الكتاب: كتاب النكاح
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء:
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: جمادي الثاني ١٤١٥
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك:
ملاحظات:

كتاب النكاح
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍
اعداد
لجنة تحقق تراث الشيخ الأعظم
1

الكتاب: كتاب النكاح
المؤلف: الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى - جمادى الثاني 1415
صف الحروف: مؤسسة الكلام - قم
الليتوغراف: مؤسسة الهادي - قم
المطبعة: باقري - قم
الكمية المطبوعة: 2000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

برعاية
قائد الثورة الاسلامية ولي أمر المسلمين
سماحة آية الله السيد الخامنئي دام ظله الوارف
تم طبع هذا الكتاب
4

كتاب النكاح
6

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله
الطيبين الطاهرين.
لم تكن الثورة الاسلامية بقيادة الإمام الخميني رضوان الله عليه حدثا سياسيا
تتحدد آثاره التغييرية بحدود الأوضاع السياسية إقليمية أو عالمية، بل كانت
وبفعل التغييرات الجذرية التي أعقبتها في القيم والبنى الحضارية التي شيد
عليها الحياة الانسانية في عصرها الجديد حدثا حضاريا إنسانيا شاملا
حمل إلى الانسان المعاصر رسالة الحياة الحرة الكريمة التي بشر بها الأنبياء
عليهم الصلاة والسلام على مدى التأريخ وفتح أمام تطلعات الانسان الحاضر أفقا باسما
بالنور والحياة والخير والعطاء.
وكان من أولى نتائج هذا التحول الحضاري الثورة الثقافية الشاملة
التي شهدها مهد الثورة الاسلامية إيران والتي دفعت بالمسلم الإيراني إلى
اقتحام ميادين الثقافة والعلوم بشتى فروعها، وجعلت من إيران، ومن قم
المقدسة بوجه خاص عاصمة للفكر الاسلامي وقلبا نابضا بثقافة القرآن
وعلوم الاسلام.
7

ولقد كانت تعاليم الإمام الراحل رضوان الله تعالى عليه ووصاياه وكذا
توجيهات قائد الثورة الاسلامية وولي أمر المسلمين آية الله الخامنئي المصدر
الأول الذي تستلهم الثورة الثقافية منه دستورها ومنهجها ولقد كانت الثقافة
الاسلامية بالذات على رأس اهتمامات الإمام الراحل رضوان الله عليه وقد أولاها
سماحة آية الله الخامنئي حفظه الله تعالى رعايته الخاصة، فكان من نتائج ذاك
التوجيه وهذه الرعاية ظهور أفاق جديدة من التطور في مناهج الدراسات
الاسلامية بل ومضامينها، وانبثاق مشاريع وطروح تغييرية تتجه إلى تنمية
وتطوير العلوم الاسلامية ومناهجها بما يناسب مرحلة الثورة الاسلامية
وحاجات الانسان الحاضر وتطلعاته.
وبما أن العلوم الاسلامية حصيلة الجهود التي بذلها عباقرة الفكر
الاسلامي في مجال فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة فقد كان من أهم
ما تتطلبه عملية التطوير العلمي في الدراسات الاسلامية تسليط الأضواء
على حصائل آراء العباقرة والنوابغ الأولين الذين تصدروا حركة البناء
العلمي لصرح الثقافة الاسلامية، والقيام بمحاولة جادة وجديدة لعرض
آرائهم وأفكارهم على طاولة البحث العلمي والنقد الموضوعي، ودعوة
أصحاب الرأي والفكر المعاصرين إلى دراسة جديدة وشاملة لتراث السلف
الصالح من بناة الصرح الشامخ للعلوم والدراسات الاسلامية ورواد الفكر
الاسلامي وعباقرته.
وبما أن الإمام المجدد الشيخ الأعظم الأنصاري قدس الله نفسه يعتبر
الرائد الأول للتجديد العلمي في العصر الأخير في مجالي الفقه والأصول
- وهما من أهم فروع الدراسات الاسلامية - فقد اضطلعت الأمانة العامة
لمؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري - بتوجيه من سماحة قائد الثورة الاسلامية
8

آية الله الخامنئي ورعايته - بمشروع إحياء الذكرى المئوية الثانية لميلاد
الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره. وليتم من خلال هذا المشروع عرض
مدرسة الشيخ الأنصاري الفكرية في شتى أبعادها وعلى الخصوص إبداعات
هذه المدرسة وإنتاجاتها المتميزة التي جعلت منها المدرسة الأم لما تلتها من
مدارس فكرية كمدرسة الميرزا الشيرازي والآخوند الخراساني والمحقق
النائيني والمحقق العراقي والمحقق الأصفهاني وغيرهم من زعماء المدارس
الفكرية الحديثة على صعيد الفقه الاسلامي وأصوله.
وتمهيدا لهذا المشروع فقد ارتأت الأمانة العامة أن تقوم لجنة مختصة
من فضلاء الحوزة العلمية بقم المقدسة بمهمة إحياء تراث الشيخ الأنصاري
وتحقيق تركته العلمية وإخراجها بالأسلوب العلمي اللائق وعرضها لرواد
الفكر الاسلامي والمكتبة الاسلامية بالطريقة التي تسهل للباحثين الاطلاع
على فكر الشيخ الأنصاري ونتاجه العلمي العظيم.
والأمانة العامة لمؤتمر الشيخ الأنصاري إذ تشكر الله سبحانه وتعالى على هذا
التوفيق تبتهل إليه في أن يديم ظل قائد الثورة الاسلامية ويحفظه للاسلام
ناصرا وللمسلمين رائدا وقائدا وأن يتقبل من العاملين في لجنة التحقيق
جهدهم العظيم في سبيل إحياء تراث الشيخ الأعظم الأنصاري وأن يمن
عليهم بأضعاف من الأجر والتواب.
أمين عام مؤتمر الشيخ الأعظم الأنصاري محسن العراقي
9

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله والطاهرين،
واللعنة على أعداء الدين.
أما بعد:
بين أيدينا كتاب النكاح، للشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره.، والكتاب
يحتوي على رسائل ثلاث:
الأولى - في النكاح:
وهي تتضمن البحث حول المقصدين الأول والثاني من كتاب إرشاد
الأذهان للعلامة الحلي قدس سره، الأول منه يبحث حول أقسام النكاح: الدائم
والمتعة ونكاح الإماء، والثاني يبحث حول الصداق.
الثانية - الرضاع:
وهذه الرسالة لم تكن شرحا للارشاد، بل هي رسالة مستقلة، ولكنا
جعلناها بعد رسالة النكاح لتشغل قسما من المطلب الأول من المقصد
الثالث، الذي يتضمن البحت حول المحرمات بالنسب والرضاع.
11

الثالثة - المصاهرة:
اشتهرت هذه الرسالة برسالة المصاهرة في حين أنها شرح للمواضيع
التالية:
أ - المطلب الثاني من المقصد الثالث، وهو يتضمن البحث حول باقي
أسباب التحريم، وهي: المصاهرة، والكفر، والعقد والوطء.
ولكن لم يكن بحثه حول الكفر والعقد والوطء تاما.
2 - المقصد الرابع، وهو موجب الخيار الشامل للعيب والتدليس.
3 - مسألة مستقلة تتعلق بالقسمة.
هذا ولم يبحث حول المقصد الخامس وهو لواحق النكاح، الذي
يتضمن أبحاث: القسمة، والنفقة، وأحكام الأولاد.
وبهذا تمكنا أن نعرض هذه الرسائل الثلاث بشكل كتاب يشتمل
على أغلب مباحث النكاح طبقا لإرشاد الأذهان، والمباحث التي بقيت
من دون تعرض لها هي:
المحرمات بالنسب، وتتمة في الباب الثالث - في أسباب التحريم -
والمقصد الخامس في اللواحق، وهي القسمة والنفقة وأحكام الأولاد.
وهنا نرى من اللازم أن نشير إلى أمور:
الأول - أن الرسالة الثانية - كما أشرنا - اشتهرت باسم رسالة
المصاهرة في حين أن موضوع المصاهرة جزء من الرسالة، لأنها تتضمن
مواضيع أخرى كما تقدم.
الثاني - لم يتضح لدينا هل أن الشيخ قدس سره. شرح جميع كتاب النكاح
من الإرشاد لكنه ضاع بعضه كما ربما يظهر مما هو موجود من النسخة
12

الأصلية حيث يشاهد فيها انقطاع فجائي في الأثناء؟ كما في نهاية الباب
الثالث من المقصد الثالث، حيث يبحث فيه حول العقد والوطء، وهما
من أسباب التحريم.
وبعد إتمامه يترك البحث حول بعض الفروعات المذكورة تحت عنوان
(تتمة) ويشرح بعضها الآخر، فهنا نلمس بوضوح ضياع بعض الأوراق،
أو أنه كان متقصدا في ذلك؟
الثالث - أن الشيخ قدس سره. قد كتب حول الرضاع حوالي ورقة واحدة
- بخطه - ثم أعرض عنه وكتب من جديد، ونحن أوردناهما معا رعاية
للأمانة.
النسخ المعتمد عليها:
اعتمدنا في تحقيق الكتاب - الرسائل الثلاث - على النسخ التالية:
أولا - النسخة الأصلية - مخطوطة الشيخ قدس سره. -:
كان أكثر اعتمادنا على النسخة الأصلية التي توجد في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام ضمن مجموعة تحتوي على الوصايا والقضاء وغيرهما
برقم (7 2 11 1)، حيث تبدأ رسالة النكاح من الورقة (36) حتى (83)،
والرضاع من (84) حتى (3 10)، والمصاهرة مات (103) حتى (9 1 1).
ونحن بدورنا نشكر إدارة المكتبة لما بذلته من مساع حميدة في تحضير
مصورات النسخ الخطية ومنها هذه النسخة.
وقد رمزنا لهذه النسخة برمز (ق).
وكانت لرسالة الرضاع نسخة خطية أخرى في مكتبة الإمام
13

الرضا عليه السلام ولكن لم نعتمد عليها. ثانيا - نسخة من المكاسب:
والنسخة الثانية التي اعتمدنا عليها هي نسخة من المكاسب مطبوعة
عام (1305) وهي تتضمن سوى المكاسب رسائل أخرى للشيخ
الأنصاري قدس سره.، منها هذه الرسائل الثلاث.
وقد رمزنا لهذه النسخة برمز (ع).
ثالثا - نسخة ثانية من المكاسب:
وهي المطبوعة عام (1325) في إصفهان منضمة معها الرسائل
المتقدمة.
ورمزنا لهذه النسخة برمز (ص).
رابعا - نسخة ثالثة من المكاسب:
وهي المطبوعة عام (1375) في تبريز مع شرح الشهيدي وقد استفيد
منها في رسالتي الرضاع والمصاهرة حيث طبعتا ملحقتين بها.
ورمزنا لها برمز (ش).
شكر وتقدير:
وفي الختام نشكر جميع الإخوة الذين بذلوا جهودا متواصلة في إحياء
هذا الأثر القيم، ونخص منهم بالذكر، أصحاب السماحة حجج الاسلام والمسلمين:
الشيخ محمد الحسون الذي اشترك في تحقيق رسالتي النكاح والرضاع،
والشيخ رحمة الله الرحمتي الذي حقق رسالة المصاهرة واشترك في تحقيق
14

رسالة الرضاع وقام بمراجعتها، والسيد علي الموسوي الذي اشترك في تحقيق
رسالة النكاح وقام بمراجعتها، والسيد منذر الحكيم الذي قام بتنظيم العناوين
الجانبية للكتاب، والسيد محمد جواد الجلالي الذي قام بملاحظة الصيغة
النهائية للكتاب، والسيد هادي العظيمي الذي قام بتنظيم الفهارس الفنية
للكتاب.
هذا ونسأل الله تعالى لنا ولكل المسلمين في إحياء فقه أهل البيت عليهم السلام التوفيق، إنه قريب مجيب.
مسؤول لجنة التحقيق
محمد علي الأنصاري
15

صورة الصفحة الأولى من كتاب النكاح
17

صورة الصفحة الأخيرة من كتاب النكاح
18

صورة الصفحة الأولى من رسالة الرضاع
19

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة الرضاع
20

صورة الصفحة الأولى من رسالة المصاهرة
21

صورة الصفحة الأخيرة من رسالة المصاهرة
22

المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية
لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
كتاب النكاح
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
23

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
24

كتاب النكاح
وقد اختلف في أنه حقيقة في الوطء، أو العقد، أو فيهما، أو مجاز فيهما
على أقوال. والظاهر: أن المراد من العقد - هنا - هو الحاصل من العقد
لا نفس الايجاب والقبول، وهو الذي يعبر [عنه - في الفارسية -] (1):
ب‍ " زن گرفتن " وب‍ " شوهر گرفتن " يشهد بذلك ما ذكر أهل اللغة له من
الاستعمالات (2).
والكلام فيه في مقاصد خمسة:

(1) ما بين المعقوفتين من " ع " و " ص "، ومحله منخرم في " ق ".
(2) انظر الصحاح 1: 413 - مادة: " نكح ".
25

المقصد الأول
في أقسام النكاح
27

وهي - على ما في الروايات (1) - ثلاثة:
نكاح بميراث وهو الدائم، ونكاح بلا ميراث وهو المنقطع، ونكاح
بملك يمين.

(1) الوسائل 14: 57، الباب 35 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
28

القسم الأول
في الدائم
والكلام فيه في مطالب
29

المطلب الأول
في بيان حكمه وآدابه
إعلم أنه (يستحب النكاح) استحبابا مؤكدا (خصوصا مع شدة
الطلب)، ولا يختص بصورة الطلب. للعمومات، مثل قوله صلى الله عليه وآله
وسلم:
(تناكحوا تناسلوا) قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما استفاد مسلم فائدة بعد
الاسلام أفضل من زوجة مسلمة، تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها،
وتحفظه إذا غاب عنها (2)، وقوله عليه السلام: (الركعتان يصليهما متزوج
أفضل
من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره (3).
ومن الأخيرين يظهر أفضلية النكاح من التفرغ للعبادة.
(ولو خاف) أن يقضي تركه إلى (الوقوع في الزنى) وشبهه، كالنظر
واللمس وغيرهما (وجب) مقدمة لترك الحرام.

(1) عوالي اللآلي 2: 1 26، وعنه مستدرك الوسائل 14: 53 1،
الباب الأول
من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 17، وتمامه: (أباهي بكم الأمم يوم
القيامة).
(2) الوسائل 4 1: 23، الباب 9 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 10،
بتفاوت يسير.
(3) الوسائل 14: 7، الباب 2 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.
31

ولا فرق بين العلم بإفضاء تركه إلى الحرام وبين الظن به، وفي الشك
تردد، وفي الوهم الظاهر العدم.
وأما آدابه المستحبة فهي أمور:
منها: (اختيار البكر الولود العفيفة الكريمة الأصل) كل ذلك بحكم
الأخبار (1)، وشهادة الاعتبار. قيل: المراد بكرم الأصل: أن لا يكون
أصلها (2) عن زنى (3)، والحق بالزنى الحيض ونحوه. وقيل فيه غير ذلك
(4)
والمرجع في أغلب أفراده هو العرف.
(و) منها: (صلاة ركعتين، والدعاء) بعدهما، وذلك بعد إرادة
التزويج، كما يستفاد من الرواية (5)، قيل (6): وقبل تعيين الزوجة،
كما يستفاد
من الدعاء (7).
(و) منها: (الاشهاد) على المشهور، خلافا للعماني (8) وجماعة

(1) الوسائل 14: 33، الباب 16 من أبواب مقدمات النكاح،
الحديث الأول،
و 4 1: 4 1 الباب 6 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2، و 14: 29،
الباب 3
من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.
(2) ليس في (ع): أصلها.
(3) المسالك 1: 4 34.
(4) انظر الجواهر 29: 7 3.
(5) الوسائل 14: 79، الباب 53 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول
(6) نهاية المرام 1: 40.
(7) ورد نص الدعاء في الرواية المذكورة في الوسائل 4 1: 79، الباب 53 من
أبواب مقدمات النكاح الحديث الأول.
(8) نقله عنه العلامة في المختلف: 535
32

من العامة (1) فأوجبوه لمستند ضعيف لا يرفع به اليد عن الأصل.
(و) منها: (الاعلان)، وهو ضد الاسرار وأبلغ من الاشهاد.
لأن الاشهاد لا ينافي الاسرار، وهو مستحب من غير خلاف يحكى هنا.
ويدل عليه النبوي (2).
(والخطبة) أمام العقد والخطبة (3)، وأقلها: حمد الله والصلاة على
محمد وآله صلى الله عليه وآله وسلم، وأكملها: إضافة الشهادتين، والوصية
بتقوى الله،
والدعاء للزوجين.
(وإيقاع العقد ليلا)، للخبر عن الرضا عليه السلام (4)
(وصلاة ركعتين عند الدخول، والدعاء) بالمأثور (وأمر المرأة
بذلك).
(ووضع يده على ناصيتها والدعاء) بما في رواية أبي بصير (5).
(والدخول ليلا) للخبر عن الصادق عليه السلام (6).
(والتسمية عند الجماع) لئلا يشاركه الشيطان فيه.
(وسؤال الله الولد الذكر السوي).
حكم ما ينشر
في الأعراس

(1) انظر المغني 6: 450، وليس في (ع) و (ص) من العامة.
(2) مستدرك الوسائل 4 1: 3 1 2، الباب 34 من أبواب مقدمات النكاح،
الحديث 2،
وفيه: (ولا نكاح في السحر).
(3) ليس في (ع) و (ص) والخطبة.
(4) الوسائل 4 1: 2 6، الباب 37 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
(5) الوسائل 14: 81، الباب 55 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
(6) الوسائل 4 1: 2 6، الباب 37 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2
33

(والوليمة عند الزفاف) وهو: إهداء العروس إلى زوجها، وظاهر
هذه العبارة ليلة الزفاف، لكن قي الخبر: (زفوا عرائسكم ليلا وأطعموا
ضحى (1) ولا يبعد أن يراد به ضحى تلك الليلة، فتكون الوليمة بعد
الدخول.
وما يستفاد من بعض الروايات (2) من الاطعام بعد العقد وقبل
الدخول، فلعله على غير جهة الوليمة الموظفة.
وكيف [كان] (3)، فقد حدت (4) وقتها في الأخبار بيوم أو يومين (5).
(و) اعلم أنه (يجوز أكل ما ينثر في الأعراس) كما يجوز [أصل
النثار ونحوه مما هو مقصود] (6) للعقلاء في هذه المقامات، فيخرج بذلك عن
الاسراف وإضاعة المال، لكن [ينبغي] (7) جواز الأكل (مع العلم) برضى
المالك بالأكل، والمراد ما يعم الظن الذي يطمئن إليه (8) العقلاء في أمثال المقام
من دلالة الألفاظ وغيرها (9) سواء حصل (بشاهد الحال أو بالإباحة)
القولية.
.

(1) وهو الخبر المشار إليه في الصفحة المتقدمة، الهامش 4.
(2) الوسائل 14: 64، الباب 40 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(3) من (ع) و (ص) وليس في (ق).
(4) كذا في (ق)، والأنسب: حد.
(5) الوسائل 14: 64، الباب 40 من أبواب مقدمات النكاح.
(6) ما بين المعقوفتين من (ع) و (ص)، ومحله منخرم في (ق).
(7) من (ع) و (ص)، ومحله منخرم في (ق).
(8) في (ع) و (ص): به.
(9) ليس في (ع) و (ص): من دلالة الألفاظ وغيرها
34

(و) حيث جاز (1) الأكل لا يجوز الأخذ إلا مع العلم كذلك، وحيث
جاز فهل (يملك) المأخوذ (بالأخذ)، أم لا؟ قولان:
نسب إلى المشهور الأول (2)، لأنه مال أعرض عنه صاحبه فيجوز
تملكه، كسائر ما يعرض عنه ويلحق بالمباحات الأصلية ولأن مالكه مسلط
على ملكه فله إباحة تملكه لغيره، وقد صدر منه ذلك بحكم ما يستفاد
من النثار عرفا وعادة، فيجوز للأخذ تملكه بالأخذ، ويكشف عن ذلك
السيرة الجارية بين الناس في معاملتهم للمأخوذ معاملة الأملاك،
وتعاطيهم إياه على هذا الوجه.
ويمكن الجواب، أما عن الاعراض فبأن الاعراض - الملحق
للمعرض [عنه] (3) بالمباحات - هو ما قصد الاعراض عنه أولا وبالذات
من غير تعلق القصد أولا بأخذ الغير له، لا ما كان المقصود منه بالذات
تصرف الغير فيه وأخذ الغير له واستلزمه (4) الاعراض عنه (5)، وإلا فهذا
الاعراض ثابت في جميع الإباحات حتى في المعاطاة، مع أن أحدا لم يستدل
على حصول الملك فيها بإعراض المالك عن العين، وصيرورتها كالمباحات
الأصلية.
والحاصل، أن الاعراض قد يحصل قصدا وبالذات، وقد يحصل في
.

(1) من هنا إلى قوله: (فهل...) ليس في (ع) و (ص).
(2) لم نقف عليه.
(3) من (ع) و (ص).
(4) في (ص): واستلزامه.
(5) ليس في (ع) و (ص): عنه
35

ضمن إرادة تصرف الغير وأخذه وإتلافه، والملحق بالمباحات الأصلية
هو الأول - مع تسليم وجود الدليل عليه عموما - لا الثاني المتحقق
فيما نحن فيه.
وأما عن الثاني فبأن (1) تملك الأخذ إن كان ناشئا عن تمليك المالك،
فلم يقع من المالك شئ يدل على التمليك، والنثار لا يستفاد منه إلا الإذن
في التصرف، وإن كان ناشئا عن إباحة المالك لتملكه - كما هو ظاهر كلام
المستدل - ففيه: أن الكلام في خروج المال - بالنثار وحده أو مع الأخذ -
عن ملك مالكه، وإلا فمع الخروج لا يحتاج تملك الأخذ إلى إباحة المالك
ذلك له، بل بمجرد الخروج يجوز تملكه، لأنه شئ لا ملك لأحد عليه.
ومن هنا يظهر المنافاة [بين الكلامين، إذ لو صدر منه إباحة ملكه
لغيره] (2) وحصل له لا يحتاج [بعده] (3) إلى إباحة التملك (4)، بل له ذلك
بإباحته العرفية، فيحصل الاعراض، بل حصل إباحة التملك فهو في الحقيقة
تمليك من المالك، فكيف يتملك بالحيازة كالمباحات الأصلية؟!
وأما السيرة المدعاة، فهي إنما تدل على جواز التصرف في المأخوذ
تصرف الملاك في أملاكهم، وهذا لا يدل على تملكه بالأخذ، فلعل الملك
موقوف على موت الأخذ، أو التصرف فيه تصرفا متلفا أو كالمتلف كالبيع،

(1) في (ع) و (ص): فلان.
(2) ما بين المعقوفتين من (ع) و (ص)، ومحله منخرم في (ق).
(3) ليس في (ق): بعده.
(4) في (ع) و (ص): التمليك.
36

ويحكم بالملك قبل البيع آنا ما كما في شراء القريب المنعتق (1) على المشتري.
لكن الانصاف، أن القول بالتملك بالأخذ أقرب من هذه التكلفات،
والدليل عليه هي السيرة الكاشفة عن أن النثار مفيد للتمليك (2)، وبناء الناثر
على التمليك، دون مجرد الإباحة.
ومنه يظهر أن المنثور لا يخرج عن ملكه بمجرد النثار، بل لا بد
من الأخذ، فما لم يأخذه أحد فهو باق على ملك مالكه، فالنثار والأخذ
إيجاب وقبول فعليان.
نعم، لو استندنا في تملك الأخذ إلى إعراض المالك وصيرورة العين
كالمباحات الأصلية - التي يجوز حيازتها لكل أحد - توجه القول بخروج
المنثور عن ملك المالك بمجرد النثار، بل بمجرد التوكيل فيه، لصدق الاعراض
- حينئذ - أيضا. ولكنك قد عرفت ضعف ذلك (3) الاستناد.
وهل يجوز الرجوع على (4) الأخذ بما أخذ - بناء على المختار من تملكه -
أم لا؟ وجهان:
من أصالة اللزوم في الملك، ومن أن هذا التملك (5) لا يزيد على المعاطاة
بناء على إفادتها الملك، بل هي أولى باللزوم، من حيث إنها معاوضة،
وما نحن فيه تبرع محض، أو أشبه شئ بالهبة المجردة.
.

(1) في (ص): المعتق.
(2) في (ص): للتملك.
(3) في (ع) و (ص): هذا.
(4) في (ع) و (ص): إلى.
(5) في (ق) ظاهرا: التملك
37

ثم إن المعتبر في التملك هو الأخذ، ولو بأن يبسط حجره أو طرف
ردائه أو يأخذ طبقا كبيرا، إلا أن لا يرضى المالك بالأخذ بهذا النحو،
ولا يكفي في الأخذ مجرد وقوعه في يده أو حجره أو عمامته، بل لو أخذه
- حينئذ (1) - غيره ملكه.
نعم، لو استندنا في التملك إلى إعراض المالك، جاء الاشكال الآتي
في مثل ما إذا تعشش طائر في ملكه أو وقع صيد في شبكته بغير قصد،
ولا يبعد الحكم بعدم التملك في أمثال ذلك، والله العالم بأحكامه.
ما يجوز النظر
إليه من المرأة
قبل الزواج
(ويجوز)، للرجل (أن ينظر إلى وجه من يريد تزويجها و) إلى
(كفيها) اتفاقا على الظاهر المصرح به (2) لحسنة محمد بن مسلم - بإبراهيم
ابن هاشم -، قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يريد أن يتزوج
المرأة أينظر إليها؟ قال: نعم، إنما يشتريها بأغلى الثمن) (3).
وحسنة هشام وحماد وحفص (4): (عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها (5).
ورواية الحسن بن السري، قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل
يريد أن يتزوج المرأة، يتأملها وينظر إلى خلفها وإلى وجهها؟ قال: لا بأس
بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ينظر إلى خلفها وإلى

(1) ليس في (ع) و (ص): حينئذ.
(2) صرح بذلك الشهيد الثاني في المسالك 1: 347، والفاضل في كشف اللثام 2: 8.
(3) الوسائل 14: 59، الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(4) في (ص): هشام بن سالم وحماد بن عثمان وحفص بن البختري.
(5) الوسائل 14: 59، الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
38

وجهها) (1).
ثم إن الحسنة الأولى، وإن كانت بإطلاقها مجوزة للنظر إلى غير الوجه
والكفين، إلا أن المتبادر من النظر إلى المرأة بحكم [العرف] (2) هو النظر
إلى الوجه واليدين، لأنهما (3) موقع النظر غالبا وغيرهما (4) مستور غالبا
بالثياب، مضافا إلى أن تخصيص النظر - المجوز في الحسنة الثانية - بالوجه
والمعاصم ابتداء، لا يظهر له وجه إلا اختصاصهما بجواز النظر، وإن لم نقل
بمفهوم اللقب.
وأوضح من ذلك الرواية الثالثة، فإنه عليه السلام - بعد أن قال: (ينظر
إليها) - قال: (ينظر إلى خلفها وإلى وجهها).
فكان (5) هذا التقييد بعد الاطلاق لدفع توهم إرادة الاطلاق المتوهم
بادئ النظر من الفقرة الأولى.
والمراد بالنظر إلى خلفها النظر إلى قامتها المستورة بالثياب من خلفها،
والمراد بالمعاصم - في الحسنة -... (6).
ومما ذكر - من موهنات الاطلاق المتوهم في حسنة محمد بن مسلم

(1) الوسائل 14: 59، الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.
(2) من (ع) و (ص).
(3) في (ق): لأنها.
(4) في (ق): وغيرها.
(5) كذا في (ق) ومصححة (ع)، وفي (ص): وإن كان.
(6) كذا في النسخ، وفي هامش (ص) ما يلي: كذا في تمام النسخ، ولا يخفى عدم
تمامية العبارة.
39

ونحوها (1) من المعتبرة المعتضدة بالتعليل المذكور فيها: (بأنه يشتريها بأغلى
الثمن)، المقتضي لجواز النظر حتى يندفع الغرر - يظهر (2) ضعف ما قواه بعض
متأخري المتأخرين من جواز النظر إلى جميع جسدها عدا العورة، تمسكا
بالاطلاق المذكور (3).
وأما التعليل المزبور، فالمراد أن إرادة تزويجه بالمهر (4) الغير الحقير
- كما هو الغالب - تجوز النظر إلى ما يندفع بالاطلاع عليه معظم الغرر
الحاصل من جهة حسن الخلقة واللون وقبحهما. ولا يخفى أن ذلك يندفع
بالنظر إلى الوجه والكفين. إذ يستدل بهما غالبا على حسن سائر الأعضاء
وقبحها من حيث الخلقة واللون المطلوبين فيهما.
وأما الحاصل من جهة العيوب العارضة فإنه لا يندفع بملاحظة جميع
الجسد ما عدا العورة أيضا، بل لا بد في اندفاعه من ملاحظة العورة أيضا،
مع أن أحدا لم يقل به.
والحاصل، أن ملاحظة الأخبار - [الواردة] (5) في المسألة - بالنظر
الجليل (6) وإن كانت تؤدي إلى الحكم بجواز النظر مطلقا، إلا أن ملاحظتها

(1) في (ع) و (ص): ونحوه.
(2) في (ق): وبما دل يظهر، وفي (ع): ويظهر.
(3) نص على ذلك في الجواهر 29: 66، لكن كونه مراد المؤلف قدس سره من عبارة
(بعض متأخري المتأخرين) بعيد.
(4) في (ع) و (ص): للمهر.
(5) من (ع) و (ص)، ومحلها منخرم في (ق).
(6) في (ع) و (ص): الجلي.
40

بدقيق النظر لا تورث الجرأة على الخروج عما دل على حرمة النظر
إلى الأجنبية.
بقي الكلام في أنه إذا قلنا في المسألة الآتية (1): بجواز النظر إلى وجه
الأجنبية وكفيها وإن كانت ذات بعل، فما الفرق بين من يراد تزويجها ومن
لا يراد تزويجها؟
ويمكن الفرق بينهما - مضافا إلى أن النظر هنا غير مرجوح اتفاقا،
وفي المسألة الآتية مرجوح اتفاقا، كما يظهر من المسالك (2) -: بأن النظر إلى
من يريد تزويجها إنما هو لاختبارها (3) وأنها حسنة خلقة ولونا تصلح لأن
يزوجها ويعاشرها ويقضي بها شهوته بالنظر والملاعبة والمواقعة، أم لا؟
والنظر بهذا القصد لا يجوز فيمن لا يريد تزويجها، لعدم دلالة أدلة الجواز
- كما سيأتي (4) - على ذلك، بل النظر لهذا الداعي لا ينفك غالبا عن الريبة
- بناء على أن المراد بها ما يخطر في البال من النظر - ولذا اشترط (5)
في مسألتنا هذه في جواز النظر: أن لا يمنع من تزويجها مانع فعلي. مثل،
كونها ذات بعل أو معتدة، وأن يكون المقصود بالنظر: الاختبار لا التلذذ -
نعم، لا بأس بحصول اللذة بالنظر وإن علم بها قبله - وأن يحتمل أن يطلع

(1) وهي مسألة: (عدم جواز النظر إلى الأجنبية) الآتية في الصفحة: 44.
المسالك 1: 347.
(3) في (ع) و (ص): لاختيارها.
(4) انظر الصفحات: 47 - 49 من هذا الكتاب.
(5) في (ص) و (ع): اشترطنا.
41

بالنظر على ما لا يطلع (1) عليه بدونه، لأنه المتبادر من مساق الأخبار
وتعليلها.
نعم، لا يشترط فقد من يخبره بأوصافه (2)، فإن المسموع ليس
كالمبصر.
ولا يقتصر في النظر على مرة واحدة، بل يجوز (تكراره) بشرط أن
يحتمل أن يفيده الثاني ما لم يفده الأول، لاطلاق الأخبار المعتضدة بالتعليل
الدال على أن الرخصة من جهة اندفاع معظم الغرر بلونها وخلقها، فيجوز
إذا توقف على تكرار النظر.
[وكذا مقتضى إطلاق الأخبار: جواز النظر ولو (3) من غير إذن
منها] (4).
ثم إنه هل يجوز للمرأة أن تنظر إلى من يريد التزوج (5) أم لا؟
قولان، أقواهما: الأول كما صرح به... (6)، لما يستفاد من التعليل في إخبار
المسألة، فإن الرجل إذا جاز له النظر لئلا يضيع ماله الذي يعطيها

(1) في (ع) و (ص): ما لم يطلع.
(2) كذا في النسخ، ولعل تذكير الضمير باعتبار رجوعه إلى (من يريد تزويجها)،
المتقدم في الصفحة: 38.
(3) ليس في (ق) و (ع): ولو.
(4) كذا في (ع) و (ص)، وقد وردت العبارة في هامش (ق).
(5) في (ع) و (ص): يريد تزويجها.
(6) من (ق)، ومحل النقط منخرم بمقدار كلمتين، ولعلهما: (العلامة قدس سره)، انظر
القواعد 2: 1.
42

على جهة الصداق وغيره، فلأن يجوز النظر (1) للمرأة لئلا يضيع بضعها أولى،
سيما مع أن للرجل مناصا عن المرأة بالطلاق إذا لا يجدها على ما يريد
بخلاف المرأة.
وبالجملة، حيث دلت الأخبار على أن الرجل يشتري بأغلى الثمن (2)
فيجوز له النظر استفيد منها أن المرأة - أيضا - تبيع نفسها وبضعها،
ولا ريب أنه أغلى مثمن.
وبذلك ظهر ضعف القول الآخر مستندا إلى عدم الدليل، فإنه ناش
عن عدم الدقة في مفاد التعليل.
(و) كذا يجوز النظر (إلى أمة يريد لشراءها)، وتحقيق ذلك في
كتاب البيع.
(و) المشهور - كما في كلام جماعة (3) -: جواز النظر (إلى) نساء
(أهل الذمة، وشعورهن) إذا كان النظر (بغير ريبة) أو قصد التلذذ
ومستند (4) المسألة ضعيف مجبور، ولضعفه طرحه الحلي (5) والفاضل في
المختلف (6) - على ما حكي عنهما - ولانجباره أخذ به الآخرون (7)

(1) ليس في (ع) و (ص): النظر.
(2) راجع حسنة محمد بن مسلم المتقدمة.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 347، والمحدث البحراني في الحدائق 23: 58
والمحقق السبزواري في الكفاية: 153.
(4) الوسائل 14: 149، الباب 112 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول
(5) السرائر 2: 610.
(6) المختلف 2: 534.
(7) كالشيخ في النهاية: 484، والمفيد في المقنعة: 521، والمحقق في الشرائع 2: 269.
43

(و) يجوز للرجل أن ينظر (إلى) جسد (مثله عدا العورة أو)
مع قصد (التلذذ،
و) أن ينظر (إلى جسد الزوجة - ظاهرا وباطنا -)
متلذذا (و) يستوي في ذلك (عورتها) وغيرها، وفي حكم الزوجة أمته
الغير المزوجة، أما المزوجة: ففي كلام غير واحد أن المعروف بينهم أنها
كالأجنبية (1)، وكذا المكاتبة والمشتركة. أما المرهونة والمؤجرة: ففيهما كلام.
(و) يجوز أن ينظر (إلى المحارم) أيضا - وهي من يحرم عليه
نكاحها دائما بنسب أو رضاع أو مصاهرة - (عدا العورة).
(وللزوجة) - كالزوج -: (النظر إلى) جسد (الزوج وعورته)
تلذذا، (و) إلى (محارمها عدا العورة)، لا مع قصد التلذذ.
(و) اعلم أنه لا خلاف في أنه (لا يجوز (2) النظر إلى الأجنبية)
مطلقا مع قصد التلذذ أو الريبة، ولا في أنه لا يجوز مطلقا في غير الوجه
والكفين، وأما فيهما - مع عدم الوصفين - فاختلف فيه، فقيل بالجواز مطلقا
على كراهية (3)، وقيل بالجواز مرة لا أزيد (4)، وقيل: لا يجوز مطلقا
(إلا للحاجة (5)، وهو الذي اختاره المصنف قدس سره - هنا - وبعض آخر (6)

(1) كلمحقق السبزواري في الكفاية: 153، والمحقق البحراني في الحدائق 23: 61.
(2) في (ع) و (ص) زيادة: للمرء.
(3) ذهب إليه الشيخ في المبسوط 4: 160، والبحراني في الحدائق 23: 53.
(4) ذهب إليه المحقق في الشرائع 2: 269.
(5) في (ص): لحاجة.
(6) انظر كنز العرفان 2: 222.
44

تمسكا بعموم ما دل على وجوب غض البصر (1)، وقوله تعالى: (ولا يبدين
زينتهن) (2)، مؤيدا بمفهوم الأخبار المتقدمة في أنه لا بأس بالنظر إلى وجه
من يراد (3) تزويجها (4)، حيث اشترط في بعضها عدم البأس بصورة إرادة
التزويج (5)، وبما دل على (أن النظر سهم من سهام إبليس) (6) و (أن زنى
العين النظر (7)، و (أنه رب نظرة أورثت حسرة يوم القيامة) (8)، وبمكاتبة
الصفار: (قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام (9) في رجل أراد أن يشهد على
امرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر،
ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك
وهذا كلامها، أو لا يجوز له الشهادة حتى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقع عليه السلام:
تتنقب وتظهر للشهود) (10).
وبجريان السيرة على منع النساء من أن يخرجن متكشفات.
ولأن النظر مظنة الفتنة، فالأليق بمحاسن الشرع حسم الباب.

(1) من قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم...) النور: 30.
(2) النور: 31.
(3) ليس في (ع) و (ص): من يراد.
(4) انظر الصفحة: 38 من هذا الكتاب.
(5) انظر الصفحة: 38 من هذا الكتاب.
(6) الوسائل 14: 138، الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(7) نفس المصدر، الحديث الثاني، وفيه: فزنى العينين النظر.
(8) نفس المصدر، الحديث الأول، وفيه: وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة.
(9) في المصدر: كتبت إلى الفقيه.
(10) الإستبصار 3: 19 الحديث 58.
45

ولأن [امرأة خثعمية جاءت إلى] (1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة
الوداع تستفتيه، وكان الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
فأخذ ينظر إليها وتنظر إليه، فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجه الفضل
عنها، وقال: (رجل شاب وامرأة شابة أخاف أن يدخل الشيطان بينهما) (2)
هذه جملة ما وقفت عليه من أدلة القول بالمنع (3).
وفي الجميع نظر، أما في آية الغض (4) فلأنها لا تفيد العموم.
وأما قوله: (لا يبدين زينتهن) (5) فلتخصيصها بقوله: (إلا ما ظهر
منها) (6)، وفسر في الرواية - المحكية عن تفسير علي بن إبراهيم -:
ب‍ (الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار) (7).
وفي موثقة زرارة - لولا القاسم بن عروة -: بالثاني والثالث (8).

(1) من (ع) و (ص)، ومحله منخرم في (ق).
(2) لم نعثر عليه بعين العبارة في المصادر الحديثية، نعم روي ما يقرب منه في
المستدرك عن بعض نسخ الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام، وورد معناه في
روايات العامة أيضا، انظر المستدرك 14: 269، الباب 81 من أبواب مقدمات
النكاح، وصحيح البخاري 5: 97.
(3) في، (ع) و (ص): أدلة المنع.
(4) النور: 30.
(5) النور: 31.
(6) النور: 31.
(7) تفسير القمي 2: 101، وعنه مستدرك الوسائل 14: 275، الباب 85 من أبواب
مقدمات النكاح، الحديث 3.
(8) الوسائل 14: 146، الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.
46

وفي رواية أبي بصير: بالخاتم والسوار (1).
ولا ريب أن إبداءهما مستلزم لابداء الكفين غالبا.
وفي صحيحة الفضيل، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذراعين
من المرأة؟ هما من الزينة التي قال الله: (ولا يبدين زينتهن
إلا لبعولتهن) (2)؟ قال: نعم، وما دون الخمار (3) من الزينة، وما دون
السوارين) (4).
وفيها دلالة ظاهرة على خروج الوجه والكفين عن الزينة التي يحرم
إبداؤها.
وأصرح منها: مرسلة مروك بن عبيد، لكن فيها زيادة: (القدمين)
على (الوجه والكفين) (5).
ولا تقدح (6)، لأن طرح بعض الرواية لدليل (7) لا يسقط باقيها
عن درجة الاعتبار.

(1) الوسائل 14: 146، الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4،
إلا أن فيه: الخاتم والمسكة وهي القلب.
(2) النور: 31.
(3) في هامش (ص) في هذا الموضع ما يلي: قوله: وما دون الخمار... الخ قال
الكاشاني: وما دون الخمار، يعني ما يستره الخمار من الرأس والرقبة، وهو ما عدا
الوجه منهما، وما دون السوارين يعني من اليدين، وهو ما عدا الكفين منهما.
(4) الوسائل 14: 145، الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(5) الوسائل 14: 146، نفس الباب، الحديث 2.
(6) في (ق): ولا يقدح.
(7) ليس في (ع) و (ص): لدليل.
47

وفي الكفاية عن قرب الإسناد عن الحميري، عن مسعدة (1) بن زياد،
قال: (سمعت جعفرا عليه السلام (2) - وسئل عما تظهر المرأة من زينتها؟ - قال:
الوجه والكفين) (3).
وفيها - أيضا - بسند لم يستبعد صحته، عن علي بن جعفر، عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر [إليه] (4)
من المرأة التي لا تحل له؟ قال: (الوجه والكفين) (5)، (6).
إلى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع، منها: ما سيجئ
في مسألة جواز النظر لمعالجة المريض (7).
ومنها: ما سيجئ في جواز سماع صوتها (8).
ومنها: ما دل على كراهة القنازع والقصة (9) ونقش الراحة بالخضاب
.

(1) في (ع): سعد.
(2) في النسخ. زيادة: (يقول).
(3) كفاية الأحكام: 153 - 154، قرب الإسناد: 82، الحديث 270، وعن الوسائل
14: 146، الباب 109 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 5.
(4) من المصدر.
(5) في قرب الإسناد: والكف وموضع السوار.
(6) كفاية الأحكام: 153 - 154، قرب الإسناد: 227، الحديث 890.
(7) الوسائل 14: 172، الباب 130 من أبواب مقدمات النكاح، وسيجئ في
الصفحة: 56.
(8) الوسائل 14: 143، الباب 106 من أبواب مقدمات النكاح.
(9) في (ع) و (ص): القصة، والقصة - بالضم والتشديد -: شعر الناصية، والجمع
قصص، (مجمع البحرين) 4: 180
48

للمرأة، وأن نساء بني إسرائيل هلكن بهذه (1)، إذ لو وجب ستر الوجه
والكفين كغيرها لم يكره تزيينها - كما لا يكره تزيين غيرها - كيف شاءت.
ومنها: ما روي عن دخول جابر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على
فاطمة عليها السلام فرأى وجهها أصفر من الجوع فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فشبعت وعاد وجهها أحمر (2).
وأما فيما دل من أخبار المسألة السابقة (3) على اشتراط جواز النظر
بإرادة التزويج ففيه (4)، أولا: إن سياق الشرط فيها ليس مفيدا للتعليق
كما يظهر بالتأمل فيها، مع أنه لو سلم ثبوت المفهوم فقد عرفت أن الجواز
هناك غير مشروط بما يشترط هنا من عدم قصد اختبار حسن المرأة خلقة
ولونا وقبحها وقابليتها للمعاشرة والمباشرة وعدمها، ولا شك أن النظر
بهذا القصد معلق على إرادة التزويج، مع أن الجواز هناك أريد به الإباحة
[بالمعنى الأعم] (5)، وهو معلق على إرادة التزويج.
هذا كله، مع أن في الأخبار التي ذكرناها كفاية في الخروج عن ظاهر
المفهوم بحمل البأس في المفهوم على الكراهة، بل لعله ليس مخالفا للظاهر.
.

(1) الوسائل 14: 134، الباب 100 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(2) الرواية منقولة بالمعنى، انظر الوسائل 14: 158، الباب 120 من أبواب مقدمات النكاح، 1 لحديث 3.
(3) المتقدمة في الصفحة 38.
(4) كذا في النسخ.
(5) ما بين المعقوفتين من (ع) و (ص)
49

وأما فيما دل على أن (النظر سهم من سهام إبليس) (1)، فلأنه ظاهر
فيما كان عن شهوة كما لا يخفى، وكذا ما دل على أن (زنى العين النظر) (2)،
ويشهد له (3) قوله عليه اسلام: (وزنا الفم القبلة) (4) فإنها لا تكون إلا عن شهوة.
وأما قوله: (رب نظرة أورثت حسرة) (5)، فلأنه على وجه الايجاب
الجزئي، ولا يجدي في ما نحن فيه (6).
وأما في المكاتبة (7)، فلعدم دلالتها على وجوب التنقب أولا، واحتمال
كون الأمر بالتنقب من جهة إباء المرأة عن التكشف لكونها متسترة مستحيية
عن أن تبرز للرجال، فإن ذلك مما يشق على كثير من النساء، وإن كان
جائزا، إذ رب جائز يشق من جهة الغيرة والمروة، فإنك قد عرفت جواز
النظر إلى وجه من يراد تزويجها وكفيها اتفاقا، مع أن هذا شاق على كثير
من النسوان وأهليهن سيما الأبكار من أولي الأخطار.
ويؤيد ذلك أنه لما قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: (أنت تحل المتعة،
فلم لا ترخص نساءك أن يتمتعن ويكتسبن؟ فقال له مؤمن الطاق:
.

(1) المتقدمة في الصفحة: 45.
(2) المتقدمة في الصفحة: 45.
(3) ليس في (ع) و (ص): له.
(4) الوسائل 14: 138، الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
(5) المتقدمة في الصفحة: 45.
(6) ليس في (ع) و (ص): (ولا يجدي في ما نحن فيه).
(7) أي مكاتبة الصفار المتقدمة في الصفحة: 45
50

ليس كل الصناعات يرغب فيها) (1).
ويؤيد ذلك ما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لأهل العراق:
[(نبئت أن نساءكم يدافعن الرجال في الطريق أما تستحيون؟) (2)
وفي حديث آخر إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (أما تستحيون
ولا تغارون، نساؤكم يخرجن إلى الأسواق ويزاحمن العلوج) (3)] (4).
وحاصل المرام: أنه رب جائز يقتضي الحياء تركه.
ومن هذا يظهر وجه النظر فيما ادعي من جريان السيرة على منع
النساء من أن يخرجن سافرات، إذ لا يخفى أن هذا المنع ليس بآكد من منع
تكشفهن لمن يريد تزويجهن، بل هذا آكد (5) بمراتب شتى، فإن أريد أن سيرة
العلماء على منعهن، ففيه: أن هذا تمسك بالاجماع في محل النزاع.
ومن هذا يظهر العجب من بعض المعاصرين حيث ادعى في هذه
المسألة - بعد ترجيح المنع -: أن التطلع على النساء المتسترات من المنكرات

(1) الكافي 5: 450، كتاب النكاح - أبواب المتعة، الحديث 8.
هذا وقد ورد في (ق) تتمة لهذا الحديث لا يقرأ منه إلا ما يلي: (وا... لأبي...
عنه... من الاعراض... ما... مؤمن الطاق في جواب أبي حنيفة). وتتمة الحديث
ما يلي: (وإن كانت حلالا، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم... الحديث).
(2) الوسائل 14: 174، الباب 132 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(3) نفس المصدر، الحديث 2.
(4) ما بين المعقوفتين من (ع) و (ص) والعبارة في (ق) منخرمة في مواضع،
وما يمكن قراءته فيها هو ما يلي: (أما... تستحيون أن نساءكم... فعن الرجال
في الطريق... يزاحمن العلوج في الأسواق).
(5) في (ع) و (ص): هو آكد.
51

في دين الاسلام (1)، وقال - في مسألة جواز النظر إلى من يريد تزويجها -
بجواز النظر إلى جميع جسدها (2) فيا ليت شعري التطلع إلى جسد المرأة
الباكرة المخدرة من أولي الخطر بغير اطلاعها - لاختبار خلقتها ولونها
وقابليتها للأمور المطلوبة من الزوجات - أنكر عند الناس إذا اطلعوا على
تطلعه عليها لأجل الاختبار، أم تطلعه على وجهها لا لقصد الاختبار
المذكور، بل لأجل معاملة أو غرض آخر مع عدم قصد التلذذ وعدم
الريبة؟!
وهل الانكار في المقامين إلا لأجل الغيرة والاستحياء إذا كانت المرأة
من أولي الأخطار وذوات الأستار وسكنة الأمصار؟!
وأما فيما ذكره من أن النظر مظنة الشهوة (3) ووقوع الفتنة، ففيه:
أن المعهود من الشارع حسم الباب في أمثال هذه المظان بالحكم بالكراهة
دون التحريم كما يعلم بالتتبع في الأحكام الشرعية، مع أن هذا استحسان (4)
لا نقول به.
وأما خبر الخثعمية (5) فهو على جواز [النظر أدل] (6) كما لا يخفى.
ثم إن الأخبار المجوزة مطلقة، فتشمل النظرة الأولى والثانية.
.

(1) الجواهر 29: 80.
(2) الجواهر 29: 67.
(3) في (ع) و (ص): مظنة للشهوة.
(4) في (ص): الاستحسان.
(5) المتقدمة في الصفحة: 46.
(6) من (ع) و (ص)، ومحله منخرم في (ق)
52

واستدل من خص الجواز بالأولى بأدلة ضعيفة لا تنهض لتقييد تلك الأخبار.
ثم إنك قد عرفت أن النظر إذا كان بقصد التلذذ فهو حرام إجماعا (1)،
كما ادعاه غير واحد (2)، وعليه أو على خوف الفتنة يحمل ما ورد من ذم
النظر في الأخبار.
وأما إذا لم يقصد به التلذذ ولكن علم بحصول اللذة بالنظر، أو لم يعلم
به، ولكن تلذذ في أثناء النظر، فهل يجب الكف، أم لا؟ الظاهر: الثاني،
لاطلاق الأدلة، ولأن النظر إلى حسان الوجوه من الذكور والإناث لا ينفك
عن التلذذ غالبا - بمقتضى الطبيعة البشرية المجبولة على ملائمة الحسان -
فلو حرم النظر مع حصول التلذذ لوجب استثناء النظر إلى حسان الوجوه
مع أنه لا قائل بالفصل بينهم وبين غيرهم.
ويؤيد ما ذكرنا ما رواه في الكافي عن علي بن سويد في الصحيح
قال: (قلت لأبي الحسن عليه السلام: إني مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة،
فيعجبني النظر إليها، فقال: لا بأس يا علي (3) إذا عرف الله من نيتك
الصدق، وإياك والزنى فإنه يمحق البركة ويذهب بالدين) (4).
فإن مراد السائل أنه كثيرا ما يتفق له الابتلاء بالنظر إلى المرأة

(1) ليس في (ع) و (ص): إجماعا.
(2) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3: 6.
(3) في المصدر: فقال لي يا علي.
(4) الكافي 5: 542، الحديث 6 وفيه: ويهلك الدين، وعنه الوسائل 14: 231،
الباب الأول من أبواب النكاح المحرم، الحديث 3.
53

الجميلة، وأنه حين النظر إليها والمكالمة معها - لمعاملة أو غيرها - يتلذذ
بالنظر لمكان حسنها، ولعل ذلك من جهة كون الراوي من أهل الصنائع
والحرف التي يكثر مخالطتهم للنساء كالصائغ والبزاز حيث يكثر تردد النساء
إليهم، سيما نساء البوادي اللاتي لا يتسترن. فسأل عن أنه يجب الكف
عن النظر عند التلذذ أم لا؟ فأجاب عليه اسلام بأنه لا بأس بذلك إذا علم الله
من قصدك مطابقة ما تظهره من أن نظرك ليس لمجرد التلذذ حيث عبرت
عن مخالطتك معهن (بالابتلاء بهن)، وأنك كاره لاعجابك الحاصل حين
النظر، ثم حذره عن الزنى.
وحمل الرواية بعض من عاصرناه (1) على النظرة الاتفاقية وحصول
الاعجاب - أعني: اللذة بعد النظر - فأجابه عليه السلام: بأنه إذا علم الله منك
الصدق، أي: أنك لم تتعمد النظر، فلا بأس. ولا يخفى بعد هذا الحمل
بل الظاهر ما ذكرنا من معنى الخبر. نعم، ينافي هذا الخبر ما رواه في الكافي
في الحسن - بابن هاشم - عن ربعي بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسلم على النساء ويرددن عليه،
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسلم على النساء، وكان يكره أن يسلم على
الشابة منهن، ويقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل علي (2) أكثر
مما طلبت من الأجر) (3).

(1) وهو صاحب الجواهر في الجواهر 29: 79.
(2) في (ص): فيدخل من الإثم علي.
(3) الكافي 5: 535، باب التسليم على النساء، الحديث 3، وعنه الوسائل 14: 173،
الباب 131 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.
54

فإن الرواية على أنه عليه السلام كان يكره التسليم عليهن لاحتمال التلذذ
بصوتهن، فصورة العلم بالتلذذ [أولى بالمراعاة، إلا أن حمله على الكراهة
مما لا غائلة فيه، خصوصا بعد جعله التقابل بين أجره - أي ما يرد عليه
من الجزاء - وأجر السلام المستحب، وإن كان الوارد على ذلك أكثر، لكن
لا تبلغ درجة الحرمة، فتدبر] (1).
واعلم أنه قد فسرت الريبة في المسالك (2) وغيره (3) بخوف الوقوع في
المحرم، وجعل خوف الافتتان عبارة عنها.
ولا يبعد أن يكون المراد بها - كما عن كشف اللثام -: ما يخطر بالبال
عند النظر (4). ولعل المراد به: الميل إلى فعل الحرام مع المنظور إليه، من الزنى
والتقبيل ونحوهما.
والظاهر حرمة النظر مع الريبة، سواء فسرت بخوف [الوقوع في
الحرام، أو لم] (5) بخوف الافتتان، أو خطور ما يخطر في البال (6) من قبائح
الأعمال. أما الأول فظاهر، وأما الثاني والثالث فلأن فيهما الفساد المنهي

(1) ما بين المعقوفتين من (ع) و (ص)، ومحله منخرم في (ق)، وما يمكن قراءته فيها
هو ما يلي: (... اللذة... به أولى... مع العلم بحصول... بل احتماله
بأن معنى... أي
المباح... فلا يدل... كان... حرمة...). والظاهر أن ما انخرم من (ق) هو أكثر
مما أثبت في (ع) و (ص)، فتأمل.
(2) المسالك 1: 347.
(3) انظر الجواهر 29: 70.
(4) كشف اللثام 2: 8، وفيه: ما يخطر بالبال من النظر.
(5) من (ع) و (ص)، ومحله منخرم في (ق).
(6) في (ع) و (ص): بالبال.
55

عنه، وما تقدم من صرف النبي صلى الله عليه وآله وجه ابن العباس عن الخثعمية
معللا بخوف دخول الشيطان بينهما يشمل كل واحد من المعاني الثلاثة،
فيصلح دليلا لحرمة النظر مع الريبة (1) مطلقا، لأنها بأي معنى كانت (2) من
الشيطان.
ثم إن المراد بالحاجة - التي استثناها المصنف قدس سره. من تحريم النظر
إلى الأجنبية - هي الحاجة المضطر إليها (3) دون طلق الحاجة، وإلا فالنظر
غالبا لا يكون إلا لحاجة، مع أن مطلق الحاجة لا دليل على تسويغها للنظر
المحرم، وإنما المسوغ هي الضرورة بحكم العقل والنقل، وللضرورة موارد:
موارد ضرورة النظر إلى الأجنبية
منها: المرض، فيجوز (للطبيب أن ينظر إلى عورة الأجنبية) فضلا
عن سائر مواضع جسدها، للعمومات الدالة على إباحة الضرورات
للمحظورات (4)، وخصوص صحيحة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:
(سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها - إما كسر وإما جراح -
في مكان لا يصلح النظر إليه، ويكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء،

(1) في (ع) و (ص): عن الريبة.
(2) في (ع) و (ص): بأي وجه كان.
(3) في (ع) و (ص) زيادة: المعبر عنها بالضرورة.
(4) مثل قوله عليه السلام: (وما اضطروا إليه)، انظر الوسائل 5: 345، الباب 30 من
أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 2، ومثل قوله عليه السلام: (ما حرم الله شيئا
إلا وأحله عند الاضطرار إليه)، انظر الوسائل 4: 690، الباب الأول من أبواب
القيام، الحديث 6 و 7.
56

أيصلح له أن ينظرها (1)؟ قال: إذا اضطرت إليه فليعالجها إن شاءت) (2).
ولا يخفى أن في هذه الصحيحة دلالة - من حيث التقرير - على جواز
النظر إلى المرأة في الجملة، وليس إلا الوجه والكفين، للاجماع على المنع
في غيرها.
ومنها: أداء الشهادة على المرأة، وتحمل الشهادة عليها.
ومنها: إذا (3) توقف إنقاذها من مهلكة أو مضرة على النظر.
وقد استثني من الكلية أيضا مواضع أخر غير الضرورة:
منها: ما تقدم من جواز النظر إلى من يراد (4) تزويجها أو شراؤها.
ومنها: النظر إلى فرج الزانيين، ليشهد عليهما بالزنى (5) عند الحاكم،
جوزه المصنف في القواعد (6) - على ما حكي عنه - ولا يخلو عن إشكال،
لأن وجوب الشهادة مشروط بالمشاهدة، ولا دليل على الإذن في تحصيلها
اختيارا. نعم، لو حصلت اضطرارا وجبت الشهادة.
ومنها: ما (7) لو دعت الحاجة إلى شهادة الرجال بالولادة، فقد جوز
النظر حينئذ إلى فرج المرأة لتشهد بالولادة.

(1) في (ص): أن ينظر إليها، وفي المصدر: النظر إليها.
(2) الوسائل 14: 172، الباب 130 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(3) ليس في (ع) و (ص): إذا.
(4) في (ع) و (ص): من يريد.
(5) في (ع) و (ص): ليشهد بالزنا عليهما.
(6) القواعد 2: 3.
(7) ليس في (ع) و (ص): ما.
57

ومنها: ما لو كانت المنظورة عجوزة (1) قد يئست من النكاح
لكبر سنها، وليست مظنة للشهوة، لقوله تعالى - مشيرا إليها -: (فليس
عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) (2)، والثياب الموضوعة قد فسرت في
حسنتي الحلبي (3) وحريز (4) - بابن هاشم - بالخمار والجلباب.
ويظهر من صحيحة ابن مسلم (5) وحسنة ابن أبي حمزة (6) اختصاصه
بالجلباب وحده، ولعله محمول على الاستحباب.
ثم إن وضع الخمار والجلباب يستلزم جواز كشف الشعر والذراع
ونحوهما مما هو معتاد الظهور عند وضع الخمار والجلباب.
ومنها: ما لو كانت المنظورة غير بالغة، فيجوز للرجل النظر إليها،
للأصل، وصحيحة البجلي المروية في الكافي قال: (سألت أبا إبراهيم عليه السلام
عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطي [رأسها ممن] (7) ليس بينها
وبينه محرم، ومتى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال: لا تغطي رأسها
حتى تحرم عليها الصلاة (8)، يعني حتى تحيض.
.

(1) ليس في (ع) و (ص): عجوزة.
(2) النور: 60.
(3) الوسائل 14: 147، الباب 110 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
(4) نفس المصدر، الحديث 4.
(5) نفس المصدر، الحديث الأول.
(6) نفس المصدر، الحديث 3.
(7) من (ص)، وفي (ع): من الرجل، ومحله منخرم في (ق).
(8) الكافي 5: 533 الحديث 2، وعنه الوسائل 14: 169، الباب 126 من أبواب
مقدمات النكاح، الحديث 2.
58

وفي رواية البزنطي المحكية عن الفقيه: (يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن
سبع (1)، ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم (2).
ونحوها المحكية عن قرب الإسناد عن ابن عيسى (3) عن البزنطي
عن الرضا عليه السلام (4).
وهاتان [الروايتان] (5) وإن دلتا على جواز تكشف المرأة عند الصبي،
إلا أنهما تدلان على جواز نظر الرجل إلى الصبية، بعدم القول بالفصل.
أقول: وفي هذه الأخبار - حيث خص السائل والمعصوم عليه السلام
التغطية بالشعر والرأس - إيماء إلى جواز كشف الوجه، وإلا لم يحتج إلى ذكر
الشعر والرأس (6)، لأنه كان - حينئذ - تخصيصا في مورد التعميم، بل كان
ينبغي أن يقول: (متى تغطي المرأة عن الرجل) من غير ذكر المتعلق.
ثم إن جواز النظر إلى الصبية مشروط بعدم الوصفين السابقين

(1) في (ص): ابن سبع سنين.
(2) الفقيه 3: 436، كتاب النكاح، الحديث 4507، وعنه الوسائل 14: 169، الباب
126 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.
(3) في الوسائل: أحمد بن محمد بن عيسى، وفي قرب الإسناد: محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر.
(4) في هامش (ق) - هنا - زيادة ما يلي: (وجدت الرواية في قرب الإسناد بعد
ما حكيتها عن الحدائق)، راجع قرب الإسناد: 385، الحديث 1355، وعنه
الوسائل 14: 169، الباب 126 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.
(5) من (ع) و (ص).
(6) في (ع) و (ص): ذكر شعر الرأس.
59

- أعني: التلذذ والريبة - ويحرم معهما، ومع مظنتهما يكره، ولذا ورد في
الأخبار النهي عن تقبيل الصغيرة البالغة ست سنين ووضعها في الحجر (1)،
والنهي عن تقبيل الصبي البالغ سبع سنين (2).
ثم إن ما ذكر حكم نظر البالغ إلى الأجنبية، وأما نظر غير البالغ إليها،
فإن كان غير مميز، فلا يجب التستر عنه إجماعا، لقوله تعالى: (أو الطفل
الذين لم يظهروا على عورات النساء) (3).
وإن كان مميزا بحيث يترتب على نظره ثوران الشهوة أو التشوق،
فقد نسب (4) إلى الأصحاب جعله كالبالغ، ويجب على الولي منعه عن النظر،
وعلى الأجنبية الاستتار منه (5).
والأولى أن يقال: إن أريد من (ترتب ثوران الشهوة) ترتبه فعلا
على النظر، فلا كلام في التحريم.
وإن أريد به أن يكون من شأنه ذلك - كما هو ظاهر العبارة - وإن
لم يترتب فعلا على (6) النظر، ففي وجوب منعه على الولي ووجوب التستر
عنه على المرأة نظر، لعدم الدليل، بل قد عرفت أن الصحيحتين (7) المحكيتين
.

(1) الوسائل 14: 169، الباب 127 من أبواب مقدمات النكاح.
(2) الوسائل 14: 169، الباب 127 من أبواب مقدمات النكاح.
(3) النور: 31.
(4) نسبه إليهم المحدث البحراني في الحدائق 23: 64.
(5) في (ع) و (ص): عنه.
(6) في (ص): عن.
(7) في (ق) فوق كلمة: (الصحيحتين): (الروايتين)
60

عن الفقيه وقرب الإسناد (1) مطلقتان في عدم وجوب تستر المرأة عنه،
الملازم لعدم وجوب منعه على الولي بحكم عدم القول بالفصل.
نعم، لا بأس بالقول بالكراهة في المميز الذي يقدر أن يصف ما يرى،
لما روي في الكافي عن السكوني عن الصادق عليه السلام من أنه (سئل
أمير المؤمنين عليه السلام عن الصبي يحجم المرأة؟ قال: إن كان يحسن أن يصف
فلا) (2)، ولعله - مضافا إلى عموم الآية: (ولا يبدين زينتهن) (3) - مستند
من قال بالتحريم إذا كان الصبي مميزا طلقا.
لكن الخبر معارض بما هو أقوى منه، وقد تقدم (4) وهو المخصص
للآية.
نعم، النظر إلى العورة وتكشفها عنده مستثنى إجماعا - على الظاهر -
فيجب على الولي منعه عن النظر إليها، ويحرم أيضا (5) للرجال والنساء كشفها
عنده.
(و) اعلم أنه كما لا يجوز للرجل أن ينظر إلى الأجنبية، كذلك
(لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبي وإن كان أعمى)، لعموم الأدلة، ويستثنى
.

(1) تقدمتا في الصفحة: 59.
(2) الكافي 5: 534، كتاب النكاح، الحديث الأول، وعنه في الوسائل 14: 172،
الباب 130 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
(3) النور: 31.
(4) في الصفحة: 46.
(5) في (ق) هنا زيادة ورقتين تتعلق بالمكاسب (قسم البيع) وهي غير مرتبطة بالمقام
وتتمة المطلب في ما بعد الورقتين.
61

هنا ما استثني في أصل المسألة حرفا بحرف، وإطلاق (الأجنبي) (1) وإن كان
يشمل البالغ وغيره، لكن قد عرفت أن في روايتي الفقيه وقرب الإسناد (2)
عدم وجوب تغطي الرأس عمن لا يحتلم، ويلزمه (3) جواز نظرها إليه بعدم
القول بالفصل، وأنه لا يعارضهما رواية السكوني (4) وآية: (ولا يبدين
زينتهن) (5) لوجوب طرح الأولى، وتخصيص الثانية.
نعم، ربما يقال: إن الآية تأبى عن التخصيص من جهة أن توصيف
الطفل فيها ب‍ (الذين لم يظهروا على عورات النساء) (6) - وهم
غير المميزين - مناف لإرادة إخراج مطلق الطفل من عموم (7) التحريم،
لأنه تخصيص في مقام إرادة التعميم، وهو هذر، كما إذا قيل: (أكرم العلماء
إلا زيدا العاقل)، وأقيم القرينة (8) على خروج زيد الجاهل أيضا، فإنه يوجب
هذرية الصفة، لا من جهة القول بمفهوم الوصف، بل من جهة أن ذكره محوج
إلى القرينة لاخراج غير مورد الوصف - أيضا - عن العموم، وتركه مغن عنها.
وجوابه: أن هذا إذا لم يظهر للوصف فائدة ترجح ذكره، وإن أحوج
.

(1) في (ع) و (ص): وإطلاق الأجنبي في كلماتهم.
(2) تقدمتا في الصفحة: 59.
(3) في (ع) و (ص): ويلزمها.
(4) المتقدمة في الصفحة: السابقة.
(5) النور: 31.
(6) النور: 31.
(7) في (ع) و (ص): عن عموم.
(8) في (ع) و (ص): قرينة.
62

إلى القرينة على تركه - وإن أغنى عنها - لكن الفائدة موجودة، لأن حكم
إبداء الزينة في من استثني في الآية هو الإباحة بالمعنى الأخص. ولا ريب أن
عطف الطفل عليهم - المفيد لاتحاد حكمه معهم - إنما يصح في الطفل (الذين
لم يظهروا على عورات النساء)، وإلا فالظاهرون على عورات النساء يكره
إبداء الزينة [عندهم] (1) وإن كان غير محرم، فلذا احتيج إلى ذكر الوصف.
وكيف كان، فالأقوى جواز نظر المرأة إلى الصبي المميز مع عدم
قصد التلذذ وعدم الريبة.
ثم، لا فرق - في الرجل - بين الخصي وغيره، فلا يجوز نظرها
إلى الخصي، كما (لا) يجوز (للخصي أن ينظر إليها) في غير ما استثني،
لعموم الأدلة، وخصوص روايتي عبد الملك (2) ومحمد بن إسحاق (3)،
نعم في صحيحة ابن بزيع عن الرضا عليه السلام: (إن الأحرار لا يتقنعن
منهم) (4)، وعن الشيخ حملها على التقية (5).
ويؤيد ذلك روايتان أخريان، سكت المعصوم عن الجواب في
أحدهما (6)، وأمر السائل بالامساك (7) عن هذه المسألة في الأخرى (8).

(1) كذا في (ع) و (ص)، وفي (ق): عندهن.
(2) الوسائل 14: 166، الباب 125 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(3) نفس المصدر، الحديث 2.
(4) الوسائل 14: 160، الباب 125 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.
(5) التهذيب 7: 480، ذيل الحديث 1926.
(6) الوسائل 14: 168، الباب 125 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 8.
(7) في (ع) و (ص): الامساك.
(8) (الوسائل 14: 167، الباب 125 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 6.
63

ثم ظاهر إطلاق العبارة عدم الفرق في المرأة بين كونها مالكة للخصي
أو غير مالكة له، وظاهر المحكي عن المصنف قدس سره في المختلف (1) جواز نظر
الخصي إلى مالكته (2) على كراهة، استنادا إلى استثناء (ما ملكت أيمانهن)
في الآية (3) من عموم (ولا يبدين زينتهن)، والموصول عام للعبيد والإماء،
وأن تخصيصه بالإماء لا وجه له.
ويؤيده الأخبار الدالة على جواز نظر المملوك إلى شعر [مولاته] (4)،
وفي بعضها إضافة الساق (5)، خرج الفحل - وهو مقابل الخصي - بالاجماع
لو ثبت، وبقي الخصي. وقيل بحمل الأخبار على التقية (6)، وهو مشكل،
لا لما ذكره في المسالك من اختلاف علماء العامة في هذه المسألة (7) إذ يكفي
في التقية: التقية عن سلطان الوقت، ولا ريب في أن الخصاء (8) يدخلون على
حريم السلاطين في كل زمان، بل لأن الحمل على التقية مختص بالأخبار
المتعارضة لا على جهة العموم والخصوص المطلق إذ المعين في هذا النحو من
التعارض حمل العام على الخاص، وإن كان الخاص موافقا للعامة، ولا ريب

(1) المختلف 2: 534.
(2) في (ق): على مالكتها.
(3) النور: 31.
(4) في (ق): مولاتها، والأخبار هي في الوسائل 14: 164، الباب 124 من أبواب
مقدمات النكاح.
(5) الوسائل 14: 165، الباب 124 من أبواب مقدمات النكاح.
(6) حملها الشيخ على التقية، انظر التهذيب 7: 480.
(7) المسالك 1: 349.
(8) في (ع) و (ص): الخصايا، والظاهر: الخصيان.
64

أن أخبار الجواز أخص من عمومات المنع.
هذا على فرض الاغماض عن عموم (ما ملكت أيمانهن) (1)
لما نحن فيه، وإلا كفى هو مخصصا لعموم تحريم النظر إلى الأجنبية.
لكن الانصاف أن الأخبار المجوزة لو بقيت على عمومها بحيث يشمل
الفحل، كاد أن يخالف الاجماع، إذ لم يعرف (2) قبل صاحب المسالك
مقو له (3). نعم، ربما يوهمه ظاهر عبارة المبسوط المحكية (4)، ويظهر من الكليني
حيث أورد الأخبار المجوزة (5). وإن قيدت بغير المفحل كان تقييدا
بالفرد النادر.
وبالجملة، فيتردد الأمر بين رفع اليد عن ظهور عمومات المنع
وارتكاب خلاف الراجح في هذه الأخبار - إما بالقول بعمومها وإن خالف
المشهور بل الاجماع المحكي (6)، وإما بتقييدها بالفرد النادر، وهو الخصي -
وبين إبقاء عمومات المنع على ظهورها وطرح هذه الأخبار، أو تأويلها
بما لا يكون أدون من التقييد بالفرد النادر، سيما إذا أوجب (7) إبقاء عمومات

(1) النور: 31.
(2) في (ص): إذا لم يعرف.
(3) المسالك 1: 349.
(4) استظهره من قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن... أو ما ملكت أيمانهن)،
لكنه قوى عدم كونه محرما، أنظر المبسوط 4: 161.
(5) الكافي 5: 531، والوسائل 14: 164، الباب 124 من أبواب النكاح.
(6) انظر الخلاف 4: 249، كتاب النكاح، المسألة 5.
(7) في (ع) و (ص): إذا وجب.
65

المنع على حالها، كما ارتكبه بعض (1)، حيث حملها على النظر الاتفاقي
لا الاختياري بقرينة تقييد الجواز في بعض تلك الروايات (2) بعدم التعمد،
قال: ولا بأس بالتعرض لمحكم الأمر الاتفاقي إذا كانت مقدماته اختيارية.
وأما عموم استثناء ملك اليمين في الآية، فعن الشيخ في المبسوط:
أنه روى أصحابنا أنه مختص بالإماء (3). وهذه الرواية وإن كانت مرسلة
إلا أن اشتهار العمل بها، بل اشتهار نفسها - كما يستفاد من نسبتها
إلى الأصحاب - ربما يوجب الاعتماد عليها في تفسير الآية، فتخرج الآية
عن دلالة على الجواز.
وكيف كان، [فا] لمسألة (4) محل إشكال لا ينبغي فيها ترك الاحتياط.
(ولا) يجوز (للأعمى) - فضلا عن البصير - (سماع صوت
الأجنبية وبالعكس للتلذذ أو مع الريبة اتفاقا، وأما مع عدم الوصفين
فالذي اختاره المصنف هنا - وقبله المحقق (5) وغيره (6) - أنه لا يجوز أيضا،

(1) انظر الجواهر 29: 93.
(2) الوسائل 14: 164 الباب 124 من أبواب مقدمات النكاح الحديث الأول
(3) المبسوط 4: 161.
(4) في (ق): والمسألة.
(5) الشرائع 2: 269.
(6) لم نعثر على قائل بالحرمة مطلقا عدا المحقق في الشرائع والعلامة في بعض
كتبه وفي كشف اللثام (2: 9) ومستند الشيعة (2: 473) ورياض المسائل (2: 75)
والجواهر (29: 97) نسبة هذا القول إلى المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد
والتحرير والارشاد.
66

ولعله لموثقة مسعدة بن صدقة: (لا تبدأوا النساء بالسلام) (1)، وموثقة
غياث بن إبراهيم: (لا تسلم على المرأة) (2)، وعن خبر المناهي:
(ونهى صلى الله عليه وآله وسلم أن تتكلم المرأة عند غير زوجها وغير ذي محرم
منها أكثر من خمس كلمات) (3).
وفي الجميع نظر، أما الموثقتان - فلمكان دلالتهما (4) على تحريم
مطلق الكلام - معارضتان بما هو أقوى منهما، من تسليم النبي
والوصي صلى الله عليهما وعلى آلهما الطاهرين على النساء وردهن عليهما، كما في
حسنة ربعي ابن عبد الله - بابن هاشم (5) - المعتضدة بما ورد مستفيضا من تكلم
فاطمة عليها السلام مع كثير من الصحابة، وذهابها إلى المسجد وقراءتها للخطبة
المذكورة في الاحتجاج، واحتجاجها على الأول والثاني في قضية فدك (6)،
ومن تكلم النبي والأئمة صلوات الله عليه وعليهم مع النساء في غير الضرورة (7).
وبالسيرة القطعية الجارية بين المسلمين من استماع النساء صوت الرجال
في المراثي، وائتمامهن بهم في الصلاة، ومتابعتهم في تلاوة الأدعية والزيارات،

(1) الوسائل 14: 173، الباب 131 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(2) الوسائل 14: 173، الباب 131 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
(3) الوسائل 14: 143، الباب 106 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
(4) في (ق): فلدلالتها.
(5) الوسائل 14: 173، الباب 131 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، الحديث 3.
(6) الإحتجاج 1: 131 الفقيه 3: 567، الحديث 4940.
(7) انظر البحار 16: 294، الباب 10 من مكارم أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم،
الوسائل 14: 143، الباب 106 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، الحديث الأول.
67

والمكالمة معهن في المعاملات.
فلا مناص عن حمل الخبرين على المرأة الشابة، كما يدل عليه الحسنة
المذكورة، أو على صورة التلذذ والريبة، أو حمل النهي على الكراهة.
لأن تعارف ذلك بين النساء والرجال مظنة الفتنة ومحل التهمة.
وأما خبر المناهي فهو وإن لم يناف الحسنة المذكورة المجوزة للتسليم
عليهن وردهن، إلا أنه ضعيف سندا ودلالة. لاقتران هذا النهي فيه بمناهي
تنزيهة كثيرة، وموهون بكثير مما مر من معتضدات الحسنة، فتعين حمله
أيضا على الكراهة.
ثم اعلم أن المصنف قدس سره. لم يتعرض لكم اللمس، لكنه اكتفى (1)
عن حكمه بالحكم بحرمة النظر، حيث إنه إذا حرم النظر حرم اللمس قطعا،
بل لا إشكال في حرمة اللمس وإن جاز النظر، للأخبار الكثيرة (2)، والظاهر
أنه مما لا خلاف فيه.
وهل يجوز النظر إلى العضو المنفصل عن البدن، ولمسه (3)، أم لا؟
استشكل الحكم في القواعد (4)، ولعله من استصحاب الحرمة، وأنه لو جاز النظر
إلى العضو المنقطع ولمسه، لزم جواز تغسيل الرجل للمرأة المقطعة قطعتين
أو ثلاث قطع أو أزيد، مع أن الظاهر أنه لا يجوز إجماعا. ودعوى أن تحريم
غسل الأجنبي تعبدي، لا من جهة حرمة النظر واللمس، بعيد.
ومن أن حرمة النظر ولمسه حال الاتصال إنما كان لكونه نظرا

(1) في (ع) و (ص): استغنى.
(2) الوسائل 14: 142، الباب 105 من أبواب مقدمات النكاح.
(3) ليس في (ع) و (ص): ولمسه.
(4) القواعد 2: 3.
68

إلى المرأة ولمسا لها. وبعبارة أخرى: موضوع حرمة النظر واللمس هي المرأة،
فالنظر إلى يدها ولمسها حرام باعتبار أنه نظر إلى المرأة ولمس لها،
وبعد الانقطاع يرتفع الموضوع قطعا، إذ لا يصدق النظر إلى المرأة حينئذ (1)
ولا مجرى للاستصحاب (2) مع ارتفاع الموضوع، فالمرجع أصالة البراءة،
لكن يبقي الاشكال في المسألة من جهة مسألة الغسل.
وكيف كان، فلا ينبغي الاشكال في جواز النظر إلى مثل الظفر والسن،
بل وكذا الشعر.
وهل يجوز النظر إلى الخنثى أم لا؟ حكي عن جامع المقاصد المنع،
معللا بأن النظر إلى الأجنبية حرام، ولا يتم تركه إلا بترك النظر
إلى الخنثى (3)، وهو ضعيف، لأن التكليف في الواقعة غير معلوم تفصيلا
ولا إجمالا، حتى يجب امتثاله بترك ما يحتمل كونه حراما، ولهذا لا يحرم
النظر إلى البعيد المردد بين الرجل والمرأة.
والفرق بينه وبين الخنثى بإمكان استعلام الحال فيه دون الخنثى،
ضعيف في الغاية.
وهل يجب على الخنثى الغض عن الذكر والأنثى؟ أم له النظر إليهما؟
أم يتخير بين البناء على الغض عن الذكر، وبين البناء على الغض عن الأنثى
تخييرا؟ وجوه، أحوطها الأول، وأقواها الثالث.
أما كون الأول أحوط، فواضح.
وأما أن الثالث أقوى منه، فلأنه لم يكلف تفصيلا بالغض عن الرجل
.

(1) ليس في (ع) و (ص): حينئذ.
(2) في (ع) و (ص): ولا مجري الاستصحاب.
(3) جامع المقاصد 12: 42.
69

ولا عن المرأة كما هو المفروض، ولم يكلف هو أيضا بالغض عن مفهوم
مجمل (1) مردد بين الأمرين ليجب عليه الاحتياط، لأن حكم الغض عن
المرأة تعلق على (2) الرجال، وحكم الغض عن الرجل تعلق بالنساء، والخنثى
لم يتعلق عليه (3) تفصيلا تكليف بأمر إجمالي.
نعم، يعلم إجمالا بدخوله تحت أحد الصنفين المكلفين، وهذا غير كاف
في ثبوت التكليف، بل لا بد فيه من تعلقه تفصيلا بالمكلف، سواء كان
المكلف به أمرا مفصلا أو مجملا.
نعم، مخالفته لتكليف كلا الصنفين يعد في العرف عصيانا من حيث
علمه بمخالفة حكه الواقعي. فإنه يعد تجريا وطغيانا وإن لم يعلم بمخالفة
التكليف الظاهري، لعدم العلم بثبوته، إذ العلم بثبوت الحكم الواقعي إجمالا
لا يستلزم العلم بثبوت التكليف الظاهري بمقتضى الواقع عقلا - ولهذا (4)
يجوز أن يصرح الشارع بعدم ثبوت التكليف ظاهرا بمقتضاه - ولا شرعا،
لعدم ثبوت الدليل الشرعي على الملازمة.
ثم إن التخيير الذي قلنا به، هل هو بدوي، بمعنى: أنه نحير في بدء
الأمر بين البناء على التكليف بواحد من تكليفي الرجل والمرأة، بحيث
لا يجوز العدول عما بنى عليه؟ أم هو استمراري، بمعنى أنه يجوز له (5) العدول
عما بنى عليه؟ وجهان، أحوطهما: الأول.

(1) ليس في (ع) و (ص): مجمل.
(2) كذا، والصحيح: (بالرجال).
(3) كذا، والصحيح (به).
(4) في (ع) و (ص): ولذا.
(5) ليس في (ص): له.
70

(و) اعلم أنه اختلف الفقهاء في حكم العزل عن الحرة بغير إذنها،
وهو إفراغ المني خارج الفرج، بإخراج الذكر عن الفرج عند إرادة الانزال.
فالمحكي عن الشيخين (1) وجماعة (2) قدس الله أرواحهم: أنه محرم، بل عن
الشيخ الاجماع عليه (3)، لمنافاته لغرض الشارع من شرع النكاح، لأنه تضييع
للنسل، ولذا حرم الاستمناء، ولأن فيه إيذاء للمرأة، ولمفهوم رواية يعقوب
الجعفي الآتية المثبت للبأس الظاهر في الحرمة فيما عدا الستة المذكورة
فيها (4).
ولما روي عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (نهى أن يعزل عن الحرة إلا
بإذنها) (5).
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه الداء (6) الخفي (7)، وفسر الداء بقتل

(1) المقنعة: 516، المبسوط 4: 267، الخلاف 4: 359، كتاب النكاح، المسألة: 143.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 4: 267، ابن حمزة في الوسيلة: 314، والشهيد في
اللمعة: 184.
(3) الخلاف 4: 359، كتاب النكاح، المسألة 143.
(4) الوسائل 14: 107، الباب 76 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4، وتأتي في
الصفحة: 73.
(5) دعائم الاسلام 2: 212، للحديث 777، مستدرك الوسائل 14: 233، الباب 57
من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(6) كذا في جميع النسخ، وفي المصدر: (الوأد)، وقد أورده صاحب الحدائق في الحدائق
(23: 88) بلفظ: الداء.
(7) سنن البيهقي 7: 231، وورد في دعائم الاسلام 2: 212، الحديث 777،
ومستدرك الوسائل 14: 233، الباب 57 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث
الأول، عن الإمام علي عليه السلام.
71

الولد (1).
ولا يخفى ضعف الجميع، فالأقوى ما عليه المشهور من أنه
(يكره العزل عن الحرة بغير إذنها). للأصل، والأخبار الكثيرة:
منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن العزل؟ فقال: (ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء) (2).
وفي الصحيح (3): (كان علي بن الحسين عليه السلام لا يرى بالعزل بأسا) (4).
وموثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: (لا بأس بالعزل
عن المرأة الحرة إن أحب صاحبها، وإن كرهت لشئ لما من الأمر شئ) (5).
ومستند الكراهة: ما رواه محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام
أنه سأل عن العزل؟ فقال: (أما الأمة فلا بأس به (7)، وأما الحرة فإني
أكره ذلك إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها) (8).
ثم مقتضى الأصل، وظاهر هذه الأخبار، وصريح الاعتبار: أنه

(1) كالمحدث البحراني في الحدائق 23: 88، وصاحب الجواهر في الجواهر 29: 111.
(2) الوسائل 14: 105، الباب 75 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(3) كذا في (ع) و (ص)، وكانت العبارة في (ق) هكذا: (وفي الصحيح عن الحذاء
قال: كان علي بن الحسين... ألخ) فشطب المؤلف قدس سره على كلمة (الحذاء)،
فأصبحت العبارة مضطربة، والظاهر أنه أراد الشطب على عبارة (عن الحذاء قال).
(4) الوسائل 14: 105، الباب 75 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.
(5) الوسائل 14: 105، الباب 75 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.
(6) في (ع)، (ص) والمصدر: سئل.
(7) ليس في (ع)، (ص) والمصدر: به.
(8) الوسائل 14: 106، الباب 76 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
72

لا يجب بالعزل دية لأن المفروض إذن الشارع فيه، بل يمكن دعوى
صراحة صحيحة محمد بن مسلم وموثقته في ذلك.
(و) ذهب المحقق (1) والمصنف رحمهما الله هنا إلى أنه (يجب به دية
النطفة عشرة دنانير) للزوجة، لأن الزوج بمنزلة متلف الولد حيث منع
من تكونه، فكأنه قاتل الولد، فلا يرث من الدية.
ولم يحك لهذا القول مستند، عدا ما ذكر من الرواية عن علي عليه السلام
- في من أفزع حال الجماع فعزل لذلك -: (أن على المفزع دية النطفة عشرة
دنانير) (2).
ولا ريب أن تسرية حكم الرواية إلى ما نحن فيه في غاية الاشكال،
مع ظهور الفرق وجلائه.
(ولو عزل عن الأمة فلا شئ) قولا واحدا، وظاهره عدم الفرق
بين أمته وأمة الغير.
ولا كراهة في العزل عن الأمة لرواية يعقوب الجعفي، قال:
سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: (لا بأس بالعزل في ستة وجوه: المرأة التي
أيقنت أنها لا تلد، والمسنة، والمرأة السليطة (3)، والبذية، والمرأة التي
لا ترضع ولدها، والأمة) (4) [مع أن الأصل كاف في نفيها] (5).

(1) الشرائع 2: 270.
(2) الوسائل 19: 237، الباب 19 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث الأول
(3) السلاطة: حدة اللسان، يقال: رجل سليط، أي صخاب بذئ اللسان، وامرأة
سليطة كذلك، راجع مجمع البحرين 4: 25 - مادة: (سلط).
(4) الوسائل 14: 107، الباب 76 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.
(5) ما بين المعقوفتين من (ع) و (ص).
73

(ويحرم) على الرجل (الوطء) لامرأته (قبل أن تبلغ المرأة
تسع) سنين، بلا خلاف - على الظاهر - المصرح به في كلام جماعة (1)،
والأخبار به مستفيضة كصحيحة الحلي (2)، وروايتي أبي بصير (3) وزرارة (4).
(و) لكن (لا تحرم المرأة)، الموطوءة (به) على الواطئ
(إلا مع الافضاء)، وهو جعل مسلك البول والمحيض - وهو مدخل الذكر -
واحدا.
أما عدم التحريم مع عدم الافضاء فهو المشهور، ويدل عليه الأصل (5)،
وعدم الدليل على التحريم، عدا مرسلة يعقوب بن يزيد - وفيها سهل بن
زياد - عن مولانا الصادق عليه السلام، قال: (إذا خطب الرجل المرأة فدخل
بها قبل أن تبلغ تسع سنين، فرق بينهما، ولم تحل له أبدا) (6).
وهي - على ضعفها بالارسال، مضافا إلى سهل بن زياد - مخالفة
للمشهور، فلا تنهض حجة في رفع اليد عن الأصول القطعية الثابتة
من حصول الحلية بعقد النكاح، فلا بد من حملها على صورة الافضاء،
التي لا خلاف في كونها سببا للتحريم المؤبد مع بقاء الزوجية.

