الكتاب: كتاب الصلاة
المؤلف: الشيخ الأنصاري
الجزء: ٢
الوفاة: ١٢٨١
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق : لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ربيع الأول ١٤٢٠
المطبعة: باقري - قم
الناشر: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري
ردمك: ٩٦٤-٥٦٦٢-٠٨-٧
ملاحظات:

كتاب الصلاة
1

كتاب الصلاة
للشيخ الأعظم أستاذ الفقهاء والمجتهدين
الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)
1214 - 1281 ه‍
الجزء الثاني
اعداد
لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم
3

أنصاري، مرتضى بن محمد أمين. 1214 - 1420 ق =
1378.
3 ج. (دوره مصنفات شيخ أعظم أنصاري، 6، 8
(ج 2) 7 - 08 - 5662 - ISBN 964
فهرستنويسى بر أساس اطلاعات فيپا (فهرستنويسى پيش از انتشار).
فهرستنويسى بر أساس جلد دوم، 1378.
عربي.
چاپ قبلي: المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.
1415 = 1373.
1 - نماز. ألف: عنوان.
2 ك 8 ألف / BP 186 - 353 / 297
ى 1300
كتابخانه ملى إيران - 5082 - 78 م
قم - ص. ب 3654 - 37185 - ت: 744810
كتاب الصلاة / ج 2
المؤلف: الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري قدس سره
تحقيق: لجنة التحقيق
الطبعة: الأولى. ربيع الأول 1420 ه‍. ق
تنضيد الحروف: مجمع الفكر الإسلامي
الليتوغراف: نگارش - قم
المطبعة: باقري - قم
الكمية المطبوعة: 1000 نسخة
جميع الحقوق محفوظة
للأمانة العامة للمؤتمر العالمي
بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري قدس سره
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله المعصومين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
7

* (الخامس) * من أفعال الصلاة: * (الركوع) *
* (وهو ركن تبطل الصلاة بتركه عمدا) * مطلقا إجماعا، بل ضرورة،
* (وسهوا) * مع تجاوز المحل كذلك على المشهور. وعن المبسوط: أنها
لا تبطل بتركه في أخيرتي الرباعية إذا ذكر بعد السجدتين، بل يسقط
السجود فيركع ثم يسجد (1)، وهو في الحقيقة نفي لركنية السجود.
ولا يجب * (في كل ركعة) * إلا * (مرة) * واحدة، فلو زاد عمدا
أو سهوا بطلت صلاته، خلافا للمحكي عن المبسوط من قول بعض: بأنه
لو نسي سجدتين في ركعة حتى ركع فيما بعدها، أسقط الركوع واكتفى
بالسجدتين بعده، وجعل الركعة الثانية أولة والثالثة ثانية والرابعة ثالثة (2)،
وحكي عن ابن سعيد الإفتاء بذلك في خصوص الأخيرتين (3).
ويرد ذلك كله الأخبار المعتبرة، المعتضدة بفتوى المعظم، كما سيجئ
في باب الخلل (4)، نعم لا بأس في الاحتياط بمراعاة ذلك وإتمام الصلاة

(1) انظر المبسوط 1: 109.
(2) حكاه الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام 1: 225، وانظر المبسوط 1: 120.
(3) حكاه الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام 1: 225، وانظر الجامع للشرائع: 83.
(4) انظر أحكام الخلل في الصلاة (للمؤلف قدس سره): 28 و 257.
9

ثم إعادتها.
* (ويجب الانحناء) * فيه إجماعا، ويجب أن يكون * (بقدر) * يتمكن من
* (أن تصل راحتاه) * إلى * (ركبتيه) * وفاقا لجماعة (1)، للتأسي، والسيرة،
ولقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: " وتمكن راحتيك من ركبتيك " (2)،
ولصحيحة حماد الواردة في تعليم الصلاة (3)، وللاحتياط.
واكتفى جماعة - بل عن البحار (4) نسبته إلى المشهور - بمقدار يتمكن
من إيصال أطراف الأصابع إلى الركبتين، لصحيحة زرارة: " فإن أوصلت
أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك، وأحب إلي أن تمكن كفيك
من ركبتيك " (5)، فحينئذ تحمل الأدلة السابقة جميعا على الأفضلية.
وأما وضع اليد على الركبة، فقال في الحدائق: إنه لا خلاف فيه
فيما أعلم (6)، وحكى الإجماع عليه (7)، فإن تم، وإلا ففيه نظر.

(1) منهم المحقق في الشرائع 1: 84، والشهيد في الدروس 1: 176، وابن فهد في
الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 79.
(2) الوسائل 4: 949، الباب 28 من أبواب الركوع، الحديث الأول.
(3) الوسائل 4: 920، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث الأول.
(4) البحار 84: 190.
(5) الوسائل 4: 676، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 3، وفيه: فإن
وصلت... الخ.
(6) العبارة في مصححة " ط " والمصدر هكذا: أنه لا خلاف بين الأصحاب فيما أعلم
أنه لا يجب وضع اليدين على الركبتين.
(7) الحدائق 8: 237.
10

* (و) * يجب * (الذكر فيه) * (1) إجماعا،

(1) المنتهى 1: 282.
(2) منهم الشيخ في المبسوط 1: 111، وابن إدريس الحلي في السرائر كما يأتي عنه،
ويظهر أيضا من المحقق في المعتبر 2: 196، كما استظهره منه الشهيد الأول في غاية
المراد 1: 147.
(3) منهم ابن فهد الحلي في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 79، والفاضل المقداد في
التنقيح الرائع 1: 208، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 286، وغيرهم. انظر
مفتاح الكرامة 2: 417.
(4) السرائر 1: 224.
(5) الوسائل 4: 929، الباب 7 من أبواب الركوع، الحديث الأول.
11



(1) النهاية: 81.
(2) الحدائق 8: 246.
(3) الذكرى: 197.
(4) الغنية: 79.
(5) الإنتصار: 149، المسألة 46.
(6) الخلاف 1: 349، كتاب الصلاة، المسألة 99.
(7) من " ن " و " ط ".
(8) الوسائل 4: 924، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 7.
(9) الوسائل 4: 923، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 2.
(10) راجع الوسائل 4: 925 و 926، الباب 5 و 6 من أبواب الركوع، وغيرهما من الأبواب.
12



(1) انظر التنقيح الرائع 1: 208، والمدارك 3: 392، والحدائق 8: 247.
(2) راجع الوسائل 4: 924، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 5 و 7، وراجع أيضا
4: 925، الباب 5 من أبواب الركوع، الأحاديث 1 و 2 وغيرهما.
(3) راجع الوسائل 4: 923، الباب 4 من أبواب الركوع، الأحاديث 1 و 2 و 3
وغيرها.
(4) تقدمت في الصفحة السابقة.
(5) لم تتقدم ظاهرا، بل ستأتي في الصفحة: 17.
(6) المنتهى 1: 282.
(7) التذكرة 3: 169.
13



(1) الحدائق 8: 242.
(2) المعتبر 2: 194، وفيه: باتفاق علمائنا، وانظر التذكرة 3: 166، والمنتهى 1: 282.
(3) انظر جامع المقاصد 2: 284، والرياض 3: 430، وغنائم الأيام: 197.
(4) المنتهى 1: 282.
(5) انظر الغنية: 79، وجامع المقاصد 2: 284.
(6) كنز العمال 7: 425 - 426، الحديث 19625 و 19626.
(7) قرب الإسناد: 37، الحديث 118، وفيه: عن بكر بن محمد الأزدي.
(8) روض الجنان: 273.
(9) هذا هو آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 125 من " ق "، وتبدأ الصفحة اليسرى
بقوله: " ويجب الذكر فيه " الذي أوردناه في المتن (الصفحة 11).
14

كما في المنتهى (1) والذكرى (2) وجامع المقاصد (3) وعن جماعة (4).
وهل يتعين التسبيح - كما هو الأشهر، بل المشهور كما في الرياض (5)،
ومذهب المعظم كما في الذكرى (6)، بل عن الإنتصار: الإجماع على إيجابه
وأنه من متفردات الإمامية (7)، وفي الغنية: الإجماع على أقل التسبيح (8)،
وعن الخلاف (9) والوسيلة (10): الإجماع على تسبيحة واحدة، وهو المحكي
عن القديمين (11) والصدوقين (12) والمشايخ الثلاثة (13) وجماعة (14) -، أم يجزي

(1) المنتهى 1: 282، والذكرى: 197.
(2) المنتهى 1: 282، والذكرى: 197.
(3) جامع المقاصد 2: 285.
(4) حكاه عنهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 417.
(5) الرياض 3: 433.
(6) الذكرى: 197.
(7) الإنتصار: 149، المسألة 46.
(8) الغنية: 79.
(9) الخلاف 1: 349، كتاب الصلاة، المسألة 100.
(10) الوسيلة: 93، وفيه: المتفق على وجوبه.
(11) حكاه النراقي في المستند 5: 204.
(12) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 1: 245، والنراقي في المستند 5: 204، وانظر
المقنع والهداية (الجوامع الفقهية): 8 و 52.
(13) حكاه عنهم المحدث البحراني في الحدائق 8: 245، والنراقي في المستند 5: 204،
وانظر المقنعة: 105، والانتصار: 45، ورسائل الشريف المرتضى 3: 32، والخلاف
1: 348، كتاب الصلاة، المسألة 99.
(14) منهم الحلبي في الكافي: 118، وسلار في المراسم: 71، والقاضي في المهذب 1:
93، وانظر المستند 5: 204.
15

مطلق الذكر - كما عن المبسوط (1)، بل والنهاية (2) والجامع (3) على خلاف
في حكاية مطلق الذكر عنهما أو خصوص التهليل والتكبير (4)، وعن الحلي
نافيا عنه الخلاف (5)، وهو ظاهر المعتبر (6) والذكرى (7) في باب الركوع،
لكن الظاهر منه في السجود موافقة المشهور (8)، نعم هو صريح المنتهى (9)
والروض (10) والروضة (11) وشرحها (12) وجامع المقاصد (13) والإيضاح (14)

(1) المبسوط 1: 111.
(2) النهاية: 81.
(3) الجامع للشرائع: 82 - 83.
(4) انظر المنتهى 1: 282، فإنه حكى فيه عن الشيخ في النهاية والمبسوط: إجزاء
مطلق الذكر، وأما في غير المنتهى كالذخيرة: 282، والحدائق 8: 245 - 246
وغيرهما، فقد حكى عن المبسوط: التخيير بين التسبيح ومطلق الذكر، وعن النهاية:
التخيير بين التسبيح والتهليل والتكبير، ولم نعثر على الحاكي عن الجامع مطلق الذكر.
(5) السرائر 1: 224.
(6) انظر المعتبر 2: 196.
(7) الذكرى: 197.
(8) الذكرى: 201.
(9) المنتهى 1: 282.
(10) روض الجنان: 271.
(11) الروضة البهية 1: 614.
(12) المناهج السوية (مخطوط): 112.
(13) جامع المقاصد 2: 286.
(14) إيضاح الفوائد 1: 113.
16

وكنز العرفان (1) وغيرها، وبالجملة: أكثر المتأخرين (2) - قولان:
أقواهما الثاني، للأصل - على ما ذكره جماعة منهم المصنف في
المختلف (3) والشهيد في غاية المراد (4) - وفيه نظر، ولو على القول بالبراءة عند
الشك في الجزئية والشرطية.
ولصريح روايتي (5) الهشامين - ابني الحكم وسالم - الصحيحتين، عن
أبي عبد الله عليه السلام، قال: " قلت له: أيجزي عني أن أقول مكان التسبيح في
الركوع والسجود: لا إله إلا الله والحمد لله، والله أكبر؟ قال: نعم، كل هذا
ذكر الله " (6)، وفي التعليل تصريح بكفاية مطلق الذكر.
مضافا إلى عدم القول بالفصل بين مورد الرواية وغيرها، وحمله على
صورة الضرورة للجهل أو ضيق الوقت مما يضحك الثكلى، إذ أي زمان يسع
الذكر ولا يسع التكبير، أو أي جاهل يعلم الأول دون الثاني؟
ومثلهما رواية مسمع المصححة عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال:
لا يجزي الرجل في تسبيحه أقل من ثلاث تسبيحات أو قدرهن " (7).

(1) كنز العرفان 1: 128.
(2) مثل المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 253، والسيد العاملي في المدارك
3: 392، والمحدث البحراني في الحدائق 8: 247 وغيرهم.
(3) المختلف 2: 165.
(4) غاية المراد 1: 147.
(5) من " ط " و " ن "، وفي " ق ": رواية.
(6) الوسائل 4: 929، الباب 7 من أبواب الركوع، الحديث 1 و 2.
(7) الوسائل 4: 926، الباب 5 من أبواب الركوع، الحديث 4.
17

ولأجل هذه يحمل الأخبار الظاهرة في تعيين التسبيح على الأفضلية،
وعلى كونه الذكر الموظف في الأصل، مثل رواية هشام بن سالم - الراوي
للصحيحة المتقدمة - قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الذكر في الركوع
والسجود؟ قال: تقول في الركوع: سبحان ربي العظيم، وفي السجود:
سبحان ربي الأعلى، الفريضة من ذلك تسبيحة، والسنة في ثلاث، والفضل
في سبع " (1) فيحمل " الفريضة " على المفروض من الذكر في الكتاب العزيز
وفي أصل تشريع الصلاة ليلة المعراج (2)، ولا ينافيه بدلية شئ آخر عنه،
كيف؟ وبدلية الصغريات الثلاث عن مورد الرواية ثابتة بالنص والإجماع،
كما سيجئ عن المصنف (3).
وأما صحيحة زرارة، قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما يجزي من
القول في الركوع والسجود؟ قال: ثلاث تسبيحات في ترسل، وواحدة تامة
تجزي " (4) فهي محمولة على السؤال عن مقدار ما يجزي من القول المعهود
المتعارف من التسبيح، كما يشهد به صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن
الأول عليه السلام، قال: " سألته عن الركوع والسجود، كم يجزي فيه من

(1) الوسائل 4: 923، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث الأول، وفيه: عن
التسبيح في الركوع.
(2) انظر الوسائل 4: 679، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 10 و 11،
والوسائل 4: 944، الباب 21 من أبواب الركوع.
(3) سيجئ في الصفحة 21.
(4) الوسائل 4: 923، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 2.
18

التسبيح؟ قال: ثلاث، ويجزيك واحدة " (1) ونحوها صحيحته الأخرى (2).
وعلى أحد الوجوه الثلاثة المذكورة يحمل حد الركوع والسجود
المسؤول عنه في رواية الحضرمي، قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام: أي شئ
حد الركوع والسجود؟ قال: تقول سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا في
الركوع، وسبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثا في السجود، فمن نقص واحدة
نقص ثلث صلاته، ومن نقص اثنتين نقص ثلثي صلاته، ومن لم يسبح
فلا صلاة له " (3).
ويشهد لأحد المحامل المذكورة: أن ترك التسبيح المذكور جائز إلى
بدله من الصغريات الثلاث كما سيجئ (4)، وأن النقص المذكور في الرواية
لا ريب في أن المراد به نقص الفضيلة، فيحمل نفي الصلاة في قوله:
" لا صلاة له " على نفي الفضيلة، فكأنه عبر به عن نقص الثلث الباقي.
وبالجملة، فليس في أخبار تعيين التسبيح ما يكافئ رواية المختار في
صراحة الدلالة، ولا اعتبار في كثرة الظواهر مع صراحة الأقل وصحة
سنده.
والشهرة العظيمة بين القدماء المعتضدة بالإجماعات المحكية (5)، موهونة

(1) الوسائل 4: 923، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 3.
(2) الوسائل 4: 923، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 4.
(3) الوسائل 4: 924، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 5.
(4) سيجئ في الصفحة 21.
(5) تقدمت الإشارة إليها في الصفحة 15.
19

بشهرة خلافه بين المتأخرين (1) المعتضدة بنفي الخلاف عن الحلي (2)، وبذيل
عبارة الأمالي الآتية، أو محمولة - كالأخبار، بقرينة حكايتي الحلي
والأمالي - على إرادة المتعين من الذكر في الوظيفة الأصلية، في مقابل
أبي حنيفة والشافعي وأحمد المنكرين (3) لاستحباب هذا التسبيح المعروف بين
الإمامية.
قال في الأمالي - على ما حكي عنه -: إن من دين الإمامية الإقرار
بأن الذكر في الركوع والسجود ثلاث تسبيحات وأن من لم يسبح فلا صلاة
له، إلا أن يهلل أو يكبر أو يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدد التسبيح (4).
وظاهر العبارة كون الاستثناء أيضا من دين الإمامية. نعم، يوهنها
ظهورها في قيام الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقام الذكر، ولم يعرف له
قائل من الإمامية، فضلا عن كونه من دينهم الذي يجب الإقرار به،
وإن ورد في الأخبار ما يمكن أن يستفاد منه عموم تشبيه الصلاة بالذكر،
مثل رواية أبي بصير قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصلي على
النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا ساجد؟ فقال: نعم، هو مثل سبحان الله والله
أكبر " (5) وفي صحيحة ابن سنان: " إن الصلاة على نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم

(1) راجع الصفحة 16 و 17.
(2) انظر السرائر 1: 224.
(3) انظر المغني، لابن قدامة 1: 502 فقد تعرض فيه لإنكار أحمد والشافعي، ولم نقف
فيه على إنكار أبي حنيفة، نعم حكى عنه المحقق في المعتبر 2: 196.
(4) أمالي الشيخ الصدوق: 512.
(5) الوسائل 4: 943، الباب 20 من أبواب الركوع، الحديث 2.
20

كهيئة التسبيح والتكبير " (1) إلا أن في إثبات هذا الحكم بهما - مع كونه
مهجورا بين الأصحاب، مضافا إلى ضعف دلالتهما على العموم - إشكالا،
بل منعا.
ثم إن الأقوى على القول بتعين التسبيح: التخيير بين واحدة كبرى
وثلاث صغريات أعني سبحان الله، وفي المنتهى: إن الموجبين للتسبيح اتفقوا
عليه (2)، لأنه المستفاد من الأخبار بعد ضم بعضها إلى بعض، ففي صحيحة
معاوية بن عمار، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخف ما يكون من
التسبيح؟ قال: ثلاث تسبيحات مترسلا، تقول: سبحان الله سبحان الله
سبحان الله " (3) ونحوها مضمرة سماعة (4). مضافا إلى جميع ما دل من
المستفيضة (5) على إجزاء ثلاث تسبيحات، الظاهرة في الصغريات.
وأما ما دل على كفاية الواحدة الكبرى، فما تقدم من روايتي هشام
والحضرمي (6).
هذا، مع أن في الروايات ما يستفاد منه التخيير، كصحيحة زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام، قال: " قلت له: ما يجزي من القول في الركوع والسجود؟

(1) الوسائل 4: 943، الباب 20 من أبواب الركوع، الحديث الأول.
(2) المنتهى 1: 282 - 283.
(3) الوسائل 4: 925، الباب 5 من أبواب الركوع، الحديث 2.
(4) الوسائل 4: 926، الباب 5 من أبواب الركوع، الحديث 3.
(5) انظر الوسائل 4: 923 و 925، الباب 4 و 5 من أبواب الركوع.
(6) المتقدمتان في الصفحة 18، وأما الحضرمي فلم يتقدم عنه ما يدل على ذلك، نعم
تقدم عن زرارة وعلي بن يقطين في الصفحة 18.
21

قال: ثلاث تسبيحات في ترسل، وواحدة تامة تجزي " (1) فإن الظاهر من
التامة هي الكبرى. مضافا إلى أن جعل الثلاث والواحدة في قالب الإجزاء
يقتضي عدم اندراج الواحدة في الثلاث.
وقريب منها صحيحتا علي بن يقطين المتقدمتان (2) بعد حمل الواحدة
فيهما - وإن خلت عن وصف التمام - على الكبرى، بقرينة ما دل على عدم
إجزاء أقل من ثلاث صغريات إلا للمريض عند الأصحاب كما في المعتبر (3)،
وإجماعا كما في المنتهى (4)، لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: " قلت له: أدنى ما يجزي المريض من التسبيح؟ قال: تسبيحة
واحدة " (5). وفي المرسل المحكي عن الهداية - بعد ذكر إجزاء " سبحان الله "
ثلاثا - " أن التسبيحة الواحدة تجزي للمعتل والمريض والمستعجل " (6).
ثم إن الظاهر تعين زيادة كلمة " وبحمده " أو بدلها في قوله: " سبحان
ربي العظيم وبحمده "، لذكرها في كثير من الأخبار، بل أكثر الأخبار
المتضمنة لهذا التسبيح الخاص، وعن حاشية المدارك (7): أنها مذكورة في

(1) الوسائل 4: 923، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 2.
(2) المتقدمتان في الصفحة 18 و 19.
(3) المعتبر 2: 196، وفيه: مع الضرورة.
(4) المنتهى 1: 283، وفيه أيضا: في حال الضرورة.
(5) الوسائل 4: 925، الباب 4 من أبواب الركوع، الحديث 8.
(6) الهداية (الجوامع الفقهية): 52، وعنه مستدرك الوسائل 4: 424، الباب 4 من
أبواب الركوع، الحديث 4.
(7) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 419، وأشار إلى الأخبار المذكورة فيها.
22

تسعة أخبار، منها: رواية الحضرمي المتقدمة (1)، وهي وإن لم تدل على
وجوب خصوص هذا التسبيح الخاص، لما تقدم من التخيير بينه وبين
الصغريات الثلاث، بل ومطلق الذكر، إلا أنها ظاهرة في جزئية الكلمة
المذكورة للتسبيح المذكور، فالأخبار الخالية عنها محمولة على وكول ذلك إلى
ما هو المتعارف المعهود بين الشيعة في كل عصر.
ويؤيد ذلك - أيضا - قوله عليه السلام في رواية مسمع: " لا يجزي أقل من
[ثلاث] (2) تسبيحات أو قدرهن " (3)، فإن الظاهر أنه لا يتحقق مساواة
الكبرى للثلاث إلا بإضافة كلمة " وبحمده "، بل قيل (4): إنها بعد إضافة هذه
الكلمة تنحل إلى ثلاث تسبيحات، لأن التعظيم المستفاد من لفظة " العظيم "
والتحميد المستفاد من كلمة " وبحمده " أيضا تسبيحان (5)، لرجوعهما إلى معنى
التسبيح الذي هو التنزيه عن النقائص.
ومما ذكرنا من رواية مسمع يظهر الوجه في وجوب كون الذكر المطلق
بمقدار التسبيحة الكبرى أو الثلاث، مضافا إلى ما دل على تخصيص الصغرى
الواحدة بالمريض (6)، بل وما دل على عدم إجزاء أقل من ثلاث صغريات (7).

(1) تقدمت في الصفحة 19.
(2) من مصححة " ط " والمصدر.
(3) الوسائل 4: 926، الباب 5 من أبواب الركوع، الحديث 4.
(4) انظر الجواهر 10: 93، وفيه: بل الظاهر أن الأصل في إجزاء التسبيحة الكبرى
عن التسبيحات الثلاث انحلالها إلى الثلاث.
(5) في " ط ": تسبيحتان.
(6) مثل صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة في الصفحة السابقة.
(7) انظر الوسائل 4: 923، الباب 4 و 5 من أبواب الركوع.
23

* (و) * يجب * (الطمأنينة) * بضم الطاء وسكون الهمزة بعد الميم
المفتوحة - وهي سكون الأعضاء واستقرارها في هيئة الراكع - باتفاق علمائنا
كما في المعتبر (1) والمنتهى (2)، وبإجماعهم كما في جامع المقاصد (3) وعن
الناصريات (4) والغنية (5).
قيل: وهو معنى قوله عليه السلام في رواية قرب الإسناد: " إذا ركع
أحدكم فليتمكن (6) في ركوعه " (7)، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن علمه الصلاة:
" ثم اركع حتى تطمئن راكعا " (8).
وعن الخلاف (9) دعوى الإجماع على ركنيتها، ويضعف - مع موافقته
للأصل - بعموم قوله: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (10) وما دل على أن
ملاك صحة الصلاة حفظ الركوع والسجود (11)، إلا أن يراد من ركنيتها كونها
مأخوذة في الركوع شطرا أو شرطا، ولا يبعد مساعدة العرف عليه، لكنه

(1) المعتبر 2: 194.
(2) المنتهى 1: 282، وفيه: وهو قول علمائنا.
(3) جامع المقاصد 2: 284.
(4) انظر الناصريات: 223، المسألة 87.
(5) الغنية: 79.
(6) قرب الإسناد: 37، الحديث 118.
(7) لم ترد " في ركوعه " في " ن " و " ط " والمصدر.
(8) كنز العمال 7: 425 - 426، الحديث 19625 و 19626.
(9) الخلاف 1: 348، كتاب الصلاة، المسألة 98.
(10) الوسائل 4: 934، الباب 10 من أبواب الركوع، الحديث 5.
(11) انظر الوسائل 4: 771، الباب 30 من أبواب القراءة، الحديث 3.
24

لا يخلو عن إشكال.
وكيف كان، فالمعروف أنه يجب الطمأنينة حال الذكر * (بقدره) *، وفي
ظاهر المعتبر (1) والمنتهى (2) دعوى الاتفاق عليه، مستدلين على ذلك بأن
الذكر فيه واجب، فلا بد من السكون بقدر أداء الواجب، ومرجعه إلى
وجوب الطمأنينة في جميع الأقوال الواجبة، لما تقدم في مسألة القيام من
الإجماعات المحكية على اشتراط الاستقرار في الصلاة في هيآتها الأربع: وهي
القيام والركوع والسجود والجلوس (3)، لا إلى ما زعمه غير واحد من أن
الذكر في حال الركوع واجب، ولا يتم إلا بالسكون بمقداره (4)، فاعترضوا
عليه (5) بأنه يمكن [أن] (6) يشرع في الذكر في أول انحنائه، فيزيد في الانحناء
إلى أن يتم الذكر في أثناء الهوي الزائد، أو إلى أن يعود إلى أقل الركوع، أو
بأنه يمكن أن يبقى في مرتبة من الانحناء لكن مضطربا، حتى احتمل بعضهم
- لدفع الاعتراض بهذين الفرضين - بأن يكون مرادهم من الطمأنينة هنا
البقاء على الركوع وعدم الرفع عنه حتى يؤدي واجب الذكر (7)، ولا يخفى

(1) المعتبر 2: 194.
(2) المنتهى 1: 282.
(3) تقدم في المجلد الأول: 225.
(4) منهم الشهيدان في الذكرى: 197، والروض: 273، والسبزواري في الذخيرة:
283.
(5) انظر الرياض 3: 430، والمستند 5: 199 - 200، والجواهر 10: 85.
(6) من " ن " و " ط ".
(7) انظر مطالع الأنوار 2: 94.
25

ما فيه، حيث إنهم صرحوا بتفسير الطمأنينة في المقام بسكون الأعضاء
واستقرارها (1).
وعلى أي حال، فلو شرع في الذكر الواجب قبل البلوغ إلى حد
الركوع أو أتمه ناهضا، فإن كان ناسيا فلا شئ عليه في الثاني، وأعاده في
الأول في حال الركوع كما لو أتى بشئ منه غير مطمئن، وإن كان عامدا
بطلت صلاته في الثاني إجماعا، لتعمده الإخلال بالواجب، وأعاده في الأول
كالناسي، وفاقا للمصنف في القواعد (2) والشهيد في الذكرى (3) فيما لو أتى
بشئ مع عدم الطمأنينة، لأن فساد الجزء لا يستلزم فساده إذا أمكن
تداركه ثانيا، خلافا لجماعة منهم المحقق (4) والشهيد (5) الثانيان فحكموا ببطلان
الصلاة، لما مر منهم غير مرة من بطلان الصلاة بتعمد إبطال جزء منه،
لوجوه تقدمت مع ما فيها.
هذا كله في القادر على الطمأنينة، وأما العاجز، فلا إشكال في عدم
وجوبها عليه، والأقوى وجوب إتمام الذكر عليه حال الركوع وإن كان

(1) صرح به المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 284، والشهيد الثاني في روض
الجنان: 273، والسيد العاملي في المدارك 3: 387، والمحدث البحراني في الحدائق
8: 242 وغيرهم.
(2) راجع القواعد (الطبعة الحجرية) 1: 34، وفيه: " أو شرع في النهوض قبل إكماله
عامدا ولم يعده بطلت صلاته "، وعبارة " عامدا ولم يعده " لم ترد في بعض نسخ
القواعد، انظر الطبعة الجديدة 1: 276.
(3) الذكرى: 199.
(4) جامع المقاصد 2: 290.
(5) روض الجنان: 273.
26

غير مطمئن، فلا يجوز له الخروج عن حد الراكع قبل إكمال الذكر، خلافا
لظاهر شيخنا الشهيد في الذكرى فجوز أن يتم الذكر رافعا رأسه (1)، وفيه
نظر.
* (و) * يجب * (رفع الرأس) * من الركوع إلى أن ينتصب قائما قيام
القراءة، فلو هوى قبله لا لعذر بطلت صلاته، وإن كان لعذر مستمر إلى
السجود سقط حتى مع النسيان، بناء على عدم ركنيته كما هو المشهور،
لقوله: " لا تعاد " ونحوه، مما مر في نفي ركنية طمأنينة الركوع (2)، خلافا
للشيخ (3)، لعموم " لا صلاة لمن لم يقم صلبه " (4) الذي يجب رفع اليد عنه
بالعمومات المتقدمة (5)، وإن كان المتراءى في بادئ النظر تعارضهما بالتباين
الجزئي، لكن دقيق النظر يقتضي حكومة العمومات عليه، كما تقدم نظيره (6)
في " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (7) مع أن الأخبار المستفيضة الدالة على
إناطة صحة الصلاة بمحافظة الركوع والسجود عن النسيان وبإتمامهما (8)
كالنص في عدم قدح نسيان غيرهما.

(1) انظر الذكرى: 197.
(2) تقدم في الصفحة 24.
(3) الخلاف 1: 351، كتاب الصلاة، المسألة 102.
(4) الوسائل 4: 939، الباب 16 من أبواب الركوع، الحديث 1 و 2.
(5) تقدمت في الصفحة 24، مثل حديث: " لا تعاد " وغيره.
(6) تقدم في المجلد الأول: 308 و 309.
(7) مستدرك الوسائل 4: 158، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث 5 و 8.
(8) انظر الوسائل 4: 771، الباب 30 من أبواب الركوع، الحديث 3، و 4: 769،
الباب 29 من أبواب الركوع، الحديث 2 وغيرهما.
27

ولو ارتفع العذر قبل وضع الجبهة في السجود، فالظاهر وجوب
التدارك، لبقاء الأمر والمحل، وفاقا للمصنف قدس سره (1)، وقواه شيخنا الشهيد في
الذكرى (2) حاكيا عن المبسوط (3) عدم الوجوب، معللا بأنه حكم بسقوطه
وخرج محله فوجوب العود يحتاج إلى دليل، وتبعه عليه في البيان (4) وإن
قوى أخيرا ما قواه في الذكرى في هذه المسألة ومسألة ما لو أتم الركوع
فسقط، التي حكم الشيخ فيها أيضا بعدم العود، لما ذكره من أصالة البراءة،
المدفوعة باستصحاب بقاء التكليف بالرفع والاشتغال بالصلاة، للشك في
البراءة بترك التدارك.
* (و) * تجب * (الطمأنينة) * وهو أن يعتدل * (قائما) * ويسكن
ولو يسيرا، إجماعا محققا ومستفيضا، والكلام في ركنيتها المحكية عن خلاف
الشيخ كما مر (5)، ويجوز التطويل فيه بغير السكوت الطويل الماحي، وفي
الذكرى: أن بعض المتأخرين اختار قول بعض العامة: أنه لو طولها بذكر
أو قراءة بطلت صلاته، لأنه واجب قصير فلا يشرع فيه التطويل (6)، وهو
ضعيف، إلا أن تمحو صورة الصلاة بطولها، كما في الروض (7).

(1) نهاية الإحكام 1: 483.
(2) الذكرى: 200.
(3) انظر المبسوط 1: 112.
(4) البيان: 165.
(5) مر في الصفحة السابقة والصفحة 24.
(6) الذكرى: 200.
(7) روض الجنان: 273.
28

* (ولو عجز) * المصلي * (عن الانحناء) * إلى حد الراكع، أتى بالممكن
من الانحناء بلا خلاف ظاهر، وعن المعتبر: الإجماع (1)، لعموم " الميسور
لا يسقط بالمعسور " (2)، فإن الظاهر جريان تلك القاعدة في الأجزاء
الصورية، من حيث ملاحظة الأقرب إلى صورة الجزء المعسور فالأقرب، كما
يستفاد من تتبع النصوص والفتاوى في كل جزء جزء من أجزاء الصلاة، كما
تقدم بعض ذلك في الواجبات المتقدمة من القيام والتكبيرة والقراءة
وسيجئ في باقيها، فليس إجراء هذه القاعدة مبنيا على كون الهوي للركوع
من الواجبات الأصلية للصلاة، مع أن الظاهر كونه من مقدمات الركوع
نظير الهوي للسجود والنهوض للقيام، كما صرح به غير واحد، منهم الشهيد
الثاني في مسألة الشك بعد تجاوز المحل (3)، والفريد البهبهاني في شرحه في
باب الركوع (4)، والعلامة الطباطبائي في منظومته مفرعا على ذلك صحة
الركوع فيما لو هوى لغير الركوع ثم نوى الركوع، قال:
ولو هوى لغيره ثم نوى * صح، كذا السجود بعد ما هوى
إذ الهوي فيهما مقدمة * خارجة لغيره ملتزمة (5)
والظاهر أن مراده ما لو هوى بنية غير الركوع ولم يصل حد الراكع،
أما لو وصل إلى حد الراكع فأراد أن يجعله ركوعا فالظاهر عدم الصحة،

(1) المعتبر 2: 193، وحكاه عنه في الجواهر 10: 79.
(2) عوالي اللآلي 4: 58، وفيه: " لا يترك الميسور بالمعسور ".
(3) روض الجنان: 349 - 350.
(4) مصابيح الظلام (مخطوط): 582.
(5) الدرة النجفية: 123 (باب الركوع).
29

وفاقا لجماعة، منهم المصنف (1) والشهيد (2) قدس سرهما، لأن الظاهر من الركوع هو
الانحناء الخاص الحدوثي الذي لا يخاطب به إلا من لم يكن كذلك، فلا يقال
للمنحني: " أنحن "، نعم لو كان المراد من الركوع مجرد الكون على تلك الهيئة
بالمعنى الأعم من الحادث والباقي صح، لكن الظاهر خلافه، فالهوي وإن كان
مقدمة، إلا أن إيجاد مجموعه لا بنية الركوع يوجب عدم تحقق الركوع المأمور
به لأجل الصلاة، وسيجئ نظيره في السجود، بل يمكن الحكم بعدم جواز
إتمام الانحناء بنية الركوع الذي جوزه في المنظومة، وغيره في غيرها.
ولو هوى غافلا لا بقصد الركوع ولا بقصد غيره، فالظاهر - أيضا -
عدم الإجزاء، لا لأن أفعال الصلاة تفتقر إلى قصد كل في محله تفصيلا،
بل لأن الظاهر أن مجرد الهوي لا يسمى ركوعا عند المتشرعة إلا إذا وقع
بقصده، فإن من انحنى لأخذ شئ، لا يقال: إنه ركع، ولا يوجب وقوع
ذلك في الصلاة مرارا زيادة الركن.
ودعوى أن عدم القدح هنا لأجل عدم قصد كون هذا الانحناء من
أفعال الصلاة فلا يسمى زيادة، يمكن دفعها: أنه لو سلم صدق الركوع
عليه، لم يفرق بين قصد كونه من الصلاة وعدمه، فإنهم صرحوا - تبعا
للنص (3) - بأن السجود للعزيمة زيادة في المكتوبة (4)، فتأمل.

(1) التذكرة 3: 168، ونهاية الإحكام 1: 481.
(2) الذكرى: 197، والدروس 1: 177، ومنهم: المحقق الثاني في جامع المقاصد 2:
296، والمحدث البحراني في الحدائق 8: 241، والمحقق النراقي في المستند 5: 198.
(3) انظر الوسائل 4: 779، الباب 40 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(4) انظر السرائر 1: 217، ونهاية الإحكام 1: 466، والإيضاح 1: 109، وجامع
المقاصد 2: 247 وغيرها.
30

وكيف كان، فكفاية النية الإجمالية المستمرة في كل جزء جزء إنما تؤثر
في الاستغناء عن نية القربة ونية الجزئية في كل جزء تفصيلا، لا عن القصد
الذي لا يتحقق عنوان الجزء كالركوع والسجود إلا به، نعم لو ثبت أن
الركوع مثل القيام لا يحتاج تحقق عنوانه إلى أزيد من حصول صورته في
الخارج توجه ما ذكر من عدم اعتبار القصد، بل ما منع سابقا (1) من كفاية
الاستمرار عليه بنية الصلاة، وإن أحدث لغيرها (2).

(1) راجع الصفحة السابقة.
(2) بعد هذه العبارة في النسخ ما يلي: " الوضع عن الإيماء... " إلى نهاية صفحتين من " ق ".
وقد وقع هنا خطأ في ترتيب أوراق " ق "، وكانت هذه الورقة تتعلق بمباحث
القراءة، فنقلناها إلى مبحث القراءة في الجزء الأول من كتاب الصلاة: 511 - 517،
ونبهنا على ذلك في الهامش، فراجع.
31

* (السادس) * من الواجبات: * (السجود) *
وهو لغة الخضوع كما في كلام جماعة (1)، وعن القاموس (2) مجيئه للانحناء
والانتصاب معا، وشرعا: وضع الجبهة بالانحناء على الأرض ولو بوسائط،
لا خصوص الأرض أو ما أنبتته، لما مر وسيجئ من أن هذا من شروط
المسجد في الصلاة وليس مأخوذا فيه ولا شرطا في مطلق السجود.
وأضعف من ذلك: تعريفه شرعا بما يعم الإيماء بالرأس أو العين، لظهور
مغايرتهما للسجود عرفا وشرعا، بل قد عرفت المناقشة في عموم بدليتها.
وأما مدخلية وضع الجبهة فمما لا ريب فيه عند الشرع، واحتمال عدمها
ضعيف جدا.
* (وتجب في كل ركعة) * من الصلاة * (سجدتان) * إجماعا، قيل: بل
يشبه أن يكون من ضروريات الدين (3).

(1) منهم المحقق قدس سره في المعتبر 2: 206، والعلامة في المنتهى 2: 286، والمحقق
الثاني في جامع المقاصد 2: 296، والشهيد الثاني في روض الجنان: 274، وغيرهم.
(2) القاموس المحيط 1: 300، مادة: " سجد ".
(3) لم نقف عليه بعينه، نعم في الذخيرة (284): بل كاد أن يكون من ضروريات
الدين. وفي المدارك (3: 401): بل الظاهر أنه من ضروريات الدين.
33

و * (هما معا ركن) * بمعنى أنه * (تبطل الصلاة بتركهما (1)) * رأسا * (عمدا
وسهوا) * حتى في أخيرتي الرباعية على المشهور، كما سيجئ في باب الخلل
إن شاء الله تعالى (2).
و * (لا) * تبطل * (بترك إحداهما (3)) *، لأنها ليست ركنا، وليس
الإخلال بها إخلالا بأصل السجود، فيندرج في عموم قوله: " لا تعاد
الصلاة إلا من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود " (4).
نعم يرد حينئذ أن مقتضى ذلك كون ماهية السجود ركنا، فيلزم بطلان
الصلاة بزيادتها في ضمن الواحدة، كما عن (5) ثقة الإسلام (6) والسيد في
الجمل (7) والحلبيين (8) والحلي (9)، إلا أن يقال: بأن هذا لا يقدح في ركنية
الماهية، بناء على أن البطلان بالزيادة ليس مأخوذا في مفهوم الركن لغة

(1) في الإرشاد زيادة: معا.
(2) راجع أحكام الخلل في الصلاة، للمؤلف قدس سره: 257.
(3) في الإرشاد زيادة: سهوا.
(4) الوسائل 4: 987، الباب 28 من أبواب السجود، الحديث الأول.
(5) حكاه الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 227.
(6) الكافي 3: 361، ذيل الحديث 9.
(7) لم نقف في الجمل التصريح بذلك، انظر جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى) 3: 36.
(8) انظر الكافي في الفقه: 119، والغنية: 111، وفيه: أو سها فزاد ركعة
أو سجدة.
(9) السرائر 1: 253 - 254.
34

ولا عرفا ولا عند الفقهاء، فإن الظاهر من المحقق (1) في كتبه، والمصنف في
المنتهى وغيره (2)، والشهيد في الذكرى (3): تفسير الركن - كما هنا - بما يبطل
الإخلال به عمدا وسهوا، وهو الذي يساعد عليه العرف واللغة.
وأما ما ذكره الشهيد (4) والمحقق (5) الثانيان والمقدس الأردبيلي (6)
- كما عن المهذب (7) - من أن الركن عند الأصحاب ما يبطل زيادته أيضا،
مشعرا بدعوى الاجماع على هذا التفسير، فالظاهر أنه ليس مأخوذا في
مفهوم الركن، وإنما هو خارج لازم له غالبا، فعدم بطلان الصلاة بزيادة
سجدة واحدة لأجل النص (8)، استثناء عن حكم ثابت للأركان، غير مأخوذ
في مفهوم الركنية، لا عن عموم ركنية ماهية السجدة المعبر عنها بالسجود في
قوله: " لا تعاد... الخ " (9)، وغيره من الأخبار، مثل قوله: " الصلاة ثلاثة

(1) المعتبر 2: 151، وانظر الشرائع 1: 78 و 80 و 84 و 86، مباحث النية والقيام
والركوع والسجود.
(2) المنتهى 1: 264، وانظر نهاية الإحكام 1: 436 و 445، والتذكرة 3: 91 و 99
وغيرهما.
(3) الذكرى: 178.
(4) الروضة البهية 1: 644، وفيه: مع كون المشهور أن زيادته على حد نقيصته.
(5) جامع المقاصد 2: 199.
(6) مجمع الفائدة 3: 81، وفيه: المشهور.
(7) المهذب البارع 1: 356، وفيه: اعلم أن الفقهاء....
(8) انظر الوسائل 4: 938، الباب 14 من أبواب الركوع، الحديث 2 و 3.
(9) تقدم في الصفحة السابقة.
35

أثلاث: ثلث طهور، وثلث ركوع، وثلث سجود " (1) وقوله: " إذا حفظت
الركوع والسجود... " (2) ونحو ذلك.
مع أنه يمكن أن يقال: بعد ما جعل الشارع الزيادة على المسمى
بواحدة واجبا غير ركن، فالزيادة عليه بواحدة بعد الواحدة الواجبة، زيادة
في الواجب لا في الركن، لكن يرد عليه: أن اللازم أن تكون الرابعة أيضا
زيادة في الواجب.
وأما قولهم: " إنهما معا ركن " فالمراد أنهما ليستا ركنين، بل ركن
واحد، فإثبات الركنية للمجموع، في مقابل سلبها عن كل واحدة المصرح به
في المنتهى (3)، لا في مقام أخذ الاجماع في الركنية، والعدول عن قولهم:
" إحداهما ركن " لدفع توهم اختصاص الركنية بالأولى وكون الثانية فعلا
آخرا واجبا خارجا عن الركن، ليكون انكشاف فسادها موجبا لإعادتهما
معا، لا إعادة الثانية إذا تذكر قبل الركوع وبطلان الصلاة إذا تذكر بعده.
وأما دفع الإشكال الوارد على ركنية السجدتين مع عدم إبطال نقص
إحداهما ولا زيادتها، مع تسليم أخذ حكم الزيادة في مفهوم الركن، ففي
غاية الإشكال، وقد ذكر فيه وجوه (4):
منها (5): أن الركن هو المفهوم المردد بين سجدة بشرط لا، وبين

(1) الوسائل 1: 257، الباب الأول من أبواب الوضوء، الحديث 8.
(2) الوسائل 4: 771، الباب 30 من أبواب القراءة، الحديث 3.
(3) المنتهى 1: 286.
(4) انظر الذكرى: 200، وجامع المقاصد 2: 297، وغيرهما.
(5) حكاه المجلسي في البحار 85: 142، عن بعض الأفاضل.
36

سجدتين بشرط لا، وبين ثلاث بشرط لا، فإذا ترك رأسا ترك الركن، وإذا
أتى بثلاث لم يزد فيه.
وفيه - مع منافاته لظاهر كلماتهم من كونهما معا ركنا -: ما قيل (1)
عليه (2): أن اللازم حينئذ استناد البطلان في الأربع فما زاد إلى نقص الركن
لا زيادته، إلا أن يبدل السجدتين بشرط لا بهما لا بشرط، فيستغنى عن
أخذ الثلاث بشرط لا، ويرجع إلى ما ذكره المجلسي في البحار (3)، بعد تزييف
ذلك القول بما حكينا: أن الركن هو المفهوم المردد بين الواحدة بشرط لا
والاثنين لا بشرط، وفيه: ما ذكرنا من منافاته لظاهر كلماتهم، مع أن من
المعلوم أن ترك الثانية لا مدخلية له في جعل الواحدة ركنا بحيث يكون
إتيان الثانية محصلا لفرد من الركن وتركها محصلا لفرد آخر.
ومنها: ما ذكره كاشف اللثام في شرح الروضة - أسوة لغير واحد (4)
من المعاصرين -: أن المراد بركنيتهما كون إتيانهما معا وتركهما معا مبطلا
للصلاة، واعترف بأن هذا اصطلاح اصطلحوا عليه وإن خالف مفهوم اللفظ
لغة وعرفا (5).

(1) قاله العلامة المجلسي في بحار الأنوار.
(2) في " ن " و " ط " زيادة: من.
(3) البحار 85: 142.
(4) كالنراقي في المستند 5: 231، وانظر غنائم الأيام: 202، والرياض 3: 439،
والجواهر 10: 130.
(5) المناهج السوية (مخطوط): 152، ذيل قول الشارح: مع أن الركن بهما يكون
مركبا.
37

وفيه: أن هذا حكم السجدتين عند الأصحاب، ولا كلام فيه، وإنما
الكلام في تطبيق هذا الحكم على حكمهم بركنية السجدتين وتفسيرهم الركن
بما يبطل الإخلال به، فإن لفظ " الإخلال " الظاهر في الترك الحاصل بترك
أحد الجزئين وإن أمكن حمله على خلاف ظاهره لغة وعرفا، كما ذكره،
إلا أن ظاهرهم أن المراد به مجرد الترك، كما يقتضيه وجه التعبير بالركنية،
فإنا إذا قلنا بأن المجموع ركن فإذا فقد الجزء فقد الركن، فإذا حكم مع ذلك
بصحة الصلاة فلا معنى لجعل المجموع، فالإشكال ليس في دلالة ظاهر
تعريفهم على ارتفاع الركن بترك الواحد حتى يقال: إن مرادهم خلاف
مفهوم اللفظ لغة وعرفا، وإنما الإشكال في تعقل الركنية للمجموع مع الحكم
بصحة صلاة تارك جزء المجموع، ولذا صرح المجيب قبل هذا الجواب بقليل
- عند ذكر خلاف الشيخ (1) في ترك السجدتين في أخيرتي الرباعيتين -: بأنه
لا يمكن الخلاف في أن ترك الركن مبطل مطلقا، إذ لا معنى للركن إلا ذلك،
وأن خلاف الشيخ إنما هو في الركنية مطلقا أو في الجملة (2).
هذا كله إذا أريد من مخالفة مفهوم اللفظ لغة وعرفا مخالفة مفهوم لفظ
الإخلال الظاهر في مجرد الترك لا تركهما معا، وإن أريد مخالفة مفهوم لفظ
" الركن " لغة وعرفا، ففيه: أنه اعتراف بورود الإشكال في حكمهم بركنيتهما
مع اتحاد مصطلحهم في معنى الركن في جميع الأركان، كما صرحوا به في أول
ذكر الأركان، وليس دفعا للإشكال، مع أنهم - إلا قليل - قد صرحوا في
التفريع على ركنيتهما بما ذكروه في غيرهما على وجه يشعر باتحاد معنى الركن
في المقامين، من أنه تبطل الصلاة بالإخلال بهما عمدا وسهوا.

(1) انظر المبسوط 1: 109 و 119.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 150، ذيل قوله: أو ترك أحد الأركان.
38

ومنها (1): أن الركن المجموع، إلا أن الشارع أقام الواحدة مقامه.
وفيه: أنه إن أريد أن الواحدة بدل أولي مع تقييدها بكونهما بشرط لا،
فهو رجوع عن كون الركن المجموع، وإن أريد أن الشارع اكتفى في صورة
النسيان بواحدة لثبوت الدليل، فهو اعتراف بالخروج عن مقتضى الركنية
لقيام الدليل.
ومنها: ما قيل (2): إن الركن هو الأولى، لأنه فرض الله عز وجل،
والثانية فرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث المعراج (3).
وفيه: أن اللازم عدم البطلان بزيادة ألف سجدة وبالإتيان بسجدة
بقصد الثانية بزعم فعل الأولى.
وكيف كان، فالظاهر أن أقرب التوجيهات ما ذكرناه أولا من كون
الركن ماهية السجود، وكونها في ضمن الثنتين واجب آخر لا ركن، فمسمى
السجود الموجود في ضمن السجدتين كمسمى الركوع الموجود في ضمن
الكون الركوعي الطويل بمقدار الذكر الواجب.
فلا يتوهم أنه يلزم على ذلك أن يكون كل واحدة ركنا لتحقق الماهية
في ضمنها، فإن الشارع جعل الزائد على المسمى الشائع في المجموع
- لا خصوص الثانية - واجبا غير ركن لا يبطل الاخلال به سهوا.

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 430 عن الشيخ البهائي في الرسالة،
ولكن الرسالة ليست بأيدينا.
(2) لم نقف على القائل، وحكى السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 430 عن الشيخ
نجيب الدين العاملي: أن بعض المتأخرين أجاب به.
(3) انظر الوسائل 4: 682، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 11.
39

وأوضح فسادا من هذا: ما توهم من أنه يلزم على هذا أن يكون
الإتيان بالسجدتين زيادة في الركن مفسدة للصلاة.
وجه الفساد: أن الآتي بالسجدتين آت بماهية السجود في ضمن
السجدتين، وأصل ماهية السجود ركن، وإيجادها في ضمن السجدتين
واجب، فأين الزيادة المفسدة؟ إذ لا يخفى على أحد أن الزيادة التي حكموا
بإبطالها إذا كان الزائد ركنا، وبعدم إبطالها إذا كان واجبا، هو الزائد على
واجبات الصلاة، بل ومستحباتها. فحكموا بإبطاله إن كان من جنس
الأركان، وبعدمه إن كان من غيرها، وأين ذلك من جعل الزائد على مسمى
الركن واجبا؟! وهذا واضح لا غبار عليه.
ويؤيد ما ذكرنا من ركنية مسمى السجود إجراء أحكام الركن عليه
في كثير من الموارد:
مثل ما هو المعروف منهم من أنه إذا نسي الركوع حتى دخل في
السجود بطلت صلاته، مع أنه لا يلزم من تدارك الركوع ومراعاة الترتيب
إلا زيادة سجدة واحدة، ولا خلاف بينهم ظاهرا في أن زيادة غير الركن
سهوا غير مبطلة، والتمسك في المسألة أيضا مشكل، لأن إطلاق أدلة
استئناف الصلاة - إذا نسي الركوع حتى سجد - معارض بإطلاق ما دل من
الصحاح على أنه " إذا نسيت شيئا من الصلاة ركوعا أو سجودا أو تكبيرا
فاقض الذي فاتك " (1) وعمومات إبطال الزيادة (2) مع تسليم دلالتها مخصصة

(1) الوسائل 5: 337، الباب 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الحديث 7.
(2) انظر الكافي 3: 354، الحديث 2، والوسائل 5: 332، الباب 19 من أبواب
الخلل، الحديث 2.
40

بإجماعهم ظاهرا على عدم إبطال زيادة غير الركن سهوا، وبخصوص ما ورد
في المعتبرة من أنه لا يفسد الصلاة بزيادة سجدة (1).
ومثل اتفاقهم على أن من سجد ثم ذكر أنه لم يأت بالقيام مطمئنا بعد
الركوع فلا يجب عليه تداركه، وليس فيه نص حتى يقال: إنه لخصوص
النص.
ومثل اتفاقهم على أن ناسي الذكر والطمأنينة في السجود لا يرجع
لتلافيهما، مع عدم ورود النص بذلك.
[* (ويجب في كل سجدة: وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه) *] (2).
واعلم، أنه قد تقدم (3) في مقدمات الصلاة: اعتبار كون مسجد الجبهة
مما يصح السجود عليه، فلو سجد على كور العمامة فإن كان لأجل كونه
مما لا يصح السجود عليه فلا إشكال في عدم جوازه، وإن كان لكونه محمولا
- كما حكي عن الشيخ، عاطفا عليه السجود على طرف الرداء (4) - فهو
ضعيف، كما صرح به جمهور من تأخر عنه من الأصحاب (5).

(1) الوسائل 4: 938، الباب 14 من أبواب الركوع، الحديث 3.
(2) ما بين المعقوفتين من الإرشاد.
وقد حصل تقديم وتأخير في شرح المؤلف قدس سره لهذه الفقرات، وقد رتبنا الشرح
طبقا لمتن الإرشاد.
(3) تقدم في المجلد الأول: 205.
(4) الخلاف 1: 357، كتاب الصلاة، المسألة 113.
(5) كالمحقق في المعتبر 2: 121، والعلامة في التذكرة 2: 440، والمنتهى 1: 251،
وغيرهما، والشهيد في الذكرى: 159، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 166.
41

مع أن المحكي عن استدلال الشيخ على ما أفتى به - بأنه قد ثبت عدم
جواز السجود على الملبوس، وجميع ذلك ملبوس لا يصح السجود عليه (1) -
مشعر بل مصرح بكون وجه المنع ليس هو الحمل وإن جزم به بعض (2)
واحتمله آخرون (3).
نعم، قد يشكل من جهة أن المتبادر من السجود: لزوم انفصال
الموضوع عليه عن العضو الموضوع، فلو ربط تربة بين الجبهة والعمامة لأجل
التقية أو غيرها، ففي صحة السجود عليها تأمل، كما في شرح الفريد
البهبهاني (4)، وتبعه في التأمل بعض من تأخر (5)، وهو وإن كان في محله إلا أن
الظاهر من إطلاقهم الحكم بجواز السجود على كور العمامة الذي لا ينفصل
غالبا عند السجود هو الجواز، فيكون المعتبر في السجود هو الاعتماد على
الأرض بالانحناء الخاص بحيث يصدق كون الجبهة موضوعة عليها وكون
الأرض موضعا لها، فما في الأخبار من أنه يسجد على الأرض (6) وإن كان
المتبادر منه هو الوضع على ما انفصل، إلا أن المستفاد هو إرادة كون
الأرض أو ما قام مقامها موضعا للجبهة، لا ولو على وجه الإبقاء، بل على
وجه الإحداث، فمعنى الأمر بالوضع: اجعل جبهتك موضوعة عليها. نعم

(1) الخلاف 1: 358، كتاب الصلاة، المسألة 113.
(2) لم نقف على من جزم بذلك، نعم في مفتاح الكرامة 2: 247 نسبته إلى ظاهر الخلاف.
(3) احتمله المحقق في المعتبر 2: 121، والعلامة في المنتهى 1: 251، والشهيد في
الذكرى: 159.
(4) لم نعثر عليه في مصابيح الظلام.
(5) مطالع الأنوار 2: 134، وفي " ن " و " ط " إضافة كلمة " عنه ".
(6) راجع الوسائل 3: 591، الباب الأول من أبواب ما يسجد عليه.
42

لو كان الوصل مأخوذا في السجود استقام عدم صدق السجود [و] (1) هو
أمر بالإيجاد بمجرد (2) إبقاء الوصل، قال في البيان - على ما حكي -: لو كانت
العمامة مما يصح السجود عليه أو أدخل بين الجبهة والعمامة مسجدا صح (3).
وفي المنتهى - على ما حكي (4) -: لو وضع بين جبهته وكور العمامة ما يصح
السجود عليه كقطعة من خشب يستصحبها في قيامه وركوعه، فإذا سجد كانت
جبهته موضوعة عليها صحت صلاته (5)، ونحو ذلك عن التحرير (6) والذكرى (7).
ويظهر من اقتصار نسبة الخلاف إلى المبسوط (8) في البيان (9)
والذكرى (10): عدم الخلاف عن غيره، وقد عرفت (11) أن ذيل كلام الشيخ في
الخلاف [مشعر] (12) بعدم المخالفة.

(1) الزيادة اقتضاها السياق، والعبارة في مصححة " ط " هكذا: عدم صدق امتثال
الأمر السجود هو....
(2) في ظاهر " ق ": " مجرد "، وكذا في نسخة " ن ".
(3) البيان: 169.
(4) في " ن " زيادة: عنه.
(5) المنتهى 1: 251.
(6) التحرير 1: 34.
(7) الذكرى: 159.
(8) في " ط ": " إلى الشيخ " بدل " إلى المبسوط "، انظر المبسوط 1: 112.
(9) البيان: 169.
(10) الذكرى: 159.
(11) في الصفحة السابقة.
(12) من " ط ".
43

* (و) * يعتبر في سجود الصلاة * (عدم علو موضع الجبهة على
الموقف بأزيد من لبنة (1)) * - بكسر اللام مع سكون الباء، أو بفتح اللام
وكسر الباء - على المعروف بين الشيخ (2) وبين من تأخر عنه من
الأصحاب (3)، بل عند جميعهم كما في صريح جامع المقاصد (4) وظاهر
الذكرى (5)، وفي المطالع: الظاهر أنه مما أطبق عليه الأصحاب (6)، وفي
المعتبر (7) والمنتهى (8) كما عن التذكرة (9): تحديد العلو الممنوع بما يعتد به،
ناسبين له إلى علمائنا، ثم حكاية التحديد بأزيد من اللبنة عن الشيخ.
ويدل على ما ذكره الفاضلان: مصححة عبد الله بن سنان، قال:
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن موضع جبهة الساجد يكون أرفع من
مقامه؟ قال: لا، ولكن مستويا " (10).

(1) في الإرشاد: عن الموقف ما يزيد عن لبنة.
(2) النهاية: 83، والمبسوط 1: 115.
(3) منهم الكيدري في إصباح الشيعة: 77، والمحقق في الشرائع 1: 86، والعلامة في
القواعد 1: 277، وابن فهد في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 80.
(4) جامع المقاصد 2: 298.
(5) الذكرى: 160.
(6) مطالع الأنوار 2: 135.
(7) المعتبر 2: 207.
(8) المنتهى 1: 288.
(9) التذكرة 3: 189.
(10) الكافي 3: 333، الحديث 4، وفيه: " ولكن يكون مستويا "، وعنه في الوسائل
4: 963، الباب 10 من أبواب السجود، ذيل الحديث الأول، وفيه: وليكن مستويا.
44

فإن إطلاق الارتفاع الممنوع هو ما يعتد به في العرف، وكذلك
المتبادر: المساواة العرفية التي لا يقدح فيها ارتفاع يسير.
وقد يقال: إن المراد استواء نفس موضع السجود، لا مساواته لموقف
المصلي، لأن الاستواء غير المساواة (1).
وفيه: أن الظاهر من الاستواء ذلك، لكن ملاحظة السؤال قرينة على
إرادة المساواة، مضافا إلى أنه (2) أن المطلب إنما يتم بقوله: " لا ".
ويدل على ما ذكره الشيخ وأتباعه رواية أخرى متصفة بالحسن
- وفاقا لغير واحد، بناء على تميز النهدي - لعبد الله بن سنان عن
الصادق عليه السلام، قال: " سألته عليه السلام عن السجود على الأرض المرتفعة؟
قال: إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس " (3).
وعن بعض النسخ: " يديك " بالتحتانيتين (4)، وعن الكافي: " عن
رجليك " (5).
ودلالتها على الوجه الأول والثالث، وأما على الثاني مع مرجوحيته (6)،

(1) قاله السيد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 137، وقد استفاد من الرواية المساواة،
فلاحظ.
(2) " أنه " مشطوب عليها في " ط ".
(3) الوسائل 4: 964، الباب 11 من أبواب السجود، الحديث الأول.
(4) كما رواه في الوافي 8: 721، الحديث 6961.
(5) الكافي 3: 333، ذيل الحديث 4، وعنه في الوسائل 4: 965، الباب 11 من
أبواب السجود، الحديث 3.
(6) لعله كذا في " ق "، وفي " ط ": مرجوحية.
45

لأن الظاهر أن مورد السؤال السجود على الأرض المرتفعة، المرتفعة عن
مقام المصلي لا عن موضع يديه، لأنهما موضوعان على نفس الأرض التي
يسجد عليها، لمحاذاة مسجدهما لمسجد الجبهة مع تقارب المسجدين، فلا يعد
خصوص موضع السجدة أرضا مرتفعة بالنسبة إلى أرض مسجد اليدين.
فالمراد إما السجود على الأرض - التي قام فيها للصلاة - المرتفعة
بعضها عن بعض، أو خصوص مسجد الجبهة المرتفع عن الموقف.
مع أن اعتبار عدم علو مسجد الجبهة عن خصوص مسجد اليدين
بأزيد من لبنة لم يقل به أحد، لأن أصحابنا بين معتبر ذلك بين مسجد الجبهة
والموقف كالمعظم (1)، وبين من اعتبره بالنسبة إلى بقية المساجد
كالشهيد رحمه الله (2)، مع أن مقتضى إطلاق الرواية الأولى هو النهي عن مطلق
[العلو] (3)، خرج مقدار اللبنة فما دون وبقي الأزيد، ولا نعلم كونه علوا
لا يعتد به، فيكفي ذلك في التمسك بالإطلاق.
مع أن مقتضى الحكمة عدم حوالة معيار العلو على المعتد به، لاختلافه
في أنظار الناس، فلا بد في الحكمة من تحديد تحقيقي يكون ضابطا تقريبيا
للعلو المعتد به، كما في سائر التحديدات الشرعية، والعلو الممنوع في إمام
الجماعة وإن لم يذكر له في كلام العلماء حد عدا الاعتداد به وعدمه، إلا أنه
في الأخبار قد حد بمثل الدكان وشبهه (4).

(1) كالشيخ في النهاية: 83، والمبسوط 1: 115، والعلامة في القواعد 1: 277،
وابن فهد في الموجز (الرسائل العشر): 80، والشهيد في البيان: 168.
(2) غاية المراد 1: 144.
(3) من " ط ".
(4) انظر الوسائل 5: 463، الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
46

ثم إن الظاهر عدم تخالف تحديد الشيخ مع تحديد
الفاضلين قدس الله أرواحهم، لأن ظاهر المحكي عن الشيخ تجويز مقدار اللبنة،
لكون العلو بمقدارها لا يعتد به، ففي المبسوط: وينبغي أن يكون موضع
السجود مساويا لموضع قيامه، ولا يكون أرفع منه إلا بمقدار ما لا يعتد به
مثل اللبنة وشبهها، فإن كان أكثر منه لم يكن جائزا (1)، انتهى.
فعلى هذا تتطابق الفتاوى والأدلة في التحديد بما لا يعتد به، ويبقى
تحديد ما لا يعتد به باللبنة مستفادا من الأخبار (2).
وكيف كان، فلا إشكال في التحديد المذكور في طرفي الوجود والعدم،
ولا يعرف فيهما خلاف، نعم عن ابن الجنيد: جواز اللبنة في العلو والهبوط
عند الاضطرار لا الاختيار (3)، وظاهر المحكي عنه هو اعتبار عدم انخفاض
مسجد الجبهة أيضا عن الموقف كما اختاره الشهيد (4)، وتبعه على ذلك في
الروض (5) كما عن الموجز (6) والمدارك (7)، ويظهر من جامع المقاصد ارتضاؤه (8)،

(1) المبسوط 1: 115.
(2) راجع الوسائل 4: 964، الباب 11 من أبواب السجود.
(3) لم نقف عليه بعينه، كما اعترف به صاحب الجواهر في الجواهر (10: 150)، ولعله
يستفاد مما حكاه الشهيد في الذكرى: 202.
(4) البيان: 168.
(5) روض الجنان: 276.
(6) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 435، ولم نقف عليه بعينه في الموجز
الحاوي (الرسائل العشر): 80.
(7) المدارك 3: 407.
(8) جامع المقاصد 2: 299 و 309.
47

لصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة " وليكن مستويا " (1) وأبدله في جامع
المقاصد بمعاوية بن عمار (2) سهوا من القلم.
ولموثقة عمار: " في المريض يقوم على فراشه ويسجد على الأرض،
فقال: " إذا كان الفراش غليظا قدر آجرة أو أقل استقام له أن يقوم عليه
ويسجد على الأرض، وإن كان أكثر من ذلك فلا " (3)، وهي صريحة في
المطلوب كما في جامع المقاصد (4)، فالخدشة في دلالتها - كما عن
الخراساني (5) - ضعيفة، نعم ادعى الإجماع على خلاف مضمونها من جواز
الانخفاض في التذكرة (6) على ما حكي، وهو ظاهر الأكثر أيضا.
مع إمكان الخدشة في الصحيحة بأن وجوب المساواة لا قائل به،
لجواز اللبنة إجماعا، فيحمل على الاستحباب.
وفيه: أن الظاهر المساواة، في مقابل التفاوت المعتد به، ولذا أطلق
المنع عن الارتفاع أيضا.
وكيف كان، فما ذكره الشهيد والجماعة لا يخلو عن قوة، فإن الإجماع
المنقول وإن كان بمنزلة خبر صحيح عند بعض (7)، إلا أن الموثق أرجح منه

(1) انظر الصفحة 44.
(2) جامع المقاصد 2: 299.
(3) الوسائل 4: 965، الباب 11 من أبواب السجود، الحديث 2.
(4) جامع المقاصد 2: 299.
(5) الذخيرة: 285.
(6) التذكرة 3: 189.
(7) مثل نجل الشهيد الثاني في المعالم: 180، والمحقق القمي في القوانين 1: 384.
48

عندنا، سيما مع اعتضاده بظاهر الصحيح.
بقي الكلام في وجوب تساوي مواقف باقي المساجد، ظاهر المحكي عن
المصنف قدس سره في بعض كتبه والشهيد (1): نعم، وتبعهما في الجعفرية (2) والمقاصد
العلية (3)، ولعله لظاهر حسنة ابن سنان المتقدمة (4) الدالة على مراعاة عدم
العلو بين موضع الجبهة وبين موضع البدن، الظاهر في مسقط جسد المصلي
حال السجود أو مجلس المصلي عند الرفع عنه، إذ حينئذ يعتبر مساواة
موضع الركبتين للقدمين، وأما مساواة موضع اليدين فهي حاصلة غالبا
بمساواة موضع الجبهة، لتقارب موضعيهما جدا، فلذلك اكتفى بمساواة موضع
البدن.
وكيف كان، فحمل موضع البدن على موضع القدمين في غاية البعد،
نعم يرد عليه: أن غاية ما يدل مفهومه على ثبوت البأس إذا ارتفع موضع
الجبهة عن موضع البدن أزيد من لبنة، فلعل المنع حينئذ باعتبار ارتفاعه عن
خصوص موضع القدم من موضع البدن، فلا يدل على البطلان في محل
الكلام، وهو ما إذا تساوى موضعا الجبهة والقدم وارتفع موضع الجبهة عن
موضع الركبتين أو اليدين.
ثم إن الظاهر عدم الفرق في صورة الارتفاع بين التدرج والتسرح

(1) انظر نهاية الإحكام 1: 488، وغاية المراد 1: 144، وحكاه عن الشهيد وظاهر
النهاية المحقق السبزواري في الذخيرة: 285.
(2) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 103.
(3) المقاصد العلية: 152، وفيه: وتعتبر اللبنة في بقية المساجد.
(4) تقدمت في الصفحة 44.
49

كالتل ومسيل الماء، وفي شرح الروضة (1) أنه المشهور، ولعله لإطلاق النص
والفتوى.
ثم إن الظاهر ملاحظة المساواة بين موضع الجبهة وموقف المصلي حال
السجود، فإن تفاوت (2) موقفه في حال القيام [بأن كان] (3) أسفل ثم انتقل
عند السجود إلى ما يساوي موضع الجبهة (4) - ولا عبرة أيضا بالإبهامين،
لأنه لو فرض إدخال إبهامه حال السجود في موضع منحدر بل جعل مشط
قدميه فيه (5) مع كون رجليه عند الجلوس مساويا لمسجد الجبهة - صح
ظاهرا، لعدم تفاوت في انحنائه بذلك.
ومناط حكمهم هو وجوب زيادة الانحناء إلى أن يصير موضع جبهته
مساويا لموقفه، فالتعبير بالموقف - الظاهر في موقف المصلي في جميع
الأحوال - مبني على الغالب.
ثم اعلم أن الانحناء إلى هذا المقدار، الظاهر أنه داخل في سجود
الصلاة، وإن لم يدخل في مطلق السجود ولو للتلاوة أو الشكر، أو السجود
المحرم لتعظيم غير الله، وليس في سجود الصلاة واجبا زائدا على مفهوم
السجود - وإن سبق ذلك إلى بعض الأفهام - لملاحظة صدق السجود عرفا

(1) المناهج السوية (مخطوط): 118، ذيل قول الشهيد الثاني: ولا بد مع ذلك من
الانحناء.
(2) في " ط ": تفاوتا.
(3) ما بين المعقوفتين ورد في هامش " ط "، ولا يعرف موضعه، ولعله كما أثبتناه.
(4) في " ط " زيادة: صح.
(5) كذا في مصححة " ط "، وفي " ن " و " ق ": فيها.
50

على الانحناء الغير البالغ ذلك المقدار، لأن المتبادر من السجود شرعا وضع
الجبهة بالانحناء على الأرض ولو بوسائط، فإذا اعتبر الشارع فيه انحناء
خاصا، فهذا المقدار لا بد أن يكون عنه الرفع (1)، فمن وضع الجبهة على محل
أرفع من الموقف بأزيد من لبنة ثم جرها إلى مكان مساو، فعلى قول من
يحكم بتحقق السجود عرفا بالأول فلا بد أن يكون الانحناء المتأخر والوضع
المتأخر على المكان المساوي خارجين عن أصل السجود، والحاصل: أنه إذا
كان المعتبر عند الشارع وضع الجبهة بانحناء خاص، فهذا لا ينحل في الخارج
إلى فعلين.
والحاصل: أن السجود، إما الانحناء إلى أن يمس جبهته ما يساوي
موقفه، ولا ريب أنه بعد ما أمر بالانحناء الخاص فالفعل الواجب - وهو
الانحناء الخاص - واجب واحد، فإذا انحنى لا إليه فصدق السجود عليه
لا يوجب صدق إتيان فعل من أفعال الصلاة حتى يلزم الزيادة بالرفع.
وإما أن يكون هو الوضع عن انحناء، ولا ريب أيضا في أنه بعد ما
وجب الانحناء الخاص فالواجب هو الوضع عنه، فإذا وضع عما دونه فلم
يتحقق سجود الصلاة، وإن صدق على مثله السجود إذا أراد به سجدة
التلاوة أو الشكر أو غيرهما.
فإن قلت: فإذا رفع رأسه حينئذ فيصدق زيادة السجود وإن لم
يصدق زيادة فعل من أفعال الصلاة، فلا يرتفع محذور الرفع.
قلت: إنما يلزم الزيادة لو نوى به السجود، أما لو لم ينو فلا يلزم
تحقق زيادة السجود، فليس هذا الزائد إلا مثل الانحناء الزائد مقدار الركوع
مع عدم قصد الركوع به.

(1) كذا في " ن " وظاهر " ق "، وفي " ط " بدل " الرفع ": الوضع.
51

وكيف كان، فالحاصل أن السجود الواجب الخاص فعل واحد، وليس
مشتملا على واجبين ينفك أحدهما عن الآخر، نعم هو مركب عقلي من
المطلق والخصوصية، وهو لا يوجب تعدد واجب الصلاة، فإن المعيار في
تعدد الواجب تعدده خارجا، والمراد بأجزاء الصلاة التي تقدح زيادتها هي
الخارجية دون العقلية، وأما وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه لطهارته
وكونه من الأرض، فهو أمر خارج عن حقيقة السجود، بل هو من شروط
المسجد كطهارة مكان المصلي على القول به، وليس واجبا من واجبات
الصلاة أيضا، لعدم كونه فعلا خارجيا من أفعال الصلاة، وإنما هو شرط من
شروط المكان الخاص أعني مكان الجبهة، ولذا ذكر ذلك الفقهاء في مقدمات
الصلاة، فإذا وضع جبهته على ما لا يصح السجود عليه فقد أتى بحقيقة
السجدة، ووجوب وضعه على ما يصح إنما هو لتحصيل شرط المسجد، فهذا
الوضع الثاني ليس محصلا لمفهوم السجود، وإنما هو محصل لخصوصية الوضع
الحاصل أولا الذي هو السجود.
والفرق بين الوضع الثاني المحصل لتساوي المسجد والموقف، والوضع
الثاني المحصل لكون السجود على ما يصح السجود عليه - في كون الأول محصلا
للسجود الصلاتي بعد أن لم يحصل، وكون الثاني محصلا لشرطه بعد حصوله -
هو أن الوضع الثاني في الأول موجد لهيئة أخرى لأصل الانحناء السجودي،
فهو صورة أخرى من صور الانحناء غير الحاصلة أولا التي لم يكن هي الفعل
المأمور به في الصلاة، بخلاف الوضع الثاني في الثاني، فإنه ليس موجدا لهيئة
أخرى، بل هو نفس ذلك الفعل الأول وإنما تفاوت بصفة المسجد، فنسبة الوضع
الثاني في الأول إلى السجود كنسبة الانحناء الزائد على مسمى الانحناء إلى
الركوع، حيث إنه محصل لأصل فعل الركوع، ونسبة الوضع الثاني في الثاني
52

إليه كنسبة الاستقرار والطمأنينة في الانحناء الركوعي، فافهم ذلك.
ويتفرع على ما ذكرنا: جواز الرفع لو سجد على المرتفع أزيد من
اللبنة، والأخبار الناهية عن الارتفاع محمولة على المرتفع الذي يصح معه
السجود لكن لا يريد أن يسجد عليه، لعدم استواء (1) ومشقة الصبر عليه إلى
الأذكار الثلاث والأدعية وعدم حضور القلب، كما ينبئ عن ذلك قوله:
" فتقع جبهتي على الموضع المرتفع " (2)، وقوله: " إذا وقعت جبهتك على نبكة
فلا ترفعها " (3) فإن الغالب أن الإنسان لا يريد السجود على النبكة - وهي
الأكمة المحددة الرأس أو التل الصغير - ويشهد له: الأمر في بعض الأخبار
بالرفع ثم الوضع (4).
وكما يجوز الرفع، كذلك يجوز الجر، ولا يشكل بأن الجر لا يحصل به
السجود، والمفروض أيضا عدم حصوله في الوضع الأول لارتفاع المسجد،
لأنا نمنع عدم الصدق، لما عرفت أنه إلصاق الجبهة بالأرض بالانحناء، سواء
كانت الجبهة منفصلة عن الأرض إلى تمام الانحناء أو اتصلت به بعد مقدار
منه، نعم لو اتصلت به قبل أصل الانحناء ففي تحقق السجود إشكال.
فإن قلت: إذا صدق السجود [على] (5) الوضع المساوي بمجرد الجر
بعد أن لم يصدق في الوضع الأول، فكيف يحكم بالجر بعد تحقق السجود على
ما لا يصح السجود عليه، فإنه مستلزم لتعدد السجود؟!

(1) في " ن ": " الاستواء ". وفي " ط ": استوائه.
(2) الوسائل 4: 961، الباب 8 من أبواب السجود، الحديث 4.
(3) الوسائل 4: 961، الباب 8 من أبواب السجود، الحديث الأول.
(4) كما في ذيل الرواية الأولى من هاتين الروايتين.
(5) من " ن "، ولم ترد في " ق "، وشطب عليها في " ط " وكتب بدلها: في.
53

قلت: السجود يحصل بالجر، لكن صدق السجود قبله لا يوجب تعدد
السجود، إذ لا يتحقق التعدد إلا بالفصل بين السجودين، إما بالانتصاب ولو
قليلا عن الانحناء، وإما بانفصال الجبهة عن المسجد وإن لم ينتصب، بل يزيد
في الانحناء إلى موضع أخفض من مسجده بالتدرج لا بالانحدار، وربما منع
حصول التعدد بهذا الأخير، بل حكم بجوازه مع وضع الجبهة على ما لا
يصح لتحصيل الشرط، وبجوازه لتحصيل فضيلة مساواة المسجد للموقف،
وفيه إشكال، بل الأظهر تعدد السجود بذلك.
ثم لو تعذر الجر لإحراز شرط المسجد، ففي كلام بعض سادة
مشايخنا (1) أنه لا كلام في جواز الرفع حينئذ، وفيه إشكال، لعدم الدليل على
وجوب تدارك الشرط مع لزوم زيادة السجدة.
ولو فرض كونه شرطا مطلقا، فاللازم الحكم بإبطال الصلاة، لأنه
أخل بشرط مطلق هو كالركن ويلزم من تداركه زيادة سجدة، فهو كناسي
الركوع إلى أن يسجد (2).
[* (والذكر فيه مطلقا على رأي) *] (3).
* (و) * يجب * (السجود على سبعة أعضاء) * من أعضاء المصلي:

(1) لم نقف عليه بعينه، وانظر مطالع الأنوار 2: 139.
(2) هنا ينقطع شرح المؤلف قدس سره وشرع في شرح حكم ذي الدمل مبتدئا بقول:
" بسم الله "، وقد كتب ذلك كله بصورة مائلة مما يدل على أنه أراد استغلال البياض
المتبقي في الورقة، انظر الصفحة 63.
(3) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له، ولعله اكتفى
بشرح ما تقدم في الركوع، فراجع الصفحة 11.
54

* (الجبهة) * وهي - كما حكى في الروض (1) وشرح الروضة (2) وظاهر
غيرهما -: ما بين الجبينين وقصاص الشعر والحاجبين، ففي صحيحة زرارة:
" إذا مست جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه " (3).
ومثلها حسنته الأخرى بابن هاشم (4).
وفي مصححة زرارة المحكية عن الفقيه (5)، ورواية مروان بن مسلم
المصححة عن التهذيب: " ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد " (6)
ونحوهما رواية بريد (7).
والظاهر أنه لا اختلاف بين الأخبار، لأن الجبهة عضو واحد معروف
طرفه الأسفل متصل بطرف الأنف الأعلى، وصحيحتا زرارة محمولتان على
الغالب من اتصال موضع الحاجبين بطرف الأنف الأعلى، ولذا اتفقوا - كما
في الذكرى (8) - على وجوب مسح الجبهة في التيمم إلى طرف الأنف
الأعلى.

(1) روض الجنان: 276.
(2) المناهج السوية (مخطوط): 117.
(3) الوسائل 4: 962، الباب 9 من أبواب السجود، الحديث الأول.
(4) انظر الوسائل 4: 963، الباب 9 من أبواب السجود، الحديث 5.
(5) الفقيه 1: 271، ذيل الحديث 840، وانظر الوسائل 4: 963، الباب 9 من أبواب
السجود، ذيل الحديث 4.
(6) التهذيب 2: 298، الحديث 1201، والوسائل 4: 963، الباب 9 من أبواب
السجود، الحديث 4.
(7) الوسائل 4: 963، الباب 9 من أبواب السجود، الحديث 3.
(8) الذكرى: 108، وليس فيه: الأعلى.
55

* (والكفين) * وفسرهما الشارح وبعض آخر في الكتابين (1) المتقدمين
أيضا [ب‍] ما يشمل الأصابع. وقد صرح أيضا في الذكرى (2) وجامع المقاصد (3)
- كما عن التذكرة (4) - بكفاية وضع الأصابع، تمسكا بإطلاق صحيحة زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " السجود على سبعة
أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، والإبهامين من الرجلين، وترغم بأنفك
إرغاما... الخبر " (5).
ونحوها المحكي عن قرب الإسناد عن محمد بن عيسى، عن عبد الله
ابن ميمون القداح، عن جعفر بن محمد عليهما السلام (6).
وقد حكيت الصحيحة المذكورة عن الخصال بطريق حسن إلى زرارة
بابن هاشم بإبدال لفظة: " اليدين " ب‍ " الكفين " (7).
والظاهر، بل المقطوع أن الرواية واحدة، وظاهر اختلافهما - بعد
أصالة عدم الخطأ في حكاية أحدهما - يعطي أن المراد بالكفين مطلق اليد

(1) روض الجنان: 276، والمناهج السوية (مخطوط): 117.
(2) الذكرى: 201.
(3) جامع المقاصد 2: 302.
(4) لم نقف عليه، نعم في التذكرة (3: 187) ما يلي: وكذا لا يجب استيعاب كل
مسجد بل يكفي الملاقاة ببعضه.
(5) الوسائل 4: 954، الباب 4 من أبواب السجود، الحديث 2.
(6) قرب الإسناد: 22، الحديث 74، والوسائل 4: 955، الباب 4 من أبواب
السجود، الحديث 8.
(7) الخصال: 349، الحديث 23، والوسائل 4: 954، الباب 4 من أبواب السجود،
ذيل الحديث 2.
56

إلى الأصابع، لا خصوص ما فوق الأشاجع إلى الزند، كما يشهد له شيوع
إطلاقهما عليه في أبواب الوضوء والغسل والتيمم.
وأما العكس، بأن يراد من اليدين خصوص الكفين، فهو بعيد، إذ
التعبير عن المقيد بالمطلق في مقام البيان قبيح، خصوصا مع عدم شيوع
إرادة خصوص الكف من اليد، مضافا إلى (1) تصريح بعض أهل اللغة
- كما عن القاموس - بأن الكف: اليد إلى الكوع (2).
ودعوى أنه ظاهر في العرف فيما فوق الأشاجع غير معلوم، والمعلوم
كونه كذلك عند أهل فارس، الذين يستعملون لفظة الكف، مضافا إلى أن
لفظ " الكف " لشيوعه في مطلق اليد (3) إلى الزند شيوعا يمنع عن حمله على
معناه الحقيقي لو فرض ثبوته، غير قابل لتقييد اليد بما فوق الأشاجع، بل
المتيقن تقييده بما عدا ما فوق الزند، مع أن اللازم بعد اختلاف الصدوق
والشيخ في نقل الرواية هو الرجوع إلى غيرهما من الأخبار المشتملة على
ذكر اليد، كرواية قرب الإسناد المتقدمة (4) وما ورد في علة قطع السارق من
أصول الأصابع وتفسير (وأن المساجد لله) إنها لو قطعت مما دون المرفق
لم يبق له يد يسجد عليها (5).

(1) في " ن " زيادة: أن.
(2) القاموس المحيط 3: 190، مادة: " كف ".
(3) كذا في النسخ، وفي هامش " ط " ما يلي: في الزند إلى الأصابع - ظ.
(4) راجع الصفحة السابقة.
(5) في " ق ": " عليه "، وانظر الوسائل 18: 490، الباب 4 من أبواب حد السرقة،
الحديث 5، والآية من سورة الجن: 18.
57

وبهذه الرواية يعارض ما في صحيحة حماد بنسخة الكافي (1) من
قوله عليه السلام في تفسير (وأن المساجد لله) من ذكر الكفين، وهذا هو السر في
تفسير الشارح وغيره " الكف " في عبائر العلماء بما ذكرنا (2)، وإلا فمجرد
فتواهم بكفاية مطلق اليد لا يوجب تفسير كلام الغير بذلك، وتراهم يعبرون
في صدر المسألة بالكف ثم يحكمون بكفاية وضع الأصابع.
نعم، في المحكي عن بعض كتب المصنف قدس سره: التعبير ببطن الراحة (3)،
وهو ظاهر فيما فوق الأشاجع.
* (و) * يجب السجود على عظمي * (الركبتين) *، والركبة - بضم الراء
وسكون الكاف - موصل أعالي الساق وأسافل الفخذ.
* (والإبهامين (4)) *، لما تقدم في صحيحة زرارة (5)، وفي صحيحة حماد
في تعليم الصلاة: " وأنامل إبهامي الرجلين "، إلا أنه عليه السلام بعد ذلك في
تعداد الأعضاء السبعة ذكر الإبهامين (6)، وعن كشف الالتباس (7): أن المشهور

(1) الكافي 3: 312، ذيل الحديث 8، وعنه الوسائل 4: 675، الباب الأول من
أبواب أفعال الصلاة، الحديث 2.
(2) تقدم ذكره في الصفحة 56.
(3) انظر نهاية الإحكام 1: 490.
(4) في الإرشاد: وإبهامي الرجلين.
(5) تقدم في الصفحة 56.
(6) الكافي 3: 312، الحديث 8، وانظر الوسائل 4: 674 - 675، الباب الأول من
أبواب أفعال الصلاة، الحديثان 1 و 2.
(7) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 437.
58

التعبير بالإبهامين، وعن ظاهر جمل السيد (1) وسرائر الحلي (2) وجوب
أناملهما، وعن شرح جمل السيد القاضي: إن هذه السبعة - أعني ما ذكر في
الجمل - مما لا خلاف فيها (3)، وفيه نظر.
وهل يجزي ظاهرهما؟ الظاهر نعم، لإطلاق الأخبار، وعن الموجز:
تعينه وعدم جواز وضع رؤوسهما (4) مع أن في الروض جعل وضع الرؤوس
أحوط (5) إلا أن يريد بها الأنامل، خروجا عن خلاف السيد والحلي، نعم
عن المنتهى: أن الأقرب جواز السجود بظاهر الإبهامين (6)، وهو يعطي كون
غير الظاهر مقطوعا به.
ولو قطع أنملة الإبهام، فالظاهر تعين السجود بالباقي دون سائر
الأصابع، نعم لو قطع من أصله ودار بين السجود على محله وعلى غيره من
الأصابع، فلا يبعد تعين الثاني كما عن غير واحد (7).
وكيف كان، فالظاهر كفاية المسمى في الجميع.
أما في ما عدا الكفين والجبهة، فالظاهر أنه لا خلاف فيه، لإطلاق
الأدلة.

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 32.
(2) السرائر 1: 225.
(3) شرح جمل العلم والعمل: 90.
(4) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 81.
(5) روض الجنان: 276.
(6) المنتهى 1: 290.
(7) منهم الشهيد في الذكرى: 201، والسبزواري في الذخيرة: 286، والفاضل
الأصفهاني في كشف اللثام 1: 227، وصاحب الجواهر في الجواهر 10: 142.
59

وأما الكفان، فكذلك على ما في المدارك (1) وعن الذخيرة (2)، وفي
المنتهى: التردد فيه (3)، ولم نعرف وجهه ووجه فرقه بينهما وغيرهما، مع
إطلاق الأدلة في الكل على نهج واحد، إلا أن يدعى ظهور الأدلة في
الاستيعاب فيجب مع التمكن، ولا يمكن في الركبتين ولا في الإبهامين بعد
ما ظهر من رواية حماد (4) رجحان وضع الأنامل.
وأما الجبهة، فخرجت بالدليل وهو الأخبار الصحيحة (5) الدالة على
كفاية شئ مما بين قصاص الشعر وطرف الأنف أو الحاجبين (6)، مضافا
[إلى] (7) ما دل على جواز السجود على السواك والعود كما في المصححة
المحكية عن الفقيه والتهذيب في صلاة الغريق، وفي الزيادات في كيفية
الصلاة (8) إلا أن يقال: السواك الموضوع (9) على الجبهة لا ينقص بطوله عن
الدرهم.

(1) المدارك 3: 404.
(2) الذخيرة: 286.
(3) المنتهى 1: 290.
(4) تقدمت في الصفحة 58.
(5) في هامش " ط " إضافة: وغيرها من المعتبرة.
(6) انظر الوسائل 4: 962، الباب 9 من أبواب السجود.
(7) كذا في " ن " و " ط ".
(8) الفقيه 1: 363، الحديث 1039، والتهذيب 3: 177، باب صلاة الغريق، الحديث
398، و 2: 311، باب كيفية الصلاة، الحديث 1264، والوسائل 3: 606 - 607،
الباب 15 من أبواب ما يسجد عليه، الحديثان 1 و 2.
(9) في " ق " إضافة: " من السواك "، والظاهر زيادتها.
60

ومنه يظهر ضعف ما عن الفقيه (1) والدروس (2) والذكرى (3) من اعتبار
الدرهم ناسبا له في الثالث إلى كثير من الأصحاب، لمصححة زرارة - بعد
تحديد الجبهة بما بين قصاص الشعر والحاجبين - قال: " فأيما سقط من ذلك
إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم و [مقدار طرف] (4) الأنملة " (5).
وعن دعائم الإسلام: " وأقل ما يجزي أن يصيب الأرض من جبهتك
مقدار درهم " (6)، وكذا عن الرضوي (7).
وفي دلالة الأولى وسند الثانيتين ضعف لا يخفى، إلا أن يلتزم بأن
السجود على الأرض عرفا لا يصدق أو يشكل صدقه على وضع ما دون
الدرهم، لكنه ضعيف بعد تصريح الأخبار بكفاية ما مس الأرض أو أصابها
أو وضع عليها أو سقط عليها من الجبهة (8) إلا أن يقال بانعقاد الإجماع على
عدم كفاية شئ من العنوانات ما لم يصدق عليه اسم السجود.
وفيه: إنا لا نضايق من اعتبار صدق السجود عرفا، إلا أن حصره في

(1) حكاه الشهيد الأول في الدروس 1: 157 عن ابن بابويه، وانظر الفقيه 1: 269،
ذيل الحديث 831، وانظر 1: 313، الحديث 929 أيضا.
(2) الدروس 1: 180.
(3) الذكرى: 201.
(4) من المصدر، وفي " ط " إضافة كلمة " طرف " فوق السطر.
(5) الوسائل 4: 963، الباب 9 من أبواب السجود، الحديث 5.
(6) دعائم الإسلام 1: 164، وعنه في مستدرك الوسائل 4: 458، الباب 8 من أبواب
السجود، الحديث الأول.
(7) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 114.
(8) راجع الوسائل 4: 962، الباب 9 من أبواب السجود.
61

الدرهم ممنوع، نعم لو ورد تحديده بذلك كان مناسبا لطريقة الشارع من
تحديد التقريبيات (1) بضابط تحقيقي يكون تحقيقا في تقريب، لكن ورود النص
ممنوع، وتقريب دلالة الصحيحة المتقدمة بمجرد هذه المناسبة تمسك في الحقيقة
بها في الأحكام الشرعية، وفساده لا يخفى.
وأضعف منه: ما يظهر من المحكي عن الإسكافي (2) والحلي (3) من
كفاية الدرهم لمن بجبهته علة، الظاهرة (4) في لزوم الاستيعاب، للصحيح
المروي عن زيادات التهذيب عن علي بن جعفر عن أخيه، قال: " سألته
عن المرأة تطول قصتها، فإذا سجدت وقعت بعض جبهتها إلى الأرض
وبعض يغطيه الشعر، هل يجوز ذلك؟ قال: لا حتى تضع جبهتها على
الأرض " (5).
وهو مع تسليم دلالته محمول على الاستحباب، كما صرح به في رواية
بريد المتقدمة من أن وضع الجبهة كلها أفضل (6)، مع أن الظاهر من الروض (7)

(1) في " ط " و " ن ": التقريبات.
(2) حكاه الفاضل الإصفهاني في كشف اللثام 1: 228.
(3) السرائر 1: 225.
(4) كذا، ولعل الصواب: الظاهر.
(5) التهذيب 2: 313 - 314، الحديث 1276، وعنه في الوسائل 3: 606، الباب
14 من أبواب ما يسجد عليه، الحديث 5.
(6) تقدمت الإشارة إليها في الصفحة 55، وانظر الوسائل 4: 963، الباب 9 من
أبواب السجود، الحديث 3.
(7) روض الجنان: 275.
62

ومجمع الفائدة (1) عدم القائل بلزوم الاستيعاب، وعن الحدائق الاتفاق
عليه (2).
[* (والطمأنينة فيه بقدر الذكر، ورفع الرأس منه، والجلوس مطمئنا عقيب
الأولى.
والعاجز عن السجود يؤمي، ولو احتاج إلى رفع شئ يسجد عليه
فعل) *] (3).
* (وذو الدمل) * يجب عليه وضع الباقي السليم ولو بأن * (يحفر (4)) *
حفيرة يضع الدمل فيه * (ليقع السليم على الأرض) *، ووجوبه من باب
المقدمة.
ولو استوعب الدمل الجبهة * (سجد على أحد الجبينين (5)) *، نسب إلى
الأصحاب، وفي الشرح (6) وجامع المقاصد (7) لا خلاف في تقديمهما على
الذقن، واستدل عليه بوجوه ضعيفة، قيل: مع استلزامه الانحراف عن القبلة،
وفيه: أن الظاهر كراهته لا تحريمه.

(1) مجمع الفائدة 2: 263.
(2) الحدائق 8: 282.
(3) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا من
النسخ.
(4) في " ط " والإرشاد: يحفر لها.
(5) العبارة في الإرشاد هكذا: فإن تعذر سجد على أحد الجنبين.
(6) روض الجنان: 276.
(7) جامع المقاصد 2: 304.
63

وهل يتعين تقديم اليمنى على اليسرى؟ أوجبه الصدوقان (1)، وبه رواية
عن تفسير علي بن إبراهيم (2)، وهو أحوط وإن كان في تعينه نظر.
[* (فإن تعذر فعلى ذقنه.
ويستحب التكبير له قائما، والسبق بيديه إلى الأرض، والإرغام، والدعاء
والتسبيح ثلاثا أو خمسا أو سبعا، والتورك، والدعاء عنده، وجلسة الاستراحة،
وبحول الله، والاعتماد على يديه عند قيامه سابقا برفع ركبتيه.
ويكره الإقعاء) *] (3).

(1) راجع الفقيه 1: 269، ذيل الحديث 831، والمقنع: 86، باب ما يسجد عليه.
(2) تفسير القمي 2: 30، وعنه الوسائل 4: 966، الباب 12 من أبواب السجود،
الحديث 3.
(3) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا من
النسخ.
64

* (السابع: التشهد) *
وهو لغة تفعل من الشهادة، وهي - كما في المعتبر (1) والمنتهى (2)
وجامع المقاصد (3) والروض (4) وعن الحبل المتين (5) والقاموس (6) - الخبر
القاطع.
وظاهر هؤلاء عدم اعتبار كون الإخبار عن حس، وهو الظاهر من
إطلاقات هذه المادة في العرف والشرع، وسيجئ تمام الكلام فيه في باب
الشهادات (7).
وشرعا: ما يؤتى به في الصلاة من الشهادتين، وقد يضاف إلى ذلك

(1) المعتبر 2: 221.
(2) المنتهى 1: 292.
(3) جامع المقاصد 2: 317.
(4) روض الجنان: 277.
(5) الحبل المتين: 250.
(6) القاموس المحيط 1: 305، مادة: " الشهادة ".
(7) كتاب القضاء والشهادات، للمؤلف قدس سره: 259 - 263.
65

الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله كما في جامع المقاصد (1) وعن الخلاف (2)،
ويشهد له رواية أبي بصير الآتية (3).
والأظهر الأشهر في النصوص - بل في كلمات الأصحاب - الأول وإن
كان قد يستعمل فيما يشمل الصلاة تغليبا.
* (ويجب عقيب كل) * ركعة * (ثانية، وفي آخر الثلاثية والرباعية أيضا) *
بالإجماع المحقق والمحكي.
ولا يعبأ بما يحكى عن صاحب الفاخر (4) من إجزاء شهادة واحدة في
التشهد الأول، لصحيحة زرارة، قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما يجزي
من القول في التشهد الأول؟ قال: أن تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له. قلت: ما يجزي من تشهد الركعتين الأخيرتين؟ قال:
شهادتان " (5) وتحمل هذه من جهة مخالفة ظاهرها للإجماع البسيط والمركب
- الحاصل من إلغاء الفرق في النص والفتوى بين التشهدين - على إجزاء
الابتداء بهذه الفقرة، في مقابل ما ذهب إليه العامة من تقديم التحيات (6)، أو
في مقابل نفي وجوب تقديم سائر الأذكار المعروفة عند الخاصة.

(1) جامع المقاصد 2: 317.
(2) الخلاف 1: 365، كتاب الصلاة، المسألة 122، والصفحة 369، المسألة 128.
(3) ستأتي في الصفحة 69.
(4) حكاه الشهيد في الذكرى: 206.
(5) الوسائل 4: 991، الباب 4 من أبواب السجود، الحديث الأول وفيه: الركعتين
الأولتين.
(6) انظر المجموع 3: 435 و 439، والمغني 1: 534 و 535.
66

ولا بما يحكى عن الصدوق (1) من [أن] (2) أدنى التشهد الشهادتان، أو
يقول: بسم الله وبالله ثم يسلم، لرواية عمار: " إن نسي الرجل التشهد في
الصلاة فذكر أنه قال: بسم الله وبالله، فقد جازت صلاته، وإن لم يذكر
شيئا من التشهد أعاد الصلاة " (3) ونحوها رواية قرب الإسناد (4)، وهما
شاذتان جدا محمولتان - كما عن الشيخ (5) - على بعض الوجوه البعيدة التي
هي أولى من طرحهما.
وهل يجزي فيهما * (الشهادتان) * لله عز شأنه بالتوحيد
ولرسوله صلى الله عليه وآله بالرسالة، بقوله: " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسوله " كما يستفاد من إطلاق العبارة ونظائرها، وصريح المنتهى (6)
والقواعد (7)، ونسبه في الذكرى إلى ظاهر الأصحاب وخلاصة الأخبار، مع
أنه جعل بعد ذلك ظاهر الأخبار المنع عن إضافة الرسول إلى الضمير إذا
سقط لفظ " عبده " (8).

(1) حكاه الشهيد في الذكرى: 204 والسيد العاملي في المدارك 3: 426، وانظر
المقنع: 96.
(2) من " ن " و " ط ".
(3) الوسائل 4: 996، الباب 7 من أبواب التشهد، الحديث 7.
(4) قرب الإسناد: 195، الحديث 741، وعنه الوسائل 4: 996، الباب 7 من أبواب
التشهد، الحديث 8.
(5) انظر التهذيب 2: 192، ذيل الحديث 758.
(6) المنتهى 1: 292.
(7) القواعد 1: 278.
(8) الذكرى: 204.
67

أو لا بد من ضم: " وحده لا شريك له " في الأولى، وقول: " وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله " في الثانية، كما هو ظاهر المعتبر (1) والروض (2)، وفي
كشف اللثام أنه المشهور (3).
أو لا يتعين الأول في الأولى مع تعين الثاني في الثانية، كما عن
المقنعة (4).
أو مع جواز حذف " عبده " مع إضافة الرسول إلى لفظ الجلالة حينئذ
لا إلى الضمير، كما هو ظاهر البيان (5) والذكرى (6) والشرائع (7)، وعن الحدائق
أنه المشهور (8)؟ أقوال:
أقواها ثانيها، لصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام: " قال:
إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله، ثم تنصرف " (9).
وفي صحيحة زرارة السابقة (10) زيادة: " وحده لا شريك له "، ويلزم

(1) انظر المعتبر 2: 222.
(2) انظر روض الجنان: 278.
(3) كشف اللثام 1: 232.
(4) المقنعة: 143.
(5) انظر البيان: 175.
(6) انظر الذكرى: 204.
(7) انظر الشرائع 1: 88.
(8) الحدائق 8: 444.
(9) الوسائل 4: 992، الباب 4 من أبواب التشهد، الحديث 4.
(10) المتقدمة في الصفحة 66.
68

زيادة لفظتي " عبده ورسوله " في الثانية بعدم القول بالتفكيك.
ونحوهما روايات أخر (1)، وبها يقيد إطلاق ما دل على الاجتزاء
بالشهادتين، مع إمكان أن يقال: بورودها في مقام نفي وجوب تقديم شئ
عليهما.
وأما حذف كلمة " وأشهد " في الفقرة الثانية من التشهد الأول،
فيحتمل أن يكون من أحد الرواة، كما يقويه ذكرها في التشهد الثاني، مع أن
الظاهر عدم القول بالفرق بين التشهدين.
والحاصل: أن القول بإجزاء الشهادتين على الإطلاق ضعيف جدا، بل
لم يعرف قائل بكفاية: " أشهد أن لا إله إلا هو وأن محمدا سيد رسله ".
والإطلاقات، إما في مقام نفي وجوب الزائد، فلا يجوز التمسك بها.
وإما في مقام كفاية الشهادتين على الوجه المتعارف في الشهادة لله
بالوحدانية ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة، فإما أن تبقى على إطلاقها في
كفاية جميع الأفراد المتعارفة، ويحمل ما ورد من التقييد على بيان أحد
الأفراد أو الاستحباب. وإما أن يحمل المطلق على المقيد، وحيث إن المقيد
فيما نحن فيه متعدد، ففي بعض الأخبار ما ذكرنا من الزيادة في الشهادتين،
وفي رواية أبي بصير (2) حذف " وأشهد "، وفي رواية الحسن بن جهم - في
من أحدث حين جلس في الرابعة -: " إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله، فلا يعيد " (3)، فلا بد من الترجيح، ومع عدمه

(1) مثل ما في الوسائل 4: 989، الباب 3 من أبواب التشهد، الحديث الأول.
(2) الوسائل 4: 989، الباب 3 من أبواب التشهد، الحديث 2.
(3) الوسائل 4: 1241، الباب الأول من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 6.
69

فالتخيير مع كون المشتمل على الزائد أفضل الفردين.
* (و) * يجب فيه أيضا: * (الصلاة على النبي وآله) * صلى الله عليه وآله اتفاقا،
كما يظهر من جامع المقاصد (1) والمعتبر (2) والمنتهى (3) والغنية (4) والذكرى (5)
وكنز العرفان (6)، وعن الناصريات (7) والمبسوط (8) وشرح الجمل للقاضي (9)
والحبل المتين (10) وغيرها (11).
واستدل عليه جماعة (12) بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا صلوا
عليه) (13) فإن ظاهره وجوب الصلاة في الجملة، وليس الوجوب مختصا بغير

(1) جامع المقاصد 2: 319.
(2) المعتبر 2: 226 - 227.
(3) المنتهى 1: 293.
(4) الغنية: 80.
(5) الذكرى: 203 - 204.
(6) كنز العرفان 1: 133.
(7) الناصريات: 228، المسألة 91.
(8) المبسوط 1: 115.
(9) شرح جمل العلم والعمل: 94.
(10) الحبل المتين: 250.
(11) انظر مفتاح الكرامة 2: 460 - 461.
(12) منهم السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 234، والطباطبائي في الرياض 3:
463، والفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 232، والعلامة في التذكرة 3: 232،
وانظر المعتبر 2: 226.
(13) الأحزاب: 55.
70

الصلاة إجماعا، ولا يخلو عن تأمل، ولكن الأخبار به مستفيضة، ففي رواية
زرارة: " من صلى ولم يصل على النبي صلى الله عليه وآله وتركها متعمدا فلا صلاة
له " (1). ونحوها رواية أخرى لزرارة (2).
وما حكي عن أعلام الدين للديلمي عن النبي صلى الله عليه وآله: " من صلى
ولم يذكر الصلاة علي وعلى آلي سلك به غير طريق الجنة " (3).
وعدم ذكر الآل فيما عدا الأخير، وضعف سند الأخير المشتمل عليه،
منجبر بعدم القول بالفصل، والأخبار المستفيضة الدالة على عدم إجزاء
الصلاة على النبي بدون الصلاة على آله صلى الله عليه وآله (4).
ولكن العمدة الإجماعات المستفيضة نقلا، حتى أن الشيخ (5) قال
بركنيتها المضعفة بمثل قوله: " لا تعاد " (6) وخصوص رواية زرارة المتقدمة.
ومما ذكر من الأدلة يظهر شذوذ ما يحكى عن ظاهر الصدوق في
الفقيه: من عدم وجوب الصلاة (7)، المحتمل استناده إلى مثل صحيحة
ابن مسلم المتقدمة (8) الدالة على الانصراف بعد الشهادتين، وصحيحة زرارة

(1) الوسائل 4: 999، الباب 10 من أبواب التشهد، الحديث 2.
(2) نفس المصدر، الحديث الأول.
(3) أعلام الدين: 401، وعنه المستدرك 5: 15، الباب 7 من أبواب التشهد،
الحديث 3.
(4) انظر الوسائل 4: 989 و 999، الباب 3 و 10 من أبواب التشهد.
(5) الخلاف 1: 369، كتاب الصلاة، المسألة 128.
(6) الوسائل 4: 995، الباب 7 من أبواب التشهد، الحديث الأول.
(7) حكاه عنه السيد الشفتي في المطالع 2: 975، وانظر الفقيه 1: 319.
(8) تقدمت في الصفحة 68.
71

المتقدمة (1) وقوله عليه السلام في رواية زرارة المصححة: " إن كان الحدث بعد
الشهادتين فقد مضت صلاته " (2).
ويجب حمل الأوليين على الانصراف عن التشهد (3) وإجزاء
الشهادتين (4) فيه، الذي لا ينافي وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وإن لم
يكن جزءا من التشهد، كما عرفت من اختصاصه شرعا بالشهادتين، ويحمل
الأخيرة على الناسي لها، بناء على استحباب التسليم، أو النسيان له أيضا،
بناء على القول بعدم بطلان الصلاة بنسيان التسليم وإن أحدث.
وكيف كان، فيجب صرفها عن ظاهرها الشاذ المخالف للإجماع، بل
يجب حمل كلام الصدوق على خلاف ظاهره، لما ذكر من الإجماع، ولما ذكره
في أماليه: من أن من دين الإمامية أنه يجزي في التشهد الشهادتان والصلاة
على النبي وآله صلى الله عليه وآله (5)، مضافا إلى ما سيجئ من حكاية القول
- بوجوب الصلاة على النبي كلما ذكر ولو في غير الصلاة - عنه (6).
ولجميع ما ذكرنا يقوى حمل كلام والده المحكي عن رسالته (7) - حيث

(1) تقدمت في الصفحة 66.
(2) الوسائل 4: 1001، الباب 13 من أبواب التشهد، الحديث الأول.
(3) في " ط " زيادة: في الأولى.
(4) في " ط " زيادة: في الثانية.
(5) لم نعثر عليه بعينه، وفي الأمالي: ويجزي في التشهد الشهادتان فما زاد فتعبد، انظر
أمالي الصدوق: 512. نعم، حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 461.
(6) سيجئ ذلك في الصفحة 75.
(7) لا توجد لدينا، وحكاه عنه الشهيد في الذكرى: 204.
72

لم يذكر فيها عند بيان التشهد الأول عدا الشهادتين - على ما لا ينافي القول
بوجوب الصلاة.
نعم، عن الإسكافي التصريح بإجزاء الشهادتين في التشهد إذا لم تخل
الصلاة عن الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله في أحد التشهدين (1)، ولعله
لإطلاق ما دل من الأخبار المتقدمة (2) على وجوب الصلاة في الجملة الذي
يسقط بامتثاله مرة واحدة، ويرده الإجماعات المتقدمة (3) الجابرة للنبوي:
" إذا تشهد أحدكم في صلاته فليقل: اللهم صل على محمد وآل محمد " (4).
ومنه يظهر تعين هذه العبارة في الصلاة كما هو الأشهر كما في
الذكرى (5)، خلافا للمحكي عن ظاهر المقنعة (6) والمراسم (7) فاجتزأ بها
وبقوله: " صلى الله عليه وآله "، وعن نهاية الإحكام: إجزاء " صلى الله
على رسوله وآله " أيضا (8).
ولعل الأول لمضمرة سماعة: " في المصلي خلف غير العدل يجلس بقدر
ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده

(1) حكاه الشهيد في الذكرى: 204.
(2) تقدمت في الصفحة 71.
(3) تقدمت في الصفحة 70.
(4) لم نقف عليه في المصادر الحديثية، نعم نقله الشهيد في الذكرى: 204.
(5) الذكرى: 204.
(6) انظر المقنعة: 108 و 137 - 143.
(7) المراسم: 72 - 73.
(8) نهاية الإحكام 1: 500.
73

ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم " (1)، ونحوها رواية ابن الجهم المتقدمة (2).
والثاني لإطلاقات الأمر بالصلاة من الأخبار ومعاقد الإجماعات،
ولصحيحة ابن أذينة المروية في بيان صلاة المعراج: " ثم أوحى إليه:
يا محمد، صل على نفسك وعلى أهل بيتك، فقال: صلى الله علي وعلى أهل
بيتي " (3).
والرواية ضعيفة سندا، والإطلاقات مسوقة لبيان وجوب أصلها لا
لإطلاق عبارتها، ولذا أطلق ذلك أيضا كل من جزم بالتقييد، أو مقيدة
بما ذكرنا من النبوي المنجبر بالشهرة العظيمة، وأما رواية المعراج فهي
لا تدل على المطلوب كما لا يخفى.
ثم إن المشهور عدم وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله عند ذكره
تلفظا أو سماعا، بل عن الناصريات (4) والخلاف (5) والمعتبر (6) والمنتهى (7)
الإجماع عليه (8)، للأصل، وخلو كثير من النصوص والأدعية المشتملة على

(1) الوسائل 5: 458، الباب 56 من أبواب الجماعة، الحديث 2.
(2) تقدمت في الصفحة 69.
(3) الوسائل 4: 680، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 10.
(4) الناصريات: 229، المسألة 91.
(5) انظر الخلاف 1: 370، كتاب الصلاة، المسألة 128.
(6) المعتبر 2: 226.
(7) المنتهى: 293.
(8) حكى ذلك عنهم السيد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 177، والفاضل النراقي في
المستند 5: 336.
74

ذكره صلى الله عليه وآله عن الصلاة، خلافا للفاضل المقداد في كنز العرفان (1)
والمحكي عن الصدوق (2) والبهائي (3) وصاحبي المدارك (4) والبحار (5)
والمحدث الكاشاني (6) والبحراني (7) والفاضل المازندراني والشيخ عبد الله
ابن صالح البحراني (8)، لأخبار أصحها سندا وأوضحها دلالة صحيحة زرارة
المروية في باب الأذان: " قال عليه السلام: وصل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلما
ذكرته أو ذكره عندك ذاكر " (9).
لكن سياق الرواية يدل على الاستحباب، مضافا إلى أن عموم البلوى
به كان يقتضي اشتهار وجوبه - على تقدير الوجوب - بين العوام فضلا عن
العلماء وكان منافيا لهذا الخفاء حتى ادعى الإجماع مستفيضا (10) على نفي

(1) كنز العرفان: 133.
(2) اختلفت العبارات في الحكاية، ففي كنز العرفان وغيره النقل عن ابن بابويه،
والظاهر منه هو والد الصدوق وفي البحار 85: 279، والمطالع 2: 177، نسبته إلى
الصدوق، وعلى كل حال فلم نقف فيما بأيدينا من كتب الصدوق عليه، نعم في الفقيه
1: 284، الحديث 875 ما يدل عليه.
(3) الحبل المتين: 201، ومفتاح الفلاح: 38.
(4) انظر المدارك 3: 428.
(5) البحار 85: 279 - 280.
(6) حكاه المحدث البحراني في الحدائق (8: 463) عن الوافي، ولم نقف عليه فيه.
(7) الحدائق 8: 463.
(8) حكاه عنهما المحدث البحراني في الحدائق 8: 463.
(9) الوسائل 4: 669، الباب 42 من أبواب الأذان والإقامة.
(10) راجع الصفحة السابقة، وانظر مطالع الأنوار 2: 176.
75

الوجوب، مع أن كثيرا من الأخبار الواردة في الباب منادية بالاستحباب،
مثل قوله صلى الله عليه وآله في الخبر المحكي عن الإرشاد: " إن البخيل كل البخيل
من ذكرت عنده فلم يصل علي " (1) ونحوه المحكي عن معاني الأخبار (2)
وقوله صلى الله عليه وآله: " من ذكرت عنده فلم يصل علي أخطأ طريق الجنة " (3).
إلى غير ذلك من أمثال هذه الأخبار (4) التي يسمع منها صيحة
الاستحباب (5).
[* (والجلوس مطمئنا بقدره.
والجاهل يتعلم.
ويستحب التورك والزيادة في الدعاء) *] (6).

(1) الإرشاد 2: 169، وعنه الوسائل 4: 1221، الباب 42 من أبواب الذكر،
الحديث 14.
(2) معاني الأخبار: 246، الحديث 9، وعنه الوسائل 4: 1220، الباب 42 من
أبواب الذكر، الحديث 9.
(3) الوسائل 4: 1218، الباب 42 من أبواب الذكر، الحديث الأول، وفيه: من
ذكرت عنده فنسي أن يصلي علي، خطأ الله به طريق الجنة.
(4) راجع الوسائل 4: 1217، الباب 42 من أبواب الذكر.
(5) هنا بياض في " ق " أكثر من نصف صفحة.
(6) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له.
76

* (ومندوبات الصلاة ستة) * (1)
* (الأول: التسليم على رأي) * محكي عن الشيخين (2) والقاضي (3)
والحلي (4) وابن طاووس (5)، بل أكثر القدماء كما في الذكرى (6) موافقا لهم في
ذلك كالمصنف في أكثر كتبه (7) والمحقق والشهيد الثانيين (8) وكثير من متأخري
المتأخرين (9)، بل حكي أنه قول جمهور المتأخرين (10).

(1) العنوان من الإرشاد، ولم يرد في النسخ.
(2) المقنعة: 139، والخلاف 1: 376، كتاب الصلاة، المسألة 134، والتهذيب 2: 159.
(3) المهذب 1: 99، وشرح جمل العلم والعمل: 95.
(4) السرائر 1: 231 و 241.
(5) حكاه الشهيد في الذكرى: 208، عن البشرى لابن طاووس.
(6) الذكرى: 208.
(7) القواعد 1: 279، والمختلف 2: 175، والتذكرة 3: 243، والتحرير 1: 41.
(8) جامع المقاصد 2: 326، وفيه: " القول بالاستحباب أرجح وإن كان القول
بالوجوب أحوط ". وحاشية الشرائع (مخطوط): الورقة 29، وفيه: " والاستحباب
أمتن دليلا والقول بالوجوب أحوط "، وحاشية الإرشاد (مخطوط): 55، وفيه:
" القول بندب التسليم قوي جدا وإن كان الوجوب أحوط ". وفي روض الجنان
(280): " وأدلة الندب لا يخلو من رجحان وإن كان القول بالوجوب أحوط ".
(9) منهم السيد في المدارك 3: 430، والأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 278،
والسبزواري في الذخيرة: 291، والكفاية: 19 وغيرهم.
(10) حكاه المحدث البحراني في الحدائق 8: 471.
77

للأصل، ولأنه لو كان من الصلاة لم تجب سجدة السهو ولم يتحقق
قطع الصلاة بالتسليم في غير موضعه.
ولقوله صلى الله عليه وآله: " إنما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع وسجود " (1).
وصحيحة الفضلاء: " إذا فرغ من الشهادتين فقد مضت صلاته، فإن
كان مستعجلا في أمر يخاف أن يفوته فسلم وانصرف أجزأه " (2).
وصحيحة ابن مسلم المتقدمة: " إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ثم
تنصرف " (3) خرج عن ظاهر الصحيحتين لوجوب الصلاة على النبي
وآله صلى الله عليه وآله وسلم، بقي الباقي.
والمستفيضة الدالة على أن الحدث بعد التشهد لا يوجب بطلان الصلاة:
منها: ما تقدم من رواية ابن الجهم (4).
ومنها: رواية زرارة المصححة: " عن الرجل يصلي ثم يجلس فيحدث
قبل أن يسلم؟ قال: تمت صلاته " (5).
ومنها: الموثق: " عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهد ثم

(1) عوالي اللآلي 3: 94، الحديث 104.
(2) الوسائل 4: 992، الباب 4 من أبواب التشهد، الحديث 2، وفيه: يخاف فوته.
(3) الوسائل 4: 992، الباب 4 من أبواب التشهد، الحديث 4، وتقدمت في
الصفحة 68.
(4) الوسائل 4: 1241، الباب الأول من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 6، وتقدم في
الصفحة 69.
(5) الوسائل 4: 1011، الباب 3 من أبواب التسليم، الحديث 2.
78

ينام قبل أن يسلم. قال: تمت صلاته " (1).
وحسنة الحلبي: " إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد
الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد " (2).
وفي رواية معاوية بن عمار المصححة الواردة في صلاة الطواف: " ثم
تشهد واحمد الله واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله واسأله أن يتقبل
منك " (3).
ورواية علي بن جعفر المصححة عن أخيه عليهما السلام: " عن الرجل
يكون خلف الإمام فيطول الإمام التشهد، فيأخذ الرجل البول، أو يتخوف
على شئ يفوت، أو يعرض له وجع، كيف يصنع؟ قال: يتشهد هو
وينصرف ويدع الإمام " (4).
وموثقة يونس بن يعقوب عن أبي الحسن عليه السلام: " قال: قلت له
صليت بقوم فقعدت للتشهد ونسيت أن أسلم عليهم، فقالوا: ما سلمت
علينا. فقال: ألم تسلم عليهم وأنت جالس؟ قلت: بلى، قال: لا بأس
عليك، ولو نسيت حين قالوا لك ذلك، استقبلتهم بوجهك فقلت: السلام
عليكم " (5).
ورواية زرارة المصححة المروية عن الكافي، قال: " قلت له: من لم يدر

(1) الوسائل 4: 1012، الباب 3 من أبواب التسليم، الحديث 6.
(2) الوسائل 4: 1011، الباب 3 من أبواب التسليم، الحديث 4.
(3) الوسائل 9: 479، الباب 71 من أبواب الطواف، الحديث 3.
(4) الوسائل 5: 464، الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(5) الوسائل 4: 1011، الباب 3 من أبواب التسليم، الحديث 5.
79

في أربع هو أم ثنتين وقد أحرز الثنتين؟ قال: يركع ركعتين وأربع سجدات
وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهد، ولا شئ عليه " (1).
ونحوها مصححة محمد بن مسلم المروية عن التهذيب في الشك بين
الثنتين والأربع (2).
ورواية الحلبي: " إذا نسي أن يسلم خلف الإمام أجزأه تسليم
الإمام " (3).
وما ورد من الأخبار في من زاد ركعة من أنه: " إن كان جلس
عقيب الرابعة بقدر ما يتشهد صحت صلاته " (4).
ويجاب عن الأصل، تارة: بمنع جريانه في أجزاء العبادة.
وفيه: أنه لا مانع من إجرائه فيها كما يظهر من الأصحاب في أكثر
الأبواب.
وأخرى: بمعارضته مع استصحاب عدم الخروج عن الصلاة وتحريم
ما كان حراما قبل التسليم.
وفيه: أن بعد الحكم ببراءة الذمة عن الصلاة لعدم (5) ثبوت وجوب

(1) الكافي 3: 351 - 352، الحديث 3، وعنه الوسائل 5: 323، الباب 11 من
أبواب الخلل في الصلاة، الحديث 3.
(2) التهذيب 2: 185، الحديث 737، وعنه الوسائل 5: 324، الباب 11 من أبواب
التسليم، الحديث 6.
(3) الوسائل 4: 1011، الباب 3 من أبواب التسليم، الحديث 3.
(4) راجع الوسائل 5: 332، الباب 19 من أبواب الخلل، الحديث 4 و 6.
(5) في " ط " و " ن ": بعدم.
80

التسليم يثبت الخروج عن الصلاة، الموجب لحلية ما كان محرما، لأن الخروج
يحصل بسقوط التكليف.
مضافا إلى ما عرفت من أن استصحاب عدم الخروج عن الصلاة إنما
يجري إذا شك في فعل ما ثبت جزئيته لا في جزئية ما لم يفعله.
وأما استصحاب تحريم ما كان محرما، فهو إنما ثبت سابقا من حيث
كونه إبطالا، ولم يثبت صدق هذا العنوان على فعل تلك الأفعال المحرمة بعد
الفراغ عن التشهد. فالأولى تسليم الأصل والجواب عنه بما سيجئ من الأدلة.
نعم، في التمسك بجميع ما بعده نظر:
أما فيما ذكر من الملازمة (1) بين كونه من الصلاة وعدم وجوب سجدة
السهو بفعله نسيانا في أثناء الصلاة وعدم تحقق القطع بفعله فيها عمدا،
فلكونها ممنوعة، لعدم الدليل عليها، كما لا يخفى.
وأما الروايات، فالحصر في الأولى (2) إضافي بالنسبة إلى كلام
الآدميين، كما هو واضح - بملاحظة ما ورد بهذا المضمون من الأخبار
النبوية - بل لا يبعد أن يكون مجموعها رواية واحدة بحذف بعضها تارة،
وبنقل المعنى أخرى، وبذكر تمامها ثالثة.
وأما الرواية الثانية (3)، فذيلها أدل على وجوب التسليم من صدرها
على الاستحباب، مع أن ظاهرها نفي وجوب الصلاة على النبي
وآله صلى الله عليه وآله، مع إمكان الحمل على التقية، لأن بناء العامة على تأخير

(1) راجع الصفحة 78.
(2) وهي النبوي، راجع الصفحة 78.
(3) وهي صحيحة الفضلاء المتقدمة في الصفحة 78.
81

الشهادتين عن التسليم بقول: " السلام علينا " مع احتمال أن يكون قوله:
" مضت صلاته " أي الأفعال الأكيدة المهمة منها، كما في قوله عليه السلام: " أول
صلاة أحدكم الركوع " (1) مع أن وجوب التسليم لا ينافي كونه خارجا عن
الصلاة مخرجا عنها، كما سيجئ.
وأما الرواية الثالثة (2)، فالانصراف فيه محمول على الانصراف من
التشهد أو عن الصلاة بالتسليم، أو يكون المراد من الانصراف التسليم. كما
أن المراد من الافتتاح التكبير.
ويؤيده: ما ورد من أنه إذا قلت: السلام علينا... الخ، فهو
الانصراف (3). ويؤيده أيضا: أن الظاهر من الجملة الخبرية وجوب
الانصراف، ولا يجب إلا بالتسليم.
وأما الروايات الأربعة (4) الدالة على عدم بطلان الصلاة بتخلل الحدث
بينها، فلا يدل إلا على خروج التسليم عن الأجزاء الواجبة لا على نفي
وجوبه، وسيجئ أن هذا ليس خرقا للإجماع المركب، مع أنه يمكن أن
يجاب عما عدا رواية ابن الجهم (5) بأن المراد من التسليم في رواية زرارة (6)

(1) الوسائل 4: 932، الباب 9 من أبواب الركوع، الحديث 6، و 5: 442، الباب
45 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(2) المتقدمة في الصفحة 78، وقبل ذلك في الصفحة 68.
(3) الوسائل 4: 1012، الباب 4 من أبواب التسليم، الحديث 2.
(4) تقدمت في الصفحة 78 و 79.
(5) المتقدمة في الصفحة 78.
(6) تقدمت في الصفحة 78.
82

وتاليها هو قول: " السلام عليكم " - وادعى في الذكرى أنه المتعارف بين
العامة والخاصة، يعلم ذلك بتتبع الأخبار والتصانيف (1)، ثم استشهد على
ذلك بكلام الشيخ في الخلاف (2) - ويكون المراد من التشهد في حسنة
الحلبي (3) ما يعم التسليم، مع إمكان حمل الكل على التقية عن مذهب
أبي حنيفة القائل بأن الخروج يتحقق بالتسليم وبالحدث مطلقا (4).
وأما رواية معاوية بن عمار (5)، فليس لها دلالة إلا من حيث ترك
التعرض، ولا ريب أن المقام ليس مقام بيان واجبات صلاة الطواف المتحدة
مع واجبات صلاة الفريضة لمثل معاوية بن عمار، مع احتمال إرادة ما يشمل
التسليم من التشهد فيكون المذكور بعده من الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله
من الأذكار المستحبة بعد الصلاة لتحصيل استجابة الدعاء لقبول
الصلاة.
وأما رواية علي بن جعفر (6) فالانصراف فيها محمول على التسليم،
بل عن نسخة الفقيه وزيادات التهذيب زيادة قوله: " ويسلم " (7) في
الرواية.

(1) الذكرى: 207.
(2) انظر الخلاف 1: 376، كتاب الصلاة، المسألة 134.
(3) المتقدمة في الصفحة 79.
(4) انظر البداية 1: 131، والمجموع 3: 462، والمغني 1: 551 وغيرها.
(5) المتقدمة في الصفحة 79.
(6) المتقدمة في الصفحة 79.
(7) الفقيه 1: 401، الحديث 1192، والتهذيب 3: 283، الحديث 842.
83

ويؤيده غيرها من الأخبار الدالة على أن المأموم إذا عرضت له
حاجة فيسلم ويدع الإمام، كروايتي زرارة والحلبي (1) المصححتين.
وأما الموثقة (2)، فالظاهر من التسليم المنسي فيها، هو قول: " السلام
عليكم "، بقرينة قول يونس: " نسيت أن أسلم عليهم " وقول المأمومين: " لم
تسلم علينا ".
وأما روايتا زرارة (3) وابن مسلم (4)، ففيهما - مع أن دلالتهما من جهة
ترك التعرض الذي لا يدل في مثل المقام على عدم الوجوب كما مر في رواية
معاوية بن عمار في صلاة الطواف (5)، مع احتمال كون الترك تقية - أن المراد
من التشهد فيهما التشهد بالمعنى الأعم، فإنه قد يطلق على ما يعم التسليم
بقول: " السلام علينا ".
ويؤيد ذلك: رواية أبي بصير، حيث قال - بعد ذكر ما ينبغي أن يقال
إذا جلس في الرابعة من التشهد الكامل -: " ثم قل: السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته، السلام على أنبياء الله ورسله، السلام على جبرئيل
والملائكة المقربين، السلام على محمد بن عبد الله خاتم النبيين لا نبي بعده،
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم تسلم " (6).

(1) الوسائل 5: 465، الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3 وذيله.
(2) تقدمت في الصفحة 79.
(3) تقدمت في الصفحة 79 - 80.
(4) تقدمت في الصفحة 80.
(5) تقدمت في الصفحة 79.
(6) الوسائل 4: 990، الباب 3 من أبواب التشهد، الحديث 2.
84

وأما الروايات الواردة في من زاد ركعة (1)، فإن كان المراد من
الجلوس بقدر التشهد فيها مجرد الجلوس كان تقية عن مذهب أبي حنيفة،
وإن كان هو الجلوس مع التشهد ففيه: أنها لا تدل على استحباب التسليم،
إذ لعله حكم شرعي ورد في الزيادة على الصلاة، مع أن مجرد القول
باستحباب التسليم لا يوجب وقوع الزائد خارجا، فتأمل.
وكيف كان، فليس في الروايات ما لا يقبل التوجيه أو الحمل على
التقية، لما سيجئ من الروايات التي هي أكثر وأصرح منها في الدلالة،
وأبعد عن مذاهب العامة، وأقرب إلى طريقة الإمامية المستمرة، وأوفق
بالاحتياط، بل بظاهر الكتاب على ما ذكره غير واحد (2)، وإن كان لا يخلو
من نظر.
فمن تلك الأخبار ما هو في الاشتهار كالشمس في رابعة النهار، فلا
يقدح فيه الإرسال، مع كونها مسندة في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير،
وتحليلها التسليم " (3).
دلت الرواية على حصر التحليل في التسليم إما من جهة أن المصدر
المضاف يفيد العموم، فيكون جميع أفراد التحليل مصاديق للتسليم.

(1) تقدمت في الصفحة 80.
(2) راجع مفتاح الكرامة 2: 480، ومطالع الأنوار 2: 184، والجواهر 1: 282
و 298.
(3) الكافي 3: 69، الحديث 2، وعنه الوسائل 4: 1003، الباب الأول من أبواب
التسليم، الحديث الأول، ورواه الصدوق في الفقيه 1: 33، الحديث 68 مرسلا عن
أمير المؤمنين علي عليه السلام.
85

وإما من جهة أن التسليم حيث وقع خبرا فلا يصح أن يكون أخص،
فلا بد أن يكون مساويا أو أعم.
وإما من جهة أن الظاهر من الرواية أن للصلاة تحريما وتحليلا،
ولا يعرفهما المخاطب فعرفهما إياه، فالإضافة للعهد، فدلالتها على أنه لا يحل
له المنافيات بدون التسليم ظاهرة، ويلزمه كونه من الأجزاء الواجبة، كما
لا يخفى.
وأما سندها، فقد عرفت (1) أنها مسندة في الكافي، ومع ذلك فهي
مروية عن الصدوق في العيون بسنده الحسن كالصحيح إلى الفضل بن شاذان
عن الرضا عليه السلام، فيما كتبه إلى المأمون: " قال: ولا يجوز أن تقول في
التشهد الأول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأن تحليل الصلاة
التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت " (2).
وعنه، عن الفضل أيضا، عنه عليه السلام: " قال: إنما جعل التسليم تحليل
الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر، لأنه لما كان
الدخول في الصلاة تحريم كلام المخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام
المخلوقين وابتداء المخلوقين في الكلام أولا بالتسليم " (3).
وعن الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما السلام: أنه " لا يقال

(1) في الصفحة السابقة.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 123، الباب 35، ذيل الحديث الأول، وعنه
الوسائل 4: 1001، الباب 12 من أبواب التشهد، الحديث 3.
(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 108، الباب 34، ذيل الحديث الأول، وعنه
الوسائل 4: 1005، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث 10.
86

في التشهد الأول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لأن تحليل الصلاة
هو التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلمت " (1).
وفي المرسل المروي عن علي بن الحسين عليهما السلام: " قيل له: ما افتتاح
الصلاة؟ قال: التكبير. قيل: ما تحليلها؟ قال: التسليم " (2).
وعن معاني الأخبار عن المفضل بن عمر، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن العلة التي من أجلها وجب التسليم في الوضوء؟ قال: لأنه تحليل
الصلاة... إلى أن قال: قلت: فلم صار تحليل الصلاة التسليم؟... " (3).
وفي رواية عبد الله بن الفضل الهاشمي، قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام،
عن التسليم في الصلاة؟ قال: التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة... إلى أن
قال: فجعل التسليم علامة للخروج من الصلاة وتحليلا للكلام وأمنا من أن
يدخل في الصلاة ما يفسدها، والسلام اسم من أسماء الله واقع على الملكين
الموكلين به " (4).
ودلالة هذه الأخبار - بعد ضم بعضها إلى بعض - على وجوب التسليم
وجزئيته، وحصر التحليل فيه غير مختفية، مع وضوح سند بعضها، فالخدشة
في سند النبوي المذكور بالإرسال - كما عن جماعة منهم الشهيد في

(1) الخصال: 604، أبواب المائة وما فوقها، ذيل الحديث 9، وعنه الوسائل 4:
1279، الباب 29 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 2.
(2) المستدرك 5: 21، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث الأول.
(3) الوسائل 4: 1005، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث 11، وهو منقول
عن العلل، ولم نقف عليه في المعاني، نعم الرواية التي تليها منقولة عن معاني الأخبار.
(4) الوسائل 4: 1006، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث 13.
87

الذكرى (1) - ليس في محلها، خصوصا بعد استدلال المرتضى قدس سره به (2) وكذا
ابن زهرة (3)، مع أنهما لا يعملان إلا بالأخبار القطعية، مع دعواه الإجماع في
الناصريات (4) - كما في الذكرى (5) وغيرها - ودعواه على أن من قال بجزئية
التكبير قال بوجوب التسليم في الصلاة وأنه منها، وإن كان يوهن هذه
الدعوى ما حكينا عن الذكرى (6) من ذهاب أكثر القدماء إلى ندبية التسليم
بكلتا صيغتيه، بل نسبه في موضع آخر (7) إلى القدماء من غير إضافة لفظ
الأكثر، مع أن أحدا منهم لم يقل بعدم جزئية التكبير، وهذه الحكاية وإن لم
يظن مطابقتها للواقع بعد تحقق القول بالوجوب عن كثير من القدماء
والمتأخرين، بل أكثر الطبقتين، سيما مع احتمال أن يريد جملة منهم من
" التسليم " خصوص " السلام عليكم ".
ويؤيده ما في الدروس: من أن الموجبين اتفقوا على هذه الصيغة (8)،
والظاهر أن النادبين يندبون ما أوجبه الموجبون، وفي البيان: إن السلام (9) لم

(1) الذكرى: 207.
(2) الناصريات: 212، المسألة 82.
(3) الغنية: 81.
(4) الناصريات: 212، المسألة 82.
(5) الذكرى: 205.
(6) الذكرى: 208، وتقدمت حكايته في الصفحة 77.
(7) الذكرى: 207.
(8) الدروس 1: 183.
(9) في البيان: وأما: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فالأخبار صريحة في
الخروج بها من الصلاة، ولكن لم يوجبها أحد من القدماء.
88

يوجبها أحد من القدماء، بل القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبة كالسلام
على الأنبياء والملائكة غير مخرجة من الصلاة، والقائل بالندب يجعلها
مخرجة (1)، كما قد عرفت دعوى الشهيد: أنه المتعارف بين الخاصة والعامة (2)،
بل الظاهر أن العامة لا يطلقون التسليم على غيرها، لأن قول " السلام
علينا " عندهم من أجزاء التشهد الأول وليس مخرجا، والاحتمال المذكور هو
الظاهر من كلام الشيخين اللذين نسب إليهما القول بندبية التسليم، على
ما يظهر مما ذكر المفيد في المقنعة في مسألة أن التسليم في ركعتي الوتر
لا يجوز تركه (3)، ومما ذكره الشيخ في شرح هذا الكلام (4).
وأصرح من ذلك ما حكي في الذكرى (5) عنه في الخلاف أنه قال فيه:
الأظهر من مذهب أصحابنا أن التسليم مسنون، ومنهم من قال: هو واجب،
دليلنا على الأول رواية أبي بصير: " إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم
على النبي صلى الله عليه وآله وتقول: السلام علينا، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت
الصلاة، ثم تؤذن القوم [وتقول وأنت] (6) مستقبل القبلة: السلام عليكم " (7).
ومن نصر الأخير استدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: " تحليلها

(1) البيان: 176 - 177.
(2) راجع الصفحة 83.
(3) لم نقف على العبارة بعينها في المقنعة، نعم فيها ما يدل عليه، انظر المقنعة: 91.
(4) انظر التهذيب 2: 127 و 129.
(5) الذكرى: 207.
(6) من الوسائل، وانظر الصفحة 100.
(7) الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 8.
89

التسليم " (1).
وفي الذكرى (2) وغيرها (3) عن الشيخ أنه قال في المبسوط: من قال
من أصحابنا أن التسليم سنة يقول: إذا قال السلام علينا... الخ فقد خرج
من الصلاة، ومن قال: إنه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة وينبغي
أن ينوي بها ذلك، وينوي بالثانية السلام على الملائكة أو من على يساره (4).
إلا أن ما ذكره السيد أيضا من الإجماع (5) على عدم الفرق بين التكبير
والتسليم في الدخول موهون بما مر من القول بالندب (6)، وسيجئ (7) من
وجود القائل بالوجوب وعدم الجزئية، بل حكي عن بعض أنه قول
الأكثر (8)، لكنه أوهن في ظننا من الدعويين السابقتين من الناصريات
والذكرى.
وكيف كان، فالظاهر أن الفقرة المتقدمة (9) المروية بالطرق التي عرفت
كافية في إثبات المطلب، مضافا إلى أن هنا من طوائف الأخبار ما يغني عن

(1) الوسائل 4: 1003، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث الأول. وإلى هنا
ينتهي كلام الشيخ في الخلاف 1: 376، المسألة 134.
(2) الذكرى: 207.
(3) مفتاح الكرامة 2: 468.
(4) المبسوط 1: 116.
(5) الناصريات: 211، المسألة 82، وتقدم في الصفحة 88.
(6) تقدم في الصفحة 77.
(7) يجئ في الصفحة 98.
(8) حكاه المحقق النراقي في المستند 1: 380 عن والده في المعتمد.
(9) المتقدمة آنفا، وهي مروية عن النبي صلى الله عليه وآله.
90

الفقرة المذكورة.
منها: ما دل (1) على فساد صلاة المسافر بالإتمام من الأخبار المصححة
المذكورة في باب صلاة المسافر، وفي بعض الأخبار ككثير من الفتاوي (2)
تعليل الفساد بأنه زاد في فرض الله عز وجل (3)، وهي بعمومها تشمل ما لو
نوى القصر ثم بعد التشهد نسي فقام وأتم، بل ما لو نوى الخروج ثم توهم
وجوب الإتيان لنسيان الموضوع أو لنسيان الحكم فقام وأتم، فما احتمله في
المدارك (4) وشرح الروضة (5) وكشف اللثام (6) والرياض (7) - تبعا لمجمع
الفائدة (8) - من تقييد النصوص بما إذا نوى التمام ابتداء يحتاج إلى دليل.
ثم وجه الدلالة في تلك الإطلاقات هو أن امتثال الأمر الوجوبي
بالصلاة لو حصل بالفراغ من التشهد لم يقدح زيادة ما بعده، لأن المفروض
وقوعه خارج الصلاة.
وتوجيه البطلان على القول بالندب كما في جامع المقاصد بأن فعل
الركعتين بقصد الإتمام يقتضي الزيادة في الصلاة، فالبطلان لذلك لا لعدم

(1) انظر الوسائل 5: 530، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر.
(2) التذكرة 4: 407، وفيه: " لأنه زاد في الفريضة "، ولم نعثر عليه في غيره.
(3) الوسائل 5: 532، الباب 17 من أبواب صلاة المسافر، الحديث 8.
(4) انظر المدارك 3: 434 و 4: 472.
(5) المناهج السوية (مخطوط): 126، ذيل قول الشهيد: " على أجود القولين ".
(6) انظر كشف اللثام 1: 233.
(7) الرياض 3: 469.
(8) انظر مجمع الفائدة 2: 285 - 286 و 3: 431.
91

التسليم (1)، يدفعه: أن الركعتين إذا وقعتا بعد الفراغ عن الصلاة بل بعد قصد
الخروج على ما فرضنا، فتكون الزيادة واقعة خارج الصلاة، ولذا صرح
الشيخ والحلي في الاستبصار (2) والسرائر (3) - على ما حكي عنهما في مسألة
ما إذا زاد ركعة خامسة - بأن زيادة الركعة في آخر الصلاة لا تفسدها،
للفراغ عنها بالتشهد واستحباب التسليم.
لكن الإنصاف: أن ما ذكراه من نفي صدق الزيادة بمجرد تحقق التشهد
حتى مع نية البقاء في الصلاة وتأخير التسليم الذي هو من الأجزاء على
القولين، مخالف للعرف.
وإلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره في الروض من أن الصلاة إنما تتم عند
القائل بندب التسليم بنية الخروج، أو بالتسليم وإن كان مستحبا، أو بفعل
المنافي، ولم يحصل (4).
وقد يتوهم أنه رجوع إلى مذهب أبي حنيفة القائل بالتخيير بين
الخروج بالمنافي أو بالتسليم (5)، وهو توهم صرف، لأن الشهيد (6) يمنع وجوب
الخروج، لكنه إنما يدعي أن الخروج لا يحصل ما لم ينو الخروج أو يسلم أو
يفعل المنافي.

