الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٣١
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمود القوچاني / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٦ ش
المطبعة: آيدا
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
في شرح شرايع الاسلام
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266 من الهجرة
حققه وعلق عليه: محمود القوچاني
عنى بتصحيحه: العالم الفاضل السيد إبراهيم الميانجي
الجزء الحادي والثلاثون
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه، وطبع
بنفقة
المكتبة الاسلامية
طهران شارع البوذرجمهرى
تليفون 521966
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
المطبعة الاسلامية - إيران - طهران
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(النظر الثاني في المهور)
جمع مهر، ويسمى الصداق بفتح الصاد و كسرها، والنحلة والأجر والفريضة
والعقر والصدقة بفتح الصاد مع ضم الدال و إسكانها وفتحها وبضمها والعليقة، والحباء
بالمد وكسر الحاء المهملة ثم موحدة، والطول، وهو كما في المسالك مال يجب
بوطء غير زنا منها ولا ملك يمين أو بعقد النكاح أو تفويت البضع قهرا على بعض
الوجوه، كارضاع ورجوع شهود، وكأنه أخذه من بعض العامة، قال: " إنه في
الشرع اسم لما وجب في مقابلة البضع بنكاح أو وطء أو موت أو تفويت البضع قهرا
- ثم قال -: وقولنا: أو تفويت البضع قهرا يدخل فيه الرضاع ورجوع الشهود
ووطء الأب زوجة ابنه وبالعكس بالشبهة فيهما، ووطء الأب جاريته، وإقرار
الامرأة بعد إقرارها لزوج قبله، وغير ذلك من المواضع المعروفة في أبوبها " قلت:
ذلك ونحوه سبب في الرجوع بالمهر الذي هو مقابل لتملك منفعة البضع أو استيفائها
بغير زنا منها، والأمر سهل كسهولته في الأسماء المزبورة التي من المحتمل
اختصاص اسم الأجر منها في مهر المتعة. بل قد يمنع تسميته بالنحلة، وإنما وقع
في الآية (1) وصفه بها، كما أنه قد يمنع تسميته بالفريضة، وإنما يوصف بها
باعتبار كونه فرضا على الزوج ونحو ذلك مما لا طائل تحته.

(1) سورة النساء: 4 - الآية 4.
2

(و) على كل ف‍ (- في) البحث عن‍ (- ه أطراف)
(الأول في المهر الصحيح)
في نكاح المسلمين
(وهو كلما يصح أن يملك‍) - ه المسلم (عينا كان أو منفعة) لعقار أو
حيوان أو انسان عبد أو حر ولو الزوج نفسه، للأصل والمعتبرة المستفيضة في تحديد
الصداق بما تراضيا عليه وأن المنساق منها ذلك بالنسبة إلى الكثرة والقلة، ففي
صحيح الكناني (1) " سألت عن المهر ما هو؟ فقال: ما تراضي عليه الناس " وصحيح
زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام " الصداق كل شئ يتراضى عليه الناس قل أو كثر "
وصحيح فضيل (3) عنه عليه السلام أيضا " الصداق ما تراضى عليه الناس من قليل أو كثير
فهو الصداق " وفي الصحيح الآخر (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن المهر، فقال:
هو ما تراضي عليه الناس أو اثنتا عشرة أوقية ونش أو خمسمائة درهم " مضافا إلى
الصحيح (5) عن أبي جعفر عليه السلام " جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقالت: زوجني،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، زوجنيها، فقال:
ما تعطيها؟ فقال: ما لي شئ، فقال: لا، قال: فأعادت، فأعاد رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام،
فلم يقم أحد غير الرجل ثم أعادت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله في المرة الثالثة: أتحسن
من القرآن شيئا "؟ قال: نعم، قال: قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها
إياه " وفي آخر (6) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور الحديث 1 - 6 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور الحديث 1 - 6 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور الحديث 1 - 6 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور الحديث 1 - 6 - 3 - 4.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المهور الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المهور الحديث 2.
3

من كتاب الله عز وجل فقال: ما أحب أن يدخل بها حتى يعلمها السورة ويعطيها
شيئا، قلت: أيجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ فقال: لا بأس بذلك إذا رضيت به
كائنا ما كان ".
(و) قد بان لك من ذلك أنه لا إشكال في أنه (يصح العقد على منفعة
الحر كتعليم الصنعة والسورة من القرآن) والشعر والحكم والآداب (وكل عمل
محلل)، بل (وعلى إجارة الزوج نفسه مدة معينة) أو على عمل مخصوص،
وفاقا " للمشهور لما عرفت (وقيل) والقائل الشيخ في النهاية وجماعة على ما حكي
(بالمنع استنادا إلى رواية لا تخلو من ضعف) في السند (مع قصورها عن إفادة
المنع) وهي رواية البزنطي (1) عن الرضا عليه السلام " في الرجل يتزوج المرأة ويشترط
لأبيها إجارة شهرين فقال: موسى على نبينا وآله وعليه السلام علم أنه سيتم له
شرطه فكيف لهذا بأن يعلم أنه سيبقى حتى يفي، وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
تتزوج المرأة على السورة وعلى الدراهم وعلى القبضة من الحنطة " إذ هو - مع
احتماله الكراهة وعدم مكافأته لما سمعت من وجوه - غير واضح الدلالة، ضرورة
ظهوره في كون المانع عدم علمه بالبقاء إلى أن يفي، فلو فرض علمه بذلك صح،
بل مقتضاه فساد الاصداق بنحو تعليم سورة وغيره الذي قد تضمن هو جواز جعله
مهرا فضلا عن الاجماع ودلالة المعتبرة السابقة.
اللهم إلا أن يقال: إن محل النزاع الاصداق بإجارة خصوص نفسه لا
الاصداق بعمل في ذمته كلي غير مشروط عليه المباشرة بنفسه، فإن ذلك جائز عند
الجميع، وهو مضمون المعتبرة المستفيضة (2) والمحكي عليه الاجماع، ومن هنا
صرح بعضهم بل لعله ظاهر المتن أيضا بكون النزاع في جعل الزوجة المهر استئجار

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المهور الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب المهور الحديث 1 والباب 7 منها الحديث 2
والباب - 17 - منها الحديث 1 والباب - 22 - منها الحديث 1.
4

الزوج لأن يعلم أو يعمل هو بنفسه لها أو لوليها مدة معينة، كشهر أو شهرين
أو سنة.
وربما كان وجه المنع فيه حينئذ عدم الطمأنينة للامرأة بحصول المهر
لاحتمال موته قبل العمل، والفرض عدم كون الشئ في ذمته حتى يؤخذ لها من
تركته، وليس هو كالإجارة على ذلك التي لا إشكال فيها مع عمله ومع عدمه يرجع
بأجرته إذا انفسخت بموت ونحوه.
قلت: فيه (أولا) أنه إذا جع عمله نفسه مهرا فإن فعل فلا إشكال وإن
مات بعد الدخول مثلا ولم يعمل كان لها قيمة ذلك العمل من تركته، إذ هو مضمون
عليه حتى يوصله إليها، وليس هو كالإجارة في الانفساخ بتلف العين المستأجرة على
أنه لو سلم يكون لها مهر المثل حينئذ لعدم خلو البضع عن المهر، والفرض انفساخ
العقد بالنسبة إلى المسمى.
و (ثانيا) أن الأصل في هذا الشيخ في النهاية وظاهر الخلاف، وليس في
كلامهما تعرض للفرق بين العمل في الذمة وبين إجارة النفس، بمعنى اشتراط المباشرة
أو على كونه كالأجير الخاص.
قال في النهاية: " يجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شئ من الحكم
والآداب، لأن ذلك له أجر معين وقيمة مقدرة، ولا يجوز العقد على إجارة، وهو
أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليها إياما معلومة أو سنين معينة ".
وقال في محكي المبسوط: " يجوز أن تكون منافع الحر مهرا، مثل أن
يخدمها شهرا، أو على خياطة ثوب، أو على أن يخيط لها شهرا وكذلك البناء
وغيره، وكذلك تعليم القرآن والشعر المباح، كل هذا يجوز أن يكون صداقا، وفيه
خلاف، غير أن أصحابنا رووا أن الإجارة مدة لا يجوز أن تكون صداقا، لأنه كان
يختص موسى عليه السلام "
وفي محكي الخلاف بعد أن ذكر أن الصداق ما تراضيا عليه مما يصلح أن
5

يكون ثمنا لمبيع أو أجرة قليلا كان أو كثيرا واستدل على ذلك باجماع الفرقة
وأخبارهم، قال: " مسألة يجوز أن تكون منافع الحر مثل تعليم قرآن أو شعر
مباح أو بناء أو خياطة أو غير ذلك مما له أجرة صداقا "، واستثنى أصحابنا من جملة
ذلك الإجارة، وقالوا: لا يجوز، لأنه كان يختص موسى عليه السلام، وبه قال الشافعي
ولم يستثن الإجارة، بل أجازها، ثم حكى عن أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز أن
تكون منافع الحر صداقا بحال سواء كانت حجا أو غيره - ثم قال -: دليلنا إجماع
الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى سهل الساعدي " (1) وساق الحديث السابق.
وليس في شئ من كلامه في كتبه الثلاثة الإشارة إلى الفرق بما عرفت، ولا يبعد
أن يكون مراده باستثناء الإجارة بقرينة ذكر قضية موسى عليه السلام جعل الصداق الإجارة
نفسها على وجه يكون البضع أجرة كما كانت الإجارة مهرا، على معنى تزويج المرأة
نفسها بإجارة نفسه لها شهرا أو على عمل بحيث، يكون الصداق عقد الإجارة، أو يذكر
العمل فيه على إرادة عقد الإجارة ويجعل البضع نفسه أجرة لذلك، كقول شعيب عليه السلام
لموسى عليه السلام (2): " على أن تأجرني ثماني حجج " ولا ريب في عدم صحة ذلك،
ضرورة عدم صلاحية البضع لأن يكون أجرة ولا ثمنا لمبيع ولا عوضا في جميع
المعاوضات، مضافا إلى ما تسمعه من خبر حمادة (3) وظاهر الآية مع فرض إرادته مختص
بموسى عليه السلام، كما أنه اختص به جعل الإجارة التي منفعتها لشعيب عليه السلام مهرا
كما أومي إليه في خبر السكوني (4) الذي رواه المشائخ الثلاثة قال: " لا يحل
النكاح اليوم في الاسلام بإجارة، بأن تقول: أعمل عندك كذا وكذا سنة على أن
تزوجني ابنتك أو أختك، قال: هو حرام، لأنه ثمن رقبتها، وهي أحق بمهرها ".

(1) المستدرك الباب - 2 - من أبواب المهور الحديث 2 وسنن البيهقي ج 7
ص 242.
(2) سورة القصص: 28 - الآية 27.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المهور الحديث 2.
6

ومن ذلك يعلم ما في كلام بعضهم من تحرير محل النزاع جعل ذلك مهرا
لها أو لوليها، حتى أنه جعل المشهور الجواز، وربما تسمع لذلك تتمة إنشاء الله،
كما أن منه يعلم ما في تأويل ما في المتن ونحوه في تحرير النزاع من التعبير
بإجارة الزوج نفسه بأن المراد جعل العمل الذي يكون موردا للإجارة، لا أن المراد
الإجارة نفسها، بل منه يعلم أيضا أنه لا وجه للاستدلال للشيخ بالخبر المذكور أولا
وإن كان فيه ذكر قصة موسى عليه السلام والتعليل بما عرفت الذي لا يمنع من أن يكون
المنع فيه لعلة أخرى، وهي ما سمعت، بل الأولى الاستدلال بما دل على عدم جواز
جعل الإجارة مهرا كخبر السكوني.
وربما احتمل في كلام الشيخ أن محل نزاعه في خصوص العمل مدة، لكنه كما
ترى، وكذا احتمال كون نزاعه جعل العمل للغير مهرا نحو ما وقع من موسى عليه السلام،
فإن كلامه الذي سمعته صريح في خلاف ذلك، ولعل التدبر في كلامه في كتبه
الثلاثة يقتضي ما قلناه، بل ظاهره في الخلاف أن ذلك أمر معروف عند الأصحاب
وعدم كون ذلك من خواصه، ولذا نسبه إلى استثناء الأصحاب ثم حكى عن أبي حنيفة
ما سمعت المبني على عدم مالية منافع الحر، ولذا لا تضمن بالفوات، فلا تصح أن
تجعل مهرا نعم لو قوبلت بمال كما في الإجارة، وهو كالاجتهاد في مقالة النص،
بل هو منه، على أنه لا فرق في ماليتها في المعاوضات بين المقابلة بمال وعدمه، ولذا
جازا استئجار الشخص الحر على عمل بعمل آخر من المستأجر كما هو واضح.
وعلى كل حال فقد عرفت أن المدار في المهر على المالية التي تصح أن تكون
عوضا من غير فرق بين العين والعروض والمنافع والأعمال ونحوها، بل الظاهر جواز
جعل المهر حقا ماليا كحق التحجير ونحوه مما يصح المعاوضة عليه.
أما الحقوق التي يصح المعاوضة عن اسقاطها كحق الدعوى واليمين والخيار
والشفعة ونحوها ففي صحة جعلها مهرا وجهان ينشئان من عموم قوله عليه السلام (1) " ما تراضيا
عليه " وأولوية المهر من غيره من المعاوضات، باعتبار كونه ليس عوضا صرفا
ومن إطلاق الفتاوى اعتبار كونه مملوكا على وجه ينتقل إلى الزوجة، ويقبل التنصيف

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور الحديث 3.
7

لو احتيج إليه بطلاق قبل دخول ونحوه ولو بتقويمه، واحتمال الالتزام بالتقويم في
الفرض حينئذ يدفعه عدم كون مثل ذلك من المتقومات العرفية، وإنما تقع المعاوضة
عليه بما يتراضيان عليه، اللهم إلا أن يدعى إمكان تقويمه ولو بملاحظة الدعوى
مثلا، لكنه كما ترى، مضافا إلى خبر حمادة بنت أخت أبي عبيدة الحذاء (1)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة وشرط لها أن لا يتزوج عليها ورضيت
أن ذلك مهرها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا شرط فاسد، لا يكون النكاح إلا على
درهم أو درهمين ".
ثم إن المراد من قول المصنف: " كلما يصح أن يملك المسلم " الصحة المحققة
على وجه ينتقل منه إلى غيره كي يتجه حينئذ جعل الزوج له مهرا منتقلا إلى
الامرأة، وربما خرج بذلك العقد على مال الغير بغير إذنه، فإنه لا يصح ملكه فعلا
لمسلم بدون إذن مالكه، ويمكن أن يكون المصنف أراد الاحتراز عن مثله بمثل
هذه العبارة، وعدم جواز جعله مهرا لحرمة التصرف في مال الغير وإن صدق عليه
صحة تملك المسلم له، بل قد يمنع صحته مهرا حتى مع إذن المالك إذا لم يكن
على وجه يدخل في ملك الزوج، لكون المهر كالأعواض التي لا يصح أن تكون
لمالك والمعوض لآخر، اللهم إلا أن يمنع اعتبار ذلك في المهر وإن اعتبر مثله
في المعاوضات، لكن ليس هو منها، فيصح حينئذ بذل الغير له، بل يصح العقد للزوج
على أن يكون المهر في ذمة غيره، وقد يشهد له في الجملة ما تسمعه إنشاء الله من كون
المهر في ذمة الوالد لو زوج ولده الصغير المعسر، بل يظهر من الفاصل في القواعد
وغيره المفروغية من مشروعية بذل الغير المهر عن الولد الموسر الصغير بل وغيره،
فلاحظ ما ذكره في الفرع الرابع عشر وهو: لو زوج الأب أو الجد له الصغير إلى
آخره، ولعله الأقوى خصوصا مع ملاحظة مخالفة معاوضة المهر لأحكام المعاوضة
في كثير من المقامات، وربما يأتي لذلك تتمة إنشاء الله.
(و) كيف كان ف‍ (- لو عقد الذميان) أو غيرهما من أصناف الكفار (على

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 1.
8

خمر أو خنزير) أو نحوهما مما لا يصح من المسلم (صح) العقد والمهر حكما إذا
كان كذلك في دينهم، بمعنى إقرارهم على ما في أيديهم وعدم التعرض له، وإلزامهم
بما ألزموا به أنفسهم و (لأنه) في دينهما (يملكانه) فيصح ذلك بالنسبة
إليهم عقدا ومهرا (و) حينئذ ف‍ (- لو أسلما أو أسلم أحدهما) بعد القبض فلا
إشكال، وإن كان ذلك (قبل القبض دفع) الزوج (القيمة) عند مستحليه
(ل‍) - تعذر ما استحقته الزوجة بالعقد ب‍ (- خروجه عن) صلاحية (ملك المسلم)
له، والفرض ضمانه عليه حتى يوصله إلى الزوجة، فيكون حينئذ كالمثلي الذي
قد تعذر مثله في الانتقال إلى القيمة، ضرورة أنه بإسلامهما يمتنع قبضه وإقباضه في
دين الاسلام عليهما، وكذا إن كان المسلم الزوج الذي لا يصح له إقباضه ولا دفعه
نحو الزوجة التي لا يصح لها قبضه حينئذ، فليس حينئذ إلا القيمة التي هي أقرب
شئ إليه (سواء كان) الخمر والخنزير المجعولان مهرا (عينا) مشخصة
(أو) كليا (مضمونا) في الذمة، مؤيدا ذلك كله بخبر عبيد بن زرارة (1)
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا خمرا وثلاثين
خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها، قال: ينظر كم قيمة الخمر؟ وكم
قيمة الخنازير؟ فيرسل بها إليها ثم يدخل عليها، وهما على نكاحهما الأول " وقد
مر تحقيق في المسألة في نكاح الكفار وذكر الأقوال فيها.
لكن ينبغي أن يعلم هنا أن ما يظهر من المصنف وغيره من ملكية الكافر
للخمر والخنزير ونحوهما مناف لقاعدة تكليف الكافر بالفروع، ولما دل (2) على
عدم قابليتهما للملك شرعا من غير فرق بين المسلم والكافر، وعدم التعرض لما في
أيديهم من أديانهم لا يقتضي ملكيتهم ذلك في ديننا، بمعنى أن المسلم فيه لا يملك
بخلاف الكافر، فإنه يملك ذلك، ضرورة منافاته لما عرفت، ولنسخ دينهم، فهو

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 55 و 57 - من أبواب ما يكتسب به.
9

حرام عليهم، والثمن الذي يأخذونه في مقابلته حرام عليهم، وتصرفهم فيه حرام
أيضا وإن جاز لنا تناوله منهم، ومعاملته معاملة المملوك، وإجراء حكم الصحيح
عليه إلزاما لهم بما ألزموا به أنفسهم، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع.
كما أنه ينبغي أن يعلم أيضا أنه قد يقال بعدم وجوب القيمة في المقام لو
كان المهر مثلا خمرا معينا وقد أسلم الزوج وقد قبضته هي من دون إذن منه أو
مع عدم منعه، لعدم جواز تعرضه لها في ملكها، بل من يتلف على الذمي خمرا
يضمنه له، فوجوب القيمة في ذلك محل نظر وإن لم أجد ذلك لأحد من أصحابنا،
نعم عن بعض العامة الفرق بين الدين والعين، وهو جيد في هذا الفرد، لا فيما إذا
أسلمت الزوجة قبل القبض وكان مهرها خمرا معينا فإنه باسلامها تعذر عليه قبضها
وتلف عليها، والفرض ضمانه في يد الزوج، وليس ذلك تفريطا بعد أن كانت مأمورة
به شرعا، فالاسلام يرفعها ويعزها وقد أومأنا إلى في ذلك المقام، والله العالم
بحقيقة الحال.
(ولو كانا) أي الزوج والزوجة (مسلمين أو كان الزوج مسلما) وعقدا
على خمر أو خنزير مثلا عالمين بعدم صحة ذلك أو جاهلين أو مختلفين (قيل)
والقائل جماعة منهم الشيخان في المقنعة والنهاية والقاضي والتقي على ما حكي:
(يبطل العقد) لتعليق الرضا بالباطل المقتضي لارتفاعه بارتفاعه، ولأنه حيث
يذكر المهر فيه عقد معاوضة، ضرورة اتحاده مع عقود المعاوضة في القصد ودخول
الباء ونحو ذلك، ولذا أطلق عليه اسم الأجر في قوله تعالى (1): " فآتوهن أجورهن "
فينبغي أن يعتبر فيه ما يعتبر فيها من توقف الصحة على صحة العوض كالبيع ونحوه،
وصحته بلا مهر لا ينافي جريان حكم المعاوضة عليه مع ذكر المهر، بل قد يؤيد
ذلك ما في المعتبرة المستفيضة (2) من أن المهر ما تراضيا عليه المنعكس بعكس
النقيض إلى أن ما لا يتراضيان عليه لا يكون مهرا المقتضي عدم غير المذكور في

(1) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور.
10

العقد مهرا فينافي ما دل على عدم إخلاء البضع عن المهر، فليس حينئذ إلا
البطلان.
(وقيل) والقائل المشهور: (يصح) العقد، بل عن بعض نفي الخلاف
فيه إلا من مالك وبعض الأصحاب، للعمومات السالمة عن معارضة غير ما عرفت
من التعليق المذكور الذي يمكن منعه بعدم ظهور المعاوضة في ذلك، وإنما تقتضي
معنى التعاوض والتبادل عرفا من غير اعتبار معنى التعليق بل ذلك فيها شبه الداعي
يعني أن الزوجة مثلا رضيت بالنكاح ورضيت بكون الخمر ملكا لها، والزوج
رضي بكونها زوجة وأنها مالكة للخمر عليه، لا أن المراد إنشاء معلقا على وجه
يكون الرضا معلقا عليه، فيكون حاصله أن الزوجة قد أنشأت الرضا بالنكاح معلقة
ذلك عن أن يكون الخمر ملكا لها، بحيث إن لم يكن ملكا لها فلا رضا لها
بالنكاح، ضرورة عدم إرادة ذلك في المعاوضة وإن انساق إلى ذهن غير المحصل ابتداء
والتحقيق ما عرفت، وحينئذ فلم يحصل في العقد المفروض إلا هذا التقابل، وهو
مقتض للبطلان في العقد الذي اعتبر الشارع فيه العوض، كالبيع والإجارة، أما نحو
النكاح المسلم عند الخصم عدم اعتبار العوض فيه لا دليل على اقتضاء بطلانه بطلانه،
بل الدليل من العمومات وغيرها يقتضي الصحة.
(وبالجملة) بطلان عقود المعاوضات ببطلان العوض العرفي شرعي لا لانتفاء
الرضا، فالمعاوضة حينئذ عرفية وشرعية وهي المشتملة على العوض الصحيح شرعا
وشرعية لا عرفية، لوجوب مهر المثل بالدخول وقيمة الشئ بتلفه، وعرفية لا شرعية،
وهي المشتملة على العوض الفاسد، وهذه إن اعتبر الشارع فيها العوض تكون باطلة
لذلك، وإلا كان العقد صحيحا للعمومات والتعاوض باطلا، وما نحن فيه من ذلك،
ضرورة تسليم الخصم عدم اعتبار العوض فيه فيصح بلا مهر، بل وتسليمه صحة العقد
مع ظن كونه خلا فبان خمرا، أو حيوانا مملوكا فبان خنزيرا، أو ماله فظهر
مستحقا للغير، ونحو ذلك مما قيل فيه إن العقد صحيح قولا واحدا، ولا وجه له
إلا ما ذكرناه الذي منه يستفاد الصحة في الفرض، وكذا فحوى ما دل عليها في
11

النكاح المشتمل على الشروط الفاسدة التي هي كالمهر من حيث الرضا المزبور، بل ربما كانت الدعوى فيه أظهر مع حكمهم بالصحة وإن فسد الشرط، وليس ذلك إلا
لما عرفت، كل ذلك مضافا إلى صحيح الوشاء (1) في المسألة الآتية المصرح فيه
بصحة العقد وبطلان ما جعل فيه من المهر لأبيها.
وكأنه إلى بعض ما ذكرنا أشار بعض الأفاضل في الاستدلال على الصحة في
الفرض بالعمومات، قال: " ولا يخرج عنها سوى اشتراطه بالتراضي المفقود هنا
بناء على وقوعه على الباطل المستلزم لعدمه بدونه، فلا يكون الرضا بالتزويج باقيا
بعد المعرفة ببطلان المرضي به " وفيه أن الشرط حصوله وقد وجد فتثبت الصحة
المشروطة به، وبطلان المتعلق غير ملازم لبطلانه أولا، وعلى تقديره فاللازم منه
ارتفاع الرضا من حين المعرفة بالبطلان، وعدم البقاء ليس شرطا في الصحة، بل
الوجود وقد حصل، ودعوى استلزام بطلان المرضى به بطلان أصل الرضا وعدم حصوله
فاسدة بالضرورة هنا وإن كان بعض ما ذكره لا يخلو من نظر.
ومن ذلك بان ما في جميع أدلة الخصم حتى الأخير الواضح فساده، ضرورة
أنه بعد تسليم مقدماته الفاسدة يقتضي عدم كونه غير ما تراضيا عليه مهرا في العقد
وهو لا ينافي ثبوت المثل بالدخول لا بالعقد، كما هو واضح. نعم لا ريب في اقتضاء
ما ذكرناه انحصار ما أوجبه العقد في ملكية البضع خاصة من غير مهر.
فدعوى - إيجابه مع ذلك مهر المثل أو قيمة الخمر أو التفصيل في المذكور
بين ما له قيمة ولو عند مستحليه وغيره كالحر، فيوجب مهر المثل في الثاني والقيمة
في الأول، والتفصيل بين ما علم كونه خمرا أو خنزيرا وبين غيره ظن كونه خلا
وحيوانا مملوكا فبان خمرا أو خنزيرا، فيجب بالعقد مهر المثل في الأول والقيمة
في الثاني أو مقدار ذلك الخمر خلا أو غير ذلك - من الأقوال والاحتمالات التي
لا ينبغي أن تصدر ممن له أدنى نصيب في الفقه، ضرورة عدم إيجاب العقد ما لم يذكر

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المهور الحديث 1.
12

فيه، لا ريب أن مهر المثل أو القيمة أو غير ذلك أشياء لم يذكرها المتعاقدان في
العقد لا لفضا ولا تقديرا، وقيمة الشئ إنما تجب حكما من الشارع بعد استحقاق
ذلك الشئ لا قبل أن يستحق عليه.
فما وقع من جماعة - من نحو هذا الأقوال حتى أنه أوجبوا النصف بالطلاق
والجميع بالموت - واضح الفساد، بل لعل المتجه عدم جعل محل البحث من
المفوضة، للعلم بعدم وقوع معنى التفويض منها، بل ما وقع منها من القصد إلى مهرية
الخمر والخنزير ينافيه، فلا متعة لها لو طلقت قبل الدخول، بناء على اختصاصها
بها، كما لا شئ مع الموت.
(و) إنما (يثبت لها مع الدخول مهر المثل) الذي لا مدخلية للعقد
في وجوبه، ولذا قد يجب بالوطء شبهة بدون عقد (و) حينئذ فما (قيل) - لا: يجب
مهر المثل لها (بل) الواجب لها (قيمة الخمر) أو مقداره خلا أو غير ذلك
من الأقوال التي قد عرفت فسادها - لا ينبغي الالتفات إليه. (و) قد ظهر لك من ذلك أن القول (الثاني) أي القول بصحة العقد،
وأن لها مهر المثل مع الدخول مع كونه أشهر (أشبه) بأصول المذهب وقواعده،
كما عرفته بما لا مزيد عليه، والله العالم بحقيقة الحال.
(ولا تقدير في المهر) في جانب القلة (بل ما تراضي عليه الزوجان وإن
قل ما لم يقصر عن التقويم كحبة من حنطة) ونحوها مما يعد نقله عوضا من
السفه والعبث، بلا خلاف أجده في شئ من ذلك نصا (1) وفتوى، بل لعل الاجماع
بقسميه عليه.
(وكذا لا حد له في الكثرة) على المشهور بين الأصحاب، شهرة عظيمة
كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، لاطلاق الأدلة وعمومها كتابا (2) وسنة (3)

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 24 و 20 وسورة البقرة: 2 الآية 237.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور.
13

من آية الأجور وما فرضتم (1) وغيرها، ولأنه نوع معاوضة فيتبع اختيار المتعاوضين
في القدر كغيره من المعاوضات وخصوص المعتبرة (2) المحددة له بما تراضيا عليه
قل أو كثر، وقوله تعالى (3): " وآتيتم إحداهن قنطارا " الذي هو المال
العظيم (4) أو وزن أربعين أوقية من ذهب أو فضة أو ألف ومأتا أوقية (5) أو سبعون
ألف دينار (6) أو ثمانون ألف دينار (7) أو مئة رطل من ذهب أو فضة (8) أو ملء
مسك ثور ذهبا أو فضة (9) وقضية (10) عمر مع المرأة التي حجته بهذه الآية حين
نهى عن المغالاة في المهر حتى قال: " كل الناس أفقه منك يا عمر حتى
المخدرات " معروفة، وصحيح الوشاء (11) عن الرضا عليه السلام " سمعته يقول: لو أن
رجلا تزوج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر
جائزا والذي سماه لأبيها فاسدا " وصحيح الفضيل (12) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا آبقا وبردا بألف درهم التي أصدقها،
قال: إذا رضيت بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس، إذ هي قد قبضت الثوب ورضيت
بالعبد " وعن الشيخ في المبسوط أنه روى فيه عن عمر أنه لما تزوج أم كلثوم بنت

(1) في النسخة الأصلية المبيضة " ما عرضتم " والصحيح ما أثبتناه كما في النسخة
الأصلية المسودة بخط المصنف طاب ثراه.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 20.
(4) مجمع البيان سورة النساء ذيل الآية 20.
(5) سنن البيهقي ج 7 ص 233.
(6) سنن البيهقي ج 7 ص 233.
(7) سنن البيهقي ج 7 ص 233.
(8) سنن البيهقي ج 7 ص 233.
(9) مجمع البيان سورة آل عمران ذيل آية 14.
(10) سنن البيهقي ج 7 ص 233. راجع الغدير للأميني (قده) ج 6 من ص 95
إلى 98.
(11) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المهور الحديث 1.
(12) الوسائل الباب - 24 - من أبواب المهور الحديث 1.
14

علي عليه السلام أصدقها أربعين ألف درهم (1) وأن أنس بن مالك تزوج امرأة على عشرة
آلاف (2) وأن الحسن بن علي عليهما السلام تزوج امرأة فأصدقها مئة جارية، مع
كل جارية ألف درهم (3) بل ربما روى أزيد من ذلك في عهد الصحابة والتابعين
من غير نكير من أحد منهم.
(و) لكن مع ذلك (قيل) والقائل المرتضى بل حكي عن الإسكافي
والصدوق (بالمنع من الزيادة عن مهر السنة و) هو خمسمأة درهم بل (لو زاد
عليه رد إليها) بل في الانتصار دعوى إجماع الطائفة عليه، قال فيه: " ومما
انفردت به الإمامية أنه لا يتجاوز بالمهر خمسمأة درهم جياد، قيمتها خمسون
دينارا، فما زاد على ذلك رد إلى هذه السنة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك - إلى
أن قال -: والحجة بعد إجماع الطائفة أن قولنا: مهر يتبعه أحكام شرعية، وقد
أجمعنا على أن الأحكام الشرعية تتبع ما قلناه إذا وقع العقد عليه، وما زاد عليه لا
إجماع على أنه يكون مهرا، ولا دليل شرعي، فيجب نفي الزيادة ".
وفي محكي الفقيه " والسنة المحمدية في الصداق خمسمأة درهم، فمن زاد
على السنة رد إليها " ونحوه عن هدايته ثم ذكر " أنه إذا أعطاها درهما واجدا
من الخمسمئة ودخل بها فلا شئ لها بعد ذلك، وكان ذلك صداقها إلا أن تجعله
دينا فتطالب به في الحياة وبعد الممات، وإذا لم تجعله دينا فالأولى أن لا تطالب به
- ثم قال -: وإنما صار مهر السنة خمسمأة درهم، لأن الله تعالى أوجب على نفسه
ما من مؤمن كبره وسبحه وهلله وحمده وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله مئة مئة ثم قال:
اللهم زوجني الحور العين إلا زوجه الله حوراء من الجنة، وجعل ذلك
مهرها " (4).
وأما ابن الجنيد فالمحكي عنه بعد أن ذكر أن كل ما صح الملك له والتمول

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المهور الحديث 2 - 3.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 233 وفيه " على عشرين ألفا ".
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المهور الحديث 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المهور الحديث 2.
15

من قليل أو كثير فينتفع به في دين أو دنيا من عروض أو عين أو يكون له عوض من أجرة
دار أو عمل إذا وقع التراضي بين الزوجين، فالفرج حينئذ يحل به بعد العقد عليه
- قال -: " وسأل المفضل (1) أبا عبد الله عليه السلام " إلى آخر الخبر المذكور دليلا للمرتضى
وهو " دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز
للمؤمن أن يجوزه، فقال: السنة المحمدية صلى الله عليه وآله خمسمأة درهم فمن زاد على
ذلك رد إلى السنة، ولا شئ عليه أكثر من الخمسمئة درهم، فإن أعطاها من
الخمسمئة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شئ عليه، قال: قلت:
فإن طلقها بعد ما دخل بها، قال: لا شئ لها، إنما كان شرطها خمسمأة درهما فلما
أن دخل بها قبل أن تستوفي صداقها هدم الصداق فلا شئ لها إنما لها ما أخذت من
قبل أن يدخل بها، فإذا طلبت بعد ذلك في حياته أو بعد موته فلا شئ لها ".
لكن لا يخفى عليك عدم صراحة كلام الإسكافي في موافقة المرتضى، بل ولا
ظهوره، بل لعل ظاهره خلافه، كما أنه قد يظهر من الصدوق إرادته الاستحباب
الذي لا كلام فيه للتأسي وغيره، بل لا يبعد كراهة الزيادة خصوصا من المحكي
عنه في المقنع قال: " وإذا تزوجت فانظر أن لا يتجاوز مهرها مهر السنة، وهو
خمسمأة درهم، فعلى هذا تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله نساءه، وعليه زوج بناته، وصار
مهر السنة خمسمأة لأن الله أوجب على نفسه " إلى آخر ما سمعته، فانحصر الخلاف
حينئذ في المرتضى خاصة، ومنه يعلم ما في دعواه إجماع الطائفة على ذلك.
كما يعلم مما عرفت ما في الاستدلال له بالخبر المزبور الذي هو في غاية
الضعف سندا، ومشتمل على بعض الأحكام الغريبة الذي لم يقل به أحد، ولذا
سمعت الصدوق ذكر مضمونه على معنى رضاها بالدرهم وإبراؤها إياه عن الباقي فلا
بأس بحمله على الندب والكراهة كخبر محمد بن إسحاق (2) قال أبو جعفر عليه السلام:

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 14.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المهور الحديث 6.
16

" تدري من أين صار مهور النساء أربعة آلاف درهم؟ قلت: لا، قال: إن أم حبيبة
بنت أبي سفيان كانت في الحبشة فخطبها النبي صلى الله عليه وآله فساق عنه النجاشي أربعة آلاف
درهم، فمن ثم هؤلاء يأخذون به، أما الأصل فاثنتا عشرة أوقية ونش " الذي هو
مع الضعف لا دلالة فيه على ذلك، بل لعله ظاهر في عكسه، والتأسي به بعد العلم
بكون ذلك منه على الندب بالأدلة السابقة يراد منه الاستحباب، ولعله لما سمعت
قال المصنف: (وليس بمعتمد).
ولكن مع ذلك كله فالأولى الاقتصار على الخمسمئة تأسيا بهم وإن أريد الزيادة
نحلت على غير جهة المهر، كما فعله الجواد عليه السلام لابنة المأمون (1) قال:
" وبذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله صلى الله عليه وآله لأزواجه، وهو اثنتا عشرة أوقية
ونش على تمام الخمسمئة، وقد نحلتها من مالي مئة ألف ".
بل قد يقال: إن المرتضى أجل من أن يخفى عليه ما في الكتاب (2) والسنة (3)
المواترة وفعل الصحابة والتابعين وتابعيهم وما عليه الطائفة المحقة واحتجاج الامرأة
على عمر وغير ذلك، واحتمال الاعتذار عنه - بأن ذلك منه بناء على مذهبه من أنه
ليس للعموم صيغة تخصه، فحينئذ قوله عليه السلام (4): " ما تراضى عليه الزوجان " لا دلالة
فيه على العموم - يدفعه (أولا) عدم حصر الدليل في نحو ذلك كما عرفت و (ثانيا)
أنه وإن قال: إنه ليس له لغة لكنه وافق على كونه في الشرع كذلك و (ثالثا)
أن النصوص المزبورة فيها ما يدل على إرادة العموم، كقوله عليه السلام: (5) " قل أو كثر "

(1) البحار ج 103 ص 264.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 20.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المهور.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور الحديث 3 و 9 وفيهما " ما تراضيا
عليه " وفي الحديث 1 و 4 و 5 و 10 " ما تراضى عليه الناس " وفي سنن البيهقي ج 7 ص 241
عن علي عليه السلام " ما تراضى به الزوجان "
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور الحديث 6 و 9.
17

ونحو ذلك، كاحتمال الاعتذار عنه - بأن مراده الاستحباب وكراهة الزيادة،
واستحباب العفو عنها مع فرض حصولها ونحو ذلك - مما ينافيه ظاهر كلامه
أو صريحه.
نعم قد يقال: إن مراده أن المهر وإن لم يكن له وضع شرعي إلا أن له
مسمى كذلك، وكل حكم في الشريعة كان عنوانه لفظ مهر يراد منه الشرعي، فإذا
أمهرت الامرأة أزيد من الخمسمئة كان الجميع واجبا على الزوج قطعا، إلا أن
المهر الشرعي منه الخمسمئة والزائد مهر عرفي واجب شرعي على الزوج أيضا، وإن
شئت فسمه نحلة، وكأنه إليه أومأ الجواد عليه السلام فإذا قال الشارع مثلا: " للامرأة
الامتناع عن الزوج حتى تتسلم المهر " ولم تكن ثم قرينة على إرادة العرفي كان
الواجب الشرعي، وهكذا، ولعله إلى ذلك أشار المرتضى رحمه الله بقوله: " قولنا
مهر " إلى آخره.
وحينئذ فالوجه في رده منع المسمى الشرعي للمهر على الوجه المزبور
كمنع وضعه كذلك وإن اشتهر التلفظ بمهر السنة في النصوص وغيرها، لكن ليس
المراد منه مسمى شرعي للمهر على وجه يكون عنوانا للأحكام الشرعية المعلقة
على المهر الظاهر عرفا بالعوض المقابل للبضع في العقد، لا رده بالآية (1)
والروايات (2) وفعل الصحابة وغير ذلك مما سمعت ما لا ينكره بناء على ما ذكرنا
والله العالم بحقيقة الحال.
(و) على كل حال (يكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضرا ولو جهل
وزنه وكيله) وعده وذرعه (كالصبرة من الطعام والقطعة من الذهب) والصبرة
من الدراهم والثوب والأرض ونحو ذلك، بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعضهم
إلى قطع الأصحاب لاطلاق الأدلة التي منها ما سمعته من المعتبرة (3) المشتملة

(1) سورة النساء: 4 الآية 20.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المهور.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور.
18

على تحديد المهر بما تراضيا عليه، وأنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله تتزوج الامرأة
على السورة وعلى القبضة من الحنطة، مضافا إلى فحوى الاكتفاء بالقبضة ونحوها
في نصوص المتعة (1) التي يعتبر في صحتها المهر بخلاف المقام الذي هو ليس على حد
المعاوضات المعتبر فيها العلم الذي لا يكفي فيه المشاهدة وإن ارتفع بها معظم الغرر الذي
يكفي هنا فيغتفر حينئذ ما عداه.
وحينئذ فإن قبضته ولم يتوقف الأمر على العلم بقدره أو علماء بعد ذلك فلا
كلام، وإن استمر مجهولا واحتيج إلى معرفته قبل التسليم أو بعده وقد طلقها قل
الدخول ليرجع بنصفه فالوجه الرجوع إلى الصلح، لانحصار الطريق فيه، واحتمال وجوب
مهر المثل حينئذ كما عن بعضهم مناف لأصول المذهب وقواعده حتى لو فرض تلفه
قبل القبض، فإن ضمان المهر عندنا ضمان يد لا ضمان معاوضة، ولذا وجبت قيمته
لو تلف في يد الزوج، وليس هذا كما لو تزوجها ابتداء على المجهول الذي لا يجوز
جعله مهرا، لعدم إمكان استعلامه في نفسه بلا خلاف أجده فيه، بل ربما ظهر من بعضهم
الاجماع عليه لامتناع تقويم المجهول، ولاعتبار العلم به في المتعة التي لم يثبت
الفرق بينها وبين غيرها بالنسبة إلى ذلك: بل ظاهر الأدلة اتفاقهما في المهرية وإن
اختلفا في اشتراط صحتها به دون غيرها إلا أن ذلك أمر خارج عما نحن فيه.
فحينئذ ولذا قال في القواعد: " " إنه يشرط في صحته - أي المهر - مع ذكره
التعيين إما بالمشاهدة وإن جهل كيله ووزنه، كقطعة من ذهب وقبة من طعام، أو
بالوصف الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر، فلو أبهم فسد المهر وصح
العقد " بل لم أجد خلافا بينهم في ذلك، نعم ستسمع البحث فيما لو جعل المهر خادما
آبقا لكن التأمل التام يورث إشكالا في المقام، ضرورة أن الهمر إن كان مع ذكره
يعتبر فيه ما يعتبر في المعاوضات - كما صرح به غير واحد، بل نفي عنه الخلاف،
بل ربما نسب إلى قطع الأصحاب - ينبغي أن لا يكتفى فيه بالمشاهدة التي قد عرفت
نفي الخلاف عن الاكتفاء بها أيضا كما لم يكتف فيها، وإن لم يعتبر فيه ذلك فلا

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المتعة.
19

وجه للبطلان بالجهالة في بعض الأوصاف والقدر ونحو ذلك، ضرورة كونه حينئذ من
قبيل الخطابات الشرعية في الزكاة والكفارة والعتق والنذر والوصية ونحوها مما لا يعتبر
فيها المعلومية، ويكفي المطلق عنوانا لها.
نعم يمكن اعتبار الوسط من الأفراد كما في الزكاة، مؤيدا بخبر ابن أبي عمير
عن علي بن أبي حمزة (1) قلت لأبي الحسن عليه السلام: " تزوج رجل امرأة على خادم،
فقال. لها وسط من الخدم قال: قلت: على بيت، قال: وسط من البيوت " ومرسله
الآخر عن بعض أصحابنا (2) عنه عليه السلام " في رجل تزوج امرأة على دار، قال: لها
دار وسط " وخبر علي بن أبي حمزة (3) " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل زوج
ابنه ابنة أخيه وأمهرها بيتا وخادما ثم مات الرجل، قال: يؤخذ المهر من وسط
المال، قلت: والبيت والخادم، قال: وسط من الخدم، قلت: ثلاثين أربعين دينارا،
والبيت نحو من ذلك، فقال: هذا - يعني البيت - سبعين ثمانين دينارا مئة " المحكي
على مضمونها الشهرة بين الأصحاب، بل في الخلاف دعوى إجماع الفرقة بعد أن
نسبه إلى رواية أصحابنا، بل قال: " إنه ما اختلفت رواياتهم ولا فتاواهم " وفي
المبسوط فيما إذا أصدقها عبدا مجهولا: " قد روى أصحابنا أن لها خادما وسطا
وكذلك قالوا في الدار المجهولة، وهو الذي نفتي به " وفي موضع آخر منه " لها
عبد وسط عندنا وعند جماعة - إلى أن قال: وكذلك إذا قال: تزوجتك على دار
مطلقا، فعندنا يلزم دارا بين دارين " وقد تبعه عليه ابنا زهرة والبراج، بل لعله
هو الظاهر من ابن إدريس أيضا، بل هو خيرة المصنف في النافع والفاضل في الإرشاد.
لكن ظاهر الجميع الاقتصار على هذه الثلاثة، بل لعله صريح المبسوط، نعم
قال بعض الأفاضل من متأخر المتأخرين: الظاهر أن الاقتصار على الخادم والدار
والبيت إنما كان لأن السؤال وقع عنها لا لخصوصيتها، وإلا فالملحفة والخمار والقميص

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب المهور الحديث 2 - 3 - 1 والثاني
مرسل موسى بن عمر إلا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 375 - الرقم 1520 موسى بن
عمر عن أبي عمير عن بعض أصحابنا.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
20

والأزار والقرط والسوار والشاة والبعير ونحو ذلك من الحلي والحلل والأنعام وغيرها
أولى بذلك، لأنه أقل جهالة، ولاتحاد مدرك الرجوع إليه إذ هو إما انصراف المطلق
إلى الفرد الغالب، وليس هو إلا الوسط بخلاف الأعلى والأدنى، بل لا يكاد يتحقق
الفرد الأقصى منهما، وإما لأنه الجامع بين الحقين، بل ظاهر النصوص المزبورة
عدم الخصوصية بما فيها، كما لا يخفى على من تأملهما.
وحينئذ فما في جامع المقاصد - من طرح هذه الروايات، للطعن في سندها
بل وفي دلالتها، ضرورة عدم انحصار الوسط، وشدة اختلاف أفراده بما لا يتسامح
فيه، وتبعه عليه ثاني الشهيدين وغيره - واضح الضعف، إذ هي - مع أن ابن أبي عمير
في سندها وإرساله مقبول عند الأصحاب - منجبرة بما عرفت من الشهرة تحصيلا
ونقلا وصريح الاجماع وظاهره، واختلاف أفراد الوسط بعد أن اجتزأ الشارع
بأي فرد منها كالاجتهاد في مقابلة النص، إذ الوسط كالمطلق بالنسبة إليها، نحو
اجتزائه في الزكاة، وإن أبيت عن الاجتزاء به كان المتجه الاجتزاء بكل فرد يتحقق
به المطلق، نحو الوصية والنذر، والتخيير بيد الزوج، كما أن التخيير فيها بيد
الوارث، واختلاف الأفراد - بعد أن كان المهر ليس من الأعواض التي يعتبر فيها
العلم، بقرينة الاكتفاء بالمشاهدة والقبض والشئ من الزبيب ونحوه، وما يحسن
من القرآن والسورة والدار والخادم والبيت، مع إطلاق تلك النصوص (1) المعتبرة
تحديده بما يتراضيان عليه، وعدم كونه ركنا في العقد، ولذا لا يبطل ببطلانه - غير
قادح، وحديث الغرر (2) مع أنه من طرق العامة إنما هو النهي عن بيع الغرر أو
ما كان كالبيع في اعتبار المعلومية التي لا تكفي فيها المشاهدة، كالأجرة في الإجارة
وحينئذ فيصح جعل المهر " شيئا " ونحوه، ويتعين على الزوج أقل ما يتمول، على
أنه ليس في شئ من النصوص المقام اعتبار المعلومية فيه، وإنما ورد (3) ذلك في

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور.
(2) سنن البيهقي ج 5 ص 338.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب المتعة.
21

المتعة التي أكنفوا فيها بالمشاهدة أيضا يمكن الفرق بينهما بكونه ركنا في عقدها
بخلاف نكاح الدوام.
والحاصل أن ما ذكروه - من الاكتفاء بالمشاهدة لعدم كونه معاوضة، واعتبار
حكم ثمن البيع في غير المشاهدة، لأنه مع ذكره في العقد يعتبر فيه ما يعتبر في
عوض المعاوضة، حتى أنه صرح في جامع المقاصد باعتبار أوصاف السلم فيه عدا
خصوص الخادم والدار والبيت بناء على العمل بتلك النصوص، أو حتى هي أيضا
بناء على طرحها - لا يتم إلا أن يكون إجماعا، والله العالم بحقيقة الحال.
(و) كيف كان فلا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم في أنه (يجوز
أن يتزوج امرأتين أو أكثر) بعقد واحد، بل صريح بعض وظاهر آخرين عدم
الفرق في ذلك بين اتحاد الزوج وتعدده كما لو قال مثلا: " زوجت فاطمة زيدا
وهندا بكرا " فقال وكيلهما: " قد قبلت " والمراد باتحاد العقد اتحاد إيجابه
وقبوله أو أحدهما، فتعدده بكون بتعدد ايجابه وقبوله، وعلى ذلك يمكن اجتماع
البيع والنكاح وغيرهما من العقود بعقد واحد فضلا عن اجتماع المنقطع والدائم
بأن يقول: " بعتك العبد وآجرتك الدار وزوجتك فاطمة بكذا " فيقول الرجل مثلا:
" قبلت كل ذلك " لا طلاق الأدلة وعمومها من الأمر بالوفاء بالعقود (1) وغيره،
وفرعوا على ذلك جواز ذكر عوض واحد للجميع، ويكفي معلوميته في هذا العقد
وإن جهل التقسيط، فيصح مهر الامرأتين أو أزيد بشئ واحد، بل يصح جعله
عوضا للنكاح والبيع والإجارة، وذلك لأن المتيقن من اشتراط المعلومية حصولها
في ذلك العقد، وهو حاصل وإن جهل التقسيط، نحو ما سمعته في كتاب البيع من
جواز بيع المالين لمالكين من متحد أو متعدد بثمن واحد، ويسقط حينئذ على
ما يخص كل واحد بحسب قيمته.
نعم لو فرض تعدد العقد بتعدد إيجابه وقبوله وجب حينئذ معلومية عوضه، ولا
يكفي التقسيط حينئذ، فلا يجوز مثلا " زوجت فاطمة زيدا وزوجت هندا بكرا

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
22

بمئة " فقال كل منهما: " قبلت " ضرورة تعدد العقد حينئذ، فلا يكفي معلومية
العوض بالنسبة إلى العقدين، مع احتماله أيضا اكتفاء بالمعلومية في هذه المقابلة
وإن تعدد العقد، لعدم دليل على اعتبار الأزيد ذلك، كما لو قال: " بعت الدار
زيدا وبعت العبد عمرا بمئة " فقال كل منهما: " قبلت " فتشتغل ذمة كل منهما
بما يخص المبيع من التقسيط.
هذا ولكن المتجه بناء على ما عرفت فسخ العقد بوجود العيب في إحدى
الزوجتين أو أحد الزوجين، ضرورة اتحاد العقد، ولا يتصور تبعيضه في الفسخ الطارئ
عليه، كما لو باع شيئين وكان أحدهما معيبا، ويلزم حينئذ رد نكاح الامرأة الصحيحة
أو الرجل الصحيح من دون عيب ومع تراضي الزوجين وعدم إرادتهما الفسخ، بل يتجه
حينئذ مع نظم العقود المتحدة بقبول واحد فسخ النكاح منها وغيره بخيار في البيع
مثلا، لكون المفروض اتحاد العقد الذي لا يتبعض بالنسبة إلى ذلك، ولو سلم
إمكان التزام تعدد العقد في هذا الفرض وفرض تعدد الزوجة فلا محيص عن الحكم
باتحاده مع تعدد الزوجة واتحاد الزوج، فإن الايجاب ففيه والقبول كذلك ومقتضاه
انفساخ نكاح الصحيحة بفسخه في المعيبة فينا في ما دل على عدم رد المرأة بغير العيوب
السابقة (1) كما أنه قد يتوقف من نظم العقود بتعدد إيجابها واتحاد قبولها وعوضها
في اندراجها تحت اسم أي عقد، ومع فرض خروجه عنها - لكنه يندرج تحت
" أوفوا بالعقود " (2) - يشكل جريان حكم كل عقد على متعلقه، ويشكل فسخ
النكاح بفسخ البيع وبالعكس.
ومن ذلك ونحوه قد يشك في أصل تعلق عقد النكاح الواحد بالمتعدد وإن لم
يظهر فيه خلاف بينهم، بل قد يفرق بينه وبين البيع في ذلك فضلا عن غيره بامكان
ملاحظة جهة الوحدة في المبيع وإن تعدد على وجه يكون المجموع من حيث كونه
كذلك، ولذا يثبت له خيار تبعض الصفقة بخلافه في النكاح، فإن جهة الوحدة في

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب العيوب والتدليس.
(2) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
23

النساء على معنى يكون المجموع من حيث كونه كذلك منكوحا غير صحيح
وحينئذ يكون المدار في جواز التعدد وعدمه في العقود على ذلك، لكنه مناف لكلام
الأصحاب الذي يمكن ملاحظة جهة الوحدة الاعتبارية فيه أيضا، كما أنه يمكن
اعتبار ملاحظتها في الصحة، للعمومات التي لا ينافي العمل بها التزام ما سمعته من
الأحكام مع فرض اتحاد العقد، نعم قد يمنع الاتحاد عرفا " في بعض الصور المزبورة،
بل كل صورة تعدد فيها الايجاب والقبول، ضرورة عدم أولوية إلحاقه بالمتحد
باعتبار الاتحاد في أحدهما من إلحاقه بالمتعدد باعتبار التعدد فيهما، فالأولى حينئذ
إلحاق حكم المتحد من جهة والتعدد من أخرى، فيجري عليه حكم الواحد بالنسبة
إلى مقابلة المهر، فلا يقدح جهالة التقسيط وحكم المتعدد بالنسبة إلى الفسخ
ونحوه، فتأمل جيدا فإني لم أجده محررا، والله العالم.
وعلى كل حال ففي مفروض المسألة لو جمعهما (بمهر واحد) كقوله: " بمئة
وفرس " ونحو ذلك فهل يكون باطلا وإن لم يبطل به عقد نكاح كما عن بعضهم؟
لأن المهر هنا متعدد في نفسه وإن كان مجتمعا، وحصة كل واحدة منه غير معلومة
حال العقد، وعلمها بعد ذلك لا يفيد الصحة، كما لو كان مجهولا وعلم بعد ذلك.
بل قد يمنع صحة البيع للمالكين غير المشتركين بثمن واحد، كما هو
المحكي عن خلاف الشيخ وغيره، لذلك ولأنه كالعقدين والثمن غير معلوم بالنسبة
إلى كل واحد منهما، بل عنه في المبسوط أيضا إذا اختلفت القيمتان، ويكون لكل
واحدة مهر المثل مع فساد المسمى، أو أن المهر صحيح كالعقد كما هو مذهب
الأكثر للعمومات التي لم يعلم تخصيصها بأزيد من العلم به جملة واحدة في العقد
الواحد في البيع، فضلا عن المهر الذي قد عرفت الحال فيه، وأنه يحتمل من الجهالة
ما لا يحتمله غيره، لأنه ليس معاوضة محضة، ويعلم حينئذ حصة كل واحد منهما
بعد ذلك، بل هو الموافق لقوله عليه السلام (1) " المهر ما تراضى عليه الزوجان " الصادق

(1) راجع التعليقة (4) من ص 17.
24

على ذلك، على أن المسمى في مقابلة البضعين من حيث الاجتماع، ولا يلزم من
التقسيط الحكمي التقسيط اللفظي، (و) ولعل هذا هو الأقوى.
نعم هل (يكون المهر بينهن بالسوية)؟ كما عن مبسوط الشيخ ومن
تبعه باعتبار عدم كونه عوضا حقيقة، فيبقى حينئذ على الأصل في الاستحقاق لو
قيل لفلان وفلان كذا المقتضي للتسوية إذ لا ترجيح في مقتضى التمليك (وقيل:
يقسط على مهور أمثالهن) فيعطي كل واحدة ما يقتضيه التقسيط نحو البيع
(وهو) مع كونه أشهر من الأول (أشبه) بأصول المذهب وقواعده
لظهوره إرادة معنى المعاوضة مع ذكر المهر، ولذا يقع البحث في زيادته ونقصانه
تبعا لزيادة قيمة المعوض ونقصانها، وليس للبضع قيمة إلا مهر المثل، فيقسط
المسمى حينئذ عليه، نحو تقسيطه في المبيعين لمالكين، بل في المسالك احتمال
تقسيطه كذلك حتى على القول ببطلان المهر، قال: للفرق بينه وبين المجهول
المطلق الذي لا يمكن تقويمه، فإن المتجه فيه مهر المثل، بخلاف المقام الذي
يمكن فيه توزيع المسمى على مهور أمثالهن، فيكون لكل واحدة منه ما يقتضيه
التوزيع، وحينئذ يتجه مع القول بالصحة وإن كان فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم اعتبار
توزيعه بعد فرض فساده، وعدم عقد ملزم به، وما ذكره بعد تسليمه يصحح جعله
مهرا باعتبار عدم منع جهالته عن التقويم التي هي مدار المنع، لا توزيعه بعد فرض
عدم الالتزام به لفساده، كما هو واضح.
هذا ولو زوج أمتيه من رجلين على صداق واحد صح النكاح والصداق قولا
واحدا كما اعترف به في المسالك، لأن المستحق هنا واحد، فهو كما لو باع
عبدين بثمن واحد، ثم قال في المسالك: " ولو كان له بنات ولآخر بنين فزوجهن
صفقة واحدة بمهر واحد بأن قال: " زوجت بنتي فلانة من ابنك فلان وفلانة من
فلان وهكذا بألف " ففي صحة الصداق كالسابقة وجهان، وأولى بالبطلان هنا لو قيل
به ثم: لأن تعدد العقد هنا أظهر، لتعدد من وقع العقد له من الجانبين ".
قلت: قد عرفت التحقيق في ذلك، (و) أنه يمكن القول بالصحة مع فرض تعدد
25

العقد بتعدد إيجابه وقبوله، فضلا عما فرضه من المثال المتحد فيه الايجاب
اكتفاء في العلم بالمهر بهذه المقابلة، وأنه لا دليل على اعتبار الأزيد من هذ
المعلومية، خصوصا لو قلنا بالصحة في البيع لو قال: " بعت زيدا العبد وبعت عمرا
الدار بمئة في ذميتهما " وقال كل واحد منهما أو وكيله " قبلت ".
كما أنه عرفت تحقيق الحال فيما (لو تزوجها على خادم غير مشاهدة ولا
موصوفة) وأنه (قيل) بل هو المشهور (كان لها خادم وسط، وكذا لو تزوجها
على بيت مطلقا استنادا إلى رواية علي بن أبي حمزة (1) أو على دار على رواية
ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام) (2) بما لا مزيد عليه
فلاحظ وتأمل، والله العالم بحقيقة الحال.
(ولو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ولم يسم مهرا كان مهرها خمس
مئة درهم) بلا خلاف أجده فيه، بل هو مجمع عليه مع قصدهما عالمين، بل ظاهر
الأصحاب ذلك مطلقا، بل في الروضة وغيرها الاجماع عليه، لاطلاق الأدلة وعمومها
المؤيدة لما سمعته سابقا من احتمال المهر من الجهالة ما لا يحتمله غيره، مضافا إلى
خبر أسامة بن حفص (3) القيم لأبي الحسن موسى عليه السلام المعتبر بوجود المجمع
على تصحيح ما يصح عنه في سنده، وبالانجبار بما عرفت قال: " قلت له: رجل
يتزوج امرأة ولم يسم لها مهرا وكان في الكلام أتزوجك على كتاب الله وسنة
نبيه صلى الله عليه وآله، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها، فما لها من المهر؟ قال: مهر السنة
قال: قلت: يقول أهلها: مهور نسائها قال: فقال: هو مهر السنة، وكلما قلت له
شيئا قال، مهر السنة " فلا وجه للاشكال في ذلك بعد ما عرفت بأن تزويجها على الكتاب
والسنة أعم من جعل المهر مهر السنة، كما لا يخفى، إذ كل نكاح مندوب إليه
بل جائز فهو على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) راجع التعليقة (2) من ص 20.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المهور الحديث 1.
26

ثم على تقدير إرادتهما بذلك كون المهر مهر السنة ففي الاكتفاء بذلك عن
ذكر القدر في العقد نظر، كما لو قال: " زوجتك على المهر الذي تزوج به فلان. "
ثم الزوجان قد يعلمان أن مهر السنة هذا المقدار، وقد لا يعلمانه، وقد
يعلمه أحدهما دون الآخر، والحكم بالصحة مطلقا يحتاج إلى سند صالح، وكثير
من المتقدمين كابن الجنيد وابن بابويه وسلار لم يذكروا هذه المسألة، ضرورة
ظهور هذه العبارة في كون المراد على ما أباحه الله من النكاح ودعى إليه وسنه
رسوله فيه من المهر وغيره وجرى عليه، ولما كان ذلك معلوما في الشريعة لم
يضر خفاؤه عليهما لعدم الدليل على اعتبار المعلومية في المهر بأزيد من ذلك، بل
إن لم يقم إجماع على فساد المهر لو قال: " مهر فلانة أو أمها " أو غير ذلك مما
هو معلوم ومضبوط كان المتجه فيه الصحة أيضا، لما عرفته في محله، نعم لو فرض
كون المراد بهذه العبارة أنه نكاح غير سفاح، ولم يقصد المهر لا عموما ولا خصوصا
كان الواجب مهر المثل حينئذ، لعدم ذكر المهر فيه حينئذ، لكنه خروج عن
فرض المسألة الظاهر فيما سمعت، وحينئذ يكون المهر مذكورا في العقد، ثابتا به
لا بالدخول، كمهر السنة الثابت للمفوضة في بعض الصور، ولذا حكم بثبوته مع
الموت في الخبر المزبور (1) فتأمل جيدا، والله العالم.
(ولو سمي للمرأة مهرا ولأبيها) أو غيره واسطة على عمل مباح أو
أجنبي (شيئا معينا لزم ما سمى لها) بلا خلاف، بل عن الخلاف الاجماع عليه
(وسقط ما سمى لأبيها) بلا خلاف محقق أيضا، بل عن الغنية الاجماع عليه،
والأصل في ذلك صحيح الوشاء (2) عن الرضا عليه السلام " لو أن رجلا تزوج امرأة
وجعل مهرها عشرين ألفا وجعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا، والذي جعله
لأبيها فاسدا " مضافا إلى معلومية كون المهر كالعوض الذي لا يصح أن يملكه في

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المهور الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المهور الحديث 1.
27

عقد المعاوضة غير من له المعوض، وقد سمعت ما في خبر السكوني (1) من أنها
" هي أحق بمهرها " والشرط في العقد إنما يلزم إذا كان لمن له العقد، وفرض ذلك
على وجه يرجع إلى الزوجة - حتى أنه ربما كان السبب في رضاها بذلك المهر -
يخرجه عن مفروض المسألة الذي هو جعل ذلك لأبيها على نحو جعل المهر لها.
ولا ريب في بطلانه بما عرفت، من غير فرق بين المجعول لأبيها تبرعا محضا
أو لأجل وساطة وعمل محلل، ولا بين كون المجعول مؤثرا في تقليل مهر الزوجة
بسبب جعله في العقد وقصدها إلزامه به وعدمه، كما هو مقتضى الصحيح المزبور
على ما اعترف به في المسالك وغيرها، بل فيها أيضا " ولم يخالف في ذلك أحد من
الأصحاب إلا ابن الجنيد - قال -: ولا يلزم الزوج غير المهر من جعالة لولي أو
واسطة، ولو وفي الزوج بذلك تطوعا كان أحوط، لقول النبي صلى الله عليه وآله (2): " أحق
الشروط ما نكحت به الفروج " فإن طلقها قبل الدخول عليها لم يكن لها إلا نصف
الصداق، دون غيره فإن كان قد دفع ذلك يرجع عليها بنصف الصداق، وكل الجعالة
على الواسطة - نعم في آخر كلامه قال -: قد يشكل الحكم في بعض فروض المسألة
كما لو شرطت لأبيها شيئا وكان الشرط باعثا على تقليل المهر، وظنت لزوم الشرط،
فإن الشرط حينئذ يكون كالجزء من العوض الذي هنا هو المهر، فإذا لم يتم لها
الشرط يشكل تعيين ما سمته من المهر خاصة، كما سبق في نظائره من المعاوضات، وذلك
لا ينافي الرواية، لأن ما عينته من المهر ثابت على التقديرين، وإنما الكلام في
شئ آخر، ولولا الرواية الصحيحة لكان القول بفساد المهر ووجوب مهر المثل
قويا، لاشتمال المهر على شرط فاسد، فيفسده كما يفسد العقد لو كان العوض من
لوازمه " وتبعه غيره في هذا الاشكال.
قلت: بل لا صراحة في كلام أبي على في الخلاف بعد ظهور إرادة الندب من

(1) الوسائل الباب - 22 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 248 وفيه " أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم
به الفروج ".
28

الاحتياط في كلامه المبني على عدم إرادة الجعالة الاصطلاحية، واحتمال وجوبه
باعتبار كونه جعلا مصطلحا على عمل محلل، فيجب حينئذ مع الفعل خروج عن مفروض
المسألة الذي هو الوجوب من حيث التسمية في العقد.
ومن ذلك يعلم ما عن المختلف في المسألة من أن الوجه أن نقول: " إن كان
قد جعل للواسطة شيئا على فعل مباح وفعله لزمه، ولم يسقط منه شئ بالطلاق،
لأنه جعالة على عمل محلل مطلوب في نظر العقلاء، فكان واجبا بالعقد كغيره،
وإن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد لم يكن عليه شئ، سواء طلق
أولا " ضرورة خروج الوجوب بالجعالة أو الإجارة أو نحوهما عن مفروض المسألة
الذي هو ما عرفت.
كما أنه قد يدفع إشكاله أن زعمها لزوم ذلك الجعل لا يقتضي فسادا في المهر
وإن كان ذلك سببا في رضاها به، ضرورة كون ذلك من الدواعي التي لا تؤثر شيئا،
إذ المهر ليس من العقود، ولا يؤثر فساده في العقد شيئا، فالرضا به لزعم شئ آخر
لا يقتضي فسادا، وإن قلنا: إن الشرط الفاسد في عقد يقتضي فساد العقد، لكن ذلك
إنما هو لتعليق رضا التعاوض عليه، وليس رضا معاوضة هنا كما هو واضح.
بل قد يظهر مما ذكرنا الوجه أيضا في المسألة الثانية (و) هي (لو أمهرها
مهرا وشرط أن يعطي أباها منه شيئا معينا) فإن المشهور كما في المسالك وغيرها
على البطلان أيضا، بل لم يعرف فيه خلاف إلا ما يظهر من المحكي عن أبي علي،
وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله: (قيل: يصح المهر ويلزم الشرط بخلاف
الأول) نعم في المسالك عن ظاهر الشهيد في شرح الإرشاد الميل وكذلك المحقق
الشيخ علي لعموم قوله صلى الله عليه وآله (1): " المؤمنون عند شروطهم " والنبوي (2) " أحق
الشروط ما نكحت به الفروج " وفيه (أولا) أنه لا صراحة في كلام ابن الجنيد بذلك،

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 248 وفيه " أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم
به الفروج ".
29

إذ المحكي عنه أنه قال بعد العبارة السابقة: " فإن كانت المرأة اشترطت رجع
عليها بنصف صداقها ونصف ما أخذه من شرطت له ذلك لأن ذلك كله بعض الصداق
الذي لم ترض بالنكاح إلا به " وهو صريح في كون الشرط للمرأة، وليس ذلك
الذي حكم الأصحاب بفساده، حتى عده بعضهم من الشرط المخالف للكتاب
والسنة، وإنما هو جعل الشرط للأجنبي على وجه يكون حق الشرطية نفسها
للأجنبي، لا أن الشرط للمرأة والمشترط له، وذلك لا ريب في بطلانه، لما عرفت
من عدم صحة الشرط لغير المتعاقدين، كما لا ريب في صحة الثاني، ضرورة كونه
شرطا للامرأة لها اسقاطه ولها المطالبة به، وإن كان المشترط لغيرها نحو بيع
الشئ مثلا وشرط بناء دار زيد على المشتري، فإن الشرط للبائع نفسه، وهو
الذي ذكره ابن الجنيد، فلا يكون مخالفا للأصحاب، كما أن الظاهر عدم خلاف
من عرفت في ذلك وإن حكموا بالصحة، لكن فيما حكم به ابن الجنيد، بل الظاهر
أنه لم يخالف فيه أحد منهم، وإنما المحكوم ببطلانه الجعل للأب تسمية أو شرطا
على الذي ذكرناه، كما هو ظاهر الصحيح المزبور والفتاوى، فتأمل جيدا، فإنه
دقيق نافع.
(و) على كل حال فبناء على اعتبار المعلومية (لا بد من تعيين المهر
بما يرفع الجهالة،
فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها) رفعا للجهالة، ضرورة
اختلاف أفرادها اختلافا شديدا (و) حينئذ ف‍ (- لو أبهم فسد المهر، وكان لها
مع الدخول) لا بدونه (مهر المثل) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، وإن كان
قد يشكل أصل الحكم بما سمعت، بل قد تقدم ما في خبر سهل الساعدي (1) من تزويج
النبي صلى الله عليه وآله إياه على ما يحسنه من القرآن الذي استدل به في الرياض على اغتفار
مثل هذه الجهالة في المهر، كما أنه قد يشكل ما ذكره غير واحد من وجوب
المتعة في الفرض لو طلق قبل الدخول، بعد صدق التفويض عليه بنا على أنه ذكر
المهر في العقد، اللهم إلا أن يقال إن الفاسد بحكم العدم، وستسمع إن شاء الله

(1) المستدرك الباب 2 من أبواب المهور الحديث 2 وسنن البيهقي ج 7 ص 242
30

التحقيق فيه.
(وهل يجب تعيين الحرف) أي القراءة من قوله عليه السلام (1): " نزل القرآن
على سبعة أحرف " بناء على أن المراد منه القراءات السبع وإن كان في نصوصنا (2)
نفي ذلك، وأن المراد أنواع التراكيب من الأمر والنهي والقصص ونحوها؟
(قيل) والقائل بعض الأصحاب: (نعم) يجب ذلك مع فرض عدم فرد
ينصرف إليه الاطلاق، لشدة اختلافها وتفاوت الأغراض فيها. (وقيل) والقائل
الأكثر كما في كشف اللثام: (لا) يجب للأصل وعدم تعيين النبي صلى الله عليه وآله ذلك
على سهل (3) مع أن التعدد كان موجودا في ذلك الزمان واغتفار هذه الجهالة
بعد فرض جواز الجميع، وحينئذ (فيلقنها الجائز) منها، سواء كان إحدى
السبع أو الملفق منها، بل في المسالك أن المتواترة لا تنحصر في السبع، بل ولا في
العشر كما حقق في محله (وهو أشبه) باطلاق الأدلة وعمومها السالمة عن معارضة
اعتبار الأزيد من ذلك، والاقتصار على المتواتر لانصراف إطلاق التعليم إليه، ثم
إن التخيير إليه، ضرورة كون الواجب في ذمته أمر كلي موكول إليه كغيره من
الدين الكلي.
(ولو أمرته بتلقين غيرها) أي غير القراءة المعينة لو كانت أو غير القراءة
التي اختارها وفاء لما وجب عليه (لم يلزمه) إجابتها (لأن الشرط لم يتناولها)
كي يجب عليه امتثالها، كما هو واضح.
وحد التعليم أن تستقل بالتلاوة، لأنه المفهوم عرفا، ولا يكفي تتبع نطقه،
ولو نسيت الآية الأولى بعد استقلالها بالتلاوة عقيب تلقين الثانية لم يجب إعادة
التعليم، لأن تعليم السورة لا يمكن إلا بتعليم آية آية، فإذا كان المفروض

(1) الخصال ص 327 ط النجف.
(2) الكافي ج 2 ص 630.
(3) المستدرك الباب - 2 - من أبواب المهور الحديث 2 وسنن البيهقي ج 7
ص 242.
31

استقلالها بتلاوة الآية الأولى مثلا حصل التعليم بالنسبة إليها، ولا دليل على وجوب
الإعادة، نعم لا يكفي نحو كلمة وكلمتين، لأنه لا يعد في العرف تعليما، بل مذاكرة،
لكن مع ذلك لا يخلو من إشكال، لأن المفهوم من التعليم هو الاستقلال بالتلاوة،
فتعليم السورة إنما يتحقق باستقلالها بتلاوتها بتمامها، وللعامة وجه على ما قيل بأنه
لا يتحقق التعليم من ثلاث آيات، لأنها مقدار أقصر سورة، وهي أقل مما يقع
به الاعجاز.
(ولو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة) كذلك (جاز لأنه
ثابت في الذمة) سواء أصدقها التعليم مطلقا بنفسه أو بغيره أو التعليم بنفسه، أما
الأول فظاهر، إذ لا يتوقف تحصيل التعليم على علمه، نعم إن تعذر الغير ففي وجوب
تعلمه ليعلمها إشكال، من أنه كالتكسب لوفاء الدين، أو من توقف الواجب عليه،
وهو الوجه، وأما الثاني فلأنه يكفي القدرة على المهر، ولا يشترط الفعلية،
وعن المبسوط وجه بالعدم، وعن القاضي الاحتياط به، إذ لا يصح إصداق منفعة شئ بعينه
وهو لا يقدر عليها، كاصداق منفعة عبد لا يملكه (و) الفرق ظاهر، فإن منفعة
الغير لا تثبت في الذمة.
نعم (لو تعذر) عليه (التوصل) إلى تعليمها بنفسه وغيره، بل في
القواعد أو تعلمت من غيره (كان عليه أجرة) مثل ذلك (التعليم) لأنها
قيمة المهر حيث تعذر عنه، بل ظاهر الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين أن يكون
قد أشترط تعليمها بنفسه فعرضت له ما يمنعه من ذلك وغيره، بل لا فرق بين أن
يكون منفعة عين مخصوصة وتعذرت وغيرها، كل ذلك لأدلة وجوب المهر،
وكونه مضمونا على الزوج حتى يوصله إلى الزوجة بالمثل أو القيمة، وليس
الامهار من قبيل عقد الإجارة الذي ينفسخ بتلف العين المستأجرة ويتعذر وقوع
العمل من الأجير المشروط عليه المباشرة، للأدلة الدالة على ذلك بخلاف ما هنا،
فإن عقد النكاح المذكور فيه المهر لا ينفسخ بذلك قطعا، لما عرفته من عدم كون
32

المهر ركنا فيه، والمهر ليس هو عقدا بنفسه، وإنما هو واجب بعقد النكاح،
ومضمون على الزوج ضمان يد، فمتى تعذر انتقل إلى المثل أو القيمة، وفي الفرض
أجرة مثل العمل المتعذر قيمته، كما هو واضح. وحينئذ فما في جامع المقاصد
وكشف اللثام من احتمال وجوب مهر المثل واضح الضعف.
نعم قد يشكل وجوبها فيما لو تعلمت بنفسها مع بذل الزوج التعليم واستناد
التقصير إليها بترك التعلم، وكذا لو أمهرها منفعة عين مخصوصة مدة وقد بذلها
لها فلم تستوف منفعتها، والظاهر سقوط مهرها في الثاني، أما الأول فقد سمعت
ما في القواعد وإطلاق غيرها، ولعل وجهه ما عرفت لكنه محتاج إلى التأمل.
وعلى كل حال فهل يعتبر في تعليم غيره لها المحرمية الظاهر عدمه مع
فرض عدم توقفه على ما يحرم من نظر أو لمس وفرض تجرده عن الريبة والفتنة كما
سمعته في محله، والله العالم.
(ولو أصدقها ظرفا) مخصوصا (على أنه خل) مثلا (فبان خمرا)
فلا خلاف في صحة العقد، بل في جامع المقاصد وغيره هو كذلك قولا واحدا إنما
الكلام في المهر ف‍ (قيل) والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطه وخلافه (كان
لها قيمة الخمر عند مستحليه) لأنها أقرب شئ إليه عند التعذر، ولأنها عقدا
على شخصي باعتبار ماليته، فمع تعذره لظهور بطلان المعاوضة عليه يصار إلى
القيمة.
وفيه أن الخمر غير مقصود أصلا، ولا وقع عليه التراضي، فكيف ينتقل إلى
قيمته، واعتبارها فرع صحة العقد على العين، بل هو غير العقد على الخمر عالمين
به الذي قد عرفت البحث فيه أيضا، فإنهما قد تراضيا على العين، فلا يمنع الانتقال
إلى القيمة لتعذر العين.
ولذا أعرض عنه المصنف وقال: (لو قيل: كان لها مثل الخل كان
حسنا) بل هو المحكي عن ابني الجنيد وإدريس والفاضل في المختلف، لأنهما
عقدا على الخل بهذا القدر وظناه خلا، فإذا ظهر خمرا لزم مثله، إذا هو مثلي فات،
33

فيلزم مثله الذي هو أقرب الأشياء إليه، ولأن المعقود عليه خل منحصر في هذا
الشخص، فإذا لم يتم الانحصار بقيت الخلية، بل رضاهما بالجزئي المعين الذي
يظنان كونه خلا رضا بالخل الكلي مهرا، إذ هو مستلزم للجزئي، فالرضا به مستلزم
للرضا به، فإذا فات الجزئي لعدم صلاحية الملك بقي الكلي الذي هو أحد الأمرين
الذي وقع التراضي بهما.
وفيه أن المفروض وقوع العقد على خصوص ما في الظرف لا على خل بهذا
القدر، فالمعقود عليه حينئذ الكلي المقترن بالمشخصات الموجودة، وهذا يمتنع
بقاؤه إذا ارتفعت المشخصات، والمحكوم بوجوبه هو الكلي في ضمن شخص آخر لم
يقع عليه التراضي أصلا، فايجابه حينئذ إيجاب لما لم يتراضيا عليه، وكونه أقرب
إلى المعقود عليه لا يستلزم وجوبه، لأن المهر الذي يجب بالعقد هو ما يتراضيا
عليه، ولا يلزم من التراضي بأحد المثلين التراضي على الآخر.
وما في المسالك - من " أن الجزئي الذي وقع عليه التراضي وإن لم يساوه غيره
من أفراد الكلي إلا أن الأمر لما دار بين وجوب مهر المثل أو قيمة الخمر أو مثل
الخل كان اعتبار المثل أقرب الثلاثة، لأن العقد على الجزئي العين اقتضى ثلاثة
أشياء: ذلك المعين بالمطابقة، وإرادة الخل الكلي بالالتزام، وكون المهر واجبا
بالعقد بحيث لا ينفك المرأة من استحقاقه، حتى لو طلق كان لها نصفه، أو مات
أحدهما فجميعه، فإذا فات أحد الثلاثة وهو الأول يجب المصير إلى إبقاء الأخيرين
بحسب الامكان، إذ " لا يسقط الميسور بالمعسور " (1) وعموم " إذا أمرتكم بشئ
فاتوا منه ما استطعتم " (2) وهما لا يوجدان في ضمن وجوب مهر المثل، لأنه لا يجب
إلا بالدخول عند القائل به، وإمكان وجودهما في ضمن قيمة الخمر قد عرفت فساده،
فلم يبق إلا المثل، ولا شبهة في أن الرضا بالخل المعين في الظرف يستلزم إرادة

(1) رواه النراقي (قده) في عوائده ص 88 عن غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين
عليه السلام.
(2) سنن البيهقي ج 4 ص 326.
34

كون الخمر خلا بخلاف القيمة ونحوها " - من غرائب الكلام، فإنه على طوله
لا محصل له، ولا ينطبق على شئ من القواعد الشرعية، بل هي منافيه لها، فلا ريب
في أن الأحسن من ذلك وجوب مهر المثل، وفاقا للفاضل في أكثر كتبه، لعدم
الرضا بالكلي إلا في ضمن الشخصي المعين المفروض بطلانه بخروجه عن المالية،
فيرجع الأمر إلى ذكر مهر لم يسلم لهما، فينتقل إلى مهر المثل.
وإشكاله في المسالك - بأن مهر المثل ربما كان زائدا عن قيمة الخل كثيرا
فلا يكون مقصودا للزوج أصلا أو ناقصا كثيرا فلا يكون مقصودا للزوجة ولا مرضيا
به وقد قال عليه السلام (1): " المهر ما تراضي عليه الزوجان " ولا يرد مثله في وجوب مثل
الخل، لأن ذلك أقرب إلى ما تراضيا عليه، بل ربما لم يخالف ما تراضيا عليه إلا
بمشخصات لا دخل لها في المقصود ولا في المالية، فيلغو عند حصول هذا العارض -
واضح الفساد، ضرورة عدم القصد والرضا في وجوب مهر المثل الثابت بالشرع قهرا
عليهما، والأقربية لا دخل لها في إيجاب غير المذكور في العقد، والكلية
التي في ضمن الجزئي بعد فرض وقوع القصد والرضا عليه غير ملاحظة ولا منظور إليها
كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان.
(وكذا) الكلام فيما (لو تزوجها على عبد فبان حرا أو مستحقا) بل
الرجوع في مثله إلى مهر المثل أقوى من الأول، إذ لا مثل للحركي يدفع عوضه ولا
قيمة، ودفع قيمته بعد تنزيله عبدا " لم يقع عليها العقد.
هذا وفي المسالك بعد ما سمعت " هذا كله في المثلي كالخمر أما القيمي
كالعبد إذا ظهر حرا فالانتقال إلى قيمته لقيامها مقام المثل في المثلي، وليس هذا
كالقول الثالث، لأن ذاك يعتبر قيمة العين بالوصف الذي امتنع صحته عليه
بواسطته، وهنا اعتبرت القيمة باعتبار الوصف المقصود لهما، وعلى هذا فيسقط
القول الثالث في القيمي، لأن الحر لا قيمة له، نعم لو ظهر مستحقا " كان اعتبار قيمته
جاريا على القولين، وعلى هذا فالقول بالمثل متعذر في القيمي مطلقا، وبقيمة الواقع

(1) راجع التعليقة (4) من ص 17.
35

في الحر، فليس فيه إلا القول بقيمته عبدا أو مهر المثل، فاطلاقهم تشبيه الحكم
في مسألة الحر بظرف الخمر لا يأتي على إطلاقه، بل يحتاج إلى تنقيح " قلت:
هو متأت بناء على وجوب مهر المثل لفساد المسمى، سواء كان مثليا أو قيميا،
أما على القولين الآخرين فليس إلا القيمة ولو بفرض العبد حرا، نعم قد يتأتي
بناء على ما سمعته منه في توجيه القول الثاني احتمال وجوب عبد عليه بأوصاف الحر
الذي وقع عليه العقد، وإن كان هو كما تري كأصله.
بقي شئ وهو أن ظاهر العلامة في القواعد الفرق بينما لو ظهر خمرا أو حرا
وبينه لو خرج مستحقا، فحكم في الأولين بمهر المثل وفي الأخير بالمثل أو القيمة،
واحتمل مهر المثل احتمالا، ولم يظهر لنا وجه الفرق، ضرورة اقتضاء ما سمعت مهر
المثل مطلقا إذ ليس هو من قبيل ما إذا تلف المهر في يد الزوج بعد صحته في العقد
كما هو واضح.
وعلى كل حال فلو أمهرها عبدين مثلا فبان أحدهما حرا لم ينحصر الصداق
في الآخر كما عند أبي حنيفة لأنها لم ترض به، بل يجب لها بقدر حصة الحر من
مجموع المسمى إذا قوما من مهر المثل بناء على المختار، إذ هو مقتضي الجمع بين
الأدلة وكون المذكور في العقد قائما مقام مهر المثل، يعني أنه لولاه لوجب
هو بالدخول، فإن فات أجمع ثبت بتمامه، وإن فات بعضه ثبت فيه بمقدار الفائت
على النسبة، هذا كله على المختار، وإلا فبناء على وجوب دفع القيمة فيجب دفع
قيمة الفائت، كما هو واضح، وفي محكي التحرير " هل لها المطالبة بقيمتها ودفع
الآخر؟ إشكال " قلت: لا إشكال عندنا بناء على عدم الفساد بتبعيض الصفقة عندنا،
ولا دليل على الخيار، نعم يحكى عن الشافعية هنا أقوال بناء على الخلاف في تفريق
الصفقة، فإن بطل به بطل هنا، فلها مهر المثل أو قيمتهما على القولين، وإن اختارت
فإما أن يلزمها الرضا بالباقي خاصة أوليس عليها ذلك، بل لها المطالبة بقيمة الآخر
أو ما يخصه من مهر المثل، وقد عرفت أن المتجه الأخير، اللهم إلا أن يثبت
بها خيار في المهر بهذا التبعيض، فتفسخه حينئذ وترجع إلى مهر المثل، بل
36

لعل المتجه حينئذ ما سمعته من أبي حنيفة من الرضا خاصة أو الفسخ والرجوع إلى
مهر المثل، والله العالم.
(وإذا تزوجها بمهر سرا وبآخر جهرا كان لها الأول) عندنا، سواء كان
هو الزائد أو الناقص، بلا خلاف ولا إشكال إذا كان قد أوقع العقد معها بمهر معين
سرا ضرورة كون الثاني لغوا فلا يفيد شيئا، نعم عن بعض العامة الخلاف في ذلك،
ولهم فيه تنزيلات مختلفة لا تنطبق على الأصول والضوابط الشرعية، وإن كان المراد
بذلك الاتفاق على ذكر ألفين مثلا ظاهرا وعلى الاكتفاء بألف باطنا في عقد واحد
بأن يتواطئا على إرادة الألف بعبارة الألفين.
ففي المسالك " فيه وجهان مبنيان على أن اللغات هل هي توقيفية أو
اصطلاحية؟ وعلى أن الاصطلاح الخاص يؤثر في الاصطلاح العام وبغيره أم لا؟ فعلى
الأول يفسخ المهر، لأن الألف غير ملفوظة، والألفين غير مقصودة، ولم تقع
عبارة عنا لمباينتها لها، وينتقل إلى مهر المثل، وعلى الثاني يحتمل الصحة، ويكون
المهر الألف لاصطلاحهما عليه، وكون الألفين بوقوع العقد عليه باتفاقهما،
والوضع العام لا يتغير، وهذا الاحتمال يجري أيضا على الأول، وقطع في المبسوط
بوقوع ما يلفظانه، ولا يلتفت إلى ما اتفقا عليه سرا، محتجا بأن العقد وقع صحيحا سرا
كان أو علانية، وفيه نظر يعلم مما قررناه - إلى أن قال - وهذه الصورة لم يتعرض
لها من أصحابنا غير الشيخ، وكانت أحق بالبحث من الأولى لدقة مدركها وخفاء
حكمها "
قلت: عدم تعرض الأصحاب لوضوحها، ضرورة اعتبار الألفاظ بسبب دلالتها
على إرداة اللافظ مدلولها، فمع فرض العلم بعدم إرادتهما المعنى من اللفظ لا جهة
لالتزامهما بمعناه، ولا مدخلية لتوقيفية اللغات واصطلاحيتها في ذلك، إذ مع تسليم
الأول إنما يكون ذلك على سبيل الغلط في اللغة منهما، ولا يعتبر فيما عدا صيغة
النكاح من مهر وغيره الجريان على القانون العربي. ولعله إلى ذلك أشار الباقر عليه السلام
في خبر زرارة (1) في " رجل أسر صداقا وأعلن أكثر منه فقال: هو الذي أسر،

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب المهور.
37

وكان عليه النكاح ".
وما في كشف اللثام - من أن الصواب حمله على أن يعقد سرا وإرادة ذلك
من قوله: " وكان عليه النكاح " - مناف لظاهره أو صريحه، كما أن ما فيه أيضا -
من أنه لا يبعد القول بفسادهما، لخلو العقد عن الأول، وخلو لفظه عن قصد الثاني -
واضح الضعف أيضا، لعدم خلو العقد بعد تواطي المتعاقدين على إرادته من اللفظ وإن
كان لا يفيده لغة لا حقيقة ولا مجازا.
وأوضح منه فسادا ما سمعته من المبسوط الذي حكي مثله في كشف اللثام عن
المهذب من كون اللازم المذكور في العلانية، لأنه الذي وقع عليه العقد، ولا يعدل
في الألفاظ عن موضوعاتها باصطلاح خاص بين اثنين، ضرورة أنه لا وجه لالتزامهما بما
لم يريداه ولم يتراضيا عليه، وليس ذا عدولا عما كان بينهما في السر، إذ هو
خلاف المفروض، وكان عدم تعرض الأصحاب لهذه الصورة لوضوحها وإن قال في
المسالك ما سمعت، لكن قد عرفت وضوح الأمر فيها.
نعم قد يتصور صورة أولى بالنظر منهما، وهي ما لو تواطئا في السر مثلا على
شئ خاص وأظهرا في العلانية غيره مريدين ذكره في العقد قاصدين معناه، إلا
أنهما قد تواطئا على عدم الالتزام به، ولم يريدا به ما تواطئا عليه في السر على وجه
يكون كالاستعمال فيه، ضرورة إشكال ما تواطئا عليه سر العدم ذكره في العقد ولو
استعمالا غلطا، كالاشكال في التزام ما وقع بالعلانية بعد فرض عدم قصدهما معا إلى
عدم إيراد الالتزام به بالعقد وإن ذكراه فيه قاصدين معناه لكنه صوري، مع
احتماله أخذا بما وقع فيه وإن لم يقصدا الالتزام به، لكون العقد ملتزما شرعيا غير
متوقف على القصد، وإن كان الأقوى الأول.
كما أن الأقوى كون مثل هذا العقد مما لم يذكر فيه مهر، فلا يلزم
بما في السر والعلانية إلا إذا أراده فيه وبنياه عليه على وجه يضمراه فيه بقرينة
بينهما، فتأمل جيدا، والله العالم.
(والمهر مضمون على الزوج) حتى يسلمه إلى الزوجة عينا كان أو دينا أو
38

منفعة أو عملا بلا خلاف ولا إشكال، بل لعل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
أصول المذهب وقواعده في الجملة.
إنما الكلام في أنه هل هو ضمان معاوضة لقوله تعالى (1) " وآتوهن أجورهن "
وإطلاق اسم الثمن عليه، والتعبير بلفظ المعاوضة في نحو " زوجتك بكذا " وجواز
من التمكين قبل القبض، ورده بالعيب كما ستعرف، ونحو ذلك، أو ضمان يد
كالعارية المضمونة، والمقبوض بالسوم ونحوهما، لتسميته نحلة، وجواز خلو العقد
عنه، وعدم انفساخه بتلفه، وعدم سقوط بامتناعها من التمكين إلى الموت، ونحو
ذلك؟ المعروف عندنا الثاني، بل لم أجد الأول قولا لأحد من أصحابنا، وإنما
هو لبعض العامة، إذ لو كان ضمان معاوضة لاقتضى تبعيض العقد، ضرورة عدم انفساخه
بتلفه، الذي هو ليس بأولى من عدمه من أول الأمر، وإنما ينفسخ بالنسبة إليه خاصة،
وهو تبعيض المعقد من غير دليل شرعي، فليس هو حينئذ إلا ضمان معاوضة.
ولذا قال الشيخ في المحكي من مبسوطه بعد أن حكى عن العامة الخلاف:
" والذي يقتضيه مذهبنا في كل مهر معين إذا تلف فإنه يجب قيمته، ولا يجب مهر المثل،
وأما المهر إذا كان فاسدا فإنه يوجب مهر المثل بلا شك " وما سمعته منا ومن
الفاضل من وجوب بمهر المثل فيما لو بان خمرا ونحوه إنما هو إذا بان فساده، لا ما
إذا كان صحيحا ثم تلف، والبحث السابق في الصحة ولو باعتبار إرادة القيمة أو المثل
والفساد، وقد عرفت أن الأقوى الأخير.
وحينئذ (ف‍) - في الفرض (لو تلف قبل تسليمه) بفعل امرأة برئ
وكان الاتلاف منها كالقبض، وإن تلف بفعل أجنبي تخيرت بين الرجوع على
الأجنبي أو الزوج وإن كان لو رجعت على الزوج رجع هو به على الأجنبي، وإن
تلف بفعل الزوج أو بغير فعل أحد (كان ضامنا له) بمثله إن كان مثليا،
و (بقيمته) إن كان قيميا، والأقوى اعتبار قيمته (وقت تلفه) وإن طالبته

(1) سورة النساء: 4 - الآية 25.
39

به فمنعه لا لعذر كما في نظائره (على قول مشهور لنا)، لأنه وقت الانتقال
إليها، وأما القول بضمان أعلى القيم من حين العقد إلى حين التلف أو من حين
المطالبة به إن كانت إليه فقد عرفت فساده في نظائر المسألة في محالها، نعم لو كان
نقصان القيمة لنقصان في العين ولو السمن لا لتفاوت السوق ففي احتمال ضمان ذلك
الفائت قوة كما ذكرناه في محله، ويأتي إن شاء الله في الغضب له تتمة.
هذا وفي المسالك " أن القول بالقيمة يوم التلف ليس هو المشهور وإن كان
هو المنصور، بل المشهور خلافه، وسيأتي في الغصب نقل المصنف عن الأكثر ضمان
المغصوب بقيمته يوم الغصب لا يوم التلف، فناسبه القول هنا بضمان قيمته يوم العقد،
لكن لا قائل به هنا معلوما، وكيف كان فاعتبار يوم التلف ليس هو القول المشهور
ولا محل توقف عند المصنف، فإن اقتصاره على نسبته إلى القول يؤذن بتوقف فيه أو
تمريض، وإنما المراد ما ذكرناه سابقا من حكم ضمان القيمة أو المثل لا مهر المثل
فإنه محل البحث والاشكال " قلت: قد عرفت أنه ليس محل بحث ولا إشكال عندنا
لما يناسب المصنف التوقف فيه، وأما القول بالضمان يوم التلف فهو إن لم يكن المشهور
فهو قول مشهور لنا، وقوته ظاهرة كما حرر في محله.
(ولو وجدت به عيبا) سابقا (كان لها رده بالعيب)، والرجوع إلى
قيمته بناء على ضمان اليد، ولها إمساكه بالأرش، لأن العقد إنما وقع على السليم،
فإذا لم تجده كذلك أخذت عوض الفائت، وهو الأرش، كذا ذكروه بلا خلاف فيه.
لكن قد يشكل (أولا) باقتضاء رده فسخ العقد بالنسبة إليه، وهو
تبعيض محتاج إلى الدليل، و (ثانيا) أن مقتضى ذلك الرجوع إلى مهر المثل،
ضرورة أنه بعد رده يكون العقد خاليا عن المهر، والرجوع إلى القيمة إنما هو
في الواجب بالعقد التالف في يد الزوج، بل قد يشكل الأرش أيضا وإن ثبت في المبيع
بدليل خاص، مضافا إلى أنه جزء من الثمن مقابل الجزء الفائت من المبيع، فالمتجه
ملاحظته هنا بالنسبة إلى مهر المثل، نحو ما سمعته سابقا فيما لو أمهرها بعبدين
فبان حرية أحدهما (وبالجملة) إثبات هذا الحكم الذي هو الخيار بين الرد
40

وأخذ القيمة وبين الامساك وأخذ الأرش بغير دليل مشكل، لعدم وفاء القواعد
به، اللهم إلا أن يكون إجماعا، فهو الحجة حينئذ، هذا كله في العيب قبل
العقد.
(و) أما (لو عاب بعد العقد قيل) والقائل الشيخ في محكي الخلاف
وموضع من المبسوط والقاضي في محكي المهذب: (كانت بالخيار) أيضا (في
أخذه) من الأرش، لكونه مضمونا عليه ضمان يد (أو أخذ القيمة) بعد رده،
لأن العقد وقع عليه سليما فإذا تعيب كان له رده، (ولو قيل: ليس لها القيمة)
لأصالة لزوم ملكها له (و) إنما (لها عينه وأرشه) لكونه مضمونا ضمان
يد (كان حسنا) بل في القواعد أنه الأقرب، وهو كذلك.
(و) كيف كان ف‍ (- لها أن تمتنع) قبل الدخول بها (من تسليم نفسها
حتى تقبض مهرها) اتفاقا، كما في كشف اللثام وغيره، لأن النكاح مع
الاصداق معاوضة بالنسبة إلى ذلك، لاتحاده معها في الكفيفة المقتضية أن لكل من
المتعاوضين الامتناع من التسليم حتى يقبض العوض، ولخبر زرعة عن سماعة (1)
" سأله عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن
يدخل بها قل أن يعطيها شيئا؟ قال: نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه "
وللحرج والعسر والضرر والظلم عليها إن لم يكن لها الامتناع، لأن للبضع عوضا
بالاجماع، كان النكاح معاوضة أولا ولاستفاضة الأخبار (2)، بأن ما يعطيها الزوج
فتمكنه من الدخول به استحل فرجها.
هذا ولكن في محكي الحدائق تبعا لنهاية المرام أنه ليس لها ذلك، ولا له، بل
كل منهما مخاطب بأداء ما عليه عصى الآخر أو أطاع، وفيه ما لا يخفى، ضرورة اقتضاء

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المهور والباب - 8 - منها الحديث 13
والباب - 33 - منها الحديث 1 والباب - 27 - من أبواب المتعة الحديث 3 والباب - 28 - منها الحديث 1.
41

المعاوضة ما عرفت.
نعم قد يشكل ذلك هنا بالنسبة إلى الزوج فيما لو امتنعا جميعا من التسليم
حتى يقبض، فإن المذكور في المسالك وكشف اللثام " إبداع المهر من يثقان به،
فإذا وطأها قبضته، لأن الوطء في النكاح هو القبض، إذ البضع لا يدخل تحت اليد
وإن كانت الزوجة أمة، لأن ملك الرقبة لغير مالك الاستمتاع، ولهذا لا يجب عليه
عوض البضع بالغصب ما لم يطأ ".
قلت: هو - مع أن الوضع في يد العدل حكم على الزوج - لا دليل على وجوب
امتثاله بناء على ثبوت الحق لكل منهما بمقتضى المعاوضة، وإن وجهه في المسالك
بأنه طريق جمع بين الحقين، وعليه لا ينحصر الأمر في ذلك، إذ الطرق متعددة
قد يشكل بظهور الفتاوى كالعبارة ونحوها باستحقاق المرأة تسليم المهر أولا،
خصوصا مع اعتبار ذلك في النكاح، والنصوص (1) الدالة على عدم الدخول بها حتى
يقدم لها ولو شيئا، وما سمعته سابقا في نكاح المتعة الذي لا فرق بينه وبين المقام
بالنسبة إلى ذلك على الظاهر، بل هو المأثور والسنة في النكاح.
ومن هنا احتمل في المسالك وكشف اللثام أنه يجبر الزوج على التسليم، لأن
فائت المال يستدرك دون البضع، والايقاف إلى أن يبادر أحدهما بالتسليم، فيجبر
الآخر، وإن رد الأخير في المسالك بأنه قد يؤدي إلى بقاء النزاع بعدم بدأة
أحدهما، ولا بد من نصب طريق شرعي يحسم مادته، وهو كذلك، أما الاحتمال الأول
فهو متجه وإن لم يكن فيه جمع بين الحقين، لعدم حق للرجل في الفرض بناء على
ما عرفت، ولا استبعاد في اختصاص النكاح بذلك الذي هو ليس معاوضة حقيقة،
ويكفي في مشابهته لها في طرف واحد.
وعلى كل حال ذلك لها (سواء كان الزوج موسرا أو معسرا) ضرورة أن
إعساره وإن أسقط حق المطالبة عنه بالأدلة الشرعية (2) لكنه لا يرفع حقها المستفاد

(1) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المهور.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 280 والوسائل الباب - 25 - من أبواب الدين والقرض
من كتاب التجارة.
42

من المعاوضة، فما عن ابن إدريس - من منعها من الامتناع للاعسار المانع من
المطالبة - واضح الضعف، إذ امتناع المطالبة لا يوجب تسليم المعوض قبل العوض،
وإنما يختلف الحال بالايسار وعدمه بالإثم واستحقاق النفقة وإن لم تسلم نفسها إذا
بذلت التمكين بشرط تسليم المهر، لأن المنع حينئذ بحق، فلا يقدح في التمكين،
وأما مع إعساره فلا إثم عليه بالتأخير، وفي استحقاقها النفقة حينئذ وجهان: من
انتفاء التمكين، إذ هو متعلق بأمر ممتنع عادة، وهو الذي جزم به الشهيد فيما
حكي من شرح الإرشاد، ومن أن المنع بحق كالموسر، لاشتراكهما في بذل
التمكين بشرط تسليم المهر، وامتناع التسلم عادة لا دخل في الفرق، مع جواز
الاجتماع بالافتراض ونحوه، وهذا يتجه كما اعترف به في المسالك.
وفيها أيضا " أنه فرق مع عدم الدخول بين كونها قد مكنت منه فلم يقع
وعدمه، فلها العود إلى الامتناع بعد التمكين إلى أن تقبض المهر، ويعود الحكم
إلى ما قبله، لما تقرر أن القبض لا يتحقق في النكاح بدون الوطء " قلت: قد يقال:
إن ذلك منها اسقاط لحقها وليس في الأدلة تعليق الحكم على الوطء.
ومن ذلك يعرف الحال فيما لو كان المهر كله مؤجلا فإنه ليس لها الامتناع
قطعا، لثبوت حقه عليها حالا، فإن امتنعت وحل المهر لم يكن لها الامتناع
أيضا وفاقا لما عن الأكثر، لاستقرار وجوب التسليم عليها قبل الحلول، فيستصحب،
ولأنهما عقدا وتراضيا على أن لا يقف تسليم أحد العوضين على تسليم الآخر، فبناء
المعاوضة حينئذ على سقوط حق الامتناع بالنسبة إليها.
لكن ومع ذلك قد احتمل جواز الامتناع لها، بل ربما حكي عن إطلاق
النهاية، لمساواته بعد الحلول للحال، ولأن الأصل في المتعاوضين جواز الامتناع
من التسليم قبل التسلم، وإنما يتخلف لمانع من تأجيل أحدهما دون الآخر، فالزمان
قبل الحلول مانع من الامتناع، فإذا حل ارتفع المانع، وفيه أن الأصل استحقاق
التسلم بالتسليم، واستحقاق كل منهما على الآخر التسليم لا الامتناع، وأيضا قد عرفت
اقتضاء المعاملة عدم الامتناع.
43

ولو كان بعض المهر حالا وبعضه مؤجلا فلكل واحد حكم نفسه، فلها
أن تمتنع حتى تقبض الحال دون المؤجل وإن قل كما قرر.
(و) من ذلك أيضا يعرف الحال في أنه (هل لها ذلك) أي الامتناع
(بعد الدخول؟ قيل) والقائل المفيد فيما حكي عن مقنعته، والشيخ فيما حكي
من مبسوطه: (نعم) لها ذلك، لأن أحد العوضين وهو منفعة البضع تتجدد
لا يمكن قبضه جملة، والمهر بإزاء الجميع، فبالتسليم مرة لم يحصل الاقباض، فجاز
الامتناع، ولعموم العسر والحرج والضرر والظلم.
(وقيل: لا وهو) - مع كونه أشهر، بل المشهور، بل عن السرائر
الاجماع عليه - (أشبه) بأصول المذهب وقواعده، (لأن الاستمتاع حق لزم
بالعقد) خرج منه الاستمتاع قبل القبض بالاجماع، فيبقى الباقي على أصله، ولما
سمعته من سقوط حقها برضاها، ولا دليل على عوده.
بل في المسالك " وفي معناه ما لو سلم الولي من ليست بكاملة ولم يقبض
الصداق، فهل لها الامتناع بعد الكمال حتى تقبضه؟ وجهان، وأولى بعدم الجواز
لأن تسليم الولي شرعي، إلا أن يمنع من جواز تسليمه لها قبل قبض المهر كغيره من
المعاوضات، فتساوي المكرهة في الحكم " وهو كما ترى.
على أنه قد ذكر في المسالك في مقدماته في المسألة " أنه هل يشترط في القبض
وقوعه طوعا أم يكتفى به مطلقا؟ وجهان: من حصول الغرض، وانتقال الضمان به
كيف اتفق، ومن تحريم القبض بدون الإذن، فلا يترتب عليه الأثر الصحيح،
والحق أن بعض أحكام القبض متحققة كاستقرار المهر بالوطء كرها، وبعضه غير
متحقق قطعا كالنفقة، ويبقى التردد في موضع النزاع حيث يدخل بها كرها هل
لها الامتناع بعده من الاقباض حتى تقبض المهر أم لا؟ قلت: لا وجه للتردد هنا
ضرورة عدم دليل على سقوط حق الامتناع بالوطء حتى أنه يصدق مع الاكراه،
وإنما هو حق اقتضته المعاوضة التي لا فرق في اقتضائها بين حالي الاختيار والاكراه،
44

بخلاف استقرار المهر الذي كان الحق عليه فيه لا له، فإن إكراهه لها أولى في
إفادة الاستقرار، والله العالم.
ولو لم يكن المرأة مهيأة للاستمتاع بأن كانت مريضة أو محبوسة لم يلزمه
تسليم الصداق بناء على اشتراط وجوبه عليه بالتقابض من الجانبين، وقد يشكل
ذلك بما لو كان قد عقدها غير مهيأة للاستمتاع، ضرورة أنه هو الذي قد أقدم على
تعجيل حقها دونه، نحو ما ذكروه في الصغيرة التي لا يصلح للجماع إذا طلب الولي
المهر، فإنه وإن قال في المسالك: " فيه وجهان: من تعذر التقابض من الجانبين،
لعدم إمكان الاستمتاع، وهو خيرة الشيخ في المبسوط، ومن أن الصداق حق ثابت،
وقد طلبه المستحق، فوجب دفعه إليه، وعدم قبض مقابله من العوض قد أقدم الزوج
عليه، حيث عقد كذلك، وأوجب على نفسه المال في الحال، كالعكس لو كان
المهر مؤجلا " لكن لا ريب في أن الأخير هو الأقوى، كما اعترف هو به والفاضل
في القواعد، خلافا للمحكي عن المبسوط و الكافي من العدم، لتعذر التقابض.
ومحل الاشكال في الصغيرة ما لو لم تصلح للاستمتاع مطلقا أما لو صلحت
لغير الوطء فطلبها الزوج لذلك ففي وجوب إجابته وجهان: من تحقق الزوجية
المقتضية لجواز الاستمتاع، فلا يسقط بعضه بتعذر بعض، فيجب التسليم للممكن،
ومن أن القصد الذاتي من الاستمتاع الوطء والباقي التابع، فإذا تعذر المتبوع انتفى
التابع، وإمساكها لغير ذلك حضانة، والزوج ليس أهلا لها، وإنما هي حق للأقارب،
ولأنه لا يؤمن إذا خلا بها أن يأتيها فتضرر، وعلى هذا فلو بذلت له لم يجب عليه
القبول، لأن حقه الاستمتاع ولم يخلق فيها، ولو وجب للزمه نفقة الحضانة والتربية،
وفي المسالك " وهذا أقوى، وهو خيرة المبسوط " قلت: وهو المحكي عن التحرير
أيضا، لكن قد يحتمل وجوب التسليم إن طلبها، لامكان الاستمتاع بغير الوطء
كالحائض، خصوصا في الكبيرة المريضة، نعم قد يقوى المنع إذا لم يؤمن منه
المواقعة.
ولو كانا صغيرين وطلب الولي المهر من الولي فالوجهان في الكبير مع
45

الصغيرة، بل وأولى بعدم الوجوب لو قيل به ثم، لكن قد عرفت هناك أن الأقوى
الوجوب، فالمتجه حينئذ ذلك هنا أيضا، ولو انعكس فكانت كبيرة والزوج صغير
فالوجهان أيضا، وعن المبسوط اختيار عدم وجوب تسليم المهر في الجميع، كما
لا تجب النفقة، محتجا بأن الاستمتاع غير ممكن، وفيه أنه يتم في النفقة لا في
المهر.
هذا وفي القواعد " ولو منعت الزوجة مع تهيوئها للاستمتاع من التمكين لا
للتسليم أي تسليم المهر إليها ففي وجوب التسليم إشكال " قلت: لا أعرف وجها
للاشكال بعد البناء على اقتضاء المعاوضة التقابض المفروض انتفاءه في المقام، وتسليم
المهر إنما يجب إذ امتنعت من التسليم لتتسلمه، فإنه الامتناع المشروع، فإذا امتنعت
لغيره لم تبذل نفسها، فلم تستحق عليه المهر، وصدق الامتناع من التسليم، وإن لم
يكن لأجل التسليم لا يوجب تسليم المهر عليه، كما هو واضح.
ولو دفع الصداق فامتنعت من التمكين أجبرت عليه إن لم يكن لها عذر، لوجود
المقتضي لوجوبه وانتفاء المعارض، وفي القواعد " ليس له الاسترداد " ولعله لأنه
حق لها، فهو كالدين المؤجل إذا تبرع المديون بتعجيل أدائه، قلت: قد يقال
بناء على ما سمعته منا من وجوب تسليم المهر على الزوج أولا له الاسترداد،
فإنه يدفعه دفعا مراعي بسلامة العوض له، فإذا امتنعت من التمكين استرد، وفيها
أيضا " أنه إذا سلم الصداق فعليه أن يمهلها مدة استعدادها بالتنظيف والاستحداد
أي إزالة الشعر بالحديد أو غيره، كما عن المبسوط مجرى العادة به، ولأنه ربما
ينفر عنها إن لم تستعد له، وربما يفهم من النهي (1) عن طروق الأهل ليلا وقوله
صلى الله عليه وآله (2): " أمهلوا كي تمشط الشعثة وتستحد المغيبة ".

(1) الوسائل الباب - 56 - من أبواب آداب السفر الحديث 2 و 3 من
كتاب الحج.
(2) صحيح البخاري ج 7 ص 6 (باب 10 من النكاح) وصحيح مسلم ج 6
ص 55.
46

وأما التحديد بيوم ويومين وثلاثة كما عن المبسوط فلعل المراد بها التمثيل
وأن العبرة بزمان تستعد فيه، وعن المبسوط " أنه نص على عدم امهالها أكثر من
ثلاثة أيام إذا استمهلت، لأن الثلاثة تسع لاصلاح حالها " قلت: لا يخفى عليك
ما في أصل الحكم حينئذ من الوجوب، ضرورة عدم صلاحية مثل ذلك دليلا، ودعوى
أن بناء استحقاقه تسليمها على ذلك واضحة المنع، لمنافاتها جميع ما دل على
تسلط الزوج على الزوجة كتابا (1) وسنة (2) ولعله لذا كان المحكي عن التحرير
أنه استقرب عدم وجوب الامهال للأصل السالم عن المعارض.
ولا ريب في عدم وجوب إمهالها لأجل تهيئة الجهاز، ولا لأجل الحيض،
لامكان الاستمتاع بغير القبل، كما هو واضح، والله العالم.
(ويستحب تقليل المهر) بلا خلاف كما في المسالك، لقوله صلى الله عليه وآله (3):
" أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها، وأقلهن مهرا " (4) " وإن من شؤم المرأة كثرة
مهرها " (و) (5) " إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة " بل (يكره أن
يتجاوز) مهر (السنة، وهو خمسمأة درهم)
لأنه صلى الله عليه وآله كما حكاه الباقر عليه السلام
عنه (6) " لم يتزوج ولا زوج بناته بأكثر من ذلك " و " قد أمر أن يسن ذلك
لأمته ففعل " (7) وحينئذ فما زاد عليه فهو شؤم المرأة الذي هو كثرة مهرها، وفي
خبر حسين بن خالد (8) عن أبي الحسن عليه السلام " أيما مؤمن خطب إلى أخيه حرمة

(1) سورة النساء: 4 - الآية 34.
(2) الوسائل الباب - 79 و 80 و 81 - من أبواب مقدمات النكاح.
(3) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المهور الحديث 9 و 8.
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المهور الحديث 9 و 8.
(5) الوسائل الباب - 5 - من أبواب المهور الحديث 3 و 10 وفيهما " من بركة
المرأة خفة مؤونتها " وفي سنن البيهقي ج 7 ص 235 " من أعظم النساء بركة أيسرهن
صداقا ".
(6) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المهور الحديث 4 - 2 - 2.
(7) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المهور الحديث 4 - 2 - 2.
(8) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المهور الحديث 4 - 2 - 2.
47

فبذل خمسمأة درهم فلم يزوجه فقد عقه واستحق من الله عز وجل أن لا يزوجه
حوراء ".
نعم في المسالك " ظاهره أن الكراهة متعلقة بالمرأة ووليها لا بالزوج، وعبارة
المصنف شاملة لهما، ويمكن تعلق الكراهة به من حيث الإعانة عليه إن أمكنه
النقصان، وإلا فلا كراهة عليه، وقد تقدم إمهار الحسن عليه السلام امرأة مئة جارية (1)
قلت: ظاهر الفتاوى الكراهة أيضا للزوج، بل هو مستفاد من التأمل في النصوص (2)
والله العالم.
(و) كذا يكره (أن يدخل بالزوجة حتى يقدم مهرها أو شيئا منه
أو غيره ولو هدية) لخبر أبي بصير (3) عن الصادق عليه السلام " إذا تزوج الرجل المرأة
فلا يحل له فرجها حتى يسوق إليها شيئا، درهما فما فوقه أو هدية من سويق أو
غيره " ولا يحرم للأصل وقصور الخبر عن إفادة الحرمة، وخبر عبد الحميد
الطائي (4) قال له: " أتزوج المرأة وأدخل بها ولا أعطيها شيئا، فقال: نعم يكون
دينا عليك ".

