الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ١٣
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ذو الحجة ١٤١٧
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٠٧٣-٠
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الثالث عشر
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

Bp النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. VOIS 18 - 2 - 75 - 5503 - ISBN 964
ردمك (شابك). - 76 - 5503 - 964 / ج 1
L / VO / 0 - 76 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 13
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك):
الطبعة: الأولى - ذو الحجة 1417 ه‍.
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 5500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 37185 / 996 - هاتف 4 - 370001
4

الفصل الخامس
في الرجوع إلى مكة للاتيان بمناسكها الخمسة
الطواف، وركعتاه، والسعي، وطواف النساء، وركعتاه.
وسبقت كيفية الطواف وركعتيه والسعي في العمرة، وإنما بقيت
مسائل منها متعلقة بذلك المقام، ففي هذا الفصل مسائل:
المسألة الأولى: يجب على الحاج - بعد فراغه من مناسك منى،
ويجوز قبله أيضا على القول بجواز تقديم الطواف والسعي على مناسكه كلا
أو بعضا - المضي إلى مكة - شرفها الله تعالى - لمناسكها، اتفاقا نصا
وفتوى.
ويترجح إيقاع ذلك في يوم النحر، لاستحباب المسارعة إلى
الخيرات، والتحرز عن الموانع والأعراض، من الأخبار:
كصحيحة محمد: عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: (يوم النحر) (1).

(1) 1 التهذيب 5: 249 / 841، الإستبصار 2: 290 / 1030، الوسائل 14: 244
أبواب زيارة البيت ب 1 ح 5.
5

وصحيحة ابن عمار: في زيارة البيت يوم النحر، قال: (زره، فإن
شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد، ولا تؤخر أن تزور من يومك،
فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر، وموسع للمفرد أن يؤخر) (1).
ومنصور: (لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت) (2).
وهل يجب ذلك بدون العذر، كما عن النهاية والمبسوط والوسيلة
والجامع (3)، للأخبار المذكورة، سيما الأمر ومفهوم الشرط في الثانية، ولا
ينافيه قوله فيها: (يكره)، لأعمية الكراهة من الحرمة؟
أو لا يجب، كما عن الباقين؟
الحق هو: الثاني، وقصور الأخبار المتقدمة عن إفادة الحرمة، حتى
الأمر والمفهوم المذكور، لأن الأمر في الجواب غير مقيد بيوم النحر.
ولأن الشغل أعم من العذر، والضرر أعم من العقاب، فإن حرمان
الثواب أيضا ضرر، وغير الغد أعم من يوم النحر، لأن ليلته غير يوم النحر
وغير الغد.
وللأخبار المجوزة للتأخير أو الظاهرة في الاستحباب (4)، كما يأتي.
وعلى هذا، فيجوز التأخير إلى الليلة.
وتدل عليه أيضا صحيحة الحلبي: (ينبغي للمتمتع أن يزور البيت يوم

(1) الكافي 4: 511 / 4، التهذيب 5: 251 / 853، الإستبصار 2: 292 / 1037،
الوسائل 14: 243 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 1.
(2) التهذيب 5: 249 / 842، الإستبصار 2: 290 / 1031، الوسائل 14: 245
أبواب زيارة البيت ب 1 ح 6.
(3) النهاية: 264، المبسوط 1: 377، الوسيلة: 187، الجامع للشرائع: 217.
(4) الكافي 4: 511 / 3، التهذيب 5: 249 / 843، الإستبصار 2: 291 / 1032،
الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 7.
6

النحر أو من ليلته، ولا يؤخر ذلك) (1).
ونحوها صحيحة عمران الحلبي (2).
وإلى الغد، لقصور ما مر من الأخبار - الناهية عن التأخير - لاثبات الحرمة.
ولصحيحة ابن عمار المتقدمة (3).
والأخرى: عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: (يوم النحر أو من
الغد، ولا يؤخر، والمفرد والقارن ليسا بسواء، موسع عليهما) (4).
وإلى يوم النفر الثاني، وفاقا للحلي والغنية والكافي (5) وأكثر
المتأخرين (6)، بل غير نادر منهم.
لقصور ما مر عن إفادة الحرمة عن الغد.
ولموثقة إسحاق: عن زيارة البيت تؤخر إلى يوم الثالث، قال:
(تعجيلها أحب إلي، وليس به بأس إن أخره) (7).
وصحيح ابن سنان: (لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر،
إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض) (8).

(1) الكافي 4: 511 / 3، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 7.
(2) التهذيب 5: 249 / 843، الإستبصار 2: 291 / 1032، الوسائل 14: 245
أبواب زيارة البيت ب 1 ح 7.
(3) في ص: 6.
(4) التهذيب 5: 249 / 844، الإستبصار 2: 291 / 1036، الوسائل 14: 245
أبواب زيارة البيت ب 1 ح 8.
(5) الحلي في السرائر 1: 602، الغنية (الجوامع الفقهية): 582، الكافي في الفقه: 195.
(6) انظر الدروس 1: 457، الحدائق 17: 274، الذخيرة: 685.
(7) الفقيه 2: 244 / 1170، التهذيب 5: 250 / 845، الإستبصار 2:
291 / 1033، الوسائل 14: 246 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 10.
(8) الفقيه 2: 245 / 1171، التهذيب 5: 250 / 846، الإستبصار 2:
291 / 1034، الوسائل 14: 245 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 9.
7

والمروي في السرائر عن نوادر البزنطي: عن رجل أخر الزيارة إلى
يوم النفر، قال: (لا بأس) (1).
خلافا للمحكي عن المفيد والسيد والديلمي والنافع وموضع من
الشرائع والارشاد والتذكرة والمنتهى (2)، وقيل: جماعة من المتأخرين (3).
للأخبار المتقدمة القاصرة عن إفادة الحرمة حتى من جهة قوله:
(موسع عليهما)، إذ في رفع الاستحباب أيضا نوع توسعة.
ومن ذلك يظهر ضعف ما أجيب به عن روايات التأخير من الحمل
على غير المتمتع، حملا للمطلق على المقيد.
وإلى آخر ذي الحجة، وفاقا للحلي (4)، وهو ظاهر الاستبصار (5)،
وحكي عن المختلف (6)، ونسبه إلى سائر المتأخرين، واختاره في
المفاتيح (7) وشرحه، ونسبه في الأخير أيضا إلى أكثر متأخري أصحابنا.
للأصل، ولصحيحتي الحلبي وهشام بن سالم:
الأولى: عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، قال: (ربما
أخرته حتى تذهب أيام التشريق، لكن لا يقرب النساء والطيب) (8).

(1) مستطرفات السرائر: 35 / 48، الوسائل 14: 246 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 11.
(2) المفيد في المقنعة: 420، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 69، الديلمي في المراسم: 114، النافع: 92، الشرائع 1: 265،
الإرشاد 1: 335، التذكرة 1: 391، المنتهى 2: 767.
(3) انظر الرياض 1: 404.
(4) السرائر 1: 602.
(5) الإستبصار 2: 291.
(6) المختلف: 309.
(7) المفاتيح 1: 363.
(8) الفقيه 2: 245 / 1172، التهذيب 5: 250 / 847، الإستبصار 2:
291 / 1035، الوسائل 14: 243 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 2 بتفاوت.
8

والثانية: (لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق،
إلا أنك لا تقرب النساء ولا الطيب) (1).
وهما وإن لم تصرحا بالتأخر إلى آخر الشهر، إلا أنهما تدلان عليه.
خلافا لموضع من الشرائع وللذخيرة وللمحكي عن الغنية
والكافي (2)، فلم يجوزوا التأخير عن آخر أيام التشريق.
ويدل عليه مفهوم الغاية في صحيحة ابن سنان والمروي عن النوادر
المتقدمين، ولكن يجب حملهما على الكراهة، بقرينة الصحيحتين
الأخريين.
مضافا إلى أن المفهوم عام بالنسبة إلى زمان التأخير، فيجب
التخصيص.
المسألة الثانية: ما مر من الخلاف في جواز التأخير وعدمه إنما هو
في المتمتع، وأما القارن والمفرد فيجوز لهما التأخير طول ذي الحجة، بلا
خلاف كما قيل (3).
لقوله سبحانه: (الحج أشهر) (4).
والأصل.
والاطلاقات.
وصحيحتي ابن عمار المتقدمتين، وهما وإن لم تصرحا بالتأخير إلى
آخر الشهر، إلا أن إطلاق جواز التأخير واختصاص المقيدات بالمتمتع -

(1) الفقيه 2: 245 / 1174، الوسائل 14: 244 أبواب زيارة البيت ب 1 ح 3.
(2) الشرائع 1: 265، الذخيرة: 685، الغنية (الجوامع الفقهية): 582، الكافي:
195.
(3) مفاتيح الشرائع 1: 363.
(4) البقرة: 197.
9

سيما بضميمة الاجماع المركب - كاف في إثبات المطلوب.
نعم، يكره التأخير.
لفتوى الأجلة، كما في النافع والشرائع والمنتهى والارشاد والتحرير
والتلخيص (1).
وللعلة المذكورة في صحيحة ابن سنان المتقدمة.
المسألة الثالثة: يستحب لمن يمضي إلى طواف الحج الغسل وتقليم
الأظفار وأخذ الشارب.
لرواية عمر بن يزيد: (ثم احلق رأسك، واغتسل، وقلم أظفارك،
وخذ من شاربك، وزر البيت، وطف به أسبوعا تفعل كما صنعت يوم
قدمت مكة) (2).
ولو اغتسل لذلك بمنى جاز، للأصل، ورواية الحسين (3).
ولو اغتسل نهارا وطاف ليلا أجزأه الغسل ما لم يحدث ما يوجب
الوضوء.
لموثقة إسحاق: عن غسل الزيارة يغتسل الرجل بالنهار ويزور في
الليل بغسل واحد، يجزئه ذلك؟ قال: (يجزئه ما لم يحدث ما يوجب
وضوء، فإن أحدث فليعد غسله بالليل) (4).

(1) النافع: 92، الشرائع 1: 265، المنتهى 2: 767، الإرشاد 1: 335، التحرير
1: 109.
(2) التهذيب 5: 250 / 848، الوسائل 14: 247 أبواب زيارة البيت ب 2 ح 2.
(3) الكافي 4: 511 / 1، التهذيب 5: 250 / 849، الوسائل 14: 248 أبواب زيارة
البيت ب 3 ح 1.
(4) الكافي 4: 511 / 2، وفي التهذيب 5: 251 / 850، الوسائل 14: 248 أبواب
زيارة البيت ب 3 ح 2، بتفاوت.
10

والزيارة أعم من زيارة البيت وزيارة المشاهد. والرواية - كما ترى -
مختصة بالغسل نهارا والطواف ليلا.
وقد استدل بعضهم على العكس أيضا (1)، وهو غير جيد، إلا أن بعد
عدم الحدث يصدق كونه مغتسلا، فلا حاجة إلى غسل آخر، إذ لم
يستحب الغسل في يوم الزيارة أو ليلها، بل لها نفسها.
ولذا لو أحدث في يوم الغسل استحبت الإعادة، كما صرح به في
صحيحة البجلي: عن الرجل يغتسل للزيارة ثم ينام، أيتوضأ قبل أن يزور؟
قال: (يعيد غسله، لأنه إنما دخل بوضوء) (2).
ويستحب الغسل لدخول مكة، لاطلاق صحيحة البجلي المتقدمة في
دخول مكة لطواف العمرة.
المسألة الرابعة: يستحب لمن رجع من منى لطواف البيت أن يقوم
على باب المسجد، ويدعو بالمأثور في صحيحة ابن عمار، قال: (فإذا
أتيت البيت يوم النحر فقمت على باب المسجد، فقلت: اللهم أعني على
نسكك، وسلمني له وسلمه لي، أسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه
أن تغفر لي ذنوبي، وأن ترجعني بحاجتي، اللهم إني عبدك، والبلد بلدك،
والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأؤم طاعتك، متبعا لأمرك، راضيا
بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك، المطيع لأمرك، المشفق من عذابك،
الخائف لعقوبتك، أن تبلغني عفوك، وأن تجيرني من النار برحمتك)
الحديث (3).

(1) كما في الرياض 1: 404.
(2) التهذيب 5: 251 / 851، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 3 ح 4.
(3) الكافي 4: 511 / 4، التهذيب 5: 251 / 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة
البيت ب 4 ح 1.
11

ويستحب أيضا الدعاء على باب المسجد بالمأثور في موثقة أبي
بصير، المتقدمة الإشارة إليها في دخول المسجد لطواف العمرة، المبتدئ
بقوله عليه السلام: (بسم الله وبالله ومن الله) الحديث (1).
وأما الدعاء المتقدم في طواف العمرة على باب المسجد، المبتدأ
بقوله: (السلام عليك)، وحين دخوله، المبتدأ بقوله: (اللهم إني أسألك
في مقامي هذا) المأثورين في صحيحة ابن عمار (2)، المتقدمة في طواف
العمرة، فالظاهر اختصاصهما بذلك الطواف، لقوله في الدعاء الأخير: (في
أول مناسكي) كما لا يخفى.
ويستحب أيضا ما مر في طواف العمرة، من دخول مكة والمسجد
حافيا خاضعا مع السكينة والوقار، ودخول المسجد من باب بني شيبة،
لاطلاق الأخبار.
المسألة الخامسة: بعد الفراغ من الدعاء المذكور يأتي الحجر
الأسود، ويفعل كما فعل في طواف العمرة، ويقول كما قال فيه، كما صرح
به في صحيحة ابن عمار المتقدمة في صدر المسألة السابقة.
وفيها - بعد ما نقلناه -: (ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه وتقبله، فإن
لم تستطع فاستلمه بيدك وقبل يدك، وإن لم تستطع فاستقبله وكبر وقل كما
قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة، ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما
وصفت لك يوم قدمت مكة) الحديث (3).
المسألة السادسة: ومناسكه بمكة حينئذ: طواف البيت للحج
وركعتاه والسعي، وقد مرت كيفية الثلاثة وواجباتها ومستحباتها وأحكامها
في العمرة، والجميع في الموردين على السواء.

(1) الكافي 4: 402 / 2، التهذيب 5: 100 / 328، الوسائل 13: 205 أبواب
مقدمات الطواف وما يتبعها ب 8 ح 2.
(2) الكافي 4: 401 / 1، التهذيب 5: 99 / 327، الوسائل 13: 204 أبواب
مقدمات الطواف ب 8 ح 1.
(3) الكافي 4: 511 / 4، التهذيب 5: 251 / 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة
البيت ب 4 ح 1.
12

المسألة السابعة: قد سبق وجوب تأخير الطواف عن الحلق أو
التقصير على المتمتع، وكذلك يجب عليه تأخير طواف حجه وسعيه عن
الوقوفين عند جمهور الأصحاب، كما في الذخيرة (1)، بل بالاجماع
المحكي عن الغنية والمنتهى والمعتبر والتذكرة وفي المدارك (2).
ويستدل عليه بصحيحة ابن عمار: عن المتمتع متى يزور البيت؟
قال: (يوم النحر أو من الغد، ولا يؤخر، والمفرد والقارن ليسا بسواء،
موسع عليهما) (3).
ومحمد: عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: (يوم النحر) (4).
وعمر بن يزيد: (ثم احلق رأسك، واغتسل، وقلم أظفارك، وخذ
من شاربك، وزر البيت وطف به أسبوعا تفعل كما صنعت يوم قدمت
بمكة) (5).
أمر بالحلق والزيارة بعده بلفظة: (ثم) الدالة على التراخي والترتيب،

(1) الذخيرة: 641.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 576، المنتهى 2: 708، المعتبر 2: 340، التذكرة
1: 367، المدارك 8: 186.
(3) التهذيب 5: 249 / 844، الإستبصار 2: 291 / 1036، الوسائل 14: 245
أبواب زيارة البيت ب 1 ح 8.
(4) التهذيب 5: 249 / 841، الإستبصار 2: 290 / 1030، الوسائل 14: 244
أبواب زيارة البيت ب 1 ح 5.
(5) التهذيب 5: 250 / 848، الوسائل 14: 247 أبواب زيارة البيت ب 2 ح 2.
13

والحلق لا يكون إلا بعد الوقوفين.
وصحيحة الحلبي: عن رجل أتى المسجد الحرام وقد أزمع بالحج،
يطوف بالبيت؟ قال: (نعم، ما لم يحرم) (1).
ورواية عبد الحميد بن سعيد: عن رجل أحرم يوم التروية من عند
المقام بالحج، ثم طاف بالبيت بعد إحرامه وهو لا يرى أن ذلك لا ينبغي
له، أينقض طوافه بالبيت إحرامه؟ قال: (لا، ولكن يمضي على
إحرامه) (2).
ورواية أبي بصير: رجل كان متمتعا وأهل بالحج، قال: (لا يطوف
بالبيت حتى يأتي عرفات، فإن طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد
بذلك الطواف) (3).
ومفهوم الشرط في موثقة إسحاق: عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو
امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى؟ فقال: (نعم،
من كان هكذا يعجل) (4).
وفي صحيحة الأزرق: عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج، ففرغت
من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر، أيصلح لها أن تعجل
طوافها - طواف الحج - قبل أن تأتي منى؟ قال: (إذا خافت أن تضطر إلى

(1) الكافي 4: 455 / 3، التهذيب 5: 169 / 563، الوسائل 13: 447 أبواب
الطواف ب 83 ح 4.
(2) التهذيب 5: 169 / 564، الوسائل 13: 447 أبوا ب الطواف ب 83 ح 6.
(3) الكافي 4: 458 / 4، التهذيب 5: 130 / 429، الإستبصار 2: 229 / 793،
الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 5.
(4) الكافي 4: 457 / 1، الفقيه 2: 244 / 1169، التهذيب 5: 131 / 432،
الإستبصار 2: 230 / 796، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 7.
14

ذلك فعلت) (1).
ويؤيده مفهوم الوصف في بعض الأخبار الآتية في المعذور (2).
ولا يخفى أن تلك الأخبار بجملتها قاصرة عن إفادة الوجوب وإن كان
بعضها ظاهرا فيه، فالأولى الاستدلال ببعض الأخبار المتقدمة (3) في بيان
الواجب الثالث من واجبات الوقوف بمنى، المتضمنة لايجاب الترتيب بين
الطواف والحلق المتأخر عن الوقوفين (4).
إلا أن بإزاء تلك الأخبار أخبارا دالة على جواز التقديم:
كموثقة إسحاق: عن رجل يحرم بالحج من مكة، ثم يرى البيت
خاليا، فيطوف قبل أن يخرج، عليه شئ؟ قال: (لا) (5).
وصحيحة علي بن يقطين: عن الرجل المتمتع يهل بالحج ثم يطوف
ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى، قال: (لا بأس) (6).
ونحوها صحيحة البجلي (7).
وصحيحة البختري: في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال:
(هما سواء، أخر ذلك أو قدمه)، يعني للمتمتع (8).

(1) التهذيب 5: 398 / 1384، الوسائل 13: 415 أبواب الطواف ب 64 ح 2.
(2) انظر ص: 17.
(3) في ج 12: 300.
(4) في (ح) و (ق) زيادة: وتلك الأخبار كما ترى قاصرة عن إفادة الوجوب.
(5) الكافي 4: 457 / 1، الفقيه 2: 244 / 1169، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام
الحج ب 13 ح 7.
(6) التهذيب 5: 131 / 430، الإستبصار 2: 229 / 794، الوسائل 11: 281
أبواب أقسام الحج ب 13 ح 3.
(7) التهذيب 5: 477 / 1686، الوسائل 11: 280 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 2.
(8) الفقيه 2: 244 / 1167، الوسائل 13: 416 أبواب الطواف ب 64 ح 3.
15

وصحيحة جميل وابن بكير: عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في
الحج، فقال: (هما سيان قدمت أو أخرت) (1).
وقريبة منها موثقة زرارة (2)، إلى غير ذلك.
وهذه الروايات أصح اسنادا وأوضح دلالة.
ويمكن الجمع بينها وبين الأخبار الأولى، بحمل الأولى على الكراهة
بشهادة العرف، وبحمل الثانية على المعذور بشهادة الأخبار الآتية المجوزة
له التقديم، وليس هذا التخصيص بأولى من ذلك المجاز، كما حققناه في
موضعه، بل الأول أولى لفهم العرف، ولولاه أيضا لرجحه الأصل.
ولذا حكي عن جملة من متأخري المتأخرين الميل إلى الجواز لولا
الاجماع (3)، وهو ظاهر الخلاف والتذكرة (4)، ومحتمل التحرير (5)، إلا أن
موافقة الأخبار الأخيرة للعامة ومخالفتها للشهرة العظيمة القديمة والحديثة
يوجب مرجوحيتها وترجيح الأولى، فعليه الفتوى.
هذا في غير المعذور.
وأما هو - كامرأة تخاف الحيض المتأخر، أو مريض يضعف عن
العود، أو شيخ عاجز يخاف على نفسه الزحام - فيجوز له التقديم، وفاقا
لغير الحلي (6)، بل إجماعا كما عن الغنية (7).

(1) التهذيب 5: 477 / 1685، الوسائل 11: 280 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 1.
(2) الكافي 4: 459 / 1، التهذيب 5: 45 / 134، الوسائل 11: 283 أبواب أقسام
الحج ب 14 ح 2.
(3) حكاه عنهم في الرياض 1: 419.
(4) الخلاف 2: 350، التذكرة 1: 391.
(5) التحرير 1: 100.
(6) السرائر 1: 575.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.
16

للأخبار المطلقة المجوزة المتقدمة، الغير المرجوحة عن معارضها
بالنسبة إلى هذا الفرد.
والأخبار المختصة به، كصحيحة الأزرق، وموثقة إسحاق المتقدمتين.
وصحيحة الحلبي: (لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير والمرأة
تخاف الحيض قبل أن تخرج إلى منى) (1).
وقوية إسماعيل بن عبد الخالق: (لا بأس أن يعجل الشيخ الكبير
والمريض والمرأة والمعلول طواف الحج قبل أن يخرجوا إلى منى) (2).
وكذا يجوز للقارن والمفرد تقديم طواف الحج والسعي على الوقوفين،
بالاجماع المحكي عن الشيخ والغنية (3)، وظاهر المعتبر (4) وغيرها (5).
للأصل، والمستفيضة، كصحيحتي ابني أبي عمير وعمار، والموثقات
الثلاث لزرارة وإسحاق، وصحاح ابن عمار والحلبي وغيرهما (6)، الواردة
في حج رسول الله صلى الله عليه وآله مفردا، وتقديمه الطواف والسعي على الوقوف.
ورواية موسى بن عبد الله: عن المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة، قال: (لا متعة
له، يجعلها حجة مفردة، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة،
ويخرج إلى منى) الحديث (7).

(1) الكافي 4: 458 / 3، الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 4.
(2) الكافي 4: 458 / 5، التهذيب 5: 131 / 431، الإستبصار 2: 230 / 795،
الوسائل 11: 281 أبواب أقسام الحج ب 13 ح 6.
(3) الشيخ في الخلاف 2: 350، الغنية (الجوامع الفقهية): 578.
(4) المعتبر 2: 339.
(5) انظر المدارك 8: 189.
(6) الوسائل 11: أبواب أقسام الحج ب 2 و 14.
(7) التهذيب 5: 173 / 581، الإستبصار 2: 249 / 876، الوسائل 11: 298
أبواب أقسام الحج ب 21 ح 10.
17

وأما ما في المعتبر والمختلف والمنتهى (1)، من احتمال إرادة التعجيل
بعد مناسك منى قبل انقضاء أيام التشريق وبعده.
فمع كونه تقييدا بلا جهة، غير جار في الأكثر كما لا يخفى.
خلافا للحلي (2) هنا أيضا، فمنع من التقديم، وهو نادر ضعيف.
وكذا القول بكراهة التقديم، كما في الشرائع والقواعد (3)، لعدم دليل
واضح عليها، سوى الشبهة الناشئة عن خلاف الحلي.
وهو ضعيف، سيما مع تقديم النبي صلى الله عليه وآله وأمره بأخذ المناسك عنه.
المسألة الثامنة: يجب - بعد طواف الزيارة والسعي - طواف النساء
في الحج بأنواعه، إجماعا محققا، ومحكيا (4) مستفيضا جدا.
له، وللأخبار المتواترة معنى، من الصحاح وغيرها الخالية عن
المعارض، غير خبر ضعيف، مقطوع، مردود، واجب الحمل على التقية،
أو على العمرة المتمتع بها.
وكذا يجب في العمرة المفردة، بلا خلاف من غير الجعفي (5)، بل
بالاجماع المحقق، والمحكي عن الغنية والمنتهى والتذكرة (6) وغيرها (7).
للمستفيضة (8) الصحيحة وغيرها، المنجبرة كلا.

(1) المعتبر 2: 339، المختلف: 262، المنتهى 2: 709.
(2) السرائر 1: 575.
(3) الشرائع 1: 271، القواعد 1: 84.
(4) كما في المنتهى 2: 768.
(5) حكاه عنه في الدروس 1: 329.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية: 578، المنتهى 2: 768، التذكرة 1: 391.
(7) كالرياض 1: 420.
(8) الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 82.
18

ثم إنه يستدل للجعفي بأخبار قاصرة دلالة، أو مطروحة قطعا، من
حيث موافقتها للعامة طرا، ومخالفتها لعمل الطائفة جلا.
ويختص بها ولا يجب في العمرة المتمتع بها، على الأظهر الأشهر،
بل المعروف بين الأصحاب، كما في الذخيرة (1)، بل ادعى عليه الاجماع
بعض من تأخر (2).
للصحاح المستفيضة أيضا:
منها: صحيحة محمد بن عيسى: (أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها
طواف النساء، وأما التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف
النساء) (3).
وصحيحة صفوان: رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف وسعى
وقصر، هل عليه طواف النساء؟ قال: (لا، إنما طواف النساء بعد الرجوع
من منى) (4).
ومنها: الأخبار (5) الكثيرة الواردة في مجامعة النساء قبل التقصير،
والاكتفاء في تلك الحال بقطع شئ من الشعر.
وحكي عن بعض الأصحاب وجوبها فيها أيضا (6)، ولعله لرواية

(1) 75 الذخيرة: 641.
(2) مفاتيح الشرائع 1: 364.
(3) الكافي 4: 538 / 9، التهذيب 5: 163 / 545، الإستبصار 2: 245 / 854،
الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 82 ح 1.
(4) التهذيب 5: 254 / 862، الإستبصار 2: 232 / 805، الوسائل 13: 444
أبواب الطواف ب 82 ح 6.
(5) الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 82.
(6) انظر الدروس 1: 329.
19

المروزي المتقدمة في المسألة الثالثة من بحث التحليل (1)، القاصرة سندا
ودلالة ومقاومة لما مر.
المسألة التاسعة: لا يختص وجوب ذلك الطواف بالرجال، ولا بمن
من شأنه الوطء، بل يجب على كل أحد، رجلا كان أو امرأة أو صبيا أو
هما (2) لا يقدر على الوطء أو خصيا، بالاجماعين (3).
للاطلاقات (4)، وخصوص صحيحة ابن يقطين: عن الخصيان والمرأة
الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال: (نعم، عليهم الطواف كلهم) (5).
المسألة العاشرة: طواف النساء كطوافي العمرة والحج، كيفية وشرطا
وحكما وصلاة.
المسألة الحادية عشرة: لا يجوز تقديم طواف النساء على الوقوفين
وسائر المناسك للمتمتع وغيره اختيارا، بلا خلاف، بل بالاجماع كما
قيل (6)، بل محققا.
لما يأتي من وجوب تأخيره عن السعي المتأخر عن سائر المناسك..
ولموثقة إسحاق: المفرد بالحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة
أيعجل طواف النساء؟ قال: (لا، إنما طواف النساء بعدما يأتي منى) (7).

(1) راجع ج 12: 391.
(2) الهم بالكسر: الشيخ الكبير البالي - لسان العرب 12: 621.
(3) المنتهى 2: 768، كشف اللثام 1: 343.
(4) الوسائل 13: 298 أبواب الطواف ب 2.
(5) الكافي 4: 513 / 4، التهذيب 5: 255 / 864، الوسائل 13: 298 أبواب
الطواف ب 2 ح 1.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 578، كشف اللثام 1: 344، رياض المسائل 1: 418.
(7) الكافي 4: 457 / 1، التهذيب 5: 132 / 435، الإستبصار 2: 230 / 797،
الوسائل 11: 283 أبواب أقسام الحج ب 14 ح 4.
20

ولا يضر اختصاص السؤال بالمفرد، لعموم قوله: (إنما) إلى آخره،
مضافا إلى عدم القول بالفصل.
وأما رواية الحسن بن علي، عن أبيه: (لا بأس بتعجيل طواف الحج
وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى) (1).
فلشذوذها بالاطلاق لا تعارض ما مر.
وكذا لا يجوز تقديمه على السعي بالاجماع.
له، ولمرسلة أحمد: متمتع زار البيت، فطاف طواف الحج، ثم طاف
طواف النساء، ثم سعى، قال: (لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء)،
فقلت: عليه شئ؟ قال: (لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء) (2).
وصحيحة ابن عمار في زيارة البيت يوم النحر، إلى أن قال: (ثم
طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة، ثم صل عند
مقام إبراهيم) إلى أن قال: (ثم أخرج إلى الصفا فاصعد عليه) إلى أن قال:
(فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه إلا النساء، ثم ارجع
إلى البيت فطف به أسبوعا، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثم قد
أحللت من كل شئ وفرغت من حجك كله وكل شئ أحرمت [منه] (3)).
ولا يعارضهما إطلاق موثقة سماعة: عن رجل طاف طواف الحج
وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: (لا يضره، يطوف

(1) التهذيب 5: 133 / 437، الإستبصار 2: 230 / 798، الوسائل 13: 415
أبواب الطواف ب 64 ح 1.
(2) الكافي 4: 512 / 5، التهذيب 5: 133 / 438، الإستبصار 2: 231 / 799،
الوسائل 13: 417 أبواب الطواف ب 65 ح 1.
(3) الكافي 4: 511 / 4، التهذيب 5: 251 / 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة
البيت ب 4 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: به، وما أثبتناه من المصادر.
21

بين الصفا والمروة، وقد فرغ من حجه) (1).
للشذوذ، ومخالفة الاجماع.
ولو قدمه عليه أو على الوقوفين نسيانا لم يعده وأجزأه، للموثقة
المذكورة.
وصحيحة جميل: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر، فقال
بعضهم: يا رسول الله، حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن
أرمي، فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه، ولا شيئا كان
ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه، فقال صلى الله عليه وآله: لا حرج) (2).
وبمضمونها رواية البزنطي، وفيها: (لا حرج لا حرج) (3).
وهما وإن كانتا شاملتين للعامد أيضا، إلا أنه خرج بالاجماع، وكذا
وإن كانتا معارضتين للمرسلة المذكورة، إلا أن الموجب لترجيحها - وهو
الاجماع - هنا مفقود، بل لو كان إجماع فعلى ترجيحهما، ولولاه أيضا
يجب الرجوع إلى الأصل.
ومنه يعلم أن مقتضى الدليل: كون الجاهل أيضا كالناسي، ولكن
قيل: إن حكمه عند أكثر الأصحاب كالعامد (4).
ولا يخفى أن بمجرد ذلك لا يمكن رفع اليد عن الدليل، فإلحاقه

(1) الكافي 4: 514 / 7، الفقيه 2: 244 / 1166، التهذيب 5: 133 / 439،
الإستبصار 2: 231 / 800، الوسائل 13: 418 أبواب الطواف ب 65 ح 2.
(2) الكافي 4: 504 / 1، الفقيه 2: 301 / 1496، التهذيب 5: 236 / 797،
الإستبصار 2: 285 / 1009، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 4. بتفاوت.
(3) الكافي 4: 504 / 2، التهذيب 5: 236 / 796، الإستبصار 2: 284 / 1008،
الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.
(4) انظر الرياض 1: 420.
22

بالناسي أقوى.
ويجوز تقديمه على الوقوفين والسعي مع العذر والضرورة، ومنها:
مخافة الحيض.
لاطلاق (رواية الحسن بن علي (1) و) (2) الموثقة الثانية (3) وما بعدها،
ولا يضرها إطلاق الموثقة الأولى (4) والمرسلة (5) بالتقريب المتقدم.
وقال نادر بعدم جواز التقديم حينئذ أيضا (6)، ولا دليل يعتد به،
وبعض الأخبار الظاهرة فيه مع خوف الحيض معارض بمثله وغيره،
فالأصل هو المرجع.
المسألة الثانية عشرة: قد مرت أحكام ترك طواف العمرة والحج.
وأما طواف النساء فلا يبطل الحج بتركه ولو عمدا أو جهلا، من غير
خلاف، كما عن السرائر وفي المفاتيح (7)، بل بالاتفاق، كما في شرحه، بل
بالاجماع، كما في المسالك (8).
لأصالة عدم ربطه بالنسك ربط الجزئية، وخروجه عن حقيقته.
ومنه يظهر ضعف ما في الذخيرة، من أن مقتضى ما مر في ترك طواف
الفريضة من عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه: بطلان الحج هنا أيضا (9).

(1) المتقدمة في ص 20.
(2) ما بين القوسين ليس في (ق) و (س).
(3) وهي موثقة سماعة، المتقدمة في ص: 21.
(4) وهي موثقة إسحاق المتقدمة في ص: 20.
(5) وهي مرسلة أحمد المتقدمة في ص: 21.
(6) السرائر 1: 575.
(7) السرائر 1: 617، المفاتيح 1: 364.
(8) المسالك 1: 123.
(9) الذخيرة: 625.
23

وتدل على خروجه عن الحقيقة أيضا الصحاح المستفيضة:
كصحيحة ابن عمار في القارن، حيث قال في بيان نسكه: (وطواف بعد
الحج، وهو طواف النساء) (1)، ونحوها صحيحة أخرى له (2)، وصحيحة
الحلبي (3) أيضا.
وصحيحة الخزاز: امرأة معنا حائض ولم تطف طواف النساء، ويأبى
الجمال أن يقيم عليها، فأطرق وهو يقول (لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها
ولا يقيم عليها جمالها)، ثم رفع رأسه فقال: (تمضي، فقد تم حجها) (4).
ولا يضر اختصاص هذه الأخبار بالحج وعدم جريانها في العمرة بعد
عدم القول بالفصل وما مر من الأصل.
نعم، يمكن الخدش في الأخيرة أنها تدل على تمام الحج حال
الاضطرار لا مطلقا.
والجواب - بأن موردها وإن اختص بها لكن العبرة بعموم الجواب -
ضعيف في الغاية، إذ لا عموم في الجواب أصلا.
وليس في قوله عليه السلام في بعض الأخبار، كصحيحة ابن عمار: (على
المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف) إلى أن قال: (وعليه للحج
طوافان) (5) دلالة على دخول الطوافين في حقيقة الحج، إذ وجوبه للحج لا

(1) التهذيب 5: 41 / 122، الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1.
(2) الكافي 4: 296 / 2، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 12.
(3) التهذيب 5: 42 / 124، الوسائل 11: 218 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.
(4) الكافي 4: 451 / 5، الفقيه 2: 245 / 1176، الوسائل 13: 452 أبواب
الطواف ب 84 ح 13، بتفاوت.
(5) الكافي 4: 295 / 1، التهذيب 5: 35 / 104، الوسائل 11: 220 أبواب أقسام
الحج ب 2 ح 8.
24

يدل على كونه جزا منه، كما يقال: وعلى المكلف الوضوء للصلاة.
نعم، يجب عليه الاتيان به حينئذ متى كان بالاجماع، لاشتغال ذمته
به، ولفحوى ما دل على وجوب الاتيان به للناسي متى تذكر، وكذلك في
صورة النسيان من غير خلاف فيه، ولا في جواز الاستنابة فيه، وتدل
عليهما الأخبار الآتية.
وإنما الخلاف في أنه هل تجب المباشرة فيه بنفسه إلا مع تعذره أو
تعسره فيستنيب، أو تجوز الاستنابة فيه مطلقا؟
الأول: - وهو الأظهر - للشيخ قدس سره في التهذيب والفاضل في
المنتهى (1)، لأصالة بقاء حرمة النساء وعدم الانتقال إلى الغير..
وصحيحة ابن عمار المتقدمة في المسألة السابقة، فإن لفظة: (لا
يصلح) تدل على عدم الجواز، كما بيناه مفصلا في كتاب عوائد الأيام، بل
في قوله فيها: (لا تحل له النساء حتى يزور البيت) أيضا دلالة واضحة
عليه، لتعليقة الحلية على زيارته (2) في مباشرته بنفسه.
وعلى هذا، فتدل عليه أيضا صحيحة أخرى له: رجل نسي طواف
النساء حتى دخل أهله، قال: (لا تحل له النساء حتى يزور البيت)، وقال:
(يأمر من يقضي عنه إن لم يحج، فإن توفى قبل أن يطاف عنه فليقض عنه
وليه أو غيره) (3).
وثالثة: في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة، قال: (لا تحل

(1) التهذيب 5: 128، المنتهى 2: 703.
(2) في (ق) و (س) زيادة: الحقيقة.
(3) الكافي 4: 513 / 5، التهذيب 5: 128 / 422، الإستبصار 2: 228 / 789،
الوسائل 13: 407 أبواب الطواف ب 58 ح 6.
25

له النساء حتى يطوف بالبيت)، قلت: فإن لم يقدر؟ قال: (يأمر من يطوف
عنه) (1).
دلت على عدم حصول الحلية إلا بطوافه بنفسه، خرجت صورة عدم
القدرة، بل التعسر - بالاجماع، ونفي العسر والحرج، والصحيحة الأخيرة،
بل المتقدمة عليها، حيث جوز الأمر بالقضاء في صورة عدم رجوعه بنفسه،
المشتملة على التعسر غالبا - فيبقى الباقي.
والثاني: للأكثر، كما صرح به جمع (2)، لاطلاق صحيحة رابعة لابن
عمار: عن رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: (يرسل
فيطاف عنه، فإن توفى قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه) (3)، وقريب من
صدرها المروي في مستطرفات السرائر (4)، بل بعمومهما الحاصل من ترك
الاستفصال.
وكذا خامسة له أيضا يأتي ذكرها.
بل يدل عليه إطلاق الصحيحة الثانية له أو عمومها أيضا، لاشتمالها
على الأمر بالقضاء - في صورة عدم حجه بنفسه - مطلقا، سواء تعذر حجه
أم لا، بل هو قرينة على أن المراد من قوله: (حتى يزور البيت) في
صدرها: حتى تحصل زيارته بنفسه أو بغيره.
بل عليه قرينة أخرى أيضا، وهي صحيحة خامسة لابن عمار: رجل

(1) التهذيب 5: 256 / 867، الإستبصار 2: 233 / 809، الوسائل 13: 407
أبواب الطواف ب 58 ح 4.
(2) المفاتيح 1: 365، الرياض 1: 408.
(3) التهذيب 5: 488 / 1746، الإستبصار 2: 233 / 808، الوسائل 13: 407
أبواب الطواف ب 58 ح 3.
(4) مستطرفات السرائر: 35 / 49، الوسائل 13: 409 أبواب الطواف ب 58 ح 11.
26

نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: (يأمر من يقضي عنه إن لم
يحج، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت) (1).
فإن تعليل الأمر بالاستنابة بهذه العلة قرينة على أن المراد بطوافه
بالبيت أعم من طوافه بنفسه أو بنائبه.
وعلى هذا، فيكون قوله: (حتى يزور البيت) أو: (يطوف) دليلا آخر
على المطلوب أيضا.
بل استدل بعضهم (2) بالصحيحة الأولى له أيضا، لظهور نفي
الصلاحية في الكراهة، ولو منع فلا أقل من عمومه لها وللحرمة، فلا يكون
ذلك للقول المخالف بحجة.
أقول: أما الاستدلال بالصحيحة الأولى، ففاسد، لما أشرنا إليه من
دلالة نفي الصلاحية على الفساد.
وأما الاستدلال بقوله: (حتى يزور) أو: (يطوف) بالتقريب المتقدم،
فكذلك أيضا، لكونه حقيقة في مباشرته بنفسه وعدم صلاحية ما ذكره
قرينة للتجوز فيه.
وأما الصحيحة الخامسة، فلأنه إنما تصلح قرينة لو كان المستتر في
(يطوف) راجعا إلى المقضي عنه، وأما إذا رجع إلى القاضي فلا تكون
قرينة أصلا، سيما إذا كان قوله: (فإنه لا تحل له النساء) إلى آخره، تفريعا
لا تعليلا.
وأما قوله: (يأمر من يقضي عنه) فظاهر، لأن تجويز الأمر بالقضاء
في صورة عدم حجه بنفسه لا يدل على أن المراد بقوله: (يزور) هو المعنى

(1) الفقيه 2: 245 / 1175، الوسائل 13: 408 أبواب الطواف ب 58 ح 8.
(2) انظر التهذيب 5: 128.
27

الأعم.
فلم تبق إلا الاطلاقات المعارضة لمثلها من الصحيحة الأولى والثالثة،
الموجب لتركهما والرجوع إلى الأصلين المتقدمين، لولا ترجيح الصحيحة
الثالثة بالأخصية المطلقة، حيث إن ذيلها قرينة على أن معنى قوله: (حتى
يطوف بالبيت) أنه مع القدرة، ومرجوحية الاطلاقات الأخيرة باحتمال
ورودها مورد الغالب، وهو صورة التعسر أو التعذر في العود.
فرع: لو مات ولم يطف ولو استنابة قضاه عنه الولي أو غيره، لما مر
من الروايات المتكثرة.
28

الفصل السادس
في العود من مكة إلى منى
للاتيان بمنسكيه الواجبين وسائر مستحباته.
اعلم أنه إذا قضى الحاج مناسكه بمكة من الطوافين والسعي بينهما
وجب عليه العود إلى منى إجماعا لما بقي عليه من المناسك، وهي أمران
واجبان: البيتوتة بمنى، ورمي الجمار الثلاث، وبعض المستحبات، فها هنا
أبحاث ثلاثة:
29

البحث الأول
في بيان البيتوتة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يجب على الحاج البيتوتة بمنى، إجماعا محققا،
ومنقولا في المنتهى والتذكرة والمفاتيح (1) وشرحه وغيرها (2)، وهو مذهب
أكثر العامة كما حكاه جماعة (3).
والاجماع هو الحجة فيه، مضافا إلى صحيحة ابن عمار: (لا تبت
ليالي التشريق إلا بمنى، فإن بت بغيرها فعليك دم، فإن خرجت أول الليل
فلا ينتصف لك الليل إلا وأنت بمنى، إلا أن يكون شغلك بنسكك أو قد
خرجت من مكة، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح
بغيرها) (4).
والأخرى: (إذا فرغت من طوافك للحج وطوافك للنساء فلا تبت إلا
بمنى، إلا أن يكون شغلك في نسكك، وإن خرجت بعد نصف الليل فلا
يضرك أن تبيت بغير منى) (5).
وصحيحة العيص: عن الزيارة من منى، قال: (إن زار بالنهار أو

(1) المنتهى 2: 769، التذكرة 1: 392، المفاتيح 1: 377.
(2) كالرياض 1: 425.
(3) انظر المنتهى 2: 769، والرياض 1: 425.
(4) الكافي 4: 514 / 1، التهذيب 5: 258 / 878، الإستبصار 2: 293 / 1045،
الوسائل 14: 254 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 8، بتفاوت.
(5) التهذيب 5: 256 / 868، الوسائل 14: 251 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 1.
30

عشاء فلا ينفجر الفجر إلا وهو بمنى، وإن زار بعد نصف الليل أو السحر
فلا بأس أن ينفجر الفجر وهو بمكة) (1).
ورواية جعفر بن ناجية: (إذا خرج الرجل من منى أول الليل فلا
ينتصف له الليل إلا وهو بمنى، وإذا خرج بعد نصف الليل فلا بأس أن
يصبح بغيرها) (2).
ودلالة الثلاثة الأخيرة على الوجوب من جهة دلالة مفاهيمها على
ثبوت الضرر أو البأس مع الترك.
ومرسلة الفقيه الواردة في علل المناسك، وهي طويلة، وفيها: (وأذن
رسول الله صلى الله عليه وآله للعباس أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقاية
الحاج) (3)..
إلى غير ذلك من الأخبار المتكثرة (4)، إلا أن كثيرا منها قاصرة عن
إفادة الوجوب، حتى المثبتة للدم على تارك البيتوتة، لما ذكرنا مرارا من
عدم الملازمة. وفيما ذكرنا للمطلوب كفاية.
وعن الشيخ في التبيان: استحبابها (5).
وهو شاذ مخالف للاجماع، وبعض الأخبار الظاهر فيه محمول على
بعض الصور، الذي يجوز فيه الترك، كما يأتي.

(1) الكافي 4: 514 / 2، التهذيب 5: 256 / 870، الوسائل 14: 252 أبواب العود
إلى منى ب 1 ح 4، بتفاوت.
(2) الفقيه 2: 287 / 1409، الوسائل 14: 257 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 20.
(3) الفقيه 2: 129، الوسائل 14: 258 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 21، ورواها فيه
عن العلل. بتفاوت يسير.
(4) انظر الوسائل 14: 251 أبواب العود إلى منى ب 1.
(5) التبيان 2: 154.
31

وأما ما في بعض الكتب من جعلها من السنة، أو حصر واجبات
الحج في غيرها، أو الحكم بأنه إذا طاف النساء تمت مناسكه (1).
فلا ينافي ما مر، لجواز أن يراد بالسنة مقابل الفرض، وخروجها عن
الحج وإن وجبت.
ويجب أن تكون البيتوتة المذكورة في ليلتين من ليالي التشريق:
الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة مطلقا، والثالثة عشرة في بعض الصور
الآتي ذكره إن شاء الله، بالاجماعين أيضا (2)، وهو الدليل عليه..
مضافا إلى صحيحة ابن عمار الأولى المتقدمة، وصحيحته الأخرى
الواردة في حج النبي صلى الله عليه وآله الطويلة، وفيها: (وحلق، وزار البيت، ورجع
إلى منى، فأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق، ثم رمى
الجمار، ونفر حتى انتهى إلى الأبطح) (3).
وفعله ذلك - لكونه بيانا لمجمل أمر يؤخذ بيانه عنه بقوله: (خذوا
عني مناسككم) - حجة.
ولم أعثر على خبر آخر يتضمن تفصيل زمان البيتوتة، إلا أن ما
ذكرناه كاف في المطلوب، والصحيحة الأولى وإن تضمنت الليلة الثالثة أيضا
بالاطلاق، إلا أنها خرجت في بعض صورها بالأدلة الآتية.
وتجب النية في البيتوتة مقارنة لأول الليل بعد تحقق الغروب،
والواجب فيها قصد الفعل - وهو المبيت تلك الليلة - والقربة، وسائر ما لا

(1) انظر كشف اللثام 1: 377.
(2) راجع ص 29.
(3) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
32

يتعين إلا بالنية على ما مر غير مرة.
ولو بات وأخل بالنية عمدا أثم، كذا قيل (1)، ولعل المراد: الإثم
لقصد المخالفة أو الاستخفاف، لا لترك البيتوتة، لحصولها قطعا. وعلى هذا
فلا يلزم عليه فداء، لأنه مرتب على ترك البيتوتة، وهي غير متحققة.
المسألة الثانية: لو ترك البيتوتة بمنى كان عليه الفداء دم شاة،
بالاجماع المحكي عن الخلاف والغنية والمنتهى وفي المفاتيح وشرحه (2)،
للمستفيضة من النصوص، كصحيحة ابن عمار المتقدمة..
وصفوان: قال: قال أبو الحسن عليه السلام: (سألني بعضهم عن رجل
بات ليلة من ليالي منى بمكة، فقلت: لا أدري)، فقلت له: جعلت
فداك، ما تقول فيها؟ قال: (عليه دم إذا بات)، فقلت: إن كان حبسه شأنه
الذي كان فيه من طوافه وسعيه لم يكن لنوم ولا لذة، أعليه مثل ما على
هذا؟ قال: (ليس هذا بمنزلة هذا، وما أحب له أن ينشق الفجر إلا وهو
بمنى) (3).
وعلي: عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح، قال: (إن كان
أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهريقه) (4).
وجميل: (من زار فنام في الطريق، فإن بات بمكة فعليه دم، وإن كان

(1) كما في كشف اللثام 1: 377.
(2) الخلاف 2: 358، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، المنتهى 2: 770،
المفاتيح 1: 377.
(3) التهذيب 5: 257 / 871، الإستبصار 2: 292 / 1038، الوسائل 14: 252
أبواب العود إلى منى ب 1 ح 5، بتفاوت.
(4) التهذيب 5: 257 / 873، الإستبصار 2: 292 / 1040، الوسائل 14: 251
أبواب العود إلى منى ب 1 ح 2.
33

قد خرج منها فليس عليه شئ وإن أصبح دون منى) (1).
وخبر جعفر بن ناجية: عمن بات ليالي منى بمكة، فقال: (عليه ثلاثة
من الغنم يذبحهن) (2).
فروع:
أ: صريح الأكثر: أن الدم الواجب هو الشاة، ولعله بقرينة الرواية
الأخيرة، وإلا فالدم في أكثر الروايات مطلق مقتضاه التخيير، ولكن يجب
تقييده بالخبر الأخير مع الاجماع المركب.
ب: اختلفت تعبيراتهم في الفداء:
فمنهم من صرح بأن لكل ليلة شاة (3)، فلليلة واحدة شاة، ولليلتين
شاتان، وللثلاث ثلاث.
ومنهم من قال - بعد ذكر الوجوب في الليلتين الأوليين ابتداء -: إن
لكل ليلة شاة (4)، مدعيا بعضهم الاجماع عليه (5).
وهذا محتمل لاختصاص الكفارة بالليلتين، ومحتمل لأن يكون حكم
الكفارة لليالي الثلاث.
ومنهم من صرح باختصاص الكفارة بالليلتين، إلا مع وجوب الليلة

(1) الكافي 4: 514 / 3، التهذيب 5: 259 / 881، الإستبصار 2: 294 / 1048،
الوسائل 14: 256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 16.
(2) الفقيه 2: 286 / 1406، التهذيب 5: 489 / 1751، الإستبصار 2:
292 / 1039، الوسائل 14: 253 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 6.
(3) كما في المفاتيح 1: 377، والمدارك 8: 223.
(4) كما في المنتهى 2: 770، وكشف اللثام 1: 377.
(5) الخلاف 2: 358، الغنية (الجوامع الفقهية): 581.
34

الثالثة، كما في الشرائع والنافع (1)
ومنهم من قال بوجوب الثلاث في الليالي الثلاث، من غير ذكر حكم
الليلة الواحدة أو الليلتين، كالشيخ في النهاية والإسكافي والحلي
والمختلف (2)، وإن أطلق بعض هؤلاء أولا بوجوب الدم بالبيتوتة في غير
منى (3).
ومنهم من قال بوجوب البيتوتة في ليالي التشريق ووجوب الدم مع
البيتوتة في غيره، كالعماني والمقنعة والهداية والمراسم والكافي وجمل
العلم والعمل (4).
وهذا محتمل للأول، وللبيتوتة بين الليلة والليلتين والثلاث، ولعدم
وجوب الكفارة إلا بالثلاث، حيث عبروا بلفظ الجمع في الليالي.
ولا يخفى أن المستفاد من صحيحتي ابن عمار وعلي: وجوب الدم
ببيتوتة الليالي في غير منى، ولا يستفاد منهما حكم الليلة والليلتين، ولا
قدر الدم.
ومن خبر جعفر: وجوب الثلاث في الثلاث، فإذا حمل المجمل
على المبين ثبتت الثلاث في الثلاث.
ومن صحيحة صفوان صريحا ومن صحيحة جميل إطلاقا: وجوب

(1) الشرائع 1: 275، المختصر النافع: 96.
(2) النهاية: 266، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 310، الحلي في السرائر 1:
604، المختلف: 310.
(3) كالحلي في السرائر 1: 604، والإسكافي على ما حكاه عنه في المختلف: 310.
(4) حكاه عن العماني في المختلف: 310، المقنعة: 421، الهداية: 64،
المراسم: 115، الكافي: 198، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 69.
35

الدم في الليلة والليلتين أيضا من غير تعيين قدر الدم، ولا تنافي بينهما
وبين الأخبار الأول، ومقتضاهما بضميمة الأصل: وجوب دم شاة في غير
الثلاث، وذلك أحد محتملات قول الإسكافي والحلي ومن قال بمقالتهما،
فهو الأقوى وعليه الفتوى.
وأما صحيحة العيص: عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى، قال: (ليس
عليه شئ وقد أساء) (1).
فحملها بعضهم على الجاهل، أو الليلة الثالثة، أو بعد انتصاف الليل،
أو الاشتغال بالطاعة (2).
والكل خلاف الظاهر، بل ظاهرها نفي الوجوب عن الليلة الواحدة،
كما هو أحد احتمالات قول الإسكافي وتابعيه، والعماني وموافقيه.
وبها يمكن صرف صحيحة صفوان عن ظاهرها - الذي هو الوجوب -
إلا أن تعارضهما مع موافقة صحيحة العيص للتقية - كما يستفاد من صحيحة
صفوان، ونسب إلى أبي حنيفة (3) - يوجب ترجيح صحيحة صفوان.
ولا تعارضها أيضا صحيحة سعيد: فاتتني ليلة المبيت بمنى من
شغل، فقال: (لا بأس) (4).
لأن نفي البأس لا ينفي الدم، مع إمكان استثناء الشغل، وسيأتي.
ج: إطلاق النصوص والفتاوى في الفداء يشمل العالم والجاهل

(1) التهذيب 5: 257 / 874، الإستبصار 2: 292 / 1041، الوسائل 14: 253
أبواب العود إلى منى ب 1 ح 7.
(2) انظر الرياض 1: 246.
(3) نسبه إليه في بدائع الصنائع 2: 159، ونقله عنه في المنتهى 2: 770.
(4) التهذيب 5: 257 / 875، الإستبصار 2: 293 / 1042، الوسائل 14: 255
أبواب العود إلى منى ب 1 ح 12.
36

والمضطر والناسي، فيجب عليهم أيضا، ويكون جبرانا لا كفارة.
وعن الشهيد في بعض الحواشي: استثناء الجاهل (1). ووجهه غير
معلوم.
د: يختص غير صحيحة ابن عمار من أخبار الدم بما إذا كان المبيت
بمكة، بل تصرح صحيحة جميل بالاختصاص والنفي في غيرها، وتوافقها
صحيحة هشام: (إذا زار الحاج من منى، فخرج من مكة، فجاوز بيوت
مكة، فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى، فلا شئ عليه) (2).
وأما صحيحة ابن عمار فعامة، ولا تعارض بينها وبين غير صحيحتي
جميل وهشام، ولكنهما تعارضانها بالعموم المطلق، لظهورهما في البيتوتة
في طريق منى خاصة، ومقتضى الاستدلال بها: تخصيص استثناء الفداء
بذلك، كما احتمله بعض مشايخنا، قال: ويحتمل تقييد الطريق بطريق
بحدود مكة لا خارجها، ولا بعد فيه (3). انتهى.
إلا أنه تعارضهما رواية علي: عن رجل زار البيت وطاف بالبيت
وبالصفا والمروة، ثم رجع فغلبته عينه في الطريق، فنام حتى أصبح، قال:
(عليه شاة) (4).
ولا يضر ضعف سند الرواية كما مر غير مرة، سيما مع انجبارها
بالشهرة، بل ظاهر بعض مشايخنا مظنة انعقاد الاجماع على تحقق الفداء

(1) انظر الرياض 1: 425.
(2) الكافي 4: 515 / 4، الفقيه 2: 287 / 1411، الوسائل 14: 257 أبواب العود
إلى منى ب 1 ح 17.
(3) الرياض 1: 426.
(4) التهذيب 5: 259 / 879، الإستبصار 2: 294 / 1046، الوسائل 14: 254
أبواب العود إلى منى ب 1 ح 10.
37

في النوم في الطريق أيضا (1).
وعلى هذا، فيبقى عموم صحيحة ابن عمار خاليا عن المعارض
المعلوم، لخروج المعارضتين عن الحجية، فالعمل على العموم.
ه‍: يسقط الدم عمن بات بمكة متشاغلا بالعبادة، بل عليه عامة
المتأخرين، لصحيحتي ابن عمار وصحيحة صفوان المتقدمة (2)..
وصحيحة أخرى لابن عمار: عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه
ودعائه والسعي بين الصفا والمروة حتى يطلع الفجر، قال: (ليس عليه
شئ، كان في طاعة الله) (3).
ومقتضى التعليل في الأخيرة - بكونه في طاعة الله - عموم الحكم
لكل عبادة واجبة أو مندوبة.
ولا يعارضها مفهوم الاستثناء في الصحيحتين الأوليين، لأن النسك
يعم كل طاعة.
وظاهر الصحاح المذكورة اشتراط استيعاب الليل بها، ولا أقل من
اختصاص موردها أو احتماله بالمستوعب، فيقتصر فيما يخالف أصل لزوم
الدم على القدر الثابت.
وقد يستثنى قدر ما يضطر إليه من غذاء أو شراب أو نوم غالب.
وتنظر بعضهم في الأخير، لعدم دليل على استثناء النوم، واستند في

(1) كما في الرياض 1: 426.
(2) في ص: 29 و 32.
(3) الفقيه 2: 286 / 1407، التهذيب 5: 258 / 876، الإستبصار 2:
293 / 1043، الوسائل 14: 255 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 13، بتفاوت
يسير.
38

استثناء الأولين إلى حمل النص على الغالب (1).
وفيه: منع تلك الغلبة بحيث توجب انصراف المطلق إليه.
نعم، يمكن أن يقال: إن هذا القدر من الاشتغال لا ينافي الاستيعاب
العرفي بالعبادة، ولو نوى بالأكل والشرب التقوي على العبادة يرتفع
الاشكال.
وقيل: اللازم استيعاب القدر الذي يجب عليه المبيت بمنى، وهو أن
يتجاوز نصف الليل (2).
وهو مصير إلى خلاف الأصل بلا دليل.
نعم، ذكر جماعة من المتأخرين: أنه يسقط الدم المضي إلى منى بعد
الفراغ من العبادة وإن علم أنه لا يدركها قبل انتصاف الليل (3).
لصحاح جميل وهشام وعيص المتقدمة (4).
وقوله في صحيحة ابن عمار الأولى: (أو قد خرجت من مكة) (5).
وصحيحة محمد بن إسماعيل: في الرجل يزور فينام دون منى، قال:
(إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام) (6).
أقول: وإن دلت الأخبار المذكورة على ذلك، إلا أنه تعارضها رواية

(1) انظر الرياض 1: 426.
(2) كما في المسالك 1: 125.
(3) كما في الدروس 1: 459.
(4) راجع ص: 33 و 36 و 30.
(5) الكافي 4: 514 / 1، التهذيب 5: 258 / 878، الإستبصار 2: 293 / 1045،
الوسائل 14: 254 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 8.
(6) الكافي 4: 515 / 3، التهذيب 5: 259 / 880، الإستبصار 2: 294 / 1047،
الوسائل 14: 256 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 15.
39

علي المتقدمة، فيرجع إلى عمومات وجوب الدم، مع أنه لو تمت دلالة
تلك الصحاح لما اختصت بمن اشتغل في مكة بالعبادة، كما مرت إليه
الإشارة.
وهل الساقط - بالمبيت بمكة مشتغلا بالطاعة - هو الدم خاصة وإن
كان آثما؟
أو يسقط الإثم أيضا، فيجوز له ذلك أيضا، ويكون أحد فردي
الواجب المخير؟
المذكور في كلام الأكثر: سقوط الدم، وصرح في المدارك بجواز
البيتوتة بمكة كذلك (1). وهو كذلك، للأخبار المذكورة، ولا يبعد أن يكون
ذلك مراد الأكثر أيضا، فتأمل.
المسألة الثالثة: قد ظهر مما ذكرنا في المسألة السابقة أن وجوب
البيات بمنى إنما هو لغير من بات بمكة مشتغلا بالطاعة، بمعنى التخيير
بينهما وإن كان البيات بمنى أفضل وأولى، لصحيحة صفوان السالفة.
وهل الاشتغال بشغل آخر غير الطاعة في مكة أو غيرها أيضا كذلك،
كما تدل عليه صحيحة سعيد المتقدمة؟
أم لا، كما هو ظاهر الأصحاب كافة؟
الظاهر: الثاني، لضعف الرواية بالشذوذ، مع أن حمل الفوات على
النسيان ونفي البأس على العذاب - الذي هو منفي عن الناسي قطعا -
ممكن، ويمكن حمل الشغل على ما يضطره، كما يأتي.
وكذا يظهر من الصحاح الخمس - لجميل وهشام وابن عمار الأولى

(1) المدارك 8: 225.
40

والعيص ومحمد بن إسماعيل - أن الواجب إما البيات بمنى أو الخروج من
مكة إليها وإن نام في الطريق، فيكون طريق منى قائما مقامها، إلا أني لم
أظفر بمصرح بذلك من الأصحاب.
نعم، جعله في الذخيرة إشكالا (1)، والله العالم.
المسألة الرابعة: يكفي في حصول القدر الواجب من المبيت بمنى
أن يكون بها ليلا حتى ينتصف الليل، فله الخروج بعد نصف الليل،
للصحاح الثلاث المتقدمة لابن عمار والعيص ورواية جعفر..
ورواية عبد الغفار الجازي: عن رجل خرج من منى يريد البيت قبل
نصف الليل فأصبح بمكة، قال: (لا يصلح له حتى يتصدق بها صدقة أو
يهريق دما، فإن خرج من منى بعد نصف الليل لم يضره شئ) (2).
ودلالة الأخبار المذكورة طرا على كفاية النصف الأول - الذي مبدأه
أول الغروب ومنتهاه نصف الليل - واضحة.
بل تدل صحيحة ابن عمار الأولى وصحيحة العيص ورواية جعفر (3)
على كفاية النصف الثاني من الليل أيضا، فيتساوى النصفان في تحصيل
الامتثال، كما عن الحلبي (4)، ويميل إليه كلام بعض آخر من المتأخرين (5).
وهو الأظهر، لما ذكر.
ولا يعبأ بما ذكره بعضهم من أن ظاهر الأصحاب انحصار الوقت

(1) الذخيرة: 676.
(2) التهذيب 5: 258 / 877، الإستبصار 2: 293 / 1044، الوسائل 14: 256
أبواب العود إلى منى ب 1 ح 14.
(3) المتقدمة جميعا في ص 29 - 30.
(4) الكافي في الفقه: 198.
(5) كصاحب المدارك 8: 227.
41

المجزئ في النصف الأول (1).
إذ لا يترك مدلول الأخبار المعتبرة مع وجود القائل به بمجرد ادعاء أن
ظاهر الأصحاب غير ذلك.
نعم، الاحتياط أمر آخر.
والكون بها إلى الفجر أفضل، كما في السرائر وعن النهاية والمبسوط
والكافي والجامع (2)، لفتوى هؤلاء، وصحيحة صفوان المتقدمة، وصحيحة
الكناني (3).
ثم مقتضى إطلاق طائفة من الأخبار المتقدمة وصريح صحيحة
العيص: جواز الخروج بعد الانتصاف ولو دخل مكة.
ويدل عليه أيضا الأصل، والخبر المروي في قرب الإسناد: (وإن كان
خرج من منى بعد نصف الليل فأصبح بمكة فليس عليه شئ) (4).
خلافا للسرائر وعن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع، فقالوا: لا
يدخل مكة حتى يطلع الفجر (5).
ولم أعثر على مستند لهم، كما اعترف به في الدروس أيضا (6).
المسألة الخامسة: يجوز لذوي الأعذار المضطرين ترك المبيت

(1) انظر الرياض 1: 426.
(2) السرائر 1: 604، النهاية: 265، المبسوط 1: 378، الكافي: 198، الجامع: 217.
(3) التهذيب 5: 259 / 882، الإستبصار 2: 294 / 1049، الوسائل 14: 255
أبواب العود إلى منى ب 1 ح 11.
(4) قرب الإسناد: 242 / 958، الوسائل 14: 258 أبواب العود إلى منى ب 1 ح 23.
(5) السرائر 1: 604، النهاية: 265، المبسوط 1: 378، الوسيلة: 188 الجامع
للشرائع: 217..
(6) الدروس 1: 459.
42

بمنى، إذ لا حرج في الدين ولا ضرر ولا ضرار، [ولصحيحة] (1) سعيد
المتقدمة (2).
ومن الأعذار: الخوف على النفس، أو البضع، أو المال المحترم.
ومنه: تمريض المريض الذي يخاف عليه.
ومنه: وجود مانع عام أو خاص يمنع منه، كنفر الحجيج وغيره.
وعن الخلاف والمنتهى الاجماع على ذلك (3).
وهل يسقط مع زوال الإثم الفداء أيضا، أم لا؟
عن الغنية: الأول (4).
والظاهر: الثاني، لاطلاق روايات ثبوت الدم بترك المبيت.
وعدوا من ذوي الأعذار: الرعاة، وأهل سقاية الحاج، وعن الخلاف
والتذكرة والمنتهى: نفي الخلاف عنه (5).
ومنهم من خص استثناء أهل السقاية بأولاد عباس بن
عبد المطلب (6)، كما أن منهم من خص استثناء الرعاة بمن لم تغرب عليه
الشمس بمنى، فإن غربت وجب عليه المبيت (7).
ولا يخفى أنه لو اضطر الراعي إلى ذلك أو الحاج إلى الساقي صح

(1) في النسخ: وصحيحة، والأنسب ما أثبتناه.
(2) في ص: 35.
(3) الخلاف 2: 354، المنتهى 2: 771.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 581.
(5) الخلاف 2: 354، التذكرة 1: 392، المنتهى 2: 771.
(6) كالعلامة في التحرير 1: 109، والشهيد في الدروس 1: 460، والشافعي في
الأم 2: 215.
(7) كالعلامة في التحرير 1: 109، والشهيد في الدروس 1: 460.
43

الاستثناء، لدفع الضرر، وإلا فلا وجه له.
وما مر من ترخيص الرسول صلى الله عليه وآله للعباس لا يفيد العموم، والاتفاق
المدعى غير ثابت.
44

البحث الثاني
في رمي الجمار الثلاث
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يترجح أن يرمي كل يوم من أيام التشريق كل
جمرة من الجمرات الثلاث، إجماعا قطعيا، وتدل عليه الأخبار
المتواترة:
كصحيحة ابن عمار: (ارم في كل يوم عند زوال الشمس، وقل كما
قلت حين رميت جمرة العقبة، وابداء بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها في
بطن المسيل، وقل كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل
القبلة فاحمد الله واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله، ثم تقدم قليلا فتدعو
وتسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا، ثم افعل ذلك عند الثانية فاصنع كما
صنعت بالأولى، وتقف وتدعو الله كما دعوت، ثم تمضي إلى الثالثة
وعليك السكينة والوقار، فارم ولا تقف عندها) (1).
وإنما حملناها على مطلق الرجحان مع تضمنها الأمر، لوقوعه على
ما يجب قطعا من كونه عند الزوال ونحوه.
ونحوها في الدلالة عليه أخبار أخر (2) متضمنة للجمل الخبرية للرمي

(1) الكافي 4: 480 / 1، التهذيب 5: 261 / 888، وفي الإستبصار 2:
296 / 1057 صدر الحديث فقط، الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 12
ح 1، وأورد ذيلها في ص 75 ب 10 ح 2.
(2) 181 انظر الوسائل 14: 72 أبواب رمي جمرة العقبة ب 15.
45

أو قضائه أو ترتيبه، يأتي شطر منها.
وهل ذلك على الوجوب؟
كما هو المشهور بين الأصحاب، كما عن المختلف وفي شرح
المفاتيح (1)، والمعروف بينهم، كما في المدارك والذخيرة (2)، وبلا خلاف
فيه يعرف، كما عن المنتهى التذكرة (3)، بل بلا خلاف مطلقا، كما في
السرائر (4)، بل بالاجماع، كما في المفاتيح وعن المنتهى في شرحه (5)، وعن
الخلاف على ما يلزمه الاجماع عليه، كالترتيب والقضاء (6).
لصحيحة العجلي: عن رجل نسي رمي الجمرة الوسطى في اليوم
الثاني قال: (فليرمها في اليوم الثالث لما فاته، ولما يجب عليه في يومه)،
قلت: فإن لم يذكر إلا يوم النفر؟ قال: (فليرمها ولا شئ عليه) (7).
وابن عمار: في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة،
قال: (فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي، والرجل كذلك) (8).
والأخرى: في رجل أخذ إحدى وعشرين حصاة، فرمى به فزادت
واحدة، فلم يدر من أيتهن نقصت، قال: (فليرجع فليرم كل واحدة

(1) المختلف: 302.
(2) المدارك 8: 229، الذخيرة: 662.
(3) المنتهى 2: 729، التذكرة 1: 376.
(4) السرائر 1: 606.
(5) المفاتيح 1: 350.
(6) الخلاف 2: 351 - 354.
(7) التهذيب 5: 263 / 894، الوسائل 14: 73 أبواب رمي جمرة العقبة ب 15
ح 3.
(8) الكافي 4: 484 / 3، الفقيه 2: 285 / 1401، التهذيب 5: 263 / 898،
الإستبصار 2: 296 / 1058، الوسائل 14: 261 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 1.
46

بحصاة) الحديث (1).
وقوية عمر بن يزيد: (من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي
أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فإن لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم
يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فإنه لا يكون رمي
الجمار إلا أيام التشريق) (2)، إلى غير ذلك (3).
وقد يستدل أيضا للوجوب بما ورد من أن الحج الأكبر الوقوف بعرفة
ورمي الجمار (4).
وبرواية ابن حبلة: (من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء،
وعليه الحج من قابل) (5).
ولا دلالة للأول على الوجوب، مع أنه ليس باقيا على حقيقته، وكذا
الثاني، لأنه خلاف الاجماع والنصوص.
وعن التبيان والجمل والعقود والتهذيبين والإسكافي وابن البراج:
عده من السنة (6).