(1) جامع المقاصد 2: 325.
(2) الإستبصار 1: 377، ذيل الحديث 4.
(3) السرائر 1: 245 - 246.
(4) روض الجنان: 280.
(5) انظر البداية 1: 131، والمجموع 3: 462، والمغني، لابن قدامة 1: 551.
(6) في " ن " و " ط ": السيد، ولكن شطب على الكلمة في " ط " وكتب بدله في
الهامش: " القائل بالندب ".
92

وأما مجرد الفراغ عن التشهد ولو مع العزم على البقاء في الصلاة،
فلا يصدق معه الخروج، وهذا معنى حسن، إليه يرجع كلام المحقق الثاني في
جامع المقاصد الذي عرفت حكايته عنه (1)، بل كلام الشهيد في الذكرى (2)،
نعم يرد عليهم ما ذكرنا (3) من عموم النص والفتوى لما إذا نوى الخروج بعد
التشهد، أو لم ينو شيئا ثم عزم على إلحاق الركعة، فلا يبعد سلب الزيادة
لو لم يجب التسليم كما فرضنا في تقريب الاستدلال.
مع أن سلب الزيادة في مثل هذه الصور أيضا مشكل، ولأجله يشكل
التمسك بالأخبار، بل يشكل وإن فرضنا عدم صدق الزيادة في هذه الصور،
لأن المستفاد من التعليل المذكور (4) في بعض الأخبار ولكثير من الفتاوى
بوقوع الزيادة في الصلاة يوجب تخصيص الحكم لغير الفروض التي
لا يصدق فيها الزيادة.
ولعله لذلك كله قد ذهب إلى البطلان في هذه المسألة من لم يقل
بوجوب التسليم كالمفيد (5) والشيخ (6)، مدعيا ثانيهما - كالمرتضى (7) - الإجماع
على الحكم، معللا له بتحقق الزيادة.

(1) راجع الصفحة 91 - 92.
(2) انظر الذكرى: 208.
(3) انظر الصفحة 91.
(4) المتقدم في الصفحة 91.
(5) المقنعة: 212.
(6) الخلاف 1: 569، كتاب الصلاة، المسألة 321، والصفحة 586، المسألة 347،
وليس فيهما التعليل بتحقق الزيادة.
(7) الإنتصار: 163، المسألة: 62، وليس فيه التعليل بتحقق الزيادة أيضا.
93

مع أن الفروض التي ذكرناها من موارد عدم صدق الزيادة، فروض
نادرة لا ينصرف إليها الإطلاق.
مع إمكان أن يقال: الحكم المذكور مما قضى به الدليل وليس من جهة
الزيادة، ومنه يظهر أن الحكم بالصحة فيما إذا زاد خامسة على جميع فروضه
ليس لأجل ما ذكره الشيخ والحلي (1) من حيث الانطباق على القاعدة، بل
من جهة النصوص (2) الواردة في المسألة.
ثم توهم عدم تعقل طرو الفساد بعد تحقق الواجبات، مدفوع بإمكان
كون عدم إلحاق الزائد بقصد الجزئية مشروطا في تحقق الامتثال، بل تعقل
الحكم هنا أوضح من تعقل الحكم بكون السمعة والعجب مبطلين بمعنى
إيجابهما للإعادة، لأن العجب إنما يتحقق بعد تحقق الإطاعة كما لا يخفى،
فلا يعقل كون الامتثال مشروطا بعدم حصول العجب بعد العمل، فافهم.
ومنها: ما دل على عدم انقطاع الصلاة قبل قول المصلي: " السلام
علينا... الخ " (3).
ومنها: رواية الحلبي المصححة عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: كل
ما ذكرت الله عز وجل فهو من الصلاة، وإن قلت السلام علينا وعلى عباد
الله الصالحين، فقد انصرفت " (4).

(1) تقدم النقل عنهما في الصفحة 92.
(2) انظر الوسائل 5: 332، الباب 19 من أبواب الخلل.
(3) انظر الوسائل 4: 1012، الباب 4 من أبواب التسليم، وغيره من
الأبواب.
(4) الوسائل 4: 1012، الباب 4 من أبواب التسليم، الحديث الأول.
94

وفي رواية أبي بصير المحكية عن التهذيب مشيرا إلى الفقرة المذكورة:
" فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة " (1).
ورواية أبي كهمس، قال: " سألته عن الركعتين إذا جلست فيهما
للتشهد، فقلت وأنا جالس: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،
انصراف هو؟ قال: لا، ولكن إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، فهو انصراف " (2).
ومثلها حسنة الفضل بن شاذان، ورواية الأعمش المتقدمتين (3)،
ورواية أبي بصير الواردة في أكمل التشهدين المحكية في المعتبر عن البزنطي
عن معاوية بن عمار عنه، حيث قال - بعد قوله: السلام علينا... الخ -:
" فإذا قلت ذلك فقد خرجت عن الصلاة " (4).
ومنها: رواية أبي بصير الموثقة المحكية عن زيادات التهذيب، قال:
" سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل صلى الصبح فلما جلس في
الركعتين قبل أن يتشهد رعف، قال: فليخرج وليغسل أنفه ثم ليرجع فليتم
صلاته، فإن آخر الصلاة التسليم " (5).

(1) الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 8، وانظر التهذيب 2:
93، الحديث 349.
(2) الوسائل 4: 1012، الباب 4 من أبواب التسليم، الحديث 2.
(3) تقدمتا في الصفحة 86 - 87.
(4) المعتبر 2: 232.
(5) التهذيب 2: 320، الحديث 1307، والوسائل 4: 1004، الباب الأول من أبواب
التسليم، الحديث 4.
95

وظاهر كون التسليم آخر الصلاة هو كونه آخرا لماهيتها المشتركة بين
جميع أفرادها حتى أقل الواجب، ولا يتحقق ذلك إلا بوجوب التسليم، إذ
على تقدير كونه جزءا مستحبا فليس آخرا إلا للفرد الكامل لا للطبيعة،
ولهذا لو حد الشارع عبادة أخرى واجبة كالحج بأن أولها كذا وآخرها كذا
فهم منه الوجوب، مضافا إلى أن كونه تعليلا لوجوب الإتمام - المعلوم من
ظاهر الأمر المعتضد بصراحة السؤال في بقاء التشهد عليه - يعين إرادة
الأجزاء الواجبة.
ومنها: ما ورد من الأمر بالفصل بين كل ركعتين من النوافل بتسليمة (1)،
فإن الظاهر أن الأمر للوجوب بمعنى اللزوم واللابدية في الصحة، فتأمل.
ومنها: الأخبار الكثيرة الآمرة بالتسليم عقيب الصلوات، مثل صلوات
الاحتياط (2) والتي يحتاط لها. وما ورد في باب الجماعة (3) مما لا يحصى كثرة.
ثم إن المشهور بين الموجبين هو القول بالجزئية لا الوجوب المستقل،
وعن التنقيح (4)، بل عن أكثر الأصحاب - كما في شرح الروضة (5) - دعوى
الإجماع على الجزئية على تقدير الوجوب.

(1) الوسائل 3: 46، الباب 15 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، الحديث 3.
(2) الوسائل 5: 322، الباب 11 من أبواب الخلل، الأحاديث 1، 2 و 4.
(3) انظر الوسائل 5: 437، الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة، والصفحة 445،
الباب 47، الحديث 4، والصفحة 449، الباب 49، الحديث 3، والصفحة 464،
الباب 64، الأحاديث 3، 4 و 5، وغيرها.
(4) التنقيح الرائع 1: 213.
(5) المناهج السوية (مخطوط): 128، وفيه: " ثم اعلم أنه نقل أكثر الأصحاب على
جزئية السلام للصلاة على تقدير الوجوب الإجماع ".
96

ويدل عليه: جل الأدلة المتقدمة، فإن ظاهر الإضافة في " تحليلها
التسليم " كما في إضافة " تحريمها " وإضافة " مفتاحها " يقتضي الارتباط
بالصلاة، وإن كان الارتباط في الوضوء على وجه الشرطية وفي التحريم
والتحليل على وجه الجزئية، مضافا إلى أن معنى التحليل: تحليل المنافيات
المحرمة في أثناء الصلاة، فإذا انتهت الصلاة قبل التسليم حلت المنافيات
بنفس الفراغ، مضافا إلى التصريح في رواية عبد الله بن الفضل المتقدمة (1)
بأن التسليم جعل أمنا من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها.
وأما الأخبار الدالة على بطلان صلاة المسافر إذا أتم (2)، فهي على
تقدير دلالتها صريحة في الجزئية.
وأما ما دل على حصول الانصراف بقول: " السلام علينا " (3) فهي
أيضا - كما عرفت - ظاهرة - بل بعضها (4) صريحة - في عدم الخروج عن
الصلاة قبله.
وأما رواية أبي بصير (5)، فهي أيضا صريحة في الجزئية.
وأما أخبار النافلة (6)، فهي أيضا ظاهرة في اللزوم واللابدية،
لا الطلب المستقل، وكذا سياق الأدلة الآمرة بالتسليم - سيما ما أردف فيها

(1) تقدمت في الصفحة 87.
(2) تقدمت في الصفحة 91.
(3) راجع الصفحة 94 - 95.
(4) مثل رواية أبي كهمس المتقدمة في الصفحة 95.
(5) المتقدمة في الصفحة 95.
(6) تقدمت في الصفحة السابقة.
97

التسليم بسائر الأجزاء - ظاهرة في الوجوب التبعي (1).
وبالجملة، فالحكم بالوجوب المستقل ضعيف، وقد اختاره جماعة من
متأخري المتأخرين (2) تبعا للمحكي عن قواعد الشهيد (3) وصاحب البشرى
والجعفي (4) وشيخنا البهائي (5) وابن [أبي] جمهور (6)، لأصالة عدم المدخلية،
وللروايات المتقدمة (7) الدالة على عدم بطلان الصلاة بحصول الحدث قبل التسليم،
وبقوله عليه السلام في رواية ابن أبي يعفور في من صلى الركعتين من المكتوبة فلا
يجلس فيهما حتى يركع، قال: " يتم صلاته ثم يسلم ويسجد سجدتي السهو " (8).
ونحوها غيرها (9) الوارد في المسألة المذكورة.
وأصرح منها ما ورد في تلك المسألة عن سليمان بن خالد عن
الصادق عليه السلام حيث قال: " وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا

(1) مثل ما تقدم في الصفحة 84 عن أبي بصير.
(2) منهم المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 152، والمحدث البحراني في الحدائق
8: 483، ونقله المحقق النراقي في المستند 1: 381 عن والده ناسبا له إلى أكثر
الأصحاب، وقال هو نفسه: " وهو الأظهر ".
(3) القواعد والفوائد 2: 306، القاعدة 290.
(4) حكاه عنهما المحدث البحراني في الحدائق 8: 483.
(5) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 468، وانظر الحبل المتين: 253.
(6) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه ولا على من حكى عنه، نعم في مفتاح الكرامة
2: 468 بلفظ: " ونقل هذا القول عن ابن أبي جمهور ".
(7) تقدمت في الصفحة 78 وما بعدها.
(8) الوسائل 4: 995، الباب 7 من أبواب التشهد، الحديث 4.
(9) انظر الوسائل 4: 995، الباب 7 من أبواب التشهد، وغيره من الأبواب.
98

فرغ فليسلم وليسجد سجدتي السهو " (1).
وفي الجميع نظر، أما في الأصل، ففيه - مع عدم رجوعه إلى محصل،
ومعارضته بأصالة البراءة المعتضدة في المقام بأصالة الاشتغال واستصحاب
أحكام الصلاة، فتأمل -: أنه لا وقع له في مقابل الأدلة المتقدمة.
وأما الروايات المتقدمة، فقد عرفت (2) الجواب عنها، وأن المراد
بالتسليم - في الروايتين - منها هو التسليم الأخير، لأنه المتبادر الشائع
المتعارف، كما مر (3) عن الذكرى دعوى أنه المتعارف بين الخاصة والعامة،
بل قيل: إنه فيه كالحقيقة العرفية، والمراد بالتشهد في ثالثها ما يعم التسليم،
ورواية ابن الجهم (4) مخالفة لظاهرها للإجماع على وجوب الصلاة على النبي
وآله صلى الله عليه وآله، مع احتمال حملها - كالجميع - على التقية.
ومما ذكرنا في انصراف التسليم إلى المتعارف، يظهر الجواب عن
الروايات الواردة في ناسي التشهد.
ثم إن الثمرة بين الجزئية والاستقلال كثيرة جدا.
واعلم أنهم اختلفوا في صورة التسليم الواجب أو المستحب - على
الخلاف المتقدم - فذهب المصنف * (و) * جماعة (5) إلى أن * (صورته: السلام

(1) الوسائل 4: 995، الباب 7 من أبواب التشهد، الحديث 3.
(2) راجع الصفحة 82 - 83.
(3) راجع الصفحة 83.
(4) الوسائل 4: 1241، الباب الأول من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 6.
(5) منهم المحقق في الشرائع 1: 89، والشهيد في الألفية: 62، واللمعة: 35، وابن فهد
في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 83، والشهيد في الروض: 281،
والروضة 1: 624، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 2: 287، وغيرهم.
99

علينا وعلى عباد الله الصالحين أو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) *.
أما الأول، فلما مر من دلالة الأخبار المستفيضة عموما من حيث
كونه مصداقا للتسليم الذي جعل تحليلا، وخصوصا في رواية أبي بصير
- وفيها محمد بن سنان - عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال: إذا كنت إماما فإنما
التسليم أن تسلم على النبي صلى الله عليه وآله وتقول: السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم تؤذن القوم فتقول وأنت
مستقبل القبلة: السلام عليكم، وكذلك إذا كنت وحدك، تقول: السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، مثل ما سلمت وأنت إمام، فإذا كنت في جماعة
فقل مثل ما قلت وسلم على من عن يمينك وشمالك، فإن لم يكن على شمالك
أحد فسلم على الذين على يمينك، ولا تدع التسليم على يمينك إذا لم يكن
على شمالك أحد " (1).
هذا كله مضافا إلى ما تقدم من الأخبار الدالة على الخروج من
الصلاة ب‍ " السلام علينا " (2)، فإن بعد الخروج والفراغ لا يعقل وجوب
جزء آخر إلا أن يوجه بما سيجئ، وقد ذكر الشيخ في التهذيب في
مسألة صلاة الوتر: أن عندنا أن من قال: السلام علينا... الخ فقد
انقطعت صلاته (3)، وذكر الشهيد في الذكرى: أن أخبار الخروج ب‍ " السلام
علينا " مما لم ينكرها أحد من الإمامية (4)، وفي موضع: أن الانقطاع

(1) الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 8.
(2) مثل رواية أبي كهمس وغيرها المتقدمة في الصفحة 95.
(3) التهذيب 2: 129، الباب 8، ذيل الحديث 496.
(4) الذكرى: 208.
100

ب‍ " السلام علينا " دل عليه الأخبار وكلام الأصحاب (1)، والظاهر أن نسبته
إليهم من جهة عدم إنكارهم لتلك الأخبار كما تقدم منه سابقا، لا من جهة
تصريحهم بذلك.
وأما [ما] (2) ذكره في البيان - من أن السلام علينا لم يوجبه أحد من
القدماء، بل القائل بوجوب التسليم يجعلها مستحبة ك‍ " السلام على الأنبياء
والملائكة " غير مخرجة، والقائل بندب التسليم يجعلها مخرجة (3) - فلا يبعد أن
يكون مراده أن عدم الخروج ب‍ " السلام علينا " لازم قول موجبي التسليم
المتفقين على تعيين " السلام عليكم "، كما يظهر من الدروس (4)، لا أنهم
قائلون به صريحا ومنكرون لمدلول أخبار الانصراف ب‍ " السلام علينا "،
الذي صرح في الذكرى بأنه لم ينكرها أحد من الإمامية (5).
ووجه الملازمة: ما أشار إليه في الذكرى بعد حكاية القول بوجوب
" السلام عليكم " عينا، قال: وينافيه ما دل على انقطاع الصلاة بالصيغة
الأخرى مما لا سبيل إلى رده، فكيف يجب بعد الخروج من الصلاة (6)؟!
وهو كلام متين يشيد ما أسلفنا سابقا من أن الغرض الباعث لإيجاب التسليم
هو التحليل الحاصل بالصيغة الأولى، مضافا إلى أن قول الرضا عليه السلام
في ما كتبه إلى المأمون في تعليل المنع عن قول " السلام علينا " في

(1) الذكرى: 207.
(2) من " ن " و " ط ".
(3) البيان: 177.
(4) انظر الدروس 1: 183.
(5) الذكرى: 208.
(6) الذكرى: 208.
101

التشهد: " بأن تحليل الصلاة التسليم، وإذا قلت هذا فقد سلمت " (1) راجع
إلى قياس من الشكل الأول، وهو أن قول " السلام علينا " تسليم، وكل
تسليم تحليل.
وبه يدفع ما ربما يحتمل من عدم المنافاة بين القول بوجوب " السلام
عليكم "، وبين القول بالانصراف ب‍ " السلام علينا "، كما في الذكرى عن
البشرى، من أنه لا مانع من أن يكون الخروج ب‍ " السلام علينا " وأن يجب
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " (2)، بل ربما جزم به جماعة (3) - على
ما حكي -، بناء على أنه مقتضى العمومات الآمرة بالتسليم، المختص اسمه
عند العامة والخاصة بالصيغة الثانية كما في الذكرى (4)، وخصوص رواية
أبي بصير الواردة في أكمل التشهد (5)، ونحوها (6) الآمرة بتلك الصيغة بعد قول
" السلام علينا "، ولا منافاة بين الفراغ من الصلاة وبقاء أحكامها من حرمة
المنافيات إلى أن يتحلل بالتسليم، نعم لو حصلت المنافيات قبل تلك الصيغة
بغير اختيار أو بسوء اختيار، لم تبطل الصلاة.

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 123، الباب 35، الحديث الأول، وانظر الوسائل
4: 1006، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث 12.
(2) الذكرى: 208.
(3) منهم السيد العاملي في المدارك 3: 435 - 436، والمحدث الكاشاني في مفاتيح
الشرائع 1: 152، والمحدث البحراني في الحدائق 8: 483 و 488.
(4) الذكرى: 207.
(5) الوسائل 4: 990، الباب 3 من أبواب التشهد، الحديث 2.
(6) الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 8.
102

ويضعف هذا القول - مضافا إلى القياس المتقدم المستفاد من الحسنة
المتقدمة (1) الدالة على تحقق امتثال أوامر التسليم بقول " السلام علينا " - أن
ظاهر أخبار (2) الانصراف والفراغ والخروج من الصلاة ب‍ " السلام علينا "،
هو عدم وجوب شئ بعده، مع أن هذا الوجه لا يصلح رافعا للإيراد الذي
ذكره في الذكرى (3) المتوجه على القائلين بالوجوب، الظاهر كلامهم بل
الصريح في الجزئية.
وهذا الذي ذكر التجاء عن هذا الإيراد إلى القول بوجوبه الخارجي،
إذ الجزئية - مع الاعتراف بالخروج عن الصلاة والفراغ عنها قبله - مما لا
يعقل عند القائلين بالوجوب.
اللهم إلا أن يقال: إن صدق الفراغ والخروج يقتضي عدم جزئية
شئ بعده للصلاة ولو على وجه الاستحباب الثابت للصيغة الأخيرة إجماعا
إذا خرج بالأولى، وكما يمكن دفعه بأن المراد الفراغ والخروج من الهيئة
التركيبية (4) الواجبة ولا ينافي عدم الخروج عن الهيئة المركبة المستحبة، يمكن
أن يقال: المراد من الفراغ هو الفراغ والخروج من الصلاة باعتبار
أجزائها المطلوبة فيها المرتبطة التي ينافيها تخلل الحدث بينها، وهذا لا ينافي
كون التسليم جزءا لم يلاحظ فيه الاتصال بالأجزاء السابقة على وجه يقدح
تخلل المنافي بينها، فتأمل.

(1) تقدمت في الصفحة 86.
(2) مثل رواية الحلبي المتقدمة في الصفحة 94 ورواية أبي بصير المتقدمة في الصفحة
95 وغيرهما من الروايات.
(3) انظر الذكرى: 207.
(4) الكلمة غير واضحة في " ق "، وفي " ط ": " الركنية ".
103

وقد يحمل كلام موجبي الصيغة الثانية على وجوبها بالأصالة، الغير
المنافي لسقوط الغرض منها بالاتيان بالصيغة الأولى التي هي من مستحبات
التشهد الأول (1)، ويقال: إن ذلك نظير وجوب الوضوء بعد الوقت الساقط
بالوضوء المرغب فيه قبل الوقت للتأهب، والحكم باستحباب الصيغة الثانية
بعد الأولى من قبيل الحكم باستحباب تجديد الوضوء.
وفيه: - مع ما لا يخفى من الفرق بين مسألة وضوئي التأهب والتجديد
وبين الصيغتين - أن مرجع هذا الكلام إلى أنه لا يجب الصيغة الثانية إلا على
من ترك الأولى، ولا ريب في استحباب الصيغة الأولى في التشهد الأخير
ولا في استحباب الإتيان بالثانية بعد الأولى.
ومع هذه الأحكام كيف يعلم كون الثانية هي الواجبة أصالة دون
الأولى؟ فإن الأدلة الآمرة بها مقيدة بصورة ترك الأولى، وما في بعضها
كرواية أبي بصير (2) من الأمر بهما جميعا، فلا مناص عن حملها على
الاستحباب، فليس هنا ما يدل على وجوب تلك الصيغة إلا ما دل على
وجوبها عند ترك (3) الأولى (4) وما دل على وجوب مطلق التسليم (5)، وشئ
منهما لا يثبت إلا وجوبها تخييرا.

(1) في " ط " بدل " الأول ": " الأخير ".
(2) انظر الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 8.
(3) انظر الوسائل 4: 1011، الباب 3 من أبواب التسليم، الحديث 5.
(4) في حاشية " ط " وردت العبارة التالية: " نسبة إسقاط الواجب إلى كل منهما مع
تقديمه نسبة واحدة "، وقد شطب عليها في " ق ".
(5) انظر الوسائل 4: 1003، الباب الأول من أبواب التسليم.
104

التحقيق أن يقال: إن مقتضى استحباب الإتيان بالأولى المخرجة
للمكلف عن الصلاة وللصيغة الثانية عن الوجوب، هو كون التحليل بالصيغة
الأولى أفضل الفردين، لا أن الواجب هي الثانية والأولى من الأجزاء
المندوبة المسقطة عن الواجب.
ثم إن القول بتعين " السلام علينا " للخروج، ضعيف جدا وشاذ قطعا،
إذ لم يحك إلا عن ابن سعيد في الجامع (1)، وقد صرح غير واحد (2) بإجماع
العلماء، بل المسلمين (3) على الخروج بالصيغة الثانية، مضافا إلى العمومات
وخصوص بعض الأخبار (4).
وأما القول بتعيين الصيغة الثانية للخروج، فقد عرفت (5) ضعفه من
الأدلة التي قدمناها.
نعم، الظاهر عدم الخلاف في استحبابها، وهل هي من الأجزاء
المستحبة، أم من المستحبات المستقلة؟ وجهان:
من ظاهر أدلة استحبابها كرواية أبي بصير ونحوها (6)، الظاهرة في أنه
من مستحبات الصلاة.

(1) الجامع للشرائع: 84.
(2) منهم العلامة في نهاية الإحكام 1: 504، والشهيد الثاني في المسالك 1: 224،
والسيد الطباطبائي في الرياض 3: 474.
(3) المعتبر 2: 235.
(4) انظر الوسائل 4: 1007 - 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 2 و 8
و 9، وغيرها.
(5) راجع الصفحة 103 وما بعدها.
(6) من خصوص بعض الأخبار المشار إليها في آخر الصفحة السابقة.
105

ومن روايات الخروج ب‍ " السلام علينا " (1)، الظاهرة في الفراغ من
الصلاة رأسا بالصيغة الأولى.
ثم لو قدم الصيغة الثانية، فهل تستحب الأولى بالخصوص، أم لا؟ لم
يوجد في الأخبار ما يدل على استحبابها، نعم أفتى به المحقق (2) والشهيد في
اللمعة (3)، ووجهه غير واضح.
ثم لو اقتصر على الصيغة الثانية، فهل يجوز الاقتصار ب‍ " السلام
عليكم "، أو لا بد من إضافة " ورحمة الله "؟ الأول محكي في البيان (4)
عن الأكثر، وهو الأقوى، لعموم الأخبار، وخصوص بعضها كرواية
الحضرمي عن الصادق عليه السلام، قال: " قلت له: إني أصلي بقوم، فقال: سلم
واحدة ولا تلتفت، قل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام
عليكم " (5).
ومثلها في حذف الزيادة روايات أخر (6)، إلا أنها واردة بعد الصيغة
الأولى، فلا تدل على جواز الحذف مع الاقتصار.

(1) انظر الوسائل 4: 1011 - 1012، الباب 3 من أبواب التسليم، الحديث الأول،
والباب 4، الحديث 1، 2 و 5.
(2) المعتبر 2: 234، والشرائع 1: 89.
(3) اللمعة الدمشقية: 35.
(4) البيان: 176.
(5) الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 9.
(6) انظر الوسائل 4: 1008 - 1009، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 8 و 11.
والصفحة 1013، الباب 4 من أبواب التسليم، الحديث 3 و 4، ولكن في بعضها
وردت بعد الأولى.
106

والمشتمل (1) على الزيادة حكاية فعل الإمام عليه السلام لا تفيد أزيد من
الرجحان.
وأما زيادة: " وبركاته " فعن المنتهى (2) عدم الخلاف في نفي وجوبه،
لعدم الدليل عليه، مع أن في الروايات ما يدل على العدم مثل رواية
الحضرمي المتقدمة. ومثل (3) ما عن البزنطي عن ابن أبي يعفور عن
الصادق صلوات الله عليه، قال: " سألته عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة،
قال: يقول: السلام عليكم " (4).
ونحوهما رواية أبي بصير (5) المتقدمة، إلا أن يقال: إنه حذف الباقي
فيها اتكالا على المعروفية، وهو حسن إن وجد دليل على الوجوب، كما هو
المحكي عن الغنية (6) وصريح الألفية (7) وظاهر اللمعة (8) والكتاب (9) ونحوهما (10)،

(1) الوسائل 4: 1007، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 2.
(2) المنتهى 1: 296.
(3) يحتمل أنه شطب على كلمة " مثل " في " ق "، ولم ترد في " ط ".
(4) الوسائل 4: 1009، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 11.
(5) الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 8، وتقدمت في الصفحة 105.
(6) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 3: 477، ولكن لم نقف على عبارة " السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته " في الغنية. نعم، فيه: " السلام عليك أيها النبي... " انظر
الغنية: 85.
(7) الألفية: 62.
(8) اللمعة الدمشقية: 35.
(9) تقدم عبارة الكتاب في الصفحة 99 - 100.
(10) انظر البيان: 176، والتنقيح الرائع 1: 213، وحكى عن ظاهرهما وغيرهما
السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 485.
107

ولعله لذكر لفظة " وبركاته " في حديث المعراج (1).
وأما الصيغة الأولى، فلا ينبغي الريب في وجوب إكمالها، لا لعموم
ما دل على أنه إذا قال: " السلام علينا " الخ فقد خرجت من الصلاة (2)،
الدال على أنه إذا لم يقله لم يخرج، حتى يقال بوجوب تخصيصها بمنطوق
ما دل بعمومه على تحقق التحليل بالتسليم، مع أن عموم تلك الإطلاقات
محل تأمل، إما لانصرافها إلى المتعارف، وإما لورودها في مقام بيان أصل
جنس التحليل، فكون بعضه سببا لا ينافي سببية المجموع.
ولو قال: " سلام عليكم " ففي الإجزاء نظر.
* (و) * هل يجب أن ينوي بالتسليم أنه * (يخرج به من الصلاة) * أم
لا؟ قولان: أقواهما العدم، لعدم الدليل على وجوب النية، فإن المخرجية
حكم من أحكام التسليم، كما هو ظاهر عموم " تحليلها التسليم " (3)، وصريح
خصوص روايتي العيون والخصال السابقتين (4) من قول: " السلام علينا " في
التشهد، معللا بأن التسليم محلل فلا يحتاج إلى قصد تحقق الإخراج به، مع
أن نية الخروج به موجودة في أول الأمر فيكفي استدامتها، فلا وجه لما
التزمه موجب النية من اعتبار مقارنتها للتسليم، كما في الذكرى (5).

(1) الوسائل 4: 680، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 10.
(2) انظر الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 8، والصفحة
1011، الباب 2، الحديث الأول، والصفحة 1012، الباب 4، الأحاديث 1 و 2 و 5.
(3) انظر الوسائل 4: 1003، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث 1 و 8.
(4) تقدمتا في الصفحة 86.
(5) الذكرى: 209.
108

ودعوى: كون نظم السلام مناقضا للصلاة، ولهذا يبطلها لو وقع في
أثنائها، حيث إنه خطاب آدمي، فإن لم يقترن به ما يصرفه إلى التحليل،
كان مناقضا للصلاة مبطلا لها، ضعيفة جدا، لأن نظم السلام مناقض للصلاة
إذا وقع في أثنائها، لا في آخرها الذي هو موضع شرعي لها، مع أن دعوى
احتياج حصول التحليل إلى ما يصرفه إليه أول الكلام، فإنا نقول: محلل في
نفسه بحكم الشارع من غير حاجة إلى ما يصرفه إليه.
وأضعف من هذا الوجه: قياس تحليل الصلاة على تحليل الحج
والعمرة.
وأضعف منهما: الوجه المحكي عن غاية المراد، من أن التسليم عمل
يخرج به من الصلاة فتجب له النية، لعموم إنما الأعمال بالنيات (1).
وفيه: أنه إن أريد: النية الفعلية للتسليم، فلا يحتاج إليها بل تكفي
الحكمية، وإن أريد ما يعمها فهي حاصلة، وإن أريد نية الخروج بالتسليم
فالخروج ليس بعمل بل العمل هو التسليم المقرون بالنية الحكمية والخروج
من أحكامه.
ثم لو نوى عدم الخروج فإن رجع إلى نية غير التسليم المأمور به
لأجل الخروج فسد وأفسد الصلاة، لوقوعه قبل التسليم الصحيح، وإن رجع
إلى قصد عدم ترتب الخروج على التسليم المأمور به، فهو قصد لغو لا يضر
بالخروج.
ولو ذكر إحدى الصيغتين في أثناء الصلاة، فإن قصد الدعاء فالظاهر
عدم الإبطال.

(1) غاية المراد 1: 160.
109

وأما ما دل على النهي عن قول " السلام علينا " في التشهد وأنه
مبطل للصلاة (1)، فمحمول على ما إذا قصد التحية كما يفعله العامة، مع احتمال
الإبطال مطلقا، لإطلاق الروايات.
وإن قصد به التحية فالظاهر البطلان، لعموم إبطال الكلام، وخصوص
رواية العلل الدالة على أن التسليم من كلام الآدميين (2) الذي حرم
بالتحريمة.
وإن قصد به الخروج عن الصلاة، فإن كان سهوا ففي إبطاله وكون
ما يتدارك من تتمة الصلاة فرضا مستأنفا، أو عدمه لوقوعه في غير محله،
وجهان: ظاهر الأخبار الواردة في تلك المسألة الثاني.
وإن كان عمدا، فالظاهر أنه مبطل، لا لنية الخروج، بل لعدم قصد الدعاء،
فيدخل في الكلام المبطل، مضافا إلى النهي عنه، فيدخل في الكلام المحرم.
ولو قصد بتسليم الصلاة التحية لم يقدح، بل ورد (3) أنه موضوع
للتحية على المسلم عليهم ومشروع لأجل ذلك.
ولو قصد به الدعاء أيضا لم يقدح، لعدم وجوب قصد ما شرع له، مع
أن الدعاء أيضا تحية، ولو لم يقصد شيئا ولا قصد مخاطبا أيضا جاز.
ثم اعلم أن الخلاف المذكور في المسألة المتقدمة من تعيين إحدى
الصيغتين، إذا انضم إليه الخلاف في وجوب نية الخروج، مما لا يمكن فيه

(1) الوسائل 4: 1000، الباب 12 من أبواب التشهد، الحديث الأول.
(2) علل الشرائع: 262، الباب 182، الحديث 9، وعنه الوسائل 4: 1005، الباب
الأول من أبواب التسليم، الحديث 10.
(3) انظر الوسائل 4: 1005، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث 11.
110

الاحتياط، لمراعاة الأقوال وإن قلنا بعدم اعتبار نية الوجه، لأنه إن اكتفى
بإحدى الصيغتين لم يخرج عن مخالفة القائل بتعيين ما تركه، وإن أتى بهما،
فإن نوى الخروج بالأولى احتمل وجوب الثانية فيبطل بالتسليم المتقدم بنية
الخروج، وإن نوى الخروج بالثانية احتمل وجوب الأولى ووجوب نية الخروج
معها، وإن ينو الخروج بشئ منهما فقد ألغى القول بوجوب نية الخروج.
نعم لو جمع بين الصيغتين من غير نية خروج بالأولى كان أحوط
الاحتمالات، وأحوط منه الإتيان بالسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لحكاية
القول بوجوبه عن الفاخر (1)، ومال إليه المقداد في كنز العرفان (2) حاكيا له
عن بعض معاصريه مستدلا عليه بالآية الممنوعة دلالتها مضافا إلى الإجماع
في المنتهى (3)، ويدل على نفي وجوبه رواية أبي كهمس المتقدمة (4) الدالة
على جواز ذكر هذه الصيغة في التشهد، فإنه يدل على أنه ليس تحليلا،
فإذا لم يكن تحليلا فلا يجب إلا أن نقول بوجوبه من غير جهة التحليل،
فتأمل.
* (ويستحب أن يسلم المنفرد) * متوجها * (إلى القبلة) * غير مومئ إليها
بالرأس ولا بغيره إجماعا، كما في الذكرى (5)، وإن كان ظاهر اللمعة (6) كما عن

(1) حكاه الشهيد في البيان: 178، وانظر الذكرى: 206 أيضا.
(2) كنز العرفان 1: 141 - 142.
(3) المنتهى 1: 295.
(4) المتقدمة في الصفحة 95.
(5) الذكرى: 209.
(6) اللمعة الدمشقية: 35.
111

النفلية (1) - لكنه ليس بجيد - بل * (يومئ (2) بمؤخر عينيه إلى يمينه) *.
أما الأول فهو مذهب الأصحاب كما في المدارك (3)، ويدل عليه ما
روي في الصحيح عن عبد الحميد بن عواض: " إن كنت تؤم قوما أجزأك
تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن كنت وحدك
فواحدة مستقبل القبلة " (4).
وأما الإيماء إلى اليمين فهو المعروف عن غير الشيخ في الجمل (5) والمبسوط (6)،
ويدل عليه ما رواه في المعتبر عن البزنطي عن عبد الكريم عن أبي بصير، قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: " إذا كنت وحدك فسلم تسليمة واحدة عن يمينك " (7).
وأما كون الإيماء بمؤخر العين فلم يظهر وجهه وإن كان مشهورا،
وظاهر الرواية الالتفات بتمام الوجه، وليس راجحا اتفاقا، وصرفه إلى
إرادة الإيماء بمؤخر العين كما عليه المشهور ليس أولى من حمله على الإيماء
بالأنف كما عن الفقيه (8) والمقنع (9) والاقتصاد (10) وإن عبر فيه بطرف الأنف،

(1) الألفية والنفلية: 124.
(2) في الإرشاد: يشير.
(3) المدارك 3: 438.
(4) الوسائل 4: 1007، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 3.
(5) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 183.
(6) المبسوط 1: 116.
(7) المعتبر 2: 237، والوسائل 4: 1009، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 12.
(8) الفقيه 1: 319.
(9) المقنع: 96.
(10) الإقتصاد في الاعتقاد: 403.
112

مع أن الإيماء به مستلزم للإيماء بالوجه قليلا، فيتحد مع ما عن الانتصار (1)
والسرائر (2) مع دعوى أولهما الإجماع عليه المعتضدة - مضافا إلى أقربيته إلى
حقيقة التسليم عن اليمين - برواية المفضل بن عمر (3) الآتية.
وجميع ذلك لا يقصر عن تقييد ما دل على مرجوحية الالتفات عن
القبلة لو سلمنا انصراف الالتفات إلى ما يعم مثل هذا اليسير، مع أنه لا يلزم
تقييد لو قلنا بكون الإيماء بعد ذكر واجب السلام كما فهمه المحقق الثاني (4)
من عبارة الشهيد في الذكرى حيث قال: يبتدئ به أي بالتسليم مستقبل
القبلة ثم يكمله بالإيماء إلى الجانب الأيمن أو الأيسر (5)، وإن كان ما فهمه
خلاف ظاهر العبارة، وإن كان ظاهر العبارة (6) مخالفا لمقتضى الأدلة الدالة
على مقارنة التسليم لكونه عن يمين لا إكماله عن يمين.
وكأن الداعي على هذه المضايقة ومضايقة الأصحاب في الالتفات
بأزيد من العين هو كمال التحفظ في الصلاة، وقد عرفت أن ملاحظة النصوص
والفتاوى منضمة بعضها إلى بعض لا يقتضي رجحان المحافظة على ترك هذا
المقدار من الالتفات، بل لو منع صدق الالتفات عليه لم يكن بعيدا.

(1) الإنتصار: 154، المسألة 52.
(2) السرائر 1: 231.
(3) الوسائل 4: 1009، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 15، وانظر الصفحة
116.
(4) جامع المقاصد 2: 330.
(5) الذكرى: 209.
(6) عبارة " وإن كان ظاهر العبارة " من " ق ".
113

* (والإمام) * أيضا يسلم واحدة عند معظم الأصحاب، بل في الغنية (1)
وعن الانتصار (2) والخلاف (3) وتهذيب النفس (4) والتذكرة (5) الإجماع عليه.
ويدل عليه الأخبار، مثل صحيحة منصور عن أبي عبد الله عليه السلام:
" الإمام يسلم واحدة، ومن وراءه يسلم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد
يسلم واحدة " (6).
ومقابلة الإمام بالمأموم مع حكمه باستحباب التكرار للمأموم كالصريح
في نفي الاستحباب للإمام، فما في رواية عبد الحميد من قوله عليه السلام:
" أجزأك تسليمة واحدة " (7) فالمراد به الإجزاء في مقام الكمال في مقابل
المأموم الذي لا يجزيه الواحدة في مقام الأكملية.
وقريب منهما رواية الحضرمي، قلت له: " إني أصلي بقوم؟ قال: سلم
واحدة، ولا تلتفت " (8).
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فقال: إن كان الإمام في صف سلم عن
جانبيه (9)، وهو ضعيف بما مر.

(1) الغنية: 81.
(2) الإنتصار: 154.
(3) الخلاف 1: 377، كتاب الصلاة، المسألة 135.
(4) لا يوجد لدينا، وحكى ذلك عنه في المستند 1: 384.
(5) التذكرة 3: 244.
(6) الوسائل 4: 1007، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 4.
(7) الوسائل 4: 1007، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 3.
(8) الوسائل 4: 1008، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 9.
(9) حكى ذلك عنه الشهيد في البيان: 177، والذكرى: 208.
114

والمراد بالالتفات المنهي عنه في رواية الحضرمي هو الالتفات كلية
كما يفعله العامة (1)، وإلا فالمعظم على أنه يستحب للإمام أن يشير
* (بصفحة وجهه) * إلى اليمين، بل عن صريح الانتصار (2) الإجماع عليه،
للجمع بين رواية ابن عواض المتقدمة (3) وبين ما دل على وجوب استقبال
القبلة.
* (والمأموم) * يسلم * (على (4) الجانبين إن كان على يساره أحد) *، بل
بلا خلاف، لرواية ابن عواض المتقدمة - أحدهما على يمينه وإن لم يكن عليه
أحد، والثانية على يساره - * (وإلا) * [أي] وإن لم يكن على يساره أحد
* (فعن يمينه) * لا غير، لرواية ابن عواض أيضا، وفيها: " وإن لم يكن على
يسارك أحد فسلم واحدة " (5)، وعن الصدوقين (6) كفاية الحائط على اليسار
في التسليمتين، وعن الصدوق زيادة ثالثة للرد على الإمام (7) والإيماء
للمأموم كالإمام بصفحة الوجه، لظهور التسليم عن اليمين في الروايات إلى

(1) انظر المغني 1: 556، والمجموع 3: 458.
(2) الإنتصار: 154.
(3) المتقدمة في الصفحة 112.
(4) في الإرشاد: عن.
(5) لم نعثر على العبارة ولا ما يدل عليها في رواية ابن عواض، نعم يوجد في الروايات
ما يدل عليه، راجع الوسائل 4: 1007 - 1008، الباب 2 من أبواب التسليم،
الحديث 4 و 6.
(6) حكى ذلك عنهما الشهيد في الذكرى: 208، وانظر الفقيه 1: 319 - 320،
والمقنع: 96.
(7) الفقيه 1: 319، والمقنع: 96.
115

ذلك بعد ملاحظة كراهة الالتفات كلية أو تحريمه، ويدل عليه وعلى مذهب
الصدوق في التثليث ما عن المفضل بن عمر (1)... (2).
ويستحب أن يقصد الإمام بتسليمه الملكين، كما في عدة روايات من
أنها تحية الملكين (3)، وأن يقصد الأنبياء والملائكة عليهم السلام، لحديث المعراج
من تسليم النبي صلى الله عليه وآله عليهم لما رآهم خلفه (4)، وأن يضم إليهم
الأئمة عليهم السلام، لما في عدة أخبارهم (5) من عدم قبول الصلاة على النبي من

(1) الوسائل 4: 1009، الباب 2 من أبواب التسليم، الحديث 15.
(2) في " ق " هنا بياض بقدر نصف صفحة، ولعل المؤلف قدس سره تركها لنقل الرواية،
وإليك بعض فقراتها: عن المفضل بن عمر (في حديث) قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام...
قلت: فلم لا يكون الإيماء في التسليم بالوجه كله، ولكن كان بالأنف لمن يصلي
وحده، وبالعين لمن يصلي بقوم؟ قال: لأن مقعد الملكين من ابن آدم الشدقين،
وصاحب اليمين على الشدق الأيمن، ويسلم المصلي عليه ليثبت له صلاته في صحيفته،
قلت: فلم يسلم المأموم ثلاثا؟ قال: تكون واحدة ردا على الإمام، وتكون عليه
وعلى ملكيه، وتكون الثانية على يمينه والملكين الموكلين به، وتكون الثالثة على من
على يساره والملائكة الموكلين به، ومن لم يكن على يساره أحد لم يسلم على يساره
إلا أن تكون يمينه إلى الحائط ويساره إلى من صلى معه خلف الإمام فيسلم على يساره،
قلت: فتسليم الإمام على من يقع؟ قال: على ملكيه والمأمومين. يقول لملكيه: اكتبا
سلامة صلاتي مما يفسدها، ويقول لمن خلفه: سلمتم وآمنتم من عذاب الله عز وجل ".
(3) انظر الوسائل 4: 1005، الباب الأول من أبواب التسليم، الحديث 11 و 13 وغيرهما.
(4) الوسائل 4: 680، الباب الأول من أبواب أفعال الصلاة، الحديث 10.
(5) انظر الوسائل 4: 1217، الباب 42 من أبواب الذكر، والمستدرك 5: 352،
الباب 35 من أبواب الذكر.
116

دون الصلاة على آله، فكيف السلام على سائر الأنبياء، وأن يقصد
المأمومين، للمرسل عن أمير المؤمنين عليه السلام: أن تسليم الإمام خطاب
للجماعة بالأمان والسلامة من عذاب الله (1)، ولرواية المفضل السابقة من أن
تسليم الإمام يقع على الملكين وعلى المأمومين.
قال في الذكرى: ويستحب قصد الإمام التسليم على الأنبياء
والأئمة عليهم السلام والحفظة والمأمومين لذكر أولئك وحضور هؤلاء (2)،
والمشار إليه في الأول الأنبياء والملائكة، وفي الثاني الحفظة والمأمومين.
وفيه: أنه إن أراد ذكرهم في التسليم المستحب بقوله السلام على
أنبياء الله وملائكته المقربين ففيه - مع أنه يقتضي اختصاص استحباب هذا
القصد لمن ذكر تلك الفقرة، ومع أن المتجه حينئذ إدخال الملائكة في
المخاطبين - أن ذكر الأنبياء إنما يوجب استحباب التسليم عليهم إذا لم يذكروا
في حيز التسليم، ولذا لا يستحب لأجل ذكر النبي صلى الله عليه وآله في قول
القائل: اللهم صل على محمد وآل محمد الصلاة عليه مرة أخرى، وإن كانت
المرة الأخرى بل المرات الغير المتناهية مستحبة، لكن ليس لأجل ذكره فيما
قبله من الصلوات، مع أن الاستحباب على هذا استحباب خارجي، وليس
من مستحبات الصلاة، نظير ما لو سمع في الصلاة ذكر الأنبياء أو ذكرهم في
قنوته مثلا.
ومما ذكرنا يظهر الجواب لو أراد ذكرهم في ضمن السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، مع أن الأنسب على هذا أن يضم إلى من ذكر جميع
الصالحين من الجن والإنس.

(1) الوسائل 4: 1013، الباب 4 من أبواب التسليم، الحديث 4.
(2) الذكرى: 208.
117

فالأظهر أن يقال: إن المستحب في الصلاة هو قصد من ذكرنا،
لما ذكرنا من الأخبار، وأما ضم الملائكة ومسلمي الإنس والجن - كما فعله
في اللمعة (1) - فهو مستحب خارج أيضا، لأن الصفة قابلة لشمولهم،
والتسليم عليهم أيضا من المستحبات فيستحب قصدهم، لكن هذا مستحب
خارج.
وأما المأموم فهو يقصد الملكين والأنبياء والملائكة، لما ذكرنا من
الروايات (2)، ويقصد رد الإمام، لأنه حياه. وهل يجب قصد رده؟ قيل (3):
نعم، لعموم الآية (4) وقيل (5): لا، وهو الأقوى، لعدم تمحضه للتحية.
ويقصد أيضا من على يمينه، لما يستفاد من رواية المفضل المتقدمة (6)،
ويقصد بالثانية الرد على من في شماله. ولو لم يكن... (7)

(1) اللمعة الدمشقية: 35.
(2) راجع الصفحة 114 و 115.
(3) لم نقف على القائل، وهكذا نقل في روض الجنان: 282، ومفاتيح الشرائع 1:
153 أيضا.
(4) النساء: 86.
(5) قال به كثيرون، وفي مفاتيح الشرائع (1: 153): " كذا قالوه "، واختاره السيد
الشفتي في مطالع الأنوار 2: 201، وانظر مفتاح الكرامة 2: 491.
(6) تقدمت في الصفحة 116.
(7) هذا آخر ما في الصفحة اليمنى من الورقة 145 من " ق " وبه ينتهي الجزء الأول
من نسخة " ن "، وفي " ن " و " ط " أضاف الناسخ ما يلي: " هنا جف قلمه الشريف
في مسألة السلام، ويتلوها - إن شاء الله - مسألة التوجه بسبع تكبيرات إلى آخر
الصلاة في مجلد آخر إن شاء الله ".
118

* (الثاني) * من المستحبات: * (التوجه بسبع تكبيرات) * في خصوص
الفريضة اليومية كما عن الحلي (1) نسبته إلى بعض الأصحاب، أو مطلق
الفرائض كما عن السيد في المحمديات (2)، أو بزيادة أول ركعة من أولتي صلاة
الليل [وأولتي نافلة الزوال ونوافل المغرب والأولى من ركعتي الإحرام كما
عن الصدوق (3)، أو بزيادة الوتر (4)] عليها كما عن المبسوط (5) والنهاية (6)
والتذكرة (7) والتحرير (8)، أو مع إبدال ركعتي الإحرام بركعتي الشفع كما عن
المراسم (9)، أو في جميع الصلوات فرائضها ونوافلها كما عن ظاهر الإسكافي (10)

(1) السرائر 1: 238.
(2) لا يوجد لدينا، وحكى ذلك عنه العلامة في المختلف 2: 186.
(3) الهداية (الجوامع الفقهية): 53.
(4) يحتمل الخلل في العبارة التي بين المعقوفتين، ولعل الصحيح ما يلي:
[والمفردة من الوتر وأولتي نافلة الزوال ونوافل المغرب والأولى من ركعتي
الإحرام كما عن الصدوق، أو بزيادة الوتيرة].
وهو المحكي عن والد الصدوق أيضا في رسالته، راجع الخصال: 333، الحديث
32، وانظر التهذيب 2: 94، ذيل الحديث 349، ومطالع الأنوار 2: 201.
(5) المبسوط 1: 104.
(6) النهاية: 73.
(7) التذكرة 3: 119.
(8) التحرير 1: 37.
(9) المراسم: 70 - 71.
(10) حكاه عنه العلامة في المختلف 2: 185.
119

والمقنعة (1) والمعتبر (2) والسرائر (3) والمختلف (4) وظاهر المنتهى (5) والذكرى (6)
وأخويه (7) والروضة (8) ومجمع الفائدة (9) والحبل المتين (10)، واختاره جماعة
من متأخري المتأخرين (11)، بل عن الكفاية (12) أنه المشهور، وهو الأقوى،
للإطلاقات الممنوع انصرافها إلى اليومية، كما ربما يستند (13) إليه للقول الأول،
ولا إلى مطلق الفرائض، كما ربما يستدل به للثاني، ولا مقيد لها بخصوص
ما ذكر في القول الثالث والرابع والخامس، وعن الشيخ في التهذيب - بعد
حكاية القول الثالث عن علي بن بابويه - أنه لم أجد به خبرا مسندا (14)،

(1) انظر المقنعة: 111، وحكاه عنه العلامة في المختلف 2: 185.
(2) المعتبر 2: 155.
(3) السرائر 1: 238.
(4) المختلف 2: 186.
(5) المنتهى 1: 269.
(6) الذكرى: 179.
(7) الدروس 1: 168، والبيان: 156.
(8) الروضة البهية 1: 629.
(9) مجمع الفائدة 2: 297.
(10) الحبل المتين: 221.
(11) منهم السيد العاملي في المدارك 3: 441، والفاضل في كشف اللثام 1: 215،
والمحقق القمي في غنائم الأيام: 181.
(12) كفاية الأحكام: 20.
(13) انظر مطالع الأنوار 2: 201، والمستند 1: 386.
(14) التهذيب 2: 94.
120

وعن البحار أن الأصحاب اعترفوا بعدم النص فيه ولكنه موجود في
الرضوي (1)، وكذا الرابع والخامس على ما اعترف بعض سادة المعاصرين (2).
ويستحب أن يكون * (بينها ثلاثة أدعية) * مأثورة في رواية رفعها شارح
الروضة إلى أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: " أنه يكبر ثلاثا ثم يدعو:
اللهم أنت الملك الحق المبين (3)... الخ، ثم يكبر اثنتين ويقول: لبيك وسعديك... الخ،
ثم واحدة ويقول: يا محسن قد أتاك المسئ، وقد أمرت المحسن أن يتجاوز
عن المسئ، أنت المحسن وأنا المسئ، فصل على محمد وآل محمد وتجاوز عن
قبيح ما تعلم مني، ثم تكبر للإحرام (4) قال: وفي رواية أخرى تقول بعد
السادسة: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) (5)... الآية (6).
ويجوز أن يكبر السبع ولاء، للإطلاقات، ولما حكاه زرارة في الموثق
من فعل الصادق عليه السلام (7)، ويجوز الاقتصار بثلاث وخمس والتبعيض في الأدعية.

(1) البحار 84: 361.
(2) هو السيد الشفتي في مطالع الأنوار 2: 201.
(3) المناهج السوية (مخطوط): 136، ولم نقف على الرواية في المصادر الحديثية. نعم،
نقله المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 241.
(4) لم نقف عليها في المصادر الحديثية، ولكن نقله الشهيد في الذكرى: 179، ونقله
المحدث النوري في المستدرك (4: 143) عن شرح النفلية، وورد حديث بهذا
المضمون في البحار 84: 375، الحديث 29.
(5) إبراهيم: 40.
(6) إلى هنا كلام شارح الروضة قدس سره.
(7) الخصال: 347، الحديث 17، وعنه الوسائل 4: 721، الباب 7 من أبواب
تكبيرة الاحرام، ذيل الحديث 2.
121

واعلم أنه قد تقدم (1) الكلام في أن * (إحداها تكبير (2) الاحرام) * على
المشهور المعروف عن غير والد المجلسي (3) المدعى على خلافه الإجماع (4)،
وأن المكلف مخير في جعل أيها شاء للإحرام على المشهور المدعى عليه
الإجماع في كلام جمع (5)، خلافا لمن خصه بالأخيرة كظاهر الغنية (6)
والمراسم (7) والكافي (8)، ولمن خصه بالأولى كما عن جمع من متأخري
المتأخرين (9)، وقد مر ضعفهما (10).
نعم، الأفضل جعلها الأخيرة، لخصوص رواية أبي بصير السابقة (11)،

(1) تقدم في المجلد الأول: 293.
(2) في الإرشاد: تكبيرة الافتتاح.
(3) حكاه عنه العلامة المجلسي في البحار 84: 357 - 358.
(4) انظر البحار 84: 358، والمستند 1: 325.
(5) لم نقف عليه، وإنما نسبه العلامة في المنتهى (1: 268) إلى الأصحاب، وفي المفاتيح
1: 127، والبحار 84: 357، والرياض 3: 362، وغيرها عدم الخلاف، نعم في
الرياض (3: 362) ما يلي: " بل ظاهر المنتهى والذكرى إجماع الأصحاب عليه "
ونحوه ما في المستند 1: 325.
(6) الغنية: 83.
(7) المراسم: 70.
(8) الكافي في الفقه: 122.
(9) كالمحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 127، والوافي 8: 638، والمحدث البحراني
في الحدائق 8: 21 و 29 ناسبا له إلى الشيخ البهائي والسيد نعمة الله الجزائري.
(10) راجع المجلد الأول: 297.
(11) تقدمت في الصفحة السابقة.
122

وإن اعترف شارح الروضة في كشف اللثام (1) كصاحب المدارك (2) بأنه لم
يجد على ذلك دليلا عدا الرضوي (3).
* (الثالث: القنوت) * وهو لغة - كما قيل - يجئ لمعان متعددة، كالطاعة
والخشوع والصلاة والدعاء والعبادة والقيام وطول القيام (4) والإمساك عن
الكلام والسكون (5)، وفي عرف الشارع أو المتشرعة: الدعاء في الموضع
المخصوص من الصلاة، والظاهر من كلام الأصحاب وبعض النصوص عدم
أخذ رفع اليدين في مفهومه، وأن المراد بالدعاء ما يشمل الثناء على الله
بالتهليل والتسبيح كما في كلمات الفرج (6).
ورجحانه إجماعي بين الخاصة وكثير من العامة، والمشهور بيننا
استحبابه، وفي المعتبر (7) والمنتهى (8) دعوى اتفاق علمائنا على الاستحباب،

(1) كشف اللثام 1: 215.
(2) المدارك 3: 321.
(3) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 105.
(4) إلى هنا ذكره في النهاية 4: 111، مادة: " قنت ".
(5) نقلها مع معان أخرى السبزواري في الذخيرة: 293، والمحدث البحراني في
الحدائق 8: 353، وغيرهما عن القاموس، ولكن الموجود في القاموس " السكوت "
بدل " السكون "، انظر القاموس 1: 335، مادة: " قنت ".
(6) انظر الوسائل 4: 907، الباب 7 من أبواب القنوت، الحديث 4.
(7) المعتبر 2: 238، وفيه: اتفق الأصحاب.
(8) المنتهى 1: 298.
123

والظاهر أن مرادهما مطلق المحبوبية في مقابل بعض العامة (1)، لا الاستحباب
بالمعنى الأخص المقابل للوجوب المختلف فيه بين الخاصة، بل ذكرا (2) هذا
الخلاف بعد ذلك في عنوان مستقل، ومثل هذا في الكتابين كثير، فقد يتوهم
الغافل ويدعي الإجماع على الاستحباب بالمعنى الأخص، ويجمع بين دعوى
الإجماع وحكاية الخلاف من المدعي بأن المخالف لمعلومية نسبه لم يعتن
مدعي الإجماع بمخالفته، وأنت خبير بأن هذا الكلام مع صحته - إغماضا عما
ذكرنا - إنما يتمشى فيما إذا عبر المدعي بلفظ الإجماع، وأما إذا قال اتفق
علماؤنا - كما وقع في عبارتي الكتابين في هذه المسألة - فلا وقع لهذا التوجيه،
وقد اتفق مثله في رفع اليدين في التكبير، حيث إن المصنف قدس سره في
المنتهى (3) نفى الخلاف في استحبابه بين أهل العلم في مسألة تكبير الإحرام،
وفي مسألة تكبير الركوع نسب القول باستحبابه إلى أكثر أصحابنا، وحكى
قول المرتضى بالوجوب (4).
وكيف كان، فقد حكي الخلاف في المسألة عن الصدوق (5) فقال
بالوجوب، ونسب إلى العماني موافقته مطلقا (6) أو في خصوص الجهرية (7)

(1) انظر المحلى 3: 56 - 60، والشرح الكبير (بهامش المغني) 1: 724.
(2) أي المحقق والعلامة، وانظر المعتبر 2: 243، المسألة الثانية، والمنتهى 1: 299.
(3) المنتهى 1: 269.
(4) المنتهى 1: 284، وانظر الإنتصار: 147، المسألة 45.
(5) حكاه في حبل المتين: 235، وانظر الفقيه 1: 316، ذيل الحديث 932، والمقنع:
115.
(6) نسبه إليه المحقق في المعتبر 2: 243.
(7) حكاه الشهيد في الذكرى: 183، والدروس 1: 170.
124

على اختلاف الحكاية عنه، وعن الحبل الميل إليه (1).
والأقوى المشهور، لمصححة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام
قال: " قال أبو جعفر عليه السلام: في القنوت في الفجر إن شئت [فاقنت] (2)، وإن
شئت فلا تقنت. قال أبو الحسن: وإذا كانت التقية فلا تقنت، وأنا أتقلد
هذا " (3)، ورواية عبد الملك بن عمرو قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: لا قبله ولا بعده " (4) فإن النفي يرجع إلى
الوجوب بقرينة الإجماع منا على الرجحان قبل الركوع.
ومستند قول الصدوق ظاهر الأمر في قوله تعالى: (وقوموا لله
قانتين) (5)، وصحيحة زرارة المروية في زيادات التهذيب قال: " قلت
لأبي جعفر عليه السلام: ما فرض الله من الصلاة؟ قال: الوقت والطهور
والركوع والسجود والقبلة والدعاء والتوجه " (6)، وقوله عليه السلام في رواية
وهب: " القنوت في الجمعة والعشاء والعتمة والوتر والغداة، فمن ترك
القنوت رغبة عنه فلا صلاة له " (7)، وقوله عليه السلام في رواية عمار: " إن نسي
الرجل القنوت في شئ من الصلاة حتى يركع فقد جازت صلاته وليس

(1) حكاه عنه السيد الشفتي في المطالع 2: 202، وانظر الحبل المتين: 237.
(2) من الوسائل.
(3) الوسائل 4: 901، الباب 4 من أبواب القنوت، الحديث الأول.
(4) الوسائل 4: 902، الباب 4 من أبواب القنوت، الحديث 2.
(5) البقرة: 238.
(6) التهذيب 2: 241، الحديث 955، وانظر: 140، الحديث 543 أيضا، والوسائل
3: 214، الباب الأول من أبواب القبلة، الحديث الأول وغيره.
(7) الوسائل 4: 898، الباب 2 من أبواب القنوت، الحديث 2.
125

عليه شئ، وليس له أن يدعه متعمدا " (1)، وصحيحة محمد بن مسلم فيمن
نسي القنوت، قال: " يقنت بعد الركوع، فإن لم يذكر فلا شئ عليه " (2)،
وغير ذلك من ظواهر الأمر في بعض الأخبار.
وفي الاستدلال بالجميع نظر ظاهر، لعدم تعين حمل القنوت في الآية
على هذا المعنى إلا على تقدير ثبوت الحقيقة الشرعية في هذا اللفظ في ذلك
الزمان، ودونه خرط القتاد، والدعاء في صحيحة زرارة محتمل للذكر
الواجب في الركوع والسجود، لأن الدعاء في القنوت ما يعم التسبيح
والتهليل، بل قيل (3) أفضله كلمات الفرج، وأما رواية [وهب] فهو محمول (4)
على تأكد الاستحباب، مع أن الوعيد إنما هو على الترك رغبة عنه الظاهر في
التولي والإعراض كما في " من رغب عن سنتي فليس مني " (5)، لكن هذا
ضعيف بأن الترك على هذا الوجه أيضا لا يوجب بطلان الصلاة.
وكيف كان، فتحمل الرواية وما بعدها على تأكد الاستحباب بقرينة
ما تقدم (6) وغيره، بل يحتمل حمل كلام الصدوق على ذلك، لأنه لم يزد على
ما في رواية وهب - من نفي الصلاة لتاركه - إلا أن قال: إن القنوت سنة

(1) الوسائل 4: 914، الباب 14 من أبواب القنوت، الحديث 3.
(2) الوسائل 4: 916، الباب 18 من أبواب القنوت، الحديث الأول.
(3) قاله الشيخ في الإقتصاد: 403، ونسبه السيد في المدارك (3: 445) والمحدث
البحراني في الحدائق (8: 366) إلى أكثر الأصحاب.
(4) الصحيح: فهي محمولة.
(5) الوسائل 14: 9، الباب 2 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 9.
(6) من دعوى الاتفاق المنقول عن المعتبر والمنتهى (راجع الصفحة 123) وصحيحة
البزنطي ورواية عبد الملك المتقدمتان في الصفحة السابقة.
126

واجبة (1)، وإرادة تأكد الاستحباب من (2) الوجوب في كلامه غير بعيدة.
ثم إنه لا شك في عموم رجحان القنوت في جميع الصلوات فرضها
ونفلها، لموثقة زرارة: " القنوت في كل الصلوات " (3)، وفي موثقة محمد بن
مسلم: " القنوت في كل ركعتين في التطوع والفريضة " (4).
ومحله في الركعة * (الثانية (5) قبل الركوع) * في جميع الصلوات عدا ما
سيجئ، بالإجماع (6) المحكي والأخبار مثل: رواية زرارة وابن الحجاج:
" القنوت في كل صلاة قبل الركوع في الركعة الثانية " (7).
وعن ظاهر المعتبر (8) والروضة (9) جوازه قبل (10) الركوع، لرواية الجعفي:

(1) انظر الفقيه 1: 316، ذيل الحديث 932.
(2) في النسخ: عن.
(3) الوسائل 4: 895، الباب الأول من أبواب القنوت، الحديث الأول.
(4) الوسائل 4: 896، الباب الأول من أبواب القنوت، الحديث 2.
(5) في الإرشاد: ويستحب عقيب قراءة الثانية.
(6) انظر الخلاف 1: 382، كتاب الصلاة، المسألة 138، والتذكرة 3: 257، المسألة
308، والذكرى: 183 وغيرها.
(7) الوسائل 4: 900، الباب 3 من أبواب القنوت، الحديث الأول، والرواية عن
زرارة فقط، ولم تنقل عن ابن الحجاج، نعم في الصفحة 897، الباب الأول من أبواب
القنوت، الحديث 8 رواية عن ابن الحجاج، وفيه: " قال: سألته عن القنوت؟ فقال:
في كل صلاة فريضة ونافلة ".
(8) المعتبر 2: 245.
(9) الروضة البهية 1: 632، وحكاه عنهما السيد العاملي في مفتاح الكرامة 2: 495.
(10) كذا، والصحيح: بعد الركوع.
127

" القنوت قبل الركوع وإن شئت بعده " (1)، ويرده رواية ابن عمار: " لا أعرف
قنوتا إلا قبل الركوع " (2) وقد يحمل على التقية، لحكاية التخيير عن بعضهم كما
في شرح الروضة (3) (4).
[* (ويدعو بالمنقول، وفي الجمعة قنوت آخر بعد ركوع الثانية. ولو نسيه
قضاه بعد الركوع.
الرابع: شغل النظر قائما إلى مسجده، وقانتا إلى باطن كفيه، وراكعا إلى بين
رجليه، وساجدا إلى طرف أنفه، ومتشهدا إلى حجره.
الخامس: وضع اليدين قائما على فخذيه بحذاء ركبتيه، وقانتا تلقاء وجهه،
وراكعا على ركبتيه، وساجدا بحذاء أذنيه، ومتشهدا على فخذيه.
السادس: التعقيب، وأفضله تسبيح الزهراء عليها السلام) *] (5).

(1) الوسائل 4: 900، الباب 3 من أبواب القنوت، الحديث 4.
(2) الوسائل 4: 901، الباب 3 من أبواب القنوت، الحديث 6، وفيه: " ما أعرف ".
(3) المناهج السوية (مخطوط): 141، وفيه: إن ما نقله الشيخ في الخلاف عن بعض
العامة مشعر بالتخيير. انظر الخلاف 1: 382، كتاب الصلاة، المسألة 138.
(4) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 147 من " ق ".
(5) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف له فيما بأيدينا من النسخ.
128

المقصد الثاني (1)
في الجمعة
* (وهي ركعتان كالصبح عوض الظهر، ووقتها عند زوال الشمس يوم
الجمعة إلى أن يصير ظل كل شئ مثله، فإن خرج صلاها ظهرا ما لم يتلبس في
الوقت.
ولا تجب إلا بشروط: الإمام العادل أو من يأمره، وحضور أربعة معه،
والجماعة، والخطبتان من قيام - المشتملة كل منهما على حمد الله، والصلاة على
النبي وآله عليهم السلام، والوعظ، وقراءة سورة خفيفة - وعدم جمعة أخرى بينهما أقل
من فرسخ، والتكليف، والذكورة، والحرية، والحضر، والسلامة من العمى والعرج
لمرض والكبر المزمن، وعدم بعد أكثر من فرسخين.
فإن حضر المكلف منهم الذكر وجبت عليهم وانعقدت بهم.
ويشترط في النائب: البلوغ، والعقل، والإيمان، والعدالة، وطهارة المولد،
والذكورة، وفي العبد والأبرص والأجذم والأعمى قولان، وفي استحبابها حال
الغيبة وإمكان الاجتماع قولان.

(1) المقصد بأكمله من كتاب الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا
من النسخ.
129

ولو صلى الظهر من وجب عليه السعي لم تسقط بل يحضر، فإن أدركها
صلاها، وإلا أعاد ظهره.
وتدرك الجمعة بإدراك الإمام راكعا في الثانية، ولو انفض العدد في الأثناء أتم
الجمعة، ولو انفضوا قبل التلبس بالصلاة سقطت.
ويجب: تقديم الخطبتين على الصلاة، وتأخيرهما عن الزوال، والفصل بين
الخطبتين بجلسة، ورفع صوته حتى يسمع العدد.
ولو صليت فرادى لم تصح، ولو اتفقت جمعتان بينهما أقل من فرسخ بطلتا إن
اقترنتا، وإلا اللاحقة والمشتبهة، والمعتق بعضه لا تجب عليه وإن اتفقت في يومه.
ويحرم: السفر بعد الزوال قبلها، والأذان الثاني، والبيع وشبهه بعد الزوال
وينعقد.
ويكره السفر بعد الفجر.
وفي وجوب الإصغاء والطهارة في الخطبتين وتحريم الكلام قولان.
والممنوع من سجود الأولى يسجد ويلحق قبل الركوع، فإن تعذر لم يلحق
ويسجد معه في الثانية وينوي بهما للأولى ثم يتم الصلاة، ولو نواهما للثانية بطلت
صلاته.
ويستحب: أن يكون الخطيب بليغا مواظبا، والمباكرة إلى المسجد بعد حلق
الرأس وقص الأظفار والشارب، والسكينة والطيب، ولبس أفخر الثياب،
والتعمم، والرداء، والاعتماد، والسلام أولا) *.
130

المقصد الثالث (1)
في صلاة العيدين
* (وتجب بشروط الجمعة جماعة، ومع تعذر الحضور أو اختلال الشرائط
تستحب جماعة وفرادى.
وكيفيتها: أن يكبر للافتتاح، ويقرأ الحمد وسورة - ويستحب الأعلى - ثم
يكبر ويقنت خمسا، ويكبر السادسة مستحبا ويركع، ثم يسجد سجدتين، ثم يقوم
فيقرأ الحمد وسورة - ويستحب الشمس - ثم يكبر ويقنت أربعا، ثم يكبر الخامسة
مستحبا للركوع، ثم يسجد سجدتين، ويتشهد، ويسلم.
ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، ولو فاتت لم تقض، ويحرم السفر بعد
طلوع الشمس قبل الصلاة، ويكره بعد الفجر.
والخطبة بعدها، واستماعها مستحب.
ولو اتفق عيد وجمعة تخير من صلى العيد في حضور الجمعة، ويعلم الإمام
ذلك.
وفي وجوب التكبيرات الزائدة والقنوت بينها قولان.

(1) المقصد بأكمله من إرشاد الأذهان، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا
من النسخ.
131

ويستحب: الإصحار بها إلا بمكة، والخروج حافيا بالسكينة ذاكرا، وأن
يطعم قبله في الفطر وبعده في الأضحى مما يضحي به، وعمل منبر من طين،
والتكبير في الفطر عقيب أربع صلوات أولها المغرب ليلته، وفي الأضحى عقيب
خمس عشرة إن كان بمنى أوله ظهر العيد، وفي غيرها عقيب عشرة.
ويكره التنفل بعدها وقبلها، إلا بمسجد النبي صلى الله عليه وآله، فإنه يصلي ركعتين
فيه قبل خروجه) *.
132

[المقصد الرابع] (1)
* (في صلاة) * الآيات
وربما تضاف إلى * (الكسوف) * إما تغليبا كما قيل (2) - وفيه نظر - وإما
لاختصاصها به في بدء تشريعها فسميت بذلك، كما في بعض (3) الأخبار.
و * (تجب) * هذه الصلاة * (عند كسوف الشمس والقمر (4)) * وهو
انطماس نورهما كلا أو بعضا إجماعا نصا (5) وفتوى.
ومقتضى إطلاق أكثر الفتاوى كجميع النصوص شمول الحكم لانكساف
الشمس بباقي الكواكب غير القمر إذا أحس به المكلف أو يثبت بالبينة، كما
حكي (6) أنه رؤيت الزهرة في جرم الشمس كاسفة لها، وإليه مال في الذكرى (7)

(1) من الإرشاد.
(2) قاله السيد الطباطبائي في الرياض 4: 120.
(3) الوسائل 5: 143، الباب الأول من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 10.
(4) في الإرشاد: وخسوف القمر.
(5) انظر الوسائل 5: 142، الباب الأول من أبواب صلاة الكسوف.
(6) حكاه العلامة في نهاية الإحكام 2: 76، والتذكرة 4: 195.
(7) الذكرى: 247.
133

ونص في كشف اللثام (1) كما عن حاشية الإرشاد للفخر (2).
وألحقوا به كسوف سائر الكواكب (3).
ويضعفه انصراف إطلاقات النصوص والفتاوى إلى غير ذلك الذي
لا يظهر إلا للأوحدي من الناس، مع إمكان منع صدق الكسوف على
كسوف سائر الكواكب.
نعم لو فرض كون أحد الأمرين مخوفا وجبت الصلاة على من اطلع
عليه.
بل ربما يتأمل في كسوف أحد النيرين بغيرهما من حيث إنه ليس
مخوفا إلا للمنجم فقط لا عامة الناس، فربما يخاف المنجم عن بعض
الاقترانات.
ولكن التأمل في غير محله، لأن الكسوف المذكور مخوف لكل من
أحس به، ولا دخل في ذلك للمنجم وغيره، ولا يقدح في وجوب الصلاة
على من أحس بالمخوف عدم خوف من لم يحس - وأما حديث خوف المنجم
عن بعض الاقترانات فلا دخل له فيما نحن فيه - لدخوله في عنوان المخوف
السماوي، فإن الأقوى إلحاقه بجميع أفراده بالكسوف، كما عن القديمين (4)

(1) كشف اللثام 4: 364.
(2) لا يوجد لدينا، ولم نقف على الحاكي، نعم في المستند (6: 227): خلافا للمحكي
عن شرح الإرشاد لفخر المحققين.
(3) كما في الذكرى: 247، والمدارك 4: 128، لكن فيه إناطة الوجوب بالخوف،
وحكاه المحقق النراقي في المستند 6: 227 عن شرح الإرشاد لفخر المحققين.
(4) انظر المعتبر 2: 330، والمختلف 2: 278.
134

ومحكي الصدوقين (1) والمشايخ الثلاثة (2) وسلار (3) والقاضي (4) وابن زهرة (5)
وابن إدريس (6)، ونسبه في المدارك (7) إلى الأكثر، بل عن الشيخ في الخلاف (8)
والقاضي (9) الإجماع عليه، وهو الظاهر من الغنية (10)، بل من المنتهى حيث لم
يحك الخلاف إلا عن العامة (11).
ويدل عليه مضافا إلى ما عرفت صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم
" كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى
تسكن " (12)، وعن الفقيه عن الفضل عن الرضا عليه السلام " إنما جعلت للكسوف
صلاة لأنها آية من آيات الله لا يدرى لرحمة ظهرت أم لعذاب، فأحب

(1) حكى ذلك عنهما العلامة في المختلف 2: 278 وغيره، انظر الفقيه 1: 540، ذيل
الحديث 1506، والمقنع: 141، والهداية (الجوامع الفقهية): 53.
(2) المقنعة: 210، وجمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 46، والخلاف
1: 682، كتاب الصلاة، المسألة 458.
(3) المراسم: 80.
(4) المهذب 1: 124، وشرح جمل العلم والعمل: 135.
(5) انظر الغنية: 75.
(6) السرائر 1: 321.
(7) المدارك 4: 127.
(8) الخلاف 1: 682، كتاب الصلاة، المسألة 458.
(9) شرح جمل العلم والعمل: 135.
(10) الغنية: 75.
(11) المنتهى 1: 349، وانظر المغني، لابن قدامة 2: 429.
(12) الوسائل 5: 144، الباب 2 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
135

النبي صلى الله عليه وآله أن تفزع أمته إلى خالقها وراحمها عند ذلك ليصرف عنهم
شرها ويقيهم مكروهها كما صرف عن قوم يونس حين تضرعوا إلى الله عز
وجل " (1)، وفي رواية محمد بن مسلم وبريد بن معاوية عنهما عليهما السلام: " أنه
إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلها ما لم تتخوف أن يذهب وقت
الفريضة " (2).
وما ورد من أن " التكبير يرد الريح " (3) فالمراد به غير المخوف بالذات
للعامة من متعارف أوساط الناس، إذ لا عبرة بخوف بعض النفوس التي
يسرع إليها الانفعال، ولا بعدم خوف بعض النفوس التي لا تنفعل بعظائم
الأهوال أو بعدم خوف الكل لأجل غلبة وقوع ذلك.
ثم إن المراد ب‍ " أخاويف السماء " في الصحيحة (4) ظاهرا ما يحدث منها
فوق الأرض * (و) * يكون الوجوب في * (الزلزلة) * مستفادا من الإجماع
وسائر الأخبار (5)، ويحتمل أن يراد بها المنسوبة إلى خالق السماء كما يقال
الآفة السماوية والقضاء السماوي * (و) * يشمل حينئذ * (الآيات) * كلها مثل
الزلزلة وخسف الأرض والصيحة والصاعقة وخروج النار من الأرض أو
ظهورها في الهواء ونحو ذلك، وإرادة هذا المعنى وإن كانت بعيدة من الرواية،

(1) الفقيه 1: 541، الحديث 1510، والوسائل 5: 142، الباب الأول من أبواب
صلاة الكسوف، الحديث 3.
(2) الوسائل 5: 148، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 4.
(3) الوسائل 5: 160، الباب 15 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(4) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(5) انظر الوسائل 5: 144، الباب 2 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3 و 4.
136

لكن الظاهر من كلام غير واحد من الأصحاب شمول المخوف السماوي لكل
مخوف ولو كان أرضيا، ولذا استظهر في الذكرى (1) من حكم الإسكافي
وابن زهرة - بوجوب الصلاة لكل مخوف سماوي - وجوبها للزلزلة، واستدل
على ثبوت الحكم لسائر الآيات بالصحيحة المذكورة (2).
وحكى الشهيد الثاني في المقاصد العلية (3) عن البيان وجوبها لكل آية
مخوفة مع أن في البيان قيد المخوف بالسماوي (4)، وهذا كله مما يستأنس به
لعموم الرواية إلا أن يدعى الفرق بين عبارات الفقهاء في تعبيرهم بأخاويف
السماء وبين المذكور في الصحيحة بأن يسلم إرادة مطلق المخوف من عبارات
الفقهاء، لا من الرواية كما أشار إليه شارح الروضة (5).
وكيف كان، فالتصريح بالتعميم ظاهر من كثير من القدماء
والمتأخرين، حيث عبر بعضهم كالمصنف (6) بالآيات من غير تقييد كالمحكي
عن العماني (7) والسيد في الجمل (8) وسلار (9)، أو مع تقييدها بالعظيمة كالمحكي
عن القاضي، مع ظهور كلامه في دعوى الاتفاق لأجل التعبير بقوله:

(1) الذكرى: 244.
(2) راجع الصفحة 135.
(3) المقاصد العلية: 198.
(4) البيان: 206.
(5) المناهج السوية (مخطوط): 227.
(6) في هذا الكتاب، راجع الصفحة السابقة.
(7) المختلف 2: 278.
(8) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 46.
(9) المراسم: 80.
137

" عندنا " (1)، أو بالآيات التي لم تجر بها العادة كالحلي (2)، أو بالمخوفة كالمحكي
عن المصنف في المختلف (3) والشهيدين (4).
وفي كلام بعض سادة مشايخنا استظهار الشهرة (5)، بل دعوى عدم
ظهور الخلاف، ولعله لعموم التعليل في حسنة الفضل المتقدمة (6)، بل وفي
الصحيحة المتقدمة (7) أيضا، حيث إن المستفاد منه أن غاية الفعل السكون
المكنى به عن ذهاب الآية الذي هو المطلوب للخائفين، فيجب فعله كلما
حدث ما يطلب ذهابه من المخوفات.
ويؤيده - بل يدل عليه أيضا - قوله في صحيحة ابن مسلم المتقدمة:
" إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات صلها " (8)، بناء على أن المشار إليه
هي جميع أفراد الآيات بوصف استحضارها في الذهن، لا جملة من أفرادها
المعهودة بين المتكلم والمخاطب في الخارج، ولعله إلى ذلك كله نظر العلامة
الطباطبائي في منظومته حيث قال:
ومقتضى العموم في الرواية * فرض الصلاة عند كل آية (9)

(1) المهذب 1: 124، وشرح جمل العلم والعمل: 135، والتعبير مذكور في الثاني.
(2) السرائر 1: 321.
(3) لم نقف على الحاكي، ولكن الموجود في المختلف (2: 279): " وجميع الأخاويف ".
(4) الذكرى: 244، وروض الجنان: 303.
(5) الظاهر أن المراد هو السيد الشفتي، ولكن لم نقف عليه في المطالع، انظر مطالع
الأنوار 5: 199.
(6) الوسائل 5: 142، الباب الأول من أبواب صلاة الآيات، الحديث 3، وتقدمت في
الصفحة 135.
(7) راجع الصفحة 135.
(8) راجع الصفحة 135.
(9) الدرة النجفية: 175.
138

لكن الواجب تقييد الآية في كلامه قدس سره بالمخوف، من جهة احتمال
كونها مقدمة لغضب أو (1) مستعقبا لشر، لا من جهة خوف الابتلاء به
كالطاعون ونحوه، كما هو ظاهر (2).
وكيفية * (صلاة) * الآيات إجمالا: أن يصلي * (ركعتين في كل ركعة
خمس (3) ركوعات) * وسجدتان.
وجعلها عشر ركعات في أكثر النصوص (4) وكثير من الفتاوى (5) مبني
على إرادة المعنى اللغوي، أو ما يشمل ما قبله من القراءة، والثاني أنسب
بظاهر الحصر في مثل قوله عليه السلام: " هي عشر ركعات وأربع سجدات " (6).
والمعروف سيما بين المتأخرين: دخول السجود في ماهية الركعة
المصطلحة (7).

(1) في " ق " شطب على الألف، فصارت العبارة: ومستعقبا.
(2) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 149، ولم نعثر في " ق " على شرح
ما تبقى من المتن، وهو قوله: * (والريح المظلمة وأخاويف السماء) *، ولعله اكتفى بما
سيذكره في بحث الوقت (الصفحة 163) عند قوله: * (وكذا الرياح والأخاويف) *.
(3) في الإرشاد: خمسة.
(4) انظر الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الأحاديث 1، 2، 3،
6، 7 و 11.
(5) كما في النهاية: 137، والمبسوط 1: 173، والمراسم: 80، والجامع للشرائع:
109، وغيرها، راجع مفتاح الكرامة 3: 206.
(6) الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6.
(7) انظر الذكرى: 227، وروض الجنان: 351، والروضة البهية 1: 706 - 707،
والمدارك 4: 257، وللتفصيل راجع الجواهر 12: 337.
139

وعن ابن طاووس في البشرى (1) والمحقق في الفتاوى البغدادية (2): كمال
الركعة بالركوع، وقيل: ويشعر به كلام الراوندي (3)، ويظهر من كلام الشيخ،
حيث قال: إنها عشر ركعات بأربع سجدات (4)، وعن ابن حمزة التردد في ذلك (5).
والأقوى قول المشهور، للتبادر لإطلاق الركعتين عليها في بعض
النصوص كرواية عبد الله بن سنان الآتية (6) ورواية القداح (7) الحاكيتين لفعل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من أنه صلى بالناس ركعتين، فيكون قرينة على
إرادة المعنى اللغوي فيما أطلق عليه عشر ركعات، ولا يصح العكس، لعدم
صحة التجوز أو بعده.
وكيف كان، فحكم الشك في عدد الركوعات لا يبتني على ذلك كما قد
يتخيل، بل الحكم فيه البناء على الأقل مطلقا، للأصل، واختصاص أدلة
البناء على الأكثر بالركعة بالمعنى المتأخر، كما يستفاد من تتبع تلك الأدلة،
وكذا أدلة البطلان بالشك في الأوليين، كما هو واضح لمن تأملها.
وعلى أي تقدير، وتفصيل الكيفية المذكورة أن * (يكبر للإحرام) *

(1) بشرى المحققين (المخبتين) في الفقه، غير مطبوع، ولم نعثر على مخطوطه، وحكاه
بحر العلوم في المصابيح (مخطوط): 129، وراجع لهذا المحكي الجواهر 12: 339 أيضا.
(2) المسائل البغدادية (الرسائل التسع): 251.
(3) فقه القرآن 1: 160، ولم نقف على القائل.
(4) الخلاف 1: 679، المسألة 453، والنهاية: 137، والمبسوط 1: 173.
(5) الوسيلة: 112.
(6) ستأتي في الصفحة 145.
(7) الوسائل 5: 154، الباب 9 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
140

مقارنا للنية المعتبرة، لعموم " لا عمل إلا بنية " (1) و " لا صلاة بغير افتتاح " (2)
* (ثم يقرأ الحمد) * بلا خلاف فتوى ونصا، لعموم " لا صلاة إلا بفاتحة
الكتاب " (3) وخصوص ما سيجئ من الصحاح (4) * (و) * له أن يقرأ بعد
الحمد * (سورة) * تامة * (ثم يركع، ثم يقوم فيقرأ الحمد) * أيضا * (وسورة) *
أخرى أو عين تلك السورة * (ثم يركع، هكذا) * يركع * (خمسا، ثم يسجد
سجدتين، ثم يقوم ويصلي) * الركعة * (الثانية كذلك، ويتشهد ويسلم) *.
وهذه أفضل كيفياتها وأحوطها.
* (ويجوز) * له * (أن يقرأ) * في القيام الأول * (بعض السورة فيقوم من
الركوع) * وحينئذ له أن * (يتمها) * في القيام الثاني * (من غير أن يقرأ الحمد،
وإن شاء وزع السورة على الركوعات (5)) * للركعة * (الأولى، وكذا) * يوزع على
ركوعات * (الثانية (6)) *.
ثم إن استيفاء أحكام صورة التبعيض وفروعه يتم بتنقيح المطلب في
مسائل كل من القيامات، فنقول:
أما القيام الأول، فلا إشكال في وجوب الحمد فيه لما مر وسيجئ.

(1) الوسائل 4: 711، الباب الأول من أبواب النية، الحديث 1 و 4.
(2) الوسائل 4: 716، الباب 2 من أبواب تكبيرة الإحرام، الحديث 7.
(3) عوالي اللآلي 1: 196، الحديث 2، وعنه مستدرك الوسائل 4: 158، الباب
الأول من أبواب القراءة، الحديث 8.
(4) يجئ في الصفحة 142 - 143.
(5) في الإرشاد: الركعات.
(6) في الإرشاد: السورة في الثانية.
141

وأما عدم جواز إخلائه من السورة فالظاهر أنه موضع وفاق فتوى
ونصا، حتى ما لو قرأ سورة كاملة فيما بعده من القيامات.
وأما جواز الاقتصار على بعض السورة، فالظاهر أنه مما لا خلاف
فيه، نعم حكي (1) عن المقنعة (2) وجمل السيد (3) ومهذب القاضي (4) الاقتصار
على ذكر الكيفية الأولى، وليس ذلك بنص في المخالفة.
ولذا ادعي الاتفاق على جواز التبعيض في المعتبر (5) والمنتهى (6) كما عن
التذكرة (7) وجامع المقاصد (8) والتنقيح (9).
مضافا إلى جميع ما ورد في كيفية هذه الصلاة، ففي صحيحة زرارة
ومحمد بن مسلم، قالا: " سألنا أبا جعفر عليه السلام عن صلاة الكسوف، كم هي
ركعة، وكيف نصليها؟ قال: هي عشر ركعات وأربع سجدات، تفتتح الصلاة
بتكبيرة، وتركع بتكبيرة، وترفع رأسك بتكبيرة، إلا في الخامسة التي تسجد
فيها، وتقول: سمع الله لمن حمده، وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع، وتطيل
القنوت والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود، فإن فرغت قبل أن

(1) حكاه السيد الشفتي في المطالع 5: 276 - 277.
(2) المقنعة: 209.
(3) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 45.
(4) المهذب 1: 124.
(5) المعتبر 2: 334، وفيه: مذهب علمائنا.
(6) المنتهى 1: 350، وفيه: ذهب إليه علماؤنا.
(7) التذكرة 4: 169، وفيه: عند علمائنا.
(8) جامع المقاصد 2: 465، وفيه: أجمع الأصحاب.
(9) التنقيح الرائع 1: 241 - 242، وفيه: مذهب علمائنا.
142

ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي، فإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك
فأتم ما بقي، تجهر بالقراءة، قلت: كيف القراءة فيها؟ قال: إن قرأت سورة
في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، فإن نقصت من السورة شيئا فاقرأ من
حيث نقصت، ولا تقرأ فاتحة الكتاب... الخبر " (1).
وفي صحيحة الرهط المروية في التهذيب - بعد ذكر الكيفية الأولى كما
في الصحيحة - قال: " قلت: فإن هو قرأ سورة واحدة في الخمس ركعات
ففرقها بينها؟ قال: أجزأه أم الكتاب في أول مرة، وإن قرأ خمس سور كان
مع كل سورة أم الكتاب... الخبر " (2).
وفي صحيحة الحلبي المروية في الفقيه عن الصادق عليه السلام: " عشر
ركعات وأربع سجدات، تركع خمسا ثم تسجد في الخامسة ثم تركع خمسا ثم
تسجد في العاشرة، وإن شئت قرأت سورة في كل ركعة وإن شئت نصف
سورة في كل ركعة، فإذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن
قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى
تستأنف أخرى... الخبر " (3).
وفي المحكي عن الحلي في السرائر نقلا عن جامع البزنطي عن
الرضا عليه السلام، قال: " سألته عن القراءة في صلاة الكسوف، هل يقرأ في كل

(1) الوسائل 5: 150 - 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6.
(2) التهذيب 3: 156، الحديث 333، والوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة
الكسوف، الحديث الأول.
(3) الفقيه 1: 549، الحديث 1530، والوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة
الكسوف، الحديث 7.
143

ركعة بفاتحة الكتاب؟ قال: إذا ختمت سورة وبدأت بأخرى فاقرأ فاتحة
الكتاب، وإن قرأت سورة في ركعتين أو ثلاثة فلا تقرأ فاتحة الكتاب حتى
تختم السورة... الخبر " (1)، ونحوها المحكي عن قرب الإسناد (2).
فلا إشكال في تبعيض السورة بعد الإجماعات المنقولة (3) والصحاح
المذكورة، وظاهر إطلاق أكثرها جواز الاقتصار على أقل من آية (4)، وفاقا
لجماعة (5)، خلافا لصريح الروض (6)، وهو ضعيف.
وهل يجب أن يكون هذا البعض أول السورة، أم يجوز قراءة أي
بعض كان كما استظهره في شرح الروضة (7)؟
مقتضى الإطلاقات المتقدمة الثاني، ويؤيدها إطلاق قوله عليه السلام في
موثقة أبي بصير الواردة في كيفية صلاة الكسوف، وفيها: " تقرأ في كل ركعة
مثل يس والنور - إلى أن قال: قلت: فمن لم يحسن يس وأشباهها؟ قال:
فليقرأ ستين آية في كل ركعة " (8).

(1) السرائر 3: 573، والوسائل 5: 153، الباب 7 من أبواب الكسوف، الحديث 13.
(2) قرب الإسناد: 219، الحديث 857، والوسائل 5: 153، الباب 13 من أبواب
صلاة الكسوف، ذيل الحديث 13.
(3) تقدمت في الصفحة 142.
(4) راجع الصفحات 142 - 143.
(5) منهم السيد الشفتي في المطالع 5: 318، وفي الجواهر (11: 441): بل ظاهر
المنظومة الاجتزاء بالأقل من الآية، ولعله كذلك، لإطلاق الرواية.
(6) روض الجنان: 303.
(7) المناهج السوية (مخطوط): 229.
(8) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
144

لكن الإنصاف: أن هذه الإطلاقات مسوقة لبيان حكم آخر، فمقتضى
التوقيفية عدم الجواز، إلا أن يدعى أن الظاهر من الأخبار وجوب قراءة
الفاتحة وسورة في مجموع الركعات، كما سيجئ.
وأما القيام الثاني، فلا إشكال ولا خلاف في وجوب القراءة فيه في
الجملة، فإن قرأ في القيام الأول سورة كاملة، فالمشهور أنه يجب عليه
استئناف الحمد، لظاهر الأمر في الأخبار السابقة (1)، المعتضد (2) بقرينة مقابلته
بإجزاء تركها في صورة عدم إكمال السورة، وبحكاية الإجماع على طبقها عن
ظاهر جماعة (3).
فلا وجه لما حكي عن الحلي من جواز تركها مع الإكمال (4) - مضافا
إلى توقيفية العبادة سيما هذه الصلاة - عدا ما احتج له في البيان بأن
الركوعات كركعة واحدة (5)، وفيه ما لا يخفى. وفي الذكرى برواية عبد الله
ابن سنان عن الصادق عليه السلام: " قال: انكسفت الشمس على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فصلى ركعتين، قام في الأولى فقرأ سورة، ثم ركع
فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة، ثم ركع فأطال الركوع، [ثم رفع

(1) مثل صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم وصحيحة الرهط المتقدمات في الصفحة
142 - 143.
(2) في " ط ": المعتضدة.
(3) لم نعثر على من حكاه بهذا النحو، نعم في مفتاح الكرامة (3: 207) وغيره: نقل
الإجماع عن جماعة منهم الشيخ في الخلاف والعلامة في المنتهى.
(4) انظر السرائر 1: 324، وحكاه عنه في جامع المقاصد 2: 464.
(5) البيان: 211.
145

رأسه فقرأ سورة، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فقرأ سورة، ثم ركع
فأطال الركوع] (1) فعل ذلك خمس ركوعات قبل أن يسجد، ثم سجد سجدتين،
ثم قام في الثانية ففعل مثل ذلك، فكان له عشر ركعات وأربع سجدات " (2).
وفيه - مع ضعف سنده بالإرسال -: أن ترك التعرض في حكاية فعل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم للفاتحة لا يدل على عدم وجوبها، فلعله معلوم من
الخارج، كما يشهد له عدم التعرض لذكرها في الركعة الأولى.
مع أن الظاهر - بل المقطوع - أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدع الفاتحة في
ركعة من العشر، كيف؟! وقد نقل عنه أنه طول الصلاة في الكسوف حتى
غشي على بعض القوم من جهة الطول (3)، فكيف يقرأ السور الطوال ويترك
الفاتحة!
مع جواز أن يكون المراد بالسورة معناها اللغوي، فيكون المقصود
منها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرأ في كل ركعة جملة من القرآن من غير
تعرض لتعيينها.
ثم إن ما ذكرنا من وجوب إعادة الحمد ضابط كلي في كل قيام أكمل
السورة في سابقه، كما يستفاد من الأخبار.
ثم إذا (4) قرأ الفاتحة فالظاهر أنه لا يتعين عليه القراءة من أول السورة (5).

(1) ما بين المعقوفتين لم يرد في " ن " و " ط ".
(2) الذكرى: 245، ولم نقف على هذا الحديث في المجاميع الروائية، وقد أشير في
الحدائق (10: 332) إلى عدم وجوده فيها.
(3) الوسائل 5: 154، الباب 9 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(4) في " ن " و " ط ": إن.
(5) ظاهرا في " ق ": سورة.
146

وإن لم يقرأ المصلي في القيام الأول سورة كاملة فلا إشكال ولا خلاف
في أنه يجوز له أن يبتدئ بالسورة من موضع قطعها من دون إعادة الحمد،
وله أن يتمها في هذا القيام، فيكون قد قرأ سورة في ركعتين، كما هو صريح
صحيحة البزنطي وظاهر صحيحة الحلبي (1). فما في الذكرى (2) وعن النهاية (3)
من احتمال حصر التبعيض في توزيع سورة على الخمس، ضعيف جدا.
ثم هل يكون ترك الحمد رخصة أو عزيمة؟ ظاهر بعض الأخبار (4)
وأكثر الفتاوى الثاني، والأظهر الأول، وفاقا لصريح بعض (5) وظاهر المنتهى
حيث عبر عن الحكم بقوله: لا تجب (6). وعن المبسوط (7) وجامع الشرائع
التعبير بلا يلزم (8)، وفي الروضة التعبير بلا يحتاج (9)، لظهور ورود نواهي
القراءة في مقابلة الأمر بها مع إكمال السورة في السابق.

(1) تقدمتا في الصفحة 143.
(2) الذكرى: 245.
(3) نهاية الإحكام 2: 73.
(4) انظر الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الآيات، الحديث 6 وغيره.
(5) نسب هذا التصريح إلى الحلي في السرائر كما في مفتاح الكرامة 3: 208، وغيره،
ولكن لم نقف عليه في السرائر، انظر السرائر 1: 324، واختاره المحقق النراقي في
المستند 6: 247.
(6) المنتهى 1: 350.
(7) المبسوط 1: 173.
(8) الجامع للشرائع: 109، وفيه: لم يفتقر، وفي مفتاح الكرامة 3: 208 حكى السيد
العاملي التعبير المذكور عنه.
(9) الروضة البهية 1: 680.
147

ثم هل يجوز للمصلي أن يقرأ من تلك السورة من غير موضع قطعها
أم لا؟ قولان: أولهما للشهيدين (1)، والثاني لظاهر المشهور، لصريح قوله:
" فاقرأ من حيث قطعت " (2) المقيد لإطلاق بواقي الأخبار المتقدمة.
وهل يجوز العدول إلى سورة أخرى فيقرأها كلا أو بعضا؟ قولان:
المحكي عن المبسوط (3) والنهاية (4) الأول، وهو مختار الشهيدين (5)، لإطلاق
صحيحة الحلبي وموثقة أبي بصير المتقدمتين (6).
وفيه - مع أن الإطلاق مسوق لبيان حكم آخر -: وجوب تقييده
بقوله: " فاقرأ من حيث قطعت ".
ثم لو قرأ من غير موضع القطع بناء على جوازه، فهل يجب عليه
إعادة الحمد مطلقا كما هو ظاهر الروض (7)، لأن المتيقن من سقوطها ما إذا
قرأ من موضع القطع، ولما في شرح الروضة من أن العدول عن ترتيبها
بمنزلة إتمامها واستئناف سورة أخرى (8).

(1) الذكرى: 245، والروضة البهية 1: 680، والمسالك 1: 259، وروض الجنان:
303، ويظهر من البيان: 211 أيضا.
(2) الوسائل 5: 150، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6، وفيه: من
حيث نقصت.
(3) المبسوط 1: 173.
(4) النهاية: 137.
(5) الذكرى: 245، والروضة البهية 1: 681، والمسالك 1: 259، وروض الجنان: 303.
(6) تقدمتا في الصفحة 143 و 144.
(7) روض الجنان: 303.
(8) المناهج السوية (مخطوط): 229.
148

أو لا يجب مطلقا، لصحيحة الحلبي: " إذا قرأت نصف سورة أجزأك
أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة حتى تستأنف أخرى " (1)، بناء
على أن الظاهر الاستئناف بعد إتمام الأولى.
أو يفصل بين ما إذا ابتدأ بسورة أخرى أو بتلك السورة - بناء على
جواز تكرار ما قرأ أولا كلا أو بعضا كما ذكره في البيان (2)، أو بناء على ما
ذكرنا (3) في أحكام القيام الأول من جواز القراءة من وسط السورة
وآخرها - وبين غيره فيجب إعادة الحمد في الأول دون الثاني؟
وجوه، أقواها الأول (4).
أما لو أكمل سورة في الأول وأراد تكرارها في الثاني فالظاهر وجوب
إعادة الحمد، لكن ظاهر الأخبار - مثل قوله: " خمس سور " (5) - اعتبار
التغاير، والظاهر أنه وارد مورد الأغلب (6).
وأما القيامات الأخر، فحكمها حكم القيام الثاني في جميع ما ذكر،
وتزيد: أنه لو قرأ المصلي في القيام الثاني أول سورة بعد أن كان ختم سورة

(1) الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 7.
(2) انظر البيان: 211.
(3) ذكره قدس سره في الصفحة 144.
(4) هنا بياض في " ق " بمقدار نصف سطر، وقد أشار إلى ذلك ناسخا " ن " و " ط " في
الهامش.
(5) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول. وراجع
الصفحة 142 - 143.
(6) هنا بياض في " ق " بمقدار خمسة أسطر، وقد أشار إلى ذلك ناسخا " ن " و " ط ".
149

في القيام الأول، فالظاهر أنه لا يجب القراءة من موضع القطع، بل له أن
يبتدئ بسورة أخرى وليس عليه إعادة الحمد، لأن السبب في وجوبها هو
إكمال السورة السابقة لا مجرد الافتتاح بسورة.
ومنه يظهر أنه لو أكمل في القيام الثاني سورة فيجب في القيام الثالث
الفاتحة وإن لم يقصد الافتتاح بأول سورة.
وأما القيام الرابع فلا يزيد حكمه على القيام الثالث، وكذا الخامس
إلا أنه يجب فيه أن يكمل السورة إذا لم يكن أكمل سورة في القيامات
السابقة، وأما لو أكمل فلا يجب عليه الإكمال بل له السجود عن بعض
سورة، فإذا قام عن السجود فيجب عليه قراءة الحمد ولا يجتزي على
القراءة (1) من حيث القطع.
والظاهر أنه مما لا خلاف فيه، لقوله عليه السلام في صحيحة الحلبي: " وإن
قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلا في أول ركعة " (2) فإن
ظاهرها وجوبها في أول ركعة من الركوعات الخمس في كل ركعة لا مجموع
العشر. ونحوها قوله عليه السلام في صحيحة الرهط: " أجزأه أم الكتاب أول
مرة " (3) يعني من المرات الخمس، كما هو ظاهر السؤال بل صريحه.
إلا أن يحمل ذلك على ما يقع غالبا من الإتيان بالفاتحة في أول ركعة
من الخمس، ويضعفه - على تقدير صحة الخروج عن ظاهرها بالحمل على

(1) الأنسب: بالقراءة.
(2) الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 7.
(3) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول، وتقدم في
الصفحة 143.
150

الغلبة -: أنه لا دليل (1) حينئذ على هذه الكيفية مع التبعيض، فيجب
الاقتصار على الكيفية الأولى التي صرح بها الإمام عليه السلام من عدم
التبعيض، لا من باب أصالة الاشتغال، بل لعدم العلم بسقوط الحمد في أول
كل ركعة من الخمس في صورة التبعيض وعدم ثبوت بدلية هذا الفرد
المشكوك عن تلك الكيفية الأولى، فاحتمال عدم وجوبها وإن وجبت (2) في
واحد من الركوعات تخييرا، لعموم صحيحة البزنطي ونحوها (3)، ضعيف.
نعم، بعد الفاتحة له القراءة من موضع القطع بشرط قراءة سورة كاملة
في مجموع باقي الركوعات، لاستفادة اعتبار ذلك من الأخبار (4).
* (ووقتها) * أي وقت هذه الصلاة في الكسوفين: * (من (5) ابتداء
الكسوف) * بإجماع علمائنا، بل علماء الإسلام كما في المنتهى (6)، والأخبار به
مستفيضة منها صحيحة جميل: " وقت صلاة الخسوف (7) في الساعة التي
تنكسف " (8).
ويمتد * (إلى ابتداء الانجلاء) * كما عن المقنعة (9) وكثير من كتب

(1) العبارة في " ن " و " ط " هكذا: ظاهرها الحمل على الغلبة بلا دليل.
(2) في " ن " و " ط ": وجب.
(3) المتقدمة في الصفحة 143 - 144.
(4) في " ق " هنا بياض بمقدار ورقة واحدة، وأشير إلى ذلك في " ن " و " ط ".
(5) في الإرشاد: من حين.
(6) المنتهى 1: 352.
(7) في الوسائل: صلاة الكسوف.
(8) الوسائل 5: 146، الباب 4 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
(9) حكاه المحقق في المعتبر 2: 330، وانظر المقنعة: 209 - 210.
151

الشيخ (1) والوسيلة (2) والمراسم (3) والسرائر (4) وإشارة السبق للحلبي (5)
والجامع (6) والنافع (7) وكثير من كتب المصنف (8) والبيان (9).
والظاهر أنه المشهور، بل عن شرح الكتاب للفخر نسبته إلى
الإمامية (10)، وعن والده قدس سرهما في التذكرة: أنه قول علمائنا (11)، وإن سبق
منه في المنتهى اختيار القول الآخر بعد حكايته عن الحلبي وجعله لائحا من
كلام السيد والعماني (12).

(1) كالنهاية: 137، والمبسوط 1: 172، والجمل والعقود (الرسائل العشر): 194،
ومصباح المتهجد: 472.
(2) الوسيلة: 112.
(3) المراسم: 80.
(4) السرائر 1: 322.
(5) إشارة السبق: 103.
(6) الجامع للشرائع: 109.
(7) المختصر النافع: 39.
(8) كما في هذا الكتاب، والقواعد 1: 292، والتحرير 1: 47، والتذكرة 4: 180،
ونهاية الإحكام 2: 76.
(9) البيان: 207.
(10) حكاه عنه الفاضل الأصفهاني في المناهج السوية (مخطوط): 231، كما حكاه
المحقق النراقي في المستند 6: 231.
(11) التذكرة 4: 179.
(12) المنتهى 1: 352، وانظر الكافي في الفقه: 156، وجمل العلم والعمل (رسائل
الشريف المرتضى) 3: 46.
152

لكن من المحتمل وقوفه بعد تأليف المنتهى على عدم مخالفة هؤلاء كما
يشهد له حكاية القول المشهور عن الحلبي في إشارة السبق (1). مع أن المحكي
عنه في المنتهى (2) أنه لم يزد على قوله: " إن وقتها ممتد بمقدار الخسوف
والكسوف " (3)، ويحتمل أن يراد منه مقدار حدوث الكسوف إلى انتهائه،
نظير قول المصنف في التحرير الذي صرح فيه بانتهاء الوقت بابتداء
الانجلاء: " أنه يستحب إطالة الصلاة بقدر زمان الكسوف " (4) فلم يبق إلا
السيد والعماني ولم يحك عنهما التصريح بخلاف المشهور، فلعله وقف بعد ذلك
على موافقتهما أيضا للمشهور، ولذا أفتى في كتبه المتأخرة عن المنتهى (5) بقول
المشهور مستدلا - كما عن التذكرة (6) - بزوال الحذر وحصول رد النور،
المستفاد إناطة الحكم بهما من الأخبار مثل صحيحة زرارة وابن مسلم الدالة
على كون الغاية السكون (7)، ورواية الفضل المتقدمة المشعرة بكون الغاية
صرف شر الآية ووقاية مكروهها (8)، وهذه الأمور تحصل بمجرد الأخذ في
الانجلاء بحكم حدس أغلب الناس الخائفين، بل حكم العادة.

(1) إشارة السبق: 103.
(2) هذا سهو من قلمه الشريف، فإن المحكي في المنتهى هو عن أبي الصلاح الحلبي،
والمؤلف لإشارة السبق هو علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبي.
(3) المنتهى 1: 352.
(4) التحرير 1: 47.
(5) تقدم التخريج عنها في الصفحة السابقة.
(6) التذكرة 4: 180.
(7) الوسائل 5: 144، الباب 2 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(8) تقدمت في الصفحة 135.
153

وقد صرح بذلك كله الصادق عليه السلام في صحيحة حماد: قال: ذكرنا
له عليه السلام انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته، فقال عليه السلام: " إذا انجلى
منه شئ فقد انجلى " (1).
ويؤيده ما قيل: من أن المراد بالناس العامة الذين يرون بقاء هول
الآية، الموجب لبقاء الوقت عندهم إلى تمام الانجلاء على ما حكي عنهم (2).
لكن الإنصاف: أن هذا غير مستفاد من الرواية، فإن لقاء الشدة من
الخسوف ليس له ربط معتد به بمسألة بقاء وقت صلاته عندهم إلى تمام
الانجلاء، بل الظاهر من الرواية إرادة إزالة الخوف عن الناس وإدخال
الطمأنينة في قلوبهم بعد الأخذ في الانجلاء.
وحاصل المراد - حينئذ - ما ذكره في المعتبر من إرادة تساوي الحالتين
في زوال الشدة (3)، وعليه فلا دلالة للرواية على قول المشهور، ولو أريد تقريب
الاستدلال به بأن المراد أن الانجلاء الذي جعل حدا للوجوب في سائر الأخبار
هو انجلاء جزء منه، ورد عليه أن هذا المعنى لا ربط له بما ذكره له حماد.
وكيف كان، فالاستدلال بالخبر المذكور مشكل.
وأشكل منه: الاستدلال بسابقيه من روايتي زرارة والفضل (4)، بل هما
أقرب إلى القول الآخر، لأن السكون كناية عن ذهاب مطلق الآية لا ظهور
أمارة الذهاب، وشر الآية ومكروهها غير مأمون قبل الذهاب بالكلية،

(1) الوسائل 5: 146، الباب 4 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3.
(2) انظر مطالع الأنوار 5: 203، والمغني لابن قدامة 2: 246، والمجموع 5: 54،
ومغني المحتاج 1: 319.
(3) المعتبر 2: 330.
(4) تقدمتا في الصفحة 135.
154

ولا يزول الخوف بجريان العادة أو حكم الحدس بعدم المكث على المقدار
الباقي، وإلا لم يكن وجه لحدوثه لجريان العادة بالانجلاء وحكم الحدس به
قبل الأخذ أيضا.
وحينئذ فلا وجه للخروج عن مقتضى أصالة بقاء التكليف والتوسعة
إلى تمام الانجلاء، وفاقا للمحكي عن السيد (1) والعماني (2) والحلبي (3) والمحقق
في المعتبر (4) والشرائع (5) والمصنف في المنتهى (6) والشهيدين في الدروس (7)
والروضة (8) وشارحها (9) والمحقق الثاني (10) وكثير من متأخري المتأخرين (11)،

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 46.
(2) راجع المنتهى 1: 352.
(3) الكافي في الفقه: 156.
(4) المعتبر 2: 330.
(5) الشرائع 1: 103.
(6) المنتهى 1: 352.
(7) الدروس 1: 195.
(8) لم نقف عليه في الروضة البهية ولا على من حكى عنها، نعم في المناهج السوية
(مخطوط): 231 ما يلي: ومال إليه في روض الجنان، انظر الروضة البهية 1: 682 -
683، وروض الجنان: 303.
(9) المناهج السوية (مخطوط): 231.
(10) جامع المقاصد 2: 471 - 472.
(11) كالعلامة المجلسي في البحار 91: 158، والسيد العاملي في المدارك 4: 129،
والمحقق السبزواري في الكفاية: 22، والذخيرة: 324، والمحدث الكاشاني في مفاتيح
الشرائع 1: 92، والمحدث البحراني في الحدائق 10: 306.
155

للأصل، ولأن انكساف البعض كان سببا للوجوب فكذا استدامته، وأن
المقتضي هو الخوف ولا يزول إلا برد النور كله، وقد تقدم (1) إمكان
استفادة ذلك من صحيحة زرارة وحسنة الفضل، ولما في صحيحة الرهط أن
رسول الله صلى الله عليه وآله صلاها في كسوف الشمس والناس خلفه، ففرغ حين
فرغ وقد انجلى كسوفها (2)، ورواية عمار عن الصادق عليه السلام: " إن صليت
الكسوف إلى أن يذهب الكسوف من الشمس والقمر وتطول في صلاتك
فإن ذلك أفضل " (3) فإن ذهاب الكسوف إنما يكون بالانجلاء التام.
ويؤيده ما دل على استحباب تطويل هذه الصلاة (4) وقراءة السور
الطوال فيها (5)، فإن هذا لا يلائم القول بخروج وقته بالأخذ بالانجلاء، لأنه
لا يكاد يتحقق العلم به أو الظن، إذ لا وثوق بقول الرصدي غالبا، والتزام
ورود الأخبار في الصورة النادرة - أعني حصول العلم أو الظن المعتبر - فيه
ما فيه.
والاتكال على أصالة بقاء الكسوف في مقام الشك لأجل إدراك
المستحب مشكل، إذ الظاهر أن الاحتياط في إدراكه الصلاة في الوقت - وإن
قلنا بعدم وجوبه - أرجح من إدراكه مزية الصلاة بتطويل سورتها التي

(1) تقدم في الصفحة 153.
(2) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(3) الوسائل 5: 153، الباب 8 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
(4) كما في صحيحة الرهط المتقدمة في الصفحة 143، ورواية عمار المتقدمة آنفا
وغيرهما.
(5) يدل عليه ما في الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2
و 6، و 5: 154، الباب 9 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3.
156

يحتمل سقوطها رأسا وعدم مشروعيتها، فضلا عن وجوب تقصيرها مع
تحقق الخوف بفوات الوقت، فإن الخوف لا يزول بأصالة البقاء.
ولا يعارض ذلك بما إذا حد الوقت بتمام الانجلاء، فإنه ليس أمرا
دفعيا، بل هو تدريجي، فيحد تطويلها المستحب إلى قريب التمام بحيث يخاف
خروج الوقت بزيادة التطويل، فهو نظير طلوع الشمس وغروبها المعلوم
قرب زمانهما وبعده بالحس.
وقد يستدل - أيضا - بمثل قوله عليه السلام: " إذا فرغت قبل أن ينجلي
فأعد " (1) ومناط الاستدلال أن الإعادة فعل الموقت في وقته.
وفيه: أن هذا اصطلاح متأخر، ولا بعد في استحباب الفعل ثانيا في
وقت ثان خارج عن وقت وجوبه.
فهذا القول هو الأقوى وإن كان الأحوط عدم التأخير عن أول
الانجلاء، ومعه فالأحوط فعلها بقصد القربة المطلقة الناشئة عن رجحان
مراعاة احتمال بقاء التكليف.
ثم إن المستفاد من هذا النزاع اتفاق الفريقين على كون صلاة
الكسوفين موقتة، وأنهما ليسا من قبيل الأسباب المحضة لوجوب الصلاة.
ويدل على التوقيت قوله عليه السلام: " وقت صلاة الكسوف الساعة التي
تنكسف " (2)، ومثل رواية عبيد الله الحلبي: " عن صلاة الكسوف تقضى إذا
فاتتنا؟ قال: ليس فيها قضاء، وقد كان في أيدينا أنها تقضى " (3)، وجميع

(1) الوسائل 5: 153، الباب 8 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(2) الوسائل 5: 146، الباب 4 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
(3) الوسائل 5: 156، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 9.
157

ما دل على وجوب القضاء إذا اطلع عليه بعد الانجلاء واحتراق تمام القرص
وعدم وجوبه بعد الاطلاع إذا لم يحترق القرص (1).
وعلى ذلك * (فلو قصر) * الوقت * (عنها) * بشروطها المفقودة
* (سقطت) * أداء وقضاء.
أما الأداء (2)، فلاستحالة التكليف في الوقت. وأما القضاء، فلأنه فعل
الموقت خارج وقته، والمفروض أن ذلك الزمان لم يكن وقتا. ولا فرق في
ذلك بين أن يكون بمقدار ركعة أو أنقص (3).
وأما ما دل على أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت
كله (4) فهو مختص بما إذا كان الوقت مساويا، بل أزيد لكن لم يدرك منه إلا
مقدار ركعة فلا دخل له بما نحن فيه.
وبعبارة أخرى: مدلول الرواية فيما إذا قصر المكلف عن أداء مجموع
الفعل في الوقت الوافي به، ومحل الكلام ما إذا قصر الوقت عن أداء مجموع
الفعل فيه.
فظهر ما حكي (5) عن البحار من القول بالوجوب مطلقا ولو لم يتسع
الوقت لمقدار ركعة (6) وعن الذخيرة الميل إليه (7)، إلا أن يحملا جميع ما ورد

(1) انظر الوسائل 5: 154، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الأحاديث 1 - 4.
(2) في " ن " و " ط ": أما الأول.
(3) في " ن ": " أو بعض "، وفي " ط ": أو بعض ركعة.
(4) انظر الوسائل 3: 157، الباب 30 من أبواب المواقيت.
(5) حكى ذلك السيد الشفتي في مطالع الأنوار 5: 213.
(6) البحار 91: 158.
(7) الذخيرة: 325.
158

في الأخبار من ظواهر التوقيت على وقت الشروع، وأنه متى لم ينته الوقت
وجب التلبس ولا يجوز التأخير، والأخبار غير آبية عن هذا المعنى، سيما
صحيحة زرارة وحسنة الفضل المعللة للصلاة بالسكون وصرف شر الآية (1).
قال في البيان: ووقتها - أي الصلاة - في البواقي - أي ما عدا
الكسوفين - مدة السبب، فإن قصر فلا وجوب إلا الزلزلة، ويحتمل الوجوب
بمجرد السبب وإن لم يسع الزمان في الكسوف وغيره، وقد أومأ إليه في
المعتبر (2)، ويحتمل اشتراط ركعة مع الطهارة (3)، انتهى.
لكن المحقق في المعتبر (4) والمصنف في النهاية (5) ظاهرهما التردد مع سعة
وقت الكسوف للركعة، لا مجرد (6) وجود السبب.
نعم، يرد عليهما أن الكسوف إن كان من قبيل الوقت اتجه الحكم
بالسقوط مع القصور مطلقا ولو وسع ركعة، وإن كان من قبيل السبب اتجه
الثبوت كذلك، فالجزم مع عدم (7) إدراك الركعة والتردد معه لا وجه له، عدا
ما مر من قوله: " من أدرك ركعة من الوقت " (8)، وقد عرفت أن المراد به
إدراك بعض من الوقت يسع ركعة فلا دخل له بما نحن فيه.

(1) تقدمتا في الصفحة 135.
(2) المعتبر 2: 341.
(4) المعتبر 2: 341.
(3) البيان: 207.
(5) نهاية الإحكام 2: 79.
(6) في " ط ": " للركعة بمجرد "، وفي " ن ": للركعة بمجرد السبب.
(7) في " ن " و " ط ": فيجزم مع عزم.
(8) تقدم في الصفحة السابقة.
159

وكيف كان، فظاهر الأخبار الآمرة بهذه الصلاة (1) لا تدل على أكثر
من وجوب التلبس عند ظهور الآية، سيما ما جمع فيه بين الكسوف وغيره
من الآيات (2) التي اتفق في بعضها على عدم الوقت كالزلزلة واختلفوا (3) في
بعضها الآخر مثل الرياح والأخاويف، مع أن اللازم من التوقيت عدم
جواز الدخول في الصلاة إلا مع العلم بسعة الوقت أو الظن المعتبر وهما
نادران، بل إطلاق الصحيحة والحسنة (4) يدل على بقاء الطلب ما لم يسكن
وما لم يصرف الشر.
وأصرح منهما رواية زرارة ومحمد بن مسلم المصححة عن أبي
جعفر عليه السلام أنه قال: " وإن فرغت قبل أن ينجلي فاقعد وادع الله حتى
ينجلي، وإن انجلى قبل أن تفرغ من صلاتك فأتم ما بقي " (5) فإن إطلاقه
يشمل ما لو لم يدرك ركعة، وتخصيص ذلك بما إذا أطال الصلاة استحبابا ثم
اتفق خروج الوقت - كما يظهر من صدر الرواية - لا يخلو عن نظر.
لكن الإنصاف: أن هذا القول مما لا ينطبق على الأخبار ولا على
كلمات الأصحاب، أما الأخبار فلأن ظاهر الصحيحة والحسنة وجوب

(1) الوسائل 5: 144، الباب الأول من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 10، والباب
2 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 1 و 3.
(2) مثل ما في الوسائل 5: 148، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 4،
و 5: 152، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 10.
(3) انظر المدارك 4: 131، ومفتاح الكرامة 3: 219.
(4) تقدمتا في الصفحة 135.
(5) الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6.
160

مجموع الفعل للسكون ودفع المكروه، ومع العلم بتحققهما قبل وجود الفعل
بتمامه لا يعقل كونهما غاية له.
وأما غيرهما من الأخبار، فأما ما أطلق فيه القضاء والفوت (1) فلا
يخفى ظهوره في التوقيت بالمعنى المشهور، لا توقيت الجزء الأول من الفعل
بجزء من الوقت وتكميل الباقي من خارجه كما مر (2)، وسيجئ (3) نظيره في
توجيه توقيت صلاة الزلزلة، على ما تكلفه المصنف في النهاية (4) والمحقق
الثاني في حاشية الشرائع (5).
وأما الأخبار الآمرة بالصلاة في وقت الكسوف (6)، فإن حملت على
السببية المطلقة لزم منه جواز تأخير الدخول في الصلاة إلى ما بعد الانجلاء،
وهو باطل إجماعا، وإن دفعنا ذلك باستفادة الفورية منها فمع أن الظاهر من
العلماء عدم القول بفوريتها إذا علم اتساع زمان الكسوف، لما سيجئ في
اجتماع الكسوف واليومية - مضافا إلى ما يظهر من رواية (7) من خطبة
النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال الكسوف قبل الصلاة - يلزم منه جواز تطويلها إلى
ما بعد الانجلاء، وهو أيضا باطل إجماعا على الظاهر المحكي عن بعض (8).

(1) الوسائل 5: 154، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف.
(2) في الصفحة 159.
(3) في الصفحة 167.
(4) انظر نهاية الإحكام 2: 77.
(5) حاشية الشرائع: 34.
(6) الوسائل 5: 145 و 147، الباب 4 و 5 من أبواب صلاة الكسوف.
(7) الوسائل 5: 143، الباب الأول من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 10.
(8) الرياض 4: 123.
161

نعم، لو منعنا عن بطلان هذين اللازمين - أعني الفورية وعدم جواز
التطويل إلى ما بعد الانجلاء كما يظهر تقوية الفورية من بعض المعاصرين،
ومع الإجماع على عدم جواز التطويل من بعضهم الآخر - أمكن المصير إلى
ظاهر تلك الأخبار المعتضد بما تقدم إن لم يعارضه ظهور ما تقدم من
الأخبار في التوقيت المعتضد بمصير الأصحاب قاطبة إليه، إذ لم يذكر ذلك إلا
الشهيد في البيان (1) بعنوان الاحتمال.
وأما تردد الفاضلين في المعتبر (2) والنهاية (3)، فقد عرفت أنه مختص بما
أدركت (4) ركعة من جهة احتمال كون إدراك الركعة مقام إدراك الكل كما
صرح بذلك في النهاية، لا من جهة احتمال عدم التوقيت في هذه الصلاة كما
استظهره صاحب المدارك (5) - تبعا للبيان - من كلام المحقق وأورد عليه بعدم
الفرق على هذا بين إدراك ركعة وعدمه.
وأما ما ادعي من الأخبار الجامعة في الحكم بين جميع الآيات حتى
الزلزلة المتفق على عدم توقيتها، فإن أريد به صحيحة زرارة المشتملة على
ذكر أخاويف السماء (6) فهو غير شامل للزلزلة إلا على تأويل بعيد في إضافة
الأخاويف إلى السماء مع أن ظاهرها - كما تقدم - التوقيت، وإن أريد مثل
قوله في صحيحة ابن مسلم: " إذا وقع الكسوف أو بعض هذه الآيات

(1) البيان: 207.
(2) المعتبر 2: 341.
(3) نهاية الإحكام 2: 79.
(4) كذا في " ق "، وفي " ن " و " ط ": بمن أدرك.
(5) انظر المدارك 4: 130.
(6) الوسائل 5: 144، الباب 2 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
162

صليتها " (1) ففي شموله للزلزلة أيضا منع ظاهر، لاحتمال كون المشار إليه
الآيات السماوية غير الزلزلة.
مع أنه لو سلم عموم الروايتين للزلزلة كما هو ظاهر التعليل في حسنة
الفضل (2) فلا بد: إما من حملهما على مطلق السببية الغير المنافي للتوقيت دون
السببية المحضة المقابلة له، وإما من تخصيصهما بغير الزلزلة، فتكون أدلة على
توقيت غير الزلزلة من الآيات التي قد ألحقها المصنف بالكسوفين بقوله:
* (وكذا الرياح والأخاويف) * لا تجب الصلاة لها إلا مع سعة زمانها للصلاة،
بل لها مع شرائطها المفقودة، ونسبه في الذكرى (3) إلى الأصحاب، لما تقدم من
استظهار ذلك من صحيحة زرارة وحسنة الفضل (4) المعللين للصلاة بالسكون
ورفع شر الآية، حيث إنه لا يستقيم التعليل إلا إذا كان مجموع الصلاة قبل
السكون كما سبق بيانه.
بل ربما يدعى أن قوله عليه السلام في صحيحة ابن مسلم: " إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات " ظاهر أيضا في التوقيت.
لكن التحقيق عدم ظهوره فيه أصلا، بل الظاهر منه مطلق السببية
المجامع للتوقيت والسببية المحضة.
وأما ظهور التعليل في الصحيحة والحسنة، فهو مسلم، لكنه إنما يجدي
إذا أريد العلة الغائية الحقيقية، وهو محل تأمل، بل التأمل في كثير من موارد

(1) الوسائل 5: 148، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 4.
(2) الوسائل 5: 142، الباب الأول من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3.
(3) الذكرى: 244.
(4) راجع الصفحة 135.
163

وجوب هذه الصلاة مع عدم كون السكون ودفع (1) الشر غاية، مثل ما إذا
قطع بتحققهما من دون الصلاة، ومثل وجوب الفعل قضاء بعد السكون،
ومثل وجوبها للزلزلة بعد السكون إجماعا مع بعد دعوى خروجها عن
عموم تعليل الحسنة وغير ذلك من الموارد، يشهد بأن المراد بالتعليل في
الحسنة - بل الصحيحة أيضا - ليس إلا إبداء حكمة تشريع أصل هذه
الصلاة، لا العلة الغائية المطردة التي ينتفي المعلول بانتفائها ليثبت التوقيت،
بل قد أطال الكلام بعض سادة المعاصرين في عدم استقامة حمل (2) قوله:
" حتى يسكن " في الصحيحة على التعليل، من جهة أن السكون ليس مترتبا
على صلاة المصلي بحيث لا يتحقق لولاها، وجزم بكون " حتى " لانتهاء
الغاية وتردد الرواية بين إرادة استحباب التكرار إلى أن تسكن وإرادة
استمرار وقته إلى أن تسكن (3).
مع أن حمل الروايتين على التوقيت يوجب خروج كثير من الآيات
رأسا كالصاعقة والصيحة ونحوهما، وخروج باقيها في كثير من الأحوال
حيث لا تمتد بمقدار الصلاة.
والحمل على بيان مطلق السببية (4) وكون العلة علة للتشريع - كما يظهر
من قوله عليه السلام في صدر الحسنة: " وإنما جعلت للكسوف صلاة... الخ (5) " -
أولى من ارتكاب ذلك التخصيص.

(1) كذا في " ق " ظاهرا، وفي غيرها: ورفع.
(2) في " ق " و " ن " زيادة: كلمة.
(3) راجع مطالع الأنوار 5: 217 - 218.
(4) في " ن " و " ط ": السبب.
(5) الوسائل 5: 142، الباب الأول من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3.
164

والحاصل: أنه لا دليل يعتد به على توقيت ما عدا الزلزلة من سائر
الآيات، فالمرجع إلى الإطلاقات الظاهرة في السببية بحكم اقتضاء القضية
الشرطية ولو كانت مصدرة بكلمة " إذا "، وإلحاق سائر الآيات بالزلزلة في
كونها أسبابا للوجوب لا أوقاتا للواجب، وفاقا للمحكي عن الوسيلة حيث
قال: أول وقت صلاة الزلازل والرياح السود أول وقت ظهورها، وليس لآخره
وقت معين (1)، واختاره المصنف في المنتهى (2)، والشهيد في الدروس (3)، بعد أن
نسب خلافه في الذكرى إلى الأصحاب (4)، وهو المحكي عن الموجز والمحرر (5)،
وقواه في الروض (6)، وجزم به جماعة من المعاصرين (7)، بل نسبه بعضهم إلى
ظاهر أكثر القدماء (8)، وقد عرفت قوته (9)، للإطلاقات، مضافا إلى الاستصحاب
في بعض الصور الذي لا يعارضه أصالة البراءة في بعضها الأخرى.