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 4 و 5 و 9 - من أبواب المهور.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب المهور الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 9.
48

(الطرف الثاني في التفويض)
وهو لغة إيكال الأمر إلى الغير، ومنه " أفوض أمري إلى الله " (1) وقد
يطلق ويراد به الاهمال، ومنه " لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم " (2).
(و) على كل حال ف‍ (- هو قسمان: تفويض البضع وتفويض المهر،
أما الأول فهو أن لا يذكر في العقد مهرا أصلا، مثل أن يقول) الوكيل:
(زوجتك فلانة أو تقول هي: " زوجتك نفسي " فيقول) الزوج: (قبلت)
وحينئذ هو من التفويض بمعنى الاهمال، ضرورة عدم ذكر المهر فيه.
(وفيه مسائل:)
(الأولى)
قد عرفت فيما تقدم أيضا أنه لا خلاف في أن (ذكر المهر ليس شرطا في)
صحة (العقد)، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ظاهر آية لا جناح (3)
والنصوص (4) المستفيضة أو المتواترة، وحينئذ (فلو تزوجها ولم يذكر مهرا)
في العقد (أو شرط أن لا مهر صح العقد) قطعا مع إرادة نفي المهر المسمى في
العقد، أما لو أرادت نفيه حال العقد وما بعده ولو بعد الدخول فلا خلاف ولا إشكال

(1) سورة غافر: 40 - الآية 44.
(2) هذا مصراع من شعر الأفوه الأودي من شعراء العصر الجاهلي وتمام البيت
" لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا "
(3) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(4) الوسائل الباب - 12 و 13 و 21 - من أبواب المهور والباب - 58 - منها
الحديث 4 و 7 و 8 و 11 و 20 و 21 و 22.
49

في فساد الشرط، بل المعروف فساد العقد أيضا، ولعله لصحيح الحلبي (1) " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مهر، فقال: إنما كان
هذا للنبي صلى الله عليه وآله، فأما لغيره فلا يصلح هذا حتى يعوضها شيئا يقدم إليها قبل
أن يدخل بها، قل أو كثر ولو ثوب أو درهم، وقال: يجزئ الدرهم " وفي
صحيح زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن قول الله عز وجل: وامرأة مؤمنة
إن وهبت نفسها للنبي (3) فقال: لا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله، وأما غيره
فلا يصلح نكاح إلا بمهر " وفي المرسل عن عبد الله بن سنان (4) عن أبي عبد الله
عليه السلام " في امرأة وهبت نفسها لرجل أو وهبها له وليها، فقال: لا، إنما كان
ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله، وليس لغيره إلا أن يعوضها شيئا، قل أو كثر " وفي
مرسل ابن الغيرة (5) عنه عليه السلام أيضا " في امرأة وهبت نفسها للرجل من المسلمين،
قال: إن عوضها كان ذلك مستقيما ".
خلافا للمحكي عن الشيخ من الصحة، لأنه بمعنى " لا مهر عليك " فإنه أيضا
نكرة منفية نفيد العموم، فكما خص ذلك بمجرد العقد فكذا هنا، ورد بأن العام
يقبل التخصيص بخلاف التنصيص.
وفيه أن مرجع كلام الشيخ إلى فساد الشرط في الفرض دون العقد، ضرورة كون
محل البحث مع إرادة عدم التخصيص، فليس حينئذ إلا القول بعدم التلازم بين فساد
الشرط وبين فساد العقد هنا، ولذا لم يفسد بفساد ما يذكر فيه من المهر الذي هو أعظم من
الشرط باعتبار ذكره بصورة العوض، وربما يؤيده ما تسمعه فيما يأتي من أن المعروف بين
الأصحاب عدم فساد عقد النكاح بفساد الشرط فيه ولا صراحة في النصوص السابقة في فساد العقد،
بل قد يظهر من بعضها الصحة وإن وجب عليه أن يدفع عوضا، ولا يخلو من قوة،
وربما احتمل صحة العقد وفساد التفويض، فيثبت حينئذ مهر المثل بمجرد العقد،

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح - الحديث 1 - 4.
(2) سورة الأحزاب: 33 - الآية 50.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح - الحديث 3 - 5.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح - الحديث 3 - 5.
50

ولا ريب في ضعفه، لأن غاية فساد الشرط كونه في حكم السكوت عن المهر.
وعلى كل حال (فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة حرة كانت أو مملوكة،
ولا مهر) بلا خلاف أجده، بل لعل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ظاهر
الكتاب (1) والسنة المستفيضة أو المتواترة (2) فما عن مالك وجماعة من العامة من
استحباب المتعة نظرا إلى قوله تعالى في آخر الآية (3): " حقا على المحسنين " واضح
الضعف، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الخروج عن ظاهر الأمر في الكتاب والسنة، بل
مقتضى قوله: " حقا " وقوله: " على " الوجوب: والمراد بالمحسنين: من يحسنون
بفعل الطاعة واجتناب المعصية، وخصهم بالحكم تشريفا لهم، أو أن المراد من أراد
أن يحسن فهذا طريقه وهذا حقه، بأن يعطي المطلقات ما فرض الله لهن.
(وإن طلقها بعد الدخول) وقبل الفرض (فلها مهر أمثالها ولا متعة)
بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة، منها
الصحيح (4) " عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها فقال:
لها مثل مهور نسائها، ويمتعها " ونحوه الموثقان (5) " في رجل تزوج امرأة
ولم يفرض لها صداقا، قال: لا شئ لها من الصداق، فإن كان دخل بها فلها مهر
نسائها ".
(فإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض فلا مهر لها ولا متعة)
عندنا للأصل، وصحيح الحلبي (6) عن الصادق عليه السلام " في المتوفى عنها زوجها قبل
الدخول إن كان فرض لها زوجها فلها، وإن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر " وما
رواه بعض العامة عن النبي صلى الله عليه وآله (7) من أنه " قضى في تزويج بنت واشق وقد

(1) سورة البقرة: 2 الآية 236.
(2) الوسائل الباب - 48 و 49 و 50 - من أبواب المهور.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 236.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المهور الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المهور الحديث 2 و 3.
(6) الوسائل الباب - 58 - من أبواب المهور الحديث 22.
(7) سنن البيهقي ج 7 ص 244.
51

نكحت بغير مهر فمات زوجها بمهر نسائها والميراث " غير ثابت عند الأكثر منهم
فضلا عنا وغيره (1) خلافا لبعض العامة فأوجب مهر المثل.
(و) فيه أنه (لا يجب مهر المثل) عندنا (بالعقد، وإنما يجب
بالدخول) المفروض انتفاؤه، خلافا لبعضهم، فأثبته فيه، ولا ريب في ضعفه، بل
ظاهر الكتاب والسنة والاجماع على خلافه.
المسألة (الثانية)
(المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف والجمال وعادة نسائها) والسن
والبكارة والعقل واليسار والعفة والأدب وأضدادها (وبالجملة) ما يختلف به الغرض
والرغبة اختلافا بينا، فيكون المعتبر حينئذ المثلية بالأهل والصفات جمعيا وإن
كنا لم نعثر في شئ مما وصل إلينا من النصوص على أزيد من قول: " لها صداق
نسائها " (2) و " مهر نسائها " (3) و " مهر مثل مهور نسائها " (4) اللهم إلا أن
يراد بنسائها من ماثلها بالصفات من نساء أهلها، ضرورة كون ذلك نوعا من التقويم
الذي ينبغي فيه ملاحظة كل ماله مدخلية في ارتفاع القيمة ونقصانها حتى الزمان
والمكان.
ومنه يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من اعتبار كون
أقاربها في أهل بلدها، لتفاوت البلدان في المهور تفاوتا بينا، فلو لم يعتبر البلد
أشكل الأمر مع الاختلاف، وكما اعتبر الاختلاف في الصفات لايجابه اختلاف

(1) هكذا في النسختين الأصليتين والصحيح " وغيرهما " والضمير يرجع إلى الأصل
وصحيح الحلبي، فإن الموجود في النسخة المخطوطة بقلمه الشريف كان " ولا متعة عندنا
للأصل وغيره " ثم أضاف في الهامش بعد قوله: " للأصل " قوله: " وصحيح الحلبي " إلى
" فضلا عنا " وغفل عن تثنية الضمير في قوله: " وغيره ".
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المهور الحديث 3 - 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المهور الحديث 3 - 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المهور الحديث 3 - 2 - 1.
52

المهر لزم اعتبار الاختلاف في البلد، والضرر العظيم إن لم نعتبر البلد، ولأن الظاهر
منها الرضا بمهر أمثالها في البلد إذا مكنت، وحينئذ، فاحتمال عدم اعتبار البلد
لاطلاق الأخبار في غير محله.
بل لما ذكرنا اعتبر المشهور الأقارب مطلقا من غير فرق بين من يرجع
منهم إلى الأب أو الأم، ضرورة حصول الاختلاف في ذلك، خلافا للمحكي عن
المهذب والجامع، فاعتبر الأقارب من قبل الأب دون الأم، قالا: " فإن لم يكن
فغيرهم من ذوات الأرحام، فإن لم يكن فمثلها من نساء بلدها " لكنه كما ترى
فإن اختلاف المهر بالنسبة إلى الأم وأقاربها شرفا ودناءة اختلاف بين، فلا بد
من ملاحظته، لما عرفت أن ذلك نوع من التقويم، وحينئذ فالمثل مع مراعاة ذلك كله
لا يختلف كقيمة الشئ نفسه، نعم قد يختلف بالنسبة إلى تقويم المقومين، والظاهر
أنه يجري فيه ما جرى في غيره مما اختلف في تقويمه، فيؤخذ النصف من الاثنين،
والثلث من الثلاثة، وهكذا بعد جمع الجميع، أو نحو ذلك مما قرر في محله.
بل الظاهر اعتبار مهر مثلها مع فرض عدم معرفة أقاربها من الأب أو الأم،
فيلحظ مهر المرأة بالصفات فيها غير معرفة الأب والأم وهكذا.
بل ربما ظهر من بعضهم ملاحظة حال الزوج بالنسبة إلى مهرها، لاختلاف
مهر النساء باختلاف الأزواج اختلافا بينا، ولا يخلو من وجه، بل جزم به العلامة
في القواعد.
ومن ذلك كله ظهر لك عدم الاختلاف في مهر المثل حينئذ وإن اختلف
مهور نسائها باعتبار الزيادة على مهر أمثالهن والنقيصة، فإن ذلك ليس اختلافا في
مهر، كما هو واضح.
ثم الواجب بالدخول أكثر مهر لمثلها من يوم العقد إلى الوطء أو يوم العقد؟
وجهان عند العامة، ولعل الأقوى عندنا ثالث، وهو يوم الدخول، لأنه هو يوم
الثبوت في ذمته، كقيمة المال المضمون، لكن في قواعد الفاضل اعتبار يوم العقد،
53

وفيه ما لا يخفى.
وعلى كل حال ففي المتن وغيره تقييد مهر المثل ب‍ (- ما لم يتجاوز) مهر
(السنة وهو خمسمأة درهم) وإلا رد، بل المشهور نقلا وتحصيلا، بل عن
الغينة وفخر المحققين الاجماع عليه، وهو الحجة، مضافا إلى موثق أبي بصير (1)
عن الصادق عليه السلام " سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن يسمى صداقها حتى دخل
بها، قال: السنة، والسنة خمسمأة درهم " وإلى ما تقدم من قوله عليه السلام أيضا في خبر المفضل
ابن عمر (2) " فمن زاد على ذلك رد إلى السنة، ولا شئ عليه أكثر من الخمسمئة
درهم " وإلى معلومية دون كل امرأة بالنسبة إلى بنات النبي صلى الله عليه وآله اللاتي (3) لم
يتزوجن إلا بذلك (4) وإلى فحوى ما ورد فيمن تزوج امرأة على حكمها من خبر
زرارة (5) وغيره (6) وأنها لا تتجاوز ما سنه رسول الله صلى الله عليه وآله.
والمناقشة في خبر أبي بصير مع فسادها في نفسها مدفوعة بالانجبار بما عرفت،
كالمناقشة في دلالتها بأنها ليست من المفوضة باعتبار نسيان ذكر الصداق، ضرورة
أنك قد عرفت أن موضوع المفوضة يشملها، وكذا المناقشة في بعض ما ذكر مؤيدا
للحكم المدلول عليه بما عرفت، وحينئذ فلا محيص عن القول به، فما وقع من ثاني
الشهيدين وبعض من تأخر عنه - من الوسوسة في ذلك، بل جزم بعضهم بعدم التحديد
بذلك، لا طلاق النصوص السابقة المؤيدة بظهور إقدامها بلا ذكر مهر في كون
نظرها مهر أمثالها - واضح الفساد بعد الإحاطة بما ذكرناه، والله العالم.
(والمعتبر في المتعة) عند المشهور بل عن الغنية الاجماع عليه (حال

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 14.
(3) في النسخة الأصلية " التي ".
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب المهور الحديث 4.
(5) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 1 -..
(6) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 1 -..
54

الزوج) خاصة بالنسبة إلى السعة والاقتار، لظاهر الآية (1) وخبر الكناني (2)
عنه عليه السلام " إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها فإن لم يكن
سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره " لكن قد يقال:
إن ذلك لا ينافي اعتبار حالها أيضا كما في صحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه السلام " في
رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، وإن
لم يكن فرض لها فليمتعها على مثل ما يمتع مثلها من النساء " وخبر أبي بصير (4)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها - إلى أن قال -:
فإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على مثل ما يمتع مثلها من النساء ".
بل عن المبسوط أن الاعتبار بهما جميعا عندنا، وقال قوم: الاعتبار به،
لقوله تعالى (5): " ومتعوهن " إلى آخره وهذا هو الأقرب: ومنهم من قال:
الاعتبار بها بحسب يسارها وإعساره وكمالها (وجمالها خ ل) ولعله أشار في الأخير
إلى ما عن الشافعي من اعتبار حالها خاصة، نظرا إلى أنها عوض مهرها، فيعتبر
فيها ما يعتبر فيه، لكن الكتاب والسنة والاجماع بخلافة، وعلى كل حال فظاهر
الآية (6) من النصوص (7) اعتبار حالين للزوج: السعة والافتار.
لكن في المتن وغيره تقسيمه إلى ثلاثة: (فالغني يمتع بالدابة أو الثوب
المرتفع أو عشرة دنانير، والمتوسط بخمسة دنانير أو الثوب المتوسط، والفقير
بالدينار أو الخاتم وما شاكله) ولعله لعدم اقتضاء الآية (8) حصر المتعة في شيئين:
عليا ودنيا، وذلك لأن الناس ينقسمون باعتبار الاعسار واليسار إلى ثلاثة: أعلى
ومتوسط وفقير، ولكل مراتب، فالغني يمتع بثوب نفيس أو فرس أو خادم أو

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 236.
(2) الوسائل الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 8 - 7.
(3) الوسائل الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 8 - 7.
(4) أشار إليه في الوسائل في الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 7 وذكره
في الكافي ج 6 ص 108.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 236.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 236.
(7) الوسائل الباب - 49 - من أبواب المهور.
(8) سورة البقرة: 2 - الآية 236.
55

عشرة دنانير أو نحو ذلك بحسب مراتبه في الغنى وإن كان يجزؤه كل من ذلك في
أي مرتبة كان من الغنى، ويستفاد حكم الوسط حينئذ إما لظهور إرادة المثال
من الموسع والمقتر وإما لأن ذكر حكمها يقتضي حكمه، إذ هو موسع
بالنسبة ومقتر كذلك، فله حينئذ الحالة الوسطى بين اليسار والاقتار، ولعله إلى
ذلك أومأ في المحكي عن فقه الرضا عليه السلام (1) " يمتعها منه قل أو كثر على قدر
يساره، فالموسع يمتع بخادم أو دابة، والوسط بثوب، والفقير بدرهم أو خاتم،
كما قال الله: ومتعوهن - إلى آخره " وفي محكي الفقيه " وروى (2) أن الغني يمتع
بدار أو خادم، والوسط يمتع بثوب، والفقير يمتع بدرهم أو خاتم وروي أن أدناه
خمار وشبهه ".
وحينئذ فما في خبر ابن بكير المروي عن قرب الإسناد (3) " سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن قول الله عز وجل: ومتعوهن، ما قدر الموسع أو المقتر؟ قال: كان
علي بن الحسين عليهما السلام يمتع بالراحلة " وعن العياشي (4) أنه رواه في تفسيره ثم
قال: " يعني حملها الذي عليها " وخبر أبي بصير (5) قلت لأبي جعفر عليه السلام:
" أخبرني عن قول الله تعالى: (6) وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين،
ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسرا لا يجد؟ خمار وشبهه " وفي خبر الحلبي (7)
" إن كان الرجل موسعا عليه أن يمتع امرأته العبد والأمة، والمقتر يمتع الحنطة
والزبيب والثوب والدرهم، وإن الحسين بن علي عليهما السلام متع امرأة له بأمة، ولم

(1) المستدرك الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 49 - من أبواب المهور الحديث 3 و 4.
(3) الوسائل الباب - 49 - من أبواب المهور الحديث 5.
(4) أشار إليه في الوسائل في الباب - 49 - من أبواب المهور الحديث 5 وذكره
في المستدرك في الباب - 34 - منها الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 49 - من أبواب المهور الحديث 2 - 1.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 241.
(7) الوسائل الباب 49 - من أبواب المهور الحديث 2 - 1.
56

يطلق امرأة إلا متعها " خارج مخرج التمثيل لا الحصر.
(و) كيف كان ف‍ (- لا تستحق المتعة إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم
يدخل بها) كما هو ظاهر معظم النصوص (1) والفتاوى، بل والآية (2) باعتبار
تعقيبها المتعة وإلا لناسب تأخيره، لكن في خبر زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام
" متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل، وتمتع قبل أن تطلق " وصحيح الحلبي (4)
" سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها، قال: لها
مهر مثل مهور نسائها ويمتعها " وخبره الآخر (5) عنه عليه السلام في قوله الله عز وجل:
وللمطلقات متاع بالمعروف - إلى آخره - قال: متاعها بعد أن تنقضي عدتها على
الموسع قدره وعلى المقتر قدره، وكيف يمتعها وهي في عدتها ترجوه ويرجوها
ويحدث الله بينهما ما شاء " ونحوه خبر سماعة (6) وما سمعته من أن الحسن عليه السلام
لم يطلق امرأة إلا متعها (7) وقوله تعالى: (8) " فتعالين أمتعكن وأسرحكن "
إلى آخره.
مضافا إلى إطلاق صحيح حفص (9) عنه عليه السلام " في الرجل يطلق امرأته
أيمتعها؟ قال: نعم، أما يجب أن يكون من المحسنين؟ أم يجب أن يكون من
المتقين؟ " وخبر البزنطي (10) " إن متعة المطلقة فريضة " وخبر جابر (11) عن أبي

(1) الوسائل الباب - 48 و 49 و 50 - من أبواب المهور.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 236.
(3) الوسائل الباب - 50 - من أبواب المهور الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المهور الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 50 - من أبواب المهور الحديث 1 - 2.
(6) أشار إليه في الباب - 50 - من أبواب المهور الحديث 2 وذكره في الكافي
ج 6 ص 105.
(7) الوسائل الباب - 49 - من أبواب المهور الحديث 1.
(8) سورة الأحزاب: 33 - الآية 28.
(9) الوسائل الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 5 - 2.
(10) الوسائل الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 5 - 2.
(11) الوسائل الباب - 49 - من أبواب المهور الحديث 6 مع الاختلاف اليسير.
57

جعفر عليه السلام " في قوله تعالى: (1) فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا، قال: متعوهن
حملوهن بما قدرتم عليه من معروف، فإنهن يرجعن بكآبة وخسارة، وهم عظيم،
ومهانة من أعلاقهن، فإن الله كريم يستحيي، ويحب أهل الحياء، إن أكرمكم
أشدكم إكراما لحلائلهم ".
إلا أن المطلق منها منزل على المطلقة المفوضة التي لم يفرض لها ولم يدخل
بها حتى الآية، خصوصا بعد ما قيل في نزولها (2) من أنه لما نزل " ومتعوهن "
قال بعضهم: إن أحببت فعلت وإن لم أرد ذلك لم أفعله: فنزل: (3) " وللمطلقات
متاع " إلى آخره، أو أنها منسوخة بآية المتعة (4) أو أن المراد من المتاع منها النفقة
كما قيل، أو غير ذلك، والناص منها على ضرب من التقية، لأنه مذهب قوم من
العامة: منهم سعيد بن جبير والزهري والشافعي في الجديد، أو على ضرب من
الاستحباب كما عن الشيخ وجماعة، بل تأكده للتعبير بلفظ الوجوب ونحوه، ولا
بأس به وإن أصبن شيئا جبرا لكسرهن، ولأنه نوع إحسان، وعليه ينزل قوله
تعالى (5) " فتعالين أمتعكن " أو أن ذلك من خواصه صلى الله عليه وآله أو لفضل نسائه على غيرهن.
كل ذلك للاجماع بقسميه، والنصوص (6) على اختصاص الوجوب بالمطلقة
المفوضة التي لم يفرض لها ولم يدخل بها باعتبار عدم إصابتها شيئا، فناسب إكرامها
بالمتعة جبرا لما أصابها من الخجل والهوان.
وربما ألحق بها - المفوضة المفارقة من قبل الزوج بعيب ونحوه، أو من
قبله وقبلها كالخلع، أو من أجنبي كالرضاع - في وجوب المتعة، بل هو خيرة

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 49.
(2) الدر المنثور ج 1 ص 310.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 241 - 236.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 241 - 236.
(5) سورة الأحزاب: 33 - الآية 28.
(6) الوسائل الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 7 و 8 و 10 و 12.
58

المحكي عن مختلف الفاضل، بل ظاهر المحكي عن المبسوط الميل إليه إلا أنه
لم نجد لهما موافقا منا، وإنما هذا الكلام ونحوه مذكور في كتب العامة، ولا دليلا
سوى دعوى تنقيح المناط، وما يشعر به خبر جابر من التعليل، وهما معا كما ترى،
ضرورة عدم التنقيح المعتبر، خصوصا بعد الشهرة العظيمة أو الاجماع على الاختصاص
بالمطلقة، وضعف الخبر المزبور الظاهر في جريان ما فيه مجرى الحكمة لا العلة،
ولعله لذا وافق الشيخ في المحكي من خلافه الأصحاب.
نعم قد يقال بالاستحباب كما عن بعضهم لذلك، بل قد يقال به أيضا في مطلق
المفارقة كالمطلقة للتسامح فيه، فيكفي حينئذ إشعار الخبر المزبور.
هذا وفي الروضة " أنه ألحق بمفوضة البضع من فرض لها مهر فاسد، فإنه في
قوة التفويض، ومن فسخت في المهر لخيار به مثلا " قيل: وفيه منع، لدخولها
فيها موضوعا بعد ما عرفته، فلا دليل على ثبوت حكمها لها، واحتمال كونها التي
لم يذكر لها مهر صحيح لا دليل عليه، فتأمل وقال بعض الأفاضل: " ظاهر الكتاب
وكلام الأصحاب أن محل التمتع ما بعد الطلاق، فإنه إنما يخاطب به بعده، كما
جاء في عدة أخبار (1) فيمن طلقت قبل الدخول فليمتعها، بل إذا كان الدخول
فمحله بعد انقضاء العدة حيث تبين، لخبر الحلبي (2) السابق ".
قلت: لا دلالة في شئ منهما على عدم جواز تقديمها، بل في كثير من
الأخبار أنها قبله، كخبر أبي حمزة (3) " سألته عن الرجل يريد أن يطلق امرأته
قبل أن يدخل بها، قال: يمتعها قبل أن يطلقها، فإن الله تعالى قال: ومتعوهن " (4)
إلى آخره، وصحيح ابن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن الرجل يطلق

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب المهور الحديث 1 والباب - 48 - منها
الحديث 7 و 8.
(2) الوسائل الباب - 50 - من أبواب المهور الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 4 - 1.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 236.
(5) الوسائل الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 4 - 1.
59

امرأته قال: يمتعها قبل أن يطلق: فإن الله تعالى يقول: ومتعوهن " إلى آخره
وخبر زرارة (1) السابق، بل هو ظاهر قوله تعالى (2): " فتعالين " إلى آخره نعم
الظاهر أن ذلك من باب الاستحباب دون الاستحقاق الذي هو لا يتحقق إلا بعد
تحقق الطلاق، كما هو مقتضى قوله تعالى (3): " وللمطلقات متاع " إلى آخره.
بل قد عرفت خبر الحلبي (4) وإن كان هو في المتعة المستحبة، وحينئذ فإذا قد مها
لا تكون متعة إلا بتعقيب الطلاق، لكن يقوى حينئذ كونه كاشفا، لما سمعته من النصوص (5)
الدالة على كونها متعة قبل أن يطلق.
ثم إن المتعة لا يعتبر فيها رضا الزوجة، لظهور الآية والرواية في كون
الخطاب للزوج، خلافا لبعض العامة، فجعلها كالمهر ما تراضي عليه الزوجان، فإن
لم يتراضيا قدرها القاضي باجتهاده ولو فوق نصف المهر، وعن آخر منهم أنها
لا تزيد على النصف، وعن ثالث منهم أنها لا تزيد على مهر المثل، فليس في شئ من
أخبار الباب ولا فتاوى الأصحاب تعرض لذلك، لما عرفت.
كما أنها هي بعد تحقق سبب وجوبها من الدين في ذمة الزوج، فللامرأة
مع عدم دفعها لها الضرب مع الغرماء بموت أو فلس، ويبرء الزوج بدفعها لها كما
وجبت عليه، فإن امتنعت الامرأة من قبضها قبضها الحاكم أو كان ذلك البذل
بحكم القبض. وبالجملة حالها كحال غيرها من الديون، ولو أبرأت المفوضة
الزوج قبل الوطء والفرض والطلاق من مهر المثل أو المتعة أو منهما لم يصح، لأنه
إبراء ما لم يثبت، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 50 - من أبواب المهور الحديث 1.
(2) سورة الأحزاب: 33 - الآية 28.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 241.
(4) الوسائل الباب - 50 - من أبواب المهور الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 48 - من أبواب المهور الحديث 1 و 4 والباب - 50 -
منها الحديث 1.
60

المسألة (الثالثة)
قد ذكر غير واحد من الخاصة والعامة أن للمفوضة المطالبة بفرض المهر،
وأن لها حبس نفسها عليه وعلى تسلمه بعده،
وأنهما (لو تراضيا بعد العقد بفرض
المهر جاز، لأن الحق لهما، سواء كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقل، وسواء كانا
عالمين أو جاهلين، أو كان أحدهما عالما) دون الآخر (لأن فرض المهر إليهما
ابتداءا فجاز انتهاء) بل ذلك بعد تراضيهما لازم لهما، فليس لأحدهما الرجوع
عما وقع التراضي عليه، بل يكون حينئذ كالواقع في العقد، نعم إن اختلفا وكان
مفروض الزوجة حينئذ بقدر مهر السنة فصاعدا ففي المسالك " في لزومه من طرفها
وجهان من أنه لو فوض إليها التقدير لما كان لها الزيادة عليه، وكذا للحكام لما سيأتي،
ومن أن البضع يقتضي مهر المثل والخروج عنه في بعض المواضع (الموارد خ ل) على خلاف
الأصل فيقتصر عليه، وكون ذلك للحاكم ممنوع " وفي القواعد وغيرها " وإن
اختلفا ففي فرض الحاكم إذا ترافعا إليه نظر، أقربه أنه يفرض مهر المثل " ولعل
وجه النظر أنه إثبات للمهر في ذمة الزوج، ولا يصح إلا بتراضي الزوجين، ولا مدخل
فيه لغيرهما، وفيه أن الحاكم معد لقطع الخصومات وليس ذلك منه إثبات مهر في
ذمة الزوج، ضرورة أنها بالعقد ملكت أن تملك، نعم لا يفرض إلا مهر المثل كما
في قيم المتلفات ما لم يتجاوز السنة، فيرد إليها كما عن التحرير التصريح به،
وأما لو رضيا بفرضه لزمهما ما فرضه مطلقا وافق مهر المثل أو لا، وافق السنة أو لا،
والأمر في هذا كله سهل.
إنما الكلام في دليل الأحكام الأول التي هي المطالبة بالفرض وحبس نفسها
عليه وعلى تسليمه، وأنهما يلتزمان بما تراضيا عليه، ولعل الوجه فيها بعد ظهور
ذكرهم لها ذكر المسلمات في الاجماع عليها أنها بالعقد ملكت أن تملك المهر
عليه بالفرض أو الدخول، فكان لها المطالبة بذلك كي تعرف استحقاقها بالوطء
61

أو الموت أو الطلاق، ورضاها بالتفويض إنما هو بالنسبة إلى خلو العقد عن المهر
لا عدمه مطلقا الذي قد عرفت عدم اعتبار رضاها بالنسبة إليه.
ومنه يعلم كون النكاح معاوضة في الواقع وإن خلا عقده عن ذكر العوض،
فجرى عليه حينئذ حكمها من المطالبة بتعيين العوض، وحبس المعوض حتى تسلم
العوض، وغير ذلك من أحكامها.
وأما الالتزام بما يتراضيان عليه من الفرض بعد العقد فهو لاطلاق ما دل
على وجوب الفرض كتابا (1) وسنة (2) الشامل لحالي العقد وما بعده، مؤيدا بما
دل (3) على أن المهر ما تراضيا عليه الشامل لما هو في العقد وبعده، وبما دل (4)
على لزوم الشرط بعد النكاح دون ما قبله، فمتى حصل التراضي منهما حينئذ كان
مهرا، ودخل في ملك الزوجة فعلا عينا أو دينا حالا أو مؤجلا، ويجري
عليه حينئذ ما يجري على المذكور في العقد.
ولو كان الفارض أجنبيا ففي لزوم فرضه عليها مع رضاهما به وجهان ينشئان
من إطلاق أدلة الفرض وكونه كفرض الزوجة، ضرورة ظهور قوله تعالى (5):
" فرضتم " في كون الفرض للزوج، ومن قاعدة الاقتصار على المتيقن، وحينئذ فلو
فرضه الأجنبي ودفعه إلى الزوجة ثم طلقها قبل الدخول احتمل المتعة، فيرد
المدفوع إلى الأجنبي بناء على أن فرضه لا يوجب على الزوج شيئا، فوجوده كعدمه،
واحتمل الصحة بناء على صحة فرضه، فيرجع النصف إلى الزوج بالطلاق المملك
لذلك وإن لم يكن المهر من الزوج نحو ما إذا أدى الأب مهر زوجة ابنه الصغير

(1) سورة النساء: 4 - الآية 24.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب المهور.
(4) الوسائل الباب - 19 - من أبواب المتعة.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
62

من ماله فبلغ وطلق قبل الدخول، فإنه يرجع النصف إليه لا إلى الأب، فما في
القواعد - من احتمال رجوعه إلى الأجنبي على ذلك أيضا، لأنه دفعه ليقضى به
ما وجب لها عليه، وبالطلاق سقط وجوب النصف، فيرد النصف إليه، لأنه لم يسقط به
حق عمن قضاه - واضح الضعف، والله العالم.
المسألة (الرابعة)
(لو تزوج المملوكة ثم اشتراها) قبل الدخول بها (فسد النكاح) قطعا
لما عرفته سابقا من عدم اجتماع سببيه (ولا مهر لها ولا متعة) وإن كانت مفوضة،
ضرورة عدم استحقاق السيد الأول المهر مع الانتقال عن ملكه وفسخ النكاح، ولا
متعة لعدم كونه طلاقا، ولأنها حال استحقاقها غير مملوكة للسيد الأول، ولا
يستحق المشتري على نفسه مالا، وكذا لو كان لها مهر مسمى في العقد وقد اشتراها
قبل الدخول، كما هو مفروض المسألة، نعم لو كان قد اشتراها بعد الدخول كان
للسيد الأول المسمى أو مهر المثل، كما هو واضح.
المسألة (الخامسة)
(يتحقق التفويض في البالغة الرشيدة) قطعا وإن كانت بكرا بناء على
الأصح من أمرها إليها (ولا يتحقق في الصغيرة) ولا المجنونة (ولا في الكبيرة
السفيهة) قطعا أيضا، لأنه ليس لهن التزويج بالمهر فضلا عن التفويض.
إنما الكلام في جواز ذلك للولي، فعن بعضهم عدم جواز ذلك، بل لا يجوز
له التزويج بدون مهر المثل (و) حينئذ ف‍ (- لو زوجها الولي بدون مهر المثل
أو لم يذكر مهرا صح العقد) بلا خلاف ولا إشكال مع المصلحة فيه أو عدم المفسدة،
63

وبطل التفويض والنقص من مهر المثل. (ويثبت لها مهر المثل بنفس العقد)
لأنه " لا نكاح إلا بمهر " (1) فمع فرض فساد التفويض والمسمى ليس إلا مهر المثل
الذي هو عوض شرعي فهو حينئذ إتلاف لبضع الغير بغير عوض، فلا يجوز كما لا يجوز
في المعاوضات على الأموال، ونسب هذا القول إلى مبسوط الشيخ، ولم نتحققه.
(و) مع ذلك (فيه تردد منشؤه أن الولي له نظر المصلحة فيصح) منه
(التفويض) معها (وثوقا بنظره، وهو أشبه) باطلاق الأدلة المقتضي جواز
تصرف الولي في البضع والمال وغيرها مع المصلحة أو عدم المفسدة، ولأن له العفو
عن المهر أصلا، كما أشار إليه في الآية الشريفة (2) " أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح " فالمتجه حينئذ صحة ذلك معها، نعم لو لم يكن ثم مصلحة في أصل النكاح
أو في خصوص المهر بالأقل أو التفويض كان العقد أو المهر فضوليا أو باطلا أو
أن لها الخيار على ما تقدم الكلام فيه سابقا، بل لو سلم على عدم جواز التفويض له أو
المهر بالأقل كان المتجه ثبوت مهر المثل بالدخول لا بالعقد الذي لم يذكر
ذلك فيه صريحا ولا مقدار، ولا تلازم بين بطلان التفويض وثبوت مهر المثل بالعقد،
كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (- علي التقدير الأول لو طلقها قبل الدخول كان لها
نصف مهر المثل) الذي فرض ثبوته بالعقد، (وعلى ما اخترناه) من صيرورتها
مفوضة (لها المتعة) حينئذ كما في غيرها، هذا وفي المسالك " وأما على
تقدير تزويجها بدون مهر المثل فإن جوزناه بالمصلحة فلها مع الطلاق قبل الدخول
نصف المسمى، وإن أوقفناه على رضاها به بعد الكمال كما هو المشهور فإن طلقها
قبل الكمال فلها نصف المسمى، وإن طلقها بعده روعى في الواجب رضاها به أو

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2 و 4 و 6 وفيها " فلا
يصلح نكاح إلا بمهر ".
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
64

فسخه، فترجع إلى مهر المثل، وإن جعلنا الواجب حينئذ مهر المثل بالعقد إلحاقا
لهذه التسمية بالفاسدة حيث وقعت بغير عوض المثل وجب بالطلاق نصف مهر
المثل " قلت: قد يقال بالمراعاة المزبورة أيضا فيما لو طلقها قبل الدخول، لاتحاد
الوجه فيهما فتأمل.
(و) لا إشكال كما لا خلاف في أنه (يجوز أن يزوج المولى أمته
المفوضة، لاختصاصه بالمهر) بخلاف المولى عليها لصغر، وحينئذ يلحقها حكم
المفوضة من الفرض والمتعة ومهر المثل بالدخول كما عرفت، فإن بقيت على ملكه
إلى أن دخل بها الزوج استقر ملكه على مهر المثل، وإن اتفق على فرضه هو
والزوج قبل الدخول صح، لأنه يملك بالعقد ما تملكه المفوضة، ولحق المفروض
حينئذ حكم المسمى في العقد، كما هو واضح.
المسألة (السادسة)
(إذا زوجها مولاها مفوضة ثم باعها) من آخر (كان فرض المهر بين
الزوج والمولى الثاني) الذي هو المالك حين الفرض (إن اختار النكاح،
ويكون المهر) المفروض أو مهر المثل المستحق بالدخول (له دون الأول)
نعم إن فسخ النكاح بطل العقد وتبعه المهر (ولو أعتقها الأول قبل الدخول
فرضيت بالعقد كان المهر لها خاصة) سواء كان مهر المثل الذي تستحقه بالدخول
أو المهر الذي قد تراضت مع الزوج على فرضه بعد تحريرها، وهذا بخلاف ما لو
أعتقت بعد تزويجها وتعيين المهر في العقد، فإنه يكون للمولى كما مر، والفرق
أن المهر يملك بالعقد والمالك لمهر الأمة هو السيد بخلاف المفوضة، فإن ملك
المهر يتوقف على الفرض أو الدخول كما مر، فقبله لا مهر، وقد حصل الانتقال
عن ملكه قبل تحققه، فيكون لها لحدوثه على ملكها، وأما المشتري فإنه يملك
65

مع الإجازة على التقديرين، وقد تقدم الكلام في ذلك في محله، فلاحظ وتأمل
والله العالم.
(وأما) القسم (الثاني - وهو تفويض المهر - فهو أن يذكر على الجملة
ويفوض تقديره إلى أحد الزوجين) بعينه، كما عن ظاهر التحرير وغيره، وفي
كشف اللثام أو مطلقا، كما ربما يظهر من الخلاف والمبسوط والسرائر، وإليهما
جميعا كما فيها وفي التحرير، للأصل ولعموم كون المؤمنين عند شروطهم (1)،
والأولوية من تفويض البضع مع الاتفاق في المقتضي وفي القواعد أو أجنبي على
إشكال من ذلك أيضا، حتى الأولوية بناء على فرض الأجنبي في المفوضة للبضع،
وأنه كالنائب عنهما، ومن انتفاء النص، لاقتصاره على أحدهما وأنه معاوضة،
فتقدير العوضين إنما يفوض إلى المتعاوضين دون الأجنبي، وفي كشف اللثام
وضعفهما ظاهر بعد ما عرفت.
قلت: الذي عثرنا عليه من النصوص خبر زرارة (2) " سألت أبا جعفر عليه السلام
عن رجل تزوج امرأة على حكمها، قال: لا تتجاوز بحكمها مهر نساء محمد صلى الله عليه وآله
اثنتي عشرة أوقية ونش، وهو وزن خمسمأة درهم من الفضة، قلت: أرأيت إن تزوجها
على حكمه ورضيت بذلك؟ فقال: ما حكم من شئ فهو جائز عليها قليلا كان أو
كثيرا، قال: قلت له: فكيف لم تجز حكمها عليه وأجزت حكمه عليها؟ قال: فقال:
لأنه حكمها، فلم يكن لها أن تجوز ما سن رسول الله صلى الله عليه وآله وتزوج عليه نساءه، فرددتها
إلى السنة، ولأنها هي حكمته، وجعلت الأمر إليه في المهر، ورضيت بحكمه
في ذلك: فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا " وصحيح ابن مسلم (3)
عنه عليه السلام أيضا " في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن
يدخل بها، قال: لها المتعة والميراث ولا مهر لها، قلت: فإن طلقها وقد تزوجها
على حكمها، قال: إذا طلقها وقد تزوجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 1 - 2.
66

أكثر من وزن خمسمأة درهم فضة، مهور نساء رسول الله صلى الله عليه وآله " وخبر أبي جعفر (1)
قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن يحكم،
قال: ليس لها صداق، وهي ترث " وخبر أبي بصير (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يفوض إليه صداق امرأته فتنقص عن صداق نسائها، قال: يلحق بمهر نسائها "
وهي كما ترى مشتملة على التفويض للزوج بعينه أو الزوجة كذلك.
لكن قد يقال: إن مبني ذلك إطلاق الأدلة وعمومها الذي لا فرق فيهما بين
هذين القسمين وغيرهما، ضرورة أنها مفوضة البضع، إلا أنه اشترط في العقد تعيين
الفارض للعقد، وبذلك افترقت عن موضوع مفوضة البضع الذي هو إهمال ذكر
المهر أصلا في العقد حتى اشتراط فرضه، فليس حينئذ تفويض المهر قسما من
المهر المجهول صح للأدلة الخاصة حتى يقتصر فيه على ما تضمنته دون غيره من
الأقسام، إذ لم يذكر مهرها في العقد بلفظ مشترك لفظا أو معنى مرادا منه فرد
خاص وفرض تعيينه إلى الزوجة أو الزوج حتى يكون من المهر المجهول، بل المراد
أنه فوض في عقدها أصل تقدير المهر إلى الزوج أو الزوجة، فهي في الحقيقة مفوضة
البضع، إلا أن الفرق بينهما بأن الفرض في مفوضة البضع لم يتعرض في العقد إليه ولا
إلى من يفرضه، بخلاف مفوضة المهر، فإنه قد تعرض في عقدها إلى تعيين من يفرض
مهرها، فلا مهر في عقدها كي يكون مجهولا.
فالمراد حينئذ من ذكر المهر في الجملة المذكور في المتن وغيره ذكره
بالطريق الذي قلناه، بمعنى أنه تعرض في عقدها إلى تعيين من يفرضه بخلاف
مفوضة البضع التي أهمل فيه ذكر المهر أصلا حتى بذلك، بل المراد بما في النصوص
" من تزوج المرأة بحكمها أو بحكمه " هذا المعنى أيضا وليس هو من المهر
المجهول الذي هو بمعنى ذكر مشترك لفظا أو معنى وأريد منه فرد خاص وفوض
تعيينه إلى أحدهما، فإن هذا ونحوه المهر المجهول.
ومن ذلك ظهر لك خطأ المخالفين في إبطال هذا القسم من التفويض وجعله

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 3 - 4.
67

من المهر الفاسد وإجراء حكمه عليه.
كما أنه ظهر لك جواز اشتراط جميع أفراد الفرض الجائزة في مفوضة البضع
من دون اشتراط للاندراج تحت قوله صلى الله عليه وآله (1): " المؤمنون عند شروطهم " الذي
قد استدل به هنا غير واحد من الأصحاب فضلا عن الاطلاقات والعمومات والأولوية
التي سمعتها من كشف اللثام.
وعلى كل حال (فإن كان الحاكم) الذي اشترط في العقد (هو الزوج
لم يتقدر في طرف الكثرة) التي هي حكمه على نفسه (ولا القلة) إلا بما يتمول
ويصح جعله مهرا التي هي حكم على الزوجة برضاها.
(و) لذلك (جاز أن يحكم بما شاء) بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع
بقسميه عليه مضافا إلى ما سمعته من الصحيح (2) وغيره (3) ومن هنا وجب حمل
خبر أبي بصير (4) على الندب، أو على ما عن الشيخ من أنه فوض إليه صداق امرأته
على أن يجعله مثل مهور نسائها فنقصها، أو غير ذلك الذي هو أولى من الطرح.
(ولو كان الحكم إليها لم يتقدر في طرف القلة) إلا بما عرفت، لأنه
حكم على نفسها (ويتقدر في) طرف (الكثرة) بما لا مزيد عن مهر نساء
محمد صلى الله عليه وآله وبناته اللاتي (5) هن أعلى من كل امرأة (إذ لا يمضي حكمها فيما زاد
عن مهر السنة، وهو خمسمأة درهم) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل
الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الصحيح السابق وغيره، ومنه يعلم وجه الفرق بين
مضي حكمه عليها دون حكمها عليه، باعتبار أن لها حدا لا يجوز لها أن تتجاوزه
بخلافه، فإنه لا حد له كما أومأ إليه في الصحيح (6).

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 1 - 0 - 4.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 1 - 0 - 4.
(4) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 1 - 0 - 4.
(5) وفي النسخة الأصلية " التي ".
(6) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 2.
68

ولو كان الحاكم الأجنبي فقيل: الظاهر الاقتصار على مهر المثل إلا أن
يصرحا بالرضا بما يفرضه أيا كان، وفيه أنه لا فرق بين التصريح بذلك والظهور،
ولو من حيث إطلاق الحكم نحو إطلاق الحكم للزوج الذي قد عرفت مضي حكمه على
كل حال، نعم لو فرض تحكيم الأجنبي على وجه يكون نائبا عنها لا عن الزوج
أو بالعكس أو عنهما جميعا جرى على الأولين حكم المنوب عنه، وعلى الثالث
يتقيد بما لا يزيد عن مهر السنة، لكن من جعل الحكم إلى الأجنبي كان حاكما
أصليا لا نائبا على وجه يراعى فيه حكومة المنوب عنه، فالمتجه حينئذ مضي
حكمه على كل حال، كتحكم الزوج، ولا يتقيد بما تقيد به تحكم الزوجة المنصوص
عليه بخصوصه.
ولو كان الحكم إليهما فلا إشكال مع التراضي، ومع التخالف قيل: يوقف حتى
يصطلحا، كما عن المبسوط والتحرير، ويحتمل الرجوع إلى الحاكم وإلى مهر
المثل، قلت: قد يقال: إذا بذل الزوج لها ما يساوي مهر السنة لم يكن لها اقتراح
الزائد، لظهور الخبر المزبور (1) في ذلك، سواء كان الحكم لها خاصة أو مشتركا
بينها وبين غيرها، نعم لو حكم بالأقل من ذلك كان لها خلافه، فيحتاج حينئذ
إلى الحاكم، فتأمل جيدا، والله العالم.
(و) على كل حال ف‍ (- لو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم ألزم من إليه
الحكم أن يحكم) مقدمة لايصال الحق إلى صاحبه (وكان لها النصف) من ذلك
ولا تسقط حكومته بالطلاق، للأصل وعموم " المؤمنون عند شروطهم " (2)
والصحيح (3) السابق متمما بعدم القول بالفصل، وبذلك ظهر الفرق بينها وبين مفوضة
البضع الذي لا فرض لها بعد الطلاق.

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 2.
69

(ولو كانت هي الحاكمة فلها النصف ما لم تزد في الحكم عن مهر السنة)
فإن زادت ردت إليه في ذلك الحكم على الأقوى، ويحتمل إلزامها بفرض آخر لفساد
فرضها الأول بالزيادة.
ولو امتنعت عن الحكم على وجه لا يمكن إجبارها احتمل قيام الحاكم مقامها،
يحكم لها بما لا يزيد عن مهر السنة، ويحتمل إيقاف حقها حتى تحكم.
ولو امتنع الزوج عن الحكم على وجه لا يمكن إجباره عليه احتمل قيام
الحاكم مقامه، فيحكم عليه بما لا يزيد على مهر المثل أو السنة، ويحتمل الايقاف
حتى يتمكن من إلزامه بالحكم.
ولو جن مثلا من إليه الحكم قام وليه مقامه في وجه، والحاكم في آخر وبطلان
الحكومة وإيجاب المتعة لها لصدق كونها مطلقة قبل المس ولا فرض لها، وكذا
لو طلقت قبل الدخول ومات من له الحكم، ولعله لا يخلو من قوة، وربما كان في
صحيح ابن مسلم (1) المتضمن للمتعة بالموت إيماء إليه في الجملة.
(و) كيف كان ف‍ (- لو مات الحاكم قبل الحكم) وبعد الدخول فلها مهر
المثل مطلقا أو ما لم يزد عن مهر السنة، خصوصا إذا كان الحكم إليها وقد مات قبله
بلا خلاف (و) ولا إشكال، وإن كان (قبل الدخول قيل) والقائل المشهور
نقلا أو تحصيلا: (سقط المهر، ولها المتعة) لصحيح ابن مسلم (2) السابق
المؤيد بأنها ليست مفوضة بضع حتى يقال: إنها أقدمت على المجانية ولا مسمى
لها في العقد، ولا مقتضي لمهر المثل إذ الفرض كونه قبل الدخول، فليس حينئذ
إلا المتعة وبذلك ظهر الفرق بينها وبين مفوضة البضع التي لا شئ لها عندنا في
مفروض المسألة.
والمناقشة في الصحيح - بأن النشر على ترتيب اللف فيكون الحكم بالمتعة
فيما إذا مات المحكوم عليه لا الحاكم، وباختصاص الجواب فيه بموت الزوج، إذ
لو ماتت لم يكن لها ميراث، ولا تتم المقايسة بايجاب المتعة لها والميراث لها - يدفعها

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب المهور الحديث 2.
70

أنه لا فرق بين الموتين وأنه لا جهة لثبوت المتعة بموت المحكوم عليه مع بقاء
الحاكم، فإن المؤمنين عند شروطهم، وانعقد النكاح على حكمه، فإذا كان باقيا
كان له الحكم، ولا أثر لموت المحكوم عليه، كيف وقد نص في الخبر بعد ما ذكر
على أن له الحكم مع الطلاق القاطع لعلاقة الزوجية بخلاف الموت، فلا بد من الحمل
على موت الحاكم جمعا بين طرفيه وبين الأصول، كل ذلك مضافا إلى فهم المراد
منه عرفا، كما هو واضح.
ومنه يعلم حينئذ ما في قواعد الفاضل من وجوب مهر المثل، لأنها لم تفوض
بضعها، بل سمى لها في العقد مهر مبهم، فاستحقت المهر بالعقد، ولما لم يتعين
وجب الرجوع إلى مهر المثل، مع أنه لم نره لأحد قبله ولا بعده، وإن حكى عن
الشيخ إلا أنا لم نتحققه، بل لعل المحقق عنه خلافه، ضرورة كونه من الاجتهاد
في مقابلة النص، على أن مهر المثل لم يذكراه في العقد ولا كان في قصدهما، فكيف
يتصور وجوبه به؟ ودعوى أن كل مهر في العقد قد تعذر تعيينه يقتضي الانتقال
إلى مهر المثل ممنوعة على مدعيها، بل قد يمنع أصل تسمية المهر في العقد في
مفروض المسألة الذي قد عرفت أنه من مفوضة البضع إلا أنه تعرض في العقد لذكر
الفارض كما أوضحناه في السابق. ومن هنا كان المتجه مع قطع النظر عن الصحيح المزبور ما عن ابن إدريس
رحمه الله من عدم وجوب شئ لها لا متعة ولا غيرها، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله:
(وقيل: ليس لها أحدهما و) لكن قد عرفت أن (الأول مروي) صحيحا،
وقد عمل به المعظم، فلا محيص عنه حينئذ، ووجوب المتعة حينئذ له لا على أصولنا
من حجية مثله (1) لا للقياس الفاسد عن الإمامية، كما هو واضح.

(1) هكذا في النسختين الأصليتين والصحيح " ووجوب المتعة حينئذ له على أصولنا
من حجية مثله ".
71

(الطرف الثالث في الأحكام)
(وفيه مسائل:)
(الأولى)
(إذا دخل الزوج قبل تسليم) ما في ذمته من (المهر) الحال فضلا عن
المؤجل أو بعضه (كان) جميعه أو الباقي منه (دينا عليه، ولم يسقط بالدخول،
سواء طالت مدتها) عنده (أو قصرت، طالبت به أو لم تطالب) به للأصل
والاجماع بقسميه، والعمومات من قوله تعالى (1) " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة "
وغيره، وخصوص المعتبرة المستفيضة أو المتواترة (2) الصريحة في ذلك المعتضدة
بأصول المذهب وقواعده (و) لكن مع ذلك (فيه رواية أخرى) (3) متعددة،
وبعضها معتبر السند، لكنها (مهجورة) بين الطائفة وإن قيل في التهذيبين عن
بعض الأصحاب السقوط بالدخول. ولم نتحققه.
نعم عن الصدوق والحلبي أنها إن أخذت منه شيئا قبل الدخول سقط الباقي
إلا أن توافقه على بقاء الباقي عليه دينا، ولعله ليس خلافا في المسألة، ضرورة
كون ذلك منهما باعتبار ظهور حال رضاها بما دفع إليها وتسليمها نفسها بذلك
في العفو عنه، لا مع عدم ظهور ذلك، كما هو ظاهر القول بأن الدخول من حيث
كونه دخولا مسقطا للمهر، واحتمال إرادة دلالته على الاسقاط خلاف ظاهر القول
ودليله، ولو سلم فلا ريب في ضعفه، لما ستعرف من عدم كونه كذلك عرفا، إذ

(1) سورة النساء: 4 - الآية 4.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 4 و 5 و 6 و 8 و 14 و 15.
72

هو أعم، ولا شرعا لعدم ما يصلح له على وجه يقاوم ما يدل على غيره، ويمكن أن
يكون ما عن الصدوق والحلبي في المسألة المشهورة بين الأصحاب، بل عن ابن
إدريس وغيره الاجماع عليها، وهي في المفوضة التي لم يسم لها مهرا إذا قدم لها
شيئا قبل الدخول ثم دخل بها ساكتة عن ذكر المهر كان ذلك مهرها وليس لها
بعد المطالبة بمهر المثل، بل ولا بمهر السنة، ولعل ذلك هو المراد من صحيح
الفضيل (1) عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل تزوج امرأة ودخل بها ثم أولدها ثم
مات عنها فادعت شيئا من صداقها على ورثته فجاءت تطلبه منهم وتطلب الميراث،
فقال: أما الميراث فلها أن تطلبه، وأما الصداق فالذي أخذت من الزوج قبل أن
يدخل بها فهو الذي حل للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا قبضته منه
ودخلت عليه به، ولا شئ لها بعد ذلك " بل يمكن تنزيل غيره من بعض النصوص
الآتية عليه.
وعلى كل حال فالرواية التي أشار إليها المصنف هي خبر محمد بن مسلم (2)
عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يتزوج المرأة ويدخل بها ثم تدعى عليه مهرها،
قال: إذا دخل بها فقد هدم العاجل " وخير عبيد بن زرارة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في الرجل يدخل بالمرأة ثم تدعى عليه مهرها، قال: إذا دخل بها فقد هدم
العاجل " وخبره الآخر (4) عنه عليه السلام أيضا " دخول الزوج على المرأة يهدم العاجل "
وخبر علي بن كيسان (5) " كتبت إلى الصادق عليه السلام أسأله عن رجل يطلق امرأته
وطلبت منه المهر، وروى أصحابنا إذا دخل بها لم يكن لها مهر، فكتب: لا مهر
لها " وخبر عبد الرحمان (6) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزوج والمرأة يهلكان
جميعا، فيأتي ورثة المرأة فيدعون على ورثة الرجل الصداق، فقال: وقد هلكا
وقسم الميراث؟ فقلت: نعم فقال: ليس لهم شئ، قلت: وإن كانت المرأة حية
فجاءت بعد موت زوجها تدعي صداقها فقال: لا شئ لها، وقد أقامت معه مقرة
حتى هلك زوجها، فقلت: فإن ماتت وهو حي فجاء ورثتها يطالبون بصداقها،

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 13 - 6 - 4 - 5.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 13 - 6 - 4 - 5.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 13 - 6 - 4 - 5.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 13 - 6 - 4 - 5.
(5) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 15 و 8.
(6) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 15 و 8.
73

فقال: وقد أقامت حتى ماتت لا تطلبه؟ فقلت: نعم، قال: لا شئ لهم، قلت: فإن
طلقها فجاءت تطلبه صداقها؟ قال: وقد أقامت لا تطالبه حتى طلقها؟ قال: لا شئ
لها، فقلت: فمتى حد ذلك الذي إذا طلبته كان لها؟ قال: إذا أهديت إليه ودخلت
بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شئ لها، إنه كثير لها أن يستحلف بالله ما لها قبله من
صداقها قليل ولا كثير " وخبر المفضل بن عمر (1) عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا
في مهر السنة، قال فيه: " فإن أعطاها من الخمسة مئة درهم درهما أو أكثر من ذلك
ثم دخل بها فلا شئ عليه، قلت: فإن طلقها بعد ما دخل بها، قال: لا شئ لها
إنما كان شرطها خمسمأة درهم، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفي صداقها هدم
الصداق، فلا شئ لها إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها، فإذا طلبت بعد ذلك في حياته
أو بعد موته فلا شئ لها ".
لكن لقصورها عن معارضة ما عرفت من وجوده وجب طرحها أو حملها على هدم
المطالبة للتمكن ثانيا، أو على أن الظاهر من التمكين إما القبض أو الابراء،
خصوصا إذا تأخرت المطالبة عن الطلاق أو الموت، فلا يقبل قولها في الاستحقاق،
قال الصادق عليه السلام في خبر الحسن بن زياد (2): " إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت
المهر وقال الزوج: قد أعطيتك فعليها البينة وعليه اليمين " بل قوله عليه السلام في خبر
عبد الرحمان (3) منها: " وكثير لها منه " إلى آخره كالصريح في خلاف ما يقوله
الخصم، ضرورة أنه لا وجه لليمين مع فرض السقوط بالدخول، بل هو حينئذ دال
على المختار، كخبر ابن زياد، وذلك واضح.
بل قد يقال: إن القول قول الزوج في عدم استحقاقها المهر عليه مطلقا، ضرورة
أن صيرورتها زوجة له أعم من استحقاقها عليه ذلك، وإن كان النكاح لا يخلو من
مهر، إذ من المحتمل كون المهر شيئا له كان في ذمتها أو عينا عندها أو غير ذلك،
واحتمال القول: إن ملك البضع أو الدخول به يستدعي عوضا - فيحصل حينئذ
سبب استحقاقها، ويكون بذلك القول قولها، خصوصا مع أصالة عدم وصول شئ

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 14 - 7 - 8 -.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 14 - 7 - 8 -.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 14 - 7 - 8 -.
74

منه إليها - يدفعه ظاهر النص والفتوى، وستسمع لذلك تتمة إنشاء الله في مسائل
التنازع.
ومن الغريب بعد ذلك كله ما في وافي الكاشاني حيث إنه بعد ذكر جميع
النصوص قال: " ويخطر بالبال أن يحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها، أعني
يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منهم: فإنهم كانوا يومئذ يجعلون
بعض الصداق عاجلا وبعضه آجلا، كما مر التنبيه عليه في بعض ألفاظ خطب النكاح
وكان معنى العاجل ما كان دخوله به مشروطا على إعطائه إياها، فإذا دخل بها
قبل الاعطاء فكأن المرأة أسقطت حقها العاجل ورضيت بتركه له، ولا سيما إذا
أخذت بعضه أو شيئا آخر، كما دل عليه حديث الفضيل، وأما الأجل فلما جعلته
حين العقد دينا عليه فلا يسقط إلا بالأداء، وعليه يحمل أخبار أول الباب " ضرورة
معلومية قصور المقيد عن مقاومة المطلق من وجوه، على أن بعض تلك النصوص
كالصريح في عدم سقوط العاجل بالدخول، وأنه يكون دينا، كما أن بعض هذه
النصوص ظاهر في سقوط الأجل بالدخول، وهو خبر أبي بصير (1) عن أحدهما عليهما السلام
" في رجل زوج مملوكته من رجل على أربعمأة درهم فيحل له مأتي درهم وأخر عنه
مأتي درهم، فدخل بها زوجها، ثم إن سيدها باعها من رجل، لمن يكون المأتان
المؤخرتان على الزوج؟ قال: إن لم يكن أوفاها بقية المهر إن كان الزوج دخل
بها وهي معه ولم يطلب السيد منه بقية المهر حتى باعها فلا شئ له عليه ولا لغيره،
وإذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر " وحينئذ
فالتحقيق ما عرفت، والله العالم.
(و) كيف كان فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أن (الدخول
الموجب للمهر هو الوطء قبلا أو دبرا) على وجه يتحقق عليه الغسل وإن لم
ينزل دون غيره، للأصل وظاهر قوله تعالى (2): " ما لم تمسوهن " المتفق على

(1) الوسائل الباب - 87 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 236.
75

أنه بمعنى الوطئ، على أنه متردد بين إرادة المعنى اللغوي والشرعي، والأول
باطل اتفاقا فيبقى الثاني، وهو الوطئ، واستفاضة النصوص أو تواترها على تعليق
ذلك عليه، قال الصادق عليه السلام في خبر ابن البختري (1): " إذا التقى الختانان وجب
المهر والعدة والغسل " وفي خبر داود بن سرحان (2) " إذا أولجه فقد وجب
الغسل والجلد والرجم ووجب المهر " وسأله عليه السلام يونس بن يعقوب (3) أيضا
" عن رجل تزوج امرأة فأغلق بابا وأرخى سترا ولمس وقبل ثم طلقها، أيجب
عليه الصداق؟ قال: لا يوجب الصداق إلا الوقاع " وقال عبد الله بن سنان (4):
سأله عليه السلام أيضا أبي وأنا حاضر " عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها
ولم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ فقال: إنما العدة من الماء، قيل
له: فإن كان واقعها في الفرج ولم ينزل، قال: إذا أدخله وجب الغسل والمهر
والعدة " وقال يونس بن يعقوب (5) سمعته عليه السلام أيضا يقول: " لا يوجب المهر إلا
الوقاع في الفرج " وقال ابن مسلم: (6) سألت أبا جعفر عليه السلام متى يجب المهر؟ قال:
إذا دخل بها " وقال يونس (7): " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة
فأدخلت عليه، فأغلق الباب وأرخى الستر وقبل ولمس من غير أن يكون وصل إليها بعد
ثم طلقها على تلك الحال، قال ليس عليه إلا نصف المهر " إلى غير ذلك من
النصوص (8) الواردة في العنين وغيره.
(و) حينئذ ف‍ (- لا يجب بالخلوة) وإن كانت تامة بحيث لا مانع من الوطئ حتى
الانزال في الفرج من دون وطئ (و) لكن مع ذلك (قيل: يجب) بالخلوة أيضا على

(1) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور الحديث 4 و 5.
(2) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور الحديث 4 و 5.
(3) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور الحديث 1 - 6 - 7.
(5) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور الحديث 1 - 6 - 7.
(6) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور الحديث 1 - 6 - 7.
(7) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور الحديث 5.
(8) الوسائل الباب - 13 - من أبواب العيوب والتدليس الحديث 5 والباب 15
منها الحديث 1 والباب - 17 - منها الحديث 3.
76

معنى أنها سبب تام في وجوبه كالدخول: إلا أنا لم نتحقق القائل به، وإن حكي
عن خلاف الشيخ أنه حكاه عن قوم من أصحابنا، نعم في النهاية " متى خلا الرجل
بامرأته وأرخى الستر ثم طلقها أوجب عليه المهر على ظاهر الحال، وكان على
الحاكم أن يحكم بذلك وإن لم يكن قد دخل بها، إلا أنه لا يحل للمرأة أن
تأخذ أزيد من النصف " ونحوه حكي عن ابن البراج والكيدري، بل عن ابن أبي عمير
" أنه اختلف الحديث في أن لها المهر كملا أو بعضه، قال بعضهم: نصف المهر،
وإنما معنى ذلك أن الوالي إنما يحكم بالحكم الظاهر إذا أغلق الباب وأرخى
الستر وجب المهر، وإنما هذا عليها إذا علمت أنه لم يمسها فليس لها فيما بينها
وبين الله إلا نصف المهر ".
بل لعله هو مراد الصدوق في محكي المقنع " إذا تزوج الرجل المرأة وأرخى
الستور وأغلق الباب ثم أنكر جميعا المجامعة فلا يصدقان، لأنها ترفع عن نفسها
العدة ويرفع عن نفسه المهر " مشيرا بذلك إلى ما في خبر أبي بصير (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام قلت له: " الرجل يتزوج المرأة فيرخى عليه وعليها الستر أو يغلق
الباب ثم يطلقها فتسأل المرأة هل أتاك؟ فتقول: ما أتاني، ويسأل هو هل أتيتها؟
فيقول: لم آتها فقال، لا يصدقان، وذلك لأنها تريد أن تدفع العدة من نفسها،
ويريد أن يدفع هو المهر " وهو أحد نصوص المختار، ضرورة أنه لو كانت الخلوة نفسها
موجبة لم يكن لعدم تصديقهما مدخلية في ذلك.
ولعله عليه يحمل خبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام: " إذا تزوج الرجل
المرأة ثم خلا بها وأغلق بابا وأرخى سترا ثم طلقها فقد وجب الصداق، إخلاؤه بها
دخول " وخبر السكوني (3) عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام: " إن علينا عليه السلام كان يقول:

(1) الوسائل الباب - 56 - من أبواب المهور الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور الحديث 3 - 4 والثاني عن إسحاق
ابن عمار كما في التهذيب ج 7 ص 464 الرقم 1864 والاستبصار ج 3 ص 227
الرقم 822.
(3) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور الحديث 3 - 4 والثاني عن إسحاق
ابن عمار كما في التهذيب ج 7 ص 464 الرقم 1864 والاستبصار ج 3 ص 227
الرقم 822.
77

من أجاف من الرجال على أهله بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصداق " كما
عن الشيخ التصريح بحملها على ذلك مستدلا عليه بخبر أبي بصير السابق، قال:
" ومتى كانا صادقين أو كان هناك طريق يمكن أن يعرف به صدقهما فلا يوجب المهر
إلا المواقعة " مستدلا عليه بخبر زرارة السابق، ثم حكي ما سمعته من ابن أبي عمير،
وقال: " هذا وجه حسن ولا ينافي ما قدمناه، لأنه، إنما أوجبناه نصف المهر
مع العلم بعدم الدخول ومع التمكن من معرفة ذلك، فأما مع ارتفاع العلم وارتفاع
التمكن فالقول ما قاله ابن أبي عمير ".
ومن ذلك كله ظهر لك الوجه في نصوص الخلوة التي منها ما سمعت،
و (منها) حسن الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل يطلق المرأة
وقد مس كل شئ منها إلا أنه لم يجامعها، ألها عدة؟ فقال: ابتلى أبو جعفر
عليه السلام بذلك، فقال له أبوه علي بن الحسين عليهما السلام: إذا أغلق بابا وأرخى سترا
وجب المهر والعدة ".
و (منها) خبر محمد بن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن المهر متى
يجب؟ قال إذا أرخيت الستور وأجيف الباب، وقال: إني تزوجت امرأة في حياة
أبي علي بن الحسين عليهما السلام وإن نفسي تاقت إليها فذهبت إليها فنهاني أبي، فقال:
لا تفعل يا بني، لا تأتها في هذه الساعة، وإني أبيت إلا أن أفعل، فلما دخلت عليها
قذفت إليها بكساء كان علي وكرهتها، وذهبت لأخرج، فقامت مولاة لها فأرخت
الستر وأجافت الباب، فقلت: قد وجب الذي تريدين " إلى غير ذلك من النصوص
المحمولة على ما عرفت أو على التقية، لقصورها عن معارضة ما سمعت من وجوه.
وأما ما يحكي عن ابن الجنيد - من وجوب المهر بالجماع في غير الفرج
والتقبيل وسائر أنواع الاستمتاع إذا كان بتلذذ والانزال بالملاعبة - فلم أجد له
في هذه النصوص ما يدل عليه، ويمكن أن يكون قد أخذه من النصوص (3) الدالة

(1) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور الحديث 2 - 6.
(2) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور الحديث 2 - 6.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
78

على قيام نحو ذلك مقام الوطء في حرمة مملوكة الولد على الوالد وبالعكس، باعتبار
تنزيل ذلك منزلة الجماع، لكنه كما ترى.
ومن ذلك كله ظهر لك أن الأقوال أربعة (و) أن (الأول) منها
(أظهر)، بل هو الأصح، والله العالم.
المسألة (الثانية)
(قيل) والقائل الشيخان وسلار وبنو زهرة وإدريس وسعيد على ما حكى
عنهم: (إذا لم يسم لها مهرا) في العقد ولا بعده (وقدم لها) قبل الدخول
(شيئا ثم دخل بها كان ذلك مهرها، ولم يكن لها مطالبته بعد الدخول، إلا أن
تشارطه قبل الدخول على أن المهر غيره) أو أن ما قدمه لها بعض المهر (وهو
تعويل على تأويل رواية (1) واستناد إلى قول مشهور) بل لا أجد فيه خلافا،
بل في محكي السرائر أن دليل هذه المسألة الاجماع مؤيدا بما عن المقنعة من دلالة
التمكين على الرضا بذلك مهرا، وإن كان فيه ما فيه، وبصحيح الفضيل (2) المتقدم
وإن لم يكن صريحا في ذلك، بل ربما كان المراد منه وقبلته مهرا، بل ظاهر
قول المصنف " تأويل رواية " أن ذلك ليس مدلولها، وإنما هو تأويل، بل ظاهره
التردد فيه، بل ظاهر ثاني الشهيدين عدمه والرجوع إلى القواعد الشرعية، وهي إن
رضيت به مهرا لم يكن لها غيره، وإلا فلها مع الدخول مهر المثل، ويحتسب ما
وصل إليها منه إذا لم يكن على وجه التبرع كالهدية.
لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الاجماع المزبور المعتضد بفتوى
المعظم الذي به تجبر دلالة الصحيح المتقدم، فلا بأس بخروج هذه المسألة عن

(1) المستدرك الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 8 و 13 و 14.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 13.
79

القواعد لذلك، ولا حاجة إلى ما عن المختلف من أنه كانت العادة في الزمن الأول
تقديم المهر على الدخول، والآن بخلافه، ولعل المنشأ في الحكم العادة، فإن كانت
العادة في بعض الأزمان والأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ذلك، وإلا فلا،
فإن تنزيل ما عرفت على ذلك لا يخفى ما فيه، نعم ينبغي الاقتصار فيه على المتيقن،
وهو خصوص المفوضة الساكتة على ما قدم لها من شئ، وهل يعتبر فيه مع ذلك
قصد الزوج أن ذلك مهرها أولا يعتبر، بل يكفي تقديمه ساكتا أيضا؟ وجهان،
مقتضى الاقتصار على المتيقن الأول، والله العالم.
المسألة (الثالثة)
(إذا طلق قبل الدخول كان عليه نصف المهر) المسمى في العقد أو
المفروض بعده بلا خلاف فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب (1)
والسنة (2) فإن كان دينا عليه ولم يكن قد دفعه برأت ذمته من نصفه، وإن كان
عينا كانت مشتركة بينه وبينها (ولو كان دفعه) إليها (استعاد نصفه إن كان
باقيا، أو نصف مثله إن كان تالفا، ولو لم يكن له مثل فنصف قيمته) التي هي أقرب
شئ إليه، وتقوم مقامه عند التعذر (ولو اختلفت قيمته في وقت العقد ووقت
القيض لزمها أقل الأمرين) على المشهور، لأنه ملكته بتمامه بالعقد على الأصح
فالزيادة حينئذ لها، وليس النقصان عليها، فإنه ليس مضمونا عليها للزوج، لأنه
ملكها، خصوصا ولم يسلم إليها، فإن زادت حين التسليم لم يستحق الزيادة، وإن
نقصت حينه لم يضمن له النقصان وإن نقصت في البين ثم زادت والزيادة متجددة
غير مستحقة له فهي لها (وبالجملة) إن كانت القيمة يوم العقد هي الأكثر

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(2) الوسائل الباب - 51 - من أبواب المهور.
80

فالنقص قبل القبض مضمون عليه، فلا تضمن له ما هو ضمانة، وإن كانت القيمة
يوم القبض هي الأكثر فهي زيادة في ملكها، فلا تضمن له ما هو لها، هذا خلاصة
ما ذكره.
وفيه أن القيم السوقية غير مضمونة بحال، والمتجه لولا ما سمعته من خبر علي
ابن جعفر (1) من ضمان القيمة يوم القبض لا أقل الأمرين ما بينه وبين العقد، كما
سمعته من المشهور ضمانها القيمة يوم التلف باعتبار تعلق حق الاستعادة في العين
ما دامت موجودة، فمع تلفها يتعلق بقيمتها في ذلك اليوم الذي هو ابتداء تعلق
الحق المزبور أو ضمانها القيمة يوم الطلاق الذي هو يوم تملك النصف من العين أو من
قيمتها في ذلك اليوم، إلا أن ذلك كله من الاجتهاد في مقابلة النص بعد ما سمعته
من خبري علي بن جعفر (2) فضلا عما سمعته من المشهور المبني على ما عرفت
مما لا يخفى ما فيه، خصوصا قولهم: " إنها لا تضمن له ما هو لها " ضرورة أن المال
في يدها وإن كان لها، إلا أنه مضمون عليها، بمعنى أنه لو طلق قبل الدخول كان له
عليها القيمة لو كانت العين تالفة، وهذا معنى الضمان، فتأمل جيدا، هذا كله مع
بقاء العين بحالها.
وأما لو زال ملكها على المهر قبل الطلاق بوجه لازم كالبيع والعتق والهبة
اللازمة لزمها مثل النصف أو قيمته، ضرورة كونه حينئذ كالتالف، بل لو عاد إلى
ملكها بعد أن دفعت له المثل أو القيمة لم يكن له الرجوع، نعم لو عاد قبل الدفع
رجع، لزوال المانع من الرجوع قبل سقوط حقه منها بأخذ المثل أو القيمة،
ولأن الرجوع إليها لتعذر العين مع كونهما أقرب الأشياء إليها، ولا تعذر حينئذ،

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2، إلا أنه لم يتقدم لعلي
ابن جعفر ما يدل على ذلك. والظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، والصحيح " ما تسمعه ".
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2 بسندين أحدهما عن
علي بن جعفر والثاني عن السكوني ولم يتقدم لعلي بن جعفر خبر يدل على ذلك، والظاهر
أنه سهو من قلمه الشريف هنا أيضا، والصحيح " ما تسمعه " فإنه (قده) ذكرهما بعد قليل.
81

مع احتمال العدم أيضا، لسقوط حقه من العين أولا، وكون العود مملكا لا من
جهة الصداق، ولأنه بالطلاق تعلق خطاب المثل أو القيمة، ولا دليل على ارتفاعه
وإن كان قد يناقش بمنع سقوط الحق مطلقا، وعدم منافاة تملكه بالعود للتملك
بالطلاق الذي هو سبب جديد لذلك، لا أنه التمليك باعتبار تسببه فسخ السبب الأول
الذي ملكت به المرأة حتى يقال: إن العود مملك غير الصداق، وتعلق خطاب المثل
أو القيمة على جهة التزلزل لمكان التعذر كما هو واضح.
ولو تعلق به حق لازم من غير انتقال كالرهن والإجارة ففي القواعد " تعين
البدل، فإن صبر إلى الخلاص فله نصف العين، ولو قال: أنا أرجع فيها وأصبر
حتى تنقضي الإجارة احتمل عدم وجوب الإجابة وإجباره على أخذ القيمة إذا
دفعتها، لأنه يكون حينئذ مضمونا عليها، ولها أن تمتنع منه، إلا أن يقول أنا
أقبضه وأرده أمانة، أو يسقط عنها الضمان على إشكال فله ذلك " وفي كشف اللثام " أنه
يشكل الحكم بتعيين البدل مع كون الطلاق مملكا فإن التمليك إذا كان قهريا
والعين باقية في ملكها لزم التعلق بها كالإرث " وفيه أيضا احتمال وجوب الإجابة
عليها مطلقا، لتعلق حقه بالعين أولا، ولا ينافيه تعلق حق الغير بها من جهة أخرى،
فإذا رضي بالعين مسلوبا عنها المنافع مدة الإجارة أو الارتهان لزمتها الإجابة.
قلت: قد يقال: ليس له إلا البدل مطلقا، لعدم بقاء ما فرضه كما فرضه،
والطلاق إنما يملك قهرا إذا كانت العين موجودة على الحال التي دفعها، ورضاه بغير
ماله لا يوجب الإجابة عليها، وقد يفرق بين الارتهان والإجارة، خصوصا مع
كون المدة قليلة، فتأمل.
ولو أنتقل عنها لا على جهة اللزوم كما لو باعته بخيار تخيرت بين الرجوع
ودفع نصف العين وعدمه ودفع نصف القيمة.
(ولو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة قيل) والقائل
الشيخ في المحكي من مبسوطه ويحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه: (كان
له نصف القيمة) سليما تنزيلا للتعيب ذلك منزلة التلف، وله نصف العين أي بلا
82

أرش على الظاهر منهما، لأن الرجوع إلى القيمة لكونها أقرب الأشياء إلى العين
فالعين أولى، ولقوله تعالى (1): " فنصف ما فرضتم " وهي عين المفروض، وإن
بقيت ولما كان التعيب في ملكها لم تضمن الأرش (و) حينئذ ف‍ (- لا يجبر على
أخذ نصف العين) كما لا يجبر على أخذ نصف القيمة، لما عرفته من التخيير.
(و) لكن (فيه تردد) ونظر، وذلك لأن العين المفروضة إن كانت
بهذه الحالة قائمة فاللازم أخذها من غير انتقال إلى القيمة، وإن كانت بهذا التغيير
عين مفروض كما اعترفوا به فلا وجه للرجوع بالعين، ولأن التعيب - وإن كان
في ملكها - لا ينافي ضمانها الأرش للزوج، ضرورة كونه كتلف العين على ملكها
الموجب لضمانها قيمتها له، بل ضمانها مستلزم لضمان أجزائها وصفاتها وأرش ذلك
كقيمة نفس العين.
فالمتجه حينئذ كما في القواعد والمسالك الرجوع بنصف العين مع الأرش،
لأن التعيب بذلك خصوصا مثل نسيان الصنعة لا يخرج العين عن حقيقتها، وبقبضها
العين تدخل في ضمانها كلا أو جزءا أو صفة.
ومن ذلك يظهر لك ما في المحكي عن المهذب من " أن العيب إن كان منها أو من الله
تعالى تخير بين أخذ نصفه ناقصا أو أخذ القيمة يوم القبض، وإن كان من أجنبي تعين أخذ
القيمة يوم القبض فإنه إن كان من أجنبي استحقت عليه الأرش، فكان المهر الموجود مع
الأرش فالنقصان محسوب، فيكون كالتالف، وإن كان منها أو من الله تعالى لم يحسب
النقصان، فكانت العين كالتامة من وجه والتالفة من آخر " وفي كشف اللثام " قد يقال: منشأ
الخلاف أن معنى " ما فرضتم " هل هو الماهية وحدها أو مع صفاتها؟ فعلى الأول يتعين
الرجوع في نصف العين، وعلى الثاني يتخير أو يتعين القيمة ".
قلت: قد يستفاد من خبر علي بن جعفر (2) عن أخيه عن أبيه عليهما السلام

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2.
83

" إن عليا عليه السلام قال في الرجل: يتزوج المرأة على وصيف فيكبر عندها، ويريد
أن يطلقها قبل أن يدخل بها، قال: عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها، لا ينظر في
زيادة ولا نقصان " تعين القيمة على الوجه المزبور من غير أرش بناء على أن المراد
عدم النظر إلى زيادة العين ونقصها وإن لم أجده قولا لأحد، بل لعل صحيحه (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: في المرأة تتزوج على الوصيف
فيكبر عندها فيزيد أو ينقص ثم يطلقها قبل أن يدخل بها " الحديث دال على ذلك
أيضا وإن كان ظاهره إرادة زيادة القيمة ونقصها بسبب الكبر، بل هو حينئذ قرينة
على إرادة هذا المعنى من خبره الأول.
لكنه أيضا دال على المطلوب، بقريب أن عدم النظر إلى الكبر الذي هو
سبب زيادة القيمة ونقصها يقتضي عدم النظر إلى كل صفة تجددت في العين اقتضت
زيادتها أو نقصها، وأنها توجب الانتقال إلى القيمة على الوجه المزبور، فيكون
المدار حينئذ في رد نصف العين على بقاء العين غير متغيرة بشئ يقتضي زيادة قيمتها
أو نقصها، وإلا فالقيمة وقت القبض.
(و) منه يعلم أن المراد ما فرضتم العين وصفاتها، كما أن منه يعلم أن الواجب
رد نصف القيمة لا قيمة النصف، بل ويعلم أن الواجب قيمته يوم الدفع لا الأقل.
(أما لو نقصت قيمته لتفاوت السعر كان له نصف العين قطعا، وكذا لو زادت
قيمته لزيادة السوق، إذ لا نظر إلى القيمة مع بقاء العين) على حالها التي بها يتحقق
نصف ما فرضتم، لكن في القواعد بعد أن ذكر ذلك قال: " وتضمن - أي الزوجة
للزوج - النقص - أي للقيمة لتفاوت السعر - مع التلف دون الزيادة، يعني إذا
نقصت القيمة بعد القبض لنقصان السعر ثم تلفت العين ثم طلقها كان عليها رد نصف القيمة
قبل القبض، لأنه لا عبرة بالنقص بعد القبض، لتعلق حق الاستعادة به حين التسليم،
ولو زادت القيمة بعد القبض لزيادة السعر ثم تلفت كان عليها رد نصف القيمة قبل

(1) أشار إليه في الوسائل في الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2 عن
السكوني كما في الكافي ج 6 ص 108.
84

الزيادة، إذ الزيادة بعد القبض أولى بعدم الاعتبار من النقصان بعد القبض " وهو جيد
موافق للخبر (1) المزبور.
لكن قد يقال: إنه مناف لما سبق منه ومن غيره من ضمان الأقل من حين العقد
إلى حين القبض الشامل لما كانت قيمته حال القبض أعلى منها حال العقد الذي يقتضي
الخبر المزبور زمان قيمته حال القبض لا حال العقد الذي هو الأقل، فتأمل جيدا.
(و) كذا (لو زاد بكبر أو سمن) ونحوهما من الزيادات المتصلة التي
لا يمكن قطعها، كتعلم الصنعة وقصارة الثوب وصبغه (كان له نصف قيمته من
دون الزيادة) التي هي ملك الامرأة وليست مما فرض، وقد سمعت خبر علي بن
جعفر (2).
(و) حينئذ ف‍ (- لا تجبر المرأة على دفع العين) مجانا ولا بعوض
(على الأظهر) خلافا للمحكي عن المبسوط فجعل له الرجوع نصف العين مع
زيادتها، للآية (3) التي قد سمعت عدم تناولها الزيادة، نعم لو دفعتها هي باختيارها
جاز، لأن الحق لها بل المعروف وجوب قبوله، لأنها حقه مع زيادة، والمانع
امتزاج الحقين، وقد انتفى برضاها، وليس ذلك من المنة التي تدفع وجوب قبوله،
خصوصا بعد معاوضة التشطير، وربما كانت القيمة أرضى له، فلا منه بالعين.
كما أن المعروف أيضا وجوب قبوله القيمة لو بذلتها له، لوجوب تجنبه
عن حقها بغير إذنها، ولا يتم إلا بالتجنب عن العين رأسا، ولدوران حقه بين الأمرين
ولا اختيار له، فيلزمه قبول ما اختارته له، وليس له تأخير المطالبة حتى تفوت
العين فيلزمها القيمة، أو يفوت كمالها فليزمها من العين، لتضررها بشغل الذمة،
كما ليس له اختيار نصف العين مجردة عن الزيادة على وجه يشاركها بالنسبة، كما
في كشف اللثام من " أن الزيادة لا تستقل بالتقويم، ولا بد حينئذ من تقويمها منفردة،
فإنه إذا شاركها في السمين مثلا كان لها نصف العين وكل السمن، وإذا شاركها

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
85

فيما كبر عن صغر كان لها نصف العين وكل الكبر ونحو ذلك " وإن كان هو كما
ترى، خصوصا بعد ملاحظة غير المقام مما لا تمنع فيه الزيادة عن الاستقلال بالرجوع،
كما إذا أفلس المشتري بالثمن وأراد البائع الرجوع في المبيع مع الزيادة المتصلة
وأراد الواهب الرجوع في العين مع الزيادة، أو رد المشتري المبيع بالعيب وأراد
الرجوع في العوض المشتمل على الزيادة المتصلة وغير ذلك.
لكن في المسالك الفرق بأن الملك في هذه المسائل يرجع بطريق الفسخ
الذي يرفع العقد من أصله أو من حينه، فعلي الأول يكون كأنه لا عقد، وتكون
الزيادة على ملك المالك الأول، وعلى الثاني فالفسوخ محمولة على العقود ومشبهة
بها، والزيادة تتبع الأصل في العقود وكذلك في الفسوخ، وعود الملك في تشطير
الطلاق ليس على سبيل الفسخ، بل ملك مبتدأ، ألا ترى أنه لو سلم العبد الصداق
من كسبه ثم عتق وطلق قبل الدخول يكون التشطير له لا للسيد؟ ولو كان
سبيله سبيل الفسوخ لعاد إلى الذي خرج عن ملكه، وإنما هو ابتداء ملك يثبت
فيما فرض صداقا للآية (1) وليست الزيادة فيما فرض، فلا يعود شئ منها إليه.
وفيه أنه إذا كانت من التوابع للملك لم يكن فرق في تبعيتها بين الملك
بالعقد وشبهه وبين غيرهما، وعدم كونها من المفروض لا ينافي ملكيتها بالتبعية
له، على أن دعوى جريان الفسوخ مجرى العقود واضحة البطلان، كما أن دعوى
عدم كون الطلاق من قبيل الفسوخ لا تخلو من نظر.
نعم العمدة في وجوب القيمة هنا ما سمعته من النص (2) المعتضد بالفتاوى،
إلا أن المتجه عليه تعين القيمة عليها على وجه لو أراد إجبارها عليه كان له،
مؤيدا بأنه لا نظير لهذا التخيير في الشرع بمعنى عدم تعيين الواجب عليها أولا ويكون
الثاني كالعوض عنه، كتخيير المكلف في الزكاة بين دفع العين وبين القيمة عنها، وتخير
الوارث بين دفع التركة للديان وبين دفع القيمة عنها.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2.
86

اللهم إلا أن يقال هنا: أيضا إنه كان مقتضى الخبر تعين القيمة، ولكن جاز
دفع العين عنها لما عرفت، مؤيدا بفتاوى الأصحاب، فإنه لا خلاف بينهم على الظاهر
في ذلك، فيكون كالعين المستقرضة، فإنها ملك المستقرض بالقرض، ولا يجبر على
دفعها لو أراد المقرض لكن لو دفعها وجب عليه قبولها، فتأمل جيدا.
وأما لو زاد من جهة ونقص من أخرى، كما إذا أصدقها عبدا فتعلم صنعة
مثلا ونسي أخرى، أو أصابه عور وسمن، أو كان بسبب واحد، كما لو كان عبدا
صغيرا فكبر، فإنه نقصان من جهة نقصان القيمة، ومن جهة أن الصغير يصلح لما
لا يصلح له الكبير، وأبعد من الغوائل، وأشد تأثيرا بالتأديب والرياضة، وزيادة من
جهة قوته على الشدائد والأسفار، وأحفظ لما يستحفظ، إذ لا يشترط في الزيادة
زيادة القيمة بها، بل ما فيه غرض مقصود، ومن هنا كان الكبر في العبد زيادة من
جهة ونقص من أخرى، ولعل حمل الأمة كذلك، أما حمل البهيمة فهو زيادة
محضة إلا إذا أثر في فساد اللحم، كما أن الزرع للأرض ينقصها.
وعلى كل حال فالمتجه بناء على ما سمع تعيين القيمة، بل لعله المراد
من قوله عليه السلام: " يزيد وينقص " في صحيح علي بن جعفر (1) لكن في المسالك " الأمر
موقوف هنا على تراضيهما، فإن تراضيا برد النصف فذاك، وأيهما امتنع لم يجبر
الآخر عليه، للزيادة على تقدير طلب الزوج والنقيصة على تقدير طلبها، وحينئذ
تتخير المرأة بين دفع قيمة النصف مجردا عن الزيادة والنقيصة وبين دفع نصف العين
مع أرش، أما الأول فلأن فيه جمعا بينه وبينها، حيث لم يمكن وصوله إلى العين
إلا بأخذ حقها في الزيادة، ولا دفعها إليه إلا بالنقيصة التي ليست العين معها
نصف المفروض، وأما الثاني فلأنها إذا دفعت نصف العين كانت باذلة للزيادة،
فيجبر على قبولها كما مر، وهي عين ما فرض، فيجبر عليها والنقصان ينجبر
بالأرش، لأنه قيمة الفائت كالتالف، وليس لها جبر النقص بالزيادة بدون رضاه
لاختلاف الحقين " وفي القواعد " ولو زادت ونقصت باعتبارين - كتعليم صنعة ونسيان

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2.
87

أخرى - تخيرت في دفع نصف العين أو نصف القيمة، فإن أوجبنا عليه أخذ العين
أجبر عليها وإلا تخير أيضا ".
قلت: لعل المتجه بناء على كلامهم إجباره على قبولها لو بذلتها بدون أرش
بناء على عدم وجوبه لها عليها أو معه بناء على وجوبه، نعم يتجه عدم إجباره على
ما سمعته منشأ من أنه ليس له إلا القيمة، بل المتجه حينئذ إجبارها عليها لو طلبها
منها، هذا كله في التعيب في يدها.
أما لو تعيبت في يده ففي القواعد " لم يكن له إلا نصف، فإن كان قد دفع
أرشا رجع بنصفه أيضا " قلت: قد يقال: إنه يجري على ما مر من تنزيل العيب
منزلة التالف التخيير بين العين والقيمة أيضا، ولا يعين العين أخذ المرأة لها،
فإنه لا يجعلها المهر المفروض، ولذا قالوا: إذا تعيب المهر في يده تخيرت المرأة
بين أخذ العين والقيمة، لتلف العين بالتعيب، فإذا رضيت بالعين فليس، لأنه
المفروض، بل لأنه عوضه كالقيمة، فللزوج إذا طلقها أن لا يرضى إلا بالقيمة،
فتأمل جيدا.
(و) أما (لو حصل له نماء) منفصل (كاللبن والولد كان للزوجة خاصة)
سواء كان في يده أو يدها، لأنه نماء ملكها (و) إنما (له نصف ما وقع
عليه العقد) وهو ليس منه.
(ولو أصدقها حيوانا حاملا) على وجه يدخل الحمل في الصداق بالشرط
أو بالتبعية (كان له النصف منهما) وإن كان بعد الوضع، لأن دخوله إن كان
بالشرط فالشروط توزع عليها القيمة وتلحق بالمالية، وإن كان بالتبعية فهو مما
يفرد بالملك، كما لو أذن مولى الأمة في النكاح دون مولى العبد، فإنه يكون
الولد لمولى الأب على القولين، وحينئذ فيكون المفروض مهرا الحيوان وحمله،
ويحتمل على هذا القول كما عن بعضهم أو عليه و على الأول كما عن آخر اختصاص
الأم بالرجوع، لأن الولد زيادة ظهرت بالانفصال على ملكها، إذ هو قبل الوضع
لا يفرد بالتقويم، نعم له أرش نقصانها بالولادة إن قلنا بضمانها مثل ذلك، بل بناء
88

على حرمة التفريق بين الولد وأمة وكان الحيوان أمه غرمت له نصف قيمتها،
وأخذت الأم والولد، وإلا فلا، بل عن قوم تباع هي وولدها لهما، فتختص هي
بقيمة الولد، وقيمة الأم بينهما نصفان.
ولكن في الجميع أنه مناف لما عرفت، ولموثق عبيد بن زرارة (1) قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: " رجل تزوج امرأة على مئة شاء ثم ساق إليها الغنم ثم طلقها
قبل أن يدخل بها وقد ولدت الغنم، قال: إن كانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها
ونصف أولادها، وإن لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها، ولم يرجع من الأولاد
بشئ " وموثقه الآخر (2) قال له عليه السلام أيضا: " رجل تزوج امرأة ومهرها مهرا
فساق إليها غنما ورقيقا فولدت عندها، فطلقها قبل أن يدخل بها، قال: إن كان
ساق إليها ما ساق وقد حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها، وإن كن حملن عندها
فلا شئ له من الأولاد " والله العالم.
(ولو أصدقها تعليم صناعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها) عليه (نصف
أجرة تعليمها) لتعذر المهر حينئذ في يده إذ ليس للصنعة نصف، فيكون كالتالف
في يده الذي يرجع فيه إلى القيمة التي هي هنا الأجرة (ولو كان علمها قبل
الطلاق رجع بنصف الأجرة) لتعذر رجوعه بعين ما فرض، فيكون بمنزلة التالف
في يدها، كما هو واضح.
(ولو كان تعليم سورة قيل) والقائل الشيخ في المحكي من خلافه ومبسوطه:
(يعلمها النصف) لكونه أمرا ممكنا في نفسه، ولكن لما صار الزوج أجنبيا "
ينبغي أن يعلمها ذلك (من وراء حجاب) بناء على جواز سماع صوتها مطلقا
أو للضرورة، ولم يكن ثم خوف فتنة وخلوة محرمة، والاعتبار في النصف بالحروف

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 1.
(2) أشار إليه في الوسائل في الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 1 وذكره
في التهذيب ج 7 ص 368 - الرقم 1491.
89

(و) لكن (فيه تردد) ينشأ من التردد في حرمة سماع صوتها وإن كان الأقوى
جوازه، ومن اختلاف الألفاظ سهولة وصعوبة فلا يتعين النصف، وقد يقال: إن
ذلك لا يمنع معرفة النصف عرفا، وفي كشف اللثام وغيره " إذا لم يمكن التعليم إلا
بالخلوة المحرمة أو مع خوف الفتنة فالرجوع بنصف الأجرة قطعا " قلت: قد يقال:
بوجوب استئجار من يعلمها ممن لا يحصل معه جهة محرمة مع إمكانه إذا لم يكن
قد اشترط عليه المباشرة.
المسألة (الرابعة)
(لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه) وفاقا للمشهور،
لمضمر سماعة (1) " سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل، قال:
إذا جعلته في حل فقد قبضته، فإن خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف
الصداق، مؤيدا بأن ذلك تصرف منها فيه تصرفا ناقلا له عن ملكها بوجه لازم وإسقاط،
فليزمها عوض النصف كما لو نقلته إلى ملك غيره أو أتلفته، لكن في القواعد ومحكي
المبسوط والجواهر إنه يحتمل عدم رجوعه عليها بشئ، بل عن بعض العامة القول
به، لأنها لم تأخذ منه مالا، ولا نقلت إليه الصداق، ولا أتلفته عليه فلا تضمن، أما
الأول فظاهر، وأما الثاني فلا استحالة أن يستحق الانسان شيئا في ذمة نفسه، فلا
يتحقق نقله إليه، وأما الثالث فلأنه لم يصدر منها إلا إزالة استحقاقها في ذمته،
وهو ليس إتلافا عليه، ومن هنا لو رجع الشاهدان بدين في ذمة زيد لعمرو بعد
حكم الحاكم عليه وإبراء المشهود عليه لم يرجع عليهما، لعدم تغريمهما له بشئ،
ولو كان الابراء إتلافا على من في ذمته غرما له.
وفيه مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص صدق التصرف به قطعا على وجه اقتضى
فراغ الذمة منه وإسقاطه، وذلك كاف في إيجاب نصف بدله، فلا حاجة إلى تكلف

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب المهور الحديث 2 مع سقط في الجواهر.
90

الأول والثاني أو الثالث التي ليس واحد منها عنوان الحكم، كما لا حاجة إلى
ما في المسالك من تجشم الفرق بين المقام وبين عدم الرجوع على الشاهدين بما ذكره
فيها، ثم قال: " وفي الفرق نظر " ضرورة وضوح الفرق بينهما بأن مبنى رجوع
المدعى عليه عليهما بما يغرمه قاعدة قوة السبب على المباشر، فهما أولى بالاندراج
في قوله عليه السلام (1) " من أتلف " والفرض عدم اتلافهما شيئا عليه، لأنه أبرأه بخلاف
ما لو دفعه له ثم وهبه له، ضرورة صدق الغرامة التي لا ينافيها هبته له بذلك التي هي
ملك جديد بسبب جديد، فتأمل جيدا.
نعم قد يشكل الحال فيما ذكر المصنف وغيره بقوله: (وكذا لو خلعها به
أجمع) الذي معناه أنه كالابراء والهبة ما لو بذلته له ليخلعها عليه فخلعها به، فإنه
يستحق عليها مقدار نصفه مضافا إلى ما خلعها به الذي بذلته له، فكان بمنزلة إبرائها
وهبتها إياه، ضرورة وضوح الفرق بين المشبه والمشبه به الذي هو إتلاف للمهر
قبل الطلاق على وجه يصادف وقوعه سبق انتقاله عنها، فيستحق عليها حينئذ مقدار
نصفه لتعذره، بخلاف المشبه الذي لا يملكه من حيث الخلع إلا بتمام الطلاق المفروض
أنه مملك للنصف، لكونه قبل الدخول، فيتحد حينئذ زمان السببين، والفرض
تنافيهما، فلا يقع واحد منهما، وإلا كان ترجيحا " بلا مرجح، وليس ذلك مثل
ظهور استحقاق مال الخلع كي يتجه حينئذ ضمانها ذلك، ولا أنه يتمحض بذلا
للخلع، فيوجب الطلاق مقدار نصفه في ذمتها لتعذره، لأن كلا منها مبني على

(1) المراد منه هو الحديث المشتهر على ألسنة الفقهاء " من أتلف مال الغير فهو
له ضامن " إلا أنه لم نجد نص ذلك مع التتبع في مظانها، والظاهر أنه مستفاد من عدة
روايات وردت في أبواب مختلفة: منها ما رواه في الوسائل في الباب - 10 و 11 و 14 -
من كتاب الشهادات والباب - 7 و 5 - من كتاب الرهن الحديث 2 منهما والباب - 29 -
من كتاب الإجارة والباب - 18 - من كتاب العتق الحديث 1 و 5 و 9 والباب - 22 - من
أبواب حد الزنا الحديث 4 والباب - 1 - من أبواب نكاح البهائم الحديث 4 من
كتاب الحدود.
91

ترجيح أحد السببين على الآخر بلا مرجح، ودعوى ترجيح الثاني - بتقدم بعض
سبب الملك وهو البذل وإن كان لا يتم إلا بتمام الطلاق وإلا فهو نفسه غير مملك -
كما ترى، اللهم إلا أن يقال إنه يبطل خلعا ويصح طلاقا كما في كل مقام يظهر
فيه فساد الخلع، فيكون ذلك ليس لتقديم أحدهما على الآخر مما تواردا عليه، بل
لأن ازدحامها يبطل تأثيرهما، فيفسد ما كان البذل ركنا فيه وهو الخلع، بخلاف
الطلاق الذي لا مدخلية له في ذلك، فتأمل جيدا، والله العالم.
المسألة (الخامسة)
(إذا أعطاها عوضا عن المهر عبدا آبقا وشيئا آخر ثم طلقها قبل الدخول
كان له الرجوع بنصف المسمى) الذي هو المفروض (دون العوض) بلا خلاف
ولا إشكال، قال الفضيل بن يسار (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة
بألف درهم فأعطاها عبدا آبقا وبردا حبرة بالألف التي أصدقها، فقال: إذا رضيت
بالعبد وكانت قد عرفته فلا بأس، إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد، قلت: فإن
طلقها قبل أن يدخل بها، قال: لا مهر لها، وترد عليه خمسمأة درهم، ويكون
العبد لها " ولعل ذكر الضمينة مع الآبق قرينة على إرادة وقوع ذلك معها على
جهة البيع أو أن الدفع للآبق وفاء يعتبر فيه ما يعتبر في البيع من اعتبار
الضميمة فيه.
وعلى كل حال فالثابت بالطلاق نصف المسمى دون المدفوع وفاء إلا إذا كان
فردا للكلي الذي وقع عليه العقد، فإنه باعتبار حلول الكلي فيه يكون هو المفروض،
بل الظاهر أنه لو دفعه إليها معيبا ورضيت به وطلقها قبل الدخول كان له نصف
المعيب، لكونه المفروض دون الصحيح، مع احتماله، لأنه المفروض، ولذا كان
لها الامتناع عن قبض المعيب وفاء، ورضاها بالعيب لا يصيره المفروض المنصرف

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب المهور الحديث 1.
92

إلى الصحيح.
نعم قد يقال: إن له نصف المعيب مع الأرش لا نصف الصحيح، أو يفرق بين
قبضها المعيب غير عالمة به وبين قبضها له عالمة راضية به وفاء عن ذلك الكلي،
فيجب الأرش مع الأول، لأنه مستحق لها، فإن لم تأخذه منه كان ذلك منها عفوا
له، بخلاف الثاني الذي لم يثبت لها فيه استحقاق أرش، والفرض أنه أحد أفراد
الكلي، فليس لها حينئذ إلا نصفه، بل قد يحتمل ذلك أيضا في الأول وإن أخذت
الأرش، فضلا عما إذا لم تأخذه مع استحقاقها له باعتبار كونه المفروض، والأرش
إنما هو سبب المعيب منه لا أنه من المفروض، فتأمل جيدا.
(وكذا لو أعطاها متاعا أو عقارا) أو حيوانا أو غير ذلك مما هو ليس
من أفراد الكلي المسمى في العقد - سواء وقع ذلك وفاء، وقلنا أنه معاوضة برأسها
أو باعها ذلك مثلا بمالها في ذمته - (ف‍) إنه على كل حال (ليس له) لو طلق
قبل الدخول (إلا نصف ما سماه) وفرضه لها كان هو واضح، فتأمل جيدا،
والله العالم.
المسألة (السادسة):
(إذا أمهرها مدبرة) فعن النهاية والمهذب لا يبطل التدبير بامهارها،
لكونه عتقا معلقا، أو لأن الملك المتجدد لا يبطله وإن قلنا: إنه وصية بالعتق،
وحينئذ فلو فعل ذلك (ثم طلقها) قبل الدخول (صارت بينهما نصفين، فإذا
مات تحررت) كل ذلك لخبر المعلي بن خنيس (1) " سئل أبو عبد الله عليه السلام وأنا
حاضر عنده عن رجل تزوج امرأة على جارية له مدبرة قد عرفتها المرأة وتقدمت
على ذلك، وطلقها قبل أن يدخل بها، قال: فقال: أرى للمرأة نصف خدمة
المدبرة يكون للمرأة يوم في الخدمة، ويكون لسيدها الذي دبرها يوم في الخدمة،

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب المهور الحديث 1.
93

قيل له: فإن ماتت المدبرة قبل المرأة والسيد لمن يكون الميراث؟ قال: يكون
نصف ما تركته للمرأة، والنصف الآخر لسيدها الذي دبرها ".
لكن لضعفه وعدم صراحته في بقاء التدبير (و) أنه لا خلاف فيما تضمنه
من غير ذلك (قيل) والقائل ابن إدريس وغيره على ما حكي: لا يصح جعلها
وهي مدبرة مهرا (بل يبطل التدبير بجعلها مهرا كما لو كانت موصى بها)
لزيد مثلا، فإن تجدد الملك يبطل ذلك، ضرورة تعلق الوصية في ملكه، فمع
فرض خروجها عن ملكه فيعدم موضوع الوصية، والتدبير نوع منها.
بل قد يقال ببطلانه أيضا لو قيل بأنها تملك بالامهار النصف والآخر يبقى
على ملك الزوج حتى يدخل، وإن كان المنساق على هذا التقدير بقاء التدبير في
النصف، إلا أنه يمكن القول ببطلانه باعتبار إقدام المدبر على فسخه بجعله مهرا
متحملا لتمام سبب انتقاله عنه بالدخول، فينعدم التدبير، فيكون ذلك منه رجوعا
عن التدبير، نحو ما لو أوصى به لزيد فوهبه من عمرو ثم رجع بالهبة قبل أن يقبض
المتهب، فإن ذلك منه يكون فسخا للوصية وإن لم يتم منه سبب الانتقال عنه،
إلا أن الانصاف إمكان منع ذلك في المقيس والمقيس عليه، بناء على أن فسخ
الوصية بالتضاد بينها وبين ما أوصى به، ولا تضاد هنا مع فرض عدم انتقاله عن
ملكه، نعم لو كان هذا الفعل منه ظاهرا في الرجوع بالوصية اتجه حينئذ انفساخها
بقصده لا بفعله.
(و) على كل حل (هو أشبه) عند المصنف ومن تبعه، لأن التدبير
وصية تنفسخ بنحو ذلك، والخبر (1) المزبور لا صراحة فيه في بقاء التدبير، مع
احتماله ما عن ابن إدريس من كون التدبير واجبا بنذر ونحوه مما لا يصح الرجوع
معه منه، أو عن غيره من احتماله اشتراط بقاء التدبير، فإنه يكون حينئذ لازما
لعموم " المؤمنون " (2) ولأنه كشرط العتق في البيع ونحوه، ويظهر من قوله عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب المهور الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
94

في الرواية: " قد عرفتها وتقدمت على ذلك " كونه قد شرط عليها بقاء التدبير.
وربما ردا معا ببطلان جعلها مهرا حينئذ، وفيه أنه لا دليل على اعتبار تمامية
الملك في المهر على وجه يمنع جعل المدبر لذلك بناء على تسليمه في البيع،
ضرورة كونه مالا مملوكا قبل موت المدبر، وخروجه عن المالية بالحرية فيما
بعد لا ينافي جعله مهرا الآن، نعم لو دلسه عليها أمكن حينئذ وجوب القيمة عليه
أو مهر المثل أو غير ذلك مع الفسخ فيها، ومن هنا قال في الرواية: إنها علمت به
وقدمت عليه.
وبذلك يظهر دلالة الخبر المزبور على بقاء التدبير، مضافا إلى قوله فيه:
" فإن ماتت المدبرة " وغير ذلك مما يؤكد هذا المعنى، فلا يبعد القول بعدم انفساخ
التدبير بنقله عن الملك من بين الوصايا، ولعله لبناء العتق على التغليب، ويخرج
الخبر المزبور شاهدا على ذلك، فيصح حينئذ جعله مهرا، بل لا مانع من جواز
بيعه مدبرا بناء على الدليل على اعتبار تمامية الملك على وجه تمنع بيع مثل ذلك
المشمول لعدم الأدلة إن لم يكن إجماعا، أما المقام فلا إجماع قطعا بل ولا شهرة
محققه على البطلان، فتأمل جيدا، والله العالم.
المسألة (السابعة)
(إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع) مما لم يكن فيه خلل بمقصود
النكاح على وجه يكون منافيا لمقتضى العقد (مثل) اشتراط (أن لا يتزوج
عليها أو لا يتسرى) أو لا يقسم لضرتها أو لا يمنعها من الخروج من المنزل متى
شاءت أو نحو ذلك (بطل الشرط) اتفاقا كما في كشف اللثام وغيره، لقوله (1)
صلى الله عليه وآله: " من اشتراط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز له ولا عليه "
(وصح العقد) اتفاقا لكونه ليس معاوضة محضة، ولذا لا يبطل ببطلان المهر

(1) الوسائل الباب - 38 - من أبواب المهور الحديث 2.
95

الذي هو كالركن فيه، فضلا عما يذكر شرطا فيه، بل المشهور صحة العقد
(والمهر) بل قد يظهر من محكي المبسوط الاتفاق عليه لاطلاق ما دل على صحته
من الكتاب والسنة وغيرهما، فلا تلازم بينه وبين الشرط الذي هو ليس من المهر
قطعا وإن كان له دخل في قلته وكثرته، وربما أومأ إلى ذلك خبر محمد بن قيس (1)
عن الباقر عليه السلام " في رجل تزوج امرأة وشرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها
أو اتخذ عليها سرية فهي طالق، فقضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم، فإن شاء
وفي لها ما يشترط، وإن شاء أمسكها واتخذ عليها ونكح عليها ".
(وكذا) في صحة العقد والمهر وبطلان الشرط خاصة ما (لو شرط تسليم
المهر في أجل، فإن لم يسلمه كان العقد باطلا) عند المشهور بيننا أيضا، تصريحا
من جماعة منهم بأنه متى فعل ذلك (لزم العقد والمهر وبطل الشرط) خاصة
وظاهرا من آخرين، لما عرفت وصحيح محمد بن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام أيضا
" في رجل تزوج المرأة إلى أجل مسمى فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمى فهي
امرأته وإن لم يأت بصداقها فليس له عليها سبيل، وذلك شرطهم بينهم حين أنكحوه،
فقضى للرجل أن بيده بضع امرأته وأحبط شرطهم ".
وربما يومئ أيضا إلى بطلان الشرطين الأولين ما رواه زرارة (3) " من أن
ضريسا كان تحته بنت حمران بن أعين فجعل لها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى أبدا
في حياتها ولا بعد موتها على أن جعلت له هي أن لا تتزوج بعده أبدا، وجعلا عليهما
من الهدي والحج والبدن وكل مالهما في المساكين إن لم يف كل واحد منهما
لصاحبه، ثم إنه أتى أبا عبد الله عليه السلام فذكر له ذلك، فقال: إن لابنة حمران لحق
وحرمة عندي ولن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحق، اذهب فتزوج وتسر، فإن

(1) الوسائل الباب - 38 - من أبواب المهور الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب المهور الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 2.
96

ذلك ليس بشئ، وليس عليك شئ ولا عليها، وليس ذلك الذي صنعتما بشئ، فجاء
وتسرى وولد له بعد ذلك أولاد " فإن ذلك ليس إلا لكونه غير مشروع في نفسه،
وإلا لا نعقد النذر عليه، وخبر ابن سنان (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل قال
لامرأته، إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق، قال: ليس ذلك بشئ، إن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: إن من اشتراط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له،
ولا عليه ".
لكن قد يشكل ذلك بما في خبر محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام
" في الرجل يقول لعبده: أعتقك على أن أزوجك ابنتي فإن تزوجت أو تسريت عليها
فعليك مئة دينار، فأعتقه على ذلك وتسرى أو تزوج، قال: عليه شرط " وخبر
بزرج (3) قال لأبي الحسن موسى عليه السلام وأنا قائم: " جعلني الله فداك إن شريكا
لي كانت تحته امرأة فطلقها فبانت منه، فأراد مراجعتها، فقالت المرأة، لا والله
لا أتزوجك أبدا حتى تجعل الله لي عليك أن لا تطلقني ولا تتزوج على، قال:
وقد فعل، قلت: نعم قد فعل جعلني الله تعالى فداك، قال: بئس ما صنع، وما كان
يدريه ما يقع في قلبه في جوف الليل أو النهار؟ ثم قال: أما الآن فقل له: فليتم
للمرأة شرطها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المسلمون عند شروطهم " الحديث.
وخبره الآخر (4) عن عبد صالح عليه السلام قلت: " إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم
طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل الله عليه أن لا يطلقها
ولا يتزوج عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟
قال: بئس ما صنع، وما كان يدريه ما يقع في قلبه في الليل والنهار؟ قل له: فليف

(1) الوسائل الباب - 38 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب المهور الحديث 1.
(3) الكافي ج 5 ص 404 عن منصور بن بزرج.
(4) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4 وهو خبر منصور بن
بزرج.
97

للمرأة بشرطها، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: المؤمنون عند شروطهم " وغير ذلك مما
يدل على مشروعية هذا الشرط، وعدم كونه مخالفا للمشروع، اللهم إلا أن
يحمل ذلك على التقية، لموافقته العامة كما عن الاستبصار، أو يفرق بين النذر
والشرط، كما عن الشيخ في التهذيبين، وإن كان هو كما ترى وعلى كل حال فالمعروف
ما عرفت من فساد الشرط وصحة العقد والمهر.
نعم في القواعد والمسالك وغيرهما احتمال فساد المهر، لأن الشرط كالعوض
المضاف إلى الصداق أو البضع، ومع فساده يتعذر الرجوع إلى القيمة، فيتجهل المهر
ولو بجهالة ما يخص الشرط منه إذا كان عليها، بل في المسالك " هو متجه إلا أن
يزيد المسمى عنه والشرط لها أو ينقص والشرط عليها، فيجب المسمى حينئذ لأنه قد رضي
ببذله مع التزام ترك حق له، فمع انتفاء اللزوم يكون الرضا به أولى، ولأنها في
الثاني فد رضيت به مع ترك حق لها، فبدونه أولى، ومع ذلك فينبغي احتساب
المسمى من مهر المثل، وإكماله من غيره حيث يفتقر إليه، لاتفاقهما على تعيينه
في العقد " وفيه أنه غير مجد مع فرض فساده، ولذا أطلق في القواعد وجوب مهر المثل
على هذا الاحتمال، والله العالم.
(ولو شرط أن لا يقتضها لزم الشرط) لعموم الوفاء (1) " والمؤمنون عند
شروطهم " (2) وخبر سماعه (3) عنه عليه السلام قلت: " جاء رجل إلى امرأة فسألها أن
تزوجه نفسها، فقالت: أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر والتماس
وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي فإني أخاف
الفضيحة، قال: ليس له منها إلا ما اشترط " (و) غيره من النصوص.
نعم (لو أذنت بعد ذلك جاز عملا باطلاق الرواية) عن إسحاق بن عمار (4)

(1) سورة المائدة: 5 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 36 - من أبواب المهور الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 36 - من أبواب المهور الحديث 1 - 2.
98

عن الصادق عليه السلام قلت له: " رجل تزوج بجارية على أن لا يفتضها ثم أذنت له بعد
ذلك قال: إذا أذنت له فلا بأس ".
(و) لكن مع ذلك (قيل) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه، وابن
حمزة في المحكي من وسيلته، بل في المسالك نسبته إلى جماعة من المتقدمين
والمتأخرين، منهم العلامة في المختلف وولده في الشرح: (يختص لزوم هذا
الشرط بالنكاح المنقطع) الذي هو مورد النصوص التي منها خبر عمار بن مروان (1)
عن الصادق عليه السلام " في رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها متعة، فقالت:
أزوجك نفسي " إلى آخر ما في خبر سماعة المتقدم الذي قد يظهر إرادة ذلك
أيضا، خصوصا مع قولها فيه: " إني أخاف الفضيحة " ولأنه هو الذي لم يطلب فيه
النسل، وإنما يراد منه الاستمتاع المتحقق بغيره، ولذا لم ينافه الشرط المزبور
بخلافه في الدائم المراد منه النسل والتوالد، فهو حينئذ خلاف مقتضي العقد، بل
لعله أيضا من خلاف المشروع باعتبار تصريح الكتاب (2) والسنة (3) بأن له الوطء
أنى شاء، فيكون شرط عدمه خلاف المشروط، وربما يومئ إليه الحكم بفساد
اشتراط جعل الوطء والطلاق بيد الزوجة في غير واحد من النصوص (4) وأنه من
خلاف السنة، ولا ريب في أن اشتراط عدم الوطء أصلاء أولى بذلك منه، بل لعله
مناف لمقتضى العقد، أو مخالف للمشروع في الدائم و المنقطع لكن خرج عنه في
الأخير للنصوص بخلاف الأول، فإنه لا نص يقتضيه عدا الخبرين، وهما مع
ضعفها يمكن إرادة المؤجل منهما، لكون المتعارف اشتراط ذلك فيه، بل قد
عرفت القرينة عليه في أحدهما.
(وهو) كما ترى (تحكم) بلا حاكم، ضرورة عدم الفرق بين الدائم

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب المتعة الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 223.
(3) الوسائل الباب - 79 و 83 - من أبواب مقدمات النكاح.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب المهور.
99

والمنقطع في ذلك، بل ربما كان الوطء في الأخير أشد فلا حظه، وخبر إسحاق بن
عمار وغيره مطلق، والضعف إن كان منجبر بالشهرة، ولو أن الوطء من مقتضيات
النكاح على وجه يستلزم اشتراط عدمه بطلانه لم يجز نكاح المتعذر وطئها أو وطئه،
وهو معلوم الفساد، وإنما الوطء غاية من الغايات، والنصوص (1) المتضمنة لبطلان
اشتراط كون ولاية الجماع بيدها وولاية الطلاق كذلك إنما هو لمخالفة نحو قوله
تعالى (2): " الرجال قوامون على النساء " " والطلاق بيد من أخذ بالساق " (3) ونحو ذلك، وهو غير عدم الوطء.
ومن ذلك كله يعلم ما في القول ببطلان العقد والشرط فيهما معا الذي هو
كالاجتهاد في مقابلة النص، كالقول بفساد الشرط خاصة مطلقا، كما عن جماعة منهم
الحلي، أو الأول خاصة وصحتهما في الثاني، كما عن ابن حمزة.
وكذا الاشكال من بعضهم في جواز الوطء بالإذن على تقدير الصحة، لتوقف
إباحة البضع على العقد، وعدم كفاية الإذن فيها، وقد سمعت التصريح به في النص،
على أن المبيح إنما هو العقد، ولكن كان الشرط كالمانع، فمع فرض الإذن يزول
المانع، فيبقى المقتضي على مقتضاه، بل لو عصى وخالف الشرط لم يكن زانيا، ويلحق
به الولد، كما هو واضح.
والظاهر الحاق غير الوطء من وجوه الاستمتاع به في جميع ما ذكرناه، لما
عرفته من صلاحية العموم الذي لا فرق فيه بين الوطء مدركا لذلك

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب المهور.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 34.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 360 وفيه " إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق ".
100

المسألة (الثامنة) (إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل) كما عن النهاية والمهذب
والوسيلة والجامع والنافع: (يلزم) الشرط للعمومات، بعد أن كان سائغا جاريا
مجرى مقاصد العقلاء (وهو المروي) صحيحا (1) عن الصادق عليه السلام " في الرجل
يتزوج امرأة ويشترط لها أن لا يخرجها من بلدها قال: يفي لها بذلك، أو قال:
يلزمه ذلك " والصحيح لابن أبي عمير (2) قال: " قلت لجميل بن دراج: رجل
تزوج امرأة وشرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم، فقال: قد روى أصحابنا
عنهم عليهم السلام أن ذلك لها، وأنه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها ".
خلافا لما عن المبسوط والخلاف والغنية والسرائر من بطلان الشرط بمخالفته
مقتضى العقد الذي هو استحقاق الاستمتاع بها في كل زمان ومكان، فيحمل الخبر
حينئذ على الاستحباب، وفيه (أولا) أن مقتضي ذلك بطلان العقد أيضا و (ثانيا)
أنا نمنع الاستحقاق المزبور حتى مع الشرط، ودعوى مخالفة الشرط استحقاقه
كذلك يدفعها أن ذلك آت في كل شرط يمنع ما يقتضيه إطلاق العقد لولا الشرط،
كالأجل ونحوه مما هو معلوم أنه ليس منافيا للكتاب والسنة، وحينئذ فحمل الرواية
على الاستحباب بمجرد ذلك غير جائز، إذ لا معارض لها، والمعارضة العامة غير
كافية، بل لو سلم تعارض عموم " المؤمنون " (3) وعموم ما دل (4) على الاستمتاع
في كل زمان ومكان من وجه كان الترجيح للأول، ولو للصحيح المزبور، مضافا
إلى ظهور الثاني في ثبوت ذلك من حيث كونها زوجة، فلا ينافي عدمه من حيث
الشرط، فتأمل جيدا.