(1) الكافي 4: 483 / 5، الفقيه 2: 285 / 1399، التهذيب 5: 266 / 907،
الوسائل 14: 268 أبواب العود إلى منى ب 7 ح 1.
(2) التهذيب 5: 264 / 900، الإستبصار 2: 297 / 1060، الوسائل 14: 262
أبواب العود إلى منى ب 3 ح 4.
(3) انظر الوسائل 14: 261 أبواب العود إلى منى ب 3.
(4) الكافي 4: 264 / 1، الوسائل 14: 263 أبواب العود إلى منى ب 4 ح 1.
(5) التهذيب 5: 264 / 901، الإستبصار 2: 297 / 1061، الوسائل 14: 264
أبواب العود إلى منى ب 4 ح 5.
(6) التبيان 2: 154، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 237، التهذيب 5: 522،
الإستبصار 2: 297، حكاه عن الإسكافي وابن البراج في المختلف: 302، وانظر
المهذب 1: 254.
47

وحمل في المنتهى والسرائر كلام الشيخ على ما ثبت وجوبه من
غير الكتاب (1)، ولكن ظاهر ابن حمزة حمل كلامه على مقابل الواجب،
حيث قال: الرمي واجب عند أبي يعلى، مندوب إليه عند الشيخ أبي جعفر
الطوسي (2). وهذا المعنى هو الظاهر من التهذيبين.
وحمل بعضهم كلامه على رمي الجمرة العقبة (3)، وهو الظاهر من
الجمل والعقود.
وعن المفيد: أن فرض الحج: الاحرام، والتلبية، والطواف،
والسعي، والموقفان، وما بعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض (4).
وكيف كان، فلا ينبغي الريب في ضعف القول بالاستحباب.
لا لما قيل من شذوذ القول به، وانعقاد الاجماع المتأخر عنهم (5)، إذ
بعد مخالفة مثل هؤلاء الأجلة - بل مع احتمال المخالفة - لا يعد القول
شاذا، والاجماع المنعقد عن العلماء بعد حين ليس عندنا بحجة.
بل لما ذكرنا من المستفيضة الخالية عن المعارض بالمرة.
المسألة الثانية: يجب رمي كل جمرة بسبع حصيات، بلا خلاف
يعرف، كما في الذخيرة (6)، بل بالاجماع المحقق.
وتدل عليه صحيحة ابن عمار الثالثة المتقدمة في المسألة المتقدمة،
وتتمتها الغير المذكورة أيضا، ولعلها تأتي، وغير ذلك من الأخبار التي يأتي

(1) المنتهى 2: 772، السرائر 1: 606.
(2) الوسيلة: 181.
(3) انظر الرياض 1: 427.
(4) المقنعة: 67.
(5) انظر الرياض 1: 427.
(6) الذخيرة: 689.
48

بعضها إن شاء الله تعالى.
المسألة الثالثة: يجب رمي الجمرات الثلاث مرتبا، يبدأ بالأولى ثم
الوسطى ثم العقبة.
والعقبة: ما مر بيانه في أعمال يوم النحر، وإذا تجاوز القادم من مكة
عن العقبة يصل إلى الوسطى، ثم إلى الأولى، وهي التي تلي المشعر.
ووجوب الترتيب على النحو المذكور مجمع عليه، كما عن الخلاف
والغنية والتذكرة والمنتهى وفي المدارك والمفاتيح وشرحه (1)، بل إجماع
محقق، له، وللأخبار، منها: صحيحة ابن عمار الأولى (2)، وغيرها مما يأتي
في حكم من خالف الترتيب.
المسألة الرابعة: لو خالف الترتيب ورمى منكوسة، يعيد بما يحصل
به الترتيب بالاجماع، له، ولتوقف حصول الامتثال به..
ولصحيحة ابن عمار المتقدم بعضها، وفي آخرها: الرجل ينكس في
رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: (يعود فيرمي
الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة وإن كان في الغد) (3).
والأخرى: في رجل رمى الجمار منكوسة، قال: (يعيد على الوسطى
وجمرة العقبة) (4).
وحسنة مسمع: في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني فبداء بجمرة
العقبة ثم الوسطى ثم الأولى (يؤخر ما رمى بما رمى، ويرمي الجمرة

(1) الخلاف 2: 351، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، التذكرة 1: 393، المنتهى
2: 772، المدارك 8: 230، المفاتيح 1: 378.
(2) راجع ص: 45.
(3) الكافي 4: 483 / 5، الوسائل 14: 266 أبواب العود إلى منى ب 5 ح 4.
(4) الفقيه 2: 285 / 1399، الوسائل 14: 265 أبواب العود إلى منى ب 5 ح 1.
49

الوسطى ثم جمرة العقبة) (1).
وكذا لو رمى الوسطى ثم العقبة ثم الأولى.
ولو رمى العقبة ثم الأولى ثم الوسطى أعاد العقبة خاصة.
وكذا لو رمى الأولى ثم العقبة ثم الوسطى.
هذا إذا قدم المتأخرة على جميع رميات المتقدمة أو على الأربع منها
فما زادت.
ولو قدمها على الأقل من الأربع منها أتم الباقية من المتقدمة من غير
إعادة المتأخرة.
وحاصله: حصول الترتيب المأمور به برمي الجمرة المتأخرة بعد رمي
أربع حصيات على المتقدمة، بلا خلاف فيه بين الأصحاب، بل عن صريح
الخلاف وظاهر التذكرة والمنتهى: الاجماع عليه (2).
ويدل عليه ما في تتمة صحيحة ابن عمار الثالثة المتقدمة: في رجل
رمى الأولى بأربع، والأخيرتين بسبع سبع، قال: (يعود فيرمي الأولى
بثلاث وقد فرغ، وإن كان رمى الأولى بثلاث، ورمى الأخيرتين بسبع سبع،
فليعد فليرمهن جميعا، وإن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى،
فليرم الوسطى بسبع، وإن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث) (3).
والأخرى: في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث، والثانية بسبع،
والثالثة بسبع، قال: (يعيد يرميهن جميعا بسبع سبع)، قلت فإن رمى

(1) الكافي 4: 483 / 1، وفي التهذيب 5: 265 / 902 بتفاوت يسير، الوسائل
14: 265 أبواب العود إلى منى ب 5 ح 2.
(2) الخلاف 2: 351، التذكرة 1: 393، المنتهى 2: 772.
(3) الكافي 4: 483 / 5، الفقيه 2: 285 / 1399، الوسائل 14: 267 أبواب العود
إلى منى ب 6 ح 1، بتفاوت.
50

الأولى بأربع، والثانية بثلاث، والثالثة بسبع؟ قال: (يرمي الجمرة الأولى
بثلاث، والثانية بسبع، ويرمي الجمرة العقبة بسبع)، قلت: فإن رمى
الجمرة الأولى بأربع، والثانية بأربع، والثالثة بسبع؟ قال: (يعيد فيرمي
الأولى بثلاث، والثانية بثلاث، ولا يعيد على الثالثة) (1).
ورواية علي بن أسباط: (إذا رمى الرجل الجمار أقل من أربع
لم يجزئه، أعاد عليها وأعاد على ما بعدها وإن كان قد أتم ما بعدها،
وإذا رمى شيئا منها أربعا بنى عليها ولم يعد على ما بعدها إن كان قد أتم
رميه) (2).
والظاهر - كما هو مقتضى إطلاق تلك الأخبار - تساوي العامد
والجاهل والناسي في البناء على الأربع، وهو ظاهر المحكي عن المبسوط
والخلاف والجامع والتحرير والتلخيص واللمعة (3).
ونسب إلى السرائر أيضا (4)، وهو خطأ، لتخصيصه الناسي بالذكر،
قال:
فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ورمى الجمرتين
الأخريين على التمام، كان عليه أن يعيد عليها كلها.
وإن كان رمى من الجمرة الأولى أربع حصيات ثم رمى الجمرتين

(1) التهذيب 5: 265 / 904، الوسائل 14: 267 أبواب العود إلى منى ب 6 ح 2.
(2) التهذيب 5: 266 / 905، الوسائل 14: 268 أبواب العود إلى منى ب 6 ح 3
وفيه: بنى عليها وأعاد على ما بعدها إن كان...
(3) المبسوط 1: 379، الخلاف 2: 351، الجامع: 218، التحرير 1: 110،
اللمعة (الروضة البهية 2): 318.
(4) نسبه إليه وإلى ما تقدمه في كشف اللثام 1: 379. والظاهر أن النسبة إلى ما
تقدم خطأ أيضا، كما يأتي.
51

على التمام، كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات.
وكذلك إن كان رمى من الوسطى أقل من أربع حصيات، أعاد عليها
وعلى ما بعدها، وإن رماها بأربع تممها، وليس عليه الإعادة على ما
بعدها (1). انتهى.
خلافا للسرائر - كما تلونا عليك - والارشاد والمحكي عن القواعد
والتذكرة والمنتهى والدروس والروضة، فقيدوه بالناسي (2)، بل نسب في
الذخيرة والمدارك والمفاتيح التقييد به أو بالجاهل إلى أكثر الأصحاب وإلى
الشهرة (3).
ولا مستند لهم، سوى ما حكى الفاضل من أن الأكثر يقوم مقام الكل
مع النسيان (4).
وأن اللاحقة قبل إكمال السابقة مع العمد منهي عنه، فيفسد (5).
والأول: إعادة للمدعى.
والثاني: مصادرة في المطلوب، لمنع النهي بعد تمام الأربع، وهل
الكلام إلا فيه. ومنع شمول الاطلاق للعامد أو تبادر غيره إلى الذهن
ضعيف، كالاستناد إلى حمل فعل المسلم على الصحة.
ثم المستفاد من الروايات المذكورة: استئناف الناقصة عن الأربع وما
بعدها مطلقا، ولم أعثر على مصرح بخلاف ذلك.

(1) السرائر 1: 609.
(2) السرائر 1: 609، الإرشاد 1: 335، القواعد 1: 90، التذكرة 1: 393،
المنتهى 2: 772، الدروس 1: 430، الروضة 2: 320.
(3) الذخيرة: 690، المدارك 8: 234، المفاتيح 1: 378.
(4) التذكرة 1: 393، المنتهى 2: 772، وفيهما: الشئ، بدل: الكل.
(5) حكاه صاحب الرياض 1: 427 عن الروضة بالفحوى، وهو فيها في ج 2: 320.
52

نعم، نسب إلى الحلي أنه قال بالاكتفاء بإكمال الناقصة واستئناف ما
بعدها خاصة (1)، وما نقلنا من كلامه صريح فيما ذكرناه، مخالف لما نسب
إليه.
المسألة الخامسة: وقت رمي الجمرة مطلقا - سواء كانت الجمرة
العقبة الواجب رميها يوم النحر أو رمي أيام التشريق - النهار، بلا خلاف
يعرف.
وتدل عليه - بعد ظاهر الاجماع - صحيحة العجلي المتقدمة الآمرة
لرمي المنسي في اليوم الثالث، والمصرحة بقوله: (لما يجب عليه في
يومه) (2).
وصفوان بن مهران: (رمي الجمار ما بين طلوع الشمس إلى
غروبها) (3)، ونحوها صحيحة منصور (4).
وصحيحة زرارة وابن أذينة: قال للحكم بن عتيبة: (ما حد رمي
الجمار؟) فقال الحكم: عند زوال الشمس - إلى أن قال: - (هو والله ما بين
طلوع الشمس إلى غروبها) (5).
وإسماعيل بن همام: (لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس) (6)،

(1) نسبه إليه في الدروس 1: 430، وانظر السرائر 1: 610.
(2) التهذيب 5: 263 / 894، الوسائل 14: 73 أبواب رمي جمرة العقبة ب 15 ح 3.
(3) التهذيب 5: 226 / 890، الوسائل 14: 69 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 2
وفيه: ارم الجمار...
(4) التهذيب 5: 262 / 891، الإستبصار 2: 296 / 1055، الوسائل 14: 69
أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 4.
(5) الكافي 4: 481 / 5، التهذيب 5: 262 / 892، الإستبصار 2: 296 / 1056،
الوسائل 14: 69 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 5.
(6) الكافي 4: 482 / 7، الوسائل 14: 70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 7.
53

وغير ذلك.
المؤيدة جميعا بما يأتي من التعبير ب‍: رمي الخائف والمريض
ونحوهما ليلا بالترخص، ومن تعليق الرمي في الليل بالخوف ونحوه، كما
يأتي.
ولا تنافيه رواية علي بن عطية: أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام بن
عبد الملك الكوفي، وكان هشام خائفا، فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع
الفجر، فقال لي هشام: أي شئ أحدثنا في حجتنا؟! فنحن كذلك إذ لقينا
أبا الحسن موسى عليه السلام وقد رمى الجمار وانصرف، فطابت نفس هشام (1).
لأن رميه عليه السلام كان بعد طلوع الفجر، مع أنه قضية في واقعة، فلعله
عليه السلام كان خائفا أو مريضا أو له عذر آخر.
هذا في غير المعذور.
وأما المعذور - كالخائف، والراعي، والعبد الذي لا يملك من أمره
شيئا، والمدين، والحاطبة - فيجوز لهم الرمي ليلا، بلا خلاف ظاهر فيه،
كما صرح بعضهم أيضا (2)، بل بالاتفاق كبعض آخر (3).
للمعتبرة المستفيضة، كصحيحتي زرارة ومحمد (4) وابن سنان (5) في
الأول، ورواية أبي بصير في الثاني (6)، وموثقة سماعة في الثانيين (7)،

(1) التهذيب 5: 263 / 897، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 3.
(2) المفاتيح 1: 379، كشف اللثام 1: 379، الرياض 1: 428.
(3) انظر الخلاف 2: 345، الغنية (الجوامع الفقهية): 581.
(4) الكافي 4: 485 / 4، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 4.
(5) التهذيب 5: 263 / 895، الوسائل 14: 70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14
ح 1.
(6) الكافي 4: 481 / 6، الوسائل 14: 72 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 6.
(7) الكافي 4: 485 / 5، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 5.
54

وموثقته الأخرى في الثلاثة (1)، ورواية أخرى لأبي بصير في الأول
والأخيرين (2)، ورواية علي بن حمزة - المتقدمة في الواجب الثالث من
واجبات منى - في الأول والمرأة (3)، ويستفاد منها ومن سائر المعتبرة
المتقدمة في البحث المذكور: استثناء المرأة أيضا مطلقا، ومن بعضها
استثناء الصبيان أيضا، ولا بأس به.
واستثني في الشرائع والارشاد (4) وغيرهما (5): المريض أيضا، بل في
المفاتيح: نفي الخلاف (6)، وفي شرحه: الاتفاق على استثنائه.
واستدل له برواية أبي بصير الأخيرة المشار إليها، وهي: عن
الذي ينبغي له أن يرمي بليل من هو؟ قال: (الحاطبة، والمملوك الذي
لا يملك من أمره شيئا، والخائف، والمدين، والمريض الذي لا يستطيع
أن يرمي يحمل إلى الجمار، فإن قدر على أن يرمي وإلا فارم عنه وهو
حاضر).
ويمكن الخدش في دلالتها، لجواز كون قوله: (والمريض) مبتدأ
خبره: (يحمل)، ويكون بيانا لحكم المريض، ولم يكن معطوفا على
سابقه.

(1) التهذيب 5: 263 / 896، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14
ح 2.
(2) الفقيه 2: 286 / 1403، الوسائل 14: 72 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 7.
(3) الكافي 4: 474 / 4، التهذيب 5: 194 / 644، الإستبصار 2: 256 / 904،
الوسائل 14: 53 أبواب رمي جمرة العقبة ب 1 ح 2.
(4) الشرائع 1: 275، الإرشاد 1: 336.
(5) انظر الخلاف 2: 345، القواعد 1: 90، الدروس 1: 429.
(6) المفاتيح 1: 379.
55

ومقتضى إطلاق كثير من النصوص: عدم الفرق في الليل بين المتقدم
والمتأخر وإن أختص بعضها - الوارد في جمرة العقبة - بالليل المتقدم.
وقيل: الظاهر أن المراد بالرمي ليلا: رمي جمرات كل يوم في ليلته،
ولو لم يتمكن من ذلك لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة، لأنه
أولى من الترك أو التأخر (1). انتهى. ولا بأس به.
المسألة السادسة: ووقته من النهار ما بين طلوع الشمس
وغروبها، وفاقا للنهاية والمبسوط والسيد والإسكافي والعماني والحلبي
والحلي والفاضلين (2)، وغيرهم (3)، بل هو المشهور، كما صرح به غير
واحد (4).
لصحاح: صفوان، ومنصور، وزرارة، المتقدمة في المسألة السابقة..
وصحيحة أخرى لمنصور: (ترمي الجمار من طلوع الشمس إلى
غروبها) (5).
ومرسلة الفقيه، وفيها: فقلت: إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: (من
ارتفاع النهار إلى غروب الشمس، ومن أصاب الصيد فليس له أن ينفر في

(1) المدارك 8: 233.
(2) النهاية: 266، المبسوط 1: 378، السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية):
208، حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف: 310، الحلبي في الكافي:
199، الحلي في السرائر 1: 605 و 609، المحقق في النافع: 97، والشرائع 1:
275، العلامة في المنتهى 2: 732.
(3) كالدروس 1: 429، والمفاتيح 1: 379.
(4) انظر المسالك 1: 126، المدارك 8: 230، الرياض 1: 427.
(5) الكافي 4: 481 / 4، الوسائل 14: 70 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 6
وفيهما: رمي الجمار...
56

النفر الأول) (1).
والمراد من ارتفاع النهار: طلوع الشمس، فإنه ارتفاع بالنسبة إلى
طلوع الفجر، وإنما حملناه على ذلك إذ لم يقل أحد بأن المبدأ ارتفاع
الشمس.
خلافا في مبدئه للمحكي عن الوسيلة والإشارة ووالد الصدوق،
فجعلوه أول النهار الصادق على ما بين الطلوعين أيضا (2)، ولعله لرواية علي
بن عطية المتقدمة، وقد عرفت ضعف دلالتها، فتبقى صحيحة إسماعيل
السابقة وغيرها خالية عن المعارض.
ويمكن قريبا أن يكون مرادهم من أول النهار: طلوع الشمس، كما
هو مصطلح الهيئويين، ووقع في بعض كتب اللغة (3).
وعن الخلاف والغنية والاصباح والجواهر، فجعلوه بعد الزوال (4)،
لنقل بعضهم الاجماع (5)، وصحيحة ابن عمار المتقدمة في المسألة الأولى.
والأول ليس بحجة، سيما مع جعل هذا القول في المختلف شاذا لم
يعمل به أحد من علمائنا (6).
وكذا الثاني لو حمل على الحقيقة، لمخالفتها الشهرة العظيمة، مع أنها

(1) الفقيه 2: 289 / 1426، الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 1
وفيه صدر الحديث.
(2) الوسيلة: 188، الإشارة: 138، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 310.
(3) المصباح المنير: 627، مجمع البحرين 3: 507.
(4) الخلاف 2: 351، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، الجواهر: 43.
(5) كما في الخلاف 2: 351، والغنية (الجوامع الفقهية): 581، والجواهر: 43،
والرياض 1: 427.
(6) المختلف: 311.
57

معارضة للصحاح الكثيرة، على فهي إرادة المجاز عنها قرينة، ولو قطع النظر
عنها فتحتمل التقية، لموافقتها لمذهب الشافعي وأبي حنيفة (1).
هذا كله، مع أن ما أمر به فيها هو الرمي عند الزوال، ومقتضاه عدم
جوازه بعده، وهو مما لم يقل به أحد من الطائفة، وردته صريحا صحيحة
ابن أذينة وزرارة المتقدمة (2)، مؤكدا باليمين بالجلالة.
وفي منتهاه للمحكي عن الصدوقين، فجعلاه أول الزوال وإن صرحا
بالرخصة في التقديم أيضا (3). وهو أيضا ضعيف غايته.
والأفضل إيقاعه عند الزوال، لصحيحة ابن عمار المذكورة.
المسألة السابعة: لو نسي رمي جمرة من الجمرات الثلاث أو
جمرتين في يوم، قضاه بعده وجوبا، بلا خلاف، لصحيحة العجلي المتقدمة
في المسألة الأولى، وصحيحة ابن عمار الأولى المتقدمة في المسألة الرابعة..
وصحيحة ابن سنان: في رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى،
فعرض له عارض فلم يرم الجمرة حتى غابت الشمس، قال: (يرمي إذا
أصبح مرتين: مرة لما فاته، والأخرى ليومه الذي يصبح فيه، وليفرق بينهما،
إحداهما بكرة وهي للأمس، والأخرى عند زوال الشمس وهي ليومه) (4).
والاطلاقات المتقدمة الآمرة بالإعادة لو نكس.
وغير الأولى من تلك الروايات وإن كانت قاصرة عن إفادة الوجوب،

(1) الشافعي في الأم 2: 213، وعن أبي حنيفة في بدائع الصنائع 2: 137.
(2) في ص 51.
(3) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 310، الصدوق في المقنع: 92، والهداية:
64، والفقيه 2: 331، ولم نعثر على تصريح لوالد الصدوق بالرخصة في التقديم.
(4) الكافي 4: 484 / 2، التهذيب 5: 262 / 893، الوسائل 14: 72 أبواب رمي جمرة
العقبة ب 15 ح 1، 2.
58

إلا أن الأمر في الأولى كاف في إثباته، بل وكذا عمل الأصحاب. وهي وإن
اختصت بواحدة، إلا أن الاجماع المركب يجاوز حكم وجوبها إلى الزائدة
أيضا.
ويجب التعجيل في الغد، للصحيحة الأولى.
ومقتضى الصحيحة الأولى: هو قضاء الجمرة الفائتة خاصة دون غيرها
مما تقدم عليها أو تأخر، وكذا مقتضى الثانية في المتقدم، ويدل عليه الأصل
أيضا.
ويظهر من بعضهم قضاء المتأخرة أيضا، لوجوب الترتيب (1).
وإثباته في القضاء مشكل، وثبوته في الأداء لا يدل عليه في القضاء.
ثم إن ظاهرهم أن الحكم كذلك لو ترك رمي جمرة أو جمرتين عمدا
أو جهلا أو اضطرارا، وهو مقتضى إطلاق الصحيحة الثانية، بل الثالثة، وإن
كان في دلالتهما على الوجوب نظر، إلا أن مجرد رجحان القضاء بضميمة
الاجماع المركب كأنه يكفي في إثباته.
والظاهر عدم الريب في وجوب قضاء ما أتى به من المتأخرة أيضا إذا
كان تعمدا، للنهي الموجب للفساد.
ولو نسي رمي جمار يوم كلا، يجب قضاؤه أيضا في الغد، بلا خلاف
فيه كما قيل (2)، بل بالاجماع كما عن الغنية (3).
قيل: وإن فاته رمي يومين قضاهما في الثالث (4).

(1) انظر المدارك 8: 236.
(2) في الرياض 1: 427.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 581.
(4) المدارك 8: 236، الرياض 1: 427.
59

ووجوب أصل القضاء وإن ثبت مما يأتي من أخبار من نسيها حتى
دخل مكة أو مضي أيام التشريق، ولكن دليل وجوب قضائه من الغد وكذا
قضاء اليوم الأول في الثالث فلعله الاجماع البسيط أو المركب، وإلا فلا
شئ من الأخبار يدل عليه، وكذا لو تركها من غير نسيان، من عذر أو جهل
أو عمد.
ثم إنهم قالوا بوجوب الترتيب في اليوم اللاحق بالبدأة بوظيفة السابق
أولا ثم وظيفة اليوم، بل قالوا: لو فاته يومين بدأ بالأول ثم الثاني ثم الثالث.
واستدلوا عليه بالاجماع المحكي في الخلاف (1).
وبتقدم السبب.
وبالاحتياط.
وبصحيحة ابن سنان.
والأول: ليس بحجة.
والثاني: ضعيف في الغاية، لمنع اقتضاء تقدم السبب لتقديم المسبب.
والثالث: ليس بواجب.
والرابع: كان حسنا لولا تقييد الأمر فيه بما بعده، فإنه غير واجب
قطعا، للأصل، وظاهر الاجماع كما قيل أيضا (2)، والحكم في بعض الأخبار
الآتية بالفصل بين الرميتين بساعة المنافي لما في ذلك الصحيح، فإن ثبت
الاجماع على وجوب الترتيب، وإلا فالأصل يقتضي عدمه، ولكن لا شك
في رجحانه، بل كونه أحوط.
المسألة الثامنة: لو نسي رمي الجمار حتى نفر ودخل مكة وجب

(1) الخلاف 2: 356.
(2) انظر المفاتيح 1: 379، الرياض 1: 428.
60

عليه أن يرجع إلى منى ويأتي بما فات وجوبا، لمطلقات الإعادة المذكورة،
وخصوص الصحاح، كصحيحة ابن عمار الثانية، وقوية عمر بن يزيد،
المتقدمتين في المسألة الأولى.
وصحيحة ابن عمار الأخرى: رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة،
قال: (يرجع فيرميها يفصل بين كل رميتين بساعة)، قلت: فإنه فاته ذلك
وخرج؟ قال: (ليس عليه شئ) (1).
والثالثة: رجل نسي رمي الجمار، قال: (يرجع فيرميها)، قلت: فإنه
نسيها حتى أتى مكة، قال: (يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين
بساعة)، قلت: فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج، قال: (ليس عليه أن
يعيد) (2).
وغير القوية من تلك الأخبار وإن كان مطلقا شاملا لصورتي بقاء
أيام التشريق وعدمه، لكن قيده غير واحد من الأصحاب - منهم:
الشيخ والفاضل (3)، بل الأكثر كما قيل (4) - بالأول، بل عليه الاجماع
عن الغنية (5)، وهو الأظهر، للقوية المنجبرة، التي هي أخص مطلقا من
البواقي.
ومقتضى القوية: أنه لو فاته حتى مضت أيام التشريق، أو خرج من
مكة ولم يمكنه الرجوع في هذا العام، تجب عليه الإعادة في العام القابل إن

(1) الكافي 4: 484 / 1، الوسائل 14: 261 أبواب العود إلى منى ب 3 ح 2.
(2) التهذيب 5: 264 / 899، الإستبصار 2: 297 / 1059، الوسائل 14: 262 أبواب
العود إلى منى ب 3 ح 3.
(3) الشيخ في التهذيب 5: 522، الفاضل في المنتهى 2: 774.
(4) الرياض 1: 428.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.
61

حج بنفسه، وإلا يستنيب من يرمي عنه.
وعليه الفتوى، وفاقا للشيخ في التهذيبين والخلاف والنهاية والحلي
والفاضل في الارشاد والقواعد والشهيدين في الدروس والمسالك والروضة
وابن زهرة في الغنية (1) مدعيا عليه الاجماع.
للخبر المذكور، الخالي عن المعارض، سوى قوله: (ليس عليه شئ)
و: (ليس عليه أن يعيد) في الصحيحتين الأخيرتين، وهما أعم مطلقا من
القوية، لعموم الشئ للقضاء والكفارة والعقاب والعود في ذلك العام،
وعموم نفي الإعادة له في هذا العام وفي العام القابل بنفسه مع الامكان
وعدمه، فيجب تخصيصهما بالقوية.
مضافا إلى احتمال أن يكون مراد السائل من الفائت في الصحيحين:
التفريق، ويؤيده قوله: (يعيد) في الثانية.
خلافا لظاهر الشرائع وصريح النافع والمدارك والذخيرة وعن
التبصرة، فاستحبوه (2).
إما لضعف الرواية سندا، المردود بعدم ضيره أولا، وبانجباره بما مر
ثانيا.
أو لضعف الدلالة على الوجوب، والمردود بصراحة قوله: (عليه) في
القوية فيه.
نعم، يصح ذلك في الاستنابة خاصة، ولكنه يتم بالاجماع المركب

(1) التهذيب 5: 522، الإستبصار 2: 297، الخلاف 2: 352، النهاية: 267، الحلي
في السرائر 1: 609، الإرشاد 1: 336، القواعد: 90، الدروس 1: 434، المسالك:
126، الروضة 2: 325، الغنية (الجوامع الفقهية): 581.
(2) الشرائع 1: 276، النافع: 97، المدارك 8: 238، الذخيرة: 691، التبصرة: 76.
62

أيضا.
ولا يخفى أن الأخبار المذكورة في المسألتين وإن اختصت
بالناسي أو الجاهل - كأكثر الفتاوى - إلا أن ظاهرهم كون العامد والتارك
اضطرارا أيضا كذلك، بل صرح به في المدارك (1) وغيره (2)، ويمكن
استفادته من بعض الاطلاقات، ولا ريب أنه أحوط، ولا يختل بذلك إحلال
حتى العامد.
وأما رواية ابن جبلة المتقدمة في المسألة الأولى فشاذة جدا، ولذا
حملوها على محامل غير ظاهرة.
المسألة التاسعة: ما مر كان حكم ترك رمي الجمار كلا، وكذا ترك
رمي جمار يوم، بل رمي جمرة من جمار الكل، أو جمار يوم، بل ورمي
حصاة فصاعدا من الحصيات، عمدا أو سهوا أو جهلا، ولعله إجماعي، ولا
يبعد استفادته من بعض الاطلاقات المتقدمة والآتية.
وكيف كان، فالقضاء أحوط إن لم يكن مفتى به.
والكلام في قضاء المتأخرة كما مر في المسألة السابعة.
المسألة العاشرة: قال في المدارك: لو فاتته جمرة وجهل تعيينها،
أعاد على الثلاث مرتبا، لامكان كونها الأولى فتبطل الأخيرتان.
وكذا لو فاتته أربع حصيات من جمرة وجهلها.
ولو فاته دون الأربع كرره على الثلاث، ولا يجب الترتيب هنا، لأن
الفائت من واحدة [ووجوب الباقي من باب المقدمة كوجوب ثلاث فرائض

(1) المدارك 8: 238.
(2) كالحدائق 17: 316، والرياض 1: 429.
63

عن واحدة] (1) مشتبهة من الخمس.
ولو فاتته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث، وجب الترتيب،
لتعدد الفائت بالأصالة.
ولو فاتته ثلاث وشك في كونها من واحدة أو أكثر، رماها عن كل
واحدة مرتبا، لجواز التعدد.
ولو كان الفائت أربعا، استأنف (2). انتهى.
ولا بأس به، وإن كان للتأمل في بعض ما ذكره مجال.
وتدل على بعضها صحيحة ابن عمار: في رجل أخذ إحدى وعشرين
حصاة، فرمى بها فزادت واحدة، فلم يدر من أيتهن نقصت، قال: (فليرجع
فليرم كل واحدة بحصاة، وإن سقطت من رجل حصاة فلم يدر أيتهن هي
- قال: - يأخذ من تحت قدميه حصاة فيرمي بها) (3).
المسألة الحادية عشرة: يجوز الرمي عن المعذور الذي لا يمكنه
الرمي - كالمريض - وعن الصبي غير المميز، وعن المغمى عليه، بلا
خلاف فيه يعرف.
للصحاح وغيرها المستفيضة، كصحيحتي حريز (4)، والصحاح

(1) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(2) المدارك 8: 236.
(3) الكافي 4: 483 / 5، الفقيه 2: 285 / 1399، التهذيب 5: 266 / 907، الوسائل
14: 268 أبواب العود إلى منى ب 7 ح 1، بتفاوت يسير.
(4) الأولى: في التهذيب 5: 123 / 400، الإستبصار 2: 225 / 776، الوسائل 14:
76 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 9.
الثانية في: التهذيب 5: 123 / 402، الإستبصار 2: 225 / 778، الوسائل 14: 76
أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 10.
64

الخمس لابن عمار (1)، ومرسلة الفقيه (2)، المتقدمة جميعا في الطواف عن
المعذور..
وصحيحة ابن عمار والبجلي: (الكسير والمبطون يرمى عنهما)، قال:
(والصبيان يرمى عنهم) (3).
ورفاعة: عن رجل أغمي عليه: فقال: (ترمى عنه الجمار) (4).
وموثقة إسحاق: عن المريض ترمى عنه الجمار؟ قال: (نعم، يحمل
إلى الجمرة ويرمى عنه) (5).
والأخرى وهي كالأولى، وزاد فيها: قلت: فإنه لا يطيق ذلك، قال:
(يترك في منزله ويرمى عنه) (6).
ورواية اليعقوبي: عن المريض لا يستطيع أن يرمي الجمار، قال:
(يرمى عنه) (7).

(1) الأولى في: التهذيب 5: 398 / 1386، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47
ح 4.
الثانية في: الكافي 4: 422 / 4، الوسائل 13: 391 أبواب الطواف ب 47 ح 9.
الثالثة في: التهذيب 5: 125 / 409، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 6.
الرابعة في: الفقيه 2: 252 / 1215، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 7.
الخامسة في: الفقيه 2: 252 / 1216، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49
ح 8.
(2) الفقيه 2: 252 / 1224، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف ب 49 ح 2.
(3) الفقيه 2: 286 / 1404، الوسائل 14: 74 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 1.
(4) التهذيب 5: 268 / 916، الوسائل 14: 76 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 5.
(5) الكافي 4: 485 / 2، التهذيب 5: 268 / 015، الوسائل 14: 75 أبواب رمي جمرة
العقبة ب 17 ح 4.
(6) الفقيه 2: 286 / 1405، التهذيب 5: 268 / 915، الوسائل 14: 75 أبواب رمي
جمرة العقبة ب 17 ح 2.
(7) التهذيب 5: 268 / 917، الوسائل 14: 76 أبواب رمي جمرة العقبة ب 17 ح 6.
65

فروع:
أ: الظاهر من تعبير الأصحاب بالجواز عدم وجوب ذلك على أحد
أصالة، وهو كذلك، للأصل، وعدم دلالة الأخبار على الزائد على الجواز.
نعم، يجب عليه لو أجره لذلك.
وهل تجب على المعذور الشاعر الاستنابة في ذلك؟
لا دليل عليه، بل يقضي، لجواز أن يقضيه بنفسه بعد زوال العذر،
كما مر.
نعم، لو يئس من زواله تجب عليه الاستنابة.
ب: هل يجب حمل المعذور - مع الامكان (1) - إلى الجمار، ثم
يرمى عنه، أو يستحب؟
ظاهر الأصحاب: الثاني، وهو كذلك، لعدم ثبوت الأزيد منه من
الأخبار المتضمنة له.
ج: هل يشترط إذن المرمي عنه لو عقله، أم لا؟
عن المبسوط: نعم (2).
وعن التحرير والمنتهى: لا (3)، (وهو الأظهر) (4)، للأصل، والاطلاق.
د: قالوا: لو رمي عن المعذور فزال عذره والوقت باق لم يجب عليه
فعله، لسقوطه بفعل النائب، لأن الامتثال يقتضي الاجزاء.

(1) في (ح) زيادة: ثم المشي.
(2) المبسوط 1: 380.
(3) التحرير 1: 110، المنتهى 2: 774.
(4) ما بين القوسين ليس في (س).
66

وفي الدليل نظر، لأنه يقتضي الاجزاء عن الفاعل فيما أمر به لا عن
غيره.
ويمكن الاستدلال بأن المتبادر المنساق إلى الذهن من الأخبار أنه
بدل فعله، فلو وجب عليه أيضا لزم جمع البدل والمبدل عنه.
وفيه أيضا تأمل، وفعله مع الامكان أحوط.
المسألة الثانية عشرة: يستحب في رمي كل من الجمرات الثلاث:
الدعاء بالمأثور في صحيحة ابن عمار المتقدمة في رمي جمرة العقبة (1).
لصحيحة ابن عمار المتقدمة في المسألة الأولى (2)، المصرحة بقوله:
(قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة).
وفي رمي غير جمرة العقبة: رميها عن يسارها - الذي هو يمين
الرامي - مستقبل القبلة، والوقوف عندها بعد الفراغ، وحمد الله والثناء
عليه، والصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله، والدعاء، والمسألة أن يتقبل منك.
وفي جمرة العقبة: رميها عن يمينها، مستدبر القبلة، غير واقف عندها
بعد الفراغ.
وتدل على الحكم الأول في الجمرتين: صحيحة ابن عمار المتقدمة
في المسألة الأولى..
وصحيحة إسماعيل بن همام: (ترمي الجمار من بطن الوادي، وتجعل
كل جمرة عن يمينك، ثم تنفتل في الشق الآخر إذا رميت جمرة العقبة) (3).
وعلى الحكم الثاني فيهما: صحيحة ابن عمار أيضا، وكذا على الحكم

(1) راجع ج 12: 279.
(2) في ص 43.
(3) الكافي 4: 482 / 7، الوسائل 14: 66 أبواب رمي جمرة العقبة ب 10 ح 5.
67

الثالث فيهما.
وكذا تدل على الوقوف عندهما - مضافة إلى الصحيحة - رواية
البزنطي (1)، وصحيحة يعقوب بن شعيب: (قم عند الجمرتين، ولا تقم عند
جمرة العقبة)، قلت: هذا من السنة؟ قال: (نعم)، قلت: ما أقول إذا رميت؟
قال: (كبر مع كل حصاة) (2).
وتدل على الحكم الأول في جمرة العقبة: صحيحة إسماعيل، وبها
تخص سائر الأخبار الدالة على الرمي عن يسار الجمرة مطلقا (3).
وعلى الثاني فيها: الشهرة، وفعل النبي صلى الله عليه وآله، كما ذكرهما في
المنتهى (4) وغيره (5).
وعلى الثالث فيها: صحيحتا ابن عمار وابن شعيب، ورواية البزنطي
المتقدمة، وغيرها.
ثم سائر أحكام رمي الجمرات وكيفياتها الواجبة والمستحبة كما مرت
في رمي جمرة العقبة.

(1) الكافي 4: 478 / 7، التهذيب 5: 197 / 656، قرب الإسناد: 359 / 1284،
الوسائل 14: 65 أبواب رمي جمرة العقبة ب 10 ح 3.
(2) الكافي 4: 481 / 2، التهذيب 5: 261 / 889، الوسائل 14: 64 أبواب رمي جمرة
العقبة 10 ح 1، وأورد ذيلها في ص 67 ح 1.
(3) الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 12.
(4) المنتهى 2: 773.
(5) كالتذكرة 1: 377، والذخيرة: 663.
68

البحث الثالث
في سائر ما ينبغي أن يفعل في منى في هذه الأيام والنفر منها.
وفيها مسائل:
المسألة الأولى: تستحب الإقامة بمنى أيام التشريق - أي بياض
النهار - زائدا على القدر الواجب للرمي.
لرواية ليث: يأتي الرجل مكة أيام منى بعد فراغه من زيارة البيت
فيطوف بالبيت تطوعا، فقال: (المقام بمنى أفضل وأحب إلي) (1).
وصحيحة العيص: عن الزيارة بعد زيارة الحج أيام التشريق، فقال:
(لا) (2).
ولا تجب، للأصل، وصحيحة جميل: (لا بأس أن يأتي الرجل مكة
فيطوف بها في أيام منى، ولا يبيت بها) (3).
ويعقوب: عن زيارة البيت أيام التشريق، فقال: (حسن) (4).
وموثقة إسحاق: رجل زار فقضى طواف حجة كله، أيطوف بالبيت

(1) الكافي 4: 515 / 1، الفقيه 2: 287 / 1413، التهذيب 5: 490 / 1755،
الإستبصار 2: 295 / 1053، الوسائل 14: 260 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 5
بتفاوت.
(2) الكافي 4: 515 / 2، التهذيب 5: 490 / 1754، الإستبصار 2: 295 / 1052،
الوسائل 14: 260 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 6.
(3) الفقيه 2: 287 / 1412، التهذيب 5: 490 / 1753، الإستبصار 2: 295 / 1050،
الوسائل 14: 259 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 1.
(4) التهذيب 5: 260 / 885، الوسائل 14: 259 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 3.
69

أحب إليك، أم يمضي على وجهه إلى منى؟ فقال: (أي ذلك شاء فعل ما لم
يبت) (1).
المسألة الثانية: يستحب للناسك ما دام بمنى أن يصلي في مسجد
الخيف، وأفضله ما كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في زمانه، فإنه قد زيد عليه
بعده.
ففي صحيحة ابن عمار: (صل في مسجد الخيف، وهو مسجد منى،
وكان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده عند المنارة التي في وسط المسجد،
وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها وعن يسارها وخلفها
نحوا من ذلك)، قال: (فتحر ذلك، فإن استطعت أن يكون مصلا ك فيه
فافعل، فإنه قد صلى فيه ألف نبي) (2).
ويستحب أن يفعل فيه أيضا ما في صحيحة الثمالي: (من صلى في
مسجد الخيف بمنى مائة ركعة قبل أن يخرج منه عدلت عبادة سبعين عاما،
ومن سبح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له كأجر عتق رقبة، ومن هلل الله فيه
مائة تهليلة عدلت أجر إحياء نسمة، ومن حمد الله فيه مائة تحميدة عدلت
أجر خراج العراقين يتصدق به في سبيل الله عز وجل) (3).
ويستحب أيضا صلاة ست ركعات في مسجد منى.
لرواية أبي بصير: (صل ست ركعات في مسجد منى في أصل

(1) التهذيب 5: 490 / 1756، الوسائل 14: 260 أبواب العود إلى منى ب 2 ح 4.
(2) الكافي 519 / 4، التهذيب 5: 274 / 939، الوسائل 5: 268 أبواب أحكام
المساجد ب 50 ح 1.
(3) الفقيه 1: 149 / 690، الوسائل 5: 269 أبواب أحكام المساجد ب 51 ح 1.
والعراقان: الكوفة والبصرة.
70

الصومعة) (1).
وذكر بعضهم استحباب هذه الست أمام العود إلى مكة (2)، والرواية
مطلقة، فالأولى الاطلاق كما في السرائر (3).
ولو قيدت المائة ركعة المتقدمة بذلك لكان له وجه، لقوله عليه السلام: (قبل
أن يخرج منه).
المسألة الثالثة: يستحب التكبير أيام التشريق بعد الصلوات على
الأظهر الأشهر، وقال جماعة بوجوبه (4)، وقد مر في بحث صلاة العيدين
تحقيق ذلك وكيفية التكبير.
ويستحب عقيب خمس عشرة صلوات مفروضة - أولها صلاة الظهر
يوم النحر - لمن لم يتعجل في النفر الأول، وعقيب عشر صلوات
- مبدؤها ما ذكر - لمن تعجل، كما صرح في المستفيضة:
ففي صحيحة محمد: عن قول الله عز وجل: (واذكروا الله في أيام
معدودات) (5)، قال: (التكبير في أيام التشريق صلاة الظهر من يوم النحر
إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، وفي الأمصار عشر صلوات، فإذا نفر الناس
النفر الأول أمسك أهل الأمصار، من أقام بمنى فصلى بها الظهر والعصر
فليكبر) (6).

(1) الكافي 4: 519 / 6 وفيه: عن علي بن أبي حمزة، التهذيب 5: 274 / 940،
الوسائل 5: 270 أبواب أحكام المساجد ب 51 ح 2.
(2) انظر القواعد: 91، المسالك 1: 127، الحدائق 17: 335، كشف اللثام 1: 380.
(3) السرائر 1: 613.
(4) كما في المبسوط 1: 380، التنقيح 1: 519.
(5) البقرة: 203.
(6) الكافي 4: 516 / 1، التهذيب 3: 139 / 312، الإستبصار 2: 299 / 1068،
الوسائل 14: 271 أبواب العود إلى منى ب 8 ح 4 بتفاوت.
71

وابن عمار: (التكبير أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى
صلاة الفجر من آخر أيام التشريق إن أنت أقمت بمنى، وإن أنت خرجت
فليس عليك التكبير) (1).
ورفاعة: عن الرجل يتعجل في يومين من منى، أيقطع التكبير؟ قال:
(نعم، بعد صلاة الغداة) (2).
المسألة الرابعة: يتخير الحاج بين أن ينفر من منى بعد الرمي
في النفر الأول، وهو الثاني عشر من ذي الحجة، وأن يؤخر إلى النفر
الثاني، وهو الثالث عشر منه، في الجملة، إجماعا محققا ومحكيا (3)، كتابا،
وسنة.
قال الله سبحانه: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في
يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) (4)، فسره في الأخبار
بالنفرين، كما يأتي.
وفي صحيحة جميل: (لا بأس أن ينفر الرجل في النفر الأول ثم يقيم
بمكة) (5).
إلى غير ذلك من الأخبار (6)، ويأتي ما يدل عليه.

(1) التهذيب 5: 269 / 922 وفي الكافي 4: 517 / 4 والوسائل 7: 459 أبواب صلاة
العيد ب 21 ح 4: إلى صلاة العصر.
(2) التهذيب 5: 487 / 1738، الوسائل 7: 461 أبواب صلاة العيد ب 21 ح 9.
(3) كما في المنتهى 2: 775، المفاتيح 1: 380، الرياض 1: 429.
(4) البقرة: 203.
(5) الكافي 4: 521 / 6، الفقيه 2: 289 / 1425، التهذيب 5: 274 / 938، الوسائل
14: 274 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 1.
(6) كما في الوسائل 14: 274 أبواب العود إلى منى ب 9.
72

خلافا للمحكي عن الحلبي، فلم يجوز النفر الأول إلا للضرورة (1)،
ولا مستند له.
ولكن يشترط جواز النفر في الأول بشرطين:
الشرط الأول: أن يكون ممن أتقى في حال إحرامه من الصيد
والنساء خاصة، فمن لم يتق أحدهما فيه لم يجز له أن ينفر في الأول على
الحق المشهور، بل لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب، كما في الذخيرة (2)،
بل كاد أن يكون إجماعا، كما في المفاتيح وشرحه (3)، بل هو مجمع عليه،
كما في المدارك وعن المنتهى (4) وجمع آخر (5).
لمرسلة الفقيه (6)، المتقدمة في مسألة وقت رمي الجمار..
ورواية حماد بن عثمان: في قول الله عز وجل (فمن تعجل في
يومين فلا إثم عليه)، (لمن اتقى الصيد - يعني: في إحرامه - فإن أصابه
لم يكن له أن ينفر في النفر الأول) (7).
والأخرى: (إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول،
ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس) (8).
ورواية محمد بن المستنير: (من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن

(1) الكافي في الفقه: 198.
(2) الذخيرة: 687.
(3) المفاتيح 1: 380.
(4) المدارك 8: 244، المنتهى 2: 774.
(5) كالتذكرة 1: 394، والرياض 14: 429.
(6) الفقيه 2: 289 / 1426، الوسائل 1: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 13 ح 1.
(7) التهذيب 5: 273 / 933، الوسائل 14: 279 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 2.
(8) التهذيب 5: 490 / 1758، الوسائل 14: 279 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 3.
73

ينفر في النفر الأول) (1).
ومفهوم الأخيرة وإن دل بعمومه على جواز النفر لمن لم يأت النساء
وإن أصاب الصيد، ولكنه يخص بمنطوق الروايات الأولى، ولا يمكن
العكس، للاجماع. وكذا الكلام في مفهوم الأولى ومنطوق الأخيرة.
مع أنه يمكن القول بعدم التعارض بين المفهومين والمنطوقين، إذ
ليس مقتضى المفهوم إلا كون النفر له، وهو يتحقق بكونه له في بعض
الصوم، فتأمل.
خلافا لمن اشترط اتقاء الصيد إلى انقضاء النفر الأخير، حكي عن
ظاهر الطبرسي (2).
لرواية حماد الثانية المتقدمة.
ورواية ابن عمار: من نفر في النفر الأول متى يحل له الصيد؟ قال:
(إذا زالت الشمس من اليوم الثالث) (3).
ولا دلالة لهما على مدعاه، بل يستفاد منهما استحباب الاتقاء من
الصيد لمن نفر في الأول إلى النفر الأخير.
كما تدل عليه أيضا صحيحة أخرى لابن عمار: في قول الله عز وجل:
(فمن تعجل) إلى آخره، فقال: (يتقي الصيد حتى ينفر أهل منى في النفر
الأخير) (4).
والأخرى: (ينبغي لمن تعجل في يومين أن يمسك عن الصيد حتى

(1) الكافي 4: 522 / 11، التهذيب 5: 273 / 932، الوسائل 14: 279 أبواب العود
إلى منى ب 11 ح 1.
(2) انظر مجمع البيان 1: 299.
(3) التهذيب 5: 491 / 1759، الوسائل 14: 280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 4.
(4) الفقيه 2: 288 / 1415، الوسائل 14: 280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 6.
74

ينقضي اليوم الثالث) (1).
ولمن اشترط في جوازه الاتقاء عما يوجب الكفارة مطلقا، وهو
الحلي، ذكره في باب زيارة البيت والرجوع إلى منى ورمي الجمار من
السرائر، قال: وذلك أن من عليه كفارة لا يجوز له أن ينفر في النفر الأخير
بغير خلاف.
إلا أن كلامه في الباب الذي بعده - وهو باب النفر من منى - يوافق
المشهور ظاهرا، قال: فإن كان ممن أصاب النساء في إحرامه أو صيدا لم
يجز له أن ينفر في النفر الأول، ويجب عليه المقام إلى النفر الأخير (2).
ولمن اشتراط فيه اتقاء كل ما حرم عليه بإحرامه، وهو محكي عن ابن
سعيد (3).
ولا دليل للقولين إلا نفي الخلاف في السرائر لأولهما.
وظاهر الآية، ورواية سلام بن المستنير، أنه قال: (لمن اتقى الرفث
والفسوق والجدال وما حرم الله تعالى عليه في إحرامه) (4) لثانيهما.
والأول: ليس بحجة.
والثاني: مجمل، لعدم معلومية متعلق الاتقاء، فيمكن أن يكون نفي
الإثم عن المتقدم والمتأخر وغفران الذنوب، لا مورد الاتقاء، مع أنه قد
وردت في تفسيره معان متعددة في الأخبار (5).
ومنه يظهر عدم دلالة الثالث أيضا.

(1) الفقيه 5: 289 / 1424، الوسائل 14: 280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 5.
(2) السرائر 1: 605 وفيه:... في النفر الأول، 612.
(3) الجامع للشرائع: 218.
(4) الفقيه 2: 288 / 1416، الوسائل 14: 280 أبواب العود إلى منى ب 11 ح 7.
(5) الوسائل 14: 279 أبواب العود إلى منى ب 11.
75

الشرط الثاني: أن لا تغرب الشمس عليه يوم الثاني عشر في منى،
فلو غربت الشمس عليه وهو بمنى لم يجز له النفر، بل وجب عليه المبيت
بها ليلة الثالث عشر، إجماعا محققا، ومحكيا مستفيضا (1)، له..
ولصحيحة ابن عمار: (إذا نفرت في النفر الأول، فإن شئت أن تقيم
بمكة وتبيت بها فلا بأس بذلك)، قال: وقال: (إذا جاء الليل بعد النفر الأول
فبت بمنى، وليس لك أن تخرج منها حتى تصبح) (2).
ورواية أبي بصير: عن الرجل ينفر في النفر الأول، قال: (له أن ينفر
ما بينه وبين أن تصفر الشمس، فإن هو لم ينفر حتى يكون عند غروبها
فلا ينفر، وليبت بمنى حتى إذا أصبح وطلعت الشمس فلينفر متى
شاء) (3).
وصحيحة الحلبي: (فمن تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول
الشمس، فإن أدركه المساء بات ولم ينفر) (4).
ولو ارتحل وغربت الشمس قبل تجاوز حدود منى يجب المبيت بها،
لصدق الغروب عليه بمنى.
وقيل بعدم الوجوب، لمشقة الحط (5). هو ضعيف غايته.

(1) كما في المنتهى 2: 776.
(2) الكافي 4: 521 / 7، التهذيب 5: 272 / 930، الوسائل 14: 277 أبواب العود إلى
منى ب 10 ح 2.
(3) الفقيه 2: 288 / 1421، التهذيب 5: 272 / 931، الوسائل 14: 278 أبواب العود
إلى منى ب 10 ح 4 وفيه: وبين أن تسفر الشمس.
(4) الكافي 4: 520 / 4، التهذيب 5: 272 / 929، الوسائل 14: 277 أبواب العود إلى
منى ب 10 ح 1.
(5) المنتهى 2: 776.
76

فروع:
أ: من نفر في الأول لم يجز له النفر قبل الزوال، بل يجب أن يكون
بعده قبل الغروب على الأشهر.
قيل: للمستفيضة من الصحاح وغيرها (1)، كصحيحة الحلبي
المتقدمة..
وصحيحة ابن عمار: (إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر
حتى تزول الشمس، وإن تأخرت إلى آخر أيام التشريق - وهو يوم النفر
الأخير - فلا عليك أي ساعة نفرت ورميت قبل الزوال أو بعده) (2).
والخزاز، وفيها: (أما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، وكانت
ليلة النفر، وأما اليوم الثالث فإذا ابيضت الشمس فانفر على بركة الله، فإن الله
جل ثناؤه يقول: (فمن تعجل) إلى آخره (3).
وصحيحة الحلبي: عن الرجل ينفر في النفر الأول قبل أن تزول
الشمس، قال: (لا، ولكن يخرج ثقله إن شاء، ولا يخرج حتى تزول
الشمس) (4).
خلافا للمحكي عن التذكرة، فقرب استحباب التأخير إلى الزوال (5).

(1) الرياض 1: 429.
(2) الكافي 4: 520 / 3، الفقيه 2: 287 / 1414، التهذيب 5: 271 / 926، الإستبصار
2: 300 / 1073، الوسائل 14: 274 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 3.
(3) الكافي 4: 519 / 1، التهذيب 5: 271 / 927، الإستبصار 2: 300 / 1074،
الوسائل 14: 275 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 4.
(4) الفقيه 2: 288 / 1422، الوسائل 14: 276 أبواب العود إلى منى ب 9 ح 6.
(5) التذكرة 1: 394.
77

قيل (1): ويمكن حمل كثير من العبارات عليه، إذ الواجب في منى هو
الرمي والبيتوتة، والإقامة في اليوم مستحبة كما مر، ولعموم رواية أبي بصير
المتقدمة، وخصوص رواية زرارة: (لا بأس أن ينفر الرجل في [النفر] الأول
قبل الزوال) (2).
وهو قوي جدا، لأن غير صحيحة ابن عمار من المستفيضة المتقدمة
لا يثبت سوى الاستحباب، وأما هي وإن كانت ظاهرة في الوجوب إلا أن
الروايتين قرينتان على إرادة التجوز منها.
وكيف كان، يجوز له تقديم رحله قبل الزوال، للأصل، وصحيحة
الحلبي.
ب: من نفر في الأخير يجوز له السفر قبل الزوال وبعده، بلا خلاف،
كما عن المنتهى (3)، بل بالاجماع، كما عن الغنية والتذكرة (4)، وقد مضى ما
يدل عليه، وإطلاقه يعم الإمام وغيره.
وعن النهاية والمبسوط والمهذب والسرائر والغنية والاصباح:
اختصاصه بغير الإمام، وقالوا: عليه أن يصلي الظهر بمكة (5).
وعن المنتهى والتذكرة: استحباب ذلك له (6).

(1) كشف اللثام 1: 380.
(2) التهذيب 5: 272 / 928، الإستبصار 2: 301 / 1075، الوسائل 14: 277 أبواب
العود إلى منى ب 9 ح 11، وما بين المعقوفين من المصادر.
(3) المنتهى 2: 777، نقله عنه في كشف اللثام 1: 380.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 581، التذكرة 1: 394.
(5) النهاية: 269، المبسوط 1: 380، المهذب 1: 263، السرائر 1: 612، الغنية
(الجوامع الفقهية): 581 الإصباح: 160.
(6) المنتهى 2: 777، التذكرة 1: 394.
78

ولا بأس به، لصحيحة الحلبي (1)، ومضمرة النخعي (2)، بل ربما يفهم
من الأخيرة رجحانه لغير الإمام أيضا.
ج: قال في المدارك: قد نص الأصحاب على أن الاتقاء معتبر في
إحرام الحج، وقوى الشارح اعتباره في عمرة التمتع أيضا، لارتباطها بالحج
ودخولها فيه، والمسألة قوية الاشكال (3). انتهى.
أقول: ظاهر إطلاق أخبار الاتقاء يقوي ما قواه شيخنا الشهيد
الثاني (4)، فهو الأقوى.
ه‍: قال فيه أيضا: المراد بعدم اتقاء الصيد في حال الاحرام: قتله،
وبعدم اتقاء النساء: جماعهن، وفي إلحاق باقي المحرمات المتعلقة بالصيد
والنساء بهما - كأكل الصيد ولمس النساء بشهوة - وجهان (5).
أقول: الظاهر من إصابة الصيد المذكور في الأخبار هو: القتل والأخذ،
فيختص بهما، كما ذكره بعضهم (6)، ومن إتيان النساء المذكور فيها هو:
الجماع، فيختص به.. ولولا الظهور فلا أقل من الاحتمال، فيدفع غير ما ذكر
بالأصل.
ه‍ -: قال في المنتهى: قد بينا أنه يجوز أن ينفر في الأول، فحينئذ

(1) الكافي 4: 520 / 5، التهذيب 5: 273 / 934، الوسائل 14: 281 أبواب العود إلى
منى ب 12 ح 1.
(2) الكافي 4: 521 / 8، التهذيب 5: 273 / 935، الوسائل 14: 282 أبواب العود إلى
منى ب 12 ح 2.
(3) المدارك 8: 248.
(4) المسالك 1: 126.
(5) المدارك 8: 248.
(6) انظر الرياض 1: 429.
79

يسقط عنه رمي الجمار في اليوم الثالث من أيام التشريق بلا خلاف.
إذا ثبت هذا، فإنه يستحب له أن يدفن الحصاة المختصة بذلك اليوم
بمنى، وأنكره الشافعي وقال: إنه لا يعرف به أثرا، بل ينبغي أن تطرح
أو تدفع إلى من [لم] (1) يتعجل (2). انتهى.
أقول: وحكي عن الإسكافي: أنه يرمي حصى اليوم الثالث عشر في
اليوم الثاني عشر بعد رمي يومه (3).
ثم أقول: دليل السقوط: أن بعد ثبوت جواز النفر الأول فلا يخلو إما
أن يجب رمي الثالث عشر في الثاني عشر، أو تجب الاستنابة له في الثالث
عشر، أو العود فيه.
والثالث خلاف الاجماع المقطوع، والأولان خلاف الأصل، فلم يبق
إلا السقوط، بل في الأولين أيضا سقوط هذا الواجب عنه، وهما أمران
آخران منفيان بالأصل.
وأما دفن الحصاة فلا دليل عليه، ولكن يمكن إثباته بفتوى الفاضل
والشهيد في الدروس (4)، لأن المقام مقام المسامحة.
و: قد بينا في بحث البيتوتة وجوب بيتوتة ليلتين مطلقا، وبيتوتة ليلة
الثالث عشر في بعض الصور، وقد علم مما ذكرنا في مسألة النفر أن بيتوتة
الثالث عشر إنما هي إذا بقي في منى حتى غربت الشمس من هذه الليلة، أو
لم يتق الصيد والنساء في إحرامه.

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
(2) 113 المنتهى 2: 777.
(3) حكاه عنه في الدروس 1: 435.
(4) الفاضل في التذكرة 1: 394، الدروس 1: 435.
80

الفصل السابع
فيما يستحب بعد الفراغ من العود إلى مكة من منى،
ودخول الكعبة، وطواف الوداع، وما يتعلق بذلك الباب
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لو بقي على الحاج شئ من المناسك الواجبة - من
طواف أو سعي أو بعض أحدهما أو غير ذلك، وكان أخره من بيتوتة منى -
وجب عليه العود إلى مكة لاتمام المناسك إجماعا، لتوقف الواجب
عليه.
ولو لم يبق عليه، من المناسك الواجبة يجوز له الانصراف حيث
شاء.
للأصل، ورواية السري: ما ترى في المقام بمنى بعدما ينفر الناس؟
قال: (إن كان قد قضى نسكه فليقم ما شاء، وليذهب حيث شاء) (1).
نعم، وقالوا: يستحب له العود لمكة لوداع البيت ودخول الكعبة.
فإن أرادوا أن من لم يودع البيت ولم يدخل الكعبة يستحب له العود
لأجل ذلك.
فهو كذلك، لاستحبابهما، واستحباب مقدمة المستحب، ومرجعه إلى
استحباب الأمرين، ولا يكون العود إلى مكة مستحبا أصلا.

(1) الكافي 4: 541 / 6، التهذيب 5: 273 / 936، الوسائل 14: 282 أبواب العود إلى
منى ب 13 ح 1.
81

وإن أرادوا استحباب العود مطلقا، أو استحباب تأخير الأمرين إلى
العود.
فلا دليل عليه أصلا، والأصل يدفعه، بل في الروايات ما ينفيه.
ففي رواية ابن عمار: (كان أبي يقول: لو كان لي طريق إلى منزلي من
منى ما دخلت مكة) (1)
المسألة الثانية: يستحب دخول الكعبة إجماعا، له، وللنصوص:
ففي مرسلة علي بن خالد: (الداخل الكعبة يدخل والله راض عنه،
ويخرج عطلا (2) من الذنوب) (3).
وفي موثقة ابن القداح: عن دخول الكعبة، قال: (الدخول فيها دخول
في رحمة الله، والخروج منها خروج من الذنوب، معصوم فيما بقي من
عمره، مغفور له ما سلف من ذنوبه) (4).
وقريبة منها مرسلة الفقيه (5).
وفي أخرى: (من دخل الكعبة بسكينة، وهو أن يدخلها غير متكبر
ولا متجبر، غفر له) (6).
ولا تنافيه صحيحة حماد بن عثمان: عن دخول البيت، فقال: (أما

(1) الكافي 4: 521 / 9، التهذيب 5: 274 / 937، الوسائل 14: 283 أبواب العود إلى
منى ب 14 ح 1.
(2) قد يستعمل العطل في الخلو من الشئ - لسان العرب 11: 454.
(3) الكافي 4: 527 / 1، التهذيب 5: 275 / 943، المحاسن: 70 / 138، الوسائل 13:
272 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 2.
(4) الكافي 4: 527 / 2، الفقيه 2: 133 / 562، التهذيب 5: 275 / 944، الوسائل 13:
271 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 1.
(5) الفقيه 2: 133 / 562، الوسائل 13: 271 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 1.
(6) الفقيه 2: 133 / 563، الوسائل 13: 272 أبواب مقدمات الطواف ب 34 ح 3.
82

الصرورة فيدخله، وأما من حج فلا) (1).
لأن قوله: (فيدخله) يمكن أن يكون تأكد الاستحباب، فالنفي في غيره
يرجع إلى التأكد، ويمكن أيضا أن يكون النفي للمرجوحية لمن حج ودخل
أولا، كما هو المتأكد في حق الصرورة، حيث إنه لا يترجح تكرار الدخول
كما يأتي، فيكون المعنى: وأما من حج ودخل فلا.
والاستحباب يعم الرجال والنساء.
لصحيحة ابن سنان: عن دخول النساء الكعبة، قال: (ليس عليهن، وإن
فعلن فهو أفضل) (2).
وربما يستفاد منها: أن استحباب الدخول في حق النساء ليس على
حد استحبابه للرجال.
ويتأكد في حق الصرورة بلا خلاف يعرف، لصحيحة حماد المتقدمة،
وصحيحة سعيد الأعرج: (لا بد للصرورة أن يدخل البيت قبل أن يرجع) (3).
ومرسلة أبان: (يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، وأن يدخل
البيت) (4).
ورواية سليمان بن مهران، وفيها: وكيف صار الصرورة يستحب له
دخول الكعبة دون من حج؟ فقال: (لأن الصرورة قاضي فرض مدعو إلى

(1) التهذيب 5: 277 / 948، الوسائل 13: 273 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 3.
(2) التهذيب 5: 448 / 1561، الوسائل 13: 283 أبواب مقدمات الطواف ب 41
ح 1.
(3) الكافي 4: 529 / 6، التهذيب 5: 277 / 947، الوسائل 13: 273 أبواب مقدمات
الطواف ب 35 ح 1.
(4) الكافي 4: 469 / 3، التهذيب 5: 191 / 636، الوسائل 13: 273 أبواب مقدمات
الطواف ب 35 ح 2.
83

حج بيت الله، يجب أن يدخل البيت الذي دعي إليه ليكرم فيه) (1).
وظاهر صحيحة الأعرج وإن كان الوجوب في حق الصرورة، إلا أنه
حمل على الاستحباب أو شدته، للاجماع على انتفاء الوجوب.
لا للخبرين الأخيرين كما قيل (2)، لأعمية الاستحباب في الاصطلاح
المتقدم عن الوجوب.
بل يشعر بإرادته قوله: (يجب) أخيرا في الأخيرة، ولولا الأعمية من
جهة اللغة أيضا يمكن التجوز به عنه، كما قد يتجوز بالوجوب عن
الاستحباب.
ولولا مظنة الاجماع على ثبوت الاستحباب لغير الصرورة أيضا لكنا
نقول بعدم استحبابه في حقه مطلقا.
ويمكن أن يقال به إذا كان قد دخل أولا، كما هو الغالب، واحتمله
بعض المتأخرين، حيث قال: كأن تكرير الدخول خلاف الأولى.
وهو كذلك، لأنه الظاهر من صحيحة حماد، ورواية سليمان، وعدم
دخول رسول الله صلى الله عليه وآله فيه إلا مرة، كما في ذيل صحيحة ابن عمار الآتية:
(ولم يدخلها رسول الله صلى الله عليه وآله إلا يوم فتح مكة) (3).
وفي الأخرى: (فإن النبي صلى الله عليه وآله لم يدخل الكعبة في حج ولا عمرة،
ولكنه دخلها في الفتح - فتح مكة - وصلى ركعتين بين العمودين) (4).

(1) الفقيه 2: 154 / 668، الوسائل 13: 273 أبواب مقدمات الطواف ب 35 ح 4.
(2) في الرياض 1: 430.
(3) الكافي 4: 528 / 3، التهذيب 5: 276 / 945، الوسائل 13: 275 أبواب مقدمات
الطواف 36 ح 1.
(4) التهذيب 5: 279 / 953، الإستبصار 1: 298 / 1101، الوسائل 4: 337 أبواب
القبلة ب 17 ح 3.
84

المسألة الثالثة: يستحب الغسل لدخول الكعبة استحبابا مؤكدا، كما
في السرائر (1)، وأن يدخلها بسكينة ووقار، حافيا بلا حذاء، وأن لا يبزق
فيها ولا يتمخط فيها، وأن يأخذ بحلقتي الباب، وأن يدعو إذا أخذهما
بالدعاء المأثور بقوله: (اللهم إن البيت بيتك) (2)، وأن يدعو حين يدخل
بالدعاء المأثور في صحيحة ابن عمار الآتية.
ثم يدخل ويصلي ركعتين على الرخامة الحمراء، التي بين
الأسطوانتين اللتين تليان الباب، وهي - كما قيل (3) - مولد مولانا أمير
المؤمنين عليه السلام، يقرأ في الركعة الأولى حم السجدة، وفي الثانية عدد آياتها
من القرآن دون حروفها أو كلماتها، ويصلي في كل زاوية من زوايا البيت
الأربع، ويدعو بعد ذلك بالدعاءين المأثورين في صحيحتي ابن عمار
والأعرج الآتيتين.
والظاهر أن الدعاءين بعد تمام الصلاة في الزوايا الأربع، لا أنه بعدها
في كل زاوية.
وعن القاضي: أنه يبدأ بالزاوية التي فيها الدرجة، ثم الغربية، ثم التي
فيها الركن اليماني، ثم التي فيها الحجر الأسود (4).
ويستقبل الحائط الذي بين الركنين اليماني والغربي، ويرفع يديه عليه
ويلزق به ويدعو.
ثم يتحول إلى الركن اليماني ويلصق به ويدعو، ويأتي بالأسطوانة

(1) السرائر 1: 614.
(2) الكافي 4: 530 / 11، التهذيب 5: 278 / 952، الوسائل 13: 277 أبواب
مقدمات الطواف ب 36 ح 5.
(3) انظر كشف اللثام 1: 381، الرياض 1: 430.
(4) المهذب 1: 263.
85

التي بحذاء الحجر، ويلصق بها صدره ويدعو بالدعاء الآتي.
ثم يدور بالأسطوانة، ويلصق بها ظهره وبطنه ويدعو بالدعاء المذكور،
وأن يقبل على كل أركان البيت ويكبر إلى كل ركن منه.
كل ذلك للأخبار:
ففي صحيحة ابن عمار: (إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن
تدخلها، ولا تدخلها بحذاء، وتقول إذا دخلت: اللهم إنك قلت في كتابك:
(ومن دخله كان آمنا) (1)، فآمني من عذاب النار، ثم تصلي ركعتين بين
الأسطوانتين على الرخامة الحمراء، تقرأ في الركعة الأولى حم السجدة،
وفي الثانية عدد آياتها من القرآن، وتصلي في زواياه، وتقول: اللهم من تهيأ
وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجائزته ونوافله
وفواضله، فإليك يا سيدي تهيئتي وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء
رفدك ونوافلك وجائزتك، فلا تخيب اليوم رجائي، يا من لا يخيب عليه
سائل، ولا ينقصه نائل، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته، ولا شفاعة
مخلوق رجوته، ولكني أتيتك مقرا بالظلم والإساءة على نفسي، فإنه لا
حجة لي ولا عذر، فأسألك يا من هو كذلك أن تصلي على محمد وآل
محمد، وأن تعطيني مسألتي، وتقيلني عثرتي، وتقلبني برغبتي، ولا تردني
مجبوها ممنوعا، ولا خائبا، يا عظيم يا عظيم يا عظيم، أرجوك العظيم،
أسألك يا عظيم أن تغفر لي الذنب العظيم، لا إله إلا أنت).
قال: (ولا تدخلها بحذاء، ولا تبزق فيها، ولا تمخط فيها، ولم يدخلها
رسول الله صلى الله عليه وآله إلا يوم فتح مكة) (2).

(1) آل عمران: 97.
(2) الكافي 4: 528 / 3، التهذيب 5: 276 / 945، الوسائل 13: 275 أبواب مقدمات
الطواف ب 36 ح 1.
86

وفي صحيحة الأعرج: (فإذا دخلته فأدخله على سكينة ووقار، ثم ائت
كل زاوية من زواياه، ثم قل: [اللهم] إنك قلت: (ومن دخله كان آمنا)،
فآمني من عذاب يوم القيامة، وصل بين العمودين اللذين يليان الباب على
الرخامة الحمراء، وإن كثر الناس فاستقبل كل زاوية من مقامك حيث
صليت، وادع الله وسله) (1).
وفي صحيحة ابن أبي العلاء: قال سألت أبا عبد الله عليه السلام وذكرت
الصلاة في الكعبة، قال: (بين العمودين، تقوم على البلاطة الحمراء (2)، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله صلى عليها، ثم أقبل على أركان البيت فكبر على كل ركن
منه) (3).
وفي الأخرى لابن عمار: رأيت العبد الصالح عليه السلام دخل الكعبة فصلى
ركعتين على الرخامة الحمراء، ثم قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني
والغربي، فرفع يده عليه ولزق به ودعا، ثم تحول إلى الركن اليماني فلصق
به ودعا، ثم أتى الركن الغربي، ثم خرج (4).
وصحيحة إسماعيل بن همام: (دخل النبي صلى الله عليه وآله الكعبة فصلى في
زواياها الأربع، صلى في كل زاوية ركعتين) (5).