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 350، والسيوري في التنقيح الرائع 3: 25،
والكاشاني في المفاتيح 2: 290.
(2) الوسائل 14: 70، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(3) الوسائل 14: 70، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 4.
(4) الوسائل 14: 70، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2.
(5) في (ق): ويدل للأصل.
(6) الوسائل 14: 381، الباب 34 من أبواب ما يحرم المصاهرة، الحديث 2.
74

وللمسألة فروع وأحكام تأتي إن شاء الله تعالى.
(و) يحرم على الرجل أيضا (أن يترك وطء الزوجة أكثر من أربعة
أشهر) اتفاقا كما في المسالك (1)، ويدل عليه: رواية صفوان عن
الرضا عليه السلام: (أنه سأله عن رجل (2) تكون عنده المرأة الشابة، فيمسك
عنها الأشهر والسنة لا يقربها، ليس يريد الاضرار بها، يكون لهم مصيبة،
أيكون في ذلك آثما؟ قال: إذا تركها أربعة أشهر كان آثما بعد ذلك) (3).
وزيد في التهذيب قوله: (إلا بإذنها) (4) وفي سندها ابن أشيم.
ومورد السؤال - في الرواية - مختص بالشابة، وقصر الحكم عليها
بعض متأخري المتأخرين كالمحدث الكاشاني (5) والمحدث الحر العاملي (6)،
ومال إليه في الحدائق (7)، وقواه بعض مشائخنا (8).

(1) المسالك 1: 350، علما بأن في (ع) و (ص) وردت كلمة (المبسوط) بدل
(المسالك)، ولم نجد فيه حكاية الاتفاق، بل حكايته موجودة في المسالك، ونقله
عنه في الجواهر 29: 115، والحدائق 23: 89.
(2) في (ع)، (ص) والمصدر: الرجل.
(3) الوسائل 14: 100، الباب 71 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث الأول.
(4) التهذيب 7: 419، الحديث 16678، وفيه: (إلا أن يكون بإذنها)، وعنه
الوسائل 14: 100، الباب 71، من أبواب مقدمات النكاح، ذيل الحديث الأول.
(5) مفاتيح الشرائع 2: 290.
(6) بداية الهداية 2: 197.
(7) الحدائق 23: 90.
(8) انظر المستند 2: 475.
75

لكن قد عرفت دعوى الوفاق على التعميم، و [لذا] (1) حكي عن
الرياض الاجماع على عدم الفرق بين الشابة وغيرها (2).
ويؤيد التعميم قاعدة نفي الاضرار، لما روي من أن غاية صبر النساء
عن الوقاع أربعة أشهر، وأنه إذا مضت أربعة أشهر فنى صبرهن (3).
وفي المسالك إن المراد بالوطء الواجب مسماه الموجب للغسل (4).
ولا يخلو عن إشكال، لأن الغالب المتعارف الذي ينبغي أن يجعله
الشارع لرفع الاضرار، هو الجماع مع الانزال، ومنه يظهر اختصاصه بالوطء
في القبل؟ لأنه المتعارف الذي يحصل به الغرض.
ثم إن ظاهر قوله عليه السلام - على ما في التهذيب -: (إلا بإذنها) أنه
حق للمرأة، لها المطالبة ولها الاسقاط. ويحتمل بعيدا أن يكون مجرد تكليف
في ذمة الزوج.
وفي شمول الزوجة المتمتعة وجهان، وكذا في إطلاق الحكم لما إذا كان
الزوج غائبا.

(1) من (ع) و (ص)، وفي (ق): وكذا.
(2) رياض المسائل 2: 76.
(3) كنز العمال 16: 573، الحديث 45917.
(4) المسالك 1: 350.
76

المطلب الثاني
في أركانها (1)
لم يعلم وجه لتأنيث الضمير.
(وهي: الصيغة، والمتعاقدان).
فيقع الكلام في مقامين:
(الأول: في الصيغة)
أجمع علماء الاسلام - كما صرح به غير واحد (2) - على اعتبار أصل
الصيغة في عقد النكاح، وأن الفروج لا تباح بالإباحة ولا بالمعاطاة، وبذلك
يمتاز النكاح عن السفاح، لأن فيه التراضي أيضا غالبا.
(و) المشهور أنه (لا بد من) أن يكون (الايجاب والقبول بصيغة
الماضي) لأنها الصريحة في الانشاء، بخلاف المضارع والأمر، ولأن تحقق

(1) الظاهر أنه كان كذا في نسخة المؤلف قدس سره، وفي الإرشاد المطبوع حديثا:
أركانه.
(2) منهم السيد السند في نهاية المرام 1: 20، والسيد الطباطبائي في الرياض
2: 68، والمحدث البحراني في الحدائق 23: 156.
77

الزوجية معها (1) متيقن ومع غيرها مشكوك، فيجب الاقتصار في الفروج
- المبني أمرها على الاحتياط بحكم العقل والنقل - على المتيقن.
ويرد على الأول: منع اختصاص الماضي بالصراحة، بل الجملة الاسمية
أصرح من الماضي، ولذا جازت في الطلاق إجماعا، مع أنه ليس بأدون
من النكاح في مطلوبية الاحتياط إن لم يكن أولى، فإذا جاز بالجملة الاسمية،
جاز في المضارع (2) والأمر بالاجماع المركب.
وعلى الثاني: أنه لا وجه للشك في غير الماضي بعد اقتضاء العموم،
مثل: (أوفوا بالعقود) (3)، وخصوص ما ورد في غير واحد من الأخبار
من جواز المتعة بلفظ: (أتزوجك متعة) (4)، الموجب لجواز ذلك في الدائم
أيضا، لعدم الفرق، حيث إن كلا منهما عقد لازم موجب للتسلط على البضع،
مع أن في بعض تلك الأخبار: أنه إن أخل بذكر الأجل انقلب دائما (5)،
فهو صريح في صلاحية المضارع للدائم.
وربما يستدل بخبر سهل الساعدي (6) المشهور، حيث إنه يظهر منه
جواز القبول بلفظ الأمر مقدما على الايجاب. وفيه نظر، لمنع كون الأمر

(1) في (ع) و (ص): بها.
(2) في (ع) و (ص): بالمضارع.
(3) المائدة: 1.
(4) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة.
(5) الوسائل 14: 469، الباب 20 من أبواب المتعة.
(6) سنن النسائي 6: 113، باب التزويج على سورة من القرآن، سنن أبي داود
2: 236، باب التزويج على العمل يعمل، الحديث 2111.
78

قبولا، إذ يحتمل [قويا] (1) تحقق القبول بعد الايجاب بلفظ آخر، كما يظهر
بالتأمل في متن الرواية، وسيجئ (2).
والمشهور - أيضا - أنه يشترط وقوعهما (بالعربية مع القدرة)،
وهذا الاشتراط أيضا لا يخلو من نظر، لعدم ما ينهض دليلا بعد العموم.
ودعوى انصراف العقود إلى العقود العربية غير مسموعة، كدعوى
اختصاصها بها في الخطاب الملقى إلى المشافهين حيث إنهم أعراب، ولم يثبت
إلحاق العقود الفارسية بها؟ وذلك لأن ظاهر أدلة العقود والشروط وجوب
الوفاء بها من حيث هي عقود وشروط، من غير عبرة بعباراتها المؤدية لها،
ولهذا لو ألقي مثل هذه الخطابات إلينا معاشر الفرس، لم نشك في عمومها
لما عبر عنه بالعربي أو الفارسي والتركي والزنجي.
وأعجب من ذلك كله ما ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد
- في باب الرهن (3) - من منع صدق العقد على غير العربي مع القدرة
على العربي (4)، إذ لا ريب في أن القدرة وعدمها لا مدخل لهما في معاني
الألفاظ ومنصرفها، كما لا يخفى.
(و) كيف كان، فاللفظ الصريح في (الايجاب (5) فيه لفظان:

(1) في (ق): قريبا.
(2) يأتي في الصفحة: 80 - 81.
(3) ليس في (ع) و (ص): في باب الرهن.
(4) جامع المقاصد 5: 46.
(5) عبارة (فاللفظ الصريح في الايجاب) لم تظهر في (ق) بسبب حصول الانخرام.
79

(زوجتك، وأنكحتك) (1) لورود الكتاب (2) والسنة (3) بهما في النكاح.
(و) في (متعتك) خلاف (4) من أنه صريح في المنقطع، فالتعبير به
عن الدائم يحتاج إلى القرينة، والألفاظ المحتاجة إلى القرائن محترز عنها
ولو مع القرائن في العقود اللازمة، سيما المبنية منها على الاحتياط.
ومن منع وجوب الاقتصار على ما لا يحتاج في صراحته إلى القرينة،
مع أن الاحتياج إلى القرينة إن كان لمجازية اللفظ فهو ممنوع، وإن كان لكونه
حقيقة في القدر المشترك فيحتاج إلى القرينة فلا ريب في جواز استعمال
المشترك المعنوي في العقود اللازمة، فظهر أن الجواز أقوى، وإن كان المنع
أحوط.
(ولو قال) الرجل: (زوجنيها، فقال: زوجتك، قيل: يصح) (5)،
إما لصدق العقد، فيدخل في عموم (أوفوا بالعقود) (6)، وإما لخصوص رواية
سهل الساعدي المروية... (7): (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
فقالت:

(1) في (ع) و (ص): وهما زوجتك وأنكحتك.
(2) النساء: 22، الأحزاب: 37.
(3) الوسائل 14: 194، الباب الأول من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
(4) القول بعدم الانعقاد ذهب إليه ابن الجنيد - كما نقله عنه فخر المحققين في
إيضاح الفوائد 3: 512 - والسيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 246، والشيخ في
المبسوط 4: 193، وابن حمزة في الوسيلة: 291. والقول بالانعقاد ذهب إليه الماتن
في القواعد 2: 4.
(5) قاله الشيخ الطوسي في المبسوط 4: 194.
(6) المائدة: 1.
(7) في (ق) - هنا - بياض بمقدار كلمتين.
80

زوجني، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم، زوجنيها، فقال: ما تعطيها؟ فقال: ما عندي شئ،
فقال: لا. فأعادت، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام، فلم يقم أحد
غير الرجل، ثم أعادت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المرة
الثالثة: أتحسن من القرآن شيئا؟ قال: نعم، قال: قد زوجتكها (1) على ما تحسن من
القرآن، فعلمها إياه) (2).
وفيه: منع الدلالة على جواز الاكتفاء بالأمر السابق، فلعله قد قبل
لاحقا.
ودعوى أن الأصل عدم تحقق القبول اللاحق، فيثبت منه أن الرجل
اكتفى في القبول بما تقدم منه من الطلب، ولازمه صحة العقد بهذا القدر،
منظور فيها كما قرر في الأصول - من أن مقتضى الأصول الشرعية ترتيب
الآثار الشرعية لا الآثار الغير الشرعية وإن ترتب عليها أثر شرعي - (3)
مع أن الطلب السابق الصادر من الرجل ليس فيه دلالة على الرضى
بالتزويج بالقرآن، لعدم التفاته إلى ذلك أولا، وعدم علمه بجواز جعل تعليم
السورة مهرا، بل اعتقد أن الصداق لا بد من أن يكون مالا.
ويشهد له ما ورد في بعض الروايات الحاكية هذه الحكاية أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (هل عندك شئ تصدقها إياه؟ قال: ما عندي

(1) في (ق): زوجتك، وما أثبتناه من (ع) و (ص) والمصدر.
(2) روى الكليني هذا الحديث في الكافي (5: 380، الحديث 5)، عن محمد بن مسلم
عن أبي جعفر عليه السلام، من دون ذكر لسهل الساعدي.
(3) انظر فرائد الأصول: 659.
81

إلا إزاري هذا) (1).
وكيف كان، فلولا العموم أشكل التمسك بخصوص الخبر.
(وكذا قيل) بصحة العقد (لو قال) الرجل في مقام القبول:
(أتزوجك، فقالت) المرأة: (زوجتك) (2)، ويدل على هذا القول ما مر
في اشتراط الماضوية من الدليل العام والخاص.
(ولو قيل له: زوجت بنتك من فلان؟ فقال: نعم، كفى في الايجاب (3)
إذا أراد به الانشاء لا الاخبار، وقد يشكل من حيث إن الثابت هو كون
نفس (4) أحد اللفظين أو الألفاظ الثلاثة صالحا لايجاب النكاح، ولم يثبت
صلاحية ما قام مقامهما وإن كان صريحا.
وعلى فرض تسليم الصلاحية فهو غير صريح في الانشاء، بل هو
ظاهر في الاخبار، فيحتاج إلى القرينة.
ولو سلم ظهوره فيه، فلا ريب أنه أضعف ظهورا من المضارع الذي
منع المصنف قدس سره من وقوع الايجاب به.
نعم، يستفاد من بعض الأخبار الواردة في المتعة أنه إذا قالت المرأة:

(1) انظر مستدرك الوسائل 15: 60، الباب 2 من أبواب المهور، الحديث 2، مع
تفاوت.
(2) قاله المحقق الحلي في الشرائع 2: 273.
(3) في (ع) و (ص) زيادة ما يلي (فلو قال الزوج: قبلت، صح العقد)، وعلله
في الشرائع بأن نعم يتضمن إعادة السؤال، والظاهر أن مراده: إذا أراد به الانشاء،
انظر شرائع الاسلام 2: 273.
(4) ليس في (ع) و (ص): نفس.
82

(نعم) عقيب قول الزوج [لها] (1): (أتزوجك متعة بكذا إلى كذا)، فهي
امرأته (2)، ولا شك أن (نعم) من المرأة إيجاب، فدل على جواز الايجاب به.
(ولو قدم القبول صح) العقد، لعموم الوفاء بالعقود، ولما دل على
التقديم في المتعة (3)، مع صلاحية عقده للدوام بالاخلال بالأجل.
مع أنه يمكن أن يقال - بعد ملاحظة أن النزاع في جواز التقديم ليس
فيما كان القبول بلفظ قبلت أو رضيت، للاتفاق على عدم جواز تقديمها،
بل فيما كان بلفظ منشئ للتزوج (4)، كقوله: (تزوجتك)، أو (زوجت نفسي
بك) -: إن عقد النكاح ليس إيجابه مختصا بالمرأة، لأن كلا منهما يزوج نفسه
من صاحبه وينكح صاحبه، فإن لفظ النكاح والتزويج والتزوج (5) يصلح
أن يستعمل كل منهما مستندا إلى كل من الرجل والمرأة، قال الله سبحانه:
(ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) (6)، وقال: (حتى تنكح زوجا غيره) (7).
فإن قلت: إن المرأة تنشئ تسليط الرجل على بضعها في مقابل المهر،
فمقتضى المقابلة أن يصدر من الرجل إما إنشاء القبول للتسليط (8) المذكور

(1) في جميع النسخ: له.
(2) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة.
(4) في (ع) و (ص): للتزويج.
(5) ليس في (ع) و (ص): والتزوج.
(6) النساء: 22.
(7) البقرة: 230.
(8) في (ع) و (ص): للتسلط.
83

بالمهر المزبور، وإما أن ينشئ ابتداء تمليك المهر بإزاء البضع فتقبل الزوجة.
ولما لم يجز العقد بالطريق الثاني اتفاقا تعين الأول، فإنشاؤه للتزوج (1) بها
بأن يقول ابتداء: (تزوجتك) (2) مريدا به إنشاء زوجيته لها لا قبول تزويجها
أمر لا ينطبق على إنشاء المرأة.
قلت: ليس المهر عوضا حقيقيا في النكاح، حتى يقابل إنشاء المرأة
للتسليط على بضعها بإزاء المهر بإنشاء الرجل لقبول ذلك التسليط
كالمشتري، أو بإنشائه ابتداء لتمليك المهر بإزاء البضع، كما في الصلح حيث
يصح فيه الايجاب عن (3) كل من المتصالحين، بل كل منهما صالح لانشاء
زوجيته لصاحبه ابتداء، فيتعقبه صاحبه بالقبول، فهو كالصلح من جهة
صلاحية كل واحد لانشاء نكاح صاحبه وزوجيته له، لا من جهة معاوضة
كل من البضع والصداق بالآخر.
ومما يؤيد ما ذكرنا - من جواز إنشاء النكاح والزوجية من الرجل
وقبوله من المرأة، كما يجوز العكس -: رواية أبان بن تغلب، وفيها: أنه
(إذا قالت المرأة: نعم، بعد قول الرجل: أتزوجك متعة بكذا إلى كذا فقد
رضيت فهي امرأته... الخبر) (4). علق عليه السلام حدوث الزوجية برضاها
بما أنشأه الرجل، وعلى هذا فإذا قال الرجل: تزوجتك، فقالت المرأة:

(1) في (ع) و (ص): المتزوج.
(2) في (ع) و (ص): زوجتك.
(3) كذا في (ق)، وفي (ع) و (ص): من.
(4) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث الأول، وفيه تقديم وتأخير.
84

قبلت، أو رضيت، صح.
لكن المسألة حينئذ (1) تخرج عن تقديم القبول على الايجاب،
ولا يضر، فإن المقصود أنه يصح سبق الرجل بإنشاء النكاح، وإلا فإذا كان
المقصود سبق الرجل بالانشاء على وجه كونه قبولا بأن يقول: (تزوجتك)
قاصدا به (2) قبول التزويج، فلا يعقل الحكم بصحته، إذ لم يسبق تزويج
من المرأة حتى يقبله الرجل.
ولذا صرحوا بأن النزاع فيما إذا لم يكن القبول بلفظ (قبلت)،
ولا ريب في أنه إذا قصد بلفظ (تزوجت) قبول التزويج، فكأنه قال:
(قبلت (3) التزويج) فتعبيرهم عن المسألة بجواز تقديم القبول على الايجاب
مسامحة، أو اصطلاح منهم - حيث اصطلحوا على تسمية إنشاء الرجل قبولا
من جهة أن المرأة تسلط الرجل على بضعها، ويكون الصداق كالعوض له -
[وإلا فالقبول] (4) من حيث هو قبول الايجاب لا يعقل تقدمه عليه.
واشترط أيضا عدم الفصل بين الايجاب والقبول، فضلا عن اعتبار
بقاء المجلس. وعن شرحه (5) للفاضل الهندي: أنه لعل السر فيه أنه
لا بد من بقاء المتعاقدين على الرضى، وعدم (الاعراض) (6) عن إنشائه إلى

(1) ليس في (ع) و (ص): حينئذ.
(2) في (ع) و (ص): منه.
(3) العبارة من قوله: (ولا ريب في)... إلى (قبلت)، ساقطة من (ع) و (ص).
(4) من (ع) و (ص).
(5) الظاهر أن المراد كشف اللثام، انظر كشف اللثام 2: 12 - 13.
(6) من (ع) و (ص)، ومحلها منخرم في (ق).
85

تمام العقد، ومع (1) انقضاء المجلس لا يعلم ذلك وإن ظن، فيصير من قبيل
الكناية (2).
ولا يخفى ما فيه من النظر، نعم لو وقع التراخي بحيث يبطل التخاطب
العقدي أشكل الصحة مع احتمالها.
واشترط أيضا في العقد (3): التنجيز وعدم التعليق بالشرط والصفة،
وقد يمنع من التعليق الصوري، ولكن لا دليل عليه.
(ويكفي الترجمة بغير العربية مع العجز) عنها وعن تعلمها، بناء على
اشتراطها.
ولا يجب التوكيل وإن قدر عليه، وادعى في الحدائق: ظهور الاتفاق
على ذلك (4)، ونقل في الكفاية دعوى ظهور الاتفاق عن بعض (5).
نعم، التوكيل مح القدرة أحوط، كما أن الأحوط مراعاة الاعراب وعدم
اللحن بحسب القواعد العربية، ولذا تداول تكرار الصيغة بأنحاء مختلفة.

(1) في (ع) و (ص): ومع تحقق الفصل أو انقضاء.
(2) هذه الكلمة غير واضحة في (ق)، ويحتمل (الكتابة)، وفي هامش (ق) - في هذه
الصفحة - عبارة طويلة ذهب بعضها، وما يمكن قراءته منها هو: (... إن العقد...
صريحا... مدلوله إلى تمام العقد المجلس... لا يوجد الثالث، بل يصير العقد
بالنسبة إليه كالكتابة).
ومن المحتمل أن يكون المؤلف قدس سره قد أعرض عن هذه العبارة. فإن ناسخي
(ع) و (ص) لم يوردا ذلك.
(3) ليس في (ص): في العقد.
(4) الحدائق 23: 168.
(5) كفاية الأحكام: 155.
86

(و) لو عجز عن النطق أصلا كفت (الإشارة معه) أي مع العجز،
وكأنه مما لا خلاف فيه مع تعذر التوكيل، وأما (1) مع إمكانه فالظاهر أنه
كذلك أيضا، ولعله لما استفيد من تتبع أحكام الشارع من قيام الإشارة مقام
اللفظ في العبادات والمعاملات، وفحوى ما ورد: أن طلاق الأخرس
الإشارة (2).
(ولا) ينعقد الايجاب في النكاح بلفظ (الهبة، والتمليك، والإباحة)
اتفاقا منا، خلافا لبعض العامة فجوزوا ذلك مطلقا (3)، ولآخر منهم
فجوزوه (4) مع ذكر المهر (5).

(1) في (ع) و (ص): أما.
(2) الوسائل 15: 299، الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق وشروطه.
(3) قال أبو حنيفة: ينعقد النكاح بكل لفظ يقتضي التمليك كالبيع والتمليك،
والهبة
والصدقة (انظر المجموع 17: 309).
(4) في (ع) و (ص): فجوزه.
(5) قال مالك: إن ذكر المهر مع الألفاظ التي تقتضي التمليك انعقد بهما النكاح.
(انظر المجموع 17: 309).
87

(الثاني (1): في المتعاقدين)
(ويشترط فيهما) سواء كانا زوجين أو وليين أو وكيلين:
(التكليف) بالبلوغ والعقل (والاختيار والحرية أو إذن المولى).
وعلى هذا (فلا اعتبار بعقد الصبي والمجنون) وإن أجازا بعد البلوغ
والعقل (و) لا بعقد (السكران وإن أفاق) من سكره (وأجاز) لعدم
قصده إلى مدلول العقد حين تلفظه به، فلا ينفعه الإجازة بعد الإفاقة.
نعم، وردت رواية مصححة بجواز تزويج السكري نفسها إذا رضيت
بعد الإفاقة وأقامت مع زوجها (2)، وعمل بها الشيخ (3) والقاضي (4) وبعض
متأخري المتأخرين (5).
وعن المختلف حملها على سكر يتحقق معه القصد وإن لم يعرف فيه
المصلحة والمفسدة فيما يفعله ولذلك وقف (6) على الرضى بعد الإفاقة (7).
ورد بأنه إن تحقق القصد لم يحتج إلى الرضى المتأخر، لأن المفروض

(1) في الإرشاد: الركن الثاني.
(2) الوسائل 14: 221، الباب 14 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد،
الحديث الأول.
(3) النهاية: 468.
(4) المهذب 2: 196.
(5) منهم السيد السند في نهاية المرام 1: 30، والسبزواري في كفاية الأحكام: 155.
(6) في (ع) و (ص): توقف.
(7) المختلف: 538.
88

أنه بالغ عاقل قاصد.
أقول: لا مانع من كونها في (1) حال السكر كالسفيهة في كونها
غير نافذة العقد، لعدم معرفتها حينئذ بما يصلحها ويفسدها، إلا أنها
غير مولى عليها حينئذ بالاجماع، لأنها حالة اتفاقية دون السفاهة التي تبقى
طويلا، ويحتاج لذلك إلى ولي.
وبالجملة، فلا يبعد العمل بالرواية مع صحتها فيما إذا تحقق القصد من
السكران، بل هو أولى من المكره الذي حكموا بصحة بيعه إذا رضي بعد
زوال الاكراه، لكن المسألة مشكلة جدا.
وأما اشتراط الحرية أو إذن المولى، فهو في المعاقد إذا كان زوجا
أو زوجة واضح. وأما في الوكيل، فهو محل نظر، لأن تصرف العبد في نفسه
بمقدار التلفظ بالصيغة ليس مما دل (2) الدليل على كونه ممنوعا عنه (3)،
وعلى فرض المنع فالنهي لا يقتضي الفساد. نعم، يحتمل تعلق أجرة المثل عن
هذا الكلام (4) في ذمة الموكل لو كان لهذا المقدار من المنفعة عوض في العرف
والعادة، فتدبر (5).
(ويكفي عبارة المرأة الرشيدة) في الايجاب لنفسها أو غيرها، وكذا

(1) ليس في (ع) و (ص): في.
(2) في (ص): مما للا يدل.
(3) ليس في (ع) و (ص): عنه.
(4) في (ع) و (ص): التكلم.
(5) ليس في (ع) و (ص): فتدبر.
89

في القبول (1) وكالة عمن يريد تزويجها وعن غيره.
وتقييد المرأة بالرشيدة إنما هو في الايجاب لنفسها من دون إذن الولي،
إلا أن يراد بالرشد: البلوغ والعقل والحرية، لا مقابل (2) السفه، وحينئذ (3)
فيشترط مطلقا.
(و)، يشترط في الايجاب: بقاء الموجب على أهلية الايجاب إلى تمام
القبول من القابل، فعلى هذا (لو أوجب ثم جن أو أغمي عليه قبل القبول،
بطل) الايجاب على المعروف بينهم ظاهرا، وحكى في الحدائق عن بعضهم
دعوى الاجماع عليه (4)، نظرا إلى أن الايجاب قبل القبول بمنزلة العقد الجائز
في جواز نقضه وفي (5) انتقاضه بالجنون والاغماء. ومنه يظهر عدم انتقاضه
بنوم الموجب، كما هو شأن العقود الجائزة حيث لا تبطل بالنوم.
واستدل عليه بعض المعاصرين (6) بأن معنى اشتراط العقد ببلوغ
المتعاقدين وعقلهما: وجود هذه الصفة فيهما في (7) حال العقد، الذي
هو المركب من (8) الايجاب والقبول، لا في حال الايجاب فقط أو القبول فقط.

(1) في (ق): وكذا القول.
(2) في، (ق): لا تقابل.
(3) ليس في (ص): وحينئذ.
(4) الحدائق 23: 177.
(5) ليس في (ع) و (ص): في.
(6) هو صاحب الجواهر قدس سره.
(7) ليس في (ع) و (ص): في.
(8) في (ق): عن.
90

وجعل هذا وجه الاستشكال فيما ذكره في المسالك من عدم بطلان الايجاب
بتخلل نوم الموجب بينه وبين القبول (1)، ونقل عن التذكرة (2) أن الاشكال
في هذه المسألة من حيث جواز إنشاء القبول في حال نوم الموجب، أو يعتبر
تيقظه (3).
وأنت خبير بأن ما دل على اعتبار بلوغ المتعاقدين وعقلهما لا يدل
على أزيد من اعتبارهما في إيجابهما، ولذا يرتبون عليه أن عبارة الصبي
والمجنون مسلوبة، وأنه لا عبرة بعقدهما، فإن معناه أنهما لا يصلحان
لأن يكونا عاقدين.
نعم، لا بد من الاستدامة الحكمية إلى تمام القبول، بمعنى أن لا يظهر
ما ينافيها من الرجوع عن الجزم الذي دل عليه الايجاب.
(وكذا) الحكم في (القبول لو تقدم) على الايجاب، فجن القابل (4)
قبل تمام الايجاب.
(و) اعلم أنه وإن روي (5): أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين (6)،

(1) المسالك 1: 355.
(2) التذكرة 2: 582.
(3) انظر الجواهر 29: 147 - 148.
(4) في (ع) و (ص): فجن القابل أو أغمي عليه.
(5) في (ع) و (ص): وإن كان روي.
(6) الوسائل 14: 459، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 11، وفيه: التزويج
الدائم لا يكون إلا بولي وشاهدين.
91

إلا أنه قد أجمع علماؤنا [على أنه] (1) (لا يشترط الولي في) عقد
(الرشيدة)، على الاطلاق وإن اختلف في اعتباره في بعض أفرادها
كما سيجئ (2).
(و)، كذا المشهور أنه (لا) يشترط (الشاهدان)، خلافا
للمحكي عن العماني (3)، وقد مر ذلك في الآداب (4) وسيأتي تفصيل القول
في الولي إن شاء الله (5)، فالرواية محمولة على الاستحباب.
(ولو أوقعاه سرا وتكاتماه صح)، لوجود المقتضي، وعدم ما يصلح
للمنع.
(ويشترط تعيين الزوجة، فلو زوجه إحدى بنتيه لم يصح) بلا خلاف
ظاهرا، وفي الكفاية: لا أعرف فيه خلافا (6) وعن الكشف: أنه اتفاقي (7).
(ولو زوجه الأب) أبو البنات (بإحداهن، ولم يسمها في العقد،
بل قصد معينة) ثم تنازع هو والزوج (واختلفا في المعقود عليها) بعد
اتفاقهما على صحة العقد المستلزمة لورود الايجاب والقبول على واحدة معينة

(1) من (ع) و (ص).
(2) راجع الصفحة: 112 و 177 وما بعدهما.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 535.
(4) في الصفحة: 32.
(5) في المطلب الثالث، انظر الصفحة: 107.
(6) كفاية الأحكام: 155.
(7) كشف اللثام 2: 13.
92

بالنية المتفقة بينهما (1) - بأن حصل الاختلاف بعد اتفاقهما في النية، لا أن يقصد
كل منهما بإنشائه غير ما قصده الآخر، فإن هذا باطل قطعا - (فالقول قول
الأب إن كان الزوج راهن) ورضي بكل واحدة منهن، وفوض تعيينها إلى
الأب، (وإلا) يكن (2) الزوج راهن (بطل) العقد، ولعله حينئذ لعدم
صحة التفويض حينئذ، بناء على ثبوت الغرر العظيم بهذا التفويض.
لكن الانصاف أن هذا مشكل، وإن وجدته بعد ما تفطنت له محكيا
عن كشف اللثام (3). نعم، ورد النص بهذا التفصيل في رواية أبي عبيدة (4).
وعن المصنف في المختلف إن البطلان مع عدم الرؤية لعدم الرضى
بما يسميه الأب (5). وحاصل هذا أن في صورة الرؤية لما ثبت التفويض
إلى الأب صح، وفي صورة (6) عدمها لما لم يثبت لم يصح، فالرؤية دليل
التفويض، وعدمها دليل عدمه.
وكيف كان، فظاهر النص لا ينطبق على القواعد، والذي تقتضيه
هو أن العاقد إما أن يكون هو الأب وحده، بأن يكون متوليا للايجاب
والقبول، أو يكون هو الأب مع وكيل الزوج، أو مع نفسه.

(1) الكلمة غير واضحة في (ق)، وكأنها: منهما.
(2) في (ع) و (ص): وإلا أي إن لم يكن.
(3) كشف اللثام 2: 13.
(4) الوسائل 14: 222، الباب 15 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد،
الحديث الأول.
(5) المختلف: 539.
(6) في (ع) و (ص): وصورة.
93

فعلى الأول، فالقول قول الأب إن كان وكله الزوج في تزويج
إحداهن من غير تعيينه لها (1)، وإن عين واختلف في المعينة، فالقول قول
الزوج، لأصالة عدم توكيله فيما يدعيه.
وعلى الثاني، فقول الوكيل حجة على الزوج دون الأب.
وعلى الثالث، فإن اختلف في المسمى (2) في العقد من البنات رجع
إلى التحالف. لأن كلا منهما مدع ومنكر.
وإن اتفقا على عدم التسمية، ووقع القبول من الزوج على ما قصده
الأب، فوقع الاختلاف في قصده، فالقول قوله، لأنه أعرف بفعله.
وإن اختلفا في قصدهما حين العقد [عليها]، بأن ادعى [الأب
الكبرى] والزوج [الصغرى]... ئين (3).
ولو زوجه الأب واحدة قصدها بضميره، فقبل الزوج ما قصده الأب
بضميره، وقلنا بصحة هذا الايجاب والقبول - كما عن التذكرة (4) - ثم ادعى
الأب، لأنه قصد الكبرى، وادعى الزوج أنك قصدت الصغرى، فالقول قول
الأب، لأنه يخبر عن قصده. نعم، لو قال الزوج - حينئذ - إني قصدت
الصغرى، فالظاهر بطلان العقد، والفروع هنا كثيرة جدا.
(ولو ادعى أحد الزوجين الزوجية، وصدقه الآخر) نفذ دعوى الأول

(1) ليس في (ع) و (ص): لها.
(2) في (ع): المسماة.
(3) ما بين المعقوفات من (ع) و (ص)، ومحل العبارة والنقاط منخرم في (ق)،
ولا يخفى عدم تمامية العبارة.
(4) تذكرة الفقهاء 2: 584.
94

وتصديق الثاني (وحكم به) أي بما ادعى وأقر به (وتوارثا) لعموم:
(إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (1).
(وإلا) يكن الآخر مصدقا له (افتقر المدعي إلى البينة) فإن أقامها
عند الحاكم أو حلف اليمين المردودة بعد امتناع المنكر ونكوله، فعلى الحاكم
أن (يحكم عليه بتوابع الزوجية، كلا، وإن حلف المنكر فلا سبيل للمدعي
عليه.
وعلى جميع التقادير يجب على كل منهما فيما بينه وبين الله العمل
بما يعتقده باطنا وإن كان مخالفا لما حكم به الحاكم (2) ظاهرا، لأن حكم
الحاكم لا يغير الشئ عما هو عليه في نفس الأمر، خلافا لأبي حنيفة (3).
(ولو) عقد رجل على امرأة خالية عن زوج، ثم (ادعى) رجل
(آخر زوجية المرأة المعقود عليها، لم يلتفت) إلى دعواه (إلا بالبينة)،
فإن أقام البينة حكم له بمقتضاها، وإن لم يقمها فلا يمين له على المرأة،
لأن اليمين إنما يتوجه فيما (4) يسمع منه إقرار المنكر، وهنا لا يسمع إقرار
المرأة، لأنه إقرار في حق الغير، وهو الرجل العاقد.
وقد يمنع من كونه إقرارا في حق الغير، إذ ثمرة الاقرار لا تنحصر
في أخذ المقرة من العاقد ودفعها إلى الأجنبي، حتى يقال: إن إقرارها إقرار

(1) الوسائل 16: 111، الباب 3 من أبواب كتاب الاقرار، الحديث 2.
(2) (الحاكم): لم ترد في (ع) و (ص).
(3) المجموع 23: 230.
(4) في (ق): فيما لا يسمع.
95

في حق الغير، بل فائدة إقرارها تغريمها مهر المثل للمدعي (1)، حيث إنها
فوتت بضعها على المدعي، كما إذا باع دارا من عمرو ثم أقر بأنها كانت
لزيد.
ومن هنا قال غير واحد: إن مبنى المسألة على أن البضع هل يضمن
بالتفويت أم لا (2)؟
وعلى كل حال، فلا إشكال أنه إذا أقرت بزوجية المدعي، ثم مات
العاقد أو طلقها، حكم بها للمدعي لأنه تحقق حينئذ دعوى الزوجية من
الرجل وتصديقه من المرأة، وانحصار الحق فيهما.
وقد عرفت في المسألة الأولى أنه بحكم حينئذ بالزوجية،
وأنه لو صدق العاقد المدعي دفعت إليه أيضا.
وربما يكون ثبوت مثل هذه الفائدة عند الاقرار كافيا في توجه اليمين
عليها عند الانكار، مضافا إلى عموم: (اليمين على من أنكر) (3).
ودعوى اشتراط أن يكون المنكر بحيث إذا أقر ترتب على إقراره ثمرة
فعلية للمدعي، يدفعه الاطلاق، لكن الظاهر أن مجرد ترتب الثمرة على إقرار
الشخص في زمان من الأزمان (4) بفرض من الفروض، لا يوجب توجه اليمين
عليه مع الانكار، بل لعل هذا إجماع.

(1) ليس في (ع) و (ص): للمدعي.
(2) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 356، والسيد السند في نهاية المرام 1: 36.
(3) الوسائل 18: 170، الباب 3 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى،
عوالي اللآلي 1: 244، الحديث 172.
(4) في (ع) و (ص): للأزمنة.
96

وأما حديث: (اليمين على المنكر) فهو إنما يمكن الاستدلال به بعد
القول بضمان البضع بالتفويت، وإلا فلا يترتب على نكول المنكر عن اليمين
فائدة، ولا فرق حينئذ بين إقراره وإنكاره حتى يقال: إن وظيفته اليمين
فيلزم بها.
واعلم أنه قد يستدل للقول بعدم توجه اليمين على المرأة بما رواه
الشيخ في التهذيب عن يونس [قال: (سألته عن رجل] (1) تزوج امرأة في
بلد من البلدان، فسألها ألك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها، ثم إن رجلا أتاه
فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ فقال عليه السلام:
هي امرأته إلا أن يقيم البينة) (2).
ونحوها رواية أخرى، اعترف المستدل بأنها دون المذكورة في
الظهور (3).
ولا يخفى أن الخبر المذكور - مع قطع النظر عن سنده وإضماره -
لا دلالة له على المطلوب، لأن السؤال فيه عن تكليف الزوج،
وأنه ما يلزمه، كما هو صريح قوله: (ما يلزم الزوج) ولا ريب أن الجواب
حينئذ هو أن المرأة زوجته إلا أن يقيم البينة. وليس في السؤال تعرض لذكر
ما يلزم على الزوجة، أو لاستفسار كيفية قطع النزاع بينهما، حتى يقال:

(1) من (ع) و (ص)، ومحلها منخرم في (ق).
(2) التهذيب 7: 468 الحديث 1874، وعنه في الوسائل 14: 226، الباب 23
من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.
(3) التهذيب 7: 461، الحديث 1845، الوسائل 14: 226، الباب 23 من أبواب
عقد النكاح، الحديث 2، ولم نقف على المعترف.
97

إن عدم حكمه بلزوم اليمين على الزوجة دليل على عدم وجوبها عليها.
ثم قد عرفت - في المسألة الثانية - أن الزوجة المنكرة الخالية عن (1)
الزوج تلزم باليمين، لعموم: (اليمين على من أنكر).
وهل لها التزويج قبل انتهاء الدعوى بيمينها أو بردها على الرجل،
أو ليس لها التزويج؟ وجهان، قيل: هما مبنيان على المسألة الثالثة (2)، وأنه
هل يلزم المنكرة (3) باليمين مع الانكار، أو يسقط دعوى المدعي بمجرد العجز
عن البينة؟
فإن قلنا بالأول، فيجوز تزويجها، لأن وظيفتها لا تتفاوت بالتزويج،
ودعوى الرجل أيضا لا يسقط بعد تزوجها.
وإن قلنا بالثاني، فلا يجوز تزوجها، لأن تزوجها حينئذ مسقط
لدعوى المدعي باختيار منها، فلا يجوز، لأن الدعوى المتوجهة لا ترتفع
إلا بإسقاط المدعي، أو قيام الحجة عليه بيمين المنكر.
ويمكن النظر في هذا الابتناء:
وأما في جواز التزويج بناء على الأول، فلأن دعوى المدعي متعلقة
ببضع المرأة، ولا ريب في حرمانه عنه بعد العقد، إذ غاية ما يحصل من
نكول المرأة وحلفه اليمين المردودة هو وصول مهر المثل إليه، لا نفس البضع.
وأما في عدم جوازه على الثاني، فلأن دعوى المدعي الغير الثابتة
لا يمنع من تصرف المدعى عليه فيما يملكها بمقتضى الأصل والظاهر.

(1) في (ص) و (ع): من.
(2) قاله الشهيد الثاني في المسالك 1: 357.
(3) في (ع) و (ص) 1: المنكر.
98

لكن الانصاف، صحة الابتناء المذكور، لأنه إذا قلنا بسماع دعوى
الرجل بعد العقد، فلا مانع لما من التزويج إلا تفويت المدعى على المدعي
على فرض ثبوت دعواه، ولا مانع منه إذا لم يثبت بعد استحقاقه له (1) حتى
يمنع من تفويته عليه، ومجرد احتمال ثبوت استحقاقه لا يوجب منع المالك
عن التصرف فيما يملكه، ولهذا (2) يجوز بيع الدار المتنازع فيها قبل انتهاء
النزاع.
نعم، الممنوع منه تفويت أصل الدعوى على المدعي لما استفيد من
الأدلة الشرعية أن الدعاوي إنما تنقطع ببينة عادلة أو يمين قاطعة (3)،
ولهذا إذا قلنا بعدم سماع الدعوى بعد العقد لا يجوز التزويج.
وبالجملة، حيث جاز للمدعى عليه تفويت المدعى على المدعي
ولم يجز له تفويت أصل الدعوى عليه، توجه الحكم بجواز التزويج مع سماع
الدعوى بعده، والحكم بعدمه مع عدمه، فتدبر.
(ولو أقام) رجل (بينة بزوجية امرأة) منكرة لها (وأقامت
أختها)، المدعية على الرجل بأنها زوجته (بينة بأنها الزوجة، قدمت بينة
الزوج ما لم يدخل بالأخرى) المدعية (أو يتقدم تأريخ عقدها) بشهادة البينة
على المشهور.

(1) ليس في (ع) و (ص): له.
(2) في (ع) و (ص) ولذا.
(3) الوسائل 18: 168، الباب الأول من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى،
الحديث 6.
99

وفي الكفاية: إن بعضهم نقل الاجماع عليه (1).
وفي المسالك: إنه المشهور، بل لا يظهر فيه خلاف (2).
ومستنده رواية (3) رموها بالضعف وتلقوها بالقبول (4).
وفي المسالك: إنها مخالفة للقواعد، من حيت ترجيح بينة الرجل على
بينة الأخت مع إطلاق البينتين أو تساوي تأريخهما، لأنه منكر، ويقدم قوله
مع عدم البينة، ومن كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه (5).
وفيه نظر، لأن تقديم بينة الرجل ليس في مقام إنكاره لدعوى
الأخت، بل في مقام ادعائه لزوجية المرأة المنكرة، فليس هنا دعوى واحدة
تعارض فيها بينتا المنكر والمدعي، وحكم الشارع فيها بتقديم بينة المنكر،
بل هنا دعويان متنافيان، ومدعيان ومنكران، والشارع إنما حكم بسماع
دعوى الرجل دون دعوى الأخت، فن أجل ذلك لا يسمع بينتها ولا يتوجه
لها يمين على الرجل، كما يظهر من الرواية، حيث حكم فيها بعدم تصديق
الأخت، وعدم سماع بينتها من غير تعرض لثبوت اليمين لها، بل ظاهر عدم
التصديق عدم التفات إلى دعواها.
فالترجيح بين الدعويين - وهو أمر تعبدي - لا بين البينتين في دعوى
واحدة - وهي دعوى الأخت على الرجل وإنكار الرجل - حتى يقال:

(1) كفاية الأحكام: 155.
(2) المسالك 1: 356.
(3) الوسائل 14: 225، الباب 22 من أبواب عقد النكاح، الحديث الأول.
(4) أنظر المسالك 1: 356، الحدائق 23: 194، الجواهر 29: 161.
(5) المسالك 1: 356.
100

إن سماع بينة المنكر وتقديمها على بينة المدعي خلاف القواعد.
مع إمكان تطبيقه عليها بما قيل في وجه ترجيح بينته على بينتها
من أنها تنكر ما هو فعله الذي هو أعلم به من غيره، إذ لعله عقد
على المرأة قبل العقد على الأخت وهي لا تعلم (1)، وكان مرجع ذلك
إلى أن اعتماد كل من البينتين فيما تشهدان به إنما هو على ظاهر العقد،
حيث لم يعلموا بفسادها من جهة سبق العقد على الأخرى (2)، فالبينتان
من هذه الجهة متساويتان.
وأما اعتماد غير الرجل والأخت، فيتفاوتان في أن اعتماد الأخت غالبا
- كاعتماد البينتين - على ظاهر العقد مع عدم العلم بالفساد، لاحتمال سبق
العقد على أختها، واعتماد الرجل في دعواه على العلم بصحة ما يدعيه في
الواقع وفساد ما تدعيه الأخت، لأن مناط صحة ما تدعيه الأخت من
زوجية نفسها، وتنكره من زوجية أختها، إنما يعرف من قبل الرجل، فهو
أعرف به، ولهذا يمكن المجمع بين ما يدعيه الرجل وبينته، وبين ما تدعيه
الأخت وبينتها، حيث إن المفروض أن مستند الأخت وبينتها هو وقوع العقد
بأن يكون الرجل قد عقد على الأولى قبل العقد على الأخت، لكن لما رأت
الأخت وبينتها العقد حكموا بالزوجية، لعدم العلم بالفساد، وكذا بينة الرجل،
ولما علم الرجل بفساد عقد الأخت أنكر زوجيتها وادعى زوجية أختها.

(1) حكاه في الجواهر 29: 161.
(2) كذا في (ق)، والعبارة في (ع) و (ص) كما يلي: وكان مرجع هذه الشهادة إلى
أن اعتماد كل من البينتين فيما تشهدان به إنما هو على ظاهر العقد مع عدم العلم
حيث لم يعلموا بفسادها من جهة سبق عقد إحداهما على الأخرى.
101

ومن هنا يظهر وجه ما ورد من تعليل عدم قبول بينة الأخت بأنها
تريد فساد [عقد] (1) أختها (2)، حيث إنه لا وجه لدعوى الأخت زوجية
الرجل المدعي لزوجية أختها إلا العناد وإرادة الفساد، لأنها إما أن تعتقد
في نفسها أن الرجل عقد عليها أو لا تعتقد، سواء اعتقدت العدم أو ترددت.
وعلى الثاني والثالث، فالدعوى كاذبة كاشفة عن العناد، وعلى الأول
فهي لا تعلم صحة العقد الواقع عليها إلا بمجرد عدم الاطلاع على فساده،
ومع إنكار الرجل لزوجيتها يمكنها الجمع بين معتقدها وبين إنكار الرجل
بالحمل على سبق نكاح أختها، فلا وجه غالبا لتكذيب الرجل مع عدم
علمها بكذبه (3) إلا إرادة الفساد.
نعم، لو كان بينة الأخت مؤرخة لعقدها بزمان أسبق من زمان العقد
على أختها، توجه الحكم بتقديم بينتها.
وكذا لو ثبت دخول الرجل، فإن الدخول قرينة ظاهرة على كذب
الرجل مكذبة لبينته، كذا قيل (4).
وفيه نظر، لأن الدخول أعم من الزوجية ولو حملناه على الصحيح،
إلا أنه لا مانع من جعله مرجحا لبينة الأخت بحكم الخبر.
ثم إن ظاهر الخبر عدم توجه الحلف لها على الرجل، ولعله لكفاية
البينة - المسموعة المثبتة لملزوم الانكار - عنه، كما أنه إذا سمع بينة المنكر

(1) ليس في (ق) و (ع): عقد.
(2) الوسائل 14: 225، الباب 22 من أبواب عقد النكاح، الحديث الأول.
(3) في (ع) و (ص): بكذبها.
(4) انظر المسالك 1: 356.
102

في موضع يكتفى به عن يمينه.
(ولو أذن المولى) لعبده (في ابتياع زوجته) للمولى، فالعقد باق،
لأن زوجة العبد إنما انتقلت من البائع إلى المولى ولم تدخل في ملك العبد.
وإن أذن (له) في ابتياعه لنفسه (1) (فالعقد باق) أيضا (إن قلنا
بأن العبد لا) يصلح لأن (يملك)، شيئا ولو (بالتمليك)، لأن إذن المولى له
في ابتياعه لنفسه (2) يصير لغوا، بل الشراء حينئذ باطل، على ما قواه
في المسالك (3)، وحكى فيه عن النكت: وقوع الشراء للمولى، لأن الإذن
في الشراء للعبد يتضمن أمرين مطلق الشراء وكونه للعبد، فإذا لغا الإذن
بالنسبة إلى القيد بقي بالنسبة إلى المطلق (4).
وضعفه فيه: بأن الإذن تعلق (5) بأمر واحد، وهو المقيد، وقد ارتفع،
ولا يبقى المطلق بعد ارتفاعه. ثم قال: فعدم صحة العقد أصلا قوي (6). وتبعه
عليه بعض من تأخر عنه (7).
وقال بعض معاصرينا بالفرق بين ما لو أذن له أن يشتريها لنفسه على
جهة الملكية، وبين ما لو أذن له أن يشتريها لنفسه، بمعنى أن يختص بها

(1) في (ع) و (ص): لنفسه أو ملكه إياه بعد الايقاع، فالعقد.
(2) في (ع) و (ص) زيادة: أو تمليكه.
(3) المسالك 1: 178.
(4) غاية المراد ونكت الإرشاد: 172.
(5) في (ع) و (ص): الإذن في الشراء للعبد تعلق.
(6) المسالك 1: 357.
(7) كالمحدث البحراني في الحدائق 23: 201.
103

وينتفع، بأن يرجع ذلك إلى شرائها للمولى لكن ينتفع العبد، وبين ما لو أذن له
أن يشتريها وينتفع بها من غير أن يلاحظ المولى إيقاع الإذن على شرائها
لنفسه على جهة الملك للمولى، وقوى في الأخير الصحة، ونفى الاشكال
عن صحة الثاني وفساد الأول (1).
ووجه الصحة في الأخير بأن الإذن في الشراء ينصرف إلى ما هو
الصحيح من غير حاجة إلى قصده، لكن هذا كله مع شراء العبد لها كذلك،
أي من غير ملاحظة كونها له أو للمولى (2).
(وإلا) نمنع من ملكية العبد - ولو بالتمليك - ملك العبد زوجته
و (بطل) النكاح بينهما، كما يبطل نكاح الحر للأمة إذا اشتراها الزوج،
لأن الزوجية لا تجتمع مع الملك، للتفصيل بينهما في الآية: (إلا على أزواجهم
أو ما ملكت أيمانهم) (3)، وفي الأخبار الدالة على أن النكاح على (4) ثلاثة
وجوه: (نكاح بميراث، ونكاح بلا ميراث، ونكاح بملك يمين) (5)، والتفصيل
قاطع للشركة.
ثم هل يستبيحها العبد المالك لها، إما لأجل الملك أو لأجل رضى المولى

(1) كصاحب الجواهر في الجواهر 29: 169.
(2) كذا في (ق)، والعبارة في (ع) و (ص): كما يلي: (أو للمولى، وإلا فيتبعه حكم
الملحوظ. وأما بطلان العقد في الثاني ما لا يمنع من ملكية العبد ولو بالتمليك،
فمتى ملك العبد زوجته بطل النكاح بينهما).
(3) المؤمنون 6، المعارج: 30.
(4) ليس في (ع) و (ص): على.
(5) الوسائل 14: 57 - 58، الباب 35 من أبواب مقدمات النكاح.
104

بوطئها المستفاد من إذنه له في شرائها لنفسه، أو لا؟ وجوه، يضعف الأول:
أن العبد وإن ملك الجارية لكنه محجور عن التصرف فيما يملكه.
والثاني: أن الإذن في الشراء لنفسه لا يدل على الإذن في الوطء
أصلا مع أن إذنه في التصرف قبل الشراء لا يثمر لأنه إذن في التصرف
فيما لا يملك الإذن التصرف فيه، فهو في معنى التوكيل فيما لا يملكه الموكل.
ورد بأنه يسوغ الإذن فيما لا يملكه الإذن، إذا أذن أولا فيما يستتبعه،
كما يجوز هذا في الوكيل بأن يقول: اشتر لي جارية ثم أعتقها عني، فكذا
فيما نحن فيه يقول: اشتر الجارية وأنت في حل من وطئها، وهو حسن.
ثم إن هذا الذي ذكر من التفصيل إنما هو فيما لو كان العبد المأذون
لم يتحرر منه شئ
(و)، أما (1) (لو تحرر بعضه فاشتراها بطل العقد) لأن
الشراء إن كان بمال ينفرد به العبد، فقد ملكها، وإن كان بمال مشترك بينه
وبين السيد، فقد ملك بعضها، وعلى التقديرين يبطل العقد. نعم، يجوز له
وطؤها بالملك على التقدير الأول، ولا يجوز على الثاني.

(1) في، (ق) و (ع): أما.
105

المطلب الثالث
في الأولياء
وفيه فصلان:
الأول: في أسباب الولاية
وهي أربعة:
(الأول: الأبوة)
(وفي معناها الجدودة) على المشهور المعروف عمن عدا العماني (1).
(وتفيد ولاية الاجبار على الولدين) وما الذكر والأنثى (الصغيرين
أو المجنونين سواء) في الأنثى (البكر والثيب) بوطء أو غيره.
وإطلاق المجنونين يشمل ما إذا كان جنونهما متصلا بالصغر، أو طارئا
بعد البلوغ عاقلا.
ولا إشكال في الأول، وحكي عدم الخلاف فيه (2) للاستصحاب
وعموم رواية زرارة: (إذا كانت المرأة مالكة لأمرها، تبيع وتشتري

(1) نقله عنه العلامة في المختلف: 535.
(2) نهاية المرام 1: 69.
107

وتعتق [وتشهد] (1) وتعطي [من) (2) مالها من شاءت، فإن أمرها جائز،
تزوجت متى شاءت بغير ولي. وإن لم تكن كذلك، لم يجز تزويجها إلا بأمر
وليها... الخبر) (3).
ولا ريب أن المتبادر من (وليها) أبوها أو جدها، إذ لا ولاية للغير
(4) مع وجودهما اتفاقا، إلا أن يقال: إن الحاكم هو الولي في المجنون
المتوحد (5) عن الصغر، ولا ريب أن إرادته من الرواية في غاية البعد. ومن هنا
يصح الاستدلال بالرواية على ولاية الأب والجد على المجنونين وإن لم يتصل
جنونهما بصغرهما، إذ لا دليل على ولاية المحاكم عموما ولا خصوصا بحيث
تطمئن منه النفس.
(ولا خيار لهما بعد بلوغهما ورشدهما)، أما عدم الخيار للصغيرة
فالظاهر أنه موضع وفاق كما في الحدائق (6)، وفي المسالك: أنه لا يظهر فيه
مخالف (7).
ويدل عليه الأخبار الكثيرة كصحيحة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام،
وفيها: (قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال: يجوز

(1) من (ع) و (ص) والمصدر.
(2) من (ع) و (ص) والمصدر.
(3) الوسائل 14: 215، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 6.
(4) العبارة من كلمة (عليها) إلى كلمة (النفس) غير واضحة في (ق).
(5) كذا في النسخ.
(6) الحدائق 23: 204.
(7) المسالك 1: 358.
108

عليها تزويج الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية (1).
ونحوها صحيحة ابن بزيع عن أبي الحسن عليه السلام (2)، وصحيحة
عبد الله بن الصلت عن أبي الحسن عليه السلام (3)، وصحيحة علي بن يقطين
عنه عليه السلام (4).
نعم، في صحيحة محمد بن مسلم، قال: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن
الصبي يزوج الصبية، قال: إن كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز،
ولكن لهما الخيار إذا أدركا، فإن رضيا بعد ذلك فإن المهر على الأب...
الخبر) (5).
وهذه الرواية وإن صحت، لكنها لعدم ظهور القائل بها ومعارضتها
بأكثر منها، لا بد من إطراحها (6) أو حملها على ما ذكره الشيخ من أن
الصبي مختار في الطلاق أو الفسخ بأسباب (7)، والصبية مخيرة في طالبة الطلاق

(1) الكافي 5: 401، الحديث 4. وعنه الوسائل 17: 527 الباب 11، من أبواب
ميراث الأزواج، الحديث الأول.
(2) الوسائل 14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث الأول.
(3) الكافي 5: 394، الحديث 6، التهذيب 7: 381، الحديث 1540، وعنه الوسائل
14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3، وفيه سألت أبا عبد
الله عليه السلام.
(4) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 7.
(5) نفس المصدر، الحديث 8.
(6) في (ع) و (ص): طرحها.
(7) الكلمة غير مقروءة في (ق).
109

أو الفسخ مع وجود أسبابه (1)، ولا يخفى بعده، لكن (2) أولى من الاطراح (3).
وأما عدم الخيار للصغير إذا أدرك، فقد نسب إلى المشهور، ويدل
عليه صحيحة الحذاء المتقدمة (4) (و)، ما دل من الأخبار على أنهما إذا
زوجهما الأبوان وماتا (يتوارثان) كصحيحة محمد بن مسلم (5) ونحوها (6)
فإن وقوف العقد على الإجازة بعد البلوغ ينافي التوارث إذا ماتا قبله.
اللهم إلا أن يقال: إن العقد الواقع ليس موقوفا كالفضولي الصادر عن
غير الأب، بل العقد صحيح منجزا، وإنما يتخير الصبي بعد الادراك بين
فسخه وإبقائه، فلا ينافي ذلك للتوارث.
ورد بأن ذلك مخالف لما يظهر من الأخبار (7) من أن معنى الخيار بعد
الادراك هو أنه (8) لا يترتب على العقد أثر قبل الادراك، كما يستفاد من
صحيحة الحذاء التي نقلنا عجزها.
ويدل على خلاف المشهور ما رواه في التهذيب عن يزيد الكناسي
عن أبي جعفر عليه السلام، وفيها: (إن الغلام إذا زوجه أبوه ولم يدرك كان له

(1) التهذيب 7: 382، ذيل الحديث 1543، والوسائل 14: 208، الباب 6 من
أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 8.
(2) في (ع) و (ص): لكنه.
(3) في (ع) و (ص): الطرح.
(4) تقدمت في الصفحة: 108.
(5) الوسائل 14: 220، الباب 12 من أبواب عقد النكاح، الحديث الأول.
(6) مستدرك الوسائل 14: 317، الباب 5 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.
(7) ليس في (ع) و (ص): من الأخبار.
(8) في (ع) و (ص): أن.
110

الخيار إذا أدرك وبلغ خمس عشرة سنة، أو يشعر في وجهه، أو ينبت في
عانته قبل ذلك (1).
ورواية أبان (2) [و] (3) موثقة الفضل بن عبد الملك، قال: (إذا زوج
الرجل ابنه فذاك إلى ابنه، وإذا زوج الابنة جاز) (4).
والأقوى ما عليه المشهور لأن المراد بثبوت الخيار للصبي بعد
الادراك إن كان هو الخيار في إجازة العقد ورده بحيث يكون العقد قبلها
فضوليا موقوفا، فيرده - مضافا إلى صحيحة الحذاء - أخبار التوارث (5)،
ولا يعارضها الخبران.
وإن كان هو الخيار بين فسخ العقد وإبقائه، كالخيار في سائر العقود
- ويؤيده ما في الرياض من أنه قيل: بأن القول بثبوت التوارث لا ينافي
الخيار (6)، وأنه قال بالتوارث كل من قال بالخيار للصبي، حيث إن ظاهر
ذلك أنه يراد بالخيار خيار الفسخ لا خيار الإجازة - فيكون كالعقد الجائز
لا الفضولي.
فحينئذ لو سلم عدم مخالفته لما يظهر من الأخبار، من أن المراد

(1) التهذيب 7: 382، ذيل الحديث 1544، وعنه في الوسائل 14: 209، الباب 6
من أبواب عقد النكاح، الحديث 9.
(2) الوسائل 14: 221، الباب 13 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.
(3) من (ع) و (ص).
(4) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.
(5) تقدم بعضها في الصفحة السابقة، انظر الهامش 2 و 3 هناك.
(6) رياض المسائل 2: 78.
111

بالخيار بعد الادراك هو أن قبله لا يترتب على العقد أثر، رجع الأمر إلى
معارضة صحيحة الحذاء مع الخبرين، فيرجع فيهما - مع قطع النظر عن
الترجيح بالشهرة ونحوها - إلى أصالة اللزوم، وعدم ثبوت الخيار، وعدم
انفساخ العقد بفسخه.
ثم لو تنزلنا ورفعنا اليد عن أخبار التوارث، قلنا: إن الرواية الأولى
- وهي رواية يزيد (1) - ضعيفة مشتملة على ما ربما (2) خالف الاجماع، فكيف
تقوى على معارضة صحيحة الحذاء (3)؟!
وأما الروايتان (4) فهما أيضا - مع عدم المقاومة سندا - يشملان البالغ
وغير البالغ (5)، فلا بد من تخصيصهما بالبالغ بحكم الصحيحة التي هي أخص
منهما.
(ولا تثبت ولايتهما على البالغة الرشيدة) إن كانت ثيبا اتفاقا فتوى
ونصا
(و) كذا (إن كانت بكرا) وإن زوجت ووطئت دبرا، أو ذهبت
بكارتها بغير الجماع (على رأي) مشهور، بل في النكت عن السيد دعوى
الاجماع (6)؟ لأصالة صحة العقد الواقع بينهما على نفسها، ولعموم ما دل على

(1) التهذيب 7: 382، ذيل الحديث 1544، وتقدمت في الصفحة: 110.
(2) ليس في (ع) و (ص): ربما.
(3) التي تقدمت في الصفحة: 108.
(4) وهما روايتا أبان والفضل بن عبد الملك، المتقدمتان في الصفحة السابقة.
(5) ليس في (ع) و (ص): وغير البالغ.
(6) غاية المراد: 173، الإنتصار: 122، جوابات المسائل الموصلية الثالثة (رسائل
الشريف المرتضى) 1: 235.
112

وجوب الوفاء بالعقود (1)، وإطلاق قوله تعالى، (وأحل لكم ما وراء
ذلكم) (2) بالنسبة إلى صورتي إذن الولي وعدمه، وقوله تعالى - في حكم
المعتدات بالوفاة -: (فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن
في أنفسهن بالمعروف) (3) ويشمل بعمومه لغير المدخولة والموطوءة دبرا،
وقوله تعالى: (فلا جناح عليهما أن يتراجعا) (4) والمراد بالتراجع: المراجعة
بالعقد ويشمل أيضا الباكرة الموطوءة دبرا، ويتم المطلوب في غيرها
بالاجماع المركب.
وبهذا يظهر أن التمسك لعدم الجواز هنا بأصالة بقاء الولاية للولي
وفساد العقد مع عدم رضاه - لثبوتهما قبل بلوغ المرأة - ليس في موقعه،
لا لتغير الموضوع وهو الصغر كما قيل (5)، [بل] (6) لأن الأصل لا يعارض
العموم والاطلاق المذكورين، السليمين مما يصلح للتخصيص والتقييد،
عدا ما يتراءى من الأخبار الدالة على أنه (لا تتزوج ذوات الآباء من
الأبكار إلا بإذن آبائهن)، كما في الصحيح (7).
وعلى أن الجارية ليس لها مع أبيها أمر، كما في صحيحة عبد الله

(1) المائدة: 1.
(2) النساء: 24.
(3) البقرة: 234.
(4) البقرة: 230.
(5) انظر الجواهر 29: 175.
(6) من (ع) و (ص).
(7) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 6.
113

ابن الصلت عن أبي الحسن عليه السلام، قال: (سألته عن الجارية (1) إذا بلغت
مبلغ النساء، ألها مع أبيها أمر؟ قال: لا) (2)، ونحوها حسنة الحلبي
بابن هاشم (3)، وموثقة إبراهيم بن ميمون بابن فضال (4)، وصحيحة محمد
ابن مسلم، وزاد فيها أنه (يستأمرها كل أحد ما عدا الأب) (5)، ونحوها
موثقة الفضل بن عبد الملك (6) والمروي عن البحار عن كتاب الحسين
ابن سعيد عن ابن أبي يعفور عن الصادق عليه السلام (7)، ورواية عبيد
ابن زرارة (8)، والمروي في الحدائق عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه (9).
وعلى أنه لا ينقض النكاح إلا الأب، كما في صحيحة زرارة (10)

(1) في المصادر: البكر.
(2) الكافي 5: 394، الحديث 6، التهذيب 7: 381، الحديث 1540، والوسائل
14: 207 - 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3. وفيه: سألت
أبا عبد الله عليه السلام.
(3) الوسائل 14: 203، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 11.
(4) الوسائل 14: 214، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.
(5) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.
(6) الوسائل 14: 202، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 6.
(7) البحار 103: 330، الحديث 5.
(8) الوسائل 14: 204، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 13.
(9) الحدائق 23: 213، الوسائل 14: 215، الباب 9 من أبواب عقد النكاح،
الحديث 8.
(10) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، الحديث الأول.
114

ورواية محمد بن مسلم (1).
وعلى أن الباكرة لا تملك أمرها في النكاح، كمفهوم صحيحة الحلبي
عن الصادق عليه السلام: (هي أملك بنفسها، تولي أمرها من شاءت إذا كان
كفوا بعد أن تكون قد نكحت رجلا قبله) (2) ونحوه مفهوم صحيحة عبد الله
ابن سنان (3)، ورواية ابن مسكان عن الحسن بن زياد (4)، وموثقة
عبد الرحمن (5) لولا القاسم بن عروة، ومرسلة ابن بكير (6).
وعلى أن تزويج الأب على ابنته (7) جائز كما في موثقة عبيد بن
زرارة (8)، وهي عامة للبالغة والصغيرة ونحوها، بل أظهر منها في البالغة
ما دل على أنه (إذا زوج الرجل ابنه فذاك إلى ابنه، وإذا زوج ابنته جاز)
كما في رواية أبان (9) وموثقة الفضل بن عبد الملك بأبان (10)، فإن حمل الابن
على البالغ بقرينة ما مر سابقا من أنه لا خيار للابن الصغير بعد البلوغ إذا
زوجه أبوه في صغره، قرينة على أن المراد بالابنة البالغة أيضا، لئلا يلزم

(1) الوسائل 14: 205، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، الحديث 5.
(2) الوسائل 14: 202، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.
(3) الوسائل 14: 212، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.
(4) الوسائل 14: 202، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.
(5) الوسائل 14: 204، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 12.
(6) نفس المصدر، الحديث 14.
(7) في (ع) و (ص): بنته.
(8) الوسائل 14: 204، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 13.
(9) الوسائل 14: 221، الباب 13 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.
(10) الوسائل 14: 208، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.
115

التفكيك، وحيث ثبت استقلال الثيبة في أمرها تعين إرادة الباكرة.
وعلى أنه لا يجوز تزويج الباكرة بغير علم أبيها، كما في رواية سعد بن
إسماعيل عن أبيه عن الرضا عليه السلام، المروية في التهذيب (1).
وعلى أن الجارية البكر (2) التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها،
كما في رواية أبي مريم المروية في الكافي عن الصادق عليه السلام، قال: (الجارية
البكر التي لها أب لا تتزوج إلا بإذن أبيها، وقال: إذا كانت مالكة لأمرها
تزوجت متى شاءت) (3).
وعلى أنه (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها (4) فنكاحها فاسد)، كما في
النبوي (5).
وعلى أن التمتع بالبكر لا يجوز بدون إذن الأب (6)، وبضميمة عدم
معروفية القائل بالمنع في المتعة والجواز في الدوام يثبت المطلوب.
فهذه ثلاث وعشرون رواية تدل على استمرار الآية الأب على
البالغة الباكرة، لكنها - مع صحة سند كثير منها كوضوح دلالة أكثرها -

(1) التهذيب 7: 385، الحديث 1548، وعنه الوسائل 14: 204، الباب 3 من
أبواب عقد النكاح، الحديث 15.
(2) ليس في (ع) و (ص): البكر.
(3) الكافي 5: 391 - 392، الحديث 2، وعنه في الوسائل 14: 205، الباب 4 من
أبواب عقد النكاح، الحديث 2.
(4) في (ع) و (ص): أبيها.
(5) سنن الترمذي 3: 407 - 408، الحديث 1102، وفيه: فنكاحها باطل.
(6) في (ع) و (ص): أبيها.
116

معارضة بأخبار كثيرة دالة على استقلال الباكرة، معتضدة أو منجبرة بفتوى
الأكثر ودعوى الاجماع:
ما يدل على استقلال البكر
منها: صحيحة منصور بن حازم عن الصادق عليه السلام: (تستأمر البكر
وغيرها ولا تنكح إلا بأمرها) (1).
ومنها: الصحيح المروي في الكافي عن الفضيل بن يسار ومحمد بن
مسلم وزرارة وبريد بن معاوية، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (المرأة التي
ملكت نفسها غير السفيهة ولا المولى عليها إن تزويجها بغير ولي جائز) (2).
معنى كون المرأة مالكة لنفسها
فإن الظاهر أن المراد بكونها مالكة لنفسها (3): كونها مالكة لأمورها (4)
وما به نظام (5) معاشها من المعاوضات والعطيات وغيرها، كما يدل على ذلك
تفسير مالكية أمرها في رواية زرارة بأن (تبيع وتشتري وتعتق) (6)، فيرجع
حاصل ذلك إلى كونها بالغة رشيدة، فيكون قوله: (غير السفيهة ولا المولى
عليها) أي لأجل الصغر، تفسيرا لمالكية نفسها، فملاك أمرها تارة فسر
في الأخبار بصحة عقودها وإيقاعاتها، وأخرى باتصافها بما هو مناط صحة
تلك الأمور، وهي عدم السفاهة والصغر المعبر عنهما بالبلوغ والرشد.

(1) الوسائل 14: 203، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحدث 10.
(2) الكافي 5: 391، الحديث الأول، وعنه في الوسائل 14: 201، الباب 3 من أبواب
عقد النكاح، الحديث الأول.
(3) في (ع) و (ص): نفسها.
(4) في (ع) و (ص): أمرها.
(5) في (ع) و (ص): نظم.
(6) الوسائل 14: 215، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 6.
117

لا يقال: إن كونها مالكة لأمرها (1) حتى في النكاح فرع عدم كونها
مولى عليها فيه، ولم يثبت ذلك، بل هو عين المسألة.
لأنا نقول: ليس المراد ملاك أمرها في النكاح، أو كونها غير مولى
عليها في النكاح، وإلا لكان المعنى أن المرأة المالكة لأمرها حتى في النكاح
- أعني غير السفيهة والمولى عليها في النكاح - يجوز نكاحها بغير ولي.
ولا يخفى أنه لغو صرف، ضرورة أن أخذ الحكم في الموضوع
مما يوجب لغوية الحمل، فإن الموضوع إذا كانت هي المرأة التي لا يولى
عليها في النكاح وتملك أمرها فيه، فمعنى كونها كذلك: جواز تزويجها
بغير ولي، فالحكم عليه بجواز التزويج بغير ولي لغو صرف، فالمراد ملاك
أمرها وعدم كونها مولى عليها في سائر العقود والايقاعات، فدلت على أنه
إذا زالت الولاية عليها في سائر العقود والايقاعات زالت عنها في النكاح
أيضا.
ويشهد لما ذكرنا من المراد بالصحيحة (2) رواية زرارة، وفيها عن
أبي جعفر عليه السلام، قال: (إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع وتشتري،
وتعتق، وتعطي مالها من شاءت، فإن أمرها جائز، فتزوج إن شاءت
بغير ولي، وإن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها) (3).
ومما ذكرنا ظهر [فساد] (4) ما عن شرح النافع لصاحب المدارك، أن

(1) في (ع) و (ص): أمرها.
(2) في (ع) و (ص): من الصحيحة.
(3) الوسائل 14: 215، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 6.
(4) لم ترد في (ق).
118

المراد ب‍ (ملكت نفسها): أي لم يكن لها أب، أو كانت ثيبا.
واستشهد على الأول: بجعل مالكية الأمر في رواية أبي مريم التي
ذكرناها في آخر أخبار ولاية الأب مقابلة للجارية التي لها أب (1).
وعلى الثاني: بما في حسنة الحلي المتقدمة (2) من أن (الثيب أملك
بنفسها).
ويرد على الأول: احتمال إرادة خصوص الصغيرة من الجارية التي لها
الأب، فيكون المراد بمالكية الأمر المقابلة لها هي البالغة.
وعلى الثاني: أن قوله عليه السلام (إن الثيب أملك بنفسها) [يعني به] (3)
في النكاح. ولا شك أن هذا المعنى لا يصلح أن يراد هنا، إذ يصير معنى
الكلام: أن المرأة التي ملكت نفسها في النكاح نكاحها بغير ولي جائز، وقد
مر أنه لغو صرف.
وبالجملة، لا ريب في أن المتبادر في العرف من ملاك النفس ملاك
أمورها المتعلقة بنظام المعاش والمعاد حتى أمر النكاح، لكن المقام لا يصلح
لأن يراد من مالكية الأمر والنفس ملاكها حتى في النكاح، لما عرفت من
لزوم لغوية الحمل، فتعين إرادة ملاك سائر الأمور.
فحاصل معنى الصحيحة: أن من ملك سائر أموره يجوز أن يتزوج
بغير ولي، وملك أمر النكاح أيضا، وأنه إذا بلغت البنت ورشدت زالت
عنها الولاية في جميع أمورها، فظهر أن ليس المراد بملاك نفسها كونها غير

(1) تقدست في الصفحة: 116.
(2) نهاية المرام 1: 72، والرواية تقدمت في الصفحة: 115.
من (ع) و (ص).
119

ذات الأب، أو كونها ثيبة.
واحتمل في المسالك أن كون (1) المراد بملاك النفس الحرية (2)، وعليه
فيكون القيدان بعده احترازيين، واستدلالنا معه أيضا مستقيم.
نعم، يمكن (3) دعوى تقييد إطلاق الصحيحة بإحداهما، للأخبار
المتقدمة الدالة على أن الباكرة ذات الأب لا تستقل، كما يمكن دعوى ذلك
في كثير من مطلقات أدلة المشهور، مثل رواية زرارة المتقدمة (4) في تأييد
معنى الصحيحة وغيرها، لكن الأمر يدور بين تقييد الصحيحة وغيرها من
أدلة المشهور بتلك الأخبار، أو حمل ما لا يقبل الحمل على الصغيرة منها (5)
- مثل صحيحة ابن الصلت المتقدمة (6) وشبهها - على تأكد استحباب وكول
الأمر إلى الأب.
ومعنى أنه ليس لها أمر مع الأب: أنه ليس ينبغي أن تجعل لنفسها
أمرا مع الأب.
وتقييد المطلق وإن سلم كونه أرجح من حمل المقيد على الاستحباب،
إلا أن التقييد هنا مستلزم لطرح أخبار كثيرة، حيث إنها لا تقبل التقييد
بما ذكر ولا بغيره، مثل مرسلة سعدان بن مسلم عن الصادق عليه السلام:

(1) في (ع) و (ص): يكون.
(2) المسالك 1: 358.
(3) ليس في (ع) و (ص): يمكن.
(4) تقدمت في الصفحة: 118.
(5) في (ص) و (ع) 1: منها على الصغيرة.
(6) تقدمت في الصفحة: 114.
120

(ولا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها) (1).
وما روي من أن جارية بكرا أتت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: إن
أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته وأنا له كارهة، فقال صلى الله عليه وآله وسلم
لها: (أجيزي ما صنع أبوك، فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال: فاذهبي
فانكحي من شئت، فقالت: لا رغبة لي عما صنع أبي ولكني أردت أن أعلم
الناس أن ليس للآباء في أمور بناتهم شئ) (2).
ومثل الأخبار الواردة في جواز تزويج البكر متعة بلا إذن أبويها
كمرسلة أبي سعيد (3)، ورواية أخرى (4)، ورواية الحلبي عنه (5) الدالة على
ذلك، المثبتة لجواز التزويج الدائم بعدم القائل بالفصل بينهما، إلا ما ربما يظهر
من الشيخ في التهذيب (6) والاستبصار (7) على ما حكي (8) عنه من الفرق بينهما.
لكنه لا يخفى أن ما ذكره (9) الشيخ في الكتابين لا يعد فتوى له، بل هو
محض الجمع بين الأخبار المتخالفة، مضافا إلى أن الشيخ ذهب في باقي كتبه

(1) الوسائل 14: 214، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.
(2) سنن النسائي 6: 87، وفيه اختلاف يسير عما في المتن.
(3) الوسائل 14: 458، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 6.
(4) الوسائل 14: 458، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 7.
(5) الوسائل 14: 459، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 9.
(6) التهذيب 7: 380 - 381.
(7) الإستبصار 3: 236.
(8) حكاه عنه المحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 126، وصاحب الجواهر في
الجواهر 29: 180.
(9) في (ع): ما يذكره.
121

إلى عدم الفصل (1)، ولا شك أن بعضها متأخرة (2) عن التهذيبين، فقد رجع
عن الفصل جزما، فيصح دعوى استقرار مذهب الأصحاب على عدم الفصل.
مع أن الشيخ في التبيان - الذي هو متأخر عن جميع كتبه، كما حكي عمن
حكاه عن (3) السرائر (4) - وافق المشهور (5).
ودعوى أن المتبع هو قول العلماء بعدم الفصل لا عدم قولهم بالفصل،
ضعيفة نظرا إلى أن الظاهر منهم - حيث اطلعوا على هذه الأخبار المجوزة
في خصوص المتعة ولم يقولوا باختصاص الجواز - هو الاعراض عن
الاختصاص والفصل بين الدائم والمنقطع، مع أن المتعة قد تؤول إلى الدوام
[إذا أهمل ذكر الأجل] (6)، مضافا إلى أن التجويز في المتعة - مع ما فيها من
العار على أهل الجارية سيما أبويها - موجب للتجويز في الدائم بطريق أولى،
حيث إن العار فيه أهون، لأن نفس المتعة - مع قطع النظر عن تمتيع الجارية
نفسها - فيه غضاضة على بعض أهل المروة، كما يستفاد من قصة مؤمن
الطاق مع أبي حنيفة (7)، وقصة أحد الصادقين عليهما السلام مع بعض أهل العامة (8).
والحاصل، أن أخبار الجواز في المتعة دالة على الجواز في الدائم

(1) الخلاف 4: 250، كتاب النكاح، المسألة 6.
(2) في (ع) و (ص): متأخر.
(3) ليس في (ع) و (ص): عمن حكاه عن.
(4) حكاه عن السرائر (2: 563) صاحب الجواهر في الجواهر 29: 180.
(5) التبيان 2: 273.
(6) من (ع) و (ص).
(7) تقدمت في الصفحة: 50.
(8) الوسائل 14: 437، الباب 9 من أبواب المتعة، الحديث 4.
122

بالأولوية وبعدم القول بالفصل، كما استقر عليه مذهب الأصحاب على
ما عرفت. وضعف هذه الأخبار كالسابقين عليها منجبر بذهاب الأكثر،
وعمل مانعي العمل بالآحاد بها كالسيد وابن إدريس (1)، وحكاية الاجماع
عن السيد في الانتصار (2) والناصريات (3) على طبقها (4).
وحاصل الكلام دوران الأمر بين إبقاء إطلاق أخبار استقلال البكر
على حالها وحمل أخبار ولاية الأب على الاستحباب - فنكون قد عملنا
بإطلاقات المعتبرة، وبالصراح المنجبرة بما عرفت - وبين إبقاء أدلة ولاية
الأب على ظاهرها من عدم الاستحباب، مع تقييد إطلاقات المعتبرة من
أدلة استقلال البكر، وطرح الصراح المنجبرة منها. ولا شك أنه لو لم يصح
كون الصراح المنجبرة مرجحا لارتكاب الاستحباب على التقييد، فلا أقل
من كونه موجبا للتسوية بينهما، فيجب الرجوع إلى قاعدة الصحة المستفادة
من العمومات.
فظهر مما ذكرنا ضعف القول باستقلال الأب مطلقا، كما هو محكي
عن الشيخ في أكثر كتبه (5) وعن الصدوق (6) والعماني (7) وظاهر الفاضل (8)

(1) السرائر 2: 561.
(2) الإنتصار: 122.
(3) الناصريات (الجوامع الفقهية): 247.
(4) ليس في (ع) و (ص): على طبقها.
(5) كالنهاية: 464، والتهذيب 7: 380، ذيل الحديث 1538، والمبسوط 4: 162.
(6) الهداية (الجوامع الفقهية): 60، الفقيه 3: 395.
(7) حكاه عنه العلامة في المختلف: 534.
(8) التذكرة 2: 585.
123

وجنح إليه كثير من متأخري المتأخرين كصاحبي المدارك (1) والحدائق (2)
وصاحبي الكفاية (3) والوافي (4) وإن كثرت أدلتهم وظهرت دلالتها إنصافا،
إلا أن التتبع في القرائن الخارجية لأدلة المختار - وإن كان المعتبر منها
غير آب عن التقييد، والآبي عنه منها غير معتبر - مما يوهن التمسك بها
على كثرتها وظهور دلالتها، ولذا أعرض عن القول بها أكثر المتقدمين
كابن الجنيد (5) والسيد (6) والمفيد (7) والشيخ في التبيان (8) الذي هو آخر كتبه
- كما قيل (9)، وابن إدريس (10) ومعظم المتأخرين كالفاضلين (11) والمحقق
الثاني (12) والشهيدين (13)، بل الظاهر هجر القول الأول من زمان رجوع
الشيخ عنه في التبيان إلى زمان صاحب المدارك.

(1) نهاية المرام 1: 77.
(2) الحدائق 23: 211.
(3) الكفاية: 155.
(4) الوافي 3: 64.
(5) حكاه عنه العلامة في المختلف: 534.
(6) الإنتصار: 122.
(7) أحكام النساء: 36.
(8) التبيان 2: 273.
(9) قاله صاحب الجواهر قدس سره، انظر الجواهر 29: 180.
(10) السرائر 2: 561.
(11) الشرائع 2: 276، قواعد الأحكام 2: 6.
(12) جامع المقاصد 12: 123.
(13) اللمعة الدمشقية وشرحها (الروضة البهية) 5: 116.
124

وظهر أيضا مما ذكرنا - من استقرار مذهب الفقهاء الإمامية على عدم
القول بالفصل بين المتعة والدوام - ضعف ما ذكره الشيخ في التهذيبين (1)
من استقلال البكر في المتعة، وثبوت الولاية لأبيها في الدوام، بناء على كون
ذلك فتوى له، لا محض جمع.
وظهر أيضا ضعف عكس هذا القول المحكي في الشرائع (2) وعن الشهيد
في النكت: إن المحقق سئل عن قائله فلم يجب (3)، ولا مستند له عدا الجمع
بين الأخبار المختلفة المتقدمة (4) لشهادة (5) الاعتبار، ورواية أبي مريم عن
مولانا الصادق عليه السلام قال: (العذراء التي لها أب لا تتزوج (6) متعة إلا بإذن
أبيها (7)، بجعلها مخصصة لما دل على استقلال الباكرة، وقد عرفت ما هو
الأظهر في علاج اختلاف تلك الأخبار.
وأما القول بالتشريك بين الجارية وأبيها في الإذن، بمعنى عدم جواز
عقد أحدهما إلا مع إذن الآخر، كما هو المحكي (8) عن المفيد (9) والحلبي (10)

(1) التهذيب 7: 380 - 381، الإستبصار 3: 236.
(2) الشرائع 2: 276.
(3) غاية المراد: 172.
(4) تقدمت في الصفحات: 113 - 116 و 120 - 121.
(5) في (ص) و (ق): بشهادة.
(6) وفي المصدر، لا تزوج.
(7) الوسائل 14: 459، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 12.
(8) حكاه المحقق الكركي في جامع المقاصد 12: 126.
(9) المقنعة: 510 - 511.
(10) الكافي في الفقه: 292.
125

والحر العاملي (1)، فلعله للجمع بين ما دل على وجوب استئمار الأبكار (2)،
وما دل على أن ذوات الآباء منهن لا تتزوج إلا بإذن الآباء (3)، وأنه
لا ينقض النكاح إلا الأب (4)، مضافا إلى موثقة صفوان، قال: (استشار
عبد الرحمن موسى بن جعفر عليهما السلام في تزويج ابنته لابن أخيه، فقال: إفعل
ويكون ذلك برضاها، فإن لها في نفسها نصيبا. قال: واستشار خالد بن داود
موسى بن جعفر عليهم السلام في تزويج ابنته علي بن جعفر، قال: إفعل ويكون
ذلك برضاها، فإن لها في نفسها حظا) (5).
وحيث عالجنا الأخبار المختلفة بحمل استئذان الأب [على] أنه (6)
ينبغي لها أن لا تجعل لنفسها أمرا، فلا بد من حمل الحظ والنصيب في هذه
الموثقة على ما لا ينافي ذلك.
ثم إن ظاهر القائلين بالتشريك عدم الفرق بين الأب والجد.
ويحكى (7) هنا قول سادس بعدم مدخلية الجد، والتشريك بين الجارية
والأب، قيل: وهو أمتن دليلا (8). لكن لا يخفى أن المستفاد من الأخبار

(1) بداية الهداية 2: 230.
(2) تقدمت في الصفحة: 117.
(3) تقدمت في الصفحة: 113.
(4) تقدمت في الصفحة: 114.
(5) الوسائل 14: 214، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.
(6) كذا في (ع) و (ص)، وفي (ق): وأنه.
(7) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 23: 231.
(8) قاله الشهيد الثاني في المسالك 1: 360.
126

أولوية الجد على الأب (1)، فاعتبار إذنه مستلزم لاعتبار إذنه بطريق أولى.
واعلم أن أحوط الأقوال هو القول الخامس، فلا ينبغي ترك إذن
الجارية ووليها خروجا عن مخالفة الأخبار وفتاوى الأخيار.
نعم، لا خلاف ظاهرا في أنه إذا عضلها الولي - أي منعها عن التزوج
بالكف ء مع طلبها للزوج - فلا يعتبر إذنه، كما لا يعتبر إذا تعذر استئذانه
أو تعسر لغيبة منقطعة، ويؤيد عدم الخلاف فيه عمومات نفي الحرج (2).
(و) أعلم أنه (لا تسقط ولاية الجد) حيث تثبت (بموت الأب
على رأي) نسب إلى المشهور (3). للأصل، وعدم ما يصلح للخروج عنه،
عدا رواية (4) مرمية بالضعف (5) وإن عمل بها جماعة (6) مخالفة للاعتبار،
ولما يستفاد من الأخبار من أولوية الجد من الأب (7).
(وتزول ولاية الأبوة) على الجارية المسلمة، وفي معناها الجدودة
(بالارتداد) لقوله تعالى: (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين

(1) الوسائل 14: 217، الباب 11 من أبواب عقد النكاح.
(2) الحج: 78، المائدة: 6.
(3) نسبه إلى المشهور المحدث البحراني في الحدائق 23: 202.
(4) الوسائل 14: 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.
(5) لاشتمالها على جماعة من الواقفة، انظر نهاية المرام 1: 64.
(6) كابن الجنيد على ما حكاه عنه العلامة في المختلف: 535، والصدوق في الهداية
(الجوامع الفقهية): 60، والشيخ في النهاية: 466، وأبي الصلاح في الكافي في
الفقه: 292، وابن البراج في المهذب 2: 195.
(7) الوسائل 14: 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح.
127

سبيلا) (1)، والولاية سبيل، وقوله: (الاسلام يعلو ولا يعلى عليه) (2).
وفي الحدائق: الظاهر أنه لا خلاف فيه (3).
هذا إذا كان المولى عليه مسلما، وأما لو (4) كان كافرا فمقتضى عموم
أدلة ولاية الأبوين (5) ولايته (6)، إلا أنه حكي (7) هنا أيضا القول باشتراط
الاسلام، ولم يظهر وجهه.
وما أبعد ما بين هذا القول والمحكي عن المبسوط من أن ولي الكافر
لا يكون إلا كافرا، حتى أنه لو كان له وليان أحدهما مسلم فالولاية للآخرة،
تمسكا بقوله تعالى: (والذين كفروا بعضهم أولياء بعض) (8) (9).
وهو غريب، والاستدلال عجيب (10).
(الثاني) من أسباب الولاية الاجبارية: (الملك).
(و) اعلم أن (للمالك إجبار العبد والأمة) المملوكين له (على

(1) النساء: 141.
(2) الوسائل 17: 376، الباب الأول من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.
(3) الحدائق 23: 267.
(4) في (ع) و (ص): إذا.
(5) الوسائل 14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح.
(6) في (ع) و (ق): ولايتهما.
(7) حكاه الشهيد الثاني في المسالك 1: 364، والمحدث البحراني في الحدائق
23: 267.
(8) الأنفال: 73.
(9) المبسوط 4: 180، وحكاه عنه المحدث البحراني في الحدائق 23: 268.
(10) في (ع) و (ص): به عجيب.
128

النكاح) مطلقا (وإن كانا كبيرين رشيدين)، لأن الرقية سبب مستقل
لسلب الاختيار، لتسلط الناس على أموالهم (1)، ولقوله تعالى: (عبدا مملوكا
لا يقدر على شئ) (2)، والامتناع من النكاح والإنكاح شئ فلا يقدر عليه
المملوك، والظاهر عدم الخلاف في المسألة.
(و) مما ذكرنا ظهر أنه لا خيار لهما معه، وأنه (ليس لأحدهما
العقد) لنفسه أو على نفسه (إلا بإذن المولى) إجماعا على الظاهر، للأخبار
الكثيرة (3) (فلو (4) بادر) أحدهما إلى العقد (بدونه) أي بدون الإذن
(وقف على الإجازة) من السيد (على رأي).
وقيل: يبطل (5)، إما مطلقا ولو مع تعقب الإجازة، أو مع كون
الإجازة كالعقد المستأنف.
وقيل: يقف نكاح العبد ويبطل نكاح الأمة (6)، والأقوى (7) الوقوف
مطلقا، للروايات المستفيضة (8).
(و) حينئذ (لو أذن المولى صح) العقد (وعليه مهر عبده ونفقة

(1) عوالي اللآلي: 222، الحديث 99.
(2) النحل: 75.
(3) الوسائل 14: 522، الباب 23 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(4) في الإرشاد: فإن، وفي (ع) و (ص): ولو.
(5) راجع السرائر 2: 565.
(6) راجع الجواهر 30: 205.
(7) في (ع) و (ص): فالأقوى.
(8) راجع الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، وغيره
من الأبواب.
129

زوجته) على المشهور كما في المسالك، مستدلا عليه بأن الإذن في الشئ
إذن في لوازمه وتوابعه، كما لو أذن له بالاحرام في الحج فإنه إذن في سائر
ما يترتب عليه من الأفعال، ولما كان المهر والنفقة لازمين للنكاح
والعبد لا يملك شيئا وكسبه من جملة أموال المولى، كان الإذن فيه موجبا
لالتزام ذلك، من غير أن يتقيد بنوع خاص من ماله كباقي ديونه، فيتخير
بين بذله من ماله ومن كسب العبد إن وفى به، وإلا وجب عليه الاكمال (1).
ولرواية الحسن بن محبوب عن علي بن أبي حمزة عن
أبي الحسن عليه السلام، في رجل زوج مملوكا له من امرأة حرة على مائة درهم،
ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها، قال: (يعطيها سيده من ثمنه نصف
ما فرض لها، إنما هو بمنزلة لو كان استدانه بإذن سيده) (2)، دلت على وجوب
إعطاء المهر من مال المولى، فيثبت عليه نفقة الزوجة، لظهور عدم القول
بالفصل.
مضافا إلى رواية الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام: (عن رجل أذن
لعبده في تزويج امرأة فتزوجها، ثم إن العبد أبق، فجاءت امرأة العبد تطلب
نفقتها من مولاه، فقال عليه السلام: ليس لها على مولاه نفقة فقد بانت عصمتها
منه، فإن إباق العبد بمنزلة طلاق امرأته... الرواية) (3).
فإنها حيث دلت على تعليل عدم نفقتها على المولى ببينونة عصمتها،

(1) المسالك 1: 367.
(2) الوسائل 14: 585، الباب 78 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول،
وفيه: إنها هو بمنزلة دين له استدانه بأمر سيده.
(3) الوسائل 14: 582، الباب 73 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
130

وإنها في حكم المطلقة، علم من ذلك أن مع عدم الإذن (1) وعدم البينونة
نفقتها على المولى، خلافا للمحكي (2) عن الشيخ في المبسوط (3)
وابن البراج (4) وابن سعيد (5) وكشف اللثام (6)، فجعلوهما متعلقين بكسب العبد.
وحكي (7) الاستدلال عليه عن الكشف بأصالة براءة ذمة المولى،
والإذن في النكاح لا يستلزم تعلق لازمه في الذمة، وإنما يستلزم الإذن
في لازمه، وهو الكسب للمهر والنفقة.
ورده بعض معاصرينا (8) بأنه لا ذمة للعبد صالحة للاشتغال،
وإلا لكان المهر جميعه فيها، ولم يقل به أحد، كما أنه ليس في الإذن
ما يقتضي اختصاص ذلك بخصوص الكسب من أموال السيد.
وفيه: أن المستدل لم يقل بتعلقه بذمة العبد بحيث يتبع به (9) بعد العتق،
بل هو متعلق به، بمعنى أنه يجب عليه الكسب (10)، وعلى مولاه الإذن فيه
حتى يوفي الصداق والنفقة.