(1) الوسيلة: 112.
(2) المنتهى 1: 352.
(3) انظر الدروس 1: 195.
(4) انظر الذكرى: 244.
(5) انظر الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 92، والمحرر (الرسائل العشر): 162،
وحكاه عنهما السيد الشفتي في مطالع الأنوار 5: 214.
(6) لم نقف عليه صريحا، وفي روض الجنان: 304: وفي الحقيقة ليس في الأخبار
زيادة على كون هذه الأخاويف سببا للوجوب.
(7) منهم كاشف الغطاء في كشف الغطاء: 257، والسيد الشفتي في مطالع الأنوار 5:
225، وصاحب الجواهر في الجواهر 11: 417.
(8) نسبه السيد الشفتي في مطالع الأنوار 5: 214.
(9) تقدم ذلك في الصفحتين السابقتين.
165

وعن المصنف قدس سره في التذكرة (1) والنهاية (2) التفصيل بين ما يقصر
زمانه غالبا عن مقدار الصلاة كالصيحة والصاعقة ونحوها فكالزلزلة في
السببية، وبين ما لا يقصر فكالكسوفين، ولعله لاستظهار التوقيت من
التعليل في الصحيحة والحسنة، خرج منهما الآيات القاصرة غالبا التي
لا يمكن تشريع التوقيت.
وفيه - بعد ما عرفت في التعليل المذكور -: أن المناسب حينئذ إناطة
التوقيت بالآية الشخصية التي تسع الصلاة دون ما يسعها غالبا، فيكون
المدار في التوقيت والسببية إلى سعة شخص الآية للصلاة دون نوعها.
والقول الثاني: الحكم بالتوقيت في جميع ما عدا الكسوفين حتى
الزلزلة، إما باعتبار سعة الزمان للصلاة في الكل كما يحكى عن الحلبي في
الإشارة (3)، وظاهر القاضي في شرح الجمل (4)، وإن ادعى الشهيدان (5)
وغيرهما (6) - على ما حكي - الإجماع على عدم اعتبار ذلك في الزلزلة.
وإما بجعل أول ظهور الآية أولا لوقت الصلاة ويمتد بمقدار الصلاة ولو

(1) التذكرة 4: 180.
(2) النهاية 2: 77.
(3) إشارة السبق: 103، وحكاه عنه السيد الشفتي في مطالع الأنوار 5: 220.
(4) شرح جمل العلم والعمل: 135.
(5) لم نقف عليه في كتب الشهيد الأول، نعم في الجواهر (11: 416) إن في الذكرى
نسبته إليهم مشعرا به [أي الإجماع] أيضا، (انظر الذكرى: 244)، وأما بالنسبة
إلى الشهيد الثاني فراجع المقاصد العلية: 199.
(6) لم نقف عليه، نعم في مجمع الفائدة 2: 418، والمناهج السوية (مخطوط): 232
نقل الإجماع أيضا.
166

سكنت قبله ثم يصير قضاء، وهو الذي احتمله في النهاية (1)، وقواه في كشف
اللثام (2).
وعن حاشية الشرائع للمحقق الثاني توقيت صلاة الزلزلة، لا بمعنى
صيرورتها قضاء، بل بمعنى كونها أداء، وإنما قال: " وإنما قلنا إنها أداء، لأن
الإجماع واقع على كون هذه الصلاة موقتة، والتوقيت يوجب نية الأداء، ولما كان
وقتها لا يسعها وامتنع فعلها فيه وجب المصير إلى كون ما بعده صالحا لإيقاعها
فيه، حذرا من التكليف بالمحال، وبقي حكم الأداء مستصحبا لانتفاء الناقل.
وروعي فيها الفورية من حيث إن فعلها خارج وقت السبب إنما كان
بحسب الضرورة، فاقتصر في التأخير على قدرها، وفي ذلك جمع بين القواعد
المتضادة، وهي توقيت هذه الصلاة مع قصر وقتها واعتبار سعة الوقت لفعل
العبادة " (3)، انتهى.
وفي معناه ما حكي عن تلميذه في الغرية (4).
ويرد عليه: أنه لا داعي لارتكاب ذلك كله، والإجماع على التوقيت
ممنوع، نعم ظاهر عبارات كثير منهم كونها أداء، والمراد منه نفي سقوط
الوجوب بانقضاء الزلزلة.

(1) نهاية الإحكام 2: 77.
(2) كشف اللثام 1: 267.
(3) حاشية الشرائع (مخطوط): 34.
(4) وهي شرح للجعفرية كما في مفتاح الكرامة 8: 306، واسم الكتاب: " الفوائد
الغروية في شرح الجعفرية " للسيد الشريف شرف الدين علي الحسيني الاسترآبادي
النجفي كما في الذريعة 13: 175، والكتاب لا يوجد لدينا، وحكاه عنه السيد
العاملي في مفتاح الكرامة 3: 222.
167

وأما الفورية فسيجئ الكلام فيها.
* (ولو تركها) * أي الصلاة للكسوفين * (عمدا أو نسيانا حتى خرج
الوقت قضاها (1)) * حتى لو احترق بعض القرص ونسي الصلاة، وفاقا
للمحكي عن الأكثر (2) - بل عن المعظم (3) - بل عن ظاهر الخلاف الإجماع
حيث قال: من ترك صلاة الكسوف كان عليه قضاؤها، وإن كان قد
احترق القرص وتركها متعمدا كان عليه الغسل وقضاء الصلاة، ولم يوافق
في ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا: إجماع الفرقة (4)، انتهى.
وبذلك كله ينجبر ضعف مرسلة الكافي: " إذا علم بالكسوف ونسي
أن يصلي فعليه القضاء " (5).
وفي ذيل رواية أبي بصير المروية في الزيادات: " فإن أغفلها أو نام
عنها وجب قضاؤها " (6).
ونحوها موثقة عمار: " وإن أعلمك أحد وأنت نائم فعلمت ثم غلبتك
عينك فلم تصل فعليك قضاؤها " (7)، بناء على أنه لا فرق بين النسيان
وسائر الأعذار كغلبة النوم.

(1) في الإرشاد زيادة: واجبا.
(2) حكاه السيد العاملي في المدارك 4: 135.
(3) لم نقف على من حكى ذلك.
(4) الخلاف 1: 678، كتاب الصلاة، المسألة 452.
(5) الكافي 3: 465، الحديث 6، والوسائل 5: 155، الباب 10 من أبواب صلاة
الكسوف، الحديث 3.
(6) التهذيب 3: 294، الحديث 890، والوسائل 5: 150، الباب 7 من أبواب صلاة
الكسوف، الحديث 2.
(7) الوسائل 5: 156، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 10.
168

وبهما يخصص عموم ما دل على عدم القضاء في صلاة الكسوف إذا
فاتت، كما في صحيحة علي بن جعفر (1) ورواية الحلبي (2) المخصصتين لعموم
ما دل على وجوب قضاء المنسي من الصلوات.
ومنه يعلم أن الاستدلال بهذه العمومات غير مجد مع وجود المخصص،
فالواجب الرجوع إلى مخصص المخصص، خلافا للمحكي (3) عن جمل السيد (4)
ونهاية الشيخ (5) ومبسوطه (6)، والوسيلة (7)، والمهذب (8)، والجامع (9)،
والاقتصاد (10)، والكيدري (11)، ولعله لصحيحة علي بن جعفر ورواية الحلبي
المتقدمتين (12)، خرج من إطلاقهما ما خرج.

(1) الوسائل 5: 156، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 7.
(2) الوسائل 5: 156، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 9.
(3) حكى عنهم ذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 230، وصاحب الجواهر في
الجواهر 11: 433.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 46.
(5) النهاية: 137.
(6) المبسوط 1: 172.
(7) الوسيلة: 112.
(8) المهذب 1: 124.
(9) الجامع للشرائع: 109 - 110.
(10) راجع الإقتصاد: 413، والظاهر أن في العبارة سقطا، ويؤيده ما نقل عنه في مطالع
الأنوار 5: 232 - 233.
(11) إصباح الشيعة: 103.
(12) تقدمت الإشارة إلى صحيحة علي بن جعفر عليه السلام أعلاه، وتقدمت رواية الحلبي
في الصفحة 157.
169

وفيه: أن ما نحن فيه أيضا قد خرج بما مر من الروايتين المعتضدتين.
وأضعف مما ذكر: القول بعدم القضاء على الناسي مع احتراق تمام
القرص. وهذا القول وإن لم يظهر قائله، ولذا حكي عن القاضي في شرح
جمل السيد (1) أنه ادعى - كالشيخ في الخلاف (2) - الإجماع على الحكم، إلا أن
المحكي عن بعض الكتب نسبة (3) الحكم بالوجوب إلى الأكثر.
وكيف كان، فلا ريب في ضعفه بما ذكر، وبفحوى ما سيجئ من
الوجوب على الجاهل عند احتراق تمام القرص.
ومن فحوى أدلة صورة النسيان يظهر حكم ما إذا ترك متعمدا،
مضافا إلى دعوى عدم الخلاف فيه بالخصوص عن الحلي (4)، بل عن
الخلاف (5) وشرح الجمل (6) والغنية (7) التصريح بالإجماع، خلافا للمحكي عن
السيد في المصباح (8)، والشيخ في ظاهر التهذيبين (9).

(1) شرح جمل العلم والعمل: 135 - 136، وحكاه السيد الشفتي في مطالع
الأنوار 5: 244.
(2) الخلاف 1: 679، كتاب الصلاة، المسألة 452.
(3) نسبه المحقق في المعتبر 2: 332، والسيد العاملي في المدارك 4: 135، وانظر مطالع
الأنوار 5: 244.
(4) السرائر 1: 321.
(5) الخلاف 1: 679، كتاب الصلاة، المسألة 452.
(6) شرح جمل العلم والعمل: 135 - 136، وحكاه السيد الشفتي في مطالع
الأنوار 5: 244.
(7) الغنية: 97.
(8) لا يوجد لدينا مصباح السيد، ولكن حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 331، والحلي
في السرائر 1: 324.
(9) حكاه عن ظاهر السيد والشيخ، الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 267،
وانظر التهذيب 3: 293، ذيل الحديث 884، والاستبصار 1: 453، ذيل الحديث 3.
170

ثم إن وجوب الفعل في ثاني الوقت للزلزلة مما لا إشكال فيه، بناء
على سببيتها للصلاة، بل هي أداء دائما.
وكذا سائر الآيات لو قلنا بكونها كالزلزلة في التسبيب وصدق الأداء
دائما. وأما لو قلنا بكونها - أو مع الزلزلة - ملحقة بالكسوفين في توقيت صلاتها،
فوجه القضاء في صورتي تعمد الترك ونسيانه: عموم أدلة قضاء الفوائت.
* (أما لو جهلها) * حتى خرج وقتها * (فلا قضاء) * فيها وإن قلنا فيها
بالتسبيب على المشهور، بل في الروض: أنه لا نعلم بالوجوب قائلا
صريحا (1)، وفي المدارك: لأصالة البراءة، وفحوى ما دل على عدم الوجوب
في الكسوفين مع عدم احتراق القرص (2)، بل صريح ما دل على أن الصلاة في
جميع الآيات كلها سواء (3).
وفي الكل نظر، لاندفاع الأصل بأدلة قضاء الفوائت.
ومنع صدق الفوت مستندا إلى عدم تعلق الوجوب في الوقت، فاسد
إن أريد الوجوب الفعلي، لعدم اشتراطه في وجوب القضاء اتفاقا. وإن أريد
الوجوب الواقعي، فهو ثابت لم يتغير بالجهل، كما لو جهل المكلف كون
الشهر شهر رمضان.
ودعوى مدخلية العلم في سببية الوقت أو احتمالها، مدفوعة بظاهر
الأدلة، كما لا يخفى على من لاحظ حسنة الفضل بن شاذان (4) المشتملة على
ذكر علة صلاة الآيات، بل غيرها مما اشتمل على التكليف المختص بغير

(1) روض الجنان: 304.
(2) المدارك 4: 134، نقلا بالمعنى.
(3) انظر الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(4) الوسائل 5: 142، الباب الأول من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3.
171

الجاهل (1) دال - أيضا - على ثبوت الوجوب الواقعي للجاهل وإن لم ينجز
عليه التكليف، كما هو المفهوم من الخطابات التعليقية في العرف والعادة، فإن
طريقة العقلاء أخذ العلم بالموضوع والحكم من شروط تنجز التكليف لا من
شروط الحكم الواقعي، إلا أن يتمسك في ذلك بما في مرسلة المقنعة من
قوله عليه السلام: " إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الله بالصلاة " (2) حيث علق
الوجوب على الرؤية، ولكن مؤداها عند التأمل يرجع إلى غيرها.
وأما دعوى توقف تحقق التخويف على العلم - الذي هو سبب
الوجوب دائما - ينفع لو كان المناط حصول الخوف بالآية، لا حصول الآية
المخوفة، مع أن اعتبار تخويف جميع الأشخاص ممنوع، مع أن هذا لا يستقيم
في مثل الكسوف الغير الملحوظ فيه عنوان التخويف.
وأضعف مما ذكر: ما أشار إليه شارح الروضة في منع العمومات
المذكورة، من منع صدق الفريضة على تلك الصلاة المتروكة، لامتناع تكليف
الغافل (3)، فإن ظاهر هذا الكلام يقتضي (4) عدم القضاء إلا على متعمد الترك.
ومما يكذبه صريحا: إسناد النسيان إلى الفرائض وإطلاق النوم عنها
كثيرا في الأخبار (5).

(1) انظر الوسائل 5: 144، الباب 2 من أبواب صلاة الكسوف.
(2) المقنعة: 208 - 209، والوسائل 5: 143، الباب الأول من أبواب صلاة
الكسوف، الحديث 5.
(3) المناهج السوية (مخطوط): 237.
(4) كذا في " ط " و " ن "، وظاهر " ق ": يقضي.
(5) انظر الوسائل 5: 347، الباب الأول من أبواب قضاء الصلوات، وغيره من
الأبواب.
172

ومما يؤيد ما ذكرنا من صدق الفوت مع الجهل أيضا: قوله عليه السلام في
صحيحة علي بن جعفر عليه السلام في صلاة الكسوف: " إذا فاتتك فليس عليك
قضاؤها " (1) مع أن أدلة قضاء الفرائض لا تنحصر فيما علق الحكم فيه على
الفوت، بل يظهر من كثير منها تعليقه على نفس الترك، كما قرر في مسألة القضاء.
وأما فحوى ما دل على عدم الوجوب في الكسوفين فممنوعة، لأن
الحكم المذكور في الكسوفين مختص بحال عدم احتراق تمام القرص، إذ مع
الاحتراق يجب كما سيجئ، والمعلوم كون الكسوف بطبيعته أشد من سائر
الآيات، لا أن كل فرد منه كذلك، مع أن الأولوية اعتبارية ظاهرا.
نعم، ورد في الرواية أن: " كسوف الشمس أشد على الناس
والبهائم " (2)، وفي صحيحة الرهط: " إن الصلاة في هذه الآيات كلها سواء،
وأشدها وأطولها كسوف الشمس، تبدأ فتكبر بافتتاح الصلاة... إلى آخر
الرواية " (3)، وفي دلالتهما على الأولوية المدعاة نظر.
وأما ما ورد من التسوية بين صلاة الآيات مثل الصحيحة المذكورة
وغيرها (4)، فالظاهر منه إرادة المساواة في الكيفية لا في الأحكام، سيما في
محال وجوب القضاء، مع أن الكسوف قد يجب فيه القضاء كما في صورة
الاحتراق إجماعا، فدعوى مساواة سائر الآيات للكسوف في صورة عدم
الاحتراق تحكم بارد، فالحكم بوجوب القضاء - كما قواه في الروضة (5)

(1) الوسائل 5: 156، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 7.
(2) الوسائل 5: 150، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3.
(3) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(4) انظر الوسائل 5: 144 و 149، الباب 2 و 7 من أبواب صلاة الكسوف.
(5) الروضة البهية 1: 684.
173

والذخيرة (1) وبعض كتب المعاصرين (2) واحتمله في محكي النهاية (3) - قوي
جدا، خصوصا في الزلزلة، بناء على إطلاقهم أن صلاتها أداء دائما، اللازم
منه بقاء الوقت بعد زوالها، ولذا قوى احتمال الوجوب في النهاية (4) ومال إليه
الفريد البهبهاني أيضا في المحكي عنه (5).
وقد عرفت أن الأقوى عدم الفرق بينها وبين غيرها من الآيات في
وجوب الفعل بعد العلم بتحقق الآية (6)، سواء قلنا بكون الكل من باب
الوقت أو من باب السبب أو التفصيل بين الزلزلة وغيرها، بل لولا وجود
النص في الكسوفين تعين الحكم بالوجوب فيهما أيضا، كما حكي (7) عن
المقنعة (8) والكافي لأبي الصلاح (9) والمهذب (10)، بل حكي عن الصدوقين (11)

(1) لم نعثر عليه، نعم يظهر منه الميل إليه كما نسبه السيد الشفتي في مطالع الأنوار 5:
239، والمحقق النراقي في المستند 6: 242، انظر الذخيرة: 325.
(2) قواه المحقق النراقي في المستند 6: 242.
(3) نهاية الإحكام 2: 78.
(4) نهاية الإحكام 2: 78.
(5) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 229، وصاحب الجواهر في الجواهر 11: 431.
(6) العبارة من قوله: " في وجوب الفعل - إلى - بتحقق الآية " غير قابلة للقراءة في
" ق "، وأخذناها من " ن " و " ط ".
(7) حكى ذلك السيد الطباطبائي في الرياض 4: 126، والمحقق النراقي في المستند 6:
240، وصاحب الجواهر في الجواهر 11: 428، وغيرهم.
(8) المقنعة: 211.
(9) الكافي في الفقه: 156.
(10) المهذب 1: 124.
(11) حكى ذلك عنهما العلامة في المختلف 2: 281، وكتاب علي بن بابويه لا يوجد
لدينا، وانظر لما قاله ولده محمد بن علي بن بابويه، المقنع: 144.
174

والإسكافي (1) وظاهر الشيخ والسيد في الخلاف (2) والانتصار (3) مدعيين عليه
الإجماع كالحلي في السرائر (4)، للعمومات المتقدمة، وخصوص مرسلة حريز:
" إذا انكسف القمر واستيقظ الرجل فكسل أن يصلي فليغتسل من غد وليقض
الصلاة، وإن لم يستيقظ ولم يعلم بانكساف القمر فليس عليه إلا القضاء بغير
غسل " (5)، وفي المحكي عن جمل السيد أنه روي القضاء على كل حال (6).
وربما ينتصر له برواية أبي بصير: " فإن أغفلها أو نام عنها وجب
قضاؤها " (7).
وفيه: أن ظاهرها نسيان الصلاة أو النوم عنها، بل في دلالة مرسلة
حريز أيضا، لاختصاصها بصورة احتراق تمام القرص، بقرينة ذكر الغسل.
فلم يبق إلا المرسل المحكي عن الجمل، وهو - مع احتمال إرادة مرسلة
حريز - لا ينهض لإثبات مطلب إلا بالجابر المفقود في المقام، وعمومات
القضاء مخصصة - كما تقدم (8) - بصحيحة علي بن جعفر عليه السلام وغيرها
المتقدمتين (9).

(1) حكاه العلامة في المختلف 2: 281.
(2) الخلاف 1: 678 - 679، كتاب الصلاة، المسألة 452.
(3) الإنتصار: 173.
(4) السرائر 1: 321.
(5) الوسائل 5: 155، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 5.
(6) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 46.
(7) الوسائل 5: 155، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6.
(8) تقدم في الصفحة 169.
(9) راجع الصفحة 169.
175

ومنه يظهر الوهن في إجماع الحلي (1) حيث نص على انعقاده على
قاعدة قضاء الفوائت، وإجماع الانتصار (2) ظاهر في إرادة الموجبة المهملة في
مقابل العامة القائلين بالسلب الكلي، وإجماع الخلاف (3) معنون بترك صلاة
الكسوف، وظاهر الترك كونه مسبوقا بالعلم بالوجوب، ومع تسليم إطلاقه
فلا بد من تقييده بغير المسألة، لذهاب المعظم فيها على الخلاف، بل لم يحك
الخلاف في محكي التذكرة (4) إلا عن المفيد، وإن كان الخلاف غير منحصر فيه
كما عرفت وجهه من غيره (5)، وإن تنظر بعض في نسبته إلى بعض من تقدم
كوالد الصدوق والإسكافي (6).
وكيف كان، فلا ريب في ذهاب المعظم على خلافه، وأنه لا يجب
القضاء على الجاهل بالآية * (إلا في الكسوف بشرط احتراق القرص أجمع) *،
وهو الأقوى في المستثنى منه والمستثنى، بل عن شرح الجمل للقاضي
الإجماع على الأول (7)، وعن التذكرة ما عرفت.
ويدل عليه - مضافا إلى ما مر من عموم عدم القضاء في صلاة
الكسوف - خصوص صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم: " إذا انكسفت
الشمس كلها واحترقت ولم تعلم، وعلمت بعد ذلك فعليك القضاء، وإن لم

(1) تقدم في الصفحة السابقة.
(2) راجع الصفحة السابقة.
(3) راجع الصفحة السابقة.
(5) راجع الصفحة السابقة.
(4) التذكرة 4: 181، وانظر المقنعة: 211.
(6) انظر الحدائق 10: 319 - 320، ومفتاح الكرامة 3: 227، والجواهر 11: 429.
(7) حكاه الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 267، وانظر شرح جمل العلم
والعمل: 135.
176

تحترق كلها فليس عليك قضاء " (1)، ونحوها رواية حريز في التهذيب (2)،
ورواية الفضيل (3) بن يسار في الفقيه (4).
وبها يستدل على الحكم في المستثنى، مضافا إلى الإجماع المحكي عن
شرح الجمل للقاضي (5) ونفي الخلاف عن بعض آخر (6).
هذا كله في ما لو ترك صلاة الآيات لعذر عقلي كالنسيان والجهل،
وأما لو تركها لعذر شرعي كفقد الطهور، فالظاهر وجوب القضاء في
الكسوف، لصدق الفوت، كما إذا فقد الطهور لليومية، وما تقدم (7) من عموم
نفي القضاء عن فائتة الكسوفين غير منصرف إلى هذا الفرد من الفوت.
ويمكن معارضة ذلك بدعوى الانصراف في أدلة القضاء أيضا، لما
تقدم من عدم انحصار أدلة القضاء (8) في أدلة الفوت، مع وهن ذلك العموم

(1) الوسائل 5: 155، الباب 10 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
(2) التهذيب 3: 157، الحديث 337، وعنه الوسائل 5: 155، الباب 10 من أبواب
صلاة الكسوف، الحديث 4.
(3) في " ف " يحتمل: الفضل.
(4) الفقيه 1: 549، الحديث 1529، وعنه الوسائل 5: 154، الباب 10 من أبواب
صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(5) تقدم في الصفحة السابقة.
(6) ادعى نفي الخلاف الحلي في السرائر 1: 321، والطباطبائي في الرياض 4: 128،
لكن كلاهما في مورد النسيان، ونقل المحقق النراقي في المستند (6: 236) التصريح
بعدم الخلاف في وجوب القضاء مع احتراق القرص كلا مطلقا.
(7) تقدم في الصفحة 169.
(8) تقدم في الصفحة 173.
177

بكثرة التخصيص.
وأما الحائض، فإن أدركت من أول وقت الكسوف مقدار الصلاة مع
الشرائط المفقودة المطلقة وجب القضاء، سواء فقدت الشرائط الاختيارية أم
لا، إذ بفقدها لا يفقد التكليف، فيدخل في عموم التعليل المستفاد من أدلة
قضاء الحائض للصلاة اليومية في هذا الفرض، فإن تعليل وجوب القضاء
بأنها فرطت في الصلاة أو ضيعتها يدل على ما نحن فيه، مضافا إلى صدق
الفوت حينئذ.
وإن لم تدرك هذا المقدار لم يجب القضاء، للأصل، وعموم ما دل على
أن الحائض لا تقضي الصلاة (1). مع إمكان دعوى عدم صدق الفوت.
وإن أدركت من أول الوقت مقدار الصلاة من غير سورة فالظاهر
أيضا عدم القضاء، لأن الظاهر من التعليل بتضييع الصلاة هي ترك الصلاة
التامة وإن فقدت بعض الشرائط المفقودة.
وإن أدركت من آخر الوقت مقدار ركعة مع الشرائط المطلقة المفقودة
وجب أيضا، ومع الترك فعليها القضاء، وإلا فلا أداء ولا قضاء.
هذا في الكسوف، وأما غيره فالظاهر أنها كالكسوف إذا أدرك من
مجموع زمان الآية وما بعدها مقدار الصلاة مع الشرائط المطلقة المفقودة وإن
لم يتسع للشرائط الاختيارية.
وإن لم يدرك ذلك المقدار لم يجب الفعل ولو قلنا بكون تلك الآيات
أسبابا لا أوقاتا، إذ ليس المراد بسببيتها السببية المطلقة على حد سببية
الجنابة لوجوب الغسل، والإتلاف للضمان، لعدم الدليل على ذلك، بل المتيقن
هي مدخلية جزء من وقت الآية في سببية الصلاة، فمن أدركه جامعا

(1) انظر الوسائل 2: 588، الباب 41 من أبواب الحيض وغيره.
178

لشرائط الوجوب الواقعي وإن لم يتنجز (1) عليه التكليف كالجاهل على ما
اخترنا أو لشرائط تنجز الخطاب بالدخول في الفعل - ليخرج الجاهل على
المشهور ويدخل الناسي - وجب عليه الصلاة، ومن لم يدركه فلا يجب.
ومن هنا تبين أن ما ادعاه المحقق الثاني (2) من الإجماع على توقيت
صلاة الزلزلة معناه كون وقتها دخيلا في السبب، لأن السبب مجرد حركة
الأرض حتى يجب على الصبي بعد البلوغ كالغسل والوضوء، والظاهر أن
التوقيت بهذا المعنى إجماعي (3).
[* (ووقت الزلزلة مدة العمر، ويصليها أداء وإن سكنت) *] (4).
* (ويستحب) * في صلاة الآيات * (الجماعة) * عندنا كما في كشف
اللثام (5)، بل عن التذكرة (6) والخلاف (7) الإجماع عليه، لإطلاق أدلة

(1) كذا ظاهرا، ويحتمل: ينجز.
(2) حاشية الشرائع (مخطوط)، الورقة 34.
(3) هذا آخر ما في الصفحة اليمنى من الورقة 158 من " ق "، وبعده بياض بمقدار ستة
أسطر، وقوله: " يستحب " أول الصفحة اليسرى من الورقة 158، وأشار إلى ذلك
ناسخا " ن " و " ط " في الهامش.
(4) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا من
النسخ.
(5) كشف اللثام 1: 265.
(6) التذكرة 4: 184.
(7) الخلاف 1: 683، كتاب الصلاة، المسألة 459، وفيه: " صلاة الكسوف تصلى فرادى
وجماعة "، ولم نقف على غيره فيه، ولا من حكى عنه الاستحباب، والمحكي عنه في
الجواهر 11: 444 وغيره ما يلي: " في الخلاف الإجماع على صلاتهما جماعة وفرادى ".
179

الجماعة (1) عموما وخصوصا في خصوص هذه الصلاة، ففي رواية ابن أبي
يعفور (2): " إذا انكسف الشمس والقمر فإنه ينبغي للناس أن يفزعوا إلى إمام
ليصلي (3) بهم، وأما (4) كسف بعضه فإنه يجزي الرجل أن يصلي وحده " (5)
وظاهرها وجوب الجماعة مع احتراق القرص كما يحكى عن الصدوقين (6)
وكذا عن المفيد في خصوص القضاء (7).
لكن ذيلها يدل على رجحان الجماعة أيضا، فضلا عن جوازها مع
عدم الاحتراق، وقد حكى عن ظاهر الصدوقين وجوب الجماعة مع
الاحتراق والانفراد مع عدمه، والرواية تدل بصدرها على الأول وبذيلها
على خلاف الثاني، فليحمل التفضيل على تأكد الاستحباب أو عدمه، كما
يشهد له إطلاق رواية محمد بن يحيى الساباطي عن الرضا عليه السلام: " عن

(1) منها ما في الوسائل 5: 370، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة وغيره.
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: منصور.
(3) كذا في " ق " والتهذيب 3: 292، الحديث 8، وفي " ن " و " ط " والوسائل:
يصلي.
(4) كذا في النسخ، وفي الوسائل: وأيهما.
(5) الوسائل 5: 157، الباب 12 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
(6) حكاه العلامة في المختلف 2: 290، نعم في مطالع الأنوار (5: 329): الظاهر من
شيخنا الصدوق في المقنع تعين الإتيان بها جماعة في صورة احتراق كل القرص
وفرادى في صورة احتراق بعضه... إلى أن قال: وهو المحكي عن والده، ووافقهما
شيخنا المفيد قدس الله تعالى روحه.... راجع المقنع: 143، ولا يوجد لدينا كتاب
علي بن بابويه.
(7) المقنعة: 211.
180

صلاة الكسوف تصلى جماعة أو فرادى؟ قال: أي ذلك شئت " (1) ونحوها
رواية روح بن عبد الرحيم (2).
والظاهر جواز اقتداء المعيد بهذه استحبابا بمثله، لما سيجئ من أن
الظاهر اختصاص أدلة المنع عن الجماعة في النافلة (3)، بالنافلة الذاتية.
ثم إن ظاهر الأخبار المرغبة في جماعة هذه الصلاة - مع عدم التعرض
فيها لبيان كيفيتها - اتحادها مع الجماعة في اليومية من حيث الأحكام
والشرائط، مثل أن الإمام لا يتحمل سوى القراءة في الركعة التي أدركها
المأموم ولو في ركوعها، ومثل وجوب المتابعة اختيارا إلا في بعض موارد
النص مثل قعوده للتشهد مع قيام الإمام، ونحو ذلك.
ومن ذلك يظهر ما ذهب إليه المشهور - على ما قيل (4): - من أنه لو لم
يدرك الإمام في الركوع الأول من هذه الصلاة لم يجز الدخول معه، بحيث
يحتسب ذلك ركعة، بل يصبر حتى يدخل في الثانية أو يدخل معه بمحض نية
المتابعة، كما يتابعه إذا أدركه بعد ركوع الركعة الأخيرة.
ووجه عدم الجواز: أنه إذا لم يدرك القيام الأول فإن لم يتدارك
الفائت منه من الركوعات بطلت صلاته، لأن الإمام لا يتحمل الركن
إجماعا، وإن تداركه قبل السجود أو أتمها من ركوعات الركعة الثانية ثم
تدارك ما نقص منها في الركعة الثانية بين الركوعات أو بعدها قبل السجود

(1) الوسائل 5: 158، الباب 12 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3.
(2) الوسائل 5: 157، الباب 12 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(3) راجع الوسائل 5: 191، الباب 10 من أبواب النافلة في شهر رمضان.
(4) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 11: 445 - 446.
181

لزم مخالفة الإمام في الركن بأن يأتي بالأركان لنفسه من غير عذر، بل يلزم
الانفراد بالنسبة إلى ذلك الركن ثم الرجوع إلى الجماعة، وكل ذلك مناف
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الخبر المشهور: " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا
كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا " (1) دل على أن المقصود
الأصلي من تشريع الجماعة متابعة الإمام في الأفعال سيما في مورد الخبر من
الدخول في الصلاة وبالركوع والسجود، فدل على أن كل ما لم يقصد الشارع
فيه المتابعة في الأفعال فليست الجماعة فيه بمشروعة، لعدم تحقق العلة الغائية.
فهذا هو السر في عدم جواز الائتمام مع اختلاف هيئة الصلاتين، وإلا
فعدم الجواز فيها ليس لأجل عدم إمكان قيام المأموم بوظائف نفسه ثم
اللحوق بالإمام، فإن المصلي للكسوف مع من يصلي الصبح يمكن تطويل
الإمام السجود حتى يفرغ المأموم من ركوعاته فيلحقه.
وبالجملة، فمطلوبية الاقتداء في كل فعل من لوازم ماهية الجماعة كما
يستفاد من الخبر المذكور، فكل صلاة للمأموم لا يطلب في أفعالها متابعة
الإمام فلا تشرع فيه الجماعة.
ومما ذكرنا يعلم أنه يكفي في الاستدلال بالرواية ثبوت مطلوبية
المتابعة وإن لم يكن شرطا في صحة الصلاة أو الجماعة.
فلا وجه لما يقال (2) في الجواب عنها: إن وجوب المتابعة تعبدي

(1) مستدرك الوسائل 6: 491، الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
وانظر عوالي اللآلي 2: 225، الحديث 42، وكنز العمال 7: 602، الحديث
20464.
(2) انظر الجواهر 11: 447.
182

لا شرطي، ولا لما قيل (1) من أنه: لا يعتبر في المتابعة المقارنة، بل المراد أن
يشتغل بما يفعله الإمام قبل فراغه منه، وهو حاصل فيما نحن فيه إذا أتم
الركوعات ولحقه في السجود، لأن المقصود من المتابعة الفائتة هو المتابعة في
الركوعات التي يفعلها مستقلا، مع أنه مأمور بأن لا يركع إلا بركوع الإمام
وأن لا يسجد إلا بسجوده.
ولا وجه أيضا لما أورد من النقض بفوت القدوة في بعض الأحيان
لعذر، كما إذا زوحم المأموم عن الركوع والسجود أو سها عن أحدهما بل
عنهما حتى قام الإمام، فإن ذلك يقدح في بقاء الجماعة، بل العلم قبل الصلاة
بتحقق المزاحمة أيضا لا يقدح في الابتداء، لأن الرخصة في الإبقاء مع اتفاق
فوت القدوة في بعض الأفعال أو الرخصة في الابتداء مع العلم بالفوت
لا ينافي كون المقصود للشارع هو الاقتداء والائتمام، إذ رب غاية تفوت
ولا تحصل ويمضي الشارع لمعلولها.
مع أن الرخصة في الشروع في الائتمام مع العلم بفوات القدوة غير
معلوم وإن استدلوا (2) له بروايتين وردتا في من زوحم عن الركوع والسجود
في صلاة الجمعة (3) بدعوى استفادة الحكم منها مع العلم بتحقق المزاحمة، لكنه
محل نظر ومنع يظهر بمراجعة تلك الأخبار.
وإنما المنافي لكون العلة الغائية الاقتداء هو كون المقصود للشارع في
خصوص صلاة عدم المتابعة مع قيام (4) الإمامة والائتمام كما في الاقتداء في

(1) انظر الجواهر 11: 447.
(2) في " ن " و " ط ": استدل.
(3) الوسائل 5: 32 - 33، الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 1 و 3.
(4) كذا في " ق " ظاهرا، وفي " ن " و " ط ": مع بقاء.
183

صلاة الآيات باليومية، نعم قد خرج من الكلية المزبورة تخلف المأموم
للتشهد المختص به حيث يقعد المأموم مع قيام الإمام، لكن الفرق بين التشهد
والركوع هو أن الشارع لما أوجب التشهد في محل تشهد المأموم لم يسقط
وجوب المتابعة عنه لأن يقوم ويلحق الإمام ولو في الركوع، فإذا لم يمهله
للقراءة أو التسبيح في الركعة الثالثة أمره الشارع بتركها والمتابعة في الركوع،
وهذا لا يتحقق فيما نحن فيه، لأنه إذا لم يمهله الإمام حتى يركع، فإن أمر
بترك الركوعات خالف ما دل على بطلان الصلاة بالسهو عن الركن فضلا
عن التعمد، وإن أمره بالتخلف عن سجود الإمام لزم ما قلناه من خلاف
غرض الشارع.
نعم لو أمر الشارع الإمام بتطويل السجود حينئذ كان حسنا، لكنه كما
ترى مناف لوضع الجماعة.
والحاصل: أن استقلال المأموم بركن أو أكثر من أفعال صلاته إنما
يصح إذا اتفق فوت الاقتداء لا مطلقا، ولعله لما ذكرنا من كون استقلال
المأموم في الركوعات الباقية عليه أمرا مفروغ الفساد اقتصر الفاضلان في
الاستدلال على عدم جواز الدخول: بأن الركوع ركن لا يتحمله الإمام (1)،
وإن زاد الشهيد في الذكرى على ذلك ما ذكرنا من لزوم التخلف عن
الإمام (2).
ثم مما ذكرنا يظهر أن ما قواه المحقق الثاني من جواز الدخول إلى محل
الافتراق فيفرد (3)، محل نظر أيضا، لما ذكرنا من أن الظاهر من الرواية

(1) المعتبر 2: 336، والتذكرة 4: 185.
(2) الذكرى: 248.
(3) جامع المقاصد 2: 470.
184

انحصار شرعية الجماعة في صلاة أو بقية صلاة في صورة يكون مقصود
الشارع (1) الائتمام بأفعالها لا ما إذا كان مقصوده التخلف في (2) بعض أفعالها،
نعم (3) لو كان المستفاد من دليل مشروعيتها المشروعية مع تحقق الائتمام في
أبعاض (4) الصلاة لا غير، توجه الحكم المذكور، لكن الظاهر أن مشروعية
الجماعة ولو في جزء من الصلاة تابعة لكون الصلاة إلى آخرها من الإمام
أو المأموم قابلة للائتمام بأفعالها، فلا يتوهم من ذلك إنكار جواز الدخول مع
قصد الانفراد في الأثناء، إذ المنكر هو جوازه مع تحقق الانفراد قهرا في
الأثناء.
وبعبارة أخرى: شرعية الاقتداء في البعض تابعة لشرعيته في الكل،
فكل صلاة من الإمام أو المأموم لم يطلب الائتمام فيها في مجموع ما يقابله
من صلاة الآخر، فالجماعة غير مشروعة فيها كلا وبعضا، لا أن شرعيته في
البعض تابعة لفعلية الاقتداء في الكل حتى يدفع ذلك بجواز الدخول مع تعمد
الانفراد من أول الأمر أو مع العلم بطرو العذر.
هذا كله، مضافا إلى ما دل على أن الركعة التي لا تدرك ركوعها مع
الإمام لا تعد مع الإمام بركعة (5). وهو صادق فيما نحن فيه، فإن الظاهر أن

(1) في " ق ": الشارح.
(2) في " ن " و " ط ": عن.
(3) في " ن ": ثم.
(4) في " ن " و " ط ": " بأبعاض "، وفي " ق ": من أبعاض.
(5) انظر الوسائل 5: 441، الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة، والصفحة 448،
الباب 49 من أبواب صلاة الجماعة وغيرهما.
185

حكم كل واحد من الركوعات حكم ركوع الصلاة، فبفواته تفوت الركعة،
ولا ينفع إدراك الركوع الآخر، وإلا لكان حكم الركوع مختصا بالخامس من
هذه الركوعات.
هذا كله، مضافا إلى أصالة عدم مشروعية الجماعة وعدم انعقادها،
لترتب الأحكام المخالفة للأصل، ولا مدفع عن هذا الأصل عدا ما يتوهم
من استصحاب جواز الدخول سابقا، وعمومات الجماعة، وعموم: " إذا
فاتتك مع الإمام شئ فاجعل ما استقبلت من الصلاة أول صلاتك " (1)، وفي
الجميع نظر.
أما في الاستصحاب، فلأن المدخول (2) فيه سابقا الذي قطعنا بجوازه،
هو الركعة الكاملة للإمام، والذي يراد إثبات جوازه هو جزء الركعة.
وإن شئت قلت: الجائز أولا هو الدخول في الركوع الأول، والذي
يراد تجويزه هو الدخول في الركوع الثاني.
وأما في العمومات، فلاختصاصها بالصلاة التي يطلب فيها الائتمام في
جميع الأفعال إلى فراغ صلاة أحدهما، لما عرفت من دلالة قوله: " إنما جعل
الإمام إماما " (3).
وأما الرواية، فهي ظاهرة في أن المدرك لا بد أن يجعل أول الصلاة في
مقابلة العامة الجاعلين له آخرها (4)، لا في أن الإدراك بأي شئ، وما حده؟

(1) انظر الوسائل 5: 444، الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) لعله كذا في " ق "، وفي " ن " و " ط ": " الدخول ".
(3) راجع الصفحة 182.
(4) الشرح الكبير (المطبوع مع المغني) 2: 10، والمجموع 4: 118، والمغني،
لابن قدامة 2: 407 - 408.
186

فبيان ما به يدرك موكول إلى غيره من الأخبار، وقد عرفت أنها تدل على
أن إدراك الركعة بإدراك الركوع المفقود في المقام إلا على جعل كل قيام مع
ركوعه ركعة، وقد عرفت (1) أن التحقيق ظهور الركعة في ما يشتمل على
السجود، ومن البين أنه لا يمكن الحكم بإدراك الركعة بهذا المعنى بمجرد
إدراك بعض الركوعات.
ودعوى انصراف الركوع في تلك الأخبار إلى الركوع الواحد في
اليومية لا غير، يدفعها أن البناء على ذلك، وفتح هذا الباب يوجب سقوط
الاستدلال بالرواية المتقدمة (2) لإثبات جواز الدخول، بل سقوط الاستدلال
بجميع أخبار الجماعة لأحكام جماعة الكسوف.
فالتحقيق: أن المستفاد من الأخبار هو كون صلاة الكسوف ركعتين،
في كل ركعة خمس ركوعات، فيثبت لكل ركعة منه في الجماعة ما ثبت
لركعات اليومية في باب الجماعة، حتى في اشتراط إدراك الركعة بإدراك
الركوع الراجع في الحقيقة إلى عدم اعتبار حضوره حين القراءة، وكما
يكون كل ركعة منه مثل ركعة اليومية في أحكام الجماعة كذلك لكل ركوع
من الخمس حكم ركوع الركعات اليومية حتى في أحكام الجماعة.
ولا يتوهم أن مقتضى ذلك إدراك الركعة بإدراك بعض منها - لأن كل
منها كركوع اليومية سبب في إدراك الركعة - لأن إدراك الركعة لا يتحقق
بإدراك ما عدا الأول قطعا، لما عرفت من أن المراد بإدراك الركعة:
احتساب ما مضى بركعة.

(1) في الصفحة 185 - 186.
(2) في الصفحة السابقة.
187

هذا كله، مع أن المستفاد من أدلة هذه الصلاة وجوب الحمد في القيام
الأول قطعا وعدم وجوبه في غيره، إلا إذا فرغ من سورة وأراد أخرى (1)،
ومن البين أن هذا المأموم لم يقرأ الحمد فيه ولم يقتد بإمام حتى يسقط عنه،
ولذا يلتزم (2) من جوز الاقتداء وجوب الفاتحة في الركوعات التي يتفرد (3)
بها.
نعم، لو قلنا بما حكي في كشف اللثام عن ظاهر حل المعقود في
جمل العقود (4) من سقوط الركوعات التي لم يدركها، سقط القراءة اللازمة
عليه أيضا بالأولوية (5)، لكنه - كما في الكشف - غريب، مخالف لظواهر
الأدلة.
وكيف كان، فالمسألة لا تخلو عن مخالفة الأصل، بل الأصول، فلا يقدم
عليها بمجرد إمكان المعالجة أو ورود بعض التخلفات أو المخالفات في نظائرها
في الجماعة، ولذا لم ينازع أحد في الحكم المذكور إلى زمان بعض المعاصرين.
نعم، يظهر من الفقهاء كون الجواز وجها في المسألة، لكن لم يصر إليه أحد

(1) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب القراءة.
(2) في " ن " و " ط ": التزم.
(3) في " ن " و " ط ": ينفرد.
(4) الظاهر أن اسم الكتاب: " حل المعقود من الجمل والعقود " كما في كشف اللثام 1:
266، والكتاب لقطب الدين الراوندي سعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله
الراوندي المتوفى سنة 573 (فهرست منتجب الدين: 87)، أو " حل العقود عن
عصمة المفقود " كما في الذريعة 7: 71، وهو للشيخ عبد الله بن الحاج صالح
السماهيجي البحراني البهبهاني المتوفى سنة 1135 ه‍.
(5) كشف اللثام 1: 266.
188

منهم فيما اعترفوا به.
* (و) * يستحب * (إطالة) * الصلاة * (بقدر (1)) * الكسوف، بلا خلاف
ظاهر، بل عن جماعة الإجماع عليه (2)، للأخبار، كموثقة عمار: " إن صليت
الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس والقمر وتطول في صلاتك
فإن ذلك أفضل " (3)، وكصحيح الرهط الحاكي لتطويل النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
" ففرغ حين فرغ وقد انجلى كسوفها " (4)، ونحوها رواية ابن القداح: " إن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالناس ركعتين وطول حتى غشي على بعض من
خلفه من طول القيام " (5)، ونحوها المرسل المحكي عن المقنعة (6).
وفي رواية محمد بن مسلم: " إن صلاة الكسوف أطول من صلاة
خسوف القمر " (7).
والظاهر أن المراد استحباب الأطولية إذا لم يأت بالمستحب الذي هو
التطويل بقدر زمان الآية.

(1) العبارة في الإرشاد هكذا: والإطالة بقدره.
(2) حكى ذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 211، عن المعتبر والمفاتيح
والنجيبية وظاهر الغنية، وانظر المعتبر 2: 336، ومفاتيح الشرائع 1: 31،
والغنية: 97.
(3) الوسائل 5: 153، الباب 8 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
(4) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(5) الوسائل 5: 154، الباب 9 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
(6) المقنعة: 210، الوسائل 5: 154، الباب 9 من أبواب صلاة الكسوف،
الحديث 3.
(7) الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6.
189

* (و) * يستحب * (الإعادة) * للصلاة * (لو لم ينجل) * على المشهور،
لموثقة عمار المتقدمة خصوصا ذيلها، وهو قوله فيها (1): " وإن أحببت أن
تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز " (2).
وأصرح منه صحيحة محمد بن مسلم: " فإن فرغت قبل أن ينجلي
فاقعد وادع الله سبحانه حتى ينجلي " (3).
ولذلك كله يحمل قوله عليه السلام: " إذا فرغت قبل أن ينجلي فأعد
صلاتك " (4) على الاستحباب.
ومن ذلك كله يظهر ضعف ما حكي عن جماعة من القول بوجوب
الإعادة (5). وأضعف منه ما عن الحلي من كون الإعادة تشريعا (6)، والظاهر
ثبوت الاتفاق على خلافه.

(1) لعله كذا في " ق "، وفي " ن " و " ط ": فيهما.
(2) راجع الصفحة السابقة.
(3) الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6.
(4) الوسائل 5: 151 - 153، الباب 7 و 8 من أبواب صلاة الكسوف.
(5) حكى ذلك المحقق النراقي في المستند 6: 249، والسيد الشفتي في مطالع الأنوار 5:
403 عن ظاهر السيد والحلبي والديلمي، انظر جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى) 3: 46، والكافي في الفقه: 156، والمراسم: 81، وحكى السيد العاملي في
مفتاح الكرامة 3: 212 عن الحدائق القول بوجوب الإعادة أو الدعاء تخييرا، انظر
الحدائق 10: 334.
(6) لم نقف عليه، نعم حكى السيد العاملي في المدارك 4: 142 المنع عن الإعادة عن
الحلي، وحكي عنه نفي الوجوب والاستحباب في مفتاح الكرامة 3: 212، كما حكي
عنه إنكارهما في مطالع الأنوار 5: 403، انظر السرائر 1: 324.
190

* (و) * يستحب أيضا - إجماعا كما عن جماعة (1) - * (قراءة) * السور
* (الطوال) * كالكهف والحجر على ما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم
باستثناء ما إذا شق التطويل على من خلفه (2) - فيكون تطويل
النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى غشي على بعض من خلفه (3) محمولا على داع
خاص - ومثل يس والنور كما في موثقة أبي بصير، وفيها إبدال ستين آية
لمن لا يحسن يس وأشباهها (4).
* (ومساواة الركوع والسجود) * في الطول * (للقراءة) *، لقوله عليه السلام
في الموثقة المذكورة: " ويكون ركوعك مثل قراءتك، وسجودك مثل
ركوعك "، وفي صحيحة زرارة وابن مسلم المتقدمة: " وتطيل القنوت
والركوع على قدر القراءة والركوع والسجود " (5)، والظاهر أن كلمة " والركوع "
أخيرا زيادة، ويؤيده ما قيل: من أن الصحيحة مروية في الخلاف بحذف
تلك الكلمة (6).

(1) منهم الشيخ في الخلاف 1: 680، كتاب الصلاة، المسألة 453، والسيد ابن زهرة
في الغنية: 97، والسيد الطباطبائي في الرياض 4: 138، والمحقق النراقي في المستند
6: 252.
(2) الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6.
(3) راجع الصفحة 189.
(4) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
(5) راجع الصفحة 142.
(6) قاله السيد الشفتي في مطالع الأنوار 5: 406، ولكن الكلمة موجودة فيما بأيدينا
من الخلاف، انظر الخلاف 1: 680، كتاب الصلاة، ذيل المسألة 453.
191

والمحكي عن جماعة (1) عدم التعرض لاستحباب مساواة السجود
ولا القنوت للقراءة، وكأنهم جعلوا قوله عليه السلام: " والركوع على قدر
القراءة " جملة خبرية، وقوله: " السجود " بالنصب عطفا على " القنوت ".
وهو خلاف الظاهر.
والأولى مساواة القنوت لها أيضا كما عن الذكرى (2) والدروس (3)
وجماعة (4)، بل قيل: لا أجد فيه خلافا (5)، بل عن الغرية الإجماع عليه (6).
ثم الظاهر من الروايتين (7) أن المراد مساواة كل ركوع للقراءة التي
ركع عنها، لا لمجموع القراءات الخمس، ولا لمجموع ما تقدمه منها.
ولكن الأظهر أن المراد استحباب إطالة الركوع بمقدار الطول المستحب
في القراءة، فلا ينتفي وظيفة التطويل في الركوع إذا لم يقم بها في القراءة،
فقوله: " ويكون ركوعك مثل قرائتك " بعد قوله بلا فصل: " تقرأ مثل يس
والنور " يعني أنه يستحب أن يكون الركوع بقدر قراءة إحدى السورتين،
لا بمقدار قرائتك الشخصية التي صدرت منك. كيف؟ والحمل على هذا المعنى

(1) مثل ابن حمزة في الوسيلة: 112، والمحقق في الشرائع 1: 103، والمختصر 1: 39،
ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع: 109، والعلامة في القواعد 1: 292.
(2) الذكرى: 245.
(3) الدروس 1: 196.
(4) منهم المحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 469، والرسالة الجعفرية (رسائل المحقق
الكركي) 1: 133 وغيره، انظر مفتاح الكرامة 3: 213.
(5) قاله صاحب الجواهر في الجواهر 11: 455.
(6) لا يوجد لدينا، وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 213.
(7) وهما موثقة أبي بصير وصحيحة زرارة، راجع الصفحة السابقة.
192

موجب للحكم بعدم استحباب التطويل في الركوع إلا إذا طول في القراءة،
مع أن معاقد الإجماعات على تطويله مطلقة، وقد صرح بعض من استظهر
المعنى الذي ذكرناه أولا: بأن المراد من مساواة السجود للركوع مساواته
للركوع الذي يسجد عنه، ولازمه ذلك أيضا في القنوت، ولا يخفى عليك
بعده، وعلى ما ذكرنا فلا إشكال.
* (و) * يستحب أيضا * (التكبير عند الرفع) * من كل ركوع (1)، كما
يستحب عند الأخذ فيه، وعن المعتبر (2) والمنتهى (3) والتذكرة (4) نسبة ذلك إلى
علمائنا، لصحيحة محمد بن مسلم: " تركع بتكبيرة وترفع بتكبيرة إلا في
الخامسة التي تسجد فيها، تقول: سمع الله لمن حمده " (5).
وظاهر العبارة تأتي السنة بالتكبير حال الرفع كما عن ظاهر بعض
وبعده كما عن ظاهر آخر (6)، وهو ظاهر الصحيحة، فإن ظاهر الرفع
بالتكبير إرادة الأعم من تأخر التكبير عن الرفع - بقرينة عطفه على
الركوع بالتكبير - ومقارنته له مع عدم اشتراط تأخر التكبير عن الركوع
إجماعا.
وكيف كان، فالتكبير ثابت في كل رفع * (إلا في الخامس والعاشر

(1) في " ق ": " تكبير " بدل " ركوع "، وهو سهو.
(2) المعتبر 2: 338.
(3) المنتهى 1: 351.
(4) التذكرة 4: 174.
(5) الوسائل 5: 151، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 6.
(6) انظر مطالع الأنوار 5: 410.
193

فيقول: سمع الله لمن حمده) * إجماعا كما عن جماعة (1)، للصحيحة المتقدمة،
ونحوها صحيحة الرهط المتقدمة: " ثم ترفع رأسك في الخامسة، فإذا رفعت
رأسك قلت سمع الله لمن حمده ثم تخر ساجدا ثم تقوم فتصنع كما صنعت في
الأولى " (2). نعم في النفلية (3) وشرحها (4) وجود رواية عن إسحاق بن عمار في
عموم التسميع إذا ركع بعدما فرغ من السورة وإن لم يكن الخامسة والعاشرة (5).
[* (والقنوت خمسا) *] (6).
* (ويتخير) * المكلف * (لو اتفق) * وجوب هذه الصلاة * (مع الحاضرة
ما لم تتضيق) * وقت * (الحاضرة) * عند الأكثر كما في المعتبر (7)، بل عن
التذكرة نفي الخلاف عن [عدم] (8) وجوب الاشتغال بالحاضرة مع اتساع

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 213، عن الخلاف والغرية وظاهر
المعتبر والتذكرة والمنتهى، انظر الخلاف 1: 680، كتاب الصلاة، المسألة 453،
والمعتبر 2: 338، والمنتهى 1: 351، والتذكرة 4: 174، المسألة 476، والرياض
4: 138.
(2) الوسائل 5: 149، الباب 7 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول. وراجع
الصفحة 142 و 143.
(3) الألفية والنفلية: 135.
(4) الفوائد الملية: 117.
(5) لم نقف على الرواية في المصادر الحديثية، وإنما وردت في الفوائد الملية: 117، عما
في هامش الألفية والنفلية: 135.
(6) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف له فيما بأيدينا من النسخ.
(7) المعتبر 2: 340.
(8) من المصدر.
194

وقتهما (1)، لكن يحتمل أن يكون مراده جواز تأخير الحاضرة عن أول
الوقت، لا جواز تقديم صلاة الآية عليها، فيكونان نظير الظهر والعصر.
ويقربه - وإن بعد في نفسه - حكاية وجوب تقديم الحاضرة عن ظاهر
جماعة كالصدوقين والسيد في المصباح والشيخ في النهاية وابن حمزة وابن
البراج (2)، بل عن التنقيح نسبته إلى الأكثر (3)، إلا أن يريدوا بوقت الفريضة
في كلامهم وقته المضيق فيجتمع مع نفي الخلاف عن عدم وجوب تقديم
الحاضرة، وينحصر الخلاف في وجوب تقديم صلاة الآية، كما حكي (4) عن
السيد (5) والعماني (6) والآبي (7) والحلي مدعيا في السرائر الإجماع عليه (8)،
حاكيا عن الشيخ الموافقة في جمل العقود (9).
لكن الظاهر أن نسبة هذا القول إلى هؤلاء - كلا أو بعضا - ناش عن
التعبير في المسألة بما ظاهره الوجوب الذي لا بد من حمله على الجواز في

(1) التذكرة 4: 189، المسألة 494.
(2) حكى ذلك عنهم الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1: 268، وانظر المقنع:
143، والفقيه 1: 550، ذيل الحديث 1531، ولا يوجد لدينا كتاب والد الصدوق
ولا مصباح السيد، وانظر النهاية: 137، والوسيلة: 112، والمهذب 1: 125.
(3) التنقيح 1: 243.
(4) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 231.
(5) انظر جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 45.
(6) انظر المختلف 2: 287، والذكرى: 246.
(7) كشف الرموز 1: 191.
(8) السرائر 1: 323.
(9) انظر الجمل والعقود (الرسائل العشر): 175.
195

مقام توهم الحظر الذي هو ظاهر جماعة من القدماء على ما عرفت، إذ
المحكي من كلام الحلي صريح في عدم تعيين تقديم الكسوف، مع أن المحكي
عن جمل العقود - الذي جعله الحلي موافقا لنفسه - هو عين ما في النهاية التي
لم يزد فيها على أن قال: خمس صلوات يصلين على كل حال (1). بل قيل:
ومثله المحكي عن كلام المرتضى (2).
وكيف كان (3)، فلا محيص عن مذهب المشهور، لأصالة التخيير في
الموسعين، وعمومات الإذن في صلاة الكسوفين أي وقت اتفقا، مثل ما دل
على أن خمس صلوات يصلين في كل حال (4)، وخصوص ما دل على الإذن
فيها في خصوص وقت الفريضة، مثل قوله عليه السلام في الصحيحة: " إذا وقع
الكسوف أو بعض هذه الآيات صليتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت
الفريضة " (5).
وبه يحمل ما ورد من الأمر بالابتداء بالفريضة - كما في المصحح:
" عن صلاة الكسوف في وقت الفريضة، قال: إبدأ بالفريضة " (6) - على
الاستحباب، أو يقيد بالوقت المضيق.

(1) النهاية: 61.
(2) لم نقف عليه ولا على من حكاه.
(3) لم ترد " كان " في " ق ".
(4) انظر الوسائل 3: 175، الباب 39 من أبواب المواقيت، الحديث 5، والمستدرك
3: 148، الباب 31 من أبواب المواقيت.
(5) الوسائل 5: 148، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 4.
(6) الوسائل 5: 147، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث الأول.
196

وأما الصحيح: " ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء
الآخرة، فإن صليت الكسوف خشيت أن تفوت الفريضة، قال: إن خشيت
ذلك فاقطع صلاتك واقض فريضتك ثم عد فيها " (1) فحمله على خوف
فوات (2) وقت إجزاء العشاء وإن كان بعيدا - فيدل على وجوب قطع
الكسوف لأجل إدراك أول وقت العشاء، المستلزم لعدم جواز الدخول فيه
في أول وقت الفريضة بطريق أولى - إلا أن الحمل المزبور مما لا معدل عنه
بقرينة ما تقدم (3).
وأما القول بوجوب تقديم صلاة الكسوف، فلعله مستند إلى ظاهر
قوله في الصحيحة: " صليتها ما لم تتخوف أن تذهب وقت الفريضة " مع
خوف فوت صلاة الكسوف وعدم الخوف على الفريضة في السعة. ولكن
الأمر في الصحيحة في مقام توهم الحظر، الناشئ من رجحان ترك الصلاة
في بعض الأوقات.
وأما خوف فوات صلاة الكسوف فهو - على تسليمه وعدم إمكان
رفعه بأصالة بقاء الكسوف - موجب للمبادرة إلى تلك الصلاة مطلقا، من
غير فرق بين مزاحمة الفريضة وعدمها.
هذا مع توسعة وقتهما، وأما مع توسعة الكسوف فقط فلا إشكال ولا
خلاف في وجوب تقديم الحاضرة، كما لا خلاف ظاهرا في العكس مع
العكس على ما تقتضيه القاعدة.

(1) الوسائل 5: 147، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 2.
(2) لم ترد " فوات " في " ق ".
(3) تقدم في الصفحة السابقة.
197

نعم، في الكشف (1) عن ظاهر الصدوق (2) والنهاية (3) والمهذب (4)
والجامع (5): تقديم الفريضة وإن اتسع وقتها وضاق وقت الكسوف.
أقول: وهو أيضا مؤيد لما ذكرنا من احتمال إرادتهم من وقت الفريضة
وقتها المضيق.
وأما مع تضيقهما، فمقتضى القاعدة وإن كان هو التخيير كما في
الموسعين، إلا أن الظاهر انعقاد الإجماع - كما عن التنقيح (6) - وعدم الخلاف
- كما في كشف اللثام (7) - [على تعيين الفريضة] (8)، ولعله لأهمية الفريضة.
ثم إنه لو اشتغل بهذه الصلاة مع ظن السعة لليومية فبان ضيقها، فلا
إشكال في وجوب القطع مع سعة وقت صلاة الكسوف بالعلم أو الظن
ببقائه، أو بناء على عدم توقيت هذه الصلاة، بل في الكشف (9) عن
الفاضلين (10) دعوى الإجماع على ذلك، لأن في القطع أداء لحقهما، ولصحيحة

(1) كشف اللثام 1: 268.
(2) الفقيه 1: 550، المقنع: 142 - 144.
(3) انظر النهاية: 137.
(4) المهذب 1: 125.
(5) الجامع للشرائع: 109.
(6) التنقيح الرائع 1: 244.
(7) كشف اللثام 1: 248.
(8) عبارة " على تعيين الفريضة " وردت في هامش " ط " تصحيحا، ولم ترد العبارة في
" ن " و " ق ".
(9) كشف اللثام 1: 267.
(10) انظر المعتبر 2: 341، والمنتهى 1: 353.
198

محمد بن مسلم: " صليتها ما لم تتخوف أن يذهب وقت الفريضة، فإن
تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت فيه من صلاة الكسوف، فإذا فرغت
من الفريضة فارجع إلى حيث كنت قطعت، واحتسب بما مضى " (1)، ونحوها
الصحيحة الأخرى المتقدمة: " ربما ابتلينا بالكسوف... الخ " (2)، ونحوهما
مصححة الخزاز (3).
وكذا مع ضيق وقت صلاة الكسوف أيضا، بناء على أن مقتضى عدم
جواز الشروع فيها فيه حينئذ في الابتداء انكشاف فسادها (4) في الأثناء،
لعدم تعلق الأمر بها من أول الأمر، مضافا إلى دعوى كاشف اللثام (5) تعميم
الإجماع الذي نقله عن الفاضلين لهذه الصورة، لكن فيه نظر، لأن ظاهر
عبارتي المعتبر والمنتهى دعوى الاتفاق في صورة بقاء وقت الكسوف بعد
الفريضة بحيث يتم الصلاة المقطوعة أو يستأنفها على الخلاف الآتي، مع أن
المحكي عن التذكرة (6) والنهاية (7) التردد في وجوب القطع هنا من جهة
عروض الأهمية لصلاة الكسوف أيضا بسبب الشروع، لكنه ضعيف، لأن
غاية ما يوجبه الشروع هو حدوث تكليف آخر من جهة وجوب الإتمام،

(1) الوسائل 5: 148، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 4.
(2) تقدمت في الصفحة 197.
(3) الوسائل 5: 147، الباب 5 من أبواب صلاة الكسوف، الحديث 3.
(4) لعله كذا في " ق "، وفي " ن ": فساد ما في.
(5) كشف اللثام 1: 267.
(6) التذكرة 4: 190.
(7) نهاية الإحكام 2: 80.
199

لكنه مع أن بانكشاف ضيق الحاضرة ينكشف عدم الدخول في صلاة الآية
على الوجه الصحيح الموجب لحرمة الإبطال، بل قد يقال: إن الأمر بالقطع
حكم من الشارع بالبطلان لا إبطال - وإن عرفت فساد ذلك في مسألة قراءة
العزائم - أن غاية الأمر انضمام تكليف آخر إلى أصل التكليف بصلاة
الكسوف بأن يجتمع فيها وجوب أصلها ووجوب إتمامها، سيما مع أن وجوب
الإتمام من توابع وجوب الأصل، فلا يوجب زيادة الأهمية، وعلى تسليم (1)
الاستقلال فاجتماع الواجبات لا يوجب غلبتها على ما هو أهم من كل منها
إلا في بعض المواضع، وما نحن فيه ليس منها عند التدبر.
وكيف كان، أهمية الحاضرة اتفاقية، ولازمها وجوب قطع غير الأهم،
لأن السر في تقديمه عند الشروع هو عدم مطلوبية غير الأهم إذا استلزم
ترك الأهم، وهذا موجود في الأثناء.
نعم، ربما يقال - بناء على ما احتملنا سابقا من كون الكسوف من
باب الأسباب لا الأوقات، بل يكفي التلبس بالصلاة في جزء من زمان
السبب - بأنه يكفي عند ضيق الوقت الاشتغال بجزء من صلاة الكسوف ولو
بتكبيرة ثم قطعها والإتيان بالحاضرة (2).
وفيه - مع ابتنائه على ما قدمنا ضعفه - أنه مبني على جواز الشروع
في الفعل مع العلم بقطعه في الأثناء. وهذا وإن كان في نفسه غير مضر، لأن
القطع ليس إبطالا حتى ينافي نية الإتمام المعتبرة في الابتداء، بل هو فصل بين
أجزاء العمل، لكن الكلام في حصول الرخصة بإتيانها مفصولة الأجزاء من
غير عذر، ولم يثبت.

(1) في " ن " و " ط ": تقدير.
(2) قد تقدم في الصفحة 159.
200

ثم إنه لو اشتغل بصلاة الكسوف مع الأمر بغيرها، فهل يبطل أم لا؟
وجهان، مبنيان على مسألة الضد، إلا أن يقال بالبطلان من جهة الأمر
بالقطع، الراجع إلى إيجاب ترك [هو] (1) ما فيه.
لكن الظاهر أن هذا الأمر مقدمي، والمقصود الإتيان بالفريضة، سيما
بناء على أن المراد بالقطع المأمور به ليس إبطال العمل بحيث يستأنفه بعد
الحاضرة، بل المراد ترك إتمامه إلى الفراغ.
وكيف كان، فلو خرج وقت صلاة الكسوف عند الفراغ من الحاضرة
المضيقة فالظاهر وجوب قضائها إذا فرط في تأخيرهما، بل في تأخير صلاة
الآية فقط، قيل: إنه مما لا خلاف فيه.
ويدل عليه - مضافا إلى صدق الفوت - العلة المستفادة من الأخبار
المتقدمة في وجوب القضاء على من استيقظ فكسل أن يصلي حتى نام
ثانيا (2)، بل الأقوى وجوب القضاء مع التفريط في تأخير الحاضرة فقط وإن
كان جائزا شرعا كما عن الشهيد في الذكرى (3) والبيان (4) وعن الشهيد (5)
والمحقق (6) الثانيين، ولعله لاستناد إهمالها إلى ما تقدم (7) من تقصيره وصدق

(1) ما بين المعقوفتين اقتضاه السياق.
(2) راجع الصفحة 175.
(3) الذكرى: 247.
(4) البيان: 208.
(5) روض الجنان: 305.
(6) جامع المقاصد 2: 473.
(7) تقدم في الصفحة 178.
201

الفوت، بل المدار في وجوب القضاء على التقصير، بمعنى اختيار الترك
اقتراحا المقابل لعدم التمكن شرعا أو عقلا، كما يستفاد من أخبار وجوب
القضاء على من حاضت بعد مضي الوقت مقدار الصلاة (1).
بل قد يقوى وجوب القضاء مع العذر في التأخير إذا كان مصاحبا
للوجوب كما عن الشارح في شرحي الكتاب والشرائع، حيث قال: إن فرط
في الحاضرة وجب القضاء، وإلا فإن كان التأخير لعذر لا يمكنه معه الفعل
مع وجوبها عليه فالظاهر أنه كذلك، وإن كان العذر غير مصاحب للوجوب
كالحيض والصغر والجنون ففي وجوب القضاء وجهان، من عدم التفريط
وعدم سعة الوقت التي هي شرط استقرار الوجوب، ومن سعته في نفسه،
وإنما المانع الشرعي منع منه. ثم قال: وعدم القضاء هنا (2) أوجه (3)، انتهى،
ولقد أجاد شارح الروضة حيث استجوده (4).
[* (وتقدم على النافلة وإن خرج وقتها) *] (5).

(1) انظر الوسائل 2: 597، الباب 48 من أبواب الحيض، الأحاديث 1، 4 و 5
وغيرها.
(2) في " ن " و " ط ": لها.
(3) روض الجنان: 305، والمسالك 1: 261.
(4) المناهج السوية (مخطوط): 235. وهذا آخر ما ورد في السطر الثالث من الصفحة
اليمنى من الورقة 162 من النسخة " ق "، وبعده بياض بمقدار ثلاث صفحات. وفي
" ن " و " ط " كتب في الهامش: " إلى هنا جف قلمه الشريف ".
(5) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره فيما بأيدينا من
النسخ.
202

* (المقصد الخامس (1)) *
* (في الصلاة على الأموات) *
* (تجب على الكفاية الصلاة على كل مسلم ومن هو بحكمه ممن بلغ ست
سنين، ذكرا كان أو أنثى، حرا أو عبدا، ويستحب على من لم يبلغها.
وكيفيتها: أن ينوي ويكبر، ثم يشهد الشهادتين، ثم يكبر ويصلي على
النبي صلى الله عليه وآله، ثم يكبر ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ثم يكبر ويدعو للميت إن
كان مؤمنا، وعليه إن كان منافقا، وبدعاء المستضعفين إن كان منهم، وأن يحشره
مع من يتولاه إن جهله، وأن يجعله له ولأبويه فرطا إن كان طفلا، ثم يكبر
الخامسة وينصرف.
ويجب: استقبال القبلة، وجعل رأس الجنازة إلى يمين المصلي، ولا قراءة فيها
ولا تسليم.
ويستحب: الطهارة، والوقوف حتى ترفع الجنازة، والصلاة في المواضع
المعتادة وتجوز في المساجد، ووقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة
- ويجعل الرجل مما يليه، ثم العبد، ثم الخنثى، ثم المرأة، ثم الصبي لو اتفقوا - ونزع

(1) هذا المقصد بأكمله من إرشاد الأذهان، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما
بأيدينا من النسخ.
203

النعلين، ورفع اليدين في كل تكبيرة.
ولا يصلى عليه إلا بعد غسله وتكفينه، فإن فقد جعل في القبر وسترت
عورته ثم صلي عليه، ولو فاتت الصلاة عليه صلى على قبره يوما وليلة، ويكره
تكرار الصلاة.
وأولى الناس بها أولاهم بالميراث، والأب أولى من الابن، والولد أولى من
الجد، والأخ من الأبوين ممن يتقرب بأحدهما، والزوج أولى من كل أحد، والذكر
من الأنثى، والحر من العبد، والأفقه أولى - فإن لم يكن بالشرائط استناب من
يريد، وليس لأحد التقدم بدون إذنه - وإمام الأصل أولى، والهاشمي أولى من غيره
مع الشرائط إن قدمه الولي، ويستحب له تقديمه.
ولو أمت المرأة النساء والعاري مثله وقف في الصف، وغيرهم يتقدم وإن
كان المؤتم واحدا، وتنفرد الحائض بصف.
ولو فات المأموم بعض التكبيرات أتم بعد فراغ الإمام ولاء وإن رفعت،
ويستحب إعادة ما سبق به على الإمام.
ولو حضرت جنازة في الأثناء قطع واستأنف واحدة عليهما، أو أتم،
واستأنف على الأخرى.
ويستحب للمشيع: المشي وراء الجنازة أو أحد جانبيها، والتربيع، والإعلام،
والدعاء عند المشاهدة) *.
204

* (خاتمة) *
* (ينبغي وضع الجنازة مما يلي رجلي القبر للرجل، ونقله في ثلاث دفعات،
وسبق رأسه، والمرأة مما يلي القبلة تنزل عرضا.
والواجب: دفنه في حفيرة تستر راحتيه وتحرسه عن هوام السباع على
الكفاية، وإضجاعه على جانبه الأيمن مستقبل القبلة، والكافرة الحاملة من مسلم
يستدبر بها القبلة، وراكب البحر يثقل ويرمى فيه.
ويستحب: حفر القبر قامة أو إلى الترقوة، واللحد مما يلي القبلة قدر
الجلوس، وكشف الرأس، وحل العقد، وجعل التربة معه، والتلقين، والدعاء،
وشرج اللبن، والخروج من قبل الرجلين، وإهالة الحاضرين بظهور الأكف
مسترجعين، ورفعه أربع أصابع، وتربيعه، وصب الماء من قبل رأسه دورا، ووضع
اليد عليه، والترحم، وتلقين الولي بعد الانصراف بأعلى صوته، والتعزية قبل
الدفن وبعده، وتكفي المشاهدة.
ويكره: فرش القبر بالساج من غير ضرورة، ونزول ذي الرحم - إلا في
المرأة - وإهالته التراب، وتجديد القبور، والنقل إلا إلى أحد المشاهد، ودفن ميتين
في قبر، والاستناد إلى القبر، والمشي عليه.
ويحرم: نبش القبر، ونقل الميت بعد دفنه، وشق الثوب على غير الأب
والأخ، ودفن غير المسلمين في مقابرهم، إلا الذمية الحامل من مسلم) *.
205

* (المقصد السادس (1)) *
* (في المنذورات) *
* (من نذر صلاة وأطلق وجب عليه ركعتان على رأي كهيئة اليومية، ولا
يتعين زمان ولا مكان.
ولو قيد النذر بهيئة مشروعة تعينت، كنذر صلاة جعفر عليه السلام.
ولو نذر العبد المندوب في وقته تعين، ولو نذر هيئته في غير وقته فالوجه
عدم الانعقاد، وكذا الكسوف.
ولو قيد العدد بخمس فصاعدا، قيل: لا ينعقد، ولو قيده بأقل انعقد وإن
كان ركعة.
ولو قيده بزمان تعين، ولو قيده بمكان له مزية تعين، وإلا أجزأه أين شاء،
وهل يجزي في ذي المزية الأعلى؟ فيه نظر. ويشترط أن لا تكون عليه صلاة
واجبة.
ولو نذر صلاة الليل وجب ثمان ركعات.
وكل ما يشترط في اليومية يشترط في المنذورة إلا الوقت، وحكم اليمين
والعهد حكم النذر) *.

(1) هذا المقصد بأكمله من إرشاد الأذهان، ولم نقف على شرح المؤلف له فيما بأيدينا من
النسخ.
206

* (المقصد السابع (1)) *
* (في النوافل) *
* (ويستحب صلاة الاستسقاء جماعة عند قلة الأمطار وغور الأنهار كالعيد،
إلا أنه يقنت بالاستعطاف وسؤال توفير الماء، بعد أن يصوم الناس ثلاثة، ويخرج
بهم الإمام في الثالث الجمعة أو الاثنين إلى الصحراء حفاة بالسكينة والوقار،
ويخرج الشيوخ والأطفال والعجائز، ويفرق بين الأطفال وأمهاتهم، وتحويل الرداء
بعد الصلاة، ثم يستقبل القبلة ويكبر الله مئة عاليا صوته، ويسبح مئة عن يمينه،
ويهلل مئة عن يساره، ويحمد الله مئة تلقاء الناس ويتابعونه، ثم يخطب ويبالغ في
السؤال، فإن تأخرت الإجابة أعاد الخروج.
ويستحب نافلة رمضان، وهي ألف ركعة، يصلي في كل ليلة عشرين، ثمانيا
بعد المغرب، واثنتي عشرة بعد العشاء، وفي ليلة تسع عشرة وإحدى وعشرين
وثلاث وعشرين زيادة مئة، وفي العشر الأواخر زيادة عشر، ولو اقتصر في ليالي
الإفراد على المئة، صلى في كل جمعة عشر ركعات بصلاة علي وفاطمة
وجعفر عليهم السلام، وفي آخر جمعة عشرين بصلاة علي عليه السلام، وفي عشيتها عشرين

(1) هذا المقصد بأكمله من إرشاد الأذهان، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما
بأيدينا من النسخ.
207

بصلاة فاطمة عليها السلام.
ويستحب صلاة الحاجة، والاستخارة، والشكر على ما رسم.
وصلاة علي عليه السلام أربع ركعات: في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة
بالتوحيد.
وصلاة فاطمة عليها السلام ركعتان: في الأولى الحمد مرة والقدر مئة، وفي الثانية
الحمد مرة والتوحيد مئة.
وصلاة جعفر عليه السلام أربع ركعات: يقرأ في الأولى الحمد والزلزلة - ثم يقول
خمس عشرة مرة: " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر "، ثم يركع
ويقولها عشرا، ثم يرفع ويقولها عشرا، ثم يسجد ويقولها عشرا، ثم يرفع ويقولها
عشرا، ثم يسجد ثانيا ويقولها عشرا، ثم يرفع ويقولها عشرا، وهكذا في البواقي -
ويقرأ في الثانية العاديات، وفي الثالثة النصر، وفي الرابعة التوحيد، ويدعو
بالمنقول.
ويستحب ليلة الفطر ركعتان، في الأولى الحمد مرة وألف مرة بالتوحيد، وفي
الثانية الحمد مرة والتوحيد مرة.
وصلاة الغدير، وليلة نصف شعبان، وليلة المبعث ويومه على ما نقل.
وكل النوافل ركعتان بتشهد وتسليم، إلا الوتر وصلاة الأعرابي، وقائما
أفضل) *.
208

* (النظر الثالث) *
* (في اللواحق) *
* (وفيه مقاصد:) *
209

المقصد الأول
في الخلل
وفيه مطلبان:
* (الأول: في مبطلات الصلاة) *
[* (كل من أخل بواجب عمدا أو جهلا - من أجزاء الصلاة أو صفاتها
أو شرائطها أو تروكها الواجبة - أبطل صلاته، إلا الجهر والإخفات فقد عذر
الجاهل فيهما.
ويعذر جاهل غصبية الثوب، أو المكان، أو نجاستهما، أو نجاسة البدن،
أو موضع السجود أو غصبية الماء أو موت الجلد المأخوذ من مسلم.
وتبطل بفعل كل ما يبطل الطهارة عمدا وسهوا، وبترك الطهارة كذلك
وبتعمد التكفير) *] (1).
* (و) * تبطل الصلاة أيضا بتعمد * (الكلام بحرفين) * فصاعدا * (مما (2)) *

(1) ما بين المعقوفتين من إرشاد الأذهان، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما
بأيدينا من النسخ.
(2) في الإرشاد: بما.
211

أي من الكلام الذي * (ليس بقرآن ولا دعاء) * مباح ولا ذكر اتفاقا محققا
على الظاهر ومنقولا في كلام جماعة (1)، وهي الحجة في المسألة بعد النصوص
المستفيضة (2)، وإطلاق النصوص والفتاوى حيث نسبه في شرح المفاتيح إلى
الفقهاء (3) وعن الذخيرة نفي الخلاف (4).
وأما التكلم سهوا، فالظاهر عدم الخلاف في عدم إبطاله، وادعى
جماعة عليه الإجماع (5)، ويدل عليه بعض النصوص (6)، نعم لو طال زمان
التكلم التحق بالفعل الكثير.
وصرح في جامع المقاصد (7) والروض (8) بأن التسليم في غير موضعه من
الكلام، وهو الظاهر من كلام الشهيد والمحقق في الذكرى (9) والمعتبر في باب
سجدتي السهو (10)، ويلوح من المنتهى في ذلك الباب وفي باب الكلام في الصلاة (11).

(1) انظر جامع المقاصد 2: 340، ومفتاح الكرامة 3: 6، والمستند 7: 28 وغيرها.
(2) الوسائل 4: 1275، الباب 25 من أبواب قواطع الصلاة.
(3) المنتهى 1: 308 - 309.
(4) ذخيرة المعاد: 352.
(5) انظر جامع المقاصد 2: 341، وروض الجنان: 332، والذخيرة: 353، والمستند
7: 36.
(6) الوسائل 4: 1275، الباب 25 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 5.
(7) جامع المقاصد 2: 341.
(8) روض الجنان: 332.
(9) الذكرى: 228.
(10) المعتبر 2: 398.
(11) انظر المنتهى 1: 417 و 309.
212

ولو أكره على الكلام ففي إلحاقه بالعامد وجه قوي، لانصراف " رفع
النسيان " - في الخبر المشهور (1) - إلى رفع المؤاخذة أو تردده بينه وبين رفع
جميع الأحكام، فلا ينفع في المقام.
ولو أراد القراءة أو ذكرا من أذكار الصلاة فسبق لسانه إلى كلام
خارج من غير اختيار، ففي إبطاله وجهان: من إطلاق الأدلة، وقوة
انصرافها إلى غير المقام.
وهذا الوجه آت في الإطلاقات بالنسبة إلى صورة الإكراه.
ويمكن الفرق بتحقق القصد في الإكراه دون السبق، وظاهر الإطلاقات
اعتبار القصد.
ولو تكلم بظن إتمام الصلاة فالأقرب إلحاقه بالنسيان، لمصححة محمد
ابن مسلم (2) الآتية في مسألة نقص الركعة أو الركعتين، خلافا للمحكي عن
جماعة (3)، ولعله للإطلاقات المقيدة بالمصححة.
ويؤيده: الاتفاق ظاهرا على أن من سلم في الركعتين ولم يأت بما
ينافي الصلاة بعد التسليم لم يجب عليه الاستئناف، بل يتم صلاته مع تخلل
التسليم الذي هو الكلام - كما عرفت - إلا أن يمنع من ذلك.
ولا يقوم مقام التكلم: الإشارة، ولو من الأخرس وإن كانت إشارته
بمنزلة كلامه في كثير من العبادات والمعاملات.

(1) وهو حديث الرفع: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان... وما أكرهوا عليه... "، راجع
الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس.
(2) الوسائل 5: 309، الباب 3 من أبواب الخلل، الحديث 9.
(3) منهم الشيخ في النهاية: 90، والحلبي في الكافي: 120، وحكاه عنهما العلامة في
المختلف 2: 194 - 195، وابن حمزة في الوسيلة: 101، أيضا.
213

والأقوى أن الحرف الواحد المفهم المقصود به الإفهام مبطل، لأنه كلام
عرفا، بل و (1) لغة، كما عن نجم الأئمة (2)، ويصدق عليه أنه من كلام الآدميين.
ويشمل الكلام بحرفين: الحرف المتصل بحرف المد، نحو: " يا " و " لا ".
وفي بطلان الصلاة بالحرفين المتولدين من التنحنح إذا تميزا في الخارج
نظر، والأقوى البطلان، لصدق الكلام.
ودعوى انصرافه إلى غيره أو الشك في ذلك فيرجع إلى أصالة عدم
الإبطال، ممنوعة. وعموم: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (3) مخصص بعموم
قاطعية الكلام.
ويؤيده: رواية عمار النافية للبأس عن التنحنح في الصلاة لإسماع
الجارية (4).
وأما النفخ والأنين بحيث يتولد منهما حرفان فالظاهر صدق الكلام
عليهما، لأن النفخ المتعارف لا يتولد منه حرفان متميزان، فإذا تولد منه
حرفان متميزان فيخرج عن النفخ إلى التكلم، وكذا الأنين، وفيهما إشكال.
وأما الحرف الواحد الغير المفهم، فالظاهر عدم الخلاف في عدم إبطاله
كما في الروض (5)، وبالإجماع صرح في المنتهى (6) والذكرى (7)، لمنع صدق

(1) لم ترد " الواو " في " ن " و " ط ".
(2) حكاه المحقق النراقي في المستند 7: 29، وانظر شرح الكافية: 3.
(3) الوسائل 4: 934، الباب 10 من أبواب الركوع، الحديث 5.
(4) الوسائل 4: 1256، الباب 9 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.
(5) روض الجنان: 332، وفيه: بالاتفاق.
(6) المنتهى 1: 309.
(7) الذكرى: 216.
214

الكلام أو انصرافه أو الشك في ذلك.
قيل: والتكلم بحرفين من غير تركيب نحو: " ب " " ت " الظاهر عدم
البطلان به، ولا يخلو عن إشكال.
وأما استثناء القرآن من الكلام، فلا إشكال فيه، لعدم صدق " كلام
الآدميين " وانصراف الإطلاقات المانعة إلى غيره، مضافا إلى عموم أدلة
قراءة القرآن.
ولو قصد إفهام الغير بما يناسب المطلب من الآيات، فإن قصد تلاوة
القرآن لأجل أن السامع يفهم المطلب منه من جهة المناسبة، فلا إشكال في
الصحة، كما أنه لو عبر عن مطلبه بعبارة اتفق مماثلتها للقرآن من غير قصد
القرآنية أصلا، فلا إشكال في البطلان.
وإن قصد القرآن والإفهام فالظاهر [عدم البطلان] (1)، لما روي من
أن أمير المؤمنين عليه السلام قرأ في صلاته: (فاصبر إن وعد الله حق) (2) قاصدا
به إسكات ابن الكواء (3).
وأما عمومات القراءة فلا تنصرف إلى المقام، كما لا يبعد دعوى انصراف
أدلة التكلم إلى غيره، فبقي تحت أدلة الجواز وعدم القطع من الأصول والعمومات.
ومن هنا يتجه عدم البطلان لو قصد مجرد الإفهام، كمن عبر عن
المطلب بعبارة قرآنية.
وأما فعل أمير المؤمنين عليه السلام فالمتيقن أنه قصد الإفهام، وأما كون
القصد تبعيا أو مستقلا أو مشتركا فلا يعلم.

(1) من مصححة " ط ".
(2) غافر: 77.
(3) الوسائل 5: 430، الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
215

وأما استثناء الدعاء المتضمن للثناء على الله جل شأنه أو على النبي
وآله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين أو لطلب شئ غير محرم، فالظاهر أنه مما لا خلاف
فيه، ويدل عليه عمومات الدعاء، مثل قوله تعالى: (ادعوني) (1)، مضافا إلى
خصوص ما دل على أنه كلما ذكرت الله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة
فلا بأس به (2).
وما دل على عدم إيجاب الإعادة على من قال: " اللهم رد على فلان
ناقته " (3) إلى غير ذلك.
والظاهر أنه لا فرق بين كون الدعاء بحيث المخاطبة مع الله كأن
يقول: " اللهم اغفر لي أو لفلان "، وبين غيره كما في قوله: " رضي الله " أو
" رحم الله فلانا " أو " رحمك الله " مخاطبا لمن يستحق الترحم، لأن ذلك
كله طلب من الله.
ومن هذا القبيل ما لو قصد بصيغ السلام: الدعاء - أي: طلب
السلامة من الله، لا محض التحية، وكذا تسميت العاطس بقول: " يرحمك
الله "، وجوابه بقول: " يغفر الله لك "، كل ذلك لإطلاقات الإجماعات
المنقولة.
نعم، لا يبعد دعوى انصراف إطلاق ما دل على جواز الدعاء من الكتاب
والسنة على التخاطب مع الله، فلا يشمل المخاطبة والمحاورة مع الآدميين
بالجملة الدعائية، إلا أن هذه الدعوى لا تتأتى في إطلاقات الإجماعات،

(1) غافر: 60.
(2) الوسائل 4: 944، الباب 20 من أبواب الركوع، الحديث 4.
(3) الوسائل 4: 973، الباب 17 من أبواب السجود، الحديث الأول.
216

لتصريح نقلة الإجماعات كالعلامة (1) والشهيد في الذكرى (2) وصاحب المدارك (3)
والرياض (4) بتعليل استحباب تسميت العاطس بكونه دعاء فيجوز.
وهو الظاهر من كلام المحقق، حيث إنه ادعى فتوى الأصحاب على جواز
الدعاء في الصلاة، وقال - في مسألة ما لو سلم عليه بغير اللفظ المذكور
وأراد به: " سلام عليكم " -: أنه لو دعا له وكان مستحقا للدعاء وقصد
الدعاء لا رد السلام، لم أمنعه، لما ثبت من جواز الدعاء في أحوال الصلاة (5).
وكذا قال في مسألة التسميت بالدعاء - بعد التردد في جوازه -: إن
الجواز أشبه بالمذهب (6).
وأيضا: فإن الظاهر عدم الخلاف في جواز تسميت العاطس في الصلاة، مع
أنه لم يرد فيه نص خاص. والظاهر أن جوازه من جهة أنه دعاء كما صرح
به العلامة (7) والشهيدان (8) والمحقق الثاني (9) وغيرهم من المتأخرين (10).

(1) التذكرة 3: 283 - 284.
(2) الذكرى: 218.
(3) المدارك 3: 472.
(4) الرياض 3: 525.
(5) المعتبر 2: 264 - 265.
(6) المعتبر 2: 263.
(7) التذكرة 3: 283 - 284.
(8) الذكرى: 218، وروض الجنان: 339.
(9) جامع المقاصد 2: 354.
(10) لم نعثر على من قاله من المتأخرين، نعم قاله السيدين في المدارك والرياض، كما
تقدم آنفا، والمحقق النراقي في المستند 7: 64، وصاحب الجواهر في الجواهر 11: 97.
217

وأما الاستدلال بعموم استحباب التسميت بحيث يشمل المصلي، فمحل
نظر، لأن استحبابه ذاتي، فلا ينافي تحريمه من جهة كونه مبطلا، كما أن أدلة
استحباب الجماع في وقت خاص أو استحباب أكل شئ خاص لا يعارض
أدلة تحريم الإفطار في نهار رمضان، وذلك لأن أدلة تحريم الكلام إنما دل
عليه من حيث أنه مبطل كما دل عليه بعض الأخبار (1)، ولا ينافي
الاستحباب الذاتي كون الشئ مبطلا لعبادة ومحرما من جهة الإبطال، كما
لا يخفى.
هذا كله مع أن التسميت فسره جماعة من أهل اللغة - كما حكي
عنهم - بالدعاء لأحد بالخير (2).
وكيف كان، فصدق الدعاء لغة وعرفا على مثل قوله: " سلمك الله "
أو " يرحمك الله " ونحو ذلك مما لا يخفى، ودعوى انصراف إطلاقه إلى
ما كان مخاطبة مع الله، غير مسموعة. ولم يعرف التأمل في ذلك عدا [ما] (3)
من المولى المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح (4) وسيدنا المعاصر صاحب
المطالع (5)، ولعله لما ذكرنا صرح في المناهل بعدم الخلاف في جواز رد مثل
" صبحك الله بالخير " وشبهه بقصد الدعاء (6).

(1) انظر الوسائل 4: 1275، الباب 25 من أبواب قواطع الصلاة.
(2) القاموس المحيط 1: 150، مادة: " السمت "، والمصباح المنير: 287 نفس المادة،
وكتاب العين: 387، مادة: " سمت "، وانظر مفتاح الكرامة 3: 37.
(3) لم يرد في " ق " و " ن ".
(4) ذكره في الحكم السابع من الأحكام المذكورة في ذيل قول المصنف: وفي الصحيح.
(5) مطالع الأنوار 3: 48.
(6) لا يوجد لدينا.
218

هذا كله في الدعاء لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأما الدعاء له مخاطبا
إياه كما في قول: " صلى الله عليك يا رسول الله "، فالظاهر عدم الإشكال
في جوازه، لقوله عليه السلام: " كل ما ذكرت الله والنبي صلى الله عليه وآله فهو من
الصلاة، وليس بكلام " (1).
ولا يبعد إلحاق الأئمة به صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
ثم إن الظاهر ثبوت الاتفاق على إبطال الدعاء بالمحرم، وحكي
الإجماع عليه عن التذكرة (2) والمقاصد العلية (3)، ولعل وجهه اندراجه تحت ما
دل على بطلان الصلاة بكلام الآدميين، خرج منه الدعاء بالمباح بالإجماع
- المعلوم عدمه بل خلافه في المقام - وبإطلاق ما دل على عدم البأس بمناجاة
الرب والتكلم معه (4)، ولا ريب في انصرافه إلى طلب المباح، ولعمومات
استحباب الدعاء (5) المخصصة قطعا بغير المحرم.
ثم إن تحريم طلب المحرم لم يعثر على ما يدل عليه، نعم لا شبهة في
قبح طلب القبيح، وأما حرمته الشرعية فمحل تأمل.

(1) الوسائل 4: 944، الباب 20 من أبواب الركوع، الحديث 4، ولم ترد فيه:
وليس بكلام.
(2) التذكرة 3: 285.
(3) لم نعثر عليه في المقاصد العلية، ولا على من حكى ذلك عنه، نعم في المقاصد
العلية: 169 الحكم بالبطلان، حيث قال: ويشترط كون المطلوب بالدعاء مباحا،
فتبطل بالمحرم.
(4) راجع الوسائل 4: 917، الباب 19 من أبواب القنوت، الحديث 4.
(5) راجع الوسائل 4: 1085 و 1088، الباب 2 و 3 من أبواب الدعاء.
219

وهل يعم الحكم ما إذا جهل تحريم المطلوب أم لا؟ ظاهر جماعة (1)،
الأول، مع استناد الجهل إلى التقصير، لعدم كونه حينئذ عذرا، وهو الأقوى،
لما ذكرنا من عدم شمول أدلة تجويز الدعاء لطلب المحرم (2) لطلب هذا المحرم
الواقعي، سيما بناء على تكليف هذا الشخص بتركه وعدم كونه معذورا، فيبقى
تحت أدلة الكلام.
ثم إنه هل يجوز الدعاء بأي لغة كانت، أم لا يجوز إلا بالعربي؟
قولان، من إطلاق النص والفتوى، ومن قوة انصرافها إلى العربي وورودها
في مقام حكم آخر وهو جواز التكلم بالأقوال الخارجة من الصلاة في
خلالها، فيبقى ما دل على إبطال الكلام سليما.
ولا يعارضه عموم استحباب الدعاء فيرجع إلى أصالة عدم الإبطال،
لما عرفت من أن الاستحباب في أمثال المقام ذاتي فلا ينافي التحريم العارض
من جهة كونه مبطلا، كما لا تعارض بين أدلة استحباب إجابة المؤمن عند
ندائه أو وجوب إجابة الوالدين عند دعائهما، وأدلة إبطال الكلام، فتدبر.
* (و) * كذا تبطل الصلاة ب‍ * (الالتفات إلى ورائه (3)) * وإن كان بوجهه
فقط - على بعد في الفرض - لعموم ما دل على بطلان الصلاة بالالتفات (4) أو
مقيدا بكونه فاحشا (5) - الصادق فيما نحن فيه - أو بكونه إلى خلفه (6)،

(1) انظر المدارك 3: 476، والجواهر 11: 122، ومطالع الأنوار 3: 77.
(2) كذا، والصواب: " المباح "، والظاهر أنه من سهو القلم.
(3) في الإرشاد: إلى ما وراءه.
(4) الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة.
(5) الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 2 و 6.
(6) الوسائل 4: 1250، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 8.
220

وخصوص ما دل على البطلان بتحويل الوجه أو صرفه أو قلبه عن القبلة.
كمصححة محمد (1): " عن الرجل يلتفت في صلاته؟ قال: لا " (2).
وحسنة الحلبي: " إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد
الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا " (3).
وعن الخصال: " الالتفات الفاحش يقطع الصلاة " (4).
وعن الفقيه - مرسلا -: " فإن التفت حتى ترى من خلفك فعليك
إعادة الصلاة " (5)، وجعل مضمونه في الأمالي من دين الإمامية على ما حكي (6).
والمحكي عن المستطرفات عن جامع البزنطي عن الرضا عليه السلام: " إذا
كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلى ولا يعتد به " (7).
وبمضمونه المحكي عن كتاب المسائل لعلي بن جعفر (8) وقرب
الإسناد (9) ومصححة علي بن جعفر: " عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن

(1) أي محمد بن مسلم.
(2) الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 2.
(4) الخصال 2: 622، وعنه في الوسائل: 1249، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة،
الحديث 7.
(5) الفقيه 1: 303.
(6) أمالي الصدوق: 513.
(7) السرائر 3: 572، ورواه في الوسائل 4: 1250، الباب 3 من أبواب قواطع
الصلاة، الحديث 8.
(8) مسائل علي بن جعفر: 243، الحديث 574.
(9) قرب الإسناد: 210، الحديث 820، وأشار إليه في الوسائل 4: 1250، ذيل
الحديث 8.
221

ثوبه قد انخرق أو أصابه شئ هل يصلح له أن ينظر فيه؟ قال: إن كان في
مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس، وإن كان في مؤخره فلا يلتفت، فإنه لا يصلح " (1).
ومن القسم الثاني: مصححة زرارة: " ولا تقلب وجهك عن القبلة
فتفسد صلاتك " (2).
ورواية أبي بصير: و " إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد " (3).
ورواية محمد: " فإذا حول وجهه فعليه أن يستقبل الصلاة استقبالا " (4).
وأما مفهوم مصححة زرارة: إن " الالتفات يقطع الصلاة إذا كان
بكله " (5)، فلا يصلح معارضا لتلك الأخبار المتقدمة كما لا يخفى، مضافا إلى
أخصية بعضها، مثل مصححة علي بن جعفر في من ظن أن ثوبه قد
انخرق (6)، ومعارضته مع بعضها وإن كان بالعموم من وجه، إلا أن المرجع
- حينئذ - إلى العمومات (7) الدالة على البطلان بمطلق الالتفات أو صرف
الوجه أو تحويله عن القبلة.
والحاصل: أن الأخبار المتقدمة بين ما هو أخص منه كمصححة علي
ابن جعفر عليه السلام، بل ومرسلة الفقيه المنجبرة بدعوى الأمالي، وما هو أعم

(1) الوسائل 4: 1249، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.
(2) الوسائل 3: 227، الباب 9 من أبواب القبلة، الحديث 3.
(3) الوسائل 4: 1249، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 6.
(4) الوسائل 5: 315، الباب 6 من أبواب الخلل، الحديث 2.
(5) الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 3.
(6) الوسائل 4: 1249، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.
(7) انظر الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة.
222

منه من وجه مثل ما دل على تقييد الالتفات بالفاحش وأضرابه، وبين ما
هو أعم منه كالخبر الأول من القسم الأول وجميع أخبار القسم الثاني.
وحينئذ فالواجب تخصيص المفهوم المذكور بما هو أخص منه، ولو
فرض عدم نهوضه لتخصيصه تعارض مع ما هو أعم منه من وجه وتعين
الرجوع إلى ما هو أعم منه أعني أخبار القسم الثاني.
وأما رواية عبد الملك (1) - الصريحة في كراهة الالتفات وعدم تحريمه -
فيجب تخصيصها بتلك الأخبار المتقدمة، فلا يجوز الرجوع إليها عند تعارض
المفهوم مع بعض ما تقدم بالعموم من وجه.
وكيف كان، فلا مناص عن رفع اليد عن المفهوم، أو حمل الالتفات في
منطوقه على الالتفات يمينا وشمالا - كما في جامع المقاصد - مؤيدا بأن ذلك
هو الظاهر من لفظ الالتفات (2).
وأما مصححة الفضيل (3) ورواية القماط (4) - المتقدمتين في مسألة من
أحدث في أثناء الصلاة (5) - فظاهر الأولى وصريح الثانية يدل على عدم
قدح الاستدبار بكل البدن، والظاهر أنه مخالف للإجماع، فإنه مبطل اتفاقا
فتوى ونصا، كما عرفت من منطوق مصححة زرارة (6).

(1) الوسائل 4: 1249، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 5.
(2) جامع المقاصد 2: 349.
(3) الوسائل 4: 1242، الباب الأول من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 9.
(4) الوسائل 4: 1243، الباب الأول من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 11.
(5) لم نقف على هذه المسألة فيما بأيدينا من النسخ.
(6) الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 3.
223

ولو عمل بتلك الروايتين عمل بهما في موردهما من تخلل الحدث، كما
عرفت من أن تخلل الحدث على القول بعدم إبطاله قد ساغ في مورده ما لم
يسغ في غيره.
وأما الالتفات بالوجه يمينا وشمالا فالظاهر أنه غير مبطل - وإن دل
عليه أكثر العمومات المتقدمة، لكن يجب تخصيصها بما هو أخص منها مما
تقدم منطوقا ومفهوما (1) - لكنه مكروه كما في المنتهى ونسبه إلى جمهور
الفقهاء (2)، ورواية عبد الحميد (3) محمولة عليه.
وأما الالتفات بكل البدن يمينا وشمالا فالظاهر أنه مبطل وإن لم يشتغل
في حاله بشئ من أفعال الصلاة، لأن ظاهر منطوق مصححة زرارة - بل
صريحها - أن الالتفات من القواطع (4)، والظاهر من القاطع هو ما يبطل
الصلاة بمجرد تخلله فيها، كما لا يخفى.
ثم إن الإبطال في موضعه هل يختص بصورة التعمد، أم يعم غيره؟
وجهان: من عموم الأخبار (5)، ومن المقبولة المشهورة: " رفع عن

(1) أما منطوقا فيدل عليه مصححة علي بن جعفر المتقدمة في الصفحة 221، وأما
مفهوما فسائر الروايات المتقدمة في الصفحة 222.
(2) المنتهى 1: 307، ولكن فيه: " لا ينقص "، والظاهر أنه خطأ، والصحيح:
" ينقص " كما نقله السيد الشفتي في المطالع 3: 11.
(3) وهي رواية عبد الملك المتقدمة في الصفحة السابقة، فإن الرواية عن عبد الحميد
عن عبد الملك.
(4) الوسائل 4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 3.
(5) المتقدمة في الصفحة 221 وبعدها.
224

أمتي " (1). والتعميم أقوى، لظهور المقبولة في رفع المؤاخذة أو احتماله له احتمالا
مساويا.
هذا كله إذا التفت في خلال أفعال الصلاة، وأما إذا فعل فعلا من
أفعالها ملتفتا، فإن كان ملتفتا بكله أو مستدبرا بوجهه فلا شبهة في البطلان،
للإطلاقات، وفحوى البطلان بالالتفات في خلال الأفعال.
وإن كان ملتفتا بوجهه إلى أحد الجانبين فظاهر إطلاقات النصوص
والفتاوى عدم البطلان، وهو محل إشكال من جهة عموم أدلة الاستقبال في
الصلاة (2)، والاستقبال لا يتحقق إلا بعد التوجه بالوجه إلى القبلة، إلا أن يخصص
تلك العمومات بما مر من أدلة عدم البأس بالالتفات يمينا وشمالا (3)، فتأمل.
* (و) * يبطل أيضا بتعمد * (القهقهة) * إجماعا محققا على الظاهر
ومحكيا في كلام غير واحد (4)، ويدل عليه النصوص الكثيرة (5)، ولا يبطل
بصدوره سهوا إجماعا كما في الذكرى (6) وجامع المقاصد (7) والروض (8)، ويدل
عليه عموم: " لا تعاد الصلاة " (9) أيضا بعد انصراف أدلة الإبطال إلى حال العمد.
وأما إذا صدر لا عن اختيار لمقابلة لاعب ونحوه فالأقوى البطلان،

(1) الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث الأول.
(2) راجع الوسائل 3: 214، الباب الأول من أبواب القبلة وغيره من الأبواب.
(3) راجع الصفحة 221.
(4) انظر التذكرة 3: 285، والذكرى: 216، والمستند 7: 40، والجواهر 11: 52.
(5) راجع الوسائل 4: 1252، الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة.
(6) الذكرى: 216.
(7) جامع المقاصد 2: 349.
(8) روض الجنان: 332 - 333.
(9) الوسائل 1: 260، الباب 3 من أبواب الوضوء، الحديث 8.
225

للإطلاقات، وحكي ظهور الاتفاق عليه من التذكرة (1).
ولا يقطع الصلاة التبسم إجماعا، كما يظهر عن جماعة (2)، ويدل عليه
موثقة سماعة: " قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: أما التبسم
فلا يقطع الصلاة، وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة " (3).
وظاهر هذه الرواية حيث لم يذكر قسما ثالثا للضحك - في مقام
الاستفصال عن مورد السؤال، وهو الضحك المطلق - هو عدم ثبوت
الواسطة بين التبسم والقهقهة، وحيث ثبت عرفا بل ولغة - كما يظهر عن
بعض - كون التبسم هو الضحك بلا صوت، فالمراد بالقهقهة غيره، وهو:
ما له صوت مطلقا، سواء كان فيه ترجيع أو شدة أو حكاية " قه قه "،
أم لم يكن فيه شئ من ذلك - كما حكي هذا التعميم عن جماعة من أهل
اللغة (4) - وبذلك فسره في الروض (5) في مقام دعوى الوفاق على كونها
مبطلة، فيظهر من ذلك تحقق الإجماع على الحكم بهذا الإطلاق، فيكون
جابرا للموثقة الظاهرة في الإطلاق (6) أيضا.
* (و) * تبطل ب‍ * (الفعل الكثير الذي ليس من الصلاة) * إجماعا كما في

(1) حكاه البحراني في الحدائق 9: 39، وصاحب الجواهر في الجواهر 11: 53، وانظر
التذكرة 3: 285 - 286.
(2) صرح به العلامة في التذكرة 3: 286، ونهاية الإحكام 1: 519، والشهيد في
الذكرى: 216، والمحقق النراقي في المستند 7: 42.
(3) الوسائل 4: 1253، الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 2.
(4) انظر مفتاح الكرامة 3: 21 - 22، والجواهر 11: 54 - 55.
(5) روض الجنان: 332.
(6) المتقدمة في الصفحة السابقة.
226

كلام جماعة (1)، وإنما اختلفوا في تحديده، فعن جماعة: أنه ما يسمى كثيرا في
العرف (2)، وعن أخرى: أنه ما يخرج به فاعله عن كونه مصليا (3)، وعن
ثالثة: أنه ما إذا اطلع على فاعله يقال إنه معرض عن الصلاة (4).
ولا إشكال في الإبطال إذا بلغ الحد الثاني.
وأما التحديد الأول فهو غير منضبط، لأن الكثرة من الأمور
الإضافية، ويختلف صدقه بحسب اختلاف المقامات، فقد يقال: إن هنا حنطة
كثيرة ويراد بالكثير مقدار من منتشر في الأرض، وقد يقال: في القبة حنطة
كثيرة، وقد يقال: إن في هذه القرية حنطة كثيرة أو في البلد، وكذا غير
الحنطة مما يتصف بالكثرة ويختلف بحسب الموارد، ولا شك أن العرف لا
يفرق بين حركة الأصابع من أول الصلاة إلى آخرها وبين الوثبة الفاحشة
الواقعة في أثناء كلمة واحدة من أقوال الصلاة، بأن يسلبوا الكثرة عن
الأول ويطلقوها في الثاني لو لم يفرقوا بالعكس.
ومع تسليم الانضباط، فلا دليل على تحقق البطلان بتحقق الكثرة (5).

(1) نهاية الإحكام 1: 521، مجمع الفائدة 3: 69، مفاتيح الشرائع 1: 171.
(2) انظر السرائر 1: 238، ونهاية الإحكام 1: 521، والدروس 1: 185، وجامع
المقاصد 2: 350، ومفاتيح الشرائع 1: 171.
(3) انظر الروضة البهية 1: 564، ومجمع الفائدة 3: 69، ومفاتيح الشرائع 1: 171.
(4) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 85، والشهيد الثاني في المقاصد العلية: 160،
والفاضل الميسي والصيمري في الميسية وكشف الالتباس على ما حكاه السيد في
مفتاح الكرامة 3: 24.
(5) إلى هنا ينقطع شرح المؤلف قدس سره لمتن الإرشاد في ما بأيدينا من النسخ. هذا آخر ما
ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 170، وأول الصفحة اليسرى: " ويحتمل أن يقال... الخ ".
227

[* (والبكاء للدنيوية، والأكل والشرب إلا في الوتر لصائم أصابه عطش،
ولا يبطل ذلك سهوا.
وتبطل: بالإخلال بركن عمدا أو سهوا، وبزيادته كذلك، وبزيادة ركعة
كذلك، وبنقصان ركعة عمدا، ولو نقصها أو ما زاد سهوا أتم إن لم يكن تكلم
أو استدبر القبلة أو أحدث.
ولو ترك سجدتين وشك هل هما من واحدة أو اثنتين؟ بطلت) *] (1).
ويحتمل أن يقال - في صورة التذكر للنقص المذكور بعد التشهد -:
يحكم بصحة الصلاة ووجوب الإتيان بالسجدتين ثم التشهد ثم إتمام الصلاة
ثم قضاء سجدة واحدة، نظرا إلى أن مقتضى الشك في سجدتي الركعة الثانية
بعد الفراغ عن المحل وإن كان هو عدم الإتيان، لكن العلم الإجمالي بفوات
جنس المتردد في واحدة من الأولى وواحدة من الثانية أو ثنتين من الثانية
أو ثنتين من الأولى - بعد دفع الاحتمال الثالث بأصالة عدم تحقق المبطل -
يوجب البراءة اليقينية بالجمع بين فعل سجدتين للثانية في الصلاة رعاية
لاحتمال كون المنسيتين منها مع فرض بقاء محل تدارك المنسي، وفعل سجدة
واحدة بعد الصلاة رعاية لاحتمال كون الفائت من كل ركعة واحدة، وقد أتى
بما للركعة الثانية في محله، وبقي عليه ما للركعة الأولى فيقضيها بعد الصلاة.
ويحتمل أن يقال في هذه الصورة بوجوب الإتيان بسجدة واحدة بعد
التشهد، لأن احتمال فوات السجدتين من الركعة الأولى لا يلتفت إليه،
لأصالة عدم المبطل، لا للشك بعد تجاوز المحل حتى يقال باشتراكه بين جميع
الاحتمالات، فلا بد إما من طرحها المستلزم للمخالفة القطعية التفصيلية

(1) من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له في ما بأيدينا من النسخ.
228

أو الجمع، أو من إهمال قاعدة الشك بعد تجاوز المحل في جميعها فتبطل
الصلاة، فيبقى - بعد عدم الالتفات إلى ذلك الاحتمال - احتمال كون الفائت من
كل واحدة سجدة واحدة وكون الفائت في الأخيرة سجدتين والمتيقن منهما
وجوب سجدة واحدة في الركعة الثانية لبقاء محلها، وأما فوات الزائد فيها
فليس بمعلوم مع تجاوز المحل. نعم، يجب قضاء سجدة واحدة، للعلم بأنها
فاتت إما من الأولى وإما من الثانية، لكنها لما (1) لم يتعين فوتها في الثانية
مع تجاوز المحل لم يجز الإتيان بها فيها، ولما لم يجز تركها رأسا - لما دل من
وجوب تدارك المنسي إما في الصلاة أو خارجه - وجب تلافيها بعد الصلاة.
لكن كل ذلك مبني على اعتبار أصالة عدم المبطل فيما نحن فيه - أي في
الشك في أن ما وقع يقينا هل وقع على وجه الإبطال أم على وجه لا يبطل -
وعلى أن نفي أحد الاحتمالات بالأصول الظاهرية يوجب أن يعامل مع باقي
الاحتمالات معاملة ما لو علم واقعا انتفاء الاحتمال المدفوع بالأصل، وإلا
فإذا كان الاعتبار بأصالة عدم الالتفات إلى الشك بعد تجاوز المحل فقد
عرفت أن إعمالها بالنسبة إلى الركعتين موجب للمخالفة القطعية التفصيلية،
فتعين إهمالها، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح، فيبقى أصالة عدم فعلها في
الركعة الأولى المستلزم للبطلان وأصالة بقاء الأمر - للشك في كون إتمام هذه
الصلاة موجبا للامتثال - سليمتين عن المعارض.
ثم إن التحقيق أيضا في صورة الشك بعد الفراغ: الإعادة، بناء على
كون الأجزاء المنسية أجزاء حقيقية متممة للصلاة لا يرتفع الأمر (2) بالصلاة

(1) كلمة " لما " من مصححة " ط ".
(2) كلمة " الأمر " من مصححة " ط ".
229

إذا ذكرهما (1) قبل فعل المنافي إلا بعد فعلهما، وإن كانت تخرج عن الجزئية إذا
لم يذكرها إلا بعد فعل المنافي على بعض الأقوال.
وجه البطلان، هو: أن المكلف بعد الفراغ قاطع ببقاء التكليف عليه،
لأن السجدتين إن كانتا من ركعة واحدة فهو مكلف بتحصيل الصلاة على
وجه الاستئناف، وإن كانتا من ركعتين فهو مكلف به على وجه إتمامها بفعل
الأجزاء المنسية. فالقول بعدم وجوب شئ عليه مخالف للمعلوم تفصيلا من
عدم ارتفاع التكليف عنه، فيدور الأمر بين الجمع بين الإعادة وفعل الأجزاء
المنسية وبين... (2).
[* (ولو شك قبل السجود هل رفعه من الركوع لرابعة أو خامسة؟ بطلت صلاته.
وتبطل: لو شك في عدد الثنائية كالصبح والسفر والعيدين فرضا
والكسوف، وفي عدد الثلاثية كالمغرب، وفي عدد الأولتين مطلقا، وكذا إذا لم يعلم
كم صلى، أو لم يعلم ما نواه.
ويكره: العقص، والالتفات يمينا وشمالا، والتثاؤب، والتمطي، والفرقعة،
والعبث، ونفخ موضع السجود، والتنخم، والبصاق، والتأوه بحرف، والأنين به،
ومدافعة الأخبثين أو الريح.
ويحرم قطع الصلاة اختيارا. ويجوز: للضرورة، والدعاء بالمباح في الدين
والدنيا إلا المحرم، ورد السلام بالمثل، والتسميت، والحمد عند العطسة) *] (3).

(1) في " ن " و " ط ": ذكرها.
(2) إلى هنا ينتهي ما وجدناه من شرح المؤلف لما يتعلق بمبطلات الصلاة.
(3) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له في ما بأيدينا
من النسخ.
230

المطلب الثاني
[في السهو والشك] (1)
* (في) * الخلل الواقع في الصلاة، وهو إما عن عمد وإما عن
* (السهو) *، وهي - كما في الصحاح - الغفلة (2)، وهي توجب النسيان تارة
* (والشك) * أخرى.
فإن كان عن عمد فلا إشكال في بطلان الصلاة، ويدخل في العامد
الجاهل مطلقا - وإن لم يأثم القاصر منه - لعموم الأمر مع بقاء الوقت،
وأصالة عدم سقوطه بما فعل.
واستثني من ذلك - لأجل النص (3) - الجاهل بوجوب الجهر والإخفات
فيما يجبان فيه من حيث ذات الفريضة، إذا لم يكن مترددا ليتمكن من قصد
التقرب.
أما إذا وجب الإخفات لأجل الاقتداء، أو على المرأة - لكون

(1) العنوان من كتاب الإرشاد. وفي " ق " بدله ما يلي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على
أعدائهم أجمعين.
(2) الصحاح 6: 2386، مادة " سها ".
(3) الوسائل 4: 766، الباب 26 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
231

صوتها عورة - فلا يبعد عدم المعذورية، لانصراف النص إلى غير ذلك،
مضافا إلى اختصاصه بالرجل، فتأمل.
وإن كان عن سهو، فمنه ما لا حكم له، ومنه ما له حكم، وقد أشار
المصنف قدس سره إلى القسم الأول بقوله: * (لا حكم للسهو مع غلبة) * أحد
الطرفين على الآخر المتحققة بمجرد * (الظن) * وإن لم يكن قويا، بل يبني
على المظنون مطلقا ويجعله كالمعلوم على المشهور، لعموم النبوي - المورد في
كتب الفتاوى على وجه يشعر بقبوله - " إذا شك أحدكم في الصلاة فلينظر
أحرى ذلك إلى الصواب وليبن عليه " (1).
ورواية صفوان - المصححة - " إذا لم تدر كم صليت ولم يقع وهمك
على شئ فأعد الصلاة " (2). وغيرها مما ورد في بعض الموارد (3) المؤيدة
بقاعدة نفي العسر.
وتنظر فيه غير واحد بأنه لا عسر مع عدم الكثرة، ومعها يسقط
حكم الشك (4).
وفيه نظر، لأن أدلة كثير الشك مختصة بكثرة الشك العارضة لبعض
الأشخاص أحيانا، بل في بعضها أنه مرض شيطاني أو مقدمة له (5).

(1) الجواهر 12: 365، والحديث في سنن البيهقي 2: 330، كتاب الصلاة، جماع
أبواب سجود السهو، وسنن النسائي 3: 28، باب التحري، وفيهما: فليتم عليه.
(2) الوسائل 5: 327، الباب 15 من أبواب الخلل، الحديث الأول مع اختلاف يسير.
(3) راجع الوسائل 5: 338، الباب 24 و 28 و 33 من أبواب الخلل.
(4) منهم المحقق النراقي في المستند 1: 486.
(5) الوسائل 5: 329، الباب 16 من أبواب الخلل، الحديث 1 و 2.
232

وأما كثرة الشك بالمعنى الأعم من الظن، فهي فطرية لجميع الناس إلا
ما شذ، فالمناسب لنفي الحرج التفصيل فيه بين الظن وغيره، لا سقوط حكمه
مطلقا، كما لا يخفى.
ومقتضى إطلاق بعض ما ذكر وفحوى الآخر - المعتضدين بحكاية
الإجماع عن غير واحد - عدم الفرق بين الأعداد والأفعال (1)، ولذا اشتهر أن
المرء متعبد بظنه (2) وإن لم نعثر في ذلك على رواية. قال في المختلف - في رد
الحلي في مسألة ما لو فاته من الصلاة ما تردد بين الخمس -: إن غلبة الظن
تكفي في العمل بالتكاليف الشرعية إجماعا، انتهى (3).
وفي شرح الفريد البهبهاني قدس سره - في مسألة ما لو فاته ما لا يحصى
عدده - أن الاكتفاء بالظن فيما لا يمكن فيه تحصيل اليقين هو الأصل والقاعدة
الشرعية الثابتة المقررة في جميع المقامات، والبناء في الفقه على ذلك بلا شبهة،
انتهى (4).
ومما ذكر ظهر ضعف منع الحلي (5) - وبعض من مال إليه (6) - عن العمل
بالظن فيما عدا أخيرتي الرباعية من الأعداد استنادا إلى أخبار دلت على

(1) انظر الجواهر 12: 364 و 365.
(2) في الجواهر 12: 365: المعروف على ألسنة العوام والعلماء: " المرء متعبد
بظنه ".
(3) المختلف 3: 26.
(4) مصابيح الظلام (مخطوط): 694.
(5) السرائر 1: 250.
(6) كالعلامة في المنتهى 1: 410، والمحقق في المعتبر 2: 386.
233

اعتبار حفظ عدده واليقين (1)، إذ (2) يجب تخصيصها وإن كثرت بمفهوم رواية
صفوان المتقدمة (3) المعتضدة بما مر، وظن التباين الجزئي بينهما وهم لا يخفى.
* (و) * كذا * (لا) * حكم * (لناسي القراءة أو) * ناسي * (الجهر
والإخفات (4)) * في جميع مواضعهما * (أو) * ناسي أبعاض ال‍ * (قراءة) * مثل
* (الحمد) * وحدها * (أو السورة) * وحدها أو بعض أجزائهما * (حتى ركع (5)) *
فإنه يمضي في جميع ذلك، للنص (6).
بل يمضي في الجهر والإخفات وإن لم يركع على المشهور، لعموم
النص (7)، مضافا إلى عدم ثبوت اعتبارهما مع النسيان، ولذا يعذر ناسي
الإخفات خلف الإمام في مقام وجوب القراءة عليه، والمرأة بناء على كون
صوتها عورة، وإن قوي انصراف النص إلى ما إذا وجب الإخفات لذات
الفريضة، كما مر (8).
* (و) * كذا * (لا) * حكم * (لناسي ذكر الركوع، أو الطمأنينة (9) فيه حتى
ينتصب) *، لاستلزام تداركه زيادة الركن، مضافا إلى خصوص الرواية:

(1) الوسائل 5: 299 - 303، الباب الأول من أبواب الخلل.
(2) " إذ " من " ن " و " ط "، ولم ترد في " ق ".
(3) في الصفحة السابقة.
(4) في الإرشاد: أو الإخفات.
(5) في الإرشاد: حتى يركع.
(6) الوسائل 4: 768 و 769، الباب 28 و 29 من أبواب القراءة.
(7) الوسائل 4: 766، الباب 26 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
(8) في أول البحث، راجع الصفحة 233.
(9) كذا في الإرشاد، وفي النسخ: والطمأنينة.
234

" عن رجل نسي تسبيحة في ركوعه أو سجوده؟ قال: لا بأس بذلك " (1).
* (ولا لناسي الرفع) * عن الركوع * (أو الطمأنينة فيه) * حال الانتصاب
* (حتى سجد (2)) * بلا خلاف، لما دل بعمومه على أنه إذا تم الركوع والسجود
تمت صلاته (3) وإن عارضه ما دل على وجوب تدارك المنسي (4) إلا أن العمل
على الأول.
ومنه يظهر أنه لا حكم لناسي * (الذكر في السجدتين (5)) * أو إحديهما
* (أو السجود على) * ما عدا الجبهة من * (الأعضاء) * السبعة * (أو الطمأنينة
فيهما أو الجلوس (6)) * مطمئنا * (بينهما) * (7).
[* (ولا للسهو في السهو (8)، ولا الإمام أو المأموم إذا حفظ عليه الآخر (9)،

(1) الوسائل 4: 939، الباب 15 من أبواب الركوع، الحديث 2.
(2) في الإرشاد: حتى يسجد.
(3) مثل ما ورد في الوسائل 4: 932، الباب 9 من أبواب الركوع، الأحاديث 2 و 3 و 4.
(4) الوسائل 5: 337، الباب 23 من أبواب الخلل، الحديث 7.
(5) في الإرشاد: أو الذكر في السجودين.
(6) في الإرشاد: أو في الجلوس.
(7) هذا ما وجدناه بخط المؤلف قدس سره في شرح الإرشاد في هذا الموضوع، وقد وقفنا
على رسالة مستقلة كتبها رحمه الله شرحا للمقصد الرابع من كتاب القواعد في أحكام
الخلل وطبعت تحت عنوان " أحكام الخلل في الصلاة "، وقد ألحقنا بها مباحث مبتورة
ومبعثرة كانت في هذه النسخ.
(8) تعرض المؤلف قدس سره لشرح هذه المسألة في أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة
102 - 115.
(9) تعرض المؤلف قدس سره لشرح هذه المسألة في أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة
146 - 147.
235

ولا مع الكثرة (1).
ولو نسي الحمد وذكر في السورة أعادها بعد الحمد (2)، ولو ذكر الركوع قبل
السجود ركع، وكذا العكس (3)، ولو ذكر بعد التسليم ترك الصلاة على النبي وآله
قضاها (4)، ولو ذكر السجدة أو التشهد بعد الركوع قضاهما، ويسجد للسهو في
جميع ذلك على رأي (5).
ولو شك في شئ من الأفعال وهو في موضعه أتى به، فإن ذكر أنه كان قد
فعله، فإن كان ركنا بطلت صلاته، وإلا فلا (6).
ولو شك في الركوع وهو قائم فركع ثم ذكر قبل رفعه بطلت على رأي، وإن
شك بعد انتقاله فلا التفات.
ولو شك هل صلى في الرباعية اثنتين أو ثلاثا، أو هل صلى ثلاثا أو أربعا،
بنى على الأكثر وصلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس (7).
ولو شك بين الاثنتين والأربع سلم وصلى ركعتين من قيام، ولو شك بين
الاثنتين والثلاث والأربع سلم وصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس،

(1) تعرض المؤلف قدس سره لشرح هذه المسألة في أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة
116 - 126.
(2) تعرض المؤلف قدس سره لشرح هذه المسألة في أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة 76.
(3) تعرض المؤلف قدس سره لشرح هذه المسألة في أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة
77 - 79.
(4) تعرض المؤلف قدس سره لشرح هذه المسألة في أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة 80.
(5) راجع أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة 80.
(6) راجع أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة 286 و 101.
(7) راجع أحكام الخلل في الصلاة، الصفحة 160 - 161.
236

ولا يعيد لو ذكر ما فعل وإن كان في الوقت.
ولو ذكر ترك ركن من إحدى الصلاتين أعادهما مع الاختلاف، وإلا فالعدد.
وتتعين الفاتحة في الاحتياط (1)، ولا تبطل الصلاة بفعل المبطل قبله، ويبني
على الأقل في النافلة، ويجوز الأكثر.
ولو تكلم ناسيا، أو شك بين الأربع والخمس، أو قعد في حال قيام، أو قام
في حال قعود - وتلافاه على رأي - أو زاد أو نقص غير المبطل ناسيا على رأي،
سجد للسهو. وهما: سجدتان بعد الصلاة (2)، يفصل بينهما بجلسة، ويقول فيهما:
" بسم الله وبالله، اللهم صل على محمد وآل محمد "، أو " السلام عليك أيها النبي
ورحمة الله وبركاته "، ويتشهد تشهدا خفيفا ويسلم.
* (خاتمة) *
من ترك من المكلفين الصلاة مستحلا ممن ولد على الفطرة قتل، ولو كان
مسلما عقيب كفر أصلي استتيب، فإن امتنع قتل، وإن لم يكن مستحلا عزر، ويقتل
في الرابعة مع تخلل التعزير ثلاثا، ولا يسقط القضاء.
وكل من فاته فريضة عمدا أو سهوا أو بنوم أو سكر أو شرب مرقد أو ردة
وجب القضاء، إلا أن تفوت بصغر أو جنون أو إغماء - وإن كان بتناول الغذاء - أو

(1) راجع ما يتعلق بصلاة الاحتياط وما يعتبر فيه في كتاب أحكام الخلل، الصفحة
220 - 227.
(2) راجع ما يتعلق بسجدتي السهو ومواضع وجوبهما في أحكام الخلل، الصفحة 229
- 243.
237

حيض أو نفاس أو كفر أصلي أو عدم المطهر.
ويقضي في السفر ما فات في الحضر تماما، وفي الحضر ما فات في السفر
قصرا.
ولو نسي تعيين الفائتة اليومية صلى ثلاثا وأربعا واثنتين، ولو تعددت قضى
كذلك حتى يغلب على ظنه الوفاء.
ولو نسي عدد المعينة كررها حتى يغلب الوفاء، ولو نسي الكمية والتعيين
صلى أياما متوالية حتى يعلم دخول الواجب في الجملة.
ولو نسي ترتيب الفوائت كرر حتى يحصله، فيصلي الظهر قبل العصر
وبعدها، أو بالعكس لو فاتتا. ويصلي مع كل رباعية صلاة سفر لو نسي ترتيبه.
ويستحب قضاء النوافل الموقتة، ولا يتأكد فائت المرض، ويتصدق عن كل
ركعتين بمد، فإن عجز فعن كل يوم استحبابا.
والكافر الأصلي تجب عليه جميع فروع الإسلام، لكن لا تصح منه حال
كفره، فإن أسلم سقطت) *] (1).

(1) ما بين المعقوفتين من الإرشاد ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا من
النسخ.
238

[المقصد الثاني]
* (في الجماعة) * (1)
وفضلها عظيم جدا (2)، ففي النبوي المحكي عن المجالس أن " الركعة في
الجماعة أربع وعشرون ركعة، كل ركعة أحب إلى الله [عز وجل] من عبادة
أربعين سنة " (3).
وفي الآخر: " من صلى الفجر في الجماعة ثم جلس يذكر الله عز وجل
حتى تطلع الشمس كان له في الفردوس سبعون درجة، بعد ما بين كل
درجتين كحضر الفرس الجواد [المضمر] (4) سبعين (5) سنة، ومن صلى الظهر

(1) تتألف مباحث (صلاة الجماعة) من ثلاثة أقسام: بعضها شرح لمتن الإرشاد،
وبعضها على شكل مسائل، وبعضها بصورة بحث روائي، وقد أوردناها بهذا التسلسل،
وحاولنا قدر الإمكان المحافظة على درج الشرح حسب ترتيب متن الإرشاد.
(2) بحث المؤلف ذلك في الصفحة 551.
(3) أمالي الصدوق: 163، المجلس 35، والوسائل 5: 372، الباب الأول من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 10.
(4) من الوسائل.
(5) كذا في الوسائل، وفي النسخ: " خمسين ".
239

في جماعة كان له في جنات عدن خمسون درجة، بعد ما بين كل درجتين
كحضر الفرس الجواد خمسين سنة، ومن صلى العصر في جماعة كان له كأجر
ثمانية من ولد إسماعيل كل منهم رب بيت يعتقهم، ومن صلى المغرب في
جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة مقبولة، ومن صلى العشاء في جماعة
كان كمن أحيا ليلة القدر (1) " (2).
وفي ثالث: " من مشى إلى مسجد يطلب فيه جماعة كان له بكل
خطوة سبعون ألف حسنة، ورفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات وهو
على ذلك وكل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره، ويبشرونه
ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتى يبعث " (3).
وفي رابع محكي عن الروض للشهيد الثاني نقلا عن كتاب الإمام
والمأموم لبعض علمائنا، بإسناده إلى أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وآله وسلم
قال: " أتاني جبرئيل في سبعين ألف ملك بعد صلاة الظهر، فقال: يا محمد،
إن ربك يقرئك السلام وأهدى إليك بهديتين لم يهدهما إلى نبي قبلك.
قلت: وما تانك الهديتان؟ قال: الوتر، ثلاث ركعات، والصلوات الخمس
في جماعة. قلت: يا جبرئيل، وما لأمتي في الجماعة؟ قال: يا محمد، إن
كانا اثنين كتب الله لهما بكل ركعة مئة وخمسين صلاة، وإن كانوا ثلاثة
كتب الله لكل واحد بكل ركعة ستمئة صلاة، وإن كانوا أربعة كتب الله لكل
واحد بكل ركعة ألفا ومئتي صلاة، وإن كانوا خمسة كتب الله لكل واحد

(1) في الوسائل: كان له كقيام ليلة القدر.
(2) الوسائل 5: 373، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.
(3) الوسائل 5: 372، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 7.
240

بكل ركعة ألفين وأربعمئة صلاة، وإن كانوا ستة كتب الله لكل واحد بكل
ركعة أربعة آلاف وثمانمئة صلاة، وإذا كانوا سبعة كتب الله لكل واحد بكل
ركعة تسعة آلاف وستمئة صلاة، وإذا كانوا ثمانية كتب الله لكل واحد بكل
ركعة تسعة عشر ألفا ومئتي صلاة، وإذا كانوا تسعة كتب الله لكل واحد
بكل ركعة ستة وثلاثين ألفا وأربعمئة صلاة، وإذا كانوا عشرة كتب الله لكل
واحد بكل ركعة اثنين وسبعين ألفا وثمانمئة صلاة، فإن زادوا على
العشرة فلو صارت بحار السماوات والأرض مدادا والأشجار أقلاما
والثقلان مع الملائكة كتابا لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة، يا محمد
تكبيرة يدركها المؤمن مع الإمام خير له من ستين ألف حجة وعمرة،
وخير من الدنيا وما فيها سبعين ألف مرة، وركعة يصليها المؤمن مع الإمام
خير من مئة ألف دينار يتصدق بها على المساكين، وسجدة يسجدها المؤمن
مع الإمام خير من عتق مئة رقبة " (1). والأخبار في فضل الجماعة أكثر من أن
تحصى (2).
ويظهر مما ذكرنا من الأخبار أفضلية الجماعة من الصلاة منفردا في
المسجد، ويدل عليه صريحا: مراسلة محمد بن عمارة إلى الرضا عليه السلام
يسأله: " أن الصلاة في مسجد الكوفة منفردا أفضل أم صلاته في جماعة؟
فقال: الصلاة في جماعة أفضل " (3)، مع ما روي من أن " صلاة في مسجد

(1) روض الجنان: 363، ومستدرك الوسائل 6: 443، الباب الأول من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 3.
(2) راجع الوسائل 5: 370 - 375، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الوسائل 3: 512، الباب 33 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 4.
241

الكوفة تعدل ألف صلاة في غيره من المساجد " (1).
إلا أن يقال: إن الروايات السابقة محمولة على الغالب من إقامة
الجماعة في المساجد، والمراسلة المذكورة معارضة بما رواه محمد بن سنان عن
الرضا عليه السلام أن " الصلاة في مسجد الكوفة فردا أفضل من سبعين صلاة في
غيره جماعة " (2). ونحوها رواية إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام:
" قال: قلت له: إن رجلا يصلي بنا نقتدي به فهو أحب إليك أو في المسجد؟
قال: المسجد أحب إلي " (3) بناء على ظهوره في إرادة الانفراد في المسجد،
وإلا لم يحتج إلى السؤال.
ويظهر من بعض الأخبار التساوي، مثل رواية رزيق (4) المحكية عن
المجالس وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام: " صلاة الرجل في منزله جماعة
تعدل أربعا وعشرين صلاة، وصلاة الرجل جماعة في المسجد تعدل ثماني
وأربعين صلاة مضاعفة في المسجد، وإن الركعة في المسجد الحرام ألف ركعة
في سواه من المساجد، وإن الصلاة في المسجد فردا بأربع وعشرين صلاة،
والصلاة في منزلك فردا هباء منثورا لا يصعد منه [إلى الله] (5) شئ، ومن
صلى في بيته جماعة رغبة عن المسجد فلا صلاة له ولا لمن صلى معه (6) إلا

(1) الوسائل 3: 526، الباب 44 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 19.
(2) الوسائل 3: 512، الباب 33 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 2.
(3) الوسائل 3: 512، الباب 33 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 3.
(4) كذا في الأمالي، وفي الوسائل: زريق.
(5) من الوسائل.
(6) في الوسائل: بتبعه.
242

من علة تمنع في (1) المسجد " (2).
[* (وتجب في الجمعة والعيدين خاصة بالشرائط، وتستحب في الفرائض
خصوصا اليومية، ولا تصح في النوافل (3) إلا الاستسقاء والعيدين مع عدم
الشرائط، وتنعقد باثنين فصاعدا) *] (4).
* (ويجب) * في صحة صلاة المأموم أن يكون * (في الإمام) * شروط:
أحدها * (التكليف) * بأن يكون بالغا عاقلا.
أما اعتبار العقل فموضع وفاق نصا وفتوى. نعم، لو كان أدوارا صح
حال إفاقته، ولا عبرة باحتمال طروه في أثناء الصلاة، لأصالة عدمه، مع أن
طروه لا يوجب إلا بطلان الجماعة، فينفرد أو يعدل إلى غيره بناء على جواز
الاستنابة في المقام.
وما قيل - من أن أصالة عدم الطرو لا تؤثر في حصول الاطمئنان
المعتبر في نية الجماعة فلا بد من اعتبار الاطمئنان، وكذا الحال في جميع
الشروط التي لا بد من بقائها إلى آخر الصلاة - قد عرفت فساده في مسألة
إدراك الإمام في الركوع، وأن هذه الشروط التي ليست تحت قدرة المكلف

(1) في الوسائل والأمالي: من.
(2) أمالي الطوسي: 696، الحديث 29، والوسائل 3: 512، الباب 33 من أبواب
أحكام المساجد، الحديث 5.
(3) تعرض المؤلف لعدم صحة الجماعة في النوافل في الصفحة 529.
(4) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا من
النسخ، وقد ورد في أول الصفحة اليسرى من الورقة 188 ما يلي: في الجماعة ويجب
في صحة صلاة... الخ ما أوردناه في المتن.
243

يكفي فيها حكم الشارع بكون الأفعال الصادرة من المكلف المعزوم عليها في
ابتداء العبادة مقرونة بها مستصحبة لها ولو بحكم الاستصحاب الشرعي،
والمعتبر في النية الجزم بصدور أجزاء الفعل الاختيارية منه، وأما مقارنتها
للشروط والكيفيات المعتبرة فيها الخارجة عن اختيار المكلف فيكفي فيها
حكم الشارع ببقائها بعد أن كانت متيقنة في أول الصلاة.
ويحكى عن المصنف قدس سره في التذكرة (1) - في باب الجمعة - المنع معللا
باحتمال عروضه له في الأثناء، وباحتمال خروج المني منه حال جنونه، فيبقى
جنبا.
ولكن لا يخفى ضعفهما، لأن الأصل عدمهما، مع أن المانع الثاني يمكن
أن يتدارك بالغسل، كما حكي عن النهاية استحبابه لأجل ذلك (2).
وأما اعتبار البلوغ (3) فهو المشهور، وعن الرياض عن صوم المنتهى
نفي الخلاف فيه (4).
أما بناء على القول بعدم شرعية عبادة الصبي فواضح، لأن صلاته
لا تتصف بالصحة، وانعقاد الجماعة به مأموما - كما تقدم - إنما كان للدليل
المفقود في المقام، مع أنا قد ذكرنا أن هذا الحكم دليل على شرعية عبادته،
كما في شرح الإرشاد للمقدس المحقق رحمه الله (5).