(1) الكافي 4: 529 / 6، التهذيب 5: 277 / 947، الوسائل 13: 278 أبواب مقدمات
الطواف ب 36 ح 6. وما بين المعقوفين من المصادر.
(2) البلاطة الحمراء: هي حجر تسمى حجر السماق، ولد عليها علي بن أبي طالب
عليه السلام في بيت الله الحرام، وقد كانت في وسط البيت ثم غيرت وجعلت في ضلع
البيت عند الباب - مجمع البحرين 4: 240.
(3) الكافي 4: 528 / 4، الوسائل 13: 276 أبواب مقدمات الطواف ب 36 ح 3.
(4) الكافي 4: 529 / 5، التهذيب 5: 278 / 951، الوسائل 13: 277 أبواب مقدمات
الطواف ب 36 ح 4.
(5) الكافي 4: 529 / 8، التهذيب 5: 278 / 949، الوسائل 13: 276 أبواب مقدمات
الطواف ب 36 ح 2.
87

وموثقة يونس بن يعقوب: إذا دخلت الكعبة كيف أصنع؟ قال: (خذ
بحلقتي الباب إذا دخلت، ثم أمض حتى تأتي العمودين، فصل على الرخامة
الحمراء، ثم إذا خرجت من البيت فنزلت من الدرجة فصل عن يمينك
ركعتين) (1).
وفي الثالثة لابن عمار: في دعاء الولد، قال: (أفض عليك دلوا من ماء
زمزم ثم ادخل البيت، فإذا قمت على باب البيت فخذ بحلقة الباب، ثم قل:
اللهم إن البيت بيتك، والعبد عبدك وقد قلت: (ومن دخله كان آمنا)،
فآمني من عذابك وأجرني من سخطك، ثم ادخل البيت فصل على الرخامة
الحمراء ركعتين، ثم قم إلى الأسطوانة التي بإزاء الحجر والصق بها صدرك،
ثم قل: يا واحد يا ماجد يا قريب يا بعيد يا عزيز يا حكيم، لا تذرني فردا
وأنت خير الوارثين، هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء، ثم در
بالأسطوانة فالصق بها ظهرك وبطنك، وتدعو بهذا الدعاء، فإن يرد الله شيئا
كان) (2).
والظاهر من الأخيرة أن ما تضمنته من الدعاء والآداب لمن أراد الولد،
ولكن لا بأس بالتعميم.
ويستفاد من صحيحة الأعرج: كفاية استقبال كل زاوية في مقامه
الذي صلى فيه والدعاء والمسألة إذا منع كثرة الناس.
ومن موثقة يونس: استحباب صلاة ركعتين عن يمين المصلي إذا

(1) الكافي 4: 530 / 10، التهذيب 5: 278 / 950، الوسائل 13: 282 أبواب
مقدمات الطواف ب 40 ح 2.
(2) الكافي 4: 530 / 11، التهذيب 5: 278 / 952، الوسائل 13: 277 أبواب
مقدمات الطواف ب 36 ح 5، بتفاوت يسير.
88

خرج ونزل من الدرجة.
وتدل عليه أيضا صحيحة ابن سنان، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام
- وهو خارج من الكعبة - وهو يقول: (الله أكبر الله أكبر)، حتى قالها ثلاثا،
ثم قال: (اللهم لا تجهد بلانا، ربنا ولا تشمت بنا أعدائنا، فإنك أنت الضار
النافع)، ثم هبط فصلى إلى جانب الدرجة، جعل الدرجة عن يساره مستقبل
الكعبة ليس بينها وبينه أحد، ثم خرج إلى منزله (1).
ويستحب أيضا أن يسجد في البيت ويدعو وهو ساجد بالدعاء
المأثور في رواية ذريح، أوله: (لا يرد غضبك إلا حلمك) إلى آخر
الدعاء (2).
المسألة الرابعة: ويستحب أيضا أن يطوف بالبيت طواف الوداع،
بالاجماع، وعن بعض العامة وجوبه (3).
وفي رواية علي: في رجل لم يودع البيت، قال: (لا بأس به إن كانت
به علة أو كان ناسيا) (4).
وإثبات البأس في المفهوم محمول على شدة التأكد، للاجماع.
وهذا الطواف أيضا - كغيره - سبعة أشواط، وله صلاته، وينبغي أن
يعتمد في كيفيته ما في صحيحة ابن عمار، قال: (إذا أردت أن تخرج من
مكة فتأتي أهلك فودع البيت وطف بالبيت أسبوعا، وإن استطعت أن تستلم
الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط فافعل، وإلا فافتح به واختم به،

(1) الكافي 4: 529 / 7، التهذيب 5: 279 / 956، قرب الإسناد: 4 / 10، الوسائل 13:
282 أبواب مقدمات الطواف ب 40 ح 1.
(2) التهذيب 5: 276 / 946، الوسائل 13: 279 أبواب مقدمات الطواف ب 37 ح 1.
(3) انظر المغني والشرح الكبير 3: 490.
(4) التهذيب 5: 282 / 960، الوسائل 14: 291 أبواب العود إلى منى ب 19 ح 2.
89

فإن لم تستطع ذلك فموسع عليك، ثم تأتي المستجار فتصنع عنده كما
صنعت يوم قدمت مكة، وتخير لنفسك من الدعاء، ثم استلم الحجر
الأسود، ثم الصق بطنك بالبيت، تضع يدك على الحجر والأخرى على
الباب، واحمد الله واثن عليه وصل على النبي وآله، ثم قل: اللهم صل على
محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك وحبيبك ونجيبك وخيرتك من
خلقك، اللهم كما بلغ رسالاتك وجاهد في سبيلك وصدع بأمرك وأوذي في
جنبك وعبدك حتى أتاه اليقين، اللهم أقلبني مفلحا منجحا مستجابا بأفضل
ما يرجع به أحد من وفدك من المغفرة والبركة والرحمة والرضوان والعافية،
اللهم إن أمتني فاغفر لي، وإن أحييتني فارزقنيه من قابل، اللهم لا تجعله
آخر العهد من بيتك، اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، حملتني على
دوابك، وسيرتني في بلادك حتى أقدمتني حرمك وأمنك، وقد كان في
حسن ظني بك أن تغفر لي ذنوبي، فإن كنت غفرت لي ذنوبي فازدد عني
رضا، وقربني إليك زلفى، ولا تباعدني، وإن كنت لم تغفر لي فمن الآن
فاغفر لي قبل أن تنأى عن بيتك داري، فهذا أوان انصرافي إن كنت قد
أذنت لي، غير راغب عنك ولا عن بيتك، ولا مستبدل بك ولا به، اللهم
أحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني
أهلي، فإذا بلغتني أهلي فاكفني مؤنة عبادك وعيالي، فإنك ولي ذلك من
خلقك ومني، ثم ائت زمزم واشرب من مائها، ثم أخرج وقل: آئبون تائبون
عابدون، لربنا حامدون، إلى ربنا منقلبون راغبون، إلى الله راجعون إن شاء
الله)، وقال: إن أبا عبد الله عليه السلام لما ودعها وأراد أن يخرج من المسجد الحرام
90

خر ساجدا عند باب المسجد طويلا، ثم قام وخرج (1).
أقول: وتستفاد منها ومن سائر أخبار الباب أمور:
الأول: استحباب استلام الحجر الأسود والركن اليماني في كل شوط،
وإن لم يتمكن ففي الافتتاح والاختتام.
وتدل عليه أيضا صحيحة علي بن مهزيار: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام
في سنة خمس عشرة ومائتين ودع البيت بعد ارتفاع الشمس، فطاف بالبيت
يستلم الركن اليماني في كل شوط، فإذا كان في الشوط السابع استلمه،
واستلم الحجر ومسح بيده، ثم مسح وجهه بيده، ثم أتى المقام فصلى خلفه
ركعتين، ثم خرج إلى دبر الكعبة إلى الملتزم، فالتزم البيت وكشف الثوب
عن بطنه، ثم وقف عليه طويلا يدعو، ثم خرج من باب الحناطين وتوجه.
قال: فرأيته سنة سبع عشرة ومائتين ودع البيت ليلا يستلم الركن اليماني
والحجر الأسود في كل شوط، فلما كان في الشوط السابع التزم البيت في
دبر الكعبة قريبا من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل، وكشف الثوب
عن بطنه، ثم أتى الحجر الأسود فقبله ومسحه، وخرج إلى المقام فصلى
خلفه، ومضى ولم يعد إلى البيت، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف به
بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية (2).

(1) الكافي 4: 530 / 1، التهذيب 5: 280 / 957، الوسائل 14: 287 أبواب العود إلى
منى ب 18 ح 1، بتفاوت.
(2) الكافي 4: 532 / 3 وفيه: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام في سنة خمس وعشرين
ومائتين ودع البيت بعد ارتفاع...، وفي الوسائل 14: 289 أبواب العود إلى منى
ب 18 ح 3: عن الحسن بن علي الكوفي، وفيه: فرأيته في سنة تسع عشرة ومائتين
ودع البيت ليلا...
91

وذكر جماعة: أنه يستحب استلام الأركان كلها (1). ولا بأس به.
الثاني: استحباب اتيان المستجار والتزامه وإلصاق البطن عليه باسطا
يديه والدعاء فيه.
وتدل عليه الصحيحة الأخيرة أيضا، والمستفاد منها تخيره في كون
ذلك في الشوط السابع أو بعد إتمام الصلاة وطوافه.
الثالث: إلصاق البطن بالبيت بعد الطواف بين الحجر والباب، واضعا
إحدى يديه على الحجر والأخرى على الباب، داعيا بما مر من الدعاء.
الرابع: الشرب من ماء زمزم بعد الطواف.
وتدل عليه أيضا رواية أبي إسماعيل: جعلت فداك، فمن أين أودع
البيت؟ قال: (تأتي المستجار بين الحجر والباب فتودعه من ثم، ثم تخرج
فتشرب من زمزم، ثم تمضي)، قلت: أصب على رأسي؟ قال: (لا تقرب
الصب) (2).
الخامس: الدعاء عند الخروج من المسجد الحرام بقوله: (آئبون) إلى
آخره.
السادس: السجود عند باب المسجد عند إرادة الخروج.
وتدل عليه أيضا صحيحة الخراساني: رأيت أبا الحسن عليه السلام ودع
البيت، فلما أراد أن يخرج من باب المسجد خر ساجدا، ثم قام فاستقبل
القبلة، فقال: (اللهم إني أنقلب على ألا إله إلا أنت) (3).

(1) منهم الطوسي في النهاية: 236، الشهيد الثاني في الروضة 2: 328، صاحب
الرياض 1: 430.
(2) الكافي 4: 532 / 4، الوسائل 14: 290 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 5.
(3) الكافي 4: 531 / 2، التهذيب 5: 281 / 958، العيون 2: 17 / 43، الوسائل 14:
288 أبواب العود إلى منى ب 18 ح 2.
92

وقيل: ولتكن السجدة مستقبل القبلة (1).
ولا بأس به، بل هو أولى.
السابع: الدعاء - بعد القيام من السجدة مستقبلا - بما في هذه
الصحيحة الأخيرة.
الثامن: أن يخرج من باب الحناطين، ذكره جماعة من الأصحاب (2).
ولعل مستندهم الصحيحة الثانية، وفي دلالتها نظر، لعدم معلومية
كون خروج الإمام من باب العبادة، ولكن لا بأس به، لفتوى الأصحاب.
قال في الدروس: هذا الباب بإزاء الركن الشامي (3).
وزاد فيه بعضهم: على التقريب (4).
وقال المحقق الثاني: ولم أجد أحدا يعرف موضع هذا الباب، فإن
المسجد قد زيد فيه، فينبغي أن يتحرى الخارج محاذاة الركن الشامي ثم
يخرج (5).
وقال والدي العلامة - طاب ثراه - في المناسك المكية: وهو الباب
الذي يسمى الآن بباب الدربية يحاذي الركن الشامي، وهو أول باب يفتح
في جنب باب السلام من جهة يمين من يدخل المسجد. انتهى.
وغرضه - 1 - أن ذلك الباب يمر بموضع باب الحناطين، وإلا
فالمسجد قد وسع الآن.

(1) كما في كشف اللثام 1: 382، الرياض 1: 430.
(2) كما في السرائر 1: 616، الدروس 1: 469، المسالك 1: 127، كشف اللثام 1:
382، الرياض 1: 430.
(3) الدروس 1: 469.
(4) انظر كشف اللثام 1: 382، الرياض 1: 430.
(5) جامع المقاصد 3: 272.
93

المسألة الخامسة: يستحب عند إرادة الخروج من مكة اشتراء درهم
تمرا، والتصدق به كفارة لما لعله فعله في الاحرام، أو الحرم.
تدل عليه - مع فتوى الأصحاب - صحيحة حفص وابن عمار (1)،
والأخرى للأخير (2)، ورواية أبي بصير (3).
المسألة السادسة: يستحب لمن أراد الخروج من مكة أن يعزم على
العود إليها، وأن يسأل الله سبحانه التوفيق للرجوع، وأن لا يجعل ذلك آخر
العهد منه، اللهم ارزقنا العود إلى بيتك المحرم بمنك وكرمك..
ففي رواية ابن سنان: (من رجع من مكة وهو ينوي الحج من قابل
زيد في عمره) (4).
وفي رواية إسحاق: إني قد وطنت نفسي على لزوم الحج كل عام
بنفسي أو برجل من أهل بيتي بمالي، فقال: (وقد عزمت على ذلك؟) قال:
قلت: نعم، قال: (إن فعلت فأيقن بكثرة المال)، أو قال: (فأبشر بكثرة
المال) (5).
وفي حسنة الأحمسي: (من خرج من مكة وهو لا يريد العود إليها فقد
اقترب أجله ودنا عذابه) (6).

(1) الكافي 4: 533 / 1، التهذيب 5: 282 / 963، الوسائل 14: 292 أبواب العود إلى
منى ب 20 ح 2.
(2) الفقيه 2: 290 / 1430، الوسائل 14: 292 أبواب العود إلى منى ب 20 ح 1.
(3) الكافي 4: 533 / 2، الوسائل 14: 292 أبواب العود إلى منى ب 20 ح 3.
(4) الكافي 4: 281 / 3، الوسائل 11: 150 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 57 ح 1.
(5) الكافي 4: 253 / 5، الفقيه 2: 140 / 608، ثواب الأعمال: 47، الوسائل 11:
133 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 46 ح 1، بتفاوت.
(6) الكافي 4: 270 / 1، الوسائل 11: 151 أبواب وجوب الحج وشرائطه ب 57 ح 2.
94

المسألة السابعة: ومن المستحبات أن يصلي جميع صلواته ما دام
بمكة في المسجد الحرام، فإن فضله مما لا يحيط به الكلام، حتى ورد أن
صلاة ركعة فيه تقابل مائة ألف ركعة في غيره (1).
ولوقوع الزيادة في المسجد بعد عصر النبي صلى الله عليه وآله والحجج:
فينبغي أن يصلي قريب الكعبة بحيث يقطع وقوع الصلاة في المسجد
الحرام.
قال والدي العلامة - قدس سره - في المناسك المكية ما ترجمته: إن القدر
المحقق كونه من المسجد الحرام في عهد النبي صلى الله عليه وآله هو القدر المدور الذي
أحاطت به الأسطوانات التي من الحديد، المنصوبة حول الكعبة، وتعلق
عليها القناديل في الليالي، وهي ثلاث وثلاثون أسطوانة، إحدى وثلاثون منها
من الحديد، واثنتان منها من المرمر.
ثم قال: والظاهر أن المربع المستطيل - المفروش بالحجر، المشتمل
على ملتزم وطاق بني شيبة ومقام إبراهيم والمنبرين اللذين أحدهما من
الخشب والآخر من المرمر - داخل في المسجد وإن كان خارجا من المدور
المذكور.
المسألة الثامنة: ومما عده بعضهم من المستحبات: إتيان بعض
المواضع المتبركة بمكة، كمولد رسول الله صلى الله عليه وآله، ومنزل خديجة، وزيارة قبر
خديجة، والغار الذي بجبل حراء، الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله في ابتداء الوحي
يتعبد به، والغار الذي بجبل ثور، استتر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عن المشركين (2).

(1) الوسائل 5: 270 أبواب أحكام المساجد ب 52 وفيها: أن الصلاة فيه تعدل مائة
ألف صلاة.
(2) انظر الدروس 1: 468، والذخيرة: 695.
95

ولما بذل والدي العلامة - شكر الله مساعيه الجميلة - جهده الشريف
في تحقيق تلك الأماكن بمكة وبيانها فنذكر هنا ترجمة ما ذكره في ذلك
المقام في المناسك المكية، قال - طيب الله مضجعه -:
الحطيم: قدر من حائط البيت ما بين حجر الأسود وباب الكعبة.
والمعجن: موضع قريب من حائط البيت، منحط من الأرض.
ومصلى الرسول صلى الله عليه وآله: ما بين الحجر الأسود والركن اليماني، قريب
من حائط البيت، يتصل موضع سجوده بشاذروان، وعلى موضع السجدة
حجر مدور من يشم (1)، وعلى موضع اليدين أيضا علامة.
ومصلى إبراهيم: ما بين الركن والمعجن، لكنه إلى المعجن أقرب،
ونصب على فوقه في شاذروان حجر أبيض مرمر، نقش عليه بعض الآيات
القرآنية.
ثم قال - قدس سره -: وفي مكة أماكن شريفة أخرى في إتيانها فضل كامل:
منها: دار خديجة، التي هي دار الوحي ومولد سيدة نساء العالمين،
وهي في سوق الصباغين، الذي هو قرب سوق الصفا والمروة، واقعة في
يمين من يمشي من الصفا إلى المروة، ولها قبة معروفة، ويتصلها مسجد،
يستحب إتيانها، وصلاة التحية فيها، وطلب الحوائج والمسألة.
ومنها: مولد النبي صلى الله عليه وآله، وهو في سوق الليل، وله قبة معروفة، وأصل
موضع التولد شبيه بجوف ترس، وعليه منارة من الخشب، يستحب إتيانه،
وصلاة التحية فيه، وطلب الحاجة.
ومنها: قبر خديجة، وهو في مقابر معلاة، قريب بانتهاء المقابر في

(1) يشم ويرادفها يشب، يشف، فارسية معربة: حجر يشبه العقيق أو الزبرجد، ذو
ألوان مختلفة، كالأبيض والرمادي والأخضر الداكنين.
96

سفح الجبل، وله قبة معروفة، أصل القبة بيضاء وحيطانها صفراء، وتستحب
زيارتها.
وكذا زيارة آمنة أم الرسول صلى الله عليه وآله، وقبرها قريب من قبر خديجة في
فوقه بقليل، من يمين من يصعد من مكة إلى الجبل.
وزيارة أبي طالب عليه السلام والد أمير المؤمنين عليه السلام، وعبد المطلب جد
رسول الله صلى الله عليه وآله، وقبرهما فوق قبر خديجة وآمنة، ويدور عليهما حائط
ليس بينه وبين الجبل إلا حظيرة اشتهر أنه مدفن بعض الصوفية، الذي
يعتقده أهل السنة.
وللحظيرة - التي دفن فيها أبو طالب وعبد المطلب - باب من يمين
من يصعد من جانب قبر خديجة إلى الجبل.
وفي الجانب المقابل للباب من هذه الحظيرة حظيرة أخرى أرفع من
تلك الحظيرة، وفي قبلته محراب، وفي مقابل الباب قبر أبي طالب وعبد
المطلب.
وهنا قبر آخر متصل بالحائط في يمين الباب، بعضهم يقولون: أنه قبر
عبد مناف، ولكنه لم يعلم. انتهى كلامه رفع مقامه.
97

الباب الثاني
في تفصيل أفعال حج الافراد، وحج القران، والعمرة المفردة،
وشرائطها، وأحكامها، من حيث إنها هي.
وفيه فصلان:
99

الفصل الأول
في بيان ما يتعلق بقسمي الحج
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: حج الافراد والقران فرض أهل مكة ومن في
حكمهم - كما مر - بالاجماع، والأخبار المستفيضة جدا (1)، المتقدم كثير
منها.
المسألة الثانية: لا يجوز لهم العدول إلى التمتع في حجة الاسلام
اختيارا على الحق المشهور، للأصل، حيث لم يقع التوقيف به، والأخبار
المعينة لهم غير التمتع.
وعن الشيخ قول بالجواز في المبسوط والخلاف، وحكي عن الجامع
أيضا (2).
لوجوه ضعيفة، أجودها صحيحة البجلي وعبد الرحمن: عن رجل من
أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار، ثم رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت
رسول الله صلى الله عليه وآله، أله أن يتمتع؟ فقال: (ما أزعم أن ذلك ليس له، والاهلال
بالحج أحب إلي) (3).
والروايات الواردة في أن للمفرد بعد دخول مكة والطواف والسعي

(1) الوسائل 11: 258 أبواب أقسام الحج ب 6.
(2) المبسوط 1 ب: 306، الخلاف 2: 261، الجامع للشرائع: 179.
(3) التهذيب 5: 33 / 100، الإستبصار 2: 158 / 518، الوسائل 11: 262 أبواب
أقسام الحج ب 7 ح 1.
101

العدول إلى المتعة.
ويردان أولا: بعدم نصوصيتهما في الفريضة، بل للتطوع محتملان،
سيما الأولى، لبعد بقاء المكي بلا حجة الاسلام - إلى أن يخرج من مكة
ويرجع إليها - عادة.
وليس في قوله: (والاهلال بالحج أحب) قرينة على إرادة
الواجب بناء على أفضلية التمتع في التطوع مطلقا، إجماعا على ما قيل (1) -
لاحتماله إرادة إظهار الحج تقية (2)، كما في الصحيح: (ينوي العمرة ويهل
بالحج) (3).
وثانيا: بأخصيتهما عن المدعى، لورود الأولى فيمن خرج إلى بعض
الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقيت، وقد أفتى بمضمونها في موردها
خاصة جماعة، كالشيخ في التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط
والمحقق في المعتبر والفاضل في التحرير والمنتهى والتذكرة (4).
والثانية: فيمن أحرم بالافراد ودخل مكة وطاف وسعى مفردا، ولذا
جعلوا موردها مسألة على حدة كما يأتي.
وثالثا: بمعارضتهما مع أخبار عدم شرعية التمتع للمكي، وأخصية
الثانية، لاختصاصها بالفرض وأعميتهما عنه، فيجب التخصيص. ولو لوحظ

(1) كما في الرياض 1: 353.
(2) في (ح): لاحتمال إرادة الحج تقية...
(3) التهذيب 5: 80 / 264 وفيه: (ينوي المتعة ويحرم بالحج). وفي الإستبصار 2:
168 / 554، والوسائل 13: 351 أبواب الاحرام ب 22 ح 1: (ينوي العمرة ويحرم
بالحج).
(4) التهذيب 5: 33، الإستبصار 2: 158، النهاية: 206، المبسوط 1: 313،
المعتبر 2: 798، التحرير 1: 93، المنتهى 2: 664، التذكرة 1: 319.
102

اختصاصهما بالموردين لكان التعارض بالعموم من وجه، والترجيح لأخبار
المنع، لموافقة الكتاب والشهرة والأكثرية عددا والأصرحية دلالة.
قيل: مع أنه على تقدير التساوي يرجع إلى الأصل، ومقتضاه وجوب
تحصيل البراءة اليقينية، ولا تحصل إلا بغير المتعة (1).
وفيه: أنه يصح على قول من يقول بالتساقط بعد التعارض، وعلى
المختار - من الرجوع إلى التخيير فيما لم يدل دليل على انتفائه - فلا يصح
ذلك، بل يرجع إلى جواز العدول.
المسألة الثالثة: هل يجوز العدول اضطرارا، كخوف الحيض المتأخر
عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى أن تطهر، وخوف عدو بعده،
وفوت الصحبة كذلك؟
المعروف من مذهب الأصحاب - كما قيل (2) -: نعم، وفي الذخيرة: لا
أعلم فيه خلافا بين الأصحاب (3). وفي المدارك: أنه مذهب الأصحاب (4).
وهو مشعر بالاتفاق، بل حكي عن بعضهم التصريح به (5).
قيل (6): للعمومات، وفحوى ما دل على جواز العدول من التمتع
- مع أفضليته - إليهما مع الضرورة (7).
ويرد الأول: بمنع عموم يدل عليه، وإن أريد ما أشير إليه من أخبار

(1) انظر الرياض 1: 353.
(2) انظر الرياض 1: 353.
(3) الذخيرة: 551.
(4) المدارك 7: 189.
(5) كما في الرياض 1: 353.
(6) المدارك 7: 189.
(7) بمعنى: أن العدول من التمتع إلى الافراد والقران إذا كان جائزا مع الضرورة
فبالأولى أن يكون العدول منهما إليه جائزا، لأفضليته.
103

العدول بعد دخول مكة - كما قيل (1) - ففيه:
أولا: أنها غير المورد كما مر.
وثانيا: أنها تفرق بين المفرد والقارن، والأصحاب لا يفرقون بينهما
في المضطر.
وثالثا: أن مع التسليم تعارض عمومات المنع بالعموم المطلق، فيجب
التخصيص بالمتطوع، فإذن المنع حينئذ أيضا أولى، كما حكي عن ظاهر
التبيان والاقتصاد والغنية والسرائر (2).
وعلى هذا، فوظيفة المضطر إما تقديم العمرة المفردة - كما احتمله
بعضهم (3)، أو تأخير الحج إلى القابل.
المسألة الرابعة: تشترط فيهما النية - كما مر في المتعة - ووقوعهما
في أشهر الحج، بالاجماعين (4)، وعمومات الكتاب (5) والسنة، وخصوص
بعض الصحاح (6).. وأن يعقد إحرامهما من الميقات، كما يأتي.
المسألة الخامسة: القارن كالمفرد على الأصح الأشهر إلا بسياق
الهدي.
للأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها (7).

(1) الرياض 1: 353.
(2) التبيان 2: 159، الإقتصاد: 298، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، السرائر 1:
520.
(3) كما في كشف اللثام 1: 278، الرياض 1: 353.
(4) كما في المعتبر 2: 786، وحكاه في المدارك 7: 191، الرياض 1: 353.
(5) البقرة: 97.
(6) التهذيب 5: 445 / 1550، الوسائل 11: 271 أبواب أقسام الحج ب 11 ح 1.
(7) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.
104

وقيل: إنه كالمتمتع إلا بسياق الهدي وعدم التحلل عن العمرة في
الأثناء (1)، لأخبار غير واضحة الدلالة.
المسألة السادسة: يستحب للقارن الاشعار والتقليد لما يسوقه من
البدن، بلا خلاف فيه يوجد.
له، وللأخبار المستفيضة الآمرة بهما (2)، المحمولة على الاستحباب،
للأصل، والاجماع، والصحيح: في رجل ساق هديا ولم يقلده ولم يشعره،
قال له: (أجزاء عنه، ما أكثر ما لا يقلد ولا يشعر ولا يحلل) (3).
قالوا: ويستحب أن يكون ذلك بعد التلبية.
ولا نص عليه بخصوصه، كما صرح به جماعة (4)، ولكن إطلاق
الأوامر بهما وفتوى الأصحاب كاف في ذلك، لما يتحمل من التسامح.
والمراد من الاشعار - كما ذكره الأصحاب -: أن يشق سنام البعير من
الجانب الأيمن، ويلطخ صفحته بدم إشعاره.
والمذكور في الأخبار إنما هو الشق بالطريق المذكور (5)، وأما تلطخ
الصفحة فذكره الأصحاب، ولعله كاف في إثباته.
هذا إذا كانت معه بدنة واحدة.
وأما إذا كانت بدن كثيرة، فإنه يدخل بينها ويشعرها يمينا وشمالا، أي
هذه في يمينها وهذه في شمالها، من غير أن يرتبها ترتيبا يوجب الاشعار

(1) حكاه في التذكرة 1: 318، الحدائق 14: 372.
(2) الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12.
(3) الفقيه 2: 209 / 953، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 10.
(4) انظر كشف اللثام 1: 281، المدارك 7: 195، الرياض 1: 354.
(5) الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12.
105

في اليمين، والمستند فيه صحيحة حريز (1) وغيرها (2).
والمراد من التقليد: أن يعلق في رقبة المسوق نعلا صلى فيه السائق
نفسه، كما صرح به في المستفيضة (3).
ثم استحباب الاشعار والتقليد إنما هو للبدن، وأما البقر والغنم فلا
إشعار فيهما، بل يختصان بالتقليد، كما صرح به في صحيحة زرارة (4).
المسألة السابعة: يجوز للمفرد والقارن تقديم طوافه وسعيه على
الوقوفين، كما مر بيانه في بحث مناسك مكة بعد الرجوع من منى، وإذا فعل
أحدهما ذلك يجدد التلبية عند كل طواف عقيب صلاته، على الحق
المشهور، لصحيحتي البجلي (5) وابن عمار (6).
وهل يحلان بالطواف لولا التلبية، فالتلبية للبقاء على الاحرام؟ فيه
أوجه:
الأول: حصول التحلل بالطواف للمفرد والقارن، حكي عن المبسوط
والنهاية والخلاف، وهو مختار الشهيدين في اللمعتين والمسالك والمحقق
الثاني (7)، ونفى عنه البأس في التنقيح (8).

(1) التهذيب 5: 43 / 128، الوسائل 11: 279 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 19.
(2) انظر الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12.
(3) انظر الوسائل 11: 275 أبواب أقسام الحج ب 12.
(4) الفقيه 2: 209 / 952، الوسائل 11: 277 أبواب أقسام الحج ب 12 ح 9.
(5) الكافي 4: 300 / 5، التهذيب 5: 45 / 137، الوسائل 11: 285 أبواب أقسام
الحج ب 16 ح 1.
(6) الكافي 4: 298 / 1، التهذيب 5: 44 / 131، الوسائل 11: 286 أبواب أقسام
الحج ب 16 ح 2.
(7) المبسوط 1: 309، النهاية: 208، وحكاه عن الخلاف في الإيضاح 1: 262،
الروضة 2: 214، المسالك 1: 124، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 115.
(8) التنقيح 1: 441.
106

للصحيحتين المتقدمتين، وموثقة زرارة (1)، والمروي في العلل، وفيه:
(المحرم إذا طاف بالبيت أحل إلا لعلة) (2).
الثاني: حصوله للمفرد خاصة دون القارن، حكي عن الشيخ في
التهذيب (3)، واستظهره في الذخيرة (4)، وقواه بعض مشايخنا
المعاصرين (5).
للأخبار المصرحة بأن السائق لا يحل ما لم يبلغ الهدي محله (6)،
وخصوص صحيحتي زرارة (7) وابن عمار (8)، ومرسلة يونس بن
يعقوب (9)، وموثقة زرارة (10).
والثالث: عكس الثاني، حكي في التنقيح عن المفيد والسيد (11)، ولكن
كلامهما لا يدل عليه، ومستنده غير واضح كما صرح به غير واحد (12).
والرابع: عدم حصول الاحلال مطلقا إلا بالنية، وإن كان الأولى تجديد

(1) الكافي 4: 299 / 2، التهذيب 5: 44 / 132، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام
الحج ب 5 ح 5.
(2) العلل: 274 / 9، الوسائل 11: 232 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 27.
(3) التهذيب 5: 27.
(4) الذخيرة: 550.
(5) الرياض 1: 355.
(6) الوسائل 11: 254 أبواب أقسام الحج ب 5.
(7) الفقيه 2: 203 / 928، الوسائل 11: 256 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 7.
(8) الكافي 4: 298 / 1، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 4.
(9) الكافي 4: 399 / 3، التهذيب 5: 44 / 133، الوسائل 11: 256 أبواب أقسام
الحج ب 5 ح 6.
(10) الفقيه 2: 203 / 927، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 5.
(11) التنقيح 1: 441.
(12) انظر الحدائق 14: 384، الرياض 1: 355.
107

التلبية، حكي عن الحلي والفاضل وولده (1).
للأصل. وهو مدفوع بما مر.
وما دل على عدم إحلال القارن ما لم يبلغ الهدي محله. وهو أخص
من المدعي.
ولبعض الاجتهادات المردودة في مقابل النص.
فضعف هذا القول ظاهر، وكذا سابقه، لما مر.
والقول الأول وإن دلت عليه المستفيضة إلا أن دلالة غير صحيحة ابن
عمار منها على القارن بالعموم، اللازم تخصيصه بما مر.
وأما الصحيحة وإن تضمنت القارن خصوصا، إلا أنها ليست صريحة
في القارن بالمعنى المتنازع فيه، لاحتماله القارن بين الحج والعمرة في النية،
كما عبر به عنه في صحيحة زرارة المشار إليها، ولو سلم فلا يكافئ ما
تقدم دليلا للثاني، لأكثريته وأصرحيته، ولو سلم التساوي فالمرجع
استصحاب الاحرام.
فالأظهر هو القول الثاني.
وعلى هذا، فهل يلبي القارن أيضا تعبدا، أم لا؟
الظاهر: الأول، كما هو ظاهر كلام السيد والمفيد والحلبي والقاضي
في القارن (2)، حيث حكموا بتجديد التلبية على القارن دون المفرد من غير
تصريح بالتحلل، ومن أجله نسب في التنقيح إلى الأولين القول الثالث (3).

(1) الحلي في السرائر 1: 524، الفاضل في المختلف: 262، وولده في الإيضاح 1:
262.
(2) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 64، المفيد في
المقنعة: 391، الحلبي في الكافي في الفقه: 208، القاضي في المهذب 1: 210.
(3) التنقيح الرائع 1: 441.
108

وهل هو واجب على المفرد، والقارن، كما هو ظاهر أرباب القول
الأول؟
أم مستحب فيهما، كما هو صريح أرباب القول الرابع؟
أو لازم في القارن دون المفرد، كما نقلناه عن السيد والمفيد والمفيد
والحلبي والقاضي؟
الأظهر: الاستحباب، لقصور ما دل عليه: عن إثبات الوجوب، إما
لأجل تضمنه عموما لا يمكن حمله على الوجوب في الجميع، أو لمقام
الجملة الخبرية.
إلا في المفرد، الذي يجب عليه الافراد ويتعين، فتلزم عليه التلبية،
لئلا يبطل حجه الافرادي.
المسألة الثامنة: صرح الأصحاب بجواز عدول المفرد بعد الاحرام
ودخول مكة إلى المتعة، فيجعل إحرامه عمرة، بلا خلاف يوجد كما صرح
به جماعة (1)، بل بالاجماع كما عن الخلاف والمعتبر والمنتهى (2)، وظاهر
جمع آخر (3).
للمستفيضة المصرحة به (4)، وفيها الصحاح وغيرها.
وللأخبار المتظافرة بأمر النبي صلى الله عليه وآله أصحابه بالعدول، وخصه جماعة
من متأخري المتأخرين بما إذا لم يكن الافراد عليه متعينا (5).

(1) كصاحب الحدائق 14: 399، صاحب الرياض 1: 355.
(2) الخلاف 2: 261، المنتهى 2: 662، المعتبر 2: 797.
(3) التنقيح الرائع 1: 442، المدارك 7: 203، كشف اللثام 1: 283.
(4) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.
(5) كما في كشف اللثام 1: 283، الحدائق 14: 404، المفاتيح 1: 309، الرياض
1: 356.
109

إما لعدم عموم في الأخبار المجوزة بحيث يشمل من تعين عليه.
أو لتعارضها مع أخبار الافراد على المكي بالعموم من وجه، فيرجع
إلى الأصل، وهو استصحاب وجوب الافراد عليه.
أقول: أما منع العموم فغير صحيح كما صرح به جماعة (1)، ويظهر
للمتأمل في الأخبار.
وأما الرجوع إلى الأصل بعد التعارض فمبني على قول من يقول
بالتساقط عند التعارض، وهو خلاف التحقيق، بل يرجع إلى التخيير،
ومقتضاه جواز العدول مطلقا، إلا أن موافقة الكتاب - التي هي من
المرجحات المنصوصة - ترجح الأول، فالحق: عدم الجواز في صورة
التعين.
المسألة التاسعة: قد مر في بحث المواقيت: أن المكي إذا بعد عن
أهله ومر على بعض مواقيت الآفاق يحرم منه.
وهل يجوز له التمتع حينئذ، أو يحرم للنوع الذي هو فرض المكي؟
فالأكثر إلى الجواز، لصحيحة البجلي وعبد الرحمن بن أعين (2)،
وبعض أخبار أخر.
ويمكن حملها على المندوب، بل هو الظاهر من بعضها، ولولاه أيضا
لتعارض في الواجب مع الأخبار (3) المعينة لغير التمتع على المكي بالعموم
والخصوص من وجه، والترجيح لأخبار المنع عن التمتع، لموافقة الكتاب

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 102، السيوري في التنقيح 1: 443.
(2) التهذيب 5: 33 / 100، الإستبصار 2: 158 / 518، الوسائل 11: 262 أبواب
أقسام الحج ب 7 ح 1.
(3) الوسائل 11: 262 أبواب أقسام الحج ب 7.
110

كما مر.
المسألة العاشرة: المجاور بمكة لا يخرج بمجرد المجاورة عن
فرضه المستقر عليه قبلها مطلقا قطعا، ما لم يقم مدة توجب انتقال الفريضة
إلى غيرها، بل إذا أراد حجة الاسلام يحرم للتمتع وجوبا إجماعا نصا
وفتوى، للاستصحاب والأخبار.
واختلفوا في ميقاته، فقال في المقنعة والكافي والخلاف والجامع
والمعتبر والنافع والمنتهى والتحرير والتذكرة وموضع من النهاية: إنه يحرم
من ميقات أهله (1)، أي الميقات الذي كان يمر إليه إذا جاء من بلده.
للاستصحاب.
والعمومات الواردة في المواقيت (2).
وخبر سماعة: عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال:
(نعم، يخرج إلى مهل أرضه فيلبي إن شاء) (3).
والأخبار الواردة في ناسي الاحرام أو جاهله أنه يرجع إلى ميقات
أهل أرضه (4)، فإنه لا تعقل خصوصيته للناسي والجاهل.
وقال جماعة - منهم: المقنع والمبسوط وظاهر الشرائع والارشاد
والقواعد والنهاية والدروس والمسالك والروضة كما حكي -: بأنه يحرم من

(1) المقنعة: 396، الكافي: 202، الخلاف 2: 285، الجامع: 179، المعتبر 2:
341، النافع: 81، المنتهى 2: 671، التحرير 1: 93، التذكرة 1: 321، النهاية:
211.
(2) الوسائل 11: 337 أبواب المواقيت ب 19.
(3) الكافي 4: 302 / 7، التهذيب 5: 59 / 188، الوسائل 11: 337 أبواب المواقيت
ب 19 ح 1.
(4) انظر الوسائل 11: 328 أبواب المواقيت ب 14.
111

أي ميقات كان (1).
لعدم تعيين الحج عليه من طريق، وجواز الاحرام من كل ميقات إذا
مر عليه، ولاطلاق مرسلة حريز: (من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة
فهو مكي، فإذا أراد أن يحج عن نفسه أو أراد أن يعتمر بعدما انصرف عن
عرفة فليس له أن يحرم بمكة، ولكن يخرج إلى الوقت) (2).
وعن الحلبي: أنه يحرم من أدنى الحل (3)، ومال إليه في المدارك (4).
لصحيحة الحلبي، وفيها: (وحكم القاطنين بمكة إذا قاموا سنة أو
سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإذا قاموا شهرا فإن لهم أن يتمتعوا)،
قلت: من أين؟ قال: (يخرجون من الحرم) (5).
وقريبة منها صحيحة حماد (6)، وبعض الأخبار (7) المتضمنة لاحرام
المجاور من الجعرانة (8) والحديبية (9) والتنعيم (10).

(1) المقنع: 69، المبسوط 1: 313، الشرائع 1: 241، الإرشاد 1: 309، القواعد 1:
79، النهاية: 211، الدروس 1: 342، المسالك 1: 104، الروضة 2: 226.
(2) الكافي 4: 302 / 8، التهذيب 5: 60 / 189، الوسائل 11: 269 أبواب أقسام
الحج ب 9 ح 9.
(3) الكافي في الفقه: 202.
(4) المدارك 7: 207.
(5) التهذيب 5: 35 / 103، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 3، بتفاوت.
(6) الكافي 4: 300 / 4، الوسائل 11: 268 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 7.
(7) الوسائل 11: 265 أبواب أقسام الحج ب 9.
(8) الجعرانة: موضع بين مكة والطائف على سبعة أميال من مكة... - مجمع
البحرين 3: 247.
(9) الحديبية: وهي بئر بقرب مكة على طريق جدة دون مرحلة، ثم أطلق على الموضع -
مجمع البحرين 2: 36.
(10) التنعيم: موضع قريب من مكة، وهو أقرب إلى أطراف الحل إلى مكة، ويقال بينه
وبين مكة أربعة أميال، ويعرف بمسجد عائشة - مجمع البحرين 6: 179.
112

ويرد على دليل الأول: ضعف الاستصحاب، لأن المسلم وجوب
إحرامه هناك حين المرور لا مطلقا.
ومنع شمول العمومات للمورد، لأن المتبادر منها من يمر على
الميقات، ولذا يجوز لأهل كل أرض الاحرام عن ميقات آخر بالعدول عن
الطريق.
وضعف الخبر عن الدلالة على الوجوب.
وقيل: لمكان قوله: (إن شاء) أيضا (1).
وفيه: أن الظاهر أن متعلق المشية التمتع بالعمرة دون الخروج إلى
مهل أرضه.
وكون التعدي من الناسي والجاهل قياسا، وعدم تعقل الخصوصية غير
مفيد، بل اللازم تعقل عدم الخصوصية.
وعلى دليل الثاني: أن جواز الاحرام بعد المرور غير المفروض،
ولفظ: (الوقت) في المرسل مجمل، لاحتمال عهدية اللام.
وعلى دليل الثالث: أنه شاذ، مع أن خارج الحرم فيه مطلق يحتمل
التقييد بأحد الأولين.
وأما أخبار الجعرانة ونحوها فمحمولة على العمرة المفردة، كما
وردت به المستفيضة.
مع معارضتها مع الموثق في المجاور، وفيه: (فإن هو أحب أن يتمتع
في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق (2)

(1) الرياض 1: 356.
(2) ذات عرق: مهل أهل العراق، وهو الحد بين نجد وتهامة - معجم البلدان 4: 107.
113

ويجاوز عسفان (1)، فيدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج، فإن أحب أن يفرد
بالحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها) (2).
وإذ ظهر ضعف الكل نقول: قد ثبت من الجميع - بل الاجماع -
وجوب الخروج من الحرم، فهو لازم، والأصل وإن كانت البراءة عن الزائد،
إلا أن شذوذ القول بأدنى الحل وإطلاق دليله بالنسبة إلى ما تقدم يأبى عن
المصير إليه بالجرأة، فالأولى والأحوط الاحرام من أحد المواقيت، والأولى
منه من ميقات أرضه، لحصول البراءة به قطعا.
هذا مع الامكان، وأما مع التعذر فيحرم من أدنى الحل على المشهور،
بل المقطوع به في كلام الأصحاب كما قيل (3)، بل ادعى بعضهم الاتفاق
عليه (4)، ودليله واضح مما مر، فإنه لا شذوذ حينئذ حتى ترفع اليد عن
دليله.
ولو تعذر في أدنى الحل أحرم من مكة بلا خلاف فيه، ويدل عليه ما
دل على ثبوت الحكم في غير ما نحن فيه.
المسألة الحادية عشرة: المجاور بمكة إذا أقام بها ثلاث سنين ينتقل
فرضه إلى القران أو الافراد إجماعا.
وهل يختص بذلك، كما عن الإسكافي والنهاية والمبسوط والحلي (5)؟

(1) عسفان: موضع بين مكة والمدينة... بينه وبين مكة مرحلتان - مجمع البحرين
5: 100.
(2) الفقيه 2: 274 / 1335، الوسائل 11: 270 أبواب أقسام الحج ب 10 ح 2،
وفيهما: أو يجاوز عسفان.
(3) المدارك 7: 206.
(4) وهو في الرياض 1: 361.
(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 261، النهاية: 206، المبسوط 1: 308،
الحلي في السرائر 1: 522.
114

أو لا، بل ينتقل بإقامة سنتين كاملتين أيضا، كما عن الشيخ في
كتابي الأخبار والفاضلين والشهيدين (1)، وغيرهما (2)، بل في المسالك (3)
وغيره (4): أنه المشهور بين الأصحاب، وربما نسب إلى من عدا الشيخ من
علمائنا؟
الحق: هو الثاني، لصحيحتي زرارة وعمر بن يزيد:
الأولى: (من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له) (5).
والثانية: (المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين، فإذا
جاوز سنتين كان قاطنا، وليس له أن يتمتع) (6).
وبهما يندفع الاستصحاب، الذي هو دليل الأولين.
وهل يختص بذلك، أو ينتقل بالأدون أيضا كالسنة، كما في صحيحة
الحلبي المتقدمة في المسألة السابقة، وصحيحة ابن سنان (7)، وصحيحة
محمد (8)؟
أو ستة أشهر، كصحيحة البختري (9)؟

(1) الشيخ في التهذيب 5: 34، والاستبصار 2: 159، المحقق في الشرائع 1: 240،
العلامة في القواعد 1: 73، الشهيد في الدروس 1: 331، الشهيد الثاني في الروضة
2: 217.
(2) كما في الرياض 1: 357.
(3) المسالك 1: 102.
(4) كالمختلف: 261.
(5) التهذيب 5: 34 / 101، الإستبصار 2: 159 / 519، الوسائل 11: 265 أبواب
أقسام الحج ب 9 ح 1.
(6) التهذيب 5: 34 / 102، الوسائل 11: 266 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 2.
(7) الكافي 4: 301 / 6، الوسائل 11: 269 أبواب أقسام الحج ب 9 ح 8.
(8) التهذيب 5: 476 / 1680، الوسائل 11: 265 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 4.
(9) التهذيب 5: 476 / 1679، الوسائل 11: 264 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 3.
115

أو خمسة أشهر، كمرسلة حسين (1) وغيره، ومال إليها بعض
المتأخرين (2)؟
ومقتضى بعضهم بين الفرضين في الأدون من السنة، وهو حسن، بل
هو ليس من باب الجمع أو التأويل، بل التأمل في الأخبار الأخيرة لا يثبت
منها سوى الجواز، الذي هو معنى التخيير، ولكن شذوذ تلك الأخبار يمنع
من العمل بها، ومع ذلك فالاحتياط في التمتع في الأدون، لجوازه على
القولين، وموافقته للاستصحاب.
ومقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في الإقامة الموجبة
لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام أو المفارقة، كما صرح به جماعة (3).
وقيده بعضهم بنية المفارقة، لصدق كونه من أهل مكة بمجرد الإقامة
بنية الدوام (4).
وفيه: أنه على هذا يحصل التعارض بين هذه الأخبار وأخبار فرض
أهل مكة بالعموم من وجه، ولا وجه لتقديم الأخير، بل يحصل الخدش
حينئذ في السنتين (5) أيضا، فينعكس الأمر فيه لولا نية الدوام، وتعارض
أخبار السنتين مع أخبار فرض النائي، كذا قيل (6).
إلا أن الأصل في الأدون من السنتين والاجماع المركب في السنتين
- حيث إنه لا قائل فيه بالفرق بين نية الدوام وعدمه - يرجحان

(1) التهذيب 5: 476 / 1682، الوسائل 11: 265 أبواب أقسام الحج ب 8 ح 5.
(2) كالعلامة في المنتهى 2: 644، والمختلف: 261.
(3) كالشهيد في المسالك 1: 103، صاحب الرياض 1: 357.
(4) انظر الرياض 1: 357.
(5) في (ق) فيما بعد السنتين...
(6) انظر الرياض 1: 357.
116

مقتضى الاطلاق الذي ذكرناه، فعليه الفتوى.
ولو انعكس الفرض، فأقام المكي في الآفاق لم ينتقل فرضه مطلقا ما
لم يخرج عن المكية بنية الدوام، للأصل وحرمة القياس.
المسألة الثانية عشرة: ذو المنزلين يعتبر في تعيين الفرض أغلبهما
إقامة، فيتعين عليه فرضه، بلا خلاف يوجد، لصحيحة زرارة (1).
ولو تساويا يتخير بين الفرضين، بلا خلاف كذلك أيضا، لعدم سقوط
الحج عنه، ولا وجوب المتعدد إجماعا، وبطلان الترجيح بلا مرجح.
وذكر جماعة فيه: أنه يجب تقييده بما لم يقم بمكة سنتين متواليتين،
فإنه ينتقل حينئذ فرضه إلى فرض أهل مكة وإن كانت إقامته في غيرها أكثر،
لما مر من أن إقامة السنتين في غيرها لا توجب الانتقال، وإقامة السنتين
توجب الانتقال (2).
وذلك من باب الاطلاق، فإن الصحيحتين المتضمنتين لمجاوزة
السنتين تعم القسمين، ولا تختص بمجاوزة النائي حتى يحتاج إلى التمسك
بالأولوية، كما فعله بعض مشايخنا المعاصرين، فيرد عليه: منع الأولوية،
كما نقله عن بعض معاصريه، وقال: لا أعرف له وجها (3). فإن إثبات
الأولوية يحتاج إلى وجه.
ثم أقول: هذا حسن في صورة التساوي، فلو كان له منزلان متساويان
في الإقامة وأقام بمكة سنتين ينتقل فرضه، لما مر من غير معارض.

(1) 260 التهذيب 5: 34 / 101، الإستبصار 2: 159 / 519، الوسائل 11: 265 أبواب
أقسام الحج ب 9 ح 1.
(2) منهم صاحب المدارك 7: 211، السبزواري في الذخيرة: 555، صاحب كشف
اللثام 1: 284، صاحب الرياض 1: 357.
(3) انظر الرياض 1: 357.
117

وأما في صورة غلبة الإقامة بغير مكة فلا، لتعارض صحيحة زرارة
- المتضمنة لحكم الغالب - معه، بل الظاهر منها رجوع الضمير المجرور فيها
إلى من أقام بمكة سنتين، وعلى هذا يكون ما يبين حكم الغالب أخص
ويجب تقديمه.
118

الفصل الثاني
فيما يتعلق بالعمرة
وقد مر ما يتعلق بأقسامها بحسب الوجوب والندب في الباب الثالث
من المقصد الأول، ومحل إحرامها في المقصد الثاني.
والمقصود هنا بيان ما يتعلق بأفعالها وأحكامها، وقد عرفت أنها على
قسمين: المتمتع بها، والمفردة.
وأفعال الأولى خمسة: الاحرام، والطواف، وركعتاه، والسعي،
والتقصير.
وأفعال الثانية سبعة، بزيادة طواف النساء، وركعتيه، ويتخير فيها بين
التقصير والحلق.
ونحن نذكر ما يتعلق بها في هذا المقام في طي مسائل:
المسألة الأولى: صورتها: أن يحرم من الميقات الذي يسوغ الاحرام
منه - كما مر في بحثه - ثم يدخل مكة فيطوف ويصلي ركعتيه، ويسعى بين
الصفا والمروة، ثم يقصر إن كان متمتعا وتمت، ويقصر أو يحلق، ويطوف
النساء ويصلي ركعتيه إن كان مفردا.
وكيفية هذه الأفعال من الاحرام والطوافين وركعتيهما والسعي
والتقصير والحلق بعينها هي ما مر، فلا حاجة إلى الإعادة.
المسألة الثانية: عمرة التمتع فرض من ليس من حاضري المسجد
الحرام، ولا تصح إلا في أشهر الحج، وتسقط المفردة معها، ويلزم فيها
119

التقصير، ولا يجوز حلق الرأس، ولا يجب فيها طواف النساء كما مر،
كل هذه الأحكام في مواضعها.
والمفردة فرض حاضري المسجد الحرام ومن بحكمه من الذين
يعدلون إلى الافراد، بلا خلاف فيه بين الأصحاب، كما في المدارك (1).
ويمكن أن يستدل له بعموم صحيحة الحلبي: (دخلت العمرة في
الحج إلى يوم القيامة، لأن الله تعالى يقول: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج
فما استيسر من الهدي) (2) فليس لأحد إلا أن يتمتع) الحديث (3)، خرج
منه ما خرج فيبقى الباقي.
وتظهر الثمرة في مثل الأجير للحج عن البلاد النائية - بناء على ما
اخترناه من عدم ارتباط العمرة المفردة بالحج - فلا تجب على ذلك الأجير
العمرة المفردة لنفسه وإن كان مستطيعا لها، ويجب فيها طواف النساء كما
مر في بحثه.
المسألة الثالثة: تصح العمرة المفردة في جميع أيام السنة، بلا
خلاف فيه يعرف، كما عن المنتهى (4)، وتدل عليه المستفيضة من الأخبار:
كصحيحة البجلي: (في كل شهر عمرة) (5)، ونحوها موثقة يونس (6).

(1) المدارك 8: 462.
(2) البقرة: 196.
(3) التهذيب 5: 25 / 75، الإستبصار 2: 150 / 493، وفي العلل: 411 / 1
بتفاوت يسير، الوسائل 11: 240 أبواب أقسام الحج ب 3 ح 2.
(4) المنتهى 2: 877.
(5) الكافي 4: 534 / 2، الوسائل 14: 307 أبواب العمرة ب 6 ح 1.
(6) الكافي 4: 534 / 1، التهذيب 5: 434 / 1507، الوسائل 14: 307 أبواب
العمرة ب 6 ح 2.
120

وفي رواية علي بن أبي حمزة: (لكل شهر عمرة)، قلت: يكون
أقل؟ قال: (لكل عشرة أيام عمرة) (1).
وموثقة إسحاق: (السنة اثنا عشر شهرا، يعتمر لكل شهر عمرة) (2)..
إلى غير ذلك (3).
وأفضل أيام السنة لها شهر رجب، بلا خلاف فيه كما قيل (4)، وتدل
عليه المستفيضة من الصحاح وغيرها:
ففي صحيحة زرارة: (فأفضل العمرة عمرة رجب) (5).
وفي صحيحة ابن عمار: (وأفضل العمرة عمرة رجب) (6).
وفي أخرى: أي العمرة أفضل: عمرة في رجب أو عمرة في شهر
رمضان؟ فقال: (لا، عمرة في رجب أفضل) (7).
وأما رواية علي بن حديد: الخروج في شهر رمضان أفضل أو أقيم
حتى ينقضي الشهر وأتم صومي؟ فكتب إلي كتابا قرأته بخطه: (سألت
يرحمك الله عن أي العمرة أفضل، عمرة شهر رمضان أفضل يرحمك
الله) (8).
فالمراد أفضليتها عن الإقامة والصوم كما يدل عليه صدرها.

(1) الفقيه 2: 278 / 1363، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 9، بتفاوت
يسير.
(2) الفقيه 2: 278 / 1362، الوسائل 14: 309 أبواب العمرة ب 6 ح 8.
(3) الوسائل 14: 307 أبواب العمرة ب 6.
(4) المنتهى 2: 877.
(5) التهذيب 5: 433 / 1502، الوسائل 14: 301 أبواب العمرة ب 3 ح 2.
(6) الكافي 4: 536 / 6، الوسائل 14: 303 أبواب العمرة ب 3 ح 13.
(7) الفقيه 2: 276 / 1347، الوسائل 14: 301 أبواب العمرة ب 3 ح 3.
(8) الكافي 4: 536 / 2، الوسائل 14: 304 أبواب العمرة ب 4 ح 2.
121

وتحقق العمرة فيه بالاحرام فيه وإن أكملها في غيره، وبالاكمال فيه
وإن أهلها في غيره.
لصحيحة ابن سنان: (إذا أحرمت وعليك من رجب يوم وليلة
فعمرتك رجبية) (1).
ورواية عيسى الفراء: (إذا أهل بالعمرة في رجب وأحل في غيره
كانت عمرته لرجب، وإذا أهل في غير رجب وطاف في رجب فعمرته
لرجب) (2).
المسألة الرابعة: يتخير في العمرة المفردة بين الحلق والتقصير، بلا
خلاف كما قيل (3)، والحلق أفضل.
وتدل على التخيير صحيحة ابن سنان: في الرجل يجي معتمرا
عمرة مبتولة، قال: (يجزئه إذا طاف بالبيت وسعي بين الصفا والمروة
وحلق أن يطوف طوافا واحدا بالبيت، ومن شاء أن يقصر قصر) (4).
وصحيحة ابن عمار: (المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف
الفريضة وصلاة الركعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو
قصر) (5).
وعلى أفضلية الحلق ما في هذه الصحيحة أيضا: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال في العمرة المبتولة: اللهم اغفر للمحلقين، فقيل: يا رسول الله
وللمقصرين، فقال: اللهم أغفر للمحلقين، فقيل: يا رسول الله

(1) الفقيه 2: 276 / 1349، الوسائل 14: 301 أبواب العمرة ب 3 ح 4.
(2) الكافي 4: 536 / 3، الوسائل 14: 302 أبواب العمرة ب 3 ح 11.
(3) في القواعد 1: 92، التحرير 1: 129.
(4) الكافي 4: 538 / 6، الوسائل 14: 316 أبواب العمرة ب 9 ح 1.
(5) التهذيب 5: 438 / 1523، الوسائل 13: 511 أبواب التقصير ب 5 ح 1.
122

وللمقصرين، فقال: وللمقصرين).
وحسنة سالم بن الفضيل (1): دخلنا بعمرة فنقصر أو نحلق؟ فقال:
(احلق، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله ترحم على المحلقين ثلاث مرات، وعلى
المقصرين مرة) (2).
المسألة الخامسة: من أحرم بالعمرة المفردة في أشهر الحج ودخل
مكة جاز أن ينوي بها عمرة التمتع ويحج بعدها، ويلزمه دم الهدي حينئذ،
لصحيحة عمر بن يزيد (3)، بل مقتضى الصحيحة جواز إيقاع حج التمتع
بعدها وإن لم ينو بها التمتع.
وعلى هذا، فلا حاجة إلى تقييد العمرة المفردة بما إذا لم تكن متعينة
بنذر وشبهه، كما فعله بعضهم.

(1) في النسخ: سالم بن الفضل، وفي الوسائل: سالم أبو الفضل، والظاهر ما
أثبتناه.
(2) الفقيه 2: 276 / 1346، الوسائل 14: 225 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 13.
(3) التهذيب 5: 435 / 1513، الوسائل 14: 312 أبواب العمرة ب 7 ح 5.
123

المقصد الخامس
في الصد والاحصار
وفيه مقدمة ومقامان:
125

المقدمة
اعلم أن المراد بالمحصور هنا: من منعه المرض خاصة عن إتمام
أفعال الحج بعد التلبس به، وبالمصدود: من منعه العدو وما في معناه
خاصة، بلا خلاف عندنا في ذلك كما قيل (1)، وعن ظاهر المنتهى: أنه
اتفاقي بين الأصحاب (2)، وفي المسالك: أنه الذي استقر عليه رأي أصحابنا
ووردت به نصوصهم (3)، بل قيل بتصريح جماعة بالاجماع منا على ذلك
مستفيضا (4).
وتدل عليه أيضا من الأخبار صحيحة ابن عمار: (المحصور غير
المصدود، والمحصور: المريض، والمصدود: الذي يرده المشركون كما
ردوا رسول الله صلى الله عليه وآله والصحابة ليس من مرض، والمصدود تحل له
النساء، والمحصور لا تحل له النساء) (5).
وصحيحته الأخرى المروية في الكافي، وفيها - بعد ذكر أن
الحسين عليه السلام مرض في الطريق -: قلت: فما بال رسول الله صلى الله عليه وآله حين رجع من
الحديبية حلت له النساء ولم يطف بالبيت؟ قال: (ليسا سواء، كان النبي صلى الله عليه وآله

(1) الرياض 1: 438.
(2) المنتهى 2: 846.
(3) المسالك 1: 128.
(4) انظر الرياض 1: 438.
(5) الكافي 4: 369 / 3، الفقيه 2: 304 / 1512، التهذيب 5: 423 / 1467،
المقنع: 77، معاني الأخبار: 222 / 1، الوسائل 13: 177 أبواب الاحصار والصد
ب 1 ح 1، بتفاوت.
127

مصدودا والحسين عليه السلام محصورا) (1).
وفي صحيحة البزنطي: أخبرني عن المحصور والمصدود هما
سواء؟ فقال: (لا) (2)، ويستفاد تغايرهما من أخبار أخر أيضا (3).
وقال في المسالك: إنه مطابق للغة أيضا، واستشهد له بما نقله
الجوهري عن ابن السكيت أنه قال: أحصره المرض: إذا منعه من السفر أو
من حاجة يريدها (4).
ونقله عنه الفيومي أيضا وعن ثعلب، وعن الفراء: أن هذا هو كلام
العرب، وعليه أهل اللغة (5).
وقيل - بعد نقل ما مر عن المسالك -: ولكن المحكي عن أكثر
اللغويين اتحاد الحصر والصد، وأنهما بمعنى المنع من عدو كان أو
مرض (6).
أقول: في كلام المسالك وبعض آخر نوع خلط في النقل عن أهل اللغة،
فإن أكثر اللغويين - كابن السكيت وثعلب والفراء والأخفش والشيباني
والفيومي والجوهري والفيروز آبادي وابن الأثير وصاحب المغرب (7)،

(1) الكافي 4: 369 / 3، الوسائل 13: 178 أبواب الاحصار والصد ب 1 ح 3،
وفيه:... حين رجع إلى المدينة... ليس هذا مثل هذا...
(2) الكافي 4: 369 / 2، التهذيب 5: 464 / 1622، الوسائل 13: 179 أبواب
الاحصار والصد ب 1 ح 4.
(3) الوسائل 13: 177 أبواب الاحصار والصد ب 1.
(4) المسالك 1: 128، وهو في الصحاح 2: 632.
(5) المصباح المنير: 138.
(6) انظر الرياض 1: 438.
(7) حكاه ابن السكيت والأخفش في الصحاح 2: 632، وعن ثعلب والفراء
والشيباني في المصباح المنير: 138، الفيومي في المصباح المنير: 138،
الجوهري في الصحاح 2: 632، الفيروزآبادي في القاموس المحيط 2: 10، ابن
الأثير في النهاية 1: 395.
128

وغيرهم (1) - على أن الاحصار هو: الحبس للمرض، ونقله في تفسير العالم
عن أهل العراق، وعن كلام العرب.
وأن الحصر هو: الحبس للعدو، وصرح بهذه التفرقة أبو عبيدة
والكسائي وصاحبا المجمع والكشاف (2).
فالصد هو المرادف للحصر عند أكثر اللغويين دون الاحصار.
وكيف كان، فلا فائدة في نقل كلام أهل اللغة، إذ لا ريب في المغايرة
بين الصد وبين الحصر، وأن المعنى ما ذكره أصحابنا، للنص الصحيح من
أهل العصمة سلام الله عليهم.
وتظهر الفائدة فيما يترتب على اللفظين من الأحكام، فإنهما وإن
اشتركا في ثبوت أصل التحلل بهما في الجملة، ولكنهما يفترقان في بعض
الأحكام من عموم التحلل وعدمه، ومكان ذبح هدي التحلل، وغير ذلك.
ولو اجتمع الاحصار والصد على المكلف - بأن يمرض ويصده العدو -
يتخير في أخذ حكم ما شاء منهما، وأخذا الأخف (من أحكامهم) (3)،
لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم، سواء عرضا دفعة أو متعاقبين،
وفاقا لجماعة (4)، وسيأتي تحقيقه.

(1) كابن منظور في لسان العرب 4: 195.
(2) حكاه عن أبي عبيدة في لسان العرب 4: 195، مجمع البيان 1: 289، الكشاف
1: 240.
(3) بدل ما بين القوسين في (س): منهما.
(4) كالشهيد في الدروس 1: 483، الشهيد الثاني في الروضة 2: 367.
129

المقام الأول
في أحكام المصدود
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا تلبس المكلف بإحرام الحج أو العمرة وجب
عليه الاكمال، إجماعا فتوى ودليلا، كتابا وسنة، قال الله سبحانه: (وأتموا
الحج والعمرة لله) (1).
ومتى صد بعد إحرامه - ولم يكن له طريق سوى ما صد عنه، أو كان
له طريق ولم يمكن له المسير منه، إما لقصور نفقته عنه، أو عدم الرفقة،
أو غير ذلك - فيحل حيث صد عن كل شئ حرم عليه بالاحرام، بلا
خلاف يعرف، كما في الذخيرة (2)، بل بالاجماع، كما عن التذكرة (3).
وتدل عليه صحيحتا ابن عمار المتقدمتان (4).
وفي ثالثة: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين صده المشركون يوم الحديبية
نحر وأحل ورجع إلى المدينة) (5).
وموثقة زرارة: (المصدود يذبح حيث صد، ويرجع صاحبه ويأتي

(1) البقرة: 196.
(2) الذخيرة: 700.
(3) التذكرة 1: 395.
(4) في ص: 121.
(5) الفقيه 2: 306 / 1517، وفي التهذيب 5: 424 / 1472، والوسائل 13: 191
أبواب الاحصار والصد ب 9 ح 5: نحر بدنة ورجع إلى المدينة.
130

النساء) الحديث (1).
ورواية حمران: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله حين صد بالحديبية قصر وأحل
ونحر، ثم انصرف منها، ولم يجب عليه الحلق حتى يقضي النسك، فأما
المحصور فإنما يكون عليه التقصير) (2).
والمرسلة، وفيها: (والمصدود بالعدو ينحر هديه الذي ساقه مكانه،
ويقصر من شعر رأسه ويحل، وليس عليه اجتناب النساء، سواء كانت
حجته فريضة أو سنة) (3).
وفي الرضوي: (وإن صد رجل عن الحج وقد أحرم فعليه الحج من
قابل، ولا بأس بمواقعة النساء، لأن هذا مصدود وليس كالمحصور) (4).
وهل يتوقف التحلل على ذبح الهدي أو نحره فلا يقع التحلل إلا به،
أو يحصل التحلل بدونه؟
الأول: مذهب الأكثر، كما في المدارك والذخيرة (5) وغيرهما (6).
للآية الشريفة (7).
ولفعل النبي صلى الله عليه وآله يوم الحديبية.
ولموثقة زرارة السابقة، ومرسلة الفقيه: (المحصور والمضطر ينحران

(1) الكافي 4: 371 / 9، الوسائل 13: 180 أبواب الاحصار والصد ب 1 ح 5.
(2) الكافي 4: 368 / 1، الوسائل 13: 186 أبواب الاحصار والصد ب 6 ح 1.
(3) المقنعة: 446، الوسائل 13: 180 أبواب الاحصار والصد ب 1 ح 6.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 229، مستدرك الوسائل 9: 309 أبواب الاحصار والصد ب 1
ح 3.
(5) المدارك 8: 289، الذخيرة: 700.
(6) انظر المفاتيح 1: 286، الرياض 1: 438.
(7) البقرة: 196.
131

بدنتهما في المكان الذي يضطران فيه) (1).
ولاستصحاب حكم الاحرام.
والثاني: مذهب الحلي (2).
لأصل البراءة، وضعف ما مر من الأدلة، لورود الآية في المحصور،
وقد عرفت إطباق اللغويين على اختصاص الاحصار بالحصر بالمرض.
وقول جماعة من المفسرين بنزول الآية في حصر الحديبية (3) لا
يثبت شمولها للصد أيضا، وقوله سبحانه: (فإذا أمنتم) في ذيل الآية لا
يخصصها به أيضا، لتحقق الأمن في المريض أيضا، مع أنها لو دلت على
حكم المصدود أيضا عموما أو خصوصا لم تفد، لعدم صراحتها في
الوجوب.
وعدم دلالة فعل النبي صلى الله عليه وآله على الوجوب أولا، وعدم توقف
التحليل عليه ثانيا، سيما مع ذكر نحره بعد الحل في بعض الأخبار المتقدمة.
ومنهما يظهر ضعف دلالة الأخبار المذكورة أيضا.
ومعارضة الاستصحاب بمثله من استصحاب حال العقل، فيبقى
الأصل بلا معارض، بل يؤيده إطلاق صحيحة ابن عمار الأولى والرضوي.
ولذا تردد في المدارك والذخيرة في المسألة (4)، وهو في محله جدا.
بل قول الحلي في غاية المتانة والجودة.
ولم يكتف جماعة من المشترطين للهدي به خاصة، فاشترطوا نية

(1) الفقيه 2: 305 / 1513، الوسائل 13: 187 أبواب الاحصار والصد ب 6 ح 3.
(2) السرائر 1: 641.
(3) منهم النيشابوري في حواشي تفسير الطبري 2: 242، الفخر الرازي في تفسيره
الكبير 5: 161، أبو السعود في تفسيره 1: 207.
(4) المدارك 8: 289، الذخيرة: 700.
132

التحلل بالذبح أو النحر أيضا، لوجوه ضعيفة غايتها.
فالحق: عدم الحاجة إليها وإن قلنا باشتراط الهدي.
وجواز بقائه على إحرامه - وإن ذبح إذا لم ينو التحلل - لا يفيد،
لاشتراط نية التحلل في الهدي، بل له أن ينويه قبله أو بعده أيضا.
ثم مما ذكرنا ظهر: أنه كما لا يتوقف التحليل على الهدي لا دليل
على وجوبه أيضا، كما هو مذهب الحلي.
نعم، يستحب، للأخبار المذكورة.
خلافا للمشهور، بل عن الغنية والمنتهى: إجماعنا عليه (1)، لما مر من
أدلة اشتراطه للتحلل بجوابها.
والاحتياط في الهدي والتحلل بعده.
وعليه، فهل يتعين مكان الصد لذبحه، أو يجوز له البعث
كالمحصور؟
فيه قولان، للأول: الأخبار المذكورة.
وللثاني: قصورها عن إفادة الوجوب، سيما مع احتمال ورودها مورد
توهم وجوب البعث، وهو الأقوى.
وهل يتوقف التحلل على التقصير، كما عن المقنعة والمراسم (2)؟
أو الحلق، كما عن الغنية والكافي (3)؟
أو أحدهما مخيرا بينهما، كما عن الشهيدين (4)؟

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 583، المنتهى 2: 486.
(2) المقنعة: 446، المراسم: 118.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 583، الكافي: 218.
(4) الدروس 1: 479، الروضة 2: 368، المسالك 1: 129.
133

أو لا يتوقف على شئ منهما، كما عن الشيخ (1)، بل نسب إلى
الأكثر (2)، وهو ظاهر الشرائع والنافع (3)؟
الحق هو: الأخير، للأصل، وإطلاق أكثر الأخبار المتقدمة.
وللأول: رواية حمران والمرسلة المتقدمتين.
وثبوت التقصير أصالة.
ولم يظهر أن الصد أسقطه، فالاحرام يستصحب إليه.
وفي الروايتين ما مر من عدم دلالتهما على الوجوب، ثم على التوقف.
وفي الأخير منع ثبوته أصالة، وإنما هو في محل خاص قد فات
بالصد جزما.
والاستصحاب معارض بما مر، مع أنه إنما يكون في مقام الشك،
ولا شك هنا بعد إطلاق الأدلة من الكتاب والسنة بجواز الاحلال بالصد من
غير اشتراط التقصير.
وللثاني: رواية عامية متضمنة لحلق النبي صلى الله عليه وآله (4).
وموثقة الفضل الواردة في رجل أخذه سلطان، وفيها: (هذا مصدود
من الحج، إن كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت
أسبوعا، وليسع أسبوعا، ويحلق رأسه، ويذبح شاة) (5).
وفيه: منع الدلالة على الوجوب أولا، والمعارضة مع ما مر ثانيا.

(1) في النهاية: 282.
(2) الرياض 1: 439.
(3) الشرائع 1: 280، والنافع: 100.
(4) انظر المغني لأبي قدامة 3: 380. (5) الكافي 4: 371 / 8، التهذيب 5: 465 / 1623، الوسائل 13: 183 أبواب
الاحصار والصد ب 3 ح 2، بتفاوت.
134

وللثالث: الجمع بين الأخبار. وجوابه ظاهر.
المسألة الثانية: هل يجوز الاحلال بالصد مطلقا ولو مع رجاء زوال
المانع بل ظنه، أم لا؟
قيل: ظاهر إطلاق النص والفتوى: الأول (1)، بل قيل: هو ظاهر
الأصحاب، حيث صرحوا بجوازه مع ظن انكشاف العدو قبل الفوات (2).
ونسبه في الذخيرة إلى المعروف من مذهب الأصحاب (3).
ويظهر من الشهيد الثاني: الثاني، وأن التحلل إنما يسوغ إذا لم يرج
المصدود زوال العذر قبل خروج الوقت (4)، وتبعه بعض آخر، فقال:
الظاهر اختصاص الجواز بصورة عدم الرجاء قطعا أو ظنا (5).
حجة الأول: تحقق الصد في موضع البحث، فيلحقه حكمه،
للاطلاقات.
ودليل الثاني: الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن من إطلاق
النص والفتوى، وهو قوي جدا، لامكان منع صدق الصد مع ظن الزوال.
المسألة الثالثة: ما مر من تحلل المصدود إنما هو على الرخصة
والجواز دون الحتم والوجوب، فيجوز له - في إحرام الحج والعمرة المتمتع
بها - البقاء على إحرامه إلى أن يتحقق الفوات، فيتحلل بالعمرة كما هو شأن
من فاته الحج، ويجب عليه إكمال أفعال العمرة إن أمكن، وإلا تحلل بهدي
إن استمر المنع، وإلا بقي على إحرامها إلى أن يأتي بأفعالها.