(1) في (ص): الإباق.
(2) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر 29: 225.
(3) المبسوط 4: 167.
(4) المهذب 2: 220.
(5) الجامع للشرائع: 442.
(6) كشف اللثام 2: 60.
(7) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر 29: 225.
(8) وهو صاحب الجواهر في الجواهر 29: 226.
(9) ليس في (ع) و (ص): به.
(10) في (ع) و (ص): التكسب.
131

ولا يحتاج الحق المالي إلى أزيد من ذلك حتى يقال: إنه لا بد إما
أن يكون في ذمة العبد أو في ذمة المولى، والأول باطل، فتعين الثاني،
مع أن لنا أن نسلم تعلقه بذمة المولى لكن في مال خاص من أمواله،
وهو كسب العبد، بمعنى أنه يتعلق به، ولا سبيل إلى مطالبة أدائه من المولى
من مال آخر وإن كان له أداؤه من مال آخر وأخذ كسب العبد لو كسب.
فلا يرد ما ذكره (1) أخيرا من أنه لس في الإذن ما يقتضي اختصاص
ذلك بخصوص الكسب، إذ لا يجبر السيد على إلزام العبد بالكسب أو على دفع
المكسوب، بل المراد أنه لا تسلط عليه في إلزامه بالدفع من غير الكسب،
فحينئذ صح للمستدل أن ليس في الإذن ما يدل على التزام المولى لهما (2)
بذمته، بحيث يكون للمرأة طالبته بهما من غير الكسب، ولهذا تمسك بأصل
البراءة.
ثم إنه حكى (3) عن ابن حمزة قول ثالث بالتفصيل بين ما لو كان العبد
مكتسبا ففي كسبه، أو غير مكتسب ففي ذمة المولى (4). وهو حسن إن أراد
بغير المكتسب من لا يقدر على الكسب.
هذا كله في مهر زوجة العبد، (و) أما الأمة المزوجة بإذن مولاها (5)
فاتفقوا على أن (له مهر أمته) لأنه عوض منافعها المستوفاة منها،

(1) أي صاحب الجواهر في الجواهر 29: 226.
(2) ليس في (ع) و (ص): لهما.
(3) أي صاحب الجواهر في الجواهر 29: 226.
(4) الوسيلة: 306.
(5) ليس في (ع) و (ص): بإذن مولاها.
132

فهو كأجرة الأمة المستأجرة.
(ولو كانا) أي العبد والأمة المتناكحان (لمالكين، افتقر) لزوم العقد
أو صحته ([إلى] (1) إذنهما) قبل العقد (أو إجازتهما) بعده على المختار
ثم إذا أذن لعبده، فإما أن يعين الزوجة والمهر كليهما أو يعين الزوجة
دون إلى، أو يعكس، أو يطلقها.
فإن عينهما، فمع عدم التخطي لا إشكال، ومع التخطي عن المهر يثبت
الزائد في ذمة العبد، يتبعه (2) به بعد العتق، إذ لولا ذلك لوجب الحكم
إما بعدم استحقاق (3) الزوجة للزائد، وإما بتعلقه في ذمة المولى، وكلاهما
باطل.
أما الأول فلأن الاستحقاق ثبت بالعقد، والعبد قابل لأن يتعلق
الزائد بذمته على الوجه المذكور، فلا معنى للحكم (4) بعدم استحقاق المرأة.
ودعوى أن العبد لا ذمة له: إن أريد من المنفي ذلك، منعناه،
لم لا يجوز ثبوت مثل هذه الذمة له، بمعنى أن يجب عليه حالا أن يؤدي ذلك
إذا عتق، لا (5) على وجه الوجوب المشروط، حتى يقال: إنه ينافي الاستحقاق
المنجز الذي يقتضيه العقد، ولا بمعنى وجوب أن يؤدي حالا حتى ينافي
الرقية.

(1) من الإرشاد، وفي النسخ: على.
(2) في (ع) و (ص): يتبع.
(3) في (ق): أما باستحقاق. وهو كما ترى.
(4) في (ع) و (ص): فلا ينبغي الحكم.
(5) ليس في (ع) و (ص): لا.
133

لكن يشكل ذلك بأن جعل المهر زائدا على مهر المثل المستلزم لاثبات
شئ على نفسه ينافي قوله: (لا يقدر على شئ) (1).
ولعله لذا استشكل في الحكم المحقق الثاني - على ما حكي عنه (2) -
من أن ذمة العبد إن كان قابلا لتعلق بعض المهر بها لم لا يحكم بتعلق جميعه
بها؟! وإلا فكيف يتعلق بعضه؟!
وقال: مع أن هنا إشكالا آخر، وهو أن الزوجة إنما رضيت بمهر
مستحق يمكن مطالبته، فكيف (3) يلزمها النكاح وبعض المهر إنما تستحقه إذا
عتق العبد؟
قال: وقد كان المناسب للقواعد القول بوقوف النكاح أو الصداق على
إجازة المولى، فإن فسخ الصداق (4) رجع إلى مهر المثل، وتتخير المرأة (5)
انتهى.
أقول: أما إشكاله الأول فحسن لولا رواية ابن أبي حمزة المتقدمة (6)،
نعم، انتفاء الذمة للعبد موافق للآية الشريفة، وما ذكره من أن القاعدة وقوف
النكاح أو الصداق على الإجازة.
وأما ما ذكره من تخيير المرأة فهو ضعيف:

(1) النحل: 75.
(2) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 23: 295.
(3) في جامع المقاصد والحدائق: فلا.
(4) في (ع) و (ص): النكاح، وفي المصدر: النكاح والصداق.
(5) جامع المقاصد 12: 163 - 164.
(6) تقدمت في الصفحة: 130.
134

أما أولا: فلأن ذلك مستند إلى تقصيرها في جهلها بالحكم، كما ذكره
في المسالك (1).
وأما ثانيا: فلأن إقدامها على النكاح على وجه يستحق طالبة المهر
وأنه لم يسلم له ذلك، لا يوجب التخيير في النكاح، فإن اختلال خصوصية
المهر، بل فساده، بل انتفاءه لا يوجب التزلزل في أصل النكاح.
وأما تعلقه في ذمة المولى فلا معنى له بعد قصر الإذن على ما عينه،
وليس النكاح بأزيد من المعين مهرا كالشراء بأزيد من المعين ثمنا حيث إنه
لو تعداه يصير موقوفا على إجازة المولى، فإن أجاز صح في جميع الثمن بذمة
المولى، وإن رد بطل الشراءة، لتوقف صحة البيع والشراء على الثمن،
بخلاف النكاح فإنه لا يتوقف على المهر.
وأما مع التخطي فيقف العقد (2) على إجازة المولى.
(وإن عين) الزوجة وأطلق (المهر) كان حكم التخطي
عن الزوجة ما مر من الوقوف، وحكم إطلاق المهر انصرافه إلى مهر المثل.
وعلل بأن إطلاق المهر في النكاح كإطلاق الثمن في الشراء في انصراف
كل منهما إلى عوض المثل وإن كان بينهما فرق من حيث إن مع التخطي
في الأول يتبع بالزائد بعد العتق، وفي الثاني يقف على الإجازة.
ورد بأنه قياس لا نقول به (3).

(1) المسالك 1: 367.
(2) في (ع) و (ص): المهر.
(3) حكاه ورده المحدث البحراني في الحدائق 23: 294.
135

وفيه: أن مرجعه إلى دعوى (1) انصراف الاطلاق إلى ذلك، وأين هذا
من القياس، بل الحكم متفق في الشراء من هذه الجهة أيضا، إذ لم يرد
بانصراف إطلاق الإذن في الشراء إلى الشراء بثمن المثل نص، بل هو أيضا
لانصراف إطلاق الإذن إليه.
وإن عين المهر وأطلق الزوجة، كان له العقد بأية امرأة كانت حرة
أو أمة، وضيعة أو شريفة، لكن بذلك المهر المعين أو أقل. والظاهر أنه ليس
له التعدي وإن كان مهرا لمثل من تزوجها، فلو تعدى تعلق بذمته بعد العتق.
ولو كان المعين مهرا زائدا على مهر مثل التي تزوجها، فهل يتعلق
الزائد بذمته؟ أو يثبت جميع المسمى في ذمة المولى؟ وجهان، حكى في
المسالك (2) الثاني عن التذكرة (3)، واستشكل فيه؟ نظرا إلى أن التجاوز عن مهر
المثل حكمه ثبوته في ذمة العبد. ويظهر من ذلك ميله إلى الأول، وجزم به
بعض معاصرينا (4).
وفيه إشكال، لأن ثبوت إلزامه في ذمة العبد إنما هو إذا لم يلتزمه
الزوج في ضمن إذنه في النكاح، ولا ريب أن إذنه لعبده في تزويج من شاء
بعشرين دينارا، التزام للعشرين في ذمته مهرا لأية امرأة زوجها العبد،
وبعد ذلك فكيف يثبت في ذمة العبد؟! مع ما عرفت من أن إثبات الذمة

(1) ليس في (ع) و (ص): دعوى.
(2) المسالك 1: 367.
(3) تذكرة الفقهاء 2: 589.
(4) وهو صاحب الجواهر في الجواهر 29: 224.
136

للعبد وقدرته على اشتغالها بشئ ينافي آية الحجر (1) فلا بد من الاقتصار في
ذلك على الموارد المتفق عليها.
نعم، لو قيل: إن مقدار المهر قرينة على انصراف إذنه في التزويج
إلى تزويج امرأة يكون هذا المقدار مهرا لمثلها، ناسب ذلك القول بوقوف
النكاح المذكور في المسألة على إجازة المولى، لأنه تعدى عما انصرف إليه
إطلاق الإذن بقرينة تعيين المهر.
وكيف كان، فحكي التذكرة (2) أقوى.
وإن أطلقهما، أي الزوجة والمهر، كان له التزويج بمن أراد من النساء،
عملا بالاطلاق بالنسبة إلى الزوجة إن لم يكن له منصرف ولو بقرينة المقام،
(وإلا انصرف) إليه كما ينصرف إطلاق المهر (إلى مهر المثل) فإن اتبع
مقتضى الانصراف فهو (وإن زاد تبع بالزائد بعد العتق) كما مر، وإن تعدى
عن مقتضى انصراف إطلاق الزوجية وقف على الإجازة.
إعلم أنه لا إشكال ظاهرا في عدم بقاء ولاية المولى المرتد عن فطرة
على مملوكه، لعدم قبول توبته، ووجوب قسمة أمواله - ومنها مماليكه - بين
من يرثه،
(و) أما (زوال ولاية المولى المرتد عن غير فطرة) على مملوكه،
ففيه (إشكال).
(ولو أعتق العبد) المزوج من حرة أو أمة ولو كارها (لم يكن له
الفسخ) لأصالة بقاء النكاح، وعدم الدليل على الخيار، خلافا للمحكي عن

(1) النحل: 75.
(2) تذكرة الفقهاء 2: 589، وحكاه الشهيد الثاني في المسالك 1: 367.
137

ابن حمزة حيث أثبت له الخيار في صورة ما لو زوج كرها (1).
وفي الرياض: إنه لا يخلو عن قوة بشرط استمرار الكراهة
إلى العتق (2)، وفيه نظر، نعم يجوز له الطلاق بشرائطه.
وكما لا خيار له، فكذا (لا) خيار (لزوجته)، لما ذكر من عدم
الدليل، مضافا إلى روايتي أبي بصير وعلي بن حنظلة (3) وفيهما: أنها رضيت
به وهو مملوك فهو أحق بأن ترضى به مع الحرية (4).
(و) أما (لو أعتقت الأمة كان لها الفسخ على الفور) إن كانت تحت
عبد، إجماعا من المسلمين كما في المسالك (5)، وفي الرياض: أنه حكاه
جماعة (6).
(و) كذا (إن كانت تحت حر على رأي) نسبه في المسالك إلى
الأكثر (7)، لرواية أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (أيما امرأة
أعتقت فأمرها بيدها، فإن شاءت أقامت معه، وإن شاءت فارقته) (8).

(1) الوسيلة: 306.
(2) الرياض 2: 125.
(1) كانت العبارة في (ق) هكذا: (مضافا إلى بعض الروايات) فكتب المؤلف
قدس سره فوقها: (روايتي أبي بصير وعلي بن حنظلة).
(4) الوسائل 14: 562، الباب 54 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول
والثاني.
(5) المسالك 1: 410.
(6) الرياض 2: 124.
(7) المسالك 1: 410.
(8) الوسائل 14: 561، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 8.
138

ورواية زيد الشحام - وفيها أبو جميلة - عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: (إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت إن كانت تحت عبد أو حر) (1).
ومثلها رواية محمد بن آدم (2)، ويؤيدها ما روي من أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبريرة حين أعتقت: (ملكت بضعك فاختاري) (3)،
فرع الاختيار على ملك البضع، فيستفاد منه التعليل، فيتعدى منه
إلى غير مورده، خلافا لظاهر المحقق في الشرائع (4) والمحكي عن بعض (5)،
فخص الخيار بزوجة العبد.
ثم اعلم أن الحكم بالخيار مختص بعتق جميع الأمة لا بعضها، لأنه
مورد الدليل فيقتصر عليه، وإطلاق الدليل يشمل ما لو وقع العتق قبل
الدخول أو بعده، فإن وقع قبله فقبل الفسخ له الدخول، فإن فسخت قبل
الدخول سقط المهر، لأن الفسخ جاء من قبلها،
وإن فسخت بعده ثبت المهر،
لكنه للسيد، لأن المهر إنما يستحق بالعقد، وهي عند العقد كانت ملكا
للمولى.
ويستثنى من جواز فسخها قبل الدخول صورة واحدة، وهي ما إذا
كانت قيمة الجارية ثلث مال المولى، ويملك ثلثا آخر، وزوج الجارية بثلث

(1) الوسائل 14: 561، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 13.
(2) نفس المصدر، الحديث 12.
(3) الوسائل 14: 559، الباب 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
(4) شرائع الاسلام 2: 311.
(5) الخلاف 4: 332، كتاب النكاح، المسألة 110 و 4: 353، كتاب النكاح،
المسألة 134، وحكاه عنه صاحب الجواهر في الجواهر 30: 243.
139

آخر، بأن يفرض أن جميع ماله ثلاثون دينارا: جارية مزوجة قيمتها
عشرة، ومهرها في ذمة زوجها عشرة، وللمولى أيضا عشرة. فأعتق (1) المولى
جاريته المذكورة في مرض موته، وقلنا بأن العتق من الثلث، فحينئذ لا يجوز
للجارية الفسخ قبل دخول الزوج بها، لأن فسخها قبل الدخول مسقط
لمهر، وسقوط المهر موجب لزيادة الجارية المعتقة عن الثلث، وهي موجبة
لبطلان عتقها في جزء منها يساوي الزائد على الثلث، وتبعض عتقها موجب
لعدم ثبوت الخيار لها لما عرفت من أنه موقوف على عتق الجميع، فيلزم
من تخيرها عدم تخيرها، فليس لها الخيار قبل الدخول.
ثم إن المعتقة لو كانت صغيرة أو مجنونة فليس لوليها خيار الفسخ، بل
هو منوط بشهوتها النفسية وميلها القلبي.
واعلم أنه يظهر من المسالك ظهور الاتفاق على أن هذا الخيار على
الفور، قال: للاقتصار في مخالفة الأصل على المتيقن (2).
ورد (3) في الرياض بأنه بعدما ثبت الخيار فالأصل بقاؤه (4).
أقول: وهذا الرد غير صحيح لأنه إذا كان مقتضى عموم وجوب
الوفاء بالعقود شاملا لجميع الأفراد في جميع الأزمان، والمفروض أنه لم يخرج
بالاجماع إلا فرد واحد في بعض الأزمنة وهو أول أزمنة عتق الأمة وما في
حكمه، بقي الباقي تحت العموم، فلا وجه للاستصحاب، إلا أن يقال: إن

(1) في (ع) و (ص): فقد أعتق.
(2) المسالك 1: 411.
(3) في (ع) و (ص): ورده.
(4) الرياض 2: 124.
140

عموم أدلة الوفاء ليس فيها دلالة أصلية على عموم الأزمان، حتى يكون
أفرادها كل فرد في كل زمان (1)، بل مدلولها هي الأفراد، وإنما يجئ عموم
الأزمان تبعا، فإذا خرج فرد واحد فلم يلزم في العموم إلا تخصيص واحد،
سواء كان حكم الفرد (2) ثابتا له في كل الأزمان أم في زمان واحد، وليس
الفرد الخارج في الزمان الثاني فردا آخر حتى يلزم من خروجه زيادة
التخصيص، وحينئذ فإذا شك في استمرار حكم الفرد الخارج وارتفاعه في
الزمان الثاني جاز إثباته بحكم الاستصحاب، فافهم واغتنم.
وعلى كل حال، فالظاهر أنه لا خلاف في أن مبدأ الخيار من زمان
العلم بالمعتق، فالجاهلة بعتقها لا يسقط خيارها، وأما الجاهلة بالحكم
فالظاهر أنه كذلك، وأنه لا دخل لتقصيرها في معرفة الحكم في ذلك،
بل هذه أحكام لا يعد الجهل بها - سيما من النسوان، سيما من إمائهن -
تقصيرا.
(ولو عتقا) أي الزوجان (معا، تخيرت الأمة خاصة).
أما إذا تقدم عتق الأمة، فللاجماع.
وأما إذا تقدم عتق العبد أو اقترن العتقان بأن يقول مولاهما
أو وكيلهما: أعتقتكما، فلما مر (3) من عدم الفرق بين كون المعتقة تحت عبد
أو حر (4).

(1) في (ع) و (ص): كل أفراد في كل زمان فردا له.
(2) في (ع) و (ص): الثابت للفرد.
(3) تقدم في الصفحة: 138.
(4) في (ع) و (ص): حر أو تحت عبد.
141

نعم، من فرق بينهما فلا ينبغي أن يقول بالخيار في غير صورة تقدم
عتق الأمة، فما في الشرائع (1) وعن التحرير (2) من تعميم هذا الحكم لصورتي
تقديم عتق الزوج، واقترانهما مع تخصيص الخيار بما إذا كانت المعتقة تحت
عبد، مما لا يجتمعان، كما أشار إليه غير واحد (3).
(الثالث) من أسباب الولاية عند بعض: (الوصاية).
اعلم أنه اختلف الأصحاب في ولاية الوصي من الأب والجد على
تزويج الصغير، فالمشهور بين المتأخرين كما قيل (4): أنه (لا تثبت ولاية
الوصي على الصغيرين وإن نص الموصي على الانكاح) لأصالتي عدم انتقال
الولاية إليه في النكاح، وعدم صحة العقد مع رد الصغير بعد البلوغ،
ولا يجدي عموم (أوفوا بالعقود) (5).
ولعموم صحيحة ابن مسلم: في الصبي يزوج الصبية، يتوارثان؟ قال:
(إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم) (6).
ودلالة الصحيحة ليست بمجرد مفهوم الشرط حتى يتأمل فيه، مع أن
التأمل ليس في محله، بل لأجل استفصال المعصوم عليه السلام لاطلاق كلام

(1) الشرائع 2: 311.
(2) التحرير 2: 24.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 411، وصاحب المدارك في نهاية المرام
1: 288.
(4) مستند الشيعة 2: 484.
(5) المائدة: 1.
(6) الوسائل 14: 209، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 8.
142

السائل، والتفصيل قاطع للشركة، ففي الحقيقة دلالتها بحسب المنطوق.
ومثلها صحيحة أبي عبيدة الحذاء الدالة على أنه إذا زوج الصغير
غير الأب وقف التوارث بعد موت أحدهما على بلوغ الباقي وإجازته
للنكاح (1).
ويؤيدهما الصحيحة المروية في الكافي عن محمد بن إسماعيل بن بزيع
أنه قال: (سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين وبنتا، والبنت صغيرة،
فعمد أحد الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه، ثم مات أبو الابن المزوج،
فلما أن مات قال الآخر: أخي لم يزوج ابنه، فزوج الجارية من ابنه، فقيل
للجارية: أي الزوجين أحب إليك، الأول أو الآخر؟ قالت: الآخر، ثم إن
الأخ الثاني مات، وللأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوج، فقال للجارية:
اختاري أيهما أحب إليك، الزوج الأول أو الزوج الأخير؟ فقال: الرواية
فيها: أنها للزوج الأخير، وذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها، وليس
لما أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها) (2).
خلافا لجماعة (3) فأثبتوا له الولاية، سواء نص الموصي على ولايته في
النكاح، أو أطلقها بحيث يشمله تمسكا بعموم حرمة تبديل الوصية (4)

(1) الوسائل 17: 527، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث الأول.
(2) الكافي 5: 397، الحديث 3، مع اختلاف يسير عما في المتن. وعنه في الوسائل
14: 212، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث الأول.
(3) منهم ابن سعيد في الجامع للشرائع: 438، والمحقق الكركي في جامع المقاصد
12: 98.
(4) البقرة: 181.
143

المستلزمة لتحقق الولاية بتولية الموصي، فإن (1) عزل الوصي عن ذلك مع
تولية الموصي تبديل لوصيته، وبما ورد مستفيضا في تفسير (من بيده عقدة
النكاح) حيث فسر بالأب، والأخ، والرجل يوصى إليه، والذي يجوز أمره
في مال المرأة (2).
ورد في الرياض عموم آية التبديل بأن الضمير في (بدله) راجع إلى
الايصاء للوالدين والأقربين، المتقدم ذكرهم في آية الوصية، فلا يعم مطلق
التبديل (3).
وهو ضعيف للأخبار المستفيضة (4) المشتملة على استدلال المعصوم
في أحكام كثيرة من الوصايا بعموم الآية، فلا بد من إرجاع ضمير (بدله)
إما إلى مطلق الايصاء، وإما إلى خصوص الايصاء للوالدين والأقربين، لكن
مع إناطة حكم الإثم بأصل تبديل الايصاء لا خصوص هذا الايصاء،
بأن يجعل المورد خاصا والمناط عاما، فالانصاف أن الآية ظاهرة في المدعى
ولو بمعونة الأخبار المشتملة على الاستدلال بها.
وأما الأخبار المفسرة لمن بيده عقدة النكاح، فلا يخفى ضعف دلالتها،
لأن المراد بمن في يده عقدة النكاح:
إما أن يكون هو المستقل في عقدة النكاح، بحيث لا يكون لغيره
فيها مدخل، فيختص حينئذ بمن ثبت له بأصل الشرع الولاية القهرية

(1) ليس في (ع) و (ص): فإن عزل... لوصيته.
(2) الوسائل 14: 213، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.
(3) الرياض 2: 81.
(4) الوسائل 13: 411 - 415، الأبواب 32 و 33 و 35 من أبواب أحكام الوصايا.
144

على الزوجة.
وإما أن يكون المراد به المستقل فيها والمتولي عليها، سواء كانت
الولاية بأصل الشرع أو بجعل نفس المرأة كالوكيل.
وجملة الصلة على هذين المعنيين يراد بها مجرد الحكم الوضعي،
أعني الولاية الخاصة الاجبارية، أو الأعم منها ومن الاختيارية.
وإما أن يكون المراد من بيده عقدة النكاح على وجه الأولوية
والأحقية الشاملة للوجوبية كما في الولي الاجباري، والاستحبابية كالأخ
ووصي الأب ومن يتولى سائر أمور الزوجة.
(وجملة الصلة) على هذا الوجه يراد بها الحكم التكليفي الرجحاني
الراجع إلى المرأة، كما حمل على ذلك سابقا ما ورد في الأخبار من أنه ليس
لها مع الأب أمر (1).
وإما أن يكون المراد به مطلق من أوقع عقد النكاح الذي أزيل
بالطلاق قبل الدخول، ومن كان هذا النكاح الخاص بيده.
و (جملة الصلة) على هذا الوجه أريد بها صرف الأخبار عن النكاح
الواقع قبل الطلاق.
وعلى التقادير الأربعة، إما أن يراد من المعقود عليها - الذي يعفو
عنها من بيده عقدة نكاحها - خصوص الصغيرة، أو خصوص الكبيرة،
أو الأعم منهما.
وعلى التقادير، فإما أن يراد من ذكر الأربعة المذكورة في الأخبار
حصر (من بيده عقدة النكاح) في هؤلاء، وإما أن يكون ذكر هؤلاء لأجل

(1) تقدم في الصفحة: 114.
145

كون عقدة النكاح بيدهم غالبا على بعض الطرق الأربعة المذكورة.
ولا ريب أن الأظهر من هذه الاحتمالات وأقلها محالفة للأصل
والظاهر، هو المعنى الثاني من المعاني الأربعة المذكورة، وإرادة الأعم من
الكبيرة والصغيرة، وكون المراد من ذكر الأربعة تحقق الولاية الاجبارية
أو الاختيارية فيهم غالبا، لا المحصر.
وحينئذ، فلا دلالة في تلك الأخبار على أن ولاية الوصي من قبيل
ولاية الأب على صغيره (1)، أو من قبيل ولاية الأخ ومن بيده مال (2) المرأة
على الكبيرة، وكذا ولاية الأب عليها مطلقا، أو مع كونها ثيبة على الخلاف
المتقدم.
فظهر مما ذكرنا بعد أدنى تأمل ضعف دلالة الأخبار المذكورة.
نعم، في صحيحة عبد الله بن سنان تفسير (من بيده عقدة النكاح)
ب‍ (ولي أمرها) (3)، ولا يخفى أن المراد ولي أمرها في غير النكاح، وإلا لزم
التفسير بما يساوي المفسر في الاجمال، ولم يفد بيانا. ولا ريب أن الوصي
على الصغيرة ولي أمرها في غير النكاح، فيكون عقدته بيده.
لكن هذا الخبر يعارضه مرسلة ابن أبي عمير المروية في التهذيب - في
آخر باب الوكالات قبل باب القضاء بين الناس - من تفسير (من بيده
عقدة النكاح) بالأب ومن توكله المرأة وتوليه أمرها من أخ أو قرابة

(1) في (ع) و (ص): الصغيرة.
(2) في (ع) و (ص): وللآية مال.
(3) الوسائل 14: 212، الباب 8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 2.
146

أو غيرهما (1).
نعم، لا بأس بالاستدلال بآية التبديل (2) بمعونة الأخبار (3) المشتملة
على الاستدلال بها.
ويمكن أن يستدل أيضا على ثبوت الولاية بالوصاية بعموم ما ورد في
توقيع الصفار عن العسكري عليه السلام: (جائز للميت ما أوصى على ما أوصى
إن شاء الله) (4)، وعموم الكلام لا يترك لخصوص المورد.
وما رواه في الكافي والتهذيب فيمن أوصى إلى أحد بالمضاربة (5)
بأموال صغير له وأخذ نصف الربح أنه (لا بأس، من أجل أن أباه قد أذن
له في ذلك وهو حي) (6).
دل بمقتضى عموم العلة وإلغاء الخصوصية المترائية من اختصاص اسم
الإشارة المأتي به لمحض ربط العلة بالمعلول بالولاية المالية، على أن كل
ما أذن فيه أبو الصغير في حال حياته فهو نافذ ماض بعد مماته، ومنه إذنه
للوصي في تزويج صغيره وتوليته له فيه.

(1) التهذيب 6: 215 - 216، الحديث 6، والوسائل 13: 29 الباب 7 من أحكام
الوكالة، ذيل الحديث الأول.
(2) البقرة: 181.
(3) انظر الوسائل 13: 411 - 415، الأبواب 32 و 33 و 35، من أبواب أحكام
الوصايا.
(4) الوسائل 13: 454، الباب 63 من أبواب أحكام الوصايا.
(5) في (ع) و (ص): المضاربة.
(6) الكافي 7: 62، الحديث 19 والتهذيب 9: 236، الحديث 921، وعنهما في
الوسائل 13: 478، الباب 92 من أحكام الوصايا، الحديث الأول.
147

لكن يبقي الكلام في أن النسبة بين الآية المعتضدة بهاتين الروايتين
وبين عموم الأخبار النافية لولاية ما عدا الأب والجد عموم من وجه،
ويشكل الترجيح فيرجع إلى أصالة عدم ثبوت الولاية، وعدم صحة النكاح
من غير إجازة من المزوج.
(و) اعلم أن معظم من أنكر ولاية الوصي مطلقا، ذهب إلى أنه
(يثبت ولايته على من بلغ فاسد العقل مع الحاجة)، للضرورة، وعدم زوال
العذر، وخوف المرض، أو الوقوع في الزنا.
وفيه: أنه لا دليل حينئذ أيضا على ثبوت ولاية الوصي،
وهذه الوجوه لا يثبت انتقال الولاية إلى الوصي بإيصاء الأب والجد،
إذ لو ثبتت (1) لم يفرق فيها بين الموارد، وإنما تثبت ولاية الحسبة، ولا شك
أنها من مناصب الحاكم، فيزوجه الحاكم بالولاية العامة كما يزوج غيره ممن
سيجئ، وكما يزوج المفروض مع عدم الوصي كما سيجئ، لأن الضرورة
تندفع بتصدي الحاكم له كما يتصدى غيره.
(الرابع) من أسباب الولية: ولاية (الحكم) (2)، الذي هو أولا
وبالأصالة منصب الإمامة، وثانيا وبالنيابة منصب نائبه الخاص أو العام،
(و) هو الفقيه الجامع للشرائط، الذي (حكمه حكم الوصي في انتفاء، ولايته
عن الصغيرين، الذكر والأنثى الفاقدين للأب والجد؟ لما مر من العمومات

(1) في (ع) و (ص): لو لم يثبت.
(2) في (ع) و (ص): الحاكم.
148

النافية لولاية غيرهما (1) (و) خرج عنها (ثبوتها) للحاكم (على
المجنونين) الفاقدين للأب والجد (مع الحاجة) إلى النكاح.
ووجه الولاية - مضافا إلى الاجماع، والنبوي: (السلطان ولي
من لا ولي له) (2) - عموم ما دل على وجوب الرجوع إليه في الحوادث
الواقعة (3) التي منها طروء الحاجة للمجنون والمجنونة إلى النكاح، وعلى أن
الراد عليه كالراد على الله (4)
فلا يجوز للمجنون بعد الإفاقة ولا لغيره قبلها
رد تزويجه وفسخه، بل لا بد من ترتيب الآثار عليه، وعلى أن العلماء أمناء
الرسل (5) وخلفاؤهم (6).
وينبغي بمقتضى ما ذكر ثبوت ولايته للصغيرين إذا دعت مصلحتهما
إلى النكاح سيما الصغيرة، ولا يبعد إن لم يكن (7) خلافه إجماعيا.
(ولا ولاية لغير هؤلاء) الأربعة، وهم: الأب والجد، والوصي،
والحاكم، (كالأم، والعصبات): وهم المتقربون بالأب، فليس لهم ولاية على

(1) راجع الصفحة: 108.
(2) سنن أبي داود 2: 229، الحديث 2083، سنن الترمذي 3: 407 - 408،
الحديث 1102.
(3) الوسائل 18: 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9.
(4) الوسائل 18: 98 - 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول.
(5) الكافي 1: 46، الحديث 5، ومستدرك الوسائل 17: 312 الباب 11، من أبواب
صفات القاضي، الحديث 5، وفيه: الفقهاء أمناء الرسل.
(6) الوسائل 18: 566 الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 53.
(7) في (ع) و (ص): أن يكون.
149

صغير ولا على مجنون ولا غيرهما، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد في الأم (1)،
وعن بعض العامة (2) في الأخ والعم (3).
(وليس للمحجور عليه) عن التصرفات المالية (للتبذير،
التزويج) لأنه مستلزم للتصرف في المال من حيث الالتزام بالمهر والنفقة،
(إلا مع الضرورة) إليه (فيستأذن الحاكم) لأنه وليه، مع عدم ولي آخر،
(فإن عقد) مع التمكن من إذن الحاكم (وبدونه) أثم، لأنه منهي
عن الاستقلال.
وهل يفسد العقد أيضا؟ وجهان، بل قولان، من أنه محجور عليه
إلا بإذن الولي فلا ينفذ له تصرف، ومن أنه مع الضرورة قد سوغ له
التزوج (4)، فلذا يجب على الولي تزويجه أو إذنه، غاية الأمر أنه منهي عن
الاستقلال، وهو أمر خارج عن النكاح.
وعلى القولين لا إشكال في الصحة مع تعذر استئذان الحاكم.
وحيث حكم بالصحة، فإن كان النكاح. (بمهر المثل صح)
لوجود الضرورة المصححة للتزويج، وعدم اقتضاء النهي عن الاستقلال
للفساد. (وإلا) يقتصر (5) في الصداق المسمى على مهر المثل (بطل الزائد)
عنه.

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف: 536.
(2) راجع المجموع 17: 250 - 251.
(3) في (ع) و (ص) زيادة: ولا دليل يساعدهما كما لا يخفى.
(4) في (ع) و (ص): التزويج.
(5) في (ع) و (ص): فيقتصر.
150

وكل موضع حكم فيه بالفساد مع علم المرأة به لا شئ لها، ومع
جهلها فل‍ (ها) مهر المثل بالوطء.
هذا حكم السفيه البالغ، وأما السفيهة البالغة، فليس لها التزويج
من غير إذن وليها، لصحيحة الفضلاء المتقدمة: (المرأة التي ملكت نفسها
غير السفيهة ولا المولى عليها فإن تزويجها بغير ولي جائز) (1).
ويؤيدها ما تقدم من رواية زرارة الدالة على أن (المرأة إذا كانت
مالكة لأمرها، تبيع وتشتري وتعتق وتعطي مالها من شاءت، جاز لها
التزويج متى شاءت بغير إذن وليها، وإن لم تكن كذلك لم يجز تزويجها
إلا بأمر وليها) (2) فإن دلالته على المطلوب واضحة.
ويؤيده، بل يدل عليه أيضا مصححة عبد الله بن سنان - المحكية
في المسالك (3) في تفسير (الذي بيده عقدة النكاح) - قال: (إنه ولي
أمرها) (4).
ويؤيدها (5) رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله - المروية في الكافي -:

(1) الوسائل 14: 201، الباب 3 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث
الأول، وتقدمت في الصفحة: 117.
(2) الوسائل 14: 215، الباب 9 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 6،
وتقدمت في الصفحة: 117.
(3) المسالك 1: 361.
(4) الوسائل 14: 212، الباب 8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 2.
(5) في (ع) و (ص): ويؤيده.
151

(أن المرأة تتزوج بغير ولي إذا كانت مالكة لأمرها) (1).
ولا شك أن السفيهة غير مالكة لأمرها عرفا، لأن المراد من (أمرها)
ما عدا النكاح من أموره، وإن عم (2) النكاح لزم لغوية الحمل، كما تقدم
في الرواية: (المرأة التي قد ملكت نفسها).
وليس في هذه الأخبار تفصيل بين ما إذا بلغ سفيها أو تجددت سفاهته
بعد البلوغ والرشد.
والظاهر من (الولي) فيها هو الأب والجدة، لصدق الولي عليهما عرفا،
وصدقه على غيرهما من الأقارب مع عدمهما لا يفر بعد قيام الدليل على
عدم ولاية من عداهما.
ولكن المشهور - كما حكي - أن من تجدد سفهه فالولاية عليه للحاكم،
لانقطاع ولاية الأب بالبلوغ والرشد، فعودها يحتاج إلى دليل.
وفيه: أن ثبوت الولاية أيضا يحتاج (3) إلى دليل، وعموم النبوي:
(السلطان ولي من لا ولي له) (4) على فرض ثبوته مختص بالإمام عليه السلام،
وكون الفقيه في زمانه نائبا عنه حتى في هذه الولاية لم يثبت بدليل تطمئن به
النفس، مع أنه لو ثبت فغايته إثبات ولايته على من لا ولي له، وقد عرفت

(1) الكافي 5: 392، الحديث 3، مع اختلاف يسير، وعنه الوسائل 14: 69، الباب
44 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.
(2) في (ع) و (ص): إذ لو عم.
(3) في (ع) و (ص): محتاج.
(4) سنن أبي داود 2: 229، الحديث 2083، سنن الترمذي 3: 407 - 408،
الحديث 1102.
152

صدق الولي عرفا على الأب والجد، وأن الأخبار دلت على توقف نكاح
هذا الشخص على الولي العرفي المنحصر عرفا (1) في الأب والجد
مع وجودهما، نعم مع عدمهما يتعين الحاكم إجماعا.
وأما القول بثبوت الولاية للحاكم على من بلغ سفيها مع وجود الأب
والجد، فهو ضعيف جدا، لعدم الدليل عليه، إلا أن يثبت للحاكم عموم
الولاية بدليل عام خرج عنه ما خرج، وهو الصغير الذي أجمع على أن
الحاكم لا ولاية له عليه مع الأب والجد وبقي الباقي، وإثبات ذلك دونه
خرط القتاد، مع أنه على فرض الثبوت معارض بعموم الأخبار المتقدمة
الدالة على توقف التزويج على إذن الولي العرفي بعد أن خرج منها غير الأب
والجد.
فحاصل الكلام، أن المستفاد من تتبع موارد استعمالات الولي
في الأخبار - هنا وفي الطلاق - هو الولي العرفي، ولا ريب أن الأب والجد
مع وجودهما أولى الناس عرفا بالشخص، فكل ما دل على أن المرأة
الغير المالكة لأمرها يتوقف تزويجها على إذن الولي يشمل اعتبار إذنهما
في النكاح، وهو معنى ولايتهما.
وأما غيرهما، فهو وإن صدق عليه الولي عرفا مع فقدهما، لكنه
خارج بالاجماع، فتأمل.
ومما يدل صريحا على أن المراد هو الولي العرفي قوله عليه السلام في رواية
زرارة المتقدمة: (أنه إذا كانت مالكة لأمرها تبيع وتشتري جاز تزويجها
مع ما شاءت بغير أمر وليها، وإن لم يكن كذلك لم يجز تزويجها إلا بأمر

(1) ليس في (ع) و (ص): عرفا.
153

وليها) (1). ولا شك في أن (الولي) في الأول هو الولي العرفي، فهو كذلك في
قوله (وإن لم يكن) كما لا يخفى.

(1) تقدمت في الصفحة: 151.
154

الفصل الثاني: في الأحكام
(لو زوج الصغيرين) الحرين (غير الأب والجد) فإن قلنا ببطلان
النكاح الفضولي (كان) لغوا، وإن قلنا بصحته وقع (موقوفا) على
إجازتهما له (فإن أجازاه بعد البلوغ) والرشد، أو أجازه الأب والجد قبلهما
أو قبل الرشد. بناء على ولايتهما على البالغ غير رشيد (صح) العقد،
(وإلا) يجزه الزوجان بعد الكمال، ولا ولياهما قبله (فلا) يصح.
(ولو أجاز أحدهما) بعد الكمال، أو وليه قبله (ومات الآخر قبل
البلوغ) والرشد وقبل إجازة الولي (بطل) النكاح بينهما، لعدم تحقق
الإجازة المصححة للعقد من حينه أو من حينها (1) (و) يترتب على البطلان
أنه (لا مهر ولا إرث) وهو واضح.
وإن مات أحدهما بعد البلوغ والإجازة (وبلغ الآخر) الباقي
(احلف مع الإجازة على عدم) كون الداعي على الإجازة هو (الطمع)
في الإرث، وإذا حلف تثبت أحكام الزوجية بينه وبين الميت وأقاربه،
(وورث) نصيبه المفروض من تركته.
والمستند في ذلك صحيحة أبي عبيدة الحذاء المروية في الكافي قال:
(سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام وجارية زوجهما وليان لهما
وما غير مدركين، فقال: النكاح جائز، وأيهما أدرك كان له الخيار،
وإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما ولا مهر إلا أن يكونا قد أدركا
ورضيا، قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟ قال: يجوز ذلك عليه

(1) في (ع) و (ص): حينها.
155

إن هو رضي. قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية ورضي
بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أترثه؟ قال: نعم يعزل ميراثها منه
حتى تدرك، فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج،
نم يدفع إليها الميراث ونصف المهر، قلت: فإن ماتت الجارية ولم تكن
أدركت أيرثها الزوج المدرك؟ قال: لا لأن لها الخيار إذا أدركت. قلت:
فإن كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك؟ قال: يجوز عليها تزويج
الأب، ويجوز على الغلام، والمهر على الأب للجارية) (1).
والمراد بالوليين في صدر الخبر - بقرينة المقابلة للأب في الذيل - الولي
العرفي كالأخ والعم.
واشتمال الرواية على تنصيف المهر لو قلنا بتمام المهر مع الفرقة بالموت
لا يضر، لاحتمال تقديم نصفه الآخر قبل النكاح.
ومقتضى الصحيحة أنه لو بلغ أحدهما وأجاز لزم العقد من جهته،
فيترتب في حقه إن كان زوجا آثار زوجية المعقود عليها من تحريم أختها
وأمها والخامسة.
ولو أدركت الزوجة وردت العقد انفسخ من حينه، لا من حين الرد
قبالا للإجازة على أحد الوجهين، ويترتب عليها (2) أنه هل يجوز نكاح أمها
أم لا؟ وجهان:
من أن النكاح في حق الزوج كان ثابتا، فارتفع بفسخ الزوجة، فتحرم

(1) الكافي 5: 401، الحديث 4، وعنه الوسائل 17: 527، الباب 11 من أبواب
ميراث الأزواج، الحديث الأول.
(2) في (ع) و (ص): عليه.
156

الأم (1)، لأنها أم المعقودة بالعقد الصحيح اللازم من طرف الزوج.
ومن أن العقد إنما يتم بالطرفين، فإذا لم تجز المرأة العقد فكأنه لم يقع.
وهذا الوجه أقوى. لأن ما دل على تحريم أم المعقودة منصرف إلى عقد ثبت
صحته بينهما في آن ما، فيحمل قوله عليه السلام في الصحيحة: (يجوز ذلك عليه
إن هو رضي) على أنه يصير صحيحا لازما من طرفه ولا يجوز له فسخه،
لا أنه يترتب عليه الأحكام المترتبة على تحقق عقد صحيح بينهما،
التي من جملتها تحريم أم المعقودة.
وبعبارة أخرى: دلت الصحيحة على لزوم العقد من طرفه، لا ثبوت
الزوجية وهي العلاقة المتحققة بين الزوجين في حقه وجريان أحكام
المصاهرة في حقه قبل فسخها من حيث إنه حينئذ مخاطب بوجوب الوفاء
بالعقد، كما يدل عليه قوله في الصحيحة: (يجوز ذلك عليه).
ومن جملة آثار هذا العقد التي يجب ترتيبها، هو عدم التزويج بأختها
وأمها والخامسة. و ليس جريان أحكام المصاهرة من جهة دخول المعقود
عليها في أفراد الزوجة حتى يقال: إنها منصرفة إلى غيرها، بل من جهة
حكم (أوفوا بالعقود) (2)، وخصوص الفقرة المذكورة في الصحيحة بوجوب
ترتيب آثار الزوجية المتحققة المنجزة على هذه المعقود عليها وإن لم تكن
زوجيتها متحققة منجزة، ومثل هذا ليس موجودا بعد فسخ المرأة لارتفاع
(العقد) (3).

(1) ليس في (ع) و (ص): الأم.
(2) المائدة: 1.
(3) ليس في (ق): العقد.
157

ثم اعلم أن كون الفسخ رافعا للعقد من حينه، إن أريد به أن العقد
قبله كان صحيحا من الجانبين، والفسخ بمنزلة الفسخ في العقود الجائزة أصالة
أو لعارض الخيار، فلا يخفى أنه سخيف، مخالف لما اتفقوا من أن الإجازة
إما كاشفة أو ناقلة، إذ عدمها على التقديرين يستلزم ارتفاع حكم العقد
ولغويته من حين العقد، فهذا الاحتمال مما لا يصلح أن يذكر، ولا أن يبنى
عليه الاشكال في صحة العقد على أم المعقودة بعد فسخها (1)، وقد ذكر
الاشكال في القواعد (2) كما حكي، وذكر في الكشف - على ما حكي - أن
مبنى الاشكال هو أن الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه (3).
نعم، يمكن أن يراد أن الزوجية المتحققة بالنسبة إلى الزوج المجيز
هل ترتفع بفسخ الزوجة ومن حينه؟ أو يكشف فسخها عن عدم ثبوتها
من أول الأمر؟ بمعنى جعلها كغير الثابت قبالا لما هو أحد الوجهين في معنى
كاشفية الإجازة، وأنها تجعل غير الثابت كالثابت.
وتحقيق الكلام في الوجهين: هو أن الزوجية المفروض تحققها بالنسبة
إلى الزوج المجيز، إن أريد بها مجرد آثارها التي حكم على الزوج بترتبها
قبل الفسخ، فلا ريب أن الفسخ رافع لهذه من حينه، ولا يلزم منه حرمة أم
المعقودة، لأن حرمة الأم إنما ثبتت في الزوجة، ولم تحصل زوجيته أصلا.
نعم، ثبت على الزوج وجوب ترتيب آثارها في زمان.
وإن أريد بها تحقق نفس الزوجية بالنسبة إلى الزوج المجيز، ففيه: أن

(1) في (ص): صحتها.
(2) القواعد 2: 14.
(3) كشف اللثام 2: 23.
158

الزوجية أمر بسيط قائم بطرفين غير قابل للتبعيض. نعم، قد يتبعض آثارها،
كما لو ادعى رجل زوجية امرأة، فأنكرت وحلفت، فالزوجية بهذا المعنى
لم تتحقق من أول الأمر بمجرد إجازة الزوج وإن تحقق آثارها من أحكام
المصاهرة ونحوها.
اللهم إلا أن يقال: إن من جملة آثار الزوجية التي يجب ترتيبها
بعد الإجازة وقبل الفسخ، هو تحريم الأم مؤبدا ولو بعد الفسخ، فيجب
الالتزام به.
ويمكن دفعه بأن الآثار التي يجب ترتبها بحكم (أوفوا بالعقود) آثار
ظاهرية، حيث إن موجب اللزوم قد تحقق من الزوج، ولم يعلم بتعقب
الفسخ من الزوجة، فمقتضى امتثال الأمر بالوفاء بالعقود هو ترتيب الآثار
في مرحلة الظاهر، ولذا يحكم بأن من باع ماله من فضولي فلا يجوز له
الفسخ، بناء على أن الإجازة كاشفة مع جهله بأنه سيقع الإجازة أم لا،
فيكون المراد من رفع الفسخ، رفع هذه الآثار الظاهرية، والكشف
[عن عدمها واقعا] (1).
وصرح في الكشف - على ما حكي - بأن تحريم الأم والأخت على
الزوج المجيز قبل الفسخ، من حيث احتمال كونهما أم الزوجة وأختها
في الواقع، بأن تجيز الزوجة فتكشف إجازتها عن ذلك، وكذا حرمة تصرف
من باع ماله من فضولي فيه، لاحتمال كونه مال الغير، فيكون مرددا بين
ماله ومال الغير، فيكون التحريم من باب المقدمة (2).

(1) من (ع) و (ص)، ولم تظهر في (ق).
(2) انظر كشف اللثام 2: 36.
159

وهو ضعيف، مخالف لأصالة بقائه على ملكه وعدم الإجازة، وكذا
فيما نحن فيه.
لكن الفرق بين مقالة كشف اللثام [وبين ما قلنا لا يخفى] (1)،
فإن ما ذكرناه لا دخل له بحديث المقدمة واشتباه الحرام بغيره، بل من جهة
أن العرف يفهمون من (أوفوا بالعقود) وجوب الوفاء على من تحقق منه
شرائط لزوم العقد بعد تحقق نفس العقد، نظيره ما إذا نذر أحد مالا لزيد
إن حصل له ولد، فقبل حصول المولد قيل بعدم جواز إتلاف المال،
لاحتمال حصول الولد له فيكون لزيد، وإتلافه مناف لوجوب الوفاء بالنذر،
فتدبر.
ومما يؤيد ما ذكرنا تصريح الصحيحة المذكورة (2) بوجوب عزل الإرث
لهذا المتوقع إجازته، مع الشك في أنه سيجيز ويحلف، أم لا.
ثم إن الفقرة المذكورة لا يدل - إنصافا - على وجوب ترتيب آثار
الزوجية، بل غاية ما يدل عليه قوله (يجوز ذلك عليه): أنه لا يجوز له
فسخه.
وكيف كان، فلنرجع إلى ما كنا فيه فنقول: إنه إن حلف من بلغ
وأجاز بعد موت البالغ المجيز، أخذ الميراث المعزول، والظاهر أنه يجري عليه
أحكام المصاهرة بالنسبة إلى أب الميت وابنه (3) أو بالنسبة إلى أم الميتة،
وإن مات قبل الإجازة فلا شئ.

(1) من (ع) و (ص) والكلمات غير مقروءة، في (ق).
(2) تقدمت في الصفحة: 156.
(3) في (ع) و (ص): أو ابنه.
160

وإن مات بعد الإجازة وقبل اليمين، فالأقوى عدم الإرث أيضا.
لأن اليمين من مكملات العقد بحكم النص وإن كان على خلاف الأصل،
بل من مثبتات الإجازة، حيث إنه يحتمل فيها قويا أن يكون الإجازة لمجرد
أخذ الميراث من غير رضاه واقعا بزوجية الميت لو كان حيا.
وعن القواعد الاستشكال في الإرث لو مات قبل الإجازة (1)،
فضلا عما لو مات بعدها قبل اليمين، والأقوى ما عرفت.
ثم إن (2) مقتضى الرواية أنه لو نكلت المرأة الباقية بعد موت الزوج
البالغ المجيز عن اليمين لم ترثه، فلا يثبت في تركة الزوج المهر أو نصفه.
ولو انعكس الأمر، بأن كان الباقي هو الزوج فأجاز ولم يحلف،
فالظاهر تعلق المهر في ذمته لأجل إقراره في ضمن إجازته، وإنما يحرم
بنكوله عن اليمين عن الإرث لأجل التهمة بالطمع في الإرث، مع أن اعتبار
اليمين المخالف للأصل ثبت بالنص (3) في طرف الزوجة إذا بقيت بعد الزوج،
فتأمل.
وعلى ثبوت المهر، فهل يرث الزوج منه؟ الأقوى نعم، لاستلزام
إجازته استحقاقه مقدار نصيبه من المهر على كل تقدير، لأنه إن كان صادقا
في إجازته فإرثه من المهر ثابت، وإن كان كاذبا فجميع المهر له، فاستحقاق
نصيبه من المهر ثابت على التقديرين، بخلاف غير المهر من تركتها
فإنه لا يستحق نصيبه منها على تقدير كذبه في إجازته، فاحتيج إلى اليمين.

(1) لم نقف عليه.
(2) في (ق): إنه.
(3) ليس في (ع) و (ص): بالنص.
161

وأيضا: إقراره (1) بالنكاح في ضمن الإجازة لم يتضمن الاقرار
باشتغال ذمته بجميع المهر، لتنافيهما، لأن ثبوت نكاح الميتة يستلزم انتقال
بعض مهرها إلى الزوج، بل إنما تضمن الاقرار بما عدا نصيبه منه.
ثم لو انتفت التهمة في المجيز، فهل يسقط يمينه أم لا؟ وجهان،
من إطلاق النص، فإن التهمة حكمة غالبية ولا يلزم اطرادها، فرب حكم
شرعي [تعبدي] (2) تعدى عن مورد حكمته، ومن انصراف النص
إلى الغالب من ثبوت التهمة، ففي غيره لا دليل على اليمين المخالفة للأصل،
نعم لو وجد الدليل لم يلاحظ وجود الحكمة.
واعلم أن النص إنما ورد في الصغيرين اللذين زوجهما فضوليان،
وأما غيرها كالمجنونين و الكبيرين المزوج كلاهما أو أحدهما فضولا،
والصغير والكبير المزوج كلاهما أو أحدهما فضولا، إذا مات من لزم العقد
من طرفه وبقي من يحتاج إلى إجازته، فهل يحكم بثبوت الزوجية والإرث
بمجرد الإجازة واليمين، أم لا؟ وجهان، بل قولان، منشأهما أن ثبوت الحكم
في مورد النص على طبق الأصل فيتعدى إلى كل ما وافقه (3)، أم مخالف
للأصل فيقتصر على محل النص؟
يظهر من المسالك (4) والمحكي عن جامع المقاصد: أن الحكم على

(1) في (ق): أيضا فإقراره.
(2) من (ع) و (ص).
(3) في (ع) و (ص): يوافقه.
(4) المسالك 1: 367.
162

خلاف الأصل (1)، سواء قلنا بأن الإجازة جزء السبب، أو بأنها كاشفة عن
سبق النكاح من حين العقد.
أما على الأول، فلأن موت أحد المتعاقدين قبل تمام العقد مبطل له،
كما لو مات الموجب قبل تحقق القبول.
وأما على الثاني، فلأن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد،
بل لا بد معها من اليمين، فقد حصل الموت قبل تمام السبب، خرج منه مورد
النص.
ورد بأن اليمين لا مدخلية لها في الثبوت واقعا، وإنما هي كاشفة عن
مناط الإجازة وهو الرضى الباطني بالنكاح، ولو سلم كونها شيئا مستقل
الاعتبار لا مدخل لها في الإجازة، فهي كالإجازة كاشفة لا مثبتة للنكاح
من حينها، لأن ثبوت النكاح بعد الموت لا يعقل.
وأيضا، كيف يحكم بالإرث الذي لا بد من استحقاقه وقت الموت،
والمفروض تجدد ثبوت النكاح بعد اليمين؟
نعم، وجوب اليمين بعد الإجازة على خلاف الأصل، فلا بد من
الاقتصار فيه على مورد النص، فينبغي أن يحكم في غيره بكفاية الإجازة،
لا أن ثبوت الزوجية بعد الإجازة واليمين على خلاف الأصل فيقتصر فيه
على مورد النص، إلا أن يقال: إن اليمين من مثبتات الإجازة الكاشفة عن
الرضى الواقعي بأصل التزويج.
نعم، قد يقال باعتبار قابلية المعقود عليها حين إجازة الآخر (2)،

(1) جامع المقاصد 12: 156.
(2) في (ق) و (ع): الأخرى.
163

وهي مفقودة في المقام، ولعله لاعتبار اجتماع المتعاقدين في الرضى بالعقد
في زمان وهو مفقود هنا. ولكنه محل مناقشة، لعدم الدليل على اعتبار أزيد
من تحقق رضاهما بالعقد، أما اجتماعهما في الرضى، أو رضى أحدهما مع بقاء
قابلية الآخر، فلا دليل عليه.
ثم إن بعض من جعل الحكم مخالفا للأصل، تعدى إلى بعض الموارد
من غير المنصوص، إما لأجل مساواته له بتنقيح المناط، وإما لأجل
أولويته بالحكم من المنصوص، فألحق العقد الفضولي للمجنونين بالصغيرين،
للمساواة.
وفيه نظر، بعد فرض مخالفة الحكم للأصل.
وكذا لو كان العاقد على الصغيرين أحدهما الولي والآخر فضولي،
فمات من عقد له الولي قبل بلوغ الآخر.
وقد يقال: بتعدي الحكم المنصوص إليه بطريق أولى، لأن العقد
في المنصوص جائز من الطرفين، وهنا لازم من أحدهما، ولا يخلو من نظر،
كالحكم بالصحة فيما إذا كان أحدهما كبيرا زوج نفسه أصالة من صغير
فضولا.
وكيف كان، فإذا فرض مخالفة الحكم للأصل، يشكل التعدي بمجرد
المساواة المترائية أو الأولوية الاعتبارية الظنية.
(ويستحب للبالغة) الرشيدة (أن تستأذن أباها) في العقدة لما مر
في الأخبار الدالة بظاهرها على أن أمرها بيده (1)، المحمولة على تأكد أن تجعل

(1) تقدمت في الصفحة: 113 وما بعدها.
164

أمرها إليه، وفي بعضها التعليل بأنه (أنظر لها) (1)،
(و) من عموم التعليل
يعلم أن (مع عدمه) أي عدم الأب (توكل أخاها استحبابا)، لأنه أنظر
لها من غيره بعد الأب.
(ولو تعددوا وكلت الأكبر) لمرسلة ابن فضال عن الرضا عليه السلام: أن
(الأخ الأكبر بمنزلة الأب) (2).
(و)، لو بادر أخواها فعقدها (3) كل واحد منهما لشخص، أو تشاح
الأخوان في تزويجها بشخصين، استحب لها (اختيار ما يختاره الأكبر)
للمرسلة.
(ولو وكلت أخويها) في تزويجها بمن شاءا (فإن أوقعا عقدين
لشخصين، قدم الأول) لوقوعه صحيحا لازما المستلزم لبطلان الثاني
(فإن دخلت) المرأة (بالثاني)، المحكوم ببطلان عقده (فرق بينهما)
لأنها زوجة غيره (وألزم) المتأخر (المهر) بوطء الشبهة إن كانت المرأة
جاهلة (و) إن أتت بولد منه (لحق به الولد) لثبوت النسب (4) بالشبهة
كالصحيح (واعتدت) مع الجهل ولو من أحدهما - لصدق وطء الشبهة
الموجب للعدة واحترام النطفة - بوضع الحمل إن كانت حاملا، وبالأقراء
إن كانت حائلا (وأعيدت إلى الأول) هذا مع تقدم (5) عقد أحدهما.

(1) الوسائل 14: 202، الباب 3 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 6.
(2) الوسائل 14: 213، الباب 8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 6.
(3) في (ع) و (ص): فعقداها.
(4) في (ص) و (ع): النسبة.
(5) في (ع) و (ص): عدم تقدم. وهو خطأ.
165

ومع اقتران العقدين بطلا على المشهور ظاهرا، لأن الحكم بصحة
أحدهما دون الآخر ترجيح من غير مرجح، ويترتب عليه أنه لو دخلا مع
الجهل لزم كلا منهما مهر المثل، ويجب عليها العدة من كل منهما بالترتيب،
وحكم الولد سيجئ.
(ولو) تحقق العقد بين رجل أو وكيله وبين شخص آخر عن امرأة
ثم (ادعى الزوج) المنكر لتحقق الزوجية المعترف بالعقد على المرأة
(عدم إذنها، قدم قولها) من غير يمين إن صححنا الفضولي في النكاح،
لأن دعوى الإذن من الزوجة في قوة الإجازة اللاحقة على فرض عدم تحقق
الإذن السابق، لأنها صريحة في الرضى بالعقد، ومع فرض عدم صراحتها
فيه أو عدم دلالتها عليه فلا وجه لليمين أيضا، لانقطاع الدعوى بإجازتها
مجددا فيثبت النكاح، أو ردها فيبطل العقد، فثبوت العقد وعدمه موقوف
على فعل اختياري للزوجة.
وأما لو أبطلنا الفضولي، أو صححناه لكن وقع من الزوجة كراهة
للعقد بحيث لا ينفع معها الإجازة اللاحقة، فيحتاج إلى اليمين، ووجه لقديم
قولها أن الإذن فعلها [فهي] (1) أعرف، وأنها تدعي الصحة، فيقدم قولها
(مع اليمين).
ولو انعكست الدعوى، بأن ادعى الزوج عليها الإذن وأنكرته،
فمع عدم الدخول لا إشكال في أن القول قولها مع اليمين، لأصالة عدم الإذن،
ولا يعارضها أصالة الصحة.
أما على القول بصحة الفضولي فظاهر، لأن عدم إذنها لا ينافي صحة

(1) في النسخ: (فهو)، وما أثبتناه هو الصحيح.
166

العقد الواقع حينئذ.
وأما على القول ببطلان الفضولي، فلأن صحة العقد التي يدعيها الزوج
إنما يسنده إلى فعل [يدعيه] (1) على المرأة، وهي تنكره، والأصل عدم وقوع
ذلك الفعل وإن ترتب عليه فساد العقد.
هذا مع عدم الدخول، وأما مع الدخول فقد يقال بتقديم قوله، لأن
الدخول قرينة على إذنها، لأصالة المشروعية فيه وعدم الشبهة، وفيه نظر.
(و) اعلم أنه (ليس لوكيل الرشيدة أن يزوجها من نفسه، إلا بالإذن)
الخاص، كأن تقول له: زوجني من نفسك، فيجوز حينئذ (2) التزويج لوجود
المقتضي وعدم المانع، عدا ما يتوهم من رواية عمار (3) الضعيفة، وعدم جواز
كون الواحد موجبا قابلا، وهو أضعف من الرواية.
أما مع عدم الإذن الخاص، فإن انتفى الإذن مطلقا، بأن قالت له:
زوجني من غيرك، أو من فلان، فلا إشكال في أن تزويجها لنفسه يقع
فضوليا، وكذا مع ثبوت الإذن المطلق بأن [تقول:] (4) زوجني، أو زوجني
من رجل، بل في المسالك أنه لا خلاف في عدم الجواز حينئذ (5)،
ولعله لانصراف الاطلاق إلى غير الوكيل، فهو بضميمة الانصراف بمنزلة
.

(1) في النسخ: (يدعيها)، وما أثبتناه هو الصحيح.
(2) في (ع) و (ص): له حينئذ.
(3) الوسائل 14: 217، الباب 10 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 4
(4) في النسخ: (يقال). وما أثبتناه هو الصحيح.
(5) المسالك 1: 362.
167

[قولها:] (1) زوجني من غيرك.
وأما مع العموم بأن تقول: زوجني ممن شئت، أو من أي رجل، فقد
يستظهر أيضا العدم، بناء على عدم ظهور العموم في شموله لنفس الوكيل،
فلا اعتبار بأصالة الحقيقة فيه. ولكن المتجه على القواعد الجواز، إلا أن يفهم
من القرائن إرادة غيره فيتبع.
(وللجد) الولي على الجارية (أن يزوجها من ابن ابنه الآخر)
الصغير ولاية، أو الكبير فضولا، لوجود المقتضي وعدم المانع لجواز تولي
طرفي العقد.
واعلم أن مقتضى الأصل عدم صحة التزويج بدون رضى المزوجة،
وعدم ثبوت الولاية الاجبارية لغيرها عليها، فلا بد من الاقتصار فيها على
المورد الذي دل عليه الدليل.
إذا عرفت هذا فنقول: إذا زوج الأب والجد الصغيرة، فإما أن
يزوجاها بكفء بمهر المثل، وإما أن يزوجاها بغيره بمهر المثل، وإما أن
يزوجاها به (2) بدون مهر المثل.
فإن زوجاها من الكفء بمهر المثل، فليس لها الاعتراض بعد البلوغ،
سواء كان ذلك على وجه المصلحة، أو لا يكن فيه مفسدة ولا مصلحة،
لاطلاق الأخبار الدالة على الولاية (3) الشاملة لها إذا لم يكن مصلحة
ولا مفسدة، بل الأخبار الكثيرة وردت في استحباب تزويج كل هن يخطب

(1) في النسخ: (قوله)، وما أثبتناه هو الصحيح.
(2) في (ع) و (ص): أو يزوجانها بالكفء.
(3) الوسائل 14: 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
168

إذا كان كفئا لمجرد إجابته (1)
ولو زوجاها من غير الكفء فالظاهر أن لها الاعتراض بعد البلوغ في
فسخ العقد، سواء كان بمهر المثل أو بدونه، وسواء كانت المصلحة (2) أم لا،
بناء على أن الكفاءة شرط في لزوم العقد الصادر من الولي، للأصل المتقدم،
وانصراف ما دل من أخبار الولاية بحكم الغلبة الملحقة للنادر بالمعدوم
إلى التزويج بالكفء، وحينئذ فيقع التزويج الصادر فضوليا، لها رده بعد
البلوغ.
ولو زوجاها بالكفء بدون مهر المثل، فإن كان لأجل مصلحتها،
فليس لها الاعتراض على الأقوى، لا في العقد ولا في المهر.
أما في العقد، فلاطلاق أخبار الولاية الشامل لجميع أفراد التزويج
بالكف ء، وأنه يجوز عليها تزويج الأب.
وأما عدم اعتراضها في المهر، فلثبوت الولاية له عليها في مالها (3)،
وله أن يتصرف في مالها (4) كل ما كان لها فيه مصلحة، فإذا جاز إسقاط مالها
عن ذمة الغير لمصلحتها جاز تقليل مهرها بطريق أولى.
ويدل على هذا المطلب جميع ما ورد (5) في الولاية المالية للأب والجد،

(1) الوسائل 14: 50، الباب 28 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
(2) في (ع) و (ص): فيه المصلحة.
(3) في (ق): ماله.
(4) في (ق): ماله.
(5) مثل ما ورد في الوسائل 12: 194، الباب 78، و 198، الباب 79 من أبواب
ما يكتسب به.
169

فإن المتيقن منها جواز كل ما اقتضاه المصلحة من التصرفات.
وإن كان لا لمصلحة، فالظاهر أن لا اعتراض لها في العقد، للاطلاقات.
ودعوى انصرافها بحكم الغلبة إلى التزويج من الكفء بمهر المثل مع
عدم اقتضاء المصلحة للنقص عنه، مدفوعة بأن الظاهر من أخبار ولاية
الأب والجد أن ولايتهما على الصغير لشئ من باب ولاية الحسبة والغبطة، بل
ولايتهما عليه كولاية المولى على العبد، كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وآله
وسلم:
(أنت ومالك لأبيك) (1)، وألزم عليه السلام بذلك من قدم عقد الأب على عقد (2)
الجد
ويرشد إليه قوله عليه السلام: (جاز عليها تزويج الأب وإن كانت
كارهة) (3)، ويؤيده جواز عفوهما عن نصف المهر في الطلاق (4).
نعم، يمكن أن يقال: إن النكاح لما كان فيه جهة المعاوضة للبضع
بالمهر، كان في صبر المزوجة على أقل من مهر المثل بإزاء بعضها ضرر في
كثير من المواضع، كما إذا زوجها بعشر مهر المثل أو نصف عشره، فإن الصبر
على ذلك مشقة عظيمة، سيما على ما نشاهد من أن في تقليل المهر عند النساء
غضاضة وعارا لا يتحملنه، بل ربما (5) تقنع بعضهن بمجرد اشتغال ذمة الزوج

(1) ليس في (ع) و (ص): عقد.
(2) الوسائل 14: 218 - 219، الباب 11 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد،
الحديث 5.
(3) الوسائل 14: 215، الباب 9 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 7.
(4) ليس في (ع) و (ص): في الطلاق.
(5) في (ع) و (ص): ولا سيما.
170

بالصداق الكثير في متن العقد ثم تبرئ ذمته منه أو تصالحه على شئ
قليل.
وبالجملة، فصبر النساء على قلة المهر فيه مشقة عظيمة وغضاضة
عند الأقران، وحيث إن الضرر والحرج منفيان في الشريعة، وجب تداركه
بثبوت الاعتراض للمرأة.
لكن هذا الدليل إنما يثبت الاعتراض في المهر خاصة، ويبقى أدلة
جواز تزويج الولي عليها وأنه ليس لها أمر بحاله.
فإن قلت: إن التزويج الواقع من الولي بمهر معين شئ واحد، إن
جاز لها الاعتراض فيه جاز الاعتراض (1) في أصل العقد، وإلا لم يجز مطلقا،
وليس الواقع في الخارج من الولي أمرين، تجيز المزوجة أحدهما وترد الآخر.
وبعبارة أخرى: التزويج الخاص الواقع من الولي إن كان لازما
فلا اعتراض لها أصلا، وإن كان موقوفا على إجازتها جاز لها رد أصل
التزويج، بل معنى الاعتراض: الاعتراض في هذا الأمر الواقع، ولذا لا يجوز
في التزويج الفضولي إجازة أصل العقد ورد المهر إلى مهر آخر مغاير
للمسمى قدرا أو عينا، نعم قد ينفسخ المهر (2) ويرجع إلى مهر المثل مع بقاء
أصل النكاح بحاله فيما إذا كان منشأ بطلان المهر أمرا آخر غير عدم قبول
أحد المتعاقدين.
قلت: هذا كله كلام ظاهري، لأن الدليل دل على جواز التزويج

(1) في (ع) و (ص): لها الاعتراض.
(2) في (ع) و (ص): العقد.
171

الواقع من الولي، وقد عرفت منع دعوى انصرافه إلى غير صورة النزاع،
لما عرفت من أن ولاية الأب والجد ولاية سلطنة وقهر كولاية المولى على
العبد، لا ولاية غبطة وحسبة كولاية الحاكم، إلا أن لزوم الضرر في الصبر
على دون مهر المثل دل على عدم وجوب الصبر عليه.
ولما لم يكن النكاح من باب المعاوضة المحضة، بأن يلزم من عدم
إمضاء أحد العوضين ردا لآخر، بل وجدنا موارد تفكيك النكاح عن
الصداق المسمى في العقد، اقتصر في دفع الضرر على الاعتراض في المهر
خاصة، كيف وإن عملنا بمقتضى كون ما وقع في الخارج أمرا واحدا شخصيا،
لزم بحكم العقل استحالة الحكم بثبوت العقد دون المهر، أو ثبوت الخيار في
المهر دون العقد، ولم يقبل ذلك التخصيص، فتدبر.
والحاصل، أن تزويج الولي بمقتضى العمومات، الأصل فيه اللزوم
والجواز على المزوجة، وقد عرفت منع دعوى الانصراف، إلا أن نفي الضرر
والحرج دل على عدم وجوب صبر المزوجة على الصداق المسمى،
والمفروض أنه لا يستحيل في الشرع الحكم على العقد باللزوم وعلى الصداق
بعدمه، بل بعدم الصحة، فجمعنا بين مقتضى ما دل على لزوم التزويج عليها
وما دل على نفي الضرر عليها.
وأما حديث عدم جواز التفكيك بين العقد الفضولي والصداق المسمى
فيه بإجازة الأولى دون الثاني، فقياس مع الفارق، لأنا نعترف بأن التزويج
الواقع على صداق مسمى أمر واحد مشخص (1) في الخارج، لا يجوز لأحد
الزوجين إجازة التزويج دون الصداق. إذ ليس إلا إنشاء واحد إن أجيز

(1) في (ع) و (ص): شخصي.
172

جاز وإن رد رد من أصله، فإن إجازة التزويج الواقع بغير ذلك الصداق
ليست إجازة للعقد بالبداهة.
لكن نقول: إن الشارع قد حكم في موارد كثيرة بلزوم التزويج دون
الصداق، فأدلة نفي الضرر في المقام لا يثبت إلا جواز الاعتراض في
الصداق، ولا دليل على جواز الاعتراض في العقد، وفرق بين بين تفكيك
المعقود له أو عليه بين التزويج والصداق المسمى فيه بأن يجيز أحدهما دون
الآخر، وبين حكم الشارع بلزوم أحدهما، ويجئ الدليل من الخارج على
توقف الآخر على إجازة المجيز.
ولذا لو قال الموجب: بعتك هذا بهذا، فقال القابل: قبلت نصفه
بنصفه، لم يكن القبول طابقا للايجاب، لأن الايجاب إنشاء واحد لم يحصل
قبوله من القابل، وأما إذا قبل الكل بالكل ثم ظهر النصف مستحقا للغير،
فإنه يحكم بلزوم العقد بالنسبة إلى النصف الغير المستحق، مع أن العقد
غير قابل للتبعض. لأنه إنشاء واحد.
ومما يؤيد ما ذكرنا: أنهم حكموا بأنه (1) إذا أذن المولى في التزويج
بمهر المثل أو مطلقا - بناء على انصراف الاطلاق إلى مهر المثل - فتزوج
العبد بأزيد منه بصحة التزويج وتعلق الزائد عن مهر المثل في ذمة العبد.
ولا يخفى أن المأذون شئ واحد، وهو التزويج بمهر المثل، ولم يقع،
وما وقع لم يأذن (2) فيه، فكان مقتضى الايراد توقف أصل العقد على

(1) في (ع) و (ص): فيما.
(2) في (ع) و (ص): يؤذن.
173

الإجازة، مع أنهم لم يقولوا [به] (1) معللين بأن التعدي إنما كان في مهر المثل،
فالتزويج بحاله.
نعم، حكي (2) عن جامع المقاصد أنه قال فيه: إن الأنسب بالقواعد
ثبوت الخيار للمولى في العقد أو الصداق (3)، انتهى.
ولا يخفى أنه لو قلنا هناك بالخيار في العقد لم يلزم القول به هنا،
فتدبر (4).
ولك أن تقول في المقام: إن معنى (أن لها الاعتراض في المسمى)،
ليس هو التسلط على فسخه والرجوع إلى مهر المثل، بل معناه: أن المزوجة
لها التسلط على مطالبة الزوج بما يزيد على المسمى، بحيث يكون المجموع
بقدر مهر المثل.
وتظهر الثمرة بين هذا المعنى وبين ثبوت الخيار لها في فسخ المسمى
والرجوع إلى مهر المثل، فيما إذا كان الصداق المسمى عينا، فإنها بعد الفسخ
ترجع إلى مهر المثل في ذمة الزوج، وأما على هذا المعنى فإن ملكها باق على
العين (5) المسمى صداقا، ولها طالبة الزوج بالزائد، وبين الرضى بذلك (6)

(1) من (ع) و (ص).
(2) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر 29: 225.
(3) جامع المقاصد 12: 164.
(4) لم تظهر في مصورة (ق): فتدبر.
(5) في (ع) و (ص): المعين.
(6) في (ص) و (ع): بتلك.
174

العين الذي هو في معنى إسقاط ما يطلبه، كرضى مشتري (1) المعيب به من
غير أرش.
ثم على كل تقدير، لو أعرضت المزوجة وألزم الزوج بمهر المثل،
فهل له الفسخ، لأنه إنما أقدم على تزوجها (2) بالمسمى، أم لا؟ أم فيه تفصيل
بين علم الزوج بالحال الموجب لاقدامه على التزويج وإن آل الأمر إلى
الاعتراض والالزام بمهر المثل، وبين جهله بالحال؟ وجوه، والمسألة مشكلة
من أن إلزامه بأزيد مما أقدم عليه ضرر، ومن أصالة اللزوم وعدم الدليل
على الخيار، وأن مهر المثل قيمة المثل للبضع فبذله في مقابله لا يعد ضررا.
هذا كله (إذا زوجها بدون مهر المثل، أو) بغير الكفء.
أما إذا زوجها (بالمجنون) الكفء بمهر المثل (أو الخصي أو العنين)،
فالأقوى أن لها الاعتراض أيضا، لعموم نفي الضرر (3)، مع انصراف أدلة
الولاية إلى غير هذه الصورة. واستدل عليه في المسالك بوجود العيب
الموجب له لو كان هو المباشر جاهلا، وفعل الولي له حال صغره بمنزلة
الجهل (4)، وتبعه في هذا الاستدلال بعض المعاصرين (5).
وفيه: منع المنزلة المدعاة، واختصاص ما دل على الفسخ بأحد

(1) في (ع) و (ص): كرضى المشتري.
(2) في (ع) و (ص): تزويجها.
(3) الوسائل 17: 333، الباب 7 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2.
(4) المسالك 1: 365.
(5) هو صاحب الجواهر في الجواهر 29: 212.
175

العيوب (1) بما إذا جهل الزوج، لا ما إذا عقد الولي مع العلم، بل يمكن
أن يقال: إن عقد الولي على المولى عليه قبل الكال بمنزلة عقد الولي عليه
بعده، فكا لا خيار له لو عقد مع العلم، فكذا لو عقد وليه مع العلم،
فالأولى في الاستدلال ما ذكرنا.
نعم، يشكل الحكم مع المصلحة، كما إذا كانت المرأة رتقاء (2)
أو قرناء (3) أو مجنونة بالجنون الأدواري، بحيث لا يحصل لها (4) كفء
غير هؤلاء المعيوبين.
(وكذا) الحكم (لو زوج الطفل بذات عيب) من العيوب الثلاثة،
وغيرها من عيوب المرأة المجوزة للفسخ.
(وأما لو زوجها من مملوك لم يكن لها الفسخ) لعدم ضرر عرفا
في ذلك.
(وكذا) لا اعتراض للصبي (لو زوجه بمملوكة على رأي) خلافا
لمن قال بعدم جواز نكاح الأمة بدون خوف العنت المنفي في حق الصغير (5).
(ويكفي في إذن البكر) حيث يعتبر (سكوتها) على المشهور،

(1) الوسائل 14: 592، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس.
(2) الرتق: هو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه للذكر مدخل. مجمع البحرين
5: 167، مادة: (رتق).
(3) القرن: لحم ينبت في الفرج في مدخل الفرج، وقد يكون عظما. مجمع البحرين.
6: 299، مادة: (قرن).
(4) وفي النسخ: له.
(5) انظر جامع المقاصد 12: 144، وجواهر الكلام 29: 213.
176

وفي المسالك: لا نعلم فيه مخالفا منا إلا ابن إدريس (1)، ولعله للأصل، ولعدم
صدق الإذن عليه، وعدم دلالته على الرضى، وطرح ما دل من الأخبار (2)
على ذلك وإن كانت صحيحة.
وعن بعض: إلحاق الضحك بالسكوت (3)، وعن آخر: إلحاق البكاء به (4).
(وتكلف الثيب النطق) للأصل والأخبار (5).
والمراد من (الثيب): من ذهبت بكارتها بجماع أو غيره، قبالا للبكر،
ولكن (6) إطلاق الثيب ينصرف إلى من ذهبت بكارتها بالوطء.
(ويجوز أن تزوج البالغة) الرشيدة (نفسها من غير ولي) سواء
قلنا باستقلالها أم لا، إذ غاية الأمر على الثاني وقوع العقد الصادر منها
فضوليا موقوفا على إجازة وليها، وليست مسلوبة العبارة، خلافا للمحكي
عن بعض العامة (7).
(ولا ولاية للكافر والمجنون والمغمى عليه) أما عدم ولاية الكافر

(1) السرائر 2: 569، والمسالك 1: 364.
(2) الوسائل 14: 206، الباب 5 من أبواب عقد النكاح.
(3) منهم ابن البراج في المهذب 2: 194، والمحقق الكركي في جامع المقاصد
12: 121، وصاحب المدارك في نهاية المرام 1: 85.
(4) المهذب 2: 194.
(5) الوسائل 14: 206، الباب 5 من أبواب عقد النكاح، الحديث الأول.
(6) في (ع) و (ص): لكن.
(7) انظر بداية المجتهد 2: 8.
177

على المسلم والمسلمة، فلنفي السبيل له عليهما، وأن (الاسلام يعلو ولا يعلى
عليه) (1)، وقد تقدم الكلام فيه (2).
وأما عدم ولاية المجنون والمغمى عليه، فلعجزهما عن القيام بوظائف
الولاية من اختيار الأزواج، والنظر في أحوالهم، وإدراك التفاوت بينهم (3).
وفيه: أنه إن أريد من ذلك عدم صحة العقد أو الإذن الواقع منهم
في هذا الحال، فهو مسلم، لكنه لا يوجب ارتفاع الولاية بمعنى عدم انتظار
زوال عذرهم مع عدم الحرج والمشقة فيه.
[وإن أريد زوال ولايتهم] (4) فهو ممنوع، لم لا يجوز أن يكون العذر
كالنوم وغيره من أسباب العجز؟ نعم، لو ثبت إجماع على زوال الولاية
منهما فهو المتبع.
(فإن زال المانع عادت الولاية، مع وجود مناطها، كالأبوة والجدودة
والحكومة، قيل (5): لا كالوصاية، فإن عود الولاية في الوصي بعد زوال المسقط
يحتاج إلى دليل، وقد يقال: إن ذلك حسن، إذا قلنا بالولاية بمجرد الوصاية
المطلقة، أما إذا خصصناها بما إذا نص الموصي على الولاية في النكاح
- كما هو أحد الأقوال في المسألة (6) - فيعود بزوال العذر.

(1) الوسائل 17: 376، الباب الأول من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.
(2) تقدم في الصفحة: 127 - 128.
(3) في (ع) و (ص): بينهم، كذا قالوا.
(4) من (ع) و (ص).
(5) جامع المقاصد 12: 106.
(6) المصدر السابق.
178

(ولا) ولاية للمولى (على من تحرر بعضه) وإن لم يجز له التزويج
إلا بإذنه.
(ولو اختار الأب زوجا، لصغيرته (والجد) زوجا (آخر، قدم
اختيار الجد) لصحيحة محمد بن مسلم (1) وموثقة عبيد بن زرارة بابني فضال
وبكير (2).
(فإن عقدا قدم السابق) أبا كان أو جدا (فإن اقترنا)، بالفراغ
من قبولهما في زمان واحد (قدم عقد الجد)، لصحيحة هشام بن سالم ومحمد
ابن حكيم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا زوج الأب والجد
كان التزويج للأول، فإن كانا جميعا في حالة واحدة فالجد أولى) (3).
وفي حكم الجد أب الجد وجد الجد مع مزاحمة الأب لصدق الجد
على الكل، فيدخل في المنصوص.
وهل الجد مع أبيه في حكم ابنه معه، أم لا؟ إشكال، من عدم النص،
ومما يستنبط من بعض الأخبار من أولوية الأب من (4) استدلال
الإمام عليه السلام على صحة تزويج الجد بدون إذن الأب بما روي عن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن جاء يستعدي على أبيه: (أنت ومالك
لأبيك) (5).

