الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ١٢
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: شعبان ١٤١٧
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٠٣٨-٢
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولي أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء الثاني عشر
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

Bp النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. VOIS 18 - 2 - 75 - 5503 - ISBN 964
ردمك (شابك). - 76 - 5503 - 964 / ج 1
L / VO / 0 - 76 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 12
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك):
الطبعة: الأولى - شعبان 1417 ه‍.
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 5500 ريال
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 37185 / 996 - هاتف 4 - 370001
4

القسم الثاني
ما يختص بالرجل
وهو أمور خمسة:
الأول: لبس القميص والسراويل والقباء والثوب المزرر الذي تزرره
- أي تعقد أزراره - والثوب المدرع الذي تدرعه، أي تدخل يديك في
يديه، وكلما أدخلت شيئا في جوف شئ فقد أدرعته ودرعته تدريعا، بل
مطلق المخيط.
بلا خلاف يعلم كما في موضع من المنتهى (1)، بل مطلقا، كما في
المفاتيح وشرحه وعن الغنية والتحرير والتنقيح (2)، بل بإجماع العلماء كافة،
كما في موضع آخر من المنتهى وعن التذكرة وظاهر الدروس (3)، بل
بالاجماع المحقق عند التحقيق، وهو الحجة في الجميع.

(1) المنتهى 2: 781.
(2) المفاتيح 1: 331، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، التحرير 1: 114، التنقيح
1: 469.
(3) المنتهى 2: 783، التذكرة 1: 332، الدروس 1: 376.
5

مضافا في الأول إلى صحيحتي ابن عمار: (إذا لبست قميصا وأنت
محرم فشقه وأخرجه من تحت قدميك) (1).
وصحيحتي خالد بن محمد الأصم وعبد الصمد بن بشير الواردتين في
الرجل الذي لبس قميصه محرما، ففي الأولى: (ا نزعه من رأسك) (2)، وفي
الثانية: (فأخرجه من رأسك) (3).
وتؤيده صحيحة أخرى لابن عمار وغير واحد: في رجل أحرم وعليه
قميص، قال: (ينزعه ولا يشقه، وإن كان لبسه بعدما أحرم شقه وأخرجه
مما يلي رجليه) (4).
وما ورد في وجوب الكفارة على من لبس القميص متعمدا، كما يأتي.
وفي البواقي - غير الأخير - إلى صحيحتي ابن عمار، وصحاح الحلبي (5)
ومحمد (6) وزرارة (7)، وروايات أبي بصير (8) والحناط (9) وحمران (10).

(1) الأولى في: التهذيب 5: 72 / 237، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الاحرام
ب 45 ح 1.
الثانية في: الكافي 4: 348 / 3، الوسائل 12: 489 أبواب تروك الاحرام
ب 45 ح 5.
(2) الكافي 4: 348 / 2، الوسائل 12 / 489 أبواب تروك الاحرام ب 45 ح 4.
(3) التهذيب 5: 72 / 239، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الاحرام ب 45 ح 3.
(4) الكافي 4: 348 / 1، التهذيب 5: 72 / 238، الوسائل 12: 488 أبواب تروك
الاحرام ب 45 ح 2.
(5) التهذيب 5: 70 / 228، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 1.
(6) الفقيه 2: 218 / 997، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 7.
(7) الكافي 4: 348 / 1، الوسائل 13: 158 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 8 ح 4.
(8) الكافي 4: 346 / 1، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 5.
(9) الكافي 4: 347 / 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 3.
(10) الكافي 4: 347 / 6، الوسائل 12: 499 أبواب تروك الاحرام ب 50 ح 3.
6

ولكن الكل قاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان الجملة الخبرية أو
المحتملة لها، أو ما يحتمل أن يكون المفهوم فيه انتفاء الإباحة بالمعنى
الأخص، فالمناط فيها الاجماع، إلا أن يجعل الاجماع قرينة على إرادة
الحرمة، وهو كذلك، فتكون تلك الأخبار أيضا مثبتة للحرمة.
نعم، ينحصر دليل الأخير في الاجماع.
ولا دلالة في شئ من الأخبار على تحريم المخيط مطلقا، كما
اعترف به جماعة - منهم الشهيد في الدروس (1) - وعلى هذا، فاللازم فيه
الاقتصار على موضع علم فيه الاجماع.
فالمنع عن مسمى الخياطة وإن قلت - كما اشتهر بين المتأخرين - غير
جيد وإن كان أحوط.
واستفادة ذلك عن المنع عن لبس المزرر بإطلاقه في بعض تلك
الأخبار، حيث إن خياطة الأزرار قليلة البتة.
مردودة باحتمال أن يكون المنع لنفس الأزرار لا لخياطتها، مع أن
المنع عن المزرر أيضا وإن كان مطلقا في بعض الأخبار، إلا أنه صرح في
صحيحتي الحلبي (2) ويعقوب بن شعيب (3) بأن المنع إنما هو في عقد
الأزرار دون وجودها.
ومنه يستفاد عدم المنع في مطلق الخياطة، لأنه مقتضى الأصل،
وعموم صحيحة زرارة: عما يكره للمحرم أن يلبسه، فقال: (يلبس كل

(1) الدروس 1: 485.
(2) الكافي 4: 340 / 8، الفقيه 2: 217 / 995، وفي العلل 2: 408 / 1 عن
عبيد الله بن علي الجعفي، الوسائل 12: 475 أبواب تروك الاحرام ب 36 ح 3.
(3) الكافي 4: 340 / 7، الوسائل 12: 475 أبواب تروك الاحرام ب 36 ح 2.
7

ثوب إلا ثوبا يتدرعه) (1).
وأما إطلاقات كلمات الأصحاب بالمنع عن لبس المخيط، فلا شك
في انصرافها إلى المعتاد والمتبادر.
فروع:
أ: لا فرق في المنع من السراويل والقباء والمزرر والمدرع بين
المخيط منها وغيره، كالمصنوع من اللبد والمنسوج والملصق بعضه على
بعض، لاطلاق الأخبار (2) وكلمات الأخيار.
وأما الاستدلال على المنع فيه بمشابهته للمخيط في المعنى من الترفه
والتنعم - كما عن التذكرة (3) - فضعيف غايته.
ب: ذكر الفاضل (4) وغيره (5): أنه يحرم عقد الرداء وزره، لموثقة
الأعرج: عن المحرم يعقد (أزراره) على عنقه؟ قال: (لا) (6).
ورده في المدارك بقصور الرواية سندا عن إثبات الحرمة (7).
وفيه: أنه لا ينحصر تحريم الزر بهذه الرواية، بل يدل عليه كثير من

(1) الفقيه 2: 218 / 999 وفيه: إلا ثوبا واحدا يتدرعه، الوسائل 12: 475 أبواب
تروك الاحرام ب 36 ح 5.
(2) الوسائل 12: 473 أبواب تروك الاحرام ب 35.
(3) التذكرة 1: 332.
(4) التذكرة 1: 333.
(5) كالسبزواري في الذخيرة: 580.
(6) الفقيه 2: 221 / 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الاحرام ب 53 ح 1،
وبدل ما بين القوسين فيها: إزاره.
(7) المدارك 7: 330.
8

الروايات المتقدمة، المثبتة للحرمة عنده (1).
نعم، لو أراد العقد بدون الزر فهو كذلك، لا لضعف سند الرواية، بل
لضعف دلالتها.
ج: يجوز له لبس السراويل إذا لم يجد إزارا، بغير خلاف يعلم كما
صرح به جماعة (2)، بل بالاجماع كما عن التذكرة (3)، لصحيحة ابن عمار (4).
ولا يحتاج إلى الفتق، للأصل وخلو النص. وحكي عن قوم من
أصحابنا أنه يفتق (5). ولا وجه له.
وليس فيه حينئذ فدية على ما صرح به في الخلاف والسرائر
والتحرير والمنتهى والتذكرة (6)، مدعيا في الأخيرين عليه الاجماع،
وقيل (7): إن ثبت الاجماع، وإلا فتعمه أدلة وجوب الكفارة الآتية.
وكذا يجوز لبس القباء إذا لم يجد ما يتردى به، بالاجماع كما عن
المنتهى والتذكرة (8)، وتدل عليه المستفيضة (9)، ولكن لا يدخل يديه في
يدي القباء، ويجعله منكوسا ومقلوبا، كما صرح بالحكمين في الروايات،

(1) الوسائل 12: 502 أبواب تروك الاحرام ب 53.
(2) انظر المدارك 7: 333، الرياض 1: 375.
(3) التذكرة 1: 332.
(4) الكافي 4: 340 / 9، التهذيب 5: 69 / 227، الوسائل 12: 499 أبواب تروك
الاحرام ب 50 ح 1.
(5) انظر الرياض 1: 376.
(6) الخلاف 2: 297، السرائر 1: 543، التحرير 1: 114، المنتهى 2: 782،
التذكرة 1: 332.
(7) انظر المنتهى 2: 782.
(8) المنتهى 2: 782، التذكرة 1: 326.
(9) الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44.
9

والمراد بالنكس والقلب: جعل أسفله أعلاه.
ولا ينافيه تعقيبه بالمنع إدخال اليد، حيث إنه لازم النكس بذلك
المعنى، لجواز عطف اللوازم، بل صرح في رواية المثنى بذلك المعنى،
حيث قال: (وليجعل أعلاه أسفل) (1).
نعم، في صحيحة محمد (2) ومرسلة الكافي (3): (ويقلب ظهره
لباطنه)، ومقتضى القاعدة: الجمع بين الأمرين، إلا أن إثبات وجوب الثاني من
الأخبار مشكل، والجمع أحوط (4)، ولعل الأول هو المراد بالنكس الوارد
في بعض الأخبار (5)، والثاني هو المراد بالقلب الوارد في بعض آخر (6).
وهل يختص جواز لبس القباء بحال الاضطرار، أو يجوز مع عدم
وجود الرداء مطلقا؟
ظاهر الأصحاب - كما في الذخيرة -: الثاني (7)، وهو كذلك،
لصحيحة محمد ورواية عمر بن يزيد (8)، ولا ينافيه التقييد بالاضطرار في
سائر الأخبار (9)، لأن غايته التجويز في حال الاضطرار دون المنع في غيره.
د: يختص المنع عما ذكر بالرجال، وأما النساء فيجوز لهن لبس

(1) الكافي 4: 347 / 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 3،
بتفاوت يسير.
(2) الفقيه 2: 128 / 997، الوسائل 12: 487 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 7.
(3) الكافي 4: 347 / 5، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 4.
(4) في (ح) زيادة: بل لعله الأظهر.
(5) انظر الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44.
(6) كما في الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44.
(7) الذخيرة: 580.
(8) التهذيب 5: 70 / 229، الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44 ح 2.
(9) الوسائل 12: 486 أبواب تروك الاحرام ب 44.
10

جميع ما ذكر وفاقا للأكثر، بل غير الشاذ النادر، بل للمجمع عليه كما عن
السرائر والمنتهى والتذكرة والمختلف والتنقيح (1)، للأصل، واختصاص
الأدلة المانعة فتوى ورواية بالرجل، ومع ذلك، الأخبار للجواز لهن مستفيضة:
كصحيحة العيص: (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير
الحرير والقفازين) الحديث (2).
ورواية النضر: عن المرأة المحرمة أي شئ تلبس من الثياب؟ قال:
(تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران والورس، ولا تلبس القفازين)
الحديث (3).
ورواية أبي عيينة: ما يحل للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة؟
قال: (الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير) الحديث (4).
والقفاز: كرمان، شئ يعمل لليدين يحشى بالقطن تلبسه المرأة
للبرد، أو ضرب من الحلي لليدين والرجلين.
والروايات المجوزة للبس السراويل والقميص بخصوصهما لهن (5).
خلافا للمحكي عن النهاية، فمنع عما عدا السراويل والغلالة (6)،

(1) السرائر 1: 544، المنتهى 2: 783، التذكرة 1: 333، المختلف: 267،
التنقيح 1: 469.
(2) الكافي 4: 344 / 1، التهذيب 5: 73 / 243، الإستبصار 2: 308 / 1099،
الوسائل 12: 368 أبواب الاحرام ب 33 ح 9.
(3) الكافي 4: 344 / 2، التهذيب 5: 74 / 244، الوسائل 12: 366 أبواب الاحرام
ب 33 ح 2.
(4) الكافي 4: 345 / 6، التهذيب 5: 75 / 247، الإستبصار 2: 309 / 1101،
الوسائل 12: 367 أبواب الاحرام ب 33 ح 3.
(5) انظر الوسائل 12: 402 أبواب تروك الاحرام ب 50.
(6) النهاية: 218.
11

وهي - بالكسر -: شعار يلبس تحت الثياب.
وهو - مع شذوذه ورجوعه عنه في المبسوط (1)، بل عدم ظهور عبارة
النهاية على بعض النسخ كما قيل (2) في المنع وتصريحه فيه: بأن الترك
أفضل - غير ظاهر الحجة، عدا ما قيل من عموم الأخبار المحرمة لهن (3)،
وهو ممنوع، لاختصاص الخطاب فيها بالذكر، والتغليب مجاز، والقرينة
مفقودة، بل هي كما عرفت على الجواز موجودة.
نعم، يحرم عليهن القفازان كما هو المشهور، بل عليه الاجماع عن
الخلاف والغنية والمنتهى والتذكرة (4)، لرواية أبي عيينة المتقدمة، المعتضدة
بالروايتين السابقتين عليها.
وتجويز بعض المتأخرين (5) إباحتهما - للعمومات - ضعيف،
لوجوب تقديم الخاص.
إلا أن إجمالها - للاختلاف في تفسيرهما كما مر، ففسره في السرائر
ومجمع البحرين والصحاح والمنتهى والتذكرة بالأول (6)، وفي القاموس (7)
وجماعة من أهل اللغة بالثاني (8) - ينفي الفائدة في المنع، لإباحة كل من

(1) المبسوط 1: 320.
(2) انظر الرياض: 1 / 375.
(3) انظر الرياض 1: 375.
(4) الخلاف 2: 294، الغنية (الجوامع الفقهية): 575، المنتهى 2: 783، التذكرة
1: 333.
(5) انظر الرياض 1: 375.
(6) السرائر 1: 544، مجمع البحرين 4: 31، الصحاح 3: 892، المنتهى 2:
783، التذكرة 1: 333.
(7) القاموس 2: 194.
(8) كما في النهاية لابن الأثير 4: 90، لسان العرب 5: 395، أقرب الموارد 2: 1024.
12

المعنيين بالأصل، إلا أن يثمر في حرمة الجمع بينهما.
ه‍: لا تحريم في عقد شئ كالمنطقة (1) والعمامة على البطن
والهميان وغيرهما، للأصل، وعدم المانع، وخصوص صحيحة يعقوب في
المنطقة والهميان (2)، وصحيحة أبي بصير في الأول (3)، وموثقة يونس في
الأخير (4)، وصحيحة عمران الحلبي في العمامة (5)، ورواية يعقوب في
الخرقة المربوطة أو المعصوبة على القرحة (6).
(نعم، يحرم عقد الإزار، لما مر في لبس ثوبي الاحرام) (7).
وأما منع عقد الرداء على العنق في موثقة الأعرج المتقدمة (8)، ومنع
رفع العمامة المشدودة إلى الصدر في صحيحة عمران المذكورة، ومنع
شدها على البطن أيضا في صحيحة أبي بصير، فلا يفيد الحرمة، لورود
الكل بالجملة الخبرية، (وإن لم يجز عقد الرداء من جهة عدم صدق
التردي، وهو أمر آخر) (9).
الثاني: لبس ما يستر ظهر القدم بالخف خاصة، كما هو ظاهر النهاية
والسرائر (10)، حيث اقتصر على ذكره.

(1) في (ق) و (س): لا تحريم في عقد شئ لعقد الإزار والمنطقة...
(2) الكافي 4: 344 / 3، الوسائل 12: 491 أبواب تروك الاحرام ب 47 ح 1.
(3) الكافي 4: 343 / 2، الوسائل 12: 491 أبواب تروك الاحرام ب 47 ح 2.
(4) الفقيه 2: 221 / 1027، الوسائل 12: 492 أبواب تروك الاحرام ب 47 ح 4.
(5) الفقيه 2: 221 / 1026، الوسائل 12: 533 أبواب تروك الاحرام ب 72 ح 1.
(6) الفقيه 2: 221 / 1025، الوسائل 12: 529 أبواب تروك الاحرام ب 70 ح 2.
(7) ما بين القوسين ليس في (س) و (ق).
(8) الفقيه 2: 221 / 1023، الوسائل 12: 502 أبواب تروك الاحرام ب 53 ح 1.
(9) ما بين القوسين ليس في (س) و (ق).
(10) النهاية: 218، السرائر 1: 543.
13

أو هو مع الجورب، كما هو ظاهر المقنع والتهذيب (1)، حيث ضمه
معه، وكذا المفاتيح (2)، وصرح في شرحه بالاختصاص بهما، وهو ظاهر
الذخيرة (3)، بل المدارك أيضا (4).
أو هو مع الشمشك (5)، كما هو ظاهر المبسوط والخلاف والجامع (6).
أو بكل ما يستره باللبس، كالفاضلين (7)، وعامة المتأخرين، كما
صرح به جماعة (8)، بل في المدارك: أنه مقطوع به في كلام الأصحاب (9)،
بل عن الغنية نفي الخلاف عنه (10).
والأخبار الواردة في المسألة: صحيحتا ابن عمار، وفيهما: (ولا
تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار، ولا الخفين إلا أن لا يكون لك
نعلان) (11).
ورواية أبي بصير، وفيها: (له أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك،

(1) المقنع: 72، التهذيب 5: 384.
(2) المفاتيح 1: 331.
(3) الذخيرة: 594.
(4) المدارك 7: 337.
(5) الشمشك: قيل: إنه المشاية البغدادية - مجمع البحرين 5: 277.
(6) المبسوط 1: 320، الخلاف 2: 296، الجامع 1: 184.
(7) المحقق في الشرائع 1: 250، العلامة في التذكرة 1: 332.
(8) انظر الحدائق 15: 443.
(9) المدارك 7: 337.
(10) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.
(11) الأولى في: التهذيب 5: 69 / 227، الوسائل 12: 500 أبواب تروك الاحرام
ب 51 ح 1.
الثانية في: الكافي 4: 340 / 9، الفقيه 2: 218 / 998، الوسائل 12: 473
أبواب تروك الاحرام ب 35 ح 1.
14

وليشقه عن ظهر القدم) (1).
وحمران في المحرم: (ويلبس الخفين إذا لم يكن له نعل) (2).
وصحيحة محمد في المحرم: (يلبس الخف إذا لم يكن له نعل
ولكن يشق ظهر القدم) (3).
وصحيحة الحلبي: (وأي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله
أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك، والجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى
لبسهما) (4).
وصحيحة رفاعة: عن المحرم يلبس الخفين والجوربين، قال: (إذا
اضطر إليهما) (5).
ولا يخفى أن تلك الأخبار مخصوصة بالخف والجورب، وعن ذكر
غيرهما أو ما يعم الغير خالية، فالتعدي إليه مما لا وجه له أصلا.
والتمسك بالشهرة المتأخرة ونفي الخلاف في الغنية (6) ضعيف غايته،
لعدم الحجية.
وبجواز خروج الخف والجورب مجرى الغالب أضعف، لعدم جواز
التمسك بالاحتمال والجواز.
فإباحة ستره بلبس غيرهما هو الأقوى، بل بلبس الجورب أيضا،

(1) الكافي 4: 346 / 1، الوسائل 12: 501 أبواب تروك الاحرام ب 51 ح 3.
(2) الكافي 4: 347 / 6، الوسائل 12: 499 أبواب تروك الاحرام ب 50 ح 3.
(3) الفقيه 2: 218 / 997، الوسائل 12: 501 أبواب تروك الاحرام ب 51 ح 5،
وفيهما: قال: نعم، ولكن يشق.
(4) التهذيب 5: 384 / 1341، الوسائل 12: 500 أبواب تروك الاحرام ب 51 ح 2.
(5) الكافي 4: 347 / 2، الفقيه 2: 217 / 996، الوسائل 12: 501 أبواب تروك
الاحرام ب 51 ح 4.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 575.
15

لقصور الخبرين المتضمنين له عن إفادة الحرمة، لكون المفهوم فيهما
بطريق الأخبار، الذي هو أعم من إفادة التحريم.
وأما الخف وإن كان كذلك أيضا إلا أنه يمكن استفادة تحريم لبسه
من عطفه في الصحيحتين الأوليين على السراويل، الذي النهي فيه للحرمة.
وعن الأمر في رواية أبي بصير بالشق الذي هو للوجوب البتة، ولولا
حرمة التستر به لم يكن له وجه.
وعن مفهوم قوله في رواية أبي بصير وصحيحة الحلبي: (له أن
يلبس الخفين إذا اضطر)، حيث إن المتبادر من هذا التركيب الحلية ونفيها
منطوقا ومفهوما.
مضافا إلى مظنة الاجماع فيه. فالتحريم فيه خاصة أقوى، وإن كان
الاجتناب عن الجورب - بل عن مطلق لبس ما يستر الظهر - أحوط وأولى.
وكيف كان، فالمحرم ستر تمام الظهر، فلا يحرم ستر البعض،
للأصل، وعدم استفادته من النص، لأن الخف والجورب الممنوعين منهما
ساتران للكل عادة، والشهرة ونفي الخلاف مخصوصان به، بل صرح جمع
بعدم المنع في البعض (1)، بل يشعر بعض كلماتهم بالاجماع عليه (2).
وكذا يختص التحريم باللبس، فلا منع في الستر بغيره، كالجلوس
عليه، وإلقاء طرف الإزار، والجعل تحت الثوب عند النوم، والغمس في
الماء، والتستر باليد، وغير ذلك، لعين ما ذكر، بل جوز في الذخيرة
التخصيص بما له ساق (3)، لما ذكر، ولا بأس به.

(1) كما في المدارك 7: 338، الحدائق 15: 443، الرياض 1: 376.
(2) كما في الرياض 1: 376.
(3) الذخيرة: 594.
16

ومنه ومما ذكرنا في لبس المخيط يظهر وجه تخصيص تحريم ذلك
أيضا بالرجل، كما هو مختار جماعة - منهم: العماني والشهيد الثاني (1) -
مؤيدا بالعمومات (2) المتقدمة في لبس المخيط، والأخبار المصرحة: بأن
إحرامها في وجهها (3).
وكذا يختص بحال الاختيار، فلو اضطر إلى اللبس جاز، بلا خلاف
فيه يعلم، كما عن المنتهى (4)، بل بالاجماع، كما عن السرائر
والمختلف (5)، لتصريح الأخبار (6) المتقدمة به.
وهل يجب حينئذ شق ظهر القدم، كما عن الشيخ (7) وأتباعه (8)،
واختاره المحقق الشيخ علي (9)، لرواية أبي بصير وصحيحة محمد
المتقدمتين؟
أو لا يجب، كما عن الحلي والمحقق والشهيد (10)، لضعف
الروايتين، وقوة احتمال ورودهما مورد التقية، لموافقتهما لمذهب أكثر
العامة ومنهم أبو حنيفة كما قيل (11)، ولخلو بعض المطلقات عنه مع وروده

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 267، الشهيد الثاني في المسالك 1: 109.
(2) الوسائل 12: 473 أبواب تروك الاحرام ب 35.
(3) انظر الوسائل 12: 505 أبواب تروك الاحرام ب 55.
(4) المنتهى 2: 782.
(5) السرائر 1: 543، المختلف: 270.
(6) الوسائل 12: 500 أبواب تروك الاحرام ب 51.
(7) في المبسوط 1: 320.
(8) كابن حمزة في الوسيلة: 163.
(9) جامع المقاصد 3: 185.
(10) الحلي في السرائر 1: 543، المحقق في الشرائع 1: 250، وقال الشهيد في
الدروس (1: 376): ويجب شقه عن ظهر القدم على الأصح.
(11) انظر الرياض 1: 376.
17

في مقام البيان؟
أو يستحب، كما في الذخيرة (1)، جمعا بين الأخبار؟
أو يحرم كما قيل (2)، لأن فيه إتلافا للمال المحترم؟
الحق هو: الأول، لما مر، وضعف الرواية عندنا غير ضائر.
والحمل على التقية إنما هو مع اختلاف الأخبار ولا اختلاف هنا، مع
أنه يمكن القلب في ذلك، لموافقة عدم الشق لبعض الروايات العامية الدالة
على المنع (3).
وإطلاق بعض الأخبار غير مضر، لوجوب حمل المطلق على المقيد.
ووروده في مقام البيان ممنوع إن أريد بيان جميع أحكامه - أي مقام
الحاجة - وإن أريد في الجملة فغير ناهض.
والجمع - بحمل المطلق على المقيد - مقدم على الحمل على
الاستحباب.
وكون ذلك إتلافا ممنوع، ولو سلم فبعد أمر الشارع به واجب كشق
القميص.
الثالث: تغطية الرأس، فإنها محرمة على الرجل المحرم، إجماعا
محققا ومحكيا في المنتهى والتذكرة والمدارك والمفاتيح وشرحه (4)، وهو
الحجة فيه.
مضافا إلى صحيحة ابن سنان: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأبي

(1) الذخيرة: 594.
(2) انظر الرياض 1: 376.
(3) انظر سنن الدارقطني 2: 272 / 170.
(4) المنتهى 2: 789، التذكرة 1: 336، المدارك 7: 353، المفاتيح 1: 332.
18

وشكى إليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به وقال: ترى أن أستتر
بطرف ثوبي؟ قال: (لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك) (1)، دلت بمفهوم
الغاية على ثبوت البأس - الذي هو العذاب - مع إصابة الرأس.
وصحيحة عبد الله بن ميمون: (المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة
في وجهها وإحرام الرجل في رأسه) (2).
المعتضدتين بمستفيضة أخرى، المانعة للرجل عن تغطية الرأس،
والآمرة بعدها بتجديد التلبية بالجملة الخبرية..
كصحيحة زرارة، وفيها: (ولا يخمر رأسه، والمرأة المحرمة عند
النوم لا بأس أن تغطي وجهها كله عند النوم) (3)، وقريبة منها صحيحة
السراد (4)، وصحيحة حريز (5)، وصحيحة الحلبي (6).
وأما رواية زرارة في المحرم: (له أن يغطي رأسه ووجهه إذا أراد أن
ينام) (7).
فشاذة مطروحة، وبمخالفتها للعمل عن حيز الحجية خارجة، أو على

(1) الفقيه 2: 227 / 1068، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 4.
(2) الكافي 4: 345 / 7، الفقيه 2: 219 / 1009، المقنعة: 445، الوسائل 12:
505 أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 2.
(3) الكافي 4: 349 / 1، الوسائل 12: 510 أبواب تروك الاحرام ب 59 ح 1.
(4) التهذيب 5: 307 / 1051، الإستبصار 2: 184 / 614، الوسائل 12: 506
أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 5.
(5) الفقيه 2: 227 / 1071، التهذيب 5: 307 / 1050، الإستبصار 2: 184 / 613،
الوسائل 12: 505 أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 3.
(6) الفقيه 2: 227 / 1070، الوسائل 12: 506 أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 6.
(7) التهذيب 5: 308 / 1052، الإستبصار 2: 184 / 615، الوسائل 12: 507
أبواب تروك الاحرام ب 56 ح 2.
19

حال الضرورة محمولة، ولا ينافيها قوله: (إذا أراد أن ينام) كما توهم (1).
فروع:
أ: ذكر جمع من الأصحاب - كما في المدارك (2) -: أن المراد بالرأس
هنا منابت الشعر خاصة حقيقة أو حكما، وظاهرهم خروج الأذنين منه،
وبه صرح الشهيد الثاني (3). واستوجه الفاضل في التحرير الدخول (4).
وتردد في التذكرة والمنتهى (5).
دليل الأول: الأصل.
ودليل الثاني: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: عن المحرم يجد
البرد في أذنيه، يغطيهما؟ قال: (لا) (6)، وهي عن إفادة التحريم قاصرة.
والأولى الاستدلال برواية سماعة: عن المحرم يصيب أذنه الريح
فيخاف أن يمرض، هل يصلح أن يسد أذنيه بالقطن؟ قال: (نعم، لا بأس
بذلك إذا خاف ذلك وإلا فلا) (7).
دلت بالمفهوم والمنطوق على ثبوت البأس وعدم الصلاحية - الذي
هو أيضا مثبت للحرمة كما بينا وجهه في موضعه - مع عدم الخوف، وبها
يدفع الأصل، فالحق هو: الثاني.

(1) انظر الوافي 12: 598.
(2) المدارك 7: 355.
(3) المسالك 1: 11.
(4) التحرير 1: 114.
(5) التذكرة 1: 337، المنتهى 2: 789.
(6) الكافي 4: 349 / 4، الوسائل 12: 505 أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 1.
(7) الكافي 4: 359 / 9، الوسائل 12: 531 أبواب تروك الاحرام ب 70 ح 8.
20

ب: يجوز للرجل تغطية الوجه وفاقا للأكثر، بل غير من شذ وندر،
بل في التذكرة: أنه قول علمائنا أجمع (1)، وعن الخلاف والمنتهى: الاجماع
عليه أيضا (2)، للأصل، والمستفيضة من الصحاح وغيرها (3)، الخالية عما
يصلح للمعارضة.
خلافا للمحكي عن العماني، فحرمه (4)، لصحيحة الحلبي: (المحرم
إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا) (5).
وهي عن إفادة الحرمة قاصرة، لمنع الملازمة بينها وبين الكفارة،
ولذا جوزه الشيخ في التهذيب وأوجب الكفارة (6).
ج: صرح في المنتهى بتحريم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطية
جميعه (7)، وهو كذلك، لصحيحة ابن سنان المتقدمة، فإن إطلاق إثبات
البأس في إصابة الثوب الرأس يقتضي ذلك.
نعم، يستثنى من ذلك وضع عصابة القربة على الرأس لحملها وإن
تحقق به ستر البعض، لصحيحة محمد (8)، ولا يتقيد ذلك بالضرورة،
لاطلاق النص.. والعصابة للصداع، لصحيحة معاوية بن وهب (9)، وقد

(1) التذكرة 1: 337.
(2) الخلاف 2: 298، المنتهى 2: 790.
(3) الوسائل 12: 510 أبواب تروك الاحرام ب 59.
(4) حكاه عنه في المختلف: 286.
(5) التهذيب 5: 308 / 1054، الوسائل 12: 505 أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 4.
(6) التهذيب 5: 308.
(7) المنتهى 2: 789.
(8) الفقيه 2: 221 / 1024، الوسائل 12: 508 أبواب تروك الاحرام ب 57 ح 1.
(9) الكافي 4: 359 / 10، التهذيب 5: 308 / 1056، الوسائل 12: 507 أبواب
تروك الاحرام ب 56 ح 1.
21

عمل بهما الأصحاب.
د: يجوز ستر الرأس ببعض جسده كاليد والذراع، كما صرح به في
المنتهى (1) وغيره (2)، للأصل الخالي عن المعارض، لانتفاء الاجماع،
والأخبار المستفيضة المجوزة لحك الرأس باليد (3)، وعدم صدق إصابة
الثوب والتخمير والتقنع الواردة في الأخبار، وعدم معلومية إرادة نحو ذلك
من كون إحرام الرجل في رأسه، ولوجوب مسح الرأس في الوضوء،
ولصحيحة معاوية بن وهب، وابن عمار، ورواية المعلى بن خنيس،
وجعفر بن المثنى الآتية في مسألة التظليل.
وأما موثقة الأعرج: عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده؟
فقال: (لا، إلا من علة) (4).
فهي واردة في التظليل دون التغطية، ومع ذلك عن إفادة الحرمة
قاصرة.
وهل يجوز التستر بغير المعتاد للستر، كالطين والحناء والإناء والزنبيل
والقرطاس والطبق والمتاع؟
أو يعم المنع التغطية بأي شئ كان؟
ظاهر المدارك: الأول (5)، وإن جعل الأحوط تركه. واستشكل فيه
بعضهم (6).

(1) المنتهى 2: 790.
(2) كالتذكرة 1: 336.
(3) الوسائل 12: 533 أبواب تروك الاحرام ب 73.
(4) الفقيه 2: 227 / 1069، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 5.
(5) المدارك 7: 354.
(6) كالسبزواري في الذخيرة: 599، صاحب الرياض 1: 378.
22

وصرح في المبسوط: بأن من خضب رأسه أو طينه لزمه الفداء (1)،
فهو رجح الثاني، وعن بعضهم: نفي الخلاف فيه إلا من العامة (2).
وجه الأول: بعض ما ذكر للستر ببعض الجسد، مضافا إلى انصراف
الأوامر والنواهي إلى الأمور المعتادة.
ودليل الثاني: صدق الستر والتغطية، وبعض الأخبار المانعة عن ستر
المحرمة وجهها بالمروحة (3)، مع ما ورد أن إحرامها في وجهها وإحرامه في
رأسه، ويؤيده المنع عن الارتماس.
والكل يقبل الخدش، لعدم دليل تام على حرمة مطلق الستر والتغطية،
وبطلان القياس على المحرمة والارتماس، إلا أن الأحوط الترك البتة.
ه‍: صرح جماعة بعدم البأس في التوسد بنحو وسادة وبعمامة مكورة (4)،
وهو كذلك، إذ يصدق على المتوسد أنه مكشوف الرأس، ولبعض ما ذكر.
و: لو غطى رأسه ناسيا ألقى الغطاء وجوبا عند الذكر، لأن استدامة
التغطية محرمة كابتدائها.
ويستحب له التلبية بعده، لصحيحتي حريز (5) والحلبي (6) الآمرتين
بالتلبية بالجملة الخبرية القاصرة عن إثبات الوجوب، مضافا إلى ما قيل من
عدم القول بالوجوب (7).. إلا أنه حكي عن ظاهر الشيخ وابني حمزة

(1) المبسوط 1: 351.
(2) كما في التذكرة 1: 336، كشف اللثام 1: 330.
(3) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الاحرام ب 48.
(4) انظر الرياض 1: 378.
(5) الفقيه 2: 227 / 1071، التهذيب 5: 307 / 1050، الإستبصار 2: 184 / 613،
الوسائل 12: 505 أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 3.
(6) الفقيه 2: 227 / 1070، الوسائل 12: 506 أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 6.
(7) كما في المدارك 7: 359.
23

وسعيد (1)، واختاره بعض مشايخنا (2)، وهو ضعيف.
ز: حرمة التغطية مخصوصة بالرجل، وأما المرأة فلا يحرم عليها،
بالاجماع والأصل، والأخبار (3).
الرابع: الارتماس بإدخال الرأس في الماء، فإنه محرم على الرجل
المحرم بلا خلاف، بل بالاجماعين (4)، وهو العمدة لنا في الاستدلال.
وأما الأخبار المانعة عنه - كصحاح ابن سنان (5) وحريز (6) ويعقوب
ابن شعيب (7) ومرسلة حريز (8) - فكلها قاصرة عن إفادة الحرمة، لمكان
الجملة الخبرية، إلا أن يجعل الاجماع على الحمل عليها قرينة.
وعلى هذا، فلا منع في إفاضة الماء وصبه على الرأس، لانتفاء
الاجماع فيه، بل على جوازه الاجماع في التذكرة والمنتهى (9) وغيرهما (10)،
ومع ذلك فالأخبار بجوازه مستفيضة جدا (11).
ومما ذكر ظهر أيضا وجه الاختصاص بالرجل، مضافا إلى اختصاص

(1) الشيخ في المبسوط 1: 321، ابن حمزة في الوسيلة: 163، ابن سعيد في
الجامع للشرائع: 187.
(2) كصاحب الرياض 1: 378.
(3) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الاحرام ب 48.
(4) كما في التذكرة 1: 336، الرياض 1: 378.
(5) التهذيب 5: 307 / 1048، الوسائل 12: 508 أبواب تروك الاحرام ب 58 ح 1.
(6) الفقيه 2: 226 / 1064، التهذيب 5: 312 / 1071، الإستبصار 2: 84 / 259،
الوسائل 12: 509 أبواب تروك الاحرام ب 58 ح 3.
(7) الكافي 4: 353 / 2، الوسائل 12: 509 أبواب تروك الاحرام ب 58 ح 4.
(8) الكافي 4: 353 / 1، الوسائل 12: 509 أبواب تروك الاحرام ب 58 ح 5.
(9) التذكرة 1: 336، المنتهى 2: 790.
(10) كالحدائق 15: 499، والرياض 1: 378.
(11) انظر الوسائل 12: 535 أبواب تروك الاحرام ب 75.
24

الأخبار أيضا.
الخامس: التظليل للرجل راكبا، بالاجماع المحقق والمحكي عن
الانتصار والخلاف والمنتهى والتذكرة (1)، وبالمستفيضة من الأخبار
الصحيحة وغيرها، وهي كثيرة جدا تقرب من ثلاثين.
ولكن منها ما يتضمن الأمر بالاضحاء ونحوه مما يدل على التحريم.
ومنها: ما يطلب فيه التظليل بالجمل الخبرية مع الأمر بالفداء لو ظلل
أو بدونه.
ومنها: ما يدل على ثبوت الفداء فيه.
والقسمان الأخيران وإن لم يكونا بنفسهما ناصين في التحريم، إلا أنه
تتم دلالتهما عليه بضميمة الاجماع والقسم الأول.
فمن الأول: موثقة عثمان بن عيسى: إن علي بن شهاب يشكو رأسه
والبرد شديد وهو يريد أن يحرم، فقال: (إن كان كما زعم فليظلل، وأما
أنت فأضح لمن أحرمت له) (2).
وصحيحة ابن المغيرة: عن الظلال للمحرم، فقال: (أضح لمن
أحرمت له). الحديث (3).
وصحيحة حفص وهشام بن الحكم، وفيها: (أضح لمن أحرمت له) (4).
وصحيحة هشام بن سالم: عن المحرم يركب في الكنيسة (5)، فقال:

(1) الإنتصار: 97، الخلاف 2: 318، المنتهى 2: 791، التذكرة 1: 337.
(2) الكافي 4: 351 / 7، الوسائل 12: 519 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 13.
(3) الكافي 4: 350 / 2، الوسائل 12: 518 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 11.
(4) الفقيه 2: 226 / 1067، الوسائل 12: 512 أبواب تروك الاحرام ب 61 ح 2.
(5) الكنيسة: شبه هودج، يغرز في المحمل أو في الرحل قضبان ويلقى عليه ثوب
يستظل به الراكب ويستتر به - المصباح المنير: 542.
25

(لا، وهو للنساء جائز) (1)، فإن التفصيل بين النساء والرجال في الجواز
قاطع للشركة فيه.
والخبر: أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟ فقال: (لا يجوز ذلك
مع الاختيار) (2).
ومن الثاني: صحيحة ابن المغيرة: أظلل وأنا محرم؟ قال: (لا)،
قلت: فأظلل وأكفر؟ قال: (لا)، قلت: فإن مرضت؟ قال: (ظلل
وكفر) (3).
وصحيحة محمد: عن المحرم يركب القبة، فقال: (لا)، قلت:
فالمرأة المحرمة؟ قال: (نعم) (4).
وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق: هل يستتر المحرم عن الشمس؟
قال: (لا، إلا أن يكون شيخا كبيرا أو ذا علة) (5).
ورواية محمد بن منصور: عن الضلال للمحرم، قال: (لا يظلل إلا
من علة مرض) (6).
وصحيحة الأشعري: عن المحرم أيظلل على نفسه؟ فقال: (أمن

(1) التهذيب 5: 312 / 1072، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 4.
(2) الإحتجاج 2: 394، إرشاد المفيد 2: 235، الوسائل 12: 523 أبواب تروك
الاحرام ب 66 ح 6.
(3) الفقيه 2: 225 / 1059، التهذيب 5: 313 / 1075، الإستبصار 2: 187 / 627،
العلل: 452 / 1، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 3.
(4) التهذيب 5: 312 / 1070، الوسائل 12: 515 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 1.
(5) الكافي 4: 351 / 8، التهذيب 5: 310 / 1062، الإستبصار 2: 186 / 622،
الوسائل 12: 517 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 9، بتفاوت يسير.
(6) الكافي 4: 351 / 6، وفي التهذيب 5: 309 / 1060، والاستبصار 2: 186 / 621،
والوسائل 12: 517 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 8: من علة أو مرض.
26

علة؟) فقلت: تؤذيه الشمس وهو محرم، فقال: (هي علة يظلل
ويفدي) (1).
وموثقة ابن عمار: عن المحرم يظلل عليه وهو محرم، فقال: (إلا
مريض، أو من به علة والذي لا يطيق الشمس) (2).
ورواية المعلى: (لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، ولا بأس أن
يستر بعضه ببعض) (3).
ورواية البجلي في المحرم، وفيها: (هو أعلم بنفسه، إذا علم أنه لا
يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل منها) (4).
ورواية جعفر بن المثنى، وفيها: ما تقول في المحرم يستظل على
المحمل؟ فقال: (لا)، فقال: يستظل في الخباء؟ فقال له: (نعم) - إلى أن
قال: - (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يركب راحلته فلا يستظل عليها، وتؤذيه الشمس
فيستر بعض جسده ببعض، وربما يستر وجهه بيده، وإذا نزل استظل
بالخباء وفي البيت وبالجدار) (5).
وبمضمونها رواية أخرى لمحمد بن الفضيل (6).

(1) التهذيب 5: 310 / 1064، الإستبصار 2: 186 / 624، الوسائل 13: 154
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 4، بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 5: 309 / 1057، الإستبصار 2: 185 / 618، الوسائل 12: 517
أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 7، بتفاوت.
(3) الكافي 4: 352 / 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 2.
(4) التهذيب 5: 309 / 1059، الإستبصار 2: 186 / 620، الوسائل 12: 517
أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 6.
(5) الكافي 4: 350 / 1، التهذيب 5: 309 / 1061، الوسائل 12: 520 أبواب
تروك الاحرام ب 66 ح 1، بتفاوت.
(6) الكافي 4: 352 / 15، الوسائل 12: 521 أبواب تروك الاحرام ب 66 ح 2.
27

ورواية أبي بصير: عن المرأة يضرب عليها الظلال وهي محرمة؟
قال: (نعم)، قلت: فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم؟ قال: (نعم
إذا كانت به شقيقة (1)، ويتصدق لكل يوم بمد) (2).
ومن الثالث صحيحة ابن بزيع: هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت
ظل المحمل؟ فكتب: (نعم)، قال: وسأله رجل عن الظلال للمحرم من
أذى مطر أو شمس وأنا أسمع، فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى (3)،
وقريبة من ذيلها الأخرى (4) والثالثة (5).
وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود: المحرم يظلل على محمله ويفتدي
إذا كانت الشمس والمطر يضران به؟ قال: (نعم)، قلت: كم الفداء؟ قال:
(شاة) (6) (7).

(1) الشقيقة: نوع من صداع يعرض في مقدم الرأس وإلى أحد جانبيه - نهاية ابن
الأثير 2: 492.
(2) الكافي 4: 351 / 4، الفقيه 2: 226 / 1062، الوسائل 13: 155 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 6 ح 8.
(3) الكافي 4: 351 / 5، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 1، وأورد
ذيل الحديث في ج 13: 155 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 6.
(4) التهذيب 5: 334 / 1151، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6
ح 3.
(5) الفقيه 2: 226 / 1063، التهذيب 5: 311 / 1065، الإستبصار 2: 186 / 625،
الوسائل 13: 155 أبواب كفارات الاحرام ب 6 ح 7.
(6) الكافي 4: 351 / 9، التهذيب 5: 311 / 1066، الإستبصار 2: 187 / 626،
الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 5، بتفاوت.
(7) في (ح) و (ق) زيادة: وصحيحة ابن بزيع: عن الظل للمحرم في أذى من مطر أو
شمس، أو قال: من علة فأمر بفداء شاة يذبحها بمنى، وقال: (نحن إذا أردنا ذلك
ظللنا وفدينا).
28

ورواية علي بن محمد: المحرم هل يظلل على نفسه إذا آذته الشمس
أو مطر أو كان مريضا أم لا، فإن ظلل هل عليه الفداء أم لا؟ فكتب: (يظلل
على نفسه ويهريق دما) (1) إلى غير ذلك من الأخبار (2).
ولا تعارض تلك الأخبار صحيحة الحلبي: عن المحرم يركب في
القبة؟ قال: (ما يعجبني ذلك إلا أن يكون مريضا) (3).
وصحيحة علي: سألت أخي أظلل وأنا محرم؟ فقال: (نعم، وعليك
الكفارة)، فقال: رأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل (4).
وصحيحة جميل (لا بأس بالظلال للنساء وقد رخص فيه
للرجال) (5).
لأن عدم الاعجاب في الأولى يشمل التحريم أيضا، والثانيتان أعمان
مطلقا من كثير مما مر، لشمولهما لحال الضرورة، مع أن الثانية قضية في
واقعة، والرخصة في الثالثة تستعمل فيما كان محظورا وأذن فيه للضرورة.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فاستحب الاضحاء (6)، وللذخيرة
فاستشكل في المسألة (7)، للروايات الثلاث الأخيرة، وقد مر جوابها، مع

(1) التهذيب 5: 310 / 1063، الإستبصار 2: 186 / 623، الوسائل 13: 154
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 1.
(2) الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6.
(3) التهذيب 5: 309 / 1058، الإستبصار 2: 185 / 619، الوسائل 12: 517
أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 5.
(4) التهذيب 5: 334 / 1150، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 2.
(5) التهذيب 5: 312 / 1074، الإستبصار 2: 187 / 628، الوسائل 12: 518
أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 10.
(6) حكاه عنه في المختلف: 285.
(7) الذخيرة: 598.
29

أنه على فرض الدلالة لا حجية فيها، لشذوذها وخروجها عن الحجية،
ومخالفتها الشهرة العظيمة، بل الاجماع، لعدم تحقق قدح مثل تلك
المخالفة فيه.
فروع:
أ: اعلم أن حرمة التظليل مخصوصة بحالة السير، فلا يحرم حين
النزول الاستظلال بالسقف والخيمة والشجرة ونحوها والجلوس تحتها
لضرورة أو غير ضرورة، بالاجماعين (1)، والأصل، والنصوص، كروايتي
جعفر ومحمد بن الفضيل المتقدمتين..
ورواية الحسين بن مسلم: ما فرق بين الفسطاط وظل المحمل؟
فقال: (لا ينبغي أن يستظل في المحمل، والفرق أن المرأة تطمث في شهر
رمضان فتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة)، قال: صدقت جعلت فداك (2).
وبهذه الأخبار المنجبرة تقيد المطلقات المقيدة.
وكذا مخصوصة بحال الركوب، فيجوز له المشي في الظلال وتحتها
كظل المحمل والحمل والدابة والثوب ونحوه ينصبه فوق رأسه، وفاقا لجماعة،
منهم: الشيخ والشهيدان (3) وغيرهم (4)، لصحيحة ابن بزيع المتقدمة (5)..

(1) كما حكاه في المنتهى 2: 792.
(2) الفقيه 2: 225 / 1060، المقنع: 74، الوسائل 12: 522 أبواب تروك الاحرام
ب 66 ح 3، بتفاوت يسير.
(3) الشيخ في المبسوط 1: 321، الشهيد الأول في الدروس 1: 377، الشهيد
الثاني في الروضة 2: 244.
(4) كصاحب الحدائق 15: 484، وصاحب الرياض 1: 379.
(5) الكافي 4: 351 / 5، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 1.
30

وفي خبر آخر: يجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله؟ فقال: (لا
يجوز ذلك مع الاختيار)، فقيل: أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟
فقال عليه السلام: (نعم) (1).
ويؤكده تضمن كثير من الأخبار المانعة (2) لقوله: (لا يستظل في
المحمل) أو: (على المحمل) أو: (في الكنيسة) أو: (القبة).
ونسب إلى المنتهى (3) اختصاص جواز الاستظلال حال المشي بما إذا
لم يكن من فوق رأسه، واستدل له ببعض المطلقات، وأيد أيضا بأن
المتعارف من المشي في ظل المحمل أن يكون الحمل على أحد جانبيه،
والعموم بالنسبة إلى غير الأفراد المتعارفة غير واضح.
وفيه: أن هذا إنما يتم إذا كان اللفظ عاما أو مطلقا، وأما صحيحة ابن
بزيع فمتضمنة لقوله: (تحت المحمل)، فليس المشي في أحد الجانبين من
أفراده، فتقيد المطلقات بها.
مع أن لي في هذه النسبة إلى المنتهى نظرا، لأنه قال: يجوز للمحرم
أن يمشي تحت الظلال وأن يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا ونازلا، لكن
لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة وغير ضرورة عند جميع أهل
العلم. انتهى.
فإن تصريحه بجواز المشي تحت الظلال أولا وجعله السائر قسيم
النازل ينبئ عن أن مراده بالسائر الراكب، وغرضه أن تحريم التظليل للراكب

(1) الإحتجاج: 394، الإرشاد 2: 235، الوسائل 12: 523 أبواب تروك الاحرام
ب 66 ح 6.
(2) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الاحرام ب 64.
(3) المنتهى 2: 792.
31

إذا كان فوق رأسه لا في أحد جانبيه، وتؤكده نسبة ذلك إلى جميع أهل
العلم.
وهل يختص تحريم التظليل راكبا بما إذا كان من فوق رأسه، أو
يحرم التظليل عليه مطلقا؟
فعن المنتهى والخلاف: الأول (1)، نافيا في الأخير الخلاف فيه، وعن
الدروس: التردد فيه (2).
واستدل للأول بالأصل.
واختصاص أكثر الأخبار بالجلوس في القبة والكنيسة (3).
وبصحيحة ابن سنان (4) المتقدمة في صدر مسألة التغطية.
والأول: يدفع بالمطلقات.
والثاني: لا يعارضها.
والثالث: مخصوص بحالة الأذية، وهي من الضرورة، ولا نزاع في
الجواز معها.
فالحق: حرمة التظليل حال الركوب مطلقا ولو لم يكن راكب المحمل
ونحوه، بل الظاهر أنه يجب حينئذ البروز للشمس إذا تحولت إلى جهة
أخرى، ليتحقق الاضحاء المأمور به، وينتفي التستر عن الشمس المنهي عنه.
وكما يجب ترك التستر عن الشمس كذلك يجب ترك التظليل عن
السماء أيضا، فلا يجوز الجلوس في نحو المحمل المسقف في الليل ولا

(1) المنتهى 2: 792، الخلاف 2: 318.
(2) الدروس 1: 379.
(3) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الاحرام ب 64.
(4) الفقيه 2: 227 / 1068، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 4.
32

في يوم الغيم، وكذا في يوم الصحو في أول النهار وآخره إذا جلس مواجها
للشمس.
لأن المراد من التظليل أعم منهما - كما تفصح عنه طائفة من
الأخبار (1) المتقدمة، المتضمنة للاستظلال من المطر - ولأن الاضحاء
المأمور به بل التظليل أيضا محتمل لإرادة الابراز للسماء وللابراز للشمس،
وقاعدة استصحاب الشغل اليقيني تقتضي وجوب الاجتناب عن الأمرين.
ب: يجوز التستر ببعض جسده، لروايتي المعلى (2) وجعفر (3)
المتقدمتين، وصحيحتي ابن عمار والحلبي:
الأولى: (لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر
الشمس، ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض) (4)، ونحوها الثانية (5).
وأما موثقة سعيد الأعرج (6) فقد مر جوابها في مسألة التغطية.
ج: الحكم المذكور مخصوص بالرجل، فيجوز الاستظلال بمعنييه
للمرأة والصبيان بلا خلاف، وعليه الاجماع في كلام جماعة (7)، ويدل عليه
الأصل، واختصاص النصوص المانعة بالرجال، وصحاح هشام (8) ومحمد (9)

(1) الوسائل 12: 524 أبواب تروك الاحرام ب 67.
(2) الكافي 4: 352 / 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 2.
(3) الكافي 4: 350 / 1، التهذيب 5: 309 / 1061، الوسائل 12: 520 أبواب
تروك الاحرام ب 66 ح 1.
(4) التهذيب 5: 308 / 1055، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 3.
(5) الكافي 4: 352 / 11، الوسائل 12: 524 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 2.
(6) الفقيه 2: 227 / 1069، الوسائل 12: 525 أبواب تروك الاحرام ب 67 ح 5.
(7) كصاحب الرياض 1: 379.
(8) التهذيب 5: 312 / 1072، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 4.
(9) التهذيب 5: 312 / 1070، الوسائل 12: 515 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 1.
33

وجميل (1) ورواية أبي بصير (2) المتقدمة جميعا، وصحيحة حريز: (لا بأس
بالقبة على النساء والصبيان وهم محرمون) (3).
د: لا شك في اختصاص الحكم المذكور بحال الاختيار، فيجوز له
التظليل راكبا مع العذر والضرورة إجماعا، على ما صرح به جماعة، منهم:
المحقق الثاني والفاضل الهندي والمفاتيح وشرحه (4)، وإن اختلفوا في قدر
العذر..
فمنهم من اكتفى فيه بمطلق المشقة ولو بالمشقة الحاصلة من حر
الشمس ونزول المطر، واختاره في الذخيرة (5)، لنفي مطلق العسر، وللصحاح
الخمس المتقدمة للأشعري (6) وابن بزيع (7) وإبراهيم بن أبي محمود (8)

(1) التهذيب 5: 312 / 1074، الإستبصار 2: 187 / 628، الوسائل 12: 518
أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 10.
(2) الكافي 4: 351 / 4، الفقيه 2: 226 / 1062، الوسائل 13: 155 أبواب بقية
كفارات الاحرام ب 6 ح 8.
(3) الكافي 4: 351 / 10، الفقيه 2: 226 / 1064، التهذيب 5: 312 / 1071،
الوسائل 12: 519 أبواب تروك الاحرام ب 65 ح 1.
(4) المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 187، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1:
337، المفاتيح 1: 334.
(5) الذخيرة: 598.
(6) التهذيب 5: 310 / 1064، الإستبصار 2: 186 / 624، الوسائل 13: 154
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 4.
(7) الأولى في: الفقيه 2: 226 / 1063، التهذيب 5: 311 / 1065، الإستبصار 2:
186 / 625، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 7.
الثانية في: الكافي 4: 351 / 5، الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفارات الاحرام
ب 6 ح 6.
(8) الكافي 4: 351 / 9، التهذيب 5: 311 / 1066، الإستبصار 2: 187 / 626،
الوسائل 13: 155 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 5.
34

ورواية علي بن محمد (1).
ومنهم من اشترط التضرر به لعلة أو كبر أو ضعف أو شدة حر أو
برد، وهو المحكي عن الشيخين والحلي (2)، وبه أفتى طائفة من
المتأخرين، منهم: الروضة (3) وبعض مشايخنا (4).
لرواية البجلي (5) وموثقة [ابن عمار (6)] (7) السابقتين المقيدتين
للتجويز بعدم الاطلاقة والاستطاعة، والخبر (8) المتقدم النافي للجواز مع
الاختيار، وموثقة عثمان بن عيسى (9) السالفة المقيدة بقوله: (إن كان كما
زعم)، وهذه مقيدة بالنسبة إلى مطلق الأذية، فيجب التقييد بها.
أقول: هذا كان حسنا لو أفادت الجمل الخبرية في الرواية والموثقة
للتحريم بدون الإطاقة والاستطاعة، أو منع صدق الأذية الواردة في الصحاح
بدون حصول التضرر، وكلاهما ممنوعان، ولذا أطلق الأذية في رواية
جعفر (10) على ما يندفع بالستر باليد.

(1) التهذيب 5: 310 / 1063، الإستبصار 2: 186 / 623، الوسائل 13: 154
أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 1.
(2) المفيد في المقنعة: 432، الطوسي في المبسوط 1: 321، الحلي في السرائر 1: 547.
(3) الروضة 2: 245.
(4) الحدائق 15: 479.
(5) التهذيب 5: 309 / 1059، الإستبصار 2: 186 / 620، الوسائل 12: 517
أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 6.
(6) التهذيب 5: 309 / 1057، الإستبصار 2: 185 / 618، الوسائل 12: 517
أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 7.
(7) ما بين المعقوفين ساقط عن النسخ.
(8) الإحتجاج: 394، الإرشاد 2: 235، الوسائل 12: 523 أبواب تروك الاحرام ب 66 ح 6.
(9) الكافي 4: 351 / 7، الوسائل 12: 519 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 13.
(10) الكافي 4: 350 / 1، التهذيب 5: 309 / 1061، الوسائل 12: 520 أبواب
تروك الاحرام ب 66 ح 1.
35

ولو سلم جميع ذلك فيعارض ما ذكروه مع أدلة نفي العسر بالعموم
من وجه، فيجب تقديمه، لاستفادتها من الكتاب العزيز.
فالأقوى هو الأول، ولكن يجب تقييده بما إذا كانت مشقة شديدة
زائدة عما يقتضيه مطلق مقابلة الشمس أو البرد أو المطر، لتصدق الأذية
والعسر، ويحصل العموم من وجه.
ه‍: هل يجوز التظليل اختيارا مع الفداء، أم لا؟
الأقوى: الثاني، وفاقا للتهذيبين والتذكرة والمنتهى (1)، للاطلاقات (2)
المؤيدة بصحيحة ابن المغيرة (3) السابقة.
خلافا للمحكي عن المقنع (4)، لصحيحة علي (5) المتقدمة، وقد
عرفت أنها قضية في واقعة.
و: لو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختصا بالظلال دونه، من غير
خلاف يعرف، كما صرح جماعة (6)، للعمومات (7)، وخصوص رواية
بكر (8)، ولا تعارضها مرسلة العباس بن معروف (9)، لضعف دلالتها.

(1) التهذيب 5: 312، الإستبصار 2: 187، التذكرة 1: 337، المنتهى 2: 792.
(2) الوسائل 12: 515 أبواب تروك الاحرام ب 64.
(3) الفقيه 2: 225 / 1059، التهذيب 5: 313 / 1075، الإستبصار 2: 187 / 627،
العلل: 452 / 1، الوسائل 12: 516 أبواب تروك الاحرام ب 64 ح 3.
(4) المقنع: 74.
(5) التهذيب 5: 334 / 1150، الوسائل 13: 154 أبواب بقية كفارات الاحرام ب 6 ح 2.
(6) كصاحب الحدائق 15: 483، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 332، صاحب
الرياض 1: 379.
(7) الوسائل 12: 526 أبواب تروك الاحرام ب 68.
(8) الكافي 4: 352 / 12، الفقيه 2: 226 / 1061، التهذيب 5: 311 / 1068،
الإستبصار 2: 185 / 616، الوسائل 12: 526 أبواب تروك الاحرام ب 68 ح 1.
(9) التهذيب 5: 311 / 1069، الإستبصار 2: 185 / 617، الوسائل 12: 526
أبواب تروك الاحرام ب 68 ح 2.
36

القسم الثالث
ما يختص بالمرأة
وهو أمر واحد:
وهو: تغطية الوجه، فإنها محرمة عليها، بلا خلاف يعرف كما في
الذخيرة (1)، بل بالاجماع كما في المنتهى والمدارك (2)، وفي التذكرة
والمفاتيح: الاجماع على حرمة النقاب عليها (3).
وتدل عليها من الأخبار صحيحة الحلبي: (مر أبو جعفر عليه السلام بامرأة
متنقبة وهي محرمة، فقال: أحرمي وأسفري وأرخي ثوبك من فوق
رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال رجل: إلى أين ترخيه؟
فقال: تغطي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال: نعم) (4).
وصحيحة عبد الله بن ميمون (5) المتقدمة في مسألة تغطية الرأس.
ورواية أحمد بن محمد: (مر أبو جعفر عليه السلام بامرأة محرمة قد
استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها) (6).

(1) الذخيرة: 599.
(2) المنتهى 2: 790، المدارك 7: 359.
(3) التذكرة 1: 337، المفاتيح 1: 333.
(4) الكافي 4: 344 / 3، التهذيب 5: 74 / 245، الوسائل 12: 494 أبواب تروك
الاحرام ب 48 ح 3.
(5) الكافي 4: 345 / 7، الفقيه 2: 219 / 1009، المقنعة: 445، الوسائل 12:
505 أبواب تروك الاحرام ب 55 ح 2.
(6) الكافي 4: 346 / 9، الفقيه 2: 219 / 1010 بتفاوت يسير، قرب الإسناد:
363 / 1300، الوسائل 12: 494 أبواب تروك الاحرام ب 48 ح 4.
37

ورواية ابن عيينة: ما يحل للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة؟
قال: (الثياب كلها ما خلا القفازين والبرقع والحرير) (1).
وصحيحة عيص: (المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير
الحرير والقفازين، وكره النقاب)، وقال: (تسدل الثوب على وجهها)،
قلت: حد ذلك إلى أين؟ قال: (إلى طرف الأنف قدر ما تبصر) (2).
ورواية يحيى بن أبي العلاء: (كره للمحرمة البرقع والقفازين) (3).
وأما صحيحتا زرارة والسراد المتقدمتين (4) في مسألة تغطية الرأس،
فظاهر بعض المتأخرين (5) حملهما على الاسدال المجوز لها كما يأتي،
ويمكن التخصيص بحالة النوم إن كان به قول.
وأكثر هذه الروايات وإن كانت متضمنة للنقاب والبرقع إلا أن العلتين
المصرحتين بهما في الصحيحتين الأوليين تقتضيان التعميم.
وكذا الأمر بالاسفار في الأولى، وإماطة المروحة في الثالثة، وقوله في
رواية سماعة الواردة في المحرمة: (ولا تستتر بيدها من الشمس) (6).
ولذا ذكر جماعة من الأصحاب أنه لا فرق في التحريم بين التغطية
بثوب وغيره (7).

(1) الكافي 4: 345 / 6، التهذيب 5: 75 / 247، الإستبصار 2: 309 / 1101،
الوسائل 12: 367 أبواب الاحرام ب 33 ح 3.
(2) الكافي 4: 344 / 1، التهذيب 5: 73 / 243، الإستبصار 2: 308 / 1099،
الوسائل 12: 368 أبواب الاحرام ب 33 ح 9.
(3) الفقيه 2: 219 / 1012، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الاحرام ب 48 ح 9.
(4) في ص: 19.
(5) انظر مجمع الفائدة 6: 350.
(6) الفقيه 2: 220 / 1017، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الاحرام ب 48 ح 10.
(7) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 331، وصاحب الرياض 1: 378.
38

واحتمل بعضهم التخصيص بالنقاب (1)، واستشكل آخر في التغطية
بغير الثوب (2)، وهما وإن لم يناسبا مع العلتين، [ولكن يناسب الأول] (3)،
لما يأتي من تجويز إسدال الثوب.
نعم، يستثنى منها إسدال الثوب وإرساله من رأسها إلى وجهها، بلا
خلاف فيه يعلم، كما في المنتهى (4)، وبالاجماع كما في التذكرة (5).
وتدل عليه من الأخبار صحيحتا الحلبي (6) والعيص (7) المتقدمتين،
وصحيحة ابن عمار: (تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر
إذا كانت راكبة) (8).
وصحيحة حريز: (المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن) (9) (10).
وروي عن عائشة: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع
رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا جاؤونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها،

(1) كصاحب المدارك 7: 361، وصاحب الرياض 1: 379.
(2) كصاحب المدارك 7: 360.
(3) بدل ما بين المعقوفين في (س) و (ق): لا يناسب الأول، وفي (ح): لا يناسب
العلة الأولى، والصحيح ما أثبتناه.
(4) المنتهى 2: 791.
(5) التذكرة 1: 337.
(6) الكافي 4: 344 / 3، التهذيب 5: 74 / 245، الوسائل 12: 494 أبواب تروك
الاحرام ب 48 ح 3.
(7) الكافي 4: 344 / 1، التهذيب 5: 73 / 243، الإستبصار 2: 308 / 1099،
الوسائل 12: 368 أبواب الاحرام ب 33 ح 9.
(8) الفقيه 2: 219 / 1008، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الاحرام ب 48 ح 9.
(9) الفقيه 2: 219 / 1007، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الاحرام ب 48 ح 6.
(10) في (س): زيادة: وزرارة المتقدمة: (تسدل ثوبها إلى نحرها) ولم تتقدم، وهي
في الفقيه 2: 227 / 1074، الوسائل 12: 495 أبواب تروك الاحرام ب 48 ح 7.
39

فإذا جاوزونا كشفنا (1).
وهذه الروايات وإن كانت مختلفة في التحديد، إلا أن مقتضى الجمع
جواز السدل إلى النحر، لعدم معارضة [بعض] (2) هذه الأخبار مع بعض.
وكذا لا يختص بحال الركوب كما اشترط في صحيحة ابن عمار، إذ
لا يثبت من مفهومها الحرمة في غير تلك الحالة.
وظاهر تلك الأخبار عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه، كما قطع به
في المنتهى (3) وصرح به جمع من المتأخرين (4)، للاطلاقات (5)، وعدم
انفكاك السدل من إصابة البشرة.
واشترط في القواعد عدم الإصابة (6)، وأوجب في المبسوط والجامع
المجافاة بخشبة ونحوها لئلا يصيب البشرة (7)، وعن الشيخ: إيجاب الدم لو
أصاب البشرة ولم تزل بسرعة (8)، ولا أرى مستندا لشئ من ذلك.
إلا أن المسألة بعد عندي من المشكلات، لأن مقتضى العلتين المذكورتين
حرمة التغطية مطلقا، ومقتضى تجويز السدل مطلقا رفع اليد عن العلتين
وجواز التغطية بالسدل، فتبقى حرمة النقاب والبرقع خاصة أو بغير السدل.
والأولى هو الأخير، وحمل العلة الأولى على الأولوية والثانية على
الاحرام بترك غير السدل مما يغطي، والأحوط مراعاة المجافاة أيضا، والله العالم.

(1) سن البيهقي 5: 48 بتفاوت يسير.
(2) ليست في النسخ، أضفناها لاستقامة العبارة.
(3) المنتهى 2: 791.
(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 111، وصاحب الرياض 1: 379.
(5) الوسائل 12: 493 أبواب تروك الاحرام ب 48.
(6) القواعد 1: 80.
(7) المبسوط 1: 320، الجامع للشرائع: 187.
(8) المبسوط 1: 320.
40

المقام الثاني
في مكروهات الاحرام
وهي أمور:
منها: الاكتحال
وتفصيل الكلام فيه: أن الاكتحال إما يكون للضرورة، أو لغيرها،
والثاني إما يكون بغير السواد، أو ما فيه طيب، أو للزينة، أو يكون بما فيه
أحد هذه الأمور.
فالأول مباح مطلقا بلا كلام فيه، كما في الذخيرة (1)، للأصل،
والأخبار:
كحسنة الكاهلي: أكتحل إذا أحرمت؟ قال: (لا، ولم تكتحل؟) قال:
إني ضرير البصر، فأنا إذا اكتحلت نفعني وإذا لم أكتحل أضرني، قال:
(فاكتحل) (2).
وصحيحة ابن عمار: (لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل
الأسود إلا من علة) (3).
وصحيحة ابن عمار: (المحرم لا يكتحل إلا من وجع) (4).
وما صرح بأن من اشتكى عينيه يكتحل بما ليس فيه مسك أو طيب،

(1) الذخيرة: 592.
(2) الكافي 4: 358 / 3، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 10.
(3) التهذيب 5: 301 / 1023، الوسائل 12: 468 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 2.
(4) الكافي 4: 357 / 5، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 8.
41

كمرسلة أبان (1)، أو بما ليس فيه مسك ولا كافور، كمرسلة الفقيه (2)، أو بما
ليس فيه زعفران، كصحيحة ابن سنان (3).
وكذا الثاني بلا خلاف فيه أيضا، للأصل الخالي عن المعارض،
مضافا إلى الأخبار:
كصحيحة الحلبي: عن الكحل للمحرم، قال: (أما بالسواد فلا،
ولكن بالصبر والحضض) (4) (5).
وابن عمار: (لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب
يوجد ريحه، فأما الزينة فلا) (6).
ومرسلة الفقيه، وفي آخرها: (وتكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله
إلا كحلا أسودا لزينة) (7).
وصحيحة زرارة: (تكتحل المرأة بالكحل كله إلا الكحل الأسود للزينة) (8).
وصحيحة محمد: (يكتحل المحرم عينه إن شاء بصبر ليس فيه
زعفران، ولا ورس) (9).

(1) الكافي 4: 357 / 4، الوسائل 12: 470 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 9.
(2) الفقيه 2: 221 / 1029، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 13.
(3) التهذيب 5: 301 / 1026، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 5.
(4) الحضض: بضم الضاد الأولى وفتحها، دواء معروف، وهو صمغ مر كالصبر -
الصحاح 3: 1071.
(5) الكافي 4: 357 / 3، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 7.
(6) التهذيب 5: 302 / 1028، الوسائل 12: 468 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 1،
بتفاوت يسير.
(7) الفقيه 2: 221 / 1029، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 13.
(8) التهذيب 5: 301 / 1024 بتفاوت يسير، الوسائل 12: 468 أبواب تروك
الاحرام ب 33 ح 3.
(9) الفقيه 2: 221 / 1030، الوسائل 12: 471 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 12.
42

ورواية الغنوي: (لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران،
وليكحل بكحل فارسي) (1).
والثلاثة الباقية مكروهة على الأقوى من حيث الاكتحال وإن حرم
ثانيها من جهة الطيب، وفاقا في الأول للصدوق في المقنع والشيخ في
الخلاف وابن زهرة في الغنية والمحقق في النافع بل الشرائع - حيث نسب
الحرمة إلى قول - والذخيرة (2)، وفي الخلاف: الاجماع عليه.
أما الجواز: فللأصل الخالي عن المعارض.
وأما الكراهة: فلما مر من المطلقات والمقيدات بالأسود القاصرة عن
إفادة الحرمة، لمكان الجملة الخبرية، كسائر ما لم يذكر أيضا كصحيحتي
حريز:
إحداهما: (لا تنظر في المرآة وأنت محرم، لأنه من الزينة، ولا تكتحل
المرأة المحرمة بالسواد، إن السواد زينة) (3)، وثانيتهما (4) كذيل الأولى.
وفي الثانيين لجمع من الأصحاب، حيث لم يذكروهما في هذا
المقام، وصريح القاضي في الأول منهما (5).
وخلافا للمشهور فيهما، وفي التذكرة: الاجماع على تحريم
الثاني (6)، لما مر من الأخبار بجوابه.

(1) التهذيب 5: 301 / 1027، الوسائل 12: 469 أبواب تروك الاحرام ب 33 ح 6.
(2) المقنع: 73، الخلاف 2: 313، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، النافع: 85،
الشرائع 1: 250، الذخيرة: 592.
(3) الكافي 4: 356 / 1، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الاحرام ب 34 ح 3.
(4) التهذيب 5: 301 / 1025، العلل: 456 / 2، الوسائل 12: 469 أبواب تروك
الاحرام ب 33 ح 4.
(5) المهذب 1: 221.
(6) التذكرة 1: 333 و 335.
43

نعم، يحرم الثاني لأجل الطيب إن كان فيه طيب محرم، لأدلته.
ومنها: النظر في المرآة.
فإنه يكره على الأقوى، وفاقا للخلاف والغنية والمهذب والوسيلة
والنافع (1)، للأصل، والصحاح الأربع لحريز (2) وابن عمار (3) وحماد (4)،
المتضمنة للجملة المحتملة للخبرية.
خلافا للمشهور، فحرموه، للأخبار المذكورة بجوابها.
ومنها: لبس الخاتم للزينة.
وفاقا للنافع حاكيا له عن غيره أيضا، حيث قال: فيه قولان (5).
ودليل الجواز: الأصل، وصحيحة محمد بن إسماعيل: رأيت العبد
الصالح وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة (6).
ورواية نجيح: (لا بأس بلبس الخاتم للمحرم) (7).
ودليل المرجوحية: رواية مسمع (8) الواردة بالجملة الخبرية،

(1) الخلاف 2: 319، الغنية (الجوامع الفقهية): 577، المهذب 1: 221،
الوسيلة: 164، النافع: 85.
(2) الأولى في: الكافي 4: 356 / 1، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الاحرام ب 34 ح 3.
الثانية في: الفقيه 2: 221 / 1301، العلل: 458 / 1، الوسائل 12: 472 أبواب
تروك الاحرام ب 34 ح 3.
(3) الكافي 4: 357 / 2، الوسائل 12: 473 أبواب تروك الاحرام ب 34 ح 4.
(4) التهذيب 5: 302 / 1029، الوسائل 12: 472 أبواب تروك الاحرام ب 34 ح 1.
(5) النافع: 85.
(6) التهذيب 5: 73 / 241، الإستبصار 2: 165 / 543، الوسائل 12: 490 أبواب
تروك الاحرام ب 46 ح 3.
(7) الكافي 4: 343 / 22، التهذيب 5: 73 / 240، الإستبصار 2: 165 / 542،
الوسائل 12: 490 أبواب تروك الاحرام ب 46 ح 1.
(8) التهذيب 5: 73 / 242، الإستبصار 2: 165 / 544، الوسائل 12: 490 أبواب
تروك الاحرام ب 46 ح 4.
44

والتعليلات المتقدمة في مسألة الاكتحال، وكلها عن إفادة الوجوب - الذي
هو المشهور - قاصرة، إلا أن في الذخيرة: أنه لا أعرف فيه خلافا بين
الأصحاب (1)، فإن ثبت الاجماع وإلا فلا دليل تاما على الحرمة، وأمر
الاحتياط واضح.
ومنها: لبس المرأة الحلي الغير المعتادة لها لبسها.
فإنه مكروه، وفاقا للمحكي عن الاقتصاد والتهذيب والاستبصار
والجمل والعقود والجامع والنافع والشرائع (2)، للأصل، والأخبار القاصرة
عن إفادة الحرمة (3)، لما مر، بل في بعضها (4) دلالة على الجواز.
خلافا للمحكي عن المشهور (5)، فحرموه، للأخبار المذكورة.
ولا حرمة ولا كراهة في لبس المعتادة التي كانت تلبسها كثيرا في
بيتها، ولكن يكره لها إظهارها للرجال حتى زوجها، كما دلت عليها
صحيحة البجلي (6).
ومنها: إخراج الدم بفصد (7) أو حجامة أو سواك وحك وغيرها.
فإنه مكروه وفاقا للخلاف والمبسوط وابن حمزة والشرائع (8)، ونسبه

(1) الذخيرة: 594.
(2) الإقتصاد: 302، التهذيب 2: 73، الإستبصار 2: 310، الجمل والعقود
(الرسائل العشر): 228، الجامع: 185، النافع: 85، الشرائع 1: 250.
(3) الوسائل 12: 496 أبواب تروك الاحرام ب 49.
(4) كما في الوسائل 12: 496 أبواب تروك الاحرام ب 49.
(5) انظر مفاتيح الشرائع 1: 331.
(6) الكافي 345 / 4، التهذيب 5: 75 / 248، الإستبصار 2: 310 / 1104،
الوسائل 12: 496 أبواب تروك الاحرام ب 49 ح 1.
(7) الفصد: قطع العرق - الصحاح 2: 519.
(8) الخلاف 2: 315، المبسوط: 321، ابن حمزة في الوسيلة: 164، الشرائع 1: 251.
45

في الدروس إلى الصدوق (1)، وفي المدارك إلى جمع من الأصحاب (2)،
وهو مختار المدارك والذخيرة والمفاتيح (3) وشرحه.
أما الجواز: فللأصل، وصحيحة حريز (4) المتقدمة في إزالة الشعر،
وصحيحة ابن عمار: المحرم يستاك؟ قال: (نعم)، قال: قلت: فإن أدمى
يستاك؟ قال: (نعم هو من السنة) (5).
والأخرى: عن المحرم يعصر الدمل ويربط عليه الخرقة، قال: (لا
بأس به) (6).
وموثقة الساباطي: عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه، قال:
(يحكه، فإن سال منه الدم فلا بأس) (7).
وأما المرجوحية فلموثقة يونس: عن المحرم يحتجم؟ قال: (لا أحبه) (8).
وللأخبار المستفيضة (9) المانعة عن الاحتجام مطلقا أو بدون الضرورة
أو الحك المدمي أو السواك كذلك، بالجمل الخبرية الغير الناهضة لاثبات

(1) انظر الدروس 1: 386، 387.
(2) المدارك 7: 367.
(3) المدارك 7: 367، الذخيرة: 595، المفاتيح 1: 383.
(4) الفقيه 2: 222 / 1033، التهذيب 5: 306 / 1046، الإستبصار 2: 183 / 610،
الوسائل 12: 513 أبواب تروك الاحرام ب 62 ح 5.
(5) الكافي 4: 366 / 6، الفقيه 2: 222 / 1032، العلل: 408 / 1، الوسائل 12:
532 و 561 أبواب تروك الاحرام ب 71 و 92 ح 4 و 1.
(6) الكافي 4: 359 / 5، الوسائل 12: 530 أبواب تروك الاحرام ب 71 ح 5،
وفيهما: ويربط على القرحة، قال: (لا بأس).
(7) الكافي 4: 367 / 12، الوسائل 12: 532 أبواب تروك الاحرام ب 71 ح 3.
(8) التهذيب 5: 306 / 1045، الإستبصار 2: 183 / 609، الوسائل 12: 513
أبواب تروك الاحرام ب 62 ح 4.
(9) كما في الوسائل 12: 512، 533 أبواب تروك الاحرام ب 62 و 73.
46

الزائد عن المرجوحية.
خلافا للمفيد والسيد والنهاية والديلمي والقاضي والحلبي والحلي (1)،
ونسب إلى ظاهر الإسكافي وإلى ظاهر الصدوق أيضا (2)، فحرموه، للأخبار
المانعة المذكورة بجوابها.
ورواية الصيقل: في المحرم يحتجم - إلى أن قال: - (وإذا أذاه الدم
فلا بأس به) (3)، دلت بالمفهوم على ثبوت البأس بدون الأذية.
وترد بالمعارضة مع صحيحة حريز (4) المتقدمة، التي هي أيضا واردة
في صورة انتفاء الأذية، بقرينة قوله فيها: (ما لم يحلق أو يقطع الشعر)،
فإنه لو وجدت الأذية للغي التقييد، لأن مع الأذية يجوز مع القيد أيضا.
ومنها: الاحرام في الثوب الأسود والوسخ.
كما مر في مسألة لبس ثوبي الاحرام وفي الثوب المعلم، وهو
المشتمل على لون يخالف لونه، لصحيحة ابن عمار (5). ولا تنافيها الأخبار
النافية للبأس عن لبسها أو المجوزة له (6).
ومنها: استعمال الحناء للزينة.

