصرة،
لمكان الجملة الخبرية أو ما يحتملها.
ولا يفيد مفهوم الشرط في صحيحة يعقوب، لجواز كون الحكم في
المفهوم نفي الإباحة بالمعنى الأخص.

(1) كالغنية (الجوامع الفقهية): 618، والتنقيح 4: 27.
(2) الكافي 6: 234 / 2، التهذيب 9: 58 / 242، الوسائل 24: 34 أبواب الذبائح
ب 18 ح 4.
(3) الكافي 6: 234 / 3، التهذيب 9: 59 / 246، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح
ب 18 ح 1، الحوار: بالضم وقد يكسر، ولد الناقة ساعة تضعه - القاموس 2: 16.
(4) الفقيه 3: 209 / 965، التهذيب 9: 58 / 243، الوسائل 24: 34 أبواب
الذبائح ب 18 ح 6.
(5) التهذيب 9: 59 / 245، الوسائل 24: 35 أبواب الذبائح ب 18 ح 7.
(6) الكافي 6: 235 / 5، قرب الإسناد: 76 / 247، الوسائل 24: 34 أبواب
الذبائح ب 18 ح 5.
457

ولذا قال المحقق الأردبيلي مشيرا إلى هذا القسم: وأما الأول فإن كان
إجماعيا وإلا ففيه تأمل، للأصل، والعمومات، مع عدم ما يدل على
التحريم (1). انتهى.
وهو جيد، والاجتناب أحوط.
والثاني: أن تتم خلقته وأشعر وأوبر ولم يلجه الروح، والظاهر عدم
الخلاف في حليته وكون ذكاته ذكاة أمه، وتدل عليه جميع الروايات المتقدمة.
مضافة إلى صحيحة محمد: عن قول الله عز وجل: (أحلت لكم بهيمة الأنعام) (2) فقال: (الجنين في بطن أمه إذا أشعر وأوبر فذكاته ذكاة أمه) (3).
وموثقة سماعة المضمرة: عن الشاة نذبحها وفي بطنها ولد وقد
أشعر، فقال عليه السلام: (ذكاته ذكاة أمه) (4).
ولعل اختلاف تلك الروايات باعتبار اشتراط تمام الخلقة وحده في
بعضها، والاشعار وحده أو مع الايبار في بعض آخر، أو ذكر الأمرين معا - كما
في ثالث - إنما هو لتلازم الأمرين، وكذا اختلاف كلمات الأصحاب.
ولو قلنا بعدم التلازم، كما هو ظاهر الجمع بينهما في صحيحة
يعقوب، وهو أيضا ظاهر كلام الصدوق في المقنع (5).
فقيل بتعين اعتبار الأمرين معا، للأصل، والجمع بين الأخبار بتقييد
بعضها ببعض بشهادة الصحيح الجامع، أي صحيحة يعقوب (6).

(1) مجمع الفائدة 11: 151.
(2) المائدة: 1.
(3) الكافي 6: 234 / 1، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح ب 18 ح 3.
(4) الكافي 6: 235 / 4، الوسائل 24: 33 أبواب الذبائح ب 18 ح 2.
(5) المقنع: 139.
(6) الرياض 2: 279.
458

وفيه نظر، لمنع الأصل، بل هو مع الحلية كما مرت إليه الإشارة،
والأخبار - مع كونها منطوقا ومفهوما متعارضة - عن إفادة الحرمة - كما مر -
قاصرة، إلا بضميمة الاجماع، الذي لو ثبت في صورة انتفاء الأمرين فعدمه
مع تحقق أحدهما واضح، فالحل من أحد الأمرين أقرب.
والثالث: أن تتم خلقته أو أشعر وأوبر وأولجه الروح، ولكن لم
يخرج من البطن حيا، بل مات في بطنه، وهو أيضا كسابقه في الحلية على
الأقوى، وفاقا للمحكي عن الصدوق والعماني والسيد والمحقق (1)، وعليه
كافة متأخري أصحابنا (2).
لاطلاقات جميع النصوص السابقة الشاملة لصورة ولوج الروح، بل
الظاهرة منها خاصة، لأن الروح لا ينفك عن تمام الخلقة عادة، كما صرح
به جماعة، منهم: المختلف والروضة (3).
وخصوص موثقة الساباطي: عن الشاة تذبح ويموت ولدها في
بطنها، قال: (كله فإنه حلال، لأن ذكاته ذكاة أمه، فإن خرج وهو حي
فاذبحه وكله، فإن مات قبل أن تذبحه فلا تأكله، وكذلك البقر والإبل) (4).
خلافا للمحكي عن الشيخ والقاضي وابن حمزة والديلمي والحلي (5)،