(1) الوسائل 14: 217، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث الأول.
(2) الوسائل 14: 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.
(3) الوسائل 14: 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.
(4) في (ع) و (ص): ومن.
(5) الوسائل 14: 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 5.
179

(و) اعلم أن مقتضى الأدلة الأربعة أنه (لا يجوز نكاح الأمة
إلا بإذن مالكها) سواء (في) ذلك (الدائم والمنقطع وإن كان) المالك
(امرأة على رأي (1) [خالف فيه فجوز التمتع بها بدون إذن مولاتها] (2)
مستندا إلى بعض الأخبار الصحيحة (3) الغير المقاوم (4) للأدلة العقلية (5)
والنقلية (6)، وبعض الاعتبارات، مثل: أن أمة المرأة محرومة عن الوطء،
وربما لم تأذن لها مولاتها في التزوج، فجعلها الشارع في هذا الأمر بخصوصه
مستقلة غير محجورة، ولا يلزم من ذلك منافاة للعقل والنقل إلا بملاحظة
أدلة الحجر على المملوكة، وأن نفسها ومنافعها وبضعها مال المولى (7)،
ولا يبعد تخصيص تلك الأدلة بالصحيحة الواردة في الباب.
(وولد الرقيقين رق لمولاهما) بلا خلاف على الظاهر المصرح به
في المسالك (8) إذ لا وجه لحريته مع أنه نماء الملك.
(فإن تعدد) المالك لهما (فالولد بينهما) على المشهور، لأنه نماء
ملكهما، إذ لا مزية لأحد ما على الآخر والنسب لاحق بهما، بخلاف باقي

(1) ذهب إليه الشيخ الطوسي قدس سره في النهاية: 490.
(2) ما بين المعقوفتين من هامش (ق).
(3) الوسائل 14: 463، الباب 14 من أبواب المتعة.
(4) في (ع) و (ص): المقاومة.
(5) والتي منها قاعدة قبح التصرف بمال الغير بدون إذنه.
(6) الوسائل 14: 463 - 464، الباب 15 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 3.
(7) راجع الوسائل 13: 144، الباب 4 من أبواب أحكام الحجر، والوسائل
14: 527، الباب 29 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(8) المسالك 1: 407.
180

الحيوانات فإن النسب غير معتبر، والنمو والتبعية لا حق للأم. كذا فرق، وفيه
خفاء كما صرح به غير واحد (1)، ولعله لذا حكي عن الحلي إلحاقه بالأم
كما في سائر الحيوانات (2).
[هذا إذا لم يشترطه أحدهما لنفسه] (3) (ولو شرطه أحدهما ملكه)
لعموم: (المؤمنون عند شروطهم) (4).
(ولو كان أحد أبويه حرا تبعه الولد) إن كان وطأها بالملك إجماعا
ظاهرا، وكذا إن وطأها بالتحليل أو التزويج على المشهور؟ للأخبار
المستفيضة (5) القريبة المذكورة أكثرها في الكافي (6)، خلافا للمحكي عن
الإسكافي (7)، فحكم برقية الولد مطلقا، أو إذا كان الزوج حرا على اختلاف
الحكايتين، ومستنده فيما إذا كان الزوج حرا بعض الأخبار (8)، لكنها - على
ما وجدت - مختصة كلا بما إذا كان الزوج حرا.
والأقوى ما عليه المشهور، لاعتضاد روايته بالكثرة، وموافقة

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 407، انظر الحدائق 24: 208.
(2) حكاه عنه الشهيد في المسالك 1: 407.
(3) من (ع) و (ص).
(4) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
(5) الوسائل 14: 528 - 529، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء،
الأحاديث 1 - 6.
(6) الكافي 5: 492.
(7) حكاه عنه العلامة في المختلف: 568.
(8) الوسائل 14: 530 - 531، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء،
الأحاديث 10 - 14، وانظر الحدائق 24: 210 - 212.
181

المشهور، ومخالفة بعض الجمهور على ما قيل (1). ويؤيده مصير الإسكافي إليه،
ومع ذلك كله فلو سلم التكافؤ وجب الرجوع إلى الأصول، وهي مع الحرية
كما لا يخفى.
واستثنى من هذا الحكم على المشهور صورة واحدة، أشار إليها بقوله:
(إلا أن يشترط المولى الرقية) فيسترق حينئذ على قول مشهور، ضعيف
المأخذ - كما في الروضة (2) والرياض (3) - وهي رواية أبي بصير عن
أبي عبد الله عليه السلام - كما عن (4) الاستبصار - قال: (لو أن رجلا دبر جارية
ثم زوجها من رجل فوطأها، كانت جاريته وولدها منه مدبرين،
كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكتهم، كان ما ولد لهم مماليك) (5).
فإن ظاهرها الحكم برقية الولد، لكنه محمول على ما إذا شرط (6)
على الأب رقية الولد، لأن الأخبار المستفيضة الدالة على حرية الولد بحرية
أحد أبويه ناصة في الحرية مع عدم اشتراط الرقية، لأنه المتيقن من أفرادها،
ظاهرة فيها مع اشتراط الرقية، وهذه الرواية نص في الرقية في صورة
الاشتراط، لأنها المتيقنة من إطلاقها، ظاهرة فيها في صورة عدم الاشتراط،

(1) قاله الشيخ في الاستبصار 3: 203، ذيل الحديث 736.
(2) الروضة البهية 5: 313.
(3) الرياض 2: 120.
(4) في (ع) و (ص): في.
(5) الإستبصار 3: 203، الحديث 735، وعنه الوسائل 14: 530، الباب 30 من
أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 10.
(6) في (ع) و (ص): اشترط.
182

فينبغي رفع اليد عن (1) ظاهر كل بنص الآخر.
ويؤيد هذه الرواية بعض الروايات الأخر (2)، الدالة بظاهرها
على مذهب الإسكافي، التي يمكن حملها على صورة اشتراط الرقية جمعا
كما عرفت. ولا ينافي ذلك موافقة أخبار الرقية بإطلاقها للتقية، إذ لا منافاة
في أن يكون العام الصادر عن المعصوم عليه السلام بظاهره موافقا لمذهب العامة،
وأريد به (3) الخاص الموافق للحكم الواقعي بقرينة منفصلة، بل هذا أحسن
أفراد التقية.
لكن الانصاف، أن روايات الحرية على الاطلاق أقوى دلالة وأكثر
عددا، مع أن الجمع المذكور لا شاهد عليه، فالواجب في مثله مع عدم
المرجح بين (4) الأخبار الرجوع إلى مقتضى الأصول.
وأما حديث وجوب الوفاء بالشروط والعقود المتضمنة لها،
فلا ربط له بما نحن فيه، لأن رقية الولد ليس مما يملكه الشخص حتى يلتزم
به، فإن الحق فيه لله سبحانه ولا تسلط للعباد عليه، فليس رقية الولد قابلا
لأن يلتزم به الشخص حتى يجب الوفاء به، كما لا يجوز اشتراط رقية
ولد الحرين، وهذا واضح.
ثم إذا قلنا بفساد هذا الشرط، ففي فساد العقد المشروط به وجهان،

(1) في (ع) و (ص): من.
(2) الوسائل 14: 530 - 531، الباب 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء،
الأحاديث 11 - 14.
(3) في (ع) و (ص): منه.
(4) في (ع) و (ص): من.
183

بل قولان. وعلى تقدير فساد العقد، فلو وطأ عالما كان الولد رقا من حيث
إنه زنى، ومع الجهل لا.
(ولو تزوج الحر الأمة) دواما أو انقطاعا (بغير إذن المالك)
وإن كان امرأة - على ما مر (1) - (ووطأها قبل) حصول الإجازة من المالك
التي يكفي فيها (الرضى، عالما بالتحريم، فهو) عاص (زان) كما يدل عليه
موثقة أبي العباس (2)، وروايته الأخرى (3).
(و) حينئذ يجب (عليه الحد، و) أما (المهر) فلا إشكال
عندهم في ثبوته عليه (إن كان أكرهها (4) على الوطء (أو كانت جاهلة)
بلا خلاف ظاهرا، وإن اختلف في أنه المسمى، أو مهر المثل، أو العشر،
أو نصفه.
(والولد رق) بلا خلاف أيضا كما في الحدائق (5)، مستشهدا عليه
بمرسلة جميل في من أقر على نفسه أنه غصب جارية، فولدت الجارية
من الغاصب، قال عليه السلام: (ترد الجارية والولد على المغصوب) (6)، لكن

(1) تقدم في الصفحة: 180.
(2) الوسائل 14: 527، الباب 29 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
(3) الوسائل 14: 527، الباب 29 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
(4) في (ع) و (ص): قد أكرهها.
(5) الحدائق 24: 215.
(6) الكافي 5: 556، الحديث 9، الوسائل 14: 571، الباب 61 من أبواب نكاح
العبيد والإماء. وفي الوسائل لم يذكر جميل، بل رواه عن علي بن حديد عن بعض
أصحابه عن أحدهما عليهما السلام.
184

موردها الزنى لا التزويج.
(ولو كانت)، الأمة (عالمة مختارة فلا مهر و) إن (حدت)، على
ما اختاره المصنف قدس سره، وحكي عن جماعة (1)، لأصالة البراءة، ولأنه (2)
(لا مهر لبغي) (3).
وقيل بثبوت المهر (4)، لأنه عوض البضع المستوفى، وهو ملك المولى،
ولا دخل لاختيار الأمة وعلمها في ذلك، والمهر ليس لها حتى تمنع عنه
لبغائها، فإن المنفي استحقاقها للمهر بسبب البغاء، وهي امرأة تكون
من شأنها الاستحقاق، والأمة ليست كذلك، فالخبر النافي لمهر البغي مختص
بمن تستحقه (5) لولا البغاء.
مع أن ظاهر لفظ إلى في الخبر قرينة على إرادة الحرة من البغي، لأنه
يقال [لها] (6): بنت مهيرة، في مقابل الأمة.
ولفحوى صحيحة الفضيل - المروية في الكافي - عن أبي عبد الله عليه السلام

(1) منهم المحقق في الشرائع 2: 310، وحكى هذا القول عن جماعة المحقق الكركي في
جامع المقاصد 13: 75، والبحراني في الحدائق 24: 216، وصاحب الجواهر في
الجواهر 30: 218.
(2) في (ع) و (ص): وأنه.
(3) لم نجده بهذا اللفظ، نعم في سنن البيهقي (6: 6): (نهى النبي
صلى الله عليه وآله وسلم عن... مهر البغي).
(4) حكاه المحقق الكركي في جامع المقاصد 13: 75، والبحراني في الحدائق
24: 216.
(5) في (ع) و (ص): بمستحقه.
(6) من (ع) و (ص).
185

قال: (قلت له: جعلت فداك ما تقول في رجل له جارية نفيسة وهي بكر،
أحل لأخيه ما دون فرجها، أله أن يفتضها؟ قال: لا، ليس له إلا ما أحل
له منها، ولو أحل له قبلة منها لم يحل له ما سوى ذلك، قلت: أرأيت إن
أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال: لا ينبغي له ذلك،
قلت: فإن فعل أيكون زانيا؟ قال: لا، ولكن يكون خائنا ويغرم لصاحبها
عشر قيمتها إن كانت بكرا، وإن لم تكن فنصف عشر قيمتها) (1).
ونحوها الصحيح في رجل تزوج امرأة فوجدها أمة دلست نفسها؟
قال: (إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد قلت:
فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال: إن وجد مما أعطاها شيئا
فليأخذه، وإن لم يجد شيئا فلا شئ له عليها، وإن كان زوجه إياها ولي له،
ارتجع على وليها بما أخذته، ولمواليها عشر قيمتها إن كانت بكرا، وإن كانت
غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها، قال: وتعتد منه عدة
الأمة. قلت: فإن جاءت منه بولد؟ قال: أولادها منه أحرار إذا كان النكاح
بغير إذن الموالي) (2).
دل على سببية استحلال الفرج للعشر ونصف العشر مع جهالة الزوج،
فمع علمه أولى.
إن مقتضى الاستدلال بالوجه الأول هو استحقاق مهر المثل، لأنه
كأجرة المثل في سائر المنافع التي يستوفيها من الأمة بالاستخدام والاستعمال،

(1) الكافي 5: 468، باب الرجل يحل جاريته لأخيه، الحديث الأول، وعنه الوسائل
14: 537، الباب 35 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
(2) الوسائل 14: 577، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
186

ومقتضى الصحيحتين ثبوت العشر ونصف العشر.
لكن التعويل على الدليل الأول مشكل، لأن استيفاء منفعة البضع
ليس كاستيفاء سائر المنافع، ولذا لا يجب شئ بتقبيل الأمة أو الاستمتاع بها
بما دون الفرج، بخلاف استيفاء منافعها بالاستخدام أو تفويت منافعها،
فإنها مضمونة إجماعا.
والحاصل، أن منفعة البضع لما حكم غير حكم سائر المنافع،
اللهم إلا أن يقال: إن مقتضى القاعدة ضمان كل منفعة يستوفيها من الأمة،
لأن منفعة المال كنفس المال مضمونة، إلا أن يخرج شئ بالاجماع، ولذا
لا يخالف أحد في ثبوت إلى مع جهل الأمة، ولا ريب أن علمها وجهلها
لا مدخل له في اشتغال ذمة الزوج بعوض البضع، والظاهر أن من لم يقل
بالمهر استند إلى نفي المهر للبغي بحمل (اللام) على الاختصاص، لا الملك (1)
كما في قولك: لا أجرة للدار وللدابة.
ثم لو ثبت أن مقتضى القاعدة ثبوت مهر المثل، لكن قد عرفت
أن مقتضى الصحيحتين هو العشر ونصف العشر، سواء زاد على مهر المثل
أو نقص، ولا بأس بالقول بمضمونهما كما عن ابن حمزة (2)، واختاره
في الرياض (3).
ثم إن هذا كله إذا لم يجز المولى العقد بعد الوطء، أو أجازه بعده وقلنا
بأن الإجازة كالعقد المستأنف، أو أنها جزء السبب.

(1) في (ع) و (ص): التملك.
(2) الوسيلة: 234 - 235.
(3) الرياض 2: 121.
187

وأما إذا أجاز العقد بعد الوطء وقلنا بأنها كاشفة، سقط الحد وإن بقي
الإثم، وحكم بحرية الولد، وثبت في ذمة الزوج المسمى، لكن قال
في الحدائق - بعد هذا التفريع -: إن كون الإجازة كاشفة أو ناقلة لا أثر له
في الأخبار (1)، انتهى.
أقول: وفي رواية (2) محمد (3) بن قيس في من باع جارية أبيه بغير إذنه،
فجاء الأب يدعي على المشتري: (فقال أمير المؤمنين عليه السلام للمالك: خذ
وليدتك وابنها، ثم أجاز المالك بيع ابنه، فرد الجارية وولدها على
المشتري) (4) دلالة على كون الإجازة كاشفة، فتدبرها.
(ولو كان) الزوج الواطئ (جاهلا بالتحريم) ولو مع الشك فيه
والتقصير في السؤال (أو حصلت) له (شبهة) في الحكم أو الموضوع،
(فلا حد، و) لكن (عليه المهر) وإن كانت الأمة عالمة، على ما أطلقه
المصنف قدس سره هنا وإن قيده مع علم الزوج بصورة جهلها، ويمكن كون تركه
هنا اعتمادا على ما سبق منه في صورة علم الزوج، وإلا فمدرك الحكم إثباتا
ونفيا لا يتفاوت بعلم الزوج وجهله.
واختلفوا في المهر الثابت هنا، فقيل: إنه المسمى (5)، ولعله لاقدام

(1) الحدائق 24: 219.
(2) كتب المؤلف قدس سره فوق كلمة (رواية): صحيحة.
(3) في (ع) و (ص): رواية صحيحة لمحمد.
(4) الوسائل 14: 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
(5) قاله الشهيد الثاني في المسالك 1: 408، وحكاه فخر المحققين في إيضاح الفوائد
(3: 142) عن ابن البراج.
188

الزوج عليه، فإن زاد على مهر المثل أقدم عليه، وإن نقص عنه فلا دليل
على الزائد، لأنه موقوف على جعل منفعة البضع كسائر المنافع في ضمانها
بأعواض أمثالها.
وقيل: إنه مهر المثل (1)، لما مر من أنه في منفعة البضع كأجرة المثل في
سائر المنافع (2).
وقيل: العشر أو نصفه (3). للصحيحتين المتقدمتين (4)، لكن مورد الأولى
في صورة علم الزوج، فلا يتعدى إلى صورة جهله بالأولوية، إلا إذا فرض
نقصان العشر ونصف العشر عن مهر المثل والمسمى. أما مع زيادته فلا يصح
التعدي، لأن ثبوت الزائد على مهر المثل مع العلم لا يقتضي ثبوته مع
الجهل، فالاستدلال بها هنا - كما عن صاحب المدارك في شرح النافع (5) -
غير جيد.
وأما الصحيحة الثانية، فموردها علم الزوجة، فثبوت حكمها هنا
مع جهل الأمة يحتاج إلى تنقيح المناط، والأولوية هنا ممنوعة، لأن مهر المثل

(1) قاله الشيخ الطوسي في المبسوط 4: 190، وحكاه فخر المحققين في إيضاح الفوائد
3: 142 عن ابن حمزة.
(2) تقدم في الصفحة: 186.
(3) قاله ابن الجنيد - كما نقله فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3: 142 -
والشيخ الطوسي في النهاية: 477، وابن حمزة في الوسيلة: 303 - 304، وابن البراج
في المهذب 2: 217.
(4) تقدمتا في الصفحة: 186.
(5) انظر نهاية المرام 1: 272.
189

قد يزيد عن العشر ونصفه وقد ينقص، وحكم صورة علم الجارية أخف
من صورة جهلها، لما عرفت من ذهاب جماعة إلى عدم المهر أصلا مع
علمها (1)، فأولوية الحكم في الثانية بالعشر ونصفه موقوفة على زيادتها
عن مهر المثل.
اللهم إلا أن يتمسك بدلالة ذيل الصحيحة على أن العشر ونصف
العشر لأجل استحلال فرجها، فهو سبب في ذلك يدور معه أينما كان،
فيتعدى عن المورد بعموم العلة.
(و) على كل تقدير، لا ريب بمقتضى ما تقدم من الأخبار من تبعية
الولد لأشرف الأبوين (2) - خرج منه صورة علم الزوج بالحرمة (3) -
أن (الولد حر) إلحاقا بأبيه (و)، لكن (عليه تيمته لمولاها يوم سقط حيا)
عوضا عما فات على المولى من منافع أمته إلى حين الوضع، فإن أجرتها
قيمة ما حصل منها، وهو الولد، لا أن الولد رق يعتق على أبيه بقيمته
عند الولادة، لما عرفت من أنه ينعقد حرا.
(وكذلك (4)، الحكم من سقوط الحد ووجوب المهر ولحوق الولد
(لو ادعت) الزوجة (الحرية فعقد) عليها، لما مر من الصحيحة الثانية،
وهي لوليد بن صبيح (5)، وهي وإن خلت عن إيجاب القيمة على الأب،

(1) تقدم في الصفحة: 185.
(2) تقدم في الصفحة: 181.
(3) في (ع) و (ص): العلم بالحرمة.
(4) في (ع) و (ص) والارشاد: وكذا.
(5) تقدمت في الصفحة: 186.
190

إلا أنه يدل عليه مصححة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام في رجل
تزوج جارية على أنها حرة، ثم جاء رجل آخر فأقام البينة على أنها
جاريته، قال: (يأخذ جاريته، ويأخذ قيمة ولدها) (1).
وهنا بعض الروايات تدل بظاهرها على رقية الولد لمولى الجارية،
كموثقة سماعة، قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مملوكة أتت قوما
وزعمت (2) أنها حرة، فتزوجها رجل منهم فأولدها ولدا، ثم إن مولاها
أتاهم، فأقام عندهم البينة على أنها مملوكة، وأقرت الجارية بذلك؟ فقال:
تدفع إلى مولاها هي وولدها، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته
يوم يصير إليه. قلت: فإن لا يكن لأبيه ما يأخذ ابنه به؟ قال: يسعى أبوه
في ثمن ابنه حتى يؤديه ويأخذه. قلت: فإن أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه؟
قال: فعلى الإمام أن يفديه، ولا يملك ولد حر (3).
وحسنة زرارة قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أمة أبقت من
مواليها، فأتت قبيلة غير قبيلتها، فادعت أنها حرة، فوثب عليها حر
فتزوجها، فظفر بها مولاها بعد ذلك وقد ولدت أولادا؟ فقال: إن أقام
الزوج البينة على أنه تزوجها على أنها حرة، أعتق ولدها وذهب القوم

(1) الفقيه 3: 414، الحديث 4446، وعنه الوسائل 14: 580، الباب 67 من أبواب
نكاح العبيد والإماء، الحديث 8.
(2) في (ق) و (ع): وزعموا.
(3) الوسائل 14: 579، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث، مع
اختلاف يسير.
191

بأمتهم، وإلا أوجع ظهره واسترق ولده) (1).
ونحوها رواية محمد بن قيس الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام في من
باع جارية أبيه بدون إذن أبيه، فأولدها المشتري فقال عليه السلام للمالك: (خذ
وليدتك وابنها) (2).
والمصحح (3): (في رجل ظن أهله أنه قد مات أو قتل، فنكحت امرأته
وتزوجت سريته، فولدت كل واحدة منهما من زوجها، ثم جاء الزوج الأول
وجاء مولى السرية، فقضى في ذلك أن يأخذ الأول امرأته فهو أحق بها،
ويأخذ السيد سريته وولدها، إلا أن يأخذ رضاه من الثمن، ثمن الولد) (4).
وعمل بهذه الروايات الشيخ وجماعة على ما حكي عنهم (5)، فحكموا
برقية الولد.
وعن النهاية (6) والقاضي (7) وابن حمزة (8) التفصيل بين ما إذا تزوجها
مع قيام البينة على حريتها أو صدق فأولادها أحرار، وبين عدمها فهم
أرقاء، ولعله للجمع بين المستفيضة.

(1) الوسائل 14: 578، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 3،
بتفاوت.
(2) الوسائل 14: 591، الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول،
وقد تقدمت في الصفحة: 188.
(3) في (ع) و (ص): والمصححة.
(4) الوسائل 14: 579، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 6.
(5) حكاه في المسالك 1: 408.
(6) النهاية: 477.
(7) المهذب 2: 216 - 217.
(8) الوسيلة: 303.
192

(و) كيف كان، فلا خلاف ظاهرا - كما عن المسالك (1) - أنه يجب
على الأب دفع القيمة، ووجب على مولى الجارية قبول القيمة.
وظاهر الموثقة المتقدمة (2) دلت على أنه (لو عجز) الأب (عن
قيمتهم سعى)، والعمل بها عند من قال بمضمونها من رقية الولد وإن كانت
معارضة بأدلة إنظار المعسر [متعين] (3).
وأما عند من لم يعمل بمضمونها فوجوب السعي مشكل، لعدم الدليل
عليه، عدا الموثقة المشتملة على رقية الولد (4)، التي (5) لا يقول بها هذا القائل.
اللهم إلا أن يمنع صراحتها في رقية الولد، بل غاية مدلولها أنه يدفع
إلى مولى الجارية ولدها، ويجب عليه دفعه إلى أبيه وأخذ قيمته، وهو أعم
من الرقية، فلعله أريد أنه كالرق في مقابلته بالقيمة، بل قوله عليه السلام
في الذيل: (ولا يملك ولد حر) ظاهر في أن ولد الحر لا يصير مملوكا،
سيما إذا قرئ (يملك) مبنيا للمجهول.
(وإن امتنع) الأب عن السعي في قيمته (قيل) محكيا عن
النهاية (6) وابن حمزة (7): إنه (يفكهم الإمام من سهم الرقاب) للموثقة

(1) المسالك 1: 409.
(2) تقدمت في الصفحة: 191.
(3) لم ترد في (ق).
(4) تقدمت في الصفحة: 191.
(5) في (ع) و (ص): الذي.
(6) النهاية: 477.
(7) الوسيلة: 303.
193

المذكورة (1) التي لا دلالة [فيها] (2) على مطلوبهم من فكهم من سهم الرقاب،
بل غاية مدلوله وجوب فكهم، فلعله من بيت المال المعد لمصالح المسلمين،
كما حكي (3) عن المصنف قدس سره (4).
وأما آية صرف الزكاة في الرقاب (5)، فهي مختصة ببعض الموارد، كما
لا يخفى.
(ولو تزوجت الحرة بعبد بغير إذن) مولاه، فإن كانت (عالمة بالتحريم
فلا مهر (6) لأنها بغي، وللرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أيما امرأة حرة
زوجت نفسها عبدا بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها ولا صداق) (7).
وظاهر إباحة الفرج عدم العوض فيه مطلقا (و) منها يظهر أنه
(لا نفقة) لأنها فرع صحة التزويج (والولد رق (8) وفي المسالك: أن في
بعض الروايات دلالة عليه (9).
(ولو كانت جاهلة فالولد حر)، لما مر من أدلة تبعيته لأشرف

(1) تقدمت في الصفحة: 191.
(2) من (ع) و (ص).
(3) حكاه عنه المحدث البحراني في الحدائق 24: 231.
(4) المختلف: 566.
(5) التوبة: 60.
(6) في (ع) و (ص): فلا مهر لها.
(7) الوسائل 14: 524، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 3.
(8) في (ع) و (ص): رق على ما نص عليه غير واحد.
(9) المسالك 1: 409.
194

الأبوين (1). وحكي (2) عن ظاهر المقنعة (3) والشيخ في التهذيب (4) رقية الولد،
لرواية العلاء بن رزين (5)، ويمكن حملها على صورة كون الزوجة أمة أو حرة
مع علمها بعد العقد بكون الزوج عبدا غير مأذون، ومع ذلك مكنته من
الوطء الموجب للولد.
(ولا قيمة عليها) عن الولد، للأصل، واختصاص النص بعكس
المسألة، مع ما عرفت من أن ثبوت القيمة على الأب، لفوت (6) بعض منافع
الأم في زمان الحمل، وهو هنا مفقود.
(ويتبع العبد بالمهر) المستقر عليه بالدخول بعد العتق، جمعا بين
حق (7) بضع المرأة وحق المولى، والمراد بالمهر - هنا - مهر المثل.
هذا كله إذا لم يجز المولى، أو جعلنا الإجازة ناقلة، أما لو أجاز
وجعلناها كاشفة ثبت المسمى، وهل يتعلق المهر حينئذ والنفقة بذمة المولى،
بناء على القول بذلك في صورة إذنه له في العقد ابتداء [أم لا؟ وجهان] (8).

(1) تقدمت في الصفحة: 181.
(2) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 24: 234.
(3) المقنعة: 507.
(4) التهذيب 7: 353.
(5) الوسائل 14: 527، الباب 28 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول،
وانظر التهذيب 7: 353، الحديث 1437.
(6) في (ع) و (ص): لفوات.
(7) ليس في (ع) و (ص): حق.
(8) من (ع) و (ص).
195

(ولو تزوج العبد بأمة غير مولاه بإذن منهما، أو بغير إذن منهما) مع
إجازتهما، أو لا معها (فالولد لهما، ولو أذن أحدهما فالولد للآخر)
وفي المسالك: أن هذا الحكم - أي ما ذكروه في لحوق الولد بهما مع عدم
إذنهما واختصاص الولد بغير الإذن - ظاهرهم الاتفاق عليه. وحكى عن
بعضهم أنه منصوص، قال: ولم نقف عليه (1)، انتهى.
ويزيد الاشكال ما ذكروه من غير خلاف أجده منهم - (و) في
الرياض: أنه حكى الاتفاق عليه (3) - أنه (لو زنى العبد فالولد لمولى
الأمة) فإن الفرق في هذا الحكم بين التزويج بدون الإذن والزنى مشكل،
واستدل في الحدائق (4) على كون الولد لمولى الأمة إذا زنى بها العبد برواية
جميل في من أقر على نفسه أنه غصب جارية فأولدها، قال: (ترد الجارية
وولدها إذا أقر الغاصب بذلك) (5).
وفيه: أنه ظاهر في كون الأب حرا، وإلحاق العبد قياس، مع إمكان
الفرق بأن ذلك في الحر عقوبة حيث إن النسب عنه منتف بالزنى، فلا حرمة
له حتى يلحق به الولد، بخلاف ما إذا كان الأب عبدا، فإن الملك للمولى

(1) المسالك 1: 409.
(2) الحدائق 24: 241.
(3) الرياض 2: 122.
(4) الحدائق 24: 241.
(5) الوسائل 14: 571، الباب 61 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول،
وفيه: عن علي بن حديد عن بعض أصحابه عن أحدهما.
196

ولا عقوبة عليه.
(ولو زوج عبده بأمته استحب) له (أن يعطيها المولى شيئا من ماله)
ليكون بصورة المهر لها، وجبرا لقلبها، ورفعا لمنزلة العبد عندها، وعن جماعة
وجوبه (1)، اعتمادا على ظاهر بعض الأخبار (2)، ولئلا يخلو النكاح عن إلى.
وهو ضعيف لأن مهر الأمة للمولى.
نعم، لا يبعد وجوب (3) مراعاة ظاهر الأخبار، كما مال إليه بعض
متأخري المتأخرين (4).
(ولو اشترى حصته من زوجته المملوكة بطل العقد)، لامتناع عقد
على أمته لنفسه مطلقا ابتداء واستدامة (5)، ويلزمه بطلان العقد
بالإضافة إلى حصته المستلزم (6) لبطلانه بالإضافة إلى الجميع، لعدم تبعض
العقد، ولمضمرة سماعة، قال: (سألته عن رجلين بينهما أمة، فزوجاها
من رجل، ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين؟ قال: حرمت عليه باشترائه

(1) منهم الشيخ المفيد في المقنعة: 507، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه:
297، وابن البراج في المهذب 2: 218.
(2) الوسائل 14: 547 - 548، الباب 43 من أبواب نكاح العبيد والإماء
(3) ليس في (ع) و (ص): وجوب.
(4) منهم صاحب المدارك في نهاية المرام 1: 283، والمحدث البحراني في الحدائق
24: 239.
(5) في (ع) و (ص): أو استدامة.
(6) في (ع) و (ص): المستلزمة.
197

إياها، وذلك أن بيعها طلاقها، إلا أن يشتريها من جميعهم) (1).
(و) نحوها الموثق المحكي عن الفقيه (2).
ثم إذا بطل النكاح (حرم وطؤها) مع عدم إذن الشريك، لأنه
تصرف في حصة الشريك بغير إذنه.
(و) كذلك (إن أباحه الشريك أو أجاز العقد على رأي) مشهور.
أما عدم الحل بإباحة الشريك، فلعموم قوله تعالى: (والذين هم
لفروجهم حافظون) (3). خرج منه الزوجة المحضة وملك اليمين المحض،
وخروج المبعض موقوف على كون قوله: (أو ما ملكت أيمانهم) (4)، لمنع
الخلو، وهو غير معلوم، إذ لعل المنفصلة حقيقية، بل هو الظاهر، لأن
التفصيل قاطع للشركة.
وأما استصحاب الحل، فغير جار؟ لأن الحل السابق كان من جهة
الزوجية المحضة، وقد ارتفعت، للاجماع على بطلان الزوجية، وغيره لم يثبت
سابقا.
ويؤيده الموثقة السابقة المروية في الكافي (5) والمحكية عن الفقيه، خلافا

(1) الوسائل 14: 553، الباب 46 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
(2) الفقيه 3: 449، باب تزويج الحرة نفسها من عبد بغير إذن مواليه،
الحديث 4554.
(3) المؤمنون: 5، المعارج: 29.
(4) المؤمنون: 6، المعارج: 30.
(5) الكافي 5: 482 - 483، باب نكاح المرأة التي بعضها حر وبعضها رق،
الحديث 4.
198

للمحكي (1) عن ابن إدريس (2) وجماعة (3)، فحللوها بتحليل الشريك، لأن
التحليل ملك المنفعة، فالواطئ يملك الكل، لأنه مالك لعين نصف ولمنفعة
نصف آخر.
وللصحيح المروي في الكافي عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: (سألته عن جارية بين رجلين دبراها جميعا، ثم أحل أحدهما فرجها
لشريكه؟ قال: هو له حلال، وأيهما مات قبل صاحبه صار نصفها حرا من
قبل الذي مات، ونصفها مدبرا.
قلت: أرأيت إن أراد الباقي منهما أن يمسها أله ذلك؟
قال: لا، إلا أن يبت عتقها ويتزوجها برضى منها مثل ما أراد.
قلت له: أليس قد صار نصفها حرا، قد ملكت نصف رقبتها، والنصف
الآخر للباقي منهما؟
قال: بلى.
قلت: فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها وأحلت له ذلك؟
قال: لا يجوز له ذلك.
قلت: لم لا يجوز له ذلك، كما أجزت للذي كان له نصفها حين أحل
فرجها لشريكه منها؟
قال: إن الحرة لا تهب فرجها ولا تعيره ولا تحلله، ولكن لها من

(1) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 24: 244.
(2) السرائر 2: 603.
(3) منهم الشهيد في اللمعة: 194، والفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 62، والفاضل
المقداد في التنقيح الرائع 3: 144.
199

نفسها يوم، وللذي دبرها يوم، فإن أحب أن يتزوجها متعة بشئ في اليوم
الذي تملك فيه نفسها، فيتمتع منها بشئ قل أو كثر) (1).
وهذا القول لا يخلو عن قوة،
(وكذلك) الحكم فيما (لو كان
الباقي) عدا نصيب الزوج (حرا) فإنه (لم يحل العقد) عليها
(ولا الإباحة، ولا متعة في أيامها على رأي) المصنف رحمه الله المحكي
عن الأكثر (2).
أما عدم جواز العقد، فلما عرفت من عدم التبعض، وأن الفرج لا يحل
بسببين مختلفين.
وأما الإباحة، فظاهر، والظاهر أنهما محل وفاق.
وأما عدم جواز المتعة، فلأن منافع البضع لا تدخل في المهاياة،
وإلا حل لها المتعة لغير مالك النصف، وهو باطل اتفاقا كما في المسالك (3)
وعن السيد في شرح النافع (4).
خلافا لآخرين فجوزوا المتعة في أيامها (5)، للرواية المذكورة (6)، التي

(1) الكافي 5: 482، الحديث 3، وعنه الوسائل 14: 45، الباب 41 من أبواب
نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
(2) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد 3: 149، والفاضل المقداد في التنقيح
3: 145، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 13: 99.
(3) المسالك 1: 410.
(4) نهاية المرام 1: 283.
(5) منهم الشيخ الطوسي في النهاية: 494 - 495، والمحدث البحراني في الحدائق
24: 246، والسيد الطباطبائي في الرياض 2: 123.
(6) آنفا.
200

هي نص في مقابل ما مر في سند المنع من الاجتهاد، ولكن الاحتياط
لا يترك.
(و) اعلم أن (طلاق العبد) لزوجته الحرة أو المملوكة (بيده،
وليس للمولى إجباره عليه (ولا منعه)، منه] (1) إلا أن يزوجه بأمته فالطلاق
بيد المولى).
والحكم في المستثنى والمستثنى [منه] (2) ثابت في الأخبار الكثيرة (3)،
ولا خلاف ظاهرا في حكم المستثنى، وفي الحدائق: نفي الخلاف (4)،
وفي المسالك: أنه موضع وفاق (5)، وعن المصنف في المختلف: دعوى الاجماع
على ذلك (6).
وأما حكم المستثنى منه فهو مذهب المشهور على ما في المسالك (7)
والحدائق (8)، وفيهما وفي غيرهما (9) عن جماعة: أن الطلاق مطلقا بيد المولى،

(1) من (ص).
(2) من (ع) و (ص).
(3) الوسائل 15: 340، الباب 43 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه.
(4) الحدائق 24: 288.
(5) المسالك 1: 414.
(6) المختلف: 568.
(7) المسالك 1: 414.
(8) الحدائق 24: 290.
(9) الجواهر 30: 277.
201

لبعض الأخبار الصحيحة (1).
وعن الحلبي: أن للمولى إجباره عليه وإن لم يكن بيده، لأن طاعته
واجبة (2).
وإذا كان بيده طلاق زوجة عبده المملوكة له (فله الفسخ) أيضا
(بغيره) أي بغير الطلاق، لصحيحة محمد بن مسلم في تفسير: (والمحصنات
من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) (3)، وحسنة عبد الله بن سنان بابن هاشم (4)،
وموثقة عمار (5)، وفي رواية محمد بن فضيل عن عبد صالح، عليه السلام: (أنه
إن شاء نزعها منه بغير طلاق) (6)، والأخبار الأخر (7) ظاهرة في ذلك أيضا.
(و)، منه يعلم أن هذا الفسخ (لا يعد في الطلاق على رأي) قوي،

(1) الوسائل 14: 551، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 7
و 576، الباب 66 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول والثاني،
و 15: 343، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح وشرائطه، الحديث الأول.
(2) الكافي في الفقه: 297، وحكاه عنه العلامة في المختلف: 569، وصاحب الجواهر
في الجواهر 30: 278. وقال: ومن ذلك كله يعلم ضعف المحكي عن الحلبي من أن
للسيد اجباره على الطلاق محتجا بما دل من وجوب الطاعة عليه.
(3) النساء: 24، الوسائل 14: 550، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء،
الحديث الأول.
(4) الوسائل 14: 550، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
(5) الوسائل 14: 550، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 3.
(6) الوسائل 14: 551، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 5.
(7) الوسائل 14: 551، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
202

خلافا لمن عده في الطلاق مطلقا (1)، أو مع وقوع التفريق بلفظ الطلاق (2).
ثم إن عدم كونه طلاقا بناء على عدم كون تزويجه نكاحا واضح،
كما حكي عن بعض من أنه إباحة لا نكاح (3)، وأما على القول بأنه تزويج
- كما أطلق عليه التزويج في جملة من الأخبار (4) - فالمستند هو الأخبار الدالة على أن رفع ذلك بيد المولى (5)، ورفع النكاح ليس منحصرا في الطلاق.
وتظهر الثمرة في اعتبار اجتماع شروط الطلاق فيه (6).
(ولو باعها المالك بعد طلاق الزوج أتمت العدة وكفت عن الاستبراء،
لأن الغرض منه قد حصل بالعدة، خلافا للمحكي عن جماعة (7)، لأنهما
سببان مستقلان ولا يتداخل السببان إلا بدليل.
(ويكره وطء الفاجرة (8) [ومن ولد من الزنى، ويجوز وطء الأمة وفي

(1) منهم الشيخ المفيد في المقنعة: 507.
(2) حكاه صاحب المدارك في نهاية المرام (1: 308) بلفظ (قيل).
(3) منهم ابن إدريس في السرائر 2: 600، وحكاه عنه المحدث البحراني في الحدائق
(4) الوسائل 14: 547، الباب 43 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(5) الوسائل 14: 550، الباب 45 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(6) في (ع) و (ص): وعدمه.
(7) منهم الشيخ الطوسي في المبسوط 5: 269 - 270، وابن البراج في المهذب
2: 333، وابن إدريس في السرائر 2: 636، وحكاه المحدث البحراني في الحدائق
24: 296، وصاحب الجواهر في الجواهر 30: 283.
(8) هكذا وردت هذه العبارة في النسخ بدون شرح، وفي (ق) بعدها بياض بمقدار
نصف صفحة، وما بين المعقوفتين من الإرشاد.
203

البيت غيره، والنوم بين أمتين، ويكره ذلك في الحرة]).
204

القسم الثاني
في المتعة
وفيه مطلبان
205

المطلب الأول
في أركانها
وهي أربعة:
الأول: العقد
ويحتاج إلى إيجاب وقبول (فالايجاب) المتفق عليه قول المرأة:
(زوجتك، و) كذا (أنكحتك، و) مثلهما (متعتك) مقيدة كل واحدة (1)
من الثلاثة بقوله: (مدة كذا بكذا) من الأجر، وحكي عن المرتضى قدس سره.
أنه يرى التحليل عقد متعة، فعنده ينعقد بلفظ التحليل (2).
(و) كيف كان، فالظاهر عدم الخلاف في أنه (لا ينعقد بالتمليك
والإجارة والهبة والعارية).
(والقبول) الصادر من الزوج بعد الايجاب: (قبلت ورضيت
وشبههما، و) هل (يجوز تقديمه؟)، فيه قولان، مضى في الدائم الكلام

(1) في (ع) و (ص): واحد.
(2) حكاه عنه في التنقيح الرائع 3: 118.
207

فيه (1) (و) في أنه (يشترط المضي (2) على رأي) المصنف
والأكثر قدس الله أسرارهم (3)، وأن الأخبار - سيما الواردة في المتعة (4) - قد
وردت بلفظ المستقبل مع كون الايجاب من المرأة والقبول من الرجل.
(و) يشترط في صحة العقد ولزومه (صدوره من أهله) أعني
الزوج والزوجة أو وكيلهما أو وليهما،
فإن (للولي الانكاح متعة) أيضا،
ولغيره ذلك فضولا.

(1) تقدم في الصفحة: 83.
(2) تقدم في الصفحة: 77.
(3) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 436، والمحقق في الشرائع 2: 303،
والمحقق الثاني في جامع المقاصد 13: 11 - 12، والفاضل الهندي في كشف اللثام
(4) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة.
208

الركن الثاني: المحل
(ويشترط (1) إسلام الزوجة أو كتابيتها على رأي، وليس للمسلمة أن
تتزوج بغيره.
ولا يجوز الاستمتاع بالوثنية ولا بالناصبية ولا بالأمة لمن عنده حرة بغير
إذنها، ولا بنت أخت امرأته أو بنت أخيها من غير إذن العمة والخالة.
ويستحب المؤمنة العفيفة وسؤالها، ويكره الزانية والبكر إذا خلت من أب،
فإن فعل كره افتضاضها، وللرشيدة أن تعقد بغير إذن الأب.
ولو أسلم الكتابي عن مثله لم ينفسخ العقد، ولو أسلمت قبله اعتبرت
العدة، فإن أسلم فيها فهو أحق مع الأجل، وإلا بطل.
ولو أسلم أحد الحربيين بعد الدخول اعتبرت العدة والأجل، فإن خرج
أحدهما قبل إسلام الآخر بطل، ولو أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة دون
الأمة إلا مع رضاها).

(1) هذا المطلب أخذناه من الإرشاد، ولم نقف على شرحه فيما بأيدينا من النسخ
ومحله بياض في (ق) بمقدار نصف صفحة، وفي (ع) و (ص) ورد ما يلي: (الثاني: المحل
يشترط في محل المتعة إذا كان الزوج مسلما أن تكون الزوجة مسلمة، أو كتابية
كاليهودية والنصرانية والمجوسية. فلا يجوز للمسلم التمتع بالوثنية، ولا
بالناصبية المعلنة لعداوتها أهل البيت عليهم السلام كالخوارج، لكونها كافرة
غير أهل الكتاب، وعدم جواز نكاح المسلم على الكافرة غير الكتابية لا دواما
ولا متعة، وكذا المسلمة لا تستمتع إلا بالمسلم.
وكذا لا يستمتع أمة وعنده حرة إلا بإذنها، ولا يدخل عليها بنت أخيها ولا بنت
أختها إلا مع إذنها، إلى غير ذلك مما تشترك فيه الدائمة والمنقطعة، فراجع).
209

الركن الثالث: الأجل
لا خلاف بين الأصحاب - كما ادعاه غير واحد (1) - على اشتراط ذكر
الأجل في المتعة
(فلو أخل به) لم ينعقد متعة إجماعا، و (بطل) أصل
العقد (على رأي) المصنف وجماعة (2)، لأن المتعة لم تقع، للاخلال
بشرطها (3) وغيرها لم يقصد، فلم يقع أيضا لعدم ركنه وهو القصد المعتبر
في العقود.
خلافا للأكثر فتنعقد دائما (4) لروايتي أبان بن تغلب وعبد الله بن
بكير:
فني أولاهما: (قلت: وأنا أستحيي أن أذكر شرط الأيام، قال: هو
أضر عليك، قلت: وكيف؟ قال: إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام،
ولزمتك النفقة في العدة، وكانت وارثا، ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق
السنة) (5).

(1) منهم المحدث البحراني في الحدائق 24: 138، وصاحب الجواهر في الجواهر
30: 172.
(2) منهم ابن إدريس في السرائر 2: 620، والمحقق الكركي في جامع المقاصد
13: 26، والشهيد الثاني في المسالك 1: 402.
(3) في (ق): بشرطه.
(4) منهم أبو الصلاح الحلي في الكافي في الفقه: 298، والشيخ الطوسي في النهاية:
489، وابن البراج في المهذب 2: 241.
(5) الوسائل 14: 470، الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2.
210

وفي الثانية: (إن سمى الأجل فهو متعة، وإن لم يسم الأجل فهو نكاح
بات) (1).
وردها في المسالك بأنه ليس فيها دلالة على أن من قصد المتعة
ولم يذكر الأجل يكون دائما، بل إنما دل على أن الدوام لا يذكر فيه الأجل،
وهو كذلك (2).
ولا يخفى أن هذا الحمل لو تطرق في هذه الرواية ولم يناف صدرها،
فالرواية الأولى آبية عنه قطعا.
نعم، ربما أولت هي أيضا بأن المراد بالأضرية هو الإضافة إلى ظاهر
الشريعة، حيث إن المرأة لو ادعت الدوام وأثبتت الألفاظ بدون الأجل،
حكم على الزوج ظاهرا بالدوام، وألزم أحكامه من النفقة وغيرها.
أو المراد: الاستحياء (3) من أجل التمتع بها، لا مجرد ذكر الأجل
في المتعة.
والمسألة مشكلة لخالفة الحكم المشهور للأصول القطعية ويظهر
من بعض المعاصرين (4) موافقة الحكم للأصول، من حيث إن الانقطاع
الحاصل في المؤجل الذي شرعه الشارع من حيث اشتراط الأجل فيه،

(1) الوسائل 14: 469، الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث الأول. والبت: القطع
والنكاح البات: أي الدائم، انظر النهاية لابن الأثير 1: 92 - 93، مادة: (بت)،
مجمع البحرين 2: 190، مادة: (بتت).
(2) المسالك 1: 402.
(3) في (ع) و (ص): من الاستحياء.
(4) هو صاحب الجواهر قدس سره.
211

فمع عدم ذكره يكون كالعقد الفاقد للشرط، لا أن لفظ: (أنكحت) مستعمل
في المنقطع على وجه يكون ذكر الأجل كاشفا عن المراد، بل هي ليست
مستعملة إلا في معنى النكاحية، فإذا أريد الانقطاع جئ بما يدل عليه
من ذكر الأجل، فهو معه حينئذ دالان ومدلولان، ومع عدمه يبقى الأول،
ويحصل الدوام فيه من مجرد ثبوت النكاحية فيه، وعدم اشتراط الأجل (1)،
انتهى.
وحاصله، أن أصل الصيغة دالة على النكاح ومقتضى إطلاق النكاح
الدوام، وقصد الدوام غير شرط في الدائم كما صرح به في مقام آخر (2)،
وجعله من قبيل ما يدل على التمليك والتملك، فإن طلقه يفيد الملكية (3)
الدائمة ولا يعتبر قصد الدوام.
أقول: لا يخفى على من لاحظ النصوص والفتاوى أن النكاح المنقطع
والدائم حقيقتان مختلفتان وإن كان لفظ التزويج وأخويه موضوعا للقدر
المشترك بينهما، لكن ذلك لا يخرجهما عن اختلاف الحقيقة، وليس اختلافهما
بمجرد أن الدائم تزويج مطلق، والمنقطع تزويج مشروط، فحالهما كحال البيع
والهبة، حيث إن التمليك وإن كان موضوعا للقدر المشترك بينهما، إلا أن ذلك
لا يخرجهما عن اختلاف الحقيقة، وليس الفرق بينهما مجرد أن الهبة تمليك
طلق، والبيع تمليك مشروط بعوض (4)، فإذا قال البائع: (ملكتك) ولم يذكر

(1) الجواهر 30: 174.
(2) الجواهر 30: 173 - 174.
(3) في (ص) و (ع): يدل على الملكية.
(4) في (ع) و (ص): بالعوض.
212

الثمن، فلا ينصرف إلى الهبة، وكذا في ما نحن فيه.
ومما يدل على ذلك قول العلماء في هذه المسألة: أنه إذا أخل بالأجل
ينقلب دائما (1)، فإن التعبير بالانقلاب يدل على أن الانشاء الصادر من أول
الأمر لم يكن مقتضيا للدوام، وإلا لوجب أن يقولوا: إنه يبقى العقد دائما.
ومما يدل على ذلك: اتفاق النصوص (2) والفتاوى (3) على أن المهر
ركن هنا للعقد دون الدائم، فالعقد المنقطع بمنزلة المعاوضة على التسليط
على البضع وتمليك الانتفاع به بعوض كالإجارة، كما ورد من (أنهن
مستأجرات) (4)، ولا ريب أن المهر ليس يشترط ذكره في الدائم.
ويلزم هذا القائل أنه متى أنشأ الايجاب وأخل بذكر الأجل والمهر
كليهما انقلب (5) دائما أيضا، لثبوت الدوام بحكم عدم اشتراط الأجل، وعدم
اشتراط ذكر المهر في النكاح الدائم، مع أن ظاهر المسالك (6) الاتفاق على أنه
متى أخل في هذا العقد بهما بطل، وأن الخلاف في البطلان والانقلاب إنما هو
فيما إذا ذكر المهر وأخل بالأجل، فراجع.

(1) منهم أبو الصلاح الحلي في الكافي في الفقه: 298، والشيخ الطوسي في النهاية:
489، وابن البراج في المهذب 2: 241.
(2) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة، و 15: 24، الباب 12 من
أبواب المهور.
(3) جامع المقاصد 13: 19 - 20، نهاية المرام 1: 230، الحدائق 24: 156.
(4) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2.
(5) في (ع) و (ص): انقلبت.
(6) المسالك 1: 404.
213

فقول المرأة: زوجتك نفسي، إذا أرادت به الانقطاع، فقد أنشأت بهذه
الصيغة المعاوضة على الانتفاع ببضعها بإزاء المهر المسمى، بخلاف ما إذا
أرادت الدوام، فإنه ليس هنا معاوضة، ولذا لا يسقط من المهر شئ بعدم
تمكين الزوجة ولو مدة متطاولة، بخلاف العوض في المنقطع، فإنه عوض
حقيقتي لا انتفاع بالبضع.
ومما يتفرع على ما ذكره أن الزوجين لو تداعيا في الانقطاع والدوام،
كان القول قول مدعي الدوام لأن مرجعه إلى إنكار الاشتراط.
ثم إن هذا الفاضل اعترف بأنه لو أراد الموجب خصوص الانقطاع
من قوله: أتزوجك، وجعل ذكر الأجل كاشفا عن مراده، فسد العقد
بالاخلال بالأجل (1).
ولا يخفى أن هذا هو الذي يظهر منهم في محل الخلاف، لا ما إذا خلا
الايجاب عن قصد خصوص المتعة والدوام.
قال في المسالك: لو قصدا المتعة وأخلا بذكر الأجل، فالمشهور بين
الأصحاب أنه ينقلب دائما (2)... الخ.
ويدل عليه تعبير كلهم بالانقلاب (3) [و] (4) مضمون رواية أبان بن

(1) الجواهر 30: 175.
(2) المسالك 1: 402، وفيه: ينعقد دائما.
(3) في هامش (ق) هنا عبارة قد حصل انخرام في بعض كلماتها والذي يمكن قراءته
منها هو: بل نقول... اختلاف... عدم... خلو... حتى... عن أحد... ومن....
هذا ولكن ناسخا (ع) و (ص) لا يتعرضا لذلك وأوردا العبارة كما يلي: ويدل
عليه رواية أبان بن تغلب... الخ.
(4) الزيادة اقتضتها العبارة.
214

تغلب من هذا الباب (1) فإن فيه (2) قوله: أتزوجك متعة على كتاب الله
وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا وارثة ولا موروثة (3)، فإنه صريح (4) في قصد
المتعة بهذا الايجاب، وقد اعترف الفاضل (5) ببطلان هذا، ثم استدل به (6) على
مذهبه من أنه لو لم يقصد بالايجاب خصوص المتعة صار دائما بالاخلال
بالأجل.
واعلم (7) أن في المسألة قولا ثالثا محكيا عن ابن إدريس (8)، مفصلا بين
كون الصيغة بلفظ النكاح والتزويج فينقلب دائما، وبين كونها (9) بلفظ التمتع
فيبطل ولعله مبني على صلاحية الأولين للدائم، وعدم صلاحية الأخير له.
وحكي قول رابع، وهو الفرق بين تعمد الاخلال بالأجل فينقلب
دائما، وبين نسيانه فيبطل (10).

(1) ليس في (ع) و (ص): من هذا الباب.
(2) في (ع) و (ص) فيها.
(3) الوسائل 14: 466، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث الأول.
(4) كذا في (ق)، وفي (ع) و (ص): وهي صريحة.
(5) يعني صاحب الجواهر فيما تقدم من كلامه، انظر الصفحة السابقة.
(6) في (ع) و (ص): بها. والمراد رواية أبان.
(7) في (ع) و (ص): ثم.
(8) السرائر 2: 620، وحكاه عنه في المسالك 1: 402.
(9) كذا في (ع) و (ص)، وفي (ق): كونه.
(10) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 24: 145، وصاحب الجواهر في الجواهر
30: 175.
215

(ويشترط) (1) في الأجل (تعينه بما لا يحتمل الزيادة والنقصان)
لرواية محمد بن إسماعيل (2) ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي (3) ويؤيدهما
موثقة زرارة، وفيها - بعد السؤال عن جواز التمتع ساعة أو ساعتين -
قال عليه السلام: (الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما) (4).
(و) مقتضى العمومات أن الأجل المشروط (يجوز اتصاله)
بزمان الصيغة (وتأخيره) كالإجارة لما في الأخبار من (أنهن
مستأجرات) (5) أو (هي بمنزلة المستأجرة) (6).
ويؤيده رواية بكار بن كردم (7).
وربما قيل (8) بالمنع عن الانفصال، لأدلة ضعيفة، أقواها انصراف أدلة
عقد المنقطع إلى غيره.
ثم على تقدير الانفصال، هل يجوز للمرأة أن تتزوج بغيره فيما قبل
المدة، أم لا؟ قولان (9)، لا يبعد الجواز، لوجود المقتضي وعدم المانع

(1) في (ع) و (ص): وكيف كان فيشترط.
(2) الوسائل 14: 478، الباب 25 من أبواب المتعة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة، الحديث 3.
(4) الوسائل 14: 479، الباب 25 من أبواب المتعة، الحديث 2.
(5) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2.
(6) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 4. وفيه: وإنما هي
مستأجرة.
(7) الوسائل 14: 490، الباب 35 من أبواب المتعة، الحديث الأول.
(8) قاله صاب المدارك في نهاية المرام 1: 240.
(9) ليس في (4) و (ص): أم لا؟ قولان.
216

عدا توهم [كونها] (1) ذات بعل، وهو ممنوع، ومع التسليم فأدلة حرمة
النكاح على ذات البعل [منصرفة] (2) إلى ذات البعل فعلا.
نعم، يشترط أن يكون ما قبل الأجل قابلا لزمان العقد المنقطع
وعدته.
ثم إن جواز التأخير إنما هو مع تعيين الشهر، كأن يقول: الشهر
الفلاني الآتي. أما لو قال: شهرا، وقيده بالمنفصل عن زمان العقد، ولم يبين
الشهر، فالظاهر عدم الصحة، لعدم كونه معلوما، وبطلان مثل هذا في
الإجارة فكذا فيما هو بمنزلته (3)، بناء على أن عموم المنزلة يقتضي تساوي
الشيئين في جميع الأحكام.
(ولو أطلق) من غير تقييد بالانفصال (اتصل) بزمان العقد،
لانصرافه إليه بحكم العرف، وحكي عن ابن إدريس المنع. للجهالة (4) وهو
ضعيف، لارتفاع الجهالة بحمله على المتصل عند العرف.
(ولو لم يدخل) الزوج (حتى خرج) الأجل (فلها المهر)
لاستحقاقها له بالعقد وبذل نفسها، ولا مانع من قبلها، كما لو استأجر دارا
فلم يدخلها اختيارا حتى خرجت مدة الإجارة (وخرجت) المتمتع بها
(عن العقد) بمضي المدة.
(ولا يجوز) أن يشترط (المرة والمرتان من دون) ذكر (الأجل)

(1) من (ع) و (ص) وفي (ق): (كونه)
(2) من (ع) و (ص)، وفي (ق): منصرف.
(3) في (ع) و (ص): بمنزلتها.
(4) السرائر 2: 623.
217

لعموم ما دل على اشتراط الأجل المعين في هذا العقد وأنه ركن فيه (1)،
وعلى أن المرأة مستأجرة (2)، وفي بعض الروايات الجواز (3)، وهو ضعيف.
ثم إن من حكم بانقلاب العقد دائما بالاخلال بالأجل (4)، لا يلزمه
القول بالانقلاب هنا، لأن الفساد هنا أقوى من هناك، فتدبر.
ولو ذكر الأجل مع اشتراط المرة والمرتين، فإن جعل الأجل ظرفا
للمتعة، إلا أنه شرط أن لا يطأها في هذا الزمان الذي جعل ظرفا للمتعة
إلا مرة أو مرتين، جاز بغير إشكال، لعموم: (المؤمنون عند شروطهم) (5)،
فإذا وطأها العدد المشروط حرم عليه وطؤها (6) وإن لم تنقضي المدة،
ولا منافاة بين بقاء الزوجية وحرمة الوطء.
ولو أذنت في الوطء، ففي جوازه إشكال: من حيث إنه [مما] (7)
لم يجوزه العقد فلا (8) يجوزه إذنها، لعدم حلية الفروج بمجرد الإذن. ومن
أن (9) العقد اقتضى جوازه إلا أنه شرطت لها العدد الخاص، فالمقتضي للجواز

(1) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة.
(2) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.
(3) الوسائل 14: 479، الباب 5 2 من أبواب المتعة، الحديث 2، 4، 5
(4) منهم أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 298، والشيخ الطوسي في النهاية:
489، وابن البراج في المهذب 2: 241، وقد تقدم في الصفحة: 210.
(5) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
(6) في (ع) و (ص): وطؤها بعد ذلك.
(7) من (ع) و (ص).
(8) في (ع) و (ص): فلم.
(9) في (ع) و (ص): ومن كون.
218

موجود، والمانع هو عدم رضاها بأزيد مما شرط، فإذا ارتفع المانع أثر
المقتضي أثره.
ويستفاد من رواية إسحاق بن عمار المحكية عن الفقيه (1) أنه إذا شرط
للمرأة أن لا يفتضها ثم أذنت فيه جاز.
هذا إذا ذكر الأجل ظرفا للمتعة، وأما إذا جعل المدة المضروبة ظرفا
للمرة والمرتين، بمعنى أن لا يقع شئ من العدد المضروب خارج المدة،
ومتى تم العدد بانت منه، ولو خرجت المدة قبل العدد أيضا بانت،
كأن يقول: أتزوجك على أن أطأك في هذا اليوم مرة أو مرتين، فالأقوى
عدم الصحة، للاخلال بالأجل المعين، فإن المدة المذكورة ليست أجلا للمتعة،
وإنما هي ظرف للعدد المشروط، وأجل المتعة هو الزمان الذي يكمل فيه
العدد، سواء كان مجموع هذا الزمان أو بعضا منه، ولا ريب في جهالته،
وهو يبطل العقد.
ثم على القول بانقلاب العقد دائما بإخلال الأجل، فالظاهر الحكم هنا
بالبطلان، لأن ذكر الأجل المجهول يؤثر في البطلان وإن قلنا بأن الاخلال
بأصل الأجل لا يؤثر.
وعن العلامة في المختلف: أن على قول الشيخ في الصورة الأولى
- وهي ما تعرض له هنا في المتن بانقلاب العقد دائما - يجئ الانقلاب هنا (2)،

(1) الفقيه 3: 466، الحديث 4612، وعنه الوسائل 14: 458، الباب 11 من أبواب
المتعة، الحديث 3.
(2) انظر المختلف: 560.
219

وفيه نظر كما في المسالك (1)، للفرق بين الاخلال بالأجل وجعله مجهولا،
فتدبر.
ثم اعلم أنه لا فرق في الأجل المضبوط بين زيادته على ما يحتمل
بقاءهما فيه كمائة سنة، أو ما ينقص عن زمان يقبل للاستمتاع، كلحظة
ولحظتين إذا علمتا.
ولا مانع في الأول إلا ما ربما يقال من انصراف النصوص إلى
غير ذلك، خصوصا بعد عدم جواز مثله في الإجارة المشبه بها، ضرورة
عدم القابلية حينئذ للاستمتاع، فلا وجه لانشاء تملكه وتمليكه بالعوض،
بل هو شبه المعاملة السفهية، بل لا ريب في عدم مراعاة مثله في التوزيع،
لعدم تحقق جنس المنفعة فيه المقتضي للتوزيع.

(1) المسالك 1: 403.
220

الرابع من الأركان: المهر
(و)، هو ركن في العقد (لو أخل به بطل) بلا خلاف على الظاهر،
والروايات به مستفيضة (1) وبها (2) فرق بينه وبين الدائم الذي لا يشترط فيه
ذكر المهر مضافا إلى بعض الاعتبارات.
(ويشترط أن يكون مملوكا معلوما) بلا خلاف، للروايات (3)
وعمومات أنها كالمستأجرة (4).
ويكتفى بالمعلومية (ولو بالمشاهدة) حتى في المكيل والموزون،
فلا يشترط الكيل والوزن، لأن هذا العقد ليس معاوضة صرفة، فيكتفى فيه
باندفاع الغرر الحاصل بالمشاهدة، ويكتفى في الغائب (الوصف) الرافع
للغرر، بحيث يصدق عليه أنه شئ معلوم.
(ولا تقدير فيه إلا ما تراضيا عليه) مما يتمول، للروايات الخاصة (5)،
وعموم أنها كالمستأجرة.
(ولو وهبها الأجل قبل الدخول استحقت النصف) من المسمى،

(1) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة.
(2) في (ع) و (ص): وبه.
(3) الوسائل 14: 465، الباب 17 من أبواب المتعة.
(4) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.
(5) الوسائل 1: 470، الباب 21 من أبواب المتعة.
221

للرواية (1) المنجبرة بحكاية الاجماع عن المحقق الثاني (2)، وفي الحدائق (3) وعن
شرح النافع: دعوى ظهور الاتفاق (4).
هذا إذا وهب جميع الباقي، ولو وهب بعض الباقي فاتفق عدم الدخول
في البعض الغير الموهوب، ففي إلحاقه بهبة جميع الباقي نظر، لا يبعد العدم،
قصرا للحكم المخالف للأصل على موضع اليقين.
(و) لو وهبها المدة الباقية (بعده) أي بعد الدخول استحقت
(الجميع)، لاستحقاقها إياه بنفس العقد
(إلا أن تمتنع عنه بعض المدة)
بغير مانع شرعي كالمحيض ونحوه (فيسقط بنسبة المتخلف) لأنه مقتضى
القاعدة في المعاوضة، وللروايات الخاصة (5) وعموم كونها بمنزلة المستأجرة (6).
(ولو ظهر فساد العقد) بتحريمها عليه بأحد الأسباب (فلا مهر) لها
(قبل الدخول) لعدم سبب الاستحقاق، إذ لم يصح عقد (7) ولم يقع دخول،
ولا موجب للمهر سواهما.
(وبعده) أي بعد الدخول (لها المهر مع جهلها) بالحال والحكم،
أما مع علمها بهما فلا، لأنها بغي.

(1) الوسائل 14: 483، الباب 30 من أبواب المتعة، الحديث الأول.
(2) جامع المقاصد 13: 23.
(3) الحدائق 24: 162.
(4) نهاية المرام 1: 234.
(5) الوسائل 14: 481، الباب 27 من أبواب المتعة.
(6) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.
(7) في (ص): عقدها.
222

ثم المراد (1) من المهر هو المسمى أو مهر المثل؟ وعلى الثاني، فهل المراد
مهر أمثالها بحسب حالها لتلك المدة التي سلمت نفسها، أو مهر المثل
في النكاح الدائم؟ وجوه ثلاثة.
ولها رابع مطابق لبعض الروايات (2)، وهو أن لها ما أخذت من
المسمى ولا يلزمه ما بقي، وليس فيها تعرض لحكم ما إذا لم يدفع إليها شيئا
أو دفع إليها الجميع.
وخامس: وهو أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل، لأن الأقل
إن كان مهر المثل فقد استحقته في مقابل بضعها، وإن كان أكثر فقد رضيت
بدونه.
وفيه: أن الرضى كان في العقد الذي حكم بفساده، فلا أثر لذلك
الرضى و... القول... على الاطلاق (3)، وأما الرواية (4) فقد رميت بالضعف،
ومقتضى القاعدة: مهر المثل، لأنه الحكم في وطء الشبهة.
ولا دخل لتسليم نفسها في مدة قليلة أو كثيرة، كما أنه لا فرق بين
الدخول مرة أو مرات مع استمرار الشبهة.

(1) في (ع) و (ص): أن المراد.
(2) الوسائل 14: 482، الباب 28 من أبواب المتعة.
(3) محل النقط منخرم في (ق).
(4) تقدمت آنفا.
223

المطلب الثاني
في الأحكام (1)
(إذا شرط السائغ في) ضمن (العقد) بجعله جزءا من الايجاب
والقبول (لزم) بلزوم العقد، لأنه جزء من العقد الذي يجب الوفاء به،
ولولا يف به لم يف بالعقد، و (لا) يلزم ما يشترط (قبله وبعده)، (2).
واستشكل ذلك في الكفاية من حيث عموم: (المؤمنون عند
شروطهم) (3) قال: إلا مع منع صدق الشرط، وهو مشكل (4)، انتهى.
والظاهر الاتفاق على عدم لزوم الشرط الغير المذكور في متن العقد،
كما يظهر من الرياض حكاية ودعوى (5)، وأفرط الشيخ - على ما حكي
عنه - حيث أوجب - مضافا إلى ما ذكره (6) في العقد - إعادته بعده أيضا (7)،

(1) العنوان من (ع) و (ص)، ومحله بياض في (ق).
(2) في (ص): ولا بعده.
(3) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
(4) انظر كفاية الأحكام: 171.
(5) الرياض 2: 116.
(6) في (ع) و (ص): ما ذكر.
(7) النهاية: 493.
225

لبعض الأخبار (1)، المحمولة على إرادة تكراره في القبول أيضا، وعدم الاكتفاء
بذكره في الايجاب فقط.
(و) يتفرع على ذلك أنه (يجوز اشتراط الاتيان في وقت معين، و)
اشتراط (المرة والمرتين) في يوم أو في جميع الأجل، وادعى في الحدائق
عدم الخلاف فيه، وذكر الخلاف في الدائم (2).
وكذا مجوز اشتراط أن لا يواقعها، للخبرين (3)، وفي أحدهما (4) دلالة
على أنها إن أذنت بعد ذلك جاز.
(و) يجوز (العزل) عنها (بدون إذنها) من غير كراهة،
بلا خلاف ظاهرا، وفي الرياض ادعى الاجماع (5)، مضافا إلى ما مر في العزل
عن الدائم (6).
(ويلحق الولد به وإن عزل) كما هو الشأن في كل وطء صحيح،
لعموم: (الولد للفراش) (7) وخصوصي الأخبار في المقام (8).

(1) الوسائل 14: 468، الباب 19 من أبواب المتعة.
(2) لم نعثر عليه بعينه، ولعله يستفاد مما في الحدائق 24: 199.
(3) الوسائل 14: 491، الباب 36 من أبواب المتعة، الحديث الأول، و 458، الباب
11 من أبواب المتعة، الحديث 3.
(4) وهو الخبر الثاني.
(5) الرياض 2: 116.
(6) تقدم في الصفحة: 71.
(7) الوسائل 14: 568، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الأحاديث 2 و 3
و 4 و 7.
(8) الوسائل 14: 488 - 489، الباب 33 من أبواب المتعة.
226

(ولا يقع بها لعان) لنفي الولد إجماعا، كما ادعاه بعض (1) وادعى آخر
الاتفاق (2)، بل لو نفى الولد انتفى ظاهرا بغير لعان، ولا للقذف (على
رأي) غير واحد (3)، وعن الغنية الاجماع عليه (4)، وحكى عليه روايتان
مصححتان (5).
(ولاطلاق) إجماعا، بل تبين بغير طلاق إذا انتفى الأجل.
ولا ظهار على رأي (6)، إذ لا يجب الوطء، ولا يقع الطلاق،
والواجب (7) في الايلاء أحد الأمرين (8).
(ولا ميراث وإن شرطاه (9) على رأي (10)، وقيل: يثبت وإن شرطا

(1) الرياض 2: 116.
(2) المسالك 1: 404.
(3) ذهب إليه جماعة منهم أبو الصلاح الحلي في الكافي في الفقه: 298، والشيخ
الطوسي في النهاية: 523، والمحقق في الشرائع 2: 307.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.
(5) الوسائل 15: 605، الباب 10 من أبواب اللعان، الحديث 1 و 2.
(6) ذهب إليه ابن الجنيد وابن أبي عقيل - كما حكاه عنهما صاحب الجواهر في
الجواهر 30: 189 - وابن بابويه في الهداية (الجوامع الفقهية): 60، حيث قال:
ولا يقع الظهار إلا على موضع الطلاق.
(7) في (ع) و (ص): الواجب.
(8) في (ع) و (ص): الايلاء الذي هو أحد الأمرين.
(9) في الإرشاد: شرطه لها.
(10) ذهب إليه أبو الصلاح الحلي في الكافي في الفقه: 298، وابن إدريس في
السرائر 2: 624، والمحقق الكركي في جامع المقاصد 13: 37.
227

سقوطه (1)، وقيل: لا يثبت [إلا] (2) مع الاشتراط (3)، وقيل: لا يسقط إلا مع
الاشتراط (4).
ومنشأ الخلاف: اختلاف الأخبار (5) وعموم آية الإرث للأزواج (6).
وأوسط الأقوال ثالثها، فيكون الزوجية المنقطعة بضميمة اشتراط
الإرث سببا للإرث، لا الزوجية نفسها حتى يرد عدم الحاجة إلى الاشتراط،
ولا الشرط فقط حتى يرد جواز اشتراط توارثهما أزيد من نصيب الزوجين،
أو اشتراط عدم منعها من العقار وغيرها مما لا ترثه الدائمة.
(وعدتها بانقضاء الأجل والدخول حيضتان)، وعن العماني: أنها
حيضة (7)، وعن المقنع: أنها حيضة ونصف (8)، وعن جماعة - منهم المصنف،
في المختلف -: أنها طهران (9). والقول الأول لا يخلو عن قرب، مع أنه

(1) ذهب إليه ابن البراج في المهذب 2: 240.
(2) من (ع) و (ص).
(3) ذهب إليه ابن حمزة في الوسيلة: 309، وحكاه العلامة في المختلف: 561 عن
الكيدري.
(4) ذهب إليه السيد المرتضى في الإنتصار: 114.
(5) انظر ما يدل على ذلك في الوسائل 14: الأبواب 18 و 19 و 32 و 40، من
أبواب المتعة وغيره من الأبواب.
(6) النساء: 12.
(7) حكاه عنه العلامة في المختلف: 562.
(8) المقنع (الجوامع الفقهية): 29.
(9) المختلف: 562، وذهب إليه أيضا الشيخ المفيد في المقنعة 536، وابن إدريس
في السرائر 2: 625.
228

أحوط.
هذا إذا حاضت، (ولو لم تحض وهي من أهله فخمسة وأربعون يوما،)
للأخبار الكثيرة (1)، وفي الرياض ادعى الاجماع عليه نصا وفتوى (2).
(و) إذا حصل الفرقة (بالوفاة وإن لم يدخل) بها (3)، اعتدت
(بأربعة أشهر وعشرة أيام)، على المشهور كما في الحدائق (4)، للآية (5)
وغير واحد من الروايات (6)، وعن جماعة: تعتد بشهرين وخمسة أيام (7)،
بناء على أنها عدة الأمة، لبعض الأخبار (8).
(والأمة بشهرين وخمسة)، أيام، للأخبار الكثيرة (9)، وعن الحلي (10)
والمصنف في المختلف (11) أنها كالحرة، وهو أحوط وإن كان الأول أقوى.
(و) تعتد (الحامل) - حرة كانت أو أمة - (بأبعد الأجلين)

(1) الوسائل 14: 473، الباب 22 من أبواب المتعة.
(2) الرياض 2: 118.
(3) في (ع) و (ص): وكانت حرة.
(4) الحدائق 24: 190.
(5) البقرة: 234.
(6) الوسائل 15: 484، الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2.
(7) منهم ابن أبي عقيل كما حكاه عنه العلامة في المختلف: 562، والشيخ المفيد
في المقنعة: 536، والسيد المرتضى في الإنتصار: 114.
(8) الوسائل 15: 485، الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 4.
(9) الوسائل 15: 471، الباب 42 من أبواب العدد، الأحاديث 6 و 7 و 8 و 9.
(10) السرائر 2: 625.
(11) المختلف: 562.
229

من الأشهر ووضع الحمل، للآية (1)، وادعى في الرياض ظهور الاجماع
عليه (2).

(1) البقرة: 234، الطلاق: 4.
(2) الرياض 2: 118.
230

القسم الثالث
في نكاح الإماء
ويستباح وطؤهن بالملك والعقد والإباحة
231

ولهذا يقع النظر في أمور ثلاثة:
النظر الأول: الملك
(يستباح (1) به الوطء)، بأصل الشرع
(إن استغرق) ولم يشترك فيه
أحد (ولا ينحصر في عدد) بالاجماع - ظاهرا - والأخبار (2).
(ولو كانت مشتركة لم يحل وطؤها بالملك) لأن ملك بعضها لا يسوغ
التصرف في حصة الآخر (و) لكن (يحل بالتحليل من الشريك على رأي)
قوي للصحيح المتقدم في رجلين دبرا جارية فأحلها أحدهما لصاحبه،
فقال: (هو له حلال) (3).
(فإن وطأها قبله) - أي قبل التحليل - (وحملت، حد مع العلم
بالتحريم، وقوم عليه حصص الشركاء في الأم والولد) لأن الجارية صارت
أم ولد، فعليه قيمة حصصهم منها، وولده حر وإن كان الوطء زنى، لأن
بعض الأم مملوك له فتبعه بعض الولد، فقد أتلف الجارية وولدها عليهم.
(ويجوز الجمع بين الأم والبنت في الملك) للأصل وعدم ما يتخيل
مانعا، ولعله لا خلاف فيه كما في الحدائق (4).
(ويحرم) الجمع (في الوطء، فإن وطأ إحداهما حرمت الأخرى

(1) في (ص): ويستباح.
(2) الوسائل 14: 447، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 6 و 8 و 12.
(3) الوسائل 14: 545، الباب 41 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول،
وتقدم في الصفحة: 199 - 200.
(4) الحدائق 24: 304.
233

(مؤبدا) وعن شرح النافع: أن عليه إجماع المسلمين (1)، ويدل عليه
الأخبار (2).
(ولا يحرم) نكاح (الأم بملك البنت) ولا العكس.
(ويجوز لكل من الأب والابن تملك من وطأه الآخر، و) لكن (يحرم
وطؤها) لعموم: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم) (3)، (وحلائل أبنائكم) (4)،
وعن شرح النافع: أن الحكم بجواز تملك الموطوءة وحرمة وطئها كليهما
إجماعيان (5).
(ولا يحرم وطؤها بملك الآخر من دون الوطء) والأصل في جميع
ذلك: أن المصاهرة منوطة بالوطء دون الملك.
(وليس لأحدهما) - أي الأب والابن - (وطء مملوكة الآخر إلا بعقد
أو إباحة) للأدلة القاطعة بقبح التصرف في مال الغير إلا بإذنه (6).
(نعم) قد دل غير واحد من الأخبار (7) على أن (للأب أن يقوم
مملوكة ابنه الصغير، فيبيعها من نفسه (ثم يطأها بالملك) ومقتضى إطلاق

(1) نهاية المرام 1: 130.
(2) الوسائل 14: 357، الباب 21 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.
(3) النساء: 22.
(4) النساء: 23.
(5) نهاية المرام 1: 134.
(6) مثل حديث (لا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره، بغير إذنه) انظر الوسائل
17: 309، الباب الأول من أبواب الغصب. الحديث 4.
(7) الوسائل 14: 543، الباب 40 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الأحاديث 1 و 3
و 4.
234

تلك الأخبار عدم اعتبار المصلحة في ذلك، وحكى في الحدائق التصريح
بذلك عن جماعة (1)، وفي تعدي الحكم إلى الجد قولان، حكي عن المسالك (2)
الأول، وعن سبطه الثاني (3).
(ولو وطأ أحدهما) مملوكة الآخر (من غير شبهة فهو زان)
لما مر في تزويج الأمة بغير إذن مولاها (4) (ولا تحرم) الموطوءة
(على المالك) (5) - عند المصنف - كما سيجئ في أحكام المصاهرة (6)،
(ويحد الابن) (7) دون الأب، قيل (8): للنص والاعتبار.
(ويعتق ولده على الأب لو وطأ) الابن (بالشبهة) جارية أبيه،
لأنه ابن ابنه (لا بالعكس) بأن وطأ الأب جارية الابن بشبهة، فإن الولد
الحاصل يصير أخا للمالك (و) يجب (على الأب فكه، إلا) أن يكون
الولد الحاصل من الوطء (الأنثى فتعتق) لأنها أخت المالك، فلا يستحق
قيمتها على الأب، بخلاف الأخ.

(1) الحدائق 23: 463، وفيه: صرح جمع من الأصحاب منهم شيخنا الشهيد الثاني
في المسالك.
(2) المسالك 1: 382.
(3) نهاية المرام 1: 136.
(4) تقدم في المصفحة: 184.
(5) في (ص): على المالك عند الله.
(6) تأتي أحكام المصاهرة في الصفحة: 283 وما بعدها.
(7) في (ص): الابن خاصة.
(8) انظر المسالك 1: 382.
235

(ويحرم) وطء (المملوكة) على المالك (لو زوجها) إجماعا كتابا
وسنة، والحق به اللمس والنظر بشهوة والنظر إلى العورة، وفي الرياض (1)
عن بعض المتأخرين دعوى الاجماع على حرمة ذلك،
بل وحرمة النظر
إلى ما عدا الوجه والكفين، وفي بعض الأخبار كراهة أن تراه منكشفا (2)، نعم
في الموثق: (في الرجل يزوج جاريته، هل ينبغي له أن ترى عورته؟ قال:
لا) (3).
وهذه الرواية ظاهرة، بل صريحة في المنع عن نظر الجارية المزوجة إلى
عورة مولاها، فيثبت العكس بعدم القول بالفصل.
ولا يتوهم أن قوله عليه السلام: (لا) في جواب من عبر عن الحكم
المسؤول بلفظ (ينبغي) بمثابة قوله: (لا ينبغي)، وهو أعم من الحرمة، لأن
قول السائل: (ينبغي) أي يجوز أم لا؟ لا أنه يرجح أم لا؟
(و)، حكي (4) عن جماعة عدم تحريم (النظر إلى ما) عدا العورة
مما (يحرم على غير المالك) النظر إليه، وحرمه المصنف هنا، ولعله لعموم
أدلة وجوب غض البصر (5)، وقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن... الخ) (6)
(ما لم يفارق) الزوج بأحد أسباب الفراق، ولا إشكال في اشتراط جواز

(1) الرياض 2: 129.
(2) الوسائل 14: 548، الباب 44 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
(3) الوسائل 14: 549، الباب 44 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 4.
(4) انظر نهاية المرام 1: 310، والرياض 2: 129.
(5) النور: 30، وراجع الوسائل 14: 138، الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح.
(6) النور: 31.
236

الوطء بانقضاء العدة مطلقا، ولا في توقف غيره من الاستمتاع، بل مطلق
ما كان يحرم قبل الفراق على خروج العدة الرجعية، لأنها بمنزلة الزوجة
قبله، وهل يتوقف على خروج غيرها؟ صرح في المسالك (1) بالأول.
(وليس للمولى) المزوج أمته من غير عبده (فسخ العقد بدون
بيعها) بلا خلاف ظاهر كما في الرياض، وفيه: أنه حكى عليه الاجماع (2)،
هذا كله مضافا إلى الروايات (3).
نعم، لو باعها (فيتخير المشتري)، في إمضاء العقد وفسخة، لصحيحة
محمد بن مسلم (4) وحسنة بكير وبريد - بابن هاشم (5) - ولا فرق في ذلك بين
صورتي الدخول وعدمه، ولا بين ما إذا كان الزوج عبدا أو حرا، بل مورد
الصحيحة الزوج الحر (6).
(ولو اشتراها) المشتري (مزوجة فأجاز أو لم يفسخ) العقد (مع
العلم، به وبتسلطه على الفسخ (استقر عقد الزوج)، لقوله في الحسنة (7):
(فإن شاء تركهما)، فإن المراد بالترك مجرد عدم الفسخ، والمراد باستقراره:
أنه ليس له الفسخ بعد ذلك، لأصالة اللزوم، خرج ما إذا فسخ قبل الرضى.

(1) المسالك 1: 416.
(2) الرياض 2: 129.
(3) الوسائل 14: 574، الباب 64 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(4) الوسائل 14: 553، الباب 47 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
(5) الوسائل 14: 554، الباب 47 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 4.
(6) في (ع) و (ص): حرا.
(7) وهي حسنة بكير وبريد المتقدمة أعلاه.
237

ويدل عليه قوله في رواية الكناني المحكية عن الفقيه: (فإن هو تركها
معه فليس له أن يفرق بينهما بعد ما رضي) (1).
(فإن فسخ على الفور بطل) العقد (وكفاه الاستبراء) عن العدة
(مع الدخول).
(والمالك) للأمة - (بأحد الوجوه) المملكة على المشهور، خلافا
للمحكي عن ابن إدريس (2) حيث خصه بمورد النص وهو البيع - (لا يحل له
النكاح قبل الاستبراء) لها
(بحيضة، أو بخمسة وأربعين يوما إن تأخرت)
حيضة، وإن علم بحصولها - في كل شهرين مثلا - على ما أطلقه المصنف،
(إلا أن يملكها حائضا)، لحسنة الحلبي - بابن هاشم (3) - وموثقة سماعة،
وفيها رجحان الاستبراء بحيضة أخرى (4) وعن الحلي وجوب ذلك (5)،
(أو) تنتقل إليه (من امرأة) لرواية ابن أبي عمير عن حفص (6)

(1) الفقيه 3: 543، الحديث 4869، الوسائل 14: 555، الباب 48 من أبواب نكاح
العبيد والإماء، الحديث الأول.
(2) نقل عنه في المسالك 1: 416، والذي عثرنا عليه في كلام ابن إدريس التعميم،
انظر السرائر 2: 634.
(3) الوسائل 14: 498، الباب 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول،
وانظر إسناد الكليني في ذيل الحديث الأول.
(4) الوسائل 14: 508، الباب 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
(5) السرائر 2: 635.
(6) التهذيب 8: 174، الحديث 608، وانظر الوسائل 14: 503، الباب 6 من أبواب
نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
238

(أو آيسة) فإنه لا عدة عليها ولا استبراء، ولرواية عبد الله بن عمرو (1)،
(أو) تكون (حاملا) بناء على جواز وطئها قبل مضي أربعة أشهر
من الحمل (أو يخبر) البائع (الثقة بالاستبراء) لرواية ابن أبي عمير
عن حفص ابن البختري (2) أو يعتقها ويعقد عليها) فإن العدة عن المولى
لغيره.
(ولو وطأها) المولى (وأعتقها حرمت على الغير قبل العدة) وهي
ثلاثة أقراء، على ما سيجئ في كتاب الطلاق.