(1) المفيد في المقنعة: 397، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 66، النهاية: 221، الديلمي في المراسم: 106، القاضي في شرح
الجمل: 215، الحلبي في الكافي في الفقه 202، الحلي في السرائر 1: 546، 547.
(2) نسبه إليهما في المختلف: 269.
(3) التهذيب 5: 306 / 1044، الإستبصار 2: 183 / 608، الوسائل 12: 513
أبواب تروك الاحرام ب 62 ح 3.
(4) التهذيب 5: 306 / 1046، الوسائل 12: 513 أبواب تروك الاحرام ب 62 ح 5.
(5) الفقيه 2: 216 / 986، التهذيب 5: 71 / 235، الوسائل 12: 479 أبواب
تروك الاحرام ب 39 ح 3.
(6) كما في الوسائل 12: 476، 478 أبواب تروك الاحرام ب 38 و 39.
47

فإنه مكروه على الأظهر الأشهر، كما صرح به جماعة (1).
أما الجواز: فللأصل، وصحيحة ابن سنان: عن الحناء، فقال: (إن
المحرم ليمسه ويداوي به بعيره، وما هو بطيب، وما به بأس) (2).
وجعلها مخصوصة بالتداوي - فلا يعم ما كان للزينة - غير جيد، لأن
قوله: (يداوي) عطف على قوله (ليمسه) من باب عطف الخاص على
العام، والمس أعم، فيشمل مورد النزاع.
وأما المرجوحية: فللتعليلات المتقدمة التي ذكرنا عدم صلاحها
لاثبات الحرمة.
ورواية الكناني: امرأة خافت الشقاق وأرادت أن تحرم، هل تخضب
يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: (ما يعجبني أن تفعل ذلك) (3).
[فإن (ما يعجبني)] (4) تدل على الكراهة قبل الاحرام، فيلحق به بعده
بالطريق الأولى.
خلافا للمحكي عن المختلف والشهيد الثاني، فحرماه (5)، وتبعهما
بعض مشايخنا (6)، للتعليلات، وهي - كما ذكرنا - عن إفادة التحريم قاصرة.

(1) منهم الطوسي في التهذيب 5: 300، العلامة في الإرشاد 1: 318، السبزواري
في الذخيرة: 603.
(2) الكافي 4: 356 / 18، الفقيه 2: 224 / 1052، التهذيب 5: 300 / 1019،
الإستبصار 2: 181 / 600، الوسائل 12: 451 أبواب تروك الاحرام ب 23 ح 1.
(3) الفقيه 2: 223 / 1042، التهذيب 5: 300 / 1020، الإستبصار 2: 181 / 601،
الوسائل 12: 451 أبواب تروك الاحرام ب 23 ح 2.
(4) بدل ما بين المعقوفين في (ق) و (س): فإنها بنفي، وفي (ح): فإنها تبقى،
والأولى ما أثبتناه.
(5) المختلف: 269، المسالك 1: 111.
(6) انظر الرياض 1: 381.
48

وكما يكره بعد الاحرام كذا يكره قبله حين إرادة الاحرام، لرواية
الكناني المتقدمة، وقيل: إذا بقي أثره (1)، والرواية عن إفادة ذلك قاصرة.
ومنها: دخول الحمام.
لرواية عقبة (2) الواردة بالجملة الخبرية القاصرة - لأجله - عن إفادة
الحرمة، مضافا إلى صحيحة ابن عمار النافية للبأس عنه، قال: (ولكن لا
يتدلك) (3)، وإلى انتفاء القول بالتحريم، كما صرح به في التذكرة وقال:
إجماع علمائنا على عدم التحريم (4).
ومنها: دلك الجسد في الحمام.
للصحيحة المذكورة، بل مطلقا، لصحيحة يعقوب بن شعيب (5).
ومنها: تلبية المنادي.
بأن يقول في جواب من ناداه: لبيك، لصحيحة حماد (6)، ومرسلة
الصدوق (7)، وفي الأولى: (يقول: يا سعد).
وظاهرها وإن كان التحريم - كما هو ظاهر الشيخ في بعض كتبه (8) -

(1) انظر الرياض 1: 381.
(2) التهذيب 5: 386 / 1349، الإستبصار 2: 184 / 612، الوسائل 12: 537
أبواب تروك الاحرام ب 76 ح 2.
(3) التهذيب 5: 314 / 1081 و 386 / 1350، الإستبصار 2: 184 / 611، الوسائل
12: 537 أبواب تروك الاحرام ب 76 ح 1.
(4) التذكرة 1: 344.
(5) الفقيه 2: 230 / 1093، التهذيب 5: 313 / 1079، الوسائل 12: 535 أبواب
تروك الاحرام ب 75 ح 1.
(6) الكافي 4: 366 / 4، التهذيب 5: 386 / 1348، الوسائل 12: 561 أبواب
تروك الاحرام ب 91 ح 1.
(7) الفقيه 2: 211 / 964، الوسائل 12: 561 أبواب تروك الاحرام ب 91 ح 2.
(8) التهذيب 5: 386.
49

إلا أن شذوذ القول به ومعارضتها لما رواه الصدوق: (ولا بأس أن يلبي
المجيب) (1) أوجب الحمل على الكراهة.
ومنها: استعمال الرياحين.
فإنه مكروه على الأظهر، وفاقا للإسكافي، والشيخ والحلي والمحقق
والفاضل في أكثر كتبه (2)، وجمع من المتأخرين (3).
أما الجواز: فللأصل السالم عما يصلح للمعارضة كما يأتي.
وأما المرجوحية: فلصحيحة حريز (4) ومرسلته (5) السابقتين في مسألة
الطيب، وصحيحة ابن سنان: (لا تمس ريحانا وأنت محرم) (6).
خلافا للمحكي عن المفيد والمختلف، فحرماه (7)، واختاره في
المدارك (8) وبعض مشايخنا (9)، للصحيحين والمرسلة.
ويجاب بقصورها عن إفادة الحرمة، لاحتمال إرادة مطلق المرجوحية.
ولا ينافي اشتمال بعضها على الطيب أيضا وهو محرم، فيجب الحمل

(1) الفقيه 2: 211 / 963، الوسائل 12: 388 أبواب الاحرام ب 42 ح 2، وفيهما:
(الجنب) بدل: (المجيب).
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 268 لكنه صريح في الحرمة، واختارها
العلامة أيضا، الشيخ في النهاية: 219، الحلي في السرائر 1: 545، المحقق في
الشرائع: 252، الفاضل في الإرشاد 1: 318، التبصرة: 63، التذكرة 1: 344.
(3) كالشهيد في الدروس 1: 388، السبزواري في الذخيرة: 603، كاشف الغطاء: 452.
(4) التهذيب 5: 297 / 1007، الإستبصار 2: 178 / 591، الوسائل 12: 445
أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 11.
(5) الكافي 4: 353 / 2، الوسائل 12: 443 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 6.
(6) الكافي 4: 355 / 12، التهذيب 5: 307 / 1048، الوسائل 12: 443 أبواب
تروك الاحرام ب 18 ح 3.
(7) المفيد في المقنعة: 432، المختلف: 268.
(8) المدارك 7: 380.
(9) انظر الرياض 1: 381.
50

فيهما على معنى واحد، لئلا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.
لجواز كون ذلك الواحد هو مطلق المرجوحية، ولا بعد فيه، مع أن
في تحريم مطلق الطيب أيضا نظرا كما مر.
مع أنه على فرض الدلالة يعارض بصحيحة ابن عمار: (لا بأس أن
تشم الإذخر والقيصوم والخزامي والشيح وأشباهه وأنت محرم) (1).
إلا أن التعارض ليس كليا، بل إنما هو في أمور معدودة لا بعد في
استثنائها.
وأما لفظ (أشباهه) فليس صريحا في المشابهة في صدق اسم
الريحان، فلعله في عسر التحرز عنه مما يثبت في براري الحرم، ولكن
الأمر بعد قصور دلالة المحرم في ذلك سهل.
ومنها: الاحتباء.
وهو: أن يضم الانسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره
ويشده عليهما وقد يكون باليدين، صرح بكراهته في الدروس (2)، لرواية
حماد بن عثمان: (يكره الاحتباء للمحرم في مسجد الحرام) (3).
ومنها: المصارعة.
حكم بكراهتها للمحرم في الدروس (4)، وهو كذلك، لصحيحة
علي (5)، والله العالم.

(1) الكافي 4: 355 / 14، الفقيه 2: 225 / 1057، التهذيب 5: 305 / 1041،
الوسائل 12: 453 أبواب تروك الاحرام ب 25 ح 1.
(2) الدروس 1: 388.
(3) الكافي 4: 366 / 8، الوسائل 12: 562 أبواب تروك الاحرام ب 93 ح 1،
بتفاوت يسير.
(4) الدروس 1: 388.
(5) الكافي 4: 367 / 10، الوسائل 12: 563 أبواب تروك الاحرام ب 94 ح 2.
51

الفصل الثاني
في الفعل الثاني من أفعال العمرة، وهو الطواف
وهو واجب في كل من العمرة والحج بأقسامهما إجماعا، بل
ضرورة، بل هو جزء حقيقتهما، كما تنص عليه المستفيضة المتقدمة في
بيان كيفية الحج والعمرة وأقسامهما.
والكلام: إما في مقدماته، أو كيفيته، أو أحكامه، فهاهنا أبحاث:
البحث الأول
في مقدماته
فهي إما واجبة أو مستحبة، فهاهنا مقامان:
المقام الأول: في واجباته، وهي أمور:
منها: الطهارة من الحدث في الطواف الواجب.
ووجوبها واشتراطها فيه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب، كما صرح
به جماعة (1)، بل عليه الاجماع محققا ومحكيا (2)، وهو الحجة فيه وإن
كان إثباته من الأخبار مشكلا، لأنها بين الدالة على اعتبارها في مطلق
الطواف بالجملة الخبرية القاصرة عن إفادة الوجوب، كصحاح رفاعة (3)

(1) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 120، السبزواري في الذخيرة: 626.
(2) كما في المنتهى 2: 690، والحدائق 16: 83، والرياض 1: 404.
(3) التهذيب 5: 154 / 510، الإستبصار 2: 241 / 838، الوسائل 13: 493
أبواب السعي ب 15 ح 2.
52

ومحمد (1) وجميل (2) وروايتي زرارة (3) وأبي حمزة (4) ومرسلة ابن أبي
عمير (5)، الواردة فيمن أحدث في أثناء الطواف.
وبين دالة على اعتبارها في الفريضة بمفهوم الوصف - الذي ليس
بحجة - كإحدى روايات عبيد (6).
وبين النافية للاعتداد بالطواف مطلقا على غير طهارة، كصحيحة
علي (7) ورواية زرارة، والمثبتة للبأس بالمفهوم في الطواف كذلك على غير
وضوء، كصحيحة ابن عمار (8)، والفارقة بمفهوم الشرط بين الفريضة
والنافلة في انتفاء الإعادة، كالرواية الأخرى من روايات عبيد (9).
المعارضة جميعا مع رواية الشحام: في رجل طاف بالبيت على غير
وضوء، قال: (لا بأس) (10).

(1) الكافي 4: 420 / 3، الفقيه 2: 250 / 1202، التهذيب 5: 116 / 380، الإستبصار
2: 222 / 764، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 3.
(2) الكافي 4: 420 / 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.
(3) الكافي 4: 420 / 1، التهذيب 5: 116 / 378، الإستبصار 2: 221 / 762،
الوسائل 13: 375 أبواب الطواف ب 38 ح 5.
(4) الكافي 4: 420 / 2، التهذيب 5: 116 / 379، الإستبصار 2: 222 / 763،
الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.
(5) الكافي 4: 414 / 2، التهذيب 5: 118 / 384، الوسائل 13: 378 أبواب
الطواف ب 40 ح 1.
(6) الفقيه 2: 250 / 1203، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 2.
(7) الكافي 4: 420 / 4، التهذيب 5: 117 / 381، الإستبصار 2: 222 / 765،
قرب الإسناد: 234 / 917، الوسائل 13: 375 أبواب الطواف ب 38 ح 4.
(8) الفقيه 2: 250 / 1201، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 1.
(9) التهذيب 5: 117 / 383، الإستبصار 2: 222 / 767، الوسائل 13: 376
أبواب الطواف ب 38 ح 9.
(10) التهذيب 5: 470 / 1649، الوسائل 13: 377 أبواب الطواف ب 38 ح 10.
53

وحمل الأخيرة على السهو أو الفريضة ليس بأولى من حمل الأولى على
الكراهة لولا الاجماع، مضافا إلى عدم دلالة الأوليين إلا على رجحان عدم
الاعتداد، والأخيرة إلا على تحقق نوع فرق، ولعله استحباب الإعادة في الفريضة.
وأما المندوب، فلا ينبغي الريب في عدم اشتراطها فيه، كما هو المشهور،
لخصوص الأخبار، كصحيحتي محمد وحريز (1)، وقوية عبيد (2)، وموثقتي
عبيد (3)، الخالية عن المعارض المخصوص، اللازم تخصيص العمومات بها.
خلافا للمحكي عن الحلبي (4)، ولعله للاطلاقات. وجوابه ظاهر.
ويستباح بالترابية مع تعذر المائية، لعموم البدلية كما مر.
ومنها: إزالة النجاسة عن الثوب والبدن:
فأوجبها الأكثر، بل عن الغنية الاجماع عليه (5)، له..
وللنبوي: (الطواف بالبيت صلاة) (6).
ولموثقة يونس بن يعقوب: عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في
الطواف، قال: (ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم [فيعرفه]، ثم يخرج
فيغسله، ثم يعود فيتم طوافه) (7)، وقريبة منها الأخرى (8).

(1) التهذيب 5: 118 / 385، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 7.
(2) الفقيه 2: 250 / 1203، الوسائل 13: 374 أبواب الطواف ب 38 ح 2.
(3) التهذيب 5: 117 / 382 و 383، الإستبصار 2: 222 / 766 و 767، الوسائل
13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 8 و 9.
(4) الكافي في الفقه: 195.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.
(6) سنن الدارمي 2: 44.
(7) التهذيب 5: 126 / 415، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 2، وما
بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(8) الفقيه 2: 246 / 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 1.
54

والأول: غير حجة.
والثاني: غير دال، لمنع اقتضاء التشبيه المساواة من جميع الجهات.
والثالث: وإن كان - على ما في النهاية (1) - واردا بطريق الأمر الدال
على الوجوب، دون ما في التهذيب (2)، إلا أنه - مع ذلك الاختلاف الموهن
للدلالة على الوجوب - معارض بمرسلة البزنطي التي هي في حكم
الصحيح: رجل في ثوبه دم مما لا يجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه،
فقال: (أجزأه الطواف فيه، ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر) (3).
وحمل الثانية على الجهل ليس بأولى من حمل الأولى على
الاستحباب، ولذا قال الإسكافي وابن حمزة والمدارك والذخيرة والكفاية
بعدم الوجوب والاشتراط (4)، وحكاه بعضهم عن جماعة من المتأخرين (5)،
وهو الأقرب، لما مر بضميمة الأصل.
ولو قلنا بالوجوب لاتجه عدم التفرقة بين المعفو في الصلاة وغيره،
لاطلاق الدليل.
ومنها: الختان للرجل.
عند الأكثر كما صرح به جمع ممن تأخر (6)، وظاهر المنتهى الاتفاق

(1) النهاية: 240.
(2) التهذيب 5: 126.
(3) الفقيه 2: 308 / 1532، التهذيب 5: 126 / 416، الوسائل 13: 399 أبواب
الطواف ب 52 ح 3.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 291، ابن حمزة في الوسيلة: 173، المدارك
8 / 117، الذخيرة: 626، الكفاية: 66.
(5) انظر الرياض 1: 404.
(6) المدارك 8: 117، الذخيرة: 627، الرياض 1: 405.
55

عليه (1)، فإن ثبت ذلك فهو، وإلا ففي إثبات وجوبه واشتراطه من الأخبار (2)
إشكال، حيث إنها بين أخبار كلها واردة بالجملة الخبرية، ولذا تأمل فيه في
الذخيرة والكفاية (3) وفاقا للمحكي عن الحلي (4)، وهو في موقعه جدا.
والأصل مع العدم، والاحتياط مع الثبوت للرجل خاصة، لاختصاص
الفتاوى والأخبار به، بل تصريحهما بنفيه في المرأة.
وعلى ما ذكرنا لا إشكال في انتفاء الاشتراط في الصبي والخنثى وغير
المتمكن والناسي أيضا، لعدم ثبوت الاجماع في شئ منهم قطعا، مضافا
في الجميع إلى الندرة الموجبة لخروجهم عن الاطلاقات، وفي الأول إلى
خروجه من الأخبار أيضا، لأنها بين خاص بالرجل ومثبت للتكليف الغير
المتوجه إلى الصبي.
ومنها: ستر العورة.
وحكي اعتباره عن الشيخ وابن زهرة (5)، وعدة من كتب العلامة (6)،
لعموم التشبيه، والمروي في تفسير القمي عن مولانا الرضا، قال: (قال أمير
المؤمنين عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرني عن الله أن لا يطوف بالبيت
عريان) (7).
وفي تفسير العياشي، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام،

(1) المنتهى 2: 690.
(2) الوسائل 13: 359 أبواب الطواف ب 33.
(3) الذخيرة: 627، الكفاية: 66.
(4) حكاه عنه الشهيد في الدروس 1: 393، وانظر السرائر 1: 574.
(5) الشيخ في الخلاف 2: 322، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 578.
(6) كالمنتهى 2: 690، والتذكرة 1: 361.
(7) تفسير القمي 1: 282، الوسائل 3: 400 أبواب الطواف ب 53 ح 2.
56

قال: (لا يطوفن بالبيت مشرك ولا عريان) (1)، ومثله العامي المروي عن
النبي صلى الله عليه وآله (2).
خلافا لظاهر الأكثر - حيث لم يذكروه - وصريح جمع من
المتأخرين، وهو الأظهر، لمنع عموم التشبيه، وضعف الروايات سندا
ودلالة، لخلوها عن الأمر.
وأمر النبي الولي صلوات الله عليهما عن الله أن لا يطوف إلى آخره،
يحتمل أن يكون المراد الأمر بذلك القول، فلا يفيد الوجوب إلا إذا كان
أصل القول مفيدا له، وليس هنا كذلك.
المقام الثاني: في مقدماته المستحبة.
وهي أيضا أمور، إلا أن أكثرها ليست مستحبة للطواف من حيث هو،
بل لمقدماته، التي هي: دخول الحرم ومكة والمسجد وتقبيل الحجر، ولما
كانت هذه الأفعال إما لأجل الطواف خاصة أو ابتداء عدت هذه الأمور من
مقدماته المستحبة.
فمنها: الغسل، والمستفاد من الأخبار استحباب ثلاثة أغسال: واحد
لدخول الحرم، وآخر لدخول مكة، وثالث للطواف.
فمما يدل على الأول: رواية أبان بن تغلب: فلما انتهى إلى الحرم
نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه، ثم دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما
صنع، فقال: (يا أبان، من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا لله محى الله
عنه مائة ألف سيئة، وكتب له مائة ألف حسنة، وبنى الله عز وجل له مائة

(1) تفسير العياشي 2: 74 / 5، الوسائل 13: 400 أبواب الطواف ب 53 ح 3،
وفيهما: لا يطوفن بالبيت عريان.
(2) صحيح مسلم 2: 982، صحيح البخاري 2: 188.
57

ألف درجة، وقضى له مائة ألف حاجة) (1).
والحذاء: فلما انتهى إلى الحرم اغتسل وأخذ نعليه بيديه، ثم مشى
في الحرم ساعة (2).
وصحيحة ابن عمار: (إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء الله فاغتسل حين
تدخله، وإن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو من منزلك
بمكة) (3).
ومما يدل على الثاني موثقة محمد الحلبي: (فينبغي للعبد أن لا
يدخل مكة إلا وهو طاهر وقد غسل عرقه والأذى وتطهر) (4).
وصحيحة الحلبي: أمرنا أبو عبد الله عليه السلام أن نغتسل من فخ قبل
أن ندخل مكة (5).
والبجلي: عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل أن
يدخل، أيجزئه ذلك أو يعيد؟ قال: (لا يجزئه، لأنه إنما دخل بوضوء) (6).
ولا فرق في الدلالة بين أن تجعل لفظة: (لا) نفيا للإعادة أو للاجزاء، مع

(1) الكافي 4: 398 / 1، التهذيب 5: 97 / 317، المحاسن: 67 / 129، الوسائل
13: 195 أبواب مقدمات الطواف ب 1 ح 1.
(2) الكافي 4: 398 / 2، الوسائل 13: 196 أبواب الطواف ب 1 ح 2.
(3) الكافي 4: 400 / 4، التهذيب 5: 97 / 319، الوسائل 13: 197 أبواب
مقدمات الطواف ب 2 ح 2.
(4) الكافي 4: 400 / 3، التهذيب 5: 98 / 322، الوسائل 13: 200 أبواب
مقدمات الطواف ب 5 ح 3.
(5) الكافي 4: 400 / 5، التهذيب 5: 99 / 323، الوسائل 13: 200 أبواب
مقدمات الطواف ب 5 ح 1.
(6) الكافي 4: 400 / 8، التهذيب 5: 99 / 325، الوسائل 13: 201 أبواب
مقدمات الطواف ب 6 ح 1.
58

أن الظاهر من صحيحة أخرى له - تأتي في غسل طواف الحج - أنه نفي للاجزاء.
ورواية عجلان: (إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل
واخلع نعليك وامش حافيا وعليك السكينة والوقار) (1).
ومما يدل على الثالث: صحيحة علي بن أبي حمزة: (إن اغتسلت
بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك) (2).
وقد زاد الفاضل (3) وجمع آخر (4) رابعا، هو: الغسل لدخول المسجد،
ولا شاهد له من الأخبار، إلا أن فتواهم تكفي لاثباته، لأنه مقام التسامح،
ويحتمل أن يكون الغسل المأمور به من منزله بمكة في صحيحة ابن عمار
لأجله.
ومن جميع ما ذكر ظهر فساد ما في المدارك من أن مقتضى هذه
الأخبار: استحباب غسل واحد إما قبل دخول الحرم أو بعده (5)، وكأن نظره
إلى قوله في صحيحة ابن عمار: (وإن تقدمت) إلى آخره.
ولا يخفى أنه لا منافاة فيها لما ذكرنا، لجواز أن يكون المراد: إن
تقدمت ولم تغتسل لدخول الحرم فاغتسل لدخول مكة أو للطواف، لا أنه
يتخير أولا في ذلك.
وكذا لا تنافيه صحيحة ذريح: عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو

(1) الكافي 4: 400 / 6، التهذيب 5: 99 / 324، الوسائل 13: 200 أبواب
مقدمات الطواف ب 5 ح 2.
(2) الكافي 4: 400 / 7، التهذيب 5: 99 / 326، الوسائل 13: 202 أبواب
مقدمات الطواف ب 6 ح 2.
(3) المنتهى 2: 689.
(4) كالمحقق في الشرائع 1: 266، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 339،
وصاحب الحدائق 16: 80.
(5) المدارك 8: 121.
59

بعد دخوله، قال: (لا يضرك أي ذلك فعلت، وإن اغتسلت بمكة فلا بأس،
وإن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكة فلا بأس) (1)، لعدم ضرر ولا بأس
في ترك المندوب.
ثم لا يخفى أن المستفاد من تلك الأخبار استحباب الاتيان بهذه
الأفعال مغتسلا، فلا يلزم قصد الغاية في كل غسل، كما مر في بحث النية
من الوضوء والغسل، ولا يخفى أيضا أن تعدد الغسل إنما هو إذا لم يكن
على غسله السابق، وإلا فيكفي، للتداخل.
ومنها: مضغ شئ من الإذخر - ليطيب به رائحة الفم - حين إرادة
دخول الحرم أو بعده، لصحيحة ابن عمار (2)، ورواية أبي بصير (3).
ومنها: أن يدخل مكة من أعلاها، لموثقة يونس (4)، والتأسي بالنبي (5).
والأقرب اختصاص ذلك بمن أتاها من طريق المدينة، كما عن
المقنعة والتهذيب والمراسم والوسيلة والسرائر والمنتهى والتحرير والتذكرة (6)،

(1) الكافي 4: 398 / 5، التهذيب 5: 97 / 318، الوسائل 13: 197 أبواب
مقدمات الطواف ب 2 ح 1.
(2) الكافي 4: 398 / 4، الوسائل 13: 198 أبواب مقدمات الطواف ب 3 ح 1.
(3) الكافي 4: 398 / 3، التهذيب 5: 98 / 320، الوسائل 13: 198 أبواب
مقدمات الطواف ب 3 ح 2.
(4) الكافي 4: 399 / 1، التهذيب 5: 98 / 321، الوسائل 13: 199 أبواب
مقدمات الطواف ب 4 ح 2.
(5) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، الوسائل 13: 198 أبواب
مقدمات الطواف ب 4 ح 1.
(6) المقنعة: 399، التهذيب 5: 98، المراسم: 109، الوسيلة: 174، السرائر 1:
570، المنتهى 2: 688، التحرير 1: 97، التذكرة 1: 360.
60

وجمع من المتأخرين (1)، للأصل، واختصاص الموثقة بالمدني، وعدم
عموم في فعله صلى الله عليه وآله.
وأطلق جمع آخر (2)، ولا وجه له.
ومنها: دخول كل من الحرم ومكة والمسجد حافيا، وتدل على
الأول روايتا أبان والحذاء، وعلى الثاني رواية عجلان المتقدمة جميعا (3)،
وعلى الثالث صحيحة ابن عمار: (إذا دخلت المسجد الحرام فأدخله حافيا
على السكينة والوقار والخشوع) الحديث (4).
ومنها: دخول كل من الثلاثة بالسكينة والوقار والخضوع، للتصريح
به في الروايات المتقدمة.
ومنها: أن يدخل المسجد من باب بني شيبة، للتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله.
ولرواية سليمان بن مهران عن الصادق عليه السلام، وفيها - بعد ذكر دفن
هبل عند باب بني شيبة -: (فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة
سنة لأجل ذلك) (5).
وفي المدارك (6) وغيره (7): إن هذا الباب غير معروف الآن، لتوسع
المسجد، ولكنه قيل: إنه بإزاء باب السلام، فينبغي الدخول منه على

(1) المدارك: 456، الذخيرة: 631، الحدائق 16: 77.
(2) كما في المختصر النافع: 93، والتنقيح الرائع 1: 499، والمسالك 1: 120.
(3) راجع ص: 56 - 57 و 58.
(4) الكافي 4: 401 / 1، التهذيب 5: 99 / 327، الوسائل 13: 204 أبواب
مقدمات الطواف ب 8 ح 1.
(5) الفقيه 2: 154 / 668، العلل: 449 / 1، الوسائل 13: 206 أبواب مقدمات
الطواف ب 9 ح 1.
(6) المدارك 8: 124.
(7) حكاه في الذخيرة: 632.
61

الاستقامة إلى أن يتجاوز الأساطين (1)، لتحقق المرور به.
ومنها: الوقوف على باب المسجد، والتسليم والدعاء بالمأثور في
صحيحة ابن عمار بقوله فيها: (فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقل:
السلام عليك) إلى آخره (2).
وموثقة أبي بصير بقوله فيها: (تقول وأنت على باب المسجد: بسم
الله وبالله ومن الله) إلى آخره (3).
ومنها: استقبال البيت، ورفع اليدين بعد دخول المسجد، والدعاء
بما في صحيحة ابن عمار المذكورة، قال فيها: (فإذا دخلت المسجد فارفع
يديك واستقبل البيت وقل: اللهم إني أسألك في مقامي هذا) الحديث.
ومنها: المشي حتى يدنو من الحجر الأسود، فيستقبله ويقف عنده،
ويدعو بما في رواية أبي بصير: (إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو
من الحجر الأسود فتستقبله وتقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا) الحديث (4).
ويدعو أيضا عند محاذاة الحجر الأسود بما في مرسلة حريز: (إذا
دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود فقل: أشهد أن لا إله إلا الله)
إلى آخر الدعاء (5).
ويستحب له التكبير والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله أيضا عند

(1) انظر المسالك 1: 120.
(2) الكافي 4: 401 / 1، التهذيب 5: 99 / 327، الوسائل 13: 204 أبواب
مقدمات الطواف ب 8 ح 1.
(3) الكافي 4: 402 / 2، التهذيب 5: 100 / 328، الوسائل 13: 205 أبواب
مقدمات الطواف ب 8 ح 2.
(4) الكافي 4: 403 / 2، التهذيب 5: 102 / 330، الوسائل 13: 314 أبواب
الطواف ب 12 ح 3 وفيه: فتستلمها وتقول...
(5) الكافي 4: 403 / 3، الوسائل 13: 315 أبواب الطواف ب 12 ح 4.
62

استقباله، كما في صحيحة يعقوب بن شعيب (1).
ومنها: رفع اليدين عند الدنو من الحجر الأسود، وحمد الله، والثناء
عليه، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، والسؤال أن يتقبل الله منه، ثم استلام
الحجر - أي مسه - بالتقبيل، فإن لم يستطع أن يقبله فاستلمه بيده، وإن لم
يستطعه أيضا أشار إليه، ويدعو بالمأثور في صحيحة أخرى لابن عمار
المتضمنة لجميع ذلك..
قال: (إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله واثن
عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله واسأل الله أن يتقبل منك، ثم استلم الحجر
وقبله، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيدك، وإن لم تستطع أن تستلمه
بيدك فأشر إليه وقل: اللهم أمانتي أديتها (إلى آخر الدعاء، إلى أن قال:
(فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه، وقل: اللهم إليك) إلى آخره (2).
وما ذكرنا من استحباب الاستلام والتقبيل هو الحق المشهور بين
الأصحاب، وعن الديلمي أنه أوجبهما (3)، وتدفعه الأخبار المستفيضة،
كصحيحة ابن عمار (4) وصحيحة ابن شعيب (5) وغير ذلك (6).
وما ذكرنا من أن استلام الحجر مسه بالتقبيل أو اليد تدل عليه
صحيحة ابن عمار المتقدمة، ويحتمل أن لا يكون التقبيل فيها تفسيرا
للاستلام، بل يكون هو مستحبا برأسه ويكون الاستلام هو المس باليد،

(1) الكافي 4: 407 / 4، الوسائل 13: 336 أبواب الطواف ب 21 ح 2.
(2) الكافي 4: 402 / 1، التهذيب 5: 101 / 329، الوسائل 13: 313 أبواب
الطواف ب 12 ح 1.
(3) حكاه عنه في المختلف: 290، وهو في المراسم: 110.
(4) الكافي 4: 404 / 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.
(5) الكافي 4: 404 / 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2.
(6) انظر الوسائل 13: 316، 323 أبواب الطواف ب 13 و ب 15.
63

ويكون المعنى: استلم وقبل، فإن لم تستطع التقبيل فاكتف بالاستلام خاصة
الذي هو باليد، وهو أوفق بسائر الأخبار الآمرة بالاستلام باليد (1).
ويستأنس له أيضا بموثقة معاوية بن عمار، وفيها - بعد ذكر تمام
الطواف -: (ثم يأتي الحجر الأسود فيقبله ويستلمه أو يشير إليه، فإنه لا بد
من ذلك) (2).
ورواية الشحام: كنت أطوف مع أبي عبد الله عليه السلام وكان إذا انتهى إلى
الحجر مسحه بيده وقبله، الحديث (3).
وكذا تدل على حصول استلام الحجر بالمس باليد مرسلة حريز
المذكورة بعضها: (ثم ادن من الحجر واستلمه بيمينك، ثم تقول: بسم الله
وبالله والله أكبر) إلى آخر الدعاء (4).
وفي رواية محمد الحلبي: عن الحجر إذا لم أستطع مسه وكثر
الزحام، قال: (أما الشيخ الكبير [والضعيف] والمريض فمرخص، وما
أحب أن تدع مسه إلا أن لا تجد بدا) (5).
وفي رواية عبد الأعلى: رأيت أم فروة تطوف بالكعبة عليها كساء
متنكرة، فاستلمت الحجر بيدها اليسرى، الحديث (6).

(1) الوسائل 13: 316 أبواب الطواف ب 13.
(2) الكافي 4: 430 / 1، التهذيب 5: 144 / 476، الوسائل 13: 472 أبواب
السعي ب 2 ح 1، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 4: 408 / 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3 وفيه: كنت
أطوف مع أبي، وكان إذا...
(4) الكافي 4: 403 / 3، الوسائل 13: 315 أبواب الطواف ب 12 ح 4.
(5) الكافي 4: 405 / 6، الوسائل 13: 326 أبواب الطواف ب 16 ح 7، وما بين
المعقوفين أثبتناه من المصادر.
(6) الكافي 4: 428 / 6، الوسائل 13: 323 أبواب الطواف ب 14 ح 1.
64

ورواية السكوني: كيف يستلم الأقطع؟ قال: (يستلم الحجر من
حيث القطع، فإن كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله) (1).
وأما في صحيحة يعقوب بن شعيب: عن استلام الركن، قال:
(استلامه أن تلصق بطنك به، والمسح أن تمسحه بيمينك) (2)، فهي إنما
تفسر استلام الركن دون الحجر.
فما عن الشهيد (3) وبعض من تأخر عنه (4)، بل جمع آخر ممن تقدم
عليه (5) - أنه يستحب استلام الحجر بالبطن وبجميع البدن وإن تعذر فباليد -
لم يظهر لي وجهه، إلا ما حكي عن الخلاف (6) من حكاية الاجماع عليه.
وبعدما ظهر من الأخبار المراد من استلام الحجر لا حاجة إلى الرجوع
إلى قول العامة من اللغويين، وقد ظهر من الأخبار المذكورة أن الاستلام
هو: المس باليمين، وأنه يستحب التقبيل من حيث هو أيضا، بل وكذلك لو
قلنا بدخوله في الاستلام أيضا، للاتيان بهما في روايتي الشحام وابن عمار.
وعن الديلمي: إيجابه (7)، للأمر به في صحيحة ابن عمار (8)، ويدفعه

(1) الكافي 4: 410 / 18، التهذيب 5: 106 / 345، الوسائل 13: 343 أبواب
الطواف ب 24 ح 1، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 404 / 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2 وفيهما:
بيدك، بدل: بيمينك.
(3) الدروس 1: 398.
(4) كما في المسالك 1: 122.
(5) انظر الإقتصاد: 303، والمنتهى 2: 693.
(6) الخلاف 2: 320.
(7) المراسم: 110.
(8) الكافي 4: 402 / 1، التهذيب 5: 101 / 329، الوسائل 13: 313 أبواب
الطواف ب 12 ح 1.
65

ظاهر الاجماع، وصحيحة أخرى لابن عمار (1)، المتضمنة لترك أبي عبد الله عليه السلام
له.
ويستحب أيضا تقبيل اليد بعد مس الحجر بها، كما حكي عن الفقيه
والمقنع والمقنعة والاقتصاد والكافي والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى
والدروس (2)، وتثبته فتاواهم مع مناسبة للتبرك والتعظيم والتحبب.
وما في صحيحة ابن عمار الواردة في زيارة البيت يوم النحر: (ثم
تأتي الحجر الأسود فتستلمه وتقبله، فإن لم تستطع فاستلمه بيدك وقبل
يدك) الحديث (3).
وما في مرسلة الفقيه: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله استلم الحجر بمحجنه (4)
وقبل المحجن) (5).
وأما ما ذكرناه من الإشارة باليد إذا لم يستطع الاستلام بها فمنصوص
عليه من الأصحاب، وتدل عليه صحيحة ابن عمار المتقدمة (6)، ورواية
محمد بن عبيد الله: عن الحجر الأسود هل يقاتل عليه الناس إذا كثروا؟

(1) الكافي 4: 404 / 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.
(2) الفقيه 2: 316، المقنع: 92، المقنعة: 401، الإقتصاد: 303، الكافي في
الفقه: 209 - 210، الجامع: 197، التحرير 1: 98، التذكرة 1: 363، المنتهى
2: 694، الدروس 1: 398.
(3) الكافي 4: 511 / 4، التهذيب 5: 251 / 853، الوسائل 14: 249 أبواب زيارة
البيت ب 4 ح 1.
(4) المحجن: عصا في رأسها اعوجاج، كالصولجان، أخذا من الحجن بالتحريك، وهو
الاعوجاج - مجمع البحرين 6: 231.
(5) الفقيه 2: 251 / 1209، الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 81 ح 2، بتفاوت
يسير.
(6) في ص 62.
66

قال: (إذا كان كذلك فأوم إليه إيماء بيدك) (1).
ويستحب تقبيل اليد حينئذ أيضا، كما عن الفقيه والمقنع والجامع (2)،
لبعض ما مر.
وكما يستحب استلام الحجر قبل الطواف يستحب في آخره أيضا،
كما صرح به في موثقة ابن عمار المذكورة (3) وصحيحته: (كنا نقول: لا بد
أن نستفتح بالحجر ونختم به، فأما اليوم فقد كثر الناس) (4)، فإن المراد:
استلامه لا الابتداء والختم، لأنه واجب مع الكثرة أيضا.
ويدل عليه أيضا المروي في قرب الإسناد للحميري (5).
بل عن الاقتصاد والجمل والعقود والوسيلة والمهذب والغنية والجامع
والمنتهى والتذكرة بل الفقيه والهداية: استحبابه في كل شوط (6).
وتدل عليه رواية الشحام المتقدمة (7)، بل هو الظاهر من صحيحة
البجلي (8)، المتضمنة لطواف أبي عبيد الله مع سفيان الثوري.
ومرسلة حماد بن عيسى، وفيها: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من طائف

(1) الكافي 4: 405 / 7، التهذيب 5: 103 / 336، الوسائل 13: 326 أبواب
الطواف ب 16 ح 5.
(2) الفقيه 2: 316، المقنع: 92، الجامع: 197.
(3) في ص: 63.
(4) الكافي 4: 404 / 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 16 ح 1.
(5) قرب الإسناد: 316 / 1226، الوسائل 13: 348 أبواب الطواف ب 26 ح 10.
(6) الإقتصاد: 303، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 231، الوسيلة: 172،
المهذب 1: 233، الغنية (الجوامع الفقهية): 578، الجامع: 197، المنتهى 2:
695، التذكرة 1: 363، الفقيه 2: 316، الهداية: 57.
(7) في ص: 63.
(8) الكافي 4: 404 / 2، الوسائل 13: 325 أبواب الطواف ب 16 ح 3.
67

يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين
خطاه ويغض بصره ويستلم الحجر في كل طواف [من غير أن يؤذي أحدا]
ولا يقطع ذكر الله عن لسانه إلا كتب الله له بكل خطوة) الحديث (1).

(1) الكافي 4: 412 / 3، الوسائل 13: 306 أبواب الطواف ب 5 ح 1، وما بين
المعقوفين أضفناه من المصدر.
68

البحث الثاني
في كيفية الطواف
أي أفعاله، وهي على قسمين: واجبة ومستحبة، فهاهنا مقامان:
المقام الأول: في واجبات الطواف، وهي أمور:
منها: النية واستدامة حكمها إلى الفراغ كغيره من العبادات، وقد مر
تحقيق الكلام فيها.
ومنها: البدأة بالحجر الأسود والختم به، بالاجماع المحقق والمحكي
عن جماعة (1).
وتدل عليهما من الأخبار صحيحة ابن عمار: (من اختصر في الحجر
في الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود) (2)، والحجر
بالتسكين، ومعنى الاختصار فيه: عدم إدخاله في الطواف.
وعلى الثاني صحيحة ابن سنان: (إذا كنت في الطواف السابع فائت
المتعوذ (إلى أن قال) ثم ائت الحجر فاختم به) (3).
وأما صحيحة ابن عمار: (كنا نقول: لا بد أن نستفتح بالحجر ونختم
به، فأما اليوم فقد كثر الناس)، فالمراد بها: الاستلام في المبدأ والمنتهى.
وعلى هذا، فلو ابتدأ بغيره لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر

(1) كما في الذخيرة: 627، الحدائق 16: 100، الرياض 1: 405.
(2) الكافي 4: 419 / 2، الفقيه 2: 249 / 1198، الوسائل 13: 357 أبواب
الطواف ب 31 ح 3، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 4: 410 / 3، التهذيب 5: 107 / 347، الوسائل 13: 344 أبواب
الطواف ب 26 ح 1.
69

الأسود، فيكون منه ابتدأ طوافه.
ويتحقق الابتداء به إما بالشروع منه فعلا بقصد الطواف بحيث لا
يتقدمه غيره، أو بالتعيين بالنية، بأن يقصد عند الانتهاء إلى الحجر أنه بدو
الطواف، ومعنى الختم به: إكمال الشوط السابع إليه فعلا أو قصدا.
ثم الثابت من الاجماع ومقتضى الأخبار هو الابتداء والختم العرفيين،
بحيث يتحقق الصدق عرفا.
واعتبر الفاضل (1) وبعض من تأخر عنه (2) جعل أول جزء من الحجر
محاذيا لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمر عليه بعد النية بجميع بدنه
علما أو ظنا، وكذا في الاختتام، حيث يذهبون إلى بطلان الطواف بتعمد
الزيادة فيه ولو خطوة.
واختلفوا - لذلك - في تعيين أول جزء البدن، هل هو الأنف، أو
البطن، أو إبهام الرجلين، واضطروا لأجل ذلك إلى تدقيقات مستهجنة، بل
قد يحتاج بعض الأشخاص إلى ملاحظة أنفه مع بطنه أو إبهامه.
ولا دليل لهم على شئ من ذلك سوى الاحتياط، وتوقف صدق
الابتداء والاختتام عليه، ولا يخفى أنه إلى الوسواس أقرب منه إلى الاحتياط.
ومن الأخبار ما لا يجامع ذلك أصلا، كما في رواية محمد: (إن
رسول الله صلى الله عليه وآله طاف على راحلته واستلم الحجر بمحجنه) (3)، والألفاظ
تحمل على المصداقات العرفية.
وما أدري من أي دليل استنبطوا اعتبار أول جزء الحجر وأول جزء

(1) التذكرة: 361.
(2) كالشهيد في الدروس 1: 394، الشهيد الثاني في المسالك 1: 120.
(3) الفقيه 2: 251 / 1209، الوسائل 13: 442 أبواب الطواف ب 81 ح 2.
70

البدن، ولو أمر المولى عبده بأنه: امش مبتدئا من هذه الأسطوانة ومختتما
بتلك، فهل يتصور أحد أن يريد ملاحظة الأنف أو البطن أو الابهام أو أول
نقطة من الأسطوانة؟! ومن فعل ذلك يستهزأ به ويستهجن فعله.
وبالجملة: هذا أمر لا دليل عليه ولا شاهد، ولا يناسب تسميته
احتياطا، بل اعتقاد وجوبه خلاف الاحتياط.
مع أنه لو فرض لزوم تحقق البدأة الحقيقي فيتحقق بالتأخر عن
الحجر قليلا بحيث يعلم تأخر جميع أجزاء البدن عن جميع أجزائه قليلا
وقصد جعل الزائد من باب المقدمة.
وكذا في الاختتام كما قالوا في نظائرها، ولا حاجة إلى تلك
التدقيقات المرغوبة عنها، سيما في مقام التقية وازدحام الناس.
ومنها: جعل البيت على يساره حال الطواف، وهو مما نفي عنه
الخلاف (1)، بل ادعي عليه الاجماع في كلام جماعة (2)، بل هو إجماعي،
وهو الدليل عليه، وربما تؤيده صحيحة ابن يقطين: عمن نسي أن يلتزم في
آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني، أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني
والحجر، أو يدع ذلك؟ قال: (يترك اللزوم ويمضي) (3).
ويؤيده أيضا فعل النبي صلى الله عليه وآله بضميمة قوله: (خذوا عني
مناسككم) (4)، وجعله دليلا عليل، لعدم ثبوت كون ذلك منسكا منه،
فيحتمل أن يكون أحد وجوه الفعل.

(1) كما في المفاتيح 1: 369.
(2) انظر الخلاف 2: 325، والمدارك 8: 128، والرياض 1: 406.
(3) التهذيب 5: 108 / 350 بتفاوت يسير، الوسائل 13: 349 أبواب الطواف
ب 27 ح 1.
(4) كما في مسند أحمد 3: 318 بتفاوت يسير.
71

ثم على ما ذكر، لو جعله على يمينه لم يصح ووجبت عليه الإعادة،
سواء كان عمدا أو جهلا أو نسيانا ولو بخطوة على ما صرح به بعضهم (1)،
ولا يقد في جعله على اليسار الانحراف اليسير إلى اليمين بحيث لا ينافي
صدق الطواف على اليسار عرفا.
ومنها: إدخال حجر إسماعيل في الطواف، بلا خلاف يعلم كما في
الذخيرة (2)، بل بالاجماع كما عن الغنية والخلاف وفي المدارك والمفاتيح (3)
وشرحه، بل بالاجماع المحقق، له، وللتأسي، وللمستفيضة، كصحيحة ابن
عمار (4) المتقدمة في البدأة بالحجر الأسود.
والبختري: في الرجل يطوف بالبيت [فيختصر في الحجر]، قال:
(يقضي ما اختصر من طوافه) (5).
والحلبي: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف
يصنع؟ قال: (يعيد الطواف الواحد) (6).
والأخرى، وهي كالأولى، إلا أن فيها: (يعيد ذلك الشوط) (7).

(1) كالشهيد الثاني في الروضة 2: 248، وصاحب الحدائق 16: 102.
(2) الذخيرة: 628.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578، الخلاف 2: 324، المدارك 8: 128 المفاتيح
1: 410.
(4) الكافي 4: 419 / 2، الفقيه 2: 249 / 1198، الوسائل 13: 357 أبواب
الطواف ب 31 ح 3.
(5) الكافي 4: 419 / 1، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 2، ما بين
المعقوفين، أثبتناه من الوسائل، وبدله في نسخة من الكافي: فاختصر.
(6) الفقيه 2: 249 / 1197، مستطرفات السرائر: 34 / 41، الوسائل 13: 356
أبواب الطواف ب 31 ح 1.
(7) التهذيب 5: 109 / 353، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.
72

ورواية إبراهيم بن سفيان: امرأة طافت طواف الحج فلما كانت في
الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت
وطافت طواف النساء ثم أتت منى، فكتب عليه السلام (تعيد) (1).
وليس ذلك لكون الحجر من البيت - كما قيل (2)، بل نسبه في
الدروس إلى المشهور (3)، وعليه في الجملة رواية عامية (4) - لأنه خلاف
الأصح، كما دل عليه الصحيح (5) وغيره (6).
وهل يجب على من اختصر شوطا إعادة ذلك الشوط خاصة،
أو الطواف رأسا؟
الأصح: الأول، وفاقا لجماعة (7)، للأصل، وصحيحة البختري،
وصحيحتي الحلبي.
ولا تنافيه صحيحة ابن عمار، لأن الظاهر منها الاختصار في جميع
الأشواط، ولا أقل من احتماله الكافي في مقام الرد، مع احتمال إرادة
خصوص الشوط من الطواف، كما في صحيحة الحلبي الأولى، حيث قال:
(الطواف الواحد).
ولا رواية إبراهيم، لجواز إرادة إعادة الشوط.

(1) الفقيه 2: 249 / 1199، الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 31 ح 4.
(2) في التذكرة 1: 361.
(3) الدروس 1: 394.
(4) انظر سنن الترمذي 2: 181 / 877.
(5) الكافي 4: 419 / 2، الفقيه 2: 249 / 1198، الوسائل 13: 357 أبواب
الطواف ب 31 ح 3.
(6) كما في الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31.
(7) انظر المدارك 8: 129، والحدائق 16: 108، والرياض 1: 406.
73

ولا يكفي إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر، بل تجب البدأة من
الحجر الأسود، لصحيحة ابن عمار، ولأنه المتبادر من إعادة الشوط.
ومنها: أن يطوف سبعة أشواط، بالاجماع والنصوص المستفيضة (1)،
بل المتواترة الآتي طرف منها في طي المسائل الآتية.
ومنها: الموالاة بين الأشواط، ذكرها بعضهم (2)، بل نسبه بعض من
تأخر إلى ظاهر الأصحاب (3).
واستدل له بالتأسي.
وبالأخبار الواردة في إعادة الطواف بدخول البيت أو حدوث الحدث
في الأثناء، الآتية في مسألة قطع الطواف (4).
أقول: أما التأسي: فإثبات الوجوب منه مشكل.
وأما الأخبار: فهي معارضة مع ما دل على عدم اشتراطها في الطواف
النفل وفي الفرض بعد تجاوز النصف كما يأتي، وبما دل على جواز القطع
والبناء لغسل الثوب، ولصلاة الفريضة في سعة الوقت، وللوتر، ولقضاء
حاجة الأخ والنفس، وعيادة المريض والاستراحة، وغيرها (5)، ثم البناء
على ما فعل.
ومع ذلك، فهي غير دالة على الموالاة بالمعنى الذي راموه الشامل
لعدم الفصل الطويل، وإنما تدل على الإعادة في بعض الصور بالخروج عن
المطاف والاشتغال بأمر آخر.

(1) الوسائل 13: 331 أبواب الطواف ب 19.
(2) كما في الدروس 1: 395.
(3) كما في التنقيح الرائع 1: 504، والرياض 1: 411.
(4) انظر الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 40 و 41.
(5) انظر الوسائل 13: 378، 388 أبواب الطواف ب 40 و 46.
74

ومنها: إخراج المقام عن الطواف بأن يكون الطواف بين البيت
والمقام، مراعيا قدر ما بينهما من جميع الجهات، على المشهور بين
الأصحاب، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا (1)، وعن الغنية: الاجماع
عليه (2).
لرواية محمد: عن حد الطواف بالبيت الذي من خرج عنه لم يكن
طائفا بالبيت، قال: (كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يطوفون بالبيت
والمقام، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام والبيت، فكان الحد موضع
المقام اليوم، فمن جازه ليس بطائف، والحد قبل اليوم واليوم واحد قدر ما
بين المقام وبين [البيت من] نواحي البيت [كلها]، فمن طاف فتباعد من
نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف
بالمسجد، لأنه طاف في غير حد، ولا طواف له) (3).
وإضمارها غير ضائر، وضعف سندها - لو كان - فالعمل له جابر.
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فجوزه خارج المقام مع الضرورة (4)،
وعن المختلف والمنتهى والتذكرة الميل إليه (5).
واستدل له بموثقة محمد الحلبي: عن الطواف خلف المقام، قال:
(ما أحب ذلك وما أرى به بأسا، فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا) (6).

(1) الرياض: 406.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.
(3) الكافي 4: 413 / 1، التهذيب 5: 108 / 351، الوسائل 13: 350 أبواب
الطواف ب 28 ح 1، ما بين المعقوفين ليس في النسخ، أضفناه من المصادر.
(4) حكاه عنه في المختلف: 288.
(5) المختلف: 288، المنتهى 2: 691، التذكرة 1: 362.
(6) الفقيه 2: 249 / 1200، الوسائل 13: 351 أبواب الطواف ب 28 ح 2.
75

ولا يخفى أن مقتضى الرواية: الجواز مطلقا ولو اختيارا، ولكن مع
الكراهة وأنها ترتفع بالضرورة.
وظاهر الصدوق الافتاء به حيث روى الموثقة (1)، ومال إليه المدارك
والذخيرة وشرح المفاتيح (2).
ولولا شذوذ القول به - ومخالفته للشهرة القديمة، بل إجماع القدماء،
بل مطلقا، لعدم قائل صريح به أصلا ولا ظاهر سوى الصدوق الغير القادح
مخالفته في الاجماع - لكان حسنا، إلا أن ما ذكرناه يمنع المصير إليه،
ويخرج الموثقة عن حيز الحجية.
فالقول الأول هو المفتى به والمعول.
ثم - كما أشير إليه - تجب مراعاة المسافة ما بين المقام والبيت من
جميع نواحي البيت، كما صرح به في الرواية المذكورة، ومقتضاها احتساب
حجر إسماعيل من المسافة على ما ذكرنا من كونه خارجا عن البيت.
وذكر جماعة من المتأخرين: أن المسافة تحسب من جهته من
خارجه وإن كان خارجا عن البيت (3)، وعللوه بوجوه عليلة، فالواجب
متابعة مقتضى الرواية.
وكذا مقتضاها عدم جواز المشي على أساس البيت المسمى
بشاذروان، لكونه من البيت على ما ذكره الأصحاب، فيكون الماشي عليه
طائفا في البيت، ولأنه لا يكون ما بين البيت والمقام.
وهل يجوز للطائف مس جدار البيت بيده؟

(1) الفقيه 2: 132.
(2) المدارك 8: 131، الذخيرة: 628.
(3) انظر التذكرة 1: 362، والمسالك 1: 121، والروضة 2: 249.
76

قيل: لا (1)، لأنه لا يكون حينئذ بجميع أجزاء بدنه خارجا عن البيت.
وقيل نعم (2)، لأن من هذا شأنه يصدق عليه عرفا أنه طائف بالبيت.
وهو أقرب، لذلك، وللأصل، وأمر الاحتياط واضح.
وليعلم أن المقام حقيقة هو: العمود من الصخر الذي كان إبراهيم عليه السلام
يصعد عليه عند بنائه البيت، وعليه اليوم بناء، والمتعارف الآن إطلاق المقام
على جميعه.
وهل المعتبر وقوع الطواف بين البيت وبين البناء الذي على المقام
الأصلي، أم بينه وبين العمود؟
فيه وجهان، والأقرب: الثاني، للأصل، والرواية المذكورة.
والمستفاد منها أيضا أن المقام - أعني العمود - تغير عما كان في زمن
النبي صلى الله عليه وآله، وأن الحكم في الطواف منوط بمحله الآن، وكذا في الصلاة خلفه.
وتدل عليه أيضا رواية إبراهيم بن أبي محمود: أصلي ركعتي الطواف
الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة، أو حيث كان على عهد رسول الله
؟ قال: (حيث هو الساعة) (3).
المقام الثاني: في مستحباته.
الزائدة على ما يستحب مقدما عليه المتقدم ذكره، وهي أيضا أمور:
منها: استلام الحجر وتقبيله كلما ينتهي إليه، وقد مر مستنده.
ومنها: أن يقصد في مشيه، بأن لا يسرع ولا يبطئ مطلقا، وفاقا

(1) التذكرة 1: 362.
(2) كما في القواعد 1: 83، وكشف اللثام 1: 334.
(3) الكافي 4: 423 / 4، التهذيب 5: 137 / 453، الوسائل 13: 422 أبواب
الطواف ب 71 ح 1.
77

للقديمين، والنهاية والحلبي والحلي والشرائع والنافع (1)، وغيرهم (2)، بل
الأكثر كما حكي عن جماعة (3).
لرواية عبد الرحمن بن سيابة: عن الطواف، فقلت: أسرع وأكثر أو
أمشي وأبطئ؟ قال: (مشي بين المشيين) (4)، ومرسلة حماد بن عيسى (5)
المتقدمة في مسألة استلام الحجر.
ولعدم دلالتهما على الوجوب لم يقل أحد به.
مضافا إلى رواية الأعرج: عن المسرع والمبطئ في الطواف، فقال
(كل واسع ما لم يؤذ أحدا) (6).
وعن المبسوط والقواعد وفي الإرشاد: استحباب الرمل (7) - وهو:
الهرولة، كما في الصحاح والقاموس (8)، أو المشي مع تقارب الخطى دون
الوثوب والعدو، كما عن الدروس (9)، أو الاسراع، كما عن الأزهري (10)،
ولعل الكل متقارب، كما في الذخيرة (11) - في الأشواط الثلاثة الأولى خاصة،

(1) حكاه عن القديمين في المختلف: 288، النهاية: 237، الحلبي في الكافي في
الفقه: 194، الحلي في السرائر 1: 572، الشرائع 1: 269، النافع: 94.
(2) كما في المنتهى 2: 696، والمسالك 1: 122.
(3) المدارك 8: 161، والرياض 1: 413.
(4) الكافي 4: 413 / 1، التهذيب 5: 109 / 352، الوسائل 13: 352 أبواب
الطواف ب 29 ح 4، بتفاوت يسير في الكافي.
(5) الكافي 4: 412 / 3، الوسائل 13: 306 أبواب الطواف ب 5 ح 1.
(6) الفقيه 2: 255 / 1238، الوسائل 13: 351 أبواب الطواف ب 29 ح 1.
(7) المبسوط 1: 356، القواعد 1: 83، الإرشاد 1: 325.
(8) الصحاح 4: 1713، القاموس 3: 398.
(9) الدروس 1: 399.
(10) حكاه عنه في الذخيرة: 633، وهو في التهذيب 15: 207.
(11) الذخيرة: 633.
78

والمشي في الأربعة الباقية في طواف القدوم خاصة، وهو أول طواف يأتي
به القادم إلى مكة مطلقا.
وقيل: هو الطواف المستحب للحاج مفردا أو قارنا إذا دخل مكة قبل
الوقوف، كما هو مصطلح العامة (1).
وعن ابن حمزة: استحباب الرمل في الثلاثة الأشواط الأولى والمشي
في الباقي وخاصة في طواف الزيارة (2).
ومستنده - على ما ذكر في المنتهى (3) - ما روي عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وآله
رمل ثلاثا ومشى أربعا (4)، وكذا عن ابن عباس عنه (5).
وفيه: أن استحباب التأسي إنما هو إذا لم يعارض فعله القول ولم
تكن لفعله مصلحة وسبب منتف في حقنا، والذي يظهر من جملة من
الروايات المروية في علل الصدوق (6) ونوادر ابن عيسى (7) أن فعله صلى الله عليه وآله
ذلك وكذلك أصحابه كان لمصلحة مخصوصة بهم يومئذ، ولذا أنهم
- بعد نقلهم ذلك عنه - أظهروا له المخالفة.
ومنها: أن يذكر الله سبحانه في طوافه، ويدعوه بالمأثور وغيره،
ويقرأ القرآن، للعمومات والخصوصات، منها: مرسلة حماد المتقدمة (8)..

(1) انظر الدروس 1: 400.
(2) الوسيلة: 172.
(3) المنتهى 2: 696.
(4) انظر سنن الترمذي 2: 174 / 859 بتفاوت يسير، والمنتهى 2: 696.
(5) سنن أبي داود 2: 179 / 1890، المنتهى 2: 696.
(6) علل الشرائع: 412 / 1، الوسائل 3: 351 أبواب الطواف ب 29 ح 2.
(7) فقه الرضا (الحجري): 73، الوسائل 13: 352 أبواب الطواف ب 29 ح 5.
(8) في ص: 66.
79

وصحيحة ابن عمار: (طف بالبيت سبعة أشواط، تقول في الطواف:
اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء) إلى آخر الدعاء،
فقال: (وكلما انتهيت إلى باب الكعبة فصل على محمد النبي صلى الله عليه وآله، وتقول
فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وقل في الطواف: اللهم إني إليك فقير وإني
خائف مستجير فلا تغير جسمي ولا تبدل اسمي) (1).
ورواية محمد بن فضيل: (وطواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا
بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن) (2).
وأيوب: القراءة وأنا أطوف أفضل، أو ذكر الله؟ قال: (القراءة) (3).
وعبد السلام: دخلت طواف الفريضة ولم يفتح لي شئ من الدعاء إلا
الصلاة على محمد وآل محمد، وسعيت فكان كذلك، فقال: (ما أعطي أحد
ممن سأل أفضل مما أعطيت) (4).
ومنها: أن يلتزم المستجار - ويسمى بالملتزم والمتعوذ أيضا، وهو بحذاء
الباب من وراء الكعبة دون الركن اليماني بقليل - في الشوط السابع، فيبسط
يديه وخده على حائطه ويلصق بطنه به، لصحيحة ابن عمار (5) وموثقته (6)،

(1) الكافي 4: 406 / 1، الوسائل 13: 333 أبواب الطواف ب 20 ح 1. وظلل
الماء: ظهره - مجمع البحرين 5: 412.
(2) التهذيب 5: 127 / 417، الإستبصار 2: 227 / 785، الوسائل 13: 403
أبواب الطواف ب 54 ح 2 بتفاوت يسير.
(3) الكافي 4: 427 / 3، الوسائل 13: 403 أبواب الطواف ب 55 ح 1.
(4) الكافي 4: 407 / 3، الوسائل 13: 336 أبواب الطواف ب 21 ح 1.
(5) الكافي 4: 411 / 5، التهذيب 5: 107 / 349، الوسائل 13: 345 أبواب
الطواف ب 26 ح 4.
(6) التهذيب 5: 104 / 339، الوسائل 13: 347 أبواب الطواف ب 26 ح 9.
80

ويدعو بالمأثور فيهما وفي صحيحة ابن سنان (1)، ويقر لله عنده بذنوبه
ويعددها مفصلة ويستغفر الله لها، للصحيحة والموثقة المذكورتين،
وصحيحة أخرى لابن عمار، المتضمنة لفعل أبي عبد الله عليه السلام (2).
ولو نسي الالتزام وتجاوز عن الملتزم، قيل: رجع والتزم (3)، لعموم
جملة من النصوص (4)، وعدم لزوم زيادة في الطواف، لأنه لا ينوي بالزائد
الطواف.
وقيل: لا يرجع (5)، لمنع العموم المذكور، ولزوم الزيادة المنهي
عنها، لعدم تقييد النهي عنها بالنية.
أقول: صحيحة ابن عمار وموثقته وإن لم تكونا عامتين ولا مطلقتين
- لتعليق الحكم فيهما بما إذا انتهى إلى الملتزم فلا يشمل ما إذا تجاوز عنه،
والرجوع عودا وقضاء محتاج إلى دليل - ولكن صحيحة ابن سنان مطلقة
تصلح لاثبات الحكم، ولا يعارضها لزوم الزيادة، إذ يأتي في بحث الأحكام
أن المنهي عنها ما كان بقصد الطواف.
إلا أنه تعارضها صحيحة ابن يقطين: عمن نسي أن يلتزم في آخر
طوافه حتى جاز الركن اليماني، أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني وبين
الحجر، أو يدع ذلك؟ قال: (يترك اللزم) (6).

(1) الكافي 4: 410 / 3، التهذيب 107 / 347، الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26 ح 1.
(2) الكافي 4: 410 / 4، الوسائل 13: 346 أبواب الطواف ب 26 ح 5.
(3) المختصر النافع: 94.
(4) الوسائل 13: 344 أبواب الطواف ب 26.
(5) كما في التهذيب 5: 108.
(6) التهذيب 5: 108 / 350 وفيه: (يترك الملتزم)، الوسائل 13: 349 أبواب
الطواف ب 27 ح 1.
81

دلت على رجحان ترك اللزوم المنافي لاستحبابه المستفاد من إطلاق
صحيحة ابن سنان، فيقيد الاطلاق بما إذا لم يتجاوز.
نعم، هي مقيدة بصورة التجاوز عن الركن، فترجيح ترك اللزوم
المستفاد منها إنما هو في هذه الصورة، فلا معارض للاطلاق فيما دونه،
ولذا استحسن في الدروس والمدارك الرجوع إذا لم يبلغ الركن (1)، وهو
جيد.
ومنها: أن يستلم الركنين الأعظمين: العراقي واليماني، بالاجماع
والمستفيضة، كرواية الشحام: كنت أطوف مع أبي عبد الله عليه السلام، وكان إذا
انتهى إلى الحجر مسحه بيده وقبله، وإذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه (2).
وأبي مريم: كنت مع أبي جعفر عليه السلام أطوف فكان لا يمر في طواف
من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه، ثم يقول: (اللهم تب علي حتى أتوب
واعصمني حتى لا أعود) (3).
وصحيحة ابن سنان، وفيها: (إذا كنت في الطواف السابع) إلى أن
قال: (ثم استلم الركن اليماني، ثم ائت الحجر فاختم به) (4).
والأخبار الآتية بعضها، المتضمنة لاستلام رسول الله صلى الله عليه وآله لهذين
الركنين.
بل يستحب استلام الأركان الأربعة، لصحيحة الخراساني: أستلم

(1) الدروس 1: 402، المدارك 8: 165.
(2) الكافي 4: 408 / 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3 وفيه: كنت
أطوف مع أبي، وكان إذا....
(3) الكافي 4: 409 / 14، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح 4.
(4) الكافي 4: 410 / 3، التهذيب 5: 107 / 347، الوسائل 13: 344 أبواب
الطواف ب 26 ح 1.
82

اليماني والشامي [والعراقي] والغربي؟ قال: (نعم) (1).
وجميل بن صالح، وفيها: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يستلم الأركان
كلها (2).
وحسنة الكاهلي: (طاف رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقته العضباء (3)،
وجعل يستلم الأركان بمحجنه ويقبل المحجن) (4).
والخلاف هنا في موضعين:
أحدهما: في استلام الركنين الآخرين، فلم يستحبهما الإسكافي (5) (6)،
لرواية غياث بن إبراهيم المصرحة بأنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يستلم إلا
الركن الأسود واليماني) (7).
وصحيحة جميل بن صالح، وفيها - بعد ذكر عدم استلام رسول الله
لهما -: (إن رسول الله استلم هذين ولم يعرض لهذين، فلا تعرض لهما،
إذ لم يعرض لهما رسول الله صلى الله عليه وآله) (8).

(1) التهذيب 5: 106 / 343، الإستبصار 2: 216 / 743، الوسائل 13: 344 أبواب
الطواف ب 25 ح 2، وما بين المعقوفين أثبتناه من الوسائل.
(2) الكافي 4: 408 / 9، التهذيب 5: 106 / 342، الوسائل 13: 337 أبواب
الطواف ب 22 ح 1.
(3) الناقة العضباء: مشقوقة الأذن، أو هو علم لها - مجمع البحرين 2: 123، النهاية
الأثيرية 3: 251.
(4) الكافي 4: 429 / 16، الوسائل 13: 441 أبواب الطواف ب 81 ح 1.
(5) حكاه عنه في المختلف: 290.
(6) في (ق) و (س) زيادة: بل منعه، وعليه الفقهاء الأربعة.
(7) الكافي 4: 408 / 8، التهذيب 5: 105 / 341، الإستبصار 2: 216 / 744،
الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22 ح 2.
(8) الكافي 4: 408 / 9، التهذيب 5: 106 / 342، الوسائل 13: 337 أبواب
الطواف ب 22 ح 1.
83

وأجيب عنهما: بأنهما حكاية فعل الرسول صلى الله عليه وآله فلعله لأقلية الفضل
بالنسبة إلى الركنين الأعظمين، ولم يقل إن استلامهما محظور أو مكروه (1).
وفيه: أن الأخيرة تتضمن قوله للسائل: (فلا تعرض لهما)، وهو إما
يفيد الحظر أو الكراهة، فالأولى الجواب بالمعارضة مع ما سبق، وترجيح
ما سبق بمخالفة العامة.
والثاني: في استحباب استلام الركن اليماني، فأوجبه الديلمي (2)،
للأمر به من غير معارض.
وأجيب بعدم الأمر به، بل غايته بيان فعلهم عليه السلام، وهو أعم من
الوجوب (3).
وفيه: أن صحيحة ابن سنان متضمنة للأمر المفيد للوجوب، فالأولى
أن يجاب عنه بشذوذ الدال على الوجوب، فلا ينهض حجة إلا لاثبات
الرجحان.
والمراد باستلام الأركان: التزامها وإلصاق البطن عليها، كما صرح به
في صحيحة يعقوب بن شعيب (4) المتقدمة في استلام الحجر، فإن المستفاد
منها أن المراد من الاستلام للركن - حيث يطلق في الأخبار (5) - الالتزام،
وتؤكده رواية الشحام (6) المتقدمة.
ويستحب الدعاء عند الركن اليماني وطلب الحاجات..

(1) الرياض 1: 414.
(2) المراسم: 110.
(3) كما في الرياض 1: 414 - 415.
(4) الكافي 4: 404 / 1، الوسائل 13: 324 أبواب الطواف ب 15 ح 2.
(5) الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 22.
(6) الكافي 4: 408 / 10، الوسائل 13: 338 أبواب الطواف ب 22 ح 3.
84

ففي رواية السندي: (إنه ما من مؤمن يدعو عنده إلا صعد دعاؤه
حتى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله حجاب) (1).
وفي روايتي العلاء بن المقعد: (إن الله عز وجل وكل بالركن اليماني
ملكا هجيرا يؤمن على دعائكم) (2).
ويستحب أن يدعو عنده بعد استلامه بما في رواية أبي مريم
المتقدمة، وأن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله كلما بلغه، لحسنة البختري (3).
ومنها: أن يصلي على النبي وآله كلما انتهى إلى باب الكعبة، لموثقة
ابن عمار (4).
وأن يرفع رأسه إذا بلغ حجر إسماعيل قبل أن يبلغ الميزاب، وينظر
إلى الميزاب، ويقول: اللهم أدخلني الجنة برحمتك، وأجرني من النار
برحمتك، وعافني من السقم، وأوسع علي من الرزق الحلال، وادرأ عني
شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم، لرواية عمرو بن
عاصم (5)، وصحيحة عاصم بن حميد (6).
وأن يدعو إذا انتهى إلى ظهر الكعبة حين يجوز حجر إسماعيل بما
في صحيحة ابن أذينة، وهو (يا ذا المن والطول والجود والكرم إن عملي

(1) الكافي 4: 409 / 15، التهذيب 5: 106 / 344، الوسائل 13: 342 أبواب
الطواف ب 23 ح 6.
(2) الكافي 4: 408 / 11 و 12، الوسائل 13: 341 أبواب الطواف ب 23 ح 1 و 2،
بتفاوت يسير في الثانية.
(3) الكافي 4: 409 / 16، الوسائل 13: 337 أبواب الطواف ب 21 ح 3.
(4) الكافي 4: 406 / 1، التهذيب 5: 104 / 339، الوسائل 13: 333 أبواب
الطواف ب 20 ح 1.
(5) الكافي 4: 407 / 5، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح 5.
(6) التهذيب 5: 105 / 340، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ذيل الحديث 5.
85

ضعيف فضاعفه لي وتقبله مني إنك أنت السميع العليم) (1).
وأن يقول بين الركن اليماني والحجر: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي
الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، لصحيحتي ابن سنان (2) وابن عمار (3).
فائدتان:
الأولى: يستحب التطوع بثلاثمائة وستين طوافا، كل طواف سبعة
أشواط بلا خلاف.
لصحيحة ابن عمار: (يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد
أيام السنة، فإن لم تستطع فثلاثمائة وستين شوطا، فإن لم تستطع فما
قدرت عليه من الطواف) (4).
ونحوها الرضوي (5)، إلا أن أوله: (يستحب أن يطوف الرجل بمقامه
بمكة).
والظاهر أن استحباب ذلك في مدة الإقامة بمكة لمن دخله حاجا
ويسافر عنه، كما هو الظاهر من الخطاب في الصحيحة إلى ابن عمار
والمصرح به في الرضوي، ولو لم يخرج فالظاهر من قوله: (عدد أيام
السنة) استحباب ذلك في عامه أو في كل عام، كذا قيل (6)، ولا بأس به.

(1) الكافي 4: 407 / 6، الوسائل 13: 335 أبواب الطواف ب 20 ح 6.
(2) الكافي 4: 408 / 7، الوسائل 13: 334 أبواب الطواف ب 20 ح 2.
(3) الكافي 4: 406 / 1، الوسائل 13: 333 أبواب الطواف ب 20 ح 1.
(4) الكافي 4: 429 / 14، الفقيه 2: 255 / 1236، التهذيب 5: 135 / 445،
الوسائل 13: 308 أبواب الطواف ب 7 ح 1.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 220، مستدرك الوسائل 9: 377 أبواب الطواف ب 6 ح 1.
(6) الرياض 1: 415.
86

ولو لم يستطع - لضيق الوقت أو مانع آخر - فيطوف بهذا العدد
أشواطا، فتكون جميع الأشواط واحدا وخمسين طوافا وثلاثة أشواط،
وينوي بكل سبعة أشواط طوافا، وتبقى في الآخر عشرة يجعلها أيضا طوافا
واحدا على المشهور.
ولا بأس بالزيادة، لأنها ليست من القران المكروه في النافلة، لأنه لا
يكون إلا بين أسبوعين، ولو كان فيكون هذا مستثنى بالنص، وأما مطلق
الزيادة فكراهته في النقل (1) غير ثابتة، فمتى ثبت من الشرع تكون مستحبة.
وقال ابن زهرة (2): يضم أربعة أشواط أخر، لتكمل الثلاثة الأخيرة
أيضا أسبوعا ولم تحصل الزيادة ولا القران.
واستدل برواية أبي بصير الصحيحة عمن أجمعت العصابة على صحة
ما يصح عنه: (يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة كل أسبوع لسبعة
أيام، فذلك اثنان وخمسون أسبوعا) (3)، بحمل الروايتين الأوليين على هذه
من جهة عدم نفيهما للزيادة.
وفيه: أن هذه الرواية لا تخلو عن إجمال، حيث دل صدرها على
عدد أيام السنة، وحملها على السنة الشمسية بعيد، مع أنها أيضا لا تطابق
الثلاثمائة والأربعة والستين في الأكثر، فيحتمل نوع تجوز في ذيلها، فتأمل.
الثانية: لا خلاف في جواز الكلام في أثناء الطواف بما يريد من أمور
الدنيا والآخرة، وفي المنتهى: ادعاء الاجماع عليه (4)، ويدل عليه الأصل

(1) في (س): النفل.
(2) حكاه عنه في المختلف: 292، والرياض 1: 415.
(3) التهذيب 5: 471 / 1655، الوسائل 13: 308 أبواب الطواف ب 7 ذيل الحديث 2.
(4) المنتهى 2: 701.
87

السالم عن المعارض، وصحيحة ابن يقطين: عن الكلام في الطواف وإنشاد
الشعر والضحك في الفريضة أو غير الفريضة، أيستقيم ذلك؟ قال: (لا
بأس به، والشعر ما كان لا بأس به منه) (1).
نعم، يكره الكلام فيه، لفتوى الأصحاب، والنبوي العامي: (الطواف
بالبيت صلاة، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير) (2).
ورواية محمد بن فضيل: (طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا
بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن)، قال: (والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم
عليه ويحدثه بالشئ من أمر الدنيا والآخرة لا بأس به) (3).
لكن مقتضى الأخيرة اختصاص الكراهة بالفريضة، وقد يعمم، لحكم
العقل بمساواة النافلة للفريضة في الكراهة، ولكراهة مطلق التكلم في
المسجد.
وفيهما نظر، ويمكن الحمل بتفاوت مراتب الكراهة، والله يعلم.

(1) التهذيب 5: 127 / 418، الإستبصار 2: 227 / 784، الوسائل 13: 402
أبواب الطواف ب 54 ح 1.
(2) سنن الدارمي 2: 44 بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 5: 127 / 417، الإستبصار 2: 227 / 785، الوسائل 13: 403
أبواب الطواف ب 54 ح 2 بتفاوت يسير.
88

البحث الثالث
في أحكامه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال جماعة: تحرم الزيادة على سبعة أشواط في
الطواف الواجب، بمعنى: أن يطوف ثمانية أشواط مثلا قاصدا كونه طوافا
واحدا، أو أربعة عشر شوطا كذلك بأن يجعل المجموع طوافا واحدا، وهذا
غير القران الآتي حكمه، فإنه وصل طوافين من غير فصل ركعتي الطواف
بينهما واعتقاد كونهما طوافين.
بل هو المشهور بين الأصحاب، كما في المنتهى والذخيرة (1)، وفي
المدارك: أنه المعروف من مذهب الأصحاب (2)، بل قيل: إن ظاهرهم
الاتفاق على الحكم المذكور إلا نادرا (3).
واستدل له بصحيحة ابن سنان (4) ورواية ابن عمار (5)، المتقدمتين في
ختم الطواف بالحجر الأسود..
وبرواية عبد الله بن محمد: (الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل

(1) المنتهى 2: 699، الذخيرة: 636.
(2) المدارك 8: 138.
(3) الرياض 1: 408.
(4) الكافي 4: 410 / 3، التهذيب 5: 107 / 347، الوسائل 13: 344 أبواب
الطواف ب 26 ح 1.
(5) الكافي 4: 419 / 2، الفقيه 2: 249 / 1198، الوسائل 13: 357 أبواب
الطواف ب 31 ح 3.
89

الصلاة، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة، وكذا السعي) (1).
ورواية أبي كهمش: عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط، قال: (إن
ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه وقد أجزاء عنه، وإن لم يذكر حتى يبلغه
فليتم أربعة عشر شوطا، وليصل أربع ركعات) (2).
فإن وجوب القطع لا يكون إلا مع تحريم الزيادة، وورودها في
الناسي غير ضائر، للأولوية والاجماع المركب.. ولا الأمر بالاتمام لو تجاوز
عن الركن، لأنه حكم ثبت في الناسي بالدليل ولا يثبت منه في العامد.
وموثقة أبي بصير، وفيها: أنه قد طاف وهو متطوع ثمان مرات وهو
ناس، قال: (فليتمه طوافين ثم يصلي أربع ركعات، أما الفريضة فليعد
حتى يتم سبعة أشواط) (3).
وأما الاستدلال بصحيحة أبي بصير: عن رجل طاف بالبيت ثمانية
أشواط المفروض، قال: (يعيد حتى يثبته) (4).
بالثاء المثلثة والباء المفردة والتاء المثناة الفوقانية - من الاثبات - كما
في بعض النسخ.
وبالتاء المثناة الفوقانية والباء المفردة والياء المثناة التحتانية والنون
أخيرا - على صيغة التفعل - كما في بعض آخر.