(1) الرياض 1: 439.
(2) الحدائق 16: 15.
(3) الذخيرة: 701.
(4) الروضة 2: 370.
(5) انظر الرياض 1: 439.
135

وأما في إحرام العمرة المفردة فلم يتحقق الفوات، بل يتحلل منها
عند تعذر الاكمال، ولو تأخر الاحلال كان جائزا، فإن أيس من زوال العذر
تحلل بالهدي حينئذ.
المسألة الرابعة: لا شك في تحقق الصد في الحج والعمرة بحصول
المانع عن غير الاحرام من مناسكهما طرا.
وأما في الصد عن بعض المناسك فقد يقال بصدق المصدود فيه
مطلقا، لصدق الصد، وعموم المصدود.
وفيه نظر، لأن المصدود في الأخبار مقتض ويقتضي ذكر ما صد
عنه، وهو كما يحتمل العموم يحتمل إرادة جميع الأفعال أو عمدتها، فعلى
هذا يكون مجملا كما حققنا في موضعه، إلا أنه ورد في موثقة الفضل
المتقدمة والآتية: (هذا مصدود من الحج)، وكذا في الرضوي (1).
ومنه يعلم أن المراد: المصدود من الحج، ولازمه صدق الصد متى
بقي من الأفعال ما لم يتم الحج بدونه، فكل عمل يبطل الحج بتركه يكون
الممنوع عنه مصدودا البتة وإن أتى بغيره مما تقدم عليه أو تأخر، فهذا هو
الأصل في صدق المصدود.
بل لنا أن نقول بصدقه على كل من لم يتم أفعال الحج أو العمرة،
وإثبات عمومه من قوله في صحيحة ابن عمار: (والمصدود هو الذي رده
المشركون) (2)، فإن الرد يصدق ما لم يتم المقصود، وهو تمام المناسك،

(1) راجع ص: 125.
(2) الكافي 4: 369 / 3، الفقيه 2: 304 / 1512، التهذيب 5: 423 / 1467،
المقنع: 77، معاني الأخبار: 222 / 1، الوسائل 13: 177 أبواب الاحصار والصد
ب 1 ح 1.
136

فما لم يتم ما هو نهض بصدده يصدق عليه أنه رد، فيكون مصدودا.
وعلى هذا، فلا ينبغي الريب في تحققه في الحج بالمنع عن
الموقفين، وفي الذخيرة: لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب (1).
وتدل عليه موثقة الفضل الواردة في رجل أخذه السلطان يوم عرفة
ولم يعرف، وفيها: فإن خلى عنه يوم الثاني - أي ثاني يوم النحر (2) - كيف
يصنع؟ قال: (هذا مصدود من الحج) الحديث (3).
وكذا عن أحدهما إذا كان مما يفوت بفواته الحج، والوجه ظاهر مما
ذكرناه، والظاهر عدم الخلاف فيه أيضا، بل قيل فيه وفي سابقه اتفاقا (4).
ولو صد - بعد إدراك الموقفين - من مناسك منى يوم النحر خاصة
دون مكة، فإن أمكنت الاستنابة لها استناب وقد تم نسكه بمنى، قيل: بلا
خلاف (5).
والوجه فيه: أن مع ثبوت الاستنابة فيها وإمكانها لا يصدق عليه
المصدود من الحج ولا المردود عنه، ولكن يخدشه صدق الرد في الجملة
وإن لم يكن مردودا عن الحج، فتأمل.
وإن لم يمكن الاستنابة، ففي البقاء على إحرامه وجواز التحلل
وجهان، بل قولان: من الأصل، ومن إفادة الصد التحلل عن الجميع، فعن
بعضه بطريق أولى، وعموم نصوص الصد.

(1) الذخيرة: 700.
(2) جملة: أي ثاني يوم النحر، من كلام المصنف،.
(3) التهذيب 5: 465 / 1623، وفي الكافي 4: 371 / 8، والوسائل 13: 183
أبواب الاحصار والصد ب 3 ح 2: فإن خلى عنه يوم النفر...
(4) كما في الرياض 1: 439.
(5) كما في الرياض 1: 439.
137

ويمكن الخدش في الأصل بالمعارضة كما مر.
وفي الأولوية بالمنع، لاحتمال خصوصية في الصد عن الجميع لا
توجد في الصد عن الأبعاض.
وفي العموم بما ذكر، لأنه ليس مصدودا عن الحج.
نعم، استلزام البقاء على الاحرام إلى القابل العسر والحرج المنفيين
في الشريعة - سيما مع إمكان عدم التمكن في القابل أيضا، وصدق مطلق
الرد، المؤيدين بأصالة عدم الحرمة بعد سقوط الاستصحابين - يقوي القول
الثاني هنا.
ومنه تظهر قوة القول بجواز التحلل لو كان المنع من مكة ومنى
جميعا، بل وكذا لو منع من مكة خاصة، بل الأمر فيهما أظهر،
لاستلزامهما ترك الطواف والسعي، الموجب لفوات الحج، بمقتضى أصل
عدم الاجزاء مع عدم الاتيان بالمأمور به على وجهه، وظهور صدق الرد.
ولو كان المنع من العود إلى منى لمناسكها بعد قضاء مناسك مكة فلا
يتحقق الصد عندهم، بل حكي نقل جماعة من الأصحاب الاجماع عليه،
فيصح الحج، ويستنيب في الرمي إن أمكن، وإلا قضاه حيث أمكن (1)، وهو
كذلك.
مع أنه لا ثمرة يعتد بها تظهر حينئذ، لصحة الحج، وحصول التحلل،
وعدم وجوب هدي آخر قطعا.
هذا في الحج.
وأما العمرة، فيتحقق الصد بالمنع من دخول مكة قطعا، وكذا بالمنع

(1) الرياض 1: 439.
138

من أفعالها بعد دخول مكة، والسعي خاصة أيضا، لصدق المصدود من
الحج أو العمرة، وعدم ثبوت جواز الاستنابة في الأفعال لمثله، ولا دليل
على صحة عمرته أو حجه.
المسألة الخامسة: لا يسقط الحج المستقر في الذمة قبل عام الصد
بالصد، ولا مع بقاء الاستطاعة إلى العام المقبل، ويسقط لو كان ذلك العام
عام أول استطاعته وانتفت الاستطاعة.
ويسقط المندوب، أي لا يجب إتمامه - كما أوجبه أبو حنيفة وأحمد
في رواية (1) - للأصل، والاجماع، كما هو ظاهر التذكرة والمنتهى (2)، وإنما
يقضيه ندبا.
المسألة السادسة: لو كان هناك مسلك آخر غير ما فيه الصد فلا
صد، ولو كان أطول وأمكن الوصول منه.
ولو خشي الفوات منه لبعده لم يتحلل، لعدم صدق الصد والرد، بل
يسلكه إلى أن يتحقق الفوات، ثم يتحلل بالعمرة المفردة كما هو شأن من
فاته الحج، أو يعدل من العمرة المتمتع بها إلى الافراد.
المسألة السابعة: المحبوس بدين يقدر على أدائه ليس مصدودا،
والوجه ظاهر.
وبدين لا يقدر على أدائه مصدود على الأقوى، لصدق المصدود من
الحج عليه، لأنه بمعنى الممنوع لغة كيف ما كان.
نعم، مقتضى الروايات اختصاصه بما إذا كان المنع بغير المرض،

(1) انظر المغني لابن قدامة 3: 375، والشرح الكبير 3: 536، وبداية المجتهد 1:
355.
(2) التذكرة 1: 396، المنتهى 2: 847.
139

وذكر العدو في بعض الأخبار إنما وقع على سبيل التمثيل، وذكر بعض
الافراد لا لحصر الحكم فيه.
والمحبوس ظلما - لمطالبة مال غير قادر عليه أو موجب صرفه
لاتلافه - مصدود، ولمطالبة ما يقدر عليه قليلا أو كثيرا غير مصدود، وإن لم
نقل بوجوب دفعه لأجل الضرر، فإن الصد أمر، وعدم وجوب البذل لأجل
نفي الضرر أمر آخر، والكلام هنا في الأول.
ولا شك أن مع خلو السرب ببذل مال مقدور عليه لا يكون السرب
مصدودا، ولا أقل من الشك في صدق الصد وإن قلنا بعدم وجوب بذله،
غايته أنه يكون باقيا على إحرامه ولا يكون بذلك آثما.
والحاصل: أن الصد مسألة، ووجوب بذل المال للخلاص وتخلية
السرب مسألة أخرى، ويمكن جمع عدم وجوب البذل مع عدم الصد،
والكلام هنا في الأولى، وأما الثانية فقد مر تحقيقها في بحث الاستطاعة.
المسألة الثامنة: لو صابر المصدود ولم يتحلل حتى فات الحج،
قالوا: لم يجز له التحلل، بل يتحلل بالعمرة. فإن ثبت الاجماع عليه وإلا
فللبحث فيه مجال، لاستصحاب جواز التحلل، وصدق المصدود من
الحج.
المسألة التاسعة: لو تحلل المصدود ثم اتفق رفع المانع مع بقاء
الوقت، يستأنف العمل، ولو ضاق الوقت عن التمتع انتقل إلى الافراد.
المسألة العاشرة: من أفسد حجه ثم صد، يجب عليه الاتيان بوظيفة
المفسد، لأدلته واستصحابه، وثبتت له وظيفة المصدود أيضا، لصدقه.
المسألة الحادية عشرة: لو أمكن رفع المانع ببذل مال غير متضرر
به، وجب، لصدق الاستطاعة ووجوب مقدمة الواجب، ولم يكن مصدودا.
140

وإن كان مما يتضرر به، فالكلام في وجوب أدائه وعدمه ما مر في
بحث الاستطاعة، ولكنه ليس مصدودا مع إمكان الأداء، كما مر بيانه في
المسألة السابعة.
ولو أمكن المحاربة والمقاتلة مع العدو، فمع عدم ظن الغلبة يكون
مصدودا، ويثبت له حكم الصد، ومع ظن الغلبة لا يصدق الصد، فلا تثبت
أحكامه.
وأما وجوب القتال أو جوازه أو عدم جوازه حينئذ، فهو أمر آخر غير
مسألة الصد، ولتحقيقه مقام آخر.
141

المقام الثاني
في المحصور
وقد عرفت أنه من يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة أو الموقفين
أو نحو ذلك، على التفصيل المتقدم في الصد.
وفيه أيضا مسائل:
المسألة الأولى: لا خلاف هنا في وجوب الهدي، وتوقف التحلل
على الهدي، ونقل الاجماع عليه مستفيض (1).
وتدل - مع الاجماع - على الأول مضمرة زرعة: عن رجل أحصر في
الحج، قال: (فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه، ومحله أن يبلغ الهدي
محله، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج، وإن كان في عمرة نحر
بمكة، وإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى، وإن
اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله) (2).
وعلى الثاني مفهوم الشرط في موثقة زرارة، بل منطوق ذيلها:
(والمحصور يبعث بهديه ويعدهم يوما، فإذا بلغ الهدي أحل هذا في
مكانه)، قلت: أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحل وأتى
النساء؟ قال: (فليعد وليس عليه شئ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث) (3).

(1) انظر المنتهى 2: 850، المدارك 8: 301، المفاتيح 1: 386.
(2) التهذيب 5: 423 / 1470، الوسائل 13: 182 أبواب الاحصار والصد ب 2 ح 2.
(3) الكافي 4: 371 / 9، الوسائل 13: 180 أبواب الاحصار والصد ب 1 ح 5.
142

ومفهوم الشرط في صحيحة ابن عمار الآتية.
وتؤيدهما الأخبار الأخر، الآتي بعض منها أيضا، المتضمنة للجمل
الخبرية.
المسألة الثانية: اختلفوا - بعد وفاقهم على اشتراط الهدي وتوقف
التحلل عليه - في وجوب بعثه، وجواز ذبحه في موضع الحصر..
فذهب الأكثر - كما صرح به جماعة (1) - إلى وجوب بعثه إلى منى
وذبحه فيها إن كان حاجا، وإلى مكة إن كان معتمرا، ولا يحل حتى يبلغ
الهدي محله، وعن ظاهر الغنية: الاجماع عليه (2).
واستدل له بظاهر قوله سبحانه: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ
الهدي محله) (3).
والمضمرة والموثقة المتقدمتين في المسألة السابقة.
وصحيحة ابن عمار: عن رجل أحصر فبعث بالهدي، قال: (يواعد
أصحابه ميعادا، إن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر، فإذا كان يوم
النحر فليقصر من رأسه، ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك، وإن
كان في عمرة فلينظر مقدار دخول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها،
فإن كان تلك الساعة قصر وأحل) الحديث (4).
المؤيدة جميعا بأخبار أخر أيضا (5).

(1) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة: 7: 412، صاحب المدارك 8: 301،
السبزواري في الكفاية: 73، الكاشاني في المفاتيح 1: 386.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.
(3) البقرة: 196.
(4) الكافي 4: 369 / 3، التهذيب 5: 421 / 1465، الوسائل 13: 181 أبواب
الاحصار والصد ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.
(5) الوسائل 13: 181 أبواب الاحصار والصد ب 2.
143

وعن المقنع: أنه ذهب إلى ذبحه في مكان الحصر (1).
ويدل عليه ذيل صحيحة ابن عمار السابقة، وفيها: (فإن الحسين بن
علي صلوات الله عليهما خرج معتمرا، فمرض في الطريق، وبلغ عليا 7
ذلك وهو في المدينة، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا (2) وهو مريض
بها، فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال: أشتكي رأسي، فدعا علي عليه السلام ببدنة
فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة، فلما برئ من وجعه اعتمر)، قلت:
أرأيت حين برئ من وجعه قبل أن يخرج إلى العمرة حلت له النساء؟ قال:
(لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة)، قلت: فما بال
رسول الله صلى الله عليه وآله حين رجع من الحديبية حلت له النساء ولم يطف بالبيت،
قال: (ليسا سواء، كان النبي صلى الله عليه وآله مصدودا، والحسين عليه السلام محصورا).
وصحيحة رفاعة: (خرج الحسين عليه السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى
انتهى إلى السقيا، فبرسم (3) فحلق شعر رأسه ونحر مكانه، ثم أقبل)
الحديث (4).
ومرسلة الفقيه: (المحصور والمضطر ينحران بدنتهما في المكان
الذي يضطران فيه) (5).

(1) المقنع: 76.
(2) السقيا: موضع يقرب من المدينة، وقيل: هي على يومين منها - مجمع البحرين
1: 221. وفي معجم البلدان 3: 228: السقيا من أسافل أودية تهامة، لما رجع
تبع من قتال أهل المدينة يريد مكة فنزل السقيا وقد عطش فأصابه بها مطر فسماها
السقيا.
(3) البرسام: داء معروف، وفي بعض كتب الطب: أنه ورم حار يعرض للحجاب
الذي بين الكبد والمعى ثم يتصل بالدماغ - المصباح المنير: 41 - 42.
(4) الفقيه 2: 305 / 1515، الوسائل 13: 186 أبواب الاحصار والصد ب 6 ح 2.
(5) الفقيه 2: 305 / 1513، الوسائل 13: 187 أبواب الاحصار والصد ب 6 ح 3.
144

وصحيحة ابن عمار: في المحصور ولم يسق الهدي، قال: (ينسك
ويرجع، فإن لم يجد ثمن هدي صام) (1).
وعن الإسكافي: التخيير بين البعث والذبح حيث أحصر، مع أولوية
الأول (2). وقواه في المدارك (3)، واستقربه في الذخيرة (4)، جمعا بين
الأخبار.
وعن ظاهر المفيد والديلمي: التفصيل، فيبعث في الحج الواجب،
ويذبح في محل الحصر في التطوع (5)، ولعله لورود بعض أخبار الذبح في
محل الحصر في المتطوع.
وعن الجعفي: فيذبح مكانه مطلقا ما لم يكن ساق الهدي (6)، وله
صحيحة ابن عمار الأخيرة.
وربما قيل باختصاص جواز الذبح مكانه إذا أضر به التأخير.
وتدل عليه رواية زرارة: (إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فآذاه رأسه
قبل أن ينحر هديه فإنه يذبح شاة في المكان الذي أحصر فيه، أو يصوم،
أو يتصدق، والصوم ثلاثة أيام، والصدقة على ستة مساكين، نصف صاع
لكل مسكين) (7).

(1) الكافي 4: 370 / 5، الوسائل 13: 187 أبواب الاحصار والصد ب 7 ح 2.
(2) نقله عنه في المختلف: 317.
(3) المدارك 8: 304.
(4) الذخيرة: 702.
(5) المفيد في المقنعة: 446، الديلمي في المراسم: 118.
(6) حكاه عنه في الدروس 1: 477.
(7) الكافي 4: 370 / 6، التهذيب 5: 334 / 1149، الإستبصار 2: 196 / 658،
الوسائل 13: 185 أبواب الاحصار والصد ب 5 ح 2، بتفاوت.
145

وقريبة منها رواية أخرى له (1).
أقول: دلالة أدلة القول الأول على مطلوبهم واضحة، ولا دلالة
لإضافة الهدي إلى الضمير في الروايتين الأوليين على الهدي المساق أصلا،
فلا تختصان بما إذا ساق الهدي، كما هو المحكي عن الجعفي.
وحمل الآية على أن المراد: حتى تنحروا هديكم، خلاف الظاهر،
بل خلاف تصريح الأخبار ببيان محل الهدي.
وأما أدلة القول الثاني:
فالروايتان الأوليان واردتان في التطوع، وعدم إمكان البعث أيضا
محتمل.
والثالثة لا تدل على التعيين، غايتها الجواز.
والرابعة مخصوصة بمن لم يسق الهدي، مضافا إلى أن قوله:
(ينسك) ليس صريحا في الذبح مكانه، لجواز إرادة البعث منه.
فهذا القول ساقط جدا، وكذا الرابع والخامس.
أما الأول (2)، فلعدم شاهد على ذلك الجمع، سوى خبري خروج
الحسين عليه السلام، وليست فيهما دلالة على أنه لكون الحج تطوعا، بل يمكن
أن يكون لجواز الأمرين مطلقا، أو التضرر بالتأخير - كما هو ظاهر شكايته
من رأسه المقدس - أو عدم إمكان البعث.
وأما الثاني (3)، فلما مر من إجمال معنى قوله: (ينسك)، مع أن عدم
السياق ورد في السؤال، فلعل الحكم لجواز الأمرين.

(1) التهذيب 5: 423 / 1469، الوسائل 13: 185 أبواب الاحصار والصد ب 5 ح 1.
(2) أي الرابع.
(3) أي الخامس.
146

وأما السادس، فلا ينافي القول الأول، لجواز وجوب البعث، وجواز
التعجيل في الاحلال مع الذبح في المكان، أو الصوم، أو التصدق، زائدا
على البعث.
فلم يبق إلا القول المشهور ومذهب الإسكافي.
وبعد ما عرفت من إجمال فعل علي عليه السلام، وعدم معلومية أنه هل هو
للجواز أو التطوع أو التضرر أو عدم التمكن، لا يصلح دليلا لقول، كما أن
إجمال قوله: (ينسك) في صحيحة ابن عمار كذلك.
فلم يبق للإسكافي إلا مرسلة الفقيه، وهي - مع احتمالها لصورة
الضرورة كما قيل (1) - مخالفة لشهرة القدماء وعمل المعظم، وبها تخرج عن
الحجية، فضلا عن مقاومة الأخبار المعتبرة، ومع ذلك لإرادة المحصور
بغير المرض محتملة، كما هو مقتضى إطباق أهل اللغة من تخصيصهم
المحصر بالمريض وتعميمهم المحصور بغيره.
ومن ذلك ظهرت قوة القول الأول، وأنه المنصور المعول.
المسألة الثالثة: المحصور الباعث للهدي يواعد مع المبعوث معه
يوما للنحر أو الذبح، كما أمر به في موثقتي زرعة وزرارة، وصحيحة ابن
عمار (2)، فإذا بلغ ذلك الوقت قصر وأحل من كل شئ أحرم منه، إلا النساء
خاصة، فإنه لا يحل منهن حتى يحج في القابل، إلا إذا كان الاحرام تطوعا،
فإنه يحل منهن إذا استناب أحدا فطاف عنه طواف النساء.
أما الحل من كل شئ غير النساء وعدم الحل من النساء بذلك،
فبالاجماع منا، له، وللنصوص، كصحيحة ابن عمار المتقدمة، وموثقة

(1) انظر الرياض 1: 438.
(2) المتقدمة جميعا في ص 136 و 137.
147

زرارة (1) والرضوي: (لا يقرب النساء حتى يحج من قابل) (2).
وأما صحيحة البزنطي: عن محرم انكسرت ساقه، أي شئ يكون
حاله وأي شئ عليه؟ قال: (هو حلال من كل شئ)، فقلت: من النساء
والثياب والطيب؟ فقال: (نعم، من جميع ما يحرم على المحرم)
الحديث (3).
فهي شاذة، وللاجماع مخالفة، ومع ذلك هو مذهب بعض العامة (4)،
فيحتمل التقية.
وأما توقف حلهن له في الحج الواجب بالحج من قابل وحلهن به،
فلصحيحة ابن عمار المتقدمة، والرضوي المنجبر بعمل الطائفة.
وأما حلهن في المندوب بالطواف عنه طواف النساء استنابة، فاستدل
له بالاجماع المنقول في المنتهى (5).
وبأن الحج المندوب لا يجب العود فيه لاستدراكه، والبقاء على
تحريم النساء ضرر عظيم منفي، فاكتفي في الحل بالاستنابة.
والأول: ليس بحجة.
والثاني: مردود بأن عدم وجوب العود لا ينافي إمكان العود، فيعود

(1) المتقدمة في ص 136.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 229، مستدرك الوسائل 9: 309 أبواب الاحصار والصد ب 1
ح 3.
(3) الكافي 4: 369 / 2، التهذيب 5: 464 / 1622، الوسائل 13: 188 أبواب
الاحصار والصد ب 8 ح 1.
(4) انظر المبسوط لشمس الدين السرخسي 4: 107، والمغني لابن قدامة 3:
372.
(5) المنتهى 2: 850.
148

ويطوف، وليس العود ضررا، وإلا فهو في الواجب أيضا حاصل.
مع أن الأخبار للواجب والمندوب شاملة، بل صحيحة ابن عمار في
المندوب ظاهرة، لأن الظاهر كون إحرام الحسين عليه السلام تطوعا، ولذا
استشكله بعض المتأخرين (1)، وهو في محله.
بل ظاهر جمع اتحاد المندوب والواجب في الحكم، وهو المحكي
عن الخلاف والغنية والتحرير، حيث قالوا: لا يحللن للمحصور حتى
يطوف لهن من قابل أو يطاف عنه (2)، من غير تفصيل بين الواجب وغيره.
كذا في الجامع، إلا أنه لم يقيد بالقابل، وقيد الطواف بالنساء (3).
وفي السرائر، إلا أنه قال: لا يحللن حتى يحج عنه في القابل، أو
يأمر من يطوف عنه النساء (4).
وفي الكافي، إلا أنه قال: لا يحللن له حتى يحج، أو يحج عنه (5).
إلا أنه يمكن أن يستدل للمشهور من التفرقة بالمرسل المروي في
المقنعة: (المحصور بالمرض، إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى
يبلغ الهدي محله، ثم يحل، ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من
قابل، هذا إذا كان حجة الاسلام، فأما حج التطوع فإنه ينحر هديه وقد أحل
مما أحرم عنه، فإن شاء حج من قابل، وإن شاء لا يجب عليه الحج) (6).

(1) كما في المدارك 8: 305، كفاية الأحكام: 73.
(2) الخلاف 2: 428، الغنية (الجوامع الفقهية): 583، نقله عن التحرير في كشف
اللثام 1: 390.
(3) الجامع للشرائع: 223.
(4) السرائر 1: 638.
(5) الكافي في الفقه: 218.
(6) المقنعة: 446 وفيه: (وإن لم يشاء لم يجب عليه الحج)، الوسائل 13: 180
أبواب الاحصار والصد ب 1 ح 6.
149

ولكن الفرق المذكور فيه غير التفرقة المشهورة، لحكمه بالحل من
دون الاستنابة.
ونقل عن المفيد وغيره (1)، ولكن ضعف الخبر يمنع من العمل به.
فإذن الأظهر: اتحاد الندب والواجب في الحكم.
ثم المخالف في المقام من خالف في عمرة التمتع، فحكم بحل
النساء للمحصور فيها من غير احتياج إلى طواف، كما عن الدروس،
مستدلا بأنه لا طواف للنساء فيها (2)، وبإطلاق صحيحة البزنطي المتقدمة،
خرج منها الحج بأقسامه والعمرة المفردة بالاجماع والأخبار، فيبقى الباقي.
وفيه - مضافا إلى كونه خروج الأكثر الذي لا يجوز في التخصيصات
والتقييدات -: أن هذا التقييد إن كان للجمع فهو - مع كونه جمعا بلا شاهد،
وهو غير جائز - لا ينحصر وجهه في ذلك، فيمكن الجمع بنحو آخر.
وإن كان لوجود مقيد، فلم نعثر عليه، بل الأخبار متساوية بالنسبة
إليها وإلى الحج والمفردة.
ودعوى ظهور صحيحة ابن عمار في غير عمرة التمتع لا وجه لها،
مع أن هذه الصحيحة بالنسبة إلى وقت الحل عامة، فيمكن تخصيصها بما
بعد الحج من قابل، بل يمكن تخصيصها بغير النساء أيضا، حيث إن
الجواب عام وإن صرح بهن في السؤال.
وأما التعليل الأول، ففيه: أنه إنما يتم لو علق حلهن على طواف
النساء وهو غير معلوم، إذ ليس في الروايات تعرض لذكر طواف النساء.

(1) نقله عن المفيد والديلمي في كشف اللثام 1: 390، وهو في المقنعة: 446،
والمراسم: 118.
(2) الدروس 1: 476.
150

ومن خالف في وجوب الحج من قابل بنفسه، فأجاز الاستنابة فيه
أيضا، وهو الخلاف (1) ومن بعده (2). إلا أن يحمل كلامهم على التسويغ
دون التخيير، وإلا فلا دليل لهم يكافئ ما مر من الأخبار.
فرع: هل توقف حل النساء على حجه من قابل مطلق، حتى في
صورة العجز عنه، ولا تكفي الاستنابة عنه، كما هو محكي عن ظاهر النهاية
والمبسوط والمهذب والوسيلة والمراسم والاصباح والفاضلين في جملة من
كتبهما (3)؟
أم يختص بصورة الامكان، وبدونه تحل بالاتيان نيابة عنه؟ كما عن
القواعد (4)؟
وظاهر الخلاف والغنية والتحرير والكافي والجامع والسرائر: الحل
بالاتيان نيابة عنه مطلقا، من غير تقييد بصورة العجز (5).
دليل الأول: الأصل، والأخبار المتقدمة.
ودليل الثاني: لزوم الحرج لولاه، بضميمة عدم قائل بالاحلال بدون
الحج، أو الطواف بنفسه أو نيابة في لزوم الاستنابة، مضافا إلى الاقتصار
على المتيقن فيما يخالف الأصل.

(1) الخلاف 2: 428.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 583.
(3) النهاية: 281، المبسوط 1: 335، المهذب 1: 270، الوسيلة: 193،
المراسم: 118، المحقق في الشرائع 1: 382، النافع: 100، العلامة في التذكرة
1: 397، الإرشاد 1: 339، التبصرة: 78.
(4) القواعد 1: 93.
(5) الخلاف 2: 428، الغنية (الجوامع الفقهية): 583، التحرير 1: 123، الكافي:
218، الجامع: 223، السرائر 1: 638.
151

ولم أعثر للثالث على دليل، فهو ساقط.
فبقي الترجيح بين الأولين، ولعله للثاني، لما ذكر، مضافا إلى
معارضة الأصل - الذي هو دليل الأول - مع مثله، كما أشير إليه، وضعف
الرضوي (1)، وظهور التمكن للحسين عليه السلام.
المسألة الرابعة: إذا بعث هديه أو ثمنه وأحل ثم بان أنه لم يذبح له
هدي، لم يبطل تحلله، بل كان باقيا على الحل، ولكن يبعث ليذبح له في
القابل، بلا خلاف فيه ولا إشكال.
لموثقتي زرعة وزرارة المتقدمتين (2)..
وصحيحة ابن عمار: (فإن ردوا الدراهم ولم يجدوا هديا ينحرونه،
وقد أحل، لم يكن عليه شئ، ولكن يبعث في القابل ويمسك أيضا) (3).
وهل يجب عليه الامساك ثانيا إلى يوم الوعد الثاني كما هو المشهور،
كما في المسالك والروضة (4) وغيرهما (5)؟
أو لا، كما هو المحكي عن السرائر وظاهر الشرائع والنافع والمختلف
والفاضل المقداد (6)، وغيرهم من المتأخرين (7)؟
الأقوى هو: الأول، للأمر بالامساك في موثقة زرارة، وهو للوجوب.
استدل للثاني بالأصل، لأنه ليس بمحرم ولا في الحرم، والأمر في

(1) راجع ص: 141.
(2) في ص: 136.
(3) التهذيب 5: 421 / 1465، الوسائل 13: 181 أبواب الاحصار والصد ب 2 ح 1.
(4) المسالك 1: 131، الروضة 2: 370.
(5) كما في الدروس 1: 478، الحدائق 16: 50، الرياض 1: 442.
(6) السرائر 1: 639، الشرائع 1: 282، النافع: 100، المختلف: 317، الفاضل
المقداد في التنقيح الرائع 1: 529.
(7) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 369.
152

الموثق محمول على الاستحباب.
وفيه: أنه حمل بلا حامل، والأصل بما مر مدفوع.
بل قد يقال: إن الأصل بالعكس، لأن مقتضى الآية اشتراط التحلل
ببلوغ الهدي محله في نفس الأمر، فلو تحلل ولم يبلغ كان باطلا.
ولا يستفاد من الأخبار سوى أنه لو تحلل يوم الوعد ولم يبلغ لم
يكن عليه ضرر - أي إثم أو كفارة - وهو لا يستلزم حصول التحلل في أصل
الشرع ولو مع الانكشاف.
وعلى هذا، فيكون محرما في الواقع وإن اعتقد - لجهله - كونه محلا،
فقوله -: لأنه ليس بمحرم - ممنوع، إذ لا دليل عليه من نص أو إجماع.
وفيه أولا: أن مقتضى الآية النهي عن الحلق حتى يبلغ الهدي، ولا بد
أن يراد من البلوغ وعده، للاجماع والنص على انتفاء النهي يوم الوعد بلغ
أو لم يبلغ، ولو أريد نفس الأمر لزم كون النهي باقيا مع عدم البلوغ فيأثم،
وهو عين الضرر وخلاف الاجماع.
والحاصل: أنه إنما يتم لو كان المعنى في الآية هو الحكم الوضعي،
ولكنه حكم تكليفي منتف في يوم الوعد قطعا، ذبح أم لم يذبح.
وثانيا: أن المصرح به في أخبار كثيرة: أنه حل حيث حبسه، كما في
رواية حمران: عن الذي يقول: حلني حيث حبستني، فقال: (هو حل
حيث حبسه، قال أو لم يقل) (1).
وفي صحيحة زرارة: (هو حل إذا حبس، اشترط أو لم يشترط) (2).

(1) الفقيه 2: 306 / 1516، الوسائل 13: 189 أبواب الاحصار والصد ب 8 ح 3.
(2) الكافي 4: 333 / 7، التهذيب 5: 80 / 267، الوسائل 12: 357 أبواب الاحرام
ب 25 ح 1، بتفاوت يسير.
153

خرج ما قبل البعث والميعاد بالدليل، فيبقى الباقي، ومقتضاه حصول
الحل النفس الأمري، لكون الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الأمرية.
وثالثا: أنه لو تم ما ذكره لزم وجوب الامساك بعد الانكشاف بلا
فصل، مع أن مقتضى موثقة زرارة كون وقت الامساك حين البعث الثاني،
كما هو مذهب الأصحاب أيضا.
ومن ذلك ظهر أن مبدأ ذلك الامساك هو حين البعث الثاني، ومنتهاه
حين الوعد الثاني.
ولو ظهر عدم الذبح ثانيا أيضا فهل يبعث ثالثا، أم لا؟ فيه وجهان.
المسألة الخامسة: لو أحصر أو صد فبعث بهديه ثم زال العارض من
المرض أو العدو، التحق بأصحابه إن لم يفت وقته، بأن يدرك أحد
الموقفين على وجه يصح حجه، بلا خلاف، لزوال العذر..
ولصحيحة زرارة: (إذا أحصر بعث بهديه، فإذا أفاق ووجد في نفسه
خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي
فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك، وينحر هديه ولا شئ
عليه، وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة)،
قلت: فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة؟ قال: (يحج عنه إذا
كانت حجة الاسلام، ويعتمر، إنما هو شئ عليه) (1).
قيل: ومثل ذلك أخرى واردة في المصدود (2).
وإن فاته الحج تحلل بعمرة مفردة، ويقضي الحج إن كان واجبا وإلا

(1) الكافي 4: 370 / 4، وفي التهذيب 5: 422 / 1466، الوسائل 13: 183
أبواب الاحصار والصد ب 3 ح 1: فإن عليه الحج من قابل والعمرة.
(2) الرياض 1: 443.
154

ندبا، بلا خلاف إن تبين عدم وقوع الذبح عنه، وعلى الأشهر إن تبين
وقوعه، لعموم أدلة وجوب التحلل بالعمرة على من فاته الحج.
واحتمل الشهيدان (1) وبعض آخر (2) عدم الاحتياج إلى عمرة التحلل
حينئذ لحصوله بالذبح، لأدلة حصوله ببلوغ الهدي محله (3).
والخدش فيها - بعدم ظهور شمولها للمفروض، لانصراف إطلاقها
بحكم التبادر إلى غيره - مردود بالمنع أولا، وجريان مثله في أدلة وجوب
التحلل بالعمرة ثانيا.
كما أن الاستدلال لوجوب العمرة بالصحيحة المتقدمة - على بعض
نسخها العاطف للعمرة على الحج بلفظة: واو - مردود بعدم دلالته على أن
المراد تلك العمرة، مع أن بعد اختلاف النسخ وأكثرية العطف ب‍: أو، لا
تصلح للاستدلال، والله العالم.

(1) الشهيد الأول في الدروس 1: 479 الشهيد الثاني في المسالك 1: 132.
(2) كصاحب المدارك 8: 307.
(3) البقرة: 196، وانظر الوسائل 13: 181 أبواب الاحصار والصد ب 2.
155

المقصد السادس
في الكفارات
وفيه أبحاث:
157

البحث الأول
في كفارة الصيد وما يحذو حذوه
وفيه مقامات:
المقام الأول
في كفارة الطيور وفرخها وبيضها
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا قتل المحرم نعامة فكفارته بدنة، وهي الأنثى من
الإبل على الأحوط.
فإن لم يجدها فض على البدنة بعد تقويمها قيمة عادلة على الطعام
مطلقا على الأقوى، وفاقا لجماعة (1)، لاطلاق الأخبار.
وعلى البر خاصة - كما هو مختار آخرين (2) - على الأحوط، لما
قيل (3) من أنه المتبادر من الطعام، فيطعمه ستين مسكينا إجماعا نصا
وفتوى.
لكل مسكين مد على الأقوى، وفاقا للصدوق، والعماني (4)،

(1) منهم ابن حمزة في الوسيلة: 167، صاحب الجامع: 189.
(2) كما في الكافي: 205، الشرائع 1: 284، الروضة 2: 334، المدارك 8:
323.
(3) المدارك 8: 323.
(4) الصدوق في الفقيه 2: 233، حكاه عن العماني في المختلف: 102.
159

وغيرهما (1)، لصحيحة ابن عمار (2)، ورواية أبي بصير (3).
وذهب جماعة (4) - بل هو على الأشهر كما (5) قيل - [إلى أن] (6) لكل
مسكين نصف صاع، مدان.
لصحيحة الحذاء (7).
المجاب عنها: بقصورها عن إفادة الوجوب أولا.
وعمومها المطلق بالنسبة إلى النعامة ثانيا.
ومخالفتها للأصل - الذي هو المرجع عند التعارض وعدم المرجح -
ثالثا.
ولبعض آخر (8)، فأطلق الاطعام، لاطلاق بعض الأخبار، اللازم
تقييده بما مر.
ثم إنه يكتفي بذلك القدر، ولا يلزمه إنفاق ما زاد عن قيمتها عن
ستين مدا، بل الزائد له، ولا يلزمه أيضا ما نقصت القيمة عن الوفاء
بالستين، بلا خلاف عن غير من أطلق الاطعام، بل عن الخلاف الاجماع

(1) كالعلامة في المختلف: 271.
(2) التهذيب 5: 343 / 1187، الوسائل 13: 13 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 13.
(3) الكافي 4: 385 / 1، الفقيه 2: 233 / 1112، الوسائل 13: 9 أبواب كفارات
الصيد ب 2 ح 3.
(4) كالمحقق في الشرائع 1: 284.
(5) انظر الرياض 1: 448.
(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(7) 146 الكافي 4: 387 / 10، التهذيب 5: 341 / 1183، الوسائل 13: 8 أبواب
كفارات الصيد ب 2 ح 1.
(8) كما في المقنع: 78.
160

على نفي وجوب الزائد (1)، وتدل عليه مرسلة جميل (2).
وأما ما في صحيحة محمد، من أن (عدل الهدي ما بلغ يتصدق به) (3).
فعام لا يقاوم ما مر.
وكذا ما في رواية الرقي من أن (من لم يجد البدنة الواجبة في الفداء
فسبع شياة) (4)، مع أنه مما لم يقل به أحد في المقام، كما صرح به
بعضهم (5).
وإن لم يجد ثمنها ليطعم، صام عن كل مد يوما على الأشهر، بل عن
الغنية والتبيان والكنز (6): الاجماع عليه.
لصحيحة محمد: (فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام
مسكين يوما) (7).
المؤيدة بصحيحة الحذاء ومرسلة ابن بكير (8)، القاصرتين عن إفادة
الوجوب.
خلافا للعماني والصدوق، فثمانية عشر يوما مطلقا (9)، لموثقة أبي

(1) الخلاف 2: 422.
(2) الكافي 4: 386 / 5، التهذيب 5: 342 / 1185، الوسائل 13: 8 أبواب كفارات
الصيد ب 2 ح 2.
(3) التهذيب 5: 342 / 1184، الوسائل 13: 11 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 10.
(4) الكافي 4: 385 / 2، التهذيب 5: 481 / 1711، الوسائل 13: 9 أبواب كفارات
الصيد ب 2 ح 4.
(5) كصاحب الرياض 2: 449.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 575، التبيان 4: 27، كنز العرفان 1: 325.
(7) التهذيب 5: 342 / 1184، الوسائل 13: 11 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 10.
(8) الكافي 4: 386 / 3، الوسائل 13: 10 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 5.
(9) حكاه عن العماني في المختلف: 272، الصدوق في المقنع: 78، والفقيه 2:
232.
161

بصير (1) ورواية، وصحيحة ابن عمار، ورواية الرقي.
وأجيب: بترجيح الأولى، للاعتضاد بالشهرة والاجماع المنقول،
وموافقتها لأصل الاشتغال (2).
وكون حمل الثانية على صورة العجز على الأولى تقييدا، وهو خير
من حمل الثانية على الاستحباب، الذي هو التجوز.
والأول: مردود بعدم صلاحيته للترجيح.
والثاني: بأن أصل الاشتغال إنما يرجع إليه إذا لم يكن هناك قدر
مشترك، وإلا فيرجع إلى أصل البراءة، والقدر المشترك هنا حاصل، والتقييد
إنما يقدم مع وجود دليل عليه وإلا فلا وجه له.
وإذن فالأقرب هو: الثاني، وإن كان الأحوط هو الأول.
وعلى الاحتياط، فمع العجز عن صيام الستين يصوم ثمانية عشر
يوما، ووجهه قد ظهر.
ولا تتابع في هذين الصومين.
للأصل.
المسألة الثانية: في قتل كل واحد من العصفور والقبرة (3) - وهي التي
يقال لها بالفارسية: چلو - والصعوة (4) - يقال لها بالفارسية: برف چين،
ذكرهما في شرح المفاتيح - مد من طعام، وفاقا للأكثر كما قيل (5).

(1) التهذيب 5: 342 / 1186، الوسائل 13: 12 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 12.
(2) انظر الرياض 1: 449.
(3) القبرة: وهو ضرب من الطير يشبه الحمرة - حياة الحيوان 2: 196.
(4) الصعوة: طائر من صغار العصافير أحمر الرأس - حياة الحيوان 1: 616.
(5) المنتهى 2: 826.
162

لمرسلة صفوان (1).
خلافا للمحكي عن الصدوقين، فأوجبا في غير النعامة من الطيور
شاة (2).
لصحيحة ابن سنان في محرم ذبح طيرا: (إن عليه دم شاة يهريقه،
فإن كان فرخا فجدي أو حمل صغير من الضأن) (3).
وجوابه: أنها أعم مطلقا مما مر، فيجب تخصيصها به.
وللإسكافي، فأوجب القيمة (4).
لمرسلة حريز، عن سليمان بن خالد: عما في القمري (5) والدبسي (6)
والسماني (7) والعصفور والبلبل، قال: (قيمته، فإن أصابه وهو محرم في
الحرم فقيمتان، ليس عليه فيه دم) (8).

(1) الكافي 4: 390 / 8، التهذيب 5: 466 / 1629، الوسائل 13: 20 أبواب
كفارات الصيد ب 7 ح 1.
(2) الصدوق في المقنع: 78، حكاه عن والده في المختلف: 273.
(3) التهذيب 5: 346 / 1201، الإستبصار 2: 201 / 682، الوسائل 13: 23
أبواب كفارات الصوم ب 9 ح 6.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 273.
(5) القمري: وهو طائر مشهور حسن الصوت أصغر من الحمام منسوب إلى طير
قمر، ويقال هو الحمام الأزرق، وللذكر ساق حمر - مجمع البحرين 3: 463 -
464.
(6) الدبسي: طائر صغير منسوب إلى دبس الرطب، لأنهم يغيرون في النسب،
والأدبس من الطير والخيل: الذي في لونه غبرة بين السواد والحمرة - حياة الحيوان
1: 466.
(7) السماني: اسم لطائر يلبد بالأرض، ولا يكاد يطير إلا أن يطار، ويسمى قتيل
الرعد، من أجل أنه إذا سمع الرعد مات - حياة الحيوان 1: 563.
(8) الكافي 4: 390 / 7، التهذيب 5: 371 / 1293، الوسائل 13: 90 أبواب
كفارات الصيد ب 44 ح 7، بتفاوت يسير.
163

وجوابه: أنها شاذة يجب الطرح، مع أنها أيضا أعم مطلقا مما مر.
المسألة الثالثة: في قتل القطاة - ويقال لها بالفارسية: صفرو - حمل
فطم ورعى المرعى، بلا خلاف فيه.
لصحيحة سليمان بن خالد (1)، ورواية مفضل بن صالح (2).
ولا تعارضها صحيحة أخرى لسليمان: (من أصاب قطاة أو حجلة أو
دراجة أو نظيرهن فعليه دم) (3).
لأن الدم مطلق، فيجب حمله على الحمل، لما مر، ولذا قالوا
بالحمل في الحجل - وهو نوع من القبج - والدراجة أيضا، بل نفي الخلاف
فيهما أيضا، فإن ثبت الاجماع، وإلا فحكمهما حكم مطلق الطير.
المسألة الرابعة: في غير ما ذكر من الطيور دم شاة، وفاقا
للصدوقين (4)، وجماعة من المتأخرين، منهم: صاحبا المدارك والذخيرة (5).
لصحيحة ابن سنان المذكورة.
والأخرى في حمام مكة الطير الأهلي من غير حمام الحرم: (من ذبح
طيرا منه وهو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه، فإن كان
محرما فشاة عن كل طير) (6).

(1) التهذيب 5: 344 / 1190، الوسائل 13: 18 أبواب كفارات الصيد ب 5 ح 1.
(2) الكافي 4: 389 / 3، الوسائل 13: 19 أبواب كفارات الصيد ب 5 ح 3.
(3) الكافي 4: 390 / 9، التهذيب 5: 344 / 1191، الوسائل 13: 18 أبواب
كفارات الصيد ب 5 ح 2.
(4) المقنع: 78.
(5) المدارك 8: 347، الذخيرة: 609.
(6) الكافي 4: 235 / 15، الفقيه 2: 169 / 742، الوسائل 13: 23 أبواب كفارات
الصيد ب 9 ح 5.
164

وصحيحة سليمان بن خالد: رجل أغلق بابه على طائر فمات، فقال:
(إن كان أغلق الباب بعد ما أحرم فعليه شاة، وإن كان أغلق الباب قبل أن
يحرم فعليه ثمنه) (1).
وفي بعض الأخبار عن مولانا الجواد عليه السلام: (إن المحرم إذا قتل صيدا
في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان الطير من كبارها فعليه شاة، وإن
أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا قتل فرخا [في الحل] فعليه
حمل فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، وإن
كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة،
وإن كان ظبيا فعليه شاة، وإن كان قتل من ذلك في الحرم فعليه الجزاء
مضاعفا هديا بالغ الكعبة) (2).
وصحيحة زرارة: (إذا أصاب المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ
الظبي فعليه دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه) (3).
ومثل الثمن لكونه في الحرم لا لأجل الاحرام.
وقد ورد التصريح بالشاة للحمامة - التي هي إما: كل طير مطوق
بطوق أخضر أو أحمر أو أسود محيط بعنقه، أو: ما يعب الماء، أي يشربه
كرعا، بأن يضع منقاره فيه ويشرب وهو واضع فيه كالغنم، لا بأن يأخذ
الماء بمنقاره قطرة قطرة ويبلعها بعد إخراجه كالدجاجة والعصفور - في

(1) الفقيه 2: 167 / 727، التهذيب 5: 350 / 1215، الوسائل 13: 41 أبواب
كفارات الصيد ب 16 ح 2، بتفاوت.
(2) الإحتجاج: 444، الإرشاد 2: 283، تحف العقول: 336، تفسير القمي 1:
183، روضة الواعظين: 239، كشف الغمة 2: 355، الوسائل 13: 14 أبواب
كفارات الصيد ب 3 ح 1 وما بين المعقوفين من المصادر.
(3) الفقيه 2: 167 / 726، الوسائل 13: 29 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 4.
165

روايات متكثرة جدا (1)، وتطابقت عليه الفتاوى أيضا.
المسألة الخامسة: من قتل جرادا في الاحرام فعليه الفداء كف من
طعام أو تمرة، مخيرا بينهما، وفاقا للمحكي عن التهذيب والمبسوط
والتحرير والتذكرة والمنتهى والشهيدين (2)، وغيرهما من المتأخرين (3).
جمعا بين ما يتضمن الأول خاصة - كصحيحتي محمد (4) - وما
يتضمن الثاني كذلك، كصحيحتي ابن عمار (5) وزرارة (6).
والمخالف بين من أثبت الأول خاصة (7) والثاني كذلك (8)، وكل منهما
جماعة من القدماء، وفي بعض الروايات إثبات الدم لإصابة الجرادة وأكلها
معا (9)، وحكي العمل به عن جماعة (10)، ولا بأس به.
ولو كان الجراد كثيرا فقتلها جملة فعليه دم شاة، بلا خلاف - إلا عن

(1) كما في الوسائل 13: 28 أبواب كفارات الصيد ب 11.
(2) التهذيب 5: 363، المبسوط 1: 348، التحرير 1: 116، التذكرة 1: 347،
المنتهى 2: 826، الدروس 1: 357، الروضة 2: 346.
(3) كما في المدارك 8: 348، المفاتيح 1: 323.
(4) الأولى في: التهذيب 5: 364 / 1267، الإستبصار 2: 208 / 708، الوسائل
13: 77 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 3.
الثانية في: الكافي 4: 393 / 3، الوسائل 13: 78 أبواب كفارات الصيد
ب 37 ح 6.
(5) التهذيب 5: 363 / 1264، الوسائل 13: 76 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 1.
(6) التهذيب 5: 363 / 1265، الإستبصار 2: 207 / 706، الوسائل 13: 77 أبواب
كفارات الصيد ب 37 ح 2.
(7) كالمفيد في المقنعة: 438.
(8) كالشيخ في الخلاف 2: 414.
(9) كما في الوسائل 13: 76 أبواب كفارات الصيد ب 37.
(10) حكاه عنهم صاحب الرياض 1: 454.
166

شاذ قال فيه بمد من تمر (1) - بل بالاجماع كما في الخلاف (2).
لصحيحتي محمد المشار إليهما.
ومقتضى إحداهما: ثبوت الدم في الأكثر من الواحدة مطلقا وإن كان
اثنتين، إلا أنه يعارضها مفهوم الأخرى، حيث قال: (فإن كان كثيرا فعليه دم
شاة)، فإن الاثنتين ليستا كثيرا عرفا.
ولذا اقتصر الأصحاب على ذكر الكثير، وصرح بعضهم: بأن المرجع
فيه إلى العرف، وفيما لم يبلغ الكثير العرفي في كل جراد تمرة (3).
وهو حسن من جهة نفي الدم، حيث إن بعد تعارضها يرجع إلى
أصالة نفي الدم.
وأما إثبات التمرتين ففيه نظر، إذ لم يثبت من الصحيحتين المتقدمتين
إلا أن في الجرادة الواحدة تمرة أو كفا من طعام، وأما ما بين الواحدة
والكثيرة فلم يظهر له حكم من الأخبار.
هذا، مع أن في كتابي الحديث ذكر في الصحيح الأول هكذا: من
قتل جرادا كثيرا، قال: (كف من طعام، وإن كان أكثر من ذلك فعليه دم
شاة).
ولا شك أن أكثر من الكثير لا يصدق على الاثنتين، فلا يبقى معارض
للمفهوم المذكور مطلقا، بل يعارض منطوقا فيهما من جهة إثبات الدم
للكثير في إحداهما والكف من طعام له في الأخرى وإثبات الدم للأكثر من

(1) قال به المفيد في المقنعة في كتاب الكفارات: 577، وقال في كتاب الحج
(438): عليه دم شاة.
(2) الخلاف 2: 415.
(3) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 346.
167

الكثير.
ومقتضى الاستدلال: اختصاص الدم بكثير فوق الكثير، لأخصيته،
ولكن كأنه لا قائل بالتفصيل في الكثير، والاحتياط في أقل مراتب الكثرة
بالجمع بين واحد من التمرة أو الكف وبين الدم، وفيما بينه وبين الواحدة
بأحد الأولين، بل بالجميع أيضا.
هذا كله، مع إمكان التحرز عن الجرادة.
ولو كان على الطريق بحيث لا يتمكن من التحرز عنه إلا بمشقة كثيرة
لا تتحمل عادة، فلا إثم ولا كفارة في قتله، بغير خلاف ظاهر.
للصحاح الثلاث: لزرارة (1)، وابن عمار (2)، وحريز (3)، وموثقة أبي
بصير (4)، الصريحة كلها في ذلك.
المسألة السادسة: المشهور بين الأصحاب - بل ادعى عليه الاجماع
جماعة (5) - أن في كسر بيض النعامة - إذا كان فيه فرخ يتحرك فتلف - لكل
بيضة بكرة من الإبل.
وإن لم يعلم تحرك الفرخ فيه فعليه إرسال فحل الإبل في عدد ما
كسره من البيضة من الإناث، فما حصل من النتاج هدي لبيت الله.
للجمع بين ما دل على أن فيه البكرة مطلقا - كصحيحة سليمان بن

(1) الكافي 4: 393 / 7، الوسائل 13: 79 أبواب كفارات الصيد ب 38 ح 3.
(2) التهذيب 5: 364 / 1269، الإستبصار 2: 208 / 709، الوسائل 13: 79
أبواب كفارات الصيد ب 38 ح 2.
(3) التهذيب 5: 364 / 1268، الإستبصار 2: 208 / 710، الوسائل 13: 78
أبواب كفارات الصيد ب 38 ح 1.
(4) الكافي 4: 394 / 8، الوسائل 12: 429 أبواب تروك الاحرام ب 7 ح 3.
(5) كما في الخلاف 2: 416، المدارك 8: 332.
168

خالد (1) - وما دل على أن فيه الارسال كذلك، كصحيحته الأخرى (2)،
وصحيحة الحلبي (3)، وصحيحتي الكناني (4)، ورواية علي بن أبي حمزة (5)،
ومرسلة التهذيب (6).
لشهادة صحيحة علي: عن رجل كسر بيض النعام، وفي البيض فراخ
قد تحرك، فقال: (عليه لكل فرخ تحرك بعير ينحره في المنحر) (7).
وذهب جماعة من القدماء - منهم: الإسكافي والصدوق في بعض
كتبه والمفيد والسيد والديلمي (8) - إلى أن فيه الارسال مطلقا، لأكثرية
أخباره.
وعن الصدوقين: الارسال إذا تحرك، وبدونه فلكل بيضة شاة (9)،

(1) الكافي 4: 389 / 5، التهذيب 5: 355 / 1233، الإستبصار 2: 202 / 687،
الوسائل 13: 55 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 4.
(2) الكافي 4: 389 / 4، الوسائل 13: 58 أبواب كفارات الصيد ب 25 ح 5.
(3) التهذيب 5: 354 / 1230، الإستبصار 2: 202 / 685، الوسائل 13: 52
أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 1.
(4) الأولى في: التهذيب 5: 355 / 1232، الإستبصار 2: 202 / 686، الوسائل
13: 52 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 2.
الثانية في: الكافي 4: 389 / 2، الوسائل 13: 54 أبواب كفارات الصيد
ب 23 ح 6.
(5) الكافي 4: 387 / 11، التهذيب 5: 354 / 1229، الإستبصار 2: 201 / 684،
الوسائل 13: 53 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 5.
(6) التهذيب 5: 354 / 1231، الوسائل 13: 53 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 4.
(7) التهذيب 5: 355 / 1234، الإستبصار 2: 203 / 688، قرب الإسناد:
236 / 925، الوسائل 13: 54 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 1.
(8) نقله عن الإسكافي في المختلف: 275، الصدوق في المقنع: 78، المفيد في
المقنعة: 436، السيد في الإنتصار: 100، الديلمي في المراسم: 120.
(9) الصدوق في الفقيه 2: 234، حكاه عن والده في المختلف: 275.
169

للجمع بين إطلاقات الارسال وبين ما دل على أن في بيضة النعامة شاة،
كصحيحة الحذاء (1)، ورواية أبي بصير (2).
بشهادة رواية محمد بن الفضيل المتضمنة لقوله عليه السلام: (إذا أصاب
المحرم بيض نعام ذبح عن كل بيضة شاة، وإذا وطئ بيض النعام ففدغها
وهو محرم وفيها أفراخ تتحرك فعليه أن يرسل) الحديث (3)، ونحوها
الرضوي (4).
وعن المقنع: أنه أوجب الشاة في إصابة البيضة، والارسال في الوطء
والفدغ (5).
ويظهر من بعض المحدثين من متأخري المتأخرين الجمع بالفرق
بين الإصابة باليد والكسر والأكل ففيها البعير، وبين الوطء فالكسر
فالارسال (6).
وهو قريب لما في المقنع من التفصيل وإن افترقا في الشاة
والبعير.
واستشهد لذلك بصحيحة أبان بن تغلب: في قوم حجاج محرمين
أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعا، قال: (عليهم مكان كل فرخ أكلوه

(1) الكافي 4: 388 / 12، التهذيب 5: 466 / 1628، الوسائل 13: 56 أبواب
كفارات الصيد ب 24 ح 5.
(2) التهذيب 5: 356 / 1236، الوسائل 13: 53 أبواب كفارات الصيد ب 23 ح 3.
(3) الفقيه 2: 233 / 1117، والفدغ: شدخ الشئ المجوف - مجمع البحرين 5:
14.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 227، مستدرك الوسائل 9: 272 أبواب كفارات الصيد ب 18
ح 3.
(5) المقنع: 78.
(6) انظر الوافي 13: 761.
170

بدنة يشتركون فيها جميعا، فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد
الرجال) (1).
أقول: وإن أمكن رد بعض هذه الأقوال بالشذوذ، ولكن الترجيح بين
القولين الأولين مشكل يحتاج إلى تأمل لا يقتضيه المقام، لعدم الاهتمام
بشأن المسألة.
ثم إنه لو عجز عما ذكر، فعن كل بيضة شاة، فإن لم يجد فالصدقة
على عشرة مساكين، لكل مسكين مد، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام، على
المشهور بين الأصحاب المدعى عليه الاتفاق (2).
وتدل على هذه الأحكام بذلك التفصيل رواية علي بن أبي حمزة
وبعض الصحاح (3).
وفيه قول آخر (4) متروك للشذوذ.
المسألة السابعة: في إصابة بيض القطاة في الاحرام بكرة من الغنم
في صحيحة سليمان بن خالد (5)، وفيها مخاض من الغنم - وهي التي من
شأنها أن تكون حاملا - وفي روايته (6).

(1) الفقيه 2: 236 / 1123، التهذيب 5: 353 / 1227، الوسائل 13: 45 أبواب
كفارات الصيد ب 18 ح 4، بتفاوت.
(2) انظر المدارك 8: 335.
(3) الوسائل 13: 8 أبواب كفارات الصيد ب 2.
(4) قال به المفيد في كتاب الكفارات من المقنعة: 572، إلا أنه وافق المشهور في
كتاب الحج: 436.
(5) التهذيب 5: 356 / 1239، الإستبصار 2: 203 / 692، الوسائل 13: 55
أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 3.
(6) الكافي 4: 389 / 5، التهذيب 5: 355 / 1233، الإستبصار 2: 202 / 687،
الوسائل 13: 55 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 4.
171

وفي وطئها وشدخها إرسال فحولة من الغنم على عدد البيض من
الإناث على ما مر في بيض النعامة، وفي روايته المشار إليها، وروايته
الأخرى (1)، ورواية محمد بن الفضيل (2).
وفي صحيحة أخرى لسليمان: (في بيض القطاة كفارة مثل ما في
بيض النعام) (3).
والظاهر أن المراد: المماثلة في الكيفية دون جنس الكفارة، والحمل
على الممائلة في ثبوت أصل الكفارة بعيد عن ظاهر العبارة.
وللأصحاب فيها أقوال كثيرة لا ينطبق واحد منها على تلك الأخبار،
وحيث لا يثبت في المسألة إجماع بسيط ولا مركب فالأولى قطع النظر عن
الأقوال، والقول بالارسال مع الوطء، والتخيير بين البكرة والمخاض من
الغنم في غيره من وجوه الإصابة، كما ذكره بعض المتأخرين من العصابة في
الفرق بين الوطء والإصابة (4).
بل لنا التخصيص بالبكرة في غير صورة الوطء، لخصوصية
روايتها ببيض القطاة وعموم رواية المخاض، وإن كان صدرها مخصوصا
بالقطاة.
ويمكن تخصيص ما ذكرنا بالبيض التي لم يتحرك فيها الفرخ.
وأما ما تحرك فيه ففيه حمل.

(1) الكافي 4: 389 / 4، الوسائل 13: 58 أبواب كفارات الصيد ب 25 ح 5.
(2) الفقيه 2: 233 / 1117.
(3) التهذيب 5: 357 / 1240، الإستبصار 2: 204 / 693، الوسائل 13: 58
أبواب كفارات الصيد ب 25 ح 2.
(4) انظر الوافي 13: 763.
172

لرواية أبي بصير: عن رجل قتل فرخا وهو محرم في غير الحرم،
فقال: (عليه حمل، وليس عليه قيمته، لأنه ليس في الحرم) (1).
والفرخ يصدق على البيض التي فيها الفرخ، كما تدل عليه صحيحة
علي المتقدمة في بيض النعام (2).
قالوا: ولو عجز عن الارسال فعن كل بيضة شاة، ومع العجز يطعم
عشرة مساكين، ومع العجز يصوم ثلاثة أيام (3)، ولعله للمماثلة المذكورة في
صحيحة سليمان، ولا بأس به.
وألحق جماعة بيض القبج ببيض القطاة (4).
قيل: ولا مستند له (5).
وألحقه بعضهم ببيض الحمام (6)، لأن القبج نوع من الحمام.
وهو حسن إن ثبتت النوعية.
المسألة الثامنة: حكم في وطء بيض الحمامة على المحرم
بدرهم في صحيحة حريز (7)، وكذا في صحيحته الأخرى في مطلق
البيضة (8).

(1) الكافي 4: 390 / 6، الوسائل 13: 23 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 4.
(2) راجع ص: 1109.
(3) انظر المقنعة: 572، السرائر 1: 565.
(4) كما في الشرائع 1: 285، المنتهى 2: 824، وجامع المقاصد 3: 308.
(5) الحدائق 15: 214.
(6) كما في المسالك 1: 135، المدارك 8: 335.
(7) الكافي 4: 389 / 1، التهذيب 5: 345 / 1197، الإستبصار 2: 200 / 678،
الوسائل 13: 22 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 1.
(8) التهذيب 5: 346 / 1202، الإستبصار 2: 201 / 683، الوسائل 13: 23
أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 7.
173

وفي رواية محمد بن الفضيل بربع درهم في مطلق البيضة (1).
وفي رواية يونس بن يعقوب بنصف درهم، قال فيها - بعد السؤال
عن رجل أغلق بابه على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض -: (وإن كان
أغلق عليها بعدما أحرم فإن عليه لكل طير شاة، ولكل فرخ حملا، وإن لم
يكن تحرك فدرهم، وللبيض نصف درهم) (2).
وفي صحيحة علي: في كسر بيض الحمام وفي البيض فراخ قد
تحرك، [فقال: (عليه أن يتصدق عن كل فرخ قد تحرك]، بشاة، وإن كانت
الفراخ لم تتحرك [تصدق] بقيمته ورقا يشتري به علفا يطرحه لحمام
الحرم) (3).
وفي رواية الحارث بن المغيرة بدم لأكل المحرم بيض حمام
الحرم (4).
ومقتضى الاستدلال بالأخبار بعد رفع اليد عن رواية ربع الدرهم،
لاحتمال وروده في حق الجاني المحل في الحرم كما يظهر من الحديث،
أو عمومه له فيخص به، وبعد تحكيم المقيد منه على المطلق فتحمل رواية
الدم على البيض الذي فيه فرخ يتحرك، وإرادة الحمل من الدم وكذا من
الشاة: أن يجعل البيض ثلاثة أنواع:

(1) الفقيه 2: 233 / 1117.
(2) التهذيب 5: 350 / 1216، الوسائل 13: 42 أبواب كفارات الصيد ب 16 ح 3.
(3) التهذيب 5: 358 / 1244، الإستبصار 2: 205 / 697، قرب الإسناد:
236 / 924، الوسائل 13: 59 أبواب كفارات الصيد ب 26 ح 1، وما بين
المعقوفين من المصادر.
(4) الكافي 4: 395 / 2، الوسائل 13: 89 أبواب كفارات الصيد ب 44 ح 4.
174

ما فيه فرخ يتحرك ففيه حمل.
وما فيه فرخ لم يتحرك ففيه درهم.
وما ليس فيه فرخ ففيه نصف درهم.
ولكن لم نعثر من الأصحاب على من حكم بالثالث، بل قسموا
البيض بالقسمين الأوليين وحكموا فيهما بالحكمين، وهو الأحوط.
المسألة التاسعة: في فرخ الحمام حمل أو جدي مخيرا بينهما.
لصحيحة ابن سنان (1).
المسألة العاشرة: عن المفيد والسيد: أن في قتل زنبور تمرة، وفي
قتل زنابير كثيرة مد من طعام أو من تمر (2).
وعن الإسكافي: أن فيه كفا من طعام أو تمر (3).
وعن جماعة - منهم: الحلي في السرائر (4) -: أن مع العمد فيه كفا من
طعام، ولا شئ مع الخطأ.
وفيه أقوال أخر.
والمستند: أخبار لا يثبت شئ منها الوجوب، لخلوها عن الدال
عليه، بل غاية ما يثبت منها استحباب شئ من الطعام، فعليه
الفتوى.

(1) التهذيب 5: 346 / 2101، الإستبصار 2: 201 / 682، الوسائل 13: 23
أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 6.
(2) المفيد في المقنعة: 438، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 72.
(3) حكاه عنه في المختلف: 274.
(4) السرائر 1: 558.
175

المسألة الحادية عشرة: في غير ما ذكر من الطيور شاة، ومن
الأفراخ حمل أو جدي، ومن البيض درهم، كما يأتي بيانه.
176

المقام الثاني
في كفارة الوحوش وغيرها من الحيوانات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في بقرة الوحش بقرة أهلية بالاجماع والصحاح (1)،
وفي حماره عند الأكثر، بل عن الغنية الاجماع عليه (2).
لصحيحة حريز (3)، وموثقة أبي بصير (4)، ورواية الكناني (5).
وبدنة عند صاحب المقنع (6).
لصحيحتي يعقوب بن شعيب (7) وسليمان بن خالد (8)، ورواية أبي
بصير (9).
وأحدهما مخيرا عند الإسكافي (10) وجماعة من المتأخرين (11).
جمعا بين الأخبار.

(1) انظر الوسائل 13: 5 أبواب كفارات الصيد ب 1.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.
(3) التهذيب 5: 341 / 1181، الوسائل 13: 5 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 1.
(4) التهذيب 5: 342 / 1186، الوسائل 13: 12 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 12.
(5) التهذيب 5: 341 / 1180، الوسائل 13: 6 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 3.
(6) المقنع: 77.
(7) الكافي 4: 386 / 4، الوسائل 13: 6 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 4.
(8) التهذيب 5: 341 / 1182، الوسائل 13: 5 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 2.
(9) الكافي 4: 385 / 1، الوسائل 13: 9 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 3.
(10) حكاه عنه في المختلف: 272.
(11) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 366، وصاحب المدارك 8: 326.
177

وهو الأظهر، لأنه المرجع المنصوص عند التعارض وعدم الترجيح.
ولعل نظر الأولين إلى الترجيح بموافقة الكتاب، حيث إن البقرة أقرب
إلى الحمار من البدنة.
وفيه: أن مثل تلك الأقربية لا تفهم من المماثلة.
فإن لم يجد الفداء، قالوا: فض قيمة البقرة على مطلق الطعام (1)،
لاطلاق الأخبار (2)، أو على البر خاصة، لأن الطعام هو لغة (3).
والأول أقرب، والثاني أحوط.
ويطعمها ثلاثين مسكينا، بلا خلاف.
لصحيحة ابن عمار (4)، وموثقة أبي بصير وروايته.
لكل مسكين مدين عند الأكثر.
لصحيحة الحذاء: (إذا أصاب المحرم صيدا ولم يجد ما يكفر من
موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت
الدراهم طعاما، لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر على الطعام صام
لكل نصف صاع يوما) (5).
ومد عند آخرين (6)، قيل: كما في الصحيح ونسب المدين إلى
الصحيحين (7).

(1) كما في المبسوط 1: 340، المسالك 1: 134.
(2) 250 الوسائل 13: 8 أبواب كفارات الصيد ب 2.
(3) انظر الشرائع 1: 285، المدارك 8: 326.
(4) التهذيب 5: 343 / 1187، الوسائل 13: 13 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 13.
(5) الكافي 4: 387 / 10، التهذيب 5: 341 / 1183، الوسائل 13: 8 أبواب
كفارات الصيد ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.
(6) منهم صاحب المدارك 8: 327.
(7) انظر الرياض 1: 449.
178

ولم أجد الصحيح في المد، ولا غير صحيحة عامة في المدين، ولعل
نظره إلى أخبار البدنة وتقسيم الأمداد على الستين.
ولا دليل على الاتحاد، والقياس باطل، إلا أن يتمسك بالاجماع
المركب، وهو حسن، إلا أنه ليس استنادا إلى الصحيح والصحيحين.
نعم، يمكن استفادة المد من ضم مرسلة ابن بكير: في قول الله
تعالى: (أو عدل ذلك صياما)، قال: (بثمن قيمة الهدي طعاما، ثم
يصوم لكل مد يوما) (1).
وصحيحة محمد: عن قول الله تعالى: (أو عدل ذلك صياما)،
قال: (عدل الهدي ما بلغ يتصدق به، فإن لم يكن عنده فليصم بقدر ما بلغ
لكل طعام مسكين يوما) (2). ولا بأس به.
فإن عجز فتسعة أيام.
ثم لا يخفى أن تقويم البقرة والتوزيع على ثلاثين مسكينا في حمار
الوحش إنما هو على المشهور.
وأما على المختار، فالحكم التخيير بين ما ذكر وبين تقويم البدنة
والتوزيع كما مر في النعامة، لأنه الحكم في بدل البدنة، كما صرح به في
الأخبار الخاصة والعامة (3).
ثم على التقديرين: إن كانت القيمة أقل من الستين أو الثلاثين اقتصر
على القيمة، ولو زادت لم تجب عليه الزيادة، كما مر في النعامة، بلا

(1) الكافي 4: 386 / 3، الوسائل 13: 10 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 5، والآية
في: المائدة: 94.
(2) التهذيب 5: 342 / 1184، الوسائل 13: 11 أبواب كفارات الصيد ب 2 ح 10.
(3) كما في الوسائل 13: 8 أبواب كفارات الصيد ب 2.
179

خلاف فيه يوجد.
وقيل: وفي الأخبار عليه الدلالة (1).
ولا يخفى أنها واردة في البدنة، فالأحسن التمسك بالاجماع المركب.
ولو لم يجد القيمة صام تسعة أيام على الأظهر، وعن كل مسكين
يوما، فإن عجز فتسعة أيام على الأحوط الأشهر، ووجه الاستدلال في
النعامة ظهر.
المسألة الثانية: في قتل الظبي شاة.
بالكتاب والسنة والاجماع.
فإن لم يجد الشاة فض ثمنها على الطعام على الأظهر، أو خصوص
البر على الأحوط، ويطعم عشرة مساكين إجماعا نصا وفتوى، لكل مسكين
مدان على الأشهر، ومد عند جماعة (2).
ولعله للاجماع المركب.
ويمكن استفادة المد من ضم المرسلة والصحيحة كما مر.
ولو قصرت قيمتها عن الاتمام اقتصر عليها، ولو زادت لم يجب عليه
الزائد، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام على الأظهر وعشرة أيام، فإن عجز
فثلاثة على الأحوط الأشهر.
المسألة الثالثة: في قتل الثعلب والأرنب شاة، بلا خلاف، بل عن
بعضهم: الاجماع عليه (3).

(1) انظر الرياض 1: 449.
(2) كما في المدارك 8: 328، الكفاية: 62.
(3) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 575، وحكاه في الرياض 1: 450.
180

لرواية أبي بصير فيهما (1)، وصحيحتي البزنطي (2) وابن مسكان (3) في
الأرنب.
ولو لم يجدها فهما كالظبي في البدل، على الأظهر الأشهر الأحوط.
لصحاح: الحذاء ومحمد وابن عمار ومرسلة ابن بكير.
وعن القديمين والصدوقين والمحقق: أنه لا بدل لهما، بل يستغفر
الله تعالى، للأصل (4).
وجوابه ظاهر.
المسألة الرابعة: في قتل الضب والقنفذ واليربوع جدي على الأظهر
الأشهر، بل حكي عن عامة من تأخر (5).
لحسنة مسمع: (اليربوع والقنفذ والظب إذا أصابه المحرم فعليه
جدي، والجدي خير منه، وإنما جعل عليه هذا كي ينكل عن صيد
غيره) (6).
وأوجب جماعة فيه الحمل (7)، مدعيا بعضهم الاجماع عليه (8)،

(1) الكافي 4: 386 / 7، الفقيه 2: 233 / 1116، التهذيب 5: 343 / 1188،
الوسائل 13: 17 أبواب كفارات الصيد ب 4 ح 4.
(2) الفقيه 2: 233 / 1114، الوسائل 13: 17 أبواب كفارات الصيد ب 4 ح 1.
(3) الفقيه 2: 233 / 1115، الوسائل 13: 17 أبواب كفارات الصيد ب 4 ح 2.
(4) حكاه عن القديمين ووالد الصدوق في المختلف: 273، الصدوق في الفقيه 2:
233، المحقق في الشرائع 1: 285.
(5) كما في الرياض 1: 454.
(6) الكافي 4: 387 / 9، وفي التهذيب 5: 344 / 1192، والوسائل 13: 19
أبواب كفارات الصيد ب 6 ح 1: (لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد).
(7) كما في الكافي في الفقه: 206، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.
(8) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 576.
181

ووجهه غير واضح.
وألحق الشيخان والسيد والحلي وابن حمزة والمحقق الثاني (1)
وغيرهم (2) بالثلاثة أشباهها، ولعلهم - كما قيل (3) - نظروا إلى التعليل في
الحسن بقوله: (وإنما جعل عليه)، ولا يخلو عن قوة.
المسألة الخامسة: قال جماعة - منهم: الصدوق في الفقيه والمقنع
والشيخ والفاضل في المختلف والشهيد في الدروس (4)، وجمع آخر (5) -: إن
في قتل العظاية - بالعين المهملة والظاء المعجمة، وهي من كبار الوزغ - كفا
من طعام.
لصحيحة ابن عمار: محرم قتل عظاية، قال: (كف من طعام) (6).
خلافا لكثير من الأصحاب، فلم يوجبوا له شيئا.
وهو الأظهر، لقصور الصحيحة عن إفادة الوجوب.
نعم، نقلها في بعض الكتب هكذا: (عليه كف من طعام) (7)، ولكن
لم تثبت هذه الزيادة.