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب المهور الحديث 1 - 3.
(2) الوسائل الباب - 40 - من أبواب المهور الحديث 1 - 3.
(3) الوسائل الباب المهور الحديث 4.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 223.
101

ومن ذلك يظهر لك أنه لا فرق في اللزوم بين ذلك وبين اشتراط منزل مخصوص
خلافا لبعضهم، فاقتصر على خصوص البلد، بناء منه على مخالفة المسألة للقواعد،
فيجب الاقتصار على المتيقن، وفيه - مع أنك قد سمعت التصريح به في خبر ابن
أبي عمير - ما عرفته من جريان المسألة على العمومات التي لا فرق فيها بين الجميع،
كما هو واضح، والله العالم.
(و) كيف كان فبناء على صحة الشرط المزبور حكي عن الشيخ وجماعة
أنه (لو شرط لها مهرا إن أخرجها إلى بلاده وأنقص منه إن لم تخرج معه،
فأخرجها إلى بلد الشرك) أي أراد اخراجها إليه (لم يجب) عليها (إجابته)
لما في ذلك من الضرر في الدين، ولذا وجب الهجرة عنها (ولها الزائد) الذي
قد اشترطه في العقد لها، وأنه لا يسقط إلا بامتناعها، والفرض أن ذلك كان منها
بحق.
(وإن أخرجها إلى بلد الاسلام كان الشرط لازما) قيل للعمومات وخصوص
حسن علي بن رئاب (1) عن الكاظم عليه السلام قال: " سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج
امرأة على مئة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فإن لم تخرج معه فمهرها
خمسون دينارا أرأيت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال: فقال: إن أراد أن يخرج
بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك، ولها مئة دينار التي أصدقها إياها،
وإن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الاسلام ودار الاسلام فله ما اشترط عليها، والمسلمون
على شروطهم، وليس له أن يخرج بها إلى بلاده حتى يؤدي لها صداقها أو ترضى
من ذلك بما رضيت به، وهو جائز له ".
(و) لكن مع ذلك (فيه تردد) مما عرفت ومن مخالفته للأصول،
لجهل المهر، وللحكم بأن لها الزائد إن أراد اخراجها إن أراد إلى بلاد الشرك من غير
خروج إليها مع أنه خلاف الشرط، وللحكم بأنه لا يخرجها إلى بلاد الاسلام إلا

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب المهور الحديث 2.
102

بعد أن يوفي لها مهرها الأزيد، مع عدم جواز الامتناع لها مع الدخول، وعدم
وجوب الوفاء بالمهر إلا بعد الدخول، أو المطالبة مع التهيؤ للتمكين، ولما عن
السرائر من لزوم إطاعة الزوج والخروج مع إلى حيث شاء.
ومن هنا كان المتجه بطلان الشرط، بل والمهر للجهالة، فيجب مهر المثل
حينئذ، لكن في المسالك " يشكل فيما لو زاد عن المفروض على تقديريه، لقدومها
على الأقل، وكذا مع زيادته على الأقل إذا لم يخرجها من بلدها، وكذا يشكل
فيما لو نقص عن المقدر على تقديريه، لالتزامه بالأزيد منه مع الشرط عليه، فلزوم
المقدر مع عدم لزوم الشرط أولى " وفيه أن ذلك كله غير مجد فساد الشرط الملزم
به، نعم قد يقال باغتفار مثل هذه الجهالة في المهر الذي قد تقدم البحث في اعتبار
المعلومية فيه على وجه لا تبطله الجهالة بذلك ونحوه، خصوصا وقد عرفت الحال
في مثل ذلك في الإجارة التي هي أضيق دائرة من المهر.
على أنه قد يقال: المهر هو المئة، وإنما اشترط عليها الابراء إن لم يخرجها،
فتجب عليه المئة إن أراد اخراجها إلى بلاد الشرك، وإن عصته لوجوب الهجرة
عنها فلا بد من صرف الاخراج المشترط إلى الجائز منه، لئلا يخالف المشروع،
والإطاعة إنما تجب فيما ليس معصية لله وليس نصا في وجوب إعطائها المهر قبل
الاخراج مطلقا لاحتمال أنه ليس له الاخراج حتى يلزمه الأداء ولو بعده، أو
حتى يوطن نفسه على الأداء، أو إذا طالبته ورضي من ذلك بما رضيت يشمل الرضا
بالتأخر، ويمكن أن يكون التقديم مرادا من الشرط، بمعنى أنه اشترط على
نفسه تعجيل إليها إن أراد اخراجها إلى بلاده، كما أنه يمكن بناء ذلك على
وجوب تعجيل الزوج المهر إذا طلبته الزوجة، لإرادة التمكين وغير ذلك.
ومن ذلك يظهر لك قوة العمل بالخبر (1) المزبور المعتبر سندا المعمول به
عند جميع من الأصحاب، وهو العمدة لا العمومات وهذه التكلفات، ضرورة كون
مضمون الخبر من التعليق الممنوع لولا الخبر المزبور، فلا تجدي هذه التجشمات،

(1) الوسائل الباب - 40 - من أبواب المهور الحديث 2.
103

ولذا لم يجز نظائره لا في النكاح ولا في غيره، وما في الإجارة لو قلنا بجوازه فهو
للدليل، كما هو واضح، والله العالم.
المسألة (التاسعة:)
لو طلقها بائنا ثم تزوجها في عدته ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف
المهر) لخروجها عن الزوجية الأولى بالطلاق البائن الذي لا ينافيه جواز تزويجها
في العدة باعتبار كونها حقا له لحرمة مائة، فلا تمنعه، وإنما تمنع غيره، فإذا تزوجها
ثبت المهر حينئذ في ذمته كغيره من عقود النكاح، وبالطلاق قبل الدخول يعود
إليه نصف ما فرض في العقد الجديد، خلافا لبعض العامة، فأوجب لها جميع المهر
تنزيلا للعقد منزلة الرجعة، فتكون من المطلقة المدخول بها، وضعفه ظاهر.
المسألة (العاشرة:)
(لو وهبته نصف مهرها مشاعا ثم طلقها قبل الدخول فله الباقي، ولم
يرجع عليها بشئ، سواء كان المهر دينا أو عينا) بناء على كفاية لفظ الهبة
في الابراء (صرفا ل‍) ما وقع منهما من (الهبة إلى حقها منه) بمعنى أنه بالطلاق
قبل الدخول يتمحض النصف الباقي للزوج، لأنه مصداق " نصف ما فرضتم " (1)
فلا يرجع إلى المثل أو القيمة، لعدم تعذره، لكن في القواعد والمسالك احتمال
الرجوع بنصف الباقي بعينه وقيمة الآخر من الموهوب، لشيوع نصفيهما في تمام
العين، وشيوع النصف الموهوب أيضا، فتعلق الهبة بنصفي النصيبين، فالنصف الباقي
بمنزلة ما تلف نصفه وبقي النصف، بل قيل: إنه يظهر من المبسوط احتمال الرجوع
بنصف الباقي خاصة، لأنه لما تعلقت الهبة بالنصف المشاع فقد تعلقت بنصفي النصيبين

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
104

فإنما ملك من نصيبها النصف وهو الربع، واستعجل نصف نصيب نفسه، وإنما بقي
له النصف الآخر من نصيبه وهو الربع، وربما احتمل أيضا التخيير بين بذل تمام
النصف الباقي وعين نصفه مع بذل نصفه الآخر دفعا لضرر تبعض الصفقة.
إلا أن الجميع كما ترى ضرورة عدم تأتيها مع فرض بقاء النصف المشاع
الذي هو مصداق " نصف ما فرضتم " نعم لو كان النصف الموهوب معينا لا مشاعا اتجه
ذلك، كما هو واضح. وكذا لو خالعته على النصف فإنه إن قيدته بالنصف الذي
يبقى لها بعد الطلاق فلا كلام، وإن أطلقت انصرف إلى ما تملكه بعد الاطلاق، وعلى
كل حال إذا تم الخلع ملك الزوج تمام المهر، بل مما فرق بينه وبين الهبة بأنه
بذل على الطلاق النصف للمهر، فهو تمليك بعد الطلاق، وللشافعية كما قيل وجه
بالشيوع في نصفي النصيبين، ولا ريب في ضعفه، والله العالم.
(المسألة (الحادية عشرة)
(لو تزوجها بعبدين) مثلا (فمات أحدهما رجع عليها بنصف الموجود
ونصف قيمة الميت) ضرورة كون ذلك كانتقال أحدهما عن ملكها، لأن التالف عليهما
والموجود بينهما وتزلزل ملكهما في النصف المشاع من كل منهما، إلا أنه لما كان
ما يرجع إليه مضمونا عليها وجب الانتقال إلى بدل التالف عليه في يدها، وعن
الشافعية احتمال الرجوع بتمام الموجود أو ما يساوي منه النصف، لصدق أنه نصف
المفروض، واحتمال التخيير نحو ما سمعته في المشاع، ولا ريب في ضعفهما.
المسألة (الثانية عشرة)
(لو شرط الخيار في النكاح بطل) العقد فضلا عن الشرط على المشهور
بين الأصحاب، بل لا أجد خلافا في بطلان الشرط، بل لعل الاجماع بقسميه عليه
105

لمعلومية عدم قبول عقد النكاح لذلك، لأن فيه شائبة العبادة التي لا تقبل الخيار،
ولحصر فسخه بغيره، ولذا لا تجري فيه الإقالة بخلاف غيره من عقود المعاوضات،
فيكون حينئذ اشتراط الخيار فيه منافيا لمقتضاه المستفاد من الأدلة الشرعية، بل
لم يريدا بلفظ العقد معنى النكاح مع اشتراطه، ومن هنا كان هذا الشرط مبطلا
للعقد وإن قلنا بأن فساد الشرط بالمخالفة للكتاب والسنة لا يبطل النكاح كما عرفت
الكلام فيه سابقا، فما وقع من بعضهم - من تعليل البطلان هنا بأن التراضي لم يقع
على العقد إلا مقترنا بالشرط المذكور فإذا لم يتم الشرط لا يصح العقد مجردا،
لعدم القصد إليه كذلك - في غير محله، ضرورة أن ذلك يأتي في كل شرط فاسد،
وقد عرفت سابقا الاجماع على عدم اقتضائه الفساد هنا (و) حينئذ فقول المصنف -:
(فيه تردد منشؤه الالتفات إلى تحقق الزوجية، لوجود المقتضي وارتفاعه عن
تطرق الخيار، أو الالتفات إلى عدم الرضا بالعقد، لترتبه على الشرط) - غير متجه
أيضا، وكان الأولى جعل منشئه التردد في أن بطلان هذا الشرط لمخالفته مقتضى العقد
أو لكونه غير مشروع، فيكون مخالفا للكتاب والسنة، فعلى الأول يتجه بطلان
العقد دون الثاني اللهم إلا أن يكون مراده ذلك.
(و) على كل حال فما عن ابن إدريس - من بطلان الشرط خاصه، بل
قال فيما حكي عنه: إنه لا دليل على بطلان العقد من كتاب ولا سنة ولا إجماع،
بل الاجماع على الصحة، لأنه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا، وإنما هو من
تخريج المخالفين وفروعهم، اختاره الشيخ على عادته في الكتاب - واضح الفساد بناء
على ما عرفت من أن البطلان هنا للمنافاة لمقتضي العقد، لا لكونه غير مشروع في
نفسه كي يختص بالبطلان في عقد النكاح كغيره من الشروط الفاسدة فيه، اللهم
إلا أن يمنع ذلك، فإنه لا يخلو من تأمل، هذا كله في اشتراط الخيار في عقد
النكاح.
أما (لو اشتراطه في المهر صح العقد والمهر والشرط)، لكون المهر كالعقد المستقل
106

بنفسه، ومن ثم صح اخلاؤه عنه، فيندرج اشتراط الخيار فيه حينئذ تحت قوله صلى الله عليه وآله: (1)
" المؤمنون عند شروطهم " نعم يشترط ضبط مدته كغيره من العقود، ولا يقدح
إطلاق الأصحاب المعلوم بناؤه على ذلك وإن كان ربما احتمل عدم اعتبار ضبطه
لذلك، ولأنه يغتفر فيه من الجهالة ما لا يغتفر في غيره، لكن المذهب الأول، ولا
يتقيد بثلاثة وإن حكي عن الشيخ أنه مثل بها.
ثم إن استمر عليه وانقضت مدته لزم، وإن فسخه ذو الخيار يرجع إلى مهر
المثل، كما لو عرى العقد عن المهر، وإنما يجب بالدخول كما مر الكلام فيه وفي
هذه المسألة، والله العالم.
المسألة (الثالثة عشرة)
(الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين) والقولين، بل المشهور منهما
شهرة عظيمة، بل عن الحلي نفي الخلاف فيه، ولعله كذلك، فإني لم أجده إلا
من المحكي عن الإسكافي، فملكها النصف به والآخر بالدخول أو ما يقوم مقامه
مع عدم صراحته في ذلك، لاحتمال إرادته الاستقرار كما في كشف اللثام، فلا خلاف
حينئذ أصلا، كما يشهد به ما سمعته من الحلي، وعليه يمكن دعوى لحوقه بالاجماع
إن لم يكن سبقه.
مضافا إلى ظهور قوله تعالى (2) " وآتوا النساء صدقاتهن " وغيره مما دل على
وجوب دفعه إليهن المقتضي لملكهن فضلا عن ظهور الإضافة في الاختصاص، وإلى
أن ذلك شأن المعاوضات، فكما أن المشتري يملك المبيع بالعقد والبائع الثمن به
فكذلك النكاح الذي لا ريب في ملك الزوج البضع به المقتضي ملك الامرأة المهر

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 4.
107

به الذي هو عوض عن ذلك في اللفظ والقصد، وإلى ما دل من النصوص (1) السابقة
المعتضدة بالفتاوى على كون النماء المتخلل بين العقد والطلاق لها، وهو مستلزم
لملكها، وفضلا " عن ظهور الإضافة في الاختصاص الذي لا يعارضه صحيح أبي بصير (2)
سأل الصادق عليه السلام " عن رجل تزوج امرأة على بستان له معروف وله غلة كثيرة ثم
مكث سنين لم يدخل بها ثم طلقها، قال: ينظر إلى ما صار إليه من غلة البستان
من يوم تزوجها، فيعطيها نصفه ويعطيها نصف البستان، إلا أن يعفو فتقبل منه،
ويصطلحان على شئ ترضى به منه، فإنه أقرب للتقوى " لقصوره باعتضاد الأول
مع تعدده بما عرفت، مع احتمال أن تكون الغلة من زرع يزرعه للرجل، وأن
يكون الصداق وهو البستان دون أشجاره، وعلى التقديرين فليست الغلة من نماء
المهر، فيختص بالرجل، ويكون الأمر حينئذ بدفع النصف محمولا على الاستحباب
كما يرشد إليه قوله عليه السلام: " فإنه أقرب للتقوى " أو لأنه عوض أجرة
الأرض.
وبذلك ظهر لك ضعف الاستدلال به للإسكافي، مضافا إلى ظهور عدة من
النصوص السابقة التي منها خبر محمد بن مسلم (3) سأل الباقر عليه السلام " متى يجب المهر؟
قال: إذا دخل بها " وخبر يونس بن يعقوب (4) عن الصادق عليه السلام " لا يوجب المهر
إلا الوقاع " المحمول فيهما الوجوب على الثبوت والاستقرار، لظهوره وغلبة
استعماله في ذلك، أو للجمع أو لغير ذلك، فيكون المراد أنه لا يوجبه بتمامه إلا
الوقاع في مقابلة احتمال وجوبه بالخلوة أيضا، وإلى أنها لو ملكته به لا ستقر
ولم يزل إلا بناقل من بيع ونحوه، والملازمة ثم بطلان اللازم ممنوعان، ويكفي
في السبب طلاقها قبل الدخول، كل ذلك مع قطع النظر عما دل على وجوبه أجمع
بالموت من النصوص (5) المعمول بها كما ستعرف، وعن الحاوي وجوب النصف

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب المهور الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور الحديث 7 - 6.
(4) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور الحديث 7 - 6.
(5) الوسائل الباب - 58 - من أبواب المهور الحديث 20 إلى 24.
108

عليها فيما لو أبرأته: ووجوب دفع قيمة النصف عليها لو زاد عندها زيادة متصلة
ولو كان قد دفع إليها عوضه عبدا آبقا وحبرة، وغير ذلك مما يشرف الفقيه على
القطع بفساد القول المحكي.
(و) حينئذ ف‍ (- لها التصرف فيه قبل القبض على الأشبه) الأشهر، بل
المشهور، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ في محكي الخلاف، فمنع منه قبله،
ويمكن دعوى لحوقه بالاجماع، بل وسبقه للأصل، وعموم تسلط الناس (1) وما
دل (2) على جواز إبرائها إياه منه، وعلى العفو عنه (3) ودفع الآبق والحبرة
عنه (4) وغير ذلك مما لا يعارضه النهي (5) عن بيع ما لم يقبض الذي هو أخص
من المدعى، بل هو وارد في بيع ما اشتراه (6) وقد عرفت حمله على الكراهة في محله،
ومن الغريب استدلاله على ذلك بأن الاجماع محقق على تصرفها به بعد القبض دون
ما قبله الذي يمكن منعه عليه، كما عرفت. على أن الدليل غير منحصر بالاجماع،
بل يكفي ما عرفت من الأصل والعموم وغيرهما.
وعلى كل حال (فإذا طلق الزوج عاد إليه النصف، وبقي للمرأة النصف)
بلا خلاف كتابا (7) وسنة (8) وإجماعا (فلو عفت عما لها كان الجميع للزوج)
بلا خلاف أيضا ولا إشكال كتابا (9) وسنة (10) وإجماعا بقسميه، مضافا إلى عموم تسلط

(1) البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.
(2) الوسائل الباب - 26 و 35 و 41 - من أبواب المهور.
(3) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 24 - من أبواب المهور الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام العقود الحديث 1 و 11 و 12 و 15
وغيرها من كتاب التجارة.
(6) الوسائل الباب - 16 - من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.
(7) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(8) الوسائل الباب - 51 - من أبواب المهور.
(9) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(10) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور.
109

الناس على أموالهم (1) فإذا كان الصداق دينا أو عينا وقد تلفت في يد الزوج صح
عفوها بلفظه والاسقاط والابراء والترك، بل في القواعد والمسالك وكشف اللثام
والهبة، بل في الأخيرين والتمليك، بل لم يحك أحد منهما الخلاف هنا ولعله
لدلالة كل منهما على اسقاط الحق الذي لا يختص بلفظ، ولا إشكال فيه مع إرادة
معنى الابراء منهما، إنما الكلام فيما لو أريد منهما معناهما لو تعلقا بالعين على أن
يكون الابراء تبعا لذلك، وكان وجهه صحة تمليك ما في الذمة ممن هو عليه بالهبة،
لكونه مقبوضا، فيحصل الابراء باعتبار عدم قصور ملك الانسان على نفسه، بخلاف
هبة ما في ذمة الغير، فإنه لا يتصور قبضه دينا، وتشخيصه بالعين يخرجه عن الدين
الذي هو محل البحث.
لكن قد يناقش بأنه لا معنى لملك الكلي في الذمة إلا استحقاقه على من في
ذمته، ضرورة كونه معدوما لا يصلح لقيام صفة الملكية، فلا يتصور حصولها لمن
في ذمته على نفسه، وحينئذ يتجه عدم الصحة إلا ما دل عليه الدليل في البيع وغيره
من العقود المملكة لا المسقطة.
وقد يدفع بأن الشارع قد جعل الوجود الذمي كالوجود الخارجي، فيصح قيام
صفة الملكية فيه إلا أن ذلك لما كان يتبعه الاستحقاق للمالك يتجه سقوطه في
الفرض ونحوه، لعدم تصور استحقاقه على نفسه، لا يقال: إن ذلك يقتضي أيضا
جواز هبة ما في ذمة الغير للغير، إذ هو حينئذ كالأعيان، لأنا نقول: إنه وإن كان
كذلك لكنه يمنعه اعتبار القبض في صحة الهبة، وقد عرفت عدم إمكان قبضه دينا،
واحتماله بالضمان مثلا يدفعه أنه ليس قبضا، وإنما هو عقد آخر وإن أفاد كونه
مقبوضا لمن صار في ذمته بعد الضمان، هذا ولتمام الكلام فيه محل آخر.
وعلى كل حال لا يفتقر إلى قبول عند المشهور بأي لفظ وقع كسائر
الابراءات، لاطلاق الأدلة المعتضدة بفتوى المشهور، ومما يؤيده هنا إطلاق قوله

(1) البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.
110

تعالى (1) " إلا أن يعفون " وما في الخبر السابق (2) من أنها " إذا جعلته في حل
منه فقد قبضته " فما عن المبسوط - من الافتقار إليه مطلقا والشافعية إذا كان بلفظ
الهبة والتمليك في وجه - ضعيف، وإن كان ما عن الشيخ أضعف مما عن الشافعية.
وإن كان عينا صح بلفظ الهبة والتمليك ونحوهما مما يقوم مقامهما، واعتبر
فيهما القبول والقبض.
وهل يصح بلفظ العفو؟ كما عن المبسوط والتحرير للآية (3) لمجيئه بمعنى
العطاء كما عن العين والمبسوط، وفي المسالك أن منه " ويسألونك ماذا ينفقون؟
قل: العفو من المال " أي الفضل من الأموال التي يسهل إعطاؤها، وقوله تعالى (4):
" خذ العفو " أي خذ ما أعطاك الناس من ميسور أموالهم، ولا تشدد عليهم، وفيه أنه
لا دلالة على كونه بمعنى العطاء، وإنما هو عبارة عن نفس المال الزائد، والعطاء
مستفاد في الأول من الانفاق، ويحتمل العدم، لمنع مجيئه بمعنى العطاء، ولو سلم
كان خلاف المعروف، ولا سيما إذا قال: " عفوت عنه " بل لعل المتعدي بعن لا يكون
إلا بمعنى الابراء، والآية لا تتعين للفظ العفو، وإنما المراد اسقاط الحق من العين
أو الدين مطلقا، ولعله أقوى.
ومنه يعلم ما عن المبسوط من أنه إن عفت فهو هبة تقع بثلاثة ألفاظ: الهبة
والعفو والتمليك، وافتقر إلى القبول والقبض إن كان في يدها، ومضي مدة القبض
إن كان في يده، والإذن في القبض على قول، ولها الرجوع قبل مضي مدة القبض،
وإن عفى فإن كان الطلاق مخيرا فهو اسقاط لحقه - كحق الشفعة - لا هبة، فيصح
بستة ألفاظ، وهي جميع ما مر ولا حاجة إلى القبول، وإن كان مملكا، وهو الصحيح
عندنا فهو هبة إنما يقع بالثلاثة الألفاظ، وافتقر إلى القبول، وكان له الرجوع
قبل القبض أو مضي مدته، ونحوه عن التحرير، مضافا إلى ما فيه من النظر من

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب المهور الحديث 2.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(4) سورة الأعراف: 7 - الآية 199.
111

وجوه أخر أيضا.
(وكذا) الكلام (لو عفى الذي بيده عقدة النكاح) المذكور في
الآية (1) سواء قلنا: إنه الزوج كما عند العامة أو قلنا: (هو الولي) كما عند
الخاصة، (كالأب والجد للأب) وعن النهاية زيادة الأخ (وقيل) كما عن
المهذب: (أو من تولته الامرأة عقدها) كل ذلك لتظافر نصوصهم في ذلك أو
تواترها كصحيح ابن سنان (2) عن الصادق عليه السلام " الذي بيده عقدة النكاح فهو
ولي أمرها " وحسن الحلبي (3) أيضا في قوله تعالى: (4) " أو يعفو " إلى أخره " هو
الأب والأخ، والرجل يوصي إليه، والرجل يجوز أمره في مال الامرأة، فيبيع لها
ويشتري، فإذا عفا فقد جاز " ونحوه في خبر سماعة (5) عنه عليه السلام أيضا، وفي مرسل
ابن أبي عمير (6) عنه عليه السلام أيضا " يعني الأب والذي توكله المرأة وتوليه أمرها
من أخ أو قرابة أو غيرهما " وفي خبر إسحاق بن عمار (7) " أبوها إذا عفا جاز له،
وأخوها إذا كان يقيم بها، وهو القائم عليها، فهو بمنزلة الأب يجوز له، وإذا
كان الأخ لا يهتم ولا يقيم عليها لم يجز أمره " وفي خبر أبي بصير (8) عنه عليه السلام أيضا
قال: " هو الأخ والأب، والرجل يوصي إليه، والذي يجوز أمره في مال يتيمته،
قال: قلت: أرأيت إن قالت: لا أجيز ما يصنع؟ قال: ليس لها ذلك، أتجيز بيعه

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح - الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور الحديث 1.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(5) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الوكالة الحديث 1.
(7) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور الحديث 5.
(8) أشار إليه وذكر ذيله في الوسائل في الباب - 52 - من أبواب المهور
الحديث 3 وذكر تمامه في البحار - ج 103 ص 358 ط الحديث - وفيه " في مال
بقيمته ".
112

في مالها ولا تجيز هذا؟ " وقال الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم وأبي بصير (1): " هو
الأب والأخ، والموصى إليه، والذي يجوز أمره في مال الامرأة من قرابتها،
فيبيع لها ويشتري فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر " وسأل رفاعة (2) الصادق عليه السلام
في الصحيح " عن الذي بيده عقدة النكاح فقال: الولي الذي يأخذ بعضا ويترك بعضا
وليس له أن يدع كله " إلى غير ذلك من النصوص المتفقة في الدلالة على أنه غير
الزوج.
مؤيدة بأنه المناسب لعطفه على الغائب، إذ لو أريد به الزوج لما عدل عن
الخطاب الذي قد صدر به الآية، وبأن العفو حقيقة في الاسقاط لا التزام ما سقط
بالطلاق، إذ لا يسمى ذلك عفوا، وبأن إقامة الظاهر مقام المضمر مع الاستغناء بالمضمر
خلاف الأصل، ولو أريد الأزواج لقيل: أو يعفو، وبأن المسند إليهن العفو أولا
الرشيدات، فيجب ذكر غير الرشيدات ليستو في القسمة، وبأن قوله تعالى (3):
" إلا أن يعفون " استثناء من الاثبات، فيكون نفيا، وحمله على الولي يقتضي ذلك،
ففيه طرد لقاعدة الاستثناء بخلاف ما لو حمل على الزوج، فإنه يكون الاستثناء من
الاثبات إثباتا وهو خلاف القاعدة، وبأن قضية العطف التشريك، وهو حاصل على
تقدير إرادة الولي، ضرورة اشتراكهما حينئذ في النفي، بخلاف ما لو حمل على الزوج،
فإنه يكون إثباتا، فلا يحصل معه الاشتراك.
وهذه الوجوه وإن كان في بعضها أو جميعها نظر كما أطنب في بيانه في المسالك
لكن قد عرفت أن العمدة النصوص السابقة التي لا يعارضها ما في بعض الشواذ (4)
من كون المراد به الزوج، خصوصا بعد اتفاق الإمامية أو كالاتفاق على مضمونها،
ولولاه لأمكن إرادة الأعم من الزوج ووليه ووليها منه، على معنى ثبوت النصف

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح - الحديث 5 - 3.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح - الحديث 5 - 3.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 251.
113

بالطلاق إلا أن يعفون أو يعفو أحد هؤلاء، فلا تنصيف حينئذ وإن اختلف مالك
الكل.
لكن قد عرفت اشتمال بعض النصوص على الأخ، والاجماع محقق منا
على عدم ولايته، فلا بد حينئذ من إدراجه فيما بعده من كونه وصيا أو ولته أمرها
كما سمعته في خبر إسحاق بن عمار (1)، فيكون حينئذ تعميما بعد تخصيص ولا بأس
به كما أنك قد عرفت اشتمالها على من توليه أمرها الذي سمعته من القاضي المؤيد
- مضافا إلى ذلك - بعموم الآية (2) وبعدم الفرق بين الأخ وغيره في انتفاء الولاية
بدون توليتها وثبوتها بتوليتها وتوكيلها، ولأنها إذا وكلت رجلا وأذنت له في
كل ما يراه من التصرف في أموالها مطلقا كان له جميع ما يدخل في الإذن ومنه هذا
التصرف، ولعل اقتصار معظم الأصحاب على الأب والجد لعدم كونه وليا حقيقة،
ضرورة أنه عن أمرها وعن توليتها وتوكيلها.
ومن ذلك يظهر أنه لا وجه لما في المتن وغيره من نسبته إلى القيل مشعرا
بتمريضه فضلا عن وقوع الخلاف، لما عرفت من عدم تصوره فيه، إذ مع فرض عموم
وكالته لما يشمل ذلك لا إشكال في اعتبار عفوه حينئذ، كما أنه لا إشكال في عدم
اعتباره مع فرض عدم عمومها، واحتمال أن القائل يقول بذلك على هذا التقدير
بعيد، بل لعل النصوص كالصريحة في خلافه.
نعم قد يقال: إن المراد هنا على وجه متحقق فيه الخلاف هو أن توليتها أو
توكيلها إذا كان على جهة الاطلاق في غير مقام يقيد بالمصلحة، نحو إطلاق التوكيل
في البيع المنصرف إلى ثمن المثل، أما فيه فله العفو وإن كان هو نفسه لا مصلحة لها
فيه عملا بظاهر النصوص المزبورة، وحينئذ يكون الوجه في الخلاف أن القاضي
عمل بالنصوص المزبورة المؤيدة باطلاق الآية، فهو حينئذ كالأب والجد بالنسبة
إلى ذلك.

(1) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور الحديث 5.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
114

وهو قوي إن لم نتحقق إعراض الأصحاب عنه على هذا التقدير، ترجيحا
لما دل على اعتبار المصلحة في التصرف في مال المولى عليه من قوله تعالى (1):
" ويسألونك عن اليتامى قل: إصلاح لهم خير " وقوله تعالى (2): " ولا تقربوا مال
اليتيم إلا بالتي هي أحسن " وغير ذلك على هذه النصوص التي - ربما كان خبر
إسحاق بن عمار (3) منها شاهدا على ما سمعت - توجب حينئذ صرف ظاهرها إليه
أو رفع البعد عنه، نحو ما يظهر أيضا منها من مضي عفو كل من له الأمر في نكاحها
وما لها من وصي أو غيره مما لم نعرف قائلا به وإن كان هو غير بعيد، بل لولا
اتفاق الأصحاب ظاهرا على خلاف ذلك لأمكن أن يقال المراد من الآية بيان العفو
منها أو من وليها على حسب عفوه عن غير ذلك من ديونها وأموالها، فلا يختص المقام
حينئذ بخصوصية.
بل ربما حكي عن ابن إدريس والعلامة في المختلف وحاشية الكركي اعتبار
المصلحة في العفو ولو عن البعض، ومقتضاه عدم الخصوصية للمقام، لكن قد يستفاد
من معقد الاتفاق في محي الخلاف والمبسوط أن للأب والجد العفو، وأنه المذهب
في محكي التبيان ومجمع البيان وروض الجنان للشيخ أبي الفتوح وفقه القرآن
للراوندي والأخبار أن للمقام خصوصية، وهي جواز عفوهما مطلقا مع المصلحة
وعدمها.
بل ما ذكره المصنف (و) غيره - من أنه (يجوز للأب والجد للأب
أن يعفو عن البعض وليس لهما العفو عن الكل) بل قيل: إنه بظهر الاتفاق عليه
في المبسوط والتبيان ومجمع البيان وفقه القرآن للراوندي - أصرح في إثبات
الخصوصية، ولعل دليله الأصل، وصحيح رفاعة (4) السابق ومرسل ابن أبي عمير (5)

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 220.
(2) سورة الأنعام: 6 - الآية 152.
(3) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
(5) الوسائل الباب - 7 - من كتاب الوكالة الحديث 1.
115

عن الصادق عليه السلام " ومتى طلقها قبل الدخول بها فلأبيها أن يعفو عن بعض الصداق
ويأخذ بعضا، وليس له أن يدع كله " لكن عن المختلف وفاقا للجامع أن المصلحة
إن اقتضت العفو عن الكل جاز، وفي كشف اللثام وهو الموافق للأصول ويمكن
حمل الخبرين على أن الغالب انتفاء المصحلة في العفو عن الكل وفيه أن محل البحث
العفو من حيث كونه عفوا مع قطع النظر عن أمر خارج عنه، ولا ريب في عدم جوازه من
الولي في غير المقام، لكونه تضييع مال المولى عليه.
(و) لذا قال المصنف وغيره بل ظاهرهم الاتفاق عليه إنه (لا يجوز لولي
الزوج أن يعفو عن حقه إن حصل الطلاق) منه ثم صار مولى عليه بجنون أو
بلغ فاسد العقل وقلنا بصحة طلاق الولي عنه حينئذ (لأنه منصوب لمصلحته ولا غبطة
له في العفو) نعم قل يقال -: بسبب استبعاد هذا الحكم خصوصا مع تصريح بعضهم
بعدم الفرق في البعض بين القليل والكثير المقتضي لجواز العفو مع إبقاء شئ من المهر
وإن قل وعدمه إلا مع المصلحة بالنسبة إلى ذلك القليل، وعدم وفاء مثل الخبرين (1)
المزبورين بمثله مع فرض دلالة تلك النصوص (2) والآية (3) ولو من جهة الاطلاق
على العفو مطلقا، فيقصران حينئذ عن تقيده بهما - أنه يمكن طرحهما أو حملهما
على ما لا ينافي ذلك.
(و) كيف كان فقد عرفت مما قدمناه أنه (إذا عفت) الزوجة (عن
نصفها) مثلا (أو عفى الزوج عن نصفه لم يخرج عن ملك أحدهما بمجرد العفو
لأنه) وإن قلنا: إنه (هبة) باعتبار وروده بمعنى العطاء أو لجواز عقد الهبة
به مع إرادتها منه ولو مجازا (فلا ينتقل إلا بالقبض) كغيره من أفراد الهبة،

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح - الحديث 3 والباب - 7 - من
كتاب الوكالة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب عقد النكاح والباب - 52 - من أبواب
المهور.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
116

إذا احتمال اختصاصه بتحقق الملك بمجرد العقد به - لتوهم دلالة إطلاق الآية (1)
والرواية (2) على ذلك - واضح الفساد.
(نعم لو كان) الصداق (دينا على الزوج أو تلف في يد الزوجة كفى العفو
عن الضامن له) زوجا كان أو زوجة (لأنه يكون) حينئذ (إبراء) كما عرفت
ذلك، (و) عرفت أيضا أنه (لا يفتقر إلى القبول على الأصح) خلافا للشيخ
فلاحظ وتأمل.
(أما الذي عليه المال) أو عنده (فلا ينتقل عنه بعفوه ما لم يسلمه)
لأنه إن كان عينا فهو حينئذ هبة يحتاج صحتها إلى القبض، وإن كان دينا فالعفو
عنه مع كونه ليس في ذمة العفو عنه كالهبة أيضا لا يتحقق ملكه إلا بالقبض، بل
الظاهر أنه لا بد من تجديد الصيغة بعد تعيينه وتشخيصه، ولا يكفي التلفظ بالعفو
السابق الذي لم يكن مورده عينا ولا دينا في ذمة العفو عنه، لأنه بعد التسليم يكون
كهبة ما في ذمة الغير لمن ليس عليه، وهي باطلة على ما قرر في محلها، واحتمال
خصوصية للعفو هنا باعتبار إطلاق الآية (3) ضعيف، وحينئذ فظاهر المتن وغيره
من كفاية العفو الذي يتعقبه التسليم لا يخلو من نظر إلا إذا قلنا بصحة هبة ما في
ذمة الغير لمن ليس عليه الحق بتعقب التشخيص والقبض، فإنه يتجه حينئذ ما ذكروه
والله العالم.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
117

المسألة (الرابعة عشرة)
قد عرفت فيما تقدم أنه (لو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع)
عن الدخول بها، لأن بضعها ملك بالمهر المتأخر برضاها (فلو) عصت و (امتنعت
وحل) مهرها المؤجل (هل لها أن تمتنع؟ قيل: نعم، وقيل: لا، لاستقرار
وجوب التسليم قبل الحلول، وهو أشبه) بأصول المذهب وقواعده كما سمعت الكلام
فيه مفصلا، والله العالم.
المسألة (الخامسة عشرة)
(لو أصدقها قطعة من فضة) مثلا (فصاغتها) حليا أو (آنية)
محللة أو للادخار بناء على جوازه (ثم طلقها قبل الدخول كانت بالخيار في تسليم
نصف العين أو نصف القيمة) التي هي هنا المثل (لأنه لا يجب عليها بذل الصفة)
كما تقدم البحث في نظيره من كل عين قد زادت في يدها، بل قد تقدم سابقا قوة
تعيين القيمة لخبر العبد الذي كبر في يدها (1) مؤيدا بأن الطلاق من المملكات
التي ينافيها خيارها بين بذل نصف العين ونصف القيمة، ضرورة قابليته تحقق صفة
الملك في الكلي التخييري، ومن هنا كان المتجه - بناء على جواز بذلها نصف العين
ووجوب القبول عليه ولو للاجماع، أو لكونه حينئذ أقرب إلى نصف المفروض من
القيمة إن لم نقل: إنه منه - أن الواجب أولا للزوج القيمة أو نصف العين ويدفع
الآخر عنه، والأمر سهل بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.
ولو أصدقها حليا فكسرته أو انكسر عندها وأعادته صنعة أخرى فهو زيادة
ونقصان، وقد عرفت أن المتجه وجوب القيمة أيضا لخبر العبد (2) لكن ذكروا

(1) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 34 - من أبواب المهور الحديث 2.
118

فيه أن لهما معا الخيار كما سمعت.
إنما الكلام فيما إذا أعادت تلك الصنعة الأولى دون صنعة أخرى، فإنه
يحتمل الرجوع إلى نصفه وإن لم ترض الزوجة، لأنه الآن بالصفة التي كانت عليه
عند الاصداق من غير زيادة، ويحتمل اعتبار رضاها بذلك فلا يرجع بدون رضاها
لأنها زيادة حصلت عندها باختيارها وإن كانت مثل الأولى، والزيادة الحاصلة
عندها تمنع من الرجوع بدون رضاها وإن جوزنا إعادة المعدوم بعينه، فإنه
يختلف باختلاف وضع الأجزاء وإن تشابه، ومن المعلوم عادة أن الأجزاء لا تعود
إلى أوضاعها السابقة، نعم يتجه إن قيل باتصال الجسم مع بقائه حال الانكسار
وإعادة الصفة بعينه ولم يقل به أحد.
قيل وفرق بين ذلك وبين الجارية إذا هزلت عنده ثم سمنت، - فإنه
يرجع بنصف الجارية وإن لم ترض مع حدوث السمن عندها - بأن السمن بدون
اختيارها والصفة باختيارها والتزامها المؤونة، ومن العامة من لم يفرق بينهما، بل عن
فخر الاسلام الميل إليه، لكنه كما ترى، فإن أبت فله نصف قيمته مصوغا بتلك
الصفة، فإنه بمنزلة التالف، وهو مركب من جزءين مادي وصوري، ولا مثل للصوري،
فيتعين القيمة، ولا بد من أن يكون من غير الجنس تحرزا من الربا، ويحتمل أن
يكون له مثل وزنه أجرة مثل الصفة، لأن الجزء المادي مثلي، والمثل أقرب إليه من القيمة،
ولا ينافي اعتبار مثله اعتبار القيمة للجزء الآخر.
(ولو كان الصداق ثوبا ف‍) - فصلته و (خاطته قميصا لم يجب على الزوج
أخذه) كما لا تجبر هي على دفعه (وكان له إلزامها بنصف القيمة، لأن الفضة
لا تخرج بالصياغة عما كانت قابلة له، وليس كذلك الثوب) ومن هنا وجب عليه
القبول في الأول بخلاف الثاني، وقد عرفت سابقا قوة احتمال عدم وجوب القبول في
نظير الأول أيضا، فلاحظ وتأمل.
119

المسألة (السادسة عشرة) قد تقدم سابقا أنه (لو أصدقها تعليم سورة) مثلا (كان حده أن تستقل
بالتلاوة) صحيحا بغير مرشد (ولا يكفي) في صدقه عرفا (تتبعها لنطقه نعم)
قيل: (لو استقلت بتلاوة الآية ثم لقنها غيرها فنسيت الأولى لم يجب عليه إعادة
التعليم) عرفا، مع أن تحقق المراد من اطلاق تعليم السورة بذلك عرفا محل
نظر أو منع، وعن بعضهم اعتبار ثلاث آيات مراعاة لما يحصل به الاعجاز، وأقله
سورة قصيرة مشتملة على ثلاث آيات كالكوثر، والأجود الرجوع إلى العرف، لعدم
التقدير شرعا، ولا مدخلية للاعجاز في ذلك خصوصا مع اختلاف الآيات قصرا
وطولا.
(و) على كل حل ف‍ (- لو استفادت ذلك من غيره كان لها) عليه (أجرة
التعليم كما لو تزوجها بشئ وتعذر عليه تسليمه) سواء كان بتقصير منها في التعلم
منه مع بذله نفسه لذلك وعدمه.
وكذا لو مات أحدهما قبل التعليم وقد شرط تعليمها بنفسه، أو تعذر تعليمها
لبلادتها، أو أمكن بتكلف عظيم زيادة على المعتاد، وقد عرفت أن ذلك ليس كالإجارة،
كما أنه ليس ذلك كوفاء دين الانسان بغير إذنه، حيث حكم ببراءته ببذل الغير
ولو من غير إذنه، لأن تعليمه بنفسه لا يمكن وفاؤه عنه بتعليم غيره، لأن ذلك غير
التعليم المجعول مهرا، نعم لو كان الواجب عليه التعليم مطلقا فتبرع واحد عنه سقط حينئذ
عنه ولم تستحق الامرأة شيئا، كما هو واضح.
120

المسألة (السابعة عشرة)
قد عرفت فيما تقدم أنه (يجوز أن يجمع بين نكاح وبيع) وغيرهما
(في عقد واحد، ويقسط العوض) حينئذ (على الثمن) الذي هو قيمة المبيع
(ومهر المثل) الذي هو قيمة البضع، كما عرفته فيما تقدم (ولو كان معها دينار)
مثلا (فقالت: زوجتك نفسي وبعتك هذا الدينار بدينار) فعن المبسوط ووافقه
المصنف (بطل البيع، لأنه ربا) باعتبار مقابلته بدينار مع زيادة النكاح أو عوضه
(وفسد المهر) حينئذ (وصح النكاح) الذي قد عرفت غير مرة أن المهر
ليس من أركانه.
ولكن في القواعد وتبعه في المسالك أن الأقوى وجوب ما يقتضيه التقسيط من
المسمى للنكاح وبطلان البيع خاصة، إذ لو أخلينا النكاح من المسمى لزم وقوع
الدينار كله بإزاء الدينار، فيصح البيع حينئذ لانتقاء الربا، فلو فرض مهر مثلها
دينارا كان ما يخص المهر منه نصف دينار، لاتفاقهما على جعله في مقابلة دينارين،
ويبطل البيع في نصف الدينار بالدينار الذي يقابله، ولو فرض مهر مثلها عشرة دنانير
قسم الدينار على أحد عشر جزء، وكان المهر عشرة أجزاء من أحد عشر جزء
من الدينار، وبطل البيع في جزء من أحد عشر جزء من دينار، ولعل هذا آت
في كل مختلفين جمعا في عقد واحد بعوض واحد، ولا يلزم من بطلان الربا بطلان
الأمرين، لوجود المقتضي للصحة وانتفاء المانع.
وفيه أن عقد المعاوضة واحد إلا أن عدم بطلان النكاح من جهة عدم اعتبار
العوض فيه، وإلا فلا ريب في بطلان " بعتك الفرس والدينار بدينار " بل " وبعتك
الفرس ووهبتك الدينار بدينار " على جريان الربا في سائر المعاوضات، فتأمل
جيدا، هذا كله مع اتحاد الجنس.
(أما لو اختلف الجنس) كالدينار بالدرهم (صح الجميع) لعدم الربا
121

نعم يعتبر تحقق شرط الصرف وهو التقابض في المجلس وإلا بطل فيما يقابل الدرهم
من الدينار، وصح فيما اقتضاه المهر من التقسيط، لعدم اعتبار التقابض فيه في المجلس
وكأن المصنف ذكر هاتين المسألتين في هذا الباب - مع أنهما ليستأمنه - لما يحكى
عن العامة من عد ذلك من مفسدات المهر، والله العالم.
(فروع:)
(الأول)
(لو أصدقها عبدا فأعتقته ثم طلقها قبل الدخول فعليها نصف قيمته)
بلا خلاف ولا إشكال، كما عرفته في المباحث السابقة. (و) لكن الكلام فيما
(لو دبرته) فإنه (قيل: كانت بالخيار في الرجوع) بالتدبير و إعطائه نصف
العين (و) في (الإقامة على تدبيره) وإغرامه نصف القيمة، وذلك لأن التدبير
طاعة مقصودة قد تعلقت بالعبد، فكانت كالزيادة المتصلة التي قد سمعت أنها لا تجبر
معها على دفع العين، بل قد سمعت قوة احتمال تعين القيمة، في مثل ذلك، ولتعلق
حق الحرية بالعين ولا عوض عنه، بخلاف حق الزوج، فإن القيمة تقوم مقامه،
فتدفع حينئذ جمعا بين الحقين، إلا أن ذلك كما ترى، ضرورة عدم اخراج التدبير
المدبر عن الملك، كضرورة كون الطلاق مملكا للنصف، فالمتجه حينئذ انتقال
نصف العين إلى المطلق، لكون العين باقية على ملكها، فلا مانع حينئذ من إعمال
سبب الطلاق قبل الدخول عمله، كما في غير التدبير من الوصايا المتعلقة بالصداق،
واحتمال خصوصية للتدبير يدفعه منع ذلك بعد فرض جواز الرجوع كغيره من
الوصايا، نعم قد يتم ذلك لو قلنا بعدم جواز الرجوع به، كما هو المشهور بين
العامة على ما قيل، كمنع احتمال ترجيح استصحاب بقاء حكم الوصية أو عموم
122

ما دل على نفوذها ما لم يرجع صاحبها وعدم جواز تبديلها (1) على ما دل (2) على
تنصيف الطلاق بناء العتق على التغليب الذي لأجله شرع التدبير، لكون التعارض
بينهما من وجه خصوصا مع عدم منع التدبير رجوع الواهب بالموهوب ولا الرجوع
بالعين لعيب مثلا في البيع، فإنه لا فرق بينهما في المقام، وما في بعض كتب العامة
من قوة الفسخ فيهما، وكونه كالعقد بخلاف الطلاق مجرد استحسان، ومن هنا
كان خيرة ثاني الشهيدين بطلان التدبير في النصف، إلا أن الانصاف عدم خلو الأول
من قوة أيضا.
وعلى كل حال (فإن رجعت) بالتدبير (أخذ نصفه، وإن أبت لم
تجبر) على الرجوع (وكان عليها قيمة النصف) بل قد يقال: بأن له قيمة
النصف في الأول أيضا وإن رجعت فيه بعد الطلاق قبل الغرامة، لما عرفت من كون
الطلاق مملكا من حينه، فمع فرض تمليكه القيمة عليها يكون العبد مدبرا لا
دليل على عود استحقاقه إلى العين بعد الرجوع، اللهم إلا أن يقال: إن لم يعد الحق
إليها فلا ريب في أنها أقرب إليه من القيمة، وفيه أنه لا دليل فيه أيضا على وجوب
الأقرب بعد فرض تعلق السبب بمقتضاه.
(و) من ذلك يعلم الكلام فيما (لو دفعت نصف القيمة ثم رجعت في
التدبير) الذي هو أولى من الأول بالحكم السابق وإن (قيل كان له العود في
العين لأن القيمة أخذت لمكان الحيلولة) كالعين المغصوبة (و) لكن (فيه
تردد منشؤه) ما عرفت، وما في المتن من (استقرار الملك بدفع القيمة) ولو
للأصل.

(1) الوسائل الباب - 32 - من كتاب الوصايا.
(2) الوسائل الباب - 51 - من أبواب المهور.
123

(الثاني)
قد عرفت فيما مضى أن المولى عليها (إذا زوجها الولي بدون مهر المثل)
لا لمصلحة كان لها عدم إجازة المهر، بل والعقد في وجه تقدم الكلام في ذلك
مفصلا، ولكن في المتن هنا (قيل: يبطل المهر ولها مهر المثل، وقيل: يصح
المسمى وهو أشبه) بعمومات الولاية وبما ثبت كتابا (1) وسنة (2) من أن له العفو
عن المهر وهو مناف لما اختاره سابقا، اللهم إلا أن يحمل على الصحة التي لا تنافى
اعترضها، فلاحظ وتأمل.
وفي المسالك " أن المختار صحة العقد ولزوم المسمى مع المصلحة وثبوت
الخيار لها فيه مع عدمها، فإن فسخت فلها مهر المثل مع الدخول كالمفوضة - إلى
أن قال: - ولو كان المولى عليه ذكرا وزوجه الولي بأكثر من مهر المثل
فالأقوى وقوفه على الإجازة لعقد الفضولي بالنسبة إلى المسمى، فإن أبطله ثبت
مهر المثل كالسابق، ويتخير الآخر حينئذ في العقد، هذا إذا كان الصداق من مال
الولد، فلو كان من مال الأب جاز، لأنه لا تخيير للولد حينئذ، وإن دخل في ملك
الولد ضمنا " وظاهره الفرق في الحكم بينهما، وفيه نظر يعرف مما قدمناه سابقا
فلاحظ وتأمل.
(الثالث)
(لو تزوجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن) أو غيره مما يعتبر
فيه العد والكيل والذرع (فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صح) لعموم أدلة الابراء (3)

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب المهور.
(3) الوسائل الباب - 41 - من أبواب المهور.
124

خلافا لما عن الشيخ من المنع عند الجهل بالقدر في قول (وكذا لو تزوجها بمهر
فاسد واستقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صح) لذلك (ولو لم تعلم كميته،
لأنه اسقاط للحق، فلم يقدح فيه الجهالة) التي لا دليل يعارض العمومات (و) غيرها
على ما نعيتها، نعم (لو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول) بناء على وجوبه به (لم
يصح، لعدم الاستحقاق) حينئذ، فهو إبراء مما لم يجب، مع احتمال أن يقال:
إنه مع تحقق استحقاق أن تستحق بالعقد مثلا يصح له اسقاط ذلك الاستحقاق لكنه
ليس إبراء من مهر المثل، فتأمل، والله العالم.
(تتمة:)
(إذا زوج ولده الصغير فإن كان له مال فالمهر على الولد، وإن كان فقيرا)
أي لم يكن له مال (فالمهر في عهدة الوالد و) حينئذ ف‍ (- لو مات الوالد أخرج المهر
من أصل تركته) لأنه من ديونه (سواء بلغ الولد وأيسر أو مات قبل ذلك)
بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص، ففي
صحيح الفضل بن عبد الملك (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو
صغير، قال: لا بأس، قلت: يجوز طلاق الأب، قال: لا، قلت: على من الصداق؟
قال: على الأب إن كان ضمنه لهم، وإن يكن ضمنه فهو على الغلام إلا أن لا
يكون للغلام مال، فهو ضامن له وإن لم يكن ضمن " وموثق عبيد (2) " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير قال: إن كان لابنه مال فعليه
المهر، وإن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ضمن أم لم يضمن " وخبر علي بن
جعفر (3) عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن الرجل يزوج ابنه وهو صغير فدخل
الابن بامرأته على من المهر؟ على الأب؟ قال: المهر على الغلام، وإن لم يكن له
شئ فعلي الأب ضمن ذلك عن ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه وهو صغير "

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور الحديث 2 - 1 - 4.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور الحديث 2 - 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور الحديث 2 - 1 - 4.
125

وعلى ذلك ينزل إطلاق صحيح ابن مسلم (1) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن رجل
كان له ولد فزوج منهم اثنين وفرض الصداق ثم مات، من أين يجب الصداق من
جملة المال أو من حصتهما؟ قال: من جميع المال، إنما هو بمنزلة الدين ".
فلا حاجة حينئذ بعد ذلك إلى ما عن السرائر والتذكرة - من الاستدلال عليه
بأنه لما قبل النكاح لولده مع علمه باعساره وبلزوم الصداق فعقد النكاح علمنا
بالعرف والعادة أنه دخل على أن يضمنه - الواضح منعه، بل يمكن دعوى أن المرأة
مع علمها بالحال دخلت على أن الصبر إلى الأيسار.
نعم في القواعد " لو تبرأ الأب في العقد من ضمان العهدة صح إن علمت المرأة
بالاعسار " ولعله لأن المؤمنين عند شروطهم (2) ولدخول المرأة على ذلك، وللاقتصار
في خلاف الأصل على المتيقن، بل لو لم تعلم بالاعسار، فكذلك أيضا لما عرفت، وإن
قيل: إن لها حينئذ خيار الفسخ، مع أن فيه ما فيه، كما أن ما في كشف اللثام - من
احتمال عدم اعتبار التبري حينئذ، لامكان كون رضاها بذلك لظنها الأيسار وأن
التبري قد كان مما ليس عليه ضمانه، ولو أنها علمت كون الضمان عليه لم ترض بالتبري
منه - كذلك أيضا هذا.
ولكن في المسالك الاشكال في أصل صحة ذلك، لاطلاق النص والفتوى بلا
معارض، على أن الصبي غير محتاج إلى النكاح، فلاحظ له في التزام المهر في ذمته
مع الاعسار عنه، وتزويج الولي له غير متوقف على وجود المصلحة، بل على انتفاء
المفسدة، ولو قيد ذلك بما إذا كان في التزام الصبي بالمهر مصلحة - بأن كانت
مناسبة له وخاف فوتها بدون ذلك ونحوه - قرب من الصواب إلا أن تخصيص النصوص
الصحيحة بذلك لا يخلو من إشكال.
قلت: قد عرفت ما يقتضي تخصيصها لو سلم عمومها، لامكان دعوى ظهورها

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
126

في صورة الاطلاق أو عدم ظهورها فيما يشمل هذه الصورة، فما عساه يقال -: إن بين
أدلة (1) المقام و " المؤمنون عند شروطهم " (2) تعارض العموم من وجه وترجيح
الأول على الثاني ليس بأولى من العكس المعتضد باطلاق الفتاوى - واضح الضعف،
خصوصا بعد ما سمعت من عدم ظهور النصوص في الفرض، وإنما هي ظاهرة في النكاح
من حيث نفسه، وكذا الكلام في صورة عدم المسمى لفساد أو لتفويض أو لنحو
ذلك، فوجب مهر المثل بالدخول بعد البلوغ، فإن ضمان الأب حينئذ له وإن
بقي الولد على إعساره لا يخلو من إشكال أو منع، بل قد يتوقف في ضمانه بالفرض
في مفوضة البضع أيضا.
ولو كان الصبي مالكا لبعض المهر دون بعض ففي المسالك " لزمته منه بنسبة
ما يملكه، ولزم الأب الباقي - ثم قال فيها أيضا -: إن إطلاق النصوص والفتاوى
يقتضي عدم الفرق في مال الصبي بين كونه مما يصرف في الدين على تقديره وغيره،
فيشمل ما لو كان له دار سكنى ودابة ركوب ونحو ذلك، فيكون المهر حينئذ في
ذمته وإن كان لا يجب عليه الوفاء منها، بل تنتظره حتى يقدر على الوفاء إن شاء
جمعا بين الأصلين " قلت: إن كان المراد من النصوص بالمال للصبي الذي تتسلط
المرأة على استيفاء مهرها منه كان المتجه حينئذ عدم اعتبار المستثنيات المزبورة،
وإن كان المراد صدق له مال وإن لم يكن كذلك لقلته أو لكونه مرهونا أو لغير
ذلك من الموانع التي تمتنع المرأة من استيفاء مهرها إلا أنه مع ذلك يصدق عليه
أن عنده مال وشئ اتجه حينئذ عدم التوزيع في الفرع الأول، بل يكون تمام المهر
عليه، ولعل ذلك هو الموافق لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن،
ولتعليق ضمان الأب على ما إذا لم يكن عنده شئ في خبر علي بن جعفر (3) ومال
في غيره (4) فتأمل جيدا.
وعلى كل حال ففي كل موضع لا يضمن الأب المهر لو أداه تبرعا عن

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور الحديث 0 - 4 - 1.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
(3) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور الحديث 0 - 4 - 1.
(4) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور الحديث 0 - 4 - 1.
127

الصبي أو ضمنه لا بقصد الرجوع لم يكن له رجوع للأصل، كما لو أداه عن أجنبي أو أداه
أجنبي، نعم لو أداه بقصده مع الغبطة أو عدم المفسدة يتجه حينئذ رجوعه، لعموم ما دل
على نفوذ تصرف الأولياء، وخصوصا الاجباري منه، وما عن التذكرة - من عدم الرجوع
بالأداء، ورجوعه بالضمان مع قصده الرجوع به في موضع منها - غير واضح الوجه،
ضرورة عدم الفرق بينهما في ذلك كما عرفت.
ولا يخفى أن مورد النصوص الأب وفي التعدي إلى الجد وإن علا وجهان،
من كونه أبا حقيقة، بل ولايته أقوى من ولاية الأب في بعض المواضع، ومن مخالفة
الحكم للأصول، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، خصوصا والمنساق منه هنا
الأب، بل في المسالك منع كونه أبا حقيقة، ولذا يصح سلبه عنه، ومطلق الاستعمال
أعم من الحقيقة، وإن كان فيه ما فيه.
ولا فرق في ضمان الأب المهر بين المؤجل منه والمعجل وإن زاد الأجل
على زمان البلوغ، بل ولا في النكاح بين الفضولي وغيره مع إجازة الأب له، نعم
لو لم يجز الأب لعدم علمه مثلا فأجاز الولد بعد بلوغه أمكن عدم الوجوب على
الولي، للأصل وظهور خبر علي بن جعفر (1) في خلافه.
وكذا لا فرق فيه بين أن يكون دينا في ذمة الوالد أو عينا يبذلها للمهر بها
عن ولده، بل صريح بعضهم المفروغية من ذلك، ولعله للقطع بإلغاء الخصوصية في
مضمون النصوص، إلا أن الانصاف عدم خلوه من نوع تأمل وإن كان الأقوى ذلك،
والله العالم.
وكيف كان (فلو دفع الأب المهر) الذي ضمنه في ذمته لاعسار الصبي
(وبلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد النصف) منه (دون الوالد، لأن)
الطلاق مملك جديد للنصف لا فاسخ لسبب الملك ولما قيل من أن (ذلك) من
الوالد (يجري مجرى الهبة) من الوالد إلى الامرأة، وعلى كل حال فمع طلاقه يرجع

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور الحديث 4.
128

إليه نصف المال الذي دفع مهرا، بل هو كذلك لو دفعه عن الصبي الموسر
تبرعا أو ضمنه عنه كذلك، بل لا فرق بين الولد والأجنبي في ذلك فضلا عن الكبير
كما لا فرق بين الولد وبين الأجنبي.
ومنه يعلم الوجه في قول المصنف:
(فرع)
(لو أدى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرعا ثم طلق الولد رجع الولد
بنصف المهر، ولم يكن للوالد انتزاعه منه، لعين ما ذكرناه في الصغير) ولكن
في المتن (وفي المسألتين تردد) وكذا في القواعد، لكن في الدفع عن الكبير ولدا
كان أو أجنبيا، بل في محكي التحرير الحكم برجوع النصف للوالد كما في القواعد،
ولعل ذلك كله لأن دفع الوالد إنما هو للوفاء عما في ذمة الولد تحقيقا أو تقديرا،
كما في الصبي المعسر الذي كان ينبغي صيرورة العوض في ذمته مقابل البضع الذي ملكه
على حسب المعاوضات، كما يومئ إليه التعبير في النصوص (1) بضمان الوالد
المشعر بكونه كالضمان عنه، فمع الطلاق الذي هو فسخ عقد النكاح يعود النصف
إلى من دفعه وفاء، نحو الفسخ بالعيب في البيع الذي دفع فيه الثمن عن ذمة المشتري
تبرعا مثلا.
ومن هنا جزم في القواعد بأنه " لو طلق الولد قبل أن يدفع الأب عن الصبي
المعسر سقط النصف عن ذمة الأب والابن، ولم يكن للابن مطالبة الأب بشئ " بل
في كشف اللثام " أنه ظاهر، لأنه بضمانه تمام المهر للامرأة لا يثبت للابن عليه
شئ، وإنما ينتقل إليه المهر بدفعه عنه إليها، كما أن المديون لا يطالب الضامن
عنه بشئ إذا أبرأه المضمون له، نعم لو كان المهر عينا للأب ملكتها المرأة بالاصداق
وإن لم تقبضها، فإذا طلقها رجع إليه لا إلى الأب نصفها ".

(1) الوسائل الباب 28 - من أبواب المهور - 0 -.
129

إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من ظهور النص (1) والفتوى في أن
الطلاق مملك لا أنه فاسخ يعود به السبب الأول للملك، بل ظاهر المحكي عن الشيخ
الاجماع عليه، وحينئذ لا فرق بين دفع الأب وعدم دفعه، بل ولا بينه وبين الضمان
تبرعا، ولا بين كونه عينا أو دينا، ضرورة عدم الفرق في تسبيبه الملك لنصف العين
أو الدين، فيطالب به الأب.
ولعله لذا اعترف في المسالك بعدم ظهور الفرق بين الدفع وعدمه في الصبي
المعسر برجوع الولد بالنصف، لكن قال: إن ذلك يتم لو كان الأب متبرعا بالدفع
عن الصغير، وفيه أنه لا فرق أيضا مع دفعه أو ضمانه كذلك، نعم لو لم يكن قد دفع
ولا ضمن لم يكن له الرجوع بشئ على الوالد، لأن ذمته المشغولة لا والده، والفرض
عدم دفع عنه.
ومن الغريب ما سمعته من كشف اللثام من قياس ذلك على الضمان الذي لا يتم
التشبيه فيه إلا بالضمان عنه بإذنه فاتفق أن المضمون له قد أبرأ ذمة الضامن فإنه
تبرأ ذمة المضمون عنه أيضا، لكونه دينا واحدا، وهو غير ما نحن فيه، نعم لو قلنا
في الصبي المعسر إن ذمته المشغولة والأب ملتزم بالتأدية عنه اتجه حينئذ ما ذكره
ولكنه خلاف ظاهر النصوص (2) بل صريحها وصريح الفتاوى، بل ما في النصوص من التعبير
بالضمان يراد منه الالتزام نحو قوله عليه السلام (3): " من أتلف مال غيره فهو له ضامن "
لا الضمان المصطلح، على أنه على تقديره فهو حينئذ ضمان شرعي قهري لا ينافي تملك
نصفه للولد بالطلاق.
ودعوى أن المراد بالآية " فنصف ما فرضتم " (4) عود النصف للفارض، وهو

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب - 17 - من
أبواب المهور والحديث - 24 و 31 و 34 و 35 - منها.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب المهور.
(3) راجع التعليقة في ص 91.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 237.
130

هنا الأب، أو أن المراد لها نصف ما فرضتم لهن، فيبقى النصف الآخر على حاله
يدفعها ظهور النص والفتوى في إرادة ما يشمل فرض الولي، ولهذا لم يكن عندهم
إشكال معتد به في تملك الولد النصف مع الدفع، و ظهورهما أيضا في إرادة تملك
المطلق نصف المفروض الذي ملكته الامرأة بتمامه في العقد كما هو واضح، وكأن
تردد المصنف باعتبار اشتهار تعليل هذا الحكم بما ذكره من التنزيل منزلة الهبة،
وحينئذ فإذا دفع وطلق الولد كان له باعتبار لزوم هبة الرحم، وإن كان من الأجنبي
كان هذا الدفع منه للزوجة بمنزلة قبض الموهوب وتصرفه بالهبة، فليس له الرجوع،
ويتعين للولد النصف بالطلاق، أما إذا لم يدفع فلا هبة، فإذا طلق لم يكن للولد
الرجوع على الوالد، وفيه أنه لا رجوع له إلا مع الضمان التبرعي، والطلاق مملك
للولد النصف، فيستحق حينئذ على الضامن إذا ملكت الامرأة عليه الكل بالضمان.
على أن دعوى الهبة في السابق مع عدم قصدها، وعدم ولاية الدافع عن
المدفوع عنه في بعض أفرادها، وغير ذلك مما ينفي كونه هبة، وخصوصا مع
ملاحظة النظائر التي يدفع فيها الدين تبرعا عن المديون وبدون إذنه، لعدم اعتبار
المملوكية في المدفوع وفاء كي يحتاج إلى هذا التقدير مما لا ينبغي صدورها ممن
له أدنى ممارسة في الفقه، ولعله لذلك تردد المصنف، واستشكل غيره، والتحقيق
ما عرفت.
ومن ذلك كله تعرف النظر في جملة من كلمات القوم التي أطنب فيها في
المسالك، كما أنك منه قد عرفت الوجه في جميع أفراد المسألة، والله العالم.
131

(الطرف الرابع في التنازع)
(وفيه مسائل:)
(الأولى)
(إذا اختلفا في أصل) استحقاق (المهر) وعدمه (ف‍) - لا ريب في أن
(القول قول الزوج مع يمينه) بلا خلاف (ولا اشكال) إذا كان ذلك (قبل
الدخول) للأصل بل الأصول السالمة عن المعارض، (لاحتمال تجرد العقد عن
المهر) الذي قد عرفت عدم اعتباره في صحته، بل قيل: مقتضى الأصل تجرده، ولذا
كان الأصل التفويض لو وقع الاختلاف بينهما في التسمية وعدمها بلا خلاف ولا إشكال
أيضا، نعم قد يظهر من بعض العامة التحالف، ومرجعه إلى حكم التفويض أيضا،
وعلى كل حال فلا إشكال في الحكم المزبور.
(لكن الاشكال لو كان) الاختلاف بينهما في أصل استحقاق المهر وعدمه
(بعد الدخول ف‍) - المشهور كما في كشف اللثام أن (القول قوله أيضا نظرا إلى
البراءة الأصلية) لاحتمال أن ذلك قد كان بانكاح أبيه وهو صغير معسر، فيكون
المهر على أبيه، وإنكاح سيده لأنه رق سابقا فيكون المهر في ذمة السيد، بل في
الرياض الحكم بذلك قطعا مع ثبوت انتفاء التفويض باتفاقهما عليه أو البينة أو ما
في معناها، لجواز كون المسمى دينا في ذمة الزوجة أو عينا في يدها، فلا يكون العقد
المشتمل على التسمية بمجرده مقتضيا لاشتغال ذمة الزوج بشئ من المهر وظاهرا،
مع احتماله أيضا لأصالة البراءة المرجحة على أصالة عدم التسمية، مع أن فرض
132

التساوي لا يوجب الحكم باشتغال الذمة إلا مع رجحان الأصالة الأخيرة، وليس
فليس كل ذلك.
مضافا إلى ما في كشف اللثام من الاستدلال عليه بالأخبار كقول الصادق عليه السلام
في خبر الحسن بن زياد (1): " إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر وقال:
قد أعطيتك فعليها البينة وعليه اليمين " وفي صحيح عبد الرحمان بن الحجاج (2):
" إذا أهديت إليه ودخلت بيته وطلبت بعد ذلك فلا شئ لها، إنه كثير لها أن
يستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل ولا كثير ".
قلت: قد يقال: الظاهر أن مبني هذه النصوص على ما إذا كانت العادة الاقباض
قبل الدخول، بل قيل إن الأمر كذلك كان قديما، فيكون حينئذ ذلك من ترجيح
الظاهر على الأصل، وعلى كل حال موضوعها غير مفروض المسألة، ضرورة كونه
في اختلافهما في وصول المهر إليها وعدمه، بخلاف ما نحن فيه الذي قد سمعت مفروضه
استحقاق المهر وعدمه.
بل من ذلك يظهر لك وجه النظر فيما سمعته من الرياض على التقديرين
لأن احتمال كون المهر دينا له في ذمتها أو عينا لا ينافي دعواها الاستحقاق،
وإنما ينافي جوابه دعواها بعدم الاستحقاق، ضرورة كون ذلك على فرضه أداء منه لما
استحق عليه، فكان عليه إثباته ومن هنا لم يذكر الأصحاب ذلك في وجه براءته التي هي
مقتضي الأصل، وإنما ذكروا احتمال كون المهر في ذمة الوالد والسيد، فإنه عليهما يكون
إنكاره الاستحقاق عليه في محله، وهو الموافق حينئذ للأصل.
ومن هنا قال في المسالك: " هذا التوجيه حسن حيث يكون الزوج محتملا
لكونه بأحد الوصفين، فلو علم انتفاؤهما في حقه - بأن كانت حريته معلومة ولم
يتزوج المرأة المدعية إلا وهو بالغ أو مات أبوه قبل أن يتزوجها ونحو ذلك - لم
يتمسك بالبراءة الأصلية، للقطع باشتغال ذمته بعوض البضع، لانحصار أمره حينئذ

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 7 - 8.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور الحديث 7 - 8.
133

في الأمرين على سبيل منع الخلو، لأنه إن كان لم يسم مهرا فقد استقر عليه مهر المثل،
وإن كان قد سمى استقر المسمى، و الأصل عدم دفعه إليها، واللازم من ذلك أن لا يلتفت
إلى إنكاره، بل إما أن يحكم عليه بمهر المثل، أو ما تدعيه المرأة إن كان أقل،
نظرا إلى أصالة عدم التسمية الموجب لذلك، وإما أن يطالب بجواب آخر غير أصل
الانكار، فإن ادعى تسميته حكم عليه بالمسمى إلى أن يثبت براءة ذمته منها أو عدمها
فيثبت عليه مقتضى التفويض " وهو صريح في أن القول قولها حينئذ مع العلم بانتفاء
الاحتمالين.
بل قد يقال بذلك مع عدم العلم أيضا، بدعوى أن الأصل ثبوت الاستحقاق
بالدخول حتى يعلم عدمه، لاستفاضة النصوص (1) بكون الدخول موجبا للمهر
والغسل والعدة، وهو قاعدة شرعية قاطعة لأصالة البراءة، مضافا إلى أولوية البضع
من المال بأصالة الاحترام والضمان، ولعله إلى ذلك أومأ في كشف اللثام حيث إنه
بعد أن ذكر ما عرفت عن المشهور قال: " ويشكل بأن الأصل مع الدخول شغل ذمة
الزوج خصوصا إذا علم انتفاء الأمرين " بل هو ظاهر المسالك في أثناء كلام له،
بل لعله إليه يرجع ما عن الإرشاد في مفروض المسألة من وجوب مهر المثل بتقريب
الأصل السابق وأصالة عدم التسمية، فيثبت التفويض الموجب لمهر المثل، وليس
ذلك من الأصول المثبتة، لأن التفويض قيده عدم (عدمي خ ل) يمكن إثباته
بالأصل، فيترتب حكم التفويض، ولا حاجة إلى ما في المسالك من أنه لا بد من
تقييده بعدم زيادته على ما تدعيه، لأن الزائد عنه منفي باقرار المدعي، فلا يجب
دفعه إليه، وذلك لأن مفروض المسألة الاقتصار في اختلافهما على أصل استحقاق
المهر وعدمه، وما ذكره من التقييد خروج عن مفروض المسألة المتجه فيه الضمان
بمهر المثل الذي هو قيمة له كالمال، فلا وجه حينئذ للقول بأن ثبوت استحقاق المهر
إنما يقتضي ثبوت أقل ما يتمول الصالح لأن يكون مهرا يتحقق به أصالة ثبوته
بالدخول، ضرورة أنك قد عرفت اقتضاء أصالة احترام البضع وضمانة على حسب

(1) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور.
134

المال ضمانه بقيمته التي هي مهر المثل، حيث لا يثبت الأقل أو الأكثر بالتسمية بالعقد
مثلا، وحينئذ فالزوج مدع إن ادعى الأقل، كما أنها مدعية لو ادعت الأكثر.
ومن ذلك يعلم ما في قول المصنف: (ولا إشكال لو قدر المهر بأرزة واحدة)
أي ربع حبة، والحبة ثلث قيراط، وهو جزء من عشرين جزء من دينار (لأن
الاحتمال متحقق والزيادة غير معلومة) اللهم إلا أن يريد عدم الاشكال باعتبار
رفع الاختلاف بينهما، ضرورة أعمية دعواها الاستحقاق من الأرزة وغيرها، فلا
نزاع بينهما، لعدم إنكاره دعواها، لا أن الأرزة فقط ثابتة حتى لو زادت على
دعواها استحقاق المهر بإنكار التسمية بذلك، فإن القول حينئذ قولها بيمينها، للأصل
ويثبت لها مهر المثل لما عرفت، ولو زادت مع ذلك في جوابه ببيان دعوى استحقاقها
بدعوى التسمية بأزيد من ذلك كان ذلك من الاختلاف في القدر الذي ستعرف
الكلام فيه.
ومن ذلك كله ظهر لك ما عن التحرير من أنه " إذا وقع الاختلاف في
أصل المهر بعد الدخول يستفسر هل سمى أم لا؟ فإن ذكر تسمية كان القول قوله
مع اليمين، وإن ذكر عدمها لزمه مهر المثل، وإن لم يجب بشئ حبس حتى يبين "
إذ من المعلوم أن الاستفسار إنما يجب مع إفادة الكلام فائدة بدونه، وقد عرفت
أن مجرد الاعتراف بالنكاح مع الدخول له حكم يترتب عليه، فلا يجب الاستفسار
وإن كان جائزا، كما أن من المعلوم أن القول قولها في عدم التسمية لا قوله، نعم
هو كذلك لو اتفقا عليها واختلفا فيها قلة وكثرة، كما تسمع الكلام فيه، وحبسه
إذ لم يبين تعجيل عقوبة لا سبب لها، وذلك لأن الدخول يقتضي حكما فينبغي
ترتيبه عليه حتى يتبين خلافه.
ولو عدل الزوج قبل الحكم عليه بمهر المثل إلى دعوى لا تنافي الأولى بأن
قال: كنا سمينا قدرا ولكن وصل إليها أو أبرأتني منه أو نحو ذلك سمعت الدعوى
ورتب عليها حكمها من قبوله في القدر وقبول قولها في عدم القبض والابراء، وهو
135

حسن إن تجبه بإنكار التسمية، وإلا كان لها أيضا مهر المثل بيمينها على نفي
التسمية، كما هو واضح.
(ولو اختلفا في قدره) بأن ادعت الامرأة تسمية الزائد والرجل الناقص
(أو) اختلفا في (وصفه) بعد الاتفاق على جنسه أي نوعه على وجه ترتفع الجهالة
القادحة فيه ثم ادعت المرأة زيادة وصف آخر مثلا وأنكر هو ذلك (ف‍) - لا ريب في
أن (القول قوله أيضا) كما هو المشهور بين الأصحاب، بل هو كالمجمع عليه،
بل ربما حكاه عليه بعضهم، لأصالة البراءة من الزائد ومن الوصف الذي هو بمنزلة
دعوى الاشتراط، ولصحيح أبي عبيدة (1) عن الباقر عليه السلام " في رجل تزوج امرأة
فلم يدخل بها فادعت أن صداقها مئة دينار وذكر الزوج أن صداقها خمسون دينارا
وليس لها بينة على ذلك، قال: القول قول الزوج مع يمينه ".
وجعل بعضهم من الاختلاف في الوصف الاختلاف في التعجيل والتأجيل أو زيادة
الأجل، لمعارضة أصالة عدم التأجيل وزيادته بأصالة عدم الزيادة في المهر، فإن
التأجيل نقص في المهر وعدمه زيادة فيه، والأصل عدمها، وهكذا في كل وصف
يقتضي زيادة المهر مضافا إلى أصالة عدم اشتغال الذمة الآن مثلا في الاختلاف في الأجل،
وفيه منع واضح ومخالفة للمعلوم في غير المقام من عدم معارضة أصالة عدم ذكر الأجل
أو زيادته بأصالة عدم الزيادة باعتبار ورودها عليه.
ومن الغريب ما في المسالك من تفسير عبارة المصنف بدعوى الامرأة استحقاقها
عليه من جهة المهر مئة دينار سواء كان ذلك جميعه أو بعضه، ثم حكى عن
مشهور الأصحاب تقديم قول الزوج وذكر الصحيح المزبور إلى أن قال: " ولا فرق
بين كون مدعاه مما يبذل مهرا عادة لا مثالها وعدمه عندنا، لعموم الأدلة - ثم
قال -: ومقتضى إطلاق الأصحاب والرواية أنه لا يستفسر هنا بكون ذلك تسمية
أم من مهر المثل، وللبحث في ذلك مجال، لأنه لو كان بعد الدخول مع اتفاقهما على
عدم التسمية فالواجب مهر المثل، فإذا كان الذي يعترف به أقل منه فدعواه في قوة

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المهور الحديث 1.
136

إيتاء الزائد، والتخلص منه بالابراء ونحوه، ومثل ذلك لا يقبل قوله فيه، وكذا
مع اتفاقهما على التسمية واعترافه بأنها أكثر ولكن يدعى التخلص من الزائد،
ضرورة أن ذلك ليس من الاختلاف في القدر المذكور في النص والفتوى بل لعلهما
صريحان في خلافه - ثم قال -: والحق حمل النص والفتوى على ما لو أطلق
الدعوى أو ادعى تسمية هذا القدر وادعت هي تسمية الأزيد - إلى أن قال -:
ومع ذلك ففيهما معا بحث، لأنه مع الاطلاق كما يحتمل كونه بطريق
التسمية يحتمل كونه بطريق عوض البضع المحترم، وعوضه مطلقا مهر المثل، وإنما
يتعين غيره بالتسمية، والأصل عدمها، وهذا الأصل مقدم على أصل البراءة، لوجود
الناقل عنها، ومع اختلافهما في قدر التسمية يكون كل منهما منكرا لما يدعيه
الآخر منهما، فلو قيل بالتحالف ووجوب مهر المثل كان حسنا، إلا أن إطلاق
الرواية الصحيحة المتناول لمحل النزاع يؤنس بترجيح ما أطلقه الأصحاب على ما
فيه من الحزازة، ومن ثم قال العلامة في القواعد: وليس ببعيد من الصواب تقديم
من يدعي مهر المثل منهما، فإن ادعى النقصان وادعت الزيادة تحالفا وردا إليه، ولو
ادعيا الزيادة عليه المختلفة احتمل تقديم قوله لأنه أكثر من مهر المثل ومهر
المثل، ولو ادعيا النقصان عنه احتمل تقديم قولها ومهر المثل، وعلى كل حال فلا
خروج عما عليه الأصحاب ويتناوله إطلاق النص الصحيح وإن كان ما قربه العلامة
في محل القرب ".
قلت: هذا منه أيضا كسابقه، ضرورة عدم اندراج صورة الاطلاق في النص
والفتوى وإن كان الحكم فيها ما ذكره بناء على عدم وجوب الاستفسار أو عدم التمكن
منه على وجه يفيد، وإنما محل كلام الأصحاب الصورة الثانية خاصة، ولا وجه
للتحالف فيها بعد تصادم الدعويين منهما، ورجوع الحال إلى الاختلاف في الدين من
حيث كونه دينا زيادة ونقصا، ولا ريب في أن القول قول مدعي النقيصة بعد اتفاقهما
على قدر متيقن، والاختلاف إنما هو في الزائد والقول قول منكره، لأصالة البراءة،
وكلام العلامة بعد أن ذكر أنهما لو اختلفا في قدره أو وصفه أو ادعى التسمية
137

فأنكرت قدم قوله ولو قدره بأرزة مع اليمين قال ما سمعته، وظاهره الفتوى في
الأول، على أن التحالف لم يذكره إلا فيما إذا اختلفا بدعوى الزيادة على مهر
المثل منه والنقصان منهما، أما إذا كان دعوى أحدهما مهر المثل كان القول قوله،
لاعتضاد أصالة عدم الزائد بظهور الحال في ذلك، وهو غير ما ذكره من التحالف
مطلقا.
هذا كله مضافا إلى ما في كلام العلامة من النظر الواضح، إذ لا وجه لتقديم
قوله مع دعواه التسمية ولو بالأرزة إنكارها ذلك، مع أن الأصل عدم التسمية،
فالمتجه حينئذ فيه مهر المثل الذي هو قيمة البضع، كما أنه لا وجه للرجوع إلى
مهر المثل في دعواهما الزيادة المختلفة مع اعتراف الزوج بتسمية الأزيد منه وفي
دعواهما النقصان عنه مع اعتراف الزوجة بالأنقص منه، فالتحقيق حينئذ ما عرفت،
بل لا فرق بين الاختلاف في القدر وفي الوصف لكن الوجه الذي عرفته.
أما لو كان اختلافهما في دعوى كل منهما وصفا مستقلا تختلف القيمة
باختلافه فالمتجه التحالف، نحو الدعوى في اختلاف العين، فيفسخ الالتزام بالوصف
خاصة مع فرض صحة العقد بدونه، وإلا فسد المهر ورجع إلى مهر المثل لانفساخ
المسمى حينئذ بالتحالف.
ولو فرض اختلافهما في وصف يفسد العقد بانتفائه كان القول قول مدعيه،
لأصالة الصحة.
ومن ذلك كله يعلم ما في إطلاق المسالك من أنه لو قيل بالتحالف على تقدير
الاختلاف في الصفة كان وجها فيثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما تدعيه المرأة وينقص
عما يدعيه الزوج، كما أنه يعلم أيضا ما في دعوى إطلاق تقديم قول الزوج مع
الاختلاف في الوصف وإن كان نحو الاختلاف في التأجيل والحلول أو زيادة الأجل
ونقصانه، ضرورة مخالفته للقواعد وللنظائر في غير المقام من غير دليل خاص.
وكذا ما عن جماعة منهم الشيخ في المبسوط وابن إدريس والعلامة في التحرير
من تقديم قول الزوج في الاختلاف في جنس المهر كالاختلاف في القدر، بل عن
138

ظاهر الخلاف الاجماع عليه، ضرورة كون المتجه فيه التحالف، من غير فرق
بين أن يختلفا قيمة أولا، لأن كلا منهما مدع منكر كما في نظائره، وأصالة
براءته من غير العين التي يدعيها معارض بأصالة عدم استحقاقها غير العين التي تدعيها
بالعقد.
اللهم إلا أن يريدوا الاختلاف في جنس لم يتعلق غرض بعينه، وإنما المراد
منه القيمة، كما لو اختلفا في كون المهر مئة دينار أو مئة درهم بعد أن كان المتفق
عليهما من النقد، فإنه يمكن أن يكون ذلك نحو الاختلاف في القدر باعتبار عدم
تعلق الغرض بخصوص الدرهم أو الدينار، وإنما المراد المقدار، فيكون القول
قول الزوج الذي هو مدعي النقيصة، وربما يومئ إلى ذلك تمثيلهم له بذلك، لا ما
إذا كان الاختلاف في أنه دار مثلا أو حيوان فإنه لا وجه لتقديم قول الزوج المنفي
بالأصل، كالدعوى المقابلة له، كما هو واضح، والله العالم. هذا كله في الاختلاف
في أصل المهر أو قدره أو جنسه أو وصفه.
(أما لو اعترف) أي الزوج (بالمهر ثم ادعى تسليمه ولا بينة ف‍) - لا اشكال
ولا خلاف معتدا به في أن (القول قول المرأة مع يمينها)، لأصالة عدم التسليم
من غير فرق بين ما قبل الدخول وبعده، نعم قد سمعت سابقا جملة من النصوص (1)
وفيها الصحيح وغيره دالة على أن القول قوله مع الدخول، وهي مطرحة أو منزلة على ما
إذا كانت عادة بتقديم المهر على وجه يكون الظاهر مع الزوج، فتخرج حينئذ
هذه الأخبار دليلا على تقديم الظاهر على الأصل، بل ربما جمع بين المحكي عن
صداق الخلاف أن بتقديم قولها الاجماع والأخبار وعن نفقاته أن بتقديم قوله الاجماع
والأخبار بذلك أيضا فيحمل الثاني على جريان العادة بالتقديم، والأول على خلافه
إلا أنه مع ذلك لا يخلو من بحث أيضا. والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب المهور.
139

(تفريع:)
(لو دفع قدر مهرها) مثلا من دون أن يقترن دفعه بما يقتضي وفاء
أو هبة من لفظ أو غيره ثم اختلفا بعد ذلك (فقالت) المرأة (دفعته هبة
فقال: بل) دفعته (صداقا فالقول قوله، لأنه أبصر بنيته) والوفاء إنما يعتبر
فيه نية الدافع دون القابض، بل في المسالك " أنه كذلك بغير يمين، لأنه لو اعترف
لها بما تدعيه لم تتحقق الهبة إلا بانضمام لفظ يدل عليها، فلا يفتقر إلى يمين "
وفيه إمكان الاكتفاء في الهبة بالفعل المنوي به ذلك وإن كان هو حينئذ بحكم
المعاطاة وحينئذ يتوجه لها اليمين عليه، كما يتوجه أيضا لو قرنه بلفظ قابل لكل
منهما، بحيث لا يتشخص المراد به إلا بالقصد أيضا، ضرورة كونه المنكر باعتبار
استناده إلى أمر لا يعلم إلا من قبله.
وكذلك لو ادعت عليه أنه تلفظ بما يدل على الهبة وإن كان ليس نزاعا في
النية، ولكن قوله أيضا موافق لأصل العدم الذي يكفي في تحقق كونه منكرا.
ولو فرض اعترافه بصدور ما يظهر منه الهبة كان القول قولها وإن ادعى هو
أنه أراد خلاف الظاهر بل لا يبعد عدم ضمانها للمدفوع مع فرض تلفه حتى لو علم
بعد ذلك منه إرادة خلاف الظاهر، نعم يتجه له الرجوع حينئذ به لو كانت عينه
باقية، كما هو واضح.
140

المسألة (الثانية)
(إذا خلا) الزوج (بالزوجة) خلوة خالية عن موانع الوقاع (فادعت
المواقعة فإن أمكن الزوج إقامة البينة) على فساد دعواها (بأن ادعت هي أن
المواقعة قبلا وكانت بكرا فلا كلام) في بطلان دعواها حينئذ من غير يمين،
لبعد احتمال عودها وإن كان يسمع منها لو ادعته، لكن مع إقامتها البينة بالمواقعة
أو بالزوال سابقا، نعم قد يناقش بأن الختانين يلتقيان من دون زوال البكارة كما
في كشف اللثام، هذا وفي المسالك في شرح عبارة المتن " إذا ادعت بعد الخلوة
التامة الخالية من موانع الوقاع الدخول وأنكر فإن كانت بكرا فلا إشكال، لامكان
الاطلاع على صدق أحدهما باطلاع التعاقب من النساء عليها، وذلك جائز لمكان
الحاجة، كنظر الشاهد والطبيب " وفيه مضافا إلى ما عرفت أن رؤياها ثيبا لا دلالة
فيه على صدق دعواها، لاحتمال زوال بكارتها بغير وقاعه، كما أن كونها بكرا
لا يوجب تمكينها من نفسها للاطلاع على معرفة حالها، خصوصا مع حرمة النظر
إلى العورة، وما فيه من المشقة، لمنافاته الحياء، فلها المطالبة حينئذ باليمين أو يكون
القول قولها على اختلاف القولين، اللهم إلا أن يقال: إنه يظهر من بعض النصوص (1)
السابقة في العيوب أن للحاكم تعرف نحو ذلك بنحو ذلك، فله الالزام في مقام
قطع الخصومة، وتبين صحة الدعوى من فسادها.
(و) على كل حال ف‍ (- ا لا) يتمكن الزوج من إقامة البينة على وجه
المزبور (كان القول قوله مع يمينه، لأن الأصل عدم المواقعة و) حينئذ ف‍ (- هو
منكر لما تدعيه) المرأة عليه، فيكون القول قوله بيمينه، (وقيل) كما عن
الشيخ في النهاية والتهذيبين: (القول قول المرأة) مع يمينها (عملا بشاهد
حال الصحيح في خلوته بالحلائل) فيكون قولها موافقا للظاهر، وهو المحكي عن

(1) الوسائل الباب - 4 و 15 - من أبواب العيوب والتدليس.
141

ابن أبي عمير وجماعة من القدماء، كما سمعته سابقا في البحث عن استقرار المهر
بالخلوة للنصوص (1) السابقة الحاكمة باستقرار المهر بها التي يجب الجمع بينها
وبين ما دل (2) على عدم استقراره إلا بالوقاع بالحكم شرعا بالوقاع معها، إلا أن يعلم
عدمه مع عدم الدعوى منها، فضلا عما إذا ادعت ذلك كما في الفرض، بل في بعضها (3) عدم
سماع دعوى عدم الوقاع منهما معها وإن تصادقا عليه لاتهامهما بإرادة عدم استقرار المهر
وعدم العدة عليها، ولعل ذلك أولى مما سمعته من ابن الجنيد من العمل بهذه النصوص
على جهة قرار المهر بالخلوة وإن لم يكن معها وقاع، لما سمعته فيما تقدم.
(و) لكن مع ذلك (الأول أشبه) منه بأصول المذهب وقواعده
وأشهر بين الطائفة، بل لعله إجماع بين المتأخرين منهم، لقصور النصوص المزبورة
عن المعارضة باعتبار ضعف سند أكثرها وموافقة لفظها المروي (4) عن عمر
" من أرخى سترا وأغلق بابا فقد وجب عليه المهر " الذي قد أفتى به أبو حنيفة
وكثير من العامة، فيقوى الظن بخروجها مخرج التقية، فلا تصلح لاثبات ذلك،
كما لا تصلح لما سمعته من ابن الجنيد من استقرار المهر بالخلوة المجردة عن
الوقاع، فيبقى الظهور المزبور بلا مستند شرعي صالح لقطع الأصول الموافقة لدعوى
عدم الوقاع، والظاهر إذا لم يكن عليه دليل شرعي لا يعارض الأصل، كما هو
واضح.

(1) الوسائل الباب - 55 - من أبواب المهور.
(2) الوسائل الباب - 54 - من أبواب المهور الحديث 6 والباب - 55 - منها
الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 56 - من أبواب المهور الحديث 1.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 255.
142

المسألة (الثالثة)
(لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة فقالت: علمني غيره فالقول قولها)
بلا خلاف ولا إشكال (لأنها منكرة لما يدعيه) نحو إنكارها وصول المهر لو ادعى
عليها تسليمه، ونحو إنكارها لو ادعى عليها تعليم السورة فقالت: علمني غيرها، وحينئذ
يلزم في الفرض بأجرة التعليم كما عرفته سابقا.
المسألة (الرابعة)
إذا أقامت المرأة بينة أنه تزوجها في وقتين بعقدين) على مهرين
متفقين أو مختلفين أو أقر الرجل بذلك (فادعى الزوج تكرار العقد الواحد وزعمت
المرأة أنهما عقدان فالقول قولها لأن الظاهر معها) أي ظاهر الاتيان بالصيغ
إرادة ترتب آثارها عليها الذي هو مقتضى أصالة الصحة فيها، لكن في المسالك " قدم
قولها عملا بالحقيقة الشرعية، لأن العقد حقيقة شرعية في السبب المبيح للبضع،
واستعماله في نفس الايجاب والقبول المجردين عن الأثر مجاز بحسب الصورة،
كتسمية الصورة المنقوشة على الجدار فرسا، ومثله ما لو قال لغيره: يعني هذا العبد ثم
ادعى أنه ملكه، فإنه لا يلتفت إليه، ويجعل استدعاؤه البيع إقرارا له بالملك، ولا يعتد
بقوله: إني طلبت منه صورة البيع - إلى إن قال -: والمراد بقول المصنف: لأن
الظاهر معها أن الظاهر من إطلاق اللفظ حمله على حقيقته دون مجازه، وأراد
بالظاهر معنى الأصل من حيث إن استعمال العقد في غير حقيقته خلاف الظاهر في
الاستعمال وإن كان المجاز في نفسه كثيرا شائعا " وفي كشف اللثام " قدم قولها من
غير خلاف يظهر، لأن الأصل والظاهر معها، فإن الأصل والظاهر التأسيس والحقيقة
في لفظ العقد وفي صيغته، ولا عقد في المكرر حقيقة ولا في الصيغة المكررة بمعنى
143

الانشاء المعتبر في العقود ".
قلت: لا حقيقة شرعية في لفظ العقد قطعا، وعلى تقديره فليس هو محط
النزاع بينهما: ضرورة كون الواقع بينهما مصداق العقد لا لفظه، ودعوى اعتبار
ترتب الأثر في أصل وضعه واضحة الفساد، ضرورة تحقق معناه الحقيقي في جميع
صور الفساد التي لم يترتب الأثر فيها، والانشاء متحقق فيها وإن لم يكن صحيحا
يترتب عليه الأثر، ولا ريب في تحقق جميع ما يعتبر في العقد من الانشاء وغيره في
العقد المكرر، ولذا لو صادف فساد الأول أثر فيه، نعم مع فرض كون الأول
صحيحا لا يؤثر لانتفاء شرط تأثيره نحو غيره من العقود الفاسدة، فالصحة والفساد
شئ والحقيقة والمجاز شئ آخر، كما هو واضح. نعم ما سمعته من التعليل الأول
في كشف اللثام متجه، ومرجعه إلى ما ذكرناه، إذ التأسيس هو الصحة بمعنى
ترتب الأثر (و) على كل حال مع اقتصارهما على الدعوى المزبورة ولو لموت
ونحوه ف‍ (- هل يجب عليه المهران) المسميان فيهما؟ (قيل: نعم عملا بمقتضى
العقدين) المحكوم بصحتهما شرعا فيترتب على كل منهما أثره كما هي القاعدة
في كل سبب، (وقيل) كما عن الشيخ في المبسوط وسديد الدين والد العلامة:
(يلزمه مهر ونصف)، لمعلومية تحقق الفرقة وإلا لم يصح العقد الثاني، والوطئ
غير معلوم، بل الأصل عدمه، فتستحق النصف منه، وربما قيل بلزوم مهر واحد،
لأصالة براءة الذمة بعد أن كان من أسباب الفرقة ما لا يوجب مهرا ولا نصفه كردتها
وفسخه بعيبها قبل الدخول، وفسخها بعيبه غير العنن قبله أيضا، بل قد ينقدح من
ذلك عدم لزوم مهر أصلا بعد فرض كون النزاع بعد الفراق منهما، إلا أن الجميع
كما ترى.
(و) لذا كان (الأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده، ضرورة عدم
ما يصلح به الخروج عن مقتضي السبب الثابتة سببيته والمستصحب مقتضاه، وأصالة عدم
الدخول لا تصلح لاثبات التنصيف الذي ينفي مقتضيه بأصالة عدم حصوله، كأصالة
144

عدم العيب ونحوه، ومجرد احتمال كون الفرقة مما تقتضي عدم المهر أصلا أو نصفه
لا يقطع أصالة بقاء الاستحقاق والملك ونحوهما التي يكفي في ثبوتها احتمال كون
الفرقة بما يقتضي تمام المهر، ولا ريب في تحقق الاحتمال في الفرض، كما هو
واضح.
نعم لو ادعى كون الفرقة في الأول بالطلاق قبل الدخول على وجه يسمع ذلك
منه اتجه حينئذ لزوم مهر ونصف، بل لو ادعى الطلاق في الثاني أيضا قبله لزم مهر
واحد مجتمع منهما، بل ربما قيل إنه لو ادعى الفسخ بأحد الأسباب الموجبة لعدم
المهر مع إمكانه فيجب المهر الثاني خاصة ما لم يدع الطلاق فيه أيضا قبله، فنصفه
لا غير، وفيه منع قبول دعواه الفسخ بالعيب، لأصالة عدمه، وما عن الشهيد في
الشرح - من القبول محتجا بأن تجويزه ينفي القطع بالزيادة على المهر الثاني -
كما ترى، وليس هو كدعوى الطلاق الذي هو فعله، ويرجع فيه إليه، وأما
الدخول فالأصل عدمه، كما أن الأصل استصحاب المهر كملا إلى أن يدعى المزيل،
فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران على الأقوى، وهذا كما يقال: إن المستودع بعد
ثبوت الايداع مطالب بالوديعة ومحبوس ما دام ساكتا، فإن ادعى تلفا أوردا صدق
بيمينه وانقطعت المطالبة، والله العالم.
145

(النظر الثالث)
(في القسم والنشوز والشقاق)
و (القول) الآن (في القسم، والكلام فيه وفي لواحقه، أما الأول
فنقول:) هو بفتح القاف مصدر قسمت الشئ أقسمه، وبالكسر: الحظ والنصيب،
ويقال: هو التقدير، وعرفا هو قسمة الليالي بين الزوجات، ويمكن اعتباره من
كل منهما.
وكيف كان ف‍ (- لكل واحد من الزوجين حق يجب على صاحبه القيام به)
ويستحب كتابا (1) وسنة متواترة (2) وإجماعا وإن كان حق الزوج على الزوجة
أعظم بمراتب، فإنه لا حق لها عليه مثل ماله عليها، بل ولا من كل مئة واحد،
بل هو أعظم الناس حقا عليها (3) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (4): " لا يصلح لبشر أن
يسجد لبشر، ولو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي
نفسي بيده لو كان من مفرق رأسه إلى قدمه قرحة ترشح بالقيح والصديد ثم استقبلته
تلمسه ما أدت حقه " وقال أمير المؤمنين عليه السلام (5): " كتب الله الجهاد على الرجال
والنساء فجهاد الرجل بذل ماله ونفسه حتى يقتل في سبيل الله، وجهاد المرأة أن
تصبر على ما ترى من أذى زوجها وغيرته " وجهادها أيضا حسن التبعل (6) إلى غير

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 228. وسورة النساء: 4 - الآية 19 و 34.
(2) الوسائل الباب - 79 و 81 و 87 و 88 - من أبواب مقدمات النكاح.
(3) الوسائل الباب - 79 - من أبواب المقدمات النكاح الحديث 1.
(4) كنز العمال - ج 8 ص 251 - الرقم 4091.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب جهاد العدو الحديث 1 و 2.
(6) الوسائل الباب - 4 - من أبواب جهاد العدو الحديث 1 و 2.
146

ذلك مما ورد فيه (1) ولا ينافيه قوله تعالى (2): " ولهن مثل الذي عليهن " بعد
إرادة التشبيه في أصل الحقيقة لا في الكيفية، ضرورة شدة اختلافهما.
ومن حقه عليها " أن تطيعه ولا تعصيه ولا تتصدق من بيته إلا بإذنه ولا
تصوم تطوعا إلا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، ولو كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من
بيتها إلا بإذنه " (3) ولو إلى أهلها ولو لعيادة والدها أو في عزائه (4) " وأن تطيب
بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتتزين بأحسن زينتها، وتعرض نفسها غدوة
وعشية " (5) بل " ليس للمرأة أمر مع زوجها في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة
ولا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة
قرابتها " (6) بل " أيما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت منك خيرا قط أو من وجهك
خيرا فقد حبط عملها " (7) و " أيما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حق لم تتقبل
منها صلاة حتى يرضى عنها، ولا يرفع لها عمل " (8) " وإن خرجت من غير إذنه
لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض وملائكة الغضب وملائكة الرحمة حتى ترجع
إلى بيتها " (9).
ومن حقها عليه أن يشبعها وأن يكسوها وأن يغفر لها إذا جهلت (10) ولا

(1) الوسائل الباب - 79 و 81 - من أبواب مقدمات النكاح.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
(3) الوسائل الباب - 79 - من أبواب المقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 91 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 79 - من أبواب المقدمات النكاح الحديث 1 - 2.
(6) الوسائل الباب - 17 - من كتاب الوقوف والصدقات الحديث 1.
(7) الوسائل الباب - 80 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.
(8) الوسائل الباب - 80 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 2.
(9) الوسائل الباب - 79 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(10) الوسائل الباب - 88 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
147

يقبح لها وجها (1) ورحم الله عبدا أحسن فيما بينه وبين زوجته، فإن الله تعالى قد
ملكه ناصيتها، (2) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (3): " أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى
ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة " و " عيال الرجل اسراؤه، وأحب
العباد إلى الله تعالى أحسنهم صنعا إلى أسرائه " (4) و " إنما المرأة لعبة من اتخذها
فلا يضعها " (5) " أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها " (6) " وخيركم خيركم
لنسائه، وأنا خيركم لنسائي " (7) إلى غير ذلك مما يدخل تحت قوله تعالى (8)
" وعاشروهن بالمعروف ".
(ف‍) حينئذ قد ظهر لك أنه (كما يجب على الزوج النفقة من الكسوة
والمأكل والمشرب والاسكان) على حسب ما ستعرف (فكذا يجب على الزوجة
التمكين من الاستمتاع) مع عدم المانع عقلا أو شرعا ولو كانت على ظهر قتب
(و) أن (تتجنب (تجتنب خ ل) ما ينفر منه الزوج) من الثوم والبصل والأوساخ
والقذارات وغير ذلك.
(و) أما (القسمة بين الأزواج فهي (حق على الزوج) وله،
لاشتراك ثمرته، وهو الاستئناس، ولأن الأخبار (9) توجب استحقاقها، وحق
الاستمتاع يوجب استحقاقه، فلكل منهما الخيار في قبول اسقاط صاحبه له وعدمه
ولا يتعين عليه القبول (حرا كان أو عبدا ولو كان عنينا أو خصيا) فإن القسمة
للايناس والعدل والتحرز عن الايذاء، وللمعاشرة بالمعروف، فلم يفرق فيها بين
الحر والعبد، ولا بين العنين والفحل، ولا بين الخصي وغيره، لاشتراك الجميع في

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب - 88 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 4 - 9
(3) الوسائل الباب - 88 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 4 - 9
(4) الوسائل الباب - 88 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 - 4 - 9
(5) الوسائل الباب - 86 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 1
(6) الوسائل الباب - 86 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 - 1
(7) الوسائل الباب - 88 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11.
(8) سورة النساء: 4 - الآية 19.
(9) الوسائل الباب - 1 و 5 - من أبواب القسم والنشوز
148

الفائدة المطلوبة منه.
بل (وكذا لو كان مجنونا و) إن كان (يقسم عنه الولي) بأن يطوف به عليهن
أو يدعوهن إليه أو بالتفريق، نعم إن لم يوثق به أو لا ينتفع به في مثل ذلك فلا قسم
في حقه، وإن أمن وكان قد قسم لبعض نسائه ثم جن فعلى الولي أن يطوف به على
الباقيات قضاء لحقوقهن، كما يقتضي ما عليه من الدين، وكذا إذا طلبن القسم بناء
على اشتراك حق القسم بينهما، وإن قلنا باختصاصه بالزوج لم يجب على الولي
الإجابة، ولو أردن التأخير إلى أن يضيق فيتم المؤانسة فلهن ذلك، وإن لم يكن
عليه شئ من القسم بأن كان معرضا عنهن أجمع أو جن بعد التسوية بينهن فإن
رأى منه الميل إلى النساء أو قال أهل الخبرة: إن غشيانهن ينفعه فعلي الولي أن
يطوف به عليهن، أو يدعوهن إلى منزله، فإن جار في القسمة أثم.
وهل على المجنون القضاء بعد الإفاقة؟ المشهور على ما حكي نعم، وفي المسالك
" لو قيل بعدم الوجوب كان وجها، لأن المجنون غير مكلف، والقضاء تابع للتكليف
بالفعل أو ثابت بأمر جديد، وهو منتف هنا " وفيه أن قضاء ذلك من تأدية الحق
الثابت في ذمة المجنون بحكم خطاب الوضع كالدين ونحوه، ثم قال: " ولو انتفى
الميل والمصلحة لم يجب على الولي أن يقسم به، ويظهر من العبارة وجوب القسم به
مطلقا، وهو يتم على القول باشتراك الحق بين الزوجين وطلبن ذلك، لكن المصنف
لا يقول به، كما سيأتي، فعدم الوجوب هنا أجود ".
هذا، وفي القواعد " ولو كان يجن ويفيق لم يجز له أن يختص واحدة بنوبة
الإفاقة إن كان نوبتها مضبوطا، بأن يجن يوما ويفيق يوما مثلا، بل يطرح
أيام الجنون وينزلها منزلة أيام الغيبة، ويقسم أوقات الإفاقة، فلو أقام المجنون
عند واحدة لم يقض لغيرها إذ لا اعتداد به، ويحتمل القضاء، ويحتمل أن يكون إليه
القسمة أوقات الإفاقة وإلى الولي القسمة أوقات الجنون، فيكون لكل منهن نوبة من
كل من الحالتين، وإن لم يكن نوبة الإفاقة مضبوطا فأفاق في نوبة واحدة قضى للأخرى
ما جرى لها في الجنون، أي لم يعتد، لكونه عندها في الجنون وإن كان بقسمة الولي،
149

لقصور حقها من الاستئناس حال الجنون، ولو خاف من أذى زوجته المجنونة سقط حقها
من القسمة للضرورة وإلا وجب للعموم وانتفاء العذر " (1) واستظهر بعضهم السقوط إذا
لم يكن لها شعور تنتفع بالقسم وتستأنس به، إلى غير ذلك من كلماتهم المشتملة على أحكام
كثيرة التي لم نقف فيها على دليل خاص، وإنما ذكرها بعض العامة، بل ربما كان
بعضها منافيا للآخر، خصوصا مع عدم الدليل على الفرق بين الأدواري حال جنونه
وبين المطبق، كما أن المتجه بناء على وجوب القسمة عدم وجوب القبول على الولي
لو أردن التأخير إلى زمان الإفاقة.
وأقصى ما يقال: هو ما أشرنا إليه من أن المستفاد من النص (2) والفتوى أن القسم
حق مشترك بين الزوج والزوجة، وأنه لا يسقط بالجنون من أحدهما مع إمكانه، وحينئذ
يختص نقص ذلك بمن عرض في ليلتها، نحو غيره من الأعذار كالمرض ونحوه.
وأما انتقال الحكم التكليفي إلى الولي في الزوج والزوجة - على وجه يجب
عليه أن يطوف به وأن يأتي بالزوجة على وجه لا نقصان فيما يمكن من الاستمتاع
بها وغير ذلك من الأحكام التي سمعتها - فلا دليل عليه، نعم لو كانت له مصلحة
في الطواف به، كما لو فرض نفعه بذلك أو منعه من الفساد به، أو نحو ذلك من والمصالح
كان على الولي حينئذ مراعاتها، فتأمل جيدا، فإنه لم نجد دليلا واضحا سوى
اعتبارات يشكل التمسك بها على أصولنا.
وكيف كان فالمشهور على ما حكاه غير واحد وجوب القسمة ابتداء، بمعنى
وجوبها بالعقد والتمكين كالنفقة، للأمر بالمعاشرة بالمعروف (3) التي هي معظمها
على أن الأمر فيه للتكرار قطعا، وليس في كل الأوقات، فبقي أن يكون
بحسب ما تقتضيه القسمة، إذ لا قائل بثالث، والتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله فإنه كان يقسم

(1) ليس هذه من عبارة القواعد، وإنما هي من كشف اللثام ملفقة بعبارة القواعد.
(2) الوسائل الباب - 1 و 5 - من أبواب القسم والنشوز.
(3) سورة النساء 4: - الآية 19.
150

بينهن (1) دائما حتى كان يطاف به في مرضه محمولا (2) وكان يقول " اللهم
هذا قسمي فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك " (3) يعني من جهة الميل القلبي،
وإطلاق قول الصادق عليه السلام في خبر البصري (4) " في الرجل تكون عنده المرأة
فيتزوج أخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال: ثلاثة أيام، ثم يقسم " كاطلاق
المستفيضة الآمرة بالقسم للحرة ثلثي ما للأمة (5) وما يشعر به خبر علي بن جعفر (6)
عن أخيه موسى عليه السلام " سألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما: ليلتي ويومي
لك يوما أو شهرا أو ما كان أيجوز ذلك؟ قال: إذا طابت نفسها واشترى ذلك منها
لا بأس به " من كون ذلك حقا لها على وجه لها بيعه، وكذا غيره كخبر الحسن
ابن زياد (7) وغيره قال: " سألته عن الرجل يكون له المرأتان وإحداهما أحب
إليه من الأخرى أله أن يفضلها بشئ؟ قال: نعم له أن يأتيها ثلاث ليال والأخرى
ليلة، لأن له أن يتزوج أربع نسوة، فثلاثة يجعلها حيث شاء، قلت: فتكون عنده
المرأة فيتزوج جارية بكرا، قال: فليفضلها حين يدخل بها ثلاث ليال، وللرجل
أن يفضل نساءه بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا " وصحيح ابن مسلم (8) " سألته

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 298
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 298
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 4.
(5) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح " مثلي ما للأمة " كما هو مستفاد من الروايات
المروية في الوسائل الباب - 8 - من أبواب لقسم والنشوز.
(6) الوسائل الباب - 6 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2
(7) ذكر صدره وذيله في الوسائل الباب - 1 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2
ووسطه في الباب - 2 - منها الحديث 7 عن الحسين بن زياد، إلا أن الموجود في التهذيب
ج 7 ص 419 والاستبصار ج 3 ص 242 الحسن بن زياد وفي الجميع " فليلتيه يجعلهما
حيث شاء ".
(8) الوسائل في الباب - 1 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 3.
151

عن الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى، قال: له أن
يأتيها ثلاث ليال والأخرى ليلة، فإن شاء أن يتزوج أربع نسوة كان لكل امرأة
ليلة، فلذلك كان له أن يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا " إلى غير ذلك
من النصوص الدالة على أن لكل زوجة ليلة من أربع ليال (1) الشامل لصورتي
الاتحاد والتعدد المؤيدة بآية النشوز (2) المشعرة باشتراط الهجر في المضاجع به
دون ما لم يكن نشوزا، فإنه لا سبيل له إلى ذلك.
(و) لكن مع ذلك كله (قيل) والقائل الشيخ فيما حكي من مبسوطه
(لا تجب القسمة حتى يبتدئ بها، وهو أشبه) فلا يجب حينئذ للواحدة مطلقا
التي لا موضوع للقسمة فيها، بل ولا للمتعددات إلا مع المبيت ليلة عند إحداهما
فيجب حينئذ ذلك لهن حتى يتم الدور، ثم لا يجب عليه شئ، فله الاعراض حينئذ
عن القسم عنهن أجمع، للأصل وظهور قوله تعالى (3) " وإن خفتم ألا تعدلوا
فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " في أن الواحدة كملك اليمين لا حق لها أصلا ويتم
دلالته على عدم وجوب القسم مطلقا بالاجماع المركب، كما في المسالك من أن كل
من قال بعدمه للواحدة قال بعدمه للأزيد إلا مع الابتداء بواحدة، وما روى (4)
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه غضب على بعض نسائه فاعتزلهن أجمع شهرا، ولو كان القسم
واجبا اختصت الناشزة بالحرمان، ولا دليل على أن ذلك من خصوصياته، بل الأصل
الاشتراك، على أن حق الاستمتاع ليس للزوجات، ومن ثم لم يجب على الزوج
بذله إذا طلبته إلا الجماع، فإنه يجب في كل أربعة أشهر مرة.
كل ذلك مضافا إلى استفاضة النصوص أو تواترها في حصر حق الزوجة على
الزوج في غير ذلك، ففي خبر إسحاق بن عمار (5) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " ما حق

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب القسم والنشوز.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 34 - 3.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 34 - 3.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 38.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 5 من كتاب النكاح.
152

المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال: يشبعها ويكسوها، وإن
جهلت غفر لها " وفي خبر شهاب بن عبد ربه (1) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " ما حق
المرأة على زوجها؟ قال: يسد جوعتها، ويستر عورتها، ولا يقبح لها وجها، فإذا
فعل ذلك فقد والله أدى إليها حقها ".
وفي خبر العرزمي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " جاءت امرأة إلى النبي
صلى الله عليه وآله فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبرها، ثم قالت: فما
حقها عليه؟ قال يكسوها من العري ويطعمها من الجوع، وإن أذنبت غفر لها،
فقالت: فليس عليه شئ غير هذا؟ قال: لا، قالت: لا والله لا تزوجت أبدا ثم ولت "
الحديث، وفي خبر يونس بن عمار (3) قال: " زوجني أبو عبد الله عليه السلام جارية
كانت لإسماعيل ابنه، فقال: أحسن إليها، فقلت: وما الاحسان إليها؟ قال:
أشبع بطنها، واكس جنبها، واغفر ذنبها " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على
هذا المعنى.
ودعوى تخصيص هذه النصوص بما سمعته من أدلة القسمة واضحة المنع،
ضرورة قصورها عن ذلك، بل عدم دلالة كثير منها على المدعى، فإن الأمر بالمعاشرة
بالمعروف لا يقتضي وجوب المبيت - ولو كانت واحدة - في كل أربع ليال ليلة
واحدة، وإن سلم كونه من المعروف لكن من المعلوم عدم وجوب كل معروف معها،
وإنما المسلم وجوبه ما أدى تركه إلى الظلم والجور عليها ونحو ذلك، كما هو
واضح.
والتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم - بعد معلومية عدم وجوب القسم عليه، ولذا أذن له
بايواء من يشاء منهن واعتزال من شاء (4) - لا محل له.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 84 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 8 من كتاب النكاح.
(4) سورة الأحزاب: 33 - الآية 51.
153

وخبر البصري إنما يراد منه بيان عدم استحقاق الجديدة أكثر من ثلاث
ليال يختص بها وأما غيرها فليس لها إلا على جهة القسمة، لا أن المراد بيان وجوبها
ابتداء، كما هو واضح لمن تأمله.
والمراد من أخبار الحرة والأمة بيان كيفية العدل حيث يريد القسمة.
وخبر علي بن جعفر في الامرأة التي لها ضرة واستحقت عليه ليلة يبيت ليلة
عند ضرتها.
وخبر الحسن بن زياد وغيره إنما يراد منه بيان تفضيل بعض النساء على
بعض، لا أن المراد به وجوب القسمة بينهن ابتداء على وجه يحرم عليه اعتزالهن
أجمع والاعراض عن مضاجعتهن والاشتغال بعبادته أو مطالعته أو غير ذلك من
أغراضه.
على أن جميع هذه النصوص جارية مجري الغالب في حال الزوج أنه يبيت
عند زوجته، فمع فرض تعددها كان عليه ملاحظة العدل في القسمة والتفضيل على
الوجه المذكور في النصوص، وليس المراد وجوبها ابتداء، ولا وجوب مبيت ليلة
من الأربع لو كانت واحدة، بل ينبغي الجزم بعدم الأخير كما جزم به في الرياض،
لعدم دلالة شئ من تلك الأدلة عليه، سوى دعوى ظهور خبر الحسن بن زياد
وما شابهه في أن لكل امرأة ليلة من أربع ليال الممنوعة على مدعيها على وجه يفيد
ذلك بحيث يعارض الأصل، ونصوص حصر حق الزوجة في غير ذلك.
ومن هنا كان صريح ابن حمزة وظاهر المحكي عن المقنعة والنهاية والغنية
والمهذب والجامع وجوب القسم مع التعدد دون الواحدة، واختاره بعض المتأخرين
ومتأخريهم، ولا ينافي ذلك ما سمعته من دعوى الاجماع المركب المردودة على
مدعيها بذلك الذي منه وغيره يظهر ما في دعوى الشهرة على القول الأول أيضا.
وقد تحصل من ذلك أن الأقوال في المسألة ثلاثة، ولكن القول بوجوب
القسمة ابتداء ولو في المتعددات التي هي محل اجتماع القولين - مع ما عرفته فيه
154

من عدم الدليل الواضح فضلا عن أن يكون بحيث يعارض ما سمعت - يستلزم
أحكاما عديدة يصعب التزامها، بل لعلها مخالفة للمعلوم من سيرة أهل الشرع
وطريقتهم، كعدم جواز الاشتغال في العبادات والاستئجار في الليل لبعض الأعمال
وغير ذلك إلا برضا صاحبة الليلة.
ولا يقال: إن مثله أيضا لازم على أقول بوجوب القسمة بعد الشروع، لأن
له طريقا إلى التخلص باتمام الدور، على أنك قد عرفت أن مبنى ذلك عدم حق للزوجة،
وإنما هو من جهة مراعاة العدل في القسمة الذي يمكن دعوى عدم منافاته إذا كان
ذلك لعذر شرعي أو عرفي أو غرض من أغراض العقلاء ونحوها، فإن الذي ينافيه
ترجيح بعض الزوجات على بعض فيما ليس له الترجيح فيه من دون عروض إقبال،
بل لو قلنا بكونه حقا للزوجة بدليل صحة شرائه منها وهبته لشريكتها وسقوطه
باسقاطها ونحو ذلك إلا أنه مقدر بملاحظة صدق عدم خروجه عن العدل إلى صدق
الجور والظلم.
والقول في حقوق الزوجات المتحقق بما عرفت بخلاف القول بكونه حقا لها ابتدائيا
متعلقا بعين الزوج على نحو تعلق حقه بها، فإن ذلك يقضي بالتزام أحكام كثيرة
يصعب قيام الدليل عليها، بل ربما كان بعضها مخالفا للمعلوم من السيرة، بل
وللمقطوع به من الشرع، كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه في جميع لوازم
هذا القول، وخصوصا مع ملاحظة كونه حقا لها على وجه يكون الأصل فيه القضاء
مع الفوات ولو لعذر إلا ما خرج لدليل يقتضي سقوطه، بل هو مناف للنصوص (1)
السابقة التي كادت تكون متواترة في حصر حق الزوجة على الزوج في غيره، بخلافه
على ما ذكرناه، فإنه ليس حقا لها من حيث كونها زوجة، ولذلك لا يجب لها مع
الاتحاد، بل ولا مع التعدد مع عدم القسمة، وإنما يجب عليه العدل في القسمة، وعدم
الجور فيها إن أرادها، ولم يكن حقا لها، أو كان ولكن كان من حيث عدم العدل
في القسمة، فلا ينافي تلك النصوص المراد بها حصر حقوق الزوجة من حيث الزوجية،

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 3 و 5 و 7.
155

فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع، والله العالم.
وعلى كل حال (ف‍) - قد بان لك أن مقتضى القول الأول أن (من)
كان (له زوجة واحدة ف‍) - إن (لها ليلة) واحدة (من أربع، وله ثلاث
يضعها حيث يشاء) ولو عند مملوكاته (وللاثنتين ليلتان) وله ليلتان يضعهما
حيث يشاء (وللثلاث ثلاث، والفاضل) وهو ليلة واحدة (له) يضعها حيث
يشاء (و) وأما (لو كان له أربع فلكل واحدة ليلة، بحيث لا يحل له
الاخلال بالمبيت) في إحداهن (إلا مع العذر) العقلي أو الشرعي المرجح على
أداء حقها المسقطين لأدائه أوله ولقضائه (أو السفر) منه أو منها على الوجه
الذي ستعرف الحال فيه (أو إذنهن أو إذن بعضهن فيما يختص به الآذنة) إذ لا
سلطان لها على غير حقها، كما أنه بان لك جميع ما يتفرع على الأقوال الثلاثة
بحيث لا يحتاج إلى الإيضاح والاطناب.
وكيف كان فلا خلاف في عدم جواز جعل القسمة - سواء قلنا بوجوبها ابتداء
أو بالشروع - أنقص من ليلة، لكونها خلاف المأثور، بل خلاف ما دل على استحقاقها
ليلة (1) ولو عند القسمة، ولتعسر ضبط أجزاء الليل، ولما في قسمته من تنغص
العيش، كما لا خلاف في جوازها ليلة ليلة.
(و) إنما الكلام في أنه (هل يجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلة
لكل واحدة؟ قيل) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه وجماعة: (نعم) يجوز
للأصل وإطلاق الأمر بالقسمة (2) مع عدم العول والجور فيها، ولا شئ منهما في
المفروض، بل ربما كان ذلك أصلح لهن وأتم لمطلوبهن، بل وللزوج خصوصا مع
تباعد أمكنتهن على وجه يشق عليه ليلة ليلة.
(والوجه) عند المصنف وجماعة (اشتراط) جوازه ب‍ (- رضاهن)
فلا يجوز مع عدمه، لخبر سماعة (3) " سألته عن رجل كانت له امرأة فيتزوج

(1) الوسائل الباب - 1 و 5 و 9 - من أبواب القسم والنشوز.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 4 - 8.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 4 - 8.
156

عليها هل يحل أن يفضل واحدة على الأخرى؟ قال: يفضل المحدثة حدثان
عرسها ثلاثة أيام إذا كانت بكرا، ثم يسوى بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى "
بناء على أن المراد به التسوية التي يتراضيان بها، فلو جعل لكل واحدة منهن
ليلتين متواليتين ولم تطب نفس إحداهما إلا بليلة ليلة لم تفعل ذلك، ولأنه الثابت
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) الذي يجب التأسي به، ولظهور النصوص (2) في استحقاق كل
زوجة ليلة من أربع، ولأنه ربما أدى ذلك إلى الضرر في صاحبة النوبة، لامكان
عروض عارض له عن إتمام ما تساوي به ضرتها.
وفي الجميع نظر، فإن خبر سماعة لو سلم إمكان إرادة ذلك منه لا يصلح لذلك
بعد عدم ظهوره، وكونه من المأول، ويمكن إرادة استحباب التسوية بينهما
برضاهما فيما فضل عنده من الليالي وغير ذلك.
والتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله مع عدم وجوب أصل القسمة عليه المقتضي لعدم وجوب
كيفيتها عليه أيضا لا محل له.
والنصوص مساقة لبيان مقدار الاستحقاق الذي هو أربع من لياليه على وجه
لو أراد التفضيل بما زاد عنده من الأربع كان له، لا أن المراد منها بيان
الاستحقاق المنافي لذلك، كما لا يخفى على من تأملها، بل يمكن دعوى كون المراد
منها بيان أقل أفراد القسمة، واحتمال وجوب وفائها حقها مع المطالبة به يدفعه
منع ثبوت الحق لها مع فرض كون القسمة على ذلك.
وعروض العارض كما هو محتمل في القسمة ليلة ليلة محتمل في القسمة بأزيد،
وأما الضرر فيمكن التخلص منه بتقييد الجواز بما لا ضرر فيه، وبما لا يعد فيه
هجرا وعشرة بغير المعروف، وبما لا يتعارف في كيفيته قسمة مثل ذلك والمهاياة
فيه، ولعل العلامة وغيره ممن أطلق الجواز يربد ذلك أيضا.