(1) التهذيب 5: 151 / 498، الإستبصار 2: 239 / 831، الوسائل 13: 366
أبواب الطواف ب 34 ح 11 بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 418 / 10 وفيه صدر الحديث، التهذيب 5: 113 / 367، الإستبصار
2: 219 / 753، الوسائل 13: 364 أبواب الطواف ب 34 ح 3، 4.
(3) الكافي 4: 417 / 6، التهذيب 5: 114 / 371، الوسائل 13: 364 أبواب
الطواف ب 34 ح 2.
(4) الكافي 4: 417 / 5، الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34 ح 1.
90

و: (حتى يستتمه) - كما في التهذيب بإسناده المختص به من
الاستتمام - فغير جيد، لجواز أن يكون المراد منه إتمام طواف آخر، بل هو
الظاهر من قوله (حتى يستتمه)، مضافا إلى عدم دلالة (يعيد) على الوجوب.
والايراد على الأوليين بأن مقتضاهما كون منتهى الطواف الوصول إلى
الحجر، وذلك لا ينافي الزيادة الخارجة من الطواف، وعلى الثانيتين بقصور
السند.
مردود بأن المراد من الزيادة الخارجة إن كان من غير الطواف فلا
كلام فيه، وإن كان من الطواف فمنافاتها للختم بالحجر ظاهرة، فإنه لا
يصدق الختم بالحجر، سيما مع قصد كون الزيادة جزا من الأول، كما
هو المفروض.
وبأن ضعف السند غير ضائر، مع أن ما ذكر له جابر.
وظاهر المدارك والذخيرة الميل إلى عدم التحريم (1)، للأصل.
مضافا إلى الأخبار المصرحة بأن من زاد شوطا يضيف إليه ستة
ويجعلهما طوافين، من غير تفصيل بين السهو والعمد، إما مطلقا،
كصحيحة محمد (2) ورفاعة (3)، أو في خصوص الفريضة، كصحيحتي
محمد (4) والخزاز (5)، ولو كانت الزيادة محرمة لما جاز ذلك، لاقتضاء النهي

(1) المدارك 8: 138، 139، الذخيرة: 636.
(2) التهذيب 5: 472 / 1661، الوسائل 13: 366 أبواب الطواف ب 34 ح 12.
(3) التهذيب 5: 112 / 363، الإستبصار 2: 218 / 749، الوسائل 13: 365
أبواب الطواف ب 34 ح 9.
(4) التهذيب 5: 152 / 502، الإستبصار 2: 240 / 835، الوسائل 13: 366
أبواب الطواف ب 34 ح 10.
(5) الفقيه 2: 248 / 1191، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 13.
91

فساد الزائد لا أقل منه، وحملها على الساهي حمل بلا دليل.
والاستشهاد برواية أبي كهمش المتقدمة، وصحيحة ابن سنان: (من
طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا، ثم
يصلي ركعتين) (1).
غير سديد، لأنهما تدلان على أن الناسي يفعل كذلك لا على
التخصيص به.
وإلى ما دل على زيادة علي عليه السلام - مع كونه معصوما عن السهو
والنسيان - كصحيحتي ابن وهب وزرارة:
الأولى: (إن عليا عليه السلام طاف ثمانية فزاد ستة، ثم ركع أربع ركعات) (2).
والثانية: (إن عليا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى
على واحد وأضاف إليها ستة، ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم خرج إلى
الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين اللاتين
ترك في المقام الأول) (3).
وحمل فعله عليه السلام على التعليم بارد، وعلى التقية فاسد، لعدم داع
عليها.
أقول: يمكن الجواب عن الأخيرتين بأن فعل علي عليه السلام لعله من باب
القران، إما بين النافلتين - كما تحتمله أولاهما - أو الفريضة والنافلة - كما

(1) التهذيب 5: 112 / 364، الإستبصار 2: 218 / 750، الوسائل 13: 364
أبواب الطواف ب 34 ح 5، بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 5: 112 / 365، الإستبصار 2: 218 / 751، الوسائل 13: 365
أبواب الطواف ب 34 ح 6.
(3) التهذيب 5: 112 / 366، الإستبصار 2: 218 / 752، الوسائل 13: 365
أبواب الطواف ب 34 ح 7.
92

تحتمله ثانتيهما - وهما جائزان كما يأتي، ومن أين علم أن قصده الزيادة
في الطواف الواحد حتى يكون من مفروض المسألة؟!
وأما البواقي فلو قطع النظر عن ظهورها في الساهي - كما لا يخفى
على من تأملها، سيما مع ملاحظة صحيحة ابن سنان ورواية أبي كهمش
المتقدمتين - فغايتها التعارض مع ما مر.
فإن رجحنا ما مر بالأشهرية فتوى والأتمية دلالة والأحدثية في بعضه
رواية، وإلا - فلعدم قول بالتخيير - يرجع إلى الأصل، وهو مع القول الأول،
لأن الطواف عبادة محتاجة إلى التوقيف، ولم يثبت الطواف الزائد عن
السبعة أو الناقص عنها.
فإذن الحق هو القول الأول، سواء نوى الزيادة في بدو الطواف أو في
أثنائه قبل إكمال السبعة أو بعده، لاطلاق الأدلة، وسواء كانت الزيادة كثيرة
أو قليلة حتى خطوة، لما ذكر.
نعم، يشترط أن ينوي بالزيادة كونها من الطواف، وإلا فلا يضر،
لعدم صدق الزيادة في الطواف معه.
هذا كله إذا كانت الزيادة عمدا، سواء كان مع العلم بالحكم أو
الجهل.
ولو كانت سهوا، فإن لم يبلغ الركن الأول فليقطع الشوط وفاقا
للأكثر، كما نص عليه بعض من تأخر (1)، لرواية أبي كهمش المتقدمة.
وإطلاق بعض العبارات (2) يقتضي عدم الفرق بين بلوغه وعدم بلوغه
في وجوب الاتمام أربعة عشر، لقوله في صحيحة ابن سنان السابقة: (حتى

(1) كصاحب الرياض 1: 410.
(2) انظر النهاية: 237، والنافع: 93.
93

يدخل في الثامن)، ولا يخفى أنه أعم مطلقا من الأولى، فيجب التخصيص بها.
وإن بلغه أتمها أربعة عشر شوطا ويجعلهما طوافين، للأخبار المتقدمة المشار إليها.
خلافا للمحكي عن الصدوق (1)، وبعض مشايخ والدي (2) -، -
فحكما هنا أيضا بالبطلان، لبعض ما مر دليلا للقول الأول، سيما رواية أبي
بصير المقيدة بالناسي، ولصحيحة ابن سنان المتقدمة المكتفية بذكر ركعتين
الدالة على بطلان أحد الطوافين، وإلا كان يأمر بأربع ركعات.
وأظهر منها صحيحة رفاعة المتقدمة الإشارة إليها: (إذا طاف ثمانية
فليتم أربعة عشر)، قلت: يصلي أربع ركعات؟ قال: (يصلي ركعتين) (3).
ويحملان جميع أخبار الاتمام أربعة عشر شوطا إما على النافلة أو
على البطلان.
ويجاب: أما عما مر فبالاطلاق الشامل للعمد والسهو الواجب
تخصيصه بغير الأخير، لخصوص رواية أبي كهمش المنجبر ضعفها - لو
كان - بالعمل، التي لا يمكن حملها على البطلان، للأمر فيها بأربع ركعات.
وأما عن صحيحة ابن سنان فبأن عدم ذكر الركعتين الأخيرتين لا يدل
على انتفائهما، فلعله لم يذكرهما لعدم وجوبهما، حيث إن أحد الطوافين
يكون نفلا قطعا، أو المراد الركعتين قبل السعي أو عند المقام - كما صرح
به في بعض تلك الروايات - أو لكل طواف.
ومنه يظهر الجواب عن صحيحة رفاعة، مع أنهما معارضتان بأصرح

(1) المقنع: 85.
(2) كصاحب الحدائق 16: 186.
(3) التهذيب 5: 112 / 363، الإستبصار 2: 218 / 749، الوسائل 13: 365
أبواب الطواف ب 34 ح 9.
94

منهما دلالة على الأمر بأربع ركعات، كرواية أبي كهمش، ورواية علي بن
أبي حمزة (1)، وصحيحتي الخزاز وابن وهب، وبعضها صريحة في الفريضة (2).
ومنه يظهر بطلان الحمل الذي ذكراه أيضا، سيما مع التصريح في رواية
علي بن أبي حمزة ومرسلة الفقيه (3) بأن أحد الطوافين فريضة والآخر تطوع.
وأما إبطال ذلك الحمل - بأنه يقتضي الأمر بخمسة عشر شوطا دون
الأربعة عشر، كما في أكثر هذه الأخبار، لبطلان الثامن على ذلك أيضا -
فضعيف، لجواز عدم قولهم ببطلان الزيادة في صورة السهو وإن قالوا
ببطلان ما زيد عليه.
ثم إنه هل يكون الفريضة هو الطواف الأول، كما حكي عن الفاضل
والشهيدين (4)، لأصالة بقاء الأول على كونه فريضة بحسب ما اقتضته النية،
ولظهور بعض الأخبار في ذلك (5)؟
أو الثاني، كما حكي عن الصدوق والإسكافي (6)، وهو ظاهر النافع (7)،
لمرسلة الفقيه والرضوي (8) الناصين على ذلك؟
الأظهر: الثاني، لما ذكر، وبه يخرج عن الأصل. وتظهر الفائدة في

(1) الفقيه 2: 248 / 1193، التهذيب 5: 469 / 1644، الوسائل 13: 367 أبواب
الطواف ب 34 ح 15.
(2) المتقدمة في ص: 90.
(3) الفقيه 2: 248 / 1192، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 14.
(4) الفاضل في المختلف: 289، الشهيد الأول في الدروس 1: 407، الشهيد الثاني
في الروضة 2: 250.
(5) انظر الهامش 4 من ص 92.
(6) الصدوق في الفقيه 2: 248، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 289.
(7) النافع: 93.
(8) فقه الرضا عليه السلام: 220، المستدرك 9: 399 أبواب الطواف ب 24 ح 2.
95

جواز قطع الثاني وعدمه، وفي أحكام الشك.
ويصلى للطوافين أربع ركعات: اثنتان قبل السعي واثنتان بعده ندبا
على الأظهر وفاقا لبعض من تأخر (1).
وقيل: وجوبا (2)، لفعل علي عليه السلام لذلك (3)، ورواية علي بن أبي
حمزة، والمروي في السرائر (4) والرضوي.
وغير الأخير لا يدل على الوجوب أصلا، والأخير وإن دل عليه إلا أنه
ضعيف لم يعلم انجباره.
فرعان:
أ: اعلم أن مقتضى تقييد الأكثر بالطواف الواجب: عدم حرمة الزيادة
في الندب عمدا، وهو ينافي توقيفية العبادة.
إلا أن يقال: إن غايتها الابطال الغير المحرم في المندوب، وأما
التشريع فقد بينا في عوائد الأيام أن مثل ذلك ليس تشريعا محرما (5).
ب - إنما تحصل الزيادة المنهي عنها إذا قصد بها الطواف دون ما إذا
قصد غيره (6)، لعدم ثبوت الأزيد منه من روايات حرمة الزيادة (7)، ولأنه
لولا ذلك للزم عدم جواز التجاوز عن الحجر الأسود بعد تمام الطواف.

(1) المدارك 8: 171.
(2) كما في الحدائق 16: 212، الرياض 1: 410.
(3) راجع ص: 90.
(4) مستطرفات السرائر: 33 / 38، الوسائل 13: 367 أبواب الطواف ب 34 ح 16.
(5) عوائد الأيام: 112 و 113.
(6) في (س) زيادة: للأصل وقوله: (إنما الأعمال) و.
(7) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.
96

ويظهر من بعض مشايخنا (1) حصول الزيادة مطلقا، لاطلاق النص.
وهو ضعيف جدا، لمنع الاطلاق بالمرة.
المسألة الثانية: لو طاف وفي ثوبه أو بدنه نجاسة، فالحكم - على القول
بعدم اشتراط الطهارة - واضح، وعلى القول الآخر يعيد الطواف مع التعمد
في ذلك، والوجه فيه واضح.
وكذا مع الجهل بالحكم إذا كان مقصرا دون ما إذا لم يكن كذلك،
لارتفاع النهي المقتضي للفساد.
ولا يعيد مع عدم العلم بالنجاسة أو نسيانها حتى فرغ على الأقوى
الأشهر، للامتثال المقتضي للاجزاء، وعدم دليل على الاشتراط حتى في تلك
الصورة، وإطلاق مرسلة البزنطي (2) المتقدمة في مسألة اشتراط إزالة النجاسة.
واستشكل بعضهم في صورة النسيان، لخبر التسوية بين الصلاة
والطواف، وقصور المرسلة سندا.
ويرد الأول: بمنع عموم التسوية.
والثاني: بعدم ضيره، سيما مع صحتها عمن أجمعوا على تصحيح ما
يصح عنه، وانجبارها بالشهرة.
ولو علم بها في الأثناء أزال النجاسة استحبابا أو وجوبا - على اختلاف
القولين - وأتم الباقي، لموثقة (3) يونس (4) المتقدمة في المسألة المذكورة.

(1) انظر الرياض 1: 408.
(2) الفقيه 2: 308 / 1532، التهذيب 5: 126 / 416، الوسائل 13: 399 أبواب
الطواف ب 52 ح 3.
(3) في (س): لمرسلة يونس، وقد تقدمت أيضا، وهي في الفقيه 2:
246 / 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 1.
(4) التهذيب 5: 126 / 415، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52 ح 2.
97

ورواية حبيب بن مظاهر: ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا
فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه، فخرجت فغسلته، ثم جئت فابتدأت
الطواف، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: (بئس ما صنعت، كان
ينبغي لك أن تبني على ما طفت، أما إنه ليس عليك شئ) (1).
وإطلاق الأول - كنص الثاني - يقتضي عدم الفرق بين ما لو توقفت
الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه، ولا بين أن يقع العلم بعد
تجاوز النصف أو قبله.
خلافا للمحكي عن الشهيدين (2)، فجزما بوجوب الاستئناف مع
التوقف المذكور وعدم إكمال أربعة أشواط.
لثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف.
ولعموم ما دل على أن قطع الطواف قبل التجاوز يوجب الاستئناف (3).
والأول: قياس مردود.
والثاني: بما مر مخصوص، مع أن في العموم المذكور - بحيث
يشمل محل النزاع - نظرا، بل وكذلك في وجوده، إذ لم نعثر على عام
يشمل ذلك المورد أيضا دال على الإعادة قبل النصف.
ومفهوم التعليل - الآتي في مسألة قطع الطواف - غير مثبت إلا بإعانة
الأصل الغير الصالح لمقاومة شئ، ولو سلم فغايته التعارض الموجب
للرجوع إلى أصالة بقاء صحة ما فعل وعدم وجوب الاستئناف.

(1) الفقيه 2: 247 / 1188، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 2 وفيه:
لأبي عبد الله الحسين عليه السلام، وفيهما بتفاوت يسير.
(2) الشهيد الأول في الدروس 1: 405، الشهيد الثاني في المسالك 1: 122.
(3) الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.
98

المسألة الثالثة: لو شك في أثناء الطواف في الطهارة عن الحدث،
فعن التذكرة: وجوب التطهر والاستئناف مطلقا (1)، ولو شك فيها بعد الفراغ
يمضي ولا يستأنف.
وفي المدارك: أن الحق أن الشك إن كان بعد يقين الحدث وجبت
عليه الإعادة مطلقا، وإن كان بعد يقين الطهارة لم تجب الإعادة كذلك (2).
وهو الصحيح الموافق للأصول، إلا أن في الإعادة بعد الفراغ في
الصورة الأولى أيضا نظرا، لما عرفت من أن الأصل في اشتراط الطهارة
الاجماع المنتفي في هذه الصورة، مضافا إلى ما دل على عدم الالتفات إلى
الشك بعد الفراغ.
المسألة الرابعة: هل يجوز قطع الطواف قبل إتمامه، أم لا؟
الظاهر: نعم، للأصل والأخبار الآتية المجوزة للقطع لمطلق الحاجة،
وعيادة المريض، ودخول وقت الفريضة ولو مع السعة، ونحو ذلك.
ومع القطع يعمل بما عليه من الإعادة والبناء.
وهل يجوز مع القطع تركه وعدم البناء عليه مطلقا لو كان الطواف
نفلا؟
الظاهر: نعم، للأصل، وأما الفرض فسيأتي حكمه.
المسألة الخامسة: لا شك في أنه لا يكون الطواف أقل من سبعة
أشواط، ولم يوظف من الشرع أنقص منها.
فلو نقص أحد في طوافه - بأن يطوف أشواطا أقل من سبعة، وترك
الطواف بأن يشتغل بأمر آخر أو يجلس أو يخرج عن المطاف، وبالجملة

(1) التذكرة 1: 364.
(2) المدارك 8: 141.
99

بحيث لا يعد طائفا حينئذ - فإما يكون عن عمد، أو سهو ونسيان، أو علة
وعذر، كحيض أو مرض أو حدث، أو لدخول وقت فريضة، أو لحدوث
خبث في الثوب أو البدن.
وعلى التقادير: إما يكون في طواف فرض أو نفل، وعلى التقادير:
إما يكون القطع والنقص قبل مجاوزة النصف أو بعدها، فهذه عشرون
قسما.
ففي الأول: - أي ما كان عن عمد في طواف فرض قبل مجاوزة
النصف - يجب عليه استئناف الطواف وعدم الاعتداد بما أتى به، بلا خلاف
يعلم فيه.
ويدل عليه ما دل على الاستئناف بالقطع مطلقا، فريضة كانت أو
نافلة، قبل الأربعة أو بعدها، كصحيحة البختري: فيمن كان يطوف بالبيت
فيعرض له دخول الكعبة، قال: (يستقبل طوافه) (1).
وما دل عليه في خصوص الفريضة قبل التجاوز عن الأربعة،
كصحيحة أبان بن تغلب: في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع
رجل في حاجة، فقال: (إن كان طواف نافلة بنى عليه، وإن كان طواف
فريضة لم يبن عليه) (2).
وصحيحة عمران الحلبي: عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أطواف من
الفريضة ثم وجد خلوة من البيت فدخله كيف يصنع؟ قال: (نقص طوافه

(1) الفقيه 2: 247 / 1187، الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 4 ح 1، بتفاوت
يسير.
(2) الكافي 4: 413 / 1، التهذيب 5: 119 / 3، الإستبصار 2: 223 / 770،
الوسائل 13: 380 أبواب الطواف ب 41 ح 5.
100

وخالف السنة فليعد طوافه) (1).
ونحوها مرسلة ابن مسكان (2)، وقريبة منها صحيحة الحلبي (3)، إلا
أنها غير مقيدة بالفريضة، بل مطلقة.
ويتعدى إلى ما زاد عن ثلاثة أشواط ولم يتجاوز النصف بعدم القول
بالفصل.
وبهذه الأخبار يخصص ما دل على جواز القطع والبناء في الفريضة
مطلقا بما إذا كان بعد النصف:
كقوية أبان: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في الطواف، فجائني رجل من
اخواني فسألني أن أمشي معه في حاجته، ففطن بي أبو عبد الله عليه السلام، فقال:
(يا أبان، من هذا الرجل؟) قلت: رجل من مواليك سألني أن أذهب معه
في حاجته، فقال: (يا أبان، اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته)، فقلت:
إني لم أتم طوافي، قال: (احص ما طفت وانطلق معه في حاجته)، فقلت:
وإن كان في فريضة؟ قال: (نعم، وإن كان في فريضة) (4).
وقريبة منها رواية أبي أحمد (5)، إلا أنه ليس فيها: (احص ما طفت).
لأعميتهما مطلقا بالنسبة إلى ما مر، مضافا إلى أنهما قضيتان في

(1) الكافي 4: 414 / 3، الوسائل 13: 381 أبواب الطواف ب 41 ح 9، بتفاوت.
(2) التهذيب 5: 118 / 387، الإستبصار 2: 223 / 769، الوسائل 13: 379
أبواب الطواف ب 41 ح 4.
(3) التهذيب 5: 118 / 386، الإستبصار 2: 223 / 768، الوسائل 13: 379
أبواب الطواف ب 41 ح 3.
(4) التهذيب 5: 120 / 392، الوسائل 13: 380 أبواب الطواف ب 41 ح 7،
بتفاوت يسير.
(5) الكافي 4: 414 / 7، التهذيب 5: 119 / 391، الإستبصار 2: 224 / 773،
الوسائل 13: 383 أبواب الطواف ب 42 ح 3.
101

واقعة، فلعل موردهما كان بعد الأربعة، مع أن الثانية لا تدل إلا على جواز
قطع الطواف للحاجة، وهو أعم من الإعادة والبناء.
وكذا يخصص بها ما دل على جواز القطع والبناء مطلقا بغير
الفريضة..
كمرسلة ابن أبي عمير المروية في الفقيه: في الرجل يطوف ثم
تعرض له الحاجة، فقال: (لا بأس أن يذهب في حاجته وحاجة غيره
ويقطع الطواف، وإن أراد أن يستريح ويقعد فلا بأس بذلك، فإذا رجع بنى
على طوافه وإن كان أقل من النصف) (1).
ونحوها مرسلة جميل والنخعي، إلا أنه قال - بعد قوله: (بنى على
طوافه) -: (وإن كان نافلة بنى على الشوط والشوطين، وإن كان طواف
فريضة ثم خرج في حاجة مع رجل لم يبن ولا في حاجة نفسه) (2).
وصحيحة الجمال: الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف، فقال:
(يخرج معه في حاجته ثم يرجع ويبني على طوافه) (3).
وابن رئاب: الرجل يعيى في الطواف، أله أن يستريح؟ قال: (نعم،
يستريح، ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها، ويفعل ذلك في
سعيه وجميع مناسكه) (4)، وقريبة منها صحيحة ابن أبي يعفور (5).
ويمكن تخصيص غير الأولى بما بعد النصف أيضا، مع أن

(1) الفقيه 2: 247 / 1185، الوسائل 13: 381 أبواب الطواف ب 41 ح 8.
(2) التهذيب 5: 120 / 394، الإستبصار 2: 224 / 774، الوسائل 13: 381
أبواب الطواف ب 41 ح 8.
(3) الفقيه 2: 248 / 1189، الوسائل 13: 382 أبواب الطواف ب 42 ح 1.
(4) الكافي 4: 416 / 4، الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46 ح 1.
(5) الكافي 4: 416 / 5، الوسائل 13: 388 أبواب الطواف ب 46 ح 3.
102

الأخيرتين غير متضمنتين لقطع الطواف، بل للاستراحة، وهي غير مورد
المسألة.
وفي الثاني: - وهو السابق إلا أنه بعد النصف - يجب عليه البناء على
ما سبق والاتمام على الأظهر، وفاقا للمحكي عن المفيد والديلمي (1)،
وبعض مشايخنا المتأخرين (2).
وتدل عليه قوية أبان، ورواية أبي أحمد، وإطلاق صحيحة الجمال،
ومرسلة النخعي وجميل، المتقدمة جميعا، وكذا إطلاق صحيحة البختري (3)
المتقدمة في مسألة إدخال الحجر في الطواف، وروايتا أبي غرة وأبي الفرج
بضميمة عدم الاستفصال عن الفرض والنفل:
الأولى: مر بي أبو عبد الله عليه السلام وأنا في الشوط الخامس من الطواف،
فقال لي: (انطلق حتى نعود هاهنا رجلا)، فقلت له: إنما أنا في خمسة
أشواط فأتم أسبوعي، فقال: (اقطعه واحفظه من حيث تقطع حتى تعود إلى
الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه) (4)، وقريبة منها الثانية (5).
ويدل عليه أيضا مفهوم العلة المصرحة بها في رواية الأعرج: عن
امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت، قال: (تتم طوافها
وليس عليها غيره ومتعتها تامة، فلها أن تطوف بين الصفا والمروة، وذلك

(1) المفيد في المقنعة: 440، الديلمي في المراسم: 123.
(2) انظر الشرائع 1: 268، والمسالك 1: 122، والرياض 1: 411.
(3) الكافي 4: 419 / 1، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 2.
(4) الكافي 4: 414 / 6، التهذيب 5: 119 / 389، الإستبصار 2: 223 / 771،
وفيها: أبي عزة، الوسائل 13: 382 أبواب الطواف ب 41 ح 10.
(5) التهذيب 5: 119 / 390 الإستبصار 2: 223 / 772، الوسائل 13: 38 أبواب
الطواف ب 41 ح 6.
103

لأنها زادت على النصف) الحديث (1).
وفي رواية إسحاق: في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتل علة لا
يقدر معها على إتمام الطواف، قال: (إن كان طاف أربعة أشواط أمر من
يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تم طوافه، وإن كان طاف ثلاثة أشواط لا يقدر
على الطواف فهذا مما غلب الله عليه، فلا بأس بأن يؤخر الطواف يوما أو
يومين، فإن خلته العلة عاد فطاف أسبوعا، فإذا طالت عليه أمر من يطوف
عنه أسبوعا، ويصلي هو الركعتين ويسعى عنه وقد خرج من إحرامه،
وكذلك يفعل في السعي وفي رمي الجمار) (2).
فإن قوله: (فقد تم طوافه) في قوة التعليل للحكم بالاتمام، كذا
قيل (3).
وفيه نظر، لجواز أن يكون قوله: (فقد تم) تفريعا على الأمر بالطواف
عنه، وحينئذ لا يكون تعليلا.
وتدل عليه أيضا - فيما إذا بقي الشوط الواحد - صحيحتا الحلبي (4)
المتقدمتين في مسألة إدخال الحجر..
وصحيحة الحسين بن عطية: عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط،
قال أبو عبد الله عليه السلام (وكيف طاف ستة أشواط؟) قال: استقبل الحجر

(1) التهذيب 5: 393 / 1371، الإستبصار 2: 313 / 112، الوسائل 13: 456
أبواب الطواف ب 86 ح 1.
(2) الكافي 4: 414 / 5، التهذيب 5: 124 / 407، الإستبصار 2: 226 / 783،
الوسائل 13: 386 أبواب الطواف ب 45 ح 2.
(3) انظر الرياض 1: 411.
(4) الأولى في: الفقيه 2: 249 / 1197، مستطرفات السرائر: 34 / 41، الوسائل
13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.
104

وقال: الله أكبر وعقد واحدا، فقال: (أبو عبد الله عليه السلام: (يطو ف شوطا)،
قال سليمان: فإنه فاته ذلك حتى أتى أهله، قال: (يأمر من يطوف عنه) (1).
وتؤيدها الأخبار الواردة في الحائض، الفارقة فيها بين مجاوزة
النصف وعدمها (2).
ولا معارض لشئ مما ذكر، سوى إطلاق صحيحة البختري
الأولى (3)، وصحيحة الحلبي: (إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا ثم اشتكى
أعاد الطواف، يعني الفريضة) (4).
وهي وإن وردت في الاشتكاء لكنها تجري في العمد بالأولوية،
اللازم تقييده بالنصف وما دونه، لما مر.
ولا ينافي ما مر أيضا قوله في مرسلة النخعي وجميل: (وإن كان
طواف فريضة) إلى آخره (5)، لأن المراد أنه لم يبن في الشوط والشوطين،
ولا أقل من احتماله.
خلافا للآخرين، فأوجبوا الاستئناف مع العمد حينئذ أيضا، لأصالة
وجوب الموالاة، واستصحاب الاشتغال، وإطلاق الصحيحتين الأخيرتين.
ويضعف الأولان: بعدم ثبوت الموالاة مطلقا، ولا الاشتغال بغير
مطلق الطواف، ومع التسليم يندفع الأصل والاستصحاب بما مر.

(1) الكافي 4: 418 / 9، الفقيه 2: 248 / 1194، التهذيب 5: 109 / 354،
الوسائل 13: 357 أبواب الطواف ب 32 ح 1، وفي الجميع: عن الحسن بن عطية.
الثانية في: التهذيب 5: 109 / 353، الوسائل 13: 356 أبواب الطواف ب 31 ح 1.
(2) كما في الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85.
(3) المتقدمة في ص: 98.
(4) الكافي 4: 414 / 4، الوسائل 13: 386 أبواب الطواف ب 45 ح 1.
(5) راجع ص: 100.
105

والثالث: بعدم الدلالة على الوجوب أو لا.
والرابع: بعدم ثبوت الحكم في الأصل للمعارض كما يأتي، مع أن
الاطلاقين معارضان بإطلاق البناء في غيرهما كما مر، فلولا الترجيح يلزم
الرجوع إلى أصالة بقاء صحة ما مر وعدم وجوب الاستئناف، مع أن
الترجيح للبناء، لخصوصية كثير منها مطلقا، وأكثرية أخباره (1).
والثالث والرابع، السابقان.. إلا أنهما يكونان عن سهو أو نسيان،
والحكم فيهما كالعمد بعينه بلا خلاف في أولهما، وعلى الأظهر الأشهر،
كما صرح به بعض من تأخر في ثانيهما (2).
إلا إذا كان التذكر بعد الدخول في السعي، فيبني مطلقا، سواء كان
قبل النصف أو بعده.
أما الأول: فلظاهر الاجماع، وظاهر إطلاق صحيحة البختري الأولى،
وصحيحة أبان بن تغلب (3)، الخالي عن المعارض، بضميمة الاجماع
المركب في الزائد عن الشوطين إلى الثانية.
وأما الثاني: فلثبوته في العمد بما مر بضميمة الأولوية، والاجماع
المركب، وإطلاق صحيحة البختري السابقة في إدخال الحجر (4)، والعلة
المنصوصة في رواية الأعرج، الخالية جميعا عن المعارض، المؤيدة بثبوتها
في الحائض والمحدث والمريض كما يأتي.
وتدل عليه أيضا صحيحتا الحلبي المشار إليهما (5)، وصحيحة

(1) كما في الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.
(2) انظر الرياض 1: 411.
(3) المتقدمتان في ص: 98.
(4) راجع ص: 70.
(5) في ص: 70.
106

الحسين بن عطية، فيما إذا كان الباقي شوطا واحدا.
خلافا للتهذيب والنهاية والتحرير والتذكرة والمدارك والذخيرة،
فاقتصروا هنا في البناء على ما إذا بقي الشوط الواحد خاصة (1)، لصحاح
الحلبي وابن عطية، وحكموا بالاستئناف في غيره، لأصالة وجوب الموالاة،
واستصحاب الاشتغال، والأخبار المتقدمة الواردة فيمن وجد خلوة في
البيت (2).
وجواب الأولين قد مر. والثالث وارد في العمد وجوابه قدر مر. مع
أن أكثرها وارد في الأقل من النصف.
وأما الثالث: فوفاقا للمحكي عن التهذيب والنهاية والسرائر والتحرير
والنافع والمنتهى والتذكرة (3)، وبعض المتأخرين ناسبا له إلى المشهور (4)،
لموثقة إسحاق: رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة،
فبينا هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت، قال: (يرجع إلى البيت
فيتم طوافه، ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي) (5)، ومثلها الأخرى (6).
خلافا للمحكي عن المبسوط والقواعد واللمعتين وفي الشرائع

(1) التهذيب 5: 109، النهاية: 237، التحرير 1: 99، التذكرة 1: 364، المدارك
8: 149، الذخيرة: 637.
(2) كما في الوسائل 13: 378 أبواب الطواف ب 41.
(3) التهذيب 5: 109، النهاية: 237، السرائر 1: 575، التحرير 1: 99، النافع:
94، المنتهى 2: 697، التذكرة 1: 364.
(4) المفاتيح 1: 376.
(5) الكافي 4: 421 / 1، الفقيه 2: 252 / 1217، وفي التهذيب 5: 130 / 328
بتفاوت يسير، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 3.
(6) الكافي 4: 418 / 8، الفقيه 2: 248 / 1190، التهذيب 5: 109 / 355،
الوسائل 13: 358 أبواب الطواف ب 32 ح 2.
107

والارشاد، فقيدوا البناء بصورة التجاوز عن النصف، وأوجبوا مع عدمه
الاستئناف (1)، لبعض ما مر.
وفيه نظر، لكون الموثقة أخص مطلقا.
والخامس والسادس، السابقان.. إلا أنه يكون عن عذر، كحدث أو
مرض، والحكم فيهما كالأولين بعينه، فيعيد قبل مجاوزة النصف ويبني
بعدها، ولا أعلم فيه خلافا، بل عن المنتهى: الاجماع في الحدث (2)، وقيل
في المرض: إنه مما قطع به الأصحاب (3).
وتدل عليه من الأخبار روايتا الأعرج وإسحاق المتقدمتين (4)، ومرسلة
ابن أبي عمير في المحدث في أثناء الطواف (5)، وروايات أبي بصير (6)
وأحمد بن عمر (7) وإسحاق بياع اللؤلؤ (8) وإبراهيم بن إسحاق في الحائض
فيه (9)، والرضوي في الحائض والمعتل (10).

(1) المبسوط 1: 357، القواعد 1: 83، الروضة 2: 251، الشرائع 1: 268،
الإرشاد 1: 326.
(2) المنتهى 2: 697.
(3) كما في الذخيرة: 637.
(4) في ص: 101.
(5) الكافي 4: 414 / 2، التهذيب 5: 118 / 384، الوسائل 13: 378 أبواب
الطواف ب 40 ح 1.
(6) الكافي 4: 448 / 2، التهذيب 5: 395 / 1377، الإستبصار 2: 315 / 1118،
الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85 ح 1.
(7) الكافي 4: 449 / 3، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 2.
(8) الكافي 4: 449 / 4، التهذيب 5: 393 / 1370، الإستبصار 2: 313 / 1111،
الوسائل 13: 456 أبواب الطواف ب 86 ح 2.
(9) الفقيه 2: 241 / 1155، الوسائل 13: 455 أبواب الطواف ب 85 ح 4.
(10) فقه الرضا عليه السلام: 231، مستدرك الوسائل 9: 405 أبواب الطواف ب 31 ح 2.
108

خلافا للفقيه، فيجوز للحائض البناء في القسمين وإن جوز الإعادة
في الأول (1)، لصحيحة محمد: عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من
ذلك ثم رأت دما، قال: (تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت منه واعتدت
بما مضى) (2).
ويجاب عنه: بالشذوذ أولا، وبأخصية الروايات السابقة في الحائض
عنها ثانيا، لاختصاصها بالفريضة بقرينة إيجاب الاستئناف المختص
بالفرض، فتبقى الصحيحة في النفل خاصة.
وللمدارك، فجعل الاستئناف مطلقا أولى (3)، لاطلاق صحيحة الحلبي
المتقدمة (4) الواردة في الاشتكاء.
ويجاب عنها: بالأعمية المطلقة الموجبة للتخصيص قطعا، وضعف
الروايات الفارقة - سيما بعد الانجبار بما ذكر - غير مضر.
والسابع والثامن، السابقان.. إلا أنه يكون لدخول وقت الفريضة وإن
لم يتضيق، والحكم فيهما البناء مطلقا، تجاوز النصف أم لا، وفاقا للمحكي
عن الاصباح والنهاية والجامع والسرائر والمهذب والغنية والنافع والحلبي
والتحرير والمنتهى والتذكرة (5)، وعنهما دعوى الاجماع.

(1) الفقيه 2: 241.
(2) الفقيه 2: 241 / 1153، التهذيب 5: 397 / 1380، الإستبصار 2: 317 / 1121،
الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 3.
(3) المدارك 8: 155.
(4) في ص: 103.
(5) النهاية: 239، الجامع للشرائع: 198، السرائر 1: 573، المهذب 1: 232،
الغنية (الجوامع الفقهية): 579، النافع: 93، الحلبي في الكافي في الفقه: 195،
التحرير 1: 99، المنتهى 2: 698، التذكرة 1: 364.
109

وتدل عليه صحيحة ابن سنان في مطلق الطواف (1)، وحسنة هشام
في الفريضة منه (2).
بل وكذلك صلاة الوتر إذا خيف طلوع الفجر، لصحيحة البجلي (3)،
ولا يعارضها فيما قبل النصف مفهوم التعليل المتقدم، إذ لا يعتبر مفهوم
العلة إلا بواسطة الأصل اللازم دفعه بما ذكر.
خلافا للمعتين والدروس، ففرقا بين المجاوز عن النصف وعدمه (4)،
ولعله لتعارض المفهوم المذكور رده.
والتاسع والعاشر، السابقان.. إلا أنه يكون لمشاهدة خبث في الثوب
أو البدن، والظاهر أنهما كالثامن، كما صرح به بعضهم (5)، لموثقتي يونس
ابن يعقوب (6) المتقدمتين في مسألة اشتراط إزالة الخبث، ورواية حبيب (7)
المتقدمة في مسألة من طاف ثم علم في ثوبه أو بدنه نجاسة.
الأقسام العشرة الباقية، الأقسام المتقدمة، إلا أنها تكون في الطواف
النافلة.

(1) الكافي 4: 415 / 3، الفقيه 2: 247 / 1184، التهذيب 5: 121 / 396،
الوسائل 13: 384 أبواب الطواف ب 43 ح 2.
(2) الكافي 4: 415 / 1، التهذيب 5: 121 / 395، الوسائل 13: 384 أبواب
الطواف ب 43 ح 1.
(3) الكافي 4: 415 / 2، الفقيه 2: 247 / 1186، التهذيب 5: 122 / 397،
الوسائل 13: 385 أبواب الطواف ب 44 ح 1.
(4) الروضة 2: 251، الدروس 1: 395.
(5) انظر الحدائق 16: 198.
(6) الأولى في: التهذيب 5: 126 / 415. الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52
ح 2. الثانية في: الفقيه 2: 246 / 1183، الوسائل 13: 399 أبواب الطواف ب 52
ح 1.
(7) الفقيه 2: 247 / 1188، الوسائل 13: 379 أبواب الطواف ب 41 ح 2.
110

قال بعضهم: لا خلاف في البناء فيه مطلقا من غير فرق بين تجاوز
النصف وعدمه (1).
ومنهم من أطلق في التفصيل المذكور (2) ولم يقيد بالواجب إلا في
بعض الأقسام المذكورة.
وصريح صحيحة أبان (3) ومرسلة النخعي وجميل (4)، البناء في الأقل
من النصف في النافلة في الخروج للحاجة، والظاهر كون السهو أيضا
كذلك، للأولوية، والاجماع المركب، بل وكذلك الحدث والعلة،
لاختصاص الأمر بالإعادة في الأقل من النصف في أخبارهما بالفريضة، بل
وكذلك الحائض كما أشرنا إليه، فتبقى النافلة تحت أصالة بقاء صحة ما
فعل وعدم الأمر بالاستئناف.
فروع:
أ: المصرح به في كلام الأكثر في الفارق بين الإعادة والبناء في صور
الفرق: مجاوزة النصف وعدمها (5)، وفي كلام بعضهم: البلوغ أربعة أشواط
وعدمه (6)، وفسر بعضهم الأول بالثاني (7)، وأكثر الأخبار الفارقة تتضمن
الأول، وبعضها الوارد في بعض الأقسام يتضمن الثاني، لكنه لا يدل على

(1) انظر الرياض 1: 417.
(2) كما في التحرير 1: 99، والرياض 1: 411.
(3) المتقدمة في ص: 98.
(4) المتقدمتين في ص: 100.
(5) انظر النهاية: 239، والجامع للشرائع: 198.
(6) كما في المنتهى 2: 698.
(7) كما في المدارك 8: 154.
111

أنه الفارق، بل يحتمل أن يكون ذكره لكونه من أفراد الأول.
فالظاهر أن المناط هو الأول مطلقا ولو لم يبلغ الأربعة، إلا أن يثبت
إجماعهم على إرادة الثاني من الأول، ولم يثبت لي.
ب: هل يجزئ الاستئناف حيث يحكم بالبناء؟
لا ينبغي الريب فيه، لصدق الامتثال.
نعم، قد يستشكل في أنه هل يترتب عليه إثم، أم لا؟
ظاهر أخبار البناء: الثاني، لعدم دلالة شئ منها على وجوبه، غايتها
الرجحان.
نعم، في قوله: (بئس ما صنعت) في رواية حبيب المتقدمة (1) دلالة
عليه، ولكن لا تكون ذمته مشغولة بشئ بعده. والأحوط ترك الاستئناف.
ج: حيث ما يبني، هل يبني من موضع القطع، أو من الركن؟
الأظهر: الأول، كما صرح به في روايتي أبي غرة وأبي الفرج (2)،
وروايتي أبي بصير وأحمد بن عمر (3) الواردتين في الحائض في الأثناء.
وأما ما في صحيحة ابن عمار (4) المتقدمة - الواردة في اختصار الحجر
الآمرة بالإعادة من الحجر الأسود - فلعله لبطلان ما جاء به من الطواف رأسا
للاختصار، مع أن ثبوت الحكم فيه بالنص لا يوجب قياس غيره به.
ومنهم من قال بالتخيير (5)، جمعا بين الروايات والصحيحة، وهو كان

(1) في ص: 95.
(2) المتقدمتين في ص: 101.
(3) المتقدمتين في ص: 106.
(4) الكافي 4: 410 / 3، التهذيب 5: 107 / 347، الوسائل 13: 344 أبواب
الطواف ب 26 ح 1.
(5) كما في الرياض 1: 412.
112

حسنا لو ثبت اتحاد جميع الموارد.
واحتاط في التحرير والمنتهى بالثاني (1). وفيه: أنه يوجب الزيادة
المنافية للاحتياط.
د: لو كان نقص الطواف سهوا وتذكر بعد ركعتي الطواف، فهل
يعيدهما بعد إعادة الطواف أو البناء، أم لا؟
صرح في المدارك بالثاني في صورة التذكر في أثناء السعي (2)، استنادا
إلى عدم الأمر بإعادتهما مع الأمر بالبناء، ولكون البناء بعد بعض أشواط
السعي، والصلاة متقدمة على السعي.
والأحوط إعادة الركعتين في غير هذه الصورة.
ه‍: جميع ما ذكر من أقسام الإعادة في غير المحدث إنما هو فيما إذا
خرج عن المطاف، وأما إذا لم يخرج فالظاهر عدم الإعادة، بل البناء مطلقا،
بناء على ما ذكرنا من عدم ثبوت وجوب الموالاة، واختصاص أخبار
الإعادة بالخروج عنه.
المسألة السادسة: من شك في عدد أشواط الطواف، فإن كان بعد
الفراغ الحاصل باعتقاد التمام والدخول في غيره فلا شئ عليه ولا إعادة
- كسائر العبادات - بالاجماع، له ولانتفاء العسر والحرج، ولما مر في كتاب
الطهارة والصلاة.
وقد يستدل أيضا بصحاح ابن حازم ومحمد وابن عمار ورفاعة:
الأولى: عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة؟
قال: (فليعد طوافه)، قلت: فاته، قال: (ما أرى عليه شيئا، والإعادة أحب

(1) التحرير 1: 99، المنتهى 2: 690.
(2) انظر المدارك 8: 157.
113

إلي وأفضل) (1).
ونحوها الثانية، إلا أن فيها - بعد قوله: (فليعد طوافه) -: قيل: إنه قد
خرج وفاته ذلك، قال: (ليس عليه شئ) (2).
ونحوها الثالثة، إلا أن فيها - بعد قوله: سبعة -: قال: (يستقبل)،
قلت: ففاته ذلك، قال: (لا شئ عليه) (3).
والرابعة: (فإن طفت بالبيت طواف الفريضة ولم تدر ستة طفت أو
سبعة فأعد طوافك، فإن خرجت وفاتك ذلك فليس عليك شئ) (4).
والتقريب: عدم إمكان حملها على الأثناء، إذ لو كان فيه لوجب إما
الاتيان بشوط آخر أو الاستئناف، للانحصار في القولين كما يأتي.
ولا قائل بعدم وجوب شئ أصلا، إذ هو إما عن عمد أو جهل أو
نسيان، ولكل حكم مضى تفصيله، إذ هو كترك الطواف بعضا أو كلا،
فالحكم بعدم شئ صريحا أوضح دليل على إرادة الشك بعد الانصراف،
ويكون الحكم بالإعادة للاستحباب وإن لم يظهر قائل به، لعدم اشتراط
ظهور القائل فيه.
أقول: لا يخفى أن في هذا الحمل تخصيصا بما بعد الانصراف في
قوله: (فلم يدر)، وتجوزا في قوله: (فليعد).
ويمكن الحمل على الأثناء وارتكاب التخصيص في عموم حال السائل
الحاصل من ترك الاستفصال عما فعل من الاكتفاء بما فعل أو الاتيان بشوط آخر.

(1) الكافي 4: 416 / 1، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 8.
(2) التهذيب 5: 110 / 356، الوسائل 13: 359 أبواب الطواف ب 33 ح 1.
(3) الكافي 4: 417 / 3، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 10، بتفاوت
يسير.
(4) الفقيه 2: 249 / 1196، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 6.
114

ولا شك أن التخصيص فقط أولى منه ومن التجوز، سيما مع ظهور
أنه لم يكتف بما فعل، بل يبني على الأقل، كما هو الأصل في أمثال ذلك
المحل، والمركوز في الأذهان عند العمل.
بل بينته صحيحة أخرى لابن حازم: إني طفت فلم أدر ستة طفت أو
سبعة، فطفت طوافا آخر، فقال: (هلا استأنفت؟) قلت: قد طفت وذهبت،
قال: (ليس عليك شئ) (1).
ولو سلم فلا شك في أنه من المحتمل لا أقل، فيدخل الأخبار في
باب المجمل.
وإن كان في الأثناء، فإن تيقن السبعة وشك في الزيادة فقط قطع
طوافه وصح بلا خلاف، لأصالة عدم الزيادة، ولصحيحة الحلبي: عن رجل
طاف طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أو ثمانية؟ فقال: (أما السبعة
فقد استيقن، وإنما وقع وهمه على الثامن، فليصل ركعتين) (2).
وموثقته: رجل طاف فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية، فقال: (يصلي
ركعتين) (3).
قيل: هذا إذا كان على منتهى الشوط، وأما لو كان في أثنائه بطل
طوافه، لتردده بين محذورين: الاكمال المحتمل للزيادة عمدا، والقطع
المحتمل للنقيصة (4).

(1) التهذيب 5: 110 / 358، الوسائل 13: 359 أبواب الطواف ب 33 ح 3.
(2) التهذيب 5: 114 / 370، الإستبصار 2: 220 / 756، الوسائل 13: 368
أبواب الطواف ب 35 ح 1.
(3) التهذيب 5: 113 / 368، الإستبصار 2: 219 / 754، الوسائل 13: 368
أبواب الطواف ب 35 ح 2.
(4) كما في المسالك 1: 123، الرياض 1: 417.
115

وفيه أولا: منع كون الزيادة المحتملة محذورا، وإلا للزم في منتهى
الشوط أيضا، مع أنها لا تكون عمدا.
وثانيا: منع التردد بين الاثنين، لجواز إتمام الشوط، بل يقول به من
يقول بالبناء على السبعة حينئذ أيضا لا محالة، فلا يحتمل النقص.
ولذا ذهب في المدارك والذخيرة إلى أنه كمنتهى الشوط (1)، ومعهما
الأصل قطعا والروايتان احتمالا، حيث إنه يصح إطلاق قوله: طاف سبعة،
إذا كان في أثناء السابع، كما وقع في أخبار الشك بين ركعات الصلاة، وإن
كان الظاهر منه إتمامه.
فإن قيل: الأصل يفيد لو لم يكن له معارض، وهو هنا موجود، وهو
رواية أبي بصير: عن رجل شك في طواف الفريضة، قال: (يعيد كلما
شك)، قلت: جعلت فداك، شك في طواف نافلة، قال: (يبني على
الأقل) (2).
والمرهبي: رجل شك في طوافه ستة طاف أم سبعة، قال: (إن كان
في فريضة أعاد كلما شك فيه، وإن كان في نافلة بنى على ما هو أقل) (3).
قلنا: هما غير ناهضين لاثبات وجوب الإعادة.
وأما الجواب باحتمال جعل (ما) موصولة وكونها في الكتابة عن لفظ
(كل) مفصولة ليصير المعنى إعادة الشوط المشكوك فيه.
فغير صحيح، لايجابه عدم تحقق فرق بين شقي الترديد.

(1) المدارك 8: 178، الذخيرة: 639.
(2) الكافي 4: 417 / 4، التهذيب 5: 113 / 369، الإستبصار 2: 219 / 755،
الوسائل 13: 362 أبواب الطواف ب 33 ح 12.
(3) التهذيب 5: 110 / 359، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 4،
بتفاوت يسير.
116

وإن كان الشك في الأثناء في النقيصة - كأن شك بين ستة وسبعة -
وجبت إعادة الطواف في الفريضة، وفاقا للصدوق والشيخ والقاضي والحلي
والفاضلين (1)، بل هو المشهور، كما في المدارك والذخيرة والمفاتيح
وشرحه (2)، بل عن الغنية الاجماع عليه (3).
لا للصحاح الأربع الأولى المتقدمة، لما عرفت من إجمالها، بل
استدل [بها] (4) بعضهم على عدم وجوب الإعادة (5) كما يأتي.
ولا لروايتي أبي بصير والمرهبي السابقتين.
وصحيحتي الحلبي (6) وابن عمار (7): في رجل لم يدر ستة طاف أو
سبعة، قال: (يستقبل).
وموثقة أبي بصير: رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة
طاف أم سبعة أم ثمانية، قال: (يعيد طوافه حتى يحفظ) (8).
لقصور الكل عن إفادة الوجوب.
بل لصحيحة رفاعة: في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة، قال:

(1) الصدوق في المقنع: 85، الشيخ في التهذيب 5: 110، القاضي في المهذب
1: 238، الحلي في السرائر 1: 572، المحقق في الشرائع 1: 270 والمختصر
النافع: 94، العلامة في المختلف: 289 والقواعد 1: 83.
(2) المدارك 8: 179، الذخيرة: 639، المفاتيح 1: 371.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 579.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(5) انظر الرياض 1: 416.
(6) الكافي 4: 416 / 2، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 9.
(7) الكافي 4: 417 / 3، الوسائل 13: 361 أبواب الطواف ب 33 ح 10.
(8) الكافي 4: 417 / 6، التهذيب 5: 114 / 371، الوسائل 13: 362 أبواب
الطواف ب 33 ح 11.
117

(يبني على يقينه)، وسأله رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال:
(طواف نافلة أو فريضة؟) قال: أجبني فيهما جميعا، قال: (إن كان طواف
نافلة فابن على ما شئت، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف) (1).
ولا يضر صدرها، لوجوب تخصيصها بالنافلة، أو إرادة الإعادة من
البناء على اليقين لخصوص ما بعده.
وصفوان: عن ثلاثة دخلوا في الطواف، فقال واحد منهم لصاحبه:
تحفظوا الطواف، فلما ظنوا أنهم قد فرغوا قال واحد: معي سبعة أشواط،
وقال الآخر: معي ستة أشواط، وقال الثالث: معي خمسة أشواط، قال: (إن
شكوا كلهم فليستأنفوا، وإن لم يشكوا وعلم كل واحد ما في يده
فليبنوا) (2).
وموثقة حنان: ما تقول في رجل طاف فأوهم فقال: طفت أربعة،
وقال: طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام (أي الطوافين كان طواف نافلة أو
طواف فريضة؟) ثم قال: (إن كان طواف فريضة فليلق ما في يده
وليستأنف، وإن كان طواف نافلة فاستيقن الثلاث وهو في شك من الرابع
أنه طاف فليبن على الثالث، فإنه يجوز له) (3).
خلافا للمحكي عن المفيد ووالد الصدوق والإسكافي والحلبي (4)

(1) الفقيه 2: 249 / 1195 و 1196، الوسائل 13: 360 أبواب الطواف ب 33 ح 5 و 6.
(2) الكافي 4: 429 / 12، التهذيب 5: 134 / 441، الوسائل 13: 419 أبواب
الطواف ب 66 ح 2، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 4: 417 / 7، التهذيب 5: 111 / 360، الوسائل 13: 360 أبواب
الطواف ب 33 ح 7.
(4) المفيد في المقنعة: 440، وحكاه عن والد الصدوق والإسكافي في المختلف:
289، الحلبي في الكافي: 195.
118

وجماعة من المتأخرين - منهم: المدارك والمفاتيح (1) - فقالوا بالبناء على
الأقل وإن استحب الإعادة.
واحتجوا له بالصحاح الأربع الأولى - حيث إن نفي الشئ عليه بعد
الفوات يدل على استحباب الأمر بالإعادة - وبصدر صحيحة رفاعة
المذكورة، وبصحيحة ابن حازم الثانية.
أقول: أما الصحاح الأربع فتضعف بما مر من الاجمال، فإن لكل منها
أربعة احتمالات: الحمل على ما بعد الفراغ مع حمل الأمر على
الاستحباب، وعلى الأثناء مع الحمل على الاستحباب أيضا، ومع حمله
على الوجوب وتخصيص نفي الشئ بما بعد فوات الوقت، كما جوزه
بعض شراح المفاتيح.
وعليه يكون في المسألة قول ثالث، إلا أن الظاهر أنه خرق للاجماع،
وإبقاء نفي الشئ على ظاهره والقول بأن عدم العلم بتأويل جزء من
الحديث لا يضر في الاستدلال بالآخر.
وعلى هذا، فلا يمكن الاستدلال بها لشئ من القولين أو الأقوال.
هذا، مع أن الأخيرة من الأربع محتملة كونها من كلام الصدوق دون
جزء الحديث، كما قيل (2).
وأما الأخيرتان فلا شك في عمومهما مطلقا بالنسبة إلى ما ذكرنا،
لشمولهما للنافلة واختصاص أكثره بالفريضة، فيجب التخصيص. وحمل
الخاص على التجوز وإن كان ممكنا إلا أن التخصيص مقدم في نحو هذه
الصورة من التعارض.

(1) المدارك 8: 179 - 181، المفاتيح: 1: 372.
(2) انظر الرياض 1: 417.
119

ثم لا يخفى أن الدال من هذه الأخبار على وجوب الإعادة مخصوص
بما إذا كان الشك في النقص خاصة.
وهنا صورة أخرى: هي الشك في النقص والزيادة معا، كأن يشك
بين الستة والسبعة والثمانية، أو الستة والثمانية، بأن يعلم زوجية الشوط
ولكن لا يعلم أنه السادس أو الثامن، ولا يظهر حكمها من غير روايتي أبي
بصير والمرهبي وموثقة أبي بصير، وهي - كما مر - غير صريحة في
الوجوب.
وكلام القوم أيضا مخصوص بالشك في النقص خاصة على الظاهر
وإن كان المحتمل إرادتهم ما اشتمل على احتمال النقص، ولكنه ليس
مقطوعا به بحيث يثبت به الاجماع المركب.
وعلى هذا، فيكون مقتضى الأصل - وهو البناء على الأقل الثابت
بقاعدة عدم نقض اليقين بالشك - باقيا فيها على حاله، فيلزم الحكم به، إلا
أن احتمال الاجماع المركب ودلالة الأخبار الثلاثة المذكورة على جواز
الاستئناف وكونه موافقا للاحتياط يرجح الأخذ به.
هذا كله في طواف الفريضة.
وأما النافلة، فيجوز فيها البناء على الأقل مطلقا بلا خلاف، وتدل
عليه صحيحة رفاعة، وموثقة حنان، وروايتا أبي بصير والمرهبي، جميعا.
ويجوز البناء على الأكثر إذا لم يستلزم الزيادة على السبعة، وفاقا
للمنتهى والتذكرة والتحرير والشهيد الثاني (1) وبعض آخر (2)، لصحيحة

(1) المنتهى 2: 699، التذكرة 1: 365، التحرير 1: 99، الشهيد الثاني في الروضة
2: 252، المسالك 1: 123.
(2) انظر الحدائق 16: 239.
120

رفاعة الخالية عن المعارض رأسا.
لأن الموثقة وإن أمر بالبناء على الأقل، إلا أن قوله بعده: (فإنه يجوز
له) قرينة على إرادة الجواز منه. والروايتان خاليتان عن الدال على
الوجوب.
والتشكيك - في كون قوله: (فابن على ما شئت) من صحيحة رفاعة
وجعله خبرا مرسلا آخر، كما احتمله جمع (1) - خلاف الظاهر، ولو سلم
فلا يضر، لحجيته عندنا أيضا.
المسألة السابعة: يجب أن يكون الطواف للعمرة أو الحج قبل
السعي إجماعا بل ضرورة، كما تدل عليه المستفيضة من الأخبار (2)، بل
المتواترة الواردة في الموارد المتكثرة، كالأخبار الفعلية، والواردة في
وجوب إعادة الطواف على من قدم السعي ولو نسيانا، والمتضمنة للفظة
(ثم) الدالة على الترتيب.
وقوله في دعاء الطواف الوارد في صحيحة ابن عمار: (اللهم إني
أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي) (3)، إلى غير ذلك.
ويجئ للمسألة بيان أيضا في آخر مسائل السعي.
المسألة الثامنة: من ترك طواف العمرة أو الحج فإما يكون عمدا أو
جهلا أو نسيانا، فإن كان عمدا بطلت عمرته أو حجه، ووجبت عليه إعادة
العمرة أو الحج، بلا ريب كما في المدارك (4)، بل بلا خلاف كما صرح به

(1) انظر الذخيرة: 640، والحدائق 16: 235، 239، والوسائل 13: 360.
(2) الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.
(3) الكافي 4: 401 / 1، التهذيب 5: 99 / 327، الوسائل 13: 204 أبواب
مقدمات الطواف ب 8 ح 1.
(4) المدارك 8: 172.
121

جماعة (1)، بل بالاجماع المحقق، له، ولعدم الاتيان بالمأمور به على
وجهه، فيبقى تحت عهدة التكليف، ولفحوى ما دل على الإعادة بتركه
جهلا، كما يأتي.
وكذا إن كان جهلا، وفاقا للأكثر (2)، للأصل المتقدم الخالي عن
المعارض، المعتضد بصحيحة ابن يقطين: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت
طواف الفريضة، قال: (إن كان على وجه جهالة في الحج أعاد وعليه بدنة) (3).
ورواية علي بن أبي حمزة: عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى
رجع إلى أهله، قال: (إذا كان على جهة الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة) (4)،
وفي بعض النسخ: (سهى) مقام: (جهل) في السؤال (5).
ومقتضى الروايتين: وجوب بدنة عليه أيضا، كما حكي عن الشيخ
والأكثر (6)، وأفتى به جمع ممن تأخر (7)، وهو الأظهر، لما مر.
وبعض الأخبار النافية لها على المواقع جهلا، وهو صحيحة ابن
عمار: عن متمتع وقع على أهله ولم يزر، قال: (ينحر جزورا، وقد

(1) منهم العلامة في المنتهى 2: 703، السبزواري في الذخيرة: 625، الفيض في
المفاتيح 1: 365.
(2) كما في النافع: 94، والجامع للشرائع: 199، وكفاية الأحكام: 66.
(3) التهذيب 5: 127 / 420، الإستبصار 2: 228 / 787، الوسائل 13: 404
أبواب الطواف ب 56 ح 1.
(4) التهذيب 5: 127 / 419، الإستبصار 2: 228 / 786، الوسائل 13: 404
أبواب الطواف ب 56 ح 2 بتفاوت يسير.
(5) الفقيه 2: 256 / 1240، الوسائل 13: 404 أبواب الطواف ب 56 ح 2.
(6) التهذيب 5: 127، والاستبصار 2: 228، وحكاه عن الأكثر في المدارك 8:
174، والمفاتيح 1: 366.
(7) منهم الكركي في جامع المقاصد 3: 201، السبزواري في الذخيرة: 625،
صاحب الرياض 1: 416.
122

خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالما، وإن كان جاهلا فليس عليه
شئ) (1).
فالمراد به: العالم والجاهل بحرمة المواقعة من غير إرادة ترك
الطواف، أو تركه سهوا بقرينة عدم الحكم صريحا بفساد الحج، ولا أقل من
احتمالها لذلك.
خلافا للمحكي عن التنقيح، فظاهره عدم الوجوب (2)، للأصل،
وشذوذ الروايتين، لعدم قائل بمضمونهما وضعف سندهما.
والكل فاسد، والوجه واضح، وتعلق البدنة لا يتوقف على المواقعة،
وكذا لا يختص بطواف الحج، للاطلاق، وإن قيدوه بهما في الناسي كما يأتي.
وإن كان نسيانا قضاه متى ذكره، ولا يبطل النسك الذي أتى به إلا
السعي، فإنه تجب إعادته لو تذكر بعده قبل سائر النسك كما يأتي، بلا
خلاف في الصحة والقضاء، إلا عن نادر يأتي، بل بالاجماع كما عن صريح
الخلاف والغنية (3) وظاهر غيرهما (4).
أما الأول - أي الصحة - فلصحيحة هشام: عمن نسي زيارة البيت
حتى رجع إلى أهله، فقال: (لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه) (5).
وعلي: عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء،

(1) الكافي 4: 378 / 3، التهذيب 5: 321 / 1104، الوسائل 13: 121 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.
(2) التنقيح 1: 506.
(3) حكاه عن الخلاف في الرياض 1: 416، الغنية (الجوامع الفقهية): 578.
(4) كما في المدارك 8: 177.
(5) الفقيه 2: 245 / 1173، التهذيب 5: 282 / 961، الوسائل 14: 291 أبواب
العود إلى منى ب 19 ح 1.
123

كيف يصنع؟ قال: (يبعث بهدي، إن كان تركه في حج بعث به في حج،
وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، ووكل عنه من يطوف عنه ما
تركه من طوافه) (1).
وحمل الأولى على طواف الوداع والثانية على طواف النساء ارتكاب
للتخصيص بلا مخصص.
خلافا فيه للمحكي عن التهذيب والاستبصار والحلبي، فأبطلا الحج
به (2)، للأصل، والخبرين المتقدمين في الجاهل.
والأصل مدفوع بما مر، والجاهل غير موضوع المسألة، والقياس
باطل، مع أنه قول شاذ يمكن دعوى مخالفته للاجماع، لرجوع الشيخ عنه
في كتبه المتأخرة، كالخلاف والمبسوط والنهاية (3).
وأما الثاني - أي القضاء - فللصحيحة الثانية، ولكن في دلالتها على
الوجوب نظرا، إلا أن الظاهر أن وجوب القضاء إجماعي، فهو يكفي في
إثباته.
ويمكن الاستدلال له بالعلة المنصوصة في صحيحة ابن عمار: عن
رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله، قال: (لا تحل له النساء حتى
يزور البيت ويطوف، فإن مات فليقض عنه وليه، فأما ما دام حيا فلا يصلح أن
يقضى عنه، وإن نسي رمي الجمار فليسا بسواء، الرمي سنة والطواف فريضة) (4).

(1) التهذيب 5: 128 / 421، الإستبصار 2: 228 / 788، قرب الإسناد: 244 / 969،
مسائل علي بن جعفر: 106 / 9، الوسائل 13: 405 أبواب الطواف ب 58 ح 1.
(2) التهذيب 5: 127، الإستبصار 2: 228، الحلبي في الكافي في الفقه: 195.
(3) حكاه عن الخلاف في الرياض 1: 416، المبسوط 1: 359، النهاية: 240.
(4) التهذيب 5: 253 / 857، الإستبصار 2: 233 / 807، الوسائل 13: 406
أبواب الطواف ب 58 ح 2.
124

يعني: إن نسي رمي الجمار جاز قضاؤه عنه وإن كان حيا، لأنه سنة
لم يجر له ذكر في القرآن، وذلك بخلاف طواف البيت، فإنه فريضة مذكورة
في القرآن، فهما ليسا بسواء في الحكم، بل يجب عليه القضاء بنفسه.
وتجوز له مباشرة القضاء بنفسه إجماعا، بل يجب ذلك عليه على
الأظهر الأشهر، إلا إذا تعذر الرجوع أو تعسر فيستنيب من يقضي عنه، فإن
مات ولم يقض يقضي عنه وليه إما بنفسه أو بالاستنابة.
أما الأول - أي جواز مباشرته - فبالاجماع والصحيحين الأخيرين، أما
أولهما فمن جهة أن التوكيل لا يكون إلا فيما يجوز للموكل مباشرته، وأما
ثانيهما فظاهر.
وأما الثاني - أي وجوب مباشرته - فللصحيحة الأخيرة، فإن عدم
الصلاحية يقتضي الفساد، كما بيناه في موضعه.
وقد يستدل عليه أيضا بفحوى ما دل على وجوب المباشرة في نسيان
طواف النساء كما يأتي، وفحوى ما مر على وجوب قضاء ركعتي الطواف،
اللتين هما من فروع الطواف وتوابعه بنفسه.
وفيهما نظر، لمنع ثبوت الأولوية مع منع أصل الحكم في الأول.
خلافا فيه لبعض المتأخرين، فجوز الاستنابة مطلقا ولو مع القدرة
على المباشرة (1)، لاطلاق صحيحة علي المتقدمة.
وفيه: أنه معارض بعموم العلة المنصوصة في الصحيحة الأخيرة،
فإنها تدل على عدم جواز الاستنابة ما دام حيا مطلقا، خرجت عنه صورة
التعذر بالصحيحة الأولى فيبقى الباقي.

(1) كما في المدارك: 464.
125

نعم، مقتضاها كفاية التعذر الحاصل بسبب العود من البلد، ولا بأس
به، كما اختاره بعض المتأخرين (1)، بمعنى: كفاية هذا القدر من العذر.
والأكثر اعتبروا فيه الامتناع أو المشقة التي لا تتحمل عادة، لأنه
المتيقن من إطلاق الصحيحة، حيث إنه الفرد الغالب.
وفيه: منع الغلبة، فإن البلاد القريبة إلى مكة كثيرة ومن لا تشق عليه
المعاودة فيها كثير.
ومنهم من اعتبر في العود استطاعة الحج المعهودة (2). وهو ضعيف
في الغاية.
وأما الثالث - أي جواز الاستنابة مع التعذر أو التعسر - فلا خلاف فيه
من القائل بصحة الحج، وعن الغنية: الاجماع عليه (3)، وتدل عليه صريحا
صحيحة علي، وصريحها تساوي طوافي الحج والعمرة في ذلك، كما هو
مقتضى إطلاق كلام جماعة، ولكن عن الأكثر الاقتصار على طواف الحج،
ولا وجه له بعد عموم الحج.
وأما الرابع (4)، فللصحيحة الأخيرة.
فروع:
أ: يتحقق ترك الطواف الموجب لبطلان الحج في صورة العمد
بانقضاء وقته.

(1) منهم العلامة في التحرير 1: 99، الفاضل المقداد في التنقيح 1: 507، صاحب
الرياض 1: 417.
(2) كالشهيد في الدروس 1: 404.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 578.
(4) أي قضاء الولي عنه بنفسه أو بالاستنابة إن مات ولم يقض.
126

وهو يكون في طواف الحج بخروج ذي الحجة قبل فعله.
وفي طواف عمرة التمتع بضيق الوقت عنها وعن الاحرام بالحج
والوقوف.
وفي طواف العمرة المجامعة لحج القران والافراد بخروج السنة، بناء
على وجوب إيقاعها فيها.
ولكن في المدارك: أنه غير واضح (1)، وفي العمرة المجردة إشكال،
إذ يحتمل وجوب الاتيان بالطواف لها مطلقا حيث لم يوقت، والبطلان
بالخروج عن مكة بنية الاعراض عن فعله.
وعن الشهيد الثاني تحقق ترك الطواف في الجميع بنية الاعراض عنه (2).
ولا يخفى أن مع بقاء الوقت يمكن الاتيان بالمأمور به على وجهه،
فينتفي مقتضى البطلان.
ب: هل يحصل التحلل عما يتوقف على الطواف لمن نسي الطواف
بالاتيان به ولا يحصل بدون فعله، أو يتحلل؟
مقتضى الاستصحاب - بل إطلاق الأخبار -: الأول.
ولو كان ترك الطواف بالعمد وبطلت مناسكه، ففي حصول التحلل
بمجرد ذلك، أو البقاء على إحرامه إلى أن يأتي الفعل الفائت في محله
لحصول التحلل، أو حصول التحلل بأفعال العمرة، أوجه، كما قال في
الذخيرة (3)، وبالأخير قطع المحقق الثاني (4).

(1) المدارك 8: 173.
(2) الروضة 2: 257.
(3) الذخيرة: 626.
(4) في جامع المقاصد 3: 201.
127

ج: لو عاد لاستدراك الطواف بعد الخروج على وجه يستدعي
وجوب الاحرام لدخول مكة، فهل يكتفي بذلك، أو يتعين عليه الاحرام ثم
يقضي الفائت قبل الاتيان بأفعال العمرة أو بعده؟
وجهان، ولعل الأول أظهر، تمسكا بمقتضى الأصل، والتفاتا إلى أن
من نسي الطواف يصدق عليه أنه في الجملة محرم.
د: لا كفارة على تارك الطواف المواقع أهله قبل قضائه عمدا مطلقا،
على الأظهر الأشهر، للأصل الخالي عن الدافع بالمرة.
واحتمل الشهيد ثبوتها (1)، لورودها في حديث الجاهل (2)، وأولويتها
في العامد.
وفيه: منع الأولوية، لعدم معلومية العلة.
والاستدلال عليه بصحيحة ابن عمار (3) - المتقدمة في صدر المسألة -
ضعيف، لما عرفت من عدم تضمنها لترك الطواف، ومن الاجمال في
المراد من العالم، فيخرج عن محل النزاع.
وإن كان جهلا فعليه بدنة، كما مر وجهه.
وإن كان نسيانا، ففي وجوب الكفارة عليه مطلقا، كما عن الشيخ في
النهاية والمبسوط والمهذب والجامع (4)، لصحيحة ابن عمار وعلي
المتقدمتين (5)، وصحيحة عيص: عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن

(1) انظر الدروس 1: 403.
(2) المتقدم في ص: 119.
(3) الكافي 4: 378 / 3، التهذيب 5: 321 / 1104، الوسائل 13: 121 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 9 ح 1.
(4) النهاية: 240، المبسوط 1: 359، المهذب 1: 223، الجامع للشرائع: 199.
(5) في ص: 121، 122.
128

يزور البيت، قال: (يهريق دما) (1).
أو عدمها إلا مع المواقعة بعد الذكر، كما عن السرائر والشرائع والنافع
وعن التذكرة والمختلف والمنتهى والشهيدين (2)، وغيرهم (3)، بل الأكثر كما
قيل (4)، للجمع بين ما مر وبين مرسلة الفقيه: (إن جامعت وأنت محرم) إلى
أن قال: (وإن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شئ عليك) (5).
والصحيح المروي في العلل: في المحرم يأتي أهله ناسيا، قال: (لا
شئ عليه، إنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان وهو ناس) (6).
بحمل الأولى على المواقعة بعد الذكر، أو بحملها على الاستحباب.
قولان، أجودهما: الأخير.
لا لما ذكر، لعدم ظهور شمول الروايتين لموضوع المسألة، فإنه من
ترك الطواف نسيانا، وظاهرهما من نسي كونه محرما.
بل للأصل الخالي عن المعارض الصريح، لكون الأخبار المتقدمة
قاصرة عن إفادة الوجوب.
ثم إيجاب الكفارة على الناسي - على القول به - إنما هو مع المواقعة
دون ترك الطواف، كما كان في الجاهل، لاختصاص أدلته على فرض

(1) الكافي 4: 379 / 4، التهذيب 5: 321 / 1105 الوسائل 13: 122 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 9 ح 2.
(2) السرائر 1 / 574، الشرائع 1: 270، النافع: 94، التذكرة 1: 364، المختلف:
292، المنتهى 2: 703، الشهيد في الدروس 1: 405 الشهيد الثاني في المسالك
1: 123.
(3) كالرياض 1: 417.
(4) انظر كفاية الأحكام: 67، والرياض 1: 417.
(5) الفقيه 2: 213 / 969، الوسائل 13: 109 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2 ح 5.
(6) علل الشرائع: 455 / 14، الوسائل 13: 109 أبواب كفارات الاستمتاع ب 2 ح 7.
129

التمامية، وكذا قيده الأكثر بطواف الحج، ولا وجه له بعد إطلاق الصحيحة
الأولى وتصريح الثانية لو تمت دلالتهما، ولذا حكي عن الجامع التعميم (1).
المسألة التاسعة: من طاف طواف فريضة ثم ذكر أنه لم يتطهر يجب
عليه إعادة الطواف وصلاته، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، والظاهر أنه
إجماعي أيضا.
وأما طواف النافلة فلا يعيده، ولكن يتطهر ويعيد الصلاة، لاشتراطها
بالطهارة مطلقا.
المسألة العاشرة: من كان مريضا لا يمكنه الطواف بنفسه في وقته
طيف به محمولا، فإن لم يتمكن من أن يحمله أحد - لعدم استمساك
طهارته المانع من دخول المسجد أو نحو ذلك من أنحاء العذر - طاف آخر
نيابة عنه، فإن ذلك مجزئ عن طوافه بنفسه، بلا خلاف في شئ من
الحكمين بين الأصحاب، كما في المدارك والمفاتيح وشرحه (2).
والأخبار في هذا المورد كثيرة:
منها: صحيحة صفوان: عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع
أن يطوف بالبيت ولا يأتي بين الصفا والمروة، قال: (يطاف به محمولا
يخط الأرض برجليه حتى تمس الأرض قدماه في الطواف، ثم يوقف به
في أصل الصفا والمروة إذا كان معتلا) (3).
وموثقة إسحاق: عن المريض المغلوب يطاف عنه بالكعبة؟ قال:

(1) الجامع للشرائع: 199.
(2) المدارك 8: 155، المفاتيح 1: 364.
(3) التهذيب 5: 123 / 401، الإستبصار 2: 225 / 777، الوسائل 13: 389
أبواب الطواف ب 47 ح 2.
130

(لا، ولكن يطاف به) (1).
ورواية الربيع: قال: شهدت أبا عبد الله عليه السلام وهو يطاف به حول
الكعبة في محمل وهو شديد المرض، الحديث (2).
ومرسلة الفقيه: إن أبا عبد الله عليه السلام مرض فأمر غلمانه أن يحملوه ويطوفوا
به، فأمرهم أن يخطوا برجله الأرض حتى تمس الأرض قدماه في الطواف (3).
وصحيحة حريز: عن رجل يطاف به ويرمى عنه؟ قال: فقال: (نعم،
إذا كان لا يستطيع) (4).
ومنها: الأخبار المستفيضة الواردة في السؤال عن إجزاء طواف
الحامل للمريض الطائف به عن نفسه المثبتة للمطلوب بالتقرير (5).
ومنها: صحيحة أخرى لحريز: (المريض المغلوب والمغمى عليه
يرمى عنه ويطاف عنه) (6).
وصحيحة ابن عمار: (المبطون والكسير يطاف عنهما ويرمى عنهما
الجمار) (7).

(1) التهذيب 5: 268 / 919، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 5،
بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 422 / 1، التهذيب 5: 122 / 398، الوسائل 13: 391 أبواب
الطواف ب 47 ح 8 وفيه: شهدت أبا عبد الله الحسين عليه السلام...
(3) الفقيه 2: 251 / 1211، الوسائل 13: 392 أبواب الطواف ب 47 ح 10.
(4) التهذيب 5: 123 / 402، الإستبصار 2: 225 / 778، الوسائل 13: 389،
أبواب الطواف ب 47 ح 3.
(5) انظر الوسائل 13: 395 أبواب الطواف ب 50.
(6) التهذيب 5: 123 / 403، الإستبصار 2: 225 / 779، الوسائل 13: 393
أبواب الطواف 49 ح 1.
(7) الكافي 4: 422 / 2، التهذيب 5: 124 / 404، الإستبصار 2: 226 / 780،
الوسائل 13: 393 أبواب الطواف ب 49 ح 3، بتفاوت يسير.
131

والأخرى: (الكسير يحمل فيرمي الجمار، والمبطون يرمى عنه
ويصلى عنه) (1).
والثالثة ما روي أيضا: (رخصة في الطواف والرمي عنهما) (2).
والرابعة: (إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل يطاف بها أو يطاف عنها).
والخامسة: (إذا كانت المرأة مريضة لا تعقل فليحرم عنها، وعليها ما
يتقى على المحرم، ويطاف بها أو يطاف عنها ويرمى عنها) (3).
والسادسة: (الكسير يحمل فيطاف به، والمبطون يرمي ويطاف عنه
ويصلى عنه) (4).
وصحيحة حبيب الخثعمي: (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطاف عن
المبطون والكسير) (5).
ومرسلة الفقيه: وقد روى حريز رخصة في أن يطاف عنه - أي عن
المريض والمغلوب - وعن المغمى عليه ويرمى عنه (6).
وصحيحة يونس: سقط من جمله فلا يستمسك بطنه. أطوف عنه
وأسعى؟ قال: (لا، ولكن دعه، فإن برئ قضى هو، وإلا فاقض أنت عنه) (7).

(1) الفقيه 2: 252 / 1215، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 7.
(2) الفقيه 2: 252 / 1216، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 8.
(3) الرابعة والخامسة نصان لرواية واحدة كما في: التهذيب 5: 398 / 1386،
الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 4 بتفاوت يسير.
(4) التهذيب 5: 125 / 409، الوسائل 13: 394 أبواب الطواف ب 49 ح 6.
(5) التهذيب 5: 124 / 405، الإستبصار 2: 226 / 781، الوسائل 13: 394
أبواب الطواف ب 49 ح 5.
(6) الفقيه 2: 252 / 1214، الوسائل 13: 393 أبواب الطواف ب 49 ح 2، بتفاوت.
(7) التهذيب 5: 124 / 406، الإستبصار 2: 226 / 782، الوسائل 13: 387
أبواب الطواف ب 45 ح 3.
132

ولا يخفى أن الأخبار الخمسة الأولى مع الأخبار التقريرية ناصة على
جواز الطواف بالمريض بقول مطلق ولو كان مغلوبا.
(وكذا تدل صحيحة ابن عمار السادسة على جواز الطواف بالكسير
كذلك، وصحيحة حريز الثانية تدل على جواز الطواف عن المريض
المغلوب والمغمى عليه) (1).
وكذا تدل صحيحة ابن عمار الأولى وصحيحة الحبيب عن الكسير
كذلك، وتدل صحيحتا ابن عمار الأولى والثانية ورواية الحبيب على
الطواف عن المبطون.
ومقتضى الاستدلال: أن يخص المبطون بالطواف عنه، لخصوصية
أخباره وعدم جواز إدخاله المسجد، وأما غيره فإن أمكن الطواف به تعين،
لدلالة الأخبار الأولى على جوازه مطلقا.
وأما الأخبار الأخر الدالة على الطواف عنه فإما محمولة على غير
المتمكن، كما تشعر به صحيحتا ابن عمار الثانية والسادسة، وتحتمله
صحيحتاه الرابعة والخامسة، بحمل لفظة (أو) على التقسيم.
أو محمولة على التخيير، كما هو الظاهر من الخبرين المتضمنين
للرخصة، وتحتمله الصحيحتان أيضا، بحمل لفظة (أو) على التخيير،
ولكن على التقديرين تبرأ الذمة بالطواف به.
ولا كذلك الطواف عنه حتى لا يثبت ذلك من خبري الرخصة أيضا،
لأن تنكير الرخصة لا يفيد أزيد من نوع رخصة، فلعلها في غير المتمكن،
فمقتضى أصل الاشتغال الطواف به، وتصرح به موثقة إسحاق، وفيها:

(1) ما بين القوسين ليس في (ح) و (ق).
133

قلت: المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال: (لا، ولكن يطاف به) (1)، وإن
لم يتمكن تعين الطواف عنه، لدلالة الأخبار الأخر على إجزائه مطلقا، سواء
حملت على التخيير أو التقسيم وعدم إمكان الطواف به.
واللازم التربص فيمن يطاف عنه، فإن حصل اليأس عن برئه في
الوقت طيف عنه، كما صرح به في صحيحة يونس، بل وكذلك من يطاف
به.
فرع: ويصلى عنه صلاة الطواف أيضا إن لم يتمكن بنفسه من
الصلاة، كما صرح به في بعض الأخبار المتقدمة.
المسألة الحادية عشرة: قد مر حكم الحائض قبل الطواف في بحث
كيفية العمرة والحج، وفي أثناء الطواف في المسألة الخامسة.
وأما المستحاضة فهي كالطاهرة إذا فعلت ما عليها..
تدل عليه صحيحة زرارة: (إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن
أبي بكر فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله حين أرادت الاحرام من ذي الحليفة أن
تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج، فلما قدموا مكة ونسكوا المناسك
وقد أتى لها ثمانية عشر يوما فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله أن تطوف بالبيت
وتصلي ولم ينقطع منها الدم ففعلت ذلك) (2).
ومرسلة يونس: (المستحاضة تطوف بالبيت وتصلي ولا تدخل
الكعبة) (3).