(1) المفيد في المقنعة: 435، الطوسي في النهاية: 223، السيد في جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 71، ابن حمزة في الوسيلة: 168،
المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 312.
(2) منهم الحلي في السرائر 1: 558، ابن سعيد في الجامع: 190 صاحب الرياض
1: 454.
(3) الرياض 1: 454.
(4) الفقيه 2: 235، المقنع: 79، الشيخ في التهذيب 5: 344، المختلف: 274،
الدروس 1: 358.
(5) منهم العلامة في المنتهى 2: 827 الأردبيلي في مجمع الفائدة 6: 383، صاحب
الرياض 1: 454.
(6) التهذيب 5: 345 / 1194، الوسائل 13: 20 أبواب كفارات الصيد ب 7 ح 3.
(7) كما في الرياض 1: 454.
182

المسألة السادسة: أثبت جماعة في القملة يلقيها من جسده كفا من
طعام (1).
لحسنتي ابن أبي العلاء (2)، المتقدمتين في بحث إلقاء هوام الجسد.
المؤيدتين بصحيحتي حماد (3) ومحمد (4)، المتقدمتين فيه أيضا.
ورواية الحلبي: حككت رأسي وأنا محرم فوقع منه قملات، فأردت
ردهن فنهاني، وقال: (تصدق بكف من طعام) (5).
ونفاه جمع آخر، وقالوا باستحبابه (6).
لرواية أبي الجارود النافية للفداء في قتلها (7)، وصحيحة ابن عمار
النافية للشئ فيه (8)، والأخرى النافية للشئ عن سقوطها عن الرأس

(1) منهم المفيد في المقنعة: 435، القاضي في المهذب 1: 226، المحقق في
النافع: 103، العلامة في القواعد 1: 95، الإرشاد 1: 319.
(2) الأولى في: الكافي 4: 362 / 3، الوسائل 12: 539 أبواب تروك الاحرام ب 78
ح 3.
الثانية في: التهذيب 5: 336 / 1160، الإستبصار 2: 196 / 661، الوسائل
13: 168 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 3.
(3) التهذيب 5: 336 / 1158، الإستبصار 2: 196 / 659، الوسائل 13: 168
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 1.
(4) التهذيب 5: 336 / 1159، الإستبصار 2: 196 / 660، الوسائل 13: 168
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 2.
(5) 23 التهذيب 5: 337 / 1163، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15
ح 4.
(6) كما في المسالك 1: 137.
(7) الكافي 4: 362 / 1، الفقيه 2: 230 / 1090، الوسائل 13: 170 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 15 ح 8.
(8) الكافي 4: 362 / 2، التهذيب 5: 337 / 1166، الإستبصار 2: 197 / 664،
الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 6.
183

بحكة (1)، ورواية مرة (2)، وغيرها (3)، المجوزة لالقائها، المتقدمة جميعا في
البحث المذكور..
ورواية أخرى لأبي الجارود: حككت [رأسي وأنا محرم] فوقعت
قملة، قال: (لا بأس)، قلت: أي شئ تجعل فيها؟ قال: (وما أجعل
عليك في قملة؟! ليس عليك فيها شئ) (4).
وهو الأقوى، لذلك.
ولا يتوهم أعمية الأخبار الأخيرة باعتبار نفيها الشئ الشامل للعقاب
أيضا، فيجب التخصيص، لأن روايتي أبي الجارود مصرحتان بنفي الفداء
وجوبا، فهما قرينتان على تجوز الحسنتين.
وحمل الأخبار الأخيرة على التقية - بمحض حكاية نفي الكفارة فيه
عن طائفة من العامة (5) - غير جيد، بعد ذهاب جمع آخر من مشاهيرهم إلى
خلافه.
نعم، الأحوط الفداء.
المسألة السابعة: ذهب جماعة - منهم: علي بن بابويه وابن حمزة -
إلى ثبوت وجوب الفداء بكبش في قتل الأسد (6).

(1) الفقيه 2: 229 / 1086، التهذيب 5: 337 / 1165، الإستبصار 2: 197 / 663،
الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15 ح 5.
(2) التهذيب 5: 337 / 1164، الإستبصار 2: 197 / 662، الوسائل 12: 540
أبواب تروك الاحرام ب 78 ح 6.
(3) الوسائل 13: 168 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15.
(4) الكافي 4: 365 / 12، الوسائل 13: 169 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 15
ح 7، وما بين المعقوفين من المصدر.
(5) كما في الحدائق 15: 250 وحكاه عن العامة في المنتهى 2: 817 والتذكرة 1: 355.
(6) نقله عن علي بن بابويه في المختلف: 271، الوسيلة: 164.
184

وقيده بعضهم بما إذا لم يرده (1).
واستندوا إلى رواية [أبي] (2) سعيد المكاري (3).
ونفى جماعة الكفارة فيه بخصوصه.
للأصل.
وضعف الرواية (4).
أقول: وهو الأقوى، لأن غاية ما تدل عليه الرواية ذبح الكبش للحرم
لا للاحرام.
المسألة الثامنة: ما لا تقدير لفديته من الحيوانات ففيه قيمته السوقية
الثابتة بإخبار عدلين عارفين، بلا خلاف فيه يعلم، أو مطلقا كما في
المدارك والذخيرة (5)، وغيرهما (6).
قالوا: لتحقق الضمان، لعمومات الجزاء والفداء في الصيد، فمع عدم
التقدير يرجع إلى القيمة.
ولصحيحة حريز (7): (في الظبي شاة، وفي البقرة بقرة، وفي الحمامة
بدنة، وفي النعامة بدنة، وفيما سوى ذلك قيمته).

(1) انظر الوسيلة: 164، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.
(2) أضفناه لاستقامة السند.
(3) الكافي 4: 237 / 26، التهذيب 5: 366 / 1275، الإستبصار 2: 208 / 712،
الوسائل 13: 79 أبواب كفارات الصيد ب 39 ح 1.
(4) منهم العلامة في المنتهى 2: 801، الشهيد الثاني في المسالك 1: 133،
صاحب المدارك 8: 315، 316.
(5) المدارك 8: 350، الذخيرة: 609.
(6) كالمفاتيح 1: 324، الحدائق 15: 254.
(7) كذا، والصحيح: ولصحيحة سليمان بن خالد... انظر التهذيب 5: 341 / 1182،
الوسائل 13: 5 أبواب كفارات الصيد ب 1 ح 2.
185

أقول: لا شك في تخصيص قوله: (ما سوى ذلك) أي من
الحيوانات الممنوع تعرضها للمحرم بحكم التبادر وقرينة المقام، ولا بد
أيضا من التخصيص بما له قيمة بقرينة قوله: (قيمته)، فلا يثبت في كثير
من الحشرات كالخنفساء والذباب، وأما ما لا قيمة له مما يحرم تعرضه ففيه
الإثم والاستغفار.
ثم إن ظاهرهم أن ما سوى ما ذكر من الطيور والأفراخ والبيوض
داخل فيما لا تقدير له.
والحق: أن جميع هذه الثلاثة مما وقع له التقدير:
أما الطيور، فقد مر الكلام فيه، وأن في كل طير دم شاة.
وأما الأفراخ، ففي كل فرخ حمل أو جدي مخيرا بينهما.
لصحيحة ابن سنان المتقدمة في المسألة الثانية من المقام الأول (1).
ورواية أبي بصير: عن رجل قتل فرخا وهو محرم في غير الحرم،
فقال: (عليه حمل وليس عليه قيمته، لأنه ليس في الحرم) (2).
وأما البيوض، فلصحيحة حريز: (وإن وطئ المحرم بيضة وكسرها
فعليه درهم، كل هذا يتصدق به بمكة ومنى) (3).
فالحق: عدم الرجوع فيها إلى القيمة، لكونها مقدرة، بل لعموم العلة
المذكورة في رواية أبي بصير النافية للقيمة، بل مقتضاه نفي القيمة في
جميع المواضع، وأن الرجوع إلى القيمة حكم الصيد الحرمي دون

(1) راجع ص: 156.
(2) الكافي 4: 390 / 6، الوسائل 13: 23 أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 4.
(3) التهذيب 5: 346 / 1202، الإستبصار 2: 201 / 683، الوسائل 13: 23
أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 7.
186

الاحرامي، إلا أنه لأعميته بالنسبة إلى صحيحة حريز المتقدمة يخصص به،
كما أن الصحيحة لأعميتها من أخبار الطير والفرخ والبيض يجب تخصيصها
بها. وعدم الاطلاع على من قال بمثل ما قلنا في مطلق البيض لا يدل على
العدم، ولو سلم عدم الذكر فلا يثبت منه الاجماع، والله أعلم.
187

المقام الثالث
في بقية أحكام كفارات الحيوانات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اللازم في الفداء المنصوص عليه - كالبدنة والبقرة
والشاة والحمل - صدق الاسم وتحقق المماثلة النوعية عرفا، ولا يشترط
أزيد من ذلك، للأصل.
فيجوز فداء الصيد المعيب بمعيب آخر مثله - كالأعور بالأعور - بل
بمعيب آخر لا يماثله في العيب - كالأعور بالأعرج - بل الصحيح بالمعيب،
كالأعرج.
لصدق المماثلة الثابت اعتبارها والاسم.
والأفضل إفداء الصحيح - بل المعيب - بالصحيح.
وكذا يجوز إفداء الذكر بالأنثى وبالعكس فيما لا مقدر خاصا له، لما
ذكر، والتماثل أحوط.
المسألة الثانية: لو أصاب صيدا حاملا، فألقت جنينا، ثم ماتا، فدى
الأم بمقدرها، والصغير بمثله من الصغار، بلا خلاف فيه بين العلماء كما
في المدارك (1).
لاطلاق الأمر بالفداء بالمقدر، وبالمماثل المتناول للصغير والكبير.
ولو عاشا لم تكن عليه فدية، للأصل.

(1) المدارك 8: 353.
188

ولو عاب أحدهما ضمن الأرش.
ولو مات أحدهما فداه دون الآخر، والوجه ظاهر.
ولو ألقت جنينا لا حياة له ومضت فهي معيبة فيه الأرش، كما يأتي.
ولو شك في حياة الجنين لم يكن له فداء أيضا، لتعلق الحكم بالحي
بعد الولادة.
المسألة الثالثة: إصابة المحرم للصيد - بل لمطلق الحيوان الممنوع عنه
في الاحرام - تارة يكون بمباشرة قتله، وأخرى بإمساكه وأخذه، وثالثة بإيجاد
سبب مؤد إلى هلاكه، ويقال له: التسبيب، كإغلاق باب عليه من غير
مباشرة غيره في إتلافه، وإلا فلا يكون إصابة منه، بل هو إشارة ودلالة،
ويأتي حكمها.
فثبوت الفداء المتقدم بمباشرة القتل واضح، وجميع الأدلة المتقدمة
دالة عليه.
وأما الامساك وإيجاد السبب، فإن أديا إلى الهلاك والتلف فلا شك
في ثبوت الفداء أيضا، لصدق إصابة الصيد والحيوان عليه.
وتدل عليه صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة في المسألة الرابعة من
المقام الأول (1)، ورواية يونس بن يعقوب المتقدمة في المسألة الثامنة
منه (2).
وإن لم يؤديا إلى الهلاك - بل خلى سبيله - فالظاهر أنه لا فداء فيه،
بل فيه الإثم فقط.
ويدل عليه مفهوم الشرط في صحيحة ابن أبي عمير: (المحرم إذا قتل

(1) راجع ص: 158.
(2) راجع ص: 167.
189

الصيد فعليه جزاؤه) الحديث (1).
وفي صحيحة منصور: (المحرم لا يدل على الصيد، فإن دل عليه
فقتل فعليه الفداء) (2).
وترتب الفداء في الأخبار على القتل والذبح والإصابة التي لم يعلم
صدقها على غير ذلك.
ويدل عليه أيضا مفهوم العلة المنصوصة في رواية أبي بصير: في
محرم رمى ظبيا فأصابه في يده - إلى أن قال: - (وإن كان ذهب على وجهه
فلم يدر ما صنع فعليه الفداء، لأنه لا يدري، لعله هلك) (3).
وما ورد في نفي الضمان على من رمى الصيد ولم يؤثر فيه (4).
وتؤيده أيضا أخبار كثيرة واردة في أخذ الطائر في الحرم، فأمر
بتخلية سبيله من غير أمر بالكفارة (5)، وفيها مطلقات أيضا تشمل
المحرمة (6)، بل منها ما هو ظاهر فيه.
وقد حكى في المدارك عن الشيخ وجمع من الأصحاب الضمان
بإغلاق الباب على الطائر (7)، وهو ظاهر النافع (8)، وحكي عن الفاضل في

(1) التهذيب 5: 377 / 1317، الإستبصار 2: 214 / 735، الوسائل 12: 432
أبواب تروك الاحرام ب 10 ح 6.
(2) الكافي 4: 381 / 2، التهذيب 5: 467 / 1634، الإستبصار 2: 187 / 629،
الوسائل 12: 416 أبواب تروك الاحرام ب 1 ح 3.
(3) الكافي 4: 386 / 6، الوسائل 13: 62 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 4.
(4) الوسائل 13: 61 أبواب كفارات الصيد ب 27.
(5) انظر الوسائل 13: 30 أبواب كفارات الصيد ب 12.
(6) كذا في النسخ، ولعله تصحيف عن المحرم.
(7) المدارك 8: 367.
(8) النافع: 104.
190

التلخيص (1).
واحتجوا له برواية يونس بن يعقوب المتقدمة، وصحيحة ابن
سنان (2) على بعض نسخها الذي ليس فيه قوله: (فمات).
وبرواية أخرى واردة في إغلاق الباب على حمام الحرم من غير تقييد
بالمحرم (3).
ورد بعضهم الصحيحة باختلاف النسخ، بل في الأكثر قوله:
(فمات)، والروايتين بالضعف.
وحملها (4) بعضهم على الجهل بصورة الحال، فتغلق الباب ولا يدري
بعده حال الطائر (5).
وهو حمل بلا شاهد.
ويمكن أن يكون المراد: الاغلاق حتى يهلك، كما هو الظاهر،
ويمكن حمل الفتاوى المطلقة عليه أيضا، ولذا قيد في السرائر الاغلاق
بالتأدية إلى الهلاك (6).
ولو عمل بهما في موردهما خاصة - وهو إغلاق الباب على حمام
الحرم، كما هو ظاهر القائلين به، حيث عنونوا المسألة هكذا - لم يكن

(1) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 400.
(2) كذا، والصحيح: وصحيحة سليمان بن خالد... انظر التهذيب 5: 350 / 1215،
الوسائل 13: 41 أبواب كفارات الصيد ب 16 ح 2.
(3) وهي رواية زياد الواسطي الواردة في الكافي 4: 234 / 13، التهذيب 5:
350 / 1217، الوسائل 13: 42 أبواب كفارات الصيد ب 16 ح 4.
(4) في (ق) و (ح): وحملهما...
(5) انظر المدارك 8: 368.
(6) السرائر 1: 560.
191

بعيدا، بل مقتضى الاستدلال ذلك، فعليه الفتوى، فيفدي بما في رواية
يونس المذكورة، وإن كان الأحوط الفداء بمطلق الامساك والحبس، لامكان
إدخاله في الإصابة، ولكن الظاهر أنه لا قائل به.
والبيض أيضا كالحيوان فيما ذكر.
المسألة الرابعة: كما تثبت الكفارة بقتل الصيد مباشرة أو تسبيبا كذلك
تثبت بأكله وإن صادره غيره، أو صاده هو حال الحلال، بلا خلاف فيه،
فحكي عن جماعة من القدماء والمتأخرين: أن فيه الفداء مثل أصل
الصيد (1)، وذهب جمع آخر - والظاهر أنهم الأكثر - إلى ضمان القيمة (2).
دليل الأولين: الأخبار المتكثرة من الصحاح والموثقات المتقدمة كثير
منها في مسألة اضطرار المحرم إلى الصيد أو الميتة: أنه يأكله ويفديه (3)..
وصحيحة الحذاء: عن رجل اشترى لرجل محرم بيض نعامة فأكله
المحرم، قال: (على الذي اشتراه فداء، وعلى المحرم فداء)، قلت: وما
عليهما؟ قال: (على المحل جزاء قيمة البيض، لكل بيضة درهم، وعلى
المحرم الجزاء لكل بيضة شاة) (4).
وصحيحة زرارة المصرحة بأن: (من أكل طعاما لا ينبغي أكله وهو
محرم متعمدا فعليه شاة) (5).

(1) انظر الرياض 1: 455.
(2) كما في الخلاف 2: 405، الشرائع 1: 288، القواعد: 96، الحدائق 15: 261.
(3) انظر الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.
(4) الكافي 4: 388 / 12، التهذيب 5: 355 / 1235، الوسائل 13: 105 أبواب
كفارات الصيد ب 57 ح 1.
(5) التهذيب 5: 369 / 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8
ح 1، بتفاوت يسير.
192

وصحيحة علي: عن قوم اشتروا ظبيا، فأكلوا منه جميعا وهم حرم،
فقال: (على كل منهم فداء صيد، على كل إنسان منهم على حدة فداء صيد
كامل) (1).
ورواية يوسف الطاطري: صيدا يأكله قوم محرمون، قال: (عليهم
شاة، وليس على الذي ذبحه إلا شاة) (2).
وصحيحة أبان بن تغلب: في قوم حجاج محرمين أصابوا فراخ نعام
وأكلوا جميعا، فقال: (مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها، ويشترونها
على عدد الفراخ وعدد الرجال) (3).
حجة الآخرين: الأصل.
وصحيحة ابن عمار: (إن اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في
صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته) (4).
وموثقته في آخرها: (وأي قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فإن على
كل إنسان منهم قيمته، وإن اجتمعوا عليه في صيد فعليهم مثل ذلك) (5).
وأجاب بعض من اختار الأول (6) عن الأصل بوجوب رفع اليد عنه

(1) التهذيب 5: 351 / 1221، قرب الإسناد: 243 / 964، الوسائل 13: 44
أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 2.
(2) الكافي 4: 391 / 3، الفقيه 2: 235 / 1123، التهذيب 5: 352 / 1225،
الوسائل 13: 47 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 8.
(3) الفقيه 2: 236 / 1123، التهذيب 5: 353 / 1227، الوسائل 13: 45 أبواب
كفارات الصيد ب 18 ح 4، بتفاوت.
(4) الكافي 4: 391 / 2، التهذيب 5: 351 / 1219، الوسائل 13: 44 أبواب
كفارات الصيد ب 18 ح 1.
(5) التهذيب 5: 370 / 1288، الوسائل 13: 45 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 3.
(6) كصاحب الرياض 1: 455.
193

بما مر، مع أنه قد يكون الأصل مع الأول بأن تزيد القيمة على الشاة.
وضعف دلالة الثاني، لاحتمال أن يكون المراد من القيمة فيه الفداء،
بل هو كذلك البتة، لأن المراد من القيمة بالإضافة إلى القتل: الفداء، فكذا
بالإضافة إلى الأكل.
ومنه يعلم حال الثالث أيضا، فيراد من القيمة فيه الفداء، بقرينة
قوله: (مثل ذلك)، فإن الظاهر أنه إشارة إلى ما في الأكل دون الصيد.
أقول: ما ذكره في رد الثالث وإن كان محلا للمناقشة - لاحتمال كون
ذلك إشارة إلى الصيد، والمراد المماثلة المأمور بها في الآية الكريمة (1)، فلا
يكون قرينة على إرادة الفداء من القيمة - ولكنه صحيح في الثاني، فإن
عطف الأكل على الصيد يفيد أن المراد بالقيمة ليس هو مقصودهم وحده،
لعدم إمكانه بالنسبة إلى الاجتماع على الصيد.
وعلى هذا، فإما أن يكون المراد بها الفداء في الصيد والقيمة في
الأكل، لا باستعمال اللفظ في المعنيين، بل بالاشتراك المعنوي، حيث إن
المراد بالقيمة: ما يقابل الشئ ويقاومه عادة أو شرعا.
أو الفداء فيهما، فيحصل فيه الاجمال المانع عن الاستدلال.
ومنه يعلم خدش آخر في الثالث، وهو عدم صراحة القيمة في
المعنى المقصود، فلعله الفداء أو شئ آخر قرره الشارع جزاء، وقد
استعملت القيمة في الفداء في الموثقة المذكورة آخرها، ففي أولها - بعد
كلام في الصيد -: (فإن أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة،
وإن أنت أصبته وأنت حرام في الحل فعليك القيمة، وإن أصبته وأنت حرام

(1) المائدة: 95.
194

في الحرم فعليك الفداء مضاعفا) (1).
ومنه يظهر ضعف الاستدلال بهما على ما أرادوه، سيما بعد المقابلة
مع ما أورده الأولون من إثبات الفداء، وما سنذكره أيضا.
ولكن لا يصلحان أيضا دليلا للقول الأول - كما ذكره بعضهم - إذ
غايته الاجمال في المراد، بل ولو سلم أنه الفداء أيضا لا يفيد، لأن الفداء:
ما يعوض عن الشئ سواء كان من جنسه أو غير جنسه، ولا يختص الفداء
بأمر معين من مماثل أو حيوان.
ولذا استعمل في الموثقة المذكورة كل من القيمة والفداء في
مقام الآخر، وأطلق الفداء في مقام القيمة المصطلحة في مواضع غير
عديدة، منها: رواية عقبة بن خالد (2)، الواردة في محل قتل صيدا يؤم
الحرم.
وأطلق فيما يقابل الشئ مطلقا، كما ورد في صحيحة ابن عمار (3):
الفداء فيما يقابل وطء البعير الدباء، أي صغار الجراد.
وفي صحيحة أبي الجارود: قتل قملة فما فداؤها (4)؟
وقال الله سبحانه: (ففدية من صدقة أو صيام أو نسك) (5).
وأظهر من الجميع صحيحة الحذاء المتقدمة، فإن فيها التصريح أولا

(1) التهذيب 5: 370 / 1288، الوسائل 13: 70 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 5.
(2) الكافي 4: 397 / 8، التهذيب 5: 360 / 1251، الوسائل 13: 66 أبواب
كفارات الصيد ب 30 ح 1.
(3) الكافي 4: 393 / 5، الوسائل 13: 78 أبواب كفارات الصيد ب 37 ح 8.
(4) الكافي 4: 362 / 1، الفقيه 2: 230 / 1090، الوسائل 13: 170 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 15 ح 8.
(5) البقرة: 196.
195

بالفداء، ثم فسره بالقيمة.
وبالجملة: صدق الفداء على القيمة - بل يساويها في الصدق عليها
وعلى الجزاء الذي هو مقصودهم - مما لا ينبغي الريب فيه، فلا تصلح
الروايتان دليلا لمقصود الأولين أيضا، بل منه يظهر الخدش في جميع ما
استدلوا به له أيضا.
مضافا إلى ما في أخبار فدية المضطر (1) إلى احتمال كونه من جهة
نفس الصيد، حيث إنها لا تختص بما صاده غير من أكله.
وما في البواقي من الأمر بالشاة في بيض النعامة، كما في صحيحة
الحذاء، أو في أكل مطلق ما لا ينبغي أكله، كما في صحيحة زرارة، أو في
أكل مطلق الصيد، كما في رواية يوسف.
وهذا ليس الفداء المطلوب لهم في الأكثر، بل يدل على أن الفداء
شاة.
وتدل عليه أيضا موثقة أبي بصير: عن قوم محرمين اشتروا صيدا
فاشتركوا فيه، فقالت رفيقة لهم: اجعلوا فيه لي بدرهم، فجعلوا لها، فقال:
(على كل إنسان منهم شاة) (2).
ومرفوعة محمد بن يحيى: في رجل أكل لحم صيد لا يدري ما هو
وهو محرم، قال: (عليه دم شاة) (3).
وعلى هذا، فيمكن حمل أخبار الفداء والقيمة على ذلك، بإرادة

(1) الوسائل 13: 84 أبواب كفارات الصيد ب 43.
(2) الكافي 4: 392 / 4 وفيه بتفاوت يسير، الفقيه 2 / 236 / 1125، التهذيب 5:
351 / 1220، الوسائل 13: 45 أبواب كفارات الصيد ب 18 ح 5.
(3) الكافي 4: 397 / 7، التهذيب 5: 384 / 1342، الوسائل 13: 101 أبواب
كفارات الصيد ب 54 ح 2.
196

القيمة أو الفداء الذي عينه الشارع من باب تخصيص العام بالخاص.
وبنفي البعد عنه صرح في الذخيرة، قال: ولا يبعد أن يقال: الأكل
يقتضي ثبوت شاة وينضم إلى فدية القتل إن اجتمع الأكل معه.
ثم نقل الأخبار الدالة عليه فقال: هذا مقتضى النظر، لكن لم أجد ما
ذكرته في كلام أحد من الأصحاب (1). انتهى.
أقول: قد أطلق جماعة من الأصحاب - منهم: الحلي في السرائر
والمحقق في الشرائع والفاضل في الإرشاد (2)، وغيرهم (3) - بثبوت الشاة في
أكل ما لا ينبغي أكله، فلعلهم أرادوا ذلك، بل هو ظاهر فيه.
وتقييد بعض الشارحين (4) للأخيرين بقولهم: مما لا تقدير (5) فيه
- بناء على اختيارهم الفداء أو القيمة في أكل الصيد - لا يوجب كلامهم
أيضا.
نعم، ذكر الأول - بعد ما ذكر مسائل كثيرة -: ومتى اشتروا لحم صيد
وأكلوه كان أيضا على كل منهم الفداء (6).
وقال الثاني - قبل ما ذكر بمسائل كثيرة -: قتل الصيد موجب لفديته،
فإن أكله لزمه فداء آخر، وقيل: يفدي ما قتل ويضمن ما أكل، وهو
الوجه (7).

(1) الذخيرة: 611.
(2) السرائر 1: 554، الشرائع 1: 298، الإرشاد 1: 324.
(3) كصاحب الحدائق 15: 265.
(4) في (ق): المتأخرين...
(5) انظر المسالك 1: 146، والذخيرة: 624.
(6) السرائر 1: 560.
(7) الشرائع 1: 288.
197

ونحوه الثالث، إلا أنه قال: وضمن قيمة ما أكل (1).
ويمكن أن يكون هذا الحكم مختصا عندهم بالشراء والأكل، أو القتل
والأكل، للنص المخصوص فيهما بزعمهم.
وأن يكون مراد الأول من الفداء هو، الشاة التي ذكرها أولا، فإنه ذكر
في هذا الباب الفداء، وأراد به القيمة والجزاء كثيرا، وتخصيص هذه
المسألة بالذكر ثانيا لبيان تعلق الفداء بكل واحد من المشتركين.
ومراد الثاني من الضمان: ضمان ما في الأكل الذي سيذكره بعده،
وتخصيصه بالذكر أولا لدفع احتمال تداخل الأكل والقتل في الفداء.
وكذا الثالث وإن كان بعيدا فيه.
وبالجملة: لو لم نقل بظهور كلماتهم فيما قلنا، فلا أقل من الاحتمال
المانع عن دعوى الاجماع على خلافه.
وعلى هذا، فالأقوى وجوب دم شاة في أكل لحم الصيد مطلقا، فإن
أكل مع القتل تكون فيه الكفارة المقررة للقتل والشاة للأكل، إذ الظاهر عدم
التداخل، كما لعله يأتي بيانه.
المسألة الخامسة: لو رمى صيدا فلم يصبه، أو شك في الإصابة
وعدمه، أو أصابه ولم يؤثر فيه، أو شك في التأثير وعدمه، فلا شئ عليه،
بالاجماع في الأول، وبلا خلاف إلا من القاضي - كما قيل - في الثاني (2)،
وبلا خلاف مطلقا كما قيل (3)، بل بالاجماع المحكي عن جماعة في

(1) الإرشاد 1: 320.
(2) انظر الرياض 1: 456، وهو في المهذب 1: 228.
(3) الرياض 1: 456.
198

الثالث (1)، وعلى الأقوى وفاقا لظاهر المدارك في الرابع (2)، وظاهر النافع
والتحرير التوقف فيه (3).
كل ذلك للأصل الخالي عما يصلح للمعارضة، مضافا في الثالث إلى
رواية أبي بصير (4).
نعم، ادعي عن ظاهر بعضهم في الرابع الاجماع على لزوم الفداء (5).
ولا فائدة فيه، لعدم حجية الاجماع المنقول.
ويستثنى من الأول والثالث: ما لو رمى اثنان وأخطاء أحدهما، فإن
على كل واحد منهما الفداء، وفاقا للأكثر (6).
لصحيحة ضريس (7)، ورواية إدريس بن عبد الله (8).
خلافا للحلي، فنفاه عن المخطئ (9).
وهو حسن على أصله من عدم العمل بالآحاد.
ولا يتعدى الحكم إلى الأكثر من اثنين، سواء تعدد المصيب أو
المخطئ، اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص.
ولو رماه وجرحه فغاب وجهل حاله، فعليه الفداء كاملا، بلا خلاف

(1) الرياض 1: 456.
(2) المدارك 8: 357.
(3) المختصر النافع: 103، التحرير 1: 117.
(4) الكافي 4: 386 / 6، الوسائل 13: 62 أبواب كفارات الصيد ب 27 ح 4.
(5) انظر الرياض 1: 456، وكشف اللثام 1: 398.
(6) كما في النافع: 104، الشرائع 1: 290 المسالك 1: 141، المدارك 8: 356،
369.
(7) التهذيب 5: 352 / 1223، الوسائل 13: 49 أبواب كفارات الصيد ب 20 ح 1.
(8) التهذيب 5: 351 / 1222، الوسائل 13: 49 أبواب كفارات الصيد ب 20 ح 2.
(9) السرائر 1: 561.
199

فيه، بل عليه الاجماع عن المنتهى والانتصار وشرح الجمل للقاضي (1)
وغيرها (2).
للمستفيضة الدالة عليه (3).
المسألة السادسة: لو اشترك جماعة محرمين في قتل صيد لزم كل
واحد منهم فداء كامل، إجماعا محققا، ومنقولا مستفيضا (4).
له، وللنصوص المستفيضة المتقدمة بعضها (5)..
ومنها: صحيحة البجلي: عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان،
الجزاء بينهما أو على كل واحد منهما الجزاء؟ فقال: (لا، بل عليهما أن
يجزي كل واحد منهما الصيد) الحديث (6).
المسألة السابعة: من أحرم ومعه صيد مملوك له قبل الاحرام زال
ملكه عنه عند جماعة (7)، بل الأكثر، بل عن جماعة: الاجماع عليه (8).
لوجوه قاصرة جدا عن دفع الأصل والاستصحاب الخاليين عن
المعارض، سوى رواية أبي سعيد المكاري (9)، وهي على زوال الملك غير

(1) المنتهى 2: 828، الإنتصار: 104، شرح الجمل: 239.
(2) كالحدائق 15: 273.
(3) كما في الوسائل 13: 61 أبواب كفارات الصيد ب 27.
(4) كما في المدارك 8: 359، المفاتيح 1: 326، الرياض 1: 457.
(5) انظر الوسائل 13: 44 أبواب كفارات الصيد ب 18.
(6) الكافي 4: 391 / 1، التهذيب 5: 466 / 1631، الوسائل 13: 46 أبواب
كفارات الصيد ب 18 ح 6.
(7) منهم المحقق في الشرائع 1: 289، العلامة في الإرشاد 1: 320، الشهيد في
الدروس 1: 352.
(8) حكاه في الرياض 1: 457.
(9) التهذيب 5: 362 / 1257، الوسائل 13: 74 أبواب كفارات الصيد ب 34 ح 3.
200

دالة، بل آمرة بإخراجه عنه، وهو لا يدل على الزوال، مع أن الأمر فيه أيضا
ليس دالا على الوجوب، لوروده بالجملة الخبرية.
فإذن فعدم الزوال - كما حكي عن الإسكافي والشيخ (1)، وقواه
جماعة من المتأخرين (2) - أقوى.
نعم، يجب عليه إرساله إذا دخل الحرم.
لرواية أبي سعيد، وغيرها (3).
ولو لم يرسله حينئذ حتى مات فعليه الفداء إجماعا.
لحسنة بكير بن أعين (4).
ولو كان له صيدا ولم يكن معه - بل كان نائيا عنه - لم يزل ملكه
عنه، بلا خلاف، كما صرح به جماعة (5).
وتدل عليه صحيحتا جميل (6) ومحمد (7).
وكما لا يزول ملكه عنه مطلقا قطعا (8)، فهل يجوز له إدخاله في ملكه
ابتداء ببيع أو هبة أو إرث أو وقف أو غيرها، أم لا؟
ولو أدخله فهل ينتقل إليه، أم لا؟

(1) الشيخ في التهذيب 5: 362، حكاه عن الإسكافي في المدارك 8: 363.
(2) كصاحبي المدارك 8: 363، والحدائق 15: 171.
(3) الوسائل 13: 73 أبواب كفارات الصيد ب 34.
(4) الكافي 4: 234 / 11، التهذيب 5: 362 / 1259، الوسائل 13: 75 أبواب
كفارات الصيد ب 36 ح 3.
(5) منهم صاحب المدارك 8: 364، الذخيرة: 612، الرياض 1: 458.
(6) الكافي 4: 382 / 9، التهذيب 5: 362 / 1260، الوسائل 13: 73 أبواب كفارات
الصيد ب 34 ح 1.
(7) الفقيه 2: 167 / 731، الوسائل 13: 74 أبواب كفارات الصيد ب 34 ح 4.
(8) ليست في (ق) و (س).
201

قال جماعة - بل هم الأكثر كما قيل - بعدم الدخول في ملكه مطلقا (1).
وفرق جماعة بين ما كان معه عند الاحرام فلا يملكه، وما لم يكن
معه فيملكه (2).
واحتجوا بوجوه غير تامة، والأصل يقتضي الدخول، إلا أنه صرح في
صحيحة الحذاء بأن من اشترى بيض نعامة لرجل محرم فعلى الذي اشتراه
فداء (3).
وفي رواية أبي بصير بأن قوما محرمين اشتروا صيدا على كل إنسان
منهم فداء (4).
فإن قلنا باستلزام وجوب الفداء للحرمة - إما مطلقا أو هنا خاصة،
للاجماع المركب - وباقتضاء النهي في المعاملات للفساد كما هو التحقيق،
يثبت الحكم بعدم الانتقال بالاشتراء، ويتعدى إلى غيره بالاجماع المركب،
والله العالم.
المسألة الثامنة: كما يجب الفداء بالذبح على المحرم، كذلك يجب
بأن يمسك الصيد وذبحه غيره من محل أو محرم، بلا خلاف فيه، كما
صرح به جماعة (5)، بل بالاجماع ظاهرا، فهو الحجة فيه.
وقد يستدل له بفحوى ما مر من لزومه على الشريك في الرمي من

(1) كالشيخ في المبسوط 1: 347، الخلاف 2: 413، العلامة في التحرير 1:
117.
(2) انظر الروضة 2: 350، جامع المقاصد 3: 334، الذخيرة: 613.
(3) الكافي 4: 388 / 12، التهذيب 5: 466 / 1628، الوسائل 13: 105 أبواب
كفارات الصيد ب 57 ح 1.
(4) الكافي 4: 392 / 4، الوسائل 13: 45 أبواب كفارات الصيد ب 18 ذيل الحديث 5.
(5) منهم صاحب الرياض 1: 458.
202

غير إصابة وعلى الدال، فهنا أولى.
وفيه نظر.
المسألة التاسعة: قال جماعة: السائق يضمن ما تجنيه دابته مطلقا،
وكذلك الراكب إذا كانت دابته واقفة، وإذا كانت سائرة يضمن ما تجنيه
بيديها (1).
وألحق في المنتهى الرأس باليدين أيضا (2).
وكأن مستندهم في التفصيل ما ورد في حكم مطلق الجنابة.
والأظهر الرجوع إلى صحيحة ابن عمار في المحرم: (ما وطئت من
الدباء أو وطئته بعيرك فعليك فداؤه) (3).
وفي الأخرى: (ما وطئ بعيرك وأنت محرم فعليك فداؤه) (4).
ورواية الكناني: (ما وطئته أو وطئه بعيرك أو دابتك وأنت محرم
فعليك فداؤه) (5).
وهذه الروايات مطلقة بالإضافة إلى اليد والرجل، فعليه الفتوى، وكذا
الرأس، لعدم قول بالفصل.
ولو انقلبت الدابة على صيد أو جراد لم يكن ضمان، كما ذكره في

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 290، الشهيد الثاني في المسالك 1: 141،
وصاحب المدارك 8: 372.
(2) المنتهى 2: 831.
(3) الكافي 4: 393 / 5، الوسائل 13: 100 أبواب كفارات الصيد ب 53 ب 2.
(4) الكافي 4: 382 / 10، الفقيه 2: 234 / 1118، الوسائل 13: 100 أبواب
كفارات الصيد ب 53 ح 1.
(5) التهذيب 5: 355 / 1232، الإستبصار 2: 202 / 686، الوسائل 13: 100
أبواب كفارات الصيد ب 53 ح 3.
203

المنتهى (1)، للأصل.
وهل يضمن مالك الدابة إذا لم يركبها أو كانت سائبة للرعي أو
الاستراحة؟
قيل: لا، لانتفاء اليد، وتبادر الراكب من الروايتين (2).
وقد يقال: نعم، لظاهر إطلاق لفظ الروايات.
وهو الأظهر.
المسألة العاشرة: لو دل محرم على صيد في حل أو حرم محلا أو
محرما فقد ضمنه إجماعا، كما عن الخلاف والغنية (3).
لصحيحتي [الحلبي] (4) ومنصور (5)، المتقدمتين في مسألة تحريم
الصيد من تروك الاحرام، واحتمال إرادة كون الفداء في الأول على
المستحل دون الدال خلاف ما يفهم من متن الحديث.
ومقتضى الحديثين اختصاص الفداء بصورة القتل بالدلالة..
أما الحديث الأول فلقوله: (فيستحل من أجلك).
وأما الثاني فظاهر.
مع أنه لولا اختصاص الأول للزم تخصيصه بمفهوم الشرط في الثاني.
والفداء مخصوص بما إذا أفادت الدلالة شيئا للمدلول.

(1) المنتهى 2: 831.
(2) في المدارك 8: 372.
(3) الخلاف 2: 405، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.
(4) في النسخ: ابن عمار، والصحيح ما أثبتناه.. انظر الكافي 4: 381 / 1، الوسائل
13: 43 أبواب كفارات الصيد ب 17 ح 1.
(5) الكافي 4: 381 / 2، التهذيب 5: 315 / 1086، الوسائل 12: 416 أبواب
تروك الاحرام ب 1 ح 3.
204

وإن كان يراه فلا فداء على الدال، لعدم صدق الدلالة والاستحلال
لأجله حينئذ.
ومقتضى الصحيحة الأولى ضمان المحل أيضا إذا دل في الحرم،
ولكن إذا دل في الحل محرما فلا فداء على المحل، للأصل.
المسألة الحادية عشرة: لو أغرى المحرم كلبه أو بازه بصيد فقتله،
ضمن.
لصدق الدلالة والاصطياد والإصابة الواردة في الروايات.
المسألة الثانية عشرة: لو وقع واحد مما مر - مما له الفداء أو بدله
أو القيمة أو غيرها - من المحرم في الحرم يجتمع عليه ما يلزم المحرم في
الحل والمحل في الحرم، على الحق المشهور بين الأصحاب، كما صرح به
جماعة (1)، بل نسب خلافه إلى النادر (2).
للمعتبرة المستفيضة، كصحيحة زرارة المتقدمة في المسألة الرابعة من
المقام الأول (3).
ورواية ابن الفضيل: عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو
غير محرم، قال: (عليه قيمتها، وهو درهم يتصدق به أو يشتري
طعاما لحمام الحرم، وإن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة
الحمامة) (4).

(1) منهم العلامة في المختلف: 278، والسبزواري في الذخيرة: 608، والكفاية:
64.
(2) كما في الرياض 1: 459.
(3) راجع ص: 159.
(4) التهذيب 5: 345 / 1198، الإستبصار 2: 200 / 679، الوسائل 13: 26
أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 6.
205

والأخرى: عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم وهو محرم، قال:
(إن قتلها وهو محرم في الحرم فعليه شاة وقيمة الحمامة) إلى أن قال: (فإن
قتله وهو محرم في الحرم فعليه حمل وقيمة الفرخ نصف درهم)
الحديث (1).
وصحيحة الحلبي: (إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة وثمن
الحمامة درهم أو شبهه، يتصدق به أو يطعمه حمام مكة، فإن قتلها في
الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها) (2).
ورواية أبي بصير: عن محرم قتل حمامة من حمام الحرم خارجا من
الحرم، فقال: (عليه شاة)، قلت: فإن قتلها في جوف الحرم؟ قال: (عليه
شاة وقيمة الحمامة)، قلت: فإن قتلها في الحرم وهو حلال؟ قال: (عليه
ثمنها، ليس عليه غيره) (3).
والأخرى: في رجل قتل طيرا من طير الحرم وهو محرم في الحرم،
فقال: (عليه شاة وقيمة الحمام درهم يعلف به حمام الحرم) (4).
وصحيحة ابن عمار: (إن أصبت الصيد وأنت محرم في الحرم
فالفداء مضاعف عليك، وإن أصبته وأنت حلال في الحرم فالفداء
قيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فإنما عليك فداء

(1) الفقيه 2: 233 / 1117، الوسائل 13: 28 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 1 وفيه
صدر الحديث.
(2) الكافي 4: 395 / 1، التهذيب 5: 370 / 1289، الوسائل 13: 29 أبواب
كفارات الصيد ب 11 ح 3.
(3) التهذيب 5: 347 / 1203، الوسائل 13: 29 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 2
وأورد ذيلها في ص 28 ب 10 ح 9.
(4) الفقيه 2: 171 / 751، الوسائل 13: 30 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 5.
206

واحد) (1).
وموثقة ابن عمار في حكم الصيد، وفيها: (فإن أصبته وأنت حلال
في الحرم فعليك قيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحل فعليك
القيمة، وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا)
الحديث (2).
ومثل الأخيرين المروي عن مولانا الجواد عليه السلام المتقدم في الرابعة من
المقام الأول (3).
والمراد بالفداء في الأخيرين: ما يعم القيمة، كما يظهر منهما ومما مر
في المسألة الرابعة.
ويظهر للمتتبع في الأخبار وكلمات القدماء أن الفداء والجزاء أعم من
المقدرات الشرعية والقيمة، وهو المطابق للغة، مضافا إلى ما مر من أخبار
الحمامة، فإنها صريحة في أن المجتمع على المحرم في الحرم: الفداء
والقيمة، لا الفداء مضاعفا.
ومنه يظهر أنه لا يلزم ارتكاب تجوز في لفظ الفداء، بل أراد
المطلق، وإن ثبت التعيين بأخبار الحمامة منضمة إلى عدم القول بالمطلق
في غير الحمامة والخصوص في الحمامة.
ومنه يظهر أيضا ضعف القول المحكي عن الإسكافي والسيد في أحد
قوليه - بتضاعف الفداء المصطلح مطلقا لأجل الأخبار الثلاثة (4) - لما ذكر،

(1) الكافي 4: 395 / 4، الوسائل 13: 89 أبواب كفارات الصيد ب 44 ح 5،
بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 5: 370 / 1288، الوسائل 13: 70 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 5.
(3) راجع ص: 158.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 227، السيد في الإنتصار: 99.
207

ولأن غاية الأخيرة الاطلاق في الفداء، وهو لا يعين المصطلح.
وقد يتوهم صراحة الأخيرة في تضاعف الفداء المصطلح.
وكأنه استنبطه من قوله: (هديا بالغ الكعبة) (1).
ويمكن أن يقال: بأن الهدي لعله لبعض منه لا للجميع، أو المراد
بالهدي: ما يعم غير الحيوان أيضا، مع أن فيه صرح بالفداء والقيمة للفرخ،
ولو سلم فلضعف الرواية لا تصلح دليلا لحكم هذا.
مع أن السيد والإسكافي أطلقا الفداء أيضا، فيمكن أن يكون مرادهما
ما يطابق المشهور، بل هو الظاهر للمتتبع في كلمات القدماء.
وقال الحلي في السرائر: وإذا صاد المحرم في الحرم كان عليه
جزاءان، أو القيمة مضاعفة إن كانت له قيمة منصوصة (2). انتهى.
وظاهر هذه العبارة يطابق المحكي عن الإسكافي، فعين عليه
الجزاءان فيما له جزاء، والقيمة المضاعفة فيما له قيمة منصوصة.
وحكي عن جماعة: التخيير (3).
وعن العماني: شاة في الحمامة (4).
ولولا مخافة خرق الاجماع المركب لقلنا في الحمامة بالفداء
المصطلح والقيمة، وفي غيرها بالتخيير، والله العالم.
والتضاعف إنما هو إذا لم يبلغ الفداء بدنة، وإذا بلغها - كما
في النعامة - يقتصر عليها عند جماعة (5)، بل المشهور كما عن

(1) المائدة: 95.
(2) السرائر 1: 563.
(3) حكاه في الرياض 1: 460.
(4) حكاه عنه في المختلف: 278.
(5) انظر النهاية: 266، الشرائع 1: 292، التبصرة: 65.
208

المسالك (1)، للمرسلتين (2).
خلافا لجمع آخر (3)، بل ادعي عليه الشهرة أيضا (4)، لاطلاق ما مر.
وفيه: أن المرسلتين خاصتان، فيجب التخصيص بهما، والقول
بضعفهما لا اعتبار له عندنا.
المسألة الثالثة عشرة: لا فرق في ضمان الفداء أو القيمة فيما له
أحدهما بين العمد - بأن يعلم أنه صيد ذاكر لاحرامه - والسهو - بأن يكون
غافلا عن الاحرام أو كونه صيدا - والجهل بالحكم، والعلم، والخطأ - بأن
قصد شيئا فأخطاء إلى الصيد - والاختيار، والاضطرار، إلا فيما مر من الجراد
مما يشق التحرز عنه.
بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا في الخلاف والغنية والتذكرة
والمنتهى (5) وغيرها (6)، له.
وللاطلاقات، وخصوص المستفيضة:
كصحيحة ابن عمار: (اعلم أنه ليس عليك فداء شئ أتيته وأنت
جاهل به وأنت محرم في حجك ولا في عمرتك، إلا الصيد، فإن عليك فيه

(1) المسالك 1: 142.
(2) الأولى في: الكافي 4: 395 / 5، الوسائل 13: 92 أبواب كفارات الصيد ب 46
ح 1.
الثانية في: التهذيب 5: 372 / 1294، الوسائل 13: 92 أبواب كفارات الصيد
ب 46 ح 2.
(3) انظر السرائر 1: 563، كشف اللثام 1: 402، الذخيرة: 608.
(4) كما في الرياض 1: 460.
(5) الخلاف 2: 396، الغنية (الجوامع الفقهية): 575، التذكرة 1: 351، المنتهى
2: 818.
(6) كالمدارك 8: 395، الرياض 1: 460.
209

الفداء بجهالة كان أو بعمد) (1).
والبزنطي: عن المحرم يصيب الصيد بجهالة، قال: (عليه كفارة)،
قلت: فإن أصابه خطأ؟ قال: (وأي شئ الخطأ عندك؟) قلت: يرمي
هذه النخلة فتصيب نخلة أخرى، قال: (نعم، هذا الخطأ وعليه الكفارة)،
قلت: (أخذ طائرا متعمدا فذبحه وهو محرم، قال: (عليه الكفارة)، قلت:
ألست قلت: إن الخطأ والجهل والعمد ليسوا بسواء، فلأي شئ يفضل
المتعمد الجاهل والخاطئ؟ قال: (إنه أثم ولعب بدينه) (2).
والأخرى: عن المحرم يصيب الصيد بجهالة أو خطأ أو عمد، أهم
فيه سواء؟ قال: (لا)، قلت: جعلت فداك، ما تقول في رجل أصاب صيدا
بجهالة وهو محرم، إلى قريب مما مر في السابقة (3).
وفي الصحيح عن مسمع: (إذا رمى المحرم صيدا فأصاب اثنين فإن
عليه كفارتين جزاؤهما) (4).
وحكي عن العماني: السقوط عن الناسي، لحديث رفع القلم (5).
وقوله شاذ، واستدلاله ضعيف.
وكما يتساوى الجميع في أصل الكفارة كذلك يتساوى في وحدتها
وعدم تضاعفها ولو في العمد، للأصل، والاطلاق.

(1) الكافي 4: 382 / 10، الوسائل 13: 70 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 4،
بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 381 / 4، الوسائل 13: 69 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 2،
بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 5: 360 / 1253، الوسائل 13: 69 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 3.
(4) الكافي 4: 381 / 5، الوسائل 13: 71 أبواب كفارات الصيد ب 31 ح 6.
(5) الخصال: 93 / 40، الوسائل 1: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
210

خلافا للمحكي عن الناصريات والانتصار (1)، فقال بالتضاعف في
العمد إما مع قصد نقض الاحرام كما عن الأول، أو مطلقا كما عن الثاني.
للاجماع.
والاحتياط.
وأغلطية العمد.
والأول: ليس بحجة.
والثاني: ليس بواجب.
والثالث: اجتهاد في مقابلة النص المصرح بأن الفارق بين العمد
وغيره ليس إلا الإثم.
المسألة الرابعة عشرة: إذا تكرر الصيد من المحرم، فإن كان من غير
عمد ضمن الكفارة بكل مرة إجماعا.
لاطلاق صحيحة ابن عمار: في المحرم يصيد الصيد، قال: (عليه
الكفارة في كل ما أصاب) (2).
والأخرى: محرم أصاب صيدا، قال: (عليه الكفارة)، قلت: فإن هو
عاد؟ قال: (عليه كلما عاد كفارة) (3).
وخصوص مرسلة ابن أبي عمير: (إذا أصاب المحرم الصيد خطأ
فعليه كفارة، فإن أصابه ثانيا خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ، فإن أصابه
متعمدا كان عليه الكفارة، فإن أصابه ثانيا متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه ولم

(1) الناصريات: 209، الإنتصار: 99.
(2) الكافي 4: 394 / 1 بتفاوت، التهذيب 5: 372 / 1295، الإستبصار 2:
210 / 718، الوسائل 13: 92 أبواب كفارات الصيد ب 47 ح 1.
(3) التهذيب 5: 372 / 1296، الإستبصار 2: 210 / 719، الوسائل 13: 93
أبواب كفارات الصيد ب 47 ح 3.
211

يكن عليه الكفارة) (1).
وبالأخيرة يقيد ما دل على نفي التكرر مطلقا، كصحيحة الحلبي: في
محرم أصاب صيدا، قال: (عليه الكفارة)، قلت: فإن أصاب آخر؟ قال:
(إذا أصاب آخر ليس عليه كفارة، وهو ممن قال الله عز وجل: (ومن عاد
فينتقم الله منه)) (2).
وابن أبي عمير: (المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه، ويتصدق
بالصيد على مسكين، فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاؤه، وينتقم
الله منه، والنقمة في الآخرة) (3).
ورواية حفص: (إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له: هل أصبت
صيدا قبل هذا وأنت محرم؟ فإن قال: نعم، فقولوا له: إن الله ينتقم منك،
فاحذر النقمة، فإن قال: لا، فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد) (4).
مع أن الظاهر من هذه الأخبار النافية للتكرر: المتعمد، بل صريحة
فيه، لقوله: (فينتقم الله منه).
ومنها يظهر عدم ضمان المتعمد غير المرة الواحدة، وفاقا للشيخ في
النهاية والتهذيبين والصدوق في الفقيه والمقنع والقاضي والنكت

(1) التهذيب 5: 372 / 1298، الإستبصار 2: 211 / 721، الوسائل 13: 94
أبواب كفارات الصيد ب 48 ح 2.
(2) الكافي 4: 394 / 2، الوسائل 13: 94 أبواب كفارات الصيد ب 48 ح 4، والآية
في: المائدة: 96.
(3) التهذيب 5: 467 / 1633، الإستبصار 2: 211 / 720، الوسائل 13: 93
أبواب كفارات الصيد ب 48 ح 1. وفي الجميع: عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن
الحلبي...
(4) التهذيب 5: 467 / 1635، الوسائل 13: 94 أبواب كفارات الصيد ب 48 ح 3.
212

والمسالك (1)، بل وأكثر المتأخرين (2)، بل عن الكنز: نسبته إلى أكثر
الأصحاب (3)، وعن التبيان: أنه ظاهر مذهب الأصحاب (4)، وعن المجمع:
أنه الظاهر في رواياتنا (5)، وفي الشرائع: أنه الأشهر (6)، وفي النافع: أشهر
الروايتين (7).
لهذه الأخبار، وبها تقيد الصحيحتين الأوليين، لأخصيتها.
مع أنة لو سلمت المساواة لزم الجمع بما ذكر بشهادة المرسلة التي
هي في حكم المسانيد، ولولاها أيضا لزم تقديم هذه الأخبار، لأكثريتها،
ولمخالفتها لأكثر العامة، بل موافقتها لظاهر الكتاب، لأن الله سبحانه حكم
بالجزاء أولا وبالانتقام لمن عاد، ويفهم منه: أن الأول ليس بمن عاد بل هو
البادئ، ولكون التفصيل قاطعا للشركة يدل على انتفاء غير الانتقام فيمن
عاد، وللأصل.
فالقول بالتكرر مطلقا - كما عن المبسوط والخلاف والإسكافي
والحلي والحلبي والسيدين والفاضل في جملة من كتبه وكنز العرفان (8)

(1) النهاية: 226، التهذيب 5: 372، الإستبصار 2: 211، الفقيه 2: 234،
المقنع: 79، القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 240، والمهذب 1: 228،
المسالك: 142.
(2) كما في الرياض 1: 461.
(3) كنز العرفان 1: 327.
(4) التبيان 4: 27.
(5) مجمع البيان 2: 245.
(6) الشرائع 1: 292.
(7) النافع: 105.
(8) المبسوط 1: 342، الخلاف 2: 397، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 277،
الحلي في السرائر 1: 563، الحلبي في الكافي: 205، السيد المرتضى في الناصريات
(الجوامع الفقهية): 259، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 575، الفاضل في
المختلف: 277، والقواعد 1: 98، كنز العرفان 1: 328.
213

وغيرهم (1) - ضعيف.
واستدلوا له بالآية (2).
وقد عرفت أنها ظاهرة في غير من عاد.
وبالاحتياط.
وهو ليس بواجب.
وبإطلاق مطلقات الكفارة.
وفيها: أنها ظاهرة في المرة الأولى، ولو سلم فيجب التقييد بما مر.
وبما مر في المسألة السابقة من الأخبار المصرحة بنفي الفرق بين
الخطأ والعمد إلا في الإثم.
وفيها: أنها أيضا ظاهرة في المرة الأولى، ولو سلم فعامة بالنسبة إلى
المرسلة وما بعدها، فيجب التخصيص بها.
والظاهر اختصاص ذلك التفصيل بالصيد الاحرامي.
وأما الحرمي للمحل فالظاهر تكرر الكفارة فيه مطلقا، لاختصاص
الأخبار بالمحرم.
وكذا يختص بالعمد بعد العمد، وبالاحرام الواحد، فتتكرر [في] (3)
العمد بعد الخطأ أو النسيان وعكسه، وفي الاحرامين مطلقا لعامين أو عام
واحد، لم يرتبط أحدهما بالآخر، أو ارتبط، كإحرام العمرة للمتمتع بها مع

(1) كالعلامة في الإرشاد 1: 321، الشهيد في اللمعة (الروضة 2): 364.
(2) المائدة: 95.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.
214

حجها.
المسألة الخامسة عشرة: إذا عرفت وجوب الفداء على المحرم في
الصيد ونحوه بما مر مفصلا، وستعرف وجوبه على المحل في الحرم أيضا
بأداء ثمنه.
فاعلم أن الفداء كلما كان من حيوان أو طعام أو ثمن أو نحوها يجب
صرفه لله سبحانه - كما يأتي - سواء كان الصيد مملوكا لأحد أم لا.
نعم، يزيد في الأول ضمان القيمة للمالك أيضا على ما تقتضيه
قاعدة الاتلاف، وفاقا للمحكي عن الخلاف والمبسوط والتذكرة والتحرير
والمنتهى والدروس والمسالك والمحقق الشيخ علي (1)، وجماعة من
المتأخرين (2)، بل أكثرهم، بل قيل: إنه مذهب المتأخرين كافة (3)، بل ظاهر
المنتهى دعوى الاتفاق عليه (4).
أما ضمان القيمة للمالك في المملوك فلأدلة ضمان المتلف ما أتلفه
بالمثل أو القيمة بلا معارض.
وأما صرف الفداء لله فلأنه شئ أمر به سبحانه وأوجبه، وتصريح
الأخبار المتواترة به:
كصحيحة الحلبي: عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه، قال:

(1) حكاه عن الخلاف في كشف اللثام 1: 452، المبسوط 1: 346، التذكرة 1:
351، التحرير 1: 115، المنتهى 2: 819، الدروس 1: 353، المسالك 1:
144، وانظر جامع المقاصد 3: 340.
(2) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 402، وصاحبي الحدائق 15: 325،
والرياض 1: 462.
(3) كما في الرياض 1: 462.
(4) المنتهى 2: 819.
215

(يأكل من أضحيته ويتصدق بالفداء) (1).
وزرارة: ([إذا أصاب] المحرم في الحرم حمامة إلى أن يبلغ الظبي
[فعليه] دم يهريقه ويتصدق بمثل ثمنه، والحلال يتصدق بمثل ثمنه) (2).
وفي صحيحة علي: فيمن أخرج طيرا من مكة فمات (تصدق
بثمنه) (3).
وفي صحيحة ابن سنان: في حمام مكة الأهلي (يتصدق بصدقة
أفضل من ثمنه) (4).
وفي صحيحة الحذاء: (إذا لم يجد الجزاء قوم جزاؤه من النعم، ثم
قومت الدراهم طعاما لكل مسكين نصف صاع) (5).
ورواية ابن مسكان: عن رجل أهدى هديا فانكسر، قال: (إن كان
مضمونا - والمضمون: ما كان في يمين أو نذر أو جزاء - فعليه فداؤه)،
قلت: أيأكل منه؟ قال: (لا، إنما هو للمساكين) (6).

(1) الكافي 4: 500 / 5، الفقيه 2: 295 / 1460، وفي التهذيب 5: 224 / 757،
والاستبصار 2: 273 / 966، الوسائل 14: 164 أبواب الذبح ب 40 ح 15،
بتفاوت.
(2) الفقيه 2: 167 / 726، الوسائل 13: 29 أبواب كفارات الصيد ب 11 ح 4،
بتفاوت.. وما بين المعقوفين من المصدر.
(3) التهذيب 5: 464 / 1620، قرب الإسناد: 244 / 968، الوسائل 13: 37
أبواب كفارات الصيد ب 14 ح 1، مسائل علي بن جعفر: 105 / 8، بتفاوت يسير.
(4) الكافي 4: 235 / 15، الفقيه 2: 169 / 742، الوسائل 13: 23 أبواب كفارات
الصيد ب 9 ح 5، بتفاوت.
(5) الكافي 4: 387 / 10، التهذيب 5: 341 / 1183، الوسائل 13: 8 أبواب
كفارات الصيد ب 2 ح 1، بتفاوت.
(6) الكافي 4: 500 / 8، التهذيب 5: 224 / 756، الإستبصار 2: 272 / 965،
الوسائل 14: 165 أبواب الذبح ب 40 ح 16، وفيها: عن ابن مسكان، عن أبي
بصير.. كما وفيها:... في يمين يعني نذرا أو جزاء...
216

إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة.
ويدل عليه أيضا إطلاق الكفارة عليه في الأخبار الكثيرة.
خلافا للمحقق في الشرائع والنافع والفاضل في الإرشاد والقواعد
وغيرهما في المملوك، فجعلوا الفداء لصاحبه (1).
ولا دليل عليه أصلا، إذ ليس إلا أدلة ضمان التلف، وشئ منها لا
ينطبق على قاعدة الفداء، ولذا أوردت عليه إشكالات عديدة، حتى أنهاها
في المسالك إلى اثني عشر (2)، والمتأمل يجدها أكثر.
وأما على المختار فلا إشكال أصلا.
المسألة السادسة عشرة: الفداء إن لم يكن حيوانا [يتصدق به] (3).
وإن كان حيوانا يذبحه أولا بنية الكفارة، ثم يتصدق به.
كما نطقت به الأخبار:
منها: صحيحة زرارة المتقدمة المتضمنة لقوله: (دم يهريقه).
وصحيحة ابن سنان الناطقة بأن: (من وجب عليه فداء صيد أصابه
وهو محرم فإن كان حاجا نحر بمنى، وإن كان معتمرا نحر بمكة) (4).
وفي صحيحة علي - في الفداء الحرمي -: (بعير ينحره في

(1) الشرائع 1: 293، النافع: 105، الإرشاد 1: 321، القواعد 1: 98، وانظر
تبصرة المتعلمين: 65.
(2) المسالك 1: 143.
(3) بدل ما بين المعقوفين في (ق) و (ح): فتصدقه، والأولى ما أثبتناه.
(4) الكافي 4: 384 / 3، التهذيب 5: 373 / 1299، الإستبصار 2: 211 / 722،
الوسائل 13: 95 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 1، بتفاوت.
217

المنحر) (1)، إلى غير ذلك.
ويتصدقه على المساكين والفقراء، ولا يجب فيهم التعدد في غير ما
ورد، كإطعام ستين ونحوهم.
للأصل، ويستفاد من الأخبار.
ولا يأكل منه، بلا خلاف يوجد، بل عليه الاجماع عن جماعة (2).
وتدل عليه الأخبار المصرحة بأنه يتصدق على المساكين، وخصوص
صحيحة الحلبي ورواية ابن مسكان المتقدمتين، وصحيحة حريز (3)،
ورواية ابن عمار (4).
ورواية علي بن أبي حمزة: عن رجل قبل امرأته وهو محرم، قال:
(عليه بدنة وإن لم ينزل، وليس له أن يأكل منها) (5).
وبإزاء تلك الأخبار روايات أخر تدل على جواز الأكل منه،
كصحيحتي ابن عمار (6) وابن سنان (7)، وحسنة الكاهلي (8)، ورواية جعفر

(1) التهذيب 5: 355 / 1234، الإستبصار 2: 203 / 688، قرب الإسناد:
236 / 925، الوسائل 13: 54 أبواب كفارات الصيد ب 24 ح 1، بتفاوت.
(2) كما في الخلاف 2: 346، الغنية (الجوامع الفقهية): 582.
(3) الفقيه 2: 299 / 1483، الوسائل 14: 167 أبواب الذبح ب 40 ح 26.
(4) التهذيب 5: 215 / 726، الإستبصار 2: 270 / 957، الوسائل 14: 132
أبواب الذبح ب 25 ح 3.
(5) الكافي 4: 376 / 3، التهذيب 5: 327 / 1123، الوسائل 13: 139 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 18 ح 4.
(6) التهذيب 5: 223 / 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1، والآية
في: الحج 36.
(7) التهذيب 5: 484 / 1723، الوسائل 14: 162 أبواب الذبح ب 40 ح 10.
(8) التهذيب 5: 225 / 759، الإستبصار 2: 273 / 968، الوسائل 14: 161
أبواب الذبح ب 40 ح 6.
218

ابن بشير (1).
وردوها بالشذوذ.
أقول: ولولاه أيضا لتعارضتا ويجب الرجوع إلى عمومات التصدق.
وحملها بعضهم على حال الضرورة (2).
ثم أقول: الظاهر أن المراد من الأخبار الأولى: الأكل مجانا - كما هو
المتبادر منها - ومن الثانية: مطلق الأكل، فيجوز له الأكل مع ضمان القيمة،
كما صرح بلزوم القيمة لو أكل في صحيحة حريز ورواية السكوني (3).
ولا يبعد أن يكون ذلك مراد المانعين والمجوزين، وبه يندفع
التعارض من الأخبار أيضا، وعليه الفتوى.
المسألة السابعة عشرة: يستثنى من وجوب التصدق: فداء حمام
الحرم للمحرم، وقيمته للمحل في الحرم، وهما لهما، فيتخير بين التصدق
به واشتراء العلف لحمام الحرم.
لصحيحة الحلبي المصرحة بالتخيير (4)، وبها تخرج مطلقات الأمر
بالثاني - وهي كثيرة - عن ظاهرها الذي هو التعيين، مع أنها بكثرتها خالية
عن الدال على الوجوب، وإنما غايتها الرجحان، وهو مسلم، فيكون الثاني
أفضل فردي المخير.

(1) التهذيب 5: 225 / 760، الإستبصار 2: 273 / 969، الوسائل 14: 161
أبواب الذبح ب 40 ح 7.
(2) كالشيخ في التهذيب 5: 225.
(3) التهذيب 5: 225 / 761، الإستبصار 2: 273 / 970، الوسائل 14: 161
أبواب الذبح ب 40 ح 5.
(4) الكافي 4: 395 / 1، التهذيب 5: 370 / 1289، الوسائل 13: 51 أبواب
كفارات الصيد ب 22 ح 5.
219

المسألة الثامنة عشرة: اختلفت الأخبار في محل ذبح الفداء أو نحره:
منها: المروي في إرشاد المفيد عن مولانا الجواد عليه السلام: (إذا أصاب
المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه بالحج نحره بمنى، وإن كان
إحرامه بالعمرة نحره بمكة) (1).
والمروي في تفسير علي مسندا وفي تحف العقول مرسلا: (المحرم
بالحج ينحر الفداء بمنى، والمحرم بالعمرة ينحر الفداء بمكة) (2).
وصحيحة ابن سنان: (من وجب عليه فداء صيد أصابه وهو محرم،
فإن كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، وإن كان معتمرا نحره
بمكة قبالة الكعبة) (3).
وموثقة زرارة: (في المحرم إذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء،
فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، وإن كان في عمرة
نحره بمكة، وإن شاء تركه إلى أن يقدم فيشتريه، فإنه يجزئ عنه) (4).
وفي رواية الكرخي: (فإن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، وإن
كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء) (5).
وصحيحة حريز، وفيها: (فإن قتل فرخا وهو محرم في غير الحرم

(1) الإرشاد 2: 283، الوسائل 13: 14 أبواب كفارات الصيد ب 3 ح 1.
(2) تفسير القمي 1: 183، تحف العقول: 335، الوسائل 13: 15 أبواب كفارات
الصيد ب 3 ح 2.
(3) الكافي 4: 384 / 3، التهذيب 5: 373 / 1299، الإستبصار 2: 211 / 722،
الوسائل 13: 95 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 1.
(4) الكافي 4: 384 / 4، التهذيب 5: 373 / 1300، الإستبصار 2: 212 / 723،
الوسائل 13: 98 أبواب كفارات الصيد ب 51 ح 2.
(5) الكافي 4: 488 / 3، التهذيب 5: 10 / 670، الإستبصار 2: 263 / 928،
الوسائل 14: 88 أبواب الذبح ب 4 ح 1.
220

فعليه حمل قد فطم، وليس عليه قيمته، لأنه ليس في الحرم، ويذبح الفداء
إن شاء بمنزله بمكة، وإن شاء بالحزورة بين الصفا والمروة) الحديث (1).
وصحيحة منصور: عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال:
(بمكة، إلا أن يشاء صاحبها أن يؤخرها إلى منى، ويجعلها بمكة أحب إلي
وأفضل) (2).
وابن عمار: كفارة العمرة أين تكون؟ قال: (بمكة، إلا أن يؤخرها
إلى الحج فتكون بمنى، وتعجيلها أفضل وأحب إلي) (3).
والأخرى: (يفدي المحرم فداء الصيد حيث أصابه) (4).
ومرسلة أحمد: (من وجب عليه هدي في إحرامه فله أن ينحره حيث
شاء، إلا فداء الصيد، فإن الله عز وجل يقول: (هديا بالغ الكعبة) (5).
وموثقة إسحاق: الرجل يخرج من حجته شيئا يلزم منه دم، يجزيه
أن يذبحه إذا رجع إلى أهله؟ فقال: (نعم) (6).
وقريبة منها الأخرى (7) والثالثة (8)، إلا أن في الأخيرة: (يخرج من

(1) لم نعثر على هكذا نص لحريز. نعم وجدناه مرويا عن محمد بن الفضيل، انظر
الفقيه 2: 233 / 1117.
(2) التهذيب 5: 374 / 1303، الإستبصار 2: 212 / 725، الوسائل 13: 96
أبواب كفارات الصيد ب 50 ح 4.
(3) الكافي 4: 539 / 5، الوسائل 14: 89 أبواب الذبح ب 4 ح 4.
(4) الكافي 4: 384 / 1، التهذيب 5: 373 / 1301، الإستبصار 2: 212 / 724،
الوسائل 13: 98 أبواب كفارات الصيد ب 51 ح 1.
(5) الكافي 4: 384 / 2، التهذيب 5: 374 / 1304، الإستبصار 2: 212 / 726،
الوسائل 13: 96 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 3.
(6) الكافي 4: 488 / 4، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 5 ح 1.
(7) الكافي 4: 488 / 4، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 5 ح 1.
(8) التهذيب 5: 481 / 1712، الوسائل 13: 97 أبواب كفارات الصيد ب 50 ح 1.
221

حجه وعليه شئ) مقام: (يخرج من حجته شيئا).
ثم لأجل ذلك الاختلاف اختلفت الأصحاب أيضا.
وبيان ذلك: أن الفداء إما للجناية في الحج، أو العمرة المتمتع بها أو
المفردة، وعلى التقديرين: إما فداء للصيد، أو غيره.
فإن كان فداء للجناية بالصيد في الحج فذهب الأكثر إلى وجوب النحر
بمنى أو الذبح.
حكي عن والد الصدوق والخلاف والمبسوط والنهاية وفقه القرآن
للراوندي والفقيه والمقنع والمراسم والاصباح والإشارة والغنية وجمل العلم
والعمل والمقنعة والكافي والمهذب والوسيلة والجامع وروض الجنان وفي
السرائر والشرائع والنافع والقواعد والارشاد (1)، بل لا خلاف فيه أجده، بل
صرح به بعضهم مطلقا (2)، وهو كذلك.
وتدل عليه - مع ظاهر الاجماع - من الأخبار: الخمسة الأولى.
وتعارضها الآية الشريفة، وصحيحة حريز، والأخبار الخمسة
الأخيرة، ولكن الآية والصحيحتين والمرسلة تعارضها بالعموم المطلق،
لشمول الأربعة للعمرة أيضا، وكذا الأخيرة، لعدم صراحتها في كون الشئ

(1) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 287، الخلاف 2: 438، المبسوط 1:
345، النهاية: 226، فقه القرآن 1: 309، الفقيه 2: 235، المقنع: 79،
المراسم: 121، الإشارة: 136، الغنية (الجوامع الفقهية): 582، جمل العلم والعمل
(رسائل الشريف المرتضى 3): 72، المقنعة: 438، الكافي: 206، المهذب 1:
230، الوسيلة: 171، الجامع: 195، حكاه عن الروض في الرياض 1: 462،
السرائر 1: 564، الشرائع 1: 293، النافع: 105، القواعد 1: 89، الإرشاد 1:
321.
(2) كما في الرياض 1: 462.
222

للحج، فلعله للعمرة المتمتع بها، فيجب التخصيص بالخمسة الأولى.
مع أن الافداء في الصحيحة (1) ليس نصا في الذبح، فلعله الشراء،
كما ذكره الشيخ في توجيه الموثقة (2).
وأوجبه بعضهم حيث أصابه (3)، لتلك الصحيحة.
وفي المرسلة كلام يأتي، وأما الباقيتان فلا تكافئان ما مر، لمخالفتهما
عمل الطائفة، مع أن الحمل على الاضطرار ممكن.
وإن كان فداء للصيد في إحرام العمرة فذهب أكثر من ذكر أيضا إلى
وجوب ذبحه بمكة (4).
وتدل عليه الأخبار الأربعة الأولى والمرسلة، بحمل ذيل الموثقة على
تأخير الاشتراء كما مر.
وقال في السرائر - وحكي عن الوسيلة والراوندي - بوجوب ذبحه في
العمرة المتمتع بها بمنى (5).
ولا يحضرني دليل لهم سوى بعض العمومات، كرواية الكرخي،
وقوله عليه السلام: (لا ذبح إلا بمنى) (6)، ويجب تخصيصها بما ذكر، مع أنه لولاه
لم يظهر وجه التخصيص بعمرة التمتع.
وعن والد الصدوق: تجويز ذبح فداء الصيد في عمرة التمتع

(1) أي صحيحة ابن عمار.
(2) انظر التهذيب 5: 373، الإستبصار 2: 212.
(3) كما في الكافي في الفقه: 199، والغنية (الجوامع الفقهية): 582.
(4) منهم المفيد في المقنعة: 438، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 72، الشيخ في النهاية: 226، المبسوط 1: 345.
(5) السرائر 1: 564، الوسيلة: 171، الراوندي في فقه القرآن 1: 309.
(6) التهذيب 5: 214 / 722، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 4 ح 6.
223

بمنى (1).
وله الرضوي (2) كما قيل (3).
وله أيضا صحيحة ابن عمار المذكورة (4)، فإنها ظاهرة في عمرة
المتعة، بقرينة تجويز التأخير إلى الحج.
ولا يعارضها شئ من الأخبار المذكورة - سوى المرسلة - لورودها
كلا في كفارة العمرة بالجملة الخبرية، بخلاف الحج، فإن في الموثقة
تصريحا بالدال على الوجوب، مضافا إلى الاجماع عليه فيه.
وأما المرسلة، فهي أعم مطلقا من هذه الصحيحة، لشمولها للعمرة
المفردة أيضا.
مع أنه يمكن أن يقال: إنه إن كان المراد بقوله: (هديا بالغ
الكعبة) قبالتها وبمرآها فليس بواجب، وإلا لزم الذبح في موضع
مخصوص بمكة، وعلى هذا فيكون للاستحباب، فلا يعارض ما دل على
الجواز بمنى.
وإن كان المراد قرب الكعبة مجازا - من باب تسمية الشئ باسم
جزئه حتى يشمل مكة - فيمكن كون التجوز بما يشمل منى أيضا، أو
يكون تجوزه معنى آخر، بأن يراد: ما يصل نفعه إلى الكعبة ولو بالوصول
إلى الفقراء الأمين لها ونحوه.
وبالجملة: لا أرى معارضا لمجوزاته بمنى، فهو الأقوى.