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 300 و 301
(2) الوسائل الباب - 1 و 5 و 9 - من أبواب القسم والنشوز.
157

فالأقوى حينئذ خصوصا على المختار الجواز مطلقا لكن على الوجه المزبور،
وكأنه أولى مما عن الشيخ من تحديده بالثلاث، كما هو عند جمهور العامة، وما
عن الإسكافي من التحديد بالسبع الذي يمكن أن يكون الوجه فيه تحديد العشرة
بالمعروف، وعدم الهجر بذلك عرفا أو أن ذلك أقصى المأثور ولو في التي تزوجها
جديدا، ولا ريب في أولوية ما ذكرناه من ذلك، كما هو واضح، والله العالم.
(ولو تزوج أربعا دفعة) مثلا (رتبهن بالقرعة) مع التشاح، سواء
قلنا بوجوب القسمة ابتداء أو بالشروع تخلصا من ترجيح بلا مرجح، ومن العول
فيها، ومن لحوق شبهة الميل إلى من يبتدئ بها، ففي الخبر (1) عن النبي صلى الله على وآله
" من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل " وفحوى
القرعة من النبي صلى الله عليه وآله بين نسائه إذا أراد سفرا فيصحب من أخرجتها القرعة (2)
ولأنها على الأول من قبيل المهاياة فيه المعلوم تعيين الأول فيها بالقرعة، بل هي
كقسمة الأشياء المشتركة، ضرورة تعلق الحق بالعقد، بل وعلى الثاني الذي
هو وإن لم يكن كذلك ولكنه من باب العدل في القسمة المتوقف على القرعة في
المبتدأ بها.
(وقيل: يبدأ بمن شاء) منهن (حتى يأتي عليهن ثم يجب التسوية على
الترتيب و) عند المصنف بل قيل والأكثر (هو أشبه) بأصول المذهب وقواعده،
لأن ولاية القسمة بيده، إذ هو المخاطب بها، وإنما يحرم عليه العول والجور فيها،
ولازم ذلك التخيير في الترتيب، ووجوب التسوية بعد تمامه على نحوه، لتحقق القسمة
حينئذ، وتعيين كل ليلة لصاحبتها.
نعم قد يقال - بناء على مختار المصنف - بعد الالتزام بها في الدور الثاني
الذي هو في الحقيقة قسمة جديدة، وخصوصا مع الاعراض عنهن مدة بعد تمام

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب القسم والنشوز والمستدرك الباب - 12 - منها
الحديث 1 وسنن البيهقي ج 7 ص 297 مع الاختلاف في الجميع.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 302.
158

الدور، بل في القواعد بناء أصل المسألة - أي القسم بالقرعة أو الاختيار - على
الوجوب ابتداء وعدمه، ولعله لاجتماع حقوقهن عليه على الأول بخلافه على
الثاني، فإنه لا حق لأحد منهن عليه، فحينئذ له الابتداء بمن شاء منهن، نعم يتجه
القرعة في الثاني مع تعددهن لثبوت الحق لهن بالمبيت عند إحداهن.
لكن في محكي المبسوط بعد التصريح بالوجوب بالشروع قال: " فأما إن أراد
أنى يبتدئ بواحدة منهن فيجب عليه القسم، لأنه ليس واحدة منهن أولى بالتقديم
من الأخرى، فعليه أن يقسم بينهن بالقرعة، فمن خرجت بالقرعة قدمها، هذا
هو الأحوط، وقال قوم: قدم من شاء منهن، وكان وجهه ما أشرنا إليه من أنه
وإن كان لا حق لهن إلا أنه مخاطب بقسمة العدل بينهن إن أراد القسمة، ولا تتحقق
إلا بمعاملتها قسمة الحق بين مستحقيه، ولا ريب في الاحتياج في ترجيح الأول
من المستحقين لمثل هذا الحق الذي لا يمكن استيفاؤه إلا بالترتيب إلى مرجح،
وليس إلا القرعة، والأمر بالقسمة للزوج منصرف إلى الكيفية المتعارفة في قسمة
أمثال ذلك، وحينئذ فالمتجه وجوب القرعة على القولين، لكن ذكروا في كيفيتها
أنه إذا كانتا اثنتين كفت القرعة مرة واحدة، لأن الثانية تعينت وإن كن ثلاثا
احتيج إلى قرعتين الأولى لتعيين الأولى منهن والثانية لتعيين إحدى الباقيتين وإن
كن أربعا احتيج إلى القرعة ثلاث مرات، كما هو واضح ".
قلت: يمكن الاكتفاء بالقرعة الواحدة من أول بأن يكتب ليلة كل واحدة منهن
في ورقة ثم يقرع فتكون ليلة كل واحدة منهن ما في ورقتها، وظاهرهم عدم الحاجة في
القرعة للواحدة، وإن قلنا بوجوب القسم ابتداء لتعيين ليلتها من الأربع مع فرض التشاح
مع الزوج، ولعله لوجوب تعيين الأولى منهن لها في الفرض، لكونها ذلت حق تطالب
من هو متمكن منه، ودعوى أنه واحدة من الأربع لا الأولى منهن فإن له أن يتزوج في
تلك الليلة من يزاحمها فيها يدفعها وضوح الفرق بين وجود المزاحم وعدمه، كدعوى أنه
هو المزاحم، لأن الزائد له، ضرورة عدم كون المراد من كون الفاضل له أنه حق له،
فإنه لا يتصور استحقاقه على نفسه، بل المراد منه عدم استحقاق أحد عليه، فلا يتصور
159

كونه مزاحما لمن له حق عليه.
هذا، وقد يظهر من المتن ومحكي التلخيص اختصاص هذا البحث بمن
تزوج دفعة دون من كان تزويجه مرتبا، ولعله لأن الترتيب في النكاح يقتضي
الترتيب في الاستحقاق، لكن في المسالك " أن ذلك من المصنف على جهة المثال لا
الحصر، لأن الخلاف يجري وإن تزوجهن على الترتيب، أما على القول بعدم وجوب
الابتداء بالقسمة فظاهر إذ لو كان معرضا عمن تزوجهن أولا ثم تزوج غيرهن
وأراد القسمة جاء في البدأة الخلاف، وكذا لو قسم لاثنين وأكمل الدور لنفسه ثم
تزوج ثالثة، وأما على القول بوجوب القسم مطلقا فيأتي الخلاف فيمن تزوج بها على
رأس كل دور، بأن بات عند ثلاث ثلاث ليال وتزوج رابعة، أو عند اثنتين ليلتين
وتزوج ثالثة أو اثنتين ".
قلت: قد يقال: إنه مع القسم للمتقدمات يتعين حقهن فيما قسمه لهن، كما
أنه يتعين حق المتجددة فيما له من الليالي، ضرورة اقتضاء القسم السابق تعين الحق
في الأولى من الدور مثلا، نعم لو ترتبن في النكاح ولم يكن قسم لنشوز أو غيره
تأتي البحث حينئذ في كيفية البدأة به، والسبق في النكاح من حيث كونه كذلك
لا يقتضي تعين ليلة مخصوصة من الأربع، بل هو والنكاح المتأخر سواء في كيفية
اقتضاء استحقاق ليلة من أربع، كما هو واضح وليس له نقض القسم بدون رضا صاحبة
الحق إذ هو ليس في خصوص ليلة خاصة من الدور، بل متى وقع كان مقتضيا لتعلق
الحق في كل أولى أو ثانية مثلا من الدور، بل قد يتوقف في مشروعيته مع التراضي
بالقسم في دور خاص وإن يقوى جوازه، لانحصار الحق فيهما، أما مع عدم التصريح
بذلك فالظاهر تعلقه بكلي الثانية مثلا من الدور لا الخاصة منها، فلا يجوز نقضه حينئذ
من دون تراض.
نعم بناء على عدم وجوب القسم ابتداء قد يقال: إن له في كل دور تجديد
القرعة، خصوصا مع الاعراض عنهن مدة طويلة بعد تمام الدور الأول، وإلى ذلك
160

أشار في المسالك بقوله: " إذا أقرع بينهن وتمت النوبة فلا حاجة إلى إعادة القرعة،
بل يراعى ما اقتضته من الترتيب الأول وجوبا أو استحبابا هذا إذا أوجبنا القسمة
مطلقا أو أراد العود إليها على الاتصال، أما لو أعرض عنهن مدة طويلة ففي وجوب
البناء على الترتيب السابق نظر، لأن القسمة الحاضرة حق جديد لا تعلق له بالسابق،
بل يحتمل سقوط اعتباره وإن عاد على الاتصال حيث لا نوجبها مطلقا، لأن كل دور
على هذا التقدير له حكم برأسه ".
قلت: يمكن دعوى ظهور النص والفتوى في اتحاد القسم، سواء قلنا بوجوبه
ابتداء أو بعد الشروع، وعدم وجوبه على الزوج على الثاني بعد إتمام الدور لا ينافي
تعينه بالكيفية التي وقعت أولا وإن لم يكن متسحقا " عليه، ضرورة كونه قسما
على كل حال، ولعله لذا كان خيرة المصنف وجوب التسوية على الترتيب مع قوله
بالوجوب بالشروع.
بل لعل ذلك هو الوجه فيما احتمل من وجوب الترتيب أيضا فيما لو أساء
وبدأ بواحدة من غير قرعة بناء على وجوبها ثم أقرع بين الباقيات، فإن عصيانه
لعدم مراعاة القرعة لا ينافي صدق كونه قسما وتعين الحق للباقيات في غير الليلة التي
ظلم بها، فيجب عليه حينئذ ذلك الترتب لتشخص القسم بما وقع وإن ظلم في الأولى،
والوجه الآخر سقوط اعتبار البدأة شرعا، فتعتبر القرعة كما لو أبتدأ بالقسم،
بل في المسالك هو أجود وإن كان لا يخفى عليك الحال بعد الإحاطة بما ذكرناه،
والله العالم
(و) كيف كان ف‍ (- الواجب في القسمة المضاجعة) بأن ينام قريبا منها
على النحو المعتاد معطيا لها وجهه كذلك في جملة من الليل، بحيث يعد معاشرا
بالمعروف لا هاجرا وإن لم يتلاصق الجسمان (لا المواقعة) التي لا تجب عليه إلا
في أربعة أشهر مرة، وليست مقدورة في كل وقت، فهي حينئذ حق له متى
أراده فعله بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل ظاهرهم المفروغية من ذلك، وهو
كذلك بالنسبة إلى المواقعة التي دل عليه - مضافا إلى الأصل وغيره - خبر إبراهيم
161

الكرخي (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له أربعة نسوة فهو يبيت عند ثلاث
منهن في لياليهن ويمسهن وإذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسها فهل عليه في
هذا إثم؟ قال: إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها، ويظل عندها في صبيحتها،
وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك ".
وأما المضاجعة على الوجه المزبور فإنها وإن لم نجد بها نصا بخصوصها كما
اعترف به في كشف اللثام، بل قال: " المروي الكون عندها " لكن قد يدعى أنها
المتعارفة من المبيت عندها، بل هو وشبهه السبب في تعيين ليلة لها وإضافتها إليها،
بل هي المرادة من المعاشرة بالمعروف، بل يمكن استفادتها من آية (2) " واهجروهن
في المضاجع " إلى آخرها الظاهرة في اشتراط ذلك بالنشوز، وأنه مع الطاعة ليس
للزوج عليها هذا السبيل، بل ربما كان في قوله (3) " أيضرب أحدكم المرأة ثم يظل
معانقها " والله العالم.
(و) على كل حال ف‍ (- يختص الوجوب بالليل) الذي خلقه للناس سكنا
من حركات التعب ونهضات النصب، وجعله لهم لباسا ليلبسوا من راحته ومنامه
فيكون ذلك لهم جماحا وقوة، ولينالوا به لذة وشهوة في المضاجعة والمواقعة
ونحوهما، (دون النهار) الذي خلقه لهم مبصرا ليبتغوا فيه من فضله وليتسببوا
إلى رزقه ويسرحوا في أرضه طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم ودرك الأجل من
أخراهم (4) مضافا إلى الأصل واقتصار النصوص على الليلة (5) والسيرة المستمرة
وغير ذلك، خلافا للمحكي عن المبسوط " كل امرأة قسم لها ليلا فإن لها نهار تلك

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 34.
(3) الوسائل الباب - 86 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
(4) ما ذكره (قده) في خواص الليل والنهار مأخوذة من الصحيفة السجادية:
الدعاء 6 وذكرها في البحار أيضا - ج 56 ص 199 ط الحديث.
(5) الوسائل الباب - 1 و 5 و 9 - من أبواب القسم والنشوز.
162

الليلة " وعن ابن الجنيد " العدل بين النساء هو إذا كن حرائر مسلمات لم يفضل
إحداهن على الأخرى في الواجب لهن من مبيت بالليل وقيلولة صبيحة تلك الليلة،
كان ممنوعا من الوطء أولا ".
ولعله إليه أشار المصنف بقوله: (وقيل: يكون عندها في ليلتها ويظل عندها
في صبيحتها) كما أنه أشار بقوله: (وهو المروي) إلى خبر الحضرمي (1)
السابق وقد يشهد للأول (2) نصوص " للحرة يومان وللأمة يوم " (3) وتخصيص
البكر والثيب بالأيام (4) بناء على كون اليوم اسما لمجموع الليل والنهار، لكن
النصوص المزبورة معارضة بالمعتبرة المصرحة بدل اليوم بالليلة (5) فلا بد من
التجوز بأحد الطرفين، إما بأن يراد من اليوم الليلة خاصة تسمية للجزء باسم كله،
أو يراد من الليلة مجموع اليوم المشتمل على النهار تسمية للكل باسم جزئه، ولا
ريب في رجحان الأول لاعتضاده بما سمعت، وصحة السند، وتعارف لحوق اليوم
لليل في ذلك وإن لم يكن واجبا، وخبر الحضرمي مع قصوره عن معارضة غيره
سندا وغيره إنما دل على الصبيحة لا القيلولة، اللهم إلا أن يريد الإسكافي من
القيلولة المكث عندها في تلك الصبيحة بقرينة قوله: " صبيحة تلك الليلة " أو
يحمل الخبر على إرادة اليوم من الصبيحة على معنى خصوص القيلولة منه، لأنها هي
التي تشبه الليل في السكون والنوم وغيرهما، بخلاف غيرها من أجزاء النهار المعتاد
فيها الخروج لتدبير المعاش ولغيره، وعلى كل حال فحمله على الندب متجه.

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1 وهو خبر إبراهيم
الكرخي المتقدم في ص 162.
(2) هكذا في النسختين الأصليتين والصحيح " وقد يشهد للثاني " إلا أن يريد (قده)
به الأول من قولي الخلاف، وهما المحكي عن المبسوط والمحكي عن ابن الجنيد.
(3) الوسائل الباب - 46 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 3 و 4.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 1 و 9 - من أبواب القسم والنشوز.
163

بل المستحب أيضا إلحاق اليوم بالليل بل هو من الفرد الكامل من العدل
والعشرة بالمعروف والمعهود من النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) بل عن علي عليه السلام (2) " إنه كان
لا يتوضأ في يوم إحداهن عند الأخرى ".
وكيف كان فقد ذكر غير واحد أنه لا يراد من البيتوتة معها في الليلة القيام
معها في جميعها، بل ما يعتاد منها، وهو بعد قضاء الرجل من الصلاة في المسجد
ومجالسة الضيف ونحو ذلك، حملا للاطلاق على المتعارف، مع عدم منافاته للمعاشرة
بالمعروف، نعم ليس له الدخول في تلك الليلة على الضرة إلا للضرورة فيما قطع به
الأصحاب كما في الرياض، لمنافاته المعاشرة المزبورة، ومن الضرورة عيادتها إذا
كانت مريضة، بل عن المبسوط تقييده بثقل المرض وإلا لم يجز، فإن مكث في
غير ذلك أثم، ووجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعد إقامة عرفا، فيأثم
خاصة.
قلت: إن كان استثناء الجلوس عند الأضياف ونحوه لعدم منافاته صدق المبيت
ليلة عرفا، فلا تفاوت بين الجلوس عندهم وعند الضرة، ضرورة كون الواجب
مصداق ذلك والفرض تحققه، بل هو غير مناف للعدل وللعشرة بالمعروف بعد أن
لم يكن لهن حق فيه، نعم لو قيل بأن الواجب المبيت في جميع الليلة عندها وإنما
خرج خصوص بعض الأفعال المزبورة التي يكون الزمان من لوازمها لا أن زمانها
مستثنى كي لا يتفاوت صرفه في الضيف أو في زيارة الصديق أو نحوهما إلا أنه محل
للنظر والبحث والانصاف تحقق السيرة القطعية في عدم المداقة في ذلك، كما أن
الانصاف الاكتفاء بمطلق ما يكون مثله عذرا في العادة في التخلف عنها في بعض الليلة
بل قد يسامح فيه بلا عذر، والميزان ما يتحقق به مسمى العدل والعشرة بالمعروف
لا الفرد الكامل منهما الذي لا يستطيعه إلا الأنبياء أو الأوصياء (صلوات الله عليهم)

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 5 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 3.
164

وعدم الميل إلى إحداهن على وجه تبقى الأخرى كالمعلقة.
هذا وقد قيل أيضا إن إطلاق النص والفتوى بوجوب الليلة وارد مورد الغالب
وهو ما يكون معاشه نهارا فلو انعكس كالوقاد والحارس والبزار فعماد قسمته النهار
خاصة بلا خلاف، جمعا بين الحقين، دفعا للضرر، والتفاتا إلى قوله تعالى (1):
" وجعلنا الليل والنهار خلفة ".
ولو اختلف عمله فكان يعمل تارة بالليل ويستريح بالنهار وتارة يعمل بالنهار
ويستريح بالليل وجب عليه مراعاة التسوية بين زوجاته بحسب الامكان، فإن شق
عليه ذلك لزمه لكل واحدة ما يتفق في نوبتها من الليل أو النهار.
ولو كان مسافرا معه زوجاته فعماد القسمة في حقه وقت النزول، قليلا كان
أم كثيرا، ليلا أم نهارا، قلت: قد ذكر هذا الحكم بعض العامة والخاصة، وهو إن
تم إجماعا كان هو الحجة، وإلا أمكنت المناقشة باحتمال سقوط القسم في حقه
باعتبار تعذر محله، والآية (2) لا تفيد عموم قيام الليل والنهار مقام الآخر في كل
أمر وجب في أحدهما على وجه يفيد المطلوب وأصالة بقاء الحق لا يصلح مثبتا
لمشروعية أدائه في غير المحل المخصوص، إذ هو بالنسبة إلى ذلك من الأصول
المثبتة، على أنهم قد ذكروا سقوط القسم للعذر والسفر على وجه لا يجب عليه
قضاؤه، ولعل ذلك ونحوه من عدم المداقة في هذا الحكم التي قلناه سابقا،
والله العالم.
(وإذا كانت الأمة مع الحرة أو الحرائر) حيث يجوز الجمع بينهما في
التزويج (فللحرة ليلتان وللأمة ليلة) بلا خلاف معتد به أجد فيه، إذ المحكي
عن بعض القدماء منا من عدم القسم للأمة محجوج بالنصوص (3) التي كادت تكون
متواترة في خلافه، مضافا إلى ما دل (4) على أن الأمة على النصف من الحرة،

(1) سورة الفرقان: 25 - الآية 62.
(2) سورة الفرقان: 25 - الآية 62.
(3) الوسائل الباب - 46 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 3 و 4
والباب - 8 - من أبواب القسم والنشوز.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب القسم والنشوز.
165

وحينئذ فالمتجه كون الدور من ثمانية، خمس للزوج، وليلتان للحرة، وليلة للأمة،
لكن نظر فيه في المسالك " بأن تنصيف الليلة في القسمة يجوز لعوارض كما سيأتي
وإن لم يجز التنصيف ابتداء فلا مانع من كونه هنا كذلك، ولما كان الأصل
في الدور أربع ليال فالعدول إلى جعله من ثمان بمجرد ذلك مشكل، خصوصا إذا
قيل بجواز جمع ليلتي الحرة من الثمان، لأن ذلك خلاف وضع القسمة " وفيه ما قد
عرفت سابقا من أن القسم لا يقع في أقل من ليلة، لما فيه من تنغيص العيش، وتعسر
ضبط أجزاء الليل، والمنافاة لظاهر التقدير بالليلة واليوم، فلا يجوز قسمة الليلة
الواحدة كما اعترف به سابقا، والمقام من ذلك قطعا، وعليه جرى قوله عليه السلام (1)
" وإن تزوج الحرة على الأمة فللحرة يومان وللأمة يوم " ونحوه آخران (2)
وقوله عليه السلام في الموثق (3): " للحرة ليلتان وللأمة ليلة " ونحوه غيره (4) إذ هو
مبني إما على بيان أقل القسمة بناء على جوازها بالأزيد أو على كيفيتها على وجه
لا زيادة ولا نقيصة، نحو ما ورد في الحرة (5) من أنها " لها ليلة من أربع " الذي
فهموا منه عدم جواز القسم بأقل منها، بل قد سمعت البحث في الأزيد، كل ذلك
مضافا إلى ما عن الخلاف وغيره من الاجماع على ذلك، قلت: بل لعله من المسلمين
فضلا عن المؤمنين.
ثم إن إطلاق النص والفتوى جواز الجمع بين ليلتي الحرة والتفريق خلافا
لما عن بعض، فأوجب الثاني إلا برضاها بالأول، لأن لها حقا في كل أربع
واحدة ولا يسقطه اجتماعها مع الأمة، وفيه - مع إمكان تحصيل ذلك أيضا في بعض
أفراد الجمع، كما لو كانت الليلة الأولى الرابعة من الدور الأول، والأولى من

(1) الوسائل الباب - 46 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 46 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 4.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 3 - 0 -.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 3 - 0 -.
(5) الوسائل الباب - 9 - من أبواب القسم والنشوز.
166

الدور الثاني - أن المراد من تلك النصوص تقدير الحق بذلك لا حصر القسم به،
ولذا جوزناه بالأزيد، على أن المنساق منها حال اتحادها مع وجوب القسم ابتداء
أو مع اجتماعها مع الحرة دون اجتماعها مع الأمة الذي أطلق فيه الليلتان الصادقتان
على حالي الاجتماع والتفريق فالأصح حينئذ جواز كل منهما بناء على المختار
من جواز القسم بأزيد، بل لعله كذلك أيضا بناء على القول الآخر، ضرورة كون
الليلتين هنا بمنزلة الليلة حال الاجتماع مع الحرة، والله العالم.
(والكتابية) الحرة (كالأمة) التي هي خير منها ولو أعجبتكم (1)
(في القسمة) وحينئذ (فلو كان عنده مسلمة وكتابية كان للمسلمة ليلتان
وللكتابية ليلة) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الخلاف الاجماع عليه،
لاطلاق (2) إنهن بمنزلة الإماء، وخصوص الخبر (3) المنجبر بذلك، بل عن جماعة
عد مثله في الصحيح " للمسلمة الثلثان، وللأمة والنصرانية الثلث " فتوقف ثاني
الشهيدين فيه في المسالك في غير محله (و) حينئذ ف‍ (- لو كانت) عنده (أمة
مسلمة وحرة ذمية كانتا سواء في القسمة) فتستحقان ليلتين من ثمان
بل المتجه على ذلك ما ذكره غير واحد من الأصحاب قاطعين به من أنه
لو كان عنده أمة كتابية كان لها ربع القسمة، فتستحق ليلة من ست عشرة ليلة،
لئلا تساوي الأمة المسلمة التي هي خير من الحرة الكافرة، وللأصل مع عدم المخرج
عنه سوى إطلاق الخبر المتقدم بالتنصيف للنصرانية، وليس فيه حجة لتخصيصه
بقرينة السياق - حيث جعلت في مقابلة الأمة - بما لو كانت حرة، بل ربما ظهر
من ذلك دليل آخر للحكم في المسألة السابقة بناء على مخالفة وجوب القسمة لأصالة

(1) إشارة إلى الآية الكريمة 221 من سورة البقرة " ولأمة مؤمنة خير من مشركة
ولو أعجبتكم ".
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1 والباب - 45 - من
أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3.
167

البراءة، فيقتصر في الخروج عنها بالإضافة إلى الكتابية الحرة على ما هو المتيقن من
الأدلة، وليس إلا كونها كالأمة، إذ مساواتها للحرة المسلمة لا دليل عليها سوى
إطلاق الأدلة (1) بأن للحرة من أربع ليال ليلة الذي هو غير منصرف إلى مثلها
قطعا، كل ذلك مضافا إلى أصالة عدم التداخل في السببين اللذين هما الكتابية
و المملوكية المقتضي كل منهما نقصا عن مقابله، وأنه على النصف، فإذا كان
أحدهما مقتضيا ليلة من ثمان فإذا انضم الثاني معه اقتضى من الست عشرة واحدة،
بل قوله عليه السلام (2): " الأمة على النصف من الحرة " مقتض ذلك أيضا، ضرورة
اقتضائه حينئذ كون الأمة الكتابية على النصف من الحرة الكتابية التي قد
عرفت مساواتها للأمة المسلمة، والنصف من النصف ربع، وهو المطلوب، على أن
المراد من كون الأمة على النصف من الحرة من حيث كونها أمة، وكذا الكتابية
من حيث كونها كتابية، لا أن المراد منه أن الأمة وإن كانت كتابية على النصف
من الحرة وإن كانت مسلمة، بل ليس المراد عند التأمل إلا أن الأمة الكتابية
على النصف من الحرة كذلك، والأمة المسلمة على النصف من الحرة كذلك كما
هو واضح، هذا.
ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحكم في جميع صور اجتماع الزوجات
المتفرقات في القسمة، وهي أربعون صورة: ست منها ثنائية، وأربع عشرة ثلاثية،
وعشرون رباعية، تبلغ مع الصور المتفرقة إحدى وخمسون، وهي من واحدة إلى
أربع أحرار مسلمات، ومثلها كتابيات، واثنتان إماء كتابيات، و هما واحدة
واثنتان فيهما.
واعلم أن القسمة في المتفرقة من ثمان في عشرين صورة، ومن ست عشرة في

(1) الوسائل الباب - 1 و 9 - من أبواب القسم والنشوز.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1 وفيه " قسم للحرة
مثلي ما يقسم للمملوكة ".
168

عشرين، وفي المتفقة من أربع في أربع، ومن ثمان في ست، ومن ست عشرة في اثنتين،
والله العالم، هذا.
وفي إلحاق المبعضة بالحرة أو الأمة بالحرة أو التقسيط إشكال من أصالة التسوية بين
الزوجات إلا من علم خروجها، وهو هنا غير معلوم، مضافا إلى تغليب الحرية، ومن أن
الحرية سبب التسوية وتحققها مع التبعيض غير معلوم، بل الظاهر العدم، لظهور عدم المساواة
ومن الجمع بين مقتضى النصيبين، ومن التردد في الدخول في الحرة أو الأمة أو في
كل باعتبار، ولعل الأخير أقوى نظرا إلى غير ذلك من الأحكام التي جرى فيها
التقسيط.
وكيف كان فهنا (فروع): وهي (لو بات عند الحرة ليلتين فأعتقت
الأمة) قبل ليلتها أو في أثنائها (ورضيت بالعقد) ساوت الحرة و (كان لها
ليلتان، لأنها صادفت محل الاستحقاق) والتحقت بالحرة قبل توفية حقها
وللشافعية وجه بالعدم نظرا إلى الابتداء (ولو بات عند الحرة ليلتين ثم بات عند
الأمة ليلة ثم أعتقت لم يبت عندها أخرى لأنها استوفت حقها) نعم يستأنف
في الدور الثاني التسوية، وهل العتق في اليوم الثاني لليلتها كالعتق في الليلة؟ أما على
القول بعدم الدخول في القسم أصلا فليس مثله قطعا، وعلى القول الآخر فيه وجهان،
من عدم الاستيفاء، ومن كونه تابعا، هذا إن بدأ بالقسمة بالحرة.
(و) أما العكس كما (لو بات عند الأمة ليلة ثم أعتقت) في أثناء
ليلتها ساوت الحرة، فكانت لها أيضا ليلة واحدة، وإن أعتقت بعد تمام نوبتها (قبل
استيفاء الحرة) حقها ولو في أثنائها في الليلة الأولى أو الثانية لم تساوها،
فيجب حينئذ للحرة ليلتان، ثم يسوى بينهما بعد ذلك في دور آخر، لأنها إنما
استحقت ليلة واحدة على أن يكون نصف ما للحرة.
و (قيل) والقائل الشيخ في محكي المبسوط (يقضي للأمة ليلة، لأنها
ساوت الحرة) قبل توفية حقها (وفيه تردد) لما عرفت، وعن الشافعية قول
169

بأنها إن عتقت قبل الليلة الأولى من ليلتي الحرة أو فيها لم يكن لها إلا ليلة
وإن عتقت في الليلة الثانية خرج من عندها في الحال، وهو قريب من قول الشيخ،
وإن كان الظاهر أنه لا يرى الخروج من عندها، وقد تقدم لك تمام الكلام في هذه
المسائل في نكاح الكفار.
كما أنه قد ظهر لك مما ذكرنا الضابط في المسألة، وهو أن الأمة متى
أعتقت بعد استيفاء حقها من النوبة فلا شئ لها و أعطيت الحرة حقها كاملا،
سواء كانت متقدمة أو متأخرة، ومتى أعتقت قبل تمام نوبتها أكمل لها نصيب
الحرة،
(وليس للموطوءة بالملك القسمة) بلا خلاف بل الاجماع بقسميه عليه
(واحدة كانت أو أكثر) فله مع تعد دهن تخصيص من شاء منهن بالمبيت إذا
لم يكن له زوجة أو كان وفضل من الدور شئ فصرفه إلى الأمة، وبالجملة فحكمهن
في القسمة حكم المعدومات، فلو كان له زوجة واحدة ولم نوجب القسمة لها من كل
أربع كان مبيته عند الأمة دائما بمنزلة الاعراض عن الزوجة و مبيته وحده.
(و) كذا لا خلاف معتد به في أن (له أن يطوف على الزوجات في بيوتهن،
وأن يستدعيهن إلى منزله، وأن يستدعي بعضا ويسعى إلى بعض) لأن تعيين
المسكن يرجع إليه، كما أن الطاعة واجبة عليها، ودعوى منافاة الأخير للعدل
والعشرة بالمعروف واضحة المنع بعد فرض إرادة المقرر بالشرع منهما فيما جعله
الشارع لهن فيه حقا، نعم لا يبعد استحباب المساواة، وأفضل منه خصوص الطواف
عليهن تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله (1) وأتم في استجلاب المودة والعشرة بالمعروف.
والله العالم.
(وتختص البكر عند الدخول) في التفضيل (بسبع ليال والثيب بثلاث)

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2 وسنن البيهقي ج 7
ص 298.
170

على المشهور، للنبوي (1) " للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاثة " ولصحيح ابن أبي عمير
عن غير واحد عن محمد بن مسلم (2) قال: " قلت: الرجل يكون عنده المرأة يتزوج
أخرى أله أن يفضلها؟ قال: نعم إن كانت بكرا فسبعة أيام، وإن كانت ثيبا
فثلاثة أيام " وخبره الآخر (3) قلت لأبي جعفر عليه السلام: " رجل تزوج امرأة وعنده
امرأة، فقال: إذا كانت بكرا فليبت عندها سبعا، وإن كانت ثيبا فثلاثا " وخبر
هشام بن سالم (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يتزوج البكر، قال: يقيم
عندها سبعة أيام " وعلي ذلك ينزل إطلاق خبر البصري (5) عن أبي عبد الله عليه السلام
" في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوج الأخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال:
ثلاثة أيام ثم يقسم ".
نعم في خبر الحسن بن زياد (6) عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: " فيكون عنده
المرأة فيتزوج عليها جارية بكرا، قال: فليفصلها حين يدخل بها ثلاث ليال "
وفي موثق سماعة (7) " سألته عليه السلام عن رجل كانت له امرأة فيتزوج عليها، هل
يحل له أن يفضل واحدة على الأخرى؟ قال: يفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة
أيام إذا كانت بكرا، ثم يسوي بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى ".
بل عن الشيخ في التهذيبين الجمع بينهما وبين النصوص السابقة بحمل السبع
للبكر على الجواز، والثلاث على الأفضل، بل عن ابن سعيد موافقته على ذلك، بل
لعله ظاهر المحكي عن السرائر أيضا " إذا عقد على بكر جاز أن يفضلها بسبع،
ويعود إلى التسوية، ولا يقضي ما فضلها، فإن كانت ثيبا فضلها بثلاث ليال لكن
على الخلاف أن للبكر حق التخصيص بسبعة وللثيب حق التخصيص بثلاثة خاصة لها أو
بسبعة يقضيها للباقيات " واستدل عليه بالاجماع والأخبار (8) وبما روي (9) عن

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 301 وكنز العمال ج 8 ص 253 الرقم 4136 وفيهما
" للبكر سبع وللثيب ثلاث ".
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1 - 5 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1 - 5 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1 - 5 - 3 - 4.
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1 - 5 - 3 - 4.
(6) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 7 - 8 - 0 -.
(7) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 7 - 8 - 0 -.
(8) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 7 - 8 - 0 -.
(9) سنن البيهقي ج 7 ص 300.
171

النبي صلى الله عليه وآله إنه قال لأم سلمة حين بنى بها: " ما بك على أهلك من هوان إن شئت
سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك ودرت ".
وقد يظهر من المحكي عن أبي على وجه آخر للجمع، قال: " إذا دخل
ببكر وعنده ثيب واحدة فله أن يقيم عند البكر أول ما يدخل بها سبعا ثم يقسم
وإن كانت عنده ثلاث ثيب أقام عند البكر ثلاثا حق الدخول، فإن شاء أن يسلفها
من يوم إلى أربعة تتمة سبعة، ويقيم عند كل واحدة من نسائه مثل ذلك ثم يقسم
لهن جاز، والثيب إذا تزوجها فله أن يقيم عندها ثلاثا حق الدخول ثم يقسم لها
ولمن عنده واحدة كانت أو ثلاثا قسمة متساوية " إلا أنه كما ترى لا شاهد له، ولا
ينتقل إليه من مجرد اللفظ.
بل قد يناقش في الجمع الأول أيضا المقتضي لكون الحكم من أصله ندبيا،
وإن مال إليه بعض الأفاضل من متأخري المتأخرين، مؤيدا بالأصل مع انتفاء
الصارف عنه من النص وكلام أكثر الأصحاب من حيث تضمنهما ما يدل على الوجوب
في مقام توهم الحظر بظهور النص والفتوى أن ذلك على جهة الاستحقاق لها، والأصل
فيه وجوب الوفاء ممن عليه، وبه تقوى إرادة الوجوب من الأمر به هنا، مضافا
إلى ما سمعته من معقد إجماعه في الخلاف، ولمعلومية رجحان نصوص السبع في البكر
بالشهرة العظيمة بل عدم الخلاف كما قيل، بل الاجماع المحكي عن جماعة على
وجه لا يقاومها خبرا الثالث (1) المحمولان على أنها إنما تستحقها دون التكلمة
سبعا، وإنما له تقديمها ويقضيها للباقيات كما سمعته من الإسكافي في الجملة، أو
على إرادة استمرار تفضيلها بالثلاثة التي له ولها من الأربع، بل لعله ظاهر الأول
منهما بقرينة ما قبله وما بعده، فيراد حينئذ من حين الدخول بها وحدثان العرس
الأيام القريبة منه، أو غير ذلك.
وأما الثيب فلا خلاف أجده في النص والفتوى في عدم زيادة تفضيلها على الثلاث

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 7 و 8.
172

إلا ما يحكى عن بعض الفتاوى والأخبار من التفضيل بالسبع أيضا فعن العلل (1)
" أن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج زينب بنت جحش فأولم وأطعم الناس إلى أن قال - ولبث
سبعة أيام بلياليهن عند زينب، ثم تحول إلى بيت أم سلمة، وكان ليلتها وصبيحة
يومها من رسول الله صلى الله عليه وهو مع قصور سنده وشذوذه وعدم مكافاته لما مر من الأخبار
محمول على الاختصاص به صلى الله عليه وآله، لعدم وجوب القسم عليه، وإلا ما سمعته من
الخلاف الذي هو ليس تفضيلا لها، وإنما هو تقديم وقضاء للباقيات، مع أنا لم
نجده فيما وصل إلينا من النصوص المعتبرة سوى ما سمعته من قول النبي صلى الله عليه وآله
لأم سلمة (2) المفتى به عند العامة التي جعل الله الرشد في خلافها المحمول أيضا
على اختصاصه صلى الله عليه وآله به، فلا محيص حينئذ عن القول المشهور نقلا
(و) تحصيلا.
بل الظاهر أنه (لا يقضي) لنسائه شئ من (ذلك)، لظهور النص (3)
والفتوى في استحقاقهما القدر المزبور، بل لم نعرف فيه خلافا بيننا إلا ما سمعته
من الإسكافي منا الذي لم نعثر على دليل معتد به له، وأبي حنيفة من غيرنا، فأوجب
القضاء مطلقا، ولا ريب في ضعفه، من غير فرق بين طلب الثيب المبيت عندها سبعا
وعدمه، خلافا لما عن مشهور الشافعية من أنها إن التمست السبع قضاهن أجمع،
وإن بات عندها سبعا من غير التماس لم يقض إلا الأربع، لأنه صلى الله عليه وآله
خير أم سلمة في الخبر (4) المتقدم بين اختيار الثلاث خالصة والسبع بشرط القضاء،
فدل علي أنها إن اختارت السبع لزم القضاء، لأن السبع حق البكر، فإذا التمستها فقد
رغبت فيما ليس مشروعا لها، فيبطل أصل حقها، وإن التمست الست فما دونها، أو التمست
البكر إقامة ما زاد على السبع لم يقض إلا الزائد، لأنها لم تطمع في الحق المشروع لغيرها،
وقد سمعت كلام الشيخ في الخلاف، وأنه إما أن يخصها بثلاث أو بسبع ويقضيها لخبر
أم سلمة الذي هو عامي، فالتحقيق ما عرفت.

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2 - 0 -.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 300.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2 - 0 -.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 300.
173

ثم إن الظاهر اعتبار الولاء فيها لأنه المنساق، بل كاد يكون صريح قوله
في بعضها: " ثم يقسم " ولأن الغرض وهو الايناس ورفع الوحشة لا يتم إلا به،
نعم يتحقق بما سمعته في القسمة، وفي المسالك " يتحقق بعدم خروجه إلى أحد
من نسائه مطلقا على حد ما يعتبر في القسمة ولا إلى غيرها لغير ضرورة أو طاعة،
كصلاة جماعة ونحوها مما لا يطول زمانه وإن كان طاعة، لأن المقام عندها
واجب فهو أولى من المندوب " وفيه ما عرفت مضافا إلى كون المدار سبق المبيت
عندها على النحو المتعارف حتى بالنسبة إلى عروض بعض العوارض من ضيف أو عبادة
في ليلة مشرفة ونحو ذلك.
وعلى كل حال فلو فرق الليالي أساء قطعا بل في المسالك " وفي الاحتساب به
وجهان، من امتثال الأمر بالعدد، مكان ذلك بمنزلة القضاء، ومن اشتمال التوالي
على غاية لا تحصل بدونه، كالأنس وارتفاع الحشمة والحياء " قلت: كأن مراده
وجوب قضاء عدد مشتمل على التوالي في أحد الوجهين، لكنه كما ترى، خصوصا
مع عدم اعتبار التوالي في النصوص شرطا، ومع إرادة أيام مخصوصة متوالية متصلة
بالعقد، وبذلك افترق الحال بين التوالي في الكفارة وبينه هنا، بل المتجه هنا إما سقوط
القضاء من أصله أو قضائها مع الاخلال بها ولو مفرقة، ولعل الثاني لا يخلو من
قوة.
ثم إنه قد صرح بعضهم بأنه لا فرق هنا بين الحرة والأمة المسلمة والكتابية
لاطلاق النص والفتوى، ولأن المقصود من ذلك أمر متعلق بالبضع، وهو لا يختلف
بالحرية والرق ولا بالاسلام والكفر، كما يشترك الجميع في مدة الفئة في الايلاء،
وفيه أنه يمكن أن يكون الاطلاق هنا اتكالا على معلومية نقصان الأمة عن الحرة
والكافرة عن المسلمة، حتى ورد أن الأمة على النصف من الحرة (1) وأن الكتابية
بمنزلة الأمة (2).

(1) الوسائل في الباب - 8 - من أبواب القسم والنشوز.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3 والباب - 45 -
من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق
174

ومن هنا حكى عن بعضهم التشطير على حسب القسم، وهو قوي، خصوصا
بناء على أن المقام قسم من القسم أيضا.
إنما الكلام في كيفيته، فيحتمل تكميل المنكسر، فيثبت للبكر الأمة أربع
ليال، كذا الحرة الكتابية، وللثيب منهما ليلتان، وليلة للأمة الكتابية، ويحتمل
التزام التشقيص هنا إما لجوازه في القسم أو في خصوص المقام، لعدم كونه منه، بل
في المسالك " أنه أصح الوجهين " وهو متجه على ما سمعته منه سابقا، أما على المختار
فالمتجه الأول، لكونه من القسم الذي لا يجوز فيه التشقيص، وحذف الكسر
منها مرجوح بالنسبة إلى تكميلها به ترجيحا لحق الجديدة، كما عساه يومئ
إليه ترجيحها بالسبع والثلاث.
وكيف كان فالمعتبر في الحرية والرقية بحالة الزفاف، فلو نكحها أمة وزفت
إليه حرة لحقها حكم الحرائر، بل لا يبعد ذلك لو أعتقت في أثناء أيامها، لما عرفته
سابقا، ولو قضى حق الجديدة ثم طلقها ثم راجعها لم يعد حق الزفاف، لأنها باقية
على النكاح الأول الذي قضى حقه، نعم لو طلقها بائنا ثم جدد نكاحها في العدة فالأصح
تجدد الحق، لعود الجهة بالفراق المبين، وقد يحتمل عود الأول، لكنه واضح
الضعف، ومثله ما لو أعتق مستولدته أو أمته التي هي فراشه ثم نكحها.
ولو كان قد أبانها قبل أن يوفيها حقها ثم جدد نكاحها ففي المسالك " لزمه
التوفية، لأنه ظلم بالطلاق -، قال -: وعلى هذا فلو أقام عند البكر ثلاثا " وافتضها ثم أبانها
ثم نكحها وجب أن يبيت عندها ثلاثا حق زفاف الثيب ولو قلنا بعود الأول وجب أن
يبيت عندها أربعا لأن حق الزفاف في النكاح الثاني على هذا يبني على النكاح
الأول، وقد بقي منه هذا المقدار " قلت: قد يمنع وجوب وفاء الأول الذي قد سقط
بالطلاق، بل يمكن منع كونه ظلما لاحتمال اشتراطه ببقاء كونها زوجة، لا أنه
يحرم عليه طلاقها قبل توفية حقها: وكذا الكلام في صاحبة الدور، كما ستسمع
الكلام فيه في المسائل إنشاء الله.
175

هذا وقد ظهر لك أن للجديدة حق الاختصاص بالعدد المذكور، والتقدم به
على غيرها، فإن زفت إليه بعد تمام الدور حصل لها الاختصاص خاصة، وكذا لو
تزوجها على واحدة بناء على عدم القسم لها، ولو كان عنده امرأتان فزفت إليه
جديدة بعد ما قسم لإحداهما دون الأخرى ففي المسالك " قضى حق الزفاف،
وتحقق هنا الاختصاص والتقديم، ثم قسم للقديمة الأخرى وأعطى الجديدة نصف
ما وفي القديمة، لاستحقاقها حينئذ ثلث القسم، فإن كان قد قسم للأولى ليلة وفي
الأخرى بعد حق الزفاف ليلة، وبات عند الجديدة نصف ليلة، وخرج بقية الليلة
إلى مسجد و نحوه، ثم استأنف القسم بينهن على السوية، ولو قسم للأولى خمس
عشرة وتزوج بكرا خصها بسبع، ثم قسم ثلاثا للقديمة وواحدة للجديدة خمسة
أدوار - وقال فيها أيضا - لو تزوج في أثناء القسم ظلم من بقي بتأخير حقها بعد حضوره،
ولكن لا يؤثر في تقديم الجديدة، ويجب التخلص من مظلمة المتأخرة على الوجه
الذي ذكرناه " انتهى.
وقد يقال: (أولا) أنه لا ظلم، لاشتراط حقها بعدم اتفاق نكاح جديد في
الأثناء وإلا كان مقدما لاطلاق النصوص السابقة و (ثانيا) أنه لو فرض نكاحه
بعد وفاء الأولى ليلتها دون الثانية اختصت الجديدة بأيام زفافها، ثم كان لها ليلة
من الأربع، ولا يختص قسمها بين الباقية والجديدة حتى أنه تستحق الثلث مما لها.
ولكن قد يدفع الأخير بأنه لا حق للجديدة مع القديمة المستوفية حقها في القسم
قبل صيرورة الجديدة زوجة، وإنما تشارك الباقية، فيكون كما لو كان عنده
زوجتان، إلا أن القديمة الباقية قد استحقت عند القديمة الأولى، لأن القسم كان
بينهما، فيكون للقديمة الباقية ثلثان وللجديدة ثلث، ويتجه حينئذ ما ذكره من
أنه إذا وفي القديمة ليلتها كان للجديدة نصف ليلة.
وبتقرير آخر هو أن القديمة السابقة قد استوفت حقها من الأربع قبل
صيرورة الجديدة زوجة، فاستحقت الثانية ليلة منها أيضا بمقتضى القسم بينهما قبل
176

تجدد الجديدة، فلم يبق من الدور حينئذ إلا ليلتان للجديدة فيهما الربع، وهو نصف
ليلة، وأما الليلتان منه للقديمتين فلا حق لها فيهما.
وكذا الكلام في القسم للأولى بخمس عشرة فإنه إذا أراد وفاء الثانية حقها مع
إعطاء الجديدة حقها من الأدوار المتجددة بات عندها خمسة أدوار على الوجه المزبور،
وهو ثلاث عند القديمة وواحدة عند الجديدة، فيحصل حينئذ خمس عشرة ليلة
للقديمة، وخمس للجديدة يكون المجموع عشرين، إذ ليس للجديدة في الأدوار
المزبورة إلا خمس، لأن لها من كل أربع ليلة وللقديمة الباقية كذلك، مضافا
إلى استحقاقها في مقابلة ما أخذته القديمة السابقة وهو عشرة، إلا أن خمس منها
للزوج، فالجديدة حينئذ إنما لها ثلث من الخمس عشرة، وهو خمس هي نصف ما
وفي به القديمة الباقية أي العشرة، فلا فرق بين هذا المثال وبين الليلة ونصف في المثال
السابق مع قطع النظر عن الخمسة التي هي له دفعها في مقابلة الخمس السابقة التي أخذ
منها القديمة السابقة.
وكذا الكلام فيما تسمعه من المصنف وغيره من أنه لو كان له أربع فنشزت
واحدة ثم قسم لكل خمس عشرة فبات عند اثنتين ثم أطاعت الناشز وجب توفيه الثالثة
خمس عشرة والناشز خمسا، إذ لا حق لها في الثلاثين ليلة التي باتها عند الأولتين،
لأنها كانت ناشزا، ولها مع الثالثة اشتراك في استحقاق الدور، فكأن له زوجتين،
للناشز في كل دور ليلة، للثالثة ثلاث إلى أن يكمل الخمس عشرة ليلة، فيبيت عند
الثالثة في كل دور ثلاثا وعند الناشز ليلة خمسة أدوار ثم يستأنف القسم للأربع.
لكن هذا إذا قلنا بأنه إذا كان له أقل من أربع فقسم بما يستوعب الدور أو
يزيد عليه سقط حقه من الأربع، وإلا كان متبرعا على كل من الأولتين بثلاث
وثلاثة أرباع، فلا يكون عليه للثالثة تمام الخمس عشرة، بل إحدى عشرة وربع.
وظاهر الأصحاب كما قيل على الأول بناء على وجوب العدل بينهن، خرج ما إذا
قسم ليلة ليلة بالنص والاجماع على أنه حينئذ له أن يضع ما له من الأربع عند من
177

شاء من أزواجه، فيبقى غير هذه الصورة على أصل وجوب العدل، وإن كان قد
يناقش بأن العدل إنما يجب فيما لهن من الحق لا فيما يتفضل به عليهن، أو على أنه
إذا قسم لهن أزيد من ليلة كان حقه بعد تمام قسمة كل منهن مساويا لما قسمه
لها في المضاعفة، فإذا قسم لاثنتين كان له بعد ليلتي الأولى أربع وكذا بعد ليلتي
الثانية، ونزلت الليلتان منزلة ليلة، فلا يكون له فيهما حق، فله أن يأخذ بحقه
بعد الأولى بأن يبيت بعد ليلتها عند غيرها وأن يأخذه بعد الثانية، فهنا أيضا لما
وفي لكل من الاثنتين خمس عشرة كان الجميع حقهما، فله أن يبيت خمس عشرة
ليلة عند غير زوجاته الثلاث ثم يبيت عند الثالثة خمس عشرة وأن يؤخر حقه عن
توفية الثالثة حقها، وعلى كل حال فلها الخمس عشرة كاملة، وإذا رجعت الرابعة
إلى الطاعة بكل ما كان له من الحق كما لو كانت له ثلاث فتزوج رابعة في الليلة الرابعة
أو يومها.
وكذا لو نشزت واحدة وظلم واحدة وأقام عند الأخريين ثلاثين ليلة ثم
أراد القضاء للثالثة فأطاعت الناشز، فإنه يقسم للمظلومة ثلاثا وللناشز يوما خمسة
أدوار، فيحصل للمظلومة خمس عشرة ليلة عشرة قضاء لأنه كان لها من كل ثلاث
ليال ليلة، لنشوز الرابعة، وقد بات فيها عند إحدى الأخريين، وخمس أداء
فكلما بات عندها ليلتين قضاء كانت الثالثة أداء لها، بخلاف السورة الأولى، فإن
تمام الخمس عشرة فيها أداء، لانتفاء الظلم، ويحصل خمس للمطيعة، كما في الصورة
السابقة و.
(ولو سيق إليه زوجتان أو زوجات في ليلة) أو يوم (قيل: يبتدئ بمن
شاء) في وفاء أيام الاختصاص، لاطلاق خطابه بذلك مع التساوي في الاستحقاق وإن
ترتبا في الزفاف، (وقيل) كما عن بعضهم: إنه (يقرع) بينهن، لما سمعته في
القسم، ضرورة كون المسألتين من واد واحد، (والأول أشبه) عند المصنف
بناء على ما سمعته سابقا (والثاني أفضل) خروجا من شبهة الخلاف والميل
والجور، بل قد عرفت أنه الأقوى عندنا، لا ما ذكره المصنف ولا ما عن المبسوط
178

والتحرير من وجوب الابتداء بمن سبق زفافها، لأن لها حق السبق، وفيه أنه لا يصلح
مرجحا بعد الاتحاد في تعلق الحق.
ثم إن الظاهر القرعة في وفاء تمام الحق المعتبر فيه التوالي كما عرفت، لا
أنه يخير بين ذلك وبين أن يبيت الليلة الأولى عند من خرجت القرعة باسمها ثم
عند الأخرى وهكذا، فإن في ذلك فوات التوالي فتأمل، والله العالم.
(وتسقط القسمة بالسفر) بمعنى أن له السفر وحده من دون استصحاب
أحد منهن، وليس عليه قضاء ما فاتهن في السفر، سواء قلنا بوجوب القسمة ابتداء
أم لا، للاجماع الفعلي من المسلمين على المسافرة كذلك من غير نكير ولا نقل قضاء
مع أصالة عدم وجوبه بعد قصور أدلة القسم لمثله.
ولا شبهة في أنه لو أراد إخراجهن معه فله ذلك، وعليهن الإجابة إلا لعذر،
وإن أراد اخراج بعضهن جاز اتفاقا، ولأن النبي صلى الله عليه وآله كان يفعل ذلك ولا قضاء
عليه للمتخلفات، للأصل، ولأنه صلى الله عليه وآله لم ينقل عنه القضاء ولو وقع لنقل، خصوصا
فيما اشتمل على ذكر سفره بمن خرج اسمها، بل في المسالك " في بعض الروايات
أنه صلى الله عليه وآله لم يكن يقضي صريحا، ويؤيده أن المسافرة وإن حظت بصحبة الزوج لكنها
قاست مشقة السفر، ولم يحصل لها دعة الحضر، فلو قضى لهن كان خلاف العدل ".
وعن بعضهم اشتراط ذلك بكون خروج المصحوبة بالقرعة، فلو صحبها بدونها
قضى، وإلا كان ميلا وظلما وخروجا عن التأسي، فإن عدم قضاء النبي صلى الله عليه وآله للقرعة،
وفي القواعد " ولو استصحب من غير قرعة ففي القضاء إشكال " مما عرفت، ومن أنه
لا حق لهن في أوقات السفر وإلا لم يجز له بانفراده، وله استصحاب من شاء منهن
خصوصا إذا استحبت القرعة كما ستعرف، والأصل عدم وجوب القضاء، وأنها وإن
فازت بالصحبة فقد قاست شدة السفر.
نعم هل ذلك عام لكل سفر لأن الاشتغال به مطلقا يمنع حق القسمة، لما
فيه من المشقة والعناء المانع من حصول الصحبة والتفرد بالخلوة الذي هو غاية القسمة؟
ظاهر المصنف وصريح غيره ذلك.
179

(وقيل: يقضي سفر النقلة) من مكان إلى مكان آخر (والإقامة) أي
الذي تحصل الإقامة فيه (دون سفر الغيبة) للتجارة ونحوها ولم تتخلل فيه إقامة،
واختاره الفاضل في القواعد قال: " ولو سافر للنقلة وأراد نقلهن فاستصحب واحدة
قضى للبواقي وإن كان بالقرعة، لأن سفر النقلة والتحويل لا يختص بإحداهن -
أي فهو في حكم الإقامة، وعليه نقل الكل - فإذا خص واحدة قضى للبواقي "
بخلاف سفر الغيبة الذي هو للتجارة وغيرها بعزم الرجوع، فإنه لا حق لهن فيه،
وفي محكي المبسوط " إن في سفر النقلة وجهين - ولم يرجح شيئا منهما - أحدهما
قضاء مدة السفر لذلك، والآخر قضاء مدة الإقامة معها في بلد النقلة خاصة دون مدة
السفر - وقال فيها أيضا - ولو سافر بالقرعة ثم نوى المقام في بعض المواضع قضى
للباقيات ما أقامه دون أيام الرجوع على إشكال، ولو عزم على الإقامة أياما في
موضع ثم أنشأ منه سفرا آخر لم يكن عزم أولا لزمه قضاء أيام الإقامة دون أيام
السفر، ولو كان قد عزم عليه لم يقض أيام السفر على إشكال " وفي المسالك " عن بعض
التفصيل أيضا في سفر النقلة بين الخروج بالقرعة وعدمه، فيقضى في الثاني دون
الأول ".
والأقوى عدم الفرق بين سفر النقلة وغيره، وبين الخروج بالقرعة وغيره،
وبين سفر الإقامة وغيره، للأصل السالم عن المعارضة بعد الشك في تناول أدلة القسم
لذلك أو ظهورها في غيره، خصوصا بعد السيرة المستمرة.
إنما الكلام في أيام الإقامة المتخللة في أثناء السفر باعتبار خروجها عن اسم
السفر شرعا، فهي من الحضر، مع قوة احتمال كونها كأيام السفر، لاندراجها فيها
عرفا، ولأن السيرة أيضا على عدم الفرق بينها وبين غيرها، ويمكن دعوى ظهور عبارة
المتن في ذلك واشكال الفاضل في أيام الرجوع في غيره محله، ضرورة اتحاد سفر
الغيبة ذهابا وإيابا، والقرعة هنا لا محل لها، وكذا إشكاله الأخير المبني على أحد
الوجهين، وإيجاب القضاء مع السفر بلا قرعة، لكن من المعلوم أنه لا مجال لها هنا،
كما هو واضح، فالمتجه حينئذ ما ذكرنا.
180

نعم لو سافر باثنتين عدل بينهما في السفر أقرع عليهما أو لإحداهما خاصة
أو لم يقرع، لعدم كونه غائبا عنهما، فإن ظلم إحداهما قضى لها إما في السفر أو
في الحضر من نوبة المظلوم بها، وله أن يخلف إحداهما في أثناء السفر في بعض
الأماكن بالقرعة وغيرها على الأصح، لعدم الفرق بينه وبين منزله قبل إنشاء السفر،
فإن تزوج في السفر بأخرى خصها بثلاث أو بسبع في السفر ثم عدل بينهن، إذ السفر
لا يسقط حق الجديدة، لاطلاق أدلته.
ولو خرج وحده ثم استجد زوجة لم يلزمه القضاء للمتخلفات من نوبة الجديدة
وإن قلنا بالقضاء إن استصحب إحدى القديمات بالقرعة، نعم إن أقام في السفر أو
منتهاه لزمه القضاء، مع أن فيه البحث السابق، والله العالم.
(و) كيف كان فالظاهر أنه (يستحب أن يقرع بينهن إذا أراد استصحاب
بعضهن) للتأسي (1) ولأنه أطيب لقلوبهن وأقرب إلى العدل، ولا يجب، للأصل،
وكيفيتها معلومة، ولا تنحصر في طريق، لكن في كشف اللثام " أنها يكتب اسم
كل منهن بالسفر في رقعة يجعلها في بندقة طين أو غيره فيقال لمن لم يعلم بالحال:
أخرج على السفر رقعة فكل من خرجت رقعتها سافر بها، فإن أراد اخراج أخرى
أمره باخراج رقعة أخرى، وكذا إذا أراد السفر بثالثة، وله إن أراد السفر باثنتين
أن يجعل اسم كل اثنتين في بندقة، والأول أعدل، أو يخرج السفر على الأسماء
فإن أراد السفر بواحدة كتب في رقعة سفر وفي ثلاث حضر، فإن خرج على فلانة
رقعة السفر سافر بها، وإن خرجت رقعة الحضر أخرج باسم أخرى، وإن أراد أن
يسافر باثنتين كتب في رقعتين سفر وفي أخريين حضر، أو اقتصر على رقعتين إحداهما
سفر وفي الآخر حضر، وإن أراد السفر بثلاث كتب في ثلاث سفر وفي واحدة حضر ".
ونحوه في المسالك ولا بأس به إن أراد بذلك أحد الأفراد، إذ لا دليل على تعيين
ذلك في كيفيتها، والأمر سهل.
(وهل يجوز العدول عمن خرج اسمها إلى غيرها؟ قيل) كما عن المبسوط

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 302.
181

والوسيلة: (لا) يجوز (لأنها تعينت للسفر) وإلا انتفت فائدتها، (وفيه
تردد) بل الأقوى أن له ذلك، للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي كونها من
الملزمات، وفائدة القرعة استحباب اختيارها للسفر، كما هو واضح، والله العالم.
(ولا تتوقف قسم الأمة على إذن المالك، لأنه لاحظ له فيه)، فليس له
منعها عن المطالبة به وعن إسقاطه وهبته للزوج أو ضرائرها، وفي المسالك " هذا
لا كلام فيه " وهو جيد إن تم إجماعا، خصوصا لو أرادت الصلح عنه بمال.
وعلى كل حال فهل يتوفق القسم لها على وجوب نفقتها كالحرة؟ وجهان،
من كونه من جملة الحقوق المترتبة على التمكين، ودورانه مع النفقة في الحرة وجودا
وعدما، ومن أن وجوب النفقة على الزوج يتوقف على تسليمها إليه نهارا، وهو غير
واجب على السيد، فلا يكون حكمها كالناشز، بل المسافرة في واجب، وعن المبسوط
" النفقة والقسم شئ واحد، فكل امرأة لها النفقة لها القسم، وكل من لا نفقة لها لا قسم
لها " وهذا يقتضي عدم وجوب القسم لأمة مع عدم تسليم المولى نهارا، لسقوط نفقتها حينئذ
وإن كان ذلك غير واجب على المولى " وفي المسالك " لعله الوجه " قلت: قد يقال:
إن مقتضي إطلاق أدلة القسم وجوبه عليه، خصوصا مع إقدامه على عدم استحقاقه
التسليم نهارا بناء عليه على مولاها، فحينئذ امتناعها عليه بحق لا يسقط حقها من
القسم، والله العالم.
(ويستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق وإطلاق الوجه والجماع)
وغير ذلك، لأنه من كمال العدل والانصاف المرغب فيهما شرعا، مع ما في ذلك من
جبر قلوبهن وحفظهن عن التحاسد والتباغض، وفي الخبر (1) عن أمير المؤمنين
صلوات الله عليه وسلامه عليه " من كان عنده امرأتان فإذا كان يوم واحدة فلا يتوضأ عند
الأخرى " بل في خبر معمر بن خلاد (2) النهي عن ذلك، فإنه سأل الرضا عليه السلام " عن

(1) الوسائل الباب - 5 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 3 وفيه " أن عليا عليه السلام
كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى ".
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
182

تفضيل نسائه بعضهن على بعض فقال: لا " وإن كان من المعلوم عدم وجوبها، للأصل
وخبر عبد الملك بن عتبة الهاشمي (1) سأل الكاظم عليه السلام " عن الرجل يكون له
امرأتان يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة والعطية أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس وأجهد
في العدل بينهما " وظاهر قوله تعالى (2): " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء
ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل " وغير ذلك، ولذا أفتى الأصحاب باستحباب
التسوية في غير ما دل الدليل على وجوبه من القسم والانفاق الواجبين ونحوهما، بل
لا يبعد القول بكراهة التفاضل، لما سمعته من الخبر السابق (3)، والله العالم.
(و) كذا يستحب (أن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها)
للخبر (4) المتقدم سابقا الذي منه قيل بالوجوب، وقد عرفت الحال فيه، (وأن
يأذن لها في حضور موت أبيها وأمها) لما في منعها من ذلك من المشقة والوحشة
وقطيعة الرحم (و) إن كان (له منعها) عن ذلك و (عن عيادة أبيها وأمها)
فضلا عن غيرهما (وعن الخروج من منزله إلا لحق واجب) لأن له الاستمتاع
بها في كل زمان ومكان، فليس لها فعل ما ينافيه بدون إذنه، ومنه الخروج إلى بيت
أهلها ولو لعيادتهم وشهادة جنائزهم، وفي خبر عبد الله بن سنان (5) عن أبي عبد الله
عليه السلام " إن رجلا من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في بعض حوائجه
فعهد إلى امرأته أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم، قال: وأن أباها مرض فبعثت
إلى النبي صلى الله عليه وآله تستأذنه في أن تعوده فقال: اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قالت:
فثقل فتأمرني أن أعوده فقال: اجلسي في بيتك وأطيعي زوجك، قال: فمات أبوها
فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه، فقال: اجلسي في بيتك وأطيعي

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 129.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 5 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 91 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
183

زوجك، قال: فدفن الرجل، فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله تعالى غفر لك ولأبيك
بطاعتك لزوجك " بل منه يستفاد أن له منعها عن الخروج لغير الحق الواجب وإن
لم يكن منافيا لاستمتاعه المفروض امتناعه عليه بسفر أو غيره.
وقد ظهر لك من ذلك كله كيفية القسم وزمانه، لكن المنصف ترك التعرض
لمكانه، وفي القواعد " أما المكان فإنه يجب أن ينزل كل واحدة منزلا بانفراده،
ولا يجمع بين ضرتين في منزل إلا مع اختيارهن أو مع انفصال المرافق،
ويستدعيهن على التناوب، وله المضي إلى كل واحدة ليلة، وأن يستدعي بعضا
ويمضي إلى بعض، ولو لم ينفرد بمنزل بل كان كل ليلة عند واحدة كان أولى،
ولو استدعى واحدة فامتنعت فهي ناشز لا نفقة لها ولا قسمة إلى أن تعود إلى الطاعة
وهل له أن يساكن واحدة ويستدعي إليها؟ فيه نظر، لما فيه من التخصيص " لكن
لا يخفى عليك خلو النصوص عن إفادة جميع ما ذكره وكذلك آية المعاشرة
بالمعروف (1) بعد أن كان المراد منه ما وقته الشارع من القسم الواجب والنفقة،
وكذلك قوله تعالى (2): " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم، ولا تضاروهن
لتضيقوا عليهن " بل ربما كان دالا على خلاف بعض ما ذكره، نعم لا بأس بذلك
سياسة وجلبا للقلوب، ومراعاة لكمال العدل ونحو ذلك مما يصلح للاستحباب لا
الايجاب المحتاج إلى دليل مخصوص واف بالمطلوب.
نعم إن ظهر منه الاضرار بها بأن لا يوفيها حقها قسمة وغيرها استعدت عليه
الحاكم لرفع ذلك عنها، وفي القواعد أيضا " أنه يأمره بأن يسكنها إلى جنب ثقة
ليشرف عليها، فيطالبه الحاكم بما يمنعه من حقوقها، فإن أراد السفر بها لم يمنعه
الحاكم، لكن يكاتب حاكم ذلك البلد بالمراعاة " وإن كان فيه أيضا نحو ما تقدم
إلا أن الأمر فيه سهل، خصوصا بعد ما تسمعه في السياسة بينهما لو حصل الشقاق،
والله العالم.

(1) سورة النساء: 4 - الآية 19.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
184

(وأما اللواحق)
(فمسائل:)
(الأولى)
(القسم) بناء على وجوبه مطلقا (حق مشترك بين الزوج والزوجة
لاشتراك ثمرته) التي هي الاستمتاع لكل منهما. بل وعلى المختار أيضا على معنى
أنه حيث يجب ولو بالشروع يكون مشتركا بينهما، فما في المسالك - من أن ذلك
إنما يوافق القول بوجوبه مطلقا خاصة، إذ الحق بناء على القول الآخر
مختص بالزوج دون غيره - في غير محله، ضرورة أن المختص به الشروع
به لا بعده، فإنه حينئذ يكون حقا لهما إلى تمام الدور، بل الظاهر أن المراد
بالقسم هو ذلك، وحينئذ فلا حاجة إلى الاعتذار فيها عن المصنف وغيره ممن عبر
بهذه العبارة مع عدم قوله بوجوب القسم مطلقا باحتمال إرادة الأعم من الواجب من
الحق، ضرورة معلومية الاشتراك في ثمرته، وإنما الكلام في اشتراك حقيته أو
اختصاصها بالزوج، ثم قال: " ولو أراد بالحق ما هو أعم من الواجب فلا بد من
استعماله في معنييه، فليدخل حق الزوج فيه، فإنه واجب، ويمكن حينئذ أن يريد
القدر المشترك بين الواجب وغيره، وهو الراجح مطلقا، وقد كان يمكن تفريع قوله
" فلو أسقطت حقها منه " على الحكم بكونه حقا للزوج فليس لها حينئذ اسقاط
نصيبها من القسم إلا برضاه، وتحصل المطابقة بين الحكمين " إذا قد عرفت أن الحكم
بالاشتراك متجه على التقديرين.
وعلى كل حال (فلو أسقطت حقها منه كان للزوج الخيار) بين الرضا
185

بذلك وعدمه، لما سمعته من الاشتراك بينهما المقتضي لعدم سقوط أحدهما باسقاط
الآخر، ومنه يعلم صورة العكس، وهي لو أسقط هو حقه من ذلك كانت الزوجة
بالخيار، للاشتراك المزبور، ولعل اقتصار المصنف باعتبار كون الغالب وقوع
ذلك، والظاهر أن المراد بالاسقاط هنا الإذن منها، لا أنه كاسقاط الحقوق التي
تسقط بالاسقاط على وجه لم يكن لصاحب الحق العود إليه، ولا أنه من قبيل ما في
الذمة، وذلك لأنه استمتاع في زمان مستمر، فما دامت مستمرة هي على الإذن في
ذلك كان ساقطا، فإذا رجعت عن الإذن كان الحق لها، بل لو خرجت عن قابلية
الإذن باغماء أو جنون لم يستمر السقوط.
(ولها أن تهب ليلتها للزوج أو بعضهن مع رضاه) لتسلطها على حقها
كالمال، إلا أنه لما كان مشتركا بينها وبين الزوج اعتبر رضاه، وللمرسل عن
النبي صلى الله عليه وآله (1) " إن سودة بنت زمعة لما كبرت وهبت نوبتها لعائشة فكان النبي
صلى الله عليه وآله يقسم لها يوم سودة ويومها " ونعم الظاهر إن إطلاق الهبة على ذلك
توسع، باعتبار أنه ليس من موردها الذي هو الأعيان، نعم الظاهر اعتبار القبول
من الموهوبة، فإن لم تقبل لم ينتقل الحق إليها.
ومن هنا يمكن أن يقال: بجريان جميع أحكام الهبة على ذلك، فيكون
الخارج بما هنا من النص والفتوى تعلق الهبة بغير العين، لكن الانصاف أن ذلك
ليس بأولى من القول بعدم جريان شئ من أحكام الهبة عليها وعدم اندراجها في
إطلاق دليلها وإن شاركتها في بعض الأحكام، فلا يجري عليها حكم هبة الرحم
ونحو ذلك من أحكام الهبة، وإطلاق لفظ الهبة في المرسل والعبارات كله من باب
التوسع، وإلا فالمراد الإذن منها في اسقاط حقها على وجه مخصوص، وهو وضعه
عند واحدة منهن، وأما هبتها للزوج فليس معناه إلا الاسقاط.
ومن هنا قال المصنف: (فإن وهبت للزوج وضعها حيث شاء) منهن

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 296.
186

ومن غيرهن ولو بأن يترك المبيت فيها عند أحد منهن، ثم إن كانت نوبة الواهبة
متصلة بنوبة الموهوبة بات عندها ليلتين على الولاء، وإن كانت منفصلة فالأصح
كما في المسالك وجوب مراعاة النوبة فيهما، لأن لها حقا من بين الليلتين سابقا،
فلا يجوز تأخيره، ولأن الواهبة على تقدير تأخر ليلتها قد ترجع بين الليلتين،
والموالاة تفوت حق الرجوع، وإن وهبت حقها من الزوج فله وضعه حيث شاء،
بمعنى أنه ينظر في الواهبة وليلة التي يريد تخصيصها أهما متواليان أم لا؟ ويكون
الحكم على ما سبق.
(وإن وهبتها لهن) أجمع (وجب قسمتها عليهن) على معنى المبيت
عند كل واحدة منهن بعض الليلة، ولو رضين بقسمتها ليال على معنى أن يكون
عند واحدة منهن في كل دور جاز أيضا، واتفاق رجوعها بعد استيفاء إحداهن دون
الأخرى غير قادح، ومثله يأتي في القسمة أبعاضا، ومن هنا كانت المتجه القرعة في
الابتداء مع التشاح، فينحصر الخسران حينئذ بالتي حصل رجوع الواهبة قبل
استيفائها.
(وإن وهبتها لبعض منهر) معينة (اختصت بالموهوبة) على حسب
ما عرفت، هذا ولكن في المسالك " وإن وهبت حقها من جميعهن وجبت القسمة
بين الباقيات، وصارت الواهبة كالمعدومة، ومثله ما لو أسقطت حقها مطلقا، هذا
إذا لم نوجب القسمة ابتداء، وإلا لم يتم تنزيلها كالمعدومة فيما لو كن أربع،
لاشتراكهن حينئذ في تمام الدور، وهو الأربع، ولو جعلناها معدومة فضل له ليلة،
والواجب على هذا التقدير أن يرجع الدور على ثلاث دائما ما دامت الواهبة مستحقة،
بخلاف ما لو طلقها أو نشزت، فإن حكم ليلتها ساقط وتصير كالمعدومة محضا وعلى
التقدير الآخر يفضل له ليلة " وهو جيد.
لكن قد يناقش بعدم الفرق بين القولين في عدم تمامية التشبيه، اللهم إلا
أن يكون المراد أنه لا حق لها تهبه على القول بالوجوب بالشروع، فمرجع هبتها
حينئذ إلى تنزيلها منزلة العدم، وفيه نظر، ضرورة إمكان هبتها في أثناء الدور،
187

وإمكان عدم الحق لها وإن كان معلقا على الشروع كما نبه عليه قوله: (وكذا
لو وهبت ثلاث منهن لياليهن للرابعة لزمه المبيت عندها من غير إخلال) الذي وافقه
عليه في المسالك، حيث قال: " ولو فرض هبة الجميع لواحدة انحصر الحق فيها،
و لزمه مبيت الأربع عندها على تقدير القول بوجوب القسمة دائما، ولا ينزل حينئذ
منزلة الواحدة، بل بمنزلة الأربع، وعلى القول الآخر يجب عليه إكمال الدور
لها حيث ابتدأ به، ويسقط عنه بعد ذلك إلى أن يبتدئ به فيجب عليه إكمال
الأربع، وهكذا. ويجري عليه أيضا قوله: " لزمه المبيت عندها من غير إخلال "
يعني بالدور الواجب " فتأمل جيدا، والله العالم.
المسألة (الثانية)
(إذا وهبت ورضى الزوج) الذي قد عرفت اعتبار رضاه للاشتراك في
الحق الذي علمته (صح) لما تقدم.
(ولو رجعت كان لها) ذلك (ولكن) في غير ما مضى وإن كانت
الموهوبة رحما لها، لعدم كونها هبة حقيقة، ولعدم القبض فيما رجعت فيه، ومن
هنا كان (لا يصح) رجوعها (في الماضي بمعنى أنه لا يقضي) لكونه بمنزلة
التلف المانع من الرجوع به (ويصح فيما يستقبل) الذي هو متجدد ولا قبض
فيه، فلها الرجوع فيه بحيث لو رجعت في أثناء الليل وعلم به خرج من عند
الموهوبة.
(ولو رجعت ولم يعلم) الزوج بذلك (لم يقض ما مضى قبل علمه)
للأصل بعد عدم التقصير منه، وفي المسالك " في المسألة وجه آخر، أنه يقضي
كما قيل بانعزال الوكيل قبل العلم بالعزل، والحق الأول " قلت: هو لا يخلو
من قوة باعتبار انكشاف استيفاء حقها مع عدم إذنها، وعدم التقصير لا مدخلية له
في تدارك الحق لذيه، وليس هو كالمال المأذون في أكله الذي تأتي فيه قاعدة
188

الغرور، كما أنه ليس من قسم الوكالة التي ثبت بالنص (1) والفتوى عدم
انفساخها قبل العلم، بعد حرمة القياس عندنا، فيتجه حينئذ التدارك لها، خصوصا
مع علم الزوجة دونه، فإنها حينئذ هي ظالمة تقاص من ليلتها، لأن الحرمات
قصاص (2) والله العالم.
المسألة (الثالثة)
(لو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج هل يلزم؟ قيل) والقائل الشيخ
في المحكي عن مبسوطه: (لا) يلزم (لأنه حق لا يتقوم منفردا) أي غير مالي،
لعدم كونه في مقابلة عين أو منفعة، وإنما هو مأوى ومسكن (فلا تصح المعاوضة
عليه) والأقوى خلافه، لاطلاق أدلة الصلح مثلا الشاملة لمثل ذلك من الحقوق
كحق الخيار والشفعة من غير فرق بين الصلح على إسقاطه أو انتقاله فيما كان
قابلا منه للانتقال، كما في المقام، مضافا إلى خبر علي بن جعفر (3) عن أخيه
موسى عليه السلام " سألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما: ليلتي ويومي لك يوما أو
شهرا أو ما كان، أيجوز ذلك؟ قال: إذا طابت نفسها واشترى منها ذلك فلا بأس "
ومن المعلوم أن إطلاق الشراء مجاز، لأن البيع متعلق بالأعيان فهو كناية عن
المعاوضة عليه بالصلح مثلا.
والظاهر عدم اختصاص ذلك بالزوج، بل يجوز للنساء بعضهن مع بعض،
لكن مع إذن الزوج، للاطلاق المزبور، كما أن الظاهر جوازه لهن بتبديل ليلة
بعضهن بالأخرى لذلك أيضا.

(1) الوسائل الباب - 2 - من كتاب الوكالة.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 194.
(3) الوسائل الباب - 6 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
189

هذا وفي المسالك " حيث لا تصح المعاوضة يجب عليها رد العوض إن كانت
قبضته، ويجب القضاء لها إن كانت ليلتها قد فاتت، لأنه لم يسلم لها العوض، هذا
مع جهلهما بالفساد أو علمهما وبقاء العين، وإلا أشكل الرجوع، لتسليطه لها على
إتلافه بغير عوض حيث يعلم أنه لا يسلم له، كما في البيع الفاسد مع علمهما بالفساد "
وفيه أنه لا يتم مع فرض كون البذل بعنوان المعاوضة التي لم يتم له فيها المعوض
وعدم الرجوع في البيع الفاسد لو سلم فلدليل خاص من إجماع ونحوه، ضرورة
أن التسليط المزبور ولو اقتضى عدم الرجوع لاقتضى في المعوض أيضا كما في العوض
وقد تقدم تحقيق المسألة في محله.
المسألة (الرابعة)
(لا قسمة للصغيرة ولا المجنونة المطبقة ولا الناشزة ولا المسافرة بغير إذنه
بمعنى أنه) يؤديه ذلك لهن فعلا " و (لا يقضي لهن عما سلف) أما في الأولى
والثالثة فلا أجد فيه خلافا هنا، وذلك لأن القسمة من جملة حقوق الزوجية، وهي
بمنزلة النفقة التي تسقط بالصغر والنشوز، ولعله كذلك في الناشزة، أما الصغيرة
القابلة للاستمتاع الملتذة به فلا دليل عليه، لاندراجها في اسم الزوجة التي قد سمعت
ما يدل (1) على استحقاقها الليلة من الأربع، وسقوط النفقة المشروطة بالدخول
لو قلنا به لا يقتضي سقوط حقها من القسم، اللهم إلا أن يشك في شمول أدلته
لمثلها، والأصل البراءة، و لعله كذلك.
وأما المجنونة المطبقة فقد علل بأنها لا عقل لها يدعوها إلى الأنس
بالزوج والتمتع به، وهو كما ترى أخص من المدعي، ولذلك قال في المسالك:
" والأولى تقييد المطبقة بما إذا خاف أذاها أو لم يكن لها شعور بالأنس به وإلا
لم يسقط حقها منه " وربما يؤيد ذلك في الجملة ما سمعته سابقا في جنون الزوج،

(1) الوسائل الباب - 1 و 9 - من أبواب القسم والنشوز.
190

نعم يمكن الشك أيضا، في تناول الأدلة للمجنونة على حسب ما سمعته في الصغيرة،
خصوصا مع ظهور المفروغية منه عند المصنف وغيره، وكان التقييد بالمطبقة لاخراج
ذات الأدوار، فإنه لا يسقط حقها حال إفاقتها قطعا، أما حال أدوارها فيشكل الفرق
بينها وبين المطبقة أداء وقضاء.
والمسافرة بغير إذنه في غير واجب أو ضروري من الناشز التي قد عرفت الحال
فيها، نعم إن كان في واجب مضيق أو بإذنه في غرضه لم يسقط حقها، ووجب القضاء
لها بعد الرجوع على ما صرح به بعضهم، بل ظاهره عدم الخلاف فيه، لاقتصاره في
حكايته على ما إذا كان بإذنه في غرضها، قال: " فيه قولان: من الإذن في تفويت
حقه فيبقى حقها، ومن فوات التمكين والاستمتاع المستحق عليها لأجل مصلحتها،
والإذن إنما تؤثر في سقوط الإثم، وفوات التسليم المستحق وإن كان بسبب غير مأثوم
فيه يوجب سقوط ما يقابله، كما إذا فات تسليم المبيع قبل القبض بسبب يعذر فيه،
فإنه يسقط تسليم الثمن، والأول خيرة العلامة في التحرير والثاني خيرته في القواعد "
قلت: مبني المسألة على الظاهر أمران: (أحدهما) أصالة تدارك هذا الحق وقضائه
أولا (ثانيهما) أن ظاهر أدلة القسم شمولها لمثل المفروض أو أنها ظاهرة في الزوجات
القابلة للتقسيم عليهن، ولعل الأقوى الأول في الأول، والثاني في الثاني، وهو
كاف في سقوط الحق لها، بل منه ينقدح الشك أيضا في ثبوته في الأولين إن لم يكن
إجماعا، والله العالم.
191

المسألة (الخامسة)
(لا) يجوز أن (يزور الزوج الضرة في ليلة ضرتها) بغير إذنها، لما
في ذلك من منافاة العدل والإيذاء غالبا، ولأنها مستحقة لجميع أجزاء الليلة فلا
يجوز صرف شئ منها إلى غيرها إلا بما جرت به العادة، أو دلت قرائن الأحوال
على إذنها فيه، كالدخول على بعض أصدقائه والاشتغال ببعض العبادة ونحو ذلك
ولا ريب في عدم دخول زيارة الضرة فيه (و) احتمال أن المستثنى زمان أمثال
ذلك فله وضعه حيث شاء، مناف لظاهر الأدلة إن لم يكن المقطوع به منها.
نعم (لو كانت مريضة جاز له عيادتها) لقضاء العادة، كما تجوز عيادة
الأجنبي، ولعدم التهمة في زيارتها حينئذ، لمكان المرض بخلاف الصحة، ولذا
قيده بعضهم بكون المرض ثقيلا وإلا لم يصح، ثم إن خرج من عندها في الحال
لم يجب قضاؤه حتى لو فرض في حال عصيانه به، لكونه قدرا يسيرا لا يقدح في المقصود
ولم يفد تداركه (ف‍) يبقى على الأصل.
و (إن استوعب الليلة عندها) في غير العيادة أو طال مكثه كذلك فلا شبهة
في القضاء، وإن استوعبها فيها لاقتضاء المرض ذلك ف‍ (- هل يقضيها؟ قيل: نعم،
لأنه لم يحصل المبيت لصاحبتها) والأصل التدارك، وتممه في المسالك بأنه
ليس من ضرورات الزيارة الإقامة طول الليلة، فهو ظلم، وكل ظلم للزوجة في
المبيت يقضي (وقيل: لا) يقضي (كما لو زار أجنبيا، وهو أشبه) عند
المصنف، لكن في المسالك " أن الأول أقوى، والفرق بين الأمرين واضح، والأصل
ممنوع فإن زيارة الأجنبي مشروطة بعدم استيعاب الليلة ".
قلت: محل البحث على الظاهر ما إذا اقتضى الحال استيعاب الليلة عندها
لتمريضها، والمراد بالشبيه بزيارة الأجنبي أنه يكون معتادا كأصل الزيارة، لا
192

أن المراد الزيارة المستوعبة، وحينئذ لا يكون فيه ظلم للزوجة، فيبني على أصالة
التدارك مع عدم الظلم، ويمكن أن يكون بناء المصنف عدم التدارك فيما لا يكون
ظلما، وهو لا يخلو من وجه وإن كان الأقوى خلافه، وعلى كل حال لا يحتسب
على المريضة نعم لو طال المكث عندها بغير عيادة اقتص منها بمثله في نوبتها.
أما لو طال المكث عند غير الضرة قضاه من ليلته إن بقيت له ليلة، وإلا بقيت
المظلمة في ذمته إلى أن يتخلص منها بمسامحة ونحوها.
(ولو دخل) على إحدى الضرات في ليلة الأخرى (فواقعها ثم عاد
إلى صاحبة الليلة لم يقض المواقعة) قطعا (في حق الباقيات) للأصل و (لأن
المواقعة ليست من لوازم القسمة) نعم يتجه قضاء زمان المواقعة مع طوله، لما
عرفت، وإن لم يطل ففي المسالك فالإثم خاصة، قلت: في الإثم أيضا نظر، وعن
بعض العامة وجوب قضاء الجماع للمظلومة في ليلة المجامعة كما فعله لها، ثم يذهب
إليها ليحصل العدل وإن لم يكن الجماع واجبا في نفسه، وهو كما ترى بعد عدم
وجوب العدل بنحو ذلك، والله العالم.
المسألة (السادسة:)
(لو جار في القسمة قضى لمن أخل بليلتها) بلا خلاف لكنه مشروط ببقاء
المظلوم بهن في حباله، وبأن يفضل له من الدور يقضي، فلو كان عنده أربع
فظلم بعضهن في ليلتها بأن ترك المبيت فيها عندها وعند ضراتها لم يمكنه القضاء،
لاستيعاب الوقت بالحق على القول بوجوب القسمة ابتداء فيبقى في ذمته إلى أن يتمكن
بطلاق واحدة أو نشوزها أو موتها أو غير ذلك مما يكون سببا لرجوع شئ من
الزمان إليه يتمكن فيه من القضاء أو يسترضيهن بمال أو غيره، نعم لو كان ظلمه
بالمبيت عندهن فإن جعل ليلتها لواحدة معينة قضاها من دورها، وإن ساوى بينهن
وأسقط المظلومة من رأس قضى لها الزمان بقدر ما فاتها؟، بل قيل: مواليا إلى
193

أن يتم لها حقها ثم يرجع إلى العدل، ووجهه ما تسمعه.
وكذا لا يتمكن من القضاء لو تزوج ثلاثا مثلا بعد مفارقة المظلوم بهن،
فإن المظلومة لا حق لها عند المتجددات، نعم لو أمكن الجمع بين حق الجديدة
والقضاء اتجه حينئذ ذلك. كما لو فارق واحدة منهن وتزوج أخرى أمكن القضاء
من دور المظلوم بهما دون الجديدة، فيعطيها من كل دور ثلاثا وللجديدة ليلة إلى
أن يكمل حقها ثم يرجع إلى العدل، فلو كان معه ثلاث نسوة مثلا فبات عند
اثنتين منهن عشرين ليلة مثلا فاستحقت الثالثة عنده عشرا - بل قيل: وعليه أن
يوفيها إياه ولاء، لأنها قد اجتمعت في ذمته، وهو متمكن من وفائها، فلا يجوز أن
يؤخر وإن كان لا يخلو من نظر - فنكح جديدة بعد العشرين لم يجز أن يقدم قضاء
العشرة، لأنه ظلم على الجديدة، بل يوفيها أولا حق الزفاف من ثلاث أو سبع
ثم يقسم الدور بينها وبين المظلومة فيجعل لها ليلة وللمظلومة ليلتها وليلتي الظالمتين،
وهكذا ثلاثة أدوار فيوفيها تسعا، ويبقى لها ليلة.
قال في المسالك: " فإن كان قد بدأ بالمظلومة بات بعد ذلك ليلة عند
الجديدة، لحق القسم ثم ليلة عند المظلومة لتمام العشر، ويثبت للجديدة بهذه
الليلة ثلث ليلة، لأن حقها واحدة من أربع، فإذا أكمل لها ثلث ليلة خرج باقي
الليل إلى مكان خال عن زوجاته ثم يستأنف القسمة للأربع بالمعدل، وإن كان قد
بدأ بالجديدة فإذا تمت التسع للمظلومة بات ثلث ليلة عند الجديدة وخرج باقي
الليل كما وصفناه، ثم بات ليلة عند المظلومة ثم قسم بين الكل بالسوية " وفيه
نظر كقوله فيها: " إنه قد يحتاج إلى التبعيض بغير الظلم، كما لو كان يقسم بين
نسائه فخرج في نوبة واحدة لضرورة ولم يعد أو عاد بعد وقت طويل، فيقضي لها
من الليلة التي بعدها مثل ما خرج، ويخرج باقي الليل إلى المسجد أو نحوه كما
قررناه ويستثنى من الخروج ما إذا خاف اللص والعسس أو لم يكن في داره مكان
منفرد يصلح لمنامه بقية الليلة، فيعذر في الإقامة، والأولى أن لا يستمتع فيما وراء
زمان القضاء " فتأمل جيدا، والله العالم.
194

المسألة (السابعة:)
(لو كان له أربع فنشزت واحدة) سقط حقها وفضل له حينئذ من الدور
ليلة يضعها حيث يشاء لو كانت قسمته ليلة ليلة، أما إذا كانت أكثر من ليلة ففي المسالك
" استوعب دور القسمة أو زاد عليه، لأن أقل النسوة المتعددات أن يكونا اثنتين،
فإذا جعل القسم بينهن اثنتين استوعب حقهما الدور، فيسقط حقه من الزائد،
لأنه أسقطه بيده حيث اختار الزيادة " ونسب ذلك إلى ظاهر مذهب الأصحاب في
مسألة الكتاب ونظائرها، قال: " ويدل عليه أن ثبوت حقه معهن وتفضيل بعضهن
على بعض على خلاف الأصل، والدلائل العامة من وجوب العدل والتسوية بينهن
يدل على خلافه، ويقتصر فيه على مورد النص، وهو ثبوت حقه في الزائد عن عددهم
في الأربع على القسمة ليلة ليلة على ما في الرواية الدالة من ضعف السند، ولولا
ظهور اتفاق الأصحاب عليه أشكل اثباته بالنص، وعامة الفقهاء من غير الأصحاب
على خلافه، وأنه متى قسم لواحدة عددا وجب أن يقسم للأخرى مثلها مطلقا مع
تساويهما في الحكم ".
قلت، لا ريب في ظهور النص (1) المشتمل على الإشارة إلى الآية الكريمة (2)
كما تقدم سابقا أن للرجل حقا في القسم على نسبة الأربع، ضرورة عدم الخصوصية
للأربع ولا ينافي ذلك وجوب العدل والتسوية وعدم التفضيل، إذ ذلك كله خارج
عن محل البحث الذي هو ثبوت حق لهن فيه وعدمه، فإنه لو فرض استيفاء نصيبه
بغير الاستمتاع بأحد منهن لم يكن منافيا للعدل ولا مفضلا ولا تاركا للتسوية
وفتوى عامة غير الأصحاب بخلافة مما يؤكد حقيقته، لا أنه يوهنه بعد أن جعل
الله الرشد في خلافهم، وإطلاق المصنف وغيره في المسألة لا ينافي ذلك، لمعلومية
إرادة القسم من ذلك، بل كاد يكون صريح كلامهم، خصوصا بعد عدم سوقه لمحل

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 6.
(2) سورة النساء 4: - الآية 4.
195

البحث، كما هو واضح.
فلا ريب في أن المتجه أن له حقا على حسب نسبة الأربع، ولكن في
المسالك يسهل الخطب بدعوى أن الفائدة إنما تظهر على القول بوجوب القسمة
ابتداء دائما أما على المختار وهو القول بوجوبها مع الابتداء بها خاصة وجواز
الاعراض بعد ذلك فالأمر سهل، لأنهن إذا وفي لهن العدد الذي جعله لهن
جاز له الاعراض عنهن، سواء كان له حق في المدة أم لا، مع أنه أيضا لا يخلو
من نظر.
وعلى كل حال فإذا نشزت واحدة من الأربع (ثم قسم خمس عشرة فوفي
اثنتين ثم أطاعت الرابعة وجب أن) يجمع بين حقي الباقية والتي أطاعت،
ف‍ (- يوفي الثالثة خمس عشرة والتي كانت ناشزا خمسا فيقسم) الدور بينهما
خاصة، (للناشز ليلة وللثالثة ثلاثا خمسة أدوار، فتستوفي الثالثة خمس عشرة،
والناشز خمسا ثم يستأنف) وليس له أن يفي الثالثة خمس عشرة متوالية، لمزاحمة
حق المطيعة جديدا التي صارت بتجدد طاعتها كالمرأة الجديدة التي قد عرفت الحال
فيها، وهو واضح، والله العالم.
المسألة (الثامنة:)
(لو طاف على ثلاث وطلق الرابعة) مثلا (بعد دخول ليلتها) أثم
بذلك، كما في المسالك حاكيا له عن الشيخ وغيره، بل ظاهره المفروغية منه،
إلا أنه لا يبطل به الطلاق، لكونه محرما لأمر خارج هو تفويت الحق، فيكون كالبيع
وقت النداء من غير فرق في المطلقة بعد حضور نوبتها بين الراغبة وغيرها، ولا في
الطلاق بين كونه رجعيا وبائنا وإن تمكن في الأول من التخلص بالرجوع، لكونه
بقسميه سببا في تعطيل الحق واشتغال الذمة، وفيه إمكان عدم الإثم به، لأن
196

وجوب القسم مشروط بالبقاء على الزوجية، ولا يجب عليه تحصيل الشرط، وربما
كان ما تسمعه من اختيار المصنف مبنيا على ذلك.
وعلى كل حال فلو كان رجعيا ورجع في العدة وجب قضاء، وتخلص منها
بغير إشكال كما في المسالك، لأن الرجعة أعادت الزوجية الأولى كما كانت.
وإن تركها حتى انقضت عدتها أو كان الطلاق بائنا (ثم تزوجها قيل)
والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه: (يجب لها قضاء تلك الليلة) لأنه
حق استقر في ذمته وأمكنه التخلص منه، فيجب (و) لكنه (فيه تردد)
كما عن الإرشاد وظاهر التلخيص (ينشأ)، من ذلك و (من سقوط حقها
بخروجها عن الزوجية) وتباين الحقوق بتباين النكاحين، فلا يفيد قضاء مثل ما فات
في أحدهما في الآخر، بل يجب العدل في كل منهما، فلو قضى لها في الثاني لزم
الجور على الآخر.
وبذلك يظهر لك وجه ما ذكرناه من الفرق بين الرجعة والتزويج الذي جعله
المصنف عنوان المسألة إلا أنه مع ذلك وفي المسالك أن الأقوى وجوب القضاء
لمنع الملازمة بين الخروج عن الزوجية وسقوط الحقوق المتعلقة بها، ومن ثم يبقى
المهر وغيره من الحقوق المالية وإن طلق، وتخصيص بعض الحقوق بالسقوط دون
بعض لا دليل عليه، ثم فرع على ذلك وجوب التزويج لو توقفت البراءة عليه، ولو
فرض إمكان التخلص بوجه آخر تخير بينهما، وحينئذ فلا يمنع من تزويجه رابعة،
لكون الفرض عدم الانحصار فيه، بل وعلى تقديره لم يقدح في صحة التزويج،
لما سمعته من عدم اقتضاء مثل هذا النهي الفساد.
ولا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد ما عرفت من ظهور الأدلة في وجوب
هذه الحقوق ما دامت الزوجية باقية، فهي من قبيل الواجب المشروط، وليست مثل
المهر ونحوه.
وكيف كان فمن المعلوم أن وجوب القضاء مع إمكانه وإلا فلا، كما إذا
لم يبت في ليلتها عند واحدة من الباقيات أو أنه فارق التي باتها عندها وتزوج
197

بجديدة مع المظلومة، أو نحو ذلك، فإنه لا يتمكن من القضاء ما دام تحته أربع
زوجات، لاستيعاب حقوقهن الليالي، بل وكذا إن فارق التي باتها عندها ولم
يجدد نكاحها ولا نكاح غيرها مع المظلومة بناء على أنه لا عبرة بالقضاء حينئذ
إلا من نوبة المظلوم بها، وإن كان فيه نظر واضح، ضرورة عدم الفرق بعد وصول
حقها إليها بين أن يكون من نوبتها أو مما فضل له من دوره، والله العالم.
المسألة (التاسعة:)
(لو كان له زوجتان في بلدين فأقام عند واحدة عشرا قيل) والقائل الشيخ
في المحكي من مبسوطه: (كان عليه للأخرى مثلها) إذا كان ذلك منه على جهة
القسمة، وما يمضي عليه في السفر بين البلدين لا يحسب من لياليه ولا من ليالي
إحداهما وإن لم يكن على وجه القسمة لم يلزمه للثانية إلا خمس لأنه نصف الدور
فنصف العشر حقها ونصفها تبرع، ولعله لحاجة الاطلاق المزبور إلى التقييد المذكور
نسبه المصنف إلى القيل أو للشك في وجوب القسم مع عدم اجتماع النساء في بلد
واحد، بل كان بينهما مسافة فصاعدا، فله حينئذ الإقامة عند كل واحدة ما يشاء.
هذا ولكن في المسالك بعد أن ذكر ذلك عن المبسوط قال: " وجهه ما أشرنا
إليه من أن المبيت عند واحدة من الزوجات زيادة على الليلة توجب المبيت عند
الأخرى مثلها مراعاة للعدل بينهن، وأن جواز المفاضلة بين الاثنتين والثلاث
مشروط بجعل القسم ليلة ليلة ونقل المصنف له بصيغة القيل يؤذن باستشكاله، ووجه
ما علم من أن للزوج مع الاثنتين نصف الدور فينبغي أن يكون له من العشر نصفها،
ولكل واحدة منهن ربع، فلا يلزمه للثانية إلا ليلتان ونصف ".
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا خصوصا فيما ذكره
أخيرا، بل لم أعثر على غيره قد جزم بالحكم المزبور، وفي حاشية الكركي على
198

الكتاب " هذا القول مشكل، لأن لها نصف القسم، فكيف يجب استيعابه للأخرى "
وأجيب بوجوه ثلاثة (الأول) حمله على الاستحباب (الثاني) حمله على أن له
زوجتين آخرتين، فإن مفهوم الاسم ليس بحجة، و (الثالث) حمله على أنه استوفي
حقه من القسم، ولم يذكر ما سمعته من المسالك وجها.
وكيف كان فمن المعلوم أنه يتخير في وفاء الثانية بين الذهاب إليها واستدعائها
إليه، فإن امتنعت منه مع قدرتها سقط حقها، للنشوز حينئذ، والله العالم.
المسألة (العاشرة:)
(لو تزوج امرأة ولم يدخل بها فأقرع للسفر فخرج اسمها) من بين
غيرها استصحبها معه، ولكن (جاز له مع العود) بل وجب عليه إن طلبته منه
(توفيتها حصة التخصيص) التي هي الثلاث أو السبع (لأن ذلك لا يدخل في
السفر، إذ ليس السفر داخلا في القسم) خلافا للمحكي عن الشيخ من الاكتفاء
في تخصيصها بما يحصل في أيام السفر، لحصول المقصود بها وهو الأنس وزوال الحشمة،
وفيه - بعد منع انحصار الفائدة في ذلك، بل يمكن أن يكون أهمية الاستمتاع
بالجديدة في هذه المدة، وكون هذه العلة مستنبطة - أن أيام التخصيص من ليالي
القسم التي فضلت بها مثل ما فضلت الحرة على الأمة، والاتفاق على أن أيام السفر
لا تدخل في القسم، ولذا لم يقض للمتخلفات ما فاتهن مع المصحوبة فكذلك هنا.
نعم لو كان المتزوج بهما جديدا اثنتين فاستصحب إحداهما في السفر بالقرعة
قضى حق المقيمة إذا حضر من الثلاث أو السبع، إما بعد قضاء حق المصحوبة
أو قبله إن ترتبا في النكاح أو بالقرعة، وذلك لاستصحاب مالها من الحق من غير
ما يدل على اسقاط صحبة الأخرى في السفر له، قيل كما أنه إذا قسم للأربع لكل
منهن ليلة فبات عند ثلاث ثم سافر واستصحب معه غير الرابعة، فإنه يبقى عليه
199

حق الرابعة، فإذا عاد وفاها حقها، وللعامة وجهه بالعدم، للزوم تفضلها، لأنه
لم يقضها مالها من الحق، وإنما دخل حقها في السفر، فلو قضى المقيمة حقها لزم
التفضيل، وهو كما ترى، والله العالم.
(القول في النشوز:)
(وهو الخروج) من الزوج أو الزوجة (عن الطاعة) الواجبة على كل
واحد منهما للآخر (وأصله) لغة (الارتفاع) يقال: نشز الرجل ينشز
إذا كان قاعدا فنهض قائما، ومنه قوله تعالى (1): " وإذا قيل انشزوا فانشزوا "
أي انهضوا إلى أمر من أمور الله تعالى، وسمى خروج أحدهما نشوزا لأنه بمعصيته
قد ارتفع عما أوجب الله تعالى عليه من ذلك للآخر، قيل: ولذلك خص النشوز
بما إذا كان الخروج من أحدهما، لأن الخارج ارتفع على الآخر فلم يقم بحقه،
ولو كان الخروج منهما معا خص باسم الشقاق كما يأتي، لاستوائهما معا في
الارتفاع، فلم يتحقق ارتفاع أحدهما عن الآخر، وقال بعضهم:
يجوز إطلاق النشوز على ذلك أيضا، نظرا إلى جعل الارتفاع عما يجب عليه من
الطاعة لا على صاحبه، وهو متحقق فيهما، وبعض الفقهاء أطلق على الثلاثة اسم
الشقاق، وفي المسالك والكل جائز بحسب اللغة، ولكن ما جرى عليه المصنف
أوفق بقوله تعالى (2): " واللاتي تخافون نشوزهن " إلى آخره وقوله تعالى (3):
" وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " إلى آخره وقوله تعالى (4):
" وإن خفتم شقاق بينهما ".
قلت: الظاهر تحقق اسم النشوز بخروج كل منها عن الطاعة الواجبة عليه

(1) سورة المجادلة: 58 - الآية 11.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 34 - 128 - 35.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 34 - 128 - 35.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 34 - 128 - 35.
200