(1) التهذيب 5: 268 / 919، الوسائل 13: 390 أبواب الطواف ب 47 ح 5.
(2) الكافي 4: 449 / 1، التهذيب 5: 399 / 1388، الوسائل 13: 462 أبواب
الطواف ب 91 ح 1.
(3) الكافي 4: 449 / 2، التهذيب 5: 399 / 1389، الوسائل 13: 462 أبواب
الطواف ب 91 ح 2.
134

وموثقة البصري: عن المستحاضة أيطأها زوجها، وهل تطوف
بالبيت؟ قال: (تقعد قرأها الذي كانت تحيض فيه، فإن كان قرؤها مستقيما
فلتأخذ به، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين، ولتغتسل فلتدخل
كرسفا، فإذا ظهر عن الكرسف فلتغتسل، ثم تضع كرسفا آخر، ثم تصلي،
فإذا كان دما سائلا فلتؤخر الصلاة إلى الصلاة، ثم تصلي صلاتين بغسل
واحد، وكل شئ استحلت به الصلاة فليأتها زوجها، ولتطف بالبيت) (1).

(1) التهذيب 5: 400 / 1390، الوسائل 2: 375 أبواب الاستحاضة ب 1 ح 8،
بتفاوت يسير.
135

الفصل الثالث
في الثالث من أفعال العمرة، وهو ركعتا الطواف
وهما من لوازم الطواف، يعني: أنه يصلي ركعتين بعد الطواف وجوبا
في الطواف الواجب واستحبابا في المستحب، على المعروف من مذهب
الأصحاب، كما صرح به جماعة (1)، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا (2)، وعن
الخلاف: الاجماع على وجوبه (3).
وتدل عليه - بعد الآية المباركة (4) - الأخبار المتواترة:
منها: صحيحة ابن عمار: (إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم
فصل ركعتين واجعله أمامك، واقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد
- قل هو الله أحد - وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، ثم تشهد واحمد الله
واثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه وآله، وسله أن يتقبل منك، وهاتان الركعتان
هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي ساعة من الساعات شئت
عند طلوع الشمس وعند غروبها، ولا تؤخرها ساعة تطوف وتفرغ
فصلهما) (5)، قوله: (ساعة تطوف) متعلق بقوله: (فصلهما).

(1) كصاحب المدارك 8: 133، والحدائق 16: 134 والرياض 1: 406.
(2) المفاتيح 1: 372 وفيه ركعتا الطواف واجبتان عند أكثر أصحابنا.
(3) الخلاف 2: 327.
(4) وهي قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) البقرة: 125.
(5) الكافي 4: 423 / 1، التهذيب 5: 286 / 973، الوسائل 13: 300 أبواب
الطواف ب 3 ح 1، بتفاوت.
136

وقريبة منها موثقته إلى قوله: (واثن عليه) (1).
وصحيحة محمد: عن رجل طاف طواف الفريضة ففرغ من طوافه
حين غربت الشمس، قال: (وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما
قبل المغرب) (2).
ومنصور بن حازم: عن ركعتي طواف الفريضة، قال: (لا تؤخرها
ساعة، إذا طفت فصل) (3).
ورواية ميسر: (صل ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد
العصر) (4)، إلى غير ذلك من الأخبار الآتية في طي المسائل.
وفي الخلاف والسرائر نقل قول بالاستحباب عن بعض
الأصحاب (5)، وهو - مع شذوذه - مردود بالآية والأخبار.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: يجب إيقاعهما خلف مقام إبراهيم عليه السلام قريبا منه
عرفا، وفاقا للصدوقين والإسكافي والمصباح ومختصره والمهذب للقاضي (6)،

(1) التهذيب 5: 136 / 450، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3 وفيه إلى
قوله: واسأله أن يتقبل منك.
(2) الكافي 4: 423 / 3، الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76 ح 1.
(3) التهذيب 5: 141 / 466، الإستبصار 2: 236 / 820، الوسائل 13: 435
أبواب الطواف ب 76 ح 5.
(4) التهذيب 5: 141 / 465، الإستبصار 2: 236 / 819، الوسائل 13: 435
أبواب الطواف ب 76 ح 6.
(5) الخلاف 2: 327، السرائر 1: 576.
(6) الصدوق في الفقيه 2: 318، والهداية: 58، وحكاه عن والد الصدوق
والإسكافي في المختلف: 291، المصباح: 624، المهذب 1: 231.
137

وجماعة من المتأخرين (1).
لصحيحة ابن عمار وموثقته المتقدمتين، وصحيحة الحلبي: (إنما
نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلا
بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام) (2).
ومرسلة صفوان: (ليس لأحد أن يصلي ركعتي الطواف الفريضة إلا
خلف المقام، لقول الله عز وجل: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)،
فإن صليتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة) (3).
والأخبار الآتية في نسيان الركعتين الآمرة بإعادتهما خلف المقام (4).
خلافا لظاهر من قال بوجوبه عنده الشامل للخلف وأحد الجانبين
أيضا، كما عن الاقتصاد والجمل والعقود وجمل العلم والعمل وشرحه
والجامع (5)، لأخبار مستفيضة جدا مشتملة على هذا اللفظ.
ويرد بأنه أعم من الخلف، فيجب تخصيصه به.
وأما من قال بوجوبه في مقام إبراهيم - كما في الشرائع والنافع والارشاد وعن
النهاية والمبسوط والوسيلة والمراسم والتذكرة والتبصرة والتحرير والمنتهى (6)

(1) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 250، والأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 87،
الحدائق 16: 135.
(2) التهذيب 5: 42 / 124، الوسائل 11: 218 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 6.
(3) التهذيب 5: 137 / 451، الوسائل 13: 425 أبواب الطواف ب 72 ح 1، الآية:
البقرة: 125.
(4) الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.
(5) الإقتصاد: 303، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 230، جمل العلم والعمل:
109، شرح الجمل: 227، الجامع: 199.
(6) الشرائع 1: 236، النافع: 93، الإرشاد 1: 324، النهاية: 242، المبسوط 1:
360، الوسيلة: 172، المراسم: 110، التذكرة 1: 362، التبصرة: 68، التحرير
1: 98، المنتهى 2: 703.
138

وغيرها (1) - فهو لا يخرج عن القولين، للقطع بأن أصل الصخرة - الذي هو
المقام - لا يصلح للصلاة فيه، فالمراد: إما كونه عنده فيرجع إلى القول
الثاني، أو في البناء المعد للصلاة، الذي هو وراء الموضع الذي فيه الصخرة
بلا فصل - كما قيل (2) - فيرجع إلى الأول. ولو أريد غير ذلك فلا دليل عليه
أصلا.
نعم، في روايتين أنه قال: (يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلي) (3)، وهو
غير مفيد، لأن بعد العلم بأنه ليس المراد نفس المقام يراد التجوز، ولتعدده
يدخله الاجمال، فلا يعلم تنافيهما لما ذكر.
وكذا لا تنافيه صحيحة حسين: رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلي
ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد لكثرة
الناس (4).
لجواز أن تكون الكثرة مانعة عن الخلف المتصل، فيجوز التباعد
حينئذ مع ضيق الوقت، مع أن الحيال يمكن أن يكون خلف المقام.
ولمن قال باستحبابه خلف المقام، فإن لم يفعل وفعل في غيره
أجزاء، كما عن الخلاف مدعيا عليه الاجماع (5).

(1) كالدروس 1: 396، والرياض 1: 406.
(2) انظر جامع المقاصد 3: 196.
(3) الأولى في: الكافي 4: 426 / 6، التهذيب 5: 138 / 455، الإستبصار 2:
234 / 810، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 5.
الثانية في: الفقيه 2: 254 / 1228، التهذيب 5: 140 / 462، الإستبصار 2:
234 / 812، الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 12.
(4) الكافي 4: 423 / 2، الوسائل 13: 433 أبواب الطواف ب 75 ح 2، بتفاوت
يسير.
(5) الخلاف 2: 327.
139

ولمن جعل محلهما المسجد مطلقا، كما عن الحلبي (1). أو في
خصوص طواف النساء، كما عن الصدوقين (2).
ولا دليل لهما سوى الأصل.
وعدم تمامية دلالة الآية على تعيين عند المقام.
وإطلاق بعض الأخبار لمن نسيهما في فعله في مكانه (3).
والرضوي المطابق لقول الصدوقين (4).
والأول: مدفوع بما مر.
والثاني: بأنها مجملة يحكم عليها المفصل.
والثالث: بمعارضته مع أقوى منه كما يأتي.
والرابع: بالضعف الخالي عن الجابر.
فروع:
أ: المقام الذي تجب الصلاة فيه أو خلفه أو عنده هو حيث هو الآن
لا حيث كان على عهد النبي وإبراهيم عليهما السلام، بلا خلاف يعلم، وتدل عليه
صحيحة ابن أبي محمود (5)، المتقدمة في بيان وجوب إخراج المقام عن
الطواف.
ب: قالوا: إن هذا الحكم مخصوص بحال الاختيار، وأما مع الاضطرار

(1) الكافي في الفقه: 158.
(2) الصدوق في الفقيه 2: 330، حكاه عن والده في المختلف: 291.
(3) انظر الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 222 و 223، مستدرك الوسائل 9: 414 أبواب الطواف ب 48 ح 1.
(5) الكافي 4: 423 / 4، التهذيب 5: 137 / 453، الوسائل 13: 422 أبواب
الطواف ب 71 ح 1.
140

فيجوز التباعد عنه، بلا خلاف يعلم، بل في المفاتيح وشرحه: الاجماع عليه (1).
مع مراعاة الوراء أو أحد الجانبين مخيرا، كبعضهم (2).
أو مرتبا بتقديم الخلف - كآخر (3) - مع الامكان.
وإن لم يمكن وخاف ضيق الوقت جاز فعلهما في أي موضع شاء من
المسجد.
وزاد بعضهم في الصورتين مراعاة الأقرب فالأقرب (4).
واحتج لأصل جواز التباعد بصحيحة حسين المتقدمة. وفي دلالتها
نظر كما مر.
ولمراعاة الأقرب بالأخبار الآمرة بفعلهما عنده (5). ولا دلالة لها، إذ لو
كان التباعد بقدر لا يخرج عن العندية فيجوز مطلقا، وإن خرج فيخرج عن
مدلول تلك الأخبار.
ولذا اقتصر بعض متأخري المتأخرين على المتيقن (6)، وهو تجويز
تخصيص التباعد بصورة عدم الامكان وضيق الوقت، وهو الأصح.
ويدل على سقوط اعتبار الخلف حينئذ اختصاص الأمر به بصورة
الامكان ولو بالتأخير قطعا، فلا أمر به عند عدم الامكان، وتبقى إطلاقات
إيقاع الصلاة خالية عن المقيد.
ومنه يظهر وجوب اعتبار العندية مع إمكانها وعدم إمكان الخلف،

(1) المفاتيح 1: 373.
(2) كما في الشرائع 1: 268.
(3) كما في الرياض 1: 406.
(4) انظر كشف اللثام 1: 339، والدرة النجفية: 183، والرياض 1: 407.
(5) كما في الوسائل 13: 426 أبواب الطواف ب 73.
(6) كما في الرياض 1: 407.
141

وأما بعد سقوطهما فلا دليل على اعتبار الأقرب ولا المسجد.
ج: كل ما ذكر إنما هو في صلاة طواف الفريضة، وأما النافلة فلا
يتعين لها قرب المقام ب‍ خلاف، وفي المفاتيح وشرحه: الاجماع عليه (1)،
بل هو إجماع محقق.
ويدل عليه الأصل، واختصاص الروايات المعينة لمحلها خلف المقام
أو عنده بالفريضة (2)..
وخصوص رواية زرارة: (لا ينبغي أن تصلي ركعتي طواف الفريضة
إلا عند مقام إبراهيم 7، وأما التطوع فحيث شئت من المسجد) (3).
وظاهرهم الاتفاق على تعين المسجد لمحلها، لهذه الرواية، وفي
دلالتها على الشرطية والتعين تأمل.
بل قيل: إن ظاهر المروي في قرب الإسناد -: عن الرجل يطوف بعد
الفجر فيصلي الركعتين خارج المسجد، قال: (يصلي بمكة لا يخرج منها
إلا أن ينسى، فيصلي إذا رجع في المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك
الطواف) (4) - جواز صلاة ركعتي الطواف النافلة - بل مطلقا - خارج المسجد
بمكة (5).
وهو أيضا لا يخلو عن تشويش في الدلالة من جهة تعيين المسجد
في صورة النسيان.

(1) المفاتيح 1: 373.
(2) انظر الوسائل 13: 422 أبواب الطواف ب 71.
(3) الكافي 4: 424 / 8، التهذيب 5: 137 / 452، الوسائل 13: 426 أبواب
الطواف ب 73 ح 1.
(4) قرب الإسناد: 212 / 832، الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 73 ح 4.
(5) انظر الرياض 1: 407.
142

وبالجملة: تعيين محل النافلة وجوبا من الأخبار مشكل، إلا أنه لم
نعثر على مجوز لايقاعها خارج المسجد، فالأحوط عدم التعدي عن
المسجد.
المسألة الثانية: من نسي ركعتي الطواف، قال جماعة - بل هو
الأشهر -: إنه يجب عليه الرجوع إلى المقام مع الامكان وعدم المشقة
وإتيانهما فيه (1)، لوجوب امتثال الأوامر الموجبة لهما فيه مطلقا.
وموثقة عبيد: في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصل الركعتين
حتى طاف بين الصفا والمروة، ثم طاف طواف النساء ولم يصل الركعتين
حتى ذكر بالأبطح، فيصلي أربعا، قال: (يرجع فليصل عند المقام أربعا) (2).
ونحوها صحيحة محمد، إلا أن فيها: (يرجع إلى مقام إبراهيم
فيصلي) (3).
ورواية ابن مسكان: (إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع
وليصلهما، فإن الله عز وجل يقول: (واتخذوا من مقام إبراهيم
مصلى) (4)).
وصحيحة الحلا ل: عن رجل نسي أن يصلي ركعتي الطواف الفريضة

(1) منهم الشهيد في الدروس 1: 396، والكركي في جامع المقاصد 3: 197،
المدارك 8: 134، والسبزواري في الذخيرة: 630، والهندي في كشف اللثام 1:
340.
(2) الكافي 4: 425 / 3، التهذيب 5: 138 / 456، الإستبصار 2: 234 / 811،
الوسائل 13: 429 أبواب الطواف ب 74 ح 7.
(3) الكافي 4: 426 / 6، التهذيب 5: 138 / 455، الإستبصار 2: 234 / 810،
الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 5، بتفاوت يسير.
(4) التهذيب 5: 140 / 463، الإستبصار 2: 234 / 813، الوسائل 13: 431
أبواب الطواف ب 74 ح 15.
143

فلم يذكر حتى أتى منى، قال: (يرجع إلى مقام إبراهيم فيصليهما) (1)، وغير
ذلك (2).
ولو تعذر الرجوع أو شق عليه، صلاهما حيث تذكر، لوجوب
الصلاة، وعدم التكليف بما لا يطاق ويشق.
[و] (3) لرواية الكناني: عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام
إبراهيم في طواف الحج والعمرة، فقال: (إن كان بالبلد صلى ركعتين عند
مقام إبراهيم، فإن الله عز وجل يقول: (واتخذوا من مقام إبراهيم
مصلى)، وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع) (4).
وصحيحة ابن عمار: رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم فلم
يذكر حتى ارتحل من مكة، قال: (فليصلهما حيث ذكر، فإن ذكرهما وهو
بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما) (5).
والروايات الآمرة بإيقاعهما في منى لمن نسيهما حتى أتى منى،
كرواية ابن المثنى وحنان (6)، ورواية عمر بن البراء (7)، وموثقة عمر بن

(1) الفقيه 2: 254 / 1228، التهذيب 5: 140 / 462، الإستبصار 2: 234 / 812،
الوسائل 13: 430 أبواب الطواف ب 74 ح 12.
(2) انظر الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.
(4) الكافي 4: 425 / 1، التهذيب 5: 139 / 458، الإستبصار 2: 235 / 815،
الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 16.
(5) الكافي 4: 425 / 2، الفقيه 2: 253 / 1226، التهذيب 5: 471 / 1653،
الوسائل 13: 432 أبواب الطواف ب 74 ح 18.
(6) الكافي 4: 426 / 8، الوسائل 13: 432 أبواب الطواف ب 74 ح 17.
(7) الفقيه 2: 254 / 1229، التهذيب 5: 471 / 1654، الوسائل 13: 427 أبواب
الطواف ب 74 ح 2.
144

يزيد (1).
والآمرة بإيقاعهما في مكانه بقرن المنازل لمن نسيهما حتى أتاه،
كموثقة حنان (2)، وفي صحيحة ابن المثنى: نسيت ركعتي الطواف خلف
مقام إبراهيم حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى مكة فصليتهما، فذكرنا ذلك
لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: (ألا صلاهما حيث ذكر) (3).
بحمل تلك الروايات على صورة التعذر أو المشقة بشهادة صحيحة
أبي بصير: عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام،
وقد قال الله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)، حتى ارتحل،
فقال: (إن كان ارتحل فإني لا أشق عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلي
حيث يذكر) (4).
أقول: لا يخفى أن أخبار إيقاعهما حيث يذكر أخص مطلقا من جميع
الروايات المتقدمة الآمرة بإيقاعهما في المقام، من جهة اختصاص الأولى
بالناسي ثم بالمرتحل، فتخصيص الثانية بها لازم.
وأما الأخبار الآمرة للناسي بالرجوع فقاصرة من حيث الدلالة جدا،
لكون غير اثنتين منها خالية عن الدال على الوجوب، بل غايتها الرجحان.
وأما الاثنتان الباقيتان، فإحداهما: رواية ابن مسكان، وهي - من

(1) التهذيب 5: 139 / 459، الإستبصار 2: 235 / 816، الوسائل 13: 429
أبواب الطواف ب 74 ح 8.
(2) التهذيب 5: 138 / 457، الإستبصار 2: 234 / 814، الوسائل 13: 430
أبواب الطواف ب 74 ح 11.
(3) الكافي 4: 426 / 4، التهذيب 5: 139 / 460، وفي الإستبصار 2: 235 / 817،
والوسائل 13: 429 أبواب الطواف ب 74 ح 9 بتفاوت يسير.
(4) التهذيب 5: 140 / 461، الإستبصار 2: 235 / 818، الوسائل 13: 430
أبواب الطواف ب 74 ح 10.
145

حيث تضمنها لاشتراط التجاوز عن الميقات في الرجوع، الذي هو غير
شرط إجماعا - يدخلها الاجمال واحتمال السقوط كما قيل (1)، مع أن محل
الرجوع فيها غير معلوم، فلعله الحرم، كما عن الدروس (2).
وأما الأخرى - وهي موثقة عبيد - فغايتها وجوب الصلاة في المقام
عند الرجوع، وأما وجوب الرجوع فلا، لمكان الخبرية، مع أنه لو قطع
النظر عن جميع ذلك فغايتها التعارض.
وليس حمل أخبار الايقاع حيث تذكر على صورة التعذر أو المشقة
أولى من حمل أخبار الرجوع على الأفضلية، بل الأخير أولى، لفهم العرف
وصلاحية التجويز حيث أمكن، للقرينة لحمل الأمر بالرجوع على
الاستحباب، بخلاف العكس، فإنه جمع بلا شاهد.
وأما صحيحة أبي بصير فلا تدل إلا على أن مطلق مشقة الرجوع
- التي لا ينفك عنها مرتحل - تمنع عن الأمر بالرجوع، وحينئذ يصير النزاع
لفظيا، إذ هذا القدر من المشقة يتحقق مع الارتحال قطعا، ولا دليل على
اعتبار الزيادة، سيما مع ملاحظة عدم الاستفصال في صحيحة ابن المثنى
المتقدمة.
وتظهر من ذلك قوة القول بعدم وجوب الرجوع مطلقا وجواز الايقاع
حيث تذكر، مع أفضلية الرجوع مع الامكان، كما احتملهما الشيخان في
الفقيه والاستبصار (3)، ومال إليه في الذخيرة (4) وبعض مشايخنا الأخباريين (5).

(1) انظر الوافي 13: 916.
(2) الدروس 1: 396.
(3) الفقيه 2: 254، الإستبصار 2: 236.
(4) الذخيرة: 630.
(5) وهو صاحب الحدائق 16: 145.
146

وقد رجح بعض مشايخنا الجمع المشهور بأولوية التخصيص من
المجاز، وأكثرية أخبار الرجوع وأصحيتها وأصرحيتها، وأشهرية هذا
الجمع (1).
ويضعف بمنع أولوية هذا النوع كما حققناه في الأصول، وكذا منع
الأكثرية والأصحية والأصرحية، بل الأمر بالعكس في الجميع كما لا يخفى
عن الناظر في أخبار الطرفين، وعدم صلاحية مطلق الأشهرية للترجيح، مع
أن مذهب أكثر القدماء في هذه المسألة غير معلوم.
نعم، لا شك في اختصاص ذلك بالمرتحل عن مكة، وأما قبله
فيجب العود إلى المقام قطعا، لعدم معارض لمطلقات الأمر بالايقاع في
المقام، إلا مع التعذر أو المشقة، فيوقعهما في مكانه، لأدلة نفي العسر
والحرج النافية لايجاب الرجوع.
وفي المسألة قول آخر اختاره في الدروس، وهو: إيجاب الرجوع
إلى المقام إلا مع التعذر خاصة، ثم يجب معه الايقاع في الحرم إلا مع
التعذر، فحينئذ يوقعهما حيث أمكن من البقاع (2).
ولا أرى له مستندا، بل الظاهر من الأدلة خلافه، فيعمل بمطلقات
الأمر بالصلاة، فيوقعهما حيث كان ولو خارج الحرم وعدم تعذر العود إليه،
بل ولو مع إمكان العود إلى المسجد بدون المشقة وتعسر العود إلى المقام،
لاطلاق الأخبار بالصلاة موضع الذكر، بحيث يشمل خارج الحرم
والمسجد، ولو مع التمكن منهما وصورة المشقة من غير تعذر في العود
إلى المقام، بل صراحة صحيحة ابن المثنى وغيرها.

(1) انظر الرياض 1: 407.
(2) الدروس 1: 396.
147

نعم، لا شك أن هذا القول أحوط، والأحوط منه الرجوع إلى
المسجد إن أمكن ولم يمكن إلى المقام، والأحوط من الجميع العود إلى
المقام مع الامكان وإن تضمن المشقة.
ثم إنه كما تجوز للخارج المرتحل الصلاة حيث تذكر، تجوز له
الاستنابة في الايقاع في المقام أيضا، للمستفيضة المصرحة به:
كصحيحة عمر بن يزيد: (إن كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما،
أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه) (1).
والأخرى: (من نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من
مكة فعليه أن يقضي، أو يقضي عنه وليه، أو رجل من المسلمين) (2).
ومحمد: عن رجل نسي أن يصلي الركعتين، قال: (يصلى عنه) (3).
ومرسلة ابن مسكان: عن رجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى
يخرج، قال: (يوكل) (4).
ولا يضر عدم التعرض في الأخيرتين للصلاة بنفسه، لعدم دلالتهما
على وجوب الاستنابة، بل على الجواز الغير المنافي لجواز غيره أيضا، كما
أن كثيرا من أخبار الايقاع بنفسه لا تنافي جواز الاستنابة لذلك.
مع أنه - على فرض الدلالة على الوجوب ظاهرا في الطرفين أو في
أحدهما كما في بعض أخبار الايقاع بنفسه - يجب الحمل على التخيير
بشهادة صحيحتي عمر بن يزيد.

(1) الفقيه 2: 254 / 1227، الوسائل 13: 427 أبواب الطواف ب 74 ح 1.
(2) التهذيب 5: 143 / 473، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 13.
(3) التهذيب 5: 471 / 1652، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 4.
(4) التهذيب 5: 140 / 463، وفي الإستبصار 2: 234 / 813، والوسائل 13: 431
أبواب الطواف ب 74 ح 14 بتفاوت يسير.
148

وجوز في التحرير والتذكرة الاستنابة مع المشقة في الرجوع أو
التعذر (1)، وهو مبني على تخصيصهم عدم وجوب الرجوع بصورة المشقة
أو التعذر.
وأوجب في المبسوط الاستنابة حينئذ (2)، للأخبار المذكورة. وهو
ضعيف.
فروع:
أ: الجاهل كالناسي، وفاقا لصريح جماعة (3)، لصحيحة جميل:
(الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي) (4).
ب - مقتضى الأصل - في ترك الركعتين عمدا إما مطلقا أو في مقام
إبراهيم عليه السلام - وجوب العود عليه مع الامكان، وإلا فالبقاء في الذمة إلى أن
يحصل التمكن، للاستصحاب وعدم الامتثال.
وعن الشهيد الثاني: جعل العامد كالناسي (5). ولا وجه له.
بل استشكل بعضهم - كصاحبي المدارك والذخيرة - في صحة الأفعال
المتأخرة عنهما (6)، ونفى في الأخير البعد عن بطلانها، وكذا في الكفاية (7).

(1) التحرير 1: 98، التذكرة 1: 362.
(2) المبسوط 1: 383.
(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 397، السبزواري في الذخيرة: 630، الفيض في
المفاتيح 1: 373.
(4) الفقيه 2: 254 / 1230، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 3.
(5) كما في المسالك 1: 121.
(6) المدارك 8: 136، الذخيرة: 630.
(7) كفاية الأحكام: 67.
149

إما لعدم وقوعها على الوجه المأمور به، وهو كونها بعد الركعتين،
كما ذكره الأول.
أو لأن الأمر بالشئ يستلزم النهي عن ضده الخاص، المستلزم
للفساد في العبادة.
ولا يخفى أن الأول إنما يتم لو ثبت وجوب الترتيب بين الركعتين
والأفعال المتأخرة من حيث هو، وإلا فليس ما أتى به غير الوجه المأمور
به، لصدق الاتيان بها.
وأما كون الأمر بالشئ نهيا عن ضده وإن اقتضى فساد الأعمال
المتأخرة مطلقا عند المشهور، إلا أني بينت في الأصول أن فيه تفصيلا
جريانه في جميع الأفعال المتأخرة عن الركعتين وفي كل وقت غير معلوم.
وفي حكم العامد الجاهل المقصر في أفعال الصلاة أو في مقدماته
بحيث أوجب بطلان الصلاة، كمن لا يصح غسله أو وضوئه أو قرائته
ونحو ذلك.
والجاهل الذي جعله بمنزلة الناسي إنما هو الجاهل بأصل وجوب
الصلاة للطواف أو في المقام.
والعجب كل العجب من بعض مشايخي بالإجازة (1)، أنه استجود ما
ذكره صاحبا المدارك والذخيرة من قرب بطلان الأفعال المتأخرة عن
الركعتين جميعا - التي منها: السعي والوقوفان - في طواف العمرة.
ومع ذلك، لما شاهد ما ذكره والدي العلامة المحقق في التحفة
الرضوية: أن من قصر في تصحيح وضوئه وقرائته وركوعه وسجوده

(1) وهو صاحب الرياض 1: 408.
150

- ولأجله بطلت صلاته - يحصل الاشكال في صحة حجه من جهة بطلان
ركعتي طوافه.
اعترض عليه: بأنه لا وجه لبطلان العمرة والحج ببطلان الركعتين،
مع أنهما ليستا من أركان الحج.
ولما وصلت إلى خدمته في الحائر الحسيني عليه السلام عند مسافرتي إلى
بيت الله - بعد انتقال والدي إلى جوار الله - قال لي: إنه قد ذكر الوالد
المعظم كذا في التحفة، ويلزم عليك إخراج ذلك منه، لئلا يتوهم بعد ذلك
وقوع الخلاف في بطلان الحج ببطلان الركعتين، مع أنه مما لم يقل به
أحد.
ولم يتيسر لي - بعد ملاحظة المسألة - بيان الحال له والعرض عليه.
ج: لو مات الناسي لهما ولم يصلهما قضاهما عنه الولي، من غير
خلاف بينهم يعرف، لصحيحتي عمر بن يزيد (1) ومحمد (2) المتقدمتين،
ولا يضر شمولهما لصورة الحياة أيضا.
إلا أن في دلالتهما على الوجوب نظرا، وكذا في دلالة عمومات
وجوب قضاء الفوائت من الصلاة عن الميت (3)، كما مر في بحث الصلاة.
والأحوط للوالي القضاء عنه، وللميت الوصية به له أو لغيره.
ولا يبعد استفادة الوجوب على الولي بوجوب قضائه الطواف عنه أو
استنابته له كما هو الأقوى، لصحيحة ابن عمار: رجل نسي طواف النساء
حتى دخل أهله، قال: (لا تحل له النساء حتى يزور البيت)، وقال: (يأمر

(1) التهذيب 5: 143 / 473، الوسائل 13: 431 أبواب الطواف ب 74 ح 13.
(2) التهذيب 5: 471 / 1652، الوسائل 13: 428 أبواب الطواف ب 74 ح 4.
(3) كما في الوسائل 8: 276 أبواب قضاء الصلوات ب 12.
151

من يقضي عنه إن لم يحج، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه
أو غيره) (1).
وهو وإن كان مخصوصا بطواف النساء، لكن يتعدى إلى طواف
العمرة والزيارة بالطريق الأولى، أو الاجماع المركب.
د: قال في المدارك: إطلاق النص والفتوى يقتضي أنه لا يعتبر في
صلاة الركعتين وقوعهما في أشهر الحج (2)، ونقل عن المسالك اعتباره
وجعله أحوط (3)، وهو جيد.
ه‍: لا فرق في الأحكام المذكورة بين طواف الحج والنساء والعمرة،
للاطلاقات.
المسألة الثالثة: اختلفوا في القران بين الطوافين المفروضين - بأن لا
يصلي ركعتي كل طواف بعده، بل يأتي بهن أجمع ثم بصلاتهن، بعد
وفاقهم ظاهرا على مرجوحيته - أنه هل هو حرام، أم مكروه؟ وعلى الأول:
هل هو مبطل، أم لا؟
فالمشهور - كما في النافع والتنقيح -: الحرمة (4)، وهو الأقرب،
للمستفيضة من الأخبار، كروايات زرارة (5) وعمر بن يزيد (6) وعلي بن أبي

(1) الكافي 4: 513 / 5، التهذيب 5: 128 / 422، الإستبصار 2: 228 / 789،
الوسائل 13: 407 أبواب الطواف ب 58 ح 6.
(2) المدارك 8: 136.
(3) المسالك 1: 121.
(4) النافع: 93، التنقيح 1: 502.
(5) الفقيه 2: 251 / 1208، الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 2.
(6) الكافي 4: 419 / 3، التهذيب 5: 115 / 373، الإستبصار 2: 220 / 758،
الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 4.
152

حمزة (1) ومضمرة صفوان والبزنطي (2)، وصحيحة البزنطي (3)..
والمروي في السرائر عن كتاب حريز: (لا قران بين أسبوعين في
فريضة ونافلة) (4).
وغير الثلاث الأولى وإن لم يكن صريحا في إفادة الحرمة ولكنها
تستفاد من الثلاث الأولى، أما الأوليان منهما فباعتبار التفصيل القاطع
للشركة بين الفريضة والنافلة بنفي البأس - الذي هو الحرمة - عن النافلة،
وأما الثالثة فللأمر المفيد للوجوب فيها بصلاة ركعتين بين كل أسبوعين.
ولا تنافي ذلك المستفيضة (5) المتقدمة في مسألة زيادة الطواف عن
سبعة أشواط، الآمرة بإضافة الباقي إلى الزائد حتى يتم أربعة عشر شوطا،
لعدم كونه في المفروضين، بل صرح في كثير منها بكون الأول تطوعا.
خلافا للحلي والمدارك والذخيرة، فيكره مطلقا (6).
للأصل.
وضعف الأخبار.
والتعبير بالكراهة في الروايتين الأوليين.
وكثرة الأخبار الدالة على أنهم قرنوا.

(1) الكافي 4: 418 / 2، التهذيب 5: 115 / 374، الإستبصار 2: 220 / 759،
الوسائل 13: 370 أبواب الطواف ب 36 ح 3.
(2) التهذيب 5: 115 / 375، الإستبصار 2: 221 / 760، الوسائل 13: 371
أبواب الطواف ب 36 ح 6.
(3) التهذيب 5: 116 / 376، الإستبصار 2: 221 / 761، الوسائل 13: 371
أبواب الطواف ب 36 ح 7.
(4) مستطرفات السرائر: 73 / 12، الوسائل 13: 373 أبواب الطواف ب 36 ح 14.
(5) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.
(6) الحلي في السرائر 1: 572، المدارك 8: 140، الذخيرة: 635 و 636.
153

والأول: بما مر مدفوع.
والثاني: - لو كان - بما سبق مجبور.
والثالث: بأعمية الكراهة عن الحرمة في اللغة والشرع مردود.
والرابع: لما مر غير معارض، لكونه إخبارا عن الفعل، فلعله كان في
النافلة، أو الفريضة لحال التقية، كما صرح به في بعض الأخبار المتقدمة (1).
وهل هو مبطل، أم لا؟
لا ينبغي الريب في عدم بطلان الطواف الأول، لانتفاء المقتضي له
رأسا، لعدم تعلق نهي به أصلا، وإنما تعلق بالقران الذي لا يصدق إلا
بالاتيان بالطواف الثاني، فهو المنهي عنه لا الأول، ولا هما معا.
نعم، الظاهر بطلان الثاني، لتعلق النهي بنفس العبادة حينئذ، مضافا
إلى الأمر بالصلاة بين كل أسبوعين في الرواية الثالثة، المستلزم للنهي عن
ضده، وإلى الأخبار الدالة على فورية صلاة الطواف وأنها تجب ساعة الفراغ
منه ولا تؤخر (2)، حيث يستحيل الأمر بشيئين متضادين في وقت مضيق ولو
لأحدهما.
وأما القران بين النافلتين فالظاهر كراهته، لفتوى جمع من
الأصحاب (3)، وإطلاق طائفة من الأخبار المذكورة (4) وخصوص ظاهر
المروي في السرائر المتقدم.
ولا تنافيها صحيحة زرارة: (إنما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين

(1) في ص: 149.
(2) الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76.
(3) منهم المحقق في المختصر النافع: 93، صاحب المدارك 8: 140، الفاضل
الهندي في كشف اللثام 1: 335.
(4) في ص: 149.
154

والطوافين في الفريضة، وأما النافلة فلا بأس به) (1).
لأن غايتها نفي الحرمة، لأعمية الكراهة.
وهل القران بين الفريضة والنافلة كالفريضتين، أو النافلتين؟
الظاهر: الثاني، للشك في دخوله تحت قوله في الأخبار: (في
الفريضة)، فيبقى تحت الأصل.
فإن قيل: يشك في دخوله تحت قوله: (في النافلة) أيضا، فيبقى
تحت العمومات الناهية.
قلنا: كان ذلك حسنا لو كانت العمومات على التحريم دالة، وليست
كذلك.
وللأخبار المتقدمة في مسألة الزيادة في الطواف المفروض، الآمرة
بإتمام الزائد الموجب لحصول القران بين المفروض والمندوب (2).
وصحيحة زرارة الناصة على أن أمير المؤمنين عليه السلام زاد في الفريضة
حتى تمت أربعة عشر شوطا (3).
المسألة الرابعة: تصلى ركعتا الطواف الفريضة في كل وقت، حتى
الأوقات الخمسة التي قالوا بكراهة النوافل فيها، للصحاح المستفيضة
وغيرها من المعتبرة (4).

(1) الكافي 4: 418 / 1، الفقيه 2: 251 / 1207، التهذيب 5: 115 / 372،
الإستبصار 2: 220 / 757، الوسائل 13: 369 أبواب الطواف ب 36 ح 1.
(2) الوسائل 13: 363 أبواب الطواف ب 34.
(3) التهذيب 5: 112 / 366، الإستبصار 2: 218 / 752، الوسائل 13: 365
أبواب الطواف ب 34 ح 7.
(4) الوسائل 13: 434 أبواب الطواف ب 76.
155

والصحاح المعارضة لها بالمنع (1) محمولة إما على التقية - كما صرح
به شيخ الطائفة (2) - أو على النافلة، لكراهة ركعتيها على الأشهر، وإن كانت
هي أيضا محل نظر، فتدبر.
المسألة الخامسة: يستحب أن يقرأ في أولاهما: الحمد والتوحيد،
وفي الثانية: الحمد والجحد، للشهرة، وخصوص الصحيحة (3) والموثقة (4)
المتقدمتين في أول الباب.
وعن موضع من نهاية الشيخ العكس (5)، وجعله الشهيد (6) وجماعة (7)
رواية، ولم أقف عليها.

(1) كصحيحة ابن بزيع الواردة في: التهذيب 5: 142 / 470، الإستبصار 2:
237 / 825، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف ب 76 ح 10.
وصحيحة محمد بن مسلم الواردة: التهذيب 5: 141 / 468، الإستبصار 2:
236 / 823، الوسائل 13: 436 أبواب الطواف ب 76 ح 8.
(2) في الإستبصار 2: 237.
(3) الكافي 4: 423 / 1، التهذيب 5: 286 / 973، الوسائل 13: 423 أبواب
الطواف ب 71 ح 3.
(4) التهذيب 5: 136 / 448، الوسائل 13: 423 أبواب الطواف ب 71 ح 3.
(5) النهاية: 79، وفيه: استحباب قراءة الجحد في ركعتي الطواف.
(6) الدروس 1: 402.
(7) كالعلامة في التذكرة 1: 363، وحكاه في الرياض 1: 415 عن جماعة.
156

الفصل الرابع
في رابع أفعال العمرة، وهو السعي
وفيه أبحاث:
البحث الأول: في مقدماته، وهي أمور كلها مستحبة:
منها: الطهارة من الحدث، وهي راجحة بلا خلاف، له،
وللمستفيضة، كصحيحة الأزرق المصرحة بكونه مع الوضوء أحب (1).
وكموثقة ابن فضال: (ولا تطوف ولا تسعى إلا على وضوء) (2).
وصحيحتي الحلبي (3) وابن عمار (4)، وروايتي عمر بن يزيد (5) وأبي
بصير (6)، الواردة جميعا في ترك الحائض السعي، القاصرة - كالموثقة - عن
إفادة الوجوب، للجملة الخبرية، والمعارضة مع ما تأتي إليه الإشارة.
وليست بواجبة على الحق المشهور، بل المجمع عليه، حيث لا تقدح

(1) الكافي 4: 438 / 2، الفقيه 2: 250 / 1204، التهذيب 5: 154 / 506،
الإستبصار 2: 241 / 840، الوسائل 13: 494 أبواب السعي ب 15 ح 6.
(2) الكافي 4: 438 / 3، التهذيب 5: 154 / 508، وفي الإستبصار 2: 241 / 839
بتفاوت يسير، الوسائل 13: 495 أبواب السعي ب 15 ح 7.
(3) التهذيب 5: 394 / 1373، الإستبصار 2: 314 / 1114، الوسائل 13: 494
أبواب السعي ب 15 ح 3.
(4) التهذيب 5: 396 / 1379، الإستبصار 2: 316 / 1120، الوسائل 13: 460
أبواب الطواف ب 89 ح 4.
(5) التهذيب 5: 393 / 1372، الإستبصار 2: 313 / 1113، الوسائل 13: 457
أبواب الطواف ب 87 ح 1.
(6) الكافي 4: 447 / 5، التهذيب 5: 394 / 1375، الإستبصار 2: 315 / 1116،
الوسائل 13: 450 أبواب الطواف ب 84 ح 5.
157

فيه مخالفة الشاذ، للأصل السالم عن المزيل، وللمستفيضة بل المتواترة معنى:
كالأخبار الواردة في حدوث الحيض بعد الطواف قبل السعي وأنها
تسعى (1)، وهي كثيرة جدا.
والمصرحة بجواز إتيان جميع المناسك غير الطواف بلا وضوء،
كالصحاح الثلاث لابن عمار ورفاعة وجميل، ورواية أبي حمزة:
الأولى: (لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا
الطواف، فإن فيه صلاة، والوضوء أفضل) (2).
والثانية: أشهد شيئا من المناسك وأنا على غير وضوء؟ قال: (تعم،
إلا الطواف بالبيت، فإن فيه صلاة) (3).
والثالث: أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ قال: (نعم، إلا
الطواف بالبيت، فإن فيه صلاة) (4)، ومثلها الرابعة (5).
وبجواز خصوص السعي كذلك، كصحيحة الأزرق، ورواية الشحام (6).
خلافا للمحكي عن العماني، فأوجبها (7)، لما مر بجوابه.

(1) انظر الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89.
(2) الفقيه 2: 250 / 1201 بتفاوت يسير، التهذيب 5: 154 / 509، الإستبصار 2:
241 / 841، الوسائل 13: 493 أبواب السعي ب 15 ح 1.
(3) التهذيب 5: 154 / 510، الإستبصار 2: 241 / 838، الوسائل 13: 493
أبواب السعي ب 15 ح 2.
(4) الكافي 4: 420 / ذ ح 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.
(5) الكافي 4: 420 / 2، التهذيب 5: 116 / 379، الإستبصار 2: 222 / 763،
الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.
(6) التهذيب 5: 154 / 507، الإستبصار 2: 241 / 837، الوسائل 13: 494
أبواب السعي ب 15 ح 4.
(7) حكاه عنه في المختلف: 293.
158

ومنها: الطهارة عن الخبث في الثوب والبدن، لفتوى الجماعة.
ومنها: استلام الحجر وتقبيله مع الامكان، والإشارة إليه مع العدم.
والشرب من زمزم بعد إتيانه.
والصب على الرأس والجسد من مائه.
بعد السقي منه بنفسه من الدلو المقابل للحجر الأسود إن كان
وأمكن، وإلا فمن غيره.
وتدل على الأول: صحيحة ابن عمار الطويلة، الواردة في حج
النبي صلى الله عليه وآله، وفيها: (ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم، ثم عاد إلى
الحجر فاستلمه، وقد كان استلمه في أول طوافه، ثم قال: إن الصفا والمروة
من شعائر الله) الحديث (1).
والأخرى الواردة في طواف الحج، وفيها: (ثم صل عند مقام
إبراهيم) إلى أن قال: (ثم ارجع إلى الحجر الأسود فقبله إن استطعت،
واستقبله وكبر، ثم أخرج إلى الصفا) الحديث (2).
والحلبي الواردة في حج النبي صلى الله عليه وآله، وفيها: (ثم صلى ركعتين عند
المقام واستلم الحجر، ثم قال: أبدأ بما بدأ الله عز وجل) (3).
وعليه وعلى الثاني: صحيحة ابن سنان الواردة فيه أيضا: (فلما طاف
بالبيت صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم، ودخل زمزم فشرب منها، ثم

(1) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر: 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
(2) الكافي 4: 423 / 1، التهذيب 5: 144 / 476، الوسائل 13: 300 أبواب
الطواف ب 3 ح 1 و 2، بتفاوت.
(3) الكافي 4: 248 / 6، العلل: 412 / 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحج
ب 2 ح 14.
159

قال: اللهم إني أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم،
فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة، ثم قال لأصحابه: ليكن آخر عهدكم
بالكعبة استلام الحجر، فاستلمه ثم خرج إلى الصفا، ثم قال: أبدأ بما بدأ
الله به، ثم صعد إلى الصفا فقام عليها مقدار ما يقرأ الانسان سورة البقرة) (1).
وابن عمار: (إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبله
واستلمه أو أشر إليه، فإنه لا بد من ذلك)، وقال: (إن قدرت أن تشرب من
ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل وتقول حين تشرب: اللهم اجعله
علما نافعا) إلى آخر ما مر (2).
وعليهما وعلى الثالث: صحيحة الحلبي: (إذا فرغ الرجل من طوافه
وصلى ركعتين فليأت زمزم ويستق منه ذنوبا (3) أو ذنوبين فليشرب منه
وليصب على رأسه [وظهره] وبطنه ويقول: اللهم اجعله علما نافعا) إلى
آخر ما مر، ثم قال -: (ثم يعود إلى الحجر الأسود) (4).
ومنه يظهر دليل الرابع أيضا.
وتدل عليه وعلى غير الأول مما مر صحيحة أخرى للحلبي:
(يستحب أن تستقي من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه وتصب على
رأسك وجسدك، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر) (5).

(1) الكافي 4: 249 / 7، الوسائل 11: 223 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 15.
(2) الكافي 4: 430 / 1، التهذيب 5: 144 / 476، الوسائل 13: 472 أبواب
السعي ب 2 ح 1.
(3) الذنوب: الدلو الملأى ماء وقيل: فيها ماء قريب من المل - الصحاح 1: 129.
(4) الكافي 4: 430 / 2، التهذيب 5: 144 / 477، الوسائل 13: 473 أبواب
السعي ب 2 ح 2، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(5) التهذيب 5: 145 / 478، الوسائل 13: 474 أبواب السعي ب 2 ح 4.
160

ولا يخفى أنه لا تدل تلك الأخبار على أن هذه الأمور مستحبة للسعي
ومن مقدماته - كما ذكره الأكثر (1) - بل يمكن أن تكون من مستحبات
الطواف أو الركعتين ومن خواتيمه، كما استظهره في الدروس، قال:
والظاهر استحباب الاستلام والاتيان عقيب الركعتين ولو لم يرد السعي (2).
وتدل عليه صحيحة ابن مهزيار: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام ليلة
الزيارة طاف طواف النساء وصلى خلف المقام، ثم دخل زمزم، فاستقى
منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر الأسود، فشرب منها وصب على بعض
جسده، ثم اطلع في زمزم مرتين، وأخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد ذلك
بسنة فعل مثل ذلك (3).
ويمكن أن يكون هو مستحبا بنفسه، كما يستفاد من صحيحة الحلبي
الأخيرة، وصحيحة ابن سنان المتقدمة.
ولا يخفى أيضا أن ظاهر أكثر الأصحاب تقديم الاستلام على إتيان
زمزم (4)، والمدلول عليه في صحيحتي ابن سنان والحلبي الأولى عكس
ذلك، فهو الأولى، ولا يظهر من صحيحة ابن عمار الأخيرة الأول - كما
ذكره في الذخيرة (5) - كما لا يخفى على المتأمل فيها.
ومنها: الدعاء بالمأثور في الأخبار المتقدمة عند الشرب والصب.
ومنها: الخروج للسعي من باب الصفا المقابل للحجر، بلا خلاف،

(1) انظر الحدائق 16: 256، والرياض 1: 421.
(2) الدروس 1: 409.
(3) الكافي 4: 430 / 3، الوسائل 13: 474 أبواب السعي ب 2 ح 3، بتفاوت
يسير.
(4) كما في الذخيرة: 645، كشف اللثام 1: 346، الرياض 1: 421.
(5) الذخيرة: 645.
161

كما عن التذكرة والمنتهى (1)، له، ولصحيحة ابن عمار، وفيها:
قال أبو عبد الله عليه السلام: (ثم أخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه
رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود - حتى تقطع الوادي
وعليك السكينة والوقار، واصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت وتستقبل
الركن الذي فيه الحجر الأسود، فاحمد الله واثن عليه، واذكر من آلائه
وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثم كبر الله عز وجل سبعا،
واحمده سبعا، وهلله سبعا، وقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وذكر
الدعاء، إلى أن قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قام على
الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا) (2).
وصحيحة عبد الحميد: عن الباب الذي يخرج منه إلى الصفا - إلى أن
قال -: فقال أبو عبد الله عليه السلام: (هو الباب الذي يستقبل الحجر الأسود)
الحديث (3).
قال والدي - قدس سره -: إن هذا الباب هو الباب الذي يشتهر اليوم
بباب الصفا، قيل: هذا الباب داخل الآن في المسجد، إلا أنه معلم
بأسطوانتين، فليخرج من بينهما (4). وفي الدروس: الظاهر استحباب
الخروج من الباب الموازي لهما (5).

(1) التذكرة 1: 366، المنتهى 2: 704.
(2) الكافي 4: 431 / 1، التهذيب 5: 145 / 481، الوسائل 13: 475 أبواب
السعي ب 3 ح 2.
(3) التهذيب 5: 145 / 480، وفي الكافي 4: 432 / 4، والفقيه 2: 256 / 1243،
والوسائل 13: 475 أبواب السعي ب 3 ح 1 بتفاوت.
(4) كما في المدارك 8: 205.
(5) الدروس 1: 409.
162

ومنها: أن يأتي بالسكينة والوقار إلى أن يصعد الصفا، فيصعده
ويستقبل الركن العراقي وينظر إلى البيت ويحمد الله ويذكر آلاءه، ثم يكبر
الله ويحمده ويهلله سبعا، ثم يدعو بالمأثور، ويقف على الصفا بقدر ما
يقرأ سورة البقرة بالتأني.
تدل على كل ذلك صحيحة ابن عمار المتقدمة، وعلى بعضه
صحيحته الأخرى الواردة في حج النبي صلى الله عليه وآله، وفيها: (فابدأ بما بدأ الله عز
وجل به) إلى أن قال: (ثم أتى الصفا فصعد عليه واستقبل الركن اليماني،
فحمد الله وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلا، ثم انحدر إلى
المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا، ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف
عليها، ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه، فلما فرغ من سعيه وهو
على المروة أقبل على الناس) الحديث (1).
وتدل على استحباب الطول على الصفا بالقدر المذكور صحيحة ابن
سنان المتقدمة أيضا.
وورد في مرفوعة ابن الوليد (2) ومرسلة الفقيه (3) ورواية المنقري (4):
أن طول الوقوف على الصفا والمروة يوجب كثرة المال.
ولا ينافيه ما في مرسلة محمد بن عمر بن يزيد: كنت وراء أبي
الحسن موسى عليه السلام على الصفا أو على المروة وهو لا يزيد على حرفين:

(1) الكافي 4: 245 / 4، وفي التهذيب 5: 454 / 1588، والوسائل 11: 213
أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4، بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 433 / 6، الوسائل 13: 479 أبواب السعي ب 5 ح 2.
(3) الفقيه 2: 135 / 578، الوسائل 13: 479 أبواب السعي ب 5 ح 2.
(4) التهذيب 5: 147 / 483، الإستبصار 2: 238 / 827، الوسائل 13: 479
أبواب السعي ب 5 ح 1.
163

(اللهم إني أسألك حسن الظن بك على كل حال، وصدق النية في التوكل
عليك) (1).
إذ لعله عليه السلام كان يكرر هذين الحرفين بقدر يطول الوقوف.
وله أن يقتصر على بعض ما مر من الأذكار المأثورة، كما صرح به في
آخر صحيحة ابن عمار المتقدمة، قال: (فإن لم تستطع هذا فبعضه) (2).
وله أن يدعو بغيرها مما جرى على لسانه، كما صرح به في رواية
أبي الجارود: (ليس على الصفا شئ موقت) (3).

(1) الكافي 4: 433 / 9، التهذيب 5: 148 / 486، الإستبصار 2: 238 / 828،
الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 5 ح 6.
(2) الكافي 4: 431 / 1، التهذيب 5: 145 / 481، الوسائل 13: 476 أبواب
السعي ب 4 ح 1.
(3) الكافي 4: 433 / 7، التهذيب 5: 147 / 485، الوسائل 13: 480 أبواب
السعي ب 5 ح 3.
164

البحث الثاني
في كيفية السعي وأفعاله
وهي واجبة ومندوبة، أما الواجبات فستة:
الأول: النية، أي القصد إلى الفعل المخصوص، متقربا إلى الله
سبحانه، مميزا لنوعه عن غيره، فلا بد من تصور معناه المتضمن للذهاب
من الصفا إلى المروة والعود سبعا، وكونه سعي حج الاسلام مثلا أو غيره
مع الاحتياج إلى المميز.
وتجب مقارنتها ولو بالنية الحكمية لأوله واستدامة حكمها إلى الفراغ
إن أتى به متصلا إلى الآخر، فإن فصل جددها ثانيا فيما بعده.
والوجه في الكل ظاهر مما حققناه في أمر النية.
الثاني والثالث: البدأة بالصفا في أول السعي والختم بالمروة في
آخره، بالاجماع المحقق والمحكي (1) مستفيضا، والنصوص المستفيضة.
فمما يدل على الأول خاصة صحيحة ابن سنان المتقدمة (2)، وابن
عمار: (من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى) (3).
وأخرى، وفيها: (فإن بدأ بالمروة فليطرح وليبدأ بالصفا ويبدأ بالصفا
قبل المروة) (4).

(1) كما في الخلاف 2: 329، والمنتهى 2: 704، والتذكرة 1: 366، والحدائق
16: 266.
(2) في ص: 157.
(3) التهذيب 5: 151 / 495، الوسائل 13: 487 أبواب السعي ب 10 ح 1.
(4) الكافي 4: 437 / 5، الوسائل 13: 488 أبواب السعي ب 10 ح 3، بتفاوت يسير.
165

ورواية علي بن أبي حمزة: عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا، قال:
(يعيد) الحديث (1)، ونحوها رواية علي الصائغ (2).
ومما يدل عليه صحيحة ابن عمار (3) المتقدمة الواردة في حج
النبي صلى الله عليه وآله، أما دلالتها على البدأة بالصفا فظاهرة، وأما على الختم بالمروة
فلقوله: (فلما فرغ من سعيه وهو على المروة).
وصحيحة الحلبي الواردة فيه أيضا، وفيها: (ثم قال: أبدأ بما بدأ الله
عز وجل به، فأتى الصفا فبدأ بها، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا، فلما
قضى طوافه عند المروة قام خطيبا) (4).
وصحيحة أخرى لابن عمار: (انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة
وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة - وهي طرف المسعى - فاسع
مل فروجك (5) وقل: بسم الله والله أكبر، وصلى الله على محمد وأهل
بيته، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، حتى تبلغ
المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها فقل: يا ذا المن والكرم والنعماء والجود اغفر
لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم امش وعليك السكينة والوقار
حتى تأتي المروة، فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت، فاصنع عليها كما

(1) الكافي 4: 436 / 1، التهذيب 5: 151 / 496، العلل: 581 / 18، الوسائل
13: 488 أبواب السعي ب 10 ح 4.
(2) الكافي 4: 436 / 4، التهذيب 5: 151 / 497، الوسائل 13: 488 أبواب
السعي ب 10 ح 5.
(3) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر: 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
(4) الكافي 4: 248 / 6، العلل: 412 / 1، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحج
ب 2 ح 14.
(5) يقال للفرس: ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع - النهاية لابن الأثير 3: 423.
166

صنعت على الصفا وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم
بالمروة) (1)، وقريبة منها موثقته (2).
ويمكن إتمام دلالة القسم الأول من الأخبار على الحكمين أيضا
بتقريب استلزام البدأة بالصفا والسعي على الطريق المذكور فيه للختم بالمروة.
وإنما قيدنا البدأة بأول السعي والختم بآخره لئلا يتوهم أنه كذلك في
كل شوط، فإنه غير جائز، بل اللازم البدأة بالصفا والختم بالمروة في كل
شوط فرد، والعكس في كل زوج.
فلو بدأ بالصفا إلى المروة، ثم عاد إلى الصفا من غير أن يحسب
عوده سعيا، ثم يبدأ من الصفا أيضا إلى المروة ويعده ثاني الأشواط،
وهكذا إلى أن يتم، بطل السعي، لأنه غير الطريق المعهود من الحج المأمور
بأخذ المناسك عنهم، بل يخالف المدلول عليه ظاهرا من كثير من الأخبار المذكورة.
فروع:
أ: ظاهر الأمر في بعض الأخبار المتقدمة (3) وإن كان وجوب الصعود
على الصفا، إلا أن ظاهر القوم الاتفاق على انتفاء الوجوب، بل عن الخلاف
والمنتهى والتذكرة والقاضي (4) وبعض آخر (5): الاجماع عليه.

(1) الكافي 4: 434 / 6، الوسائل 13: 482 أبواب السعي ب 6 ح 2، بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 5: 148 / 487، الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 6 ح 1.
(3) في ص: 162.
(4) الخلاف 2: 329، المنتهى 2: 705، التذكرة 1: 366، القاضي في جواهر
الفقه: 42.
(5) كما في الحدائق 16: 265، والرياض 1: 422.
167

وتدل عليه صحيحة البجلي: عن النساء يطفن على الإبل والدواب
أيجزيهن أن يقفن تحت الصفا والمروة حيث يرين البيت؟ قال: (نعم) (1)،
بضميمة عدم الفصل بين النساء والرجال والراكب والراجل، والصحاح
المستفيضة الآتية (2) المجوزة للسعي راكبا وعلى الإبل وفي المحمل.
وبما ذكر تضعف دلالة الأمر على الوجوب، بل يحمل على
الاستحباب بقرينة ما ذكر.
ويظهر عن المنتهى والتذكرة وجود قول بوجوب الصعود، ولكن من
باب المقدمة.
ورده: بأنه إنما يتم لو توقف حصول العلم بتحقق الواجب عليه،
وليس كذلك، إذ يمكن أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا (3)، وهو كذلك.
ب: قالوا في كيفية البدأة والختم بإلصاق العقب بالصفا والأصابع
بالمروة، إذ لا يتحقق استيفاء ما بينهما والبدأة والختم إلا بذلك، ولا ريب
أنه أحوط، بل وكذلك في كل شوط، سيما مع أن الظاهر - كما قيل (4) -
اتفاق الأصحاب عليه.
ولولاه لقلنا بعدم لزوم هذه الدقة والاكتفاء بالسعي بين الصفا
والمروة، والابتداء بالأول والختم بالثاني عرفا، كما اختاره بعض
مشايخنا (5)، لأن العرف هو المرجع في أمثال ذلك، سيما مع تصريح

(1) الفقيه 2: 257 / 1249، وفي الكافي 4: 437 / 5، والتهذيب 5: 156 / 517،
والوسائل 13: 498 أبواب السعي ب 17 ح 1 بتفاوت يسير.
(2) في ص: 192.
(3) المنتهى 2: 704، التذكرة 1: 366.
(4) انظر الذخيرة: 644.
(5) انظر الحدائق 16: 266.
168

الصحاح بجواز السعي على الإبل ووقوعه من الحج، ولا شك أنه لا تقع
معه هذه الدقة، إلا أن ظاهر الاتفاق يمنع من الجرأة على الفتوى به.
ولا يخفى أن ذلك مع عدم الصعود إلى الصفا والمروة، وأما معه فلا
يحتاج إلى الالصاق في شئ من الموضعين، لتحقق الواجب والزائد
بدونه.
نعم، يجب استحضار النية عند الصعود من الدرج والنزول.
ولا يخفى أيضا أن الظاهر في صورة الالصاق كفاية إلصاق عقب
إحدى الرجلين وأصابعها، لصدق البدأة والختم والاستيفاء بذلك، وعدم
مظنة الاجماع في الرجلين.
ج: لو بدأ بالمروة قبل الصفا فظاهر المدارك (1) وغيره (2): وجوب
إعادة السعي مبتدئا من الصفا وطرح ما سعى بالمرة، وهو كذلك، فلا يكفي
طرح الشوط الأول خاصة وجعل ما بعده المبدأ فيه من الصفا أول السعي،
لعدم صدق الاتيان بالمأمور به على وجهه، إذ لا يصدق مع ذلك البدأة
بالصفا عرفا، ولصحيحتي ابن عمار وروايتي علي بن أبي حمزة وعلي
الصائغ، المتقدمة جميعا (3).
الرابع: السعي بينهما سبعا بعد ذهابه إلى المروة شوطا وعوده منها
إلى الصفا آخر، وهكذا إلى أن يكملهما سبعا، بالاجماع المحقق والمحكي
في كلام جماعة (4)، ولأنه الموافق لما صرح به في الأخبار من البدأة بالصفا

(1) المدارك 8: 206.
(2) كالخلاف 2: 330، والتذكرة 1: 367.
(3) في ص: 162.
(4) منهم الطوسي في الخلاف 2: 328، السبزواري في الذخيرة: 645، صاحب
الحدائق 16: 267.
169

والختم بالمروة، إذ لا يتصور الاتيان بالسبع إلا بما ذكر، أو بجعل كل ذهاب
وعود شوطا واحدا، والثاني مستلزم للختم بالصفا أيضا، فتعين الأول.
ومنه تظهر دلالة صحيحة هشام - قال: سعيت بين الصفا والمروة أنا
وعبيد الله بن راشد، فقلت له: تحفظ علي، فجعل يعد ذاهبا وجائيا شوطا
واحدا فبلغ مثل ذلك، فقلت له: كيف تعد؟ قال: ذاهبا وجائيا شوطا
واحدا، فأتممنا أربعة عشر شوطا، فذكرنا ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال:
(قد زادوا على ما عليهم، ليس عليهم شئ) (1) - على المطلوب أيضا.
الخامس: الذهاب من كل من الصفا والمروة إلى الآخر بالطريق
المعهود، بغير خلاف، كما صرح في شرح المفاتيح، فلو اقتحم المسجد
ثم خرج من باب آخر أو سلك سوق الليل لم يصح سعيه، لأنه المعهود من
الشارع، ولوجوب حمل الألفاظ على المعاني المتعارفة، وهذا المعنى هو
المفهوم عرفا من السعي بين الصفا والمروة.
السادس: استقبال المطلوب بوجهه، بغير خلاف أيضا، كما في
الكتاب المذكور، فيستقبل المروة عند الذهاب إليه من الصفا، والصفا عند
الذهاب إليه من المروة، فلو مشى عرضا أو قهقرى لم يصح، لما ذكر في
سابقه بعينه.
بل يظهر منه وجوب المشي بالطريق المتعارف راجلا أو راكبا، فلو
تدحرج إلى المطلوب لم يصح، بل الظاهر الاشكال فيما لو سعى بينهما
بالمشي بالصدر أو الركبتين واليدين، فتأمل.
وأما المستحبات فأربعة:

(1) التهذيب 5: 152 / 501، الإستبصار 2: 239 / 834، الوسائل 13: 488
أبواب السعي ب 11 ح 1.
170

الأول: أن يسعى راجلا وإن جاز راكبا، كما يأتي، لأن أفضل الأعمال
أحمزها، ولأنه أدخل في الخضوع وأقرب إلى المذلة، وقد ورد في الأخبار
العديدة: أن المسعى أحب الأراضي إلى الله تعالى (1)، لأنه يذل فيه الجبابرة..
ولصحيحة ابن عمار: عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكبا،
قال: (لا بأس، والمشي أفضل) (2).
والأخرى: عن المرأة تسعى بين الصفا والمروة على دابة أو على
بعير، فقال: (لا بأس بذلك)، وسألته عن الرجل يفعل ذلك، فقال: (لا
بأس به، والمشي أفضل) (3).
ولكن ذلك إذا لم يخف الضعف، وإلا فالظاهر أفضلية الركوب، كما
صرح به في صحيحة الخشاب: (أسعيت بين الصفا والمروة؟) فقال: نعم،
قال: (وضعفت؟)، قال: لا والله لقد قويت، قال: (فإن خشيت الضعف
فاركب، فإنه أقوى لك في الدعاء) (4).
الثاني والثالث: أن يهرول ما بين المنارة الأولى والأخرى الموضوعة
عند زقاق العطارين، ويقتصد في مشيه في طرفيهما.
أما رجحانه فبالاجماع المحقق والمحكي مستفيضا (5)، والنصوص
المستفيضة المرجحة قولا وفعلا، منها: صحيحة ابن عمار وموثقته

(1) الوسائل 13: 467 أبواب السعي ب 1.
(2) الكافي 4: 437 / 2، التهذيب 5: 155 / 512، الوسائل 13: 496 أبواب
السعي ب 16 ح 2.
(3) الفقيه 2: 257 / 1248، التهذيب 5: 155 / 513، المقنعة: 451، الوسائل
13: 496، 497 أبواب السعي ب 16 ح 3 و 4.
(4) التهذيب 5: 155 / 514، الوسائل 13: 497 أبواب السعي ب 16 ح 5،
وفيهما: على الدعاء.
(5) كما في التذكرة 1: 366، والرياض 1: 422.
171

المتقدمتان (1)..
وموثقة سماعة: عن السعي بين الصفا والمروة، قال: (إذا انتهيت إلى
الدار التي عن يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أ وزقاق عن
يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة، فإذا انتهيت إليه فكف عن السعي
وامش مشيا، فإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت
لك، فإذا انتهيت إلى الباب الذي من قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف
عن السعي وامش مشيا، وإنما السعي على الرجال وليس على النساء
سعي) (2)، إلى غير ذلك (3).
وأما عدم وجوبه فعلى الأظهر الأشهر، بل وفاقا لغير من شذ وندر،
بل عليه الاجماع في كلام جماعة (4).
لصحيحة الأعرج: عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا
والمروة، قال: (لا شئ عليه) (5)، والرمل - محركة -: بين العدو والمشي،
وهو بمعنى الهرولة.
وهي بإطلاقها تشمل الترك عمدا وسهوا مع التذكر بعد السعي وفي
أثنائه، فلا يكون واجبا.

(1) في ص: 163.
(2) الكافي 4: 434 / 1، وفي التهذيب 5: 148 / 488، والوسائل 13: 482
أبواب السعي ب 6 ح 4 بتفاوت يسير.
(3) الوسائل 13: 481 أبواب السعي ب 6.
(4) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579، العلامة في المنتهى 2:
705، صاحب المدارك 8: 208، 209، الفيض في المفاتيح 1: 375.
(5) الكافي 4: 436 / 9، التهذيب 5: 150 / 494، الوسائل 13: 486 أبواب
السعي ب 9 ح 1.
172

ولا يتوهم أن المسؤول عنه فيها ترك بعض الرمل وهو لا ينافي
وجوب مطلقه، لأنا نجيب عنه: أن ظاهر الأوامر في الأخبار المتقدمة
متعلقة بالرمل بين المنارتين - أي تمام موضعه - فإذا ثبت عدم وجوب الكل
تصرف تلك الأوامر عن حقيقته، فلا يبقى دليل على وجوب البعض أيضا،
فيعمل فيه بالأصل.
خلافا للمحكي عن الحلبي، فأوجبه، لظاهر الأوامر (1). وجوابه - بعد
ما ذكر - ظاهر، مع أن كلامه - كما قيل (2) - عن إفادة الوجوب قاصر.
ثم استحباب الهرولة مخصوص بالرجال، فلا يستحب للنساء بلا
خلاف ظاهر، للموثقة المتقدمة، وصحيحة أبي بصير: (ليس على النساء
جهر بالتلبية، ولا استلام الحجر، ولا دخول البيت، ولا سعي بين الصفا
والمروة)، يعني: الهرولة (3).
وبالماشي، وأما الراكب فيسرع دابته بين حدي الهرولة، إجماعا، كما
عن التذكرة (4) وغيره (5)، وصرحت به صحيحة ابن عمار (6).
الرابع: الدعاء في موضع الهرولة بالمأثور في صحيحة ابن عمار (7)
المتقدمة وغيرها (8).

(1) الكافي في الفقه: 211.
(2) انظر الرياض 1: 422.
(3) الكافي 4: 405 / 8، الوسائل 13: 329 أبواب الطواف ب 18 ح 1.
(4) التذكرة 1: 366.
(5) كالحدائق 16: 275، والرياض 1: 422.
(6) الكافي 4: 437 / 6، الفقيه 2: 257 / 1250، التهذيب 5: 155 / 515،
الوسائل 13: 498 أبواب السعي ب 17 ح 2.
(7) الكافي 4: 431 / 1، التهذيب 5: 145 / 481، الوسائل 13: 475 أبواب السعي ب 3 ح 2.
(8) الوسائل 13: 476 أبواب السعي ب 4.
173

البحث الثالث
في أحكامه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من ترك السعي حتى انقضى وقته على ما مر في
الطواف، فإن كان متعمدا بطل حجه أو عمرته إجماعا محققا ومحكيا في
كلام جماعة (1)، له، ولعدم الاتيان بالمأمور به على وجهه..
ولصحيحة ابن عمار: في رجل ترك السعي متعمدا، قال: (عليه
الحج من قابل) (2).
وأخرى، وفي آخرها: في رجل ترك السعي متعمدا، قال: (لا حج
له) (3)، وغير ذلك (4).
وأما قوله سبحانه: (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) (5) - حيث
يستفاد من نفي الجناح عدم الوجوب - فإنما هو في مورد خاص لوجه
مخصوص نص عليه في مرسلة الوشاء (6).

(1) منهم العلامة في التذكرة 1: 366، صاحب الحدائق 16: 275، الفاضل الهندي
في كشف اللثام 1: 347.
(2) الكافي 4: 436 / 10، التهذيب 5: 150 / 491، الوسائل 13: 484 أبواب
السعي ب 7 ح 1.
(3) التهذيب 5: 150 / 492، الإستبصار 2: 238 / 829، الوسائل 13: 484
أبواب السعي ب 7 ح 3.
(4) الوسائل 13: 484 أبواب السعي ب 7.
(5) البقرة: 158.
(6) الكافي 4: 435 / 8، التهذيب 5: 149 / 490، الوسائل 13: 468 أبواب
السعي ب 1 ح 6.
174

وإن كان سهوا فقالوا: إن أمكن عوده بنفسه والاتيان به من غير عسر
ومشقة عاد وأتى، وإن شق وتعسر استناب فيه، بلا خلاف فيهما، كما
صرح به جماعة (1)، بل ادعى بعضهم الاجماع عليه (2).
واستدل على الأول بالأصل.
وفيه نظر، لأن الأصل عدم وجوب الاتيان به خاصة بعد مضي وقته،
سيما في الأوقات التي لا تصلح للنسك.. وثبوت وجوب أصل الاتيان به
غير مفيد، لاستواء نسبته إلى إتيانه بنفسه أو السعي عنه.
وبصحيحة ابن عمار: رجل نسي السعي بين الصفا والمروة، قال:
(يعيد السعي)، قلت: فاته ذلك حتى خرج، قال: (يرجع فيعيد السعي،
إن هذا ليس كرمي الجمار، إن الرمي سنة والسعي بين الصفا والمروة
فريضة) (3)، ونحوها الأخرى (4).
وفيها قصور من حيث الدلالة، لمكان الجملة الخبرية.
وعلى الثاني بصحيحة محمد: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا
والمروة، فقال: (يطاف عنه) (5).
ورواية الشحام: عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى

(1) منهم الفيض في المفاتيح 1: 374، صاحب الرياض 1: 423.
(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.
(3) الكافي 4: 484 / 1، الوسائل 13: 485 أبواب السعي ب 8 ح 1.
(4) التهذيب 5: 15 / 492، الإستبصار 2: 238 / 829، الوسائل 13: 485 أبواب
السعي ب 8 ح 1.
(5) الفقيه 2: 256 / 1244، التهذيب 5: 472 / 1658، الوسائل 13: 486 أبواب
السعي ب 8 ح 3.
175

يرجع إلى أهله، فقال: (يطاف عنه) (1).
بحملهما على صورة المشقة والتعسر، جمعا بينهما وبين ما مر،
ولاشعار قوله في الثاني: حتى يرجع إلى أهله، بذلك، ولأن أدلة نفي العسر
والحرج تعارض ما مر، فيبقى خبر الاستنابة حينئذ بلا معارض.
أقول: الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بالقول بجواز كل من
الأمرين، بل هو ليس جمعا حقيقة، بل مقتضى الروايات، لورود الكل
بالجمل الخبرية، وبعد الحمل على الجواز لا تكون أدلة نفي العسر والحرج
معارضة لما مر أيضا.
وبالجملة: فإثبات وجوب المباشرة في الصورة الأولى من الخبرين
المتقدمين مشكل، إلا أنه يمكن أن يستدل عليه بالعلة المنصوصة في
صحيحة ابن عمار (2) المتقدمة في نسيان الطواف، بضميمة التصريح بكون
السعي أيضا فريضة في صحيحتيه المتقدمتين آنفا، وهي كافية في إثباته،
ومقتضاها وإن كان عدم جواز الاستنابة ما دام حيا، إلا أنه خرجت صورة
التعذر برواية الشحام المعتضدة بعمل الأعلام، ومقتضاها كفاية العسر
الحاصل من العود بعد الرجوع إلى الأهل، كما مر في الطواف.
ثم الجهل هل هو مثل العمد أو السهو؟
الظاهر: الأول، للأصل، حيث لم يأت بالمأمور به على وجهه.
المسألة الثانية: يبطل السعي بالزيادة فيه إن كانت عمدا، على
المشهور، كما في المفاتيح وشرحه (3)، بل بلا خلاف ظاهر فيه، كما صرح

(1) التهذيب 5: 150 / 493، الإستبصار 2: 239 / 830، الوسائل 13: 486
أبواب السعي ب 8 ح 2.
(2) في ص: 122.
(3) المفاتيح 1: 375.
176

به بعضهم (1)، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك
والذخيرة (2)، لرواية عبد الله بن محمد (3) المتقدمة في مسألة زيادة الطواف
المنجبرة ضعفها - لو كان - بالشهرة.
وصحيحة ابن عمار: (إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة
أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية، وإن طاف بين الصفا والمروة
ثمانية أشواط فليطرحها ويستأنف السعي) (4).
وإطلاقهما وإن كان شاملا لغير العمد أيضا، إلا أنه يقيد بالعمد،
جمعا بينه وبين الأخبار الآتية الدالة بإطلاقها على طرح الزائد والاعتداد
بالسبعة، بشهادة صحيحة البجلي: في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية
أشواط، ما عليه؟ فقال: (إن كان خطأ طرح واحدا واعتد بسبعة) (5).
فإنها أخص مطلقا من الاطلاقين، فيقيد الأول بمنطوقها، والثاني
بمفهومها، حيث إنه يقتضي أن مع عدم الخطأ ليس الحكم طرح الواحد
والاعتداد بالسبعة، وليس إلا البطلان إجماعا.
وتخصيص الصحيحة بصورة النسيان وحملها على من استيقن الزيادة
وهو على المروة لا الصفا - فيبطل سعيه على زيادة شوط، لظهور ابتدائه من

(1) انظر الرياض 1: 423.
(2) المدارك 8: 213، الذخيرة: 646.
(3) التهذيب 5: 151 / 498، الإستبصار 2: 239 / 831، الوسائل 13: 490
أبواب السعي ب 12 ح 2.
(4) التهذيب 5: 153 / 503، الإستبصار 2: 240 / 836، الوسائل 13: 489
أبواب السعي ب 12 ح 1.
(5) الكافي 4: 436 / 2، وفي الفقيه 2: 257 / 1246 بتفاوت يسير، التهذيب 5:
152 / 499، الإستبصار 2: 239 / 832، الوسائل 13: 491 أبواب السعي ب 13
ح 3.
177

المروة، ولا يبطل على زيادة الشوطين، لأنه يظهر كونه بادئا من الصفا،
ويكون ابتداء التاسع أيضا منه، فيبطل الأول للزيادة، ويصح الثاني -
فتخصيص وحمل لا موجب لهما أصلا، بل بعيد غايته.
فالأولى تخصيص إطلاقها بصورة العمد، لما ذكرنا، ويكون في
صورة زيادة الشوط باطلا، أما السبعة الأولى فللزيادة عليها، وأما الثامن
فلابتدائه من المروة.
وأما في صورة زيادة الشوطين يكون ما تقدم على التاسع باطلا، لما
مر، ويصح التاسع فيضاف إليه ويستتم. ولا يلزم أن ينوي به أولا أنه ابتداء
عبادة مستقلة، إذ لم يثبت في اشتراط النية الزائد على اشتراط قصد الفعل
والقربة، وهما متحققان، ولزوم قصد الفعل الكامل المستقل أولا لا دليل
عليه، بل يكفي قصده في الأثناء، فتأمل.
وإن كانت الزيادة سهوا فلا خلاف في عدم البطلان نصا وفتوى،
وعليه الاجماع في كلام بعضهم (1)، وتدل عليه الصحاح المستفيضة،
كصحيحة هشام المتقدمة (2) في مسألة وجوب السعي سبعا، والبجلي
المتقدمة آنفا..
وابن عمار: (من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح
ثمانية واعتد بسبعة) (3).
وجميل: حججنا ونحن صرورة، فسعينا بين الصفا والمروة أربعة
عشر شوطا، فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك، فقال: (لا بأس، سبعة لك

(1) كما في الذخيرة: 646، والرياض 1: 423.
(2) في ص: 166.
(3) الكافي 4: 437 / 5، الوسائل 13: 491 أبواب السعي ب 13 ح 4.
178

وسبعة تطرح) (1).
ومحمد: (إن في كتاب علي عليه السلام: إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية
أشواط الفريضة واستيقن ثمانية أضاف إليها ستا، وكذا إذا استيقن أنه سعى
ثمانية أضاف إليها ستا) (2).
ثم إنه هل يطرح الزائد ويعتد بالسبعة، كما هو مقتضى غير الأخيرة
من الصحاح المذكورة، ومال إليه بعض المتأخرين (3)؟
أو يكمل الزائد أسبوعين، كما هو صريح الأخيرة، ومحكي عن ابن
زهرة (4)؟
أو مخير بين الأمرين، كما هو مقتضى الجمع بين القسمين، ومنقول
عن أكثر الأصحاب (5)؟ وهو الأقوى، لما ذكر، بل عدم دلالة شئ من
القسمين على التعين، والوجوب يعين المصير إلى ذلك، وأكثرية أخبار
القسم الأول لا توجب رفع اليد عن الثاني بالمرة بعد حجيته بل صحته.
والاستشكال فيه - بأن السعي ليس مثل الطواف عبادة برأسها ليكون
الثاني مستحبا - مردود بأن هذه الصحيحة تكفي في إثبات مشروعيتها في
هذا المقام.
وبأن اشتراط البدأة بالصفا في السعي يستلزم بطلان الشوط الثامن،

(1) الكافي 4: 436 / 3، التهذيب 5: 152 / 500، الإستبصار 2: 239 / 833،
الوسائل 13: 492 أبواب السعي ب 13 ح 5.
(2) التهذيب 5: 152 / 502، الإستبصار 2: 240 / 835، الوسائل 13: 366
أبواب الطواف ب 34 ح 10.
(3) كصاحب الرياض 1: 423.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 579.
(5) كما في الرياض 1: 423.
179

فلا يصح السعي الثاني مطلقا.
مردود بأنه يمكن أن يكون اشتراط البدأة مخصوصا بالسعي المبتدأ
دون المنضم، فإن الثابت لزوم كون مبدأ أصل السعي الصفا بحيث لا تتقدمه
البدأة بالمروة، لا كل سعي.
وحمل الأخيرة على كون مبدأ الأشواط فيها المروة دون الصفا، وكون
الأمر بإضافة الست إنما هو لبطلان السبعة الأولى، لوقوع البدأة فيها بالصفا،
بخلاف الشوط الثامن.
فهو بعيد غايته، بل خلاف مقتضى حقيقة الكلام.
ولا يخفى أنه ينبغي الاقتصار حينئذ في الإضافة بمورد النص، وهو
إكمال الشوط الثامن، لمخالفته للأصول، فلو نقص عنه يطرح الزائد ويعتد
بالسبعة، بل لولا الاجماع المركب كان ينبغي الاقتصار بخصوص الثامن
وإضافة الست، دون ما إذا تجاوز عنه.
فرع: حكم الجاهل هنا كالناسي، لشمول الخطأ للجهل أيضا، بل
ظهوره فيه، بل ظهور صحيحتي هشام وجميل في الجاهل أيضا.
المسألة الثالثة: يحرم النقص عن السبعة أشواط، فإن نقص
عنها عمدا حتى فات وقته بطلت نسكه، لعدم إتيانه بالمأمور به على
وجهه.
وإن نقص سهوا أتى بالنقيصة متى تذكر، سواء فات وقت الموالاة أم
لا، لعدم وجوب الموالاة فيه كما يأتي، وسواء كانت النقيصة أقل من
النصف أو أكثر، فإن كان رجع إلى أهله عاد وأتى بها مع المكنة، وإلا
استناب فيه وجوبا.
أما صحة النسك حينئذ فبالاجماع، والمستفيضة من الأخبار:
180

كصحيحة ابن عمار: (فإن سعى الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع
إلى أهله فعليه أن يرجع ليسعى تمامه، وليس عليه شئ، وإن كان لم يعلم
ما نقص فعليه أن يسعى سبعا) (1).
وسعيد بن يسار: رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط،
ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه، وقلم أظافيره وأحل، ثم ذكر
أنه سعى ستة أشواط، فقال لي: (يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط، فإن كان
يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما)، فقلت: دم
ماذا؟ قال: (دم بقرة، وإن لم يكن حفظ أنه سعى ستة فليعد فليبتدئ
السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة) (2).
ورواية ابن مسكان: عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط
وهو يظن أنها سبعة، فذكر بعد ما أحل وواقع النساء أنه إنما طاف ستة
أشواط، فقال: (عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر) (3).
أما الاتيان بالنقيصة مع المكنة لو كانت أقل من النصف فبالاجماع
أيضا، وتدل عليه الأخبار المتقدمة عموما وخصوصا.
وأما الاتيان بها لو كانت النصف أو أكثر فعلى الأظهر الأشهر، كما
صرح به الشهيد الثاني (4)، لاطلاق الصحيحة الأولى الخالية عما يصلح
للمعارضة، المعتضدة بما يأتي من جواز القطع والبناء بعد شوط أو ثلاثة

(1) التهذيب 5: 153 / 503، الوافي 2: 142 أبواب أفعال العمرة والحج ومقدماتها
ولواحقها ب 117.
(2) التهذيب 5: 153 / 504، الوسائل 13: 492 أبواب السعي ب 14 ح 1.
(3) الفقيه 2: 256 / 1245، التهذيب 5: 153 / 505، الوسائل 13: 493 أبواب
السعي ب 14 ح 2.
(4) المسالك 1: 125.
181

لصلاة أو حاجة.
خلافا للمحكي عن المفيد والديلمي والحلبيين (1)، وعن الغنية
الاجماع عليه، فاعتبروا في البناء مجاوزة النصف.
واحتج لهم برواية أبي بصير: (إذا حاضت المرأة وهي في الطواف
بالبيت أو بين الصفا والمروة فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا
طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، وإن هي
قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله) (2)،
وقريبة منها رواية الحلال (3).
والجواب عنهما - مع عدم كونهما من مفروض المسألة - أنهما
معارضتان مع صحيحة ابن عمار (4) وغيرها (5)، المصرحة بإتمام السعي
لو حاضت في أثنائه، ومع ذلك فهما غير دالتين على الوجوب،
فتحتملان الأفضلية لو طهرت قبل فوات الوقت، كما حملهما عليه في
التهذيبين (6).
وأما الاتيان بنفسه مع المكنة فوجهه واضح، والأخبار به مصرحة (7).