(1) الصدوق في المقنع: 139، حكاه عن العماني في المختلف: 681، السيد في
الإنتصار: 195، المحقق في النافع: 251.
(2) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 230، والهندي في كشف اللثام 2: 78،
وصاحب الرياض 2: 279.
(3) المختلف: 682، الروضة 7: 254.
(4) التهذيب 9: 80 / 345، الوسائل 24: 35 أبواب الذبائح ب 18 ح 8.
(5) الشيخ في النهاية: 584، القاضي في المهذب 2: 440، ابن حمزة في الوسيلة:
361، الديلمي في المراسم: 210، الحلي في السرائر 3: 110.
459

فاشترطوا في الحلية - مع تمام الخلقة والاشعار - عدم ولوج الروح فيه،
لأدلة اشتراط تذكية الحي مطلقا، فتعارض بها الاطلاقات المتقدمة، وترجح
الأولى بالأكثرية وموافقة الكتاب والسنة، حيث لم يذكر اسم الله على ذلك
الجنين، بل من حيث إنه ميتة أيضا، بل هو مقتضى الأصل الذي يرجع إليه
لولا الترجيح لصدق الميتة.
وهو كان حسنا لولا الموثقة الخاصة، ولكن معها يجب تخصيص
أدلة التذكية، مع أن ذلك أيضا مذكى، مضافا إلى إمكان الخدش في
انصراف مطلقات الذبح والتذكية إلى مثل ذلك، لندرته جدا.
والرابع: أن يخرج حيا، وهو إن كان حيا مستقر الحياة يتسع الزمان
لتذكيته لم يحل إلا بالتذكية إجماعا، لعدم دخول مثله في النصوص
المتقدمة، فيشمله عموم ما دل على حرمة الميتة وما لم يذكر اسم الله عليه،
مضافا إلى الموثقة المتقدمة.
وكذا إن كان غير مستقر الحياة ولا يتسع الزمان للتذكية على الأظهر،
لاطلاق الموثقة، ومعارضة العمومات المشار إليها مع إطلاقات الأخبار السابقة.
وهل تجب المبادرة إلى شق جوف الذبيحة لاخراج ما ولج فيه الروح
زائدا على المعتاد، أم لا؟
الأقرب: الثاني، للأصل، والأحوط: الأول.
هذا إذا علم الولوج.
ولو لم يعلم واحتمله فلا تجب المبادرة إلى الشق البتة، لأصالة عدم
الولوج.
460

الباب الرابع
في التذكية بالأخذ والقبض حيا
وهي إنما تكون في السمك والجراد.
فهاهنا فصلان:
461

الفصل الأول
في تذكية السمك
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكاة السمك: إثبات اليد عليه حيا خارج الماء، فإذا
أثبتت عليه اليد كذلك فهو ذكي حلال، والحكم مجمع عليه بل ضروري،
لاطلاق قوله سبحانه: (أحل لكم صيد البحر) (1)، وكون ذلك صيدا عرفا ظاهر.
والنصوص المتضمنة لقولهم عليهم السلام: (إنما صيد الحيتان أخذها) (2)
صريحة فيه، دالة على المطلوب.
ويدل عليه أيضا قولهم عليهم السلام: (الحيتان والجراد ذكي) (3)، يدل على
كونها ذكية مطلقا، خرج ما خرج بالدليل، فيبقى الباقي.
ورواية أبي حفص: (في صيد السمكة إذا أدركتها وهي تضطرب
وتضرب بيدها وتحرك ذنبها وتطرف بعينها فهي ذكاتها) (4).
ورواية مسعدة: (إن السمك والجراد إذا خرج من الماء فهو ذكي)
الحديث (5).

(1) المائدة: 96.
(2) كما في الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32.
(3) قرب الإسناد: 17 / 58، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 9.
(4) الكافي 6: 217 / 7، التهذيب 9: 7 / 24، الإستبصار 4: 61 / 214، الوسائل
24: 81 أبواب الذبائح ب 34 ح 2.
(5) الكافي 6: 221 / 1، قرب الإسناد: 50 / 162، الوسائل 24: 87 أبواب
الذبائح ب 37 ح 3.
462