(1) التذكرة 4: 21.
(2) نهاية الإحكام 1: 179.
(3) بحث المؤلف ذلك في الصفحة 557، وما بعدها.
(4) الرياض 4: 230، وانظر المنتهى 2: 584 و 596.
(5) مجمع الفائدة 3: 246.
244

وأما بناء على شرعيتها فلعدم انصراف الإطلاقات إلا إلى المكلف،
فيبقى غيره تحت أصالة عدم الضمان، مضافا إلى فحوى ما دل على اعتبار
العدالة حيث إن الفاسق مع أن فيه حاجزا عن معصية الله عز وجل في
الجملة لا يجوز له الائتمام، فالصبي العالم بعدم معاقبته أولى بالمنع، مع أنه
لا يؤمن من إخلاله ببعض ما يعتبر في الصلاة شرطا أو شطرا، مع أن
صلاته نافلة فلا يجوز الائتمام به، مع أن المستفاد من اشتراط العدالة اشتراط
البلوغ، لأنها فرعه.
لكن الإنصاف: أن ذلك وغيره مما ذكروه وجوه ضعيفة لا تقوى على
تخصيص العمومات المستفادة من الأخبار الحاصرة للممنوع عن الاقتداء به
في خمسة (1) أو ستة (2)، لولا العلوي المنجبر بما ذكر من الشهرة " لا يؤم
الغلام حتى يحتلم، فإن أم جاز صلاته وفسد صلاة من خلفه " (3).
خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف (4) فجوز إمامة المراهق مدعيا
عليه الوفاق، ويحكى عن السيد (5) في بعض كتبه، ويشهد له خبرا طلحة بن
زيد (6) وغياث بن إبراهيم (7) المجوزان لإمامة الصبي وأذانه، وما ورد في

(1) الوسائل 5: 397، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 4.
(2) الوسائل 5: 398، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(3) الوسائل 5: 398، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 7.
(4) الخلاف 1: 553، كتاب الصلاة، المسألة 295.
(5) حكاه الفاضل المقداد - في التنقيح الرائع 1: 274 - عن الجمل، ولم نقف عليه
فيه.
(6) الوسائل 5: 398، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.
(7) الوسائل 5: 397، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
245

جواز صدقته وعتقه وإمامته مع بلوغ العشر (1).
وكلها ضعيفة: أما الإجماع فلما ترى من مخالفة الكل له حتى مدعيه
في جملة من كتبه (2). نعم، قيل: إنه محكي عن بعض كتب السيد (3)،
وأما الخبران، فلضعفهما العاري عن الجابر، وأما المجوز لعتقه وصدقته،
فلمخالفته - هنا وفي باب الصدقة والعتق - لفتوى المعظم المطابقة للأصول
والأدلة.
وللشهيد في الدروس فجوز إمامته لمثله مطلقا ولغيره في النفل (4)، أما
الأول فلا يبعد بناء على شرعية الجماعة لهم كأصل الصلاة، بناء على
ما ذكرنا سابقا من كون المستحبات الغير المختصة بالمكلفين من دليل خارج
مستحبة في حقهم، وأن حديث رفع القلم (5) عنهم إنما هو في الواجبات
والمحرمات.
نعم، لو قيل باختصاص أدلة استحباب الجماعة بالمكلفين بحكم
الانصراف - كما تقدم في اشتراط البلوغ - أو قلنا بعموم أدلة اشتراط بلوغ
الإمام لمطلق الإمام، توجه منع هذا القول.
وبهذا الأخير يضعف ما ذكره من صحة إمامته في النافلة، ولعله

(1) الوسائل 5: 397، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(2) راجع النهاية: 113، والتهذيب 3: 30، ذيل الحديث 104، والاستبصار 1:
424، ذيل الحديث 1633.
(3) لم نقف عليه.
(4) الدروس 1: 219.
(5) الوسائل 1: 32، الباب 4 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 11.
246

بناه على أن صلاته حيث كانت نافلة فلا يجوز الاقتداء به في الفرض،
لما عرفت من عدم الدليل على جواز الاقتداء في (1) الفرض (2) إلا في
المعادة.
وضعف هذا الوجه ظاهر كضعف أصل الحكم بما عرفت من عموم
الدليل (3).

(1) كذا، والظاهر: في غير الفرض.
(2) في " ق " زيادة: " الذي "، والظاهر أنه قد ترك الشطب عليها سهوا، فإن العبارة
كانت هكذا: الفرض الذي يجوز، فشطب على يجوز، وأبدله بقوله: إلا في المعادة.
(3) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 189، وتبدأ الصفحة اليسرى بقوله:
" واعلم أن هذه الأخبار... الخ "، وهي غير مرتبطة بما سبق، وتتضمن البحث عن
العدالة. والظاهر سقوط ورقة أو أوراق هنا، فلاحظ.
247

[* (والإيمان والعدالة) *] (1) واعلم أن هذه الأخبار لا تدل إلا على
كفاية تحقق هذه الصفات في الخارج في قبول شهادة الشاهد (2)، وأما أن ذلك
لأجل كونها طريقا ظنيا أو تعبديا إلى الملكة أو أن العدالة هي بنفسها
حسن الظاهر المستفاد من هذه الصفات المذكورة فلا تدل، فإذن لا بد
لمدعي أن العدالة هي الملكة من إقامة الدليل على ذلك حتى تحمل تلك
الصفات المذكورة في الأخبار السابقة على الطريق إليها، فنقول: إن القائل
بكون العدالة هي حسن الظاهر إن أراد به أنها نفس هذه الصفة أي عدالة
الظاهر وحسنه فهذا خلاف المتبادر من لفظ العدالة، ألا ترى أنه إذا انكشف
لنا أن الشخص الحسن الظاهر كان فاسقا في نفس الأمر من أول ما عرفناه
وعاشرناه إلا أنه خفي علينا أمره الباطني، فيصدق حينئذ أنه لم يكن عادلا
بل كان فاسقا.
والحاصل: أن المتبادر من العدالة هي الصفة الباطنية وأنها حسن
الباطن دون حسن الظاهر، نعم قد يحكم العرف بحسن الباطن من جهة أن
الظاهر عنوان الباطن.
وبهذا يظهر فساد أن يراد من العدالة ملكة تعديل الظاهر، وبعبارة
[أخرى] (3) ملكة الستر، بأن تكون هيئة نفسانية تبعثه على ستر عيوبه عن
الناس وتعديل ظاهره بينهم، مضافا إلى أن ملكة التدليس على هذا تدخل

(1) من الإرشاد، ولم نعثر على شرح للمؤلف هنا، لكنه بحث العدالة هنا، وفي الصفحة
545، وأيضا 562.
(2) كلمة " الشاهد " لا تقرأ في " ق ".
(3) من " ط " فقط.
248

في ملكة العدالة. اللهم إلا أن يقال: إن العدالة ملكة التستر عن الناس من
جهة الحياء من الله في التجاهر بمعصيته، وملكة التدليس هو ملكة التستر
حياء من الناس لخوف سقوط محله عن القلوب أو لطمع ميلها إليه، لكن
يشكل الأمر في التمييز حينئذ.
هذا كله مضافا إلى أن الظاهر من أرباب هذا القول جعل حسن
الظاهر طريقا إلى العدالة لا نفسها، كما يظهر من الدروس، قال: " ويعلم
العدالة بالشياع والمعاشرة الباطنة وصلاة عدلين خلفه، ولا يكفي الإسلام في
معرفة العدالة - خلافا لابن الجنيد - ولا التعويل على حسن الظاهر على
الأقوى (1)، انتهى. ومثله المحكي عن الذكرى (2) والبيان (3) والجعفرية (4)
والموجز (5) والكفاية (6) والمدارك (7) والروض (8) بل في... (9).
وكيف كان، فدعوى أن العدالة عبارة عن مجرد حسن الظاهر أو

(1) الدروس 1: 218.
(2) الذكرى: 267.
(3) البيان: 229.
(4) راجع رسائل المحقق الكركي 1: 80 و 126.
(5) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 111.
(6) الكفاية: 29، وفيه: " والأقرب جواز الاكتفاء بحسن الظاهر... وعدم ثبوت
الخلاف ".
(7) المدارك 4: 66.
(8) روض الجنان: 364.
(9) هنا انخرام في " ق "، وفي نسخة المتاجر (طبعة أصفهان) آخر الصفحة 343،
ما يلي: " بل في الأخير نفي الخلاف عنه ".
249

ملكة تحسينه فاسد جدا، وعلى تقدير القول به فينفيه ظاهر الأخبار الدالة
على أن المعيار حسن الباطن، وأن المعتبر هو الوثوق به، مثل قوله عليه السلام:
" لا تصل إلا [خلف] (1) من تثق بدينه وأمانته " (2)، وقوله: " إذا كنت خلف
إمام تتولاه وتثق به " (3)، وقوله عليه السلام في شهادة الضيف: " إذا كان عفيفا
صائنا " (4)، إلى غير ذلك مما دل على اعتبار عفته وصلاحه وخيريته، فإن
هذه كلها أمور باطنية اعتبرها الشارع في الشاهد والإمام.
وإن أرادوا به ما هو الظاهر من كلماتهم على ما عرفت من أن حسن
الظاهر طريق ظاهري إلى العدالة، فإن أرادوا بذلك أنه طريق تعبدي على
ما يظهر من قوله في مرسلة يونس: " إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا جازت
شهادته ولا يسأل عن باطنه " (5)، وقوله: " من صلى الخمس في جماعة فظنوا
به خيرا " (6)، أو " كل خير " كما عن الفقيه (7)، وقوله عليه السلام في رواية ابن
أبي يعفور: " والدليل على ذلك كله أن يكون ساترا لعيوبه " (8) اكتفي به في

(1) من " ط " والوسائل.
(2) الوسائل 5: 389، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(3) الوسائل 5: 424 - 425، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 15. وفي
التهذيب: " تتولاه " كما هنا.
(4) الوسائل 18: 274، الباب 29 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
(5) الوسائل 18: 290، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 3 و 4.
(6) الوسائل 5: 371، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(7) الفقيه 1: 376، الحديث 1093، والوسائل 5: 372، الباب الأول من صلاة
الجماعة، الحديث 6.
(8) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول، مع اختلاف يسير.
250

الدلالة على الصفات التي ذكرها سابقا، وقوله عليه السلام في رواية العيون
والخصال: " من عامل الناس فلم يظلمهم... الخ " (1) إلى غير ذلك.
ففيه: أن إطلاق هذه الأدلة منصرفة إلى صورة إفادة هذه الصفات
الظاهرة منه الظن بحسن الباطن، ولو أبيت إلا عن إطلاقها، فنقول: إنها
مقيدة بما دل على اعتبار الوثوق وكونه ممن يرضى صلاحه وعفته، مع أن
قوله عليه السلام: " من صلى الخمس في جماعة فظنوا به خيرا " أو " كل خير "
يدل على أن المناط في ترتب الآثار هو ظن الخير بالشخص لا مجرد الأفعال
الظاهرة، وإنما اعتبرت لتكون أسبابا لظن الخير الذي تترتب عليه الأحكام،
فظاهر الخبر أن الآثار تترتب على رؤية الشخص مصليا في الجماعة بواسطة
حصول الظن من ذلك [بالخير ف‍] (2) هذا على خلاف المطلوب أدل، وأيضا
فقوله عليه السلام: " من عامل الناس... إلى أن قال: وجبت أخوته " (3) قرينة
على إرادة حصول الوثوق بذلك من الأوصاف المذكورة، لعدم وجوب أخوة
غير الثقة المعتمد المظنون فيه حسن الباطن، [و] كذلك قوله عليه السلام في
صحيحة ابن أبي يعفور: " لأنه لولا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد لأحد
بالصلاح " (4) فإنها قرينة على إرادة الكشف، بل قوله في [مرسلة يونس:

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 30، الباب 31، الحديث 34، والخصال: 208،
باب الأربعة، الحديث 28، الوسائل 18: 293، الباب 41 من أبواب الشهادات،
الحديث 15.
(2) ما بين المعقوفات من " ط " ونسخة المتاجر طبعة أصفهان الصفحة 344.
(3) تقدم آنفا.
(4) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول.
251

" إذا كان] ظاهره ظاهرا [مأمونا] " (1) المأمونية من ارتكاب القبائح في
الواقع.
وكيف [كان] (2) فهذه الأخبار لا إطلاق فيها، وعلى فرضه فتنصرف
إلى صورة كشف حسن الظاهر من حسن الباطن، وعلى فرض عدم
الانصراف فيقيد [بما عرفت].
بل يمكن أن يقيد إطلاقاتها بما دل على اعتبار العفة والصلاح والصيانة
والأمانة (3) حيث إن الظاهر من تلك الأخبار اعتبار العلم بهذه الصفات،
ولا أقل من الظن المصحح للتوصيف عرفا.
اللهم إلا أن يقال: إن هذه الأوصاف إذا اعتبر تحققها في نفس الأمر،
وحيث دل الدليل على أن حسن الظاهر طريق إلى هذه الأوصاف وإن لم
يحصل الظن منه بها فلا حاجة إلى حصول الظن المصحح للحمل عرفا، بل
يكفي وجود الطريق التعبدي المصحح للحمل شرعا.
فالأجود في الجواب ما ذكرنا: من أنه لم يظهر من الأخبار كون مجرد
حسن الظاهر كافيا في الحكم بترتب أحكام العدالة وإن لم يفد ظنا بحسن
الباطن الذي ذكرناه من الحالة النفسانية الرادعة للهوى عن مخالفة الشرع
بالنسبة إلى جميع الكبائر في غالب الأحوال وإن صار مغلوبا للهوى في بعض
الأحوال، نظرا إلى غلبة القوة الشهوية أو الغضبية، مع أنه لو سلم ترتب

(1) المتقدمة في الصفحة 250، وعبارة " مرسلة يونس: إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا "
لم ترد في " ط "، ووردت في نسخة المتاجر.
(2) لم ترد " كان " في " ط "، ووردت في نسخة المتاجر.
(3) راجع الصفحتين المتقدمتين.
252

أحكام العدالة بمجرد حسن الظاهر، لكن من أين ثبت أن حسن الظاهر
نفس العدالة، كما يظهر من بعض مشايخنا المعاصرين. كيف! وقد عرفت (1)
أن المنقول في الدروس وغيرها عن أرباب هذا القول هو كون حسن الظاهر
طريقا إلى العدالة، وأما جعله طريقا كشفيا فلا يأباه أرباب القول بالملكة.
ثم إنه قد مال بعض المعاصرين إلى جعل العدالة عبارة عن نفس
اجتناب الكبائر - كما يظهر من كلام ابن حمزة (2) وابن إدريس (3) على ما
تقدم - ويكون حسن الظاهر طريقا إليه (4).
وفيه: أولا أن العدالة ليست نفس الاجتناب، لأن العدالة من الصفات
لا من الأفعال، مضافا إلى عدم مساعدة عرف المتشرعة عليه، وكذا كلام
الفقهاء عدا ما تقدم من المحكي عن ابن إدريس وابن حمزة، ولا دليل في
الأخبار عليه عدا ما ربما يتوهم من قوله عليه السلام في صحيحة ابن أبي يعفور:
" ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار... الخ " (5)، حيث إنه
عطف على قوله ب‍: " أن تعرفوه بالستر والعفاف "، فيكون المعنى تعرف
العدالة بأن يعرف باجتناب الكبائر، لكن لا يخفى أن هذا لا يستلزم أن
تكون العدالة عبارة عن نفس الاجتناب، بل يمكن أن يكون الاجتناب
طريقا إليها وتكون هي الحالة الراسخة، فتعرف هذه الحالة من آثارها كما

(1) في الصفحة 249.
(2) انظر الوسيلة: 230.
(3) انظر السرائر 1: 280، ولم يتقدم فيما بأيدينا من النسخ.
(4) انظر الجواهر 13: 299.
(5) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول.
253

يعرف المؤثر بالآثار معرفة إنية.
وثانيا، إن أريد بذلك جعل حسن الظاهر طريقا تعبديا إلى الاجتناب
فلا دلالة على ذلك في الأخبار عدا قوله عليه السلام في رواية ابن أبي يعفور:
" والدليل على ذلك أن يكون ساترا لعيوبه... الخ " (1)، ولا يخفى أنه لا يدل
على كون الستر طريقا تعبديا إلى الاجتناب، لانصرافه إلى صورة إفادة
الستر الظن بالترك، ويرشد إليه قوله عليه السلام في ذيله - في مقام اعتبار
التعاهد للجماعة -: " ولولا ذلك لم يمكن لأحد أن يشهد لأحد بالصلاح "،
فإن ظاهره أن مداومة الجماعات إنما يعتبر لكونه مظنة للصلاح الذي هو
عبارة عن عدم فساد أموره لمخالفتها للشرع.
وأما قوله عليه السلام: " من عامل الناس فلم يظلمهم... إلى قوله: فهو
ممن ثبتت عدالته " (2) فلا يدل أيضا على كون العدالة نفس هذه الأفعال
المذكورة وأشباهها، بل يدل على كون هذه الأفعال طريقا إلى العدالة فهو
على عكس المطلوب أدل، اللهم إلا أن تجعل هذه الأفعال الثلاثة المذكورة
طريقا للحكم بموافقة باقي أموره للشريعة، وهي عبارة أخرى عن اجتناب
القبائح.
وكيف كان، فجعل نفس الاجتناب عدالة لا دليل عليه فضلا عن
جعل حسن الظاهر طريقا إلى الاجتناب، والظاهر من كلام المعاصر المذكور
المائل إلى هذا الاحتمال أن الداعي إلى هذا دفع ما يورد على كل من القول
بالملكة والقول بحسن الظاهر من أن المتستر للعيوب الحسن الظاهر عند

(1) راجع الصفحة 250.
(2) تقدم تخريجه في الصفحة 251.
254

عامة الناس الواجد لملكة العدالة الذي هو عدل واقعي عند أرباب القولين
إذا اطلع منه على معصية خفية لم يتظاهر بها عند أحد فيجب (1) أن يحكم
بعدالته على القولين، إذ لم ترتفع عنه بمجرد ذلك الملكة ولا حسن الظاهر،
مع أنه محكوم بعدم العدالة عند من اطلع على ذلك منه اتفاقا على الظاهر.
وأما لو جعلنا العدالة عبارة عن الاجتناب وجعل حسن الظاهر طريقا
فلا يلزم إيراد، لأن الطريق إنما يعتبر إذا لم ينكشف الواقع.
ولا يخفى أن الفرار عن هذا يمكن على القول بالملكة بأن يقال: إن
العدالة هي الملكة الباعثة على ملازمة التقوى، فما دامت الملكة متصفة بالبعث
على التقوى والزجر عن المعاصي فهي عدالة، وإذا وقعت المعصية فالملكة في
حال الوقوع غير متصفة بالزجر والبعث، فلذا يتصف الفاعل بالفسق ثم
لو تاب وندم على ما فعل اتصفت الملكة بالبعث والزجر، إذ بواسطة اتصافها
بالصفة المذكورة ألزمت النفس بالتوبة وحصلت الندامة.
ولا ينافي ذلك ما سنشير إليه من أن المراد بالملكة الحالة القاهرة
لقوتي الشهوة والغضب بالنسبة إلى جميع المعاصي في أغلب الأحوال بأن
يقال: إن هذه الحالة موجودة فيه في حال المعصية، لأن المراد بهذا التفسير
هو أن هذه الحالة لا يجب أن تكون وظيفتها المنع في جميع الأحوال بحيث
لا يوجد للإنسان حال يغلب فيه القوتان على تلك الحالة القدسية، بل يعتبر
أن يكون من شأنها الغلبة على القوتين في الأغلب، لكن لا يكون عدالة
إلا إذا اتصفت بالغلبة والبعث، فإذا صارت مغلوبة فلا تسمى عدالة، لأنها
هي الملكة المتصفة بالبعث، مع أنه سيجئ أن العدالة إن جعلناها عين نفس

(1) كذا في " ق "، والمناسب: يجب.
255

الاجتناب عن جميع القبائح فلا يكون حسن الظاهر طريقا إليه، لأن ترك
المعاصي الخفية التي ليس من شأنها الظهور لا يعلم ولا يظن بحسن الظاهر،
فلا بد من أن يكون الطريق إليه ظنا هي الملكة، وحينئذ فيكون حسن
الظاهر كاشفا ظنيا عن الملكة وهي أمارة على الاجتناب، وسيأتي تفصيل
هذا.
بقي الكلام في مستند القائل بالملكة، وقد عرفت أن ظاهر مرادهم
بالملكة هي الحالة النفسانية وإن عبر بعضهم بالملكة (1)، وآخر بالهيئة
الراسخة (2)، وثالث بالكيفية الراسخة (3)، إلا أن الذي فهمه منه بعض السادة
المعاصرين (4) هي الحالة، والمراد منها الأعم مما يحصل بعد المزاولة ومما
يحصل دفعة بإلقاء الخشية في قلبه كما قد يتفق، فالمراد بها الحالة النفسانية
القاهرة لسلطان الهوى، الآخذة بزمام قوتي الشهوة والغضب إلى ملازمة
التقوى في غالب الأحوال، وهذه حالة مبينة سهلة الحصول تشاهد في
المطيعين من عبيد سائر الموالي، ولا يقدح غلبة القوتين عليها في بعض
الأحوال لتقويهما بالأمور الخارجة الاتفاقية فيقرب الشخص من الاضطرار،
أو يموهان الأمر على صاحبه فتقعد الحالة المذكورة عن المدافعة لضعف
البصيرة المحركة لها على الدفاع.

(1) عبر بها الشهيد الثاني في الفوائد الملية: 125، ونجله في المعالم: 200، وقال
البحراني في الحدائق (10: 13): هو المشهور بين أصحابنا المتأخرين.
(2) عبر بها العلامة في الإرشاد 2: 156، والشهيد في الذكرى: 230.
(3) عبر بها العلامة في التحرير 2: 208.
(4) وهو السيد الشفتي في مطالع الأنوار 4: 5.
256

والغالب في حصول الكبائر من أهل العدالة هو الثاني، كما أن الغالب
في حصول المعصية من مطيعي عبيد أهل الدنيا هو الأول أو أمر ثالث وهو
عدم اطلاع المولى.
كما أن هنا أيضا قسما ثالثا، وهو تلبيس النفس الأمر على الشخص
برحمة الله تعالى وغفرانه بعد التوبة وتدارك السيئات بالحسنات، لكنها في
الحقيقة راجعة إلى القسم الثاني.
ويمكن الفرق بينهما: بأن النفس في القسم الثاني تموه على الإنسان في
أصل مبغوضية العمل، وفي هذا القسم في عفو الله سبحانه.
ومما ذكرنا تبين أن هذه الحالة لا تزول بمجرد إيقاع الكبيرة، نعم
يزول وصفها أعني سلطانها على الهوى، ويبقى زائلا والهوى غالبا بعد
صدور المعصية ما لم تحصل الندامة، فإذا حصلت الندامة رجع الهوى إلى
مغلوبيته والحالة المذكورة إلى سلطنتها، فالعدالة هي الحالة الباعثة الغالبة مع
تلبسها بوصف البعث والغلبة، ولا ريب أن الإنسان إذا فعل كبيرة وبقي غير
نادم عليها مع الالتفات إليها فليست الحالة الموجودة فيه غالبة على الهوى
وإلا لندم عليها قطعا، لأن من آثار غلبتها على الهوى هو الندم، كما هو
مشاهد في المخالفات العرفية.
فإن قلت: قد يفعل المعصية ويذهل عنها فلا يندم عليها. قلنا: يكفي
في رجوع غلبة الحالة بغض صاحبها لتلك المعصية إجمالا بعنوان أنه من
معاصي الله وإن لم يلتفت إليها تفصيلا حتى يندم عليها.
وأما الدليل على كون العدالة هي الحالة المذكورة فهي صحيحة ابن
أبي يعفور المتقدمة الدالة على أنه: " يعرف عدالة الرجل بأن يعرفوه بالستر
257

والعفاف وكف الجوارح الأربع " (1)، فإن الظاهر من العفاف هي الحالة
النفسانية، وكذا المراد من الكف ليس مجرد تحققه في زمان، بل المراد أن
يكون وصف الكف ثابتا له بأن يوجد فيه الحالة الموجبة للكف، فإن
الإنسان لا يعلم أنه كاف عفيف ما لم يحصل له الحالة النفسانية، ولا يصدقان
بمجرد تحققهما في زمان ما، فالحالة الموجبة للكف هي العدالة، ولو لم يكن في
الصحيحة إلا ذكر العفاف لكان كافيا في المقام من جهة أن العفة من الصفات
النفسانية، والمراد بها ملكة التعفف عن القبائح.
ففي الحقيقة الدلالة فيها من وجهين:
الأول: أنه أخذ فيها العفة، وهي صفة نفسانية بل ملكة من الملكات،
كما لا يخفى.
الثاني: أخذ الكف، حيث إن المراد تحققه على وجه يكون من
الأوصاف الثابتة للشخص لا من الأفعال الحادثة الصادرة عنه في زمان من
الأزمنة، ولا يكون ذلك إلا مع الحالة الموجبة.
لكن الذي يخطر بالبال في وجه ذكر هذه الأمور الثلاثة هو أن الستر
بنفسه لا يكفي ما لم يتحقق العفاف، وأيضا لا يكفي في تحقق العدالة إلا بعد
تحقق أثرها وهو الكف، فلو تحقق وصف العفة ومع ذلك لم يكف نفسه عن
حرام فهو ليس بعادل، فالاجتناب فعلا معتبر في العدالة، ويقدح فيها
ارتكاب القبائح ولو مع بقاء صفة العفة.
ولما كان ذكر كف الجوارح الأربع بقول مطلق موهما لاشتراط عدم
مشاهدة المعصية منه أصلا عقبه بقوله: " ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد

(1) تقدمت في الصفحة 253.
258

الله عليها النار " (1).
ولما كان العلم بالاجتناب عنها لا يتحقق للغير ولو مع المعاشرة، إذ
القبائح الخفية مثل الإفطار في الخلوة وجماع الحائض ونحو ذلك لا يعلم
بالمعاشرة نصب لذلك دليلا ظنيا بقوله: " والدليل على ذلك كله أن يكون
ساترا لعيوبه " (2) إلى آخر ما ذكره من اعتبار المواظبة على الجماعة التي
تورث الظن بتحقق العفة والصلاح وتوجب حسن ظن الناس.
ويدل على اعتبار الملكة أيضا الأخبار الأخر الدالة على اعتبار العفة
والصيانة والصلاح والوثوق بالدين والأمانة (3)، فإن كون الثلاثة الأول من
الأوصاف الثبوتية لا ينكر، والوثوق أيضا لا يحصل إلا بعد الظن بل
الاطمئنان بتحقق الحالة المانعة عما يقتضي خلاف الأمانة، ولا يحصل
بمجرد رؤية الشخص غير مرتكب لمعصية ولو بعد المعاشرة إلا أن يكشف
ذلك عن كونه لملكة لا من باب الاتفاق، فإن مرادنا باعتبار الملكة هو
إخراج من يجتنب المحرمات ويأتي بالواجبات على وجه الإطاعة، لكن
لا لحالة وجدانية باعثة له على إطاعة الله سبحانه في الجميع، بل لمجرد اتفاق
اختيار الطاعة على المعصية في كل مورد مورد حتى توافقت الاتفاقات، فإن
الظاهر أن هذا ليس بعادل، لأنه لا يصدق عليه بمجرد العفة والصلاح
ولا يوثق به بمجرد ذلك.
بقي هنا شئ، وهو أن غاية ما دل عليه صحيحة ابن أبي يعفور هو

(1) في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة في الصفحة 253.
(2) راجع الصفحة 250.
(3) راجع للأخبار الدالة، ما تقدمت في الصفحة 250.
259

أن معرفة الشخص بهذه الصفات موجب لمعرفة عدالته، كما يرشد إليه
قوله عليه السلام - بعد قول السائل: بم يعرف عدالة الرجل؟ - قال عليه السلام
ب‍ " أن تعرفوه بالستر والعفاف " (1) على أن معرفته بالستر والعفاف طريق
إلى معرفة عدالته، وأما أن العدالة من الصفات والملكات فلا، وكذلك
الأخبار الأخر إنما دلت على اعتبار الصيانة والعفة ونحوها في الشاهد، لا أن
هذه بعينها أو الحالة اللازمة المساوية لها هي العدالة، وحينئذ فيحتمل أن
تكون العدالة عبارة عن استقامة الإنسان وعدم انحرافه واقعا عن طريقة
الشرع إلا أن الشارع جعل هذه الصفات طريقا إلى الاستقامة المذكورة
الواقعية، ولا ينافي ذلك جعل اجتناب الكبائر طريقا لمعرفة العدالة في
قوله عليه السلام: " ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار " (2) لأن
المراد من هذا الاجتناب هو الاجتناب - الظاهر للناس عند معاشرته
ومخالطته - عن المعاصي التي تظهر للناس مثل قتل المسلم والإهانة
بالمؤمنين (3) وشتمهم والظلم، وقد جعله الشارع طريقا إلى الحكم عليه بأنه
مجتنب في الواقع عن الجميع حتى عن المعاصي الخفية، مثل: الإفطار في
الخلوات ونكاح الحائض والسرقة عند الفرصة وبغض المؤمنين، فالاجتناب
عن المعاصي التي تظهر للناس عند وجودها طريق إلى العدالة التي هي
الاجتناب عن الجميع، مع أنه لو دل قوله: " يعرف باجتناب الكبائر " على
مغايرة الاجتناب للعدالة لدل قوله عليه السلام: " بأن يعرفوه بالستر والعفاف "

(1) في رواية ابن أبي يعفور راجع الصفحة 253.
(2) في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة تخريجها في الصفحة 253.
(3) كذا في النسخ، والأنسب: للمؤمنين.
260

على كونهما مغايرين للعدالة، لأنهما في سياق واحد.
وظهر بذلك ضعف ما يقال: من أن ظاهر الصحيحة أن الاجتناب
طريق معرفة العدالة لا نفسها، فيكون من باب الاستدلال بالمعلول على
العلة، وقد نفى الشبهة عن هذا الظهور بعض سادتنا المعاصرين (1).
وأنت خبير بأن ظاهر الصحيحة ليس إلا أنه يعرف العدالة بأن يعرف
الرجل بالكف ويعرف بالاجتناب، وأن معرفة الكف والاجتناب سبب
معرفة العدالة، وليس فيها دلالة على أن العدالة هو ما أوجب الاجتناب
لا نفسه.
وحينئذ يمكن أن يقال: إن العدالة عبارة (2) عن الاستقامة الواقعية،
وملكة العفة والتحرز - التي سموها بالعدالة - طريق إليها، لأن الحكم
باستقامة الباطن في الماضي والحال والاستقبال لا يمكن إلا مع تحقق الملكة،
إذ لا اطمئنان ببقاء الأحوال، فجعل الملكة دليلا عليها من قبيل الدليل
اللمي، وحيث تعذر العلم بالملكة اكتفي بالاستقامة الظاهرية الموجبة للظن
بالملكة الموجبة للظن باستقامة الباطن واقعا، الذي [هو] (3) محط نظر
الشارع في اعتبار العدالة في الشهادات والجماعات، وهذا ظاهر لمن تأمل في
أن غرض الشارع لا يتعلق أولا وبالذات إلا بتحقق صفة الطاعة والتحرز
عن القبائح في الشاهد والإمام، ليطمئن بصدق الشاهد ويحرز الفضيلة
بالاقتداء مع الإمام.

(1) وهو حجة الإسلام السيد محمد باقر الشفتي الإصبهاني في مطالع الأنوار 4: 5.
(2) كلمة " عبارة " وردت في " ط " وهامش " ن ".
(3) الإضافة منا اقتضاها السياق.
261

لكن الظاهر أن هذا القول خلاف المشهور وإن كان يظهر من المحكي
عن جماعة، بل عن المجلسي في البحار: أن الأشهر - وعن الخراساني: أن
الأقرب الأشهر - في معناها أن لا يكون مرتكبا للكبائر ولا مصرا على
الصغائر (1)، وعلى هذا فمجرد فعل الكبيرة يقدح في تحقق العدالة، لعدم تحقق
الاجتناب.
وبقي شئ آخر، وهو أن فعل الصغيرة لا يقدح في العدالة إجماعا ممن
قسم المعاصي إلى قسمين، فعلى القول بأن العدالة عبارة عن الملكة إن قلنا
بأن المراد ملكة اجتناب الكبائر بحيث لا يقدح عدم ملكة الكف عن
الصغائر فهذا موقوف على تمييز الفاعل بين الصغائر والكبائر، وإلا فحصول
ملكة الكف عن الكبائر من باب الاتفاق دون الصغائر لا يتحقق غالبا.
وإن قلنا: المراد ملكة اجتناب جميع المعاصي إلا أن فعل الصغيرة
لا يقدح، فإن لوحظ في الملكة اتصافها بالمنع فعلا فلا ريب في عدم اتصاف
الملكة بالمنع حين الفعل، فيخرج عن العدالة.
نعم، لو قلنا: إن العدالة هي الملكة التي من شأنها المنع وإن لم تمنع إلا
أن الدليل قام على فسق مرتكب الكبيرة دون الصغيرة.
ففيه: أن قيام الدليل على تحقق الفسق بذلك دليل على اعتبار عدمها
في العدالة، فإن صريح المنقول عن جماعة - كالمحقق في الشرائع (2) والنافع (3)

(1) البحار 88: 25، وكفاية الأحكام: 28، وحكاه عنهما السيد الشفتي في مطالع
الأنوار 4: 5.
(2) الشرائع 4: 126 - 127.
(3) المختصر النافع: 287.
262

والعلامة (1) والشهيد (2) ونحوهم - بل الظاهر عدم الخلاف كما صرح به بعض (3)
في زوال العدالة بمواقعة الكبائر، فعدم فعل الكبيرة مأخوذ في العدالة، فلا بد
من أخذه في العدالة، إما بإدخالها في الملكة بإرادة الملكة المتلبسة بالمنع عن
الكبائر.
وقد عرفت أن خصوص الكبائر لو أخذت في متعلق الملكة كان
بعيدا، لأن تحقق الملكة بالكبائر فقط دون الصغائر موقوف على التمييز بينهما،
فإن الشخص قد لا يفرق بينهما، كما هو الغالب في العوام وأكثر الخواص، بل
العلماء في تعداد الكبائر مختلفون، فقد يعتقد العوام بعض الكبائر صغيرة
وبالعكس، مع أنه يشكل الأمر في أن المدار حينئذ على معرفة عنوان كونه
كبيرة أو على ملكة اجتناب ذات تلك المعاصي التي عدها الشارع كبيرة.
ولو أخذ فيها مطلق الاجتناب عن المعصية أشكل بعدم فسق مرتكب
الصغيرة.
وإن جعلت عبارة عن الملكة التي من شأنها الاجتناب عن الكل مع
قيد عدم الإتيان فعلا بالكبيرة فهو أيضا خلاف ما يظهر من عباراتهم من
الاقتصار في تعريفها على الملكة، وأما بناء على ما احتملنا - من أن العدالة
هي نفس الاجتناب عن الكبائر في الواقع - فيكون فعل الكبيرة قادحا دون
الصغيرة.

(1) القواعد 2: 236.
(2) اللمعة الدمشقية: 100.
(3) صرح به الشهيد الثاني في المسالك (الطبعة الحجرية) 2: 321، والسيد الطباطبائي
في الرياض (الطبعة الحجرية) 2: 427، وصاحب الجواهر في الجواهر 41: 26.
263

ويظهر من بعض المعاصرين أن فعل الكبيرة يزيل أثر العدالة لا
نفسها.
وهو بمعزل عما يستفاد من النصوص والفتاوى، لما عرفت في
صحيحة ابن أبي يعفور من اعتبار كف الجوارح واجتناب الكبائر، ولا يخفى
دلالتها على عدم الحكم بالعدالة مع عدم الكف ومع الارتكاب.
وأما الفتاوى، فلما عرفت من أن صريح الجماعة الجزم بزوال العدالة
بمواقعة الكبائر، فلاحظ كلام الفاضلين (1) والشهيدين (2)، بل في كلام بعض
السادة المعاصرين نفي الخلاف في ذلك (3)، ولا إشكال في ذلك.
نعم، قد يشكل الأمر فيما لو فعل كبيرة مع الجهل بأنها كبيرة أو
باعتقاد أنها صغيرة، فظاهر إطلاق النصوص والفتاوى القدح. اللهم إلا أن
يدعى انصرافها إلى صورة العلم بكونها كبيرة. نعم، الجهل بالحكم غير
قادح في القدح قطعا.
وأما ارتكاب الصغيرة مع الجهل بأنها كبيرة (4) فالظاهر عدم قدحه
أيضا، نظرا إلى إطلاق الفتاوى، وفيها إمكان دعوى الانصراف.
ويمكن التفصيل بين اعتقاد كونها كبيرة وبين الجهل الساذج، فيحكم
بالقدح على الأول، لأن الفاعل له في حكم المتجري على الكبيرة في أن

(1) الشرائع 4: 126 - 127، والمختصر النافع: 287، والإرشاد 2: 156.
(2) اللمعة الدمشقية: 100، والروضة البهية 3: 129، والمسالك (الطبعة الحجرية)
2: 321.
(3) راجع مطالع الأنوار 4: 7.
(4) كذا، والصواب: " بأنها صغيرة ".
264

الحالة النفسانية الغالبة على قوتي الشهوة والغضبية لا تبقى متصفة بالبعث
على ترك الكبيرة حينئذ، وقد عرفت أن المعتبر في الحالة المعبر عنها بالملكة
هو أن تكون متصفة بصفة البعث على ترك الكبائر بالفعل بحيث لو فعل
الكبيرة زالت الملكة المتصفة لزوال وصفها.
لكن هذا مبني على أن العدالة هو الملكة الباعثة على اجتناب الكبائر
بوصف كونها كبائر، أما إذا قلنا بأنها الملكة الباعثة على اجتناب ذوات
المعاصي التي عدها الشارع كبيرة فلا يمكن الحكم بالفسق على هذا
الشخص، وإنما يحكم بفسقه لو أتى بمعصية من الصغائر معتقدا أنها المعصية
التي من الكبائر مثل أنه قتل مرتدا فطريا اعتقد أنه مسلم مؤمن.
265

اعلم (1) أن الأقوال في الكبائر مختلفة جدا، ووردت أخبار كثيرة على
أنها " هي ما أوعد الله عليها النار " (2)، لكن يشكل أن كثيرا من أفراد
المعاصي التي لم تعد من هذه أكبر - بحكم العقل المستقل - عند الله مما أوعد
الله عليها النار، مثلا حبس المحصنة ليزني بها أحد أعظم عند الله من قذفها،
والدلالة على عورات المسلمين المفضية إلى قتلهم وأسرهم أعظم عند الله من
الفرار من الزحف أو أكل مال اليتيم، وكذا سعاية المؤمن إلى الظالم المفضية
إلى قتله أعظم من غيبته بما فيه، وهكذا.
اللهم إلا أن يقال: إن هذه كلها من أكمل أفراد الظلم الذي أوعد الله
عليه النار بقوله عز وجل: (إنا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها) (3)،
وقوله تعالى: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (4) وحينئذ فتتسع
دائرة الكبائر.
ويمكن أن يقال: إن المراد بما ورد في الأخبار هي الكبائر النوعية،
وهي التي توعد بالنار على فعل نوعها، وغير هذه ليست كبائر بالنوع وإن
كان قد يصير بعض أشخاصها كبيرة بل أكبر من بعض الكبائر النوعية،
ولعله إلى هذا ينظر ما حكي عن بعض (5)، من أنك إن أردت أن تعرف

(1) وقع هذا في " ق " في أول الصفحة، ولا يعلم ارتباطه بما قبله.
(2) انظر الوسائل 11: 250، الباب 45 من أبواب جهاد النفس، الحديث 5 و 6،
والصفحة 260، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 32، و 18: 288،
الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول.
(3) الكهف: 29.
(4) هود: 113.
(5) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 90 بلفظ " وقال بعضهم ".
266

الفرق بين الكبيرة والصغيرة فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر
المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل مفاسدها فهي من الصغائر وإلا فمن
الكبائر.
ثم إن اختلاف الأخبار في عدد الكبائر محمول على اختلاف مراتبها،
فحينئذ فكلما ثبت بنص معتبر كون شئ كبيرة فيؤخذ به ولا يعارضه ترك
ذكرها في نص آخر، وإلا فإن كان بحسب العقل المستقل أقبح من إحدى
الكبائر المنصوصة فهي أيضا كبيرة، لأن الظاهر أن اتصاف الذنب بالكبيرة
ليس إلا من جهة عظمته وشدة قبحه عند الله عز وجل، لا لأجل خصوصية
مرتبة من القبح أو لخصوصية أخرى، فالظاهر أن مثل هذا أيضا قادح في
العدالة، لعموم ما دل على اعتبار كف الجوارح عن المعاصي.
فإن قلت: إن الخارج من هذا العموم هي الصغيرة النفس الأمرية،
وإذا فرض الشك في كونها صغيرة أو كبيرة فكيف يتمسك بالعموم؟
قلت: يتمسك بأصالة عدم تحقق العدالة فيمن ليس له ملكة الكف
عن هذه المعصية المشكوك في كونها كبيرة، وقد تعارض بأصالة بقائها فيمن
وجدت له ملكة الكف عن جميع المعاصي إلا أنه ارتكب بعد ذلك تلك
المعصية المشكوكة، لكن غاية الأمر تعارض الأصلين، فيتعين الرجوع إلى
أصالة عدم ترتب آثار العدالة (1).
ثم إن قوله في الصحيحة وغيرها مما عرف الكبائر فيها بأنها " مما
أوعد الله عليها النار " (2) يحتمل أن يراد به ما أوعد الله - في خصوص ظاهر

(1) وردت في " ق " و " ط " العبارة التالية: " هذا مضافا إلى أنه يمكن أن يقال "،
والظاهر زيادتها.
(2) راجع الصفحة 253.
267

الكتاب المجيد - عليها خصوص عذاب النار، وهو الذي قد يدعى تبادره
من هذه الفقرة، لكن يشكل بأن بعض المعاصي المذكورة في الصحيحة (1)
تمثيلا للكبائر ليس من هذا القبيل، مثل شرب الخمر وعقوق الوالدين
والزنى.
ويحتمل أن يراد بذلك ما أوعد الله عليها النار سواء كان في الكتاب
أو أوحى بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فبلغه الأوصياء صلوات الله عليهم أجمعين،
وحينئذ فكل ما عد في النصوص من الكبائر يكشف ذلك عن أنه أوعد الله
عليها النار.
ويحتمل أن يراد من النار مطلق العذاب، فيكون كل ما توعد عليه
بالخصوص قد أوعد عليه النار، والدليل على ذلك الجمع بين ما خص
الكبائر بما أوعد عليه النار وبين ما ورد في وجه كون المعاصي كبيرة بأن الله
سبحانه أوعد عليه في كتابه، كما ورد في رواية الثقة الأجل سيدنا عبد العظيم
ابن عبد الله الحسني تعداد كبائر ليس مما أوعد عليه النار، بل لم يوعد
عليه إلا بلسان الرسول، مثل استدلاله عليه السلام على كون شرب الخمر كبيرة
بأن الله نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان، وأن ترك الصلاة من الكبائر،
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة
رسوله صلى الله عليه وآله وسلم " (2)، ونحو ذلك.
ومما يشهد لذلك قوله عليه السلام في الصحيح: " الغناء مما أوعد الله عليه
النار، ثم تلا الآية: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل

(1) وهي صحيحة ابن أبي يعفور، المتقدمة في الصفحة 253.
(2) الوسائل 11: 252 - 253، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، الحديث 2.
268

الله) الآية " (1)، والظاهر أن المقصود من تلاوة الآية الاستشهاد بكون الغناء
مما أوعد الله عليه النار، ولا يخفى أنه ليس في الآية إلا ذكر العذاب المهين،
اللهم إلا أن يقال: إن الاستشهاد قرينة على أن المراد بالعذاب المهين النار،
فتأمل.
وكيف كان، فالأظهر ما ذكرنا من دوران الحكم بالكبيرة مدار النص
المعتبر أو حكم العقل المستقل بكونه مثل المنصوص أو أعظم، وأن الموجود
في النصوص ذكر الكبائر النوعية... (2).

(1) الوسائل 12: 226، الباب 99 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 6، والآية من
سورة لقمان: 6.
(2) يتبع ذلك في " ق " بياض بمقدار ورقة.
269

[طرق معرفة العدالة] (1)
تعرف العدالة بالصحبة المتأكدة الموجبة للاطلاع على سريرته،
ولا يعتبر حصول العلم لتعسره بل لتعذره، فلو لم يكتف فيه بالظن لزم
تعطيل الشهادات والجماعات وما قام للمسلمين سوق، مع ما علم من
الشارع من تسهيل الأمر فيها، والأمر باستخلاف أحد من المأمومين عند
حصول عذر للإمام، وما مر (2) في أدلة القائلين بحسن الظاهر من الاكتفاء
بأدنى أمارة، مثل أن يعرف منه خير، وأن يصلي الخمس في جماعة، وأن
يعامل الناس ويعدهم ويحدثهم فلا يظلمهم ولا يخلفهم ولا يكذبهم، وكون
ظاهره ظاهرا مأمونا.
وبالجملة، فمقتضى القاعدة وإن كان اعتبار القطع بالعدالة إلا أنه حيث
دلت الأخبار الكثيرة على كفاية حسن الظاهر في الشهادة مع ما علم من
اعتبار العدالة فيها استفيد من تلك الأخبار كون حسن الظاهر طريقا ظنيا
كافيا في الحكم بالعدالة في مرحلة الظاهر ما لم يعلم الخلاف، والمعيار في
حسن الظاهر ما دل عليه مرسلة يونس: " إذا كان ظاهره ظاهرا مأمونا
جازت شهادته ولا يسئل عن باطنه " (3)، وقوله عليه السلام في صحيحة ابن
أبي يعفور: " والدليل على ذلك أن يكون ساترا لعيوبه حتى يحرم على
المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه، ويكون منه التعاهد

(1) العنوان منا، وقوله " تعرف " إلى آخره وقع في أول الصفحة من المخطوطة.
(2) مر في الصفحة 250.
(3) الوسائل 18: 290، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 3.
270

للصلوات الخمس... إلى آخر ما ذكر في بيان الترهيب على ترك الجماعة " (1)،
وقوله في رواية علقمة: " فمن لم تره بعينك مرتكب معصية ولم يشهد عليه
شاهدان هو من أهل الستر والعدالة " (2)، بناء على أن المراد عدم رؤية
المعصية بعد المعاشرة.
ثم إن الظاهر أنه لا يكفي في الطريق إفادته الظن بالذات بحيث لولا
بعض الموانع لأفاده فعلا، فالمعاشرة التي توجب الاطلاع على أحوال تفيد
الظن بالعدالة لولا بعض الموانع الخارجية الموهنة لا تكفي، بل يعتبر الظن
الفعلي بالملكة.
وهل يجوز التعديل بمجرد هذا الظن أم يعتبر العلم أو يكفي الظن
القوي المصحح للحمل عرفا بأن يقال: هذا عادل؟ وجوه:
أوسطها الأخير. ويظهر أولها من قوله عليه السلام - في صحيحة ابن
أبي يعفور بعد الحث على الجماعة -: " ولولا ذلك لم يكن لأحد أن يشهد
لأحد بالصلاح " (3)، حيث دل على أن البناء في الشهادة بصلاح شخص
رؤيته مواظبا للصلوات في الجماعة.
وأصرح من ذلك قوله عليه السلام فيها: " والدليل على ذلك أن يكون
ساترا لعيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته
وعيوبه، ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته، وقوله عليه السلام - فيما حكي عن
الصدوق في الخصال بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام -:
" ثلاث من كن فيه أوجبت له أربعا على الناس: إذا حدثهم فلم يكذبهم،

(1) تقدمت في الصفحة 250.
(2) الوسائل 18: 292، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 13.
(3) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول.
271

وإذا وعدهم فلم يخلفهم، وإذا خالطهم لم يظلمهم، وجب عليهم أن يظهروا
في الناس عدالته، ويظهر فيهم مروته، ويحرم عليهم غيبته، ووجبت
أخوته " (1).
ويؤيده ما يستفاد منه من أنه كل ما يجوز للشاهد أن يعمل به يجوز
له أن يشهد عليه، مثل رواية حفص القاضي الواردة في يد المسلمين (2)
[و] (3) أنه لولا الاكتفاء بذلك لا نسد باب التعديلات، فينسد باب المرافعات
سيما للحكام الواردة في البلاد، بل للحاكم البلدي في البلاد الكبيرة.
ويحتمل بعيدا الاقتصار في الجواز على صورة العلم، لما دل من الأدلة
على اعتبار العلم في الشهادة.
وتعرف أيضا بالشياع أي بإخبار جماعة يفيد الظن بثبوت الملكة وإن
لم يكونوا عدولا، والدليل على اعتباره - مضافا إلى ما دل على كفاية الظن
بالعدالة من تعذر العلم - ذيل رواية ابن أبي يعفور، وهو قوله: " فإذا سئل
عنه قبيلته ومحلته قالوا: ما رأينا منه إلا خيرا " (4)، وما روي من أن
النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا تخاصم إليه رجلان فأقام المدعي الشهود المجهولين
بعث صلى الله عليه وآله وسلم رجلين من أصحابه في قبيلتهما ليسألا عن أحوال
الشهود، فإذا رجعا بخير أجاز شهادتهما، وإن رجعا بخبر قبيح دعا

(1) الخصال: 208، الحديث 28، والوسائل 18: 293، الباب 41 من أبواب
الشهادات، الحديث 16، مع اختلاف.
(2) الوسائل 18: 215، الباب 25 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الحديث
2.
(3) الزيادة اقتضاها السياق.
(4) الوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث الأول.
272

المتخاصمين إلى الصلح ولم يفضحهما (1). ويؤيده قوله عليه السلام: " من ولد على
الفطرة وعرف بالصلاح... إلى آخره " (2).
هذا كله مضافا إلى السيرة المستمرة الجارية في ترتب آثار العدالة
على الشخص بمجرد التسامع والتظافر، فإن الخلق الكثير يقتدون بالإمام في
الصلاة، ولم يشهد عند كل أحد عدلان على عدالة الإمام، بل لم يحصل لهم
إلا الظن بالتسامع ونحو ذلك، والظاهر أن الشياع أيضا [يمكن] (3) أن يستند
الشاهد إليه في تعديله، لبعض ما عرفت.
وتعرف أيضا بشهادة عدلين وإن لم يحكم الحاكم، لعموم ما دل على
قبول شهادة الشاهدين، وقد أثبتنا هذا العموم بأخبار معتبرة، مضافا إلى
ظهور الإجماع عموما وفي خصوص المقام، وللاستقراء القريب من القطعي.
وهل يجوز للشاهد الاستناد إلى شهادة عدلين؟ الأقوى ذلك، لبعض
ما مر وسيجئ.
وهل يثبت بشهادة عدل واحد؟ الأقوى نعم إذا حصل منه الوثوق
بالمعدل، لما يظهر من الأخبار كفايته وكفاية مطلق الظن، منها قوله عليه السلام:
" من صلى الخمس في جماعة فظنوا به كل خير " (4)، حيث دل على أن ظن

(1) الوسائل 18: 175، الباب 6 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى، الحديث
الأول، مع اختلاف.
(2) الوسائل 18: 290 و 295، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 5 و 21.
وفيهما: " وكل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته ".
(3) الزيادة اقتضتها العبارة.
(4) الوسائل 5: 372، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
273

الخير بالمصلي جماعة ظن في موقعه، والمقصود الأصلي ليس مجرد ظن الخير،
وإنما هو ترتيب آثار الخير بعد الظن به.
ويؤكد ذلك ما في بعض الأخبار من زيادة قوله عليه السلام - بعد قوله:
فظنوا به خيرا -: " وأجيزوا شهادته " (1). فإن الظاهر أن عطف قوله:
" وأجيزوا شهادته " على قوله: " فظنوا " من قبيل عطف العلة الغائية على
معلولها، كما هو شائع ذائع في الأمثلة العرفية والأخبار والآيات، وحينئذ
فدلالته على ترتب قبول الشهادة على ظن الخير واضحة غاية الوضوح.
ومنها قوله عليه السلام: " لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته " (2). ومنها
ما ورد في قبول شهادة القابلة إذا سئل عنها فعدلت (3)، فإن ظاهره كفاية
الواحد في التعديل. ومنها ما دل على كفاية الرضا بالدين والصلاح في
الاستشهاد، مثل ما روي عن مولانا العسكري عليه السلام في تفسير قوله
تعالى: (ممن ترضون من الشهداء) (4)، إلى غير ذلك.
بل يمكن أن يستفاد من الأخبار المتقدمة - في استناد الشاهد إلى ظنه
الحاصل من المعاشرة - جواز استناده إلى مطلق الظن وإن كان موردها الظن
الحاصل من المعاشرة والاطلاع على مواظبة الجماعة.
بقي هنا شئ، وهو أن العدالة هل هي معتبرة في الائتمام فقط؟ أو هي

(1) الوسائل 18: 291 - 292، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 12.
(2) الوسائل 5: 389، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(3) الوسائل 18: 266، الباب 24 من أبواب الشهادات، الحديث 38.
(4) الوسائل 18: 295، الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 3، والآية من
سورة البقرة: 282.
274

معتبرة في أصل الجماعة بحيث لو علم الإمام بفسق نفسه لم تحصل له
الجماعة (1)، فلو كانت الجماعة شرطا في صحة الصلاة كالجمعة والمعادة جماعة
بطلت صلاة الإمام، بل صلاة الكل في نفس الأمر، بل لا يبعد بطلان صلاة
نفسه في غيرها إذا جعل الإمامة من مقومات صلاته وجعل الصلاة بوصف
الجماعة معروضة لنية القربة، وكذا لو شك فبنى على ما يعلمه المأمومون؟
المشهور على الأول، ولا يستفاد غيره من الأخبار عدا ظاهر المحكي
عن مستطرفات السرائر عن كتاب السياري عن الباقر عليه السلام: " قال: قلت
له عليه السلام: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيتقدم بعضهم فيصلي
جماعة. قال: إن كان الذي يؤم بهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل " (2)،
حيث إنه بمفهومه يدل على أن من علم الفسق لا يجوز له أن يفعل. ويؤيده
ما دل على أن سائر الشروط شروط الإمامة، مثل قوله عليه السلام: " خمسة
لا يؤمون الناس " (3).
ومن هنا مال بعض متأخري المحدثين (4) إلى هذا القول، وتعدى إلى
غير الإمامة من الإفتاء والطلاق ونحوهما.
ولا يخفى أن الخبر المذكور ضعيف قاصر عن إفادة الحكم المذكور،
وما دل على أنه " خمسة لا يؤمون " (5) فليس المراد منه - بحكم التبادر -

(1) سيأتي البحث عن هذا الموضوع في الصفحة الآتية.
(2) السرائر 3: 570، الوسائل 5: 394، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 12، مع اختلاف.
(3) الوسائل 5: 397، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(4) وهو المحدث البحراني في الحدائق 10: 67 - 69.
(5) انظر الوسائل 5: 397، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 4.
275

إلا منع اقتداء الناس، ولا دلالة فيها على أنه إذا لم يعلم المأموم بهذه
الصفات لم يجز له التقدم.
وأضعف من الاستدلال المذكور ما يتوهم من أنه إذا كانت العدالة
شرطا في صحة صلاة المأموم، فإذا علم الإمام فسق نفسه فقد علم بطلان
صلاة المأموم واقعا وإن كان المأموم هو بنفسه يعتقد صحته، ومع العلم
ببطلان صلاة المأموم تبطل الجماعة في نفس الأمر، فلا يجوز للعالم به - وهو
الإمام - ترتيب آثار الجماعة الصحيحة عليها.
ووجه الضعف أن الشرط في الائتمام هو ظهور العدالة للمأموم
لا تحققها في نفس الأمر (1)، ولذا عبر بعضهم عن هذا الشرط بظهور العدالة.
ثم إن التعدي عن مورد الخبر المذكور من مثل المحدث المزبور - الذي
يطعن دائما على فقهائنا بالتعدي عن موارد الصدور - عجيب جدا، فإن
اشتراط العدالة في الأمور التي تعتبر فيها ليس على نهج واحد، فقد يكون
شرطا بالنسبة إلى طرف واحد من أطراف الواقعة، مثل عدالة الأجير فإنها
معتبرة في صحة الاستئجار قطعا، فاللازم في كل مقام ملاحظة أدلة
الاشتراط وأنها هل تفيد الاشتراط إلى أي شخص.
* (و) * يعتبر في الإمام * (طهارة المولد) *، لصريح بعض الأخبار (2)،
ولكن فيها عدم جواز الاقتداء بولد الزنى، فالمعتبر هو عدم العلم بكونه ابن
زنى، لانصراف لفظ ولد الزنى في تلك الأخبار إلى المعلوم، مضافا إلى أن
ظاهرهم الاتفاق على الحكم بطهارة مولد من لم يعلم أنه ولد من الزنى،

(1) لم ترد " الأمر " في " ق ".
(2) الوسائل 5: 397، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة.
276

واستدل عليه في الروض (1) بأصالة سلامة النسب، ومرجعها إما إلى الغلبة أو
أصالة الصحة الشرعية في الأنساب كالأفعال، بل لعل ذلك أيضا يرجع إلى
الفعل.
* (و) * يشترط * (أن لا يكون) * الإمام * (قاعدا) * إذا كان يؤم
* (بقيام) *، بلا خلاف صريح، ونسبه في المنتهى (2) إلى علمائنا، وعن غيره (3)
أيضا دعوى الإجماع، وبهذا كله ينجبر ضعف الروايات (4) الواردة في
المسألة.
وهل يتعدى منه إلى المنع عن إمامة المضطجع بالقاعد؟ الظاهر ذلك،
لوحدة المناط، خلافا للمحكي عن الشيخ (5) فاقتصر على موضع النص.
وفي المنع عن إمامة القائم المستند بالمستقل تردد، وكذا في المضطجع
على الجنب الأيسر بالمضطجع على الأيمن. وكذا في جواز إمامة القاعد
المتمكن من القيام للركوع والسجود بالقائم المومئ.
وفي الإيضاح: الأصح عندي أنه كلما اشتملت صلاة الإمام على
رخصة في ترك واجب أو فعل محرم بسبب اقتضاها وخلا المأموم عن ذلك
السبب لم يجز الائتمام من رأس، لأن الائتمام هيئة اجتماعية يقتضي أن تكون

(1) روض الجنان: 364.
(2) المنتهى 1: 371.
(3) الخلاف 1: 544، كتاب الصلاة، المسألة 282، والإيضاح 1: 153، وانظر
الإجماع المحكي في الرياض 4: 331 - 332، ومفتاح الكرامة 3: 414.
(4) انظر الوسائل 5: 411 و 415، الباب 22 و 25 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) حكاه فخر المحققين في الإيضاح 1: 153.
277

الصلاة مشتركة بين الإمام والمأموم وأن صلاة الإمام هي الأصل، وهذا
متفق عليه (1)، انتهى.
أقول: الظاهر أن المشار إليه في قوله: " هذا متفق عليه " هو ما ذكره
من الوجهين للاستدلال، وإلا فأصل الكلية التي ادعاها ليست اتفاقية، لما
تقدم من مخالفة الشيخ وغيره في غير المقام.
ويؤم القاعد مثله والقائم القاعد بغير خلاف ظاهرا.
وظاهر إطلاق الخبر والفتوى اعتبار هذا الشرط، ودوران الحكم
مداره وجودا وعدما ابتداء واستدامة، فلو عرض للقائم القعود تعين
الانفراد، ولو عرض للقاعد القيام صح الاقتداء.
* (و) * يشترط أيضا أن * (لا) * يكون الإمام * (أميا) * - أي لا
يحسن قراءة الفاتحة والسورة أو أبعاضهما، كما صرح به غير واحد (2)، وعن
الرياض عدم الخلاف فيه بينهم (3) - إذا كان يؤم * (بقارئ) * بلا خلاف
ظاهر، وعن صريح جماعة (4) دعوى الإجماع عليه، مضافا إلى انصراف

(1) إيضاح الفوائد 1: 154.
(2) كالشهيد الثاني في روض الجنان 363 و 364، والسيد الطباطبائي في الرياض 4:
332، والمحقق النراقي في المستند (الطبعة الحجرية) 1: 527.
(3) الرياض 4: 332.
(4) صرح به الشهيد في الذكرى: 268، وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3:
414 عن التذكرة والغرية وإرشاد الجعفرية، وانظر التذكرة 4: 290، وأما الغرية
وإرشاد الجعفرية فلا يوجدان عندنا.
278

ما دل على ضمان الإمام للقراءة " وأنه يجزيك قراءته " (1) بما إذا كانت قراءته
صحيحة.
وهذا هو الوجه في الحكم دون ما ربما يتوهم من أن صلاة الإمام
حينئذ ناقصة، لأنه إن أريد عدم كمالها فلا دليل على اعتبار كمال صلاة
الإمام، وإن أريد فسادها - لعدم استجماعها للأجزاء على الوجه المطلوب -
ففيه منع واضح، لفرض صحتها بالنسبة إلى فاعلها، إذ لم يطلب منه غيرها،
فكيف لا تكون جامعة للأجزاء على الوجه المطلوب! وإن أريد أنها غير
صحيحة بالنسبة إلى الأوامر الأولية الأصلية الصادرة في الأجزاء وإن كانت
مطابقة للأوامر الثانوية الاضطرارية ففيه منع قدح ذلك في الائتمام، لعدم
الدليل عليه، إذ غايته رجوعه إلى نقص الصلاة بالمعنى الأول الذي قد
عرفت عدم قدحه، بل لا يقدح ذلك حتى لو قلنا بأن الصلوات الاضطرارية
ليست صلاة حقيقية (2)، بناء على وضعها للجامعة لجميع الأجزاء والشرائط
الاختيارية، وأن ما عداها أبدال شرعية أمضاها الشارع بحكم " الميسور
لا يسقط بالمعسور " (3)، إذ لا دليل على قدح ذلك في الاقتداء، فإن الذي
ثبت اعتباره هو كون صلاة الإمام مسقطة للقضاء والإعادة بالنسبة إلى
نفسه، وكونها فاسدة عند المأموم - بمعنى أنه لو فعلها كانت فاسدة -
لا يقدح، وما تقدم من الإيضاح غير متضح الوجه.
ثم إنه لو ائتم القارئ بالأمي فلا إشكال في بطلان صلاته على
ما تقدم.

(1) الوسائل 5: 425، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 15.
(2) في " ن "، وكذا يحتمل في " ق ": حقيقة.
(3) يدل عليه ما في عوالي اللآلي 4: 58، الحديث 205.
279

وأما صلاة الأمي فإن لم يمكن له الائتمام فلا إشكال في صلاته مع
إمامة الأمي، إذ لا وجه للفساد، خلافا للمحكي عن بعض العامة (1).
وإن تمكن من الائتمام فهل تبطل صلاته، لأجل وجوب الائتمام عليه،
أم لا، لعدم وجوبه عليه؟
التحقيق أن يقال: إنه إن تمكن من تعلم القراءة والصلاة مع القراءة
الصحيحة في الوقت فلا إشكال في بطلان صلاته بدون الائتمام قبل تعلم
القراءة، وإن لم يتمكن منه فإن كان لتقصيره حتى ضاق الوقت فالأقرب
وجوب الائتمام عليه أيضا، لاستصحاب وجوب الصلاة الصحيحة المشتركة
بين ذات القراءة الصحيحة وبين الصلاة على الجماعة، وبمجرد تعذر فرد
واحد عليه لا يسقط القدر المشترك، وإن كان لأجل قصوره وعدم التمكن
من التعلم فالظاهر عدم وجوب الائتمام عليه، لأنه غير مكلف بالصلاة مع
القراءة عينا وهو واضح، ولا تخييرا حتى يتعين أحدهما بالعجز عن الآخر،
لأن الوجوب التخييري فرع القدرة على البدلين وعدم الدليل على وجوب
الائتمام عليه.
والحاصل: أن عموم تكليفه بالصلاة لم يقيد في حقه بقوله: " لا صلاة
إلا بفاتحة الكتاب " (2) حتى يجب الاقتصار في الخروج عنه على صورة
الاقتداء، وبعبارة أخرى: الائتمام مسقط للقراءة الواجبة، فإن وجبت القراءة
لزم الإتيان بها أو بمسقطها، وإن لم تجب للعجز تسقط بنفس العجز ولا يجب
إسقاطها بالائتمام.

(1) حكاه العلامة في التذكرة 4: 292 عن أبي حنيفة، وانظر المغني، لابن قدامة 2:
996، والمغني المطبوع ضمن الشرح الكبير 2: 30.
(2) مستدرك الوسائل 4: 158، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث 5.
280

فإن قلت: إن الشارع إذا أمر بالصلاة اليومية ثم أمر ندبا بالجماعة
فهو راجع إلى أن الشخص مخير بين أن يصلي منفردا فيقرأ لنفسه وبين أن
يصلي جماعة فيجتزئ بقراءة الإمام، فهو مخير بين فعل القراءة وفعل
ما تسقط معه، فإذا تعذر القراءة وجب البدل.
قلت: التخيير بين الانفراد والجماعة ليس تخييرا بين فعل القراءة وفعل
ما تسقط معه، بل الجماعة والانفراد صفتان لأصل الصلاة، والتخيير بينهما
باق بحاله بالنسبة إلى هذا العاجز أيضا، فإنا نقول أيضا بأنه مخير بين
الانفراد والجماعة، والخصم يمنع من بقاء الانفراد له، نظرا إلى عجزه عن أحد
طرفي التخيير وهو الانفراد مع القراءة الصحيحة لنفسه، ونحن نمنع من اعتبار
القراءة مطلقا في أحد طرفي التخيير وهو الانفراد، بل نخصصه بصورة
القدرة، فصلاة الجماعة ليست بدلا عن الانفراد المجامع للقراءة الصحيحة، بل
بدل عن الانفراد المعتبر فيه القراءة مع القدرة.
اللهم إلا أن يقال: إن عموم " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " يدل على
بطلان الصلاة بدون الفاتحة خرج منه العاجز عن القراءة والائتمام معا قطعا،
فبقي الباقي ومنه العاجز عن القراءة القادر على الائتمام.
لكن الإنصاف: أن العموم المذكور - مضافا إلى توقفه على عدم
الانصراف الموجود فيما نحن فيه، لظهور انصرافه إلى صورة القدرة - مخصص
بما دل على سقوط القراءة عن العاجز مثل صحيحة عبد الله بن سنان
المتقدمة في مسألة القراءة، الدالة على " أن الله إنما فرض من الصلاة الركوع
والسجود، ألا ترى أن رجلا لو دخل في الإسلام ولم يعرف القراءة أجزأه
التسبيح " (1).

(1) الوسائل 4: 735، الباب 3 من أبواب القراءة، الحديث الأول.
281

* (و) * قد ظهر مما ذكرناه أنه * (لا يجوز إمامة اللاحن بالمتقن، و) *
كذا إمامة * (المبدل (1)) * حرفا، لعدم قدرتهما على القراءة المعتبرة، فلا تسقط
قراءتهما القراءة عن المأموم، فلا يشمله قوله عليه السلام: " يجزيك قراءته " (2) أو
قوله عليه السلام: " الإمام ضامن " (3)، لأن الضامن لا بد أن يكون متمكنا من
أداء المضمون عن المضمون عنه.
ولا فرق بين ما إذا قرأ المأموم كما في الجهرية التي لا تسمع الهمهمة أو
الإخفاتية - لو قلنا بجواز القراءة فيها - وبين غيرها، لأن ظاهر أخبار
الضمان هو كونه بحيث يضمن ويتحمل عنه، واللاحن ليس بحيث يتحمل
القراءة عن المأموم، فلا يصح إمامته وإن جاز للمأموم أو وجب عليه
القراءة مع عدم سماع الهمهمة.
ولا فرق في اللحن - أعني الغلط في الإعراب - بين مغير المعنى
وغيره، لعموم الدليل، بل عموم ما دل من الإجماعات المتقدمة (4) في مسألة
الأمي بناء على أن اللاحن لا يحسن القراءة، فيدخل في الأمي.
خلافا للمحكي عن الحلي (5) فأجاز الاقتداء مع لحن الإمام على وجه
لا يغير المعنى، وعن بعض آخر (6) الجواز مع اللحن.

(1) العبارة في الإرشاد هكذا: ولا تجوز إمامة اللاحن والمبدل بالمتقن.
(2) الوسائل 5: 425، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 15.
(3) الوسائل 5: 421، الباب 30 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 3.
(4) تقدمت في الصفحة 278.
(5) السرائر 1: 281.
(6) وهو الشيخ في المبسوط 1: 153، وحكاه عنه وعن الحلي قدس سرهما السيد
الطباطبائي في الرياض 4: 333.
282

والظاهر ضعفهما بعد ما عرفت، مضافا إلى ما ربما يستفاد من بعض
النصوص من اشتراط كون الإمام مأمونا على القرآن، مثل مصححة عبد الله
ابن سنان: " إذا كنت مع إمام لا تجهر بالقراءة حتى يفرغ وكان الإمام
مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين ويجزيك التسبيح في
الأخيرتين " (1) فإنها بمفهومها تدل على وجوب القراءة خلف الإمام الغير
المأمون على القرآن ولو من جهة اللحن. والظاهر أن وجوب القراءة خلف
الإمام كناية عن عدم جواز الاقتداء به، بل الظاهر أن اعتبار الأمن على القراءة
مختص بجهة الأمية أو اللحن، ولا يشمل الأمن من جهة أنه يترك القراءة عصيانا
لأنه حينئذ فاسق، ومن البعيد جعل القيد في الرواية راجعا إلى اعتبار العدالة.
ويدل على المطلب أيضا ما دل على أنه لا بأس بإمامة العبد إذا كان
قارئا (2)، فإنه بمفهومه يدل على عدم جواز إمامته إذا كان أميا، ومع ملاحظة
انصراف القراءة في المنطوق إلى الصحيحة، ينقدح وجه دلالة المفهوم على
عدم جواز الاقتداء مع اللحن ولو لم يغير المعنى.
وقريب من هذه الرواية ما دل على جواز إمامة العبد إذا كان أكثرهم
قرآنا (3) بناء على أن يكون المراد (4) به إما كون من خلفه ناقص القراءة،

(1) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9 مع اختلاف في
الألفاظ.
(2) الوسائل 5: 401، الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(3) الوسائل 5: 400، الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(4) في " ق " زيادة: إلا أن يكون من خلفه أنقص قراءة منه - صح، والعبارة في
" ط " هكذا: بناء على أن يكون المراد أن يكون من خلفه أنقص قراءة منه، فيكون
أكثر بهذا الاعتبار.
283

فيكون أكثر بهذا الاعتبار، أو يكون المراد من اعتبار أكثريته أن لا يكون
غيره أكثر قراءة منه، بل يكون إما مساويا وإما أقل، وعلى التقديرين يتم
المطلوب.
وحاصل الكلام في هذا المقام هو أن اختلال قراءة الإمام له
خصوصية على ما يستفاد من الأدلة الشرعية، وليس كاختلال سائر
الواجبات منه للعذر، فتبين من جميع ذلك أن الإمام إذا صلى صلاة واقعية
اضطرارية فيصح اقتداء المختار خلفه إلا إذا كان عذره متعلقا بالقراءة أو
يدل دليل خاص على عدم الجواز كما مر في مسألة إمامة القاعد ومن في
حكمه.
وبعبارة أخرى (1): مقتضى القاعدة جواز اقتداء المختار بالمضطر،
ولا يضر مخالفتهما في التكليف، لأجل اضطرار الإمام وعدم اضطراره،
فيصح اقتداء الطاهر بمن تنجس لباسه مع عدم التمكن من الطهارة واقتداء
المتطهر بالسلس والمبطون ونحو ذلك، وليست مخالفتهما في المعذورية والعدم
إلا كمخالفتهما في الحكم الواقعي الاختياري، مثل اقتداء المرأة التي يجب
عليها الإخفات وستر جميع البدن بالرجل الذي لا يجب عليه شئ من
ذلك، واقتداء الرجل في ظهره المقصورة بعشاء الإمام التامة مع أن المأموم
يجب عليه الإخفات ونية القصر والتسليم في الركعتين ولا يجب ذلك على
المأموم.
ويشعر بما ذكرنا - من أنه يكفي في جواز إمامة الإمام حكم الشارع
عليه بصحة صلاته ولو من جهة العذر والاضطرار - ما ورد في إمام قوم

(1) لم ترد " أخرى " في " ق ".
284

أجنب ولم يكن معهم ما يكفيه للغسل، فهل يتوضأون ويؤم بعضهم بعضا؟
فقال عليه السلام: " لا بل يتيمم الإمام ويؤمهم، لأن الله جعل التراب طهورا كما
جعل الماء طهورا " (1)، فإن قوله: " فإن... إلى آخره " علة لجواز الإمامة،
لأنه الجواب في مقام توهم وجوب الاقتداء بواحد آخر من القوم، فقد علل
جواز الإمامة بجعل الشارع التيمم طهورا أي مبيحا لصلاته من جهة
الاضطرار، فدل على أنه كلما حكم الشارع بصحة الصلاة وإباحة الدخول
فيه ولو من جهة معذورية المكلف كفى ذلك في جواز الإمامة.
بقي الكلام فيما إذا خالف صلاة الإمام الواقع (2) الاختياري في نظر
المأموم بحيث يعتقد المأموم فساد صلاة الإمام واقعا مع عدم تحقق فساد (3)
عند الإمام، وهذا على قسمين، لأن عدم تحقق الفساد إما أن يكون من جهة
عذر عقلي رافع لتكليفه بالواقع كالسهو والجهل المركب وعدم الالتفات سواء
تعلق بالموضوع - مثل كون الإمام معتقدا لتطهره والمأموم يعلم بأنه محدث أو
يعتقد ثوب الإمام جلد غير المأكول - أم تعلق بالحكم مثل أن ينسى
الإمام الحكم أو يخطأ في طريق الاجتهاد والاستنباط ويخطأ في المستنبط بأن
ينسى الفحص أو ينسى عن (4) حال الراوي أو ينسى ما بنى عليه المسألة في
الأصول ونحو ذلك مما يكون خطأ في الاجتهاد دون أن يصيب في
الاجتهاد.

(1) الوسائل 2: 995 - 996، الباب 24 من أبواب التيمم، الحديث 2.
(2) كذا في النسخ، وفي مصححة " ط ": الواقعي.
(3) في " ط ": فسادها.
(4) تستقيم العبارة إما بحذف " عن "، أو بإضافة كلمة قبلها نحو " البحث ".
285

وإما أن يكون تحقق الفساد في نظر المأموم لعذر شرعي كالنص
الاجتهادي أو التقليد، مثل أن يترك الإمام الطمأنينة في السجدة لاجتهاده
أو تقليده في عدم وجوبها مع أن المأموم يراه واجبا، ومثل أن يستصحب
غير المأكول مع اعتقاد المأموم بطلان الصلاة به، وقد يكون هذا أيضا في
الموضوع مثل أن يشهد عند الحاكم عدلان بأن هذا الثوب خز والمأموم
يعتقده ولو بشهادة عدلين آخرين أنه جلد حيوان آخر غير مأكول اللحم،
ونحو ذلك.
فما كان من قبيل القسم الأول أي يكون العذر فيه عقليا فالأقوى
عدم جواز الاقتداء بالإمام المعذور، لأن ما يأتي به من العمل غير مأمور به
من الشارع فليست بصلاة، إذ مجرد اعتقاد الأمر وتخيله أو عدم الالتفات
إلى عدم الأمر ليس أمرا كما هو واضح، فإن المحدث النفس الأمري المعتقد
للتطهر غير مكلف في نفس الأمر بالصلاة في تلك الحالة، فما يفعله ليس
بمأمور به من طرف الشارع لا في الواقع كما لا يخفى، ولا في الظاهر، لعدم
توجه خطاب في الظاهر إلا أنه حيث يعتقد أنه مأمور واقعا فيفعل الفعل
بقصد الامتثال، وإلا فلا أمر من الشارع لا واقعا ولا ظاهرا.
نعم، إنما يحكم عليه من اطلع على اعتقاده المخالف بوجوب الإتيان
بما اعتقده واستحقاق العقاب لو تركه من جهة التجري من دون أن يخاطب
بأن: إعمل على طبق معتقدك، وقد حقق ذلك مستقصى في مسألة عدم
اقتضاء الأمر العقلي الحاصل من النسيان أو الاعتقاد المخالف أو عدم
الالتفات للإجزاء (1).

(1) راجع مطارح الأنظار: 21، عند قوله: " هداية: في أن الأمر الظاهري العقلي
لا يقتضي الإجزاء ".
286

ويمكن أن يستفاد المطلب المذكور وهو عدم جواز الاقتداء من
تضاعيف الروايات:
منها: ما تقدم سابقا من الرواية الدالة على جواز إمامة المتيمم
للمتوضئين معللا بأن الله سبحانه جعل التيمم له طهورا وحكم عليه
بالطهارة، فهو بمفهومه دال على أن من لم يحكم الشارع له بالطهارة
الاختيارية أو الاضطرارية لا يصح الاقتداء به.
ومنها: ما ورد في رواية صحة الاقتداء بالأعمى إذا كان من يسدده
ويوجهه (1) حيث دل بمفهومه على أنه إذا لم يكن من يسدده لم يصح الاقتداء
به، ومن الواضح أن الأعمى مع عدم توجهه إلى القبلة يعذر في صلاته
ما دام لم ينكشف الخلاف فلو اكتفى في جواز الاقتداء بمعذورية الإمام في
الإخلال بالشروط لم يكن معنى لاشتراط إمامته بوجود من يسدده
ويوجهه.
ومنها: قوله عليه السلام: " ليكن الذين يلون الإمام منكم أولو الأحلام
والنهى، فإن نسي الإمام أو تعايا قوموه " (2)، فإنه بظاهره دال على وجوب
تقويم الإمام إذا نسي شيئا من أفعال الصلاة، والظاهر أن الوجوب شرطي
لا استقلالي، واشتراطه ليس إلا باعتبار توقف صحة الاقتداء على عدم
فساد صلاة الإمام مع اطلاع المأموم، وإلا لم يجب التقويم.
ومنها: ما حكي عن دعائم الإسلام حيث حكم أمير المؤمنين عليه السلام
بوجوب الإعادة على من صلى مع عمر بعد تبين أن الإمام كان جنبا معللا

(1) الوسائل 5: 409، الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة، الأحاديث 1، 5 و 7.
(2) الوسائل 5: 386، الباب 7 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
287

بأن الناس بإمامهم يركعون ويسجدون، فإذا فسد صلاة الإمام فسد صلاة
المأموم (1).
والخدشة فيه من حيث السند أو من حيث الدلالة - حيث إن الكلية
المزبورة غير معمول بها في موردها، لأن تبين جنابة الإمام لا توجب
الإعادة على المأموم - مردودة بانجبار مضمون الرواية، وبأن العلة المذكورة
ليست علة حقيقية لفساد صلاة الذين صلوا مع عمر، لأن صلاتهم فاسدة
من وجوه لا تحصى، فالتعليل المذكور صوري لا يقدح فيه مخالفة مورد
الصوري للفتوى، وثانيا: بأن عدم العمل بالعلة في موردها لأجل... (2)
لا يوجب طرح العلة، لأن منصوص العلة ليس من قبيل القياس بالطريق
الأولى حتى يبطل التمسك به بعد وجوب طرحه في مورده، هذا خلاصة
الكلام في القسم الأول.
وأما القسم الثاني، فقد عرفت أنه على قسمين: الأول ما إذا كان
الاشتباه في الحكم، والثاني: ما إذا كان الاشتباه في الموضوع.
أما الأول: مثل أن يصلي الإمام بغير الطمأنينة بعد السجدة الثانية مع
كون الطمأنينة واجبة عند المأموم، وقد بنى غير واحد من مشايخنا
المعاصرين - تبعا لبعض من تقدم عليهم - صحة الائتمام وعدمها على مسألة
أخرى، وهي أن الحكم الذي يراه (3) المجتهد من الأدلة الظنية هل هو حكم

(1) دعائم الإسلام 1: 152، ومستدرك الوسائل 6: 485، الباب 32 من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 2.
(2) الظاهر وجود سقط في " ق "، ويؤيده وجود بياض في " ن " و " ط ".
(3) لعله كذا في " ق "، وفي " ن " و " ط ": رآه.
288

واقعي ثانوي مجعول في حقه أم هو من باب العذر المسقط للتكليف بالواقع؟
فإن قلنا بالأول صح الائتمام، لأن صلاة الإمام صحيحة في نفس الأمر
بالنسبة إليه كصلاة الفاقد للماء مع التيمم، فيجوز الاقتداء به، وإن قلنا
بالثاني فلا يجوز الائتمام، لأن المأتي به ليس صحيحا في نفس الأمر، وإنما
يراه المصلي صحيحا، فأسقط الشارع عنه التكليف بالواقع، فهي صلاة
فاسدة أسقطت الصلاة الصحيحة الواقعية، فيكون كالقسم الأول المتقدم،
أعني ما لو أخل ببعض الشروط أو الأجزاء لعذر عقلي مزيل للتكليف
بالواقع، نعم العذر هناك عقلي لا يجوز معه التكليف بالخلاف، والعذر هنا
شرعي يجوز معه التكليف بالاحتياط وترك العمل بالظن إلا أنه أسقطه
الشارع لليسر، وقد يرجع أيضا إلى العذر العقلي.
أقول: يقع الكلام هنا تارة في صحة الابتناء وأخرى في تعيين المبنى.
أما الأول فنقول: إن المراد بالحكم الاجتهادي - الذي بني جواز
الائتمام على أنه واقعي ثانوي أو حكم عذري - إن كان هو الحكم التكليفي
أعني التكليف بالصلاة من دون الطمأنينة أو معها فلا ريب في انقلابه وكونه
واقعيا ثانويا، إذ الفرض صحة اجتهاد المجتهد، فهو مكلف بما حصل له الظن
بمقتضى الأدلة الدالة على حجية ذلك الظن، فانقلاب الحكم التكليفي للمجتهد
مما لا خلاف فيه، ولا ريب يعتريه، إذ لا يرتاب أحد في أن المجتهد إذا
أدى ظنه إلى تحريم عصير العنب مع كونه حلالا في الواقع فقد حرم عليه
بجعل الشارع شربه وإن حل واقعا، فتعلق التحريم به من الشارع مقتضى
نفس الدليل الدال على حجية دليل التحريم.
نعم، لو قال قائل بأن الأمارات الشرعية لم يجعلها الشارع دليلا ولم
يوجب العمل بها، وإنما يعمل بها المجتهد من جهة إفادتها الظن بالواقع،
289

ومن حيث كشفها عن الواقع الذي لا يتمكن من تحصيل العلم به، وقد
أمضى الشارع هذا العمل بمعنى أنه أسقط معها التكليف بالواقع، لا أنه
لاحظ في الحكم المظنون مصلحة بعد تعلق الظن به وأوجب العمل به
للمصلحة الداعية إليه، فيكون جميع ما ورد من الشارع في حجية الأمارات
الظنية وارد في مقام بيان الرخصة في العمل بها وعدم تحتم الوصول إلى
الواقع إما بالاحتياط أو الفحص الزائد المفضي إلى العلم مع رجائه، لكنه
خلاف ظاهر تلك الأدلة وظاهر الأصحاب.
وكيف كان، فعلى فرض سريان الخلاف في الجعل وعدمه بالنسبة إلى
الحكم التكليفي أيضا نقول: إن القول بانقلاب التكليف لا يستلزم جواز
الاقتداء، لأن مجرد موافقة الصلاة للأمر الواقعي الثانوي لا يوجب صحة
الاقتداء مع كون الصلاة فاسدة عند المأموم ومخالفة للأمر الواقعي، إذ
لا دليل على كفاية مجرد موافقة الأمر الشرعي في جواز الاقتداء مع علم
المأموم بالفساد واقعا.
وبالجملة، فالاكتفاء في الاقتداء بمجرد مطابقة الصلاة لتكليف الإمام
لا بد له من دليل، ولسنا الآن بصدده، لكن نقول: إنه لو اكتفي به لاكتفي به
فيما إذا قلنا بعدم انقلاب التكليف، إذ حينئذ وإن لم تكن الصلاة مطابقة للأمر
الواقعي الثانوي، إذ لا واقعي حينئذ بل مجرد عذر. إلا أنه لا خلاف كما
لا ريب في أن الشارع جعله في حكم الواقعي الأولي في إسقاط القضاء
والإعادة، وحينئذ فيترتب على هذه الصلاة جميع الأحكام الثابتة للصلاة
الواقعية وعلى فاعلها جميع أحكام المصلي، ومنها: جواز الاقتداء به، والقول
بترتب جميع الآثار عليها دون جواز الاقتداء ترجيح من غير مرجح.
والحاصل: أن صحة الاقتداء إن كان من آثار امتثال الأمر الواقعي
290

سواء كان واقعيا أوليا أو ثانويا فلا ريب في أن صلاة المجتهد - بناء على
القول بعدم الجعل أيضا - قد رتب عليه في الظاهر جميع أحكام الصلاة
الواقعي، فجواز الاقتداء ليس موقوفا على كون الصلاة مأمورا بها واقعا،
بل يكتفى فيها بكونها في حكم المأمور به الواقعي. هذا كله إن أريد بالحكم
- الذي بني جواز الاقتداء على انقلابه وعدمه - هو الحكم التكليفي الثابت
للإمام.
وإن أريد به الحكم الوضعي، أعني صحة الصلاة وعدمها بأن يقال:
إن كانت هذه الصلاة صحيحة واقعا صح الاقتداء، وإن كانت فاسدة اكتفى
بها الشارع من فاعلها عذرا لم يصح الاقتداء.
فنقول: إن أريد من الصحة مطابقة الأمر ومخالفته، فيؤول الكلام إلى
الحكم التكليفي، لأن الصحة بهذا المعنى تابعة للحكم التكليفي وعدمها لعدمه،
وقد تقدم الكلام.
وإن أريد بالصحة ترتب الآثار التي رتبها الشارع على أصل الصلاة
غير سقوط الأمر وتحقق الامتثال مثل جواز الاقتداء وجواز الاستئجار
- بناء على عدم كونهما من آثار الموافقة للمأمور به وآثار سقوط الأمر وإن
كانا مشروطين بكون الصلاة مما يسقط التكليف، إلا أن سقوط الأمر
بمجرده لا يكفي في ترتبهما - فنقول: إذا بنينا على حكم الشارع واقعا
بصحة الصلاة المجردة عن الطمأنينة الصادرة ممن يرى عدم وجوبها، فهذا
لا يستلزم جواز الاقتداء، لأن الصلاة إنما جعلت صحيحة بالنسبة إلى
المصلي، فترتيب جواز الاقتداء من غيره المخالف له في الرأي لا يجوز، بل
يعتبر جعل الصحة أيضا بالنسبة إلى من يريد ترتيب الأثر.
فإن قلت: إن هذا المخالف أيضا حاكم بصحة صلاته، لصحة اجتهاده
291

عنده بالفرض.
قلنا: إنما يحكم بصحة صلاته بالنظر إلى نفسه ومن شابهه أو قلده،
ولا يحكم بصحة صلاته بقول مطلق حتى يترتب عليه الأثر، والفرق بينه
وبين صلاة المتيمم أن المتيمم حكم الشارع بصحة الصلاة الصادرة عنه
بالنسبة إلى كل أحد، لأن دليل صحته عام للكل (1)، فإذا قال الشارع:
الصلاة الصادرة من المتيمم صحيحة يترتب عليها الآثار، فلا فرق في هذا
الحكم بين المتيمم وغيره، فهي صحيحة بالنسبة إلى الكل، وأما الصلاة
الصادرة عمن يرى عدم وجوب الطمأنينة مجردة عنها، فالدليل الدال على
حجية ظن المجتهد إنما دل على صحة الصلاة المذكورة بالنسبة إلى نفس
المصلي ومن تبعه ليس إلا، فالجعل هنا خاص بالمجتهد، كما أن المجعول أيضا
صحة الفعل الصادر عن خصوص ذلك المجتهد ومن تبعه، وفي التيمم الجعل
عام للمتيمم وغيره وإن كان المجعول صحة الفعل الصادر عن خصوص
المتيمم.
هذا كله مع قطع النظر عن الجعل الحاصل للمأموم المجتهد في فساد
الصلاة من دون الطمأنينة، وإلا فهو أيضا يقتضي عدم ترتب الأثر على
الصلاة المجردة عن الطمأنينة من أي فاعل صدرت، لأن ظنه إنما تعلق بفساد
الصلاة المجردة من أي شخص صدرت، فكل صلاة مجردة قد جعلت بالنسبة
إليه فاسدة، فلا يجوز له ترتيب آثار الصحيح عليها، وإن صدرت من غيره
فلا يجوز له الاقتداء الذي هو من آثار الصحة.
نعم، لو قلنا بأن ظنه إنما يوجب جعل الحكم بالنسبة إليه في أفعاله

(1) في " ق " و " ن ": لكل، وفي " ط ": لكل أحد.
292

الصادرة عنه أو عمن لم يسبق له اجتهاد أو تقليد، وأما بالنسبة إلى من
اجتهد أو قلد بخلافه فظنه لا يؤثر جعلا في حقه بالنسبة إلى فعل ذلك
المخالف له.
لكنه فاسد، لأن ظنه حجة في حقه، وليس مظنونه إلا حكم الله
الواقعي الأولي العام لجميع أفعال المكلفين.
فإن قلت: يكفي في جواز الاقتداء الحكم بصحة الصلاة بالنسبة إلى
المصلي، ولا يعتبر صحتها في حق غيره، وبعبارة جواز الاقتداء من آثار
صحة الصلاة بالنسبة إلى المصلي، ولا يعتبر فيه أن يكون صحيحا بالنسبة
إلى المأموم.
قلت: فيكفي إذن في جواز الاقتداء الحكم على المصلي بترتيب آثار
الصحة وإن لم يحكم بنفس الصحة بناء على القول بالعذر وعدم الجعل، لأن
الشارع إذا حكم في حقه بترتيب آثار الصحة وقد فرضت أن جواز
الاقتداء من آثار الصحة عنده فلا مانع حينئذ من جواز الاقتداء.
توضيح ذلك: أنا إذا قلنا بأن المراد بالصحة هو كون الفعل على وجه
يترتب عليه الآثار التي منها جواز الاقتداء، فمعنى جعل الصحة بالنسبة إلى
الإمام الذي اكتفيتم به هو كون الفعل في حقه منشأ لترتب الأثر، أعني جواز
الاقتداء، وحينئذ فإذا لم يجعل الصحة بهذا المعنى بالنسبة إليه، لكن جعل
الشارع هذا الفعل بالنسبة إليه بمنزلة الصحيح الواقعي، فقد صار هذا الفعل
بالنسبة إليه منشأ لترتب الأثر، فيترتب عليه جواز اقتداء الغير به، لأن
المفروض أن جواز اقتداء الغير به أنيط بكون الفعل عند المصلي وبالنسبة إليه
منشأ لترتب الأثر.
وحاصل ذلك يرجع إلى أن الصحة التي أنيط بها جواز اقتداء الغير
293

لا نعقل منها معنى إلا كون الفعل على صفة تقتضي ترتب الأثر، فإذن
لا فرق بين القول بجعلها واقعا بالنسبة إلى المصلي وبين القول بحكم الشارع
على المصلي بترتب الآثار، إذ بكلا الوجهين يحصل للفعل صفة تقتضي ترتب
الأثر، فتأمل.
مع أن صحة الصلاة ليست بالمعنى الذي قلنا من كونها منشأ لترتب
الآثار غير سقوط الامتثال بحيث يكون سقوط الامتثال أيضا واحدا منها.
بل التحقيق أن الآثار المترتبة على الصلاة الصحيحة كلا إنما هي من آثار
موافقتها للأمر أو إسقاطها للإعادة. وقد عرفت أن الشارع جعل هذه
الصلاة مسقطة وموافقة للأمر الواقعي الثانوي على القول بالجعل وبمنزلة
الموافقة على القول بعدم الجعل.
وكيف كان، فالذي ينبغي أن يقال في المسألة هو أن جواز الاقتداء
وعدمه مبني على أنه هل يكفي في صحة الاقتداء مطابقة العمل لخصوص
تكليف الإمام وإن كان مخالفا لحكمه الواقعي عند المأموم أو كما أنه لا بد من
موافقته لتكليف الإمام وعدم علمه بمخالفته لحكمه الواقعي كذلك لا بد أن
يكون بهاتين الصفتين عند المأموم بأن يكون موافقة عنده لتكليف الإمام
ولا يعلم مخالفته لحكم الإمام الواقعي، وأما مجرد مخالفته لتكليف المأموم
فليست مؤثرة في الفساد قطعا، إذ لا عبرة بتوافق تكليفي الإمام والمأموم،
فالكلام في أن المأموم كنفس الإمام بالنسبة إلى الصلاة أو كما أنها تسقط
الأمر عن الإمام كذلك تسقط الصلاة مع القراءة، فيعتبر في المأموم كالإمام
عدم العلم بمخالفة الواقع، وأما إن صلاة الإمام لا بد أن تكون مطابقة لصلاة
المأموم فليس مما يحتمل فيه.
والإنصاف وقوع الشك في صحة الائتمام، والعمومات الدالة على جواز
294

الاقتداء لا تشمل مثل ذلك، كما لا يخفى هذا كله، مضافا إلى ما أشرنا إليه
من أن مقتضى القاعدة هو أن المأموم إذا ظن بفساد صلاة الإمام فيجب
عليه ترتيب آثار الفساد عليها، ومن جملتها تحريم الاقتداء وعدم سقوط
القراءة عن المأموم بها.
هذا إذا ظن المأموم بفساد صلاة الإمام اجتهادا أو تقليدا، وأما إذا
قطع به فالأمر أظهر، لأنه يقطع أن الإمام لا يأتي بما هي صلاة في نفس
الأمر، وهذا الأمر المتعلق به متعلق بشئ آخر، وهو معذور في امتثال الأمر
الصلاتي.
فإن قلت: فعلى هذا إذا ظن المجتهد بفساد معاملة صدرت ممن يظن
صحتها فيحرم على ذلك المجتهد ترتيب آثار المعاملة الصحيحة عليها، فإذا
تزوج مجتهد أو مقلد بالغة رشيدة بدون إذن أبيها، والمفروض أن أبا المتزوج
يذهب اجتهادا أو تقليدا إلى فساد نكاحها من غير إذن وليها، فيحرم على
هذا الأب النظر إلى المتزوجة المذكورة، بل يجوز له نكاحها باطنا، وكذلك
لو اشترى مجتهد شيئا بالعقد الفارسي فلا يجوز لمن يذهب إلى فساد ذلك
اشتراء ذلك الشئ منه أو اتهابه أو استعارته، إذ يجب عليه ترتيب آثار
المعاملة الفاسدة على تلك المعاملة مع أن السيرة على خلافه ظاهرا.
قلت: أولا - أنه لم يعلم مخالفة السيرة لما ذكرنا، لندرة العلم للمجتهد
أو مقلده بوقوع المعاملة على وجه يراه فاسدا، بل الغالب الشك، فيحمل
على الصحة الواقعية، لا على الصحة عند الفاعل فقط حتى يعود المحذور.
وثانيا أنها معارضة بما إذا غسل من يرى الاكتفاء بالمرة الثوب مرة، فيجوز
لمن يعتبر المرتين مباشرته ومساورته والصلاة في ذلك الثوب، وكذا من
يرى عدم انفعال القليل بالملاقاة، وكذا يجوز لمن يعتبر في التذكية فري
295

الأوداج الأربعة أن يأكل من ذبيحة من يكتفي بفري الودجين مع أن الظاهر
أن السيرة على خلافه.
لكن الإنصاف الفرق بينهما بأن جواز النظر وجواز الاشتراء إنما هما
من آثار زوجية امرأة لابنه وملكية شئ للبائع، وقد تحقق الزوجية
والملكية في اعتقاد الابن والبائع، فيترتب عليه الآثار (1)، فالآثار المذكورة
آثار مترتبة على شئ مضاف إلى خصوص المكلف، والإضافة أعني كونه
ملك البائع أو زوجه تحصل بتحقق سببهما في مذهب المضاف إليه، بخلاف
مثل جواز الصلاة في الثوب الطاهر وجواز أكل اللحم المذكى فإنهما مترتبان
على الطهارة والتذكية الواقعيتين، ولم يحصلا في اعتقاد الشخص، وحصولهما
في اعتقاد الغاسل والمذكي يفيدان الطهارة والتذكية بالنسبة إليه.
والحاصل: أن الآثار إن ترتبت على شئ مضاف إلى شخص خاص،
كملك زيد وزوجة عمرو فبمجرد تحقق السبب في اعتقاد زيد وعمرو يتحقق
إضافة الملك والزوجة إليهما، وإن ترتبت على أمر واقعي لم يلاحظ فيه
إضافته إلى خصوص شخص كالطاهر والمذكى فلا بد من أن يرتب كل أحد
الآثار على طبق ما يعتقده من تحقق ذي الأثر واقعا وعدم تحققه.
فإن قلت: إن تحقق سبب الملكية والزوجية في اعتقاد زيد وعمرو إنما
يوجب صيرورة الملك والزوجية ملكا وزوجة لزيد وعمرو في حقهما،
لا ملكا وزوجة لهما في الواقع، ومن البين أن الشارع أباح النظر للأب إلى
زوجة ابنه الواقعية لا زوجة ابنه في اعتقاد ابنه، وكذا الكلام في الملكية، فلم
يحصل الفرق. وبعبارة: تحقق سبب المضاف بالنسبة إلى المضاف إليه إنما

(1) كذا يحتمل في " ق "، ويحتمل: الأثر.
296

يوجب تحقق الإضافة بالنسبة، لا الإضافة الواقعية التي تترتب الآثار عليها
دون غيرها. فهنا أمران: أحدهما زوجة زيد في الواقع والثاني زوجة زيد
بالنسبة إلى زيد، والذي يترتب عليه الآثار هو الأول ولم يتحقق بالنسبة
إلى أب الزوج.
قلت: نعم ولكن الظاهر من ترتيب الآثار على هذه المضافات
الاكتفاء بتحقق الإضافة ولو في اعتقاد المضاف إليه، وهو في العرف كثير (1)،
ألا ترى أنه لو قيل: نهبوا أموال فلان لا يستفاد منه إلا ما هو مال له في
اعتقاده وبنى على تملكه، وكذا الأحكام التي رتب الشارع على أملاك الكفار
والمخالفين وأزواجهم، فإن المتبادر من ذلك ما هو ملك أو زوجة لهم في
مذهبهم وإن لم يتحقق سبب الزوجية والملكية في اعتقادنا.
والحاصل: إن الظاهر من قوله عليه السلام: " الناس مسلطون على
أموالهم " (2) تسلطهم على ما هو مال لهم في اعتقادهم، ولهذا يحكم بعموم هذا
الخبر للمؤمن والكافر والمخالف، وكذا الظاهر من قوله: (وحلائل
أبنائكم) (3).
وإن شئت فقل: إن الشارع اكتفى (4) في تحقق هذه الإضافات وترتب
الآثار عليها عند كل أحد بتحقق الإضافة في مذهب الشخص المضاف.
ألا ترى أنه أمضى نكاح الكافر بعد إسلام الزوجين، فإن إقرار المجتهد على

(1) في " ق ": والكثير.
(2) عوالي اللآلي 2: 138، الحديث 383، والبحار 2: 272.
(3) النساء: 23.
(4) في " ق " زيادة: الشارع.
297

مذهبه في عمله بالنسبة إلى جميع المكلفين ليس بأدون من إقرار المخالف
والكافر على دينه، وأما مسألة جواز الائتمام فهو ليس من هذا القبيل، لعدم
الدليل على ترتب صحة الاقتداء على صحة صلاة الإمام عند الإمام كما
عرفت من منع العموم، مضافا إلى ما تقدم من قول أمير المؤمنين عليه السلام:
" إذا فسد صلاة الإمام فسد صلاة المأموم " (1)، بل قوله عليه السلام: " فإن نسي
الإمام أو تعايا قوموه " (2)، يدل على ذلك نظرا إلى أن نسيان بعض
الواجبات وإن كان لا يقدح في فساد صلاة الإمام حتى في الواقع - لأنها
أجزاء علمية، ولذا لا يجب إعادتها بتذكرها بعد مضي محلها ولا إعادة
الصلاة بعد التذكر في الوقت - إلا أن انكشاف الواقع للمأموم يقدح في
صلاته المرتبطة بصلاة الإمام، بل وكذا قوله: " يؤم الأعمى إذا كان من
يسدده " (3) حيث إن صلاة الأعمى إلى بعض جهات الخلاف لا تفسد واقعا،
لعدم وجوب الإعادة في الوقت، ومع [ذلك] (4) فقد جعل علم المأموم
قادحا في الائتمام.
لكن هذه الأدلة إنما تجري عند العلم القطعي باختلال صلاة الإمام،
وأما مع الظن به اجتهادا أو تقليدا فلا يدل شئ منها على البطلان. وكفى
بالقاعدة المتقدمة دليلا على عدم جواز الاقتداء.
ويمكن الخدشة فيها أيضا بأن الظن الاجتهادي الحاكم بجزئية الطمأنينة

(1) مستدرك الوسائل 6: 485، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(2) الوسائل 5: 386، الباب 7 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(3) الوسائل 5: 410، الباب 21 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(4) أضفنا كلمة " ذلك " لتكميل العبارة.
298

للصلاة لا يوجب في مرحلة الظاهر إلا وجوب الصلاة مع الطمأنينة على
صاحبها، ويحكم أيضا بأن (1) الإمام مأمور واقعا بالصلاة معها، فالمجردة
الصادرة عن الإمام مخالفة لحكمه الواقعي، لكن الحكم بعدم جواز الاقتداء
ليس مترتبا على مخالفة الحكم الواقعي، بل هو مترتب على مخالفة الحكم
الظاهري، إلا أن يدعى عدم العموم في البين، فلا بد من أن يقتصر على
القدر المتيقن، وهو ما لم يكن مخالفا للواقع والظاهر معا، فيرجع الكلام
بالآخرة إلى دعوى عدم العموم، وهذه الخدشة جارية في صورة القطع
بالمخالفة أيضا.
فالعمدة إذن منع العموم على وجه يشمل ما لو كانت صلاة الإمام
باعتقاد المأموم - الحاصل من القطع أو الظن المعتبر - مخالفة للواقع.
وبعبارة أخرى: مغايرة للصلاة الواقعية التي أمر الله بها وبإقامتها
جماعة، بل يمكن القطع بعدم العموم، إذ لا يرتاب ذو مسكة في أن قوله:
" الصلاة مع الإمام كذا " أو " الصلاة جماعة كذا " أو " إذا صلى الإمام
فحكمه كذا " ليس المراد بالصلاة في هذه الأقوال إلا الماهية الواحدة
التي لا تختلف في الواقع باختلاف الاجتهاد وإن اختلفت باختلاف
سائر الأحوال، فإذا فرض أن المأموم اعتقد قطعا أو بالظن الثابت أن هذا
الذي يفعله الإمام ليست تلك الماهية الواقعية التي أمر الله بالجماعة فيها،
فكيف يقتدى به؟! وكيف يجدي في ذلك اعتقاد الإمام بأنها هي تلك
الماهية؟!
ولذلك أمثلة عرفية منها: ما إذا قال: إذا صنع عبدي الفلاني

(1) كلمة " بأن " غير واضحة في " ق ".
299

الأيارج (1) الفلاني فخذ منه شيئا وأدخله في المعجون الذي أمرتك بتركيبه،
فإذا اعتقد صاحب الأيارج بتركبها من أجزاء يعتقد العبد المأمور أن المركب
من تلك الأجزاء ليس بأيارج، فهل تجد من نفسك أن تحكم عليه بوجوب
الأخذ والإدخال؟! حاشا.
ومن ذلك يظهر الكلام فيما إذا كان تخالف اعتقادهما في الاشتباه
الموضوعي، وعمل الإمام فيه بمقتضى أمارة شرعية يراها المأموم مخالفة
للواقع، مثل: ما إذا شهد عند الإمام شاهدان بأن هذا الثوب من المأكول،
فلبسه في الصلاة، والمأموم يعتقد أنه من غير المأكول.
نعم، لو كان في الشرائط العلمية لم تقدح المخالفة، لأن عدم تحقق
الشئ المذكور في نفس الأمر لا يجعل الصلاة مخالفة للصلاة الواقعية، لأن
الشرط تحقق ذلك الشئ في علم المكلف واعتقاده العلمي أو الظني المعتبر،
لا تحققه واقعا، ففقده واقعا لا يوجب فقد الصلاة الواقعية.
ومن ذلك ظهر الوجه في أنه لا يجوز لأحد المتخالفين الاستئجار من
الآخر، ولا يسقط عنه بفعل الآخر ما وجب عليه كفاية كصلاة الميت، أو
ما يسقط بفعل المتبرع كصلاة المتحمل عن الميت بناء على سقوطه عن الولي
بفعل المتبرع، وهكذا غيره من الأمور التي علقها الشارع على الصلاة
الواقعية، فترتيب الآثار مختص بالمتوافقين في الاعتقاد، وهذا هو الأصل
الذي لا محيص عنه.
اللهم إلا أن يقول أحد بالتصويب في الحكم الأولي، وإلا فالقول

(1) معربها الأيارجة، وهو نوع من الدواء، انظر لسان العرب 1: 113، وتاج العروس
2: 4، وفي القاموس (1: 214): الإيارجة - بالكسر وفتح الراء - معجون مسهل.
300

بالتصويب في الحكم الثانوي لا يجدي، إذ الأحكام مترتبة على الصلاة
الواقعية الأولية كما لا يخفى.
ودعوى أن الشارع جعل هذا الفعل بمنزلة الصلاة الواقعية بالنسبة إلى
الفاعل وغيره المخالف في الاعتقاد غير ثابت كما عرفت في مسألة الملكية
والزوجية وأنهما إنما يترتب عليهما الآثار إذا تحققا عند الفاعل، لأجل
ما ادعينا من أن المتبادر من أدلة ترتيب الآثار على الموضوعات المضافة
إلى المكلفين كأملاكهم وأزواجهم ترتبها بمجرد تحقق الإضافة في مذهب
الشخص المضاف إليه وطريقته، وإن لم تتحقق عند من يريد ترتيب الآثار.
وأما في غير الأمور المضافة إلى الأشخاص الخاصة كالتذكية والطهارة
ونحو ذلك، فلا يكون مجرد صدور ما هو سبب في اعتقاد الفاعل موجبا
لترتب الآثار عليه عند كل أحد حتى المخالف له، فإذا غسل أحد الثوب
مرة، فليس طاهرا عند كل أحد. نعم لو باع المائع الملاقي لذلك الثوب وأخذ
الثمن جاز لكل أحد التصرف فيه، لأنه صار من أملاك الغاسل ولو في
مذهبه وطريقته.
وكيف [كان] (1)، ففيما نحن فيه لم يدل دليل على أن ما يعتقده المصلي
صلاة إذا أوقعها فيجب على [كل] أحد ترتيب آثار الصلاة الواقعية عليه.
اللهم إلا أن يدعى أن هذا أيضا من قبيل المضافات إلى الأشخاص
الخاصة، فإن الشارع أمر بالاقتداء بالإمام العادل في صلاته، فيكفي كونها
صلاة ولو في طريقته، فتأمل.
ومما ذكرنا من القاعدة يظهر أنه لو كان المأموم محتاطا في مسألة

(1) الزيادة اقتضتها العبارة.
301

جزء أو شرط ويرى وجوب الاحتياط في الشك فيهما فلا يجوز له الاقتداء
بمن لا يأتي بذلك الجزء أو الشرط اجتهادا أو من باب أصالة البراءة، وكذا
من التزم بطريقة الاحتياط وترك التقليد والاجتهاد فلا يجوز له الاقتداء بمن
ترك بعض الأمور المحتملة للشرطية أو الجزئية.
ثم إن مثل ترك الشئ المعتبر عند المأموم إتيانه بنية الندب إذا رأى
المأموم قدح نية الخلاف، بل ولو لم يقدح ذلك عنده بناء على (1) أن الشئ
المذكور إذا كان مستحبا باعتقاد الإمام، فالذي يأتي به بنية الوجوب ليس
صلاة باعتقاد المأموم، فكأنه أتى بغير الصلاة مصاحبا لذلك الجزء
المستحب، فتأمل. وأما لو أتى به بنية القربة فلا إشكال في صحة الائتمام.
ولو اعتقد الإمام جزء زائدا على ما يعتقده المأموم فإن كان المأموم
شاكا في وجوب ذلك الجزء وإنما نفاه بأصل البراءة والإمام ظان أو قاطع
بالجزئية أو آت به على وجه الاحتياط اللازم فالظاهر صحة الاقتداء، لما
سيأتي من قوة الصحة مع العلم بعدم الوجوب، فإن الصحة هنا أقوى، فإن
أتى به بنية القربة فلا إشكال في الصحة. كما لا إشكال في البطلان لو أتاه بنية
الاستحباب لو رأى الإمام بطلان الصلاة بنية الخلاف. ولو رأى المأموم ذلك
فقط ورأي الإمام الصحة مع نية المخالف ففي الصحة وجهان: من أن هذه
الصلاة صحيحة واقعا باعتقاد المأموم حيث إنه لا يرى وجوب ذلك الجزء،
فوجوده في الصلاة حيث نوى فيه الوجه المخالف كعدمه، ومن أن الجزء
واجب في حق الإمام وإتيانه بصفة الاستحباب مبطل له عند المأموم، فكأنه
لم يأت بما هو واجب عنده، والأقوى الصحة، لأن الضابط أن كلما ثبت عند

(1) لم ترد " على " في " ق ".
302

المأموم فساد صلاة الإمام بناء على مقتضى اجتهاد الإمام لكنه خالفه في
أصل الاجتهاد فيكون هذا الفعل مطابقا للواقع عند المأموم دون الإمام
وللظاهر عند الإمام دون المأموم فيصح الاقتداء. وإن أتى الإمام ذلك الذي
يعتقد وجوبه بنية الوجوب أشكل الاقتداء، من حيث إن هذا الفعل الذي
يأتي به الإمام على وجه التركيب ليس بصلاة بل الصلاة بعضه، ويقوى
الصحة من حيث إنه قد أتى بالواقع مع زيادة لا تؤثر بطلانا مع اعتقاد عدم
الزيادة، فإن إبطال ضم الزائد على وجه الجزئية إنما هو مع علم من يزيد،
لعدم الجزئية لا مع اعتقاده لها. هذا إن اعتقد زيادة جزء، وإن اعتقد زيادة
شرط فلا إشكال في الصحة.
ثم إن ما ذكرنا في عدم جواز ائتمام (1) من شك في صحة صلاة الإمام
- إما لكونه يرى وجوب الاحتياط في المسألة أو لالتزامه بالاحتياط بترك
طريقي الاجتهاد والتقليد - إنما هو في الشبهة الحكمية، التي لا تجري فيها
أصالة الحمل على الصحة، كما لا يخفى على من عرف مدرك هذا الأصل
ومورده.
وأما إذا كان في الشبهة الموضوعية مثل أن يعتقد الإمام دخول الوقت
فيشرع في الصلاة والمأموم شاك في دخول الوقت حين شروع الإمام، لكنه
يتيقن دخوله في أثناء صلاة الإمام، فيجوز له بعد العلم الدخول مع الإمام،
ولا يقدح في ذلك شكه في صحة ما سبق من صلاة الإمام من حيث الشك
في دخول الوقت.
ثم إن هذا كله فيما إذا كان اختلافهما في أجزاء الصلاة وشروطها، وأما

(1) لم ترد " ائتمام " في " ق " و " ن ".
303

إذا كان في الأمور الاتفاقية مثل أن مذهب الإمام أنه إذا سها عن الركوع
فسجد السجدتين فليلق السجدتين ويأتي بالركوع، ومذهب المأموم البطلان،
فالظاهر جواز الاقتداء، لعدم المانع، فإن اتفق فتبطل صلاة المأموم ويفعل
الإمام ما يشاء.
* (و) * من الشرائط الخاصة الذكورية (1)، ويترتب على اشتراطها أنه
* (لا) * تؤم * (المرأة برجل) * بالإجماع المحكي (2) مستفيضا بل الإجماع المحقق،
وبه ينجبر ضعف الأخبار.
وقد يستدل بما دل على مرجوحية محاذاة المرأة للرجل في الصلاة (3)
مع أن الجماعة لازمها المحاذاة أو تقدم الإمام، فالجماعة ملزومة لمحرم أو
مكروه، وهو باطل، أما بناء على تعلق المرجوحية هناك بالصلاة فلا يجامع
استحبابها، وأما بناء على كون المرجوح هو نفس التقدم والمحاذاة فلأن
الجماعة مستلزمة لمرجوح.
ويمكن أن يقال: إن الكراهة المتعلقة بذات الصلاة بمعنى قلة الثواب
لا تنافي استحباب الجماعة. لكن الظاهر أن الأمر بالجماعة المستلزمة
لما يوجب نقص الثواب لا يقع من الشارع.
فالأحسن في دفع هذا الاستدلال وقوع المعارضة بين إطلاقات الجماعة (4)

(1) تعرض المؤلف لهذا الشرط في الصفحة 559.
(2) حكاه الشيخ في الخلاف 1: 548، كتاب الصلاة، المسألة 288، والعلامة في
المختلف 3: 63، والشهيد في الذكرى: 267.
(3) راجع الوسائل 5: 405 و 411، الباب 19 و 23 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل 5: 470، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة.
304

بعد تقييدها باعتبار عدم تقدم المأموم وبين إطلاقات مرجوحية المحاذاة (1)،
فلا بد إما من القول بعدم مشروعية الجماعة أو بعدم قدح تقدم المأموم فيها
أو بعدم مرجوحية المحاذاة في الجماعة، * (و) * لما كانت المرأة * (لا) * تؤم
الرجل الواقعي بناء على اشتراط الذكورية في إمام الرجل الواقعي، فلا تؤم
المرأة * (الخنثى) * المشكل، لاحتمال كونها رجلا. * (ولا) * تؤم * (الخنثى
بالخنثى) * (2) لاحتمال كون الإمام امرأة والمأموم رجلا (3).
[* (وصاحب المنزل والمسجد والإمارة والهاشمي مع الشرائط وإمام الأصل
أولى.
ويقدم الأقرأ مع التشاح، فالأفقه، فالأقدم هجرة، فالأسن، فالأصبح) *] (4).
* (وتؤم المرأة بالنساء) * على المشهور، بل عن الخلاف (5) والتذكرة (6)
ومحكي الغنية (7) وإرشاد الجعفرية (8) وظاهر المعتبر عليه الإجماع (9)، ويظهر
من المنتهى أنه قول من عدا علم الهدى من أصحابنا (10)، والنصوص به

(1) الوسائل 5: 407، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 12 وغيرهما.
(2) في الإرشاد: والخنثى بمثله.
(3) هنا بياض في " ق " بمقدار صفحتين تقريبا، ولعله ترك لشرح ما تبقى من المتن.
(4) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له.
(5) الخلاف 1: 562، كتاب الصلاة، المسألة 313.
(6) التذكرة 4: 236، المسألة 538.
(7) الغنية: 88.
(8) حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 413.
(9) المعتبر 2: 427.
(10) المنتهى 1: 368.
305

مستفيضة (1) معتبرة في أنفسها، لصحة غير واحدة منها، مضافا إلى اعتضادها
بالعمومات عموما وبالإجماعات خصوصا، وبها ترجح على غيرها من
المستفيضة (2) - وفيها الصحيح - الدالة على عدم جواز إمامتها في المكتوبة
المؤيدة بالسيرة المستمرة على التزام ترك الاقتداء، سيما مثل سيدتنا
الزهراء عليها السلام ومن يتلوها من بنات الأئمة عليهم السلام.
وقد تحمل تلك الأخبار على إرادة المكتوبة منها، أعني مثل الجمعة
والعيدين. ولا يخفى بعده.
وقد تحمل الأخبار المانعة على الكراهة.
وقد تحمل على ما هو الغالب في النساء من عدم العدالة وعدم المعرفة
بفقه الصلاة.
وقد عمل بظاهرها جماعة من علمائنا على ما حكي عنهم كالمرتضى (3)
والإسكافي (4) والجعفي (5) والمصنف قدس الله أسرارهم في المختلف (6) والمحقق البهبهاني في
شرح المفاتيح (7).

(1) الوسائل 5: 406، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) راجع الوسائل 5: 406، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر 1: 281.
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف 3: 59.
(5) حكاه عنه المحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 160.
(6) المختلف 3: 60.
(7) مصابيح الظلام (مخطوط) نسخة مكتبة إلهيات طهران: 307، ذيل قول المحدث
الكاشاني: " على المشهور " في المفتاح 181 من مفاتيح الشرائع 1: 160.
306

وبهذا يحصل الوهن في دعوى الإجماع وإن ادعاه غير واحد (1)، مع
معارضتها بعمل السيد بتلك الأخبار الدالة على تواترها عنده وإن كان هذا
موجودا في المقابل من عمل ابن زهرة، لكن الظاهر أن معتمد ابن زهرة
على الإجماع لا الأخبار، فليس في ذلك تقوية لأخبار الجواز مع أن
المصنف قدس سره - مع ما حكي عن تذكرته من دعوى الإجماع على الجواز -
ذهب في المختلف إلى المنع، مع أن أدلة الجواز لا تصريح فيها في خصوص
الفريضة، فتقبل الحمل على النافلة وإن كان تقييدا بالفرد النادر.
لكن العمل على المشهور، لأن أخبار المنع موهونة بفتوى الأكثر على
الخلاف، مرمية بالندور كما في المنتهى (2)، وعن المعتبر (3) موافقته لمذهب أكثر
العامة حيث قالوا بالكراهة كأبي حنيفة (4) ومالك وأحد الروايتين عن
أحمد (5)، ومع تسليم التساقط فيرجع إلى العمومات المعتضدة بغلبة اشتراك
الذكور والإناث.
وأما دعوى السيرة على التزام الترك فممنوعة، وغاية الأمر إنه لم
يسمع وقوع ذلك من أجلة النساء ومن سيدتهن الزهراء صلوات الله عليها مع... (6).

(1) تقدم ذكر الإجماع في الصفحة 305.
(2) المنتهى (الطبعة الحجرية) 1: 368.
(3) المعتبر 2: 427، ولم نعثر على من نسب الكراهة إليه بل في المعتبر أنه مستحب.
(4) حكاه عنه ابن حزم في المحلى 3: 135، المسألة 491.
(5) حكاه عنهما ابن قدامة في المغني 2: 202.
(6) هنا ينتهي ما في " ق "، وبعده بياض بمقدار ورقة، وقد أشار إلى ذلك أيضا ناسخا
" ن " و " ط " في الهامش.
307

[* (ويستنيب المأمومون لو مات الإمام أو أغمي عليه) *] (1).
* (ويكره) * أي يكون أقل ثوابا من الائتمام بغيره، كما عن المحقق
الثاني في حاشية الإرشاد (2)، فلا يتعلق بنفس الصلاة * (أن يأتم حاضر
بمسافر) *، وكذا العكس، لموثقة البقباق المحكية عن التهذيب: " لا يأتم
الحضري بالمسافر ولا المسافر بالحضري، فإن ابتلي بشئ من ذلك فأم قوما
حاضرين، فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم " (3)
ومصححة أبي بصير: " لا يصلي المسافر مع المقيم، فإن صلى فلينصرف في
الركعتين " (4) وعن الفقيه أنه روى " أنه إن خاف على نفسه من أجل من
يصلي معه صلى الركعتين الأخيرتين وجعلها تطوعا " (5).
قيل (6): وفي رواية البقباق داود بن الحصين، وحكي عن الشيخ أنه
قال: إنه واقفي (7)، وكذا عن ابن عقدة (8)، لكن وثقه النجاشي (9) من غير

(1) أوردنا ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف له فيما بأيدينا من النسخ.
(2) لم نقف عليه.
(3) التهذيب 3: 164، الحديث 355، والوسائل 5: 403، الباب 18 من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 6.
(4) الوسائل 5: 403، الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(5) الفقيه 1: 398، الحديث 1182، الوسائل 5: 454، الباب 53 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 7.
(6) قاله السيد العاملي في المدارك 4: 365.
(7) رجال الطوسي: 349.
(8) حكاه عنه العلامة في رجاله: 221.
(9) رجال النجاشي: 159، الرقم 421.
308

تعرض لمذهبه الظاهر في إماميته. وعن المدارك (1) أن الظاهر إن اعتماد الشيخ
فيما قاله على ابن عقدة، وابن عقدة زيدي جارودي مات على ذلك كما
قيل (2)، فلا يعارض قوله - وإن كان صريحا في واقفية داود - قول النجاشي
وإن كان ظاهرا في إماميته.
وعن الفقه الرضوي: " واعلم أن المقصر لا يجوز له أن يصلي خلف
المتم، ولا يصلي المتم خلف المقصر، وإن ابتليت بقوم لم تجد بدا من أن تصلي
معهم فصل ركعتين وسلم وامض لحاجتك "... إلى أن قال: " وإن كنت
صليت خلف المقصر فصل معه ركعتين، فإذا سلم فقم وأتمم صلاتك " (3).
وخالف في المسألة علي بن بابويه قدس سره على ما حكي عنه، فمنع من
ائتمام كل منهما بالآخر (4)، ولا مستند له ظاهرا عدا صدر موثقة البقباق
والرضوي، ولا يخفى دلالة ذيلهما على الجواز، لكن صريح الرضوي تقييد
الجواز بالضرورة في الصورتين، وظاهر الموثقة تقييد جواز إمامة المسافر
بالضرورة، ولعل ذلك مما يقول به الشيخ الأجل المذكور.
وكيف كان، فالأقوى ما ذهب إليه المشهور من الجواز، للأخبار
الكثيرة الصريحة في الجواز، وليس موثقة البقباق ذيلها صريحة في التقييد
بالضرورة، لأن قوله " ابتلي " أي اتفق له ذلك، ووجه التعبير بالابتلاء أنه

(1) المدارك 4: 365.
(2) قاله النجاشي في رجاله: 94، الرقم 233.
(3) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 163، ومستدرك الوسائل 6: 466،
الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) حكاه عنه العلامة في المختلف 3: 62.
309

لا ينبغي له أن يطلب من المقيمين الإتيان بالمكروه وهو الاقتداء، فإن اتفق
أنهم التمسوا منه الإمامة وأقدموا على هذا المكروه فليفعل كذا وكذا.
ثم إن مصححة أبي بصير لا يبعد حملها على التقية من جهة أن بناء
جمهور العامة على أن المسافر إذا صلى خلف المقيم يجب عليه التمام (1)،
فنهى عليه السلام عن الاقتداء خلف المقيم حذرا من الوقوع في خلاف التقية
لو سلم في الركعتين وفي بطلان الصلاة لو أتم مسافرا. ويرشد إليه ما تقدم (2)
من المرسلة المحكية عن الفقيه الآمرة بجعل الركعتين الأخيرتين تطوعا مع
الخوف من الإمام أو الجماعة الذين يصلون معهم.
ومن هنا يظهر أن وجه الأمر في الأخبار (3) المجوزة لصلاة المسافر
خلف المقيم - بجعل ما يصلي مع الإمام من الركعتين الأخيرتين سبحة أو
نافلة - هو مراعاة التقية وعدم إبطال الصلاة بالإتمام، وحينئذ فيحتمل حمل
النهي عن الائتمام بالمقيم في الموثقة على التقية أيضا، بل وفي الرضوي
أيضا (4).
ولا ينافي ذلك تضمنه للأمر بصلاة ركعتين والتسليم والانصراف،
لاحتمال أن يراد من الركعتين ركعتان أخريان بعد الفريضة المقصورة.
ويؤيد ذلك - مضافا إلى تنكير لفظ ركعتين - أنه لولا ذلك لم يناسب
أن يعلق هذا الحكم على الاضطرار حيث قال: " فإن ابتليت بقوم لم تجد بدا

(1) كما في المغني، لابن قدامة 2: 286.
(2) راجع الصفحة 308.
(3) راجع الوسائل 5: 402، الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) راجع الصفحة 309.
310

من أن تصلي معهم فصل ركعتين وسلم وانصرف " (1).
لكن الإنصاف أن الموثقة آبية عن الحمل على التقية، لمنافاة ذيلها
للتقية حيث دل على وجوب تسليم المسافر خلف المقيم في الركعتين.
ثم إن الكراهة مختصة بالصلاة المقصورة، فلو أتم المسافر لكونه في
أحد المواطن أو لفقد شروط القصر أو صلى القضاء تماما أو اقتدى في
الثنائية والثلاثية فالظاهر عدم الكراهة، لانصراف الأدلة إلى غير ذلك.
وهل يتسامح باحتمال عدم الانصراف بناء على ثبوت التسامح مع
إجمال الدلالة لأجل حكم العقل بجلب المنفعة المحتملة وإن لم تدل أخبار
التسامح على الاستحباب في هذا القسم؟ الظاهر لا، لعدم كون هذا الاحتمال
احتمالا معتدا به يعتمد عليه العقل، فتبقى عمومات أدلة استحباب التسامح
سليمة.
واعلم أن ظاهر الروايات المجوزة للائتمام خلف المقيم دلت على
التسليم في الركعتين، ومقتضاها عدم استحباب الانتظار إلى أن يتم الإمام
بل عدم جوازه.
خلافا للمحكي عن جماعة من المتأخرين كالفاضل (2) والشهيدين (3)
ونحوهم حيث أجازوا الانتظار حتى يتم الإمام فيسلم بهم، بل عن
الشهيدين سراية الحكم إلى المأموم الناقص صلاته عن صلاة الإمام كمن
يصلي الصبح بعشاء الإمام (4)، ولعل مستندهما عموم استحباب الجماعة
وكراهة مفارقة الإمام وحمل الأخبار السابقة الآمرة بالتسليم على عدم

(1) راجع الصفحة 309.
(2) التذكرة 4: 274 - 275.
(3) البيان: 237، وروض الجنان: 374.
(4) البيان: 237، وروض الجنان: 374.
311

جواز إتمام المأموم المسافر تبعا لإمامه المقيم، ردا لما عليه عامة العامة
العمياء من وجوب المتابعة كما في المنتهى (1) في باب صلاة المسافر.
وحينئذ فلا يبعد الحكم باستحباب الانتظار، إما لعمومات استحباب
الجماعة المستلزم لاستحباب إبقائها كابتدائها، وإما لفتوى مثل الجماعة بعد
عدم دلالة العمومات السابقة الآمرة بالتسليم (2) على بيان عدم جواز القيام
مع الإمام إلى الركعة الثالثة والرابعة، لا وجوب التسليم في مقابل عدم جواز
الانتظار، لعدم فورية التسليم إجماعا على الظاهر، واغتفار السكوت الطويل
في الجماعة، مع إمكان اعتبار الاشتغال بالذكر والدعاء حتى يتم الإمام.
إلا أن يقال باستلزام ذلك محو صورة الصلاة، للفصل الطويل بين
التشهد والتسليم، سيما إن قلنا بانتظارهم للإمام في التشهد أيضا.
ومما ذكرنا يظهر فيما (3) حكي عن الروض (4) وغيره (5) من أنه يستحب
للإمام أن ينتظر تمام صلاة المأمومين إلى أن يفرغوا فيسلم بهم.
وقد ناقش في الحكمين غير واحد (6)، لعدم الدليل، وتوقيفية العبادة،
مضافا في الثاني إلى رواية البقباق المتقدمة (7) الدالة على تسليم الإمام في

(1) المنتهى 1: 399، وانظر المغني، لابن قدامة 2: 284.
(2) راجع الصفحة 309.
(3) كذا، وفي مصححة " ط ": ما.
(4) روض الجنان: 374.
(5) كما في البيان: 237.
(6) كالمحقق السبزواري في الذخيرة: 399، والمحدث البحراني في الحدائق 11: 152.
(7) المتقدمة في الصفحة 308.
312

الركعتين واستخلافه لغيره، فتأمل.
* (و) * يكره أيضا * (استنابة المسبوق) *، لأدائه إلى مفارقة الجماعة،
وللأخبار أيضا (1)، وروي أنه لا ينبغي أن يستناب إلا من شهد الإقامة (2).
* (و) * كذا يكره * (إمامة الأجذم والأبرص) * على المشهور بين
المتأخرين، وعن الانتصار دعوى الإجماع (3)، وبها مضافا إلى عمومات
الاقتداء بمن يوثق بدينه وأمانته (4) وبالأقرأ (5)، وخصوص الرواية المحكية عن
المحاسن - عن الحسين بن أبي العلاء قال: " سألته عن المجذوم والأبرص
يؤمان المسلمين (6) قال: نعم، قلت: هل يبتلي الله بهما المؤمن؟ قال: نعم،
وهل كتب الله البلاء إلا على المؤمن " (7) ونحوها رواية عبد الله بن يزيد (8) -
يحمل ما ورد في الأخبار المعتبرة من المنع عن إمامتهما (9) على الكراهة، وإن
بعد من أجل ضمهما إلى من لا تصح إمامته إجماعا.

(1) الوسائل 5: 437، الباب 40 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل 5: 438، الباب 41 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الإنتصار: 158.
(4) راجع الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) انظر الوسائل 5: 419، الباب 28 من أبواب صلاة الجماعة.
(6) في مصححة " ط ": السليمين.
(7) المحاسن 1: 326، الحديث 76، والوسائل 5: 399، الباب 15 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 4.
(8) الوسائل 5: 399، الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(9) راجع الوسائل 5: 99، الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة.
313

خلافا للمحكي عن الشيخ (1) والسيد (2) في بعض أقوالهما فمنعا عن
إمامتهما، لتلك الأخبار، وعن الخلاف دعوى الإجماع (3). ولو تكافأت الأدلة
تعين الرجوع إلى العمومات.
وهل يكره إمامتهما لمثلهما؟ الظاهر نعم، للعموم.
* (و) * كذا يكره إمامة * (المحدود) * عن فسق * (بعد توبته) *، لسقوط
محله عن القلوب. وقد ورد النهي عن إمامته في غير واحد من الأخبار (4)
المعتبرة، وتحمل على ما قبل التوبة، لإردافه بمن لا يصح الاقتداء به، فيبعد
حمل النهي على الكراهة، وحينئذ فتخلو الكراهة عن المستند، ويكتفى فيها
بفتوى الجماعة، للتسامح.
إلا أن تمسكهم بنقص رتبته يوهن كونه منشأ للتسامح، إذ يعتبر في
الفتوى احتمال استنادها إلى الرواية، لا إلى الوجه الاعتباري، مع انتقاضه
بإمامة الكافر بعد الإسلام مع أنهم لم يقولوا بكراهة إمامته.
نعم يمكن أن يحكم بالكراهة، لأجل احتمال عموم الروايات، وفتوى
أبي الصلاح بالمنع (5)، مستندا (6) إلى ظاهر تلك العمومات.
* (و) * كذا يكره إمامة * (الأغلف) * إذا تعذر عليه الختان، لبعض

(1) النهاية: 112.
(2) حكاه عنه المحقق في المعتبر 2: 442.
(3) الخلاف 1: 561، كتاب الصلاة، المسألة 312.
(4) راجع الوسائل 5: 399، الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة وغيرها.
(5) الكافي في الفقه: 143 - 144.
(6) كذا، ولعل الأصح: مستند.
314

الأخبار (1)، وفي بعضها تعليل عدم إمامته بأنه ضيع من السنة أعظمها (2)،
وهو يدل على إرادة القادر على الاختتان.
وقد يستدل لمنع إمامته بكونه حاملا للنجاسة (3) التي تبقي في الغلفة،
وفيه نظر لا يخفى.
* (و) * كذا تكره إمامة * (من يكرهه المأمومون (4)) *، للأخبار (5) أيضا،
وعد في بعضها من الذين لا تقبل لهم صلاة (6). وفي المنتهى: إن كراهة
المأموم إياه لا توجب الكراهة، إذ الإثم على من يكرهه (7).
* (و) * كذا يكره إمامة * (الأعرابي بالمهاجرين) *، للأخبار الكثيرة (8).
قيل: والمراد بالأعراب سكان البوادي (9)، وفي بعضها تعليل النهي بكونهم
من أهل الجفاء في الوضوء والصلاة (10)، وهو مستند الكراهة، مضافا إلى
إمكان حمل سائر الأخبار عليها وإن بعد.