(1) المفيد في المقنعة: 441، الديلمي في المراسم: 123، الحلبي في الكافي في
الفقه: 196، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.
(2) الكافي 4: 448 / 2، التهذيب 5: 395 / 1377، الإستبصار 2: 315 / 1118،
الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85 ح 1.
(3) الكافي 4: 449 / 3، الوسائل 13: 454 أبواب الطواف ب 85 ح 2.
(4) الكافي 4: 448 / 9، الفقيه 2: 240 / 1144، التهذيب 5: 395 / 1376،
الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89 ح 1.
(5) الوسائل 13: 459 أبواب الطواف ب 89.
(6) التهذيب 5: 396، الإستبصار 2: 316.
(7) انظر الوسائل 13: 453 أبواب الطواف ب 85.
182

وأما الاستنابة مع عدم المكنة فاستدل له بأن الحكم كذلك لو ترك
الكل كما مر، فترك بعضه أولى بذلك.
وفيه تأمل، لعدم وضوح دليل الأولوية، فإنه ثبت جواز الاستنابة في
الصلاة ولم يثبت في بعض أجزائها المنسية، إلا أن تعارض أدلة وجوب
المباشرة بعمومات نفي العسر والحرج، فيتردد الأمر بين الاستنابة وعدم
الاتيان، والثاني باطل بالاجماع، فيبقى الأول.
المسألة الرابعة: لو سعى المتمتع ستة أشواط وعلم أو ظن إتمامه،
فأحل وواقع أهله أو قلم أظفاره، فعليه إتمام السعي ودم بقرة، وفاقا
لجماعة من الأصحاب، منهم: المفيد والشيخ في التهذيب والفاضل في
التذكرة والارشاد (1) وغيرهما (2)، وغيرهم (3).
لصحيحة ابن يسار ورواية ابن مسكان المتقدمتين.
والايراد - بضعف سند الثانية، أو عدم صراحة الروايتين في
الوجوب - ضعيف غايته.
والاستبعاد - بمخالفتهما لبعض العمومات - أضعف، إذ العام
يخصص بالخاص المطلق، وليست تلك العمومات مما يأبى العقل عن
خلافها، فلا حاجة إلى بعض التوجيهات البعيدة التي ذكرها بعضهم (4).
ولا يجب الاقتصار على المتمتع، لاطلاق الرواية بالنسبة إلى غيره
أيضا، وظهورها فيه أيضا - كما ادعي (5) - لا أفهم وجهه.

(1) المفيد في المقنعة: 434، التهذيب 5: 153، التذكرة 1: 367، الإرشاد 1: 327.
(2) كالقواعد 1: 84.
(3) كصاحب الحدائق 16: 284.
(4) كما في المسالك 1: 125، الرياض 1: 425.
(5) انظر الرياض 1: 425.
183

ولا على الظان، لشمول الصحيحة للقاطع أيضا، بل الظاهر أن المراد
بالظان في الثانية أيضا هو القاطع، لاستعماله فيه كثيرا في أمثال المقام،
لاشتراط حفظ الستة في الأولى.
نعم، لا يبعد لزوم الاقتصار على ستة أشواط، كما هي مورد
الخبرين، والمخصوص بها في كلام جماعة من الأصحاب (1).
المسألة الخامسة: لو شك في عدد الأشواط، فإن علم السبعة وشك
في الزائد على وجه لا ينافي البدأة بالصفا - كالشك بين السبعة والتسعة وهو
على المروة - صح سعيه ولا شئ عليه، لتحقق الواجب، وعدم منافاة
الزيادة سهوا كما مر.
وإن كان في الأثناء استأنف السعي وجوبا، على ما قطع به الأصحاب
كما في المدارك (2)، بل بالاجماع كما في المفاتيح (3)، أو الاتفاق كما في
شرحه.
لا لما قيل من وقوع التردد بين محذوري الزيادة والنقصان وكل منهما
مبطل (4)، لمنع كون الزيادة أو النقيصة المحتملة محذورا، مع أن الأصل
عدم الزيادة.
بل لصحيحتي ابن عمار وابن يسار المتقدمتين في المسألة الثالثة (5)،
ومقتضاهما عدم الفرق في وجوب الإعادة بين ما إذا كان الشك حال
الاشتغال بالسعي أو الفراغ منه، كما هو مقتضى كلام الأصحاب أيضا، وبه

(1) كالسبزواري في الذخيرة: 648.
(2) المدارك 8: 215.
(3) المفاتيح 1: 376.
(4) انظر الرياض 1: 424.
(5) في ص: 177.
184

تخصص عمومات (1) عدم الالتفات إلى الشك بعد الفراغ عن العمل.
المسألة السادسة: لا تجب الموالاة في السعي، بالاجماع كما عن
التذكرة (2)، للأصل والاطلاقات (3)..
المؤيدين بصحيحة الحلبي (4)، المصرحة بالجلوس في أثناء السعي
للاستراحة.
وابن عمار (5) المصرحة بقطع السعي والصلاة ثم العود إذا دخل وقت
الفريضة وهو في السعي.
وموثقة ابن فضال (6) المتضمنة للقطع والصلاة ثم العود والاتمام لو
طلع الفجر وهو سعي شوطا واحدا.
وصحيحة الأزرق (7) النافية للبأس لقطع السعي لمن سعى ثلاثة
أشواط أو أربعة، فيدعوه صديقه لحاجة أو إلى الطعام.
وإنما جعلناها مؤيدة لجواز تخصيص القطع بهذه الأمور خاصة، مع
عدم معلومية منافاة الجلوس بقدر الاستراحة للموالاة، وعدم صراحة

(1) الوسائل 8: 237 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23.
(2) التذكرة 1: 367.
(3) الوسائل 13: 501 أبواب السعي ب 20.
(4) الكافي 4: 437 / 3، التهذيب 5: 156 / 516، الوسائل 13: 501 أبواب
السعي ب 20 ح 1.
(5) الكافي 4: 438 / 1، الفقيه 2: 258 / 1252، التهذيب 5: 156 / 519،
الوسائل 13: 499 أبواب السعي ب 18 ح 1.
(6) الفقيه 2: 258 / 1254، التهذيب 5: 156 / 518، الوسائل 13: 499 أبواب
السعي ب 18 ح 2.
(7) الفقيه 2: 258 / 1253، التهذيب 5: 157 / 520، الوسائل 13: 500 أبواب
السعي ب 19 ح 1، 2.
185

الصحيحين في البناء على ما سعى، فتأمل.
ويظهر من بعض المتأخرين نوع ميل إلى وجوب الموالاة، للتأسي،
والأخذ بالمتيقن (1).
ويرد الأول: بعدم وجوبه، إذ لم يعلم كونه على طريق الوجوب، بل
يمكن منع ثبوت مواظبتهم على الموالاة.
والثاني: بأنه إنما يتم لو لم تكن الاطلاقات.
المسألة السابعة: يجوز السعي راكبا وعلى المحمل، إجماعا محققا
ومحكيا مستفيضا (2)، وللنصوص المستفيضة، كالصحاح الثلاث (3) المتقدمة
في الأمر الأول من المستحبات، وصحيحة الحلبي: في الرجل يسعى بين
الصفا والمروة على الدابة؟ قال: (نعم، وعلى المحمل وغيرها) (4).
المسألة الثامنة: يجوز الجلوس في خلاله للراحة على الأظهر
الأشهر، للأصل، وصحيحة ابن رئاب: الرجل يعيا في الطواف أله أن
يستريح؟ قال: (نعم، يستريح، ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو
غيرها، ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه) (5).
بل كذلك أيضا، للأصل، ولصحيحة الحلبي: عن الرجل يطوف بين
الصفا والمروة أيستريح؟ قال: (نعم، إن شاء جلس على الصفا والمروة

(1) كما في الرياض 1: 424.
(2) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 579، المفاتيح 1: 375، الرياض 1: 422.
(3) وهي: صحيحتا ابن عمار وصحيحة الخشاب، المتقدمة جميعا في ص: 167 و 168.
(4) الكافي 4: 437 / 1، التهذيب 5: 155 / 511، الوسائل 13: 496 أبواب
السعي ب 16 ح 1.
(5) الكافي 4: 416 / 4، وفي قرب الإسناد: 165 / 604 بتفاوت يسير، الوسائل
13: أبواب الطواف ب 46 ح 1.
186

وبينهما فيجلس) (1).
وعن الحلبيين: المنع من الجلوس حتى مع الاعياء، ويجوزان
الوقوف مع الاعياء (2). ولا دليل لهما.
وأما صحيحة البصري: (لا يجلس على الصفا والمروة إلا من جهد) (3)
فمع دلالتها على الجواز مع الاعياء، لا يثبت أزيد من الكراهة، ولا بأس بها.
المسألة التاسعة: لو نسي الهرولة في موضعها يستحب الرجوع
القهقرى إلى مبدئها وتداركها.
لمرسلة الصدوق والشيخ: (من سهى عن السعي حتى يصير من
المسعى على بعضه أو كله ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا، لكن يرجع
القهقرى إلى المكان الذي يجب فيه السعي) (4).
ومقتضى الأصل: الاقتصار في الرجوع على ما ورد فيه النص من
القهقرى، وما إذا ذكر في شوط أنه ترك السعي فيه، فلا يرجع بعد الانتقال
إلى شوط آخر، وما إذا تركه سهوا، فلا يرجع لو ترك عمدا.
المسألة العاشرة: قد مضى في بحث الطواف وجوب تقديم طواف
الحج والعمرة على السعي، فيحرم تقدم السعي عليه عمدا، وهو كما مر
إجماعي، مدلول عليه بالأخبار المتواترة الفعلية والقولية (5) المتقدمة إليها

(1) الكافي 4: 437 / 3، التهذيب 5: 156 / 516، الوسائل 13: 501 أبواب
السعي ب 20 ح 1.
(2) أبو الصلاح الحلبي في الكافي: 196، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 579.
(3) الكافي 4: 437 / 4، الفقيه 2: 258 / 1251، الوسائل 13: 502 أبواب السعي
ب 20 ح 4، وفي الجميع: لا يجلس بين الصفا و.....
(4) الفقيه 2: 308 / 1528، التهذيب 5: 453 / 1581، وفيهما: حتى يصير من
السعي....، الوسائل 13: 487 أبواب السعي ب 9 ح 2.
(5) انظر الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.
187

الإشارة في ما مر.
ولو قدم السعي يجب عليه الطواف ثم إعادة السعي، كما صرح به في
المستفيضة:
كصحيحة منصور: عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف
بالبيت، فقال: (يطوف بالبيت، ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما) (1).
وروايته: عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة، قال: (يرجع
فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي) قلت: إن ذلك قد فاته، قال: (عليه دم، أ لا
ترى أنك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك) (2).
وموثقتي إسحاق (3) المتقدمتين في المسألة [الخامسة] (4) من أحكام
الطواف.
ولا يضر عدم صراحة بعضها في الوجوب بعد الاجماع عليه ودلالة
رواية منصور بوجهين.
ولا فرق في ذلك بين العمد والسهو، كما هو المستفاد من إطلاق
الفتاوى، وصرح به في الدروس (5)، لاطلاق الأخبار، ويظهر منه وجوب
إعادة السعي في كل موضع تجب فيه إعادة الطواف لو أعاده بعد السعي.

(1) الكافي 4: 421 / 2، التهذيب 5: 129 / 426، الوسائل 13: 413 أبواب
الطواف ب 63 ح 2.
(2) التهذيب 5: 129 / 427، الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 1.
(3) الأولى في: الكافي 4: 421 / 1، الفقيه 2: 252 / 1217، التهذيب 5: 130 / 328،
الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63 ح 3.
الثانية في: الكافي 4: 418 / 8، الفقيه 2: 248 / 1190، التهذيب 5:
109 / 355، الوسائل 13: 358 أبواب الطواف ب 32 ح 2.
(4) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الرابعة، والصحيح ما أثبتناه.
(5) الدروس 1: 408.
188

نعم، لو قدمه على بعض الطواف سهوا لم يستأنف، بل يتم السعي
بعد إتمام الطواف، كما مر في المسألة المشار إليها.
المسألة الحادية عشرة: قالوا: لا يجوز تأخير السعي عن يوم
الطواف إلى الغد، بلا خلاف فيه - كما قيل (1) - إلا عن الشرائع، فجوزه (2)،
وإن احتمل كلامه الارجاع إلى المشهور، بإخراج الغاية عن المغيى.
واستدل للمشهور بصحيحة محمد: عن رجل طاف بالبيت فأعيا،
أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال: (لا) (3).
وفي دلالتها على الوجوب نظر، لجواز كون السؤال عن الجواز بالمعنى
الأخص، والأصل يقتضي العدم، بل يدل عليه إطلاق صحيحة أخرى لمحمد (4)،
وهي كالأولى، إلا أنه ليس فيها قوله: إلى غد، وقال: (نعم)، مكان: (لا).
والاحتياط في عدم التأخير.
ويجوز التأخير في يوم الطواف إلى آخره وإلى الليل قولا واحدا،
للأصل، وإطلاق الصحيحة الأخيرة، وصحيحة ابن سنان (5)، ومرسلة الفقيه (6).
المسألة الثانية عشرة: المريض الذي لا يتمكن بنفسه من السعي
يسعى به أو عنه، بالتفصيل المتقدم في الطواف بدليله.

(1) انظر الرياض 1: 418.
(2) الشرائع 1: 270.
(3) الكافي 4: 422 / 5، الفقيه 2: 253 / 1220، التهذيب 5: 129 / 425،
الإستبصار 2: 229 / 792، الوسائل 13: 411 أبواب الطواف ب 60 ح 3.
(4) التهذيب 5: 129 / 424، الإستبصار 2: 229 / 791، الوسائل 13: 411
أبواب الطواف ب 60 ح 2.
(5) الكافي 4: 421 / 3، الفقيه 2: 252 / 1218، التهذيب 5: 128 / 423،
الإستبصار 2: 229 / 790، الوسائل 13: 410 أبواب الطواف ب 60 ح 1.
(6) الفقيه 2: 253 / 1219، الوسائل 13: 410 أبواب الطواف ب 60 ذ ح 1.
189

الفصل الخامس
في خامس أفعال العمرة، وهو التقصير
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا فرغ المعتمر بعمرة التمتع عن السعي يقصر
راجحا، بلا خلاف يعرف، بل بالاجماعين (1)، وتدل عليه المستفيضة من
الأخبار:
كصحيحة ابن عمار: (إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصر من
شعر رأسك من جوانبه ولحيتك، وخذ من شاربك، والق أظفارك، وابق
منها لحجك، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ يحل منه المحرم
وأحرمت منه، فطف بالبيت تطوعا ما شئت) (2).
وصحيحته الأخرى، وفيها: (ثم قص [من] رأسك من جوانبه
ولحيتك وخذ من شاربك، وقلم أظفارك وابق منها لحجك) الحديث (3).
وابن سنان: (طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة، ويسعى بين الصفا
والمروة، ويقصر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد أحل) (4).

(1) كما في الخلاف 2: 330، والغنية (الجوامع الفقهية): 579، وكشف اللثام 1:
349، والحدائق 16: 297.
(2) الكافي 4: 438 / 1، الفقيه 2: 236 / 1127، التهذيب 5: 157 / 521،
الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 4، بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 5: 148 / 487، الوسائل 13: 505 أبواب التقصير ب 1 ح 1، وما بين
المعقوفين، أثبتناه من المصادر.
(4) التهذيب 5: 157 / 522، الوسائل 13: 505، أبواب التقصير ب 1 ح 2.
190

ورواية عمر بن يزيد: (ثم ائت منزلك فقصر من شعرك، وحل لك
كل شئ) (1)، وغير ذلك مما يأتي.
وهل هو واجب عليه، كما هو المشهور، بل لا يعرف فيه خلاف إلا
من الخلاف؟
أو هو الأفضل وإن جاز الحلق أيضا؟ كما عن الخلاف (2)، وحكي
عن والد الفاضل أيضا (3)؟
الحق هو: الأول.
لا لصحيحتي ابن عمار الأوليين، لعدم وجوب المأمور به فيهما
بخصوصه قطعا من الأخذ من شعر الرأس من جوانبه واللحية.
ولا لصحيحة ابن سنان، لقصورها عن إفادة الوجوب.
بل لرواية عمر بن يزيد وصحيحة ابن عمار (إذا أحرمت فعقصت (4)
رأسك أو لبدته (5) فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير، وإن أنت لم
تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج، وليس في المتعة إلا
التقصير) (6).
وتدل عليه أيضا الأخبار الواردة في صفة أصناف الحج والاقتصار فيها

(1) التهذيب 5: 157 / 523، الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 3.
(2) الخلاف 2: 330.
(3) حكاه عنه في المختلف: 294.
(4) عقص الشعر: جمعه وجعله في وسط الرأس وشده - مجمع البحرين 4: 175.
(5) تلبيد الشعر: أن يجعل فيه شئ من صمغ أو خطمي وغيره عند الاحرام لئلا
يشعث ويقمل اتقاء على الشعر - مجمع البحرين 3: 140.
(6) التهذيب 5: 160 / 533، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 8،
وفيهما: فعقصت شعر رأسك..
191

في عمرة التمتع على التقصير (1)، والأخبار المتضمنة لوجوب الدم على من
أتى النساء قبل التقصير (2)، ولبطلان العمرة إذا أهل بالحج قبل التقصير،
والأخبار المثبتة للدم على ناسي التقصير وعلى الحالق.
هذا في صورة عدم عقص شعر الرأس أو تلبيده. وأما معه، فحكي
في المنتقى عن المفيد: وجوب الحلق خاصة كما في إحرام الحج، ونسب
إلى ظاهر التهذيب موافقته في ذلك، ومال هو نفسه إليه أيضا (3).
واستحسنه في الذخيرة (4)، واستدل له بصحيحة ابن عمار الأخيرة،
بجعل قوله: (في الحج) قيدا للحكم الأخير، وبصحيحة أخرى له،
وصحيحة للعيص ورواية أبي سعد الآتيتين في بحث تحليل الحج، الدالتين
على تعين الحلق على المعقص والملبد مطلقا، وبصحيحة هشام الآتية فيه
أيضا، الدالة عليه في الحج أو العمرة.
قال في المنتقى: إن هذه أخص مما مر، لاختصاصها بالمعقص
والملبد، فيجب حمل العام على الخاص (5).
أقول: إن ما ذكره في الأولى محض احتمال، وبمجرده لا يمكن
تخصيص عموم قوله أخيرا: (وليس في المتعة إلا التقصير).
والأربعة الباقية وإن اختصت بالمعقص والملبد إلا أن الأوليين أعمان
من الحج والعمرة، والأخيرة من العمرة المتمتع بها والمبتولة، فالنسبة بين
الفريقين بالعموم من وجه دون المطلق، ولكن لا مرجح لأحدهما على الظاهر،

(1) الوسائل 14: 221 أبواب الحلق والتقصير ب 7.
(2) انظر الوسائل 13: 117 أبواب كفارات الاستمتاع ب 5.
(3) المنتقى 3: 332.
(4) الذخيرة: 649.
(5) المنتقى 3: 333.
192

والترجيح بالشهرة فتوى عندي غير ثابت، والأصل بالنسبة إليهما على
السواء.
والمسألة قوية الاشكال، وإن كان مقتضى الاستدلال التخيير حينئذ إلا
أنه لا أعلم قائلا، بل يتأتى هذا الاشكال في حق الصرورة أيضا،
لتعارض أخبارها الآتية في تحليل الحج مع أخبار التقصير بالعموم من
وجه، إلا أنه لم ينقل عن أحد القول بتعين الحلق في حقه.
ويمكن رفع الاشكال فيه بذلك، حيث إن مخالفة الشهرة القوية لا
أقل موهنة للخبر مخرجة له ولو لعمومه عن الحجية.
بل بذلك يمكن دفع الاشكال في المعقص والملبد أيضا، سيما وأن
كلام الشيخ (1) ليس صريحا ولا ظاهرا في ذلك.
نعم، سكت هو عن رد قول المفيد، وذلك ليس بظاهر في المخالفة،
بل في ظهور قول المفيد في ذلك أيضا كلام، فتأمل.
المسألة الثانية: وحيث عرفت وجوب التقصير عليه، فهل يجوز له
معه الحلق مطلقا، أو بعد التقصير، أم لا؟
حكي عن القاضي وابن حمزة والشهيد: الحرمة في الحالين (2)،
وأطلق في الشرائع عدم جوازه (3)، وظاهر النافع التحريم قبله خاصة.
وتردد في المدارك في أصل التحريم (4). وهو في محله، لأن الأصل
ينفيه، ولا دليل يثبته أصلا سوى ما في بعض الأخبار من إيجاب الدم له،

(1) التهذيب 5: 160.
(2) حكاه عنهم في الحدائق 16: 299، وكشف اللثام 1: 350.
(3) الشرائع 1: 302.
(4) المدارك 8: 461.
193

وهو محل مناقشة كما يأتي.
وعلى فرض الثبوت لا يثبت التحريم، لجواز ترتبه على فعل مباح أو
ترك مستحب أيضا، ولذا أثبته بعضهم (1) في الحلق المستحب تركه قبل
الاحرام أيضا.
نعم، يمكن القول بتحريمه قبله بالاستصحاب.
والقول - بأنه لو لم يحرم بعده لم يحرم أصلا، لأن أوله تقصير -
مردود بالمنع، لأن التقصير: جعل الشعر أو غيره قصيرا، والحلق هو أمر
آخر، وبينهما فرق ظاهر عرفا ولغة، ولا يمكن استصحاب التحريم فيما
بعد، لقوله في الأخبار المتقدمة: (فقد أحللت من كل شئ).
وقد يستدل على التحريم - ولو بعد التقصير - بقوله في صحيحتي ابن
عمار المتقدمتين: (وابق منها لحجك) (2)، حيث إن الأمر بالشئ نهي عن
ضده العام.
وفيه: أنه لا يتعين في الحج حلق الرأس على الاطلاق، بل يتخير
غير الصرورة والمعقص والملبد بينه وبين التقصير، فلا يجب إبقاء شئ
من الرأس مطلقا قطعا، فيمكن إرجاع الضمير المجرور إلى المذكورات من
اللحية والشارب والأظفار والرأس، فلا دلالة فيها أصلا.
ثم على القول بالتحريم، فهل المحرم حلق جميع الرأس، أو يحرم
بعضه أيضا؟

(1) كالصدوق في الفقيه 2: 238، وحكاه في الرياض 1: 436.
(2) الكافي 4: 438 / 1، الفقيه 2: 236 / 1127، التهذيب 5: 157 / 521،
الوسائل 13: 506 أبواب التقصير ب 1 ح 4.
194

استوجه في المنتهى (1) وحكي عن جمع أيضا (2): عدم تحريم
البعض، ولا أرى وجها للتفرقة بين الكل والبعض.
وعليه أيضا هل يكون مجزئا عن التقصير، أم لا؟
قيل: نعم مطلقا (3). وقيل: بإجزاء حلق البعض (4). والحق: عدم
الاجزاء، لما أشرنا إليه من مباينة الحلق والتقصير.
ثم لو حلق فهل عليه دم، أم لا؟
المشهور - كما قيل (5) -: الأول، بل ربما يلوح من كلام بعضهم مظنة
كونه إجماعا (6)، وفي النافع اختصاصه بما قبل التقصير (7). وظاهر طائفة من
المتأخرين التأمل فيه (8).
وما يدل عليه رواية إسحاق: عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه،
قال: (عليه دم يهريقه) (9).
وصحيحة جميل: عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: (إن كان جاهلا
فليس عليه شئ، وإن تعمد ذلك في أول أشهر الحج بثلاثين يوما فليس

(1) المنتهى 2: 711.
(2) حكاه في الرياض 1: 436.
(3) كما في المنتهى 2: 711.
(4) كما في الدروس 1: 415.
(5) انظر المدارك 8: 461.
(6) انظر الرياض 1: 436.
(7) النافع: 108.
(8) كما في المدارك 8: 461، الذخيرة: 649، الرياض 1: 436.
(9) الفقيه 2: 238 / 1133 وفيه: عن أبي بصير، وفي التهذيب 5: 158 / 525
والاستبصار 2: 242 / 842 والوسائل 13: 510 أبواب التقصير ب 4 ح 3: عن
إسحاق بن عمار، عن أبي بصير.
195

عليه شئ، وإن تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج فإن عليه دما
يهريقه) (1).
ويرد على الأولى: أنها ظاهرة في الناسي، وظاهرهم الاجماع - كما
قيل (2) - أيضا على عدم الوجوب عليه، ولكن كلام المحقق مطلق (3)، ولكنه
لا يخرجها عن الشذوذ المخرج عن الحجية، ومع ذلك مخصوص بما قبل
التقصير، فلا يصلح حجة للتعميم.
وعلى الثانية: أنه لا ظهور فيها على كون الحلق بعد الاحرام، كذا
قيل (4).
وفيه نظر، بل ظاهر التعليق على المتمتع وعلى كونه بمكة كونه بعده
وإن احتمل بعيدا كونه قبله.
نعم، يرد عليها: أنه لا دلالة فيها على كون الدم لأجل الحلق بعد
الاحرام، وإلا لم يكن للتخصيص بما بعد الثلاثين المذكورة وجه، فلعله
للاخلال بتوفير الشعر المستحب عند الأكثر والواجب عند بعضهم (5)، بل
عن المفيد: إيجاب الاخلال به للدم (6).
وظهر من ذلك أنه لا دليل على وجوب الدم به في صورة التأخير عن
التقصير.

(1) الكافي 4: 441 / 7، الفقيه 2: 238 / 1137، التهذيب 5: 158 / 526،
الإستبصار 2: 242 / 843، الوسائل 13: 510 أبواب التقصير ب 4 ح 5.
(2) انظر الرياض 1: 436.
(3) الشرائع 1: 302.
(4) انظر الرياض 1: 436.
(5) كالشيخ في النهاية 1: 206.
(6) المقنعة: 391.
196

وأما مع التقديم، فظاهر الرواية الأولى الوجوب على الناسي، وهو
خلاف المعروف بين الأصحاب، وبه تخرج الرواية عن الحجية، فلا تكون
دليلا في صورة التقديم أيضا.
ولو احتيط حينئذ - مع العمد، لمظنة الاجماع، ومع النسيان،
للرواية، بل في صورة التأخير، للشهرة حتى في حلق البعض، لصدق حلق
الرأس الوارد في الرواية - كان أولى.
المسألة الثالثة: يكفي المسمى في التقصير، لاطلاق الأخبار،
والمشهور كفايته من الشعر أو الظفر، وعن بعضهم: لزوم كونه في
الشعر (1)، وهو المستفاد من الأخبار.
ولا يلزم كون التقصير بالمقراض، كما صرح به في صحيحة ابن
عمار (2) ورواية محمد الحلبي (3)، ولا بالحديد، بل يكفي القطع ولو بالسن
أو الظفر، كما صرح به في رواية محمد المشار إليها، وصحيحتي حماد بن
عثمان (4) والحلبي (5).
المسألة الرابعة: لو ترك التقصير حتى أحرم بالحج، فإن كان عمدا
فعن الشيخ بطلان متعته وصيرورة حجه مفردة (6). وعن الحلي: بطلان

(1) انظر التحرير 1: 100.
(2) الكافي 4: 439 / 6، التهذيب 5: 158 / 524، الوسائل 13: 507 أبواب
التقصير ب 2 ح 1.
(3) التهذيب 5: 162 / 542، الإستبصار 2: 244 / 851، الوسائل 13: 509 أبواب
التقصير ب 3 ح 4.
(4) الفقيه 2: 238 / 1138، الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.
(5) الكافي 4: 441 / 6، التهذيب 5: 162 / 543، الإستبصار 2: 244 / 852،
الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.
(6) الخلاف 2: 332.
197

إحرامه الثاني (1).
وتدل على الأول رواية أبي بصير: (المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبى
قبل أن يقصر، فليس له أن يقصر، وليس له متعة) (2).
ورواية العلاء: عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر،
قال: (بطلت متعته، هي حجة مبتولة) (3).
ولم أعثر لدليل على الثاني.
وإن كان نسيانا فيصح تمتعه، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة (4)،
للأخبار الآتية، وعليه دم شاة على الأظهر، (وفاقا لعلي بن بابويه والشيخ
والقاضي والارشاد (5).
لموثقة إسحاق: الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج،
قال: (عليه دم يهريقه) (6).
وخلافا للفقيه والديلمي والحلي والقواعد،، فلا دم عليه وجوبا (7).
لصحيحة ابن سنان: في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم

(1) السرائر 1: 581.
(2) التهذيب 5: 159 / 529، الإستبصار 2: 243 / 846، الوسائل 12: 412
أبواب الاحرام ب 54 ح 5.
(3) التهذيب 5: 90 / 296، الإستبصار 2: 175 / 580، الوسائل 12: 412 أبواب
الاحرام ب 54 ح 4.
(4) الذخيرة: 649.
(5) حكاه عن علي بن بابويه في الذخيرة: 649، الشيخ في النهاية: 246، القاضي
في المهذب 1: 225، الإرشاد 1: 328.
(6) التهذيب 5: 158 / 527، الإستبصار 2: 242 / 844، الوسائل 12: 412
أبواب الاحرام ب 54 ح 6.
(7) الفقيه 2: 237، الديلمي في المراسم: 124، الحلي في السرائر: 136،
القواعد 1: 85.
198

بالحج، قال: (يستغفر الله ولا شئ عليه) (1).
وابن عمار: عن رجل أهل بالعمرة ونسي أن يقصر حتى دخل
الحج، قال: (يستغفر الله ولا شئ عليه وتمت عمرته) (2).
والبجلي: عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة، فطاف
وسعى ولبس ثيابه وأحل ونسي أن يقصر حتى خرج إلى عرفات، قال: (لا
بأس به، يبني على العمرة وطوافها، وطواف الحج على أثره) (3).
فيحملون الموثقة على الاستحباب، لهذه الأخبار.
وفيه: أن هذه الأخبار عامة، لأن نفي الشئ أعم من الذم والعقاب
وغيرهما، والموثقة خاصة، والتخصيص مقدم على التجوز) (4).

(1) الكافي 4: 440 / 1، الفقيه 2: 237 / 1129، التهذيب 5: 90 / 297،
الإستبصار 2: 175 / 577، الوسائل 12: 410 أبواب الاحرام ب 54 ح 1.
(2) الكافي 4: 440 / 2، التهذيب 5: 91 / 299، الإستبصار 2: 175 / 579،
الوسائل 13: 411 أبواب الاحرام ب 54 ح 3.
(3) الكافي 4: 440 / 3، التهذيب 5: 90 / 298، الإستبصار 2: 175 / 578،
الوسائل 13: 411 أبواب الاحرام ب 54 ح 3.
(4) بدل ما بين القوسين في (ح): وقد مرت المسألة مفصلة في بحث أحكام
الاحرام.
199

المطلب الثاني
في أفعال حج التمتع
وقد عرفت أنها ثلاثة عشر فعلا: الاحرام، والوقوف بعرفات،
والوقوف بمشعر، وثلاثة أفعال مني قبل النفر إلى مكة، وخمسة أفعال مكة
بعده، وفعلان بعد العود إلى منى.
ففي هذا المطلب سبعة فصول (1):
الفصل الأول
في إحرام حج التمتع
اعلم أنه إذا فرغ المتمتع من العمرة وأحل منها وجب عليه الاحرام
بالحج إجماعا قطعيا، منصوصا عليه في الأخبار (2) الغير العديدة، المذكور
أكثرها في المسألة الثامنة من الباب [الأول من المقصد الرابع] (3).
ويجب كون ذلك الاحرام من بطن مكة، كما مر مفصلا في المسألة
المذكورة، وكذا مر أفضل مواضعها هنا، ومر موضع التلبية لذلك الاحرام
وموضع قطعها في بحث تلبية إحرام عمرة التمتع، وكذا مر كيفية الاحرام

(1) في (ح) زيادة: ويلحقها ما بعد الفراغ والعود إلى مكة.
(2) الوسائل 11: 301 أبواب أقسام الحج ب 22.
(3) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الثاني من المقصد الثالث، والصحيح ما
أثبتناه.
200

ومقدماته وواجباته ومستحباته.
ويترجح أن يكون ذلك الاحرام يوم التروية، بلا خلاف، كما في
الذخيرة وعن المنتهى (1)، بل بالاجماع كما عن التذكرة (2)، له، وللمستفيضة
من الأخبار (3) المتقدمة أكثرها في المسألة المذكورة.
وعن ابن حمزة أنه قال: إذا أمكنه الاحلال والاحرام بالحج ولم
يضيق الوقت لزمه الاحرام يوم التروية (4)، ولعله للأمر في الأخبار المذكورة.
ويرد: بوجوب حمله على الاستحباب، لعمل الطائفة، ولأخبار أخر
دالة على التوسعة..
كصحيحة علي بن يقطين: عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له
وقت أول منه، قال: (إذا زالت الشمس)، وعن الذي يريد أن يتخلف
بمكة عشية التروية إلى أي ساعة يسعه أن يتخلف؟ قال: (ذلك موسع له
حتى يصبح بمنى) (5).
وقوية يعقوب بن شعيب: (لا بأس للمتمتع أن يحرم من ليلة التروية
متى ما تيسر له ما لم يحس فوات الموقفين) (6).

(1) الذخيرة: 650، المنتهى 2: 714.
(2) التذكرة 1: 370.
(3) الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20.
(4) الوسيلة: 176، وقد حكاه عنه في المختلف: 296.
(5) التهذيب 5: 175 / 587، الإستبصار 2: 252 / 887، الوسائل 13: 520
أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 2 ح 1.
(6) الكافي 4: 444 / 4، التهذيب 5: 171 / 568، الإستبصار 2: 247 / 863،
الوسائل 11: 292 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 5، وفي الجميع: إن لم يحرم...
201

ورواية محمد بن ميمون: قد قدم أبو الحسن عليه السلام متمتعا ليلة عرفة،
فطاف وأحل وأتى بعض جواريه، ثم أهل بالحج وخرج (1).
ورواية عمر بن يزيد المتقدمة في المسألة المذكورة، وفيها: (واعلم
أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار) (2).
مضافا إلى ما في الأوامر المذكورة من ضعف الدلالة على الوجوب،
كما مر وجهه في المسألة المتقدمة.
وأفضل أوقات يوم التروية له: عند الزوال، كما نطقت به الأخبار (3).
وأما أن الأفضل كونه بعد الصلاتين، أو بعد صلاة الظهر خاصة، أو
قبلهما، فقد مر في بحث إحرام العمرة.
ويظهر مما يأتي في أفضل حالات الخروج إلى منى، وأن الأفضل
للإمام التقديم على الصلاتين والباقون بالخيار.

(1) الكافي 4: 443 / 2، الفقيه 2: 242 / 1157، التهذيب 5: 172 / 572،
الإستبصار 2: 247 / 867، الوسائل 11: 291 أبواب أقسام الحج ب 20 ح 2
وفيه: ثم أحرم بالحج وخرج.
(2) التهذيب 5: 169 / 561، الإستبصار 2: 252 / 886، الوسائل 12: 345 أبواب
الاحرام ب 18 ح 3.
(3) الوسائل 13: 520 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 2.
202

الفصل الثاني
في ثاني أفعال الحج، وهو الوقوف بعرفات
والكلام إما في مقدماته، أو كيفيته، أو أحكامه، فها هنا ثلاثة
أبحاث:
البحث الأول
في مقدماته
وهي أمور:
منها: الخروج من مكة إلى جهة عرفات، ولا شك في وجوبه، لأنه
مقدمة الواجب، ولا خلاف في رجحان كونه يوم التروية، كما في
الذخيرة (1).
وتدل عليه من الأخبار صحيحة الحلبي (2)، وابن عمار (3)، وموثقة
أبي بصير (4)، ورواية عمر بن يزيد (5)، المتقدمة في بيان موضع إحرام حج

(1) الذخيرة: 650.
(2) الكافي 4: 443 / 3، التهذيب 5: 164 / 547، الوسائل 11: 303 أبواب أقسام
الحج ب 22 ح 7.
(3) الكافي 4: 454 / 1، التهذيب 5: 167 / 557، الوسائل 13: 519 أبواب احرام
الحج والوقوف بعرفة ب 1 ح 1.
(4) الكافي 4: 454 / 2، التهذيب 5: 168 / 559، الإستبصار 2: 252 / 885،
الوسائل 13: 521 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 2 ح 2.
(5) التهذيب 5: 169 / 561، الإستبصار 2: 252 / 886، الوسائل 13: 521
أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 2 ح 3.
203

التمتع من الباب [الأول من المقصد الرابع] (1)، والأخبار الآتية الآمرة
بالخروج بعد زوال الشمس من هذا اليوم (2)..
وموثقة إسحاق: عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف
ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟
قال: (نعم)، قلت: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا ويتروح بذلك؟
قال: (لا)، قلت: يتعجل بيوم؟ قال: (نعم)، قلت: بيومين؟ قال: (نعم)،
قلت: ثلاثة؟ قال: (نعم)، قلت: أكثر من ذلك؟ قال: (لا) (3).
وهل تأخيره إلى التروية على سبيل الوجوب، كما يحكى عن
الإسكافي والشيخ (4)؟
أو الاستحباب، كما هو المشهور، وعن المنتهى: لا نعلم فيه
خلافا (5)، وعن التذكرة: الاجماع عليه (6)؟
الظاهر: الثاني، للأصل السالم عما يصلح لاثبات الوجوب، فإن
الأخبار الثلاثة الأولى وإن تضمنت الأمر إلا أنها في الخروج بعد الزوال،
الذي هو ليس بواجب قطعا كما يأتي، وكذا سائر الأخبار الآتية، وموثقة
إسحاق وإن لم تتقيد بالزوال إلا أنها لكونها جملة خبرية لا تفيد التحريم،
فيمكن أن يكون السؤال عن الإباحة.

(1) بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الثاني من المقصد الثالث، والصحيح ما أثبتناه.
(2) كما في الوسائل 13: 520 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 2.
(3) الكافي 4: 460 / 1، التهذيب 5: 176 / 589، الإستبصار 7: 253 / 889،
الوسائل 13: 522 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 3 ح 1.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 296، الشيخ في التهذيب 5: 175.
(5) المنتهى 2: 714.
(6) التذكرة 1: 370.
204

ثم إن ما ذكر من رجحان الخروج يوم التروية لغير ذوي الأعذار،
وأما هم فلهم التقدم بيوم أو يومين أو ثلاثة، بلا خلاف يعرف، للموثقة
المذكورة، ومرسلة البزنطي الآتية وغيرهما.
والأحوط عدم تقدم ذوي الأعذار على الثلاثة، كما تنطق به الأخبار
المتقدمة، كما أن الأحوط لغيرهم عدم التقدم على التروية.
ثم الراجح أن يكون الخروج يوم التروية بعد الزوال، والظاهر عدم
الخلاف فيه أيضا، ويدل عليه غير موثقة إسحاق من الأخبار المذكورة طرا.
وهل هو على سبيل الوجوب لغير ذوي الأعذار؟ كما يحكى عن
الشيخ (1)، للأخبار المذكورة المتضمنة أكثرها للأمر، ولصحيحة علي بن
يقطين: عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه، قال: (إذا
زالت الشمس)، وعن الذي يريد أن يتخلف بمكة عشية التروية إلى أي
ساعة يسعه أن يتخلف؟ قال: (ذلك موسع له حتى يصبح بمنى) (2).
أو الاستحباب؟ كما هو المشهور، بل ظاهر الفاضل كونه إجماعيا (3)،
حيث حمل قول الشيخ على شدة الاستحباب، لرواية رفاعة: هل يخرج
الناس إلى منى غدوة؟ قال: (نعم، إلى غروب الشمس) (4)، وضعفها - لو
كان - منجبر بالاشتهار، وهي قرينة صارفة لسائر الأخبار عن ظاهرها،
مضافة إلى أن الدال على الوجوب لو أبقي وظاهره لخرج عن الحجية

(1) حكاه عنه في الحدائق 16: 350.
(2) التهذيب 5: 175 / 587، الإستبصار 2: 252 / 887، الوسائل 13: 520 أبواب
احرام الحج والوقوف بعرفة ب 2 ح 1.
(3) المنتهى 2: 715.
(4) الكافي 4: 460 / 3، التهذيب 5: 176 / 588، الإستبصار 2: 253 / 888،
الوسائل 13: 522 أبواب أحرام الحج والوقوف بعرفة ب 3 ح 2.
205

بالشذوذ، ولم يفد سوى الاستحباب المحتمل للتسامح.
ثم في الوقت الراجح فيه الخروج بعد الزوال من جهة التقديم على
الصلاة والتأخير عنها اختلفوا على أقوال:
ففي الشرائع والنافع وعن المبسوط والنهاية: أنه بعد صلاة الظهرين
بمكة (1).
واستدل له بصحيحة الحلبي وابن عمار المذكورة (2).
وهي عن الدلالة على ذلك قاصرة، إذ ليس فيها الظهرين وغايته
المكتوبة، فيحتمل الظهر خاصة، كما عليه جماعة (3).
وبأن المسجد الحرام أفضل من غيره، فيستحب إيقاع الفرضين فيه.
وفيه ما فيه، لأنه أمر آخر غير جهة الخروج إلى عرفات.
وعن المفيد والسيد: أنه قبل الظهرين، والراجح إيقاعهما بمنى.
ويدل عليه ظاهر موثقة أبي بصير ورواية عمر المتقدمتين (4)،
وصحيحة ابن عمار الطويلة المتضمنة لبيان حج رسول الله صلى الله عليه وآله، وفيها:
(فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا
بالحج، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه مهلين بالحج حتى أتوا منى، فصلى الظهر
والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر، ثم غدا والناس معه) الحديث (5).

(1) الشرائع 1: 252، النافع: 86، المبسوط 1: 364، النهاية: 247.
(2) في ص: 200.
(3) منهم الطوسي في المبسوط 1: 365، العلامة في المنتهى 2: 715، ابن سعيد
في الجامع للشرائع: 204.
(4) في ص: 200.
(5) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر: 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
206

وصحيحة جميل: (على الإمام أن يصلي الظهر بمنى، ثم يبيت بها
ويصبح حتى تطلع الشمس، ثم يخرج إلى عرفات) (1)، وقريبة منها الأخرى (2).
وصحيحة محمد: (لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر [يوم التروية] إلا
بمنى ويبيت بها إلى طلوع الشمس) (3).
وصحيحة ابن عمار: (على الإمام أن يصلي الظهر يوم التروية
بمسجد الخيف، ويصلي الظهر يوم النفر بمسجد الحرام) (4).
والأخرى: (وإذا انتهيت إلى منى فقل: اللهم هذه منى وهذه مما
مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمن علي بما مننت به على أنبيائك،
فإنما أنا عبدك وفي قبضتك، ثم تصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء
الآخرة والفجر، والإمام يصلي بها الظهر لا يسعه إلا ذلك، وموسع لك أن
تصلي بغيرها إن لم تقدر، ثم تدركهم بعرفات)، ثم قال: (وحد منى من
العقبة إلى وادي محسر (5)) (6).

(1) الكافي 4: 460 / 2، الفقيه 2: 280 / 1373، الوسائل 13: 525 أبواب إحرام
الحج والوقوف بعرفة ب 4 ح 6.
(2) التهذيب 5: 177 / 592، الإستبصار 2: 254 / 892، الوسائل 13: 523 أبواب
إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 4 ح 2.
(3) التهذيب 5: 176 / 591، الإستبصار 2: 253 / 891، الوسائل 13: 523
أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 4 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من
المصادر.
(4) التهذيب 5: 177 / 593، الإستبصار 2: 254 / 893، الوسائل 13: 524
أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 4 ح 3.
(5) محسر: بكسر السين وتشديدها، وهو واد معترض الطريق بين جمع ومنى، وهو
إلى منى أقرب، وهو حد من حدودها - مجمع البحرين 3: 268.
(6) الكافي 4: 461 / 1، التهذيب 5: 177 / 596، الوسائل 13: 525 أبواب إحرام
الحج والوقوف بعرفة ب 4 ح 5.
207

وعن الشيخ في التهذيب: الفرق بين الإمام - أي أمير الحاج - وغيره،
فالأول للثاني والثاني للأول (1)، وهو مذهب المحقق في النافع (2)، بل ظاهر
كلام الشيخ عدم جواز الصلاتين للإمام إلا بمنى، أما الأول فلصحيحة
الحلبي وابن عمار وموثقة أبي بصير ورواية عمر، وأما الثاني فلصحيحة
جميل وما بعدها من الأخبار.
وذهب الحلي إلى الفرق أيضا، إلا أنه رجح لغير الإمام الخروج بعد
صلاة الظهر خاصة (3)، ولعله لظاهر صحيحة الحلبي وابن عمار.
وذهب جماعة من المتأخرين - منهم: المدارك والمفاتيح وشرحه -
إلى التفصيل أيضا، ولكن قالوا في غير الإمام بالتخيير بين الخروج قبل
الصلاة وبعدها (4)، للجمع بين الأخبار، ولاطلاق موثقة أبي بصير
المذكورة، وتصريح صحيحة ابن عمار الأخيرة.
ومرسلة البزنطي: يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين لأجل
الزحام وضغاط الناس؟ فقال: (لا بأس، وموسع للرجل أن يخرج إلى منى
من وقت الزوال من يوم التروية إلى أن يصبح حيث يعلم أنه لا يفوته
الوقت) (5).

(1) التهذيب 5: 175.
(2) النافع: 86.
(3) السرائر 1: 585.
(4) المدارك 7: 388، المفاتيح 1: 343.
(5) التهذيب 5: 176 / 590، وفي الإستبصار 2: 253 / 890 والوسائل 13: 523
أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 3 ح 3 إلى قوله: (لا بأس)، والظاهر أن ما
بعده من كلام الشيخ. والرواية في الفقيه 2: 280 / 1371 إلى قوله: (لا بأس)،
عن إسحاق بن عمار.
208

أقول: لا ينبغي الريب في استحباب خروج الإمام قبل صلاة الظهر،
للأخبار المذكورة التي هي أخص مطلقا من غيرها، بل ظاهر غيرها
الاختصاص بغير الإمام، فلا يكون لأخبار الإمام معارض ولو على سبيل
العموم.
وظاهر أكثر تلك الأخبار وإن كان الوجوب على الإمام - كما هو ظاهر
الشيخ (1) ومحتمل الحلي (2) - إلا أن الأكثر حملوها على الاستحباب، بل عن
الفاضل: حمل كلام الشيخ أيضا على شدة الاستحباب (3)، فلا ينبغي الريب
في سقوط القول الأول.
وأما غير الإمام، فظاهر الموثقة وصريح رواية عمر أنه أيضا كالإمام،
كما هو القول الثاني.
ولكن مقتضى صحيحة الحلبي وابن عمار غير ذلك، بل رجحان تأخيره إما
عن الصلاتين، كما هو القول الثالث، أو عن الظهر خاصة، كما هو القول الرابع.
فإن قدمنا الموثقة والرواية بالأكثرية والأصرحية فالترجيح للثاني.
وإن رجحنا الصحيحة بالصحة وبمخالفة العامة - حيث نقل عنهم
القول باستحباب الخروج إلى منى قبل الظهرين - فالترجيح للقول الثالث إن
حملنا المكتوبة في الصحيحة على مطلق الوجوب الشامل للظهرين.
وللرابع إن اكتفينا بالقدر المتيقن رجحانه منها، وهو صلاة الظهر خاصة.
وإن لم يلتفت إلى تلك المرجحات، فالترجيح للقول الخامس، وهو
الأقوى، لما ذكر من عدم الالتفات إلى المرجحات.

(1) التهذيب 5: 175.
(2) السرائر 1: 585.
(3) المنتهى 2: 175.
209

أما الأكثرية والأصحية فلمنع كونهما مرجحتين، وأما الأصرحية
فلمنعها رأسا، وأما مخالفة العامة فلعدم ثبوتها.
فعلى ذلك القول الفتوى، فيتساوى لغير الإمام الخروج قبل الصلاتين
وبعده، ويجوز له التأخير إلى الغروب، لرواية رفاعة (1) المتقدمة، بل إلى
طلوع الفجر من يوم عرفة، لصحيحة ابن يقطين (2) السابقة، بل إلى ما
يتضيق وقت الوقوف بعرفات، لمرسلة البزنطي السالفة، المعتضدة كلها
بالأصل وبظاهر الاجماع، وكذلك الإمام، لما ذكر.
ويستثنى من ذلك المضطر الذي له الاحرام قبل يوم التروية، فإن له
الخروج أيضا قبله بلا مرجوحية، كما مر في بحث الاحرام.
ومنها: أن يبيت الإمام وغيره بمنى ليلة عرفة حتى يطلع الفجر، وهو
راجح بلا خلاف يعلم.
ويدل على رجحانه تصريح الأصحاب، وقوله في صحيحة ابن عمار
المتقدمة: (ثم يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة
والفجر) (3)، وصحيحته الأخرى الطويلة (4).
وتدل عليه في حق الإمام صحاح جميل ومحمد المتقدمة (5).

(1) الكافي 4: 460 / 3، التهذيب 5: 176 / 588، الوسائل 13: 522 أبواب احرام
الحج والوقوف بعرفة ب 3 ح 2.
(2) التهذيب 5: 175 / 587، الإستبصار 2: 252 / 887، الوسائل 13: 520
أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 2 ح 1.
(3) الكافي 4: 461 / 1، التهذيب 5: 177 / 596، الوسائل 13: 524 أبواب احرام
الحج والوقوف بعرفة ب 4 ح 5.
(4) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر: 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
(5) في ص: 204.
210

وليس بواجب، للأصل وقصور تلك الأخبار عن إثباته.
خلافا للمحكي عن القاضي والحلبي، فأوجباه (1). وهو ضعيف.
ومنها: أن لا يجوز وادي محسر - بكسر السين المشددة، حد منى
إلى جهة عرفة - حتى تطلع الشمس، لصحيحة هشام بن الحكم: (لا يجوز
وادي محسر حتى تطلع الشمس) (2).
ولقصورها عن إفادة التحريم حكم الأكثر بكراهته.
خلافا للشيخ والقاضي، فحرماه (3). وهو أيضا ضعيف.
ومنها: الدعاء عند الخروج إلى منى بما في صحيحة ابن عمار: (إذا
توجهت إلى منى فقل: اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي وأصلح
لي عملي) (4).
وعند الانتهاء إليها بما في صحيحته الأخرى المتقدمة.
وعند الخروج منها والتوجه إلى عرفات بما في صحيحته الثالثة: (إذا
غدوت إلى عرفة فقل وأنت متوجه إليها: اللهم إليك صمدت، وإياك
اعتمدت، ووجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي، وأن تقضي لي
حاجتي، وأن تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني) (5).

(1) القاضي في المهذب 1: 245، الحلبي في الكافي في الفقه: 198.
(2) التهذيب 5: 178 / 597، الوسائل 13: 528 أبواب احرام الحج ب 7 ح 4.
(3) الشيخ في التهذيب 5: 178، القاضي في المهذب 1: 251.
(4) الكافي 4: 460 / 4، التهذيب 5: 177 / 595، الوسائل 13: 526 أبواب إحرام
الحج والوقوف بعرفة ب 6 ح 1.
(5) الكافي 4: 461 / 3، التهذيب 5: 179 / 600، الوسائل 13: 528 أبواب إحرام
الحج والوقوف بعرفة ب 8 ح 1.
211

البحث الثاني
في كيفيته
وهي إما واجبة أو مندوبة، فهاهنا مقامان:
المقام الأول: في واجباته، وهي أمور:
الأول: النية على ما مر بيانها غير مرة، ووقتها أول وقت الكون، كما
يأتي.
الثاني: الوقوف بعرفات، وهو واجب إجماعا، بل ضرورة دينية،
وتصرح به الأخبار..
روى في المجمع عن الباقر عليه السلام، قال: (كانت قريش وحلفاؤهم من
الخمس (1) لا يقفون مع الناس بعرفة، ولا يفيضون منها، ويقولون نحن
أهل حرم الله فلا نخرج من الحرم، فيقفون بالمشعر ويفيضون منه، فأمرهم
الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منه) (2).
فائدتان:
الأولى: المراد بالوقوف بها: الكون فيها، سواء كان نائما أو
مستيقظا، قاعدا أو قائما أو راكبا، ساكنا أو ماشيا، للأصل، وصدق الوقوف
بعرفات على جميع الحالات، وإن كان بعض الحالات أفضل بالنسبة إلى

(1) الخمس: الأحلاف في قريش خمس قبائل: عبد الدار وجمح وسهم ومخزوم
وعدي بن كعب - لسان العرب 9: 54.
(2) مجمع البيان 1: 296 بتفاوت يسير.
212

البعض، كما يأتي.
الثانية: المرجع في معرفة عرفات إلى أهل الخبرة القاطنين في تلك
الحدود، وكذا المشعر وسائر المواضع، ووجهه ظاهر، مضافا إلى صحيحة
ابن البختري (1) الآتية في مقدمات نزول منى، وكلها موقف، للصدوق،
ولصحيحة مسمع: (عرفات كلها موقف، وأفضل الموقف سفح
الجبل) (2).
وهي بمحلها معروفة، فيجب الفحص عنها، ومع التشكيك في بعض
الحدود يجب القصر على المتيقن، لاشتغال الذمة اليقيني.
ولا يكفي الوقوف بحدودها الخارجة عنها، فلا يجزئ الوقوف بنمرة
- بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء، وقيل: يجوز إسكان الميم (3) - وهي:
الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد
الموقف، والمأزمان - بكسر الزاء - مضيق بين مكة ومنى بين جبلين، كذا
في تحرير النووي والقاموس (4).
وفي صحيحة ابن عمار: أنها بطن عرنة، ففيها: (فإذا انتهيت إلى
عرفات فاضرب خباك بنمرة - وهي: بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة -
فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصل الظهر والعصر بأذان واحد
وإقامتين، وإنما تعجل العصر وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم
دعاء ومسألة، وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز،

(1) الكافي 4: 470 / 1، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 1.
(2) الكافي 4: 463 / 1، الوسائل 13: 534 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة
ب 11 ح 2.
(3) كما في الصحاح 2: 837، كشف اللثام 1: 353.
(4) القاموس المحيط 2: 154، و ج: 4: 75.
213

وخلف الجبل موقف) (1).
وفيها تصريح بخروج نمرة عن الموقف وعرفة، ولكن فيها إشكالا
من حيث تفسيرها النمرة ببطن عرنة أولا، ثم عطف الأول على الثاني في
آخر الحديث ثانيا الدال على التعدد، والطاهر أن النمرة التي يضرب فيها
الخباء هي أسفل الجبل، وهو بطن عرنة، والتي جعلت قسيما له هي أصل
الجبل.
وكذا لا يجوز الوقوف بعرنة - بضم العين المهملة وفتح الراء والنون
كهمزة -: واد بعرفات، قاله المطرزي (2). وقال السمعاني: واد بين عرفات
ومنى (3). وقيل: عرينة بالتصغير (4).
ولا بثوية، بفتح الثاء المثلثة وكسر الواو وتشديد الياء المثناة تحتها.
ولا بذي المجاز، قيل: هو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية
كبكب (5).
ولا بالأراك - كسحاب -: موضع قريب بنمرة.
فإن كل هذه المواضع الخمسة من حدود عرفات، أي تنتهي العرفات
إليها، فلا يجزئ الوقوف بها، بالاجماعين (6)، والأخبار، منها: الصحيحة

(1) الكافي 4: 461 / 3، التهذيب 5: 179 / 600، الوسائل 13: 529 أبواب إحرام
الحج والوقوف بعرفة ب 9 ح 1.
(2) المغرب 2: 40.
(3) الأنساب 4: 182.
(4) كما في مجمع البحرين 6: 282، لسان العرب 13: 283، المغرب 2: 40.
(5) انظر كشف اللثام 1: 353.
(6) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 518، والمنتهى 2: 722، والمدارك 7: 395،
والرياض 1: 386.
214

المتقدمة..
وفي موثقة سماعة: (واتق الأراك ونمرة - وهي بطن عرنة - وثوية
وذي المجاز، فإنه ليس من عرفة فلا تقف فيه) (1).
وفي صحيحة الحلبي (2) وغيرها (3): (إن أصحاب الأراك لا حج لهم).
الثالث: أن يكون الوقوف بعد زوال الشمس من يوم عرفة، فلو
وقف قبله لم يجز إجماعا، وهو - مع أصل الاشتغال، وفعل النبي والآل،
والنصوص المستفيضة (4) المتضمنة للأمر بدخول الموقف ما بعد الزوال،
والمتضمنة لقطع التلبية بالزوال وتوقيفية العبادة، بضميمة انتفاء ما يدل على
كفاية مطلق الوقوف - يدل عليه.
الرابع: أن يكون قبل الغروب، فلو وقف بعده اختيارا لم يجز
إجماعا أيضا، له، ولجميع ما مر من الأدلة، فإن ما بعد الزوال لا يصدق
على ما بعد الغروب عرفا، مضافا إلى الأخبار الآمرة بالإفاضة من عرفات
بعد الغروب (5).
وأما الأخبار المصرحة بكفاية إدراكها في الليل (6) فكلها واردة في
المضطر ومن لم يدرك يوم عرفة بعرفات، كما يأتي.
الخامس: أن يكون وقوفه فيها منتهيا إلى الغروب، فلا يجوز الإفاضة

(1) الفقيه 2: 281 / 1377، التهذيب 5: 180 / 604، الوسائل 13: 533 أبواب
إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 10 ح 6، بتفاوت.
(2) العلل: 455 / 1، الوسائل 13: 533 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 10 ح 11.
(3) الوسائل 13: 531 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 10.
(4) الوسائل 13: 529 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 9.
(5) الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 22.
(6) كما في الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 22.
215

عنها قبل الغروب، وهو أيضا إجماعي كما في المنتهى والمختلف (1)، ويدل
عليه فعل الحجج:، والنصوص المثبتة للكفارة على من أفاض قبله (2).
وموثقة يونس: متى الإفاضة من عرفات؟ قال: (إذا ذهبت الحمرة)
يعني: من الجانب الشرقي (3).
وصحيحة ابن عمار: (إن المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب
الشمس فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وآله فأفاض بعد غروب الشمس) (4)، وغير
ذلك (5)، مع قوله عليه السلام: (خذوا عني مناسككم) (6).
وأما قول الشيخ - والأولى أن يقف إلى غروب الشمس ويدفع عن
الموقف بعد غروبها (7) - فمراده كما في المختلف أن الأولى انتهاء الوقوف
بالغروب وعدم الوقوف بعده، أو أن الأولى استمرار الوقوف متصلا إلى
الغروب وإن أجزاء لو خرج في الأثناء ثم عاد قبل الغروب (8).
السادس: أن يكون ابتداء وقوفه أول الزوال حتى يكون وقوفه من
أول الزوال إلى الغروب إذا كان مختارا.
لا بمعنى: أنه يجب استيعاب جميع هذا الوقت في الموقف حقيقة

(1) المنتهى 2: 720، المختلف: 300.
(2) الوسائل 13: 558 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 23.
(3) الكافي 4: 446 / 1، الوسائل 13: 557 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة
ب 22 ح 3.
(4) الكافي 4: 467 / 2، التهذيب 5: 186 / 619، الوسائل 13: 556 أبواب إحرام
الحج والوقوف بعرفة ب 22 ح 1.
(5) الوسائل 13: 556 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 22.
(6) سنن النسائي 5: 270، مسند أحمد 3: 318، كنز العرفان 1: 271.
(7) انظر الخلاف 2: 338.
(8) المختلف: 300.
216

حتى لا يجوز الاخلال بجز، كما عن الدروس واللمعة والروضة (1)، ونقله
في الذخيرة من غير واحد من عبارات المتأخرين (2)، ويشعر كلام المدارك
بنسبته إلى الأصحاب (3).
لعدم دليل على ذلك أصلا، كما اعترف به في المدارك والذخيرة (4)
وغيرهما (5)، بل في الأخبار ما يعطي خلافه، كما يأتي.
بل بمعنى أنه يجب استيعاب ذلك الوقت عرفا، الحاصل بالاشتغال
بمقدمات الوقوف المستحبة في حدود عرفة، ثم الوقوف حتى يكون
الوقت مستوعبا بهذه الأمور وإن كان قليل من أول الوقت مصروفا في
الحدود بالمقدمات والصلاة.
وهذا المعنى هو الذي استقربه في الذخيرة (6)، بل هو الذي يعطيه
كلام الصدوق في الفقيه والشيخ في النهاية والمبسوط والديلمي في رسالته
والحلي في سرائره والفاضل في المنتهى (7).
وهذا المعنى هو الذي يستفاد من الأخبار، وعليه عمل الحجج
الأطهار عليهم السلام
ففي صحيحة ابن عمار المتضمنة لصفة حج النبي صلى الله عليه وآله: (ثم غدا

(1) الدروس 1: 419، الروضة 2: 269.
(2) الذخيرة: 651.
(3) المدارك 7: 393.
(4) المدارك 7: 393، الذخيرة: 651.
(5) كالحدائق 16: 377.
(6) الذخيرة: 652.
(7) الفقيه 2: 322، النهاية: 250، المبسوط 1: 366، المراسم: 112، السرائر
1: 587، المنتهى 1: 718.
217

والناس معه (إلى أن قال: (حتى انتهى إلى نمرة - وهو: بطن عرنة بحيال
الأراك - فضرب قبته وضرب الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس
خرج رسول الله صلى الله عليه وآله ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف
بالمسجد، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم، ثم صلى الظهر والعصر بأذان
وإقامتين، ثم مضى إلى الموقف فوقف به) الحديث (1).
وصحيحة أبي بصير: (لما كان يوم التروية قال جبرئيل عليه السلام
لإبراهيم عليه السلام: ترو من الماء، فسميت التروية، ثم أتى منى فأباته بها، ثم
غدا به إلى عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرنة، فبنى مسجدا بأحجار
بيض، وكان يعرف أثر مسجد إبراهيم حتى ادخل في هذا المسجد الذي
بنمرة حيث يصلي الإمام يوم عرفة، فصلى بها الظهر والعصر، ثم عمد به
إلى عرفات، فقال: هذه عرفات فاعرف بها مناسكك واعترف بذنبك،
فسمي عرفات) الحديث (2).
وموثقة ابن عمار: (وإنما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك
للدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة، ثم تأتي الموقف) (3)، وصحيحة ابن عمار
المتقدمة في الفائدة الثانية (4)، إلى غير ذلك.
وهذه الأخبار وإن كانت قاصرة عن إفادة وجوب الوقوف تمام ذلك

(1) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1558، مستطرفات السرائر: 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
(2) في الكافي 4: 207 / 9: (دون عرفة) بدل: (دون عرنة)، الوسائل 11: 230
أبواب أقسام الحج ب 2 ح 24.
(3) التهذيب 5: 182 / 611، الوسائل 13: 538 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة
ب 14 ح 1.
(4) في ص: 211.
218

الوقت، إلا أنه يمكن إتمامها بضميمة قوله صلى الله عليه وآله: (خذوا عني مناسككم).
ويستفاد من التذكرة الاكتفاء بمسمى الوقوف، قال: إنما الواجب اسم
الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا مع النية (1).
ونسبه بعضهم إلى السرائر (2). وهو ليس منه بظاهر، لأنه قال أولا:
فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر جميعا يجمع بينهما بأذان واحد
وإقامتين لأجل البقعة، ثم يقف بالموقف - إلى أن قال: - والوقوف بميسرة
الجبل أفضل من غيره، وليس ذلك بواجب، بل الواجب الوقوف بسفح
الجبل ولو قليلا بعد الزوال، وأما الدعاء والصلاة في ذلك الموضع
فمندوب غير واجب، وإنما الواجب الوقوف ولو قليلا (3). انتهى.
وكأنه أخذ هذه النسبة من قوله: ولو قليلا، وهو ليس قيدا لمطلق
الوقوف بل للوقوف في سفح الجبل، ولذا نسب في الذخيرة إليه وجوب
الوقوف بسفح الجبل (4)، خلافا للمشهور.
وقرب الاكتفاء بمسمى الوقوف بعض مشايخنا أيضا (5)، للأصل
النافي للزائد، بعد الاتفاق على كفاية المسمى في حصول الركن منه، وعدم
اشتراط شئ زائد فيه مع سلامته عن المعارض.
وهو حسن لولا ما مر من الأمر بأخذ المناسك عنه وعدم اكتفائه
بالمسمى أبدا، سيما في الجزء الأخير من اليوم، اللازم كونه هو الواجب،
لما مر من وجوب الانتهاء إلى الغروب، ولكن مع ذلك فلا وجه للاكتفاء

(1) التذكرة 1: 372.
(2) انظر الرياض 1: 383.
(3) السرائر 1: 587.
(4) الذخيرة: 652.
(5) انظر الحدائق 16: 377.
219

بالمسمى، سيما مع ندرة القول به، بل لا بعد في جعل خلافه إجماعيا.
المقام الثاني: في مستحباته.
وهي: أن يغتسل للوقوف، ويضرب خباه بنمرة، ويقف في ميسرة
الجبل بالنسبة إلى القادم إليه من مكة على ما ذكره جماعة (1).
وحكى بعضهم قولا بميسرة المستقبل للقبلة (2). ولا دليل عليه.
قيل: ويكفي في القيام بوظيفة الميسرة لحظة ولو في مروره (3).
وهو خلاف المتبادر من الأخبار، بل الظاهر منها كون الوقوف كذلك
ما دام واقفا.
وأن يقف في سفح الجبل - أي أسفله - وأوجبه الحلي ولو قليلا (4)،
والأخبار قاصرة عن إفادته، بل فيها تصريح بأنه أحب وأفضل، وفي السهل
دون الحزن (5).
وأن يجمع رحله، ويضم أمتعته بعضها ببعض.
وأن يسد الخلل، أي الفرجة الواقعة بينه وبين رحله أو أصحابه في
الموقف بنفسه أو رحله.
وأن يصرف زمان وقوفه كله في الذكر والدعاء، وقيل بوجوبه (6).
وأن يكون حال الدعاء قائما، إلا إذا كان منافيا للخشوع لشدة التعب

(1) منهم السبزواري في الذخيرة: 653، الفاضل الهندي في كشف اللثام 1: 353،
صاحب الرياض 1: 384.
(2) انظر كشف اللثام 1: 353.
(3) الدروس 1: 418.
(4) السرائر 1: 587.
(5) الوسائل 13: 534 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 11.
(6) كما في الكافي في الفقه: 197.
220

ونحوه، فيستحب الجلوس.
وأن يدعو له ولوالديه وللمؤمنين بالمأثور، وهو كثير جدا، منقول في
الأخبار وكتب الأدعية (1).
ويكره الوقوف في أعلى الجبل، وقيل بتحريمه (2). وترتفع الكراهة
مع الضرورة. وأن يقف راكبا وقاعدا على ما قيل (3).
كل ذلك للأخبار كما في أكثرها، وللاعتبار كما في كثير منها،
وللاشتهار بين العلماء الأبرار كما في جميعها.
ومن المستحبات: أن يكون متطهرا حالة الوقوف، لرواية علي: عن
الرجل هل يصلح أن يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال: (لا يصلح له إلا
وهو على وضوء) (4).
وظاهرها وإن كان الوجوب، إلا أنه يلزم حمله على الاستحباب، كما
هو المشهور على ما في شرح المفاتيح، لصحيحة ابن عمار: (لا بأس أن
يقضي المناسك كلها على غير وضوء، إلا الطواف، فإن فيه صلاة،
والوضوء أفضل) (5).
وأن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، للأخبار (6).

(1) انظر الوسائل 13: 538، 544 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 14 و 17.
(2) انظر المهذب 1: 251، والسرائر 1: 578.
(3) كما في الإرشاد 1: 329.
(4) التهذيب 5: 479 / 1700، الوسائل 13: 555 أبواب إحرام الحج ب 20 ح 1.
(5) الفقيه 2: 250 / 1201، التهذيب 5: 154 / 509، وفي الإستبصار 2:
241 / 841: والوضوء أفضل على كل حال، الوسائل 13: 493 أبواب السعي
ب 15 ح 1.
(6) الوسائل 13: 529 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 9.
221

البحث الثالث
في أحكام الوقوف
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لو ترك بعض الوقوف الاختياري عمدا - وهذا إنما
يمكن على غير القول بكفاية المسمى وإلا فلا يكون له جزء - فإن كان من
أوله بأن يأتي بعد الزوال كثيرا، أو في وسطه بأن يفيض ثم يعود قبل
الغروب، أو من آخره بأن يفيض قبل الغروب ولم يعد فيكون آثما في
الصور الثلاث، ولكن يصح حجه في جميع الصور بالاجماع، ولا كفارة
عليه أيضا في الصورة الأولى إجماعا، له، وللأصل.
وتجب عليه الكفارة إجماعا في الصورة الأخيرة، وهي بدنة على
المشهور المنصور، ومع العجز عنها صوم ثمانية عشر يوما، لصحيحتي
مسمع وضريس، ومرسلة السراد:
الأولى: في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: (إن
كان جاهلا فلا شئ عليه، وإن كان متعمدا فعليه بدنة) (1).
والثانية: عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس،
قال: (عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما
بمكة أو في الطريق أو في أهله) (2).

(1) التهذيب 5: 187 / 621، الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة
ب 23 ح 1.
(2) الكافي 4: 467 / 4، التهذيب 5: 186 / 620، الوسائل 13: 558 أبواب احرام
الحج والوقوف بعرفة ب 23 ح 3.
222

والثالثة: في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال:
(عليه بدنة، فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما) (1).
خلافا للمحكي عن الصدوقين، فالكفارة شاة (2)، ولا يعرف
مستندهما إلا ما عن الجامع من قوله: وروى شاة (3). وهو ضعيف لا يقاوم
ما مر، كإطلاق النبوي: (من ترك نسكا فعليه دم) (4).
وأما في الصورة الثانية فالمشهور - كما في شرح المفاتيح - سقوط
الكفارة، وقواه بعض مشايخنا (5)، للأصل، واختصاص النصوص المتقدمة
المثبتة لها - بحكم التبادر وغيره - بصورة عدم الرجوع قبل الغروب.
ونفي في المدارك البعد عن وجوب الكفارة حينئذ أيضا (6). وظاهر
الذخيرة التردد (7).
والأقوى وجوبها، لاطلاق النصوص المتقدمة المندفع به الأصل،
وتخصيصها بصورة الرجوع لا وجه له، والتبادر المتقدم ذكره لا أفهم وجهه.
قيل: ويستفاد من الصحيحة الثانية جواز صوم هذه الأيام في السفر وعدم
وجوب المتابعة فيها، تصريحا في الأول وإطلاقا في الثاني كما فيما عداها (8).
أقول: جعل الأول تصريحا غير جيد، لأن الطريق أعم مما نوى فيه

(1) التهذيب 5: 480 / 1702، الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج والوقوف
بعرفة ب 23 ح 2.
(2) حكاه عنهما في المختلف: 299.
(3) الجامع للشرائع: 207.
(4) سنن الدارقطني 2: 244 / 39، بتفاوت يسير.
(5) انظر الرياض 1: 384.
(6) المدارك 7: 399.
(7) الذخيرة: 653.
(8) انظر الرياض 1: 384.
223

العشرة المخرجة له عن السفر، فالاستفادة في الأمرين بالاطلاق، وهو كاف
في إثباتهما مع أصالة عدم حرمة الصوم في السفر وعدم وجوب المتابعة.
المسألة الثانية: لو ترك بعض الوقوف الاختياري من الأول أو الوسط
أو الآخر جهلا، صح حجه إجماعا ولا شئ عليه من الكفارات كذلك، له،
وللأصل، وصحيحة مسمع المتقدمة، ويمكن الاستدلال بها على صحة
الحج أيضا كما لا يخفى.
والناسي كالجاهل، بالاجماع، بل يمكن إدخاله في الجاهل
المنصوص عليه أيضا، ولو علم أو ذكر قبل الغروب وجب عليه العود مع
الامكان، امتثالا للأمر الواجب عليه.
المسألة الثالثة: لو ترك الوقوف الاختياري بعرفات - أي في يوم
عرفة رأسا، أي بجميع أجزائه عمدا - بطل حجه إجماعا محققا
ومحكيا (1)، وفي التذكرة والمنتهى والمدارك: أنه قول علماء الإسلام (2).
وتدل عليه مع الاجماع القاعدة الثابتة، وهي: عدم الاتيان بالمأمور به
على وجهه، لأن المختار مأمور بالوقوف فيها يوم عرفة. وأما الوقوف
الاضطراري فهو مخصوص بمن لم يتمكن من الاختياري، كما يأتي.
والدخل فيها - بأن الأمر به لا يقتضي دخوله في ماهية الحج - فإنما يصح
لو علمنا ماهية الحج أو قدرا مشتركا، ولكنها غير معلومة، إذ يجري ذلك الدخل
في كل فعل فعل، وجعل بعض الأفعال جزءا بالاجماع يجري في ذلك أيضا.
وتدل عليه أيضا الأخبار المتعددة المصرحة بأن الذين يقفون تحت
الأراك لا حج لهم (3).