وصحيحة علي: عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجد من النهر
فماتت، هل يصلح أكلها؟ فقال: (إن أخذتها قبل أن تموت ثم ماتت
فكلها، وإن ماتت من قبل أن تأخذها فلا تأكلها) (1).
المسألة الثانية: إثبات اليد أعم من أن يكون بأخذه من الماء باليد،
أو بنصب شبكة، أو آلة أخرى، أو تهيئة حظيرة ووقوعه فيها وإخراجه منها
حيا، لصدق الأخذ والادراك في الصورتين.
وخصوص موثقة أبي بصير: عن صيد المجوسي للسمك حين
يضربون بالشبكة ولا يسمي وكذلك اليهودي، فقال: (لا بأس، إنما صيد
الحيتان أخذها) (2).
وصحيحتي الحلبي، إحداهما: عن صيد المجوسي للحيتان حين
يضربون عليها بالشباك ويسمون بالشرك، فقال: (لا بأس بصيدهم، إنما
صيد الحيتان أخذه)، وعن الحظيرة من القصب تجعل في الماء تدخل فيها
الحيتان فيموت بعضها فيها، قال: (لا بأس به، إنما جعلت تلك الحظيرة
ليصاد بها) (3).
والأخرى: عن الحظيرة من القصب إلى آخر ما مر في السابقة (4).

(1) الكافي 6: 218 / 11، التهذيب 9: 7 / 23، الإستبصار 4: 61 / 213، قرب الإسناد: 277 / 1102، الوسائل 24: 81 أبواب الذبائح ب 34 ح 1. والجد:
بالضم، شاطئ البحر - النهاية لابن الأثير 1: 245.
(2) الكافي 6: 217 / 5، التهذيب 9: 10 / 36، الإستبصار 4: 63 / 225،
الوسائل 24: 76 أبواب الذبائح ب 32 ح 5.
(3) الكافي 6: 217 / 9، التهذيب 9: 10 / 34، الإستبصار 4: 63 / 223،
الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 9.
(4) الكافي 6: 217 / 9، التهذيب 9: 12 / 43، الإستبصار 4: 61 / 216،
الوسائل 24: 84 أبواب الذبائح ب 35 ح 3.
463

ونحو الأخيرة صحيحة ابن سنان (1).
وصحيحة محمد: في الرجل ينصب شبكة في الماء، ثم يرجع إلى
بيته ويتركها منصوبة، ويأتيها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيمتن، فقال:
(ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها) (2).
ورواية مسعدة: (إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة فما أصاب فيها
من حي أو ميت فهو حلال، ما خلا ما ليس له قشر، ولا يؤكل الطافي من
السمك) (3).
المسألة الثالثة: لا ريب في حلية ما مات في الشبكة وسائر الآلات
بعد إخراجها عن الماء وحياة السمكة فيها.
ومقتضى أخبار الشبكة والحظيرة المتقدمة حلية ما مات فيها ولو في
الماء أيضا، كما هو المحكي عن العماني (4)، ونفى عنه البعد في الكفاية (5)،
ومال إليه المحقق الأردبيلي (6).
خلافا للشيخ وابن حمزة والحلي (7) وحكي عن أكثر المتأخرين (8)،

(1) الفقيه 3: 207 / 950، الوسائل 24: 85 أبواب الذبائح ب 35 ح 5.
(2) الكافي 6: 217 / 10، الفقيه 3: 206 / 947، التهذيب 9: 11 / 42،
الإستبصار 4: 61 / 215، الوسائل 24: 83 أبواب الذبائح ب 35 ح 2.
(3) الكافي 6: 218 / 15، التهذيب 9: 12 / 45، الإستبصار 4: 62 / 218،
المحاسن: 477 / 493، الوسائل 24: 85 أبواب الذبائح ب 35 ح 4.
(4) حكاه عنه في المختلف: 674.
(5) كفاية الأحكام: 248.
(6) مجمع الفائدة 11: 144.
(7) الشيخ في النهاية: 579، ابن حمزة في الوسيلة: 355، الحلي في السرائر 3:
90.
(8) كالشهيد الثاني في المسالك 2: 230، والكاشاني في المفاتيح 2: 204،
وصاحب الرياض 2: 278.
464

فقالوا بحرمة ما مات في الماء ولو في الآلة.
للعلة المنصوصة في رواية عبد الرحمن بن سيابة: عن السمك يصاد،
ثم يجعل في شئ، ثم يعاد إلى الماء فيموت فيه، فقال: (تأكله، لأنه مات
في الذي فيه حياته) (1).
وفي رواية عبد المؤمن: أمرت رجلا يسأل لي أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل صاد سمكا وهن أحياء ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهن، فقال: (ما
مات فلا تأكل، فإنه مات فيما كان فيه حياته) (2).
ويدل عليه قوله: صاد، إلى آخره، في تلك الرواية أيضا نصا.
وكذا يدل عليه فحوى ما دل على حرمة ما صيد ثم في الماء أعيد،
كصدر الرواية الأولى، وصحيحة الخزاز: عن رجل اصطاد سمكة فربطها
بخيط وأرسلها في الماء فماتت، أتؤكل؟ قال: (لا) (3).
ويتأيد أيضا بإطلاق ما دل على حرمة ما مات من السمك في الماء،
من دون تقييد بصورة عدم الأخذ والاخراج.
وحمل بعض هؤلاء الأخبار الأولى على صورة الموت خارجا قطعا
أو احتمالا، بناء على أصالة تأخر الحادث، ولا يخفى بعد ذلك الحمل
جدا، بل عدم تحمله في بعض ما مر، وليس ذلك الحمل بأولى من الحمل
في الأخيرة بالموت بعد الصيد ثم الخروج عن التصرف - يعني: صيد ثم