(1) حكاه عنه في المختلف: 287.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 221.
(3) انظر الحدائق 15: 330.
(4) في ص 210.
224

وإن كان فداء لغير الصيد في الحج، فإطلاق كلام جمع ممن ذكر يدل
على وجوب ذبحه بمنى (1)، ولكن كلام كثير منهم خال عن ذكره،
لاقتصارهم على ذكر جزاء الصيد، وليس في الأخبار المتقدمة ما يصرح
بالوجوب في موضع مخصوص، وما يعم جزاء غير الصيد منها أيضا لا
يفيد الوجوب.
وفي المرسلة دلالة على الجواز حيث شاء بلا معارض.
نعم، في الأخبار الواردة في التظليل ما يدل على وجوب ذبح كفارته
بمنى، وهو صحاح ابن بزيع (2).
ولا تعارضها صحيحة علي الواردة فيه، المتضمنة ل‍: أن مولانا
الرضا عليه السلام (إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل) (3)، لأنه قضية في واقعة،
فلعله لاحرام العمرة.
ويمكن أن يكون المراد بقدوم مكة: أي إذا سافر إلى مكة، فلا يكون
محل النحر معينا.
ولا يضر كونها أعم من كفارة إحرام العمرة والحج، إذ على هذا
تعارض ما دل على جواز ذبح كفارة العمرة في غير منى، ولا معارض لها
يساويها أو يكون أخص منها في كفارته في إحرام الحج، فيجب الحكم
بوجوب كونه بمنى، ويتعدى إلى غير التظليل بالاجماع المركب، فالحكم

(1) كالخلاف 2: 438، والمراسم: 121، والغنية (الجوامع الفقهية): 582،
والكافي في الفقه: 206، والشرائع 1: 293، والنافع: 105، والقواعد 1: 89،
والجامع للشرائع: 195.
(2) الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6.
(3) التهذيب 5: 334 / 1150، الوسائل 13: 97 أبواب كفارات الصيد ب 49 ح 6.
225

بالتخيير فيه - كما في الذخيرة (1) - غير جيد.
وإن كان فداء لغير الصيد في إحرام العمرة، فكلام من ذكر فيه
ككلامهم في فدائه في الحج بالنسبة إلى مكة، فبين مطلق بوجوب ذبح
المعتمر بمكة، وبين مقتصر بذكر جزاء الصيد.
إلا أن عن النهاية والمبسوط والوسيلة والجامع وروض الجنان:
التصريح بجواز ذبح المعتمر كفارة غير الصيد بمنى (2).
وعلى هذا، ففيه قولان:
وجوب الذبح بمكة.
والتخيير بينه وبين منى.
دليل الأول: ليس إلا إطلاق الخبرين الأولين (3)، وهما - مع ضعفهما
الغير المعلوم انجبارهما في المقام، وقصورهما عن إفادة الوجوب -
يعارضها عموم المرسلة وأخبار التظليل وخصوص صحيحتي منصور وابن
عمار (4)، كما أنهما يعارضان في إفادة الوجوب أخبار التظليل.
ولولا تقديمهما لحكمنا بالتخيير، فإذن هو الحق فيه مع أفضلية الذبح
بمكة، للصحيحين.
وتحصل مما ذكر: وجوب ذبح فداء الكفارة في الحج بمنى مطلقا،
والتخيير في العمرتين كذلك مع أفضلية مكة.

(1) الذخيرة: 616.
(2) النهاية: 226، المبسوط 1: 345، الوسيلة: 171، الجامع: 196.
(3) أي المرويان في إرشاد المفيد وتفسير علي وتحف العقول، المتقدمان في
ص 209.
(4) المتقدمتين في ص: 210.
226

فروع:
أ: عن الشهيد في الدروس: أنه ألحق بالذبح صدقات الكفارة، في
أن محلها مكة إن كانت الجناية في عمرة، ومنى إن كانت في الحج (1).
ولا أرى عليه دليلا نعم، يدل إطلاق صحيحتي منصور وابن عمار
على صرف كفارة العمرة في مكة أو منى.
وفي صحيحة حريز: (فإن وطئ المحرم بيضة وكسرها فعليه درهم،
كل هذا يتصدق به بمكة ومنى) (2).
وإثبات الوجوب بها وإن كان مشكلا إلا أن الاحتياط أن لا يتجاوز عن
مكة ومنى.
ب: قال في المنتهى - بعد أن ذكر أن مصرف المذبوح أو المنحور
مساكين الحرم -: وكذا الصدقة مصرفها مساكين الحرم (3).
أقول: الظاهر أن مراده من مساكين الحرم: الحاضرون فيه، سواء
كانوا من أهل الحرم أو غيره، وعلى هذا فيرجع إلى ما ذكرنا في الفرع
الأول.
ولو أراد أهله فلا دليل عليه ظاهرا.
وأما الصوم اللازم في الجنايات فلا يختص بمكان دون غيره، بلا
خلاف نعلمه، كذا قيل (4)، وهو كذلك.

(1) الدروس 1: 391.
(2) التهذيب 5: 346 / 1202، الإستبصار 2: 201 / 683، الوسائل 13: 23
أبواب كفارات الصيد ب 9 ح 7.
(3) المنتهى 2: 753.
(4) كما في المنتهى 2: 753.
227

ج: مصرف الجنايات الحرمية من التصدقات: الفقراء والمساكين،
والأحوط صرفها أيضا في مساكين الحرم وإن لم يكن دليل على تعيينه
يعلم، والله أعلم.
228

البحث الثاني
في كفارة الاستمتاع بالنساء وما يلحق به
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من جامع امرأته بعد إحرام الحج عالما بالحكم
عامدا في الفعل، قالوا: يفسد حجه، وتجب عليه أمور أربعة: إتمام الحج،
وكفارة بدنة، والحج من قابل، والتفريق بينهما قدرا خاصا.
أقول: أما فساد الحج فسيأتي الكلام فيه في الفروع.
وأما وجوب إتمام الحج فلم أظفر على تصريح به في خبر، ولكن
الظاهر انعقاد الاجماع عليه، فهو الحجة فيه.
مضافا - فيما لو كان حجة الاسلام - إلى أن وجوبها فوري، وستعرف
عدم الفساد، فيجب الاتمام، وكذا في سائر ما يجب فورا، كالاستئجار
والنذر المعينين.
وفي الجميع إلى ما صرحوا به من وجوب إتمام الحج مطلقا - فرضا
كان أو ندبا - بالشروع فيه إن ثبت ذلك.
وأما وجوب البدنة والحج من قابل، فهما أيضا إجماعيان، ومدلول
عليهما بالمستفيضة المعتبرة:
كصحيحة زرارة: عن محرم غشي امرأته وهي محرمة، فقال:
(جاهلين أو عالمين؟) قلت: أجبني على الوجهين جميعا، قال: (إن كانا
جاهلين استغفروا ربهما، ومضيا على حجهما، وليس عليهما شئ، وإن
كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، وعليهما بدنة،،
229

وعليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى
يقضيا نسكهما ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا)، قلت: فأي
الحجتين لهما؟ قال: (الأولى التي أحدثا فيها ما أحدثا، والأخرى لهما
عقوبة) (1).
وابن عمار: في المحرم يقع على أهله، قال: (إن كان أفضى إليها
فعليه بدنة والحج من قابل، وإن لم يكن أفضى إليها فعليه بدنة وليس عليه
الحج من قابل)، قال: وسألته عن رجل وقع على امرأته وهو محرم، قال:
(إن كان جاهلا فليس عليه شئ، وإن لم يكن جاهلا فعليه سوق بدنة
وعليه الحج من قابل، فإذا انتهى إلى المكان الذي وقع بها فرق محملاهما،
فلم يجتمعا في خباء واحد إلا أن يكون معهما غيرهما، حتى يبلغ الهدي
محله) (2).
والأخرى: عن رجل محرم وقع على أهله، فقال: (إن كان جاهلا
فليس عليه شئ، وإن لم يكن جاهلا فعليه أن يسوق بدنة، ويفرق بينهما
حتى يقضيا المناسك ويرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، وعليهما
الحج من قابل) (3).
ورواية علي بن أبي حمزة: عن محرم واقع أهله، فقال: (قد أتى
عظيما)، قلت: قد ابتلي، قال: (استكرهها أو لم يستكرهها؟) قلت: أفتني

(1) الكافي 4: 373 / 1، التهذيب 5: 317 / 1092، الوسائل 13: 112 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 3 ح 9، وفي الجميع: والأخرى عليهما عقوبة.
(2) الكافي 4: 373 / 3، الوسائل 13: 113 و 119 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3
و 7 ح 12 و 2.
(3) التهذيب 5: 318 / 1095، وفي الوسائل 13: 110 أبواب كفارات الاستمتاع
ب 3 ح 2:... عليه الحج من قابل.
230

فيهما جميعا، قال: (إن كان استكرهها فعليه بدنتان، وإن لم يكن استكرهها
فعليه بدنة وعليها بدنة، ويفترقان من المكان الذي كان فيه ما كان حتى
ينتهيا إلى مكة، وعليهما الحج من قابل لا بد منه)، قال: قلت: فإذا انتهيا إلى
مكة فهي امرأته كما كانت؟ فقال: (نعم، هي امرأته كما هي، فإذا انتهيا إلى
المكان الذي كان منهما ما كان افترقا حتى يحلا، فإذا أحلا فقد انقضى
عنهما، إن أبي كان يقول ذلك) (1).
وصحيحة جميل: عن محرم وقع على أهله، قال: (عليه بدنة)
إلى أن قال: قلت: عليه شئ غير هذا؟ قال: (نعم، عليه الحج من
قابل) (2).
مضافا في الأول إلى صحيحة سليمان بن خالد: عن رجل باشر امرأته
وهما محرمان، ما عليهما؟ فقال: (إن كانت المرأة أعانت بشهوة مع شهوة
الرجل فعليهما الهدي جميعا، ويفرق بينهما حتى يفرغا من المناسك،
وحتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، وإن كانت المرأة لم تعن
بشهوة واستكرهها صاحبها فليس عليها شئ) (3).
وصحيحة علي، وفيها - بعد تفسير الرفث بجماع النساء -: (فمن
رفث فعليه بدنة ينحرها) (4).

(1) الكافي 4: 374 / 5، التهذيب 5: 317 / 1903، الوسائل 13: 116 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 4 ح 2.
(2) التهذيب 5: 318 / 1096، الوسائل 13: 111 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3
ح 3.
(3) الكافي 4: 375 / 7، الوسائل 13: 115 أبواب كفارات الاستمتاع ب 4 ح 1.
(4) التهذيب 5: 297 / 1005، قرب الإسناد: 234 / 915، الوسائل 13: 115
أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 16.
231

ورواية خالد الأصم: حججت وجماعة من أصحابنا، وكانت معنا
امرأة، فلما قدمنا مكة جاءنا رجل من أصحابنا، فقال: يا هؤلاء، إني قد
بليت، قلنا: بماذا؟ قال: شكرت (1) بهذه المرأة، فاسألوا أبا عبد الله عليه السلام،
فسألناه، فقال: (عليه بدنة)، فقالت المرأة: فاسألوا لي فإني قد اشتهيت،
فسألناه، قال: (عليها بدنة) (2).
وأما الحكم الرابع، فالمشهور وجوبه أيضا، ودعوى الشهرة عليه
مستفيضة، وفي المدارك الاجماع عليه (3).
وظاهر المبسوط والنهاية والسرائر والمهذب: الاستحباب (4)،
ويحتمله الخلاف أيضا (5)، كما أن ظاهر المختلف التوقف في وجوبه
واستحبابه (6).
دليل الموجبين: الأخبار المتقدمة.
مضافة إلى صحيحة ابن عمار: في المحرم يقع على أهله، قال:
(يفرق بينهما، ولا يجتمعان في خباء إلا أن يكون معهما غيرهما، حتى
يبلغ الهدي محله) (7).

(1) شكر المرأة: فرجها - الصحاح 2: 702. شكرها: فرجها، وقيل: بضعها، ونهى
عن شكر البغي، أراد عن وطئها - لسان العرب 4: 427.
(2) التهذيب 5: 331 / 1140، الوسائل 13: 112 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3
ح 7، بتفاوت يسير.
(3) المدارك 8: 410.
(4) المبسوط 1: 336، النهاية: 230، السرائر 1: 548، المهذب 1: 229.
(5) الخلاف 2: 368.
(6) المختلف: 282.
(7) التهذيب 5: 319 / 1100، الوسائل 13: 111 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3
ح 5
232

ومرفوعة أبان: (المحرم إذا وقع على أهله يفرق بينهما) يعني بذلك:
لا يخلوان، وأن يكون معهما ثالث (1).
ولا يخفى أنه لا دلالة في شئ منها بكثرتها على الوجوب، بل
غايتها الرجحان الموجب للحكم بالاستحباب بضميمة الأصل، فهو الأقوى.
(نعم، في الرضوي: (فإن جامعت وأنت محرم - في الفرج - فعليك
بدنة، وعليك الحج من قابل، ويجب أن يفرق بينك وبين أهلك حتى
تؤدي المناسك ثم تجتمعان، فإذا حججتما من قابل وبلغتما الموضع الذي
واقعتما فرق بينكما حتى تقضيا المناسك، ثم تجتمعان، فإن أخذتما على
غير الطريق الذي كنتما فيه العام الأول لم يفرق بينكما) (2).
وضعفه منجبر بالعمل، وبه يدفع الأصل، فالأقوى الوجوب) (3).
فروع:
أ: لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمتمتع بها، لصدق الامرأة
والأهل عليهما.
وصرح في الشرائع بإلحاق الأمة بهما أيضا (4)، واحتج له بصدق

(1) الكافي 4: 373 / 2، التهذيب 5: 319 / 1101، الوسائل 13: 111 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 3 ح 6، بتفاوت.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 217، مستدرك الوسائل 9: 288 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3
ح 2، بتفاوت يسير.
(3) بدل ما بين القوسين في (ق): نعم، قيل: في الرضوي تصريح بالوجوب - انظر
الرياض 1: 467 - وهو وإن كان كذلك كان كافيا بضميمة انجباره بما مر، ولكن لا
يحضرني الآن حتى ينظر في دلالته، وفي أنه هل هو قال على التفريق في الحجة
الأولى أو الثانية، وأن منتهاه إلى أين.
(4) الشرائع 1: 294.
233

الامرأة والأهل عليها (1).
واستشكل فيه بعضهم، لتبادر غيرها منهما (2).
وهو في موقعه، فإن دلالة أهله أو امرأته على الجارية ليست مستندة
إلى وضع لغوي، لعدم ثبوت وضع تركيبي لهما يوجب صدقه عليها، فإن
صدق الأهل على الأمة محل تأمل.
وكذا وجه الاختصاص بالإضافة غير معلوم، ولذا لا تصدق امرأته
على بنته وأخته وأمه مع وجود نوع اختصاص، وفي قوله في رواية علي:
(فهي امرأته) نوع إشعار بأن المراد الزوجية، وفي إثبات البدنة عليها أيضا
فيها وفي صحيحتي زرارة وسليمان - من غير استفصال - دلالة عليه، إذ لا
تثبت البدنة على الأمة.
فالأقوى: عدم الالحاق، وإن كان الأحوط الالحاق.
ومما ذكر تظهر أولوية عدم إلحاق الأجنبية والغلام والبهيمة أيضا،
للأصل.
وعن المنتهى: الالحاق، للأولوية من جهة أفحشية الفعل (3).
وفيه: عدم معلومية العلة في الأحكام الثلاثة، فإنا نسلم أولوية
الأجنبية وأخويها بلزوم الترك وترتب الإثم، وأما أولويتها في اقتضاء هذه
الأحكام الثلاثة فغير معلوم، والاحتياط لا ينبغي أن يترك.
ب: المشهور بين الأصحاب - كما قيل (4) - عدم الفرق في الوطء بين

(1) كما في كشف اللثام 1: 404.
(2) كما في الحدائق 15: 363، الرياض 1: 466.
(3) المنتهى 2: 838.
(4) كما في المهذب البارع 2: 279 الذخيرة: 618.
234

القبل والدبر.
لصدق الوقاع والغشيان والافضاء والمباشرة - الواردة في الأخبار -
على وطء الدبر أيضا.
ونقل عن الشيخ في المبسوط: أنه أوجب بالوطء في الدبر البدنة
دون الإعادة (1).
واحتج له بصحيحة ابن عمار: عن رجل وقع على أهله فيما دون
الفرج، قال: (عليه بدنة، وليس عليه الحج من قابل، وإن كانت المرأة
تابعته على الجماع [فعليها مثل ما عليه]، وإن كان استكرهها فعليه بدنتان
وعليهما الحج من قابل) (2).
وفي كل من النسبة والاحتجاج نظر:
أما الأول، فلما قيل (3)، من أن عبارته المحكية صريحة في الموافقة
للمشهور، وأن الذي فيه البدنة خاصة هو الوقاع دون الفرج الشامل للقبل
والدبر، كما صرح به في صدر عبارته المحكية.
نعم، حكى في الخلاف الخلاف المزبور عن بعض الأصحاب،
محتجا له بأصل البراءة (4).
وأما الثاني، فلصدق الفرج على الدبر أيضا لغة، وتبادر القبل منه إنما
هو في العرف الطارئ، الذي يجب الحكم فيه بأصالة التأخر، فلا يصلح
ذلك دليلا لتخصيص العمومات المذكورة.

(1) المبسوط 1: 336.
(2) التهذيب 5: 318 / 1097، الوسائل 13: 119 أبواب كفارات الاستمتاع ب 7
ح 1 وفيه: وعليه الحج من قابل، وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(3) انظر الرياض 1: 466.
(4) الخلاف 2: 370.
235

إلا أنه يمكن الخدش في العمومات أيضا، لأن الوقاع وما يرادفها من
الألفاظ المتقدمة ليست موضوعة لوط القبل والدبر، بل لمعنى شامل لهما
ولغيرهما من الأفراد المتكثرة جدا، فلو بني الأمر فيهما على الاطلاق
وإخراج ما عدا وطء الثقبين لزم خروج الأكثر، وهو - على التحقيق - غير
مجوز، فلا بد من ارتكاب التجوز، ولتعدده يتأتى الاجمال، فيرجع فيما لا
يعلم إلى الأصل.
(إلا أن قوله في الرضوي المتقدم: (وإن جامعت في الفرج) - المنجبر
بالشهرة - يدل بإطلاقه على المشهور، فهو الحق المنصور) (1).
ج: هل الحجة الأولى فرضه والثانية عقوبة، أو بالعكس؟
عن الشيخ (2) وجماعة (3): الأول، ونقله في المدارك عن أحكام الصد
من الشرائع (4)، ويميل إليه كلام النافع (5).
ونقل عن الشيخ في الخلاف (6) وكثير من كتب الفاضل (7): الثاني،
وإليه ذهب الحلي في السرائر (8).
دليل الأول: الاستصحاب، وصحيحة زرارة المتقدمة (9).

(1) بدل ما بين القوسين في (ق): ومنه تعلم قوة ما نقله في الخلاف عن بعض
الأصحاب، وإن كان الاحتياط في متابعة المشهور.
(2) في النهاية: 230.
(3) منهم يحيى ابن سعيد في الجامع: 187، السبزواري في الكفاية: 64، الذخيرة:
618.
(4) المدارك 8: 408، وهو في الشرائع 1: 281.
(5) النافع: 106.
(6) حكاه عنه في السرائر 1: 550، وانظر الخلاف 2: 367.
(7) كما في المختلف: 282 التحرير 1: 119.
(8) السرائر 1: 550.
(9) في ص 217.
236

ودليل الثاني: إن الأولى فاسدة، والفاسد لا يجزئ ولا يبرئ ذمته.
أما المقدمة الأولى: فبالاجماع، كما يشعر به استدلالهم على
المطلوب بالفساد، وصرح بكونه إجماعيا الفاضل المقداد (1).
وتدل عليه أيضا صحيحة سليمان بن خالد: (في الجدال شاة، وفي
السباب والفسوق بقرة، والرفث فساد الحج) (2).
ورواية عبيد، وفيها: فإن كان طاف بالبيت طواف الفريضة، فطاف
أربعة أشواط، ثم غمزه بطنه، فخرج فقضى حاجته، فغشي أهله، فقال:
(أفسد حجه وعليه بدنة) الحديث (3).
والرضوي: (والذي يفسد الحج ويوجب الحج من قابل: الجماع
للمحرم في الحرم، وما سوى ذلك ففيه الكفارات) (4).
وأما الثانية: فبالاجماع أيضا، صرح به الفاضل المذكور (5).
أقول: كيف تقبل دعوى الاجماع مع نسبة الخلاف إلى الشيخ
وجماعة؟! فإن بعد الاجماع على عدم إجزاء الفاسد يكون حكم الشيخ
وتابعيه بالاجزاء كالتصريح بعدم الفساد، كما ذكره في الدروس (6)، ونقل

(1) التنقيح الرائع 1: 559.
(2) الكافي 4: 339 / 6، التهذيب 5: 297 / 1004، الوسائل 13: 145 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 1 ح 1، و ص 148 ب 2 ح 1.
(3) الكافي 4: 379 / 7، التهذيب 5: 321 / 1108، الوسائل 13: 126 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 11 ح 2.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 214، مستدرك الوسائل 9: 288 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3
ح 2.
(5) التنقيح 1: 559.
(6) الدروس 1: 370.
237

الفاضل المذكور منع الفساد عن بعض الفضلاء أيضا (1)، ونقله في
المدارك (2)، وهو ظاهر اختياره، حيث استدل بأصالة عدم تحقق الفساد،
ويظهر من بعض من تأخر عنه أيضا (3).
فالاجماع على الفساد غير ثابت، والمنقول منه بعيد عن الحجية
جدا.
وأما رواية عبيد، فغير باقية على حقيقتها إجماعا، لعدم فساد الحج
- بعد الوقوف بالمشعر - بالجماع إجماعا نصا وفتوى.
وأما صحيحة سليمان، فيتردد الأمر فيها بين تخصيص الرفث بما بعد
التلبية وقبل المشعر وبين التجوز في الفساد، والتخصيص وإن كان مقدما
على المجاز، إلا أنه يرجع الثاني هنا بقرينة صحيحة زرارة المذكورة الدالة
على عدم الفساد، ولا يضر إضمارها كما حقق في موضعة.
ورواية أبي بصير المروية في الفقيه: عن رجل واقع امرأته وهو
محرم، قال: (عليه جزور كوماء (4))، قال: لا يقدر، قال: (ينبغي لأصحابه
أن يجمعوا له ولا يفسدوا له حجه) (5).
فإنها تدل على عدم فساد الحج بعد أداء الكفارة.
والحكم وإن كان كذلك لو لم يؤدها أيضا - إذ الفساد وعدمه لا
يتفاوت بأدائها وعدمه، فالمراد بالفساد: نقصان الحج - إلا أنها تدل على

(1) التنقيح 1: 559.
(2) المدارك 8: 409.
(3) كما في الحدائق 5: 361.
(4) كوماء: أي سمينة - مجمع البحرين 6: 160.
(5) الفقيه 2: 213 / 970، المقنع: 76، الوسائل 13: 113 أبواب كفارات
الاستمتاع ب 3 ح 13، بتفاوت يسير.
238

انجبار النقصان أيضا بالكفارة فضلا عن الفساد.
ومنه يظهر عدم دلالة الرضوي أيضا، مضافا إلى تخصيصه الفساد
بالجماع في الحرم، ولا قائل به، بل ينفي الفساد في غيره.
ومما ذكر ظهر أن الأقوى هو القول الأول.
وتظهر الفائدة بين القولين في موارد عديدة.
د: قد عرفت رجحان التفريق بين الرجل والمرأة، وأنه إجماعي وإن
اختلف في وجوبه واستحبابه، ومقتضى الأخبار المذكورة: الثاني، ومقتضى
الرضوي (1): الأول.
ثم إن ها هنا خلافين آخرين:
أحدهما: أن هذا التفريق هل هو في الحجة الأولى الأدائية والثانية
القضائية، أو في الثانية خاصة؟
فالأول محكي عن جماعة، منهم: الصدوقان والإسكافي (2)، وابن
زهرة مدعيا الاجماع عليه (3).
والثاني أيضا منقول عن جمع، منهم: المحقق في الشرائع والنافع،
والفاضل في القواعد (4).
والحق مع الأول (5).
لدلالة طائفة من الأخبار المتقدمة على التفريق فيهما، وبعضها عليه

(1) المتقدم في ص 221.
(2) الصدوق في الفقيه 2: 213، حكاه عن والد الصدوق والإسكافي في المختلف:
282.
(3) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 577.
(4) الشرائع 1: 294، النافع: 107، القواعد 1: 98.
(5) في (ق): والحق في الرجحان مع الأول...
239

في الأولى، وبعضها في الثانية، ولا تنافي بين شئ منهما، لأن ثبوته في
أحدهما لا ينافي الثبوت في الآخر أيضا (1).
وثانيهما: أن منتهى هذا التفريق إلى أين هو؟ فإن الأخبار فيه
مختلفة.
ففي بعضها: إلى بلوغ الهدي محله.
وفي بعض آخر: حتى يحلا.
وفي ثالث: حتى ينتهيا إلى مكة.
وفي رابع: حتى يفرغا المناسك.
وفي خامس: حتى يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه الخطيئة.
ويدل عليه أيضا الصحيح: (يفرق بينهما حتى ينفر الناس ويرجعا
إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا)، قلت: أرأيت إن أخذا في غير ذلك
الطريق إلى أرض أخرى، أيجتمعان؟ قال: (نعم) (2).
والمروي في نوادر البزنطي: (يفرق بينهما حتى يقضيا المناسك، أو
حتى يعودا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا)، [فقلت: أرأيت] إن أرادا
أن يرجعا إلى غير ذلك الطريق؟ قال: (فليجتمعا إذا قضيا المناسك) (3).
ومن الأصحاب من حمل ذلك الاختلاف إلى تفاوت مراتب
الفضل (4).

(1) في (ق) زيادة: وأما في الوجوب فالحكم به موقوف على ملاحظة الرضوي.
(2) معاني الأخبار: 294 / 1، الوسائل 13: 114 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3
ح 14.
(3) مستطرفات السرائر: 31 / 29، الوسائل 13: 114 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3
ح 15، بتفاوت يسير.. وما بين المعقوفين أضفناه من المصدر.
(4) كما في الحدائق 15: 371، الرياض 1: 467.
240

ومنهم من فصل بين الأدائية والقضائية، ففي الأولى: جعل الانتهاء
موضع الخطيئة، وفي الثانية: الاحلال.
والأحوط: الافتراق فيهما إلى موضع الخطيئة فيهما.
ثم إن الافتراق إلى موضع الخطيئة إذا سلكا هذا الطريق الذي وقعت
فيه الخطيئة، وإلا فلا افتراق بعد قضاء المناسك، كما صرح به الصحيح
والمروي عن النوادر المذكورين، وصرح به جمع من الأصحاب (1).
والمراد من الافتراق - كما ورد في الأخبار (2) -: أن لا يخلوا إلا معهما
ثالث.
وقيده بعضهم بالمحترم، فلا عبرة بغير المميز (3).
ولا بأس به، بل هو الظاهر المتبادر.
ه‍: لا فرق في الأحكام المذكورة بين الحج الواجب والمندوب،
لظاهر الاجماع، وإطلاق النصوص.
المسألة الثانية: ما مر حكم الرجل، وأما المرأة فإما تكون مطاوعة
أو مكرهة.
فإن كانت مطاوعة كانت كالرجل في الأحكام الأربعة المذكورة، بلا
خلاف يوجد، بل حكي الاجماع عليه (4).
ويدل عليه في وجوب الاتمام ما دل عليه في الرجل.
وفي الأحكام الثلاثة الأخيرة كثير مما تقدم من الأخبار، سيما في

(1) كصاحبي الحدائق 15: 372، والمدارك 8: 412.
(2) كصحيحة ابن عمار ومرفوعة أبان المتقدمتين في ص: 220.
(3) انظر القواعد 1: 99، الرياض 1: 466.
(4) كما في المدارك 8: 409.
241

صحيحة ابن عمار المذكورة في الفرع الثاني (1) بقوله: (فعليها مثل ما عليه).
وإن كانت مكرهة فلا شك في وجوب الاتمام عليها.
ولا كفارة عليها إجماعا نصا وفتوى، وعلى الرجل الكفارتان كذلك،
وقد مر في الأخبار التصريح به.
ولا حج من قابل أيضا بالاجماع.
ويدل عليه بعض الأخبار.
وأما [ما] (2) في صحيحة ابن عمار المذكورة: (وعليهما الحج من
قابل) فهو مخالف للاجماع، غير معمول به عند الأصحاب، فيجب طرحه.
وأما الافتراق فلا فرق فيه بين المطاوعة والاكراه، لاطلاق الأخبار بلا
معارض.
وتوهم معارضة مفهوم قوله في صحيحة زرارة: (وإن كانا عالمين
فرق بينهما) (3) - حيث إن حكم المكره حكم غير العالم - خطأ، لأن حكم
المنطوق التفريق والكفارة عليهما والحج من قابل كذلك، فمقتضى المفهوم
انتفاء الجميع لا كل واحد، وهو كذلك.
ومنه يظهر عدم معارضة مفهوم صحيحة سليمان المذكورة أيضا (4)،
بل ولا منطوق ذيلها، حيث قال: (فليس عليها شئ)، لأن التفريق بالمعنى
المذكور ليس شيئا عليها.
وتوهم انصراف المطلقات إلى غير المكرهة - سيما في المقام - غير

(1) في ص 223.
(2) ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.
(3) المتقدمة في ص: 1139.
(4) المتقدمة في ص: 1140.
242

جيد.
المسألة الثالثة: ما مر من الأحكام المذكورة كان حكم العامد العالم
بالحكم وبالاحرام المختار.
وأما غيره فلا شئ عليه، بل يتم حجه ويمضي ويجزئه، بلا خلاف.
بل بالاجماع كما صرح به بعضهم (1).
للأصل.
والأخبار المتقدمة المصرحة بذلك في الجاهل، الشامل لغة للناسي
والساهي والجاهل بفرديه، وفي المرأة المكرهة المتعدي حكمها إلى الرجل
بالاجماع المركب.
وبالتصريح في صحيحة زرارة (2) بكون القضاء عقوبة ولا عقوبة على
المكره، بل ولا على الساهي والناسي والجاهل ولو بالحكم، سيما إذا لم
يكن مقصرا.
وبقوله: (قد أتى عظيما) في رواية علي بن أبي حمزة (3)، فإن مثل
ذلك إنما يقال للعامد العالم.
مضافا في الناسي والساهي والجاهل إلى مرسلة الفقيه الآتية (4)، وفي
الجاهل إلى روايتي سلمة بن محرز الآتيتين (5).
وهل المكره للزوج أو له ولها كالزوج المكره للزوجة في تحمل
الكفارة أو الكفارتين.

(1) انظر الخلاف 2: 369، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.
(2) المتقدمة في ص: 217.
(3) المتقدمة في ص: 217.
(4) في ص: 233.
(5) في ص: 233.
243

الحق: لا، اقتصارا لما يخالف الأصل على موضع النص.
المسألة الرابعة: ما قالوا من الأحكام الخمسة - من الفساد، ووجوب
الاتمام، ثم القضاء، والكفارة، والتفريق - إنما هو إذا كان الجماع بعد التلبية
وقبل وقوف المشعر.
أما لو كان قبل الأول أو بعد الثاني فليس كذلك.
أما لو كان قبل التلبية فلا شئ عليه أصلا، بل لم يدخله حقيقة في
الحج بعد، كما مر في صدر بحث الاحرام، وتصرح به المرسلة الآتية.
وأما لو كان بعد وقوف المشعر فلا فساد ولا قضاء ولا تفريق.
نعم تجب الكفارة المذكورة.
بلا خلاف في الحكمين: المنفي والمثبت، بل بالاجماع المحقق
والمحكي مستفيضا (1).
له فيهما.
ولمرسلة الفقيه المنجبر ضعفها - لو كان - بما مر: (إن وقعت على
أهلك بعدما تعقد للاحرام وقبل أن تلبي فلا شئ عليك، فإن جامعت
وأنت محرم قبل أن تقف بالمشعر فعليك بدنة والحج من قابل، وإن
جامعت بعد وقوفك بالمشعر فعليك بدنة وليس عليك الحج من قابل، وإن
كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليك) (2).
مضافا في الحكم الأول إلى مفهوم الشرط في صحيحتي ابن عمار:
الأولى: (إذا واقع المحرم أهله قبل أن يأتي المزدلفة فعلية الحج من

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 576، المنتهى 2: 835، الرياض 1: 467.
(2) الفقيه 2: 213 / 969، الوسائل 13: 107 أبواب كفارات الاستمتاع ب 1 ح 2،
و ص 109 ب 2 ح 5، و ص 118 ب 6 ح 2.
244

قابل) (1).
وقريبة منها الأخرى (2).
وفي الحكم الثاني إلى صحيحة ابن عمار: وقع على امرأته قبل أن
يطوف طواف النساء، قال: (عليه ح جزور سمينة، وإن كان جاهلا فليس
عليه شئ) (3).
ونحوها إلى قوله: (سمينة) صحيحة زرارة (4).
ورواية أحمد: عن رجل أتى امرأته متعمدا ولم يطف طواف النساء،
قال: (عليه بدنة، وهي تجزئ عنهما) (5).
ورواية سلمة: عن رجل وقع على أهله قبل أن يطوف طواف النساء،
قال: (ليس عليه شئ)، فخرجت إلى أصحابنا فأخبرتهم، فقالوا: اتقاك،
هذا ميسر قد سأله عن مثل هذا، فقال له: (عليك بدنة)، قال: فدخلت
عليه فقلت: جعلت فداك، إني أخبرت أصحابنا بما أجبتني، فقالوا: اتقاك،
هذا ميسر قد سأله عما سألت، فقال له: (عليك بدنة)، فقال: (إن ذلك كان
بلغه، فهل بلغك؟) قلت: لا، قال: (ليس عليك شئ) (6).

(1) الكافي 4: 379 / 5 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 113 أبواب كفارات الاستمتاع
ب 3 ح 10.
(2) التهذيب 5: 319 / 1099، الوسائل 13: 110 أبواب كفارات الاستمتاع ب 3 ح 1.
(3) الكافي 4: 378 / 3، التهذيب 5: 323 / 1109، الوسائل 13: 121 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.
(4) التهذيب 5: 485 / 1732، الوسائل 13: 124 أبواب كفارات الاستمتاع ب 10
ح 3.
(5) التهذيب 5: 489 / 1748، الوسائل 13: 124 أبواب كفارات الاستمتاع ب 10
ح 4.
(6) الكافي 4: 378 / 1، التهذيب 5: 322 / 1108، الوسائل 13: 123 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 10 ح 2، بتفاوت يسير.
245

وبمضمونها الأخرى (1).
إلى غير ذلك من الأخبار الآتية شطر منها.
ثم بالمرسلة والمفهومين تخصص العمومات والاطلاقات المتقدمة
المثبتة للقضاء على المحرم المجامع.
ومنه - بضميمة الأصل - يظهر عدم ثبوت التفريق هنا أيضا، إذ بعد
التخصيص يكون الموضوع: المجامع قبل الوقوف، مع أن ظاهر كثير منها
إنما هو المجامع قبل الوقوف، حيث أمر بالتفريق حتى يرجعا إلى مكان
الخطيئة، ولا رجوع غالبا إلى موضعه إذا كان بعد الوقوف، فتأمل.
ولأجل تلك الاطلاقات والعمومات واختصاص المخصص بما بعد
وقوف المشعر اقتصرنا في التخصيص به، وفاقا للأكثر، بل عن المسائل
الرسية والانتصار وجمل العلم والعمل والجواهر والغنية: الاجماع عليه (2).
خلافا للمحكي عن المفيد والحلبي والديلمي، فخصوا قبل وقوف
عرفة أيضا (3)، ولا دليل له يصلح الركون إليه.

(1) التهذيب 5: 486 / 1733، الوسائل 13: 124 أبواب كفارات الاستمتاع ب 10
ح 5.
(2) حكاه عنهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 404، الطباطبائي في الرياض 1:
465، وانظر المسائل الرسية (رسائل الشريف المرتضى 2): 334، الإنتصار:
96، الجواهر: 45، الغنية (الجوامع الفقهية): 576. وأما النسبة إلى الجمل
فلعلها سهو، فإن العبارة فيه هكذا: إذا جامع المحرم قبل الوقوف بعرفة فعليه بدنة
والحج من قابل، وإن جامع بعد الوقوف فعليه بدنة ولا حج عليه.
وهي كما ترى موافقة لعبارة المفيد وتالييه، على أنه لم يصرح فيه بإجماع أصلا،
ولا يبعد أن يكون المراد شرح جمل العلم والعمل للقاضي - كما حكاه عنه في
كشف اللثام والرياض - فإنه موجود فيه وادعى عليه الاجماع أيضا. انظر شرح
الجمل: 235.
(3) المفيد في المقنعة: 433، الحلبي في الكافي: 203، الديلمي في المراسم: 119.
246

المسألة الخامسة: ما مر - من لزوم الكفارة ببدنة وعدم لزوم غيره
من القضاء والتفريق بالجماع بعد وقوف المشعر - يعم جميع الأحوال التي
بعده إلى أن يتجاوز في طواف النساء عن أربعة أشواط، ولو جامع بعد
ذلك فلا شئ عليه أصلا.
أما الحكم الأول فتدل عليه الأخبار المتقدمة في المسألة السابقة.
وصحيحة العيص: عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور
البيت، قال: (يهريق دما) (1).
وقوله في ذيل رواية حمران الآتية: (وإن كان طاف طواف النساء
فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشى فقد أفسد حجه، وعليه بدنة
ويغتسل، ثم يعود فيطوف أسبوعا) (2).
والمراد بالفساد هنا: نقصان الكمال، لعدم قول بالفساد حينئذ قطعا.
وأما بعض الأخبار النافية للكفارة إذا كان بعد طواف الزيارة ولو قبل
تمام السعي - كرواية عبيد (3) وصحيحة منصور - فبمعارضة ما مر عن درجة
الحجية ساقطة، فيرجع إلى الاطلاقات، مع أنها بمخالفة الأصحاب طرا
موهونة.
مضافا إلى أن الصحيحة قضية في واقعة، ولعله عليه السلام كان يعلم بكونه
جاهلا، بل فيها ما يشعر به.

(1) الكافي 4: 379 / 4، التهذيب 5: 321 / 1105، الوسائل 13: 122 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 9 ح 2.
(2) الكافي 4: 379 / 6، التهذيب 5: 323 / 1110، الوسائل 13: 126 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 11 ح 1.
(3) الكافي 4: 379 / 7، التهذيب 5: 321 / 1107، الوسائل 13: 126 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 11 ح 2.
247

وأما الحكم الثاني فتدل عليه رواية أبي بصير: في رجل نسي طواف
النساء، قال: (إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه، وله أن
يقرب النساء إذا زاد على النصف) (1).
فإن الرخصة في المقاربة توجب انتفاء الكفارة بالاجماع المركب.
وقيل: لأنه لا معنى للزوم الكفارة على الفعل المرخص فيه (2).
ووهنه بين من لزوم الكفارة على التظليل ونحوه مع الضرورة.
وتدل عليه أيضا فيما إذا طاف خمسة أشواط رواية حمران - بل
صحيحته -: عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة
أشواط، ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنفض، ثم غشى
جاريته، قال: (يغتسل، ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد
بقي عليه من طوافه، ويستغفر الله ولا يعود، وإن كان طاف) (3)، إلى آخر ما
مر.
فإن ذكر البدنة في ثلاثة أشواط دون الخمسة يدل على انتفائها فيها.
ولا ينافي ذلك ما مر من انتفاء الكفارة فيما زاد على النصف مطلقا،
لأن التقييد بالخمسة إنما وقع في كلام الراوي.
وقد يستدل أيضا بمفهوم الشرط في ذيل هذه الرواية.
وهو ضعيف غايته، لأن مفهومه: أنه إن لم يطف ثلاثة أشواط،
والمتبادر منه عدم بلوغ الثلاثة، لا التجاوز عنه، فإنه معه يصدق طواف
الثلاثة.

(1) الفقيه 2: 246 / 1178، الوسائل 13: 409 أبواب الطواف ب 58 ح 10.
(2) الرياض 1: 469.
(3) الكافي 4: 379 / 6، الفقيه 2: 245 / 1177، التهذيب 5: 323 / 1110،
الوسائل 13: 126 أبواب كفارات الاستمتاع ب 11 ح 1، بتفاوت يسير.
248

هذا، مع أن المنطوق مركب من حكمين: فساد الحج - أي الطواف -
والكفارة، ويكفي في صدق المفهوم انتفاء أحدهما.
ومنه يظهر ضعف ما نفي عنه البعد في الذخيرة (1) من سقوط الكفارة
بعد مجاوزة ثلاثة أشواط، لذلك المفهوم.
ومن الأصحاب من خص الحكم الثاني بما إذا كان بعد الخمسة (2).
ولعله لزعمه ضعف الرواية الأولى. وهو عندنا غير موجه.
أو لعدم ثبوت الاجماع المركب عنده، فيرجع فيما دون الخمسة إلى
الاطلاقات.
وهو كان حسنا لو لم يثبت الاجماع المركب.
وأما منع الاطلاق بتبادر قبل الشروع في طواف النساء من الاطلاقات
فموهون غايته، إذ المتبادر من: (قبل الطواف) قبل الفراغ عنه.
المسألة السادسة: لو جامع المحل الموسر عالما عامدا أمته المحرمة
بإذنه لزمته بدنة أو بقرة أو شاة مخيرا بينها.
ومع الاعسار: شاة أو صام.
ومع انتفاء العمد أو العلم أو الإذن لا شئ.
بلا خلاف معتنى به في جميع هذه الأحكام.
لموثقة إسحاق بن عمار (3)، المصرحة بهذه الأحكام منطوقا
ومفهوما.

(1) الذخيرة: 620.
(2) كما في الشرائع 1: 294، المنتهى 2: 840.
(3) الكافي 4: 374 / 6، التهذيب 5: 320 / 1102، الإستبصار 2: 190 / 639،
الوسائل 13: 120 أبواب كفارات الاستمتاع ب 8 ح 2.
249

وأما صحيحة ضريس (1) ورواية وهب بن عبد ربه (2) - المصرحتين:
بأنه لا شئ عليه، أو يجوز له نقض إحرامها - فهما ظاهرتان أو محمولتان
على قبل التلبية.
وعن المبسوط والنهاية والسرائر: أن عليه بدنة (3)، ومع العجز: شاة
أو صيام.
ولم أقف على مستنده.
والظاهر كفاية الاعسار عن البدنة على تعين الشاة والصيام.
وقيل باعتبار الاعسار عنها وعن البقرة (4).
ولا وجه.
ويكفي في الصيام يوم واحد، للاطلاق.
وقيل: ثلاثة أيام، لأنها الواقع في إبدال الشاة (5).
وهو أحوط.
وإطلاق الموثقة وفتاوى الأكثر يقتضي عدم الفرق بين الأمة المكرهة
والمطاوعة.
وقيل بوجوب الكفارة على المطاوعة، فتكفر بدل البدنة بصيام ثمانية
عشر يوما والقضاء، فيجب على المولى إذنها ويتحمل مؤنتها (6).

(1) التهذيب 5: 320 / 1103، الإستبصار 2: 191 / 640، الوسائل 13: 121 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 8 ح 3.
(2) الفقيه 2: 208 / 949، الوسائل 13: 120 أبواب كفارات الاستمتاع ب 8 ح 1.
(3) المبسوط 1: 337، النهاية: 230، السرائر 1: 549.
(4) كما في الدروس 1: 371، المدارك 8: 418، الرياض 1: 468.
(5) الدروس 1: 371، جامع المقاصد 3: 349، المدارك 8: 418.
(6) انظر المسالك 1: 144.
250

قيل: نظرهم إلى عموم الأخبار المتقدمة الواردة في المرأة والأهل
الخالي عن معارضة الموثقة، لورودها في حكم المولى خاصة، وأما بالنسبة
إلى الأمة فمجملة (1).
وهذا يصح بناء على شمول أهله أو امرأته للأمة، وقد عرفت عدم
وضوحه، فالرجوع إلى الأصل - كما عليه الأكثر - أظهر.
المسألة السابعة: في العبث بالذكر حتى يمني بدنة وقضاء الحج.
لموثقة إسحاق: في محرم عبث بذكره فأمنى، قال: (أرى عليه مثل
ما على من أتى أهله وهو محرم: بدنة وحج من قابل) (2).
وإطلاقها يشمل ما إذا قصد الامناء أم لا.
ومنهم من ذكر بلفظ الاستمناء (3)، الظاهر في طلبه وقصده.
ولا وجه للتخصيص بعد إطلاق الرواية وعدم المعارض.
ولا تعارضها صحيحة ابن عمار المتقدمة في الفرع الثاني من المسألة
الأولى (4)، لاختلاف موضوعيهما.
ومنهم - ولعله الأكثر كما صرح به بعضهم - من عمم مع التخصيص
المذكور بالعبث بالذكر أو الملاعبة مع الأهل وغيره.
ولا دليل له تاما على التعميم أيضا، سوى ما يتوهم من كون العلة هو
الامناء، ولا خصوصية للعبث بالذكر.

(1) الحدائق 15: 362.
(2) الكافي 4: 376 / 6، التهذيب 5: 324 / 1113، الإستبصار 2: 192 / 646،
الوسائل 13: 132 أبواب كفارات الاستمتاع ب 15 ح 1.
(3) كما في الدروس 1: 371.
(4) التهذيب 5: 318 / 1097، الوسائل 13: 119 أبواب كفارات الاستمتاع ب 7
ح 1، وقد تقدمت في ص 223.
251

وما قيل من أنه أقبح من إتيان الأهل الثابت فيه الأمران (1).
ومن حسنة مسمع التي رواها الإسكافي: (إذا نزل الماء إما بعبث
بحرمته أو بذكره أو بإدمان نظره مثل الذي جامع) (2).
والأولان: استنباط للعلة، وهو طريقة العامة المضلة.
والثالث: ليس بحجة، مع أنه لا قطع بكونه من الرواية، مضافا
إلى عدم صراحته في وجوب القضاء إلا بتعميم المماثلة، وهو محل
الخدشة.
المسألة الثامنة: من أمنى - أي أخرج منيه بقصد واختيار - بغير ما
ذكر من العبث بالذكر من ملاعبة أو مس، أو نظر إلى الأهل، أو الأجنبية، أو
الغلام، أو غيرها، فالأصل فيه وجوب البدنة خاصة.
لصحيحة البجلي: عن الرجل يمني وهو محرم من غير جماع أو
يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال: (عليهما جميعا الكفارة،
مثل ما على الذي يجامع) (3).
مضافا في الامناء بالملاعبة بامرأته إلى صحيحة أخرى له، وهي
كالأولى، إلا أن أولها: عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني وهو محرم (4)،
إلى آخر ما مر.

(1) المختلف: 283.
(2) المختلف: 282.
(3) الكافي 4: 376 / 5، التهذيب 5: 327 / 1124، الوسائل 13: 131 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 14 ح 1، بتفاوت.
(4) التهذيب 5: 324 / 1114 بتفاوت، الوسائل 13: 131 أبواب كفارات الاستمتاع
ب 14 ح 1.
252

وقيل هنا بالجزور (1).
ولا وجه له.
إلا أن الظاهر أنهم لم يفرقوا بينه وبين البدنة، ولذا استدل جماعة
لأحدهما بأخبار الآخر في مواضع عديدة.
وقيل فيه بعموم الحكم للمرأة أيضا، واستدل له بهذه الصحيحة (2).
وهو خطأ، فإن ضمير التثنية للمحرم والفاعل في شهر رمضان دون
الرجل والمرأة.
وفي الامناء بالنظر إلى امرأته بشهوة إلى حسنة مسمع، وفيها: (ومن
نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور) (3).
وقد يستدل له أيضا بصحيحة ابن عمار: في المحرم ينظر إلى امرأته
وينزلها بشهوة حتى ينزل، قال: (عليه بدنة) (4).
وهو كان حسنا لو كان فيها كما نقله، حيث نقله بلفظة: (أو) مكان
الواو في قوله: (وينزلها)، ولكنها ليست كذلك في النسخ الصحيحة.
ولا يعارض الحسنة صدر هذه الصحيحة: عن محرم نظر إلى امرأته
فأمني أو أمذي وهو محرم، قال: (لا شئ عليه) (5).

(1) انظر المقنع والهداية: 76، الحدائق 15: 399.
(2) انظر المدارك 8: 428.
(3) الكافي 4: 376 / 4، التهذيب 5: 326 / 1121، الإستبصار 2: 191 / 641،
الوسائل 13: 136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.
(4) الكافي 4: 375 / 1، الوسائل 13: 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1
وفيه: أو ينزلها...
(5) الكافي 4: 375 / 1، التهذيب 5: 325 / 1117، الإستبصار 2: 191 / 642،
الوسائل 13: 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.
253

ولا موثقة إسحاق: في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى، قال:
(ليس عليه شئ) (1).
لأعميتهما مطلقا منها، من حيث شمول الشئ المنفي للجزور
والقضاء والتفريق والعقاب وسائر أنواع الكفارة، وشمول النظر في الأولى
لما كان بالشهوة وغيرها.. ولولا الحسنة لكانتا معارضتين للأصل المذكور
بالعموم من وجه، اللازم فيه الرجوع إلى أصل البراءة، كما هو مذهب
المفيد والسيد (2).
وإنما قيدنا بقولنا في صدر المسألة بقصد واختيار لأنه المتبادر من
إمناء الشخص، وأما ما لم يكن كذلك فليس هو حقيقة فعله، ولا يقال: إنه
فعله حتى يصدق أنه أمنى، وفعله أعم من أن يقصد إليه بنفسه أو إلى سببه
الذي يوجده ولو كان سببا عاديا.
المسألة التاسعة: من قبل امرأته محرما:
فإن كان بشهوة وأمنى فعليه البدنة.
للأصل المذكور.
مضافا إلى عموم صحيحة الحلبي: عن المحرم يضع يده - إلى أن
قال: - قلت: فإن قبل؟ قال: (هذا أشد، ينحر بدنة) (3).
ورواية علي بن أبي حمزة: عن رجل قبل امرأته وهو محرم، قال:

(1) التهذيب 5: 327 / 1122، الإستبصار 2: 192 / 643، الوسائل 13: 138
أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 7.
(2) المفيد في المقنعة: 433، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 70.
(3) الكافي 4: 375 / 2، الوسائل 13: 138 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 1.
254

(عليه بدنة وإن لم ينزل) (1).
وحسنة مسمع: (إن حال المحرم ضيقة، فإن قبل امرأته على غير
شهوة وهو محرم فعليه دم شاة، ومن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه
جزور) (2).
وكذلك إن كان مع الشهوة دون الامناء.
لاطلاق الصحيحة والرواية.
ولا ينافيها مفهوم قوله: (فأمنى) في الحسنة، لأنه مفهوم ضعيف لا
حجية فيه.
وإن كان مع الامناء دون الشهوة فلا بدنة عليه، بل عليه دم شاة.
للحسنة المذكورة النافية للبدنة، بقرينة التفصيل القاطع للشركة، فإنها
تعارض صحيحة البجلي - المثبتة للبدنة في الامناء مطلقا - بالعموم من
وجه، وإذ لا مرجح فيرجع في خصوص الامناء إلى الأصل، وتبقى الشاة
لنفس التقبيل.
لا يقال: الامناء مع التقبيل بلا شهوة من الأفراد النادرة جدا، فلا
تنصرف إليه الحسنة، لأنه على ذلك يجري مثله في الصحيحة أيضا.
نعم، يمكن أن يقال: إن ثبوت الشاة خاصة للتقبيل مطلقا لا ينافي
ثبوت البدنة للامناء كذلك، فإن الامناء أمر آخر وإن ترتب على التقبيل
واجتمع معه، ولازمه ثبوت الأمرين.

(1) الكافي 4: 376 / 3، التهذيب 5: 327 / 1123، الوسائل 13: 139 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 18 ح 4.
(2) الكافي 4: 376 / 4، التهذيب 5: 326 / 1121، الإستبصار 2: 191 / 641،
الوسائل 12: 434 أبواب تروك الاحرام ب 12 ح 3.
255

إلا أن ها هنا كلاما آخر، وهو: عدم معلومية صدق الامناء حينئذ،
لأنه إخراج المني، وما نحن فيه وإن كان خروجا ولكن لا يعلم كونه
إخراجا، إذ ليس التقبيل بغير شهوة سببا عاديا له.
والحاصل: أنه بالنسبة إلى خروج المني كنسبة النوم إلى الاحتلام،
فلا يكون هذا الفرد داخلا في الأصل المذكور رأسا لا أن يكون مستثنى من
الأصل، فإن الامناء إنما يكون مع طلبه، كما تشعر به صحيحة الحلبي،
وفيها: قلت: فإنه أراد أن ينزلها من المحمل، فلما ضمها إليه أدركته
الشهوة، قال: (ليس عليه شئ، إلا أن يكون طلب ذلك) (1).
ولولا ذلك لكنا نقول بوجوب البدنة والشاة معا، الأولى للامناء،
والثانية للتقبيل، لأدلة كل منهما، ونفي الحسنة للبدنة لأجل التفصيل إنما
ينفيها من حيث التقبيل لا من حيث الامناء.
وإنما لم نقل بالبدنتين في صورة التقبيل بالشهوة والامناء بمثل ذلك
الدليل لما ثبت عندنا من أصالة تداخل الأسباب مع اتحاد المسبب نوعا.
ولا نبالي بعدم معلومية شريك في ذلك القول، لجواز أن يكون مراد
القوم - كلا أو بعضا - بيان كفارة كل فعل بخصوصه، فيجتمع مع الاجتماع،
مع أن المقام - لتشتت الأقوال - مما لا يعلم فيه إجماع بسيط أو مركب.
لا يقال: إنه وإن لم تثبت البدنة حينئذ بالأصل المذكور - لما ذكرت -
ولكن يمكن إثباتها بإطلاق صحيحة الحلبي ورواية علي بن أبي حمزة.
لأنا نقول: بأنهما أعمان مطلقا من الحسنة، لتقييدها بغير الشهوة،
فيجب التخصيص بها.

(1) التهذيب 5: 326 / 1118، الوسائل 13: 137 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17
ح 5.
256

بل قد يقال: إن سياقهما ظاهر فيما كان مع الشهوة، ومع ذلك هو
الغالب المنصرف إليه الاطلاق، ولكنهما لا يخلوان عن قبول المنع.
وكذلك إن كان بدون الشهوة والامناء، للحسنة المتقدمة.
وتحصل مما ذكر: أن في التقبيل مع الشهوة البدنة ولو لم يمن،
وبدونها الشاة ولو أمنى.
وللقوم فيه أقوال أخر:
فعن جماعة - منهم: الحلي والديلمي وابن زهرة -: اشتراط الانزال
والشهوة معا في ثبوت البدنة (1).
وعن آخرين - منهم: الصدوق والمفيد -: عدم اشتراط الشهوة في
ثبوتها (2).
ومنهم من جمع بين الأمرين: اشتراط الانزال، وعدم الشهوة.
ومنهم من اشترط الانزال والشهوة معا، حكي عن ابن سعيد (3).
ومنهم من لم يحكم بالبدنة أصلا، بل اكتفى فيه بالشاة مطلقا (4).
والكل ضعيف غير مطابق لمقتضى الاستدلال.
المسألة العاشرة: من مس امرأته أو حملها بشهوة فعليه شاة.
لصحيحة ابن عمار: عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو
محرم، قال: (لا شئ عليه، ولكن ليغتسل ويستغفر ربه، وإن حملها من
غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شئ عليه، وإن حملها أو مسها بشهوة فأمنى

(1) الحلي في السرائر 1: 552، الديلمي في المراسم: 119، ابن زهرة في الغنية
(الجوامع الفقهية): 576.
(2) الصدوق في المقنع: 76، المفيد في المقنعة: 434.
(3) الجامع للشرائع: 188.
(4) انظر الفقيه 2: 213 / 970.
257

أو أمذى فعليه دم) (1).
والحلبي: قلت: المحرم يضع يده بشهوة، قال: (يهريق دم شاة) (2).
ومحمد: عن رجل حمل امرأته وهو محرم فأمنى أو أمذى، قال:
(إن حملها أو مسها بشئ من الشهوة فأمنى أو لم يمن أمذى أو لم يمذ
فعليه دم شاة يهريقه، فإن حملها أو مسها بغير شهوة أمنى أو لم يمن فليس
عليه شئ) (3).
وحسنة مسمع، وفيها: (ومن مس امرأته بيده وهو محرم على شهوة
فعليه دم شاة) (4).
فإن حصل مع ذلك الانزال فعليه مع الشاة البدنة، الأولى: للمس
بشهوة، والثانية: للامناء، للتقريب الذي مر في المسألة السابقة.
وإن مسها أو حملها بلا شهوة فلا شئ عليه وإن أنزل، لصحيحتي
ابن عمار ومحمد المتقدمتين.
ولا يرد: أنهما أعمان مطلقا من الأصل المذكور، حيث إن الشئ أعم
من الكفارة.
لأن التقابل مع ما فيه الكفارة يجعلهما كالصريح في إرادة نفي
الكفارة، فإن التفصيل قاطع للشركة.

(1) الكافي 4: 375 / 1، الوسائل 13: 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1
وفيه: وإن حملها... وهو محرم...
(2) الكافي 4: 375 / 2، الوسائل 13: 138 أبواب كفارات الاستمتاع ب 18 ح 1.
(3) الفقيه 2: 214 / 972، التهذيب 5: 326 / 1119، الوسائل 13: 137 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 17 ح 6، بتفاوت.
(4) الكافي 4: 376 / 4، التهذيب 5: 326 / 1121، الإستبصار 2: 191 / 641،
الوسائل 13: 136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.
258

مع أنه لو قطع النظر عن ذلك لكان تعارضهما مع دليل الأصل
بالعموم من وجه، اللازم فيه الرجوع إلى أصالة البراءة بعد اليأس عن
الترجيح.
مضافا إلى عدم معلومية صدق الامناء حينئذ بالتقريب المذكور.
المسألة الحادية عشرة: من نظر إلى أهله فلا شئ عليه من جهة
النظر مطلقا، بشهوة كان أو بدونها.
لأصل البراءة.
وصحيحة ابن عمار: عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو
محرم، قال: (لا شئ عليه) (1).
وموثقة إسحاق: (محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى، قال: (ليس
عليه شئ) (2).
ولو كان معه الانزال، فإن كان بشهوة فعليه بدنة.
للأصل المتقدم.
وحسنة مسمع: (ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه
جزور) (3).
وهي وإن كانت معارضة مع الصحيحة والموثقة ولكنها أخص مطلقا
منهما، لأن الجزور أخص من الشئ، مع أنه لولاه أيضا للزم الرجوع إلى

(1) الكافي 4: 375 / 1، التهذيب 5: 325 / 1117، الإستبصار 2: 191 / 642،
الوسائل 13: 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 1.
(2) التهذيب 5: 327 / 1122، الإستبصار 2: 192 / 643، الوسائل 13: 138
أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 7.
(3) الكافي 4: 376 / 4، التهذيب 5: 326 / 1121، الإستبصار 2: 191 / 641،
الوسائل 13: 136 أبواب كفارات الاستمتاع ب 17 ح 3.
259

الأصل المذكور.
وإن كان بدون الشهوة فلا شئ عليه.
لمعارضة الصحيحة مع دليل الأصل بالعموم من وجه، فيرجع إلى
أصل البراءة، مضافا إلى ما مر من عدم معلومية صدق إمنائه حينئذ.
ومن نظر إلى غير أهله من الأجنبيات فأمنى، فإن كان موسرا فعليه
بدنة، وإن كان متوسطا فبقرة، وإن كان معسرا فشاة.
لموثقة أبي بصير: عن رجل نظر إلى ساق امرأة فأمنى، قال: (إن كان
موسرا فعليه بدنة، وإن كان بين ذلك فبقرة، وإن كان فقيرا فشاة، أما إني لم
أجعل ذلك عليه من أجل الماء، ولكن من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل
له) (1).
وقريبة منها الأخرى، وفيها: ساق امرأة أو فرجها (2)، وذيلها يدل
على كون الامرأة أجنبية.
ومعنى قوله: (من أجل الماء) أي من أجله خاصة، كما تدل عليه
صحيحة ابن عمار: في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى، قال: (عليه دم،
لأنه نظر إلى غير ما يحل له، وإن لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد، وليس
عليه شئ) (3).
وإطلاق الدم فيها محمول على تفصيل الموثقة، حملا للمجمل على
المبين، والمقيد على المطلق.

(1) الكافي 4: 377 / 7، التهذيب 5: 325 / 1115، الوسائل 13: 133 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 16 ح 2، بتفاوت.
(2) المقنع: 76، الوسائل 13: 133 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 2.
(3) الكافي 4: 377 / 8، الوسائل 13: 135 أبواب كفارات الاستمتاع ب 16 ح 5.
260

ولا ينافي قوله: (إني لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء) ما ذكرنا من
الأصل المتقدم، لأن مبناه على قصد الامناء الذي هو الاستمناء، وهذا يدل
على أن خروج الماء من حيث هو ليس شيئا بإزائه.
وهل ذلك التفصيل جار في النظر إلى الأهل مع الامناء، أم لا؟
الظاهر هو: الثاني، لاختصاص الموثقة بغير الأهل.
ولا يلزم أغلظية النظر إلى الأهل عن النظر إلى غيرها، لأن الحكم
حكم النظر إلى الغير مع الامناء، سواء كان بشهوة أو غير شهوة، طلب
خروج المني أو لم يطلب، ويحتمل اجتماع الحكمين مع النظر بالشهوة
إلى الغير والانزال.
المسألة الثانية عشرة: لا كفارة في غير ما ذكر من الاستمتاعات،
للأصل.
ولا في الامناء بسماع كلام الأجنبية مطلقا، ولا في حال جماعها،
ولا في توصيف الأجنبية له.
لرواية أبي بصير (1)، ومرسلة البزنطي (2)، وروايتي سماعة (3).
إلا إذا قصد بأحد هذه الأحوال الامناء وأمنى، فيحتمل وجوب البدنة
كما ذكره بعض الأصحاب، للأصل المذكور.

(1) الكافي 4: 377 / 10، التهذيب 5: 327 / 1125، الوسائل 13: 142 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 20 ح 3.
(2) الكافي 4: 377 / 11، الوسائل 13: 141 أبواب كفارات الاستمتاع ب 20 ح 2.
(3) الأولى في: التهذيب 5: 328 / 1126، الوسائل 13: 142 أبواب كفارات
الاستمتاع ب 20 ح 4.
الثانية في: الكافي 4: 377 / 12، الوسائل 13: 141 أبواب كفارات الاستمتاع
ب 20 ح 1.
261

المسألة الثالثة عشرة: من جامع في إحرام العمرة قبل السعي:
فإن كانت عمرة مفردة فسدت عمرته وعليه بدنة وقضاء العمرة، بلا
خلاف يوجد فيها، بل بالاجماع.
لصحيحة أحمد بن أبي علي: في الرجل اعتمر عمرة مفردة فوطئ
أهله وهو محرم قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه، قال: (عليه بدنة، لفساد
عمرته، وعليه أن يقيم بمكة حتى يدخل شهر آخر، فيخرج إلى بعض
المواقيت، فيحرم منه ثم يعتمر) (1).
وبمضمونها حسنة مسمع، إلا أن فيها: (فيطوف بالبيت ثم يغشى
أهله قبل أن يسعى) (2).
والمال واحد، لأن قبل الفراغ من الطواف والسعي - كما في
الصحيحة - يشمل ما بعد الطواف قبل السعي أيضا، فتوهم اختصاصها بما
قبل الطواف والسعي معا - كما قيل - غير جيد.
وأما العمرة المتمتع بها، فظاهر الأكثر أنها كالمفردة، بل صرح
بعضهم بعدم الخلاف فيه (3).
وظاهر التهذيب - كما قيل (4) - تخصيص الحكم بالمفردة.
ودليل التعميم: عدم الخلاف، وتساوي العمرتين في الأركان،
وحرمتهن.
ودليل التخصيص: اختصاص المنصوص بالمفردة.

(1) الكافي 4: 538 / 1، الوسائل 13: 129 أبواب كفارات الاستمتاع ب 12 ح 4.
(2) الكافي 4: 538 / 2، الفقيه 2: 275 / 1344، التهذيب 5: 323 / 1111،
الوسائل 13: 128 أبواب كفارات الاستمتاع ب 12 ح 2.
(3) انظر الرياض 1: 470.
(4) المدارك 8: 422، وانظر التهذيب 5: 323.
262

أقول: يمكن الاستدلال للأول بإطلاق كثير من الأخبار المتضمنة
لقضاء الحج والتفريق إذا وقع المحرم على أهله، فإنها تشمل إحرام الحج
وإحرام عمرة التمتع مع اتساع الوقت لانشاء عمرة أخرى أو ضيقه، خرجت
صورة الاتساع بالاجماع، فبقي الباقي، ومنه ما وقع في إحرام العمرة مع
ضيق الوقت، ولا وجه لقضاء الحج حينئذ إلا فساد العمرة، وحينئذ فالتعميم
أقوى، لذلك.
ومنه يظهر وجه وجوب التفريق أيضا كما ذكره الفاضل في القواعد
والشهيدان (1)، ووجه وجوب قضاء الحج مع عدم إمكان إنشاء العمرة،
وكذا يدل على أنه يجب التفريق في إحرام العمرة بعض الأخبار المطلقة
المتضمنة لتفريق المحرم المجامع كما مر.
وهل يجب إتمام العمرة الفاسدة؟
الظاهر: لا، للأصل.
والمحصل مما ذكر: فساد العمرة بالجماع قبل السعي، فإن كانت
مفردة يتركها ويقضيها، وإن كانت متمتعا بها ينشئها مع اتساع الوقت ويتم
الحج، وعليه البدنة، لاطلاقات وجوبها على المحرم المجامع أو الذي
استمنى، ومع ضيق الوقت يقضيها مع الحج من قابل، وعليه البدنة،
ويجب التفريق على الوجه المتقدم.
ويمكن الاستدلال على فساد عمرة التمتع بالجماع بإطلاق صحيحة
ضريس: عن رجل أمر جاريته أن تحرم من الوقت فأحرمت ولم يكن هو
أحرم، فغشيها بعدما أحرمت، قال: (يأمرها فتغتسل، ثم تحرم ولا شئ

(1) حكاه عنهم في الرياض 1: 470، وانظر القواعد 1: 99، والدروس 1: 338،
والمسالك 1: 145.
263

عليه) (1).
ورواية وهب بن عبد ربه: في رجل كانت معه أم ولد، فأحرمت قبل
سيدها، أله أن ينقض إحرامها ويطأها قبل أن يحرم؟ قال: (نعم) (2).
دلتا على انتقاض إحرام الجارية، بالمجامعة معها، فالرجل أيضا
كذلك بالاجماع المركب.
ومنه يظهر وجه آخر لفساد الحج مع الضيق، لدوران الأمر بين
العدول إلى الافراد، أو التمتع بالحج بالعمرة الفاسدة، أو وجوب القضاء،
والأولان مخالفان للأصل والتوقيف، فبقي الثالث.
هذا حكم الجماع، وأما غيره من أنواع التمتعات إذا وقع في العمرة
فحكمه كما مر، للاطلاقات.
المسألة الرابعة عشرة: لو عقد محرم لمحرم على امرأة ودخل بها
كان على العاقد بدنة وعلى الزوج بدنة، فيما قطع به الأصحاب من غير
خلاف كما قيل (3)، وفي المدارك (4) وغيره (5): أن ظاهر الأصحاب الاتفاق
عليه، وعن صريح الغنية: الاجماع عليه (6).
وتدل عليه موثقة سماعة: (لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوج محرما
وهو [يعلم] أنه لا يحل له)، قلت: فإن فعل ودخل بها المحرم؟ قال: (إن

(1) التهذيب 5: 320 / 1103، الإستبصار 2: 191 / 640، الوسائل 13: 121
أبواب كفارات الاستمتاع ب 8 ح 3.
(2) الفقيه 2: 208 / 949، الوسائل 13: 120 أبواب كفارات الاستمتاع ب 8 ح 1.
(3) الرياض 1: 469.
(4) المدارك 8: 421.
(5) انظر الكفاية: 65، كشف اللثام 1: 408.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.
264

كانا عالمين فإن على كل واحد منهما بدنة، وعلى المرأة إن كانت محرمة
بدنة، وإن لم تكن محرمة فلا شئ عليها، إلا أن تكون قد علمت أن الذي
تزوجها محرم، فإن كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة) (1).
والموثقة وإن اختصت بالعاقد الحلال، ولكن الأصحاب عمموا
الحلال للمحرم أيضا.
وكذا مقتضاها الاختصاص بصورة علمه وكذا علم الزوج - وحكي
عن الأكثر: التعميم (2)، ولا وجه له - وبالمرأة المحرمة أو العالمة بإحرام
الزوج، وهو كذلك، والله العالم.

(1) الكافي 4: 372 / 5، التهذيب 5: 330 / 1138، الوسائل 13: 142 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 21 ح 1 وما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر.
(2) كما في كشف اللثام 1: 408.
265

البحث الثالث
في سائر الكفارات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في كفارة الطيب، والكلام فيه: إما في التدهن
بالطيب، أو أكل الطعام المطيب، أو نفس التطيب.
واختلفت كلماتهم في كفارته:
فمنهم من لم يذكر له كفارة أصلا، كالديلمي (1).
ومنهم من ذكرها للتدهن خاصة، كابن سعيد (2).
ومنهم من ذكرها لأكل الطعام المطيب كذلك، كالمفيد وابن حمزة (3).
ومنهم من ذكرها لاستعمال المسك والعنبر والعود والكافور
والزعفران، كالنزهة (4).
ومنهم من ذكرها للأكل وشم الكافور والمسك والعنبر والزعفران
والورس، وصرح بالنفي فيما عدا ذلك، كالحلبي (5).
ومنهم من زاد على الأخير: استعمال الدهن الطيب، ونفي الكفارة
عما عدا ما ذكره بالاجماع والأخبار والأصل، كالخلاف (6).