(1) انظر الوسائل 5: 396 و 397، الباب 13 و 14 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) راجع الوسائل 5: 396، الباب 13 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) حكاه السيد العاملي في حواشي الشهيد في مفتاح الكرامة 3: 471.
(4) في الإرشاد: المأموم.
(5) راجع الوسائل 5: 417، الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة.
(6) راجع الوسائل 5: 417 - 418، الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة،
الأحاديث 1، 3 و 6.
(7) المنتهى 1: 374.
(8) راجع الوسائل 5: 399، الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة.
(9) قاله جماعة منهم الشهيد في المسالك 1: 318.
(10) راجع الوسائل 5: 398، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9.
315

وفي بعض الأخبار تخصيص النهي بإمامة المهاجرين (1)، ولا يبعد
دعوى تبادر هذا أيضا من الباقي، فالحكم بالكراهة لمثلها مشكل، إلا أن
يكتفى فيها بمجرد احتمال العموم.
* (و) * كذا يكره أن يؤم * (المتيمم) * عن الحدث الأصغر أو الأكبر
عن * (المتوضئين (2)) * أي المتطهرين مطلقا، والتعبير بالمتوضئين تبعا
للنص (3).
ووجه الكراهة بعض الأخبار الناهية (4)، ووجه الصحة العمومات، لأن
المفروض صحة صلاة المتيمم واقعا وإن كان اضطراريا.
وقد تقدم في مسألة اقتداء القائم بالقاعد (5) ما يدل على أنه لا يقدح
اختلاف الإمام والمأموم في الحكم الواقعي من جهة الاختيار والاضطرار،
مضافا إلى خصوص غير واحد من النصوص مثل مصححة جميل " في إمام
قوم أجنب وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل، ومعهم ما يتوضأون به،
أيتوضأ بعضهم ويؤمهم؟ قال: لا، ولكن يتيمم الإمام ويؤمهم، فإن الله
جعل الأرض طهورا " (6)، ونحوها مع التجرد عن التعليل موثقة ابن بكير (7)

(1) راجع الوسائل 5: 400، الباب 15 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(2) في الإرشاد: بالمتوضئين.
(3) راجع الوسائل 5: 401، الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل 5: 402، الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة، الأحاديث 5، 6 و 7.
(5) تقدم في الصفحة 277.
(6) الوسائل 5: 401، الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(7) الوسائل 5: 401، الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
316

ورواية أبي أسامة (1) وغيرهما.
والظاهر أن التعليل المذكور في المصححة لصحة الاقتداء، لا لأصل
وجوب التيمم على الإمام، لأن السؤال إنما هو عن ذلك، لا عن حكم
الإمام من حيث تكليف نفسه، كما لا يخفى، فيستفاد منه - بمعونة ما ثبت عند
المعظم من أن التيمم طهور، بمعنى أنه مبيح للدخول في العبادة المشروطة
بالطهارة، لا أنه رافع للحدث - صحة الاقتداء بكل من جعل في حكم
الطاهر وأبيح له الدخول في الصلاة، فيصح اقتداء المرأة الطاهرة بالمستحاضة
إذا فعلت ما يجب عليها للعبادة، والصحيح بالسلس والمبطون، والطاهر بمن
على ثوبه أو بدنه نجاسة لا يقدر على إزالتها، كما صرح بجميع ذلك في
المنتهى (2).
لكن ينافيه حكمه فيه بعدم جواز اقتداء المتطهر بفاقد الطهورين إذا
قلنا بوجوب الصلاة عليه، ولعله لملاحظة مفهوم العلة الدالة على أن الحكم
بجواز الاقتداء بالمتيمم لأجل أنه مستعمل للطهور، فدل بمفهوم التعليل على
أن من لم يستعمل الطهور لا يجوز الاقتداء به سواء كان مختارا أو مضطرا
كفاقد الطهورين.
وفيه: أن المستفاد من التعليل هو أن الحكم بجواز الاقتداء لأجل أن
الشارع أباح له الدخول في الصلاة، فيجوز له الاقتداء بكل من يجوز له
الدخول في الصلاة، ومنه الفاقد بعد فرض وجوب الصلاة عليه.
* (ولو علم المأموم) * - بعد ما صلى خلف من كان في نظره بعد

(1) الوسائل 5: 402، الباب 17 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(2) المنتهى 1: 373.
317

الاجتهاد عادلا مسلما متطهرا - * (فسق الإمام أو كفره أو حدثه بعد الصلاة) *
أجزأه و * (لم يعد) * على المشهور، لقاعدة الإجزاء بالنسبة إلى أصل الصلاة،
بل بالنسبة إلى الجماعة أيضا كما سيأتي، وللأخبار المستفيضة (1) في كل من
مسألتي الكفر والحدث، ويلحق بالكفر مطلق الفسق بالإجماع المركب القطعي
والأولوية القطعية، من جهة أن الكفر أعظم أنواع الفسق، ومن جهة أن
الكفر والحدث موجبان لفساد الائتمام وفساد صلاة الإمام، والفسق ليس
موجبا للأخير فهو أولى، لكن الأولوية على الوجه الأول، وعلى الوجه
الثاني ظنية.
ومما ذكرنا يعلم الحكم فيما لو ظهر بطلان صلاة الإمام لأجل تعمد
النجاسة أو نسيانها، لأن الكافر لا يخلو عنها.
وكذلك لو ظهر انحراف الإمام عن القبلة أو لاستصحاب غير المأكول
أو لعدم السجود على ما يصح عليه أو لغير ذلك كل ذلك للأولوية بالنسبة
إلى الكفر والحدث، مضافا إلى العلة المنصوصة في قوله عليه السلام: " فيمن صلى
بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء، قال: يتم القوم صلاتهم، فإنه
ليس على الإمام ضمان " (2) فإن معناه أن الإمام ليس بضامن ومتحملا لصلاة
المأموم بحيث يكون فساد صلاته موجبا لعدم براءة ذمة المأموم من جهة أن
من يتحمل عنه لم تصح صلاته، بل كل منهما يؤدي ما عليه على حسب
تكليفه، وهذه علة عامة في جميع موارد بطلان صلاة الإمام، فتأمل، فإنه
يمكن حمل التعليل على غير هذا المعنى، كما لا يخفى.

(1) الوسائل 5: 433 و 435، الباب 36 و 37 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل 5: 433، الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
318

ويؤيد ما ذكرنا أيضا العلة المنصوصة في المصحح " في الأعمى يؤم
القوم وهو على غير القبلة، قال: يعيد ولا يعيدون لأنهم قد تحروا " (1) دل
على أن تحريهم وامتثالهم لمقتضى (2) تكليفهم كاف في صحة صلاتهم،
ولا يضرهم بطلان صلاة الإمام.
ثم إنه بعد ما حكمنا بصحة الصلاة فهل تصح الجماعة أم لا؟ وتظهر
الثمرة في العبادة المشروطة بالجماعة كالجمعة والعيد والمعادة والمنذورة جماعة.
الأقوى صحة الجماعة، لأن الظاهر أن صحة صلاة الإمام من
الشروط العلمية للجماعة، لا الشروط الواقعية، إذ لم يستفد اشتراطها إلا من
الإجماع، والمتيقن منه هو اعتبار أن لا يعلم المأموم حين الاقتداء بفسادها.
وهذا دليل آخر على صحة الصلاة، لأن صحة الجماعة مستلزمة لصحة
الصلاة، ولا رافع لهذه القاعدة إلا المحكية عن الدعائم عن علي عليه السلام في
قصة صلاة عمر بالناس جنبا وحكمه عليه السلام بوجوب الإعادة عليه وعليهم
وعلله عليه السلام بقوله: " لأن الناس بإمامهم يركعون ويسجدون، فإذا فسد
صلاة الإمام فسد صلاة المأموم " (3) فإن ظاهرها يدل على فساد الصلاة
المستلزم لفساد الجماعة. وما يتخيل من أن انكشاف بطلان صلاة الإمام
يرجع إلى انكشاف كون ما صلاه غير الصلاة الواقعية، فإذا لم يكن ما فعله
صلاة لم يتحقق الجماعة، لأنها من صفات الصلاة، وحيث لا صلاة

(1) الوسائل 5: 436، الباب 38 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(2) في " ط ": بمقتضى.
(3) دعائم الإسلام 1: 152، ومستدرك الوسائل 6: 485، الباب 32 من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 2.
319

فلا جماعة. وهذا الوجه إنما يوجب بطلان الجماعة لا بطلان صلاة المأموم،
لأن غاية ما ثبت اعتباره في صحة صلاة المأموم هو عدم العلم بفساد صلاة
الإمام.
ولكن كلا الوجهين ضعيفان: أما الرواية فلضعفها الخالي عن الجابر،
وأما الوجه المذكور فلمنع كون الجماعة بالنسبة إلى المأموم مشروطة بتحقق
الصلاة الواقعية، بل يكفي فيها عدم العلم بكونها غير الصلاة الواقعية وكونها
من صفات الصلاة الواقعية بالنسبة إلى الإمام، ولا كلام في بطلان صلاته
فضلا عن جماعته، وأما المأموم فلما كان ما صلاه صلاة واقعية بالفرض،
إذ الكلام في هذا الوجه في بطلان جماعة المأموم وصحتها، وأما صحة أصل
صلاته فمفروغ عنها في هذا الوجه.
إلا أن يقال: إن تحقق الجماعة يتوقف على كون ما يأتي به كل من
الإمام والمأموم صلاة واقعية، فإذا انكشف كون أحدهما - أعني فعل الإمام -
غير الصلاة الواقعية انكشف عدم تحقق الجماعة، كما أنه لو انكشف فساد
صلاة المأموم مع انحصاره انكشف فساد جماعة الإمام وإن صحت صلاته.
ثم إنه قد يناقش في قاعدة الإجزاء بالنسبة إلى صحة صلاة المأموم
مع تبين حدث الإمام، نظرا إلى أن المتيقن من أدلة سقوط القراءة وعدم
بطلان الصلاة بزيادة الركن للمتابعة صورة صحة صلاة الإمام واقعا، وأن
مقتضى الأصل الاقتصار في السقوط وفي زيادة الركن لإدراك المتابعة على
الاقتداء بمن يصلي الصلاة الواقعية، ولا يكفي فيه عدم العلم بالفساد، وفرق
بين هذه المسألة ومسألة تبين الكفر والفسق، [إذ] أن (1) مقتضى الأصل في

(1) في مصححة " ط " بدل " أن ": " إذ "، والأنسب ما أثبتناه.
320

الأولى هو عدم السقوط إلا مع صحة صلاة الإمام واقعا، فإذا انكشف فساد
صلاة الإمام واقعا انكشف عدم سقوط القراءة عن المأموم واقعا، فيجب
عليه الإعادة، وأما في المسألتين الأخيرتين فالأصل وإن كان يقتضي ذلك
إلا أن الأدلة قامت على الاكتفاء في صحة الاقتداء المستلزم للسقوط بمجرد
الوثوق بالدين والأمانة (1) المتحقق فيمن تبين كفره أو فسقه، فإن الشرط
وهو الوثوق بدينه وأمانته حين الصلاة حاصل لم يتخلف، فثبت أن الكفر
والفسق شرطان علميان.
أقول: أولا: إن التعويل على أصالة الصحة في فعل الإمام وهو
الدخول مع الطهارة بحكم الشارع يوجب ترتب جميع آثار الجماعة،
ولا يرفع اليد عنها بظهور الخلاف، لما ثبت من أن إتيان المأمور به بالأمر
الظاهري الشرعي موجب للإجزاء ولو بعد كشف الخلاف.
وثانيا: إن مقتضى إطلاقات الجماعة من حيث عموم الإمام هو صحة
الجماعة مطلقا، خرج منه من علم حين الاقتداء بفساد صلاته وبقي الباقي.
وحاصل ذلك: ما أسلفنا سابقا من أن صحة صلاة الإمام من الشروط
العلمية للجماعة لا الشروط الواقعية، فتأمل.
وثالثا: إن قضية ما ذكره - لو سلم - يستلزم فساد الاقتداء، وهو
لا يستلزم بطلان أصل الصلاة مطلقا، بل لا بد من تقييده بما إذا لم يوجد
ما يوجب بطلان صلاة المنفرد من الإخلال بالقراءة أو زيادة الركن لأجل
المتابعة أو رجع إلى الإمام في الشك الذي يوجب بطلان صلاة المنفرد، كما
تقدم في مسألة ما لو تداعيا في الإمامة والائتمام (2). مع أنه يمكن الخدشة في

(1) راجع الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) انظر الصفحة 401 و 526.
321

البطلان بمجرد الإخلال بالقراءة، نظرا إلى عموم قوله: " لا تعاد الصلاة
إلا من خمسة " (1)، وبمجرد الزيادة في الركن مع إذن الشارع فيه وأمره به،
وبالشك الموجب لبطلان صلاة المنفرد مع تكليفه حين الشك بالبناء على قول
الإمام وعدم وجوب الاستئناف عليه في ذلك الزمان ووجوب الإتمام عليه.
لكن هذا كله مشكل، بل المتحقق أنه مع بطلان الجماعة يراعى في
صحة صلاة المأموم عدم وقوع ما يبطل صلاة المنفرد.
وخالف في المسائل الثلاث السيد والإسكافي فأوجبا الإعادة على
ما حكي عنهما (2)، لكن عن المنتهى (3) والمختلف (4) عدم نسبة الخلاف في مسألة
الحدث إلى السيد.
وكيف كان، فمستند السيد على ما ذكر له هو فساد صلاة المأموم.
ولا يخفى أنه مصادرة ورواية إسماعيل بن مسلم الآتية (5)، ولو سلم عمومها
وجب تخصيصها بأخبار المختار وحملها على صورة العلم بكونه مخالفا قبل
الاقتداء.
وعن الصدوق عن بعض مشائخه الإعادة فيما لا يجهر فيه دون
ما يجهر (6).

(1) الوسائل 4: 1241، الباب الأول من أبواب قواطع الصلاة، الحديث 4.
(2) حكاه عنهما السيد الطباطبائي في الرياض 4: 354.
(3) المنتهى 1: 370.
(4) راجع المختلف 3: 70.
(5) ستأتي في الصفحة 324.
(6) الفقيه 1: 405، ذيل الحديث 1201.
322

ويرد القولين الروايات المتقدمة، فإن صحيحة ابن أبي عمير الواردة
في قوم خرجوا من خراسان وكان يؤمهم رجل، فلما صاروا إلى الكوفة
علموا أنه يهودي، فقال عليه السلام: " لا يعيدون " (1) كالصريحة في عدم وجوب
الإعادة في الصلاة الإخفاتية.
ثم إنك قد عرفت أن مقتضى القاعدة - المستفادة من أصالة الإجزاء
وتنقيح المناط والأولوية والتعليلين المتقدمين في الروايتين (2) - هو عدم بطلان
صلاة المأموم بفساد صلاة الإمام.
وهل يلحق بكفر الإمام وفسقه سائر شرائط الإمام في صحة الصلاة
بانكشاف فقدان بعضها، أم يقتصر على مورد النص؟ الأقوى الإلحاق،
لقاعدة الإجزاء والأولوية حيث إن الإسلام بالمعنى الأخص من شروط
صحة الصلاة وصحة الاقتداء، وأما غيره عدا الجنون فهو من شروط صحة
الاقتداء، مضافا إلى إمكان استفادة ذلك من التعليل المتقدم بأنه ليس على
الإمام ضمان (3).
واعلم أن بعض من ناقش في أصالة الإجزاء في مسألة تبين الحدث
اعترف بها في الكفر والفسق، لما ذكرنا عنه سابقا من أن ظاهر مثل
قوله عليه السلام: " صل خلف من تثق بدينه وأمانته " (4) كون الإيمان والعدالة من

(1) الوسائل 5: 435، الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) تقدمتا في الصفحة 318 و 319.
(3) راجع الصفحة 318.
(4) الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
323

الشروط العلمية لا الوجودية (1)، حيث علق الاقتداء على الوثوق بهما
لا على وجودهما في نفس الأمر (2).
وفيه: إن الظاهر أن الخبر في مقام بيان طريق الدين والإثبات (3)،
لا في مقام أن الشرط هو نفس الوثوق لا نفس الدين والأمانة الواقعيين،
فهذا الخبر أيضا بمنزلة أصالة الحمل على الصحة، التي دلت على الإذن في
الاقتداء خلف من اعتقد صحة صلاته ثم تبين فساده، وكما أنه قيد الاقتداء
بصحة الصلاة الواقعية كذلك قيد بالإيمان والعدالة الواقعيين في رواية إسماعيل
ابن مسلم عن الصادق عليه السلام " عن الصلاة خلف رجل يكذب بقدر الله،
قال: ليعد كل صلاة صلاها خلفه " (4)، إلى غير ذلك مما دل على أنهم بمنزلة
الجدر (5) في جواب من سأل عن الصلاة خلف المخالفين، وقوله: " لا تعتد
بالصلاة خلف الناصب " (6)، وغيرهما (7).
والحاصل: أن الرواية المذكورة (8) إنما وردت في مقام بيان اشتراط
الوثوق وعدم جواز الاقتداء بالمجهول وأنه لا بد من طريق ولو ظنيا إلى
عدالة الشخص، كما لا يخفى.

(1) في النسخ: الوجود.
(2) راجع الجواهر 14: 10.
(3) في هامش " ن " و " ط ": والأمانة - ظاهرا -.
(4) الوسائل 5: 436، الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(5) الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(6) الوسائل 5: 389، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(7) راجع الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة.
(8) تقدمت في الصفحة السابقة.
324

كما يشهد له ما رواه الكشي (1) على ما حكاه في الحدائق (2) عن يزيد
ابن حماد عن أبي الحسن عليه السلام قال: " قلت له: أصلي خلف من لا أعرف؟
قال: لا تصل إلا خلف من تثق بدينه " (3).
وهل يلحق بشروط الإمام سائر شروط الجماعة من القرب والمشاهدة
وعدم العلو أم لا؟ أم يفصل بين ما دل دليله على كونه من الشرائط
الوجودية - مثل اشتراط المشاهدة المستفاد من قوله عليه السلام: " وإن كان
بينهم سترة أو جدار فليس ذلك لهم بإمام " (4) - وبين ما لم يستفد إلا كونه
من الشرائط العلمية - مثل القرب وعدم العلو المستفادين من الإجماع -
فيحكم في الأول بالفساد وفي الثاني بالصحة إلا إذا انتفى بانتفائه أصل
الجماعة كالبعد المفرط، فإنه داخل فيما سيجئ حكمه من صورة انكشاف
عدم الجماعة رأسا؟
الأقوى عدم اللحوق إلا إذا قلنا في المسألة الآتية (5) باللحوق، وهي
ما إذا تبين عدم الجماعة، كما إذا اقتدى بمن يعتقد أنه إمام فبان جدارا
أو مأموما أو آتيا بصورة الصلاة أو اقتدى بشخص على أنه زيد فبان
عمروا مع عدالة عمرو أو فسقه، وهكذا. ومقتضى القاعدة هنا عدم
الإجزاء، نظرا إلى أن دخوله ابتداء في الجماعة ليس بأمر الشارع، وإنما هو

(1) رجال الكشي 2: 787، الرقم 950.
(2) الحدائق 10: 6.
(3) الوسائل 5: 395، الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 5: 460، الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(5) تأتي في الصفحة 331.
325

مقتضى (1) اعتقاده المخالف للواقع، فهو معتقد لكونه مأمورا بالجماعة، لا أنه
مأمور بها من الشارع.
إلا أن هنا بعض الأخبار القابلة لأن يستفاد منه صحة الصلاة.
منها: المصحح المتقدم، أعني قوله عليه السلام: " ما هم عندي إلا بمنزلة
الجدر " (2) وقوله: " إقرأ خلف الناصب كأنك وحدك " (3) حيث إنه دل على
أنه لا فرق بين كون الإمام مخالفا وبين أن لا يكون إمام.
وحاصله: أن وجود الإمام المخالف لا يتفاوت مع عدم الإمام أصلا،
ولا يترتب على وجوده في نظر الشارع حكم شرعي، ومن المعلوم أنه إذا
تبين كون الإمام مخالفا صحت الصلاة، للإجماع المركب، والأولوية بالنسبة
إلى تبين كونه يهوديا، فإذا تبين عدم الإمام فإما أن نقول حينئذ بالصحة،
وإما أن لا نقول بها، فإن قلنا بالصحة فهو، وإلا لزم أن يكون وجود الإمام
المخالف مصححا للصلاة، بخلاف ما لو عدم الإمام رأسا وقد فرض أن
وجود الإمام المخالف كعدمه.
ومنها: مصححة زرارة قال: " قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل دخل
مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها، فأحدث إمامهم فأخذ بيد ذلك الرجل
فقدمه فصلى بهم أتجزيهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟
فقال عليه السلام: لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها
صلاة، بل ينبغي له أن ينويها صلاة، فإن كان قد صلى فإن له صلاة أخرى،

(1) يحتمل في " ق ": بمقتضى.
(2) الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 5: 389، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
326

وإلا فلا يدخل معهم، وقد يجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها " (1) فإن
الظاهر أن السؤال عن إجزاء صلاة القوم بعدما تبين لهم أنه لم ينوها،
ولا ريب أن الصلاة مع عدم نية الصلاة في أفعالها ليست بصلاة، وإنما هي
صورة صلاة، فلم يتحقق أصل الجماعة ومع ذلك حكم بصحة صلاتهم.
ولكن يعارضهما ما دل على أن الرجلين الناويين كل منهما للائتمام
- المنكشف لهما ذلك بعد الفراغ - يجب عليهما الإعادة (2)، لانكشاف كون
إمام كل واحد منهما مأموما، لكن غاية الأمر حينئذ الحكم بالبطلان لأجل
بطلان الجماعة إذا أفضى إلى الإخلال بالقراءة أو عروض ما يبطل صلاة
المنفرد كزيادة الركن أو الشكوك المبطلة، وإلا فلو فرض عدم اختلال
شئ، فالظاهر الصحة، كما لو اقتدى في الأخيرتين مثلا، بل قد يمكن
القول بالصحة وإن لزم الإخلال بأحد الأمور المذكورة، كما تقدم إليه
الإشارة (3).
وربما يؤمي إليه ما في الذكرى حيث قال فيها بعدما حكم بأن الإمام
إذا بان محدثا فسدت الجمعة إن كان متمما للعدد، وإلا صحت، لما سيأتي في
الجماعة، قال: وربما فرق الحكم هنا وهناك، لأن الجماعة شرط في الجمعة ولم
تحصل في نفس الأمر، بخلاف باقي الصلوات، فإن القدوة إذا فاتت فيها
يكون قد صلى منفردا، وصلاة المنفرد هناك صحيحة بخلاف الجمعة (4)، انتهى.

(1) الوسائل 5: 437، الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) تقدمت في الصفحة 325.
(4) الذكرى: 234.
327

نعم، اعترضه في المدارك بأن فوت الجماعة يستلزم بطلان الصلاة، للإخلال
بالقراءة (1).
هذا كله فيما لو تبين اختلال صلاة الإمام أو سائر شروطه أو سائر
شروط الجماعة أو اختل ماهيتها بعد الفراغ، أما لو تبين * (في الأثناء) * (2)
فالظاهر الحكم بالصحة في كل موضع حكم بها بعد الفراغ، والبطلان في
موضع البطلان، وحكم الصلاة بعد بطلان الجماعة ما عرفت من الصحة مع
عدم الإخلال بوظيفة المنفرد والبطلان معه.
ويلزم من قال بالإعادة في المسألة السابقة القول (3) بالإعادة هنا أيضا
إلا أن يفرض بطلان الجماعة في موضع لم يخل المأموم بوظيفة المنفرد فإنه
حينئذ، يمكن أن نقول بالصحة نظرا إلى أن بطلان الجماعة بعد الفراغ يوجب
الإخلال بوظيفة المنفرد، فبطلت الصلاة من هذه الجهة، وأما إذا تبين في
الأثناء مع بقاء محل القيام بوظيفة المنفرد فلا وجه للبطلان.
كما أنه يمكن للقائل بالصحة هناك أن يقول هنا بالفساد ووجوب
الاستئناف: إما لأجل أن الصحة على خلاف الأصل خرج منه التبين بعد
الفراغ وبقي الباقي، وإما لأجل ما في الذكرى (4) والمنتهى (5) ومحكي السرائر (6)

(1) المدارك 4: 42.
(2) في الإرشاد: وفي الأثناء.
(3) " القول " لم يرد في " ق ".
(4) الذكرى: 267.
(5) المنتهى 1: 370.
(6) السرائر 1: 288.
328

من وجود رواية (1) عن الحلبي بوجوب الاستقبال إذا تبين في الأثناء كون
الإمام محدثا، وإما لعدم جواز العدول إلى الانفراد من جهة أن صفة الجماعة
من المقومات.
لكنك خبير بضعف الكل: أما الأول فلما عرفت من أصالة الإجزاء،
ومنها يعلم أن الرواية المذكورة في الذكرى والمنتهى لا تنهض دليلا في
مقابلها، لإرسالها الخالي عن الجابر مع عدم عملهما بمقتضاها، ومعارضتها
لصريح مصححة زرارة فيمن صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه على غير
طهر، قال: " يتم القوم صلاتهم " (2). وأما الثالث فلفسادها على ما سيجئ
من جواز المفارقة اختيارا، مع أنها فيما نحن فيه (3) اضطرارية كموت الإمام
ونحوه.
ثم حيث قلنا بالصحة فإن كان بعد الركوع فلا ريب في إجزاء قراءة
الإمام، كما لا إشكال في وجوبها على المأموم إذا كان قبل شروعه في
القراءة، وأما بعد فراغه عنها وقبل الركوع فهل تجب القراءة بناء على تبين
فسادها قبل فوات محلها أو لا يجب بناء على الاجتزاء بقراءة الإمام ظاهرا،
كما لو كان بعد الركوع، فإن الاجتزاء بها حينئذ ليس لفوات محلها، فإن
فوت المحل مع عدم دليل على الإجزاء يوجب الحكم ببطلان الصلاة، بل
الاجتزاء لأجل كفاية قراءة الإمام الصحيحة ظاهرا قبل تبين حدثه.
والحاصل: أنه إما أن يحكم بصحة الجماعة إلى حين التبين، وإما لا،

(1) راجع البحار 88: 68، ذيل الحديث 19.
(2) الوسائل 5: 433، الباب 36 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(3) لم ترد " فيه " في " ق ".
329

فعلى الأول فلا وجه للقراءة، وعلى الثاني فلا بد من الحكم بالبطلان بعد
فوات المحل، للإخلال بوظيفة المنفرد.
اللهم إلا أن يقال: لعل الوجه في سقوط القراءة بعد فوات محل القراءة
هو انقضاء محل القراءة مع الاجتزاء بظاهر الصحة في قراءة الإمام، لا مجرد
الاجتزاء ولو مع الانكشاف في المحل، لأصالة عدم سقوطها، مع احتمال
تركب وجه السقوط من الصحة الظاهرية وفوات المحل.
لكن هذا الوجه ضعيف بناء على قاعدة الإجزاء، لأنها تقتضيه مع
بقاء وقت الفعل سواء كان من الواجبات المستقلة - ولهذا ينفى الإعادة فيها -
أو من الأجزاء الغير المستقلة. نعم من يعلل الصحة بعد الفراغ بالأخبار
الواردة في المسألة مع مخالفة الصحة لأصل الاشتغال وعدم جريان قاعدة
الإجزاء، فلازمه الحكم هنا بعدم سقوط القراءة لأصالته.
إلا أن بعض من يرى قاعدة الإجزاء في الكفر والفسق - بناء على
ما تقدم منه (1) من أن الإسلام والعدالة من الشروط العلمية تمسكا بقوله:
" صل خلف من تثق بدينه وأمانته " (2) - قد ذهب هنا إلى عدم السقوط
أيضا، وهو مناف لمقتضى مذهبه.
ثم على ما ذكرنا من الاجتزاء بما مضى فلو كان في أثناء القراءة اكتفى
بما قرأ الإمام ويقرأ من موضع التبين.
ولو شك فيما يوجب بطلان صلاة المنفرد، مثل الشك في الثنائية فرجع
إلى الإمام ثم تبين الحدث، فإن كان بعد الانتقال عن محل الشك فالظاهر

(1) تقدم في الصفحة 323 - 324.
(2) الوسائل 5: 388، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
330

الصحة، وإن كان قبله ففي الصحة وجهان: من أنه كلف بالبناء فاقتضى
الإجزاء، ومن أنه حينئذ شاك ومنهي عن المضي في الصلاة مع الشك.
ولو تقدم الإمام سهوا بالركوع فقام ليعود مع الإمام في الركوع فتبين
اختلال الشرط، فإن قلنا: إن الركوع الصلاتي هو الثاني لزم عليه الركوع،
وإن قلنا: إن الثاني لمحض المتابعة لم تجب.
ثم اعلم أن المتيقن - مما ذكرنا من الصحة مع التبين - ما لو كان
الدخول في الصلاة بظن إحراز الشروط، فلو دخل في الصلاة خلف فاقد
الشروط نسيانا ثم تبين الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء فالظاهر بطلان
الجماعة، لعدم تحقق الأمر الشرعي حتى يحكم بالإجزاء.
وكذا لو اشتبه في الموضوع بأن تخيل الإمام ذلك الشخص المعروف
عنده باستجماع الشروط فبان شخصا آخرا متصفا بضده، لأن دخوله حينئذ
في الصلاة بتخيل الأمر، وتخيل الأمر ليس أمرا.
هذا كله مع التبين، أما لو طرأ المانع عن الاقتداء * (في الأثناء) *
فالظاهر * (تعين الانفراد (1)) * وعدم الفساد سواء فات أصل الجماعة أو
شروطها أو شروط الإمام، وفي بعض أخبار الاستخلاف (2) دلالة عليه (3)
[* (وفي الابتداء يعيد صلاته) *].

(1) في الإرشاد: وفي الأثناء يعدل إلى الانفراد.
(2) انظر الوسائل 5: 437، الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليسرى من الورقة 217، وما بين المعقوفتين من
الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا.
331

* (وتدرك الركعة بإدراك) * (1) الإمام في محل تكبير الركوع وإن لم يكبر
إجماعا فتوى ونصا، وبإدراك * (الإمام راكعا) * على الأظهر الأشهر، بل عن
الخلاف: الإجماع عليه (2). بل يمكن تحصيله من إطباق المتأخرين عليه،
بضميمة ما عن الحلي من نسبته إلى ما عدا الشيخ قدس سره من الفقهاء مدعيا
تواتر الأخبار به (3)، مضافا إلى الأخبار المعتبرة المستفيضة في المسألة (4)،
وما ورد في استحباب انتظار الإمام الراكع للمأموم الداخل (5)، وما دل على
رخصة دخول المأموم مع الإمام قبل لحوق الصف إذا وجده راكعا (6)،
وما دل على إجزاء تكبيرة واحدة للإحرام والركوع (7) حينئذ.
خلافا للمحكي عن الشيخين (8) والقاضي (9) فاعتبروا إدراك تكبيرة

(1) لقد كتب المؤلف في أول الصفحة ما يلي: " بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب
العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين
إلى يوم الدين "، وسيتكرر البحث عن هذا الموضوع والفروع التي تليه في الصفحة
421 وما بعدها، وأيضا: 583.
(2) الخلاف 1: 555، كتاب الصلاة، المسألة 298.
(3) السرائر 1: 285.
(4) انظر الوسائل 5: 441، الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) انظر الوسائل 5: 450، الباب 50 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 2.
(6) الوسائل 5: 443، الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة، الأحاديث 1، 2، 3 و 6.
(7) الوسائل 5: 442، الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(8) النهاية: 114، وحكاه السبزواري عن المقنعة: 311، ولكن لم نقف عليه في
المقنعة كما اعترف به السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 128.
(9) المهذب 1: 82.
332

الركوع أي محلها، وإلا فقد لا يكبر الإمام، إما لعدم وجوبها أو للنسيان،
استنادا إلى المستفيضة عن محمد بن مسلم عن الباقر والصادق عليهما السلام (1).
وقريب منها: مصححة الحلبي: " إذا أدركت الإمام قبل أن يركع
الركعة الأخيرة فقد أدركت الجمعة، وإن أدركته بعدما ركع فهي الظهر
أربعا " (2).
وقريب منها: رواية يونس الشيباني المروية في باب الأذان والإقامة
من التهذيب (3)، وهي وإن صح أكثرها سندا ووضحت دلالتها ووافقت
الأصول، إلا أنها لا تقاوم ما تقدم من المستفيضة (4)، بل المتواترة من
وجوه، فلتحمل هي على استحباب عدم الدخول معه في تلك الركعة معتدا
بها.
وقد يجاب عنها بتخصيصها بالأخبار المتقدمة (5). وفيه: أن سوقها في
مقام التحديد يخرجها عن احتمال التخصيص، كما لا يخفى.
ثم على المختار، لو أدرك المأموم هاويا الإمام ناهضا مع اجتماعهما في
حد الركوع، ففيه قولان: من صدق رفع الإمام رأسه، ومن اجتماعهما في
الركوع الشرعي.

(1) الوسائل 5: 440 - 441، الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 4.
(2) الوسائل 5: 41، الباب 26 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(3) التهذيب 2: 282، الحديث 1125، وعنه في الوسائل 4: 635، الباب 3 من
أبواب الأذان والإقامة، الحديث 9.
(4) تقدمت في الصفحة السابقة.
(5) المتقدمة في الصفحة السابقة.
333

أقواهما: الأول، نظرا إلى الأصل، وتحقق رفع الرأس الذي نيط به
عدم الإدراك، وأن عند الرفع يصدق أنه لم يدركه حال الركوع، لأنه خرج
من الركوع الذي هو جزء من الصلاة ودخل في مقدمات غيره، فتأمل.
ولو شك حين تحقق الركوع منه في رفع الإمام رأسه، بنى على عدم
الرفع، كما أنه لو شك حين رفع الإمام رأسه في وصوله إلى حد الركوع بنى
على عدمه.
ولو شك - بعد تحقق الركوع منه ورفع الرأس من الإمام - في اجتماعهما
في الركوع، بنى على عدم تحقق الاجتماع، لتعارض أصالتي عدم الرفع وعدم
الركوع.
ولو شك قبل الدخول في الإدراك، فإن كان شكه مستندا إلى الجهل
بمقدار مكث الإمام في الركوع مع كون زمان إتيانه للأفعال إلى أن يلحق
مقدرا عنده ولو تخمينا، بنى على أصالة عدم رفع رأس الإمام.
وإن كان مستندا إلى الجهل بإتيانه للأفعال مع كون مقدار مكث
الإمام معلوما أو مظنونا عنده، بنى على عدم اللحوق.
وإن كان شكه مستندا إلى الجهل بكلا المقدارين فليس له الدخول،
لتعارض أصالتي عدم إدراكه للركوع حين ركوع الإمام، وعدم رفع الإمام
رأسه حين ركوع المأموم.
ويظهر من بعض جواز الدخول في الصور الثلاث، تمسكا باستصحاب
عدم رفع الرأس، والأقوى: ما قلنا.
وقد يمنع من التعويل في الدخول على الاستصحاب مطلقا، نظرا إلى
أن الاستصحاب لا يجدي في حصول الجزم بإدراك الجماعة المعتبر في النية،
وأما التعويل في بقاء المكلف على شرائط التكليف حتى الفراغ، فليس على
334

الاستصحاب، بل على الاطمئنان العادي، ولو فرض عدمه لم يصح
الدخول، لعدم الجزم كما ذكرنا.
وفيه نظر، فإن المعتبر في النية ليس إلا العزم على أن يأتي من أجزاء
العبادة المنوية وشرائطها بما هو تحت قدرته واختياره، وأما ما لا يكون
بقاؤه وارتفاعه تحت اختياره فلا يعتبر العزم عليه، بل يعتبر اليقين ولو شرعا
بعدم ارتفاعه، فالمعزوم عليه الأمور الاختيارية المتصفة إلى آخر العمل بتلك
الأمور الغير الاختيارية على وجه اليقين العقلي أو ما هو بمنزلته شرعا،
مثلا الواجب على الناوي للصلاة أن ينوي على وجه العزم المؤكد والجزم
المسدد أن يأتي بالأمور الاختيارية المعتبرة في الصلاة شرطا أو شطرا،
وأما تحقق الأمور الغير الاختيارية كبقاء الطهارة والعقل والشعور والسلامة
من الحيض (1) فلا يجب العزم عليها، وإنما يجب العلم بمقارنة الأمور الاختيارية
لها حتى تكون تلك الأمور الاختيارية المعزوم عليها محبوبة للشارع مقربة
منه، فإذا حكم الشارع في مرحلة الظاهر ببقائها وكون (2) الأمور الاختيارية
مقرونة بها وأمرنا بالبناء على ذلك فقد كفينا مؤونة العلم بها.
* (ولا يصح) * الاقتداء * (مع جسم حائل بين الإمام والمأموم الرجل) *
إذا كان بحيث * (يمنع المشاهدة) * (3) بلا خلاف على الظاهر.
ويدل عليه: صحيحة زرارة المروية في الفقيه: " إن صلى قوم وبينهم
وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف كان أهله

(1) في " ن " و " ط " زيادة: والمرض.
(2) يحتمل في " ق ": وبكون.
(3) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 433 و 570.
335

يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى
فليس تلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة
إلا من كان بحيال الباب. قال: وهذه المقاصير لم تكن في زمان أحد من
الناس وإنما أحدثها الجبارون، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها
صلاة " (1)، قال: وقال أبو جعفر عليه السلام: " ينبغي أن تكون الصفوف تامة
متواصلة بعضها إلى بعض لا يكون بينها ما لا يتخطى يكون قدر ذلك
مسقط جسد الإنسان إذا سجد " (2). وقال: " أيما امرأة صلت خلف إمام
وبينها وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة، قال: قلت: فإن جاء
إنسان يريد أن يصلي، كيف يصنع وهي إلى جنب الرجل؟ قال: يدخل
بينها وبين الرجل وتنحدر هي شيئا " (3).
ثم إن جعل الجدار مقابلا للسترة إنما هو باعتبار ذات الساتر، بمعنى
أن الساتر قد يكون جدارا وقد يكون غيره لا باعتبار أصل الستر، فحينئذ
يعتبر في مانعيته الستر كغيره، فالجدار المصنوع من الزجاج بحيث يشاهد
من خلفه لا بأس به على الأقوى، لأنه جسم شفاف كالماء والهواء، نعم
لا عبرة بمشاهدة صورة الإمام المنعكسة في المرآة، ولا يخفى الفرق بينهما.
ولا يقدح أيضا الحائل القصير الذي يمنع المشاهدة حال الجلوس

(1) الفقيه 1: 386، الحديث 1144، وعنه في الوسائل 5: 460، الباب 59 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) الفقيه 1: 386، الحديث 1143، وعنه في الوسائل 5: 462، الباب 62 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) الفقيه 1: 386، الحديث 1144، وعنه في الوسائل 5: 462، الباب 62 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
336

فقط، ولا الشباك على ما نسب إلى معظم الأصحاب (1)، خلافا للمحكي عن
الشيخ في الخلاف (2) فمنع الصلاة خلف الشبابيك، واستند له غير واحد (3) إلى
عموم المقاصير في الصحيحة المتقدمة المعتضدة بدعوى الوفاق في الغنية (4)
والخلاف (5)، وقد يمنع العموم، لأن المقاصير في الصحيحة أشير بها إلى
المقاصير الموجودة في ذلك الزمان، وكونها مشبكة غير معلوم، وهو حسن
لو استند الشيخ إلى عموم المقاصير من حيث الأفراد.
وأما إذا استند إلى إطلاق المقاصير المشار إليها بالنسبة إلى حال
تشبيكها وعدمه، فلا يرد. مع أن الظاهر أن الإشارة إنما وقعت إلى جنس
المقاصير، لا خصوص تلك الموجودة في ذلك الزمان، والفرض أن جنس
المقصورة في المسجد لم يكن متعارفا سابقا، واخترعها الجبارون، وحينئذ
فالضمير في قوله: " لمن خلفها " راجع إلى جنس المقاصير المخترعة.
فالأولى في الجواب عن ذلك: أن الإطلاق المذكور موهون: أولا -
بأن مسألة المقاصير في الصحيحة متفرعة على مسألة الجدار الحائل، وقد
ذكرنا أن المتبادر منه هو الساتر المطلق بحيث لا يرى الإمام أبدا أو في قليل
من الأحوال مثل حال الركوع فقط أو القريب من السجود ونحو ذلك،
وحينئذ فالمراد من المقاصير بقرينة التفريع هي غير المشبكة.

(1) الناسب هو المحدث البحراني في الحدائق 11: 96.
(2) الخلاف 1: 558، كتاب الصلاة، المسألة 305.
(3) انظر مفتاح الكرامة 3: 426.
(4) الغنية: 88.
(5) الخلاف 1: 558، كتاب الصلاة، المسألة 305.
337

ودعوى العكس - بإرادة مطلق الجدار الشامل للشباك بقرينة إطلاق
المقاصير - بعيدة، أولا، لأن لفظ " الستر " أقوى ظهورا في غير الشباك من
شمول إطلاق المقاصير له بعد تسليم الإطلاق، وغير نافعة ثانيا، لأن غاية
الأمر إجمال الصحيحة بالنسبة إلى حكم الشباك، فيرجع فيه إلى الأصل
والعمومات الدالة على صحة الجماعة، فتأمل.
هذا كله على تقدير قول الشيخ ببطلان الصلاة خلف المقاصير المخرمة
وجعلها مع الشبابيك في حكم واحد، وإلا فقد قال في الذكرى: يظهر من
الشيخ في المبسوط وأبي الصلاح عدم الجواز مع حيلولة الشباك، لرواية
زرارة مع اعتراف الشيخ بجواز الحيلولة بالمقصورة المخرمة، ولا فرق
بينهما (1)، انتهى.
وعلى هذا، فلا خلاف في جواز الحيلولة بالمقصورة المخرمة، وإنما منع
الشيخ وتبعه أبو الصلاح في الشباك، وحينئذ فيحتمل أن يراد من الشباك
- كما ذكره بعض (2) -: ما يعمل من القصب ونحوه على نحو عمل الحصر
والبواري، بتشبيك القصب بعضه في بعض، وهذا غالبا مانع عن مشاهدة من
خلفه، ولو كان الشباك مثل المقصورة المخرمة، فلا يظهر من عبارة الشيخ
المحكية عن المبسوط منعه، قال في المبسوط - على ما حكي عنه -: الحائط
وما يجري مجراه مما يمنع من مشاهدة الإمام يمنع من صحة الصلاة والاقتداء
بالإمام، وكذلك الشبابيك والمقاصير تمنع من الاقتداء بإمام الصلاة إلا إذا
كانت مخرمة لا تمنع من مشاهدة الصفوف (3)، انتهى.

(1) الذكرى: 272، وانظر المبسوط 1: 156، والكافي في الفقه: 144.
(2) القاموس المحيط 3: 308، مادة: " شبك ".
(3) المبسوط 1: 156.
338

وكيف كان، فالأقوى عدم البأس بالصلاة خلف الشبابيك المتعارفة في
زماننا.
ثم إن ظاهر إطلاق الصحيحة أن الستر يمنع عن الاقتداء في الابتداء
والأثناء، من غير فرق بين صورتي العلم والجهل، والمانع هو عدم مشاهدة
الإمام ولا المأموم، فحيلولة بعض المأمومين لا يضر إلا إذا علم بطلان
صلاتهم فإنهم حينئذ بمنزلة الجدار.
وهل يشترط أن لا يحرم الصف اللاحق الغير المشاهد للإمام إلا بعد
تحريمة الصف السابق المشاهد لترتفع الحيلولة القادحة أم لا، بل يكفي في
عدم قدح حيلولتهم كونهم قاصدين للاقتداء؟ الأقوى الثاني، لانصراف
السترة إلى غير ذلك، كما لا يخفى، مع أن ظاهر الصحيحة هو وجود الساتر
بين الصفوف، فهذه قرينة أخرى على أن المراد الساتر الخارجي، ومن هنا
يمكن دعوى عدم قدح حيلولة المأموم مع العلم ببطلان صلاته، فتدبر.
وهل يعتبر في مشاهدة المأموم: مشاهدة المأموم المتقدم المشاهد، أم
يكفي مشاهدة المأموم المشاهد ولو كان عن أحد جانبيه، فلو وقف بعض
المأمومين بحذاء باب يشاهد الإمام أو بعض من هو قدامه من المأمومين
فوقف عن جانبيه جماعة، فهل تبطل صلاة هؤلاء لأنهم لا يشاهدون من
قدامهم أحدا من الإمام أو المأمومين؟ أم يصح، لأنهم يشاهدون من أحد
جانبيهم المأموم الواقف بحذاء الباب؟ قولان، أقواهما: الأول، لقوله عليه السلام
- في الصحيحة المتقدمة -: " فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم
بصلاة إلا من كان بحيال الباب " فإن الظاهر أن الموصول مستثنى من الصف
اللاحق يعني أن صلاة جميعهم فاسدة إلا من كان منهم بحيال الباب فصلاته
339

صحيحة، لعدم تحقق المانع بالنسبة إليه، وجعل (1) المراد من الموصول هو
الصف المنعقد بحذاء الباب - ليكون المستثنى منه هي الصفوف اللاحقة للذين
يكون بينهم وبين سابقتهم سترة - خلاف الظاهر جدا، لأن ضمير الجمع في
قوله: " بينهم " راجع إلى الصف لا الصفوف، كما لا يخفى، فالموصول بعض
الصف لا بعض الصفوف.
مع أن الأرجح حينئذ إتيان ضمير العائد بلفظ الجمع، رعاية لمعنى
الموصول، مضافا إلى وجوه أخر لا تخفى.
ثم إن ظاهر الرواية في بادئ النظر وإن كان هو اشتراط عدم الحائل
في الابتداء والاستدامة، إلا أن قليل التأمل يشهد بعدم دلالتها على اعتباره
استمرارا، لأن قوله: " فليس تلك لهم بصلاة " إشارة إلى الصلاة التي صليت
مع الستر والحائل، وهي ظاهرة في المجموع، والحكم ببطلان الصلاة التي
صليت بتمامها مع الحائل لا يستلزم الحكم ببطلان أبعاضها إذا وقعت كذلك
أو ببطلان الكل إذا وقع البعض كذلك، إلا أن يقال: إن الحكم ببطلان
المجموع إنما علق على مجرد وجود الحائل والستر ولو في بعض أوقات
الصلاة.
لكن الإنصاف: أن منصرف اللفظ هو الدخول مع الحائل، فأصالة
صحة الصلاة والجماعة إذا طرأ الحائل في الأثناء سليمة عن الوارد لكن
بشرط أن يتفق، فلو تعمده بطل بلا خلاف على الظاهر.
ثم إن الحكم المذكور مختص بالمأموم الذكر، وأما الأنثى فالمشهور على

(1) كذا في مصححة " ط "، وفي " ق " و " ن ": وحمل.
340

أنه لا يقدح الحائل، بل عن ظاهر عبارة التذكرة (1) الإجماع عليه، وبه
ينجبر موثقة عمار عن الصادق عليه السلام: " عن الرجل يصلي بقوم وخلفه
دار فيها نساء هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال: نعم إن كان أسفل
منهن. قلت: فإن بينهن وبينه حائطا أو طريقا؟ قال: لا بأس " (2).
وهي وإن كانت أعم من صحيحة زرارة المتقدمة (3) من وجه، حيث
إن الحائط يشمل الطويل والقصير، والصحيحة حيث قلنا بظهورها في
السترة الحائلة في جميع أوقات الصلاة أخص من هذه الجهة وأعم من جهة
شموله للمأموم الذكر والأنثى، إلا أن الظاهر من الحائط - ولو بقرينة دلالة
السؤال على كونهن في دار مستقلة - هو الحائط الحائل مطلقا، فيصير بمنزلة
الأخص المطلق.
مضافا إلى اعتضادها بالشهرة والإجماع المستظهر من عبارة التذكرة (4).
ومع التساقط فالمرجع - كما قيل (5) - الأصل والعمومات، وفيه نظر.
* (و) * كذا * (لا) * يصح الاقتداء * (مع علو الإمام) * (6) على المشهور
بل المعروف عن غير الشيخ في الخلاف (7)، وعن التذكرة نسبته إلى علمائنا

(1) التذكرة 4: 259.
(2) الوسائل 5: 461، الباب 60 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) تقدمت في الصفحة 335 - 336.
(4) التذكرة 4: 259.
(5) انظر المدارك 4: 319، والمستند 8: 62.
(6) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 576.
(7) الخلاف 1: 563، كتاب الصلاة، المسألة 314.
341

حيث قال: ولو صلى الإمام على موضع أرفع من موضع المأموم (1) مما يعتد
به بطلت صلاة المأموم عند علمائنا (2).
ويمكن إرجاع فتوى الشيخ في الخلاف بالكراهة إلى إرادة التحريم،
فيرتفع الخلاف، ولعله لذا ادعى الوفاق في التذكرة (3).
ويدل على حكم المسألة - مضافا إلى مفهوم قوله عليه السلام: " نعم، إن
كان أسفل منهن " (4) - موثقة [عمار] (5) عن الصادق عليه السلام: قال: " سألته
عن الرجل يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه؟
فقال: إن كان الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم
تجز صلاتهم، وإن كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان
الارتفاع ببطن مسيل وإذا كان أرضا مبسوطة وكان موضع ارتفاع فقام
الإمام في الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنه
في موضع منحدر فلا بأس " (6) وضعف سندها منجبر بما مر، وتهافت بعض
متنه لا يقدح في بعضه الآخر، كما تقرر.
ومنها - مضافا إلى عدم الخلاف ظاهرا - يظهر عدم قدح الارتفاع
اليسير، وعن التذكرة (7) إنه لو كان العلو يسيرا جاز إجماعا.

(1) في " ط ": الإمام.
(2) التذكرة 4: 260.
(3) التذكرة 4: 260.
(4) الوسائل 5: 463، الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(5) من " ط "، ولم ترد في " ق " و " ن "، ومحل الكلمة بياض في " ن ".
(6) الوسائل 5: 463، الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(7) التذكرة 4: 263.
342

والظاهر أن المرجع فيه إلى العرف - دون ما لا يتخطى كما عن
بعض (1) مستندا إلى صحيحة زرارة المتقدمة (2) المانعة عن الفصل بما لا يتخطى،
وفيه نظر - فلا يقدح مقدار الإصبع وما يقرب منه، إذ لا يقال في
العرف: إن موضع الإمام أعلى من موضع المأمومين، بل يعدان موضعا
واحدا.
ويستفاد منها أيضا: أن العلو لا يقدح إذا كانت الأرض منحدرة كما
حكي التصريح به عن جماعة (3)، وعن الرياض (4) نفي الخلاف فيه.
وكذا لا يقدح علو المأموم على ما هو المعروف، واستظهر عدم
الخلاف فيه بعض سادة مشايخنا حاكيا عن الروض (5) قطع الأصحاب به،
وعن الرياض (6) نفي الخلاف.
ويدل عليه - مضافا إلى منطوق ذيل الموثقة السابقة إن كان الإمام
أسفل منهن (7) - موثقة عمار: " وإن كان رجل فوق بيت - دكانا كان أو
غيره - وكان الإمام يصلي على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي

(1) لم نعثر عليه بعينه، نعم ذكره في التذكرة 4: 263، ولكن لم يستند فيه إلى رواية.
(2) الوسائل 5: 462، الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 2، وتقدمت
في الصفحة 335 - 336.
(3) منهم العلامة في القواعد 1: 315، والشهيد في البيان: 236، والمحقق الثاني في
الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي): 127.
(4) الرياض 4: 301.
(5) لم نعثر عليه.
(6) الرياض 4: 301.
(7) تقدمت في الصفحة السابقة.
343

خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع منه بشئ كثير " (1).
وقيد بعض العلو بما لم يكن مفرطا (2)، ولعله أراد ما إذا لم يخرج عن
اسم الاقتداء.
* (و) * كذا لا يصح الاقتداء مع * (تباعده) * (3) أي المأموم عن الإمام
* (بغير) * واسطة * (صفوف (4)) * مقتدية بذلك الإمام بلا خلاف على الظاهر،
وحكي الإجماع عليه عن جماعة (5) وهو المستند.
مضافا إلى أن المستفاد من تضاعيف الأدلة - مثل أدلة فضيلة الجماعة
والاجتماع والمعية والائتمام (6)، وتقديم الإمام إلى الله، والصلاة خلفه أو عن
يمينه (7) ونحو ذلك - اعتبار رابطة بين الإمام ومجموع المأمومين في المكان
يقطعها البعد، كما لا يخفى، وحيث إن المستند منحصر في الإجماع وما يتبادر
من الأدلة المتفرقة من اعتبار الرابطة كما ذكرنا، ففي القدر المتيقن من محل
الإجماع مع القطع بانتفاء تلك الرابطة لا إشكال في الحكم بالفساد، والظاهر
عدم انفكاكهما، إذ مع القطع بانقطاع تلك الرابطة فالفساد مجمع عليه ظاهرا،

(1) الوسائل 5: 463، الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) كالمحقق الثاني في الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الثاني): 127، والشهيد الثاني
في الروضة 1: 795.
(3) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 445 و 568.
(4) في الإرشاد زيادة: بالمعتد فيهما.
(5) منهم السيد العاملي في المدارك 4: 322، والسبزواري في الذخيرة: 394، وفيه
اتفق علماؤنا، والعلامة في التذكرة 4: 251، وفيه: عند علمائنا.
(6) انظر الوسائل 5: 370، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة.
(7) انظر الوسائل 5: 411، الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة.
344

إذ الظاهر أن مدرك المجمعين هو ما ذكرنا مما يفهم من متفرقات الأدلة.
وتوضيح ذلك: إن الجماعة هيئة مشروعة لم تبين في الأخبار على
وجه يغني عن ملاحظة السيرة المستمرة بين المسلمين، إذ الظاهر أنه لم يرد
إطلاق دل (1) على صحة الجماعة حتى يؤخذ به بعد خروج ما خرج، وإن
كان هذا يظهر من جماعة كالشيخ والمحقق حيث يتمسكون في مقام الشك
بالأصل والعمومات، لكنها لم تثبت كلية، نعم ثبت بعض الفقرات المطلقة في
الأدلة بحيث ينفع في بعض مقامات الشك، كما أن الموثقة المتقدمة الواردة في
الحائل بين الإمام الذكر والمرأة المأمومة (2) مطلقة بالنسبة إلى البعد وعدمه،
كما لا يخفى على من لاحظها، وكما ستعرف في مسألة شرائط الإمام.
ومع عدم الإطلاق، فالظاهر وجوب الاقتصار على الهيئة المتعارفة
المعتادة بين المسلمين، إلا أن يثبت من الدليل جواز أزيد من ذلك، فالمتبع
هو أحد الأمرين من الهيئة المتعارفة أو الدليل الشرعي، ويقدم الثاني مع
التعارض، إذ لا عموم في الأول.
ثم إنه حكى عن الحلبي (3) وابن زهرة (4) تحديد البعد بما لا يتخطى،
بمعنى أنه لا يطوى بخطوة، واختاره بعض المتأخرين (5) استنادا إلى صحيحة
زرارة السابقة: " إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك

(1) يحتمل في " ق ": يدل.
(2) راجع الصفحة 341.
(3) الكافي في الفقه: 144.
(4) الغنية: 88.
(5) انظر الصفحة 445.
345

لهم بإمام، وأي صف يصلون وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم ما لا يتخطى
فليس تلك لهم بصلاة - إلى أن قال - وينبغي أن تكون الصفوف تامة
متواصلة لا يكون بينهما ما لا يتخطى يكون بينهما مسقط جسد الإنسان إذا
سجد " (1)، ولكن الظاهر من نفي الصلاة والإمام في صدرها هو الفرد الكامل
بقرينة قوله: " وينبغي ".
وقد يتوهم صرف قوله: " ينبغي " إلى الوجوب بقرينة النفي السابق،
وهو فاسد، لأن لفظ " ينبغي " أكثر وأظهر في الاستحباب من نفي الصلاة
والإمام في الصحة (2).
ولو تنزلنا عن ذلك، فالحكم برجحان تمام تمامية الصفوف محمول على
الاستحباب، للإجماع على عدم وجوبها، فكذلك الرجحان بالنسبة إلى
التواصل، لأنه وقع صفة أخرى للصفوف بعد وصفها بالتمامية.
اللهم إلا أن يستعمل لفظه (3) في مطلق الرجحان، فيستفاد وجوب
التواصل من الصدر، كما أنه يستفاد استحباب التمامية من الإجماع.
وبه يندفع دعوى أن قوله: " يكون بينهما مسقط جسد الإنسان إذا
سجد " قرينة أيضا على إرادة الاستحباب من لفظة: " ينبغي ".
فالمعتمد في رد الاستدلال ترجيح ظهور " ينبغي " في الاستحباب على
ظهور نفي الصلاة في نفي الصحة، ولا أقل من التكافؤ الموجب للتساقط،
اللهم إلا أن يمنع ظهور " ينبغي " إلا في مجرد الرجحان كما هو مقتضى مادته،

(1) تقدمت في الصفحة 335 - 336.
(2) كذا في مصححة " ق "، وفيها وسائر النسخ: " في الكمال "، وهو سهو.
(3) في حاشية " ط " إضافة: ينبغي.
346

بل في اللزوم حيث إن معنى " ينبغي كذا " يعني حقيق ومستحق.
ثم إنه قد تكرر في هذه الصحيحة ذكر لفظة " ما لا يتخطى " والظاهر
أن المراد به في الجميع هي المسافة التي لا تطوى بخطوة لبعدها، وليس المراد
به مقدار العلو بمعنى أنه لا يدخل في الخطوة المستقيمة من جهة علوه، بل
يحتاج إلى خطوة لأجل الصعود عليه أو بمعنى أن ذلك المقدار من العلو لو
تسطح على وجه الأرض لا يطوى بخطوة، أو بمعنى أنه لا يصعد عليه
بالخطوة المتعارفة للصعود، لأن ذلك كله خلاف الظاهر.
وأشد مخالفة للظاهر منه إرادة الستر والجدار الذي لا يتخطى أي يمنع
من الاستطراق بالتخطي، كما قد يذكر مستندا لما سبق من منع الشيخ في
الخلاف (1) الصلاة خلف الشبابيك.
ثم إنه قد ينسب إلى الشيخ تقدير البعد بثلاثمئة ذراع (2)، وهو غير
متحقق، لأن عبارة الشيخ في المبسوط - على ما وجدتها محكية - لا تدل
دلالة واضحة على ذلك، نعم حكاه عن قوم، والظاهر أن مراده بهم جمع من
العامة (3)، ولذا لم ينسب هذا القول إلى الشيخ في المختلف (4).
وهل البعد القادح قادح في الابتداء والاستدامة، أو في الابتداء؟
وجهان، من ظهور المانع في المانعية المطلقة كما لا يخفى، ومن أن المدرك في
قدح البعد لم يكن إلا الإجماع، وإن كان يستشعر أيضا من الروايات

(1) الخلاف 1: 558، كتاب الصلاة، المسألة 305.
(2) المبسوط 1: 156.
(3) حكاه ابن قدامة في المغني (2: 207) عن الشافعي.
(4) المختلف 3: 84.
347

المتفرقة الدالة على اعتبار رابطة بين الإمام والمأموم، الظاهر في اعتباره في
جميع أحوال الاقتداء، إلا أن هذا بمجرده لم يكن دليلا لولا الإجماع، وحينئذ
فيجب الاقتصار في المنع على المتيقن من مورد الإجماع، ويحكم بعدم قدح
ما عداه، لإطلاق مثل الموثقة السابقة في ائتمام النسوان من خلف الدار
بالإمام حتى مع فصل الحائط والطريق (1) من غير استفصال عن مسافة
الطريق ومسافة بعد الدار من مكان الإمام، هذا كله مضافا إلى استصحاب
صحة الائتمام والصلاة، وحينئذ فلو انتهى صلاة الصفوف المتقدمة فلا تبطل
صلاة اللاحقين ولا جماعتهم.
وهل يعتبر في الصف السابق دخولهم الصلاة فعلا فلا يجوز للاحق
البعيد أن يحرم للصلاة إلا بعد تحريم من يرتفع بتوسطه البعد القادح، أم
لا يعتبر؟ وجهان، أقواهما الثاني، لإطلاق ما دل على الرخصة في التكبير
بمجرد تكبير الإمام (2)، وأن المعتبر تقارب الصفوف، ويصدق الصف على
السابقين وإن لم يدخلوا، بل يكفي كونهم مستعدين له، مضافا إلى السيرة
المستمرة، ولزوم الحرج لولاه.
وهذا هو الأقوى، لما عرفت من وجوب الاقتصار في البعد القادح
على مورد الإجماع، إلا أن يمنع هنا من وجود إطلاق بالنسبة إلى جواز
دخول اللاحق قبل السابق، فتبقى إطلاقات الإجماعات المنقولة سليمة، لكن
إطلاقها بالنسبة إلى المقام أيضا ممنوع، وعليه فالمتجه الرجوع إلى أصالة

(1) راجع الصفحة 341.
(2) انظر الوسائل 5: 472، الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6، وعوالي
اللآلي 2: 225، الحديث 42.
348

عدم مشروعية الدخول، بناء على منع إطلاق قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا كبر
فكبر " (1) بالنسبة إلى المقام، فتأمل.
* (و) * لا تصح صلاة المأموم جماعة * (مع وقوفه قدام الإمام) * (2)
إجماعا محققا ومحكيا عن جماعة (3)، وهو الحجة، مضافا إلى السيرة المستمرة
في التزام عدم التقدم، والنبوي المشهور: " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به " (4)
فإن الظاهر أن الائتمام لا يحصل بالتقدم.
وقد يستدل أيضا بوجوه، أقواها المروي في التهذيب عن الحميري في
مكاتبته إلى الفقيه، فوقع عليه السلام في جملة أجوبته: " وأما الصلاة فإنها خلف
القبر يجعله الإمام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه، لأن الإمام لا يتقدم،
ويصلي عن يمينه وشماله " (5) وتقريب الاستدلال أنه عليه السلام جعل القبر
الشريف بمنزلة إمام الجماعة في الأحكام، ثم أشار إلى عدم جواز الصلاة بين
يدي القبر، وعلله بأن الإمام لا يتقدم.
ولا يخفى ضعف هذا الاستدلال، لأن كون القبر الشريف بمنزلة إمام

(1) حكاه المحقق النراقي في المستند 8: 94 بلفظ " فكبروا "، وانظر كنز العمال 8: 278،
الحديث 22910، والأمالي 264، الحديث 10، وانظر الصفحة 378 و 416.
(2) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 511.
(3) كالعلامة في التذكرة 4: 239، والشهيد في الذكرى: 272، والسيد العاملي في
المدارك 4: 330، والمحقق في المعتبر 2: 422.
(4) عوالي اللآلي 2: 225، الحديث 42.
(5) التهذيب 2: 228، الحديث 898، والوسائل 3: 454، الباب 26 من أبواب
مكان المصلي، الحديث 1 و 2.
349

الجماعة لا يقتضي أن لا تجوز الصلاة بين يديه منفردا، فهذا التعليل محمول
على الاستحباب، كما هو المشهور في مسألة التقدم على قبر الإمام عليه السلام.
اللهم إلا أن يقال: إن استحباب جعل القبر الشريف بمنزلة الإمام
لا ينافي عدم جواز التقدم على الإمام، فحاصل الخبر: أنه يستحب أن يجعل
القبر بمنزلة الإمام ونفسه بمنزلة [المأموم] (1)، والأرجح له أن لا يصلي بين
يديه، لأن من أحكام الإمام أن لا يتقدم، نعم في رواية الاحتجاج: " لأن
الإمام لا يتقدم ولا يساوى " (2) وهذا مما يوهن التمسك بالخبر، بناء على
جواز المساواة هنا، كما عن المشهور (3)، بل عن التذكرة الإجماع عليه (4)،
للأصل وعمومات الجماعة، وإن كان الحكم لا يخلو من نظر، للسيرة
المستمرة على التأخر، وظهور النبوي المشهور في التأخر، وخصوص التوقيع
المتقدم بناء على ما في الاحتجاج، وما ورد في صلاة العراة جماعة في
الصحيح من أن الإمام يتقدمهم بركبتيه " (5) وجميع الأخبار الواردة في الجملة
المعبر فيها بتقديم الإمام (6)، أو الصلاة خلفه (7)، ونحو ذلك.
مضافا إلى قاعدة توقيفية الجماعة، بناء على عدم العموم فيها بحيث

(1) من " ط " فقط.
(2) الإحتجاج 2: 583.
(3) حكاه الشهيد في المسالك 1: 308.
(4) التذكرة 4: 240.
(5) الوسائل 3: 328، الباب 51 من أبواب لباس المصلي، الحديث الأول.
(6) راجع الوسائل 5: 415 و 418 و 419، الأبواب 26 و 27 و 28 من أبواب الجماعة.
(7) راجع الوسائل 5: 420 و 421، الباب 30 و 31 من أبواب صلاة الجماعة.
350

ينفع المقام عدا ما يتمسك من إطلاق الروايات الواردة في قيام المأموم
الواحد عن يمين الإمام (1) حيث إنه لم يتعرض لبيان وجوب تأخره مع كون
المقام مقام بيان الموقف، وما ورد في الرجلين المتداعيين في الإمامة (2)، إذ
لا يتصور قابلية كل منهما للإمامة إلا بعد فرض جواز التساوي وإطلاق
قوله عليه السلام في التوقيع المتقدم - بعد الأمر بجعل القبر الشريف بمنزلة الإمام،
والنهي عن التقدم عليه -: " ويصلي عن يمينه وشماله " (3) وخصوص الإجماع
المحكي عن التذكرة (4).
وفي الجميع نظر:
أما في الإطلاقات، فلورودها في مقام بيان حكم آخر، ولا نسلم أن
المقام مقام البيان من جهة تساوي الموقف، كما لا يكون مقام البيان من جهة
عدم العلو وعدم الحائل وعدم البعد ونحو ذلك.
وأما ما ورد في اختلاف الرجلين في الإمامة، فلما سيجئ في مسألته.
وأما إطلاق التوقيع في الصلاة عن يمين القبر ويساره، فلأنه في مقابل
التقدم بجعل القبر خلفه، فلا يدل على جواز المساواة.
وأما الإجماع المحكي عن التذكرة، فلا بأس به، لاعتضاده بالشهرة
العظيمة (5).

(1) راجع الوسائل 5: 411، الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) تقدم في الصفحة 349.
(4) تقدم في الصفحة السابقة.
(5) هنا بياض في " ق " بمقدار سطر تقريبا.
351

لو تقدم المأموم عمدا فالظاهر عدم فساد أصل الصلاة، للأصل،
وعدم المخرج عنه، لأن إطلاق الإجماعات المنقولة (1) ببطلان صلاة المأموم
ظاهرة في بطلانها من حيث المأمومية، بمعنى بطلان الجماعة لا بطلان أصل
الصلاة، وأوضح من ذلك في كونه شرطا للجماعة: النبوي المشهور المتقدم (2)،
هذا كله مضافا إلى عموم: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (3) وقوله:
" لا يقطع صلاة المسلم شئ " (4).
وأما بطلان الجماعة، فهو الأقوى بالنسبة إلى ما يستفاد من إطلاق
الإجماعات، ويحتمل أن يكون مراعى باستمراره على التقدم أو العود إلى
موقفه قبل إتيان الإمام بفعل.
* (ويستحب أن يقف المأموم الواحد) * إذا كان رجلا أو صبيا * (عن يمين
الإمام) * مع تأخره عنه قليلا، للأخبار الصحيحة (5) الظاهرة في الوجوب
المحمولة على الاستحباب، للشهرة العظيمة والإجماع المدعى في المنتهى (6) كما
عن التذكرة (7).

(1) انظر التذكرة 4: 239، وحكى ذلك السيد العاملي عن الغرية في مفتاح الكرامة
3: 417.
(2) تقدم في الصفحة 349.
(3) الوسائل 4: 934، الباب 10 من أبواب الركوع، الحديث 5.
(4) الوسائل 3: 425، الباب 11 من أبواب مكان المصلي، الحديث 8.
(5) الوسائل 5: 411، الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة.
(6) المنتهى 1: 376.
(7) التذكرة 4: 242.
352

ويؤيدهما - أو ينجبر بهما - رواية الحسين بن يسار: " أنه سمع من
سأل الرضا عليه السلام عن رجل صلى إلى جانب رجل، فقام عن يساره، وهو
لا يعلم كيف يصنع، ثم علم وهو في الصلاة، قال: يحوله عن يمينه " (1).
دلت على عدم بطلان صلاة المأموم بوقوفه عن يسار الإمام في بعض
الصلاة ولو مع تعمد المأموم، على ما يستفاد من ترك الاستفصال، ودعوى
الوجوب النفسي من غير الاشتراط لا قائل به.
فظهر مما ذكر ضعف ما يحكى عن ظاهر ابن الجنيد (2) من الوجوب،
للصحاح (3) الظاهرة فيه الموهونة، مضافا إلى ما ذكر بأن ظاهرها الوجوب
النفسي الغير المراد إجماعا، فيدور الأمر بين حملها على الاستحباب
والوجوب الشرطي، ولو لم يكن الأول أولى، لما علم من شيوع إرادة
الاستحباب من الأمر سيما إذا ورد بالجملة الخبرية كما فيما نحن فيه، فليس
العكس أولى، فلا تنهض للاستدلال بها على الوجوب الشرطي.
* (و) * أن يقف * (العراة) * مع ائتمام بعضهم بعضا جلوسا * (والنساء) *
كذلك * (في صفه) * أي صف الإمام مع تقدم الإمام العاري بركبتيه، والكلام
في جلوسهم مطلقا أو مع عدم أمن المطلع فقد مر في باب لباس المصلي (4)،
وأما حكم النساء فللأخبار (5).

(1) الوسائل 5: 414، الباب 24 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2. وفيه: " وهو
لا يعلم ثم علم وهو في الصلاة، كيف يصنع؟ ".
(2) نقله في المختلف 3: 89.
(3) راجع الوسائل 5: 379، الباب 4 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) انظر المجلد الأول: 204.
(5) راجع الوسائل 5: 406، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
353

* (و) * أن يقف * (الجماعة) * ذكورا كانوا أو إناثا، والمراد ما زاد على
الواحد * (خلفه) * للأخبار (1) أيضا، والخلاف هنا أيضا محكي عن ظاهر ابن
الجنيد، وضعفه قد مر في مسألة اليمين، لعدم القول بالفصل.
وقد ينتصر للمشهور بما دل على وقوف المأموم مع عدم وجود مدخل
في الصف بحذاء الإمام، بناء على إرادة الجنب مع المحاذاة، مثل رواية سعيد
الأعرج: " عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما، أيقوم وحده
حتى يفرغ من صلاته؟ قال: نعم لا بأس، يقوم بحذاء الإمام " (2) فإن الظاهر
أنه يقف خلف الصفوف محاذيا للإمام، لا أنه يقف عن جنبه محاذيا له، مع
أن المجانبة مع المحاذاة مكروهة أو محرمة بناء على حرمة التساوي، بل
يستحب أو يجب التأخر، وحكي عن الحدائق (3) نسبة ما ذكرنا إلى فهم
الأصحاب، وما حكي عن الفقه الرضوي (4) صريح في هذا المعنى.
ثم إن الظاهر من الخلف هو أن يكون مجموع موقف صلاة المأموم في
جهة الخلف للإمام، فلو تأخر عنه ولو كثيرا ما لم يصل إلى هذا الحد لم يكن
خلفا.
ويؤيده أن الاصطفاف خلف الإمام كما يستفاد من الأخبار مثل
قوله عليه السلام: " قاموا خلفه " (5) لا يتحقق إلا بهذا الوجه، إذ لو تأخروا عن

(1) راجع الوسائل 5: 411، الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل 5: 459، الباب 57 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(3) الحدائق 11: 184.
(4) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 144.
(5) الوسائل 5: 411، الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
354

الإمام بحيث يحاذي موضع سجودهم موضع ركبتيه لم يمكن اصطفاف الصف
الأول خلفه.
وحينئذ فيشكل حكمهم بالتحاق (1) المرأة بالجماعة في استحباب وقوفها
- ولو مع الوحدة - خلف الإمام، وابتناء استحباب ذلك على كراهة المحاذاة
للرجل، والقول بوجوبه بناء على تحريمها، إذ لا شك في أنه لا يجب الخلف
الحقيقي بالمعنى المتقدم بناء على حرمة المحاذاة، إذ يكفي في رفع التحريم على
القول به التأخر بقدر أن يكون سجودها مع ركوعه، مع أن الأخبار الواردة
في إمامة الرجل للمرأة دل بعضها على كون سجودها مع ركبتيه (2)، وبعضها
على كون سجودها بحذاء قدميه (3)، فلا بد إما أن يحكم بوجوب الخلف الكلي
بناء على تحريم المحاذاة، وهو خلاف ظاهر الأصحاب، بل يظهر من كلام
المنتهى الاتفاق على رفع الكراهة أو التحريم بأدون من هذا وإن لم يصرح
بالإجماع فيه، وإما أن يكون المراد من الخلف في جماعة الرجال وفي المرأة
- ولو واحدة - هو الخلف في الجملة بمعنى تأخر بعض موقف المأموم عن
الإمام، وهو خلاف الظاهر، بل هو اليمين بناء على استحباب التأخر عن الإمام.
وإما أن يفكك بين الخلف الذي هو موقف الجماعة بإرادة الخلف
الحقيقي، والذي هو موقف المرأة، ويقتصر فيه على ما يندفع به كراهة المحاذاة
أو حرمتها، وهو خلاف ظاهر عبارات بعضهم مثل (4) قوله في الشرائع:

(1) الأنسب: إلحاق.
(2) الوسائل 3: 428، الباب 5 من أبواب مكان المصلي، الحديث 9.
(3) الوسائل 5: 405، الباب 19 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(4) في " ط ": بل.
355

ويستحب وقوف الجماعة والمرأة خلفه (1).
وإما أن يكون المراد به هو معناه المتقدم، أعني الخلف بالنسبة إلى
جميع الموقف، ويكون هذا من آداب الجماعة للمرأة زيادة على ما تندفع به
الحرمة أو الكراهة، ويحمل ما ورد من كون سجود المرأة المأمومة بحذاء
ركبتي الإمام أو قدميه على بيان المقدار الرافع لكراهة المحاذاة أو تحريمها،
لا بيان وظيفة الجماعة، فيكون الدليل على استحباب وقوفها خلفه كلية هو
غير هذه الأخبار.
وعلى أي تقدير، فلا ينبغي أن يرتاب في أن مسألة تأخر المرأة عن
إمامها وجوبا أو استحبابا مبني على مسألة حرمة المحاذاة وكراهتها كما صرح
به الشهيدان في الذكرى (2) والروض (3)، لا أنها مسألة مستقلة كما ربما يتوهم
من صريح المنتهى حيث اختار في مسألة المحاذاة كراهتها (4)، وفي الجماعة
وجوب تأخر المرأة (5)، وكذا ظاهر المعتبر (6) في مسألة الجماعة حيث إنه وإن
لم يصرح بالوجوب إلا أنه استدل على التأخر بما استدل به القائلون بحرمة
المحاذاة من قوله عليه السلام: " أخروهن من حيث أخرهن الله " (7)، لأن كلام
المنتهى مبني على الرجوع في مسألة المحاذاة عما اختاره في باب مكان

(1) الشرائع 1: 123 - 124.
(2) الذكرى: 273.
(3) روض الجنان: 371.
(4) المنتهى (الطبعة الحجرية) 1: 243 و 376.
(5) المنتهى (الطبعة الحجرية) 1: 243 و 376.
(6) المعتبر 2: 426.
(7) مستدرك الوسائل 3: 333، الباب 5 من أبواب مكان المصلي، الحديث الأول.
356

المصلي من المنتهى، أو على أن حكمه هنا بوجوب مقيد بالبناء على حرمة
المحاذاة وإن لم يذكر القيد في الكلام، إلا أن الفروع التي ذكرها بعد هذه
المسألة صريحة في ابتناء وجوب التأخر على حرمة المحاذاة، فراجع.
وأما كلام المعتبر، فليس ظاهرا في وجوب التأخر، والاستدلال
بالخبر المذكور لبيان مجرد المطلوبية بناء على ما سلف منه من أن مثل هذا
الخبر محمول على الاستحباب عند إرادة الجماعة.
* (و) * كذا يستحب * (إعادة المنفرد مع الجماعة إماما) * (1) كان المنفرد
للجماعة المنعقدة * (أو مأموما) * (2)، للأخبار الكثيرة من طرق العامة (3)
والخاصة (4)، وهل يكون هذا الاستحباب مشروطا بانعقاد جماعة، أو مطلقا
يستحب تحصيلها لأجله بأن يلتمس من منفرد آخر أن يجتمع معه في
الصلاة، أو تفصيل (5) بين أن يلتمس منه الإمامة أو المأمومية فيستحب
الإجابة والجماعة، وبين أن يلتمس هو من غيره المنفرد الجماعة
فلا يستحب؟ وجوه:
لا يبعد ترجيح أوسطها، لما يستفاد من الأخبار من أن المناط
استحباب تحصيل الجماعة وإن كان مورد الأخبار مختصا بمن يجد جماعة أو

(1) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 531.
(2) في الإرشاد: " ومأموما ".
(3) انظر السنن الكبرى للبيهقي 2: 299، باب الرجل يصلي وحده ثم يدركها مع
الإمام، وكنز العمال 8: 261، باب إعادة الصلاة.
(4) الوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) في " ن ": يفصل.
357

يلتمس منه الإمامة، ولهذا يقوى الاقتصار على ذلك، فلا يحكم باستحباب
التماس من صلى منفردا الجماعة بالإمامة أو الائتمام ممن لم يصل، كما لا يحكم
باستحباب الإعادة للرجلين اللذين صليا منفردين، لأن مورد الأخبار كون
إعادة الجماعة مع من لم يصل.
وهل تختص الإعادة بمن صلى منفردا أو تعمه ومن صلى جماعة؟
قولان (1): يشهد لثانيهما إطلاق طائفة من الأخبار، مثل مصححة ابن بزيع
قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: إني أحضر المساجد مع جيرتي
وغيرهم، فيأمرونني بالصلاة بهم وقد صليت قبل أن آتيهم، وربما صلى
خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل، وأكره أن أتقدم وقد صليت
لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك، فأمرني في ذلك بأمرك أنتهي إليه
وأعمل به إن شاء الله تعالى، فكتب: صل " (2)، ونحوها روايات الحلبي (3)
وعمار (4) وزرارة (5) وهشام (6) وغيرها (7). ولأولهما: أصالة عدم مشروعية

(1) القول بالاختصاص للسيد العاملي في المدارك 4: 342، وفي الحدائق 11: 163،
هكذا الأشهر الأظهر العدم، والقول بالعموم للحلي في السرائر 1: 289، والشهيدين
انظر الذكرى: 266، والروض: 371 وغيرهم. وراجع لتفصيل الأقوال مفتاح
الكرامة 3: 436 - 437، والجواهر 13: 260.
(2) الوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(3) الوسائل 5: 456، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.
(4) الوسائل 5: 456، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9.
(5) الوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(6) الوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1.
(7) انظر مستدرك الوسائل 6: 495، الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة.
358

العبادة سيما إعادة الفريضة، مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا يصلى صلاة
مرتين " (1) واختصاص الإطلاقات المتقدمة - بحكم التبادر - بمن صلى منفردا.
إلا أن يقال: بكفاية مجرد فتوى جماعة (2)، مع احتمال دلالة تلك
الأخبار المعتبرة، وصراحة دلالة بعض غير المعتبرة مثل ما روي: " إن
معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الليل ثم يرجع إلى قوم فيصلي
بهم " (3)، وما روي من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم - حين دخل المسجد رجل
يريد الصلاة - لأصحابه: " ألا رجل يتصدق على هذا " (4)، بناء على قاعدة
التسامح في هذا المقام.
اللهم إلا أن نمنع من تلك القاعدة بما ورد من أنه " لا يصلى صلاة
مرتين " فإنها وإن لم تكن معتبرة، إلا أنه يكفي في احتمال كونه محرما ذاتيا،
فيعارض احتمال الاستحباب باحتمال الحرمة، فتبقى أصالة عدم المشروعية
سليمة عن الوارد.
وقد انتصر - كما في الذكرى (5) وكلام بعض مشايخنا المعاصرين (6) -
للمنع بما دل على النهي عن الجماعة في النافلة (7)، وفيه: إن النهي إنما هو عن

(1) عوالي اللآلي 1: 60، الحديث 94، وفيه: لا تصلوا صلاة في يوم مرتين.
(2) تقدم التخريج عنهم في الصفحة السابقة.
(3) السنن الكبرى للبيهقي 3: 85، باب الفريضة خلف من يصلي النافلة.
(4) مستدرك الوسائل 6: 495، الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(5) الذكرى: 266.
(6) انتصر في الجواهر 13: 262.
(7) راجع الوسائل 5: 191، الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان.
359

الجماعة في الصلاة التي ثبت نفلها في نفسها، ولا يدل على نفي النفل عن فعل
الصلاة جماعة، وفرق بين الجماعة في صلاة النفل وبين نفل الجماعة في
الصلاة، والمنفي بالأخبار الناهية هو الأول لا الثاني. والحاصل: أنه
لا يرتاب ذو تأمل في أن معنى قوله: " لا جماعة في نافلة " (1) نفي مشروعية
الجماعة عن صلاة ثبت نفلها في نفسها، وكلامنا في أنه هل تستحب الصلاة
بوصف الجماعة لمن صلى جماعة أم لا، نعم لو استفيد منها أن الجماعة في
الصلاة تنافي (2) وصف النفلية - بحيث يستفاد أن صفتي الجماعة والنفلية
متضادتان - أمكن الاستدلال بها فيما نحن فيه.
وتوضيح الكلام: إن هنا وجوها ثلاثة:
أحدها: أن تتصف الصلاة أولا بالنفل بأن يؤمر ندبا بصلاة ثم يرغب
في إتيان تلك الصلاة المتصفة بالنفلية جماعة، فقد لوحظ في الأمر بالجماعة
كون الصلاة متصفة بالنفل.
الثاني: عكس ذلك، بأن يعرض النفل للصلاة بعد ملاحظة اتصافها
واشتراطها بالجماعة، بأن يؤمر نفلا بصلاة واقعة على وجه الجماعة.
الثالث: أن تتصف الصلاة في نفسها تارة بالنفلية وتارة بالجماعة من
غير ترتيب بين الاتصافين، فلا (3) يكاد يتحقق هذا في المقام، ضرورة أن
النفل إن (4) عرضت لذات الصلاة من حيث هي - كما هو المفروض - فقد

(1) الوسائل 5: 182، الباب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، الحديث 6.
(2) في النسخ: مع تنافي، والأصح ما أثبتناه، ويحتمل أيضا زيادة: مع.
(3) ويحتمل في " ق ": ولا، ولعله الأنسب.
(4) وفي " ق " كتب فوق " إن ": حيث.
360

تعلق بها الجماعة بوصف كونها نفلا، إذ ليس المراد من تعلق الجماعة بالنافلة
المنهي عنها إلا تعلق الجماعة بصلاة متصفة في نفسها بالنفل، لا أن صفة النفل
مأخوذة في موضوعية الموضوع، إنما المعتبر في النهي مقارنة الموضوع لتلك
الصفة، وإن عرضت للصلاة بعد ملاحظة تقييدها واشتراطها بالجماعة رجع
إلى القسم الثاني، نعم لو اعتبر في الوجه الأول ثبوت الجماعة للصلاة بوصف
كونها نفلا على وجه يكون للصفة مدخلا في الموضوع أمكن تثليث الوجوه.
وكيف كان، فالمقام من قبيل الثاني، يعني إن النفل تعلق بالصلاة
المقيدة بالجماعة المشترطة بها من حيث الصحة، فالانتصار المذكور ضعيف
جدا.
ومثله أو دونه في الضعف: الانتصار (1) لمذهب المجوزين بأن ما ورد
من النهي عن أنه " لا يصلى صلاة مرتين " (2) لا ينافي قاعدة التسامح في
المقام، بناء على عدم ثبوته - أولا - بطرقنا، بل ورد بطرق العامة، وأن النهي
نهي تشريعي، والنهي التشريعي وإن صرح به لا ينافي التسامح، كما لا ينافيه
لو لم يصرح به اتفاقا.
ووجه ضعفه، أولا: أن مقصود المستدل معارضة منشأ التسامح الذي
هو لا ينهض دليلا وإلا لم يحتج إلى ضم التسامح معه بهذا الخبر الضعيف
الطريق، إذ كما أن ضعف السند أو الدلالة لا يقدح في منشأ التسامح فكذلك
لا يقدح في معارضة الدال على الحرمة، لما قرر من اشتراط خلو مورد
التسامح في السنن عن أمارة المرجوحية وإن كان خبرا ضعيفا.

(1) كما انتصر لهم في الجواهر 13: 261.
(2) كما تقدم في الصفحة 359.
361

اللهم إلا أن يقال: إن الأخبار العامية قد أمرنا بطرحها، فلا تصير
منشأ للمعارضة كما لا تصير منشأ للتسامح، بل وجه معارضة الخبر الضعيف
لمنشأ التسامح هو أنه أيضا يصير منشأ للتسامح في الطرف المخالف، فإذا كانت
الأخبار العامية لا تصير منشأ للتسامح فلا تقوى لمصادمة منشأ التسامح من
الأخبار الخاصة وفتاوى الفقهاء.
اللهم إلا أن يمنع من عدم كونها منشأ للتسامح، وللكلام مقام آخر.
وأما ثانيا، فلأنه من أين علم أن النهي للتشريع؟ فلعله في الخبر
المذكور للتحريم الذاتي كصلاة الحائض.
وأما ثالثا، فلأن التصريح بالنهي التشريعي يقدح في التسامح كالتحريم
الذاتي إذا كان النهي التشريعي واردا بأحد الأدلة المعتبرة، نظرا إلى أن
حاصل التسامح هو فعل الشئ رجاء أن يكون محبوبا ومشروعا، فإذا ورد
الدليل على عدم مشروعيته فلا يبقى لرجاء المشروعية محل، ودعوى أن
النهي التشريعي لم يصل إلينا هنا في دليل معتبر، رجوع إلى الجواب الأول،
وقد عرفت منع كونه تشريعيا، بل هو ذاتي بمقتضى ظاهر اللفظ، بل يكفي
الاحتمال في مقام التسامح بالترك ومقام معارضة منشأ التسامح في الفعل.
اللهم إلا أن يقال بالتسامح في مقابل الدليل على عدم المشروعية أيضا
إذا كان من الأدلة الظنية المحتملة للخلاف، كما إذا ورد دليل معتبر على
إباحة شئ وورد خبر ضعيف على استحبابه، فإن أدلة التسامح تجري هنا
على قول لا يخلو عن قوة.
اللهم إلا أن يفرق بين ورود الدليل على الإباحة ووروده على نفي
المشروعية في مثل الصلاة المركبة من أجزاء جميعها راجحة في أنفسها، فإن
مثل هذا لو لم يدل على التحريم الذاتي يدل على أن الشارع لا يريد التقرب
362

به بوجه من الوجوه، ولا شك في منافاة هذا المعنى للتسامح، ولذا لا يحكم
باستحباب الجماعة في النافلة بمجرد فتوى بعض لأجل قوله: " لا جماعة في
نافلة " (1)، وقد ذهب الأستاذ إلى أن قاعدة التسامح لا تجري في الماهيات
المخترعة (2)، وهذا القول وإن كان الظاهر من الأدلة والفتاوى إلا أنه إذا
صرح الشارع بنفي مشروعية عبادة فلا يفهم من الأدلة ولا من الفتاوي
التسامح في ذلك المقام.
ويحتمل أن يفرق بين ما إذا صرح بالنهي التشريعي في خصوص
المورد فلا يتسامح، أو في عنوان عام له ولغيره فيتسامح، وفيه إشكال.
ثم على القول باستحباب الإعادة للجامع، فهل يختص الاستحباب
بالمرة الثانية أم يتعداها؟ قولان (3): الأقوى الأول، لظهور اختصاص الأدلة
بالمرة الثانية.
وهل ينوي في المعادة الندب، أم يجوز نية الوجوب؟ قولان:
ظاهر الأكثر الندب، وصريح الشهيدين قدس سرهما (4) جواز نية الفرض.
وفيه نظر بقصد الوجوب في وجه الفعل، إذ ليس الفعل متصفا بالوجوب
جزما، لأن الفعل الأول قد وقع على جهة الوجوب مستجمعا لشرائط

(1) الوسائل 5: 182، الباب 7 من أبواب صلاة شهر رمضان، الحديث 6، وتقدم في
الصفحة 360.
(2) لم نعثر عليه.
(3) القول بالاختصاص للعلامة في التذكرة 4: 333، والقول بالتعدي للشهيدين في
الذكرى: 266 والروض: 371، وراجع لتفصيل الأقوال مفتاح الكرامة 3: 437.
(4) الذكرى: 266، وروض الجنان: 372. وراجع للتفصيل مفتاح الكرامة 3: 432.
363

إسقاط الواجب فلا يعقل نفي الوجوب عنه، ولا وجوب آخر حتى يقع
الفعل الثاني عليه.
ويمكن توجيه القول المذكور بأن المراد نية الفرض على وجه التوصيف
بأن يقصد كون هذا الذي يأتي به هو الذي يسقط به امتثال الأمر السابق،
ولا عيب في ذلك بعد إذن الشارع ورخصته في أن " يجعلها الفريضة إن
شاء " كما في مصححتي حفص (1) وهشام بن سالم (2) وإخباره بأنه " يختار الله
أحبهما " كما في رواية أبي بصير (3) أو " أفضلهما وأتمهما " كما في ثالث
مرسل (4)، نعم في بعض الأخبار: " أنها لك نافلة " (5)، وفي آخر: " اجعلها
تسبيحا " (6).
ثم لو ظهر فساد الصلاة الأولى فهل يسقط الامتثال بالثانية، أم لا؟
أم يبنى على مسألة جواز نية الفرض؟ وجوه:
أقواها الأول، لهذه الأخبار المذكورة.
ويؤيده: إن النصوص ظاهرة في كون الثانية إعادة للأولى، لا صلاة

(1) الوسائل 5: 457، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.
(2) الوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 5: 456 - 457، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.
(4) الوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(5) انظر الوسائل 5: 385، الباب 6 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 7، وفيه:
" اجعلها نافلة "، والمستدرك 6: 496، الباب 43 من صلاة الجماعة، الحديث 4،
وفيه: تكن لك نافلة.
(6) الوسائل 5: 456، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.
364

مستقلة برأسها، والفتاوى ناصة على لفظ الإعادة، فالظاهر أن إتيانها كاف
في سقوط المطلوب. وكذا لو اعتقد أنه صلى أولا، فأعادها جماعة ولو بنية
الندب، فإن الظاهر الاجتزاء، وقد يبنى على مسألة إجزاء المندوب.
والظاهر أن هذا الكلام جار في جميع ما إذا ورد الأمر الندبي بإعادة
عبادة لأجل فوات بعض مكملاتها وغير ذلك، فإن الظاهر كون المعادة قابلا
لترتيب (1) جميع أحكام المبدل عليه، لأنه قد أتى بها ليتدارك بها ما فات في
الأولى من الفضيلة، ولا يتحقق ذلك إلا بقيامها مقام الأولى في حكم
الشارع حتى يتحقق الكمال فيه.
وأما الوضوء التجديدي، فهو ليس من هذا القبيل، لأنه ليس إعادة
للفعل السابق وإنما هو تكرير لها، كما يدل عليه قوله: " الطهر على الطهر
عشر حسنات " (2)، وإطلاق لفظ التجديد عليه في النص (3) والفتوى (4)،
وظاهر أن التجديد غير الإعادة.
نعم، يقوى القول هنا أيضا بكفايته إذا ظهر فساد الأول، لأن الظاهر
من التكرير هو كون الأول مماثلا للثاني لا يفترقان إلا بتعدد الوجود،
ووجوده (5) يسقط المطلوب لو كان باقيا.
ومن هذا القبيل ما يعاد احتياطا على وجه الاستحباب، فإنه مجز عن

(1) يحتمل في " ق ": لترتب.
(2) الوسائل 1: 264، الباب 8 من أبواب الوضوء، الحديث 3.
(3) كما في الوسائل 1: 264، الباب 8 من أبواب الوضوء، الأحاديث 6، 7 و 9.
(4) كما في المبسوط 1: 24، والوسيلة: 53، والشرائع 1: 24، وغيرها.
(5) يحتمل في " ق ": فبوجوده.
365

السابق لو ظهر فيها خلل بغير إشكال.
ويمكن الحكم بكفاية الوضوء التجديدي، نظرا إلى أنه ربما يدعى أنه
يستفاد من بعض النصوص أنه لتدارك ما فات في الأول، فالحكمة في
استحبابه الاحتياط، لكن هذه الاستفادة مشكلة، نعم الحكم بكفاية
التجديدي من جهة ما تقدم.
والحاصل: أن كل موضع أمر بإعادة شئ أو بتكراره ندبا، سواء كان
منشأ هذا الأمر تعلق الغرض بوقوع الشئ على الوجه الكامل كما في مسألة
الجماعة، أو لتدارك نقص وقع في العمل كما في قضاء الصوم لوقوع بعض
ما ينقص الأداء أو لرفع نقصان حصل في تأثيره كإعادة الوضوء بعد المذي
أو لمطلوبية تعدده ومجرد تكراره، بأن يستفاد من الأدلة أن لكل واحد
تأثيرا فيكمل الأثر بالتكرار، كما في الوضوء التجديدي على ما يستفاد من
قوله: " الطهور على الطهور نور على نور " (1) أو لحصول تيقن سقوط
الامتثال بالأول فيعيده لاحتمال خلل في الأول كالإعادة احتياطا، فإذا تبين
الخلل في الفعل الأول فالظاهر قيام الثاني مقامه، إذ القصود المذكورة
لا تحصل إلا بعد كون الثاني هو عين الأول لا تغاير بينهما إلا بحسب
الوجود.
فإذا كان كذلك، فلو كان المطلوب باقيا في الواقع بعد الفعل الأول
- لعدم مطابقته له - فيحصل المطلوب بالفعل الثاني الذي قد فرضنا أنه عين
الأول في جميع الجهات الملحوظة عند الشارع.

(1) الوسائل 1: 265، الباب 8 من أبواب الوضوء، الحديث 8، وفيه: " الوضوء على
الوضوء نور على نور ".
366

فإن قلت: إن الأمر الوجوبي لا يسقط إلا بإتيان الشئ لأجل
إطاعته، ولم يحصل.
قلت: الإطاعة أمر عرفي فكما أنه تحصل عرفا بإتيان الفعل بداعي
الأمر الوجوبي كذلك تحصل عرفا بإتيان الفعل ثانيا لداعي تدارك فضيلة
فاتت في الأول، أو نقص كان فيه، أو لتحصيل أثر مثل الأثر الأول،
أو لاحتمال عدم صحة الأول (1).
[* (ويكره وقوف المأموم وحده مع سعة الصفوف، وتمكين الصبيان من
الصف الأول، والتنفل بعد قد قامت) *] (2).
* (و) * كذا تكره * (القراءة خلف) * الإمام * (المرضي) * (3) في أولتي
الإخفاتية على الأشهر كما في كلام غير واحد (4)، وعند الأكثر كما في
الروضة (5)، للأصل، والجمع بين ما دل بظاهره على الحرمة كأكثر أخبار
الباب (6) وبين ما دل بظاهره أو بصريحه (7) على الجواز كصحيحة سليمان بن
خالد، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يقرأ الرجل في الأولى والعصر

(1) توجد زيادة " عند تبين فساد الأول "، وبعدها بياض بمقدار ربع صفحة.
(2) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما بأيدينا من
النسخ.
(3) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 457 و 594.
(4) كما في المعتبر 2: 420، والدروس 1: 222، ورسائل المحقق الكركي (الرسالة
الجعفرية) 1: 128.
(5) الروضة البهية 1: 797، وفيه: فالمشهور كراهة القراءة فيها.
(6) راجع الوسائل 5: 421، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(7) لم ترد " أو بصريحه " في " ن " و " ط ".
367

خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ. قال: لا ينبغي له أن يقرأ، يكله إلى
الإمام " (1)، ورواية المرافقي عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عن القراءة
خلف الإمام قال: " إذا كنت خلف الإمام تتولاه وتثق به فإنه يجزيك
قراءته، وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت، قال
الله تعالى: (وأنصتوا لعلكم ترحمون) " (2).
ومصححة علي بن يقطين: " عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام
أقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال: إن قرأت فلا بأس وإن سكت
فلا بأس " (3).
ولكن هذا الجمع لا يخلو عن إشكال، لأن هذه الأخبار ضعيفة سندا
أو دلالة، لقوة احتمال إرادة الركعتين الأخيرتين من (4) مورد السؤال في
الصحيحة الأخيرة، فيكون المراد في الجواب نفي البأس عن السكوت عن
القراءة والإتيان بالتسبيح، واحتمل هذا أيضا في المصححة الأولى بقرينة
قوله: " وهو لا يعلم أن الإمام يقرأ " مع أن ظهور " لا ينبغي " في الكراهة
ليس بأجلى من ظهور النواهي الكثيرة في التحريم.
وأما رواية المرافقي، فهي ضعيفة، مع احتمالها للاحتمال السابق ولأن
يراد من قوله: " فيما يخافت فيه " الجهر على وجه لا يسمعه المأموم.

(1) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.
(2) الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 15، والآية من
سورة الأعراف: 204.
(3) الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 13.
(4) في " ق ": عن.
368

وكيف كان، فالخروج بهذه الأخبار الثلاثة عن ظواهر الأخبار
الكثيرة مثل قوله في الصحيح: " من قرأ خلف إمام يقتدي به فمات بعث
على غير الفطرة " (1) ومثل قوله في صحيحة الحلبي: " إذا صليت خلف إمام
تأتم [به] (2) فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم تسمع إلا أن تكون صلاة يجهر
فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ " (3) ونحو ذلك من الأخبار... (4).
وأما أولتا الجهرية، فالأقوى فيهما تحريم القراءة، لسلامة أدلة تحريمها
فيهما عما يصلح للمعارضة سوى بعض الإشعارات الغير المعتنى بها في رفع
اليد عن ظهور سائر الأخبار.
مضافا إلى عموم الإجماع والنص بضمان الإمام للقراءة، فإن ظاهره
سقوطها عن المأموم بمجرد الائتمام، فلا يشرع له القراءة بقصد أنها من الصلاة.
وخصوص رواية المرافقي المتقدمة الناصة في التحريم في الجهرية، بناء
على أن الأمر في قوله: " فاقرأ فيما يخافت فيه " لمجرد الإذن، ولذا قلنا
بكراهتها بناء على العمل بتلك الرواية وما ضاهاها، وحينئذ فهي صريحة في
عدم الإذن في القراءة في الجهرية، ولا ينافي ذلك الأمر بالإنصات فيها في
الجهرية، مع أنه مستحب على المشهور، لأن المراد بالإنصات هنا السكوت
كما حكي عن بعض أهل اللغة (5)، لا الاستماع كما عن المفسرين (6)، والمراد

(1) الوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(2) لم ترد " به " في " ق ".
(3) الوسائل 5: 421، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) كذا، والعبارة غير تامة، لأنه لم يأت بالخبر، والتقدير: " مشكل " ونحوه.
(5) انظر مجمع البحرين 2: 226، مادة: " نصت ".
(6) انظر البيان 5: 67، ومجمع البيان 2: 515.
369

السكوت عن القراءة لئلا ينافي جواز التكلم بالذكر والدعاء كما في مرسلة
الفقيه (1). ولو سلم إرادة الاستحباب هنا من الأمر بالإنصات بمعنى الاستماع
فلا ينافي حرمة القراءة، كما لا يخفى.
وكيف كان، فالأقوى بالنسبة إلى ظواهر الأخبار التحريم، نعم يمكن
الدقة في أكثرها، بل صريحها (2) في رفع ظهورها في التحريم، سيما بعد القول
بالكراهة في أولتي الإخفاتية، كما لا يخفى على المتأمل الفطن العارف بدقائق
الدلالات.
ويستثنى من ذلك ما أشار إليه بقوله: * (إلا أن لا يسمع ولو همهمة (3)
فيستحب على رأي) * اختاره الأكثر، وهو الأظهر، لصحيحة الحلبي المتقدمة (4)
وصحيحة عبد الرحمان بن الحجاج وفيها في خصوص الجهرية: " فإن سمعت
فأنصت، وإن لم تسمع فاقرأ " (5)، ونحوها رواية قتيبة المصححة: " إذا كنت
خلف إمام مرضي به في صلاة يجهر فيها فلا تسمع قراءته فاقرأ لنفسك،
وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ " (6)، والأمر فيهما محمول على الندب، إما

(1) الفقيه 1: 407، الحديث 1209، وعنه في الوسائل 5: 425، الباب 32 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(2) كذا في الأصل، وفي هامش " ط ": " ولعله سهو من القلم، والصحيح بل جميعها ".
أقول: لعل الأصح هكذا: نعم يمكن - بالدقة في أكثرها بل صريحها - رفع
ظهورها.
(3) في الإرشاد: " ولا همهمة ".
(4) تقدمت في الصفحة السابقة.
(5) الوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(6) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 7.
370

لوقوعه في مقام رفع المنع فلا يفيد أزيد من الإذن ورفع الحرمة ويثبت
الاستحباب بالأصل وفتوى المشهور، وإما بقرينة صحيحة ابن يقطين: في
" الرجل يصلي خلف من يقتدي به يجهر بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال:
لا بأس إن قرأ وإن سكت " (1) والمراد بعدم سماع القراءة في الصحيحة - ولو
بمعونة مصححة قتيبة المتقدمة وغيرها - هو عدم سماع (2) قراءتها رأسا.
ثم إنه يستحب للمأموم في أولتي الإخفاتية التسبيح، لروايتي
الأزدي (3) وعلي بن جعفر عليه السلام (4)، وعليهما تحمل رواية أبي خديجة (5)
الظاهرة في وجوب تسبيح المأموم، وألحق في الأخيرة بالتسبيح التحميد
والصلاة على النبي وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين، والظاهر أن الكل من باب
المثال، فيستحب مطلق الذكر، بل قراءة القرآن حتى الفاتحة مع عدم قصد
جعله جزءا للصلاة، بناء على أن النهي عن القراءة - تنزيها أو تحريما - إنما
ينصرف إلى القراءة على وجه الجزئية، وعدم الاكتفاء بقراءة الإمام، كما
يرشد إليه قوله عليه السلام: لا ينبغي أن يقرأ، يكله إلى الإمام " (6)، وكذلك
عمومات ضمان القراءة (7).

(1) الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.
(2) سماع: لم ترد في " ط " و " ن ".
(3) الوسائل 5: 425، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 5: 426، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(5) الوسائل 5: 426، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(6) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.
(7) الوسائل 5: 420، الباب 30 من أبواب صلاة الجماعة.
371

وهل يستحب الذكر في أولتي الجهرية كما حكي عن جماعة؟ (1)
الأقوى ذلك، لظواهر بعض الأخبار (2)، ولا ينافيه الأمر بالإنصات (3)، بناء
على كونه بمعنى الاستماع كما حكاه في كنز العرفان عن المفسرين (4)، لأن
الذكر سيما الخفي منه لا ينافي الاستماع، كما يرشد إليه قوله عليه السلام: " فأنصت
وسبح في نفسك " (5). نعم لو جعل بمعنى السكوت كان الذكر منافيا له، إلا أن
الظاهر أن المراد حينئذ ولو بقرينة الأخبار المجوزة للذكر (6) هو السكوت عن
القراءة لا السكوت المطلق.
ثم إن الظاهر من إطلاق النصوص والفتاوى الحكم بسقوط القراءة
هي القراءة المعينة المختصة بالأولتين من كل صلاة.
وأما ما عداهما من الركعات فالظاهر بقاء حكمها على حالها من
التخيير بين التسبيح والقراءة مع أفضلية الأول، لإطلاق ما دل على
الوجوب التخييري (7) الشامل للمنفرد والمأموم، وعدم صلاحية ما سيذكر

(1) منهم المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3: 302، والمحدث البحراني في
الحدائق 11: 136، والمحقق النراقي في المستند 8: 92.
(2) راجع الوسائل 5: 425 - 426، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الأحاديث
2 و 4 وغيرهما.
(3) كما في الآية 204 من سورة الأعراف، والوسائل 5: 422 - 423، الباب 31 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3، 5 و 6.
(4) كنز العرفان 1: 195.
(5) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(6) انظر الوسائل 5: 425، الباب 32 من أبواب الجماعة.
(7) راجع الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة في الصلاة.
372

مقيدا له.
مضافا إلى مفهوم الحصر النافي لضمان الإمام عن المأموم سوى القراءة
الظاهرة - بنفسها وبقرينة الضمان وبقرينة سائر الأخبار المتضمنة لسقوطها -
في القراءة المعينة المستقرة في ذمة المكلف المبدل عنها في الأولتين بقراءة
الإمام، فيبقى غيرها في ذمة المكلف.
خلافا للمحكي عن صريح الحلي (1) وظاهر السيد (2) واختاره بعض
مشائخنا المعاصرين (3)، لوجوه أقواها: إطلاقات سقوط القراءة عن
المأموم (4)، وخصوص صحيحة زرارة حيث قال - بعد الحكم بالنهي عن
القراءة في الأوليين -: إن " الأخيرتين تبع للأوليين " (5)، وصحيحة ابن يقطين
في الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام (6).
وضعف الأول واضح، لوضوح انصراف المطلقات من تلك الأخبار
ولو بقرينة مقيداتها في القراءة المعينة، وهذا واضح لا سترة فيه.
وأما صحيحة زرارة الحاكمة بتبعية الأخيرتين للأولتين، فهي محمولة
على الاستحباب، بمعنى أفضلية التسبيح من القراءة، لأن النهي عن القراءة

(1) السرائر 1: 284.
(2) رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثالثة): 41، وحكاه عنه المحقق النراقي في
المستند 8: 86.
(3) وهو المحقق النراقي في المستند 8: 86.
(4) راجع الوسائل 5: 421، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) الوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(6) الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 13.
373

في الأوليين إن حمل على الحرمة فلا ريب أن الأخيرتين لا يتبعانهما،
لاعتراف المستدل بجواز القراءة وإن لم يوجبها ولو تخييرا، وإن حمل على
الكراهة فلا مضايقة في تبعيتهما لهما، إذ لا ينافي وجوب القراءة تخييرا
كراهتها، بمعنى أرجحية غيرها أعني التسبيح، فتأمل.
وأما صحيحة ابن يقطين، فقد عرفت أنها محتملة لإرادة الأولتين من
الإخفاتية والأخيرتين من كل صلاة، وعلى تقدير إرادة الأخيرتين
فالسكوت فيها محمول على السكوت عن القراءة.
وعلى تقدير الإغماض فهي لا تعارض الأخبار الكثيرة الدالة على
وجوب القراءة تخييرا.
وأضعف من القول المذكور القول بحرمة القراءة، وهناك أقوال
أخر.
واحترز المصنف قدس سره بالمرضي عن الإمام الغير المرضي، فإنه يجب
القراءة خلفه، لاختصاص أدلة السقوط بما إذا كان خلف المرضي، مضافا
إلى عموم أن الأئمة المخالفين بمنزلة الجدر (1)، نعم يعذر المأموم في ترك الجهر
في الجهرية اتفاقا فتوى ونصا، وفي بعض الروايات: " يكفيك مثل حديث
النفس " (2).
ولو لم تدرك القراءة تامة فهل يقطعها ويركع أم لا؟ وجهان، من
عمومات عدم السقوط خلفهم (3)، ومن بعض الروايات المجوزة للدخول معهم

(1) الوسائل 5: 429، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.
(2) الوسائل 5: 428، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(3) الوسائل 5: 427، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة.
374

راكعين (1).
وهل يشترط في الصلاة معهم عدم المندوحة أم لا؟ قولان، والأول
أقوى.
وأما الأخبار المرغبة للصلاة معهم وشهود جنائزهم وعيادة
مرضاهم (2) فهي واردة في تلك الأزمنة (3) حيث إنه لم يكن يندفع كيدهم عن
الشيعة إلا بهذه الأمور الموجبة لعدم معرفة تشيعهم لئلا يؤخذ برقابهم كما في
بعض الأخبار (4)، أو لعدم تأكيد العناد مع أئمة الشيعة كما يؤمي إليه رواية
الصادق عليه السلام في قوله: " رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه " (5).
* (ويجب) * (6) على المأموم * (التبعية) * (7) للإمام في الأفعال بلا خلاف،
وحكاية الإجماع عليه مستفيضة (8)، والأصل فيه - قبله - قوله صلى الله عليه وآله وسلم

(1) الوسائل 5: 431، الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(2) الوسائل 5: 381، الباب 5 من أبواب صلاة الجماعة، و 477، الباب 75 من
أبواب صلاة الجماعة، و 8: 398، الباب الأول من أبواب أحكام العشرة.
(3) " الأزمنة " من هامش " ط " فقط.
(4) الوسائل 3: 101، الباب 7 من أبواب المواقيت، الحديث 3.
(5) الوسائل 5: 477، الباب 75 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(6) سيأتي بحث المؤلف قدس سره عن وجوب التبعية للإمام في الصفحة 485 بصورة
أخرى.
(7) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 485 و 606.
(8) حكاه الشهيد في الذكرى: 274، والشهيد الثاني في الروضة 1: 800، والسيد
العاملي في المدارك 4: 326، والمحدث الكاشاني في المفاتيح 1: 162، وغيرهم، انظر
مفتاح الكرامة 3: 459.
375

فيما حكي عن مجالس الصدوق وغيره واشتهر في ألسنة الفريقين: " إنما جعل
الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد
فاسجدوا " (1).
وفي الآخر المروي أيضا فيه وفي غيره: " أما يخشى الذي يرفع رأسه
والإمام ساجد أن يحول الله رأسه رأس حمار " (2).
وهذا كله مضافا إلى أن التبعية مأخوذ في مفهوم الائتمام والاقتداء
والمعية، بل جميع ما يعتبر في الجماعة شرط لانعقادها خارج عن مفهومها إلا
هذا الأمر حيث إنه مأخوذ في مفهومها.
ثم إن المشهور كما قيل (3) في معنى التبعية هو عدم التقدم الصادق مع
المقارنة، وبه صرح في الذكرى (4)، نظرا إلى أن المفهوم منها عرفا هو ربط
المأموم فعله بفعل الإمام بحيث يلتزم أن لا يتقدم عليه، فيراقبه في الأفعال،
ولا يتوقف صدقها على تأخر فعل المأموم حسا، كما يقال لرجلين أحدهما
يتحرك بإرادة (5) مستقلة والآخر يتحرك كحركته مراقبا إياها مجتنبا عن
التقدم عليه: إن الأول متبوع والثاني تابع وإن تقارنا في الحركة.

(1) حكاه المحقق النراقي في المستند 8: 94، وانظر كنز العمال 8: 278، الحديث
22910، وانظر الأمالي: 264، الحديث 10، وقد تقدم في الصفحة 349، وسيأتي في
الصفحة 414.
(2) السنن الكبرى للبيهقي 2: 93، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام.
(3) قاله السيد الطباطبائي في الرياض 4: 314، والمحقق النراقي في المستند 8: 96.
(4) الذكرى: 274.
(5) في " ق ": بإرادته.
376

ولو سلم أن التأخر مأخوذ في مفهومها أو في منصرفها لكن
الإجماعات المحكية (1) مختصة بوجوبها بالمعنى المشهور، ولا يجوز التمسك
بظاهر لفظ التبعية الواردة في عبائر الإجماعات بعد إرادة معظم المجمعين - كما
قيل (2) - منها عدم التقدم، كما لا يخفى.
نعم، أول النبويين المتقدمين ظاهر في التأخر من جهة قوله: " فإذا كبر
فكبروا... إلى آخر الرواية "، لا من أجل إفادة الفاء للتعقيب كما قيل (3)،
حتى يقال عليه: إن الفاء الجزائية لمجرد الترتب والتأخر بالمعلولية لا التعقيب
والتأخر الزماني، بل لأن الأمر بالتكبير والركوع والسجود مترتب على
تحقق هذه الأفعال من الإمام، كما يستفاد من إتيان الشرط بصيغة الماضي في
هذا وأمثاله.
وأما مثل قوله: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا) (4) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم
في تلك الرواية بناء على بعض الروايات - بعد قوله: " فإذا كبر فكبروا " -:
" وإذا قرأ فأنصتوا " (5)، فهو ليس نقضا على ما ذكرنا كما توهم، نظرا إلى أن
المراد بالقراءة ليس قراءة المجموع، بل مطلق القراءة، ولا يخفى أن الاستماع

(1) تقدمت الإجماعات المحكية في الصفحة 375.
(2) لم نعثر عليه بعينه، نعم نسبه في المستند 8: 96، إلى المشهور وقال: بل لم أعثر
على مصرح بخلافه في الأفعال.
(3) قاله السيد الطباطبائي في الرياض 4: 314، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة
3: 460.
(4) الأعراف: 204.
(5) كنز العمال 7: 603، الحديث 20465.
377

متأخر عنها أيضا، وبعد التنزل فالقرينة هنا قائمة على خلاف الظاهر كما في
قوله: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ) (1)، و (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) (2)،
وقوله: (أهلكناها فجاءها بأسنا) (3).
هذا كله، مضافا إلى ما سيأتي من أن تكبير المأموم لا بد وأن يكون
متأخرا عن الإمام عند المشهور، فتعين إرادة التأخر من قوله: " فإذا كبر
فكبروا " ويتعين حينئذ إرادة ذلك أيضا من الفقرتين الأخيرتين، إما لوحدة
السياق وقبح إرادة التفكيك من غير قرينة، وإما لأن الحكم بالتأخر في
التكبير فرعه صلى الله عليه وآله وسلم على وجوب الائتمام، فيحكم به في غير التكبير
أيضا مما ذكر في الرواية ومما لم يذكر، سواء في ذلك الأفعال والأقوال إلا
ما خرج بالدليل، فتصير الرواية حينئذ قاعدة في وجوب تأخر أفعال
المأموم وأقواله عن الإمام، كما لا يخفى على من لاحظ مؤدى تفريع التأخير
في التكبير على الائتمام.
اللهم إلا أن يقال: إن الرواية مسوقة لبيان عدم جواز التقدم، فيكون
المقصود أن لا يكبر قبل تكبيره ولا يركع قبل ركوعه ولا يسجد قبل
سجوده، والتعبير عن مثل هذا بهذا إنما هو من جهة أن مراعاة عدم التقدم
الواجب لا يحصل غالبا إلا بالتأخر.
يدل على ذلك تفريع هذه الأحكام على الائتمام الذي قد عرفت أنه
يحصل عرفا بمجرد البناء على ربط فعله بفعل غيره بحيث لا يسبقه في الفعل

(1) النحل: 98.
(2) المائدة: 6.
(3) الأعراف: 4.
378

ولا يتعدى عنه، وحينئذ فحكم التكبير وأنه لا يكتفى فيه بمجرد عدم التقدم
كما سيأتي يستفاد من خارج.
ثم إن الظاهر أن أصل فضيلة الجماعة لا تفوت عن المأموم، لعدم
تأخير أفعاله عن الإمام وإن أمكن أن تنقص، بل لا استبعاد في أن يفوت
عنه بذلك تضاعف الصلاة الذي صرح به في المستفيضة (1) من الأخبار
بدعوى اختصاصها ببعض أفراد الاقتداء.
نعم لا يجوز في العقل فوت الفضيلة المترتبة على امتثال الأمر
الاستحبابي المتعلق بصلاة الجماعة مع فرض صحتها مع مقارنة المأموم للإمام
في الأفعال، والفضيلة لا تنحصر في تضاعف الصلاة، فلا منافاة حينئذ بين فوت
تضاعف الصلاة وثبوت أصل الثواب المترتب على إطاعة الأمر الاستحبابي.
نعم فوت التضاعف مع إطلاق أخباره لا دليل عليه سوى ما حكي
عن الصدوق (2) من أن المأموم المقارن يكتب له صلاة واحدة، وهو لا يقاوم
الإطلاقات الكثيرة.
وبما ذكرنا يندفع ما أورد (3) على الصدوق وثاني الشهيدين في
الروض (4) من أنه لا يجتمع فوات فضيلة الجماعة مع صحتها وموافقتها
للأوامر المتعلقة، إلا أن يريدا فوات أصل الفضيلة لا خصوص التضاعف،
وهو بعيد عن كلامهما ومرامهما.

(1) الوسائل 5: 370، الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة وغيره من الأبواب.
(2) نقله في الذكرى: 279.
(3) لم نعثر على المورد.
(4) انظر الروض: 373.
379

وهل المتابعة شرط في صحة الجماعة أو واجبة تعبدا لا تفسد الجماعة
بالإخلال بها؟ قولان:
من ظهور أول النبويين المتقدمين (1) المنجبر بقاعدة توقيفية العبادة.
ومن أصالة بقاء الجماعة بعد الإخلال بها وعدم المخرج عنها، لأن
عمدة أدلة وجوب المتابعة هو الإجماع، وقد حكي عن المشهور (2) عدم
اشتراطها في الجماعة حيث قالوا بعد حكمهم كالمصنف قدس سره بأصل وجوبها:
* (فإن تقدم) * المأموم على الإمام * (عامدا استمر، وإن لا (3)) * يكن متعمدا
* (رجع وأعاد مع الإمام) *.
ويمكن منع الأصالة المذكورة: بأن الجماعة إن أخذت صفة واحدة
لمجموع الصلاة فلا تتحقق قبل تحقق مجموع الصلاة حتى يقال الأصل بقاؤها،
بل مقتضى قاعدة التوقيفية هو أن لا تتصف الصلاة بالجماعة إلا إذا تحقق
المتابعة في جميع أفعالها التي توجد بعد المتابعة.
وإن لوحظت صفة مستمرة باستمرار الصلاة فلا شك في انقطاعها
بمجرد تعدي المأموم عن الإمام، ولهذا لو مضى على هذا التعدي إلى آخر
الصلاة بطلت الجماعة، بل الصلاة، فعودها يحتاج إلى دليل.
ودعوى عدم انقطاعها بمجرد التقدم ولو كان عمدا فيما إذا قصد
المتابعة في بقية الأفعال ظاهرة الفساد.

(1) تقدما في الصفحة 375 - 376.
(2) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 4: 316، وصاحب الجواهر في الجواهر 13:
210.
(3) في الإرشاد: استمر حتى يلحقه الإمام وإلا.
380

اللهم إلا أن يقال: إن الجماعة والاقتداء والائتمام لا ينقطع عرفا بمجرد
تقدم المأموم في فعل واحد مع عدم قصد المفارقة، بل لا بد في انقطاعها إما
من قصد الانفراد، وإما من التقدم في أفعال متعددة بحيث يخل بالاقتداء
عرفا وإن لم يقصد الانفراد. وأما مجرد تقدمه في فعل واحد مع عدم قصد
الانفراد فلا يضر بالاقتداء والمتابعة، ولهذا يذم على التقدم إذا عرف منه نية
الاقتداء، ولا يذم على العدول عن أصل الاقتداء، نعم لو قصد من أول
الصلاة التقدم في بعض الأفعال لم يجز، بناء على أنه مخل بالعزم على الاقتداء
في جميع الأفعال.
ونظير التقدم في فعل أو أزيد بحيث لا يفوت معه صدق القدوة
عرفا (1) التأخر عنه فيما سيجئ من جواز التأخر عن الإمام بحيث لا يفوت
القدوة معه عرفا.
وقد يحكم مع التقدم عمدا ببطلان الصلاة، نظرا إلى تحقق الإثم بإتيان
الفعل متقدما على الإمام، والنهي يقتضي الفساد في الجزء المستلزم لفساد
الكل.
وقد يرد بمنع توجه النهي إلى ذات الجزء، بل إلى وصفه وهو التقدم،
فلا يحكم بالفساد، فتأمل.
[ويمكن أن يقال... بعدم الإثم في التقدم لعدم] (2) الدليل عليه عدا

(1) في النسخ إضافة كلمة " نظير "، والظاهر زيادتها.
(2) ما بين المعقوفتين ملفق من عبارة وقع الشطب عليها في " ق "، ويبدو أن
المؤلف قدس سره قد أعرض عن العبارة كلها، إلى قوله: " المتابعة في التكبير "، فإنها قد
وردت ضمن عبارات شطب على أكثرها.
381

التصريح به في كلام جماعة (1) كما فعله في الدروس حيث لم يذكره في جملة
الشروط، بل عنونه بعد استيفاء ذكرها بقوله: " وتجب التبعية " (2) وقريب منه
كلام الإرشاد (3) إلا أنه لا بعد أصلا في إرادة الوجوب الشرطي منها بقرينة
ضم وجوب المتابعة في التكبير.
وقد يمكن منع تحقق الإثم لولا الإجماع عليه (4)، لعدم الدليل عليه.
أما ثاني النبويين (5)، فلأن الظاهر منه إرادة التشبيه، كما ورد فيمن
التفت بوجهه في الصلاة يمينا وشمالا (6)، وأما [أولهما] (7) فدلالته على الشرطية
ظاهرة حيث جعل وجوب الركوع بركوع الإمام والسجود بسجوده من
متفرعات الائتمام الذي لا ريب في عدم وجوبه، فتأمل.
مضافا إلى أن الأمر بالتكبير بعد تكبيره ليس للوجوب، لما عرفت،
فليكن كذلك في أخويه.
والحاصل أنه لا دليل لهم على وجوب المتابعة بمعنى تحقق الإثم بتركها.

(1) منهم الشهيدان في اللمعة: 47، وروض الجنان: 374، والسبزواري في الذخيرة:
398.
(2) راجع الدروس 1: 221.
(3) الإرشاد 1: 272.
(4) كما يأتي نقله في الصفحة الآتية عن المدارك.
(5) وهو المتقدم في الصفحة 376.
(6) انظر الوسائل 3: 215، الباب الأول من أبواب القبلة، الحديث 6، وراجع أيضا
4: 1248، الباب 3 من أبواب قواطع الصلاة.
(7) في النسخ: " ثانيهما "، والصحيح ما أثبتناه، ثم إن هذا الحديث قد تقدم في
الصفحة 375 - 376.
382

وأما الإثم في التعدي من جهة عدم مشروعية الفعل المتعدى فيه، فهو
أمر تابع للوجوب الشرطي، ولا يحصل إلا بعد الحكم ببطلان ذلك، المستلزم
لبطلان الكل، لنقص الجزء إن اقتصر عليه، ولزيادته لو أعيد.
وأما الحكم بالإثم ابتداء من دون الشرطية - حتى يستلزم البطلان من
جهة حرمة الفعل أو من جهة عدم الأمر - فهو لم يقم عليه دليل واضح، نعم
ظاهر عبارة الذكرى نسبته إلى المتأخرين، بل ظاهر كلامه قبل هذه النسبة
اتفاق الكل عليه حيث قال: إن المأموم إذا ركع قبل الإمام وبعد تمام القراءة
أثم، وفي بطلان الصلاة قولان (1)، فإن ظاهر هذا الكلام أنه لا خلاف في
الإثم وأن الخلاف منحصر في البطلان، وفي المدارك (2) التصريح بالإجماع على
الإثم.
وكيف كان، فمستند المذهب المشهور - فيما ذهبوا إليه من صحة الصلاة
والاقتداء - ما ذكره في الذكرى من الأصل (3)، ولعله أراد أصالة بقاء
صحتهما، مضافا إلى جميع الأخبار (4) الواردة في مسألة تقدم المأموم المتفقة في
الدلالة على عدم فساد الصلاة والجماعة.
إلا أن يقال: بعدم دلالة الأخبار على الصحة مع التقدم عمدا، كما
ستعرف.
ويظهر من عبائر المعتبر (5) عدم الخلاف في الصحة، لأنه لم يذكر

(1) الذكرى: 274 - 275. وقد سقط فيه كلمة " بعد ".
(2) المدارك 4: 328.
(3) الذكرى: 275.
(4) انظر الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة.
(5) المعتبر 2: 421 - 422.
383

خلاف الشيخ، وإنما ذكر موافقة الشيخ في الحكم بلزوم الاستمرار مع التقدم
عمدا والعود مع التقدم لا عن عمد، وهذا كاشف عن موافقة الشيخ في
الصحة.
وأما ما حكي عن الشيخ (1) من أن من فارق الإمام لغير عذر بطلت
صلاته، فلعل المراد منه المفارقة رأسا، لا التقدم عليه بفعل أو فعلين مع
قصد بقاء القدوة، فلا مخالف في المسألة ولا قائل بالشرطية.
وأما من يقول (2) ببطلان الصلاة لأجل النهي، فهذا ليس قولا
بالشرطية، بل هو من جهة اقتضاء وجوب المتابعة تعبدا، لحرمة التقدم
فيحكم بالفساد.
وفيه: - مع ما عرفت من أن النهي لأمر خارج - أن هذا لا يتم فيما لو
تقدم في الرفع عن الركوع ولم يصل إلى حد القيام الواجب أو عن السجود
أو عن الجلوس، فإن هذه مقدمات لأفعال الصلاة، ولا تبطل بإتيانها على
الوجه المحرم.
وكيف كان، فالظاهر أن القول باشتراط التبعية وبطلان الصلاة أو
الجماعة بالتقدم الذي يبدو للمأموم في أثناء الصلاة ضعيف مخالف للأصل
وعمومات (3) الجماعة - بناء على ما ذكرنا من أن التقدم بفعل أو فعلين
لا يقدح في صدق الجماعة - وللأخبار المستفيضة الآتية.
نعم لو عزم على التقدم في ابتداء الصلاة فلا يعلم ذهاب المشهور إلى

(1) المبسوط 1: 157، وحكاه عنه في الذكرى: 275.
(2) وقال في الذكرى: ولعله للنهي ما قاله في المبسوط، وانظر المستند 8: 98.
(3) في " ق " و " ن ": العمومات.
384

الصحة هنا، لأن ظاهر كلامهم في وجوب المتابعة هو أنه بعدما صار مأموما
باستجماع الشرائط المعتبرة في الجماعة، فيجب عليه متابعته في الأفعال،
[ومعلوم] (1) أن الوجوب التعبدي لا يتحقق على المأموم ما لم يدخل في
الجماعة، والأخبار الآتية أيضا لا تدل على الصحة، لأنها ظاهرة فيما إذا اتفق
التقدم في الأثناء، ولا يعم ما إذا نواه في الابتداء، بل يظهر من كلامهم في
بحث صلاة الآيات في جواز الاقتداء بالإمام مع سبقه بركوع وحكمهم بعدم
جواز الاقتداء، لأنه لو قضى الركوع بعد ركوعات الإمام لزم أن يتأخر
عن سجود الإمام، ولو لم يقضه لزم الإخلال بالركوع، فإن حكمهم بعدم
جواز التأخر ليس إلا من جهة المتابعة، وهو يستلزم عدم التقدم بطريق
أولى، ولا يجمع بين كلامهم هناك وكلامهم هنا المصرح فيه بجواز التقدم
والتأخر بركن إلا بإرادة العزم على ترك المتابعة في الأثناء هناك وترك
المتابعة من باب الاتفاق هنا (2)، فيندفع ما أورده صاحب الحدائق (3) على
الشهيد (4) والعلامة (5) من التناقض بين كلامهم هنا وكلامهم هناك.
ثم (6) إنك قد عرفت أن الجواب في هذه الأخبار لا يحمل على العموم
بالنسبة إلى صورة التقدم عمدا، إما لأن مورد السؤال بحكم الغلبة منصرف

(1) الزيادة اقتضاها السياق.
(2) لم ترد " هنا " في " ق ".
(3) انظر الحدائق 10: 342 - 344، و 11: 146.
(4) انظر الذكرى: 248 و 276.
(5) انظر التذكرة 4: 185 و 347.
(6) ورد في أول هذه الصفحة عبارة: " إلى الاستحباب "، ولا يعلم موضعها.
385

إلى غير هذه الصورة، وإما لأن الإجماع منعقد على عدم خروج صورة
السهو عنها، إذ لا قائل بوجوب العود مع العمد فهي كالنص في عود
الناسي، فيختص بها عموم موثقة غياث (1) المتقدمة، لكن لا يخفى ضعف هذا
الوجه، نظرا إلى أن نصوصية العام بالنسبة إلى بعض الأفراد لا تجدي في
معارضته مع دليل مبائن له.
فالأولى: أن يحكم بترجيحها على الموثقة المرجوحة بالنسبة إليها من
وجوه متعددة.
ثم إنه لو عاد المتعمد، فالظاهر بطلان صلاته من أجل الزيادة.
وأما الناسي إذا أخل بالعود ففي صحة صلاته قولان (2): من أنه قد
أتى بما يجب عليه من الجزء ووجوب العود إنما هو لأجل وجوب المتابعة،
وقد عرفت أنه تعبدي لا يخل تركه بالجماعة ولا بالصلاة، ومن أن ظاهر
الأمر بالعود - سيما بعد السؤال عن وجوبه - هو اعتباره في الصلاة، بل إنه
الجزء وإن قلنا بوجوب المتابعة في نفس الأجزاء تعبدا.
وهل يعتبر الذكر في الركوع والسجود المعادين؟ الأقوى الوجوب فيما
إذا تقدم فيهما، وعدمه فيما إذا تقدم في الهوي (3) عنهما.
وحينئذ فلو نسي الذكر في الأول فهل يجب في الثاني أم لا؟ وجهان:
من أنه واجب مستقل مغاير لواجب الصلاة فقد تجاوز محل الذكر، ومن أنه

(1) الوسائل 5: 448، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(2) اختار البطلان السيد العاملي في المدارك 4: 329، وقال: والأول أظهر، وقوى
صاحب الجواهر في الجواهر 13: 216 الصحة تبعا للدروس والبيان والموجز وغيرها.
(3) كذا، والظاهر أن المراد " الرفع عنهما ".
386

من تتمة الواجب فيتلافى فيه ما فات في الأول. وهذا أقوى، لأن الظاهر
عدم مضي محله.
ولو شك المأموم بين الاثنين والثلاث قبل العود حينئذ شكا سوى شك
الإمام ولا جامع بينهما فهل يحتسب (1) شكا بعد إكمال السجدتين أم قبله؟
وجهان، أقواهما الأول، لأن العود من تمام الركعة.
ولو نسي هذا الركوع فيحكم ببطلان صلاته أم لا؟ وجهان، مبنيان
على أن الركوع الواجب هو الأول، أم الثاني. والأقوى الأول، إذ لو سلم
الدليل على جزئية الثاني فلا دليل على ركنيته.
ثم إنه بعد ما تذكر في الركوع أنه ركع قبل الإمام، فهل يجوز الذكر
أم لا؟ وجهان، مبنيان على أن جزء الصلاة هو الأول أو الثاني. والتحقيق
أنه ليس له الذكر، إما لعدم كونه الجزء، وإما للزوم اشتغاله عن المتابعة
الواجبة بسبب الطمأنينة في الركوع للذكر.
ولو نسي الإمام والمأموم التشهد فقاما فركع المأموم قبل الإمام عامدا
ثم ذكر الإمام، قعد الإمام ولم يقعد المأموم.
ولو ركع ناسيا، فهل يعود المأموم إلى التشهد بعدما قام أم لا؟
وجهان مبنيان على أن المحسوب جزءا هو الأول فقد ذكر التشهد بعد
الركوع، أم الثاني ليكون قد ذكره قبله.
ومما يتفرع على ذلك أيضا: أنه لو ركع سهوا ثم قام للمتابعة ونوى
الانفراد، فهل يجب عليه الركوع الثاني أم لا؟ فإن قلنا بوجوب الركوع
عليه لأن السابق لم يكن محسوبا جزءا، فيجب عليه القراءة لو كان ركوعه

(1) في " ن " و " ط ": يجعل. وفي " ق ": مشكوك.
387

الأول قبل قراءة الإمام، أما لو ركع عمدا قبل قراءة الإمام فالظاهر بطلان
الصلاة، لأنه لم يأت بالقراءة ولا بمسقطها، مع احتمال الصحة بناء على
إطلاق أدلة ضمان الإمام، إذ المفروض بقاء القدوة وأن الظاهر أن الانتصاب
والطمأنينة الواجبين حال القراءة ساقطة (1) بسقوطها، فلا يقال: إنه تركهما
عمدا فيبطل بذلك.
ولو اتفق السهو مرات متعددة فيجب العود ما لم يحصل ما يوجب محو
صورة الجماعة أو الصلاة، وإلا فيبطل ما محيت صورته.
ولو سها فتقدم بأزيد من ركن بأن ركع ثم سجد ثم قام، فأما مع
التعمد فحكمه الاستمرار بناء على عدم اقتضاء النهي للفساد، وأما مع السهو
فالظاهر صحة الصلاة ما لم تمح صورة الاقتداء فيعود ويتدارك ما تقدمه
متابعا.
واعلم أن العود في صورة التقدم بالرفع إنما يجب مع العلم أو الظن
بإدراك الإمام في الحالة الأولى، لأن الأمر به: إما من جهة المتابعة كما
استدل به عليه في المعتبر (2) فحيث يعلم بعدم التمكن منها فلا يجب، وإما من
جهة الأخبار فلأن في بعضها الصحيح قوله: " يعيد الركوع معه " (3)، وهو
الظاهر المتبادر من غيره أيضا.
وإما لاستلزامه التأخر عن الإمام، بناء على أن مطلق التأخر لا يجوز
كما ستعرف من كلام العلامة في المنتهى.