(1) الكافي 5: 472، الحديث 3، والوسائل 14: 499، الباب 3 من أبواب نكاح
العبيد والإماء، الحديث 8.
(2) الوسائل 14: 503، الباب 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
239

النظر الثاني: في استباحة الإماء بالعقد
(وإنما يصح) العقد على الأمة (بإذن المالك، ولا يشترط التخصيص،
فإذا أطلق تخيرت) الأمة المأذونة (في تعيين من شاءت) من العبيد
والأحرار.
(و) اعلم أنه صرح غير واحد (1) بأن من القواعد المعلومة أنه
لا (يجوز) تزويج الانسان بأمته بأي مهر كان إلا (أن يجعل عتقها
صداقها)، فإنه يجوز عند علماء أهل البيت عليهم السلام كما في المسالك (2)، وادعى
عدم الخلاف [فيه] (3) غير واحد (4)، وحكي أيضا عن المختلف (5)، والأخبار به
كثيرة (6) حتى أنه حكيت دعوى تواترها (7).
وكيف كان، فلا خلاف - ظاهرا - في أصل هذا الحكم، وإنما الخلاف
في مواضع:
أحدها - في أنه هل يعتبر تقديم التزويج على الاعتاق في التلفظ -

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 411، والسيد الطباطبائي في الرياض
2: 125.
(2) المسالك 1: 411.
من (ع) و (ص).
(4) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 411، والمحدث البحراني في الحدائق
(5) المختلف: 572.
(6) الوسائل 14: 509، الباب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(7) حكاها السبزواري في الكفاية: 173.
240

على ما حكي عن أكثر المتقدمين (1) - بأن يقول: تزوجتك وأعتقتك وجعلت
مهرك عتقك (أو يبدأ بالعتق - على) ما هو (رأي) المصنف هنا
والجماعة (2) - أو لا ترتيب بينهما فيجوز الأمران كما هو المحكي عن أكثر
المتأخرين (3)؟ أقوال، أوسطها أخيرها - لأن أصل المسألة على خلاف
القواعد - لأجل النصوص (4)، وليس في شئ من القولين الأولين تعليل
مخالفة للأصل عدا ما يتوهم للأول من أنه لو قدم الاعتاق عتقت، فيعتبر
رضاها في التزويج، واستشهد له برواية علي بن جعفر عن أخيه المصححة
المحكية عن الفقيه، قال: (سألته عن رجل قال: أعتقتك وجعلت عتقك
مهرك قال: عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجت وإن شاءت فلا، فإن
تزوجته فليعطها شيئا، فإن قال: قد تزوجتك وجعلت عتقك مهرك فإن
النكاح واقع لا يعطها شيئا) (5).
وفي المحكي عن قرب الإسناد بدل قوله: (فإن النكاح واقع)

(1) كالشيخ قدس سره في النهاية: 497، والقاضي في المهذب 2: 247، وابن حمزة في
الوسيلة: 304.
(2) منهم المفيد في المقنعة: 549، وأبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه: 317،
والشيخ في الخلاف 4: 268، كتاب النكاح، المسألة 22.
(3) المسالك 1: 412.
(4) الوسائل 14: 509 - 513، الأبواب 11 و 12 و 14 و 15 من أبواب نكاح
العبيد والإماء.
(5) الفقيه 3: 413، الحديث 4444، وعنه الوسائل 14: 510، الباب 12 من أبواب
نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
241

(كان النكاح واجبا) (1).
وفي المسالك: رواها عن التهذيب (فإن النكاح باطل) (2).
ويرد على الأول: أن تقديم الاعتاق إنما يفيد رفع التسلط عليها
لو لم يعقب في الكلام الواحد بالتزويج، لا مطلقا ولذا لو قال: (أعتقتك
وعليك خدمة سنة) استحق الخدمة ولم يرتفع التسلط بمجرد التلفظ
بالاعتاق.
ويرد على الاستشهاد: أن حكم الإمام عليه السلام بارتفاع التسلط عليها،
لعله لعدم تعقب الاعتاق بصريح التزويج المعتبر في النكاح، فتأمل.
وقد يستدل للقول الثاني: بأن تقديم التزويج يوجب إيقاع العقد على
أمة حال ملكيتها، فلا بد من تقديم ما يفيد زوال الملكية، ليصح التزويج.
ويرد عليه ما أورد على الأول من عدم الاكتفاء في زوال الملك بمجرد
التلفظ، وإلا لاعتبر رضاها، ولما استحق الخدمة على من أعتق بشرط خدمة
مدة.
الثاني - في أنه هل يعتبر التصريح بإنشاء العتق، أو يكفي جعله مهرا؟
قيل بالأول (3) وقيل بالثاني (4)، والأول أقوى، مع أنه أحوط اقتصارا

(1) قرب الإسناد: 251، الحديث 993.
(2) كذا أوردها في المسالك 1: 411، من دون نسبة إلى التهذيب، هذا وقد قال
صاحب المدارك في نهاية المرام (1: 290) ما يلي (لكن جدي قدس سره في المسالك
أوردها على غير هذا الوجه، إلى أن قال: ولم أقف على هذه الرواية في شئ من
كتب الحديث، ولا في كتب الاستدلال ولا يبعد أن تكون موهومة...).
(3) وهو ظاهر قول المفيد في المقنعة: 549، والحلبي في الكافي في الفقه: 317.
(4) جامع المقاصد 13: 120 - 121.
242

فيما خالف الأصل على القدر المتيقن، وليس في إهماله في رواية علي بن
جعفر (1) دلالة تطمئن بها النفس.
وثالثها: هل يعتبر القبول من الأمة في صحة التزويج أم لا؟ وجهان:
من أنه عقد، ومن أن الأمة قبل تمام العقد لا تعتق لتصير أهلا للقبول،
وبعده لا حاجة إليه.
ويؤيده رواية علي بن جعفر الدالة على وقوع النكاح أو وجوبه بمجرد
الكلام الصادر من المولى.
وكيف كان (فإن) اشترى المولى جارية نسيئة وأعتقها وتزوجها
وجعل عتقها مهرها، ثم (استولدها وأفلس بالثمن ومات) مفلسا (فهما)
أي الجارية وولدها (حران على رأي) الأكثر، لصحة التحرير وعدم
ما يرفعه، فلا وجه لعودها رقا للبائع، وصحة النكاح، فلا وجه لكون الولد
رقا.
وعلى فرض بطلان التحرير بجملته - كما إذا وقع في مرض الموت مع
الدين المستغرق - فلا وجه لعودها رقا، بل أقصاه أنها تباع، ولا وجه
لرقية ولدها. وحكي عن الشيخ (2) وجماعة (3) الحكم برقيتهما، لرواية هشام
ابن سالم (4) المصححة في كلام جماعة، وإن ناقش فيها في المسالك باشتراك

(1) المتقدمة في الصفحة: 241.
(2) النهاية: 489.
(3) منهم ابن الجنيد كما نقل عنه في المختلف: 574، والقاضي في المهذب 2: 248.
(4) الوسائل 16: 30، الباب 25 من أبواب العتق، الحديث الأول.
243

أبي بصير في سندها (1).
والمسألة لا تخلو عن إشكال، من صحة الرواية، ومخالفتها لقواعد
كثيرة.
ولو طلق المولى المتزوج الأمة المجعولة عتقها صداقها (فإن طلقها)
بعد الدخول فلا إشكال، ولو طلق (قبل الدخول رجع نصفها رقا)، على
ما حكى عن الشيخ (2) وابن حمزة (3) والمصنف هنا، وهو (4) خطأ، لأنه صرح
من غير فاصلة (5) بأن المحق الرجوع على الأمة بنصف قيمتها، فعلم أن الحكم
الأول ليس فتواه، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار (6).
واعلم أنه قد تقدم أنه إذا عقد على الأمة بإذن مولاه أو إجازته،
فليس لمولاه نزعها (فإن باع الأمة) المزوجة (بعد العقد تخير المشتري بين
الفسخ والامضاء) لما مر من الأخبار (7) المؤيدة بأن صبر المشتري على ذلك
ضرر، فلا بد من جبره بالخيار.
وفيه: أنه إن اشتراها مع العلم، فقد أدخل الضرر على نفسه، وإن

(1) المسالك 1: 413.
(2) النهاية: 497.
(3) الوسيلة: 304.
(4) في (ع) و (ص): بدل (وهو): (والنسبة إلى المصنف).
(5) في (ع) و (ص): فاصل.
(6) الوسائل 14: 513، الباب 15 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(7) راجع الصفحة: 237.
244

اشتراها [مع الجهل] (1) فثبوت الخيار في البيع أولى من ثبوته في النكاح،
فالعمدة الأخبار.
والظاهر أن هذا الخيار (على الفور) اقتصارا فيما خالف الأصل على
المتيقن، وفي الحدائق أنه مما قطع به الأصحاب (2)، وفي الكفاية نسبته إلى
الأصحاب (3)، ويظهر من الرياض عدم الخلاف (4)، وقد يستفاد من رواية
أبي الصباح: (فإن تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعدما رضي) (5)، من
حيث دلالتها على أن تركها رضى منه، وفيه تأمل.
(وكذا) لو باع (العبد) المزوج، فللمشتري الخيار فورا في فسخ
العبد إن كان تحته أمة، بلا خلاف على الظاهر.
(و) كذا (إن كان تحته حرة) على المشهور، لرواية (6) رميت
بالضعف سندا ودلالة. وقد استدل له في الرياض (7) بعموم التعليل في ما رواه
في الكافي عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن الحسن بن زياد،
قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى جارية يطأها، فبلغه أن
لها زوجا؟ قال: يطأها، فإن بيعها طلاقها، وذلك أنهما لا يقدران على شئ

(1) من (ع) و (ص).
(2) الحدائق 24: 276.
(3) الكفاية: 173.
(4) الرياض 2: 127.
(5) الوسائل 14: 555، الباب 48 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
(6) الوسائل 14: 574، الباب 64، من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 4.
(7) الريا ض 2: 127.
245

من أمرهما إذا بيعا) (1)، فإن سلب قدرته على الشئ عند البيع يدل على
أن للمولى فسخ نكاح زوجة العبد وإن كانت حرة.
ومقتضى ما ذكر من الاتفاق - على أنه إذا بيع الأمة المزوجة أو العبد
المزوج من أمة تخير مولاهما - أنه (لو كانا لمالك (2) فباعهما على اثنين)
- سواء باع كل واحد بواحد، أو باعهما عليهما على الاشتراك - (فلكل)
منهما (الخيار، و) أنه (لو بيعا على واحد تخير) بطريق أولى (ولو باع)
مالكهما (أحدهما) على شخص (فلكل من المشتري والبائع الخيار)،
أما المشتري فحكمه واضح، ولا خلاف.
وأما البائع فالحكم فيه منسوب إلى المشهور، وعلل بتعليل ضعيف
لا ينهض لمصادمة أصالة اللزوم. وقد استدل لهم في الرياض (3) باستصحاب
الخيار الثابت له حال ملكهما جميعا.
ويمكن رده بأن الخيار في الفتاوى والنصوص لمالك الزوجين، من
حيث إنه مالك الزوجين، فالوصف العنواني مأخوذ في الموضوع، فافهم.
(والمهر) الثابت في عقد الأمة المزوجة التي بيعت (للبائع مع
لدخول) بلا خلاف، ووجهه واضح (سواء أجاز المشتري أو لا) لأن
فسخه لا يزيد على طلاق الزوج
(وقبله لا مهر مع فسخ المشتري) قيل
لأن الفسخ قبل الدخول جاء من قبل من يستحق المهر فلا يستحقه،

(1) الكافي 5: 483، الحديث الأول، وعنه الوسائل 14: 553، الباب 47 من أبواب
نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
(2) في (ق) و (ع): لمالكين.
(3) الرياض 2: 127.
246

(ومع الإجازة فالمهر له) بناء على أنها كعقد مستأنف.
وفيه نظر، لعدم الدليل على كونها كالعقد المستأنف، فكيف ترفع به
اليد عن مقتضى القاعدة من استحقاق المهر للمولى الأول بنفس العقد،
فلا يبعد استحقاق الأول له (1)، كما احتمله غير واحد (2).
قيل: ويؤيده الاتفاق - ظاهرا - على أنه إذا أعتقت الأمة المزوجة
قبل الدخول فأجازت النكاح، كان إلى للمولى (3).
ومنه يعلم النظر في سقوط المهر كملا مع فسخ المشتري، لأن
المفروض عدم الدليل على استحقاقه للمهر مع الإجازة، حتى يكون الفسخ
تفويتا منه للمهر على نفسه، فلا يستحق شيئا.
اللهم إلا أن يقال: إنه لو فرض أيضا استحقاق الأول كان بيعه
المعرض للفسخ المصادف له في قوة فسخه، فلا يستحق شيئا، لأن الحدث
جاء من قبله.
(ولو باع العبد) المزوج قبل الدخول (تخير المشتري، فإن فسخ فعلى
المولى) الأول (نصف) الصداق، ولو باعه بعد الدخول استقر (المهر)
عليه.
لكن هذا في العقد الدائم واضح، لاستقرار جميع المهر بالدخول،
وأما في العقد المنقطع - الذي يكون الأجر فيه بمنزلة الأجرة الموزعة
على المدة المضروبة - فيشكل استحقاق المولى المهر كملا بمجرد الدخول.
(ولو باع) جاريته التي وطأها (ثم ادعى) بعد البيع (أن حملها

(1) ليس في (ع) و (ص): له.
(2) (3) انظر نهاية المرام 1: 303.
247

منه، حتى تكون أم ولد فيكشف عن فساد البيع (لم يبطل البيع)، لأصالة
الصحة (و) لكن (ألحق (1) النسب) إذا لم يشترط دخول الحمل في بيع
الحامل وقلنا بخروجه مع الاطلاق، وأما إذا اشترطه أو قلنا بدخوله مع
الاطلاق فلا يبعد أيضا القبول لأنه إقرار لا يضر بالمشتري.
نعم، لو ترتب على ذلك إلزام المشتري بشئ لم يلزم، لعدم نفوذ
الاقرار إلا في حق المقر.

(1) في (ع) و (ص): ألحق به.
248

النظر الثالث: في حل فروج الإماء على وجه الإباحة
واختلف في أنها عقد نكاح (1) أو تمليك منفعة، وأن المحللة داخلة في
الأزواج أو في ما ملكت الأيمان، والأظهر: الثاني.
وعلى كل تقدير فيحتاج إلى القبول، وفي الكفاية: أنه المعروف بين
الأصحاب (2)، لأصالة عدم التملك إلا بالرضى والاختيار، ومن ذلك
[يعلم] (3) أنه عقد على القول بالإباحة - أيضا - إلا أنه اختلف في أنه
عقد نكاح أم لا.
واعلم أن التحليل لا يصح بغير اللفظ. لعدم حل الفروج بالتراضي
إجماعا، كما صرح به غير واحد (4).
(ف‍) - اللفظ (الصريح) له ما يشتق من (التحليل) بشرط
صراحته في الانشاء بقوله: أحللت لك، أو جعلتك في حل، وتأمل بعض في
قوله: أنت في حل (5) (و) في إنشائه بما يشتق من (الإباحة) (6) ولا يبعد

(1) ليس في (ع) و (ص): نكاح.
(2) كفاية الأحكام: 175.
(3) من (ع) و (ص).
(4) المسالك 1: 418، والحدائق 24: 315، والرياض 2: 130.
(5) بل صرح غير واحد بعدم الكفاية منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 13: 182،
والشهيد الثاني في المسالك 1: 418.
(6) في جامع المقاصد: فالأكثر - ومنهم الشيخ في النهاية وأتباعه، والمرتضى
وابن زهرة والمصنف في الإرشاد - على أنه لا يفيد الحل. انظر جامع المقاصد
13: 182، والنهاية: 494، والانتصار: 118، والغنية (الجوامع الفقهية): 550.
249

الصحة (على) ما هو (رأي) المصنف وجماعة (1)، لخلو الأخبار عما يدل
على وجوب الاقتصار على لفظ التحليل وإن وردت بلفظه (2)، لكن المراد
معناه المعبر عنه بالإباحة.
وفي اشتراط العربية والترتيب كلام مر غير مرة (3).
[ولا يستباح بالعارية] (4) وهل يستباح بهبة الوطء أو تسويغه
أو تمليكه؟ الأقرب) عند المصنف قدس سره وغير واحد من الأصحاب (5) (عدم
ذلك) لوجوب الاقتصار في الفروج - المبني على الاحتياط - على المتيقن
(وهو) على ما عرفت (ملك منفعة لا عقد) نكاح.
(ويجوز أن يبيح) المولى (أمته) القن (و) المتشبثة بالحرية مثل
(أم ولده ومدبرته لمملوكه) خلافا لمن منعه (6) إما بناء على أنه تمليك
منفعة، وعدم قابلية العبد للتملك، وإما لأجل رواية علي بن يقطين (7)،
المحمولة على الكراهة بقرينة بعض الأخبار الدالة على جواز اشتراء المملوك

(1) منهم الشيخ في المبسوط 3: 57، وابن إدريس في السرائر 2: 633، والمحقق في
الشرائع 2: 316.
(2) راجع الوسائل 14: 532، الباب 31 من أبواب نكاح العبيد والإماء وغيره من
الأبواب.
(3) راجع الصفحة: 79 وغيرها من الصفحات.
(4) من (ص) والارشاد.
(5) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 13: 183، والشهيد الثاني في المسالك
1: 418.
(6) كالشيخ في النهاية: 494، والعلامة في المختلف: 571.
(7) الوسائل 14: 536، الباب 33 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 2.
250

للجواري ووطئها بإذن سيده، رواها في الكافي في باب ما يحل للمملوك من
النساء (1).
وأما تحليله لغيره حرا كان أم عبد غيره فهو جائز، بلا خلاف
ظاهرا، إلا من صاحب الحدائق في العبد (2)، لخلو الأخبار عنه، ومخالفة الحكم
للأصل.
(ولا يجوز) للمحلل له (استباحة ما خرج عن اللفظ) الدال على
التحليل (فلو أباح التقبيل حرم غيره) من لمس ونظر لا يتوقف التقبيل
عليهما.
(ولو أباح الوطء حل التقبيل وشبهه)، لدلالة تحليله على تحليله.
(ولو أباح الخدمة لم يطأها) وجاز لمسحها فيما محتاج الخدمة إليه كغمز
الرجلين (وبالعكس) فلا يجوز الاستخدام إذا أحل الوطء.
(وولد التحليل حر) على ما سبق في المزوجة (3) إلا أن يشترطه
المولى) على الخلاف المتقدم. (ولا قيمة على الأب (4)، خلافا للصدوق (5)
على ما حكي عنه، جمعا بين ما دل على حريته وما دل على لزوم قيمته يوم

(1) الكافي 5: 476 - 477، باب ما يحل للمملوك من النساء، الوسائل 14: 520،
الباب 22 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الحدائق 24: 322.
(3) راجع الصفحة: 243.
(4) في (ص) والارشاد: على الأب على رأي.
(5) الفقيه 3: 457، ذيل الحديث 4578.
251

سقط حيا، واستجوده في الكفاية (1).

(1) الكفاية: 176.
252

المقصد الثاني
في الصداق
وفيه مطالب
253

المطلب الأول
[في ماهية الصداق وشرائطه]
(كل ما يصح تملكه - عينا كان أو منفعة، وإن كان) ذلك النفع (إجارة
الزوج نفسه) من المرأة لعمل (مدة معينة - صح مهرا، قل أو كثر) لعموم
ما دل من الأخبار المستفيضة على أن المهر (ما تراضى عليه الناس) (1).
وهل يجوز جعله حقا محضا، كحق التحجير ونحوه مما يقابل بالمال؟
استظهر بعض المعاصرين جوازه (2)، لعموم (ما تراضى عليه الناس) (3)،
وهو مشكل، لأن عموم قوله: (ما تراضى عليه) يمكن أن يدعى أنه
مخصص بما دل على أن الصداق (ما تراضى عليه الناس من كثير أو قليل)،
فإن ظاهر ذلك - بقرينة القليل والكثير - المال، فهو - حيث وقع في مقام
تحديد الصداق حدا مانعا وجامعا - يخصص عموم (ما تراضى عليه الناس).
مضافا إلى إمكان دعوى أن السؤال في الخبر العام بقول السائل:

(1) الوسائل 15: 1 - 3، الباب الأول من أبواب المهور.
(2) استظهره صاحب الجواهر في الجواهر 31: 7.
(3) انظر العموم مع مقيداته في الوسائل 15: 1 - 3، الباب الأول من أبواب المهور.
255

(المهر ما هو (1)؟ سؤال عن الكم لا الحقيقة، لعدم الحاجة إليها.
مضافا إلى ما دل على أنه لا يصح النكاح إلا عن درهم
أو درهمين (2)، فإنه ألحق (3) بالاجماع المركب مطلق المال، وأما الحق فلا.
مضافا إلى تسميته في القرآن صدقة وأجرا (4) سيما في المتعة، فإن
الظاهر أنه لا قائل بالفصل.
وأما كون الصداق منفعة، مع أن منفعة الحر لا يكون مالا،
وأنه لا يضمن بحبس الحر كما يضمن بحبس العبد، ففيه: أنه لو سلم عدم
كونه (5) مالا أمكن التزام خروجه بالدليل، مع جواز الفرق بأن منفعة الحر
يمكن أن يجعل عوضا للمبيع وفي الإجارة، بخلاف حق التحجير، والمحكي
عن الشيخ في الخلاف أن الصداق ما يصلح أن يكون ثمنا للمبيع أو أجرة قل
أو كثر، وادعى الاجماع على ذلك (6)، مضافا إلى كلمات الفقهاء في تفسير
الصداق (7).
هذا في الحقوق المالية، وأما الحقوق [التي] (8) لا تقبل الانتقال،

(1) الوسائل 15: 1، الباب الأول من أبواب المهور، الحديث الأول.
(2) الوسائل 15: 29، الباب 20، من أبواب المهور، الحديث الأول.
(3) في (ع) و (ص): ألحق به.
(4) النساء: 4 و 24.
(5) في (ع) و (ص): كونها.
(6) الخلاف 4: 364، كتاب الصداق، المسألة 2.
(7) انظر المقنعة للمفيد: 508، والنهاية للشيخ الطوسي: 468، والسرائر 2: 576
وغيرها.
(8) من (ع) و (ص).
256

بل الاسقاط، فقد اعترف هذا المعاصر بعدم جوازها مهرا (1)، مع أن الدليل
جار فيه فتأمل فيه.
خلافا للمحكي عن الشيخ (2) وجماعة (3) في العقد على منفعة الزوج
مدة، للمروي عن البزنطي (4) المضعف (5) سندا تارة ودلالة أخرى.
ثم ظاهر (6) العموم في ما دل على (أن المهر ما تراضى عليه الناس) (7)
أو (كل شئ تراضى عليه الناس) هو جواز جعل الحقوق الغير المالية أيضا
صداقا، كحق التحجير وغيره من الحقوق الغير المالية القابلة للنقل.
(ولو أسلم) الزوجان (الذميان أو أحدهما بعد العقد على خمر)
بقيا على عقدهما، و (وجبت) على الزوج (القيمة)، لأنها أقرب شئ
إليه حيث تعذر دفعه، للاسلام، ولأن المعين يراد شخصه وماليته، فإذا تعذر
الأول يصار إلى الآخر. ويؤيده ما رواه في التهذيب عن عبيد بن زرارة،
وفيها القاسم بن محمد الجوهري (8).
(ولو قبضته) الزوجة حال كونها (كافرين صح) وبرأت ذمة

(1) الجواهر 31: 7 - 8.
(2) النهاية: 469.
(3) حكاه عنهم الشهيد في المسالك 1: 426.
(4) الوسائل 15: 33، الباب 22 من أبواب المهور، الحديث الأول.
(5) ضعفه المحقق في الشرائع 2: 324.
(6) في (ع) و (ص): أن ظاهر.
(7) الوسائل 15 - 3، الباب الأول من أبواب المهور.
(8) التهذيب 7: 356، الحديث 1448، وعنه الوسائل 15: 4، الباب 3 من أبواب
المهور الحديث 2.
257

الزوج، فلا يطالب بشئ بعد الاسلام، كسائر ما يؤديه من الديون في حال
الكفر مما لا يتمول في الاسلام.
(ولو عقد المسلم، عليه) عالما بالموضوع (صح) على الأقوى،
لوجود المقتضي وعدم المانع، عدا ما يستند إليه من وجوب اقتران الرضى
بالعقد، ولم يقع الرضى إلا على الباطل، فما رضيا به لم يصح، وما صح
لم يتراضيا عليه، ولأنه عقد معاوضة، حيث يذكر فيه المهر - وإن لم يكنه
مطلقا - فيفسد بفساد العوض كالبيع.
وفيه: أولا - النقض بما لو ظهر المهر المشخص مستحقا للغير، فإنه
لا يوجب فساد العقد - بلا خلاف على الظاهر - كما يظهر من الحدائق (1)
والرياض (2) والمسالك (3)، مع أن ما استدل به جار فيه حرفا بحرف،
وكذا لو زعماه خلا فبان خمرا.
وثانيا - بالحل، فإن الرضى بأصل النكاح حاصل، فإنه متقوم
بالزوجين، والالتزام بالصداق بمنزلة الالتزام بالشرط الفاسد الغير المنافي
لأصل النكاح الذي اتفقوا ظاهرا على عدم فساد العقد به، بل هنا أولى،
حيث إن في اشتراط الفاسد تصريحا بعدم الرضى بالعقد، بخلاف الصداق
الفاسد، مع أن فساد العقد - ولو كان من المعاوضات الصرفة - بفساد الشرط
محل كلام، لا يبعد القول بالعدم فيه. لكن الانصاف أن المسألة مشكلة.
وكيف كان، فعلى القول بالصحة لا إشكال في عدم استحقاق المرأة

(1) الحدائق 24: 426، وفيه: فإن العقد صحيح بلا إشكال.
(2) الرياض 2: 140.
(3) انظر المسالك: 427.
258

لنفس ما جعل صداقا، لأنه مما لا يستحق شرعا، فهل الواجب (لها) بدله
(مهر المثل) مطلقا - بناء على أنه إذا لم يسلم المعين صداقا فالواجب بدله،
وهو مهر المثل - أو (مع الدخول (1) بناء على أن التسمية إذا فسدت
فلا يجب شئ إلا عوضا للبضع، فقبل الدخول لا شئ، ومع الدخول
يستحق مهر المثل، لأنه عوض الوطء المحترم؟
وتظهر الثمرة في ما لو مات أحدهما قبل الدخول، فإنه على الأول
يجب نصف مهر المثل أو جميعه على القولين في التنصيف بالموت وعدمه، لأنه
يثبت بالعقد.
وعلى الثاني فلا شئ، لأنه لا يثبت إلا بالوطء.
وهنا قول ثالث (2) بوجوب قيمة ما جعل صداقا، لأنها أقرب إليه،
كما مر في مسألة الذميين اللذين أسلما (3).
وعلى هذا القول يستحق القيمة بنفس العقدة لأنه بدل عن نفس
الصداق المجعول.
ورابع (4) بالتفصيل بين الصداق الذي له قيمة في الجملة - أي يقابل
بالمال، كالخمر المضمون على المسلم، والذي للذمي المتستر به - وبين ما ليس
كذلك كالحر، فيصار في الأول إلى القيمة، وفي الثاني إلى مهر المثل.
والمسألة محل إشكال، وإن كان القول الثاني الذي اختاره المصنف هنا

(1) في (ص) والارشاد: مع الدخول على رأي.
(2) اختاره الشيخ في المبسوط 4: 290.
(3) تقدم في الصفحة: 257.
(4) اختاره الشيخ في المبسوط 4: 290.
259

لا يخلو عن قوة.
(ويشترط) في الصداق (تعيينه بما يرفع) معظم (الجهالة، فإن
أبهم) كلية (فسد) المهر (ولها مهر المثل مع الدخول).
[(و) كذا يشترط] (1). (أن لا يتضمن إثباته نفيه)، لعدم صحة تملك
مثل هذا صداقا، (كما لو أصدق الحرة رقبة عبده) المزوج بها، فإن تملكه
ينافي ثبوته، فالجمع بين تملكها له صداقا وبين تزويجها به جمع بين متنافيين.
(ويكفي المشاهدة وإن جهل وزنه) لعدم كون الاصداق معاوضة
صرفة يعتبر فيها الكيل في المكيل والوزن في الموزون، ويدل عليه - مضافا
إلى عموم: (الصداق ما تراضى عليه الناس) (2) - صحيحة محمد بن مسلم في
تزويج النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك المرأة على ما يحسن الزوج من القرآن (3)،
ولم ينقل تعيينه.
(ولو تزوجها على خادم، أو بيت، أو دار فلها وسط ذلك) لرواية
أبي حمزة - الواقفي المعاند - في الخادم (4)، ومرسلة ابن أبي عمير في البيت (5)،
ولأجل ذلك حكم بفساد المهر لزيادة الجهالة، فيرجع إلى مهر المثل.
(ولو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم،

(1) من (ع) و (ص).
(2) الوسائل 15: 1، الباب الأول من أبواب المهور.
(3) الوسائل 15: 3، الباب 2 من أبواب المهور، الحديث الأول.
(4) الوسائل 15: 36، الباب 25 من أبواب المهور، الحديث الأول والثاني.
(5) التهذيب 7: 376، الحديث 1520، ورواه في الوسائل 15: 36، الباب 25 من
أبواب المهور، الحديث 3، وليس فيه: (عن ابن أبي عمير).
260

ولم يسم) شيئا (فخمسمائة درهم) مهر السنة، للاجماع كما في الروضة (1)
والرواية (2). وبها يدفع الاعتراض بأن مقتضى القاعدة هو الفساد حيث
لا يعلمان أو أحدهما به، فيكون كما لو تزوجا بما تزوج به فلان مع الجهل
به، وبأن لفظ: (على كتاب الله) لا يدل على ذكر المهر أصلا، لاحتمال إرادة
النكاح المرغوب إليه في الكتاب والسنة.
(ولو) عقد على امرأتين و (تزوجهما بمهر واحد) صح التزويج
بلا خلاف، وكذا المهر على الأقوى، لعموم ما دل على الاكتفاء بما تراضيا
عليه، ولا يضر جهل كل واحدة بما يقابل بضعها من المهر، و (قسط)
المهر المذكور (على مهر المثل) وتستحق كل واحدة منهما منه بنسبة مهر
مثلها، لأن مهر المثل بالنسبة إلى البضع كالقيمة، فيحكم عليه بحكها (على
رأي) قوي.
وقيل: يقسط على الرؤوس، فينصف بين الزوجتين، ويثلث بين
الثلاث (3)، وهكذا، لعدم الدليل على الترجيح، وعدم كون المعاوضة حقيقية.
وفيه: أن المرجح حكم العرف والاعتبار، والقاعدة المستفادة من تتبع
الموارد الشرعية من مقابلة البضع بمهر المثل.
(وكذا لو جمع بين تزويج وبيع في عوض) وقد مر في باب البيع.
(ولا يلزم ما يسميه للأب غير المهر، أو منه على رأي) عليه بعض

(1) الروضة البهية 5: 346.
(2) الوسائل 15: 5، الباب 4 من أبواب المهور.
(3) انظر المبسوط 4: 292، والمهذب 2: 209.
261

الأخبار (1).
(ولو أصدقها تعليم سورة، علمها الجائز) من القراءات [السبعة] (2)
دون الشاذة،
(فإن طلقها قبل الدخول رجع) الزوج (عليها بنصف الأجرة
إن علمها، وإلا) يكن علمها (رجعت) الزوجة (3) عليه بنصف الأجرة،
أو بتعليم نصف السورة.
(وكذا) الحكم في (الصنعة) حيث يصدقها تعليمها.
(و) تعليم السورة (حده (4) الاستقلال بالتلاوة (5)، لا متابعته عند
النطق، لأنه تلقين لا تعليم.
(ولو نسيت الآية الأولى قبل) تعلم (6) (الثانية لم يجب إعادة
التعليم، لبراءة ذمته بحصوله الغير المشروط ببقائه في الذاكرة.
(ولو تعلمت من غيره أو تعذر) تعلمها (7)، لبلادة أو طروء آفة
(رجعت بالأجرة) لتعذر العين، ولا ينفسخ المهر فيرجع إلى مهر المثل
- كما تنفسخ الإجارة بتعذر تحصيل العمل - لقيام الدليل هناك،

(1) الوسائل 15: 19، الباب 9، من أبواب المهور، الحديث الأول.
(2) من (ع) و (ص).
(3) في (ع) و (ص): رجعت هي أي الزوجة.
(4) في (ع) حدها.
(5) في (ع) و (ص): بالقراءة.
(6) في (ع) و (ص): تعليم.
(7) في (ع) و (ص): تحصيل تعلمها.
262

وهنا (1) لما وجب المهر المسمى وتعذر ضمنه الزوج بقيمته.
ومن هنا يعلم أن مقتضى القاعدة في المهر هو كون ضمانه ضمان يد
لا ضمان معاوضة، فما عن جامع المقاصد (2) وكشف اللثام (3) من احتمال
الرجوع إلى مهر المثل ضعيف، نعم لو بذل الزوج التعليم، وتعلمت الزوجة
من غيره، يمكن القول بأنها فوتت المهر على نفسها، كما لو أمهرها منفعة عين
بذلها لها فلم تستوف المنفعة.
(ولو بان الخل) المصدق (خمرا) صح العقد، بلا خلاف - كما يظهر
من جماعة (4) - وأما ما تستحقه عليه بعد ظهور وكونه خمرا (فالوجه أن لها
مثل الخل) لأنه أقرب إلى المتعذر من قيمته التي لا تطابقه إلا من حيث
المالية فقط.
وقيل بقيمة الخمر (5)، ورد بأن الخمر لا يقصد حتى ينتقل إلى قيمته (6).
وقيل بمهر المثل، لفساد ما قصد وعدم (7) قصد غيره، فيرجع إلى مهر
المثل (8) وهو حسن، لأن المهر انكشف عدم تملكه ولم يقصد غيره فتعين

(1) في (ق): بل هنا.
(2) جامع المقاصد 13: 348.
(3) كشف اللثام 2: 78.
(4) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 13: 376، والشهيد الثاني في المسالك
1: 430، وصاحب الجواهر في الجواهر 31: 33.
(5) قاله الشيخ في الخلاف 4: 371، كتاب الصداق، المسألة 10، والمبسوط 4: 290.
(6) رده الشهيد الثاني في المسالك 1: 430، وصاحب الجواهر في الجواهر 31: 33.
(7) في (ع) و (ص): ما قصده أو عدم.
(8) قاله العلامة في القواعد 2: 37، والتحرير 2: 32، والمختلف: 547.
263

مهر المثل لكنه حسن إن أريد به بعد الدخول، وإن أريد [ذلك] (1) بمجرد
العقد فهو أيضا [غير] (2) مقصود.
هذا كله في المثلي، وأما في القيمي - كالعبد المستحق للغير - ففيه
قولان: قيمة العبد، ومهر المثل (وكذا لو بان العبد حرا).
(ولو) قبضت المعين صداقا، ثم (وجدت به عيبا، فلها الرد) وأخذ
المثل الصحيح.
(ولو حدث)، العيب (بعد العقد فلها الأرش) لأنه في مقابل الجزء
الفائت المضمون بالمقابل كالكل
(ولو تلف قبل القبض فلها القيمة
وقت التلف) الذي هو وقت استقرار القيمة.
(ولو عقد سرا وجهرا بمهرين، فالصحيح الأول) سرا كان أو جهرا،
لأن الأخير باطل.
(ويستحب تقليله) بلا خلاف ظاهرا (ويكره تجاوز) مهر
(السنة) وحرمه المرتضى (3) على ما حكي عنه، وهو ضعيف محجوج عليه
بالروايات الكثيرة (4).
(والدخول قبل تقديمه) أي المهر، كلا (أو بعضه (5) أو هدية) لرواية

(1) من (ع) و (ص).
(2) من (ع) و (ص)، ومحله مخترم في (ق).
(3) الإنتصار: 124 - 125.
(4) الوسائل 15: 19 - 44، الأبواب 9 و 24 و 35 من أبواب المهور.
(5) في (ع) و (ص): بعضا.
264

أبي بصير (1) الظاهرة في التحريم، المحمولة على الكراهة بقرينة رواية
عبد الحميد الطائي (2).
(و) اعلم أن الزوجة (لها الامتناع من الدخول قبل قبضه) أي
قبض المهر لأن الوطء والمهر بمنزلة العوضين، لصاحب أحدهما الامتناع
حتى يقبض الآخر، ولا يجبر أحدهما على التسليم قبل الآخر، فطريق الجمع
لو أرادا التقابض وتشاحا في التقديم والتأخير: إما بإقباض المهر أولا،
وإما بوضعه في يد من يتفقان عليه، فإذا مكنت نفسها سلم المهر إليها
أو تسلم عنها.
هذا كله مما (لا) خلاف فيه إذا كان قبل الدخول، وأما (بعد
الدخول) فليس لها الامتناع (على رأى) قوي، لتسلط الزوج على
البضع، و حصول التقابض في الجملة، مع يسار الزوج وحلول المهر وقابلية
الزوجة للوطء
لو كان الزوج معسرا
(وإن كان معسرا) (3) فالحكم أيضا كذلك على ما نسب إلى الأكثر (4)، لأن الوجه المتقدم جار هنا، ووجه العدم: المنع من مطالبة المعسر، فيجيب عليها تسليم حقه إليه إذا طالبه، لأن الامتناع ظلم عرفا، فيحرم شرعا،
سيما مع علمها قبل العقد بإعساره.

(1) الوسائل 15: 12، الباب 7 من أبواب المهور، الحديث الأول.
(2) الوسائل 15: 16، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 9.
(3) وردت هذه العبارة في الإرشاد قبل عبارة: (لا بعد الدخول على رأي)، انظر
إرشاد الأذهان 2: 15.
(4) نسبه صاحب المدارك في نهاية المرام (1: 414) إلى الأكثر.
265

ومنع أن له المطالبة مع عدم إقباض المهر، وأنه مصادرة، يدفعه:
ثبوت استحقاق البضع بنفس العقد وتحقق الزوجية، بل يشمله - حينئذ - كل
ما دل على حرمة امتناع الزوجة ونشوزها، بل قد يمنع أصل الحكم في
المسألة رأسا حتى مع اليسار، لأجل الوجه الذي ذكرناه، كما حكي عن
السيد في شرح النافع (1)، ومال إليه في الحدائق (2)، وسبقهما إلى الخدشة في
نظير المسألة المحقق الأردبيلي في مسألة تقابض العوضين في البيع (3).
وأما إذا لم تكن الزوجة قابلة للوطء لصغرها، ففيه قولان: من امتناع
التقابض، ومن أن الصداق حق ثابت، طلبه المستحق فوجب دفعه إليه،
وعدم قبض مقابله قد أقدم الزوج عليه حيث عقد عليها كذلك،
وهو الأقوى كما في المسالك (4)، وهذا الدليل بعينه يجري في مسألة إعسار
الزوج، والقول الأول محكي عن الشيخ في المبسوط (5).
هذا إذا لم تصلح للاستمتاع، ولو صلحت لغير الوطء ففي وجوب
إجابته وجهان: من تحقق الزوجية المقتضية للاستمتاع، ومن أن المقصود
الذاتي الوطء، والباقي تابع، فإذا انتفى المتبوع انتفى التابع.
وإما إذا لم يكن الصداق حالا، فإن الظاهر عدم الخلاف * (و) *

(1) نهاية المرام 1: 413.
(2) الحدائق 24: 471 - 472.
(3) مجمع الفائدة 8: 504.
(4) المسالك 1: 432.
(5) المبسوط 4: 316، وحكاه عنه في المسالك 1: 432.
266

حكى في الرياض (1) الاجماع في أنه (لشئ لها الامتناع) من الدخول، إذ
لا (2) يجب لها عليه شئ حينئذ، فيبقى وجوب حقه عليها بغير معارض.
ولدخولها على الرضى بتسليم نفسها قبل قبض العوض، كما (لو
كان) العوض في المعاوضات الصرفة (مؤجلا، أو امتنعت) عصيانا لله
ولزوجها (ثم حل) أجل الصداق، فليس لها أيضا الامتناع بعد الحلول،
لوجوب تسليم نفسها قبل الحلول، فتستصحب.
ووجه الامتناع: أنها تستحق الصداق حالا، فلها الامتناع
عما تستحقه حتى يسلمها ما تستحقه، والأول يحكى عن الأكثر (3).
(وإنما يجب بذله إذا كانت) الزوجة (مهيأة للاستمتاع، فلا يلزم
تسليمه إلى المحبوسة والممنوعة بعذر. وإذا سلم فعليه إمهالها للتنظيف، والبلوغ)
إذا كانت صغيرة (والصحة) إذا كانت مريضة (لا للجهاز والحيض، فإنه
يستمتع بما دون الفرج).
ثم اعلم أن المحكي عن السيد في شرح النافع (4) الخدشة في أصل (5) هذا
الحكم - وهو جواز الامتناع للزوجة إن لا يكن المسألة [إجماعية] (6) - بأن
مقتضى العقد استحقاق الزوج لحق البضع وجواز الاستمتاع. وإن وجب

(1) الرياض 2: 149.
(2) في (ع) و (ص): ولا.
(3) حكاه الشهيد الثاني في المسالك 1: 432.
(4) انظر نهاية المرام 1: 413 - 415.
(5) ليس في (ع) و (ص): أصل.
(6) من (ع) و (ص).
267

عليه أداء الصداق مع المطالبة والحلول، سيما بملاحظة ما دل على وجوب
إطاعة الزوج وحرمة النشوز والامتناع.
اللهم إلا أن يقال: إن إطلاق العقد في عقود المعاوضة وما يشبهها
يقتضي التراضي على هذا الوجه، فالامتناع من تسليم أحد العوضين قبل
تسلم الآخر لا يعد نقضا للعقد، وليس خروجا عن الوفاء بمقتضاه، لأن
أحدا من المتعاقدين لم يلتزم إلا بالتمليك وإقباض ما ملكه مع قبض
ما ملكه، لا مطلقا.
ودعوى أن العقد إذا اقتضى الملك لزمه وجوب رفع اليد عنه، لعموم
(الناس مسلطون على أموالهم) (1)، مدفوعة بمنع الملازمة إذا كان إطلاق
العقد - الذي هو منشأ الملكية - منصرفا إلى النحو المذكور، وهذا الكلام
يجري في النكاح بنحو من التقريب، مع أنه يمكن أن يستدل على جواز
امتناعها إن امتنع الزوج من المهر مع التمكن بآية جواز الاعتداء بالمثل (2).

(1) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.
(2) البقرة: 194.
268

المطلب الثاني
في التفويض
(وهو) قسمان:
تفويض البضع، وهو (إخلاء العقد عن المهر) أصلا (بأمر
مستحقه).
وهو صحيح بلا خلاف، كما ادعاه غير واحد (1)، سواء أهملاه،
أو شرطا عدمه.
ولو شرطا عدمه في الحال والمال على وجه يشمل ما بعد الدخول،
فسد العقد، على ما نسب إلى الأشهر (2)، لمنافاته لمقتضى العقد.
وفيه تأمل، لأن العقد لا يقتضي ثبوت المهر بالدخول، نعم انتفاء المهر
مع الدخول مخالف للمشروع، فبطلانه من جهة عدم مشروعيته، فإنه بمنزلة

(1) كالشيخ الطوسي في المبسوط 4: 294، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
548، والمحقق في الشرائع 2: 326، والعلامة في القواعد 2: 39، والسيد صاحب
المدارك في نهاية المرام 1: 373، وغيرهم.
(2) نسبه السيد الطباطبائي في الرياض (2: 141) إلى الأشهر.
269

الهبة التي لا تحل إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما في الخبر (1)، وأما
لغيره فلا يصلح نكاح (2) إلا بمهر، وفي المسألة قول بالصحة، وقول آخر بفساد
التفويض دون العقد، فيجب مهر المثل، كما لو شرط في المهر ما يفسده تمسكا
بأصالة اللزوم.
(و) التفويض إنما (يتحقق في الرشيدة)، لأن المهر بيدها (دون
الصغيرة والسفيهة) وهو واضح.
(ولو زوجها (3) الولي بدون مهر المثل) فقد مر حكمه وأن لها
الاعتراض إذا بلغت إذا زوجها به من غير مصلحة (أو) مطلقا.
ولو زوجها (4) (مفوضة، فالأقرب) هنا أيضا (الصحة مع المصلحة، وإلا)
يكن مصلحة ثبت (مهر المثل) مع التفويض.
وحيث يصح التفويض (فلو تزوجها ولم يذكر مهرا أو شرطا سقوطه،
صح العقد) لكن لا يقتضي مهرا أصلا، بلا خلاف كما يظهر من المسالك (5)
والرياض (6)، لعدم ثبوت المقتضي له (فإن دخل فلها مهر المثل) لأنه بمنزلة
القيمة للبضع.
(ويعتبر فيه حال المرأة في الشرف والجمال) وغيرهما مما يتفاوت به
المهر من العقل والأدب والبكارة وحسن التدبير (و) نحو ذلك، كل ذلك

(1) الوسائل 14: 198، الباب 2 من أبواب عقد النكاح.
(2) ليس في (ع) و (ص): نكاح.
(3) و (4) في (ق): زوجهما - في الموضعين.
(5) انظر المسالك 1: 432.
(6) انظر الرياض 2: 141.
270

مع مراعاة (عادة أهلها) المستقرين في بلدها، أو ما يساويه من حيث
العادة في المهر.
والمعتبر في الأهل: أقاربها من الطرفين (ما لم يتجاوز خمسمائة درهم)
وهو مهر السنة، للمروي عن أبي بصير (1)، المضعف سندا ودلالة.
ومن ثم قيل (2) بعدم تقييده بذلك لاطلاق الأخبار أن لها صداق
نسائها، مع اعتضادها بقاعدة أن مهر المثل بمنزلة القيمة للبضع (3).
(وإن طلق قبل الدخول فلها المتعة) بلا خلاف ظاهر، للآية (4)
والأخبار (5) المدعى [تواترها] (6)، ومقتضى إطلاقها ثبوتها لها (حرة كانت
أو أمة).
(و) إنما (يعتبر) المتعة (بحاله، فالموسر يتمتع بالدابة أو الثوب
المرتفع أو عشرة دنانير، والمتوسط بخمسة أو الثوب المتوسط، والفقير بالدينار
أو الخاتم (7) وشبهه) [و] (8) كل ذلك على وجه المثال، والمناط [اللازم

(1) الوسائل 15: 25، الباب 13 من أبواب المهور، الحديث 2.
(2) في (ع) و (ص): ومنهم من قال.
(3) انظر نهاية المرام 1: 377، والحدائق 24: 481.
(4) البقرة: 236.
(5) الوسائل 15: 54 - 59، الباب 48 - 50 من أبواب المهور، وادعى تواترها
صاحب الجواهر، راجع الجواهر 31: 51.
(6) من (ع) و (ص).
(7) في (ع) والارشاد: والخاتم.
(8) من (ع) و (ص).
271

هو] (1) المتاع بالمعروف كما في الآية (2).
(ولو مات أحدهما قبل الدخول) المقتضي لمهر المثل (وقبل الفرض
فلا مهر ولا متعة)، لعدم المقتضي، فإن المقتضي هو الدخول أو الفرض،
خلافا للمحكي عن المبسوط (3)، فأثبتها بما يقع من طلاق أو فسخ أو من
قبلهما، دون ما كان من قبلها، وحكي (4) ثبوتها في الجميع أيضا.
أما الدخول فقد عرفت (و) أما الفرض فلأنه (لو عيناه بعد العقد
جاز) ولزم، لأن الحق منحصر فيهما (وإن زاد عن مهر المثل أو نقص)
فإن مهر المثل قد عرفت أنه بمنزلة القيمة التي لا يمنع من تراضي المتعاقدين
على أزيد منها أو أقل (وإن طلقها (5) قبل الدخول، فلها نصفه)، لقوله
تعالى: (فنصف ما فرضتم) (6).
(ولو) زوج أمته مفوضة صح [أيضا] (7) بلا خلاف، فإذا (باعها
مولاها كان فرض المهر بين الزوج و) المشتري، وهو (المولى الثاني - إن أجاز
جاز النكاح - وله المهر)، لحدوث الاستحقاق في ملكه (دون الأول)
إذ لم يقع في ملكه إلا العقد الذي لا يقتضي المهر في المفوضة، مضافا

(1) من (ع) و (ص).
(2) البقرة: 236.
(3) حكاه عنه في المسالك 1: 432.
(4) حكاه الشهيد في المسالك 1: 432، وانظر المختلف: 545.
(5) في (ص): طلقها حينئذ.
(6) البقرة: 237.
(7) من (ع) و (ص).
272

إلى ما عرفت من أن إجازة المشتري بمنزلة العقد المستأنف.
(ولو أعتقها) المولى المزوج على وجه التفويض، (فالمهر لها إن
أجازت) العقد بعد العتق، لحدوث استحقاقها حين حريتها، ولم يحدث في
ملك المولى إلا العقد.
273

(و) القسم الثاني من التفويض: تفويض المهر.
وهو ما (لو تزوجها بحكم أحدهما صح، ويلزم) الزوج (ما يحكم به
الحاكم منهما) - قليلا كان أو كثيرا - (إلا) أن تكون المحاكمة هي
(المرأة) فإنها (لا تتجاوز السنة) بالاتفاق، كما ادعاه في المسالك (1)،
لبعض الروايات (2).
(فإن طلقها قبل الدخول ألزم من إليه الحكم به) أي: بالفرض،
(و) إذا فرض (ثبت لها نصفه، ولو مات الحاكم قبله فلها المتعة على رأي)
المصنف، وحكي عن جماعة (3): للمصحح (4) (ولا شئ على رأي) محكي
عن الإسكافي (5) والشيخ في الخلاف (6) وابن إدريس (7)، للأصل وطرح
الرواية.
(وللمرأة طلب الفرض، ولها حبس نفسها بعد الدخول للفرض لا لتسليم
المفروض)، لما سبق من أنه ليس لها الامتناع بعد الدخول.

(1) المسالك 1: 434، وفيه عند جميع الأصحاب.
(2) الوسائل 15: 32، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث الأول.
(3) منهم الشيخ في النهاية: 472، والقاضي في المهذب 2: 206، وابن حمزة في
الوسيلة: 296، وغيرهم، راجع المسالك 1: 435.
(4) الوسائل 15: 32، الباب 21 من أبواب المهور، الحديث 2.
(5) حكاه عنه صاحب المدارك في نهاية المرام 1: 381.
(6) حكاه الحلي في السرائر 2: 587، وصاحب المدارك في نهاية المرام 1: 381،
وغيرهما، ولكن لم نقف عليه في الخلاف.
(7) السرائر 2: 587.
274

(ولو أسقطت حق طلب الفرض لم يسقط) لأنها ما دامت مستحقة
لعوض بضعها لها المطالبة بتعيينه.
275

المطلب الثالث
في الأحكام
(تملك (1) المرأة) المعقودة (الصداق) المسمى (في العقد) بنفس
العقد على الأشهر، بل عن الحلي (2) نفي الخلاف فيه، ولعله حمل مذهب
الإسكافي على أن الملك المستقر للنصف موقوف على الدخول، كما احتمله في
كشف اللثام (3).
وكيف كان، فيدل على مذهب المشهور: أن مقتضى نفس العقد تملكها
للصداق من غير توقف على شئ آخر، كما في كل العقود.
مضافا إلى ما ورد في موثقة عبيد بن زرارة: من كون نماء الصداق
قبل الطلاق لها (4)، وما دل على جواز إبرائه من الصداق [كموثقة سماعة

(1) في (ع) و (ص): هو تملك.
(2) السرائر 2: 585.
(3) كشف اللثام 2: 86.
(4) الوسائل 15: 543 الباب 34 من أبواب المهور، الحديث الأول.
277

المروية في باب المتعة من التهذيب (1)، ونحوها رواية (2) شهاب بن
عبد ربه] (3).
ويرد عليه: المراد نصف ما أبرأته منه إذ لولا تملكها له لبطل الابراء
في النصف، فلا وجه لرد مثل النصف (4) إليه.
وما دل على استحباب تصدق الزوجة بالصداق على الزوج قبل
الدخول (5)، مع أنه لا صدقة إلا فيما يملك.
ولا يعتبر في تملكها القبض إجماعا (6) (و) لا في تصرفها، بل
(تتصرف فيه) بالبيع ونحوه (قبل القبض) على المشهور، خلافا للمحكي
عن الشيخ (7)، للنهي عن بيع ما لم يقبض (8). وهو ضعيف، لاختصاص النهي
بالبيع، أو المبيع بما اشترى قبل القبض، وعدم مقاومته للقاعدة المستفادة من

(1) التهذيب 7: 374، الحديث 1513، والوسائل 14: 483، الباب 3 من أبواب
المتعة، الحديث الأول.
(2) التهذيب 7: 374، الحديث 1511، والوسائل 15: 50، الباب 41 من أبواب
المهور، الحديث الأول.
(3) من (ع) و (ص)، ومحله منخرم في (ق).
(4) في (ع) و (ص): نصف المثل.
(5) الوسائل 15: 36، الباب 26 من أبواب المهور.
(6) ليس في (ع) و (ص): إجماعا.
(7) الخلاف 4: 370، كتاب الصداق، المسألة 7.
(8) التهذيب 7: 231، الحديث 1006، والوسائل 12: 382، الباب 10 من أبواب
أحكام العقود، الحديث 6.
278

الأدلة القطعية من تسلط الناس على أموالهم (1).
(فإن طلق قبل الدخول رجع بنصفه) كتابا (2) وسنة (3) وإجماعا (فإن
عفت) المطلقة عما استقر ملكها عليه - وهو النصف - (فله الجميع وللأب
والجد له) أي للأب (العفو) لكن (عن البعض).
أما تسلطهما على العفو فلولايتهما عليها، وهل يعتبر المصلحة أو لا؟
وجهان، أحوطهما الأول، وأقواما الثاني.
وأما عدم جواز العفو عن الكل، فلرواية رفاعة (4)، والظاهر أن
موردها صورة عدم المصلحة في العفو عن الكل، وإلا فالظاهر جوازه
كما عن (5) المختلف (6) والجامع (7)، ومال إليه في الكشف (8)، على ما حكي (9)،
لعموم ما دل على جواز قيامه بمصالح المولى عليه، بل وجوبه (10) فهذا أيضا

(1) عوالي اللآلي 1: 222، الحديث 99.
(2) البقرة: 237.
(3) راجع الوسائل 15: 43 و 44، الباب 34 و 35 من أبواب المهور، وغيرهما من
الأبواب.
(4) الوسائل 14: 213، الباب 8 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، الحديث 3.
(5) في (ع) و (ص): في.
(6) المختلف: 538.
(7) الجامع للشرائع: 442.
(8) كشف اللثام 2: 89.
(9) حكاه صاحب الجواهر في الجواهر 31: 116.
(10) انظر الوسائل 12: 195، الباب 78، من أبواب ما يكتب به، الأحاديث 1 و 3
و 8، وغيرها.
279

قرينة على أن العفو عن البعض لا يناط بالمصلحة، إذ معها يجوز العفو عن
الكل، هذا إن عفت الزوجة أو وليها.
(وإن عفا الزوج فلها) على وجه الاستقرار (الجميع، وليس لوليه)
الذي يطلق عنه مع جنونه المتصل بالبلوغ أو مطلقا، (العفو عن) شئ من
(حقه)، لعدم الدليل، والظاهر الجواز مع المصلحة، للعمومات.
ثم (إن كان) الصداق (دينا عليه)، فعفت الزوجة أو وليها،
(أو) أقبضها و (تلفت في يدها)، فعفى الزوج، (فالعفو إبراء، وإلا)
يكن شئ منها بل (1) كانت عينا ظاهرة في يد أحدهما، فالعفو (هبة)
لا بد فيها (2) من لفظ صريح أو ظاهر في الايجاب، وقول أو فعل ظاهر في
القبول، وقبض إن لم يكن في يد الموهوب.
(ولو طلق) الزوج (بعد البيع أو الرهن أو التدبير [أو العتق] (3)
والتلف (4) (5).
(وإن (6) لم يكن من قبلها، رجع بنصف مثله في المثلي، وبنصف القيمة

(1) يكن شئ منها بل: لم ترد في (ص) و (ع) وورد محلها: وإن.
(2) في (ع) و (ص): فيه.
(3) من (ع) والمصدر.
(4) في (ع) و (ص): أو الرهن أو التدبير أو العتق أو التلف.
(5) ورد في آخر (ع) و (ص) ما يلي: هذا آخر ما وجد بخطه الشريف قدس سره.
في النكاح.
تم كتاب النكاح ويتلوه كتاب الرضاع، الحمد لله أولا وآخرا.
(6) من هنا إلى آخر المطلب من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له
في ما بأيدينا من النسخ.
280

في غيره، ويلزمها أقل الأمرين من القيمة وقت العقد والقبض، ولو تلف البعض
فله نصف الباقي ونصف بدل التالف، ولو تعيب فله نصف القيمة، ولو نقصت
قيمة السوق أو زادت فله نصف العين، ولو زادت بكبر أو ممن أو تعلم صنعة
فله نصف قيمة ما دون الزيادة، والنماء المنفصل لها.
ولو دخل قبلا أو دبرا استقر المسمى أجمع في ذمته وكان دينا عليه،
ولا يسقط بترك المطالبة طويلا، وكذا لو مات أحدهما، ولا يستقر بالخلوة
على رأي.
ولو أبرأته ثم طلقها قبل الدخول أو خلعها به قبله رجع عليها بالنصف،
ولو عوضها بشئ رجع بنصف المسمى لا العوض، ولو لم يسم وقدم لها شيئا
ثم دخل فهو المهر، إلا أن تشارطه قبل الدخول.
ولو شرط غير السائغ - مثل أن لا يتسرى أو لا يتزوج - بطل الشرط
خاصة، ولو شرط عدم الافتضاض لزم، فإن أذنت بعده جاز، ولو شرطا الخيار
في الصداق صح، ولو شرطاه في النكاح بطل العقد، ولو شرط عدم خروجها
من بلدها لزم على رأي، ولو شرط زيادة المهر مع الاخراج فأخرجها إلى بلد
الشرك لم تجب إجابته ولها الزائد، وإن أخرجها إلى بلد الاسلام لزم الشرط.
ولو زوج ابنه الصغير الموسر فالمهر على الولد، ولو كان فقيرا فالمهر
على عهدة الأب يخرج من صلب التركة، سواء بلغ الولد وأيسر قبل موت الأب
أو بعده.
فإن دفع الأب ثم طلق بعد بلوغه رجع النصف إلى الولد، وكذا لو تبرع
بقضائه عن البالغ.
وكل من وطأ بشبهة فعليه المهر، ولا مهر للزانية، فإن أكرهها الزاني
فلها مهر المثل).
281

مسائل النزاع (1)
(لو اختلفا في قدر المهر، أو وصفه، أو في أن المدفوع مهر أو هبة، أو في
المواقعة على رأي ولا بينة قدم قولي الزوج مع يمينه.
ولو اختلفا في التسليم، أو قالت علمني غير المهر، أو أقامت بينة بالعقد
مرتين فادعى التكرار قدم قول المرأة مع اليمين، ويلزمه في الأخير مهران على رأي.
ومهر ونصف على رأي.
ولو ادعت التسمية وأنكرها فالقول قوله، ولو أنكر أصل المهر بعد الدخول
فالوجه مهر المثل على رأي.
ولو قال: أصدقتك العبد، فقالت: بل الأمة، تحالفا ويثبت مهر المثل
مع الدخول، ولو كان دعواه إصداق أبيها فكذلك ويعتق عليه).

(1) هذه المسائل من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره لها في ما
بأيدينا من النسخ.
282

المقصد الثالث
في المحرمات
وفيه مطلبان
283

المطلب الأول
في المحرمات بالنسب والرضاع
وهي ثمانية: الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، وبنات الابن وإن
نزلن، والأخت، وبناتها وإن نزلن، والعمات وإن علون، والخالات كذلك،
وبنات الأخ وإن نزلن.
ويحرم على النساء مثلهن من الرجال، سواء كان النسب عن نكاح
صحيح، أو شبهة، أو زنى وإن انتفى شرعا. وكل من حرم بالنسب حرم مثله
بالرضاع بشروط خمسة (1):

(1) إلى هنا من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له، وإنما كتب في
الرضاع رسالة مستقلة نوردها في ما يلي.
284

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
أجمع علماء الاسلام - ظاهرا - على أن من جملة أسباب تحريم النكاح:
الرضاع في الجملة، والأصل في هذا الحكم - قبل الاجماع - قوله
صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الفريقان: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
وروي عن الصادق عليه السلام أيضا بعدة طرق صحيحة، ورواه عبد الله
ابن سنان، وأبو الصباح الكناني، وعبيد بن زرارة عن مولانا الصادق عليه السلام
مع تخالف يسير في المتن.
ومعنى هذه العبارة الشريفة: أنه يحرم من جهة الرضاع نظير من
يحرم من جهة النسب، لا أن نفس من يحرم من النسب يحرم من جهة
الرضاع، كما يتراءى من ظاهر العبارة. وإنما عبر بهذا للتنبيه على اعتبار
اتحاد العنوان الحاصل بالرضاع والحاصل بالنسب في التحريم صنفا، مثلا الأم
محرمة من جهة النسب، فإذا حصل بالرضاع نفس هذا العنوان حصل
285

التحريم من جهة الرضاع، ولو حصل بالرضاع ما يلازمه - مثل أمومة أخيه
لأبويه - لم يحرم، وكذلك الأخت والبنت وغيرهما ممن يحرم نكاحه بواسطة
النسب الحاصل بين شخصين، أو بين أحدهما وزوج الآخر، أو من في حكمه،
فإن أم الزوجة محرمة على الزوج من جهة نسب بينها وبين الزوجة يحدث
باعتباره المصاهرة بعد التزويج، وكذلك الأم الرضاعية للزوجة.
فحاصل معنى هذا الحديث: التسوية بين النسب والرضاع في إيجاب
التحريم، وأن العلاقة الرضاعية تقوم مقام العلاقة النسبية، وتنزل مكانها،
فلا يتوهم أن تحريم أم الزوجة من جهة المصاهرة، فينبغي أن لا تحرم من
جهة الرضاع.
توضيح الدفع: أن معنى هذه القضية السلبية - وهي (أن المحرم من
جهة المصاهرة لا يحرم من جهة الرضاع) على قياس تلك القضية الموجبة -
هو: أن الرضاع لا يقوم مقام المصاهرة ولا ينزل منزلتها، فإذا أرضعت
ولدك امرأة فلا تحرم عليك أمها من حيث إنها جدة ولدك لأمه الرضاعية،
من جهة أن جدة الولد لأمه بما تحرم على الأب لأجل نسب بينها وبين
زوجته، ولا شك أن الزوجية هنا منتفية، ومجرد إرضاع ولد الرجل لا يصير
المرضعة في حكم الزوجة، لما عرفت من أن الرضاع لا يقوم مقام المصاهرة.
وأما أم الزوجة المرضعة لها - في المثال الذي قدمناه - فإنما قامت مقام
أمها الوالدة لها، فقد قام الرضاع مقام النسب، لا مقام المصاهرة، لأن زوجية
الزوجة ثابتة بنفسها لم يبدل بالرضاع، وإنما المبدل به النسب الحاصل بين
الأم والزوجة.
وملخص الكلام أنه لما كانت المصاهرة عبارة عن علاقة تحدث بين
كل من الزوجين وأقارب الآخر، توقف وجودها على أمرين: ثبوت
286

الزوجية بين الرجل والمرأة،
وثبوت القرابة والنسب بين شخص وبين
أحدهما، فكما يمكن استناد التحريم إلى المصاهرة الحاصلة بين المحرم والمحرم
عليه من مجموع ذينك الأمرين، فكذلك يمكن استناده إلى الأمر الأول من
الأمرين، بأن يقال: إنه تحرم أم الزوجة على الزوج من جهة زوجية بنتها له،
وكذلك يمكن استناده إلى الأمر الثاني، فيقال: إنه تحرم أم الزوجة على
الزوج لأجل نسب بينها وبين زوجته، ولا يوجب ذلك عدها في المحرمات
النسبية، من جهة قصرها على ما استند فيه التحريم إلى النسب الحاصل بين
المحرم والمحرم عليه. قبالا للمصاهرة الحاصلة بينهما.
إذا عرفت ذلك، فدخول الرضاع في المصاهرة، إما بقيامه مقام الأمر
الأول من الأمرين المذكورين، مع بقاء الأمر الثاني بحاله، كالأم النسبية للأم
الرضاعية للولد، النازلة منزلة الزوجة، وإما بقيامه مقام الأمر الثاني منهما،
كالأم الرضاعية للزوجة الحقيقية.
ففي الأول: لا مجال لتوهم نشر التحريم بالرضاع، إلا إذا دل دليل
خاص عليه، لأن حاصل أدلة النشر بالرضاع إلحاقه بالنسب، وجعل كل
عنوان حاصل بالرضاع في حكم ذلك العنوان الأصل بالنسب، ومعلوم أنه
لم ينتف هنا إلا الزوجية، ولم يدل دليل النشر على تنزيل مرضعة الولد مقام
الزوجة.
وفي الثاني: لا ينبغي التأمل في التحريم، لأنه إذا ألحق العنوان
الرضاعي بالعنوان النسبي في التحريم، وأقيم الرضاع مقام النسب في إناطة
التحريم به، فلا شك [في أنه] (1) تكون الأم الرضاعية للزوجة بمنزلة الأم

(1) لم يرد في (ق).
287

النسبية لها.
ولعل منشأ توهم عدم استفادة تحريم مثل هذا من الحديث المذكور
توهم كون المراد بلفظ (النسب) فيه، النسب الحاصل بين المحرم والمحرم
عليه، على حد قولهم: (سبب التحريم إما نسب، أو رضاع، أو مصاهرة)،
وهذا خبط فاسد، فإنه تقييد للمطلق من غير دليل، بل المراد منه هو مطلق
النسب الموجب للتحريم سواء كان بين نفس المحرم والمحرم عليه، أم بين
أحدهما وزوج الآخر، أو غيره، مثل المزني بها والغلام الموطوء والملموسة.
ومن هنا يصح التمسك بهذا الحديث في تحريم مرضعة الغلام الموقب
وأخته وبنته الرضاعيتين على الموقب، وإلا فأي نسب بينها وبين الموقب؟!
وأما دعوى أن التحريم في غير المحرمات النسبية السبع ليس من جهة
النسب، بل هو مستند إلى المصاهرة، فقد عرفت الحال فيها، وأنه يجوز
استناد التحريم فيه إلى نفس المصاهرة وإلى كل واحد من الأمرين اللذين
يتوقف وجودها عليهما.
ثم اعلم أن انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط:
الأول: أن يكون اللبن عن وطء صحيح، فلو در لا عن وطء أو عن
وطء بالزنا، لم ينشر (1)...

(1) يبدو من نسخة (ق) - وبر المصورة من النسخة الأصلية - أنه أعرض عما كتبه
إلى هنا، وبدأ بالكتابة من جديد، حيث كتب في هامش الصفحة الثالثة: (بسم الله
الرحمن الرحيم، أجمع علماء الاسلام... إلخ)، وجعله أول الكتاب، ثم ربطه بقوله:
(لم ينشر على المعروف بين الأصحاب...)، ويؤيد الأعراض عدم ورود هذا المقدار في
نسخة خطية أخرى، ولكن ورد المقدار المعرض عنه في النسخ المطبوعة.
288

بسم الله الرحمن الرحيم
[أجمع علماء الاسلام على أن من جملة أسباب تحريم النكاح:
الرضاع في الجملة،
والأصل فيه - قبل الاجماع - قوله صلى الله عليه وآله وسلم
فيما رواه الفريقان: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (1).
ورواه عدة من أصحابنا في الصحيح وغيره عن أبي عبد الله
وأبي الحسن عليهما السلام (2).
ثم إن كونه سببا في التحريم يتوقف على أمور:
الأول: أن يكون اللبن عن وطء صحيح، فلو در لا كل عن وطء أو عن

(1) الوسائل 14: 280، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1 و 7.
وكنز العمال 6: 271، الحديث: 15660.
(2) الوسائل 14: 280، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالرضاع.
289

وطء بالزنا، لم ينشر] (1) على المعروف بين الأصحاب، وحكى عليه الاجماع
في المدارك عن جماعة (2) منهم جده في المسالك (3)، للأصل، فإن إطلاقات
التحريم بالرضاع منصرفة إلى غير ذلك.
وصحيحة عبد الله بن سنان: (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
لبن الفحل؟ قال: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة
أخرى، فهو حرام) (4).
ومثلها حسنته بابن هاشم: (ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد
امرأة أخرى) (5).
ويستفاد من اشتراط كون اللبن عن الوطء أنه لا حكم للبن الرجل،
وفي حكمه لبن الخنثى المشكل أمره، بناء على أنه لو علم كون لبنه من
الوطء، فلا إشكال في كونها امرأة، إلا ما ورد في بعض الأخبار: من أن
خنثى ولدت وأولدت في أيام أمير المؤمنين، فألحقه عليه السلام بالرجال بعد عد
أضلاعه (6).

(1) لم يرد ما بين المعقوفتين في النسخ المطبوعة.
(2) كذا في النسخ، ولم يخرج من مدارك الأحكام إلا العبادات إلى آخر كتاب الحج،
وما نسبه إليه موجود في نهاية المرام 1: 100 لصاحب المدارك قدس سره، ولعل
المؤلف قدس سره كان يراها تتمة للمدارك، والله أعلم.
(3) المسالك 1: 371.
(4) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.
(5) نفس المصدر: ذيل الحديث 4.
(6) الفقيه 4: 328 الحديث 5704.
290

وعد في التحرير هذا الخبر من الشواذ (1).
ولا حكم أيضا للبن المرأة الموطوءة الغير الحاصل من الوطء، فإن
اللبن إنما يحصل عن الوطء بعد العلوق والحمل وتخلق الولد، وقد استفيد
جميع ذلك من الصحيحة المتقدمة.
وهل يعتبر انفصال الولد، أو يكفي الحمل؟ وجهان، بل قولان، اختار
العلامة أولهما في التحرير (2) وثانيهما في القواعد (3) وهو الأظهر، للاطلاقات،
وقول الصادق عليه السلام في صحيحة بريد العجلي: (كل امرأة أرضعت من لبن
فحلها ولد امرأة أخرى - من غلام أو جارية - فذلك الرضاع الذي قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (4).
إلى غير ذلك مما دل من الصحاح وغيرها على إناطة التحريم بكون
اللبن من الفحل، كصحيحة الحلبي (5) وموثقة جميل بن دراج - بأحمد بن
فضال (6) - ورواية أبي بصير (7)، ولا ينافيها قوله في صحيحة ابن سنان
وحسنته المتقدمتين: (من لبن ولدك)، إذ يصدق على ذلك اللبن أيضا: أنه
لبن الولد، كما يشهد به العرف.
ودعوى عدم صدق الولد مضافا إلى الأب على الحمل، محل نظر، مع

(1) التحرير 2: 12.
(2) التحرير 2: 9.
(3) القواعد 2: 9.
(4) الوسائل 14: 293، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأول.
(5) الوسائل 14: 294 الباب 6 من أبواب ما محرم بالرضاع، الحديث 3.
(6) الوسائل 14: 306، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
(7) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5.
291

أنها غير قادحة فيما نحن فيه، لأن وجود الولد بالفعل لا يعتبر في إضافة
اللبن إليه.
نعم، في روايتي يونس بن يعقوب ويعقوب بن شعيب: أن در اللبن
من غير ولادة لا يوجب النشر (1). لكنهما - مع عدم صحتهما - قابلتان
للحمل على در اللبن من غير ولادة رأسا حتى في المستقبل، بأن يكون الدر
لا عن حمل - كما قد يتفق - فلا ينهضان لتقييد إطلاقات الكتاب والسنة،
إلا أن يمنع عمومها، لدعوى انصرافها - بحكم الغلبة - إلى الارضاع بعد
الوضع، فيرجع في غيره إلى أصالة الإباحة، فتأمل.
ثم إن الوطء الصحيح - المعتبر كون اللبن عنه - يشمل الوطء بالنكاح
الدائم، والمنقطع وملك اليمين والتحليل.
وأما الوطء بالشبهة: فالمشهور إلحاقه
في النشر بالنكاح وأخويه، كما في غالب الأحكام، وتردد فيه المحقق في
الشرائع (2)، وعن الحلي الجزم بعدم النشر أولا، ثم بالنشر ثانيا، ثم النظر
والتردد ثالثا (3).
والمسألة محل إشكال، من إطلاق الكتاب والسنة، فإن الفحل في
صحيحة بريد المتقدمة (4) وغيرها أعم من الزوج - ويؤيده: كون وطء
الشبهة بمنزلة النكاح في لحوق النسب - ومن الأصل وانصراف الإطلاقات
إلى غير هذا الفرد، وقوله في صحيحة ابن سنان وحسنته السابقتين:

(1) الوسائل 14: 302، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1 و 2.
(2) الشرائع 2: 289.
(3) السرائر 2: 552.
(4) تقدمت في الصفحة السابقة.
292

" ما أرضعت امرأتك " (1).
ولو بني على دعوى ورود التقييد بالمرأة مورد الغالب جرى مثله في
غيره من القيود، فينسد باب الاستدلال على اعتبار كثير من الشروط.
وتردد في المدارك (2) وهو في محله، إلا أن القول بالنشر لا يخلو عن
قوة، لأن دلالة المطلقات على الاطلاق أقوى من دلالة المقيد على
الاختصاص، مع أن تخصيص اللبن بالمرأة - كما فرض استفادته من صحيحة
ابن سنان وحسنته ونحوهما - مخالف للاجماع، للاتفاق على النشر بالارتضاع
من المملوكة والمحللة، فلا بد من حمل التقييد فيها على التمثيل بالفرد الغالب،
وإن احتيج في إخراج اللبن الحاصل من الزنا عن إطلاقهما - لو سلم شمول
الولد فيهما لولد الزنا - إلى دعوى الاجماع على خروجه. ويكشف عما ذكرنا
عدم تصريح أحد من فقهائنا بعدم النشر في المسألة، ولحوق وطء الشبهة
بالنكاح في غالب الأحكام.
الثاني من الشروط: كون شرب اللبن على وجه الامتصاص من
الثدي، فلا ينشر الحرمة بوجور اللبن في حلق الرضيع - على المعروف بين
معظم الأصحاب - لأن الارتضاع المنوط به النشر في الأدلة لا يتحقق عرفا
إلا بالامتصاص، فلا يقال لمن شرب اللبن المحلوب من البهائم: إنه ارتضع
منها، بخلاف ما لو امتص من ثديها، ولو فرض تسليم شمول الارتضاع لغير
الامتصاص، فلا مجال لانكار انصرافه إليه فيبقي الحكم في ما عداه باقيا تحت
أصالة الإباحة.

(1) سبقتا في الصفحة: 290.
(2) نهاية المرام لصاحب المدارك قدس سره 1: 101، انظر الصفحة: 290، الهامش 2.
293

خلافا للمحكي عن ابن الجنيد، فاكتفى بالوجور (1) إما لدعوى صدق
الارضاع، وإما لحصول ما هو المقصود منه - من إثبات اللحم وشد العظم -
وإما للمرسل المروي في الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وجور الصبي
اللبن بمنزلة الرضاع) (2).
وفي الكل نظر، لخلو الدعوى المذكورة عن البينة، كدعوى كون المناط
في النشر مجرد إنبات اللحم وشد العظم، وضعف المرسلة ومعارضتها برواية
زرارة عن الصادق عليه السلام: (لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي
واحد حولين كاملين)، (3) بناء على جعل الحولين ظرفا لأصل الرضاع،
لا لقدره حتى يخالف الاجماع.
فالأقوى - إذا - القول المشهور، إلا أن الأولى مراعاة الاحتياط.
الثالث: حياة المرتضع منها، فلا اعتداد بما يرتضعه من المرأة بعد
موتها على المشهور، بل لم أعثر فيه على حكاية خلاف صريح في المسألة،
قيل: لقوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) (4) الظاهرة في مباشرة
المرأة للارضاع المنتفية في حق الميتة، فيدخل في عموم (وأحل لكم ما وراء
ذلكم) (5) ولأصالة الإباحة إلى أن يثبت المزيل (6). وقيل: لأنها خرجت

(1) راجع المختلف: 519.
(2) الفقيه 3: 479، الحديث 4683.
(3) الفقيه 3: 477، الحديث 4674.
(4) النساء: 23.
(5) النساء: 24.
(6) ذكره الشهيد الثاني قدس سره المسالك 1: 374.
294

بالموت عن التحاق الأحكام، فهي كالبهيمة المرضعة (1)، وبأن المتبادر من
إطلاق الرضاع في الأدلة ما إذا حصل بالارتضاع من الحي، فيبقى غيره
داخلا في عموم أدلة الإباحة (2).
وفي الجميع نظر: أما ظهور الآية في مباشرة الارضاع: فلا يجدي،
للقطع بخروج الميتة عن حكم الآية، ولا يلزم منه دخولها في قوله: (وأحل
لكم ما وراء ذلكم)، لعدم قابلية الميت للحكم عليه بالتحريم ولا التحليل،
فإن الكلام في الارتضاع من الميتة إنما هو في حدوث المحرمة بين الرضيع
وغير الميتة ممن يتعلق به اللبن، فيكف لمدعي النشر عموم قوله تعالى:
(وأخواتكم من الرضاعة) (3) وقوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب) (4) ولا ظهور لهما في مباشرة المرأة للارضاع، مع أن
مباشرة المرأة للارضاع، وقصدها إليه غير شرط إجماعا، كما ادعاه في
المسالك (5) بل لو سعى إليها الولد وهي نائمة، أو التقم ثديها وهي غافلة، تحقق
الحكم.
وما قيل: من أن الآية دالة بظاهرها على اعتبار الحياة والمباشرة

(1) قاله المحقق قدس سره في الشرائع 2: 283، ثم تردد فيه.
(2) يستفاد الاستدلال بذلك من كلام غير واحد مثل العلامة في التذكرة 2: 615،
والمحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 202، وثاني الشهيدين في الروضة 5: 156،
والسيد الطباطبائي في الرياض 2: 86.
(3) النساء: 23.
(4) تقدم تخريجه في الصفحة: 289.
(5) المسالك 1: 374.
295

والقصد - ولا يلزم من عدم اعتبار الأخيرين لصارف عدم اعتبار الأول (1) -
فاسد، لأن دلالة لفظ (الارضاع) على الجميع دلالة واحدة، فلا يمكن
التفكيك في مدلولها، ولهذا لم نتمسك بالأخبار الدالة على الارضاع مع
سلامتها عن بعض ما يرد على الآية.
وأما التمسك بالأصل: فهو صحيح لولا الاطلاقات.
وأما خروج الميتة عن قابلية الحكم عليها: فهو أمر مسلم ولا كلام
فيه، وإنما الكلام في نشر الحرمة بين الرضيع وأصوله وفروعه، وبين غير هذه
المرأة، من الفحل وأولاده وأولاد المرأة (2) وغيرهم.
وأما دعوى تبادر غير الارتضاع من الميتة في الاطلاقات: فهي على
إطلاقها ممنوعة فإنا لا نجد في السبق إلى الذهن تفاوتا بين من ارتضع منه
جميع الرضعات حال الحياة، وبين من ارتضع منه حال الحياة خمس عشرة
رضعة إلا جزءا واحدا فأكملها بعد الموت.
نعم، الانصاف: انصراف الاطلاقات إلى غير صورة ارتضاع جميع
الرضعات حال الموت.
فالأحسن في الاستدلال على اعتبار الحياة هو: أن بعض فروض
الارتضاع من الميتة خارج عن إطلاق مثل قوله تعالى: (وأخواتكم من
الرضاعة)، لانصراف المطلق إلى غيره كما عرفت، فيدخل تحت قوله:
(وأحاط لكم ما وراء ذلكم) فيثبت عدم النشر في هذا الفرد بالآية، ويجب
إلحاق غيره من الفروض الداخلة تحت إطلاق آية التحريم بعدم القول

(1) قاله في الحدائق 23: 363.
(2) في (ش): وأولاد المرضعة.
296

بالفصل.
وقلب هذا الدليل - بأن يثبت التحريم في الفروض الداخلة تحت
إطلاق آية التحريم بها ويلحق الفرض الخارج عنه بعدم القول بالفصل - وإن
كان ممكنا، إلا أن غاية الأمر وقوع التعارض حينئذ - بواسطة عدم القول
بالفصل - بين آيتي التحريم والتحليل، فيجب الرجوع إلى أدلة الإباحة، من
العمومات والأصول المعتضدة بفتوى معظم الفحول.
الرابع أن يقع مجموع الرضاع المعتبر من الرضيع في حولي
رضاعه، فلا اعتداد بما يرتضع بعد الحولين على المعروف من مذهب
الأصحاب، ونقل عن التذكرة دعوى: إجماعهم عليه (1) وفي المسالك: نفي
الخلاف عنه (2).
ويدل عليه: حسنة الحلبي - بابن هاشم - عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: (لا رضاع بعد فطام) (3). ونحوها رواية حماد بن عثمان عنه عليه السلام
بزيادة قوله: (قلت: جعلت فداك، وما الفطام؟ قال: الحولين اللذين (4) قال
الله عز وجل) (5). ونحوها رواية الفضل بن عبد الملك: (الرضاع قبل
الحولين، قبل أن يفطم) (6). ورواية منصور بن حازم (7).

(1) التذكرة 2: 619.
(2) المسالك 1: 374.
(3) الوسائل 14: 291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع. الحديث 2.
(4) في الوسائل: الذي.
(5) الوسائل 14: 291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5.
(6) الوسائل 14: 291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع. الحديث 4.
(7) الوسائل 14: 291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع. الحديث الأول.
297

ثم إن المراد بالفطام في الأخبار المطلقة هو زمان الفطام - أعني
الحولين - كما دلت عليه روايتا الفضل وحماد، فلا عبرة بنفس الفطام، حتى
أنه لو لم يفطم الرضيع إلى أن تجاوز الحولين، ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام
لم يثبت التحريم، كما أنه لو فطم قبل الحولين، ثم ارتضع قبلهما ثبت
التحريم.
وحكي عن ابن الجنيد المخالفة في الحكم الأول وثبوت التحريم إذا
وقع الرضاع بعد الحولين قبل الفطم (1) ولعله لرواية داود بن الحصين المروية
في الفقيه (2) والتهذيب (3) المردودة فيه بالمخالفة للأحاديث كلها، وفي كلام
محكي عن الشهيد: أن هذه الفتوى مسبوقة بالاجماع وملحوقة به (4).
وأما الحكم الثاني: فلم يحك فيه الخلاف إلا عن موهم ظاهر كلام
العماني، حيث قال: الرضاع الذي يحرم عشر رضعات قبل الفطام (5)، وعن
المختلف (6) الاستدلال له برواية الفضل بن عبد الملك المتقدمة: (الرضاع قبل
الحولين قبل أن يفطم).
والجواب عنه: بأن المراد: قبل أن يستحق الفطم. وهو حسن وجار
في عبارة العماني أيضا، فيرتفع الخلاف.
ثم إنه هل يعتبر في ولد المرضعة الذي يحصل اللبن من ولادته كونه في

(1) كما في المختلف: 519.
(2) الفقيه 3: 476، الحديث 4667.
(3) الحديث 7: 318، الحديث 22.
(4) غاية المراد: 205.
(5) كما في المختلف: 519.
(6) المصدر السابق.
298

الحولين حين ارتضاع المرتضع من لبنه، بحيث لا يقع شئ من الارتضاع بعد
تجاوزه إياهما، أم لا؟ فيه قولان:
المحكي عن أبي الصلاح، وابن زهرة وابن حمزة: الأول (1) تمسكا
بظاهر الخبر: (لا رضاع بعد فطام) الشامل لفطام المرتضع وولد المرضعة، بل
لا يفهم منه ابن بكير إلا فطام ولد المرضعة، لها سأله ابن فضال عن امرأة
أرضعت غلاما سنتين، ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت لها
سنتان (2) أيفسد ذلك بينهما؟ قال: لا [يفسد ذلك بينهما] (3)، لأنه رضاع بعد
فطام، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا رضاع بعد فطام)، أي أنه
إذا تم للغلام سنتان، أو الجارية، فقد خرج كل عن حد اللبن، ولا يفسد بينه
وبين من شرب منه (4).
والأكثر على الثاني، وهو الأظهر، للأصل والاطلاقات، ولظهور الخبر
المذكور في فطام المرتضع، أو عدم ظهوره في العموم الموجب للشك في تقييد
المطلقات.
وتفسير ابن بكير للخبر معارض بما فسره به ثقة الاسلام، والصدوق
في الكافي والفقيه قال في الكافي: معنى قوله: (لا رضاع بعد فطام) إن الولد
إذا شرب لبن المرأة بعدما تفطمه لا يحرم ذلك الرضاع التناكح (5). وقريب

(1) الكافي في الفقه: 285، الغنية (الجوامع الفقهية): 547، الوسيلة: 301.
(2) في الوسائل: حتى تمت السنتان.
(3) الزيادة من الوسائل.
(4) الوسائل 14. 291، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 6.
(5) الكافي 5: 444، الحديث 5.
299

منه ما قاله في الفقيه (1).
ثم اعلم: أن شيخنا في المسالك ناقش المحقق في نسبة حديث
(لا رضاع بعد فطام) إليه صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: إنه لا يرد إلا عن
الصادق عليه السلام (2)، ولا يخفى أن إسناد الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشهور، وقد عرفت أن ابن بكير نسبه إليه صلى الله عليه وآله وسلم
، وكذا رواه في الفقيه مرسلا عنه صلى الله عليه وآله وسلم (3).
وأصدق من ذلك ما رواه في الكافي عن منصور بن حازم عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا رضاع بعد فطام،
ولا وصال في صيام، ولا يتم بعد احتلام... إلى آخر الحديث (4). ومع ذلك
فلا وجه للمناقشة المذكورة، إلا أن يرجع إلى المناقشة في الاسناد، مع عدم
ثبوت النسبة بطريق صحيح مجوز الاسناد على وجه الجزم.
ثم إن المعتبر في الحولين: الأهلة، ولو انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة
وعشرون شهرا بعد المنكسر بالأهلة، وإكمال المنكسر بالعدد من الشهر
الخامس والعشرين، كغيره من الآجال، على أظهر الاحتمالات في نظائر
المسألة، والله العالم.
الخامس: أن يكون اللبن مجاله غير ممتزج بشئ، فلو ألقي في فم
الصبي شئ جامد - كالدقيق وفتيت السكر -، أو مائع - كيسير من الأطعمة

(1) الفقيه 3: 476، الحديث 4666.
(2) المسالك 1: 375، وفيه: إلا عن الصادقين عليهما السلام.
(3) تقدم آنفا.
(4) تقدم آنفا.
300

المائعة - ثم أرضع بحيث امتزج اللبن حتى يخرج عن كونه لبنا، لم يعتد به،
وهذا لو جبن اللبن، والوجه قي ذلك عدم صدق الاطلاقات مع الخروج عن
اسم اللبن، أو عدم انصرافها إلا إلى الخالص.
السادس: الكمية، أي بلوغ الرضاع حدا خاصا، فإنه لا خلاف بين
علمائنا - ظاهرا - في أن مسمى الرضاع ومطلقه غير كاف في النشر،
والأخبار بذلك متواترة معنى تأتي الإشارة إلى أكثرها في بيان التقديرات.
نعم، قد يوهم ظاهر (1) بعض الأخبار حصول الحرمة بالمسمى،
كما سيأتي ذكره في أدلة مذهب الإسكافي المكتفي بالرضعة التامة.
وخالف في المسألة بعض العامة (2) فاكتفى بالمسمى وقدره بما يفطر
الصائم، ولم يقنع بذلك، حتى ادعى إجماع أهل العلم عليه، على ما حكي في
المسالك (3).
ثم إن أصحابنا قدروا المقدار الخاص الذي اعتبروه بثلاثة تقديرات:
أحدها: بالأثر، وهو ما أنبت اللحم وشد العظم، وحصول النشر مع
تحقق هذا الأثر مما لا خلاف فيه بين علماء الاسلام ويدل عليه - مضافا إلى
الاجماع - الأخبار المستفيضة:
منها: صحيحة علي بن رئاب، عن أبي عبد الله عليه السلام (قلت: ما
يحرم من الرضاع؟ قال: ما أنبت اللحم وشد العظم. قلت: يحرم عشر

(1) في (ق) من ظاهر.
(2) نسبة في التذكرة 2: 619، إلى الليث من فقهاء العامة.
(3) المسالك 1: 373.
301

رضعات؟ فقال: لا، لأنها لا تنبت اللحم ولا تشد العظم) (1).
ومنها: حسنة ابن أبي عمير عن زياد القندي، عن عبد الله بن سنان،
عن أبي الحسن عليه السلام قال: (قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان
والثلاث؟ قال: إلا ما اشتد عليه العظم ونبت اللحم) (2).
ومنها: رواية هارون بن مسلم تارة عن أبي عبد الله عليه السلام (3) وتارة
عن مسعدة بن زياد عنه عليه السلام قال: (لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم
وأنبت اللحم) (4).
ومنها: رواية عبد الله بن سنان، قال: (سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم، وشد العظم) (5).
وفي غير واحد من الروايات وقع التقدير بإنبات اللحم والدم، مثل
صحيحة عبيد بن زرارة (6) وحسنة حماد بن عثمان بابن هاشم (7).
ولا يبعد تلازم التقديرين، ومع الانفكاك فالأجود ثبوت النشر بتحقق
كل منهما لاعتبار أدلة التقدير الثاني أيضا، إلا أن الأصحاب لم يتعرضوا
لتحقق الحكم به نفيا وإثباتا ولعله لعدم انفكاكه عن الأول، فتدبر.
ثم إن مقتضى النصوص المذكورة: اعتبار تحقق كلا الأمرين: من

(1) الوسائل 14: 283 الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
(2) الوسائل 14: 288، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 23.
(3) الإستبصار 3، 194، الحديث 702.
(4) الوسائل 14: 285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9.
(5) الوسائل 14: 289، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
(6) الوسائل 14: 287، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 18.
(7) الوسائل 14: 289، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع. الحديث الأول.
302

إنبات اللحم، واشتداد العظم، وهو المعروف بين الأصحاب أيضا.
وحكي عن بعض عبارات الشهيد قدس سره الاجتزاء بأحد الأمرين (1)،
ونسبه في المسالك إلى الشذوذ (2).
وكيف كان، فالتقدير بهذا الأثر وإن كان اعتباره في غاية القوة
والمتانة، بل مقتضى أدلته الحاضرة للرضاع المحرم فيه أنه أصل لأخويه
الآتيين، إلا أنه قليل الفائدة، لأن ظهوره للحس في موضع الحاجة أمر
لا يكاد يطلع عليه إلا بعض أهل الخبرة، وقلما يتفق شهادة عدلين فيهم
بذلك، ولعله لذا كشف عنه الشارع بأخويه، وجعلهما طريقا إليه، كما يومئ
إليه صحيحة ابن رئاب المتقدمة (3).
وثانيها: بالزمان، وقدر بيوم وليلة على المعروف بين الأصحاب،
ومستندهم فيه موثقة زياد بن سوقة: (قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: هل
للرضاع حد يؤخذ به؟ فقال: لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة، أو
خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لا يفصل
بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر
رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر
رضعات، لم يحرم نكاحهما) (4).