(1) كما في الدروس 1: 421، والرياض 1: 384.
(2) التذكرة 1: 373، المنتهى 2: 719، المدارك 7: 399.
(3) كما في الوسائل 13: 531 أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ب 10.
224

وأكثر تلك الأخبار وإن لم يصرح فيه بمن وقف في الأراك في الوقت
الاختياري فيمكن تنزيله على من ترك الوقتين، إلا أن صحيحة الحلبي منها
ظاهرة في ذلك، فإن فيها: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في الموقف: ارتفعوا
عن بطن عرنة، وقال: أصحاب الأراك لا حج لهم) (1).
فإن موقفه صلى الله عليه وآله كان في الوقت الاختياري قطعا، فالأمر بالارتفاع
حينئذ ونفي الحج عن أصحاب الأراك فيه ظاهر فيما قلناه.
وأما مرسلة ابن فضال: (الوقوف بالمشعر فريضة والوقوف بعرفة
سنة) (2) فالمراد بالسنة فيها مقابل الفرض الذي هو ما ثبت وجوبه بالكتاب.
ومقتضى القاعدة المذكورة وإن كان البطلان بترك جزء من الوقوف
الواجب الاختياري عمدا، إلا أنهم خصوه بمن تركه بجميع أجزائه، أي
ترك المسمى، والدليل عليه الاجماع.
وقد يستدل عليه أيضا بالأخبار المتقدمة المتضمنة لايجاب
الكفارة على من أفاض قبل الغروب. وهو غير جيد، لأن وجوب
الكفارة أعم من بطلان الحج، إلا أن تستقيم الدلالة بالاجماع المركب، فتأمل.
المسألة الرابعة: لو ترك جميع الوقوف الاختياري اضطرارا - بأن
نسيه ولم يصل إليه لضيق وقته أو لعذرب آخر - لم يبطل حجه ولا كفارة
عليه، بل يجب عليه تداركه ليلة العيد ولو إلى الفجر متصلا به مع الامكان
إجماعا، له، وللنصوص:
كصحيحة الحلبي: عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال:

(1) الكافي 4: 463 / 3، التهذيب 5: 287 / 976، الإستبصار 2: 302 / 1079،
الوسائل 13: 551 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 10.
(2) الفقيه 2: 206 / 937 وفيه: بتفاوت، التهذيب 5: 287 / 977، الإستبصار 2:
302 / 1080، الوسائل 13: 552 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 14.
225

(إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس
في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجة حتى يأتي عرفات، وإن قدم وقد فاتته
عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فإن الله تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه إذا
أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس، فإن لم يدرك
المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحج من قابل) (1).
وصحيحة ابن عمار: في رجل أدرك الإمام وهو بجمع، فقال: (إن
ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها،
وإن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد تم حجه) (2).
والأخرى: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فإذا شيخ كبير، فقال: يا رسول
الله، ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له: إن ظن أنه يأتي عرفات
فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، وإن ظن أنه لا يأتيها
حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها، وقد تم تم حجه) (3).
ورواية إدريس: عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى
عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها، فقال: (إن ظن أن يدرك
الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، وإن خشي أن لا يدرك
جمعا فليقف بجمع ثم ليفض مع الناس، وقد تم حجه) (4).

(1) التهذيب 5: 289 / 981، وفي الإستبصار 2: 301 / 1076 والوسائل 14: 36
أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2 بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 476 / 2، الفقيه 2: 284 / 1394، الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 22 ح 1.
(3) التهذيب 5: 290 / 983، الإستبصار 2: 303 / 1081، الوسائل 14: 37
أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 4.
(4) التهذيب 5: 289 / 982، الإستبصار 2: 301 / 1077، الوسائل 14: 36
أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 3.
226

وهذه الروايات وإن كانت ظاهرة فيمن لم يتمكن من إدراك
الاختياري قاصرة عن التصريح بالناسي، إلا أنه مستفاد من التعليل المصرح
به في الصحيحة الأولى، إذ لا شك أن النسيان من أقوى الأعذار، بل يمكن
الاستدلال به على عذر الجاهل أيضا - كما هو ظاهر الذخيرة والدروس (1) -
إذا كان الجهل ساذجا غير مشوب بتقصير أصلا.
وتؤيد حكم المضطر والناسي والجاهل جميعا المستفيضة من الأخبار
الصحيحة وغيرها (2) الآتية، المصرحة بأن من أدرك جمعا فقد أدرك الحج.
فرعان:
أ: الواجب في الوقوف الاضطراري مسمى الكون، لا استيعاب الليل،
إجماعا محققا ومحكيا في التذكرة (3) وغيرها (4)، ويدل عليه إطلاق الأخبار
المتقدمة، بل تصريح بعضها بقوله: (قليلا).
ب: وجوب الوقوف الاختياري إنما هو مع علمه أو ظنه بأنه إذا أتى
به يدرك اختياري المشعر، أما لو لم يعلم ولم يظن ذلك - بأن احتمل فواته
أو ظنه أو علمه - لا يجب عليه.
أما مع ظن الفوات أو علمه فلجميع الأخبار المتقدمة.
وأما مع الاحتمال فلصحيحة الحلبي (5)، لأن معنى قوله: (وإن كان
في مهل) أنه كان كذا بحسب علمه أو ظنه، لأن الألفاظ وإن كانت للمعاني

(1) الذخيرة: 658، الدروس 1: 421.
(2) انظر الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.
(3) التذكرة 1: 372.
(4) انظر المنتهى 2: 721، والمدارك 7: 402.
(5) المتقدمة في ص: 222.
227

النفس الأمرية، إلا أنها مقيدة بالعلم أو الظن في مقام التكاليف، ولا شك أن
من يتساوى عنده الطرفان ليس في مهل بحسب علمه أو ظنه.
ولقوله في رواية إدريس: (وإن خشي) إلى آخره، فإن مع احتمال
الفوت تتحقق الخشية.
المسألة الخامسة: لو ترك اضطراري عرفة عمدا بعد ما فات اختياريها،
بطل حجه، كما صرح به بعض مشايخنا (1)، بل هو مقتضى إطلاق كثير من عبارات
الأصحاب (2)، وتدل عليه القاعدة المتقدمة، وصريح صحيحة الحلبي السابقة،
وبه تخصص العمومات الدالة على أن من أدرك جمعا فقد أدرك الحج (3).
وأما قول الفاضل في القواعد: الوقوف الاختياري بعرفة ركن، من
تركه عمدا بطل حجه (4).
فلا ينفي ركنية الاضطراري، وإنما قيده به ليعلم أنه لا يجزئ
الاقتصار على الاضطراري عمدا، ولذا قيد في الإرشاد الاجتزاء بالمشعر بعد
فوات عرفات بالكلية، بقوله: جاهلا أو ناسيا أو مضطرا (5).
المسألة السادسة: لو فاته الاضطراري أيضا اضطرارا لعذر أو نسيان
لم يبطل حجه إذا أدرك اختياري المشعر، بلا خلاف يعرف كما في
الذخيرة (6)، بل هو موضع وفاق كما في المدارك (7)، بل بالاجماع البسيط

(1) انظر الرياض 1: 384.
(2) انظر المنتهى 2: 719، والتذكرة 1: 373، والذخيرة: 653.
(3) الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.
(4) القواعد 1: 86.
(5) الإرشاد 1: 328.
(6) الذخيرة: 653.
(7) المدارك 7: 404.
228

كما عن عبارات جماعة، منها: الانتصار والخلاف والغنية والجواهر (1)،
والاجماع المركب كما عن الانتصار والمنتهى (2).
فإن من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء باختيارية إذا
فات الوقوف بعرفة لعذر، بل بالاجماع المحقق، وهو الحجة فيه، مضافا
إلى جميع الأخبار المتقدمة في المسألة الرابعة، بل وكذا إذا أدرك اضطراري
المشعر، كما يأتي.

(1) الإنتصار: 90، الخلاف 2: 342، الغنية (الجوامع الفقهية): 580، جواهر
الفقه: 43.
(2) الإنتصار: 90، المنتهى 2: 720.
229

الفصل الثالث
في الوقوف بالمشعر
وهو ثالث أفعال الحج، ويقال له: الجمع، لاجتماع الناس فيها، قاله
الجوهري (1). أو لجمع آدم فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء، كما في
رواية إسماعيل بن جابر (2) وغيره. ويقال له المزدلفة أيضا، كما صرح به
في صحيحة ابن عمار (3).
والكلام فيه أيضا إما في مقدماته، أو كيفيته، أو أحكامه، فها هنا
ثلاث أبحاث:
البحث الأول
في مقدماته
وهي أمور:
منها: الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس من يوم عرفة إلى
المشعر، وهو واجب، لوجوب المقدمة.
ومنها: أنه يستحب أن يدعو عند غروب الشمس بما في موثقة أبي
بصير المروية في التهذيب، قال: (إذا غربت الشمس فقل: اللهم لا تجعله
آخر العهد) إلى آخره (4).

(1) الصحاح 3: 1198.
(2) علل الشرائع: 437 / 1، الوسائل 14: 16 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 7.
(3) علل الشرائع: 436 / 1، الوسائل 14: 10 أبواب الوقوف بالمشعر ب 4 ح 4.
(4) التهذيب 5: 187 / 622، الوسائل 13: 559 أبواب إحرام الحج ب 24 ح 2.
230

وأن يدعو عند إفاضته بما رواه هارون بن خارجة: اللهم إني أعوذ
بك أن أظلم أو أظلم أو أقطع رحما أو ذي جار) (1).
وأن يفيض بالاستغفار، لصحيحة ابن عمار: (إذا غربت الشمس
فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار، وأفض بالاستغفار، فإن الله عز
وجل يقول: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله
غفور رحيم) (2) فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل:
اللهم ارحم موقفي، وزد في علمي، وسلم لي في ديني، وتقبل مناسكي.
وإياك والوجيف الذي يصنعه الناس، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أيها الناس
إن الحج ليس بوجيف الخيل ولا إيضاع الإبل، ولكن اتقوا الله وسيروا سيرا
جميلا، ولا توطئوا ضعيفا ولا توطئوا مسلما، وتوأدوا واقتصدوا في السير،
فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكف ناقته حتى يصيب رأسها مقدم الرجل
ويقول: أيها الناس عليكم بالدعة، فسنة رسول الله صلى الله عليه وآله تتبع)، قال:
وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (اللهم أعتقني من النار) يكررها حتى
أفاض الناس، فقلت: ألا تفيض، فقد أفاض الناس؟ قال: (إني أخاف
الزحام وأخاف أن أشرك في عنت إنسان) (3).
أقول: الوجيف والايضاع كلاهما بمعنى الاسراع. وتوأدوا من التؤدة
وهي: التأني. والعنت: المشقة.
ومنها: أنه يستحب أن يقتصد في السير إلى المشعر ويتوسط بسكينة

(1) الكافي 4: 467 / 3، الوسائل 14: 6 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 3.
(2) البقرة: 199.
(3) التهذيب 5: 187 / 623، الوسائل 14: 5 أبواب الوقوف بالمشعر ب 1 ح 1،
بتفاوت يسير.
231

ووقار، لما تقدم في صحيحة ابن عمار.
ومنها: أن يدعو عند الكثيب الأحمر - أي التل من الرمل عن يمين
الطريق - بما مر في الصحيحة استحبابا.
ومنها: أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء إلى المشعر وإن ذهب ربع
الليل بل ثلثه بلا خلاف، بل عن المنتهى: الاجماع عليه (1).
وهو راجح بالاجماع.
ولصحيحة الحلبي وابن عمار: (لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا،
فصل بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين) (2).
ومحمد: (لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل) (3).
ومنصور: (صلوا المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين،
ولا تصل بينهما شيئا) (4).
ومضمرة سماعة: عن الجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بجمع،
قال: (لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى، فإن
رسول الله صلى الله عليه وآله جمعهما بأذان واحد وإقامتين كما جمع بين الظهر والعصر
بعرفات) (5).

(1) المنتهى 2: 723.
(2) الكافي 4: 468 / 1، التهذيب 5: 188 / 626، الوسائل 14: 14 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 6 ح 1.
(3) التهذيب 5: 188 / 630، الإستبصار 2: 254 / 895، الوسائل 14: 12 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 5 ح 1.
(4) التهذيب 5: 190 / 630، الإستبصار 2: 255 / 899، الوسائل 14: 15 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 6 ح 3، وفيها: صلاة المغرب والعشاء....
(5) التهذيب 5: 188 / 624، الإستبصار 2: 254 / 894، الوسائل 14: 12 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 5 ح 2.
232

وليس بواجب على الأظهر الأشهر وإن أفاده ظاهر ما مر، لأن الأمر
فيما مر للاستحباب بقرينة صحيحة هشام بن الحكم: (لا بأس أن يصلي
الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة) (1).
ومحمد: (عثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة، فنزل فصلى المغرب
وصلى العشاء بالمزدلفة) (2).
واستدل برواية محمد بن سماعة أيضا: للرجل أن يصلي المغرب
والعتمة في الموقف؟ قال: (قد فعله رسول الله صلى الله عليه وآله صلاهما في
الشعب) (3).
أقول: الشعب بالكسر: يقال للطريق في الجبل، ولمسيل الماء في
بطن أرض، ولما انفرج بين جبلين.
وهذا الحديث ليس نصا على أن السائل أراد بالموقف عرفات،
فيجوز أن يحمل على المشعر، ويراد بالشعب بطن الوادي الذي قريب منه
الذي ورد الأمر بالنزول به.
خلافا لظاهر الشيخ في الخلاف والنهاية والعماني وابن زهرة،
فأوجبوا التأخير (4)، لما مر بجوابه.

(1) التهذيب 5: 189 / 629، الإستبصار 2: 255 / 898، الوسائل 14: 12 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 5 ح 3.
(2) التهذيب 5: 189 / 628، الإستبصار 2: 255 / 897، الوسائل 14: 12 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 5 ح 4.
(3) التهذيب 5: 189 / 627، الإستبصار 2: 255 / 896، الوسائل 14: 13
أبواب الوقوف بالمشعر ب 5 ح 5.
(4) الخلاف 2: 340، النهاية: 251، 252، حكاه عن العماني في المختلف:
299، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 580.
233

ومنها: أن يجمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين استحبابا، ولا
يأتي بنوافل المغرب بينهما، بالاجماع المحقق والمحكي مستفيضا (1)، له،
وللصحيحين، والمضمرة المتقدمة.
وليس ذلك بواجب، لصحيحة أبان: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام
بالمزدلفة، فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع فيما
بينهما، ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة، فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع
ركعات (2).
ومنها: أن يأتي بنوافل المغرب بعد العشاء، وفي المدارك: أنه قول
علمائنا أجمع (3)، لروايتي عنبسة:
إحداهما: إذا صليت المغرب بجمع أصلي الركعات بعد المغرب؟
قال: (لا، صل المغرب والعشاء ثم تصلي الركعات بعد) (4).
والثانية: عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة، فقال: (صلها
بعد العشاء أربع ركعات) (5).
والأمر فيها ليس للوجوب قطعا، لاستحباب أصل النافلة، ولصحيحة
أبان المتقدمة، فيكون ذلك أيضا مستحبا.

(1) كما في الخلاف 2: 340 و 341، والذخيرة: 656.
(2) التهذيب 5: 190 / 632، الإستبصار 2: 256 / 901، الوسائل 14: 15 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 6 ح 5، وفيها: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام المغرب
بالمزدلفة.....
(3) المدارك 7: 420.
(4) التهذيب 5: 190 / 631، الإستبصار 2: 255 / 900، وفي الوسائل 14: 15
أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 4: ثم صل...
(5) الكافي 4: 469 / 2، الوسائل 14: 14 أبواب الوقوف بالمشعر ب 6 ح 2.
234

البحث الثاني
في كيفيته
وهي أيضا بين واجبة ومندوبة، فها هنا مقامان:
المقام الأول: في واجباته، وهي أمور:
الأول: النية كما مر مرارا، ولينو أن وقوفها لحجة الاسلام أو غيرها،
ليحصل التمييز إن كان هنا وجه اشتراك.
ويظهر من بعض الأخبار الآتية حصول الوقوف الواجب بالصلاة في
الموقف أو الدعاء فيه وإن لم يعلم أنه الموقف ولم ينو الوقوف، ولا يبعد
أن يكون كذلك في صحة الحج وأن توقف ترتب ثواب الوقوف بخصوصه
على نيته.
الثاني: أن يكون وقوفه بالمشعر، وحده ما بين المأزمين إلى
الحياض وإلى وادي محسر، بلا خلاف بين الأصحاب يعلم كما في
الذخيرة (1)، بل بالاجماع كما في غيره (2)، وقد صرح بذلك التحديد في
صحاح ابن عمار (3) وأبي بصير (4) وزرارة (5) وموثقة إسحاق (6).

(1) الذخيرة: 657.
(2) كالمنتهى 2: 726، والمدارك 7: 421.
(3) التهذيب 5: 190 / 633، الوسائل 14: 17 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 1.
(4) الكافي 4: 471 / 6، الوسائل 14: 18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 4.
(5) التهذيب 5: 190 / 634، الوسائل 14: 17 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 2.
(6) الكافي 4: 471 / 5، الوسائل 14: 18 أبواب الوقوف بالمشعر ب 8 ح 5.
235

والمأزمان: جبلان بين عرفات والمشعر، أو مضيق بينهما كما مر (1).
ووادي محسر: واد معروف.
قال والدي العلامة - قدس سره - في المناسك المكية ما ترجمته:
ابتداء وادي محسر بالنسبة إلى من يذهب من المشعر إلى منى انتهاء
المشعر، وهو موضع بين جبلين في عرض الطريق، فيها أحجار منصوبة
تنحدر فيه الأرض، ومنه إلى أربعين وخمسمائة ذراع داخل في وادي
محسر. إنتهى.
ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل، بلا خلاف كما صرح به جمع (2)،
بل بالاجماع كما حكاه جمع آخر (3)، وتدل عليه موثقة سماعة (4).
وفي جواز الارتفاع إليه اختيارا مع الكراهة وعدمه، قولان، والأحوط
الترك.
الثالث: أن يكون الوقوف في وقت معين، وهو للرجل المختار غير
ذي العذر ما بين الطلوعين من يوم النحر، وللمرأة والرجل ذي العذر ما بين
غروب الشمس ليلة النحر إلى طلوع الشمس، ولغير المتمكن من إدراك
الوقتين من طلوع الشمس إلى الزوال.
أما الأول فهو الأظهر الأشهر، وفي الذخيرة: أنه المعروف (5)، وفي
المدارك والمفاتيح وشرحه: عليه الاجماع (6).

(1) في ص: 211.
(2) حكاه في الرياض 1: 386.
(3) كصاحب المدارك 7: 422، السبزواري في الذخيرة: 657.
(4) التهذيب 5: 180 / 604، الوسائل 14: 19 أبواب الوقوف بالمشعر ب 9 ح 2.
(5) الذخيرة: 656.
(6) المدارك 7: 431، المفاتيح: 347.
236

وتدل عليه صحيحة ابن عمار: (أصبح على طهر بعدما تصلي الفجر،
فقف إن شئت قريبا من الجبل وإن شئت حيث تبيت، فإذا وقفت فاحمد
الله عز وجل) إلى أن قال: ثم أفض حين يشرق لك ثبير (1) وترى الإبل
مواضع أخفافها) (2).
ومرسلة جميل: (لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا) (3)،
دلت بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم الخوف.
خلافا للمحكي عن الدروس، فجعل الوقت الاختياري ليلة النحر إلى
طلوع الشمس (4)، ونسبه بعضهم إلى ظاهر الأكثر (5)، نظرا إلى حكمهم
بجبر الإفاضة قبل الفجر بدم شاة فقط وبصحة الحج لو أفاض قبله.
وفيه: أن الجبر بالدم لو لم يكن قرينة على تحريم الإفاضة لم يشعر
بجوازها ولو لم يذكر غيره، بل هو بنفسه كاف في الاشعار بعدم الجواز عند
الأكثر، وصحة الحج مع الإفاضة لا تنافي الإثم، مع أن في الصحة كلاما
يأتي.
ويشبه أن يكون النزاع لفظيا، فيكون مراد من جعل ما بين الطلوعين
خاصة الوقت الاختياري ما يحرم ترك الوقوف فيه، ومن ضم معه قبل
الفجر أراد ما يوجب تركه عمدا بطلان الحج.

(1) ثبير: جبل بين مكة ومنى ويرى من منى وهو على يمين الداخل منها إلى مكة -
المصباح المنير: 80.
(2) في الكافي 4: 469 / 4 والوسائل 14: 20 أبواب الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1:
بتفاوت يسير، التهذيب 5: 191 / 635.
(3) الكافي 4: 474 / 3، التهذيب 5: 194 / 645، الإستبصار 2: 257 / 905،
الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 1.
(4) الدروس 1: 424.
(5) كما في الرياض 1: 387.
237

وكيف كان، فاستدل لهذا القول بصحيحة هشام بن سالم: (والتقدم من
المزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس) (1).
وإطلاق رواية مسمع: في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل
أن يفيض الناس، قال: (إن كان جاهلا فلا شئ عليه، وإن كان أفاض قبل
طلوع الفجر فعليه دم شاة) (2)، ولو وجب الوقوف بعد الفجر لما سكت عن
أمره بالرجوع.
وإطلاق الأخبار بأن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك
الحج.
ويرد الأول: بكونه أعم مطلقا مما مر، لاختصاص ما مر بغير
المضطر، فيجب التخصيص به.
والثاني: بأن عدم الذكر لا يدل على العدم، ولذا سكت في أخبار
الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس (3) عن العود، واكتفى بذكر الكفارة
فقط - كما مر - مع وجوبه.
والثالث: بأن إدراك الحج بشئ لا ينافي وجوب غيره أيضا، مع أنه
أيضا كالأول أعم مطلقا مما مر.
نعم، روى علي بن عطية، قال: أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام
ابن عبد الملك الكوفي، وكان هشام خائفا، فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع
الفجر، فقال لي هشام: أي شئ أحدثنا في حجتنا، فنحن كذلك إذ لقينا

(1) التهذيب 5: 193 / 643، الإستبصار 2: 256 / 903، الوسائل 14: 30 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 17 ح 8.
(2) الكافي 4: 473 / 1، الفقيه 2: 284 / 1393، التهذيب 5: 193 / 642،
الإستبصار 2: 256 / 902، الوسائل 14: 27 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.
(3) الوسائل 13: 558 أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 23.
238

أبو الحسن موسى عليه السلام وقد رمى الجمار وانصرف، فطابت نفس هشام (1).
إلا أنها قضية في واقعة، فلعله عليه السلام كان ذا عذر، مع أن المراد إدراك
الوقوف والمراد الشرعي، وكونه وقوفا شرعيا ممنوع.
وأما الثاني فهو أيضا ثابت بالاجماعين (2)، ونسبه في المنتهى إلى كل
من يحفظ عنه العلم (3).
وتدل عليه - مضافا إلى الاجماع، ومطلقات إدراك الحج بإدراك قبل
المشعر طلوع الشمس، حيث إن ما مر من موجبات الوقوف بعد الفجر لا
يعم النساء قطعا، بل مخصوص بالرجال - المستفيضة من الصحاح وغيرها،
كصحيحة ابن عمار الطويلة، المتضمنة لصفة حج الرسول صلى الله عليه وآله (4)، ومرسلة
جميل المتقدمة، ورواية أبي بصير [وصحيحتيه] (5) ورواية سعيد السمان،
وصحيحة الأعرج، ورواية علي بن أبي حمزة:
الأولى: (لا بأس بأن تقدم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر
الحرام ساعة، ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم
ليقصرن وينطلقن إلى مكة فيطفن، إلا أن يكن يردن أن يذبح عنهن، فإنهن
يوكلن من يذبح عنهن) (6).

(1) التهذيب 5: 263 / 897، الوسائل 14: 71 أبواب رمي جمرة العقبة ب 14 ح 3.
(2) انظر المدارك 7: 427، والذخيرة: 657.
(3) المنتهى 2: 726.
(4) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر: 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
(5) في النسخ: وصحيحته، والصحيح ما أثبتناه.
(6) الكافي 4: 474 / 6، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 7
بتفاوت يسير، عبر الماتن عنها بالرواية، باعتبار ضعفها بمحمد بن سنان بسند
الكافي، ولكنها صحيحة بسند الصدوق في الفقيه 2: 283 / 1392.
239

والثانية: (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل،
وأن يرموا الجمار بليل، وأن يصلوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض
مضين إلى مكة ووكلن من يضحي عنهن) (1).
والثالثة: (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله للنساء والضعفاء أن يفيضوا من
جمع بليل، وأن يرموا الجمرة بليل، فإن أرادوا أن يزوروا البيت وكلوا من
يذبح عنهم) (2).
والرابعة: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله عجل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى،
فأمر من كان عليها منهن هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح، ومن لم يكن
عليها منهن هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور) (3).
والخامسة: (أفض بهن بليل ولا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع،
ثم أفض بهن حتى تأتي بهن الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن لم يكن
عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن من أظفارهن، ثم يمضين إلى
مكة في وجوههن، ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة، ثم يرجعن
إلى البيت فيطفن أسبوعا، ثم يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجهن)
وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل أسامة معهن) (4).
والسادسة: (أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا
فلا بأس، فليرم الجمرة، ثم ليمض وليأمر من يذبح عنه، وتقصر المرأة

(1) الكافي 4: 474 / 5، التهذيب 5: 194 / 646، الإستبصار 2: 257 / 906،
الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 3.
(2) الكافي 4: 475 / 8، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 6.
(3) الكافي 4: 473 / 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.
(4) الكافي 4: 474 / 7، التهذيب 5: 195 / 647، الوسائل 14: 28 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 17 ح 2.
240

ويحلق الرجل، ثم ليطف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم ليرجع إلى منى، فإن
أتى منى ولم يذبح عنه فلا بأس أن يذبح هو، وليحمل الشعر إذا حلق بمكة
إلى منى، وإن شاء قصر إن كان حج قبل ذلك) (1).
ولا كفارة عليهن إجماعا، للأصل.
وهذا الحكم شامل للنساء مطلقا، كما وقع التصريح بهن في أكثر
الأخبار المتقدمة، وكذا الصبيان والرجل الخائف، كما وقع به التصريح في
مرسلة جميل، والضعفاء مطلقا، كما صرح بهم في صحيحة ابن عمار
الطويلة وإحدى صحاح أبي بصير.
ومنها يظهر شمول الحكم لكل ذي عذر، لصدق الضعف، بل يدل
عليه ما في ذيل صحيحة الأعرج من إرسال الرسول صلى الله عليه وآله أسامة مع النساء.
وهل يشمل الحكم الجاهل والناسي؟
فيه تردد، وعدم الشمول أظهر.
وأما الثالث فهو أيضا إجماعي، تدل عليه صحيحة الحسن العطار:
(إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات ولم يدرك
الناس بجمع وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام، وليلحق
الناس بمنى ولا شئ عليه) (2).
ورواية ابن عمار أو (3) صحيحته: ما تقول في رجل أفاض من
عرفات إلى منى؟ قال: (فليرجع فيأتي جمعا فيقف بها وإن كان الناس قد

(1) الكافي 4: 474 / 4، التهذيب 5: 194 / 644، الإستبصار 2: 256 / 904،
الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 4.
(2) التهذيب 5: 292 / 990، الإستبصار 2: 305 / 1088، الوسائل 14: 44
أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.
(3) في (س): وصحيحته.
241

أفاضوا من جمع) (1).
وموثقة يونس: رجل أفاض من عرفات فمر فلم يقف حتى انتهى
إلى منى ورمى الجمرة ولم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: (يرجع إلى
المشعر فيقف به، ثم يرجع فيرمي الجمرة العقبة) (2).
وموثقة ابن عمار: (من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع وليأت
جمعا وليقف بها وإن كان وجد الناس أفاضوا من جمع) (3).
ومرسلة ابن أبي عمير: (تدري لم جعل ثلاث هنا؟) قال: قلت: لا،
قال: (من أدرك شيئا منها فقد أدرك الحج) (4).
فإن الجعل هو التوقيف الشرعي، وليس الثالث للمختار، فهو
للمضطر قطعا.
والأخبار الصحيحة المستفيضة الآتية المصرحة بأن من أدرك المشعر
قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، فإن إدراك الحج لمن أحرم به واجب،
وما يتوقف عليه الواجب واجب.
ونسب الحلي إلى السيد امتداد هذا الاضطراري إلى غروب الشمس
من يوم النحر (5)، وأنكره في المختلف، ونسب إلى الحلي الوهم (6). وكيف
كان، فهو نادر خال عن الدليل.

(1) الكافي 4: 472 / 3، الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 2.
(2) الكافي 4: 472 / 4، الفقيه 2: 283 / 1389، التهذيب 5: 288 / 979،
الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 3.
(3) التهذيب 5: 288 / 978، الوسائل 14: 34 أبواب الوقوف بالمشعر ب 21 ح 1.
(4) الكافي 4: 476 / 6، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 12.
(5) السرائر 1: 619.
(6) المختلف: 300.
242

والاستدلال له بإطلاقات: (من أدرك المشعر) عليل، لأن الكلام في
الادراك الشرعي.
وها هنا قول آخر محكي عن ابن زهرة، وهو: أن الاختياري ليلة
النحر والاضطراري من طلوع فجره إلى طلوع شمسه (1). وهو غريب،
وعن الدليل عري.
فرع: الواجب من هذه الأوقات الثلاثة للمشعر مجرد المسمى، ولا
يجب استيعاب الوقت ولا جزء معين منه، بلا خلاف يعرف في الاضطراريين.
ويدل عليه في الاضطراري الأول قوله في صحيحة أبي بصير:
(فيقفن عند المشعر الحرام ساعة) (2)، وتصريح جميع الأخبار الواردة في
توقيته بالإفاضة ليلا ورمي الجمار فيه (3)، فإنه يعم أي وقت من الليل أراد فيه.
نعم، الأولى أن يؤخر الإفاضة فيه عن زوال الليل، كما صرح به في
الصحيحة المذكورة، وظاهرها وإن كان عدم جواز الإفاضة قبل زواله، إلا
أن عدم القول به أوجب حمله على المرجوحية.
وفي الاضطراري الثاني قوله: (فليقف قليلا) في صحيحة العطار.
وعلى الأقوى الموافق للسرائر والتذكرة والمنتهى والدروس في
الاختياري (4)، بل عليه الاجماع عن التذكرة والمنتهى (5).
ويدل عليه الأصل، وإطلاق الوقوف في صحيحة ابن عمار (6)

(1) حكاه عنه في الرياض 1: 387، وهو في الغنية (الجوامع الفقهية): 580.
(2) الكافي 4: 474 / 6، الفقيه 2: 283 / 1392، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 17 ح 7.
(3) الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17.
(4) السرائر 1: 589، التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 726، الدروس 1: 423.
(5) انظر التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 726.
(6) في ص: 238.
243

المتقدمة، المتحقق بالمسمى..
وحسنة محمد بن حكيم: الرجل الأعجمي والمرأة الضعيفة يكونان مع
الجمال الأعرابي، فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم - كما هو - إلى منى ولم
ينزل بهم جمعا، فقال: (أليس قد صلوا بها؟ فقد أجزأهم)، قلت: فإن لم
يصلوا بها؟ [قال:] (ذكروا الله فيها، فإن كانوا ذكروا الله فيها فقد أجزأهم) (1).
ورواية أبي بصير: إن صاحبي هذين جهلا أن يقفا بالمزدلفة، فقال:
(يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة)، قلت: فإنه لم يخبرهما أحد
حتى كان اليوم وقد نفر الناس، قال: فنكس رأسه ساعة، ثم قال: (أليسا قد
صليا الغداة بالمزدلفة؟) قلت: بلى، قال: (أليسا قد قنتا في صلاتهما؟)
قلت: بلى، قال: (تم حجهما) (2)، إلى غير ذلك.
ورواية جميل: (ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس،
وسائر الناس إن شأوا عجلوا وإن شأوا أخروا) (3).
وصحيحة هشام بن الحكم: (من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة
من الناس فقد أدرك الحج) (4)، إلى غير ذلك.
وقيل بوجوب الوقوف من بدو طلوع الفجر (5). ولا دليل عليه من

(1) الكافي 4: 472 / 1، الفقيه 2: 283 / 1390، التهذيب 5: 293 / 995،
الإستبصار 2: 306 / 1093، الوسائل 14: 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 3،
بتفاوت يسير، وما بين المعقوفين من المصادر.
(2) الكافي 4: 472 / 2، التهذيب 5: 293 / 994، الإستبصار 2: 306 / 1092،
الوسائل 14: 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 7.
(3) التهذيب 5: 193 / 641، الإستبصار 2: 258 / 909، الوسائل 14: 26 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 15 ح 4.
(4) الكافي 4: 476 / 5، الفقيه 2: 243 / 1161، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 23 ح 10.
(5) كما في المسالك 1: 114.
244

الأخبار، بل الأمر بالوقوف في صحيحة ابن عمار (1) بعد صلاة الفجر يدل
على خلافه، كما أن الأصل أيضا ينفيه.
وعن الصدوقين والمفيد والسيد والديلمي والحلبي: وجوب الوقوف
إلى طلوع الشمس للحاج مطلقا (2)، لقوله في صحيحة ابن عمار المتقدمة
في صدر المسألة: (ثم أفض حين يشرق لك ثبير) إلى آخره (3).
وصحيحة هشام بن الحكم: (لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع
الشمس) (4).
وعن النهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والاقتصاد وظاهر الجمل
والعقود والغنية والجامع: وجوبه للإمام خاصة (5)، للصحيحتين
المذكورتين، ورواية جميل المتقدمة.
وعدم دلالة الأخيرة على الوجوب ظاهر، ودلالة الثانية عليه غير
ظاهرة، لاحتمال الخبرية، مع أن وادي محسر من حدود المشعر لا نفسه.
والأولى عن إفادة المطلوب قاصرة، لأن إرادة طلوع الشمس منها غير

(1) الكافي 4: 469 / 4، التهذيب 5: 191 / 635، الوسائل 14: 20 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.
(2) الصدوق في المقنع: 87، حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 300، المفيد
في المقنعة: 417، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3):
68، الديلمي في المراسم: 113، الحلبي في الكافي: 197.
(3) الكافي 4: 469 / 4، التهذيب 5: 191 / 635، الوسائل 14: 20 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1.
(4) الكافي 4: 470 / 6، التهذيب 5: 193 / 640، الوسائل 14: 25 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 15 ح 2.
(5) النهاية: 252، المبسوط 1: 368، الوسيلة: 179، المهذب 1: 254،
الإقتصاد: 306، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 234، الغنية (الجوامع
الفقهية): 581، الجامع للشرائع: 209.
245

واضحة، سيما مع قوله: (وترى الإبل موضع أخفافها).
ومع ذلك تعارضان مع ما يأتي من النص المصرح بأن الإفاضة قبل
طلوع الشمس بقليل أحب.
المقام الثاني: في مستحباته.
وهي: أن يكون متطهرا، لقوله عليه السلام في صحيحة ابن عمار والحلبي:
(أصبح على طهر بعدما تصلي الفجر فقف) (1).
وأن تكون نية الوقوف بعد صلاة الصبح، كما صرح به كلماتهم في
المقنع والهداية والكافي والمراسم وجمل العلم والعمل والشرائع والنافع
والمنتهى والتذكرة والتحرير والارشاد (2)، وغيرها من كتب الجماعة (3).
واستدل له بما مر من صحيحة ابن عمار والحلبي.
وفي دلالتها نظر، لأن الظاهر من قوله: (أصبح بعد ما تصلي الفجر)
أن المراد من صلاة الفجر فيها نافلته، إلا أن تصريح الأصحاب كاف في
إثبات الاستحباب.
وأن يصرف زمان وقوفه بالذكر والدعاء، سيما الدعوات المأثورة.
وعن السيد والحلبي والقاضي: وجوبه (4)، وفي المفاتيح وشرحه: أنه

(1) الكافي 4: 469 / 4، التهذيب 5: 191 / 635، الوسائل 14: 20 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 11 ح 1، ولكنها عن معاوية بن عمار فقط.
(2) المقنع: 87، الهداية: 61، الكافي: 214، المراسم: 112، جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 68، الشرائع 1: 256، النافع: 88،
المنتهى 2: 724، التذكرة 1: 374، التحرير 1: 102، الإرشاد 1: 329.
(3) كالمدارك 7: 429، والرياض 1: 387.
(4) انظر الإنتصار: 89 والكافي: 214، القاضي في المهذب 1: 254.
246

لا يخلو من قوة (1). وهو كذلك، لظاهر قوله تعالى، وظواهر الأوامر في
الأخبار..
إلا أنه يجزئه اليسير من الذكر والدعاء.
وأن يفيض غير الإمام من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، لموثقة
إسحاق (2)، وخبر معاوية بن حكيم (3). وأما الإمام فالأفضل له الإفاضة بعد
الطلوع، لرواية جميل المتقدمة.
وورد في الأخبار وكلمات الأصحاب استحباب وطء الصرورة
المشعر برجله، ولا بد إما من حمل المشعر فيه على موضع خاص من
الموقف - كما قيل (4) - أو جعل المستحب الوطء بالرجل الذي هو أعم من
الوقوف راكبا وفي المحمل، بل مع النعل والخف.

(1) المفاتيح 1: 347.
(2) الكافي 4: 470 / 5، التهذيب 5: 192 / 639، الإستبصار 2: 257 / 908،
الوسائل 14: 25 أبواب الوقوف بالمشعر ب 15 ح 1.
(3) التهذيب 5: 192 / 638، الإستبصار 2: 257 / 907، الوسائل 14: 25 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 15 ح 3.
(4) انظر الرياض 1: 387.
247

البحث الثالث
في أحكامه ولواحقه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: حكي عن ظاهر الأكثر: وجوب المبيت بالمشعر (1)،
واستدل بعضهم (2) بقوله في صحيحة ابن عمار والحلبي: (ويستحب للصرورة
أن يقف على المشعر ويطأه برجله ولا يجاوز الحياض ليلة المزدلفة) (3).
وفيه نظر، لامكان عطف قوله: (ولا يجاوز) على قوله: (يقف)
فيكون مستحبا، ولولاه أيضا لكان للجملة الخبرية محتملا فلا يفيد
الوجوب، مع أن عدم التجاوز عن الحياض أعم من المبيت في المزدلفة،
لامكان التقدم عليها.
وصرح في التذكرة بعدم الوجوب (4)، وهو ظاهر سائر كتبه (5)،
وظاهر الشرائع والنافع (6). وهو الأقوى، للأصل وعدم الدليل، سيما إن كان
مرادهم صرف بقية ليله فيها تماما، كما هو مقتضى الاستدلال بالصحيحة
المذكورة.

(1) المدارك 7: 423.
(2) انظر المدارك 7: 423، والرياض 1: 387.
(3) الكافي 4: 468 / 1، الوسائل 14: 19 أبواب الوقوف بالمشعر ب 10 ح 1 وليس
فيه صدر الحديث.
(4) التذكرة 1: 374.
(5) كالمنتهى 2: 724.
(6) الشرائع 1: 256، النافع: 88.
248

وكذا لا يدل عليه مفهوم مرسلة جميل: (لا بأس أن يفيض الرجل
بليل إذا كان خائفا) (1)، لأن عدم الإفاضة أعم من المبيت فيه، فيقدم فيه
لدرك الوقت الاختياري، ومنه يعلم عدم دلالة ما يصرح بالكفارة في
الإفاضة قبل الفجر.
ولو كان المراد كون جزء من الليل فيها فيمكن الاستدلال له بالأخبار
الآمرة لتأخير الصلاتين إليها والاتيان بهما فيها (2)، إلا أنه قد عرفت عدم بقاء
تلك الأوامر على الحقيقة، فالظاهر عدم الوجوب أصلا.
نعم، يستحب، لبعض ما ذكر، وللتأسي. ومنهم من جعله دليل
الوجوب (3). وفيه نظر.
المسألة الثانية: لا يجوز ترك الوقوف بالليل لمن علم أنه لا يتمكن
من إدراك الوقوف بين الطلوعين ولا بعده أو الأول خاصة، لو قلنا بصحة
الحج مع الوقوف الليلي، كما هو الحق، وأما لو لم نقل به فيجوز تركه
مطلقا.
المسألة الثالثة: لا يجوز ترك الوقوف بين الطلوعين عمدا، للأمر به
المقتضي لوجوب الامتثال. ومن أفاض عمدا قبل الفجر كان عليه دم شاة،
للنص (4).
وهل يجب عليه ذلك للإفاضة، أو لترك الوقوف بين الطلوعين حتى

(1) الكافي 4: 474 / 3، التهذيب 5: 194 / 645، الإستبصار 2: 257 / 905،
الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 1.
(2) الوسائل 14: 12 أبواب الوقوف بالمشعر ب 5.
(3) المدارك 7: 423.
(4) الكافي 4: 473 / 1، الفقيه 2: 284 / 1393، التهذيب 5: 193 / 642،
الإستبصار 2: 256 / 902، الوسائل 14: 27 أبواب الوقوف بالمشعر ب 16 ح 1.
249

أنه لو لم يدخل المشعر حتى تطلع الشمس وجب عليه الدم أيضا؟
فيه نظر، والأول أظهر.
وفي بعض الصحاح الآتية: أن عليه بدنة.
ويمكن الجمع بحمل الأول على من وقف ولبث وأفاض قبل الفجر،
والثاني [على] (1) من لم يلبث كما هو صريح الثاني، أو الأول على من
أفاض لغير الجهل من الأعذار، والثاني على المتعمد المحض.
المسألة الرابعة: لا يجوز ترك الوقوف بعد طلوع الشمس لمن فاته
قبله ويتم حجه مع ذلك الوقوف، وأما من فات حجه فلا يجب عليه ذلك،
وسيأتي تفصيله.
المسألة الخامسة: من ترك الوقوف بالمشعر رأسا ليلا ونهارا عمدا
بطل حجه إجماعا، له، وللقاعدة المتقدمة في وقوف عرفات، ولرواية
الحلبيين - وقيل صحيحتهما -: (إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج) (2).
ومفهوم المستفيضة المصرحة بأن (من أدرك المشعر قبل زوال الشمس
فقد أدرك الحج) (3).
ولو كان اضطرارا صح الحج إن كان أدرك اختياري عرفة، كما يأتي.
تذنيب: اعلم أنه قد ظهر مما ذكر أن أوقات الوقوفين خمسة:
اختياري عرفة، وهو: ما بين الزوال يوم عرفة إلى غروب شمسه.

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(2) التهذيب 5: 292 / 991، الإستبصار 2: 305 / 1089، الوسائل 14: 38
أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.
(3) التهذيب 5: 292 / 991، الإستبصار 2: 305 / 1089، الوسائل 4: 38 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 23 ح 2.
250

واضطراريه، وهو: ما بين غروب شمسه إلى طلوع فجر يوم النحر.
واختياري المشعر المحض، وهو: ما بين طلوعي فجر يوم النحر
وشمسه.
واختياريه المشوب بالاضطراري، وهو: اضطراري عرفة.
واضطراريه المحض، وهو: من طلوع شمسه إلى زوالها.
وعلم أن من ترك الوقوفين جميعا فقد بطل حجه، سواء كان ذلك
عن عمد أو نسيان أو جهل، ويدل عليه إجماع علماء الإسلام، وأخبار نفي
الحج عن أصحاب الأراك (1) وعمن فاتته المزدلفة.
ولو أدرك شيئا من الوقوفين فأقسامه - بالنسبة إلى انقسام كل منهما
إلى الاختياري والاضطراري - ثمانية.
ولو جعل الوقوف الليلي للمشعر قسما على حدة تصير الأقسام أحد
عشر، خمسة مفردة، وهي: اختياري عرفة، واضطراريها، واختياري
المشعر، وليلته، واضطراريه، وستة أخرى مركبة من هذه الخمسة:
الاختياريان، والاضطراريان، واختياري كل مع اضطراري الآخر، واختياري
عرفة مع ليلي المشعر، واضطراريها معه.
ونحن نذكر حكم كل منها بالنسبة إلى صحة الحج وعدمه، وحكم
التارك للبعض عمدا وغير عمد بالتفصيل، فنقول:
الأول: أن يدرك اختياري عرفة خاصة، فعن الشهيد الثاني صحة
الحج (2)، وهو مذهب صاحب الجامع والمحقق في الشرائع والفاضل في

(1) انظر الوسائل 13: 551 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 10 و 11، الوسائل 13:
532 أبواب إحرام الحج ب 10 ح 3، 6، 7 و 11.
(2) المسالك 1: 114.
251

الإرشاد والتبصرة والشهيد في الدروس واللمعة (1)، بل نسبه جماعة إلى
المشهور، منهم: المحدث المجلسي والجزائري وشارح المفاتيح، وفي
الذخيرة والكفاية: أنه المعروف بين الأصحاب (2)، ونفى عنه الشهيد الثاني
الخلاف كالتنقيح (3)، بل ظاهر المختلف والدروس أيضا - كما قيل (4) - نفي
الخلاف عنه، وفي شرح المفاتيح: حكى عن بعضهم الاجماع عليه.
واختار الفاضل في المنتهى: عدم الصحة (5)، وتبعه في المدارك
والمفاتيح من المتأخرين (6)، وتردد في التذكرة والتحرير (7)، إلا أنه صرح في
التحرير ثانيا بالصحة كما حكي عنه (8)، بل حكي مثل ذلك عن المنتهى أيضا (9).
حجة الأول: ما اشتهر من النبوي من أن: (الحج عرفة) (10)، وما في
بعض أخبارنا الحسنة: (الحج الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار) (11).
وصحيحة حريز كما في الفقيه: (من أفاض من عرفات مع الناس ولم
يلبث معهم بجمع ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة) (12).

(1) الجامع للشرائع: 220، الشرائع 1: 254، الإرشاد 1: 330، التبصرة: 71،
الدروس 1: 425، اللمعة (الروضة 2): 278.
(2) الذخيرة: 658، كفاية الأحكام: 69.
(3) الشهيد الثاني في المسالك 1: 113، التنقيح 1: 480.
(4) انظر الرياض 1: 385.
(5) المنتهى 2: 728.
(6) المدارك 7: 405، 406، المفاتيح 1: 348.
(7) التذكرة 1: 375، التحرير 1: 103.
(8) حكاه عنه في الرياض 1: 385.
(9) كما في الرياض 1: 385.
(10) سنن الدارمي 2: 59.
(11) الكافي 4: 264 / 1، الوسائل 13: 550 أبواب إحرام الحج ب 19 ح 9.
(12) الكافي 4: 473 / 6، الفقيه 2: 283 / 1388، التهذيب 5: 294 / 996، الوسائل
14: 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 26 ح 1، وهي مروية في الكافي والتهذيب عن
علي بن رئاب عن حريز، وفي الفقيه والوسائل عن علي بن رئاب فقط.
252

ورواية محمد بن يحيى: في رجل لم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها
حتى أتى منى، فقال: (ألم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟) قلت:
فإنه جهل ذلك، قال: (يرجع)، قلت: إن ذلك قد فاته، قال: (لا بأس) (1).
ومرسلة الخثعمي: فيمن جهل ولم يقف بالمزدلفة ولم يبت بها حتى
أتى منى، قال: (يرجع)، قلت: إن ذلك فاته، قال: (لا بأس) (2).
ودليل الثاني: عدم الاتيان بالمأمور به، ورواية الحلبيين المتقدمة،
ورواية محمد بن سنان: (فإن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة
مفردة ولا حج له) (3)، ومفهوم المعتبرة من الصحاح وغيرها، المصرحة:
بأن من أدرك جمعا - إما مطلقا، أو قبل زوال الشمس - فقد أدرك الحج (4).
أقول: الثلاثة الأولى من أدلة القول الأول وإن كانت قاصرة، لعدم
ثبوت الأولى من طرقنا، وعدم دلالتها على المطلوب لو ثبت، لكون
الاطلاق مجازا قطعا وتعدد المجازات.
ومنه يظهر ضعف دلالة الثانية.
وعدم (5) استلزام وجوب البدنة لصحة الحج، وكذا السكوت عن

(1) الكافي 4: 473 / 5، التهذيب 5: 293 / 993، الإستبصار 2: 305 / 1091،
الوسائل 14: 47 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 6، بتفاوت.
(2) التهذيب 5: 292 / 992، الإستبصار 2: 305 / 1090، الوسائل 14: 46
أبواب الوقوف بالمشعر ب 25 ح 5.
(3) التهذيب 5: 290 / 984، الإستبصار 2: 303 / 1082، الوسائل 14: 38
أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 4.
(4) انظر الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23.
(5) هذا بيان وجه قصور الثالثة.
253

بطلان الحج، مضافا إلى أعمية ترك اللبث مع الناس عن ترك اللبث مطلقا.
ولكن دلالة الأخيرتين تامة، وضعف سندهما - لو كان - بالشهرة
مجبور، وهما أخصان مطلقا من جميع أدلة الثاني..
لا لما قيل من عمومها بالنسبة إلى إدراك اختياري عرفة وعدمه (1)،
لأنهما أيضا كذلك، والتخصيص الخارجي لا يفيد في التعارض، كما بينا
وجهه في موضعه.
بل لعمومها بالنسبة إلى الجاهل باختياري المشعر وغيره واختصاصهما
بالجاهل، فيجب تخصيصها بهما كما تخصصان بمن أدرك عرفة بما يأتي.
وهما وإن اختصتا بالجاهل، إلا أنه يلحق به الناسي والمضطر أيضا
بعدم القول بالفصل.
وأما العامد فلا ينبغي الريب في بطلان حجه، لعدم إتيانه بالمأمور
به، وعدم دليل له على الاجتزاء أصلا يقابل ما مر من أدلة القول الثاني.
فإذن الحق هو القول الأول بالنسبة إلى الجاهل وأخويه، والثاني
بالنسبة إلى العامد، والظاهر أن غير العامد أيضا مراد من حكم بصحة الحج
هنا.
الثاني: أن يدرك اضطراري عرفة خاصة، ففي الدروس: أنه غير
مجز قولا واحدا (2)، وكذا في المفاتيح (3)، وفي الذخيرة: أنه لا أعرف فيه
خلافا (4)، ونقل بعضهم عن جماعة الاجماع عليه (5)، إلا أن في شرح

(1) انظر الرياض 1: 385.
(2) الدروس 1: 426.
(3) المفاتيح 1: 348.
(4) الذخيرة: 659.
(5) انظر الرياض 1: 385.
254

المفاتيح نسبه إلى المشهور، وهو مؤذن بالخلاف فيه، ولعله نظر إلى إطلاق
كلام الإسكافي (1).
ومقتضى ما ذكرنا من الاستدلال للصحة في الأول الصحة في الثاني
أيضا، إلا أن شذوذ القول بها هنا أوجب عدم حجية الروايتين بالنسبة إليه،
فالوجه عدم الصحة لا للعامد ولا لغيره.
الثالث: أن يدرك ليلة المشعر خاصة، قال في الذخيرة: الظاهر أنه لا
يصح حجه، لعدم الاتيان بالمأمور به، وعدم الدليل على الصحة.
وحكي عن الشهيد الثاني القول بالصحة، لصحة حج من أدرك
اضطراري المشعر بالنهار، فهذا يصح بالطريق الأولى، لأن الوقوف الليلي
فيه شائبة الاختياري، للاكتفاء به للمرأة اختيارا، وللمضطر، وللمتعمد
مطلقا مع الجبر بشاة (2).
وظاهر المدارك التردد (3).
أقول: الظاهر عدم الاجزاء لمن ترك عرفة عمدا والاجزاء لغيره
مطلقا، سواء كان ممن رخص له الإفاضة قبل الفجر مطلقا أو مع عذر أولا،
وسواء أفاض قبل الفجر عمدا أو اضطرارا.
أما الحكم الأول فلمعارضة عمومات نفي الحج عن أصحاب
الأراك (4) مع عمومات إدراك الحج بإدراك مزدلفة (5) بالعموم من وجه، ولا
مرجح، فيرجع إلى قاعدة عدم الصحة، لعدم الاتيان بالمأمور به.

(1) حكاه عنه في المختلف: 301.
(2) الذخيرة: 659.
(3) انظر المدارك 7: 406، 407، 426.
(4) الوسائل 13: 531، أبواب إحرام الحج ب 10.
(5) الوسائل 14: 45 أبواب الوقوف بالمشعر ب 25.
255

ويدل عليه أيضا صريح صحيحة الحلبي (1) المتقدمة في المسألة
الرابعة من أحكام الوقوف بعرفة، المصرحة: بأنه إن كان يتمكن من إدراك
اضطراري عرفة ولم يدركه لم يتم حجه، وإذا كان كذلك بالنسبة إلى
الاضطراري فالاختياري أولى بالحكم.
وأما الحكم الثاني فلصحيحة الحلبي المذكورة، وسائر الأخبار (2) المتقدمة
في تلك المسألة، المصرحة: بأن من فاتته عرفات ووقف بالمشعر الحرام أو
أقام به أو أدرك الناس به تم حجه، فإنها بإطلاقها شاملة لما نحن فيه وأخص
مطلقا من عمومات أصحاب الأراك، والتخصيص بما بين الطلوعين لا وجه له.
وتؤيده مطلقات من أدرك المشعر فقد أدرك الحج منطوقا أو مفهوما،
وإنما جعلناها مؤيدة لامكان الدخل فيها بأن المتبادر من إدراك المشعر
ونحوه غير الكون به، بل المراد إدراك أمر فيه، فهو إما إدراك وقوفه
الشرعي، أو في وقت خاص، أو جمع خاص، أو غيره، فيكون الكلام
مقتضيا، ومقتضاه غير معلوم، ولا قدر مشترك له يقينا بحيث يشمل
المورد، فيدخله الاجمال المنافي للاستدلال.
الرابع: أن يدرك اختياري المشعر فيما بين الطلوعين خاصة، وحجه
صحيح - بالاجماع والأخبار (3)، كما مر في المسألة الرابعة من أحكام
الوقوف بعرفات - إذا لم يكن ترك عرفة عمدا، وإلا فلا يصح كما مر.
الخامس: أن يدرك اضطراري المشعر النهاري خاصة، فإن كان ترك

(1) التهذيب 5: 289 / 981، الإستبصار 2: 301 / 1076، الوسائل 14: 36
أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.
(2) الوسائل 14: 35، 36 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22 ح 1، 2، 3، 4.
(3) الوسائل 13: 548 أبواب إحرام الحج ب 19.
256

عرفة عمدا فحجه باطل، لما مر، وإن كان اضطرارا ففيه خلاف:
فالمشهور بين الأصحاب فتوى - كما صرح به جماعة (1) - عدم صحة
الحج، بل وكذلك رواية على ما ذكره المفيد، قال: الأخبار بعدم إدراك
الحج به متواترة، وجعل القول المخالف رواية نادرة (2)، بل عليه الاجماع
في المختلف كما قيل (3).
وفي الغنية والتنقيح: لا خلاف في عدم إجزاء اضطراري عرفة، وأن
ابن الجنيد إنما قال بإجزاء اضطراري جمع لا غير، وبه قال أيضا الصدوق،
وعلى التقديرين فالاجماع منعقد اليوم على عدم إجزاء واحد من
الاضطراريين، لانقراض ابن الجنيد ومن قال بمقالته (4). انتهى.
ونقل في المدارك الاجماع عن المنتهى أيضا (5)، ولم أجده فيه، بل ما
وجدته فيه أنه قال: أما لو أدرك أحد الاضطرايين خاصة، فإن كان المشعر
صح حجه على قول السيد وبطل على قول الشيخ، وتؤيد قول السيد روايتا
عبد الله بن المغيرة الصحيحة (6) وجميل الحسنة (7) عن أبي عبد الله عليه السلام، لكن
الشيخ تأولهما بتأويلين بعيدين. انتهى (8).

(1) انظر الرياض 1: 385.
(2) المقنعة: 431.
(3) حكاه عنه في كشف اللثام 1: 358، وانظر المختلف: 301.
(4) التنقيح 1: 481.
(5) المدارك 7: 406.
(6) التهذيب 5: 291 / 989، الإستبصار 2: 304 / 1086، الوسائل 14: 39 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.
(7) الكافي 4: 476 / 3، التهذيب 5: 291 / 988، الوسائل 14: 40 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.
(8) المنتهى 2: 728، وليس فيه: لكن الشيخ تأولهما بتأويلين بعيدين.
257

وذهب الصدوق في العلل إلى الاجتزاء به (1)، وهو قول الإسكافي (2)،
والظاهر من كلام السيد والحلبي (3)، واختاره الشهيد الثاني وصاحب
المدارك من المتأخرين (4).
وقال الشهيد الأول في نكت الإرشاد: ولعل الأقرب إجزاؤه، ثم قال:
ولولا أن المفيد نقل أن الأخبار الواردة بعدم الاجزاء متواترة، وأن الرواية
بالاجزاء نادرة، لجعلناه أصح لا أقرب (5). إنتهى.
والأقوى عندي هو القول المشهور، لنا: صحيحة حريز: عن رجل
مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال: (له إلى طلوع الشمس من يوم
النحر، فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج، ويجعلها عمرة،
وعليه الحج من قابل) (6).
ومثلها الأخرى، إلا أنه زاد في آخرها: قال: قلت: كيف يصنع؟
قال: (يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة، وإن شاء أقام بمكة،
وإن شاء أقام بمنى مع الناس، وإن شاء ذهب حيث شاء، ليس من
الناس في شئ) (7)، وبمضمونها رواية إسحاق بن عبد الله (8) وصحيحة

(1) علل الشرائع: 451.
(2) حكاه عنه في المختلف: 301.
(3) السيد في الإنتصار: 96، الحلبي في الكافي: 197.
(4) الشهيد الثاني في الروضة 2: 278، المدارك 7: 407.
(5) غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 443.
(6) التهذيب 5: 291 / 986، الإستبصار 2: 304 / 1084، الوسائل 14: 37
أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 1.
(7) التهذيب 5: 480 / 1704، الوسائل 14: 50 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27
ح 4، بتفاوت يسير.
(8) التهذيب 5: 290 / 985، الإستبصار 2: 303 / 1083، الوسائل 14: 38
أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 5.
258

الحلبي (1) المتقدمة في رابعة وقوف عرفات.
ولا يضر قوله فيها أخيرا: (فإن لم يدرك المشعر الحرام) إلى آخره،
لأن المتبادر منه - بعد سبق قوله: (إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع
الشمس) - أنه إن لم يدركه قبل الطلوع، كما لا يخفى.
ورواية ابن سنان: عن الذي إذا أدركه الانسان فقد أدرك الحج، قال:
(إذا أتى جمعا والناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج
ولا عمرة له، وإن أدرك جمعا بعد طلوع الشمس فهي عمرة مفردة ولا حج
له، فإن شاء أن يقيم بمكة أقام، وإن شاء أن يرجع إلى أهله رجع وعليه
الحج من قابل) (2)، ومثلها رواية محمد بن الفضيل (3).
وصحيحة ضريس: عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ
مكة إلا يوم النحر، فقال: (يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل
مكة، ويطوف ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله
إن شاء)، وقال: (هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه، فإن لم يكن
اشترط فإن عليه الحج من قابل) (4).
ورواها الصدوق أيضا كذلك، إلا أنه زاد فيها - بعد قوله: (ويحلق

(1) التهذيب 5: 289 / 981، الإستبصار 2: 301 / 1076، الوسائل 14: 36 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 22 ح 2.
(2) التهذيب 5: 294 / 997، الإستبصار 2: 306 / 1094، الوسائل 14: 38
أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 4.
(3) التهذيب 5: 291 / 987، الإستبصار 2: 304 / 1085، الوسائل 14: 38 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 23 ح 3.
(4) التهذيب 5: 295 / 1001، الإستبصار 2: 308 / 1098، الوسائل 14: 49
أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 2.
259

رأسه): (ويذبح شاته) (1).
وحمل الحج المنفي في هذه الأخبار على ا لحج الكامل والأمر بجعلها
عمرة على الاستحباب فاسد، لمنافاته لفورية الحج، التي هي إجماع من
المسلمين، وغير مناسب لقوله: (ليس من الناس في شئ)، ولقوله: (هي
عمرة مفردة)، ولسؤال السائل في كثير منها.
وكذا حمل تلك الأخبار على من ترك الموقفين اختيارا، إذ المختار
في ترك عرفة ليس له الحج إلى طلوع الشمس أيضا، مع أنها ظاهرة كلا في
المضطر.
واحتج المخالف بصحيحة ابن المغيرة: جاءنا رجل بمنى فقال: إني
لم أدرك الناس بالموقفين جميعا، فقال له عبد الله بن المغيرة: فلا حج له،
وسأل إسحاق بن عمار فلم يجبه، فدخل إسحاق على أبي الحسن عليه السلام
فسأله عن ذلك، فقال: (إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس
يوم النحر فقد أدرك الحج) (2).
وصحيحة جميل: (من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل أن
تزول الشمس فقد أدك الحج) (3)، ونحوها صحيحته الأخرى (4)، وموثقة
إسحاق (5).

(1) الفقيه 2: 243 / 1160.
(2) التهذيب 5: 291 / 989، الإستبصار 2: 304 / 1086، الوسائل 14: 39
أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 6.
(3) الكافي 4: 376 / 3، التهذيب 5: 291 / 988، الإستبصار 2: 304 / 1087،
الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 9.
(4) العلل: 450 / 1، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 8.
(5) الكافي 4: 476 / 4، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.
260

وصحيحة أخرى لجميل: (المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من
عرفة، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر) (1).
وصحيحة ابن عمار: (إذا أدركت الزوال فقد أدركت الموقف) (2).
وصحيحة هشام بن الحكم: (من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة
من الناس فقد أدرك الحج) (3)، ونحوها موثقة أخرى لإسحاق (4).
ومرسلة ابن أبي عمير: (تدري لم جعل ثلاث هنا؟) قال: قلت: لا،
قال: (من أدرك شيئا منها فقد أدرك الحج) (5).
وموثقة الفضل بن يونس: عن رجل عرض له سلطان فأخذه يوم
عرفة قبل أن يعرف، فبعث به إلى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى
سبيله، كيف يصنع؟. قال: (يلحق بجمع ثم ينصرف إلى منى ويرمي
ويذبح ولا شئ عليه)، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال:
(هذا مصدود من الحج، إن كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف
بالبيت أسبوعا ثم يسعى أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة، وإن دخل مكة
مفردا للحج فليس عليه ذبح ولا شئ عليه ولا حلق) (6).
والجواب: بعدم دلالة صحيحة ابن عمار وما يتعقبها من الأخبار

(1) التهذيب 5: 171 / 569، الإستبصار 2: 247 / 864، الوسائل 11: 295
أبواب أقسام الحج ب 20 ح 15.
(2) الفقيه 2: 243 / 1165، الوسائل 14: 42 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 15.
(3) الكافي 4: 476 / 5، الفقيه 2: 243 / 1161، الوسائل 14: 40 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 23 ح 10.
(4) الفقيه 2: 234 / 1164، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.
(5) الكافي 4: 476 / 6، الوسائل 14: 41 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23 ح 11.
(6) الكافي 4: 371 / 8، التهذيب 5: 465 / 1623، الوسائل 13: 183 أبواب
الاحصار والصد ب 3 ح 2.
261

أصلا..
أما الصحيحة، فلعدم دلالتها إلا على إدارك الموقف بإدراك الاضطراري،
ولا كلام فيه.
وأما صحيحة هشام والموثقة التي بعدها، لأن قوله: (وعليه خمسة)
قرينة ظاهرة على أن المراد إدراكه قبل طلوع الشمس، لأنه الوقت الذي
يكون فيه الناس، ولأنه لا فائدة ظاهرا لهذا القيد إلا كون الوقوف قبل
الطلوع، حيث إن بعده يفيض الناس عنه.
وأما المرسلة، فلعدم معلومية المشار إليه بقوله: (هنا)، بل الظاهر
من مرسلته الأخرى أنه إشارة إلى منى، فإن فيها: (أتدري لم جعل المقام
ثلاثا بمنى؟) الحديث (1)، فيكون المراد: أيام الوقوف بمنى ثلاثة.
وأما الموثقة الأخيرة، فلأن الظاهر من قوله: (يلحق بجمع) اللحوق
بالناس، الذي يكون قبل الطلوع.
وأما البواقي، فهي أعم مطلقا مما مر من أخبار عدم الاجزاء، لأن
هذه الأخبار كلا أعم من إدراك اضطراري عرفات، بل من اختياريها أيضا
حتى الأولى، لأن الظاهر من قوله فيها: (لم يدرك الموقفين جميعا) أنه لم
يدركهما معا، وما مر أكثره مخصوص بمن لم يدرك عرفة أصلا، فيجب
تخصيص الثانية بالأولى.
بل لأخبار الاجزاء عموم آخر أيضا، لشمول قبل الزوال لما قبل
طلوع الشمس أيضا.
هذا، مع ما في صحيحة جميل الأخيرة من عدم الدلالة أيضا، لأنه إذا

(1) التهذيب 5: 481 / 1706، العلل: 450 / 1، الوسائل 14: 39 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 23 ح 7.
262

قيل: إدراك الأمر الفلاني إلى هذا الوقت، معناه: أنه يدركه إذا أدرك من
الوقت قدرا يتمكن فيه من العمل بما هو لازم ذلك الأمر، كما في المتعة،
حيث يشترط إدراك ما قبل الزوال بقدر يطوف ويسعى ويقصر.
والحاصل: أنه إذا جعل عمل مغيى بغاية يكون قبل الغاية ظرفا
للعمل، بمعنى: أن قبلها وقت له وإن كان بعض أجزاء الوقت ظرفا لبعض
أجزاء العمل، ولا يلزم أن يكون كل جزء ظرفا لجميع أجزاء العمل.
ومما ذكرنا ظهر فساد ما قيل من رجحان أخبار الاجزاء بمخالفة
العامة، حيث إنهم يقولون بفوات الحج بفوات عرفات، فإن الرجوع إلى
المرجحات إنما هو في التعارض بالتساوي أو العموم من وجه، مع أن
أخبار عدم الاجزاء صريحة في إدراك الحج بعد طلوع الفجر، وهذا أيضا
مخالف للعامة.
وأما الست المركبات:
الأول: أن يدرك الاختياريين، ودرك الحج به ضروري.
والثاني: أن يدرك اختياري عرفة مع ليلي المشعر خاصة ولم يدرك
نهاريه أصلا ولو عمدا، وذلك أيضا كالأول عند الأكثر، وهو الأصح، لما
عرفت من إجزاء إداركه فقط، فكيف إذا كان مع غيره؟!
وبما مر من أدلته يخرج في صورة العمد عن تحت القاعدة
المتقدمة (1).
نعم، لو ترك ما بين الطلوعين عمدا يكون آثما، لتركه الواجب،
وكانت عليه شاة أو بدنة على ما مر.

(1) في ص: 221.
263

الثالث: أن يدرك اختياري عرفة مع اضطراري المشعر في النهار،
فإن كان ترك اختياري المشعر عمدا بطل حجه إجماعا على الظاهر،
وللقاعدة المتقدمة.
ولا يفيد منطوق مطلقات: (من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد
أدرك الحج)، لمعارضتها مع منطوق مطلقات: (من أدركه بعد طلوع
الشمس فلا حج له)، ومفهوم مطلقات: (من أدركه وعليه خمسة من الناس
فقد أدرك الحج)، فيرجع إلى الأصل، مع أن الأخيرة أخص مطلقا من
الأولى.
وإن كان اضطرارا صح حجه اتفاقا، كما عن المنتهى والتذكرة (1)،
وفي التنقيح (2) وغيره (3) بلا خلاف، لما عرفت من صحته بإدراك اختياري
عرفة خاصة، فكيف إذا كان مع اضطراري المشعر؟!
مضافا إلى المستفيضة المتقدمة في تعيين الوقت الثالث للأوقات
الثلاثة في المشعر.
الرابع: أن يدرك اضطراري عرفة مع ليلية المشعر، فإن كان ترك
اختياري عرفة عمدا بطل حجه، لما مر في بحث وقوف عرفة من الاجماع
والقاعدة والأخبار.
ولا يعارضها عموم: (من أدرك المشعر فقد أدرك الحج)، لمخالفته
في المورد للاجماع، ومعارضته لصحيحة الحلبي (4) - المصرحة: بأن

(1) المنتهى 2: 727، التذكرة 1: 375.
(2) التنقيح 1: 482.
(3) كالحدائق 16: 435.
(4) التهذيب 5: 287 / 976، الإستبصار 2: 302 / 1079، الوسائل 13: 551
أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب 19 ح 10.
264

أصحاب الأراك لا حج لهم - بالعموم من وجه، الموجبة للرجوع إلى
القاعدة.
وإن كان لا عن عمد صح حجه بالاجماع ظاهرا، لما مر من الصحة
مع إدراك الليلية وحدها، فمع اضطراري عرفة بطريق أولى.
الخامس: أن يدرك اضطراري عرفة مع اختياري المشعر ويصح
حجه إجماعا، ووجهه ظاهر مما مر، إلا إذا كان تاركا لاختياري عرفة
عمدا، فيبطل حجه، لما سبق.
السادس: أن يدرك الاضطراريين من غير تعمد ترك أحد
الاختياريين، والأقوى: صحة الحج، وفاقا للشيخ والصدوق والسيد
والإسكافي والحلبيين والمحقق وأكثر كتب الفاضل (1)، وأكثر المتأخرين (2)،
بل الأكثر مطلقا كما قيل (3)، لصحيحة الحسن العطار (4).
وأما العمومات - المتضمنة ل‍: (أن من لم يدرك الناس بمشعر قبل
طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له) (5) الشاملة بعمومها لمحل النزاع -
فإنها معارضة لمثلها من العمومات القائلة ب‍: (أن من أدرك المشعر قبل

(1) الشيخ في النهاية: 273، الصدوق في العلل: 451، السيد في الإنتصار: 90،
حكاه عن الإسكافي في المختلف: 301، أبو الصلاح في الكافي: 197، ابن زهرة
في الغنية (الجوامع الفقهية): 508، المحقق في الشرائع 1: 254، الفاضل في
المنتهى 2: 728.
(2) كصاحب المدارك 7: 406 السبزواري في الذخيرة: 658، الفاضل الهندي في
كشف اللثام 1: 358.
(3) انظر الحدائق 16: 411.
(4) التهذيب 5: 292 / 990، الإستبصار 2: 305 / 1088، الوسائل 14: 44
أبواب الوقوف بالمشعر ب 24 ح 1.
(5) الوسائل 14: 35 أبواب الوقوف بالمشعر ب 22.
265

زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحج) (1).
وتقييد الأخيرة بمن أدرك اختياري عرفة ليس بأولى من تقييد الأولى
بمن لم يدرك عرفة مطلقا ولو اضطراريها، بل الأخيرة أولى بوجوه كثيرة،
منها: شهادة صحيحة العطار له.
وأما لو ترك أحد الاختياريين فيبطل حجه، للقاعدة المشار إليها
مرارا، التي هي المرجع بعد تعارض العمومين المذكورين، وعدم شهادة
الصحيحة هنا.
فذلكة: قد علم مما ذكر بطلان الحج في صورتين من الصور
الإحدى عشرة، وهما: ما إذا أدرك أحد الاضطراريين خاصة، والصحة في
الصور التسع الباقية، وأن من ترك أحد الاختياريين عمدا أو أحد
الاضطراريين كذلك مع فوات اختياري ولولا عن عمد بطل حجه، إلا في
صورة واحدة، هي: ترك اختياري المشعر لمن أدرك ليليه.
المسألة السادسة: من فاته الحج بعد الاحرام بفوات أحد الموقفين
أو نحوه سقطت عنه بقية مناسكه من الهدي والرمي والمبيت بمنى والحلق
أو التقصير فيها، أو الموقف الثاني إن فات قبله، ويتحلل عن إحرامه بعمرة
مفردة مع الامكان، فيأتي بأفعالها ثم يتحلل بما يتحلل به المعتمر من الحلق
أو التقصير، وعليه الحج من قابل مع استقرار وجوبه في ذمته.
بإجماع العلماء المحقق والمحكي (2) في الأحكام الثلاثة.
مضافا في الأول - وهو سقوط بقية المناسك - إلى الأصل، فإن
وجوبها عليه إنما كان من حيث كونه حاجا، ومع فواته يتغير الموضوع.

(1) كما في الوسائل 14: 37 أبواب الوقوف بالمشعر ب 23.
(2) كما في الذخيرة: 660، الحدائق 16: 461، الرياض 1: 388.
266

وإلى موثقة الفضل المتقدمة في مسألة من أدرك اضطراري المشعر،
المصرحة بعدم وجوب الذبح والحلق عليه، وصحيحة حريز الثانية ورواية
إسحاق المتقدمتين فيها أيضا، والمصرحتين بأن له أن لا يقيم بمنى ويذهب
حيث شاء وأنه ليس من الناس في شئ.
وفي الثاني والثالث - وهما: التحلل بالعمرة المفردة والحج من قابل
مع الاستقرار - إلى غير الأولى من الأخبار المذكورة، وصحيحة حريز الأولى
وصحيحة ضريس وروايتي ابن سنان والفضيل، المتقدمة جميعا في المسألة
المذكورة، وصحيحة الحلبي المتقدمة في المسألة الرابعة من أحكام الوقوف
بعرفات، وصحيحتي ابن عمار:
الأولى: (أيما قارن أو مفرد أو متمتع قدم وقد فاته الحج فليحل
بعمرة وعليه الحج من قابل) (1).
والثانية: رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف، قال: (يقيم
مع الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها، فإذا انقضت طاف بالبيت
وسعى بين الصفا والمروة وأحل، وعليه الحج من قابل يحرم من حيث
أحرم) (2).
فروع:
أ: ظاهر أكثر الأخبار المتقدمة من جهة تضمنه لقول: (فهي عمرة)

(1) الفقيه 2: 284 / 1394، وفي الوسائل 14: 48 أبواب الوقوف بالمشعر ب 27
ح 1 بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 5: 295 / 999، الإستبصار 2: 307 / 1096، الوسائل 14: 50
أبواب الوقوف بالمشعر ب 27 ح 3.
267

أو: (يطوف ويسعى) انقلاب إحرامه عمرة قهرا من غير توقف على نية
الاعتمار، فلو أتى بأفعالها من غير نية العمرة لكفى، كما نقله في الذخيرة
عن موضع من القواعد وعن الدروس واختاره هو (1)، لما ذكر، ولأصالة
عدم وجوبها.
ولا ينافيها قوله في بعضها: (وليجعلها عمرة)، لأن المفهوم من هذا
الأمر الاتيان بأفعالها.
وعن التحرير والتذكرة والمنتهى: اعتبار النية (2)، للاستصحاب،
وقوله: (إنما الأعمال بالنيات)، وعدم وضوح دلالة نحو قوله: (فهي
عمرة) أو: (يطوف ويسعى) على الانقلاب القهري، لجواز أن يكون
المعنى: فالواجب عليه هذه الأمور، أو: أفعاله التي يجب عليه الاتيان بها
أفعال العمرة.
أقول: وإن أمكن الخدش في الاستصحاب، وفي دلالة: (إنما
الأعمال بالنيات)، وكذا في دلالة نحو قوله: (فهي عمرة) على القول
الأول، ولكن الانصاف أن المتبادر من الجعل عمرة: النقل إليها
بالاختيار، إما بالقصد، أو بأمر آخر اختياري مشعور به، وهو أيضا لا ينفك
عن قصدها، وإلا لم يكن جعلا منه، وهو ظاهر، فالحق هو: القول
الثاني.
ب: لو أراد من فاته الحج البقاء على إحرامه ليحج به لم يكن
ذلك له، كما صرح به جماعة، منهم: الفاضل والشهيد (3)، أما على

(1) الذخيرة: 660.
(2) التحرير 1: 124، التذكرة 1: 398، المنتهى 2: 728.
(3) الفاضل في التحرير 1: 124، الشهيد في الدروس 1: 427.
268

الانتقال القهري فظاهر، وأما على القول الآخر فلوجوب النقل إلى
العمرة المفردة - الموجب للنهي عن ضده، الموجب لفساد أفعال حج
الذي أتى بذلك الاحرام - ولتوقيفية العبادة، وعدم معلومية هذا النحو من
العبادة.
وعلى هذا، فلو بقي إلى السنة القابلة بذلك الاحرام وجب عليه إكمال
العمرة أولا، لأجل ذلك الوجوب، ثم الاتيان بما عليه من المناسك من
حج التمتع أو غيره. وكذا لو رجع إلى بلده وعاد.
ولو لم يمكنه العود كان له حكم المصدود عن أفعال العمرة وسيأتي،
ولا يجزئه الحج من قابل بذلك الاحرام ولا تبرأ ذمته، لأن الاحرام الباقي
عليه إما إحرام عمرة التمتع أو حجه أو حج آخر.
فإن كان الأول، لا يفيد ذلك التمتع لهذا الحج، لوجوب كونهما في
سنة واحدة كما مر.
وإن كان الثاني، لا يفيد هذا الحج لذلك التمتع، لذلك أيضا، وللأمر
المقتضي للنهي عن الضد الموجب لفساده كما سبق.
وإن كان الثالث، يكون فاسدا، لما مر من النهي.
ج: مقتضى ظواهر الأخبار المذكورة: وجوب الحج عليه من
قابل مطلقا، ومقتضى صحيحة ضريس المتقدمة: التفصيل بين
المشترط عند الاحرام فلا يجب عليه الحج مطلقا، وغير المشترط فيجب
كذلك.
وفي رواية الرقي: قدم اليوم قوم قد فاتهم الحج، فقال: (نسأل الله
العافية)، ثم قال: (أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة ويحلق،
وعليهم الحج من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم، وإن أقاموا حتى تمضي أيام
269

التشريق بمكة خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا منه واعتمروا
فليس عليهم الحج من قابل) (1).
ومقتضاها التفصيل بين المنصرف إلى بلده فلا يجب الاستدراك،
وغيره فيجب، إلا أن الأكثر قيدوه بما إذا كان الحج واجبا عليه، بل وجوبا
مستقرا مستمرا قبل عامه هذا، وإلا فحكموا باستحباب القضاء، بل في
الذخيرة: أنه لا أعرف خلافا بين الأصحاب في ذلك (2)، ونحوه في
غيره (3).
وقيد بعضهم عدم وجوب القضاء في المندوب بما إذا لم يكن
الفوات بتفريط منه (4)، وإلا فيجب القضاء مطلقا.
وذكر بعضهم أن هذا هو المشهور، فقال: إن المشهور عدم وجوب
استدراك الحج المندوب، إلا إذا كان فواته بتقصير منه فيتدارك وجوبا
في العام المقبل، ومال بعض الأصحاب إلى عدم وجوب القضاء في
المندوب مطلقا. انتهى.
وعلى هذا، فيكون وجوب القضاء على من استقر في ذمته ورجع
إلى بلده ولم يشترط إجماعيا نصا وفتوى، فلا كلام فيه، وكذا يكون عدم
وجوبه فيما إذا لم يستقر في ذمته واشترط ولم يرجع ظاهرا، لوجوب
تخصيص العمومات الأولى بالمقيدين الأخيرين.