(1) كذا، والصحيح: ساقطان.
(2) المعتبر 2: 422.
(3) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2 و 3.
388

اللهم إلا أن يقال: وجوب العود عذر فيسقط معه حرمة التأخر.
وأما ما إذا تقدم في الفعل، فالظاهر أنه كذلك لا يجب العود إلا إذا
علم أو ظن الإدراك، لما عرفت من أن الأصل بعد ما ثبت عدم شرطية
المتابعة هو عدم وجوب الإعادة، خرج منه المتيقن وهو ما إذا علم أو ظن
الإدراك، لأنه ظاهر مورد موثقة ابن فضال (1) المتقدمة الوارد في التقدم
سهوا في الفعل. والتعدي عنه لا يكون إلا بالإجماع المركب، المفقود إلا في
مماثله وهو ما إذا تقدم في السجود وعلم أنه لو رفع رأسه يدرك ابتداء
السجود معه.
نعم، لو بنينا على أن المحسوب جزءا هو الركوع الثاني دون الأول،
نظرا إلى أن المتابعة وإن لم تكن شرطا مع التعمد إلا أنه شرط إذا بنى
المأموم عليها، فلو سها وتقدم لم يكن آتيا بما أمر به، فيجب عليه العود وإن
لم يدرك المتابعة مع الإمام.
وفيه: أن الحكم بعدم الاعتداد بالأول، وكون الثاني جزءا إنما يتم مع
تحقق الأمر بالعود، وقد عرفت أن المتيقن منه هو ما إذا أدرك المتابعة.
واعلم أنه كما يعتبر في تحقق المتابعة الواجبة نصا وفتوى عدم التقدم،
كذلك الظاهر أنه يعتبر فيها عدم التأخر الزائد عن المتعارف.
ويدل على ذلك: جميع ما دل على وجوب المتابعة من الإجماعات
المتقدمة والنبوي المتقدم، وما سيجئ من إطلاق عدم جواز مفارقة الإمام
من دون عذر أو نية الانفراد وظهور عدم الخلاف من عبائر جماعة.
مضافا إلى ظهور عدم الخلاف في خصوص المسألة خلافا لمن نسب

(1) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
389

إلى الشهيد في الذكرى الجواز، كما يظهر من كلام صاحب الحدائق (1) وبعض
مشائخنا المعاصرين (2).
وزاد الأول، فأورد على الشهيد بأن هذا مناقض لما يظهر منه في باب
صلاة الآيات من عدم جواز دخول المأموم فيما إذا سبقه الإمام ببعض
الركوعات، لاستلزامه التخلف عن الإمام لو أتى بباقي الركوعات لنفسه ثم
سجد والتحق بالإمام في القيام.
والظاهر أن تلك النسبة غير صحيحة، فلا يتوجه الإيراد، إذ لا يظهر
من كلام الشهيد في الذكرى (3) في باب الجماعة إلا أن التأخر بركن أو ركنين
لا يبطل القدوة عندنا، وظاهر هذا نفي اشتراط عدم التأخر، إذ ليس بأولى
من عدم التقدم، ولا يظهر منه عدم حرمته.
وكيف يمكن أن ينسب الحكم بعدم الحرمة إلى الأصحاب كما يشعر به
قوله: " عندنا " مع عدم تصريح أحد ممن تقدمه بالجواز؟! بل ظاهرهم
العدم، حيث أطلقوا القول بوجوب المتابعة، بل ظاهر عبارة الذكرى عدم
الخلاف في المنع، حيث قال في مسألة صلاة الآيات المتقدمة (4) - عند الجواب
عن الإيراد الذي أورده على نفسه، وهو أنه: أي مانع من التخلف عن
الإمام في السجود؟ - بما ظاهره: أن الفقهاء بين من لا يسوغ التخلف أصلا،
وبين من يسوغه لعذر.

(1) الحدائق 11: 145 - 146.
(2) المستند 8: 107.
(3) الذكرى: 276.
(4) انظر الذكرى: 248.
390

وكيف كان، فيدل على عدم الجواز - مضافا إلى ما ذكر - الأخبار
المستفيضة (1) الواردة في مسألة المأموم المسبوق، أنه إذا لم يمهله الإمام ولم
تدرك السورة أجزأته الفاتحة.
وقد يمنع دلالتها بأن التخلف وإن لم يكن حراما إلا أنه لا مانع من
كونه عذرا في ترك السورة، وهذا المنع وإن كان لا يخلو عن نظر بل منع إلا
أن التعويل في أصل الحكم على إطلاقات إجماعات المتابعة مع النبوي
المتقدم.
وأما ظهور عدم الخلاف في عدم جواز المفارقة، ففي شموله للمقام
تأمل، لاحتمال بل ظهور إرادة خصوص المتقدم أو إرادة المفارقة رأسا، نعم
في رواية ابن الحجاج في المأموم المسبوق (2): - من أن " المأموم يقعد قليلا في
ركعته الثانية وثالثة الإمام بقدر التشهد ثم يلحق الإمام " - ما يشعر بعدم
جواز التأخر، فتأمل.
وكيف كان، فالظاهر أن المراد بالتأخر المحرم هو التأخر الكثير الذي
يسلب معه المتابعة عرفا كالتأخر عن الركوع والسجود والجلوس والقيام
حتى يفرغ الإمام عنها، ولا عبرة بالتأخر القليل كأن يلحق بالإمام في آخر
واحد من الأفعال المذكورة، أو يتأخر عنه بالنسبة إلى الأفعال القصيرة
كالقيام والطمأنينة بعد الركوع والجلسة بين السجدتين، فلا يقدح التأخر إلى
أن يفرغ الإمام منها.

(1) الوسائل 5: 445، الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4. ولم نعثر على
غيره، ولعله يدل عليه ما في الباب بعمومه.
(2) الوسائل 5: 445، الباب 47 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2، نقلا بالمعنى.
391

وحينئذ فما حكي عن المنتهى (1) من أنه لو ترك الإمام جلسة
الاستراحة بناء على ندبها فنهض فلا يجوز للمأموم أن يفعلها، لأن المتابعة
واجبة فلا يشتغل عنها بسنة، محل نظر، لعدم الدليل على المتابعة، بمعنى
فورية وجوب الاشتغال بما يدخل فيه الإمام، وترك المندوب واختصار
الواجب لإدراك أول جزء الفعل معه، بل الدليل من أصالة الصحة والسيرة
القطعية وإطلاقات أدلة تلك المندوبات يقتضي العدم.
هذا بالنسبة إلى الأفعال، وأما بالنسبة إلى الأقوال:
فأما التكبيرة منها، فالظاهر عدم الخلاف في أنها كالأفعال في وجوب
المتابعة فيها، وحكاية (2) الإجماع عليه مستفيضة، مضافا إلى أصالة عدم
مشروعية الدخول، والنبوي: " إذا كبر فكبر " (3).
وهل تجوز المساواة فيهما؟ قولان: أقواهما العدم وعليه المعظم،
للأصل والنبوي المتقدم، وقد يتوهم من رواية علي بن جعفر: - " لا يكبر
إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد التكبير " (4) - جواز المساواة، وهو ضعيف.
وأما غير التكبيرة، فسيجئ الكلام في التسليم، ويمكن أن يكون
الكلام في التكبير والتسليم خارجا عن الأقوال من جهة أن الكلام فيها من
جهة الدخول والخروج فيها من قبيل الفعل في الحقيقة.
وكيف كان، فالمعظم على عدم وجوب المتابعة فيها، وهو الأقوى،

(1) المنتهى 1: 379، وراجع الجواهر 13: 204.
(2) كما في الحدائق 11: 139، والرياض 4: 314، والمستند 8: 95، وانظر مفتاح
الكرامة 3: 459.
(3) راجع الصفحة 376.
(4) الوسائل 2: 792، الباب 16 من أبواب صلاة الجنازة، الحديث الأول.
392

للأصل، وعدم إخلاله بصدق الائتمام عرفا على الظاهر، مع أنه يكفي الشك.
ويؤيده عدم وجوب الجهر في تلك الأقوال على الإمام، فإنه يكشف
عن عدم وجوب المتابعة المأموم، ولا يتوهم وجوب التبعية من جهة
إطلاقات الإجماعات المنقولة بعد ذهاب معظم المجمعين إلى عدم وجوب
المتابعة في الأقوال (1).
وهل تجب المتابعة في الأفعال المستحبة؟ وجهان: من عموم أدلة
المتابعة من غير تناف بين وجوبها واستحباب أصل الفعل، ومن عدم
انصراف النص والفتوى إلى غير الواجبات، فيبقى الأصل سليما عن الوارد،
وإنما يجب متابعة الإمام في الأفعال الواجبة عليهما، فلو أتى الإمام سهوا
بفعل في غير محله لم يجب متابعته، وكذا لو أتى بما يجب عليه دون المأموم
كالتشهد في الركعة الثانية التي هي الأولى للمأموم وكالتسليم في أخيرته، بل
يقوم المأموم عند تسليمه أو بعده ويتم صلاته.
* (و) * لذا * (لا يجوز للمأموم المسافر المتابعة للحاضر) * بعد التشهد
الأول، * (بل يسلم إذا فرغ قبل الإمام) *، وهذا كله واضح.
* (و) * كذا يجب وجوبا شرطيا * (نية الائتمام) * (2)، فلو لم ينوه لم تنعقد
الجماعة إجماعا محققا ومحكيا (3) حد الاستفاضة.

(1) كما ذهب إليه المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة 3: 306، والسيد العاملي في
المدارك 4: 326، وصاحب الجواهر في الجواهر 13: 208، ونسبه في مفتاح الكرامة
3: 459 نسبته إلى الأكثر.
(2) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 517.
(3) حكاه العلامة في النهاية 1: 125، والتذكرة 4: 263، والشهيد في الذكرى:
271، وانظر الرياض 4: 320، والجواهر 13: 230.
393

ويدل عليه: مثل قوله: (لكل امرئ ما نوى) (1)، وقوله عليه السلام: " إنما
جعل الإمام إماما ليؤتم به " (2)، إذ الظاهر أن الائتمام لا يتحقق بدون القصد،
فإن مجرد المتابعة الصورية لا تكفي في صدق الائتمام عند أهل العرف إذا
اطلعوا على عدم القصد إليه. نعم لو بنى على الائتمام بعد التحريم فهو ائتمام
حقيقة، لكنه حدث في الأثناء بعد انعقاد الصلاة على الانفراد، فيبنى على
جواز العدول عنه وسيجئ.
وكيف كان، فالظاهر كما صرح به في الذكرى (3) أنه لو لم ينو الاقتداء
عند نية الصلاة كان منفردا وجب عليه القيام بوظائف الانفراد، ولا يقدح
معه البناء على متابعة الإمام في مجرد الحركات، لا البناء على الاقتداء فإنه
عدول، لكن بشرط أن لا يفضي تلك المتابعة الصورية إلى الإخلال بما يعتبر
في صلاة المنفرد.
وهل يجوز التبعيض في المنوي بأن ينوى الائتمام ببعض الركعات دون
بعض متصلة كالركعتين الأولتين أو منفصلة كالأولى والرابعة، أو لا يجوز
مطلقا، أو يجوز مع الاتصال ويبني مع الانفصال على العدول عن الانفراد؟
وجوه: أوسطها أخيرها.
* (و) * يعتبر أن يكون * (الائتمام لمعين (4)) * أي لإمام معين على وجه
الجزئي الحقيقي، فلا يكفي تعينه بعنوان كلي، ولا الجزئي الحقيقي الغير المعين
كأحد هذين على وجه الانتشار أو الإجمال ولا بهما معا.

(1) الوسائل 1: 35، الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 10.
(2) عوالي اللآلي 2: 225، الحديث 42.
(3) الذكرى: 271.
(4) في الإرشاد: ونية الائتمام للمعين.
394

والدليل على ذلك كله - بعد الإجماع -: انصراف أدلة الجماعة إلى غير
مثل هذه، ففيها منافاة لقاعدة توقيفية الجماعة من غير عموم أو إطلاق
يركن إليه (1).
ويكفي في التعيين التعيين بالإشارة الذهنية حتى لو جهل اسمه أو وصفه
أو تردد فيهما.
فلو نوى الاقتداء بالموجود الحاضر الذي تصوره في ذهنه مع تردده
في أنه زيد أو عمرو أو قصير أو طويل (2).
قالوا (3): ولو نوى الاقتداء بزيد باعتقاد أنه الشخص الحاضر فبان
عمروا لم تصح، وإن كان عمرو عادلا أيضا، لأن من قصد الاقتداء به لم
يقتد به ومن اقتدى به لم يقصده بالاقتداء.
أقول: إن تم إجماع في هذه الصورة على البطلان فهو المتبع، وإلا ففيما
ذكروه من وجه البطلان نظر، مرجعه إلى منع عدم تحقق قصد الاقتداء
بالنسبة إلى من اقتدى به.
أما أولا فلأنه لم ينو الاقتداء بزيد إلا بعنوان أنه هذا الشخص
الحاضر، لأنه إنما ربط فعله بالفعل الشخصي الصادر من الإمام الحاضر،
فالائتمام بمعنى هذا الربط إنما وقع قصده على زيد باعتبار أنه هذا الشخص
الحاضر، لا عليه من حيث هو، وإلا لم يصح الاقتداء، لأن الاقتداء لا يكون في

(1) لم ترد " إليه " في " ق " و " ن ".
(2) يبدو أن العبارة غير تامة، والمراد الحكم بالصحة في هذه الصورة.
(3) قاله العلامة في النهاية 1: 126، والشهيدين في الذكرى: 271 والروض: 375،
والروضة 1: 798، وانظر الجواهر 13: 234.
395

فعل شخصي صادر من شخص معين [فإذا اقتدى] (1) بزيد باعتبار [أنه
هذا الشخص الحاضر] (2) بهذه الصلاة الشخصية فقد أتى قصد الاقتداء من
اعتقاد اجتماع العنوانين أعني كونه زيدا وكونه هذا الشخص الحاضر، فيقال
حينئذ: إنه قصد الاقتداء بهذا الشخص الحاضر كما يقال: إنه قصد الاقتداء
بزيد، وليس القصد مقصورا على الاقتداء بزيد مع قطع النظر عن كونه هذا
الشخص الحاضر، فليس قصد الاقتداء بزيد من قبيل قصد فعل آخر متعلق
به من حيث هو مع قطع النظر عن (3) عنوان كونه شخصا حاضرا (4)، إذ
الاقتداء بأحد لا بد فيه من ملاحظة هذا العنوان.
وثانيا: لو تنزلنا عن دعوى مدخلية كونه هذا الشخص الحاضر في
قصد الاقتداء بزيد، وقلنا: إن المقصود هو الاقتداء بزيد من حيث هو، لكن
نقول: إذا اعتقد أن زيدا هو هذا الشخص الحاضر فقد قصد الاقتداء بزيد
من حيث هو أولا وبالذات، وقصد الاقتداء بهذا الشخص الحاضر ثانيا
وبالعرض من حيث إنه زيد، فإن قصد إيقاع فعل على عنوان يستتبع قصد
إيقاعه على عنوان آخر متحد معه في اعتقاد القاصد، فإن من قصد إهانة
زيد من حيث هو مع علمه بأنه ابن عمرو فأهان ابن عمرو، فيصدق أنه
قصد إهانة ابن عمرو ولو من حيث إنه زيد لا من حيث هو، فإذا تبين أن

(1) ما بين المعقوفتين لا يقرأ في " ق "، وفي " ن " فقط: " فا "، وفي " ط ":
" فا اقتوى ".
(2) ما بين المعقوفتين من نسخة " ط "، وكتب في هامش " ط " هكذا: " ظ ".
(3) قطع النظر عن: قد شطب عليه في " ط ".
(4) عبارة: " عنوان كونه شخصا حاضرا " قد شطب عليها في " ن ".
396

ابن عمرو لم يكن زيدا يصدق أنه أهانه بالقصد، ومثل هذا القصد التبعي
كاف في صحة الاقتداء، إذ لا دليل على اعتبار أزيد من أن الاقتداء
بشخص لا يصح إن وقع مجردا عن القصد المطلق.
ومن هنا يظهر بطريق الأولوية أن الوجه فيما ذكروه (1) - من أنه إذا
اقتدى بالشخص الحاضر على أنه زيد فبان عمروا بني على ترجيح الإشارة
أو الاسم - هي الصحة، لعدم تجرد الاقتداء بالشخص الحاضر عن القصد،
ولو قلنا في المسألة السابقة بالبطلان كان المتجه هنا - أي في مقام تعارض
الإشارة مع الاسم - هي الصحة أيضا، نظرا إلى أن مقتضى القاعدة في
تعارض الإشارة مع الاسم أو الصفة تقديم الإشارة، حيث إن المقصود
بالموضوعية هو مدلول الإشارة، وإنما يذكر الاسم أو الوصف من باب
القرينة المبينة للمشار إليه، الذي عينه المتكلم عند التلفظ بالإشارة، بل قبله،
وليس مذكورا لأن يكون موضوعا للحكم ومتعلقا له، لكن هذا مقتضى
ترك الإشارة مع الاسم، أو الوصف المذكور بعده.
وأما الأمر المخطر بالبال مع كون المذكور بعد الإشارة جزئيا حقيقيا
- لا مثل هذا الرجل وهذا العالم ونحوه - فلا تجري فيه القاعدة المذكورة،
لأن المخطر بالبال بعد الإشارة ليس من قبيل القرينة المبينة حتى تكون
الإشارة ممحضة للموضوعية كتمحض ما بعده للقرينية، إذ لا محاورة هناك
مع الغير، وحينئذ فيتجه التفصيل بين ما إذا قصد أولا وبالذات الاقتداء
بالشخص الحاضر، وإنما عنونه بكونه زيدا لاعتقاد أنه زيد فيصح الاقتداء،

(1) ذكره الشهيدان في الذكرى: 271 وروض الجنان: 375، والبحراني في الحدائق
11: 119، والسيد الطباطبائي في الرياض 4: 320، وانظر الجواهر 13: 235.
397

وبين العكس فيبطل بناء على القول بالبطلان في المسألة السابقة، وبين ما إذا
قصدهما على وجه سواء فيمكن الحكم بالصحة حينئذ من جهة تحقق القصد
إلى الحاضر في الجملة والحكم بالبطلان من جهة أن قصد الاقتداء بالحاضر
كما يؤثر في الصحة فكذلك قصد زيد الغائب واقعا بالاقتداء في هذه الصلاة
يوجب البطلان، ولا مرجح.
اللهم إلا أن يقال: إن قصد الاقتداء بزيد الغائب واقعا في هذه الصلاة
إنما يوجب البطلان لو اعتقد أو احتمل غيبته، دون ما إذا اعتقد حضوره
وأنه هو هذا الذي قصده بالاقتداء، فالصحة هنا أوجه، بل قد عرفت أن
الوجه الصحة في الجميع، إذ لا يعتبر في نية الاقتداء بإمام معين أزيد من
العزم على الائتمام به في الصلاة التي اشتغل بها سواء قصده من حيث إنه
إمام حاضر أو قصده من حيث إنه زيد بحيث لو لم يكن زيدا لم يقتد به،
ومثل هذا القصد يترتب عليه الأثر في كثير من الموارد الشرعية.
ثم لو شك في أنه هل نوى الائتمام أم لا؟ بنى على العدم إلا أن
يكون مشغولا بأفعال الجماعة مثل التسبيح في الإخفاتية، بل والاستماع في
الجهرية أو القنوت في الركعة الثانية للإمام، فإن الظاهر أنه لا يلتفت،
لتجاوز محله.
ويحتمل قويا البناء على ما قام عليه، فيبني على الجماعة مع القيام
إليها (1) ما لم يشتغل بما هو وظيفة المنفرد كالقراءة، ويحتمل ذلك مطلقا حتى
مع الاشتغال بوظيفة المنفرد، لاحتمال وقوعه، فلا يعارض به ما دل على
وجوب البناء على ما افتتحت الصلاة عليه.

(1) لم ترد " إليها " في " ن "، وشطب عليها في " ق "، ولعل الشطب وقع سهوا.
398

* (ولو) * صلى رجلان و * (نوى كل منهما الإمامة صحت صلاته (1)) *،
لإتيانه بما يجب عليه من القراءة. نعم لو اتفق في الأثناء شك واعتمد
أحدهما على فعل صاحبه اتجه البطلان، كما لو شك أحدهما بين الاثنين
والثلاث قبل السجدتين فبنى على فعل صاحبه باعتقاد أنه المأموم فتبين بعد
الصلاة عدم الائتمام.
وكذا يتجه البطلان لو كانت الصلاة معادة لإدراك فضيلة الجماعة،
لانكشاف انتفائها.
* (وتبطل لو نوى كل منهما أنه مأموم) *، لعدم الإمام في الواقع لواحد
منهما، بل ظن كل منهما المأموم إماما فترك القراءة لذلك.
بل ولو قرأ بنية الندب بناء على أن الندب لا يجزي عن الواجب كما
قيل (2).
وفيه نظر:
أما أولا: فلأن الأمر الندبي بالقراءة ليس على أنها مستحب مستقل،
بل معناه أنه يستحب مع عدم سماع الهمهمة أن لا يجتزئ بقراءة الإمام بل
يقرأ لنفسه على أنه قراءة الصلاة، فيرجع حاصله إلى أن القراءة التي هي
جزء لصلاته له أن يكلها إلى الإمام، وله أن يتولاها بنفسه، فهذه القراءة

(1) في الإرشاد: صلاتهما. وقد تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 525.
(2) لم نعثر عليه بعينه. نعم في الذكرى: 272، ومجمع الفائدة 3: 318 ما يفيد هذا
المعنى، وفي الأخير: ولو فرض القراءة فيمكن أنه يقرؤها على قصد الاستحباب،
وفي الجواهر 13: 395 ذيل بحث آخر هكذا: وإن عللوه بأن الندب لا يجزي عن
الواجب.
399

بعينها هي من أجزاء الصلاة وليست مستحبة برأسها. وأما ثانيا: فلمنع عدم
إجزاء الندب عن الواجب.
والحاصل: أن القراءة في موضع ندبها خلف الإمام يحتمل أن تكون
من الأجزاء الواجبة للصلاة يسقطها وكولها إلى الإمام، فالشخص مخير بين
الصلاة مع القراءة وبينها مع وكولها، فهي جزء واجب لأحد فردي الواجب
التخييري المستحب عينا، يعني استحباب القراءة استحباب اختيار هذا الفرد
الذي فيه القراءة، ويحتمل أن يكون من الأجزاء المندوبة في الصلاة نظير
القنوت ونحوه، ويحتمل أن يكون مستحبا مستقلا نظير قول: " كذلك الله
ربي " بعد التوحيد.
ولا إشكال في الاجتزاء بالقراءة على الاحتمال الأول، والظاهر
الاجتزاء أيضا على الثاني، ويشكل الاجتزاء على الثالث (1)، بل الظاهر
العدم.
والظاهر أنهم بنوا عليه، ومع ذلك فالحكم بالبطلان استنادا إلى مجرد
ترك القراءة الواجبة محل نظر، إذ لا مستند له عدا عموم قوله: " لا صلاة إلا
بفاتحة الكتاب " (2) وهو مخصص بقوله: " لا تعاد الصلاة إلا من خمسة " (3) إلا
أن يدعى انصرافه إلى السهو عما عدا الخمسة، فتأمل.
مع أنه لو فرضنا أنه ما سمع همهمة صاحبه، فقرأ لنفسه بنية الوجوب
بناء على وجوبها في هذه الصورة، فلا يتم الحكم بالبطلان استنادا إلى ترك

(1) في " ق " و " ن ": الثاني.
(2) مستدرك الوسائل 4: 158، الحديث 5.
(3) الوسائل 4: 934، الباب 10 من أبواب الركوع، الحديث 5.
400

القراءة، وإن استدل به جماعة كالشهيدين (1) والفاضلين (2) وغيرهم (3).
فالأولى الاستدلال على البطلان في المسألة بما روي عن علي عليه السلام
إنه قال: " في رجلين اختلفا، فقال أحدهما: كنت إمامك، وقال الآخر:
كنت إمامك، فقال: صلاتهما تامة، وإن قال أحدهما: كنت أئتم بك، وقال
الآخر: كنت أئتم بك، فصلاتهما فاسدة وليستأنفا " (4).
وضعف السند بالسكوني - لو كان - منجبر بعمل الأصحاب كما
حكي (5).
وبهذه الرواية - مضافا إلى أصالة الواقعية في شروط الجماعة مطلقا إلا
ما خرج بالدليل - يندفع ما يقال: من أن إخبار أحدهما الذي كان إماما
باعتقاد صاحبه بكونه مأموما ليس بأزيد من إخباره بكونه محدثا أو غير
قارئ، مع أنه لا يلتفت إلى أمثال ذلك، لما سيجئ.
ثم إن ظاهر الخبر هو الاختلاف بين الشخصين، بحيث يدعي كل منهما
الائتمام من دون تصديق صاحبه، بل ومع تكذيبه كما هو ظاهر لفظ
الاختلاف، وحينئذ فلا ينطبق الحكم بالفساد على القاعدة.

(1) الذكرى: 272، روض الجنان: 375.
(2) المعتبر 2: 420، والمنتهى 1: 366، والتذكرة 4: 267، والنهاية ونكتها 1:
352.
(3) مثل المحدث البحراني في الحدائق 11: 120.
(4) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول بتفاوت
يسير.
(5) راجع روض الجنان: 375، الجواهر 13: 237.
401

أما في صورة التكاذب فواضح، إذ لا وجه للحكم بالفساد قطعا، لأن
كلا منهما مكلف في عمله بمقتضى اعتقاده.
وأما مع عدمه وعدم التصادق، كما هو المتيقن من مدلول الرواية،
فلأن قبول قول الغير بعد الفراغ من العمل فيما يوجب بطلان عمله من دون
علم بصدقه بل ولا ظن، مخالف للقاعدة، وحمل الرواية على صورة التصادق
بعيد غايته.
والحاصل: أن مقتضى القاعدة مع تصادقهما الفساد، ومع تكاذبهما
الصحة، ومع تصديق أحدهما وتكذيب الآخر (1) صحة صلاة المكذب وفساد
صلاة المصدق، ومع عدم التصديق والتكذيب من أحد الطرفين الصحة.
فالرواية حملها على صورة التصادق خلاف الظاهر من الاختلاف،
وعلى غيره يوجب مخالفتها للقاعدة ويحتاج حينئذ إلى الجابر، فإن تم عمل
العلماء بمضمونها في غير صورة التصادق قلنا بها، وإلا فلا بد من طرحها
والرجوع إلى القاعدة.
وظاهر كلام العلامة في جملة من كتبه (2) والشهيد في الذكرى (3) فرض
المسألة في صورة وقوع نية الائتمام من كل منهما، وكذا ظاهر كلام المحقق في
المعتبر (4)، فإنه وإن عنون المسألة كما في الشرائع (5) بقوله: وإن قال كل منهما

(1) الآخر: لم يرد في " ق ".
(2) انظر المنتهى 1: 366، التذكرة 4: 267، التحرير 1: 52.
(3) الذكرى: 272.
(4) المعتبر 1: 424.
(5) الشرائع 1: 123.
402

كنت مأموما لم يصح، إلا أنه استدل (1) على البطلان بأن كلا منهما وكل
القراءة إلى صاحبه، فدل (2) على أن الفرض فيما إذا وقع الائتمام من كل منهما
لا مجرد الادعاء.
لكن ظاهر كلام الشهيد الثاني في الروض (3) عمل الأصحاب بالرواية
حتى في صورة عدم التصادق حيث رد بذلك على من تردد في البطلان من
جهة عدم الدليل على قبول قول الإمام بعد الصلاة.
ثم اعلم أن المتبادر من النص على تقدير العمل به هو ما لو تركا
القراءة كما ذكرنا، وأما ما إذا قرأ كل منهما بنية الوجوب - بناء على وجوب
القراءة مع عدم سماع الهمهمة - أو قرأ غفلة عن أنه مؤتم ومعتقدا أنه منفرد
أو إمام - بناء على أن كل حكم ظاهري غفل عنه لكن وافق (4) الحكم
الواقعي فهو صحيح - فالأقوى الصحة، لعدم الإخلال بالقراءة، وعدم شمول
النص لهذه الصورة.
ومنه يظهر أنه لو اتفق هذا الاختلاف في خصوص الركعتين
الأخيرتين اللتين لا تسقط القراءة فيهما عن المأموم - بناء على جواز الائتمام
في الأثناء بعد تمام صلاة الإمام الأول كما سيجئ - فالأقوى الصحة، وكذا
لو اتفق ذلك في صلاة الجنازة كما صرح بهما في الكشف (5).

(1) استدل به في المعتبر.
(2) في النسخ: يدل.
(3) روض الجنان: 375.
(4) " وافق ": منخرم في " ق ".
(5) كشف الغطاء: 269.
403

فالمدار في البطلان على الإخلال بواجب مما يجب على المنفرد، لا مجرد
نية الائتمام بمن لم يكن إماما بل كان مأموما، فإن ذلك بنفسه لا يوجب
البطلان، ولذا علل في المنتهى بطلان صلاة من ائتم بشخص فبان الإمام
مأموما، بإخلاله بما يجب عليه، قال: لو نوى الائتمام بالمأموم جاهلا بكونه
مأموما - بأن وجده قائما عن يسار الإمام فظنه الإمام - لم يكن معذورا
بذلك، لخلو صلاته عن القراءة (1)، انتهى.
وفي الذكرى صرح بعدم معذورية من ائتم بإمام فبان مأموما، ولم
يتعرض لتعليل البطلان بالإخلال بالقراءة (2)، لكن الظاهر من الحكم بعدم
المعذورية عدم معذوريته في ترك القراءة، لا مجرد نفي المعذورية في الائتمام
بمن هو مأموم واقعا، إذ عدم العذر في ذلك وكون عدم مأمومية الإمام
شرطا واقعيا كالبديهي، بخلاف الإخلال بالقراءة جهلا بوجوبها عليه.
وقال في الكشف - بعد ذكر شروط الإمام، وبعد أن ذكر فيها مثل
تقدم موقفه وتقدم تكبيرته وذكوريته ووحدته (3) وتعينه - قال: ولو تجدد
فوات شرط في الأثناء أو ظهر فواته فيه في الابتداء لم يقض بالفساد، بل
يعدل إلى الانفراد (4).
ولا يخفى أن عدم المأمومية أيضا من شروط الإمام، فلا فرق بين أن
يتبين تأخر تكبيرة الإمام أو موقفه في الأثناء، أو يظهر امرأة، وبين أن

(1) المنتهى 1: 365 - 366.
(2) الذكرى: 271.
(3) موضع كلمة " وحدته " منخرم في " ق ".
(4) كشف الغطاء: 268.
404

يظهر أنه مأموم، أو أنه غير من نوى الاقتداء به (1).
فعلى هذا لو تبين له ذلك بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة انفرد
وقرأ، ومثله ما لو اقتدى بزيد فبان عمروا، فإنه إذا تبين ذلك قبل القراءة
انفرد وقرأ ولم تبطل صلاته، وفاقا للمحكي عن شرح المفاتيح للمولى (2)
الأعظم شيخ المجتهدين.
خلافا لبعض مشائخنا المعاصرين (3) فحكم هنا بالبطلان، ولا دليل
عليه عدا إطلاق الفتاوى ببطلان الصلاة، وقد عرفت أن الظاهر منهم بعد
التتبع هو بطلان الصلاة إذا أتى بها على الوجه المنوي فأخل بالقراءة بل
بغيرها محافظة على متابعة الإمام مع عدم تحقق الائتمام واقعا. وأما إذا تنبه
قبل محل الإخلال فلا وجه للبطلان، كما عرفت من المنتهى وغيره.
وعدا ما ربما يتخيل من أنه إذا نوى الائتمام بإمام ولم يقع الائتمام فما
نواه لم يقع وما وقع لم ينوه.
وفيه: إن الجماعة ليست إلا صفة خارجية لا يقدح تخلفها مع قصدها
في أول الصلاة في أصلها كسائر الأوصاف الخارجية، فلو نوى الاقتداء
برجل في المسجد فبان حائطا قبل الشروع في القراءة كان منفردا وقرأ
لنفسه، لأن غاية الأمر أنه نوى صفة للصلاة لم تكن فيها واقعا.
ويشهد لما ذكرنا: استدلال الفقهاء - كما عرفت من الفاضلين

(1) موضع كلمة " به " منخرم في " ق ".
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 430.
(3) راجع الجواهر 13: 236.
405

والشهيدين وغيرهم (1) - على البطلان في المسألة السابقة بإخلال كل من
المختلفين بالقراءة الواجبة، ثم بالرواية الضعيفة (2)، ولم يتعرض أحد منهم
لبطلان صلاتهما من جهة أنهما قد نويا الائتمام بمن ليس بإمام.
ثم إن هذا كله إذا علما بعد الفراغ بأنهما نويا الائتمام، وأما إذا نوى
أحدهما الائتمام والآخر الانفراد صحت صلاتهما إن لم يخل الأول بشئ من
شرائط الاقتداء وكان الثاني جامعا لشرائط الإمامة.
ولو نوى أحدهما الإمامة والآخر الانفراد، فلا إشكال أيضا في الصحة.
وأما لو شكا فيما نويا، فقال كل منهما: لم أدر ما نويت؟ فأطلق جماعة
- على ما حكى في الذكرى (3) - القول بالبطلان. ولو شكا فيما أضمراه من نية
الإمامة أو الائتمام، فقد حكي في الذكرى والروض (4) عن جماعة الحكم
بوجوب الإعادة.
والذي يظهر قوة الحكم بالصحة مطلقا، لأن هذا الشك إن اتفق في
الأثناء فإن كان قبل فوت محل القراءة كما قبل الركوع قرأ بنية أنه منفرد، إذ
لا يخلو الواقع من أن يكونا قد نويا الائتمام، أو يكون كلاهما قد نوى
الإمامة، أو يكون أحدهما نوى الإمامة والآخر المأمومية. ولا شك في
الصحة على التقديرين الأخيرين، وكذا الأول، لما تقدم من أن انكشاف هذا
لا يوجب بطلان الصلاة من رأس، بل يكون منفردا، خلافا لمن حكم

(1) تقدم عنهم في الصفحة 401.
(2) وهي رواية السكوني المتقدمة في الصفحة 401.
(3) الذكرى: 272.
(4) روض الجنان: 375.
406

بالبطلان هنا، مضافا إلى أن مجرد احتمال وقوع النية على وجه يوجب بطلان
الصلاة لا يقدح.
وإن كان بعد فوت محل القراءة كما بعد الركوع فلأصالتي الصحة وعدم
طرو المبطل، بناء على ما عرفت من أن نية الائتمام من كل منهما لا يوجب
البطلان، فضلا عن احتمالها بعد الدخول في الركوع.
ولا فرق في الصحة هنا بين أن يعلم ترك القراءة، أو يعلم القراءة، أو
يشك، إذ على فرض العلم بالترك يشك في أن تركها هل كان من باب
الوظيفة أو من باب الإخلال، فهذا شك في الإخلال بالقراءة بعد الركوع،
وقد ثبت بالعمومات عدم قدحه.
ومن هذا كله يظهر وجه الصحة فيما إذا وقع الشك بعد الفراغ حتى لو
علم ترك القراءة.
* (و) * كذا تبطل لو نوى * (الاقتداء بغير المعين (1)) * إجماعا، وقد مر (2)
اشتراط التعيين.
* (ولا يشترط) * في صحة صلاة الإمام * (نية الإمامة) * وإن اشترطت
في استحقاق ثواب الجماعة مع الالتفات، نعم لو لم يعلم بذلك فاتفق الاقتداء
به من غير اطلاعه لم يبعد أن ينال الثواب.
* (ويجوز اقتداء المفترض بمثله وإن اختلفا) * كالظهر والمغرب والصبح مع
العصر والعشاء إجماعا محققا ومحكيا (3)، ولبعض الأخبار (4) في بعض الأفراد،

(1) في الإرشاد: أو الائتمام بغير المعين.
(2) مر في الصفحة 394.
(3) راجع المنتهى 1: 367، والمستند 8: 167.
(4) راجع الوسائل 5: 453، الباب 53 من أبواب صلاة الجماعة.
407

خلافا للمحكي عن الصدوق (1) فلم يجوز الاقتداء في العصر بظهر الإمام إلا
أن يتوهمها العصر، ولا مستند له، نعم دلت مصححة علي بن جعفر (2) على
البطلان مع هذا التوهم مع إمكان حملها على استحباب الإعادة.
ثم إن ظاهر العبارة وغيرها من العبائر حتى متون إجماعاتهم المحكية
هو عدم الفرق بين الفرائض حتى مثل الطواف، ولعله لعموم مثل قوله عليه السلام
[في صحيحة زرارة وفضيل: " قالا: قلنا له: الصلاة في جماعة فريضة هي؟
فقال:] (3) الصلاة فريضة، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ولكنها
سنة إلى آخره " (4) [فقد] (5) ثبت الاستحباب للجماعة في جميع الصلوات بعد
ما نفى وجوبها فيها على سبيل عموم السلب أو سلب العموم، وأما مثل
صلاة الآيات والجنازة (6) فقد ورد النصوص في الجماعة فيها.
وكذا لا فرق بين الأداء والقضاء، لما مر من عموم الرواية والإجماع
المنقول بل المحقق في هذا التعميم (7)، واستمرار السيرة، وما ورد في الصحيح (8)
من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما فاته بالنوم جماعة، قال في الذكرى: ولم أجد

(1) نقله عنه العلامة في المختلف 3: 91، والشهيد الأول في الذكرى: 266.
(2) الوسائل 5: 453، الباب 53 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(3) ما بين المعقوفتين لم يرد في النسخ، وفي " ق " مكانه بياض.
(4) الوسائل 5: 371، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(5) الزيادة اقتضاها السياق.
(6) الوسائل 5: 157، الباب 12 من أبواب صلاة الكسوف والآيات، و 2: 811،
الباب 33 من أبواب صلاة الجنازة.
(7) كذا ظاهرا في " ق "، وفي غيرها: القسم.
(8) الوسائل 3: 207، الباب 61 من أبواب المواقيت، الحديث 6.
408

من قدح في هذا الخبر من جهة توهم منافاة مضمونه للنبوة (1). وفي المنتهى
عن الشيخ عن إسحاق بن عمار: " قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تقام
الصلاة وقد صليت، قال: صل واجعلها لما فات " (2)، قال: وفيه دلالة على
التوسعة (3)، انتهى، وهو جيد.
وكيف كان، فلا إشكال في استحباب الجماعة في غير الطواف، نعم قد
يستشكل فيه من جهة دعوى انصراف المطلقات إلى غيره، لكن الظاهر
إلحاقه بغيره، لما مر من عموم الرواية المتقدمة والإجماعات المحكية.
وقد يقال: إن المقام ليس مما يطلب فيه الدليل التام، لكونه من إثبات
السنن التي يتسامح فيها.
وفيه: إن التسامح إنما هو فيما إذا لم يتضمن المقام ثبوت أحكام مخالفة
للأصل كتحمل القراءة والأوهام، إذ من المعلوم أن مثل هذه لا تثبت
بالأخبار الضعيفة وفتوى الفقهاء.
وقد يوجه: بأنه لا يقدح إثبات هذه إذا كانت تابعة لثبوت
الاستحباب، وإنما يعتبر الدليل في إثبات هذه الأحكام ابتداء، ولذا إذا ثبت
استحباب صلاة بما يتسامح فيه يحكم عليه بحرمة القطع، بناء على حرمة قطع
النافلة ووجوب السورة فيها إذا نذر الإتيان بها في كل نافلة ونحو ذلك.
وفيه: إن هذا حسن لو كانت الأحكام المذكورة مترتبة ومتفرعة على
ثبوت صفة الاستحباب لفعل، وليس المقام كذلك، لأن هذه الأحكام مثل

(1) الذكرى: 134، نقلا بالمعنى.
(2) الوسائل 5: 457، الباب 55 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) المنتهى 1: 367.
409

تحمل القراءة والأوهام ووجوب المتابعة إنما عرضت لذات الجماعة التي
عرض لها الاستحباب، لا أنها عرضت لها بعد الحكم باستحبابها، بل يمكن
العكس بأن يقال: إن الاستحباب إنما عرض للجماعة بعد اعتبار لحوق هذه
الأحكام لها، وحينئذ فالهيئة المشتملة على أحكام مخالفة للأصل والعمومات
كيف يمكن إثبات استحبابها بخبر ضعيف أو فتوى فقيه.
ولو تنزلنا، فغاية الأمر أن هذه الأحكام والاستحباب كلها عرضت
لذات هذه الهيئة التي يعبر عنها بالجماعة من غير ترتب في العروض، لا أنها
عرض لها الاستحباب أولا ثم لحقتها تلك الأحكام باعتبار كونها مستحبة
أو بالعكس، وحينئذ فلا يمكن إثبات مشروعيتها إلا بالأدلة المعتبرة، لأن
مشروعيتها توجب ترتب هذه الأحكام عليها كما يوجب ترتب الثواب
عليها، إذ لا تفكيك بين الاستحباب وهذه الأحكام إجماعا.
وعلى كل حال، فظاهر جملة من العبائر وصريح بعضها عدم الفرق في
الفريضة بين الواجب بالأصل وبالعرض كالمنذورة، كما صرح به في
الذكرى (1) بقوله: " حتى المنذورة عندنا " وهو حسن مع استفادة عموم من
النص والفتوى، لكنه في غاية الإشكال، بل يقوى انصرافها إلى غير
المنذورة، فيبقى عموم ما دل على حرمة الجماعة في النافلة (2) سليما، بناء على
أن المراد بالنافلة ما هو كذلك في أصل الوضع والجعل، كما هو المتبادر.
مع أن لفظ " النافلة " الوارد في أدلة حرمة الجماعة مأخوذ من النفل
وهي الزيادة، سمي بها النوافل لأنها زيادة على الفرائض، فلا ينافي وجوبها

(1) الذكرى: 265.
(2) تقدم في الصفحة 360.
410

وصفها بالنفل الفعلي، بناء على تسليم أن المراد بالنافلة ما هو نفل بالفعل،
لا في خصوص أصل الجعل.
هذا كله مضافا إلى أصالة عدم مشروعيتها المتحقق قبل عروض
الوجوب.
بقي الإشكال في جواز الاقتداء في صلاة الاحتياط وبها.
وتوضيح الحال فيه: أن الاقتداء إما أن يكون في صلاة الاحتياط
بصلاة الاحتياط، أو فيها بغيرها، أو في غيرها بها.
أما فيها بها، فإما أن يكون مع الاقتداء في أصل الصلاة بمصلي
الاحتياط، أو لا (1).
فعلى الأول: الظاهر المنع، لا لاحتمال كونها نافلة في الواقع كما وجهه
به في المدارك (2)، إذ لا يقدح ذلك مع وجوبها ظاهرا، بل كونها بمنزلة الجزء
لأصل الصلاة.
بل لأن الأدلة إنما دلت على مشروعيتها في الفريضة، والمتبادر منها
بحكم الانصراف - بل الوضع - ما هو فرض في نفسه، بأن تعلق به الوجوب
النفسي سواء كان الاقتداء في تمام ذلك الواجب كما لو اقتدى من أول
الفريضة إلى آخرها، أو في بعض أجزائه كما إذا اقتدى في بعضها الأول ثم
أتم صلاته منفردا، أو في بعضها الآخر كما إذا دخل في غير الركعة الأولى.
والحاصل: أن الدليل إنما دل على اعتبار كون المقتدى فيه والمقتدى به
فريضتين، سواء كان الاقتداء بمجموع الأمرين أو أحدهما أو أبعاضهما، وأما

(1) أو لا: لم يرد في " ق " و " ن ".
(2) المدارك 4: 337.
411

صلاة الاحتياط فلما لم يكن وجوبها نفسيا بل وجوبها لتتميم صلاة الأصل،
ولم يكن ممحضة للجزئية أيضا كالركعتين الأخيرتين، لم يكن دليل على
مشروعيتها فيها.
والحاصل: أن القدر الثابت من الأدلة هي مشروعية الجماعة في
الفريضة أو في جزئها الحقيقي المحض، وصلاة الاحتياط ليست بفريضة، بناء
على ما عرفت من أن الظاهر من الفريضة ما أخذ فيه الفرض بمعنى
الوجوب النفسي، وليست أيضا جزءا محضا للفريضة ليصدق الاقتداء في
الفريضة باعتبار بعضها، فلم تثبت مشروعيتها فيها.
ومما ذكرنا يظهر أن مناط الاستدلال ليس دعوى انصراف إطلاق
الفريضة إلى غير صلاة الاحتياط، حتى يمنع (1) عنه مطلقا أو بملاحظة وروده
في بعض الأدلة بعنوان العموم الذي لا يتطرق إليه الانصراف، بل مبنى
الاستدلال دعوى أن مادة " الفرض " المأخوذة في لفظ الفريضة هي
المطلوبية النفسية، نعم لو أبدل الفريضة بالواجب أمكن منع الانصراف
المذكور، نظرا إلى أن مادة الوجوب لا اختصاص له وضعا ولا انصرافا
بالمطلوب في نفسه.
وعلى الثاني - وهو ما إذا لم يحصل الاقتداء بمصلي الاحتياط في أصل
الصلاة - فوجه المنع فيه مضافا إلى الوجه السابق: هو أن صلاة الاحتياط لا
تخلو في الواقع: إما أن تكون جزءا للصلاة أو نفلا، وعلى التقديرين لا
يجوز، أما على الثاني فواضح، وأما على الأول فلأن الابتداء بالاقتداء في
أثناء الصلاة لا يجوز على المشهور إلا مع الاستخلاف الخارج بالنص
والوفاق، لعدم دليل على جوازه.

(1) في ظاهر " ق " و " ن ": نمنع.
412

اللهم إلا أن يقال: إن وجوبها ظاهرا لا يقدح معه احتمال النفل في
الواقع، وكذا كونها مستقلة في مرحلة الظاهر لا يقدح معه احتمال الجزئية
واقعا، مع أنه لم يثبت كونها جزءا في الواقع على تقدير الاحتياج، وإنما ورد
أنها تمام ما نقص من الصلاة، وهو أعم من الجزئية، كما لا يخفى.
وأما الاقتداء (1) في صلاة الاحتياط بغيرها، وفي غيرها بها، فوجه
المنع فيهما يظهر مما ذكرنا.
وكيف كان، فالجماعة جائزة من المفترض بالمفترض * (إلا مع تغير
الهيئة) * أي تغير هيئة الصلاتين - بالاقتداء في اليومية بالآيات أو فيهما
بالعيدين - بلا خلاف إلا من المحكي عن النجيبية في بعض الأفراد، ومستنده
الإجماع ظاهرا، وإلا فعدم الجواز حتى فيما يمكن المتابعة كالدخول في الركوع
العاشر من صلاة الآيات أو في الركعة الثانية من العيدين، وهو محتمل النجيبية.
اللهم إلا أن يقال: إن الدخول في بعض الصلاة مع الإمام مخالف
للأصل قضى به الدليل في مورده، وظاهر مورده اليومية فيقتصر عليه،
وعلى ما لحق به بالإجماع المركب القطعي، ويبقى ما عداه على وجوب
المتابعة التي لا تحصل إلا مع توافق نظم الصلاتين.
وأما ما يتوهم من إمكان الدخول مع الإمام في أول صلاة الآيات أو
العيدين ثم ينو الانفراد، فمردود بأن الجماعة إنما تشرع في صلاة كانت المتابعة
فيها مشروعة وإن لم يجب استمرارها، والمفروض أن المتابعة هنا غير
مشروعة، بل يجب مفارقة الإمام.
ولا ينتقض ذلك بوجوب مفارقته فيما إذا فرغ الإمام أو المأموم، لأن
المفارقة حينئذ قهرية.

(1) في " ط " و " ن " إضافة: به.
413

بل يمكن أن يقال: إن النبوي الشريف - أعني قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا
سجد فاسجدوا " (1)، وفي بعض الروايات: " وإذا قرأ فأنصتوا " (2) - يدل على
أن العلة الغائية في شرعية الجماعة والإمامة والائتمام هي متابعة الإمام في
هذه الأفعال، ففي كل صلاة لا يمكن المتابعة فيها لم تشرع الجماعة، لعدم
حصول غايتها.
ولو سلمنا عدم دلالته على نفي المشروعية مع عدم إمكان المتابعة في
الكل، لكن نقول: الظاهر من الرواية بيان مشروعية الجماعة في مجموع
الصلاة، كما يدل عليه تفريعه عليه قوله: " فإذا كبر فكبروا " فلا تدل على
المشروعية في الأبعاض، لكن قام الإجماع على أن كل موضع يمكن فيه
الاقتداء من الابتداء يمكن فيه الاقتداء في الأثناء، فيبقى ما لا يمكن الاقتداء
فيه في الابتداء باقيا تحت أصالة عدم المشروعية، وهذا جار في جميع
عمومات الجماعة التي يتوهم شمولها للمقام، فإنها ظاهرة - كما لا يخفى - في
فعل مجموع الصلاة جماعة، لأن الصلاة اسم للمجموع، فقولهم عليهم السلام:
" الصلاة في جماعة " أو " صلاة الجماعة " أو " حضور جماعة المسلمين " أو
" من صلى مع الإمام " (3) ظاهر في المجموع، فيكفي في عدم المشروعية في
المقام عدم الدليل.

(1) كنز العمال 8: 278، الحديث 22910 وراجع الصفحة 376.
(2) كنز العمال 7: 605، الحديث 20473.
(3) راجع الوسائل 5: 371، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1، 3، 5
و 14.
414

* (و) * يجوز اقتداء المفترض * (بالمتنفل) * بلا خلاف بيننا، كما يظهر
من عبارة المنتهى (1)، لكنه فرضه في صلاة من لم يصل الظهر خلف من
صلاها إذا أعادها لإدراك من خلفه للجماعة، واستدل عليه بما ورد من
الأخبار في ذلك (2).
والظاهر أن المراد من التنفل هي الصلاة الفريضة ذاتا المعادة إما
احتياطا أو لإدراك الجماعة، فلا يشمل مثل الاقتداء في الفريضة أداء أو
قضاء بمصلي الغدير أو الاستسقاء، وهو الأقوى، لأن إطلاقات الجماعة في
الفريضة ظاهرة في كون الصلاة فريضة من الطرفين، نعم الفريضة أعم مما هو
كذلك أصلا وبالذات وإن عرضها الأمر الندبي كالمعادة (3) احتياطا، بل يمكن
أن يقال: إن الصلاة التي تعاد ليست إلا نفس الصلاة السابقة التي أمر بها،
فالأمر بالإعادة أمر بفعل مثل تلك الصلاة التي صلاها لكن ندبا، فكل
ما عرض تلك الصلاة من الأجزاء الواجبة أو المندوبة أو الكيفيات كذلك
يعرض لهذا المأمور به بالأمر الندبي، ولذا يطلب الدليل على استحباب
خصوص كل جزء مستحب أو هيئة مستحبة فيها، ولا يحكم بجواز فعلها
على الراحلة أو جالسا أو التخيير مع الشك في أعدادها بين البناء على
الأقل والأكثر، وجواز القران والتبعيض فيها إلى غير ذلك.
والحاصل: أن الإعادة والقضاء فعلان متحدان مع الفعل السابق من

(1) المنتهى 1: 367.
(2) في النسخ زيادة ما يلي: " فيحتمل إرادته قدس سره خصوص "، ويبدو أن
المؤلف قدس سره قد ترك الشطب عليها سهوا.
(3) في " ن ": كالصلاة المعادة.
415

جميع الوجوه سواء تعلق بها الأمر الوجوبي أو الندبي.
ودعوى أن الجماعة إنما شرعت في الفريضة الأصلية باعتبار عروض
الأمر الوجوبي لها، فهي من أحكام الصلاة المتصفة بصفة الوجوب، لا من
أحكام ذات الصلاة التي قد تتصف بالوجوب وقد تتصف بالاستحباب،
وبهذا افترقت عن سائر الأمور المعتبرة في الصلاة على وجه الاستحباب.
مدفوعة: بأن أدلة استحباب الجماعة في الفريضة وإن دلت على
استحباب الجماعة في الصلاة بوصف كونها فريضة، إلا أن معنى كونها فريضة
ليس إلا أنها المعروضة للأمر الوجوبي في قوله: (أقيموا الصلاة) مثلا،
فكأن الشارع قال: يستحب أن يؤتى الصلاة التي أمر بها بالأمر الوجوبي في
(أقيموا الصلاة) من حيث إنها كذلك (1) في جماعة، فقد صارت الجماعة هيئة
مستحبة للصلاة المأمور بها في (أقيموا الصلاة) بوصف أنها مأمور بها، فإذا
فرضنا أن الشخص امتثل هذا الأمر الوجوبي بتلك الهيئة المستحبة أو خالية
عنها، فشك في ثبوت خلل في امتثاله، بحيث يحتمل احتمالا لا يجب الاعتناء
به بقاء الأمر الوجوبي واقعا في ذمته وإن سقط ظاهرا، فإذا حكم العقل أو
الشرع من جهة الاحتياط حكما استحبابيا بإعادته فقد حكم باستحباب
إتيان ذلك الفعل الذي أمر به بالأمر الوجوبي من حيث إنه أمر به بالأمر
الوجوبي، ضرورة أن الاحتياط في الواجب سواء كان واجبا أو مستحبا
ليس حكما لموضوع ابتدائي، وإنما هو حكم لموضوع تعلق - ولو احتمالا - به
الوجوب الواقعي، والمفروض أن الجماعة أيضا عرضت لذلك الفعل المأمور به
بالأمر الوجوبي، فإن قلت: الجماعة صفة للمأمور به بالأمر الوجوبي

(1) عبارة " إنها كذلك " منخرمة في " ق ".
416

القطعي، والأمر الاحتياطي متعلق بالفعل الذي يحتمل أن يكون مأمورا به،
فالمأتي به احتياطا ليس محلا وموردا للجماعة.
قلت: الجماعة صفة للمأمور به بالأمر الوجوبي الواقعي، نعم القطع
بمشروعية الجماعة في فعل يتوقف على القطع بكونه مأمورا به، والمحتاط يقطع
بكون الجماعة مشروعة على تقدير ثبوت الأمر الواقعي، وأما على تقدير
عدمه فأصل الفعل أيضا ليس بمشروع واقعا، ضرورة عدم الأمر به واقعا.
والأمر الظاهري الاستحبابي الاحتياطي كما دل على رجحان إحراز
الواقع من جهة الأمر الوجوبي واقعا، كذلك دل على رجحان إحراز الواقع
من جهة الأمر الاستحبابي بالجماعة، وكما لا يحتاج استحباب الاحتياط في
أصل الفعل إلى القطع بتعلق الأمر الصلاتي بل لو قطع به لم يكن معنى
للاحتياط، كذلك استحباب إيقاع ذلك الفعل على الوجه الأكمل لا يتوقف
عليه، كما هو الشأن في جميع الصفات المعتبرة في الفعل الواقعي على تقدير
تعلق الأمر به، بحيث لولا الأمر لم تكن مشروعة فيه.
ولك أن تقول: إن الأمر الاحتياطي من جهة الأمر الوجوبي قد دل
على مشروعية أصل الفعل، كذلك الأمر الاحتياطي من جهة الأمر
الاستحبابي بالجماعة، إذ الاحتياط مطلوب من كلا الجهتين، والقطع
بالوجوب (1) يعتبر في تعلق الأمر الاستحبابي القطعي الواقعي بالجماعة، وأما
الأمر الاستحبابي الاحتياطي الظاهري بالجماعة فيكفي فيه احتمال الوجوب،
فالمراد من استحباب الجماعة في المعادة استحباب الاحتياط لإدراك الجماعة
في الصلاة التي يؤتى بها لأجل إحراز الأمر الواقعي على تقدير بقائه وعدم

(1) في " ق " و " ن " إضافة: " كما "، والظاهر زيادتها، وشطب عليها في " ط ".
417

سقوطه بالفعل الأول، وبالحقيقة فهذا الفعل المعاد ليس فعلا مستقلا حتى
يتكلم في إثبات استحباب الجماعة فيه، وأما المعادة لإدراك الجماعة فهي
ليست نافلة تعلق بها الجماعة على حد تعلقها بسائر النوافل التي ثبت نفلها
مع قطع النظر عن الجماعة ثم استحب إتيانها بالجماعة، بل الاستحباب إنما
تعلق بإعادتها مع الجماعة، فهي أيضا ليست من قبيل الجماعة في النافلة، بل
من قبيل نفل إعادة الفريضة جماعة، ففي الحقيقة ليست هاتان المسألتان
مخرجتين عن عموم المنع عن الجماعة في النوافل، نعم الكلام في أن استحباب
الإعادة جماعة ثبت مطلقا أو مع كون الصلاة التي فعل أولا من الإمام أو
المأموم قد فعل منفردا، فلا يشرع تكرار الجماعة (1).
[* (والمتنفل بالمفترض، وعلو المأموم، وأن يكبر الداخل الخائف فوت
الركوع ويركع ويمشي راكعا حتى يلتحق، والمسبوق يجعل ما يدركه أول صلاته،
فإذا سلم الإمام أتم.
ولو دخل الإمام وهو في نافلة قطعها، وفي الفريضة يتمها نافلة ويدخل
معه، ولو كان إمام الأصل قطع الفريضة ودخل.
ولو أدرك الإمام بعد رفعه من الركوع الأخير كبر وتابعه، فإذا سلم الإمام
استأنف التكبير، ولو أدركه بعد رفعه من السجدة الأخيرة كبر وتابعه، فإذا سلم
الإمام أتم، ويجوز الانفراد مع نيته، والتسليم قبل الإمام) *] (2).

(1) إلى هنا انتهى الكلام، وبقي بياض يقرب من ثلث الصفحة.
(2) ما بين المعقوفتين من الإرشاد، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره فيما بأيدينا من
النسخ.
418

مسائل متفرقة
في أحكام الجماعة
419

مسألة (1)
تدرك الركعة مع الإمام بإدراكه راكعا على المشهور، بل عن السرائر
أنه مذهب ما عدا الشيخ من الفقهاء (2)، بل عن مجمع الفائدة: أن الشيخ
عدل إلى مذهب المشهور في مسألة استحباب تطويل الإمام الركوع ليلحق
المأموم (3)، ولعله لذا ادعى الإجماع في محكي الخلاف على طبق المشهور (4).
ويدل عليه: الأخبار المستفيضة القريبة من التواتر، بل المتواترة كما
عن السرائر (5).
منها: حسنة الحلبي - بابن هاشم -: " إذا أدركت الإمام وقد ركع
فكبرت وركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت الركعة، وإن رفع الإمام
رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة " (6).

(1) تقدم البحث عن هذه المسألة في الصفحة 332 وما بعدها، وانظر الصفحة 583 أيضا.
(2) السرائر 1: 285.
(3) مجمع الفائدة 2: 368.
(4) الخلاف 1: 547، كتاب الصلاة، المسألة 285، و 622، المسألة 392.
(5) السرائر 1: 285.
(6) الوسائل 5: 441 - 442، الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
421

خلافا للمحكي عن الشيخ (1) والقاضي (2): أنه لا تدرك الركعة إلا إذا
أدرك تكبيرة الركوع، وأنه إذا أدركه راكعا فقد فاتت الركعة، ويظهر من
التوقيع الآتي وجود هذا القول بين قدماء أصحابنا، وعن التذكرة (3)
والنهاية (4) إنه ليس بعيدا عن الصواب، وعن كشف الرموز التردد فيه (5)،
وكل ذلك لظاهر روايات كثيرة.
منها: روايات محمد بن مسلم، ففي إحداها: " إذا لم تدرك تكبيرة
الركوع فلا تدخل في تلك الركعة " (6).
وفي أخرى: " لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام " (7).
وفي ثالثة: " إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد أدركت
الصلاة " (8).
وروايتا الحلبي في الجمعة: " إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة
الأخيرة فقد أدركت الصلاة، وإن أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع " (9).
ويمكن حمل النهي في رواية ابن مسلم على الكراهة، بمعنى أن عدم

(1) النهاية: 114، والمبسوط 1: 158.
(2) المهذب 1: 82.
(3) التذكرة 4: 44، ذيل المسألة 397.
(4) نهاية الإحكام 2: 23.
(5) كشف الرموز 1: 170.
(6) الوسائل 5: 441، الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(7) الوسائل 5: 441، الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(8) الوسائل 5: 440، الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(9) الوسائل 5: 41، الباب 26 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 1 و 3.
422

الدخول في هذه الركعة - وإن استلزم فوات الجماعة في آخر الصلاة أو فيها
رأسا - أفضل من فعل ركعة مع الجماعة لم تدرك تكبيرة ركوعها، فإذا
فرضنا تلك الركعة الركعة الأخيرة فلا تدخل فيها إلا على وجه تدرك
فضيلة الجماعة، لا بركعة من الصلاة.
والحاصل: أن الانفراد ببعض الصلاة أو بجميعها أفضل من إدراك
جميعها أو بعضها جماعة على ذلك الوجه المنهي.
وأجاب في الذكرى عنها: بأن التكبير يعبر به عن نفس الركوع (1)،
وهو بعيد.
وأما روايتا الحلبي، فهما وإن لم يقبلا الحمل على ما ذكر، إذ لو أدركت
الصلاة جماعة تعين فعل الجمعة، لعدم جواز العدول إلى الظهر مع التمكن
منها، إلا أنه يمكن حمل قوله: " يركع " على انقضاء أصل الركوع ومضيه
بخروجه عنه.
ثم إن الحمل المذكور للروايات وإن كان بعيدا إلا أن مثله لما لم يمكن
في روايات المشهور تعين الحمل في هذه، حملا للظاهر على ما لا يخالف
النص.
ثم إن الشيخ قدس سره حمل أخبار المشهور على إدراك الصف حال
الركوع مع إدراكه الإمام بعيدا قبل أن يركع، ولا يخفى أن صحيحة الحلبي
المتقدمة [ونحوها غير قابلة للحمل.
نعم، لو أراد الشيخ الاكتفاء بسماع تكبيرة الإمام] (2) ولو قبل الدخول

(1) الذكرى: 275.
(2) ما بين المعقوفتين من " ن " و " ط "، وهو منخرم في " ق ".
423

- كما يظهر من بعض (1) كلماته في التهذيب ومحكي النهاية (2) - أمكن الحمل في
تلك (3) الروايات، لكن هذا القول بعيد، إذ الإمام قد لا يأتي بالتكبير فلا
ينبغي أن يكون ضابطا لإدراك الجماعة.
ثم إن الشهيد في الذكرى ذكر أن للمأموم أحوالا:
أحدها: أن يدرك الإمام قبل ركوعه، فيحتسب بتلك الركعة إجماعا،
سواء أدرك تكبيرة [الركوع] (4)، أم لا.
الثانية: أن يدركه حال ركوعه، فاختار هنا الإدراك، ونسب إلى
الشيخ والقاضي أنه إذا لم يلحق تكبيرة الركوع فقد فاتته الركعة (5).
ولا يخفى ما في ظاهره من التنافي، إلا أن يحمل قوله في الحالة الأولى
" قبل ركوع الإمام " على ما قبل انحنائه للركوع، بناء على أن الظاهر من
الركوع: الانحناء عن انتصاب، فيكون المراد حال القيام، ويكون مراد
الشيخ والقاضي من إدراك تكبيرة الركوع أن يدرك مع الإمام محلها الذي
هو القيام، أو يكون مراده حد الركوع الشرعي، ويكون محل التكبير عند
الشيخ والقاضي ممتدا من حين القيام إلى الركوع الشرعي.
وفي الذكرى في صلاة الجمعة: أنها تدرك بإدراك الركوع إجماعا،

(1) في " ن " و " ط " زيادة: الأخبار وبعض.
(2) انظر التهذيب 3: 44، ذيل الحديث 153، والنهاية: 114.
(3) العبارة في المخطوطة ظاهرا: أمكن حمل تلك الروايات.
(4) من المصدر.
(5) انظر الذكرى: 275، وفي النسخ زيادة كلمة " انتهى "، وهو سهو لأن ذيل العبارة
ليس من كلام الذكرى.
424

وبإدراكه في الركوع على الأصح (1)، انتهى.
وكيف كان، فاحتمال إرادة إجماع ما عدا الشيخ والقاضي في غاية
البعد.
ثم إنه لا فرق في إطلاق الفتاوى والنصوص بين إدراك المأموم ذكرا
قبل رفع الإمام وعدمه، خلافا للمحكي عن التذكرة (2) ونهاية الإحكام (3)
باشتراط (4) إدراك المأموم ذكرا قبل رفع الإمام. ولم يعثر له على مستند كما
اعترف به المحقق الثاني وصاحبا المدارك والذخيرة فيما حكي عنهم (5).
وربما يحتج له بالتوقيع الرفيع الخارج في جواب الحميري عن الرجل
يلحق الإمام فيركع معه ويحتسب بتلك الركعة، فإن بعض أصحابنا [قال] (6)
إنه إن لم يسمع تكبير الإمام فليس له أن يعتد بتلك الركعة، فأجاب عجل
الله فرجه: " إذا لحق مع الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد
بتلك الركعة وإن لم يسمع تكبيرة الإمام (7) " (8).
وهذه الرواية تحتمل اعتبار إدراك ذكر الإمام، وكأنه لذا احتاط بعض

(1) الذكرى: 234.
(2) التذكرة 4: 45 و 325.
(3) نهاية الإحكام 2: 131.
(4) كذا في ظاهر المخطوطة، وفي " ن ": فاشترطا، وفي " ط ": فاشترط.
(5) حكى عنهم السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 129، وانظر جامع المقاصد 2:
409، والمدارك 4: 20، والذخيرة: 311.
(6) من الوسائل.
(7) في الوسائل: تكبيرة الركوع.
(8) الوسائل 5: 442، الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
425

المعاصرين باشتراط ذلك، ويلوح من عبارة [الجعفرية] (1) كون ذلك قولا
أو احتمالا، حيث قال: ويدرك بإدراك الإمام ولو بعد الذكر الواجب (2)، لكن
لا يبعد ظهور الرواية بموافقة التذكرة.
وعلى أي حال، فهذه لا تقاوم الروايات المتقدمة المحددة للإدراك
بعدم رفع الرأس الشامل لإدراك بعض الذكر، أو الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم
المتعارفة في هذه الأزمان بعد الذكر، وعدم إدراك شئ منهما.
ولا يمكن تقييد تلك الروايات بهذه الروايات على تقدير نهوضها (3) لتلك
من حيث السند، لأن تلك الروايات واردة في مقام التحديد، فلا تقبل التقييد.
اللهم إلا أن يدعى كون الرفع كناية عن إتمام الذكر، وفيه: أنه
مستلزم للاكتفاء ببعض الذكر، فيجب حمل الرواية على استحباب عدم الاعتداد
مع عدم إدراك الذكر، والأحوط مراعاة إدراك المأموم الذكر من ذكر الإمام.
ثم إن الظاهر أن العبرة بعدم رفع الإمام رأسه عن الركوع الشرعي
وإن أخذ في الرفع عن الركوع المستقر عليه، ويحتمل اعتبار الركوع المستقر
عليه كما هو ظاهر الروايات في بادئ النظر، والأول محكي عن صريح
التذكرة (4) وغيرها (5).
ثم إنه لو شك في أن الإمام حال ركوع المأموم كان راكعا أم رافعا؟

(1) الكلمة غير واضحة في " ق ".
(2) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 128.
(3) في " ط ": نهوضهما.
(4) التذكرة 4: 325.
(5) نهاية الإحكام 2: 131.
426

فالظاهر الحكم بعدم الإدراك، كما هو المشهور من الشيخ (1) ومن تأخر
عنه (2)، بل عن المنتهى التصريح بدعوى الإجماع عليه (3)، وعلله في القواعد
بترجيح الاحتياط على الاستصحاب (4)، واقتصر في الذكرى على التمسك بأصالة
الشغل (5)، وفي المسالك على تعارض أصل عدم الإدراك وأصل عدم الرفع (6).
واحتمل في الإرشاد الحكم بالإدراك (7)، ولعله لأصالة عدم رفع الإمام
رأسه، الذي هو معيار الفوات، كما يشهد به ذيل صحيحة الحلبي المتقدمة، إذ
قضية كون الرفع سببا للفوات كونه من موانع الإدراك، إذ لا معنى للمانع إلا
ما يلزم من وجوده عدم شئ آخر، فحينئذ رفع الرأس مانع عن الإدراك
وعدمه شرط له، فإذا شك فيه دفع بالأصل.
ويدفعه: أن المستفاد من صدر تلك الصحيحة وغيرها أن المعيار في
الإدراك ركوع المأموم قبل رفع الإمام، وهو أمر وجودي يدفع بالأصل عند
الشك في وجوده، وذيل تلك الصحيحة راجع إلى ما يقتضيه صدرها، من

(1) المبسوط 1: 148.
(2) مثل المحقق في الشرائع 1: 94، والعلامة في التذكرة 4: 45، والشهيد في
الذكرى: 234، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 2: 410، وغيرهم. انظر مفتاح
الكرامة 3: 130.
(3) المنتهى 1: 333.
(4) القواعد 1: 286.
(5) الذكرى: 234، وفيه: " عملا بالاحتياط واشتغال الذمة باليقين ".
(6) المسالك 1: 235 - 236.
(7) المراد منه: إرشاد الجعفرية كما حكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3:
130، ولكن لا يوجد عندنا.
427

كون السبب في الفوات هو عدم ركوع المأموم قبل رفع الإمام، ضرورة أن
الذيل مفهوم شرط مذكور في الكلام، وإنما عبر عنه برفع الإمام قبل ركوع
المأموم لعدم التفاوت بينهما في المصداق الخارجي، فقوله عليه السلام: " فإن رفع
الإمام رأسه قبل أن تركع " (1) بعد قوله: " فإذا ركعت قبل أن يرفع الإمام
رأسه فقد أدركت " بمنزلة قوله: " وإلا تركع قبل رفع الإمام بل ركعت بعده
- وبعبارة أخرى: رفع قبل ركوعك - فقد فاتتك الركعة، فسبب الفوات عدم
الركوع قبل رفع الإمام، فإذا شك فيه رجع إلى الأصل.
ثم لو سلم دلالة كل من الصدر والذيل على شرطية مستقلة ذات
مفهوم مستقل وعدم كون الذيل عبارة أخرى عن مفهوم الشرطية المذكورة
في الصدر، كان مفاد الصدر كون الركوع قبل الرفع (2) سببا للإدراك، وإفادة
الذيل كون الرفع قبل الركوع سببا للفوات، فإذا شك في كون الركوع قبل
الرفع أو كون الرفع قبل الركوع، فأصالة عدم الركوع قبل الرفع توجب
الحكم بعدم الإدراك، وأصالة عدم الرفع قبل الركوع توجب الحكم بعدم الفوات،
فيتعارض الأصلان ويرجع إلى أصالة عدم انعقاد الجماعة، وعدم إدراك
الركعة، وعدم براءة الذمة من التكليف بالصلاة إذا جعلت هذه ركعة مستقلة.
ولعله إلى هذا نظر الشهيد الثاني ومن تبعه في الاستدلال على هذا
المطلب بتعارض أصالتي عدم إدراك الركوع قبل الرفع وعدم الرفع قبل
الركوع (3)، وإلا فقد عرفت أن أصالة عدم تحقق سبب الإدراك - الذي هو

(1) الوسائل 5: 441 - 442، الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2، وقد
تقدم تمام الحديث في الصفحة 421.
(2) كذا في " ط "، وفي " ق " و " ن ": " الركوع "، وهو سهو.
(3) تقدم استدلال الشهيد قدس سره في الصفحة السابقة.
428

الركوع قبل رفع الرأس - كاف.
ولا يعارضه أصالة عدم الرفع قبل الركوع، لما عرفت من أن الرفع
قبل الركوع لم يجعل سببا للفوات حتى يكون عدمه الثابت - ولو بحكم
الأصل - سببا لعدم الفوات وهو الإدراك.
وإنما عبر عن مفهوم اشتراط الركوع قبل الرفع - الذي هو عدم
الركوع قبل الرفع ولو بحكم الأصل - بالرفع قبل الركوع توسعا، لا أن الرفع
سبب حقيقي للفوات حتى يدفع بالأصل عند الشك.
فإن قلت: الركوع قبل الرفع وإن كان هو السبب في الإدراك، إلا أنه
لما كان هذا السبب أمرا وجوديا - وهو ركوع المأموم - مقيدا بقيد هو كونه
قبل رفع الإمام، فإذا فرض أن المأموم عالم بأنه ركع لكن لم يعرف أن الرفع
كان متحققا في ابتداء ركوعه أم لا، دفع بالأصل، فيثبت السبب المذكور
وهو الركوع قبل الرفع بحكم الأصل ولو من حيث إجرائه في قيده.
قلت: هذا حسن لو كان زمان الركوع معلوما مفروغا عنه بأن يركع
وبعد العلم بركوعه يشك في أن الإمام راكع بعد أو رفع، لا ما إذا كان زمان
الركوع غير معلوم.
والفرق: أن في الثاني يكون كل من الركوع والرفع في أنفسهما قابلا
للوقوع بعد الآخر، فيعارض الأصل بمثله، بخلاف الأول، فإن الركوع في
نفسه لا شك فيه من حيث نفسه، إذ المفروض كونه معلوم العدم في زمان،
معلوم الوجود في آخر، فالشك في كونه قبل الرفع أو بعده لأجل الشك في
الرفع، وباعتبار قيده وهو تحقق الرفع في زمانه وعدمه، فإذا قيل: الأصل
عدم تحقق الرفع في زمانه فقد وقع الركوع في زمان علم شرعا أنه قبل
الرفع، فهو نظير ما إذا مات زيد وشك في حياة مورثه، فإنه يورث منه.
اللهم إلا أن يفرق بين ما نحن فيه وبين المثال من حيث أن الركوع فيما
429

نحن فيه ليس بنفسه سببا وعدم رفع الإمام شرطا كما في موت الشخص
وحياة مورثه، بل السبب ركوع المأموم (1) المقارن لركوع الإمام، وبقاء ركوع
الإمام وإن كان منشأ واقعا وملزوما لتقييد ركوع المأموم بمقارنته لركوع
الإمام، إلا أن الأصل لا يثبت اللوازم الغير الشرعية، فلا يترتب على
أصالة بقاء ركوع الإمام كون ركوع المأموم مقارنا له واجتماعهما في الركوع،
فيصح أن يقال: الأصل عدم اجتماع المأموم والإمام في الركوع، وإن كان
الأصل أيضا بقاء ركوع الإمام حين ركوع المأموم، لكن لا منافاة بين إثبات
الملزوم بالأصل ونفي لازمه الغير الشرعي أيضا بالأصل، فافهم.
ولعله لذلك لم يفرق في هذا المقام بين صورتي العلم بتأريخ أحدهما
وعدمه من فرق بينهما في غير هذا المقام، مما اشتبه فيه تقدم أحد الحادثين
على الآخر، كما إذا اختلف الولدان الكافران - المسلم أحدهما في شعبان والآخر
في رمضان - في أن موت مورثهما كان قبل رمضان أو بعده، فقد حكم الفاضلان
في الشرائع (2) والقواعد (3) وغيرهما (4) - تبعا للمبسوط (5) والوسيلة (6) - باشتراكهما
في الإرث، لأصالة بقاء حياة المورث إلى رمضان، وإن كان في إجراء هذا
الأصل لإثبات الإرث تأمل، بل نظر ومنع ذكرناه في محل آخر (7).

(1) في النسخ: " الإمام "، وفي هامش " ط ": المأموم - ظاهرا.
(2) الشرائع 4: 120.
(3) القواعد 2: 229.
(4) التحرير 2: 200.
(5) المبسوط 8: 273.
(6) الوسيلة: 225.
(7) فرائد الأصول: 662.
430

ثم إن ما ذكرنا كله إذا دخل المأموم في الركوع على الوجه المشروع
ثم شك، وأما إذا شك في اللحوق قبل الدخول في الصلاة فالظاهر أن له أن
يدخل إذا قصد أنه إن اطمأن بعد التكبير بإدراك الركوع يركع، وإلا فيصبر
إلى الركعة الأخرى، أو يتابعه في السجود، أو ينوي الانفراد.
وإن لم يقصد هذا، بل قصد الركوع عقيب التكبير كما هو المتعارف،
فإن قلنا بصحة الصلاة إذا ركع واتفق رفع الإمام رأسه وأنه يلحقه حينئذ في
السجود من غير أن يعتد بذلك الركوع والسجود فلا إشكال في الجواز أيضا.
وإلا، ففي صحة صلاته ولو مع الشك، اعتمادا على أصالة بقائه في
الركوع، أو اعتبار مطلق الظن بالإدراك، أو اعتبار الاطمئنان باللحوق،
وجوه: مبنية على اعتبار الأصل في أمثال هذه المقامات، تعبدا، أو من باب
الظن، وعدم اعتباره مطلقا، لأن القصد إلى الفعل الصحيح المعتبر في
العبادات لا يتحقق بمجرد إعمال الأصل، فيعتبر العلم أو الوثوق الذي يتأتى
معه القصد إلى الفعل متقربا إلى الله، وهذا هو الأقوى.
ثم إن ظاهر النصوص والفتاوى أن إدراك الركوع حد لإدراك الركعة،
بمعنى أنه لا يعتبر فيه إدراك القراءة أو تكبيرة الركوع، بل لو لم يدخل في
الصلاة إلا وقت ركوع الإمام، فيلحقه (1) فيه كفى، لا أن إدراك الركوع
والاجتماع معه فيه شرط لإدراك الركعة الأولى، حتى أنه لو كان تبعه من
أول الصلاة ثم اتفق أنه تخلف عن الإمام في الركوع لعذر من نسيان أو
زحام أو نحوهما لم يعتد بتلك الركعة.
نعم، قد يتوهم هذا في بادئ النظر، ويدفعه التدبر في النصوص
والفتاوى وإطلاق ما سيجئ من النص في أن من تخلف عن الركوع يركع

(1) في " ط ": فلحقه.
431

لنفسه، فيلحق الإمام في السجود، وقد تعرضوا للمسألة في فوات ركوع
الركعة الأولى مع الإمام في صلاة الجمعة، فلاحظ وتأمل.
وربما ينسب ما ذكرنا إلى بعض المعاصرين، ولم نتحققه.
نعم ربما يظهر من المحكي عن كشف اللثام ما يظهر منه (1) أن ما ذكره
المشهور في الركعة الأولى لا اختصاص له بها، بل إدراك أي ركعة كانت
لا يتحقق إلا بإدراك الركوع، قال في مسألة ما لو زوحم المأموم في صلاة
الجمعة عن السجود في الركعة الأولى - عند شرح قول الماتن في القواعد: إنه
" لو سجد ولحق الإمام قبل الركوع تابعه " (2) - ما هذا لفظه: وقد أدرك الركعتين
اتفاقا في الأولى (3)، وعلى خلاف يأتي في الجماعة في الثاني (4)، انتهى.
وقرره على ذلك في مفتاح الكرامة، لكنه قال: إن ذلك الخلاف
ضعيف، كما بين في محله (5)، انتهى.
فحاصل الأقوال ثلاثة:
أحدها: اعتبار الاجتماع مع الإمام في الركوع في إدراك الركعة الأولى
بمعنى الدخول في الصلاة مع الإمام في الركوع.
الثاني: اعتبار الاجتماع معه فيه وإن انعقدت الجماعة قبله.
الثالث: اعتبار الاجتماع كقول المشهور لكن من دون اختصاص
بالركعة الأولى. لكن المعلوم من النص والفتوى هو الأول.

(1) كذا في النسخ.
(2) القواعد 1: 288.
(3) في " ط ": الأول.
(4) كشف اللثام 4: 295.
(5) مفتاح الكرامة 3: 160.
432

[مسألة] (1)
يشترط في صحة اقتداء الرجل: مشاهدة الإمام أو من يشاهده من
المأمومين، بالإجماع المحقق على الظاهر والمستفيض، ولصحيحة زرارة:
" وأي صف يصلي أهله بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر
ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة، وإن كان بينهم سترة أو جدار فليس
تلك لهم بصلاة إلا من كان بحيال الباب، ثم قال: وهذه المقاصير لم تكن في
زمان أحد، وإنما أحدثها الجبارون، ليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من
فيها صلاة " (2).
وحمل الفقرة الأولى المتضمنة للتحديد بما لا يتخطى على الاستحباب،
والمبالغة في نقص فضيلة الجماعة على المشهور من إحالة القرب والبعد إلى
العرف، لا يوجب ضعف دلالة الفقرة الثانية على المدعى، وعلى تقديره

(1) العنوان منا، وقد تقدم البحث عن هذه المسألة في الصفحة 335.
(2) الكافي 3: 385، الحديث 4، وأورده في الوسائل مقطعا في 5: 462، الباب 62
من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2، والصفحة 460، الباب 59 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث الأول مع اختلاف يسير في بعض الكلمات.
433

فالوهن منجبر بما عرفت.
ثم ظاهر الصحيحة أن الجدار بين الصفين مبطل لصلاة أهل الصف
المتأخر أجمع، إلا من كان منهم بحيال الباب إذا كان في الجدار باب يشاهد
بعض أهل الصف المتأخر من تقدمهم من الإمام أو المأمومين، وإن لم يكن
هناك باب وكان الجدار أو السترة مستوعبا لما بين الصفين فصلاة الكل
باطلة.
ومقتضى هذا عدم الاكتفاء في مشاهدة المأموم - المشاهد للإمام -
بمشاهدته عن جانبيه، وأنه لا يكفي مشاهدة بعض الصف لبعضهم الآخر
المشاهد للإمام، بل لا بد من مشاهدته من قدامه، وإن كان يكفي ذلك في
مشاهدة الإمام، وهو الذي صرح به الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح
ناسبا له إلى النص وكلام الأصحاب (1)، وهو ظاهر عبائر جماعة في مسألة
المحراب الداخل، قال في القواعد: لو وقف الإمام في محراب صحت صلاة
من يشاهده من الصف الأول خاصة وصلاة الصفوف الباقية أجمع، لأنهم
يشاهدون من يشاهده (2)، انتهى.
والظاهر أن لفظة " أجمع " تأكيد لأجزاء الصفوف الباقية لا أفرادها،
لدفع توهم التبعيض فيها، كما يتبعض في الصف [الأول] (3) بين من يشاهد
الإمام ومن لا يشاهد.
وفي الدروس في الفرض المذكور: تبطل صلاة الجانبين من الصف

(1) مصابيح الظلام (مخطوط): 613.
(2) قواعد الأحكام 1: 315.
(3) الإضافة من هامش " ط ".
434

الأول خاصة (1)، انتهى. ونحوه عبارة النافع من دون قيد " خاصة " (2).
وفي الشرائع: لو وقف الإمام في محراب داخل، فصلاة من يقابله
ماضية دون من إلى جانبيه إذا لم يشاهدوه، ويجوز صلاة الصفوف الذين
وراء الصف الأول (3)، انتهى.
وفي (4) كل من صدر العبارة - الدال على الفرق بين من يقابل الإمام
ومن إلى جانبيه -، وذيلها - الدال على الفرق بين الصف الأول والصفوف
الذين وراءه، في أن الأول يبعض أهله من حيث صحة الصلاة وبطلانه،
والبواقي لا تتبعض - دلالة ظاهرة على ما ذكرنا.
وهناك موضع ثالث من الدلالة وهو تقييد صلاة من إلى جانبيه
بقوله: " إذا لم يشاهدوه " تصريحا بعدم الاكتفاء بمشاهدة الجانبين لمن في
جانبهم ممن يقابل الإمام.
وحمل " الصف الأول " في هذه العبائر على القطعتين من الصف
المنعقدتين في جناحي المحراب محاذيا له - بناء على أنهما مع الإمام المتوسط
بينهم صف واحد - مستشهدا على ذلك بكون الجانب حقيقة في المحاذي
للمنكب دون المتأخر عنه الواقف في سمت جانبيه، وجعل المراد ب‍ " من
يشاهد الإمام من الصف الأول " في عبارة القواعد هو من دخل المحراب مع
الإمام كما صنعه في الرياض (5) معترفا بأن مصب عبارة القواعد فرض نادر،

(1) الدروس 1: 221.
(2) المختصر النافع: 48.
(3) الشرائع 1: 126.
(4) " وفي " من " ن " و " ط "، وشطب عليها في " ق " سهوا.
(5) راجع الرياض 4: 360 - 361.
435

مدعيا أنه لا يبعد تعرض الفقيه للفروض النادرة، وحمل " من يقابله " - في
عبارة الشرائع - على الصف المنعقدة قدام المحراب، بأن يكون إطلاق
" المقابل " عليه باعتبار مقابلة بعضهم للإمام كما في المسالك (1)، وعن حاشية
الشرائع (2) تفسير " من إلى الجانبين " بمن لا يشاهدون الإمام ولا المأموم، كما
عرفت من الرياض، مخالف لظواهر العبائر المذكورة كما لا يخفى.
وكأن الداعي لهم على توجيه العبائر المذكورة - مضافا إلى تعليل
صحة صلاة الصفوف الباقية [في ظاهر] (3) عبارتي الشرائع والقواعد بما
يوجب صحة تمام الصف الذي بعضه مقابل المحراب، وهو أنهم يشاهدون
من يشاهد الإمام - أن الحكم بصحة صلاة تمام الصف المذكور مفروغ عنه
عندهم، فلا بد من توجيه ما يوهم خلافه من كلماتهم.
ولعل الأمر كذلك، كما ينبئ عنه أن الحكم المذكور بعد ما ذكره الشيخ
على ما حكي عنه (4) لم يصرح أحد ممن تأخر عنه بمخالفته أو بحكاية مخالف
له، ولذا قال في الكفاية: إن الحكم المذكور لا أجد فيه خلافا (5)، وقريب منه
ما في الرياض (6).
نعم، عن الذخيرة: الاستشكال في الحكم المذكور إن لم يثبت إجماع

(1) المسالك 1: 319.
(2) حاشية الشرائع (مخطوط): 40.
(3) من هامش " ط ".
(4) المبسوط 1: 156.
(5) كفاية الأحكام: 31، وفيه: " ولم أجد من حكم بخلافه، وفيه إشكال ".
(6) الرياض 4: 360.
436

عليه من جهة ظاهر الصحيحة المتقدمة (1).
وكيف كان، فلم يظهر في المسألة مخالف إلى زمان المحقق الوحيد
البهبهاني كما تقدم (2) مخصصا للحكم بالصحة بصاحبي المنتهى (3) والمدارك (4).
مع أن عبارة الشيخ المحكية في الذكرى (5) وعبارة الوسيلة (6) وعبائر
الشهيدين والمحقق الثاني في الذكرى والجعفرية والمسالك كالصريح في القول
المذكور (7)، بل يمكن نسبة ذلك إلى كل من تعرض لهذا الشرط - أعني اعتبار
المشاهدة وعدم الحائل بين الإمام والمأموم وكذا بين الصفوف - حيث إنهم
ذكروا عنوانا واحدا بالنسبة إلى مشاهدة الإمام ومشاهدة من يشاهده، ولم
يجعلوا مشاهدة الإمام ومشاهدة المأموم المشاهد للإمام شرطين متغايرين،
معتبرين على سبيل البدلية، يعتبر في الأولى تحققها كيف ما اتفق وفي الثانية
تحققها من قدام المصلي، بل الظاهر أن المقدار الكافي في إحداهما كاف في
الأخرى.
ومن المعلوم بالإجماع والسيرة صحة صلاة الصف المشتمل على الإمام
باعتبار مشاهدة الجانبين للإمام بأطراف أعينهم، فيكفي مثله في مشاهدة

(1) ذخيرة المعاد: 394، وتقدمت الصحيحة في الصفحة 433.
(2) تقدم في الصفحة 434.
(3) المنتهى 1: 365.
(4) المدارك 4: 318 و 376.
(5) الذكرى: 273.
(6) الوسيلة: 107.
(7) انظر الذكرى: 272 - 273، والرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1:
127، والمسالك 1: 319.
437

المصلي للمأموم المشاهد للإمام.
وكيف كان، فكلامهم في تأدية هذا الشرط ينادي باتحاد مشاهدة
الإمام ومشاهدة المأموم المشاهد له في الكيفية.
ويؤيد ما ذكرنا من كون الحكم بالصحة مفروغا بينهم: أن المتعرضين
لحكم استدارة الصف حول الكعبة المختلفين فيه، قد ادعى مجوزهم كالشهيد
في الذكرى الإجماع عليه في الأعصار (1)، وتمسك مانعهم كالعلامة في بعض
كتبه باعتبار اتحاد الجهة (2)، فكان هذا في قوة الإجماع منهم على أن عدم
مشاهدة المأمومين المستورين عن الإمام للمأموم المشاهد للإمام من قدامهم
غير مانع عن الاقتداء.
وبالجملة، فلم نجد فيما بأيدينا من كتب من تأخر عن الشيخ كلاما
لا يكون فيه أو في عنوانه أو في ذيله ظهور فيما نسبه (3) إلى المنتهى والمدارك،
فالظاهر أن عدم الحكم بالصحة، بل الحكم بعدمها مما تفرد به، ولذا خالفه
غير واحد من تلامذته كصاحب الرياض (4) وكاشف الغطاء (5).
ولعل وجهه - مضافا إلى ما يتراءى من العبائر المتقدمة - استظهار هذا
المعنى من النص، وفاقا لصاحب الذخيرة (6)، وهو استظهار حسن في محله.

(1) الذكرى: 162.
(2) انظر التذكرة 4: 241.
(3) أي ما نسبه الوحيد البهبهاني، كما تقدم في الصفحة 437.
(4) الرياض 4: 360 - 361.
(5) انظر كشف الغطاء: 265.
(6) ذخيرة المعاد: 394.
438

إلا أنه يمكن - ولو بمعونة عدم ظهور الخلاف في المسألة - تنزيل
الصحيحة المذكورة (1) على ما لا يخالف الحكم المشهور، بأن يقال: إن ذكر
الصف المتقدم في صدر الرواية - وهو قوله عليه السلام: " وأي صف يصلي أهله
بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس لهم
تلك بصلاة " - إنما هو من باب المثال وذكر الفرد الغالب من المطلق الذي
هو موضوع الحكم كما هو الشائع، فالمراد ملاحظة القرب بين من يريد
الائتمام وبين الصف المتصل بالإمام المحكوم بصحة اقتدائه به، وإلا فلو فرض
صف منعقد عن يمين الصف المتصل بالإمام منفصلا عنه اعتبر في انفصاله
القرب والبعد، يصح مع القرب ويبطل مع البعد، فالميزان في القرب
والبعد هو الصف المتصل بالإمام متقدما كان على هذا الذي يريد الاقتداء
أو محاذيا.
وليس لمنصف أن يقول إن ملاحظة القرب والبعد في هذا الفرض جاء
من الإجماع الكاشف عن نص آخر دون هذا النص، إذ لا فرق بين مسألة
الفرع وبين مسألتنا في كونهما مفروغا عنهما عند الأصحاب كما عرفت، وعلى
هذا يكون قوله عليه السلام: " وإن كان بينهم سترة أو جدار " يعني بينهم وبين
من اتصل بالإمام من المأمومين، فالملحوظ هنا ليس خصوص المتقدم على
مريد الاقتداء، بل كل من حكم بصحة اقتدائه.
وحينئذ فاستثناء من بحيال الباب من الحكم ببطلان صلاة من كان
بينه وبين الصف المتصل بالإمام حائل يستلزم خروج من على جانبي هذا
المستثنى من الحكم المذكور، لخروجه عن موضوعه، إذ ليس بينهم وبين من

(1) المذكورة في الصفحة 433.
439

اتصل بالإمام - وهو الواقف بحيال الباب - سترة أو جدار، فيصير الحكم
بالبطلان بعد ملاحظة المستثنى وما يتبعه في الخروج - من جهة خروجه عن
الموضوع - مختصا بما إذا كان بين مريد الاقتداء ومن يشاهد الإمام حائل،
ومثاله القطعتان من الصف المنعقدتان في جناحي الباب.
وكأنه إلى هذا نظر صاحب المدارك حيث ذكر أن الحصر في
قوله عليه السلام: " إلا من كان بحيال الباب " (1) بالإضافة إلى من على يمين الباب
أو يساره (2)، وهو الذي ذكروه في مسألة المحراب الداخل وحكموا ببطلان
صلاته على ما عن الشيخ (3) والمنتهى (4) والذكرى (5) والجعفرية (6) والمسالك (7)
وغيرها (8)، فلاحظ عباراتهم.
ومما يؤيد ما ذكرنا قوله عليه السلام في حكم المقاصير: " ليس لمن صلى
خلفها... إلى آخره " (9) حيث قصر البطلان على من يصلي خلف المقاصير،
وظاهر أن المراد خلف حائطي جناحيه، وإلا فالصلاة خلفها حقيقة لا يعقل

(1) المتقدم في الصحيحة المذكورة في الصفحة 433.
(2) المدارك 4: 319.
(3) المبسوط 1: 156.
(4) المنتهى 1: 365.
(5) الذكرى: 272.
(6) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 127.
(7) المسالك 1: 319.
(8) كالدروس 1: 221، والشرائع 1: 126.
(9) الوسائل 5: 460، الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول، وتقدم
تمامه في الصفحة 433.
440

لعدم توجه المأموم إلى القبلة، والصلاة في الصف المنعقد مواجها له ليس
صلاة خلفها، بل هي صلاة قدامها، فهي صحيحة بمقتضى السكوت في مقام
البيان، فينحصر الصلاة خلفها في الصلاة خلف حائطها من اليمين أو اليسار.
وإن أبيت إلا عن الجمود على ظاهر الصحيحة من أن الحائل بين
الصف المتأخر والمتقدم موجب لبطلان جميع الصف المتأخر إلا من كان منهم
بحيال الباب.
أبينا إلا عن ضعف دلالة الصحيحة، من جهة اتحاد سياق هذه الفقرة
مع سياق الفقرة السابقة المتضمنة لتحديد المسافة بما لا يتخطى، المحمولة عند
المعظم على الاستحباب، ولا جابر لوهنها بعد ما عرفت من ذهاب المشهور
إلى خلافها، كما عرفت.
فالمرجع إلى أصالة عدم اعتبار المشاهدة على الوجه المتنازع فيه، إما
للإطلاقات، وإما لأصالة البراءة.
واستصحاب عدم انعقاد الجماعة في الابتداء، معارض بأصالة بقائها إذا
عرض الستر في الأثناء.
هذا، مضافا إلى إطلاق بعض الروايات مثل موثقة ابن الجهم عن
أبي الحسن الرضا عليه السلام: " عن الرجل يصلي بالقوم في مكان ضيق وبينهم
وبينه ستر أيجوز أن يصلي بهم؟ قال: نعم " (1).
هذا ومع ذلك كله، فالأحوط مراعاة المشاهدة على الوجه المتنازع،
فإن المسألة لم تصف بعد عن شوب الإشكال، والله العالم.
هذا كله في اقتداء الرجل، وكذلك اقتداء المرأة بالمرأة مشروط

(1) الوسائل 5: 461، الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
441

بالمشاهدة كما حكي التصريح به عن جماعة (1)، بل عن العزية (2) نسبته إلى
علمائنا، ويشمله بعض معاقد الإجماع أيضا، بل وعموم الصحيحة المتقدمة (3)،
وتذكير الضمير أو التعبير بالقوم محمول على الغالب كما في سائر المطالب.
ومنه يظهر أن مقتضى العمومات شمول الحكم لاقتداء المرأة بالرجل
كما عن الحلي (4) بعد حكايته بأنه وردت رخصة للنساء أن يصلين إذا كان
بينهن وبين الإمام حائط، ثم قال: والأول أظهر وأصح، ولعله أراد بالرواية
موثقة عمار: " قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي بالقوم
وخلفه دار فيها نساء، هل يجوز لهن أن يصلين خلفه؟ قال: نعم إن كان
الإمام أسفل منهن. قلت: فإن بينهن وبينه حائطا أو طريقا، فقال: لا بأس " (5).
ولعل الحلي لم يعتمد عليه لكونه من الآحاد، وحيث إن الآحاد
عندنا معتبرة فلا بأس بالعمل بها بعد اعتضادها بالشهرة العظيمة، نعم بينها
وبين الصحيحة السابقة - بناء على عموم الحكم فيها للمرأة - عموم من وجه،
فيمكن تخصيص الحائط بما لا يمنع من مشاهدة بعض المأمومات، كما يمكن
تخصيص تلك الصحيحة بالإمام الذكر كما هو الظاهر منها غاية الظهور.
فالثاني أولى بلا إشكال، بل لولا ما عرفت من الشهرة وحكاية

(1) منهم الشهيد الأول في الذكرى: 273، والشهيد الثاني في روض الجنان: 370،
والمحقق النراقي في المستند 8: 62.
(2) نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 425.
(3) تقدمت في الصفحة 433.
(4) السرائر 1: 289.
(5) الوسائل 5: 461، الباب 60 من أبواب صلاة الجماعة.
442

الاتفاق أشكل إثبات الشرط المذكور في الاقتداء بالمرأة، لندرة وقوعها على
تقدير جوازها، فلا تشمله الإطلاقات.
ثم الظاهر من النص والفتوى كون هذا الشرط شرطا واقعيا، فلو
انكشفت السترة بينهما بعد الصلاة بطلت الجماعة والصلاة، كما هو ظاهر
قوله: " ليس لمن صلى خلف المقاصير صلاة ".
نعم لو اتفق ذلك مع عدم الإخلال بوظيفة المنفرد من القراءة وترك
تعدد الركوع عند التقدم على الإمام سهوا، فلا يبعد الصحة، بناء على تنزيل
إطلاق بطلان الصلاة في الصحيحة المذكورة (1) على الغالب من ترك القراءة،
فلو فرضنا الاقتداء به في الركعتين الأخيرتين ولم يحصل ما يبطل مع الانفراد
[صح] (2).
والظاهر أيضا أن هذا الشرط معتبر في الأثناء، فلا يكفي مجرد تحققه
في الابتداء.

(1) المتقدمة في أول المسألة، الصفحة 433.
(2) من حاشية " ن " و " ط "، وفي ملحق المكاسب: حكم بالصحة.
443

[مسألة] (1)
ويشترط اجتماع الإمام والمأموم في الموقف (2)، فلا يجوز مع التباعد إلا
مع اتصال الصفوف إجماعا محققا في الجملة ومنقولا.
واختلف في تحديد البعد المانع، فعن الحلبي (3) وابن زهرة: التحديد
بما لا يتخطى، مدعيا ثانيهما عليه الإجماع، قال: لا يجوز أن يكون بين
الإمام والمأمومين ولا بين الصفين ما لا يتخطى، من بناء أو مسافة أو نهر،
ثم ادعى الإجماع على ذلك (4)، انتهى.
وحكي (5) اختياره عن ظاهر الإشارة (6) والمدارك (7) والذخيرة (8)

(1) العنوان منا.
(2) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 344 و 568.
(3) الكافي في الفقه: 144.
(4) الغنية: 88 و 89.
(5) حكاه عن ظاهرها السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 422.
(6) انظر إشارة السبق: 96.
(7) انظر المدارك 4: 317.
(8) انظر الذخيرة: 394.
445

والمفاتيح (1) والمصابيح (2)، وصاحب المعالم في الاثني عشرية (3)، وتلميذه في
شرحها (4)، وعن الفاضلين أن السيد قال في المصباح: ينبغي أن يكون بين
كل صفين قدر مسقط الإنسان إذا سجد أو مربض عنز، فإن تجاوز ذلك
القدر الذي لا يتخطى لم يجز (5)، انتهى.
وظاهر معقد إجماع الغنية (6) اعتبار عدم ما لا يتخطى بين مسجد أحد
الصفين وموقف الآخر، لأنه المتصور في توسط البناء والنهر، دون ما بين
موقفي الصفين، ولا يبعد حمل عبارة المصباح عليه، بأن يكون مراده - ولو
لأجل توافق صدر الكلام وذيله -: التجاوز عن مقدار مسقط الجسد بالقدر
الذي لا يتخطى، ويمكن سقوط حرف الباء من قلم النساخ، ويمكن حمل
كلام الكل [عليه] (7) بناء على ما قيل من أن المتبادر من الصف مجموع
القطر (8) الذي يشغله جسد المصلي في حال السجود.
ويؤيده أنه لو كان [المراد] (9) مواقف أقدام الصفين (10) لم يكن معنى
للتحديد بما لا يتخطى، بل كان اللازم التعبير باتصال الصفوف وعدم الفصل

(1) انظر مفاتيح الشرائع 1: 160.
(2) لا توجد لدينا، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 422.
(3) لا توجد لدينا، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 422.
(4) لا توجد لدينا، وحكاه عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 422.
(5) المعتبر 2: 416، والتذكرة 4: 253 - 254.
(6) المتقدم في الصفحة السابقة.
(7) الزيادة منا اقتضاها السياق.
(8) كذا، والصحيح " القدر ".
(9) الزيادة منا اقتضاها السياق، وبقرينة عبارة شطب عليها في " ق ".
(10) في " ن " و " ط ": " أقدام المصلين ".
446

بينها رأسا، سواء كان مسقط أجسادهم مما يتخطى أو مما لا يتخطى، إذ
التحديد بما لا يتخطى - على هذا - يصير تقديرا لأمكنة صلوات أهل الصف
المتأخر بأن لا يشغلوا في صلاتهم ما لا يتخطى من المكان، وهو كما ترى.
هذا كله مع أن مكان المصلي غالبا مما لا يتخطى، سيما إذا لم يعد
موقف القدم الأولي للمتخطي من المسافة، كما هو الظاهر.
وكيف كان، فلو أريد مانعية البعد بما لا يتخطى بين مواقف أقدام
الصفوف، فيدل على بطلانه استمرار السيرة القطعية على عدم ملاحظة شدة
الاتصال بين الصفوف على هذا الوجه، وكذا بين آحاد الصف الأول، إذ بناء
على اعتبار اتصال الصفوف وعدم الفصل بينها رأسا يعتبر اتصال آحاد
الصف، وإلا لكانت صلاة المنفصل بقليل عن الصف المتصل بالإمام المحاذي
له في الصف الأول باطلة، وكذا من على جنب الإمام إذا انفصل عنه بقليل.
ودعوى: أن مانعية البعد المذكور إنما هي في حق الصف المتأخر دون
المحاذي للصف الأول أو للإمام.
يدفعه: معلومية أن القرب الملحوظ بين المأموم وإمامه أو غيره من
المأمومين أمر واحد لا تعدد فيه.
هذا كله مضافا إلى إمكان العلم بخلاف ذلك من الأخبار، ظواهرها في
ذلك ونصوصها، كما ستسمع.
وأما اعتبار الحد المذكور بين مسجد الصف المتأخر وموقف المتقدم،
فيمكن أن يستدل عليه - مضافا إلى توقيفية الجماعة، المستلزمة لوجوب
الاقتصار فيها على المتيقن - بقول (1) أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة:

(1) في النسخ: " قول ".
447

" إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك لهم بإمام، وأي
صف كان أهله يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر
ما لا يتخطى فليس لهم تلك بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس
تلك لهم بصلاة إلا من كان بحيال الباب.
قال: وهذه المقاصير لم تكن في زمان أحد، وإنما أحدثها الجبارون،
فليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة ".
قال: وقال (1): أيما امرأة صلت خلف إمام وبينها وبينه ما لا يتخطى
فليس تلك لها بصلاة " (2).
ودلالة الفقرات الثلاث على المطلوب في غاية الوضوح، واقتران البعد
بما لا يتخطى بالساتر بين الإمام والمأموم أقوى شاهد على إباء الرواية عن
الحمل على الاستحباب.
والمراد بالصف: صف المصلين بوصف كونهم مصلين، فالمانع هو أن
يكون ما لا يتخطى بينهم في جميع أحوال صلاتهم حتى حال السجود، كما
أن المراد بالساتر بينهم الساتر في جميع أحوال الصلاة على ما اعترفوا به،
فالمراد البعد ما بين مسجد الصف المتأخر وموقف المتقدم، مضافا إلى القرائن
الخارجية السابقة.
والرواية المذكورة في أعلى مراتب الصحة والاشتهار، قد عمل بها

(1) في النسخ: قول.
(2) الوسائل 5: 460، الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول، والصفحة
462، الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2. وانظر الفقيه 1: 386،
الحديث 1144 أيضا.
448

السيدان الغير العاملين إلا بالقطعيات، وقد روى فقراتها الأولى الحلي في
مستطرفات السرائر عن كتاب حريز (1)، فلا يبعد عده من الأخبار القطعية،
وقد عرفت وضوح دلالتها.
ويؤيد ذلك ما ورد من الأمر بلحوق الصف إذا أدرك الإمام وكبر من
بعيد مع خوف فوات الركوع (2).
وجعل تلك الروايات مخصصة للصحيحة (3) الدالة على مانعية البعد
بما لا يتخطى عن الاقتداء أولى من حمل الأمر باللحوق فيها على
الاستحباب، مع أن ظاهر الأمر فيها المقيد بخوف فوات الركوع كونه مسوقا
لدفع توهم الحظر، فلا يفيد إلا الإذن، ويلزمه بحكم المفهوم عدم جواز ذلك
عند عدم الخوف، فلا بد أن يكون في مكان لا يجوز الاقتداء فيه اختيارا،
فيكون الأمر باللحوق في الروايات للوجوب لا محالة.
ويمكن الجواب: أما عن قاعدة التوقيفية، فبأن توقيفية العبادة
لا توجب التزام الاحتياط فيها بإتيان كل ما يحتمل مدخليته فيه، بل اللازم
الاقتصار في الإتيان على ما علم اعتباره، كما قرر في الأصول (4).
وأما كون الجماعة على خلاف الأصل - من حيث سقوط القراءة،
وأحكام الشك فيها، وجواز زيادة الواجب بل الركن فيها لأجل المتابعة -

(1) السرائر 3: 587، الوسائل 5: 462، الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 4.
(2) انظر الوسائل 5: 443، الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) وهي صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة 433.
(4) انظر فرائد الأصول: 459 وما بعدها.
449

فهو لا يوجب وجوب الاقتصار فيها على القدر المتيقن، لأن هذه الأحكام
كلها متفرعة على امتثال الأمر بالجماعة وإحراز صحتها من حيث إسقاطها
للأمر المتعلق بها، فإذا حكمنا بحصول الامتثال بها بالإتيان بما علم اعتباره
فيها ودفع ما شك في اعتباره بأصالة البراءة أو بالعدم فقد حصل الجماعة
الصحيحة من حيث التكليف، ويترتب عليها ما يترتب على الجماعة الواقعية
من الأحكام والآثار.
ألا ترى أن إحراز صحة الصلاة بدون السورة ولو بضميمة أصالة
البراءة يكفي في ترتيب الأحكام الوضعية الثابتة للصلاة عليها، مثل حصول
القبض في وقف المسجد بها، أو استحقاق المؤجر نفسه للصلاة للأجرة، وغير
ذلك من الأحكام المترتبة على الصلاة الواقعية.
نعم، لو كان هنا أحكام متفرعة على ذات الصلاة من حيث هي مع
قطع النظر عن تعلق الأمر بها ووقوعها في مقام الامتثال - حتى يكون الأمر
المتعلق بها في عرض تلك الآثار ومن جملتها - لم يكف إجراء البراءة في
شرائطها واجزائها في مقام الامتثال لإثبات الأحكام الأخر.
هذا كله مضافا إلى أن ما ذكر لا يجري في الجماعة الواجبة
كما في الجمعة، إذ لا توقيفية في جماعتها زيادة على توقيفية نفس الصلاة،
إذ أحكام الجماعة فيها من سقوط القراءة ونحوها مأخوذة في أصل الصلاة،
وليست أصالة وجوب القراءة وعدم سقوطها جارية فيها، بل وضعها
على عدم القراءة فيها وعدم قدح زيادة الركن لمتابعة الإمام، فكلما شك
في شرطية شئ للجماعة فيها فهو شك في شرطية ذلك الشئ في نفس
الصلاة، إذ الجماعة شرط لها، والشك في شرط الشرط شك في الشرط،
فافهم.
450

نعم، هذا لا (1) يوجب اطراد الحكم فيما لم تكن الجماعة من شروطها،
لعدم ثبوت الإجماع المركب بين الجمعة وغيرها، إذا كان مستند الحكم في كل
مقام هو الأصل، فلا ضير في العمل في الجمعة بما يقتضيه البراءة، وفي غيرها
بما يقتضيه أصالة عدم سقوط القراءة وسائر أحكام المنفرد، فيعمل بالأصلين
المتخالفين في مسألتين علم باتحاد حكمهما في الخارج، كما هو مذهب جماعة،
وليس ببعيد، كما حقق في مسألة الإجماع المركب.
على أنه لو سلم الإجماع المركب كان مقتضى الأصل في غير الجمعة،
لكونه دليلا على التكليف، مقدما على أصالة البراءة في الجمعة المقتضية لنفي
التكليف بإحراز ذلك المشكوك لعدم الدليل عليه.
هذا كله، مضافا إلى بعض الإطلاقات.
وأما عن الصحيحة فبوجوب حملها على الاستحباب للقرائن الخارجية.
منها: قوله عليه السلام في صحيحة زرارة - المروية في الفقيه -: " وينبغي
أن تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها إلى بعض، ولا يكون بين الصفين
[ما لا يتخطى] (2)، ويكون بينهما مسقط جسد الإنسان إذا سجد " (3).
فإن الظاهر من لفظة " ينبغي " الاستحباب، سيما إذا أسند إلى إتمام
الصف الذي هو مستحب قطعا، فتأمل.
وكذا الظاهر من عدم الفصل بين الصفين بما لا يتخطى - بقرينة قوله:

(1) " لا ": لم يرد في " ق " و " ن ".
(2) من " ط " والمصدر.
(3) الفقيه 1: 386، الحديث 1143، والوسائل 5: 462، الباب 62 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث الأول.
451

" يكون بينهما مسقط جسد الإنسان " - هو ما بين أقدام الصف المتأخر
وأقدام الصف المتقدم، فيكون هذا - بمقتضى كشف بعض الأخبار عن بعض -
شاهدا على أن المراد ب‍ " ما لا يتخطى " في الصحيحة هو ما بين الأقدام إلى
الأقدام، فهذا هو التواصل الحقيقي الذي قد عرفت أنه لا شك في استحبابه.
اللهم إلا أن يدعى أن اقتران حكم البعد بما لا يتخطى في الصحيحة
بالساتر قرينة على عدم إرادة الاستحباب، أرجح من القرينة المنفصلة
المذكورة.
نعم يمكن التمسك بالقرائن الأخر، مثل الموثقة السابقة (1) في مسألة
الستر بين المرأة والرجل، الدالة على جواز اقتدائها به إذا كان بينها وبينه
حائطا أو طريقا، حيث لم يستفصل بين الحائط، مع أن الفصل بالطريق
يوجب البعد بما لا يتخطى قطعا، وكذلك الاستثناء في ذيل الصحيحة بقوله:
" إلا من كان بحيال الباب " (2)، فإن الواقف في مقابل الباب مع كون الإمام
أو المأمومين في الداخل يكون بينه وبينهم ما لا يتخطى غالبا.
وتخصيص الباب بباب المقصورة - التي يقف المأموم مقابلا لها متصلا
بالإمام أو كالمتصل - خلاف الظاهر، إلا أن يدعى سوق إطلاقه في مقام
بيان فقد المانع في حيال الباب من جهة المشاهدة، وكذلك إطلاق الحائط،
وأما الطريق، فإنه (3) وإن كان غالبا يوجب الفصل بين المأموم وبين من
تقدمه بما لا يتخطى، إلا أن ارتكاب التقييد فيه أولى من حمل الفقرات

(1) تقدمت في الصفحة 442.
(2) في صحيحة زرارة المتقدمة في الصفحة 433.
(3) في النسخ: إنه.
452

الثلاث المتقدمة على الاستحباب، مع ما عرفت فيها من القرينة المؤكدة
- وهي اقتران حكمها بحكم الساتر بين الصفوف - ولم نقف على قرينة أخرى
للحمل على الاستحباب.
نعم، ذكر المحقق أن اعتبار المقدار المذكور مستبعد، فيحمل على
الفضيلة (1)، وكأنه فهم اعتبار هذا المقدار بين الأقدام، المستلزم لاعتبار
الاتصال الحقيقي بين الصفوف، وهو حسن على ذلك التقدير، لكنه خلاف
ظاهر القائلين بل النص، كما عرفت.
فروع
الأول: إن اعتبار التقارب بين المأمومين والإمام لا يفرق بين حصوله
من قدام المأموم أو من جانبه، ولذا يجوز صلاة الصف الأول المستطيل مع
أن أطراف الصف في غاية البعد عن الإمام، وهكذا في الصف الثاني
والثالث، فلو كان الصف الأول عشرة والصف الثاني مئة أو ألفا جاز مع
اتصال الصفين، فإن قرب أطراف الصف الثاني باعتبار جانبهم. وبعبارة
أخرى: العبرة باتصال مجموع الصف الثاني بمجموع الصف الأول دون
آحاده.
ويحكى عن صاحب الكفاية التأمل في ذلك (2)، ولم أجد له وجها إلا
أن يتوهم من قوله عليه السلام: " وأي صف كان يصلي أهله بصلاة إمام وبينهم

(1) المعتبر 2: 419.
(2) كفاية الأحكام: 30.
453

وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس تلك لهم [بصلاة (1)] " (2)
اعتبار تقارب آحاد الصف الثاني مع مجموع الصف الأول، فيعتبر في كل
واحد من أولئك الآحاد أن يكون متصلا بالصف الأول.
وفيه: أنه خلاف الظاهر، بل العبرة بتقارب مجموعي الصفين،
ويصدق على الصف الثاني إذا كانوا ألفا ولوحظ مجموعهم - من حيث كونهم
مركبا واحدا - أنهم متصلون بالصف الأول وإن كانوا عشرة، ويؤيد ذلك:
أن قوله عليه السلام في الفقرة السابقة " إن صلى قوم وبينهم وبين الإمام " (3) ليس
المراد إلا مجموع القوم دون آحادهم.
مع أن هذا التوهم منشأه إن لفظ " الأهل " المضاف يفيد الاستغراق
الأفرادي، وإلا فلفظ " الصف " حقيقة في المجموع من حيث المجموع.
ويدفعه - مضافا إلى ما ذكر - أن لازم هذا أن يكون الضمير في قوله
في الفقرة الثانية: " بينهم سترة أو جدار " راجعا إلى الآحاد، وحينئذ يكون
قوله " إلا من كان بحيال الباب " (4) استثناء منقطعا، لأن من بحيال الباب
ليس ممن بينه وبين من تقدمه سترة، فلا يمكن الاستثناء المتصل إلا بإرادة
الستر بين مجموعي الصف المتأخر والمتقدم.
الثاني: إن ظاهر النص والفتوى أن هذا الشرط في الابتداء

(1) من " ط ".
(2) الوسائل 5: 462، الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(3) الوسائل 5: 462، الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(4) تقدم في الصفحة 433.
454

والاستدامة، خلافا للمحكي عن قواعد الشهيد (1) والمدارك (2)، وعن الذخيرة (3)
استحسانه، وعن الرياض (4) الميل إليه، ولم أعرف له وجها عدا اختصاص
دليل الشرطية - وهو الإجماع - بالابتداء.
وفيه: أن معاقد الإجماعات تشمل الاستمرار.
ويتفرع على ما ذكرنا: انفساخ القدوة إذا انتهت صلاة الصفوف المتوسطة.
والظاهر أنها لا تعود بتجديدهم الائتمام، ولا بانتقال المتأخر إلى محل
الجواز كما عن البيان (5) والمسالك (6) وغيرهما (7)، ويحتمل بقاؤها مع انتقال
المتأخر إلى موضع الجواز كما يظهر من الدروس وإن جعل انتقالهم قبل
انتهاء صلاة المتخلل أولى (8)، ولعل وجهه ما يفهم من الأخبار من الرخصة
في تحصيل شرط الجماعة للمأموم إذا فقد في الأثناء، مثل ما إذا مات الإمام
أو انتهت صلاته فقدم المأمومون واحدا، أو البناء على أنه يجوز الشروع في
الاقتداء في مكان بعيد إذا خاف فوت الاقتداء ثم اللحوق بالصف (9)، ففهم

(1) لم نقف عليه، وفي الجواهر (13: 179): وربما نسب للشهيد في قواعده، وفي
مفتاح الكرامة (3: 424): والذي ببالي أنه خيرة الشهيد في قواعده.
(2) المدارك 4: 323.
(3) الذخيرة: 394.
(4) الرياض 4: 304.
(5) البيان: 235.
(6) المسالك 1: 307.
(7) مثل ما في روض الجنان: 370.
(8) الدروس 1: 220 - 221.
(9) كما مر في الصفحة 449.
455

من ذلك تسويغ البعد ضرورة في الابتداء، فتسويغه في الأثناء أولى، فافهم.
الثالث: هل يكفي في اتصال الصفوف المتوسطة مجرد كونهم معدودين
من أهل الجماعة وإن لم يكونوا مؤتمين كما إذا لم يحرموا بعد أو انتهت
صلاتهم، أو يعتبر تلبسهم بالصلاة وإلا فكالأجنبي، أو يفرق بين عدم
تلبسهم بعد وبين انتهاء صلاتهم فيجوز لمن تأخر عنهم أن يحرم قبلهم في
الأول ولا يجوز للمتأخر البقاء على الجماعة في الثاني بناء على اعتبار هذا
الشرط استدامة؟ وجوه بل أقوال (1).

(1) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 255، وبه ينقطع البحث، إلا أن
المؤلف تابع البحث في الرسالة الأخرى، ونحن نورد نص ما كتبه هناك إتماما للفائدة،
قال:
وهل يعتبر في الصف السابق دخولهم في الصلاة فعلا، فلا يجوز للاحق البعيد أن
يحرم للصلاة إلا بعد تحريم من يرتفع بتوسطه البعد القادح، أم لا يعتبر؟ وجهان:
أقواهما الثاني، لإطلاق ما دل على الرخصة في التكبير بمجرد تكبير الإمام وأن المعتبر
تقارب الصفوف ويصدق الصف على السابقين وإن لم يدخلوا، بل يكفي كونهم
مستعدين له.
مضافا إلى السيرة المستمرة، ولزوم الحرج لولاه، واستصحاب صحة الائتمام والصلاة.
وإلى ما مر من وجوب الاقتصار في البعد القادح على مورد الإجماع بعد وجود
الإطلاق، إلا أن يمنع وجود الإطلاق هنا بالنسبة إلى جواز دخول اللاحق قبل
السابق، فتبقى إطلاقات الإجماعات سليمة، لكن إطلاقها بالنسبة إلى المقام أيضا
ممنوع، فالمتوجه الرجوع إلى أصالة عدم مشروعية الدخول، بناء على منع إطلاق
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إذا كبر فكبر " بالنسبة إلى المقام، فتأمل.
456

[مسألة] (1)
اختلفت أقوال الأصحاب - كالأخبار - في حكم القراءة خلف الإمام
المرضي، حتى قال في محكي روض الجنان: لم أقف في الفقه على خلاف في
مسألة يبلغ هذا المقدار من الأقوال (2).
وتحريرها وبيان المختار منها يحصل بالكلام في مسائل:
الأولى: حكم القراءة في أولتي الجهرية.
الثانية: حكمها في أولتي الإخفاتية.
الثالثة: حكمها في الأخيرتين من الجهرية.
الرابعة: حكمها من الإخفاتية.
أما الأولى، فنقول في حكمها: إن المأموم إما أن يسمع القراءة وإما أن
يسمع مجرد الصوت، وإما أن لا يسمع.
فإن سمع القراءة، فهي مرجوحة بلا خلاف، إنما الخلاف في التحريم

(1) العنوان منا، وفي " ط " كتب في الهامش: " في حكم القراءة خلف الإمام
المرضي ". وقد تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 367 و 594.
(2) روض الجنان: 373.
457

والكراهة، وأشهرهما - كما في الدروس (1) - الكراهة، بل عن ظاهر التنقيح (2)
والنجيبية (3): الإجماع على استحباب الإنصات ممن عدا ابن حمزة، قال في
محكي التنقيح: إن ابن حمزة أوجب الإنصات، والباقون (4) سنوه، والتحريم
ظاهر المحكي عن جماعة منهم الشيخان (5).
وليس المراد الكراهة المصطلحة، وإلا بطلت الصلاة بها سواء قرأها بقصد
الجزئية أو بقصد استحباب قراءة القرآن، لأن المفروض عدم الرجحان حينئذ.
وما عرفت (6) سابقا من الإجماع على عدم وجوبها واستحبابها، يراد
بالوجوب هناك الجزئية على وجه التعيين، وبالاستحباب كونها أفضل من
الإنصات والاستماع، وليس المراد بها نفي الرجحان الذاتي، وكذا المراد
بالمرجوحية في معقد عدم الخلاف المتقدم، فحاصل الخلاف يرجع إلى أن
السقوط رخصة أو عزيمة.
واعلم أن هذا الخلاف يمكن تحريره على وجهين:
أحدهما: أن يكون الخلاف في تحريم القراءة وكراهتها من جهة
الخلاف في وجوب الإنصات واستحبابه، فعلى الأول تحرم القراءة، لأنها

(1) الدروس 1: 222.
(2) التنقيح الرائع 1: 272.
(3) لا يوجد لدينا، ونقل عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 446.
(4) كذا في المصدر، وفي النسخ: والباقي.
(5) التنقيح الرائع 1: 272، وفيه: الظاهر من كلام الشيخين تحريم القراءة.
(6) ورد قوله: " وما عرفت... الخلاف المتقدم " في " ط " قبل قوله: " وليس المراد
الكراهة... " ورتبناه حسب ورودها في " ق ".
458

ضد له، وعلى الثاني يستحب تركها، لتوقف الإنصات المستحب عليه،
وحينئذ فلا اختصاص لهذا النزاع بالقراءة، بل ينسحب في غيرها من الذكر
والدعاء، فلو قلنا بتحريم القراءة حينئذ كانت مبطلة قطعا إن وقع على قصد
الجزئية، وكذا إن وقعت لا بقصدها، لأن الكلام المحرم مبطل بناء على
ما تقرر في محله من إبطال التكلم بالمحرم وإن كان ذكرا أو دعاء أو قرآنا،
نعم كراهتها لتوقف الإنصات على تركها لا يوجب إبطالها للصلاة، لإمكان
كونها مستحبة في نفسها مع كون تركها مقدمة لمستحب آخر، كما في سائر
المستحبات المتضادة.
الثاني: أن يكون الخلاف في حرمة القراءة على وجه الجزئية وكراهتها
على هذا الوجه، فيكون إبطالها للصلاة على القول بالحرمة من جهة التشريع،
وعلى القول بالكراهة لا تبطل، لأن معناها أن الإنصات ووكول القراءة إلى
الإمام أفضل من القراءة لنفسه وعدم التعويل على قراءة الإمام.
فيكون حاصل الخلاف هو: أن السقوط رخصة أو عزيمة، فالمراد بنفي
الوجوب والاستحباب وبثبوت المرجوحية في معاقد الإجماعات المتقدمة هو
نفي الرجحان على وجه الجزئية بمعنى كون عدم التعويل على قراءة الإمام
أرجح من وكولها إليه، لا نفي الرجحان الذاتي وجعل القراءة بالنسبة إلى
المأموم كقراءة الحائض والجنب للعزائم أو غيرها.
وكيف كان، فيشهد للقول بالحرمة على الوجه الثاني - مضافا إلى
أصالة عدم مشروعية القراءة التي من التوقيفيات المحتاجة إلى التوظيف،
لعدم ما يدل على الرخصة في القراءة بعد اختصاص ما دل على وجوبها
بالمنفرد -: صحيحة زرارة المروية في الكتب الثلاثة، وعن المحاسن، وعن
مستطرفات السرائر - عن كتاب حريز، عن زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام:
459

" كان أمير المؤمنين عليه صلوات الله يقول: من قرأ خلف إمام يؤتم به [فمات]
بعث على غير الفطرة " (1).
وظاهر النواهي في الأخبار المستفيضة:
منها: صحيحة ابن الحجاج: " عن الصلاة خلف الإمام [اقرأ
خلفه] (2) قال: أما الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه
فلا تقرأ خلفه، وأما الصلاة التي تجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه،
فإن سمعت فأنصت، وإن لم تسمع فاقرأ " (3).
ومنها: الرواية المحكية عن كتاب علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام،
قال: سألته عن الرجل يكون خلف الإمام فيجهر بالقراءة وهو يقتدي به،
هل له أن يقرأ من خلفه؟ قال: " لا، ولكن ينصت لقرائته " (4).
وعموم الآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) (5) بعد
تخصيصها في صحيحة زرارة بقراءة الإمام في الفريضة الدالة على إرادة
الوجوب من الأمر فيها، وإلا لم يكن وجه للتخصيص، ففي صحيحة زرارة:

(1) الكافي 3: 377، الحديث 6، الفقيه 1: 390، الحديث 1156، التهذيب 3:
269، الحديث 770، المحاسن 1: 158، الحديث 220، السرائر 3: 588، الوسائل
5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4، والزيادة من المصادر.
(2) الزيادة من الوسائل.
(3) الوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(4) مسائل علي بن جعفر: 127، الحديث 101، وانظر الوسائل 5: 425، الباب 31
من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 16 وذيله.
(5) الأعراف: 204.
460

" وإن كنت خلف الإمام فلا تقرأن شيئا في الأولتين، وأنصت لقرائته،
ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين إن الله عز وجل يقول: (وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) (1).
ورواية المرافقي عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سأل عن القراءة خلف
الإمام، فقال: " إذا كنت خلف الإمام تتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته،
وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت فيه، فإذا جهر فأنصت إن الله
عز وجل يقول: (وأنصتوا لعلكم ترحمون) " (2)، وللتأمل في الاستدلال بهذه
الرواية وبالصحيحة الأخيرة المستشهدتين بالآية مجال، بل يمكن جعل
الاستشهاد بالآية شاهدا على عدم إرادة التحريم، إذ الاستماع لقراءة الإمام
والإصغاء إليها مستحب ظاهرا، كما يظهر من عدم تعرض الأصحاب لحكم
استماع قراءة الإمام في واجبات الجماعة، عدا ظاهر عبارة ابن حمزة في
الوسيلة حيث جعل من واجبات الاقتداء الإنصات لقراءة الإمام (3)، مع
استمرار السيرة خلفا عن سلف على عدم الالتزام بالاستماع وعدم توجيه
الذهن إلى شئ آخر، مع أن وجوب الإنصات يوجب حرمة مطلق التكلم
بالدعاء والذكر، مع أن الصحيحة تضمنت النهي عن القراءة في الأخيرتين،
وسيأتي أنها غير محرمة فيهما قطعا.
فالأنسب بظاهر الاستشهاد أن يراد نفي وجوب القراءة في الأولتين،

(1) الوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3، والآية من
سورة الأعراف: 204.
(2) نفس المصدر، الحديث 15.
(3) الوسيلة: 106.
461

لأن الإنصات مستحب، فلا يجامع وجوب القراءة، بل يناسب استحباب
تركها. ودل على نفي وجوب القراءة في الأخيرتين دفعا لتوهم وجوبها
العيني فيهما لأجل عدم القراءة في الأولتين.
وأما تخصيص الآية بالفريضة في الرواية فلا شهادة فيها على كون
الأمر للوجوب، لجواز كون المراد بيان استحباب الإنصات في صلاة الجماعة،
وكأن استحبابه في غير الصلاة بالسنة لا بالكتاب، فالإنصاف أن الصحيحة
لا دلالة فيها على التحريم لا على الوجه الأول ولا على الوجه الثاني.
ومما ذكرنا يظهر حال رواية المرافقي، فإن التعبير فيها عن ترك القراءة
في الجهرية بالإنصات مستشهدا بأمر الله تعالى به في الآية يظهر منه الاستحباب.
ومثلها كل ما يظهر منه الأمر بترك القراءة لأجل الإنصات فإنه يدل
على الاستحباب بعد ما ظهر أن الأمر بالإنصات في الآية للاستحباب، مثل
صحيحة ابن الحجاج المتقدمة (1) حيث عبر فيها (2) عن ترك القراءة
بالإنصات، ونحوها حسنة زرارة: " إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت
وسبح في نفسك " (3)، وحيث تعين حمل الأمر في هذه على الاستحباب
فلا مناص من حمل غيرها على ذلك، حتى ما ورد من البعث على غير
الفطرة (4) بحمله على إرادة القراءة بقصد التعيين واللزوم، كما يحكى (5) عن
جماعة من العامة، بل يمكن أن يكون الموصول في الرواية إشارة إلى نفس

(1) المتقدمة في الصفحة 460.
(2) في " ق ": فيهما.
(3) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(4) تقدم في الصفحة 460.
(5) راجع الخلاف 1: 339، المسألة 90 من كتاب الصلاة، والتذكرة 4: 339، المسألة 602.
462

هؤلاء الجماعة، فإنهم مبعوثون على غير الفطرة قطعا.
والحاصل: أنه إن ثبت وجوب الإنصات خلف الإمام كانت القراءة
كغيرها مما ينافي الإنصات محرمة، وإلا فليس لها خصوصية في التحريم.
ثم إن في بعض الأخبار قوله: " وسبح في نفسك " بعد قوله:
" وأنصت " (1) ولعل المراد التسبيح الخفي شبيه حديث النفس، فيكون المراد
بالإنصات: السكوت لأجل الاستماع عن غير (2) مثل ذلك.
ومما يؤيد الحكم بالكراهة: صحيحة الحلبي: " إذا صليت خلف إمام
تأتم به فلا تقرأ خلفه، سمعت قراءته أو لم تسمع، إلا أن تكون صلاة تجهر
بها بالقراءة ولم تسمع فاقرأ " (3)، فإن قوله: " لم تسمع " بملاحظة الاستثناء
نص في الصلاة الإخفاتية، وسيأتي أن الحكم فيها هي الكراهة، فهو كذلك في
الجهرية، وإلا لزم استعمال النهي في الحرمة والكراهة معا، وإرادة نفي
الوجوب دفعا لتوهم الحظر يوجب الحكم بالوجوب في المستثنى (4)، وسيأتي
خلافه، وإرادة مجرد المرجوحية مرجوحة بالنسبة إلى الكراهة، فافهم.
نعم لو تعارض هذا الظهور بظهور بعض الأخبار في الحرمة - مثل
بعث القارئ على غير الفطرة - وجب الرجوع إلى أصالة عدم مشروعية
القراءة وعدم توظيفها للمأموم، فتقوى الحرمة من جهة الأصل، فافهم.
هذا كله مع سماع القراءة، وأما سماع الهمهمة، فالظاهر أن حكمه حكم
سماع القراءة في الكراهة والتحريم، لرواية قتيبة: " إذا كنت خلف إمام

(1) كالمتقدمة في الصفحة السابقة.
(2) هكذا، ولعل الأنسب: الغير.
(3) الوسائل 5: 421، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) في " ن ": المسألتين.
463

ترتضي به في صلاة تجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك،
وإن كنت تسمع الهمهمة فلا تقرأ " (1).
وموثقة سماعة: " عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون
ما يقول، فقال: إذا سمع صوته فهو يجزيه، وإذا لم يسمع صوته قرأ لنفسه " (2).
وعن السيد المرتضى: إن في رواية عبيد بن زرارة: " إن من سمع
الهمهمة فلا يقرأ " (3).
وأما مع عدم السماع أصلا فلا ينبغي الإشكال في جواز القراءة،
للأخبار المستفيضة (4) التي أقلها دفع توهم الحظر الناشئ من النواهي العامة،
وعن الرياض: أنه أطبق الكل على الجواز (5)، فما حكي عن ظاهر بعض (6)
من عدم الجواز ضعيف جدا.
وهل هو على الاستحباب كما عن المشهور (7)، أو على الوجوب كما
عن ظاهر جماعة (8)، أم على الإباحة كما عن ظاهر القاضي (9)؟ أقوال:

(1) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 7.
(2) الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.
(3) الوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(4) انظر الوسائل 5: 421، الباب 31 من أبواب الجماعة.
(5) الرياض 4: 308.
(6) حكاه المحقق النراقي في المستند 8: 83 عن ظاهر المقنع والخلاف والحلي والتبصرة.
(7) حكاه الشهيد الثاني في الروض: 373، والروضة 1: 796.
(8) حكاه المحقق النراقي في المستند 8: 83، عن ظاهر السيد والمبسوط والنهاية
والوسيلة والواسطة، وانظر الجواهر 13: 192 - 193 أيضا.
(9) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 4: 308، وانظر المهذب 1: 81.
464

أجودها: الأول، لعمومات السقوط وضمان الإمام (1)، وخصوص
صحيحة علي بن يقطين: " عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في صلاة
يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة، قال: لا بأس إن صمت وإن قرأ " (2)،
ورواية حميد بن المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام لما سأله حفص الكلبي، قال:
" أكون خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة، فأدعو وأتعوذ؟ قال: نعم، فادع " (3)
بناء على حملها على صورة عدم السماع رأسا، أو إطلاقها، بناء على عدم
تحريم ذلك مع السماع، أو سماع خصوص الهمهمة.
وتقييدها بالصورتين الأخيرتين مرجوح بالنسبة إلى الاستحباب،
فبهما يصرف الأمر إلى الاستحباب في الأخبار المتقدمة، حتى موثقة سماعة
- التي قوبل فيها الأمر بالقراءة فيما نحن فيه بإجزاء قراءة الإمام إذا سمع
الهمهمة - فصار له ظهور تام في الإيجاب، إلا أن يقال بدوران الأمر بين
صرف الأمر في الموثقة إلى الاستحباب وتقييد الصحيحة بما إذا لم يسمع
كلمات القراءة مع سماع صوتها، لكن الإنصاف: إن هذا التقييد مرجوح
بالنسبة إلى ذلك المجاز أو مساو، فيرجع إلى عمومات السقوط والضمان.
ثم لا فرق في عدم السماع بين كونه لبعد المأموم، أو لصمم فيه، أو
لمزاحمة أصوات تزاحم صوت الإمام، فعن التذكرة (4) ونهاية الإحكام (5):

(1) انظر الوسائل 5: 420 - 421، الباب 30 و 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.
(3) الوسائل 5: 425، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(4) التذكرة 4: 342.
(5) نهاية الإحكام 2: 160.
465

يستحب للأصم أن يقرأ لنفسه، لأنه لا يسمع.
ثم ظاهر الروايات رجحان قراءة الحمد والسورة، وعن ظاهر
جماعة (1) اختصاصه بالحمد خاصة.
ولو سمع البعض دون البعض، فأظهر الوجوه القراءة عند عدم السماع
والإنصات عند السماع، ويحتمل وجوب القراءة كلا، لأصالة أن القراءة
لا تسقط إلا بمجموع القراءة المسموعة.
والظاهر أن كيفية التبعيض: أنه يبتدئ بما لم يسمعه فيقرأ، فإن سمع في
الأثناء شيئا اعتد به بشرط عدم اختلال الترتيب بين المسموع وغيره، وإلا
لم يعتد به، كما لو شرع في قراءة أول الفاتحة فوصل إلى: " مالك يوم الدين "
فسمع قراءة الإمام للآية الأخيرة من الفاتحة، فإن الاعتداد بها ثم الابتداء
من موضع القطع يوجب اختلال الترتيب، فما يقرأه الإمام حينئذ غير مجز،
لعدم وقوعه مرتبا على ما قرأه.
المسألة الثانية، في حكم أولتي الإخفاتية:
والأقوى فيهما كراهة القراءة وفاقا للمشهور على الظاهر، لعمومات
السقوط والضمان، بضميمة ما دل على جواز القراءة فيهما، مثل رواية
المرافقي المتقدمة (2)، وصحيحة ابن يقطين، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام
عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام، أيقرأ فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى
به؟ قال: إن قرأت فلا بأس، وإن سكت فلا بأس " (3) فإن المراد بالركعتين

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 4: 446 عن صريح عدة وظاهر أخرى.
(2) تقدمت في الصفحة 461.
(3) الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 13.
466

إما خصوص أولتي الإخفاتية كما فهمه جماعة من الأصحاب (1)، وإما مطلق
الركعات الإخفاتية.
ويدل على الكراهة أيضا: صحيحة سليمان بن خالد: " أيقرأ الرجل في
الأولى والعصر خلف الإمام، وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ قال: لا ينبغي له أن
يقرأ، يكله إلى الإمام " (2).
ويستحب التسبيح للمأموم في الصلاة الإخفاتية، لرواية محمد بن بكر
الأزدي (3)، وفي رواية قرب الإسناد (4): " يسبح ويحمد ربه ويصلي على
نبيه صلى الله عليه وآله وسلم " (5).
ولو سمع المأموم في الإخفاتية، فالأحوط الإنصات وترك التسبيح،
لاختصاص الرواية المذكورة - بقرينة التشبيه بالحمار - بصورة عدم سماع
المأموم القراءة، لينصت فيستمع.
نعم، لا دليل على وجوبه، لاختصاص وجوب الإنصات في الصلاة
الجهرية، لا في الصلاة التي يسمع قراءتها وإن كانت إخفاتية.
وكذا لو نسي الإمام فجهر في الإخفاتية لم يجب الإنصات، إلا أنه أحوط.