(1) اللمعة الدمشقية: 187، قوله قدس سره (وأن ينبت اللحم أو يشد العظم) انظر
الروضة البهية 5: 156.
(2) المسالك 1: 372.
(3) في الصفحة 301 - 302.
(4) الوسائل - 14: 282، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأول.
303

وليس فيها سوى عمار الذي نقل الشيخ عمل الأصحاب برواياته (1) مع
أن في السند ابن محبوب الذي أجمع على تصحيح ما يصح عنه (2) مضافا إلى
اعتضادها بعمل الأصحاب وموافقة الكتاب، ولا ينافيها ما دل على حصر
الرضاع المحرم في ما أنبت اللحم وشد العظم (3)، لفقد العلم بعدم كونه منه.
ثم إن ظاهر الرواية والفتوى اعتبار الارضاع في اليوم والليلة
كلما احتاج الرضيع إليه عادة، أو طلبه.
ولا يعتبر في هذا التقدير إكمال الرضعة في كل مرة، بل لو رضعته
رضعة نافعة ثم أكملها (4) مرة أخرى لا يقدح.
ولو أطعم في الأثناء طعاما، فإن كان مما يغتذي به بدلا عن اللبن،
فالظاهر أنه قادح في التقدير، كما أن شرب الماء للعطش غير قادح لو وقع
في الأثناء، وكذا ما يؤكل أو يسقى دواء، ويشكل فيما اعتاده من يسير من
طعام بحيث لا يغنيه عما اعتاد شربه من اللبن.
وهل يعتبر ابتداء الرضاع قي ابتداء اليوم، وانتهائه في آخر الليلة،
أو العكس، أو يكفي الملفق لو ابتدأ في أثناء أحدهما؟ وجهان، أقواهما

(1) راجع الحديث 7: 101، ذيل الحديث 435، والاستبصار 3: 95، ذيل الحديث
325، وفي عدة ا لأصول (381): فلأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية...
إلخ
(2) رجال الكشي 2: 830 تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا
عليهم السلام رقم الترجمة (1050).
(3) راجع الوسائل 14: 289 الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع.
(4) والعبارة في (ق): (رضعه رضعة ناقصة ثم أكملها)، والظاهر أنها من سهو القلم،
وإن كان توجيهها ممكنا.
304

الثاني،
إما لصدق رضاع يوم وليلة عرفا على رضاع الملفق، وإما لأن
الرضاع في الملفق لا يكون أقل من رضاع يوم وليلة، بل يكون مساويا له،
فلا يدل الرواية على انتفاء النشر به، فيبقى داخلا تحت الاطلاقات الدالة
على النشر.
والتعويل على الوجه الأول.
وهل المعتبر في رضاع هذا الزمان حال متعارف أوساط
الأطفال، أو حال شخص ذلك الرضيع؟ وجهان، أقواهما الثاني، لظاهر
الرواية.
وتظهر الثمرة بينهما فيما إذا كان الطفل مريضا بمرض يحتاج إلى أزيد
مما يحتاج إليه الصحيح، كغلبة القئ عليه لعارض، أو عرضه ما يحتاج معه
إلى الأقل مما يحتاج إليه الصحيح، كما إذا أغمي عليه في أغلب اليوم
والليلة.
وهل يعتبر احتمال تأثير اللبن في إنبات لحمه وشد عظمه، أم لا؟
وجهان: من إطلاق الرواية، ومن دلالة بعض الأخبار السابقة على عدم
النشر بما لا ينبت اللحم ولا يشد العظم.
وتظهر الثمرة فيما لو كان بحيث يعلم عدم تحلل (1) اللبن في معدته، لعدم
استقراره فيها، لغلبة إسهال أو قئ.
وهنا فروع أخر طوينا عن ذكرها كشحا وأعرضنا عنها صفحا.
وثالثها: بالعدد، وقد اختلف فيه الأصحاب بسبب اختلاف الروايات
ظاهرا، فالمحكي عن ابن الجنيد الاكتفاء برضعة واحدة تملأ جوف الصبي،

(1) في (ع): عدم تخلل.
305

إما بالمص، أو بالوجور (1)، لاطلاقات الكتاب والسنة،
وخصوص قول أبي
الحسن عليه السلام في مكاتبة علي بن مهزيار في جواب سؤاله عما يحرم من
الرضاع: (قليله وكثيره حرام) (2)، ومضمرة ابن أبي يعفور، قال: (سألته عما
يحرم من الرضاع؟ قال: إذا رضع حتى يمتلئ بطنه، فإن ذلك ينبت اللحم
والدم، وذاك الذي يحرم) (3).
ورواية السكوني (4)، والنبوي: (يحرم الرضعة ما يحرم الحولان) (5)
والعلوي: (الرضعة الواحدة كالمائة رضعة، لا تحل له أبدا) (6). وفي آخر:
(إنهوا نساءكم أن يرضعن يمينا وشمالا، فإنهن ينسين) (7)، فإن الارضاع يمينا
وشمالا مع النسيان بعد حين إنما يناسب عدم التحديد بأكثر من رضعة.
وهذا القول ضعيف في الغاية، لاستفاضة الأخبار - كاشتهار الفتوى -
بعدم النشر بما دون العشر، فلا مجال للتمسك بالاطلاقات ولا بالمكاتبة (8)
والمضمرة (9)، لقصورهما عن المقاومة، مع موافقة ظاهرها لفتوى بعض

(1) حكاه عنه في المختلف: 518.
(2) الوسائل 14: 285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 10.
(3) الوسائل 14: 290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأول.
(4) كذا، والظاهر زيادتها، إذ لم نعثر في المقام على رواية من السكوني إلا العلوي
الآتي.
(5) في المسالك 1: 372، وروى العامة عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: تحرم الرضعة ما يحرم الحولان.
(6) الوسائل 4: 286، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 12.
(7) الوسائل 14: 288، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 25.
(8) (9) المتقدمتان أعلاه.
306

العامة (1)، مضافا إلى إمكان حمل المكاتبة على تحريم أصل الارتضاع.
ومما ذكرنا يظهر حال التمسك بالنبوي والعلويين، ولذا أعرض سائر
الأصحاب عن هذا القول واتفقوا على عدم النشر بما دون العشر وإن
اختلفت فتاواهم، كالروايات.
فحكي عن أكثر المتقدمين كالمفيد (2) والديلمي (3) والقاضي (4)
والتقي (5) وابن حمزة (6): التحديد بالعشر، وتبعهم الفاضل في المختلف (7)
وولده (8)، والشهيد في اللمعة (9).
وذهب الشيخ (10) والمحقق (11) والفاضل في غير المختلف (12) إلى التحديد

(1) في بداية المجتهد 2: 35: أما المقدار المحرم من اللبن: فإن قوما قالوا فيه
بعدم التحديد، وهو مذهب مالك وأصحابه، وروي عن علي وابن مسعود، وهو قول ابن
عمر وابن عباس، وهؤلاء محرم عندهم أي قدر كان، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه
والثوري والأوزاعي.
(2) المقنعة: 502.
(3) المراسم: 149.
(4) المهذب 2: 190.
(5) الكافي في الفقه: 285.
(6) الوسيلة: 301.
(7) المختلف: 518.
(8) إيضاح الفوائد 3: 47.
(9) اللمعة الدمشقية: 187.
(10) النهاية: 461.
(11) الشرائع 2: 282.
(12) مثل القواعد 2: 10، والتذكرة 2: 620، والتحرير 2: 9.
307

بالخمس عشرة رضعة، وتبعهم أكثر المتأخرين، وقد نسب هذا القول إلى
الأكثر (1) والمشهور (2) بقول مطلق.
وكيف كان، فهو الأظهر، للأصل، وعدم دليل على النشر بالعشر عدا
الاطلاقات من الكتاب والسنة،
وخصوص رواية الفضيل - الموصوفة
بالصحة في كلام بعض (3) - عن الباقر عليه السلام قال: (لا يحرم من الرضاع
إلا المجبور (4). قلت: وما المجبور؟ قال: أم تربي، أو ظئر تستأجر، أو أمة
تشترى، ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي وينام) (5).
ومفهوم موثقة عمر بن يزيد قال: (سألت الصادق عليه السلام عن الغلام
يرضع الرضعة والثنتين، فقال: لا يحرم، فعددت عليه حتى كملت عشر
رضعات، فقال: إذا كانت متفرقة فلا) (6).
ونحوها مفهوم رواية هارون بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
(لا يحرم من الرضاع إلا ما ضمد العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة

(1) كنز العرفان 2: 183.
(2) التذكرة 2: 620.
(3) وهو من قال بوثاقة (محمد بن سنان) الواقع في سند الرواية.
(4) كذا في النسخ والتهذيب والفقيه، لكن في الوسائل في إحدى الروايتين
(المخبور) وفي الأخرى (المخبورة)، وقال في مجمع البحرين 3: 257 في مادة: (حبر)
بعد ذكر الحديث: وقد اضطربت النسخ في ذلك، ففي بعضها بالحاء المهملة وفي
بعضها بالجيم وفي بعضها بالخاء المعجمة، ولعله الصواب، ويكون المخبور بمعنى
المعلوم.
(5) قد وقع هنا خلط بين الخبرين: 7 و 11 من الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع
(الوسائل 14: 284 و 285) والمقصود هو الثاني.
(6) الوسائل 14: 283. الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5.
308

كون الرضاع سببا في التحريم
والرضعتان (1) والثلاث - حتى بلغ عشرا - إذا كن متفرقات، فلا بأس) (2).
وفي الجميع نظر.
أما في الاطلاقات: فلأنها - على فرض تسليم إفادتها العموم، وعدم
ورودها لبيان أصل نشر الحرمة بالرضاع في الجملة - مقيدة بصحيحة علي بن
رئاب عن الصادق عليه السلام: (قال: قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال:
ما أنبت اللحم وشد العظم، قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: لا، لأنها لا
تنبت اللحم ولا تشد العظم) (3).
وموثقة عبيد بن زرارة - ب‍ (علي بن فضال) - عن أبي عبد الله عليه السلام:
(قال: سمعته يقول: عشر رضعات لا يحرمن شيئا) (4).
وهذه الرواية لا تقصر عن الصحيح، إذ ليس فيها إلا علي بن فضال،
والظاهر أن الشيخ أخذ الرواية من كتابه، حيث ابتدأ به لم في السند، وكتب
بني فضال مما أمر العسكري عليه السلام بالأخذ بها في رواية قريبة من الصحة (5)
مع ما ذكر في ترجمة علي بن فضال من مراتب وثاقته واحتياطه في
الرواية (6).
وموثقة أخرى أيضا رواها الشيخ، عن علي بن فضال، عن أخويه،
عن أبيهما، عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال: سمعته

(1) في الوسائل: الرضعة والثنتان.
(2) الوسائل 14: 285، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9.
(3) الوسائل 14: 283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2
(4) الوسائل 14: 283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
(5) راجع كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 239.
(6) انظر رجال النجاشي: 257، الرقم 676.
309

يقول: عشر رضعات لا تحرم) (1) وهذه قريبة من سابقتها في اعتبار السند،
وإن كان جميع رجالها فطحيين.
وتخصيص هذه الأخبار المعتبرة برواية الفضيل التي هي أخص منها
- بعد إخراج صورة تفرق الرضعات العشر عن عمومها - وبمفهوم الموثقتين
اللتين بعدها وإن أمكن، إلا أن ذلك فرع سلامتها عن معارضة موثقة زياد
ابن سوقة المتقدمة (2) الصريحة في نفي النشر بالعشر ولو متوالية، أو ترجيحها
عليها، وهو مسلم لو ثبت صحة رواية الفضيل بتوثيق (محمد بن سنان)
الذي حكي عن غير المفيد من مشايخ الرجال تضعيفه (3)، وسلامتها من
موهنات أخر، مثل مخالفة حصرها للاجماع، وخلو الفقيه (4) من زيادة رواها
الشيخ في ذيلها، أعني قوله: (ثم ترضع عشر رضعات) (5) مع سبق الصدوق
على الشيخ زمانا، بل وضبطا، لأخبار كتابه، فكيف يتصور في حقه أو في
الكتب التي أخذ الحديث منها إهمال شطر من كلام المعصوم عليه السلام مربوط
بما قبله غاية الارتباط ويحتاج إليه نهاية الاحتياج، فلا يبعد أن يكون
الزيادة المذكورة من تحريفات (محمد بن سنان) لأنه إنما وقع في سند
التهذيب وليس في سند الفقيه، وحيث لم يثبت اعتبار الرواية سندا،

(1) الوسائل 14: 283، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.
(2) تقدمت في الصفحة: 303.
(3) عنونه العلامة قدس سره في الخلاصة القسم الثاني، ونقل توثيق الشيخ المفيد
رحمه الله وتضعيف الشيخ الطوسي والنجاشي وابن الغضائري، ثم توقف في الرجل
استنادا إلى قول الفضل بن شاذان، أنظر رجال العلامة: 251.
(4) الفقيه 3: 477، الحديث 4672.
(5) التهذيب 7: 315، الحديث 1305.
310

ولا سلامتها من الموهن، والمفروض أن أخويها أيضا لا يبلغان حد الصحة،
بل صرح بضعف ثانيهما (1)، فترجيحها - وإن كانت ثلاثا - علن موثقة زياد
- وإن كانت واحدة - غير معلوم، إذ ليس في سند الموثقة إلا عمار، واعتبار
رواياته عند الأصحاب محكي عن الشيخ في عدته (2) مع أن الراوي عنه
بواسطة هشام بن سالم: الحسن بن محبوب الذي أجمع على تصحيح ما يصح
عنه (3) مع أن متنها أصرح دلالة، لأن دلالتها على نفي النشر بالعشر المتوالي
بالمنطوق، ودلالة الموثقتين على ثبوته بها بالمفهوم، مع احتمال مفهومهما الحمل
على ما إذا وقعت العشر المتوالية في يوم وليلة، فإن مفهومهما بهذا الاعتبار
أعم من منطوق موثقة زياد، وإن كان تخصيصهما به بعيدا، كما يظهر ذلك كله
بالتأمل.
وأما ترجيح تلك الثلاث على موثقة ابن سوقة بموافقة الكتاب،
فحسن إن لم نجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد وإن كان صحيحا، وإلا
فموافقة الكتاب لتلك الروايات الثلاث بعد تخصيصه بصحيحة ابن رئاب
وأخويها غير حاصلة إلا بعد ترجيح تلك الروايات المخصصة للصحيحة
وأخويها على موثقة ابن سوقة، وهو أول الكلام، ويلزم الدور أيضا،
كما لا يخفى.
فإذا لا يثبت ترجيح تلك الأخبار على الموثقة بوجه، فلا أقل من
تكافؤهما الموجب لسلامة الأخبار النافية للنشر بالعشر عن المخصص،

(1) يعني رواية هارون بن مسلم، المتقدمة في الصفحة: 302.
(2) تقدم الكلام فيه في الصفحة: 34.
(3) تقدم أيضا في الصفحة: 34.
311

فيجب الأخذ بعمومها المطابق لقاعدة الإباحة المستفادة من العمومات
والأصول، وفاقا لجملة ممن تقدم ومعظم من تأخر من الفحول.
وقد يستدل على إثبات النشر بالعشر بصحيحة عبيد بن زرارة بناء
على سلامة (علي بن الحكم) الذي يروي عنه ابن عيسى: (قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: إنا أهل بيت كبير، فربما كان الفرح والحزن الذي يجتمع فيه
الرجال والنساء، فربما استحيت (1) المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي
بينها وبينه الرضاع، وربما استخف (2) الرجل أن ينظر إلى ذلك، فما الذي يحرم
من الرضاع؟ فقال: ما أنبت اللحم والدم. فقلت: وما الذي ينبت اللحم
والدم؟ قال: كان يقال: عشر رضعات. قلت: فهل تحرم عشر رضعات؟
فقال: دع ذا، وقال: ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع) (3).
وأنت خبير بأنها لا دلالة فيها على تحريم العشر بوجه، إذ لم يزد
المعصوم عليه السلام إلا أن نسب القول بذلك إلى شخص مجهول، ولا يعلم رضاه
بذلك، وإلا لم يكرر الراوي السؤال عنه، بل الظاهر عدم رضاه بهذا القول،
كما يشهد به - مضافا إلى نسبته إلى القيل - إعراضه عنه بقوله: (دع هذا) لو
قلنا: إن المراد (دع هذا السؤال)، ولو كان المراد به (دع هذا القول) كان من
أوضح الأدلة على خلاف المطلوب.
ثم اعلم أنه إذا ثبت عدم النشر بالعشر - لما ذكرنا - تعين القول

(1) في الوسائل: استخفت.
(2) في التهذيب: استحيا.
(3) التهذيب 7: 313، الحديث 1296، والوسائل 14: 287، الباب 2 من أبواب ما
يحرم بالرضاع، الحديث 18.
312

بالنشر بالخمس عشرة، لعدم القائل باعتبار أزيد منها من حيث العدد،
وإطلاق رواية عمر بن يزيد: (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خمس
عشرة رضعة لا تحرم) (1) - بعد سلامة سندها - محمول على صورة عدم
التوالي، للاجماع - ظاهرا - على النشر بهذا العدد مع التوالي.
نعم، في بعض
الأخبار دلالة على التقدير بسنة أو سنتين، مثل ما رواه العلاء بن رزين عن
أبي عبد الله عليه السلام: (قال: سألته عن الرضاع، فقال: لا يحرم من الرضاع
إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة) (2) وما رواه زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام
(قال: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين) (3).
لكنهما شاذان مخالفان للاجماع، كما ادعاه في المسالك (4) ورد الشيخ في
التهذيب الرواية الأولى بالشذوذ (5)، وحمل الثانية على كون الحولين ظرفا
للرضاع لا قيدا لمقداره (6). وهو - على بعده - حسن في مقام الجمع وعدم
الطرح.

(1) الوسائل 14: 284، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 6.
(2) الوسائل 14: 286، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 13.
(3) الوسائل 14: 292، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 8.
(4) المسالك 1: 373.
(5) التهذيب 7: 318، ذيل الحديث 1315.
(6) التهذيب 7: 317، ذيل الحديث. 1310.
313

[ما يعتبر في الرضعات]
ثم إنه يعتبر في الرضعات العشر أو الخمس عشرة المحرمة أمور:
الأول: كمال الرضعة، فالرضعة الناقصة لا تعد من العدد ما لا يكمل
على وجه لا يقدح في الاتحاد، فإذا لفظ الصبي الثدي، فإن كان أعرض عنه
إعراض ميل، فهي رضعة كاملة. وإن كان بغير ذلك - كالتنفس، أو السعال،
أو الانتقال من ثدي، أو الالتفات إلى ملاعب ونحوه - ثم عاد في الحال،
فالمجموع رضعة. ولو لم يعد إلا بعد مدة، فالظاهر عدم احتساب مجموعهما
من العدد، وكذا لو أخرجت الثدي من فيه كرها، فلم تلقمها إياه إلا بعد
مدة.
ثم الدليل على اعتبار كمال الرضعة: أن المتبادر من الرضعة الواردة في
الأخبار هي الكاملة، والمرجع في كمالها إلى العرف، لأنه المحكم في أمثاله.
315

وحكي عن بعض: تحديده بأن يروي الولد ويصدر من قبل نفسه (1)،
وليس ببعيد عن التفسير الأول،
وفي مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام:
(الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتضلع ويتملى
وينتهي [من] (2) نفسه (3).
الثاني: توالي الرضعات، بأن لا يفصل بينها رضاع امرأة أخرى،
والظاهر عدم الخلاف في اعتباره - كما في المسالك (4) - ويدل عليه موثقة زياد
ابن سوقة المتقدمة (5) حيث نص فيها على تقييد الرضعات بأن لا يفصل بينها
رضعة من امرأة أخرى.
ويستفاد منها أن المعتبر في الفاصل القادح في التوالي أن يكون رضعة
كاملة، فلو فصل بينها رضعة ناقصة، لم تخل بالتوالي، خلافا للمحكي عن
القواعد (6) وظاهر عبارة الشرائع (7) فأبطلا التوالي بفصل مطلق الرضاع،
ولعله لعدم صدق التوالي المقيد به الرضعات في رواية زياد بن سوقة عرفا
إلا مع عدم فصل مسمى الرضاع، وإن كان قوله عليه السلام فيها: (لا يفصل

(1) قال الشيخ قدس سره في المبسوط 5: 294: فالمرجع في ذلك إلى العرف... إلى
أن قال: غير أن أصحابنا خاصة قدروا الرضع بما يروي الصبي منه ويمسك منه.
(2) لم ترد في التهذيب والوسائل.
(3) الوسائل 14: 290، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
(4) المسالك 1: 373، وفيه: لا شبهة في اعتبار التوالي.
(5) تقدمت في الصفحة: 303.
(6) القواعد 2: 10.
(7) الشرائع 2: 283.
316

بينها رضعة امرأة أخرى) ظاهرا في اعتبار عدم فصل الرضعة الكاملة،
إلا أن قيد التوالي المذكور قبله أخص منه، إلا أن يقال أن قوله: (لم يفصل
... إلخ) تفسير للتوالي، فلا يعتبر فيه أمر زائد على عدم الفصل بالرضعة
الكاملة. اللهم إلا أن يجعل تقييد الفصل المنفي بالرضعة واردا مورد الغالب،
حيث إن الفصل إذا اتفق لا يكون غالبا بأقل من رضعة كاملة.
وكيف كان، فينبغي القطع بعدم قطع تخلل غير الرضاع في التوالي،
وادعى الاتفاق عليه في الحدائق (1) فلو اغتذى بينها بمأكول أو مشروب
فالتوالي بحاله.
الثالث: أن يكون كمال العدد المعتبر من امرأة واحدة، فلو ارتضع
بعضها من امرأة وأكملها من امرأة أخرى لم ينشر الحرمة، ولم تصر واحدة
من المرضعتين أما للرضيع، ولو كانتا لفحل واحد لم يصر الفحل أبا له أيضا.
والظاهر عدم الخلاف في اعتبار ذلك بين من اعتبر تعدد الرضعات،
وعن التذكرة: أن عليه علماءنا أجمع (2) ولعل المراد العلماء المعتبرين
لتعدد
الرضعات، وإلا فمثل ابن الجنيد القائل بالنشر برضعة واحدة (3) لا يتأتى في
حقه اعتبار هذا الشرط، اللهم إلا في مجموع الرضعتين الناقصتين المعدودتين
برضعة كاملة، أو في اللبن الموجور في حلق الصبي.
ويدل على اعتبار هذا الشرط موثقه زياد المتقدمة (4) ويدل عليه

(1) الحدائق 23: 358.
(2) التذكرة 2: 620.
(3) تقدم عنه في الصفحة: 305.
(4) تقدمت في الصفحة: 303.
317

أيضا كل ما دل على تحقق الحرمة برضاع امرأة ولد أخرى، بعد تقييد
الرضاع ببلوغه خمس عشرة، فإن قوله عليه السلام في صحيحة بريد العجلي:
(كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من غلام أو جارية،
فذلك هو الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) بعدما حكم
- بقرينة أدلة اعتبار العدد - أن المراد منه (أرضعت خمس عشر رضعة)
فيكون من أدلة اعتبار اتحاد المرضعة، وهكذا قوله عليه السلام في صحيحة
عبد الله ابن سنان وحسنته: (ما أرضعت امرأتك من لبنك... إلخ) (2).
ويد ل عليه أيضا قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) بعد تقييد
قوله: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) (3) بالارضاع خمس عشرة رضعة.
نعم، في إطلاق بعض الأخبار دلالة على كفاية اتحاد الفحل وعدم
اعتبار اتحاد المرضعة، مثل: قوله عليه السلام في رواية أبي بصير: (ما أحب أن
يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه) (4).
وصحيحة الحلبي وعبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: (في
رجل تزوج جارية صغيرة، فأرضعتها امرأته وأم ولده؟ قال: تحرم) (5) فإن
إطلاقها يشمل ما إذا وقع الرضاع المحرم من ارتضاع المرأة وأم الولد
كلتيهما.
ومضمرة سماعة (قال: سألته عن رجل كان له امرأتان، فولدت كل

(1) الوسائل 14: 293، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأول.
(2) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.
(3) النساء: 23 و 24.
(4) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5.
(5) الوسائل 14: 303، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
318

واحدة منهما غلاما، فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض
الناس، أينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية؟ قال عليه السلام: لا، لأنها
أرضعت بلبن الشيخ) (1).
دلت بعموم التعليل على أن كل من أرضع بلبن الفحل، - سواء حصل
الرضاع المعتبر من إحدى زوجاته، أو من أكثر - يحرم على أولاده، لكن
هذه كلها مطلقات يجب تقييدها بما ذكرنا، مضافا إلى إمكان منع استفادة
العموم منها، نظرا إلى ورودها في مقام بيان حكم آخر، فتدبر.
الرابع: أن يكون كمال العدد المعتبر من لبن فحل واحد، فلو كان من
لبن فحلين لا يحصل النشر، ولم يصر واحد منهما أبا للمرتضع وإن اتحدت
المرضعة، ولا تصير أيضا أما له.
ويتصور ذلك في المرضعة، بأن ترضع الطفل من لبن فحله بعض العدد،
ثم يطلقها ذلك الفحل وتتزوج بآخر وتحمل منه، ثم ترضع الطفل المذكور من
لبن هذا الفحل تكملة الرضعات من غير أن يتخلل بين الارضاعين إرضاع
امرأة أخرى، بأن يستقل الولد في المدة الفاصلة بين الارضاعين بالمأكول
والمشروب، بناء على عدم إخلال فصلهما بتوالي الرضعات العددية، وإن أخل
برضاع اليوم والليلة، كما سبق.
والظاهر أن اعتبار هذا الشرط مما لا خلاف فيه، وحكي عن التذكرة
الاجماع عليه (2)، ويدل عليه موثقة ابن سوقة المتقدمة، وقوله عليه السلام في
صحيحة بريد: (كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى، من

(1) الوسائل 14: 295، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 6.
(2) التذكرة 2: 621.
319

غلام أو جارية، فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1)،
فإنه بعد ما قيد الارضاع فيه بما بلغ العدد المعتبر، فيعتبر في العدد المعتبر أن
يكون من فحل تلك المرأة، والظاهر من قوله: (فحلها) فحلها الواحد، لا
جنس فحلها، كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد ذلك: (وكل امرأة أرضعت من
لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد، فإن ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأظهر من هذه الصحيحة: صحيحة عبد الله بن سنان، وحسنته بابن
هاشم في تفسير لبن الفحل: (ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة
أخرى، فهو حرام) (2) وتقريب الاستدلال فيهما كالسابقة.
وهذه الأخبار المعتضدة بعدم الخلاف تقيد إطلاقات الكتاب والسنة.
واعلم أن هذا الشرط وسابقيه كما يعتبر في الرضاع المقدر بالعدد،
كذلك يعتبر في المقدر بالزمان، إلا أن معنى الشرط الأول - وهو التوالي - في
العدد: عدم تخلل رضاع آخر، وفي اليوم والليلة: عدم تخلل غذاء آخر،
سواء كان لبن غير المرضعة أم غذاء آخر، وأن الشرط الثالث لا يتصور
تخلفه في المقدر بالزمان إلا على فرض نادر، بأن يبقى لبن الفحل الأول إلى
زمان حصول اللبن من الثاني، ولا يحصل من اللبن الأول وحده الرضاع
المقدر، بل يحصل رضاع يوم من الأول، وليلة من الثاني.
ثم إنه هذه خلاصة الكلام في شروط نشر الحرمة بالرضاع، فكلما انتفى

(1) الوسائل 14: 293، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأول.
(2) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 4.
320

بعض هذه الشروط الستة (1) لم ينشر الحرمة بين المرتضع أو أحد من قبله
وبين الفحل والمرضعة أو أحد من قبلهما.
وهنا شرط آخر اعتبره الأكثر في نشر الحرمة بين كل من المرتضعين
من مرضعة واحدة وبين الآخر، وجعلوه منخرطا في سلك شروط الرضاع
باعتبار أنه شرط للنشر في الجملة، وهو اتحاد الفحل الذي يرتضع
المرتضعان من لبنه، فلو ارتضع أحد من امرأة من لبن فحل، وارتضع آخر
من تلك المرأة من لبن فحل آخر، لم يحرم أحد المرتضعين أو أصوله
أو فروعه على الآخر، فالعبرة بالأخوة في الرضاع الأخوة من قبل الأب
الرضاعي - وهو الفحل -، ولا عبرة بالأم الرضاعية. حتى أنه لو ارتضع
عشرة من لبن فحل واحد، كل واحدة من إحدى أمهات أولاده، صار
الجميع إخوة يحرم بعضهم وفروعه على البعض الآخر وعلى فروعه، وهذا
معنى قولهم: اللبن للفحل.
وخالف الطبرسي - صاحب التفسير - في اعتبار هذا الشرط (2). واكتفى
باتحاد واحد من المرضعة والفحل، وألحق الرضاع بالنسب في كفاية الأخوة
من أحد الأبوين في نشر الحرمة، تمسكا بعموم قوله تعالى: (وأخواتكم من
الرضاعة) وقوله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وشبه ذلك،
وخصوص رواية محمد بن عيدة الهمداني: (قال: قال أبو الحسن الرضا

(1) كذا في جميع النسخ، ولا يخفى أنه قدس سره لم يذكر إلا أربعة شروط.
(2) راجع مجمع البيان 2: 28 - 29، وجوامع الجامع 1: 246 - 247، في تفسير الآية
23 من سورة النساء، فليس في كلامه التصريح بالمسألة ولا التملك برواية محمد بن
عبيدة.
321

عليه السلام: ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت: كانوا يقولون: (اللبن
للفحل) حتى جاءتهم الرواية عنك أنك تحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب فرجعوا إلى قولك. قال: فقال: وذلك لأن أمير المؤمنين سألني عنها
البارحة، فقال لي: إشرح لي (اللبن للفحل)، وأنا أكره الكلام. فقال لي: كما
أنت حتى أسألك عنها، ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى،
فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا، أليس كل شئ من ولد ذلك
الرجل من أمهات الأولاد الشتى يحرم (1) على ذلك الغلام؟ قال: قلت: بلى،
قال: فقال أبو الحسن عليه السلام: فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم
من قبل الأمهات، وإنما الرضاع من قبل الأمهات، وإن كان لبن الفحل أيضا
يحرم) (2).
والأظهر ما عليه الأكثر، بل حكى الاجماع عليه عن بعض أصحابنا (3)
غير واحد ممن تأخر، لضعف الرواية بعد تسليم ظهورها في المدعى
والاغماض عن اختصاصها بأولاد المرضعة نسبا، ولا خلاف في تحريمهم على
المرتضع وإن تعدد الفحل - كما سيجئ - وتقيد إطلاقات الكتاب والسنة
بالأخبار الدالة علن اعتبار اتحاد الفحل.
منها: صحيحة الحلبي (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يرضع من امرأة وهو غلام، أيحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟

(1) في الوسائل: محرما.
(2) الوسائل 14: 296، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 9.
(3) هو العلامة قدس سره في التذكرة 2: 621، وحكاه عنه الشهيد الثاني في المسالك 1: 375، والفاضل الهندي في كشف اللثام 2: 29، وصرح المحقق الثاني في
جامع المقاصد (12: 223) بعدم الخلاف بين الأصحاب.
322

فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد،
فلا يحل. وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين،
فلا بأس) (1).
ومنها: موثقة عمار الساباطي - الراوي عنه ابن محبوب بواسطة هشام
ابن سالم - (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام رضع من امرأة، أيحل
له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ فقال: لا، فقد رضعا جميعا من لبن
فحل واحد من امرأة واحدة، قال: فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟
قال: فقال: لا بأس بذلك، إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل
التي أرضعت الغلام، فاختلف الفحلان، فلا بأس) (2) ولا يضر دلالتها على
اعتبار اتحاد المرضعة الذي ليس معتبرا بالاجماع.
ومنها: صحيحة يزيد بن معاوية المتقدمة قريبا في الشرط الرابع من
شروط الرضعات العددية (3).
وقد يرد استدلال الطبرسي على مطلبه بقوله تعالى: (وأخواتكم من
الرضاعة) بمنع كون المرتضعة من امرأة بلبن فحل أختا أميا رضاعيا
للمرتضع من تلك المرأة بلبن فحل آخر، لكون الأخت الرضاعية أمرا
شرعيا، وكون المذكورة مندرجة [فيه] (4) محل النزاع، فلا بد من دليل يدل
عليه.

(1) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
(2) الوسائل 14: 294، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.
(3) راجع الصفحة: 319.
(4) لم يرد في (ق).
323

وفيه: أن صدق العنوانات الحاصلة بالنسب على ما يحصل من الرضاع
غير متوقف على التوقيت من الشارع بالخصوص، كيف! ولو كان كذلك
لا يثبت نشر الرضاع الحرمة في أكثر الموارد، ولا يكتف الشارع في بيان تحريم
نظائر النسب الحاصلة من الرضاع بقوله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب)، لأن إلقاء هذا الكلام على هذا الفرض يصير من قبيل الإحالة على
المجهول مع أنه لا يرتاب المتتبع والمتأمل في أن كل من يسمع هذا الكلام
من النبي أو الأئمة صلوات الله عليهم أو من عالم، فلا يحتاج في تشخيص نظائر
العنوانات النسبية من بين العلائق الحاصلة بالرضاع إلى بيان وتوقيف،
ويشهد بذلك ما مر في رواية محمد بن عبيدة الهمداني، حيث قال للرضا
عليه السلام: (إن أصحابي كانوا يقولون: اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك
أنك تحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك) (1) فليت
شعري! أي شئ فهموا من هذا الكلام حتى رجعوا إلى القول بعدم اعتبار
اتحاد صاحب اللبن في الأخوة الرضاعية؟ ومن هنا ترى الفقهاء الخاصة
والعامة يتمسكون بهذا الحديث من غير تأمل في معناه من هذه الجهة.
ثم اعلم أن اتحاد الفحل إنما يعتبر في حصول الأخوة بين المرتضعين
اللذين يكونان كلاهما ولدين رضاعيين للمرضعة.
وأما إذا كان أحدهما ولدا نسبيا لها فلا يعتبر في أخوة ولدها
الرضاعي لولدها النسبي اتحاد فحلهما، فلو أرضعت ولدا حرم عليه أولادها
النسبية كلا، وإن كانوا من غير صاحب لبن المرتضع، لأن اعتبار اتحاد
الفحل أمر مخالف لاطلاق الكتاب، والأدلة المثبتة له مختصة بالولدين

(1) مر في الصفحة: 321.
324

الرضاعيين، كما يظهر لمن راجعها، مضافا إلى موثقة جميل بن دراج - بأحمد
ابن فضال - عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا ارتضع الرجل من لبن امرأة
حرم عليه كل شئ من ولدها، وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان
أرضعته بلبنه) (1) وهي صريحة في المطلوب.
لكن يظهر من بعض الأخبار اعتبار اتحاد الفحل هنا أيضا، مثل
صحيحة صفوان عن أبي الحسن عليه السلام، وفيها: (قلت: فأرضعت أمي
جارية بلبني؟ فقال: هي أختك من الرضاعة، قلت: فتحل لأخ لي من أمي
لم ترضعها أمي بلبنه؟ قال: فالفحل واحد؟ قلت: نعم هو أخي لأبي وأمي،
قال: اللبن للفحل، صار أبوك أباها، وأمك أمها) (2)، فإن استفصال الإمام
عليه السلام عن اتحاد الفحل مع تصريح السائل بكون الأخ ولد المرضعة نسبا
يدل على تغاير حكمه مع حكم صورة تعدد الفحل.
بقي هنا شئ، وهو أنه قد حكي عن العلامة في القواعد: أن أم
المرضعة من الرضاع، أو أختها منه أو بنات أخيها منه لا تحرمن على
المرتضع (3)، لأن الرضاع الحاصل بين المرضعة والمرتضع بلبن فحل، والحاصل
بينها وبين أمها أو أختها أو أخيها بلبن فحل آخر، فلم يتحد الفحل، فلا
نشر، ومثله عن المحقق الثاني في شرح هذه العبارة من القواعد (4). وزاد
على فروض المتن عدم تحريم عمة المرضعة أو خالتها من الرضاع على

(1) الوسائل 14: 306، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
(2) الوسائل 14: 299، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
(3) القواعد 2: 13.
(4) جامع المقاصد 12: 257 و 258.
325

المرتضع، ثم نسب التحريم إلى القيل، تمسكا بعموم الأدلة من الكتاب
والسنة، وأجاب عنه بأن ما دل على اعتبار اتحاد الفحل خاص، فلا حجة
في العام.
أقول: ولا يخفى ضعف هذا القول، أما أولا: فلما عرفت من أن الدال
على اعتبار اتحاد الفحل - المخصص لعموم الكتاب والسنة - كان مختصا
بالرضاع الموجب لأخوة المرتضعين، بمعنى أنه لا يحدث علاقة الأخوة بين
مرتضعين أجنبيين نسبا إلا إذا اتحد فحلهما، ولم يكن فيه إطلاق ليشمل
ما نحن فيه.
وأما ثانيا: فلأن صحيحة الحلبي المتقدمة (1) - التي هي عمدة أدلة
اعتبار اتحاد الفحل - قد صرح فيها بتحريم أخت المرضعة من الرضاع على
المرتضع، وهي أحد الموارد التي حكم في القواعد وشرحه بعدم التحريم
تفريعا على تعدد الفحل.
ومثلها موثقة عمار الساباطي المتقدمة أيضا (2) المعلل فيها تحريم أخت
المرضعة من الرضاع بأن الأختين رضعتا من امرأة واحدة بلبن فحل واحد،
مع أنه لا ريب في مغايرة فحل المرتضع. لفحل أخت المرضعة، فيفهم من
التعليل: أنه إذا اتحد الفحل بين المرأتين، وتحققت الأخوة بينهما، كفى ذلك في
حرمة كل منهما على فروع الآخر ولو من الرضاع.
[إذا ظهر ذلك، فاعلم أنه] (3) إذا حصل الرضاع المعتبر صارت

(1) تقدمت في الصفحة: 322.
(2) تقدمت في الصفحة: 323.
(3) لم يرد في (ق).
326

المرضعة والفحل أبوين للمرتضع، وفروعه لهما أحفادا، وأصولهما له أجدادا
وجدات، وفروعهما إخوة وأولاد إخوة، ومن في حاشية نسبهما عمومة
وخؤولة.
وتفصيل القول في ذلك يحصل ببيان اثنتين وثلاثين مسألة حاصلة من
ملاحظة كل من المرتضع وأصوله وفروعه ومن في حاشية نسبه أو رضاعه،
مع كل من المرضعة والفحل وأصولهما وفروعهما ومن في حاشيتهما.
وقبل ذكر أحكامهما لا بد من بيان ضابطة للتحريم في الرضاع،
فنقول: إن المستفاد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب) (1) أن كل عنوان قد حمل عليه الشارع التحريم من جهة علاقة
نسبية، فهذا العنوان يحرم من جهة نظير تلك العلاقة من الرضاع وذلك لا
بمعنى أن كل شخص حرم من النسب فهو بعينه حرام من الرضاع، إذ لا شك
في عدم إرادة هذا المعنى، لأن نفس المحرم بالنسب ليس محرما بالرضاع.
فالمراد ب‍ (ما) الموصولة في الحديث هو عنوان كلي مشترك بين
ما يحصل بالنسب وبين ما يحصل بالرضاع، تعلق التحريم به من جهة النسب
باعتبار بعض أفراده، وهو الحاصل بالنسب، وتعلق التحريم به من جهة
الرضاع باعتبار بعض أفراده وهو الحاصل بالرضاع.
مثلا يصدق على عنوان الأم - الذي هو شئ واحد بالوحدة، النوعية
الغير المنافية مع تكثر الأشخاص - أنها تحرم من جهة النسب، وتحرم من
جهة الرضاع.
ولا يقدح في هذا المطلب كون استعمال لفظ ذلك العنوان في الحاصل

(1) الوسائل 14: 280، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1 و 7.
327

بالرضاع استعمالا مجازيا، إذ لم يقع في الكلام لفظ أحد تلك العناوين حتى
يقال: إن المراد به خصوص الحاصل بعلاقة النسب، بل نقول: إنه اعتبر مثلا
قدر مشترك بين الأم الرضاعية والنسبية وأريد من الموصول.
وإن أبيت إلا عن أن المراد بالموصول خصوص العنوانات النسبية،
فلا بد في الكلام من تقدير، بأن يراد (أنه يحرم من الرضاع نظير كل عنوان
من العنوانات النسبية التي تحرم من جهة النسب) وهذا التقدير هو الذي
ارتكبه جمع كثير من الفقهاء المتأخرين في تفسير الحديث (1).
ثم إن العنوان الذي يحرم من جهة النسب ليس إلا أحد العنوانات
المتعلق بها التحريم في لسان الشارع، كالأم، والبنت، والأخت، وغيرهن من
المحرمات المذكورة في الكتاب (2) والسنة (3). وأما العنوان المستلزم لأحد هذه
- كأم الأخ للأبوين المستلزمة لكونها أما، وكأم السبط المستلزمة لكونها بنتا،
وكأخت الأخ للأبوين المستلزمة لكونها أختا - فليس شئ منهن يحرم من
جهة النسب، إذ لا نسب بينهن من حيث هذا العنوان وبين المحرم عليه، فإن
أم أخ الشخص من حيث إنها (أم أخ) ليست (4) نسيبة له، بل نسيبة لأخيه،
والنسب الحاصل بين الشخص وبين نسبه لم يثبت كونه جهة للتحريم.
والشاهد على ذلك أدلة المحرمات، فإن منها يستفاد جهة تحريم
المحرمات، إذ لا يستفاد من قوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم) إلا أن

(1) ممن صرح بذلك من متأخري المتأخرين صاحب الجواهر قدس سره (الجواهر 29:
309).
(2) النساء: 23.
(3) الوسائل 14: 273 - 279، الباب 1 - 5 من أبواب ما يحرم بالنسب.
(4) في النسخ: ليس. والصواب ما أثبتناه.
328

جهة التحريم أمومة الأم للشخص، وأما أمومتها لأخيه أو بنوتها لجديه أو
أخوتها لخاليه، فلم يستفد من دليل كونها جهة للتحريم.
فثبت بهذا أن النسب الذي يصلح [كونه] (1) جهة للتحريم ليس إلا ما
يكون مبدأ لإحدى الصفات المعنونة بها المحرمات في الكتاب والسنة.
وعلى هذا فإذا أرضعت امرأة أخاك فلا تحرم عليك، لأنها أم أخيك،
ولم يثبت حرمة أم الأخ من جهة النسب، إذ لا نسب بينك وبينها من حيث
إنها (أم أخيك) بل النسب بينها وبين نسيبك، والنسب بين شخص وبين
نسيبه لم يثبت كونه جهة للتحريم.
ومن هنا يظهر فساد ما ذهب إليه شرذمة من المتأخرين (2): من عموم
التنزيل في الرضاع، وعدم الفرق بين أن يحصل بالرضاع أحد العناوين
المذكورة في أدلة التحريم، وبين أن يحصل به ما يستلزم أحدها، فكما أن
المرتضعة بلبنك محرمة عليك من حيث إنه حصل بالرضاع بنوتها لك،
فكذلك مرضعة ولد بنتك حيث إنه حصل بالرضاع أمومتها لولد بنتك، وأم
ولد البنت محرمة نسبا لكونها بنتا، فكذلك أم ولد بنتك رضاعا، إلى غير
ذلك.
وقد عرفت وجه فساد ذلك، وحاصله: أن الحديث النبوي إنما حرم
بالرضاع ما حرم من جهة النسب، وأم ولد البنت لم تحرم من جهة النسب،

(1) لم يرد في (ق).
(2) مثل السيد الداماد في رسالته المسماة ب‍ (ضوابط الرضاع) المطبوع ضمن (كلمات
المحققين): 16 و 17. والآخوند الملا أبو الحسن الشريف جد صاحب الجواهر، انظر
الجواهر 29: 323.
329

إذ لا نسب بينها بهذا العنوان وبين الشخص، بل النسب بينها وبين نسيب
الشخص، ولم يثبت كونه جهة للتحريم، فإذا لم تحرم أم ولد البنت من جهة
النسب، فكيف تحرم من جهة الرضاع؟ مع أن دعوى عموم الموصول لكل
عنوان من العناوين المذكورة في لسان الشارع ولما يستلزمه من العناوين
الغير المحصورة، موجب للتكرار في مشمولات (1) العام.
فإن قلت: إذا صدق على أم ولد البنت أنها بنت وصدق أن كل بنت
محرمة من جهة النسب، فلا مساغ لانكار أن أم ولد البنت محرمة من جهة
النسب، فيضاف إلى ذلك قوله عليه السلام: (كل ما يحرم من النسب يحرم من
الرضاع) (2)، ينتج أن أم ولد البنت تحرم من جهة الرضاع.
قلت: لا يخفى أن المراد بالأم في قولنا: (أم ولد البنت) إما أن تكون
هي خصوص الأم النسبية، أو خصوص الرضاعية، أو الأعم، وكذلك المراد
بالبنت، فالاحتمالات تسعة، ولا نسلم الصغرى إلا في احتمالين منها،
إحداهما: أن يراد من الأم والبنت، النسبيتان (3) والثاني: أن يراد من الأم
النسبية، ومن البنت الأعم.
فإن أريد الأول منهما، فالصغرى والكبرى [مسلمتان] (4) إلا أن
الحاصل منها ليس إلا قولنا: (إن الأم النسبية لولد البنت النسبية محرمة من
جهة النسب) لكن الأصغر في هذه الصغرى غير مندرج تحت الأوسط في

(1) كذا في (ق)، وفي (ش): شمول العام، وفي (ص) و (ع): شمولات عام. (2) الوسائل 14. 281 الباب من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5، وفيه: (ما
يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع).
(3) في (ق): النسبيتين.
(4) ساقطة من (ق).
330

كبرى قوله عليه السلام: (كل ما يحرم من النسب يحرم من الرضاع) لما عرفت
من أن المراد بالموصول في الحديث هو العنوان الكلي المشترك بين العنوان
الحاصل من علاقة النسب، والحاصل من علاقة الرضاع، لأنه الذي يعقل
أن يحكم عليه بالتحريم من كلتا الجهتين، أعني الرضاع والنسب، وليس المراد
به خصوص العنوان النسبي، إذ لا يعقل الحكم على نفس هذا العنوان بأنه
يحرم من جهة الرضاع إلا أن يراد أنه يحرم نظيره، كما ذكرناه سابقا.
وحينئذ فنقول: كون مرضعة ولد البنت نظيرة للأم النسبية لولد البنت
ممنوع، لأن الأم النسبية لولد البنت كانت متصفة بالبنتية، وباعتبارها ثبت لها
التحريم، ومرضعة ولد البنت ليست كذلك. نعم، نظيرة الأم النسبية لولد
البنت النسبية، الأم النسبية لولد البنت الرضاعية.
والحاصل: أن المحرم في النسب أم ولد البنت المقيدة بكونها بنتا،
فنظيرها المحرم في الرضاع أيضا أم ولد البنت المقيدة بذلك القيد، غاية الأمر
أن القيد المذكور في النسب من اللوازم للمقيد، وفي الرضاع مما قد يكون وقد
لا يكون، فإذا كان فتثبت النظارة، وإلا فلا نظارة فلا حرمة.
وإن أريد الثاني منهما، فالمقدمتان مسلمتان، ويستنتج منهما أن الأم
النسبية لولد البنت مطلقا محرمة من جهة النسب، ولو باعتبار بعض أفرادها،
وهي الأم النسبية لولد البنت النسبية فيصح أن يضم إليه قوله عليه السلام: (" كل
ما يحرم من النسب يحرم من جهة الرضاع) (1)، فيصير حاصل هذا: أن الأم
النسبية لولد البنت مطلقا عنوان كلي مشترك بين أم ولد البنت النسبية وأم

(1) الوسائل 14: 281، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 5 وفيه:
(ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع).
331

ولد البنت الرضاعية، وهذا العنوان الكلي يصدق عليه أنه يحرم من جهة
الرضاع كما يحرم من جهة النسب، وحينئذ فلا يستفاد من الحديث حكم
مرضعة ولد البنت بوجه من الوجوه.
وبهذا تقدر على دفع ما يورد في نظائر هذا العنوان، وإن كان تقرير
الدفع مخالفا له في الجملة.
فإذا قيل مثلا: (أم الأخ للأبوين أم، وكل أم محرمة، فأم الأخ للأبوين
محرمة)، ثم يضم إلى ذلك قولنا: (كل ما يحرم من جهة النسب يحرم من
جهة الرضاع) أجبنا عنه: بأن (أم الأخ) لا يخلو من أن يراد به الاحتمالات
التسعة المذكورة، وعلى فرض إرادة ما عدا احتمالين منهما (1) تكون الصغرى
ممنوعة، فإن التي يصدق عليها (الأم) ليس إلا الأم النسبية للأخ النسي، أو
مرضعة الأخوين الرضاعيين.
فإن أريد ب‍ (أم الأخ) في الصغرى خصوص الأول، دفع بما دفع به
الاحتمال الأول في أم ولد البنت. وإن أريد به الأعم من الأول - أعني
العنوان الكلي الملازم لصدق الأم - فلا تدل النتيجة الصلة بعد ضم الحديث
إليها على تحريم مرضعة الأخ.
ويمكن الجواب عن أصل الايراد بمنع كون الموصول للعموم، بل
المتبادر منه الإشارة إلى العنوانات المعهودة المتداولة على لسان الشارع،
وتعلق التحريم بها في كلامه.
ثم اعلم أن المراد في الحديث ليس خصوص النسب الحاصل بين
المحرم والمحرم عليه، حتى يخص الحديث بتحريم نظائر العنوانات السبع

(1) كذا في ظاهر (ق) أيضا، والصحيح (منها).
332

النسبية من الرضاع، بل المراد به هو الأعم منه ومن الحاصل بين المحرم
وزوج المحرم عليه أو ما ألحق بزوجه - كالمزني بها (1) والموطوءة بالشبهة،
أو الغلام الموطوء، ونحو ذلك - لأن التحريم في العنوانات السبع كما أنها
متوجهة بجهة النسب، كذلك في هذه العنوانات، مثلا قوله تعالى: (وأمهات
نسائكم) (2) دال على تعلق التحريم بأم الزوجة من حيث أمومتها للزوجة،
فإذا حصل نظير هذه الجهة من الرضاع حرمت.
والحاصل: أنه لا فرق بين تحريم الأم وتحريم أم الزوجة في تعلق
التحريم في كل منهما بعنوان النسبي، فيحرم نظيره من الرضاع، وسيأتي
زيادة توضيح لذلك إن شاء الله تعالى.

(1) لا يخفى أن المناسب لسياق الكلام: التمثيل بالفاعل والعبارة لا تخلو من اغلاق.
(2) النساء: 23.
333

[تفاصيل المسائل المتقدمة]
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى بيان تفاصيل المسائل المذكورة، فنقول:
المسألة الأولى
لا شك في تحريم المرتضع على المرضعة بالاجماع والكتاب والسنة،
لأنها أمه.
[المسألة] الثانية
لا تحرم أصول المرتضع المذكور على المرضعة من جهة إرضاعها إياه،
سواء في ذلك أبوه، وأجداده لأب كانوا أم لأم.
أما عدم التحريم على الأب: فظاهر، لأن المرضعة لم تزد على أن
صارت أما لولده، وأم الولد أولى بالتحليل من كل أحد.
وأما على أجداده لأبيه: فلأنها لم تزد على أن صارت أما لولد ابنه،
335

وأم ولد الابن إنما تحرم على الجد لأنها زوجة ابنه، والزوجية للابن لا
تحصل بإرضاع ولد الابن، لأن الزوجية لا تثبت بالرضاع. وبتقرير أوضح:
أن التحريم تعلق على حليلة الابن، ولا شك أن مرضعة ولد الابن ليست
حليلة للابن.
وأما على أجداده لأمه: فلأن غاية ما حصل بالرضاع كون المرضعة
أما لولد بنته، وأم ولد البنت إنما تحرم إذا كانت بنتا بالنسب أو الرضاع،
وهذه لم تصر إحداهما. وقد مر (1) مشروحا في تفسير الحديث النبوي: أنه
لا يدل إلا على تحريم ما صدق عليه - بعلاقة الرضاع - أحد العناوين
المحرمة على لسان الشارع، فيجب الرجوع في غيرها إلى أدلة الحل.
والحاصل: أنه إذا حصل بالرضاع عنوان مستلزم في النسب لأحد
العناوين المعلق عليها التحريم غير ملازم له في الرضاع، لا يثبت له التحريم،
لأن ذلك العنوان النسبي الملزوم إنما حرم لتقيده باللازم وإن كان هذا القيد
غير منفك عنه، فإن حصل هذا القيد في العنوان الرضاعي - حتى يتم كونه
نظيرا للعنوان النسبي وكونهما تحت عنوان كلي ينتزع من الحاصل بالنسب
والحاصل بالرضاع - حصلت الحرمة، وإلا فلا.
تم إذا لم تحرم أصول المرتضع نسبا على المرضعة، لم تحرم أصوله
الرضاعية عليها بطريق أولى.
[المسألة] الثالثة
تحرم فروع المرتضع على المرضعة، لأنهم أحفادها. ولا فرق بين

(1) في الصفحة: 286.
336

الفروع النسبية والرضاعية. نعم يأتي على قول العلامة والمحقق
الثاني رضوان الله عليهما في القواعد (1) وشرحه (2) عدم تحريم فروع المرتضع،
الرضاعية على المرضعة، حيث حكما بأن مرضعة المرضعة لا تحرم على المرتضع، فإن
المرتضع من الفروع الرضاعية للمرتضعة من المرضعة، وقد عرفت ضعف هذا
القول ومتمسكه (3).
[المسألة] الرابعة
حواشي المرتضع - أعني من في طبقته من الأخوة - لا يحرمون على
المرضعة من جهة ارتضاع أخيهم منها لأنها لا تزد على أن صارت أما
رضاعية لأخيهم، ولا دليل على تحريم أم الأخ. نعم، هي محرمة في النسب
من جهة كونها أما أو زوجة أب، ولم يحصل شئ منهما بالرضاع.
وأما الأخوة من الرضاع للمرتضع فهم أولى بعدم التحريم عليها.
وقد يزيد في الاستدلال على ما ذكرنا: بأن أمومة الأخ غير ملازمة
للأمومة، لتفارقهما في زوجة الأب والأم التي ليس لها إلا ولد واحد.
وفيه: أن لمتوهم التحريم أن يقول: إن الأم النسبية للأخ من الأبوين
محرمة، لأنها لا تنفك عن كونها أما، فالأم الرضاعية له أيضا محرمة.
فالأجود الاقتصار على ما ذكرناه، وأن الملازمة بين العنوانين في
النسب وإن كانت مسلمة، إلا أن التحريم هناك من جهة أحد المتلازمين

(1) قواعد الأحكام 2: 13.
(2) جامع المقاصد 12: 257 و 258.
(3) راجع الصفحة: 326.
337

الغير الأصل بسبب الرضاع.
ثم إن حكم فروع حواشي المرتضع حكم نفس الحواشي في عدم
التحريم على المرضعة، لأن الفرع لا يزيد على الأصل في الحرمة.
[المسألة] الخامسة
يحرم المرتضع على أصول المرضعة من النساء، وتحرم المرتضعة على
أصولها من الذكور، لأن المرتضع من أحفادهم، ولا فرق بين أصولها بالنسب
وأصولها بالرضاع، ولا إشكال فيه ولا خلاف ظاهرا.
وحكم حواشي أصول المرضعة من العمومة والخؤولة حكم
نفس الأصول في التحريم، سواء كانت من النسب أو من
الرضاع.
[المسألة] السادسة
لا تحرم أصول المرتضع على أصول المرضعة، لما تقدم في المسألة
الثانية.
[المسألة] السابعة
تحرم فروع المرتضع على أصول المرضعة، لأنهم جدودتهم.
[المسألة] الثامنة
لا تحرم حواشي المرتضع وفروعهم على أصول المرضعة وحواشيهم، لما
تقدم في المسألة الرابعة.
338

[المسألة] التاسعة
يحرم المرتضع على فروع المرضعة نسبا - وهم المتولدون منها - وإن
نزلوا، سواء كان أبوهم فحلا للمرتضع أم لا، لثبوت الأخوة من قبل الأم
بينه وبينهم من جهة الرضاع.
ولا يشترط اتحاد الفحل هنا، بلا خلاف على الظاهر المصرح به
في كلام غير واحد (1)، لاطلاق الكتاب والسنة، مضافا إلى خصوص
موثقة جميل بن دراج - بأحمد بن الحسن [بن علي] بن فضال -
عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال: إذا رضع (2) الرجل من لبن امرأة حرم
عليه كل شئ من ولدها، وإن كان الولد من غير الرجل الذي كانت
أرضعته بلبنه) (3).
ويؤيدها رواية محمد بن عبيدة الهمداني المتقدمة (4) في استدلال
الطبرسي قدس سره.
وأما فروع المرضعة من حيث الرضاع - وهم أولادها من
الرضاع - فيشترط في تحريم المرتضع عليهم اتحاد الفحل على المشهور،
خلافا للطبرسي قدس الله روحه وقد مر ضعفه، لورود الخبر الصحيح وما في
حكمه على خلافه (5).

(1) صرح به في الحدائق 23: 375، والجواهر 29: 304.
(2) كذا في الوسائل و (ق)، وفي سائر النسخ وهامش (ق): ارتضع.
(3) الوسائل 14: 306، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 3.
(4) تقدمت في الصفحة: 321.
(5) تقدم في الصفحة: 321.
339

[المسألة] العاشرة
تحرم أصول المرتضع على فروع المرضعة من النسب على الأظهر وإن
كانت القاعدة لا تقتضي ذلك، نظرا إلى أن فروع المرضعة لا تزيد على أن
تكون إخوة لولد أصول المرتضع، وأخ الولد أو أخته لا دليل على تحريمه من
حيث أخوة الولد، وإنما يحرم حيث يحرم إما من حيث كونه ولدا، وإما من
حيث كونه ولدا لأحد الزوجين، ولذا حكي عن جماعة - منهم الشيخ في
المبسوط - عدم التحريم (1)، إلا أنه قد دل غير واحد من الأخبار المعتبرة
على التحريم.
مثل ما رواه في التهذيب عن أيوب بن نوح في الصحيح: (قال: كتب
علي بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السلام: امرأة أرضعت بعض ولدي، هل
يجوز أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام: لا يجوز ذلك (2) لأن ولدها
صارت بمنزلة ولدك) (3).
ومثل ما رواه الكليني قدس سره عن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن
جعفر: قال: (كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: امرأة أرضعت ولد الرجل، هل
يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع عليه السلام:
لا يحل) (4).

(1) المبسوط 5: 305.
(2) في المصدر: لا يجوز لك ذلك.
(3) التهذيب 7: 321، الحديث، 1324.
(4) الكافي 5: 447، الحديث 18 وفيه: (لا، لا تحل له).
340

واعلم أنه قد يتفرع على [هذا] (1) القول: أنه لو أرضعت ولدا
جدته لأمه بلبن جده أو غيره، حرمت أمه على أبيه، لأن أمه من أولاد
المرضعة، فتحرم على أصول المرتضع.
وأما تحريم الجدة المرضعة علن جده من غير جهة صيرورتها أما لولد
بنته، فقد تقدم في المسألة الثانية: أنه لا وجه له.
هذا كله من فروع المرضعة نسبا، وأما فروعها بالرضاع: فلا دليل
على تحريمهم على أصول المرتضع، لأن (الولد) و (البنت) في الخبرين
المتقدمين (2) ظاهران في خصوص النسبي، فيبقى حكم الرضاعي بأقسامه
تحت أصالة الإباحة.
اللهم إلا أن يقال: إنه إذا ثبت التحريم في الولد النسبي للمرضعة، ثبت
في الولد الرضاعي لها، لأنه (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
وفيه: أن الإمام عليه السلام حكم بتحريم ولد المرضعة على أب المرتضع
لا من حيث هو ولدها حتى يحرم ولدها الرضاعي أيضا، بل لأجل كونها
بمنزلة ولد أب المرتضع نسبا، وهذا المعنى غير معلوم قي ولدها الرضاعي،
فتأمل.
مع أن هذا الكلام لا يصح في ولدها الرضاعي الذي ارتضع بلبن
فحل غير فحل المرتضع الذي يكون الكلام في أصوله، لعدم الأخوة بين ذلك
الولد وبين المرتضع على قول غير الطبرسي، ومن الظاهر - بل المقطوع - أن
كون ولد المرضعة بمنزلة ولد أب المرتضع فرع الأخوة الرضاعية للمرتضع

(1) ليس في (ق).
(2) أي خبري التهذيب والكافي.
341

المفقودة مع تعدد الفحل، وإنما يصح هذا الكلام - لو صح - في صورة اتحاد
الفحل وحدوث الأخوة بين ذلك الولد وبين المرتضع، وحينئذ فيكون هذا
الولد من أولاد الفحل رضاعا، وسيأتي الكلام فيه في مسألة تحريم أصول
المرتضع على فروع الفحل.
واعلم أن الخبرين المذكورين (1) وإن دلا على تحريم أولاد المرضعة
نسبا على أب المرتضع، لكن الظاهر تحريمهم على أم المرتضع أيضا، لأن
كونهم بمنزلة ولد أبيه يستلزم كونهم بمنزلة ولد أمه، ولذا استفيد من تحريم
البنات على الآباء تحريم الأبناء علن الأمهات.
[المسألة] الحادية عشرة
فروع المرتضع وإن نزلوا نسبا أو رضاعا يحرمون على فروع المرضعة
في المرتبة الأولى، لأنهم خؤولة لفروع المرتضع ولا فرق بين فروع المرضعة
نسبا وفروعها رضاعا مع نشر الرضاع بينهم وبين نفس المرتضع. وأما فروع
المرضعة قي غير المرتبة الأولى فلا يحرمون على فروع المرتضع مطلقا، لأنهم
أولاد خؤولة لهم.
[المسألة] الثانية عشرة
من في حاشية نسب المرتضع أو رضاعه - أعني إخوته أو أخواته
النسبية أو الرضاعية - لا يحرمون لأجل ارتضاع أخيهم على فروع المرضعة
الرضاعية بلا إشكال ولا خلاف، لأنهم لم يزيدوا على أن صاروا إخوة

(1) تقدما في الصفحة: 340.
342

لأخي أولئك الحواشي، أو أولادا لأم أخيهم، ولم يتعلق التحريم في الشريعة
بأحد العنوانين. وكذا فروع المرضعة النسبية - وهم المتولدون منها - لا تحرم
عليهم حواشي المرتضع الرضاعية، لما ذكر.
وأما تحريم حواشي المرتضع من النسب على فروع المرضعة
النسبية فاختلف فيه، فالأشهر - كما قيل (1) - عدم التحريم لما ذكر، وهو
الأظهر.
وقيل بالتحريم (2)، لأن فروع المرضعة إذا صاروا بمنزلة ولد أبوي
المرتضع - بحكم ما تقدم في المسألة العاشرة - فقد صاروا إخوة لأولادهما
الذين هم حواشي المرتضع.
وفيه: منع استلزام صيرورتهم أولادا للأبوين صيرورتهم إخوة
لأولادهما، إذ لا مستند له إلا تلازم عنواني البنوة للأبوين مع الأخوة
للإخوة، وهو مسلم إذا حدثت بالرضاع نفس البنوة للأبوين، كما إذا ارتضع
شخص بلبنهما، فإن بنوته لهما تستلزم أخوته لأولادهما. وأما إذا حدث به
شئ آخر حكم الشارع بكونه بمنزلة البنوة للأبوين في أحكامها الشرعية،
فلا يلزم ثبوت الأخوة للإخوة.
والأصل: أن العنوان الأصل بارتضاع ولد الأبوين من امرأة ذات
أولاد ليس إلا كون أولادهما إخوة للمرتضع. ومن المعلوم - مما سبق في

(1) قاله الشهيد الثاني في المسالك 1: 377، والمحدث البحراني في الحدائق 23:
399.
(2) النهاية: 462، وانظر الخلاف، كتاب النكاح، المسألة 73 والمسألة الأولى
من كتاب الرضاع.
343

المسألة الثانية - أن بمجرد هذا العنوان لا يحرم هؤلاء الأولاد على أبوي
المرتضع ولا على إخوته، لكن لما دل الدليل على كون الأولاد بمنزلة أولاد
الأبوين في جميع الأحكام الشرعية - التي من جملتها تحريمهم عليهما - حكم
به، لكن لا يستلزم ذلك كونهم (1) بمنزلة الإخوة لأولادهما حتى يحرموا
عليهم.
وكذا ليس من الأحكام الشرعية لأولاد الأبوين تحريم بعضهم على
بعض، فإن التحريم في آية المحرمات (2) إنما علق على عنوان الأخ والأخت،
لا على ولد الأبوين أو أحدهما.
ومن هنا ظهر ما في استدلال صاحب الكفاية على التحريم بأن كونهم
بمنزلة الولد يقتضي أن يثبت لهم جميع الأحكام الثابتة للولد من حيت
الولدية، ومن جملة أحكامه تحريم أولاد الأب عليه (3) إذ لا يخفى أن تحريم
أولاد الأب على الولد ليس من حيث الولدية للأب، بل من حيث أخوته
للأولاد.
اللهم إلا أن يقال: إن الأخوة التي نيطت بها الحرمة في آية المحرمات
ليس مفهومها العرفي - بل الحقيقي - إلا كون الشخصين ولدا لواحد،
فكونهم أولادا لأبيه أو لأمه عين كونهم إخوة له، لا أنه عنوان آخر
ملازم له.
ويشهد لذلك تعليل تحريم المرتضعة من لبن ولد على أخيه من

(1) في (ق): كونهما. والظاهر أنه سهو.
(2) النساء: 23.
(3) كفاية الأحكام: 161.
344

أبيه في صحيحة صفوان - المروية في الكافي - بصيرورة أبيه أبا لها
وأمه أما لها (1).
وليس هذا إلا لأنه إذا ثبت أبوة الرجل لشخص وأمومة المرأة له
ثبتت أخوة أولادهما له، فيحرمون عليه من هذه الجهة.
فالقول بالتحريم في المسألة لا يخلو عن قوة، وفاقا للمحكي عن
الشيخ (2) وبعض المتأخرين (3).
[المسألة] الثالثة عشر
يحرم المرتضع على من في حاشية نسب المرضعة - أعني إخوتها
وأخواتها - وكذا من في حاشية رضاعها - وهم إخوتها وأخواتها من
الرضاع - بلا إشكال ولا خلاف.
ويدل على تحريم إخوتها من الرضاع - المستلزم لتحريم إخوتها
من النسب بالأولوية وعدم القول بالفصل - صحيحة الحلبي المروية في
الكافي والتهذيب: (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يرضع من امرأة وهو غلام، أيحل له أن يتزوج أختها لأمها من
الرضاع؟ فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل
واحد فلا يحل، وإن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن

(1) الكافي 5: 444، الحديث 3.
(2) تقدم في هامش الصفحة: 343 عن النهاية والخلاف.
(3) محكي عن الشهيد في بعض تحقيقاته، كما في الجواهر 29: 317، وقواه المحقق السبزواري في كفاية الأحكام: 161.
345

فحلين فلا بأس) (1).
ونحوها موثقة عمار المتقدمة معها (2) في أدلة القول المشهور باعتبار
اتحاد الفحل في مقابل الطبرسي قدس سره، فتأمل.
وفي حكم أولئك الحواشي فروعهم، فيحرم المرتضع عليهم.
[المسألة] الرابعة عشر
لا تحرم أصول المرتضع على من في حاشية نسب المرضعة، فيجوز
لآباء المرتضع - وإن علوا - التزويج في أخوات المرضعة، ولإخوتها التزويج
في أمهات المرتضع.
ولا يتوهم في الأول كون المرضعة في حكم الزوجة فلا يجوز العقد
على أختها، لعدم ثبوت الزوجية بالرضاع، ولا في الثاني. كون أم المرتضع أما
لولد أخت إخوة المرضعة وأم ولد الأخت محرمة لكونها أختا، لما مر من أن
الحرمة إنما تعلقت على عنوان (الأخت) لا على (أم ولد الأخت) وإن تلازم
العنوانان في النسب.
[المسألة] الخامسة عشر
تحرم فروع المرتضع على حواشي نسب المرضعة ورضاعها، لكونهم
خؤولة لأبيهم بلا إشكال ولا خلاف، ولا يحرمون على فروع أولئك
الحواشي.

(1) الكافي 5: 443، الحديث 11. والتهذيب 7: 321، الحديث 1323.
(2) تقدمت في الصفحة: 323.
346

[المسألة] السادسة عشر
لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع على من في حاشية نسب
المرضعة، فيجوز لإخوة المرتضع التزويج في أخوات المرضعة، ولإخوة
المرضعة التزويج في أخوات المرتضع لما مر في المسألة الرابعة: من عدم
تحريم حواشي المرتضع على نفس المرضعة، فعدم تحريمهم على حواشيها أولى،
والمستند في الكل عدم الدليل، إذ لم يحدث بينهم بالرضاع عنوان من
العناوين المتعلقة بها التحريم في النسب.
[المسألة] السابعة عشر
يحرم المرتضع لو كانت أنثى على الفحل إجماعا، لأنها بنته من
الرضاع.
[المسألة] الثامنة عشر
لا تحرم أصول المرتضع الإناث - أعني أمهاته، وإن علون - على
الفحل. أما أمه: فواضح. وأما جداته: فكذلك على الأشهر، لأن غاية ما
حصل بالرضاع كونهن جدات لولده، وجدات الولد لا يحرمن على الأب إلا
من جهة كونهن جدات لنفس الأب، أو أمهات أزواجه، ولم يحصل بالرضاع
شئ من العنوانين في المقام.
ونسب إلى ابن إدريس تحريم جدة المرتضع على الفحل (1).

(1) السرائر 2: 555.
347

وهو ضعيف.
ثم إذا لم تحرم أصول المرتضع على الفحل، لم تحرم فروع تلك الأصول
عليه، فعمة المرتضع وخالته لا تحرمان على الفحل، لأن الفرع لا يزيد على
الأصل.
[المسألة] التاسعة عشر
تحرم فروع المرتضع وإن نزلوا على الفحل، لكونهم بمنزلة أحفاده،
من غير فرق بين فروعه الرضاعية والنسبية، بلا خلاف ولا إشكال
في ذلك.
[المسألة] العشرون
لا تحرم من في حاشية نسب المرتضع - أعني أخواته - على الفحل على
الأشهر، لعدم الدليل على التحريم، عدا ما يتخيل من كونها أخوات لولده،
ولا يخفى أن التحريم لم يتعلق بهذا العنوان، وأنما تعلق بعنوان (البنت) أو
(الربيبة) اللذين لا ينفك أحدهما عن عنوان (أخت الولد) في النسب.
ونسب إلى الشيخ في الخلاف وابن إدريس: تحريم أخت المرتضع على
الفحل (1)، وهو ضعيف.
[المسألة] الحادية والعشرون
يحرم المرتضع على أصول الفحل، لكونهم جدودة له بلا خلاف

(1) الخلاف، كتاب الرضاع، المسألة: 1، السرائر 2: 555.
348

ولا إشكال.
[المسألة] الثانية والعشرون
لا تحرم أصول المرتضع على أصول الفحل، فيجوز لآباء المرتضع أن
يتزوجوا في أمهات الفحل، وكذا لآباء الفحل أن يتزوجوا في أمهات
المرتضع، لعدم الدليل إلا بتخيل كون أمهات الفحل بمنزلة جدات المرتضع،
فيحرم على أبيه وعلى بعض أجداده، وكذا أمهات المرتضع بالنسبة إلى آباء
الفحل.
[المسألة] الثالثة والعشرون
تحرم فروع المرتضع على أصول الفحل، لأنهم جدودة له، وقد مر
تحريمهم على الفحل، لكونهم أحفادا له، فيحرمون على آبائه أيضا، لأن
المحرم على شخص لأجل النسب محرم على آبائه أيضا، فكذلك في الرضاع.
[المسألة] الرابعة والعشرون
لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع على أصول الفحل، لما تقدم من
عدم حرمتهم على نفس الفحل، ويجري هنا الخلاف المنسوب إلى ابن
إدريس في تلك المسألة.
[المسألة] الخامسة والعشرون
يحرم المرتضع على فروع الفحل نسبا ورضاعا وإن نزلوا، لأنهم إخوة
349

أو أولاد إخوة بلا خلاف في ذلك، ويدل عليه بعد الاجماع أخبار كثيرة (1).
ولا فرق في الفروع بين كونهم من مرضعة المرتضع أو من غيرها،
فلو كان لرجل عشر نساء وكان له من كل منها بنت وابن من الولادة،
وأرضعت كل واحدة منهن غلاما وجارية بلبن ذلك الفحل، حرم الذكور
العشرون على البنات العشرين.
[المسألة] السادسة والعشرون
تحرم أصول المرتضع على فروع الفحل - أعني المتولدين [منه] (2) -
وإن لم تقتضه القاعدة، من جهة أن فروع الفحل لم يزيدوا على أن صاروا
إخوة لولد أصول المرتضع، ولا دليل على تحريم إخوة الولد من حيث هم
إخوة الولد، ولهذا قيل هنا بعدم التحريم (3).
إلا أن الأظهر التحريم، لصحيحة علي بن مهزيار: (قال: سأل عيسى
ابن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه السلام: أن امرأة أرضعت لي صبيا، هل
يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما أجود ما سألت! من هاهنا
يؤتى أن يقول الناس: حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن

(1) الوسائل 14: 305، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالرضاع، ويدل عليه أيضا
أخبار من الباب 6 و 8 منها.
(2) لم ترد في (ق).
(3) نسبه الشهيد الثاني في المسالك إلى جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في
المبسوط، لكن لم نقف فيه على كلام ظاهر في ما نسب إليه، انظر المبسوط 5: 292 و 305، وقد نبه على ذلك المحدث البحراني في الحدائق 23: 391، وممن قال هنا بعدم
التحريم القاضي في المهذب 2: 191.
350

الفحل لا غيره. فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي، هي ابنة
غيرها، فقال: لو كن عشرا متفرقات ما حل لك شئ منهن، وكن في موضع
بناتك) (1).
والرواية وإن اختصت بتحريم ولد الفحل على أب المرتضع، إلا أن
تحريمهم على أمه أيضا ثابت بالاجماع المركب ظاهرا، مع أن كونهم بمنزلة
بنات أب المرتضع يستلزم كونهم بمنزلة بنات (2) أمه.
ثم إن ظاهر الرواية - كما ترى - مختص بفروع الفحل نسبا، ويلحق
بهم فروعه رضاعا، ولعله لقاعدة: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)،
فإذا حرم ولد الفحل نسبا على أصول المرتضع حرم ولده رضاعا، ولأن
منشأ صيرورتهم أولادا لأصول المرتضع أخوته لولدهم، ولا فرق بين
الأخوة النسبية والرضاعية.
[المسألة] السابعة والعشرون
يحرم فروع المرتضع نسبا ورضاعا وإن نزلوا على فروع الفحل نسبا
ورضاعا في المرتبة الأولى، لأنهم عمومة لفروع المرتضع، وأما فروع الفحل
في غير المرتبة الأولى فلا يحرمون على فروع المرتضع.
[المسألة] الثامنة والعشرون
لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع - وهم إخوته وأخواته - على

(1) الوسائل 14: 296، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 10.
(2) كذا جرى بقلم المصنف قدس سره. والمناسب: (أبناء أمه) كما في (ش).
351

فروع الفحل، لأنهم لم يزيدوا على أن صاروا بالرضاع إخوة لأخي أولئك،
وأخوة الأخ ليست موجبة للتحريم، إذ قد يتزوج أخ الرجل لأبيه أخته من
أمه، ولو قيد بالأخ من الأبوين فلا يوجب التحريم، وإنما يحرم إخوة الأخ
للأبوين من جهة كونهم إخوة، ولم يحصل بالرضاع هذا العنوان، فالحاصل
بالرضاع غير موجب للتحريم، والموجب للتحريم غير حاصل،
خلافا
للشيخ (1) وجماعة (2) فحكموا بالتحريم، لأن صيرورة الفروع بمنزلة الأولاد
لأصول المرتضع - بحكم صحيحة ابن مهزيار المتقدمة (3) - يستلزم كونهم
إخوة لإخوة المرتضع، فيحرمون عليهم، وقد سبق في المسألة الثانية عشرة
أن هذا القول لا يخلو عن قوة.
[المسألة] التاسعة والعشرون
يحرم المرتضع على من في حاشية نسب الفحل أو رضاعه، لأنهم
عمومة له، وهذا مما لا إشكال فيه ولا خلاف.
[المسألة] الثلاثون
لا تحرم أصول المرتضع على من في حاشية نسب الفحل، إذ لم يحدث
بينهم بالرضاع رابطة من الروابط المحرمة.

(1) النهاية: 462. وانظر الخلاف 4: 302، كتاب النكاح، المسألة 73، والمسألة
الأولى كتاب الرضاع.
(2) محكي عن الشهيد في بعض تحقيقاته، كما في الجواهر 29: 317، وقواه المحقق
السبزواري في الكفاية: 161.
(3) تقدمت في الصفحة: 350.
352

[المسألة] الحادية والثلاثون
يحرم فروع المرتضع نسبا ورضاعا وإن نزلوا على من في حاشية نسب
الفحل نسبا أو رضاعا، لأنهم عمومة لأبيهم، ويحل لهم فروع أولئك
الحواشي.
[المسألة] الثانية والثلاثون
لا يحرم من في حاشية نسب المرتضع على من في حاشية نسب الفحل،
لأن حواشي المرتضع لا تحرم على نفس الفحل، فأولى بأن لا تحرم على
حواشيه،
ويجئ على القول المنسوب إلى ابن إدريس رحمه الله في تحريم أخت
المرتضع على الفحل (1) تحريمها على إخوته. لكنه لا دليل عليه.

(1) السرائر 2: 555.
353

وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: حيث قد عرفت أن الضابط في حصول الحرمة بالرضاع
ملاحظة الرابطة النسبية التي علق عليها التحريم،
فإن حصل بالرضاع
نظيرها تثبت الحرمة، وإلا فلا، إلا ما خرج بالدليل، كما عرفت في المسألة
العاشرة والسادسة والعشرين.
ولا عبرة بأن يحصل بالرضاع رابطة مغايرة للرابطة المعلق عليها
التحريم، مقارنة معها في الوجود دائما أو في بعض الأحيان.
وما دل على خروج المسألتين السابقتين أو نحوهما عن هذه الضابطة لا
يعطي ضابطة كليه لتحريم كل عنوان ملازم في النسب لعنوانات التحريم، بل
يقتصر على مورده، إذ التعدي قياس لا نقول به.
فاعلم أنه لا فرق في الرابطة النسبية - التي يكون نظيرها الحاصل
بالرضاع محرما - بين أن يكون التحريم المعلق عليها لأجل وجودها بين نفس
المحرم والمحرم عليه، ويسمى بالمحرم النسبي - كما في المحرمات السبع
355

النسبية - وبين أن يكون التحريم لأجل وجودها بين المحرم وزوج المحرم
عليه أو من في حكمه،
ويسمى بالمحرم لأجل المصاهرة، وهي عبارة: عن
علاقة تحدث بين كل من الزوجين وأقرباء الآخر، كأم الزوجة مثلا، فإن
التحريم علق على أمومة الزوجة، وهي رابطة نسبية بين المحرم - وهي الأم -
وبين زوجة المحرم عليه، وكأم المزني بها، والموطوءة بالشبهة وغيرهما.
وتسمية الأول ب‍ (المحرم لأجل النسب) والثاني ب‍ (المحرم لأجل
المصاهرة) باعتبار ملاحظة العلاقة الكائنة بين نفس المحرم والمحرم عليه.
وأنها قد تكون نفس الرابطة النسبية المعلق عليها التحريم - كما في المحرمات
السبع - وقد يكون أمرا حاصلا منها - كما في المحرمات بالمصاهرة - ولكن
التحريم في الكل معلق على الرابطة النسبية.
أما في المحرمات السبع: فظاهر.
وأما في المحرمات بالمصاهرة: فلأن تحريم أم الزوجة لم يعلق في
الكتاب والسنة علن علاقة المصاهرة التي بينها وبين الزوج، وإنما علق على
الرابطة النسبية التي بينها وبين زوجة الزوج، وهي الأمومة، وكذا غيرها.
ومن هنا ظهر فساد ما ربما يسبق إلى الوهم من أن
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (1) إنما
يدل على تحريم نظائر المحرمات السبع الحاصلة بالرضاع، ولا يدل على تحريم نظائر
المحرمات بالمصاهرة إذا حصلت بالرضاع، كمرضعة الزوجة ورضيعتها
ونحوهما، لأن هؤلاء لا يحرمن من النسب حتى يحرم نظائرها من الرضاع،
وإنما يحرمن من أجل المصاهرة.

(1) الوسائل 14: 280 و 282، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1 و 7.
356

توضيح الفساد مضافا إلى ما ذكر: أن المصاهرة - وهي العلاقة
الحاصلة بين كل من الزوجين وأقرباء الآخر - ليس مما علق عليها التحريم،
وإنما على على الرابطة النسبية التي هي منشأ لانتزاعها، فتحرم أم الزوجة
على الزوج أيضا من جهة النسب، لا النسب الحاصل بين المحرم والمحرم
عليه، بل النسب الحاصل بين المحرم وزوجة المحرم عليه.
وعمدة ما يوقع في هذا الوهم توهم أن المراد بالنسب في الحديث
خصوص النسب الحاصل بين المحرم والمحرم عليه، نظير ما اصطلحوا عليه
من قولهم: (سبب التحريم إما نسب وإما مصاهرة) حيث يجعلون المصاهرة
قسيما للنسب.
ولا يخفى أنه لا داعي إلى تقييد النسب في الحديث بهذا الفرد
الخاص، بل المراد به: أن كل ما يحرم على شخص من جهة نسب حاصل
بينهما أو من جهة نسب حاصل بين أحدهما وزوج الآخر أو من في حكمه،
فيحرم نظيره من جهة الرضاع الحاصل بينهما أو بين أحدهما وزوج الآخر
أو من في حكمه.
وحاصل معناه بعبارة أضبط: كل رابطة نسبية ثبت من جهتها تحريم
شخص على آخر، فيثبت التحريم أيضا من جهة نظيرها الحاصل بالرضاع،
فإذا ورد: (أن أمهات الأزواج محرمة) فنقول: إن التحريم تعلق بالنساء
المتصفات بالأمومة للزوجات، وهي رابطة نسبية على عليها التحريم، فإذا
حصل نظيرها بالرضاع يحصل الحرمة، للحديث المذكور.
فظهر: أنه كما يصدق على أم الرجل أنها محرمة عليه من جهة
النسب - أي من جهة الرابطة النسبية، حيث إنها حرمت عليه بعنوان كونها
أما له - فكذلك يصدق على أم زوجته أنها محرمة عليه من جهة النسب،
357

حيث إنها حرمت عليه من جهة كونها أما لزوجته، فالموضوع في كل من
الحكمين معنون بعنوان (الأمومة) إلا أنها في الأول بين المحرم والمحرم
عليه، وفي الثاني بين المحرم وزوج المحرم عليه.
ومن هنا تراهم يتمسكون في تحريم مرضعة الغلام الموقب ورضيعتها
على الموقب بالحديث المذكور، وإلا فأي نسب بين المرضعة والموقب؟
ومما ذكرنا ظهر ما في استشكال صاحب الكفاية الحكم بإلحاق الرضاع
بالنسب في الرابطة النسبية الموجودة بين أحد الزوجين وأقرباء الآخر
الموجدة لعلاقة المصاهرة بين الزوجين في ثبوت أحكام المصاهرة بالنسبة إلى
أحد الزوجين وبعض ذوي الروابط الرضاعية للآخر، وأنه إن كان الاجماع
على ذلك فهو، وإلا ففي دلالة الحديث المشهور على ذلك إشكال (1). وقد
عرفت أنه لا إشكال في المسألة أصلا بحمد الله سبحانه.
الثاني: أن الرضاع كما يؤثر في ابتداء النكاح يؤثر في استدامته، فكل
رضاع يمنع من النكاح إذا سبقه، يبطله إذا لحقه، بلا خلاف فيه على الظاهر.
ويدل عليه إطلاق الحديث المشهور: (يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب) وخصوص بعض الأخبار الواردة في بعض فروع المسألة.
منها: حسنة الحلبي - بابن هاشم - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لو
أن رجلا تزوج جارية فأرضعتها امرأته فسد نكاحه) (2)، ورواها في الفقيه
بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السلام (3) بتفاوت يسير. ونحوها حسنته

(1) كفاية الأحكام: 161 - 162.
(2) الكافي 5: 444، الحديث 4.
(3) الفقيه 3: 476، الحديث 4670.
358

الأخرى عنه عليه السلام (1).
ويترتب على ذلك أنه إذا تزوج برضيعة فأرضعتها بعض نساء آبائه
وإن علوا أو أولاده وإن نزلوا، أو إخوته بلبنهم، أو أخواته، حرمت عليه،
وكذا لو أرضعتها زوجته الكبيرة بلبنه - كما في الأخبار السابقة - وتحرم
الكبيرة أيضا مؤبدا.
ولو أرضعتها بلبن غيره، فإن دخل بالكبيرة حرمتا أيضا، وإن لم
يدخل بها حرمت الكبيرة مؤبدا، وحرمت الصغيرة جمعا، بمعنى جواز تجديد
العقد عليها بعد بطلان النكاح الأول، والوجه في بطلان نكاحهما عدم جواز
الحكم بصحة نكاحهما، ولا بصحة نكاح أحدهما، لأنه ترجيح من غير
مرجح.
واستشكل في الحكم صاحب الكفاية من حيث احتمال القرعة (2). وهو
ضعيف.
ولو أرضعت زوجته الصغيرة إحدى الكبيرتين بلبنه، ثم أرضعتها
الأخرى، حرمن جمع.
وحكي عن الإسكافي (3) والشيخ (4): أنه تحرم المرتضعة وأولى
المرضعتين، ولعل وجهه: أن أم الزوجة المحرمة هي من زوج ابنته (5)، بأن

(1) الكافي 5: 445، الحديث 6، ورواه في الوسائل 14: 303 الباب 10 من أبواب
ما يحرم بالرضاع، الحديث 2، وكذا الذي قبله.
(2) كفاية الأحكام: 162.
(3) حكاه عنه العلامة في المختلف: 521.
(4) النهاية: 456.
(5) كذا في النسخ، والمناسب: ابنتها، ولعل تذكير الضمير باعتبار (من)
الموصولة.
359

تتصف بنته (1) بالزوجية، بمعنى تصادق عنواني البنتية والزوجية في زمان من
الأزمنة، حتى يصدق على أمها في ذلك الزمان (أم الزوجة).
وهنا ليس كذلك، لأن المرضعة الثانية إنما صارت أما بعد ما انفسخ
عقد الصغيرة، فحصلت صفة البنتية للصغيرة بعد زمان الزوجية.
ويؤيده ما رواه في الكافي بسند ضعيف بصالح بن أبي حماد، عن علي
ابن مهزيار، رواه عن أبي جعفر عليه السلام (قيل له: إن رجلا تزوج بجارية
صغيرة، فأرضعتها امرأته، ثم أرضعتها امرأة له أخرى، فقال ابن شبرمة:
حرمت عليه الجارية وامرأتاه، فقال أبو جعفر عليه السلام: أخطأ ابن شبرمة،
حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولا، فأما الأخيرة فلم تحرم
عليه، لأنها أرضعت ابنتها) (2) ولا يبعد العمل بها، لموافقتها للأصل.
ثم إنه كلما حكم بفساد نكاح الصغيرة بالرضاع، فإن كان الرضاع
بسبب مختص بها - بأن سعت إلى الكبيرة وهي نائمة، وارتضعت الرضاع
المحرم - فقد صرح في الشرائع والتحرير والمسالك بسقوط مهرها (3). ويحتمل
عدم السقوط، لأن المهر ثبت بالعقد، ولا دليل على سقوطه بفعل الصغيرة
الذي حصل منها من غير قصد وتمييز.
وإن كان بسبب مختص بالكبيرة، بأن تولت إرضاعها، وكان لها مهر
مسمى، غرمه الزوج، وقيل: يغرم نصفه، كالطلاق، وهو محكي عن الشيخ (4)

(1) كذا في النسخ، والمناسب: بنتها، ولعل تذكير الضمير باعتبار (من) الموصولة.
(2) الكافي 5: 446، الحديث 13. وفي التهذيب 7: 294، وفيه: (لأنها أرضعت
ابنته)، قال في الحدائق: وهو الصحيح.
(3) الشرائع 2: 285، التحرير 2: 10، المسالك 1: 378.
(4) المبسوط 5: 298.
360

وجماعة (1)، ولا دليل عليه، بناء على ملك الزوجة لكمال المهر بالعقد.
وفي رجوع الزوج الغارم إلى المرضعة إشكال، ولا يبعد عدم الرجوع
فيما إذا كان الارضاع واجبا عليها، لفقد من يرضعها بما يسد رمقها، لأنه
حينئذ مأمور به، فلا يتعقبه ضرر (2).
والأقوى عدم الرجوع، لعدم الدليل، ونظائره كثيرة، كما لو قتلت
الزوجة، أو ارتدت بعد الدخول، أو أرضعت من ينفسخ نكاحهما بإرضاعه،
فإن المهر ثابت في جميع الصور على الزوج، ولا يرجع بعد غرامته إلى أحد.
نعم مقتضى قاعدة نفي الضرر: رجوع الزوج بما يغرمه وإن لم نقل
بضمان البضع، فإن مقتضى ضمانه الرجوع إلى مهر المثل أو نحوه، لا ما يغرمه.
وعدم الرجوع في الأمثلة المذكورة [لأنه تصرف في البضع، وهو والمهر
عوض له] (3) ولهذا يغرم الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم بطلاق الزوج
الأول للمرأة المهر للثاني.
ويؤيدها ما رواه في الفقيه بسند ضعيف عن داود بن الحصين، عن
عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: سألته عن رجل قال لآخر:
اخطب لي فلانة، فما فعلت شيئا مما قاولت من صداق أو ضمنت من شئ أو
شرطت، فذلك لي رضى وهو لازم لي، ولا يشهد على ذلك، فذهب فخطب
له وبذل عنه الصداق، وغير ذلك مما طالبوه وسألوه، فلما رجع إليه أنكر

(1) صرح الشهيد الثاني في المسالك 1: 378 بتبعية جماعة للشيخ، لكن لم نقف
إلا على العلامة في التذكرة 2: 623.
(2) في (ش) و (ع) و (ص) زيادة: الضمان.
(3) ما بين المعقوفتين مشطوب عليه في (ق)، ولم يرد في النسخ المطبوعة، ومقتضى
السياق إثباته، والظاهر زيادة (وهو) في وسط الفقرة.
361

ذلك كله؟ قال: يغرم لها نصف الصداق عنه، وذلك أنه هو الذي ضيع
حقها، [إذ لم يشهد عليه بذلك الذي قال] (1) (2). دل بعموم التعليل على أن
التضييع سبب للغرامة، وقد حصل في ما نحن فيه من المرضعة (3).
الثالث: إعلم أنه قد حكى شيخنا المحقق الثاني في رسالته الرضاعية
عن بعض الطلبة القول بنشر الحرمة بالرضاع في صور كثيرة، ونسب ذلك
إلى اشتباههم، وذكر أنه لا مستند لهم في ذلك، وزعموا أن ذلك من فتاوي
شيخنا الشهيد رحمه الله، وليس لهم إسناد يتصل بشيخنا في هذه الفتوى.
ثم قال: نعم، اختلف أصحابنا في ثلاث مسائل قد يتوهم منها القاصر
عن درجة الاستنباط أن يكون دليلا لشئ من هذه المسائل، أو شاهدا
عليها - إلى أن قال -: إن المسائل المتصورة في هذا الباب كثيرة لا تنحصر،
والذي سنح لنا الآن ذكره - خارجا من المسائل الثلاث المشار إليها - صور،
ثم ذكر الصور، ثم عقبها بذكر المسائل الثلاث التي ذكر أنه اختلف فيها بين
الأصحاب (4).
أقول: الظاهر أن هذا المتوهم قد استند في دعوى النشر إلى عموم
المنزلة في الرضاع المشهور في الألسنة، وحاصل تفسيره: أنه إذا حصل
بالرضاع عنوان مصادق للعنوان الذي تعلق به التحريم في النسب حكم
بتحريمه وإن لم يحصل بالرضاع نفس ذلك العنوان المنوط به التحريم.