(1) الكافي 6: 216 / 3، الفقيه 3: 206 / 945، التهذيب 9: 11 / 40، الوسائل
24: 79 أبواب الذبائح ب 33 ح 2.
(2) التهذيب 9: 12 / 44، الإستبصار 4: 62 / 217، الوسائل 24: 83 أبواب
الذبائح ب 35 ح 1.
(3) الكافي 6: 217 / 4، الفقيه 3: 206 / 944، الوسائل 24: 79 أبواب الذبائح
ب 33 ح 1.
465

أطلق ثم مات فأخرج ميتا - وبالحمل على الكراهة.
ولو قطع النظر عن جميع ذلك فيرجع إلى أصالة الحلية.
والقول بالرجوع إلى أصالة حرمة الميتة غير جيد، لامكان منع صدق
الميتة على السمك مطلقا من جهة الأخبار المتضمنة لقولهم عليهم السلام: (الحيتان
ذكي) بقول مطلق، كصحيحة سليمان بن خالد: عن الحيتان يصيدها
المجوس، فقال: (إن عليا عليه السلام كان يقول: الحيتان والجراد ذكي) (1)،
وقريبة منها موثقة أبي مريم (2).
إلا أن يقال: إنها مقيدة بصورة خروجه من الماء حيا، لمفهوم الشرط
في رواية مسعدة المتقدمة، ولكنها غير مقيدة بالخروج حيا، فتأمل.
وترجيح أخبار الحرمة بموافقة الشهرة العظيمة - كما قيل (3) - لا
يحسن، لأن الشهرة في الفتوى لا تصلح للترجيح، مع أن كونها عظيمة غير
ثابتة عندي.
وظهر مما ذكر أن الترجيح بقاعدة الاستدلال لجانب الحلية، وإن كان
الاحتياط في جهة الحرمة.
المسألة الرابعة: ما مر في المسألة السابقة إنما هو فيما إذا كان الواقع
في الآلة هو الميت في الماء خاصة، أو الميت فيه وفي خارج الماء، وتميز
كل منهما عن الآخر.
ولو اشتملت الآلة على الميت في الماء وفي خارجه واشتبه، ففيه

(1) الكافي 6: 217 / 6، التهذيب 9: 10 / 37، الإستبصار 4: 63 / 226،
الوسائل 24: 76 أبواب الذبائح ب 32 ح 4.
(2) التهذيب 9: 11 / 38، الإستبصار 4: 64 / 227، الوسائل 24: 77 أبواب
الذبائح ب 32 ح 6.
(3) في الرياض 2: 278.
466

أيضا خلاف، فكل من قال في الأول بالحلية قال بها هنا أيضا، وكذا بعض
من كان يقول في الأول بالحرمة، كالشيخ في النهاية والقاضي والمحقق في
الشرائع (1).
ومقتضى ما مر الحلية هنا أيضا، بل بطريق أولى، لعدم تميز الميت
في الماء، وأكثرية الشركاء من القدماء.
ولو ترك من المجموع بقدر يتيقن موته في الماء وأكل الباقي - كما
هي طريقتنا في المحصور وغيره - كان احتياطا، والأحوط ترك الجميع.
المسألة الخامسة: لو صيد حيا، ثم دخل في الماء مع الانطلاق أو
مربوطا بشئ ومات في الماء، حرم، بلا خلاف فيه يوجد، كما صرح به
بعضهم (2)، وتدل عليه عمومات حرمة ما مات في الماء، وخصوص الخزاز
ورواية ابن سيابة المتقدمتين، وبها يقيد إطلاق ما مر من أن ذكاته أخذه، أو
هو ذكي من دون تقييد له بعدم موته في الماء.
المسألة السادسة: لو وثب السمك من الماء على الجد أو السفينة
ونحوهما أو نضب وانحسر عنه الماء وغار وبقي السمك، فإن أخذ حيا
حل، وميتا لم يحل، بالاجماع المحقق في الأول، والمحكي عن
الخلاف (3) في الثاني.
لصحيحة علي المتقدمة في المسألة الأولى، مضافا في الأول إلى ما
مضى من أدلة ذكاة السمك بالأخذ حيا.
وبتلك الصحيحة الخاصة تقيد مطلقات المنع عن أكل المنبوذ