للآخر بل لا يبعد كون ذلك بمعنى ارتفاع كل منهما عن الآخر عما وجب عليه،
نعم تحقق اسم الشقاق بخروج أحدهما دون الآخر بعيد، كما أن ما عن نهاية الشيخ
من تخصيص النشوز بخروج الزوج عن الحق كذلك، بل هو خلاف الآية الأولى
وغيرها، (و) نحوه ما في ظاهر أحكام الراوندي في اختصاصه بالعكس، إذ لا ريب
في أنه (قد يكون من الزوج، كما يكون من الزوجة)
بل ربما ظهر من الصحاح والقاموس والمجمع صدق اسم النشوز لغة على المعنى
العرفي، فإن فيها " نشزت المرأة تنشز نشوزا استعصت على زوجها وأبغضته، ونشز
عليها إذا ضربها وجفاها " وعن شمس العلوم " عصته وخالفته، ونشز عليها: ضربها
وجفاها " والمصباح المنير " عصته وامتنعت عليه، ونشز عليها: تركها وجفاها "
والنهاية " عصت عليه وخرجت عن طاعته، ونشز عليها: جفاها وأضر بها وكرهها
وأساء صحبتها ".
اللهم إلا أن يقال: إن حاصل ذلك منهم كون النشوز منها الاستعصاء
والكراهة، ومنه الضرب والهجر، وهو خلاف ما في الشرع من كونه الامتناع من
خصوص الحق الواجب عليه أو عليها ولذا قيل لم يكن من النشوز البذاء وإن أثمت
به واستحقت التأديب، ولا الامتناع من خدمته وقضاء حوائجه التي لا تعلق لها
بالاستمتاع، لعدم وجوب شئ من ذلك عليها، ولا غير ذلك مما لا ينقص الاستمتاع
بها.
وعلى كل حال (ف‍) - قد ذكر المصنف وغيره أنه (متى ظهر من الزوجة
أمارته) أي النشوز (مثل أن تتقطب في وجهه أو تبرم في حوائجه) المتعلقة
بالاستمتاع (أو تغير عادتها في أدبها جاز له هجرها في المضجع بعد عظتها،
و صورة الهجر أن يحول إليها ظهره في الفراش، وقيل: أن يعتزل فراشها، والأول
مروي) عن الباقر والصادق عليهما السلام (1) (ولا يجوز له ضربها والحال هذه، أما لو وقع النشوز

(1) مجمع البيان - ذيل الآية 34 من سورة النساء عن الباقر عليه السلام ومجمع
البحرين مادة: " هجر " عن الصادق عليه السلام.
201

وهو الامتناع عن طاعته فيما يجب له جاز ضربها ولو بأول مرة و) لكن (يقتصر
على ما يؤمل معه رجوعها ما لم يكن مدميا ولا مبرحا) وظاهره الفرق بين الموعظة
والهجر وبين الضرب، فيجوز الأولان على ظهور أمارات النشوز بخلاف الأخير،
فلا يجوز إلا مع تحقق النشوز، نعم معه يجوز من أول مرة، ولا يعتبر تقدم
الوعظ أو الهجر بخلاف الأولين، فإن الثاني منهما مرتب على عدم نفع الأول،
وهو أحد الأقوال في المسألة، محكي عن المبسوط والفاضل في القواعد، وكان وجهه
أن الأصل في هذا الحكم الآية الشريفة (1) وهي قوله تعالى: " واللاتي تخافون
نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا
عليهن سبيلا " ولا ريب في ظهورها بترتب الأمور الثلاثة بخوف النشوز إلا أن
الأخير منها لما علم بالاجماع المحكي عن المبسوط والخلاف اعتبار النشوز في
جوازه المؤيد بقاعدة عدم جواز العقوبة إلا على فعل المحرم وجب تقدير ذلك
بالنسبة إليه في الآية، وبقيت على ظاهرها في الأولين، واطلاقها حينئذ يقتضي
جواز الضرب مع تحقق النشوز من غير تقدم الوعظ والهجر، أما هما فمترتبان على
حسب ترتب النهي عن المنكر.
وفيه أن الهجر تفويت لحقها الواجب عليه أيضا، فلا يجوز قبل تحقق الذنب،
إذ هو عقوبة أيضا لا تجوز بدون فعل المحرم، وكونه أوسع من الضرب لا يقتضي
جوازه بظهور أمارات المعصية، وإلا لجاز الضرب، ودعوى الاكتفاء بظاهر الآية
في جوازه يقتضي جواز الضرب أيضا، ضرورة اتحاد الجميع بالنسبة إلى دلالتها
اللهم إلا أن يقال: إن الاجماع السابق منع منه بالنسبة إلى الضرب بخلاف
الأولين، أو يقال: إن ذلك أيضا محرم عليها وإن لم يكن نشوزا، فجوز عقابها
بالهجر بخلاف الضرب المشروط جوازه بالنشوز للاجماع السابق، إلا أن الجميع
كما ترى مجرد اقتراح وتعسف بلا شاهد معتد به.
ومن هنا كان ظاهر المصنف في النافع ترتب الثلاثة على ظهور أمارات النشوز

(1) سورة النساء: 4 - الآية 34
202

من غير فرق بين الضرب وغيره، إلا أنها مترتبة على حسب ترتب النهي عن المنكر
فجوازها حينئذ مع النشوز مستفاد من الأولوية، وفيه أنه وإن وافق ظاهر الآية
بالنسبة إلى ثبوت الثلاثة على خوف النشوز، لكنه مناف لظاهرها بالنسبة إلى التخيير
بين الثلاثة والجمع، لأن الواو لمطلق الجمع، اللهم إلا أن يستفاد من ترتب أفراد
النهي عن المنكر، لكن الكلام في أن ذلك منها؟ ضرورة عدم النشوز بها وعدم
ثبوت حرمتها بدونه، على أنه مناف أيضا لما سمعته من الاجماع المحكي المعتضد
بما عرفت من عدم جواز الضرب إلا على النشوز.
ومن هنا عكس ابن الجنيد فيما حكي عنه بجعل الأمور الثلاثة مترتبة على
النشوز بالفعل، ولم يذكر الحكم عند ظهور أماراته، وجوز الجمع بين الثلاثة ابتداء
من غير تفصيل، فقال: " وللرجل إن كان النشوز من المرأة أن يعظها ويهجرها في
مضجعها، وله أن يضربها غير مبرج " ويظهر منه جواز الجمع بين الثلاثة والاجتزاء
بأحدها أو باثنين منها، ولعله، لأن ذلك حقه، فله فيه الخيار ولأن الواو لمطلق
الجمع المقتضي جوازه والتخيير، والمراد من الخوف في الآية العلم، لقوله تعالى (1):
" فمن خاف من موص جنفا " فأول الخوف و استغنى عن الاضمار الذي تكلفه
غيره.
لكنه فيه أنه مناف لقاعدة ترتب أفراد النهي عن المنكر، بل يمكن دعوى
أن يكون المراد من الآية ذلك، ولعله لذا جعل العلامة في الإرشاد الثلاثة مترتبة
على النشوز بالفعل، كما سمعته من ابن الجنيد، لكن جعلها مترتبة مراتب
الانكار.
ولعل ذلك أولى من جميع ما تقدم، ومما عن بعض العلماء من التفصيل أيضا من
جعل الأمور الثلاثة مترتبة على مراتب ثلاثة من حالها، فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر
على الوعظ، ومع تحققه قبل الاصرار ينتقل إلى الهجر، فإن لم ينجع وأصرت انتقل إلى

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 182.
203

الضرب، فيكون معنى الآية: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، فإن نشزن فاهجروهن
في المضاجع، فإن أصررن فاضربوهن، إذ هو أيضا كما ترى وإن حكي عن العلامة
في التحرير موافقته.
وإنما المتجه ما سمعته من الإرشاد الذي هو يرجع أيضا إلى إرادة وإن
خفتم استمرار نشوزهن، بل يمكن القطع بذلك بملاحظة ما ورد من النصوص (1)
في قوله تعالى (2): " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " وفي قوله
تعالى (3): " وإن خفتم شقاق بينهما " ضرورة اتحاد المساق في الجميع، كضرورة
اتحاد المراد من الخوف والنشوز في الكل وإن كان للرجل مع كراهته للمرأة مفرا
بطلاقها بخلافها هي.
فمن الغريب تكثير القيل والقال هنا واتفاقهم ظاهرا على إرادة ذلك في آية
الشقاق، بل لا يبعد إرادة الكراهة من النشوز في الآية على وجه ينقص استمتاعه
بها ولو بالتقطب في وجهه وإسماعه الكلام الغليظ، ونحوه ذلك مما يذهب الرغبة في
مقاربتها والاستمتاع بها، كما تسمع إنشاء الله النصوص (4) الواردة في قوله تعالى (5):
" وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا " إلى آخره بل في خبر زرارة (6)
المروي في تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام " إذا نشزت المرأة على الرجل فهي
الخلعة، فليأخذ منها ما قدر عليه، وإذا نشز الرجل مع نشوز المرأة فهو الشقاق "
إشارة إليه.
ومن ذلك كله يظهر لك النظر في جملة من كلماتهم حتى ما في المسالك
وغيرها من أن المراد بظهور أمارات النشوز تغير عادتها معه في القول أو الفعل،

(1) الوسائل الباب - 11 و 12 و 13 - من أبواب القسم والنشوز.
(2) النساء: 4 - الآية - 128 - 35.
(3) النساء: 4 - الآية - 128 - 35.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 128.
(6) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 5.
204

بأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين، أو غير مقبلة بوجهها معه بعد أن كانت
تقبل، أو تظهر عبوسا أو إعراضا وتثاقلا ودمدمة بعد أن كانت تلطف به وتبادر
إليه وتقبل عليه، ونحو ذلك، والتقييد بتغيير العادة احترازا عما لو كان ذلك من
طبعها ابتداء، فإنه لا يعد أمارة النشوز، نعم مثل التبرم في الحوائج لا يعتبر فيه
العادة، لأن ذلك حقه فعليها المبادرة إليها ابتداء، ولا عبرة بالعادة بخلاف
الآداب، وهذه الأمور ونحوها لا تعد نشوزا، فلا تستحق عليه ضربا على الأقوى،
بل يقتصر على الوعظ، فلعها تبدئ عذرا أو ترجع عما وقع من غير عذر
ويظهر من مجوز الضرب بل الهجر أنها أمور محرمة وإن لم يكن نشوزا،
والضرب لأجل فعل المحرم، ثم قال: " ليس من النشوز ولا من مقدماته بذائة
اللسان والشتم، ولكنها تأثم به وتستحق التأديب عليه، وهل يجوز للزوج تأديبها
على ذلك ونحوه مما لا يتعلق بالاستمتاع أم يرفع أمره إلى الحاكم؟ قولان تقدما في
كتاب الأمر بالمعروف، والأقوى أن الزوج فيما وراء حق المساكنة والاستمتاع
كالأجنبي وإن نغص ذلك عيشه وكدر الاستمتاع - وقال أيضا - المراد بحوائجه
التي يكون التبرم بها أمارة النشوز ما يجب عليها فعله من الاستمتاع ومقدماته،
كالتنظيف والمعتاد وإزالة المنفر والاستحداد، بأن تمتنع وأو تتثاقل إذا طلبها
على وجه يحوج زواله إلى تكلف وتعب، ولا أثر لامتناع الدلال ولا للامتناع من
حوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع، إذ لا يجب عليها ذلك، وفي بعض الفتاوى المنسوبة
إلى فخر الدين أن المراد بها نحو سقى الماء وتمهيد الفراش، وهو بعيد جدا، لأن
ذلك غير واجب عليها، فكيف يعد تركه نشوزا؟ " فإن الجميع كما ترى، ضرورة
تحقق النشوز بالعبوس والاعراض والتثاقل وإظهار الكراهة له بالفعل والقول ونحوهما
مما ينقص استمتاعه بها وتلذذه بها، بل لا ينبغي التأمل في تحققه بتبرمها بحوائجه
المتعلقة بالاستمتاع أو الدالة على كراهتها له، بل لعل ما سمعته من الفخر يراد
منه ذلك بل لعل إطلاق المتن مثله أيضا، كضرورة اقتضاء آية " الرجال قوامون
205

على النساء " (1) و " قوا أنفسكم وأهليكم نارا " (2) إلى آخرها وغيرهما تولى
تأديبها، خصوصا فيما يتعلق به نفسه.
وعلى كل حال فالمراد بالهجر في المضجع ما صرح به غير واحد من الأصحاب
توليتها ظهره في الفراش، كما عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام (3) بل عن
المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا (4)، وعن مجمع البيان إلى الباقر عليه السلام (5) ولكن
عن المبسوط والسرائر هو أن يعتزل فراشها، وعن المفيد التخيير بينهما، وفي الرياض
أنه أقوى، لاندراجهما في الهجر عرفا.
قلت: يمكن دعوى الترتيب في أفراده أيضا على حسب الترتيب في أفراد النهي عن
المنكر، نعم ما عن تفسير علي بن إبراهيم (6) من سبها لا دليل عليه، وكذا الكلام
في الضرب، فيقتصر على ما يؤمل معه طاعتها، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول
الغرض به، وإلا تدرج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدميا ولا مبرحا، وابتداؤه
الضرب بالسواك.
وعليه يحمل ما عن الباقر عليه السلام (7) من تفسيره به، لا أنه منتهاه، ضرورة
منافاة إطلاقه الآية (8) وما دل على النهي عن المنكر (9) وبعده عن حصول الغرض
به دائما، مضافا إلى إطلاق كلمات الأصحاب.
نعم ينبغي اتقاء المواضع المخوفة كالوجه والخاصرة ومراق البطن ونحوه،

(1) سورة النساء: 4 - الآية 34.
(2) سورة التحريم: 66 - الآية 6.
(3) البحار ج 104 ص 58 و 55 ط الحديث.
(4) المبسوط ج 4 ص 338 ط الحديث.
(5) مجمع البيان ذيل الآية 34 من سورة النساء.
(6) البحار ج 104 ص 58 و 55 ط الحديث.
(7) مجمع البيان ذيل الآية 34 من سورة النساء.
(8) سورة النساء: 4 - الآية 34.
(9) سورة آل عمران: 3 - الآية 104.
206

وأن لا يوالي الضرب على موضع واحد، بل يفرق على المواضع الصلبة مراعيا
فيه الاصلاح لا التشفي والانتقام، بل في المسالك أنه يحرم بقصده مطلقا، بل بدون
القصد المأذون لأجله، ولو حصل بالضرب تلف وجب الغرم، لاطلاق أدلته الذي
لا ينافيه الرخصة فيه، مع أن المرخص فيه غير المفروض من الضرب، كما لا ينافيه
عدم الضمان بضرب الولي الصبي تأديبا الذي يمكن الفرق بينهما بعد تسليم ذلك
فيه بأن ضرب الزوج لمصلحته بخلافه في الولي الذي هو محسن محض، ولذا كان
للأول العفو بل في بعض النصوص النهي عن الضرب (1) بخلاف الثاني، والله العالم
هذا كله في نشوز الزوجة.
(و) أما (إذا ظهر من الزوج النشوز بمنع حقوقها) الواجبة من
قسم ونفقة ونحوهما (فلها المطالبة) بها ووعظها إياه، وإلا رفعت أمرها إلى
الحاكم (و) كان (للحاكم إلزامه) بها، وليس لها هجره ولا ضربه، كما
صرح به غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات وإن رجت عوده إلى الحق بهما،
لأنهما متوقفان على الإذن الشرعي وليست، بل في الآيتين (2) ما ينبه على تفويض
ذلك إليه لا إليها، وأنه هو اللائق بمقامه ومقامها، ولا بأس به وإن نافى إطلاق
أدلة الأمر بالمعروف، إذ يمكن دعوى سقوط هذه المرتبة منه هنا، كما تسقط
بالنسبة للولد والوالد، نعم إن عرف الحاكم ذلك باطلاع أو إقرار أو شهود
مطلعين عليهما نهاه عن فعل ما يحرم، وأمره بفعل ما يجب، فإن نفع وإلا عزره
بما يراه، وله أيضا الانفاق من ماله مع امتناعه من ذلك ولو ببيع عقاره إذا توقف
عليه.
(و) إن كان لا يمنعها شيئا من حقوقها الواجبة ولا يفعل ما يحرم عليه
بها إلا أنه يكره صحبتها لكبر أو غيره فيهم بطلاقها ف‍ (- لها ترك بعض حقوقها)

(1) المستدرك الباب - 65 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 - 5.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 34 وسورة التحريم: 66 - الآية 6.
207

أو جميعها (من قسمة أو نفقة استمالة له ويحل للزوج قبول ذلك) بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل والكتاب والسنة، إذ هو
المراد من قوله تعالى (1): " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح
عليهما أن يصلحا بينهما صلحا " كما استفاضت به النصوص، ففي صحيح الحلبي أو
حسنه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن قول الله تعالى: وإن امرأة خافت - إلى
آخره - فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها، فيقول لها إني أريد أن
أطلقك فتقول له: لا تفعل إني أكره أن تشمت بي، ولكن انظر في ليلتي فاصنع بها
ما شئت، وما كان سوى ذلك من شئ فهو لك، ودعني على حالتي، فهو قوله: فلا
جناح - إلى آخره - وهذا هو الصلح ".
وخبره أبي حمزة (3) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز وجل: وإن امرأة
- إلى آخره - فقال: إذا كان كذلك فهم بطلاقها فقالت له: أمسكني وأدع لك
بعض ما هو عليك وأحلك من يومي وليلتي حل له ذلك: ولا جناح عليهما ".
وخبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن قول الله عز وجل: وإن
امرأة - إلى آخره - قال: هذا تكون عنده الامرأة لا تعجبه فيريد طلاقها، فتقول
له: أمسكني ولا تطلقني وأدع لك ما على ظهرك، وأعطيك من مالي وأحلك من
يومي وليلتي فقد طاب ذلك كله " ونحوه خبر الشحام (5) عنه عليه السلام أيضا.
وفي خبر أحمد بن محمد (6) عن أبي الحسن الرضا عليه السلام " في قول الله عز وجل:
وإن امرأة - إلى آخره - قال: النشوز: الرجل يهم بطلاق امرأته فتقول: ادع

(1) سورة النساء: 4 الآية 128.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2 عن علي بن أبي حمزة.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 3 - 4 - 6.
(5) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 3 - 4 - 6.
(6) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 3 - 4 - 6.
208

ما على ظهرك وأعطيك كذا وكذا وأحلك من يومي وليلتي على ما أصلحا فهو
جائز " وخبر زرارة (1) " سئل أبو جعفر عليه السلام عن النهارية يشترط عليها عند عقدة
النكاح أن يأتيها ما شاء نهارا أو من كل جمعة أو من كل شهر يوما وأن النفقة
كذا وكذا، قال: فليس ذلك الشرط بشئ، من تزوج امرأة فلها ما للمرأة من
القسمة والنفقة، ولكنه إن تزوج امرأة فخافت منه نشوزا أو خافت أن يتزوج عليها
فصالحت من حقها على شئ من قسمتها أو بعضها فإن ذلك جائز لا بأس به " إلى
غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.
إلا أنها جميعا كما ترى متفقة على جواز قبوله ما تبذله له من حقوقها في
مقابلة ما يريد فعله معها مما هو غير محرم عليه كطلاق ونحوه، لا أنه جائز له
وإن كان لدفع ما يفعله مما هو محرم عليه، كما تسمعه من بعض، ويأتي تحقيق
الحال فيه إنشاء الله.
(القول في الشقاق)
(وهو) مصدر على وزن (فعال من الشق) بالكسر: الناحية (كأن
كل واحد منهما) صار (في شق) أي ناحية غير ناحية الآخر باعتبار حصول
الكراهة والارتفاع والمعصية والاختلاف من كل منهما، فإن المشاقة والشقاق
الخلاف والعداوة، كما في الصحاح، ولعل الأولى كونه من الشق بمعنى التفرق الذي
منه شق فلان العصا، أي فارق الجماعة، وانشقت العصا أي تفرق الأمر
وعلى كل حال (فإذا كان النشوز منهما وخشي الشقاق) بينهما (بعث
الحاكم حكما من أهل الزوج وآخر من أهل المرأة على الأولى، ولو كان من
غير أهلهما أو كان أحدهما جاز أيضا) والأصل فيه قوله تعالى (2): " فإن خفتم

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 7.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 35.
209

شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، إن يريدا إصلاحا يوفق
الله بينهما، إن الله كان عليما خبيرا " وفي خبر علي بن حمزة (1) " سألت العبد
الصالح عليه السلام عن قول الله عز وجل: فإن خفتم شقاق - إلى آخره - فقال: يشترط الحكمان
إن شاءا فرقا وإن شاءا جمعا، ففرقا أو جمعا جاز " ونحوه خبر أبي بصير (2)
عن الصادق عليه السلام.
وخبر سماعة (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: فابعثوا حكما
- إلى آخره - أرأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل والمرأة: ألستما قد جعلتما
أمركما إلينا في الاصلاح والتفريق؟ فقال الرجل والمرأة: نعم، وأشهدا بذلك شهودا
عليهما أيجوز تفريقهما عليهما؟ قال: نعم، ولكن لا يكون إلا على طهر من المرأة من
غير جماع من الزوج، قيل له: أرأيت إن قال أحد الحكمين: قد فرقت وقال الآخر: لم
أفرق بينهما؟ فقال: لا يكون تفريقا حتى يجتمعا جميعا على التفريق، فإذا
اجتمعا جميعا على التفريق جاز تفريقهما " وفي خبر محمد بن مسلم (4) عن أحدهما
عليهما السلام " سألته عن قول الله تعالى فابعثوا - إلى آخره - قال: ليس للحكمين
أن يفرقا حتى تستأمرا " وفي صحيح الحلبي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن
قول الله عز وجل: فابعثوا - إلى آخر - قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا
الرجل والمرأة، ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا وإن شئنا فرقنا فإن فرقا فجائز
وإن جمعا فجائز ".
والظاهر تحقق الشقاق بينهما بالنشوز من كل منهما، ومن هنا كان المحصل

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2 عن علي بن أبي حمزة
كما يأتي في ص 216.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1
(5) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
210

من الأصحاب في المراد بالآية إضمار الاستمرار، بمعنى وإن خفتم استمرار الشقاق
بينهما، أو كون المراد بالخوف العلم والتحقق، ومنه يعلم المراد بالآية السابقة،
لكن في الرياض بعد ذكر الأول قال: " وفيه نظر، لتوقفه على كون مطلق
الكراهة بينهما شقاقا وليس، لاحتمال أن يكون تمام الكراهة بينهما فيكون المراد
أنه إذا حصل كراهة كل منهما لصاحبه وخفتم حصول الشقاق فابعثوا، مع أنه
المتبادر عند الاطلاق، والأولى من الاضمار على تقدير مجازيته، نعم على هذا
التقدير يتردد الأمر بين المجاز المزبور وبين التجوز في الخشية، بحملها على العلم
والمعرفة وإبقاء الشقاق على حقيقته التي هي مطلق الكراهة " ولا يخفى عليك ما فيه
بعد الإحاطة بما سمعت من تفسير الشقاق والاتفاق على بعث الحكمين بحصوله وعدم
انقطاعه لا على اتمام الكراهة، بل من ذلك يعلم ما في كشف اللثام أيضا من احتمال
إضمار شدة الشقاق بينهما والتأدي إلى التساب والتهاجر والتضارب، فإن ذلك ليس
عنوان بعث الحكمين قطعا.
وعلى كل حال فالظاهر ما عن الأكثر كما في المسالك من أن المخاطب
بالبعث الحكام المنصوبين لمثل ذلك، بل في كنز العرفان أنه المروي (1) عن الباقر
والصادق عليهما السلام، وفي المرسل عن تفسير علي بن إبراهيم عن أمير المؤمنين صلوات
الله وسلامه عليه (2) " في رجل وامرأة في هذا الحال فبعث حكما من أهله وحكما
من أهلها " ونحوه عن مجمع البيان خلافا لظاهر المصنف في النافع والمحكي
عن الصدوقين من أنه الزوجان، فإن امتنعا فالحاكم، لظاهر النصوص (3) السابقة
وصريح المحكي عن فقه الرضا عليه السلام (4) " يختار الرجل رجلا وتختار المرأة
رجلا " إلى آخره.

(1) كنز العرفان ص 315 ط حجر.
(2) المستدرك الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 12 و 13 - من أبواب القسم والنشوز.
(4) المستدرك الباب - 8 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
211

وفيه أنه مناف لاختلاف الضميرين بالغيبة والحضور والتثنية والجمع، وليس
المقام مقام التفات، على أن المأمور بالبعث الخائف من شقاقهما، وهو غيرهما،
والانسان لا يبعث أحدا إلى نفسه، ولا منافاة بين كون الباعث الحاكم وبين اشتراطهما
على الزوجين مما يريدان اشتراطه.
وقريب منه ما عن الإسكافي إلا أنه جعل الحاكم بأمر الزوجين بأن يبعثا
من يختارانه من أهلهما، وفي المسالك " وفيه جمع بين الفائدتين والقولين، وفي
موثق سماعة (1) السابق ما يرشد إليه، بل قال: ويمكن أن يستدل به على أن المرسل
الزوجان " وفيه ما لا يخفى.
وأضعف منهما ما عن بعض من شذ من كون المرسل أهلوهما، وهو مع كونه
شاذا مناف لظاهر الآية والنصوص وإن قيل إنه يشعر به بعض الأخبار (2).
نعم لو تعذر الحاكم قال عدول المسلمين مقامه في ذلك، ولو تعذر الجميع
فبعث الزوجان كان المبعوث وكيلا محضا لا حكما، فيفعل ما تقتضيه الوكالة من
عموم أو خصوص.
هذا ولكن في كشف اللثام بعد أن ذكر ما سمعته من النافع قال: " وهو
حق: ولا يستلزم أن يكون الخطاب في الآية للزوجين ليستبعد، ولا ينافيه ظاهرها
فإن من المعلوم أن بعثهما الحكمين جائز وأنه أولى من الترافع إلى الحاكم، وكذا
إذا بعث أولياؤهما الحكمين مع جواز الخطاب في الآية لهم عموما أو خصوصا أو
البعث على منهم أو منهما فيقسم إلى الواجب وغيره كما في بعث الحاكم، واقتصر في
النهاية على نفي البأس عن بعث الزوجين، وبالجملة ينبغي أن لا يكون خلاف في
جواز البعث من كل من هؤلاء، ووجوبه إذا توقف الاصلاح عليه، خصوصا الحاكم
والزوجين ولا ينشأ الاختلاف في الآية الاختلاف في ذلك ".

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 6 والمستدرك الباب
- 11 - منها الحديث 1 وسنن البيهقي ج 7 ص 305.
212

قلت: قد يناقش بامكان منع بعث الزوجين حكمين والأهلين على وجه
يترتب عليه امضاء حكمها عليهما بالصلح وإن لم يرضيا بناء على اختصاص الخطاب
في الآية للحكام، لعدم دليل حينئذ على ذلك، وكذا الكلام في العكس، وهذا
ونحوه أحد ثمرات الخلاف في المسألة.
وكيف كان فالظاهر وجوب هذا البعث وفاقا لجماعة، لظاهر الأمر، ولكون
ذلك من الأمر بالمعروف، ومن الحسب التي نصب الحاكم لأمثالها، خلافا للمحكي
عن التحرير من الاستحباب، للأصل وظهور الأمر في الإرشاد، على أنه من الأمور
الدنيوية التي لا يظهر إرادة الوجوب منه فيها، وفيه أن الأصل مقطوع بما عرفت
والأخيرين لا ينافيان ظهوره في الوجوب المؤيد ما عرفت.
نعم قد يقال بعدم تعين وجوب الكيفية المخصوصة مع إمكان إصلاح حالهما
بغيرها أما لو انحصر فيها تعين وجوبها.
وكذا الكلام في كون الحكمين من الأهلين، ضرورة عدم اعتبار القرابة في
الحكومة، والغرض يحصل بالأجنبي كما يحصل بها، والآية مسوقة للارشاد، فمع
عدم انحصار الأمر فيهم يجوز الأجانب، كما إذا لم يكن ثم قريب، نعم لو انحصر
الأمر فيهم اتجه الوجوب حينئذ، كما أنه لو انحصر الأمر في الأجنبي تعين.
هذا وفي الرياض بعد اختيار الاختصاص بالأهل قال في شرح قوله في النافع:
" ويجوز أن يكونا أجنبيين " " أما مطلقا كما هو ظاهر المتن أو مقيدا بعدم
الأهل كما هو الأقوى، لكن مع ذلك ليس لهما حكم المبعوث من أهلهما من إمضاء
ما حكما عليهما، لمخالفته الأصل، فيقتصر فيه على مورد النص، ويكون حكمهما
حينئذ الاقتصار على ما أذن به الزوجان وفيه وكلا، وليس لهما من التحكيم
- الذي هو حكم الحكمين كما يأتي - شئ جدا، وفي حكم فقد الأهل توقف
الاصلاح على الأجنبي ".
وهو من غرائب الكلام يمكن دعوى الاجماع على خلافه، مضافا إلى ظهور
النصوص (1) في الآية في عموم الحكم للزوجين ذي الأهل وغيرهم، على أن التقييد

(1) الوسائل الباب - 10 و 12 و 13 - من أبواب القسم والنشوز.
213

الذي ذكره معناه مضي حكم الأجنبي وصيرورته كالأهل مع عدمهم، وإلا
فالتوكيل لا ريب في جوازه مع وجود الأهل فضلا عن حال عدمهم (وبالجملة)
لا يخفى ما في كلامه من الغبار، خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب والتأمل في
الآية الشريفة (1) ونصوص (2) الباب، والله المسدد للصواب.
(و) كيف كان ف‍ (- هل بعثهما على سبيل التحكيم أو التوكيل) قولان
إلا أن (الأظهر) منهما والأشهر بل المشهور بل عن ظاهر السرائر وفقه القرآن
الاجماع عليه، وفي محكي المبسوط أنه مقتضى المذهب (أنه تحكيم) لأنه مقتضى
تسميتهما حكمين في الكتاب (3) والسنة (4) والفتاوى ومقتضى خطاب غير الزوجين
ببعثهما، والوكيل مأذون ليس بحكم، والمخاطب به الزوجان لا غيرهما، ولأنهما
إن رأيا الاصلاح فعلاه من غير استئذان، ويلزم ما يشترطانه عليهما من السائغ،
ولو كان توكيلا لم يقع إلا ما دل عليه لفظهما، وكون الزوج والزوجة رشيدين،
والحق لهما لا ينافي حكم الشارع عليهما كالمماطل، فإنهما بالاصرار على الشقاق
صارا كالممتنعين عن قبول الحق، فجاز الحكم عليهما، كما أن عدم اعتبار الاجتهاد
فيهما لا ينافي مضي حكمهما، لأن محله أمر معين جزئي يجوز تفويض أمره إلى
الآحاد كنظائره، وليس هو من الرئاسة العامة التي يعتبر فيها الاجتهاد، مع أن
مثل ذلك لا يعارض ظاهر الكتاب والسنة، خصوصا والحاكم في الحقيقة الحاكم الذي
أرسلهما، فهما بمنزلة الوكيلين.
والظاهر عدم اعتبار رضا الزوجين في بعثهما بناء على المختار، ضرورة كون
ذلك سياسة شرعية.
نعم قد يقال باعتبار رضاهما على التوكيل مع احتمال عدمه أيضا، على معنى
أنهما مع الامتناع يوكل عنهما الحاكم قهرا.
ولا ريب في اشتراط البلوغ والعقل والاهتداء إلى ما هو مقصود من بعثهما،

(1) سورة النساء: 4 - الآية 35.
(2) الوسائل الباب - 10 و 12 و 13 - من أبواب القسم والنشوز.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 35.
(4) الوسائل الباب - 10 و 12 و 13 - من أبواب القسم والنشوز.
214

قيل: والإسلام، وهو جيد فيما كان الشقاق بين المسلمين أما غيرهم فلا يخلو
من نظر.
وأما العدالة والحرية ففي المسالك " إن جعلناهما حكمين اعتبرا قطعا وإن
جعلناهما وكيلين ففي اعتبارهما وجهان، أجودهما العدم، لأنهما ليسا شرطا في
الوكيل " وفيه إمكان منع اعتبار ذلك على الأول أيضا، وما دل على اعتبارهما في
الرئيس العام لا يقتضيه في مثل المقام المجبور بنظر الرئيس، كما أنه احتمل
اعتبارهما على الثاني بدعوى أن الوكالة إذا تعلقت بنظر الحاكم اعتبر فيها ذلك كأمر
الحاكم.
وكيف كان فيجب عليهما البحث والاجتهاد في حالهما وفي السبب الداعي إلى الشقاق
بينهما، ثم يسعون في أمرهما (فإن اتفقا على الاصلاح فعلاه) من غير مراجعة لهما،
لأنه مقتضى تحكيمهما أو توكيلهما على ذلك، (وإن اتفقا على التفريق) فعلى
التوكيل (لم يصح إلا ب‍) - فرض التوكيل الدال على (رضا الزوج في الطلاق ورضا
المرأة في البذل إن كان خلعا) وأما على التحكيم فالأشهر بل المشهور عدم جوازه
أيضا إلا مع مراجعتهما، ولعله الظاهر كون المراد من التحكيم فعل ما يتحقق به
الاصلاح والتأليف، كما أومأ إليه بقوله تعالى (1): " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما "
وقال الحلبي (2) في الحسن: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (3):
فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، قال: ليس للحكمين بأن يفرقا حتى
يستأمرا الرجل والمرأة ويشترطا عليهما إن شئنا جمعنا وإن شئنا فرقنا، فإن فرقا
فجائز، وإن جمعا فجائز ".
وفي صحيح ابن مسلم (4) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن قول الله عز وجل:

(1) سورة النساء: 4 - الآية 35.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(3) سورة النساء: 4 - الآية 35.
(4) الوسائل الباب - 12 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
215

فابعثوا حكما - إلى آخره - قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا ".
وفي خبر علي بن أبي حمزة (1) " سألت العبد الصالح عليه السلام عن قول الله تعالى: وإن
خفتم شقاق بينهما - إلى آخره - فقال: يشترط الحكمان إن شاءا فرقا وإن شاءا
جمعا ففرقا أو جمعا جاز " ونحوه خبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي خبر
سماعة (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: فابعثوا - إلى آخره - أرأيت
إن استأذن الحكمان، فقالا للرجل والمرأة: أليس قد جعلتما أمركما إلينا في
الاصلاح والتفريق؟ فقال الرجل والمرأة: نعم وأشهدا بذلك شهودا عليهما، أيجوز
تفريقهما عليهما؟ قال: نعم، ولكن لا يكون إلا على طهر من المرأة من غير جماع
كالزوج، قيل له: أرأيت إن قال أحد الحكمين: قد فرقت بينهما، وقال الآخر:
لم أفرق بينهما؟ فقال: لا يكون تفريق حتى يجتمعا جميعا على التفريق، فإذا
اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما ".
لكن لا يخفى عليك ظهور هذه النصوص في أن التفريق لهما مع اشتراطهما
ذلك، ولعله لا ينافي كلام المشهور المنزل على أنه ليس لهما التفريق مع الاطلاق
بل على ذلك نزل كلام ابن الجنيد، فإنه قال على ما حكى عنه: " ويشترط الوالي
أو المرضي بحكمه على الزوجين أن للمختارين جميعا أن يفرقا بينهما أو يجمعا
إن رأيا ذلك صوابا، وعلى كل واحد من الزوجين إنفاذ ذلك والرضا به، وأنهما
قد وكلاهما في ذلك، ومهما فعلاه فهو جائز عليهما ".
وفي المسالك " قد روى (4) أن عليا صلوات الله عليه وسلامه عليه بعث حكمين
وقال تدريان ما عليكما، عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 13 - من أبواب القسم والنشوز الحديث 6 والمستدرك الباب
- 11 - منها الحديث 1 وسنن البيهقي ج 7 ص 305.
216

فرقتما، فقالت المرأة: رضيت بما في كتاب الله علي ولي فقال الرجل: أما الفرقة
فلا، فقال علي عليه السلام: كذبت والله حتى تقر بمثل الذي أقرت به " وقد احتج
بهذا الخبر الفريقان، فالأول من حيث إنه اعتبر رضاهما وإقرارهما، الثاني
من حيث جعل الجمع والتفريق إلى الحكمين، وقوله عليه السلام: " حتى تقر "
أي ليس لك أن تمتنع، بل عليك أن تنقاد لحكم الله تعالى، كما انقادت هي، وهذا
أشبه بمذهب ابن الجنيد ".
قلت: يمكن تنزيل الخبر على تلك الأخبار أيضا على معنى أنه لا بد من
اتفاقهما على كيفية الحكم على الاصلاح خاصة أو عليه وعلى التفريق، نعم يظهر
منه وجوب تبعية الآخر عن إرادة تعميم التحكيم.
وكيف كان فعلي ما قلناه إذا رأى حكم الرجل أن يطلق بغير عوض
طلق مستقلا به، لأن حكم المرأة لا صنع له بالطلاق، ولا يزيد على واحدة، لكن
إن راجع الزوج وداما على الشقاق زاد إلى أن يستوفي الطلقات الثلاث، وإن رأي
الخلع وساعده حكم المرأة تخالعا: وإن اختلفا وقف، وينبغي أن يخلو حكم
الرجل بالرجل وحكم المرأة بالمرأة خلوة غير محرمة ليعرفان ما عندهما وما
فيه رغبتهما، وإذا اجتمعا لم يخف أحدهما على الآخر بما علم، ليتمكنا من رأي
الصواب وينقدح ما رأياه صوابا بشرطه، فإن اختلف رأيهما بعث إليهما آخرين
حتى يجتمعا على شئ، وينبغي للحكمين إخلاص النية في السعي وقصد الاصلاح
فمن حسنت نيته فيما تحراه أصلح الله مسعاه، وكان ذلك سببا لحصول مسعاه، كما
ينبه عليه قوله تعالى (1): " إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما " ومفهوم الشرط
يقتضي أن عدم التوفيق بين الزوجين يدل على فساد قصد الحكمين وأنهما لم يجتمعا
على قصد الاصلاح، بل في نية أحدهما أو هما فساد، فلذلك لم يبلغا المراد
والظاهر أنه هو السبب في الفساد في تحكيم ابن العاص وأبي موسى الأشعري في أيام

(1) سورة النساء: 4 - الآية 35.
217

صفين (1) فإن نية كل منها فاسدة وإن كان الأول أشد من الثاني، ولذا ترتب
عليه ما ترتب، والله العالم.
(تفريع:)
(لو بعث الحكمان فغاب الزوجان أو أحدهما) ففي المسالك نفذ حكمها
قطعا بناء على التوكيل، لأن تصرف الوكيل فيما وكل فيه نافذ مع حضور
الموكل وغيبته ومع بقائه على الخصومة والشقاق وعدمه، وفيه إمكان منع نفوذه
مع فرض ارتفاع الخصومة، ضرورة انتفاء موضوع التوكيل حينئذ على الصلح الرافع
للنزاع والشقاق المفروض ارتفاعهما قبل حكم الحكمين.
وأما على التحكيم ف‍ (- قيل) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه:
(لم يجز الحكم، لأنه حكم للغائب) لا عليه والجائز الثاني لا الأول (ولو
قيل بالجواز كان حسنا ل‍) - ا لما ذكره المصنف من (أن حكمهما مقصور على
الاصلاح، أما التفرقة فموقوفة على الإذن) ضرورة عدم انطباق ذلك على حجة
المدعى، بل لمنع عدم جواز الحكم للغائب وعليه في المقام، لاطلاق الأدلة الذي
لا يعارضه القياس على حكم الفقيه للغائب لو سلم المقيس عليه، ولذا لا يكون الغائب
منهما على حجته في المقام بخلافه هناك، ودعوى عدم معلومية بقاء الشقاق بينهما
مع الغيبة خروج عن عنوان البحث الذي هو الحكم عليهما من حيث الغيبة التي يمكن
أن تجامع العلم ببقاء الشقاق بينهما، على أن الاستصحاب كاف وإن كان قد يقوى عدم
نفوذ الحكم عليهما لو فرض تأخره عن ارتفاع الشقاق بينهما، وكذا الحكم فيما
لو سكت أحدهما، بل لا يبعد نفوذ حكم الحكمين فيما لو خرجا أو أحدهما عن
قابلية التكليف بجنون أو إغماء فضلا عن الغيبة، لاطلاق الأدلة، والله العالم.

(1) الكامل لابن الأثير - ج 3 ص 318.
218

(مسألتان الأولى)
(ما يشترطه الحكمان) عليهما أو على أحدهما (يلزم إن كان سائغا)
بلا خلاف ولا إشكال، لاطلاق الأدلة (وإلا كان) باطلا، بل يقوى بطلان
الحكم بما أوقعاه من الاصطلاح لا أن (لهما نقضه) كما عبر به المصنف مشعرا
بأن لهما الرضا به ولهما نقضه، وهو غير متصور في الشرط لغير السائغ.
لكن في المسالك " إذا اشترط الحكمان شرطا نظر فيه، فإن كان مما يصلح
لزومه شرعا لزم وإن لم يرض الزوجان، كما لو شرطا عليه أن يسكنها في البلد
الفلاني أو في المسكن المخصوص أو لا يسكن معها في الدار أمة ولو في بيت منفردا
ولا يسكن معها الضرة في دار واحدة، أو شرطا عليها أو تؤجله بالمهر الحال إلى
أجل أو ترد عليه ما قبضته منه قرضا ونحو ذلك، لعموم " المؤمنون عند شروطهم " (1)
بعد جعل الحكم إليهما. وإن كان غير مشروع كما لو شرط عليها ترك بعض حقوقها
من القسم أو النفقة أو المهر أو عليه أن لا يتزوج أو لا يتسرى أو لا يسافر بها لم يلزم ذلك
بلا خلاف. ثم إن كان الشرط مما للزوجين فيه التصرف كترك بعض الحق فلهما
نقضه والتزامه تبرعا، وإن كان غير مشروع أصلا كعدم التزويج والتسري فهو
منقوض في نفسه، ويمكن أن يريد المصنف بقوله " كان لهما نقضه " مطلقا الشامل
للجميع الدال بمفهومه على أن لهما أيضا التزامه التزام مقتضاه، بأن لا يتزوج ولا
يتسرى تبرعا بذلك وإن لم يكن لازما له بالشرط، وإلى هذا يشير كلام الشيخ
في المبسوط، حيث قال في هذا القسم: " فإن اختار الزوجان المقام على ما فعله الحكمان
كان جميلا، وإن اختارا أن يطرحا فعلا فإن ظاهر فعل الجميل كونه تبرعا
وتفضلا بغير استحقاق " وتبعه على ذلك في كشف اللثام.
ولكن لا يخفى عليك ما فيه من النظر في أصل المطلب فضلا عن بعض

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث 4.
219

الخصوصيات، ضرورة لزوم كل شرط سائغ عليهما أو على أحدهما، لعموم الأدلة
القاضية بكونهما حكمين، وأنه لا يبطل منه إلا الباطل بأصل الشرع، فليس حينئذ
من الشروط مالهما الالتزام به ولهما نقضه، كما هو واضح.
المسألة (الثانية)
(لو منعها شيئا من حقوقها) المستحبة (أو أغارها) بما لا يحرم عليه
(فبذلت له بذلا ليخلعها صح، وليس ذلك إكراها) قطعا وإن قصد بذلك ذلك بل الظاهر
عدم الاكراه بترك حقوقها الواجبة عصيانا لا لإرادة البذل، كما جزم به في المسالك وإن
كان آثما، بل فيها " وكذا لو قصد بترك حقها ذلك ولم يظهره لها وإن كان آثما أيضا
- قال: - أما لو أظهر لها أن تركه لأجل البذل كان ذلك إكراها وأظهر منه ما لو أكرهها
على نفس البذل - ثم قال: - وما ذكره المصنف قول الشيخ في المبسوط (1) ووافقهما
عليه العلامة في الإرشاد، وفي التحرير نسب القول إلى الشيخ ساكتا عليه مؤذنا
بتردده فيه أو ضعفه، وفي القواعد قيد حقوقها بالمستحب، ومفهومه أنه لو منع الواجبة
كان إكراها، وهذا القول نقله الشيخ في المبسوط أولا عن بعض العامة، ثم قال،
الذي يقتضيه مذهبنا أن هذا ليس إكراها، وهو المعتمد ".
قلت: لا إشكال في تحقق الاكراه بالصورتين المذكورتين، وأما الصورة السابقة
فهي إن لم تكن إكراها فقد يقال بحرمة البذل عليه أيضا لاندراجه في قوله
تعالى (2): ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " المفسر بذلك، بل قد يقال: بحرمته

(1) في النسخة الأصلية المبيضة " وما ذكره المصنف والشيخ في المبسوط " وفي
المخطوطة بخط المصنف طاب ثراه " وما ذكره المصنف الشيخ في المبسوط " والصحيح
ما أثبتناه، كما أن الموجود في المسالك أيضا كذلك.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 231.
220

عليه في الأولى أيضا، وهي فيما لو ضارها حتى بذلت ولم يكن من قصده ذلك،
لكونه أشبه شئ بعوض المحرم، بل يمكن اندراجه في الآية أيضا.
ولا ينافيه قوله تعالى (1) " وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا
فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا " وذلك لما عرفت مما ورد في تفسير هذه
الآية من النصوص (2) التي فيها الصحيح وغيره أن المراد بها الامرأة التي تخشى
الطلاق أو التزويج عليها أو كان الرجل يكرهها أو لا تعجبه أو نحو ذلك مما يؤدى
إلى فراقها فأسقطت بعض حقوقها لإرادة إمساكها وعدم طلاقها، وهذا غير المفروض
الذي هو ترك حقوقها الواجبة عليه فبذلت له مالا للخلاص من يده ومن أسره،
إذ هي كالمظلوم في يد الظالم، فيبذل له للتخلص من ظلمه، فإن ذلك لا ريب في
حرمته على الظالم وإن لم يكن قد قصد بالظلم ذلك المبذول، ولعله إلى ذلك أومأ
العلامة في تقييد الحقوق بالمستحبة في القواعد.
كما أنه مما ذكرنا يظهر لك أيضا ما في كشف اللثام وغيره حتى من
الرياض، فإنه - بعد أن اعترف بعدم دلالة الآية والنصوص المفسرة لها على عموم الحكم
من جواز الصلح ببذل حقها كما لو أخل الزوج ببعض حقوقها الواجبة أو كلها
لظهور سياقها في غيره - قال: " نعم جاز له القبول هنا لو بذلته بطيب نفسها لا مطلقا،
للأصل وفقد الصارف عنه، هذا هو ظاهر العبارة والأكثر، وربما منع منه من
جوزه هنا لما قدمناه من اختصاص الآية والنص بالأول، ولقبح تركها الحق من
دون عوض بناء على لزومه عليه من دونه، وفيما نظر إذ اختصاص الكتاب والسنة
بما ذكر لا يوجب المنع عن جريان الحكم الذي فيه في غيره بعد قضاء الأصل به،
والقبح ممنوع حيث يرجى حصول الحقوق الواجبة التي أخل بها بالبذل فتكون هي
العوض الحاصل بالبذل، ولزومه عليه غير ملازم، للزوم صدورها عنه حتى ينتفي

(1) سورة النساء: 4 الآية 128.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب القسم والنشوز.
221

العوض حين البذل، ثم على تقديره يصح منع القبح أيضا، كيف لا ويجوز لها إبراء
ذمة زوجها عن حقوقها بعضا أو كلا ابتداء مطلقا جدا (وبالجملة) لا وجه لتعليل
المنع من الجواز بنحو هذا بعد طيبة نفسها في بذلها، ومنه يظهر الجواز فيما
لو بذلت بطيبة نفسها بعد أكرهها عليه وإن أطلق الأصحاب المنع حينئذ " فإنه
كما ترى خروج عن موضوع البحث، بل هو غير لائق لجعله عنوانا في كلام الأصحاب
كما هو واضح بأدنى تأمل، والله العالم.
(النطر الرابع)
(في أحكام الأولاد)
(وهي قسمان)
القسم (الأول)
(في إلحاق الأود، والنظر في أولاد الزوجات) دواما وانقطاعا (والموطوءات
بالملك والموطوءات بالشبهة (الأول) أحكام ولد الموطوءة بالعقد الدائم وهم يلحقون
بالزوج بشروط ثلاثة: الدخول) بغيبوبة الحشفة أو مقدارها قبلا أو دبرا، بل في
كشف اللثام وغيره أنزل أو لا، لاطلاق الفتاوى ونحوه قول الباقر عليه السلام لأبي مريم
الأنصاري (1) " إذا أتاها فقد طلب ولدها ".
لكن في الروضة " والمراد بالوطئ - على ما يظهر من إطلاقهم وصرح به المصنف

(1) الوسائل الباب - 103 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
222

في القواعد - غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا وإن لم ينزل، ولا يخلو ذلك من إشكال
إن لم يكن مجمعا عليه بانتفاء التولد عادة في كثير من موارده، ولم نقف على شئ
ينافي ما نقلناه يعتمد عليه " وتبعه في الرياض وقال: " ولد الزوجة الدائمة التام خلقة
يلحق بالزوج الذي يمكن التولد منه عادة ولو احتمالا مع شروط ثلاثة: أحدهما
الدخول منه بها دخولا يحتمل فيه ذلك ولو احتمالا بعيدا، قبلا كان أو دبرا
إجماعا، وفي غيرة إشكال وإن حكى الاطلاق عن الأصحاب، واحتمل الاجماع،
مع أن المحكي عن السرائر والتحرير عدم العبرة بالوطئ دبرا، واستوجهه من
المتأخرين جماعة، وهو حسن إلا مع الامناء واحتمال السبق وعدم الشعور به
لا مطلقا.
قلت: مع فرض إمكان سبق المني وعدم الشعور به لا سبيل حينئذ للقطع بنفي
الاحتمال ولو بعيدا مع تحقق مسمى الدخول، على أنه يمكن التولد من الرجل
بالدخول وإن لم ينزل، ولعله لتحرك نطفة الامرأة واكتسابها العلوق من نطفة الرجل
في محلها أو غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلا رب العزة، ولذا أطلق أن
" الولد للفراش " (1) المراد به الافتراش فعلا لا ما يقوله العامة من الافتراش
شرعا، بمعنى أنه يحل له وطؤها، فلو ولدت وإن لم يفترشها فعلا ألحق به الولد،
إذ هو مع ما فيه من فتح باب الفساد للنساء أشبه شئ بالخرافات.
وربما يومئ إلى بعض ما قلناه خبر أبي البختري (2) المروي عن قرب الإسناد
عن جعفر بن محمد عن علي عليه السلام: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت
أعزل عن جارية لي فجاءت بولد، فقال: الوكاء قد ينفلت، وألحق به الولد " وفحوى
التوقيع المروي عن اكمال الدين وإتمام النعمة (3) في جملة مسائل منها " استحللت
بجارية وشرطت عليها أن لا أطلب ولدها ولم ألزمها منزلي، فلما أتى لذلك مدة

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 15 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
223

قالت: قد حبلت ثم أتت بولد لم أنكره - إلى أن قال -: فخرج جوابها عن صاحب
الزمان صلوات الله عليه: وأما الرجل الذي استحل بالجارية وشرط عليها أن
لا يطلب ولدها فسبحان من لا شريك له في قدرته، شرطه على الجارية شرط على
الله تعالى، هذا ما لا يؤمن أن يكون، وحيث عرض له في هذا شك وليس يعرف الوقت
الذي أتاها فليس ذلك يوجب البراءة من ولده ".
(و) الثاني (مضى ستة أشهر) هلالية أو عددية أو ملفقة (من حين
الوطئ لأنها أقل الحمل كتابا (1) وسنة (2) مستفيضة أو متواترة وإجماعا
محكيا كذلك بل في المسالك نسبة ذلك إلى علماء الاسلام، بل ومحصلا، فلا يلحق
به إن وضعته حيا كاملا لأقل من ذلك، وما عن المفيد بل والطوسي أيضا - من
التخيير بين النفي والاقرار به - محجوج بما عرفت، بل قيل: لا يظهر له وجه
إلا خبر أبان بن تغلب (3) عن الصادق عليه السلام " رجل تزوج فلم تلبث بعد أن أهديت
إليه أربعة أشهر حتى ولدت جارية، فأنكرها وردها، وزعمت هي أنها حبلت منه
فقال: لا يقبل ذلك منها، وإن ترافعا إلى السلطان تلاعنا، ولم تحل له أبدا " وهو
مع الضعف يحتمل عدم حياة الولد أو تمامه وأن يتنازعا في المدة وفي غير الكامل
مما تسقط المرأة، ففي الرياض " يرجع في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إليه - ليجب
عليه التكفين ومؤونة التجهيز ونحو ذلك من الأحكام المترتبة على حياته - إلى
المعتاد لمثله من الأيام والأشهر، فإن أمكن عادة منه لحقه حكمه، وإن علم عادة
انتفاؤه عنه لغيبته عنه مدة تزيد عن تخلقه عادة انتفى عنه " وكان المراد إلحاقه به
مع إمكانه، وأنه لا ينفي عنه إلا مع العلم بانتفائه عنه.
(و) الثالث (أن لا يتجاوز أقصى الوضع، وهو تسعة أشهر على الأشهر)
بل المشهور، بل عن ظاهر الإسكافي والطوسي في المبسوط والخلاف إجماعنا عليه،

(1) سورة الأحقاف: 46 - الآية 15.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 0 - 10.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 0 - 10.
224

للمعتبرة المستفيضة كمرسل عبد الرحمان بن سيابة (1) " أقصى مدة الحمل تسعة أشهر
لا يزيد لحظة، ولو زاد لحظة لقتل أمة قبل أن يخرج " وظاهر خبر وهب (2)
عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه " يعيش الولد لستة أشهر
ولسبعة ولتسعة ولا يعيش لثمانية " وصحيح ابن الحجاج (3) " سمعت أبا إبراهيم
عليه السلام يقول: إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر تسعة أشهر، فإن
ولدت وإلا اعتدت بثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه " وخبر محمد بن الحكم (4) عن
أبي الحسن عليه السلام قلت له: " المرأة الشابة التي مثلها تحيض يطلقها زوجها ويرتفع
حيضها كم عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر؟ قلت فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر،
قال: عدتها تسعة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد تسعة أشهر، قال: إنما الحبل
تسعة أشهر، قلت: تتزوج، قال: تحتاط بثلاثة أشهر قلت: فإنها ادعت بعد ثلاثة
أشهر، قال: لا ريبة عليها تزوجت إن شاءت " وخبره الآخر (5) عن أبي عبد الله عليه السلام
أو أبي الحسن عليه السلام قلت له: " رجل طلق امرأته فلما مضت ثلاثة أشهر ادعت حملا، فقال:
ينتظر بها تسعة أشهر قال: قلت: فإنها ادعت بعد ذلك حبلا، فقال: هيهات هيهات
إنما يرتفع الطمث من ضربين، إما حمل بين وإما فساد في الطمث ولكنها تحتاط
بثلاثة أشهر " مؤيدا ذلك بخبر أبان (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن مريم عليها السلام حملت
بعيسى عليه السلام تسع ساعات كل ساعة شهر ".
والخبر المروي في باب مبدء النشوء من الكافي (7) فإن فيه " وللرحم

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 - 2.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 - 2.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 25 - من أبواب العدد الحديث 2 و 5 من كتاب الطلاق.
وهما عن محمد بن الحكيم.
(5) الوسائل الباب - 25 - من أبواب العدد الحديث 2 و 5 من كتاب الطلاق.
وهما عن محمد بن الحكيم.
(6) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7.
(7) الكافي ج 7 ص 15 كتاب العقيقة (باب بدء خلق الانسان وتقلبه في بطن أمه)
الحديث 5.
225

ثلاثة أقفال، قفل في أعلاها مما يلي أعلى السرة من الجانب الأيمن، والقفل الآخر
وسطها، والقفل الآخر أسفل من الرحم، فما يوضع بعد التسعة أيام في القفل الأعلى
فيمكث فيه، ثلاثة أشهر، فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس والتهوع، ثم ينزل
إلى القفل الأوسط، فيمكث فيه ثلاثة أشهر - إلى أن قال -: ثم ينزل إلى القفل الأسفل
فيمكث فيه ثلاثة أشهر، فذلك تسعة أشهر، ثم تطلق المرأة " الحديث. لكن ظاهره
زيادة تسعة أيام على تسعة أشهر، ويمكن إدراجها في التسعة أشهر بضرب من
التأويل بحمل قوله عليه السلام: " في القفل الأول فيمكث " إلى آخره على الثلاثة التي
منها التسعة، والشاهد عليه ذيل الرواية وباقي النصوص، على أن إبقاءه على ظاهره
مخالف للاجماع.
(وقيل) والقائل الشيخ في المحكي عن مبسوطه: (عشرة أشهر، وهو
حسن) عند المصنف (يعضده الوجدان في كثير) والفاضل في أكثر كتبه على
ما قيل، إلا أنا لم نقف على ما يدل عليه بالخصوص فيما وصل إلينا من النصوص،
وإن حكي عن جماعة أن به رواية، بل يعارض ما ذكر من الوجدان بما في المسالك
ونهاية المرام، بل وزماننا بوجدان الوضع إلى سنة، فقصره حينئذ عليه دونه
ليس في محله، بل يمكن أن يكون ابتداء الحمل بالوجدان المزبور من التسعة،
ويكون حبس الطمث قبله لريبة، كفساد الطمث، كما سمعته في النصوص السابقة
المشتملة على أن الثلاثة للريبة، بل عن جماعة من الأصحاب منهم أبو الصلاح
وابنا زهرة وشهر آشوب التصريح بذلك، بل في كشف اللثام لا يبعد حمل كلام
السيد عليه، ويؤيده ما نقل عنه في الموصليات من أولوية التسعة، ثم قال:
" وبالجملة فلم يظهر لي صريح قول بالسنة ".
ومن ذلك يعرف ما في القول الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله: (وقيل:
سنة، وهو متروك) وإن نسب إلى المرتضى في الانتصار مدعيا عليه الاجماع،
والجامع وأبي الصلاح، ومال إليه في المختلف، بل في المسالك أنه أقرب إلى الصواب،
226

إذ لم يرد دليل معتبر على كون أقصاه أقل من السنة، فاستصحاب حكمه وحكم
الفراش أنسب وإن كان خلاف الغالب، وقد وقع في زماننا ما يدل عليه، مع أنه يمكن
تنزيل تلك الأخبار على الغالب، كما يشعر به قوله عليه السلام (1): " إنما الحمل تسعة
أشهر " ثم أمر بالاحتياط نظرا إلى النادر، ولكن مراعاة النادر أولى من الحكم
بنفي النسب عن أهله، بل يترتب ما هو أعظم من ذلك على المرأة مع قيام الاحتمال
وتبعه على ذلك سبطه وبعض أتباعه.
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، ضرورة أنه لو كان قدح في
سند نصوص المشهور أو دلالتها فهو مجبور بما سمعت من الشهرة، بل الاجماع
الذي لا يعارضه المحكي من إجماع المرتضى المحتمل ما عرفت، وأنه على النفي
عن الأزيد لا أنه الأقصى ردا على العامة، كما أفصح عنه الخبر (2) السابق، والحمل
على الغالب - مع ما فيه من ظهور قوله عليه السلام: " لو زاد ساعة لقتل أمه " في نفيه،
ضرورة عدم كون الغالب منحصرا في التسعة الحقيقة التي لا تزداد ساعة - ليس بأولى
مما ذكرناه الذي منه يعلم أولوية الاستدلال بالصحيح (3) والخبر (4) على المطلوب
من الاستدلال بهما على السنة، بل يمكن دعوى صراحتهما في نفي ذلك وأن الثلاثة
أشهر للعدة تعبد، أو لنفي الريبة، أو لنحو ذلك، بل يمكن إرادة العزم على
طلاقها فادعت الحمل من قوله عليه السلام: " طلقها " فأخر ذلك حتى علم حالها، فطلقها
حينئذ واعتدت بثلاثة أشهر تعبدا، كما في غيرها من العدد المشروعة للتعبد
وللاحتياط في تعميم ذلك مراعاة للفروج وللأسرار التي لا يحيط بها إلا من شرع
ذلك، فمن الغريب الاستدلال بهما على السنة.
نعم في خبر سلمة بن الخطاب (5) بسنده عن علي صلوات الله وسلامه عليه

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 3.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 3.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب العدد الحديث 1 - 2 من كتاب الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 25 - من أبواب العدد الحديث 1 - 2 من كتاب الطلاق.
(5) الفقيه ج 3 ص 330 - الرقم 1600 وفي الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام
الأولاد الحديث 15 " السنتين " ورواه في الوافي أيضا - ج 12 ص 217 (الباب - 228 -
من كتاب النكاح).
227

" أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر وأكثر ما تحمل لسنة " لكن في الوافي وفي بعض
" وأكثر ما تحمل لسنتين " بل عن الوسائل أنه لم يذكر غير هذه النسخة، وحينئذ
فلا وجه إلا الحمل على التقية.
وفي المرسل (1) في قول الله تعالى (2): " يعلم ما تحمل كل أنثى وما
تغيض الأرحام وما تزداد " قال: " الغيض كل حمل دون تسعة أشهر، وما تزداد
كل شئ تزداد على تسعة أشهر، فكلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنها
تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم " وفي المرفوع المروي عن نوادر
المعجزات للراوندي عن سيدة النساء فاطمة عليها السلام " إنها ولدت الحسين عليه السلام عند تمام
سنة من حملها به ".
لكنهما قاصران عن معارضة ما عرفت من وجوه بل الأول منهما بالنصوص (3)
الواردة في تفسير الآية المزبورة بخلاف ذلك، بل يمكن إرادة ما لا ينافي الريبة
التي سمعتها في النصوص (4) السابقة، كما أن المرسل الثاني معارض بغيره مما ورد (5)
بخلافه فلا محيص عن القول بالتسع.
والوجدان المدعى بخلافه على وجه ينفي الاحتمال الذي ذكرناه ممنوع
على مدعيه، خصوصا مع احتمال الوطئ من غير الزوج ولو شبهة أو مع عدم علمها
بذلك، كما هو واضح.

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6.
(2) سورة الرعد: 13 - الآية 8.
(3) المستدرك الباب - 12 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6 وتفسير البرهان -
ج 2 ص 282 ذيل الآية 13 من سورة الرعد.
(4) الوسائل الباب - 25 - من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
(5) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و 14 والمستدرك
الباب - 12 - منها الحديث 2 و 3 و 4.
228

وحينئذ فالرجوع إلى الاستصحاب وإطلاق قوله صلى الله عليه وآله (1): " الولد
للفراش " ونحو ذلك مما سمعت مما لا ينبغي الاصغاء إليه، ضرورة عدم معارضة
الأول منهما للدليل المزبور، ووجوب حمل الثاني على المقيد، والله العالم.
وعلى كل حال (فلو لم يدخل بها لم يحلقه) إجماعا بقسميه ونصوصا،
نعم قد يقال بعدم اعتبار العلم بالدخول مع ولادتها ما يمكن تولده منه تغليبا للنسب،
ولقوله صلى الله عليه وآله (2): " الولد للفراش " فإن المراد به الزوج أو المرأة على تقدير
مضاف: أي ذي الفراش، وعلى التقديرين يقتضي اللحوق، خرج منه ما علم عدم الدخول
لما عرفت، ويبقى غيره، وحينئذ يكون الأصل بعد وقوع العقد لحوق الولد
بالزوج مع الامكان، ولا ينافي ذلك ذكر الدخول في عبارة المصنف وغيره بعنوان
الشرطية المقتضية للشك في المشروط بالشك بها، فإن الأصل الشرعي المزبور طريق
للحكم بتحققها بالنسبة إلى الالحاق المذكور.
ومن هنا فرع المصنف وغيره على الاشتراط المزبور العلم بعدم الدخول،
لا الولادة الممكنة اللحوق مع عدم العلم بالدخول، لكن ستعرف في كتاب اللعان
التحقيق في ذلك، وإن جزم بالاحتمال المزبور في المسالك في كتاب اللعان، والله
العالم.
وكيف كان فيتحقق الدخول الموجب لالحاق الولد وغيره من الأحكام
بغيبوبة الحشفة خاصة أو قدرها من مقطوعها في القبل وإن لم ينزل، كما هو صريح
بعض النصوص (3) الواردة في العزل وفي المتعة وغيرها، بل يمكن دعوى تواتر
النصوص فيه معنى، ضرورة ترتيب ذلك فيها على الوطء المتحقق بما سمعت قطعا،
كما لا يخفى على من لاحظها، بل عن الشهيد في قواعده أن الوطء في الدبر على هذا

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب النكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 58 - من أبواب النكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 103 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 والباب - 33 -
من أبواب المتعة والباب - 59 - من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب 16 - و 19 من أبواب
أحكام الأولاد.
229

الوجه يساوي القبل في هذا الحكم وغيره إلا في مواضع قليلة استثناها وفي المسالك
" وما وقفت في كلام أحد على ما يخالف ذلك " قلت: لعل الوجه فيه أيضا ما عرفته
من صدق مسمى الوطء المعلق عليه الحكم، والدبر أحد المأتيين (1).
(وكذا لو دخل بها وجاءت به لأقل من ستة أشهر حيا كاملا) فإنه
لا يلحق به على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل لعل الاجماع بقسميه
عليه وإن حكي عن الشيخين أنه خيراه بين نفيه وبين الاعتراف به للخبر السابق (2)
الذي قد عرفت الحال فيه لكنه شاذ لا يقدح في تحصيل الاجماع، بل يمكن دعوى
تواتر النصوص (3) بخلافه، وقد سمعت دعوى الاجماع من المؤمنين أو المسلمين
على أن الستة أشهر أقل الحمل وغيرها من الأدلة على ذلك، واحترز بالحياة
والكمال عما ولدته في هذه المدة غير حي أو ناقص الخلقة، فإنه يلحق به مع إمكان
تولده منه عادة، للأصل المزبور، فتجب حينئذ عليه مؤونة تجهيزه، ويستحق
ديته لو جني عليه، إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على لحوقه به، نعم لو لم يمكن
في العادة لحوقه به لم يلحق به، كما هو واضح.
والظاهر أنه يجري هنا ما سمعته في السابق من الحكم بعدم اللحوق في المتولد
حيا كاملا لأقل من ستة إذا كان ذلك معلوما، أما مع الجهل فالظاهر الحكم باللحوق
للأصل الذي قدمناه، بل لعله هنا أولى باعتبار تحقق الدخول الذي هو أصل في
الحكم باللحوق حتى يعلم فساده بالعلم بالتولد للأقل ونحوه، وستسمع لذلك تتمة
إنشاء الله.
(وكذا لو اتفقا على انقضاء ما زاد عن تسعة أشهر أو عشرة من زمان
الوطء أو ثبت ذلك بغيبة متحققة تزيد عن أقصى الحمل، ولا يجوز له إلحاقه بنفسه

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأود الحديث 10 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأود الحديث 10 - 0 -.
230

والحال هذه) لما عرفت من عدم اللحوق مع التجاوز عن أكثر الحمل، نعم ذلك
كذلك مع العلم، أما مع الشك فالظاهر اللحوق، للأصل السابق على نحو ما سمعته
سابقا وحينئذ فلا خلاف ولا إشكال في شئ من الأحكام المزبورة إلا في ثبوت ذلك
بل والسابقين بالاتفاق على عدم حصول الشرط، ضرورة تعلق الحكم بغيرهما وهو
الولد فلا يجدي اتفاقهما على نفيه عنه.
وربما وجه بأن الحق منحصر فيهما، والفعل لا يعلم إلا منهما، وإقامة البينة
على ذلك متعذرة أو متعسرة، فلو لم يكتف باتفاقهما عليه وألحقنا به الولد حتما
نظرا إلى الفراش لزم الحرج والاضرار به، حيث يعلم انتفاؤه عنه في الواقع ولا
يمكنه نفيه ظاهرا، ولأن الشارع أوجب نفيه عنه مع العلم بانتفائه، وجعل له
وسيلة مع انكار المرأة اللعان، فلا بد في الحكم من نصب وسيلة إلى نفيه مع تصادقهما
ليثبت الحكم اللازم له شرعا، ولا يمكن ذلك باللعان المشروط بتكاذبهما، فلم يبق
لانتفائه إلا الاتفاق المزبور، وهو كما ترى.
بل عن الشهيد إشكاله بأنهما لو اتفقا على الزنا لم ينتف الولد، ولحق بالفراش
وكذا هنا، وإن كان فيه أن مجرد الزنا غير كاف في انتفاء الولد عن الفراش إذا كان
قد وطأ وطءا يمكن إلحاقه به، لما ثبت شرعا من أن " الولد للفراش وللعاهر
الحجر " (1) وهذا بخلاف ما لو اتفقا على عدم الوطء في المدة المذكورة، لأن
الولد لا يمكن لحوقه بالزوج من دون الوطء في مدة الحمل، ومن ثم اتفقوا على
أنه لو ثبت عدم الوطء في المدة بالبينة حيث يمكن إثباتها كما لو اتفقت الغيبة انتفى
عنه بغير إشكال بخلاف ما إذا ثبت زناها بالبينة، فإنه لا يوجب نفيه عن الزوج
ولا عن المرأة مع وجود الفراش الذي يمكن إلحاقه به، فافترق الأمران، اللهم
إلا أن يريد الشهيد بالاتفاق على الزنا الاتفاق على كون الولد منه لا من وطء
الفراش.
وعلى كل حال فالاشكال بما ذكرناه - من منع انحصار الحق في الزوجين

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
231

حتى يقبل تصادقهما فيه، لأن للولد حقا في النسب - متجه خصوصا مع حكمهم
كما قيل بأنه لو ادعى مدع مولودا على فراش غيره بأن ادعى وطأه بالشبهة وصدقه
الزوجان فلا بد من البينة، لحق الولد، فلا يكفي تصديق الزوجين في دعوى الولد،
ومثل هذا آت هنا، لكن في المسالك " أنه وافق المصنف على هذا المدعى، إلا أنه
يمكن منعه بما ذكرناه من الحرج والضرر، وكيف يجتمع الحكم بعدم جواز
إلحاقه ووجوب نفقته مع الحكم بعدم انتفائه عنه بوجه من الوجوه حيث يتعذر
إقامة البينة " قلت: اختلاف الأحكام ظاهرا وواقعا غير عزيز، فلا يكون ذلك
دليلا على الدعوى، نعم قد يقال: إن التصادق منهما مسقط حق التداعي بينهما،
أما الولد فإذا كبر كان له حق الدعوى، ويمكن حمل كلام المصنف وغيره على
ذلك، والله العالم.
(ولو وطأها واطئ فجورا) ولو بعده (كان الولد لصاحب الفراش)
فضلا عن تهمتها به مع فرض وطئه على وجه يمكن إلحاق الولد به، فإنه أظهر أفراد
قوله (1): " الولد للفراش وللعاهر الحجر " المتفق على مضمونه)، فلا ينتفي عنه
حينئذ إلا باللعان إذ لم يصرح باستناد النفي إليه، وإلا لم ينتف به أيضا على ما
في كشف اللثام وإن كان قد يشكل باطلاق أدلة اللعان مع فرض إقدامه عليه ولو
لاطمئنانه في السبب المزبور، ولعله لذا أطلق المصنف وغيره، وستسمع في كتاب اللعان
التحقيق في ذلك إنشاء الله.
(و) على كل حال ف‍ (- لا ينتفي عنه) في الفرض المزبور (إلا باللعان
لأن الزاني لا ولد له) وإنما له الحجر، فلا يعارض وطؤه وطء ذي الفراش سبق
أو تأخر وشابهه الولد في الخلق والخلق أولا، وخبر داود بن فرقد (2) عن الصادق عليه السلام
" أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا رسول الله إني خرجت وامرأتي حائض ورجعت
وهي حبلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: من تتهم؟ (قال: أتهم رجلين) قال: ائت بهما،

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 100 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
232

فجاء بهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن يك ابن هذا فسيخرج قططا كذا وكذا، فخرج
كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل معقلته على قوم أمه وميراثه لهم " مع الارسال
يحتمل طول الغيبة أو غير ذلك، وما ورد في بعض الأخبار (1) من أن القيافة فضلة
من النبوة، والعمل عليها منهم عليها السلام في بعض الأحيان (2) محمول على ما لا ينافي
المقام المجمع عليه نقلا وتحصيلا.
واحترز بالفجور عن الوطئ شبهة على وجه يمكن تولده منهما، فإنه
يقرع بينهما، ويلحق بمن تقع عليه القرعة، لأنها حينئذ فراش لهما، من غير
فرق بين وقوع الوطأين في طهر وعدمه مع إمكان الالحاق بهما، نعم لو أمكن
لأحدهما دون الآخر تعين له من دون قرعة، كما أنه ينتفي عنهما بعدم إمكانه
منها، وهو واضح.
(ولو اختلفا في الدخول) أي الوطء الموجب لالحاق الولد وعدمه فادعته
المرأة لتلحق به الولد وأنكره (أو) اتفقا ولكن اختلفا (في ولادته) فنفاها
وادعى أنه أتت به من خارج (فالقول قول الزوج مع يمينه) للأصل، ولأن
الأول من فعله، فيقبل قوله فيه، والثاني يمكنها إقامة البنية عليه، فلا يقبل قولها
فيه بغيرها، وكذا إذا كبر الولد فادعى كونه ولدا له.
ولو اتفقا عليهما واختلفا في المدة فادعى ولادته لدون ستة أشهر أو لأزيد
من أقصى الحمل ففي اللمعة حلفت، وفي الروضة " تغليبا للفراش، ولأصالة عدم
زيادة المدة في الثاني - لكن قال -: أما الأول فالأصل معه، فيحتمل قبول قوله
فيه عملا بالأصل، ولأن مآله إلى النزاع في الدخول فإنه إذا قال لم تنقص الستة
أشهر من حين الوطء فمعناه أنه لم يطأ منذ ستة أشهر، وإنما وقع الوطء فيما دونها،

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 من كتاب التجارة.
(2) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح والعبيد والإماء الحديث 4 و 5 والكافي
ج 1 ص 322 وصحيح مسلم ج 4 ص 172.
233

وربما فسر بعضهم النزاع في المدة بالمعنى الثاني خاصة، فيوافق الأصل، وليس
ببعيد إن تحقق في ذلك خلاف، إلا أن كلام الأصحاب مطلق " وكذا في المسالك
وزاد أنه " لو نظر في تقديم قولها إلى أنها مع الاجتماع والخلوة يكون الظاهر الدخول
لكان ذلك مشتركا بين المسألتين " إلى آخره.
قلت: في تحقيق الحال أن يقال: قاعدة الفراش حجة شرعية، فالموافق
لمقتضاها منكر على نحو قاعدة يد المسلم على المال، فلو فرض كون النزاع بينهما
بكون الولد له وعدمه على وجه إبراز التداعي على هذا الوجه فلا ريب في أن القول
قول مدعي الالحاق بيمينه، نعم لو لم يقتصر في الدعوى، بل أسنده إلى سبب خاص
على وجه يكون لحوق الولد به تبعا، كما لو ادعت الامرأة الدخول بها بحيث
يلحق به الولد أو ادعت الولادة فأنكره كان القول قول المنكر، نحو ما لو أسند
المسلم ما في يده إلى سبب خاص يقتضي بطلان دعوى المدعي، كما لو قال: " اشتريته
منك " كان القول قول منكره بيمينه، هذا كله فيما يتعلق بالمسألة الأولى.
أما الثانية وهي الاختلاف فالظاهر أن مبناها أصالة لحوق الولد بالوطء المحترم
حتى يتبين فساد ذلك، وهي قاعدة أخرى غير قاعدة " الولد للفراش " ولو لكونها
أخص منها، وحينئذ فمتى تحقق الوطء حكم شرعا بلحوق الولد إلا إذا علم العدم
بالوضع لأقل الحمل أو لأقصاه أو لغير ذلك، ففي الفرض الذي قد تحقق فيه الوطء
واختلفا في المدة تكون المرأة منكرة على كل حال باعتبار موافقة دعواها الأصل
المزبور، من غير فرق بين دعوى الزوج الأزيد من أقصى الحمل أو الأقل من أدناه،
إذ هو على كل حال مدع ما ينافي أصالة لحوق الولد بالواطء، ولعله لذا أطلق
الحلف، بل وأولى مما في كشف اللثام من تعليله بالرجوع إليها في العلوق بالولد فإنه
من فعلها فيقدم قولها مطلقا
وفي الرياض بعد أن حكى ما سمعته من الروضة قال: " لكن في الاكتفاء
بمثله في الخروج عن الأصل إشكال إلا أن يعتضد بعموم " الولد للفراش " (1) ولا

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
234

ينتقض بصورة وقوع النزاع في الدخول، لعدم ثبوت الفراش فيها بدون ثبوته، بخلاف
المقام، لثبوته باتفاقهما عليه، هذا مع إمكان المناقشة في الأصل الذي ادعى كونه
مع الزوج، كيف وهو معارض بأصالة عدم موجب للحمل لها غير دخوله، وبعد
التعارض لا بد من المصير إلى الترجيح، وهو معها. للعموم المتقدم، ولا ينتقض
بالصورة المتقدم ذكرها، لانتفاء المرجح المزبور فيها كما مضى، فهذا أقوى ".
وفيه (أولا) أن المراد بالفراش المرأة كما عن بعضهم، أو الزوج كما عن
المصباح المنير، ومعناه على الأول أن الولد لذي افتراش المرأة، فيتحقق حينئذ
بمطلق الدخول بالمرأة ولو الوطء الذي قد اتفقا على عدم التولد منه، فيتجه شموله
للصورة الأولى، ولا مخلص منه إلا بما ذكرناه من إسناد دعواها إلى ما يقتضي الأصل
نفيه من وطء زائد على ما تحقق به اسم الفراشية، كما يقتضي به فرض كلامهم
في الأعم من التي تحقق فيه الفراشية وعدمه، بل هو في الثاني أظهر، إذ ذاك مبنى
على عدم قبول قولها مع فرض الخلوة، ترجيحا للأصل على الظاهر مع احتمال
العكس، وكلامهم أجنبي عن ذلك هنا، كما لا يخفى على من له أدنى نظر وتأمل
وأما على الثاني فالمراد به واضح، وعلى كل حال فلا يخرج منه إلا ما علم ولادته
بلا وطء من الزوج.
و (ثانيا) أن أصل عدم موجب آخر للحمل لا يقتضي صحة دعواه من
كون الوطء لأقل الحمل، وإلا لاقتضى أصل عدم التولد من وطئه ثبوت وطء غيره
نعم إن كان مراده بأصل عدم موجب للحمل الإشارة إلى ما ذكرناه من الأصل الشرعي
في الحكم بلحوق الولد مع تحقق الوطء إلا أن يعلم فساده بالتولد لدون أقصى الحمل
أو لأزيد من أقصاه أو لغير ذلك كان متجها.
ثم قال: " وحيث قدمنا قولها فالمتجه عند جماعة منهم شيخنا الشهيد في
اللمعة توجه اليمين عليها، وربما لاح من كلام بعض كما حكي عدمه، ولا بأس
به نظرا إلى الأصل وانتفاء المخرج، بناء على أن تقديم قولها ليس لإنكارها حتى
يتوجه عليها اليمين، بل لتغليب جانب الفراش المستدل عليه بالعموم المتقدم، وليس
235

فيه اعتبار اليمين، ولكن الأحوط اعتباره " وفيه أنها ليست إلا منكرة، ولذا تقبل
البينة في مقابل قولها: وتغليب جانب الفراش لا ينافي توجه اليمين عليها، لاحتمال
نكولها واعترافها بعدم الدخول الذي يتسبب منه (فيه خ ل) الوطء.
(و) كيف كان فقد ظهر لك أنه (مع الدخول وانقضاء أقل الحمل)
وعدم تجاوز أقصاه (لا يجوز له نفي الولد، لمكان تهمة أمه بالفجور) بل (ولا مع
تيقنه) سواء ظن انتفاؤه عنه أولا (و) حينئذ ف‍ (- لو نفاه لم ينتف إلا باللعان)
إذ الفرض إمكان تولده منه، وقد سمعت قوله صلى الله عليه وآله (1): " الولد للفراش " المتفق
على مضمونه، ولا يستثنى من ذلك إلا وطء الشبهة على حسب ما عرفت.
(ولو طلقها فاعتدت ثم جاءت بولد ما بين) الوطء الذي لحقه (الفراق
إلى أقصى مدة الحمل لحق به) الولد (إذا لم توطأ بعقد ولا شبهة) وإن وطئت
زنا بلا خلاف ولا إشكال، لأنها فراشه، ولم يلحقها فراش أخر يشاركه في الولد،
بل بناء على ما ذكرنا يلحق به أيضا لو لم يعلم الحال، لقاعدة الفراش أيضا، نعم
لو كان بدون الأقل أو لأزيد من الأقصى انتفى عنه قطعا.
أما إذا لحقه فراش آخر بعقد أو شبهة فإن لم يمكن لحوقه بالثاني فهو للأول،
وإن لم يمكن لحوقه بالأول فهو للثاني، وإن لم يمكن لحوقه بواحدة منهما انتفى
عنهما، وإن كان قابلا للالتحاق بكل منهما ففي ترجيح الثاني أو القرعة قولان،
قد تقدم الكلام فيهما سابقا، ويأتي أيضا، ولا ريب في أن الأقوى منهما ما هو المشهور
بين الأصحاب من كونه للثاني للنصوص (2) التي فيها الصحيح وغيره
(ولو زنى بامرأة فأحبلها ثم تزوج بها لم يجز إلحاقه به، وكذا لو زنى
بأمة فحملت ثم ابتاعها) لما سمعت من النص (3) والاجماع على أن للزاني الحجر،
وتجدد الفراش لا يقتضي إلحاق المحكوم بانتفائه إذ المراد من " الولد للفراش "
المنعقد في الفراش لا المتولد مطلقا، ولذا انتفى عنه ما كان منعقدا قبل الفراش، ولم

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 11 و 12 و 13.
(3) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
236

ينتف المنعقد فيه وإن زال عنه حال التولد بطلاق مثلا، كل ذلك مضافا إلى خبر
علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن القمي (1) قال: " كتب بعض أصحابنا على يدي
إلى أبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في رجل فجر بامرأة فحملت، ثم إنه تزوجها
بعد الحمل فجاءت بولد، وهو أشبه خلق الله به؟ فكتب بخطه وخاتمه: الولد لغية
لا يورث ".
(و) على كل حال فقد عرفت مما قدمنا سابقا أنه (يلزم الأب الاقرار
بالولد مع اعترافه بالدخول وولادة زوجته له) على وجه يوجب إلحاقه به (فلو
أنكره والحال هذه لم ينتف) عنه (إلا باللعان) كما هو واضح، بل هو
كالمستغنى عنه بما سبق، بل قد ظهر مما قدمنا سابقا أن المتجه الحكم باللحوق
بعد تحقق الفراشية وإن لم يعلم دخوله في المسبب لانعقاد الولد، لقاعدة الفراش،
خصوصا على ما سمعته من المعنى الثاني، وإنما قلنا بتقديم قوله بعد الدخول مع
فرض التداعي فيه لإرادة إلحاق الولد به لا مع عدم تداع فيه، ولا ينافي ذلك
ذكرهم له بعنوان الشرطية المقتضية للشك في المشروط بالشك في حصولها، ضرورة
أن ذلك طريق شرعي لما يستلزم الحكم شرعا بحصولها حتى يعلم العدم.
(وكذا) الكلام (لو اختلفا في المدة) على الوجه الذي قد عرفت تفصيل
الحال فيه، فلاحظ وتأمل.
(و) كذا عرفت الحال فيما (لو طلق امرأته فاعتدت وتزوجت أو باع
أمته فوطأها المشتري) أو أعتقها فاعتدت ونكحت (ثم جاءت بولد لدون ستة
أشهر كاملا، فهو للأول، وإن كان لستة أشهر) فصاعدا (فهو للثاني) ففي
خبر زرارة (2) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل إذا طلق امرأته ثم نكحت وقد
اعتدت ووضعت لخمسة أشهر فهو للأول، وإن كان ولد أنقص من ستة فلأمه
ولأبيه الأول، وإن ولدت لستة أشهر فهو للأخير ".

(1) الوسائل الباب - 101 - من أبواب أحكام الأولاد.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 11.
237

ومرسل جميل (1) عن أحدهما عليها السلام " في المرأة تزوج في عدتها، قال:
يفرق بينهما، وتعتد عدة واحدة منهما جميعا، وإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر
فهو للأخير، وإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول " وفي خبر أبي العباس (2)
قال: " إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير، وإن كان أقل من ستة أشهر فهو
للأول " وفي صحيح الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا كان للرجل منكم الجارية
يطؤها فيعتقها فاعتدت ونكحت فإن وضعت لخمسة أشهر كان من مولاها الذي
أعتقها، وإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير " ومن ذلك كله
يعلم ضعف القول بالقرعة، مضافا إلى ما قيل من ظهور أدلة الفراش في الفعلي منه،
والله العالم.
وأما (أحكام ولد الموطوءة بالملك) ف‍ (- إذا وطأ الأمة) به (فجاءت
بولد لستة أشهر فصاعدا) إلى أقصى الحمل (لزمه الاقرار به) إن لم تظهر
أمارة الخلاف، كما ستسمع الكلام فيه وإن لم نقل أنها فراش، كما هو المشهور
بلا خلاف، بل في كشف اللثام اتفاقا كما يظهر منهم، بل ولا إشكال، لقاعدة لحوق
الولد للوطء المحترم مع الامكان، ولصحيح سعيد بن يسار (4) سأل الكاظم عليه السلام
" عن الجارية تكون للرجل يطيف بها وهي تخرج فتعلق، قال: أيتهمها الرجل أو
يتهمها أهله؟ قلت: أما ظاهرة فلا، قال: إذا لزمه الولد " وسأل الصادق عليه السلام في
حديث آخر (5) " عن رجل وقع على جارية له تذهب وتجئ وقد عزل عنها، ولم
يكن منها إليها، ما تقول في الولد؟ قال، أرى أن لا يباع هذا يا سعيد " قال: " وسألت
أبا الحسن عليه السلام فقال: أيتهمها؟ فقلت: أما تهمة ظاهرة فلا، قال: فيتهمها أهلك؟
فقلت: أما شئ ظاهر فلا، فقال: فكيف تستطيع أن لا يلزمك الولد؟ ".
(ولكن لو نفاه) انتفى و (لم) يحتج إلى أن (يلاعن أمه، وحكم

(1) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأود الحديث 13 - 12 - 1.
(2) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأود الحديث 13 - 12 - 1.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأود الحديث 13 - 12 - 1.
(4) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 5.
(5) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 5.
238

بنفيه) عنه (ظاهرا) إجماعا بقسميه اقتصارا في اللعان المخالف للأصل على
موضع النص (1) وهو الأزواج، وإذا انتفى اللعان فيها لزم الانتفاء بالنفي، إذ لم
يبق طريق إليه غيره، (و) هو بمنزلة فعله لا يعلم إلا منه، فيقبل فيه قوله.
نعم (لو اعترف به بعد ذلك ألحق به) لعموم إقرار العقلاء (2) وفحوى
صحيح الحلبي (3) بمثله في ولد الملاعنة، لكن الظاهر أنه إنما يترتب عليه من أحكام
النسب ما عليه دون ما له أخذا باقراريه كما صرحوا به في ولد الملاعنة وفاقا
للأخبار (4).
(ولو وطأ الأمة المولى وأجنبي) فجورا (حكم بالولد للمولى)
للأصل السابق الذي لا يعارضه وطء الزاني الذي ليس له إلا الحجر، وللأخبار كخبر
سعيد الأعرج (5) سأل الصادق عليه السلام " عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد
من يكون الولد؟ قال: للذي عنده الجارية، لقول رسول صلى الله عليه وآله وسلم: الولد للفراش
وللعاهر الحجر " أما إذا كان الوطء شبهة فالقرعة، لما عرفته سابقا.
(ولو انتقلت) الأمة (إلى موال بعد وطء كل واحد منهم لها حكم
بالولد لمن هي عنده إن جاء لستة أشهر فصاعدا منذ يوم وطئها، وإلا كان للذي
قبله إن كان لوطئه ستة أشهر فصاعدا، وإلا كان للذي قبله، وهكذا الحكم في كل
واحد منهم (بلا خلاف أجده فيه، بل ولا إشكال في كونه للأخير منهم، لما
سمعته من النصوص (6) السابقة مضافا إلى خبر الصيقل (7) عن أبي عبد الله عليه السلام
" سمعته يقول وسئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ

(1) سورة النور: 24 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 3 - من كتاب الاقرار الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 - 0 - من
كتاب المواريث.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 - 0 - من
كتاب المواريث.
(5) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 2.
(6) الوسائل الباب - 17 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 11 و 12 و 13.
(7) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 2.
239

رحمها، قال: بئس ما صنع، يستغفر الله ولا يعود، قلت فإن باعها من آخر ولم
يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها ولم يستبرئ رحمها
فاستبان حملها عن الثالث، فقال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للفراش وللعاهر الحجر "
وعن الشيخ روايته بسند آخر عن الصيقل (1) قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام " وذكر
مثله، إلا أنه قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للذي عنده الجارية " وعن الفقه
المنسوب إلى الرضا عليه السلام (2) " وإن كانوا ثلاثة واقعوا جارية على الانفراد وبعد
أن اشتراها الأول وواقعها ثم اشتراها الثاني وواقعها ثم اشتراها الثالث وواقعها
كل ذلك في طهر واحد فأتت بولد لكان الحق أن يلحق الولد بالذي عنده الجارية
ويصبر، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر، هذا مما لا يخرج
في النظر وليس فيه إلا التسليم " نعم ليس في الجميع إلحاقه بالذي قبله مع تعذره
ولعله لأنه بتعذر الآخر يصير الاشكال فيما بينه وبين ما تقدمه، فهو بمنزلة ما لو وقع
الاشكال فيه قبل الانتقال إلى الثالث، ولا يترتب في ترجيحه حينئذ، لما سمعته
من النصوص التي يستفاد منها نسخ اللاحق للسابق مع الامكان، والمقام منه، والله
العالم.
(ولو وطأها المشتركون فيها في طهر واحد) أو متعدد عالمين بالحرمة
أو جاهلين، أذن كل واحد منهم الآخر أولا (فولدت) ولدا على وجه يمكن
لحوقه بكل واحد منهم (وتداعوه) أو سكتوا (أقرع بينهم) إذ من المعلوم
عدم لحقوقه بالجميع، لأن التكون من أكثر من نطفة مندفع بالنص والاجماع (فمن
خرج اسمه ألحق به) الولد (وأغرم حصص الباقين من قيمة أمه وقيمته يوم سقط
حيا) ضرورة كون الجارية بالنسبة إليه أم ولد، وكون الولد ولدا له، فهو حينئذ
كالجاني على حصصهم، إذ قد سمعت فيما تقدم أن الأمة المشتركة إذا وطأها أحد

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3.
(2) البحار ج 104 ص 63 ط الحديث.
240

الشركاء أثم وعزر، لكن لا يكون زانيا بل يكون عاصيا، ويلحق به الولد، وتكون
الجارية أم ولد، ويغرم حصة الشريك من الأم والولد، وبعد القرعة يرجع الأمر
إلى ذلك.
ولو ادعاه واحد منهم ونفاه الباقون ألحق به وأغرم حصص الباقين من قيمة
الأم والولد، لانتفائه عن غيرهم بالنفي من غير لعان، إذ حكم كل واحد بالنسبة
إلى هذا الولد مثله من الأمة الموطوءة المنفردة من حيث اللحوق، وتحريم النفي مع
عدم العلم بنفيه، وانتفائه بالنفي من غير لعان، وإنما يزيد هنا توقف لحوقه بأحدهم
مع تداعيهم أو سكوتهم على القرعة، كما لو وطأ الأمة غير مالكها معه شبهة وطءا
يمكن لحوقه بكل منهما.
والأصل في ذلك - مضافا إلى بعض ما تقدم في وطء أحد الشريكين - حسنة
أبي بصير (1) عن أبي جعفر عليه السلام قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله عليا صلوات الله
وسلامه عليه إلى اليمن فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما مر عليك، قال: يا رسول
الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطؤوها جميعا في طهر واحد، فولدت غلاما
فأصبحوا فيه يدعونه، فأسهمت بينهم وجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم،
فقال النبي صلى الله عليه وآله إنه ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله تعالى إلا خرج
سهم المستحق " وصحيح الحلبي (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا وقع الحر والعبد
والمشرك بامرأة في طهر واحد فادعوا الولد أقرع بينهم، فكان الولد للذي يخرج
سهمه ".
وصحيح معاوية بن عمار (3) عنه عليه السلام أيضا " إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية
في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع بينهم، فمن قرع كان الولد ولده،
ويرد قيمة الولد على صاحب الجارية ".
وصحيح سلمان بن خالد (4) عنه عليه السلام أيضا قال: " قضى علي عليه السلام في ثلاثة

(1) الوسائل الباب - 57 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 3 - 1 - 2 والرابع عن سليمان بن خالد.
(2) الوسائل الباب - 57 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 3 - 1 - 2 والرابع عن سليمان بن خالد.
(3) الوسائل الباب - 57 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 3 - 1 - 2 والرابع عن سليمان بن خالد.
(4) الوسائل الباب - 57 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 - 3 - 1 - 2 والرابع عن سليمان بن خالد.
241

وقعوا على امرأة في طهر واحد، وذلك في الجاهلية قبل أن يظهر الاسلام، فأقرع
بينهم وجعل الولد لمن قرع، وجعل ثلثي الدية للآخرين، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله
حتى بدت نواجده، وقال: لا أعلم فيها شيئا إلا ما قضي علي عليه السلام " وصحيح الحلبي (1)
عنه عليه السلام أيضا " إذا وقع المسلم واليهودي والنصراني على المرأة في طهر واحد
أقرع بينهم، كان الولد للذي تصيبه القرعة ".
لكن في المسالك بعد أن ذكر الخبر الأول قال: " والأصحاب حكموا
بمضمونها، وحملوا قوله عليه السلام: " وضمنته نصيبهم " على النصيب من الولد والأم
معا، كما لو كان الواطئ واحدا منهم ابتداء، فإنه يلحق به ويغرم نصيبهم
منها، لكن يشكل الحكم بضمانه لهم نصيب الولد لادعاء كل واحد منهم أنه ولده،
وأنه لا يلحق بغيره، ولازم ذلك أنه لا قيمة له على غيره من الشركاء، وهذا بخلاف
ما لو كان الواطئ واحدا، فإن الولد محكوم بلحوقه به، ولما كان من نماء الأمة
المشتركة جمع بين الحقين باغرامه قيمة الولد لهم وإلحاقه به بخلاف ما هنا، والرواية
ليست صريحة في ذلك، لأن قوله: " وضمنته نصيبهم " يجوز إرادة النصيب من
الأم لأنه هو النصيب الواضح لهم باتفاق الجميع بخلاف الولد، ويمكن أن يكون
الوجه في إغرامه نصيبهم من الولد أن ذلك ثابت بزعمه أنه ولده، ودعواهم لم تثبت
شرعا، فيؤخذ المدعي باقراره بالنسبة إلى حقهم، والنصيب في الرواية يمكن
شموله لهما معا من حيث إن الولد نماء أمتهم، فكل منهم له نصيب فيه، سواء ألحق
به أم لا، ولهذا يغرم من ألحق به نصيب الباقين في موضع الوفاق وعلى كل حال
فالعمل بما ذكره الأصحاب متعين، ولا يسمع الشك فيه مع ورود النص به ظاهرا
وإن احتمل غيره ".
وفيه (أولا) أن النصوص التي سمعتها غير الخبر الأول صريحة في ضمان
قيمة الولد، حتى الخبر الأخير المراد من الدية فيه القيمة بناء على أن مورد الجميع

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 من كتاب
المواريث.
242

الأمة المشتركة ولو لقرائن تدل عن ذلك، كما أن قول الصادق عليه السلام لعبد الله
ابن سنان (1) فيما أرسله الشيخ عن يونس " في قوم اشتركوا في جارية فائتمنوا
بعضهم وجعلوا الجارية عنده فوطأها: يجلد الحد ويدرأ عنه بقدر ما له فيها، وتقوم
الجارية، ويغرم ثمنها للشركاء، فإن كانت القيمة في اليوم الذي وطأ فيه أكثر من
ما اشتريت به ألزم أكثر الثمن، لأنه قد أفسد على شركائه، وإن كانت القيمة
في اليوم الذي وطأ أكثر مما اشتريت به يلزم الأكثر لاستفسادها " نعم روي مثله
في موضع آخر مسندا (2) وزاد فيه " قلت: فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون
الرجل، قال: ذلك له، وليس له أن يشتريها حتى يستبرئ، وليس على غيره أن
يشتريها إلا بالقيمة " وهو يدل على عدم الاجبار على التقويم وإعطاء القيمة ويمكن
أن يكون ذلك في حال عدم وولادتها منه وإلا فهي أم ولد له في الظاهر.
و (ثانيا) أن ما أورده من الاشكال كما يجري في الولد يجري في الأم أيضا،
ضرورة أن مقتضي دعوى كل واحد منهم صيرورتها أم ولد فلا وجه لأن يأخذ
الغرامة عوضها مع وجوبها عليه، فحمله النصيب على النصيب منها لا يرفع الاشكال،
اللهم إلا أن يقال: إن أخذه باعتبار الحيلولة بينه وبين ملكه.
و (ثالثا) أن إلزامه باقراره لا يقضي استحقاقهم عليه، أقصاه صيرورة المال
مجهول المالك، والذي يقوى في النظر حمل الدعوى في النص والفتوى من كل واحد
على إرادة الجميع معرفة لحوقه بواحد منهم، لأن كل واحد منهم يدعيه أنه له، فإن
ذلك مع الطريق له في غاية البعد، وإنما المراد عدم نفي أحد منهم إياه عن نفسه، بل
أرادوا معرفة ذلك بالقرعة، وحينئذ فيتجه بعدها الغرامة لهم، أو يقال: إنه بالقرعة التي هي

(1) التهذيب ج 10 ص 29 - الرقم 96 وفيه " ويغرم ثمنها للشركاء، فإن كانت
القيمة في اليوم الذي وطأ أقل مما اشتريت به.... ".
(2) أشار إليه في الوسائل الباب - 17 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 من
كتاب التجارة وذكرها في التهذيب ج 7 ص 72 الرقم 309.
243

أمارة لاستخراج الواقع يعلم كذب دعوى كل مدع منهم، فله حينئذ تناول الغرامة
ممن خرجت القرعة له، وعلى كل حال فالأمر كما ذكره الأصحاب من غرامة
قيمة الأم والولد، ولا يقدح فيه ما قيل من عدم تعرض الشيخين وابن زهرة إلا
لقيمة الولد، وابن سعيد إلا لقيمة الأم وللعقر، فإن ذلك ليس خلافا، وعلى تقديره
فهو محجوج بما عرفت.
(و) كيف كان ف‍ (- إن ادعاه واحد) منهم خاصة ونفاه عنه غيره
(ألحق به) بلا قرعة (وألزم حصص الباقين من قيمة الأم والولد) بلا خلاف
ولا إشكال، لانتفائه عمن نفاه عنه بنفيه، إذ هو أولى من الواطئ المتحد، بل في
كشف اللثام ذلك كذلك مع السكوت، لأنه بمنزلة النفي، ولأنه مدع بلا منازع،
وللرجحان بدعواه مع سكوت الغير، فلا إشكال ليقرع، ولأن القرعة لاثبات النسب
إلى واحد، وقد ثبت، والأصل انتفاؤه عن الغير، ولاختصاص نصوص القرعة فيها
بصورة التداعي، وإن كان قد يشكل بأعمية السكوت من النفي، فلا ينزل منزلته،
وبظهوره النصوص في كون الموضوع من المشتبه في نفسه المحتاج تميزه وتعينه إلى
القرعة، ونصوص القرعة إنما يراد منها عدم نفي أحد منهم، والكلام في ثبوته للمدعي
مع سكوت الباقين بدون القرعة كي يثبت النسب، خصوصا مع دعوى الساكت بعد
سكوته، ورجحانه عليهم بالدعوى لا دليل عليه شرعا.
ثم من المعلوم عدم جواز نفي النافي منهم أو جميعهم إلا مع العلم بانتفائه
عنه، بل لو علم كون نفيه لا لذلك لم يسمع نفيه، ولا ينتفي عنه بنفيه، ولو نفوه
أولا عنهم ثم أقروا بعد ذلك أنه لواحد منهم أمكن سماع هذا الاقرار فيما عليهم
والاخراج بالقرعة، وأولى بالقبول ما لو رجع كل منهم إلى دعواه بعد أن نفوه،
نعم قد يقال بعدم سماع الاقرار بعد النفي ودعوى المدعي به والحكم بلحوقه به،
مع احتماله أيضا، كاحتمال عدم سماع الاقرار في الأول لكونه ليس إقرارا، ولم
نجد للأصحاب في ذلك كلاما محررا، والله العالم.
(ولا يجوز نفي الولد لمكان العزل) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل
244

الاجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص (1).
(ولو وطأ) المولى (أمته وطأها آخر فجورا ألحق الولد بالمولى)
فضلا عما لو أتهمها إجماعا بقسميه ونصوصا (2) عموما وخصوصا إذا لم تكن أمارة
يظن منها كونه لغيره.
(و) أما (لو حصل مع ولادته أمارة يغلب بها الظن أنه ليس منه)
فعن جماعة على ما (قيل) بل الأكثر بل المشهور أنه (لم يجز إلحاقه به ولا
نفيه، بل ينبغي أن يوصي له بشئ) من ماله (ولا يورثه ميراث الأولاد)
للنصوص التي منها خبر ابن عجلان (3) " إن رجلا من الأنصار أتى أبا جعفر عليه السلام
فقال: قد ابتليت بأمر عظيم، إني قد وقعت على جاريتي ثم خرجت في بعض حوائجي
فانصرفت من الطريق فأصبت غلامي بين رجلي الجارية فاعتزلتها، فحملت ثم وضعت
جارية لعدة تسعة أشهر فقال له أبو جعفر عليه السلام: احبس الجارية ولا تبعها، وأنفق
عليها حتى تموت أو يجعل الله لها مخرجا، فإن حدث بك حدث فأوص أن ينفق
عليها من مالك حتى يجعل الله لها مخرجا " ونحوه خبر عبد الله (4) عن أبي عبد الله
عليه السلام " إن رجلا من الأنصار أتى أبي " الحديث.
لكن فيه مضافا إلى ذلك " فقال له أبي: لا ينبغي لك أن تقربها ولا أن تبيعها "
وخبر حريز (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل كان يطأ جارية له، وأنه كان يبعثها
في حوائجه، وأنها حملت، وأنه بلغه عنها فساد فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا ولدت أمسك
الولد ولا تبعه ولا تجعل له نصيبا من دارك، قال: فقيل له: رجل يطأ جارية وأنه لم يكن
يبعثها في حوائجه وأنه اتهمها وحبلت، فقال: إذا هي ولدت أمسك الولد ولا يبعه
ويجعل له نصيبا من داره وماله، وليس هذه مثل تلك ".
وخبر عبد الحميد بن إسماعيل (6) الذي رواه المشايخ الثلاثة " سألت أبا عبد الله

(1) الوسائل الباب - 33 - من أبواب المتعة الحديث 5 والباب - 56 - من أبواب
نكاح العبيد والإماء الحديث 5 والباب - 15 و 19 - من أبواب أحكام الأولاد.
(2) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 - 1.
(5) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 4 وفي
الأول " فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا ولدت أمسك الولد، فلا يبيعه ويجعل له نصيبا من
داره... ".
(6) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 - 4 وفي
الأول " فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا ولدت أمسك الولد، فلا يبيعه ويجعل له نصيبا من
داره... ".
245

عليه السلام عن رجل كانت له جارية يطؤها وهي تخرج فحبلت فخشي أن لا يكون
منه كيف يصنع؟ أيبيع الجارية والولد؟ قال: يبيع الجارية ولا يبيع الولد، ولا يورثه
من ميراثه شيئا " وخبرا سعيد (1) المتقدمان في أول المبحث المتضمن ظاهرهما
على اشتراط اللحوق بعدم التهمة.
وخبر محمد بن إسماعيل الخطاب (2) " كتب إليه يسأله عن ابن عم له كانت
له جارية تخدمه، وكان يطؤها، فدخل يوما منزله فأصاب معها رجلا تحدثه،
فاستراب بها فهدد الجارية، فأقرت أن الرجل فجر بها، ثم إنها حبلت بولد،
فكتب إن كان الولد لك أو فيه مشابهة فيك فلا تبعها، فإن ذلك لا يحل لك، وإن
كان الابن ليس منك ولا فيه مشابهة منك فبعه وبع أمه " وخبر يعقوب بن يزيد (3)
" كتب إلى أبي الحسن عليه السلام: في هذا العصر رجل وقع على جارية ثم شك في ولده، فكتب
إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده ".
ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الغض عن السند في أكثرها، ضرورة
عدم انطباق ما عدا الأخيرين على المدعي الذي هو عدم الحكم بلحوق الولد مع
الأمارة التي يغلب الظن منها ذلك، إذ هي بين معلقة ذلك على الزنا أو تهمته أو
خوف أن لا يكون الولد منه، ونحو ذلك مما لا يقول به الخصم، فهي في الحقيقة
مخالفة للاجماع، معارضة بغيرها من النصوص (4) العامة والخاصة المصرحة بلحوق
الولد مع الزنا فضلا عن تهمته، بل خبر حريز (5) منها قد اشتمل على التفصيل

(1) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 و 5.
(2) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 4 عن جعفر بن
محمد بن إسماعيل الخطاب كما في التهذيب ج 8 ص 180 والاستبصار ج 3 ص 367.
(3) الوسائل الباب - 55 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(5) الوسائل الباب - 56 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3.
246

بالبعث في حوائجه وبلوغه الفساد عنها وبين التهمة مع عدم البعث، وهو شئ لا يقول
به أحد، بل ربما نوقش في الأولين باحتمال رجوع الضمير إلى الجارية الوالدة لا
المولودة، وإرادة المنع من الزنا من الحبس والمقاربة من قوله عليه السلام: " ولا تقربها "
لا للنهي عن الاقرار بها، وإن كان هو كما ترى مخالف لظاهر جميع النصوص.
وأما الخبران الأخيران فمع مخالفتهما لما عرفت قد اشتملا على اشتراط
اللحوق بالمشابهة ولم يعتبره، بل قيل: إنه مخالف للاجماع، بل وللمعتبرة
الصريحة في خلافه، ففي الخبر (1) " إن رجلا أتى بامرأته إلى عمر فقال: إن
امرأتي هذه سوداء وأنا أسود، وإنها ولدت غلاما أبيض، فقال لمن بحضرته: ما ترون؟
فقالوا: نرى أن ترجمها فإنها سوداء وزوجها أسود وولدها أبيض، قال: فجاء
أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجه بها لترجم، فقال: ما حالكما؟ فحدثاه، فقال
للأسود: أتتهم امرأتك؟ فقال: لا، فقال: فأتيتها وهي طامث، قال: قد قالت لي
في ليلة من الليالي إني طامث فظننت أنها تتقي البرد فوقعت عليها، فقال للمرأة:
وأنت طامث، قالت: نعم سله قد حرجت عليه وأبيت، قال: فانطلقا، فإنه ابنكما
وإنما غلب الدم النطفة فابيض، ولو قد تحرك - أي نشأ وكبر - اسود، فلما أيفع
اسود " ومرسل ابن سنان (2) عن أبي جعفر عليه السلام " أتى رجل من الأنصار رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال: هذه ابنة عمي وامرأتي لا أعلم منها إلا خيرا، وقد
أتتني بولد شديد السواد، منتشر المنخرين، جعد قطط أفطس الأنف لا أعرف
شبهه في أخوالي ولا في أجدادي، فقال لامرأته: ما تقولين؟ قالت: لا والذي بعثك
بالحق نبيا ما أقعدت مقعده مني منذ ملكني أحدا غيره، قال: فنكس رسول الله
صلى الله عليه وآله رأسه مليا ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم أقبل على الرجل،
فقال: يا هذا إنه ليس من أحد إلا بينة وبين ولده تسعة وتسعون عرقا كلها تضرب
في النسب، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق فسل الله الشبه لها،

(1) الوسائل الباب - 105 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 105 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1.
247

فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك ولا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك،
فقالت المرأة: فرجت عني يا رسول الله " إلى غير ذلك من النصوص (1) التي يمكن
دعوى تواترها في عدم اعتبار المشابهة في اللحوق بالأولاد شرعا ولعله لما سمعت قال
المصنف: (وفيه تردد).
وأما (أحكام ولد الشبهة) فنقول: (الوطء بالشبهة) التي قد تقدم
الكلام مشبعا في موضوعها وفي أنه (يلحق به النسب) كالوطء الصحيح بلا خلاف
فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه ومضافا إلى النصوص (2) (فلو اشتبهت عليه
أجنبية فظنها زوجته أو مملوكته) على وجه يكون مشتبها (فوطأها لحق به
الولد) وإن لم تكن هي مشتبهة، كما أنه يلحق بها الولد مع شبهتها وإن لم
يكن هو كذلك، (وكذا لو وطأ أمة غيره لشبهة، لكن في الأمة يلزمه) مضافا
إلى العقر (قيمة الولد يوم سقط حيا، لأنه وقت الحيلولة) بينه وبين ماله الذي
هو نماء ملكه، أما قبله فليس بمتمول، ولا يدخل تحت التقويم، كما تقدم الكلام
في ذلك سابقا، وفي أن الحكم في الولد القرعة مع فرض الاشتباه في فراش آخر
وصلاحيته لكل واحد منهما، أما مع زواله فللأخير، ويأتي على كلام الشيخ
القرعة، لكن زوال فراش الشبهة يكون بتمام عدتها منه على الظاهر، ولو وطأها
الزوج في أثنائها فهو وطء فراش وإن أثم بذلك وليس بزان، فيلحق به الولد مع
عدم صلاحية التولد إلا منه، ويقرع بينه وبين المشتبه مع صلاحيته لهما، والظاهر
ترتب فراش المشتبهين كالفراش الصحيح، فيحكم به للأخير منهم، كما يحكم به له
لو ترتب على الفراش الصحيح فضلا عن فراش الشبهة، ويقرع بينهم مع اتحاد
الفراش، ويأتي في النفي والاقرار ما سمعته سابقا، وكذا في دعوى الواحد مع

(1) الوسائل الباب - 105 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 والمستدرك الباب - 76 -
منها الحديث 1 والبحار ج 60 ص 340 و 385.
(2) الوسائل الباب - 67 - من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب - 7 - من أبواب
العيوب والتدليس والباب - 7 - من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
248

سكوت الباقين أو نفيهم على نحو ما تقدم سابقا، كما أنه يأتي به الحكم للأخير
مع إمكانه وإلا فلسابقه، وهكذا.
وبالجملة ينزل فراش المشتبه منزلة فراش الصحيح، ويلحظ الحكم به كذلك
ولعل العمدة في ذلك الاجماع، ولولاه لأمكن القول بترجيح فراش المالك مثلا
على فراش المشتبه عملا باطلاق ما دل (1) على الحكم به لمن هي عنده، فتأمل،
هذا كله في الرجل المشتبه.
أما إذا كان الاشتباه بالنسبة إلى الامرأة خاصة فقد يتوهم بجريان القرعة
بينها وبين زوجها في اختصاصها بالولد واشتراكهما فيه، وقول صلى الله عليه وآله (2): " للعاهر
الحجر " لا ينافي ذلك، بل قد يقال بجريان جميع الأحكام السابقة على تقدير
اشتباه الزوج، إلا أني لم أجد ذلك في شئ من كلمات الأصحاب، بل ربما لاح
من بعضها ما ينافيه، ولعله كذلك، لأنها هي أم على كل حال، والزاني لا شئ له
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم (3) " الولد للفراش " يقتضي اللحوق به، وقول الامرأة ليس لك غير
مسموع، ومن هنا كان الحكم معلقا في النص والفتوى على اشتباه الواطئ وزناه
دونها، فالمتجه حينئذ الحكم به لذي الوطء المحترم ما دام ممكنا حتى لو زال
فراشه، ضرورة كون الوطء المفروض تعقبه له زنا بمنزلة العدم وإن كانت هي مشتبهة،
والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (- لو تزوج امرأة لظنها خالية أو لظنها موت الزوج
أو طلاقه) على وجه يكون مشتبها على ما قدمنا سابقا (فبان أنه لم يمت ولم
يطلق ردت على الأول) قطعا (بعد الاعتداد من الثاني) الذي قد فرض
اشتباهه (واختص الثاني بالأولاد مع) فرض حصول (الشرائط) السابقة في
لحوق الأولاد (سواء استندت في ذلك إلى حكم حاكم أو شهادة شهود) عدول
(أو إخبار مخبر) ولو فاسقا مع فرض تحقق موضوع الشبهة به، كما هو واضح.