(1) المراسم: 106.
(2) الجامع للشرائع: 194.
(3) المفيد في المقنعة: 438، ابن حمزة في الوسيلة: 167.
(4) 62 نزهة الناظر: 68.
(5) الكافي: 204.
(6) الخلاف 2: 302 - 304.
266

ومنهم من عممها للطيب صبغا وأكلا وإطلاء وتبخيرا وشما ومسا
واحتقانا واكتحالا وإسعاطا، ابتداء واستدامة، كالشرائع والنافع والقواعد
والارشاد والمنتهى والتذكرة والتحرير (1)، وإن اختلفت عبارات هؤلاء زيادة
ونقصانا فيما ذكروه للتعميم.
والأخبار الواردة في المقام: ما تقدم في ثالث محرمات الاحرام:
من صحيحة زرارة المصرحة بوجوب الدم في أكل الزعفران والطعام
الطيب متعمدا (2).
وصحيحة ابن عمار الآمرة بالتصدق بقدر ما صنع في مس الطيب
والتدهن والطعام المطيب (3).
وصحيحة حريز ومرسلته الآمرتين بالتصدق بقدر السعة في قدر ما
صنع، أو قدر الشبع في مس الطيب والتلذذ بالريح الطيبة (4).
وروايتي الحسن بن زياد الآمرتين بالتصدق بشئ في غسل اليد
بالأشنان المطيب (5).

(1) الشرائع 1: 295، النافع: 107، القواعد 1: 99، الإرشاد 1: 323، المنتهى
2: 814، التذكرة 1: 353، التحرير 1: 120.
(2) الكافي 4: 354 / 3، الفقيه 2: 223 / 1046، الوسائل 13: 150 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 4 ح 1.
(3) التهذيب 5: 304 / 1039، الوسائل 12: 444 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 8.
(4) الصحيحة: التهذيب 5: 297 / 1007، الإستبصار 2: 178 / 591 الوسائل 12:
445 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 11.
المرسلة في: 353 / 2، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 6.
(5) الأولى في: الفقيه 2: 223 / 1047، الوسائل 12: 151 أبواب بقية كفارات
الاحرام ب 4 ح 4.
الثانية في: الكافي 4: 354 / 7، الوسائل 13: 152 أبواب بقية كفارات
الاحرام ب 4 ح 8.
267

مضافا إلى صحيحة أخرى لزرارة: (من نتف إبطيه، أو قلم ظفره، أو
حلق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله،
وهو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شئ، ومن فعله متعمدا
فعليه شاة) (1).
والمروي في قرب الإسناد للحميري: (لكل شئ خرجت من حجك
فعليك دم تهريقه حيث شئت) (2).
ومرسلة المفيد عن الصادق عليه السلام: (كفارة مس الطيب للمحرم أن
يستغفر الله) (3).
ومقطوعة ابن عمار: في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج،
قال: (إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، وإن كان فعله بعمد فعليه دم
شاة) (4).
ورواية الحسن بن هارون: إني أكلت خبيصا فيه زعفران حتى شبعت
وأنا محرم، قال: (إذا فرغت من مناسكك وأردت الخروج من مكة فابتع
بدرهم تمرا فتصدق به، فيكون كفارة لذلك، ولما دخل في إحرامك مما لا
تعلم) (5).

(1) التهذيب 5: 369 / 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8
ح 1.
(2) قرب الإسناد: 237 / 928، الوسائل 13: 158 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8
ح 5.
(3) المقنعة: 446، الوسائل 13: 153 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 4 ح 9.
(4) التهذيب 5: 304 / 1038، الوسائل 13: 151 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 4
ح 5 بتفاوت يسير.
(5) الكافي 4: 354 / 9، الفقيه 2: 223 / 1045، التهذيب 5: 298 / 1008،
الوسائل 13: 149 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 3 ح 1 بتفاوت يسير.
268

أقول: لا ينبغي الريب في وجوب الشاة في أكل الطعام المطيب
والتدهين بالمطيب متعمدا.
لصحيحتي زرارة ومقطوعة ابن عمار ورواية قرب الإسناد، لأخصية
الأولين من سائر الأخبار المخالفة لهما مضمونا، لاختصاصهما بالمتعمد.
وكذا في استعمال ما يحرم استعماله من الطيب، وهو - على المختار -:
المسك والزعفران والعود والورس.
لرواية قرب الإسناد المنجبرة بالشهرة، التي هي أخص مما ذكر أيضا،
لاختصاصها بالعمد - لعدم كون غيره خرجا من الحج - وبالمحرم أيضا
لذلك، ونفي الكفارة الواجبة في غير ما ذكر، وإن استحب التصدق بما ورد
في الأخبار فيما عدا ذلك، للأخبار المذكورة اللازم حملها على الاستحباب،
للاجماع على عدم الوجوب في غير العمد - كما دلت عليه بعض الأخبار
المتقدمة مفهوما أو منطوقا - وكذا في غير المحرم من الطيب.
المسألة الثانية: في قلم كل ظفر من أظفار اليد أو الرجل مد من
طعام.
وفي جميع أظفار اليدين أو الرجلين دم واحد.
وكذا في جميع أظفار اليدين والرجلين في مجلس واحد.
ولو كان كل واحد منهما في مجلس لزمه دمان.
وفاقا للمشهور كما صرح به جماعة (1)، بل لغير شاذ، كما في
المدارك (2)، بل بالاجماع، كما عن الخلاف والغنية والمنتهى (3).

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 621، صاحب الحدائق 15: 540.
(2) المدارك 8: 434.
(3) الخلاف 2: 309، 310، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المنتهى 2: 817.
269

لصحيحة أبي بصير: رجل قلم ظفرا من أظافيره وهو محرم، قال:
(عليه مد من طعام حتى يبلغ عشرة، فإن قلم أصابع يديه كلها فعليه دم
شاة)، قلت: فإن قلم أظافير يديه ورجليه جميعا؟ فقال: (إن كان فعل
ذلك في مجلس واحد فعليه دم، وإن كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه
دمان) (1).
ولكن لا دلالة لها على لزوم الشاة في أظفار الرجلين خاصة.
وتدل عليه وعلى حكم كل ظفر وكل أظفار اليدين أيضا رواية
الحلبي: عن محرم قلم أظافيره، قال: (عليه مد في كل إصبع، فإن هو قلم
أظافيره عشرتها فإن عليه دم شاة) (2).
كما تدل أيضا على الحكمين الأخيرين موثقة أبي بصير: (إذا قلم
المحرم أظافير يديه ورجليه في مكان واحد فعليه دم، وإن كانتا متفرقتين
فعليه دمان) (3).
ويقيد ما ذكر إطلاق صحيحة زرارة: (من قلم أظافيره ناسيا [أو
ساهيا] أو جاهلا فلا شئ عليه، ومن فعله متعمدا فعليه دم) (4).
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فلكل ظفر مد أو قيمته مخيرا بينهما،

(1) الفقيه 2: 227 / 1057، التهذيب 5: 332 / 1141، الإستبصار 2:
194 / 651، الوسائل 13: 162 أبواب بقية كفارات الصوم ب 12 ح 1 بتفاوت
يسير.
(2) التهذيب 5: 332 / 1142، الإستبصار 2: 194 / 652، الوسائل 13: 162
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 12 ح 2.
(3) الكافي 4: 360 / 5، الوسائل 13: 164 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 12 ح 6.
(4) التهذيب 5: 333 / 1145، الإستبصار 2: 195 / 655، الوسائل 13: 160
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 10 ح 5، وما بين المعقوفين من المصادر.
270

إلى أن يبلغ خمسة فصاعدا ففيها دم إن كان في مجلس واحد، فإن فرق
بين يديه ورجليه فليديه دم ولرجليه دم (1).
ودليله على الجزء الأول: الجمع بين صحيحة أبي بصير المتقدمة
وهذه الصحيحة أيضا على رواية التهذيب، فإن فيها: (في كل ظفر قيمة مد
من طعام) (2).
وعلى الجزء الثاني: صحيحة حريز: في المحرم ينسى فيقلم ظفرا
من أظافيره، فقال: (يتصدق بكف من طعام)، قلت: فاثنين؟ قال
(كفين)، قلت: فثلاثة؟ قال: (ثلاثة أكف، كل ظفر كف حتى يصير
خمسة، فإذا قلم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما
كان) (3).
ومرسلته: في محرم قلم ظفرا، قال: (يتصدق بكف من طعام)،
قلت: ظفرين؟ قال (كفين)، قلت: ثلاثة؟ قال (ثلاثة أكف)، قلت:
أربعة؟ قال: (أربعة أكف)، قلت: خمسة؟ قال: (عليه دم يهريقه، فإن
قص عشرة أو أكثر من ذلك فليس عليه إلا دم يهريقه) (4).
وعلى الجزء الثالث: ما مر دليلا للقول المشهور.
ويرد دليله على الأول: بعدم المقاومة لما مر حتى يحتاج إلى الجمع،
للشذوذ.

(1) حكاه عنه في المختلف: 285.
(2) التهذيب 5: 332 / 1141، الوسائل 13: 162 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 12
ح 1.
(3) التهذيب 5: 332 / 1143، الإستبصار 2: 194 / 653، الوسائل 13: 163
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 12 ح 3.
(4) الكافي 4: 360 / 4، الوسائل 13: 164 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 12 ح 5.
271

وبه يرد دليله على الجزء الثاني أيضا، مضافا إلى ورود الصحيحة في
الناسي، ولا بد من حملها على الاستحباب، لعدم وجوب الكفارة على
الناسي إجماعا ونصا كما مر.
ومنه يعلم أنه المحمل في المرسلة أيضا.
هذا، مع أنها بتمام مضمونها لا توافق قول أحد من الطائفة، بل قيل:
توافق مذهب أبي حنيفة (1).
وللمحكي عن الحلبي، فقال: لقص كل ظفر كف من طعام،
وفي أظفار إحدى يديه صاع، وفي أظفار كلتيهما دم وكذلك حكم أظفار
رجليه (2).
ودليله على الجزء الأول: صحيحة حريز ومرسلته المتقدمتان.
وصحيحة ابن عمار: عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها
فيؤذيه ذلك، قال: (لا يقص شيئا منها إن استطاع، فإن كانت تؤذيه
فليقصها وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام) (3).
وجوابه يظهر مما مر أيضا، مع أن الأخيرة واردة في المضطر الذي لا
يجب عليه شئ، فحملها على الاستحباب أيضا متعين.
ولم أظفر على جزئه الثاني على دليل، إلا أن يراد بالصاع: صاع النبي
- الذي هو خمسة أمداد - فيؤول إلى المشهور.
والثالث يوافق المشهور.

(1) كما في الحدائق 15: 543.
(2) الكافي في الفقه: 204.
(3) الكافي 4: 360 / 3، التهذيب 5: 314 / 1083، الفقيه 2: 228 / 1077،
الوسائل 13: 163 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 12 ح 4.
272

وللمحكي عن العماني، فإنه قال: من انكسر ظفره وهو محرم فلا
يقصه، فإن فعل فعليه أن يطعم مسكينا في يده (1).
ولا دليل له، إلا أن يراد بالاطعام مطلقه الشامل للقبضة أيضا، فتدل
عليه صحيحة ابن عمار، ولكنها مخصوصة بحال الاضطرار، محمولة على
الاستحباب.
فروع:
أ: ما مر من الكفارة إنما هو مع التعمد، وأما مع النسيان أو السهو أو
الجهل فلا كفارة إجماعا.
وتدل عليه صحيحة زرارة المتقدمة، ومرسلة الفقيه.
قال - بعد نقل صحيحة أبي بصير المتقدمة -: وفي رواية زرارة: (إن
من فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليه) (2).
وفي رواية أبي حمزة (3): عن رجل قلم أظافيره إلا إصبعا واحدا،
قال: (نسي؟) قال: نعم، قال: (لا بأس) (4).
ب: لو أفتى أحد بتقليم ظفر المحرم فأدماه، لزم المفتي شاة على
الحق المشهور، لرواية إسحاق الصيرفي (5) المنجبرة، وإطلاقها يقتضي عدم

(1) حكاه عنه في المختلف: 285.
(2) الفقيه 2: 228 / 1076، الوسائل 13: 160 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 10
ح 2.
(3) في النسخ: ابن أبي حمزة، والصحيح ما أثبتناه.
(4) التهذيب 5: 332 / 1144، الإستبصار 2: 195 / 654، الوسائل 13: 160
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 10 ح 4.
(5) التهذيب 5: 333 / 1146، الوسائل 13: 164 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 13
ح 1.
273

اشتراط إحرام المفتي، كما أن تقييدها مع الأصل يقتضي الاختصاص
بصورة الادماء.
وهل تشترط أهلية المفتي للافتاء بزعم المستفتي؟
قيل: نعم (1).
وفيه نظر.
نعم، الظاهر اشتراط عدم زعمه بطلان قوله.
ج: إنما يجب الدم أو الدمان بتقليم أصابع اليدين والرجلين إذا
لم يتخلل التكفير عن السابق قبل البلوغ إلى حد يوجب الشاة، وإلا تعدد
المد خاصة بحسب تعدد الأصابع، لأنه المتبادر من النص والفتوى، كذا
قيل (2).
وهو للمنع قابل، بل الظاهر من الاطلاق: الدم مع البلوغ إلى حده
وإن كفر للسابق.
ولذا قالوا: لو كفر شاة لليدين أو الرجلين ثم أكمل الباقي في
المجلس وجبت عليه شاة أخرى.
د - مقتضى إطلاق الروايات: أن بعض الظفر كالكل، لصدق الظفر،
بل المتعارف قصه ليس إلا بعض الظفر.
ولو تعددت دفعات قص ظفر إصبع واحد، فإن كان في مجلس
واحد فالظاهر عدم تعدد الفدية، لعدم دليل على اشتراط وحدة القص، بل
الظاهر أنه كذلك مع اختلاف المجلس.
ه‍: هل الحكم بالدم موقوف على إكمال اليدين أو الرجلين، كما هو

(1) كما في الروضة 2: 361، المدارك: 538.
(2) قال به في المدارك 8: 435، الذخيرة: 622.
274

مقتضى صحيحة أبي بصير (1).
أو يتحقق بإكمال العشرة أصابع ولو كان بعضها من اليد وبعضها من
الرجل، كما هو المستفاد من رواية الحلبي (2)؟
الظاهر: الأول، لا لما يتوهم من تعارض مفهوم الصحيحة مع منطوق
الرواية بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل، لأن نسبة الأصل إلى الشاة
وعشرة أمداد على السواء.
بل لأن المتبادر من قوله في الرواية: (أظافيره عشرتها) هو: العشرة
من عضو واحد.
نعم، لو كان يقول: عشرة أظافيره، لكان للاشكال وجه.
و: لو كانت له إصبع زائدة في اليد أو الرجل، فهل يتوقف وجوب
الدم على قص ظفرها أيضا، أم لا، بل يجب بقص العشرة؟
الظاهر: الأول، للأصل، وانصراف إطلاق العشرة إلى الغالب من
الأشخاص، فمثل ذلك الشخص خارج عن الاطلاق، فيرجع في حقه إلى
الأصل وإطلاق اليدين والرجلين.
ولو كانت أصابعه ناقصة فيشكل الحكم من جهة ذكر العشرة
وانصراف المطلق إلى الشائع، ومن جهة صدق اليدين والرجلين.
والأصل يقتضي عدم وجوب الدم والاقتصار على مد لكل ظفر،
فتأمل.
المسألة الثالثة: في لبس المخيط عمدا دم شاة بالاجماع، كما عن

(1) المتقدمة في ص 256.
(2) المتقدمة في ص 259.
275

المنتهى (1) وفي غيره (2).
لصحيحة زرارة المتقدمة في المسألة الأولى (3).
وصحيحة محمد: عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب
يلبسها، قال: (عليه لكل صنف منها فداء) (4).
ورواية سليمان بن العيص: عن المحرم يلبس القميص متعمدا، قال:
(عليه دم) (5).
ولا فرق في ذلك بين المختار والمضطر وإن انتفى التحريم في
الثاني، لاطلاق الروايات المتقدمة.
والخدش في دلالة الأولى - بأنه مع الاضطرار ليس مما لا ينبغي
لبسه - مردود بأنها تتضمن قوله: (ففعل ذلك ناسيا) أيضا، فيعلم أن
المراد: مما لا ينبغي في صورة العمد والاختيار.
وعن الخلاف والسرائر والتحرير والمنتهى والتذكرة: استثناء
السراويل عند الضرورة، فلا فداء فيه (6)، وعن الأخيرين: الاجماع عليه (7)،

(1) المنتهى 2: 812.
(2) كما في كشف اللثام 1: 408، الرياض 1: 473.
(3) التهذيب 5: 369 / 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8
ح 1.
(4) الكافي 4: 348 / 2، الفقيه 2: 219 / 1005، التهذيب 5: 384 / 1340،
الوسائل 13: 159 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 9 ح 1.
(5) التهذيب 5: 384 / 1339، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8
ح 2.
(6) الخلاف 2: 297، السرائر 1: 543، التحرير 1: 114، المنتهى 2: 782،
التذكرة 1: 332.
(7) المنتهى 2: 782، التذكرة 1: 332.
276

واستدل له الشيخ بالأصل مع خلو الأخبار عن فدائه.
وفيه: ما مر من دلالة الاطلاقات.
وعن بعضهم: استثناء لبس الخفين أيضا مع الاضطرار، للأصل،
وتجويز لبسه في بعض الأخبار من غير إيجاب الفداء (1).
بل قد يقال باستثنائه مطلقا، لعدم دليل عليه، سوى ما قيل من أن
الأصل في تروك الاحرام الفداء (2)، وهو ممنوع، والأخبار المتقدمة
المتضمنة للفظ الثوب، وشموله للخفين ممنوع.
وهو جيد جدا.
وقال في المدارك: والاستدامة في اللبس كالابتداء، فلو لبس المحرم
قميصا ناسيا ثم ذكر وجب خلعه إجماعا ولا فدية، ولو أخل بذلك بعد
العلم لزمه الفداء (3). إنتهى.
ولا بأس به.
ولو لبس متعددا، فإما يتحد اللبس ويتعدد الملبوس شخصا
مع وحدة الصنف، أو صنفا، أو يتحد الملبوس ويتعدد اللبس، أو
يتعددان.
فعلى الأول - كأن بلبس قميصين يلبس واحد -: ليس إلا كفارة
واحدة، بلا خلاف فيه يعرف، للأصل.
وعلى الثاني - كأن يلبس قميصا وقباء بلبس واحد -: فالظاهر تعدد
الفداء، لصحيحة محمد المتقدمة، وحملها على صورة تعدد اللبس لا وجه

(1) انظر التذكرة 1: 332.
(2) كما في الرياض 1: 473.
(3) المدارك 8: 437.
277

له، وأغلبيته لو سلمت ليست بحد يوجب الانصراف إليه.
وعلى الثالث - كأن يلبس قميصا واحدا مرتين -: فإن تخلل التكفير
بينهما تتعدد الكفارة، لاقتضاء وجود السبب وجود المسبب. وإن لم يتخلل
لم تجب إلا كفارة واحدة، سواء اختلف مجلس اللبسين أو اتحد، لأصالة
تداخل الأسباب على ما هو التحقيق عندنا.
وعلى الرابع: فمع تعدد الملبوس صنفا أو تخلل التكفير تتعدد
الكفارة، وإلا فلا، ويظهر وجهه مما سبق.
ولا كفارة في اللبس نسيانا أو جهلا، إجماعا نصا وفتوى.
المسألة الرابعة: في إزالة الشعر الكفارة إجماعا، للنصوص الآتية.
وهي في حلق الرأس من أذى دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو الصدقة،
إجماعا من غير شاذ، للكتاب والسنة:
منها: مرسلة حريز، وفيها: (فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله - أي أمر
كعب حيث رآه القمل يتناثر من رأسه، وقال له: أتؤذيك هوامك؟
قال: نعم، فنزلت الآية (1) - أن يحلق، وجعل الصيام ثلاثة أيام، والصدقة
على ستة مساكين، لكل مسكين مدان، والنسك شاة) (2)، ونحوها
صحيحته (3).
ومرسلة الفقيه، إلا أن فيها: (لكل مسكين صاع من تمر، والنسك

(1) الآية: (فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو
نسك) البقرة: 196.
(2) الكافي 4: 358 / 2، المقنع: 75، الوسائل 13: 166 أبواب بقية كفارات
الاحرام ب 14 ذيل الحديث 1.
(3) التهذيب 5: 333 / 1147، الإستبصار 2: 195 / 656، الوسائل 13: 165
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 14 ح 1.
278

شاة لا يطعم منها أحد إلا المساكين) (1).
ومنها: رواية عمر بن يزيد، وفيها - بعد ذكر الآية -: (فمن عرض له
أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة
أيام، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام، والنسك شاة
يذبحها فيأكل ويطعم، وإنما عليه واحد من ذلك) (2).
وخلافا للمحكي عن الديلمي، فاقتصر فيه على الدم خاصة (3).
ولا وجه له.
ومن غير أذى: دم شاة خاصة، وفاقا للمحكي عن النزهة (4)، ونفي
عنه البعد في المدارك (5)، وقواه بعض مشايخنا (6) أولا.
لصحيحة زرارة ورواية قرب الإسناد المتقدمتين في المسألة
الأولى (7)، وصحيحته الأخرى (8)، وهي كالأولى، إلا أنه ليس فيها: تقليم
الظفر، بتخصيص هذه بما تقدم من مورده من الأذى، وإبقائها في غيره على
عمومه.

(1) الفقيه 2: 228 / 1083 و 1084، الوسائل 13: 167 و 168 أبواب بقية كفارات
الاحرام ب 14 ح 4 و 5.
(2) التهذيب 5: 333 / 1148، الإستبصار 2: 195 / 657، الوسائل 13: 166
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 14 ح 2.
(3) المراسم: 120.
(4) نزهة الناظر: 67.
(5) المدارك 8: 439.
(6) كما في الرياض 1: 474.
(7) في ص: 254 - 255.
(8) الكافي 4: 361 / 8، التهذيب 5: 339 / 1174، الوسائل 13: 159 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 10 ح 1.
279

خلافا لآخرين - ولعلهم الأكثر (1) - فجعلوا التخيير في حلق الرأس
مطلقا، بل عن المنتهى: أن التخيير في هذه الكفارة لعذر أو غيره مذهب
علمائنا أجمع (2).
ولا دليل عليه يوجب حمل الصحيحين على التجوز - من الوجوب
التخييري - مع عدم إمكانه في غير حلق الرأس مما ذكر فيهما، وبمجرد
ذلك الاجماع المنقول لا يجوز المصير إلى التجوز.
والحكمان - أي التخيير مع الأذى والدم بدونه - جاريان في حلق
الرأس مطلقا، جميعه كان أو بعضه، قليلا كان أو كثيرا، لصدق حلق
الرأس، إلا أن يكون قليلا غايته، بحيث يخرج عن التسمية - كحلق شعرة
أو شعرتين أو ثلاثة - فلا يثبت ذلك بما ذكر، وإن أمكن القول فيه بالدم
أيضا، لرواية قرب الإسناد المتقدمة، بل كذلك، لذلك.
وقيل في حلق ثلاث شعرات بالصدقة بكف من طعام أو سويق (3).
ولا وجه له، سوى بعض الأخبار الآتية، التي موردها غير الحلق.
وهل حلق غير الرأس أيضا كحلقه، أم لا؟
ظاهر إطلاق الفاضلين (4) وبعض من تأخر عنهما (5): الأول.
ومقتضى تقييد جمع ممن تقدم عليهما: الثاني (6).
وهو الأجود، لتعلق الحكم بالرأس.

(1) انظر المسالك 1: 145، اللمعة (الروضة 2): 363، المفاتيح 1: 339.
(2) المنتهى 2: 815.
(3) كما في المدارك 8: 440.
(4) المحقق في النافع: 108، العلامة في المنتهى: 815.
(5) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 110، صاحب المدارك 8: 440.
(6) كالطوسي في النهاية: 233، الديلمي في المراسم: 120.
280

إلا أن في حلق غيره أيضا الدم مطلقا.
لرواية قرب الإسناد.
وكذا في إزالة شعر الرأس وغير الرأس بغير الحلق، لذلك، إلا فيما
ورد فيه نص بخصوصه، كما يأتي.
ثم الصدقة المذكورة هل هي على ستة مساكين، لكل مسكين مدان،
كما نسبه في المدارك إلى الأكثر (1)، وبعض من تأخر عنه إلى الأشهر (2)؟
أو على ستة مساكين من غير ذكر المد ولا المدين، كما عن الغنية
نافيا عنه الخلاف (3)؟
أو عليهم لكل مسكين مد، كما عن المبسوط والمقنعة والسرائر (4)؟
أو على عشرة مساكين، لكل مسكين مد، كما عن ابن حمزة
والقواعد وفي الشرائع، ونسبه في المسالك إلى المشهور (5)؟
أو التخيير بين الستة والمدين أو العشرة والاشباع، كما عن التهذيبين
والجامع (6)؟
والأقوى هو: الأخير، للجمع بين روايتي حريز وبين رواية عمر بن
يزيد (7).

(1) المدارك 8: 439.
(2) كما في الرياض 1: 473.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.
(4) المبسوط 1: 350، المقنعة: 434، السرائر 1: 553.
(5) ابن حمزة في الوسيلة: 169، القواعد 1: 99، الشرائع 1: 296، المسالك 1:
145.
(6) التهذيب 5: 334، الإستبصار 2، 196، الجامع: 195.
(7) المتقدمة جميعا في ص 278 و 279.
281

ونظر الأولين إلى ضعف رواية عمر سندا ومتنا لتجويز الأكل فيه من
الفداء.
والأول غير ضائر عندنا.
والثاني عند الكل، لأن طرح جزء من الرواية لا يوجب طرح الباقي.
ونظر الرابع إلى ترجيح رواية العشرة، مع كون الغالب في الشبع
المد. وكلاهما في حيز المنع.
ومنه يظهر منظور الخامس وجوابه.
وأما الثالث فلم يظهر لي محط نظره، سوى ما ذكره بعضهم عن
الفقيه - بعد ذكر مرسلته المتقدمة -: وروي: (مد من تمر) (1)، ولم أتفطن
بوجه ترجيحه على غيره، سيما مع تقييده بالتمر الذي لا قائل به
بخصوصه.
المسألة الخامسة: إذا نتف الرجل إبطيه معا فكفارته دم شاة، وإن
نتف إحداهما فعليه إطعام ثلاثة مساكين على المشهور بين الأصحاب، بل
قيل: لا خلاف في الحكمين أجده إلا عن بعض المتأخرين (2).
أما الأول: فلصحيحة زرارة ورواية قرب الإسناد المتقدمتين.
وصحيحة حريز: (إذا نتف الرجل إبطيه بعد الاحرام فعليه دم
شاة) (3).

(1) ذكره في الرياض 1: 474، وهو في الفقيه 2: 229 / 1084، الوسائل 13:
168 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 14 ح 5.
(2) كما في الرياض 1: 474.
(3) التهذيب 5: 340 / 1177، الإستبصار 2: 199 / 675، الوسائل 13: 161
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 11 ح 1، وفي الجميع لا توجد لفظة: شاة.
282

وأما الثاني: فاستدل له برواية عبد الله بن جبلة: في محرم نتف إبطه،
قال: (يطعم ثلاثة مساكين) (1).
واعترض عليها بضعف السند (2).
ورد بالانجبار بالعمل (3)، وهو كذلك.
إلا أنه يرد عليها: ضعف الدلالة على الوجوب، مع ما قيل من أن
صحيحة زرارة تدل على وجوب الدم في مطلق الإبط (4)، وحمله على
الإبطين - لأن الغالب نتفهما معا - يجري في الرواية أيضا.
ولا معارض لها، سوى ما قيل من مفهوم صحيحة حريز (5).
وهو فاسد، إذ لا يعتبر مفهوم الشرط في أمثال ذلك المقام، ولذا لم
يقل أحد بمعارضته مع ما دل على أن في الطيب وتقليم الظفر ونحوهما
شاة.
ولا يقال: إنه يعارض ما إذا قال: من حلق رأسه ففيه شاة، بل
الظاهر أن الحكم وجوب الشاة لكفارة ذلك العمل، فلا يعارض ما دل
على وجوبها لغيرها، مع أن الموجود في كثير من النسخ الصحيحة من
الوافي بل في جميع ما وجدنا في صحيحة حريز أيضا: (إبطه) بالافراد دون
التثنية.
وعلى هذا، فلا يكون لما حكم في مطلق الإبط بالشاة - كما اختاره

(1) التهذيب 5: 340 / 1178، الإستبصار 2: 200 / 676، الوسائل 13: 161
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 11 ح 2.
(2) كما في المدارك 8: 442.
(3) كما في الرياض 1: 474.
(4) انظر الذخيرة: 623.
(5) انظر الرياض 1: 474.
283

بعض المتأخرين - معارض أصلا، فيجب الحكم به، ويحكم باستحباب
إطعام ثلاثة مساكين أيضا لمطلق الإبط.
وذهب بعض المتأخرين إلى التخيير بين الاطعام والدم مع أولوية
الدم (1).
وحكم بعض إحدى الإبطين كتمامها، لصدق نتف الإبط، وكذا إزالة
شعرها بغير النتف، بل إزالة مطلق الشعر غير ما ذكر - ويأتي - لرواية قرب الإسناد (2).
المسألة السادسة: إن نتف المحرم من شعر لحيته أو غيرها - سوى
الإبط - شيئا قليلا أو كثيرا، أو مس رأسه أو لحيته أو غيرهما فسقطت منه
شعرة أو شعرات، فعليه أن يتصدق بكف من طعام أو سويق أو كفين، أو
يشتري تمرا بدرهم فيتصدق به، مخيرا بينهما.
جمعا بين ما يدل على التصدق بالكف - كصحيحتي هشام (3)
والحلبي (4) - وما يدل على اشتراء التمر - كرواية الحسن بن هارون (5) - وما
دل على مطلق الاطعام، كصحيحة ابن عمار (6).

(1) انظر المفاتيح 1: 339، الوافي 12: 645.
(2) المتقدمة في ص 255.
(3) التهذيب 5: 338 / 1171، الإستبصار 2: 198 / 669، الوسائل 13: 171 أبواب
بقية كفارات الاحرام ب 16 ح 5.
(4) الكافي 4: 361 / 9، الوسائل 13: 173 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 16 ح 9.
(5) التهذيب 5: 340 / 1176، الإستبصار 2: 199 / 674، الوسائل 13: 171
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 16 ح 4.
(6) التهذيب 5: 338 / 1170، الإستبصار 2: 198 / 668، الوسائل 13: 171
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 16 ح 2.
284

وأما ما نفي فيه الشئ أو الضرر - كروايتي المرادي (1) والمفضل بن
عمر (2) - فيحمل على المؤاخذة جمعا، وما تردد فيه بين الكف أو الكفين
يحمل الزائد على الكف فيه على الاستحباب.
وهل الحكم المذكور مخصوص بغير الوضوء إما مطلقا أو للصلاة أو
مع الغسل أيضا، كما حكي عن الأكثر (3)؟
لصحيحة التميمي: عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته
الشعرة أو الشعرتان، فقال: (ليس بشئ، ما جعل عليكم في الدين من
حرج) (4).
أو يعمه أيضا، كما عن الصدوق والمفيد والسيد والديلمي (5).
لبعض الأخبار المتقدمة.
الحق: الأخير، لعدم دلالة الصحيحة المذكورة على نفي الكفارة أصلا
ولو من جهة التعليل، لأن الأكف من الطعام لا حرج فيها أصلا.
المسألة السابعة: في التظليل سائرا الكفارة، وعن ظاهر المنتهى:
اتفاق الأصحاب عليه (6)، ونسبه في المدارك إلى مذهب الأصحاب عدا

(1) الكافي 4: 361 / 10، التهذيب 5: 339 / 1175، الإستبصار 2: 199 / 673،
الوسائل 13: 172 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 16 ح 8.
(2) التهذيب 5: 339 / 1173، الإستبصار 2: 198 / 671، الوسائل 13: 172
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 16 ح 7.
(3) انظر الرياض 1: 474.
(4) التهذيب 5: 339 / 1172، الإستبصار 2: 198 / 670، الوسائل 13: 172
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 16 ح 6.
(5) الصدوق في المقنع: 75، المفيد في المقنعة: 435 السيد في جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 71، الديلمي في المراسم: 120.
(6) المنتهى 2: 814.
285

الإسكافي (1).
وتدل عليه المستفيضة المتقدمة أكثرها في بحث حرمة التظليل،
كالصحاح السبع: لا بن المغيرة وابن بزيع والخراساني والأشعري وعلي،
وروايتي أبي بصير وعلي بن محمد، المتقدمة جميعا (2).
ورواية أبي علي بن راشد: عن محرم ظلل في عمرته، قال (يجب
عليه دم)، قال: (فإن خرج من مكة وظلل وجب عليه أيضا دم لعمرته ودم
لحجته) (3).
وصحيحته: يشتد علي كشف الضلال في الاحرام، لأني محرور
تشتد علي الشمس، فقال: (ظلل وأرق دما)، فقلت له: دما أو دمين؟
قال: (للعمرة؟) قلت: إنا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج،
قال: (فأرق دمين) (4).
واختلفوا فيما يكفر به، فالحق الموافق لقول الأكثر - كما في
المدارك والذخيرة (5) -: أنه دم شاة، للصحاح الأربع لابن بزيع والخراساني
المتقدمة.
وعن المقنعة وجمل العلم والعمل والمراسم والنهاية والمبسوط
والوسيلة والسرائر: أنه دم (6).

(1) المدارك 8: 442.
(2) في ص: 809، 810، 811.
(3) الكافي 4: 352 / 14، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 7 ح 2.
(4) التهذيب 5: 311 / 1067، الوسائل 13: 156 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 7
ح 1.
(5) المدارك 8: 442، الذخيرة: 623.
(6) المقنعة: 434، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 70،
المراسم: 121، النهاية: 233، المبسوط 1: 321، الوسيلة: 168، السرائر 1:
553.
286

لاطلاق الدم في رواية علي بن محمد وصحيحة أبي علي وروايته.
ويجب الحمل على الشاة حملا للمطلق على المقيد، كما تقيد
إطلاقات الفداء والكفارة بالدم أيضا، لذلك.
وأما ما في صحيحة علي - من أنه كان ينحر بدنة لكفارة الظل - فلا
حجية فيه، لأن فعل علي بن جعفر أو فهمه لا يصلح حجة للغير، سيما في
مقابلة الأخبار.
وعن العماني: أن كفارته صيام أو صدقة أو نسك - كالحلق للأذى (1) -
لخبر ضعيف بالشذوذ.
وعن الصدوق: أنها مد لكل يوم (2).
وتدل عليه رواية أبي بصير المشار إليها.
وحملها على حال النزول واستحباب التصدق ممكن، لعمومها
وأخصية ما تقدم، مع أنها شاذة.
فرعان:
أ: هل الفداء مخصوص بحال الاضطرار، كما حكي عن ظاهر جملة
من القدماء (3)؟
أو يتعدى إلى حال الاختيار أيضا؟
دليل الأول: الأصل، واختصاص جملة الأخبار به، حتى صحيحة

(1) حكاه عنه في المختلف: 285.
(2) المقنع: 74.
(3) حكاه في الرياض 1: 475.
287

علي، لأن تجويزه التظليل ليس إلا مع الضرورة.
وصرح جماعة بالتعدي.
لاحتمال الاجماع (1).
وهو ممنوع.
وللأولوية.
وهي مردودة، لأن الكفارة لعلها لجبر النقصان الحاصل بالاضطرار،
ولعل مع الاختيار وارتكاب النقصان لا يطلب الشارع الانجبار.
أقول: ويمكن التعدي بإطلاق رواية أبي علي، بل عمومها الحاصل
من ترك الاستفصال من غير معارض، ولا يضر ضعف سندها بالارسال،
لانجباره بعمل الأكثر.
ب: مقتضى الأصل والاطلاقات - بل صريح رواية أبي علي
وصحيحته - عدم تكرر الكفارة بتكرر التظليل في النسك الواحد من الحج أو
العمرة، وصرح به جماعة أيضا (2)، بل كأنه لا خلاف فيه مع الاضطرار.
نعم، قيل بشاة لكل يوم للمختار (3)، ولا دليل له.
المسألة الثامنة: في تغطية الرأس للرجل الكفارة دم شاة، على ما هو
المقطوع به بين الأصحاب، كما في المدارك والذخيرة (4)، بل بلا خلاف،
كما عن المنتهى والتذكرة، بل المبسوط (5)، بل بالاجماع، كما عن الغنية (6).

(1) الكافي في الفقه: 204، المسالك 1: 145.
(2) الذخيرة 1: 623، الرياض 1: 475.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.
(4) المدارك 8: 444، الذخيرة: 623.
(5) المنتهى 2: 814، التذكرة 1: 353، المبسوط 1: 351.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.
288

لرواية قرب الإسناد المتقدمة (1)، المؤيدة بالمرسلة المروية في
بعض كتب الطائفة فيمن غطى رأسه: (إن عليه الفدية) (2) والضعف منجبر
بما مر.
وقيل (3): يؤيده عموم صحيحة زرارة المتضمنة لقوله: من لبس ما لا
ينبغي لبسه متعمدا فعليه شاة (4).
وفيه خدش، فإن جهة اللبس غير جهة الستر.
والظاهر تكرر الفدية بتكرر التغطية لو تخلله التكفير، لصدق الخرج
في الحج بكل مرة، دون ما إذا لم يتخلل، للتداخل.
ولا يتكرر بتعدد الغطاء.
ولا فرق في لزوم التكفير بين الاختيار والاضطرار، للاطلاق.
ومما ذكرنا يظهر لزوم الدم في الارتماس أيضا.
وأما في الستر بالطين وحمل شئ على الرأس فيبنى على حرمته
وعدمه، والوجه ظاهر.
المسألة التاسعة: لم يذكروا للفسوق كفارة، ومقتضى رواية قرب الإسناد (5) ثبوت الدم، ومقتضى صحيحة سليمان بن خالد (6) - المتقدمة في

(1) 167 في ص 255.
(2) الخلاف 2: 299.
(3) انظر الرياض 1: 475 وفيه: وفي الغنية الاجماع صريحا، وهو الحجة
المعتضدة بعموم ما مر من الصحيح: من لبس ما لا ينبغي...
(4) التهذيب 5: 369 / 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفارات الاحرام 8 ح 1.
(5) المتقدمة في ص: 255.
(6) الكافي 4: 339 / 6، التهذيب 5: 297 / 1004، الوسائل 13: 148 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 2 ح 1.
289

بحث تحريم الفسوق - أن فيه مع السباب بقرة.
وفي صحيحة علي: (وكفارة الفسوق: يتصدق به إذا فعله وهو
محرم) (1).
إلا أن في صحيحة محمد والحلبي: أرأيت من ابتلى بالفسوق ما
عليه؟ قال: (لم يجعل الله له حدا، يستغفر الله ويلبي) (2).
ولا شك أن مع معارضة هذه الصحيحة لما ذكر - مع عدم وجود
مصرح بالكفارة، وموافقة الصحيحة للأصل، وأخصيتها عن رواية قرب
الإسناد، وسقوط شئ عن صحيحة علي - يرجع إلى الأصل.
وحمل في الوافي صحيحة سليمان على ما إذا كان فوق مرتين مع
يمين (3)، فيصير حينئذ جدالا.
المسألة العاشرة: الجدال إن كان صدقا فلا كفارة فيما دون الثلاث
مرات منه، وفي الثلاث منه شاة.
وإن كان كذبا ففي مرة منه شاة، وفي مرتين بقرة، وفي ثلاث مرات
بدنة.
أما الأولان: فعلى الحق المشهور بين الأصحاب، بل قيل: لا يكاد
يتحقق فيه خلاف يعتد به (4).
للأخبار المستفيضة من الصحاح وغيرها، كصحيحتي ابن عمار (5)،

(1) التهذيب 5: 297 / 1005، الوسائل 13: 149 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 2
ح 3.
(2) الفقيه 2: 212 / 968، الوسائل 12: 464 أبواب تروك الاحرام ب 32 ح 2.
(3) الوافي 13: 667.
(4) الرياض 1: 475.
(5) الكافي 4: 337 / 3، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 3.
290

ومحمد (1)، وموثقة يونس (2)، المتقدمة في بحث تحريم الجدال.
وصحيحة محمد والحلبي: (إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم
يهريقه، وعلى المخطئ بقرة) (3).
وابن عمار: (إن الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولا وهو
محرم فقد جادل، وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق به) (4).
وصحيحة أبي بصير: (إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو
محرم فعليه دم يهريقه، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل، فعليه دم
يهريقه) (5).
والأخرى: (إذا حلف ثلاثة أيمان متتابعات صادقا فقد جادل وعليه
دم، وإذا حلف واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم) (6).
والرضوي: (وإن جادلت مرة أو مرتين وأنت صادق فلا شئ
عليك، فإن جادلت ثلاثا وأنت صادق فعليك دم شاة، وإن جادلت مرة
وأنت كاذب فعليك دم شاة، وإن جادلت مرتين كاذبا فعليك دم بقرة، وإن

(1) التهذيب 5: 335 / 1153، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1
ح 6.
(2) التهذيب 5: 335 / 1156، الإستبصار 2: 197 / 666، الوسائل 13: 147
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 8.
(3) الفقيه 2: 212 / 968، الوسائل 13: 145 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 2.
(4) التهذيب 5: 335 / 1152، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1
ح 5.
(5) التهذيب 5: 335 / 1154، الإستبصار 2: 197 / 665، الوسائل 13: 147
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 7.
(6) الكافي 4: 338 / 4، الوسائل 13: 146 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 4
وفيه: بثلاثة أيمان متعمدا...
291

جادلت ثلاثا وأنت كاذب فعليك بدنة) (1).
دلت هذه الأخبار منطوقا ومفهوما على الحكمين، ولا معارض لها.
ولا تنافي الأول صحيحة سليمان بن خالد: يقول: (في الجدال
شاة) (2)، ولا الثاني موثقة يونس المشار إليها.
إذ صحيحة سليمان محمولة على ما إذا كان فوق مرتين أو الكاذب
منه، حملا للمطلق على المقيد، مع أن المستفاد من كثير من الأخبار المتقدمة
عدم تحقق الجدال في الصادق ما لم يزد على المرتين، وتوقفه
عليها.
وظاهر الموثقة أن المقول هو المرة الواحدة.
وأما المروي في تفسير العياشي: (من جادل في الحج فعليه إطعام
ستين مسكينا، لكل مسكين نصف صاع إن كان صادقا أو كاذبا، فإن عاد
مرتين فعلى الصادق شاة، وعلى الكاذب بقرة) (3).
فشاذ في غير الجزء الأخير، مردود بمخالفة الاجماع والأخبار.
وهل يشترط في وجوب الكفارة بالثلاث تواليها وتتابعها، كما هو
مقتضى مفهوم الشرط في صحيحتي ابن عمار وموثقة أبي بصير الأخيرة،
وهو المنقول عن العماني (4)، ومال إليه في المدارك والذخيرة (5)؟

(1) فقه الرضا (ع): 217، مستدرك الوسائل 9: 295 أبواب بقية كفارات الاحرام
ب 1 ح 2.
(2) الكافي 4: 339 / 6، الوسائل 13: 145 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 1.
(3) تفسير العياشي 1: 95 / 255، الوسائل 13: 148 أبواب بقية كفارات الاحرام
ب 1 ح 10، وفيهما: ستة مساكين، بدل: ستين مسكينا.
(4) حكاه عنه في الدروس 1: 386.
(5) المدارك 8: 446، الذخيرة: 624.
292

أو لا، كما هو ظاهر إطلاق صحيحتي محمد والحلبي ومحمد،
وموثقة أبي بصير الأولى؟ وهو ظاهر إطلاق الأكثر، بل قيل: إن الظاهر
انعقاد الاجماع، لكون قول العماني شاذا على الاطلاق (1)، بل إطلاق كلامه
يعم الصادق والكاذب، وهو خلاف للاجماع، ومخالف للمستفيضة من
الأخبار.
الحق هو: الأول، لما مر، وعدم ثبوت انعقاد الاجماع، بل الشهرة
الموجبة للشذوذ.
وأما الأحكام الثلاثة الأخيرة فكذلك أيضا.
وتدل على الأول منها: صحاح ابن عمار وأبي بصير.
وعلى الثاني: رواية العياشي.
وعلى الثالث: إطلاق رواية أبي بصير: (إذا جادل الرجل وهو محرم
فكذب متعمدا فعليه جزور) (2).
خرج عنها ما دون الثلاث بدليله، فيبقى الباقي.
وعلى الأخيرين: الرضوي المتقدم، المنجبر ضعفه وضعف رواية
العياشي بعمل الأكثر.
ومقتضى بعض الصحاح المتقدمة: وجوب البقرة في الثلاث، ومال
إليه في المدارك والذخيرة (3)، وحكي القول به في الأخير عن الصدوق،
وحمل رواية أبي بصير على الاستحباب (4).

(1) الرياض 1: 475.
(2) التهذيب 5: 335 / 1155، الوسائل 13: 147 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 1 ح 9.
(3) المدارك 8: 445، الذخيرة: 623.
(4) الذخيرة: 623.
293

وهو كان حسنا لولا الشذوذ المخرج عن الحجية، والتعارض مع
الحديث المنجبر.
فروع:
أ: الحق أنه لا كفارة إذا اضطر إلى اليمين لاثبات حق أو نفي باطل،
كما في المدارك والذخيرة (1)، وعن السرائر وجمع آخر (2).
ولا فيما إذا كان في طاعة الله وصلة الرحم وإكرام الأخ المؤمن، كما
عن الإسكافي والفاضل والجعفي (3).
لصحيحة أبي بصير (4) المتقدمة في بحث تحريم الجدال، والتقريب
الذي ذكرنا فيه.
ب: لو زاد الصادق عن ثلاثة ولم يتخلل التكفير فعليه كفارة واحدة
عن الجميع، ومع تخلله فلكل ثلاثة شاة على الأحوط، بل الأظهر.
ج: إنما تجب على الكاذب البقرة بالمرتين والبدنة بالثلاث إذا
لم يكن كفر عن السابق، فلو كفر عن كل واحدة فالشاة، أو اثنتين
فالبقرة.
والضابط اعتبار العدد ابتداء أو بعد التكفير، فللمرة شاة، وللمرتين

(1) المدارك 8: 446، الذخيرة: 624.
(2) منهم الشهيد الأول في الدروس 1: 387، الكاشاني في المفاتيح 1: 342،
صاحب الحدائق 15: 469.
(3) حكاه عن الإسكافي وارتضاه في المختلف: 271، حكاه عن الجعفي في الدروس 1:
387.
(4) الكافي 4: 338 / 5، الفقيه 2: 214 / 973، الوسائل 12: 466 أبواب تروك
الاحرام ب 32 ح 7.
294

بقرة، وللثلاث بدنة.
صرح بذلك جماعة (1)، بل قيل: من غير خلاف بينهم أجده (2).
وللتأمل فيه مجال، إذ مقتضى عموم رواية أبي بصير وجوب
الجزور مطلقا، ولم يعلم خروج غير المرتين والمرة - لا ثالث لهما أصلا -
عنه.
نعم، يمكن أن يقال في البقرة: إن إتيانها في المرتين موقوف على
انجبار الخبرين، وتحققه في كل مرتين - حتى ما سبقت الكفارة الأولى -
غير معلوم، إلا أنه يمكن إثباتها بإثبات البدنة فيما نحن فيه بضميمة
الاجماع المركب، فتأمل.
المسألة الحادية عشرة: في قلع شجرة الحرم الكفارة على
المشهور، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا (3).
وتدل عليه مرسلة الفقيه: عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه، قال:
(عليك فداؤه) (4).
وموثقة سليمان: عن رجل قلع من الأراك الذي بمكة، قال: (عليه
ثمنه) (5)، وغير ذلك مما يأتي.

(1) منهم صاحب المدارك 8: 446، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 411،
صاحب الرياض 1: 476.
(2) انظر الرياض 1: 476.
(3) انظر الرياض 1: 476.
(4) الفقيه 2: 166 / 723، الوسائل 13: 174 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 18
ح 1. والأراك: شجر يستاك بقضبانه، له حمل كعناقيد العنب، يملأ العنقود الكف -
مجمع البحرين 5: 253.
(5) الفقيه 2: 166 / 720، التهذيب 5: 379 / 1324، الوسائل 13: 174 أبواب
بقية كفارات الاحرام ب 18 ح 2 بتفاوت يسير.
295

خلافا للمحكي عن الحلي (1)، فقال: لا كفارة فيه، وهو ظاهر الشرائع
والنافع (2)، واستوجهه في المدارك (3)، للأصل، وضعف الروايات.
وهو ضعيف، لمنع الضعف، والانجبار لو كان.
واختلفوا فيما يكفر به، فقيل: في قلع كبير شجر الحرم بقرة، وفي
قلع صغيرها شاة، وفي قطع بعض أغصانها قيمته (4).
وهو المشهور كما ذكره بعض مشايخنا (5)، وعن الخلاف: الاجماع
عليه (6).
وعن القاضي: أنها بقرة في الكبيرة والصغيرة (7).
وعن الإسكافي والمختلف: أنها قيمتها وثمنها مطلقا (8).
ودليل الأول: الاجماع المنقول.
ومرسلة موسى (9)، المتقدمة في بحث قطع الشجر من تروك الاحرام.
والمروي عن ابن عباس أنه قال: في الدوحة بقرة، وفي الجزلة
شاة (10).

(1) السرائر 1: 554.
(2) الشرائع 1: 297، النافع: 108.
(3) المدارك 8: 447.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 577.
(5) الرياض 1: 476.
(6) الخلاف 2: 408.
(7) المهذب 1: 223.
(8) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 286، المختلف: 287.
(9) التهذيب 5: 381 / 1331، الوسائل 13: 174 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 18
ح 3.
(10) المهذب للفيروز آبادي الشيرازي 1: 219. والدوحة: الشجرة العظيمة، من أي
الشجر كان - الصحاح 1: 361. والجزلة: هي ما عظم من الشجر دون الدوحة -
انظر مصدر الرواية، والجزل: ما عظم من الحطب ويبس - الصحاح 4: 1655.
296

وضعف الكل ظاهر جدا:
أما الأول: فلعدم حجيته.
وأما الثاني: فلعدم دلالتها على الوجوب أولا، وعدم اختصاصها
بالكبيرة ثانيا، وصراحتها في عدم الوجوب ثالثا، لورودها فيما في دار
القالع، وقد مر جواز قلعها، بل صرح به في المرسلة، حيث قال: (فإن أراد
نزعها نزعها)، ولا كفارة في مثله وجوبا قطعا.
وأما الثالث: فلعدم ثبوت الرواية أولا.
وعدم حجية قول ابن عباس جدا ثانيا.
وعدم تعرضه للأبعاض ثالثا.
مع أنه ينافي ذلك موثقة سليمان المثبتة للثمن، وجعل موردها القطع
من الأراك - الذي هو الظاهر في بعض أغصانه - خطأ، لتضمنها لفظ:
القلع، الذي هو الصريح في قلع الأصل.
ومنه تظهر قوة قول الإسكافي، فهو المعتمد، ولا تنافيه مرسلة
الفقيه، لأن الفداء أعم من الثمن، وبها يستدل على الثمن في الأغصان
بضميمة عدم القول بغيره فيها.
ولا يمكن التمسك برواية قرب الإسناد المتقدمة (1) هنا، لعدم كون
ذلك خرجا في الحج، بل هو من خصائص الحرم، كما مر في بحث
التروك.
ولا كفارة في قلع الحشيش، وفاقا للمشهور، للأصل.

(1) في ص 225.
297

المسألة الثانية عشرة: لا كفارة في غير ما ذكر من تروك الاحرام،
للأصل، وعدم الدليل، سوى بعض الأخبار الضعيفة، المتوقف الاستناد
إليها إلى الانجبار، الغير الحاصل في عدا ما مر.
وقد يقال بوجوب دم الشاة في قطع الضرس، لرواية مرسلة مضمرة
مكاتبة (1)، قاصرة عن إفادة الوجوب، محتملة لكونه للادماء الغير المنفك
عن قلع الضرس غالبا، فالأقوى: العدم، وفاقا لجمع من القدماء (2)
والمتأخرين (3).

(1) التهذيب 5: 385 / 1344، الوسائل 13: 175 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 19
ح 1.
(2) كالصدوق في المقنع: 74، الفقيه 2: 222، وحكاه عن الإسكافي في المختلف:
287.
(3) منهم العلامة في المختلف: 287، الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 413،
الأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 53، صاحب المدارك 8: 449.
298

البحث الرابع
في بعض ما يتعلق بأحكام الكفارات
وفيه أربع مسائل:
المسألة الأولى: لو تعددت أسباب التكفير المختلفة - كالصيد
والوطء واللبس - فالمشهور أنه تجب عن كل واحد كفارة، سواء فعل ذلك
في وقت واحد أو وقتين، كفر عن الأول أو لم يكفر.
وفي المدارك: أنه مقطوع به في كلام الأصحاب (1).
وفي الذخيرة: أنه المعروف بينهم (2).
وعن ظاهر المنتهى: أنه موضع وفاق (3).
وادعى الوفاق فيه بعض الاعلام أيضا (4).
واستدل عليه بأن كل واحد من تلك الأمور سبب مستقل في وجوب
الكفارة، والحقيقة باقية عند الاجتماع. فيجب وجود الأثر.
وأيد بفحوى ما دل على تكرر الكفارة بتكرر الصيد ولبس الأنواع
المتعددة من الثياب.
قال في الذخيرة: وفيه تأمل، لأن القدر المسلم كون كل واحدة سببا،
أي معرفا لوجوب الكفارة.

(1) المدارك 8: 451.
(2) الذخيرة: 624.
(3) المنتهى: 845.
(4) كما في كشف اللثام 1: 412.
299

أما كونه معرفا لوجوب كفارة مغايرة لما يعرف وجوبه السبب الآخر
فمحل نظر يحتاج إلى دليل.
وكذا في التأييد تأمل.
وبالجملة: لا خفاء في تعدد الكفارة مع تخلل التكفير، أما بدونه ففيه
خفاء. انتهى (1).
وهو جيد جدا، سيما على ما حققناه من أصالة تداخل الأسباب.
ومنه يظهر الجواب عما استدل به للتعدد، من أن المقتضي موجود
والمسقط منتف، فإنه إن أريد المقتضي للتعدد فوجوده ممنوع، وإن أريد
للمطلق فالواحدة مسقطة.
وقال في المدارك: لا ريب في التعدد مع سبق التكفير، وإنما يحصل
التردد مع عدمه (2).
ثم أقول: لا ينبغي الريب في التعدد فيما ذكراه من صورة التخلل،
وكذا لا شك فيه مع اختلاف المسببات - أي الكفارات، كالشاة والبقرة
والصوم - والوجه ظاهر، وأما بدونهما فالمتجه عدم التعدد، وإن كان التعدد
مطلقا أولى وأحوط.
المسألة الثانية: قد تقدم تكرر الكفارة بتكرر الصيد.
وأما في غير الصيد، فلا شك في تكررها أيضا بتكرره مع تخلل
التكفير، أو كون السبب الواحد المتكرر إتلافا مضمنا للمثل أو القيمة، فإن
امتثال المثل أو القيمة لا يحصل إلا بالاتيان بالجميع.
وأما بدون ذلك، فمقتضى الأصل الذي حققناه عدم التكرر، إلا فيما

(1) الذخيرة: 624.
(2) المدارك 8: 451.
300

ثبت بدليل خاص، كلبس الثياب المختلفة صنفا.
إلا أنهم ذكروا تكررها في مواضع:
منها: الوطء، فإن المشهور - كما في المدارك (1) وعن جماعة (2)،
والمعروف من مذهب الأصحاب كما الذخيرة (3).
والمنفردة به الإمامية كما عن الانتصار (4)، بل عنه وعن الغنية الاجماع
عليه (5) - تكرر الكفارة، سواء كان التكرر في مجلس واحد أو مجالس
متعددة، كفر عن الأول أم لا.
واستدل له بالاجماع المنقول الذي هو في حكم النص الصحيح،
والشهرة العظيمة، وبعموم النصوص الموجبة للكفارة.
ويرد الأولان: بعدم الحجية.
و [الأخير] (6): بمنع عموم النص، فإنه لا يفيد إلا أن على المجامع
بدنة، وهو أعم من المجامع مرة أو مرات.
وأجيب عنه أولا: بعموم الاجماع المنقول الذي هو في حكم النص
الصحيح.
وثانيا: بأنه لو تم لنفى التكرر مطلقا، كفر عن الأول أم لا، والظاهر
أن المعترض لا يقول به.
وفيه أولا: أن الاجماع المنقول ليس في حكم الخبر الضعيف أيضا،

(1) المدارك 8: 451.
(2) كما في الرياض 1: 476.
(3) الذخيرة: 476.
(4) الإنتصار: 101.
(5) الإنتصار: 101، الغنية (الجوامع الفقهية): 576.
(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
301

فكيف بالصحيح؟!
وثانيا: أنه لو سلم فيكون هو دليلا على المطلوب لا جوابا لمنع
عموم النص، إلا أن يكون مراده: أن هذا النص عام وإن لم يكن غيره
كذلك.
وثالثا: أنه لا ينفي التكرر مع التخلل، بل يثبته، لأن بعد دلالة النص
على أن على المجامع يجب نحر بدنة فلو جامع بعد نحر لا بد من الوجوب
ثانيا ليتحقق حكم النص.
بخلاف ما لو لم ينحر بعد، لجواز تعلق أسباب عديدة لوجوب أمر
واحد، كالصلاة الواجبة المنذورة المحلوف عليها أيضا.
وبذلك يظهر أن الأقوى عدم التكرر بدون التخلل، كما هو
مذهب الشيخ في الخلاف مطلقا (1)، وابن حمزة فيما إذا كان مفسدا
للحج وتكرر دفعة (2)، وقواه في المختلف (3)، ومال إليه في المدارك
والذخيرة (4).
ثم المرجع في التكرر - على القول به مطلقا أو مع التخلل - هو
الصدق العرفي، دون تكرر الايلاج والنزع مطلقا كما ذكره جماعة، كما
قيل (5).
وفيه: أنه إنما يصح لو كان المناط في التكرر هو الاجماع المنقول،
وأما إن كان عموم النص وتعدد الأسباب فلا، إذ لا شك أن كل إيلاج ونزع

(1) الخلاف 2: 367.
(2) الوسيلة: 165.
(3) المختلف: 287.
(4) المدارك 8: 452، الذخيرة: 624.
(5) انظر الرياض 1: 477.
302

سبب تام، فلو أولج مرة ونزع يؤثر في الوجوب قطعا، فلو لم يؤثر الثاني
لزم تخلف المسبب عن السبب عنده، فتأمل.
ومنها: التكرر بتكرر الحلق.
ومنها: التكرر بتكرر اللبس.
ومنها: التكرر بتكرر الطيب.
فإن منهم من قال فيها بالتكرر مطلقا (1).
ومنهم من فرق بين اتحاد المجلس أو الوقت وتعدده (2).
ومنهم من فرق في الحلق بين تمام الرأس وبعضه (3).
ومنهم من مال إلى عدم التكرر إلا مع التخلل (4)، وهو الصحيح
الموافق للأصل الذي قدمناه.
وقد ذكر بعض الأعلام في المقام تفصيلا لمطلق التكرر (5)، ولكنه
مبني على أصالة عدم التداخل، وقد عرفت أنها عندنا خلاف التحقيق.
المسألة الثالثة: إذا أكل المحرم أو لبس ما يحرم عليه عامدا عالما
مما لا تقدير فيه بالخصوص لزمه دم شاة، بلا خلاف يوجد.
لصحيحة زرارة المتقدم ذكرها مرارا: (من نتف إبطه، أو قلم ظفره،
أو حلق رأسه، أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه، أو أكل طعاما لا ينبغي له
أكله، وهو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا، فليس عليه شئ، ومن فعل

(1) كما في المدارك 8: 453.
(2) كما في الشرائع 1: 298.
(3) كما في الذخيرة: 624.
(4) كما في الذخيرة: 624.
(5) انظر الرياض 1: 477.
303

متعمدا فعليه دم شاة) (1).
المسألة الرابعة: لا كفارة في شئ من تروك الاحرام على الناسي
والجاهل إلا الصيد.
أما لزوم الكفارة عليهما في الصيد فقد مر بيانه في بحث كفارة
الصيد.
وأما عدم لزومه عليهما في غيره ففي المدارك: أنه مذهب الأصحاب
لا نعلم فيه مخالفا (2).
وفي الذخيرة: أنه المعروف من مذهبهم (3).
وقيل: لا خلاف فيه مطلقا (4).
بل هو إجماع محقق، وهو الحجة فيه.
مضافا إلى النصوص المستفيضة جدا، كصحيحة زرارة المتقدمة في
المسألة السابقة، وصحيحة ابن عمار السابقة في مسألة وجوب كفارة الصيد
نسيانا أو جهلا (5)، وغيرهما من الأخبار (6).
وفي الرضوي: (وكل شئ أتيته في الحرم بجهالة وأنت محل أو
محرم أو أتيت في الحل وأنت محرم فليس عليك شئ، إلا الصيد، فإن

(1) التهذيب 5: 369 / 1287، الوسائل 13: 157 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8
ح 1.
(2) المدارك 8: 454.
(3) الذخيرة: 624.
(4) كما في الرياض 1: 477.
(5) المتقدمة في ص: 199.
(6) الوسائل 13: 68 أبواب كفارات الصيد ب 31.
304

عليك فداءه، فإن تعمدته كان عليك فداؤه وإثمه، وإن علمت أو لم تعلم
فعليك فداؤه) (1).
والله العالم.

(1) فقه الرضا (ع): 227، مستدرك الوسائل 9: 275 أبواب كفارات الصيد 24
ح 2.
305

خاتمة
في نبذ مما يتعلق بمكة المشرفة والحرم المحترم وحرم النبي صلى الله عليه وآله
وزيارته، وما يستحب لأهل الآفاق لادراك ثواب الحج، وآداب السفر.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قالوا: الطواف للمجاور بمكة أفضل من الصلاة،
وللمقيم بها العكس.
وتدل عليه صحيحة حريز: (الطواف لغير أهل مكة أفضل من
الصلاة، والصلاة لأهل مكة أفضل) (1).
والأخرى: عن الطواف - يعني لأهل مكة ممن جاور بها - أفضل أو
الصلاة؟ قال: (الطواف للمجاورين أفضل، والصلاة لأهل مكة والقاطنين
بها أفضل من الطواف) (2).
وينبغي أن يقيد المجاور بمن أقام سنة فما زاد إلى أقل من سنتين،
والقاطن بمن أقام ثلاث سنين فصاعدا، وأما من أقام سنتين قبل أن يتم
ثلاث سنين فهما متساويان.

(1) الكافي 4: 412 / 2، الفقيه 2: 134 / 568، الوسائل 13: 311 أبواب الطواف
ب 9 ح 3 وفيه: عن حريز، عن عبد الله... والصلاة لأهل مكة والقاطنين بها أفضل
من الطواف.
(2) التهذيب 5: 446 / 1555 وفيه: عن الطواف بغير أهل مكة ممن جاور بها...،
الوسائل 13: 311 أبواب الطواف ب 9 ح 4 وفيه: عن الطواف لغير أهل مكة لمن
جاور بها....
306

كما تفصح عن ذلك صحيحة هشام بن الحكم: من أقام بمكة سنة
فالطواف له أفضل من الصلاة، ومن أقام سنتين خلط من ذا ومن ذا، ومن
أقام ثلاث سنين كانت الصلاة له أفضل من الطواف) (1).
وقريبة منها صحيحة حفص وحماد وهشام (2)، ومرسلة الفقيه
المقطوعة (3).
قال في المدارك: الظاهر أن المراد بالصلاة: النوافل المطلقة غير
الرواتب، إذ ليس في الروايتين تصريح بأفضلية الطواف من كل صلاة،
وتنبه عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (4)، المتضمنة للأمر بقطع
الطواف لخوف فوات الوتر والبدأة بالوتر ثم إتمام الطواف.
قال: وبالجملة لا يمكن الخروج بهاتين الروايتين عن مقتضى
الأخبار الصحيحة المستفيضة، المتضمنة للحث الأكيد على النوافل
المرتبة (5). انتهى.
ومرجعه - كما قيل - إلى أن التعارض بين هذه الأخبار وأخبار الحث
على النوافل المرتبة بالعموم والخصوص من وجه، ويمكن تقييد كل واحد
منهما بالآخر، فيبقى المصير إلى الترجيح، وهو لأخبار الحث، لأكثريتها -
بل تواترها - المفيدة للقطع.
بخلاف هذه، لأنها من الآحاد المفيدة للظن، فلا يترجح على

(1) الكافي 4: 412 / 1، الوسائل 13: 310 أبواب الطواف ب 9 ح 1.
(2) التهذيب 5: 447 / 1556، الوسائل 13: 310 أبواب الطواف ب 9 ح 1.
(3) الفقيه 2: 134 / 567.
(4) الكافي 4: 415 / 2، التهذيب 5: 122 / 397، الوسائل 13: 385 أبواب
الطواف ب 44 ح 1.
(5) المدارك 8: 271.
307

القطع، سيما مع تأكدها بما مر من قطع الطواف للوتر بخوف فواته (1). وهو
جيد.
وتترجح أخبار الحث أيضا بالأشهرية، التي هي من المرجحات
المنصوصة، بل موافقة الكتاب في التهجد، وتتم في البواقي بعدم
الفصل.
المسألة الثانية: المعروف من مذهب الأصحاب - كما في
المدارك (2) - كراهة المجاورة بمكة، والأخبار في ذلك الباب مختلفة،
فمنها ما يدل على أفضلية المقام بمكة (3)، ومنها ما يدل على خلافه (4)،
ولكن الثاني أكثر وأشهر وأدل، وفي أخباره ما هو معلل، فعليه الفتوى
والعمل.
المسألة الثالثة: من جنى في غير الحرم ما يوجب حدا أو تعزيرا أو
قصاصا، ولجاء إلى الحرم، لم يؤخذ فيه، ولا يحد، ولا يعزر، ولا يقتص
منه، ما دام في الحرم، ولكن يمنع من السوق، فلا يبايع ولا يجالس حتى
يخرج منه، كما في رواية علي بن أبي حمزة (5).
وفي صحيحة الحلبي: (لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم، ولكن
يمنع من السوق، ولا يبايع ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يكلم، فإنه إذا فعل
ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ) (6).

(1) انظر الرياض 1: 432.
(2) المدارك 8: 271.
(3) الوسائل 13: 230 أبواب مقدمات الطواف ب 15.
(4) الوسائل 13: 231 أبواب مقدمات الطواف ب 16.
(5) الكافي 4: 227 / 3، الوسائل 13: 226 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 3.
(6) الكافي 4: 226 / 2، الوسائل 13: 226 أبواب مقدمات الطواف ب 14 ح 2.
308

وفي صحيحة هشام نحوه (1).
وفي صحيحة ابن عمار: (لا يطعم، ولا يسقى، ولا يبايع، ولا
يؤوى) (2).
وأكثر هذه الأخبار وإن لم يفد الوجوب، إلا أن قوله في صحيحة
الحلبي: (لم يسع) كاف في إثباته.
ومقتضى تلك الأخبار: ترك الاطعام والاسقاء والايواء والتكلم
والمجالسة معه مطلقا.
وفي عبارات الفقهاء: يضيق عليه في هذه الأمور، ولعل مرادهم من
التضييق: الترك، ولو أريد منه: الاكتفاء بما يسد الرمق أو لا يتحمل عادة،
لم يكن على استثنائه دليل.
وما قيل من أن الترك يوجب تلف النفس فيه، فيحصل في الحرم ما
أريد الهرب عنه، بل قد يكون أزيد (3).
مردود بأن المتلف حينئذ هو نفسه، حيث لم يخرج.
والمنهي عنه هو: إعطاؤه الطعام والشراب والمأوى، فلو كان له في
الحرم مأوى وله ما يكفيه من الطعام والماء لم يجز منعه وأخذه منه،
للأصل.
ولو أحدث مقتضي الجناية في الحرم يؤخذ ويجرى عليه موجبه،

(1) الفقيه 4: 85 / 273، التهذيب 10: 216 / 853، الوسائل 28: 59 أبواب
مقدمات الحدود ب 34 ح 1.
(2) الكافي 4: 227 / 4، التهذيب 5: 419 / 1456، الوسائل 13: 225 أبواب
مقدمات الطواف ب 14 ح 1 وفيه: ولا يؤذي، بدل: ولا يؤوى، كما في (ق).
(3) الرياض 1: 432.
309

كما نص عليه في النصوص.
وكذا لا يتقاضى المديون بالدين ما دام في الحرم، كما صرح به في
موثقة سماعة، وفيها: (لا تسلم عليه، ولا تروعه حتى يخرج من الحرم) (1).
وربما الحق بالحرم مسجد النبي صلى الله عليه وآله ومشاهد الأئمة عليهم السلام، قيل:
لاطلاق اسم الحرم عليها (2).
وهو ضعيف.
نعم، هو المناسب للتعظيم المأمور به في حقهم.
وقد وردت أخبار كثيرة في حق كربلاء: أن الله سبحانه اتخذها حرما
آمنا (3)، والمفهوم من الأمن: عدم تخويف أحد فيه.
وفي موثقة (سماعة) (4) المروية في كامل الزيارة عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: (لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معلومة، من عرفها واستجار بها
أجير) (5).
وفي بعض الأخبار: أن حرمة موضع قبر الحسين عليه السلام فرسخ في
فرسخ من أربعة جوانب القبر (6).

(1) الكافي 4: 241 / 1، التهذيب 6: 194 / 423، الوسائل 13: 265 أبواب
مقدمات الطواف ب 30 ح 1.
(2) انظر الروضة 2: 333، المسالك 1: 126، المدارك 8: 255.
(3) الوسائل 14: 513 أبواب المزار وما يناسبه ب 68.
(4) كذا في النسخ، والموجود في المصادر: إسحاق بن عمار.
(5) كامل الزيارات: 272 / 4، التهذيب 6: 71 / 134، الوسائل 14: 511 أبواب
المزار وما يناسبه ب 67 ح 4.
(6) التهذيب 6: 71 / 133، كامل الزيارات: 271 / 2، الوسائل 14: 510 أبواب
المزار وما يناسبه ب 67 ح 2.
310

وفي أخبار كثيرة: أنها أعظم حرمة من جميع بقاع الأرض (1).
وفي بعضها: أنه أعظم حرمة من الحرم (2).
ومقتضى جميع ذلك إجارة من استجار به.
ويؤكده ما ورد من امتناع البازي والكلاب في زمن الرشيد من أخذ
الظباء الملتجئة بقبر مولانا أمير المؤمنين عليه السلام (3)، والحكايات الكثيرة المتضمنة
لتضرر من أراد السوء ببعض الملتجئين إلى بعض المشاهد المشرفة (4).
ولكن إثبات التحريم بمثل هذه الأخبار مشكل، إلا إذا كان من جهة
الاستخفاف والإهانة.
والأولى والأحوط لصاحب الحق تركه ما دام الجاني ملتجئا إلى أحد
المشاهد، بل يمكن إثبات التحريم أيضا بكون التعرض له مطلقا نوع
استخفاف وإهانة لمن لجاء إليه عرفا.
ولكن يشكل الأمر في حقوق الله سبحانه، وفي حق غير صاحب
الحق إذا طلبه صاحبه، أو كان صاحب الحق صغيرا ونحوه، والله العالم.
المسألة الرابعة: قد ورد في صحيحتي محمد أنه: (لا ينبغي لأحد
أن يرفع بناء فوق الكعبة) (5).
وهو ظاهر في الكراهة كما هو المشهور.