(1) في المصدر بدل ما بين المعقوفتين ما يلي: (فلما لم يشهد لها عليه بذلك
الذي قال
له، حل لها أن تتزوج... الحديث).
(2) انظر الفقيه 3: 85، الحديث 3384.
(3) في (ش) و (ع) و (ص) زيادة: الغرور.
(4) الرسالة الرضاعية (رسائل المحقق الكركي) 1: 213 - 215.
362

مثلا: إذا أرضعت امرأتك ولد ابنتك، فقد صارت المرضعة أما لولد
بنتك و (أم ولد البنت) حيث إنه عنوان مصادق في النسب لعنوان (البنت)،
محرمة، فإذا حصل هذا العنوان بإرضاع امرأتك ولد ابنتك تحقق التحريم،
وبطلان نكاح الجد والمرضعة، وإن لم يتحقق عنوان (البنتية) في الرضاع،
وهكذا.
وها أنا أذكر المسائل الثلاث التي ذكر المحقق أنها مما تعرض لها
الأصحاب واختلفوا فيها، ثم أذكر غيرها من الصور التي ذكر أن القول
بالتحريم فيها توهم، وأنه ليس به قائل معروف بين الأصحاب، وأن نسبته
إلى الشهيد رحمه الله غير ثابتة (1).

(1) الرسالة الرضاعية (رسائل المحقق الكركي) 1: 213.
363

[المسائل المختلف فيها]
فنقول: أما المسائل المختلف فيها:
فإحداها: حرمة جدات المرتضع على صاحب اللبن:
اختلف فيها الأصحاب على قولين، وقريب منه أم المرضعة وجداتها
بالنسبة إلى أب المرتضع، وقد تقدم في المسألة الثامنة عشرة نسبة القول
بتحريم جدات المرتضع على الفحل إلى ابن إدريس رحمه الله (1)، وعزي هذا
القول إلى جماعة من الأصحاب (2).
وقد عرفت في تلك المسألة أنه لا وجه للتحريم، عدا توهم صيرورة
جدات المرتضع جدات لولد الفحل، وجدة الولد محرمة، لكونها إما أما أو
أم زوجة، وكلتاهما محرمتان، ومثل هذا جار في أم المرضعة وجداتها بالنسبة

(1) السرائر 2: 555.
(2) لم نقف على غير العلامة في المختلف: 520.
365

إلى أب المرتضع. ومرجع هذا الاستدلال إلى دعوى عموم المنزلة في الرضاع
التي ذكرنا تفسيره قريبا، وأثبتنا فساده - لعدم الدليل عليه - في المسألة
الثانية من المسائل المتقدمة.
وثانيتها: أخوات المرتضع نسبا ورضاعا بشرط اتحاد الفحل هل
يحللن للفحل أم لا؟
وقد حكي عن الشيخ وابن إدريس القول بالتحريم (1) ولعله لأنهن
بمنزلة ولده، كما أن أولاد الفحل بمنزلة ولد أب المرتضع، لصحيحة علي بن
مهزيار المتقدمة (2)، وقد عرفت في المسألة العشرين من المسائل المتقدمة
ضعف هذا القول، لأن الحكم بكون أولاد الفحل والمرضعة بمنزلة ولد أب
المرتضع لا يقتضي الحكم بكون أولاد أبوي المرتضع بمنزلة أولاد الفحل، بل
غاية ما حصل من ارتضاع أخيهم بلبنه هو كون أخيهم بمنزلة ولده، فهم
إخوة ولده، وأخ الولد لا يحرم إلا إذا كان ولدا.
وثالثتها: أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وأولاد المرضعة ولادة
هل تحرم على أب المرتضع؟
وقد عرفت في المسألة العاشرة والسادسة والعشرين: أن الأصح
التحريم، للأخبار المتقدمة في المسألتين، وإن كانت القاعدة لا تقتضي
التحريم، نظرا إلى أنه لم يحصل بالرضاع إلا أخوة أولاد صاحب اللبن
والمرضعة للمرتضع، فهم إخوة ولد لأب المرتضع، و (أخ الولد) لا يحرم إلا
إذا صدق (الولد) عليه، إما من النسب وإما من الرضاع، لكن الأخبار

(1) الخلاف، كتاب الرضاع، المسألة: 1، السرائر 2: 555
(2) تقدمت في الصفحة: 350.
366

المتقدمة قد دلت على أنهم بمنزلة ولده.
هذه المسائل الخلافية التي ذكرها المحقق في الرسالة، وصرح في غير
الأخيرة بعدم التحريم.
أقول: وهنا مسألة رابعة اختلف فيها، وهي مسألة تحليل أولاد
صاحب اللبن نسبا ورضاعا، أو أولاد المرضعة نسبا على إخوة المرتضع
الذين لم يرتضعوا بلبن ذلك الفحل.
367

[المسائل التي نسب القول بالتحريم فيها إلى الوهم]
وأما المسائل التي ذكرها ونسب القول بالتحريم فيها إلى الوهم، فهي
ثلاث عشرة مسألة:
الأولى: أن ترضع المرأة بلبن فحلها الذي هي في نكاحه حين
الارضاع أخاها أو أختها لأبويها، أو أحدهما.
فيقال: إن ذلك موجب لتحريم المرضعة على زوجها، من جهة أن
المرتضع صار ولدا للفحل ولأختها المرضعة، فهي أخت ولد الفحل، وأخت
الولد محرمة من النسب، فكذا من الرضاع (1).
وبعبارة أخرى: الفحل يصير أبا رضاعيا لأخ الزوجة أو أختها،
وكما أن أباهما النسبي محرم عليها، فكذا الرضاعي.
والحق أنه توهم - كما ذكره شيخنا المحقق - لما مر في المسألة العشرين

(1) في (ق): (فكذا من النسب) وهو من سهو قلمه الشريف.
369

من المسائل المتقدمة: من عدم تحريم من في حاشية نسب المرتضع
على الفحل، وأن الخلاف هنا محكي عن الشيخ وابن إدريس (1) وهو
ضعيف.
لكن يرد على شيخنا المحقق أن هذه المسألة هي ثانية المسائل التي
ذكر فيها الخلاف بين الأصحاب، فإن تحريم المرضعة في الفرض المذكور على
زوجها مبني على تحريم أخوات المرتضع على الفحل، وهي عين المسألة
الثانية من الثلاث المتقدمة.
نعم لو كان توهم التحريم ناشئا عن غير ما ذكر في توجيهه - مثل
صيرورة المرضعة أما لأخ الزوجة من أمها، وهي محرمة على الزوج - أمكن
كونها بهذا الاعتبار مسألة خارجة عن المسائل الثلاث.
الثانية: أن ترضع الزوجة المذكورة ولد أخيها.
الثالثة: أن ترضع ولد أختها.
فقد يتوهم التحريم في هاتين المسألتين من جهة صيرورة المرضعة عمة
أو خالة لولد الفحل من الرضاع، وعمة الولد محرمة عينا - لأنها أخت -
وخالته محرمة جمعا، ولأن الفحل في المسألة الأولى أب رضاعي لولد أخ
المرضعة، فكما أن الأب النسبي لولد أخيها محرم عليها - لأنه أخوها - فكذا
اللاب الرضاعي له.
ولا يخفى أيضا فساد التوهمين، لأن عمة الولد إنما تحرم لكونها أختا،
فإذا تحقق بالرضاع علاقة الأختية تحقق التحريم، وقد عرفت ذلك في المسألة
الثامنة عشر. وكذا الكلام في الأب النسبي لولد الأخ، فإنه لا يحرم إلا لأجل

(1) الخلاف، كتاب الرضاع، المسألة: 1. السرائر 2: 555.
370

عنوان الأخوة.
وأما خالة الولد فتحريمها على الأب مما لا يتفوه به أحد، إذ لم يحصل
الجمع بين الأختين الذي هو مناط تحريم خالة الولد. نعم يصدق على
المرضعة أنها أم للمرتضع وخالته، والجمع بين الأختين محرم هو أن يكون
للشخص امرأتان يصدق على إحداهما: أنها أم لولده، وعلى الأخرى: أنها
خالة لولده، لا أن تكون له امرأة واحدة يصدق عليها أنها أم ولده
وخالته.
وقد حكي عن السيد الداماد الجزم بالتحريم في هذه الصورة (1) وهو
بعيد.
الرابعة: أن ترضع الزوجة المذكورة ولد ولدها، - ابنا كان أو بنتا -
ومثله ما لو أرضعت إحدى زوجتيه ولد ولد الأخرى.
فيقال هنا بتحريم المرضعة في المفرض الأول وضرتها في الثاني على
زوجهما، من جهة صيرورتها جدة ولدها، وجدة الولد محرمة على الأب،
لأنها إما أم وإما أم زوجة، وكلتاهما محرمتان.
والأقوى في هذه أيضا عدم التحريم، كما نبهنا عليه في المسألة الثامنة
عشر: من أن أصول المرتضع لا يحرمن على الفحل.
ثم إن هذه المسألة أولى المسائل الثلاث الخلافية التي ذكرها شيخنا
المحقق (2) - أعني تحريم جدات المرتضع على الفحل - وقد يستند التحريم في
هذه المسألة مع كون المرتضع ولد بنت للفحل إلى صيرورة المرضعة أما لولد

(1) ضوابط الرضاع (كلمات المحققين): 24.
(2) الرسالة الرضاعية (رسائل المحقق الكركي) 1: 215.
371

بنته، و (أم ولد البنت) من النسب محرمة، لكونها بنتا، فكذا تحرم من
الرضاع. وفيه ما مر في المسألة الثانية.
الخامسة: أن ترضع الزوجة المذكورة عمها أو عمتها.
السادسة: أن ترضع خالها أو خالتها:
فيقال: إن الزوجة تصير بالارضاع أما لعمها أو لعمتها أو خالها أو
خالتها، وأم عم الزوجة أو عمتها أو خالها أو خالتها محرمة على الزوج،
لأنها جده الزوجة لأبيها أو لأمها، أو أن الزوج يصير بإرضاع زوجته
لهؤلاء أبا لهم من الرضاع، وهذه الزوجة تحرم على أبيهم من النسب، لأنه
جدها، فتحرم على أبيهم من الرضاع.
ويظهر الجواب عن الوجهين بما مر مرارا، فإن أم عمومة الزوجة
وخؤولتها إنما حرمت على الزوج من جهة الدخول في (أمهات النساء)
ولم يحصل هذا العنوان للمرضعة، ولذا تحريم المرأة على أبي عمومتها
أو خؤولتها لأجل كونه جدا لها، ولم يحصل عنوان (الجدودة)
للفحل بالرضاع.
واعلم أن هذه المسألة من فروع المسألة الأولى، لأن أخوات المرتضع
إذا حرمت على الفحل من جهة كونهن كالأولاد له، حرمت عليه أولادهن،
وهذه المرضعة تصير من أولاده الإخوة.
وقد عرفت أن تلك المسألة من المسائل الخلافية، فلا وجه لعد هذه
المسألة مسألة أخرى غير المسألة الأولى، كما لا وجه لعد كلتيهما خارجة عن
المسائل الخلافية.
السابعة: أن ترضع الزوجة المذكورة ولد عمها أو عمتها.
الثامنة: أن ترضع ولد خالها أو خالتها:
372

فيقال في صورة إرضاع ولد العم أو الخال: إن الفحل يصير أبا لهذا
الولد، فيحرم على المرضعة، لأنه إما أبو ولد عمها، أو أبو ولد خالها،
وكلاهما محرمان عليها، لأن الأول عمها والثاني خالها.
وأما إرضاع الزوجة ولد خالتها أو عمتها، فلم أعثر فيه على
ما يوجب توهم التحريم فيه، إلا إذا قلنا بحرمة الجمع بين المرأة
وابنة أخيها أو أختها مطلقا حتى مع إذنها، وحينئذ فيجري فيه
التوهم الذي جرى في المسألة الثالثة من إرضاع الزوجة ولد أختها،
فراجع.
وقد صرح بعض من جزم بالنشر في صورة إرضاع ولد العم والخال
بعدم النشر في إرضاع ولد العمة والخالة (1)، ويظهر الكلام في فساد توهم
الحرمة هنا مما مر مرارا.
التاسعة: أن ترضع الزوجة المذكورة أخا الزوج أو أخته:
فيقال: إن المرضعة صارت أم أخيه لأبويه أو أخته كذلك، هي
محرمة، لكونها أما.
وفيه أن حرمة الأخ للأبوين في النسب لعلاقة الأمومة بينهما،
ونظيرها لا يحصل بالرضاع، وإنما حصل به (أمومة الأخ) ولم يتعلق التحريم
بالنسب به.
العاشرة: أن ترضع ولد ولد الزوج:
فيقال: إنها صارت أما لولد ولده. وأم ولد الولد محرمة، لكونها إما
بنتا، وإما زوجة ابن.

(1) صرح بذلك السيد الداماد في رسالته: ضوابط الرضاع (كلمات المحققين): 25.
373

وفيه: أن شيئا من عنواني (البنت) و (زوجة الابن) لم يحصل
بالرضاع، مع أن حصول زوجية الابن لا يجدي، لأن الزوجية لا تثبت
بالرضاع إجماعا.
الحادية عشرة: أن ترضع ولد أخيه أو ولد أخته:
ولا يخفى أنه ليس في إرضاع ولد الأخ ما يوجب التوهم، لأن
المرضعة لم تزد على أن صارت أما لولد أخي زوجها (1) و (أم ولد الأخ) ليس
حراما على الشخص.
نعم، يقال في فرض إرضاع ولد الأخت: إنها تصير (أم ولد الأخت)
وهي محرمة، لكونها أختا.
وفيه: أن (أم ولد الأخت) ليست محرمة إلا لعنوان الأخوة (2) الغير
الحاصلة بالرضاع.
الثانية عشرة: أن ترضع عم الزوج أو عمته.
الثالثة عشر: أن ترضع خال الزوج أو خالته:
فيقال: إن المرضعة حيث إنها صارت أما لعمومة الزوج أو خؤولته،
حرمت عليه لكونها جدة له.
وفيه: ما مر غير مرة، وحاصله: أنه لم يثبت من أدلة
إلحاق الرضاع بالنسب إلا أن الرضاع فرع النسب، فكل علاقة حصلت

(1) في (ق): (زوجه) والظاهر أنه سهو قلمه الشريف، وفي النسخ المطبوعة:
(زوجته) والصحيح: (زوجها) كما أثبتناه.
(2) في (ق) كتب أولا (الأختية) ثم شطب عليها وكتب ثانيا (الأخوة) والصحيح
ما كتبه أولا، ولم نعلم وجه الاعراض عنه.
374

بالرضاع إنما توجب الحرمة إذا كان نظيرها الحاصل بالنسب موجبا (1)
للحرمة، إذ لا يعقل أن تثبت الحرمة لأجل علاقة رضاعية لو فرض
حصولها من النسب لم توجب التحريم، لأن هذا مناف لفرعية الرضاع
وأصالة النسب.
فنقول في هذه الصورة - الثالثة عشر -: لم يحصل بالرضاع إلا علاقة
الأمومة بين المرضعة وعمومة الزوج أو خؤولته، ونظيرها الحاصل بالنسب
ليس موجبا للتحريم، لأن الأم النسبية للعمومة والخؤولة لا تحرم على
الشخص من حيث أمومتها لعمومته أو خؤولته، بل من حيث علاقة
جدودتها له، فلا يحكم بالحرمة في الرضاع إلا إذا حصلت هذه العلاقة،
لا علاقة مستلزمة لما لا دخل لها في التحريم ولو حصلت من جهة النسب (2)
كما مر مرارا، فراجع.
والحمد لله أولا وآخرا.

(1) في (ق): موجبة، والمناسب ما أثبتناه، كما في النسخ المطبوعة.
(2) إلى هنا تنهي نسخة الأصل (ق)، والباقي موجود في النسخ المطبوعة.
375

المطلب الثاني
في باقي أسباب التحريم
وفيه أبواب:
[الباب الأول] (1): في المصاهرة
وهي علاقة تحدث بين كل من الزوجين وأقرباء الآخر توجب حرمة
النكاح.
(من عقد على امرأة حرم عليه أمها وإن علت) تحريما (مؤبدا
وإن (2) لم - يدخل) بالمعقودة على المشهور، بل عن الروضة: أنه كاد يكون
إجماعا (3) وفي الرياض (4): أن عن الناصريات (5) والغنية (6) دعوى الاجماع
عليه، لعموم قوله تعالى: (وأمهات نسائكم) (7) السليم عن معارضة ما يصلح

(1) العنوان إلى هنا من الإرشاد، وفي (ق) بياض بمقدار كلمات.
(2) في (ق): وإن كان لم يدخل.
(3) الروضة البهية 5: 177.
(4) الرياض 2: 92.
(5) الناصريات (الجوامع الفقهية): 245، المسألة: 148.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 547.
(7) النساء: 23.
377

لتخصيصه، عدا ما يتراءى: من احتمال كون القيد في قوله تعالى:
(من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) راجعا إلى هذه الجملة، كما يرجع
إلى (الربائب) اتفاقا، فيسقط ذلك عن الحجية.
وما يتوهم من الاتكال على بعض الروايات (1) في تخصيص الآية.
وشئ منهما لا يقدح في ظهورها.
أما القيد الراجع إلى (الربائب) فلأن إرجاعه إلى قوله: (وأمهات
نسائكم) موجب لاستعمال كلمة (من) في معنيين، لأنها بالنسبة إلى
(الربائب) ابتدائية، وبالنسبة إلى قوله: (وأمهات نسائكم) - لو رجع إليه -
بيانية، وهو غير جائز. ولو استعملت في القدر المشترك - وهو مطلق
الاتصال - كان مرجوحا مخالفا لظهورها في الابتداء.
وأما الرواية فلا تصلح مخصصة، لمعارضتها بأكثر منها وأشهر وأقوى:
منها: المحكي عن تفسير العياشي عن أبي حمزة عن مولانا الباقر
عليه السلام: (أنه سئل عن رجل تزوج امرأة وطلقها قبل أن يدخل بها، أتحل
له ابنتها؟ قال: فقال عليه السلام: قد قضى في ذلك أمير المؤمنين عليه السلام
لا بأس به، إن الله يقول: (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي
دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) (2) ولكنه لو تزوج
الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها، قال: قلت له: أليس هما
سواء؟ قال: فقال: لا، ليس هذه مثل هذه، إن الله عز وجل يقول:

(1) راجع الوسائل 14: 354، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
الأحاديث 3 و 5 و 6.
(2) النساء: 23.
378

(وأمهات نسائكم) لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك، هذه هنا مبهمة
ليس فيها شرط، وتلك فيها شرط) (1).
وقد استنهض بعض المعاصرين (2) بهذه الرواية على رجوع القيد
الواقع عقيب الجمل المتعددة على رجوعه إلى الأخيرة، نظرا إلى استدلال
المعصوم بإطلاق غير الأخيرة.
وفيه نظر، لجواز كون الوجه في إطلاقه عدم صلاحية رجوع القيد
إليه، كما عرفت. ومحل النزاع في المسألة الأصولية فيما إذا صلح القيد
لغير الأخيرة أيضا.
وكيف كان، فالمحكي عن العماني من اشتراط الدخول في المعقودة
في تحريم أمها (3) ضعيف جدا وإن صحت روايته.
(و) تحرم أيضا بالعقد عليها (بناتها وإن نزلن) لكن مع عدم
الدخول إنما تحرم (جمعا) بمعنى تحريم الجمع بينها وبينهن (لا عينا،
فإن دخل بالأم حرمن مؤبدا) لقوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم)
ويدل عليه الروايات المستفيضة (4).
(وتحرم المعقود عليها وإن لم يدخل) بها (على أب العاقد
وإن علا) لعموم (وحلائل أبنائكم).
(و) على (ابنه وإن نزل) ويدل عليه صحيحة محمد بن مسلم،

(1) تفسير العياشي 1: 230، الحديث: 74، الوسائل 14: 356 - 357، الباب 20
من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 7.
(2) الجواهر 29: 352.
(3) نقله عنه العلامة في المختلف: 522.
(4) راجع الوسائل 14: 350، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
379

وفيها - بعد الاستدلال على حرمة أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الحسن
والحسين عليهما السلام بقوله تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) -
(أنه لا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جده) (1).
(ولو وطأ أحدهما زوجة الآخر لشبهة لم تحرم) الموطوءة (على
الزوج) (2)، لأصالة بقاء الحل، وفحوى ما في الروايات: من أن الحرام
لا يحرم الحلال، (3) وللرواية (4) في من عقد على أم زوجته ووطأها بشبهة (5).
وقيل: يحرم على الابن زوجته إذا وطأها أبوه بشبهة، لعموم قوله
تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) (6) بناء على أن النكاح
هو الوطء (7).
(وكذا لا تحرم الزانية على أب الزاني وابنه (8) مطلقا على رأي) نسب
إلى الأكثر (9) لاستصحاب صحة العقد عليها قبل الزنى. ولا يعارضه
استصحاب حرمة الوطء والنظر قبل العقد، لأنا إذا أثبتنا صحة العقد

(1) الوسائل 14: 312، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(2) في الإرشاد زيادة: على رأي.
(3) راجع الوسائل 14: 324 - 329، الباب 6 و 8 و 9.
(4) في (ق): والرواية.
(5) لم نقف عليها بعد الفحص، ولم نجد الاستدلال بها في مثل الحدائق والجواهر في
مسألة الوطء بالشبهة.
(6) النساء: 22.
(7) الرياض 2: 95.
(8) في (ع) و (ص) زيادة: وله نكاح، وفي (ش): وله النكاح.
(9) استظهره السيد الطباطبائي في الرياض (2: 96) من كلام ابن إدريس.
380

بالاستصحاب لزمها ترتب الآثار.
ولعموم قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (1) ولما دل من
الروايات على عدم تحريم أم المزني بها وبنتها على الزاني (2) بناء على عدم
الفرق في الحكم بين أصول الزاني والمزني بها وفروعهما في نشر الحرمة
وعدمه.
خلافا للمحكي عن الأكثر، فتحرم (3) لرواية ابن أبي عمير عن أبي
بصير (4) ورواية علي بن جعفر (5)، عن أخيه عليهما السلام وموثقة عمار (6).
(و) كذا (لا تحرم أم المزني بها ولا بنتها وإن تقدم) لما مر من
الأصل والعموم، مضافا إلى رواية هشام بن المثنى (7) وحنان بن سدير (8)
ورواية سعيد بن يسار (9) ومرسلة ابن رباط (10).

(1) النساء: 24.
(2) راجع الوسائل 14: 324 - 325، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة،
الأحاديث 6 - 12.
(3) انظر الجواهر 29: 368.
(4) الوسائل 14: 328، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(5) الوسائل 14: 328، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.
(6) الوسائل 14: 320، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.
(7) الوسائل 14: 324 - 325، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة،
الأحاديث 7 و 10.
(8) الوسائل 14: 324 - 325، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة،
الحديث 11.
(9) الوسائل 14: 323 - 324، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.
(10) الوسائل 14: 324، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 9.
381

والأوليان تقبلان الحمل على ما إذا وقع الفجور بعد العقد، بخلاف
الأخيرتين.
لكنهما معارضتان بغيرهما مما دل على التحريم، كصحاح محمد بن
مسلم (1) وعيص بن القاسم (2) ومنصور بن حازم (3)، فلا بأس بحملهما على
ما إذا لم يحصل الزنى، ويراد بلفظ الفجور فيهما مثل اللمس والقبلة ونحوهما،
على ما ذكره الشيخ في التهذيب (4).
واستثنى من قال بعدم تحريم بنت المزني بها صورتين، أشار إليهما
المصنف قدس سره - بقوله: (إلا أن يزني بعمته أو خالته، فإن بنتيهما تحرمان
أبدا) بلا خلاف ولكن النص مختص بالخالة (5).
ثم إن الخلاف المتقدم فيما (إن سبق الزنى) على العقد، وإن لم يسبق
على الوطء (وإلا) يسبق على العقد وإن سبق على الوطء (فلا) يحرم
إجماعا، للأخبار المستفيضة الدالة على أنه لا يحرم الحرام الحلال (6).
نعم، في بعض الروايات اشتراط عدم التحليل بتأخر
الزنا عن الوطء كرواية أبي الصباح (7) ومفهوم الحصر في رواية

(1) الوسائل 14: 322، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 14: 322 - 323، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.
(3) الوسائل 14: 323، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.
(4) التهذيب 7: 329، ذيل الحديث 1355.
(5) الوسائل 14: 329، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 2.
(6) راجع الوسائل 14: 324 - 329، الأبواب 6 و 8 و 9 من أبواب ما يحرم
بالمصاهرة.
(7) الوسائل 14: 327، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 8.
382

عمار (1).
(وكذا) لا يحرم لأجل (الوطء بالشبهة) (2) تزويج الموطوءة على
أب الواطئ وابنه، ولا على الواطئ أمها وبنتها (على رأي) المصنف
وجماعة قدس الله أسرارهم (3) (وإن لحق به النسب)، للأصل، وعموم: (وأحل لكم
ما وراء ذلكم) (4).
نعم، من قال بالنشر في الزنى فالقول به هنا أولى.
(والنظر إلى ما يحرم على غير المالك) للنظر لأجل الملك أو العقد
أو التحليل (النظر إليه) وكذا لمسه (لا ينشر الحرمة، وإن كان الناظر أبا
أو ابنا على رأي) المصنف، وشيخه المحقق قدس سرهما (5) للأصل، والعموم،
وخصوص رواية علي بن يقطين (6).
وعن الشيخ وأتباعه (7) النشر إلى الأب، والابن لعموم: (وحلائل
أبنائكم) ولصحيحة ابن بزيع: (إن جردها فنظر إليها بشهوة حرمت على
أبيه وابنه) (8) ونحوها المحكية عن الفقيه (9).

(1) الوسائل 14: 320، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.
(2) في الإرشاد: للشبهة.
(3) مثل ابن إدريس في السرائر 2: 535 والمحقق في الشرائع 2: 289.
(4) النساء: 24.
(5) الشرائع 2: 289.
(6) الوسائل 14: 585، الباب 77 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 3.
(7) النهاية: 451، والمهذب 2: 182 والوسيلة: 293.
(8) الوسائل 14: 317، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(9) الفقيه 3: 410، الحديث 4435، الوسائل 14: 318، الباب 3 من أبواب
ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.
383

وعن المفيد تخصيص الحرمة بمنظورة الأب (1) لصحيحة محمد بن مسلم:
(إذا جرد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحل لابنه) (2) ولا يخفى
قصورها عن إفادة الاختصاص.
وعن الإسكافي (3) والشيخ في الخلاف (4) تحريم أم المنظورة والملموسة
وبنتها على الفاعل، لعموم النبويين: (لا ينظر الله إلى من نظر إلى فرج امرأة
وبنتها) (5) وفي الآخر: (من كشف قناع امرأة حرمت عليه أمها وبنتها) (6)
والصحيحة تدل على أنه إذا رأى من المعقودة ما يحرم على غيره حرمت
عليه بنتها (7).
والكل ضعيف سندا أو إفادة (8) والقول الثاني لا يخلو عن قوة.
(وحكم الرضاع في جميع ذلك) الذي ذكرنا من موارد الوفاق
والخلاف (كالنسب) بلا خلاف ظاهرا، لعموم: (يحرم من الرضاع ما يحرم

(1) المقنعة: 543، باب السراري وملك الأيمان.
(2) الوسائل 14: 317، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.
(3) نقله عنه العلامة في المختلف: 525.
(4) راجع الخلاف، كتاب النكاح، المسألة 81.
(5) مستدرك الوسائل 14: 399، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث
8 مع تفاوت يسير.
(6) مستدرك الوسائل: 14: 401، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث
6 مع تفاوت يسير.
(7) الوسائل 14: 353، الباب 19 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(8) في (ع) و (ص): سندا وإفادة.
384

من النسب) (1) لأن معناه أن العلاقة (2) الحاصلة بسبب الرضاع كالحاصلة
بالنسب، وكما أن العلاقة النسبية الثابتة بين الزوجة وأمها أوجبت حرمة الأم
على الزوج، فكذلك الرضاعية الحاصلة بين الزوجة وبين مرضعتها.
والحاصل، أن العلاقة الحاصلة من الرضاع بمنزلة نظيرها الثابت
بالنسب، فرضعة الزوجة أم، وبناتها أخوات، وكذا مرضعة الزوج وأصولها،
فلا يقال إن حرمة هؤلاء النسوة بالمصاهرة لا توجب حرمتها في الرضاع،
لأن الرضاع إنما حرم منه (3) ما حرم من النسب لا من المصاهرة.
نعم: نظير المصاهرة في الرضاع أم المرتضع بالنسبة إلى الفحل، حيث
إنه إذا صار المرتضع ولدا له، فأمه بمنزلة زوجته، وجدته بمنزلة أم الزوجة،
فربما يتوهم تحريمها عليه من هذه الجهة، وهو غلط، فإن المصاهرة لا تحصل
بالرضاع.
وقد يتوهم التحريم هنا من جهة عموم المنزلة، بأن يقال: إن جدة
الولد النسبي محرمة، فكذلك جدة الولد الرضاعي.
وفيه: ما مر في باب الرضاع.
(وتحرم أخت الزوجة جمعا) بالكتاب (4) والسنة (5) والاجماع (6) من
غير فرق بين الدائمة والمنقطعة، وكذا ملك اليمين.

(1) الوسائل 14: 280، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث الأول.
(2) في غير (ق): وإن معناه كما مر أن العلاقة.
(3) في (ع) و (ص): إنما حرمه منه.
(4) النساء: 23.
(5) الوسائل 14: 366، الباب 24 وما بعده من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(6) نقله العلامة في المختلف: 526.
385

(و) كذا تحرم مع بقاء علاقة الزوجية - ولو بجواز الرجوع في المطلقة
الرجعية - العقد على (بنت أختها وأخيها، إلا أن تجيز الخالة أو العمة) ويدل
عليه الأخبار المستفيضة (1).
خلافا للمحكي عن القديمين، فجوزاه مطلقا (2) لبعض الروايات (3).
وللمحكي عن الصدوق، فمنعه مطلقا ولو مع الإذن (4) لبعض آخر (5).
وما ضعيفان، لتقييد أولاهما بما دل على اختصاص الجواز بصورة
الإذن.
وعليه (فإن) عصى في موضع و (فعل بطل) النكاح (على
رأي) المحقق قدس سره (6) (ووقف على الإجازة على رأي) كثير من
المتأخرين (7).
أما البطلان منجزا، فهو:

(1) الوسائل 14: 375 الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(2) حكاه عنهما العلامة في المختلف: 527.
(3) الوسائل 14: 377، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 11، نقلا
عن المختلف.
(4) المقنع (الجوامع الفقهية): 28، وحكاه عنه العلامة في المختلف: 528.
(5) الوسائل 14: 376، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الأحاديث 7
و 8 و 12.
(6) الشرائع 2: 288.
(7) نسبه إلى المتأخرين الشهيد الثاني في المسالك 1: 383 وصاحب الجواهر في
الجواهر 29: 362.
386

إما لرواية علي بن جعفر (1) الدالة على البطلان.
وإما للنهي عنه في الأخبار المقتضي للفساد (2).
وإما لأن الصحة في مثل هذا العقد المنهي عنه تحتاج إلى دليل خاص
غير قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (3) (وأحل لكم ما وراء ذلكم) لعدم ثبوت
وجوب الوفاء والحلية مع الحكم بالحرمة، أما الحكم بالحلية فواضح، وأما
وجوب الوفاء، فلأن ما كان ابتداؤه وإحداثه مبغوضا يكون البقاء عليه
كذلك.
وإما لما يستفاد من الروايات الدالة على صحة نكاح العبد بدون إذن
مولاه ووقوفه على الإجازة المعللة بأنه (لم يعص الله وإنما عصى سيده) (5).
وفي بعضها (إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عليه من النكاح في عدة
وأشباهه) (6).
وأما الوقوف على الإجازة، فلعموم (أوفوا بالعقود) مع ضعف رواية
علي بن جعفر، ومنع دلالة النهي على الفساد، ولعدم منافاة الحرمة قبل
الرضى لوجوب الوفاء، إلا إذا ادعي أن النهي هنا لعدم قابلية المعقود عليها
للعقد كسائر المحرمات في النكاح وغيره - مثل تحريم الأصول والفروع،
وتحريم بيع الخمر وشبهه - وهو غير ثابت، بل لا يبعد أن يكون النهي هنا

(1) الوسائل 14: 375، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.
(2) كما في أكثر أخبار الباب المتقدم.
(3) المائدة: 1.
(4) النساء: 24.
(5) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 1 و 2.
(6) الوسائل 14: 523، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ذيل الحديث 2.
387

لعارض وهو رضى العمة والخالة، وهذا العارض يندفع بالإذن.
وأما حكاية الأخبار الواردة في وقوف نكاح المملوك على الإجازة
معللا بأنه (لم يعص الله وإنما عصى سيده)، فالمراد به معصية الله سبحانه
في نكاح النساء المحرمات عليه، لا مطلق المعصية، لتحققها في نكاح المملوك
قطعا.
وهنا قول ثالث (1) وهو تخير العمة والخالة بين فسخ عقد أنفسهما
وفسخ عقد البنت وإمضائهما، لوقوع كليهما صحيحين، أما عقد العمة والخالة
فواضح، وأما عقد البنت فلأنه عقد صدر من أهله في محله، فإذا وقع
كلاهما صحيحا وكان الجمع بين العقدين موقوفا على رضاهما، تخيرتا بين
الرضى بالجمع ورفعه بفسخ أي عقد شاءتا.
وهو ضعيف، لأن العقد الأول وقع لازما والأصل يقتضي بقاءه،
ورفع الجمع يحصل بفسخ العقد الطارئ ولا يعلم قابلية العقد الأول للفسخ
حتى يرفع الجمع به، فيبقي على أصالة اللزوم.
وهنا قول رابع محكي عن الحلي، وهو بطلان العقد اللاحق وتزلزل
العقد السابق (2).
وهو ضعيف، إذ مع بطلان اللاحق وصيرورته كالعدم لا وجه لتزلزل
العقد السابق.
والقولان الأولان مترتبان في القوة وثانيهما أقوى، والأخيران

(1) نسبه في الجواهر (29: 361) إلى الشيخين وأتباعهما، وقال: بل نسبه غير واحد
إلى الأكثر.
(2) السرائر 2: 545.
388

مترتبان في الضعف كذلك، والاحتياط غير خفي.
[(أوله إدخال العمة والخالة على بنت أختهما وأخيهما وإن كرهت
المدخول عليها)] (1)
(ولو تزوج الأختين) فإن ترتبا (صح السابق) لوجود المقتضي
وعدم المانع، وبطلان اللاحق لحرمة الجمع.
(وإن (2) اقترنا) مع تعدد العقد أو اتحد العقد عليهما (بطل) الكل،
لأن صحة الكل ممتنعة شرعا، وصحة أحدهما ترجيح من غير مرجح، كما
إذا عقد على المرأة وأمها أو بنتها في عقد واحد.
خلافا للمحكي عن الشيخ وأتباعه (3)، فيتخير في إمساك
إحداهما، لرواية جميل المرمية بالارسال والضعف (4) على رواية التهذيب (5)
والكافي (6) والموصوفة بالصحة على رواية الفقيه (7).

(1) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له.
(2) في الإرشاد: فإن.
(3) النهاية: 454، والمهذب 2: 184، ولم نعثر على غيرها.
(4) أما الارسال، فلأنه رواها (جميل)، عن بعض أصحابه. وأما الضعف، فمن جهة
(علي بن السندي)، انظر معجم رجال الحديث 12: 46.
(5) التهذيب 7: 285، باب من أحل الله نكاحه من النساء، الحديث 39، الوسائل
14: 368، الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ذيل الحديث 2.
(6) الكافي 5: 431، باب الجمع بين الأختين، الحديث 3، الوسائل 14: 368،
الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.
(7) الفقيه 3: 419، باب ما أحل الله عز وجل من النكاح، الحديث: 4460،
الوسائل 14: 367 الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
389

(ولو تزوج أخت) الأمة (الموطوءة بالملك حرمت المملوكة
ما دامت الثانية زوجة) أو في حكمها. أما صحة التزويج، فلعموم (وأحل
لكم ما وراء ذلكم) (1)، ولأن الجمع بين الأختين مطلقا ليس بمحرم، ولهذا
يجوز الجمع بينهما في الملك، وأما أنه إذا حصل التزويج حرم وطء المملوكة
دون المتزوجة. فلأن الوطء بالنكاح أقوى من الوطء بملك اليمين، لكثرة
ما يتعلق به من الأحكام التي لا تتعلق بالوطء بالملك، مع أن الغرض
الأصلي من الملك: المالية دون الوطء، ومن المتزوجة: الوطء، ولهذا يجوز
تملك الأختين ولا يجوز تزويجهما، فترجح المتزوجة في جواز الوطء.
وفي التعليل تأمل.
واعلم أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين،
كما لا يجوز الجمع في النكاح. فعلى هذا (لو وطأ الأختين بالملك، حرمت
الثانية على رأي) (2) أي تبقى على حرمة الوطء كما كانت كذلك قبل وطئها
بعد وطء الأولى، سواء أبقاها على ملكه أو أخرجها، وسواء كان عالما
أو جاهلا، إلا أن يخرج الأولى عن ملكه فتحل الثانية.
أما حرمة الثانية وحلية الأولى، فلاستصحابهما و (أن الحرام لا يحرم
الحلال). وأما حليتها بإخراج الأولى عن الملك. فلعدم صدق الجمع حينئذ،
فلا مقتضى للحرمة.

(1) النساء: 24.
(2) (على رأي) ليس في (ق) و (ع). وهذا هو رأي الشيخ في المبسوط 4: 206،
وابن إدريس في السرائر 2: 538، والمحقق في الشرائع 2: 290، وأكثر
المتأخرين - كما في المسالك 1: 385 -.
390

وفي المسألة أقوال أخر، أقواها دليلا ما تضمنته حسنة الحلبي - بابن
هاشم - في أختين وطأ المالك إحداهما ثم وطأ الأخرى، قال: (إذا وطأ
الأخرى فقد حرمت الأولى حتى تموت الأخرى. قلت: أرأيت إن باعها
أتحل له الأولى؟ قال: إن كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى
شئ فلا أرى بذلك بأسا، وإن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى، فلا،
ولا كرامة) (1).
ونحوها رواية الكناني (2) إلا أن فيها سقطا لا يخل بالمقصود، فإن
الظاهر اتحاد متنها مع متن رواية الحلبي، وظاهرهما وإن عم صورة الجهل،
إلا أن في بعض الأخبار تخصيص ذلك بصورة العلم (3).
(ولا يجوز للرجل أن يعقد على أمته) إجماعا (4) وللتفصيل في قوله:
(إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم) (5) ومعنى عدم الجواز هنا اللغوية.
(ولا) يجوز (للحرة) أي يحرم عليها (أن تنكح عبدها) إجماعا
أيضا (6) وقد حد أمير المؤمنين عليه السلام امرأة أمكنت نفسها من عبدها (7).

(1) الوسائل 14: 373 الباب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ذيل الحديث 9.
(2) الوسائل 14: 373، الباب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 9.
(3) الوسائل 14: 372، الباب 29 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
(4) صرح به في جامع المقاصد (13: 50)، وفي كشف اللثام (2: 58) صرح بعدم
الخلاف.
(5) المؤمنون: 6 المعارج: 30.
(6) لم نظفر على من صرح بالاجماع في المسألة، نعم، أرسلوها إرسال المسلمات،
انظر في القواعد 2: 27، وجامع المقاصد 13: 51، وكشف اللثام 2: 58.
(7) الوسائل 14: 559، إلباب 51 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث الأول.
391

الباب الثاني: في الكفر
وفيه بحثان:
(الأول (1): يحرم على المسلم)، نكاح (غير الكتابية) من النساء
الكوافر (دائما ومتعة وملك يمين)، بلا خلاف، كما صرح به غير واحد (2)
وإجماعا كما ادعاه آخرون (3) للكتاب (4) والسنة المستفيضة (5).
(وفيها) أي في الكتابية (قولان)، من حيث حرمة مطلق النكاح
أو خصوص الدوام، وإلا فقد حكي في المسألة أقوال ستة (6). ويحتمل

(1) النسخ مختلفة في العنوان من حيث الزيادة والنقصان، وما أثبتناه من (ص)،
(2) صرح به المحدث البحراني في الحدائق (24: 3) ونسبه إلى غير واحد من
المحققين.
(3) صرح به في القواعد 2: 18. والشرائع 2: 293. والروضة البهية 5: 228.
(4) البقرة: 221، والممتحنة: 10.
(5) راجع الوسائل 14: 410، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه.
(6) الحدائق 24: 3.
392

أن يكون القولان المذكوران أشهر الأقوال في المسألة.
ثم الأشهر منهما و (أقربهما) عند المصنف وجماعة قدس سرهم حرمة
الدائم و (جواز المنقطع وملك اليمين) (1).
أما حرمة الدائم، فلقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات) (2) وقوله:
(ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (3) مضافا إلى بعض الروايات، كرواية الحسن بن
الجهم (4) والمحكي من نوادر الراوندي (5).
وأما جواز المنقطع، فلبعض الروايات المصرحة بالجواز (6) المنجبر
ضعفها - لو كان - بحكاية الاجماع عن غير واحد (7) مضافا إلى ما دل على
جواز النكاح بملك اليمين كآية: (أو ما ملكت أيمانهم) (8) وخصوص الصحيحة
في المجوسية إذا كانت أمة (9) بعد ما استفيد من غير واحدة من الروايات:

(1) جعله المحدث البحراني في الحدائق (24: 5) خامس الأقوال، وقال: (ونقل عن
أبي الصلاح وسلار إنه اختيار المتأخرين) واستظهره من كلام الشيخ في المبسوط.
(2) البقرة: 221.
(3) الممتحنة: 10.
(4) الوسائل 14: 410، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.
(5) البحار 103: 380، باب نكاح المشركين والكفار، الحديث 20، نقلا عن نوادر
الراوندي.
(6) الوسائل 14: 415، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالكفر.
(7) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض (2: 105) عن صريح المرتضى والغنية
وظاهر سلار والتبيان ومجمع البيان والسرائر.
(8) المؤمنون: 6، المعارج: 30.
(9) الوسائل 14: 418، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث الأول.
393

(أن المتمتعة بمنزلة الأمة) (1) كل ذلك مضافا إلى عموم قوله: (وأحل لكم ما
وراء ذلكم) (2) خرج منها نكاحهن دواما. وليس في مقابل الأصل (3) المذكور
عدا إطلاق الآيتين السابقتين والروايات، وتخصيصها بما ذكرنا طريق الجمع.
فالقول بالمنع مطلقا (4) ضعيف، وأضعف منه: القول بالجواز مطلقا (5)
لعموم: (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) (6) وعموم بعض الأخبار الصحيحة (7) وبعض الروايات (8).
والآية نسخت بقوله تعالى: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (9) كما في بعض
الروايات (10) وبقوله تعالى: (ولا تنكحوا المشركات) (11) كما يظهر من بعض

(1) راجع الوسائل 14: 447 - 449، الباب 4 و 26 من أبواب المتعة.
(2) النساء: 24.
(3) ليس في (ع) و (ص): الأصل.
(4) وهو مذهب المرتضى، والشيخ في أحد قوليه وقواه ابن إدريس. كما في الحدائق
24: 3.
(5) وهو منقول عن الصدوقين، وابن أبي عقيل، كما في الحدائق أيضا.
(6) المائدة: 5.
(7) كصحيح معاوية بن وهب المروي في الوسائل 14: 412، الباب 2 من أبواب
ما يحرم بالكفر، الحديث الأول.
(8) مثل خبر أبي بصير المروي في الوسائل 14: 420، الباب 8 من أبواب ما يحرم
بالكفر، الحديث الأول، وروايات أخر، راجع الوسائل، الباب 5 و 7 من أبواب
ما يحرم بالكفر.
(9) الممتحنة: 10.
(10) انظر الوسائل 14: 410، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1
و 7.
(11) البقرة: 221.
394

آخر (1)، والأخبار مقيدة بالمتعة، مع موافقة عمومها لمذهب العامة (2) على
ما حكي.
(والمجوسية كالكتابية) إما لما ورد من ثبوت كتاب لهم ونبي،
فقتلوا نبيهم وحرقوا كتابهم (3) وإما للنبوي: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) (4)
وإما لما ورد بالخصوص من جواز التمع بالمجوسية (5) مؤيدا بما في مصححة
محمد بن مسلم من جواز نكاح المجوسية بملك اليمين (6) بعد ضم كون المنقطعة
بمنزلة الأمة.
(والصابئون، و) هم - كما قيل -: طائفة من النصارى (7) كما أن
(السامرة) طائفة (إن كانوا ملحدة)، الأولى منهم (عند النصارى، و)
الثانية عند (اليهود، فكالوثني) لخروجهما حينئذ عن كلتا الملتين،
(فلا يشاركانهما في الحكم) (8) للاختلاف في أصول الملة، (وإن كانوا
مبتدعة) متوافقة معهم في أصل الملة (فكالكتابي).
وعن مجمع البحرين، عن الصادق عليه السلام: (أنه ليس للصابئة دين

(1) الوسائل 14: 411، الباب الأول من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3 و 7.
(2) في المغني لابن قدامة (6: 589): (ليس بين أهل العلم - بحمد الله - اختلاف
في حل حرائر نساء أهل الكتاب).
(3) الوسائل 11: 96، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث الأول.
(4) الوسائل 11: 97، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5 و 9.
(5) الوسائل 14: 462، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث 4 و 5.
(6) الوسائل 14: 418، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث الأول.
(7) حكاه في الجواهر 30: 45 عن أبي علي.
(8) من (ع) و (ص)، ولم يرد في (ق).
395

ولا كتاب) (1) ومقتضاه أنهم غير كتابيين، وعن الشيخ: التصريح بذلك (2)
وعن المصباح المنير: أنهم يدعون أنهم على دين صابئ بن شيث بن
آدم (3)، وعن الصحاح: أنهم من أهل الكتاب (4). وحكي عن المحقق الثاني
في شرح القواعد: أن الصابئة فرقتان: فرقة توافق النصارى في أصول
الدين، والأخرى تخالفهم ويعبدون الكواكب السبعة، وتسند الآثار إليها،
وتنفي الصانع المختار. قال: وكلام المفيد (5) قريب من هذا، وقال: إن جمهور
الصابئين يوحدون الصانع في الأزل، ومنهم من يجعل معه هيولي في القدم
صنع منها العالم، فكانت عندهم الأصل، ويعتقدون في الفلك وما فيه الحياة
والنطق، وأنها المدبر لما في هذا العالم الدائر عليه، وعظموا الكواكب
وعبدوها من دون الله، وسماها بعضهم ملائكة وبعضهم آلهة، وبنوا لها بيوتا
للعبادات (6) انتهى.
وعن تفسير القمي: الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى

(1) مجمع البحرين 1: 260، مادة (صبا) نقلا بالمعنى. وفي (ق)، بدل (دين):
(نبي).
(2) قال الشيخ قدس سره في المبسوط (4: 210): (فأما السامرة والصابئون، فقد
قيل: إن السامرة قوم من اليهود والصابئون قوم من النصارى... والصحيح في الصابئ
أنهم غير النصارى).
(3) المصباح المنير: 232، مادة (صبي).
(4) الصحاح 1: 59، مادة (صبأ).
(5) المقنعة: 271.
(6) جامع المقاصد: 12: 385 - مع تفاوت في بعض الكلمات.
396

ولا مسلمون، ولكنهم يعبدون الكواكب والنجوم (1).
وعن التبيان والمجمع للطوسي والطبرسي: أنه لا يجوز عندنا أخذ
الجزية من الصابئة، لأنهم ليسوا من أهل الكتاب (2).
وكيف كان، فجواز النكاح منهم في غاية الاشكال، إذ لم يخرج من
عموم أدلة التحريم إلا اليهود والنصارى والمجوس، وكونهم منهم يحتاج إلى
دليل، إلا أن يقال: إن الشك في دخولهم فيهم يوجب الشك في شمول العموم
لهم، فيبقى على أصل الإباحة.
لكن الانصاف: أن المتبادر من اليهود والنصارى - الخارجين عن
العمومات - هو ما يقابل الصابئة، فالصابئة لو كانت منهم فرضا نشك
في شمول الخاص لهم، فيبقى تحت العام.
ثم اعلم أنه قال في المسالك: لا فرق في الكتابي بين الذمي (وهو
القائم بشرائط الذمة منهم) والحربي (وهو الناقض لها) لعموم الأدلة (3).
وفيه إشكال، لانصراف اليهود والنصارى إلى الذمي، والله العالم.
(ولو أسلم زوج) المرأة (الكتابية)، والمجوسية (بقي على نكاحه
وإن لم يدخل) بغير خلاف بين العلماء حتى المانعين من نكاح الكتابي
ابتداء، كما يظهر من غير واحد (4) ويدل عليه ما سيأتي في من أسلم على

(1) تفسير القمي 1: 48 في تفسير الآية 62 من سورة البقرة.
(2) راجع مجمع البيان 1: 126، التبيان 1: 283 في تفسير الآية 63 من سورة
البقرة.
(3) المسالك 1: 392، مع تفاوت في العبارة.
(4) صرح بذلك المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 406، والمحدث البحراني في
الحدائق 24: 30، وصاحب الجواهر في الجواهر 30: 50.
397

أكثر من أربع.
(وإن (1) أسلمت) المرأة (دونه) أي دون الرجل، فإن كان إسلامها
(قبل الدخول انفسخ النكاح (2) لحرمة نكاح الكافر على المسلمة (ولن يجعل
الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) (3) ولا عدة عليها هنا حتى يتوقف
الانفساخ على بقائه على الكفر حتى تنقضي العدة، كما فيما بعد الدخول
(ولا مهر) لها أيضا، لأن الحدث جاء من قبلها. ويدل على ذلك كله
- مضافا إلى أن الظاهر أنه المعروف من مذهب الأصحاب، كما حكي -
الصحيح في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها؟ قال:
(قد انقطعت عصمتها ولا مهر لها ولا عدة عليها منه) (4) وفي رواية السكوني
وجوب نصف المهر (لأن الاسلام لم يزدها إلا عزا) (5)، وهو شاذ.
(و) إن كان إسلامها (بعده) أي بعد الدخول (تنتظر العدة)
عدة الطلاق (فإن أسلم فالزوجية باقية، وإلا بطلت) من حين إسلامها
[وعليه المهر)] (6).
وهذا الحكم في غير الزوج الكتابي والمجوسي مما لا خلاف فيه
ظاهرا، كما يظهر من جماعة (7).

(1) في الإرشاد: ولو.
(2) في الإرشاد: انفسخ العقد.
(3) النساء: 141.
(4) الوسائل 14: 422، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 6.
(5) الوسائل 14: 422، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 7.
(6) من الإرشاد.
(7) ورد التصريح بذلك في المسالك 1: 392، والرياض 2: 107.
398

وأما الكتابي والمجوسي، فحكمه أيضا كذلك عند المشهور، بل عن
الشيخ في الخلاف دعوى الوفاق (1) ولكنه خالفه في التهذيبين (2) والنهاية (3)
- على ما حكي عنه - فحكم ببقاء النكاح وإن لم يسلم الكتابي، إلا أنه
لا يقربها ولا يمكن من الخلوة بها، لرواية محمد بن مسلم وفيها إرسال
لكن عن ابن أبي عمير (4)، ومرسلة جميل بن دراج (5) وفيها علي بن
حديد.
(ولو أسلم أحد الحربيين قبل الدخول انفسخ العقد) ولو كان المسلم
هو الزوج، لعدم جواز نكاح غير الكتابية ابتداء ولا استدامة إجماعا (6)
(وعليه نصف المهر إن كان الاسلام منه) وقيل: عليه جميع المهر لثبوته
بالعقد، ولا دليل على سقوطه، وإلحاقه بالطلاق قياس (7). (وإلا) يكن
الاسلام منه بل كان الاسلام منها (فلا شئ)، لما تقدم.
(و) إن كان إسلام أحدهما (بعد)، أي بعد الدخول (تنتظر العدة
فإن أسلم الآخر بقي النكاح، وإلا) يسلم (انفسخ) بلا خلاف ظاهرا،

(1) الخلاف، كتاب النكاح، المسألة 105.
(2) التهذيب 7: 300، والاستبصار 3: 183.
(3) النهاية: 457.
(4) الوسائل 14: 421، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5. وليس في
سندها (ابن أبي عمير) فلاحظ.
(5) الوسائل 14: 420، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث الأول.
(6) كما في المسالك 1: 392.
(7) المسالك 1: 395.
399

كما صرح به في الرياض، وفيه أنه حكي عليه الاجماع (1). ويدل على حكم
المسألة مع إسلام المرأة أولا - المستلزم لثبوته مع العكس بالاجماع
والأولوية - رواية محمد بن مسلم عن ابن أبي عمير (2).
(و) على كل تقدير (عليه المهر) لاستقراره بالدخول (وإن كان
الاسلام من المرأة) لأن مطلق تفويت البضع لا يوجب الضمان، ولهذا
لو قتلت نفسها لم يسقط مهرها، وكذا لا يضمن المهر من قتلها.
(ولو انتقلت زوجة الذمي) الذمية (إلى غير الاسلام انفسخ النكاح) (3)
[وإن عادت] (4) في الحال، قيل: لقوله تعالى: (ومن يبتغ غير الاسلام دينا
فلن يقبل منه) (5) وعموم قوله: (من بدل دينه فاقتلوه) (6) فيجب عليه بعد
التبديل القتل، أو تدخل في الاسلام.
وتنظر في ذلك في المسالك من وجهين:
الأول: أنه يجوز أن تنتقل إلى دين يصح عندهم التناكح فيه،
فلا ينفسخ ما دامت حية (7).
الثاني: أنها إن قتلت فالانفساخ بالقتل لا بالانتقال، وإن أسلمت

(1) الرياض 2: 107.
(2) الوسائل 14: 421، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.
(3) في الإرشاد: انفسخ العقد.
(4) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم يرد في النسخ.
(5) آل عمران: 85.
(6) مستدرك الوسائل 18: 163، الباب الأول من أبواب حد المرتد، الحديث 2.
(7) كذا في (ق) والمصدر، وفي (ع) و (ص) و (ش): (ما دامت فيه).
400

فينبغي هنا مراعاة انقضاء العدة وعدمه إذا كان بعد الدخول (1).
(و) على كل تقدير (لا يعد الفسخ)، الحاصل (باختلاف الدين
طلاقا)، كما هو واضح.
(فإن كان قبل الدخول من المرأة، فلا مهر) تقدم (و) إن كان
(من الرجل) فعليه من المهر - على ما حكي عن المشهور - (نصفه)
وقد تقدم (2) أنه محل نظر وخلاف (3).
(وإن كان بعد الدخول فالمسمى من أيهما كان) موجب الفسخ،
لاستقراره بالدخول (ولو كان المهر) المسمى (فاسدا فمهر المثل مع
الدخول).
(و) إن كان أسلم (قبله) فعليه (المتعة) حملا له على طلاق
المفوضة.
وفيه نظر، لعدم كونه (4) طلاقا، ولا المرأة مفوضة.
(ولو ارتد) من الزوجين (أحدهما قبل الدخول انفسخ العقد
في الحال) لأن المرتد إن كان هو الزوج فلن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا، وإن كانت الزوجة فلا يجوز البقاء على نكاح غير الكتابية
والمجوسية إجماعا (5) ولا عدة قبل الدخول حتى ينتظر.

(1) المسالك 1: 392، مع تفاوت في العبارة.
(2) راجع الصفحة السابقة.
(3) ليس في (ع) و (ص): وخلاف.
(4) في (ق): لعدم كون الفسخ طلاقا.
(5) كما في المسالك 1: 392.
401

وحينئذ (فإن كان) الارتداد (من الزوجة (1) فلا مهر) لهما، لأن
الحديث جاء من قبلها (وإلا) يكن منها كان على الزوج المرتد (نصفه)
إلحاقا له بالطلاق، كما تقدم، مع النظر فيه والخلاف (2).
(وإن كان) ارتداد أحدهما (بعد الدخول فالجميع) لازم لها
لاستقراره.
(وينفسخ)، العقد (في الحال إن كان) المرتد هو (الزوج) وكان
ارتداده (عن فطرة) لعدم قبول الاسلام منه (3) حتى ينتظر العدة، كما في
غيره من الكفار.
(وإن كان) ارتداده (عن غيرها، أو كانت المرتدة هي) الزوجة
(وقف) الانفساخ (على انقضاء العدة) مع بقاء المرتد منهما (4) على
ارتداده.
وهذا الحكم وإن خلا عن النص، بل في بعض الأخبار: البينونة بمجرد
الردة (5) إلا أن وقوفه على انقضاء العدة الظاهر أنه مما لا خلاف فيه،
وصرح به في الرياض وحكى التصريح بالاتفاق عن بعض (6)، مضافا إلى أن
الأصل بقاء النكاح.

(1) في الإرشاد: من المرأة.
(2) راجع الصفحة: 400.
(3) في (ع) و (ص) و (ش): فيه.
(4) في (ع) و (ص) و (ش): عنهما.
(5) مثل ما رواه في الوسائل 18: 544، الباب الأول من أبواب حد المرتد، الحديث
2 و 3، 17: 386، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 4 و 5.
(6) الرياض 2: 106.
402

(فإن وطأها) الزوج (لشبهة في العدة، قال الشيخ: عليه مهران (1)
كما لو وطأ مطلقة في العدة البائنة، هذا، مع عدم الاسلام في العدة، فيكشف
ذلك عن بينونتها من حين الردة فتكون أجنبية كالمطلقة (2) (وفيه نظر)
لأنها بحكم الزوجة ولهذا لا يحتاج إلى تجديد نكاح بعد الاسلام، فليست
كالمطلقة (3).
[(ولو ارتد الوثني وأسلمت في العدة ثم رجع فيها فهو أحق، وإلا
فلا، ولو أسلم دون الوثنية فالا نفقة لها في العدة إلا أن تسلم، ولو أسلمت
دونه فعليه نفقة العدة، فإن اختلفا في السابق قدم قول الزوج مع اليمين.
وليس له إجبار الذمية على الغسل، بل على إزالة المنفر، وعلى المنع
من الخروج إلى الكنائس، وشرب الخمر، وأكل الخنزير، واستعمال النجاسات.
وإذا أسلما لم يبحث عن شرط نكاحهما، إلا أن يتزوجها في العدة
ويسلما أو أحدهما قبل انقضائها، ولا نقرهم على ما هو فاسد عندهم، إلا أن
يكون صحيحا عندنا.
ولو طلقها كافر ثلاثا ثم أسلم افتقر إلى المحلل)] (4).

(1) في الإرشاد: عليه مهر ثان.
(2) المبسوط 4: 238. ولا يخفى أن عبارة الشيخ هنا ليست بذلك التفصيل،
فلاحظ.
(3) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة (108).
(4) ما بين المعقوفتين من إرشاد الأذهان، ولم نجد شرحه فيما بأيدينا من النسخ،
ولعل المؤلف قدس سره لم يشرحه، واحتمال سقوط أوراق من النسخة الأصلية أيضا
غير بعيد.
403

البحث الثاني (1)
في حكم الزائد على العدد
(إذا أسلم الذمي على أكثر من أربع تخير أربع حرائر أو حرتين
وأمتين، والعبد يتخير حرتين أو حرة وأمتين أو أربع إماء، ويندفع نكاح
البواقي من غير طلاق، ولو لم يزدن على العدد الشرعي ثبت عقده عليهن.
ولو أسلم عن مدخول بها وبنتها حرمتا.
ولو لم يدخل بهما حرمت الأم خاصة.
ولو أسلم عن أختين تخير أيتهما شاء، أو عن امرأة وعمتها أو خالتها،
إذا لم تجيزا، ولو أجازتا صح الجمع، وكذا عن حرة وأمة.
ولو أسلم عن أزيد من أربع وثنيات فسبق إسلام أربع في العدة كان له
التربص، فإن انقضت ولم يزدن ثبت عقده عليهن ولا خيار، وإن لحق به في
العدة غيرهن كان له اختيار من شاء من السابق واللاحق.
ولو أسلم العبد عن أكثر من حرتين وثنيات، فأسلم معه اثنتان، ثم أعتق
ولحق به الباقي في العدة، تخير اثنتين لا أزيد، من السابق أو اللاحق.
ولو تقدم عتقه على إسلامه تخير أربعا.
ولو أسلم عن أربع مدخول بهن لم يكن له العقد على خامسة، ولا على

(1) هذا البحث بأكمله من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما
بأيدينا من النسخ.
404

أخت إحداهن إلا بعد العدة وبقائهن على الكفر.
ولو أسلمت الوثنية فتزوج بأختها ومضت العدة على كفره ثبت عقده،
فإن أسلم فيها تخير.
ولا يبطل الاختيار بموتهن، فإن اختار أربعا ورثهن.
ولو مات بعدهن قبل الاختيار أقرع.
ولو مات قبلهن فعليهن جمع العدة، وترثه أربع منهن، وتوقف حصة
الزوجات حتى يصطلحن أو يقرع أو يشرك بينهن.
ولو مات قبل إسلامهن لم يرثن.
وعليه النفقة على المسلمات في العدة حتى يختار، وكذا لو أسلمن
قبله).
405

خاتمة (1)
(الاختيار إما بالقول مثل: اخترتك أو أمسكتك، وإما بالفعل كالوطء
أو التقبيل واللمس بشهوة على إشكال.
ولو طلق فهو اختيار وطلقت، دون الظهار والايلاء.
ولو اختار مرتبا ما زاد على أربع ثبت نكاح الأربع الأول وبطل
البواقي.
ولو علق اختيار النكاح أو الفراق بشرط لم يصح.
ولو قال: حصرت المختارات في ست من العشرة انحصرن، ولو بقي بعد
العشرة.
ولو بقي بعد الأربع المسلمات أربع وثنيات فاختار المسلمات للنكاح
صح، وإن اختارهن للفرقة لم يصح، ويحتمل الصحة موقوفا. فعلى الأول،
لو أسلمت ثمانية على ترادف وهو يخاطب كل واحدة بالفسخ عند إسلامها،
تعين الفسخ في المتأخرات، وعلى الثاني في المتقدمات، ويحبس الزوج
على التعيين.

(1) هذه الخاتمة من الإرشاد، ولم نقف على شرح لها فيما بأيدينا من النسخ.
406

ولو مات على أربع كتابيات وأربع مسلمات لم يوقف شئ، وكذا
لو قال للكتابية والمسلمة: إحداكما طالق، ومات قبل التعيين).
407

الباب الثالث: العقد والوطء
(إذا (1) عقد الحر غبطة) أي دواما (على أربع حرائر أو حرتين
وأمتين حرم الزائد) إجماعا على الظاهر، يظهر من جماعة (2) وبه روايات
كحسنة زرارة ومحمد بن مسلم: (إذا جمع الرجل أربعا فطلق إحداهن
فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلق، وقال: لا يجمع ماءه
في خمس) (3). ونحوها روايتا علي بن أبي حمزة ومحمد بن قيس (4).

(1) هذا هو أول ما ورد في الصفحة اليسرى من الورقة (108)، والعنوان أخذناه من
الإرشاد، ومحله بياض في (ق) بقدره.
(2) كالعلامة قدس سره في التذكرة 2: 638، والشهيد الثاني قدس سره في المسالك 1
390،. ومن تأخر عنهما، كصاحب الحدائق وصاحب الرياض وصاحب الجواهر
قدس سرهم.
(3) الوسائل 14: 399، الباب 2 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث الأول
(4) الوسائل 14: 400، الباب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1 و
2.
408

(و) لا خلاف أيضا - كما قيل (1) - في أنه (لا يحل له ثلاث إماء وإن
لم يكن معهن حرة) وفي الرياض: أنه حكى جماعة الاجماع عليه (2)
واستدل له في الرياض والحدائق (3) برواية أبي بصير: (لا يصلح أن يتزوج
ثلاث إماء) (4) ولكن تنظر فيه في الرياض.
(و) لا خلاف أيضا ظاهرا [(كما يظهر] (5) من غير واحد (6) أنه
يحرم (على العبد) تزويج (ما زاد على حرتين، أو حرة وأمتين، أو أربع
إماء) ويدل عليه رواية محمد بن مسلم: (عن العبد يتزوج أربع حرائر؟
قال: لا، ولكن يتزوج حرتين وإن شاء تزوج أربع إماء) (7).
قيل: والمعتق بعضه كالحر في حق الإماء [كما يظهر] (8) فلا يزيد على
أمتين، وكالعبد في حق الحرائر فلا يزيد على حرتين، والمعتق بعضها كالحرة
في حق العبد، وكالأمة في حق الحر (9). قيل: ولعله، لتغليب الحرام إذا اجتمع

(1) الجواهر 30: 5.
(2) الرياض 2: 102.
(3) الحدائق 23: 619.
(4) الوسائل 14: 399، الباب 2 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 2.
(5) من (ق).
(6) صرح به العلامة قدس سره في التذكرة 2: 642، والشهيد الثاني قدس سره في
المسالك 1: 390، وغيرهما.
(7) الوسائل 14: 405، الباب 8 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث الأول
(8) من (ع) و (ص).
(9) نسبه صاحب الجواهر في الجواهر (30: 7) إلى غير واحد من الأصحاب.
409

مع الحلال (1).
(و) العبد والحر (لو استكمالا العدد في الدائم حل لهما بملك اليمين
والمتعة ما أرادا).
أما عدم الحصر في ملك اليمين، فموضع وفاق (2)، كما صرح في المسالك،
لعموم قوله تعالى: (أو ما ملكت أيمانكم) (3).
وأما في المنقطع، فهو المشهور (4). وعن الحلي الاجماع عليه (5) للروايات
الكثيرة (6).
وعن القاضي، تحريم ما زاد على الأربع (7) لما ورد في بعض الروايات
(أنها - أي المنقطعة - من الأربع) (8) وحمل على الاستحباب، لأنه متى جعلها
من الأربع واطلع عليه المخالفون أمكن أن يدعي أنهن دائمات، بخلاف
ما إذا زاد، ويدل عليه قول أبي الحسن عليه السلام لصفوان: (أنه قال
أبو جعفر عليه السلام: اجعلوهن من الأربع. قلت: على الاحتياط؟ قال:
نعم) (9). والمراد به الاحتياط من المخالفين.

(1) قاله السيد الطباطبائي قدس سره في الرياض 2: 102.
(2) في (ق): فهو موضع وفاق.
(3) المسالك 1: 390. والآية من سورة النساء: 3.
(4) كما في المصدر السابق.
(5) السرائر 2: 624.
(6) الوسائل 14: 446، الباب 4 من أبواب المتعة.
(7) المهذب 2: 243.
(8) الوسائل 14: 448، الباب 4 من أبواب المتعة.
(9) الوسائل 14: 448، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 9.
410

(و) اعلم أنه (لو طلق واحدة من كمال العدد بائنا جاز له نكاح
غيرها وأختها على كراهية في الحال).
أما الجواز، فلانقطاع عصمة المطلقة على ما يستفاد من الروايات (1).
وأما الكراهة، فلورود النهي عن الخامسة قبل انقضاء عدة الرابعة (2)
الشامل لغير الرجعية، وكذا عن الأخت (3) وحمل (4) على الكراهة.
(ولو كان) الطلاق (رجعيا حرمت الأخرى والأخت إلا بعد العدة)
لأنها بحكم الزوجة ما دامت في العدة.
ثم المحكي عن الأكثر (5) - بل المشهور - إلحاق عدة المتعة بعدة البائن،
ويشهد له تعليل الجواز في عدة البائن بانقطاع عصمتها (6) الجاري في المنقطع
أيضا.
وفي بعض الأخبار وجوب التربص إلى انقضائها، فيتزوج أختها (7)
وحكي القول به عن المقنع (8) وهو أحوط، وقول المشهور أقوى.
(ولو تزوج خمسا في عقد) واحد (أو) تزوج (اثنتين ومعه

(1) الوسائل 15: 480، الباب 48 من أبواب العدد.
(2) الوسائل 15: 479، الباب 47 من أبواب العدد، والباب 2 من أبواب ما يحرم
باستيفاء العدد، الحديث الأول.
(3) الوسائل 15: 481، الباب 48 من أبواب العدد، الحديث 3.
(4) ليس في (ع) و (ص): وحمل.
(5) حكاه السيد الطباطبائي قدس سره في الرياض 2: 103.
(6) تقدم آنفا.
(7) الوسائل 14: 369، الباب 27 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(8) المقنع (الجوامع الفقهية): 29.
411

ثلاث، أو) تزوج (أختين) في عقد واحد (بطل) العقد بالنسبة إلى
كليهما، للزوم الترجيح بلا مرجح. وقيل: يتخير (1) ويدل عليه حسنة جميل (2)
وقد مر نظيره في الأختين أيضا (3).
(وإذا طلقت الحرة ثلاثا) بينها رجعتان بالرجوع أو باستئناف العقد
(حرمت) المطلقة (إلا بالمحلل) الذي يأتي تفصيله في باب الطلاق (4)،
سواء كان المطلق حرا أو عبدا.
(والأمة تحرم بطلقتين، سواء كانت تحت حر أو عبد) بلا خلاف (5)
كما يظهر، لما دل من أن الاعتبار في الطلاق والعدة بالزوجة، دون الزوج (6).
(فإن طلقت) المرأة (تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان) بأن طلقها
فراجعها في العدة ووطأها، ثم طلقها، ثم راجعها ووطأها، ثم طلقها
فتزوجها المحلل، ثم بعد فراقه تزوجها فطلقها ثلاثا بينها رجعتان
مع الوطء، ثم تزوجها المحلل، ثم بعد فراقها (7) تزوجها الأول فطلقها ثلاثا
بينها رجعتان مع الوطء (حرمت أبدا).

(1) قاله الشيخ الطوسي قدس سره في النهاية: 454 و 456، والقاضي في المهذب 2:
185 - 186.
(2) الوسائل 14: 403، الباب 4 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث الأول
(3) الوسائل 14: 367، الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1 و 2.
(4) في (ق): كتاب الطلاق.
(5) الرياض 2: 104، وفيه (باجماعنا المستفيض نقله في كلام جماعة من
أصحابنا).
(6) الوسائل 15: 391، الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق.
(7) في (ق): فراقه.
412

وإطلاق طلاق العدة على الطلقات التسع مجاز، لأن طلاق العدة (1)
ليس إلا ستة منها.
ثم إن غير واحدة من الروايات ليس فيها تقييد الطلقات بكونها
للعدة، كرواية أبي بصير المحكية عن الكافي (2) ورواية جميل المحكية عن
المشايخ الثلاثة (3) ورواية أديم بياع الهروي المروية في التهذيب (4) والمحكية
عن الكافي (5) وعن كتاب الحسين بن سعيد (6).
نعم، حكي عن الخصال في رواية عد المحرمات من الأزواج قول
الصادق عليه السلام: (وتزويج الرجل امرأة طلقها للعدة تسع تطليقات) (7)
ونحو ذلك حكي عن الفقه الرضوي (8). وحيث إنهما في مقام البيان تدلان
على نفي الغير بالمفهوم، مع أن في الرضوي دلالة بالمنطوق ظاهرة، ونحوهما

(1) في (ق): الطلاق للعدة.
(2) الكافي 5: 428، الحديث 9، الوسائل 15: 357 الباب 4 من أبواب أقسام
الطلاق، الحديث الأول.
(3) الكافي 5: 428، الحديث 7 والتهذيب 7: 311، الحديث 1290. ولم نجده
في الفقيه، ولم ينقل عنه في الوسائل أيضا.
(4) التهذيب 7: 305، الحديث: 1272، الوسائل 14: 378 الباب 31 من أبواب
ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(5) الكافي 5: 426، الحديث 1، الوسائل 14: 378، الباب 31 من أبواب ما يحرم
بالمصاهرة، الحديث الأول
(6) رواه في المستدرك 15: 325 عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى.
(7) الخصال: 533، أبواب الثلاثين وما فوقه، الحديث 10.
(8) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 242 - 243.
413

فتوى علي ابن إبراهيم (1) الكاشفة عن وجود النص، فيصلح هذا كله بعد
اشتهار مضمونها لتقييد تلك المطلقات. مضافا إلى رواية معتبرة رواها
عبد الله بن بكير في عدم احتياج المطلقة ثلاثا إذا تزوجت بعد انقضاء عدة
كل طلاق إلى المحلل، فإن قوله عليه السلام فيها: (له أن يتزوجها أبدا) (2) معناه
أنه لا تصير المرأة عليه محرمة أبدا، بل يجوز تزويجه أبدا بعد المحلل في كل
ثلاث.
ثم بناء على اختصاص الحرمة الأبدية بالمطلقة للعدة، فلو كان في
كل من الأدوار الثلاثة طلاق واحد للعدة لم يحصل التحريم الأبدي، وكذا
لو كان في بعض الأدوار طلاقان للعدة، وفي بعض آخر واحد. هذا كله في
الحرة.
(و) أما (في الأمة) فالحكم فيها بتحريمها مؤبدا محل انظر، من
أن الطلقات الست فيها بمنزلة التسع في الحرة حيث إنها تحرم بعد كل طلقتين
حتى تنكح زوجا غيره، ومن أن حكم النص معلق على تسع طلقات بينها
محللان، فإذا طلقت الأمة - بين كل طلقتين محلل - يصدق (3) عليها (أنها
طلقت تسعا ونكحها (4) بينها رجلان) وإن كان قد نكحها بينها أكثر حينئذ،
إلا أن ذلك لا ينفي صدق (الرجلين) ومن أن الظاهر المتبادر من النص هي

(1) تفسير القمي: 1: 79، ذيل تفسير الآية 237 من سورة البقرة.
(2) الوسائل 15: 354، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 13، والحديث
عن المعلى بن خنيس.
(3) في (ق): صدق.
(4) في ما عدا (ق): نكحت.
414

الحرة، فينبغي أن تبقى الأمة على أصالة الإباحة، مع أن ظاهر (تحلل (1)
الرجلين) نفي الزائد، فيصير هذا قرينة لإرادة الحرة.
(و) اعلم أن (من عقد على امرأة في عدتها) الرجعية أو البائنة
دواما أو انقطاعا أو للوفاة (عالما) بالحكم والموضوع (حرمت) المرأة
عليه (أبدا وإن لم يدخل) بها (وكذا إن جهل العدة والتحريم) أو أحدهما
(و) لكن (دخل).
(ولو لم يدخل بطل العقد وله استئنافه (2) بعد الانقضاء) اتفاقا في
الجميع، كما يظهر من غير واحد (3) ويدل عليها أخبار:.
منها: حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا تزوج
الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا، وإن
لم يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للآخر) (4) وإطلاق التحريم بالدخول مع
الجهل يشمل ما لو وقع الدخول في العدة أو بعدها.
وحسنته الأخرى عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (سألته عن المرأة
الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرا؟
قال: إن كان دخل بها فرق بينهما ثم لم تحل له أبدا، واعتدت بما بقي عليها
من الأول، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل
بها فرق بينهما واعتدت بما بقي عليها من الأول، وهو خاطب من الخطاب) (5)

(1) كذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح: تخلل.
(2) في الإرشاد: بطل العقد واستأنفه.
(3) الرياض 2: 100، والجواهر 29: 430.
(4) الوسائل 14: 345، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.
(5) الوسائل 14: 346، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.
415

وصريحها الدخول في العدة.
ونحوها في الصراحة موثقة محمد بن مسلم (1).
لكن لا يخفى أن اختصاص موردها بصورة الدخول في العدة لا يقتضي
اختصاص الحكم بذلك، فبقي إطلاق رواية الحلبي السابقة ونحوها على
حالها.
وصرح في المسالك باشتراط الدخول في العدة في التحريم (2). ولعل
وجهه أن الدخول مع الجهل إنما يوجب التحريم إذا وقع في زمان لا تصلح
الزوجة للنكاح، وبعد الدخول لا فرق بين الدخول بها وبغيرها ممن لم يعقد
عليها في العدة.
وجوابه واضح، لاحتمال مدخلية العقد في ذلك، مضافا إلى أنه
اجتهاد في مقابلة إطلاق النص، إلا أن يدعى ظهور ذلك من النص.
ثم إن بعضهم صرحوا بلحوق عدة الشبهة بعدة الطلاق والمتعة (3).
وفي دلالة النصوص عليه تأمل، لانصراف العدة إلى غيرها.
ثم إذا كان الدخول بالمعقودة في العدة لشبهة استحقت المهر مع جهلها،
وهل هو المسمى؟ أو مهر المثل؟ قولان: أقواهما الثاني، لفساد المسمى
بفساد العقد.
واعتدت من وطء الشبهة بعد إتمام عدتها الأولى، للحسنة الثانية

(1) الوسائل 14: 344، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.
(2) المسالك 1: 388.
(3) صرح به الشهيد الثاني في المسالك 1: 388.
416

ورواية محمد بن مسلم المتقدمتين (1) وفي بعض الأخبار ما يدل على الاكتفاء
بعدة واحدة (2).
وهل يلحق مدة استبراء الأمة بالعدة (3)؟ فيه إشكال، الأقوى العدم
اقتصارا على مورد الدليل.
وهل يلحق بالمعتدة ذات البعل؟ قيل: فيه وجهان، من مساواتها لها
في المعنى، ومن انتفاء العدة التي هي مورد النص (4).
وفي الوجهين نظر لا يخفى، إذ المساواة لا تصلح (5) دليلا للحكم
الشرعي حتى يتعدى، ولا النص مختص، بالمعتدة حتى يقتصر (6) بل الأقوى
الالحاق.
أما التحريم مع العقد عليها عالما، لموثقة أديم بن الحر: (قال: قال
أبو عبد الله عليه السلام: التي تتزوج ولها زوج يفرق بينهما ثم لا يتعاودان) (7)
أخرج منه ما لو جهل ولم يدخل، بقي ما لو علم أو دخل.
ونحوها مرفوعة أحمد بن محمد (8) وعبارة الرضوي (9).

(1) في الصفحة: 415 - 416.
(2) الوسائل 14: 347، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 11 و 12.
(3) ليس في (ع)، و (ص) بالعدة.
(4) قاله الشهيد الثاني قدس سره في والمسالك 1: 388.
(5) في (ق): إذ لا المساواة يصلح دليلا.
(6) في (ق): حتى يقصر.
(7) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(8) الوسائل 14: 343، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 10.
(9) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 243.
417

ويدل على التحريم مع الدخول - مضافا إلى الموثقة المذكورة - موثقة
زرارة - في المرأة فقدت زوجها أو نعي إليها، فتزوجت، ثم قدم زوجها بعد
ذلك، ثم طلقها زوجها [أو مات عنها] (1) - قال: (تعتد منهما جميعا ثلاثة
أشهر عدة واحدة وليس للآخر أن يتزوجها أبدا) (2)، ونحوها خبر آخر (3).
ولا يعارضها - الصحيح الآتي - بالعموم من وجه، لظهورها في صورة
الجهل، مع وجوب الرجوع على هذا الفرض إلى عموم موثقة أديم بن الحر
ونحوها، مضافا إلى الأولوية الجلية، فإن بقاء النكاح لو لم يؤكد التحريم
لم ينفه قطعا.
وأما عدم التحريم مع الجهل وعدم الدخول، فالظاهر أنه مما لا خلاف
فيه، وصرح بدعوى الاجماع في الرياض (4). وفي الحدائق: ليس فيه خلاف
يعرف (5).
ويدل عليه أيضا الصحيح عمن تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم،
فطلقها الأول أو مات عنها، ثم علم الآخر، أيراجعها؟ قال: (لا حتى
تنقضي عدتها) (6).

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في الصدر.
(2) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2، مع
تفاوت.
(3) الوسائل 14: 342، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.
(4) الرياض 2: 100.
(5) الحدائق 23: 580.
(6) الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها،
الحديث 3.
418

وأما التحريم مع الدخول والعلم، فهو اتفاقي، لأنه زنى بذات البعل،
ويدل عليه غير واحد من الأخبار (1).
وعلى كل حال (فإن دخل) [بها] (2) (مع الجهل (3) لحق به الولد
إن جاء لستة أشهر منذ وطأها) لأن وطء الشبهة، بمنزلة الصحيح (وفرق
بينهما، وعليه المهر مع جهلها، لا) مع (4) (علمها) إذ لا مهر لبغي (وتتم
عدة الأول) لكونها فيها وتقدم سببها (و (5) تستأنف أخرى) كل ذلك علم
مما سبق.
(ولو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت) المزني بها على الزاني
(أبدا) بلا خلاف فيه ظاهرا، وحكي في الرياض الاجماع عليه عن
جماعة (6) وفي الحدائق عن غير واحد (7). ويدل عليه فحوى ما تقدم من
الحكم بالحرمة مع العقد عالما بدون دخول، وكذا الدخول مع الجهل، مضافا
إلى صريح المحكي عن الرضوي في تحريم الزنى بذات البعل وأنه (لا يحل
للزاني تزويجها أبدا) (8) وأنه (يقال لزوجها يوم القيامة: خذ من حسناته

(1) راجع الوسائل 14: 341، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(2) من (ع) و (ص).
(3) في الإرشاد: جاهلا.
(4) ليس في (ع) و (ص): مع.
(5) في الإرشاد: ثم.
(6) الرياض 2: 100.
(7) الحدائق 23: 580.
(8) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 234.
419

ما شئت) (1). ويدل على حكم المعتدة رجعيا بانضمام ما دل على أنها بمنزلة
الزوجة (2).
وقد يستدل بما تقدم من الدليل على التحريم بالعقد والدخول الشامل
لصورة العلم وهو الزنى (3).
وفيه نظر، إذ لعل للزنى المستند إلى العقد تغليظ عقوبة، حيث استند
في العلم القبيح إلى الأسباب الشرعية، فجعلها واسطة في خلاف ما وضع (4)
لأجله، ولذا عد معصية الله سبحانه فيما يكون بصورة العبادة أغلظ من
غيرها (5).
(و) لهذا (لو زنى بغيرها (6) من المعتدات (لم تحرم) عليه عند
المصنف وغيره، مع أن العقد عليها مع الدخول بها محرم إجماعا، كما تقدم (7).
نعم، ربما يحتمل التحريم هنا من جهة فحوى حكم الدخول بها مجردا
والعقد المجرد عليها عالما، وفيه تأمل.
وفي حكم المعتدات غيرهن الخاليات (8) عن الزوج والموطوءة بشبهة

(1) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 278.
(2) يستفاد ذلك من أبواب متفرقة في النكاح والطلاق والإرث والحدود.
(3) استدل به المحقق الثاني قدس سره في جامع المقاصد 12: 314.
(4) في (ق): وضعت.
(5) مثل ما يدل على أغلظية حرمة التغني بالقرآن، راجع الوسائل 12: 230، الباب
99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 27.
(6) كذا في (ق)، وفي الإرشاد وبعض النسخ: بغيرهما.
(7) راجع الصفحة: 415.
(8) في النسخ: غيرها الخالية.
420

والموطوءة بالملك.
(وكذا) الحكم فيما (لو أصرت امرأته عليه) أي على الزنى،
فإنه لا يوجب حرمتها عليه.
(وإن عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت مؤبدا (1) وإن
لم يدخل بها اجماعا، حكاه في الرياض عن جماعة (2). ويدل عليه المحكي
عن الخصال (3) وبعض الروايات (4).
(وإن كان جاهلا فسد عقده) إجماعا (5) (و) لكن (لا (6) تحرم)
على الأشهر (7) بل عن التذكرة والمنتهى: الاجماع عليه (8). ويدل عيه المحكى
عن كتاب الحسين بن سعيد (9) ومفهوم الخبر: (المحرم إذا تزوج وهو يعلم
أنه حرام عليه لا تحل له أبدا) (10). خلافا للمحكي عن المقنع (11)

(1) في الإرشاد: أبدا.
(2) الرياض 2: 101.
(3) الخصال: 533 أبواب الثلاثين وما فوقه، الحديث 10.
(4) الوسائل 14: 378، الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(5) صرح به في الجواهر 29: 450.
(6) في الإرشاد: لم.
(7) كما في المسالك 1: 389.
(8) تذكرة الفقهاء 1: 343، تروك الاحرام، ومنتهى المطلب 2: 809.
(9) لم نقف عليه.
(10) مستدرك الوسائل 14: 411، الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث
الأول.
(11) المقنع (الجوامع الفقهية): 28.
421

وسلار (1) فحكموا بالتحريم، لعموم ما دل عليه (2).
(ومن أوقب غلاما) أو رجلا، ولو بإدخال بعض الحشفة غير
الموجب للغسل، على تأمل فيه من جهة انصراف النصوص والفتاوي إلى
غيرها (حرمت عليه أمه) وإن علت (وبنته) وإن نزلت، (وأخته)
لا بناتها، اتفاقا في جميع ذلك على الظاهر المصرح به في كلام بعض (3)
والمحكى في كلام آخرين (4).
(ولا تحرم (5) واحدة من هؤلاء (لو سبق العقد) عليها اللواط
بشرط وقوعه حال الزوجية، أما لو عقد على إحداهن ففارقها ففعل ذلك
القبيح فالظاهر حرمة تزويج المفارقة، لأن عموم قوله: (لا يحرم الحرام
الحلال) (6) في الحلال بالفعل، وهكذا حكم غير [هذه] (7) المسألة من مسائل
المصاهرة وما يلحقها.
ثم إن أصل الحكم في صورة العقد اتفاقي، لا مخالف فيه فتوى ورواية،
إلا ما يظهر من بعض الروايات من أن (من أتى أخا امرأته حرمت عليه

(1) المراسم: 149.
(2) الوسائل 9: 91، الباب 15 من أبواب تروك الاحرام.
(3) صرح به في المسالك 1: 389، والحدائق 23: 596.
(4) حكاه في كشف اللثام 2: 38 عن الانتصار والخلاف، وفي الرياض 2: 101
عنهما وعن الغنية والتذكرة وغيرهما.
(5) في الإرشاد: (ولا تحريم)، وغيره المؤلف قدس سره لتستقيم العبارة.
(6) راجع الوسائل 14: 324 - 329، الأبواب 6 و 8 و 9 من أبواب ما يحرم
بالمصاهرة.
(7) الزيادة اقتضتها العبارة.
422

امرأته) (1) وهي محمولة على إرادة أخي من صدق عليها أنها امرأته في
الحال دون زمان الاتيان، وإن كان مخالفا للظاهر، لأن ظاهر الموضوعات
المتصفة بعنوان ثبوت الوصف العنواني فيها حال عروض المحمول لها
لا (2) حال الأخبار عن وقوعها، وظاهر إطلاق العبارة - كسائر العبائر - عدم
الفرق في الفاعل بين الصغير والكبير، إلا أن المذكور في الأخبار هو الرجل (3)
وحمله على كونه رجلا [لها] (4) حال الحكاية بعيد، كما عرفت.
ويؤيده الحكم بالتحريم عليه حيث إنه من عوارض أفعال البالغين.
اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالتحريم في هذه المقامات هو مجرد الفساد،
كما أن صيغة النهي قد تستعمل لمحض ذلك، فكذا مادة التحريم.
واعلم أن المشهور أنه لا يحرم على المفعول بسبب هذا العمل أحد من
أقارب الفاعل. وحكي عن شرح النافع حكاية نقل القول بإلحاقه بالفاعل
عن بعض (5).
(ومن لاعن امرأته حرمت عليه أبدا) بلا خلاف في ذلك ظاهرا،
كما صرح به غير واحد (6) وسيأتي الكلام فيه.