(1) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 3 و 4 و 7.
(2) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(3) الوسائل الباب - 58 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
249

(القسم الثاني)
(في أحكام الولادة و) يقع (الكلام) فيها (في سنن الولادة واللواحق
أما سنن الولادة) وآدابها الواجبة والمندوبة (فالواجب منها استبداد النساء
بالمرأة عند الولادة دون الرجال إلا مع عدم النساء) بلا خلاف أجده في شئ من
ذلك، بل ولا إشكال، ضرورة وجوب حضور من علم بحالها من النساء كفاية،
لوجوب حفظ النفس المحترمة عند تحقق ما يخشى منه تلفها مع عدم الحضور، ومنه
ما نحن فيه، كضرورة وجوب استبدادهن بذلك للاجماع، قيل: ولملازمة اطلاع
الرجال حتى المحارم لما يحرم عليهم من النظر للعورة وغيرها ومسها وسماع
الصوت ونحو ذلك، بل ربما أدى حضورهم إلى تلفها وتلف ولدها باعتبار ما يحصل
معها من الحياء ونحوه، وربما يرشد إلى ذلك ما دل من نص (1) وفتوى على قبول
شهادة النساء منفردات بالولادة والاستهلال ونحوهما.
نعم مع فرض عدم من يقوم بحاجتها من النساء يجب على الرجال، وينبغي
تقديم المحارم، بل عن بعضهم وجوبه، وهو لا يخلو من وجه، بل قد يحتمل
إيجاب جعل الأجنبي محرما مع الامكان، إلا أن الأقوى خلافه، بل قد يقوى
عدم اختصاص الوجوب بالمحارم لاتحاد الجميع في اقتضاء الدليل الدال على وجوب
حفظ النفس المحترمة المرجح على غيره، فتباح حينئذ المحظورات عند الضرورات
التي اقتضت جواز لمس الطبيب ونظره حتى إلى العورة، بل ربما نوقش في إطلاق
عدم جواز مساعدة الرجال بعدم دليل عليه مع عدم استلزامها اطلاعهم على العورة
(و) إن كان قد تدفع بما أومأنا إليه.
نعم (لا بأس بالزوج وإن وجدت النساء) لعدم حرمة شئ عليه بلا خلاف فيه،

(1) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 2 و 38 و 41.
250

بل ولا إشكال، هذا ولكن في خبر جابر (1) عن أبي جعفر عليه السلام " كان علي بن الحسين
عليهما السلام إذا حضر ولادة المرأة قال: أخرجوا من في البيت من النساء، لا تكون
المرأة أول ناظر إلى عورته " وهو حكم غريب مخالف للسيرة والفتاوى وغيره من
النصوص (2).
(و) أما (الندب) فقد ذكر المصنف منه (ستة) وإن كان المستفاد من
النصوص أزيد من ذلك كاللف بخرقة بيضاء (3) بل كراهة الصفراء (4) وغير
ذلك.
الأول (غسل المولود) بضم الغين كما هو مقتضي ذكر الأصحاب له في
الأغسال، بل لعله الظاهر من الأخبار (5) لذلك، وربما احتمل الفتح، وقد تقدم
الكلام فيه وفي اعتبار الترتيب فيه وغيره من أحكام الغسل على الأول، وفي أن وقته
كما هو المنساق من النص (6)، والفتوى والعمل حين الولادة، وفي أن المشهور
ندبه، وقيل بالوجوب تمسكا بظاهر النص (7) في الأغسال المندوبة من كتاب الطهارة
مفصلا، فلاحظ وتأمل.
(و) الثاني (الأذان في إذنه اليمنى)

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد والباب 24 من كتاب
الشهادات.
(3) الوسائل الباب - 36 - من أبواب أحكام الأود الحديث 4 و 10 و 13 و 15.
(4) الوسائل الباب - 36 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 و 13 و 15.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 3 والباب - 27 - منها
من كتاب الطهارة.
(6) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 3.
(7) الوسائل الباب - 1 - من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 3.
251

(و) الثالث (الإقامة في اليسرى) للنبوي (1) " من ولد له مولود
فليؤذن في أذنه اليمنى أذان الصلاة، وليقم في أذنه اليسرى، فإنه عصمة من الشيطان
الرجيم " وقال الصادق عليه السلام لأبي يحيى الرازي (2): " إذا ولد لكم مولود أي شئ
تصنعون به؟ قلت: لا أدري ما يصنع به، قال: خذ عدسة جاوشير فدفه بالماء ثم
قطر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة، وأذن في أذنه اليمنى
أذان الصلاة، وأقم في اليسرى، تفعل به ذلك قبل أن تقطع سرته، فإنه لا يفزع
أبدا ولا تصيبه أم الصبيان " إلى غير ذلك من النصوص (3) المعتضدة بالفتوى، لكن
في خبر حفص الكناني (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " مروا القابلة أو بعض من يليه أن
يقيم الصلاة في أذنه اليمنى " ويمكن حمله على الرخصة أو على استحباب ذلك أيضا
مضافا إلى الأول، والأمر سهل.
هذا وربما ظهر من بعض اختصاص الاستحباب قبل قطع السرة، ولعله
للخبر المزبور، ولكن فيه أنه مناف لاطلاق النص والفتوى، والخبر المذكور إنما
ذكر فيه ذلك والدواء لأجل تينك الغايتين، فلا ينافي إطلاق الاستحباب منفردا
حتى بعد قطع السرة لأمر آخر غيرهما، بل ظاهر بعض النصوص أو صريحه
المتضمن لفعل النبي صلى الله عليه وآله (5) والكاظم عليه السلام (6) وقوع ذلك منهما بعد قطع
السرة، بل قيل قد ورد (7) فعلهما بالسابع ولا بأس بالجميع وإن اختلفت غاياته،
والله العالم.
(و) الرابع (تحنيكه بماء الفرات) الذي هو النهر المعروف،

(1) الوسائل الباب - 35 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 3 والثالث
عن حفص الكناسي وهو الصحيح.
(2) الوسائل الباب - 35 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 3 والثالث
عن حفص الكناسي وهو الصحيح.
(3) الوسائل الباب - 36 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 و 4 و 5 و 7 و 10
و 15.
(4) الوسائل الباب - 35 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 3 والثالث
عن حفص الكناسي وهو الصحيح.
(5) الوسائل الباب - 36 - من أبواب أحكام الأود الحديث 5 و 7 و 10 و 15.
(6) الوسائل الباب - 36 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
(7) البحار ج 104 ص 122 ط الحديث.
252

(وبتربة الحسين عليه السلام) للنصوص (1) (فإن لم يوجد ماء الفرات فبماء) السماء
كما في النص (2) لكن المنصف بل قيل والأصحاب قالوا بماء (فرات) أي
عذب، ولم يحضرني نص عليه (و) ما في كشف اللثام - أنه يمكن فهمه من
بعض نصوص ماء الفرات بناء على احتمال إضافة العالم إلى الخاص - لا يخفى عليك
ما فيه، كما لم يحضرني نص على ما قالوه أيضا ف‍ (- إن لم يوجد إلا ماء ملح
جعل فيه شئ من التمر أو العسل) نعم قد ورد (3) استحباب التحنيك بالتمر نفسه
بل وفي المحكي عن فقه الرضا عليه السلام (4) العسل أيضا وإن كان لا بأس بخلط شئ
من العسل والتمر بماء الفرات أو السماء وتحنيكه به، فإن فيه جمعا بين الجميع،
والمراد بالتحنيك ما هو المنساق إلى الذهن إدخال ذلك إلى حنكه، وهو أعلى
داخل الفم.
(ثم) الخامس أن (يسميه أحد الأسماء المستحسنة) فإن ذلك من
حق الولد على الوالد، وأنه يدعى باسمه يوم القيامة و (أفضلها) على ما ذكره
المصنف والفاضل (ما يتضمن العبودية لله) سبحانه و (تعالى)، نحو عبد الله
وعبد الرحمان وعبد الرحيم ونحو ذلك وإن ذكر جماعة أنا لم نقف على نص في
ذلك، وإنما الموجود أن أصدقها ما تضمن العبودية لله وأفضلها أسماء الأنبياء عليهم السلام
قال الباقر عليه السلام (5) " أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية، وأفضلها أسماء الأنبياء "
وهو لا يقتضي الأفضلية.
قلت: قال أبو جعفر عليه السلام في خبر جابر (6) المروي عن الخصال قال: " قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا إن خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمان وحارثة وهمام، وشر

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 و 3 و 4.
(2) الوسائل الباب - 36 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 - 1.
(3) الوسائل الباب - 36 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 - 1.
(4) المستدرك الباب - 27 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 28 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
253

الأسماء ضرار ومرة وحرب وظالم ".
وفي خبر ابن حميد (1) أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام وشاوره في اسم ولده، فقال:
" سمه بأسماء العبودية، فقال: أي الأسماء هو؟ قال: عبد الرحمان " ولا يبعد
دعوى الأفضلية فيها على غيرهما، وأما هما فلكل منهما جهة، فما اشتمل على
العبودية من جهة الخضوع والاعتراف بالعبودية.
وأما أسماء الأنبياء عليهم السلام فللتبرك والتيمن، بل لا يبعد أفضلية اسم " محمد "،
منها بل لا يبعد كراهية ترك التسمية به فيمن ولد له أربعة أولاد، ففي خبر عاصم
الكردي (2) عن الصادق عليه السلام " أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من ولد له أربعة أولاد ولم
يسم أحدهم باسمي فقد جفاني " والأمر سهل. وفي خبر سليمان بن جعفر
الجعفري (3) " سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو
أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفرا أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من
النساء ".
وعلى كل حال فقد بان لك قول المصنف: (ويليها أسماء الأنبياء والأئمة
عليهم السلام) كما بان لك إمكان دعوى رجحان تسمية الإناث بأسماء
الصالحات منهن، وخصوصا اسم فاطمة منها.
(و) السادس (أن يكنيه) أي المولود ذكرا كان أو أنثى مع الاسم
والمراد بها ما صدر بأب وأم (مخافة النبز) وهو لقب السوء، قال الباقر عليه السلام في
خبر محمد بن ختيم (4) " إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم "

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 24 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 عن عاصم الكوزي كما
في الكافي ج 6 ص 19.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 26 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 عن معمر بن خثيم كما
في الكافي ج 6 ص 19 والتهذيب ج 7 ص 438.
254

وفي خبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " من السنة والبر أن يكنى الرجل
بأسم أبيه ".
(و) كيف كان فقد (روى) مستفيضا (2) (استحباب التسمية يوم
السابع) لكن أكثر الأخبار مطلق، بل في بعضها قبل الولادة، وفي آخر بعدها
كما في السقط.
ففي خبر أبي بصير (3) عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال
أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: " سموا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن لم
تدروا ذكرا أو أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى، فإن أسقاطكم
إذا لقوكم في يوم القيامة ولم تسموهم يقول السقط لأبيه: ألا سميتني، وقد سمى
رسول الله صلى الله عليه وآله محسنا قبل أن يولد " وفي خبر أبي البختري (4) المروي عن
قرب الإسناد عن أبي عبد الله عليه السلام " قال رسول الله صلى الله عليه وآله سموا أسقاطكم، فإن الناس
إذا دعوا يوم القيامة بأسمائهم تعلق الاسقاط بآبائهم، فيقولون: لم لم تسمونا؟ فقيل:
يا رسول الله صلى الله عليه وآله من عرفناه أنه ذكر سميناه باسم الذكور، ومن عرفناه أنه أنثى
سميناه باسم الإناث أرأيت من لم يستبن خلقه كيف نسميه؟ قال: بالأسماء
المشتركة، مثل زائدة وطلحة وعنبسة وحمزة ".
ولعل الوجه في ذلك أنه يستحب تسمية الحمل ما دام حملا بمحمد فإذا ولد
بقي على ذلك إلى اليوم السابق، فإن شاء غيره فيه وإن شاء أبقاه، وأما السقط
فليس له سابع فيستحب عند ولادته، قال الصادق عليه السلام في مرسل أحمد (5) " لا يولد
لنا ولد إلا سميناه محمدا فإذا مضى سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا "

(1) الوسائل الباب - 27 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 36 و 44 - من أبواب أحكام الأولاد.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 21 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 24 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
255

فيراد حينئذ مما ورد (1) من استحباب التسمية في اليوم السابع الاسم المستقر أو يراد
أن منتهى الرخصة في التأخير إلى اليوم السابع، والله العالم.
(ويكره أن يكنيه أبا القاسم إذا كان اسمه محمدا) لخبر السكوني (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام " إن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن أربع كنى: عن أبي عيسى، وعن أبي الحكم، وعن أبي مالك، وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمدا " والظاهر أن القيد
للأخير، أما الثلاثة فتكره مطلقا.
وكذا أبو مرة ففي خبر زرارة (3) " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان رجل
يغشي علي بن الحسين عليهما السلام كان يكنى أبا مرة، وكان إذا استأذن عليه كان يقول:
أبو مرة بالباب، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: يا هذا إذا جئت بابنا فلا تقولن
أبو مرة ".
(و) كذا يكره (أن يسميه حكما أو حكيما أو خالدا أو حارثا أو
مالكا أو ضرارا) ففي خبر عثمان (4) عن أبي عبد الله قال: " إن رسول الله
صلى الله عليه وآله دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يسمى بها،
فقبض ولم يسمها، منها الحكم وحكيم وخالد ومالك وذكر أنها ستة أو سبعة
مما لا يجوز أن يسمى بها ".
وفي خبر محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام " إن أبغض الأسماء إلى الله سبحانه
حارث ومالك وخالد " وقد سمعت خبر الخصال (6) الدال على النهي عن ضرار،
بل فيها غير الأسماء المزبورة ولا بأس، بل قد يستفاد من خبر علي بن عنبسة (7)

(1) الوسائل الباب - 36 و 44 - من أبواب أحكام الأولاد.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 28 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 5 والأول خبر حماد بن عثمان.
(5) الوسائل الباب - 28 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 5 والأول خبر حماد بن عثمان.
(6) الوسائل الباب - 28 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 5 والأول خبر حماد بن عثمان.
(7) الوسائل الباب - 28 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6 من علي بن عطية أنه
عليه السلام قال لعبد الملك بن أعين....
256

عن الصادق عليه السلام أنه قال لعبد الله بن أعين: " كيف سميت ابنك ضريسا؟ قال: كيف سماك أبوك جعفرا؟ قال: إن جعفرا نهر في الجنة وضريس من أسماء
الشيطان " وكراهة التسمية بضريس بل بكل اسم من أسماء الشياطين وصفاتهم بل
والأسماء المنكرة باعتبار الاشتمال على الصفات الذميمة، كما أنه قد يستفاد كراهة
التسمية بصفات الخالق، والأمر سهل. والله العالم.
(وأما اللواحق فثلاثة): الأول (سنن اليوم السابع و) الثاني (الرضاع و)
الثالث (الحضانة و) قد ذكر المصنف وغيره أن (سنن اليوم السابع أربع)
مضافا إلى ما سمعته من التسمية: (الحلق والختان وثقب الإذن والعقيقة) قال
الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير (1) " في المولود يسمى في يوم السابع، ويعق عنه،
ويحلق رأسه، ويتصدق بوزن شعره فضة ويبعث إلى القابلة بالرجل مع الورك،
ويطعم منه ويتصدق ".
وفي خبره الآخر (2) " إذا ولد لك غلام أو جارية فعق عنه يوم السابع
شاة أو جزورا، وكل منها وأطعم، وسم، واحلق رأسه يوم السابع، وتصدق بوزن
شعره ذهبا أو فضة، واعط القابلة طائفا من ذلك، فأي ذلك فعلت أجزأك " وقال
أبو الصباح الكناني (3): " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصبي المولود متى يذبح عنه
ويحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ويسمى؟ قال: كل ذلك يوم السابع ".
وفي موثق عمار (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العقيقة عن المولود كيف هي؟
قال: إذا أتى على المولود سبعة أيام سمى بالاسم الذي سماه الله تعالى، ثم يحلق
رأسه ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، ويذبح عنه كبش " الحديث.
إلى غير ذلك من النصوص (5) الدالة على ذلك التي لا ينافي زيادتها على أربع

(1) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 - 3 - 4.
(5) الوسائل الباب - 44 - وغيره من أبواب أحكام الأولاد.
257

بعد أن كانت هي فيها كالصدقة بوزن الشعر ولطخ الرأس بالزعفران والخلوق
ونحوها.
(فأما الحلق) منها (ف‍) - قد عرفت أن (من السنة حلق رأسه يوم
السابع) ولو في آخر جزء منه، بل في الصحيح (1) عن " مولود لم يحلق رأسه
يوم السابع فقال إذا مضى سبعة أيام فليس عليه حلق " وإن كان قد يقال باستحبابه
أيضا للمروي (2) في محكي العلل " إن العلة في الحلق التطهير من شعر الرحم " بل
في الرياض " أنه مؤيد لما يقتضيه إطلاق النص والفتوى من عدم الفرق في ذلك بين
الذكر والأنثى " قلت: بل قد سمعت خبر أبي بصير المصرح فيه بالغلام أو الجارية
ولا ينافيه خبر أبي الصباح.
وينبغي أن يكون (مقدما على العقيقة،) قيل لظاهر الحسن (3) " عن
العقيقة والحلق والتسمية بأيها يبدأ؟ قال: يصنع ذلك كله في ساعة واحدة، يحلق
ويذبح ويسمى " وفيه نظر، نعم في الروضة قال إسحاق بن عمار (4) للصادق عليه السلام:
" بأي يبدأ؟ قال: تحلق رأسه وتعق عنه وتتصدق بوزن شعره فضة، يكون ذلك
في مكان واحد " والأمر سهل.
(و) أما (التصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة) فقد عرفت ما يدل عليه،
وقد يحتمل رجحان الفضة، للاقتصار عليها في جملة من النصوص (5).
(ويكره أن يحلق من رأسه موضع ويترك موضع، وهي القنازع).

(1) الوسائل الباب - 60 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 وفيه " سألته عن
مولود يحلق رأسه يوم السابع " وفي الكافي ج 6 ص 38 " سألته عن مولود يحلق رأسه
بعد يوم السابع " إلا أن الموجود في الفقيه ج 3 ص 316 كالجواهر وفي التهذيب ج 7
ص 446 " سألته عن مولود لم يحلق رأسه بعد يوم السابع " أيضا.
(2) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 21 - 2 - 9.
(3) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 21 - 2 - 9.
(4) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 21 - 2 - 9.
(5) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 2 و 8 و 9.
258

ففي خبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا تحلقوا الصبيان القنزع،
والقنزع أن تحلق موضعا وتترك موضعا " قيل: وفي بعض النسخ " لا تحلقوا الصبيان "
بالخاء المعجمة والفاء، والمراد بها حينئذ واضح، كما أن المراد على الأول
بتقدير مضاف أي حلق القزع، وأصل القزع بالتحريك: قطع من السحاب، الواحد
قزعة، وسمي حلق بعض الرأس وترك بعضه في مواضع متعددة بذلك تشبيها بقطع
السحاب المتفرقة، ويقال: القنازع الواحد قنزعة بضم القاف والزاء وفتحهما
وكسرهما.
وعلى كل حال فلا ريب في الكراهة، بل في خبر السكوني (2) عن أبي عبد الله
عليه السلام " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله بصبي يدعو له وله قنازع، فأبى أن يدعو له، وأمر
أن يحلق رأسه " لكن قد ينافي ذلك ما روي من ثبوت ذلك للحسن والحسين عليهما السلام
قال ابن خالد (3): " سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنئة بالولد متى؟ قال:
إنه لما ولد الحسن بن علي عليهما السلام هبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله بالتهنئة في اليوم
السابع، وأمره أن يسميه ويكنيه ويحلق رأسه ويعق عنه ويثقب أذنه، وكذلك
كان حين ولد الحسين عليه السلام، فأمره بمثل ذلك، قال وكان لهما ذؤابتان في القرن
الأيسر وكان الثقب في الإذن اليمنى في شحمة الأذن، وفي اليسرى في أعلى الإذن،
والقرط في اليمنى، والشنف في اليسرى " وفي الكافي روى (4) " أن النبي صلى الله عليه وآله ترك
لهما ذوابتين في وسط الرأس ".
وربما قيل بأن ما دل على الكراهة مخصوص بما إذا كان ما يترك بغير حلق
في مواضع متفرقة لا في موضع واحد، لظهور كلام أهل اللغة في اختصاص القزع
بذلك، ففي نهاية ابن الأثير " في الحديث (5) " نهى عن القنازع " وهو أن يأخذ
بعض الشعر ويترك منه مواضع متفرقة كالقزع " ونحوه عن القاموس، وفيه أنه
مناف لما رواه القداح (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " أنه كان يكره القزع في رؤوس

(1) الوسائل الباب - 66 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 5 - 3.
(2) الوسائل الباب - 66 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 5 - 3.
(3) الوسائل الباب - 51 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
(4) الوسائل الباب - 66 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 5 - 3.
(5) نهاية ابن الأثير - مادة: " قنزع ".
(6) الوسائل الباب - 66 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 5 - 3.
259

الصبيان، وذكر أن القزع أن يحلق الرأس إلا قليلا ويترك وسط الرأس،
وتسمى القزعة ".
(وأما الختان ف‍ (- لا خلاف في أنه (مستحب يوم السابع) بل الاجماع
بقسميه عليه، والنصوص به مستفيضة أو متواترة (فمنها) ما تقدم، و (منها) قول
الصادق عليه لسلام في خبر السكوني (1) " اختنوا أولادكم لسبعة أيام، فإنه أطهر
وأسرع لنبات اللحم، وأن الأرض لتكره بول الأغلف " و (منها) قوله عليه السلام أيضا
في خبره الآخر (2) " قال رسول الله صلى الله عليه وآله طهروا أولادكم يوم السابع، فإنه أطيب
وأطهر وأسرع لنبات اللحم، وأن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين يوما " وكتب
عبد الله بن جعفر (3) إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام " أنه روى عن
الصادقين عليهما السلام أن اختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا، وإن الأرض تضج
إلى الله من بول الأغلف، وليس جعلت فداك بحجامي بلدنا حذق بذلك، ولا يحسنونه
يوم السابع، وعندنا حجام اليهود، فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين
أم لا؟ فوقع عليه السلام: السنة - أي في الختان - يوم السابع، فلا تخالفوا السنن " إلى غير ذلك
من النصوص.
(و) لكن (لو أخر) عنه (جاز) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه
عليه مضافا إلى ظهور النصوص المزبورة في استحبابه المقتضي جوازه تركه فيه،
وإلى صحيح ابن يقطين (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ختان الصبي لسبعة أيام من السنة
هو أو يؤخر وأيهما أفضل؟ قال: لسبعة أيام من السنة، وإن أخر فلا بأس " (و)
إلى غيرها.
نعم (لو بلغ ولم يختن وجب أن يختن نفسه) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع

(1) الوسائل الباب - 52 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 وهو خبر مسعدة
ابن صدقة.
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1.
(3) الوسائل الباب - 52 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1.
(4) الوسائل الباب - 54 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
260

بقسميه عليه (و) ذلك لأن (الختان واجب) في نفسه بالضرورة من المذهب
والدين التي استغنت بذلك عن تظافر النصوص كغيرها من الضروريات، على أن
في خبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه
عليه: إذا أسلم الرجل اختتن ولو بلغ ثمانين " ولا قائل بالفصل، وكتب الرضا
عليه السلام إلى المأمون (2) " الختان سنة واجبة للرجال ومكرمة للنساء " ومنه
يظهر وجه الدلالة في المستفيض من النصوص (3) أو المتواتر من كون الختان سنة،
وفي بعضها (4) " السنة في الختان على الرجال، وليس على النساء " وفي آخر (5) " من
الحنيفية الختان " وفي صحيح ابن سنان (6) " ختان الغلام من السنة، وخفض الجواري
ليس من السنة ".
وفي خبر السكوني (7) عن أبي عبد الله عليه السلام " خفض النساء مكرمة ليست من
السنة، وليست شيئا واجبا، وأي شئ أفضل من المكرمة " فإن المراد بعد معلومية
استحبابه في النساء نفي الوجوب، فيدل على إرادة الواجبة من السنة في مقابلتها، إلى
غير ذلك من النصوص الدالة على كونه من الحنيفة التي أمرنا باتباعها، وكونه من
السنة الواجبة في نفسه، لا لكونه شرطا في صحة الصلاة، لعدم ثبوت ذلك.
فمن الغريب وسوسة المحدث البحراني عند ذلك كله وميله إلى عدم الوجوب
نعم في وجوبه على الولي قبل البلوغ خلاف، والأشهر بل المشهور العدم، للأصل

(1) الوسائل الباب - 55 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 9.
(3) الوسائل الباب - 52 و 54 و 56 و 58 - من أبواب أحكام الأولاد.
(4) الوسائل الباب - 56 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 52 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 وفيه " من الحنيفية
الختن ".
(6) الوسائل الباب - 56 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(7) الوسائل الباب - 56 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 وهو خبر مسعدة
ابن صدقة.
261

وظهور ما تضمن خطاب الولي من النصوص السابقة في الاستحباب، خصوصا المصرح
فيها بجواز التأخير، وخصوصا المشتمل منها على التعليل المناسب للاستحباب،
خلافا للمحكي عن الفاضل في التحرير فأوجبه، بل في المسالك " أنه ظاهر عبارة
المصنف، لاطلاق حكمه عليه بالوجوب، ولا ينافيه حكمه بالاستحباب يوم السابع
لأن الوجوب على هذا القول موسع، وأفضل أفراده السابع، كما يقال يستحب صلاة
الفريضة في أول وقتها وحينئذ يكون الوجوب متعلقا بالولي، فإن لم يفعل إلى أن
بلغ الصبي أثم وتعلق الوجوب بالصبي " وفيه أن الأظهر في عبارة المصنف ما ذكرنا
من الاستحباب على الولي قبل البلوغ والوجوب على الصبي بعده، كما عرفت.
والخنثى المشكل يقوى عدم الوجوب عليه، للأصل، لكن في المسالك " في
وجوبه وتوقف صحة صلاته عليه وجهان، من الشك في ذكوريته التي هي مناط
الوجوب معتضدا بأصالة البراءة، ومن توقف حصول اليقين بصحة الصلاة عليه، تناول
قوله صلى الله عليه وآله (1): " اختنوا أولادكم يوم السابع " خرج الأنثى منه خاصة، فيبقى
الباقي " وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من عدم توقف صحة الصلاة عليه وكون عنوان
الوجوب الذكر، هذا كله في الذكر.
(و) أما في الإناث المعبر عنه في كلام الأصحاب ب‍ (- خفض الجواري)
ف‍ (- مستحب) بلا خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، والنصوص (2) مستفيضة فيه
أو متواترة، وقد تقدم جملة، ولا يجب على الولي قبل البلوغ ولا عليهن بعده،
والظاهر أن وقته فيهن لسبع سنين، بل في خبر غياث بن إبراهيم (3) عن جعفر بن
محمد عن أبيه عليهما السلام " لا تخفض الجارية حتى تبلغ سبع سنين ".

(1) الوسائل الباب - 54 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 52 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 والباب - 56 - منها
الحديث 3 والباب - 58 - منها والباب - 18 - من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 وهو خبر
وهب عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام كما في التهذيب ج 6 ص 360 الرقم 1033.
262

كما أنه ينبغي عدم استئصال فيه، لصحيح ابن مسلم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام
" لما هاجرن النساء إلى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله هاجرت فيهن امرأة يقال لها أم حبيب وكانت
خافضة تخفض الجواري، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله قال لها: يا أم حبيب العمل
الذي قد كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت: نعم يا رسول الله إلا أن يكون حراما
تنهاني عنه، فقال: لا بل حلال، فإني حتى أعلمك، قال: فدنت منه، فقال:
يا أم حبيب إذا أنت فعلت فلا تنهكي أي لا تستأصلي، واشمي فإنه أشرق للوجه
وأحظى للزوج ".
(و) على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا الحال فيما (لو أسلم كافر
غير مختتن وجب أن يختن) نفسه (ولو كان مسنا) وقد سمعت الخبر (2) المشتمل
عليه. (و) ظهر لك أيضا فيما (لو أسلمت امرأة) وأنه (لم يجب ختانها و)
لكن (استحب) لها ذلك، وفي خبر أبي بصير (3) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجارية
تجئ من أرض الشرك فتسلم فتطلب لها من يخفضها فلا تقدر على امرأة فقال: أما
السنة في الختان على الرجال وليس على النساء ".
وأما ثقب الإذن فلا خلاف أجده في استحبابه، بل الاجماع بقسميه عليه
مضافا إلى السيرة المستمرة وإلى النصوص التي تقدم بعضها، وفي خبر السكوني (4)
قال النبي صلى الله عليه وآله: " يا فاطمة أثقبي أذني الحسن والحسين عليهما السلام خلافا
لليهود " وفي خبر مسعدة بن صدقة (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن ثقب أذن الغلام
من السنة " ونحوه صحيح عبد الله بن سنان (6) فما وقع من بعض العامة من الوسوسة
في ذلك باعتبار ما فيه من الايذاء، والتأليم اجتهاد في مقابلة النص، ثم إنك قد سمعت
اشتمال بعض (7) النصوص على ثقب الأذنين بل على التفصيل في كيفية الثقب في

(1) الوسائل الباب - 18 - من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 55 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 56 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 51 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1 - 3 - 2.
(5) الوسائل الباب - 51 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1 - 3 - 2.
(6) الوسائل الباب - 51 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1 - 3 - 2.
(7) الوسائل الباب - 51 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 1 - 3 - 2.
263

اليمنى واليسرى، وفي آخر (1) كالفتاوى ثقب الإذن ولا يبعد دعوى الاستحباب
في كل منهما، كما لا يبعد استحباب تلك الكيفية الخاصة، والأمر سهل، والله
العالم.
هذا ويستحب الدعاء عند ختان الولد بما في خبر مرازم بن حكيم (2) عن
الصادق عليه السلام " في الصبي إذا ختن تقول: اللهم هذه سنتك وسنة نبيك صلواتك عليه
وآله، واتباع منا لك ولنبيك بمشيتك وبإرادتك وقضائك لأمر أردته وقضاء
حتمته وأمر أنفذته، وأذقته حر الحديد في ختانه وحجامته لأمر أنت أعرف به
مني، اللهم فطهره من الذنوب، وزد في عمره، وادفع الأذيات عن بدنه والأوجاع
عن جسمه، وزده من الغناء، وادفع عنه الفقر فإنك تعلم ولا نعلم، وقال الصادق عليه السلام:
أيما رجل لم يقلها عند ختان ولده فليقلها عليه قبل أن يحتلم، فإن قالها كفى حر
الحديد من قتل أو غيره ".
(وأما العقيقة) فهي هنا الذبيحة التي تذبح للمولود وإن كان تقال أيضا
للشعر الذي يولد عليه المولود آدميا كان أو غيره كالعقيق، والعق بالكسر وقيل:
إن أصل العق الشق، يقال: عق ثوبة أي شقه، ومنه عق الولد أباه أي عصى وشق
ما أوجبه الله عليه من الطاعة، وسمى به الشعر الذي على المولود باعتبار حلقه أو
زواله، والذبيحة باعتبار شق حلقومها، أو لأنها تفعل لأجل العقيقة فأطلق اسم
السبب على المسبب، والأمر سهل.
وعلى كل حال (ف‍) - قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه (يستحب أن
يعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى) بل عن الخلاف إجماع الفرقة وأخبارهم
عليه، ولعله لخبر محمد بن مارد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن العقيقة، فقال، شاة

(1) الوسائل الباب - 51 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1
(2) الوسائل الباب - 59 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(3) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 13
وذيله في الباب - 42 - منها الحديث.
264

أو بقرة أو بدنة، ثم يسم ويحلق رأس المولود في يوم السابع، ويتصدق بوزن شعره
ذهبا أو فضة، فإن كان ذكرا عق عنه ذكرا وعن الأنثى أنثى " والمرسل (1) في
الكافي عن الباقر عليه السلام " إذا كان يوم السابع وقد ولد لأحدكم غلام أو جارية فليعق
عنه كبشا، عن الذكر ذكرا وعن الأنثى مثل ذلك ".
لكن في أكثر النصوص التسوية، ففي صحيح منصور بن حازم (2) عن
الصادق عليه السلام " العقيقة في الغلام والجارية سواء ".
وفي موثق سماعة (3) " سألته عن العقيقة فقال: في الذكر والأنثى سواء " وفي
خبر أبي بصير (4) عن الصادق عليه السلام " عقيقة الغلام والجارية كبش " وفي خبر ابن
مسكان (5) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن العقيقة فقال عقيقة الغلام كبش كبش " وفي
خبر علي بن جعفر (6) عن أخيه عليه السلام " سألته عن العقيقة الجارية والغلام فيها سواء
قال: كبش كبش " وفي خبر يونس بن يعقوب (7) " سألت أبا الحسن موسى عليه السلام
عن العقيقة الغلام والجارية فيها سواء، قال: نعم ".
وفي المسالك بعد أن اقتصر على المرسل في الدلالة على ما في المتن، وذكر
جملة من أخبار التسوية قال: " إن المرسل ليس صريحا في اعتبار المساواة، بل
الظاهر من قوله عليه السلام: " والأنثى مثل ذلك " أن المستحب كونه ذكرا في الذكر
والأنثى، فيكون موافقا لغيره من الأخبار الدالة على التسوية بينهما " قلت:
لا ريب في إجزاء كل منهما في كل منهما، وإنما الكلام في الأفضلية، وما ذكره
الأصحاب لا يخلو من قوة، لما عرفت من الاجماع المحكي والخبر، ونصوص
التسوية يمكن إرادة ثبوت أصل استحباب العقيقة فيها، أو إيراد بيان أصل الجواز.

(1) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 11.
(2) الوسائل الباب - 42 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب - 42 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 3.
(4) الوسائل الباب - 42 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2 - 3.
(5) الوسائل الباب - 42 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 وفيه " عقيقة
الجارية والغلام كبش كبش ".
(6) الوسائل الباب - 42 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 6.
(7) الوسائل الباب - 42 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 6.
265

ولعل الأصل في ذلك شدة التسامح في أمر العقيقة، كما أومي إلى ذلك
في خبر منهال (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصحابنا يطلبون العقيقة إذا كان
إبان يقدم الأعراب فيجدون الفحولة، وإن كان غير ذلك إلا بأن لم يوجد فيعز
عليهم، فقال: إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية، يجزئ فيها كل شئ "
وفي خبر مرازم (2) عنه عليه السلام أيضا " العقيقة ليست بمنزلة الهدي، خيرها أسمنها "
وقد سمعت ما في خبر ابن مارد (3) من إجزاء البقرة والشاة والبدنة.
وفي خبر أبي بصير (4) عن الصادق عليه السلام " إذا ولد لك غلام أو جارية فعق
عنه يوم السابع شاة أو جزور " وفي خبر الفطحية (5) عنه عليه السلام أيضا " يذبح عنه
أي المولود كبش، وإن لم يوجد كبش أجزأه ما يجزئ في الأضحية، وإلا فحمل
أعظم ما يكون من حملان السنة " والمراد بالحمل ولد الضأنة في السنة الأولى،
كل ذلك للتساهل في أمر العقيقة، وإن كان لا يبعد وجود جهة رجحان في مراعاة
الذكر للذكر والأنثى للأنثى، كما أنه لا يخلو عق الذكر عنهما معا لكونه أطيب
لحما (و) الأمر في ذلك سهل.
إنما الكلام في أنه (هل تجب العقيقة؟ قيل) كما عن الإسكافي والمرتضى
وبعض متأخر المتأخرين: (نعم) بل عن انتصار الثاني الاجماع عليه للأمر
بها في جملة من النصوص (6) بل في خبر علي بن أبي حمزة (7) وخبر علي (8)
وموثق أبي بصير (9) وصحيحة (10) " العقيقة واجبة " مضافا إلى ما ورد (11) من أن

(1) الوسائل الباب - 45 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 13 - 7 - 4.
(4) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 13 - 7 - 4.
(5) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 13 - 7 - 4.
(6) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 و 8 و 11 و 12.
(7) الوسائل الباب - 38 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 3 - 4
(8) الوسائل الباب - 38 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 3 - 4
(9) الوسائل الباب - 38 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 3 - 4
(10) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 10 إلا أن السند موافق لسابقه
(11) الوسائل الباب - 38 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 2 و 6 و 7.
266

كل امرء أو مولود مرتهن بعقيقته..
(و) لكن مع ذلك كله (الوجه الاستحباب) وفاقا للمشهور، بل عن
الخلاف الاجماع عليه الذي لا يعارضه ما سمعته من إجماع المرتضى بعد تبين حالهما،
والأمر بها في جملة من السنن المعلوم ندبها أوضح قرينة على كونه فيها أيضا كذلك،
بل ما سمعته من ذلك التساهل في أمرها كذلك، والوجوب في النصوص يراد منه
تأكد الندب، كما يومئ إليه صحيح عمر بن يزيد (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إني والله لا أدري أبي عق عني أو لا، قال: فأمرني أبو عبد الله عليه السلام فعققت عن نفسي
وأنا شيخ " وقال عمر (2): " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كل امرء مرتهن بعقيقته،
والعقيقة أوجب من الأضحية " فإن الأضحية مندوبة إجماعا على ما قيل ومنه يعلم
المراد بالارتهان أيضا.
وبالجملة لا يخفى لسان الندب في ذلك كله على الفقيه الممارس، بل يمكن
إقامة قرائن كثيرة على ذلك وجه يكون كالمقطوع به، خصوصا ما دل (3) من
النصوص على إجزاء الأضحية عنها، وأنه إذا جاز سبعة أيام فلا عقيقة له (4) المعلوم
إرادة نفي الكمال منها، بقرينة ما دل (5) من النصوص الكثيرة على بقاء ندبها إلى
آخر العمر، بل قد يستفاد من أخبار (6) الارتهان العق عنه بعد الموت أيضا، وأن هذا
الوجوب إن كان على الولي فلا وجه لانتقاله، كما لا يخفى على من له أدنى درية بالفقه،
فوسوسة بعض متأخري المتأخرين وجزم آخر في ذلك غير محله، وناشئ من عدم
التعمق في الفقه.

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 38 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 65 - من أبواب أحكام الأولاد.
(4) الوسائل الباب - 60 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
(5) الوسائل الباب - 39 - من أبواب أحكام الأولاد والباب - 65 - منها الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 38 - من أبواب أحكام الأولاد.
267

هذا وفي بعض النصوص المروية في غيبة البحار (1) " أن أبا محمد عليه السلام عق عن
صاحب الأمر عليه السلام بكذا وكذا شاة " ومنه يستفاد استحباب التعدد فيها، مضافا
إلى أنها أوجب من الأضحية التي من المعلوم شرعية ذلك فيها، بل قد يستفاد من
تعارف تعاقب الذبح في الشياه المتعددة استحباب التكرار مع التسامح في الندب، خصوصا
في مثل الدماء يحب الله إراقتها، والله العالم.
(ولو تصدق بثمنها لم يجز في القيام بالسنة) بلا خلاف، للأصل، ولأن الله
يجب إراقة الدماء، قال محمد بن مسلم (2): " ولد لأبي جعفر عليه السلام غلامان فأمر زيد
ابن علي أن يشتري له جزورين للعقيقة، وكان زمان غلاء، فاشترى له واحدة وعسرت
عليه أخرى فقال لأبي جعفر عليه السلام: عسرت على الأخرى فأتصدق بثمنها؟ فقال: لا، أطلبها
حتى لا تقدر عليها، فإن الله يحب إهراق الدماء وإطعام الطعام " وقال ابن بكير (3): " كنت
عند أبي عبد الله عليه السلام فجاء رسول عبد الله بن علي فقال له: يقول عمك: إنا طلبنا العقيقة
فلم نجد فما ترى نتصدق بثمنها؟ قال: لا، إن الله يحب إطعام الطعام وإراقة الدم ".
(و) حينئذ (لو عجز عنها أخرها حتى يتمكن) لما عرفت من عدم
قيام الصدقة بثمنها مقامها مع إطلاق الأدلة باستحبابها، بل قد سمعت خبر عمر بن
يزيد (4) السابق المتضمن لعقه عن نفسه (و) هو شيخ ف‍ (- لا يسقط) حينئذ
(الاستحباب) بالتأخير لعذر أو غير عذر، لأنه مرتهن بها.
(ويستحب أن يجتمع فيها شروط الأضحية) من كونها سليمة من
العيوب سمينة، فإنها أوجب منها كما في خبر عمر بن يزيد (5) وفي الموثق
المتقدم (6) " يذبح عنه كبش، فإن لم يوجد كبش، أجزأه ما يجزي، في الأضحية،

(1) البحار ج 51 ص 5 ط الحديث.
(2) الوسائل الباب - 40 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 40 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 39 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(5) الوسائل الباب - 38 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 41 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
268

وإلا فحمل، أعظم ما يكون من حملان السنة " وما في بعض النصوص (1) من
أنه إذا ضحى أو ضحى عنه فقد أجزأه عن العقيقة.
لكن قد سمعت ما في خبر منهال (2) من أنها " إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة
الأضحية " وما في خبر مرازم (3) من أنها " ليست بمنزلة الهدي خيرها أسمنها "
ولعله لذا عنون الباب في الكافي بأنها ليست بمنزلة الأضحية، وتبعه بعض المحدثين
مدعيا عدم دليل في النصوص على ما ذكروه، وقد عرفت الحال، وأنه مقتضى الجمع بين
النصوص اعتبار ذلك فيها وإن لم يكن متأكدا تأكده في الأضحية، فتأمل والله
العالم.
(و) يستحب (أن يخص القابلة منها بالرجل والورك) كما استفاضت
به النصوص (4) ولعل المراد اعطاء ثلثها كما في خبر أبي خديجة (5) ودونه ربعها
كما في غيره (6) من النصوص وإن كان الأولى كون الثلث أو الربع ذلك، وفي خبر
عمار (7) " وإن لم يكن قابلة فلأمه تعطيه من شاءت ".
ومنه يعلم الوجه في قوله: (ولو لم تكن قابلة أعطى الأم تتصدق به) أي
تعطيه من شاءت ولو الغني، ولو كانت القابلة يهودية لا تأكل ذبائح المسلمين أعطيت
قيمة الربع، كما رواه عمار (8) نعم لو كانت القابلة أم الرجل أو من عياله فليس
لها منه شئ على ما رواه أبو خديجة (9) عن الصادق عليه السلام كما ستسمعه.
(ولو لم يعق الوالد استحب للولد أن يعق عن نفسه إذا بلغ) بل لو شك

(1) الوسائل الباب - 65 - من أبواب أحكام الأولاد.
(2) الوسائل الباب - 45 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 45 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(4) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد.
(5) الوسائل الباب - 47 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(6) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأود الحديث 4 و 10 و 15.
(7) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
(8) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
(9) الوسائل الباب - 47 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
269

في ذلك استحب له ذلك أيضا كما سمعته في خبر عمر بن يزيد (1) مضافا إلى
ما دل (2) على أنه مرتهن بعقيقته، بل قد يستفاد من فحوى ذلك كونها كالدين
في إجزاء العق عنه ولو من أجنبي.
(ولو مات الصبي يوم السابع قبل الزوال سقطت، ولو مات بعده لم يسقط
الاستحباب) لخبر إدريس بن عبد الله (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن مولود
يولد فيموت يوم السابع يعق عنه، قال: إن مات قبل الظهر لم يعق عنه وإن مات
بعد الظهر عق عنه " وقد يقال: إن المراد سقوط شدة الاستحباب، لاطلاق الأدلة
بالعق عنه بالولادة.
(ويكره للوالدين أن يأكلا منها) وكذا من في عيالهما حتى القابلة
لو كانت منهم، لقول الصادق عليه السلام (4): " لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة
وقال للقابلة ثلث العقيقة، فإن كانت القابلة أم الرجل أو في عياله فليس لها منها شئ،
وتجعل أعضاء ثم يطبخها ويقسمها ولا يعطيها إلا أهل الولاية وقال: يأكل من
العقيقة إلا الأم " والظاهر تأكد الكراهة بالنسبة إلى الأم، لقول الصادق عليه السلام في
حسن الكاهلي (5): " لا تطعم الأم منها شيئا " بل في المحكي من كتاب فقه الرضا
عليه السلام (6) " أنها إذا أكلت منه فلا ترضعه " والأمر في الجميع سهل لكون الحكم
من السنن، إذ قد ورد في خبري أبي بصير (7) السابقين أكل الأب منها، بل في

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 38 - من أبواب أحكام الأولاد.
(3) الوسائل الباب - 61 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 47 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب - 47 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(6) المستدرك الباب - 34 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(7) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 وليس هناك لأبي بصير
خبر آخر يتعرض فيه لأكل الأب من العقيقة.
270

خبر يحيى بن أبي العلاء (1) عن الصادق عليه السلام في حديث عقيقة الرسول صلى الله عليه وآله عن
الحسن والحسين عليهما السلام قال: " وعق عنهما شاة شاة، وبعثوا برجل شاة إلى القابلة
ونظروا ما غيره فأكلوا منه، وهدوا إلى الجيران " الحديث.
(و) ربما استفيد من قول الصادق عليه السلام (2) " تجعل أعضاء " وقوله عليها السلام (3)
" إذا قطع العقيقة جداول فاطبخها وادع عليها رهطا من المسلمين " كراهة (أن
يكسر شيئا من عظامها، بل تفصل أعضاء) لكن هو كما ترى، ضرورة أن الأمر
بذلك لا يقتضي كراهة الكسر، خصوصا بعد خبر عمار (4) " وسئل عن العقيقة إذا
ذبحت هل يكسر عظمها؟ قال: نعم يكسر عظمها، ويقطع لحمها، وتصنع بها بعد
الذبح ما شئت " إلا أن الحكم من السنن، والأمر فيها سهل، سيما مع النهي عن الكسر
في بعض النصوص (5) كما قيل.
ويستحب الدعاء عند ذبحها بالمأثور (6)، وهو كثير كما أن المستفاد من
النصوص (7) التخيير بين تفريقها لحما وبين طبخها بماء وملح، بل في الفقيه أنه
أفضل أحوال طبخها (8) وبإضافة شئ إليها من الحبوب أو غير ذلك من أنواع الطبخ
ودعاء عشرة من المؤمنين إليها، وإن زاد فهو أفضل، يأكلون منها ويدعون
للغلام (9) وأما ما اشتهر بين السواد من استحباب لف العظام بخرقة بيضاء ودفنها فلم
نقف عليه في شئ مما وصل إلينا من نصوص الباب وفتاوى الأصحاب، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 50 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 47 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 8 مع اختلاف يسير.
(4) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 17 - 5 - 16.
(5) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 17 - 5 - 16.
(6) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 17 - 5 - 16.
(7) الوسائل الباب - 46 - من أبواب أحكام الأولاد.
(8) الوسائل الباب - 44 و 47 - من أبواب أحكام الأولاد.
(9) الوسائل الباب - 44 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و 12 و 15 والباب
47 منها الحديث 1.
271

(وأما الرضاع فلا يجب على الأم إرضاع الولد) بلا خلاف أجد فيه بيننا
للأصل، ولظاهر قوله تعالى (1) " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " وقوله
تعالى (2): " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " وقوله تعالى (3): " لا تضار والدة
بولدها " الشامل لاضرارها بالاجبار على إرضاعه لو كان واجبا، ولخبر سليمان بن
داود (4) قال: " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرضاع، قال: لا تجبر المرأة على إرضاع
الولد: وتجبر أم الولد ".
نعم في المسالك وغيرها " أن عدم وجوب إرضاع الولد على الأم مشروط
بوجود الأب أو وجود مال للولد ووجود مرضعة سواها وقدرته على دفع الأجرة
إليها أو تبرعها، وإلا وجب عليها إرضاعه، كما يجب عليها الانفاق عليه حيث
يكون مفقودا أو معسرا " وفي الرياض " المعروف من مذهب الأصحاب بل كاد
يكون إجماعا منهم أنه لا تجبر الأم الحرة ولا مملوكة الغير على إرضاع ولدها
إلا إذا لم يكن للولد مرضعة أخرى سواها، أو كانت ولم يتمكن لعدم وجود الأب
أو إعساره أو عدم تمكنه منه مع عدم مال للولد يمكن به إرضاعه من غيرها، فيجب
عليها بلا خلاف، لوجوب إنفاقها عليه في هاتين الصورتين ".
قلت: المراد من نحو عبارة المصنف عدم وجوب الارضاع على الأم من حيث
كونها أما، فالتقييد المزبور في غير محله، ضرورة وجوب الارضاع عليها مع
الانحصار إنما هو من حيث حفظ النفس المحترمة كغير الأم مع فرض الانحصار
فيها، على أن الظاهر عدم سقوط الأجرة من الأب الموسر أو مال الطفل في هذه
الصورة، ولا يجب إنفاقها عليه، فلا وجوب عليها حينئذ في هذه الصورة من حيث
كونها أما، وأما الصورة الثانية فلا يجب عليها إرضاعها إياه، إذ أقصاه وجوب

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(4) الوسائل الباب - 68 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
272

اتفاقها عليه ولو باستئجار مرضعة أخرى أو بالتماسها، فلا وجوب حينئذ من حيث
كونها أما، وبذلك يظهر أنه لا حاجة إلى تقييد العبارة بذلك، كما أن منه يظهر
وجه استدلال الأصحاب بالآيتين وإن كان مساقهما في المطلقات، إذ المراد عدم
الوجوب من حيث الأمية التي لا تفاوت فيها بين المطلقة وغيرها، فما في الحدائق
والرياض من النظر في ذلك في غير محله.
بل الظاهر عدم تقييد نحو المتن بغير اللباء، وهو أول ما يحلب مطلقا أو إلى
ثلاثة أيام، لوجوب إرضاعه إياه، لأنه لا يعيش بدونه، كما أفتى به الفاضل والشهيد
لعدم الدليل على وجوبه، بل ظاهر إطلاق الأدلة خلافه، ودعوى توقف الحياة عليه
يكذبها الوجدان، ومن هنا حملها بعض الناس على الغالب أو على أنه لا يقوى ولا
تشتد بنيته إلا بذلك، وحينئذ فلا وجه للوجوب، ولو سلم فهو حينئذ من حيث
الضرر لا من حيث كونها أما الذي هو محل البحث إذ يمكن ولادته وشربه اللباء
من غيرها مع فرض ولادة أخرى مقارنة لها.
ثم إن الظاهر عدم سقوط الأجرة على تقدير الوجوب، إذ هو حينئذ كبذل
الزاد للمضطر، فلا يرد أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.
وعلى كل حال بما ذكرنا يصرف ظاهر الطلب المطلق المنصرف إلى
الوجوب في قوله تعالى (1): " والوا لدات يرضعن أولادهن حولين كاملين " إلى
الاستحباب جمعا بين الأدلة، وفي الرياض " ويمكن الجمع بحمله إما على الصورتين
الأولتين أو على أم ولد المولى " قلت: لكنه كما ترى، وقد يقال إن المراد
من الآية بيان مدة الرضاع لمن أراد أن يتم الرضاعة لا بيان وجوب أصل الرضاع
عليهن كما هو واضح بأدنى تأمل.
(و) كيف كان ف‍ (- لها) أي الأم (المطالبة بأجرة رضاعه) مع وجود
المال له أو الأب الموسر بلا خلاف ولا إشكال، ضرورة كون نفقته عليه أو على
ماله، ومنها رضاعه المتوقف حياته عليه، بل قيل: ربما ظهر من إطلاق نحو العبارة

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
273

وجوب الأجرة على الأب ولو مع إعساره، وفيه أنه مناف للأصل، على أن الظاهر
كون الأجرة من الانفاق المعلوم عدم وجوبه في الفرض، وإطلاق الآيتين إنما هو
على حال الانفاق، فلا وجه للتوقف في ذلك، بل ولا أظن فيه خلافا، كما أنه لا
وجه للتوقف في عدم الوجوب عليه مع وجود المال للولد وإن اقتضى ذلك إطلاق الآيتين
المنزل على ذلك، بل عن بعضهم وجوب ذلك على الأب وإن كان عند الولد مال،
نعم لو مات الأب وجب من مال الولد، لصحيح ابن أبي يعفور (1) عن الصادق عليه السلام
" إن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قضى في رجل توفي وترك صبيا فاسترضع
له إن أجر رضاع الصبي مما يرث من أبيه وأمه " ومرسل ابن أبي عمير (2) عنه أيضا
" قضى علي عليه السلام في صبي مولود مات أبوه إن رضاعه من حظه مما ورث من أبيه "
وصحيح ابن سنان (3) السابق، إلا أن الجميع كما ترى لا دلالة في شئ منها
على ما ذكروه، وإنما هي دالة على أجرة رضاع الصبي من ماله حال عدم الأب
وهو لا خلاف فيه ولا إشكال.
(و) على كل حال ف‍ (- له استئجارها) على الرضاع (إذا كانت بائنا)
بلا خلاف (و) لا إشكال، نعم (قيل) والقائل الشيخ منا: (لا يصح ذلك
وهي في حباله) وكذا لا يصح استئجارها لخدمته أو خدمة غيره وإرضاع ولد غيره،
لعدم القدرة على التسليم باعتبار ملك الزوج للاستمتاع بها، وفيه - مع فرض كون
المستأجر الزوج - أن المانع من قبله، فهو في الحقيقة اسقاط منه لحقه، بل هو أولى
بالصحة من أجير أذن له المؤجر بالإجارة من غيره في مدة إجارته، أما إذا كان

(1) الوسائل الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
(2) أشار إليه في الوسائل الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 وذكره
في التهذيب ج 7 ص 447 الرقم 1792.
(3) الوسائل الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 ولم يتقدم هذا
الصحيح سابقا والصواب " الآتي " فإنه (قده) يذكره بعد قليل.
274

المستأجر الغير فلا ريب في تقييده بما إذا لم يناف حق الزوج، كما هو واضح.
(و) من هنا كان (الوجه الجواز) وفاقا " للمشهور شهرة عظيمة، بل
لم نعرف فيه خلافا بيننا إلا ما سمعته من الشيخ للعمومات والاطلاقات.
كما لا خلاف (و) لا إشكال في أنه (يجب على الأب بذل أجرة الرضاع)
مع يسره (إذا لم يكن للولد مال) لأنها من النفقة الواجبة عليه إجماعا، بل
هو مقتضي قوله تعالى (1) " فآتوهن أجورهن " بل وقوله تعالى (2): " وعلى المولود
له رزقهن وكسوتهن " الذي هو كناية عن أجرة الرضاع، بل في التعبير بالمولود
له تنبيه حسن على كون الولد حقيقة له، ولذا نسب إليه دون أمه، ووجبت نفقته
عليه، أما إذا كان له مال فلا تجب نفقته عليه، لأنه غني حينئذ.
(ولأمه أن ترضعه بنفسها وبغيرها و) على كل حال (لها الأجرة)
لصحيح ابن سنان (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل مات وترك امرأته ومعها منه
ولد فألقته على خادمة لها فأرضعته ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي؟ فقال:
لها أجر مثلها وليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك ويدفع إليه ماله "
وحينئذ يكون ذلك حكما شرعيا، وهو استحقاق الأم أجرة الرضاع وإن لم تقع
معاملة بينها وبين الأب، سواء أرضعته بنفسها أو عند غيرها.
لكن في المسالك حمل العبارة على معنى آخر قال: " إذا استأجرها للرضاعة
فإن صرح بإرادة تحصيل رضاعة بنفسها وغيرها فلا شبهة في جواز الأمرين
واستحقاقها الأجرة المسماة، وإن شرط إرضاعه بنفسها تعين، ولا يجوز لها
إرضاعه من غيرها، فإن فعلت فلا أجرة لها، وإن أطلق بأن استأجرها لارضاعه
فهي مسألة الكتاب، و المشهور جواز إرضاعها بنفسها وبغيرها، لأنها حينئذ أمر
مطلق، ومن شأنه جواز تحصيل المنفع. بنفسه وغيره، وقيل: لا يجوز لاختلاف
المراضع في الحكم والخواص، ودلالة العرف على مباشرتها حتى قيل: إنه يجب

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 6.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(3) الوسائل الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
275

تعين المرضعة في العقد لذلك، فلا أقل من تعينها عند الاطلاق، والأقوى الرجوع
إلى العرف، فإن لم يتفق أو اضطرب جاز أن ترضعه بنفسها وغيرها، ولا فرق في
الغير بين أن يكون خادمها و غيره، وحيث جاز استحقت الأجرة، وإلا فلا " وتبعه
على ذلك الفاضل الإصبهاني في شرح القواعد والمحدث البحراني.
لكن الجميع كما ترى إذ لا خصوصية لهذه المسألة في المقام، ولا يليق
التنبيه عليها، وإنما المراد ما ذكر من بيان استحقاق الأم أجرة الرضاع، سواء وقع
معها عقد الإجارة أم لا، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة، وسواء أرضعتها بنفسها أو
بغيرها للصحيح (1) المزبور، بل الظاهر عدم الفرق في الغير بين مملوكتها وغيرها،
وسواء أرضعته عند الغير بأجرة أولا، وهو حكم يليق التنبيه عليه مستفاد من
الكتاب (2) والسنة (3) والفتاوى.
ولا يشكل بأنه لا وجه لرجوعها بالأجرة مع إرضاع الغير لها غير المملوكة
والمستأجرة، إذ ذلك ليس إلا لكون من يتبرع قد تبرع لها، وأدى عنها ما يراد منها
بتلبسه بالقيام، فهو كالمتبرع عمن في ذمته عمل للغير بالعمل بعنوان كونه للأجير
وعنه، فتأمل جيدا، والله العالم.
(وللمولى إجبار أمته على الرضاع) لولده منها أو من غيرها أو غير ولده
بلا خلاف ولا إشكال، لأن جميع منافعها مملوكة له.
(و) الأصل في (نهاية الرضاع حولان) للآية (4) وللمروي (5) في
تفسير " لارضاع بعد فطام " أنه الحولان، وفحوى ما دل (6) على أن ليس للمرأة

(1) الوسائل الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(3) الوسائل الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(5) الوسائل الباب - 5 - من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.
(6) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
276

أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين وإن جاز الزيادة عليها والنقصان، فإن
ذلك لا ينافي الأصل المزبور (و) لذا قال المصنف وغيره: إنه (يجوز الاقتصار
على أحد وعشرين شهرا) بلا خلاف أجده فيه، للأصل وقول الصادق عليه السلام في خبر
سماعة (1) " الرضاع أحد وعشرون شهرا، فما نقص فهو جور ".
وفي خبر عبد الوهاب بن الصباح (2) " الفرض في الرضاع أحد وعشرون شهرا،
فما نقص من أحد وعشرين شهرا فقد نقص المرضع، فإن أراد أن يتم الرضاعة له
فحولين كاملين " قيل وظاهر قوله تعالى (3): " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا " بناء
على المختار من أن التسعة أكثر الحمل وأنه الغالب المنزل عليه إطلاق الآية فيكون
الباقي أحد وعشرون شهرا لكن قد ينافيه استدلالهم سابقا بهذه الآية مع قوله
تعالى (4): " والوالدات يرضعن " أن أقل الحمل ستة أشهر، فإنه يقتضي تنزيلها
على كون المراد منها الوضع لأقل الحمل، ويسهل الأمر في ذلك عدم انحصار
الدليل فيها.
(و) على كل حال فظاهر الخبرين بعد الانجبار سندا ودلالة أنه
(لا يجوز نقصه عن ذلك و) حينئذ ف‍ (- لو نقص) لغير ضرورة (كان جورا)
محرما، بل في كشف اللثام دعوى الاتفاق عليه، ولعله ظاهر غيره أيضا، فما عن
بعض - من الجواز للأصل وظاهر قوله تعالى (5): " فإن أرادا فصالا عن تراض
منهما وتشاور فلا جناح عليهما " والصحيح (6) " ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها
أكثر من حولين كاملين، فإذا أرادا الفصال قبل ذلك عن تراض منهما فحسن " - واضح
الضعف، لوجوب تقييد ذلك بالمدة المذكورة للأدلة المزبورة.
(و) كيف كان فالمشهور بين الأصحاب أنه (يجوز الزيادة على

(1) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 2.
(2) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 2.
(3) سورة الأحقاف: 46 - الآية 15.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(6) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
277

الحولين) للأصل وظاهر الصحيح السابق، وأظهر منه صحيح سعد بن سعد
الأشعري (1) عن الرضا عليه السلام " سألته عن الصبي هل يرتضع أكثر من سنتين؟ فقال: عامين،
قلت: فإن زاد على سنتين هل على أبويه من ذلك شئ؟ قال: لا " بل ظاهره كالأول
عدم تحديد ذلك بالشهر والشهرين، كما هو مقتضي الأصل، بل عن جماعة الميل
إليه، إلا أن المشهور خلافه، بل في الرياض " مستنده غير واضح، إلا ما يقال من
أن به رواية وفي الاعتماد على مثلها في تقييد ما مر من الأدلة مناقشة، وإن كان
ربما يتوهم كونها مرسلة مجبورة بالشهرة، فترجح على تلك الأدلة، وذلك لأن
الرجحان بعد وضوح الدلالة وليس، إذا يحتمل التوهم، لكن مراعاة الاحتياط مطلوبة
بالبداهة ".
قلت: قد يقال: إن مستنده حرمة الارضاع بعد الحولين، باعتبار حرمة
شرب لبنها فيما خرج عن مدة الرضاع، لكونه من فضلات ما لا يؤكل لحمه الممنوع
أكلها، بل الظاهر أن ذلك لكونه من الخبائث كالبصاق وباقي رطوباتها، وكلما
حرم على المكلف لخبثه يحرم إطعامه لغير المكلف كالدم ونحوه، وحينئذ فالمحتاج
إلى المستند جوازه بعد الحولين اللذين هما منتهى الرضاع كتابا (2) وسنة (3)
واجماعا.
نعم قد يستثنى الزيادة (شهرا أو شهرين) باعتبار صعوبة فصال الطفل
دفعة واحدة على وجه يخشى عليه التلف، لشدة تعلقه به، وللمرسل المنجبر بالشهرة،
واحتمال التوهم يسد باب النقل بالمعنى، إذ ليس ما يحكونه من الروايات إلا
كما يرونه، بل قد يدعى ظهور قوله عليه السلام " عامين " في صحيح سعد (4) جوابا للسؤال
المزبور في عدم جواز الزيادة، بل والآية (5) ولا ينافي ذلك ما في الدليل بعد احتمال

(1) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(3) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 0 - 4.
(4) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 0 - 4.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
278

إرادة أن ارتضاع الصبي في نفسه عند من يرضعه أزيد لا يؤثر على الأبوين حرمة،
لعدم كونه من فعلهما، فتأمل، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (- لا يجب على الوالد) وغيره ممن وجب عليه إرضاع
الصبي (دفع أجرة ما زاد على حولين) لأنهما منتهى الرضاعة الواجبة عليه وإن لم
يرض، لكونه حقا للولد عليه ونفقة له، فأجرتهما جعل شرعي تستحقه الأم بارضاعها
للصبي بنفسها وبغيرها على الوجه الذي ذكرناه سابقا من غير حاجة إلى معاملة مع
الأب وتراض، بل الظاهر ذلك حتى مع عدم رضاه بأصل إرضاعها، أما ما زاد على
الحولين فلا تستحق عليه ذلك إلا بمعاملة معه، وهو المراد من قوله عليه السلام في الصحيح (1)
السابق: " ليس للمرأة " إلى آخره.
وبذلك يظهر أنه لا وجوه للاشكال من جماعة في الحكم المزبور بأنه لا معنى
لعدم استحقاقها الأجرة للزائد الذي هو بمنزلة النفقة الضرورية التي تجب على
الولد، ولا لدفعه في الرياض بأنه اجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص المعتبرة المعتضدة
بالأصل والشهرة، بل والاتفاق كما يظهر من عبائر الأجلة، لكن ربما يجاب عن
النصوص وعبارات الأصحاب بالورود مورد الغالب، وربما لا يخلو من مناقشة، إلا
أن الأحوط مراعاة الأجرة إذ الجميع كما ترى، وخصوصا ما سمعته من الرياض
مما هو ظاهر في عدم العض على المسألة بضرس قاطع، وكان السبب في ذلك أنه تبع
غيره في الاشكال المزبور الذي لا محل له بناء على كون المراد مما في النص والفتوى
ما ذكرنا من أن أجرة المثل المضروبة للأم على الأب شرعا إنما هي في الحولين
لا الأزيد، فإن استحقاقها أجرتها محتاج إلى معاملة مع الزوج أو غيرها مما يقتضي
استحقاقها إياه غير الارضاع، كما هو واضح عند التأمل.
نعم قد يشكل استحقاقها أجرة ما زاد على الواحد والعشرين شهرا مع عدم
رضا الأب، بل ومع سكوته، باعتبار ما سمعت من أن الفرض عليه أحد وعشرون

(1) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
279

شهرا، فالزائد على ذلك حينئذ كالزائد على الحولين، ويدفعه أن ظاهر قوله تعالى (1):
" والوالدات " والسنة (2) والفتوى أن الأصل في منتهى الرضاعة شرعا الحولان،
وأما النقصان إلى الواحد والعشرين فهو مشروط بالتراضي منهما والتشاور، وإلا
فمع فرض إرادة الأب ذلك فصلا عن سكوته وعدم رضا الأم فالظاهر ثبوت الأجرة
لها، ضرورة ظهور الآية (3) في اعتبار رضاهما وتشاورهما في رفع الجناح عن النقصان
عن الحولين، وهذا وإن خلت عنه كلمات الأصحاب تصريحا إلا أنه ظاهرها، بل
هو ظاهر الكتاب بل هو صريح المقداد في الكنز فلا بأس بالفتوى به، بل هو جيد
جدا، فتأمل والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (- الأم أحق بارضاعه) بلا خلاف أجده فيه بل الاجماع
بقسميه عليه، بل لعله المراد من قوله تعالى (4) " والوالدات يرضعن أولادهن "
خصوصا " مع قوله تعالى بعد ذلك: " لا تضار والدة بولدها " مضافا إلى الخبر (5)
عن أبي عبد الله عليه السلام " الحبلي المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها، وهي أحق
بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أخرى، إن الله عز وجل يقول (6): " لا تضار
والدة بولدها ولا مولود له بولده ".
وخبر الكناني (7) عنه عليه السلام أيضا " إذا طلق الرجل وهي حبلي أنفق عليها
حتى تضع حملها، فإذا وضعته أعطاها أجرها ولا يضارها إلا أن يجد من هو أرخص
أجرا منها، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق به حتى تفطمه ".
وخبر البقباق (8) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " الرجل أحق بولده أم المرأة؟

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(2) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 0.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(5) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 2 - 3.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(7) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 2 - 3.
(8) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 - 2 - 3.
280

فقال: لا بل الرجل قال: فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلقها: أنا أرضع ابني
بمثل ما تجد من ترضعه فهي أحق به ".
وخبر داود بن الحصين (1) عنه عليه السلام أيضا في قول الله عز وجل " والوالدات
يرضعن " إلى آخره قال: " ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية، فإذا
فطم فالأب أحق به من الأم، فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة، فإن
وجد الأب من يرضعه بأربعة دارهم وقالت الأم لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإن
له أن ينزعه منها، إلا أن ذلك خير له وأرفق به أن يترك مع أمه " إلى غير ذلك من
النصوص الدالة على أحقية الأم (إذا) لم تكن مضارة بزيادة الطلب وإنما (طلبت
ما يطلب غيرها، و) أما (لو طلبت زيادة كان للأب نزعه وتسليمه إلى غيرها)
للنهي (2) عن المضارة وللنصوص (3) السابقة المعتضدة بعدم الخلاف نقلا وتحصيلا
أو الاجماع كذلك.
(و) حينئذ ف‍ (- لو تبرعت أجنبية بارضاعه فرضيت الأم بالتبرع فهي
أحق به) لما عرفت (وإن لم ترض) بذلك (فللأب تسليمه إلى المتبرعة)
بل لعل ظاهر المصنف سقوط الحضانة أيضا كما ستسمع جزمه به فيما يأتي، إنما
الكلام فيما لو عصت به ولم تسلمه إلى الأب مع وجود المرضعة بالأقل فهل يسقط
حقها أصلا، لأنها تكون حينئذ كالأجنبية المتبرعة، أو يسقط بالنسبة إلى ما طلبته
من الزيادة؟ وجهان، ظاهر الأصحاب والنصوص الأول، لعدم الإذن حينئذ في
رضاعها إياه شرعا، ويحتمل قويا الثاني إن لم يكن إجماعا على عدمه، بل يمكن
تنزيل النص والفتوى عليه، فتأمل جيدا.
ثم إن الظاهر سقوط حقها مطلقا مع وجود المتبرعة مجانا، وعن بعض العامة
بل ربما حكي عن بعض منا أيضا أن مع رضاها بأجرة المثل تكون لها، وجدت

(1) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 0 -.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(3) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 0 -.
281

المتبرعة أو لم توجد، رضي الأب أو لم يرض، لاطلاق قوله تعالى (1): " فإن أرضعن
لكم " وغيره لكنه - بعد ما سمعت من النصوص - كالاجتهاد في مقابلة النص، بل
وقوله تعالى (2): " ولا تضار..... مولود له بولده " بل وفحوى قوله تعالى (3):
" وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ".
(فرع:)
(لو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم ف‍) - المحكي عن المبسوط أن
(القول قول الأب لأنه يدفع عن نفسه وجوب الأجرة) فهو حينئذ منكر وهي
مدعية وجوبها عليه ولكن (على تردد) كما عن التحرير، لأصالة أحقية الأم
كما سمعت النصوص (4) الدالة عليه، فوجود المتبرعة كالمانع الذي يحتاج مدعيه
إلى البينة عليه، خصوصا مع إمكان إقامتها عليه، وقوله عليه السلام (5) في النصوص
" إلا أن يجد " يراد منه إلا أن يوجد أو يعلم أنه يجد، لا أن المراد إيكال ذلك
إلى دعواه، بل ينبغي الجزم به لو كانت الدعوى بعد حصول الرضاع، فإن عليه إقامة
البينة على وجود المتبرعة حال رضاعها مع طلب انتزاعه منها وامتناعها، ضرورة
أصالة احترام عمل المسلم وماله، والمراد من نحو المتن التداعي من أول الأمر،
مع أن الأقوى فيه أيضا ما سمعت، نعم لو أقام بينة بعد ذلك أن المتبرعة كانت
موجودة في ذلك الوقت الذي قلنا بتقديم قولها فيه سقطت أجرتها، مع أنه قد
يمنع مع فرض حصول اليمين وانقطاع الدعوى، لذهاب اليمين بما فيها، بل قد يحتمل
ذلك مع عدم الحلف مع فرض عجزه عن البينة أو تساهله في إقامتها على دعواه، فإن
عمل الامرأة ولبنها حينئذ محترم، فيبقى على أصل الاحترام بعد فرض كون ذلك

(1) سورة البقرة: - الآية 233.
(2) سورة البقرة: - الآية 233.
(3) سورة البقرة: - الآية 233.
(4) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 0 - 2.
(5) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 0 - 2.
282

منها بالطريق الشرعي، فتأمل جيدا، والله العالم.
(ويستحب أن يرضع الصبي) بل المولود (بلبن أمه فهو) أبرك
و (أفضل) من غيره لأنه أقرب إلى مزاجه، ولقول الصادق عليه السلام في خبر طلحة بن
يزيد (1) قال: " قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه
من لبن أمه ".
كما أنه يستحب إرضاع المرضعة الولد من الثديين معا لخبر العباس بن
الوليد عن أمه أم إسحاق بنت سليمان (2) قالت: " نظر الصادق عليه السلام إلي وأنا
أرضع أحد ابني محمد أو إسحاق فقال: يا أم إسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد،
وارضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاما والآخر شرابا ".
وفي خبر جابر (3) " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وقع الولد في بطن أمه - إلى
أن قال -: وجعل الله رزقه في ثدي أمه أحدهما شرابه والآخر طعامه " الخبر.
هذا ولكن ينبغي أن يعلم أن ظاهر استحباب الارتضاع بلبن الأم إنما هو
من حيث الأمية المقابل بالأجنبية، وإلا فقد تقتضي العوارض أولوية الارتضاع
من غير الأم من حيث شرافة الأجنبية وطيب لبنها وخباثة الأم لكونها ذمية أو
مجوسية أو غير عفيفة أو غير نقية أو نحو ذلك، فالمراد حينئذ أنه مع تساوي المرضعات
من كل الجهات الأمية جهة مرجحة، والله العالم.
(وأما الحصانة) بالفتح والكسر فهي كما في القواعد والمسالك ولاية
وسلطنة على تربية الطفل وما يتعلق بها من مصلحة حفظه في وجعله في سريره وكحله
وتنظيفه وغسل خرقه وثيابه ونحو ذلك، وفيه أنه إن كان المراد أنها ولاية كغيرها
من الولايات التي لا تسقط بالاسقاط وأنه تجب على الأم مراعاة ذلك على وجه
لا تستحق عليه الأجرة - كما صرح به في المسالك - منهما ليس في شئ من الأدلة

(1) الوسائل الباب - 68 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 عن طلحة بن
ريد وهو الصحيح.
(2) الوسائل الباب - 69 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 69 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
283

ما يقتضي ذلك، بل فيها ما يقتضي خلافه، كالتعليق على مشيئتها والتعبير بالأحقية،
بل ظاهرها كون هذه الأحقية مثلها في الرضاع، وحينئذ لا يكون ذلك واجبا عليها،
ولها اسقاطه والمطالبة بأجرته، اللهم إلا أن يكون إجماعا ولم نتحققه، بل لم
نعثر على تحرير لأصل المسألة في كلماتهم، نعم في الرياض " لا شبهة في كون الحضانة
حقا لمن ذكر، ولكن هل تجب عليه مع ذلك أم له اسقاط حقه منها؟ الأصل
يقتضي ذلك، وهو الذي صرح به الشهيد في قواعده فقال: لو امتنعت الأم من
الحضانة صار الأب أولى، ولو امتنعا معا فالظاهر اجبار الأب، ونقل عن بعض
الأصحاب وجوبها، وهو حسن حيث يستلزم تركها تضييع الولد، إلا أن حضانته
تجب كفاية كغيره من المضطرين، وفي اختصاص الوجوب بذي الحق نظر، وليس في
الأخبار ما يدل على غير ثبوت أصل الاستحقاق، وهو لا يستلزم الوجوب " وهو كما
ترى لا تحرير فيه، بل ما ذكره من عدم اجبار الأب واضح الضعف، والله العالم.
وعلى كل حال فأصله الحفظ والصيانة كما عن المقابيس، ولعله يرجع إليه
ما قيل من أنها من الحضن، وهو ما دون الإبط إلى الكشح، كما عن العين وغيره، يقال:
حضن الطائر بيضه يحضنه إذا ضمه إلى نفسه، ولا إشكال في أمرها كما في كشف
اللثام إذا لم يفترق الزوجان بطلاق أو غيره، فإذا افترقا فإن كان الولد بالغا رشيدا
تخير في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما والتفرد ذكرا أو أنثى، لأصالة
عدم ولاية أحد على أحد المقتصر في خلافها على محل اليقين، ولأنها إنما ثبتت مع
ضعف المولى عليه ونقصه، فإذا كمل فلا جهة للولاية عليه، فلا عبرة باطلاق بعض أخبار
ما يوهم عموم ولاية الحصانة، وهو جيد، لكن قوله: " لا إشكال " إلى آخره فيه
أنه لا فرق في حكم الحضانة بين الافتراق وعدمه، اللهم إلا أن يريد من عدم
الاشكال غلبة عدم التشاح والنزاع مع عدم الافتراق، لا عدمه بالنسبة إلى
الحكم، والأمر سهل.
وإن كان صغيرا (فالأم أحق بالولد مدة الرضاع، وهي حولان ذكرا كان
284

أو أنثى) إذا رضعته هي بنفسها أو بغيرها بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في الرياض
" اجماعا ونصا وفتوى " لقوله تعالى (1): " لا تضار والدة بولدها " وللنصوص (2)
السابقة الدالة على أحقية الأم، ولمرسل المنقري (3) " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن
الرجل يطلق امرأته وبينهما ولد أيهما أحق؟ قال: المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج "
ورواه الصدوق عنه عن حفص بن غياث (4) عن أبي عبد الله عليه السلام، وخبر أيوب بن
نوح (5) قال: " كتب إليه بعض أصحابه أنه كانت لي امرأة ولي منها ولد فخليت
سبيلها، فكتب: المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة "
وخبر داود الرقي (6) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة حرة نكحت عبدا فأولدها
أولادا ثم طلقها، فلم تقم مع ولدها وتزوجت، فلما بلغ العبد أنها تزوجت أراد
أن يأخذ ولده منها، وقال: أنا أحق بهم منك إذا تزوجت، قال: ليس للعبد أن
يأخذ منها ولدها وإن تزوجت حتى يعتق، هي أحق بولدها منه ما دام مملوكا،
فإذا أعتق فهو أحق بهم منها ".
وخبر الفضيل بن يسار (7) عن أبي عبد الله عليه السلام " أيما امرأة حرة تزوجت عبدا
فولدت منه أولادا فهي أحق بولدها منه، وهم أحرار، فإذا أعتق الرجل فهو أحق
بولده منها لموضع الأب ".
وموثق جميل وابن بكير جميعا (8) " في الولد من الحر والمملوكة، قال:
يذهب إلى الحر منهما " وخبر عبيد الله بن علي المروي عن الأمالي (9) عن الرضا عن
آبائه عن علي عليهم السلام " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بابنة حمزة لخالتها، وقال: الخالة
والدة ".

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(2) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 0 - 4 - 6.
(3) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 0 - 4 - 6.
(4) أشار إليه في الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 وذكره
في الفقيه ج 3 ص 275 الرقم 1303.
(5) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 0 - 4 - 6.
(6) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1 - 3 - 4.
(7) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1 - 3 - 4.
(8) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1 - 3 - 4.
(9) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 - 1 - 3 - 4.
285

وخبر أيوب بن نوح (1) قال: " كتب إليه مع بشار بن بشير: جعلت فداك
رجل تزوج امرأة فولدت منه ثم فارقها متى يجب له أن يأخذه ولده؟ فكتب: إذا
صار له سبع سنين فإن أخده فله وإن تركه فله " لكن عن ابن الفهد أن الحضانة
مشتركة بين الأب والأم، بل ادعى الاجماع، وربما كانت الآية (2) دالة عليه،
بل خبر داود بن الحصين (3) السابق ظاهر فيه، وفيه أن الاجماع موهون بمصير
الأكثر إلى خلافه بل الكل، ومعارضة صدر الخبر بذيله مع عدم وضوح المراد بالتسوية
فيه، إذ يمكن إرادة ذلك من جهة أن على الأم الرضاعة وعلى الأب الأجرة فتربيته
بينهما بالسوية من هذه الحيثية، وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه.
نعم لا خلاف في اشتراط ذلك بما (إذا كانت حرة مسلمة) عاقلة (و) غير
مزوجة بلا خلاف في الأربعة ف‍ (- الحضانة للأمة) المقيدة بالرق المانع من ثبوت
ولاية له باعتبار كونه كلا على مولاه لا يقدر على شئ، وكون المولي عليه لا يكون
وليا بناء على أن الحضانة من الولايات، وإلا كانت النصوص التي سمعتها هي الحجة،
مؤيدة بأن منافع الأمة مملوكة للسيد المقدم حقه على غيره، من غير فرق في
المملوك بين المدبر وأم الولد والمكاتب المشروط والمطلق إذا لم يتحرر منه شئ
أما المبعضة فيحتمل أن لها الحضانة بمقدار جزئها الحر في مدة المهاياة، نحو ما
في المسالك من أنه " لو كان نصف الولد رقا ونصفه حرا فنصف حضانته للسيد
ونصفه للأم أو من يلي حضانة الحر من الأقارب، فإن اتفقا على المهاياة، أو على
استئجار من يحصنه، أو رضي أحدهما بالآخر فذاك وإن تمانعا لم يضيع واستأجر
الحاكم من يحصنه، وأوجب المؤونة على السيد ومن يقتضي الحال الايجاب عليه،
وليس هذا كتزاحم المتعددين في درجة على الحضانة كما سيأتي، لأنه لا استحقاق

(1) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 وفيه " كتبت إليه مع
بشر بن بشار.... " كما هو كذلك في السرائر ص 479.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(3) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
286

هنا لكل واحد في مجموع الحضانة بخلاف ما يأتي، فلا يتوجه القرعة " قلت: لكن
يتوجه المهاياة بينهما في ذلك.
(و) كذا (لا) حضانة (للكافرة مع) الأب (المسلم) لكون الولد
حينئذ مسلما، باسلام أبيه ولم يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا (1) بناء
على أنها ولاية، بل وإن قلنا: إنها أحقية، فإن " الاسلام يعلو ولا يعلى عليه " (2)
والمسلم أحق من الكافر الذي يخشى على عقيدة الولد ببقائه عنده ونموه على
أخلاقه وملكاته، نعم لو كان الولد كافرا تبعا لأبويه فحضانته لها إلى أن يفطم إن
ترافعوا إلينا، بل في المسالك أنه لو وصف الولد الاسلام نزع من أهله، ولم يمكنوا
من كفالته، لئلا يفتنوه عن الاسلام الذي قد مال إليه وإن لم يصح إسلامه، وإن
كان قد يناقش بأنه مخالف لمقتضى الأدلة التي لا يصلح الخروج عنها باعتبارات لا دليل
عليها من الشرع.
ولا حضانة أيضا للمجنونة التي لا يتأتى منها الحفظ والتعهد، بل هي في نفسها
محتاجة إلى من يحضنها، بل في المسالك " لا فرق بين أن يكون الجنون مطبقا أو
منقطعا إلا إذا وقع نادرا أولا يطول مدته، فلا يبطل الحق، بل هو كمرض يطرء
ويزول " وفيه أن الأدواري وإن لم يكن نادرا لا يمنع جريان حكم المعاملة حال
عدمه، كما في نظائر المقام، لاطلاق الأدلة، بل قد يقال إن لم يكن إجماعا: إن
الجنون وإن كان مطبقا لا يبطل حقها من الحضانة وإن انتقل الأمر حينئذ في
تدبير ذلك إلى وليها كباقي الأمور الراجعة إليها، ولعله لذا ترك المصنف
اشتراطه، وكأن من اشتراطه نظر إلى كون الحضانة ولاية، والمجنون معزول
عنها، وقد عرفت ما فيه.
ومنه يعلم ما في المسالك وغيرها من أن " في إلحاق المرض المزمن الذي

(1) سورة النساء: 4 - الآية 141.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب موانع الإرث الحديث 11 من كتاب المواريث.
287

لا يرجى زواله كالسل والفالج بحيث يشغله الألم عن كفالته وتدبر أمره وجهين،
من اشتراكهما في المعنى المانع من مباشرة الحفظ، وأصالة عدم سقوط الولاية مع
إمكان تحصيلها بالاستنابة، وبه يفرق بينه وبين الجنون " ضرورة أن السقوط مناف
لاطلاق الأدلة على كل تقدير.
وكذا ما في المحكي عن قواعد الشهيد عن بعضهم من اشتراط أن لا يكون بها
مرض معد من جذام أو برص مما يترتب على حضانتها من خوف الضرر على الولد،
وقد قال صلى الله عليه وآله (1): " فر من المجذوم فرارك من الأسد " ضرورة
منافاة ذلك أيضا لاطلاق الأدلة، خصوصا بعد قوله صلى الله عليه وآله (2): " لا عدوى ولا طيرة "
على أنه يمكن التحرز عن ذلك بمباشرة غيرها بأمرها.
وكذا ما يحكى عنها أيضا من سقوط حضانتها أيضا بسفر الأب، لجواز
استصحابه الولد حينئذ فتسقط حضانتها، وكذا ما يحكى عن مبسوط الشيخ من
اعتبار كونها مقيمة فلو انتقلت إلى محل يقصر فيه الصلاة بطل حقها من الحضانة،
ثم حكى عن قوم أنه إن كان المنتقل هو الأب فالأم أحق به، وإن كانت الأم

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب أحكام العشرة الحديث 2 من كتاب الحج عن
الصدوق (قده) بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام
في حديث المناهي قال: " وكره أن يكلم الرجل مجذوما... " إلا أن هذه القطعة لم يذكر
في حديث المناهي المروي في الفقيه ج 4 ص 2 بالسند المتقدم بعينه، فما ذكره المعلق
على الوسائل الطبع الحديث من أن في الاسناد وهم في غير محله، فإن سند حديث المناهي
هو ذلك، وهذه القطعة مذكورة في روايتين: الأولى في وصايا النبي صلى الله عليه وآله
لعلي عليه السلام المروية في الفقيه ج 4 ص 258 إلا أن السند غير السند المتقدم، والثانية
في ضمن المكروهات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله المروية في الفقيه أيضا ج 3 ص
363 بسند آخر.
(2) الوسائل الباب - 28 - من أبواب أحكام الدواب الحديث 1 من الحج.
288

منتقلة فإن انتقلت من قرية إلى بلد فهي أحق به، وإن انتقلت من بلد إلى قرية فالأب
أحق، به لأن في السواد يقل تعليمه، بل عنه أنه قواه.
والجميع كما ترى تهجس لا يجوز الخروج به عن إطلاق الأدلة، ومن
الغريب ذكرهم جملة من الأمور هنا بعنوان الشرطية لاستحقاق الحضانة ولم يذكروا
شيئا منها في أحقية الرضاع مع اتحاد الوجه فيها فتأمل.
وكذا الكلام في اعتبار العدالة التي من النادر حصولها في النساء باعتبار أن
الفاسق لا ولاية له، ولا يؤمن أن يخون في حفظه فلا حظ له في حضانتها إذ قد عرفت
أنها ليست ولاية، مع أن منشأها الشفقة التي هي من لوازم طبيعة كل حيوان،
ومن هنا قال في القواعد: " الأقرب عدم اشتراط العدالة " خلافا للمحكي عن
مبسوط الشيخ وقواعد الشهيد وتحرير الفاضل، فاشترطوا عدم الفسق.
وفي المسالك " أنه يمكن الجمع بين عدم اشتراط العدالة مع اشتراط عدم الفسق،
لثبوت الواسطة عند الأكثر، ويجعل المانع ظهور الفسق لما يترتب عليه من الأخطار
السابقة، بخلاف غيره من المستورين وإن لم تظهر عدالته بالمعنى الذي اعتبره المتأخرون "
وفيه أن مقتضى إطلاق الأدلة أيضا خلاف ذلك، خصوصا مع غلبة الفسق في النساء،
نعم لو ظهر عدم ائتمان المرأة على الولد أمكن حينئذ دعوى سقوط حضانتها وعدم
شمول الاطلاقات لها، بل في كشف اللثام أنه لا شبهة في ذلك.
أما اشتراط عدم التزويج فلا أجد فيه خلافا، بل في الروضة الاجماع عليه،
وهو الحجة بعد مرسل المنقري (1) المنجبر بما عرفت، بل وفحوى خبر داود
الرقي (2) معتضدا ذلك كله بالنبوي (3) العامي إنه صلى الله عليه وآله قال: " الأم أحق بحضانة
ابنها ما لم تتزوج " وفي آخر (4) " إن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان

(1) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
(3) المستدرك الباب - 58 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
(4) سنن البيهقي ج 8 ص 4.
289

بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه
مني، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله: أنت أحق به ما لم تنكحي " وبأنها بالتزويج تشتغل
بحقوق الزوج عن الحضانة، وإذنه لا تجدي كإذن السيد لاحتمال رجوعه فيتشوش
أمر الولد، والعمدة النص والاجماع، إذ حقوق الزوجية لا تنافي حق الحضانة وإلا
لنافتها وهي في حباله، على أن ظاهر النص والفتوى سقوط حق حضانتها بمجرد عقد
النكاح وإن لم يحصل دخول يقتضي التشاغل في حق الزوج، بل ظاهرهما ذلك
أيضا ولو التزم الزوج الجديد بملزم شرعي لعدم الرجوع بالإذن لها وبما لا ينافي
الحضانة أو فرض التزويج بحال لا ينافي الحضانة.
إنما الكلام في عود الحضانة لها بالطلاق وعدمه، فعن الشيخ الأول، لوجود
المقتضي وفرض ارتفاع المانع، وعن ابن إدريس الثاني، لاستصحاب السقوط بعد
عدم الدليل على العود، قيل وعلى الأول أنه يعود بمجرد وقوعه إذا كان بائنا، وإن
كان رجعيا فبعد العدة، ويحتمل عوده بمجرده أيضا، لعدم الاشتغال بحقوق الزوجية
معه وإن كان رجعيا.
بقي شئ: وهو أن ما قلناه من الحضانة للأم مدة الرضاعة أي الحولين مشروط
بارتضاعه منها، فلو فطم قبل الحولين ترتفع حضانتها، كما هو مقتضى قوله عليه السلام (1):
" فإذا فطم فالأب أحق منها " أو أن لها الحضانة في مدة تمام الحولين وإن فطم
قبلهما، وإنما ترتفع حضانتها بتمامهما وإن بقي يرتضع بعدهما؟ وجهان، لا يخلو
ثانيهما من قوة، للأصل وإمكان تنزيل قوله عليه السلام (2): " حتى يفطم " على الغالب
من الحولين، فتأمل جيدا، هذا كله في مدة الرضاعة أي الحولين.
(ف‍) - أما (إذا فصل) الولد وانقضت مدة الرضاعة (فالوالد أحق بالذكر
والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين) من حين الولادة على الأشهر بل
المشهور، بل عن الغنية الاجماع عليه فيهما، والسرائر في الأول لخبري الكناني (3)

(1) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
290

وداود بن الحصين (1) المتقدمين وإن شملا الأنثى إلا أن المراد منهما الذكر،
جمعا بينهما وبين ما دل على السبع من خبري أيوب بن نوح (2) السابقين المنزلين
على الأنثى، والشاهد الاجماع المحكي فيهما المؤيد بالاعتبار، إذ الوالد أنسب
بتربية الذكر وتأديبه، كما أن الوالدة أنسب بتربية الأنثى وتأديبها.
(وقيل) والقائل المفيد وسلار والقاضي فيما حكي عنهم الأم أحق بها
حتى تبلغ (تسعا) إلا أنا لم نقف على مستنده اللهم إلا أن يقال: إنها لما
كانت مستورة ولا بد للأب من التبرج كثيرا لم يكن بد من ولي يربيها إلى البلوغ،
وحده تسع سنين، أو تستصحب الحضانة إليها بعد تنزيل خبري السبع على الذكر،
كما عن الخلاف والمبسوط وأبي علي والقاضي أيضا، فيقتصر بهما على الخروج منه
عليه خاصة، فإنه وإن كان مطلقا إلا أن الأليق ولاية الأب عليه إذا بلغ سبعا
والأنثى بخلافه، إذ بلوغ السبع وقت التأديب والتربية لهما، وتأديبه أليق بالأب
وتربيتها بالأم، وربما يؤيد النصوص (3) الواردة في إهمال الصبي سبعا، وضمه
ولزومه للأب وتعليمه الكتاب سبعا، وتعليمه الحلال والحرام سبعا، بل منها مال
في الحدائق إلى التوقيت بالسبع في الذكر والأنثى، إلا أنه قد فاته ملاحظة نصوص (4)
التعليق على الفطام.
(وقيل) والقائل الصدوق في المحكي عن مقنعه وأبو علي فيما حكي عنه
أيضا إن (الأم أحق بها ما لم تتزوج) الأم لمرسل المنقري (5) وخبر حفص بن
غياث (6) السابق، ولكن يمكن حمل الخبر وكلاميهما على ما قبل البلوغ على

(1) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأود الحديث 6 - 7.
(3) الوسائل الباب - 82 و 83 - من أبواب أحكام الأولاد.
(4) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 0 - 4.
(5) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 0 - 4.
(6) راجع التعليقة (4) من ص 285.
291

ما يقتضيه الأصول، كما عن صريح الخلاف، فيوافق القول بالانتهاء إلى تسع سنين
(و) على كل حال ف‍ (- الأول أظهر) لما عرفت. (ثم يكون الأب أحق
بها) حينئذ.
(و) كذا قد عرفت أنه (لو تزوجت الأم سقطت حضانتها عن الذكر
والأنثى وكان الأب أحق بهما) للنص (1) والاجماع السابقين، لكن من المعلوم
إرادة تزويجها بغير الأب وإلا لسقطت حضانتها وهي في حباله قبل أن تفارقه، وهو
معلوم العدم، فمن الغريب ما في المسالك من احتمال ذلك.
نعم ينبغي أن لا يمنع الولد من زيارتها والاجتماع معها كما لا تمنع هي من
زيارته والاجتماع معه، لما في ذلك من قطع الرحم والمضارة بها، فإن كان ذكرا
ترك يذهب إلى أمه، وإن كانت أنثى أتتها هي زائرة مع فرض الضرر عليها بخروجها
وإلا مضت هي إليها، والمراد عدم منع المواصلة بينهما مع فرض عدم التضرر
على الطفل بها، وخصوصا في حال مرضه أو مرضها أو موت كل منهما، كما هو
واضح، هذا كله في الذكر والأنثى.
أما الخنثى المشكل ففي إلحاقه بالذكر أو بالأنثى قولان، منشؤهما استصحاب
حق حضانة الأم الثابت قبل تمام الحولين، للشك في المزيل، إذ هو الذكورة ولم
تتحقق، وكون استحقاقها مشروطا بالأنوثية ولم يعلم.
وفي المسالك وغيرها " الأقوى الأول لوجوب جريان أحكامها عليها من
الستر ونحوه، ودخوله في عموم الأخبار (2) الدالة على استحقاقها الولد مطلقا،
خرج منه الذكر لمناسبة تربيته وتأديبه فيبقى الباقي " وفيه منع وجوب الستر
عليها في غير متيقن الشغل، كالصلاة المحتاجة إلى البراءة اليقينية، وعموم أخبار
السبع (3) ليس بأولى من عموم أخبار التعليق على الفطام (4) الذي لم يعلم خروج غير

(1) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 0 -.
(2) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 - 0 -.
(3) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6 - 7.
(4) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 2.
292

الأنثى منه، فالمتجه حينئذ الرجوع إلى إطلاق ولاية الأب على ولده المقتصر في
تقييده على خصوص الحولين في حضانة الذكر والسبع في حضانة الأنثى، فيبقى الخنثى
في غير القدر المشترك أي الحولين تحت الاطلاق.
(و) كيف كان ف‍ (- لو مات) الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله (كانت
الأم أحق بهما من الوصي) للأب ومن باقي أقاربه حتى أبيه وأمه فضلا عن
غيرهما، كما أنها لو ماتت هي في زمن حضانتها كان الأب أحق بهما من وصيها
ومن أبيها وأمها فضلا عن باقي أقاربها بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل ظاهرهم
الاجماع عليه، للأصل في بعض الصور متمما بعدم القول بالفصل، ولأنها أشفق وأرفق
" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله " (1) ولما في مرسل ابن أبي عمير
عن زرارة (2) عن الباقر عليه السلام المتقدم سابقا " وليس للوصي أن يخرجه من حجرها
حتى يدرك ويدفع إليه ماله ".
وما في خبر داود بن الحصين (3) السابق أيضا " فإذا مات الأب فالأم أحق به
من العصبة " ولظهور قوله تعالى (4): " لا تضار " إلى آخره في كون الحق لهما دون
غيرهما، إلا أنه مع وجودهما كان تفصيل الأمر بينهما شرعا على ما عرفت، أما
مع موت أحدهما يبقى الآخر بلا معارض، فلا يضار بأخذ الولد منه، بل لعل ذلك
ظاهر النصوص (5) السابقة باعتبار إثبات الأحقية للأم في الذكر حتى يفطم فيكون
الأب أحق به، وفي الأنثى سبعا، فيكون الأحق الأب، فأصل الحق ثابت لكل منهما إلا
أنه يكون غيره أحق منه ومن المعلوم أن ذلك يكون مع وجوده، أما مع عدمه

(1) سورة الأنفال: 8 - الآية 75.
(2) أشار إليه في الوسائل في الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2
وذكره في التهذيب ج 8 ص 106 الرقم 356 إلا أنه لم يتقدم هذا المرسل سابقا، وإنما
ذكر لفظه في صحيح ابن سنان المتقدم في التعليقة (3) من ص 275.
(3) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 0 -.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(5) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 - 0 -.
293

فليس الحق حينئذ إلا لذي الحق، ضرورة فرض عم الأحق منه، وكأن ذلك
ونحوه منشأ اتفاق الأصحاب، فما وقع من بعض الناس - من الاشكال في ذلك باعتبار
خلو النصوص عن التعرض لذلك - في غير محله.
ومنه يعلم الوجه فيما يقتضيه إطلاق العبارة وغيرها من كونها حينئذ أحق
حتى لو كانت متزوجة، كما هو صريح المحكي عن إرشاد العلامة وتلخيصه، لكن
في المسالك " أن باقي عبارات الأصحاب في ذلك مجملة، كعبارة المصنف محتملة
لتقييدها بكونها غير مزوجة نظرا إلى أنه شرط في الحضانة مطلقا، وإلى التعليل
المذكور باشتغالها بحقوق الزوج، فإنه آت هنا " ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة
بما ذكرنا، وبعد ما سمعته سابقا مما في التعليل المزبور الذي لا أثر له في شئ من
النصوص، مضافا إلى ما عساه يستفاد من قول المصنف وغيره.
(وكذا لو كان الأب مملوكا أو كافرا كانت الأم الحرة) المسلمة
(أحق بهما وإن تزوجت) بل لعله لا خلاف فيه، إذ ليس ذاك إلا من جهة عدم
حق لهما في الحالين، فيبقى حقها حينئذ بلا معارض نحو ما سمعته في المقام، بل
هو منشؤ النصوص (1) السابقة المصرحة بأولية الأم مع رقية الأب، بل في بعضها (2)
" وإن تزوجت ".
وأما الكافر فإنه وإن لم يكن فيه نص إلا أن من المعلوم عدم ولايته على
المسلم وعدم معارضته له، لأن " الاسلام يعلو ولا يعلى عليه " (3) فهو حينئذ أنقص
من المملوك بالنسبة إلى ذلك، فيكون أولى منه بالحكم المزبور.
ومن هنا يعلم أن ما اعتبر في الحضانة بالأم معتبر أيضا في الأب عدا التزويج
إلا أن المصنف لما اقتصر هناك على الحرية والإسلام ذكرهما خاصة هنا، وأما
العقل وغيره مما سمعته فيما تقدم فالكلام فيها كالكلام هناك، فالضابط حينئذ
أن الأب إنما يكون أولى من الأم مع اجتماع شرائط الحضانة فيه التي منها الاسلام

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 0 - 2.
(2) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 0 - 2.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب موانع الإرث الحديث 11 من المواريث.
294

والحرية قطعا، بل في المسالك والعقل إجماعا وإن كان فيه الاحتمال السابق.
وأما الإقامة والحضر والسلامة من الأمراض المزمنة والمعدية فعلى البحث
السابق، فمتى اختل شرط من شروطها فيه كانت الأم أحق بالولد مطلقا إلى أن
يبلغ، ومتى اختل شرط من شروطها فيها فالأب أحق به مطلقا، ومتى مات أحدهما
انتقل الحق إلى الآخر مطلقا، لما عرفته مفصلا، واشتراط عدم تزويجها إنما يعتبر
في ترجيحها على الأب مع اجتماع الشرائط (ف‍) - يه خاصة.
نعم (لو أعتق) العبد (كان حكمه حكم الحر) بلا خلاف أجده فيه
للنص (1) المتقدم، ومثله ما لو أسلم الكافر أو عقل المجنون أو عدل الفاسق إلى غير
ذلك من الشرائط السابقة بناء على اعتبارها، ضرورة اتحاد الجميع في المدارك، وهو
أن الولاية ثابتة بالأصل وإنما تخلفت لفقد الشرط، فإذا حصل ثبتت. أو أن هذه
الأشياء موانع، فإذا زالت أثرت لاطلاق ما دل (2) على أن الأب مثلا أحق بالحضانة
الشامل لمحل الفرض، خصوصا بعد فحوى ما ورد (3) في العبد من أنه لو أعتق كان
أحق لموضع الأب المراد منه أن الأبوة المقتضية لأحقيته متحققة فيه، إلا أنه
كانت الرقية مانعة من تأثيرها، فلما زالت اقتضت الأبوة مقتضاها، وهو أمر جار
في جميع نظائره، كما هو واضح، ولا ينافي ذلك عدم عودها بالطلاق بناء عليه،
لظهور الدليل في سقوط أحقيتها بأصل وقوع النكاح منها، وهو متحقق منها وإن
طلقت، فتأمل والله العالم.
وكيف كان (فإن فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب) أي الجد للأب، وفاقا
للمحكي عن ابن إدريس والفاضل، لأن أصل الحضانة للأب لأن له الولد انتقلت
عنه إلى الأم مع وجودها بالنص والاجماع، فإذا انتفيا انتقلت إلى أب الأب، لأنه
أب ومشارك للأب في كون الولد له، وله الولاية عليه في المال وغيره، وكذا في

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد.
(3) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
295

الحضانة، ولا يرد أن أم الأم وأم الأب يسميان بالأم فيشملهما ما دل على حضانة
الأم، لأنها لما خالفت الأصل اقتصرنا فيها على المتيقن.
(فإن عدم) أي الأب للأب (قيل كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب
الإرث نظرا إلى) أولوية الأرحام في (الآية (1) وفيه تردد) أو منع إذ المتجه
حينئذ كون الحضانة للوصي للأب ثم للوصي للجد، لكونهما نائبين عنهما وقائمين
مقامهما، ومنها حضانة الطفل وتربيته والسعي في مصالحه ومفاسده، وربما استفيد
من مرسل ابن أبي عمير (2) ثبوت حق في الجملة للوصي وإن كانت الأم أحق منه، لكن
لم أجده قولا لأحد من الأصحاب مع كثرة أقوالهم في المسألة وتشتتها.
(فمنها) ما سمعت من أنها للجد من الأب مع فقد الأبوين، ومع عدمه فإن كان
للولد مال استأجر الحاكم من يحضنه وإلا كانت حكم حضانته حكم الانفاق تجب على
الناس كفاية كما عن ابن إدريس، وربما قيل: إنه ظاهر المصنف أيضا، وإن كان
فيه أن تردده في انتقالها إلى الأرحام أعم من ذلك، لامكان صيرورتها إلى الوصي
الذي سمعته أو إلى الحاكم بعده أو من أول الأمر باعتبار أنه ولي من لا ولي له، فيحضنه
حينئذ من بيت المال.
و (منها) أن حضانته بعد الأبوين للأولى بميراثه، فإن اتحد وإلا أقرع
بينهم، لأنه لاحظ للولد في الشركة به، وهو الذي اعتمده في المسالك لآية " وأولوا
الأرحام " (3).
و (منها) ما في محكي الإرشاد من أنها للأجداد دون من شاركهم في الإرث
من الإخوة، فإذا عدموا فإلى باقي مراتب الإرث، إلا أنه لم يفصل بين الأجداد
للأب وللأم، ولا بين القريب والبعيد.
و (منها) ما عن المفيد من أنها تكون لأم الأب، فإن لم تكن فلأبيه، فإن

(1) سورة الأنفال: 8 - الآية 75.
(2) راجع التعليقة (2) من ص 293.
(3) سورة الأنفال: 8 - الآية 75.
296

لم يكونا فلأم الأم.
و (منها) ما عن أبي علي من أنه من مات من الأبوين كان الباقي أحق به
من قرابة الميت، إلا أن يكون المستحق له بغير رشيد، فيكون من قرب إليه أولى به،
فإن تساوت القرابات قامت القرابات مقام من هي له قرابة في ولايته - إلى أن قال -:
والأم أولى به ما لم تتزوج، ثم قرابتها أحق به من قرابة الأب، لقوله صلى الله عليه وآله (1)
في ابنة حمزة: يدفعها لخالتها دون أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وجعفر إلى
آخره. إلى غير ذلك من أقوالهم المنتشرة التي لم نقف لها على دليل معتبر، إذا ليس
فيما عثرنا عليه هنا مما يصح مدركا ولو في الجملة إلا الآية وخبر بنت حمزة
وإشعار قوله عليه السلام في الخبر (2) السابق: " الأم أحق به من العصبة " كقوله في آخر:
" أحق به من الوصي وولاية الجد للأب " ونحو ذلك مما لا يستفاد منه شئ من هذه
الأقوال، نعم دعوى عدم الحضانة لشئ من الأرحام سوى الأب والأم والجد للأب
كما عن ابن إدريس واضحة الضعف، للآية وخبر بنت حمزة وما يشعر به قوله تعالى (3):
" وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم " من معلومية هذا الحال
في ذلك الزمان مضافا إلى فعل زكريا، والذي يقوى في النظر كونها للجد من قبل
الأب بعد فقد الأبوين ثم للوصي المتأخر موته منهما، ثم للأرحام على مراتبهم في
الإرث، ثم للحاكم، ثم للمسلمين كفاية، والله العالم.

(1) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 والمستدرك - الباب
- 52 - منها الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(3) سورة آل عمران: 3 - الآية 44.
297

(فروع أربعة)
(على هذا القول:)
(الأول)
(قال الشيخ " ره ": إذا اجتمعت أخت لأب) وأم أو لأب (وأخت لأم
كانت الحضانة للأخت من الأب نظرا إلى) أن (كثرة النصيب في الإرث)
تقتضي زيادة القرب، فتكون أولى، أو أن البنت من السببين أولى من السبب الواحد
(و) قد سمعت (الاشكال) من المصنف (في أصل الاستحقاق) للحضانة،
للأصل واختصاص النص بالأب والأم وإرادة الأولوية بالإرث من الآية (1)
(و) على تقديره فالاشكال (في الترجيح) أيضا (ومنشؤهما تساويهما في
الدرجة) التي يستحقان بها الإرث، وزيادة النصيب أعم من كونها للقرب المقتضي
للاختصاص في الحضانة، ومن هنا كان المحكي عنه في موضع من مبسوطه أنه قال:
" وإن قلنا: إنما سواء ويقرع بينهما كان قويا " بل ستسمع كلامه في الفرع
الثالث.
(وكذا قال في أم الأم مع الأب) فخص الحضانة الثانية لذلك أيضا وفيه
الاشكال من الوجهين وإن كان قد عرفت ما في أولهما، نعم هو لا يخلو من وجه في
ثانيهما، مع إمكان القول بأن ذلك مرجح لأحدهما على وجه يرفع القرعة المعتبر
في محلها التساوي في الفردين من كل وجه، وفيه منع كون ذلك مرجحا بعد أن

(1) سورة الأنفال: 8 - الآية 75.
298

لم يكن عليه دليل شرعي، على أنه يعارض في الثاني بأن أم الأم أم أو بمنزلتها،
فينبغي أن تكون مقدمة على من كان بمنزلة الأب خصوصا بعد المحكي عنه في
الفرع:
(الثاني:)
وهو أنه (قال في جدة وأخوات: الجدة أولى لأنها أم) فيشملها النص
حينئذ وإن اتفق قلة نصيبها من الأخت، وفيه منع كونها أما حقيقة، ولذا يصح
السلب عنها، فيقال: ليست أما وإنما هي أم أم أو منع إرادتها منها هنا ولو للانسياق
وإلا لقدمت على الأب، ولعله لذا كان المحكي عنه في المبسوط تساويهما أي
الأخوات والجدة في الاستحقاق لاشتراكهما في أصل الإرث فيتناولهما آية أولي
الأرحام ولعله الأقوى وفاقا لثاني الشهيدين، وحينئذ فيقرع بينهما، وللشافعي
قول على ما قيل ترجيح (2) الأخت، لأنها ركضت مع المولود في رحم أو صلب.
الفرع (الثالث)
(قال:) أي الشيخ أيضا: (إذا اجتمعت عنه وخالة فهما سواء) مع زيادة
نصيب العمة على الخالة، وهذا مما يدل على اضطرابه في المسألة، اللهم إلا أن
يكون منشؤه تعارض الترجيح بزيادة النصيب مع التعليل في خبر (3) بنت حمزة
بأن الخالة أم فيتساويان ويقرع بينهما حينئذ.

(1) سورة الأنفال: 8 - الآية 75.
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة إلا أن الموجود في المخطوطة بخط المصنف
طاب ثراه " بترجيح " وهو الصحيح.
(3) الوسائل الباب - 73 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
299

الفرع (الرابع:)
(قال: إذا حصل جماعة متساوون في الدرجة كالعمة والخالة أقرع بينهم)
لأنه لاحظ للصبي في الاشتراك بحضانته دفعة أو مهاياة وما يشعر به قصة مريم (1)
وحيث يتعين أحد بالقرعة يستمر الاستحقاق إلى أن يموت أو يعرض عن حقه.
فينتقل إلى غيره إن اتحد، وإلا افتقر إلى القرعة أيضا، كما هو واضح.
(ومن لواحق الحضانة ثلاث مسائل:)
(الأولى)
قد سمعت النص (2) والفتوى على أنه (إذا طلبت الأم للرضاعة أجرة زائدة
عن غيرها) سواء كانت أجرة المثل أو أزيد فضلا عن وجود المتبرعة (فله) نزعه
منها و (تسليمه إلى الأجنبية و) لكن (في سقوط حضانة الأم) حينئذ
(تردد) ينشؤ من تبعيتها في العادة له، بل العسر والحرج زمانا ومكانا في تفريقهما
وظهور لفظ النزع في الخبر (3) ومن كونهما حقين متغايرين لا يسقط أحدهما
بالآخر، ومن ذلك يعلم حينئذ حال العكس الذي لم أجد فيه خلافا وإن كان يمكن
جريان التردد فيه.
(و) على كل حال ف‍ (- السقوط) هنا (أشبه) بأصول المذهب
وقواعده، ضرورة معلومية أصالة أحقية الوالد بولده المنسوب إليه إلا أنه خرج
عنها الحضانة التابعة للرضاع لأنها المتيقنة من النص، فيبقى غيرها على الأصل.

(1) سورة آل عمران: 3 - الآية 44.
(2) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 81 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
300

المسألة (الثانية)
لا خلاف في أنه (إذا بلغ الولد رشيدا سقطت ولاية الأبوين عنه) للأصل
(وكان الخيار إليه في الانضمام إلى من شاء) منهما أو من غيرهما، بل يمكن
تحصيل الاجماع عليه.
المسألة (الثالثة)
قد عرفت الحال في أنه (إذا تزوجت سقطت حضانتها فإن طلقها رجعية
فالحكم باق) مع احتمال العدم، (وإن بانت منه) ثم رجعت إليه (قيل) والقائل
ابن إدريس (لم ترجع حضانتها، والوجه) عند المصنف وجماعة (الرجوع)
فلاحظ وتأمل، والله العالم.
(النظر الخامس)
(في النفقات)
فنقول: من المعلوم أنه (لا تجب النفقة) من حيث كونها نفقة لا من
حيث توقف حفظ النفس المحترمة (إلا بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية والقرابة
والملك) باجماع الأمة كما عن جماعة الاعتراف به، و (القول) الآن (في
نفقة الزوجة) المدلول عليها مضافا إلى ما عرفت بالكتاب والسنة المتواترة " ذلك
301

أدنى ألا تعولوا " (1) و " على المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " (2)
و " لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " (3) و " عاشروهن
بالمعروف " (4) " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما
أنفقوا من أموالهم " (5) " فامساك بمعروف أو تسريح باحسان " (6) وقال الصادق
عليه السلام (7) في قوله تعالى: " ومن قدر " إلى آخره: " إن أنفق عليها ما يقيم
ظهرها مع كسوة، وإلا فرق بينهما " والباقر عليه السلام في خبر أبي بصير (8) " من كانت
عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ولم يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على
الإمام أن يفرق بينهما " وسئل أبو عبد الله عليه السلام (9) " عن حق المرأة على زوجها قال:
يشبع بطنها، ويكسو جنبها، وإذا جهلت غفر لها ".
وفي خبر عنبسة (10) عنه عليه السلام أيضا إذا كساها ما يوارى عورتها ويطعمها
ما يقيم صلبها، أقامت معه، وإلا طلقها " إلى غير ذلك من النصوص (11) التي هي
فوق حد التواتر، (و) منها ما روي (12) " أن هند امرأة أبي سفيان جاءت
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: إن أبا سفيان شحيح لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا
ما آخذ منه سرا وهو لا يعلم، فهل علي من ذلك شئ؟ فقال: خذي ما يكفيك
وولدك بالمعروف ".