(1) لم نعثر على المصرح بذلك، نعم استدل بها في المستند 8: 86، وانظر الجواهر 13: 181.
(2) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.
(3) الوسائل 5: 425، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) في المخطوطة: وفي بعض الأخبار، ولكن الظاهر أن المؤلف أعرض عنها وكتب
فوقها: وفي رواية قرب الإسناد.
(5) قرب الإسناد: 211، الحديث 826، الوسائل 5: 426، الباب 32 من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 3.
467

ولو شك المأموم في أن صلاة الإمام جهرية أو إخفاتية لبعده عن
الإمام، وقلنا بوجوب القراءة في الجهرية مع عدم سماع الهمهمة، ففي وجوب
القراءة وجهان.
المسألة الثالثة - في حكم أخيرتي الجهرية:
فقد اختلف في حكم القراءة والتسبيح فيهما، والذي يقوى في النظر
مرجوحية القراءة فيهما، لصحيحة زرارة المتقدمة في المسألة الأولى الناهية
عن القراءة في الأخيرتين صريحا تارة بقوله: " ولا تقرأ في الأخيرتين " (1)،
وأخرى بقوله: " والأخيرتان يتبعان للأوليين " (2)، ورواية جميل بن دراج،
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يقرأ الإمام في الركعتين في آخر
الصلاة؟ قال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب ولا يقرأ الذين خلفه، ويقرأ
الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب فيهما " (3) ورواية معاوية بن
عمار: " عن القراءة [خلف الإمام] (4) في الركعتين الأخيرتين، فقال:
الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب، ومن خلفه يسبح، فإذا كنت وحدك فاقرأ فيهما،
وإن شئت فسبح " (5) بناء على أن الأمر بالقراءة للإمام لمجرد إباحة القراءة
الغير المنافية لأفضلية التسبيح، فيكون نظير الصلاة في البيت بالنسبة إلى

(1) راجع الصفحة 460 - 461.
(2) هذا من تمام الرواية، انظر الوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 3، وفيه: فالأخيرتان تبعا للأولتين.
(3) الوسائل 4: 782، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث 4، وليس فيه: " فيهما ".
(4) الزيادة من المصدر.
(5) الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة، الحديث 2.
468

الصلاة في المسجد، وكذا أمر المنفرد بالقراءة في ذيلها، فيكون هذا المعنى
منفيا في المأموم، فيثبت المرجوحية التي أقلها الكراهة، فالقراءة بالنسبة إلى
الإمام والمنفرد من قبيل الصلاة في البيت وبالنسبة إلى المأموم (1) من قبيل
الصلاة في الحمام، هذا بناء على عدم دلالة الأمر بالتسبيح على الوجوب
بقرينة عدم كون الأمر بالقراءة للإمام للوجوب، وعلى الإغماض عن أن
الأمر بالقراءة للمنفرد لمحض الرخصة، وإلا فدلالتها على تحريم القراءة
للمأموم واضحة.
المسألة الرابعة - في حكم أخيرتي الإخفاتية:
والأقوى فيهما (2) جواز القراءة والتسبيح، أما جواز القراءة فلرواية
سالم بن [أبي] (3) خديجة: " إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين
الأولتين، وعلى الذين خلفك أن يقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا
الله والله أكبر، وهم قيام وإذا كنت في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك
أن يقرأوا فاتحة الكتاب، وعلى الإمام أن يسبح مثل ما يسبح القوم في
الركعتين الأخيرتين " (4) الحديث، و " الأخيرتين " في ذيل الرواية تثنية
الأخرى لا الأخيرة، والمراد بهما الركعتان الأوليان والرواية - بقرينة أمر
المأموم بالتسبيح في الركعتين الأوليين - ظاهرة في الإخفاتية.
ورواية ابن سنان: " إذا كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها

(1) في " ن " و " ط ": للمأموم.
(2) في " ن " و " ط ": فيها.
(3) من المصدر.
(4) الوسائل 5: 426، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
469

بالقراءة حتى يفرغ وكان مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوليين،
قال: ويجزيك التسبيح في الأخيرتين، قلت: أي شئ تقول أنت؟ قال:
اقرأ فاتحة الكتاب " (1) حيث إن إجزاء التسبيح يدل على جواز القراءة
خصوصا مع تخصيص النهي عن القراءة بالأوليين مع أن النهي فيهما على
الكراهة كما تقدم في المسألة الثانية، فيدل على نفي الكراهة في الأخيرتين، إذ
القول بالتحريم فيهما والكراهة في الأوليين غير معروف.
هذا كله مضافا إلى إطلاق المرسلة المحكية عن السرائر بقوله: وروي
أن المأموم يقرأ فيهما أو يسبح (2)، وإلى إطلاق ما دل على التخيير بينهما
لمطلق المصلي.
ثم إن قول الراوي: " أي شئ تقول أنت... إلى آخره " يحتمل وجوها:
أحدها: أن يكون السؤال عما يقوله الإمام عليه السلام مأموما، وحينئذ
فلا دلالة فيه على المدعى، لأن الإمام لا يكون مأموما إلا تقية، فهو منفرد
في الحقيقة.
الثاني: أن يكون السؤال عما يقوله الإمام عليه السلام حال الإمامة،
فكأنه سأله عن حكم الإمام في الأخيرتين بعد ما بين له حكم المأموم،
ويحتمل أن يكون السؤال عن الأرجح من القراءة ومن التسبيح بعد ما بين
له كفايتهما، فقال: " إقرأ فاتحة الكتاب " بصيغة الأمر.

(1) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9.
(2) السرائر 1: 284، وانظر الوسائل 5: 427، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 11.
470

مسألة
تجب القراءة خلف الإمام الغير المرضي، لعدم القدوة إلا صورة،
لقوله عليه السلام: " ما هم عندي إلا بمنزلة الجدر " (1)، وقولهما عليهما السلام: " لا يعتد
بالصلاة خلف الناصب، واقرأ لنفسك كأنك وحدك " (2)، وفي رواية دعائم
الإسلام: " اجعله سارية من سواري المسجد " (3). ومنه يعلم عدم اعتبار
شروط الجماعة، فلو تقدم في الأفعال لم يضر كما صرح به بعض (4)، بل لو
رجع إلى المتابعة بطلت صلاته، للزيادة. ولا يجب الجهر في القراءة الجهرية،
للأخبار المستفيضة.
وهل يعتبر أقل الإخفات المجزي في الصلاة، أم يكفي دون ذلك؟
وجهان: من أن القراءة لا تتحقق بدون الصوت، ومما دل على أنه يكفي

(1) الوسائل 5: 429، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.
(2) الوسائل 5: 429، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 7.
(3) دعائم الإسلام 1: 151، مستدرك الوسائل 6: 482، الباب 29 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 3.
(4) كالشهيد في الذكرى: 275.
471

معهم من القراءة مثل حديث النفس كما في مرسلة ابن أبي عمير (1)، وفي
صحيحة ابن يقطين: " اقرأ لنفسك، وإن لم تسمع نفسك فلا بأس " (2)،
وعليها يحمل إطلاق صحيحة علي بن جعفر: " عن الرجل هل يصلح له أن
يقرأ في صلاته ويحرك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟
قال: لا بأس أن لا يحرك لسانه، يتوهم توهما " (3)، وعن قرب الإسناد
بسنده عن علي بن جعفر: " عن الرجل يقرأ في صلاته، هل يجزيه أن
لا يحرك لسانه، يتوهم توهما؟ قال: لا بأس " (4) فقد حملهما الشيخ (5) على
القراءة خلف المخالف.
والتحقيق: أن التمثيل بحديث النفس مبالغة، إذ لا يصدق القراءة مع
حديث النفس، فالتصرف في التمثيل أولى من التصرف في لفظ القراءة، نعم
إسماع النفس الذي هو المعتبر في الصلاة الإخفاتية غير معتبر، فيكفي تقليب
اللسان في مخارج الحروف وإن لم يظهر منه صوت، وكذا في حروف الشفة
والحلق.
ثم إنه هل يعتبر إدراك قراءة الفاتحة قبل الركوع؟ قولان - بعد

(1) الوسائل 5: 428، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(2) الوسائل 5: 427، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) الوسائل 4: 774، الباب 33 من أبواب القراءة، الحديث 5.
(4) قرب الإسناد: 203، الحديث 785، الوسائل 4: 796، الباب 52 من أبواب
القراءة، الحديث 4.
(5) الإستبصار 1: 321، ذيل الحديث 1196، والتهذيب 2: 97، ذيل الحديث
365.
472

اتفاقهم ظاهرا على عدم اعتبار إدراك السورة -:
من مرسلة علي بن أسباط: " في الرجل يكون خلف من لا يقتدى
به، فيسبقه الإمام بالقراءة، قال: إذا كان قد قرأ أم الكتاب أجزأه، يقطع
ويركع " (1)، وفي رواية أخرى: " يجزيك الحمد وحدها " (2).
ومن قوله عليه السلام في صحيحة أبي بصير: " فإن فرغ قبلك فاقطع
القراءة واركع معه " (3)، ورواية إسحاق بن عمار: " إني أدخل المسجد
فأجد الإمام قد ركع وقد ركع القوم فلا يمكنني أن أؤذن وأقيم وأكبر، قال:
إذا كان كذلك فادخل معهم في الركعة واعتد بها، فإنها من أفضل ركعاتك،
قال إسحاق: ففعلت ثم انصرفت فإذا خمسة أو ستة قاموا إلي من المخزوميين
والأمويين فقالوا: آجرك الله من نفسك خيرا، فقد رأينا - والله - خلاف
ما ظننا بك وما قيل [فيك] (4)، قلت: وأي شئ ذلك؟ قالوا: اتبعناك حين
قمت إلى الصلاة ونحن نرى أنك لا تعتد بالصلاة معنا، فقد وجدناك قد
اعتددت بالصلاة معنا. قال: فعلمت أن أبا عبد الله عليه السلام لم يأمرني إلا
وهو يخاف علي هذا وشبهه " (5)، وهذا هو الأقوى وفاقا للشهيدين (6) والمحقق

(1) الوسائل 5: 428، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(2) الوسائل 5: 429، الباب 33 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(3) الوسائل 5: 430، الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) من " ط " والمصدر.
(5) الوسائل 5: 431، الباب 34 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(6) الذكرى: 275، والدروس 1: 224، والروضة 1: 808.
473

الثاني (1) وصاحب الموجز (2).
وعلى الأول، فيجب إعادة الصلاة وإن أدرك بعض الفاتحة، وعلى
المختار فهل يجب إتمام الفاتحة في حال الركوع مع الإمكان؟ قولان:
من إطلاق ما مر، ومن أن الضرورات تتقدر بقدرها، فإن المتعذر هو
القيام حال القراءة لا نفسها.
وكذلك لو لم يمكن التشهد جالسا، فإن وجوبه قائما لا يخلو عن قوة،
وفاقا للمحكي عن ابني بابويه (3) والعلامة في المختلف (4) والشهيد في الذكرى (5)
وغيرهم.
ويدل عليه - بعد عمومات وجوب التشهد، وعدم ارتفاع وجوبه
بعدم التمكن من الجلوس له - رواية ابن جندب المحكية عن محاسن البرقي:
" قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أصلي المغرب مع هؤلاء وأعيدها
فأخاف أن يتفقدوني، قال: إذا صليت الثالثة فمكن أليتيك، ثم انهض وتشهد
وأنت قائم، ثم اركع واسجد، فإنهم يحسبون أنها نافلة " (6).

(1) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه وفي مفتاح الكرامة 3: 455، " وهو خيرة
الجعفرية "، ولكن لم نعثر عليه في الجعفرية أيضا.
(2) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 114.
(3) لم نعثر على من حكى عنهما، بل هو المحكي عن علي بن بابويه فقط، كما في المختلف
3: 87، ومفتاح الكرامة 3: 455، ويدل عليه ما حكاه الصدوق في الفقيه 1:
381، ذيل الرواية 117، والظاهر ارتضاؤه به.
(4) المختلف 3: 87.
(5) الذكرى: 275.
(6) المحاسن 2: 47 - 48، كتاب العلل، الحديث 1141، والوسائل 4: 988، الباب
2 من أبواب التشهد.
474

ونحوها المحكي عن الفقه الرضوي فيمن صلى ركعة ثم جاء الإمام
المخالف وفيه: " فإذا صليت الرابعة وقام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهد
من قيام وسلم من قيام " (1).
وفي حكم القراءة في الركوع التسبيحات في الركعتين الأخيرتين.
ومما يؤيد عموم وجوب الإتيان بأفعال الصلاة على ما استطاع
قوله عليه السلام في موثقة سماعة: " عن الرجل كان يصلي فخرج الإمام وقد
صلى ركعة من صلاة فريضة، فقال: إن كان إماما عدلا فليصل أخرى
وينصرف ويجعلها تطوعا ويدخل مع الإمام في صلاته كما هو، وإن لم يكن
إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى معه يجلس قدر
ما يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده
ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع، فإن
التقية واسعة، وليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله
تعالى " (2).
ومن هذه الرواية وغيرها يعلم عدم وجوب الإعادة لهذه الصلاة وإن
أخل ببعض واجباتها للتقية، نعم الظاهر اعتبار عدم المندوحة كما يظهر من
غيرها من الأخبار.

(1) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 145، ومستدرك الوسائل 6: 496،
الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة، وفيهما: وإذا صليت أربع ركعات وقام....
(2) الوسائل 5: 458، الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
475

[بحث في التقية] (1)
وحيث انجر الكلام إلى حكم صحة العبادة المأتي بها لتقية وعدم
الإعادة، فلا علينا أن نتعرض لتفصيل حكم التقية ومواردها، وما يترتب
على فعل التقية وما لا يترتب، وأنه يعتبر فيها عدم المندوحة أو لا، فنقول
وبالله التوفيق: التقية كالتقاة اسم ل‍ " اتقى يتقي "، والتاء بدل عن الواو كما في
" التخمة " و " التهمة " وغيرهما، وعند الفقهاء هي: التحفظ عن ضرر الغير،
بقول أو فعل مخالف للحق.
والكلام يقع تارة في حكمها التكليفي، وأخرى في عدم ترتب الآثار
المترتبة على الفعل المخالف للحق، الصادر عن اختيار عليه، وثالثة في ترتب
الآثار - المترتبة على فعل الحق - عليه.
ثم الأثر، قد يكون سقوط الإعادة والقضاء، وقد يكون آثارا أخر
كرفع الحدث في الوضوء، وترتب النقل والانتقال، والزوجية والفراق.
فالكلام في مقامات أربعة:
أما حكمها التكليفي، فهو تابع لحكم التحفظ عن ذلك الضرر المظنون،

(1) العنوان منا. هذا وقد ورد هذا البحث في رسالة مستقلة للمؤلف بشكل واف.
476

فإن كان واجبا كما في الضرر على النفس وعلى المال المجحف [فيجب] (1)،
وإن كان مستحبا - إما لقلة الضرر، وإما لعدم تحقق الضرر الفعلي، وكون
الغرض حسم مادة الضرر المتوقع - فيستحب.
أما الفرد الواجب فهو يبيح فعل كل محرم وترك كل واجب إلا إهراق
الدم، للنص (2) المخصص للعمومات الآتية.
وأما المستحب فلا يبيح ذلك مطلقا، بل لا بد من الاقتصار فيه على
ما وصل من الشارع مثل الإذن في الصلاة معهم على وجه الاقتداء والأذان
لهم ومدح أسلافهم لمجرد تأليف قلوبهم، فإن ذلك كله غير مشروع، لكن
رغب فيه الشارع، حسما لمادة الضرر الذي ربما يحصل من عدم المخالطة
معهم (3) كما يظهر من الأخبار، فلا يجوز أن يتعدى من ذلك إلى غيره كذم مشايخ
الشيعة المذمومين عندهم، فضلا عن مذمة الأمير صلوات الله عليه عند النواصب.
والأصل في إباحة الفرد الواجب لفعل المحرمات وترك الواجبات - بعد
عموم نفي الضرر وخصوص ما ورد في الموارد المتفرقة - قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" رفع عن أمتي... ما اضطروا إليه " (4) وقولهم عليهم السلام: " التقية في كل
ضرورة " (5) و " أنه لا دين لمن لا تقية له " (6) ونحوها، وقد اشتهر أن

(1) من " ط ".
(2) الوسائل 11: 483، الباب 31 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 1 و 2.
(3) في " ن " و " ط ": لهم، وهو غلط.
(4) الوسائل 11: 295، الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث الأول.
(5) الوسائل 11: 468 - 469، الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 1 و 8.
(6) الوسائل 7: 94، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 3. و 11:
468، الباب 25 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 3.
477

الضرورات تبيح المحظورات، وجميع هذه الأدلة حاكمة على أدلة الواجبات
والمحرمات، فلا يعارض بها شئ منها حتى يلتمس الترجيح ويرجع إلى
الأصل بعد فقده، كما قد توهمه بعض في مسألة جواز المحاكمة إلى أهل الجور
عند توقف أخذ الحق عليه.
المقام الثاني: في حكم الأثر المترتب على فعل الباطل، فنقول:
ظاهر حديث " رفع ما اضطروا إليه " عدم ترتب الآثار الشرعية على
ذلك الفعل الباطل إذا فعل على وجه التقية، فالتكفير في الصلاة غير مبطل،
وكذا السجود على ما لا يصح السجود عليه.
وأما وجوب القضاء إذا أكل في شهر رمضان تقية، فهو - مع النص
عليه (1) - لأجل أن القضاء مما يترتب على ترك الصوم، والأكل لازم عقلي
لترك الصوم بعد كون الصوم عبارة عن ترك الأكل، لا أثر شرعي له حتى
يرتفع بالاضطرار، فالآكل تقية في الحقيقة تارك للصوم تقية، وأما الآكل
ناسيا فهو وإن كان كذلك تاركا للصوم ناسيا إلا أن عدم القضاء عليه للنص
والإجماع لا لحديث رفع النسيان، فتأمل.
والتحقيق: أن المراد برفع الأمور التسعة في الرواية رفع المؤاخذة،
لا رفع جميع الآثار الشرعية المسببة عن الفعل الصادر على وجه الخطأ وأخواته،
فإذن الفعل الصادر على جهة التقية لا تدل الرواية على أزيد من رفع العقاب
عليه، فإذا اضطر للتقية في أثناء الصلاة إلى التكتف أو غيره من المبطلات في
مذهبنا أو في أثناء الصوم إلى ما يفسده فكأنه اضطر إلى إبطال الصلاة
وفساد الصوم، هذا هو الذي يقتضيه الأصل، وسيجئ ما يدل على خلافه.

(1) انظر الوسائل 7: 95، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث 5.
478

وأما المقام الثالث: وهو حكم الإعادة، قيل: إن مقتضى الأصل
بطلان ما خالف الواقع وإن كان العمل مأمورا به، لأن الأمر في الحقيقة
متعلق بحفظ ما يلزم حفظه، فالصحة - وهي موافقة الأمر - إنما يقصد (1) بها
الحفظ، والفعل مطلوب لغيره لا لنفسه، فصحته بترتب غرض الحفظ عليه
وهو متحقق (2)، انتهى بألفاظه.
أقول: وقوع العمل مخالفا للواقع لأجل التقية، يقع الكلام فيه في مقامين:
أحدهما: ما إذا اتفق عروض موجب المخالفة في أثناء العمل تقية،
مثل إن عرض له التقية في أثناء الصلاة فتكتف أو سجد على (3) ما لا يصح
السجود عليه، وهذا هو الذي تقدم في المقام الثاني من أن مقتضى القاعدة
بطلان العبادة به، لعموم ما دل على بطلان العبادة بما فرض وقوعه، والأمر
بإيجاده تقية أمر مستقل نفسي بحفظ ما يجب حفظه، ومرجعه في الحقيقة
- بعد ملاحظة عموم ما دل على بطلان العمل بوقوعه - إلى الأمر بإبطال
العمل لحفظ ما يجب حفظه، كما لو اضطر الصائم إلى الارتماس أو شرب
الدواء والمصلي إلى التكلم والاستدبار وغيرهما من المبطلات.
الثاني: إنه إذا أوقعه من أول الأمر كذلك، فهل تسقط الإعادة أم لا؟
فنقول: إنه لا إشكال في أنه إذا أذن الشارع في إيقاع العمل في الوقت
الموسع مخالفا للواقع عند التقية - كما لو اتفق المكلف من أول الوقت مع
جماعة المخالفين فأذن له الشارع في الصلاة على طبق مذهبهم فصلى، ثم

(1) كذا في " ق " ظاهرا، وفي " ط " و " ن ": يتصف.
(2) لم نعثر عليه.
(3) في " ق " و " ن ": " إلى "، وهو سهو.
479

ارتفعت التقية في باقي الوقت - فنقول لا ينبغي التأمل هنا في الصحة، إذ
الأمر الموسع متعلق بهذا الفرد الواقع تقية، فهو يقتضي الإجزاء.
وإنما الإشكال في أن الوجوب في الواجب الموسع هل يتعلق بإتيان
هذا الفرد المخالف للواقع في هذا الجزء من الوقت أم لا؟ وهذا لا بد فيه من
الرجوع إلى أدلة ذلك الجزء أو الشرط المفقود تقية أو المانع الموجود كذلك،
فإن كان من الأجزاء والشرائط والموانع المطلقة لم يتعلق الأمر بالفعل الفاقد
لها (1)، فالمكلف في هذا الجزء من الزمان الذي لا يتمكن شرعا من إتيان
ذلك الجزء أو الشرط - للأمر بالتقية التي لا يتحقق إلا بتركه - غير مكلف
بالعمل، فلا أمر، فلا صحة.
وإن كان من الأجزاء والشرائط الاختيارية، فإن تمكن من التخلص
عن التقية بغير تأخير الصلاة إلى ارتفاع التقية لم يجز الإتيان بمقتضى التقية،
لتمكنه من تحصيل الشرط أو الجزء الاختياري، وإن لم يتمكن إلا بالتأخير
فيدخل في مسألة أولي الأعذار، وفيه تفصيل وخلاف معروف، والكلام فيها
مشبع في محله.
هذا كله مع قطع النظر عن نص الشارع على تجويز العمل المخالف
للواقع، كما لو أذن في الصلاة مع غسل الرجلين أو مع المسح على الحائل،
وحينئذ فيحكم بالصحة وإن كان الجزء أو الشرط المفقود من الأجزاء
والشرائط المطلقة التي لم يعهد من الشارع ترخيص تركها لعذر.
ثم كلما ثبت صحة الدخول في العمل المخالف للواقع - إما من حيث
اقتضاء قاعدة أولي الأعذار، وإما من جهة خصوص النص - ثبتت الصحة

(1) يحتمل أنه في " ق ": لهما.
480

إذا عرض موجب تلك المخالفة في الأثناء، فإذا صح الدخول في الصلاة مع
التكتف لم تبطل الصلاة لو عرض وجوب التكتف في الأثناء، لعروض تقية،
لأن إذن الشارع في إيقاع تمام العمل على نحو من أنحاء التقية يستلزم إذنه في
إيقاع بعضه على ذلك النحو.
ثم إذا عرفت انحصار صحة العمل فيما إذا اقتضتها القاعدة في أولي
الأعذار - بأن يكون ذلك الأمر المفقود مما يكون اعتباره مختصا بغير حال
الضرورة، وقلنا بجواز المبادرة لهم في أول الوقت ولو مع رجاء زوال
الضرورة، بل القطع بزوالها مع التأخير -، أو اقتضاها النص الخاص - كأن
يأذن الشارع في إتيان الأعمال على طبق مذهب المخالفين - فاعلم أنه
لا فرق في مقتضى قاعدة أولي الأعذار بين أفراد التقية، لأنها عذر مطلقا،
سواء كانت التقية من مخالف في الدين أو المذهب أو موافق، وسواء كانت
التقية في الموضوع مثل هلال ذي الحجة للوقوف بعرفات، أو في الحكم مثل
الصلاة متكتفا.
وأما من جهة النص الخاص فلا بد من الاقتصار على مورده،
ولا ريب أن التقية من غير المخالف - كالكافر الحربي أو الملي أو الموافق
للمذهب المعاند للحق - ليس موردا للنص الخاص ولا العام.
أما النص الخاص فواضح، وأما النص العام فلأن النصوص الآمرة
بالتقية (1) وأنها دين (2) ظاهرة في التقية عن المخالفين، لا عن مطلق العدو

(1) راجع الوسائل 11: 459 - 468، الباب 24 و 25 من أبواب الأمر والنهي وما
يناسبهما وغيرهما من الأبواب.
(2) راجع الوسائل 11: 460، الباب 24 من أبواب الأمر والنهي، الحديث 3، و 465
نفس الباب، الحديث 23، و 485، الباب 32 من الأبواب، الحديث 6.
481

المانع عن موافقة الحق في العمل، فلا دليل على صحة العمل إذا أوقعه على
طبق مذهب بعض فرق الشيعة.
بل الظاهر عدم شمولها للتقية في الموضوع مثل الوقوف معهم بعرفات
يوم الثامن، والإفاضة ليلة التاسع لحكمهم بثبوت الهلال مع العلم بمخالفته
للواقع، وكذا العمل المطابق للعمل الصادر عن عوام المخالفين مسامحة مع
مخالفته لفتوى خواصهم، فلم يبق في أخبار الإذن في التقية إلا العمل على
طبق مذهب المخالفين، فالصحة الثابتة من جهة قاعدة أولي الأعذار عامة في
جميع موارد التقية، خاصة من حيث اعتبار عدم المندوحة في ذلك الجزء أو
في تمام الوقت على الخلاف في ذوي الأعذار.
وأما الصحة الثابتة بالنص المرخص للعمل، فهي خاصة من جهة
الموارد، لما عرفت من اختصاصه بالتقية من مذهب المخالفين في الحكم،
وعامة من جهة عدم اختصاصه بشرط دون شرط أو جزء دون جزء، بل
المناط فيه موافقة مذهب العامة وإن كان في الشروط التي لم يعهد من
الشارع إهمالها في حال الاضطرار، نعم بعد ورود النص يختص اعتبار ذلك
الجزء أو الشرط بغير حال التقية.
وهل هي عامة من جهة وجود المندوحة وعدمها؟ أقوال:
ثالثها: ما عن المحقق الثاني من التفصيل بأنه: إن كان متعلق التقية
مأذونا فيه بخصوصه - كغسل الرجلين في الوضوء والتكتف في الصلاة - فإنه
إذا فعل على الوجه المأذون فيه كان صحيحا مجزيا وإن كان للمكلف
مندوحة عن فعله، التفاتا إلى أن الشارع أقام ذلك الفعل مقام المأمور به
حين التقية، فكان الإتيان به امتثالا.
وعلى هذا، فلا تجب الإعادة وإن تمكن من فعله على غير وجه التقية
482

قبل خروج الوقت، ولا أعلم خلافا في ذلك بين الأصحاب.
وأما إذا كان متعلقها لم يرد فيه نص على الخصوص - كفعل الصلاة
إلى غير القبلة والوضوء بالنبيذ، ومع الإخلال بالموالاة فيجف الوضوء كما
يراه بعض العامة - فإن المكلف يجب عليه إذا اقتضت الضرورة موافقة أهل
الخلاف فيه وإظهار الموافقة لهم.
ثم إن أمكن له الإعادة في الوقت وجبت، ولو خرج الوقت نظر في
دليل يدل على وجوب القضاء، فإن حصل الظفر أوجبناه، وإلا فلا، لأن
القضاء إنما يجب بأمر جديد (1)، انتهى كلامه. ثم نقل عن بعض أصحابنا
القول بعدم وجوب الإعادة لكون المأتي به شرعيا، ثم رده بأن الإذن في
التقية من جهة الإطلاق لا تقتضي أزيد من إظهار الموافقة مع الحاجة (2)،
انتهى.
وظاهر هذا الكلام يعطي الاعتراف بأن عدم المندوحة حين العمل
معتبر، وأنه لا يجوز التوضي بالنبيذ في سوق المخالفين لمن يتمكن أن يتوضأ
في بيته، وأن الكلام فيما إذا حصل التمكن بعد ذلك.
والتحقيق: أن الإذن من الشارع في إيقاع الواجب الموسع في جزء من
الوقت يقتضي الصحة وعدم الإعادة، نعم يمكن أن يأتي بالعمل مع اليأس
عن التمكن من العمل الواقعي ثم يحصل التمكن فتجب الإعادة من جهة كون
الأمر الأول مبنيا على ظاهر الحال من عدم تمكنه فيما بعد، لكن الكلام في
الأمر الواقعي بالفعل في جزء من الزمان لا الأمر المبني على ظاهر الحال.

(1) رسائل المحقق الكركي 2: 51 - 52.
(2) رسائل المحقق الكركي 2: 52 - 53.
483

وعلى أي حال، فلا فرق بين المأذون فيه بالخصوص والمأذون فيه
بعمومات التقية بعد تحقق الأمر وتعلق الوجوب بالعمل في ذلك الجزء من
الزمان، نعم يمكن أن يدعى أن عمومات الأمر بالتقية وحفظ النفس
لا تقتضي الإذن في العمل على وجه التقية مطلقا، بل تقتضيه مع كون الجزء
والشرط المفقودين من الأجزاء والشرائط الاختيارية مع عدم المندوحة
مطلقا أو في جزء من الوقت، على التفصيل والخلاف في مسألة ذوي الأعذار
كما ذكرنا سابقا، لا أن الإذن الحاصل منها لا يقتضي الإجزاء.
وأما حديث عدم المندوحة، فالأقوى عدم اعتباره إلا حين العمل،
فمن لم يتمكن في زمان إرادة عمل من إتيانه موافقا للحق صح له الإتيان به
تقية وأجزأه، فلا يجب على أهل السوق الذهاب إلى المواضع الخالية لأجل
الصلاة، ولا سد باب الدكان.
والحاصل: أنه لا يجب رفع موضوع التقية وتبديله بموضوع الاختيار
حين العمل، فضلا عن وجوب ذلك في جزء من مجموع الوقت لو تمكن منه.
أما اعتبار عدم المندوحة حين العمل، فلأن التقية لا تصدق بدونه،
والظاهر أنه مما لا خلاف فيه (1).

(1) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 263، وفي آخر الصفحة شطب على
كلمات وكتب بدلها عبارة: " فمن قدر على "، والبحث غير تام حيث بقي المقام الرابع
لم يبحث، والظاهر ضياع بعض الأوراق.
484

مسألة (1)
يجب متابعة الإمام في الأفعال بالإجماع المستفيض بل المحقق، وكأن
الأصل فيه ما اشتهر من النبوي - وإن كان عاميا -: " إنما جعل الإمام إماما
ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا " (2).
ولا إشكال في ذلك، إنما الكلام في معنى المتابعة، فإن المشهور بين من
تأخر عن العلامة - وفاقا له (3) -: أن المراد بها عدم التقدم المجامع للمقارنة،
وهذا المعنى مخالف لظاهر النبوي من جهة أن الائتمام بمعنى الاقتداء كما في
الصحاح (4)، وهو لا يتحقق إلا بالتأخر.
ودعوى حصوله بإتيان الفعل بقصد التبعية وإن قارنه في الوجود
الخارجي، ممنوعة، بأن المراد الاقتداء في الوجود الخارجي والمتابعة في
الحركات الخارجية كما يشهد به التفريع بقوله: " فإذا ركع فاركعوا وإذا سجد
فاسجدوا " الظاهر في اعتبار كون الركوع بعد تحقق الركوع من الإمام، سواء

(1) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 375، وانظر الصفحة 606 - 607.
(2) تقدم تخريجه في الصفحة 376.
(3) راجع نهاية الإحكام 2: 135.
(4) صحاح اللغة 5: 1865، مادة " أمم ".
485

جعلنا الركوع عبارة عن الانحناء أو عن الهيئة الحاصلة منه، ومن ذلك يظهر
موضع آخر لدلالة النبوي على اعتبار التأخر.
هذا كله، مضافا إلى استمرار السيرة على الالتزام بالتأخر، مع إمكان
كفاية اعتبار عدم التقدم في اعتبار التأخر، ضرورة أن إحراز عدم التقدم
ليسوغ له الدخول في الفعل موقوف على تأخره، فيجب ولو من باب
المقدمة.
اللهم إلا أن يفرض علم المأموم بأنه لو شرع في الفعل وقع مقارنا
لفعل الإمام أو يقال: إن الكلام فيما إذا اتفقت المقارنة فهل هو كالتقدم في
الحكم أم لا؟ فتأمل.
وكيف كان، فقد يستأنس لجواز المقارنة بالأصل - بعد صدق الجماعة
والائتمام بمجرد قصد ربط فعله بفعل الإمام - وبما عن جامع الأخبار،
ومضمونه: " أن من المأمومين من لا صلاة له وهو من يركع ويرفع قبل
الإمام، ومنهم من له صلاة واحدة وهو من يركع معه ويرفع معه، ومنهم من
له أربع وعشرون صلاة وهو من يركع بعده ويرفع بعده " (1)، وضعفه منجبر
بالشهرة وعمل الصدوق (2) الذي لا يفتي إلا بمقتضى الأخبار المأخوذة من
الأصول المشهورة، وما عن قرب الإسناد: " في الرجل يصلي، أله أن يكبر
قبل الإمام؟ قال: لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد " (3)، بناء على

(1) مستدرك الوسائل 6: 492، الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة، عن جامع
الأخبار: 92.
(2) لم نعثر عليه في كتب الصدوق، ونقله عنه الشهيد في الذكرى: 279.
(3) قرب الإسناد: 218، الحديث 854، الوسائل 2: 792، الباب 16 من أبواب
صلاة الجنازة، الحديث الأول.
486

أن المراد تكبيرة الإحرام، وجواز المقارنة فيها مستلزم لجوازها في الأفعال.
وربما يؤيد أيضا بما ورد في الرجلين اللذين ادعى كل منهما أنه كان
إماما (1).
وفي الكل نظر، لورود النبوي على الأصل، وإطلاق أخبار الاقتداء
والإمامة لا يثبت جواز المقارنة، وقوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين) (2)
يراد به - والله العالم -: الركوع مصاحبا لجماعة المصلين من الإمام والمأموم،
ولا ربط له بما نحن فيه، ولا تعرض فيه لما يعتبر في أصل الركوع يعني
الصلاة ولا ما يعتبر في المصاحبة المأخوذة قيدا له، كما لا يخفى.
وأما رواية جامع الأخبار، فهي معارضة بالنبوي المذكور، بل حمل
المعية فيها على المعية العرفية المجامعة للتأخر الحقيقي أولى من التصرف في
النبوي بحمله على ما يعم المقارنة.
وربما يدعى ظهوره في المقارنة من جهة كون أداة الشرط " إذا "
للظرفية، فيكون المراد: اركعوا وقت ركوعه، مثل قوله تعالى: (وإذا قرئ
القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) (3).
ولا يخفى فساد هذه الدعوى، لأن مدخول " إذا " إذا كان فعلا ماضيا
كان ظرف الجزاء زمان تحقق الشرط في الماضي، ثم إن كان الشرط دفعي
الحصول اعتبر انقضاؤه مثل قولك: إذا مات زيد فافعل...، أو إذا تولد
طفل...، وإن كان أمرا مستمرا كالقراءة والمشي وغيرهما كفى انقضاء الجزء

(1) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) البقرة: 43.
(3) الأعراف: 204.
487

الأول منه، فالركوع في النبوي إن أريد به الهيئة كان من الأول، وإن أريد به
الانحناء كان من الثاني.
وأما رواية قرب الإسناد، فلا بد من حمل المعية فيها - بعد قيام
الإجماع على عدم اشتراط المقارنة - على المصاحبة بالمعنى الأعم، الصادق
على التابع والمتبوع، في مقابل التقدم، فغاية الأمر ظهورها في جواز المقارنة،
ويعارض بها النبوي المتقدم، فافهم.
وأما حديث المتداعيين في الإمامة، فلا يدل على وقوع الصلاة من كل
منهما على وجه يصلح للإمامة، لجواز اعتقاد كل منهما تقدمه في الأفعال
وصلاحيته للإمامة، فيستند دعواه إلى اعتقاده، فإن الغالب أن المصلي إذا
كان إماما - ولو باعتقاده - لا يراقب أفعال المأموم، فكل منهما لاعتقاده
الإمامة لم يراقب أفعال الآخر، فزعم كل منهما تقدمه في الأفعال.
وبالجملة، فإن النبوي الدال على اعتبار الاقتداء ظاهر في التأخر،
وليس هنا ما يوجب صرفه عن ظهوره، اللهم إلا أن يرجع إلى ما تقدم من
دعوى عدم اعتبار التأخر الخارجي في صدق الاقتداء والمتابعة، بل يكفي
فيها قصد تخصيص الفعل بزمان وقوع الفعل عن الإمام لأجل وقوعه عنه
فيه، كما أنه يكفي في صدق التبعية في المشي مشيه في الزمان الخاص لأجل
مشي المتبوع فيه، وحينئذ فيحمل الأمر بالركوع عقيب ركوع الإمام على
ما استظهرناه من الجملة الشرطية محمولا على الغالب، من أن عدم التقدم
لا يحرز إلا بالتأخر فهو له كالمقدمة العادية.
هذا كله، مضافا إلى احتمال أن يراد من النبوي وجوب لحوق الإمام
في هذه الأفعال وعدم جواز التخلف عنه فيها.
ويؤيده: أنه لو أريد عدم التقدم كان الأوفق أن يقول: فاركعوا إذا
488

ركع، كما لا يخفى على الخبير بنكات العبارات، نعم يوهنه استدلال العلماء به
على عدم التقدم، لا عدم التخلف.
ثم إن ظاهر النبوي على تقدير دلالته على عدم التقدم كون وجوبه
شرطيا، بمعنى أن المأموم ما دام مأموما ليس مأذونا في الركوع إلا بعد ركوع
الإمام أو معه.
ويؤيده الاستدلال في الذكرى (1) وغيرها (2) به لاشتراط عدم تقدم
المأموم، وحينئذ فمقتضاه بطلان الصلاة لو ركع قبله مع بقائه على نية القدوة،
لعدم الإذن فيه، وفاقا للمحكي عن المبسوط حيث قال: لو فارق الإمام
لغير عذر بطلت صلاته (3)، وهو الظاهر أيضا من عبارة الصدوق المحكية
عنه، الموافقة لما تقدم من عبارة جامع الأخبار، خلافا للمحكي في الذكرى
عن المتأخرين (4)، بل عن جماعة نسبته إلى الأصحاب فجعلوه واجبا مستقلا
يوجب تركه الإثم، لا بطلان الجماعة فضلا عن الصلاة (5).
ويشكل - مضافا إلى مخالفته لظاهر النبوي، الذي هو الأصل في
وجوب المتابعة - أن استحقاق الإثم على التقدم لا ينفك عن وقوع الفعل
كالركوع مثلا منهيا عنه، فيفسد.

(1) الذكرى: 272.
(2) انظر المستند 8: 94.
(3) المبسوط 1: 157.
(4) الذكرى: 275.
(5) نهاية الإحكام 2: 136، والمدارك 4: 327، والمستند 8: 100، والجواهر 13:
212، وانظر مفتاح الكرامة 3: 461.
489

ودعوى رجوع النهي إلى الوصف الخارج ممنوعة، نعم لو قيل: أن
النهي عن التقدم إنما جاء من جهة وجوب المتابعة، وهو مبني على اقتضاء
الأمر بالشئ النهي عن ضده الخاص، وهو ممنوع، كان أحسن، لكن اللازم
منه أن يقول بالفساد من قال بالاقتضاء، وليس كذلك.
هذا، مع أن ظاهر قولهم: " تجب المتابعة " الوجوب الشرطي على
حذو سائر واجبات الجماعة مثل نية الائتمام وعدم التقدم في الموقف وغيرهما
إلا أن المعبرين بهذه العبارة قد صرحوا بعدم إرادة الاشتراط، حتى أن
الشيخ قد حكي عنه أنه قال: وينبغي أن لا يرفع رأسه قبل الإمام، فإن
رفع ناسيا عاد إليه ليكون رفعه مع رفع الإمام، وكذلك القول في السجود،
وإن فعل ذلك متعمدا لم يجز له العود إليه أصلا، بل يقف حتى يلحقه
الإمام (1) وكذلك المحكي عن السرائر (2)، وحينئذ فالمحكي عنه (3) سابقا من
بطلان الصلاة بمفارقة الإمام لغير عذر يمكن حمله على المفارقة رأسا.
[ويؤيد ذلك] (4) قوله بعد تلك العبارة: وإن فارقه لعذر وأتم صحت
صلاته.
ويمكن أيضا حمل المفارقة المبطلة على المفارقة بأفعال الصلاة الواجبة
أصالة كالركوع والسجود، لوقوعها منهيا عنها، دون الأفعال الواجبة مقدمة
كالرفع من الركوع والسجود والهوي إلى السجود والنهوض إلى القيام، لأن

(1) المبسوط 1: 159.
(2) السرائر 1: 288.
(3) يعني عن الشيخ في المبسوط في الصفحة المتقدمة.
(4) من " ط "، وفي " ق " كلمة مشطوب عليها لعلها: " بقرينة ".
490

وقوعها منهيا عنها لا يوجب فساد الصلاة ولا جزءها، فتأمل.
ويمكن أن ينتصر للمشهور بأن صدر النبوي (1) دال على وجوب
الاقتداء، فلا يستفاد منه إلا مجرد وجوب الاقتداء ما دام إماما، ولا ظهور
فيه كمعاقد الإجماعات في الشرطية للصلاة، خصوصا بعد تصريح المشهور بل
الكل بعدم بطلان الجماعة - فضلا عن الصلاة - بالتقدم، والأصل عدم
الشرطية.
نعم، الإثم بالتقدم حاصل قطعا، لأن المتابعة إما واجبة نفسا وإما
شرط، فيكون تركها مبطلا للصلاة كما احتمله في الذكرى على ما تقدم من
ظاهر الشيخ، مع إمكان أن يقال: إن الشيخ لم يظهر منه دعوى الشرطية،
فلعله موافق للمشهور في ثبوت الإثم، إلا أن هذا النهي عنده يوجب الفساد
لا عند المشهور بنزاعه (2) معهم في مسألة أصولية لا فرعية، ولذا أجاب
بعضهم (3) عنه بأن النهي راجع إلى أمر خارج عن الجزء، ولولا الاتفاق على
الإثم في الجملة أمكن القول بشرطيته للجماعة ادعاء لظهور النبوي في ذلك،
فيصير المأموم بالتقدم منفردا قهرا من دون إثم ولا بطلان للصلاة أيضا (4) أو
القول بشرطيته - لتحقق الجماعة واستحقاق ثوابها بالنسبة إلى ذلك الجزء
المقدم - من دون بطلان لأصل الجماعة، كما هو ظاهر بعض الأخبار الواردة
في تقدم المأموم الآمرة بالاستمرار وعدم العود المحمول على صورة تعمد

(1) المتقدم في الصفحة 376.
(2) كذا ظاهرا، ويحتمل: لنزاعه.
(3) الجواهر 13: 212.
(4) والكلمة غير واضحة في " ق ".
491

التقدم كخبر غياث بن إبراهيم الآتي (1).
هذا كله حال عدم التقدم، وأما التخلف عن الإمام بأن لا يجامع معه
في الهيئات المطلوبة في الصلاة مثل الركوع والسجود والقيام، فظاهر النبوي
عدم جوازه، لعدم صدق الاقتداء، مضافا إلى ظهور قوله (2): " فإذا
ركع فاركعوا " في ذلك على ما قلنا، ولا ينافي ذلك استدلال الفقهاء به
على عدم التقدم، لاحتمال كون محل الدلالة على ذلك صدره الموجب للاقتداء
الذي يقدح فيه التقدم والتخلف وإن كان ذيله مختصا بالتخلف.
ويدل على الحكم في خصوص الركوع: ما دل على ترك السورة في
أولتي المسبوق، بل مع الفاتحة مطلقا أو في أولييه لإدراك الركوع، إلا أن
يدعى إمكان كون اللحوق في الركوع وإدراك الجماعة في ذلك الجزء مستحبا
ومع ذلك يترك لأجله الواجب، كما يباح قطع الصلاة لإدراك الجماعة،
فالعمدة النبوي لو لم ندع ظهوره في اعتبار المتابعة - بمعنى عدم التقدم
والتخلف - في نفس الجماعة، من دون وجوب له ولا اعتبار له في الصلاة،
كما سيجئ توضيحه.
وعلى كل حال، فينبغي أن يستثنى من الأفعال الفعل القصير الذي
يعسر المحافظة على الاجتماع مع الإمام فيه كالقيام بعد الركوع والجلوس بين
السجدتين وعقيب الثانية لو أوجبناه، لأن التخلف في هذه لا يقدح في
صدق الاقتداء، فلا يشمله النبوي.
وهل يجب عدم التخلف عن القيام الواجب في الجزء الأول من

(1) سيأتي في الصفحة 507.
(2) في النبوي المتقدم في الصفحة 376.
492

القراءة، فيكون المعتبر إدراك قراءة الإمام في حال القيام، أم يكون حال
القيام مع قراءة الإمام المجزية عن قراءة المأموم كحال القيام في الركعتين
الأخيرتين، فلا يقدح التخلف عنه ما لم يكن فاحشا مخرجا عن صدق
القدوة؟ وجهان:
من أن القيام إما واجب للقراءة، فهو فرع وجوبها المفقود في حق
المأموم، وإما واجب مستقل، فاللازم منه وجوبه على المأموم بقدر القراءة
إلى حال قراءة الإمام.
ومن أن قراءة الإمام قائمة مقام قراءة المأموم، فيجب على المأموم
القيام.
ويتفرع على الوجهين: وجوب الطمأنينة على المأموم حال قراءة الإمام.
والأول أقوى، ويؤيده ما ورد من الإذن في اللحوق بالإمام حال
القيام (1) والمشي إلى الصف المتقدم (2).
ويظهر من صاحب الحدائق وجوب القيام والطمأنينة حال قراءة
الإمام، واستند إلى ذلك في بطلان صلاة من يركع قبل فراغ الإمام من
القراءة (3)، وهو ضعيف وإن كان أحوط.
ونحوه ما عن المنتهى من وجوب ترك جلسة الاستراحة على المأموم
لو قام الإمام (4).

(1) الوسائل 5: 443، الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(2) راجع الوسائل 5: 471، الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2، 3 و 9.
(3) الحدائق 11: 143.
(4) المنتهى 1: 379.
493

ثم إن الظاهر من كلمات أصحابنا في حكم التخلف أربعة أقوال:
أحدها: حرمته مع عدم بطلان الصلاة به، وهو الظاهر من كلام كل
من أوجب المتابعة، بناء على أن المراد منها في كلامهم الأعم من عدم التقدم
والتخلف، كما يظهر ذلك منهم في المسألة الآتية من صلاة الكسوف، وصرح
به جماعة منهم الشهيد في الذكرى (1) فيما حكى عنهم (2) في باب الكسوف
فيمن لم يدرك الركوع الأول مع الإمام، حيث حكموا بعدم دخوله معه
استنادا إلى لزوم أحد المحذورين عليه، لأنه إن أتى بالخامس بعد هوي
الإمام إلى السجود لزم التخلف عنه فيه، ولو هوى معه فإنه ركوع من
الركوعات، إذ الإمام لا يتحمل غير القراءة.
الثاني: بطلان الصلاة به، وهو الظاهر من قول الشيخ (3): لو فارق
الإمام من غير عذر بطلت صلاته، بناء على شمول المفارقة للتخلف، كما عبر
بها عنه بعض الأصحاب (4).
الثالث: جوازه، وهو الظاهر من عبارة الموجز حيث قال: ويجوز
التخلف عن الإمام بركن كامل والمتابعة أفضل (5)، انتهى.
وربما ينسب (6) ذلك إلى صريح الشهيد في الذكرى والمحقق الثاني في

(1) الذكرى: 248.
(2) حكاه السيد العاملي في المدارك 4: 141، والبحراني في الحدائق 10: 341.
(3) المبسوط 1: 157.
(4) لم نقف عليه.
(5) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 113.
(6) نسبه المحقق النراقي في المستند 8: 107.
494

الجعفرية، وفيه نظر، إذ لا تعرض في كلامهما إلا لكون التخلف غير مبطل
للقدوة، قال في الجعفرية: ولو تخلف بركن أو أزيد لم تنقطع القدوة (1)، انتهى.
وقال في الذكرى: لو سبق المأموم أتى بما عليه والحق بالإمام سواء فعل ذلك
عمدا أو سهوا أو لعذر، وقد مر نظيره في الجمعة. ولا يتحقق فوات القدوة
بفوات ركن أو أكثر عندنا. وفي التذكرة توقف في بطلان القدوة بالتأخر
بركن، والمروي بقاء القدوة رواه عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه السلام (2)،
انتهى. هذا مع تصريح هذين الجليلين في الذكرى (3) وجامع المقاصد (4) بعدم
جواز التخلف في المسألة المتقدمة من صلاة الكسوف.
والأظهر بحسب الأدلة رابع، وهو اعتباره في الجماعة، كما يشهد له
ظاهر النبوي المتقدم (5)، الدال على حصر غاية جعل الإمام في الاقتداء،
الذي يفوت عرفا في نحو الصلاة بمجرد التخلف عنه عمدا في هيئات الصلاة
من الركوع والسجود والقيام.
ومما ذكرنا يعلم أن التخلف لعذر لا يقدح في القدوة وإن كان بأزيد،
لأن صدق الاقتداء باق مع عدم تعمد التخلف، مضافا إلى ورود النص
بذلك في باب الجمعة والجماعة، نعم لو سلب اسم الاقتداء عرفا أشكل الحكم

(1) رسائل المحقق الكركي (المجموعة الأولى) 1: 128.
(2) الذكرى: 276، وانظر التذكرة 4: 347 وفيه: " لو تأخر عنه بركنين، ففي الإبطال
نظر "، والوسائل 5: 32، الباب 17 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث الأول.
(3) الذكرى: 248.
(4) جامع المقاصد 2: 470.
(5) تقدم في الصفحة 376.
495

ببقاء القدوة، وهل الفائت مع التعمد الاقتداء رأسا أم في الجزء المتخلف
فيه؟ وجهان:
ظاهر من جزم به كصاحب الحدائق (1) أو احتمله كالعلامة في
التذكرة (2) الأول، وربما يظهر من الشهيد في الذكرى في المسألة المتقدمة (3) من
صلاة الكسوف عدم الخلاف في بطلان الاقتداء مع التخلف عمدا، حيث إنه
- بعد الاستدلال على عدم سلامة الاقتداء بما تقدم عنه وعن غيره من لزوم
أحد المحذورين، إما التخلف عن الإمام، أو تحمل الإمام الركوع - قال: فإن
قيل: لم لا ينتظره حتى يقوم إلى الثانية، فإذا انتهى إلى الخامس من
ركوعات المأموم سجد ثم قام فاقتدى به في باقي الركوعات، فإذا سجد
الإمام انفرد وأتى بما بقي عليه.
قلت: في هذا ترك للاقتداء، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما جعل
الإمام إماما ليؤتم به... الحديث " ثم قال:
فإن قلت: فلم لا يأتي المأموم بما بقي عليه ثم يسجد ثم يلحق الإمام
فيما بقي من الركوعات؟ وليس في هذا إلا التخلف عن الإمام لعارض، وهو
غير قادح في الاقتداء لما يأتي.
قلنا: إن من قال إن التخلف عن الإمام يقدح فيه فوات الركن فعلى
مذهبه لا يتم هذا، ومن اغتفر ذلك فإنما يكون عند الضرورة كالمزاحمة،
ولا ضرورة هنا، انتهى (4). وظاهر الاغتفار في كلامه عدم القدح في

(1) انظر الحدائق 11: 146.
(2) التذكرة 4: 347.
(3) تقدمت في الصفحة 494.
(4) الذكرى: 248.
496

الاقتداء، لا الجواز التكليفي.
هذا كله بالنسبة إلى الأفعال، وأما بالنسبة إلى الأقوال، فالكلام إما في
تكبيرة الإحرام، وإما في غيرها.
أما الكلام فيها، فمحصله: أنه لا إشكال في عدم تحقق القدوة مع تقدم
المأموم سواء كان عمدا أو سهوا، لكن الظاهر مع عدم التعمد انعقاد الصلاة
منفردا، بناء على أن الجماعة غير مقومة ومع التعمد إشكال.
وهل يجوز المقارنة في الشروع فيها، أم يعتبر التقدم فيه، مع جواز
الفراغ معه، أو قبله، أو مع عدمه، أم لا يجوز الشروع إلا بعد فراغ الإمام؟
وجوه، مبناها - بعد تسليم تحقق المتابعة بالمقارنة - أنه هل يكفي في صدق
الاقتداء مجرد ربط صلاته بصلاة الإمام من غير فرق بين الابتداء والأثناء،
أو يعتبر تلبس الإمام بالصلاة وصدق المضي عليه ليكون إماما ليصح منه (1)
الاقتداء، إذ لا معنى للاقتداء بغير المصلي.
وعليه فهل يتحقق الشروع واقعا بالدخول في التكبيرة أو لا يتحقق
إلا بالفراغ عنها ويكون الفراغ عنه كاشفا عن الدخول بأوله؟ وعلى الثاني
فهل يعتبر إحراز المأموم لدخول الإمام؟ وعلى الثاني فهل يكفي إحراز ذلك
حين القطع بدخوله وتحقق صفة المأمومية له، أم يعتبر إحرازه حين شروعه
وأنه لا يشرع الشروع إلا بعد القطع بدخول الإمام؟
ثم إن الأرجح من هذه الاحتمالات هو أولها، بناء على تحقق المتابعة
بالمقارنة وأنه لا فرق بين الأفعال وتكبيرة الإحرام، وأما عدم تحقق
الدخول إلا بتمامها فلا دخل له في ذلك، لعدم دليل على اعتبار العلم بدخول

(1) كذا ظاهرا، وفي " ط ": فيه الاقتداء ولا.
497

الإمام في الصلاة، كما لا يعتبر العلم بدخول نفسه، مع إمكان دعوى إحراز
ذلك بأصالة عدم طرو القاطع، مع أنه يمكن فرض العلم بعدمه.
وربما يتمسك في نفي المقارنة بأصالة عدم انعقاد الجماعة، وبالنبوي
المروي في بعض طرق العامة: " إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبر
فكبروا، وإذا ركع فاركعوا " (1)، الحديث، وبالمحكي عن المجالس: " إذا قال
الإمام الله أكبر فقولوا الله أكبر " (2).
وفي الجميع نظر، أما الأصل، فبأن امتثال أوامر الجماعة الوجوبية - في
مثل الجمعة وشبهها - والندبية في غيرها إذا حصل بموافقة ما علم من الشرع
اعتباره بعد نفي الزائد، ترتب على ذلك آثار الجماعة، لأن المراد من آثارها
هي الأحكام المترتبة على امتثال هذا المستحب، نعم لو كان الأمر بالعكس،
بمعنى أن الاستحباب أو الوجوب كان يعرض للجماعة التي هي منشأ لآثار
كثيرة بحيث وجب في امتثال الاستحباب إحراز كون الفعل ذلك الفعل
المترتب عليه الآثار كانت أصالة عدم الانعقاد حاكمة على أصالة البراءة
عما شك في شرطيته، مثلا: لو تعلق الأمر الوجوبي أو الاستحبابي
بالنكاح، وعلمنا أن النكاح مشروط صحته بشرائط كثيرة، فالشك في
بعضها لا يوجب إجراء أصالة البراءة عنه في مقام امتثال ذلك الأمر،
وكذلك لو لم يكن بين تعلق الأمر وترتب تلك الآثار ترتب وتفرع، فإن
أصالة البراءة لا تنفع في إثبات تلك الآثار.
وأما النبوي بالرواية المذكورة، فبأن وجوب التكبير عقيب تكبيرة

(1) تقدم تخريجه في الصفحة 376.
(2) أمالي الصدوق: 265، ضمن الحديث 10، والوسائل 5: 472، الباب 70 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
498

الإمام إنما فرع على وجوب المتابعة التي اعترف (1) بتحققها بالمقارنة، فحينئذ
فلا بد أن يكون تفريع تأخير تكبير المأموم عن تكبير الإمام على ما هو
ظاهر العبارة محمولا على الغالب من عدم إحراز عدم التقدم والتجنب عنه
إلا بالتأخر حتى كأن التأخر مقدمة عادية لعدم التقدم.
وبمثل هذا يجاب عن رواية المجالس بحملها على وجوب التأخير،
إحرازا لعدم التقدم، فتأمل.
هذا، مضافا إلى أن سياقها يأبى عن حمل الأمر على الوجوب (2).
ولو قطع النظر عن السياق فيدور الأمر بين تقييد التكبير بتكبيرة
الإحرام أو يبقى على إطلاقه ويحمل الأمر بالتأخير على الاستحباب.
فظهر أن الاحتمال الأول لا يخلو عن قوة، ثم بعده يتعين الاحتمال
الثاني ولو بناء على الكشف المتقدم، لما عرفت من عدم الدليل على اعتبار
الدخول الواقعي في مشروعية دخول المأموم، فضلا عن اعتبار إحرازه.
نعم، لو اعتبرنا الإحراز وقلنا بالكشف فالمتعين الاحتمال الرابع، وهو
الأحوط جدا.
وأما الكلام في غير التكبيرة من الأقوال فمحصله أن ظاهر المشهور
عدم الوجوب، وصريح جماعة (3) - وفاقا للدروس (4) والجعفرية (5) - الوجوب،

(1) ويحتمل في " ق ": اعترفت.
(2) في " ق " هنا بياض بمقدار سطر.
(3) لم نعثر عليه، وحكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 460 عن كشف
الالتباس وإرشاد الجعفرية والميسية.
(4) الدروس 1: 221.
(5) رسائل المحقق الكركي 1: 128.
499

بل ربما احتمل أو استظهر (1) من كلام كل من أطلق الأفعال بناء على شمولها
للأقوال أو ترك ذكر الأفعال وأطلق وجوب المتابعة كما في بعض العبارات (2)
ومعاقد الإجماعات، وهذا القول لا يخلو عن قرب، لعموم صدر النبوي
المتقدم، وذكر الركوع والسجود في ذيله من باب المثال مع ذكر التكبير في
بعض رواياته.
وربما يذكر لعدم الوجوب وجوه لا تنهض مقيدا للنبوي المذكور مع
فرض إطلاقه بحيث يعم الأقوال، نعم يمكن أن يقال: إن ظاهر النبوي عرفا
وجوب الائتمام. [وهذا] (3) مخالف لكثير من الأحكام المستفادة من الأدلة،
مثل تخيير المأموم بين الفاتحة والتسبيح في الركعتين الأخيرتين وبين التسبيحة
الكبرى والثلاث الصغريات في ذكر الركوع والسجود.
وحمل النبوي على وجوب المتابعة في هذه الأمور إذا اختار ما اختاره
الإمام، أو على إرادة المتابعة في الشروع والفراغ أو الشروع فقط، لا يخفى
بعده.
توضيحه أن يقال: إن الظاهر من الرواية وجوب الائتمام وعدم التقدم
في الأمور اللازمة الصدور من كل من الإمام والمأموم في محل واحد، وليس
المراد وجوب الإتيان بكل ما يأتيه الإمام، لأنه مع مخالفته للسياق يوجب
خروج أكثر الأفعال والأقوال، مع أن إرادة المتابعة في أصل الفعل لا يدل

(1) استظهره السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 360 من الشرائع والنافع والتحرير
والقواعد.
(2) كما في الشرائع 1: 123، والقواعد 1: 317، واللمعة: 47، وغيرها.
(3) الزيادة من " ق "، ويبدو أنه قد شطب عليها سهوا.
500

على وجوب عدم التقدم فتأمل، بل المراد وجوب كون ما يأتي به الإمام
والمأموم متحققا على وجه المتابعة، فكل واجب رخص الشارع أحيانا في
تركه مع إتيان الإمام به كشف ترخيصه عن عدم كون المتابعة فيه غاية
لجعل الإمام إماما، مثلا إذا تحقق الائتمام مع ترك المأموم للتشهد في غير محله
مع إتيان الإمام به كشف عرفا عن عدم كون المتابعة في التشهد مقصودة
حتى إذا اتفق وجوبه على المأموم، لأن المفروض أنه لو فرض عدم الإتيان
به هنا أيضا كان الائتمام حاصلا في نظر الشارع، فإذا لم يكن لوجوده
مدخل لم يكن لكيفيته - أعني ترتبه على فعل الإمام - مدخل أيضا، وكذا
الكلام في التسبيح والقراءة في الأخيرتين والتسبيحة الكبرى والثلاث
الصغريات في الركوع والسجود، فإن كلا منها غير معين على المأموم عند
اختيار الإمام، فوجودها وعدمها غير ملحوظ في الائتمام، وأما التسليم
فسيأتي القول [فيه] (1).
والحاصل: إن جميع الأقوال الواجبة مشتركة في أن حصولها من
المأموم عند صدورها عن الإمام غير ملحوظ للشارع في الاقتداء، فيكشف
عرفا عن كون كيفيتها حال الوجود كذلك، والنبوي إنما يدل على وجوب
المتابعة في الأفعال التي لا بد من صدورها عن المأموم، وما ذكرنا استظهار
عرفي، وإلا فللقائل أن يدعي دلالتها على وجوب المتابعة في كل الأفعال
التي يوجدها الإمام إذا اتفق إتيان المأموم بها، سواء كان مما يجب دائما
ولا ينفك شرعا فعله عن فعل الإمام كالأفعال، أم كان مما اختاره المكلف
اقتراحا كما إذا اختار ما اختار الإمام في الركعتين الأخيرتين أو في ذكر

(1) لم يرد في " ق ".
501

الركوع والسجود، أم كان مما اتفق مشاركة الإمام والمأموم كالتشهد في
الأوليين أو أولتي أحدهما وأخيرتي الآخر.
ويؤيد ما ذكرنا استمرار السيرة على عدم الالتزام بالمتابعة في الأقوال
وأن حكمة وجوب المتابعة على المأموم تقتضي وجوب الجهر على الإمام،
لأنه أقرب إلى تحصيل الغرض من إلزام المأموم بالاحتياط أو ترخيصه في
العمل بالظن، فاستحباب إسماع الإمام يدل على استحباب متابعة المأموم.
ويؤيده لزوم الحرج غالبا في مراعاة المتابعة للصفوف البعيدة ولزوم
التخلف الفاحش من ذلك أحيانا.
وربما يستدل أو يستشهد بأخبار تسليم المأموم قبل الإمام، وفيه نظر
يعرف مما سيجئ في مسألة التسليم قبل الإمام.
ومما ذكرنا في الاستظهار العرفي يظهر عدم وجوب المتابعة في الأفعال
والأقوال المستحبة، وأنه لا يضر تركها رأسا مع إتيان الإمام بها ولا المتابعة
على تقدير الإتيان.
وعن الروض (1) ما يدل على وجوب المتابعة في القنوت على القول
بوجوبها في الأقوال.

(1) روض الجنان: 374.
502

[مسألة] (1)
لو سبق المأموم الإمام في الركوع فإما أن يكون سهوا وإما أن يكون
عمدا، فإن كان سهوا عاد على المشهور مطلقا كما عن جماعة (2) أو عن
المتأخرين كما عن آخرين (3)، لمكاتبة ابن فضال إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام:
" في الرجل كان خلف إمام يأتم به، فيركع قبل أن يركع الإمام وهو يظن
أن الإمام قد ركع، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد الركوع مع الإمام،
أيفسد عليه ذلك صلاته أم تجوز تلك الركعة؟ فكتب: يتم صلاته ولا يفسد
بما صنع صلاته " (4) وعدم دلالتها على حكم الناسي وعلى وجوب العود
لا يضر بعد تمام المطلب بعدم القول بالفرق بين الظان والناسي، وعدم القول

(1) العنوان منا.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 462 عن الاثني عشرية والنجيبية
ولا يوجدان لدينا، وراجع الحدائق 11: 140.
(3) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 462 عن الكفاية والذخيرة، وراجع
الكفاية: 31، والذخيرة: 399، وانظر الجواهر 13: 219.
(4) الوسائل 5: 477، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
503

بجواز العود والاستمرار، وعدم القول بالفرق بين مسألتنا وما سيجئ من
الموارد التي نص فيها على وجوب العود.
ومن هنا يظهر ضعف ما استوجهه أولا في المنتهى من الاستمرار، ولذا
قوى بعده العود (1).
وربما يتوهم إمكان الاستدلال عليه بالنبوي الموجب للائتمام، وهو في
غير محله، سواء قلنا بكون المتابعة شرطا للقدوة أو الصلاة، أم قلنا بكونها
واجبة في نفسها، لفوات محل المتابعة.
نعم لو قلنا بدلالة النبوي على وجوب الائتمام، بمعنى الإتيان بالأفعال
التي يأتي بها الإمام وإن لم يجب على المأموم، أمكن الحكم بالعود من جهة
النبوي حينئذ، كما يظهر من استدلال الحلي على وجوب العود، حيث قال:
لا يجوز للمأموم أن يبتدئ بالشئ من أفعال الصلاة قبل الإمام، فإن سبقه
على سهو عاد على حاله حتى يكون به مقتديا، فإن فعل ذلك عامدا
فلا يجوز له العود (2)، فإن فعل بطلت صلاته (3)، انتهى.
لكنك عرفت سابقا أن النبوي في مقام اعتبار المتابعة في الأفعال
المفروغ صدورها عن كل من الإمام والمأموم، لا في مقام إيجاب صدور
ما يصدر عن الإمام.
ثم إنه لو ترك العود ففي صحة صلاته - كما عن الروضة (4) وغيرها (5)،

(1) المنتهى 1: 379.
(2) كذا في المصدر، وفي النسخ: العدول، وهو سهو.
(3) السرائر 1: 288.
(4) الروضة البهية 1: 802.
(5) كالهلالية والميسية، على ما حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 462.
504

ولعله مراد الشهيدين (1) والمحقق الثاني (2) وجماعة (3)، من أن الناسي لو لم يعد
فهو عامد (4) وعدمها كذلك، والتفصيل بين الرجوع قبل إتمام الإمام القراءة
أو بعده - كما عن العزية (5)، وربما فسر به قولهم: إنه لو لم يرجع فهو عامد -
وجوه، بل أقوال.
يمكن بناؤها على أن العود يجب للمتابعة الواجبة لنفسها، والركوع
الصلاتي قد تحقق، فتصح الصلاة وإن كان ركوعه قبل إتمام القراءة، لخروج
محلها بالدخول في الركوع الصحيح الشرعي أو لوقوع الركوع السابق فاقدا
لشرطه، أعني المتابعة بناء على وجوبها على نحو الشرطية، فلا بد من إعادة
الركوع ثانيا على النحو المعتبر، أو بناء على ما يفهم من الروايات الآتية
- في وجوب العود مع رفع الرأس من الركوع والسجود - كون ذلك معتبرا
في أصل الصلاة وإن كان المأتي به سهوا هو الفعل الأصلي للصلاة، فافهم.
ومن ذلك يظهر أن بطلان الصلاة بترك الرجوع يجامع القول بكون
المأتي به سهوا هو الفعل الأصلي أو أنه يجب لتدارك بقية القراءة.
ولا يخفى قوة الأول، أما على القول بأن عدم التقدم على الإمام في
الفعل واجب مستقل فواضح، وكيف يجتمع الحكم بإجزاء الركوع المقدم

(1) الدروس 1: 221، والبيان: 238، وروض الجنان: 374.
(2) الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 128.
(3) منهم ابن فهد في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 113.
(4) في " ق " زيادة: " صلاته مطلقا "، وبعدها عبارات مشطوب عليها، والظاهر أنها
كانت مما ترك الشطب عليها سهوا.
(5) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 462.
505

عمدا دون المتقدم سهوا؟!
وأما على قول الشيخ ببطلان الصلاة بالمفارقة، فلاختصاصه بما إذا
كان لغير عذر، والمفروض هنا العذر، ولذا لم يقل ببطلان الصلاة هنا.
ومما ذكرنا يظهر ضعف التفصيل بين رجوعه لتدارك بقية القراءة،
ورجوعه لا له.
وأما الأخبار الآمرة بالعود إلى الركوع والسجود، فلو سلم الظهور
المدعى فيها فالمسلم ظهورها في اشتراط العود في بقاء القدوة لا في صحة
الصلاة، ولازمه بطلان الجماعة بترك العود لا الصلاة.
ويشهد للظهور المذكور: ظهور السؤال فيها في كونه عن علاج الجماعة
لا علاج الصلاة، فلا تدل على اعتبار العود في صحة الصلاة.
إلا أن يقال - بعد تسليم ظهور تلك الروايات في شرطية العود في
الجملة، وتردد مشروطه بين الجماعة وأصل الصلاة -: كان الواجب إما العود
وإما الانفراد، فالبقاء على الجماعة مع ترك العود مناف لظواهر تلك
الروايات، فهذا هو الأقوى، مع أنه أحوط.
وأحوط منه: الاقتصار على العود، لما سيجئ من الشبهة في العدول
إلى الانفراد.
ثم إن الظاهر اختصاص العود بما لو علم إدراك الإمام في الركوع،
لأنه المتيقن من النص والفتوى، فلو ظن أنه لو قام للركوع ثانيا لم يلحق
الإمام في الركوع لم يجب العود، لأنه بركوعه الثاني يتخلف عن الإمام،
فلا يدرك المتابعة.
ثم إن الظاهر عدم الفرق بين السبق إلى الركوع وبين السبق إلى
السجود، ولولا ظهور الاتفاق على جواز العود كان مقتضى الأصل عدمه،
506

لصحة السجود الواقع، فلا وجه لإعادته.
ووجوب الإتيان به لأجل المتابعة قد عرفت أن النبوي لا يدل عليه،
وإنما يدل على وجوب كون ما يأتي به متحققا على وجه المتابعة.
ولو سبقه بالرفع عنهما فالمشهور أنه يعود إليهما، ويدل عليه روايات.
منها: صحيحة علي بن يقطين: " عن رجل يركع مع الإمام يقتدي به
ثم يرفع رأسه قبل الإمام، قال: يعيد بركوعه معه " (1).
ومثلها رواية سهل الأشعري (2)، ورواية الفضيل: " عن رجل صلى مع
إمام يأتم به ثم رفع رأسه عن السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من
السجود، قال: فليسجد " (3).
ورواية ابن فضال، عن أبي الحسن عليه السلام: " قال: قلت له: أسجد
مع الإمام وأرفع رأسي قبله، أعيد؟ قال: أعد واسجد " (4)، وظاهره - ولو
بقرينة كون شأن الراوي أجل من أن يتعمد التقدم على الإمام كما قيل -
خصوص صورة السهو أو الظن، فبها يخصص رواية غياث بن إبراهيم:
" عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أيعود فيركع إذا أبطأ
الإمام، ويرفع رأسه معه؟ قال: لا " (5) بصورة التعمد.
لكن الإنصاف إن هذا التقييد مرجوح بالنسبة إلى التجوز في الأوامر

(1) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(2) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(3) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 5: 448، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
(5) الوسائل 5: 448، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
507

السابقة بالحمل على الاستحباب، لأنه تقييد بالفرد الغير الغالب. نعم لو حمل
النفي في الجواب على نفي الجواز من جهة توهم المنع لزيادة الركن، بناء على
كون السؤال عنه، لم يتأت الحمل المذكور، بل يتعين تقييد النهي بصورة
العمد، للإجماع على عدم التحريم في صورة السهو، فيصير أخص مطلقا من
الأوامر، فتقيد به.
ولو فرضنا ظهوره في نفي الوجوب في مقام زعم وجوب المتابعة على
الإطلاق، لكن الجواب بنفي الوجوب لا يلائم ثبوت الاستحباب، كما لا
يخفى.
ثم إنه يترتب على ما ذكرنا من كون الجزء الأصلي هو المأتي به سهوا
دون المعاد أمور: مثل أنه لو نسي العود إلى المتابعة بعدما قام عن ركوعه،
بطل على الثاني دون الأول.
وأنه: لو نسي فدخل في السجود قبل ركوعه والإمام لم يركع بعد،
فسدت صلاته على الأول دون الثاني.
وأنه لو أخل بشئ من واجباته عمدا بعد التنبه لسبق الإمام، بطلت
صلاته إلا إذا تركها لإدراك المتابعة، ولو أخل به سهوا لم يجب عليه الإتيان
به في المعادة، وإن كان يجب فيه ما وجب في الأول على ما هو المتبادر من
قولهم عليهم السلام: " يعيد ركوعه " (1).
هذا في السبق إلى الركوع والسجود، وأما لو سبق إلى الرفع عنهما،
فالمعادة جزء من السابق يجب فيه تدارك ما أهمله سابقا، بل يجب عليه
ترك واجباتها إذا تنبه للسبق قبل الإتيان بها. إلى غير ذلك من الثمرات

(1) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2 و 3.
508

المترتبة على كون الجزء الأصلي هو الأول أو الثاني، وقد عرفت قوة الأول،
والله العالم.
ثم إن الأكثر لم يتعرضوا لما إذا سبق عمدا أو سهوا في غير الركوع
والسجود كالقيام بعد السجدتين أو بعد الركوع وإن دل معاقد إجماعاتهم
كالنبوي على وجوب المتابعة في جميع الأفعال، وتعرضهم لحكم الرفع عن
الركوع قبل الإمام ليس من حيث السبق إلى القيام، ولذا يعم ما لو سبق في
الرفع مع بقائه منحنيا، وكذا الرفع عن السجود قبله ليس من حيث السبق
إلى الجلسة الواجبة، فالكلام فيما لو تابعه في الرفع عن الركوع والسجود لكن
سبقه إلى القيام والجلوس.
نعم في بعض العبائر ما يدل على عموم الحكم، فإن المحكي عن
السرائر أنه قال: لا يجوز للمأموم أن يبتدئ بشئ من أفعال الصلاة قبل
إمامه، فإن سبقه على سهو عاد على حاله حتى يكون به مقتديا، وإن فعل
ذلك عمدا (1) فلا يجوز له العود، فإن عاد بطلت صلاته، لأنه زاد ركوعا (2)،
انتهى. وكذا المحكي عن المبسوط من أن: من فارق الإمام لغير عذر بطلت
صلاته (3).
والذي ينبغي أن يقال هنا: إنه إن ثبت عدم الفصل بين الركوع
والسجود وغيرهما فذاك، وكذا لو ثبت دلالة النبوي على وجوب العود
للمتابعة، لكن قد عرفت التأمل فيها، وإلا فمقتضى الأصل على ما عرفت

(1) من " ط "، ولم ترد في المخطوطة و " ن "، وفي المصدر: عامدا لا ساهيا.
(2) السرائر 1: 288.
(3) المبسوط 1: 157.
509

سابقا عدم العود مطلقا.
ثم على تقدير انسحاب حكم الركوع والسجود من وجوب العود مع
السهو وعدم جوازه مع التعمد لو خالف، ففي الحكم بالبطلان هنا - في
صورة الحكم بالبطلان في الركوع والسجود - نظر، منشأه أن المطلوب في
الجلوس والقيام هيئتهما، لا إحداثهما والنهوض إليهما مقدمة، فإذا فرض أن
السابق على الإمام فيهما سهوا لم يعد، كان الواجب منهما المتحقق بعد لحوق
الإمام هيئتهما الحاصلة من غير حاجة إلى إعادة النهوض ثانيا، بخلاف
الركوع والسجود، فإن الواجب إحداث هيئتهما بقصدهما، فلا يكتفى في
الواجب منهما بالبقاء على هيئتهما بعد لحوق الإمام، وكذا المتعمد للسبق إلى
القيام والجلوس لو هدمهما وأعادهما ثانيا لغرض المتابعة لم يوجب ذلك
بطلان الصلاة، بل لو هدم قيامه وجلوسه بالانحناء لا لغرض ثم أعادهما لم
يؤثر ذلك في البطلان خصوصا إذا لم يشرع الإمام في القراءة، فتأمل.
510

[مسألة] (1)
لا خلاف ولا إشكال في اعتبار عدم تقدم المأموم على الإمام،
وحكاية الإجماع عليه مستفيضة (2)، والظاهر أنه شرط للجماعة، فتبطل
بالإخلال به ولو في زمان يسير، والعود إلى الائتمام بعده مبني على جواز
تجديد نية الانفراد، فما في الذكرى من احتمال عود القدوة بالتأخر (3) فهو مبني
على ذلك القول، أو محمول على أن الشرط شرط الجماعة في كل كون من
أكوان الصلاة بحيث إذا فقد انتفت القدوة في ذلك الجزء من الصلاة،
فلا تنفسخ القدوة رأسا بعد انعقاد نية الجماعة لمجموع الصلاة، وهذا ليس
عدولا عن الانفراد إلى الجماعة.
وما فيها وفي غيرها من كلمات الأصحاب ومعاقد إجماعاتهم من

(1) العنوان منا، وقد تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 349، وانظر
الصفحة 563.
(2) راجع المعتبر 2: 422، والتذكرة 4: 239، والذكرى: 272، والمدارك 4: 330،
ومفاتيح الشرائع 1: 161، ومفتاح الكرامة 3: 417.
(3) الذكرى: 274.
511

إطلاق الحكم ببطلان الصلاة لو استمر على نية الائتمام بعد التقدم، محمول
على ما أفضى إلى إخلاله بوظيفة المنفرد، كما قيده به في البيان (1) وغيره،
وإلا فبطلان الجماعة بنفسه لا يوجب بطلان الصلاة كما تقدم ذلك في غيره
من الموانع، مثل البعد والحائل اللذين قد ورد النص (2) ببطلان صلاة المأموم
معهما، لكنه محمول على الاستمرار معهما على وظيفة الائتمام.
وهل هو شرط واقعي، أو علمي فيغتفر مع النسيان؟ وجهان:
من ظاهر كلامهم، ومن الأصل وإمكان دعوى انصراف إطلاقهم إلى
صورة العلم.
ولو تقدم اضطرارا كراكب الدابة أو السفينة، فالمصرح به في كلام
الشهيد وجوب نية الانفراد (3).
ثم إن المشهور جواز التساوي، بل عن التذكرة الإجماع عليه (4)،
واستدل له (5) أيضا بأصالة البراءة، بل إطلاقات الجماعة، وإطلاق ما دل
على كون المأموم الواحد عن يمين الإمام (6) من غير تنبيه على وجوب تأخره
عنه بيسير مع كون السؤال عن موقف المأموم، وما ورد في تداعي الإمامية

(1) انظر البيان: 234.
(2) راجع الوسائل 5: 462، الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) البيان: 234.
(4) التذكرة 4: 240.
(5) استدل بها صاحب الجواهر في الجواهر 13: 223.
(6) الوسائل 5: 411، الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول، و 413،
الحديث 12.
512

والمأمومية (1)، إذ لولا جواز التساوي لم يكن كل واحد قابلا للإمامية والمأمومية.
والكل لا يخلو عن نظر، وإن أمكن دفعه عن بعضها، فالاحتياط
يقتضي المصير إلى ما عن الحلي من وجوب تقدم الإمام بيسير (2)، ولعله
للسيرة المستمرة على الالتزام بذلك، واستظهاره من النبوي، وورود الأمر (3)
بالتقديم فيما إذا أحدث الإمام أو حدث به [حدث] (4) وفي العراة، مضافا
إلى توقيفية الجماعة، بناء على أن الجماعة هيئة توقيفية في الصلاة ورد فيها
ثواب من الشارع وترتبت عليها أحكام مثل سقوط القراءة وشرطيتها في
الجمعة وغير ذلك، فلا بد من إحراز تلك الهيئة في إحراز ذلك الثواب
وإجراء تلك الأحكام، لا أن الجماعة ورد الأمر بها فيقتصر في امتثالها على
ما علم من أجزائها وشرائطها، فافهم وراجع ما ذكرنا في بعض الشروط
المتقدمة.
وقد يستدل للحلي بما ورد في التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج
جوابا للسؤال عن السجود على قبور الأئمة عليهم السلام والصلاة وراء القبر
وقدامه فوقع: " أما السجود على القبر فإنه لا يجوز في نافلة ولا فريضة
ولا زيارة، بل يضع خده الأيمن على القبر. وأما الصلاة فإنها خلفه يجعله
الإمام، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن شماله، لأن

(1) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) السرائر 1: 277.
(3) انظر الوسائل 5: 440، الباب 43 من أبواب صلاة الجماعة، والباب 72 من نفس
الأبواب، و 3: 328، الباب 51 من أبواب لباس المصلي.
(4) الزيادة اقتضاها السياق.
513

الإمام لا يتقدم عليه ولا يساوى " (1) (2).
ثم إن المدار في التقدم والتأخر هو العرف، ولا إشكال في صدقه
بالتقدم بالأعقاب في حال القيام، ولذا قال في محكي التذكرة لو تقدم عقب
المأموم بطل عندنا (3)، وعن المدارك: أنه لو تساوى العقبان لم يضر تقدم
الأصابع، ولو تقدم عقبه على عقبه لم ينفعه تأخر أصابعه ورأسه قاله
الأصحاب (4)، انتهى.
لكن صرح في المسالك باعتبار الأصابع أيضا (5)، وعن النهاية
استقرابه بعد اختيار ما تقدم عن التذكرة (6)، وربما حكي عن الأكثر (7) ولم
أعرف مستنده.
وربما يتوهم اعتبار تساوي المنكبين، لما ورد في تسوية الصفوف
بتسوية المناكب (8)، ويرده أن الغالب إن تسوية المناكب من جهة تسوية
الأعقاب، وذكر تسوية المناكب لأنه المقصود الأصلي وإن كان منشأه
تساوي الأعقاب، والظاهر إلحاق حال الركوع بحال القيام، فيكتفى بعدم

(1) الإحتجاج 2: 312، والوسائل 3: 454، الباب 26 من أبواب مكان المصلي،
الحديث الأول.
(2) في المخطوطة بياض بمقدار ثلاثة أسطر.
(3) التذكرة 4: 240.
(4) المدارك 4: 331، مع اختلال في بعض الألفاظ.
(5) المسالك 1: 308.
(6) نهاية الإحكام 2: 117.
(7) لم نعثر عليه.
(8) الوسائل 5: 472، الباب 70 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
514

تقدم عقبه وإن تقدم رأسه.
وأما حال السجود، فالظاهر اعتبار منصب أصابع الرجلين، لأنها
بمنزلة العقب للقائم.
وأما حال التشهد، فالظاهر اعتبار موضع الأليتين، ولا عبرة بمد
الرجلين من ورائه وقبضهما.
فالظاهر أن الملحوظ في هذا المقام أول مقر نفس المصلي، وهو
موضع العضو الذي بتحركه وسكونه تتصف نفس الإنسان بالحركة والسكون.
ومما (1) ذكرنا يظهر أنه لا يقدح تقدم مسجد المأموم، نعم استثنوا (2)
من ذلك ما لو صلوا مستديرا حول الكعبة، فإن المأموم بتقدم رأسه على
الإمام يصير أقرب إلى الكعبة فيتقدم على الإمام، ولعل وجهه أن تقدم أحد
الشخصين على الآخر إن لوحظ بالنسبة إلى الجهة التي توجها إليها كان
العبرة بأول مقره، وهو موضع العقب وإن لوحظ بالنسبة إلى عين خارجي
كان العبرة بأول جزء يقرب من تلك العين، فيقال: إنه أقرب إلى كذا من
ذاك الشئ، إذا كان الجزء الذي يليه أسبق إليه منه، ولما كان الاعتبار في
توجه الصف المستدير باستقبال العين، كان مناط التقدم بتقدم أسبق جزء
منه كرؤوس الأصابع أو البطن في عظيم البطن، أو طرف الأنف الأسفل
حال القيام والركبتين حال التشهد والرأس حال السجود. وأما البعيد عن الكعبة
فلما كان توجهه إلى الجهة معينا (3) فلا (4) يلاحظ فيه الأقربية إلى شئ خارجي.

(1) كذا ظاهرا في " ق "، وفي " ط " و " ن ": وبما.
(2) كما في الدروس 1: 220، والمسالك 1: 308، وانظر مفتاح الكرامة 3: 418.
(3) " معينا " من " ق "، وهي غير واضحة.
(4) في " ق ": ولا، وفي " ن " يحتمل الوجهين.
515

نعم هنا كلام آخر في أصل جواز استدارة المأمومين، من جهة كون
الجماعة هيئة توقيفية لا بد من الاقتصار فيها على المتيقن، وهو ما إذا
لم يتقدم المأموم على الإمام عرفا وإن لم يكن تقدم بالنسبة إلى الجهة التي
توجها إليها أعني الكعبة.
بيانه: أن التقدم قد يلاحظ بالنسبة إلى جهة خاصة من الجهات
المطلقة المنتهية إلى محدد الجهات، وبهذا الاعتبار يقال لكل من الإمام
والمأموم المتقابلين: إنه متقدم على صاحبه بالنسبة إلى الجهة التي توجه إليها،
وقد يلاحظ بالنسبة إلى جهة الكعبة، وحينئذ لا يصدق على أحد المتقابلين
التقدم على صاحبه، لأنهما متوجهان معا إلى جهة واحدة، وحيث إن معاقد
الإجماعات على عدم تقدم المأموم ظاهرة في إرادة التقدم العرفي، وهو
الملحوظ بالنسبة إلى مطلق الجهة، ولا أقل من احتمالها له، وحينئذ فمجرد
كون المأموم متقدما على الإمام باعتبار ملاحظة وجهة الإمام يكفي في
البطلان وإن كان الإمام أيضا متقدما على المأموم بملاحظة وجهته، فتأمل.
وأما ما ادعاه في الذكرى من الإجماع عليه في كل الأعصار (1) فهو
مسلم، إلا أن حجية تلك السيرة محل تأمل، لعدم كشفها عن رضا النبي أو
أحد الأوصياء صلوات الله عليه وعليهم.
إلا أن يقال: عدم بلوغ النكير من واحد منهم عليهم السلام ولا من غيرهم
من الصحابة والتابعين يكشف عن رضاهم عليهم السلام.
والمسألة لا تخلو من إشكال كمسألة صلاة المأموم في جوف الكعبة مع
توجهه إلى الجهة المقابلة لجهة الإمام، والله العالم ثم رسوله ثم أوصياؤه
الكرام صلوات الله عليهم.

(1) الذكرى: 162.
516

[مسألة] (1)
ويعتبر في انعقاد الجماعة للمأموم قصد الائتمام، لتوقف تحقق عنوان
الائتمام الذي هو مناط ترتب الآثار من سقوط القراءة ونحوه على قصده،
وهذا واضح.
ثم إن نية الائتمام كما توجب صيرورة المأموم مأموما كذلك توجب
صيرورة الإمام إماما، لأن الإمام من يأتم به غيره وإن لم يعرض نفسه
لذلك، فظهر أن انعقاد الجماعة ولو بالنسبة إلى الإمام لا يحتاج إلى نية الإمامة،
بل يتحقق بنية المأموم للائتمام، وفاقا لصريح جماعة (2)، بل ظاهر المنتهى
الاتفاق (3)، وفي مجمع الفائدة كأنه إجماع (4)، وفي الرياض: لا أجد فيه خلافا (5).

(1) العنوان منا، وقد تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 393.
(2) منهم المحقق في الشرائع 1: 124، والعلامة في القواعد 1: 315، والشهيد في
الدروس 1: 220، وغيرهم، وراجع لتفصيل القول مفتاح الكرامة 3: 429،
والجواهر 13: 345.
(3) المنتهى 1: 367.
(4) مجمع الفائدة 3: 317.
(5) الرياض 4: 320.
517

وهل يتوقف استحقاقه الثواب عليها؟ ظاهر الأكثر العدم، ومال
المحقق الأردبيلي رحمه الله إلى ثبوته (1)، فإن أراد ثبوت ثواب امتثال أوامر
الجماعة والصلاة بالناس فلا وجه له، لعدم حصول امتثالها، وإن أراد ترتب
فضيلة ومزية على صلاته بمجرد ائتمام غيره به مع عدم قصده ذلك أو مع
عدم شعوره به فلا مضايقة فيه.
ثم إن المأموم لو أخل بنية الائتمام فهو منفرد، إذ لا نعني بالمنفرد إلا
من دخل في الصلاة غير قاصد للائتمام، نعم لو مضى في صلاته على أحكام
الجماعة بطلت صلاته، وعليه يحمل ما في بعض كلماتهم من أنه لو أخل بنية
الاقتداء بطلت صلاته (2)، ومعناه أنه لو صلى جماعة من دون نية الائتمام
كانت صلاته باطلة، لا أن من لم ينو الائتمام فصلاته باطلة، فإن كل منفرد
غير ناو للائتمام، مع أنه لو أراد بطلان الصلاة بمجرد ترك نية الاقتداء لعبر
بقوله: لم تنعقد صلاته، لأن المناسب للإخلال بأول الأجزاء أو الشرائط
التعبير بعدم الانعقاد لا البطلان، بل قد عرفت في مسألة التقدم في الموقف
وغيرها أن جميع الشروط المذكورة في الجماعة من هذا القبيل، وإن عبر في
بعض النصوص والفتاوى ببطلان الصلاة مع الإخلال بها، فمرادهم بطلان
الصلاة إذا مضى فيها على الجماعة مع الإخلال بالشرط.
نعم، لو قلنا إن الجماعة مقومة للصلاة ومنوعة له لزم من بطلانها
بطلان الصلاة، لكن الظاهر إمكان دعوى الاتفاق على خلافه، مع عدم

(1) مجمع الفائدة 3: 318.
(2) لم نعثر عليها بعينها، نعم يوجد في الكلمات ما يدل عليه، مثل ما في القواعد 1:
315، وفيه: فلو تابع بغير نية بطلت صلاته، ومثله ما في البيان: 234.
518

مساعدة الدليل عليه، بل لعل الأصل على خلافه.
ثم إنهم قد ذكروا وجوب نية الجماعة على الإمام فيما يجب فيه الجماعة
من الصلوات، إذ الجماعة مقومة لها فيلزم من انتفائها انتفاء الصلاة، وهو
حسن لو أخل بنية الجماعة تفصيلا وإجمالا.
أما لو نواها إجمالا في ضمن نية أصل نوع الصلاة التي أخذ فيها
الجماعة فلا وجه لبطلان الجماعة ولا الصلاة، فتغني حينئذ نية الجمعة عن
الجماعة كما تغني عن سائر شروطها، وهو الذي رجحه صاحبا المدارك (1)
والذخيرة (2) تبعا للمحكي عن المحقق الأردبيلي (3) قدس الله أسرارهم.
اللهم إلا أن يقال: إن الجماعة إذا كانت مأخوذة في الجمعة فلا بد في
تحققها من قصدها، وليس من قبيل سائر الشروط، إذ ليس فيها ما يعتبر في
تحققه قصده كما لا يخفى، فالأجود ما عليه جماعة (4) تبعا للشهيد (5) والمحقق
الثاني (6) من وجوب القصد إلى الائتمام (7).

(1) المدارك 4: 332.
(2) الذخيرة: 399.
(3) مجمع الفائدة 3: 318.
(4) مثل الشهيد الثاني في المسالك 1: 239، وروض الجنان: 285، والسيد
الطباطبائي في الرياض 4: 54، والمحقق النراقي في المستند 6: 91، وحكاه
السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 429 عن شرح الجعفرية وحاشية الإرشاد
والمصابيح.
(5) الذكرى: 234، والدروس 1: 187، والبيان: 191.
(6) جامع المقاصد 2: 406.
(7) كذا في النسخ، والمناسب: إلى الإمامة.
519

ثم إن المحكي عن الشهيد (1) وصاحب الموجز (2) وشارحه (3) أن نية
الاقتداء بعد نية الإمام، لا معها فيقطعها بتسليمة ثم يستأنف، وعن إرشاد
الجعفرية: إنه يجب تأخيرها إجماعا (4)، وهذا ينافي الخلاف في جواز مقارنة
الإمام في تكبيرة الإحرام، إلا أن مدعي الإجماع على وجوب التأخير قد
فسر المتابعة - المجمع عليها في التكبير والأفعال - بالتأخر عن الإمام.
وكيف كان، فوجوب التأخر هنا مبني على وجوب التأخر في التكبير،
لكن الأمر سهل بعد كون النية عبارة عن الداعي على العمل، كما لا يخفى.
وكما يشترط نية أصل الائتمام، يعتبر وحدة من يأتم به وتعيينه، فلو
نوى الائتمام باثنين بطل ائتمامه بلا خلاف ظاهر.
ويدل عليه - بعد توقيفية الجماعة بالتقريب المتقدم سابقا -: ظهور أدلة
أحكام الجماعة في ترتبها عند وحدة الإمام، وكذا لو نوى الائتمام بإمام غير
معين، بمعنى القابل للصدق على أكثر من شخص، مثل الائتمام بأحدهما الغير
المعين، أو بالهاشمي الحاضر، أو زيد الحاضر، مع حضور شخصين تردد
المنوي بينهما (5).

(1) الدروس 1: 220.
(2) الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 112.
(3) كشف الالتباس (مخطوط): الورقة 273.
(4) مخطوط، نقله عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 429.
(5) في المخطوط هنا بياض بمقدار ثلاثة أسطر.
520

[مسألة] (1)
ولو نوى الائتمام بشخص فبان غير إمام كالمأموم أو غير المصلي
بطل ائتمامه، فحكمه حكم المنفرد، فإن حصل فعلا أو تركا ما يوجب بطلان
صلاة المنفرد كترك القراءة أو زيادة الواجب للمتابعة أو الرجوع إلى الغير
في الشك بطلت صلاته، لأن وجود الإمام شرط واقعي للجماعة ينتفي
بانتفائه في نفس الأمر ولو اعتقد المأموم وجوده، وهذه واضحة، لأن وجود
الإمام ركن للجماعة، وزيادة الواجب الحاصلة في الجماعة أو الرجوع إلى
غيره في الشك وكذا ترك القراءة وكذا السكون الطويل مما يختص جوازه
بالمأموم الواقعي، فإذا انتفى الإمام انتفى الائتمام، ولا إشكال في شئ من
ذلك، تأمل (2).
إلا أنه ربما يتخيل أن ترك القراءة لا يوجب بطلان الصلاة إلا إذا
وقع عمدا، وأما مع اعتقاد عدم الوجوب فهو كالنسيان، كما لو اعتقد المأموم
المسبوق أن الإمام في إحدى الأوليين فلم يقرأ، فتبين أنه في الأخيرتين.

(1) العنوان منا.
(2) يحتمل زيادتها، وقد شطب عليها في " ط ".
521

لكن هذه الدعوى - مع عدم ثبوتها في مقابل عموم قوله عليه السلام:
" لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " (1) - لا تقدح فيما نحن فيه، لأن المقصود هو أن
الصلاة باعتقاد الجماعة إذا اشتملت على ما يخل بصلاة المنفرد كانت باطلة،
وغاية الدعوى المذكورة عدم إخلال ما ذكر بصلاة المنفرد.
ويؤيد ما ذكرنا من بطلان الصلاة بل يدل عليه: ما ورد (2) في
الرجلين المتداعيين للمأمومية، فإن كلا منهما قد نوى الاقتداء بمن تبين أنه
غير إمام، لكن يعارضها صحيحة زرارة المروية في الكتب الثلاثة فيمن
دخل مع قوم مصلين غير ناو للصلاة ثم أحدث الإمام فأخذ بيد الرجل
فقدمه عليهم، قال: " تجزي القوم صلاتهم " (3) المعتضدة بما ورد في إمام تبين
كونه يهوديا (4)، فإن اليهودي غير مصل في الحقيقة.
اللهم إلا أن يخص الصحيحة وما في معناها بموردها، وهو ما إذا تحقق
صورة الإمامية والمأمومية، فلا تدل على الصحة فيما نحن فيه مما انكشف
عدم الإمامية والمأمومية ولو بحسب الصورة، كما إذا اقتدى بمن تبين أنه
مأموم أو غائب عن محل الصلاة أو أنه حاضر مشغول بغير الصلاة مما
يتخيله الناظر صلاة أو غير ذلك.

(1) عوالي اللآلي 1: 196، الحديث 2، و 2: 218، الحديث 13، و 3: 82، الحديث
65، ومستدرك الوسائل 4: 158، الباب الأول من أبواب القراءة، الحديث 5.
(2) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) الكافي 3: 382، الحديث 8، الفقيه 1: 403، الحديث 1196، التهذيب 3: 41،
الحديث 143، والوسائل 5: 437، الباب 39 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) الوسائل 5: 435، الباب 37 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 2.
522

[مسألة] (1)
لو عين الإمام بعنواني الإشارة والصفة كهذا الهاشمي فبان غير هاشمي،
فالظاهر صحة الاقتداء، لأن عنوان الإمام هو المشار إليه ونفس الهاشمي
لا يصلح أن يكون عنوانا، ولذا لا يجوز الاكتفاء به في التعيين.
ولو عينه بعنواني الإشارة والتسمية، كما لو نوى الاقتداء بهذا على أنه
زيد فبان عمروا ففي صحة الاقتداء وجهان كما عن بعض (2)، وحكي عن
آخر تقوية الصحة (3)، وعن ثالث تقوية البطلان (4)، وربما تقيد الصحة بما إذا
كان عمرو عادلا أيضا.
والتحقيق: أنه إذا ناط الاقتداء بالشخص الحاضر معتقدا أنه زيد
بحيث كان اعتقاد هذا مقارنا أو داعيا فلا ينبغي الإشكال في الصحة وإن

(1) العنوان منا.
(2) راجع الذكرى: 271، وروض الجنان: 375، والمدارك 4: 333، والرياض 4:
420.
(3) الكفاية: 31، والذخيرة: 399.
(4) روض الجنان: 375، والرياض 4: 320، والجواهر 13: 235.
523

كان الحاضر غير عادل، إذ يكفي في الصحة اعتقاد عدالته ولو من جهة
اعتقاد أنه الشخص الفلاني.
إلا أن يقال: إن اعتقاد العدالة من جهة الاشتباه في الشخص لا دليل
على المعذورية فيه، إذ القدر المسلم من المعذورية ما لو كان الاشتباه في
الصفة دون الموصوف.
لكن يدفعه فحوى ما عرفت من أن الإمامية والمأمومية إذا تحققت
صورة فلا يقدح اختلال أوصاف الإمام حتى كونه مصليا، بل العمدة في
عدم قدح تبين فسق الإمام: الفحوى المذكورة، بل لا دليل غيرها.
وإن ناط الاقتداء بزيد معتقدا حضوره - بحيث كان اعتقاد حضوره
من جهة تصحيح الاقتداء به فبان غيره - فلا ينبغي الإشكال في بطلان
الاقتداء، لعدم تحقق الإمام، لأن المفروض أن إمامه غائب، بل ميت أو نائم
مثلا.
ثم تشخيص أحد التقديرين موكول إلى نية المأموم، إذ ليس هنا لفظ
يؤخذ بظاهره، فلو لم يتشخص أحدهما فالوجه بطلان الاقتداء، لعدم إحراز
شرطه وهو القصد إلى إمام حاضر (1).

(1) هنا بياض في " ق " بقدر نصف سطر.
524

[مسألة] (1)
لو نوى كل من شخصين الإمامة للآخر صحت صلاة كل منهما بلا خلاف،
بل حكي الإجماع عليه عن بعض (2)، ويدل عليه وجود المقتضي للصحة
وعدم المانع، ويدل عليه رواية السكوني (3).
وظاهر إطلاقها - كالفتاوى - عدم الفرق بين صورتي الإخلال بوظيفة
المنفرد (4) كما إذا شك في العدد فرجع إلى صاحبه، لكن مقتضى القاعدة فيه
البطلان، وينبغي تنزيل كلمات الأصحاب عليه، لأن كثيرا منهم (5) علل
الحكم بعدم إخلالهما بوظيفة المنفرد، بل لا يبعد تنزيل إطلاق النص عليه،
بناء على ما هو الغالب من عدم حصول الشك لهما في الأثناء.

(1) العنوان منا، وقد تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 399.
(2) المنتهى 1: 366، والرياض 4: 321، والجواهر 13: 237.
(3) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) السياق يقتضي هنا إضافة " وعدمه "، وقد أضيفت في هامش " ط " آخر العبارة
بعد قوله: " فيه البطلان ".
(5) كما في المدارك 4: 333، والذخيرة: 399، والحدائق 11: 120، وغيرها.
525

ولو نوى كل منهما الائتمام بصاحبه بطلت صلاتهما، لأن عدم انعقاد
جماعتهما مع إخلالهما بوظيفة المنفرد يوجب ذلك، كما عرفت.
ويدل عليه - أيضا - رواية السكوني، وضعفه - لو كان - منجبر بعدم
الخلاف في المسألة.
ولو اتفق ذلك مع عدم إخلالهما بوظيفة المنفرد صح فعلهما، كما لو قرأ
كل منهما بنية الوجوب بأن كانا أصمين (1) أو اتفق ذلك في الركعتين
الأخيرتين، لظهور خروج ذلك عن مورد النص، مع ضعفه وعدم الجابر له
في المقام، هذا كله لو حصل نية الائتمام من كل منهما.
ولو ادعى كل منهما ذلك مع عدم علم الآخر بصدقه ففي الحكم (2)
بالصحة - لانصراف النص إلى صورة العلم أو الاطمئنان بصدق قول كل
منهما، فيرجع إلى القاعدة المقتضية للصحة، لأنه شك في الصحة بعد العمل أو
الحكم بالبطلان - من جهة منع انصراف الرواية إلى صورة العلم أو الاطمئنان
بالصدق، مضافا إلى أن الإخلال بالقراءة متحقق والمسقط لها وهي الجماعة
ولو صورة غير معلوم. [وصحة الصلاة لو أخبر الإمام بحدثه أو فقد شرط
آخر لأجل إحراز الجماعة الصورية المنتفية في المقام، ولذا لا يقدح هناك
القطع بما أخبر به] (3) إلا أن يقال: إن أصالة الصحة عند الشك بعد الفراغ

(1) في النسخ: " أصم ".
(2) العبارة غير تامة من حيث التركيب فتحتاج إلى مبتدأ نحو " وجهان " أو
" احتمالان "، وإن كان المراد واضحا.
(3) ما بين المعقوفتين ورد في هامش " ق "، ولا يعلم محله بالضبط، ولعل ما أثبتناه هو
الصحيح، كما في " ط " و " ن ".
526

تكفي في الحكم ظاهرا بإحراز المسقط.
إلا أن يدعى اختصاص مورد ذلك الأصل بما إذا شك المكلف في
صحة العمل من جهة الأمور الراجعة إليه فعلا أو تركا، وهو بعيد.
وأبعد منها دعوى أن أصالة الصحة لا تعارض العمومات الدالة على
بطلان الصلاة بترك الفاتحة خرج منه ما إذا تيقن الائتمام، وبقي الباقي.
ويتلوها في البعد: دعوى إطلاق النص لصورة شك كل منهما في
صدق صاحبه، فالحكم بالصحة حينئذ قريب، ولعله لما ذكرنا قال في فوائد
الشرائع وحاشية الإرشاد: إن في [قبول] (1) قول كل منهما في حق الآخر
تردد (2).
ومما ذكرنا يظهر قرب الحكم بالصحة فيما لو شكا فيما أضمراه كما عن
المحقق (3) والشهيد (4) الثانيين واحتمله في محكي التذكرة (5) والنهاية (6) معللا
بكونه شكا بعد الفراغ، وإن احتمل فيهما البطلان أيضا معللا بأنه لم يحصل
الاحتياط في أفعال الصلاة بيقين، ومرجعه إلى ما ذكرنا من القطع بالإخلال
بالقراءة والشك في المسقط، وقد عرفت إبرامه ونقضه.
قال المحقق الثاني في محكي فوائد الشرائع: إن الشك في الأثناء مبطل،

(1) ما بين المعقوفتين أضيف في هامش " ط "، والسياق يقتضي ذلك.
(2) حاشية الشرائع (مخطوط): 38، وحاشية الإرشاد (مخطوط): 78.
(3) جامع المقاصد 2: 500.
(4) روض الجنان: 375، والمسالك 1: 309.
(5) التذكرة 4: 267.
(6) نهاية الإحكام 2: 127.
527

وأما بعد الفراغ فالذي يقتضيه النظر عدم الإبطال إلا أن قبول قول كل منهما
في حق الآخر بعد الصلاة يقتضي تأثير الشك حينئذ حيث إن شرط الصحة
لم يتحقق (1)، انتهى. لكن الظاهر أن من فرق إنما فرق بالنص.
ثم إن الشك إذا وقع في الأثناء بنى على صحة ما مضى من الصلاة من
الأفعال التي دخل في غيرها لعين ما ذكر فيما بعد الفراغ، ويبني (2) فيما يستقبل
على الانفراد، ويجعل نفسه كأنه عدل في الحال إليه، فافهم (3).

(1) حاشية الشرائع (مخطوط): 38 - 39.
(2) الكلمة غير واضحة في " ق ".
(3) في " ق " بياض بمقدار ثلاثة أسطر.
528

[مسألة] (1)
المشهور بين الأصحاب عدم مشروعية الجماعة في النافلة عدا ما استثني،
بل عن المنتهى (2) والتذكرة (3) وكنز العرفان (4) دعوى الإجماع عليه. ويدل
عليه الأخبار المستفيضة (5).
وبإزائها مستفيضة أخرى تدل على الجواز، منها: ما ورد في إمامة
المرأة (6)، ومنها: ما ورد في ائتمام المسافر (7)، ومنها: غير ذلك.
لكن الترجيح مع الأخبار الأول، لصراحتها بالنسبة، وبعدها عن

(1) العنوان منا.
(2) المنتهى 1: 364.
(3) التذكرة 4: 235.
(4) كنز العرفان 1: 194، وحكى عنه وعن التذكرة السيد العاملي في مفتاح الكرامة
3: 438.
(5) الوسائل 5: 191، الباب 10 من أبواب نافلة شهر رمضان، الأحاديث 1 و 2
و 4 وغيره.
(6) الوسائل 5: 406، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(7) الوسائل 5: 402، الباب 18 من أبواب صلاة الجماعة.
529

مذهب العامة، وموافقتها للشهرة المحققة والإجماع المحكي، ولو لم يكن في
المسألة إلا أصالة عدم المشروعية وعدم سقوط القراءة لكفى بعد فرض
تكافؤ الأخبار.
ولا يتوهم جريان التسامح هنا، لأنه إنما يجري في إثبات أصل
الثواب، ولا يفيد تحقق الامتثال للأمر (1) المقطوع به إذا شك في فرد أنه مجز
في امتثاله، من جهة احتمال مدخلية شئ فيه. وما نحن فيه من هذا القبيل،
لأن الكلام في أن امتثال أوامر تلك النافلة كصلاة الليل أو صلاة الزوال أو
صلاة جعفر يحصل بالاقتداء فيها وترك وظائف المنفرد بترك القراءة وفعل
السكوت الطويل وغير ذلك أم لا؟!
ومن المعلوم أن أصالة الفساد سليمة لا تدفع بقاعدة التسامح، نعم لو
صلاها بنية الاقتداء ولم يخل بوظائف المنفرد بفرض جواز القراءة خلف
الإمام ورجا بذلك إدراك ثواب الجماعة في النافلة لم يبعد صحة الصلاة
وإدراك ثواب الجماعة، لكن ليس هذا من الحكم بصحة الجماعة في النافلة،
كما لا يخفى.
وفي دخول المنذورة في الفريضة أو النافلة وجهان، بل قولان (2)،
مبنيان على إرادة النافلة بالذات من النص والفتوى، أو المتصف بالاستحباب
فعلا، والأحوط الترك بل هو الأقوى، للأصل، لعدم شمول أدلة الجماعة في
الفرض له، فافهم.

(1) في النسخ: الأمر.
(2) والأول مذهب الشهيدين في الذكرى: 265، والروض: 363، والنراقي في المستند
1: 522، والأكثر على عدم الدخول، انظر مفتاح الكرامة 3: 438.
530

مسألة (1)
لا خلاف نصا وفتوى في جواز إعادة من صلى منفردا صلاته إذا
وجد جماعة إماما أو مأموما، وعن العلامة في المنتهى (2) وجماعة ممن تأخر
عنه دعوى الإجماع عليه.
ويدل عليه: رواية هشام بن سالم: " الرجل يصلي الصلاة وحده ثم
يجد جماعة، قال: يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء " (3)، ومثلها رواية
حفص بن البختري (4) بإسقاط قوله: " إن شاء "، ورواية أبي بصير:
" أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت، فقال: صل معهم يختار
الله أحبهما إليه " (5)، ورواية الحلبي: " الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما

(1) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 357.
(2) راجع المدارك 4: 341، والمستند 1: 552، ومفاتيح الشرائع 1: 165،
والرياض 4: 325.
(3) الوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) الوسائل 5: 457، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.
(5) الوسائل 5: 456، الباب 54 من أبواب الجماعة، الحديث 10.
531

يصلون جماعة أيعيد صلاته معهم؟ قال: نعم، وهو أفضل. قلت: فإن لم
يفعل؟ قال: لا بأس " (1)، وصحيحة ابن بزيع قال: " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام:
إني أحضر الصلاة مع جيرتي وغيرهم فيأمرونني بالصلاة بهم وقد صليت
قبل أن آتيهم وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل
فأكره أن أتقدم وقد صليت لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك فأمرني
بذلك أنتهي إليك وأعمل بأمرك إن شاء الله تعالى، فكتب: صل بهم " (2)،
ومرسلة الفقيه: " أصلي في أهلي ثم أخرج إلى المسجد فيقدموني؟ فقال:
تقدم لا عليك وصل بهم " (3)، قال: وروي " أنه يحسب له أفضلهما وأتمهما " (4).
ثم إن ظاهر مورد هذه الأخبار إعادة من صلى منفردا صلاته
بالإمامة لقوم لم يصلوا أو بالائتمام بهم في تلك الصلاة التي صلاها، وأما
غيرها فلا يبعد إلحاقه به، وأما إعادة من صلى منفردا مع من صلى منفردا
ففيه إشكال، لعدم الدليل، ويمكن أن يستدل عليه بالنبوي الآتي (5) الدال على
أن الصلاة مع شخص لتحصيل الجماعة صدقة عليه، فكل من الإمام والمأموم

(1) الوسائل 5: 456، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9.
(2) الوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5، وفيه: فمرني
في ذلك بأمرك أنتهي إليه وأعمل به.
(3) الفقيه 1: 383، الحديث 1130، والوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 3.
(4) الفقيه 1: 384، الحديث 1132، والوسائل 5: 455، الباب 54 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 4.
(5) سيأتي في الصفحة القادمة.
532

يتصدق على صاحبه، بل بما تقدم من قوله: " الرجل يصلي ثم يجد
جماعة " (1)، فإن المستفاد منه إناطة الحكم بأنه اتفق له الجماعة سواء كان
منعقدا من دونه أو انعقد به.
وبالجملة فالمستفاد من الروايات رجحان إعادة الصلاة لتدارك فضيلة
الجماعة فيهما (2) سواء كان (3) مع من صلى أو لم يصل، واحدا أو متعددا،
انعقدت الجماعة به أو بغيره، اتحدت صلاة أحدهما مع صلاة الآخر أم (4)
اختلفت.
وأما من صلى جماعة فإن صلى ثانيا بتلك الجماعة بعينها فالظاهر عدم
الجواز، إذ لا دليل عليه، كما أنه لا إشكال ولا خلاف في استحباب إعادته
إماما لمن لم يصل، كما روي أن معاذا كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم
يرجع فيصلي بقومه (5).
وعن عوالي اللآلي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لأصحابه الذين صلوا معه:
" ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ " (6) مشيرا إلى من دخل المسجد
ولم يصل. ويظهر منه جواز ائتمام من صلى جماعة بمن لم يصل، لحصول

(1) تقدم في الصفحة 531.
(2) لم ترد " فيهما " في " ن "، ووردت في حاشية " ط ".
(3) لم ترد " كان " في " ن ".
(4) في " ن " و " ط ": أو.
(5) السنن الكبرى للبيهقي 3: 86.
(6) عوالي اللآلي 1: 342، ومستدرك الوسائل 6: 495، الباب 43 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث الأول.
533

التصدق عليه بالصلاة معه، وأما ائتمامه بمن صلى منفردا وإمامته له ففيه
إشكال، وكذا ائتمامه بمن صلى جماعة غير جماعة المأموم أو إمامته له (1).
فروع
الأول: هل يجوز تكرار الإعادة ثانيا وثالثا؟ ظاهر الشهيدين (2)
وبعض (3): نعم، لعموم الأدلة، وفيه إشكال، لعدم النص وأصالة عدم
مشروعية الإعادة.
وهل يجوز تسامحا في أدلة السنن من جهة فتوى الفقيه؟ فيه إشكال،
لاحتمال التحريم المستفاد من الرواية: " لا تصلي صلاة مرتين " (4)، وقوله:
" لا جماعة في نافلة " (5)، وإن سلم انصرافه إلى غير المقام.

(1) في المخطوطة - هنا - عبارات قد شطب على أكثرها، وما أمكن قراءته مما لم
يشطب عليها هي: " أما الصورة الأولى فهي على صور... المؤمن بالصلاة معه الشاملة
للائتمام به... يعني إعادة من صلى جماعة مع جماعة مبتدأة أخرى، ولا يبعد جوازها،
لعموم صحيحة زرارة فيمن صلى ودخل مع قوم بغير نية الصلاة، فأحدث الإمام
فأخذ بيده فقدمه، قال عليه السلام: [بياض بمقدار ثلاثة أسطر].
هذا، والظاهر أن المؤلف قدس سره قد أعرض عن ذلك كله.
(2) انظر الذكرى: 266، والدروس 1: 223، والمسالك 1: 311، والروض: 371.
(3) مثل ابن فهد الحلي في الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 115، والمحقق الثاني في
فوائد الشرائع (مخطوط): 39، وجامع المقاصد 2: 501.
(4) عوالي اللآلي 1: 60 - 61، الحديث 94، وفيه: " لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ".
(5) الوسائل 5: 182، الباب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، ضمن الحديث 6.
534

لكن الاحتمال لا يندفع بذلك، مع أن عموم لا صلاة إلا بفاتحة
[الكتاب] (1) " دليل على عدم مشروعية الصلاة الخالية عن الفاتحة وعدم
حصول التقرب بها، ومعه لا يتأتى قصد التقرب المعتبر في الصلاة.
إلا أن يقال: إن أخبار التسامح - بعد فرض تسليم شمولها لفتوى
الفقيه - مثبتة لرجحان العمل الموجب لإمكان قصد التقرب، فلا يحتاج إلى
أمر يتحقق عدا الأمر الحاصل من تلك الأخبار، ولا يعارضها الدليل المعتبر
الدال على عدم حصول التقرب، لأنه لا يفيد القطع، فاحتمال الرجحان
والمشروعية باق، وهو كاف لإدخال المورد تحت أدلة التسامح من العقل
والنقل.
الثاني: هل يجوز أن ينوي الفرض في المعادة، أو لا بد من نية
الندب؟ قولان (2). واستشهد للأول برواية هشام بن سالم المتقدمة (3) الدالة
على جعلها الفريضة، فإن أريد نية الفرض على وجه التعليل فهو مشكل بل

(1) عوالي اللآلي 2: 218، الحديث 13، وما بين المعقوفتين لم يرد في " ق ".
(2) القول الأول هو للشهيدين في الذكرى: 266 والدروس 1: 223 وروض الجنان:
372 والمسالك 1: 311، وابن فهد الحلي في الموجز الحاوي (الرسائل العشر):
115، والمحقق الثاني في الرسالة الجعفرية (رسائل المحقق الكركي) 1: 129 وفوائد
الشرائع (مخطوط): 39.
والقول الثاني لغيرهم، وراجع للتفصيل في هذا القول مفتاح الكرامة 3: 437،
والجواهر 13: 262.
(3) تقدمت في الصفحة 531.
535

غير معقول، وإن أريد نيته على وجه التوصيف بأن ينويها الصلاة المفروضة
عليه في هذا اليوم برفع اليد عما فعله، فهو مما يمكن أن يعتبره الشارع من
حيث إعطاء ثواب الفريضة على المعادة، أما لو لم ينوها الفريضة فالظاهر
ضم ثواب جماعة هذه الصلاة إلى الصلاة السابقة، فيحصل لها بذلك ثواب
الجماعة لا غيره من المكملات لو اتفقت في الثانية، كما لو اتفقت في المسجد
فإنه يحتسب له ثواب إيقاع النافلة في المسجد لا الفريضة، قال الشهيد
والمحقق الثانيان (1) بلزوم نية الإمامة هنا على الإمام المعيد، وعلله الثاني
بانتفاء سبب المشروعية لولا ذلك، ومعناه: أن هذه الصلاة إنما تشرع على
وجه الجماعة لا في نفسها، فهو كصلاة الجمعة المستحبة ونحوها بل أولى منها،
لأن الجمعة صلاة في نفسها وجب فيها الجماعة تحصيلا لشرط صحتها،
بخلاف هذه فإن المقصود الأصلي منها حصول الجماعة.
الثالث: لو فرغ الإمام من صلاته فهل يشرع للمأموم المعيد [إتمام] (2)
صلاته فرادى؟ لأنه اللازم من أمره بالدخول مع الإمام، إلا أن يمنع
مشروعية الدخول مع العلم بلزوم الانفراد في بعض الصلاة.
وهل يشرع الدخول معه في غير محل إدراك الركعة كالسجود وما بعده؟
وجهان. وهل له العدول عن الجماعة في هذه الصلاة؟ فيه إشكال.
الرابع: إذا ظهر فساد الأولى فهل تجزي الثانية في الامتثال أم تبطل

(1) المسالك 1: 309، وفوائد الشرائع (مخطوط): 39.
(2) في النسخ: أتم.
536

أيضا أم يجزي لو نوى الوجوب كما عن حواشي الشهيد قدس سره (1)؟ وجوه:
من أن الشارع أمر به لمجرد تدارك فضيلة فاتت في الأول، ولم يأمر ثانيا
بامتثال الأمر، فالمأتي به فعل لا يترتب عليه إلا تدارك ما فات في الأولى،
فإذا تبين بطلانها وعدم قابليتها لتدارك فضيلتها وقعت الثانية في غير محلها.
ومن أن الظاهر من أخبار (2) المسألة - خصوصا قوله عليه السلام في رواية
هشام بن سالم: " يجعلها الفريضة " وقوله في رواية أبي بصير: " يختار الله
أحبهما " وفي مرسلة الفقيه: " يحسب له أفضلهما وأتمهما " - اتحادهما في قابلية
حصول الامتثال بهما، فتكون الإعادة لتحصيل الامتثال بالفرد الأكمل،
لا أمرا تعبديا يترتب عليه أثر واحد وهو تدارك ما فات في الأولى لو
كانت قابلة للتدارك.
ونظير هذا يجري في كل فعل أمر الشارع بفعله ثانيا لتدارك نقص
وقع في الفعل الأول، كما إذا أمر بإعادة الغسل لتدارك المضمضة والاستنشاق،
وإعادة الصلاة المأتي بها مع التيمم بالنسبة إلى بعض الأشخاص، أو لنقص
في تأثيره حدث بعده كما إذا أمر ندبا بالوضوء عقيب المذي، أو لاحتمال
زوال أثر الأول كوضوء مستصحب الطهارة احتياطا، أو لتكميل أثر الأول
وتقويته كالوضوء المجدد بناء على أن له أثرا كأثر الأول على ما يقتضيه
قوله عليه السلام: " الطهور على الطهور نور على نور " (3).

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 437.
(2) تقدمت في الصفحة 531 و 532.
(3) الوسائل 1: 265، الباب 8 من أبواب الوضوء، الحديث 8، وفيه: " الوضوء على
الوضوء نور على نور ".
537

وأما ما حكي عن الحواشي، فالظاهر أنه مبني على عدم إجزاء
المندوب، لأن المحكي عنه أنه ذكر الإجزاء من ثمرات نية الوجوب، ويحتمل
أن يكون وجه البناء أنه إذا نوى الصلاة المفروضة عليه فيسقط الامتثال به
وإن كان الأمر بذلك ندبيا، بخلاف ما إذا لم ينو ذلك فإنه على ما عرفت
لا يتدارك بها إلا فضيلة الجماعة، فافهم. و (1) حكي عن بعض أنه قال: إن
هذا من المواضع التي قيل فيها أن المستحب أفضل من الواجب (2).

(1) لم ترد " الواو " في " ق "، ومحلها بياض بمقدار كلمتين.
(2) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 437.
538

مسألة
لا خلاف نصا وفتوى في عدم صحة الائتمام بالفاسق، ونقل الإجماع
عليه مستفيض (1)، ولا إشكال في عدم انعقاد الجماعة مع علم المأموم بفسق
الإمام، كما لا إشكال في صحة صلاته مع جهله، كما سيجئ.
وهل هو من موانع اقتداء المأموم، فيجوز للفاسق الإقدام على الإمامة
إذا جهل بفسقه المأموم (2)، أم هو مشترك المانعية بينهما حتى أنه لا يجوز له
- ولو مع جهل المأموم بحاله التعرض للإمامة بالقيام بمقدماتها ووظائفها؟ (3).
ربما يوهم ظواهر كلمات المشهور الثاني، حيث ذكروا في فتاويهم
ومعاقد إجماعاتهم أنه لا يجوز (4) - أو لا يصح (5) - إمامة الفاسق.

(1) انظر مفتاح الكرامة 3: 415، والجواهر 13: 275.
(2) في " ق " إضافة عبارة شطب على أولها وبقي بعضها: " ويترتب عليه أحكام
الجماعة من رجوعه إلى المأموم عند الشك في عدد الركعات ".
(3) في " ق " زيادة: ومنه الإمامة في الصلاة، وشطب عليها في " ن ".
(4) كما في الخلاف 1: 560، كتاب الصلاة، المسألة 310، والمهذب 1: 80، والقواعد
1: 313.
(5) كما في نهاية الإحكام 2: 140، والدروس 1: 218.
539

لكن التأمل في كلامهم واستدلالاتهم على ذلك يعطي إرادة عدم
جواز جعله إماما، لما عرفت في نية الائتمام من أن كون الشخص
متصفا بصفة الإمامة لا يكون إلا بائتمام الغير به، وإلا فهو بنفسه
لا يدخل في الصلاة إلا منفردا، نعم ربما يكون منه إعداد نفسه وتعريضها
للإمامة بالتقدم على القوم والقيام بمقدماتها، لكن إرادة ذلك من كلماتهم بعيد
جدا.
فمعنى قولهم: لا تجوز إمامة الفاسق، لا يجوز كونه إماما الحاصل بائتمام
الناس به، لا تعريضه نفسه للإمامة والقيام بمقدماتها.
والحاصل: أنه لا تعرض في هذا العنوان لحكم الإمام تكليفا أو
وضعا، وإنما هو مسوق لحكم المأموم، فمن جملة معاقد الاتفاقات عبارتا
التذكرة (1) والنهاية: إن العدالة شرط في الإمام، فلا تصح خلف الفاسق وإن
اعتقد الحق عند علمائنا أجمع، كما عن التذكرة (2)، أو جميع علمائنا كما عن
النهاية (3)، وعن شرح القاضي لجمل السيد: أما إمامة الفساق فعندنا أنها
غير جائزة وإن كان الفاسق موافقا للاعتقاد، ودليلنا الإجماع الذي سلف
ذكره (4)، انتهى. فإن عطف معتقد الحق ب‍ " إن " (5) الوصلية يدل على أن
الكلام مسوق لحكم المأموم وأنه لا يجوز اقتداؤه بالفاسق مخالفا كان أو

(1) في " ن " و " ط ": عبائر ما في التذكرة.
(2) التذكرة 4: 280.
(3) نهاية الإحكام 2: 140.
(4) شرح جمل العلم والعمل: 117.
(5) وفي النسخ: " لو ".
540

موافقا، ومن لاحظ شرح الحلي (1) وجده نصا في إرادة بيان حكم المأموم،
وعن كشف الحق: ذهبت الإمامية إلى أنه لا يجوز إمامة الفاسق ولا المخالف
في الاعتقاد ولا المبدع (2). وهو أظهر من الكلمات السابقة في إرادة حكم
المأموم، خصوصا بعد استدلاله على ذلك بآيتي النهي عن الركون إلى
الظلمة (3) والأمر بالتثبت في خبر الفاسق (4). وأما كلماتهم الأخر الناصة في
ذلك فهي أكثر من أن تذكر.
ولولا هذه القرائن أمكن حمل هذه الفقرة على أن إمامة الفاسق غير
جائزة، أي لا يترتب عليها أثر الإمامة، فلا تنعقد به جماعة، غاية الأمر
أن المأموم لجهله به صلاته صحيحة، بل يمكن القول أيضا بصحة جماعته،
كما سيجئ (5).
وأما الإمام فلا تنعقد في حقه جماعة، فلا يرجع إلى المأموم في عدد
الركعات، ولا يصح له الدخول في الصلوات المشروطة بالجماعة كالجمعة
والعيدين والمعادة لإدراك الجماعة، كل ذلك لعدم شرط الجماعة بحسب علم
الإمام، غاية الأمر صحة صلاته في غير هذه المقامات.
ومثل هذا يجري في الأخبار الواردة بالمنع عن إمامة بعض

(1) المهذب البارع 1: 471.
(2) نهج الحق وكشف الصدق: 439، المسألة 39.
(3) هود: 113،
(4) الحجرات: 6، والعبارة من قوله: " إلى الظلمة " إلى هنا لا تقرأ في " ق ".
(5) في مسألة تبين اختلال شروط الإمام، كما يشير إليه في الصفحة 544، ولم نقف
على هذه المسألة فيما بأيدينا من النسخ، ولعله كتبها قدس سره وفقدت.
541

الأشخاص، مثل قوله عليه السلام: " الأغلف لا يؤم القوم وإن كان أقرأهم، لأنه
ضيع من السنة أعظمها " (1)، وقوله عليه السلام: " ستة لا يؤمون الناس " وعد
" منهم شارب الخمر والنبيذ " (2) ونحو ذلك، فإن ظاهره عدم ترتب الأثر
على إمامته وأن الجماعة لا تنعقد به في حق كل من علم بالمانع ولو كان
نفس الإمام.
وربما يتوهم النهي عن التعرض للإمامة من بعض الأخبار، مثل
المحكي عن مستطرفات السرائر عن كتاب السياري أنه قال: " قلت لأبي
جعفر الثاني: قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيتقدم بعضهم
فيصلي جماعة، قال: إن كان الذي يؤمهم ليس بينه وبين الله طلبة
فليفعل " (3) وظاهره المنع في صورة تحقق الطلبة أعني المعصية التي يطالب بها
الله عز ذكره من حيث عدم التوبة المكفرة، لكن السياري ضعيف جدا، مع
إمكان حمل مفهوم الرواية على استحباب إيثار من بينه وبين الله طلبة غيره
على نفسه وإن التمس منه التقدم.
ومما يؤيد عدم كون الحكم إلزاميا: ما ذكر في ذيل الرواية المذكورة
في الكتاب المذكور، حيث قال: وقلت له مرة أخرى: " إن القوم من مواليك
يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن بعضهم ويتقدم أحدهم فيصلي بهم، فقال:
إن كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس، قال: ومن أين لهم معرفة ذلك؟

(1) الوسائل 5: 396، الباب 13 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) الوسائل 5: 393، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11.
(3) السرائر 3: 570، الوسائل 5: 394، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 12.
542

قال: فدعوا الإمامة لأهلها " (1).
والحاصل: أن الرواية المذكورة لا تنهض لإثبات حكم مخالف
للأصل، لكن يمكن أن يقال: إن الفسق مانع واقعي عن انعقاد الجماعة ولو
في حق المأموم، فتعرض الإمام لها مع جهل المأموم تغرير وتدليس، بل
غش وتلبيس يستحق الذم عليه ممن اطلع على فعله، فهو كالصلاة بهم غير
ناو للصلاة، فإن الظاهر حرمة ذلك.
ويؤيده: فحوى ما ورد من أن الإمام الذي لا يقتصد في حضوره
وركوعه وسجوده وقعوده وقيامه، ردت عليه صلاته ولم تتجاوز تراقيه،
وكان منزلته عند الله منزلة إمام جائر متعد لم ينصح لرعيته ولم يقم فيهم
بأمر الله، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما منزلة
إمام جائر؟ فقال: " هو رابع أربعة من أشد الناس عذابا يوم القيامة:
إبليس، وفرعون، وقاتل النفس، وسلطان جائر " (2).
والحاصل: أنه إن ثبت كون الفسق مانعا في حق الإمام - ولو كان من
الموانع العلمية - حرم تعرض الإمام للإمامة بلا إشكال، وإلا فإن ثبت كونه
مانعا واقعيا عن الجماعة في حق المأموم كان حرمة تعرضه أيضا غير بعيدة.
وعلى أي تقدير: فلا يترتب في حقه أحكام الجماعة من رجوعه إلى
المأموم في عدد الركعات ودخوله في الصلوات المشروطة بالجماعة ونحو ذلك،
ومانعية الفسق في حق الإمام وإن لم تثبت، إلا أن مانعيته الواقعية في حق

(1) السرائر 3: 570، والوسائل 5: 418، الباب 27 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 4، وفيهما: ومن لهم.
(2) الوسائل 5: 470، الباب 69 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6، مع اختلاف.
543

المأموم غير بعيدة على ما يقتضيه إطلاق قوله عليه السلام: " لا صلاة خلف
الفاجر " (1)، ولا ينافي ذلك صحة صلاة المأموم لو تبين فسق الإمام، كما
سيجئ في مسألة تبين اختلال شروط الإمام (2).
وكيف كان، فالأحوط للفاسق أن يتوب أو يترك الإمامة.