(1) كامل الزيارات: 264، الوسائل 14: 513 أبواب المزار وما يناسبه ب 68.
(2) كامل الزيارات: 264، الوسائل 14: 513 أبواب المزار وما يناسبه ب 68.
(3) البحار 97: 252 / 47.
(4) البحار 42: 334 / 22.
(5) الأولى في: الكافي 4: 230 / 1، الفقيه 2: 165 / 714، التهذيب 5:
448 / 1563، الوسائل 13: 233 أبواب مقدمات الطواف ب 16 ح 5.
الثانية: التهذيب 5: 420 / 1459، الوسائل 13: 235 أبواب مقدمات الطواف
ب 17 ح 1.
311

وعن الشيخ والحلي والقاضي: تحريمه (1).
والأصل ينفيه، مع أن في نسبته إلى الحلي نظرا، لأنه عبر في باب
زيادات فقه الحج من السرائر بالعبارة المذكورة من الصحيحين (2).
والبناء يعم الدار وغيرها حتى حيطان المسجد.
وقيل: يشمل القريب والبعيد (3).
ومقتضاه التحريم أو الكراهة في الأمصار أيضا.
وهو بعيد غاية البعد، بل خلاف المنساق إلى الذهن من الأخبار.
وقيل: ظاهر الصحيحين أن يكون ارتفاع البناء بنفسه أكثر من
ارتفاع الكعبة، فلا يكره البناء على الجبال حولها وإن ارتفع كثيرا عن
الكعبة (4).
ومقتضاه عدم إباحة بناء أرفع من الكعبة ولو لم يتجاوز أصل البناء
عن بناء الكعبة.
وهو بعيد غير مفهوم من الخبر، والمتبادر مرجوحية البناء المتجاوز
عن سطح الكعبة بحيث يكون مشرفا عليه، سواء كان في الجبل أو غيره،
قريبا من الكعبة أو في مكان يرى الكعبة.
مع أن للحديث احتمالا آخر، وهو النهي عن بناء بناء فوق سطح
الكعبة حتى يكون بناء فوقانيا له، فتأمل.
المسألة الخامسة: يكره منع الحاج من سكنى دور مكة،

(1) الشيخ في المبسوط 1: 384، القاضي في المهذب 1: 273.
(2) السرائر 1: 645.
(3) انظر مجمع الفائدة 7: 424.
(4) كما في كشف اللثام 1: 383.
312

للصحاح (1).
وعن الإسكافي والشيخ: تحريمه (2).
ولا فائدة مهمة لنا في تحقيق هذه المسألة، ولا بعض ما تقدم عليها،
إذ قلما يتفق لنا التمكن أو الاحتياج إلى العمل بمقتضاها.
ومما يذكر في ذلك المقام حكم لقطة الحرم، ويأتي تحقيقها في
بحث اللقطة إن شاء الله سبحانه.
المسألة السادسة: إذا نفر أحد حمام الحرم، فإن لم يعد فعن كل
طير شاة، ولو عاد فعن الجميع شاة، حكي عن الشيخين ووالد الصدوق
والقاضي والحلي والديلمي وابن حمزة والفاضل في جملة من كتبه (3)،
ونسبه بعضهم إلى الأكثر (4).
وحكاه في التهذيب عن علي بن بابويه في رسالته، وقال: لم أجد به
حديثا مسندا (5).
واستند له بعض المعاصرين بهذا الكلام من الشيخ، فإنه مفهم لوجود
رواية مرسلة به (6)، وهي - مع الانجبار بفتوى الأصحاب - كافية في إثبات

(1) الوسائل 13: 267 أبواب مقدمات الطواف ب 32.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 321، الشيخ في المبسوط 1: 384.
(3) المفيد في المقنعة: 436، الطوسي في المبسوط 1: 341، حكاه عن والد
الصدوق في المختلف: 280 القاضي في المهذب 1: 223، الحلي في السرائر 1:
560، الديلمي في المراسم: 120، ابن حمزة في الوسيلة: 167، الفاضل في
التحرير 1: 118، والقواعد 1: 96، والتذكرة 1: 349، والمنتهى 2: 831،
والارشاد 1: 320.
(4) كالفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 400.
(5) التهذيب 5: 350.
(6) فقه الرضا (ع): 229، مستدرك الوسائل 9: 285 أبواب كفارات الصيد ب 40
ح 2.
313

المطلوب (1).
ولا يخفى وهنه، فإنه نظر إلى مفهوم الوصف الضعيف، سيما في
ذلك المقام، لجواز أن يكون القيد لانحصار الحجة عنده بالمسند، مع أنه
أي فائدة في المرسل الذي لا يعلم متنه حتى ينظر في مدلوله؟!
وقد يستدل له أيضا بأن التنفير حرام، لأنه سبب الاتلاف غالبا،
ولعدم العود، فكان عليه مع الرجوع دم، لفعل المحرم، ومع عدم الرجوع
شاة، لما يدل على أن من أخرج طيرا من الحرم وجب عليه أن يعيده، وإن
لم يفعل ضمنه (2).
وفيه أولا: منع كون التنفير سببا للاتلاف غالبا.
وثانيا: مطالبة الدليل على وجوب الدم بفعل المحرم.
وثالثا: مطالبته على الضمان مع عدم الإعادة ثم ضمان شاة.
أقول: يمكن أن يستدل على حرمة التنفير بصحيحة ابن سنان الواردة
في حق المحرم: (ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو
يؤذى حتى يخرج من الحرم) (3)، ولا شك أن التنفير إيهاج وإيذاء.
وعلى حرمته بإخراجه من الحرم بمثل صحيحة ابن عمار الواردة فيه
أيضا: (ما كان يصف من الطير فليس لك أن تخرجه) (4).
ولكنهما أخصان من المطلوب.
نعم، يدل على المطلوب الرضوي المنجبر ضعفه بالعمل: (وإن

(1) وهو صاحب الرياض 1: 459.
(2) الوسائل 13: 37 أبواب كفارات الصيد ب 14.
(3) الكافي 4: 226 / 1، الفقيه 2: 163 / 703، التهذيب 5: 449 / 1566،
الوسائل 13: 34 أبواب كفارات الصيد ب 13 ح 1.
(4) الكافي 4: 232 / 2، الوسائل 13: 83 أبواب كفارات الصيد ب 41 ح 4.
314

نفرت حمام الحرم فرجعت فعليك في كلها شاة، وإن لم ترها رجعت
فعليك في كل طير دم شاة) (1).
وهو كاف في إثبات المطلوب، ولا يبعد أن يكون إلى ذلك نظر
الشيخ إن كان منظوره اعتبار مفهوم الوصف.
وهل المراد بالتنفير والعود: التنفير من الحرم وإليه.
أو من الوكر وإليه.
أو من كل مكان وإليه؟
كل محتمل، والرضوي مطلق يشمل الجميع، وكذا الفتاوى الجابرة
له.
والشاك في العدد يبني على الأقل، للأصل، وفي العود إلى العدم،
له، ولقوله في الرضوي: (وإن لم ترها رجعت).
والظاهر تساوي المحل والمحرم في ذلك، وعدم تعلق حكم آخر
للاحرام به، للأصل.
المسألة السابعة: كلما يحرم من الصيد على المحرم في الحل
- بالتفصيل المتقدم - يحرم على المحل في الحرم، بإجماع العلماء كافة
محققا، ومحكيا في كلام جماعة (2).
وتدل عليه الأخبار المستفيضة، كصحيحة ابن سنان المتقدمة في
المسألة السابقة.

(1) فقه الرضا (ع): 229، مستدرك الوسائل 9: 285 أبواب كفارات الصيد ب 40
ح 2.
(2) منهم العلامة في المنتهى 2: 800، صاحب المدارك 8: 376، الكاشاني في
المفاتيح 1: 388، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 452.
315

وموثقة زرارة: (حرم الله حرمه بريدا في بريد، أن يختلى خلاه أو
يعضد شجره - إلا الإذخر (1) - أو يصاد طيره) (2).
وصحيحة الحلبي: عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى
الحرم وهو حي، فقال: (إذا أدخله الحرم فقد حرم أكله وإمساكه)
الحديث (3).
وأخرى: عن صيد رمي في الحل ثم أدخل الحرم وهو حي، فقال:
(إذا أدخله الحرم وهو حي فقد حرم لحمه وإمساكه)، وقال: (لا تشتره في
الحرم إلا مذبوحا) الحديث (4).
والأخرى: (لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام، ولا وأنت حلال
في الحرم، ولا تدلن عليه محرما ولا محلا فيصطاده، ولا تشر إليه فيستحل
من أجلك، فإن فيه فداء لمن تعمده) (5).
ومرسلة أبي جرير، وفيها: (كل ما أدخل الحرم من الطير مما يصف
جناحيه فقد دخل مأمنه، فخل سبيله) (6).
ورواية عبد الله بن سنان: إن هؤلاء يأتونا بهذه اليعاقيب (7)، فقال:

(1) اختليته: اقتطعته. والخلى: الرطب من النبات، الواحدة: خلاة - مجمع البحرين
1: 131. وعضدت الشجرة: قطعتها - المصباح المنير: 415. والإذخر: نبات
معروف ذكي الريح، وإذا جف ابيض - المصباح المنير: 207.
(2) التهذيب 5: 381 / 1332، الوسائل 12: 555 أبواب تروك الاحرام ب 87 ح 4.
(3) الكافي 4: 233 / 4، الوسائل 13: 39 أبواب كفارات الصيد ب 14 ح 6.
(4) التهذيب 5: 376 / 1313، الإستبصار 2: 214 / 731، الوسائل 12: 423 أبواب
تروك الاحرام ب 5 ح 1.
(5) الكافي 4: 381 / 1، الوسائل 13: 43 أبواب كفارات الصيد ب 17 ح 1.
(6) الكافي 4: 236 / 19، الوسائل 13: 31 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 6.
(7) اليعاقيب: جمع يعقوب، المذكر من الحجل والقطا - لسان العرب 1: 622.
316

(لا تقربوها في الحرم) (1).
ورواية شهاب بن عبد ربه، وفيها: (أما علمت أن ما أدخلت به
الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه وإمساكه؟!) (2).
وفي صحيحة أبي بصير: (لا يذبح في الحرم إلا الإبل والبقر والغنم
والدجاج) (3).
وصحيحة حريز: (المحرم يذبح ما أحل للحلال في الحرم أن
يذبحه، هو في الحل الحرم جميعا) (4).
ونحوها في الأخرى (5).
إلى غير ذلك من الأخبار.
وقد ثبت من صحيحة أبي بصير ورواية شهاب وصحيحتي حريز
[للمحل في الحرم] (6) ما ثبت للمحرم من أصالة حرمة قتل كل حيوان من
الوحوش والطيور والحشرات، وتدل على الأولين مطلقا صحيحة ابن سنان
أيضا.
ثم إنه يستثنى منها ما مر استثناؤه للمحرم من الإبل والبقر والغنم
والدجاج، كما صرح باستثنائها في صحيحة أبي بصير وغيرها من الأخبار

(1) التهذيب 5: 376 / 1312، الإستبصار 2: 213 / 730، الوسائل 12: 425
أبواب تروك الاحرام ب 5 ح 6.
(2) الفقيه 2: 170 / 746، الوسائل 13: 31 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 4.
(3) الكافي 4: 231 / 1، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الاحرام ب 82 ح 5
وفيهما: لا يذبح بمكة إلا....
(4) التهذيب 5: 367 / 1278، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الاحرام ب 82 ح 3.
(5) الكافي 4: 365 / 1، الوسائل 12: 549 أبواب تروك الاحرام ب 82 ح 3.
(6) ما بين المعقوفين ليس في النسخ، أضفناه لاستقامة المعنى.
317

الكثيرة.
وكذا تستثنى الأفعى والعقرب والفأرة ورمي الغراب والنحل والنمل
والقمل والبرغوث والبق.
للتصريح بها في صحيحتي ابن عمار (1)، ورواية حنان بن سدير (2)،
ومرسلة ابن فضال (3).
وكذلك كل حيوان مؤذ إذا أراد الانسان.
لدفع الضرر، ولمفهوم العلة في رواية محمد بن حمران: (كنت مع
علي بن الحسين عليهما السلام بالحرم فرآني أوذي الخطاطيف (4)، فقال: يا بني
لا تقتلهن ولا تؤذهن، فإنهن لا يؤذين شيئا) (5).
المسألة الثامنة: من قتل في الحرم صيدا وإن كان محلا فعليه
التصدق بقيمته، على الأظهر الموافق للأكثر، كما في الذخيرة والمدارك (6)،
بل بلا خلاف، كما في المفاتيح (7)، وباتفاق الأصحاب، كما في شرحه،

(1) الأولى في: التهذيب 5: 365 / 1273، الوسائل 12: 545 أبواب تروك الاحرام ب 81
ح 2.
الثانية في: الكافي 4: 363 / 2، العلل: 458 / 2، الوسائل 12: 545 أبواب
تروك الاحرام ب 81 ح 4.
(2) الفقيه 2: 231 / 1105، الوسائل 12: 547 أبواب تروك الاحرام ب 81 ح 11.
(3) الكافي 4: 364 / 11، الوسائل 12: 551 أبواب تروك الاحرام ب 84 ح 4.
(4) الخطاطيف: جمع خطاف، الطائر المعروف، يقال شفقة ورحمة، ويسمى زوار
الهند، ويعرف الآن بعصفور الجنة، وهو من الطيور القواطع إلى الناس، تقطع
البلاد البعيدة رغبة في القرب منهم - مجمع البحرين 5: 47.
(5) الفقيه 2: 170 / 747، الوسائل 13: 35 أبواب كفارات الصيد ب 13 ح 2.
(6) الذخيرة: 614، المدارك 8: 377.
(7) المفاتيح 1: 389.
318

وفي المدارك: بل قيل إنه إجماع (1).
وتدل عليه صحيحة سليمان بن خالد وابن سنان المتقدمتين في
المسألة الرابعة من المقام الأول من باب الكفارات.
ورواية أبي بصير المتقدمة في المسألة السابعة منه.
وروايته المتقدمة في الثانية عشرة من المقام الثالث منه.
وصحيحة الحذاء المتقدمة في الرابعة من المقام الثالث منه.
وصحيحة الحلبي: (إن قتل المحرم حمامة في الحرم فعليه شاة،
وثمن الحمامة درهم أو شبهه يتصدق به أو يطعمه حمام مكة، فإن قتلها
في الحرم وليس بمحرم فعليه ثمنها) (2).
وصحيحة ابن عمار: رجل أهدي له حمام أهلي جي به وهو في
الحرم، فقال: (إن هو أصاب شيئا منه فليتصدق بثمنه نحوا مما كان يسوي
القيمة) (3).
وفي صحيحة محمد: (فليتصدق مكانه بنحو من ثمنه) (4).
وصحيحة علي: رجل خرج بطير من مكة إلى الكوفة، قال: (يرده
إلى مكة، فإن مات تصدق بثمنه) (5).

(1) المدارك 8: 377.
(2) الكافي 4: 395 / 1، التهذيب 5: 370 / 1289، الوسائل 13: 29 أبواب
كفارات الصيد ب 11 ح 3.
(3) الكافي 4: 232 / 2، الوسائل 13 / 31 أبواب كفارات الصيد ب 12 ح 5 وفيهما:
رجل أهدي إليه حمام أهلي وهو في الحرم....
(4) الفقيه 2: 168 / 736، التهذيب 5: 347 / 1205، الوسائل 13: 31 أبواب
كفارات الصيد ب 12 ح 3.
(5) التهذيب 5: 464 / 1620، قرب الإسناد: 244 / 968، الوسائل 13: 37 أبواب
كفارات الصيد ب 14 ح 1 بتفاوت يسير.
319

ورواية محمد بن الفضيل: عن رجل قتل حمامة من حمام الحرم
وهو غير محرم، قال: (عليه قيمتها، وهو درهم يتصدق به، أو يشتري
طعاما لحمام الحرم) الحديث (1).
وفي صحيحة الأعرج: (عن بيضة نعامة أكلت في الحرم، قال:
(تصدق بثمنها) (2).
إلى غير ذلك من الأخبار الغير العديدة (3).
وعلى الثمن تحمل الأخبار المتضمنة للفداء أو الجزاء، حملا للعام
على الخاص.
وعن الشيخ: أن فيه دما (4)، واختاره الحلي في السرائر، قال فيه:
ومن ذبح صيدا في الحرم وهو محل فعليه دم لا غير (5).
وهو ضعيف، ورواية أبي بصير المشار إليها ترده صريحا.
وما لا قيمة له من الحيوانات - التي يحرم تعرضها في الحرم - لا
شئ فيه غير الإثم والاستغفار.
ويستفاد من الأخبار وجوب القيمة كائنا ما كان، فما في بعض الأخبار (6)

(1) الفقيه 2: 167 / 729 وفيه: وهو في الحرم غير محرم، التهذيب 5:
345 / 1198، الإستبصار 2: 200 / 679، الوسائل 13: 26 أبواب كفارات الصيد
الصيد ب 10 ح 6.
(2) الكافي 4: 237 / 23، الفقيه 2: 171 / 753، الوسائل 13: 56 أبواب كفارات
الصيد ب 24 ح 6.
(3) الوسائل 13: 25 أبواب كفارات الصيد ب 10.
(4) المبسوط 1: 340.
(5) السرائر 1: 561.
(6) كخبر عبد الرحمن بن الحجاج المذكور في: الفقيه 2: 171 / 754، الوسائل 13:
25 أبواب كفارات الصيد ب 10 ح 1.
وخبر حفص بن البختري المذكور في: الكافي 4: 234 / 10، التهذيب 5:
345 / 1196، الإستبصار 2: 200 / 677 الوسائل 13: 26 أبواب كفارات الصيد
ب 10 ح 5.
320

- في تعيين الدرهم للحمامة، ونصفه لفرخها، وربعه لبيضتها - محمول على
كون ذلك قيمة وقت السؤال، جمعا بين الأخبار.
وذهب بعض الأصحاب إلى تعيينه فيما عين، حملا للمطلق على
المقيد (1).
وهو الأقرب.
وقيل بوجوب أكثر الأمرين من الدرهم والقيمة (2).
وهو الأحوط.
ولو اشترك جماعة محلون في قتله، ففي وجوب القيمة على كل
واحد منهم قياسا على المحرمين، أو على جميعهم قيمة واحدة لأصالة
البراءة، قولان، الأول للشهيد (3)، والثاني للشيخ (4)، وهو الأقوى.
ولا يتوهم أنه يمكن نفي القيمة هنا مطلقا لأن الثابت منها على
شخص واحد دون المتعدد، إذ من الأخبار ما يتضمن الجنس الصادق على
الواحد والمتعدد.
ولو ارتكب جناية غير القتل، فقيل: المشهور وجوب الأرش،
ويظهر من بعضهم كونه اتفاقيا، حيث قال - على ما حكي عنه -: لولا

(1) انظر الرياض 1: 453.
(2) انظر الرياض 1: 453.
(3) لم نعثر على كذا قول للشهيد، نعم قال به الشهيد الثاني في المسالك 1: 141.
(4) المبسوط 1: 346.
321

اتفاق الأصحاب على وجوب الأرش لأمكن القول بعدم الوجوب، إذ لم
يثبت كون الأجزاء مضمونة كالجملة. إنتهى.
ويظهر من المدارك وبعض شراح النافع عكس ذلك، حيث قال
الأول - في شرح قول المصنف: فلو أصاب صيدا ففقأ عينه أو كسر قرنه
كان عليه صدقة استحبابا -: ولم يتعرض الأصحاب لغيرها هاتين الجنايتين،
وأصالة البراءة تقتضي عدم الكفارة، إلى آخره (1).
وقال الثاني - في شرح قوله: وتستحب الصدقة لو كسر قرنه أو فقأ
عينه -: وفاقا للحلي، وليس في المتن وغيره التعرض لغير الجنايتين، لعدم
النص، وأصالة البراءة تقتضي عدم ترتب الكفارة في غيرهما وإن قلنا
بحرمة الجناية، لعدم الملازمة (2). إنتهى.
وهو حسن، فالحق: عدم الكفارة في غير القتل.
ولا شئ - في قتل الصيد الذي يؤم الحرم ولم يدخله - وجوبا على
المحل، للأصل، وانتفاء الدليل المثبت للوجوب.
نعم، يكره، ويستحب الفداء.
وكذا يكره الصيد بين البريد والحرم، أي من أول الحرم إلى منتهى
بريد، وهو أربعة فراسخ خارج الحرم، ويسمى حرم الحرم.
ويستحب الفداء على الأظهر الأشهر.
أما الكراهة واستحباب الفداء فللشهرة، وصحيحتي الحلبي (3).

(1) المدارك 8: 381.
(2) الرياض 1: 464.
(3) الأولى في: التهذيب 5: 361 / 1255، الإستبصار 2: 207 / 705، الوسائل
13: 71 أبواب كفارات الصيد ب 32 ح 1.
الثانية في: الكافي 4: 232 / 1، الوسائل 13: 71 أبواب كفارات الصيد ب 32
ذيل الحديث 1.
322

وأما عدم الوجوب فللأصل، وقصورهما عن إفادة الحرمة،
ومعارضتهما لصحيحة البجلي (1) النافية للجزاء، فقول جماعة بالحرمة
والوجوب (2) للصحيحين ضعيف.
ومن أدخل صيدا في الحرم وجب عليه إرساله، ولو تلف في يده
ضمنه ولو كان السبب غيره.
وكذا لو أخرجه من الحرم فتلف قبل الارسال.
كل ذلك بالاجماع المحقق والمنقول مستفيضا (3)، وبالصحاح
المستفيضة (4).
ولو كان الصيد طائرا مقصوصا وجب عليه حفظه بنفسه أو بإيداعه
عند رجل مسلم أو امرأة مسلمة حتى يكمل ريشه ثم يرسله، بلا خلاف فيه
يوجد.
وتدل عليه الأخبار المعتبرة (5)، وفيها الصحيح (6).
وفي تحريم صيد حمام الحرم على المحل من الحل قولان،

(1) الفقيه 2: 168 / 737، العلل: 454 / 8، الوسائل 13: 67 أبواب كفارات الصيد
ب 30 ح 3.
(2) منهم المفيد في المقنعة: 439، الشيخ في النهاية: 228، القاضي في المهذب
1: 228، ابن حمزة في الوسيلة: 165.
(3) كما في المدارك 8: 384، المفاتيح 1: 390، الرياض 1: 464.
(4) الوسائل 13: 37 أبواب كفارات الصيد ب 14.
(5) الوسائل 13: 30 أبواب كفارات الصيد ب 12.
(6) الكافي 4: 233 / 6، الفقيه 2: 169 / 738، التهذيب 5: 348 / 1208،
الوسائل 13: 34 أبواب كفارات الصيد وتوابعها ب 12 ح 13.
323

أحوطهما - بل أجودهما - التحريم، وكذا بيضها.
ومن نتف ريشة من حمام الحرم كانت عليه صدقة يسلمها بتلك اليد
الجانية، لرواية إبراهيم بن ميمون (1)، وهي في الدلالة على الوجوب
قاصرة، إلا أنه أحوط.
ولو ذبح في الحرم صيد كان حراما وميتة ولو ذبحه المحل، بالاجماع
والمستفيضة (2).
ولو ذبحه في الحل وأدخله الحرم لم يحرم على المحل كذلك.
وكما يحرم الصيد في الحرم تحرم الدلالة عليه والإشارة إليه، وقد مر
في المسألة السابقة ما يدل عليه.
ويجب التصدق بما يفديه المحل لصيد الحرم وإن كان مملوكا، إلا
أن في المملوك ضمان قيمته لمالكه أيضا.
ويستثنى من وجوب التصدق ما يفديه لحمام الحرم، فإنه يتخير فيه
بين التصدق واشتراء العلف لحمام الحرم، كما مر في بحث الكفارات.
المسألة التاسعة: يحرم قطع شجر الحرم وحشيشه، بإجماع العلماء
والصحاح المستفيضة (3).
وقد مر ما يتعلق بذلك مفصلا في بحث تروك الاحرام، وأنه لا يحرم
من حيث الاحرام وإنما يحرم من حيث الحرم.
المسألة العاشرة: من مات في أحد الحرمين - مكة أو المدينة - لم

(1) الكافي 4: 235 / 17، التهذيب 5: 348 / 1210، الفقيه 2: 169 / 739،
الوسائل 13: 36 أبواب كفارات الصيد ب 13 ح 5.
(2) الوسائل 13: 65 أبواب كفارات الصيد ب 29.
(3) الوسائل 12: 552 أبواب تروك الاحرام ب 86.
324

يعرض يوم القيامة ولم يحاسب.
كما نص عليه في رواية أبي حجر الأسلمي، الآتية في المسألة اللاحقة (1)،
ويستفاد منها أن من مات في سفر الحج يحشر مع أصحاب بدر.
وفي مرسلة الفقيه: (من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر، من بر
الناس وفاجرهم) (2).
وفي حديث آخر: (من مات بالمدينة كان مع الآمنين) (3).
المسألة الحادية عشرة: لا يجوز دخول مكة بغير إحرام، إجماعا
منقولا (4) ومحققا.
وتدل عليه صحيحتا محمد (5) ورفاعة (6) وروايتا رفاعة (7) والقاسم
[عن] (8) علي، ورواية عاصم (9)، وغيرها (10).

(1) انظر ص: 309.
(2) الفقيه 2: 147 / 650، الوسائل 13: 287 أبواب مقدمات الطواف ب 44 ح 1.
(3) الكافي 4: 558 / 3، التهذيب 6: 14 / 28، الوسائل 14: 348 أبواب المزار
وما يناسبه ب 9 ح 3، بتفاوت يسير.
(4) كما في المدارك 7: 380، كشف اللثام 1: 320، الرياض 1: 381.
(5) الفقيه 2: 239 / 1140، التهذيب 5: 448 / 1564، الوسائل 12: 404 أبواب
الاحرام ب 50 ح 4.
(6) التهذيب 5: 165 / 552، الإستبصار 2: 245 / 857، الوسائل 12: 403
أبواب الاحرام ب 50 ح 3.
(7) الكافي 4: 324 / 4، الوسائل 12: 405 أبواب الاحرام ب 50 ح 8.
(8) في النسخ: والقاسم بن علي، وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه - انظر الفقيه
2: 239 / 1141، الوسائل 12: 405 أبواب الاحرام ب 50 ح 10.
(9) التهذيب 5: 165 / 550، الإستبصار 2: 245 / 855، الوسائل 12: 402
أبواب الاحرام ب 50 ح 1.
(10) الوسائل 12: 402 أبواب الاحرام ب 50.
325

ومقتضى بعض هذه الأخبار: عدم جواز دخول الحرم بغير إحرام،
كما حكي الفتوى به عن جمع (1).
وهو الأحوط، بل الأظهر.
واختلفت هذه الأخبار في استثناء المريض والمبطون، ففي بعضها
التصريح بالاستثناء، وفي آخر بالعدم.
وجمع بينهما بعضهم بحمل الأول على غير المتمكن والثاني على
المتمكن.
وهو جمع بلا شاهد، والرجوع إلى الأصل والحمل على الاستحباب
- كما عن الشيخ (2) وغيره (3) - أولى.
واستثني أيضا من دخلها بعد الاحلال من إحرام وقبل مضي شهر من
إحلاله من الاحرام السابق، أو من خروجه، على اختلاف القولين.
ويستثنى أيضا الحطابة والمجتلبة (4).
المسألة الثانية عشرة: يكره دخول الحرم مع السلاح البارز،
لصحيحة حريز: (لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح، إلا أن يدخله في
جوالق (5) أو يغيبه)، يعني: يلف على الحديد شيئا (6).
ونحوها صحيحة أبي بصير، وفيها: (ولكن إذا دخل مكة لم

(1) حكاه عنهم في الرياض 1: 381.
(2) الإستبصار 2: 246.
(3) كالعلامة في المنتهى 2: 688.
(4) المجتلبة: الذين يجلبون الأرزاق - مجمع البحرين 2: 25.
(5) جوالق: وعاء من الأوعية معروف معرب - لسان العرب 10: 36.
(6) الكافي 4: 228 / 1، الفقيه 2: 164 / 708، الوسائل 13: 256 أبواب مقدمات
الطواف ب 25 ح 1.
326

يظهره) (1).
المسألة الثالثة عشرة: يستحب ختم القرآن بمكة، فإنه روى
الصدوق في الفقيه مرسلا عن علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال: (من
ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وآله، ويرى منزله في
الجنة) (2).
المسألة الرابعة عشرة: تستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله استحبابا مؤكدا
إجماعا، بل ضرورة دينية، واستفاضت به الأخبار المطلقة والمتضمنة
لخصوص ما بعد الممات.
ففي رواية يزيد بن عبد الملك، عن أبيه، عن جده: دخلت على
فاطمة عليها السلام فبدأتني بالسلام، ثم قالت: (ما بدا بك؟) قلت: طلب
البركة، قالت: (أخبرني أبي وهو ذا هو: أنه من سلم عليه وعلي ثلاثة أيام
أوجب الله له الجنة)، قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت: (نعم، وبعد
موتنا) (3).
وفي رواية السدوسي: قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أتاني زائرا
كنت شفيعه يوم القيامة) (4).
وفي رواية أبي شهاب: قال الحسين عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله: (يا أبتاه
ما لمن زارك؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يا بني، من زارني حيا أو ميتا أو

(1) الكافي 4: 228 / 2، الفقيه 2: 164 / 707، الوسائل 13: 256 أباب مقدمات
الطواف ب 25 ح 2.
(2) الفقيه 2: 146 / 645، الوسائل 13: 289 أبواب مقدمات الطواف ب 45 ح 3.
(3) التهذيب 6: 9 / 18، الوسائل 14: 367 أبواب المزار وما يناسبه ب 18 ح 1.
(4) الكافي 4: 548 / 3، التهذيب 6: 4 / 4، ورواها في الوسائل 14: 333 أبواب
المزار وما يناسبه ب 3 ح 2 عن السندي.
327

زار أباك أو زار أخاك أو زارك كان حقا علي أن أزوره يوم القيامة وأخلصه
من ذنوبه) (1).
وفي مرسلة الفقيه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: (يا علي، من
زارني في حياتي أو بعد موتي أو زارك في حياتك أو بعد موتك أو زار
ابنيك في حياتهما أو بعد موتهما ضمنت له يوم القيامة أن أخلصه من
أهوالها وشدائدها حتى أصيره معي في درجتي) (2).
وفي رواية سليمان: قال النبي صلى الله عليه وآله: (من زارني في حياتي وبعد
موتي كان في جواري يوم القيامة) (3).
وفي صحيحة ابن سنان: (بينا الحسين بن علي عليهما السلام في حجر
رسول الله صلى الله عليه وآله إذ رفع رأسه فقال: يا أبه ما لمن زارك بعد موتك؟ فقال:
يا بني من أتاني زائرا بعد موتي فله الجنة، ومن أتى أباك زائرا بعد موته فله
الجنة، ومن أتى أخاك بعد موته زائرا فله الجنة، ومن أتاك زائرا بعد موتك
فله الجنة) (4).
وفي رواية الأسلمي: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أتى مكة حاجا ولم
يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي،

(1) الكافي 4: 548 / 4، ورواها في التهذيب 6: 4 / 7 عن المعلى بن شهاب، وفي
الوسائل 14: 326 أبواب المزار وما يناسبه ب 2 ح 14 عن المعلى بن أبي شهاب.
(2) الفقيه 2: 346 / 1581 بتفاوت يسير، الوسائل 14: 328 أبواب المزار وما
يناسبه ب 2 ح 16.
(3) التهذيب 6: 3 / 2، ورواها في الوسائل 14: 334 أبواب المزار وما يناسبه ب 3
ح 5 عن صفوان بن سليمان.
(4) التهذيب 6: 40 / 84، الوسائل 14: 329 أبواب المزار وما يناسبه ب 2 ح 17،
وفي التهذيب 6: 20 / 44 ونسختي (ح) و (س): بينا الحسن بن علي عليهما السلام..
328

ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في أحد الحرمين - مكة
والمدينة - لم يعرض ولم يحاسب، ومن مات مهاجرا إلى الله عز وجل
يحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر) (1).
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة (2).
ومقتضى الأخيرة: تأكد استحبابها للحاج، بل ربما تشعر بتحريم
تركها له.
واختلفت الأخبار في أفضلية البدأة بمكة والختم بالمدينة، أو
بالعكس، أو التساوي..
ففي حسنة سدير: (أبدوا بمكة واختموا بنا) (3).
وفي صحيحة البرقي (4) ورواية غياث بن إبراهيم (5): أبدأ بالمدينة أو
بمكة؟ قال: (ابداء بمكة واختم بالمدينة، فإنه أفضل).
وفي صحيحة العيص: عن الحاج من الكوفة يبدأ بالمدينة أفضل أو
بمكة؟ قال: (بالمدينة) (6).

(1) 158 الكافي 4: 548 / 5، الفقيه 2: 338 / 1571، علل الشرائع: 460 / 7 وفيه:
ولم يزرني إلى المدينة جفاني، ومن جفاني جفوته يوم القيامة....، الوسائل
14: 333 أبواب المزار وما يناسبه ب 3 ح 3.
(2) الوسائل 14: 332 أبواب المزار وما يناسبه ب 3.
(3) الكافي 4: 550 / 1، الفقيه 2: 334 / 1552، الوسائل 14: 321 أبواب المزار
وما يناسبه ب 2 ح 2.
(4) الكافي 4: 550 / 2، الوسائل 14: 320 أبواب المزار وما يناسبه ب 1 ح 4.
(5) التهذيب 5: 439 / 1527، الإستبصار 2: 329 / 1166، الوسائل 14: 320
أبواب المزار وما يناسبه ب 1 ح 3.
(6) الفقيه 2: 334 / 1555، التهذيب 5: 439 / 1526، الوسائل 14: 319 أبواب
المزار وما يناسبه ب 1 ح 1.
329

وفي (حسنة يقطين) (1): عن الممر بالمدينة في البداية أفضل أو في
الرجعة؟ قال: (لا بأس بذلك أيه كان) (2).
وحمل في الفقيه والتهذيبين الأخبار الأولة على المختار، وما بعدها
على من حج على طريق يمر بالمدينة أولا، فالبدأة بها أفضل، لئلا يخترم
دون ذلك أو لا يرجع (3).
أقول: لا شك في أفضلية البدأة بالمدينة مع المرور بها، لأن
تركها حينئذ نوع جفاء بل استخفاف، مضافا إلى جواز الاخترام أو عدم
الرجوع.
وإنما الكلام في المختار، وحمل الأخبار الأخيرة على المار حمل
بلا شاهد، فتتعارض الأخبار، ولا بد لنا من الحكم بالتخيير كما هو مقتضى
الأخيرة، إلا أن الاعتبار يحكم بأفضلية البدأة بالمدينة مع الاختيار،
لتحصيل الاستعداد، ولأنها مقتضى ترتيب الصعود (وأتوا البيوت من
أبوابها) (4).
الخامسة عشرة: قالوا: لو ترك الناس زيارة النبي صلى الله عليه وآله أجبروا عليها.
وفي النافع: لو ترك الحاج... (5).
وعلى الأول (6): يكون المراد ترك كافة الناس.

(1) كذا في النسخ، والموجود في المصادر: علي بن يقطين.
(2) التهذيب 5: 440 / 1528، الإستبصار 2: 329 / 1167، الوسائل 14: 319
أبواب المزار وما يناسبه ب 1 ح 2.
(3) الفقيه 2: 334، التهذيب 5: 440، الإستبصار 2: 329.
(4) البقرة: 189.
(5) النافع: 98.
(6) في (ح): وقيل: على الأول...
330

وتدل عليه صحيحة الفضلاء الثلاثة وغيرهم: (لو أن الناس تركوا
الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده، ولو تركوا
زيارة النبي صلى الله عليه وآله)، لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام
عنده) (1) وعلى هذا يكون واجبا كفائيا.
وعلى الثاني: يمكن أن يكون المراد: كل الحاج، فيكون واجبا كفائيا
لهم، وعلى هذا يكون دليله كونه جفاء له صلى الله عليه وآله لعدم الالتفات إليه بحكم
العرف والعادة.
لا ما دل على أن من حج ولم يزره كان جافيا له (2)، حتى يرد عليه ما
أورد من عدم انطباق الدليل على المدعى لكون المدعى الاتفاق، ويجري
الدليل على كل واحد (3).
ولا الصحيحة المذكورة، كما استدل به ذلك المورد، لأنها واردة في
كل الناس لا كل الحاج.
وأن يكون كل واحد من الحاج، ويكون دليله رواية الأسلمي السابقة
- حيث إنه صلى الله عليه وآله لا يجفي غير الجافي - والنبوي المروي في كتب القوم:
(من زار مكة ولم يزرني في المدينة جفاني) (4).
المسألة السادسة عشرة: كما أن لمكة حرما كذلك للمدينة حرم،

(1) الكافي 4: 272 / 1، الفقيه 2: 259 / 1259، التهذيب 5: 441 / 1532 وليس
فيه: (وعلى المقام عنده) الثانية، الوسائل 11: 24 أبواب وجوب الحج وشرائطه
ب 5 ح 2.
(2) أي النبوي الآتي قريبا.
(3) انظر الرياض 1: 432.
(4) كنوز الحقائق: 126 عن ابن عدي، وهو في هداية الصدوق: 67، مستدرك
الوسائل 10: 186 أبواب المزار ب 3 ح 4.
331

بلا خلاف يعرف.
وتدل عليه الأخبار المستفيضة (1).
وحده من عائر إلى وعير - بفتح الواو أو ضمها على اختلاف
النقلين - كما صرح به في صحيحتي ابن عمار (2) والصيقل (3)، ومرسلة
الفقيه (4).
وهما - علي ما حكي عن الشهيد الثاني (5) وجماعة (6) - جبلان
يكتنفان المدينة شرقا وغربا.
وقيل: عير - ويقال له: عائر - جبل مشهور في قبلة المدينة قرب ذي
الحليفة (7).
والمصرح به في صحيحة ابن عمار: (ظل عائر إلى ظل وعير).
وفي المرسلة: (ظل عائر إلى في وعير).
ولعل التقييد بذلك للتنبيه على أن الحرم داخلهما، بل بعض
الداخل.
وهذا الحد من الحرم يحرم قطع شجرة، على الأظهر الأشهر

(1) الوسائل 14: 360 أبواب المزار وما يناسبه ب 16.
(2) الكافي 4: 564 / 5، التهذيب 6: 12 / 23، الوسائل 14: 362 أبواب المزار
وما يناسبه ب 17 ح 1.
(3) الكافي 4: 564 / 3، التهذيب 6: 13 / 26، الوسائل 14: 363 أبواب المزار
وما يناسبه ب 17 ح 2.
(4) الفقيه 2: 336 / 1564، الوسائل 14: 365 أبواب المزار وما يناسبه ب 17
ح 7.
(5) المسالك 1: 128.
(6) حكاه في المدارك 8: 274، الذخيرة: 706.
(7) حكاه في كشف اللثام 1: 384 عن خلاصة الوفاء.
332

كما صرح به جماعة (1). بل عن المنتهى نسبه إلى علمائنا (2)، للتصريح
بتحريمه في صحيحة الصيقل ومرسلة الفقيه، وبالمرجوحية في صحيحة ابن
عمار.
وهل يحرم نزع مطلق النبات، أو يختص بالشجر؟
ظاهر الشرائع والنافع والكفاية (3) وغيرها (4): الثاني، للاختصاص به
في بعض الأخبار.
والأظهر: الأول، لموثقة زرارة، فإن فيها: (حرم رسول الله صلى الله عليه وآله
المدينة ما بين لابتيها (5) صيدها، وحرم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى
خلاها أو يعضد شجرها، إلا عودي الناضح) (6).
ولا يضر جعل الحرم فيها من بريد إلى بريد، لاتحاده مع ما ذكر، كما
صرح به في التهذيب، قال: البريد إلى البريد وهو: ظل عائر إلى ظل
وعير (7). وذكره غيره أيضا (8).
ومنه يظهر الوجه في بعض أخبار أخر جعل الحرم في المدينة بريدا

(1) منهم صاحب المدارك 8: 274، السبزواري في الذخيرة: 706، صاحب
الرياض 1: 433.
(2) المنتهى 2: 799.
(3) الشرائع 1: 278، النافع: 98، الكفاية: 73.
(4) كما في الذخيرة: 706.
(5) لابتا المدينة: حرتان عظيمتان يكتنفانها. واللابة: هي الحرة ذات الحجارة السود
قد ألبتها لكثرتها، وجمعها لابات، وهي الحرار، وإن كثرت فهي اللاب واللوب -
مجمع البحرين 2: 168.
(6) الفقيه 2: 336 / 1562، الوسائل 14: 365 أبواب المزار وما يناسبه ب 17
ح 5.
(7) التهذيب 6: 13.
(8) كما في الجامع للشرائع: 231، المدارك 8: 274.
333

إلى بريد.
وأما ما يظهر من صحيحة الصيقل - من رده عليه السلام على ربيعة الرأي
من جعله الحرم بريدا إلى بريد - فإنما هو باعتبار إطلاقه الدال على حرمة
الصيد في ذلك الحد أيضا، ولذا فصل عليه السلام بعد الرد.
وفي رواية أبي بصير جعل حد حرم المدينة من ذباب إلى وأقم
والعريض والنقب من قبل مكة (1).
وقيل: الذباب - بضم المعجمة وقيل بكسرها - جبل شأمي (2)
المدينة، كان مضرب قبة النبي صلى الله عليه وآله يوم الأحزاب (3).
وواقم: حصن من حصون المدينة.
والعريض - مصغرا -: واد في شرق الحرة، قريب قناة، وهي أيضا
واد.
والنقب: الطريق في الجبل.
ولكن لم يصرح في تلك الرواية بأنه ما حرم في ذلك الحد، فلا
ينافي ما مر، لجواز أن يكون مخصوصا بما ليس في الأول.
هذا حكم الشجر.
وأما الصيد، فلا يحرم في جميع ما ذكر، بل يحرم ما صيد بين
الحرتين على الأقوى، وعزاه جمع إلى علمائنا (4)، بل عليه الاجماع عن

(1) الكافي 4: 564 / 4، الفقيه 2: 336 / 1565 وفيه رباب - بالمهملة - بدل:
ذباب، الوسائل 14: 363 أبواب المزار وما يناسبه ب 17 ح 3 وفيه: زباب
- بالمعجمة - بدل: ذباب.
(2) الشأمة: الميسرة - الصحاح 5: 1957.
(3) انظر كشف اللثام 1: 384، الرياض 1: 433.
(4) كما في المنتهى 2: 799.
334

صريح الخلاف وظاهر المنتهى (1).
لصحيحتي ابن سنان (2)، وموثقة زرارة، ولكن في الأخيرة: (ما بين
لابتيها)، ولعل المراد واحد، كما يظهر من صحيحة الصيقل، فإن فيها:
(قال: وما بين لا بتيها؟ قلت: ما أحاطت به الحرار).
وأصل الحرة - بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء - الأرض التي فيها
حجارة سود.
والمراد بالحرتين - كما قالوا -: حرة وأقم، وهي شرقية المدينة،
وحرة ليلى، وهي غربيتها، وهي حرة العقيق.
ولها حرتان أخريان جنوبا وشمالا تتصلان بهما، فكأن الأربع حرتان،
فلذا اكتفي بهما، وهما: حرة قبا وحرة الرجلى ككسرى، ويمد.
وأما ما في بعض الأخبار - من جواز الصيد في حرم المدينة (3) -
فمحمول على الزائد من هذا القدر، حملا للعام على الخاص.
المسألة السابعة عشرة: تستحب في المدينة زيارة فاطمة سيدة نساء
العالمين عليها السلام.
واختلفوا في موضع قبرها الشريف:
فظاهر الشيخ في النهاية والمحقق في الشرائع والنافع: أنه عند

(1) الخلاف 2: 420، المنتهى 2: 799.
(2) الأولى في: الفقيه 2: 337 / 1566، الوسائل 14: 365 أبواب المزار وما
يناسبه ب 17 ح 9.
الثانية في: التهذيب 6: 13 / 25، الوسائل 14: 365 أبواب المزار وما يناسبه
ب 17 ح 9.
(3) الوسائل 14: 362 أبواب المزار وما يناسبه ب 17 ح 1 و 4 و 10.
335

الروضة (1)، وهي ما بين القبر والمنبر، كما ذكره الشيخ (2) وجماعة (3).
واستدلوا له بما روي مستفيضا في الأخبار المعتبرة: (إن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: ما بين قبري - أو بيتي - ومنبري روضة من رياض الجنة) (4).
وفي الفقيه: أنه روي أنها دفنت بين القبر والمنبر (5).
وقيل: إنه في البقيع (6)، رواه في الفقيه أيضا مرسلا (7)، واستبعده
جماعة (8).
وقال جماعة: إنها دفنت في بيتها، وهو الآن داخل في المسجد (9)،
وتدل عليه صحيحة البزنطي (10).
ولكن في إثبات أمثال تلك الأمور الواقعية بأخبار الآحاد نظرا، كما
بيناه في الأصول.
والأولى - كما في القواعد والدروس (11) وغيرهما (12) - زيارتها في

(1) 196 النهاية: 287، الشرائع 1: 278، النافع: 98.
(2) النهاية: 287.
(3) كالمحقق في النافع: 98، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 382.
(4) الوسائل 14: 344 أبواب المزار وما يناسبه ب 7.
(5) الفقيه 2: 341 / 1574، الوسائل 14: 369 أبواب المزار وما يناسبه ب 18 ح 4.
(6) حكاه عن البعض في التهذيب 6: 9.
(7) الفقيه 2: 341 / 1573، الوسائل 14: 369 أبواب المزار وما يناسبه ب 18 ح 4.
(8) منهم الشيخ في المبسوط 1: 386، والنهاية: 287 والتهذيب 6: 9، والحلي
في السرائر 1: 652، ابن سعيد في الجامع: 232.
(9) الفقيه 2: 341، الذخيرة: 707، المدارك 8: 278، الرياض 1: 433.
(10) الفقيه 1: 148 / 684، التهذيب 3: 255 / 705، الوسائل 14: 368 أبواب
المزار وما يناسبه ب 18 ح 3.
(11) القواعد: 91، الدروس 2: 6.
(12) كالرياض 1: 433.
336

المواضع الثلاثة.
وتستحب أيضا زيارة الأئمة الأربعة عليهم السلام في البقيع.
المسألة الثامنة عشرة: يستحب صيام ثلاثة أيام في المدينة:
الأربعاء، والخميس، والجمعة، لطلب الحاجة.
بالأخبار المستفيضة وإن اختلفت في الكيفية.
ففي صحيحة الحلبي - بعد الأمر بإقامة الأيام الثلاثة مع الاستطاعة -:
(فتصلي يوم الأربعاء ما بين القبر والمنبر عند الأسطوانة التي تلي القبر،
فتدعو الله عندها وتسأله كل حاجة تريدها، واليوم الثاني عند أسطوانة
التوبة، وهي أسطوانة أبي لبابة (1)، ويوم الجمعة عند مقام النبي صلى الله عليه وآله مقابل
الأسطوانة الكثيرة الخلوق (2)، فتدعو الله عندهن لكل حاجة، وتصوم تلك
الثلاثة الأيام) (3).
ونحوها صحيحة ابن عمار في ترتيب الأساطين، إلا أن فيها: (وصل
ليلة الأربعاء ويوم الأربعاء عند الأسطوانة الأولى، وليلة الخميس ويوم
الخميس عند الثانية، وليلة الجمعة ويوم الجمعة عند الثالثة) وفي آخرها:
(وادع بهذا الدعاء لحاجتك: اللهم إني أسألك بعزتك وقوتك وقدرتك
وجميع ما أحاط به علمك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي

(1) أبو لبابة: بضم اللام وخفة الموحدة - اسمه رفاعة بن المنذر النقيب، واسطوانة
أبي لبابة: في مسجد النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة، وهي أسطوانة التوبة التي ربط إليها نفسه
حتى نزل عذره من السماء - مجمع البحرين 2: 165.
(2) الخلوق: طيب مركب، يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب، والغالب عليه
الصفرة أو الحمرة - مجمع البحرين 5: 157.
(3) الكافي 4: 558 / 4، الوسائل 14: 351 أبواب المزار وما يناسبه ب 11 ح 3،
بتفاوت.
337

كذا وكذا) (1).
وفي صحيحة أخرى لابن عمار - بعد ذكر صوم الثلاثة الأيام -:
(تصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، وهي أسطوانة التوبة، وتقعد
عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس الأسطوانة التي تليها مما يلي
مقام النبي صلى الله عليه وآله ليلتك ويومك، ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه وآله
ومصلاه ليلة الجمعة، وتصلي عندها ليلتك ويومك إلى أن قال: (فإن
استطعت أن لا تتكلم بشئ في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه، ولا تخرج
من المسجد إلا لحاجة، ولا تنام في ليل ولا نهار، فافعل، ثم احمد الله في
يوم الجمعة واثن عليه، وصل على النبي صلى الله عليه وآله، وسل حاجتك، وليكن فيما
تقول: اللهم ما كانت لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو
لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة
صلى الله عليه وآله في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها) (2).
وقريبة منها مرسلة الفقيه، إلا أن فيها: (ولا تنام في ليل ولا نهار إلا
القليل) (3).
أقول: الوجه: التخيير بين القسمين وإن كان الأول أشهر، وقيل: هو
أيضا أحوط (4)، ولا أعرف وجهه.
المسألة التاسعة عشرة: يستحب الاكثار للصلاة في مسجد

(1) الكافي 4: 558 / 5، الوسائل 14: 351 أبواب المزار وما يناسبه ب 11 ح 4،
بتفاوت.
(2) التهذيب 6: 16 / 35، الوسائل 14: 350 أبواب المزار وما يناسبه ب 11 ح 1،
بتفاوت.
(3) الفقيه 2: 340.
(4) انظر الرياض 1: 434.
338

النبي صلى الله عليه وآله، وأنه إذا فرغ من الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وآله يأتي المنبر ويمسحه
بيده ويأخذ برمانتيه - وهما السفلاوان - ويمسح عينيه ووجهه به، فإنه شفاء
للعين، ويقوم عنده ويحمد الله ويثني عليه، ويسأل حاجته، وأن يصلي
على النبي صلى الله عليه وآله عند دخول المسجد، وكذا عند الخروج عنه، وأن يأتي
مقام النبي صلى الله عليه وآله ويصلي فيه ما بدا له.
كل ذلك منصوص عليه في صحيحة ابن عمار (1).
المسألة العشرون: تستحب الصلاة في المساجد التي بالمدينة،
كمسجد قبا، بضم القاف..
ومسجد الفضيخ - سمي به لنخل كان فيه يسمى الفضيخ - بالفاء
المفتوحة والضاد والخاء المعجمتين.
قال صاحب القاموس في كتاب مغانم المطابة: إن هذا المسجد يعرف
بمسجد الشمس اليوم، وهو شرقي مسجد قبا على شفير الوادي، مرضوم (2)
بحجارة سود، وهو مسجد صغير.
ووجه تسميته مسجد الشمس لأن فيه ردت الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام،
كما ورد في رواية عمار بن موسى (3).
ومشربة أم إبراهيم (4)، وهو - في كتاب الغنائم -: مسجد بقبا

(1) الكافي 4: 553 / 1، التهذيب 6: 7 / 12، الوسائل 14: 344 أبواب المزار وما
يناسبه ب 7 ح 1، وأورد ذيلها في ص 340 ب 5 ح 2.
(2) الرضم والرضام: صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض في الأبنية، الواحدة
رضمة - الصحاح 5: 1933.
(3) الكافي 4: 561 / 7، الوسائل 14: 355 أبواب المزار وما يناسبه ب 12 ح 4.
(4) المشربة: بفتح الميم وفتح الراء وضمها: الغرفة، ومنه مشربة أم إبراهيم عليه السلام،
وإنما سميت بذلك لأن إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله ولدته أمه فيها وتعلقت حين ضربها
المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، وقد ذرعت من القبلة إلى الشمال أحد
عشر ذراعا - مجمع البحرين 2: 89.
339

شمالي مسجد بني قريظة، قريب من الحرة الشرقية في موضع يعرف
بالدشت.
قال: وليس عليه بناء ولا جدار، وإنما هو عريصة صغيرة بين نخيل،
طولها نحو عشرة أذرع، وعرضها أقل منه بنحو ذراع، وقد حوط عليها
برضم لطيف من الحجارة السود.
ومسجد الفتح، وهو مسجد على قطعة من جبل سلع من جهة
الغرب، وغربيه وادي بطحان، وهو الذي يسمى بمسجد الأحزاب.
وأن تأتي في جانب أحد وتصلي فيه في المسجد الذي دون الحرة.
وتأتي قبر حمزة بن عبد المطلب وتسلم عليه.
وتأتي قبور شهداء أحد.
وتأتي المسجد الذي في المكان الواسع إلى جانب الجبل عن يمينك
حين تدخل أحد، وتصلي فيه.
وتصلي عند قبور الشهداء، وأن تقول عند قبور الشهداء: السلام
عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، وتقول: السلام عليكم يا أهل الديار،
أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون.
وأن تقول في مسجد الفتح: يا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة
المضطرين، اكشف غمي وهمي وكربي كما كشفت عن نبيك غمه وهمه
وكربه وكفيته هول عدوه في هذا المكان.
وتستحب البدأة بمسجد قبا، ثم مشربة أم إبراهيم، ثم مسجد
340

الفضيخ، ثم أحد، ويبدأ فيه بالمسجد الذي دون الحرة، ثم قبر حمزة، ثم
قبور الشهداء، ثم المسجد الذي في المكان الواسع، ثم الصلاة عند قبور
الشهداء، ثم مسجد الفتح.
صرح بذلك الترتيب في رواية عقبة بن خالد (1).
المسألة الإحدى والعشرون: يستحب وداع قبر النبي صلى الله عليه وآله عند إرادة
الخروج من المدينة.
ففي صحيحة ابن عمار: (إذا أردت أن تخرج من المدينة فاغتسل،
ثم ائت قبر النبي صلى الله عليه وآله بعدما تفرغ من حوائجك فودعه، واصنع مثل ما
صنعت عند دخولك، وقل: اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر نبيك
صلوات الله وسلامه عليه، فإن توفيتني قبل ذلك فإني أشهد في مماتي
على ما شهدت عليه في حياتي أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك
ورسولك) (2).
وفي رواية يونس بن يعقوب: عن وداع قبر النبي صلى الله عليه وآله، [فقال:]
(تقول: صلى الله عليك، السلام عليك، لا جعله الله آخر تسليمي
عليك) (3)، والله العالم.
المسألة الثانية والعشرون: من أراد أن يدرك ثواب الحج كل سنة
فليعمل بما ورد في المرسل، فإن فيه:

(1) الكافي 4: 560 / 2، التهذيب 6: 17 / 39، الوسائل 14: 353 أبواب المزار
وما يناسبه ب 12 ح 2.
(2) الكافي 4: 563 / 1، التهذيب 6: 11 / 20، الوسائل 14: 358 أبواب المزار
وما يناسبه ب 15 ح 1.
(3) الكافي 4: 563 / 2، كامل الزيارات: 26 / 2، الوسائل 14: 359 أبواب المزار
وما يناسبه ب 15 ح 2، وما بين المعقوفين من المصادر.
341

(ما يمنع أحدكم أن يحج كل سنة؟) فقيل له: لا تبلغ ذلك أموالنا،
فقال: (أما يقدر أحدكم إذا خرج أخوه أن يبعث معه ثمن أضحيته، ويأمره
أن يطوف عنه أسبوعا بالبيت، ويذبح عنه؟! فإذا كان يوم عرفة لبس ثيابه
وتهيأ للمسجد، فلا يزال في الدعاء حتى تغرب الشمس) (1).
والظاهر أن المراد بالثياب التي أمر بلبسها إنما هي ثياب الزينة، كما
ورد به في الخروج إلى يوم العيد والجمعة.
ولا يضر إرسال الرواية، لما في أدلة السنن من المسامحة.
وقد ورد طريق آخر أيضا في الروايات المستفيضة الصحيحة، من
بعث الهدي من أي أفق كان، والمواعدة مع المبعوث معه لاشعاره أو
تقليده، واجتناب ما يجتنبه المحرم وقت المواعدة حتى يبلغ الهدي
محله (2).
ولكن لعدم تيسر العمل به في أكثر الآفاق من بعث الهدي، وعدم
دليل على الاكتفاء ببعث ثمنه، سيما مع الاتيان بالاشعار والتقليد، تركنا ذكره
هنا.
المسألة الثالثة والعشرون: - وهي الأخيرة من مسائل الكتاب - في
نبذ من آداب الخروج من البيت والمسافرة.
تستحب لمن أراد السفر مطلقا أمور:
منها: أن يعلم إخوانه بذلك.

(1) الفقيه 2: 306 / 1518، الوسائل 13: 192 من أبواب الاحصار والصد ب 9
ح 6.
(2) الوسائل 13: 190 أبواب الاحصار والصد ب 9.
342

لرواية السكوني (1).
ومنها: أن يخرج يوم السبت - كما صرح به في صحيحة ابن
سنان (2)، ورواية حفص بن غياث (3) - بعد طلوع الشمس منه، كما في
رواية الخثعمي (4).
أو يوم الخميس.
فإن في رواية عبد الله بن سليمان: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسافر يوم
الخميس)، وقال: (يوم الخميس يحبه الله ورسوله وملائكته) (5).
أو يوم الثلاثاء.
فإن في رواية حفص: (من تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم
الثلاثاء، فإنه اليوم الذي ألان الله فيه الحديد لداود عليه السلام) (6).
وفي صحيحة الخزاز: (واخرجوا يوم الثلاثاء) (7).
ومنها: أن لا يسافر يوم الجمعة مطلقا.
فإن في رواية الخثعمي (لا تخرج يوم الجمعة في حاجة).
ولا في يوم الاثنين.
فإن في صحيحة الخزاز (وأي يوم أعظم شؤما من يوم الاثنين؟!

(1) الكافي 2: 174 / 16، الوسائل 11: 448 أبواب آداب السفر ب 56 ح 1.
(2) الفقيه 2: 174 / 774، الوسائل 11: 348 أبواب آداب السفر ب 3 ح 1.
(3) الفقيه 2: 173 / 766، المحاسن: 345 / 6، الوسائل 11: 349 أبواب آداب
السفر ب 3 ح 3.
(4) الفقيه 2: 174 / 773، الوسائل 11: 349 أبواب آداب السفر ب 3 ح 4.
(5) الفقيه 2: 173 / 768 و 769، الوسائل 11: 358 أبواب آداب السفر ب 7 ح 1.
(6) الفقيه 2: 173 / 766، الوسائل 11: 351 أبواب آداب السفر ب 4 ح 2.
(7) الفقيه 2: 174 / 777، المحاسن: 347 / 16، الوسائل 11: 351 أبواب آداب
السفر ب 4 ح 1.
343

فقدنا فيه نبينا صلى الله عليه وآله، وارتفع الوحي عنا، لا تخرجوا، واخرجوا يوم
الثلاثاء).
وفي مرسلة الفقيه: (لا تسافر يوم الاثنين، ولا تطلب فيه حاجة) (1).
ولا في يوم الأربعاء.
كما يستشم من صحيحة حماد (2).
ولا في يوم كان القمر في العقرب.
فإن في رواية محمد بن حمران: (من سافر وتزوج والقمر في
العقرب لم ير الحسنى) (3).
وهل المعتبر كونه في برج العقرب على ما هو مصطلح أهل النجوم،
أو صورته؟
كل محتمل، ويحتمل الاقتصار على ما اجتمع فيه الأمران، والظاهر
كفاية قول المنجمين في الدخول فيه والخروج عنه.
ولو تصدق حين السفر له المسافرة في أي يوم شاء ويندفع عنه
شؤمه.
ففي صحيحة البجلي: (تصدق وأخرج أي يوم شئت) (4).

(1) الفقيه 2: 174 / 776، الوسائل 11: 353 أبواب آداب السفر ب 4 ح 6.
(2) الكافي 4: 283 / 3، الفقيه 2: 175 / 782، التهذيب 5: 49 / 150 وفيه: عن
حماد عن الحلبي، المحاسن: 348 / 22، الوسائل 11: 375 أبواب آداب السفر
ب 15 ح 2.
(3) المحاسن: 347 / 20، وفي الفقيه 2: 174 / 778، والوسائل 11: 367 أبواب
آداب السفر ب 11 ح 1 عن محمد بن حمران، عن أبيه.
(4) الكافي 4: 283 / 4، الفقيه 2: 175 / 781، الوسائل 11: 375 أبواب آداب
السفر ب 15 ح 1.
344

وفي صحيحة حماد: (افتتح سفرك بالصدقة، وأخرج إذا بدا لك،
واقرأ آية الكرسي) (1).
وليكن تصدقه على أول مسكين.
كما في صحيحة ابن أبي عمير: (إذا وقع في نفسك شئ فتصدق
على أول مسكين، ثم امض، فإن الله تعالى يدفع عنك) (2).
وليكن ذلك أيضا إذا وضع رجله في الركاب.
كما في رواية محمد (3).
ومنها: أن يصلي ركعتين حين الخروج.
ففي رواية السكوني: (ما استخلف رجل على أهله بخليفة أفضل
من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر، ويقول: اللهم إني
أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذريتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة
عملي) (4).
ومنها: أن يجمع عياله في بيت ويقول: اللهم إني أستودعك الغداة
نفسي ومالي وأهلي وولدي، الشاهد منا والغائب، اللهم احفظنا واحفظ
علينا، اللهم اجعلنا في جوارك، اللهم لا تسلبنا نعمتك ولا تغير ما بنا من

(1) الكافي 4: 283 / 3، الفقيه 2: 175 / 782، الوسائل 11: 375 أبواب آداب
السفر ب 15 ح 2.
(2) الفقيه 2: 175 / 783، المحاسن: 349 / 26، الوسائل 11: 376 أبواب آداب
السفر ب 15 ح 3، 4.
(3) الفقيه 2: 176 / 785، المحاسن: 348 / 25، الوسائل 11: 376 أبواب آداب
السفر ب 15 ح 5.
(4) الكافي 4: 283 / 1، الفقيه 2: 177 / 789، التهذيب 5: 49 / 152، المحاسن:
349 / 29، الوسائل 11: 379 أبواب آداب السفر ب 18 ح 1.
345

عافيتك وفضلك.
كما ورد في صحيحة العجلي (1).
وأن يقول ما في مرسلة الفقيه: (اللهم خل سبيلنا، وأحسن مسيرنا،
ومنها: أن يفعل ما في صحيحتي صباح الحذاء:
الأولى: (إذا أراد السفر قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه
إليه فقراء فاتحة الكتاب أمامه وعن يمينه وعن شماله، وآية الكرسي أمامه
وعن يمينه وعن شماله، ثم قال: اللهم احفظني واحفظ ما معي، وسلمني
وسلم ما معي، وبلغني وبلغ ما معي ببلاغك الحسن) (2).
الثانية: (إذا أردت السفر فقف على باب دارك واقرأ فاتحة الكتاب
أمامك وعن يمينك وعن شمالك، وقل هو الله أحد أمامك وعن يمينك
وعن شمالك، وقل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق أمامك وعن
يمينك وعن شمالك، ثم قل: اللهم احفظني، إلى آخر الدعاء) (3) إلا أنه
قال: (بلاغا حسنا) مكان: (ببلاغك الحسن).
ومنها: أن يدعو بما في صحيحة ابن عمار: (إذا خرجت من بيتك
تريد الحج والعمرة إن شاء الله فادع دعاء الفرج، وهو: لا إله إلا الله الحليم
الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب
الأرضين السبع، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، قل: اللهم

(1) الكافي 4: 283 / 2، المحاسن: 350 / 30، الوسائل 11: 380 أبواب آداب
السفر ب 15 ح 18، 2.
(2) الكافي 4: 283 / 1، الفقيه 2: 177 / 790، التهذيب 5: 49 / 153،
المحاسن: 350 / 31، الوسائل 11: 381 أبواب آداب السفر ب 19 ح 1.
(3) الكافي 2: 543 / 9.
346

كن لي جارا من كل جبار عنيد، ومن كل شيطان مريد، ثم قل: بسم الله
دخلت وبسم الله خرجت وفي سبيل الله، اللهم إني أقدم بين يدي نسياني
وعجلتي بسم الله وما شاء الله في سفري هذا ذكرته أو نسيته، اللهم أنت
المستعان على الأمور كلها، وأنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل،
اللهم هون علينا سفرنا واطولنا الأرض، وسيرنا فيها بطاعتك وطاعة
رسولك، اللهم أصلح لنا ظهرنا (1)، وبارك لنا في ما رزقتنا، وقنا عذاب
النار، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر (2)، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر
في الأهل والمال والولد، اللهم أنت عضدي وناصري، بك أحل وبك
أسير، اللهم إني أسألك في سفري هذا السرور والعمل بما يرضيك عني،
اللهم اقطع عني بعده ومشقته، واصبحني فيه، واخلفني في أهلي بخير،
لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني عبدك وهذا حملانك (3)، والوجه
وجهك، والسفر إليك، وقد اطلعت على ما لم يطلع عليه أحد غيرك،
فاجعل سفري هذا كفارة لما قبله من ذنوبي، وكن عونا لي عليه، واكفني
وعثه ومشقته، ولقني من القول والعمل رضاك، فإنما أنا عبدك وبك
ولك) (4).
ومنها: أن يقول إذا خرج من منزله ما في رواية ابن أسباط، وهو:
(بسم الله، آمنت بالله، وتوكلت على الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا

(1) الظهر: الإبل القوي - مجمع البحرين 3: 389 وفي المصباح المنير: 387:
الظهر: الطريق في البر.
(2) وعثاء السفر: مشقته - الصحاح 1: 296.
(3) الحملان: ما يحمل عليه من الدواب في الهبة خاصة - لسان العرب 11: 175.
(4) الكافي 4: 284 / 2، التهذيب 5: 50 / 154، الوسائل 11: 383 أبواب آداب
السفر ب 19 ح 5.
347

بالله) (1).
وأن يقول حين يخرج من باب داره ما في رواية أبي بصير (أعوذ
بالله مما عاذت منه ملائكة الله من شر هذا اليوم، ومن شر الشيطان،
ومن شر من نصب لأولياء الله، ومن شر الجن والإنس، ومن شر
السباع والهوام، ومن شر ركوب المحارم كلها، أجير نفسي بالله من كل
شر) (2).
وأن يقول إذا وضع رجله في الركاب: سبحان الذي سخر لنا هذا وما
كنا له مقرنين، أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، اللهم
أغفر لي ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت (3).
ومنها: أن يستصحب عصا من لوز مر ويتلو هذه الآية من سورة
القصص: (ولما توجه تلقاء مدين) إلى قوله: (والله على ما نقول
وكيل) (4).
فإن في مرسلة الفقيه: (فإنه أمان من كل سبع ضار، ولص عاد،
وذات حمة (5) حتى يرجع إلى أهله، وكان معه سبعة وسبعون من المعقبات

(1) الفقيه 2: 177 / 792، المحاسن: 350 / 33، الوسائل 11: 384 أبواب آداب
السفر ب 19 ح 6.
(2) الكافي 2: 541 / 4، الفقيه 2: 178 / 793، المحاسن: 350 / 34، الوسائل
11: 385 أبواب آداب السفر ب 19 ح 7، بتفاوت.
(3) يدل عليه ما في الوسائل 11: 387 أبواب آداب السفر ب 20.
(4) القصص: 22 - 28.
(5) الحمة: السم، وقد يشدد، ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة، لأن السم
منها يخرج - نهاية ابن الأثير 1: 446، وفي لسان العرب 14: 201 حكى
عن البعض أنها الإبرة التي تضرب بها الحية والعقرب والزنبور ونحو ذلك، أو تلدغ
بها.
348

- أي ملائكة الليل والنهار - يستغفرون له) (1).
وعن النبي صلى الله عليه وآله: (حمل العصا ينفي الفقر ولا يجاوره شيطان) (2).
ومنها: أن لا يسافر وحده، فإنه قد استفاضت الروايات على المنع
عنه (3).
ولو اتفق له ذلك فليقل ما في رواية الجعفري: (ما شاء الله لا
حول ولا قوة إلا بالله، اللهم آنس وحشتي، وأعني على وحدتي، وأد
غيبتي) (4).
ومنها: أن لا ينام على دابته، فإن في رواية حماد أن ذلك ليس من
فعل الحكماء، إلا أن يكون في محمل يمكنه التمدد.
وأن ينزل عن دابته إذا قرب المنزل، ويبدأ بعلفها قبل علف نفسه.
وأن يصلي ركعتين إذا نزل قبل أن يجلس، وكذا إذا أريد الارتحال.
ويبعد المذهب (5) عند قضاء الحاجة.
وأن لا يأكل طعاما حتى يتصدق ابتداء بشئ منه إن استطاع.
ويقرأ كتاب الله ما دام راكبا، ويسبح ما دام عاملا عملا، ويدعو ما
دام خاليا.
وأن لا يسير من أول الليل، ولا يرفع الصوت في المسير.

(1) الفقيه 2: 176 / 786، الوسائل 11: 377 أبواب آداب السفر ب 16 ح 1،
بتفاوت.
(2) الفقيه 2: 176 / 786، الوسائل 11: 379 أبواب آداب السفر ب 17 ح 1.
(3) الوسائل 11: 408 أبواب آداب السفر ب 30.
(4) المحاسن: 370 / 122، الفقيه 2: 181 / 807، الوسائل 11: 397 أبواب آداب
السفر ب 25 ح 2، 3.
(5) المذهب: هو الموضع الذي يتغوط فيه - مجمع البحرين 2: 62.
349

كل ذلك ورد في رواية حماد (1).
ومنها: أن يدير العمامة تحت حنكه.
كما في موثقة الساباطي (2)، ورواية علي بن الحكم.
وفي الأخيرة (من خرج من منزله معتما تحت حنكه يريد سفرا لم
يصبه في سفره سرق ولا حرق ولا مكروه) (3).
وله أن يشتغل في مسيره بالحداء (4) والشعر الذي ليس فيه خناء
- أي فحش - فإن في رواية السكوني: أنه زاد المسافر (5).
ومنها: أن يقول: اللهم لك الشرف على كل شرف، إذا صعد أكمة -
أي ما ارتفع من الأرض - كما في رواية حذيفة (6)، ويكبر كما في صحيحة
ابن عمار، وفيها: (أن يسبح حين يهبط) (7).
ومنها: أن يقول إذا نزل منزلا: رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير
المنزلين، وأن يقول إذا تعاين مدينة أو قرية: اللهم إني أسألك خيرها،

(1) الفقيه 2: 194 / 884، المحاسن: 375 / 145، الوسائل 11: 440 أبواب آداب
السفر ب 52 ح 1 و 2.
(2) الفقيه 1: 173 / 814، الوسائل 4: 402 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 5.
(3) الكافي 6: 461 / 6، الوسائل 4: 402 أبواب لباس المصلي ب 26 ح 3.
(4) حدا بالإبل حدوا وحداء: إذا زجرها وغنى لها ليحثها على السير - مجمع
البحرين 1: 96، وفي الصحاح 6: 2309: الحدو: سوق الإبل والغناء لها.
(5) الفقيه 2: 183 / 823، المحاسن: 358 / 73، الوسائل 11: 418 أبواب آداب
السفر ب 37 ح 1.
(6) الكافي 4: 287 / 1، المحاسن: 353 / 43، الوسائل 11: 393 أبواب آداب
السفر ب 22 ح 2.
(7) الكافي 4: 287 / 2، الفقيه 2: 179 / 796، الوسائل 11: 391 أبواب آداب
السفر ب 21 ح 1، بتفاوت يسير.
350

وأعوذ بك من شرها، اللهم حببنا إلى أهلها، وحبب صالحي أهلها إلينا (1).
إلى غير ذلك من الآداب الواردة في مظانها.
والحمد لله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وخلفاء رسول الله صلى الله عليه وآله.
قد تم كتاب الحج من مستند الشيعة في أحكام الشريعة
يوم الجمعة، سادس عشر شهر رجب المرجب،
سنة ألف ومائتين وواحد وأربعون،
تم بالخير والظفر.

(1) يدل عليه ما في الوسائل 11: 444 أبواب آداب السفر ب 54.
351