(1) سورة النساء: 4 - الآية 3.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(3) سورة الطلاق - 65 الآية 7.
(4) سورة النساء: 4 - الآية 19 - 34.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 19 - 34.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(7) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2 - 3.
(8) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2 - 3.
(9) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2 - 3.
(10) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 4 - 0 -.
(11) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 4 - 0 -.
(12) كنز العمال ج 8 ص 303 - الرقم 5171.
302

إنما (الكلام في الشرط وقدر النفقة واللواحق، و) أما (الشرط) المتفق
عليه ف‍ (- اثنان الأول: أن يكون العقد دائما) فلا نفقة لذات العقد المنقطع
إجماعا بقسميه، كما عرفته فيما تقدم.
(والثاني: التمكين الكامل، وهو التخلية بينها وبينه) على وجه به يتحقق
عدم نشوزها الذي لا خلاف في اعتباره في وجوب الانفاق، بل الاجماع بقسميه عليه
فمتى مكنته على الوجه المزبور (بحيث لا تخص موضعا ولا وقتا) مما يحل له
الاستمتاع بهما وجب عليه الانفاق وإلا فلا.
(فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان أو في مكان دون آخر مما يسوغ فيه
الاستمتاع لم يحصل) له (التمكين) ولم تجب عليه النفقة قطعا لتحقق نشوزها
حينئذ بذلك، بل لو مكنته قبلا ومنعت غيره من الدبر أو سائر الاستمتاعات لا لعذر
سقطت نفقتها أجمع في أقوى الوجوه، بل في المسالك " أنه يمكن أن يكون المراد
بالمكان في المتن ما يعم البدن كالقبل وغيره " وإن كان هو كما ترى، نعم قد تقدم
قوة سقوط نفقتها أجمع بذلك واحتمال التبعيض وعدم السقوط.
وعلى كل حال ففي المتن بعد ما عرفت (وفي وجوب النفقة بالعقد أو
بالتمكين تردد، أظهره بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين) وفي القواعد
" الأول في الشرط: إنما تجب النفقة بالعقد الدائم مع التمكين التام. فلا تجب بالمتعة
ولا لغير الممكنة من نفسها كل وقت في أي موضع أراد، فلو مكنت قبلا ومنعت
غيره سقطت نفقتها، وكذا لو مكنته ليلا أو نهارا أو في مكان دون آخر مما يجوز
فيه الاستمتاع، وهل تجب النفقة بالعقد بشرط عدم النشوز أو بالتمكين؟ فيه إشكال "
وظاهرهما أو صريحهما بعد التأمل الجيد في كلامها أنه لا كلام في اعتبار التمكين
الذي هو ضد النشوز، ولا يتحقق عدمه إلا به في وجوب الانفاق، ولذا فرعوا عليه
ما يقتضي النشوز، وإنما الكلام في اعتبار غيره فيه، ولعله إلى ذلك أومأ في المسالك
فإنه بعد أن ذكر كلام المصنف الأول قال: " فإن جعلنا التمكين شرطا فظاهر،
وإن جعلنا النشوز مانعا كان ملحوظا في تحقق معناه، فلذا بدأ به قبل تحقق محل
303

الخلاف - ثم قال أيضا في شرح تردد المصنف: لا ريب في أن النفقة تعلقا بالعقد والتمكين
جميعا، فإنها لا تجب قبل العقد وتسقط بالنشوز بعده، واختلف في أنها بم تجب؟
فقيل بالعقد كالمهر - إلى أن قال -: وقيل: لا تجب بالعقد مجردا بل بالتمكين "
إذ لو لم يرجع حاصله إلى ما ذكرناه كان بلا حاصل.
وكيف كان فغاية ما ذكروه دليلا لذلك أن اشتراط هذا الشرط معروف
بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعا، مع أنا لم نقف على مخالف فيه صريحا ولا
ظاهرا إلا ما ربما يستفاد من تردد المصنف واستشكال الفاضل في القواعد، وهو
بمجرده لا يوجب المخالفة، مع تصريح الأول بأن اعتباره هو الأظهر بين الأصحاب
بكلمة الجمع المفيد للعموم الظاهر في الاجماع، ونحوه شيخنا الشهيد في المسالك، وأظهر
من كلامه ثم كلامه في الروضة، فاختار المصير إلى اعتباره بعد المناقشة في دليله
معتذرا بعدم ظهور مخالف فيه، وجعله وسيلة لاختياره، وهو ينادي باجماعيته،
فإن دأبه عدم جعل الشهرة بل ولا عدم ظهور الخلاف بمجرده دليلا وإن وجد له من
الأخبار الغير الصحيحة شاهدا فحكمه ثم بالمصير لأجله قرينة واضحة على بلوغه
حد الاجماع ودرجته، وهو الحجة فيه بعد الأصل المؤيد بل المعتضد بظاهر
الأمر بالمعاشرة بالمعروف (1) الظاهر في اختصاص الأمر بالانفاق بما تقتضيه
العادة، وليس من مقتضياتها الوجوب إلا بعد التمكين كما هو المشاهد من
أهلها، فإنهم ينكحون ويتزوجون من غير إنفاق إلى الزفاف مع عدم اختلاف من
الزوجات وأهلهن فيه مع الأزواج المستمرين، وربما يؤخذ ذلك من المسلمين
إجماعا، ويجعل مثله وفاقا وربما يلحق بالضرورة قطعا، وقد جعل هذا من فروع
التمكين، ومع ثبوت حكمه يثبت غيره من الفروع جدا، لعدم القائل بالفرق أصلا
فتأمل جيدا.
وربما أيد اعتباره أيضا، بل قيل: إنه لا يبعد جعله دليلا ما روي عن النبي

(1) سورة النساء: 4 - الآية 19.
304

صلى الله عليه وآله (1) " إنه تزوج ثم دخل بعد سنين ولم ينفق ".
كل ذلك مضافا إلى ما قيل أيضا من أن العقد يوجب المهر عوضا، فلا يوجب
عوضا آخر، وأن النفقة مجهولة، والعقد لا يوجب مالا مجهولا.
وما روي عنه صلى الله عليه وآله (2) من قوله: " واتقوا الله في النساء، فإنهن عواري
عندكم اتخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم
رزقهن وكسوتهن بالمعروف " فإنه صلى الله عليه وآله أوجب لهن من الرزق
والكسوة إذا كن عندهم.
لكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم عد ذلك من الاجماع المحكي الذي
قام الدليل على حجيته، كضرورة عدم ظهور الأمر بالمعاشرة بالمعروف في اشتراط
التمكين، وعدم الانفاق إلا بعده بعد تسليمها أجنبية عن الدلالة على الاشتراط، بل
دعوى اتخاذ ذلك إجماعا أو ضرورة من غرائب الكلام، وما كنا نرجو وقوع هذا الكلام
من مثله، كعدم الانفاق الصادر من النبي صلى الله عليه وآله مع عدم علمنا بكيفية عدم صدوره
منه، وليست النفقة من الأعواض الواجبة بالعقد، بل ولا من المال المجهول، وإنما
العقد أفاد كونها زوجة له، والشارع أثبت النفقة للزوجة، نحو شراء الدابة والعبد
المملوك، والخبر المزبور لا دلالة فيه على اشتراط النفقة بكونهن عندكم، بل قد
يقال: إن إطلاقه دليل على العدم.
ومن هنا قد اعترف في كشف اللثام بضعف هذه الأدلة غير الأصل، قال:
" وهو يكفينا، فإن أدلة الوجوب مجملة، فنقتصر على مدلولها على موضع اليقين "
وتبعه على دعوى الاجمال في الرياض، لكن في المسالك بعد أن أفسد جميع ما ذكر
دليلا له قال: " وأما أصالة البراءة فإنما تكون حجة مع عدم دليل ناقل عنه، لكنه
موجود بالعمومات الدالة على وجوب نفقة الأزواج، والأصل عدم التخصيص "
ومراده على الظاهر إطلاق الكتاب والسنة الذي قد سمعته، وهو حجة كالعموم، ودعوى

(1) سنن النسائي - ج 6 ص 131.
(2) سنن البيهقي - ج 7 ص 304.
305

الاجمال واضحة الفساد، ومن هنا جزم المحدث البحراني باختيار القول الثاني الذي
لا يخفى عليك دليله بعد ما ذكرنا.
لكن قد يقال: إن ظاهر النصوص المشتملة على بيان حق الزوج على الامرأة
- وأن منه أن تطيعه ولو كانت على ظهر قتب (1) وأن تلبس أحسن ثيابها،
وتتطيب بأحسن طيبها، وتعرض نفسها عليه كل غدوة وعشية (2) وأن لا تخرج من
بيته بغير إذنه (3) وغير ذلك مما اشتملت عليه النصوص التي هي وإن كانت خالية
عن ذكر اعتبار ذلك في النفقة، إلا أنه قد يستفاد ذلك مما دل (4) على سقوط نفقتها
بخروجها من بيته بغير إذنه ونشوزها الذي هو مخالفة ما تضمنته النصوص الأولى
المشتملة على بيان حقه عليها - كون النشوز مسقطا باعتبار تفويته الشرط الذي
هو وجوب طاعتها وعرضها نفسها عليه، وعدم خروجها من بيته بغير إذنه، لا أنه
مانع لوجوب النفقة الذي كان سبب وجوبها العقد مجردا، كما هو واضح بأدنى
التفات، بل ربما يشم من قوله تعالى (5) " الرجال قوامون على النساء " ما يشبه معاوضة
الاستمتاع بالانفاق على نحو ما ورد (6) من الانفاق على الدابة عوض ما يستوفيه من
منافع ظهرها، كما أنه يشم من نصوص (7) بيان حق كل منهما على الآخر مقابلة
كل منهما لصاحبه.
نعم الانصاف أن المعنى المستفاد من النصوص المزبورة ليس هو اعتبار
مطلق التمكين الذي فرعوا عليه الفروع المتجه بناء عليه سقوط النفقة لمن لم تمكن
من ذلك ولو لعذر شرعي، ضرورة عدم مدخلية العذر شرعا في صدق انتفائه المقتضي

(1) الوسائل الباب - 79 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 79 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 79 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 1.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب النفقات.
(5) سورة النساء: 4 - الآية 34.
(6) الوسائل الباب - 12 - من كتاب الرهن الحديث 2.
(7) الوسائل الباب - 79 و 88 - من أبواب مقدمات النكاح والباب - 1 - من أبواب
النفقات الحديث 7 والباب - 6 - منها الحديث 2.
306

لانتفاء مشروطة وإن كان لا إثم عليها به، لأن الفرض معذوريتها شرعا، فالمتجه
حينئذ اعتبار الطاعة التي يكون عدمها نشوزا في وجوب الانفاق، وهو لا يكاد ينفك
عن عدم النشوز، فلا يتجه الفرق بين القول بكون التمكين شرطا وبين القول بكون
النشوز مانعا بعد فرض إرادة ما ذكرناه من التمكين على الوجه المزبور الذي مرجعه
إلى اتحاد مصداق المراد من مفهوم التمكين وعدم النشوز بالنسبة إلى وجوب الانفاق،
فاتفاق صدق عدم النشوز في بعض الأفراد التي لا يتحقق فيها مصداق التمكين غير
قادح بعد فرض عدم الاكتفاء بمثله في الانفاق كما في الصغيرة، كما أنه لا يقدح
عدم صدق التمكين في بعض الأفراد التي لا نشوز فيها باعتبار العذر شرعا أو عقلا
المانع عن الاستمتاع في وجوب الانفاق الذي فرضنا كفاية صدق عدم التقصير من
الامرأة فيما وجب عليها من حقوق الزوج فيه والفرض تحققه.
وكيف كان فما عن التحرير - من أنه لا بد من قول: " سلمت إليك نفسي
في كل زمان ومكان شئت " في التمكين التام الذي هو شرط النفقة، وفي كشف اللثام
لأنه لا يتحقق بدونه إلا أن يكتفى بالتمكين مرة مع الوثوق، أو بالوثوق وإن
لم يحصل التمكين وإن بعد الفرض - واضح الفساد، وكأنه أومأ إليه في المسالك
حيث قال: " اعلم أن الظاهر من كلام المصنف وغيره بل صرح به بعضهم أن
التمكين لا يكفي حصوله بالفعل، بل لا بد من لفظ يدل عليه من قبل المرأة، بأن
تقول: " سلمت نفسي إليك حيث شئت أو أي زمان شئت " ونحو ذلك، فلو استمرت
ساكتة أو مكنته من نفسها بالفعل لم يكف في وجوب النفقة، ولا يخلو ذلك من
إشكال ".
قلت: بل واضح المنع، ضرورة عدم دليل عليه، وعدم توقف صدق الطاعة
والانقياد عرفا عليه، وعرض نفسها عليه كل غدوة وعشية لا يقتضي ذلك قطعا.
(وبالجملة) من لاحظ مجموع كلماتهم في هذا المقام وفيما يأتي - من
إيجابهم النفقة للمعذورة عقلا أو شرعا في عدم التمكين الذي يقتضي اعتباره شرطا
فيها انتفاؤها بانتفائه ولو لعذر، ضرورة عدم مدخلية الحكم التكليفي في الحكم
307

الوضعي - يعلم أنها لا تخلو من تشويش واضطراب وأن جملة منها لا ترجع إلى
حاصل، ضرورة عدم دليل بالخصوص على استثناء ذلك من اعتبار التمكين، وأنه
لا محيص على القول بالاكتفاء في عدم التقصير فيما يجب عليها من حقوق الزوج في
وجوب الانفاق، وذلك إنما يكون بتمكينها من نفسها وتخلية بينها وبينه مع عدم
المانع شرعا أو عقلا، وربما يأتي لذلك مزيد تحقيق.
وكيف كان فقد ذكروا أنه من ثمرات الخلاف ما لو تنازعا في النشوز وعدمه،
فإن عليه بينة النشوز على القول بكونه مانعا، لأن الأصل معها، وهو وجوب
النفقة وانتفاء المانع، وعلى القول الآخر عليها إقامة البينة على التمكين، لأن
الأصل معه.
وقد يناقش في الأول بأن المانع يكفي فيه الأصل مع فرض كون عدمه على
مقتضاه بلا معارضة شئ آخر، أما في المقام فقد يقال بمعارضة أصالة عدم طاعتها
وعدم وصول حقه إليه، الفرض انحصار الدعوى بينها بالطاعة والنشوز على وجه
يكون غير الناشزة وغير الطائعة معلوم خروجهما عن دعواهما ومقطوع بعدمهما.
كما أنه يناقش في الثاني في الاكتفاء في ثبوته بسبق حصوله مع فرضه،
أو أصالة عدم تقصير المسلم بما يجب عليه من تكليف، على أن أصالة عدم حصول
ذلك منها لا يكفي في سقوط النفقة عند القائلين باعتبار التمكين، لما تسمعه من ثبوتها
عندهم لغير الممكنة لعذر شرعي أو عقلي كالمريضة والمسافرة في واجب مضيق
ونحوه، فعدم تمكنها مع فرض كونه مقتض الأصل لا يقتضي سقوط نفقتها إلا
إذا كان على جهة النشوز، وأيضا إقامة البينة على ذلك في الليل والنهار مما يتعذر
أو يتعسر، فيؤدي تكليفها بها إلى سقوط هذا الحق.
والتحقيق أنه ليس في شئ مما ذكرناه وذكروه من أدلة التمكين ما يقتضي
اعتباره شرطا على وجه تتفرع عليه الفروع التي ذكروها المعلوم توقفها على دليل
يدل على شرطيته بقول مطلق، وأقصى ما يستفاد من نصوص (1) الطاعة وحقية الزوج

(1) الوسائل الباب - 79 و 91 - من أبواب مقدمات النكاح.
308

أنه لا نفقة لها مع انتفاء الطاعة الذي يتحقق بنشوزها وتقصيرها في تأدية حقه.
كما أن الانصاف عدم إجمال فيما دل على وجوب الانفاق على الزوج من
الكتاب (1) والسنة (2) ومعاقد الاجماعات ومن الغريب دعوى ذلك مما سمعته من
كشف اللثام وفاضل الرياض والمحكي عن سيد المدارك، مع أنهم لا مفر لهم عن
التمسك بها في فاقدة التمكن لعذر شرعي أو عقلي، فالمتجه حينئذ في مثل الفرض عدم
الحكم بالنفقة، للشك في حصول الطاعة، لا لأن التمكن شرط ولم يتحقق، فإنك
قد عرفت أنه لا دليل على شرطيته كما هو واضح بأدنى تأمل وانصاف.
وبذلك يظهر لك الفرق بين قولنا والقول بأن النشوز مانع، كما أنه يظهر
لك فيما يأتي من الفروع الفرق بينه وبين القول بأن التمكين شرط، فالمختار حينئذ
واسطة بين القولين.
(و) على كل حال منه يظهر لك الحال أيضا فيما في المتن وغيره من أنه
(من فروع التمكين أن لا تكون صغيرة يحرم وطء مثلها سواء كان زوجها صغيرا
أو كبيرا ولو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطء لأنه استمتاع نادر لا يرغب إليه
في الغالب) فلا نفقة لها حينئذ، من غير فرق بين تصريحها ببذل نفسها وتصريح
وليها وعدمه، ولا بين صغر الزوج وكبره، لصدق انتفاء التمكين الكامل المفروض
شرطيته أو كونه جزء السبب.
وفي كشف اللثام " ولا يفيد تمكينها مع حرمته أو عدمها بأن كان الزوج
صغيرا ولا يحرم عليه، فإنه تمكين غير مقصود شرعا والفرق بينها وبين الحائض
أن الحائض أهل للاستمتاع بالذات، وإنما المانع أمر طارئ بخلافها، فإنها ليست
أهلا للتمكين، لصغرها ونقصها، ولا عبرة بتسليم الولي، لأنها ليست مالا بخلاف
الحائض، فإنها مسلمة لنفسها تسليما معتبرا لكمالها، والاجماع على استثناء زمن

(1) تقدمت الآيات الدالة على ذلك في ص (302).
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات.
309

الحيض ونحوه، فالتمكين التام في الشرع هو التمكين في غير هذه الأحوال، بخلاف
حال صغرها، فإن استثناءه غير معلوم، والأصل البراءة من النفقة ".
وفي المسالك " أنه لا يتحقق التمكين من الصغيرة سواء مكنت منه أم لا،
لتحريم وطئها شرعا وعدم قبولها لذلك، وبهذا يفرق بينها وبين الحائض، على
أن الاستمتاع بالحائض ممكن حتى بالوطء على بعض الوجوه، بخلاف الصغيرة،
فلا يجب على الزوج الانفاق عليها ولا على وليه لو كان صغيرا، لفقد الشرط، والمعتبر
في الصغير هنا من لا يصلح للجماع ولا يتأتي منه ولا يلتذ به، وبالكبير من يتأتي منه
ذلك، لا ما يتعلق بالتكليف وعدمه، فالمراهق كبير هنا، ومحل الكلام فيما إذا
عرضت الصغيرة نفسها أو وليها، أما بدونه فلا مجال للبحث كالكبيرة، إلا إذا جعلنا
الموجب العقد وحده ".
قلت: هذا أقصى ما ذكروه في المقام، وفيه منع عدم صدق اسم التمكين
منها مع فرض بذل نفسها نحو الكبيرة، وحرمة وطئها لا مدخلية لها في صدق اسم
التمكين منها المتحقق عند المصنف برفع المانع من جهتها كما تسمعه، وخصوصا
في المراهقة مع كبر الزوج أو كونه مراهقا على ما هو مقتضي إطلاق المتن وغيره
الصغير المعلوم إرادة ما قبل البلوغ منه على وجه يندرج فيه المراهق، وما سمعته
من ثاني الشهيدين في تفسيره مجرد اقتراح لا شاهد له من كلماتهم، وكأن
الذي دعاه إلى ذلك أنه لا وجه لعدم كونه تمكينا من المراهقة.
كل ذلك مضافا إلى ما سمعته من عدم دليل على شرطية التمكين بحيث
يتفرع عليها ذلك، ولعله لذا قال ابن إدريس بوجوب النفقة لها إلا إذا كان الزوج
صغيرا، مع قوله بكون التمكن شرطا على ما حكي عنه، وربما كان وجهه أنه يخص
اشتراطه في ذات التمكين، أي الكبيرة المطلوب منها ذلك، بخلاف محل الفرض
التي تبقى على إطلاق ما دل على النفقة، وأنها لا تسقط إلا بالنشوز المعلوم عدمه
هنا، نعم لو كان الزوج صغيرا لم يكن لها نفقة، لعدم وجوب شئ عليه، ولا عبرة
بتسلمه ولا تسلم الولي فإن تسليم الزوجة منوط بالشهوة.
310

وبالجملة لا يخفى على من لاحظ كلماتهم في المقام شدة تشوشها، وكأن
السبب في ذلك عدم تحقيقهم كيفية اعتبار التمكن في النفقة، وأنه على وجه يشمل
مثل الفرض كي يتم لهم تفريعه أولا، وقد عرفت أن الانصاف عدم دليل لاعتبار
اشتراط التمكين بحيث يترتب عليه عدم النفقة في مثل الفرض، ضرورة أن نصوص (1)
حقوق الزوج ونصوص (2) النشوز وغيرها أجنبية عنه، كما أن الانصاف الشك في
تناول إطلاقات النفقة له إن لم يدع ظهوره في غيره، فالتمسك حينئذ بأصل البراءة
من النفقة لا بأس به، وعلى كل حال فلا وجه لتفريعه على ذلك الأصل الذي قد
عرفت حاله، والله تعالى هو العالم، هذا كله في الصغيرة.
(وأما لو كانت كبيرة وزوجها صغيرا قال الشيخ) في المحكي من خلافه
ومبسوطه: (لا نفقة لها) ونحوه عن الجامع والمهذب، للأصل مع انتفاء التمكين
بانتفاء التمكن.
(و) لكن في المتن (فيه إشكال منشؤه تحقق التمكين من طرفها) لأن
المعتبر في استحقاق العوض التسليم من صاحب العوض الآخر وإن لم يتسلمه صاحبه
الأول مع عموم أدلة النفقة (و) من هنا كان (الأشبه) عند المصنف وفاقا
للمحكي عن ابني الجنيد وإدريس (وجوب الانفاق) وفيه منع تحقق التمكين
بدون التمكن، ولو سلم على أن الثابت اشتراطه بذل نفسها وعدم المانع من قبلها
فقد يقال: إنه يشك في شمول الأدلة لذلك، ضرورة ظهورها باعتبار أنها خطابات
وتكاليف في غير الصغيرة، وصرفها إلى الولي مدفوع بالأصل، بل قيل: إنه مستلزم
إما حصرها فيه أو استعمالها في متغايرين، ولذا كان قول الشيخ هو المتجه كما
اعترف به كشف اللثام والرياض ومحكي نهاية المرام، كما أن منه يعلم عدم الوجه
في تفريعه على اشتراط التمكين، لما عرفت من خروج هذا الموضوع عن المنساق

(1) الوسائل الباب - 79 - من أبواب مقدمات النكاح.
(2) الوسائل الباب - 80 و 91 - من أبواب مقدمات النكاح والباب - 6 - من أبواب
النفقات.
311

من الأدلة، فيبقى أصل البراءة سالما عن المعارض، نحو ما سمعته في الصغيرة،
والله العالم
(ولو كانت مريضة أو قرناء أو رتقاء لم تسقط النفقة) بلا خلاف أجده
فيه، بل وفي كل ما امتنع الاستمتاع فيه لعذر شرعي أو عقلي، (ل‍) - لأصل
وعموم أدلة الانفاق و (إمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا وظهور العذر فيه)
فاسقاط النفقة حينئذ به من غير المعاشرة بالمعروف، ولأنه إن لم تجب النفقة مع
دوام عذرها لزم دوام الزوجية بلا نفقة، وهو ضرر عظيم، وأيام المرض كأيام الحيض
في ظهور العذر وتوقع الزوال ورضاه لما تزوج، فإن الانسان لا ينفك عنه دائما،
فاستثناؤها لا ينافي تمامية التمكين، خصوصا مع علمه وإقدامه على التزويج بمن
يتعذر الاستمتاع بها بالوطء، فكأنه أسقط حقه من التمكين من الوطئ ورضي بما
عداه، فهو التمكين التام في حقه، إلى غير ذلك مما ذكروه في المقام.
(و) فيما (لو اتفق الزوج عظيم الآلة وهي ضعيفة) أو كانت ضئيلة
وهو غيل يضر وطؤه بها وإن لم يكن عظيم الآلة بالنسبة إلى غيره من أنه إذا كان
الحال كذلك (منع من وطئها ولم تسقط النفقة وكانت كالرتقاء) لما عرفت.
لكن لا يخفى على كل ناظر لكلماتهم هنا وضوح التجشم والتهجس عليها،
وأنها لا ترجع إلى دليل شرعي، خصوصا بعد أن ذكروا أن الموجب لها هو التمكين
من الوطء ولا عبرة بغيره من الاستمتاعات، فإنها مقصودة بالتبع، وكل ذلك دخل
عليهم من دعوى شرطية التمكين المقتضية انتفاء المشروط بانتفائه ولو لعذر عقلي
أو شرعي، ضرورة عدم مدخلية العذر في ذلك بعد عدم الدليل عليه بالخصوص،
وخصوصا من ادعى منهم إجمال الاطلاقات، أما على ما ذكرناه - من أن الثابت من
شرطيته الطاعة فيما وجب عليها من حقوق الزوجية الذي يكون انتفاؤه بالنشوز
وما عداه يكون داخلا تحت إطلاق الأدلة الذي قد عرفت أنه لا إجمال فيه - فالأمر
واضح، والظاهر أنه هو المدرك لهذه الأحكام كلها، وهذا كله ناش من عدم التأمل
في تنقيح الشئ على وجهه وجميع ما يتفرع عليه، بل يحفظ شيئا ويغيب عنه أشياء
312

ويبقى يتمحل ويتجشم في الخروج عما ينافي ما سبق إلى بادئ النظر، والله الحافظ
والمؤيد والمسدد.
ومن ذلك ما ذكره بعضهم في المريضة من أنها معذورة في الامتناع من التخلية
إذا كان الوطء يضرها في الحال أو فيما بعد، ولا يؤمن الرجل في قوله لا أطؤها لكن
قال: " في وجوب النفقة حينئذ لها نظر، لامتناعها من سائر الاستمتاعات الممكنة
- ثم قال -: نعم لا يظهر خلاف في استحقاق النفقة أيام المرض إذا تمكن من
الاستمتاع بها بغير الوطء لقضاء العادة باستثنائها مع بقاء الائتلاف والاستمتاع
بسائر الوجوه ".
قلت: بل العادة قاضية بذلك وإن تعذر عليه سائر وجوه الاستمتاع، لكونها
زوجة غير مقصرة فيما وجب عليها من حقوق الزوج بعد فرض معذوريتها شرعا.
نعم لو أنكر التضرر بالوطء رجع إلى أهل الخبرة من الرجال والنساء، نحو
ما ذكروه فيما لو ادعت قرحة في فرجها تمنع الوطء ونحوها من أنها تفتقر مع إنكاره
إلى شهادة أربع من النساء، ولو فرضت شهادة رجلين بذلك فالظاهر الحكم بها،
وإن تعذرت الشهادة أحلفته إن ادعت عليه العلم، وإن ادعت كبر آلته وضعفها عنها
أمر النساء بالنظر إليهما وقت إرادة الجماع ليقض عليه وهو جائز للحاجة، وربما
اكتفى بواحدة بناء على أنه من باب الأخبار، ولكن ضعفه واضح، فتأمل جيدا
في أصل المسألة، فإنه من مزال الأقدام، وقد مضى ويأتي له أيضا مزيد تحقيق.
(و) منه أيضا ما ذكروه فيما (لو سافرت الزوجة بإذن الزوج) فإنه
لا خلاف بينهم في أنه لو فعلت كذلك (لم تسقط نفقتها سواء كان في واجب أو مندوب
أو مباح) متعلق به أو بها إلا ما احتمل في الأخير من سقوطها، إلا أن الذي
استقر عندهم أجمع عدم الالتفات إلى هذا الاحتمال، وأنه لا فرق مع سفرها بإذنه
بين أن يكون لمصلحته أو مصلحتها، معللين ذلك بأن الإذن منه اسقاط لحقه،
فيبقى حينئذ مقتضى حقها بحاله، وفيه أن المتجه - بناء على ما ذكروه من شرطية
التمكين - السقوط أيضا لصدق انتفائه، والإذن إنما تفيد عدم نشوزها، لا تخلف
313

أثر الحكم الوضعي الذي لا مدخلية للإذن فيه.
(وكذا) الكلام فيما ذكروه أيضا فيما (لو سافرت في واجب) مضيق
(بغير إذنه كالحج الواجب) ونحوه من أنها تستحق النفقة، لكونها معذورة
" ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " (1) نعم هو متجه بناء على المختار، ضرورة
عدم حق للزوج عليها مع الإذن أو تضييق الوجوب كي تكون مقصرة فيه، فتبقى
مندرجة في إطلاق أدلة الانفاق.
(أما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح سقطت نفقتها) على كل حال
بلا خلاف ولا إشكال، لأنه من حقه عليها أن لا يقع ذلك منها إلا بإذنه، بل الظاهر
ذلك وإن لم يناف الاستمتاع لغيبه منه أو غيرها، بل هي من الناشزة لا نفقة لها،
وقد سمعت التصريح في النص (2) بسقوط نفقتها بالخروج من بيته بغير إذنه ولو
لغير سفر فضلا عما كان له هو واضح.
بل لا يبعد القول بسقوط نفقتها أيضا في السفر بغير إذنه في الواجب الموسع،
لتضييق حقه، فلا يعارضه الموسع، ودعوى كون الواجب مستثنى بالأصل وتعينه
منوط باختيارها شرعا وإلا لم يكن موسعا واضحة المنع، فما عساه يظهر من
المتن بل هو المحكي عن بعضهم بل هو خيرة ثاني الشهيدين من عدم اعتبار الإذن
فيه كالمضيق لا يخلو من منع.
(و) من ذلك يعلم الحال فيما (لو صلت أو صامت أو اعتكفت بإذنه
أو في واجب وإن لم يأذن) مضيق أو مطلقا وأنه (لم تسقط نفقتها) لكن قد
صرح هنا غير واحد بأنه لا خلاف في عدم الفرق في الصلاة الواجبة بين كون وقتها
موسعا أو مضيقا في جواز فعلها بدون إذنه، وعدم تأثيره في سقوط النفقة، بخلاف

(1) الوسائل الباب - 59 - من أبواب وجوب الحج الحديث 7 والفقيه ج 4
ص 273.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب النفقة الحديث 1.
314

الصوم ونحوه، فإن في الموسع منه البحث السابق.
وكأن وجه الفرق ما قيل من أن الوقت لها بالأصالة بخلاف ما يثبت بالنذر
وبأن الأمر بها في قوله تعالى (1): " أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق " عام فصارت
كالصوم المعين، وأن الصلاة قيل بوجوبها في أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى
بخلاف آخره الذي هو عفو الله (2) وأن زمان الصلاة يسير لا يستوعب اليوم بخلاف
الصوم، إلا أن الجميع كما ترى.
نعم يمكن القطع بالسيرة المستمرة وغيرها أنه لا تحتاج في المبادرة إلى
ذلك إلى الإذن، أما مع فرض طلب الاستمتاع منها في أول الوقت فالظاهر وجوب
طاعتها له، لعدم معارضة الموسع للمضيق، اللهم إلا أن يكون إجماعا ولم أتحققه،
بل الظن أن مراد مدعيه الصورة التي ذكرناها، وكفى بها فرقا بينها وبين غيرها
من الواجب الموسع المحتاج إلى سفر مثلا كالحج ونحوه، فإنه لا يجوز لها المبادرة
له إلا مع الإذن.
(وكذ) لك لا تسقط نفقتها (لو بادرت إلى شئ من ذلك) ونحوه
(ندبا) من دون إذنه، قل ومع نهيه إذا فرض عدم منافاته لما يريده منها من
الاستمتاع ولو (لأن له فسخه) فلو صامت حينئذ ندبا بدون إذنه أو مع نهيه
لم تسقط نفقتها، لأنه غير مانع من التمكين، نعم لو طلب الاستمتاع فمنعته سقطت
لذلك لا لأجل العبادة، خلافا للمحكي عن مبسوط الشيخ من السقوط بذلك وأنها
تكون ناشزا إذا طلب منها الافطار وامتنعت، ويمكن إرادته طلب الاستمتاع بها
المقتضي للافطار فامتنعت، وإلا فلا ريب في أن مخالفتها بترك الأكل والشرب
من حيث كونهما كذلك لا يعد نشوزا، لأنه لا يجب عليها طاعته فيهما، والوطء
يمكن بدونهما.

(1) سورة الإسراء: 17 - الآية 78.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب المواقيت الحديث 16 من كتاب الصلاة.
315

وما يقال -: من أن الصوم عبارة عن توطين النفس على ترك المفطرات التي من
جملتها الوطء، وهو مستلزم لعزمها على منع الزوج من الوطء الذي هو عين
النشوز - يدفعه (أولا) أنه مناف لدعوى الشيخ التي هي تعليق نشوز بالامتناع
من الافطار الذي طلبه منها، وهو يقتضي تحقق النشوز بمجرد نية الصوم أو بدخول
أول النهار وإن لم يطالب. و (ثانيا) ما في المسالك من أن نية النشوز ليست
نشوزا، إذ هو الخروج عن الطاعة ومنعه من الاستمتاع والخروج بغير إذنه أو
نحو ذلك، لا نيته حتى ولو نوت أن تخرج عن طاعته ولم تفعل لم يكن نشوزا،
وإن كان قد يناقش فيه بأنه لو سلم عدم كونه نشوزا لكنه للتمكين الذي هو عبارة
عن التصريح بالبذل في أي مكان وأي زمان مع عدم ظهور مناف منها له، وهو الشرط
في وجوب النفقة.
فالأولى في دفعه أن يقال: إنه لا تلازم بين نية الصوم وبين بقائها على التمكين
بمعنى أنها عازمة عليه ما لم يحصل المنافي له، لا أنه يستلزم العزم على عصيان الزوج
لو أراد الاستمتاع منها، لا بما سمعت، ولا بما قيل من أن منع الصوم مستلزم
للدور من حيث إن كونه مانعا يستلزم صحة المستلزم، لكونه عذرا فلا يسقط به
النفقة، ولا يكون مانعا، بل يلزم من إسقاطه لها عدم إسقاطه، ضرورة أن مدعى
إسقاطه للنفقة لا يتوقف على إثبات كونه مانعا، لأن النشوز يتحقق بحصول الامتناع
من جهة المرأة وإن قدر الزوج على قهرها عليه، والشيخ بناء على أن مراده
ما عرفت قائل بأن الصوم ندبا نشوز من جانب المرأة من حيث امتناعها منه وإعراضها
عنه بما ليس بواجب وإن قدر الزوج معه على الاستمتاع المقتضي لفساده.
ومما ذكرنا ظهر لك أن المراد بقول المصنف (ولو استمرت مخالفة تحقق
النشوز وسقطت النفقة) لاستمرارها على الامتناع من تمكينها نفسها، لا أن المراد
بقاؤها على إظهار العزم على الصوم وترك الأكل والشرب ونحو ذلك، وإلا كان
فيه ما عرفت، والله العالم.
(وتثبت النفقة للمطلقة الرجعية كما تثبت للزوجة) بلا خلاف، بل الاجماع
316

بقسميه عليه، مضافا إلى قول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة (1) " إن المطلقة ثلاثا ليس
لها نفقة على زوجها، إنما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة " وصحيح سعد بن
أبي خلف (2) " سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن شئ من الطلاق، فقال: إذا طلق
الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها، وملكت نفسها
ولا سبيل له عليها، وتعتد حيث شاءت، ولا نفقة لها، قال: قلت: أليس الله يقول:
لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن (3) قال: فقال: إنما عنى بذلك التي تطلق
تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تخرج ولا تخرج حتى تطلق الثالثة، فإذا طلقت
الثالثة فقد بانت منه، ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها
حتى يحل أجلها فهذه أيضا تعتد في منزل زوجها، ولها النفقة والسكنى حتى
تنقضي عدتها " وإطلاق خبر علي بن جعفر (4) عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن
قرب الإسناد " سألته عن المطلقة ألها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها؟ قال: نعم "
المنزل على ذلك.
نعم قد استثنى بعضهم منها آلة التنظيف، لعدم انتفاع الزوج بها، مع أن
المحكي عن آخر عدمه فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، بل في الحدائق هو المؤيد
بالأخبار الكثيرة، كالموثق (5) عن أحدهما عليهما السلام " في المطلقة تعتد في بيتها وتظهر
له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " وخبر محمد بن قيس (6) عن أبي جعفر عليه السلام

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات الحديث 2 - 1.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات الحديث 11.
(5) الوسائل الباب - 21 - من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق في النسخة
الموجودة عندي عن أبي عبد الله عليه السلام إلا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 91 والتهذيب
ج 8 ص 131 عن أحدهما عليهما السلام.
(6) الوسائل الباب العدد الحديث 4 وفيه " تسوق لزوجها " وفي
الكافي ج 6 ص 91 " تشوفت لزوجها ".
317

" المطلقة تشوق زوجها ما كان له عليها رجعة، ولا يستأذن عليها " وخبر زرارة (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " المطلقة تكتحل وتختضب وتلبس ما شاءت من الثياب، فإن الله
تعالى يقول: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا (2) لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها "
وإن كان فيه أن ذلك كله لا يدل على كون آلة الزينة منه، ولعل الأولى الاستدلال
عليها بالاطلاق السابق.
وفي القواعد " استثناء وطئها للشبهة في العدة - سواء حملت أو لا - وتأخرت
عدة الزوج عن عدتها وقلنا لا رجوع له في الحال، فلا تجب النفقة على إشكال "
ولعله من أنها إنما تجب للزوجة ومن في حكمها وهي من في العدة الرجعية، لكونها
بمنزلة الزوجة الممكنة لأنه له الرجوع إليها متى شاء والأمران منتفيان، ومن
بقاء حكم الزوجية وإن امتنع الرجوع الآن لمانع، كما تجب النفقة على الزوجة
الصائمة والمحرمة مع امتناع الاستمتاع بها، وإطلاق النص، وفي كشف اللثام " هذا
إذا كانت الشبهة منها أو من الواطئ أيضا، وإن اختصت بالواطئ فالأظهر عدم النفقة
فإنها التي سببت لامتناع الرجوع، فهي كالناشز ".
قلت: لو فرض توبتها عن ذلك كانت كغيرها، بل قد يمنع صدق النشوز
بذلك، اللهم إلا أن يدعى أولويته منه في إسقاطه النفقة والظاهر بناء الحكم في هذه
المسألة على الحكم في الزوجة إذا وطئت شبهة، فإنه لا فرق بينهما، لكن في القواعد
الاشكال في نفقتها أيضا، قال: " والمعتدة عن (في خ ل) شبهة إن كانت في نكاح
فلا نفقة لها على الزوج على إشكال " ولعله من انتفاء التمكين، ومن العذر كالمريضة
وربما فرق بينهما بوجود النص (3) على الانفاق في المطلقة بخلاف الباقية في النكاح،
إلا أنه كما ترى، ضرورة أولويتها منها بذلك، والاتفاق على الانفاق على الباقية

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب العدد الحديث 2.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات.
318

في النكاح، وهو إن لم يكن أقوى من النص فلا يقصر عنه، على أن ما دل من الكتاب (1)
والسنة (2) على النفقة للزوجة كاف، وعلى كل حال فالأقوى وجوب الانفاق
عليها مع عدم اختصاص الشبهة بالواطئ، بل ومعه أيضا في وجه قوى.
ثم إنه لا فرق في الرجعية بين الحرة والأمة والحائل والحامل في معاملتها
معاملة الزوجة في ثبوت النفقة وسقوطها بما تسقط به، وتستمر إلى انقضاء العدة
بوضع الحمل أو غيره، ولو ظهر بها أمارات الحمل بعد الطلاق على وجه تحصل به
الطمأنينة عرفا فعليه النفقة حينئذ إلى أن تضع أو يبين الحال، فإن أنفق ثم بان
أنه لم يكن حمل فله استرداد المدفوع إليها بعد انقضاء العدة في الأقوى وإن لم
تكن مدلسة كما تسمع الكلام فيه إن شاء الله وتسأل حينئذ عن قدر الأقراء، فإن
عينت قدرا صدقت باليمين إن كذبها الزوج، وبلا يمين إن صدقها وإن قالت:
لا أعلم متى انقضت العدة سئلت عن عادة طهرها وحيضها فإن ذكرت عادة مضبوطة
عمل عليها، وإن ذكرت أنها مختلفة أخذ بأقل عادتها، ورجع الزوج فيما زاد،
لأنه المتيقن الذي لا تدعي زيادة عليه، وإن قالت نسيت عادتي ففي البناء على أقل
ما يمكن انقضاء العدة به، لأصالة البراءة من الزائد أو على ثلاثة أشهر بناء على
الغالب وجهان منشؤهما تعارض الأصلين المعتضدين بالظاهر والمتيقن.
وإن بانت حاملا وأتت به لمدة يمكن أن يكون منه فالولد له والنفقة عليه
إلى حين الوضع لأنها بحكم الزوجة، وإن أتت به لمدة لا يمكن لحوقه به انتفى عنه بغير
لعان، ولا تنقضي عدتها به عنه، بل تكون بالأقراء فإن نسبته إلى غير الزوج وادعت أنه
وطأها بعد الأقراء استعيد الفاضل، وإن قالت بعد قرءين فلها نفقتهما، ولا شئ
لها عن مدة الحمل بناء على ما سمعت، وعليها تتمة الاعتداد بالقرء الثالث بعد
الوضع، ولها نفقته، وإن قال عقيب الطلاق فعدتها بعد الوضع ثلاثة أقراء، ولا نفقة
لها عن مدة الحمل، والله العالم.

(1) تقدمت الآيات الدالة على ذلك في ص (302).
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات.
319

(وتسقط نفقة البائن وسكناها سواء كان عن طلاق أو فسخ) تبين به، كما
إذا كان بردته عن فطرة أو قبل الدخول أو بعيب فيها أو بنحو ذلك، بلا خلاف
أجده في شئ منه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل بعد انقطاع
الزوجية، وإلى تظافر النصوص في المطلقة كصحيح ابن سنان أو موثقه (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن المطلقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال:
لا " وخبر أبي بصير (2) عنه عليه السلام أيضا سأل " عن المطلقة ثلاثا ألها سكنى ونفقة؟
قال: حبلى هي؟ قلت: لا، فال: لا " وموثق سماعة (3) قلت: " المطلقة ثلاثا ألها
سكنى أو نفقة؟ فقال: حبلي هي؟ قلت: لا، قال: ليس لها سكنى ولا نفقة " على
وجه لا يعارضها صحيح ابن سنان (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المطلقة ثلاثا على
العدة لها سكنى أو نفقة؟ قال نعم " المحمول على الاستحباب أو كونها حاملا،
كالمروي عن قرب الإسناد (5) عن " المطلقة ألها نفقة على زوجها حتى تنقضي
عدتها؟ قال: نعم " المحتمل زيادة على ذلك التقييد بالرجعية.
(نعم لو كانت المطلقة) بائنا (حاملا لزمه الانفاق عليها حتى تضع،
وكذا السكنى) بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل الاجماع بقسميه عليه، كالنص
كتابا (6) وسنة (7) بل في القواعد ثبوتها للحامل البائنة بالفسخ على إشكال وإن
كان الذي يقوى عدمه، للأصل السالم عن المعارض حتى إطلاق الآية (8) التي هي
في ذيل أحكام المطلقات، نعم لو قلنا بأن النفقة للحمل أمكن حينئذ وجوبها،
بل في القواعد الجزم به، بل ظاهر كشف اللثام نفي الاشكال عنه وإن كان فيه
ما ستعرفه.

(1) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات الحديث 5 - 6 - 3.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات الحديث 5 - 6 - 3.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات الحديث 5 - 6 - 3.
(4) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات الحديث 8 - 11.
(5) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات الحديث 8 - 11.
(6) سورة الطلاق: - 65 - الآية 6.
(7) الوسائل الباب - 7 - من أبواب النفقات.
(8) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
320

كما أن المتجه أيضا عدمها للفراق باللعان سواء كانت حائلا أو حاملا
وكان اللعان لنفي الولد وفي كشف اللثام " وقلنا بكون النفقة للحمل وإلا ففيه الاشكال "
قلت: قد عرفت ضعفه، نعم في القواعد " لو أنفقت على الولد المنفي باللعان أي ولو
متصلا إن قلنا بأن النفقة للحمل ثم كذب نفسه ففي رجوعها بالنفقة إشكال " ولعله
من تسببه لحكم الحاكم عليه بالانفاق، وكون اللعان شهادة بالآية (1) وقد أوجبت
النفقة عليها، وإذا كذب الشاهد نفسه رجع عليه بما غرم، لشهادته ونفي الضرر (2)
وهو خيرة المحكي عن المبسوط، ومن أن نفقة القريب لا تقضي، وستعرف ما فيه وما
في قوله في القواعد أيضا من أن المعتدة عن شبهة إن كانت خلية عن نكاح فلا نفقة لها
على الواطئ إلا مع الحمل، فتثبت النفقة. إن قلنا: إنها للحمل.
(و) على كل حال ف‍ (- هل النفقة للحمل أو لأمه؟ قال الشيخ ره) في المحكي
عن مبسوطه، وتبعه عليه جماعة، بل في الحدائق نسبته إلى الأكثر (هي للحمل)
وعن ابن حمزة وجماعة هي للحامل (وتظهر الفائدة في مسائل: (منها) في الحر
إذا تزوج بأمة وشرط) عليه (مولاها رق الولد) وقلنا بصحته، فإنه لا نفقة
عليه إذا أبانها حاملا لأن نفقة الرقيق على مولاه، بخلاف ما إذا قلنا النفقة للحامل
فإن المتجه حينئذ وجوبها عليه.
(و) منها (في العبد إذا تزوج أمة أو حرة وشرط مولاه الانفراد برق
الولد) من الحرة أو الأمة فأبانها حاملا إذ الولد حينئذ ملك للمولى، فالنفقة
عليه، بل إن لم يشترط الرقية في ولد الحرة لم تجب النفقة على الزوج أيضا، لأنه
رقيق ولا نفقة عليه للقريب ولا على مولاه، وهو ظاهر كظهور اشتراك المؤمنين
في النفقة مع عدم اشتراط الانفراد بالولد من الأمة (وبالجملة) لا نفقة على الزوج
الرقيق للحمل حرا كان أم رقا مشتركا أو مختصا، فذكر المصنف وغيره شرط
الانفراد لعله لدفع ما قد يتوهم من أنه مع اشتراطه تكون نفقته عليه من كسبه كنفقة

(1) سورة النور: 24 - الآية 6 إلى 9.
(2) الوسائل الباب - 12 - من كتاب احياء الموات.
321

زوجته، أما على القول بكون النفقة للحامل فالمتجه حينئذ وجوبها على مولى العبد
أو في كسبه على البحث السابق في نفقة زوجته.
و (منها) فيما إذا لم ينفق عليها حتى مضت مدة أو مجموع العدة فلا قضاء
عليه على الأول، لأن نفقة الأقارب لا تقضي بخلافه على الثاني، فإن نفقة الزوجة
تقضي، لا يقال: إن القضاء للزوجة من حيث كونها كذلك والفرض انتفاؤها، لأنا
نقول: إن المراد وجوبها لها على وجوبها للزوجة، ولعله لكون النفقة حقا ماليا،
والأصل فيه القضاء.
و (منها) فيما لو كانت ناشزا وقت الطلاق أو نشزت بعده، فإن المتجه
السقوط على الثاني، لما عرفت من كون نفقة المطلقة كالزوجة تثبت حيث تثبت،
وتسقط حيث تسقط، بخلافه على الأول الذي لا مدخلية للنشوز وعدمه (فيه ظ).
و (منها) فيما لو ارتدت بعد الطلاق، فلا تسقط على الأول دون الثاني.
و (منها) صحة ضمان النفقة الماضية على الثاني دون الأول.
و (منها) سقوطها بموت الزوج على الأول دون الثاني، فإن فيه قولين يأتيان
و (منها) سقوطها بالابراء بعد طلوع الفجر من نفقة اليوم على الثاني دون
الأول.
و (منها) استرداد نفقة اليوم لو سلمها إليها إذا خرج الولد ميتا في أوله
على الأول دون الثاني مع احتماله أيضا.
و (منها) وجوب الفطرة على الثاني، لأنها من عياله دون الأول، وربما
احتمل الوجوب على القولين، لكونها منفقا عليها حقيقة عليهما، إلى غير ذلك من الفوائد
التي لا تخفى، وستسمع بعضها.
إنما الكلام في ترجيح أحد القولين اللذين قد استدل لأولهما بدوران النفقة
معه وجودا وعدما، ولانتفاء الزوجية التي هي أحد أسباب الانفاق كالملك، فليس إلا
القرابة، وبوجوبها له منفصلا فكذا متصلا، وبنص الأصحاب على أنه ينفق عليها
من مال الحمل، ولثانيهما بأنه لو كانت للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها، ولما كانت
322

نفقته مقدرة بحال الزوج، لأن نفقة الأقارب غير مقدرة بخلاف نفقة الزوجة،
وبأنه لو كانت للحمل لوجبت على الجد كما لو كان منفصلا، ولسقطت بيساره بإرث
أو وصية قد قبلها وليه، لكن عن الشيخ الالتزام بالأخيرين، والجميع كما ترى.
ومن هنا قال في الرياض: " إن استند الجانبان إلى اعتبارات واهية ربما
أشكل التمسك بها في إثبات الأحكام الشرعية، لكن بعضها المتعلق بأنها
للحمل قوي معتضد بالشهرة المحكية، فالمصير إليه لا يخلو عن قوة " قلت:
بل القوة في القول الآخر، ضرورة ظهور الآية (1) في الأعم من الرجعيات
والبائنات، ولا كلام في أن نفقة الأولى نفقة زوجة، كما لا إشكال في ظهورها في
اتحاد النفقة فيهما، بل لعل هذا المعنى هو المستفاد من النصوص (2) خصوصا المعبرة
بقول: " لها النفقة " الظاهر في ملكيتها لها، فضلا عن إضافتها إليها، بل لعل
التأمل الصادق يشهد بفساد كثير مما ذكروه من التفريع على القولين، ضرورة ابتنائه
على كونه نفقة للحمل حقيقة حتى أنه أوجبه في كل حمل حتى للحامل من وطء
الشبهة، بل قد سمعت ما ذكروه من يسار الحمل وإعساره وغير ذلك مما هو واضح
الفساد.
نعم قد يقال في تصور هذا النزاع بعد الاتفاق منهم جميعا على كون النفقة
على الحامل أكلا وكسوة وسكنى ونحو ذلك مما كان يجب للزوجة: إنه لما
انعقد الاجماع وتظافرت النصوص (3) في الانفاق على الحامل المطلقة المعلوم كون
ذلك لأجل الحمل - ضرورة انقطاع حكم الزوجية التي هي سبب الانفاق - حصل
الشك في أن حكم هذه النفقة حكم نفقة الزوجة، على معنى أن وجود الحمل يجعلها
بحكمها كالرجعية في غيرها، فيجري حينئذ على نفقتها حكم نفقة الزوجة، أو أنه
بسبب انقطاع الزوجية بينهما وكون الحمل علة في الانفاق يجعلها بحكم نفقة

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات.
(3) الوسائل الباب - 7 - من أبواب النفقات.
323

القريب، فيجري عليها حينئذ حكمها، لا أن المراد كونها نفقة للحمل حقيقة،
وإن توهمه بعضهم، حتى أنه وجه ذلك باعتبار صيرورتها سببا لتعييش الحمل
فاطعامها و كسوتها وسكناها مقدمة له، فإن الانفاق عليه إنما يكون بالانفاق على
أمه وهو كما ترى من المضحكات، وإنما المراد ما عرفت من الانفاق عليها لا عليه
ولكن الشك في ذلك باعتبار ما سمعت، ولا ريب في أن الأقوى كونها بحكم نفقة
الزوجة، لكن لا على حد السقوط بالنشوز والارتداد ونحوهما مما علم كون السبب
في اسقاطها فوات التمكين وانقطاع الزوجية المعلوم عدمهما في المقام، بل على حدها
في الكيفية والقضاء وخطاب الزوج بها ونحو ذلك، كما أن المراد بكونها نفقة
للحمل الانفاق عليها لأجل الحمل، لا أن المراد نفقته على وجه يلاحظ يساره
وإعساره اللذين يمكن منعهما حال كونه حملا كما ستسمعه إنشاء الله تعالى في
المتوفى عنها زوجها.
ومن هنا يظهر لك النظر في كثير من الفروع السابقة، بل وفي كثير من
الكلمات التي لا مدرك لها، خصوصا ما في القواعد، وخصوصا ما في تعدية الحكم إلى
الحمل في الفسخ وفي وطء الشبهة بناء على أن النفقة له وغير ذلك مما لا يخفى فساده
ضرورة أن الحمل ممن لا نفقة له أصلا، ولذا لم يجب في المتوفى عنها زوجها في الأشهر
وفي غير ذلك، فلا ريب في أن النفقة للأم هنا، ولذا خص المصنف الحكم في المطلقة
بعد ذكره المفسوخة، لكن هل ثبوتها على حد نفقة القرابة باعتبار كونها السبب
فيها أو نفقة الزوجية باعتبار كونها امرأته وفي عدته ومشغولة بما تحمل منه؟
وجهان، ولا يخلو الثاني منهما من قوة كما عرفت، وإن أبيت لكان المتجه
ملاحظتها نفقة مستقلة يثبت لها حكم كل منهما إذا كان مواقفا للقواعد العامة،
ضرورة كون المتجه مراعاة الأصول والقواعد في هذه النفقة بعد فرض عدم ظهور دليل
يقتضي مساواتها لنفقة الزوجة أو القرابة، كما هو واضح.
وأوضح منه أنه يلزم بناء على أن النفقة للحمل نفسه حقيقة كما هو مقتضى
بعض الكلمات وجوب نفقتين للمطلقة الرجعية الحامل، بل الزوجة الحامل كذلك
324

أيضا، إذ لا فرق في نفقة القريب بين المطلقة وغيرها، ولا أظن التزامهم به، هذا كله
في المطلقة.
(و) أما الحكم (في الحامل المتوفى عنها زوجها) وهي حامل ففيه
(روايتان أشهرهما) رواية وعملا (أنه لا نفقة لها) بل في الرياض أنه حكى
الشهرة المطلقة عليه جماعة، قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي أو حسنه (1) " في
الحبلي المتوفى عنها زوجها أنه لا نفقة لها " وفي حسن الكناني (2) " في المرأة
الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: لا " وفي خبر زرارة (3) في " المرأة
المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: لا " وأحدهما عليهما السلام في صحيح ابن مسلم (4)
بعد أن سئل عن المتوفى عنها زوجها، قال: " لا، ينفق عليها من مالها ".
(و) الرواية (الأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها) وهي قول
الصادق عليه السلام في خبر الكناني (5): " الحبلي المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال
ولدها الذي في بطنها " وربما وصفت بالصحة، ولكن فيه أن في سندها محمد بن
الفضيل، وهو مشترك بين الثقة و الضعيف، نعم في صحيح ابن مسلم (6) عن أحدهما
عليهما السلام " المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله " وفي خبر السكوني (7) عن
جعفر عن أبيه عن علي عليهما السلام " نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال
حتى تضع ".
إلا أن الأول لا ذكر فيه للولد، بل ولا للحمل، وتقديره مرجعا للضمير
بلا قرينة مخالف للضوابط، خصوصا مع ظهوره في الزوج، فيوافق الخبر الثاني في
كونه من الشواذ التي لم يعمل بها أحد من الأصحاب، إذ المحكي عنه الخلاف
من الإسكافي و الصدوق وأبي الصلاح وابني البراج وحمزة قالوا بأن النفقة من نصيب

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2 - 3 - 6.
(2) الوسائل الباب - 9 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2 - 3 - 6.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2 - 3 - 6.
(4) الوسائل الباب - 9 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2 - 3 - 6.
(5) الوسائل الباب - 10 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2.
(6) الوسائل الباب - 9 - من أبواب النفقات الحديث 4.
(7) الوسائل الباب - 10 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2.
325

الولد، على أن المحكي في الكافي أنه أورد الصحيح الأول في باب الرجل يطلق امرأته
ثم يموت قبل أن تنقضي عدتها، وهو ظاهر في حمله الخبر على المطلقة قبل الوفاة
وإن لم تكن حاملا، وهو غير ما نحن فيه، وربما حمل على استحباب ذلك للورثة،
كما أنه حمل خبر السكوني عليه، أو على نصيب الولد فإن له من جميع المال
نصيبا، أو لأن نصيبه بعد لم يتميز لعدم العلم بكونه ذكرا أو أنثى، أو على التقية
أو غير ذلك.
بل لولا الاجماع لأمكن أن يقال في وجه العمل بالنصوص الثلاثة: إن
الحامل المتوفى عنها زوجها لا تسقط نفقتها من جهة شغلها بالحمل، إلا أنها من
مال الحمل مع انفصاله، لأولويته من غيره من الورثة بذلك، وإلا فمن الجميع
ضرورة رجوع المال المعزول إليهم أجمع، فيصدق حينئذ أن نفقتها من جميع
المال ومن مال الزوج، فليس حينئذ إلا الخبر الأول الذي قد عرفت سنده مع عدم
الجابر له.
بل قد يقال: إن الحمل لا يكون له مال حتى يولد حيا كما أوضحناه في
محله، بل عن تمهيد المفيد أنه أنكر ذلك أشد الانكار، وقال: إن الجنين وهو جنين
لا يعرف له موت ولا حياة، فلا ميراث له ولا مال، فكيف ينفق على الحبلي من مال
من لا مال له لولا السهو في الرواية والادخال فيها؟ وإن كان قد يقال: إن المراد
من المال المعزول للولد، فإن خرج حيا حسب عليه وإلا استرد منها في وجه أو
يكون تالفا على الجميع في آخر كما سمعته فيما تقدم، فمن الغريب بعد ذلك دعوى
الجمع بين النصوص بحمل الأولى على إرادة لا نفقة لها من مال الميت وإن كان لها
نفقة من مال الولد، إذ هو مع أنه فرع التكافؤ المفقود هنا قطعا من وجوه مناف لما
في صحيح ابن مسلم (1) منها المصرح فيه بكون الانفاق عليها من مالها، وإن كان
هو ليس في خصوص الحامل لكنه مطلق، اللهم إلا أن يحمل على غير الحامل.
وأغرب منه ما عن المختلف من كون التحقيق بناء المسألة على أن النفقة

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب النفقات الحديث 6.
326

للحمل أو للحامل، فعلي الأول يتجه الثاني وإلا فالأول، ووجه بكون مراده
بذلك الجمع بين النصوص بحمل الأولى على عدم النفقة لها من غير الولد، إذ هو
مع أن فيه أيضا ما عرفت لا وجه له، ضرورة كون النزاع هناك في المطلقة باعتبار
خطاب الزوج بالنفقة لها إلا أنه لم يعلم كونها نفقة زوج أو قريب، وهنا لا إشكال
في سقوط النفقة عن المتوفى، فليس حينئذ إلا العمل بالخبر المزبور أو طرحه،
وقد عرفت أن القواعد تقضي بالثاني لمرجوحيته بالنسبة إلى غيره من وجوه، ولعل
حمله على إرادته أنه لو قلنا في تلك المسألة إن النفقة للحامل اتجه السقوط باعتبار موت
المنفق، وإن قلنا إنها للحمل لم تسقط باعتبار أن الحمل له مال فينفق حينئذ منه
أولى من ذلك، وإن كان فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه في المسألة
السابقة.
وأما ما عن بعض المحدثين - من الجمع بين النصوص بحمل الثاني منها على
ما إذا كانت الأم محتاجة لأنه حينئذ تجب نفقتها عليه والأول على ما إذا لم تكن
محتاجة - فهو مع أنه فاسد في نفسه مخالف للاجماع لا شاهد عليه فلا محيص حينئذ
عن القول الأول، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (- تثبت النفقة للزوجة مسلمة كانت أو ذمية) بلا خلاف
ولا خلاف إشكال، لاطلاق الأدلة، بل (أو أمة) إذا مكنه السيد منها ليلا ونهارا، نعم
لو لم يمكنه منها إلا ليلا بناء على أن له ذلك كما سمعته سابقا فالذي ذكره غير
واحد من الأصحاب أنه لا نفقة حينئذ لها، لعدم التمكين التام، لأنها لكونها أمة
ليست أهلا للاستقلال في التمكين، لملك المولى منافعها إلا ما ملكه الزوج منها
وهو الاستمتاع، فلا عبرة إلا بتمكن المولى، بخلاف ما إذا منع الأب أو غيره
الحرة البالغة من زوجها، فإنه لا عبرة به، ولا تسقط نفقتها إذا كانت ممكنة، لأنها
مالكة لنفسها، فهي مستقلة بالتمكين، ويؤكد ذلك أنه لا نفقة للأمة إلا من مال
المولى، فإذا أراد اسقاطها عن نفسه لزمه التسليم الكامل، فإذا لم يفعل لزمه النفقة،
بخلاف الحرة، فربما تنفق على نفسها من مالها وجواز منع المولى للأمة نهارا
327

بناء على بقاء حق الخدمة له لا يستلزم أن يكون التمكين التام بالنسبة إليها هو التمكين
ليلا ليلزم به النفقة، فإن الاجماع منعقد على أنه لا نفقة لها بانتفاء التمكين التام مع
تفسيره بالتمكين كل حين في كل مكان.
وقد يقال إنما انعقد الاجماع على سقوط النفقة بالنشوز، ولا نشوز هنا،
لوجوب طاعة المولى، كما لا نشوز بالامتناع للحيض ونحوه، ويدفعه أن الأصل
البراءة إلا فيما أجمع ففيه على الوجوب، ولا إجماع هنا، بخلاف الحائض ونحوها.
قلت: قد عرفت فيما تقدم أنه لا دليل على شرطية التمكين على وجه يقتضي أن
انتفاءه مطلقا يترتب عليه انتفاء الانفاق، ولذا أوجبوه للمريضة والمسافرة في المضيق
والصائمة والحائض وغيرهن من ذوات الأعذار، والمسلم من الاجماع ما ذكره أخيرا
من أن انتفاءه على وجه النشوز يقتضي انتفاء الانفاق، فالمتجه حينئذ الانفاق هنا،
ضرورة كونها حينئذ كباقي ذوات العذر في عدم التمكين، بل ربما كانت أولى
منهن باعتبار إقدامه في تزويجه بها على ذلك، وما ذكره من أن الأصل البراءة
فيه ما لا يخفى من وضوح عدم كون المدرك الاجماع على خصوصيات ذوات الأعذار،
وإنما هو ما عرفت مع إطلاق أدلة الانفاق، وهو بعينه جار في المقام، ودعوى
إجمال الاطلاقات فلا تعارض أصل البراءة واضحة الفساد، بل لا يليق وقوعها ممن
له أدنى نصيب في الفقه.
وكأن الذي أوقعهم في الشبهة في هذا المقام وغيره من المقامات معلومية
مدخلية التمكين في الجملة في الانفاق، فظنوا أنه صار بذلك شرطا على
وجه يقتضي انتفاء مشروطة بانتفائه كيف ما كان على ما هو القاعدة في الشروط،
وغفلوا عن أن ذلك يتوقف على ملاحظة دليل الشرطية، فإن كان هو بحث يقتضي
ذلك جرى عليه أحكامها وإلا فلا، وليس في المقام دليل شرطية على الوجه المزبور
وإلا لما صح لهم في إيجاب النفقة وفي ذوات الأعذار شرعا أو عقلا ودعوى أن ذلك
للاجماع وغيره من الأدلة الخاصة معلومة البطلان لمن له أدنى فهم ودرية وملاحظة
لكلمات الأصحاب، خصوصا ما وقع لهم من الاستدلال على الانفاق على ذوات الأعذار
328

بالعذر، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه، وبه ينكشف الغبار عن كثير من المقامات،
وربما يأتي لذلك تتمة إنشاء الله.
هذا ولا يخفى أن الحكم في النفقة التي لم تتوقف على التمليك - كالاسكان
والكسوة على القول بأنها إمتاع - واضح، لأن الأمة أهل للانتفاع المجرد عن الملك
وإن توقف على الملك كالمؤونة التي تملكها في صبيحة كل يوم ففيما حضرني من
نسخة المسالك لكنها غير نقية من السقط والغلط: أنه يشكل الحكم لها للأمة، إلا
أن نقول يملكها بالمولى، ويتلقى الانتفاع بها غيره عنه، ويتوقف تصرفها فيها
على إذنه، إذ له إبدالها وإطعامها من غيرها، ويمكن أن يجعل تزويجها بنفسه
مفيدا للإذن لها في تناول المؤونة وإن لم تكن مالكة، عملا بشاهد الحال والعرف،
وهذا حسن - ثم قال -: وعلى القولين فللأمة أن تطالب بها الزوج، كمالها أن
تطالب السيد، وإذا أخذت فللسيد الابدال، لحق الملك، والحاصل أن له في النفقة
حق الملك، ولها حق التوثق، ويتفرع عليه أنه ليس للمولى الابراء من نفقتها، ولا
بيع المأخوذ إلا أن يسلمها بدله ".
وفيه (أولا) إمكان منع التوقف على الملكية فيه أيضا، فيكون حينئذ
استحقاقها في الجميع الانفاق، و (ثانيا) منع عدم جواز الابراء للسيد بعد فرض
كونه المالك، أقصى ذلك أنه يتعين عليه الانفاق عليها كما إذا لم تكن ذات زوج،
ودعوى تعلق حق لها بها على نحو تعلق حق الدين بتركة الميت يدفعها أنه لا دليل
عليها بعد أن صرفت أدلة الانفاق المراد منها الملكية إلى السيد، ضرورة كونها
حينئذ كالمهر الذي تستحقه الزوجة بعقد النكاح أشد من استحقاق النفقة، نعم مقتضى
ذلك اختصاص تعلق حق هذه النفقة بالسيد، وهو مخير بين دفعها إليها وبين غيرها
من أمواله، فإن عصى جبره الحاكم.
ومن ذلك يظهر لك ما في قوله فيها أيضا: " ولو اختلفت الأمة وزوجها في
تسليم نفقة اليوم فالقول قولها مع يمينها، ولا أثر لتصديق السيد الزوج، مراعاة
329

لحقها، وفيها لو اختلفا في النفقة الماضية اتجه ثبوت المدعى بتصديق السيد، وكذا
الخصومة فيها، لأنها حينئذ كالصداق، وحقها إنما يتعلق بالحاضر " ونحوه ما في
القواعد، قال: " ولو اختلفا في النفقة الماضية فالغريم السيد، فإن صدق الزوج
سقطت، وإلا حلف وطالب، أما الحاضرة فالحق فيها لها، لأنها حق يتعلق
بالنكاح، فيرجع إليها كالايلاء والعنة " وإن كان ربما أشكل بعدم جواز الحلف
على نفي فعل الغير، لكن قد يدفعه معلومية إرادة ما لو كان الاختلاف في الدفع بعد
مضي جملة من الأيام، فإن الغريم حينئذ السيد، ولا يجدي تصديق الأمة ولا حلفها
ولا نكولها، لعدم تعلق حق لها به، إذ هو دين محض للسيد، ولا إذن للأمة في
قبضه، نعم لو كان الاختلاف بينهما في الدفع فيما مضى يوما فيوما فالخصم حينئذ
ليس إلا الأمة، فإذا صدقته سقطت، ضرورة كونها مأذونة في قبضها وإن كان
المالك السيد، وإن أنكرت ولا بينة لها حلفت، وتمحض الحق للسيد، مع إمكان أن
يقال: إنه كذلك أيضا، و يكون الحلف منه على عدم وصول حقه إليه ولو في يد
المأذون أو الوكيل، فتأمل جيدا، والله العالم.
(وأما) الكلام في (قدر النفقة فضابطه القيام بما تحتاج المرأة إليه من
طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الادهان تبعا لعادة أمثالها من أهل البلد)
للأصل وإطلاق الأوامر بالانفاق كتابا (1) وسنة (2) الذي يرجع في مثله إليها
بعد أن لم يكن ثم تقدير شرعي، على أنه صرح في النصوص (3) بأن " حق المرأة
على الرجل أن يشبع بطنها ويكسو جنبها " نعم في صحيح شهاب بن عبد ربه (4)
قلت لأبي عبد الله عليه السلام؟ " ما حق المرأة على زوجها؟ قال: يسد جوعتها، ويستر
عورتها، ولا يقبح لها وجها، فإذا فعل ذلك فقد أدى والله إليها حقها، قلت: فالدهن،
قال: غبا يوم ويوم لا، قلت: فاللحم، قال: في كل ثلاثة أيام مرة، فيكون في

(1) تقدمت الآيات الدالة على ذلك في ص (302).
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات.
(3) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات.
(4) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1.
330

الشهر عشرة مرات لا أكثر من ذلك، والصبغ في كل ستة أشهر، ويكسوها في كل
سنة أربعة أثواب: ثوبين للشتاء وثوبين للصيف، ولا ينبغي أن يفقر بيته من ثلاثة
أشياء: دهن الرأس والخل والزيت، ويقوتهن بالمد، فإني أقوت به نفسي وعيالي،
وليقدر لكل انسان منهم قوته، فإن شاء أكله وإن شاء وهبه وإن شاء تصدق به،
ولا تكون فاكهة عامة إلا أطعم منها عياله، ولا يدع أن يكون للعبد عندهم فضل
في الطعام أن ينيلهم من ذلك شيئا لا ينيلهم في سائر الأيام ".
لكن الظاهر حمل ذلك فيه على ضرب من الندب أو على العادة في البعض أو
غير ذلك، وإلا فالواجب ما عرفت، وقد تعرض بعض الأصحاب إلى بيان المعتاد
من ذلك، فأوجبوا فيها أمورا ثمانية: الأول الاطعام، وإنما يجب منه سد الخلة
أي حاجتها بحسب حالها، في كشف اللثام " لعله يدخل في ذلك اختلافها شرافة
ورضاعة ".
(وفي تقدير) ه أي (الاطعام خلاف فمنهم من قدره بمد للرفيعة
والوضيعة من الموسر والمعسر،) وهو الشيخ في المحكي من خلافه محتجا باجماع
الفرقة وأخبارهم التي لم نعثر منها إلا على صحيح شهاب المتقدم الذي قد عرفت
حمله على الفضل، وما ورد (1) من تقديره في الكفارة التي لا يقاس ما نحن فيه عليها،
ومنهم هو أيضا في المحكي من مبسوطه، فقدره بذلك للمعسر وبمدين للموسر ومد
ونصف للمتوسط، كما عن الشافعي، ولم نعثر لله على دليل معتد به (ومنهم من
لم يقدر) ه بشئ من ذلك (واقتصر على سد الخلة، وهو) مع أنه أشهر بيننا،
بل المشهور شهرة عظيمة (أشبه) بأصول المذهب وقواعده.
وأما جنسه فقد قيل: إن المعتبر فيه غالب قوة البلد، كالبر في العراق
وخراسان، والأرز في طبرستان، والتمر في الحجاز، والذرة في اليمن، لأن شأن كل
مطلق حمله على المعتاد، ولأنه من المعاشرة بالمعروف، وإن اختلف الغالب باختلاف الناس
اعتبر حالها، وفي محكي المبسوط " ويعتبر بغالب قوت أهل البلد، وينظر إلى غالب قوته "

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الكفارات من كتاب الايلاء والكفارات.
331

فأوجب عليه كالاطعام في الكفارات، ويحتمل أن يكون أراد به ما ذكره بعضهم من أنه
إن لم يكن القوت الغالب أي لم يقدر عليه الزوج إما لعدمه أو عدم الوصول إليه فما يليق
بالزوج، لأنه لا تكلف نفسا إلا وسعها، ولقوله تعالى (1): " ومن قدر عليه رزقه
فلينفق مما آتاه الله " وفي المسالك " أنها ترجع فيما تحتاج إليه من طعام وجنسه
من البر والشعير والتمر والزبيب والذرة وغيرها والإدام والسمن والزيت والشيرج
واللحم واللبن، والكسوة من القميص والسراويل والمقنعة والجبة وغيرها، وجنسها
من الحرير والقطن والكتان، والاسكان في دار أو بيت لائقين، والاخدام إذا كانت
من أهله من ذوي الحشمة والمناصب المرتفعة، وآلة الادهان التي تدهن به شعرها
أو ترجله من زيت أو شيرج مطلق أو مطيب بالورد أو البنفسج أو غيرهما مما يعتاد
لأمثالها والمشط، وما يغسل به الرأس من السدر والطين والصابون على حسب عادة
البلد ونحو ذلك مما يحتاج إليه في عادة أمثالها من أهل بلدها، وإن اختلفت العادة
ترجع إلى الأغلب، ومع التساوي فما يليق منه بحاله ".
قلت: لعل ما في المسالك من الرجوع إلى عادة الأمثال من أهل البلد أولى
من جعل المدار على القوت الغالب في الفطر أو البلد، ضرورة انسياق الأول من
إضافة " رزقهن وكسوتهن " (2) و " ستر عورتها وسد جوعتها " (3) وكذا ما ذكره من
الرجوع إلى الأغلب مع الاختلاف، فإنه الأقرب إلى الإضافة المزبورة وإلى حمل الاطلاق،
نعم ما ذكره من الرجوع إلى ما يليق بحال الزوج مع التساوي لا يخلو من نظر،
فإن المتجه في الفرض التخيير بين أفراد ما يليق بها، إذ هو الفرد القريب إلى الإضافة
المزبورة وإلى المعاشرة بالمعروف، كما أن ما ذكره غيره من أنه إن لم يقدر الزوج
على القوت الغالب إما لعدمه أو عدم الوصول إليه فما يليق بالزوج كذلك أيضا، لاحتمال

(1) سورة الطلاق - 65 الآية 7.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 233.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1 وفيه - يسد جوعتها
ويستر عورتها ".
332

احتساب ذلك عليه دينا خصوصا في الأخير، ولو أخذ باطلاق الآية (1) لكان المتجه
اعتبار حال الزوج بالنظر إلى إعساره وإيساره وإن كان القوت الغالب موجودا، ولعل
الخصم لا يلتزم به.
اللهم إلا أن يقال: إن المراد عدم الشئ في نفسه أو حصول المانع إليه من
خوف عام أو نحو ذلك مما هو من عوارض النفقات في العرف والعادة أيضا لا من
عوارض المنفق، فإنه حينئذ قد يقال: العشرة بالمعروف هو المقدور، بل يكون هو
قوت الأمثال في هذا الحال فتأمل جيدا.
قال في كنز العرفان: " قال المعاصر في هذه الآية (2) دلالة على أن المعتبر في
النفقة حال الزوج لا الزوجة، ولذلك أكده بقوله تعالى (3): لا يكلف الله نفسا
إلا ما آتاها " إذ لو كان المعتبر حال الزوجة لا حال الزوج لأدى ذلك في بعض
الأوقات إلى تكليف ما لا يطاق، بأن تكون ذات شرف والزوج معسر، وعندي فيه
نظر أما (أولا) فلفتوى الأصحاب أنه يجب القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام
وإدام وكسوة وإسكان تبعا لعادة أمثالها. و (ثانيا) فلأن قوله تعالى: " لا يكلف
الله " إلى آخره قابل للتقييد، أي في حال التي قدر فيها الرزق، وحينئذ جاز أن
يكون الواجب عليه ما هو عادة أمثالها، فيؤدي ما قدر عليه الآن، ويبقى الباقي
دين عليه، فلذلك اتبع الكلام بقوله تعالى (4): سيجعل الله بعد عسر يسرا ".
قلت: هو صريح فيما قلناه، بل ظاهره الاجماع على ذلك، على أنه يمكن
تنزيل الآية على نفقة غير الزوجة التي يسقط بالاعسار هاهنا ما يعسر عليه حتى
بالكسب بناء على وجوبه لنفقة القريب، والله العالم.
وعلى كل حال فالثاني الادام، والبحث فيه جنسا وقدرا كالاطعام، لاتحاد المدرك
في الجميع، لكن عن المبسوط أن عليه في الأسبوع اللحم مرة، لأنه هو العرف، ويكون
يوم الجمعة لأنه عرف عام، وعن أبي علي أن على المتوسط أن يطعمها اللحم في كل ثلاثة
أيام مرة، والأولى منه الرجوع فيه إلى العرف في أمثال الامرأة ويمكن إرادة الجميع

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 7.
(2) سورة الطلاق: 65 الآية 7.
(3) سورة الطلاق: 65 الآية 7.
(4) سورة الطلاق: 65 الآية 7.
333

ذلك، فلا يكون خلافا، كما أنك قد عرفت المراد في صحيح الشهاب (1) السابق: بل
هو المرجع في جنسه أيضا، وكونه من الضأن وغيره وفي قدره وإن حكي عن
بعضهم أنه رطل، وعن آخر الزيادة عليه بيسير، وحينئذ لو كان عادة أمثالها دوام
أكل اللحم وجب، لأنه هو المعاشرة بالمعروف في رزقهن، بل في كشف اللثام
" وكذا لو اعتادته هي مع التضرر بتركه وإن لم يكن الضرر إلا بمخالفة العادة "
وإن كان لا يخلو من نظر، كما أنه لا يخلو وجوب التنباك والترياق والقهوة لها إذا
كان عادة لأمثالها أولها خاصة ولو مع التضرر بتركه، من نظر أيضا نعم لو تبرمت
بجنس من الادام كان عليه الابدال مع فرض تعدده، لأنه هو حينئذ المعاشرة بالمعروف،
بل لو كان عادة أمثالها أكل الشئ العزيز من القند والمربيات ونحو ذلك وجب، بل
لو كان عادتها هي على وجه تتضرر بتركه أمكن وجوبه وإن كان ذلك كله لا يخلو
من بحث أيضا.
وكيف كان فلها أن تأخذ الادام والطعام وإن لم تأكل، لما تعرف إنشاء
الله من أنها تملكهما بالأخذ فلها التصرف بهما كيف شاءت، وقد سمعت ما في صحيح
شهاب (2) السابق.
الثالث الكسوة، والمرجع فيها وفي جنسها وفي قدرها إلى العادة أيضا وإن
ذكر بعض أصحابنا أنه يجب منها أربع قطع: قميص وسراويل ومقنعة ونعل أو
شمشك، ويزيد في الشتاء الجبة، بل ستسمع نحو ذلك من المصنف، لكن مراد
الجميع ملاحظة العادة في ذلك وفي الجنس أيضا، فلو كان عادة الأمثال القطن أو
الكتان وجب، وكذا الخز والإبريسم ونحوهما دائما أو في وقت، بل لو كانت
من ذوي التجمل وجب لها زيادة على ثياب البدن الثياب له على حسب أمثالها،
فالضابط حينئذ ما عرفت، وعليه يحمل ما في صحيح شهاب (3) السابق، كما أن ما
عن كتب العامة من تعديد أشياء بخصوصها محمول عليه أيضا، ولعل عدم التعرض
لضبط ذلك أولى، ضرورة شدة الاختلاف في الكم والكيف والجنس بالنسبة إلى ذلك

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1.
334

وخصوصا في البلدان.
الرابع الفراش الداخل في عموم الانفاق والمعاشرة بالمعروف، بل في كشف
اللثام " يدخل بعضه في الكسوة " كما أن في القواعد " يجب لها حصير في السيف
والشتاء، فإن كانت متجملة بالزينة والبساط وجب لها ذلك ليلا ونهارا، ويجب لها
ملحفة ولحاف في الشتاء، ومضربة ومخدة، ويرجع في جنس ذلك إلى عادة أمثالها
في البلد " وفي محكي المبسوط " فأما الفراش والوسادة واللحاف وما ينام فيه قال قوم:
يجعل لها فراش ووسادة من غليظ البصري ولحاف منه، وقال قوم: الفراش الذي
يجلس عليه نهارا هو الذي ينام عليه ليلا مثل لبد أو زولية، فأما مضربة محشوة
فلا، لأن العرف هذا، والأول أقوى، لأنه العرف والعادة، ويكون لها لحاف
محشو وقطيفة، فأما خادمتها فلها وسادة وكساء تتغطى به دون الفراش، هذا في امرأة
المؤسر، وأما امرأة المعسر فدون هذا، ويعطيها كساء تتغطى به، ولخادمتها
عباءة أو كساء غليظ تنام فيه أو فروة " قلت: لا يخفى عليك أن إحالة ذلك كله
إلى العادة في القدر والجنس والوصف ونحو ذلك أولى، بل هو المتعين، ضرورة عدم
دليل على الخصوصيات.
الخامس آلة الطبخ والشرب، مثل كوز وجرة وقدر ومغرفة إما من خشب أو حجر
أو خزف أو صفر بحسب عادة أمثالها.
السادس آلة التنظيف، وهي المشط والدهن، ولا يجب الكحل والطيب، ويجب
المزيل للصنان، وله منعها من أكل البصل والثوم وكل ذي رائحة كريهة، ومن
تناول السم والأطعمة الممرضة، ولا تستحق عليه الدواء للمرض، ولا أجرة الحجامة
ولا الحمام إلا مع البرد، وعن المبسوط " أنه شبه الفقهاء الزوج بالمكتري
والزوجة بالمكري دارا، فما كان من تنظيف كالرش والكنس وتنقية الآبار والخلاء
فعلى المكتري لأنه يراد للتنظيف، وما كان من حفظ البينة كبناء الحائط وتغيير
جذع انكسر فعلى المكري، لأنه الأصل، وكذلك الزوج ما يحتاج إليه للنظافة
وترجيل الشعر فعليه، وما كان من الأشياء التي تراد لحفظ الأصل والبنية كالفصد
335

والحجامة فعليها، وإنما يختلفان في شئ واحد، وهو أن ما يحفظ البنية على الدوام
وهو الاطعام فعليه دونها، ففي هذا يفترقان وفي ما عداه يتفقان " وفيه ما لا يخفى.
السابع السكنى، وعليه أن يسكنها دارا يليق بها، إما بعارية أو إجارة
أو ملك.
الثامن نفقة الخادمة إن كانت من أهل الاخدام لشرف أو حاجة، والمرجع
فيه العرف، فإن كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم بنفسها فعليه
إخدامها وإن تواضعت في الخدمة بنفسها، وكذا إن كانت مريضة تحتاج إلى
الاخدام لزم وإن لم تكن شريفة، بل لو كانت الزوجة أمة تستحق الاخدام لجمالها
لزم ذلك لها، لقضاء العادة.
والمرجع في نفقة الخادمة جنسا وقدار وغير ذلك العادة لأمثالها من الخدام
أيضا، وما عن بعض العامة من التقدير للموسر بمد وثلث وللمعسر بمد لا عبرة به
عندنا، وكذا الخلاف في أن الادام دون إدام الزوجة أو مثله.
وقد أشار المصنف إلى أكثرها حتى آلة التنظيف المرادة من قوله: " آلة
الادهان " بمعنى ما تدهن به شعرها وترجله وغيره، كما سمعته من المسالك،
وحتى فراش النوم المشار إليه فيما يأتي بقوله " ولا بد " وحتى نفقة خادمها المشار
إليها بقوله: " فالزوج بالخيار " نعم ليس في كلامه إشارة إلى آلة الطبخ والشراب
ويمكن اكتفاؤه عن ذلك بالاطعام الذي هذه الأمور من مقدماته.
لكن لا يخفى عليك ما في هذه الكلمات من التشويش والاضطراب، ولو
أحالوا ذلك إلى العادة لكن أحسن، وكأنهم تبعوا بذلك ما في كتب العامة من التعرض
لأمثال هذه الأمور التي تستعملها قضاتهم لتناول العشر منها أو غير ذلك من المقاصد
الفاسدة، ضرورة أنه إن كان المدار في الانفاق بذل جميع ما تحتاج إليه المرأة لم
يكن لاستثناء الدواء والطيب والكحل وأجرة الحمام والقصد وجه، وإن كان المدار
على خصوص الكسوة والاطعام والمسكن لم يكن لعدة الفراش والاخدام وخصوصا
336

ما كان منه للمرض وغير ذلك مما سمعته في الواجب منها وجه، وإن جعل المدرك
فيه المعاشرة بالمعروف وإطلاق الانفاق كان المتجه وجوب الجميع، بل وغير
ما ذكروه من أمور أخر لا حصر لها، فالمتجه إحالة جميع ذلك إلى العادة في إنفاق
الأزواج على الزوجات من حيث الزوجية لا من حيث شدة حب ونحوه، من غير
فرق بين ما ذكروه من ذلك وما لم يذكروه، مع مراعاة حال الامرأة والمكان
والزمان ونحو ذلك، ومع التنازع فما يقدره الحاكم من ذلك لقطع الخصومة،
وإلا فليس على ما سمعته منهم إثباتا ونفيا دليل معتد به الخصوص.
(و) منه ما ذكره المصنف وغيره من أنه (يرجع في الاخدام إلى عادتها،
فإن كانت من ذوي الاخدام وجب) للعشرة بالمعروف، (وإلا خدمت نفسها)
من غير فرق في ذلك بين إعسار الزوج وإيساره، نعم الاعتبار بحال الامرأة في بيت
أبيها دون أن ترتفع بالانتقال إلى بيت زوجها.
(و) أنه (إذا وجبت الخدمة فالزوج بالخيار بين الانفاق على خادمها
إن كان لها خادم) فيكون ذلك منه عوض الخدمة حينئذ (وبين ابتياع خادم)
لها (أو استئجارها) حرة أو أمة أو استعارتها أو مملوكة له يأمرها بالخدمة
(أو الخدمة لها بنفسه) وعن بعض العامة والخاصة بل ظاهر المسالك اختياره
تقييد الأخير بما لا يستحيى منه، كغسل الثوب وكنس البيت وطبخ الطعام، أما
ما يستحيي منه كالذي يرجع إلى خدمة نفسها من صب الماء على يدها وحمله إلى
الخلاء وغسل خرقة الحيض فلها الامتناع من خدمته، لما فيه من المشقة عليها المنافية
للعشرة بالمعروف، بل عن بعضهم أن لها الامتناع من قبول خدمته مطلقا، لما فيه
من الحياء والتعيير، وعلى كل حال فالخيار في أفراد الخدمة له، لأنه هو المكلف
بها.
(وليس لها التخيير) فحينئذ لو اختارت خادما واختار الزوج غيره قدم
اختياره، وكذا لو اختار الخدمة بنفسه، لكن عن الفاضل احتمال تقديم اختيارها،
لجواز كون ما تختاره أقوم بخدمتها، ولاحتشامها الزوج عن الخدمة، بل له إبدال
337

خادمتها المألوفة لريبة أو غيرها، لما عرفت من أن له الاختيار ابتداء فكذا استدامة،
واحتمل بعضهم عدمه لغير الريبة، لعسر قطع المألوف، قيل، وللعامة قول بعدم
الابدال مطلقا.
(و) أنه (لا يلزمه أكثر من خادم واحد ولو كانت من ذوي الحشم)
ومن أجل الناس (لأن الاكتفاء يحصل بها) خلافا لما عن بعض العامة، فأوجب
خادما خارج الدار وآخر للداخل، وعن آخر أنه أوجب لمن كانت شريفة زفت
إليه مع جوار كثيرة الانفاق على الجميع، بل عن بعض الأصحاب احتماله، لكونه
من المعاشرة بالمعروف، بل في المسالك احتمال اعتبار عادتها في بيت أبيها، فإن
كانت ممن تخدم بخادمين أو أكثر وجب، لأنه من المعاشرة وإنه لو أرادت استخدام
ثانية وثالثة من مالها فللزوج أن لا يرضى بدخولهن داره، وكذا لو حملت أكثر
من واحدة فله الاقتصار على واحدة وإخراج الباقيات من داره، كما أن له تكليفها
باخراج مالها من داره، ومنع أبويها وولدها من غيره أو غيرهم عن الدخول إليها في
داره، ومنعها من الخروج إليهم للزيارة وغيرها كما في صحيح ابن سنان (1) السابق.
(و) أن (من لا عادة لها بالاخدام يخدمها مع المرض) أو يمرضها
(نظرا إلى العرف) ولا ينحصر هنا في واحدة، بل بحسب الحاجة.
إلى غير ذلك من كلماتهم المشتملة على التعليل الذي هو أعم من المدعي،
بل مع قطع النظر عما ذكرناه لا يخلو أصل وجوب الاخدام الذي لا تعلق له في
الانفاق من نظر، ضرورة حصر الأدلة حقها في ستر العورة وسد الجوعة وإسكانها
(والاسكان خ ل) فلا يجب حينئذ غير هذه الثلاثة، وعلى تقديره من إطلاق الانفاق
والعشرة بالمعروف ونحوها فلا ينبغي عدم الالتفات هنا إلى ما تقتضيه عادة أمثالها
في القدر والجنس أيضا، ضرورة عدم الفرق بينه وبين غيره مما ادعى انصراف إطلاق
الأدلة بل لا ينبغي اخراج الدواء وأجرة الحمام والفصد والحجامة ونحو ذلك، إذ
لا فرق بينها وبين الخادم لها عند المرض وبين غيرها مما أوجبوه للمعاشرة بالمعروف

(1) الوسائل الباب - 91 - من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
338

وإطلاق الانفاق وكون الامرأة عيالا عرفا، بل هو المراد من قوله تعالى (1):
" ذلك أدنى ألا تعولوا " وعيال الرجل ثقله وكل عليه فالمناسب حينئذ جعل المدار
ما أشرنا إليه سابقا مما يعتاد إنفاقه على الزوجات من حيث الزوجية، ملاحظا فيه
حد الوسط الذي هو المراد من المعروف، لا الاسراف الذي يقع من المبذرين،
ولا التقتير الذي يقع من الباخلين، ومع التنازع والتشاح ما يقدره الحاكم في قطع
الخصومة ملاحظا الميزان المعلوم.
(و) كيف كان فقد عرفت فيما تقدم أنه (يرجع في جنس المأدوم
والملبوس) لها ولخادمها (إلى عادة أمثالها) وأمثال خادم مثلها (من أهل
البلد، وكذا في المسكن) وإن كان لا يعتبر فيه تمليكها إياه، لكونه إمتاعا
فيكفي المستعار والمستأجر اتفاقا، بل نص بعض الأصحاب على أنها لو كانت (2)
من أهل البادية لم يكلف الاسكان في بيت مدر وإن كانت من أهل الحضر، بل كفاه
بيت شعر يناسب حالها، للزوم الحرج بالتكليف بذلك، وقضاء العرف بالاكتفاء به،
ولقوله تعالى: (3) " أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم " ولعله لذا قيد بعض
الناس وجوب المسكن المناسب بالقدرة.
(و) لكن ذكر غير واحد من الأصحاب أن (لها المطالبة بالتفرد
بالمسكن عن مشاركة غير الزوج) ضرة أو غيرها، من دار أو حجرة منفردة
المرافق مع القدرة عليه، لأنه من المعاشرة بالمعروف والامساك بالمعروف،
ولفهمه من قوله تعالى (4): " ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن " وإن كان لا يخلو

(1) سورة النساء: 4 - الآية 3.
(2) هكذا في النسختين الأصليتين إلا أن الموجود في كشف اللثام " لو كان من أهل
البادية " وهو الصحيح والظاهر أن المراد من بعض الأصحاب هو الفاضل الهندي (قده)
فإن العبارة إلى آخر الآية مأخوذ من كشف اللثام.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(4) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
339

من نظر مع فرض عدم كون عادة أمثالها كذلك وعدم تضرر لها به وإلا وجب من
هذه الجهة، لا أن ذلك حق لها من حيث كونها زوجة، ولعل الرجوع فيه إلى
الضابط الذي ذكرناه أولى.
(و) كذا تقدم أنه (لا بد في الكسوة من زياد في الشتاء للتدثر، كالمشحوة
لليقظة واللحاف للنوم) وغير ذلك مما يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والنساء،
بل لو كانت من أهل الاصطلاء بالنار وجب الحطب والفحم وغيرهما، كما أنه يجب
ملاحظة حال أمثالها في ثياب الضيف.
(ويرجع في جنسه) أي الدثار وغيره (إلى عادة أمثال المرأة) والخادمة،
وكأن المصنف أخذ وجوبه من الكسوة، وهو كما ترى بالنسبة إلى اللحاف، وكذا
ما تحتاجه من الفراش في اليقظة، ولولا ما ذكرناه لأشكل وجوب ذلك كله، وعليه
فلا ينحصر تعداد أفراده، ومن هنا حصل الزيادة والنقصان في التعداد في كلامهم المبني
على مراعاة عادة أمكنتهم وأزمنتهم وأحوالهم.
(و) قد عرفت فيما مضى أيضا أنه (تزاد إذا كانت من ذوي التجمل
زيادة على ثياب البذلة ما يتجمل أمثالها به) للمعاشرة بالمعروف وإطلاق الانفاق
وانصراف ستر العورة إليه، مضافا إلى ما ذكرناه من الضابط السابق الذي بعد الإحاطة
به وبما قدمناه في جميع هذا المبحث يظهر لك الحال في أطراف المسألة.
340

(وأما اللواحق)
(فمسائل:)
(الأولى:)
(لو قالت: أنا أخدم نفسي ولي نفقه الخادم لم يجب إجابتها) لما عرفت
من كون التخيير في طرف الخدمة إليه، بل في كشف اللثام " أن عليه الاخدام
إن كانت من أهله وإن تواضعت، كما أن عليه الانفاق عليها بما هي أهله، وإن
رضيت بالتقتير " ونحوه في المسالك قال فيها: " لأن ذلك يسقط مرتبتها، وله
أن لا يرضى بها، لأنها تصير مبتذلة، وله في رفعتها حق وغرض صحيح وإن رضيت
باسقاط حقها " وفيه أنه لا وجه للوجوب مع الرضا على وجه الاسقاط للحق، نعم
ليس لها النفقة إن لم تقبل الخادم، لأن الخدمة للنزاهة (و) الدعة فإذا لم تخترها
لم يكن لها عوض عنها.
كما أنها (لو بادرت بالخدمة من غير إذن لم يكن لها المطالبة) بالأجرة
ولا نفقة الخادم وإن ادعت أنها ما تبرعت بمقتضى إطلاق المصنف وغيره، وإن كان
قد يشكل أصل الحكم بعدم الفرق بين الاخدام والكسوة والاطعام في الرجوع
بالعوض مع عدم ظهور اسقاط منها بالاعراض عما بذله لها من ذلك مثلا، إذ
الظاهر أنه لا يتوقف استحقاقها النفقة على المطالبة، فما في المسالك - من تعليل
هذا الحكم بكونها متبرعة فلا أجرة لها ولا نفقة زائدة بسبب الخدمة - يلزمه مثل
ذلك في الاطعام والكسوة، ولعله لا يلتزمه، ضرورة إطلاق الأدلة في استحقاقها ذلك
عليه وعلى وجه إن لم يدفعه إليها يكون دينا عليه إلا إذا أسقطت حقها منه كما
هو واضح، والله العالم.
341

المسألة (الثانية)
لا خلاف في أن (الزوجة تملك) المطالبة ب‍ (- نفقة يومها) في صبيحته
(مع التمكين) وأنه إذا قبضتها كانت ملكا لها، لقوله عليه السلام في صحيح شهاب (1)
المتقدم " وليقدر لكل انسان منهم قوته، فإن شاء أكله وإن شاء وهبه وإن شاء
تصدق به " وظاهرهم بل هو صريح المسالك أن ذلك كذلك في كل ما يتوقف الانتفاع
به من النفقة على إتلاف عينه من مأكل ومشرب ودهن وطين وصابون ونحو ذلك وإن
كان هو لا يقتضي اعتبار الملكية فيه، ضرورة إمكان الاكتفاء بالبذل والإباحة المطلقة،
بل يمكن أن تجامع حتى ما في الصحيح المزبور من التسلط على بيعه وهبته فإنه
من الإباحة ما يكون كذلك، ومن هنا اعترف في كشف اللثام بامكان القول بعدم
اعتبار الملك فيه وأن الواجب إنما هو البذل والإباحة.
قلت: بل لعله متعين بناء على اعتبار التمكين على وجه الجزئية في سبب
ملكها، إذ لا وجه حينئذ لتقدم المسبب على السبب والمعلول على العلة، نعم قد
يتوجه بناء على شرطيته بمعنى أنه يكون شرطا كاشفا أو شرطا للاستقرار فحينئذ
لو قبضتها من الصبح يبقى الملك فيها مراعى حتى ينقضي ذلك اليوم متمكنة، فينكشف
استقراره بأول القبض حينئذ أو يستقر حينئذ، عبارة المتن محتملة للوجوه الثلاثة
وإن كانت لا تخلو من إشعار بالأخير بقرينة ما بعد.
لكن فيه أن ذلك يتم لو كان في الأدلة ما يقتضي سببية قبضها للملك كي
يجمع بينهما حينئذ بما عرفت، كما هو الشأن في الشرط الكاشفة، وليس، إذ
أقصى ما ذكروه في وجه ذلك أنه لما كان المقصود من النفقة القيام بحاجتها وسد
خلتها لكونها محبوسة لأجله وجب أن يدفع إليها يوما فيوما، إذ لا وثوق باجتماع
الشرائط في باقي الزمان، والحاجة تندفع بهذا المقدار، فيجب دفعها في صبيحة كل

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1.
342

يوم إذا طلع الفجر، ولا يلزمها الصبر إلى الليل ليستقر الوجوب، لأنها ربما تجوع
فتتضرر بالتأخير، وربما زاد الضرر إذا افتقرت إلى خبز أو طبخ أو إصلاح، إذ
الواجب عليه دفع الحب مؤونة إصلاحه، وكذا الادام من اللحم ونحوه، لا عين
المأكول.
بل في قواعد الفاضل التصريح بعدم وجوب تسليم الدقيق في الخبز أو القيمة
إلا مع التراضي منهما، وفي كشف اللثام " أما القيمة فالأمر فيها ظاهر، فإن
الواجب إنما هو الطعام، وأما الدقيق والخبز فظاهر أنه لا يجبر الزوج عليهما إذا
دفع الحب مع مؤونة الطحن والخبز والطبخ، وأما الزوجة فالظاهر أنها تجبر على
القبول، كما يعطيه كلام الإرشاد، ويحتمل العدم، كما هو قضية الكلام هنا، لأنهما
لا يصلحان لجميع ما يصلح له الحب " وإن كان لا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد
الإحاطة بما في نصوص (1) المقام من الاقتصار فيها على أن حقها سد جوعتها ونحو
ذلك مما هو أظهر فيما لا يحتاج بعد ذلك إلى عمل كالخبز والطبيخ والتمر وما أشبه
ذلك مما لا يتوقف إلا على تناول المرأة.
بل جزم المحدث البحراني بكون الواجب على الزوج ذلك، فلا تجبر المرأة
حينئذ على قبول الحب ومؤونته، بل يجبر الزوج على ما لا يحتاج إلى مؤونة غير
التناول، وإن كان قد يناقش بمخالفته المعتاد في الانفاق المحمول إطلاقه عليه، كاطلاق
سد الجوعة، لا أقل من أن يكون الزوج مخيرا بين الأمرين إن لم يكن غضاضة
على الزوجة في فعل المطبوخ عليها على وجه ينافي عادة أمثالها.
وعلى كل حال فليس في شئ من ذلك ما يقتضي اعتبار الملكية، فضلا عن
كون القبض سببا فيها، ولو سلم لكان المتجه ذلك أيضا في قبض نفقة الأيام المتعددة،
ولا أظن القائل يلتزم به، ضرورة عدم الفرق في كيفية اشتراط التمكين بين اليوم
الحاضر وغيره، اللهم إلا أن يقال بالفرق بينهما بحضور هذا اليوم الذي هو بمنزلة

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات.
343

تحقق السبب فيه، ولذا قدم قوته على الغرماء في المفلس بخلاف ما عداه، بل لعل
الأمر بالانفاق منزل على ذلك، ضرورة عدم كونه نفقة له بعد انقضائه، بل هو وفاء
دين، فليس نفقته إلا استقباله بما تقع الحاجة فيه إلى صبيحة اليوم الآخر، لكنه
كما ترى أيضا، فليس حينئذ إلا الاجماع على ذلك وما في صحيح الشهاب (1)
السابق، فيكون حينئذ هما الدليل على وجوبها وملكها قبل حصول التمكين، نحو
تقديم غسل الجمعة يوم الخميس، وتقديم الفطرة قبل الهلال، وإلا لأمكن القول
بأن المقدم ما يساوى استحقاقها المؤخر حينئذ، فبعد حصول شرطه أو تمام سببه
يقع التهاتر قهرا، ومع عدمه يرجع عليها بما دفع إليها.
وكيف كان (فلو منعها وانقضى اليوم) ممكنة (استقرت نفقة ذلك
اليوم) في ذمته إن لم تكن قد قبضت، وملكها لها إن كانت قد قبضت (وكذا) الكلام
في (نفقة الأيام) الأخر (وإن لم يقدرها الحاكم ولم يحكم بها) بلا خلاف
فيه بيننا ولا إشكال، ضرورة ثبوت الحق لها وإن سكتت ولم تطالب ولا وقع التقدير
خلافا لمن اعتبر التقدير من العامة.
إنما الكلام فيما لو ماتت في أثناء النهار أو طلقها أو نشزت، وفي موضع من
القواعد الجزم بعدم استردادها في الأولين، لأنها ملكتها، والاسترداد في الأخير
على إشكال من تقديم القبض الموجب للملك قبل النشوز، ومن أن الملك مشروط
بالتمكين، فبالقبض إنما ملكته ملكا مراعي.
وفي كشف اللثام هذا مع بقاء العين، إذ الاتلاف لا دليل فيه على وجوب
العوض مع إباحة المالك والإذن شرعا في الاتلاف، ولا يخفى عليك أن الوجه الأخير
من الاشكال آت أيضا في الأولين، كما لا يخفى عدم الفرق بين الاتلاف وعدمه بعد
أن كان الدفع بعنوان النفقة التي بان عدمها بفوات التمكين.
هذا (و) لكن قال في موضع آخر من القواعد في مسألة ما (لو دفع لها
نفقة لمدة وانقضت تلك المدة ممكنة فقد ملكت النفقة) قولا واحدا (و) كذا

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث 1.
344

(لو استفضلت منها) شيئا بالتقتير عليها (أو) بأن (أنفقت على نفسها من
غيرها كانت ملكا لها) بلا خلاف فيه بينهم، لما عرفته فيما تقدم ما لفظه " فإن
طلقها في الأثناء استعاد نفقة الباقي إلا يوم الطلاق، و لو نشزت أو ماتت أو مات هو
استرد الباقي " أي من النفقة لذلك اليوم ولغيره، وهو مناف لما سمعته منه سابقا،
بل قد يشكل الفرق بين يوم الطلاق وغيره بعد اشتراط التمكين وإن قيل: إنما في
صورة الطلاق مسلمة للعوض الذي هو التمكين، وإنما رده الزوج بالطلاق بخلاف
غيره من الصور التي لا تسليم فيها، لكنه كما ترى، ضرورة صدق عدم حصوله
بفوات الزوجية بسبب الطلاق المأذون فيه شرعا، و المشروط عدم عند شرطه،
كدعوى الفرق بين يوم الطلاق وغيره من الأيام، وبأنها ملكت النفقة ملكا مستقرا
في صبيحته ببذل التمكين أوله بخلاف غيره الذي لا ملك لها فيه أصلا، إذ هي إنما
تملك متجددا بتجدد كل يوم، وذلك لما عرفت من عدم الفرق بين الأيام في
كيفية اشتراط التمكين، فهي وإن ملكت المدفوع إليها في يومه لكنه مراعي
بالتمكين الذي هو كالمعوض، فإن سلم فذاك وإلا استرد بإزائه، نحو المؤجر الذي
يملك تمام الأجرة ملكا مراعي بسلامة العوض للمستأجر بل اللازم على تقدير
الاكتفاء ببذل التمكين أول اليوم الاستقرار في ذمته لها إن لم يدفع لو طلقها في
أثناء اليوم، والظاهر أنهم لا يلتزمون به، ولعله لذلك كله اعترف في كشف اللثام
بأن الفرق مشكل بعد أن حكاه عن قطع الشيخ وغيره، قال: " ولذا احتمل بعض
العامة استرداد نفقة يوم الطلاق ".
قلت: وهو المتجه بناء على ما قدمنا، بل ربما احتمل استرداد جميع نفقة
اليوم والليلة بفوات التمكين ولو في جزء الأخير منها، لكونه في تمام اليوم والليلة،
ولعله ظاهر بعض العبارات، وإن كان الذي يقوى في النظر التوزيع، نحو توزيع
الأعواض على المعوضات، وهذا متجه في نفقة اليوم والليلة الحاضرين، أما ما زاد
عليهما فلا إشكال ولا خلاف في استردادها بالموت والطلاق والنشوز وغير ذلك، قال
345

زرارة (1) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل سافر وترك عند امرأته نفقه ستة أشهر
أو نحوا من ذلك ثم مات بعد شهر أو اثنين، فقال: ترد ما فضل عندها في الميراث ".
وكذا لا خلاف (و) لا إشكال في أنه (لو دفع إليها كسوة لمدة جرت
العادة ببقائها إليها صح) ذلك نفقة، ضرورة كونه المعتاد في مثلها، لعدم كونها
كالطعام الذي يمكن توزيعه يوما فيوما، إنما الكلام في أن ذلك ملك لها أو إمتاع
وكذا الكلام في غير ذلك من أعيان النفقة التي لا يتوقف الانتفاع بها على اتلافها
وإن كان الاستعمال يتلفها لكن بعد مدة نحو فراش النوم واليقظة و آلات التنظيف
من المشط ونحوه، وحينئذ تكون النفقة أقساما ثلاثة: (أحدها) ملك بلا خلاف
وهو طعام اليوم والليلة ونحوها مما يتوقف انتفاعه على إتلافه، كالصابون ونحوه.
و (الثاني) إمتاع بلا خلاف، كالمسكن والخادم ونحوهما مما علم من الأدلة
عدم اعتبار الملك في إنفاقهن. و (الثالث) محل البحث، وهو الكسوة
وما شابهها.
ففي القواعد ومحكي المبسوط وغيره أنها ملك، ولعله الظاهر مما تسمعه
من المصنف وفي الإرشاد وكشف اللثام وغيرهما أنها إمتاع، ومال إليه في فوائد
الشرائع، بل في الرياض أنه أشهر وأجود، ولعله كذلك خصوصا بعد ما عرفت في
الاطعام، مع أن الأصل يقتضي ذلك أيضا، ضرورة عدم ما يدل على اعتبار الملك
في صدق الانفاق المأمور به شرعا، والفرض عدم قصد الباذل له، فلا سبب للملك
شرعا ولا قصدا.
ودعوى أن بذل شخصي الكسوة عن كليها الثابت في الذمة بالتمكين أو
بالزوجية موجب لذلك نحو المدفوع وفاء للدين واضحة المنع، ضرورة أعمية
خطاب الانفاق من اقتضاء ملك مال في الذمة على الزوج كي يكون شخص المدفوع
وفاء عنه بل هو ليس إلا خطابا شرعيا نحو الخطاب بالنفقة للأرحام والمماليك
ونحوها مما لا يقتضي ملكيته.