(1) الوسائل 5: 392 - 393، الباب 11 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5 و 6.
(2) تعرض المؤلف لهذه المسألة في الصفحة 317 - 318.
544

مسألة
لا يكتفى في إمام الجماعة بعدم الفسق (1)، بل لا بد فيه من العدالة،
ولا يتوهم أن اعتبار عدم الفسق يغني عن اعتبار العدالة بناء على أن المراد
عدم الفسق الواقعي، لأن الفرق بينهما لا يكاد يلتبس على أدنى متأمل، فإن
الاقتصار على اشتراط عدم الفسق يوجب صحة الاقتداء بمن لم تثبت فيه
ملكة العدالة ولا عرف بحسن الظاهر، وفرض عدم صدور موجب الفسق
منه، وكذلك يوجب صحة الاقتداء بمجهول الحال، لأصالة عدم الفسق،
بخلاف ما لو اشترطنا العدالة، فإن أصالة عدم الفسق لا توجب ثبوت
العدالة وإن قلنا بعدم الواسطة، بل الأصل أيضا عدم العدالة.
وكيف كان، فيدل على اعتبار العدالة في الإمام - مضافا إلى الاتفاق
المحكي عن التذكرة (2) ونهاية الإحكام (3) - الأخبار المستفيضة، مثل المرسل
المحكي عن الفقه الرضوي عن العالم عليه السلام إنه " لا تصل إلا خلف رجلين

(1) تعرض المؤلف لبحث العدالة في الصفحة 248، وانظر الصفحة 562.
(2) التذكرة 4: 280.
(3) نهاية الإحكام 2: 140.
545

أحدهما من تثق بدينه وورعه والآخر من تتقي سيفه وسوطه... إلى آخر
الرواية " (1)، وفي رواية أبي علي بن راشد: " لا تصل إلا خلف من تثق
بدينه وأمانته " (2)، وفي رواية يونس الشيباني في باب الأذان من زيادات
التهذيب: " إذا دخلت المسجد فكبرت وأنت مع إمام عادل ثم مشيت إلى
الصلاة أجزأك " (3).
وموثقة سماعة: " عن رجل كان يصلي فخرج الإمام وقد صلى
الرجل ركعة من صلاة فريضة، فقال: إن كان إماما عدلا فليصل أخرى
وينصرف ويجعلهما تطوعا وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، وإن لم يكن
إمام عدل فلا يبني على صلاته كما هو... إلى آخر الرواية " (4)، وظاهر ذيلها
وإن كان الاختصاص بغير العدل المخالف إلا أنه لا يقدح في المطلوب، كما
لا يخفى.
مضافا إلى أدلة اعتبار العدالة في الشاهد الموجب لاعتبارها في
الإمام، بناء على عدم القول بالفصل على ما حكي عن بعض الأعلام (5).
والمراد بالعادل في الروايتين: العادل في دينه أصولا وفروعا، فعدم
عدالته قد يكون من جهة فسقه في أصول الدين كالمخالف، وهو المراد في

(1) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 144.
(2) الوسائل 5: 389، الباب 10 من أبواب صلاة الجماعة، ذيل الحديث 2.
(3) التهذيب 2: 282، الحديث 1125، الوسائل 4: 636، الباب 13 من أبواب
الأذان، الحديث 9.
(4) الوسائل 5: 458، الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(5) حكاه السبزواري في الذخيرة: 305.
546

الموثقة، إذ غيره لا يجوز الصلاة وراءه تقية، كما لا يخفى، وقد يكون من
جهة فسقه في فروع الدين كالمؤمن الفاسق بجوارحه. والعدالة بهذا المعنى
غير ما اصطلح عليه أصحابنا من الملكة الخاصة، وحينئذ فلا تدل الروايتان (1)
إلا على اعتبار العدالة أعني الاستقامة الفعلية أصولا وفروعا، ولا يدل على
اعتبار العدالة بمعنى الملكة حتى لا تجوز الصلاة خلف المؤمن الذي لم تصدر
منه كبيرة ولم تحصل له ملكة بعد، بل ظاهره اعتبار عدم المعصية أصلا.
هذا، مع أنه يدور الأمر في الموثقة بين أن يراد من العدل العدل من
جميع الجهات أصولا وفروعا - ويرتكب التقييد في قوله بعد ذلك: " وإن
لم يكن إمام عدل "، لأن المراد به خصوص المخالف - وبين أن يراد خصوص
العدل من حيث أصول الدين ليكون مقابلا للمخالف.
وكيف كان، فالتمسك بالروايتين على اعتبار العدالة بالمعنى المصطلح
مشكل جدا، وما ذكره بعض المعاصرين (2) - تبعا للمحدث المجلسي (3) - من
أن التصريح باشتراط ملكة العدالة لم يقع في الأخبار لا يخلو عن وجه، وأن
استغراب بعض آخر من المعاصرين (4) لصدور ذلك عن مثل المحدث المذكور
لا يخلو عن نظر.
نعم الروايتان (5) الأخريان الدالتان على اعتبار الوثوق بالدين
والأمانة والورع ظاهرتان في اعتبار الملكة، إذ لا وثوق بمن لا ملكة له، بل

(1) وهما رواية يونس الشيباني وموثقة لسماعة المتقدمتان في الصفحة السابقة.
(2) انظر الجواهر 13: 285 و 300.
(3) البحار 88: 32.
(4) لم نعثر عليه بعينه، نعم يظهر مما قاله السيد الشفتي في مطالع الأنوار 4: 6.
(5) تقدمتا في الصفحة 545 - 546.
547

يمكن الاستدلال بالروايتين السابقتين، بناء على أن الظاهر من العدالة فيهما
هي التي فسرت في صحيحة ابن أبي يعفور الدالة على اعتبار الملكة، لأن
تفسير العدالة المطلقة بشئ ثم إرادة المفسر خلافه في مقام آخر من دون
نصب قرينة قبيح.
اللهم إلا أن يقال - بعد تسليم دلالة الصحيحة على اعتبار الملكة -: إن
السؤال في الصحيحة إنما هو عما به تعرف العدالة [و] (1) هي الاستقامة
الفعلية، فإن الاستقامة الفعلية بترك المحرمات وفعل الواجبات وإن أمكن
إحرازها بأصالة الصحة في أمور المسلم - كما سيجئ - إلا أن الشارع لم
يكتف بها في مقام الشهادة، بل اعتبر انكشافها ولو ظنا، فجعل الملكة التي
هي المقتضية للاستقامة الفعلية علامة لها في مرحلة الظاهر إذا شك في
تحققها، فلو تحققت من دون ملكة كفت، فالعدالة المعتبرة في الإمامة
والشهادة هي الاستقامة الفعلية لا ملكتها، وإنما جعل الشارع الملكة دليلا
عليها في مقام الشهادة، فيحتاج إليها عند الشك في تحقق الاستقامة الفعلية
لا عند القطع بها.
وأما في مقام الإمامة فلا دليل على اعتبار الملكة، لأنها لم تثبت كونها
نفس العدالة، ولم يثبت احتياج إحراز العدالة إلى إحرازها كما ثبت في مقام
الشهادة، فيكتفى في إحرازها بأصالة الصحة في أمور المسلمين، كما بنى عليه
جماعة (2) في مقام الشهادة أيضا.

(1) الزيادة اقتضاها السياق.
(2) منهم ابن الجنيد والمفيد في كتاب الإشراف على ما نقل عنهما في الذخيرة: 305،
والشيخ في الخلاف (الطبعة الحجرية) 3: 229، كتاب القضاء، المسألة 10،
والسبزواري في الذخيرة: 305.
548

هذا مع الشك في الاستقامة الفعلية، وأما مع القطع بتحققها فلا حاجة
إلى حصول الملكة.
والحاصل: أنه لم يثبت من صحيحة ابن أبي يعفور معنى جديد للعدالة
غير معناه اللغوي وهي الاستقامة، وإنما وقع السؤال والجواب عما تعرف
به (1) هذه الصفة.
ومما ذكرنا يعرف الكلام في بعض الأخبار الأخر التي أشير فيها إلى
اعتبار عدالة (2) الإمام، مثل قوله عليه السلام في علل الفضل في علة كون صلاة
الجمعة ركعتين، قال: " لأن الصلاة مع الإمام أتم لعلمه وفقهه وعدالته... إلى
آخر الحديث " (3)، فإنه وإن دل على اعتبار عدالة الإمام إلا أنها لا إشعار
فيه باعتبار ملكة العدالة، كما عرفت نظيره في الروايتين السابقتين (4).
هذا، مع أنه لا يجدي فيما نحن فيه، لأن مساق الرواية في بيان تشريع
أصل الجمعة، ولا ريب أنها شرعت في الأصل على سبيل الوجوب العيني،
ولا ريب في اشتراط وجوبها العيني بالإمام ونائبه الخاص، ولا ريب في
كون الإمام معصوما، ونائبه الخاص فيه ملكة العدالة لا محالة، فتأمل.

(1) كلمة " به " لم ترد في " ق ".
(2) في " ن " و " ط ": العدالة في.
(3) الوسائل 5: 15، الباب 6 من أبواب صلاة الجمعة، الحديث 3.
(4) تقدمتا في الصفحة 546.
549

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.
باب (1) فضل الجماعة وأقل ما تنعقد به (2)
[1] ثقة الإسلام، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير،
عن عمر بن أذينة، عن زرارة، قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما يروي
الناس: إن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمسة وعشرين

(1) في " ق " قبل كلمة " باب " بياض بمقدار ثلاث كلمات. هذا، وقد ترك المؤلف قدس سره
بياضا أمام الروايات المصدر بها كل مسألة، ونحن جعلنا محله رقما، ولعل المؤلف قصد
تداركها فيما بعد.
(2) في هامش " ط " كتب عنوانا لهذا البحث، وهو: " في أحكام الجماعة على طرز
جديد بشرح الأخبار الواردة فيها ". وقد بحث المصنف فضيلة الجماعة في الصفحة
239.
551

صلاة؟ فقال: صدقوا. فقلت: الرجلان يكونان في جماعة؟ فقال: نعم،
ويقوم الرجل عن يمين الإمام " (1).
يستفاد (2) من هذا الخبر أمور:
الأول: رجحان الجماعة ومزية صلاتها على الصلاة فردا، وهو ثابت
في الفرائض بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. قال الله تعالى: (واركعوا مع
الراكعين) (3).
ولا فرق في الفرائض بين اليومية أداء وقضاء وغيرها من صلاة
الآيات والأموات، لعموم الدليل وخصوصه في الآيات والأموات.
وأما الجمعة وصلاة العيدين فلم تجب إلا جماعة، ولم يطلب فيها
الجماعة بأمر غير الأمر بأصلها، وأما الملتزم بالنذر من النوافل فحكمه حكم
النوافل، لما سيجئ.
وأما صلاة الاحتياط، فالظاهر شرعية الجماعة فيها إذا صلى الشاكون
أصل الصلاة بالجماعة فاعتراهم شك يوجب احتياطا لكونها بمنزلة الجزء من
أصل صلاتهم، ولا يقدح في المشروعية كونها نافلة على تقدير عدم احتياج
الصلاة إليها، فيشملها أدلة عدم مشروعية الجماعة في النافلة، لعدم قدح مجرد
الاحتمال في علم الله سبحانه مع وجوبها وتنزيلها منزلة الجزء في حق

(1) الكافي 3: 371، الحديث الأول، والوسائل 5: 371، الباب الأول من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 3، والصفحة 377، الباب 4 من نفس الأبواب، الحديث
الأول.
(2) في " ق " قبل: " يستفاد "، بياض، وفي " ط " إضافة: " و ".
(3) البقرة: 43.
552

المكلف ظاهرا حتى في وجوب سجدتي السهو لو تكلم سهوا قبلها.
ثم في شمول أدلة عدم شرعية الجماعة في النافلة لمثل ما نحن فيه، منع
ظاهر.
ولا فرق على المختار بين ما إذا توافق احتياط الإمام والمأموم، أو
اختلف كما إذا شك الإمام بين الاثنين والأربع والمأموم بين الثلاث والأربع،
أو انعكس الأمر.
وأما إذا صلى أصل الصلاة منفردا، فهل يجوز اقتداء أحد الشاكين
بالآخر في صلاة الاحتياط التي أوجبها شكهما، أم لا؟ وجهان:
من إطلاق أدلة الجماعة، ومن انصرافها إلى الصلوات المتمحضة في
الاستقلال، ولا يبعد الأول سيما إذا قيل بجواز ائتمام أحد المنفردين بالآخر في
أثناء الصلاة.
وحيث حكم بمشروعية الجماعة، فهل تسقط القراءة عن المأموم
أم لا؟ الظاهر الثاني، لما دل على وجوب كون الاحتياط قابلا للبدلية عن
الركعتين الأخيرتين أو إحداهما، وحينئذ فالجماعة فيها تحصل بنية الائتمام
والمتابعة في الأفعال.
وأما النوافل، فالمعروف بين الأصحاب - حتى ادعى في كنز العرفان:
أن عليه إجماع علماء أهل البيت عليهم السلام (1)، وحكى عن المنتهى أن عليه
علماءنا أجمع (2) - عدم شرعية الجماعة فيها إلا ما استثناه كلهم أو بعضهم من
الاستسقاء والعيدين وصلاة الغدير.

(1) كنز العرفان 1: 194.
(2) المنتهى 1: 364.
553

ويدل عليه: قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي عن الرضا عليه السلام:
" لا جماعة في نافلة " (1)، ونحوه ما عن الخصال (2) والعيون (3) والرضوي (4).
والكل وإن كانت غير نقية السند، إلا أنها مع تعاضدها موافقة
للأصل ومخالفة للعامة ومعتضدة بعدم وجدان المخالف لها ممن يعبأ به في
الفقه، ونقل الإجماع عليه عن العلامة في (5) المنتهى والفاضل المقداد في الكنز (6).
وبذلك كله يقيد إطلاقات رجحان الجماعة (7) لو سلم إفادتها العموم،
ويوهن ما دل من الصحاح (8) وغيرها على جواز الجماعة في النافلة إما
مطلقا في خصوص شهر رمضان أو لخصوص المرأة مطلقا (9) بناء على دلالتها
على المطلب.
ثم الظاهر المتبادر من النافلة - في الرواية وعبائر الجماعة - ما هي
نافلة بالنوع، فلا عبرة لشخص الصلاة حتى أنه لو وجبت النافلة بنذر

(1) الوسائل 5: 182، الباب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، الحديث 6.
(2) الخصال: 606، وعنه في الوسائل 5: 407، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 5.
(3) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 124، والوسائل نفسه، الحديث 6.
(4) الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 125، وفيه: " قيام رمضان بدعة ".
(5) في " ق ": عن.
(6) في " ق " إضافة: " وفي الكنز ". وفي " ن " و " ط " العبارة كالتالي: ونقل الإجماع
عليه عن المنتهى وفي الكنز.
(7) الوسائل 5: 370، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة.
(8) راجع الوسائل 5: 408، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 13.
(9) الوسائل 5: 406، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1، 9 و 12.
554

وشبهه لم تشرع الجماعة فيها.
ولو أعيدت الواجبة استحبابا لمجرد الاحتياط أو لغيره - كما إذا
أعيدت صلاة الكسوفين لعدم الانجلاء - استحبت فيها الجماعة.
الثاني: إن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بخمس وعشرين
صلاة، فيكون مع أصل الصلاة ستا وعشرين، كما هو المتبادر من لفظ
الحديث، نظير قولنا: هذا أطول من ذاك بشبر، وفي بعض الصحاح أنها
أفضل بأربع وعشرين (1) ليكون مع الأصل خمسا وعشرين. ويمكن تطبيق
هذه الروايات عليه بتكلف.
وهنا روايات أخر في فضيلة الجماعة، منها: " أن الصلاة في الجماعة
أفضل من الصلاة في مسجد الكوفة " (2) مع ما ورد من أن الركعة " فيها
بألف " (3) وحملت على الصلاة خلف العالم، لما روي من أن " الصلاة خلف
العالم بألف وخلف القرشي بمئة " (4).
وأحسن ما روي في هذا الباب ما عن الروض من كتاب الإمام
والمأموم (5) للشيخ أبي محمد جعفر بن أحمد القمي، قال: قال

(1) الوسائل 5: 370 - 371، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) انظر الوسائل 3: 512، الباب 33 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 4.
(3) الوسائل 3: 524، الباب 44 من أبواب أحكام المساجد، الحديث 11، وفيه:
" صلاة في مسجد الكوفة بألف صلاة ".
(4) البحار 88: 5، ذيل الحديث 6، ومستدرك الوسائل 6: 473، الحديث 7284.
(5) اسم الكتاب هو " أدب الإمام والمأموم " وهو مفقود، وقد نقل عنه الشهيد في
روض الجنان.
555

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أتاني جبرئيل مع سبعين ألف ملك بعد صلاة
الظهر فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام وأهدى إليك هديتين. قلت:
ما تلك (1) الهديتان؟ قال: الوتر ثلاث ركعات والصلاة الخمس في جماعة.
قلت: يا جبرئيل، ما لأمتي في الجماعة؟ قال: يا محمد، إذا كانا اثنين كتب
الله لكل واحد بكل ركعة مئة وخمسين صلاة، فإذا كانوا ثلاثة كتب الله لكل
واحد بكل ركعة ستمئة صلاة، وإذا كانوا أربعة كتب الله لكل واحد بكل
واحدة (2) ألفا ومئتي صلاة، وإذا كانوا خمسة... الخبر " (3).
[2 - 5] شيخنا في الحدائق، عن رجال الكشي، عن يزيد بن
حماد، عن أبي الحسن عليه السلام: " قال: قلت له: أصلي خلف من لا أعرف؟
فقال: لا تصلي إلا خلف من تثق بدينه " (4).
رئيس المحدثين، بإسناده الصحيح عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام:
" قال: قلت: المرأة تؤم النساء؟ قال: لا، إلا على الميت إذا لم يكن أحد
أولى منها، ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن في الصف فتكبر ويكبرن " (5).

(1) في النسخ كتب فوق " تلك ": تانك.
(2) بكل واحدة من " ق ".
(3) روض الجنان: 363، وعنه في مستدرك الوسائل 6: 443، الباب الأول من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(4) الحدائق 10: 6، رجال الكشي 2: 787، ضمن الترجمة 950، وعنه الوسائل 5:
395، الباب 12 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(5) الفقيه 1: 397، الحديث 1178، والوسائل 5: 406، الباب 20 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 3.
556

وبإسناده الصحيح أيضا عن هشام بن سالم: " أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام
عن المرأة هل تؤم النساء؟ قال: تؤمهن في النافلة، فأما (1) في المكتوبة فلا،
ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن " (2).
ثقة الإسلام، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز،
عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: " قال: قلت له: الصلاة خلف العبد؟
فقال: لا بأس به إذا كان فقيها وليس هناك أفقه منه. قال: قلت: أصلي
خلف الأعمى؟ قال: نعم، إذا كان من يسدده وكان أفضلهم ".
قال: وقال أمير المؤمنين عليه السلام: " لا يصلين أحدكم خلف المجذوم
والأبرص والمجنون والمحدود وولد الزنى، والأعرابي لا يؤم المهاجرين " (3).
يستفاد (4) من هذه الصحاح الأربع أن للإمام شروطا:
الأول: البلوغ (5)، واشتراطه هو المشهور، وعن صوم المنتهى عدم

(1) في " ط ": وأما.
(2) الفقيه 1: 396، الحديث 1177، والوسائل 5: 406، الباب 20 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث الأول.
(3) الكافي 3: 375 - 376، الحديث 4، ورواه المحدث العاملي في الوسائل مقطعا، انظر
5: 400، الباب 16 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول. و 410، الباب 21،
الحديث 5، و 400، الباب 15، الحديث 6.
(4) في " ق " قبل كلمة " يستفاد " بياض بمقدار كلمة.
(5) قد تعرض المؤلف لهذا الشرط في الصفحة 244.
557

الخلاف فيه (1)، ويدل عليه - مضافا إلى الأصل - الصحيحة الأولى، حيث إن
من يثق بدينه لا يكون إلا بالغا، لأن غيره غير مكلف بالدين أصولا
وفروعا، فتأمل.
ولا يضر في صحة هذه الرواية بعد لقاء الكشي ليزيد بن حماد،
لارتفاعه باحتمال أخذه (2) الرواية عن كتابه المقطوع الانتساب، ومع قابلية
الإسناد فلا اعتناء باحتمال الإرسال.
ويؤيد ما ذكرنا: موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام:
" إن عليا عليه السلام كان يقول: لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم، ولا يؤم
حتى يحتلم، فإن أم جازت صلاته وفسدت صلاة من خلفه " (3).
خلافا للمحكي عن الشيخ في الخلاف والمبسوط، فجوز إمامة المراهق
المميز وادعى عليه الإجماع (4)، وربما يحكى عن التنقيح نسبته إلى السيد (5)،
ويدل عليه رواية غير نقية السند (6)، ودعوى الشيخ معارضة بالمحكي عن
صوم المنتهى، والخبر لا يعارض ما مر، مع مخالفته للأصل ولبعض من جوز
إمامته في النافلة، ولم أجد على هذا التفصيل دليلا.

(1) المنتهى 2: 596.
(2) في " ق " يحتمل: أخذ.
(3) الوسائل 5: 398، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 7.
(4) الخلاف 1: 553، كتاب الصلاة، المسألة 295، والمبسوط 1: 154.
(5) التنقيح الرائع 1: 274.
(6) انظر الوسائل 5: 397، و 398، الباب 14 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3
و 8.
558

الثاني: الذكورية (1)، ولا ريب في اشتراطها في إمامة الذكور، وقد
ادعى الإجماع عليه جماعة (2)، ولا في عدم اشتراطها في إمامة النساء في
النافلة المجوز فيها الجماعة.
وقد دل الصحيح الثاني والثالث على الأول فحوى وعلى الثاني
منطوقا.
وأما اشتراطها في إمامة النساء في الفرائض، فهو محكي عن السيد (3)
والإسكافي (4) والجعفي (5)، ونفى في المختلف البأس عنه (6)، وعن غير واحد من
متأخري المتأخرين تقويته (7) للصحيحين المذكورين هنا (8) وغيرهما من

(1) تعرض المؤلف لهذا الشرط في الصفحة 304.
(2) الخلاف 1: 548، كتاب الصلاة، المسألة 288، والمعتبر 2: 438، والذكرى:
267، والروض: 365، والرياض 4: 334.
(3) نقله عنه ابن إدريس في السرائر 1: 281، ولم نقف عليه في رسائله.
(4) نقله عنه العلامة في المختلف 3: 59.
(5) نقله عنه وعن السيد والإسكافي، المحدث الكاشاني في مفاتيح الشرائع 1: 160.
(6) انظر المختلف 3: 60.
(7) حكى الميل إليه عن صاحب المدارك، السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 413،
وصاحب الجواهر في الجواهر 13: 338، والسيد الطباطبائي في الرياض 4: 335،
وانظر المدارك 4: 352 - 353، وحكى في مفتاح الكرامة والجواهر أيضا عن
الوحيد البهبهاني في شرحه على المفاتيح، ويظهر الميل إليه من المحقق الأردبيلي في
مجمع الفائدة 3: 258، حيث قال: " ولا شك أن المنع أحوط "، ومثلها في كشف
الغطاء: 267.
(8) راجع الصفحة 556 - 557.
559

الأخبار (1)، خلافا للمحكي عن الأكثر (2) - بل عن الخلاف (3) وظاهر المعتبر (4)
والمنتهى (5) الإجماع عليه - فلم يشترطوها، إما لإطلاق موثقة ابن بكير
المقيد (6) بالصحاح، أو لأخبار (7) غير نقية السند.
ودعوى انجبارها بالشهرة وحكاية الإجماع غير مسموعة، لعدم
إيجاب الشهرة الاطمئنان بالصدور، مع أن غاية الأمر صيرورة الضعاف بعد
الانجبار في قوة الصحاح المخالفة لها، فيحصل التعارض الموجب للرجوع إلى
الأصل.
وما ورد في الأخبار من الترجيح بالشهرة (8)، فإنما هو بعد حجية كل
من المتعارضين بنفسه مع قطع النظر عن الشهرة، مع أن المراد بها ما يعد
المخالف معه شاذا نادرا كما صرح به في قوله: " ودع الشاذ النادر " (9).

(1) راجع الوسائل 5: 408، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9 و 12.
(2) حكاه المحقق السبزواري في الذخيرة: 392، والسيد الطباطبائي في الرياض
4: 334.
(3) الخلاف 1: 562، كتاب الصلاة، المسألة 313.
(4) المعتبر 2: 427.
(5) المنتهى 1: 368، وحكى عنه وعن المعتبر السيد الطباطبائي في الرياض
4: 334.
(6) الوسائل 5: 408، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 10.
(7) راجع الوسائل 5: 406، الباب 20 من أبواب صلاة الجماعة.
(8) راجع الوسائل 18: 76، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث الأول،
ومستدرك الوسائل 17: 303، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.
(9) راجع مستدرك الوسائل 17: 303، الباب 9 من أبواب صفات القاضي، الحديث 2.
560

ودعوى شذوذ الخلاف فيما نحن فيه مع ذهاب الفحول المذكورين إليه،
سيما مع أنه ظاهر الكليني (1) والصدوق (2) حيث أوردا الأخبار المتعددة
في ذلك من غير تعقيبها بما يخالفها، وميل كثير من المتأخرين (3) إليه،
مجازفة.
وبه يندفع ما ربما يقال من أن العمل بالمشهور هنا ليس من باب
ترجيح أحد الخبرين بالشهرة، بل من باب عدم الدليل على حجية الصحيح
المخالف للشهرة، مع أنه لو كان الأمر كذلك وجب الرجوع إلى أصالة عدم
مشروعية الجماعة.
وتوهم الرجوع إلى إطلاقات الجماعة فاسد، لعدم وجود ما يصح
التمسك فيها، فإنها مختصة، إما بصراحتها، أو بالتبادر، أو بحكم كونها في
مقام حكم آخر الموجب للإجمال الموجب للاقتصار على المتيقن، أعني إمامة
الرجل.
وأما الإجماع المحكي، فموهون بذهاب كثير إلى الخلاف، وكيف يحكم
بأن المراد من الإجماع الذي ادعاه في المنتهى (4) الاتفاق الكاشف، مع ميله في
المختلف (5) إلى خلافه؟!
وقد ترجح أخبار الجواز بمخالفة العامة، وهو موهون بما حكي من أن

(1) الكافي 3: 376، الحديث 2.
(2) الفقيه 1: 396 و 397، الحديث 1177 و 1178.
(3) تقدم عنهم في الصفحة 559.
(4) المنتهى 1: 368.
(5) المختلف 3: 59.
561

الفقهاء الأربعة (1) على الجواز (2).
وأما (3) تحقيق معنى العدالة، وأنه هل يكفي في الحكم بها مجرد ظهور
الإسلام وعدم ظهور الفسق، أم لا بد من حسن الظاهر، أم لا بد من الظن
بالملكة؟ فهو يحتاج إلى بسط كامل وتأمل تام لا يسع الوقت له لكثرة
المشاغل، وملخصه: وجوب الرجوع في طريق معرفتها إلى ما رواه في الفقيه
بسند كالصحيح بأحمد بن محمد بن يحيى إلى ابن أبي يعفور، عن مولانا
الصادق عليه السلام (4).
ثم إن العدالة كما تكون شرطا في جواز اقتداء المأموم، فهل تشترط
في جواز إمامة الإمام (5)، بمعنى أن الفاسق يعاقب على الإمامة أو لا تصح
صلاته أم لا؟
الظاهر الثاني، ولعله مذهب الأكثر، نعم قد عبر بعضهم عن اشتراط
العدالة بقولهم: إنه لا يجوز إمامة الفاسق، الظاهر في أنها شرط للإمامة،

(1) انظر الخلاف 1: 562، كتاب الصلاة، المسألة 313، والتذكرة 4: 236، المسألة
538.
(2) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 280 من " ق "، وبعده بياض بمقدار
بضع كلمات.
(3) في " ق " قبل كلمة " وأما " إضافة: " المتتبع "، ويبدو أن ما قبلها من المفقود، كما
أشار إلى ذلك في هامش " ط ". وقد تعرض المؤلف لبحث العدالة في الصفحة 248
و 545.
(4) الفقيه 3: 38، الحديث 3280، والوسائل 18: 288، الباب 41 من أبواب
الشهادات، الحديث الأول.
(5) كما تقدم في الصفحة 540.
562

لكن الظاهر أن مراده اشتراطها في الاقتداء، ولهذا يعقبون هذا الكلام
بالاستدلال عليه بما دل على المنع من الاقتداء بالفاسق والركون إليه (1).
وكيف كان، فحيث لا دليل على حرمة إمامة الفاسق أو عدم صحة
صلاته إماما، فالأقوى القول بالجواز والصحة، نعم قد يستفاد من الخبر
السابق المروي في السرائر (2) عدم الجواز، لكنه ضعيف بالسياري.
[6] شيخ الطائفة بإسناده الصحيح إلى الحسين بن سعيد، عن النضر
ابن سويد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " سألته
عن قوم صلوا جماعة وهم عراة، قال: يتقدمهم الإمام بركبتيه ويصلي بهم
جلوسا وهو جالس " (3).
دل هذا الخبر الصحيح على وجوب تقدم الإمام على المأموم (4) بناء
على ظهور الجملة الخبرية في الوجوب، فلا يجوز مساواة المأموم للإمام كما
ذهب إليه الحلي (5).
خلافا للمشهور، بل حكي عن التذكرة (6) الإجماع عليه، فجوزوها،

(1) لم نعثر على هذا التعقيب، نعم يوجد الاستدلال عليه وانظر الغنية: 87، ونهاية
الإحكام 2: 140، والذكرى: 267، والذخيرة: 302 وغيرها.
(2) راجع الصفحة 542.
(3) التهذيب 2: 365، الحديث 1513، والوسائل 3: 328، الباب 51 من أبواب
لباس المصلي، الحديث الأول.
(4) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 513.
(5) السرائر 1: 277.
(6) التذكرة 4: 240.
563

للأصل والإطلاقات، سيما ما دل منها على رجحان كون المأموم الواحد عن
يمين الإمام (1)، وما رواه السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: " قال (2): في
رجلين اختلفا، فقال أحدهما: كنت إمامك، وقال الآخر: كنت أنا إمامك،
قال: صلاتهما تامة، قلت: فإن قال كل واحد منهما: كنت أئتم بك؟ قال:
فصلاتهما فاسدة " (3)، فإن الحكم بصحة صلاتي كل من مدعي الإمامة
لا يجامع اشتراط تقدم الإمام على المأموم، إذ مع تقدم أحدهما لا تصح
دعوى الإمامة من المتأخر إجماعا، ومع مساواتهما لا تصح منهما بناء على
اشتراط تقدم الإمام.
وفي هذه الأدلة كلها نظر.
أما الأصل، فلوجوب رفع اليد عنه بالصحيحة المذكورة (4)، مع أن
أصالة عدم مشروعية الجماعة وأصالة عدم سقوط القراءة - نظرا إلى أن
ما دل (5) على السقوط مختص صريحا أو انصرافا بالصلاة (6) خلف الإمام،
لا مع مساواة الإمام - كافيتان في الحكم بوجوب التقدم في هذا المقام.

(1) راجع الوسائل 5: 411، الباب 23 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) في " ق " بياض بمقدار ثلاث كلمات، والعبارة في الوسائل هكذا: عن أبي
عبد الله عليه السلام عن أبيه، قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجلين... الخ.
(3) الوسائل 5: 420، الباب 29 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) في الصفحة السابقة في كيفية صلاة العراة.
(5) دل عليه ما في الوسائل 5: 421، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(6) عبارة " مختص صريحا أو انصرافا بالصلاة " من " ن " و " ط "، ويصعب قراءتها في
" ق ".
564

وأما الإطلاقات، فلأنها غير مسوقة لبيان هيئة الجماعة، فإن الجماعة
أمر توقيفي لا بد من تلقيها من الشارع، مضافا إلى انصرافها - بحكم
التبادر - إلى صورة تقدم الإمام.
ومع التنزل، فهي بأجمعها - حتى ما دل منها على رجحان وقوف
المأموم الواحد عن يمين الإمام - مقيدة بالصحيحة (1).
وأما رواية السكوني، فهي - على ضعفها - غير دالة على المطلوب،
لأن دعوى كل من الرجلين الإمامة ترجع إلى دعوى كل منهما أنه نوى
الإمامة وقام بوظائف الإمام، ولا ريب في صحة صلاتهما وإن كان أحدهما
متأخرا عن الآخر، لأن تأخره مع قيامه بوظائف الإمامة لا يقدح في صحة
صلاته، وإنما يفسد صلاة من تقدمه لو اقتدى به، والمفروض أنه لم ينو
الاقتداء به، بل نوى إمامته وقام أيضا بوظائف الإمامة كالمتأخر، فلا وجه
لفساد صلاة واحد منهما مع قيامه بوظائف الإمامة.
فإن قلت: إذا قلنا بوجوب تقدم الإمام فنوى كل من المساويين
الإمامة بطلت صلاته، من حيث إنه نوى أمرا غير مشروع، فتبطل الصلاة
من جهة هذه النية، فلا يستقيم الحكم بصحة صلاتهما إلا مع جواز المساواة.
قلنا: لا دليل على بطلان الصلاة بهذه النية اللاغية، مع إمكان أن
لا تقع لاغية بحسب اعتقاد المكلف، بأن لا يلتفت إلى عدم تأخر صاحبه،
أو يلتفت لكن يظن أنه متأخر أو سيتأخر.
ولو سلم وجود الدليل على بطلان الصلاة بهذه النية، دار الأمر بين
أن يخرج بالرواية المنجبرة عما دل على وجوب تقدم الإمام، وبين أن

(1) المتقدمة في الصفحة 563.
565

يخرج بها عما دل على بطلان الصلاة بهذه النية، ولا ترجيح.
وبالجملة، فما ذهب إليه المشهور من جواز المساواة، مما لم أجد عليه
دليلا تطمئن به النفس، فالأحوط ما ذهب إليه الحلي.
وعليه، فالظاهر كفاية التقدم بمسماه، بحيث يتقدم عقب الإمام إلى
القبلة على عقب المأموم القائم ومقعد القاعد.
قيل (1): ولا عبرة بالمسجد، ولا بأس به مع مساعدة العرف.
[7] ثقة الإسلام، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن
عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إن صلى قوم
وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف
كان أهله يصلون بصلاة إمام (2) وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر
ما لا يتخطى فليس تلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس
ذلك لهم بصلاة إلا من كان حيال الباب.
قال: وقال: هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس،
وإنما أحدثها الجبارون، وليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها
صلاة.
قال: وقال أبو جعفر عليه السلام: ينبغي أن تكون الصفوف تامة متواصلة

(1) قاله الشهيد في الدروس 1: 220، والمحقق الثاني في الرسالة الجعفرية (رسائل
المحقق الكركي): 127، والشهيد الثاني في المسالك 1: 208، وغيرهم، راجع مفتاح
الكرامة 3: 418.
(2) في " ن ": الإمام، وكذا في " ط ": إلا أنه شطب عليها.
566

بعضها إلى بعض، لا يكون بين صفين (1) ما لا يتخطى، يكون قدر ذلك
مسقط جسد الإنسان " (2).
[8 و 9] شيخ الطائفة بإسناده الصحيح، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي، عن
الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " لا أرى بالصفوف بين الأساطين
بأسا " (3).
وبإسناده الصحيح أيضا، عن أحمد، عن ابن أبي عمير، عن حماد،
عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: " أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا،
ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف وتمشي منحرفا حتى تتم
الصف " (4).
يستفاد من ظاهر الرواية الأولى أمور:

(1) في " ن " و " ط ": الصفين.
(2) الكافي 3: 385، الحديث 4، ورواه في الوسائل مقطعا، انظر الوسائل 5: 462،
الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2، و 460، الباب 59 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث الأول، و 462، الباب 62 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث
الأول.
(3) التهذيب 3: 52، الحديث 180، وفيه: لا أرى بالوقوف بين الأساطين بأسا، وفي
الوسائل 5: 460، الباب 59 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(4) التهذيب 3: 280، الحديث 826، والوسائل 5: 471، الباب 70 من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 2.
567

الأول: اشتراط (1) أن لا يبعد المأمومون عن الإمام أو عن الصف
الذي تقدمهم بالمقدار الذي لا يتخطى - أي لا يتعارف طيه بخطوة - وهو
المحكي عن الحلبي (2) وابن زهرة العلوي (3).
خلافا للمشهور فاكتفوا بعدم التباعد بما يخرج به عن العادة إلا مع
اتصال الصفوف، فلا حد حينئذ للبعد، إلا أن يؤدي إلى التأخر المخرج عن
اسم الاقتداء.
وهو الأقوى، للإطلاقات السليمة عن تقييدها بصدر الصحيحة
المعارضة بذيلها الدال على كون ذلك للفضيلة، وهو قوله: " وينبغي... إلى
آخره "، فإن هذه الكلمة ظاهرة في الاستحباب، فلا بد من حمل قوله (4) في
الصدر: " ليس لهم بإمام " وقوله بعد ذلك: " فليس لهم تلك بصلاة " على
نفي الكمال وإن بعد بملاحظة إرادة نفي الصحة اتفاقا من قوله " فإن كان
بينهم سترة أو جدار فليس ذلك لهم بصلاة ".
وغاية الأمر الإجمال الحاصل من دوران الأمر بين صرف كل من
الصدر والذيل عن ظاهره.
وقد ترد دلالة الصدر على مذهب الحلبيين بإجماله، لتردد الموصول في
قوله: " ما لا يتخطى " بين البعد الذي لا يتخطى أو العلو الذي لا يتخطى،
أو الحائل (5).

(1) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 344 و 445.
(2) الكافي في الفقه: 144.
(3) الغنية: 88.
(4) أي قول أبي جعفر في خبر زرارة المتقدم في الصفحة 566، وهكذا ما يليه.
(5) في النسخ زيادة: الذي، ولعل المؤلف قدس سره ترك الشطب عليها سهوا.
568

وربما يذكر لمرجوحية الاحتمال الأول المبني عليه الاستدلال بوجوه.
وفيه: أنه لا يخفى ظهور الرواية في الاحتمال الأول لمن تدبر في متن
الرواية وتأمل، سيما على ما رواه في الفقيه، فإنها مروية فيه بسند صحيح
مشتملة على زيادات تعرب عن إرادة الاحتمال الأول، فإنه زاد - بعد ذكر
ما ذكر في الكافي باختلاف غير قادح في المطلوب - قوله: " وأيما امرأة
صلت خلف إمام وبينها وبينه ما لا يتخطى فليس لها تلك بصلاة. قال:
قلت: فإن جاء إنسان يريد أن يصلي كيف يصنع وهي إلى جانب الرجل؟
قال: يدخل بينها وبين الرجل وتنحدر هي شيئا " (1).
ولو لم يكن إلا هذه الفقرة كفت في الدلالة على مذهب الحلبيين.
فالأظهر في الجواب (2) عن الاستدلال: حمل (3) النفي على نفي الكمال،
فكأنه عليه (4): لا صلاة كاملة لمن بعد صفه عن الصف الذي تقدمه بما
لا يتخطى، بل ينبغي أن تكون الصفوف متواصلة بأن يكون مسجد المتأخر
قريب عقب المتقدم.
ثم إن عدم التباعد كما يشترط في الابتداء يشترط في الأثناء، فلو
عرض التباعد في الأثناء أبطل القدوة، كما لو كانت صلاة الصفوف المتقدمة

(1) الفقيه 1: 386، الحديث 1144، وراجع الوسائل 5: 462، الباب 62 من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 2.
(2) ورد في " ق ": " ما ذكرنا " وقد شطب عليها المؤلف قدس سره، وفي " ن " و " ط "
وردت بعد قوله: " عن الاستدلال ".
(3) في النسخ: من حمل.
(4) أي على هذا الحمل يكون معناه: لا صلاة كاملة... الخ.
569

مقصورة فسلموا في الثانية وتفرقوا، فيتعين نية الانفراد على المتأخرين إن لم
يمكنهم المشي إلى الأمام بجر الأرجل.
وهل يجب على الصف المتأخر أن لا يحرم بالصلاة إلا بعد تحريم من
تقدم عليه، أم لا؟ وجهان: أقواهما الثاني، لأن التقارب إنما اعتبر بين
الصفوف سواء دخل أهلها في الصلاة أم لم يدخلوا، نعم يعتبر قصدهم
الائتمام، فلو كان أمام الصف المتأخر صف يصلي أهله منفردا فلا يجوز
الاقتداء للمتأخر للبعد، بل الحيلولة.
الثاني (1): اشتراط عدم السترة والجدار بين المأموم والإمام وبين الصفوف.
والظاهر عدم الخلاف في اشتراطه في صحة ائتمام الرجال، والظاهر من
الرواية أن القادح هو الستر أو الجدار الحائل بين جميع أهل الصف وجميع
صف آخر، فلو كان بين الصفين جدار لا يحول إلا بين بعض أحدهما وبعض
الآخر فلا يضر، كما صرح به في الصحيحة الثانية: " لا أرى بالصفوف (2) بين
الأساطين بأسا " فإن الاصطفاف بين الأساطين مستلزم لتوسطها بين
الصفوف غالبا، نعم لو فرض كون الجدار أو الستر واقعا بين أكثر أهل
الصفين، كما لو فرض كون كل صف من الصفين مئة وبينهما جدار حال بين
ثمانية وتسعين من أهل أحدهما ومثلهم من أهل الآخر، فلا يبعد الحكم بعدم
اقتداء العدد المحاذي للجدار من أهل الصف المتأخر، لصدق أن بين الصفين
جدارا، ولا يشمل الصحيحة الدالة على عدم البأس بالصفوف بين الأساطين
لمثل ذلك.

(1) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 433.
(2) في النسخ: " في الصفوف "، وقد تقدم في الصفحة 567.
570

ومثله ما لو فرضنا الجدار حائلا بين جميع أهل الصفين لكن في وسطه
باب بحيث يشاهد واحد من وسط الصف المتأخر محاذيه من الصف المتقدم،
فإن الحكم بصحة صلاة من عدا هذا الواحد ممن على يمينه وشماله مشكل،
بل غير وجيه كما دل عليه قوله: " فليس تلك لهم بصلاة إلا من كان حيال
الباب " (1)، إلا إذا فرض مشاهدتهم كلا أو بعضا لغير من حاذاهم من الصف
المتقدم، فيحكم بصحة صلاة المشاهد، بناء على أن المتبادر من بينونة الجدار
والستر القادحة في اقتداء المتأخر كونها على وجه يمنع من مشاهدة المتقدم،
فلا قدح مع مشاهدته ولو كان المتقدم المشاهد غير محاذ للمتأخر المشاهد.
ولعله لذلك أناط جماعة من الأصحاب صحة الاقتداء في هذا الباب
بمشاهدة المأموم للإمام أو لمن يشاهده أو يشاهد من يشاهده، وهكذا.
وحينئذ فيحمل الحكم بفساد صلاة من عدا من بحيال الباب - في
الصحيحة - على ما إذا لم يتمكنوا من مشاهدة بعض أهل الصف المتقدم،
ومشاهدتهم بأطراف أعينهم للواقف بحيال الباب الذي يشاهد الصف
المتقدم، الظاهر أنها غير مجدية، بناء على أن ظاهر الرواية تحقق فساد
الاقتداء بمحض وجود الحائل بين الشخص وبين من تقدم عليه بحيث
لا يشاهد أحدا منهم، ولهذا خص الاستثناء بمن كان حيال الباب، حيث إنه
الذي يشاهد بعض أهل الصف المتقدم.
ودعوى: أن المراد بالموصول في قوله: " من كان... إلى آخره " هو
الصف المنعقد بحيال الباب، ويكون المراد صحة صلاة جميعهم، أما من كان
منهم محاذيا للباب فلمشاهدته لمن تقدمه، وأما من كان منهم على جناحيه

(1) راجع الصفحة 566.
571

فلمشاهدتهم إياه بأطراف أعينهم، ويكون الحصر إضافيا بالنسبة إلى صف
ينعقد في إحدى جناحي الباب بحيث لا يحاذيه أحد من أهله - ليشاهد هو
من في داخل الباب فتصح صلاته ويشاهده من على جنبه فتصح صلاتهم (1) -
ولهذا تبطل صلاة الجميع.
دعوى عرية عن البينة، بل مخالفة لظاهر الكلام، فإن الظاهر أن المراد
بالموصول: الشخص الواقف حيال الباب، وحصر الصحة في صلاته إضافي
بالنسبة إلى غيره من أهل صفه الواقفين عن يمينه وشماله، الغير المشاهدين
لأحد من أهل الصف المتقدم.
ومن هنا يتجه الحكم بصحة صلاة جميع الصف المتأخر عن هذا
الصف، لأنهم يشاهدون الواقف بحيال الباب المتقدم عليهم (2)، ولا يقدح في
ذلك أنه لا يصدق الصف على الواحد الواقف بحيال الباب، بل الصف
المتقدم بالنسبة إلى هذا الصف المتأخر عن الواقف هو الصف المتقدم عليه
الداخل في الباب، ومعلوم أن أهل هذا الصف المتأخر جميعا - ما عدا المحاذي
منهم للواقف حيال الباب - لا يشاهدون أحدا من الصف المتقدم عليهم
الداخل في الباب.
ووجه عدم القدح (3) أن غاية ما دلت عليه الصحيحة هو اشتراط عدم

(1) كذا استظهرناه من " ق "، وفي " ط " و " ن " العبارة هكذا: " على جنبه ولهذا
تبطل صلاة الجميع، فتصح صلاتهم ".
(2) في " ن " بل الصف المتقدم، وفي " ط ": بل المتقدم، وهو اشتباه.
(3) في " ق " إضافة العبارة التالية: " لا يخفى على المتأمل ووجه عدم القدح "،
والظاهر أن المؤلف ذكر التأمل ثم بدا له توضيح الوجه.
572

الستر والجدار بين المأموم وبين من تقدم عليه إماما أو مأموما واحدا أو
صفا، كيف! ولو كان المراد بيان اشتراط عدم الحائل بين المأموم والصف
المتقدم لم يظهر منه اشتراط عدم الحائل بين المأموم والإمام، ولم يكن وجه
تام في تعقيب الكلام بقوله عليه السلام: " هذه المقاصير لم يكن في زمن أحد...
إلى آخر ما ذكر في حكمها " (1).
ثم إن ظاهر إطلاق الستر والجدار وإن كان يشمل ما يمنع من
الاستطراق وإن لم يمنع من المشاهدة كالشبابيك، لكن المتبادر منهما هو
الحائل عن المشاهدة، فلا دليل على بطلان الاقتداء من وراء الشبابيك بمن
فيها، وفاقا للمحكي (2) عن المشهور، مع أن في شمول إطلاق اللفظين سيما
الأول منهما للشبابيك نظرا.
خلافا للمحكي عن الخلاف (3)، فأبطله مدعيا عليه الوفاق، مضيفا إليه
دلالة الصحيحة المذكورة.
وفيه - بعد منع دعوى الإجماع المذكورة - منع دلالة الصحيحة
المزبورة، لأن موضع الدلالة فيها إن كان هو المنع عن الفصل بما لا يتخطى
الشامل للشبابيك، فقد عرفت أن الظاهر من الموصول في قوله: " ما لا يتخطى "
هو البعد لا الحائل.
وإن كان هو إطلاق السترة والجدار، فقد عرفت أن شمولهما لمثل

(1) تقدم في الصفحة 566.
(2) حكاه المحقق السبزواري في الكفاية: 30، والذخيرة: 393 - 394، والسيد
الطباطبائي في الرياض 4: 298.
(3) انظر الخلاف 1: 558، كتاب الصلاة، المسألة 305.
573

الشبابيك ممنوع انصرافا، بل وضعا.
وإن كان هو المنع عن الصلاة خلف الإمام الداخل في المقاصير، بناء
على شمولها للمشبكة، ففيه: أن " المقاصير " في الرواية ليس المراد بها
العموم، وإنما المراد بها خصوص المشار إليها بقوله: " هذه المقاصير " وغير
معلوم كون تلك المقاصير غير مانعة من المشاهدة.
وبالجملة، فقول المشهور أقوى، نعم لو كان للجدار ثقبة أو ثقبتان
لا يرى منهما إلا شئ قليل من الإمام أو المأمومين أشكل صحة الاقتداء
من خلفه، وكذا لو كان للستر ثقب خفية ومنافذ.
ثم المتبادر أيضا من الستر والجدار، هما الحائلان في جميع أحوال
الصلاة، فلا بأس بما يحول في حال الجلوس دون حال القيام، نعم لا فرق
بين ما يستمر من أول الصلاة إلى آخرها، وبين ما قد يزول وقد يثبت
كالستر الذي يرفعه الريح أحيانا، فإن عروض الستر في الأثناء ولو حينا
يبطل القدوة، نعم لو قصر زمان الحيلولة غاية القصر، ففي بطلان الاقتداء
نظر. وحيث تبطل القدوة بالحيلولة يتعين الانفراد.
هذا كله في ائتمام الرجال. ومثله ائتمام النساء بالمرأة فيما يجوز فيه
الاقتداء، لعموم الدليل، فإن قوله عليه السلام مشيرا إلى المقاصير: " ليس لمن
صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة " عام في الذكر والأنثى، وإن كان
ظاهر قوله: " فإن كان بينهم سترة أو جدار... إلى آخره " (1) مختصا بالرجال
- مع أن تخصيص الكلام في مقام بيان الأحكام بالذكور غالبا للتغليب -
للإجماع ظاهرا على الاشتراك فيما لم يدل دليل على الاختصاص، فتأمل.

(1) راجع الصفحة 566.
574

وأما ائتمام النساء بالرجل، فالمشهور عدم اشتراطه بعدم الحائل بينه
وبينهن، بل عن التذكرة (1): أنه قول علمائنا، مؤذنا بعدم الخلاف، لموثقة
عمار - المعتبرة بوجود أحمد بن فضال في الطريق الذي ورد الأمر بالأخذ
بكتبه في جملة بني فضال (2) - قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يصلي بالقوم وخلفه دار فيه نساء، هل يجوز أن يصلين خلفه؟ قال: نعم،
إن كان الإمام أسفل منهن. قلت: فإن بينه وبينهن حائطا أو طريقا؟ قال:
لا بأس " (3).
خلافا للحلي (4) فطرد الاشتراط هنا أيضا، ولعله لعموم الصحيحة
المذكورة التي كانت عنده متواترة أو محفوفة، وضعف الموثقة.
وأجاب عنه بعض (5): باختصاص الصحيحة بالذكور، وهو ناش عن
جمود النظر إلى الالتفات بقوله: " فإن كان بينهم سترة أو جدار... إلى
آخره " وعدم الالتفات إلى حكمه عليه السلام ببطلان الصلاة خلف المقاصير
مقتديا بمن فيها، الدال على اعتبار عدم الحائل بين الإمام والمأموم ذكرا كان
أو أنثى، المستلزم - بالإجماع وعدم الفصل - لاعتباره بين الصفوف.
وأجاب عنه آخرون (6) بلزوم تخصيص عموم الصحيحة بالموثقة.

(1) التذكرة 4: 259.
(2) راجع الوسائل 18: 103، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 13.
(3) الوسائل 5: 461، الباب 60 من أبواب صلاة الجماعة.
(4) السرائر 1: 289.
(5) انظر المدارك 4: 319.
(6) مثل صاحب الرياض في الرياض 4: 299.
575

وفيه نظر، لأن الظاهر أن النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه،
فإن الصحيحة عامة للذكر والأنثى، وخاصة بوجود الحائل بين المأموم وبين
من تقدم عليه، والموثقة خاصة بالأنثى، وعامة من جهة ترك الاستفصال،
لكون الدار المذكورة في السؤال على وجه يمكن أن يقف أحد حيال الباب
ليرى الصفوف المتقدمة فتصح صلاته ويراه من خلفه من الصفوف فتصح
صلاتهم وهكذا، وكونه على وجه لا يمكن ذلك.
نعم، يمكن أن يقال حينئذ: إنه لا ترجيح لأحد الخبرين على الآخر،
لأن قوة سند الصحيحة معارضة باشتهار العمل بمضمون الموثقة، بل عدم
الخلاف فيه كما حكي (1)، فيجب الرجوع إلى الأصل والإطلاقات الدالة على
عدم الاشتراط.
مع أن الموثقة المذكورة قد عرفت اعتبارها برواية أحد بني فضال له،
الذين لا يقصر الخبر الحسن الوارد بالأخذ بكتبهم ورواياتهم (2) عن مرتبة
هذه الصحيحة.
ويمكن أن يؤيد عمومها بما دل بإطلاقه على جواز الحائل بين الرجل
والمرأة في الصلاة، مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: " في
المرأة تصلي عند الرجل، قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس " (3)، فتأمل.
ومع ذلك كله: فالأحوط ما عليه الحلي.
الثالث: اشتراط أن لا يكون الإمام أعلى موقفا من المأموم (4)، وقد

(1) انظر: الرياض 4: 299، والجواهر 13: 165.
(2) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(3) الوسائل 3: 431، الباب 8 من أبواب مكان المصلي، الحديث 2.
(4) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 341.
576

استفاد ذلك من الرواية (1) غير واحد (2)، ولعله لأن الموصول فيه في قوله:
" ما لا يتخطى " (3) هو مطلق البعد الذي لا يتعارف طيه بخطوة، سواء كان
قائما على الأرض كما في العلو، أو مبسوطا في الأرض.
ولكن الإنصاف: أن فهم هذا المعنى لا يخلو عن إشكال، فإن الظاهر
من البعد المستفاد من قوله: " ما لا يتخطى " هو ما لا يشمل [العلو] (4) كما
عرفت سابقا، مع لزوم التخصيص حينئذ في الرواية، نظرا إلى أن العلو الذي
لا يتخطى ليس شرطا، للاتفاق على جواز وقوف المأموم في مكان أعلى من
الإمام، وإنما الشرط عدم علو الإمام.
وكيف كان، فهذا الحكم مشهور بين الأصحاب، وعن التذكرة (5): أنه
مذهب علمائنا.
ويدل عليه - مضافا إلى مفهوم الموثقة السابقة (6) - موثقة أخرى مثلها
في الاعتبار لوجود (7) أحمد بن فضال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " سألته
عن الرجل صلى بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه؟

(1) وهي الرواية المتقدمة عن زرارة، في الصفحة 566.
(2) لم نعثر على من استفاد ذلك من الرواية، نعم في الذخيرة: 394، في بيان مقدار
العلو المانع هكذا: وقيل ما لا يتخطاه الإنسان، وقربه المصنف في التذكرة، ولعله
نظرا إلى رواية زرارة...، ومثله ما في مجمع الفائدة 3: 281.
(3) تقدم في الصفحة 566.
(4) الزيادة اقتضتها العبارة.
(5) التذكرة 4: 260.
(6) تقدمت في الصفحة 575.
(7) كذا ظاهرا في " ق "، وفي غيرها: بوجود.
577

فقال: إن كان الإمام على شبه الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم
تجز صلاتهم... الحديث " (1).
خلافا للمحكي عن الخلاف (2) مدعيا عليه الوفاق، وصاحبي المدارك (3)
والكفاية (4)، لضعف الروايتين عن تخصيص الإطلاقات، بل لضعف دلالتهما.
أما الأولى: فلأن مفهوم الموثقة يدل على اعتبار علو المأموم المنفي
إجماعا، وارتكاب التخصيص في عموم مفهومها بإخراج صورة التساوي
معارض باحتمال الحمل على الكراهة كما ذهب إليه آخرون (5)، مع ترجيحه
على التخصيص باستلزامه صيرورة الشرط كاللغو.
وأما الثانية، فلتهافت متنها بعد الفقرة التي ذكرناها منها، وهو مما
يزيل الاطمئنان بالبعض الغير المتهافت أيضا والاعتماد على عدم تحرفه
زيادة ونقصا، فكيف يقيد به الإطلاقات القطعية؟! اللهم إلا أن يمنع العموم
في إطلاق المطلقات من حيث هيئة الجماعة، كما أشرنا إليه في مسألة وجوب
تأخر المأموم.

(1) الوسائل 5: 463، الباب 63 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) الخلاف 1: 556، كتاب الصلاة، المسألة 301.
(3) المدارك 4: 320.
(4) لم نعثر عليه في الكفاية، ولا على من حكى ذلك عنه، بل المحكي عنه في مفتاح
الكرامة (3: 428) " أنه لم يرجح في الكفاية شئ "، وهذا هو الحق المتراءى من
الكفاية الموجودة عندنا.
(5) لم نعثر على المصرح بالكراهة، نعم حكى صاحب الجواهر الميل إليها عن المفاتيح
وصاحب المعالم وتلميذه في الاثني عشرية وشرحها، راجع الجواهر 13: 169
ومفتاح الكرامة 3: 428.
578

فالقول بالكراهة بل استحباب التساوي بين الإمام والمأموم لا يخلو
عن قوة.
ويؤيده ما رواه الشيخ في زيادات التهذيب بسنده الصحيح، عن
صفوان، عن محمد بن عبد الله، قال: " سألت الرضا عليه السلام عن الإمام
يصلي في موضع والذين خلفه يصلون في موضع أسفل منه، أو يصلي في
موضع والذين خلفه يصلون في موضع أرفع منه؟ فقال: يكون مكانهم
مستويا " (1).
وليس في سند الرواية إلا محمد بن عبد الله المشترك، لكن الراوي عنه
صفوان الذي لا يروي إلا عن ثقة، كما عن العدة (2).
ولكن الأحوط ما ذهب إليه المشهور، بل جميع القدماء والمتأخرين
عدا نادر من متأخريهم، فإن الشيخ الذي نسب إليه الكراهة في الخلاف (3) لم
يستفد ذلك منه إلا من جهة تعبيره بلفظ الكراهة، ولا يخفى أن هذه اللفظة
في عرف غير المتأخرين من الفقهاء تطلق كثيرا على الحرمة، لاشتراكها معنى
بينها وبين الكراهة المصطلحة، مع ما حكي (4) من أن في عبارة الخلاف
ما يعرب عن إرادة الحرمة.

(1) التهذيب 3: 282، الحديث 155، والوسائل 5: 463، الباب 63 من أبواب
الجماعة، الحديث 3.
(2) عدة الأصول 1: 386 - 387.
(3) تقدم عنه في الصفحة السابقة.
(4) حكاه السيد الطباطبائي في الرياض 4: 300، وانظر الخلاف 1: 556، كتاب
الصلاة، المسألة 301.
579

ثم المناط في العلو الذي اعتبر عدمه من الإمام هو العرف عند الأكثر.
وقدره بعضهم (1) بما لا يتخطى، مستندا إلى الصحيحة المذكورة (2)، وقد
عرفت (3) أنها ظاهرة في البعد المبسوط على الأرض، وآخرون بشبر،
وحكي عن التذكرة الإجماع على جواز علوه بشبر (4).
وعلى كل تقدير، فالظاهر أنه لا بأس بوقوف الإمام في الطرف
الأعلى من الأرض المنحدرة، لعدم شمول العلو في الفتاوى والأخبار لمثل
هذا، وادعى فيه عدم الخلاف (5).
هذا ما يتعلق بما يستفاد من الصحيحة الأولى.
ويستفاد من الصحيحة الثانية (6) - مضافا إلى ما مر من أنه لا يقدح
الحائل بين بعض أهل الصف وبين بعض أهل صف آخر مع مشاهدة البعض
المتأخر منهما لغير من يحاذيه من أهل الصف المتقدم - أنه لا يقدح الفاصل
بين بعضي صف واحد، فإن الاصطفاف بين الأساطين يوجب فصل
الأسطوانة غالبا بين بعضي الصف الواحد، فعلى هذا لا يقدح الفصل بينهما

(1) قدره المحقق الكركي في فوائد الشرائع مستشهدا برواية زرارة، انظر فوائد الشرائع
(مخطوط) الورقة 38، ذيل قول المحقق: ولا تنعقد والإمام أعلى...، ومثله في إرشاد
الجعفرية على ما نقله السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 428، وراجع الجواهر 13:
167.
(2) ذكرت في الصفحة 566.
(3) راجع الصفحة 577.
(4) التذكرة 4: 263، وفيه: جواز علوه يسيرا.
(5) الرياض 4: 301، والمستند 8: 64.
(6) المتقدمة في الصفحة 567 عن عبيد الله بن علي عن الحلبي.
580

بنهر أو طريق أو من يصلي منفردا أو حائط حائل بينهما يمنع مشاهدة كل
منهما للآخر.
ويستفاد من ظاهر الصحيحة الثالثة (1): وجوب إتمام الصف وعدم
جواز تفرق بعض أهله عن بعض، فلو دخل أحد المسجد فلا يقوم وحده
ما دام يجد مكانا في الصف، وهو المحكي عن ابن الجنيد (2).
ويؤيده: رواية السكوني عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام قال: " قال
أمير المؤمنين عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تكونن في
العيكل (العثكل - خ ل)، قلت: وما العيكل (العثكل - خ ل)؟ قال: أن
تصلي خلف الصفوف وحدك، فإن لم يمكن الدخول قام حذاء الإمام، فإن
هو عاند الصف فسد عليه صلاته " (3).
إلا أن الذي ظهر من قوله عليه السلام - في الصحيحة الأولى -: " وينبغي
أن تكون الصفوف تامة " (4) استحباب ذلك.
وعليه، فلو كان في الصف فرجة تسع رجلا واحدا أو اثنين فانعقد
صف متأخر صحت صلاتهم حتى من كان منهم محاذيا لتلك الفرجة، وكذا
لو اصطف عشرة في مكان يسع اصطفاف عشرين فجاء عشرون آخرون
أو أزيد ولم يتموا الصف المتقدم (5) بل اصطفوا وراءهم فخرج بعضهم أو
أكثرهم عن محاذاة الصف المتقدم.

(1) المتقدمة في الصفحة 567 عن الحلبي عن أبي عبد الله.
(2) حكاه العلامة في المختلف 3: 89.
(3) الوسائل 5: 460، الباب 58 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(4) المتقدمة في الصفحة 566.
(5) في " ن " و " ط " زيادة: عليهم.
581

ولا يتوهم فساد صلاة بعض هؤلاء الخارجين عن المحاذاة بحصول
الفصل بينهم وبين الصف المتقدم عليهم بما لا يتخطى، لما عرفت من أن
المعتبر مراعاة ذلك بين مجموعي الصفين، لأن الصف اسم للمجموع، ومعلوم
أن هذا الصف ليس بعيدا عن الصف المتقدم بما لا يتخطى وإن كان بعض
أجزائه بعيدا بهذا المقدار أو أضعافه.
نعم، المعتبر في مسألة اشتراط عدم الحيلولة مراعاتها بين كل واحد
من أهل الصف المتأخر وبين بعض الصف المتقدم لا بين المجموعين، وهذا
بقرينة الاستثناء في قوله: " إلا من كان حيال الباب " (1)، يعني أن صلاة من
كان من هذا الصف - الذي بينهم وبين من تقدمهم ستر أو جدار - واقفا
حيال الباب صحيحة، لأنه يرى بعض أهل الصف المتقدم عليه، وصلاة من
عداه فاسدة، لأنه لا يرى أحدا من أهل الصف المتقدم عليه.
فحكمه عليه السلام بصحة صلاة الواقف مع أنه لا يرى إلا بعض أهل
الصف المتقدم دليل على كفاية ذلك. وحكمه بفساد صلاة من عداه من أهل
صفه - مع أنه لا يصدق على مجموع الصف أن بينه وبين الصف المتقدم سترة -
دليل على اعتبار المشاهدة للمتقدم في حق كل واحد من أهل الصف المتأخر.
نعم، من فسر الموصول في قوله: " من كان " بالصف المنعقد حيال
الباب، وجعل الحصر إضافيا بالنسبة إلى المنعقد عن جنبيه - كما عرفت
ضعفه سابقا - جعل مسألة الحيلولة بين المتقدم والمتأخر كمسألة البعد بينهما
في أنها لا تبطل القدوة إلا إذا ثبت بين مجموعي الصفين، ولعل هذا من
مؤيدات هذا التفسير، إلا أن الظاهر من الموصول ما اخترناه، مع أن العمل
به أوفق بالاحتياط.

(1) المتقدم في الصفحة 566 في صحيحة زرارة عن أبي جعفر.
582

[10] رئيس المحدثين، بإسناده الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي
عبد الله، أنه قال: " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا دخلت المسجد
والإمام راكع وظننت أنك إن مشيت إليه رفع رأسه، فكبر واركع، فإذا رفع
رأسه فاسجد مكانك، فإذا قام فالحق بالصف، وإن جلس فاجلس مكانك،
فإذا قام فالحق بالصف " (1).
يستفاد من هذه الصحيحة الشريفة أمور:
الأول (2): إن المأموم يدرك الركعة بإدراك الإمام راكعا سواء أدرك
تكبيره للركوع ولو بالسماع أم لا، ومثلها المروي في الصحيح عن الحلبي (3)
وسليمان بن خالد (4). وهذا القول محكي (5) عن الشيخ في الخلاف (6) والسيد

(1) الفقيه 1: 389، الحديث 1148، الوسائل 5: 443، الباب 46 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 3.
(2) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 332، وأيضا 421.
(3) الفقيه 1: 389، الحديث 1150، والوسائل 5: 441 - 442، الباب 45 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث 2.
(4) التهذيب 3: 43، الحديث 152 و 271، الحديث 781، والوسائل 5: 441،
الباب 45 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول وذيله.
(5) في " ن " و " ط " زيادة: " ومثلها صحيحة الحلبي المروية في الفقيه والمروي في
التهذيب صحيحا عن سليمان بن خالد " وكتب بعدها في " ط ": خ ل. والعبارة في
" ق " كتبت في الهامش، والظاهر أنه أعرض المؤلف عنها.
(6) انظر الخلاف 1: 555، كتاب الصلاة، المسألة 298، و 622، المسألة 392.
وحكاه عنه في الرياض 4: 30.
583

المرتضى (1) وكافة المتأخرين قدس الله أسرارهم الزكية (2).
خلافا للمحكي عن المقنعة (3) والشيخ في كتابي الأخبار (4) والقاضي (5)
فاشترطوا في إدراكها إدراك تكبيره للركوع، لصحيحة محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام: " لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الإمام " (6).
وقريب منها صحيحتان أخريان عن محمد بن مسلم عنه عليه السلام (7).
وحمل الشيخ (8) الأخبار الأولة على صورة سماع المأموم تكبيرة الإمام
وإن لم يدركها معه.
أقول: وكلا الحملين مشكل:
أما الثاني، فلأن الصحيحة المذكورة هنا تدل على أن دخول المأموم
المسجد كان في حال ركوع الإمام، والأغلب عدم سماع تكبير (9) الإمام من

(1) جمل العلم والعمل المطبوع ضمن " رسائل الشريف المرتضى " 3: 41، وحكاه عنه
ابن إدريس في السرائر 1: 285.
(2) حكاه عنهم في الرياض 4: 30.
(3) حكاه عنه المحدث البحراني في الحدائق 10: 122، ولكن لم نعثر عليه في المقنعة
كما تفطن إلى ذلك السيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 128.
(4) التهذيب 3: 43 و 44، الحديث 153، والاستبصار 1: 435، الحديث 1680،
وحكاه عنهما السيد في المدارك 4: 18، والسيد العاملي في مفتاح الكرامة 3: 128.
(5) المهذب 1: 82، وحكاه عنه العلامة في المختلف 3: 79.
(6) الوسائل 5: 441، الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(7) الوسائل 5: 440 و 441، الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 4.
(8) انظر التهذيب 3: 44، ذيل الحديث 153، والاستبصار 1: 44، ذيل الحديث 153.
(9) في " ط " و " ن ": تكبيرة.
584

خارج المسجد، مع أن الصحيحة المذكورة عن محمد بن مسلم صريحة في
شهود التكبيرة مع الإمام، فكيف يستدل بها على كفاية سماع تكبير الإمام
من خارج المسجد؟!
وأما الحمل الأول، فلأن المراد من كراهة الاعتداد بتلك الركعة مع
جوازه إن كان هو أن لا يعتد بها ويجئ بعدها بصلاته تامة الركعات، فهو
في غاية الإشكال، للزوم الزيادة في الصلاة، إلا أن يراد أنه يتبعه في الركوع
والسجود فإذا قام استأنف النية، لكنه مناف لقوله عليه السلام في صحيحة أخرى
من هذه الأخبار: " لا تدخل معهم في تلك الركعة " (1).
وإن كان المراد بها عدم الدخول في تلك الركعة مع جوازه وجواز
الاعتداد بها، فكيف يرجح تركه الموجب لتفويت الجماعة في تلك الركعة،
بل في أصل الصلاة إذا كانت تلك الركعة هي الركعة الأخيرة؟! مع ما ظهر
من الأخبار من ثبوت الفضيلة والمزية لكل جزء جزء من الصلاة يدرك مع
الإمام من التكبير والركوع والسجود.
وإن كان المراد بها أن تلك الركعة أقل ثوابا من الركعة التي يدرك
تكبيرها مع الإمام، ليكون مرجعه إلى الحث على التعجيل والإسراع إلى
الجماعة عند سماع الأذان، فهو لا يلائم التعبير عن ذلك بقوله عليه السلام:
" لا تعتد " (2) وقوله عليه السلام في صحيحة أخرى: " لا تدخل " (3).
وقد ترجح الأخبار الأولة بكثرتها، لأن الأصل في جميع الصحاح

(1) الوسائل 5: 441، الباب 44 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
(2) كما تقدم في الصفحة السابقة.
(3) كما تقدمت آنفا.
585

الأخيرة هو محمد بن مسلم، نعم ورد مضمونها في رواية يونس الشيباني (1).
وفي هذا الترجيح أيضا نظر، لأن الترجيح بالكثرة إن كان لغلبة الظن
بالصدور، فالإنصاف أن روايات محمد بن مسلم الصحيحة عنه برواية
الأجلاء الثقات مثل جميل بن دراج والعلاء بن رزين لا يحصل الوهن في
صدورها بمجرد ورود روايتين أو ثلاث ظاهرة في خلافها.
وإن كان للتعبد فلا دليل عليه، مع أن ما عدا صحيحة عبد الرحمن
صالحة للتقييد بروايات محمد بن مسلم.
فلا تبقى إلا صحيحة عبد الرحمن (2) معارضة لتلك الروايات، مع أن
الإنصاف أن الصحيحة أقبل للحمل منها وإن كان بعيدا، فقول الشيخ
لا يخلو عن قوة مع أنه أوفق بالاحتياط وبأصالة عدم سقوط القراءة عمن
لا يصدق عليه المأموم ولم يدخل مع الإمام حين قراءته، لاختصاص ما دل
على سقوط القراءة بغيره، خرج من ذلك ما إذا أدرك تكبيرة الركوع وبقي
الباقي.
وهنا قول ثالث حكي عن روض الجنان (3) نسبته إلى العلامة في
التذكرة، وهو اعتبار لحوق المأموم الإمام في ذكر الركوع، ولعله لما في
الاحتجاج عن محمد بن عبيد الله الحميري أنه " كتب إلى مولانا الصاحب
صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وعجل الله فرجه وسأله عن الرجل
يلحق الإمام وهو راكع فيركع معه ويحتسب بتلك الركعة، فإن بعض

(1) الوسائل 4: 635 - 636، الباب 13 من أبواب الأذان والإقامة، الحديث 9.
(2) المتقدمة في الصفحة 583.
(3) روض الجنان: 292، وانظر التذكرة 4: 45 و 325.
586

أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن يعتد بتلك الركعة؟
فأجاب عليه السلام: إذا لحق الإمام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد
بتلك الركعة، وإن لم يسمع تكبيرة [الركوع] " (1)، والعمل بمضمونه أحوط
وإن كان القول به خلاف المشهور، وسند الرواية لا يبلغ حد الصحة وإن
كان لا يقصر عنه بعد التأمل.
الثاني: أنه لو دخل موضعا يقام فيه الجماعة وظن أنه إن لحق الصف
فاتته الركعة برفع الإمام رأسه جاز له الدخول في الصلاة بنية الاقتداء
والركوع معهم في مكانه. والظاهر أن هذا القدر من الحكم مما لا خلاف
فيه، وبه روايات أخر إلا أن الكلام في مواضع أخر من هذه المسألة.
الأول: أن هذا الحكم مختص بصورة ظن الفوت باللحاق، أم يناط
بمطلق خوفه؟ ظاهر الصحيحة المذكورة هنا (2) الأول، إلا أن المستفاد من
بعض الصحاح هو الثاني مثل صحيحة محمد بن مسلم المروية في التهذيب
عن أحدهما عليهما السلام: " عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة
فقال: يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم " (3).
الثاني: هل يختص جواز الدخول في الصلاة في مكانه بما إذا لم يكن
هناك مانع من الاقتداء كالبعد الذي لا يصح معه الاقتداء وعدم الحائل

(1) الإحتجاج 2: 580، ذيل الحديث 357، وعنه في الوسائل 5: 442، الباب 45
من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5، والزيادة من المصدر.
(2) تقدمت في الصفحة 583.
(3) التهذيب 3: 44، الحديث 154، الوسائل 5: 443، الباب 46 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث الأول.
587

وعدم كون المكان أسفل من مكان الإمام أو مقدما عليه، أم لا؟ وجهان،
بل قولان (1).
من الأدلة الدالة على اشتراط المذكورات، ومن إطلاق نصوص
المسألة (2). ولا يبعد التفصيل بين البعد وغيره من الموانع، فيجوز الأول دون
الثاني.
أما الجواز مع البعد، فلأن الظاهر من صحيحة عبد الرحمن (3) هو بعد
المأموم عن أهل الجماعة وكون هذا الحكم من باب الرخصة في الاقتداء مع
البعد المانع في غير المقام.
ويؤيده: الأمر بالمشي حتى يلحق الصف ويبلغ القوم في الصحيحتين (4)،
إذ لولا البعد المانع من الاقتداء لم يجب المشي، بل جاز أن يصلي جماعة في
مكانه.
ومن هنا يمكن أن يستدل بهاتين الصحيحتين على كون البعد الكثير

(1) فممن قال بالاشتراط الشهيد الثاني في المسالك 1: 319، وروض الجنان: 376،
وفي المدارك 4: 375 " إذا لم يكن هناك مانع شرعي ".
ويظهر من البحراني في الحدائق 11: 236 - 237، والسيد الطباطبائي في
الرياض 4: 358 عدم الاشتراط.
وفصل المحقق النراقي في المستند (8: 137 - 138) بين الشروط.
وللتفصيل راجع مفتاح الكرامة 3: 443 - 444.
(2) راجع الوسائل 5: 443، الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة.
(3) المتقدمة في الصفحة 583.
(4) أي: صحيحة ابن مسلم، وصحيحة عبد الرحمن المتقدمتين في الصفحة 583
و 587.
588

مانعا عن الاقتداء، إذ لولا منعه عنه لم يؤمر بالمشي، وحمل الأمر على
الاستحباب وإرجاعه إلى الأمر بإتمام الصفوف خلاف الظاهر، اللهم إلا أن
يجعل الأمر لرفع توهم حظر المشي، فتأمل.
وقد يؤيد ذلك أيضا بأنه لو كان البعد بما لا يجوز التباعد معه اختيارا
مانعا شرعيا لما كان الحكم هنا اتفاقيا، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور
دون من لا يجوز التباعد بما لا يتخطى، مع أنه لم ينقل الخلاف عنه.
وفيه: أنه يحتمل أن يكون المانع عن البعد بما لا يتخطى مجوزا له هنا
لأجل الأدلة الواردة في المقام، فإن صحيحة عبد الرحمن المذكورة (1) صريحة
في بعد الشخص الداخل في المسجد عن أهل الجماعة، بما يحتاج طيه إلى المشي.
فالأولى التمسك في ترخص البعد بما ذكرنا من ظهور الصحيحة في
البعد بما يخرج عن المعتاد في الاقتداء.
وأما عدم الجواز مع غيره من الموانع فلعموم أدلة منعها، إلا أن يقال:
إن غاية الأمر وقوع التعارض بينها وبين إطلاقات المسألة، فيرجع إلى
إطلاقات الجماعة السليمة عن مزاحمة أدلة الاشتراط، لكنه مبني على وجود
مثل هذه الإطلاقات بحيث تدل على صحة الجماعة بقول مطلق، ولم أعثر من
ذلك على ما تطمئن به النفس، مع ما عرفت من أصالة عدم سقوط القراءة
في محالها عن المصلي، خرج عن ذلك المأموم المدرك لقراءة الإمام خلفه،
لما دل على كفاية قراءة الإمام وضمانه إياها عمن خلفه (2)، فلا يسقط عمن لم
يدركها معه إلا إذا دل دليل كمن أدرك الركوع معه في موضع لا مانع فيه

(1) المتقدمة في الصفحة 583.
(2) الوسائل 5: 421، الباب 30 من أبواب صلاة الجماعة.
589

من الاقتداء عدا البعد، وبقي الباقي.
وكيف كان، فما ذكرناه أحوط، وأحوط منه أن لا يدخل مع البعد
الخارج عن العادة أيضا كما حكي عن الفاضل المقداد (1) وبعض آخر (2)، فإن
ترك المستحبات احتياطا على الفرائض أمر مرغوب عقلا ونقلا، وإن كان
ذلك الاحتياط أيضا مستحبا.
الثالث: أن المشي إلى الصف إنما يكون بعد القيام إلى الركعة الأخرى،
وقد تضمنت الصحيحة (3) الثانية المشي حال الركوع، ويمكن حمل الأولى (4)
على ما إذا كان البعد كثيرا لا يمكن طيه في زمن الركوع سيما بعد الفراغ عن
ذكره أو حال القيام عنه، وحمل الثانية على البعد القليل. وحكم الشيخ في
التهذيب (5) وبعض آخر (6) بالتخيير بين الأمرين، ولا بأس به، لورود الدليل
على كليهما.
وفي جواز المشي حال الذكر في الركوع وجهان، بل قولان (7): من

(1) انظر التنقيح الرائع 1: 277.
(2) مثل المحقق الثاني في جامع المقاصد، والشهيد الثاني في المسالك 1: 319، وروض
الجنان: 376، وانظر مفتاح الكرامة 3: 444.
(3) وهي صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الصفحة 587.
(4) أي صحيحة عبد الرحمن المتقدمة في الصفحة 583.
(5) انظر التهذيب 3: 44، ذيل الحديث 153.
(6) مثل المحقق النراقي في المستند 8: 137.
(7) القول بعدم الجواز هو لصاحب الجواهر تبعا للشهيدين وغيرهما، انظر الجواهر
14: 14، وأما القول بالجواز فهو للمحدث البحراني في الحدائق 11: 239، والسيد
الطباطبائي في الرياض 4: 358، والمحقق النراقي في المستند 8: 137.
590

إطلاق الصحيحة الثانية (1)، ومما دل على وجوب الطمأنينة (2).
وكيف كان، فالأحوط هو قطع البعد المانع قبل السجود تقديرا
للضرورة بقدرها، فيمشي في الركوع بعد الذكر الواجب، فإن بقي منه شئ
فيمشيه بعد القيام عن الركوع - وإن لم يدل عليه الصحيحان - لعموم ما دل (3)
على جواز التقدم.
الرابع: أن المشي جائز في الفرض المذكور ولو كان على وجه
التخطي، وفي الفقيه أنه " روي أنه يجر قدميه على الأرض ولا يتخطى " (4)،
وهو أحوط وإن كان في تعينه مع الإمكان نظر.
[11 - 17] ثقة الإسلام ورئيس المحدثين وشيخ الطائفة بأسانيدهم
الصحاح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه كان أمير
المؤمنين عليه السلام يقول: " من قرأ خلف إمام يأتم به فمات، بعث على غير
فطرة " (5).

(1) وهي صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الصفحة 587.
(2) يدل عليه ما في الوسائل 4: 922، الباب 3 من أبواب الركوع وغيره من أبواب
الصلاة.
(3) انظر الوسائل 5: 444، الباب 46 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5 و 6.
(4) الفقيه 1: 389، الحديث 1149، والوسائل 5: 444، الباب 46 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 4.
(5) الكافي 3: 377، الحديث 6، والفقيه 1: 390، الحديث 1156، والتهذيب 3:
269، الحديث 770، والوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة،
الحديث 4.
591

رئيس المحدثين بإسناده الصحيح عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
إنه قال: " إذا صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه سمعت قراءته أو لم
تسمع إلا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرأ " (1).
ثقة الإسلام عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين ومحمد بن
إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا، عن صفوان بن يحيى عن عبد الرحمن
قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة خلف الإمام، أقرأ خلفه؟
فقال: أما الصلاة التي لا تجهر فيها بالقراءة فإن ذلك جعل إليه فلا تقرأ
خلفه، وأما الصلاة التي يجهر فيها فإنما أمر بالجهر لينصت من خلفه، فإن
سمعت فانصت، وإن لم تسمع فاقرأ " (2).
شيخ الطائفة بإسناده الصحيح عن سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر
- وهو أحمد بن محمد بن عيسى -، عن الحسن بن علي بن يقطين، قال:
" سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يصلي خلف إمام يقتدي به في
صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة؟ قال: لا بأس إن صمت وإن
قرأ " (3).

(1) الفقيه 1: 391، الحديث 1157، والوسائل 5: 421 - 422، الباب 31 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) الكافي 3: 377، الحديث الأول، والوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 5.
(3) التهذيب 3: 34، الحديث 122، ونقله في الوسائل 5: 424، الباب 31 من
أبواب صلاة الجماعة، الحديث 11، بسند موجود في الإستبصار 1: 429، الحديث
1657.
592

ثقة الإسلام، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة،
عن قتيبة [عن أبي عبد الله عليه السلام]، قال: " إذا كنت خلف إمام ترضى به
في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع قراءته فاقرأ أنت لنفسك، وإن كنت
تسمع الهمهمة فلا تقرأ " (1).
رئيس المحدثين وشيخ الطائفة بإسنادهما الصحيح عن بكر بن محمد
الأزدي، قال: " قال أبو عبد الله عليه السلام: إني لأكره للمؤمن أن يصلي
خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار، قال: قلت:
جعلت فداك، فيصنع ماذا؟ قال: يسبح " (2).
شيخ الطائفة بإسناده الصحيح عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن
ابن سنان - والظاهر أنه عبد الله كما فهمه غير واحد (3) - عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: " إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ وكان
الرجل مأمونا على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين، قال: ويجزيك التسبيح
في الأخيرتين. قلت: أي شئ تقول أنت؟ قال: أقرأ فاتحة الكتاب " (4).

(1) الكافي 3: 377، الحديث 4، والوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 7.
(2) الفقيه 1: 392، الحديث 1162، والتهذيب 3: 276، الحديث 806، والوسائل
5: 425، الباب 32 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول وذيله.
(3) منهم صاحب الوسائل في الوسائل 5: 423، والمحقق السبزواري في الذخيرة:
397.
(4) التهذيب 3: 35، الحديث 124، والوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 9.
593

يستفاد من هذه الروايات أحكام القراءة خلف الإمام المرضي (1).
والكلام يقع تارة في الركعتين الأولتين، وأخرى في الأخيرتين.
أما في الأولتين، فجملة القول فيهما: أن الإمام إما أن يكون في الصلاة
الجهرية، وإما أن يكون في الإخفاتية.
فإن كان في الجهرية، فإما أن يسمع المأموم قراءته متميزة الحروف،
أو يسمع همهمته، أو لا يسمع شيئا.
فإن كان الأول، فالظاهر حرمة القراءة وفاقا لجماعة من القدماء (2)
والمتأخرين (3)، للصحيحة الأولى وغيرها من الأخبار الكثيرة التي كادت
تبلغ التواتر.
خلافا لآخرين فقالوا بكراهتها (4)، بل في الدروس أنه أشهر

(1) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 367 و 457.
(2) انظر المقنع: 120، وجمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 40،
والكافي في الفقه: 144، والمبسوط 1: 158، والنهاية: 113، والغنية: 88،
والوسيلة: 106، وفقه القرآن 1: 141.
(3) منهم العلامة في أجوبة المسائل المهنائية: 130، المسألة 32، والتحرير 1: 52،
والمختلف 3: 78، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع 1: 273، وفيه: " ما ذكره
الشيخان في الكل أحوط "، والفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 213، والسيد
العاملي في المدارك 4: 423، والمحقق السبزواري في الذخيرة: 397، وانظر المستند
8: 77، والجواهر 13: 188.
(4) مثل المحقق في الشرائع 1: 123، والمعتبر 2: 420، والمختصر: 47، والعلامة في
الإرشاد 1: 272، والشهيد في البيان: 226، واللمعة: 47، وابن فهد الحلي في
الموجز الحاوي والمحرر (الرسائل العشر): 114 و 167 وغيرهم.
594

الأقوال (1).
واستدل لهم بالأصل بناء على ضعف دلالة الروايات على الحرمة،
إما لورودها في مقام توهم الوجوب، وإما للزوم ارتكاب التخصيص فيها
لجواز القراءة، بل رجحانها في بعض المواضع، ولا دليل على أولويته على
المجاز.
وفيه - مع ضعف دلالتها - أن (2) الورود في مقام توهم الوجوب لو أثر
في ظهور بعضها لم يؤثر في الصحيحتين الأوليين المذكورتين، أما في أولاهما
فلعدم ورود نهي حتى يحمل على رفع الوجوب المتوهم.
ودعوى شيوع التعبير بمثل عبارتها عن الكراهة دعوى ركيكة، فإن
العبارة من حيث الوضع على أغلظ مراتب الحرمة، فهل لغير مجازف أن
يدعي شيوع استعمالها في الكراهة قريبا من استعمال النهي فيها والعام في
الخاص، ولا أظن المدعي اطلع على عشرة موارد من تلك الاستعمالات،
نعم لعله رأى موردا أو موردين.
وأما في ثانيتهما، فلأن النهي فيها لو كان لمجرد رفع الوجوب كان
الحكم في المستثنى المذكور فيها هو الوجوب، وسيأتي شذوذه وضعفه.
وأما لزوم ارتكاب التخصيص، فإن أريد لزومه لأجل ما دل على
رجحان القراءة مع عدم سماع همهمة الإمام، ففيه: أن هذا التخصيص لازم
على القول (3) بالكراهة أيضا، وإن أريد لزومه لأجل ما دل على جواز

(1) الدروس 1: 222.
(2) في النسخ: " فإن "، والأنسب ما أثبتناه.
(3) في " ق ": " الحمل "، وكتب فوقها: القول.
595

القراءة في الصلاة الإخفاتية، ففيه: أنه فرع القول بالجواز هناك وتسليم
أدلته، وسيأتي منعه.
مع أن التخصيص أولى من المجاز، سيما المجاز الذي لا بد أن يرتكب
في الصحيحة الأولى.
مع أن اللازم على القول بالكراهة تجوزان بل تجوزات، لأن التجوز في
الصحيحة الأولى - بحمل البعث على غير الفطرة فيها على المبالغة، أو على
نوع آخر من التأويل - تجوز لا دخل له في التجوز في النهي الوارد في
خصوص الجهرية بالحمل على الكراهة، أو على رفع الإيجاب في مقام
توهمه، فما ذكرناه أقوى وأحوط.
وعليه فهل تبطل الصلاة لو أتى بالقراءة المحرمة أم لا؟ الظاهر هو
الثاني، نعم لو قصد كونها جزءا من صلاته كالمنفرد فلا يبعد الحكم ببطلان
صلاته، وإن كان في ذلك كلام ليس المقام محلا له.
وإن كان الثاني (1)، فالأقوى أيضا التحريم لإطلاق الصحيحة الأولى
وخصوص الثانية، وبها يقيد ما دل على جواز القراءة مع عدم سماع قراءة
الإمام، بناء على ظهور السماع المنفي في السماع مع تميز الحروف.
وأما مع دعوى شموله لسماع الهمهمة، - كما لا يبعد - فلا يحتاج إلى
التقييد.
وإن كان الثالث (2)، فالظاهر استحباب القراءة، لصحيحة ابن يقطين
المذكورة هنا منضمة إلى روايات قتيبة والحلبي وعبد الرحمن (3) المذكورات،

(1) أي: يسمع همهمته.
(2) أي: لا يسمع شيئا.
(3) راجع الصفحات 592 و 593.
596

وبها - بعد حملها لأجل ذيل رواية قتيبة على عدم سماع مطلق الصوت
حتى الهمهمة - يقيد ما دل من الصحاح على النهي عن القراءة سمع القراءة
أم لم يسمع (1)، بالحمل على عدم سماع الحروف متمايزة.
وحكي هنا القول بوجوب القراءة (2).
ويرده - كالقول المحكي بحرمتها (3) - صريح صحيحة ابن يقطين (4)،
وظاهرها وإن كان تساوي الفعل والترك، إلا أن الأوامر في الأخبار السابقة
تدل على ترجيح الفعل، وقد تمنع دلالتها على ذلك، لورودها في مقام رفع
توهم الحظر.
وفيه: إن ذلك فرع مسبوقية السائل بالأدلة العامة الحاضرة للقراءة،
وهي غير معلومة، فتأمل.
وإن كان في الصلاة الإخفاتية، فالظاهر حرمة القراءة، لإطلاق
الصحيحة الأولى (5) الشامل للإخفاتية أيضا، وخصوص الثالثة (6)، ومثلها
في الخصوص صحيحة أخرى عن صفوان عن ابن سنان (7) - والظاهر أنه

(1) راجع الوسائل 5: 421 - 425، الباب 30 و 31 من أبواب صلاة الجماعة.
(2) اختاره المحقق النراقي في المستند 8: 84، وحكاه في الصفحة 83 عن ظاهر وصريح
جماعة.
(3) حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان 373 عن ابن إدريس، وانظر السرائر 1:
284.
(4) المتقدمة في الصفحة 592.
(5) وهي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة في الصفحة 591.
(6) وهي صحيحة عبد الرحمن المتقدمة في الصفحة 592.
(7) المتقدمة في الصفحة 593.
597

عبد الله، كما فهمه [غير واحد] (1) - عن أبي عبد الله عليه السلام، بل الصحيحة
الثانية (2) المذكورة هنا، إذ يحتمل قويا أن يكون المراد من قوله عليه السلام:
" سمعت قراءته أو لم تسمع " أنه سواء كان في صلاة جهرية يسمع فيها
القراءة غالبا ولو همهمة، أم كان في صلاة إخفاتية لا تسمع القراءة فيها
غالبا.
ووجه قوة هذا الاحتمال هو: أن إخراج صورة عدم سماع القراءة
- بعد التصريح بالتسوية بين صورتي سماعها وعدمه - لا يمكن إلا بعد حمل
السماع المنفي في المستثنى منه على سماع الحروف متمايزة، وفي المستثنى على
سماع مطلق الصوت ولو همهمة، وهذا يستلزم التفكيك، فتأمل.
خلافا لجماعة، فحكموا بالكراهة (3)، لبعض ما مر، مع ما يصلح أن
يجاب به عنه في المقام، ولخصوص صحيحة سليمان بن خالد (4) المروية المعبر
فيها عن النهي عن القراءة في خصوص الإخفاتية بلفظ " لا ينبغي " الظاهرة
في الكراهة.
وصحيحة علي بن يقطين المروية في زيادات الصلاة من التهذيب
عن أبي الحسن عليه السلام: " عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام، أيقرأ

(1) الزيادة منا، ومحلها بياض في النسخ، وراجع الصفحة 593، والوسائل 5: 423،
الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 9.
(2) وهي صحيحة الحلبي المتقدمة في الصفحة 592.
(3) منهم المحقق في المعتبر 2: 420، والشرائع 1: 123، والعلامة في الإرشاد 1:
272، والشهيد في الدروس 1: 222.
(4) الوسائل 5: 423، الباب 31 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 8.
598

فيهما بالحمد وهو إمام يقتدى به؟ قال: إن قرأت فلا بأس وإن سكت
فلا بأس " (1).
ورواية عمرو بن الربيع النصري المروية في التهذيب عن أبي
عبد الله عليه السلام: " إذا كنت خلف إمام تتولاه وتثق به فإنه يجزيك قراءته،
وإن أحببت أن تقرأ فاقرأ فيما يخافت به، فإذا جهر فأنصت، قال الله تعالى:
(وأنصتوا لعلكم ترحمون) " (2).
والجواب: أما عن الصحيحة الأولى، فبمنع " لا ينبغي " في الكراهة
بحيث يصلح لصرف الأخبار الظاهرة في الحرمة - سيما الصحيحة الأولى (3)
منها - عن ظاهرها، نعم لا نمنع شيوع استعمالها في الكراهة، لكن لا ظهور له
فيها وضعا ولا انصرافا، وإنما يحكم بالكراهة في موارد هذه اللفظة من أجل
عدم ظهورها في التحريم، فيحكم بالكراهة لأجل موافقتها للأصل.
ولو سلم ظهورها في الكراهة عورض هذا الظهور بظهور الصحيحة
الثالثة (4)، ومثلها المروية في التهذيب في التحريم (5).
ولما كان التعارض بينهما على وجه التساوي ولا يكون أحدهما أعم

(1) التهذيب 2: 296، الحديث 1192، الوسائل 5: 424، الباب 31 من أبواب
صلاة الجماعة، الحديث 13.
(2) التهذيب 3: 33، الحديث 120، والوسائل 5: 424، الباب 32 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 15، والآية من سورة الأعراف: 204.
(3) وهي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة في الصفحة 591.
(4) وهي صحيحة عبد الرحمن المتقدمة في الصفحة 592.
(5) الظاهر أن المراد بها صحيحة ابن سنان المتقدمة في الصفحة 593.
599

من الآخر، تعين الرجوع إلى العمومات الناهية عن القراءة كالصحيحة
الأولى (1) وأمثالها.
وأما عن الصحيحة الثانية (2)، فبمنع دلالتها، لاحتمال أن يكون المراد
ب‍ " الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام " هما الركعتان الأخيرتان، والظاهر
أن الموصول للعهد، فلا عموم يتمسك به في الرواية، بل هي مجملة.
وأما عن الرواية (3)، فبضعفها سندا بل ودلالة، لاحتمال أن يكون المراد
مما يخافت به الركعتين الأخيرتين، وسيأتي جواز القراءة فيهما.
وهنا قولان آخران ضعيفان في الغاية.
أحدهما: إباحة القراءة وعدم الكراهة (4)، والظاهر أن المراد بإباحتها
أنها ليست من مستحبات الاقتداء أو مكروهاته، لا أنها لا رجحان فيها
أصلا، لأن قراءة القرآن إذا لم تكن مرجوحة فهي راجحة قطعا.
ويحتمل قويا أن يراد بها تساوي القراءة والتسبيح وعدم أفضلية
أحدهما على الآخر.
وكيف كان، فلا مستند لهذا القول إلا رواية النصري المتقدمة (5)
الضعيفة سندا ودلالة.

(1) وهي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة في الصفحة 591.
(2) وهي صحيحة علي بن يقطين المتقدمة في الصفحة 592.
(3) وهي رواية عمرو بن الربيع النصري المتقدمة في الصفحة السابقة.
(4) ذهب الشهيد في اللمعة: 47 إلى عدم الكراهة، وانظر الروضة البهية 1: 797
أيضا.
(5) تقدم في الصفحة السابقة.
600

والثاني: استحبابها (1)، ولم أقف على دليل عليه.
ويرده صريحا - مضافا إلى أدلة التحريم -: صحيحة الأزدي المذكورة
هنا (2).
واعلم أن ما تضمنته هذه الصحيحة من رجحان التسبيح، الظاهر أنه
مما لا خلاف فيه ولا في أنه ليس على وجه الوجوب، وظاهر إطلاقها
يقتضي عدم الفرق بين أن يسمع قراءة الإمام الغير المجهورة لقرب مكانه عن
الإمام، وبين أن لا يسمع، ولا إشكال فيه لو لم نقل بوجوب الإنصات
لاستماع القراءة إذا سمعت، وأما إذا قلنا بوجوبه - كما يقتضيه إطلاق
قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن وهب المروية في باب الجماعة من
التهذيب: " إذا سمعت كتاب الله يتلى فأنصت له " (3)، ونحوها صحيحة زرارة
المروية في الفقيه (4) - أشكل الحكم باستحباب التسبيح.
مضافا إلى إمكان دعوى انصراف الصحيحة الدالة إلى صورة عدم
سماع المأموم لها، لأنه الغالب في الصلاة الإخفاتية.

(1) أما استحباب القراءة مطلقا، فنسبه الشهيد الثاني في روض الجنان: 373 إلى
ظاهر الإرشاد، وانظر الإرشاد 1: 272، وأما استحباب القراءة بالجهر خاصة فذهب
إليه الشيخ في النهاية: 113، والمبسوط 1: 158، والقاضي في المهذب 1: 81،
والحلي في الجامع للشرائع: 100.
(2) المذكورة في الصفحة 593.
(3) التهذيب 3: 35، الحديث 127، والوسائل 5: 430، الباب 34 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 2.
(4) الفقيه 1: 392، الحديث 1161، الوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 3.
601

ويمكن الجمع بين الأمرين بأن يسبح وينصت، بناء على أن الإنصات
هو السكوت في مقابل الجهر بالكلام لأجل الاستماع، أو يكون المراد به
في خصوص الآية (1) والأخبار السكوت عن القراءة وتركها، لا مطلق
السكوت.
ومما يؤيد اجتماع الإنصات مع التسبيح: ما رواه الشيخ عن زرارة
قال: " إذا كنت خلف إمام تأتم به فأنصت وسبح في نفسك " (2) بناء على أن
المراد بالتسبيح في النفس التسبيح الخفي لا الذكر القلبي، ولعله لإطلاق هذه
ذهب جمع من المتأخرين على ما حكي عنهم (3) إلى استحباب التسبيح
والدعاء حتى في الجهرية.
ويدل عليه خصوصا: ما رواه الصدوق في الموثق بعثمان بن عيسى
عن أبي المعزا حميد بن المثنى العجلي، قال: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام
فسأله حفص الكلبي، فقال: أكون خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة فأدعو
وأتعوذ؟ قال: نعم، فادع " (4) ولا يبعد عد هذه الرواية صحيحة من جهة أن

(1) الأعراف: 204.
(2) التهذيب 3: 32، الحديث 116، والوسائل 5: 426، الباب 31 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 4.
(3) حكاه عنهم المحقق النراقي في المستند 8: 91 - 92، وانظر كنز العرفان 1: 196،
ومجمع الفائدة 3: 302، وفيه: " ولا يبعد استحباب اختيار التسبيح خصوصا في
الإخفاتية "، والحدائق 11: 136.
(4) الفقيه 1: 407، الحديث 1209، والوسائل 5: 425، الباب 32 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 2.
602

طريق الصدوق إلى كتاب أبي المعزا مذكور في الفهرست بطريق صحيح أبدل
فيه " عثمان بن عيسى " ب‍ " صفوان " و " ابن أبي عمير " كليهما (1).
وكيف كان، فالأحوط في النظر هو الاستماع وترك التسبيح إذا سمع
القراءة حتى في الإخفاتية.
هذا كله حكم المأموم في الركعتين الأولتين، وأما الأخيرة (2)
والأخريان (3)، فقد دلت الصحيحة الأخيرة (4) على إجزاء التسبيح فيهما في
الصلاة الإخفاتية، وفيه إشارة بل دلالة على وجوب أحد الأمرين منه ومن
القراءة فيهما كما عليه العلامة في المختلف (5)، ويؤيدها عموم ما دل على
وجوب أحد الأمرين في أصل الصلاة، وبه يستدل على وجوب أحدهما في
الصلاة الجهرية أيضا كما عليه الحلبي (6) وابن زهرة (7).
ويمكن تخصيص العمومات وطرح الصحيحة لضعف دلالتها، بما دل
بأقوى دلالة على النهي عن القراءة فيهما، مثل صحيحتي زرارة المرويتين في
الفقيه، إحداهما: عن أبي عبد الله عليه السلام: " وإن كنت خلف إمام فلا تقرأن
شيئا في الأوليين وأنصت لقراءته، ولا تقرأن شيئا في الأخيرتين، فإن الله

(1) انظر الفهرست: 119، الترجمة 259.
(2) في النسخ: الآخرة.
(3) في " ط " يحتمل: الأخيرتان.
(4) وهي صحيحة ابن سنان المتقدمة في الصفحة 593.
(5) المختلف 3: 78.
(6) الكافي في الفقه: 144.
(7) الغنية: 88.
603

عز وجل يقول للمؤمنين: (وإذا قرئ القرآن) يعني في الفريضة خلف الإمام
(فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) والأخيرتان تبع للأوليين " (1).
وفي الأخرى: عن أبي جعفر عليه السلام: " لا تقرأ في الركعتين الأخيرتين
من الأربع الركعات المفروضات شيئا إماما كنت أو غير إمام، قال: قلت:
فما أقول فيهما؟ قال: إن كنت إماما أو وحدك فقل: سبحان الله والحمد لله
ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم تكبر
وتركع " (2).
ولا يخفى أن دلالة هاتين المخصصتين لعمومات التخيير على النهي عن
القراءة أقوى من دلالة الصحيحة على ثبوت بدل للتسبيح، فيحكم بسقوط
الأمرين كما عليه الحلي (3).
ولكن يمكن حمل النهي فيهما على الكراهة، بقرينة ثانيتهما المتضمنة
لنهي الإمام عن القراءة، الذي هو غير محمول على الحرمة إجماعا على
الظاهر، فيحكم بوجوب أحد الأمرين، للصحيحة الأخيرة المتقدمة (4). مع
كراهة القراءة وأفضلية التسبيح لهاتين كما عليه بعض (5).

(1) الفقيه 1: 392، الحديث 1161، والوسائل 5: 422، الباب 31 من أبواب صلاة
الجماعة، والآية من سورة الأعراف: 204.
(2) الفقيه 1: 392، الحديث 1159، الوسائل 4: 792، الباب 51 من أبواب
القراءة، الحديث الأول.
(3) السرائر 1: 284، وكلمة " الحلي " منخرمة في " ق ".
(4) وهي صحيحة ابن سنان المتقدمة في الصفحة 593.
(5) انظر المنتهى 1: 275، والمستند 8: 142، والحدائق 8: 388.
604

ويمكن أن يستشهد أيضا لصرف (1) النهي فيهما عن الحرمة بصحيحة
علي بن يقطين المتقدمة (2) في مسألة القراءة في أولتي الإخفاتية الصريحة في
جواز القراءة، بناء على أن المراد بالركعتين فيها هما الأخيرتان بقرينة ما دل
على تحريم القراءة في أولتي الإخفاتية كالجهرية، ولكن مقتضاها - وفاقا لغير
واحد - عدم وجوب شئ من القراءة والتسبيح في الأخيرتين، لتصريحها
بجواز السكوت فيهما، فبها تخصص عمومات أدلة وجوب أحد الأمرين
تخييرا (3) بحمل الإجزاء - في الصحيحة الأخيرة من الروايات (4) المذكورة في
عنوان المسألة - على معنى لا ينافي الاستحباب، مؤيدة بصحيحة الأزدي
السابقة عليها حيث إن ظاهر قوله فيها: " فيقوم كأنه حمار " (5) كراهة
السكوت مطلقا ولو في غير الأوليين.
ولكن يمكن حمل السكوت في صحيحة علي بن يقطين (6) - وإن بعد -
على السكوت عن القراءة، فيبقى عموم ما دل على وجوب أحد الأمرين
تخييرا سليما عن المخصص مؤيدا بما دل على أن الإمام لا يضمن إلا القراءة،
كما في رواية الحسن بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام (7)، والمتبادر منها هي

(1) في " ن " و " ط ": بصرف.
(2) تقدمت في الصفحة 592.
(3) راجع الوسائل 4: 781، الباب 42 من أبواب القراءة.
(4) وهي رواية ابن سنان، المتقدمة في الصفحة 593.
(5) تقدم في الصفحة 593.
(6) المتقدمة في الصفحة 592.
(7) التهذيب 3: 279، الحديث 820، والوسائل 5: 421، الباب 30 من أبواب
صلاة الجماعة، ذيل الحديث الأول.
605

القراءة في الأولتين (1).
وكيف كان، فالمسألة في غاية الإشكال والاحتياط فيها بالتزام
التسبيح لا ينبغي أن يترك على حال.
[18 و 19] شيخ الطائفة بإسناده الصحيح، عن أحمد بن محمد بن
عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن علي بن
يقطين، قال: " سألت أبا الحسن عليه السلام [عن الرجل] (2) يركع مع الإمام
يقتدي به ثم يرفع رأسه قبل الإمام، قال: يعيد ركوعه معه " (3).
وبإسناده الصحيح عن أحمد بن محمد أيضا، عن الحسن بن محبوب،
عن عبد الرحمن، عن أبي الحسن عليه السلام، قال: " سألته عن الرجل يصلي
مع إمام يقتدي به، فركع الإمام وسها الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع
الإمام رأسه وانحط للسجود، أيركع ثم يلحق بالإمام والقوم في سجودهم،
أو كيف يصنع؟ قال: يركع ثم ينحط ويتم صلاته معهم ولا شئ عليه " (4).
لا خلاف ظاهرا في وجوب متابعة الإمام في الأفعال (5)، واستدل عليه

(1) في " ن ": الأوليين.
(2) من المصدر.
(3) التهذيب 3: 277، الحديث 810، والوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة
الجماعة، الحديث 3.
(4) التهذيب 3: 55، الحديث 188، والوسائل 5: 34، الباب 17 من أبواب صلاة
الجمعة، الحديث 4، و 464، الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(5) تعرض المؤلف لهذا البحث في الصفحة 375 و 485.
606

بالنبوي المدعى انجبار ضعفه بالشهرة، بل عدم الخلاف في مضمونه: " وإنما
جعل الإمام إماما ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد
فاسجدوا " (1).
وظاهر الخبر وجوب التأخر عن الإمام، نظرا إلى أن المأمومين لم
يؤمروا بالتكبير إلا بعد ما يصدق أنه كبر الإمام، ولا يصدق عليه ذلك إلا
بعد الفراغ، وهذا الترتيب لم يستفد من جهة الفاء كما زعم (2) فرد (3) بأنه
لمحض الارتباط والاستلزام دون التعقيب، بل من جهة أن الجزاء إنما ترتب
على تحقق التكبير ومضيه، فلو قال: إذا كبر الإمام كبروا، أفاد هذا المعنى،
وكذا الكلام في قوله: " وإذا ركع فاركعوا... إلى آخره " فإنه ما لم يتحقق
الانحناء أو وضع الجبهة على المسجد لم يصدق أنه ركع أو سجد.
ومن هنا يتجه القول بوجوب التأخر وعدم الاكتفاء بعدم التقدم، لكنه
إنما يتم مع صحة الرواية وليست، أو (4) ثبوت العمل الجابر له من الأصحاب
وهو أيضا غير معلوم، فتحقق القول بكفاية عدم التقدم وعدم وجوب
التأخر (5).
ومن هنا يتجه القول بعدم وجوب المتابعة في الأقوال وجواز التقدم
وإن سلمت دلالة النبوي على الوجوب، مع إمكان منعها بدعوى ظهور

(1) تقدم في الصفحة 375 و 376.
(2) انظر مفتاح الكرامة 3: 460، والرياض 4: 314.
(3) الراد هو المحقق النراقي في المستند 8: 97.
(4) في " ن ": وثبوت.
(5) عبارة " وعدم وجوب التأخر " غير واضحة في " ق ".
607

الائتمام في المتابعة في الأفعال.
ويؤيدها: أنه صلى الله عليه وآله وسلم فرع على ذلك قوله: " فإذا كبر فكبروا...
إلى آخره " من غير تعرض للأقوال، عدا تكبيرة الإحرام التي لا يتحقق
الدخول في الصلاة إلا بها ولا يصدق الائتمام إلا بمتابعته في الدخول، ولذا لم
يخالف أحد في وجوب المتابعة فيها، وإن شئت فارجع المتابعة في التكبير إلى
المتابعة في الأفعال، إما من جهة ملاحظة النية، وإما من جهة ملاحظة أصل
الدخول.
ويؤيد ما ذكرنا من وجوب المتابعة في خصوص التكبير: ما رواه
غير واحد عن قرب الإسناد بسنده القريب من الصحيح، عن علي بن جعفر
عن أخيه موسى عليه السلام، قال: " سألته عن الرجل يصلي مع الإمام، أله أن
يكبر قبل الإمام؟ قال: لا يكبر إلا مع الإمام، فإن كبر قبله أعاد
التكبير " (1) والاحتياط بمراعاة التأخر (2) عنه في الأفعال وجميع الأقوال مما
لا ينبغي تركه، بل يمكن أن يقال بلزومه، حيث إن الأصل عدم سقوط
القراءة من المأموم إلا بعد تحقق صحة الجماعة المشكوك فيها في نحو المقام،
ولم أعثر في باب الجماعة على ما يدل من الإطلاقات على صحة الجماعة
بقول مطلق حتى يعول عليه في موارد الشك.
وحيث حكم بوجوب المتابعة في الأفعال، فإذا أخل بها بأن تقدم
على الإمام، فإما أن يكون ذلك منه تعمدا، أو سهوا، أو ظنا منه دخول

(1) قرب الإسناد: 218، الحديث 854، والوسائل 2: 792، الباب 16 من أبواب
صلاة الجنازة، الحديث الأول.
(2) في " ن " و " ط ": التأخير.
608

الإمام فيه.
فإن كان تعمدا، فالذي يقتضيه القاعدة بطلان الصلاة لو تقدمه في
الركوع والسجود، لأنه إذا سبقه بهما كان ما أتى به غير مأمور به، لما عرفت
من أن المستفاد من النبوي أن المأموم لم يؤمر بالركوع والسجود إلا بعد
دخول الإمام فيه، فإن أتى به بعد دخول الإمام كان قد زاد في صلاته، وإن
لم يأت كان قد نقص، وكلاهما مبطل.
ولو تقدمه في غيرهما كما لو رفع رأسه من الركوع والسجود أو نهض
للقيام قبله، فالظاهر عدم بطلان الصلاة بذلك، لأن الظاهر أن الأمر بهذه
الأمور من باب المقدمة العقلية للأفعال المطلوبة بعدها، فلا يلزم من إتيانها
في حال عدم الأمر بها سقوطها عن المقدمية ووجوب إعادتها.
فإن قلت: إن التقدم بهذه (1) الأمور مستلزم للإخلال بالقدر الزائد من
الركوع والسجود الذي أتى به الإمام ولم يأت به المأموم (2)، فقد ترك واجبا
أصليا، فإن عاد إليه زاد وإلا نقص.
قلت: وجوب هذا القدر الزائد ليس من جهة كونه من واجبات
الصلاة وأجزائها، وإنما هو من جهة وجوب المتابعة، فتركه مخل بالمتابعة
لا بأصل الصلاة، ولم يثبت كون الإخلال بالمتابعة إخلالا بالصلاة، غايته
ترتب الإثم، بل من هنا يتوجه أن يحكم بعدم بطلان الصلاة لو تقدمه
بالركوع والسجود أيضا، لأن الأمر في النبوي بوجوب الركوع إذا ركع
الإمام والسجود إذا سجد، إنما هو لأجل المتابعة، وليس الركوع المأمور به

(1) في " ن ": في هذه.
(2) في " ق ": " الإمام "، وهو سهو، ولم يرد في " ن ".
609

في أصل الصلاة التي كلف بها المأموم مقيدا بما إذا ركع الإمام، بل الركوع
الذي يتحقق به المتابعة، فقولنا في السابق (1): " إن ما أتى به غير ما أمر
به، وما أمر به لم يأت به " إن أريد به ما أمر به من جهة المتابعة فمسلم،
لكن لا يلزم من عدم الإتيان إلا الإخلال بالمتابعة، وقد عرفت أنه لم يثبت
كونه مخلا بأصل الصلاة، وإن أريد به ما أمر به في أصل الصلاة فلا نسلم أنه
لم يأت به، غايته أنه أتى به على وجه لم يتحقق فيه المتابعة، وتحقق المتابعة
في ضمنه ليس من شروط صحته، وإنما هو واجب مستقل.
وحاصل الكلام: أن المكلف بالصلاة مكلف بالركوع فيها بقول مطلق،
فإذا كان مقتديا بإمام أمر بأن يتابعه في أفعال الصلاة، ومعناه أن لا يركع
إلا إذا ركع الإمام ولا يسجد (2) إلا إذا سجد، لكن هذا الأمر واجب مستقل
لم يؤخذ في صحة أصل الأفعال، فتبين من هذا أن التقدم على الإمام في أي
فعل كان لا يوجب بطلان الصلاة، نعم لو قلنا بأن الأمر (3)...
ثم إنك قد عرفت أن التقدم على الإمام مع التعمد لا يفسد الصلاة ولا
الجماعة وفاقا للمعظم (4)، نعم قد يتأمل في الصحة فيما إذا كان التقدم فعلا من
أفعال الصلاة، من أجل حرمة التقدم، فيصير الفعل حراما، إذ لا معنى

(1) راجع الصفحة السابقة.
(2) في " ن " و " ط ": وأن لا يسجد.
(3) هذا آخر ما ورد في الصفحة اليمنى من الورقة 290 من نسخة " ق "، والظاهر أن
قوله " قد عرفت... الخ " لا ارتباط له بما قبله.
(4) راجع الحدائق 11: 140، ومفتاح الكرامة 3: 461 - 463، والجواهر 13:
210.
610

لحرمة التقدم إلا حرمة إيجاد الفعل قبل الإمام فيصير فاسدا، وبهذا تمسك في
الذكرى للشيخ قدس سره بناء على ما نسب إليه من الحكم ببطلان الصلاة، كما
تقدم (1).
ويمكن أن يقال: إن حرمة التقدم من باب أنه ضد للمتابعة في ذلك
الفعل وللمتابعة في الفعل الذي كان الإمام مشغولا به حين عدل عنه المأموم
إلى فعل آخر، وحرمة ضد الواجب ممنوعة، ولو سلمت فالحرام هو التقدم
دون الفعل، إلا أن يقال: بأنه وصف لازم، ولو سلم هذا كله فالفساد إنما
هو في ما إذا تقدم في فعل من أجزاء الصلاة، وأما لو تقدم في فعل هو من
مقدمات الأجزاء كرفع الرأس من الركوع والسجود والنهوض للقيام بعد
السجدتين، بناء على كون هذه الأفعال مقدمات فلا مقتضى للفساد هنا،
وحينئذ فالدليل المذكور للشيخ أخص من مطلبه.
وكيف كان، فالحكم في صورة التقدم في الأفعال مشكل جدا،
والأخبار الآتية لا تصلح للدلالة على الصحة فيها.
وأيا ما كان، فحيث قلنا بالصحة مع التقدم فمقتضى القاعدة عدم
وجوب العود، لعدم الدليل عليه، فإن وجوب المتابعة إنما هو في الفعل الذي
لم يأت به المأموم كما هو ظاهر النص والفتوى، ومع عدم الدليل فيحرم،
لعدم التوقيف.
مضافا إلى عمومات إبطال الزيادة، وخصوص قاعدة البطلان بزيادة
الركن مطلقا، وحينئذ فحكم المشهور بعدم جواز العود على طبق القاعدة،
لا يحتاج في الإثبات إلى غيرها مما استدلوا به مثل موثقة غياث بن

(1) الذكرى: 275، وانظر المبسوط 1: 157، وراجع الصفحة 619.
611

إبراهيم: " عن الرجل يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، أيعود فيركع إذا
أبطأ الإمام؟ قال: لا " (1).
مضافا إلى عدم دلالتها إلا على عدم وجوب العود، حيث إن الظاهر
السؤال عن وجوب العود لا عن جوازه، فلا بد في إثبات عدم جوازه
- المفتى به عند المشهور - من ضم القاعدة المتقدمة (2) الحاكمة بالحرمة
والإبطال، ومعها فلا حاجة إلى الاستدلال.
مع أنها معارضة بما سيأتي من الإطلاقات الدالة على وجوب العود
بقول مطلق، اللهم إلا أن يدعى انصراف تلك الأخبار إلى غير صورة
التعمد.
وأما وجوب العود في صورة التقدم سهوا، فهو وإن كان مخالفا
للقاعدة المتقدمة إلا أنه صير إليه لظواهر بعض الأخبار، مثل موثقة
ابن فضال: " في الرجل كان خلف إمام يأتم به فركع قبل أن يركع الإمام
وهو يظن أن الإمام قد ركع، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم أعاد ركوعه
مع الإمام، أيفسد ذلك صلاته؟ قال: يتم صلاته، ولا يفسد ما صنع
صلاته " (3).
وهذه الرواية مختصة بغير المتعمد، بناء على أن المناط في تكليف
المأموم بالمتابعة ظنه بحركات الإمام، فالظان معذور.
وفي حكمه الناسي عن الائتمام، لعدم القول بالفصل بين أفراد العذر،

(1) الوسائل 5: 448، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 6.
(2) المتقدمة في الصفحة السابقة.
(3) الوسائل 5: 448، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 4.
612

وهي وإن دلت على عدم الفساد بالعود الغير الملازم (1) مع الوجوب، إلا أن
وجوبه مستفاد من مصححة ابن يقطين: " عن الرجل يركع مع إمام يقتدي
به ثم يرفع رأسه قبل الإمام، قال: يعيد ركوعه معه " (2).
وأظهر منها صحيحة الفضيل وربعي: " عن رجل صلى مع إمام يأتم
به فرفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود، قال:
فليسجد " (3)، وفي معناها موثقة محمد بن علي بن فضال (4).
ودعوى ظهور الموثقة المتقدمة في عدم الوجوب، إما لأجل أن
السائل حيث سأل عن كون العود مفسدا وعدمه ظهر من ذلك أنه معتقد
لعدم وجوبه وأن عدم الوجوب عنده مفروغ عنه وإنما الشك في جوازه
وعدم إفساده، فتقرير المعصوم عليه السلام يدل على مطابقة اعتقاده للواقع،
وإما لأجل أن العود لو كان واجبا لما عبر الإمام عليه السلام في الجواب بقوله:
" لا يفسد ما صنع "، بل كان ينبغي أن يجيب بأن ما فعله كان واجبا.
مسلمة لو كان مورد السؤال هو كون العود مفسدا، وأما لو كان
مورده هو الإفساد بمجرد التقدم على الإمام ولو من غير عمد بتوهم شرطية
المتابعة مطلقا، المستلزم لبطلان الصلاة بالإخلال بها ولو من غير عمد أو
كان مورده هو الإفساد بمجموع ما فعله من التقدم ثم العود، لم يكن

(1) في " ط ": المتلازم.
(2) الوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 3.
(3) التهذيب 3: 48، الحديث 165، والوسائل 5: 447، الباب 48 من أبواب صلاة
الجماعة، ذيل الحديث الأول.
(4) الوسائل 5: 448، الباب 48 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 5.
613

للاستظهار المذكور وجه.
لكن الاحتمال الأخير بعيد جدا، وعلى تقدير ظهوره فليس يقوى على
أن يصرف صريح الأمر في صحيحتي ابن يقطين والفضيل عن ظهورهما.
614

بسم الله
اعلم أن المفارقة للإمام في أثناء الصلاة إما صورية بأن يتقدم أو
يتأخر عنه في الأفعال من غير نية الانفراد، وإما معنوية بأن ينوى الانفراد.
والنسبة بين المفارقتين عموم من وجه.
وعلى التقديرين، فإما أن تكون المفارقة لعذر أو لغير عذر، والعذر
إما السهو وإما الاضطرار، والاضطرار إما عقلي أو شرعي كفوات واجب
مثلا.
وعلى التقديرين، فإما أن يعلم قبل الصلاة حصوله في أثنائها أو لا،
وكل منها إما ملجئة إلى المفارقة إلى الآخر أو في خصوص جزء من أجزاء
الصلاة.
وعلى التقادير، فإما أن تنمحي صورة الجماعة وإما لا.
فإن محيت صورة الجماعة فلا إشكال في بطلانها، فإن كان قبل الصلاة
عالما بعروض ذلك في الأثناء بني على صحة مثل هذه الجماعة، وإلا فإن
فارقها صورة لا لعذر كان حكمه ما تقدم في مسألة وجوب المتابعة.
وكذا تقدم حكم ما لو فارقه لعذر السهو والظن (1).

(1) راجع الصفحة 611، وما بعدها.
615

فبقي من أفراد المفارقة الصورية: المفارقة للاضطرار، فهل يجوز
مطلقا، أو لا يجوز مطلقا، بل لا بد من نية الانفراد حينئذ ليحصل المفارقة
المعنوية أيضا، أو يفصل بين الاضطرار العقلي فيجوز كما لو عرض له ثقل في
بدنه فعجز عن اللحوق به في الركوع، وبين الاضطرار الشرعي فلا يجوز
مثل أن بقي عليه من الواجبات وقد ركع الإمام، أو يفصل بين المفارقة في
خصوص جزء وبين المفارقة الملجئة إلى إتمام الصلاة قبل الإمام، فيجوز في
الأول دون الثاني بل لا بد فيه من نية الانفراد؟ وجوه:
الظاهر الجواز مطلقا، لأن ما دل على وجوب المتابعة المنافي للتقدم أو
التأخر من الأدلة اللفظية منصرفة إلى صورة الاختيار، بل هو - بحكم العقل
الحاكم بقبح تكليف العاجز - مختص بها، بناء على أنها واجبة مستقلا
وليست شرطا في صحة الجماعة، كما عليه المشهور.
وأما مع الاضطرار، فلأنه يرجع إلى تعارض أدلة وجوب ذلك
الواجب أو الشرط مع ما دل على وجوب المتابعة بالعموم من وجه،
والظاهر تقدم أدلة وجوب ذلك الواجب لقوتها وضعف دليل المتابعة لو كان
لفظيا لقوة انصرافه إلى غير الفرض، ولو كان هو الإجماع فلا يسلم في
الفرض فيسلم منه إطلاق ما دل على استحباب البقاء على الجماعة فيها بعد
الشروع على الوجه المشروع، مضافا إلى أصالة بقائها.
هذا كله إذا عرض في الأثناء، وأما إذا علم في الابتداء بوقوعه
فمقتضى استحباب الجماعة بقول مطلق واختصاص ما دل على وجوب
المتابعة فيها بغير الفرض وعموم أدلة وجوب الواجبات والشروط حتى لمثل
المقام، يدل على جواز الدخول مع الإمام والترخص في عدم المتابعة بتقديم
أو تأخير إذا لم تنمح صورة الجماعة على ما هو الفرض.
616

ومما ذكرنا يظهر: أن ما ذهب إليه بعض مشايخنا المعاصرين من
وجوب نية الانفراد لو عرض له عذر ألجأه إلى إتمام الصلاة قبل الإمام
كوجع ونحوه، جمعا بين ما دل على جواز المفارقة في هذه الصورة وما دل
على وجوب المتابعة، فحينئذ له التخلص من الثاني بنية الانفراد (1)، محل نظر،
لأن في هذا الجمع طرح لما دل على استحباب إتمام الصلاة جماعة (2) كما
يستحب الابتداء بها جماعة (3).
فالأولى حينئذ الجمع بين جواز المفارقة واستحباب استدامة الجماعة
بوجوب المتابعة بجعل أدلة الأخير - لفظية كانت أو غيرها - [مخصوصة]
بما عدا صورة الاضطرار، وهذا أولى من تخصيص الجماعة بغير ما يتعذر فيه
المتابعة مع عدم انمحاء صورة الجماعة.
مضافا إلى أصالة بقاء انعقاد الجماعة في العذر العقلي الذي يقطع بعدم
بقاء وجوب المتابعة معه.
ولا يتوهم أن المتابعة واجبة، فلا ينبغي تركها لأجل مستحب، بمعنى
أن أدلة الواجبات مقدمة على أدلة استحباب المستحبات، ولذا يجب ترك
المستحب إذا توقف عليه فعل الواجب من غير ملاحظة تعارض دليليهما؟
وذلك، لأن المتابعة إنما وجبت في مستحب، أعني الجماعة، فإذا لم
يتمكن منها فيها فلا بد إما من الحكم بعدم استحباب الجماعة، أو من الحكم

(1) ذهب إليه صاحب الجواهر في الجواهر 14: 22 - 23.
(2) يدل عليه ما في الوسائل 5: 440 و 474، الباب 43 و 72 من أبواب صلاة
الجماعة.
(3) انظر الوسائل 5: 370، الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة وغيره من الأبواب.
617

بعدم وجوب المتابعة، وترك المستحب ليس هنا مقدمة للامتثال بالواجب
حتى يجب، غاية الأمر أنه على تقدير وجوب المتابعة في الجماعة على
الإطلاق على وجه يفهم أن وجوب المتابعة لازم مساو للجماعة المستحبة،
فوجب أن لا يبقى استحباب الجماعة على تقدير تعذر المتابعة، وهو معارض
بالمثل، فإن استحباب الجماعة على الإطلاق حتى فيما يتعذر فيه المتابعة
يوجب أن لا تكون المتابعة لازمة لها على الإطلاق.
نعم ما ذكره من وجوب نية الانفراد فيما إذا التجأ إلى إتمام الصلاة قبل
الإمام إذا انمحى به صورة الجماعة حق، لكن قصد مثل هذه المفارقة الهادمة
للجماعة في الحقيقة قصد للانفراد، إلا أن يعرض له غفلة عن الانفراد أو
يريد التشريع، والأمر معهما سهل لو لم يخل بوظائف المنفرد.
وأما المفارقة المعنوية الحاصلة بنية الانفراد، فالمشهور - بل المعروف
كما قيل (1) - هو الجواز.
بل عن ظاهر المنتهى أو صريحه والتذكرة وإرشاد الجعفرية ومحكي
نهاية الإحكام (2): الإجماع عليه، وهو الأقوى، لا للأخبار المجوزة للتسليم
قبل الإمام ومفارقته في التشهد (3)، لظهورها في مورد العذر والحاجة
واختصاصها بالمفارقة في التشهد فلا يتعدى في المقامين، بل للأصل، فإن

(1) قاله السيد العاملي في المدارك 4: 377.
(2) حكى عنهم صاحب الجواهر في الجواهر 14: 24، وانظر المنتهى 1: 384،
والتذكرة 4: 269 - 270، وأما إرشاد الجعفرية فلا يوجد لدينا، وانظر نهاية
الإحكام 2: 128، ومفتاح الكرامة 3: 433.
(3) راجع الوسائل 5: 464، الباب 64 من أبواب صلاة الجماعة.
618

الأصل في المستحب أن لا يجب بالشروع.
وكون الجماعة من مقومات الصلاة ممنوع، بل نفس الأصل المذكور
ينفي كونها مقومة، لأن استحباب فعل الصلاة جماعة (1) يقتضي استحباب
إتمامها جماعة، لا وجوب إتمامها كذلك.
مضافا إلى استصحاب صحة الصلاة وعدم بطلانها بنية الانفراد.
وقد يستفاد من بعض الروايات كون الجماعة مما تكون مطلوبة في
كل جزء جزء، كما في الرواية المحكية عن كتاب الإمام والمأموم (2) من أن
تكبيرة مع الإمام تعدل كذا وركعة تعدل كذا وسجدة كذا.
وفيه تأمل، إذ قد يرد الثواب على أجزاء الفعل مع العلم بعدم جواز
تجزئته، بل قد ورد كثيرا على أجزاء المقدمة مثل من مشى إلى زيارة
الحسين صلوات الله عليه فله بكل قدم كذا (3) فالمذكور في الرواية من هذا القبيل.
لكن الإنصاف: أنه لو خليت تلك الروايات وأنفسها تدل بظاهرها
على مطلوبية الجماعة في كل جزء جزء بالخصوص، ولا تكون مطلوبيته
موقوفة على اتصاف الباقي بالجماعة (4).
وعن الشيخ في المبسوط أنه من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته
ومن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته (5)، والمحكي عن ناصريات السيد أنه:

(1) كلمة " جماعة " غير واضحة في " ق ".
(2) حكاه الشهيد الثاني في روض الجنان 363، وعنه في مستدرك الوسائل 6: 443،
الباب الأول من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(3) راجع البحار 101: 7، الحديث 29، و 147، الحديث 34 و 37.
(4) في " ن ": في الجماعة.
(5) المبسوط 1: 157.
619

إن تعمد سبقه إلى التسليم بطلت صلاته (1).
ويحتملان صورة عدم نية الانفراد، فتكون المتابعة عندهما إما واجبا
شرطيا وإما واجبا مستقلا، لكن البطلان من جهة النهي المقتضي للفساد.
ثم إذا نوى الانفراد فإن كان قبل القراءة تعينت عليه، وإن كان بعدها
فالظاهر إجزاؤها عنه، لعموم أدلة ضمان الإمام، وبها يرفع (2) اليد عن أصالة
عدم السقوط. اللهم إلا أن يدعى انصراف في الأخبار.
ومن ذلك يظهر حكم ما لو كان الانفراد في أثناء القراءة، فإن الظاهر
أنه يجتزئ بما قرأ مع الإمام.
ثم إن الظاهر جواز الانفراد حتى في الركعة الأولى قبل الركوع لو
دخل معه من أول الركعة، وما تقدم من اعتبار إدراك الركوع في إدراك
الجماعة فالمراد به ابتداء الائتمام، يعني أن ابتداءه لا يتحقق بعد الركوع،
لا أن إدراك الركوع شرط في انعقاد الجماعة، مع أن المراد بالإدراك يحتمل
أن يكون سبق نية الائتمام على الركوع بحيث لو أراد الركوع معه أمكن له،
لا خصوص فعل الركوع معه، ولهذا لو دخل معه قبل الركوع ثم فاتت
متابعته في الركوع بأن تأخر عنه سهوا أو تقدم عليه كذلك بقيت الجماعة
على صحتها، فلا فرق بين ركوع الركعة الأولى (3) وركوع غيرها.
ثم إن هذا كله مع استحباب الجماعة، وأما مع وجوبها أصالة كالجمعة

(1) الناصريات 247، المسألة 100.
(2) الظاهر في " ق ": يرتفع.
(3) من هنا إلى آخر بحث صلاة الجماعة لم يمكن قراءة آخر السطور في " ق "، فنقلناها
اعتمادا على نسختي " ن " و " ط "، فلاحظ.
620

فلا ريب في عدم جواز الانفراد. وكذا ما استحبت على الجماعة كالصلاة
المعادة، فإن الظاهر أن نية الانفراد يبطلها، إذ لا أمر بها بدونها.
وأما الجماعة المنذورة، فلو نوى فيها الانفراد فالظاهر عدم بطلان
الصلاة، لعدم صيرورتها بذلك شرطا، مع احتماله بناء على حرمة الانفراد
والمفارقة المقتضية للفساد.
وقد يقال (1): إن نية الانفراد فيما لا يشرع فيه الانفراد لا يوجب
بطلان الصلاة، للغوية النية، نعم لو فارق الإمام أثم من جهة المفارقة.
ولو خرج بها عن اسم الاقتداء بطلت الصلاة، لفوات شرطها، وإلا
فمطلق نية الانفراد لا تؤثر في البطلان، وفيه نظر بناء على وجوب استدامة
النية.
ثم إنه كما يجوز الانفراد بعد الائتمام فهل يجوز الائتمام بعد الانفراد؟
قولان: صرح الشيخ في الخلاف - على ما حكي عنه - بالأول، واستدل
بالإجماع والأخبار (2)، وفي الذكرى (3) مال إليه، وعن التذكرة أنه ليس بعيدا
عن الصواب (4)، ولعله لعموم أدلة الجماعة، ولاستلزام العدول عن إمام بإمام
آخر في صورة الاستخلاف العدول عن الانفراد إلى الائتمام، لأنه يصير
منفردا بمجرد تحقق العذر للإمام الأول، فنية الاقتداء اقتداء بعد انفراد.
ويؤيده عموم قوله عليه السلام في صحيحة علي بن جعفر عليه السلام المتقدمة

(1) لم نعثر على القائل.
(2) الخلاف 1: 552، كتاب الصلاة، المسألة 293.
(3) الذكرى: 272.
(4) التذكرة 4: 269.
621

في مسألة الاستخلاف: " لا صلاة لهم إلا بإمام، فليتقدم بعضهم " (1) فإن
قوله: " لا صلاة لهم " معناه نفي الفضيلة، لما تقدم من عدم وجوب إتمام
الجماعة عند الانفراد القهري واستحباب الاستخلاف، ولا ريب أن قوله:
" فليتقدم " تفريع على فضيلة الجماعة، ولا ريب أن الحاصل بتقدم بعضهم
هي الفضيلة فيما بقي من الصلاة، فعلم أن هذا المقدار أيضا مستحب.
ودعوى: أنه مستحب لمن أتى بأول الصلاة جماعة، خلاف ظاهر
إطلاق التعليل، مع أن عموم قوله: " فليتقدم بعضهم " يظهر منه مطلوبية
ذلك ولو بعد المضي في بعض الصلاة على الانفراد اختيارا زائدا على القدر
اللازم بمجرد بطلان صلاة الإمام.
مع أن العدول عن الانفراد إلى الإمامة جائز اتفاقا، وهو أيضا عدول
إلى الجماعة، لأن الجماعة صفة مشتركة بين الإمام والمأموم يلحقها أحكامها.
ومع هذا كله، فيشكل الخروج عن عمومات وجوب القراءة، نظرا
إلى انصراف أدلة الجماعة في الصلاة إلى افتتاح الصلاة على الجماعة، لا مجرد
تحصيلها فيها كيف كان، وعدم نهوض ما ذكر ما عدا العمومات واردا على
الأصل. مضافا إلى أصالة بقاء أحكام المنفرد وعدم كون العدول مؤثرا.
ويؤيده ما ورد وأفتي به من استحباب نقل الفريضة إلى النافلة إذا
اتفقت الجماعة (2)، إذ لو جاز العدول لما ارتكب ذلك من أجل إدراك الجماعة
إلا أن يقال: إنه لإدراك أول الصلاة جماعة.

(1) الوسائل 5: 474، الباب 72 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث الأول.
(2) انظر الوسائل 5: 458، الباب 56 من أبواب صلاة الجماعة، الحديث 1 و 2.
622

المقصد الثالث (1)
في صلاة الخوف
* (وشروط صلاة ذات الرقاع: كون الخصم في خلاف جهة القبلة، وأن
يكون ذا قوة يخاف هجومه، وأن يكون في المسلمين كثرة تمكنهم الافتراق طائفتين
تقاوم كل فرقة العدو، وعدم احتياجهم إلى زيادة على الفرقتين، وهي مقصورة
سفرا وحضرا، جماعة وفرادى.
ويصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعة والثانية تحرسهم عند العدو، ثم يقوم إلى
الثانية ويطول القراءة فيتم الجماعة ويمضون إلى موقف أصحابهم، وتجئ الطائفة
الثانية فيكبرون للافتتاح، ثم يركع بهم ويسجد ويطيل تشهده فيتمون ويسلم بهم.
وفي الثلاثية يتخير بين أن يصلي بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين، وبالعكس.
ويجب أخذ السلاح، إلا أن يمنع شيئا من الواجبات فيجوز مع الضرورة،
والنجاسة غير مانعة.
وأما شدة الخوف، فأن ينتهي الحال إلى المسابقة أو المعانقة، فيصلون فرادى
كيف ما أمكنهم، ويستقبلون مع المكنة، وإلا فبالتكبيرة، وإلا سقط.

(1) هذا المقصد بأكمله من إرشاد الأذهان، ولم نقف على شرح المؤلف قدس سره له فيما
بأيدينا من النسخ.
623

ويجوز راكبا مع الضرورة، ويسجد على قربوس سرجه، ولو عجز صلى
بالتسبيح عوض كل ركعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وهو
يجزئ عن جميع الأفعال والأذكار.
ولو أمن في الأثناء أو خاف فيه انتقل في الحالين، ولو صلى لظن العدو فظهر
الكذب أو الحائل أجزأ.
وخائف السبع والسيل يصلي صلاة الشدة، والموتحل والغريق يصليان
بالإيماء مع العجز، ولا يقصران إلا في سفر أو خوف) *.
624