(1) النهاية: 578، القاضي في المهذب 2: 438، الشرائع 3: 208.
(2) كما في كفاية الأحكام: 248، والرياض 2: 278.
(3) الخلاف 2: 525.
467

والمنضوب عنه، كموثقة الساباطي: عن الذي ينضب عنه الماء من سمك
البحر، قال: (لا تأكله) (1).
وصحيحة محمد: (لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان وما نضب الماء
عنه فذلك المتروك) (2).
خلافا للمحكي عن النهاية ونكت النهاية (3) وبعض كتب المحقق في
الثاني، فقالا بالحل إذا أدركه وهو يضطرب وإن مات قبل الأخذ، ولازمه - كما
في المسالك (4)، وغيره (5) - أن ذكاة السمك خروجه من الماء حيا من غير
اشتراط إخراجه كذلك، واشتراط إدراك الاضطراب للعلم بخروجه حيا لا
لكونه شرطا بخصوصه.
وظاهر النافع والكفاية (6) التردد.
واستدلوا بروايتي أبي حفص ومسعدة المتقدمتين في المسألة الأولى،
وموثقة زرارة: سمكة ارتفعت فوقعت على الجد فاضطربت حتى ماتت
آكلها؟ قال: (نعم) (7)، وقريبة منها روايته (8).
ويدل عليه العمومات المتقدمة المصرحة بأن الحيتان ذكية، وبأن
ذكاتها أخذها الشامل للأخذ ميتة وحيا، خرج ما مات في الماء بما ذكر

(1) التهذيب 9: 80 / 345، الوسائل 24: 140 أبواب الأطعمة المحرمة ب 12 ح 4.
(2) الفقيه 3: 215 / 1000، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح ب 34 ح 6.
(3) النهاية: 576، نكت النهاية 3: 80.
(4) المسالك 2: 230.
(5) كالإيضاح 4: 140، والمفاتيح 2: 204.
(6) النافع: 250، الكفاية: 248.
(7) الفقيه 3: 206 / 946، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح ب 34 ح 5.
(8) التهذيب 9: 7 / 22، الإستبصار 4: 61 / 212، الوسائل 24: 82 أبواب الذبائح
ب 34 ح 4.
468

فيبقى الباقي.
والجواب عن الكل: أنها أعم مطلقا من الصحيحة المتقدمة، لشمول
الادراك في الأولى والخروج في الثانية والاضطراب حتى يموت في الثالثة
والرابعة لما إذا كان بعد الأخذ أو قبله، فيجب التخصيص.
مضافا إلى أن المسؤول عنه في الأولى صيد السمكة، وقبل الأخذ
حيا لا يصدق الصيد، إلا أن تمنع دلالة الصحيحة وما بمعناها على الحرمة،
وغايتها المرجوحية.
فتبقى الروايات الأخيرة خالية عن المعارض في أصل الحل بالكلية.
إلا أن في رواية الشحام: عن صيد الحيتان إن لم يسم عليه؟ قال:
(لا بأس به إن كان حيا أن يأخذه) (1).
دلت بالمفهوم على ثبوت البأس - الذي هو العذاب - على أخذه إن
لم يكن حيا، سواء كان موته في الماء أو خارجه.
ومنه تظهر قوة القول الأول.
المسألة السابعة: كل ما مات في الماء بلا أخذ ولا الوقوع في آلة،
محرم إجماعا، وتدل عليه أخبار متكثرة، كروايتي الثقفي ومسعدة
المتقدمتين (2)، ورواية الشحام: عما يوجد من الحيتان طافيا على الماء
ويلقيه البحر ميتا آكله؟ قال: (لا) (3).
المسألة الثامنة: لا يعتبر في صيد الحيتان وأخذها وإخراجها من

(1) الكافي 6: 216 / 2، التهذيب 9: 9 / 29، الإستبصار 4: 63 / 221، الوسائل
24: 73 أبواب الذبائح ب 31 ح 3.
(2) في ص: 466.
(3) التهذيب 9: 7 / 20، الإستبصار 4: 60 / 210، الوسائل 24: 80 أبواب الذبائح
ب 33 ح 4.
469

الماء: التسمية، ولا الاستقبال، ولا الاسلام، بلا خلاف أجده في الأولين،
وعلى الأصح الأشهر في الثالث، وعن الحلي الاجماع عليه (1).
لعموم: (أحل لكم صيد البحر) (2)، وعمومات حل السمك،
وإطلاقات ذكاته في الجميع.
ويزاد في الأول: خصوص موثقة أبي بصير المتقدمة في المسألة
الثانية، ورواية الشحام السابقة في السادسة.
وصحيحة الحلبي: عن صيد الحيتان وإن لم يسم عليه، فقال: (لا
بأس به) (3).
ومحمد: عن صيد السمك ولا يسمي، قال: (لا بأس) (4).
وبها يخصص عموم قوله سبحانه: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم
الله عليه) (5).
وأما صحيحة محمد: عن مجوسي يصيد السمك أيؤكل منه؟ فقال:
(ما كنت لآكله حتى أنظر إليه)، قال حماد: يعني: حتى أسمعه يسمي (6).
فلا تضر، لأن التفسير من حماد، وهو ليس بحجة، ولذا نفى صحته
في التهذيبين.