(1) الكافي 4: 475 / 1، التهذيب 5: 295 / 1000، الوسائل 14: 50 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 27 ح 5، بتفاوت.
(2) الذخيرة: 660.
(3) كالرياض 1: 388.
(4) انظر الحدائق 16: 470.
270

وأما البواقي، فلو قطع النظر عن قول الأصحاب لوجب الحكم بوجوب
القضاء مطلقا، إلا أن مخالفة الشهرة العظيمة القديمة والجديدة مما يوهن الخبر
الصحيح، ولذلك يحكم بمقتضى الأصل في موارد مخالفة القوم في الوجوب،
وهو المندوب الفائت بغير التفريط، وبوجوب القضاء في غيره مطلقا.
د: يجوز لهذا الشخص التخلف عن الناس وإتيان مكة وإتمام عمرته
والرجوع إلى أهله، ويجوز له الإقامة بمنى معهم أيام التشريق وإتيان مكة معهم
وإتمام أمره، كما صرح به في أكثر الروايات المتقدمة، إلا أن المستحب له
إقامة منى أيام التشريق، لصحيحة ابن عمار الأخيرة المتقدمة في هذه المسألة.
ه‍: المشهور بين الأصحاب - كما صرح به غير واحد (1) - عدم
وجوب الهدي على ذلك الشخص، بل نسبوا القول بوجوبه والرواية
المتضمنة له إلى الشذوذ، وهو كذلك، للأصل المعتضد بخلو أكثر أخبار
المقام عن ذكره.
وعن الشيخ قول بوجوبه (2)، وقيل: إنه نقله عن بعض الأصحاب (3)،
وعن الدروس: نسبة إيجابه إلى الصدوقين أيضا (4).
واحتجوا له برواية الرقي المتقدمة، وصحيحة ضريس السابقة على
طريق الصدوق، وهما قاصرتان عن إفادة الوجوب، أما الثانية فظاهرة،
لمقام الجملة الخبرية، وأما الأولى فللفرق بين قوله: (أرى أن عليهم دم
شاة)، وقوله: (أرى عليهم أن يهريق)، فالأول ظاهر في الايجاب، وأما

(1) كما في المدارك 7: 437، والذخيرة: 660، والحدائق 16: 466.
(2) الخلاف 2: 375، 376.
(3) المدارك 7: 437.
(4) الدروس 1: 427.
271

الثاني - وهو عبارة الصحيحة - لم تثبت دلالته على الوجوب.
نعم، روى إسحاق بن عمار في الموثق: عن جارية لم تحض
خرجت مع زوجها وأهلها فحاضت، فاستحيت أن تعلم أهلها وزوجها
حتى قضت المناسك [وهي على تلك الحالة]، وواقعها زوجها، ورجعت
إلى الكوفة، فقالت لأهلها: كان من الأمر كذا وكذا، فقال: (عليها سوق
بدنة، وعليها الحج من قابل) (1).
إلا أنه يمكن أن لا يكون وجوب البدنة لما هو القدر المشترك بينها
وبين المورد من فوات الحج، بل لأمور أخر تميزت بها، من الاتيان
بالمناسك والوقاع في الاحرام وغيرهما، مع أن الظاهر عدم قول بوجوب
البدنة بخصوصها.
المسألة السابعة: يستحب للحاج حال كونه في المشعر التقاط
حصى الجمار منه، إجماعا محققا (2)، ومحكيا مستفيضا (3)، له، ولصحيحتي
ابن عمار (4) وربعي (5): (خذ حصى الجمار من جمع، وإن أخذته من
رحلك بمنى أجزأك).
ورواية زرارة: عن الحصى التي يرمى بها الجمار، قال: (تؤخذ من

(1) الكافي 4: 450 / 1، الفقيه 2: 241 / 1151، التهذيب 5: 475 / 1676،
الوسائل 13: 140 أبواب كفارات الاستمتاع ب 19 ح 1، بدل ما بين المعقوفين في
النسخ: وهو على تلك، وما أثبتناه من المصادر.
(2) انظر الرياض 1: 289.
(3) انظر الرياض 1: 289.
(4) الكافي 4: 477 / 1، التهذيب 5: 195 / 650، الوسائل 14: 59 أبواب رمي جمرة
العقبة ب 4 ح 2.
(5) الكافي 4: 477 / 3، التهذيب 5: 196 / 651، الوسائل 14: 31 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 18 ح 1.
272

جمع، وتؤخذ بعد ذلك من منى) (1).
ثم إنها سبعون حصاة، وهي العدد الواجب، ولو التقط أزيد منه
احتياطا - حذرا من سقوط بعضها أو عدم إصابته - فلا بأس.
فروع:
أ: هذا على سبيل الاستحباب، ويجوز أخذها من غير المشعر
إجماعا ونصا، كما مر ويأتي، إلا أنه يجب أن يكون من أرض الحرم من
أي جهاتها شاء، بلا خلاف أجده.
وتدل عليه صحيحة زرارة: (حصى الجمار إن أخذته من الحرم
أجزأك، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك)، قال: وقال: (لا ترم
الجمار إلا بالحصى) (2).
وموثقة حنان: (يجوز أخذ الحصى من جميع الحرم، إلا من المسجد
الحرام ومسجد الخيف) (3).
ومرسلة حريز: من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال: (لا تأخذه
من موضعين: من خارج الحرم، ومن حصى الجمار، ولا بأس بأخذه من
سائر الحرم) (4).

(1) الكافي 4: 477 / 2، الوسائل 14: 31 أبواب الوقوف بالمشعر ب 18 ح 2.
(2) الكافي 4: 477 / 5، التهذيب 5: 196 / 654، الوسائل 14: 32 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 19 ح 1.
(3) الكافي 4: 478 / 8، التهذيب 5: 196 / 652، الوسائل 14: 32 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 19 ح 2.
(4) الكافي 4: 478 / 9، التهذيب 5: 196 / 653، الوسائل 14: 32 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 19 ح 3.
273

ويستثنى من الحرم: المسجد الحرام ومسجد الخيف، فلا يجوز
الأخذ منهما، للموثقة المتقدمة.
ولم يستثن القدماء - على ما في الدروس - سوى المسجدين (1)، بل
في المختلف التصريح بالجواز من غيرهما عن الصدوق والشيخ والحلبي
والحلي وابن حمزة (2)، بل ظاهر التذكرة والمنتهى: الاجماع عليه (3)، وإن كان
فيهما بعد ذلك الاجماع نسبة التعدي إلى سائر المساجد إلى بعض علمائنا.
واستثنى جماعة - منهم: الجامع والنافع والشرائع والقواعد - سائر
المساجد أيضا (4)، ولم يذكروا دليلا عليه بخصوصه.
نعم، ينبغي البناء فيه على النهي عن إخراج حصى المساجد وعدمه،
فيحرم على الأول دون الثاني.
وعلى الأول، فهل يفسد العمل؟
قيل: نعم، للنهي الموجب للفساد (5).
ورد: بأن غايته فساد الالتقاط دون الرمي (6).
وأجيب (7): بوجوب الإعادة فورا، ومقتضاه النهي عن أضداده أيضا،
ومنها الرمي.
وهو حسن لو ثبتت الفورية المدعاة، مع أن في فساد الضد المنهي

(1) الدروس 1: 428.
(2) المختلف: 303.
(3) التذكرة 1: 375، المنتهى 2: 728.
(4) الجامع للشرائع: 209، المختصر النافع: 88، الشرائع 1: 257، القواعد 1: 87.
(5) انظر المختلف: 303.
(6) انظر كشف اللثام 1: 359، الرياض 1: 389.
(7) كما في الرياض 1: 389.
274

عنه - الذي تعلق [به] (1) أمر آخر ولو موسع - كلاما بيناه في الأصول.
ثم إن المراد بحصى الحرم - كما هو المتبادر - هو: المتكون فيه أو ما
لم يعلم نقله إليه من غيره، فلا يكفي ما علم أنه نقل إليه من غيره ولو بمدة
قبل ذلك.
ب: يجب أن تكون الحصاة أبكارا - أي غير مرمي بها رميا صحيحا -
إجماعا محققا، ومحكيا عن الخلاف والغنية والجواهر وفي المدارك
والمفاتيح وشرحه (2)، وفي الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب (3)،
وهو الحجة فيه المؤيدة بمرسلة حريز المتقدمة.
ومرسلة الفقيه: (ولا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمي) (4).
وفي رواية عبد الأعلى: (ولا تأخذ من حصى الجمار) (5).
ج: يجب أن يكون مما يصدق عليه الحصى، وفاقا للأكثر، كما في
التحرير والمنتهى (6)، لأنه المأمور به، وفي صحيحة زرارة المتقدمة النهي
عن الرمي بغيره.
وتجمعه أمور ثلاثة:
كونه حجرا، وجعله في الانتصار مما انفردت به الإمامية (7)، وظاهر

(1) ما بين المعقوفين، أضفناه لاستقامة المعنى.
(2) الخلاف 2: 343، الغنية (الجوامع الفقهية): 581، جواهر الفقه: 43، المدارك
7: 441، المفاتيح 1: 349.
(3) الذخيرة: 661.
(4) الفقيه 2: 285 / 1398، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5 ح 2.
(5) الكافي 4: 483 / 3، الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 5 ح 2.
(6) التحرير 1: 103، المنتهى 2: 730.
(7) الإنتصار: 105.
275

التذكرة والمنتهى الاجماع عليه (1)، فلا يجزئ المدر (2) والأجر (3) والخزف
والجوهر.
خلافا للمحكي عن الخلاف، فجوز بالجوهر والبرام (4) (5)، ولعله
لصدق الحجر، وهو في الأخير غير بعيد.
وأن لا يكون كبيرا يخرج عن اسم الحصى. خلافا للدروس (6).
وأن لا يكون صغيرا كذلك، والظاهر كفاية حصى الجص، لصدق الاسم.
وفي وجوب طهارة الحصى قولان - كما في الذخيرة (7) - وأقربهما:
العدم، للأصل السالم عن المعارض.
د: يستحب أن تكون ملتقطة، رخوة، برشاء، كحلية، منقطة بقدر الأنملة.
والمراد بالأول: أن تكون كل واحدة مأخوذة من الأرض منفصلة، ولا
تكون مكسورة من حجر، وتدل عليه رواية أبي بصير: (التقط الحصى ولا
تكسرن منه شيئا) (8).
وبالثاني: أن لا تكون صلبة.
وبالثالث: أن تكون فيه نقط تخالف لونه، كما نسب إلى المشهور (9)،

(1) التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729.
(2) المدر: قطع الطين الذي لا يخالطه رمل - مجمع البحرين 3: 479.
(3) الآجر: طبيخ الطين - لسان العرب 4: 11.
(4) البرام: الحجر المعروف بالحجاز واليمن - النهاية لابن الأثير 1: 121.
(5) الخلاف 2: 342.
(6) الدروس 1: 435.
(7) الذخيرة: 661.
(8) الكافي 4: 477 / 4، التهذيب 5: 197 / 657، الوسائل 14: 34 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 20 ح 3.
(9) نسبه في الرياض 1: 389.
276

وحكي عن الجوهري (1) وغيره (2)، أو خصوص نقط بيض، كما عن ابن
فارس (3)، أو ما فيه لون مختلط حمرة وبياضا وغيرهما، كما عن النهاية
الأثيرية (4)، أو مختلط بحمرة، كما عن المحيط (5)، أو ما فيه ألوان وخلط،
كما عن تهذيب اللغة (6).
وكيف ما كان، فتدل عليه وعلى سابقه صحيحة هشام بن الحكم:
(كره الصم منها)، وقال: (خذ البرش) (7)، والصم - جمع الأصم - وهو:
الصلب من الحجر.
وتدل على الثلاثة الأخيرة رواية البزنطي: (حصى الجمار تكون مثل
الأنملة، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء، خذها كحلية منقطة،
تخذفهن خذفا، تضعها على الابهام وتدفعها بظفر السبابة)، قال: (وارمها
من بطن الوادي واجعلهن عن يمينك كلهن، ولا ترم على الجمرة)، قال:
(وتقف عند الجمرتين الأوليين ولا تقف عند جمرة العقبة) (8).
ولا يخفى أن الأبرش على التفسير الأول يكون مساويا للمنقطة فيغني

(1) الصحاح 3: 995.
(2) كابن منظور في لسان العرب 6: 264.
(3) معجم مقاييس اللغة 1: 219.
(4) نهاية ابن الأثير 1: 118.
(5) المحيط 7: 360 - 331.
(6) تهذيب اللغة 11: 360 - 361.
(7) الكافي 4: 477 / 6، التهذيب 5: 197 / 655، الوسائل 14: 33 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 20 ح 1.
(8) الكافي 4: 478 / 7، التهذيب 5: 197 / 656، قرب الإسناد: 359 / 1282،
الوسائل 14: 33 أبواب الوقوف بالمشعر ب 20 ح 2 و ص 61 أبواب رمي جمرة
العقبة ب 7 ح 1 و ص 65 ب 10 ح 3، بتفاوت.
277

عنها، ولعله لذلك اقتصر الشيخ في التهذيب والفقيه والجمل على
البرش (1).
وعلى الثاني يكون أخص منها، وعلى البواقي يكون أعم، والله
أعلم.

(1) التهذيب 5: 196، الفقيه 2: 9، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 234.
278

الفصل الرابع
في نزول منى
وما فيها من المناسك والأفعال الثلاثة يوم النحر قبل النفر إلى مكة.
ولكونها ثلاثة - رمي جمرة العقبة، والهدي، والحلق أو التقصير - فهاهنا
مقدمة، وثلاثة أبحاث، وخاتمة.
أما المقدمة: ففي مقدمات نزول منى.
وهي أمور كلها مستحبة إلا اثنين:
أحدهما: الإفاضة من المشعر يوم النحر.
والثاني: نزول منى فيه، لتوقف الأفعال الواجبة في ذلك اليوم في
منى عليهما.
وأما المستحبات:
فمنها: ما مر من إفاضة الإمام من المشعر بعد طلوع الشمس،
وإفاضة غيره قبله بقليل.
ومنها: أن لا يتجاوز عن وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس، وفاقا
للسرائر والشرائع والنافع والمختلف والتذكرة والمنتهى (1)، لصحيحة هشام بن
الحكم (2)، المتقدمة في مستحبات الغدو إلى عرفات، القاصرة عن إفادة

(1) السرائر 1: 586، 589، الشرائع 1: 253، النافع: 88، المختلف: 297،
التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729.
(2) الكافي 4: 470 / 6، التهذيب 5: 193 / 640، الوسائل 13: 25 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 15 ح 2.
279

التحريم، لاحتمال الجملة الخبرية.
وخلافا للمحكي عن صريح القاضي (1) وظاهر الأكثر، فيحرم، للصحيحة.
أقول: قد استدلوا لمرجوحية التجاوز عنه في الإفاضة من منى إلى
عرفات ومن المشعر إلى منى بهذه الصحيحة، وهو يتوقف على ثبوت جواز
هذا النحو من الاستعمال في المعنيين، وهو غير معلوم، ولذا ذكر بعضهم
الكراهة في الثاني خاصة (2).
وأورد في الكافي الصحيحة في الإفاضة من المشعر (3)، وفي التهذيب
في الإفاضة من منى (4)، ومع ذلك فالاستدلال بها على أحدهما أو كليهما
مشكل، إلا أن يكون النظر إلى كل من الاحتمالين المقتضي لرجحان
الاحتياط، ولكن الأمر فيه سهل، لكفاية فتوى الأصحاب في إثبات الاستحباب.
والمستحب عدم قطع الوادي بتمامه، لأنه المستفاد من الصحيحة
وظاهر الأكثر، وقد يقال باستحباب عدم قطع بعضه أيضا، بل قد يجعل
ذلك أحوط.
ومنها: أن يهرول ويسعى - أي يسرع في المشي - إن كان ماشيا
ويحرك دابته إن كان راكبا في وادي محسر بتمامه، كما هو صريح السرائر (5)
وظاهر الأكثر.
كما في صحيحة ابن عمار: (إذا مررت بوادي محسر - وهو: واد
عظيم بين جمع ومنى وهو إلى منى أقرب - فاسع فيه حتى تجاوزه، فإن

(1) المهذب 1: 254.
(2) السرائر 1: 589.
(3) الكافي 4: 468.
(4) التهذيب 5: 178.
(5) السرائر 1: 589.
280

رسول الله صلى الله عليه وآله حرك ناقته وقال: سلم لي عهدي، واقبل توبتي، وأجب
دعوتي، واخلفني فيمن تركت بعدي) (1).
ورواية عبد الأعلى: (إذا مررت بوادي محسر فاسع فيه) (2).
أو قدر مائة ذراع، كما في رواية عمر بن يزيد: (الرمل في وادي
محسر قدر مائة ذراع) (3).
أو مائة خطوة، كما في صحيحة محمد بن إسماعيل: (الحركة في
وادي محسر مائة خطوة) (4).
ومقتضى استدلالهم بصحيحة هشام في المسألة المتقدمة في المقامين
حكمهم باستحباب الهرولة أيضا فيهما لتلك الأخبار، لكن لم أجد بعد على
من ذكرها في الأول، بل صرح في المدارك بالاجماع على عدم استحبابها
فيه وكونه بدعة (5).
ولعله لما في صحيحة بن عمار: (وأفض حين يشرق لك ثبير) إلى
أن قال: (- فأفاض رسول الله صلى الله عليه وآله خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة،
فأفض بذكر الله والاستغفار وحرك به لسانك، فإذا مررت بوادي محسر)
إلى آخر ما مر في صحيحته (6)، حيث إنها صريحة في السعي في الثاني،

(1) الكافي 4: 470 / 3، الفقيه 2: 282 / 1384، التهذيب 5: 192 / 637،
الوسائل 14: 22 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 1.
(2) التهذيب 5: 195 / 648، الوسائل 14: 22 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 2.
(3) الكافي 4: 471 / 8، الوسائل 14: 23 أبواب الوقوف بالمشعر ب 13 ح 5.
(4) الكافي 4: 471 / 4، الفقيه 2: 282 / 1385، الوسائل 14: 23 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 13 ح 3.
(5) المدارك 7: 446.
(6) التهذيب 5: 192 / 637، العلل: 444 / 1، الوسائل 14: 26 أبواب الوقوف
بالمشعر ب 15 ح 5، بتفاوت يسير في العلل.
281

فحملوا عليه المطلقات أيضا.
ولو ترك الهرولة فيه حتى تعدى عن الوادي - بل حتى دخل مكة
أيضا - يستحب الرجوع والهرولة.
لصحيحة حفص بن البختري: سأل بعض ولده: (هل سعيت في
وادي محسر؟) فقال: لا، فأمره أن يرجع حتى يسعى، قال له ابنه: لا
أعرفه، قال: فقال له: (سل الناس) (1).
ومرسلة الحجال: مر رجل بوادي محسر فأمره أبو عبد الله عليه السلام بعد
الانصراف إلى مكة أن يرجع ويسعى (2) ونحوها مرسلة الفقيه (3).
والظاهر - كما هو مقتضى ترك الاستفصال في الصحيحة، ومفاد
إطلاق عبارات جمع من الطائفة - ثبوت العود للهرولة مطلقا.
سواء تركها نسيانا أو جهلا أو عمدا، وخص في النافع الناسي
بالذكر (4)، ولا وجه له.
ومنها: أن يقتصد في سيره بسكينة ووقار، ويفيض بالذكر
والاستغفار، كما مر في صحيحة ابن عمار.

(1) الكافي 4: 470 / 1، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 1
بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 470 / 2، التهذيب 5: 195 / 649 وليس فيه: إلى مكة، الوسائل
14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 2.
(3) الفقيه 2: 282 / 1387، الوسائل 14: 24 أبواب الوقوف بالمشعر ب 14 ح 2.
(4) المختصر النافع: 96.
282

البحث الأول
في رمي جمرة العقبة
ويقال لها: القصوى أيضا.
وهي أقرب الجمرات الثلاث إلى مكة، والخارج من مكة إلى منى
يصل أولا إليها في يسار الطريق، وهي منصوبة اليوم في جدار عظيم متصل
بتل بحيث تظهر جهتها الواحدة.
ورميها بالجمار في ذلك اليوم واجب، بلا خلاف يعلم، كما عن
التذكرة والمنتهى والذخيرة (1)، بل مطلقا كما في غيرها (2).
وأما ما وقع في بعض كلمات الشيخ - من أن الرمي سنة (3) - فأراد به
مقابل الفرض، بمعنى: ما ثبت وجوبه من الكتاب، صرح بذلك في
السرائر، ثم قال: لا خلاف عندنا في وجوبه ولا أظن أحدا من المسلمين
خالف فيه (4)، كذا قيل (5).
وفيه: أن قول صاحب السرائر ذلك إنما هو في مطلق الرمي بعد
الرجوع إلى منى، وأما رمي جمرة العقبة يوم النحر فقال فيه: وينبغي أن
يرمي يوم النحر جمرة العقبة (6). وظاهر ذلك الاستحباب كما لا يخفى.

(1) التذكرة 1: 376، المنتهى 2: 729، الذخيرة: 662.
(2) انظر كشف اللثام 1: 359.
(3) كما في الجمل والعقود (الرسائل العشر): 234.
(4) السرائر 1: 591.
(5) انظر المدارك 8: 6.
(6) السرائر 1: 606.
283

نعم، صرح بالاجماع فيه كما في شرح المفاتيح، بل لا يبعد أن
يكون الاجماع محققا عند التحقيق، وهو الحجة فيه مع التأسي..
وصحيحة ابن عمار: (خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى
التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها، وتقول
والحصى في يدك: اللهم إن هؤلاء حصياتي فاحصهن لي وارفعهن في
عملي، ثم ترمي وتقول مع كل حصاة: الله أكبر، اللهم ادحر عني الشيطان،
اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك صلى الله عليه وآله، اللهم اجعله لي حجا مبرورا
وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا، وليكن فيما بينك وبين الجمرة
قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، فإذا أتيت رحلك ورجعت من
الرمي فقل) إلى أن قال: (ويستحب أن ترمي الجمار على طهر) (1).
وفي صحيحته الأخرى الواردة في حج الرسول صلى الله عليه وآله بعد بيان نزوله
المشعر: (وعجل ضعفاء بني هاشم بليل وأمرهم أن لا يرموا الجمرة العقبة
حتى تطلع الشمس، فلما أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى، فرمى
جمرة العقبة) (2).
وفيها تصريح برمي جمرة العقبة يوم النحر، بل في الأولى أيضا،
حيث أمر به بعد أخذ الحصى وقبل سائر الأعمال.
وفي رواية زرارة: عن رمي الجمرة يوم النحر مالها ترمى وحدها ولا
يرمي من الجمار غيرها يوم النحر؟ فقال: (قد كن يومين كلهن ولكنهم
تركوا ذلك)، فقلت له: جعلت فداك، فأرميهن؟ قال: (لا ترمهن، أما

(1) الكافي 4: 478 / 1، التهذيب 5: 198 / 661، الوسائل 14: 58 أبواب رمي
جمرة العقبة ب 3 ح 1.
(2) الكافي 4: 245 / 4، التهذيب 5: 454 / 1588، مستطرفات السرائر: 23 / 4،
الوسائل 11: 213 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 4.
284

ترضى أن تصنع كما أصنع؟) (1).
وتدل عليه أيضا صحيحة أخرى لابن عمار الآتية، المتكفلة لكيفية
رمي سائر الجمرات، القائلة: قل كذا وافعل كذا كما فعلت حين رمي جمرة
العقبة يوم النحر.
وإن أبيت عن دلالة تلك الأخبار على وجوب رمي جمرة العقبة،
فليستدل له بصحيحتي السمان (2) والأعرج (3)، ورواية علي بن أبي حمزة (4)،
المتقدمة جميعا في الواجب الثالث من واجبات وقوف المشعر، وإن كان
فيها قصور من حيث الإحاطة بتمام أفراد المطلوب فليتمه بالاجماع المركب.
ثم إن للرمي واجبات، ومستحبات، وأحكاما، نذكرها في ثلاثة مقامات:
المقام الأول: في واجباته، وهي أمور:
الأول: النية، وقد مر حكمها مرارا، وتجب مقارنتها لأول الرمي
واستدامتها حكما إلى الفراغ.
الثاني: الرمي بسبع حصيات بإجماع علماء الإسلام، كما في كلام
جماعة (5)، وتدل عليه النصوص الآتية في حكم من نقص العدد.
الثالث: إلقاؤها بما يسمى رميا، إجماعا كما في المنتهى (6) وغيره (7)، لأن

(1) الكافي 4: 479 / 2، الوسائل 14: 74 أبواب رمي جمرة العقبة ب 16 ح 2.
(2) الكافي 4: 473 / 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.
(3) الكافي 4: 474 / 7، التهذيب 5: 195 / 647، الوسائل 14: 28 أبواب
الوقوف بالمشعر ب 17 ح 2.
(4) الكافي 4: 474 / 4، التهذيب 5: 194 / 644، الإستبصار 2: 256 / 904،
الوسائل 14: 53 أبواب رمي جمرة العقبة ب 1 ح 2.
(5) منهم العلامة في المنتهى 2: 731، صاحب المدارك 8: 7، صاحب الرياض 1: 390.
(6) المنتهى 2: 731.
(7) كالمفاتيح 1: 350.
285

الأمر وقع بالرمي فيجب امتثاله، فلو وضع بكفه في المرمى لم يجز، وحكى في
المنتهى اختلافا في الطرح، ثم قال: والحاصل أن الخلاف وقع باعتبار الخلاف
في صدق الاسم، فإن سمي رميا أجزاء بلا خلاف، وإلا لم يجز إجماعا (1).
الرابع: أن يرميها باليد، فلو رميها بفمه أو رجله لم يجز، لانصراف
المطلق إلى الشائع المتعارف، وفي رواية أبي بصير: (خذ حصى الجمار
بيدك اليسرى وارم باليمنى) (2).
الخامس: أن يصيب الجمرة، فلو لم يصبها لم يجز إجماعا، لعدم
صدق رمي الجمرة مع عدم الإصابة، ولصحيحة ابن عمار: (وإن رميت
بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها) (3).
ولو شك في الإصابة ما دام مشتغلا أعاد، تحصيلا للبراءة اليقينية.
السادس: أن يتلاحق الحصيات، فلو رمى بها دفعة واحدة لم
تحسب إلا واحدة، بغير خلاف بيننا، كما صرح به في السرائر، قال: فإن
رماها بسبع حصيات دفعة واحدة لا يجزئه بغير خلاف بيننا (4). ولعل دليله
الاجماع (والتأسي) (5).
ثم إنهم قالوا: والمعتبر تلاحق الرمي لا الإصابة، فلو أصابت
المتلاحقة دفعة أجزأت، ولو رمى دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز (6).

(1) المنتهى 2: 731.
(2) الكافي 4: 481 / 3، الوسائل 14: 68 أبواب رمي جمرة العقبة ب 12 ح 2.
(3) الكافي 4: 483 / 5، الفقيه 2: 285 / 1399، التهذيب 5: 266 / 907،
الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.
(4) السرائر 1: 608.
(5) ما بين القوسين ليس في (ح).
(6) انظر المدارك 8: 8، الرياض 1: 390.
286

السابع: أن يكون كل من الإصابة والرمي بفعله، بلا خلاف، كما في
المدار ك والذخيرة والمفاتيح (1)، بل بالاجماع كما في شرح المفاتيح، لأنه
مقتضى وجوب امتثاله الأمر بالرمي، وبرمي الجمرة.
فلو كانت الحصاة في يده فصدمه حيوان وألقيت إلى الجمرة لم
يكف، وكذا لو ألقاها ووقعت على حيوان وتحرك ووقعت الإصابة بحركته.
أما لو ألقاها ووقعت على غير الجمرة ثم تدحرجت إليها أو تجاوزت
عنه إليها ولو بصدمته - كما إذا وقعت على أرض صلبة ثم رجعت إليها -
فالوجه الاجزاء في الجميع، لصدق الامتثال، وصحيحة ابن عمار (وإن
أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك) (2).
ولو شك في اشتراك حركة الغير بنى على أصالة عدم تأثيرها فيه.
المقام الثاني: في مستحباته، وهي أيضا أمور:
منها: أن يكون متطهرا من الحدث، فإنه راجح إجماعا فتوى ونصا،
ومن النصوص صحيحة ابن عمار (3) المتقدمة في صدر المسألة..
ورواية ابن أبي غسان: عن رمي الجمار على غير طهور، قال:
(الجمار عندنا - مثل الصفا والمروة - حيطان، إن طفت بينهما على غير
طهور لم يضرك، والطهر أحب إلي فلا تدعه وأنت قادر عليه) (4).

(1) المدارك 8: 8، الذخيرة: 662، المفاتيح 1: 350.
(2) الكافي 4: 483 / 5، الفقيه 2: 285 / 1399، التهذيب 5: 266 / 907،
الوسائل 14: 60 أبواب رمي جمرة العقبة ب 6 ح 1.
(3) الكافي 4: 478 / 1، التهذيب 5: 198 / 661، الوسائل 14: 56 أبواب رمي
جمرة العقبة ب 2 ح 3.
(4) التهذيب 5: 198 / 660 وفيه: عن ابن أبي غسان، عن حميد بن مسعود، وفي
الإستبصار 2: 258 / 912، والوسائل 14: 57 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 5:
عن أبي غسان حميد بن مسعود.
287

وصحيحة ابن عمار (1) المتقدمة في مسألة الطهارة للسعي، وصحيحة
محمد: (لا ترم الجمار إلا وأنت على طهر) (2).
وليس بواجب، على الأظهر الأشهر، كما في المدارك والذخيرة (3)
وغيرهما (4)، وعن المنتهى: لا نعلم فيه خلافا (5)، بل حكي عنه إسناده إلى
علمائنا، وعن ظاهر الغنية الاجماع عليه (6).
لا للصحيحة الأولى، حتى يورد عليه بعدم وضوح (يستحب) فيما يجوز
تركه، كما هو المصطلح عليه الآن، فلعل المراد المعنى الأعم المجامع للوجوب.
ولا للصحيحة الثانية وصحيحتي جميل (7) ورفاعة (8) ورواية أبي
حمزة (9)، المتقدمة جميعا في مسألة طهارة السعي، حتى يورد عليها بأنها
أعم من الصحيحة الأخيرة، فيجب تخصيصها بها.
ولا يفيد التعليل ب‍: (أن فيه صلاة) في أكثرها لجعلها خاصة كما
توهم، لأنه أيضا عام.

(1) التهذيب 5: 396 / 1379، الإستبصار 2: 316 / 1120، الوسائل 13: 460
أبواب الطواف ب 89 ح 4.
(2) الكافي 4: 482 / 10، التهذيب 5: 197 / 659، الإستبصار 2: 258 / 911،
الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 1.
(3) المدارك 8: 9، الذخيرة: 662.
(4) كالمفاتيح 1: 350.
(5) المنتهى 2: 732.
(6) الغنية (الجوامع الفقهية): 581.
(7) الكافي 4: 420 / 2، الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.
(8) التهذيب 5: 154 / 510، الإستبصار 2: 241 / 838، الوسائل 13: 493
أبواب السعي ب 15 ح 2.
(9) الكافي 4: 420 / 2، التهذيب 5: 116 / 379، الإستبصار 2: 222 / 763،
الوسائل 13: 376 أبواب الطواف ب 38 ح 6.
288

بل لرواية ابن أبي غسان المصرحة بعدم الضرر، ولا يضر ضعف
سندها عندنا مع أنها بالشهرة ونقل الاجماع منجبرة، فبها تعارض الصحيحة
الأخيرة، وتكون لتجوزها قرينة.
خلافا للمحكي عن المفيد والسيد والإسكافي، فأوجبوه (1)، لما مر
بجوابه.
ولا يستحب له الغسل بخصوصه، كما صرح به في صحيحة الحلبي:
عن الغسل إذا رمى الجمار، قال: (ربما فعلت وأما السنة فلا، ولكن من
الحر والعرق) (2).
وصحيحة محمد الحلبي: عن الغسل إذا أراد أن يرمي، فقال: (ربما
اغتسلت، فأما من السنة فلا) (3).
فقول الإسكافي بحسنه (4) غير حسن.
ومنها: الدعاء عند إرادة الرمي، وعند رمي كل حصاة، وعند الرجوع
إلى المنزل، بما في صحيحة ابن عمار (5) المتقدمة في صدر المسألة.
ومنها: أن يكون بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر
ذراعا، لصحيحة ابن عمار (6) المتقدمة.

(1) المفيد في المقنعة: 417، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 68، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 302.
(2) الكافي 4: 482 / 9، التهذيب 5: 197 / 658، الإستبصار 2: 258 / 910،
الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 2.
(3) الكافي 4: 482 / 8، الوسائل 14: 56 أبواب رمي جمرة العقبة ب 2 ح 4.
(4) حكاه عنه في المختلف: 302.
(5) الكافي 4: 478 / 1، التهذيب 5: 198 / 661، الوسائل 14: 58 أبواب
رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.
(6) الكافي 4: 478 / 1، التهذيب 5: 198 / 661، الوسائل 14: 58 أبواب
رمي جمرة العقبة ب 3 ح 1.
289

والتعبير عن ذلك: بأنه يستحب أن لا يتباعد بما يزيد عن خمسة
عشر - كما في النافع (1) - أو يكون البعد عشرة أو خمسة عشر كما في
الشرائع والسرائر والارشاد (2) وغيرها (3).
غير جيد، لأن الأول قاصر عن إفادة تمام ما في النص، والثاني تعد
عنه، بل الصحيح ما ذكرنا، كما نقل عن علي بن بابويه (4).
ومنها: أن يخذف الجمار خذفا، لمرسلة البزنطي المتقدمة في مسألة
التقاط الحصى (5)، المنجبر ضعفها - لو كان - بالعمل، وبروايته في قرب
الإسناد للحميري (6).
والخذف - بإعجام الحروف -: الرمي بأطراف الأصابع، كما عن
الخلاص، ونسبه الحلي في السرائر إلى أهل اللسان (7).
وعن الصحاح (8) والديوان وغيرهما (9): الرمي بالأصابع.
والظاهر اتحاده مع الأول، إذ لا يكون الرمي بالأصابع غالبا إلا
بأطرافها، ولذا فسره في السرائر بالأول، ثم قال: هكذا ذكره الجوهري في

(1) المختصر النافع: 89.
(2) الشرائع 1: 259، السرائر 1: 591، الإرشاد 1: 331.
(3) كالجمل والعقود (الرسائل العشر): 235، الكافي في الفقه: 215.
(4) حكاه عنه في المختلف: 303.
(5) الكافي 4: 478 / 7، التهذيب 5: 197 / 656، قرب الإسناد: 359 / 1284،
الوسائل 14: 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1.
(6) قرب الإسناد: 359 / 1284.
(7) السرائر 1: 590.
(8) الصحاح 4: 1347.
(9) انظر أساس البلاغة: 150، لسان العرب 9: 61، المصباح المنير: 165، أقرب
الموارد 1: 262.
290

الصحاح (1).
وكذا يتحد معهما ما عن المجمل والمفصل: أنه الرمي من بين
إصبعين، إذ الرمي بالأصابع أو بأطرافها لا يكون غالبا إلا من إصبعين.
ثم ذلك وإن كان مطلقا ويتصور على أنحاء شتى، إلا أن المستحب
هنا أن يرمي من طرفي السبابة، والابهام، بأن يضعها على الابهام ويدفعها
بظفر السبابة، كما فسر الخذف به في مجمع البحرين (2)، لتصريح المرسلة
به، فيكون هذا الفرد من الخذف مستحبا، بأن يضعها على باطن الابهام
ويرميها بظفر السبابة.
وإنما خصصناه - مع إطلاق المرسلة - بباطن الابهام، كما في
السرائر (3) وعن المقنعة والمبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والمراسم
والكافي والمهذب والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى (4)، بل هو المشهور
كما في المختلف والروضة ومجمع البحرين (5)، دون ظاهرها كما عن
القاضي (6).
لأن الدفع بظفر السبابة - كما أمر به في المرسلة - لا يتيسر إلا بوضعها
على بطن الابهام.

(1) السرائر 1: 590.
(2) مجمع البحرين 5: 42.
(3) السرائر 1: 590.
(4) المقنعة: 417، المبسوط 1: 369، النهاية: 266، المصباح: 641، المراسم:
113، الكافي: 215، المهذب 1: 255، الجامع للشرائع: 210، التحرير 1:
104، التذكرة 1: 377، المنتهى 2: 732.
(5) المختلف: 302، الروضة 2: 286، مجمع البحرين 5: 42.
(6) المهذب 1: 255... وفيه: وقيل بل يضعها على ظهر ابهامه ويدفعها
بالمسبحة.
291

وأما ما عن الانتصار - من الدفع بظفر الوسطى عن بطن الابهام (1) -
فمخالف للنص، خال عن الدليل المعلوم.
ولا تضر مخالفة جمع من اللغويين فتفسير الخذف بما ذكر بعد
بيان النص لكيفيته، كما أنه فسره في العين والمحيط والمقاييس والغريبين
والنهاية الأثيرية والقاموس بالدفع من بين السبابتين (2).
ثم استحباب ذلك هو الحق المشهور، لقصور المرسلة دلالة عن
إثبات الوجوب.
خلافا للسرائر (3) والمحكي عن الانتصار مدعيا فيه الاجماع (4)، فأوجباه.
والاجماع غير ثابت، والنص - كما عرفت - قاصر.
ومنها: أن يرميها من قبل وجهها لا عاليا عليها، لصحيحة ابن عمار
المتقدمة (5)، ويستلزم ذلك استدبار الكعبة فهو أيضا يكون مستحبا، كما
صرح به فحول القدماء ناسبا له إلى فعل النبي صلى الله عليه وآله (6).
ومنها: أن لا يقف عندها بعد الفراغ منه، لرواية البزنطي المتقدمة:
(ولا تقف عند جمرة العقبة) (7)، وغيرها مما يأتي في رمي الجمار أيام
التشريق.

(1) الإنتصار: 105.
(2) العين 4: 245، المحيط 4: 320، معجم مقاييس اللغة 2: 165، النهاية
الأثيرية 2: 16، القاموس 3: 135.
(3) السرائر 1: 590.
(4) الإنتصار: 106.
(5) في ص: 279.
(6) انظر المبسوط 1: 369، وحكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف: 303.
(7) الكافي 4: 478 / 7، الوسائل 14: 61 أبواب رمي جمرة العقبة ب 7 ح 1.
292

المقام الثالث: في أحكامه، وفيه ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: يجوز الرمي راكبا وماشيا، بالاجماعين (1)،
والمستفيضة من النصوص (2).
واختلفوا في الأفضل منهما، فعن المشهور: أفضلية المشي، وعن
المبسوط وفي السرائر: أفضلية الركوب في رمي هذه الجمرة (3).
والأظهر هو المشهور، لأن أفضليته هي المستفادة من صحيحتي علي
ابن جعفر (4) وعلي بن مهزيار (5)، وروايتي مثنى (6) وعنبسة (7).
وأما صحاح ابن عمار (8) والتميمي (9) وابن عيسى (10) ومرسلة محمد بن
الحسين (11)، فهي لا تتضمن سوى وقوع الرمي عن بعض الحجج: راكبا

(1) كما في المفاتيح 1: 351، كشف اللثام 1: 361.
(2) الوسائل 14: 62، 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 و 9.
(3) المبسوط 1: 369، السرائر 1: 591.
(4) التهذيب 5: 267 / 912، الإستبصار 2: 298 / 1066، الوسائل 14: 63
أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 1.
(5) الكافي 4: 486 / 5، الوسائل 14: 64 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 4.
(6) الكافي 4: 486 / 4، الوسائل 14: 63 أبواب رمي جمرة العقبة ب 9 ح 3.
(7) الكافي 4: 485 / 3، التهذيب 5: 267 / 913، الوسائل 14: 63 أبواب رمي
جمرة العقبة ب 9 ح 2.
(8) التهذيب 5: 267 / 911، الإستبصار 2: 298 / 1065، الوسائل 14: 62
أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 4.
(9) التهذيب 5: 267 / 910، الإستبصار 2: 298 / 1064، الوسائل 14: 62
أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 3.
(10) التهذيب 5: 267 / 908، الإستبصار 2: 298 / 1062، الوسائل 14: 62
أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 1.
(11) التهذيب 5: 267 / 909، الإستبصار 2: 298 / 1063، الوسائل 14: 62
أبواب رمي جمرة العقبة ب 8 ح 2.
293

أو نفي البأس عنه، وهما لا يفيدان الأفضلية.
المسألة الثانية: ظاهر الأصحاب، ومقتضى نسبة هذا الرمي في
الأخبار بالرمي يوم النحر، وجوب كونه في ذلك اليوم، وإن لم أعثر بعد
على خبر دال بصريحه على وجوب كونه فيه، ولكن الظاهر من تتبع
الأخبار وفتوى الأصحاب ذلك، فلا ينبغي الخروج عنه.
نعم، قال في السرائر: وينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة، كما
مر (1).
ولكن ظاهر ذلك استحباب أصل الرمي لا وقوعه في يوم النحر مع
وجوب أصله.
ووقته تمام النهار، ويجوز لذوي الأعذار التقديم في الليل، كما يأتي
في بحث رمي الجمار أيام التشريق.
المسألة الثالثة: هل يجب أن يكون الرمي مقدما على الذبح
والحلق؟
الأقرب: لا، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله سبحانه.

(1) راجع ص: 279 - 280.
294

البحث الثاني
في الهدي
والكلام إما فيمن يجب عليه الهدي، أو في كيفية ذبحه ووقته
ومكانه، أو في جنسه ووصفه وسنه وعدده، أو في مصرفه وقسمته، أو في
حكم العجز عنه وبدله، فها هنا خمسة مقدمات:
المقام الأول: فيمن يجب عليه الهدي، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: يجب الهدي على المتمتع، بالاجماعين (1)، والكتاب،
والسنة.
قال الله سبحانه: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من
الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك
عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) (2).
وفي صحيحة زرارة: فقلت: وما المتعة؟ قال: (يهل بالحج) إلى أن
قال: (فإذا كان يوم التروية أهل بالحج ونسك المناسك وعليه الهدي)،
فقلت: وما الهدي؟ فقال: (أفضله بدنة، وأوسطه بقرة، وأخفضه شاة) (3).
وفي رواية الأعرج: (من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى
يحضر الحج فعليه شاة، ومن تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور بمكة حتى
يحضر الحج فليس عليه دم، إنما هي حجة مفردة، وإنما الأضحى على

(1) انظر المنتهى 2: 734.
(2) البقرة: 196.
(3) التهذيب 5: 36 / 107، الوسائل 11: 255 أبواب أقسام الحج ب 5 ح 3.
295

أهل الأمصار) (1).
قوله: (إنما الأضحى) يحتمل أن يكون المراد بها: الهدي، يعني:
الهدي على المتمتعين، وهم أهل الأمصار، حيث لا تمتع على أهل مكة.
وفسر في الوافي أهل الأمصار على من لم يحضر الحج، فقال:
حاصل الحديث أن المتمتع يجب عليه الهدي، وغير المتمع لا يجب عليه
الهدي، والأضحية ليست إلا على أهل الأمصار ممن لم يحضر الحج دون
من حضر (2).
إلى غير ذلك من الأخبار.
ولا فرق في وجوب الهدي على المتمتع بين من أتاه فرضا أو
متنفلا، ولا بين المكي وغيره، لاطلاق الأخبار.
ولا هدي على غير المتمتع معتمرا أو حاجا، مفترضا أو منتفلا، مفردا
أو قارنا، إلا ما يسوقه القارن عند الاحرام، إجماعا محققا ومحكيا مستفيضا (3).
وتدل عليه رواية الأعرج المتقدمة، وما في رواية إسحاق بن عبد الله:
(وإذا لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدي) (4).
وفي صحيحة ابن عمار: (وأما المفرد للحج فعليه طواف) إلى أن
قال: (وليس عليه هدي ولا أضحية) (5)، ونحو ذلك في صحيحته

(1) الكافي 4: 487 / 1، التهذيب 5: 199 / 662، الإستبصار 2: 259 / 913،
الوسائل 14: 82 أبواب الذبح ب 1 ح 11.
(2) الوافي 13: 1103.
(3) كما في التذكرة 1: 378، والمدارك 1: 15، والرياض 1: 390.
(4) التهذيب 5: 200 / 664، وصدر الحديث في الإستبصار 2: 259 / 915،
الوسائل 11: 252 أبواب أقسام الحج ب 4 ح 20.
(5) التهذيب 5: 41 / 122، الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 1 و 2.
296

الأخرى (1)، إلى غير ذلك (2).
وتحمل بعض الأخبار الموجبة للهدي على غيره أيضا (3) على
الاستحباب جمعا.
المسألة الثانية: لو تمتع المملوك بإذن مولاه تخير المولى بين أن
يهدي عنه وبين أن يأمره بالصوم الذي يجب على الحر العاجز من الهدي
كما يأتي، بلا خلاف، بل بالاجماع، وبكل منهما صرح أيضا جماعة (4)،
وتدل عليه النصوص المستفيضة (5).
وأما بعض الأخبار المتضمن: لأنه عليه ما على الحر إما الأضحية وإما
الصوم (6)، فالمراد بيان الكمية دون الكيفية بقرينة ما ذكر.
ولو أعتق المملوك في زمان يجزئ حجه عن حجة الاسلام كان
كالحر في الكيفية أيضا، فيجب عليه الهدي.
المقام الثاني: في كيفيته، ووقته، ومكانه، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تجب في ذبح الهدي أو نحره النية، لأنه عبادة، ولأن
جهات الذبح متعددة فلا يتمحض المذبوح هديا إلا بالنية، كما مر غير مرة.
المسألة الثانية: يجوز له الذبح أو النحر بنفسه، وأن يوكل غيره فيه.

(1) الكافي: 298 / 1، التهذيب 5: 44 / 131، الوسائل 11: 221 أبواب أقسام
الحج ب 2 ح 13.
(2) الوسائل 11: 212 أبواب أقسام الحج ب 2.
(3) الوسائل 14: 79 أبواب الذبح ب 1.
(4) منهم العلامة في المنتهى 2: 737، صاحب الرياض 1: 391.
(5) الوسائل 14: 83 أبواب الذبح ب 2.
(6) التهذيب 5: 201 / 668، الإستبصار 2: 262 / 926، الوسائل 14: 85 أبواب
الذبح ب 2 ح 5.
297

أما الأول فظاهر.
وأما الثاني فهو مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك
والذخيرة (1)، بل إجماعي، كما في غيرهما (2)، وتدل عليه صحيحتا
أبي بصير (3)، وروايته (4)، ورواية علي بن أبي حمزة (5)، المتقدمة جميعا في
بيان وقت الوقوف بالمشعر.
وصحيحة علي: عن الضحية يخطي الذي يذبحها فيسمي غير
صاحبها، أيجزئ عن صاحب الضحية؟ فقال: (نعم، إنما له ما نوى) (6)،
يعني: إنما للذابح ما نواه دون ما سماه.
وحينئذ تجب النية منهما، سماه.
وحينئذ تجب النية منهما، أما من الموكل فينوي عند الأمر مستداما
نيته إلى زمان الذبح، مثلا: إن الأمر بالذبح - مثلا للهدي - يقصد القربة في
الذبح لا في الأمر، فلو أمر إجلالا لنفسه لنفسه مثلا ولكن كان قصده من
الذبح القربة لكفى. ولو أخل ببعض أجزائها حين الأمر وقصده بعده قبل
الذبح لكفى، كما لو أمر به للأكل ثم رجع بعده وقصد الهدي.

(1) المدارك 8: 18، الذخيرة: 664.
(2) كالرياض 1: 391.
(3) الأولى في: الكافي 5: 474 / 5، الوسائل 14: 28 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17
ح 3.
الثانية في: الكافي 5: 475 / 8، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17
ح 6.
(4) الكافي 5: 474 / 4، الوسائل 14: 30 أبواب الوقوف بالمشعر.
(5) الكافي 5: 474 / 4، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 4.
(6) الفقيه 2: 296 / 1469، التهذيب 5: 222 / 748، قرب الإسناد: 239 / 942،
مسائل علي بن جعفر: 162 / 254، الوسائل 14: 138 أبواب الذبح ب 29 ح 1.
298

وأما من الوكيل، فينوي أنه من فلان، وليس عليه قصد التقرب، بل
ولا تعيين مقصود الأمر.
فما في كلام بعضهم - من أن النية يجب أن تكون منه أو من
الذابح (1) - غير سديد، لأنه إن كان المراد نية القربة فلا تجب على الذابح،
بل لا تكفي منه لو لم ينوها الأمر، وإن كان نية أنه من فلان فهي متعينة على
الوكيل إن احتمل وجها آخر.
بل الظاهر أنه لا نية على الذابح إلا إذا لم يتعين عين هدي الآمر وكان
التعيين على الوكيل، فلو أعطاه شاة معينة ليذبحها له هديا، ثم اشتبه على
الذابح وظنها هدي نفسه وذبحها، يكفي عن الآمر.
المسألة الثالثة: المشهور - كما في شرح المفاتيح - أنه يجب أن
يكون الذبح أو النحر يوم النحر مع الامكان، وفي المدارك: أنه قول علمائنا
وأكثر العامة (2)، وفي الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا بين أصحابنا (3)، وقيل: إنه
اتفاقي (4).
واستدل له: بأن النبي صلى الله عليه وآله نحر في هذا اليوم، وقال (خذوا عني
مناسككم) (5).
وفيه: أنه يفيد لو ثبت كون ذلك منسكا أيضا، وإلا فلا بد من وقوعه
في وقت.

(1) الذخيرة: 664.
(2) المدارك 8: 27.
(3) الذخيرة: 664.
(4) كما في الرياض 1: 392.
(5) مسند أحمد 3: 318.
299

وفي المفاتيح أنه قيل: بل يجوز طول ذي الحجة اختيارا (1).
وهو قول الحلي، قال في السرائر: وأما هدي المتعة فإنه يجوز ذبحه
طول ذي الحجة، إلا أنه يكون قضاء بعد انقضاء هذه الأيام - أي أيام
النحر - هكذا قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه.
والأولى عندي أن لا يكون قضاء، لأن ذي الحجة بطوله من أشهر الحج
ووقت للذبح الواجب، فلا يكون قضاء، لأن القضاء ما يكون له وقت
ففات (2). انتهى.
وبه قال المحقق في الشرائع، قال: وكذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة
جاز (3).
ونقله في المدارك عن الشيخ في المصباح، فقال فيه: إن الهدي
الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجة، ويوم النحر أفضل (4). انتهى.
وحكي هذا القول عن مختصر المصباح والنهاية والغنية وظاهر
المهذب (5)، وعن الغنية الاجماع عليه.
وهو الأقوى، للأصل الخالي عن المعارض، وإطلاقات الكتاب
والسنة، ومفهوم الشرط في رواية الكرخي الآتية في المسألة اللاحقة، بل
لولا الاجماع لكان التأخير عن ذي الحجة أيضا، كما يوهمه ظاهر المهذب،
إلا أن الاجماع يدفعه.

(1) المفاتيح 1: 353.
(2) السرائر 1: 595.
(3) الشرائع 1: 260.
(4) المدارك 8: 27.
(5) نقله عن مختصر المصباح في الرياض 1: 392، النهاية: 257، الغنية (الجوامع
الفقهية): 582، المهذب 1: 258.
300

بل في الروايات أيضا ما يدفعه، وهو: رواية النضر بن قرواش: عن
رجل تمتع بالعمرة إلى الحج، فوجب عليه النسك، فطلبه فلم يصبه، وهو
موسر حسن الحال، وهو يضعف عن الصيام، فما ينبغي له أن يصنع؟
قال: (يدفع ثمن النسك إلى من يذبحه بمكة إن كان يريد المضي إلى أهله
وليذبح عنه في ذي الحجة)، قلت: فإنه دفعه إلى من يذبح عنه فلم يصب
في ذي الحجة نسكا وأصابه بعد ذلك، قال: (لا يذبح عنه إلا في ذي
الحجة ولو أخره إلى قابل) (1).
المسألة الرابعة: يجب أن يكون الذبح أو النحر الواجب في الهدي
بمنى، وظاهر التذكرة والمنتهى والمدارك والذخيرة وصريح المفاتيح:
الاجماع عليه (2). وهو كذلك، فهو الدليل عليه.
(مضافا إلى) (3) رواية عبد الأعلى: (لا هدي إلا من الإبل ولا ذبح إلا
بمنى) (4).
وصحيحة منصور: في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره،
قال: (إن كان نحره بمنى فقد أجزاء عن صاحبه الذي ضل عنه، وإن كان
نحره بغير منى لم يجز عن صاحبه) (5)، وصحيحة السمان (6) المتقدمة في

(1) التهذيب 5: 37 / 110، الإستبصار 2: 260 / 917، الوسائل 14: 176 أبواب
الذبح ب 44 ح 2.
(2) التذكرة 1: 380، المنتهى 2: 738، المدارك 8: 19، الذخيرة: 664،
المفاتيح 1: 352.
(3) بدل ما بين القوسين في (ق): لو ثبت و...
(4) التهذيب 5: 214 / 722، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 4 ح 6.
(5) الكافي 4: 495 / 8، الفقيه 2: 297 / 1475، التهذيب 5: 219 / 739،
الإستبصار 2: 272 / 963، الوسائل 14: 137 أبواب الذبح ب 28 ح 2.
(6) الكافي 4: 473 / 2، الوسائل 14: 29 أبواب الوقوف بالمشعر ب 17 ح 5.
301

بيان وقت الوقوف بمشعر.
ويؤيده كثير من الأخبار المتقدمة فيه أيضا.
ورواية الكرخي: (إن كان هديا واجبا فلا ينحر إلا بمنى، وإن كان
ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء، وإن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره
إلا يوم الأضحى) (1).
وحسنة مسمع: (منى كله منحر) (2).
وأما بعض الأخبار المتضمنة لهدي الإمام عليه السلام في غير منى (3)،
فقضايا في وقائع لا تفيد عموما ولا إطلاقا، فلعل هديه كان في عمرة أو
مندوب، ومقتضى ذلك: أن لو تركه بمنى حتى ارتحل عن منى يعود إليها
ويذبح، وإن لم يتمكن منه يبعث إليها ليذبحه فيها.
ولا تنافيه صحيحة ابن عمار: في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار
البيت فاشترى بمكة ثم ذبح، قال: (لا بأس قد أجزاء عنه) (4)، لعدم
صراحتها في كون الذبح أيضا بمكة.
المسألة الخامسة: ذهب جماعة - منهم: الشيخ في أحد قوليه
والمحقق (5) - إلى أنه يجب أن يكون الذبح أو النحر بعد رمي جمرة العقبة
وقبل الحلق أو التقصير، ونسبه بعضهم إلى أكثر المتأخرين (6)، وعن

(1) الكافي 4: 488 / 3، التهذيب 5: 201 / 670، الإستبصار 2: 263 / 928،
الوسائل 14: 88 أبواب الذبح ب 4 ح 1.
(2) التهذيب 5: 215 / 723، الوسائل 14: 90 أبواب الذبح ب 4 ح 7.
(3) الكافي 4: 488 / 6، التهذيب 5: 202 / 671، الوسائل 14: 88 أبواب الذبح ب 4 ح 2.
(4) الكافي 4: 505 / 4، الفقيه 2: 301 / 1497، الوسائل 14: 156 أبواب الذبح
ب 39 ح 5.
(5) الشيخ في الإستبصار 2: 284، المحقق في الشرائع 1: 265.
(6) انظر الحدائق 17: 241.
302

المنتهى: النسبة إلى الأكثر بقول مطلق (1).
وعن الشيخ في قوله الآخر والعماني والحلبي والمهذب والفاضل في
المختلف: استحباب ذلك (2).
وبه صرح الحلي في السرائر، قال بعد ذكر الثلاثة: ولا بأس بتقديم
أيها شاء على الآخر، إلا أن الأفضل الترتيب (3).
وعن ظاهر المختلف: أنه قول معظم الأصحاب (4)، وأسنده في
الدروس إلى الشهرة (5)، واختاره من متأخري المتأخرين جماعة (6). وهو
الأقرب.
أما رجحان الترتيب على النحو المذكور فلفتوى جمع من الفحول،
والتأسي بالرسول صلى الله عليه وآله، وجملة من الأخبار الآتية القاصرة عن إفادة
الوجوب، وقوله عليه السلام: (ينبغي لهم أن يقدموه) في صحيحة جميل ورواية
البزنطي الآتيتين.
وأما عدم الوجوب فللأصل الخالي عن المعارض، وصحيحة جميل:
عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال: (لا ينبغي إلا أن يكون ناسيا)
ثم قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول
الله، حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا

(1) المنتهى 2: 764.
(2) الشيخ في الخلاف 2: 345، حكاه عن العماني في المختلف: 307، الحلبي
في الكافي: 201، المهذب 1: 259، المختلف: 307.
(3) السرائر 1: 602.
(4) المختلف: 307.
(5) الدروس 1: 452.
(6) كالسبزواري في الذخيرة: 664، صاحب الرياض 1: 402.
303

شيئا كان ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه، ولا شيئا كان ينبغي لهم أن
يؤخروه إلا قدموه، فقال صلى الله عليه وآله: لا حرج) (1).
وقريبة منها صحيحة محمد بن حمران (2)، ورواية البزنطي، وفيها:
(إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين فقالوا: يا
رسول الله، ذبحنا من قبل أن نرمي، وحلقنا من قبل أن نذبح، فلم يبق
شئ مما ينبغي لهم أن يقدموه إلا أخروه، ولا شئ مما ينبغي لهم أن
يؤخروه إلا قدموه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا حرج، لا حرج) (3).
وصحيحة ابن سنان: عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: (لا
بأس، وليس عليه شئ، ولا يعودن) (4).
وحمل هذه على صورة الجهل أو النسيان حمل بلا حامل.
احتج الموجبون بقوله سبحانه: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ
الهدي محله) (5).
والمراد به: الذبح، كما تدل عليه رواية الساباطي: وعن رجل حلق
قبل أن يذبح، قال: (يذبح ويعيد الموسى، لأن الله تعالى يقول: (ولا
تحلقوا رؤوسكم) الآية) (6).

(1) الكافي 4: 504 / 1، الفقيه 2: 301 / 1496، التهذيب 5: 236 / 797،
الإستبصار 2: 285 / 1009، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 4.
(2) التهذيب 5: 240 / 810، الوسائل 14: 215 أبواب الحلق والتقصير ب 2 ح 2.
(3) الكافي 4: 504 / 2، التهذيب 5: 236 / 796، الإستبصار 2: 284 / 1008،
الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.
(4) التهذيب 5: 237 / 798، الإستبصار 2: 285 / 1010، الوسائل 14: 158
أبواب الذبح ب 39 ح 10.
(5) البقرة: 196.
(6) التهذيب 5: 485 / 1730، الوسائل 14: 158 أبواب الذبح ب 39 ح 8.
304

وبهذه الرواية، وبرواية موسى بن القاسم، عن علي: (لا يحلق رأسه
ولا يزور البيت حتى يضحي، فيحلق رأسه ويزور متى ما شاء) (1).
ورواية جميل: (تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق) (2).
ورواية عمر بن يزيد: (إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك) (3)،
والفاء للترتيب.
وصحيحة ابن سنان المتقدمة، فإن قوله: (لا يعودن) ظاهر في
التحريم.
والجواب - مع عدم دلالتها على وجوب تقديم الرمي ونوع إجمال
في التضحية وموافقتها لكثير من العامة (4) - أن شيئا منها سوى الآية ورواية
عمر بن يزيد لا يدل على الوجوب، لمكان الجملة الخبرية أو احتمالها.
وأما الآية وإن دلت على وجوب تأخير الحلق عن بلوغ الهدي محله،
إلا أن كون بلوغ الهدي محله هو الذبح غير معلوم.
ورواية الساباطي معارضة بأكثر منها عددا وأصرح دلالة، وهي رواية
علي بن أبي حمزة: (إذا اشتريت أضحيتك ووزنت ثمنها وصارت في
رحلك فقد بلغ الهدي محله) (5).

(1) التهذيب 5: 236 / 795، الإستبصار 2: 284 / 1006، الوسائل 14: 158
أبواب الذبح ب 39 ح 9.
(2) الكافي 4: 498 / 7، التهذيب 5: 222 / 749، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح
ب 39 ح 3.
(3) التهذيب 5: 240 / 808، الوسائل 14: 211 أبواب الحلق والتقصير ب 1 ح 1.
(4) انظر بداية المجتهد 1: 352، والمغني والشرح الكبير 3: 479.
(5) الموجود في المصادر رواية واحدة أوردها في الكافي 4: 502 / 4، الوسائل
14: 157 أبواب الذبح ب 39 ح 7.
305

ومثلها رواية علي، عن العبد الصالح، وزاد في آخرها: (فإن أحببت
أن تحلق فاحلق) (1)، ونحوها رواية أبي بصير (2).
ومرسلة الفقيه عن علي بن أبي حمزة: (إذا اشترى الرجل هديه
وقمطه في بيته فقد بلغ محله، فإن شاء فليحلق) (3).
وعن المبسوط والنهاية والتهذيب والحلي: الفتوى بمضمونها
وتجويز الحلق بحصول الهدي في الرحل وإن لم يذبحه، وإطلاقها إذا لم
يرم بعد أيضا، فهذه الأخبار أيضا دالة على عدم وجوب الترتيب.
وأما رواية عمر بن يزيد ففيها: عدم إمكان حمل الأمر فيها على
الوجوب، لعدم وجوب الحلق بخصوصه، بل يتخير بينه وبين التقصير،
فغاية ما يستفاد منها رجحان ما يتضمنها من الحلق المرتب، ومع ذلك
معارضة بما مر من الأخبار المجوزة للحلق بعد بلوغ الهدي محله.
ومما يمكن أن يستدل به على وجوب الترتيب بين هذه المناسك كلا
أو بعضا: الأخبار المتقدمة في الواجب الثالث من واجبات الوقوف
بالمشعر، المتضمنة للفظة: (ثم) في الأمر بها، إلا أنها لمعارضتها
لصحيحتي جميل وابن حمران ورواية البزنطي يجب حملها على الندب،
لكونها قرينة على ذلك عرفا.
ومما ذكرنا ظهر أن الحق: عدم وجوب الترتيب بين هذه المناسك
الثلاثة وإن كان راجحا، بل موافقا لطريقة الاحتياط، والله العالم.

(1) التهذيب 5: 235 / 794، الإستبصار 2: 284 / 1007، الوسائل 14: 157
أبواب الذبح ب 9 ح 37.
(2) الفقيه 2: 300 / 1494، الوسائل 14: 157 أبواب الذبح ب 39 ح 7.
(3) المبسوط 1: 374، النهاية: 262، التهذيب 5: 222، الحلي في السرائر 1: 599.
306

المقام الثالث: في جنس الهدي، وسنه، ووصفه، وعدده، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يجب أن يكون من إحدى النعم الثلاث: الإبل،
والبقر، والغنم، بلا خلاف فيه، كما صرح به طائفة (1)، بل بالاجماع كما
ذكره جماعة (2)، بل هو إجماع محقق، فهو الدليل عليه مع أصل الاشتغال،
حيث لا إطلاق معلوما يصدق على غيرها، ولو كان لوجب صرفه
إليها، ولأنها المتبادرة المعتادة، ولصحيحة زرارة (3) المتقدمة في صدر بحث
الهدي.
المسألة الثانية: إن كان الهدي إبلا أو بقرا أو معزا يجب أن يكون
ثنيا، وإن كان ضأنا يجزئ فيه الجذع، بلا خلاف فيه يعلم، كما في
الذخيرة (4)، وفي المدارك: أنه مذهب الأصحاب (5)، وفي المفاتيح
وشرحه: الاجماع عليه والاتفاق (6). والظاهر أنه كذلك، فهو الحجة فيه
المعتضدة بالاحتياط.
وأما الأخبار فلا يثبت منها تمام المطلوب، لأن منها ما يدل على
إجزاء هذه الأسنان في الثلاث دون نفي غيرها:
كصحيحة العيص: (الثنية من الإبل، والثنية من البقر، والثنية من
المعز، والجذع من الضأن) (7).

(1) منهم صاحب المدارك 8: 28، السبزواري في الذخيرة: 666.
(2) منهم ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 581، الفيض في المفاتيح 1: 353.
(3) راجع ص: 291.
(4) الذخيرة: 666.
(5) المدارك 8: 28.
(6) المفاتيح 1: 353.
(7) التهذيب 5: 206 / 688، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 1.
307

ورواية أبي حفص: (يجزئ من البدن الثني، ومن المعز الثني، ومن
الضأن الجذع) (1).
ومنها ما يدل على عدم إجزاء الأدنى من الثني من المعز:
كصحيحة ابن سنان: (يجزئ من الضأن الجذع، ولا يجزئ من المعز
إلا الثني) (2).
وفي صحيحة ابن عمار: (يجزئ في المتعة الجذع من الضأن، ولا
يجزئ الجذع من المعز) (3).
ورواية حماد: أدنى ما يجزئ من أسنان الغنم في الهدي، فقال:
(الجذع من الضأن)، قلت: فالمعز؟ قال: (لا يجزئ الجذع من المعز) (4).
ومع ذلك ورد في قوية محمد بن حمران: (أسنان البقر تبيعها
ومسنها في الذبح سواء) (5).
أقول: والتبيع: ما دخل في الثانية، والمسن: ما دخل في الثالثة.
وأما عدم إجزاء غير الثني من البقر فلا تصريح فيه في الأخبار، بل
صرح في صحيحة الحلبي فيما يضحي به: (أما البقر فلا يضرك أي
أسنانها، وأما الإبل فلا يصلح إلا الثني فما فوق) (6).

(1) الكافي 4: 490 / 7، الوسائل 14: 105 أبواب الذبح ب 11 ح 9.
(2) التهذيب 5: 206 / 689، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 2.
(3) الكافي 5: 490 / 9، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح ب 11 ح 6.
(4) الكافي 4: 489 / 1، التهذيب 5: 206 / 690، المحاسن: 340 / 127، العلل:
441 / 1، الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11 ح 4.
(5) الكافي 4: 489 / 3، الوسائل 14: 105 أبواب الذبح ب 11 ح 7.
(6) الكافي 4: 489 / 2، التهذيب 5: 204 / 681، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح
ب 11 ح 5، بتفاوت.
308

ومنها يظهر عدم إجزاء غير الثني من الإبل في الأضحية، ولكن
الظاهر عدم القول بالفصل.
ثم الثني من الإبل ما كمل له خمس سنين ودخل في السادسة، بلا
خلاف كما في المفاتيح (1)، وإجماعا كما في شرحه.
وأما من البقر والغنم، ففي الوافي: أن الأشهر أنه ما دخل في
الثالثة (2)، وهو المطابق للصحاح والقاموس (3)، وبه قال الشيخ كما حكي
عنه (4)، والفاضل في المنتهى والتحرير وموضع من التذكرة (5).
وفي المدارك والذخيرة والمفاتيح وشرحه: أن المشهور أنه ما دخل
في الثانية (6)، وبه صرح الحلي في السرائر والمحقق في الشرائع (7).
وأما الجذع من الضأن، فعن التذكرة والمنتهى - موافقا لكلام
الجوهري على ما قيل -: أنه ما كمل له ستة أشهر (8).
وفي السرائر وعن الدروس والتحرير: أنه ما كمل له سبعة أشهر (9).
وعن موضع من المنتهى: أنه إذا بلغ سبعة أشهر فهو جذع إن كان
بين شابين، وإن كان بين هرمين فلا يقال أنه جذع حتى يكمل ثمانية

(1) المفاتيح 1: 353.
(2) الوافي 13: 1112.
(3) الصحاح 6: 2295، القاموس 4: 311.
(4) حكاه عنه في الكفاية: 70.
(5) المنتهى 1: 491، التحرير 1: 61، التذكرة 1: 213.
(6) المدارك 8: 29، الذخيرة: 666، المفاتيح 1: 353.
(7) السرائر 1: 597، الشرائع 1: 260.
(8) قال به صاحب المدارك 8: 30، وانظر التذكرة 1: 381، المنتهى 2: 740،
الصحاح 3: 1194.
(9) السرائر 1: 597، الدروس 1: 436، التحرير 1: 62.
309

أشهر (1). وأسند ذلك إلى الشيخ وابن الأعرابي (2).
وفي المفاتيح وشرحه: أن المشهور أن الجذع من الضأن (3) ما دخل
في الثانية (4)، وهو الظاهر من القاموس والنهاية الأثيرية (5).
وقد سبقت أقوال أخر فيه وفي الثني من المعز في كتاب الزكاة،
وحيث لا دليل تاما يمكن التعويل عليه في التعيين في المقام، فالواجب
بمقتضى أصل الاشتغال الأخذ بالاحتياط وذبح الأعلى سنا من هذه الأقوال.
المسألة الثالثة: يجب في الهدي أن يكون تام الأعضاء خاليا عن
العيب، فلا يجزئ الناقص، ولا المعيب.
وننقل أولا الأخبار الواردة في المقام، فنقول:
وتدل على الأول كلية: صحيحه علي: عن الرجل يشتري الأضحية
عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها، هل يجزئ عنه؟ قال: (نعم، إلا أن يكون
هديا واجبا، فإنه لا يجوز ناقصا) (6).
وعلى الثاني كذلك: مفهوم صحيحة عمران الحلبي: (من اشترى
هديا ولم يعلم أن به عيبا حتى نقد ثمنه ثم علم بعد فقد تم) (7).

(1) المنتهى 1: 491.
(2) أسنده إلى الشيخ 1: 419، وإلى ابن الأعرابي في المبسوط 1: 199، ولسان
العرب 8: 44.
(3) في (ح) و (ق) زيادة: والمعز.
(4) المفاتيح 1: 353.
(5) القاموس 3: 12، النهاية الأثيرية 1: 250.
(6) الفقيه 2: 295 / 1463، التهذيب 5: 213 / 719، الإستبصار 2: 268 / 952،
الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.
(7) التهذيب 5: 214 / 720، الإستبصار 2: 269 / 953، الوسائل 14: 130
أبواب الذبح ب 24 ح 3، بتفاوت.
310

وابن عمار: في رجل اشترى هديا فكان به عيب عور أو غيره، فقال:
(إن كان نقد ثمنه فقد أجزاء عنه، وإن لم يكن نقد ثمنه رده واشترى غيره) (1).
وتدل على بعض أفراد كل منها المستفيضة من النصوص أيضا:
منها: المروي في السرائر وفي المنتهى عن البراء، قال: قام فينا
رسول الله صلى الله عليه وآله خطيبا فقال: (أربع لا تجوز في الأضحى: العوراء البين
عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والكسيرة التي لا
تبقى) (2).
وفسر في المنتهى الكسيرة التي لا تبقى: بالمهزولة التي لا مخ لها (3).
وصحيحة البجلي: عن الرجل يشتري الهدي فلما ذبحه إذا هو خصي
مجبوب (4)، ولم يكن يعلم أن الخصي لا يجوز في الهدي، هل يجزئه أم
يعيده؟ قال: (لا يجزئه إلا أن يكون لا قوة به عليه) (5).
والأخرى: عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيا مجبوبا، قال:
(إن كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه) (6).
وفي رواية أبي بصير: فالخصي يضحى به؟ قال: (لا، إلا أن لا
يكون غيره) (7).

(1) الكافي 4: 490 / 9، التهذيب 5: 214 / 721، الإستبصار 2: 269 / 954،
الوسائل 14: 130 أبواب الذبح ب 24 ح 1.
(2) السرائر: 141، وهو في مسند أحمد 4: 284.
(3) المنتهى 2: 740.
(4) الجب: قطع الذكر أو ما لا يبقى منه قدر حشفة، ومنه: (خصي مجبوب)
مقطوع - مجمع البحرين 2: 21.
(5) التهذيب 5: 211 / 708، الوسائل 14: 106 أبواب الذبح ب 12 ح 3.
(6) التهذيب 5: 211 / 709، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 4.
(7) الكافي 4: 490 / 5، الوسائل 14: 108 أبواب الذبح ب 12 ح 8.
311

وصحيحة الحلبي: عن الضحية تكون الأذن مشقوقة، فقال: (إن كان
شقها وسما (1) فلا بأس، وإن كان شقا فلا يصلح) (2).
ورواية السكوني: (لا يضحى بالعرجاء، ولا بالعجفاء، ولا بالخرقاء،
ولا الجذاء، ولا العضباء) (3).
قال في الوافي: العجفاء: المهزولة، والخرقاء: المخروقة الأذن والتي
في أذنها ثقب مستدير، والجذاء: المقطوعة الأذن، والعضباء: المكسورة
القرن الداخل أو مشقوقة الأذن (4).
ومرسلة الفقيه: (لا يضحى بالعرجاء بين عرجها، ولا بالعوراء بين
عورها، ولا بالعجفاء، ولا بالجرباء ولا بالجدعاء، ولا بالعضباء) (5).
في الوافي: الجدعاء: مقطوعة الأنف والأذن (6).
وصحيحة جميل: في الأضحية يكسر قرنها، قال: (إذا كان القرن
الداخل صحيحا فهي تجزئ) (7).
والأخرى في المقطوع القرن أو المكسور القرن: (إذا كان القرن
الداخل صحيحا فلا بأس وإن كان القرن الخارج الظاهر مقطوعا) (8).

(1) الوسم: أثر الكي، والعلامة - أقرب الموارد 2: 1452.
(2) الكافي 4: 491 / 11، الوسائل 14: 129 أبواب الذبح ب 23 ح 2.
(3) التهذيب 5: 213 / 716، معاني الأخبار: 221 / 1، الوسائل 14: 126 أبواب
الذبح ب 21 ح 3، 4، بتفاوت.
(4) الوافي 13: 1124.
(5) الفقيه 2: 293 / 1450، الوسائل 14: 126 أبواب الذبح ب 21 ح 3.
(6) الوافي 13: 1123.
(7) الكافي 4: 491 / 13، الفقيه 2: 296 / 1466، الوسائل 14: 128 أبواب
الذبح ب 22 ح 1.
(8) التهذيب 5: 213 / 717، الوسائل 14: 128 أبواب الذبح ب 22 ح 3.
312

ورواية شريح بن هاني: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله في الأضاحي أن
نستشرف العين والأذن، ونهانا عن الخرقاء والشرقاء والمقابلة والمدابرة) (1).
في الوافي: الشرقاء: منشقة الأذن طولا باثنتين، والمقابلة والمدابرة:
الشاة التي شق أذنها ثم يفتل ذلك معلقا، فإن أقبل به فهو، إقباله، وإن أدبر
به فإدباره، والجلدة المعلقة من الأذن هي الاقبالة والادبارة، والشاة مقابلة
ومدابرة (2).
وصحيحة البزنطي: عن الأضاحي إذا كانت الأذن مشقوقة أو مثقوبة
بسمة، فقال: (ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس) (3).
ثم المستفاد من الأولى: عدم إجزاء الأول - أي الناقص - مطلقا في
الهدي الواجب، فلا يجزي مقطوع الأذن، والأنف، واللسان، والشفة،
والقضيب، والأنثيين، والألية، والثدي، والقرن، ونحوها.
وتؤكدها في المجبوب صحيحتا البجلي، وفي مقطوعة الأذن
صحيحة البزنطي ورواية السكوني ومرسلة الفقيه، وفي مكسورة القرن
الداخل الأخيرتان مع صحيحتي جميل.
فيجب أن يكون ذلك هو الأصل في الأول، فإن ثبت خلافة في
موضع يستثني، وإلا فلا، ويأتي موضع الاستثناء.
وأما صحيحة الحلبي المتضمنة لقوله عليه السلام: النعجة والكبش والأنثى
أفضل أو خير أو أحب من الخصي (4)، فلا يدل على إجزاء الخصي، ولو

(1) الفقيه 2: 293 / 1449، التهذيب 5: 212 / 715، معاني الأخبار: 222 / 1،
الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 2.
(2) الوافي 13: 1124.
(3) التهذيب 5: 213 / 718، الوسائل 14: 129 أبواب الذبح ب 23 ح 1.
(4) التهذيب 5: 206 / 687، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 15.
313

دل فإنما هو بالعموم أو الاطلاق بالنسبة إلى الهدي وغيره، وبالنسبة إلى
العجز عن غيره وعدمه، فيجب التقييد.
وأما الثاني وإن كان يظن أن مدلول الثانية والثالثة عدم إجزاء المعيب
مطلقا بعد نقد الثمن، إلا أن في تمامية دلالتهما عليه نظر، بل غايته
المرجوحية.
نعم، يدل على عدم إجزاء العوراء والعرجاء الشديدتين رواية البراء،
وضعفها مجبور بحكاية جمع عدم الخلاف في المنع مع الصفات الأربع
المذكورة فيها (1)، بل في المنتهى والمدارك (2) وغيرهما (3): الاجماع عليه.
وتعاضدها رواية السكوني ومرسلة الفقيه، ولا يضر اختصاصها
بالأضحية، إما لعمومها للهدي أيضا أو للاجماع المركب.
وأما سائر العيوب المذكورة في باقي الأحاديث المتقدمة فبين ما لا
تصريح بعدم إجزائه - بل غايته المرجوجية - وبين ما يعارض في حقه
بصحيحة البزنطي، فلا يثبت المنع عن غير العيبين، بل يجب العمل فيه
بمقتضى الأصل، والاطلاق، وقوله سبحانه: (فما استيسر).
وأما المريضة والمهزولة فيجئ الكلام فيهما.
وقد تلخص من جميع ما ذكر: عدم إجزاء الناقص مطلقا - سوى ما
يجي استثناؤه - وعدم إجزاء العوراء والعرجاء الشديد عورها وعرجها،
وإجزاء غيرهما.