(1) الوسائل الباب - 99 - من كتاب الوصايا
346

كما أن الآية الكريمة (1) " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن " لا تقتضي
ذلك أيضا وإن عطف فيه الكسوة على الرزق لمعتبر فيه الملكية على ما عرفت،
لكن العطف إنما يقتضي المشاركة في الحكم المثبت للمعطوف عليه في العبارة
لا الأحكام الخارجة الثابتة له بغيرها من الأدلة، نعم الحكم الثابت للمعطوف عليه
وجوب ذلك، فالعطف يقتضي مشاركته له في ذلك، وهو أعم من الملكية والامتاع،
وتعين الأول في الأول من خارج لا يستلزم تعين إرادته في الآية.
وأما النبوي (2) " لهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " فمع ضعف
سنده وعدم وجوده في كتبنا المعتبرة قد يمنع إرادة الملكية من اللام هنا، خصوصا
على القول باشتراكها بين معان المقتضي توقف إرادة واحد بخصوصه منها على
قرينة هي في المقام مفقودة، ومجرد ثبوت الملكية في الزرق غير ملازم لثبوتها في
الكسوة إلا على تقدير قيام الدلالة على إرادتها بالنسبة إليه من اللام المذكور في
الرواية، وهو محل مناقشة إذا ليس إلا الاجماع الذي حكاه جماعة، ولا يستفاد
منه سوى ثبوت الملكية له في الجملة المجامع لثبوتها له غير الرواية، وأما هي
فلا يستفاد منها سوى الاستحقاق الذي هو أعم من ذلك، نحو قوله تعالى (3): " ولهن مثل
الذي عليهن " وكالمفهوم من قوله عليه السلام: (4) " إذا خرجت من بيتها بغير إذنه فلا نفقة لها "
خصوصا بعد استفاضة التعبير في النصوص (5) بكون ذلك من حقوق الزوجة على الزوج،
فلا ريب حينئذ في بقائها على ملكية الزوج إلا مع التصريح بانشاء التمليك لها، فيكون
حينئذ خارجا عن محل النزاع الذي هو أن دفع الكسوة من حيث خطاب النفقة يقتضي
الملك شرعا وإن لم يقصده الدافع في دفعه، ولا القابض في قبضه، اللهم إلا أن يقال:
إنه يجب على الزوج في إنفاقه أن يملك الزوجة الكسوة على وجه إن لم يملكها

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 233 - 228.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 304.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 233 - 228.
(4) الوسائل الباب - 6 - من أبواب النفقات الحديث 1. نقل بالمعنى.
(5) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات.
347

لم يكن منفقا، فيكون ذلك شرطا في إنفاق الكسوة شرعا، وإن كان هو كما
ترى مناف للسيرة المستمرة مع عدم دليل يقضي ذلك، والله العالم.
(و) على كل حال فقد ذكروا أنه تظهر فائدة الخلاف في أمور:
(منها) أنه (لو أخلقتها) أي الكسوة المدفوعة إليها للمدة التي جرت
العادة ببقائها إليها (قبل المدة لم يجب عليه بدلها) على الملك ويجب على
الامتاع، وفيه أن المتجه الابدال عليها مع فرض عدم التقصير في ذلك، وكون
العادة تقتضي بقاؤها إلى المدة لا يستلزم انحصار خطاب النفقة فيها وإلا لكان المتجه
عدم الابدال على التقديرين، نعم قد يقال: على فرض التقصير لا يجب الابدال على
الملك بخلافه على الامتاع وإن ضمنت حينئذ له ما أتلفته بتقصيرها، مع امكان
القول بأنه لا إبدال عليه أيضا، لقاعدة الاجزاء واحتساب ما قبضته نفقة عليها للمدة،
فهي كما لو قبضت تمام نفقتها ثم أتلفتها، ومن هنا قال في المسالك: " ولو أتلفتها
بنفسها فلا إبدال على القولين، لأنه على الامتاع يلزمها ضمانها، فكأنها لم تتلف
- إلى أن قال - ولو تخلقت قبل مجئ الوقت لكثرة تحاملها عليها زيادة على المعتاد
أو قصرت في حفظها ونشرها حيث يفتقر إليه فهو كما لو أتلفتها " فتأمل جيدا.
(و) منها أنه (لو أنقضت المدة والكسوة باقية طالبته بكسوة ما يستقبل)
على الأول دون الثاني، لبقائها على ملكه، وفرض صلاحيتها لاكتسائها، وفيه
أيضا أن ذلك إن كان لاتفاق حسن الكسوة وعدم عروض ما اقتضى خلقها أمكن منع
وجوب الابدال على الأول أيضا، ضرورة أن ملكها لها على جهة الانفاق لا مطلقا،
ولا تقدير للمدة شرعا وإنما هو يزعم بقاء الكسوة إليها، فمع فرض اتفاق بقائها
إليها لا دليل على خطابه بالانفاق، نعم لو استفضلت ذلك بلبس ثياب منها أو
بتحمل العرى أو نحو ذلك أمكن حينئذ القول بأن لها المطالبة على الملك، لنحو ما
سمعته في استفضال الطعام.
و (منها) كما في المسالك وكشف اللثام أنه إذا لم يكسها مدة صارت الكسوة
دينا عليه على الأول دون الثاني الذي معناه تمكينها من الانتفاع الذي لا يتصور ضمانه
348

بعد انقضاء مدته، إذ ليس هو منفعة لها ولا عين، وفيه أنه يكفي في ضمانه كونه
حقا ماليا لها، ولعل ذلك هو مقتضى اللام الذي سمعته في الآية (1) والرواية (2)
وإن لم نقل بكون الكسوة ملكا لها، ولعله لذا احتمله في المسالك، بل هو
المتجه
و (منها) كما في كشف اللثام أنه لا يصح الاعتياض عنها على الامتاع، ويصح
على التمليك، وفيه أنه مبني على السابق من كون الامتاع بشئ يرجع إلى الممتع
نفسه، فلا يقضى من فواته ولا ينقل عينه، ولذا لا يصح الاعتياض عنه لكن فيه
ما عرفت من أنه حق مالي يكون كالدين يقضى مع فواته ويصح الاعتياض عنه ولو
لإرادة إسقاطه عمن عليه، ولعله لذا وجد مضروبا عليه في نسخة الأصل، والله العالم
و (منها) أن له أخذ المدفوع إليها وإعطاؤها غيره على الامتاع دون
التمليك إلا برضاها، وفيه أنه يمكن القول بذلك أيضا عليه باعتبار تزلزل ملكها
وعدم انحصاره فيما قبضته، بل هو مخير في ذلك ابتداء واستدامة إلا أنه
كما ترى.
و (منها) أنه لا يصح لها بيع المأخوذ ولا التصرف فيه بغير اللبس من إجارة
أو إعارة ونحوهما على الامتاع بخلاف الملك ما لم يناف غرض الزوج من التزين
والتجمل ونحوهما، مثل نفقة الطعام التي يؤدي تصرفها بغير الأكل إلى الضعف
وما لا يليق بالزوج من الأحوال، وفيه أنه قد يمنع تصرفها فيه على الملك بناء
على أنه ملك مراعي ببقائها ممكنة إلى تمام المدة، فإنه حينئذ يكون نحو ملك الفضولي
المال الذي لا يجوز له المبادرة إلى التصرف في عينه قبل معرفة الحال، إلى غير ذلك
مما هو مذكور في كتب الأصحاب.
(و) على كل حال ف‍ (- لو سلم إليها نفقة) طعام (لمدة ثم طلقها
قبل انقضائها استعاد نفقة الزمان المتخلف) الذي لم تكن قد ملكته بالقبض، لما

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب النفقات الحديث 1.
349

عرفته من أنها لا تملك عندهم إلا بتجدد كل يوم، بل لو قلنا بملكها به فإنما هو
في مقابلة التمكين، فإذا لم يسلم له بعض العوض استرد ما بإزائه، فملكها حينئذ
مراعي بسلامة العوض، كما أن المؤجر يملك تمام الأجرة ملكا مراعي بسلامة
العوض للمستأجر، نعم في القواعد وغيرها (إلا نصيب يوم الطلاق) فلا يستعاد
منها، قيل: لأنها تملكه في صبيحته ملكا مستقرا ببذل التمكين أوله، بل هو
المحكي عن قطع الشيخ وغيره في الحكمين، لكن قد تقدم لك سابقا ما فيه، وأن
المتجه استعادته أيضا كما لو نشزت أو مات هو أو هي، واحتمال الفرق بأنها في
صورة الطلاق مسلمة للعوض الذي هو التمكين وإنما رده الزوج بالطلاق بخلاف
النشوز والموت كما ترى، بل قد عرفت فيما تقدم عدم الفرق فيما حكم
باستعادته بين بقاء عينه وعدمه، لكونه من المضمون عليها بعد أن كان
مدفوعا على وجه خاص، وإن تقدم في كشف اللثام الفرق بينهما، هذا كله في
نفقة الطعام.
(وأما الكسوة فله استعادتها ما لم تنقض المدة المضروبة لها) بل وإن
انقضت بناء على الامتاع، بل وعلى التمليك في وجه قد تقدم سابقا، نعم لو لم تكن
قد لبستها وقد انقضت المدة اتجه حينئذ استقرار ملكها بناء على التمليك نحو
الطعام المستفضل، وفي القواعد في فروع الامتاع والتمليك " لو طلقها قبل انقضاء
شئ من المدة المضروبة للكسوة كان له استعادتها، ولا يكون له استعادتها إن
طلقها بعدها " أي على التمليك دون الامتاع ثم قال: " ولو أنقضت نصف المدة
سواء لبستها أولا ثم طلقها احتمل على التمليك التشريك واختصاصها به، وكذا
لو ماتت " ولعل وجه الاختصاص أنها ملكتها بالقبض واستحقتها بالتمكين الكامل،
فيكون كنفقة اليوم إذا طلقها في الأثناء، ولكن فيه ما عرفت، فالمتجه حينئذ
انفساخ ملكها عنها مع فرض لبسها له، أما مع عدم كما لو أبقتها لإرادة الاستفضال
كان المتجه التشريك بينهما، هذا كله على التمليك دون الامتاع فإن المتجه عليه
استعادتها مطلقا، فتأمل جيدا.
350

المسألة (الثالثة)
(إذا دخل بها واستمرت تأكل معه وتشرب على العادة لم يكن لها مطالبته
بمدة مؤاكلته) لصدق الانفاق عليها، وحصول الملك لها فيما تتناوله، وللسيرة
المستمرة على ذلك، نعم لها الامتناع من المؤاكلة ابتداء بمعنى أن لها طلب كون
نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء من أكل أو غيره، لا أن المراد امتناعها عن خصوص
هذا الفرد من الانفاق وطلب كون طعامها حبا مثلا أو نحو ذلك، ضرورة عدم دليل
معتد به على وجوب دفع فرد خاص من النفقة، بل ظاهر الأدلة تخيير الزوج بين
جميع أفراد النفقة المناسبة لعادة أمثالها وإن كان هي تملك الفرد المدفوع إليها
منها.
نعم في المسالك " هذا إذا كانت المرأة بالغة رشيدة أو كانت تأكل معه
بإذن الولي، أما لو كانت مولى عليها ولم يأذن الولي فالزوج متطوع به، ولا يسقط
نفقتها، لتوقفها على قبضة أو إذنه ".
وفيه أولا أنه إن كان القبض له مدخلية في كون الشئ نفقة وفي الملك لم يجد
إذن الولي ضرورة سلب أفعال المجنون مثلا وأقواله عن القابلية، فلا بد حينئذ من
قبضة أو وكيله في حصول الملك، وإن كان لا مدخلية له في ذلك - باعتبار أن
الزوج هو المخاطب بالانفاق، وإن كان من ينفق عليه يملك ما يكون في يده
منه، لكنه تمليك شرعي لا مدخلية فيه للقبض ونحوه من الأسباب التي يعتبر فيها
العقل - فلا يحتاج إلى استئذانه في ذلك، ويسقط عنه خطاب النفقة بالمؤاكلة
المزبورة، ولعل السيرة والطريقة على ذلك، وعلى عدم اعتبار قصد الزوج التمليك
فيما يدفعه من الطعام إلى زوجته وعدم قصدها التمليك له وإن كان هو ملك لها
شرعا.
ومن ذلك ينقدح أن الزوجة إذا كانت أمه كان له النفقة عليها بالمؤاكلة
351

ونحوها وإن ملك السيد حينئذ ما يكون في يدها من ذلك، وليس هذا تمليكا
للعبد، بل هو مقتضى إطلاق دليل الانفاق، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان ف‍ (- لو تزوجها ولم يدخل بها وانقضت مدة لم تطالبه
بنفقة لم تجب النفقة على القول بأن المتكين موجب للنفقة أو شرط فيها، إذ لا وثوق
بحصول التمكين لو طلبه) والمشروط عدم عند عدم شرطه، كما أن المسبب لا يحصل
بدون سببه، نعم تجب عليه النفقة بناء على أن سببها العقد والفرض حصوله، وأن
النشوز مانع والفرض عدمه.
هذا ولكن في المسالك وغيرها توجيه نحو ما في المتن من عدم التمكين بأن
المراد منه على ما فسره به غيره أو تقول باللفظ: " سلمت نفسي إليك في أي
وقت شئت وأي مكان شئت " ونحو ذلك، ولا يكفي السكوت وإن وثق ببذلها
التمكين على تقدير طلبه منها، قال: " وتعليل المصنف بعدم الوثوق بحصول التمكين
يريد ذلك، لكن العبارة عنه غير جيدة، بل الأولى التعليل بعدم التمكين كما
ذكرناه، سواء حصل الوثوق أولا، وقد أجاد الشيخ في المبسوط، حيث علل عدم
الوجوب بقوله: لأن النفقة لا تجب إلا بوجود التمكين لا بامكانه، وفي القواعد
جمع بين العلتين، وكان يستغني بإحداهما، وهو عدم التمكين وإن تكلف متكلف
للجمع بينهما فائدة ما " وتبعه على ذلك بعض الأفاضل فاعتبر في التمكين التصريح
باللفظ مع عدم صدور ما ينافيه، أو الدخول بها مرة والوثوق بحصوله بعد ذلك، وفي
الفرض لا تصريح ولا دخول، فلا تمكين فلا نفقة.
وفيه منع اعتبار ذلك في التمكين، ضرورة صدق حصوله عرفا بالوثوق
بحصوله منها لو طلبه في أي زمان أو مكان سواء دلت على ذلك بقول أو فعل أو
علم من حالها ذلك، ولكن عدم النفقة في الفرض باعتبار عدم الوثوق بالحصول لو
طلبه، وحينئذ فالصحيح ما في المتن، بل يمكن أن يكون قد قصد بذلك التعريض
بما سمعته من المبسوط، فتأمل جيدا، والله العالم.
352

ولو فرض كونها مولى عليها بالجنون مثلا قيل: اعتبر في التمكين التصريح
من وليها المتمكن منها ببذلها للزوج في كل مكان أو زمان، ولا يجدي بذلها
نفسها، وفيه أن إطلاق الأدلة يقتضي الاجتزاء به، ضرورة صدق كونها حينئذ امرأة
ممكنة، فيثبت حقها على الرجل الذي هو سد جوعتها وستر عورتها، وليس هذا
من التسبيب المسلوب في أفعال المجنون وأقواله، بل هو أشبه شئ بالحكم الشرعي
المترتب على حصول موضوعه بأي طريق كان، وعدم كونها ممن يصح تصرفها غير
قادح بعد استحقاق الزوج قبضها، ولا اعتبار في كون المقبوض من أهل الاقباض،
كما لو دفع ثمن المبيع وقبضه من صبي أو مجنون أو وجده في الطريق، وكذا لو كان
الزوج مجنونا وقد بذلت الامرأة نفسها له على وجه يصدق تمكينها كفى في مطالبة
الولي بالنفقة، للاطلاق المزبور، فتأمل جيدا.
(تفريع)
(على التمكين: لو كان) الزوج (غائبا) بعد أن مكنته الزوجة وجبت
نفقتها عليه بلا خلاف ولا إشكال مع فرض بقائها على الصفة التي فارقها عليها، وإن
كان قد غاب ولم يكن قد دخل بها (فحضرت عند الحاكم) مثلا (وبذلت التمكين)
الكامل (لم تجب النفقة إلا بعد إعلامه) المتوقف صدق التمكين عليه (ووصوله)
إليها (أو وكيله وتسليمها) نفسها إياه لو أراد نقلها من مكان إلى آخر
(و) نحو ذلك نعم (لو أعلم فلم يبادر ولم ينفذ وكيلا سقط عنه) نفقة زمان
(قدر وصوله) نفسه أو وكيله إليها و (ألزم ب‍) - نفقة (ما زاد) على ذلك، لأن
الامتناع حينئذ منه، ولو أعلمته الحال من غير توسط حاكم فكذلك أيضا، بل في المسالك
لو لم يعرف موضعه كتب الحاكم إلى حكام البلاد التي تتوجه إليها القوافل من
تلك البلد عادة ليطلب وينادى باسمه، فإن لم يظهر فرض الحاكم نفقتها في ماله
الحاضر، وأخذ منها كفيلا بما يصرفه إليها، لأنه لا يؤمن أن تظهر وفاته أو طلاقه
وإن كان قد يناقش بأن المتجه حينئذ سقوطها، لعدم حصول التمكين المتوقف
على إعلامه المفروض عدمه، إذ المشروط عدم عند عدم شرطه، نحو ما اعترف به
353

فيها من وقوف النفقة فيما لو لم يظهر له خبر، أو لم يتمكن الحاكم من الارسال
والبحث عنه بناء على اعتبار التمكين، ضرورة اتحادهما في المدرك الذي هو
ما عرفته.
(و) كيف كان ف‍ (- لو نشزت و) قد غاب عنها وهي كذلك ثم (عادت
إلى الطاعة لم تجب النفقة حتى يعلم وينقضي زمان يمكنه الوصول إليها أو وكيله)
لنحو ما عرفته سابقا، بل هي في الحقيقة من المسألة السابقة وإن فارقتها باستمرار
عدم التمكين في الأولى من حين العقد وتجدده بالنشوز في الثانية، وفي المسالك
أنها تفارقها أيضا في جريان حكم هذه المسألة على القولين أي القول بشرطية
التمكين والقول بكون النشوز مانعا، ضرورة تحققه بخلاف المسألة السابقة، فإنها
مبنية على اعتبار التمكين، ونحوه في كشف اللثام أيضا، وقد يناقش بمنع جريانها
على القول الثاني الذي مبناه على سببية العقد للنفقة وأن النشوز مانع، فمع فرض
عودها إلى الطاعة تحقق ارتفاع المانع، فيكون السبب تام السببية، وليس التمكين
شرطا حتى يتوقف صدقه على إعلامه، كما أن عدم النشوز وارتفاعه لا يتوقف
صدقه على إعلامه، وإنما أقصى ذلك عدم وجوب المبادرة إلى الانفاق عليه عملا
بالاستصحاب، فإذا بان بعد ذلك عودها إلى الطاعة وجب عليه قضاؤها.
ثم إن ظاهر المتن وغيره الاجتزاء في المسألة السابقة وغيرها بناء على اعتبار
التمكين باعلامه ومضي زمان قدر وصوله أو وكيله في وجوب النفقة، من غير فرق
بين حصول المانع له من الوصول بنفسه أو وكيله ولو خوف الطريق أو حبس ظالم
وعدمه، ولعله لصدق التمكين حينئذ من قبلها: فهي حينئذ كما لو مكنته وقد
عرض له نحو هذه العوارض وهو حاضر، فإنه لا ريب في وجوب النفقة لها، لأن
المراد به عندهم رفع الموانع من قبلها لا جعل الاستمتاع ممكنا من كل وجه،
وهو صادق في الفرض، واستثناء زمان الوصول إنما هو من جهة توقف صدق التمكين
منها في حال الغيبة عليه، إذ تمكين كل شئ بحسبه، فمن هذه الجهة حسب عليها
مقدار زمان الوصول بخلاف غيره من الموانع التي لا مدخلية لها فيهن، كما هو
354

واضح، فتأمل جيدا فإنه ربما دق، والله العالم.
(ولو ارتدت) الزوجة الممكنة (سقطت النفقة) لخروجها بذلك عن
الزوجية ظاهرا فيتبعها سقوط النفقة حينئذ (و) لكن (لو غاب وأسلمت عادت
نفقتها عند إسلامها) وإن كان قد انكشف بذلك عدم خروجها عن حكم الزوجية بالارتداد
السابق الذي فرض تعقبه الاسلام بالعدة إلا أنه لما فوتت عليه التمكين من الاستمتاع
بها بسوء اختيارها الارتداد كان ذلك موجبا لسقوط نفقتها على القولين، ضرورة
كونه بحكم النشوز أو أعظم منه بالنسبة إلى ذلك وإن فارقه عند المصنف والمحكي
عن الشيخ بعود النفقة بعودها في غيبته وإن لم يعلم بذلك، بخلافه فإنه لا تعود حتى
يعلم ومضي زمان وصوله أو وكيله إليها كما عرفت، وذلك (لأن الردة سبب
السقوط وقد زالت) فيزول المسبب بزوالها، لأن المعلول عدم عند عدم علته،
فيبقى حينئذ مقتضى النفقة الذي العقد والتمكين بحاله، لأن الفرض عدم خروجها
عن قبضته بالارتداد وإن منعه الشارع عن وطئها والاستمتاع بها. (وليس كذلك
الأولى) أي الناشزة وقد غاب عنها ناشزة (لأنها بالنشوز خرجت عن قبضته فلا
تستحق النفقة إلا بعودها إلى قبضته) وذلك لا يكون إلا بعد إعلامه ومضى الزمان
المذكور.
وربما أشكل ذلك بأن الارتداد مانع شرعي من الاستمتاع وقد حدث من
جهتها، ومتى لم يعلم الزوج بزواله فالواجب عليه الامتناع منها وإن حضر، ولا
يكفي مجرد كونها في قبضته مع عدم العلم بزوال المانع الذي جاء من قبلها فأسقط
النفقة، نعم هذا الفرق يتم لو كان المانعان حصلا في غيبته ولم يعلم بهما فإن نشوزها
بخروجها من بيته إذا أسقط النفقة لم تعد برجوعها إلى بيته، لخروجها عن قبضته،
فلا بد من عودها إليه، ولا يحصل ذلك حال الغيبة، بخلاف ما لو ارتدت ثم رجعت
ولما يعلم بهما، فإن التسليم حاصل مستصحب، والمانع حصل وزال وهو لا يعلم به،
فلم يتحقق من جهته الامتناع منها لأجله بخلاف ما لو علم.
لكن في المسالك " يمكن الجواب عن ذلك بأن العقد لما اقتضى وجوب النفقة
355

إما مع التمكين أو بدونه وهو شرط، فالأصل يقتضي وجوبها إلى أن يختل الشرط،
والارتداد لا يحصل معه الاخلال به، لأن التمكين من قبلها حاصل، وإنما كانت الردة
مانعا، فإذا زال المانع عمل المقتضي لوجوب النفقة عمله، كما أشرنا إليه، بخلاف
النشوز، فإن الشرط والسبب قد انتفى، فلا بد للحكم بوجوب النفقة من عوده، ولا
يحصل إلا بتسليم جديد، فإن قيل: الارتداد لما أسقط وجوبها توقف ثبوتها حينئذ
على سبب شرعي جديد وإلا فحكم السقوط مستصحب، قلنا: السبب موجود، وهو
العقد السابق المصاحب للتمكين لأنه الفرض، فالردة ما رفعت حكم العقد،
ولهذا لو أسلمت عادت إلى الزوجية بالعقد السابق، فعلي هذا لا يفرق بين علمه
بعودها وعدمه ".
ولا يخفى عليك ما فيه بعد أن كان وجه الاشكال المزبور عدم كفاية كونها
في قبضته مع عدم العلم بزوال المانع الذي حدث من قبلها وأسقط النفقة، نعم بناء
على ما ذكرناه من أن سقوط النفقة بالارتداد باعتبار فوات الزوجية ظاهرا، وقد
انكشف باسلامها في العدة بقاء السبب الأول بحاله، وإنما سقط نفقة المتخلل باعتبار
حصول الحائل من قبلها، فلم يكن ثم حينئذ فوات تمكين كي يحتاج في عودها إلى
عوده بخلاف النشوز الذي هو سبب تام في فوات التمكين، فاحتاج حينئذ عود النفقة
إلى عوده، ولا يحصل إلا مع العلم به، إلا أن ذلك كما ترى لا يتم إلا على القول
باعتبار التمكين في النفقة، أما على القول بكون النشوز مانعا فالمتجه عدم الفرق بينه
وبين الارتداد في وجوب النفقة بمجرد ارتفاعه، لصدق كونها زوجة غير ناشز، وعدم
توقف ذلك على علمه، والفرض كونه السبب في النفقة لا تمكينها المحتاج إلى العلم
بحصوله.
اللهم إلا أن يقال: إن الموجب لها صدق ذلك عنده، وهو لا يكون إلا
مع علمه بارتفاع النشوز، وفيه أنه مناف لاطلاق الأدلة، واستصحابه نشوزها إنما
يفيده عدم الإثم في المبادرة إلى نفقتها، لا سقوطها بعد أن تبين فساده بسبق ارتفاعه،
356

فلا محيص حينئذ عن القول بوجوبها بارتفاعه وإن لم يعلم به، فهو حينئذ كالردة
على هذا القول، بل قد يقال بذلك أيضا على القول الآخر بناء على توقف حصول
التمكين على العلم به، ضرورة أنه وإن قلنا بأن إسلامها يكشف عن بقاء الزوجية
السابقة، إلا أنه مع فرض عدم العلم به لا يصدق معه كونها ممكنة، ودعوى عود الزوجية
المصاحبة للتمكين السابق واضحة المنع، على أن التمكين السابق بعد أن تعقبته الردة
التي لا يعلم ارتفاعها غير مجد في حصول التمكين الفعلي الذي هو السبب في وجوب
الانفاق، فتأمل جيدا، فإن منه أيضا يظهر لك الحال في المانعين الحاصلين في غيبته، وأن
المتجه عدم سقوط النفقة بهما معا من غير فرق بين الردة والنشوز، وذلك لعدم صدق
فوات التمكين المفروض استصحابه ومقارنته للواقع وإن تخلل في أثنائه ما كان
يحتاج إلى العلم بارتفاعه في تحقق التمكين لو كان قد علم به، نعم لا بأس بالقول
بسقوط النفقة زمان التخلل، لانتفاء التمكين الذي هو سبب أو شرط في النفقة، بل
هو كالعوض عنها، والله العالم.
المسألة (الرابعة:)
(إذا ادعت) المطلقة (البائن أنها حامل صرفت النفقة إليها يوما فيوما)
جوزا أو وجوبا، لأن ابتداءه لا يعلم إلا من قبلها، فلو لم يجب الانفاق عليها
بادعائها لزم الحرج بحبسها عليه من غير انفاق، مع نهيهن عن كتمان ما خلق الله
في أرحامهن (1) والأمر بالانفاق على أولات الأحمال (2) مع كون المرجع فيه
غالبا إلى ادعائهن، ولأن ذلك جمع بين حقها وحقه المنجبر بالرجوع عليها
لو تبين عدمه، والعكس ينافيه الاضرار بها مع حاجتها إلى النفقة، أو مطلقا لو قلنا:
إن النفقة للحمل الذي لا تقضي نفقته باعتبار كونه من الأرحام.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
357

لكن عن الشيخ في المبسوط تعليق الوجوب على ظهور الحمل، والسرائر على
شهادة أربع قوابل، وفي المسالك " لعله أجود، لانقطاع وجوب الانفاق على الزوجة بالطلاق
البائن، والوجوب معه مشروط بالحمل، كما هو مقتضى قوله تعالى (1): " وإن كن
أولات حمل " والأصل عدمه، وهذا الوصف لا يتحقق بمجرد الدعوى ".
وفيه أن محل البحث في قبول دعواها وعدمه، إذ على فرضه لا تنفع قاعدة الشرط
ولا غيرها، لكونه حينئذ طريقا شرعيا للحكم بتحققه، كما أنه لا وجه للوجوب
مع عدمه لما ذكر، ودعوى المقدمية المنافية لقاعدة الشرطية في نحو المقام واضحة
الفساد، لعدم تحقق الخطاب بذي المقدمة، كوضوح فساد دعوى كون المقام من
قاعدة كل ما لا يعلم إلا من قبل المدعي، ضرورة عدم الفرق بين المدعي وغيره في
عدم معرفة الواقع على وجه اليقين، وفي اشتراكهما في الطمأنينة بالأمارات الظاهرة
على وجه يصدق عليها أنها حامل، كما في غير المقام مما علق عليه حكم للحمل،
والظاهر أن ذلك هو المدار في وجوب الانفاق، فإن صادف إلا استعيد، كما
ستعرف.
وكيف كان (فإن تبين الحمل) فذاك (وإلا استعيدت) النفقة، لعموم
" على اليد " (2) و " من أتلف " (3) والتسليط الذي وقع منه مقيد بكونه نفقة على
حامل لا مطلقا، ودعوى تنزيل خطاب النفقة على مظنونة الحمل بعدم العلم يدفعها
إمكان تنزيلها على الواقع، كما هو مقتضي عنوان كل خطاب، والظن إنما هو
طريق للالزام بالمبادرة، فما في الرياض - من أن الأظهر عدم الرجوع بالمأخوذ
للأصل إلا إذا دلست عليه الحمل فرجع به للغرور - واضح الضعف، ضرورة أن
الانفاق خلاف الأصل بعد أن كان النص (4) الانفاق على أولات الأحمال، فلما

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(2) سنن البيهقي ج 6 ص 95 وكنز العمال ج 5 ص 327 الرقم 5713.
(3) راجع التعليقة من ص 91.
(4) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
358

ظهر فساد الظن علم الخروج من النص، واستحقاقها بالظن إنما كان استحقاقا
مراعي.
ومن ذلك يعرف أيضا ما في المحكي عمن لم يوجب التعجيل من أنه إن عجل
بأمر الحاكم استرد، وإلا فإن لم يذكر عند الدفع أنه نفقة معجلة لم يسترد،
وكان تطوعا، وإن ذكر وشرط الرجوع استرد، وإلا فوجهان، أصحهما الرجوع
نعم هل تطالب الامرأة بكفيل لاحتمال ظهور الخلاف؟ وجهان، وفي المسالك لا
يخلو أولهما من قوة، للجمع بين الحقين، وفيه أن ثانيهما أقوى بعد فرض وجوب
الدفع، لاطلاق الأدلة وأصل البراءة، والله العالم.
(و) كيف كان فقد عرفت فيما تقدم أنه (لا ينفق على بائن غير المطلقة
الحامل) للأصل والنصوص (1) السابقة (وقال الشيخ) في المحكي من مبسوطه:
(ينفق) على البائن الحامل مطلقا (لأن النفقة للولد) وقد عرفت ضعفه بما
لا مزيد عليه، وأن مبناه دعوى وجوبها للمطلقة الحامل لأجل الحمل من حيث كونه
ولدا للمنفق لا لأجلها، فتجب حينئذ حتى للحامل من نكاح فاسد شبهة، وإطلاق
الأخبار وجوبها على الحامل (2) وهي واضحة الفساد، ضرورة رجوع الأول إلى
القياس المحرم عندنا، إذ الآية (3) كالصريحة في الحامل المطلقة وليس فيها ولا في
غيرها من النصوص إشارة إلى كون النفقة للحمل، وإنما المعلوم منها كونها للحامل
وإن كان ذلك بسبب الحمل، بل قد عرفت فيما مضى أنه لا وجه لدعوى كون
النفقة للحمل نفسه، وأما الأخبار التي ادعي عمومها فلم نعثر فيها إلا على خبر
محمد بن قيس (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " الحامل أجلها أن تضع حملها، وعليها نفقتها

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب النفقات.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب النفقات.
(3) سورة الطلاق: 65 الآية 6.
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب النفقات الحديث 3 عن أبي جعفر عليه السلام
كما في التهذيب ج 8 ص 134 والكافي ج 6 ص 103.
359

بالمعروف حتى تضع حملها " المحتاج إلى جابر وليس، الممكن بل لعله الظاهر
إرادة المطلقة فيه، فلا وجه للخروج عن الأصل بمثله ومثل تخريج العلة
المزبورة.
ومن ذلك يظهر لك حال ما في قواعد الفاضل من الاشكال في نفقة الحامل
البائنة بفسخ العيب مثلا بناء على أنها للحامل والجزم بها بناء على أنها للحمل كما
تقدم سابقا، فلاحظ وتأمل.
(فرع)
(على قوله) أي الشيخ ره (إذا لاعنها) لنفي الولد (فبانت منه وهي
حامل فلا نفقة لها لانتفاء الولد) عنه باللعان، فهي كالحائل بالنسبة إليه على
القولين، نعم لو كان لعانها للقذف مع الاعتراف بالولد اتجه بناء نفقتها حينئذ
على القولين فإن قلنا: إنها للحمل وجب هنا، لوجوب الانفاق عليه لولده، وإن
قلنا إنها للحامل سقطت، لعدم الدليل على إلحاق البائنة بغير الطلاق به.
(وكذا لو طلقها ثم ظهر بها حمل فأنكره ولاعنها) فإنها وإن كانت
مطلقة إلا أنها صارت كالحائل بالنسبة إليه بعد نفي الولد باللعان، فلا نفقة حينئذ لها
على القولين أيضا (ولو أكذب نفسه بعد اللعان واستلحقه لزمه الانفاق) بناء
على أنه للحمل، (لأنه) حينئذ (من حقوق الولد) الذي لحقه باقراره،
فيجب حينئذ النفقة لأمه قبل الوضع، نعم ظاهر المصنف بل هو صريح المسالك
عدم وجوب النفقة فيما لو أكذب نفسه بناء على أنها للحامل في الصورتين، وقد
يناقش فيه بأن الثانية حينئذ مطلقة حامل فالمتجه وجوب النفقة لها على كل
حال. اللهم إلا أن يقال: إنما باللعان صارت بائنة بغير الطلاق أيضا، وقد
عرفت أنه لا نفقة للبائنة بغيره وإن كانت حاملا، وفيه منع إبطال اللعان صدق
360

كونها مطلقة حاملا، وحينئذ فالمتجه الوجوب لها بل وقضاء ما فات منها، كما
أن المتجه عدم وجوب قضاء ما فات بناء على أنها للحمل، لكونها حينئذ من نفقة
الأقارب التي لا تقضي.
لكن عن المبسوط أن لها الرجوع بذلك وبما أنفقته عليه بعد الوضع، ولعله
لأن النفقة وإن كانت للحمل إلا أنها مصروفة إليها، فهي صاحبة حق بها، فتكون
دينا كنفقة الزوجة، ولأنه السبب في الحكم حاكم بوجوب النفقة عليها، فيضمن
لكونه أقوى من المباشر، بل اللعان من الشهادة التي من حكمها ضمان الشاهد بما
يتلف بسبب شهادته لو رجع عنها.
إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم كون اللعان من الشهادة وإن أطلقت
عليه، وعدم استناد نفقتها على الولد إلى الحكم حاكم بها عليها، هذا كله بناء
على أنها للحمل.
أما على القول بأنها للحامل فلا نفقة لها أصلا في الصورتين وإن كان قد أكذب
نفسه بصيرورتها حينئذ بائنا باللعان الذي هو غير الطلاق، وهو واضح كوضوح
جريان الكلام منا هنا على مذاقهم في تفسير كونها للحمل أو للحامل، لا على ما قلناه
سابقا، فلاحظ وتأمل.
المسألة (الخامسة)
(قال الشيخ) في المحكي من مبسوطه ما حاصله أن (نفقة زوجة المملوك)
المأذون في التزويج (تتعلق) بكسبه إن كان مكتسبا و (برقبته إن لم يكن
مكتسبا ويباع منه في كل يوم بقدر ما يجب عليه) منها إن أمكن، وإلا بيع كله
كما في الجناية، ووقف ثمنه للانفاق، وقد انتقل ملك سيده منه إلى آخر.
(وقال آخرون تجب) النفقة (في ذمته) يتبع بها بعد العتق واليسار
361

(ولو قيل تلزم السيد لوقوع العقد بإذنه) والإذن في الشئ إذن في لوازمه (كان
حسنا) بل هو المحكي عن ابني حمزة وإدريس، بل وابن الجنيد، وقد تقدم سابقا
الكلام فيه.
و (قال) الشيخ (ره) أيضا (ولو كان مكاتبا لم تجب) عليه
(نفقة ولده من زوجته، وتلزمه نفقة الولد من أمته) التي اشتراها بإذن السيد
(لأنه) حينئذ بحكم (ماله) فتجب عليه نفقته من كسبه كنفقة الحيوان المملوك
له، ولا ينعتق عليه، لعدم استقرار ملكه عليه بخلاف الولد من الزوجة، فإنه إن
كانت حرة كان الولد حرا، ونفقته على أمه حينئذ لكون الأب مملوكا لا يقدر
على شئ، وإن كانت أمة وقد اشترط مولاها الانفراد بالرق كان الولد ملكا له،
فتجب نفقته عليه، وإلا كان مشتركا بين الموليين، فتجب نقته عليهما دونه،
ولكن الانصاف مع ذلك قد يستشكل في الأول كما في كشف اللثام بأنه لا دليل
على جواز الانفاق ثم لزومه على مملوك السيد من ماله بغير إذنه اللهم إلا أن مقتضي
الكتابة ذلك، (و) على كل حال لا نفقة عليه لولده الحر.
نعم (لو تحرر منه) أي المكاتب (شئ كانت نفقته) أي الولد الحر
(في ماله بقدر ما تحرر منه) لأن الرق مانع من الوجوب، فإذا زال بعضه زال
بعض المانع وثبت بعض الممنوع، وإن كان له التصرف في نصيبه مما يملكه كيف
شاء وأمكنه تمام الانفاق منه، فما عن العامة من الوجه بوجوب تمام النفقة في غير
محله، وأما نفقة زوجة المكاتب فالظاهر أنها باقية على السيد إلى أن يتحرر أجمع
فيكون عليه، أو بعضه فعليه بقدر ما تحرر منه، فما في المسالك من وجوبها في كسبه
لا دليل عليه.
362

المسألة (السادسة:)
(إذا طلق الحامل) التي علم أنها كذلك في زمان من الأزمنة (رجعية
فادعت أن الطلاق) قد كان (بعد الوضع) فلها النفقة عليه لكونها حينئذ في
العدة (وأنكر) هو ذلك وادعى أن طلاقها قد كان قبل الوضع فلا نفقة لها
لخروجها عن العدة به حينئذ (فالقول قولها مع يمينها) لأصالة تأخره، وأصالة
بقائها في العدة وبقاء النفقة (و) لكن (يحكم عليه بالبينونة) منها وعدم
الرجوع له بها (تديينا له باقراره) المسموع في حقه دون حق غيره (ولها
النفقة) حينئذ عليه وإن كانت بائنا في حقه وخارجة من العدة (استصحابا
لدوام) حكم (الزوجية).
ولو انعكس الفرض بأن ادعى هو تأخير الطلاق لإرادة إثبات حق الرجعة
بها وأنكرت هي ذلك وادعت أنه قبل الوضع كان القول قوله بيمينه، لما عرفت
لكن ليس لها المطالبة بالنفقة، لاعترافها بعدم استحقاقها.
هذا وظاهر إطلاق المصنف عدم الفرق في الحكم المزبور بين اتفاقهما على
تاريخ أحدهما وعدمه، لكن في المسالك " ولو قيل بتخصيص هذا الحكم بما إذا
لم يعينا زمانا لأحدهما أما لو اتفقا عليه واختلفا في تقدم الآخر وتأخره فالقول
قول مدعي تأخره مطلقا لأصالة عدم تقدمه واستقرار حال ما اتفقا عليه كان حسنا
فلو فرض أن الطلاق وقع يوم الجمعة مثلا واختلفا في زمان الوضع، وادعت أنه
يوم الخميس في المسألة الأولى وادعى هو وقوعه يوم السبت مثلا فالقول قوله،
لأصالة عدم تقدم الوضع ولو انعكست الدعوى بأن ادعت هي تأخره وادعى هو
تقدمه فالقول قولها لما ذكر، ولو اتفقا على وقوع الوضع يوم الجمعة مثلا واختلفا
في تقدم الطلاق وتأخره فالقول قول مدعي التأخير في المسألتين ".
وفيه أن مفروض البحث تقدم الطلاق وتأخره، ولا ريب في أن القول قول من
363

يدعي تأخره، والوضع وعدمه لا مدخلية له في ذلك، وإنما هو من المقارنات ولازم
إحدى الدعويين نعم لو كان الاختلاف بينهما في دعوى تقدم الطلاق على الوضع وتقدم
الوضع على الطلاق اتجه ما ذكره حينئذ.
مع أنا نقول أيضا على تقديره فيه ما ذكرناه غير مرة من أن أصالة تأخر
الحادث إنما تقضي تأخره في نفسه لا عن مفروض الدعوى وإلا كانت من الأصول
المثبتة المعارضة بمثلها، إذ الأصل أيضا عدم تأخره عنه، لكونه من الحوادث أيضا
فالتحقيق حينئذ عدم الفرق بين العلم بزمان أحدهما وعدمه الذي قد عرفت حكمه،
وأنه لا يحكم فيه بالاقتران الذي هو أيضا من الحوادث، والأصل عدمه.
وبذلك ظهر قوة إطلاق المصنف وضعف التقييد المزبور، وأضعف منه ما حكاه
هو أيضا قال: " وربما قيل بأنه مع الاتفاق على أحدهما والاختلاف في الآخر يقدم
قول الزوج في الطلاق مطلقا لأنه من فعله، وقولها في الوضع مطلقا كذلك " (1)
ضرورة عدم الدليل على قبول كل ما كان من فعل المدعي وإن كان لا يعسر اطلاع
الغير عليه، بل ظاهر الأدلة التي منها " البينة على المدعي " (2) خلافه، كما هو
واضح
المسألة (السابعة:)
(إذا كان له على زوجته دين) وامتنعت عن أدائه (جاز) له (أن
يقاصها يوما فيوما إن كانت موسرة) لاطلاق الأدلة فينوي الاستيفاء بما لها عليه
في صبيحة كل يوم يوم، ولا يجوز له ذلك مع عدم امتناعها، لأن التخيير في جهات
القضاء من أموالها إليها، إلا أن يفرض التهاتر قهرا بأن يكون له عليها مثل النفقة
التي تستحقها منه.

(1) هكذا في النسخة الأصلية وفي المسالك " لذلك ".
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.
364

(و) كذا (لا يجوز) له المقاصة (مع إعسارها لأن قضاء الدين
فيما يفضل عن القوت و) لذا استثنى للمفلس، نعم (لو رضيت هي بذلك لم يكن
له الامتناع) إلا مع المخالفة لجنس الحق أو مع التضرر له بضعفها عن حقه.
بقي شئ وهو أنه لو فرض مساواة ماله عليها لما تستحقه عليه هل يقع التهاتر
قهرا وإن كانت معسرة؟ يحتمل ذلك، واستثناء القوت إنما هو فيما لو استوفى
لاما إذا حصل الوفاء قهرا، باعتبار عدم تصور أنه يملك عليه ما يملكه عليه، إذ
ليس هو إلا كلي واحد، وحينئذ فلا ينقدح إشكال في قوله: " ولو رضيت بذلك " إلى
آخره بأن يقال مع اتحاد الجنس يقع التهاتر قهرا، ومع اختلافه له الامتناع حينئذ
فتأمل جيدا، والله العالم.
المسألة (الثامنة:)
(نفقة) النفس مقدمة على نفقة الزوجة عن التعارض بلا خلاف ولا إشكال
لأهمية النفس عند الشارع، و (الزوجة مقدمة على الأقارب) لكونها من
المعاوضة، ولذا تجب لها مع غناها وفقرها مع غني الزوج وفقره، ولو بأن تكون
دينا عليه، بخلاف نفقة الأقارب التي هي من المواساة، ولذا لا تقضي ولا تكون
دينا مع الاعسار، حينئذ (فما فضل عن قوته صرفه إليها ثم لا يدفع إلى الأقارب
إلا ما يفضل عن واجب الزوجة ل‍) - ما عرفت من (أنها نفقة معاوضة) و (تثبت
في الذمة) نعم تقدم نفقة الأقارب على ما فات من نفقة الزوجة الذي قد صار دينا،
بخلاف النفقة الحاضرة التي هو أعظم من الدين، ولذا قدمت عليه في المفلس، فما
عن بعض الشافعية - من تقديم نفقة الطفل على الزوجة - في غير محله، وأضعف منه
احتمال تقديم نفقة القريب مطلقا عليها باعتبار كونها من الديون التي تقدم نفقة
القريب عليها كما في المفلس، وربما أيد بما روي (1) من " أن رجلا جاء إلى

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 466 وليس فيه " أنفقه في سبيل الله " وإنما هو مذكور في
الرواية التي رواها الشيخ (قده) في المبسوط ج 6 ص 3.
365

النبي صلى الله عليه وآله فقال: معي دينار فقال: أنفقه على نفسك، فقال: معي آخر، فقال:
أنفقه على ولدك، فقال: معي آخر، فقال: أنفقه على أهلك، فقال: معي آخر،
فقال: أنفقه على خادمك، فقال: معي آخر، فقال: أنفقه في سبيل الله " فقدم نفقة
الولد على الأهل كما قدم نفقة النفس عليه، إلا أن الجميع كما ترى، خصوصا
بعد كون الخبر من غير طرقنا ومحتملا للانفاق على وجه التبرع توسعا في النفقة،
كما يومئ إليه ما في آخره الذي لم يعلم وجوبه، و الله العالم.
و (أما القول)
(في نفقة الأقارب) فتفصيل البحث (و) تمام (الكلام) فيه يكون
(فيمن ينفق عليه وكيفية الانفاق واللواحق).
أما الأول ف‍ (- تجب) أي (النفقة على الأبوين والأولاد إجماعا)
من المسلمين فضلا عن المؤمنين ونصوصا مستفيضة أو متواترة، قال حريز (1):
" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من الذي أجير عليه وتلزمني نفقته؟ فقال: الوالدان
والولد و الزوجة " ونحوه صحيح الحلبي (2) لكن مع زيادة " والوارث الصغير، يعني
الأخ وابن الأخ وغيره " قال محمد بن مسلم (3): " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من يلزم
الرجل من قرابته ممن ينفق عليه؟ قال: الوالدان والولد والزوجة ".
وفي مرسل جميل (4) عن أحدهما عليهما السلام " لا يجبر الرجل إلا على نفقة
الأبوين والولد، قلت لجميل: فالمرأة؟ قال: روى بعض أصحابنا وهو عنبسة بن
ابن مصعب وسورة بن كليب عن أحدهما عليهما السلام أنه إذا كساها ما يواري عورتها وأطعمها

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات الحديث 3 - 5.
(2) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 9. راجع الفقيه ج 3 ص 59
الرقم 209.
(3) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات الحديث 3 - 5.
(4) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 4.
366

ما يقيم صلبها أقامت معه وإلا طلقها، قال: قلت لجميل: فهل يجبر على نفقة
الأخت؟ قال: إن جبر على نفقة الأخت كان ذلك خلاف الرواية " إلى غير ذلك من
النصوص المتفقة على وجوب نفقة العمودين (و) الأولاد.
إنما الكلام (في وجوب الانفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم) ففي النافع
(تردد) من الأصل وعدم دخولهم في إطلاق الوالدين والأبوين، ومن ظهور
الأصحاب عليه، بل في كتاب المقدس البغدادي أنه حكى الاجماع عليه فضلا عن
إشعار جملة من العبارات به، كما اعترف به في الرياض وغيره، بل لم نعرف المناقشة
من أحد منهم سوى المصنف هنا والنافع، مع أنه قال: أشبه و (أظهره الوجوب)
للظن إن لم يكن القطع بإرادة من علا منهم من الوالدين والأبوين هنا ولو بمعونة
الاتفاق ظاهرا، مضافا إلى ما يشعر به الخبر (1) " في الزكاة يعطى منها الأخ والأخت
والعم والعمة والخال والخالة، ولا يعطى الجد والجدة " خصوصا بعد استفاضة
النصوص (2) وانعقاد الاجماع على حرمتها لواجبي النفقة، فليس النهي عن إعطائهما
حينئذ إلا لوجوب نفقتهما، بل لا بد من إرادتهما من الأب والأم حينئذ في
الصحيح (3) " خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب والأم والولد والمملوك والزوجة،
وذلك لأنهم عياله لازمون له ".
وكذا الكلام في أولاد الأولاد ولو البنات منهم وإن نزلوا الذي لم يتردد
فيهم المصنف، بل يدل على الانفاق عليهم مضافا إلى ما سمعت قوله تعالى (4):
" ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم " هذا كله بعد تسليم عدم
انصراف إطلاق الوالدين والأبوين والولد لمن علا وإن نزل، وإلا كما أوضحناه

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3 - 1 من كتاب الزكاة.
(2) الوسائل الباب - 13 و 14 - من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.
(3) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3 - 1 من كتاب الزكاة.
(4) سورة الإسراء: 17 - الآية 31.
367

في كتاب الخمس فلا إشكال حينئذ في أصل المسألة، ولعل المقام من الشواهد لما
ذكرناه هناك أيضا، والله العالم.
نعم لا إشكال بل (و) لا خلاف محقق في أنه (لا تجب) النفقة (على
غير العمودين) والأولاد (من الأقارب) ممن كان على حاشية النسب
(كالأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم) بل في الرياض الاجماع في الظاهر
عليه، للأصل والحصر في النصوص (1) السابقة الذي قد سمعت الاعتراف به من جميل
واستفاضة النصوص (2) في إعطائهم الزكاة المنافي لوجوب الانفاق عليهم كما عرفت،
مؤيدة بما عرفت من ظهور الاتفاق عليه.
وما في القواعد من حكاية قول بالوجوب على الوارث لم نعرف قائله وإن
أسنده شراحه إلى الشيخ، إلا أن المحكي عنه في المبسوط القطع بخلاف ذلك،
بل ظاهره الاجماع، نعم عن الخلاف احتماله، وفي محكي المبسوط إسناد الوجوب
إلى رواية (3) حملها على الاستحباب، مع أنه أنكر جملة ممن تأخر عنه - كما قيل -
العثور عليها، وإن كان فيه أنه يمكن إرادة الصحيح السابق وإن كان هو أخص من
ذلك أو خبر غياث (4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " أتى أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه بيتيم فقال: خذوا بنفقته أقرب الناس إليه من العشيرة ممن يأكل
ميراثه " الذي حمله الشيخ في محكي الاستبصار على الندب أو على ما إذا لم يكن
وارث غيره بحيث إذا مات أحدهما ورث الآخر لا كل وارث، مع أن المحمول
عليه أخيرا أيضا لا وجه له ولا دليل عليه، بل هو محجوج بما عرفت، ونحوه ما عن

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 4 - 9 والباب - 11 - منها.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3 والباب - 14
و 15 - منها.
(3) المبسوط ج 6 ص 35 ط الحديث.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات الحديث 4.
368

سيد المدارك من الميل إلى العمل بمضمون الصحيح (1) السابق المتضمن لوجوب الانفاق
على الوارث الصغير.
ضرورة عدم الالتفات إلى أمثال ذلك بعد استقرار الكلمة في الأعصار المتعددة
على عدم الوجوب، وبعد ما سمعت من الأدلة المعتضدة بما يشعر به مرسل زكريا
المروي (2) عن الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام " من عال ابنتين أو أختين أو عمتين
أو خالتين حجبناه من النار بإذن الله " وبالمروي من تفسير العسكري عليه السلام (3) لقوله
تعالى (4): " ومما رزقناهم ينفقون من الصدقات والزكاة والحقوق اللازمات
- إلى أن قال -: وذوي الأرحام القريبات والآباء والأمهات وكالنفقات المستحبة
على من لم يكن فرض عليهم النفقة وسائر القرابات " وبعد معروفية القول المزبور
لابن أبي ليلى الذي هو من الذين جعل الله الرشد في خلافهم، مستدلا عليه بقوله
تعالى (5): " وعلى الوارث مثل ذلك " بناء على أن المراد منه وعلى الوارث
للصبي، وفيه أنه خلاف الظاهر، بل المراد به الكناية عن الصبي الرضيع، أي
عليه في ماله الذي ورثه من أبيه مثل ما كان على أبيه من الانفاق بالمعروف على أمه،
كما أشار إليه في المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام (6) " أنه قضى في رجل توفي
وترك صبيا واسترضع له أن أجر رضاع الصبي مما يرث من أبيه وأمه " أو المراد به
الباقي، نحو قوله عليه السلام (7) " واجعلهما الوارثين مني " أي الباقيين فيكون المعنى:
وعلى الباقي من الأبوين مثل ذلك.
وعلى كل حال فلا ريب في عدم ظهور الآية فيما ذكره، خصوصا بعد ما

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب النفقات الحديث 9.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب - 12 - من أبواب النفقات الحديث 1 - 2.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 3 - 233.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 3 - 233.
(6) الوسائل الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد الحديث - 2 - 3.
(7) ورد ذلك في الدعاء المعروف للحسين عليه السلام في يوم عرفة إلا أن فيه: " واجعل
سمعي وبصري الوارثين مني... "
369

أكثروا فيها من الاحتمالات، بل لم يدعوا وجها يمكن القول به إلا قال به بعضهم،
فعن ابن عباس أن المراد به وارث الأب، وعن الحسن وقتادة وأبي مسلم والقاضي
وغيرهم وارث الولد، وهؤلاء اختلفوا، فعن عمر والحسن ومجاهد وعطاء وسفيان
وإبراهيم أنه العصبات دون الأم وإخوة الأم، وعن قتادة وابن أبي ليلى مطلق وارثه
من الرجال والنساء على قدر النصيب من الميراث، وعن أبي حنيفة وأصحابه أنه
الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون غيرهم من ابن العم والمولى، وعن بعضهم أن
المراد بالوارث الباقي من الأبوين، وعن مالك والشافعي أن المراد به الصبي نفسه
الذي هو وارث أبيه المتوفى، على معنى أن أجرة رضاعة فيما له الذي ورثه من
أبيه إن كان له مال، وإلا أجبرت الأم على رضاعه.
بل اختلفوا في المراد بمثل ذلك، فقيل: إنه النفقة والكسوة، وقيل ترك
الاضرار، وقيل منهما كما عن أكثر أهل العلم، وفي الصافي عن العياشي عن
الباقر عليه السلام (1) أنه سئل عنه أي قوله: " وعلى الوارث " فقال: " النفقة على
الوارث مثل ما على الوالد " وعن الصادق عليه السلام (2) أنه سئل عنه، فقال: " لا ينبغي
للوارث أن يضار المرأة، فيقول: لا أدع ولدها يأتيها ويضار ولدها إن كان عبد
لهم عنده شئ فلا ينبغي أن يقتر عليه " وفي الكافي عنه عليه السلام (3) في قوله تعالى:
" وعلى الوارث " إلى آخره " إنه نهى أن يضار بالصبي أو تضار أمه في رضاعه،
وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين " إلى غير ذلك مما هو مذكور
في كتب العامة والخاصة مما يقتضي اجمال الآية، أو إرادة غير ما نحن فيه، أو ما
ذكرناه مما هو موافق لما سمعت من النص والفتوى، فلا وجه للاستدلال بل
لا ينبغي حتى على الاستحباب الذي يتسامح فيه، كما وقع بعضهم، نعم لا بأس

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب النفقات الحديث 3 و 4 والأول عن أحدهما
عليهما السلام.
(2) الوسائل الباب - 12 - من أبواب النفقات الحديث 3 و 4 والأول عن أحدهما
عليهما السلام.
(3) الوسائل الباب - 70 - من أبواب أحكام الحديث 3 راجع الكافي
ج 6 ص 41.
370

في حمل الخبر (1) المزبور عليه أي الندب أو التقية أو طرحه، لقصوره عن
المقاومة لما سمعت من وجوه، والاتفاق على أنه من الشواذ التي أمرنا بالاعراض
عنها، والله العالم.
هذا و (لكن تستحب) نفقتهم التي هي من صلة الرحم الذي قال الله تعالى
شأنه فيه (2): " واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام " وقال رسول الله صلى الله عليه وآله (3):
" لا صدقة وذو رحم محتاج " (ويتأكد) الاستحباب (في الوارث منهم) لما
عرفته من الخبر (4) المزبور وغيره، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف في أنه (يشترط في وجوب الانفاق الفقر)
في المنفق عليه، بمعنى عدم وجدانه تمام ما يقوته، بل ربما ظهر من بعضهم الاجماع
عليه، للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة بعد انصرافها لغير المفروض.
(و) إنما الكلام في أنه (هل يشترط) مع ذلك (العجز عن الاكتساب)
اللائق بحاله؟ (الأظهر) عند المصنف بل لعله الأشهر (اشتراطه) بل لم
أعثر فيه على مخالف هنا (لأن النفقة معونة على سد الخلة، والمكتسب قادر فهو
كالغني) ولذا منع من الزكاة والكفارة المشروطة بالفقر، فعن النبي صلى الله عليه وآله (5)
" لاحظ في الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب " لكن قد يناقش بمنع صدق الغني عرفا
على القادر المعرض عن الاكتساب، بل يصدق عليه أنه محتاج، ولا دليل على أنه

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات الحديث 4.
(2) سورة النساء: 4 - الآية 1.
(3) الوسائل الباب - 20 - من أبواب الصدقة الحديث 4 من كتاب الزكاة راجع
الفقيه ج 2 ص 38 - الرقم 166 و ج 4 ص 267.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات الحديث 4.
(5) المستدرك الباب - 6 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2 من كتاب الزكاة
وفيه " لا يحل "
371

بحكم الغني شرعا، نعم لو تلبس بالاكتساب الساد لخلته كان غنيا أو بحكمه،
و لعل هذا هو المراد من الخبر المزبور، بل يمكن تنزيل كلام الأصحاب أيضا عليه،
كما أوضحنا ذلك في باب الزكاة.
ومن الغريب ما وقع من بعضهم هنا أن الامرأة القادرة على التكسب بالتزويج
كذلك بحكم الغني، إذ من الواضح عدم اندراج نحو ذلك في القدرة على التكسب
الذي هو بحكم الغني، وأغرب من ذلك ما عن شرح النافع من احتمال اشتراط
عدم تمكن القريب من آخذ من الزكاة ونحوها من الحقوق، والله العالم.
(و) على كل حال ف‍ (- لا عبرة) عندنا كما عن الخلاف (بنقصان
الخلقة) بعمى أو إقعاد ونحوهما (ولا بنقصان الحكم) بجنون أو صغر (مع
الفقر والعجز) لاطلاق الأدلة خلافا لبعض العامة فتجب حينئذ نفقة الصحيح الكامل
في الأحكام إذا كان فقيرا غير مكتسب، كما أنها لا تجب للأعمى ولا للمقعد
وغير الكامل مع الغنى بالمال أو بالتكسب، بل صرح بعضهم بعدم وجوبها للطفل
مثلا إذا بلغ حدا يستطيع تحصيل نفقته بالتكسب بإذن الولي، وإن كان فيه ما فيه
بناء على ما سمعته منا ما لم يتلبس بذلك، كما هو واضح.
(وتجب) النفقة بلا خلاف أجده فيه لمن عرفت من الأصول والفروع
(ولو كان فاسقا أو كافرا) بلا خلاف أجده فيه، بل عن جماعة الاجماع
عليه، لاطلاق الأدلة وخصوصا في الوالدين المأمور بمصاحبتهما بالمعروف مع
كفرهما (1) لكن قد يناقش بمعارضة ذلك للنهي (2) عن الموادة لمن نصب لله المحادة
ولو من وجه، فإن مقتضاه التساقط والرجوع إلى الأصل المنافي للوجوب، ويدفع
بأنه لا ريب في ترجيح الأول بما سمعت من الاجماع المحكي المعتضد بفتوى الأصحاب
مع إمكان منع كونه ذلك موادة، خصوصا بعد الأمر بالمصاحبة بالمعروف
للوالدين الكافرين، فهو حينئذ كالخاص بالنسبة إلى ذلك، ويتم بالنسبة للأولاد،

(1) سورة لقمان: 31 - الآية 15.
(2) سورة المجادلة: 58 - الآية 22.
372

لعدم القول بالفصل.
ولعله لذا قال في محكي المبسوط " كل سبب يجب به الانفاق من زوجية
ونسب وملك يمين فإنا نوجبها مع اختلاف الدين كما نوجبها مع اتفاقه، لأن
وجوبها بالقرابة، وتفارق الميراث، لأنه يستحق بالقرابة في الموالاة واختلاف الدين
يقطع الموالاة " وفي المسالك " أنه أغرب المحقق الشيخ فخر الدين حيث جعل
المانع من الإرث كالرق والكفر والقتل مانعا من وجوب الانفاق، وربما نقل عنه أن
ذلك إجماعي ".
قلت: لعل وجهه وجوب نفقة المملوك على المولى دون القريب، وإسقاط
التكليف عن المقتول بالقتل، والنهي عن الموادة للكافر المنافية للانفاق على القرابة
الذي منشؤه المواساة وصلة الرحم، وإن كان في الأخير ما سمعت. وما يقال - من
أن ذلك في الرق لا يمنع النفقة على القريب، بل أقصاه أولوية المالك منه باعتبار
استيفائه لمنافعه، وإلا تجب على القريب مع فرض إعسار الموالي أو تقصيره على وجه
لا يمكن جبره عليه أو على بيعه - يمكن منعه بعد تخصيص أدلة المقام بما دل على
وجوبها على المالك، وفرض إعساره أو تقصيره لا ينافي الانفاق على العبد برقيته وإن
لم يمكن جبره على البيع، بل هو الموافق لقول المصنف وغيره: (وتسقط)
أي النفقة (إذا كان مملوكا وتجب على المولى) بلا خلاف أجده فيه، بل في
الرياض الاجماع على اشتراط الحرية الموافق للسقوط المفروض في المتن، إذ المشروط
عدم عند عدم شرطه، وليس هو إلا معنى السقوط المذكور المراد منه عدم خطاب
القريب بها أصلا ولو لتحكيم ما دل (1) على كونها على المولى على أدلة (2)
المقام بعد القطع بعدم وجوبها عليهما معا، فإن مقتضاه حينئذ السقوط لا الخطاب
بها مرتبا على حسب ما سمعت، وحينئذ فكلامه في الرق والقتل تام على معنى سقوط
النفقة.

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب النفقات والباب - 14 - من كتاب العتق.
(2) الوسائل الباب - 11 و 12 - من أبواب النفقات.
373

أما الكفر فقد يقال بتمامه أيضا في غير محقون الدم كالمرتد عن فطرة
والحربي ونحوهما، فإن الانفاق المنافي للحكم بازهاق نفسه غير متجه، وأما
محقونة فظاهر الأصحاب والأدلة ما سمعت من وجب الانفاق، ولكنه غير مناف
لما ذكرناه من عدمه في غير المحقون، لكون المراد أن المخالفة في الدين من
حيث كونها مخالفة لا يقتضي سقوط النفقة كالإرث، لا أن المراد الوجوب على كل
كافر، فتأمل جيدا، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه (يشترط في) وجوب النفقة
على (المنفق القدرة) عليها بعد نفقته ونفقة زوجته التي قد عرفت تقدمها على
نفقة القرابة (فلو) فرض أنه (حصل له قدر كفايته) خاصة (اقتصر على
نفسه) المقدمة شرعا وعادة على غيرها (فإن) فرض أنه (فضل) منه (شئ
فلزوجته) كما عرفته سابقا (فإن) فرض أنه (فضل) منه شئ (فللأبوين
والأولاد) ولا ريب في تحقق القدرة بها على التكسب لنفقة نفسه التي يجب عليه
دفع الضرر عنها، ويحرم عليه إلقاؤها إلى التهلكة، نعم في كشف اللثام " ويدخل
في التكسب السؤال والاستيهاب إن لم يقدر على غيره - ثم قال -: ويمكن القول
بوجوب التكسب بغيره إذا قدر عليه، لما ورد (1) من التشديد على السؤال، وأن
المؤمن لا يسأل بالكف " قلت: الظاهر عدم حرمة مطلق السؤال الذي هو بمعنى
الاستيهاب، للأصل والسيرة وغيرهما، وإنما يحرم منه ما به يحصل هتك العرض
الذي يجب على الانسان حفظه كالنفس والمال، بل هو أعظم من الأخير منهما،
وإن كان قد يجب مقدمة لحفظ النفس مع فرض الانحصار فيه، فاحتمال وجوب
التكسب بغيره مع التمكن في غير محله.
وكذا يجب عليه التكسب لنفقة زوجته لوجوبها عليه معاوضة، ولوجوب
الانفاق عليها اتفاقا، مع أن الغالب في الناس التكسب، والأصل في الواجب الاطلاق
فما عن بعض العامة - من عدم وجوبه لها، لأنها كالدين - واضح الضعف، نعم

(1) الوسائل الباب - 31 و 32 - من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.
374

الظاهر عدم وجه عليه بالسؤال الهاتك للعرض مع فرض الانحصار فيه، بل لا يبعد عدم
وجوبه بالاستيهاب، لما فيه من المشقة التي يسقط مثل هذا التكليف معها، بل لعل
قبول الهبة من ذلك فضلا عن الاستيهاب، لما فيها من المنة.
وأما نفقة الأقارب ففي أصل وجوب التكسب لها إشكال من إطلاق الأمر
باعطاء الأجر (1) للرضاع، وهو نفقة المولود، وإطلاق أخبار الانفاق (2) وأن
القادر على التكسب غني في الشرع، وقد اتفقوا على وجوبها على الغني، ونحو
قوله صلى الله عليه وآله (3): " ملعون من ضيع من بعول به " وقول الصادق عليه السلام (4) " إذا أعسر
أحدكم فليضرب في الأرض، يبتغي من فضل الله ولا يغم نفسه وأهله " وهو المحكي
عن التحرير والمبسوط، ومن الاقتصار فيما خالف أصالة البراءة وغيرها على محل
اليقين، وهو الوجوب بشرط الغني وأن النفقة عليهم مواساة ولا مواساة على الفقير،
وقوله تعالى (5): " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله "
ولم يقل فليكتسب وإن كان قد يقال أنه لبيان قدر النفقة وكيفية الانفاق لا الوجوب
مع أنه إدخال القادر على الاكتساب في كل من ذي السعة وخلافه، وعلى كل حال
فالأقوى الأول، وللعامة قول بالفرق بين الولد وغيره، فيجب الاكتساب للولد
لأنها من تتمة الاستمتاع بالزوجة، ولأن الولد بعضه، فكما يجب الاكتساب لنفسه
فكذا لبعضه، وضعفه واضح.
هذا وفي القواعد " أنه يباع عبده وعقاره فيه " أي الانفاق على القريب، ولعله

(1) الوسائل الباب - 71 - من أبواب أحكام الأولاد.
(2) الوسائل الباب - 11 و 12 - من أبواب النفقات.
(3) الوسائل الباب - 21 - من أبواب النفقات الحديث 5.
(4) راجع الوسائل الباب - 4 - من أبواب مقدمات التجارة الحديث 12 والمستدرك
الباب - 1 - منها الحديث 3 والباب - 3 - منها الحديث 2.
(5) سورة الطلاق: 65 - الآية 7.
375

لاطلاق الأدلة وعدم الاستثناء، وفيه أنه يمكن أن يكون ذلك اتكالا على ما ذكروه
من تقديم نفقة النفس التي منها داره وعبده ونحوهما مما استثنى في الدين، نعم
يتجه بيع ما لا يرجع إلى ذلك منها، كما أنه يتجه استثناء نحو ذلك للمنفق عليه،
فلا يكفي في سقوط النفقة عمن هي علة وجود نحو ذلك عند من وجبت النفقة له،
ضرورة أنها من جملة النفقة التي يستغني بها عن المنفق.
هذا (و) لا إشكال في أنه (لا تقدير في النفقة) كما لا خلاف أجده فيه هنا، بل
عن جماعة الاجماع عليه، للأصل وإطلاق الأدلة (بل الواجب قدر الكفاية من
الاطعام والكسوة والمسكن وما يحتاج إليه من زيادة الكسوة في الشتاء للتدثر يقظة
ونوما) وغير ذلك مما يحتاج إليه مما جرت العادة بانفاقه مع اعتبار اللائق بحاله
في الجميع نحو ما سمعته سابقا في نفقة الزوجة وإن فرق بينهما بكون المدار هنا
على الحاجة، فلو فرض استغناؤه بضيافة ونحوها لم تجب له نفقة بخلاف الزوجة،
وبأنه هنا إمتاع بلا خلاف أجده فيه دونه في الزوجة التي قد عرفت اعتبار الملك في
المأكول ونحوه من نفقتها، وفي الملبوس ونحوه البحث السابق.
لكن قد يناقش بأن مقتضى صحيح شهاب (1) المتقدم الذي هو العمدة في اعتبار
الملك هناك عدم الفرق بين الزوجة وغيرها في ملك الطعام منها، لقوله عليه السلام: " وليقدر
لكل انسان منهم قوته، إن شاء وهبه وإن شاء تصدق به " ولا ينافي ذلك كون النفقة
هنا للمواساة والرحم باعتبار سد الخلة الذي لا يتوقف على الملك، بل ليس له
المطالبة به مع فرض الاستغناء عنه ولو بضيافة ونحوها، بخلافه في الزوجة التي لها
ادخار نفقتها والمطالبة بها وإن كانت غير محتاجة إليها، لكونها من قبيل المعاوضة،
ضرورة اقتضاء ذلك ونحوه عدم الملك عليه على وجه يكون كالدين له، لا أنه لا يكون
ملكا له بعد أن قبضه مستحقا لقبضه له باعتبار حاجته إليه، فله حينئذ التقتير على
نفسه وهبته والصدقة به.
بل قد يقال له ذلك لو فرض استغناؤه عنه بعد قبضه له ولو ببذل أحد له ما يقوم

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب النفقات الحديث
376

مقامه، بل لو قلنا بعدم جواز التصرف له فيه بغير الأكل أمكن دعوى كونه ملكا
له أيضا، لكنه على الوجه المخصوص، باعتبار كونه مدفوعا إليه بعنوان الانفاق
على نفسه، والملك على وجه خاص غير عزيز في الشرع، وقد تقدم نظيره في كتاب
الزكاة التي تدفع للفقير على وجه خاص، وربما يؤيد ذلك إن كان القطع بالاجتزاء
عن تكليف النفقة بالدفع إليه كما جزم به في القواعد فقال: " ولو أعطاه النفقة فهلكت
في يده لم يستحق ثانيا " بل لعل ذلك كذلك وإن قصر هو وأتلفه في غيرها، ولا
يجب على المنفق البذل جديدا، ولو كان إمتاعا لكان المتجه ذلك، وإن اشتغلت
ذمته بمثله له أو قيمته يؤديه له عند اليسار، نحو ما سمعته في نفقة الزوجة الامتاعية،
والتزامه كما هو ظاهر بعض وصريح آخر بعيد عن مذاق الفقه، نعم قد يقال به ولو
قلنا بكونه إمتاعا لقاعدة الاجتزاء.
وعلى كل حال فقد ظهر لك أنه لم يكن إجماعا أمكن القول بالملك في
خصوص القوت، بل وغيره مما يتوقف الانتفاع على إتلاف عينه بناء على أن ذلك هو
المدرك في الملك لذلك.
(ولا يجب إعفاف من تجب النفقة له) ولدا كان أو والدا بتزويج أو إعطاء
مهر أو تمليك أمة أو نحو ذلك مما يناسب حاله في الاعفاف، بلا خلاف معتد به أجده
فيه، للأصل السالم عن معارضة إطلاق النفقة في الأدلة السابقة بعد القطع أو الظن بعدم
إرادة ما يشمل ذلك من النفقة المزبورة المراد منها ما هو المتعارف في الانفاق من
سد العوزة وستر العورة وما يتبعهما، والمصاحبة بالمعروف المأمور بها في الوالدين (1)
إنما يراد بها المتعارف من المعروف، وليس هو إلا ما ذكرنا، لا أقل من الشك
في ذلك، والأصل البراءة، فما عن بعض العامة - وجوب إعفاف الأب مع الاعسار
ونقصان الخلقة والأحكام أو مع الاعسار فقط لكونه من المصاحبة بالمعروف، بل
في المسالك حكايته عن بعض الأصحاب لذلك، ولأنه من وجوه حاجاته المهمة فيجب
على الابن القيام به - واضح الضعف، ولو كان قادرا على التزويج مالكا للمهر لم يجب

(1) سورة لقمان: 31 - الآية 15.
377

على القولين وإن وجبت نفقته بعد ذلك، وفي المسالك " ويشترط حاجته إلى النكاح
ويقبل قوله في الرغبة من غير يمين، لكن لا يحل له طلبه حيث نقول بوجوبه إلا
إذا صادفت شهوته وشق عليه الصبر " وفيه أنه يمكن دعوى عدم اعتبار ذلك بناء
على أنه من النفقة التي يكفي فيها تعارف ذلك بالنسبة إليه كغيره من أفراد الانفاق،
ولا مدخلية للشهوة ونحوها فيه، بل قد يقال: إن محل البحث بين الأصحاب وجوبه
من حيث كونه إعفافا باعتبار أنه من النفقة عرفا، أما مع فرض الاحتياج إليه
لشدة شبق أو أذية في مزاج أو نحو ذلك فهو خارج عن البحث وإن كان مندرجا
حينئذ في البحث عما يتفق الاحتياج إليه من دواء ونحوه مما لم يكن من النفقة
المعتادة، وفيه وجهان تقدما في الزوجة المأمور بمعاشرتها بالمعروف (1) أيضا كالمصاحبة
للوالدين، وإن كان قد صرح بعضهم هناك بعدم وجوب الدواء وأجرة الفصد ونحو
ذلك لها، إلا أنه تقدم لك أيضا الكلام في ذلك، فراجع وتأمل، فإن كثيرا من
أحكام النفقة هنا يمكن استنباطه من حكم النفقة هناك، ضرورة أولوية تلك منها،
ولذا تقدم عليها عند التعارض وتكون دينا كما عرفت.
(و) كيف كان فقد عرفت أنه يجب على الولد أن (ينفق على أبيه)
مع الشرط في المنفق والمنفق عليه، وفي بعض نسخ المتن " وعلى زوجة أبيه على
تردد " ولم أجده لأحد من أصحابنا، بل في كشف اللثام حكايته للعامة وجها، وفي
آخر وجوبه لزوجة كل قريب، وفي ثالث لزوجة الابن أيضا، لكن في المسالك
" ونفقة الزوجة تابعة للاعفاف، فإن وجب وجبت وإلا استحبت، وكذا القول في نفقة زوجة
الأب التي يتزوجها بغير واسطة الابن وأوجب الشيخ في المبسوط نفقة زوجته وإن
لم يجب إعفافه، لأنها من جملة مؤنته وضرورته، كنفقة خادمه الذي يحتاج إليه ".
قلت: قد يقال: إن محل البحث في وجوبها للزوجة من حيث وجوبها على
الأب والتحقيق حينئذ عدم وجوبها عليه، ضرورة اختصاص الأدلة في وجوب نفقته
لا أداء ما عليه من كفارة أو قضاء دين أو أرش جناية أو حق زوجة أو نحوه مما يمكن

(1) سورة النساء: 4 - الآية 19.
378

أن يكون دينا عليه للميسرة، ودعوى اندراج نفقتها في نفقة الواجبة على المنفق
واضح المنع، لا أقل من الشك، والأصل البراءة، وقياسها على نفقة الخادم والدابة
التي هي من تتمة نفقة الاخدام والمركب الواجب عليه نحو ما سمعته في الزوجة
محرم عندنا، ولو فرض حاجته إلى الزوجة التي لا بد من بذل نفقة لها وكانت
عنده أو قلنا بوجوب ذلك على المنفق أمكن أن يقال: إنما واجبة من هذه الجهة،
لا أنها واجبة من حيث كونها نفقة زوجة على وجه يجري فيها البحث السابق في
ملك ما يملك منها وامتناع غيره والقضاء ونحو ذلك، فتأمل جيدا. ومما ذكرنا
ظهر لك وجه التردد في كلام المصنف.
كما أنه ظهر لك الوجه أيضا في إعفاف الولد والنفقة على زوجته وإن كان
الذي في بعض نسخ المتن " النفقة على زوجة الأب ".
وعلى كل حال فالنفقة على الأب (دون أولاده) الصغار وإن وجبت نفقتهم
على الأب لو كان موسرا (لأنهم إخوة المنفق) الذي قد عرفت عدم وجوب نفقة
حواشي النسب عليه (و) لكن (ينفق على ولده أولاده لأنهم أولاد) حقيقة
أو في خصوص الانفاق، لما سمعته من الأدلة السابقة.
(ولا تقضى نفقة الأقارب) بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر بعضهم الاجماع
عليه (لأنها مواساة لسد الخلة) الذي لا يمكن تداركه بعد فواته وإن كان عن
تقصير (و) حينئذ ف‍ (- لا تستقر في الذمة) بمضي يوم مثلا (ولو قدرها
الحاكم) خلافا لبعض العامة.
(نعم لو أمره) أي الحاكم المنفق عليه (بالاستدانة عليه) أي المنفق
لغيبته أو لمدافعته أو نحو ذلك (فاستدان وجب) عليه (القضاء) تنزيلا
لأمر الحاكم منزلة أمره، لكونه وليا بالنسبة إلى ذلك، فلو استدان حينئذ من
غير إذن الحاكم مع إمكانه لم يجب عليه لما عرفت، ولو فرض تعذر الحاكم قام
مقامه عدول المسلمين، ومع تعذرهم أمكن الاجتزاء حينئذ بنيته، بل في كشف اللثام
379

" تتجه الاستدانة عليه مع التعذر دفعا للحرج، وللعامة قول بوجوب الاشهاد على
استدانته إن تعذر الحاكم ".
قلت: قد يشكل ذلك بعدم ثبوت ولاية لغير الحاكم أو عدول المسلمين على
وجه يمضي عليه مثل ذلك، نعم قد يشكل أصل عدم وجوب القضاء بأن الأصل القضاء
في كل حق مالي لا دمي، ودعوى كون الحق هنا خصوص السد الذي لا يمكن
تداركه واضحة المنع بعد إطلاق الأدلة المزبورة، وحرمة العلة المستنبطة عندنا،
على أنه لو سلم فهو مخصوص بما إذا كان الفائت السد لضيافة أو تقتير أو نحوهما، أما
إذا كان قد فات بقرض ونحوه فإن تداركه ممكن بدفع عوض ما حصل بالسد فالعمدة
حينئذ الاجماع وهو مع فرض تماميته في غير المفروض، فتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (- تشتمل اللواحق) للبحث في القول المزبور (على
مسائل):
(الأولى)
في ترتيب المنفقين: (تجب نفقة الولد) ذكرا كان أو غيره (على أبيه)
بلا خلاف ولا إشكال وإن كان معه أم موسرة، لقوله تعالى (1): " فإن أرضعن
لكم " وأصالة الأب المستفادة من قوله تعالى (2): " وإذ أخذ ربك من بني آدم
من ظهورهم ذريتهم " وترك الاستفصال في حديث هند زوجة أبي سفيان (3)
وللإجماع على عدم وجوب الارضاع على الأم، ولظاهر النصوص (4) المزبورة التي
لا يتعدى فيها إلى الأم، بل مطلق الأنثى إلا بقاعدة الاشتراك المفقود هنا بالاجماع

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(2) سورة الأعراف: 7 - الآية 172.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 477.
(4) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات.
380

(و) غيره نعم (مع عدمه) أي الأب (أو فقره فعلي أب الأب) الذي
هو أب كما عرفت دون الأم، خلافا لما عن بعض العامة، فعلى الأم الثلث وعلى
الجد الثلثان، فإن فقد الجد أو كان معسرا فعلي أب الجد وهكذا، (وإن علا
لأنه أب) حقيقة أو في خصوص النفقة، والترتيب باعتبار آية أولي الأرحام (1) ولقول
أمير المؤمنين عليه السلام في الخبر السابق (2): " خذوا بنفقته أقرب الناس منه في العشيرة
كما يأكل ميراثه ".
(ولو عدمت الآباء) أو كانوا أجمع معسرين ولم يكن له ثم ولد ولو أنثى
وكان معسرا أيضا (فعلى أم الولد) التي هو أقرب الناس إليه حينئذ، ومشاركة
للرجل في وجوب النفقة على الولد المعسر بقاعدة الاشتراك في الحكم.
(ومع عدمها أو فقرها فعلي أبيها وأمها وإن علوا الأقرب فالأقرب)
لنحو ما سمعته في الآباء وإن كان الأقرب أنثى والأبعد ذكرا، بلا خلاف أجده
في شئ من ذلك، بل عن جماعة الاجماع عليه.
(ومع التساوي يشتركون) بالسوية (في الانفاق) وإن اختلفوا في الذكورة
والأنوثة، للاجماع بحسب الظاهر، أو لدعوى انسياق ذلك من خطاب النفقة مع
فرض تعدد عنوان أفراد المنفق أو لغير ذلك، ولولاه لأمكن القول بالجوب كفاية،
أو يكون التخيير بيد المنفق عليه، نحو رجوع المالك على ذوي الأيدي أو بالقرعة
لتعيين من ينفق منهم، وذلك لاقتضاء الخطاب تكليف كل واحد منهم بتمام النفقة
لا النصف أو الثلث مع التعدد، فتأمل وإن كان لا مناص عنه بعد ما عرفت.
فعلى أبوي الأم حينئذ النفقة بالسوية بخلاف جد الأم وأمها فإن النفقة على
أمها، وكذا جدتها مع أبيها، فإنها على أبيها، وهكذا. نعم لو كان معهما أم أب شاركتهم
للتساوي في الدرجة، أما لو كان أبو الأب معهم فإن النفقة عليه وإن علا، لأنه أب ومتقرب

(1) سورة الأنفال: 8 - الآية 75.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات الحديث 4.
381

بالأب، فلا يضر مساواته في الدرجة لهم، (وبالجملة) فالتساوي في الدرجة إنما
يوجب الاشتراك في الانفاق في الأقرباء من الأم ولو من جهة الأب، لا فيهم مع
الأقرباء من الأب وجدهم فإن أبا الأب وأمه إذا اجتمعا كانت النفقة على أبي الأب،
وفي شرح المقدس البغدادي بعد نفي الخلاف عن ذلك كله قال: " نعم يبقى حكم
أبي أم الأب، فلم يتعرضوا له، فيبقى على أصل البراءة ".
قلت: قال في المسالك: " قد ذكر الشيخ وغيره من الأصحاب أن حكم آباء
أم الأب وأمهاتها وإن علوا حكم آباء الأم وأمهاتها، فيشتركون بالسوية مع
التساوي في الدرجة، ويختص الأقرب منها بها مع عدم التساوي " وفي محكي
المبسوط " أنه متى اجتمع اثنان ينفق منهما على الآخر إذا انفرد لم يخل
من ثلاثة أحوال: إما أن يكونا من قبل الأب أو من قبل الأم أو منهما، فإن كانا
من قبل الأب نظرت فإن اشتركا في التعصيب فلا يكونان على درجة، ولا بد أن
يكون أحدهما أقرب، والأقرب أولى، وإن تساويا في القرب وانفرد أحدهما في
التعصيب مثل أم أب وأبي أب فالعصبة أولى، فإن كان الذي له العصبة أبعدهما
فهو أولى عندهم، ولو بعد بمئة درجة، وعندنا أن الأقرب أولى، وإن لم يكن
لأحدهما تعصيب ولا يدلي بعصبة فإن كانا على درجة واحدة فهما سواء، وإن كان
أحدهما أقرب فالأقرب أولى بلا خلاف، وإن لم يكن أحدهما عصبة لكن أحدهما
يدلي بعصبة مثل أم أم أب وأم بأي أب فهما سواء عندنا، وقال بعضهم:
من يدلي بعصبة أولى، فإن كانا من قبل الأم معا نظرت فإن كانا على درجة
فهما سواء، وإن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى، سواء كانا ذكرين أو أنثيين
أو ذكرا وأنثى، لأن الكل من ذوي الأرحام، وإن كان من الشقين معا فإن كان
أحدهما عصبة فهو أولى عندهم، وإن تعدد عندنا هما سواء، والأقرب أولى، وإن
لم يكن أحدهما عصبة ولا يدلي بعصبة فإن كانا على درجة فهما سواء، وإن كان
أحدهما أقرب فالأقرب أولى، مثل أم أم وأم أم أب، فإن كان أحدهما يدلي
بعصبة فإن كانا على درجة واحدة مثل أم أم وأم أب فهما سواء عندنا، وقال
382

بعضهم: أم الأب أولى، وإن اختلفا في الدرجة فالأقرب أولى، مثل أم وأم أب
أو أم أم وأم أبي أب فالأقرب أولى " وإن كان هو أيضا كما ترى، وذلك
لأن ما ذكره في القسم الأول من أولوية الأقرب وإن كان الأبعد عصبة مخالفا
لما سمعته من أن أبا الأب وإن علا أولى من أم الأب، وما ذكره في القسم الثالث
من أنه إن كان أحدهما عصبة فهما سواء عندنا يخالف ما سمعته أيضا من أن أبا
الأب أولى من أم الأم، بل ولما قطع به نفسه من أن أبا الأب وإن علا أولى
بالانفاق من الأم.
وعلى كل حال فلا ريب في أن ما ذكرناه أولى، وهو أن الأبوة
وإن علت مقدمة في الانفاق لكنها مترتبة على الأم وإن قربت، ثم الأم بلا
واسطة، ثم من تقرب بها من أبويها وأبوي أم الأب يشتركون بها مع التساوي
في الدرجة، ويختص الأقرب منهم فالأقرب مع الاختلاف فيها، فإنه المستفاد من
الفتاوى وآية أولي الأرحام (1) والخبر (2) المزبور وغير ذلك، واقتصار بعضهم
على أم الأب إنما هو في مقام بيان الدرجة بعد انتفاء الأم، وليس بها حينئذ إلا
أمها وأباها وأم الأب لأن أبا الأب داخل في الأبوة التي قد علمت تقدمها على
الأمومة، وفي الدرجة الثانية أبوام الأب وأمها وأبو أم الأم وأمها وأبو أبيها
وأمه وهكذا.
نعم هذا كله إذا لم يكن له ولد وإلا كان شريكا بالسوية للأب في النفقة
وتختص به مع عدم الأب، فعنه صلى الله عليه وآله (3) " إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وأن
ولده من كسبه " وعنه صلى الله عليه وآله (4) " إن أولادكم هبة من الله لكم، يهب لمن يشاء
إناثا ويهب لمن يشاء الذكور، وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها " بل مرتبة النبوة

(1) سورة الأنفال: 8 - الآية 75.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات الحديث 4.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 479 و 480.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 480.
383

بالنسبة إلى ذلك كالأبوة، وحينئذ فالأب يختص بها مع عدم الولد وإن كان له ولد
ولد، لكونه الوالد حقيقة، نعم يشترك ولد الولد مع الجد، فهم بالنسبة إلى ذلك
كالطبقة الواحدة، الأقرب منهم أيضا بدرجة أولى من الأبعد، ويشتركون فيها
مع التساوي، ولكن هي مقدمة على الأمومة، فلو كان له ابن وأم فالنفقة على
الابن دونها، بل وكذا البنت، لكن ستسمع التردد فيها من بعضهم، بل ذكر غير
واحد أن في اشتراك الأم والولد الموسرين في نفقة الولد المعسر واختصاص الولد
بها وجهين، من اتحاد الرتبة وكون الولد مقدما على الجد المقدم عليها وإن كان
الأقوى الأخير منهما.
وعلى كل حال فقد تلخص من جميع ذلك أنه لو كان له أب وجد فالنفقة
على أبيه الذي هو الوالد والمولود له والأقرب، دون جده، ولو كان له أم وجدة
من قبل الأب أو الأم فالنفقة على الأم التي هي أحد الوالدين، دون الجدة، ولو
كان له أم وجد لأب فالنفقة عليه، دون الأم، لما عرفت من أن الأبوة هي
الأصل.
ولو كان له أولاد موسرون تشاركوا في الانفاق وقدر النفقة إن كانوا ذكروا
أو إناثا، لاشتراك العلة من غير رجحان، ولو كانوا ذكورا وإناثا ففي القواعد
وكشف اللثام احتمل التشريك، للتساوي في الولادة والكون من كسبه، إما بالسوية
لانتفاء المرجح أو على نسبة الميراث، لقوله تعالى (1): " وعلى الوارث مثل ذلك "
ولقول أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه (2): " خذوا بنفقته أقرب الناس إليه
في العشيرة كما يأكل ميراثه " واحتمل اختصاص الذكور، لأنهم لما كانوا أكثر
ميراثا كانوا أقرب، بل قد يؤيد أن على الأب الانفاق دون الأم إذا اجتمعا، وأن

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 233.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب النفقات الحديث 4.
384

" الرجال قوامون على النساء " (1) وأنهم أقدر منهن على الكسب، بل لعل الأصل
في الانفاق الرجال، إلا أن الجميع كما ترى لا يصلح الخروج به عما دل على النفقة
على الولد الشامل للذكر والأنثى المقتضي للاشتراك بالسوية مع التعدد.
ولو كان له ابن موسر فعلا والآخر مكتسب فهما سواء للاطلاق، لكن في
القواعد على إشكال، وهو في غير محله مع فرض كون الكسب كاليسار فعلا.
ولو كان له بنت وابن ابن فالنفقة على البنت التي هي أقرب، لكونه والدها.
ولو كان له أم وبنت ففي القواعد احتمل التشريك أي إما بالسوية أو على
نسبة الميراث، واختصاص البنت بالنفقة، قلت: وهو الأقوى، لأنه من كسبه،
ولوجود ما يدل على عدم الوجوب على الأم من الكتاب (2) والسنة (3) بخلاف البنت
المأمورة بالمصاحبة بالمعروف التي هي أقرب وأكثر ميراثا.
ولو كان له أب وولد ولد فالنفقة على الأب، ولو كان له جد وولد ولد له
اشتركا فيهما على حسب ما عرفت، والله العالم.
المسألة (الثانية)
في ترتيب المنفق عليه، وقد عرفت فيما تقدم أن النفس أولى، ولكن هل
يدخل في النفس نفقة المملوك المحتاج إليه والدابة المحتاج إليها، فتقدم حينئذ
على نفقة الزوجة فضلا عن الأقارب؟ وجهان، لا يخلو أولهما من قوة، ثم الزوجة
ثم الأقارب، فإن فضل عنده ما يكفي الجميع وجب من غير فرق بين الآباء وإن
علوا من جهة الأب أو من جهة الأم وبين الأولاد؟ وإن نزلوا ذكورا أو إناثا أو
أولاد ذكور أو إناث مع فرض تحقق الشرط، وهو يساره وحاجتهم ولو لعدم

(1) سورة النساء: 4 - الآية 33.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(3) الوسائل الباب - 71 - من أبواب النفقات الحديث 1.
385

ما ينفق عليهم ممن هو أولى بالوجوب منه، نعم هم مترتبون مع فرض القصور،
فالأبوان والأولاد المتساوون في الدرجة مقدمون على غيرهم، فإن فضل فللأجداد
وأولاد الأولاد، وهكذا يتساوون الواقعون في درجة قريبة أو بعيدة في النفقة،
فإذا فضل عن الأدنى درجة ارتقى إلى الأبعد، وإن لم يفضل اقتصر على
الأدنى.
ف‍ (- إذا كان له أبوان وفضل له ما يكفي أحدهما كانا فيه سواء) مع
فرض انتفاعهما به (وكذا لو كان ابنا وأبا) لما عرفت من أنهم مستوون في الدرجة
(و) وجوب الانفاق عليهم من حيث الولدية والوالدية متحد، نعم (لو كان
أبا وجدا أو أما وجدة) مثلا (خص به الأقرب) الذي هو أولى بالمعروف،
ولو فرض عدم الانتفاع في الفاضل لأحد من كان في الدرجة مع شركة غيره فالوجه
القرعة، لأن النفقة عليهم إنما هي لسد الخلة، فإذا لم ينسد خلة الجميع لزمه
الانفاق على من تنسد به خلته واحدا أو أكثر، ولا يمكن الترجيح إلا بالقرعة،
وليست كالدين الذي يقتسمه الديانة وإن لم ينتفع أحد منهم بما يأخذه، لكن
عن المبسوط والسرائر احتمال القسمة للاشتراك في الاستحقاق، واختصاص القرعة
بما ينحصر المستحق فيه في واحد ولم يتعين، ويندفع بما عرفت، نعم قد يقال بالتخيير
له في اختصاص من شاء إلا أن القرعة أعدل، بل لولا عدم ظهور المخالف في الاشتراك
مع الانتفاع الذي لم يحصل به سد الخلة لأمكن القول بالقرعة فيه أيضا لأنه هو
المكلف به المنفق، والفرض عدم تمكنه إلا من واحد.
وعلى كل حال فإن أقرع وفضل من الغذاء شئ أقرع بين من عدا الأول
الذي اندفعت ضرورته الآن منهم بخلاف غيره، وفي القواعد احتمالها بين الجميع،
باعتبار عدم اندفاع ضرورة من خرجت القرعة له أولا في بقية يومه، فيبقى حينئذ
استحقاقه معهم، إلا أنه كما ترى.
والظاهر عدم اعتبار شدة الحاجة لصغر أو غيره في ترجيح أحد المتساوين
386

في الدرجة وإن احتمله في القواعد، لكنه لا دليل عليه، فإن أقصى ما يستفاد من آية
أولي الأرحام (1) وغيرها تقديم الأقرب فالأقرب، فلو كان له أب وجد معسران
قدم الأب على الجد، ثم الجد على أبيه وهكذا. نعم يتساوى الأجداد من الأب مع
الأجداد من الأم مع التساوي في الدرجة، لتساوي درجة الأبوين، وولد الولد وإن نزل
مع الجد وإن علا يتشاركان مع التساوي في النسبة إلى المنفق للتساوي في الدرجة وإن
لم يرث الجد مع ولد الولد، والذكور والإناث من الأولاد يتشاركون بالسوية وإن اختلفوا
في الميراث، لانتفاء الدليل هنا على الاختلاف، كما يحكم بالتشارك بالسوية في
الأبوين وفي الأجداد.
بقي شئ، وهو أن ظاهر الأصحاب وجوب النفقة على القريب مع الشرط،
وهو على إطلاقه مشكل، إذ قد يمنع في ذات الزوج المعسر مثلا حتى لو كانت
أما أو بنتا، وإلا لكان الواجب لها نفقتين إحداهما دين على زوجها والأخرى
على قريبها، والمفهوم من الأدلة أن لا واجب إلا نفقة واحدة، نعم لو فرض
سقوط خطابه بها بالاعسار في نفقة القريب اتجه حينئذ خطاب البعيد بها، فتأمل
جيدا، والله العالم.
وكيف كان فمما قدمناه سابقا في ترتيب المنفق ظهر لك الوجه في:
المسألة (الثالثة)
وهي (لو كان له أب وجد موسران فنفقته على أبيه دون جده، ولو كان له
ابن وأب موسران كانت نفقته عليهما بالسوية) فلاحظ وتأمل ولو كان الأقرب مثلا
معسرا والأبعد موسرا فدفع النفقة ثم أيسر الأقرب كانت النفقة على الأقرب، ولكن لا
رجوع للأبعد بها عليه، نعم لو فرض يساره مع وجود عينها بيد المنفق عليه أمكن الرجوع
بها، لأنها إمتاع بيده، والخطاب قد توجه إلى الأقرب بيساره، ولو كان له ولدان

(1) سورة الأنفال: 8 - الآية 75.
387

ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما وله أب موسر قيل وجب على الأب نفقة الآخر،
فإن اختلفا في قدر النفقة وكان مال الأب يسع أحدهما بعينه كالأقل نفقة اختص
به، ووجبت نفقة الآخر على جده، وإن تساويا في النفقة واتفقا على الشركة أو
على أن يختص كل واحد منهما بواحد فذلك، وإلا رجعا إلى القرعة.
قلت: قد يكون ذلك مؤيدا لما ذكرناه سابقا فيما لو تعدد المنفق الذي
حكموا فيه بالاشتراك فيها، ضرورة أنه يأتي فيه مثل ما هنا من احتمال القرعة،
وإلا كان المتجه فيه الاشتراك وإن كان الموضوع في المسألتين مختلفا فتأمل
جيدا، والله العالم.
المسألة (الرابعة)
(إذا دافع بالنفقة الواجبة) من خوطب بها متحدا أو متعددا (أجبره
الحاكم) حسبه، فإن لم يكن فعدول المؤمنين، بل إن لم يكونوا ففساقهم في
وجه، (فإن امتنع حبسه) إذا فرض توقف حصولها عليه لخفاء ماله مثلا
(و) إلا ب‍ (- أن كان له مال ظاهر جاز له) أي الحاكم (أن يأخذ من ماله
ما يصرف في النفقة) من غير حاجة إلى اعتبار رضاه، فإنه وليه والحال هذه، ولا
حاجة إلى حبسه ليباشر الانفاق، لكنه لا دليل عليه.
(وإن كان له عروض أو عقار أو متاع جاز له بيعه، لأن النفقة حق
كالدين) الذي لا ريب في بيع الحاكم ذلك في الوفاء مع فرض امتناعه، بل هي
أعظم منه كما عرفت سابقا، بل له الأمر بالاستدانة عليه، بل قد عرفت القول
بالاجتزاء بنية الرجوع من المنفق عليه مع تعذر الحاكم خاصة أو مع عدول المسلمين
للحرج، كما قد عرفت أن له صرف المال فيها ولو ببيع ونحوه مع الغيبة فضلا عن
الامتناع، قال في المسالك هنا: " ولو لم يقدر على الوصول إلى الحاكم ففي جواز
استقلاله بالاستقراض عليه أو البيع من ماله مع امتناعه أو غيبته وجهان، أجودهما
388

الجواز، لأن ذلك من ضروب المقاصة حيث يقع أخذ القريب في الوقت والزوجة
مطلقا " وإن كان قد يناقش بمنع اندراجه في دليل المقاصة في القريب مطلقا
وفي الزوجة قبل مضي المدة لعدم الملك حينئذ عليه، على أنه لا دليل على جوازها لغير
الحاكم مع الغيبة ونحوه ها مما لا امتناع منه، ثم إن الاستدانة عليه لا مدخلية لها في
المقاصة بوجه، وإنما تتوقف على ثبوت ولاية للمستدين، وهي لغير الحاكم ممنوعة
كما أشرنا إلى ذلك سابقا، والله العالم.
وأما (القول)
(في نفقة المملوك) فلا خلاف في أنه (تجب النفقة على ما يملكه الانسان
من رقيق وبهيمة) وإن كان لكل منهما أحكام تخصه (أما العبد والأمة
ف‍ (- نفقتهما على مولاهما إجماعا بقسميه ونصوصا قال الصادق عليه السلام في صحيح ابن
الحجاج (1): " خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب والأم والولد والمرأة
والمملوك، وذلك لأنهم عياله لازمون له " وفي خبر ابن الصلت المروي عن
الأمالي عن عدة من أصحابنا (2) عنه عليه السلام أيضا " خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد
والوالدان والمرأة والمملوك، لأنه يجبر على النفقة عليهم " والنبوي (3) " للمملوك
طعامه وكسوته بالمعروف " مضافا إلى قوله تعالى (4): " كل على مولاه " إلى غير
ذلك من النصوص المعمول عليها بين الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه، بل نفاه
بعضهم من علماء الاسلام فضلا عن علماء الايمان، من غير فرق في المملوك بين

(1) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1 - 4 والثاني
عن العلل.
(2) الوسائل الباب - 13 - من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1 - 4 والثاني
عن العلل.
(3) سنن البيهقي ج 8 ص 6.
(4) سورة النحل: 16 - الآية 76.
389

الصغير والكبير والصحيح والأعمى والمدبر وأم الولد المنتفع به وغيره والمرهون
والمستأجر والكسوب وغيرهم، رفع السيد عنه وخلي بينه وبين نفسه أولا.
نعم في الكسوب عبدا كان أو أمة (مولاهما بالخيار في الانفاق عليهما من
خاصة) ماله (أو من كسبهما) الذي هو أحد أمواله أيضا، ولهذا لو قصر
كسبه وجب التمام على السيد، ولو زاد أخذه له، ولكن قد روى عنه عليه السلام (1) أنه
قال: " لا تكلفوا الصغير الكسب، فإنكم متى كلفتموه سرق، ولا تكلفوا الأمة غير
الصغيرة الكسب، فإنكم متى كلفتموها الكسب اكتسبت بفرجها ".
(و) على كل حال ف‍ (- لا تقدير) في الشرع (لنفقتها، بل الواجب
قدر الكفاية) وسد الخلة (من إطعام وإدام وكسوة) وغيرها مما عرفته سابقا في
النفقات، ولا يكفي قدر مثله مع فرض عدم سد خلته به وإن احتمله بعضهم، إلا
أن الأقوى خلافه (و) كذا في نفقة القريب.
نعم (يرجع في جنس ذلك كله إلى عادة مماليك أمثال السيد من أهل
بلده) نحو ما سمعته في نفقة الزوجة، إذا هو المعروف في الخبر المزبور (2)،
والمنصرف إليه إطلاق الأدلة، ولعله المراد مما عن المبسوط من أنه غالب قوت
البلد وكسوته كما تقدم الكلام في نحو ذلك في نفقة الزوجة، ومنه يعلم الحال فيما
هنا لكن في المسالك " أنه يراعى حال السيد في اليسار والاعسار والمقام، فيجب
ما يليق بحاله من رفيع الجنس الغالب وخسيسه، ولا يجوز الاقتصار في الكسوة عن
ذلك وإن لم يتأذ بحر ولا برد، لأن ذلك يعد تحقيرا وإذلالا - ثم قال -: ولو
كان له مماليك لزمه التسوية بينهم مع اتفاقهم في الجنس وإن اختلفوا في النفاسة
والخسة ".
والجميع كما ترى للنظر فيه مجال، وذلك لاتحاد الأدلة في جميع النفقات
التي قد عرفت انسياق اعتبار حال المنفق عليه لا المنفق، اللهم إلا أن يمنع ذلك

(1) سنن البيهقي ج 8 ص 9 وفيه " الأمة غير ذات الصنعة ".
(2) سنن البيهقي ج 8 ص 6.
390

في خصوص نفقة القريب أو يقال: إنه لا مثل للعبد إلا بالنسبة إلى حال سيده المختلف
باليسار والاعسار والمقام، فتأمل جيدا.
وعلى كل حال فيستحب أن يطعمه مما يأكله ويلبسه مما يلبسه، لقوله
صلى الله عليه وآله (1): " إخوانكم حولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت
يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس " وقوله صلى الله عليه وآله (2): " إذا جاء أحدكم
خادمه بطعامه وقد كفاه حره وعمله فليقعد فليأكل معه وإلا فليناوله أكلة من طعام "
وقوله صلى الله عليه وآله (3): " إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حرة ودخانه فليدعه
فليجلسه معه، فإن أبي فليروغ له اللقمة واللقمتين " وفي محكي المبسوط " والترويغ
أن يرويه من الدسم " وفي المسالك " وليكن ما يناوله من اللقمة كثيرة تسد مسدا،
دون الصغيرة التي تهيج ولا تقضي النهمة " بل فيها عن بعضهم وجوب أحد الأمرين:
أي الاجلاس معه أو ترويغ اللقمة، وأن الأول أفضل، لكنه كما ترى، ضرورة ظهور
إرادة التواضع ومكارم الأخلاق ورد شهوة من عالج الطعام منهم من الخبرين كما هو
واضح، ولذا جزم في المسالك وغيرها باستحباب إجلاس رقيقه معه وإطعامه
خصوصا إذا كان هو المعالج وإن كان قد يتوقف في ذلك تنزيلا للخبر المزبور
على الخادم الحر لا المملوك الذي مرتبته أقل من ذلك، وربما نافي السياسة في تأديبه
وتعظيم السيد في نفسه، والأمر سهل.
(و) كيف كان ف‍ (- لو امتنع) المولى (عن الانفاق) مع قدرته
عليه ولو بالتكسب من رقيقه أو منه نفسه - فإن الظاهر وجوبه عليه بنفقته وإن لم
نقل له بالنسبة إلى القريب، لكونه محبوسا عليه، ومنافعه مملوكة له، بل في
كشف اللثام أن نفقته أقوى من نفقة الزوجة -.

(1) المستدرك الباب - 13 - من كتاب العتق الحديث 8.
(2) كنز العمال ج 5 ص 17 الرقم 374 وص 18 الرقم 408 وص 20 الرقم 432
بألفاظ مختلفة متقاربة.
(3) سنن البيهقي ج 8 ص 8.
391

(أجبر على بيعه) أو على غيره مما يزيل حبسه وملكه عنه (أو الانفاق) عليه
ومع تعذر أحدهما يتعين الثاني كما هو الشأن في كل واجب مخير.
(ويستوي في ذلك) كله (القن والمدبر) بل قيل (وأم الولد)
لكونه أقل ضررا من الاحتباس عليه مع فقد النفقة، بل فيه حفظ النفس من الهلاك
لكن قد يناقش باطلاق دليل المنع، وعدم انحصار طريق الخلاص في ذلك، بل قد
يقال بالانفاق عليها من بيت المال المعد لذلك أو من الزكاة أو من غير ذلك، بل لو فرض
تعذر ذلك كله وأدى بقاؤها إلى الهلاك وجب على الناس كفاية، ولعله لذا حكي
عن بعضهم الجزم بعدم إجباره على بيعها، فتأمل وفي القواعد " ولو عجز عن الانفاق
على أم الولد أمرت بالتكسب، فإن عجزت أنفق عليها من بيت المال، ولا يجب
عتقها، ولو كانت الكفاية تحصل بالتزويج وجب، ولو تعذر الجميع ففي البيع
إشكال " وكأنه لما عرفت من أن به حفظا عن الهلاك الذي هو أولى لها من التشبث
بالحرية ومن عموم النهي (1) واحتمال كونها كفقراء المؤمنين يلزمهم الانفاق
عليها، فتأمل.
هذا وفي المسالك " أنه خرج بمن عدد من المماليك المكاتب، فإن نفقته
تسقط عن المالك، وتكون في كسبه، وكذا لو اشترى مملوكا أو اتهب أو أوصى
له حيث جوزناها ولو بأبيه وأمه " وفيه أن ذلك ليس سقوطا عن السيد، ضرورة
كون كسبه من أمواله، ولذا لو فرض قصوره عنها وجب على السيد الاتمام، وأما
قبول اتهاب الوالد أو الولد أو الوصية بهما فقد صرح الفاضل في القواعد بجوازه
ولزوم النفقة حينئذ له.
بل في كشف اللثام " وإن لم يأذن المولى، لأن قبول الهبة والوصية لا يتضمن
إتلاف مال، ووجوب النفقة أمر خارج عن ذلك لازم للقرابة " ولكن لا يخلو من
نظر، ولذا كان المحكي عن المبسوط عدم جواز القبول إن كان ممن يلزمه نفقته،

(1) الوسائل الباب - 24 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 من كتاب التجارة.
392

لأنه يستقر بالانفاق، وفيه منع وجوب النفقة عليه بعد فرض عدم قدرته للحجر
عليه بالنسبة إلى ذلك، ويأتي تمام الكلام فيه في محله إنشاء الله فتأمل جيدا،
والله العالم.
(ويجوز) له (أن يخارج المملوك بأن يضرب عليه ضريبة) في كل
يوم أو مدة يؤديها له (ويجعل الفاضل له إذا رضي) بلا خلاف أجده فيه، بل
الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى صحيح عمر بن يزيد (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له وقد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في
كل سنة ورضي بذلك المولى فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطي
مولاه من الضريبة، قال، فقال: إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب
بعد الفريضة فهو للمملوك، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: أليس قد فرض الله على العباد
فرائض فإذا أدوها لم يسألهم عما سواها؟ قلت: فللمملوك أن يتصدق بما اكتسب
ويعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده، قال: نعم، وأجر ذلك له: قلت:
فإن أعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء العتق؟ فقال:
يذهب فيتولى من أحب، إذا ضمن جريرته وعقله كان مولاه وورثه، قلت: أليس
قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الولاء لمن أعتق؟ فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله،
قلت: فإن ضمن العبد الذي أعتقه جريرته وحدثه يلزمه ذلك، ويكون مولاه
ويرثه؟ فقال: لا يجوز ذلك، لا يرث عبد حرا ".
(ف‍) - لا إشكال حينئذ في أصل المخارجة التي يمكن وفاء العمومات بها
أيضا، خصوصا بعد أن كان حكمها من غير خلاف يعرف فيه أنه (إن فضل قدر
كفايته وكله إليه وإلا كان على المولى التمام و) أنه (لا يجوز أن يضرب عليه
ما يقصر كسبه عنه، ولا ما لا يفضل معه قدر نفقته إلا إذا قام بها المولى) وإنه إن زاد
على النفقة والضريبة كان مبرة من السيد إلى عبده، وأنه كما لا تلزم ابتداء لا تلزم
استدامة، نعم لو قلنا بلزومها ولزوم دوام بذل السيد لتلك الزيادة على وجه لا يجوز

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 من كتاب التجارة.
393

له الرجوع بها أو نحو ذلك مما هو خارج عن القواعد اتجه حينئذ الاحتياج إلى
دليل خاص، إلا أني لم أقف على تصريح من الأصحاب بترتب أحكام خاصة عليها
وإن كان هو مقتضى الصحيح المزبور.
وكيف كان فليس للعبد إجبار السيد عليها إجماعا، بل في المسالك " ولا
للسيد إجبار العبد على أصح القولين، لأنه يملك استخدامه المعتاد لا تحصيل ذلك
المطلوب منه بالكسب " وفي القواعد " ليس له أن يضرب مخارجه على مملوكه إلا
برضاه " بل هو ظاهر اشتراط الرضا في المتن أيضا، بل هو المحكي عن المبسوط
أيضا، ولكن قد يناقض بأنه مناف لعموم تسلط المولى عليه على وجه له نقل منافعه
إلى غيره بالعوض على كره منه، فالمخارجة مثله أو أولى بعد فرض اعتبار ما سمعت
فيها من عدم تكليفه بما يشق عليه.
ولعله لذا كان المحكي عن التحرير جواز الاجبار، بل هو خيرة الإصبهاني
في كشفه أيضا، بل هو الموافق لما صرحوا به من غير خلاف يعرف فيه بينهم من أن
للسيد الاستخدام فيما يقدر عليه المملوك ولا يخرج عن وسعه عادة والملازمة عليه إلا
في أوقات اعتيد فيها الاستراحة، وأما الأفعال الشاقة الشديدة التي لا يمكن المداومة
عليها عادة فله الأمر بها إذا قدر عليها في بعض الأوقات وعلى المملوك بذل الوسع
في جميع ذلك، ولا يكلفه الخدمة ليلا ونهارا معا لأنها فوق الوسع، بل إذا عمل
بالنهار أراحه ليلا أو بالعكس ويريحه في الصيف وقت القيلولة، وبالجملة فالمتبع
العادة الغالبة
(وأما نفقة البهائم المملوكة) التي منها دود القز والنحل وغيرهما
(فواجبة) بلا خلاف (سواء كانت مأكولة) اللحم (أو لم تكن) وسواء
انتفع بها أولا، قال الصادق عليه السلام في خبر السكوني (1): " للدابة على صاحبها ستة
حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، ولا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها، ويبدأ
بعلفها إذا نزل منها، ولا يشتمها، ولا يضربها في وجهها، فإنها تسبح، ويعرض عليها

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب أحكام الدواب الحديث 6 من كتاب الحج.
394

الماء إذا مر به " وفي خبره الآخر باسناده (1) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للدابة
على صاحبها خصال: يبدأ بعلفها إذ نزل، ويعرض عليها الماء إذا مر به، ولا
يضرب وجهها، فإنها تسبح بحمد ربها، ولا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله،
ولا يحملها فوق طاقتها، ولا يكلفها من الشئ إلا ما تطيق " وعنه صلى الله عليه وآله وسلم (2) أيضا
أنه قال: " اطلعت ليلة أسري بي على النار فرأيت امرأة تعذب، فسألت عنها، فقيل:
إنها ربطت هرة ولم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى
ماتت فعذبها بذلك، وقال: واطلعت على الجنة فرأيت امرأة مومسة يعني زانية
فسألت عنها، فقيل: إنها مرت بكلب يلهث من العطش فأرسلت إزارها في بئر فعصرته
في حلقه حتى روي فغفر الله لها ".
ولكن لا تقدير لنفقاتهن (و) إنما (الواجب القيام بما تحتاج إليه)
من أكل وسقي ومكان وجل ونحو ذلك مما يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.
نعم يكفيها في إطعامها تخليتها ترعى من خصب الأرض (فإن اجتزأت بالرعي)
فذلك (وإلا علفها،
فإن امتنع) من الانفاق عليها ولو بالتخلية للرعي الكافي
لها (أجبر) ه الحاكم (على بيعها) مثلا (أو ذبحها إن كانت تقصد بالذبح)
للحم (أو الانفاق) عليها، فإن تعذر إجباره ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه
ويقتضيه الحال، فقد يبع عقاره ونحوه في علفها مثلا إن لم يكن التوصل إلى
ما تعتلف به من ماله، فإن لم يكن له ملك أو كان بيع الدابة أنفع له بيعت عليه
كلا أو كل يوم بقدر ما يفي بنفقتها إن أمكن ولم يكن بيع الكل أنفع للمالك،

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب أحكام الدواب الحديث 1 من كتاب الحج.
(2) روى الشيخ (قده) هذا الخبر بنصه في المبسوط ج 6 ص 47 كما روى القطعة
الأولى منه نقلا بالمعنى في البحار ج 65 ص 64 و 65 وكنز العمال ج 8 ص 173 من
الرقم 3001 إلى 3005 والقطعة الثانية كذلك في البحار ج 65 ص 65 وكنز العمال ج 3
ص 277 الرقم 4548 و 4549.
395

وإن أمكن إجارتها بما يفي بعلفها وكانت أنفع له أو جرت (وبالجملة) يراعي
مصلحته في ذلك لكونه الولي عنه في هذا الحال، بل قد عرفت سابقا أن للحاكم
ذلك بمجرد الامتناع من غير حاجة إلى إجبار المالك على مباشرة ذلك.
وعلى كل حال فما ذكرناه من التخيير مع إمكان ما فرضناه من الأفراد
وإلا وجب الممكن، فلو فرض عدم وقوع التذكية عليها أجبر على الانفاق أو البيع
أو نحوه دون التذكية.
وهل يجبر على الانفاق خاصة إن امتنع البيع في غير مأكول اللحم مما تقع
عليه التذكية للجلد أو عليه أو على التذكية أيضا؟ وجهان بل قولان، أقواهما
الثاني، لكون التذكية فيها في مأكول اللحم وفي كونها أحد طرق التخلص
خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط فالأول خاصة ولعله لكونها غير مقصودة
بالذبح في أصل الشرع، إلا أنه كما ترى.
ولو لم يوجد ما ينفق على الحيوان ووجد عند غيره وجب الشراء منه، فإن
امتنع من البيع في المسالك يجوز غصب العلف منه لابقائها إذا لم يوجد غيره،
كما يجوز غصبه كذلك لحفظ الانسان، ويلزمه المثل أو القيمة، وفي القواعد " كان
له قهره عليه وأخذ منه غصبا إذا لم يجد غيره " وفي كشف اللثام " ولم تشتد حاجته
إليه لنفسه أو مملوكه من انسان أو غيره وإن لم يحضره الثمن وأمكنه بيع مملوكه
منه أو من غيره - إلى أن قال -: وكذا يجوز غصب الخيط لجراحته كما يجبر على
الطعام لنفسه، للاشتراك في حرمة الروح ونفي الضرار " ولكنه لا يخلو من نظر
وتأمل، ولعله لذا قال في كشف اللثام بعد ذلك: " والأحوط التوصل إلى الحاكم
من الامكان، وأنه إن أمكن البيع باع إن لم يحتج إليه ولو للشرف " قلت: بل
قد يقال وإن احتاج إليه.
(و) كيف كان ف‍ (- إن كان لها) أي البهيمة (ولد) يرضع (وفر
عليه من لبنها قدر كفايته) لكونه النفقة الواجبة عليه حينئذ فما عن بعض العامة من أنه
إنما يجب إبقاء ما يقيم الولد حتى لا يموت واضح الضعف، نعم له الفاضل بعد ذلك.
396

(و) كذا (لو اجتزا) الولد (بغيره من رعي أو علف) كلا أو
بعضا (جاز) له (أخذ اللبن) كلا أو بعضا، ولو كان أخذ اللبن مضرا بالدابة
نفسها لقلة العلف لم يجز له أخذه وإن لم يضر ولدها بل يسقيها إياه، نعم يكره له أو
يحرم ترك الحلب مع عدم الاضرار بها وبولدها، لما فيه من تضييع المال، ولكن
لا يستقصى في الحلب بل يبقى في الضرع شئ لأنها تتأذى بذلك.
بل يستحب له أن يقص أظفاره تحرزا من ايذائها بالقرص، ولا يكلفها
ما لا تطيقه من تثقيل الحمل وإدامة السفر، ولذا نهي (1) عن ارتداف ثلاثة عليها،
بل وكذا الشاق عليها المنافي للعادة.
وينبغي أيضا أن يبقى للنحل شئ من العسل في الكورة، بل في المسالك
وغيره " أنه لو احتاجت إليه كوقت الشتاء وجب إبقاء ما يكفيها عادة، ويستحب
أن يبقى أكثر من الكفاية إلا أن يضر بها " بل فيها وفي غيرها أيضا " أن ديدان
القز إنما تعيش بورق التوت، فعلى مالكها بكفايتها منه، وحفظها من التلف، فإن
عز الورق ولم يعتن منها باع الحاكم من ماله واشترى لها منه ما يكفيها " قلت:
ينبغي التخيير بين ذلك وبين البيع عليه نحو ما سمعته في الامتناع من نفقة الحيوان
الذي هو منه، ولكن إذا جاء وقتها جاز تجفيف جوزها في الشمس وإن أدى ذلك
إلى هلاكها تحصيلا للغرض المطلوب منه، وللسيرة المستمرة عليه في سائر الأعصار
والأمصار، هذا كله في المال ذي الروح.
أما ما لا روح فيه فالظاهر أنه لا خلاف في عدم وجوب عمارة العقار ونحوه
بزرع أو غرس أو غيرهما، بل في القواعد " ولو ملك أرضا لم يكره له ترك زراعتها "
لكن في المسالك الجزم بالكراهة إذا أدى إلى الخراب، بل في كشف اللثام أنه قد
يحرم إذا أضر بها الترك، للتضييع. وفيه منع حرمة مثل هذا التضييع بل وكراهته
بالخصوص، نعم لو ملك زرعا أو شجرا أو نحوهما مما يحتاج إلى السقي ففي القواعد

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب أحكام الدواب الحديث 3 من كتاب الحج.
397

" كره له تركه لأنه تضييع، ولا يجبر على سقيه، لأنه من تنمية المال، ولا
يجب على الانسان تملك المال، فلا يجب تنميته " وفي المسالك " في وجوب سقي
الزرع والشجر وحرثه من الامكان قولان، أشهرهما العدم " لكن في كشف اللثام
في شرح ما سمعته مع القواعد " وفيه أنه إبقاء لما ملكه وصون له من الضياع،
وهو واجب، نعم يمكن القول بأنه لا يجبر عليه، لكنه ربما دخل بذلك في السفهاء
فيحجر عليه " وفي التحرير " أن ما يتلف بترك العمل فالأقرب إلزامه بالعمل من
حيث أنه تضييع للمال، فلا يقر عليه ".
قلت: قد يقال: إن الأصل والسيرة وعموم تسلط الناس على أموالها (1)
يقتضي عدم حرمة مثل هذا الاتلاف للمال المحتاج حفظه إلى معالجة وعمل، بل
لا يعد مثله سفها، ومن ذلك يعلم ما في قوله أيضا " ويكره أو يحرم ترك عمارة
الدار ونحوها حتى تخرب إن لم يكن الخراب أصلح لها، والقول في الاجبار عليها
وعدمه كما مر، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع، وهو حرمة مثل هذا التضييع
للمال، من غير فرق في الأموال بين العقار والكتب والثياب وغيرها " والتحقيق عدم
حرمة ما لا يعد سفها وسرفا منه.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وله الشكر على توفيقه لاتمام كتاب
النكاح الذي هو آخر قسم العقود، والرجاء منه التوفيق لاتمام الباقي الذي منه
القسم الثالث في الايقاعات، وهي أحد عشر كتابا، وقد كان ذلك عند العصر تقريبا
في يوم الأربعاء: رابع عشر من ربيع الثاني من سنة السابعة والأربعين بعد الألف
والمأتين، وهي السنة التي أدب الله في شوال سابقتها أي السادسة والأربعين أهل بغداد وفي
ذي القعدة منها أهل الحلة وأهل النجف وأهل كربلاء وغيرهم بالطاعون العظيم الذي
قد من علينا وعلى عيالنا وأطفالنا وبعض متعلقينا بالنجاة منه، وكم له من نعمة،
فإنه المنان الكريم الرحمن الرحيم.

(1) البحار ج 2 ص 272.
وبهذا والحمد لله انتهت تعاليقنا على الجزء الحادي والثلاثين من كتاب (جواهر
الكلام) وقد بذلنا غاية المجهود في تنميقه والتعليق عليه ومقابلته بنسخة الأصل المخطوطة
المصححة بقلم المصنف طاب ثراه، فنشكره تعالى على ما وقفنا لذلك، ويسأله أن يديم
توفيقنا ويزيد من فضله.
كما وأني في الختام أشكر أخي العلامة الشيخ محمد القوچاني على جهوده المتواصلة
حيث كان عونا لي في سرعة الانجاز وفقه الله تعالى لمراضيه.
وبهذا الجزء تم كتاب النكاح ويتلوه الجزء الثاني والثلاثون في كتاب الطلاق
انشاء الله.
398

النجف الأشرف
30 / ذي القعدة / 1395
محمود القوچاني
وتم تصحيحه وتهذيبه وترتيبه
في اليوم الثالث من ثاني الربيعين سنة 1397
والحمد لله أولا وآخرا وذلك بيد العبد:
السيد إبراهيم الميانجي
عفي عنه وعن والديه
399