(1) حكاه عنه في الرياض 2: 277، وهو في السرائر 3: 88.
(2) المائدة: 96.
(3) الفقيه 3: 207 / 951، التهذيب 9: 9 / 31، الإستبصار 4: 62 / 219،
الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.
(4) التهذيب 9: 9 / 30، الوسائل 24: 73 أبواب الذبائح ب 31 ح 2.
(5) الأنعام: 121.
(6) التهذيب 9: 9 / 32، الإستبصار 4: 62 / 220، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح
ب 32 ح 2.
470

وفي الثاني: الأصل.
وفي الثالث: المستفيضة المعتبرة، كموثقة أبي بصير وصحيحة
الحلبي المتقدمتين في الثانية (1)، وصحيحة سليمان وموثقة أبي مريم
المتقدمتين في الثالثة (2)، ومرسلة الفقيه: عن الحيتان يصيدها المجوس،
قال: (لا بأس، إنما صيد الحيتان أخذها) (3).
وصحيحة ابن سنان: (لا بأس بالسمك الذي يصيده المجوسي) (4).
والأخرى: (لا بأس بكواميخ المجوس، ولا بأس بصيدهم السمك) (5).
خلافا في الثالث للمفيد (6)، فاعتبر الاسلام، واحتاط به ابن زهرة (7).
لأصالة حرمة الميتة.
وكون صيد السمك أيضا من التذكية المعتبر فيها الاسلام.
ولصحيحتي محمد والحلبي، المتقدمتين في بحث شرائط الصائد (8)،
الناهية عن أكل صيد النصارى وكون أخذ السمك صيدا.
ورواية عيسى المتقدمة فيه أيضا: عن صيد المجوس، قال: (لا بأس

(1) في ص: 465.
(2) في ص: 468.
(3) الفقيه 3: 207 / 948، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 11.
(4) الكافي 6: 218 / 13، التهذيب 9: 10 / 35، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح
ب 32 ح 10.
(5) الفقيه 3: 207 / 949، التهذيب 9: 11 / 39، الإستبصار 4: 64 / 228،
المحاسن: 454 / 378، الوسائل 24: 77 أبواب الذبائح ب 32 ح 7. والكامخ:
الذي يؤتدم به، معرب - مجمع البحرين 2: 441.
(6) المقنعة: 579.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 618.
(8) في ص: 379 و 380.
471

إذا أعطوكه حيا، والسمك أيضا، وإلا فلا تجز شهادتهم إلا أن تشهده) (1).
ويضعف الأول: بمنع ذلك الأصل في السمك، كما مرت إليه
الإشارة، ولو سلمت فيندفع بحصول التذكية المحللة بمثل قوله: (صيد
الحيتان أخذها) (2).
والثاني: بأن المدلول عليه في الأخبار اشتراط الذبيحة بالاسلام دون
التذكية، مع أن المستفاد من الأخبار كما مر أن الحيتان والجراد ذكية،
ومقتضاه عدم احتياجهما إلى التذكية، ولو سلم فغايتها العموم اللازم
تخصيصه بما ذكر.
وهو الجواب عن الصحيحتين.
وأما عن رواية عيسى: فبعدم الدلالة، أما بالمنطوق فظاهر..
وأما بالمفهوم فلأن المفهوم إنما يعتبر لو لم يبين خلاف المنطوق في
الكلام، وإلا فالمعتبر هو المذكور، وقوله: (وإلا فلا تجز شهادتهم) إلى
آخره، هو بيان حكم خلاف المنطوق، فمفهومه: أنه إن لم يعطوكه حيا لا
تجز شهادتهم بالأخذ حيا إلا أن تشهد ذلك - أي أخذهم حيا - فهو كاف.
وعلى هذا، فهو على خلاف ما استدلوا له به أدل، بل يمكن الخدش
في الدلالة مع قطع النظر عن ذلك أيضا، إذ ليس في لفظ الاعطاء دلالة على
التسليم وأخذ المسلم له صريحا، بل ولا ظاهرا، فغايتها: أنه يشترط العلم
بأخذهم حيا، كما هو المعتبر في ذكاة السمك، ولما لم يكن الكافر مقبول
الشهادة في ذلك اعتبر مشاهدة حياته في يده، كما ادعي عليه الاجماع