(1) الوسائل 14: 339، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2، مع
تفاوت.
(2) ليس في (ع) و (ص): لا.
(3) الوسائل 14: 339، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
(4) من (ع) و (ص).
(5) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 23: 601، عن السيد السند في شرح
النافع.
(6) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 391، والمحقق الثاني في جامع المقاصد
12: 305، والفاضل الهندي قي كشف اللثام 2: 37، وغيرهم قدس سرهم.
423

(وكذا لو (1) قذفها وهي صماء أو خرساء بما يوجب اللعان)
لولا خرسها أو صمها، بأن يرميها بالزنى مع دعوى المشاهدة وعدم البينة.
قيل: والحكم في الرواية مختص بجامعة الوصفين (2) لكن المحكي عن
الأكثر، الاكتفاء بأحد الأمرين (3) وعن الغنية (4) والسرائر، الاجماع (5).
قيل: وفي بعض مواضع التهذيب ذكر الرواية بعطف أحدهما على
الآخر بلفظ (أو) بدل (الواو) (6) والموجود عندي هو ذكر لفظ (أو) في
الرواية المروية في التهذيب عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن
أبي بصير (7) وذكر عبارة المقنعة قبل هذه الرواية بلفظ (أو) أيضا (8).
نعم، في بعض الروايات الاكتفاء بالخرس وحده (9) ويثبت الاكتفاء
بالصمم وحده بعدم القول بالفصل.

(1) في الإرشاد: إن قذفها.
(2) قال الشهيد الثاني في المسالك (1: 391) بعد نقل رواية أبي بصير: (وهذه
الرواية دلت على اعتبار الصمم والخرس معا).
(3) حكاه في المسالك 1: 391.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 553.
(5) حكاه عن الغنية والسرائر السيد الطباطبائي في الرياض 2: 105. وانظر السرائر
2: 701.
(6) قاله الشهيد قد س سره في المسالك 1: 391.
(7) التهذيب 7: 310، باب من يحرم نكاحهن بالأسباب، الحديث 46. الوسائل
15: 603، الباب 8 من أبواب اللعان، الحديث 2. وليس فيه كلمة (أو).
(8) انظر المقنعة: 501.
(9) الوسائل 15: 602، الباب 8 من أبواب اللعان، الحديث 1 و 4.
424

وحكي عن الصدوق (1) تعدي الحكم إلى ما لو قذفت الزوجة زوجها
الأصم، للمرسل (2).
وكل مقام ثبت الحرمة فالواجب تمام المهر وإن كان قبل الدخول،
لأن إلحاقه بالطلاق قياس لا نقول به.
ثم هل ينفى بذلك الولد عن أبيه الملاعن أم لا؟ وجهان.

(1) الفقيه 4: 50، وحكاه السيد الطباطبائي في الرياض 2: 105.
(2) الوسائل 15: 603، الباب 8 من أبواب اللعان، الحديث 3.
425

تتمة
[(يكره العقد على القابلة المربية وبنتها، وأن يزوج ابنه بنت زوجته
المخلوقة بعد فرقته، والتزويج بضرة الأم مع غير الأب، وبالزانية قبل التوبة،
وبالأمة مع وجود الطول للحرة.
ويحرم نكاح الأمة على الحرة إلا برضاها، فإن بادر بدون الإذن بطل،
ويجوز العكس، فإن جهلت الحرة كان لها فسخ عقدها، ولو جمعهما في عقد
صح عقد الحرة خاصة)] (1).
(ولو (2) دخل) الزوج (بصبية لم تبلغ تسعا) وتزوجها فعل محرما
بلا خلاف، كما يظهر من كلام بعضهم (3) ولم تحرم عليه بذلك ما لم يفضها على

(1) عنوان (تتمة) وما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف
قدس سره له.
(2) في الإرشاد: ومن.
(3) صرح به المحقق الثاني في جامع المقاصد 12: 330، والمحدث البحراني في
الحدائق 23: 607.
426

المعروف ممن عدا الشيخ (1). وله إطلاق بعض الروايات (2) (ف‍) لو
(أفضاها) بجعل مسلك البول والحيض واحدا، وربما فسر بجعل مسلك
الحيض والغائط واحدا (3) - وهو بعيد الوقوع - (حرمت عليه أبدا)، لمرسلة
زيد بن يعقوب (4) (وعليه الانفاق) عليها (حتى يموت أحدهما) لرواية
الحلبي (5).
وهل تبين منه بغير طلاق أم لا؟ ظاهر رواية بريد بن معاوية (6)
ورواية حمران المحكية عن الفقيه (7) بل صريحها، الثاني، وظاهر المرسلة
المتقدمة: الأول، وهو المحكي عن ابن حمزة (8) وأيده في المسالك (9) - تبعا

(1) النهاية: 453.
(2) الوسائل 14: 381، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.
(3) قال العلامة قدس سره في القواعد (2: 16): (هو صيرورة مسلك البول والحيض
واحدا أو مسلك الحيض والغائط على رأي)، ونسبه في كشف اللثام (2: 39) إلى
ابن سعيد، لكنا لم نعثر عليه في الجامع للشرائع، وفي نزهة الناظر (144):
(والافضاء هو أن يصير مخرج المني والحيض والولد واحدا، لأن بينهما حاجزا
رقيقا) وهذا خلاف ما نسب إليه.
(4) الوسائل 14: 381، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2، وفي
سنده (يعقوب بن يزبد) لا (زيد بن يعقوب).
(5) الوسائل 14: 381، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.
(6) الوسائل 14: 381، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.
(7) الفقيه 3: 431، الحديث: 4493، الوسائل 14: 380، الباب 34 من أبواب
ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(8) الوسيلة: 292.
(9) المسالك 1: 390.
427

للمحقق الثاني (1) على ما حكي - بأن التحريم المؤبد ينافي النكاح، إذ ثمرته
حل الاستمتاع، ولأنه يمنع النكاح سابقا فيقطعه لاحقا، كالرضاع واللعان
والقذف للزوجة الصماء والخرساء.
وفيه: أن انحصار ثمرة النكاح في حل الاستمتاع إنما يوجب عدم
جواز ابتداء النكاح على من يحرم الاستمتاع منه، لا بقاءه. وأما حرمة
النكاح بالرضاع السابق الموجب لانفساخ اللاحق فلوجود الدليل.
والحاصل، أن الخروج من أصالة بقاء النكاح وحرمة الزوجة للغير
لا بد له من دليل قاطع ولا اعتبار بالاعتبار.
وقد طعن ابن إدريس على هذا القول بما لا مزيد عليه (2) بل ظاهره
ثبوت الاتفاق على عدم بينونتها بغير الطلاق، على ما حكي عنه.
ثم لو طلقها أو قلنا بأنها تبين منه بغير طلاق لو تزوجت فهل يجب
على المفضي الانفاق عليها أيضا أم لا؟ الأظهر، الثاني، وإن كان مقتضى
إطلاق رواية الحلبي (3)، الأول، وفيها: (يجب الاجراء عليها ما دامت حية)
لانصرافها إلى صورة عدم تزوجها، حيث إن الغالب عدم رغبة الأزواج
فيها بعد الافضاء، كما تدل عليه الرواية القائلة: بأنه (قد أفسدها وعطلها
على الأزواج) (4) مضافا إلى ما دل على وجوب نفقة الزوجة على زوجها (5)
الشامل لهذه الزوجة، وليس إطلاق تلك الأدلة أدون من إطلاق هذه

(1) جامع المقاصد 12: 332.
(2) السرائر 2: 530.
(3) تقدم آنفا.
(4) الوسائل 14: 380، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث الأول.
(5) الوسائل 15: 223، الباب الأول من أبواب النفقات.
428

الرواية، فيتعارضان، حيث يدل كل منهما على وجوب الانفاق عينا،
ويترجح تلك الأدلة باعتبار موافقتها للقواعد الشرعية من كون النفقة في
مقابل التمكين، وغير ذلك مما لا يخفى.
[(ولو لم يفضها لم تحرم،
وذات البعل تحرم على غيره ما دامت
في حباله، وعدته إن كانت ذات عدة)] (1).

(1) هذه العبارة من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره لها.
429

المقصد الرابع
في موجب الخيار
وهو العيب والتدليس
431

وفيه فصول:
[الفصل] الأول
في العيب
ال‍ (عيوب) المجوزة لفسخ النكاح في (الرجل أربعة: الجنون،
والخصاء، والجب، والعنة) وسيأتي الدليل على كونها عيوبا وتفصيل
أحكامها.
وهل الجذام والبرص عيب في الرجل؟ في قولان، الأشهر: لا،
والمحكي عن القاضي (1) والإسكافي (2) والشهيد الثاني (3) نعم، لعموم الصحيح:
(إنما يرد النكاح من البرص والجنون والجذام والعفل) (4) ولأدائه إلى الضرر،
لأنهما من الأمراض المتعدية باتفاق الأطباء، وفي الخبر: (فر من المجذوم

(1) المهذب 2: 231.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف: 553.
(3) الروضة البهية 5: 384.
(4) الوسائل 14: 594، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 6 و 10
433

فرارك من الأسد) (1) مع أنها عيب في المرأة مع طريق تخلص للرجل إلى
فراقها بالطلاق، فثبوته في الرجل بطريق أولى، حيث لا طريق للمرأة إلى
فراقه بوجه آخر.
ورد باختصاص الصحيح بالمرأة بحكم سياقه، والسؤال المذكور له في
غير التهذيب (2) والتخلص يمكن مع التضرر بإجبار الحاكم له على الطلاق
لو تضررت بالمباشرة والمعاشرة، مضافا إلى أنه مستلزم لثبوت الفسخ بجميع
الأمراض المعدية.
وهل يرد بالعمى؟ المحكي عن القاضي (3) والإسكافي (4) نعم، وألحق
الثاني به العرج والزمن الثابتين قبل العقد أو بعده (5).
وحكي عن الشيخ في المبسوط: أنه عد من العيوب ما لو ظهر الزوج
خنثى (6). وفي المسالك: أن موضع الخلاف ما إذا كان محكوما بالذكورية
بالأمارات، للتنفر عنه وعدم حصول الاطمئنان بالأمارات، أما لو كان

(1) الخصال 2: 521، والوسائل 8: 431، الباب 28 من أبواب أحكام العشرة،
الحديث 2.
(2) الكافي 5: 406، باب المدالسة في النكاح وما ترد منه المرأة، الحديث 6.
(3) المهذب 2: 231.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف: 552.
(5) راجع المختلف: 553 - 554، فإنا لم نجد فيه إلا نسبة القول برد العرجاء
إلى ابن الجنيد من دون تعرض لما إذا كان قبل العقد أو بعده، نعم نقل عنه:
(لو حدث ما يوجب الرد - قبل العقد - بعد الدخول لم يفرق بينهما إلا الجنون فقط)
(6) راجع المبسوط 4: 250 و 266، ففي الموضع الأول قوى عدم الخيار لها،
وفي الثاني قوى ثبوت الخيار للرجل واكتفى في المرأة ب‍ (قيل فيه قولان).
434

مشكلا تبين فساد النكاح (1).
(وعيوب المرأة سبعة: الجنون، والجذام، والبرص، والقرن) بسكون
الراء (وهو العفل) وهو لحم ينبت في قبل المرأة، أو شئ يخرج من قبل
المرأة شبه الأدرة للرجل - أعني انتفاخ الخصيتين - أو عظم، كالسن، في قبل
المرأة.
واتحاد العفل والقرن هو المحكي عن أكثر أهل اللغة والفقهاء (2).
ويدل عليه الصحيح: (المرأة ترد من أربعة أشياء: [من] (3) البرص، والجذام،
والجنون، والقرن - وهو العفل - ما لم يقع، فإذا وقع عليها فلا) (4) ونحوه خبر
آخر (5) كما قيل.
ثم إنه لا خلاف نصا وفتوى في أن هذه الأربعة عيوب في المرأة
توجب الفسخ. ولا فرق في الجنون بين المطبق والأدواري.
وهل القرن عيب مطلقا؟ أو بشرط كونه مانعا عن الجماع بسهولة؟
ولذا أطلق في كلام جماعة من أهل اللغة أنه يمنع الوطء (6) ولكن يستفاد من
غير واحد من الأخبار إمكان وطئها (7).

(1) المسالك 1: 420.
(2) راجع الحدائق 24: 360 - 361. الصحاح 6: 2180.
(3) من المصدر.
(4) الوسائل 14: 592، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول.
(5) الوسائل 14: 593، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 2.
(6) النهاية لابن الأثير 4: 54 مادة: (قرن)، لسان العرب 11: 138 نقلا عن
التهذيب.
(7) الوسائل 14: 592 و 599، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، الحديث
الأول، والباب 3، الحديث 2 و 3.
435

وعلى كل حال، فالمحكي عن الشيخ والأكثر هو عدم ثبوت الخيار
مع إمكان الوطء (1) للأصل، وعدم ثبوت المقتضي للخيار، فإنه إنما نشأ من
حيث المنع عن الوطء. وحكي عن جماعة من المتأخرين (2) ثبوت الخيار
أيضا (3) ومال إليه المحقق في الشرائع (4) لاطلاق الأخبار (5) وتصريح بعضها
بالخيار ولو مع الدخول (6).
ثم إن الخيار إنما يثبت بالجذام والبرص إذا تحققا بشهادة أهل الخبرة.
ويظهر من بعض اعتبار التعدد فيه، لأنها شهادة (7) وفي اعتبار العدالة نظر.
وقد يشتبه البهق بالبرص.
(و) الخامس من العيوب: (الافضاء، وهو جعل المسلكين واحدا)
ولا خلاف ظاهرا في ثبوت الخيار به، كما يظهر من غير واحد (8). ويدل

(1) المبسوط 4: 250، وفي المسالك 1: 421 (وهو الذي قطع به الشيخ والأكثر).
(2) كذا في (ق) وفي (ع) و (ص): وحكي عن الشيخ والأكثر عدم ثبوت الخيار
أيضا.
(3) قال في كشف اللثام (2: 71): ويقوى إثبات الخيار مطلقا وفاقا لاطلاق الأكثر
ونص المحقق.
(4) الشرائع 2: 320.
(5) راجع الوسائل 14: 593، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس.
(6) الوسائل 14: 598 - 599، الباب 3 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث
1 و 3.
(7) في جامع المقاصد 13: 236 (بشهادة طبيبين عدلين) وفي المسالك (1: 421):
يرجع فيه إلى طبيبين عارفين.
(8) جامع المقاصد 13: 239 والحدائق 24: 365 والجواهر 30: 335.
436

علية مصححة الحذاء (1).
(و) السادس: (العمى) ولا خلاف فيه ظاهرا، إلا ما يحكى عن
ظاهر المقنع (2) والمبسوط (3). ويدل عليه مصححة داود بن سرحان (4) وموثقة
ابن مسلم (5).
(و) السابع: (العرج) مطلقا على ما حكي عن الشيخين (6)
والإسكافي (7) والحلبي (8) وأكثر الأصحاب، لمصححة داود بن سرحان وموثقة
محمد بن مسلم، أو بشرط كونه بينا كما ذهب إليه آخرون، منهم المصنف قدس
سره في المختلف (9) والتحرير (10). ويمكن أن يراد به ما كان كثيرا متفاحشا،
لبعد كون اليسير جدا عيبا، بل الأخبار أيضا منصرفة إلى البين.
وقيل: ليس بعيب مطلقا (11).

(1) الوسائل 14: 596، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول.
(2) المقنع (الجوامع الفقهية): 27.
(3) المبسوط 4: 249.
(4) الوسائل 14: 597، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 6.
(5) الوسائل 14: 594، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 7.
(6) المقنعة: 519 والنهاية: 485.
(7) نقله عنه العلامة في المختلف: 553.
(8) الكافي في الفقه: 295.
(9) المختلف: 553.
(10) تحرير الأحكام 2: 29.
(11) نسبه في المسالك (1: 421) إلى ظاهر الشيخ في المبسوط والخلاف وابن البراج
في المهذب والصدوق في المقنع، لأنهم لم يعدوه من عيوب المرأة.
437

وقيل: إنه عيب (إن بلغ الاقعاد) (1)، والأول أقوى.
وهل يثبت الخيار بالرتق؟ - وهو على ما حكي عن أهل اللغة: التحام
الفرج بحيث لا يكون للذكر فيه مدخل (2). وعن التحرير: أنه لحم ينبت في
الفرج فيرادف العفل (3) فيه قولان، أظهرهما، نعم، لعموم التعليل في رواية
أبي الصباح: (عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا؟ قال: هي لا تحبل
ولا يقدر زوجها على مجامعتها، ترد وهي صاغرة، قلت: فإن كان دخل
بها؟ قال: إن كان علم بذلك قبل أن ينكحها - يعني المجامعة - ثم جامعها
فقد رضي بها، وإن لم يعلم إلا بعد ما جامعها، فإن شاء طلق بعد، وإن شاء
أمسك) (4).
ونحوها رواية الحسن بن صالح عن الفقيه (5) والكافي (6). والمراد الطلاق
هو الطلاق اللغوي بالفسخ لا الطلاق الشرعي.
واختلف في المحدودة في الفجور، فعن كثير من المتقدمين، بل عن
أكثرهم: أنها ترد، للعار على الزوج (7). ولا أجد في الروايات ما يدل على

(1) الشرائع 2: 320 والقواعد 2: 33.
(2) مجمع البحرين 5: 167، مادة: (رتق)، لسان العرب 5: 132.
(3) التحرير 2: 28.
(4) الوسائل 14: 598، الباب 3 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول،
وأورد صدره في الباب الأول، الحديث 3.
(5) الفقيه 3: 433، الحديث 4499، الوسائل 14: 599، الباب 3 من أبواب العيوب
والتدليس، الحديث 3.
(6) الكافي 5: 409، الحديث 17.
(7) المسالك 1: 422.
438

هذا الحكم.
نعم، في بعض الروايات: (عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها
أنها قد كانت زنت؟ قال: إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها، ولها
الصداق بما استحل من فرجها، وإن شاء تركها) (1). وهذا يدل على جواز
الرجوع على وليها بالصداق. وليس إلا لكونه عيبا يفسخ به.
وعن الشيخ: أنه حكم بضمان الولي مع عدم الخيار (2). وعن المختلف:
رده بأنهما لا يجتمعان (3). [وإثبات مثل هذا الحكم بمثل هذا المستند
مشكل] (4).
(وتفسخ المرأة) نكاحها (بالجنون) الحاصل للرجل (وإن كان
أدوارا، سواء تجدد بعد الوطء أو كان سابقا) عليه، أو على العقد، بلا خلاف
صريح إذا كان لا يعقل أوقات الصلاة.
وإن كان يعقل، فإن كان قبل العقد أو مقارنا له، فالمعروف عمن عدا
ابن حمزة (5) الفسخ أيضا. وإن كان متأخرا عن العقد، فالمحكي عن أكثر
المتقدمين عدم الفسخ (6) وخلافا لكثير من المتأخرين (7) ولهم إطلاق رواية

(1) الوسائل 14: 601، الباب 6 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 4.
(2) النهاية: 486.
(3) المختلف: 553.
(4) من (ع) و (ص).
(5) الوسيلة: 311.
(6) مثل المفيد في المقنعة: 520 والشيخ في المبسوط 4: 252 والقاضي في المهذب
2: 233، ونسبه في الرياض (2: 132) إلى أكثر القدماء.
(7) مثل المحقق في الشرائع 2: 318، والعلامة في المختلف: 554، والمحقق
الكركي في جامع المقاصد 13: 220 وثاني الشهيدين في المسالك 1: 419.
439

علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم عليه السلام: (عن المرأة يكون لها زوج
وقد أصيب في عقله بعد ما تزوجها أو عرض له جنون؟ فقال: لها أن تنزع
نفسها منه إن شاءت) (1).
وأضاف إليها في المسالك إطلاق صحيحة الحلبي: (إنما يرد النكاح من
البرص والجذام والجنون والعفل) (2) واعترض (3) بأن ظاهر السؤال المذكور في
هذه الرواية في غير التهذيب هو حكم المرأة (4). نعم أورد في التهذيب من
غير سؤال (5).
واستدل للقدماء بالمحكي عن الفقه الرضوي (6). والمسألة محل
إشكال.
(و) تفسخ المرأة نكاحها (بالخصاء) أيضا وهو سل الأنثيين
وإخراجهما. (وفي معناه) حكما (الوجاء) وهو رض الخصيتين. وحكي
عن بعض أنه من أفراد الخصاء (7) فيعمه كل ما دل على ثبوت خيا الفسخ

(1) الوسائل 14: 607، الباب 12 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول،
بتفاوت يسير.
(2) الوسائل 14: 594، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 10.
(3) المعترض هو المحدث البحراني قدس سره الحدائق 24: 338.
(4) الكافي 5: 406، والفقيه 3: 433.
(5) التهذيب 7: 424، باب التدليس في النكاح، الحديث 4.
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 237.
(7) في الحدائق (24: 340): (وفي القاموس أنه بمعنى الخصاء) انظر القاموس
1: 31.
440

بالخصاء من الأخبار الكثيرة (1) وظاهر اتفاق الفتاوى.
نعم، حكي عن الشيخ في الخلاف (2) والمبسوط (3): أن الخصاء
ليس بعيب، لأنه يقدر على الوطء ويبالغ فيه أكثر من غيره من جهة عدم
الانزال. وهو ضعيف في مقابلة النصوص.
وإن لم يكن من أفراده، فإلحاقه به مشكل.
وهذا الحكم في الخصاء ثابت (إن كان) حصوله (سابقا على العقد،
وإلا) يكن سابقا (فلا) خيار لها، لأصالة بقاء النكاح، واختصاص أدلة
الفسخ بصورة تدليس الخصي، وهو ظاهر، بل صريح في تقدم خصائه على
العقد.
(و) تفسخ المرأة أيضا نكاحها (بالعنة) وهو - كما قيل -: مرض
يعجز معه من الايلاج لضعف الذكر عن الانتشار (4) من دون تقييد بعدم
إرادة النساء، وربما حكي [عن المصباح المنير] (5) عن بعض أهل اللغة
اعتباره (6).
وحكي عن الفقهاء الاكتفاء بالأول (7) ويشهد بذلك رواية الكناني (8)

(1) الوسائل 14: 608، الباب 13 من أبواب العيوب والتدليس.
(2) الخلاف، كتاب النكاح، المسألة 125.
(3) المبسوط 4: 250. لكنه أورده إيرادا لا اعتقادا، فراجع.
(4) كما في القواعد 2: 32.
(5) من (ع) و (ص).
(6) المصباح المنير 1: 433، مادة: (عنن).
(7) نسبه في الحدائق (24: 343) إلى ظاهر كلام الفقهاء.
(8) الوسائل 14: 611، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 6.
441

ورواية أبي بصير (1) المعبرتان عن العنن بعدم القدرة على النساء من دون
تقييد بعدم إرادتهن.
وثبوت الفسخ بها ثابت بالاجماع ظاهرا، كما يظهر من غير واحد (2)
ويدل عليه الأخبار المستفيضة (3).
وإطلاق غير واحد منها (4) يدل على ثبوت الخيار (وإن تجددت بعد
العقد) لكن (5) (قبل الوطء، و) أما (لو تجددت بعد الوطء ولو مرة)
كما في روايتي السكوني وإسحاق بن عمار (6) (أو عن عنها خاصة، أو عن
القبل خاصة، فلا خيار).
خلافا في الأول للمحكي عن المفيد (7) وجماعة (8) لاطلاق بعض
النصوص (9)، وقد عرفت أنها مقيدة بالروايتين المنجبرتين بفتوى الأكثر،

(1) الوسائل 14: 610، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول.
(2) مثل المحقق الثاني في جامع المقاصد 13: 229، والشهيد الثاني في المسالك
1: 419. والمحدث البحراني في الحدائق 24: 343.
(3) الوسائل 14: 610، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس.
(4) في (ع) و (ش): منهما.
(5) ليس في (ع) و (ص): لكن.
(6) الوسائل 14: 611 - 612، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث
4 و 8.
(7) كذا في (ق) وفي (ع) و (ص): المصنف.
(8) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 2: 136.
(9) الوسائل 14: 610، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 1 و 6،
وغيرها.
442

وحكاية الاجماع عن الغنية (1). وفي الثاني عن المفيد (2) خاصة، فاكتفى بالعنة
عنها خاصة (3) لبعض الأخبار (4). ويقيد بما في بعض آخر من اعتبار العجز
عن إتيان النساء (5).
(ولو ادعى) الزوج (الوطء لها أو لغيرها بعد ثبوت العنة، صدق)
المدعي (باليمين) وعلل بأنه فعله، فلا يعرف إلا من قبله، وتعذر
الاشهاد عليه، فكان كالعدة في النساء (6).
وقيل: إن المرأة لو كانت بكرا نظر إليها من يوثق بها من النساء (7)
وإن كانت ثيبا حشي قبلها خلوقا - حيث لا يعلم - فإن ظهر شئ منه على
العضو صدق (8).
ثم (مع ثبوت العنة) بإقراره أو بما في حكمه (إن صبرت) المرأة
(فلا فسخ، وإلا) تصبر (رفعت أمرها إلى الحاكم، فيؤجله سنة من حين

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 549.
(2) في (ق): للمفيد.
(3) المقنعة: 520، ويستفاد ذلك من مفهوم كلامه، فراجع.
(4) مثل قوله عليه السلام في رواية أبي حمزة: (فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما)
انظر الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول.
(5) مثل: رواية أبي بصير والضبي وعمار بن موسى، الوسائل 14: 610، الباب 14
من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 1 و 2 و 3.
(6) كما في المسالك 1: 423.
(7) صرح به الصدوق في المقنع (الجوامع الفقهية): 27.
(8) نسبه الشيخ قدس سره. في الخلاف إلى رواية أصحابنا، وقال: (هذا هو المعمول
عليه)، راجع الخلاف، كتاب النكاح، المسألة 140.
443

المرافعة) بلا خلاف ظاهر كما ادعي (1): (للمحكي عن قرب الإسناد (2)
ورواية البختري عن علي عليه السلام: (أنه كان يقضي في العنين أنه يؤجل
سنة من يوم مرافعة المرأة) (3) (فإن وطأها أو غيرها) كما مر مع خلاف المفيد
(فلا فسخ، وإلا فسخت ولها نصف المهر) لمصححة أبي حمزة (4) والمحكي
عن الفقه الرضوي (5). وإلا فليس الفسخ طلاقا يوجب تنصيف المهر،
بل مقتضى الفسخ عدم المهر أصلا.
(و) لهذا (لا شئ لها لو فسخت بغيره) أي غير العنن (قبل
الدخول).
(وفي احتساب مدة السفر) من السنة (إشكال).
(ولو رضيت) بأن يقيم معها (فطلقها ثم جدد العقد) عليها
(فلا خيار لها) مع العلم بأنه الزوج السابق.
(أما لو وطأها في) العقد (الأول ثم عن في الثاني فلها الخيار)
ووجهه واضح.
(و) أما (الجب) وهو قطع الذكر، ف‍ (إن استوعب) العضو
(فسخت) المرأة (به، وإلا) يستوعبه بل بقي مقدار الحشفة (فلا) فسخ.

(1) الرياض 2: 136.
(2) قرب الإسناد: 105، الحديث 357، الوسائل 14: 612، الباب 14 من أبواب
العيوب والتدليس، الحديث 12.
(3) الوسائل 14: 612. الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 9، والذي
ورد هنا منقول بالمعنى.
(4) الوسائل 14: 613، الباب 15 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول.
(5) الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام: 237.
444

أما الفسخ في الأول، فقد حكي عن المبسوط والخلاف، عدم الخلاف
فيه (1). ويدل عليه عموم رواية الكناني الدالة على ثبوت الفسخ في امرأة
ابتلي زوجها فلم يقدر على الجماع (2). مضافا إلى فحوى ثبوت الخيار
في الخصي مع إمكان الوطء فيه. بل قيل: إنه يبالغ فيه أكثر من غيره (3)
وفي العنن مع إمكان زواله. مضافا إلى نفي الضرر.
وأما عدم الفسخ لو بقي مقدار الحشفة، فادعي عليه الاجماع (4) مضافا
إلى لزوم الاقتصار في مخالفة الأصل على موضع النص.
(و) لهذا (لو تجدد) الجب (بعد العقد فلا خيار (5) وقيل
بثبوته (6) لعموم مصححة الكناني (7) ورواية ابن مسكان عن أبي بصير:
في امرأة ابتلي زوجها فلم يقدر على الجماع (8) وفحوى ثبوته في العنن.
[(ولا تفسخ لو بان خنثى مع امكان الوطء)].

(1) المبسوط 4: 264. ولم نجد التفصيل في الخلاف، نعم ادعي الاجماع فيه على
أن الجب من العيوب المجوزة للفسخ، انظر: الخلاف، كتاب النكاح، المسألة 124.
(2) الوسائل 14: 611، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 6.
(3) انظر المهذب 2: 233.
(4) كما في الرياض 2: 133.
(5) في الإرشاد: فلا فسخ.
(6) نسبه في المهذب 2: 235 إلى أصحابنا. وفي التحرير (2: 29): والأقرب في
الجب المتجدد بعد الوطء ثبوت الخيار.
(7) تقدم آنفا.
(8) الوسائل 14: 610، الباب 14 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول.
445

(والقرن إن لم يمنع الوطء فلا فسخ)] (1)، (وكذا) يتحقق الخيار
مع (الرتق) وقد تقدم الكلام فيه، هذا (إذا لم يمكن إزالته) بشق موضع
الالتحام (أو) غيره، وأما إذا (أمكن) فإن لم تمتنع المرأة عن الإزالة
فلا خيار، للأصل، واختصاص ما سبق من الدليل بغير الفرض.
(و) لو (امتنعت) فالذي اختاره المصنف قدس سره هنا هو ثبوت
الخيار.
وفيه إشكال، بل لا يبعد أن يقال بإجبارها على الإزالة مع عدم
تضررها بها زائدا على ألم الإزالة، لأن حق الزوج في الاستمتاع ثابت،
لامكانه، وما تقدم من دليل الخيار لا ينصرف إليه، لأن التعليل المذكور
في القرن - أعني عدم القدرة على مجامعتها - يراد به عدم القدرة مع عدم (2)
إمكان العلاج وإزالة المرض، هو الظاهر المتبادر، والله العالم.
(و) اعلم، أن (الخيار في الفسخ بالعيب والتدليس على الفور)
بلا خلاف يعرف، كما صرح به جماعة (3)
هذا مع العلم بالخيار والفورية، ولو جهل أحدهما، فلا يبعد معذوريته
إلى زمان العلم، لاطلاق الأخبار، واستصحاب الخيار، ونفي الضرر.
وإن كان العيب مما يحتاج إثباته إلى المرافعة كان المرافعة فورية، فإذا
ثبت العيب كان الفسخ فوريا، وكذا مرافعة العنين إلى الحاكم.
(وما يتجدد من عيوب المرأة) بعد العقد (لا يفسخ به وإن كان)

(1) من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له.
(2) ليس في (ع) و (ص): عدم.
(3) كما في المسالك 1: 422، والحدائق 24: 372، ورياض المسائل 2: 135.
446

تجددها (قبل الوطء) لأصالة اللزوم، واختصاص أكثر الأخبار
- كما قيل (1) - بصورة سبقها على العقد.
نعم، بعضها مطلقة (2) ولكن لا تنافي بين المطلقات والمقيدات حتى
تحمل عليها، إلا أن يدعى انصراف المطلقات إلى صورة تقدمها على العقد،
كما ادعاه في الرياض (3). والمسألة لذلك محل إشكال.
ويمكن أن يستدل على ذلك: بأن الأخبار وفتاوى الأصحاب أطبقت
على عدم استحقاق الزوجة لشئ من المسمى إذا فسخ قبل الدخول،
ولا يتأتى ذلك إلا مع سبق العيب على العقد حتى يكون الصداق من
أصله متزلزلا، أما لو تجددت بعد العقد - والمفروض تملك الصداق بالعقد
واستقرار ملكها على المشهور (4) - فإذا حصل الفسخ بالعيب (5) الحادث بعد
العقد يحكم بثبوت المهر كلا، لأن الفسخ ليس طلاقا، ولا أقل من ثبوت
نصف المهر، لاستقراره بالعقد وعدم وجود عيب حين العقد حتى يوجب
تزلزله.
اللهم إلا أن يقال: إن استقرار نصف المهر المجمع عليه إنما هو
بالإضافة إلى عدم اشتراطه بالدخول، فلا ضرر في التزام تزلزله بالنسبة
إلى العيب الحادث قبل الوطء، فتأمل.
أما إذا تجددت بعد الدخول، فينبغي القطع بعدم الخيار، بل ادعي

(1) الجواهر 30: 341.
(2) راجع الوسائل 14: 593، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس.
(3) الرياض 2: 134.
(4) في (ق): تملك الصداق بالعقد على المشهور واستقر ملكها.
(5) في غير (ق): فإذا حصل العيب الحادث.
447

الوفاق عليه (1). ويدل عليه كثير من الأخبار (2) وحكي عن الشيخ ثبوت
الخيار هنا أيضا (3).
(ولا يشترط) في الفسخ شرط من شروط الطلاق، لأنه ليس طلاقا
شرعيا، وإن أطلق عليه التطليق في غير واحد من الأخبار (4) والمراد
الاطلاق، ولا التلفظ بصيغة خاصة، ولا أن تكون بحضور (الحاكم) خلافا
للمحكي عن شاذ منا (5)
(إلا في العنة) فإنه لا بد من رفع الأمر إليه
(ليضرب (6) الأجل، و) هذا الاستثناء منقطع، لأن الفسخ في العنة لا يتوقف
على الحضور عند الحاكم، إذ (لها الفسخ بعد انقضائه بدونه) أي بدون
الحاكم.
(و) كما لا يشترط الحضور عند الحاكم لا يشترط حضور
شاهدين، لما عرفت من أن (الفسخ ليس بطلاق).
(و) إذا اختلف الزوجان في العيب كان (القول قول منكر العيب مع

(1) المسالك 1: 422.
(2) مستندهم في الحكم إطلاق صحيحة عبد الرحمن. الوسائل 14: 593، الباب
الأول من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول. واستدل عليه في الجواهر
30: 341 بصحيح أبي عبيدة أيضا، ولم نعثر على غيرهما، فلاحظ.
(3) المبسوط 4: 252، حكاه عنه - وعن الخلاف في المسالك 1: 422.
(4) مثل ما رواه في الوسائل 14: 595، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس،
الحديث 14، والصفحة: 598، الباب 3، الحديث الأول.
(5) حكاه العلامة في المختلف: 557 عن ابن الجنيد، ونقل كلاما عن المبسوط
وقال: وهو يدل على تردده، راجع المبسوط 4: 253.
(6) في الإرشاد: لضرب.
448

عدم البينة) لأصالة السلامة ولزوم العقد، (و) على المنكر (اليمين، فإن
نكل أحلف المدعي) ويثبت العيب.
(وإذا فسخت المرأة بالعيب أو التدليس قبل الدخول فلا شئ)
بلا خلاف فتوى ونصا (1) إلا في الخصي، فقد حكي عن الشيخ (2) وجماعة
ثبوت جميع المهر عليه بالخلوة (3) وعن أخرى ثبوت نصف المهر مع عدم
الدخول مطلقا (4) لروايتي قرب الإسناد (5) والفقه الرضوي (6) (إلا في)
فسخها لأجل (العنة) فإن لها النصف.
(و) إن كان فسخها (بعده) - أي بعد الدخول - كان (لها
المسمى) لاستقراره بالدخول.
قال في المسالك: ومقتضى القواعد أنه لا فرق بين الفسخ بالعيب
الحادث قبل العقد وبعده، لأن الفسخ لا يبطله من أصله، ولهذا لا يرجع
عليها بالنفقة الماضية، وقال الشيخ في المبسوط: إن كان الفسخ بالمتجدد بعد
الدخول فالواجب المسمى، لأن الفسخ إنما يستند إلى العيب الطارئ بعد
استقراره، وإن كان بعيب موجود قل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر

(1) الوسائل 14: 593، الباب الأول من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 4 و 14
و 14: 596، الباب 2، الحديث الأول.
(2) النهاية: 488.
(3) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 2: 135 عن الشيخ وأكثر الأصحاب.
(4) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 2: 135 عن الصدوقين.
(5) قرب الإسناد: 248 - 249 الحديث 982، الوسائل 14: 609، الباب 12 من
أبواب العيوب والتدليس، الحديث 5.
(6) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 237.
449

المثل، لأن الفسخ وإن كان في الحال إلا أنه مستند إلى حال حدوث العيب،
فيكون كأنه وقع مفسوخا حين حدوث العيب، فيصير كأنه وقع فاسدا،
فيلحقه أحكام الفاسد، فإن كان قبل الدخول فلا مهر ولا متعة، وإن كان
بعده فلا نفقة للعدة ويجب مهر المثل (1).
ثم قال في المسالك: ولا يخفى ضعفه، لأن النكاح وقع صحيحا،
والفسخ - وإن كان بسبب العيب السابق - لا يبطله من أصله، بل من حين
الفسخ، خصوصا إذا كان العيب حادثا بعد العقد، فإن دليله لا يجئ عليه (2)
انتهى.
(وإن فسخ الرجل قبله) أي قبل الدخول (فلا مهر) لها ولا عدة
عليها، بلا خلاف نصا وفتوى، كما يظهر من الحدائق (3) وادعي الاجماع
في الرياض (4)
(و) إن كان (بعده) فلها (المسمى، ويرجع) الزوج
(به على المدلس)، للأخبار (5).
(فإن كان (6) المدلس (هي، سقط، إلا أقل ما يمكن) أن يكون
(مهرا) لئلا تخلو البضع عن عوض. وقيل: أقل مهر مثلها (7) والأخبار

(1) راجع المبسوط 4: 251 - 253.
(2) المسالك 1: 423، نقلا بالمعنى.
(3) الحدائق 24: 375.
(4) الرياض 2: 135.
(5) راجع الوسائل 14: 595، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس.
(6) في الإرشاد: كانت.
(7) نسب هذا القول إلى ابن الجنيد. لكن الذي نقل عنه في المختلف: (557) هو في
صورة الرجوع إلى الولي، فراجع.
450

خالية عن هذا الاستثناء، ولهذا أنكره جماعة، كما في الرياض وارتضاه (1).
ولو لم يكن مدلس (2) - بأن خفي عيب المرأة عليها وعلى وليها -
فلا رجوع للزوج على أحد.

(1) الرياض 2: 135.
(2) في غير (ق): ولو لم تكن هي المدلس.
451

الفصل الثاني
في التدليس
وهو إظهار صفة كمال في المرأة مع انتفائها عنها أو إخفاء صفة نقص.
والفرق بينه وبين العيب: أن منشأ الخيار في العيب مجرد ثبوته
في الواقع، وفي التدليس اشتراط الصفة بحيث لولا الاشتراط لم يثبت.
ف‍ (لو تزوجها على أنها حرة) باشتراط ذلك في متن العقد لفظا،
أو ذكره قبله بحيث أجريا العقد على ذلك (فخرجت أمة، فله الفسخ) عملا
بمقتضى الشرط، إذ ليس فائدته إلا التسلط على الفسخ مع عدمه.
وحكي عن الشيخ في الخلاف والمبسوط البطلان (1).
وعلل تارة بعموم (المؤمنون عند شروطهم) (2) حيث إن مقتضى

(1) الخلاف، كتاب النكاح، المسألة 132، والمبسوط 4: 254.
(2) الوسائل 15: 30، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
453

وجوب الوفاء بمقتضى الشرط عدم بقاء التزويج بدونه. ثم رده المعلل (1)
باختصاص العموم بغير المستحق، أما المستحق فلا يجب عليه الوفاء، إذ له
إسقاطه، لأنه من حقوقه.
وأخرى بأن نكاح الأمة بدون إذن المولى (2) باطل. ورده المعلل بأنه
مختص بما إذا لم يكن التزويج بإذن مولاها.
وكيف كان، فهذا القول ضعيف مع إذن المولى وعدمه.
أما مع إذن المولى، فلعموم: (أوفوا بالعقود) (3) خرج منه الوفاء بالعقد
قبل الامضاء وبقي الباقي، ومنه هذا العقد بعد الامضاء.
وأما مع عدم الإذن، فلما تقدم من عدم وقوع العقد باطلا، بل موقوفا
على إجازة المولى.
ومما ذكرنا من الدليل وعمومه يظهر ثبوت خيار الفسخ (وإن دخل)
بها، فإن التصرف مع الجهل لا يزيل خيار الشرط، فإن لم يفسخ الزوج
فلا كلام.
وإن فسخ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر، بلا خلاف ظاهرا، لأن
سبب الفسخ حصل من قبلها، كذا علل (4).
وإن كان بعد الدخول (فإن) كانت المرأة قد (دلست نفسها) بإذن
المولى لها في التزويج (5) فتزوجت مدلسة (دفع المهر إلى المولى) لأنه

(1) هو العلامة الطباطبائي قدس سره في الرياض 2: 137.
(2) في (ق): الموالي.
(3) المائدة: 1.
(4) ذكره في الرياض 2: 137، ولم يعين المعلل.
(5) في (ق): بأن أذن المولى لها في التزويج.
454

مالك بضع الجارية، فله عوضه ولا يسقط حقه بتدليس غيره (وتبعها به)
بعد عتقها، إذ في جعلها في ذمتها قبله إضرار بالمولى، وفي الحكم بعدم
استحقاق الزوج شيئا إضرار بالزوج، مع إمكان تداركه بما ذكر، واتباعها
بالمهر بعد العتق ليس منافيا لحق المولى.
نعم، لا يقدر المملوك أن يشغل ذمته ولو على هذا الوجه، لأنه مملوك
لا يقدر على شئ، ولا ينافي ذلك تعلق شئ بذمته قهرا وإن كان سببه
اختياريا، كما لو أقرض بدون إذن مولاه، فإنه إتلاف اختياري موجب
لضمانه قهرا.
(وإن دلسها مولاها فلا مهر) لأن المملوكة لا تستحق مهرا والمولى
هو المدلس، وثبوت الرجوع على المدلس ينافي الحكم بوجوب الدفع إلى
المولى ثم الارتجاع منه ولا يستثنى هنا في مقابل الوطء شئ من مهر المثل
أو أقل مما يتمول.
ووجهه في المسالك بعموم الدليل الدال على الرجوع به على المدلس (1).
وينبغي أن يراد بالدليل عموم التعليل في بعض الأخبار المتقدمة في العيب،
ففي بعضها - في مقام بيان علة الرجوع إلى ولي المرأة المعيبة إذا دلسها - قال
عليه السلام: (إنما صار عليه المهر لأنه دلسها) (2) ويستفاد هذا من غيره أيضا،
كما لا يخفى على من راجعها.
(وتعتق عليه) أي على مولى الجارية المدلسة (لو (3) تلفظ)

(1) المسالك 1: 424.
(2) الوسائل 14: 596، الباب 2 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث 2.
(3) في الإرشاد: إن.
455

عند التدليس (بما يقتضي (1) إنشاء (العتق) أو الاخبار به على وجه
الاقرار، وحينئذ فصح العقد مع إذن المرأة سابقا أو إجازتها لاحقا،
ولها المهر ولا خيار له.
(والولد حر، وعلى) أبيه (المغرور قيمته) يوم سقط حيا للمولى
(ويرجع به على الغار)، ولو كان الغار هو المولى فلا يستحق شيئا،
لأن الرجوع عليه لمكان غروره ينافي استحقاقه. (ولو كان الغار عبدا تبع
بالقيمة) بعد العتق.
ولو انعكس الفرض - بأن تزوجت الحرة رجلا على أنه حر فبان
عبدا - فلها الفسخ، فإن كان قبل الدخول فلا شئ لها، لأن الحدث جاء من
قبلها، وإن كان بعده ثبت لها المهر على السيد إن أذن في العقد، لأن إذنه
يستلزم تعلق عوض الوطء بذمته، وإن كان بغير إذنه اتبع العبد به بعد العتق
واليسار. ومستند الخيار في هذا الفرض - مضافا إلى أنه مقتضى الشرط -
مصححة محمد بن مسلم (2).
(ولو شرط) كون المرأة المعينة المعقود عليها (بنت مهيرة) أي
حرة - لأنها ذات مهر دائما دون الأمة، فإنها قد توطأ بالملك كما قد توطأ
بالمهر - (فبانت بنت أمة (3) كان له الخيار في ردها، فإن رد (4) قبل
الدخول فلا شئ، وإن رد (5) بعده فلها مهر المثل بما استحل من فرجها،

(1) في الإرشاد: يوجب.
(2) الوسائل 14: 606، الباب 11 من أبواب العيوب والتدليس، الحديث الأول.
(3) في الإرشاد: فخرجت بنت أمة، فله الفسخ.
(4) و (5) في (ق): ردت - في الموضعين -.
456

ويرجع به على المدلس (ولا خيار) هنا (بدون) ذكر (الشرط) في متن
العقد.
وتبع المصنف قدس سره هنا المحقق رحمه الله في الشرائع (1) حيث أطلق
الحكم بالخيار في السابق بحيث يمكن أن يعمم لما إذا ذكر الشرط سابقا
وأجرى العقد عليه، وهنا قيد الحكم بما إذا شرط في متن العقد. وذكر في
المسالك الفرق بين هذه والسابقة من وجهين:
الأول: إطلاق النص هناك حيث ورد السؤال فيها عن رجل تزوج
حرة فوجدها أمة دلست نفسها.
الثاني: أن الحرية أمر مهم ففواتها نقص بين يصلح لتسلط من
قدم عليه على الرد إذا ظهر خلافه، بخلاف الحرة التي أمها حرة
أو أمة، فإن التفاوت بينهما ليس كالتفاوت بين الحرة والأمة ولا قريبا
منه، بل ربما لا يظهر التفاوت بينهما، أو يكون الكمال في جانب بنت
الأمة مع اشراكهما في الوصف بالحرية، فلم يكن لفواته أثر إلا مع
الشرط في ضمن العقد عملا بعموم الوفاء بالشرط (2) وبفواته يظهر تزلزل
العقد (3).
هذا كله إذا وقع العقد على امرأة معينة وشرط كونها بنت مهيرة فبانت
بنت أمة.
(و) أما (لو زوجه بنت مهيرة وأدخل عليه) امرأة أخرى هي

(1) الشرائع 2: 322.
(2) الوسائل 15: 30. الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.
(3) المسالك 1: 424.
457

(بنت أمة) لم يعقد عليها (ردت) وجوبا بمجرد العلم، فإن كان الرد قبل
الدخول فلا شئ لها عليه، (و) إن كان بعده مع جهل الزوجة بعدم العقد
عليها كان (عليه مهر المثل) لأجل وطء الشبهة، وعليها العدة (ويرجع)
الرجل (به) أي بالمهر (على السائق) المدلس [(ويدفع إليه
امرأته)] (1). ومع علم الزوجة بالحال فلا شئ لها لأنها بغي، ولا عدة
عليها مع علم الرجل لعدم احترام ماء الزنى.
(وكذا) الحكم في (كل من سيق إليه غير زوجته) وقد ورد به
غير واحد من الأخبار (2).
(ولو شرط البكارة فظهرت ثيبا فلا فسخ) لاحتمال زوال البكارة بعد
العقد، والأصل تأخر الحادث، ومع الشك في تأريخهما لا سبب للفسخ
وإن لم يمكن الحكم بتأخر الثيبوبة عن العقد، لأن الخيار لا يثبت إلا إذا علم
سببه، وهو تقدم الثيبوبة على العقد.
ولو فرض حصول العلم بتاريخ الثيبوبة وشك في زمان العقد فلا خيار
أيضا وإن كان الأصل تأخر العقد، لأن أصالة تأخر العقد لا يثبت تقدم
العيب وإن كانا متلازمين عقلا، لأن ثبوت أحد المتلازمين عقلا بالأصول
الشرعية الظاهرية لا يثبت الآخر، كما قرر في محله.
وبالجملة، لا يحكم بالخيار (إلا أن يعلم سبق الثيبوبة على العقد).
ثم على تقدير عدم الفسخ بعدم العلم بسبقها على العقد أو اختيار

(1) من (ص) والارشاد، ولم ترد في (ق) و (ع).
(2) الوسائل 14: 603 - 604، الباب 8 و 9 من أبواب العيوب والتدليس.
458

البقاء في موضع له الفسخ، هل (له (1) أن ينقص) عن المسمى بنسبة
(ما بين المهرين)؟ أو لا ينقص مطلقا؟ أو ينقص شئ ولم يرد من
الشارع تقديره؟ وقد يفسر بالسدس قياسا على الوصية بالشئ، أو تقديره
موكول إلى نظر الحاكم؟ أقوال.
وعلل الأول بأن الرضى بالمهر المعين إنما حصل على تقدير اتصافها
بالبكارة فيلزم التفاوت كأرش ما بين الصحة والعيب.
وضعف بأن ذلك إنما يكون حيث ثبت فواته قبل العقد، أما مع إمكان
تجدده بعده فلا دليل على سقوط شئ من المسمى، وهذا الايراد ينبئ عن
تسليم النقص مع تحقق سبق الثيبوبة.
ووجه القول الثالث بورود (فإنه (2) ينقص) (3) بقول مجمل،
فإما يحمل على مسمى الشئ، أو يحمل على السدس، أو يفوض إلى
الحاكم.
ووجه العدم مطلقا هو أن النقص على خلاف الأصل، فإن مقتضى
العقد وجوب جميعه فإذا أمضى العقد وجب العمل بمقتضاه، وليس للشرط
تأثير إلا الخيار بين الرد والامساك، ولهذا لا يحكم بشئ مع فوات الوصف
المشروط في المبيع.
وهذا أقوى، لولا الرواية المصححة الواردة في النقص، ومعها فيوجه

(1) في الإرشاد: وله.
(2) في (ق): (ووجه القول الثاني بورود: بأنه ينقص) ولا يخفى أن كلمة (الثاني)
من سهو القلم، وإن كانت العبارة على جميع النسخ لا تخلو من إشكال.
(3) الواردة في مصححة محمد بن جزك، وراجع الوسائل 14: 605، الباب 10 من
أبواب العيوب والتدليس، الحديث 2، وفيه: (فإنه ينتقص).
459

وكوله إلى نظر الحاكم.
وحينئذ فالأولى أن يقال: إن على الحاكم أن ينظر في نفس هذه
المسألة الخلافية وحيكم بما يؤدي إليه نظره.
بل قد يقال: إن وكول ما ينقص إلى الحاكم لا دليل عليه، لأن تعيين
ما أبهمه الشارع ليس موكولا إلى الحاكم (1). ويمكن أن يقال: إن الظاهر من
الرواية - حيث لم يبين مقدار النقص - هو نقص التفاوت، لأنه
المتعارف في تدارك الفائت وقد وكله الشارع إلى المتعارف، بل مقصود
السائل أيضا السؤال عن نقص التفاوت، كما لا يخفى على من تأمل
قليلا.
(ولو شرط إسلامها فبانت كتابية، فإن قلنا بجواز) ابتداء نكاح
(الكتابية، فله الفسخ) قضية للشرط (ولا خيار مع عدم ذكر الشرط (2)
في متن العقد لأصالة اللزوم، كما في كل عقد لم يذكر في متنه شرط.
(ولو تزوجت على أنه حر فبان مملوكا فلها الفسخ، و) قد تقدم أن
(لها المهر مع الدخول).
(ولو أدخلت امرأة كل من الزوجين على الآخر، فلها مهر المثل على
الواطئ) بشبهة (والمسمى على الزوج، وترد) زوجة كل منهما (إليه)
ولكن لا يطأها إلا (بعد العدة) (3).

(1) الحدائق: 24: 412.
(2) في الإرشاد: ولا خيار بدون الشرط.
(3) إلى هنا ينتهي ما وجدناه من شرح المؤلف قدس سره على الإرشاد، ولم نقف على
شرح ما بعده من النكت المتفرقة والمقصد الخامس بأكمله.
460

[(وكل عقد باطل فللموطوءة مهر المثل،
وكل مفسوخ بعد
الصحة فلها المسمى ولا خيار للأولياء، ولا نفقة لها في العدة إلا مع
الحمل)] (1).

(1) ما بين المعقوفتين من الإرشاد.
461

نكت متفرقة (1)
(الكفاءة شرط في النكاح، وهي المساواة في الاسلام، وليس للمؤمنة
التزوج بالمخالف، ويكره العكس، ولا يشترط تمكنه من النفقة على رأي،
ولو تجدد العجز لم تفسخ المرأة، ولا يشترط التساوي في النسب والشرف
والحرية، ويجب إجابة المؤمن الخاطب القادر على النفقة وإن كان أخفض
نسبا، ولو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها ففي فسخ الزوجة قولان، ويكره
تزوج الفاسق خصوصا شارب الخمر، ولو علم بعد العقد أنها زانية فلا فسخ
على رأي.
ووطء الشبهة يسقط الحد وتجب به العدة، ولو علمت حدت واعتدت
ولا مهر، ويلحق به الولد، وإن كانت أمة فعليه قيمته لمولاها ومهرها.
ويحرم التعريض بالخطبة للمعتدة رجعية، ويجوز للمطلقة ثلاثا من

(1) أخذنا هذه النكت من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره لها فيما
بأيدينا من النسخ.
462

الزوج وغيره، ويحرم التصريح لها منه ومن غيره، والتصريح من الزوج
للمطلقة تسعا للعدة، والتعريض لها منه لا من غيره، والبائن عن فسخ أو خلع
يجوز التعريض من الزوج وغيره، والتصريح منه لا من غيره، ولا تحرم
بتحريم الخطبة، ويكره الخطبة على خطبة المجاب.
ولو شرطت انتفاء النكاح عند التحليل بطل العقد على رأي ولا يبطل
بالقصد، ولو شرط الطلاق بطل الشرط، ونكاح الشغار باطل وهو: جعل مهر
كل من المرأتين بضع الأخرى، ولو جعل مهر أحدهما خاصة بطل نكاحها دون
الأخرى.
ويحل للزوج كل استمتاع، ويكره الوطء في الدبر، وهو كالقبل
في جميع الأحكام، حتى تعلق النسب، وتقرير المسمى والحد، ومهر المثل
مع فساد العقد، والعدة، وتحريم المصاهرة، إلا التحليل والاحصان واستنطاقها
في النكاح).
463

الفصل الخامس (1)
في لواحق النكاح
وفيه ثلاث مطالب

(1) هذا المقصد بأكمله إلى آخر الكتاب، من الإرشاد، ولم نقف على
شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا من النسخ. نعم تعرض قدس سره
لبحث عن مسألة القسمة بصورة مستقلة، وستأتي في الصفحة: 470.
465

[(المطلب)] الأول: في القسمة
(وهي واجبة للمنكوحة بالعقد دائما، وقيل: إنما تجب لو ابتدأ بها.
وتستحق المريضة، والرتقاء، والحائض، والنفساء، والأمة وإن لم يأذن
المولى، والمحرمة، والمولى عنها، والمظاهر منها - لأن الواجب المضاجعة
والأنس ليلا خاصة دون الوقاع - لا الصغيرة، والمجنونة المطبقة، والناشز،
بمعنى أنه لا يقضى لها.
على كل زوج، سليما من العنة والخصاء أولا، عبدا أو حرا، عاقلا
أو مجنونا، ويقسم عنه الولي.
فذو الزوجة يبيت عندها ليلة من أربع والثلاث يضعها أين شاء،
وللاثنتين ليلتان، وللثلاث ثلاث، وللأربع لكل واحدة ليلة، ولا يجوز الاخلال
إلا بالإذن أو السفر، وتجوز القسمة أزيد من ليلة، وللأمة مع الحرة ليلة،
وللحرة ليلتان، والكتابية كالأمة، ولو أسقطت حقها لم يجب القبول،
ولو وهبته لإحداهن وقبل اختص بالموهوبة، ولها الرجوع - لو وهبت -
467

في المستقبل، ولو لم يعلم لم يقض، ولا يلزم العوض لو اصطلحا عليه،
ولا يزور الضرة إلا مع المرض، فإن أقام ليلته لم يقض على رأي، ولو أعتقت
الأمة بعد ليلتي الحرة فلها ليلتان، ولو كان بعد الثلاث فلا شئ، ولو بات
عند الأمة ليلة قبل الحرة فأعتقت بات عند الحرة اثنتين، وله المبيت
في بيوتهن أو بيته أو بالتفريق، والبكر تختص بسبع، والثيب بثلاث،
ولا قضاء وإن كانتا أمتين، ولا قسمة في السفر.
ويستحب القرعة في تعيين المسافرة معه، والتسوية بينهن في الانفاق،
وإطلاق الوجه، وتخصيص صاحبة الليلة بيومها، والإذن لها في حضور موت
أبويها.
ولو جار في القسمة قضى، ولو نشزت إحدى الأربع ثم بعد استيفاء
اثنتين أطاعت وفي الثالثة بقدر القسمة، والناشز بقدر الثلث بين كل ثلاث
للثالثة ليلة لها وذو الزوجتين في البلدين يقيم عند الثانية كما أقام عن
الأولى، ولو سافرت بإذنه استحقت القضاء، ويتخير فيمن يبتدئ، ولو طلق
الرابعة بعد حضور ليلتها ثم تزوجها، قيل: يجب القضاء، وفيه نظر).
468

خاتمة
(يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع، وتجنب المنفر، وعلى
الزوج المؤونة، فإن نشزت وعظها، فإن أجابت وإلا هجرها في المضجع بأن
يحول ظهره في الفراش، فإن أفاد وإلا ضربها غير مبرح.
ولو نشز ألزمه الحاكم بإيفاء حقها، ولو أسقطت بعض حقها من نفقة
وقسمة استمالة له حل له قبوله.
ولو نشزا معا وخيف الشقاق بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها
ويجوز غيرهما، فإن اتفقا على الاصلاح فعلاه من غير إذن، وإن اتفقا على
الفرقة لم يجز إلا بإذن الزوج في الطلاق والمرأة في البذل، ويلزم ما يشترطه
الحكمان من السائغ، ولو أغارها أو منعها بعض حقها فبذلت مالا للخلع
وليس بإكراه).
469

مسألة (1)
لا خلاف بين الأصحاب كما صرح به جماعة (2) في وجوب القسم بين
الزوجات في الجملة، ويدل عليه الأخبار المستفيضة أيضا (3) وإنما الاشكال
والخلاف في أنه هل يجب بنفس العقد والتمكين؟ فيجب للزوجة الواحدة
ليلة من أربع ليال، وللاثنين ليلتان، وللثلاث ثلاث، والفاضل عن تمام
الأربع له يضعه حيث يشاء، فإذا كن أربعا فليس له شئ من الليالي،
وكلما فرغ من دورة واحدة من القسمة يجب عليه الشروع في دورة أخرى؟
أم يتوقف وجوبه على الشروع في القسمة؟ ويتفرع عليه - كما ذكره جماعة

(1) العنوان من (ع) و (ص)، وقد وردت هذه المسألة في (ق) في أول الصفحة
اليسرى من الورقة (117) إلى آخر الصفحة اليمنى من الورقة (119).
(2) كما في الحدائق 24: 588، ورياض المسائل 2: 149. وقال في كشف اللثام
(2: 94): أطبقت عليه المسلمون.
(3) الوسائل 15: 80، وأبواب القسم والنشوز والشقاق.
470

ونسبه بعض إلى الأصحاب (1) - عدم الوجوب للزوجة الواحدة وعدم
وجوب الابتداء بها للمتعددة. نعم لو بات عند واحدة ليلة يجب عليه المبيت
عند غيرها، فإذا انقضت دورة القسمة لم يجب عليه استئناف دورة أخرى
إلى أن يبيت عند بعضهن فيجب عليه إبقاء القسمة للباقيات، ثم لا يجب
عليه الاستئناف، وهكذا.
والمشهور كما صرح به جماعة (2) على الأول. وحكي عن الشيخ
في المبسوط (3) والمحقق في الشرائع (4) والعلامة في التحرير (5)، الثاني، واختاره
الشهيد الثاني (6) وسبطه (7) وصاحب الكفاية (8) وصاحب الحدائق (9) وقواه
في الرياض (10).
ويمكن أن يستدل للمشهور بجملة من الآيات والأخبار.
فمن الآيات، قوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) (11) دل على

(1) الحدائق 24: 591.
(2) كما عن الشهيد الثاني قدس سره في المسالك 1: 449، والمحدث البحراني
قدس سره في الحدائق 24: 591، والسيد الطباطبائي قدس سره في الرياض 2: 150.
(3) المبسوط 4: 325.
(4) الشرائع 2: 335.
(5) تحرير الأحكام 2: 40.
(6) الروضة البهية 5: 404.
(7) هو السيد السند صاحب المدارك، حكاه عنه صاحب الحدائق 24: 591.
(8) كفاية الأحكام: 186.
(9) الحدائق 24: 591.
(10) الرياض 2: 150.
(11) النساء: 19.
471

وجوب معاشرة النساء في الجملة، ولا يصدق عرفا بمجرد الانفاق
ولا بانفضام وطئها في كل أربعة أظهر مرة واحدة بأقل ما يوجب الغسل،
فدل على وجوب شئ آخر يوجب صدق المعاشرة، وليس غير المضاجعة
بالاجماع، فتعين وجوبها.
وأورد عليه في المسالك بأن المعاشرة تتحقق بدون المضاجعة،
بل بالايناس والانفاق وتحسين الخلق والاستمتاع بالنهار أو بالليل مع عدم
استيعاب الليلة بالمبيت، بل مع عدم المبيت على الوجه الذي أوجبه القائل،
بل يمكن تحصيل المعاشرة بالمعروف زيادة في الأوقات مع عدم مبيته
عندهن (1).
وفيه: أن ما عدا الانفاق من هذه الأمور التي ذكرها غير واجب
إجماعا. وقد عرفت أيضا عدم تحقق المعاشرة عرفا بمجرد الانفاق أو بانضمام
أقل الواجب من الوطء، فلم يبق هنا ما يصلح أن يكون واجبا
إلا المضاجعة، مع أن مثل هذا الايراد لو توجه لم يمكن الاستدلال بالآية
على وجوب المضاجعة والقسمة في الجملة الذي لا خلاف فيه، مع أنه قدس سره
كغيره استدل بها عليه.
ومنها، قوله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة) (2)
أي لا تميلوا إلى إحدى الزوجتين أو الزوجات حتى تذروا الأخرى كالمعلقة
لا ذات بعل ولا مطلقة، فدلت على تحريم الميل لأجل العلة المذكورة، وهي
أن يذرها كالمعلقة، ولا ريب في تحقق هذه الغاية في ترك القسمة ابتداء،

(1) المسالك 1: 448.
(2) النساء 4: 129.
472

فيتحقق التحريم.
ومنها، قوله تعالى: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن وأهجروهن
في المضاجع وأضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا) (1) دل على
جواز الهجر في المضاجع مع خوف النشوز أو مع علمها - على اختلاف في
التفسير - فيدل بمفهومه المعتبر هنا اتفاقا ظاهرا - وإن كان مفهوم الوصف -
على عدم جوازه مع عدم خوف النشوز.
ووجه اعتبار مفهوم الوصف هنا أنه في مقام تحديد الصنف الذي
يجوز هجره من النساء، مضافا إلى وجود القرينة في ذيل الآية، وهو قوله:
(فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا).
وأما الأخبار:
فمنها: موثقه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام، (قال: وإذا كانت
الأمة عنده قبل نكاح الحرة على الأمة قسم للحرة الثلثين من ماله ونفسه
يعني النفقة، وللأمة الثلث من ماله ونفسه) (2).
وردها في المسالك تارة بضعف الدلالة حيث إنها بظاهرها تدل على
وجوب ما ليس بواجب إجماعا، لعدم وجوب (3) الحرة بالثلثين من تمام
الأوقات والأمة الثلث، وأخرى بضعف السند (4).
أقول: أما الايراد بضعف الدلالة، فضعيف، لأن دلالتها على وجوب

(1) النساء 4: 34.
(2) الوسائل 15: 87، الباب 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، الحديث 2.
(3) كذا صحح في (ش): لعدم وجوب قسم الحرة بالثلثين... والأمة بالثلث.
(4) المسالك 1: 448.
473

ما ليس بواجب إجماعا لا يوجب طرح الرواية، فإن التقييد والتخصيص
في المطلقات والعمومات بواسطة الاجماع ليس بعزيز، فكما أن المراد
ب‍ (المال) في الرواية خصوص النفقة - كما فسره الإمام عليه السلام - فكذا المراد
من (النفس)، المضاجعة، إذ ليس غيرها واجبا إجماعا.
وأما الايراد بضعف السند، فإن كان بواسطة (محمد بن قيس) حيث
إنه مشترك بين الثقة والضعف، ففيه: أن الظاهر كما استظهره غير واحد (1)
هو وثاقة من يروي عنه عاصم بن حميد، كما في هذه الرواية، مع أن
ما سيجئ من الرواية في العمل بكتب بني فضال كاف في هذا المجال، فإن
الرواية مأخوذة ظاهرا من كتاب علي بن حسن بن فضال.
وإن كان ضعفه بواسطة نفس علي بن فضال حيث إنه فطحي، ففيه:
أنه في غاية الوثاقة والورع في دينه، كما يظهر من ملاحظة ترجمته، مضافا
إلى أن الشيخ أخذ الرواية من كتابه (2) كما هو الظاهر من عادته في من
يبتدئ به في السند، وقد ورد رواية حسنة كالصحيحة في شأن علي بن
فضال وأبيه وأخويه وكتبهم عن العسكري عليه السلام قال: (خذوا ما رووا
وذروا ما رأوا) (3) مضافا إلى انجبار الرواية بالشهرة.
نعم، هذا الايراد منه حسن، على قاعدته من التأمل في الضعيف
المنجبر ولو كان موثقا حيت قال في مقام آخر - ولا أذكره الآن -: (العمل
بالموثق خروج عن قيد الايمان، وجبر الضعف بالشهرة [ضعيف] مجبور

(1) راجع تنقيح المقال 3: 176، الرقم 11283.
(2) التهذيب 7: 421، الحديث 6.
(3) الوسائل 18: 72، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث 79.
474

بالشهرة) (1).
ومنها: موثقة عبد الرحمن - بابن فضال وأبان - عن أبي عبد الله
عليه السلام، وفيها: (للحرة ليلتان وللأمة ليلة) (2).
ومنها: صحيحة ابن مسكان: (فإن تزوج الحرة على الأمة فللحرة
يومان وللأمة يوم) (3) ونحوها المحكي عن الفقيه مرسلا (4) ورواية
أبي بصير (5).
ومنها: صحيحة الحلبي أو حسنته - بابن هاشم -، قال: (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا
أو إعراضا) قال: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: إني
أريد أن أطلقك، فتقول: لا تفعل إني أكره أن تشمت بي، ولكن انظر
في ليلتي فاصنع بها ما شئت وما كان سوى ذلك من شئ فهو لك، ودعني
على حالي، فهو قوله تعالى: (فلا جناح عليها أن يصلحا بينهما صلحا) (6)
وهذا هو الصلح) (7).

(1) المسالك 1: 313، كتاب الوصايا، والزيادة من المصدر.
(2) الوسائل 15: 88، الباب 8 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، الحديث 3.
(3) الوسائل 14: 393، الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.
(4) الفقيه 3: 428، الحديث 4483. الوسائل 14: 393، الباب 46 من أبواب ما
يحرم بالمصاهرة الحديث 7، و 15: 88 الباب 8 من أبواب القسم والنشوز، ذيل
الحديث 3.
(5) الوسائل 14: 392، الباب 46 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.
(6) النساء: 128.
(7) الوسائل 15: 90، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، الحديث 1.
475

فإن الرواية كما ترى ظاهرة في كون الليلة حقا للزوجة ولهذا لها
إسقاطها والمصالة بها كسائر الحقوق على ترك الطلاق.
ونحوها رواية أبي بصير (1) ورواية زيد الشحام (2) والمروي في تفسير
العياشي عن البزنطي عن مولانا الرضا عليه السلام (3) ورواية زرارة (4) الواردة
كلها في تفسير الآية الشريفة المذكورة.
وأظهر من الجميع رواية علي بن حمزة - الواردة في تفسير الآية - عن
أبي الحسن عليه السلام، قال: (إذا كان كذلك فهم بطلاقها، فقالت له: أمسكني
وأدع بعض مما عليك وأحللك من يومي وليلتي، حل له ذلك ولا جناح
عليهما) (5).
ولا يقدح في هذه الرواية وفي غيرها اشتمالها على ذكر اليوم مع الليلة
مع أن اليوم ليس حقا لها على المشهور، لأن ترك ظاهر الرواية في بعض
موارده لا يوجب طرحها بالنسبة إلى الباقي، مع أن كون الزوج عند الزوجة
في صبيحة ليلتها من الحقوق المستحبة، وقيلولته عندها من الحقوق الواجبة
عند الإسكافي - على ما حكي عنه (6) - فليس شئ من الرواية مخالفا
بتفاوت يسير.

(1) الوسائل 15: 91، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، الحديث 3.
(2) الوسائل 15: 91، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، الحديث 4.
(3) تفسير العياشي 1: 278، الحديث: 281، الوسائل 15: 91، الباب 11 من
أبواب القسم والنشوز، الحديث 6.
(4) الوسائل 15: 91، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، الحديث 7.
(5) الوسائل 15: 90، الباب 11 من أبواب القسم والنشوز والشقاق، الحديث 2.
(6) حكي عنه في المختلف: 580.
476

للاجماع.
هذا كله مضافا إلى أن في هجر الزوجة في المضاجع ضررا عظيما
عليها، نفي بعموم: (لا ضرر ولا ضرار) (1) الذي تمسكوا به كثيرا في موارد
خيار الفسخ للزوجين وغيرها، وبخصوص ما يستفاد من بعض الروايات
من حرمة مضارة الرجل المرأة، والمرأة الرجل (2).
ثم إن هذه الأدلة وإن اختص بعضها بوجوب القسمة مع تعدد
الزوجة، إلا أن بعضها يشمل صورة اتحادها مضافا إلى ما يظهر من
المسالك من عدم القول بعدم الوجوب في الواحدة والوجوب في المتعددة (3)
ويمكن أن يستفاد من كلام غيره أيضا (4).
نعم، حكى في الرياض عن ابن حمزة، التصريح باشتراط التعدد
في وجوب القسمة، قال بعده: وحكي أيضا عن ظاهر جماعة كالمقنعة
والنهاية والمهذب والجامع (5)، انتهى كلامه رفع مقامه.
ومحتمل قويا أن يكون مراد ابن حمزة من القسمة التي اشترط فيها
تعدد الزوجة هي القسمة بين الزوجات، ولا ريب في اعتبار تعدد الزوجة في
مفهومها.
أما القسم للواحدة بمعنى إعطائها قسما أو حظا من الليالي أو نصيبا من
المعاشرة، فلا يعتبر فيه التعدد.

(1) راجع الوسائل 17: 340، الباب 12 من أبواب إحياء الموات، الحديث 3، 4.
(2) راجع الوسائل 14: 116، الباب 82 من أبواب مقدمات النكاح.
(3) المسالك 1: 448.
(4) لعله يستفاد من كلام صاحب الحدائق 24: 591.
(5) الرياض 2: 150.
477

وكيف كان، فلعل مستند التفصيل اختصاص ما اعتبر سنده ودلالته
من الأدلة المذكورة بصورة التعدد، وعدم ثبوت الاجماع المركب، وضعف
ما دل منها على العموم سندا أو دلالة على سبيل منع الخلو، فيرجع في صورة
الاتحاد إلى أصالة البراءة.
ومن ذلك يظهر مستند القائلين بعدم الوجوب مطلقا، حيث إنهم
ضعفوا دلالة ما اعتبر سنده وسند ما اعتبر دلالته، ولم يزيدوا على
ما في المسالك، وقد ذكرنا.
وقد استدل له في المسالك - مضافا إلى الأصل - بقوله تعالى:
(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا
فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) (1) قال: إن الآية تدل على أن الواحدة كالأمة
لا حق لها في القسمة المعتبر فيها العدل، ولو وجبت لها ليلة من الأربع
لساوت غيرها، وكل من قال بعدم الوجوب للواحدة قال بعدمه للأزيد
إلا مع الابتداء (2)، انتهى.
وفيه: أنه لا دلالة في الآية على كون الواحدة كالأمة، وعطفها عليها
لا يدل على اتحادهما، بل المراد - والله العالم - وإن خفتم ألا تعدلوا بين
الزوجات فانكحوا واحدة فتسلموا من الميل والحيف، أو ما ملكت أيمانكم
ولو كانت متعددة، لأن منافعها مملوكة للمولى، فلا يلزم ظلم عليهن،
ولو ترك المولى استيفاء المنفعة من بعضهن، لأن ترك الرجل الحق المختص به
ليس ظلما، وكيف كان، فليس في الآية دلالة على المطلوب ولا إشعار.

(1) النساء: 3.
(2) المسالك 1: 448.
478

نعم، يمكن أن يتمسك لهم بما دل من الأخبار على حصر
الحق الواجب للمرأة في أن يكسوها من العرى ويطعمها من
الجوع، كموثقة إسحاق بن عمار (1) ورواية عمرو بن جبير
العزرمي (2) ورواية شهاب بن عبد ربه (3) ونحوها.
ويمكن الجواب عنها بأن المراد بحق الزوجة في تلك الأخبار حقها
المختص بها، ولا ضير في حصره فيما ذكر فيها، فإن القسم عند من يوجبه
إنما هو من الحقوق المشتركة بين الزوجين وليس مختصا بالزوجة، فتأمل.
وبالجملة، فالمسألة محل التأمل، وإن كان ما ذهب إليه المشهور لا يخلو
عن قوة، مع أنه أحوط.

(1) الوسائل 15: 224، الباب الأول من أبواب النفقات، الحديث 3 و 5.
(2) الوسائل 14: 118، الباب 84 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 3.
(3) الوسائل 15: 226، الباب 2 من أبواب النفقات، الحديث الأول.
479

المطلب الثاني: في النفقة
وأسبابها ثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك.
481

الفصل الأول: في نفقة الزوجة
وفيه بحثان:
الأول: الواجب.
وهو ستة:
الأول: الطعام
(فقيل مد، والحق: قدر الكفاية من غالب قوت البلد، فإن لم يكن
فما يليق بالزوج، ويملكها الحب ومؤونة الطحن والخبز وإصلاح اللحم،
وله دفع الخبز، ولا يكلفها الأكل معه، ولو دخل واستمرت تأكل معه على
العادة لم يكن لها المطالبة بنفقة مدة المؤاكلة).
الثاني: الأدم
(ويرجع فيه إلى العادة من أمثالها من أهل البلد في الجنس والقدر،
ولو تبرمت (1) بجنس أبدله، ولها أخذ الأدم وإن لم تأكل).

(1) التبرم: التضجر والملل، راجع الصحاح 5: 1869، مادة: (برم).
483

الثالث: الاخدام
(إما بنفسه، أو بمن يستأجره، أو يشريه لها أو ينفق على خادمها
إن كانت من أهله، ولا يلزمه أكثر من واحد وإن كانت من أهله، وتخدم نفسها
لو لم تكن من أهل الاخدام، إلا في المرض فيخدمها، ولو طلبت مستحقة
الخدمة نفقة الخادم لتخدم نفسها لم تجب الإجابة، وله إبدال خادمتها المألوفة
لغير ريبة، وإخراج سائر خدمها إلا الواحدة، إذ ليس عليه سكناهن، بل له منع
أبويها من الدخول ومنعها من الخروج).
الرابع: الكسوة
(وهي في الصيف قميص وسراويل وخمار ومكعب، ويزيد في الشتاء
الجبة لليقظة واللحاف للنوم، ويرجع في جنس ذلك إلى عادة أمثالها،
ويزاد على ثياب البذلة ثياب التجمل - إن كانت من أهله - جاري عادة
أمثالها، ولا بد من ملحفة وحصير ومخدة، وآلة الطبخ والشرب من كوز وجرة
وقدر ومغرفة).
الخامس: آلة التنظيف
(كالمشط، والدهن، والمزيل للصنان، ولا يجب الطيب، ولا الكحل،
وله منعها عن مثل أكل الثوم وتناول السم والأطعمة الممرضة، ولا يجب
الدواء للمرض، ولا أجرة الحجامة، ولا أجرة الحمام إلا في شدة البرد).
السادس: السكنى في دار تليق بها
(إما بعارية أو إجارة أو ملك، ولها المطالبة بالتفرد في مسكن عن
مشارك غير الزوج.
ويدفع نفقة كل يوم في صبيحته، ولو عاوضها بدراهم جاز، فإن ماتت
في أثناء النهار لم تسترد، ولو نشزت استرد، ولو دفع نفقة أيام فماتت استرد
484

الزائد غير يوم الموت،
ولا يجب في الكسوة والمسكن والأثاث التمليك
بل الامتاع، ولو منعها النفقة مع التمكين التام استقرت في ذمته، ولو دفع
نفقة لمدة فانقضت ممكنة ملكتها، ولا اعتراض لو أنفقت من غيرها
أو استفضلت، ولو أخلقت الكسوة قبل المدة المضروبة لم يجب البدل،
ولو انقضت وهي باقية فلها المطالبة بأخرى، ولو طلقها استعاد الكسوة
وما زاد من النفقة عن يوم الطلاق، إلا أن تنقضي المدة التي قررت لها قبله،
ولو مضت مدة قبل الدخول فالا نفقة، إلا أن تبذل التمكن التام، ولو حضرت
زوجة الغائب وبذلت التمكين عند الحاكم لم تجب النفقة، إلا بعد الاعلام
وقدر وصوله أو وكيله، ولو أطاعت الناشزة لم تجب النفقة، إلا بعد الاعلام
وزمان إمكان الوصول، ولو ارتدت سقطت نفقتها، فإن عادت وجبت وإن
لم يعلم، وينفق على البائن مع ادعاء الحمل، فإن ظهر الفساد استعيدت،
ولو أخر نفقتها سقط السالف إن قلنا إن النفقة للحمل).
485

البحث الثاني: في الموجب
(وهو العقد الدائم بشرط التمكين التام، سواء كانت حره أو أمة
أو كافرة، فلو امتنعت زمانا من غير عذر أو مكانا سقطت، والمولى إن أرسل
أمته ليلا ونهارا إلى الزوج وجبت النفقة، وإلا على المولى.
وتسقط بصغر الزوجة بحيث يحرم وطؤها، وارتدادها، ونشوزها،
وطلاقها بائنا إلا الحامل.
ولا تسقط بصغر الزوج خاصة، وبمرضها، ورتقها، وقرنها، وعظم آلته
مع ضعفها، وسفرها في الواجب من دون إذنه، واعتكافها وصومها الواجبين
وحيضها، وطلاقها رجعيا وبائنا مع الحمل، ولو أنكر دعواها تأخر الطلاق عن
الوضع بانت منه وعليه النفقة، وله مقاصتها بدينه مع يسارها، ويبدأ بالنفقة
عليه، ثم بالزوجة، ثم بالأقارب).
486

الفصل الثاني: في النسب
(وتجب النفقة على الأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا لا غير،
بشرط فقرهم، وعجزهم عن التكسب، وحريتهم، وقدرة المنفق على فاضل
قوت يوم له ولزوجته، لا الاسلام.
وتستحب على غير هؤلاء من الأقارب، ويتأكد الوارث.
ويجب قدر الكفاية من الاطعام والكسوة والمسكن، ويباع عبده
وعقاره في النفقة، ويجب الكسب في نفقة القريب، ولا يجب الاعفاف،
ولو فاتت لم تقض إلا أن يأمره بالاستدانة.
وعلى الأب النفقة على ابنه، فإن عجز أو فقد فعلى الجد له وإن علا،
ولو عدموا فعلى الأم، ومع عدمها أو فقرها فعلى أبويها وإن علوا الأقرب
فالأقرب، ومع التساوي الشركة، ولو فضل عن قوته ما يكفي أحد أبويه
تشاركا، وكذا الأب والولد، أما أحد الأبوين والجد فيختص به الأقرب،
ولو أيسر الأب والابن فالنفقة عليهما بالسوية، أما الأب والجد المؤسران
فالنفقة على الأقرب ويحبسه الحاكم لو ماطل ويبيع عليه).
487

الفصل الثالث: في نفقة المملوك
(تجب نفقته على المالك، ويتخير المولى بين الانفاق من خاصته
أو من كسبه، ولا تقدير بل عادة مماليك أمثاله من البلد، فإن امتنع أجبر عليه
أو على البيع، ولو خارجه ولم يكفه الفاضل فالتمام على المولى، ولا تجوز
المخارجة على أكثر من كسبه، والقن والمدبر وأم الولد سواء،
وتجب نفقة
البهائم المملوكة بالرعي، فإن قصر علفها، فإن امتنع أجبر على البيع
أو الانفاق أو الذبح إن كانت من أهله، ويوفر على ولدها كفايته من اللبن
مع حاجته إليه).
488

المطلب الثالث: في أحكام الأولاد
(من بلغ عشرا فما زاد وإن كان خصيا أو مجبوبا، ثم ولد له ولد
بالعقد الدائم، بعد الدخول قبلا أو دبرا، ومضي ستة أشهر من حين الوطء
إلى عشرة، لحق به ولم يجز له نفيه، ولا ينتفي عنه إلا باللعان.
ولو لم يدخل، أو جاء لأقل من ستة حيا كاملا، أو لأكثر من عشرة،
أو كان له دون عشر سنين، أو كان خصيا ومجبوبا لم يلحق به، ولا يجوز له
إلحاقه به، ولو جاءت به كاملا لأقل من ستة أشهر من طلاق الأول
فهو للأول، وإن كان لستة أشهر فللثاني.
ولو وطأها اثنان للشبهة، أو أحدهما للنكاح الصحيح والآخر للشبهة
ثم جاء الولد، أقرع وألحق بالخارج، كافرين أو مسلمين أو عبدين
أو مختلفين، ويلحق النسب بالفراش المنفرد الدعوى المنفردة، وبالفراش
المشترك والدعوى المشتركة يقضى بالقرعة مع عدم البينة.
ولو ادعى مولودا على فراش غيره، بأن ادعى وطأه للشبهة وصدقه
489

الزوجان، فلا بد من البينة لحق الولد، ولو استلحق وأنكرت زوجته ولادته
لم يلحقها بإقرار الأب، والقول قول الزوج لو اختلفا في الدخول أو الولادة،
ومع ثبوتهما لا يجوز له نفيه لفجورها، ولا ينتفى إلا باللعان، وكذا لو اختلفا
في المدة.
ولو وطأها زان فالولد للزوج، ولو طلقها فاعتدت وجاءت به لعشرة
من حين الطلاق فما دون لحق به إن لم توطأ، ولو انخلق من زناه ولد لم يجز
إلحاقة به وإن تزوجها بعد، ولو ولدت أمته لستة أشهر من حين وطئه
إلى عشرة وجب إلحاقه به، فإن نفاه انتفى بغير لعان، فإن اعترت به بعد
ألحق به.
ولو وطأ المولى وأجنبي فالولد للمولى، قيل: ولو ظن انتفاءه لم يلحق
ولم ينتف به، بل يوصي له بقسط دون نصيب الولد. ولو انتقلت من واطئ
إلى آخر، فإن ولدت لستة أشهر فصاعدا من حين وطء الثاني فالولد له،
وإلا فللسابق، ولو وطأها الشركاء وتداعوا الولد ألحق بمن تخرجه القرعة
ويغرم حصص الباقين من قيمة الأم وقيمته يوم ولد، ولو ادعاه واحد ألحق به
واغرم.
ولا يجوز نفي الولد للعزل، ولو تشبهت عليه وحملت من وطئه ألحق
الولد به، فإن كانت أمة أغرم قيمة الولد يوم ولد حيا، ولو ظن الموت
أو الطلاق فأحبلها ردت إلى الأول بعد العدة والولد للثاني.
ويجب عند الولادة استبداد النساء بالمرأة أو الزوج.
ويستحب: غسل المولود. والأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في اليسرى،
وتحنيكه بماء الفرات وبتربة الحسين عليه السلام، والتسمية بالأسماء الحسنة،
والكنية، ولا يجمع بين أبي القاسم ومحمد.
490

ويكره التسمية ب‍ (حكم، وحكيم، وحارث، ومالك، وضرار).
ويستحب يوم السابع حلق رأسه والتصدق بوزنه ذهبا أو فضة، والختان
فيه ويجب عند البلوغ، وخفض الجواري وإن بلغن، والعقيقة عن الذكر
أو الأنثى بالمثل بشرائط الأضحية، ولا تكفي الصدقة بثمنها، وتخص القابلة
بالرجل والورك، ولا يسقط عنه استحبابها لو أهمل الأب، ولا بموته بعد
الزوال، ويكره للأبوين الأكل منها، وكسر العظام).
491