(1) الكافي 6: 217 / 8، التهذيب 9: 10 / 33، الوسائل 23: 386 أبواب الصيد
ب 34 ح 1.
(2) الفقيه 3: 207 / 948، الوسائل 24: 78 أبواب الذبائح ب 32 ح 11.
472

أيضا (1).
وتدل عليه صحيحة محمد المتقدمة في صدر المسألة، وصحيحة
الحلبي: عن صيد المجوس للسمك آكله؟ فقال: (ما كنت لآكله حتى أنظر
إليه) (2).
وفيهما أيضا دلالة على كفاية النظر وإن صاده الكافر، وذلك وإن
جرى في المسلم أيضا إلا أنه ثبت بالاجماع والأدلة المتقدمة في الذبيحة
كفاية كونه في يده أو سوقه.
المسألة التاسعة: لا يشترط في حلية السمك وذكاته موته، بل يجوز
أكله حيا وفاقا للأكثر، كما صرح به في المسالك والكفاية والمفاتيح (3)
وشرحه.
للأصل، وعموم قوله سبحانه: (أحل لكم صيد البحر) (4)،
وعموم ما مر من أن صيد الحيتان أخذه، وأن الحيتان والجراد ذكي،
والمروي في محاسن البرقي: (الحوت ذكي حيه وميته) (5).
وحمل الذكي على المعنى اللغوي - أي الظاهر - وإن أمكن في الأخير
ولكنه لا يمكن فيما تقدم عليه، لورود أكثره في جواب السؤال عن صيد
اليهودي والمجوسي للسمك.
وقد يستدل أيضا بموثقتي الساباطي: عن السمك يشوى وهو حي،

(1) الرياض 2: 277.
(2) الفقيه 3: 207 / 951، التهذيب 9: 9 / 31، الإستبصار 4: 62 / 219،
الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 32 ح 1.
(3) المسالك 2: 230، الكفاية: 248، المفاتيح 2: 204.
(4) المائدة: 96. (5) المحاسن: 475 / 480، الوسائل 24: 74 أبواب الذبائح ب 31 ح 5.
473

قال: (نعم لا بأس) (1).
وفي دلالتهما نظر، لأن الكلام في الأكل حيا ولا حياة بعد الشواء،
غاية الأمر أنه نوع إماتة، والظاهر أن السؤال إنما هو لأجل ما فيه من
تعذيب الحي.
خلافا للمحكي عن الشيخ في المبسوط، فحرم الحي منه، استنادا
إلى أن ذكاته إنما هو إخراجه من الماء بشرط موته خارج الماء، إذ لو لم
يكن الاخراج مشروطا بموته خارج الماء لزم منه حله لو مات في الماء بعد
إخراجه منه، وهو باطل (2).
وفيه: أن عدم حصول ذكاته إلا بتحقق الاخراج والموت خارجه معا
ممنوع، بل المعتبر فيها إنما هو الاخراج بشرط عدم موته في الماء عائدا
إليه.
نعم، تدل على ما قاله رواية ابن أبي يعفور الواردة في الخز، وفيها:
(فإن الله تبارك وتعالى أحله وجعل ذكاته موته، كما أحل الحيتان وجعل
ذكاتها موتها) (3).
ولا شك أن هذه أخص مطلقا مما مر من أدلة الحلية التامة دلالتها،
ومقتضى القاعدة تخصيصها بها، فقول الشيخ قوي جدا.
ويؤيده أيضا ظاهر ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في حديث

(1) الأولى: التهذيب 9: 62 / 265، الوسائل 24: 88 أبواب الذبائح ب 37 ح 5.
الثانية: التهذيب 9: 80 / 345، الوسائل 24: 140 أبواب الأطعمة المحرمة
ب 12 ح 4.
(2) المبسوط 6: 277.
(3) الكافي 3: 399 / 11، التهذيب 2: 211 / 828، الوسائل 4: 359 أبواب لباس
المصلي ب 8 ح 4.
474

الزنديق، وفيه: (إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء، ثم يترك حتى
يموت من ذات نفسه، وذلك أنه ليس له دم، وكذلك الجراد) (1).
وجعله مؤيدا لأنه يمكن أن يقال: إنه ليس فيه دلالة على لزوم الترك
إلى الموت، وأنه أيضا جزء التذكية، فلعل المراد أنه يحسن ذلك.
ولا فرق في حليته حيا على القول به بين ما إذا أكل بجميعه أو أبين
منه جزء وأكل ولو كان باقيه حيا، للأصل، وعدم شمول أخبار حرمة
الأجزاء المبانة من الحي لمثل ذلك.

(1) الإحتجاج: 347، الوسائل 24: 75 أبواب الذبائح ب 31 ح 8.
475

الفصل الثاني
في تذكية الجراد
اعلم أن الكلام في الجراد كالكلام في السمك في جميع الأحكام،
من كون ذكاته إثبات اليد عليه حيا خارج الماء، سواء كان باليد أو بغيرها،
ومن عدم حل ما مات قبل الأخذ أو بعده ثم مات في الماء، ومن عدم
اشتراط التسمية والاستقبال والاسلام في الأخذ حتى عند المفيد أيضا (1)،
واشتراط مشاهدته حيا إذا كان في يد الكافر، وجواز أكله حيا.
بلا خلاف يوجد في شئ مما ذكر، كما صرح به بعضهم (2).
ويدل على الأول: إطلاق ما مر في صحيحة سليمان وموثقة أبي
مريم: (الحيتان والجراد ذكي) (3).
ورواية الثقفي: (الجراد ذكي كله، فأما ما هلك في البحر فلا تأكله) (4).
دلت على كون الجراد ذكيا مطلقا، خرج ما مات بنفسه من غير أخذ
بالاجماع.
وصحيحة علي: عن الجراد نصيبه ميتا في الصحراء أو في الماء
فيؤكل؟ فقال: (لا تأكله) (5).

(1) المقنعة: 579.
(2) الرياض 2: 278.
(3) في ص: 468.
(4) المحاسن: 480 / 505، الوسائل 24: 74 أبواب الذبائح ب 31 ح 7.
(5) الكافي 6: 222 / 3، قرب الإسناد: 277 / 1099، مسائل علي بن جعفر:
192 / 396، الوسائل 24: 87 أبواب الذبائح ب 37 ح 1.
476

والمروي في كتاب علي: عما أصاب المجوس من الجراد والسمك
أيحل أكله؟ قال: (صيده ذكاته لا بأس به) (1).
دل على أن ذكاته تحصل بصيده - الذي هو إثبات اليد عليه - فلا ذكاة
بدون الصيد.
وهما يدلان على اشتراط الأخذ حيا أيضا.
وتدل عليه أيضا موثقة الساباطي، وفيها: عن الجراد إذا كان في
قراح، فيحرق ذلك القراح، فيحترق ذلك الجراد وينضج بتلك النار، هل
يؤكل؟ قال: (لا) (2).
وتدل على اشتراط كون الموت خارج الماء رواية الثقفي وصحيحة
علي المذكورتين.
وعلى تعميم الأخذ بكونه باليد أو بالآلة الاطلاق المذكور، وصدق
الصيد المذكور في رواية علي مع كل منهما.
ويدل على عدم اشتراط الشرائط المذكورة الأصل والعمومات
والاجماع ورواية علي فيما أخذه المجوس.
ولا يحل من الجراد ما لا يستقل بالطيران ويسمى بالدبى بفتح الدال
المهملة على وزن العصا وهو الجراد إذا تحرك قبل أن تنبت أجنحته
بالاجماع.
لصحيحة علي: الدبى من الجراد أيؤكل؟ قال: (لا حتى يستقل

(1) مسائل علي بن جعفر: 168 / 279، الوسائل 24: 77 أبواب الذبائح ب 32
ح 8.
(2) التهذيب 9: 62 / 265، الوسائل 24: 88 أبواب الذبائح ب 37 ح 5، القراح:
المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر - مجمع البحرين 2: 403.
477

بالطيران) (1).
وفي موثقة الساباطي: في الذي يشبه الجراد وهو الذي يسمى الدبى
ليس له جناح يطير به إلا أنه يقفز قفزا، أيحل أكله؟ قال: (لا يؤكل ذلك،
لأنه مسخ) (2).
ويظهر من الموثقة مع الصحيحة: أن للدبى نوعين:
أحدهما: ليس من الجراد، إلا أنه يشبه به، وليس له جناح يطير به،
وهو مسخ لا يحل أكله أبدا.
والثاني: من الجراد، إلا أنه لا يستقل بالطيران، لصغره، فهو ما لم
يستقل به لا يحل أكله. وهو الموافق لقول صاحب الصحاح (3) والمذكور
في كتب الأصحاب.
تم كتاب الصيد والذباحة
والحمد لله والصلاة على رسول الله وآله.

(1) الكافي 6: 222 / 3، قرب الإسناد: 277 / 1101، مسائل علي بن جعفر:
109 / 18، الوسائل 24: 87 أبواب الذبائح ب 37 ح 1.
(2) التهذيب 9: 82 / 350، الوسائل 24: 89 أبواب الذبائح ب 37 ح 7.
(3) الصحاح 6: 2333.
478