(1) كصاحب الرياض 1: 383.
(2) المنتهى 2: 740، المدارك 8: 30.
(3) كالرياض 1: 393.
314

فروع:
أ: يستثنى من الناقص ما كسر قرنه الخارج وبقي الداخل، وهو
الأبيض الذي في وسط الخارج، وتدل على إجزائه صحيحتا جميل.
ب: هل المعتبر في العوراء انخساف العين، كما عن الغنية (1)؟ أو
لا، كما عن المنتهى والتحرير (2)؟
الظاهر هو: الأول، لأنه المحتمل من العور البين، ولأن الرواية (3)
المتضمنة له ضعيفة لا يعمل بها إلا في موضع علم انجبارها فيه. وصدق
النقض على مطلق العور حتى تشمله صحيحة علي غير معلوم.
وكذا يشترط في العرج الشدة بحيث يكون بينا، والوجه ظاهر.
ج: ومما استثنوه أيضا: الناقص بحسب الخلقة، الجماء، وهي التي
لم يخلق لها قرن، والصمعاء وهي التي لم تخلق لها أذن.
ولا بأس به، للشك في صدق الناقص عليه، ولانصراف الاطلاق إلى
الشائع.
واستثنى بعضهم البتراء أيضا (4)، وهي مقطوعة الذنب. ولا وجه له،
لصدق النقص.
نعم، لو أريد منها فاقدة الذنب بحسب الخلقة كان له وجه.
د: الخصي الممنوع منه هو مسلول الخصية، وأما المرضوض

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 582.
(2) المنتهى 2: 740، التحرير 1: 105.
(3) أي رواية البراء المتقدمة في ص: 307.
(4) كما في المنتهى 2: 741.
315

خصيته - وهو الموجوء أيضا - فلا بأس به، لعدم صدق النقص، للأصل،
وصحيحة ابن عمار: (إذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو
من البقر، وإلا فاجعل كبشا سمينا فحلا، فإن لم تجد فموجوءا من الضأن،
فإن لم تجد فتيسا فحلا، فإن لم تجد فما تيسر عليك) (1).
وفي صحيحة أبي بصير: (المرضوض أحب إلي من النعجة) (2).
وفي صحيحة محمد: (والموجوء خير من النعجة) (3).
ه‍: ومما يستثنى أيضا من الناقص: الخصي إذا لم يجد غيره، على
الأظهر الموافق لتصريح جماعة، منهم: الشهيد في الدروس وصاحب
المدارك (4)، لصحيحة البجلي والأخريين المتعقبتين لها، وقوله في صحيحة
ابن عمار المتقدمة: (فإن لم تجد فما تيسر عليك).
و: ومما استثناه الشيخ في التهذيب: الناقص إذا بان نقصه بعد نقد
الثمن (5)، للصحيحين المتقدمين (6)، فخص بهما الصحيح المتقدم عليهما (7).
والتحقيق: أن بين الفريقين عموما من وجه، فمن استثنى عمل

(1) التهذيب 5: 204 / 679، الوسائل 14: 95 أبواب الذبح ب 8 ح 1، بتفاوت.
(2) الكافي 4: 490 / 5، الوسائل 14: 112 أبواب الذبح ب 14 ح 3.
(3) التهذيب 5: 205 / 686، الوسائل 14: 111 أبواب الذبح ب 14 ح 1.
(4) الدروس 1: 437، المدارك 8: 34.
(5) التهذيب 5: 214.
(6) الأول في: التهذيب 5: 214 / 720، الإستبصار 2: 269 / 953، الوسائل 14:
130 أبواب الذبح ب 24 ح 3.
الثاني في: الكافي 4: 490 / 9، التهذيب 5: 214 / 721، الإستبصار 2:
269 / 954، الوسائل 14: 130 أبواب الذبح ب 24 ح 1.
(7) الفقيه 2: 295 / 1463، التهذيب 5: 213 / 719، الإستبصار 2: 268 / 952،
قرب الإسناد: 239 / 941، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.
316

بالاطلاق، ومن لم يستثن عمل بأصل الاشتغال بعد رفع اليد عن الاطلاق،
لتخصيصه بالمجمل الموجب لعدم الحجية في موضع الاجمال.
وهو الأقوى، لذلك، مضافا إلى ظاهر الاجماع، حيث لا يوجد
للشيخ موافق في المسألة، بل تردد هو نفسه في الاستبصار المتأخر عن
التهذيب أيضا (1).
ز: هل يستثنى ساقط الأسنان لهرم أم لا؟
الظاهر: الثاني، لصدق النقص، ولا تعارضه صحيحة العيص في
الهرم الذي قد وقعت ثناياه: (إنه لا بأس به في الأضاحي) (2)، وقريبة منها
مرسلة الفقيه (3)، إذ لا يعلم شمولها للهدي أيضا.
ح: إذا لم يوجد إلا فاقد الشرائط الغير الثابت استثناؤه بخصوصه،
ففي الاجزاء، أو الانتقال إلى الصوم، قولان، أصحهما: الأول، لقوله عليه السلام
في صحيحة ابن عمار المتقدمة: (فإن لم تجد فما تيسر عليك).
وفي صحيحته الأخرى: (اشتر فحلا سمينا للمتعة) إلى أن قال: (فإن
لم تجد فما استيسر من الهدي) الحديث (4).
وكذا الحكم في الشرطين الآتيين من عدم الهزال والمرض.
المسألة الرابعة: يجب أن لا يكون الهدي مهزولا، بلا خلاف يوجد
كما قيل (5)، للصحاح وغيرها المستفيضة، المصرحة كلا: بأنه لو اشتراها
سمينة فوجدها سمينة أو مهزولة أجزأت، ولو اشتراها مهزولة فوجدها

(1) الإستبصار 2: 269.
(2) الكافي 5: 491 / 15، الوسائل 14: 114 أبواب الذبح ب 16 ح 6.
(3) الفقيه 2: 297 / 1471، الوسائل 14: 115 أبواب الذبح ب 16 ح 8.
(4) الكافي 4: 490 / 9، الوسائل 14: 107 أبواب الذبح ب 12 ح 7.
(5) انظر الرياض 1: 393.
317

سمينة أجزأت أيضا، ولو اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة لم يجز،
كصحاح العيص والحلبي (1) ومنصور (2) ومرسلة الفقيه.
والأوليان مطلقتان، والثالثة واردة في الهدي، والرابعة مصرح به فيها
بعد الاطلاق بأن في هدي المتمتع مثل ذلك.
ومقتضى تلك النصوص: الاجزاء لو اشتراها سمينة فبانت مهزولة،
وهو كذلك بلا إشكال إذا كان الظهور بعد الذبح، وإن كان قبله فقد يستشكل
فيه من جهة إطلاق النصوص، ومن قوة احتمال اختصاصها - بحكم التبادر -
بما بعد الذبح، فيرجع إلى إطلاق ما دل على المنع من المهزولة.
وفيه: منع التبادر، ولو سلم فيجب تقييده بمفهوم الشرط في
صحيحة منصور: (وإن اشتراه وهو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه)، مضافا
إلى إطلاق صدرها.
وكذا مقتضى الأخبار المذكورة: الاجزاء لو ظهرت سمينة بعد
الاشتراء مهزولة ولو بعد الذبح.
خلافا للعماني فيما بعد الذبح، لعدم حصول التقرب به (3).
وفيه: أنه ربما لا يعلم الحكم، وكذا لو علم، لامكان سقوط الواجب
بفعل آخر، للنص.
ثم إنه فسرت المهزولة بما لم يكن على كليتها شحم، وهو الذي
يظهر من رواية الفضيل (4)، ولكن في كونه تفسيرا للهزال تأمل، فيحتمل أن

(1) الكافي 4: 490 / 6، الوسائل 14: 114 أبواب الذبح ب 16 ح 5.
(2) التهذيب 5: 211 / 712، الوسائل 14: 113 أبواب الذبح ب 16 ح 2.
(3) حكى ذلك عنه في المختلف 1: 306.
(4) الكافي 4: 492 / 16، التهذيب 5: 212 / 714، الوسائل 14: 113 أبواب
الذبح ب 16 ح 3 وفيه: عن الفضل.
318

يكون ذلك مجزئا لظنه السمن أولا، كما تدل عليه ندامته، فالأولى الرجوع
إلى العرف.
المسألة الخامسة: لا تجزئ المريضة البين مرضها، باتفاق العلماء
كما عن المنتهى (1)، لرواية البراء (2) المنجبر ضعفها بما ذكر.
المسألة السادسة: يستحب أن يكون الهدي سمينا، للأخبار (3)،
والاعتبار، بل نقل الاجماع (4).
وأن يكون مما عرف به، أي احضر بعرفات في عشية عرفة - كما
عن المفيد والمنتهى والتذكرة والمهذب والمدارك والذخيرة والمفاتيح (5) -
أو مطلقا، كما في السرائر (6) ونقل عن غيره أيضا (7).
لصحيحة البزنطي: (لا يضحى إلا بما قد عرف به) (8)، ونحوها في
صحيحة أبي بصير (9).
ولقصورهما عن إفادة الوجوب - لمكان الخبرية، مضافا إلى رواية
سعيد: عمن اشترى شاة لم يعرف بها، قال: (لا بأس بها عرف بها أم لم

(1) المنتهى 3: 740.
(2) المتقدمة في ص: 307.
(3) الوسائل 14: 109 أبواب الذبح ب 13.
(4) كما في كشف اللثام 1: 368.
(5) نقله عنه في المدارك 8: 39، المنتهى 2: 742، التذكرة 1: 382، المهذب
1: 257، الذخيرة: 669، المفاتيح 1: 355.
(6) السرائر 1: 598.
(7) كما في الشرائع 1: 261.
(8) التهذيب 5: 207 / 692، الإستبصار 2: 265 / 937، الوسائل 14: 115
أبواب الذبح ب 17 ح 1.
(9) التهذيب 5: 206 / 691، الإستبصار 2: 265 / 936، الوسائل 14: 116 أبواب
الذبح ب 17 ح 2.
319

يعرف بها) (1) - حملناهما على الاستحباب وفاقا للأكثر، بل عن المنتهى:
الاجماع عليه (2).
وعن ظاهر التهذيبين والنهاية والمبسوط والاصباح والمهذب والغنية:
الوجوب (3)، لما ذكر بجوابه.
ويكفي في التعريف إخبار البائع به، لصحيحة أخرى لسعيد (4).
وهل التعريف هو الاحضار بعرفات في عشية عرفة، كما عن التذكرة
والمنتهى والمهذب والمقنعة وفي المدارك والذخيرة والمفاتيح (5)؟
أو الاحضار بعرفات مطلقا، كما في السرائر (6)، بل نسب ذلك إلى
غير الثلاثة الأولى (7).
كل محتمل، ومقتضى أصل الاشتغال: الأول.
وأن يكون إناثا من الإبل والبقر وفحولة من الغنم، لفتوى العلماء الأخيار.
وصحيحة ابن عمار: (أفضل البدن ذوات الأرحام من البدن والبقر،
وقد تجزئ الذكورة من البدن، والضحايا من الغنم الفحولة) (8).

(1) الفقيه 2: 297 / 1473، التهذيب 5: 207 / 693، الإستبصار 2: 265 / 936،
الوسائل 14: 116 أبواب الذبح ب 17 ح 2.
(2) المنتهى 2: 742.
(3) التهذيب 5: 206، الإستبصار 2: 265، النهاية: 258، المبسوط 1: 373،
المهذب 1: 257، الغنية (الجوامع الفقهية): 582.
(4) التهذيب 5: 207 / 694، الإستبصار 2: 265 / 939، الوسائل 14: 116 أبواب
الذبح ب 17 ح 3.
(5) التذكرة 1: 382، المنتهى 2: 742، المهذب 1: 257، نقله عن المفيد في
المدارك 8: 39، الذخيرة: 669، المفاتيح 1: 355.
(6) السرائر 1: 598.
(7) كما في الرياض 1: 394.
(8) التهذيب 5: 204 / 680، الوسائل 14: 98 أبواب الذبح ب 9 ح 1.
320

وأبي بصير: (أفضل الأضاحي في الحج الإبل والبقر)، وقال: (ذوو
الأرحام)، وقال: (لا يضحى بثور ولا جمل) (1).
والحلبي: عن الإبل والبقر أيهما أفضل أن يضحى بها؟ قال: (ذوات
الأرحام) (2).
ومقتضى هذه الروايات بضميمة الأصل والاطلاق: إجزاء العكس في
كل منهما، كما هو الأشهر، بل في المنتهى: لا نعلم خلافا في جواز العكس
في الثانيين (3).
وفي النهاية: لا يجوز التضحية بثور ولا بجمل بمنى، ولا بأس بهما
في البلاد (4).
وفي الاقتصاد: أن من شرطه إن كان من البدن أو البقر أن يكون
أنثى، وإن كان من الغنم أن يكون فحلا من الضأن، فإن لم يجد من الضأن
جاز التيس من المعز (5).
وفي المهذب: إن كان من الإبل فيجب أن يكون ثنيا من الإناث، وإن
كان من البقر فيكون ثنيا من الإناث (6).
فإن أرادوا تأكد الاستحباب - كما قيل (7) - وإلا فمحجوج عليهم بعدم
الدليل.

(1) التهذيب 5: 204 / 682، الوسائل 14: 99 أبواب الذبح ب 9 ح 4.
(2) الكافي 4: 489 / 2، التهذيب 5: 204 / 681، الوسائل 14: 99 أبواب الذبح
ب 9 ح 5.
(3) المنتهى 2: 742.
(4) النهاية: 257.
(5) الإقتصاد: 307.
(6) المهذب 1: 257.
(7) انظر الحدائق 17: 107.
321

المسألة السابعة: يكره التهدي بالثور والجمل، لصحيحة أبي بصير
المتقدمة، وهي وإن اختصت بالتضحية، ولكن الأكثر تعدوا إلى التهدي
أيضا، ولعله للاجماع المركب أو أعمية التضحية أو الفحوى، وإن أمكن
المناقشة في الكل، إلا أن بعد فتوى جماعة (1) لا بأس به في مقام التسامح.
ولذلك يقال بكراهة الجاموس فيهما أيضا، مع التصريح بالجواز في
صحيحة علي بن الريان: عن الجاموس عن كم يجزئ في الضحية؟ فجاء
الجواب: (إن كان ذكرا فعن واحد، وإن كان أنثى فعن سبعة) (2).
وهذه الصحيحة - مضافة إلى ظاهر الاجماع - هي دليل إجزائه، دون
البناء على أنه مع البقر جنس واحد حتى يناقش فيه.
وكذا يكره الموجوء، لفتوى الأصحاب، وإن كان في استفادة كراهته
من الأخبار (3) نظر، لأن فيها رجح بعض الأصناف على الموجوء والموجوء
على بعض آخر.
المسألة الثامنة: يستحب في النحر أو الذبح أمور:
منها: أن تنحر الإبل قائمة، لقوله سبحانه: (فاذكروا اسم الله عليها
صواف) (4)، أي حال كونها قائمات في صف واحد.
ولصحيحتي ابن سنان والكناني:
الأولى: في قول الله عز وجل: (فاذكروا اسم الله عليها صواف)،

(1) منهم العلامة في المنتهى 2: 742، التذكرة 1: 382، والكركي في جامع
المقاصد 3: 244، والأردبيلي في مجمع الفائدة 7: 290.
(2) التهذيب 5: 209 / 701، الإستبصار 2: 267 / 946، الوسائل 14: 119
أبواب الذبح ب 18 ح 8.
(3) الوسائل 14: 111 أبواب الذبح ب 14.
(4) الحج: 36.
322

قال: (ذلك حين تصف للنحر تربط يديها ما بين الخف إلى الركبة،
ووجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض) (1).
والثانية: كيف تنحر البدنة؟ قال: تنحر وهي قائمة من قبل اليمين) (2).
ولا يجب ذلك، بلا خلاف يعلم، كما عن التذكرة والمنتهى (3)،
ويدل عليه المروي في قرب الإسناد: عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو
باركة؟ قال: (يعقلها، وإن شاء قائمة وإن شاء باركة) (4).
ومنها: أن تكون الإبل حال النحر مربوطة يديها ما بين الخف والركبة،
أي يجمع بين يديها ويربطهما ما بين الخف والركبة، للصحيحة الأولى.
وأما ما في رواية حمران المذكورة في كتاب الصيد والذبائح: (وأما
البعير فشد أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه) (5).
فأرجعها المحقق الشيخ علي إلى الأول، قال: المراد بشد أخفافه إلى
آباطه: أن يجمع يديهما ويربطهما ما بين الخف والركبة، وبهذا صرح في
رواية ابن سنان، وليس المراد في الأول أنه يعقل خفي يديه معا إلى آباطه،
لأنه لا يستطيع القيام حينئذ، والمستحب في الإبل أن تكون قائمة (6). انتهى.

(1) الكافي 4: 497 / 1، الفقيه 2: 299 / 1487، التهذيب 5: 220 / 743،
الوسائل 14: 148 أبواب الذبح ب 35 ح 1.
(2) الكافي 4: 497 / 2، الفقيه 2: 299 / 1488، التهذيب 5: 221 / 744،
الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 2.
(3) التذكرة 1: 380، المنتهى 2: 738.
(4) قرب الإسناد: 235 / 921، الوسائل 14: 150 أبواب الذبح ب 35 ح 5.
(5) الكافي 6: 229 / 4، التهذيب 9: 55 / 227، الوسائل 24: 10 أبواب الذبائح
ب 3 ح 2.
(6) لم نعثر عليه في جامع المقاصد ولا في رسالة الحج، والعبارة موجودة في
المسالك 2: 228.
323

وكأنه حمل الإبط على الركبة مجازا.
واحتمل بعضهم التخيير بين الأمرين أو اختصاص الهدي بالأول (1).
وكل محتمل.
وأما ما ورد في رواية أبي خديجة: رأيت أبا عبد الله عليه السلام وهو ينحر
بدنة معقولة يدها اليسرى، ثم يقوم على جانب يدها اليمنى ويقول: (بسم
الله والله أكبر، اللهم إن هذا منك ولك، اللهم تقبله مني)، ثم يطعن في
لبتها (2).
فلا ينافي ما مر، لامكان الجمع بين عقل اليد اليسرى ثم ربط اليدين
فيجمع بين الأمرين.
فالعمل بالأخيرة خاصة - لترجيح هذه الرواية، كما عن الحلبيين (3)،
أو الحكم بالتخيير، كبعض المتأخرين (4) - ليس بجيد، مع أنه على فرض
التنافي يكون الترجيح للأولى، لتقديم القول على الفعل.
ومنها: أن يكون الذي ينحرها واقفا من الجانب الأيمن للبدنة،
لصحيحة الكناني ورواية أبي خديجة المتقدمتين، والأولى وإن لم تكن
خالية عن إجمال في قوله: (من قبل اليمين)، إلا أن الثانية تبينها.
ومنها: أن يتولى الذبح أو النحر بنفسه إن أحسنه، للتأسي
بالنبي صلى الله عليه وآله، فإنه روي في الهدي والأضحية توليه بنفسه:
ففي مرسلة الفقيه: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله بكبشين، ذبح واحدا

(1) كما في كشف اللثام 1: 368.
(2) الكافي 4: 498 / 8، التهذيب 5: 221 / 745، الوسائل 14: 149 أبواب الذبح ب 35 ح 3.
(3) الحلبي في الكافي: 320.
(4) كما في كشف اللثام 1: 368.
324

بيده فقال: اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أهل بيتي، وذبح الآخر وقال:
هذا عني وعمن لم يضح من أمتي) (1).
وفي صحيحة الحلبي الواردة في حج النبي صلى الله عليه وآله: (ونحر رسول الله صلى الله عليه وآله
ثلاثا وستين، فنحرها بيده) (2).
وليس التولي بنفسه واجبا كما مر، وإن لم يتولاه بنفسه يجعل يده مع
يد الذابح.
واستدلوا له بصحيحة ابن عمار: (كان علي بن الحسين عليهما السلام يجعل
السكين في يد الصبي ثم يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح) (3).
وفي دلالتها على المطلوب نظر، لجواز أن يكون ذلك لأجل الاحتراز
عن ذبح الصبي، ومع ذلك فهي أخص من المدعى، فإن كون يده مع يده
يتصور على وجوه أخر غير ما في الصحيحة، ولعل فتوى الأصحاب تكفي
في إثبات المطلوب.
ومنها: أن يدعو عند النحر أو الذبح بما في صحيحة صفوان: (إذا
اشتريت هديك فاستقبل به القبلة وانحره أو اذبحه وقل: وجهت وجهي للذي
فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي
ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين،
اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر، اللهم تقبل مني، ثم أمر السكين) (4).
وقد مر في رواية أبي خديجة دعاء أبي عبد الله عليه السلام، وورد في

(1) الفقيه 2: 293 / 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.
(2) الكافي 4: 248 / 6، الوسائل 11: 222 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 14.
(3) الكافي 4: 497 / 5، الوسائل 14: 151 أبواب الذبح ب 36 ح 2.
(4) الكافي 4: 498 / 6، التهذيب 5: 221 / 746، الوسائل 14: 152 أبواب الذبح
ب 37 ح 1.
325

مرسلة الفقيه في تضحية أمير المؤمنين عليه السلام أنه يقول: (بسم الله وجهت
وجهي) إلى قوله: (رب العالمين، اللهم منك ولك) (1).
ويمكن التخيير، ويحتمل التفرقة بين الهدي والأضحية، فالأول
للأول، والثاني للثاني، كما هو مورد الخبرين، والله العالم.
المسألة التاسعة: الحق: أنه لا يجزئ الهدي الواحد إلا عن شخص
واحد في الحج الواجب مطلقا ولو بالشروع فيه، مطلقا ولو عند الضرورة،
بل ينتقل حينئذ فرضه إلى الصوم، وفاقا للمشهور كما صرح به جماعة (2)،
وعن الخلاف: الاجماع عليه (3)، للأصل، والمستفيضة.
منها: صحيحة محمد بن علي الحلبي: عن النفر تجزئهم البقرة؟
قال: (أما في الهدي فلا، وأما في الأضحى فنعم، ويجزئ الهدي عن
الأضحية) (4)، ونحوها روايته إلى قوله: (نعم) (5).
وصحيحة محمد - على ما في الاستبصار -: (لا تجوز البدنة والبقرة
إلا عن واحد بمنى) (6).
وأما على ما في التهذيب: (لا تجوز إلا عن واحد بمنى) (7) ففي
معناها إجمال يمنع الاستدلال، كما لا يخفى على المتأمل.

(1) الفقيه 2: 293 / 1448، الوسائل 14: 153 أبواب الذبح ب 37 ح 2.
(2) منهم السبزواري في الكفاية: 70 صاحب الحدائق 17: 34.
(3) الخلاف 2: 536.
(4) الفقيه 2: 297 / 1472، الوسائل 14: 117 أبواب الذبح ب 18 ح 3.
(5) التهذيب 5: 210 / 705، الإستبصار 2: 268 / 950، الوسائل 14: 117
أبواب الذبح ب 18 ح 3.
(6) الإستبصار 2: 266 / 941.
(7) التهذيب 5: 208 / 696، الوسائل 14: 117 أبواب الذبح ب 18 ح 1.
326

وصحيحة الحلبي: (تجزئ البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة، ولا
تجزئ بمنى إلا عن واحد) (1).
وتؤيده صحيحة الأزرق: عن متمتع كان معه ثمن هدي وهو يجد
بمثل ذلك الذي معه هديا، فلم يزل يتوانى ويؤخر ذلك حتى إذا كان آخر
النهار غلت الغنم فلم يقدر بأن يشتري بالذي معه هديا، قال: (يصوم ثلاثة
أيام بعد أيام التشريق) (2).
خلافا للمحكي عن النهاية والمبسوط والجمل والاقتصاد وموضع من
الخلاف، فيجزئ الواحد عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن
سبعين) (3)، قيل: وتبعه كثير.
وعن القاضي والمختلف وظاهر المنتهى، فيجزئ الواحد عند
الضرورة عن الكثير مطلقا (4).
وعن موضع من الخلاف، فتجزئ بقرة أو بدنة عن سبعة إذا كانوا من
أهل خوان (5) واحد (6).
وعن المفيد والصدوق، فتجزئ بقرة عن خمسة إذا كانوا من أهل بيت (7).

(1) التهذيب 5: 207 / 695، الإستبصار 2: 266 / 940، الوسائل 14: 118
أبواب الذبح ب 18 ح 4.
(2) الكافي 4: 508 / 7، الفقيه 2: 304 / 1509، الوسائل 14: 194 أبواب الذبح
ب 51 ح 7.
(3) النهاية: 258، المبسوط 1: 372، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 235،
الإقتصاد: 307، الخلاف 2: 535.
(4) القاضي في المهذب 1: 257، المختلف: 305، المنتهى 2: 748.
(5) الخوان: الذي يؤكل عليه - الصحاح 5: 2110.
(6) الخلاف 2: 441.
(7) المفيد في المقنعة: 418، الصدوق في الهداية: 62.
327

وعن الديلمي، فكذلك مطلقا (1).
وحكى في الشرائع قولا بإجزاء الواحد عن خمسة وسبعة عند
الضرورة إذا كانوا من أهل خوان واحد (2).
وفي النافع قولا بإجزاء واحد عن سبعة وعن سبعين بشرط القيدين (3).
مستندين إلى أخبار كثيرة أقربها إلى الدلالة على المطلوب خمسة،
وهي: رواية زيد بن جهم، وصحاح حمران والبجلي وابن عمران، ومرسلة
الحسن بن علي.
الأولى: متمتع لم يجد هديا، فقال: (أما كان معه درهم يأتي به قومه
فيقول: أشركوني بهذا الدرهم؟!) (4).
والثانية: عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار، فسئل
أبو جعفر عليه السلام عن ذلك، فقال: (اشتركوا فيها)، قلت: كم؟ قال: (ما خف
فهو أفضل)، قلت: عن كم يجزئ؟ قال: (عن سبعين) (5).
والثالثة: قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون، وهم مترافقون،
وليسوا بأهل بيت واحد، وقد اجتمعوا في مسيرهم، ومضربهم واحد، ألهم
أن يذبحوا بقرة؟ قال: (لا أحب ذلك إلا من ضرورة) (6).

(1) المراسم: 114.
(2) الشرائع 1: 259.
(3) النافع: 89.
(4) الكافي 4: 497 / 5، الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 13.
(5) الكافي 4: 496 / 4، التهذيب 5: 209 / 703، الإستبصار 2: 267 / 948،
الوسائل 14: 119 أبواب الذبح ب 18 ح 11.
(6) الكافي 4: 496 / 2، التهذيب 5: 210 / 706، الإستبصار 2: 268 / 951،
الوسائل 14: 119 أبواب الذبح ب 18 ح 10.
328

والرابعة: (تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان
واحد) (1).
والخامسة: كنا جماعة بمنى - إلى أن قال: - فقلنا: نعم، أصلحك
الله، إن الأضاحي قد عزت علينا، قال: (فاجتمعوا فاشتروا جزورا
فانحروها فيما بينكم)، قلنا: لا تبلغ نفقتنا ذلك، قال: (فاجتمعوا فاشتروا
بقرة فيما بينكم)، قلنا: ولا تبلغ نفقتنا، قال: (فاجتمعوا فاشتروا شاة
فاذبحوها فيما بينكم)، قلنا: تجزئ عن سبعة؟ قال: (نعم، وعن
سبعين) (2).
فإن التضمن للمتمتع والهدي كما في بعضها ولمنى كما في بعض
آخر يقرب الرواية إلى المطلوب.
وأما البواقي، فليس فيها إلا إجزاء الواحد عن كثير، إما مطلقا أو في
الأضحية، ولا شك أنها أعم مطلقا من الأخبار التي ذكرناها للمطلوب، فلا
تعارضها فيه.
وأما الخمسة، فالأربعة الأخيرة منها أيضا كذلك.
وكونهم بمنى أو متمتعين لا يخصص الرواية بالهدي، لاستحباب
الأضحية للمتمتع أيضا، بل في بعضها التصريح بالأضحية التي هي الظاهرة
في غير الهدي.
وأما الأولى، فلا دلالة لها على إجزاء ذلك عن الصيام المأمور به في

(1) التهذيب 5: 208 / 697، الإستبصار 2: 266 / 942، الوسائل 14: 118
أبواب الذبح ب 18 ح 5، وفي الجميع: عن ابن عمار.
(2) الكافي 4: 496 / 3، التهذيب 5: 209 / 702، الإستبصار 2: 267 / 947،
الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 12 و ص: 123 ب 19 ح 1، وفي
الجميع: عن الحسن بن علي، عن رجل يسمى سوادة.
329

القرآن بعد عدم وجدان الهدي، ولا على وجوب ذلك التشريك، فيحتمل
أن يكون ذلك أمرا مرغوبا تحصل له فضيلة الهدي وإن وجب عليه الصيام.
فرع: ما مر - كما أشير إليه - مخصوص بالهدي، بل الواجب منه
- كما قالوا - ولو بالشروع في الحج.
وأما الأضحية والمبعوث به من الآفاق والمتبرع بسياقه إذا لم يتعين
بالاشعار أو التقليد فيجزئ الواحد فيه إبلا كان أو بقرا أو غنما عن الكثير
مطلقا، ولو بلغ ما بلغ، ولو في الاختيار، وفي المنتهى: الاجماع على
الاجزاء عن سبعة (1)، وفي التذكرة: عن سبعين (2)، ولا يبعد أن يكون ذلك
مثالا للكثرة، كما هو الظاهر من الأخبار المتضمنة للعدد الخاص.
وقد ورد في صحيحة ابن سنان: (ذبح رسول الله صلى الله عليه وآله يوم الأضحى
كبشا عمن لم يجد من أمته) (3).
وفي مرسلة الفقيه: أنه ذبح كبشا وقال: (اللهم هذا عني وعمن لم
يضح من أهل بيتي، وذبح الآخر وقال: هذا عني وعمن لم يضح من
أمتي) (4).
ولولا مظنة الاجماع على اختصاص عدم الاجزاء بالهدي الواجب
لقلنا به في الهدي مطلقا وخصصنا التشريك بالأضحية، كما هو الظاهر من
الجمع بين الأخبار.
ونقل في السرائر عن الخلاف جواز تشريك السبعة في التطوع إذا

(1) المنتهى 2: 748.
(2) التذكرة 1: 384.
(3) الكافي 4: 495 / 1، الوسائل 14: 100 أبواب الذبح ب 10 ح 3، بتفاوت يسير.
(4) الفقيه 2: 293 / 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.
330

كانوا من أهل بيت واحد، ولا يجزئ إذا كانوا من أهل بيوت شتى، وادعى
عليه إجماع الفرقة (1).
والأخبار ترده، وتخصيص الاجزاء بسبعة في الذكر في بعض
الأخبار (2) لا ينافي إجزاء الغير، فلا تقيد به الاطلاقات، ولا يعارض ما
يتضمن الزائد.
المقام الرابع: في مصرف الهدي وقسمته.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: يجب أكل المالك شيئا من لحم الهدي، وفاقا
لصريح الحلي والشرائع والمختلف والمنتهى والقواعد والدروس والمسالك
والمدارك والذخيرة والكفاية (3)، وهو ظاهر الصدوق والعماني (4).
للآيتين (5)، وصحيحة ابن عمار: (إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم،
كما قال الله تعالى: (فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتبر)) (6).
وأورد (7) عليهما: بمنع دلالة الأمر فيهما على الوجوب، أما أولا:

(1) السرائر 1: 596.
(2) الكافي 4: 496 / 3، التهذيب 5: 209 / 702، الإستبصار 2: 267 / 947،
الوسائل 14: 120 أبواب الذبح ب 18 ح 12.
(3) الحلي في السرائر 1: 598، الشرائع 1: 261، المختلف: 306، المنتهى 2:
752، القواعد 1: 88، الدروس 1: 439، المسالك 1: 116، المدارك 8: 43،
الذخيرة: 670، الكفاية: 71.
(4) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.
(5) الحج: 28، 36.
(6) التهذيب 5: 223 / 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.
(7) كما في الرياض 1: 395.
331

فلوروده مورد توهم الحظر، حيث حكي عن صاحب الكشاف والفاضل
المقداد (1) وغيرهما (2):
أن الأمم الماضية يمتنعون من أكل نسائكهم، فرفع الله الحر عنه،
فلا يفيد سوى الإباحة.
وأما ثانيا: فلأن محل النزاع هو هدي التمتع، كما صرح به في
المدارك (3).
وفي المنتهى: هدي التطوع يستحب الأكل منه بلا خلاف، لقوله
تعالى: (فكلوا منها)، وأقل مراتب الأمر الاستحباب - إلى أن قال: - ولو
لم يأكل من هدي التطوع لم يكن به بأس بلا خلاف (4).
ولا اختصاص للآيتين ولا للرواية بهدي التمتع، بل يعمه وهدي
القران والتضحية، فلا بد إما من صرف الأمر إلى الاستحباب أو التخصيص
بهدي التمتع، والرجحان للأول، لما مر من كون المقام مقام توهم الحظر،
ولشهرة القول بالاستحباب، مضافا إلى شمول الرواية لسائر أفراد الذبح
والنحر أيضا.
ويرد على الأول: عدم ثبوت النقل المذكور بحيث يوجب علينا
صرف اللفظ عن حقيقته المعلومة، سيما في الرواية التي وردت بعد مدة
طويلة من زمان رفع الحظر لو كان.

(1) حكاه عنه في زبدة البيان: 227، وانظر الكشاف 3: 158، الفاضل المقداد في
كنز العرفان 1: 314.
(2) كالطبرسي في مجمع البيان 4: 86، القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 12:
64.
(3) المدارك 8: 45.
(4) المنتهى 2: 752.
332

هذا، مع ما في حمل الأمر الوارد عقيب الحظر على الإباحة من
الكلام.
وعلى الثاني: أن تصريح المدارك بأن محل النزاع هو هدي التمتع
يمكن أن يكون في هذا المقام، ومثله لا يدل على عدم النزاع في غيره
أصلا، ونفي الخلاف في المنتهى لا حجية فيه، خصوصا بعد العلم بوجود
الخلاف.
قال في السرائر: فأما هدي المتمتع والقارن فالواجب أن يأكل منه ولو
قليلا، ويتصدق على القانع والمعتر ولو قليلا، لقوله تعالى (فكلوا) إلى
آخره، والأمر عندنا يقتضي الوجوب (1). انتهى.
وهذا ظاهر الصدوق والعماني أيضا (2)، واستقرب الشهيد في
الدروس أيضا مساواة هدي السياق لهدي التمتع في وجوب الأكل منه
والاطعام (3).
وقال في المدارك بعد نقله عنه: ولا بأس به (4).
مع أنه يمكن أن يكون مراد المنتهى من التطوع الأضحية ونحوها،
ونفيه الخلاف مع تصريح الحلي بالخلاف يدل على ذلك.
وقد يستدل للوجوب بأخبار أخر يمكن المناقشة في دلالتها، ولا
فائدة تامة في ذكرها بعد ما ذكر.
ولا تنافيها صحيحة سيف الآتية الآمرة بالتثليث من غير ذكر الأكل،

(1) السرائر 1: 598.
(2) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.
(3) الدروس 1: 443.
(4) المدارك 8: 71.
333

لأن أكله داخل في إطعام الأهل، كما يستفاد من الموثقة الآتية الآمرة بأكل
الثلث.
وإن أبيت فنقول: فتتعارض هذه الصحيحة مع الموثقة، والترجيح مع
الموثقة لا محالة، لموافقة الكتاب.
خلافا للشيخ (1) وجماعة (2)، فقالوا باستحباب الأكل، وفي الدروس:
أن ظاهر الأصحاب الاستحباب (3). واستدلوا له بالأصل الواجب دفعه بما
ذكر.
المسألة الثانية: يجب أيضا إطعام شئ منه، واختلف القائلون
بوجوب أكله فيما يجب زائدا عليه.
فقال الحلي بوجوب التصدق على القانع والمعتر (4)، ولم يزد على
ذلك.
وفي الكفاية: الواجب مسمى الأكل، وإعطاء شئ إلى القانع، وإعطاء
شئ إلى المعتر (5).
وفي الذخيرة: إعطاء شئ إلى الفقير أيضا (6)، مضافا إلى ما في الكفاية.
وفي المدارك: وجوب الأكل منه والاطعام (7).
وفي المسالك: وجوب الأكل وإهداء الإخوان والصدقة على

(1) النهاية: 261.
(2) منهم الحلبي في الكافي في الفقه: 200، ابن حمزة في الوسيلة: 184.
(3) الدروس 1: 439.
(4) السرائر 1: 598.
(5) الذخيرة: 670.
(6) الذخيرة: 670.
(7) المدارك 8: 43.
334

الفقراء (1). وهو المصرح به في الدروس (2)، وظاهر الصدوق والعماني (3).
أقول: لا ينبغي الريب في وجوب الاطعام كما في المدارك، والآيتان
والصحيحة السابقة (4) ورواية علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد الله صلى الله عليه وآله (5)
تدل عليه بلا معارض، بل لها المعاضدات الكثيرة.
والظاهر وجوب إطعام الفقير، لإحدى الآيتين.
ولا تنافيها الصحيحة والرواية المشار إليها، لكون إطعام الفقير أخص
مطلقا من الاطعام.
ولا الآية الأخرى، لامكان الجمع بين إطعام الفقير والقانع والمعتر.
وتدل عليه أيضا صحيحة سيف: (إني سقت هديا فكيف أصنع به؟
فقال له أبي: أطعم أهلك ثلثا، وأطعم القانع والمعتر ثلثا، وأطعم المساكين
ثلثا، فقلت: المساكين هم السؤال؟ فقال: نعم، وقال: القانع الذي يقنع
بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك، هو
أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك) (6).
وموثقة العقرقوفي: سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال:
(بمكة)، قلت: فأي شئ أعطي منها؟ قال: (كل ثلثا وأهد ثلثا وتصدق

(1) المسالك 1: 116.
(2) الدروس 1: 439.
(3) الصدوق في الهداية: 62، حكاه عن العماني في المختلف: 306.
(4) التهذيب 5: 223 / 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40 ح 1.
(5) التهذيب 5: 223 / 753، معاني الأخبار: 208 / 2، الوسائل 14: 160 أبواب
الذبح ب 40 ح 20.
(6) الكافي 4: 501 / 9، التهذيب 5: 224 / 755، الوسائل 14: 116 أبواب الذبح
ب 40 ح 20.
335

ثلثا) (1)، وغير ذلك (2).
فإن أبيت عن وجوب التثليث فتكون الروايتان معاضدتين للآية، ولا
معارض لها أصلا، فيجب العمل بها، مع أن الصحيحة والموثقة واردتان في
هدي السياق خاصة، واتحاد حكم الجميع غير واضح.
وكذا يجب اعطاء القانع والمعتر، للآية والصحيحتين المتقدمتين، ولا
معارض لها أصلا، أما الآية الأخرى ومطلقات الأمر بالاطعام فظاهر، وأما
الأخبار المتضمنة للاهداء والتصدق فلتحققهما بالنسبة إلى القانع والمعتر
أيضا.
ولا يجب غير ذلك أصلا، للأصل الخالي عن الدافع، سوى صحيحة
سيف الآمرة بإطعام الأهل.
وهو غير قابل للحمل على الوجوب قطعا، لعدم وجوب إعطاء الأهل
الثلث بالاجماع المعلوم من سيرة العلماء، بل جميع الأمة من الصدر الأول
إلى زماننا هذا، بل الحجج عليهم السلام، فإنا نقطع بأن النبي صلى الله عليه وآله ما أطعم ثلث
ست وستين ولا الولي عليه السلام ثلث أربع وثلاثين حين سوقهما لها لأهل
بيتهما.
فإذن الحق هو: خيرة الذخيرة، بل يمكن إرجاع جميع الأقوال
المذكورة في وجوب الزائد على الأكل إلى واحد، حيث إنه لا يشترط في
الاهداء الغناء، بل يكفي الارسال لا بقصد التصدق، ولا في القانع والمعتر
شئ من الفقر ولا الغناء.

(1) الكافي 4: 488 / 5، التهذيب 5: 202 / 672، الوسائل 14: 165 أبواب الذبح
ب 40 ح 18.
(2) الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40.
336

ثم المراد بالقانع هو: الذي يقنع بما أرسلت إليه ولا يطلب منك
الزائد عليه، وبالمعتر: من يمر بك بقصد إعطائك إياه ولا يسأل، كما تدل
عليه صحيحة سيف المذكورة، وصحيحتا ابن عمار (1) ومرسلة الفقيه (2)
ورواية عبد الرحمن (3).
المسألة الثالثة: يكفي في امتثال ما مر من الأكل وإطعام الفقير
والقانع والمعتر المسمى، لصدق الامتثال، وأصالة عدم وجوب الزائد.
وقد يقال بوجوب التثليث في القسمة: ثلث للأهل، وثلث للاهداء،
وثلث للتصدق.
ولا دليل عليه في غير هدي السياق من هدي التمتع والأضحية
وغيرها، والاجماع المركب غير ثابت جدا.
نعم، تدل عليه في هدي السياق صحيحة سيف وموثقة العقرقوفي
المتقدمتين، فلا بأس بالقول بالوجوب فيه خاصة، ولكن في غير الثلث
الأول، لما مر من الاجماع على عدم إعطاء الأهل ولا أكل المالك الثلث،
بل الظاهر عدم امكانهما غالبا، سيما بملاحظة النهي عن الاخراج عن منى،
ومع ذلك يحصل الوهن في وجوب الثلثين الأخيرين أيضا.
المسألة الرابعة: ما ذكر إنما هو في الهدي، وأما في الأضحية فلا

(1) الأولى في: التهذيب 5: 223 / 751، الوسائل 14: 159 أبواب الذبح ب 40
ح 1.
الثانية في: الكافي 4: 500 / 6، الوسائل 14: 164 أبواب الذبح ب 40
ح 14.
(2) الفقيه 2: 294 / 1456، الوسائل 14: 167 أبواب الذبح ب 40 ح 24.
(3) الكافي 4: 499 / 2، معاني الأخبار: 208 / 1، الوسائل 14: 163 أبواب الذبح
ب 40 ح 12.
337

يجب فيها شئ مما ذكر، للأصل.
ويستحب التثليث: إما ثلث لأهل البيت، وثلث للجيران، وثلث
للسائلين والطالبين، كما تدل عليه رواية الكناني: عن لحوم الأضاحي،
فقال: (كان علي بن الحسين وأبو جعفر عليهما السلام يتصدقان بثلث على
جيرانهما)، وثلث على السؤال، وثلث يمسكانه لأهل البيت) (1).
والأولى اعتبار الفقر في الجيران، لمكان لفظ التصدق.
أو ثلث لأهل البيت، وثلث للفقراء من القانعين والمعترين، وثلث
يهدى للأصدقاء، كما ذكره الحلي في السرائر، ناسبا له إلى رواية
أصحابنا (2)، لهذه الرواية المرسلة الكافية في مقام الاستحباب.
المسألة الخامسة: يترجح عدم إخراج لحم الهدي عن منى، بلا
خلاف فيه يوجد، بل مطلقا كما في المفاتيح، قال: ولا ينبغي إخراج شئ
منها من منى، بل يصرفه بها بلا خلاف (3). بل بالاجماع، وهو أو فتوى
الأصحاب دليل عليه، وإلا فليس في الأخبار شئ يثبته كما سيظهر.
وهل ذلك على الوجوب حتى يحرم الاخراج؟ كما هو صريح
الشرائع والارشاد وظاهر النافع (4) ونسبه في الذخيرة إلى المشهور (5)، وقال
في المدارك: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (6).

(1) الكافي 4: 499 / 3، الفقيه 2: 294 / 1457، المقنع: 88، العلل: 438 / 3،
الوسائل 14: 163 أبواب الذبح ب 40 ح 13.
(2) السرائر 1: 598.
(3) المفاتيح 1: 356.
(4) الشرائع 1: 260، الإرشاد 1: 332، النافع 1: 89.
(5) الذخيرة: 666.
(6) المدارك 8: 25.
338

أو الاستحباب حتى يستحب؟ كما هو ظاهر بعضهم (1)، بل نسبه في
شرح المفاتيح إلى المشهور، قال: والمشهور بين الأصحاب كراهة إخراج
شئ من الهدي من منى واستحباب صرفه بها، ولعله مما لا خلاف فيه. ثم
قال بعد نقل طائفة من الأخبار: والمستفاد من ظواهر تلك الأخبار وإن كان
التحريم وعدم جواز الاخراج إلا أنها محمولة عند الأكثر على الكراهة. انتهى.
الحق هو: الثاني، للأصل الفارغ عن مكاوحة (2) المعارض رأسا.
فإن الأخبار التي يتمسكون بها للمنع تحريما أو كراهة: صحيحة
محمد: عن اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال: (لا يخرج منه شئ إلا
السنام بعد ثلاثة أيام) (3).
وابن عمار: (لا تخرجن شيئا من لحم الهدي) (4).
ومرسلة الفقيه: (كنا ننهى الناس عن إخراج لحوم الأضاحي من منى
بعد ثلاثة، لقلة اللحم وكثرة الناس، وأما اليوم فقد كثر اللحم وقل الناس فلا
بأس بإخراجه، ولا بأس بإخراج الجلد والسنام من الحرم، ولا يجوز
إخراج اللحم منه) (5).
ورواية علي بن أبي حمزة: (لا يتزود الحاج من أضحيته، وله أن

(1) كصاحب الرياض 1: 401.
(2) كاوحت فلانا مكاوحة إذا قاتلته فغلبته.... أكاح زيدا وكوحه إذا غلبه - لسان
العرب 2: 575.
(3) التهذيب 5: 226 / 765، الإستبصار 2: 274 / 974، الوسائل 14: 171
أبواب الذبح ب 42 ح 1.
(4) التهذيب 5: 226 / 766، الإستبصار 2: 275 / 975، الوسائل 14: 171
أبواب الذبح ب 42 ح 2.
(5) الفقيه 2: 295 / 1459، الوسائل 14: 170 أبواب الذبح ب 41 ح 6.
339

يأكل بمنى أيامها) (1).
ورواية علي: (لا يتزود الحاج من أضحيته، وله أن يأكل منها أيامها،
إلا السنام، فإنه دواء) (2).
وموثقة إسحاق: عن الهدي أيخرج شئ منه من الحرم؟ فقال:
(بالجلد والسنام والشي ينتفع به)، قلت: إنه بلغنا عن أبيك أنه قال: (لا
يخرج من الهدي المضمون شيئا)، قال: (بل يخرج بالشئ ينتفع به)،
وزاد فيه أحمد: ولا يخرج بشئ من اللحم من الحرم (3).
ويرد أولا: بقصور تلك الروايات جميعا عن إفادة التحريم، لمكان
الجملة الخبرية أو ما يحتمله، سوى مرسلة الفقيه فإنه وإن صرح فيها أخيرا
بقوله (لا يجوز) إلا أنه معارض بقوله أولا: (فلا بأس بإخراجه)، فلا بد إما
من جعل الأخير من فتوى صاحب الكتاب - كما احتمله في الوافي (4) - أو
من حمل: (لا يجوز) على الكراهة، أو رفع اليد عن الرواية.
وثانيا: بما في كل واحد أيضا:
أما الأولى ففيها - مع ورودها في الحرم دون منى -: أن اللحم فيها
عام للهديين والكفارات والضحايا وسائر التطوعات، والاخراج أعم من إخراج
المالك والفقير والمهدى له والمشتري، وكثير منها مما لم يقل أحد بتحريمه،
وبذلك تنفتح فيها أبواب من التجوزات، وتعيين ما يفيد المطلوب منها لا

(1) التهذيب 5: 227 / 767، الإستبصار 2: 275 / 976، الوسائل 14: 171 أبواب
الذبح ب 42 ح 3.
(2) التهذيب 5: 227 / 769، الإستبصار 2: 275 / 978، الوسائل 14: 172 أبواب
الذبح ب 42 ح 4.
(3) الوافي 14: 1167.
(4) الوافي 14: 1167.
340

معين له، ومع ذلك قيد بما بعد ثلاثة أيام، وهو أيضا مما يفتح بابا أخرى.
وأما الثانية، ففيها عدم تعين محل الاخراج ولا من يخرجه.
وأما الثالثة، ففيها ما مر.
وأما الرابعة والخامسة، ففيهما: أن التزود غير الاخراج، فقد يتزود
ولا يخرج، وقد يخرج من غير التزود ويهديه لمن في غير منى، ومع ذلك
تتضمنان الأضحية، وشمولها للهدي غير معلوم.
وأما السادسة، ففيها ما مر في الأولى من ورودها في الحرم، ومع
ذلك يدل صدورها على جواز إخراج شئ ينتفع به، وهو بإطلاقه يشمل
اللحم، وآخره لم يقطع بكونه من أحمد نفسه أو من الإمام.
هذا كله، مع ما لتلك الأخبار من المعارض، وهو صحيحة محمد:
عن إخراج لحوم الأضاحي من منى، فقال: (كنا نقول: لا يخرج منها
شئ، لحاجة الناس إليه، وأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه) (1).
هذا في اللحوم.
وأما الجلود وغيرها من الاجزاء - كالأطراف والأمعاء والشحم والقرن
وغيرها - فظاهر بعض المحرمين في اللحم التحريم فيها أيضا (2).
وعن الشهيد الثاني التصريح به (3)، واستدل له ببعض الأخبار الآمرة
بالتصدق بطائفة من هذه الأشياء والناهية عن إعطائها الجزارين (4).
وهو غريب، لأن كلا منها غير الاخراج، ومع ذلك صرح في المرسلة

(1) الكافي 4: 500 / 7، التهذيب 5: 227 / 768، الإستبصار 2: 275 / 977،
الوسائل 14: 172 أبواب الذبح ب 42 ح 5.
(2) كما في الشرائع 1: 260.
(3) المسالك 1: 115.
(4) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.
341

والموثقة المتقدمتين بجواز إخراج الجلد والسنام، فالحق: الجواز.
ولا تنافيه صحيحة محمد: عن اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال: (لا
يخرج منه شئ إلا السنام بعد ثلاثة أيام) (1)، لأن الظاهر رجوع الضمير إلى
اللحم، مع أنه لا يثبت أزيد من المرجوحية، ولو سلم يجب الحمل عليها،
لما مر.
والظاهر عدم جواز إعطاء الجلود ولا شيئا آخر الجزار والسلاخ،
للنهي عنه في صحيحة البختري (2)، ورواية ابن عمار (3)، ورواية سليمان بن
جعفر: (وإنما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها، لأن
الله تعالى قال: (فكلوا منها وأطعموا)، والجلد لا يؤكل ولا يطعم، ولا
يجوز ذلك في الهدي) (4).
وهل المنع يختص بالاعطاء أجرة، أو مطلقا؟
ظاهر الاطلاق: الثاني.
وقيده جماعة بالأول (5)، ولعله لكونه الظاهر من المنع.
وفيه: منع ظاهر، وأمر الاحتياط واضح، والله العالم.
المقام الخامس: في العجز عن الهدي وبيان بدله، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من أحرم بالتمتع ولم يكن له هدي ولا ثمنه الذي

(1) التهذيب 5: 226 / 765، الإستبصار 2: 274 / 974، الوسائل 14: 171
أبواب الذبح ب 42 ح 1.
(2) الكافي 4: 501 / 1، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 1.
(3) الكافي 4: 501 / 2، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 2.
(4) الفقيه 2: 129 / 550، الوسائل 14: 175 أبواب الذبح ب 43 ح 7، ورويت فيهما
مرسلة.
(5) انظر الخلاف 2: 535، كشف اللثام 1: 371.
342

يشتريه يجب عليه الانتقال إلى بدله، وهو صوم عشرة أيام، بالكتاب،
والسنة، والاجماع، ثلاثة وسبعة، وتلك عشرة كاملة.
المسألة الثانية: يجب أن تكون الثلاثة الأيام في الحج - أي في شهره -
وهو هنا: ذو حجته الذي يحج فيه، بلا خلاف أجده.
وتدل عليه صحيحة رفاعة، وفيها: (إنا أهل بيت تقول ذلك لقول الله
عز وجل: (فصيام ثلاثة أيام في الحج)، نقول في ذي الحجة) (1).
وفي صحيحة البجلي - بعد السؤال عنه عن قوله تعالى: (فصيام
ثلاثة أيام في الحج) -: (كان جعفر عليه السلام يقول: ذو الحجة كله من أشهر
الحج) (2).
وفي صحيحة منصور: (من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال
المحرم فعليه دم شاة وليس له صوم، ويذبحه بمنى) (3).
ويجب فيها التتابع، بإجماعنا المصرح به في كلام جماعة (4).
وتدل عليه موثقة إسحاق: (لا تصم الثلاثة الأيام متفرقة) (5)، ونحوها
الصحيح المروي في قرب الإسناد (6).

(1) الكافي 4: 506 / 1، التهذيب 5: 38 / 114، الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46
ح 1، والآية: البقرة: 196.
(2) التهذيب 5: 230 / 779، الإستبصار 2: 278 / 988، الوسائل 14: 192
أبواب الذبح ب 51 ح 4.
(3) الكافي 4: 509 / 10، التهذيب 5: 39 / 116، الإستبصار 2: 278 / 989،
الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47 ح 1.
(4) كما في المنتهى 2: 743، الحدائق 17: 130، الرياض 1: 396.
(5) التهذيب 5: 232 / 784، الإستبصار 2: 280 / 994، الوسائل 14: 198
أبواب الذبح ب 53 ح 1.
(6) قرب الإسناد: 17 / 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.
343

ورواية علي بن الفضل الواسطي المضمرة: (إذا صام المتمتع يومين
لا يتابع اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج، فليصم بمكة ثلاثة
أيام متتابعات، فإن لم يقدر ولم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق، أو
إذا قدم علي أهله صام عشرة أيام متتابعات) (1).
ويستثنى من وجوب التتابع فيه: إذا صام يومي التروية وعرفة، فيأتي
بالثالث بعد التشريق، حكي ذلك عن الشيخ والحلي (2)، وجماعة (3)،
واختاره في الشرائع (4)، وفي المدارك: أنه المشهور بين الأصحاب (5)، وعن
الحلي: الاجماع عليه، وهو الأظهر.
لموثقة الأزرق: عن رجل قدم يوم التروية متمتعا وليس له هدي
فصام يوم التروية ويوم عرفة، قال: (يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق) (6).
ورواية البجلي: فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة، قال: (يجزئه أن
يصوم يوما آخر) (7).
وعورضتا بروايات أخر مصرحة: بأن من فاته ذلك لا يصوم اليومين

(1) التهذيب 5: 231 / 782، الإستبصار 2: 279 / 993، الوسائل 14: 196
أبواب الذبح ب 52 ح 4، وفي قرب الإسناد: 394 / 1381 عن أبي الحسن 7.
(2) الشيخ في المبسوط 1: 370، والنهاية: 255، الحلي في السرائر 1: 593.
(3) منهم الشهيد في الدروس 1: 441، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 238،
وصاحب الرياض 1: 396.
(4) الشرائع 1: 262.
(5) المدارك 8: 50.
(6) الفقيه 2: 304 / 1505، التهذيب 5: 231 / 781، الإستبصار 2: 279 / 992،
الوسائل 14: 196 أبواب الذبح ب 52 ح 2.
(7) التهذيب 5: 231 / 780، الإستبصار 2: 279 / 991، الوسائل 14: 195
أبواب الذبح ب 52 ح 1.
344

بل يصوم بعد ذلك (1)، ولا تعارضهما عند التحقيق، لأنها بين واردة
بالجملة الخبرية التي لا تفيد أزيد من المرجوحية، وآمرة بصوم أيام
التشريق أو يوم الحصبة وما بعده، ولا يمكن حمل الأمر فيها على
الوجوب، لجواز التأخير.
نعم، تعارضهما رواية الواسطي المتقدمة، ولكنها أعم مطلقا منهما،
لأعمية اليومين من التروية وعرفة، فيتعين التخصيص، ولكن لا شك أن
الأحوط تأخير الثلاثة عن يوم النحر.
ولو فاته يوم التروية لا يصوم عرفة ويومين بعد النحر، لوجوب
التتابع، خرج ما إذا أدرك التروية وعرفة بما مر، فيبقى الباقي.
وهل يجب كون الثلاثة في الثلاثة الأيام التي قبل يوم النحر اختيارا،
كما هو ظاهر الحلي؟
قال في السرائر: فالثلاثة الأيام: يوم قبل يوم التروية ويوم تروية
ويوم عرفة، فإن فاته صوم هذه الأيام صام يوم الحصبة.
وقال أيضا فيما بعد ذلك: أجمعوا على أنه لا يجوز الصيام إلا يوم
قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة، وقبل ذلك لا يجوز (2).
وهو - كما ترى - ظاهر في دعوى الاجماع على ذلك، وحكي
الاجماع عليه عن ظاهر التبيان أيضا (3)، وظاهر بعضهم حكاية القول به عن
جمع آخر أيضا (4).

(1) انظر الوسائل 14: 195 أبواب الذبح ب 52.
(2) السرائر 1: 592 - 594.
(3) التبيان 2: 160.
(4) كالمختلف: 305.
345

أو يستحب، كما صرح به جماعة (1)؟
بل في الذخيرة: أنه يجوز تأخيرها، فيصوم طول ذي الحجة، لا
أعلم فيه خلافا بين أصحابنا، وهو قول أكثر العامة، وحكى المصنف عن
بعض العامة قولا بخروج وقتها بمضي عرفة، وهو ضعيف (2). انتهى.
ويمكن الجمع: إما بحمل الأول على جعل الثلاثة المتصلة (3) أول
وقت الجواز.
أو بحمل الثاني على بقاء الوقت الاختياري، وإن وجبت المبادرة عند
جماعة في الثلاثة المتصلة (4).
وكيف كان، تدل على الأول أخبار كثيرة، أكثرها وإن لم يثبت سوى
رجحان الثلاثة المذكورة - كالصحاح الأربع لرفاعة (5) وابن عمار (6)
والعيص (7) وحماد (8)، ومرسلة الفقيه (9)، وروايتي يونس (10) والبجلي (11) -

(1) كالمنتهى 2: 743، الدروس 1: 440، الحدائق 17: 124.
(2) الذخيرة: 673.
(3) كشف اللثام 1: 364، وانظر الرياض 1: 397.
(4) كشف اللثام 1: 364، وانظر الرياض 1: 397.
(5) المتقدمة في ص: 339.
(6) الكافي 4: 507 / 3، التهذيب 5: 39 / 115، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح
ب 46 ح 4.
(7) الكافي 4: 508 / 4، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح ب 46 ح 3.
(8) قرب الإسناد: 17 / 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.
(9) الفقيه 2: 302 / 1504، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.
(10) التهذيب 4: 231 / 679، الوسائل 10: 201، أبواب من يصح منه الصوم
ب 11 ح 3.
(11) التهذيب 5: 230 / 779، الإستبصار 2: 278 / 988، الوسائل 14: 192 أبواب
الذبح ب 51 ح 4.
346

ولكن يمكن إثبات الوجوب من بعضها، كصحيحة البجلي: ما تقول في
رجل تمتع ولم يكن له هدي؟ قال: (يصوم الأيام التي قال الله تعالى) إلى
أن قال: وأي أيام هي؟ قال: (قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة)
الحديث (1).
فإن في تفسير الأيام التي قال الله سبحانه بالثلاثة دلالة علي تعيينها.
وصحيحة محمد: (الصوم الثلاثة الأيام، إن صامها فآخرها يوم عرفة،
فإن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله ولا يصومها في
السفر) (2).
ورواية القداح: (من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج، وهي قبل يوم
التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة، فليصم أيام التشريق، فقد أذن له) (3).
إلا أنه تعارضها صحيحة زرارة: (من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن
يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس) (4)، المؤيدة ببعض
عمومات أخر، فهي قرينة على إرادة الرجحان من الروايات الأولى.
فإذن الأقوى هو: الاستحباب، فيجوز تأخيرها اختيارا.
وهل تجب المبادرة إليها بعد التشريق، فإن فات فليصم بعد ذلك،
كما نسب إلى ظاهر الأكثر (5)؟

(1) التهذيب 5: 230 / 779، الإستبصار 2: 278 / 988، الوسائل 14: 192
أبواب الذبح ب 51 ح 4.
(2) التهذيب 5: 234 / 791، الإستبصار 2: 283 / 1003، الوسائل 14: 181
أبواب الذبح ب 46 ح 10.
(3) التهذيب 5: 229 / 778، الإستبصار 2: 277 / 987، الوسائل 14: 193
أبواب ب 51 ح 6.
(4) الفقيه 2: 303 / 1508، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 13.
(5) كشف اللثام 1: 365.
347

أو لا، بل يجوز التأخير عنه اختيارا أيضا ما لم يخرج ذو الحجة؟
الظاهر: الثاني، للأصل السليم عما يعارضه، سوى أخبار كثيرة (1)
قاصرة عن إفادة الوجوب، لمكان الجملة الخبرية، أو المتضمنة للأمر
بصوم آخر أيام التشريق، الذي لا قائل بوجوبه ظاهرا، بل تعارضها فيه أخبار
كثيرة أخرى (2)، فيجوز صومها طول ذي الحجة.
وهل يجوز صيام الثلاثة في أيام التشريق كلا، أو يجوز جعل أوله
آخرها - أي يصوم يوم الحصبة، وهو الثالث عشر، ويومين بعده فلا يجوز
الصوم في أيام منى خاصة أو لا يجوز أصلا؟
الأول: محكي عن الإسكافي (3)، وله رواية القداح المتقدمة، ورواية
إسحاق (4).
والثاني: للصدوقين ونهاية الشيخ والحلي والمدارك والذخيرة (5)،
وجمع آخر (6)، ولهم الصحاح الأربع، ومرسلة الفقيه، المتقدمة إليها جميعا
الإشارة، وصحيحة البجلي المتقدم شطر منها.
والثالث: للشرائع (7)، وله رواية البجلي المتقدمة إليها الإشارة،

(1) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.
(2) كما في الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.
(3) حكاه عنه في المختلف: 304.
(4) التهذيب 5: 229 / 777، الإستبصار 2: 277 / 986، الوسائل 14: 193
أبواب الذبح ب 51 ح 5.
(5) الصدوق في الفقيه 2: 302، حكاه عن والده في المختلف: 304، النهاية:
255، الحلي في السرائر 1: 592، المدارك 8: 51، الذخيرة 673.
(6) كصاحب الحدائق 17: 134.
(7) الشرائع 1: 262.
348

وصحيحتا ابن سنان (1) وابن مسكان (2).
ومقتضى التحقيق: رد الأول، لندرته وشذوذه فتوى ورواية - كما
صرح في التهذيبين (3) - المانعين عن الحجية، والموجبين لمرجوحية الخبر
عن معارضه، ولموافقته العامة كما صرح به جماعة (4).
وتشعر الروايتان بالتقية أيضا، حيث نسبه الإمام عليه السلام إلى علي عليه السلام،
بل في مكاتبة ابن السراج المروية في صحيحة صفوان دلالة عليها أيضا (5).
فيبقى الثانيان، وأخبار الأخير أعم مطلقا من أخبار الثاني، لأن الأول يعم
جميع أيام التشريق، والثاني يختص بآخرها، فتعين حمل الأخير على الأول (6)،
ويشهد لذلك الحمل صحيحة صفوان المتضمنة لمكاتبة ابن السراج،
وصحيحة البجلي المشار إليها، وغيرهما.
فإذن الحق هو: القول الأوسط.
وكما يجوز تأخير صيام الثلاثة عن الأيام الثلاثة المتصلة بيوم النحر،
يجوز تقديمها عليها ما لم يتجاوز عن ذي الحجة، وفاقا للمشهور كما عن
التنقيح (7)، لاطلاق الآية، وتفسيرها في بعض الأخبار (8) المتقدمة بذي

(1) التهذيب 5: 228 / 774، الإستبصار 2: 276 / 983، الوسائل 14: 191
أبواب الذبح ب 51 ح 1.
(2) التهذيب 5: 229 / 775، الإستبصار 2: 277 / 984، الوسائل 14: 192
أبواب الذبح ب 51، ح 2.
(3) التهذيب 5: 230، الإستبصار 2: 277.
(4) انظر الخلاف 2: 275، والحدائق 17: 135.
(5) التهذيب 5: 229 / 776، الإستبصار 2: 277 / 985، الوسائل 14: 192 أبواب
الذبح ب 51 ح 3.
(6) أي الأول من الثانيين.
(7) التنقيح 1: 493.
(8) كصحيحتي رفاعة والبجلي المتقدمتين في ص 339.
349

الحجة..
وصحيحة زرارة: (من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة
الأيام في أول العشر فلا بأس بذلك) (1).
وقربية منها روايته، وفيها: (فأحب أن يقدم الثلاثة الأيام في أول
العشر) (2).
وبهما يخرج ما ظاهره تعين الثلاثة المتصلة عن ظاهره، مع أنك قد
عرفت أنه غير باق على ظاهره، والتأخير إلى السابع أحوط.
ولا يجوز التقديم على ذي الحجة، لما مر.
ويجب أن يكون الشروع في الصوم بعد التلبس بالمتعة إجماعا، وهو
الدليل عليه دون بعض التعليلات الغير التامة، ويدل عليه أيضا تعلق الأمر
بالصيام في الآية والأخبار (3) على المتمتع، وصدقه قبل التلبس به غير
معلوم، فلا يكون مأمورا به، فلا يكون قبله صحيحا.
ويكفي التلبس بالعمرة وفاقا للأكثر، بل في صريح السرائر: الاجماع
عليه (4)، للأصل، والاطلاق.
واعتبر بعض الأصحاب التلبس بالحج (5)، وتدفعه المستفيضة (6)، الدالة
على الأمر بصوم يوم قبل التروية مع استحباب الاحرام بالحج يوم التروية.

(1) التهذيب 5: 235 / 793، الإستبصار 2: 283 / 1005، الوسائل 14: 180
أبواب الذبح ب 46 ح 8.
(2) الكافي 4: 507 / 2، الوسائل 14: 179 أبواب الذبح ب 46 ح 2.
(3) انظر الوسائل 14: 178، 185 أبواب الذبح ب 46 و 47.
(4) السرائر 1: 594.
(5) كما في الدروس 1: 440.
(6) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.
350

وهل يجب أن يكون صيام الثلاثة في مكة أو منى قبل الرجوع - كما
قيده بعضهم به (1) - إلا مع حصول عذر من نسيان أو عدم موافقة الرفقاء أو
غيرهما؟
ظاهر الأصحاب ذلك، ويمكن الاستدلال له ببعض مفاهيم الشرط
الواردة في بعض الأخبار المشار إليها وفي غيرها أيضا.
وأما مع العذر فيجوز صومها في الطريق وبعد الرجوع إلى الأهل، كما
صرح به في الأخبار (2).
ولا يتعين صومها بعد الرجوع إلى الأهل، كما في صحيحة محمد (3)،
لمعارضتها مع أخبار كثيرة مخالفة للعامة.
فروع:
أ: من لم يصم الثلاثة حتى خرج ذو الحجة سقط عنه الصوم وتعين
عليه الهدي بمنى في القابل، عند علمائنا وأكثر العامة كما في المدارك (4)،
وعن الخلاف وفي المفاتيح وشرحه: الاجماع عليه (5)، بل قيل: نقله
جماعة.
واستدل له بصحيحة منصور المتقدمة (6)، والأخرى: من لم يصم

(1) انظر النهاية: 256، المنتهى 2: 744.
(2) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.
(3) التهذيب 5: 234 / 791، الإستبصار 2: 283 / 1003، الوسائل 14: 181
أبواب الذبح ب 46 ح 10.
(4) المدارك 8: 55.
(5) الخلاف 2: 278، المفاتيح 1: 358.
(6) الكافي 4: 509 / 10، التهذيب 5: 39 / 116، الإستبصار 2: 278 / 989،
الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47 ح 1.
351

الثلاثة الأيام في الحج حتى يهل الهلال، فقال: (عليه دم يهريقه وليس عليه
صيام) (1).
وصحيحة عمران الحلبي: عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي
على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: (يبعث بدم) (2).
خلافا للمحكي عن التهذيب والمفيد، فيصوم في الطريق أو البلد إن
كان ترك الصوم لعائق أو نسيان (3)، واستحسنه في الذخيرة (4).
للمستفيضة من الصحاح (5)، المصرحة: بأن من فاته صومها بمكة
- لعدم القدرة أو عدم إقامة الجمال أو الأصحاب - فليصمها في الطريق إن
شاء، وإن شاء إذا رجع إلى أهله، من غير تقييد ببقاء ذي الحجة وعدم
خروجه، بتقييد الأولين من دليل الأول بالناسي بشهادة الثالثة.
أقول: مقتضى هذا الجمع: إدخال التارك للصوم عمدا في المستفيضة
وإيجاب الصوم عليه، مع أنه غير صحيح، لاختصاص المستفيضة طرا
بوجود المانع، فيبقى إطلاق الصحيحين الأولين في حق غير ذوي الأعذار
بلا معارض، ولا وجه لاخراجه عنهما.
فلا يبقى الريب في سقوط الصوم ووجوب الذبح على غير ذوي
الأعذار، ولا على الناسي، للصحيحة الثالثة الخالية عن المعارض.
نعم، يبقى الكلام في ذوي الأعذار، والتعارض في حقهم بين

(1) التهذيب 4: 231 / 680.
(2) الفقيه 2: 304 / 1511، التهذيب 5: 235 / 792، الإستبصار 2: 283 / 1004،
الوسائل 14: 186 أبواب الذبح ب 47 ح 3.
(3) حكاه عنهما في الذخيرة: 673. والرياض 1: 397، وانظر التهذيب 5: 233.
(4) الذخيرة: 674.
(5) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.
352

الصحيحين والمستفيضة بالعموم من وجه، لاختصاص الأولين بخروج
الشهر وعمومهما بالنسبة إلى العذر وغيره، والثانية بذوي الأعذار وعمومها
بالنسبة إلى خروج الشهر وعدمه.
والترجيح للأولين، لا لموافقة الكتاب كما قيل (1) - إذ غاية ما يدل
عليه وجوب الصوم في الشهر وأما بعد خروجه فلا دلالة له عليه نفيا وإثباتا -
بل لشذوذ القول الثاني، بحيث يخرج الدال عليه عن الحجية، إذ لم ينقل
قائل به سوى من ذكر، ورجع عنه الشيخ في الخلاف والاستبصار أيضا (2)،
والله العالم.
ولا يخفى أن بما ذكرنا وإن ثبت سقوط الصوم ووجوب الذبح، لكن
المستند - في كون الذبح هو الهدي دون كونه كفارة - إن كان هو الاجماع
فلا كلام، وإلا ففي دلالة الأخبار (3) عليه نظر.
وأطلق طائفة من الأصحاب - منهم الحلي (4) - بوجوب الدم، من غير
تنصيص على كونه هديا أو كفارة، ولكن صرح الأكثر بالأول.
والذبح بنية ما في الذمة طريق الاحتياط.
ب: وهل يجب مع هذا الهدي دم كفارة؟
عن المنتهى والمبسوط والجامع: نعم (5)، وهو الأحوط، لما روي من
أنه من ترك نسكا فعليه دم (6).

(1) الرياض 1: 397.
(2) الخلاف 2: 278، الإستبصار 2: 279.
(3) الوسائل 14: 185 أبواب الذبح ب 47.
(4) السرائر 1: 592.
(5) المنتهى 2: 746، المبسوط 1: 370، الجامع للشرائع: 210.
(6) سنن البيهقي 5: 152.
353

وعن الأكثر: لا، وهو الأظهر، للأصل، وضعف الرواية.
ج: لو صام الثلاثة كملا - لفقد الهدي أو ثمنه - ثم وجد الهدي، لم
يجب عليه على الأشهر الأظهر، بل عن الخلاف الاجماع عليه (1)، للأصل،
وإطلاق الآية، وصريح رواية حماد المنجبرة بالعمل: عن متمتع صام ثلاثة
أيام في الحج، ثم أصاب هديا يوم خرج من منى، قال: (أجزأه صيامه) (2).
لكن الانتقال إلى الهدي أفضل بلا خلاف، كما صرح به غير واحد (3)،
لرواية عقبة بن خالد (4)، القاصرة عن إفادة الوجوب للجملة الخبرية.
وقيل: للاحتياط (5)، حيث حكي عن المهذب القول بوجوب الانتقال
مطلقا (6).
وعن القواعد: إذا وجده قبل التلبس بالسبعة في وقت الذبح (7).
وهو حسن من جهة الوفاق على كفاية الذبح، وإلا فكان الاحتياط في
الجمع بين الهدي وصيام العشرة.
والمسقط للهدي عند الأكثر إكمال الثلاثة، فلولاه يجب الهدي.
خلافا للسرائر والمحكي عن الخلاف وكنز العرفان وجملة من كتب

(1) انظر الخلاف 2: 277، وحكاه عنه في كشف اللثام 1: 364.
(2) الكافي 4: 509 / 11، التهذيب 5: 38 / 112، الإستبصار 2: 260 / 919،
الوسائل 14: 177 أبواب الذبح ب 45 ح 1.
(3) انظر المفاتيح 1: 358، والرياض 1: 397.
(4) الكافي 4: 510 / 14، التهذيب 5: 38 / 113، الإستبصار 2: 261 / 920،
الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 45 ح 2.
(5) كما في المدارك 8: 57، والمفاتيح 1: 358.
(6) المهذب 1: 159.
(7) القواعد 1: 88.
354

الفاضل، فاكتفوا في سقوط الهدي بمجرد التلبس بالصوم (1)، للأصل،
والاطلاق المذكورين. ولا يخلو عن قوة.
إلا أن الاحتياط مع الأول، والأحوط الجمع، كما في الصورة الأولى
أيضا.
المسألة الثالثة: يجب أن يكون صيام السبعة الأيام بعد الرجوع إلى
الأهل، بلا خلاف يعرف، كما في الذخيرة (2).
وخالف فيه أكثر العامة، فقال بعضهم: إذا فرغ من أفعال الحج (3).
وبعضهم: إذ أخرج من مكة سائرا في الطريق (4).
لنا: ظاهر الآية والأخبار المتكثرة، كالصحاح الست: لحماد (5) وابن
عمار (6)، وابن سنان (7) وابن مسكان (8) وسليمان (9) وصفوان (10)، وغيرها (11).

(1) السرائر 1: 594، الخلاف 2: 277، كنز العرفان 1: 297، الفاضل في المنتهى
2: 747، والمختلف: 305.
(2) الذخيرة: 674.
(3) قال به مالك وأحمد وأبي حنيفة، انظر المجموع 7: 193.
(4) قال به عطا ومجاهد، انظر المغني لابن قدامة 3: 509.
(5) قرب الإسناد: 17 / 56، الوسائل 14: 182 أبواب الذبح ب 46 ح 14.
(6) تفسير العياشي 1: 92 / 239، الوسائل 14: 183 أبواب الذبح ب 46 ح 16.
(7) التهذيب 5: 228 / 774، الإستبصار 2: 276 / 983، الوسائل 14: 191
أبواب الذبح ب 51 ح 1.
(8) التهذيب 5: 229 / 775، الإستبصار 2: 277 / 984، الوسائل 14: 192 أبواب الذبح
ب 46 ح 7.
(9) التهذيب 5: 229 / 775، الإستبصار 2: 277 / 984، الوسائل 14: 192 أبواب
الذبح ب 51 ح 2.
(10) التهذيب 5: 229 / 776، الإستبصار 2: 277 / 985، الوسائل 14: 192
أبواب الذبح ب 51، ح 3.
(11) الوسائل 14: 178 أبواب الذبح ب 46.
355

ولا يشترط في تلك السبعة التتابع على الحق المشهور، وعن المنتهى
والتذكرة: أنه لا يعرف فيه خلاف (1)، للأصل، والاطلاق.
وعموم صحيحة ابن سنان: (كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة
اليمين) (2).
وخصوص رواية إسحاق: إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام
حتى نزعت في حاجة إلى بغداد، قال: (صمها ببغداد)، قلت أفرقها؟ قال:
(نعم) (3)، وضعفها - لو كان - منجبر بما ذكر.
خلافا للمحكي في المختلف عن العماني والحلبي (4)، وفي التنقيح
عن المفيد وابن زهرة (5)، وفي غيرهما عن المختلف أيضا (6)، فأوجبوه.
لرواية علي: عن صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة، أيصومها متوالية
أو يفرق بينها؟ قال: (يصوم الثلاثة لا يفرق بينها، والسبعة لا يفرق بينها،
ولا يجمع الثلاثة والسبعة جميعا) (7).
وحسنة الحسين بن يزيد: (الثلاثة الأيام والسبعة الأيام في الحج لا
يفرق بينها، إنما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين) (8).

(1) المنتهى 2: 744، التذكرة 1: 383.
(2) الكافي 4: 140 / 1، الوسائل 10: 382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 1.
(3) التهذيب 5: 233 / 787، الإستبصار 2: 281 / 998، الوسائل 14: 200 أبواب
الذبح ب 55 ح 1.
(4) المختلف: 238.
(5) التنقيح 1: 494.
(6) حكاه عنه في الرياض 1: 397.
(7) التهذيب 4: 315 / 957، الإستبصار 2: 281 / 999، تفسير العياشي 1:
93 / 242، الوسائل 14: 200 أبواب الذبح ب 55 ح 2.
(8) الكافي 4: 140 / 3، الوسائل 10: 382 أبواب بقية الصوم الواجب ب 10 ح 2.
356

وجوابهما: قصور الدلالة عن الوجوب، ولا يفيد قوله: (بمنزلة
الثلاثة الأيام)، إذ يمكن أن يكون المراد تنزيلها منزلتها في الرجحان. وما
قد يدعى من عموم المنزلة في مثل ذلك لا دليل عليه.
ومع ذلك كله، فلا ريب أن الاحتياط في التتابع.
ولا تجب المبادرة إلى الصوم بعد الرجوع فورا، للأصل.
ولو أقام من وجبت عليه السبعة بمكة انتظر وصول أصحابه إلى
بلده، أو مضي شهر إن كانت مدة وصول أصحابه إلى البلد أكثر من شهر،
بلا خلاف يوجد، كما في الذخيرة (1)، وقيل: إنه مقطوع به في كلامهم (2)،
لصحيحة ابن عمار (3).
وعن جماعة - منهم: القاضي والحلبيون -: انتظار الوصول وعدم
اعتبار الشهر (4)، وهو مقتضى صحيحتي البزنطي (5) وأبي بصير (6).
والأول أظهر، لأن دليله مفصل.
ومقتضى الاحتياط: التأخير إلى أكثر الأمرين، حيث لا تعتبر الفورية،
ويكفي ظن وصول الأصحاب، كما صرح به في الصحيحتين الأخيرتين.
والإقامة أعم من مدة معينة أو غير معينة أو الأبدية، لعمومها في

(1) الذخيرة: 674.
(2) الرياض 1: 397.
(3) الفقيه 2: 303 / 1507، التهذيب 5: 234 / 790، الإستبصار 2: 282 / 1002،
الوسائل 14: 190 أبواب الذبح ب 50 ح 2.
(4) القاضي في المهذب 1: 201، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572،
علاء الدين في الإشارة: 119، أبو الصلاح في الكافي: 188.
(5) التهذيب 5: 41 / 121، الوسائل 14: 189 أبواب الذبح ب 50 ح 1.
(6) الكافي 4: 509 / 8، الفقيه 2: 303 / 1506، التهذيب 4: 314 / 954،
الوسائل 14: 190 أبواب الذبح ب 50 ح 3.
357

الصحيحة.
وفي مبدأ الشهر احتمالات أظهرها يوم عزم الإقامة.
والظاهر تخصيص ذلك بإقامة مكة، وأما في غيرها من البلدان أو
الطريق فلا، بل ينتظر الوصول إلى البلد، ومع اليأس يسقط الصيام، لتعلق
الأمر بالرجوع، ولا ينتقل إلى الهدي حينئذ، للأصل.
المسألة الرابعة: لو مات من وجب عليه ذلك الصيام قبل الصوم،
فإن لم يتمكن من صيام شئ من العشرة ولو بعضا سقط الصوم ولم يجب
على وليه القضاء عنه، بالاجماع على ما ادعاه جماعة (1).
وإن تمكن من فعل الجميع ولم يفعل ففيه أقوال، أظهرها: عدم
القضاء على الولي إن مات بعد صوم الثلاثة، وقضاء العشرة إن مات قبله،
لأنه مقتضى الجمع بين الأخبار.
المسألة الخامسة: لو مات الواجد للهدي ولم يهد، أخرج الهدي من
أصل تركته، لأنه من الحقوق المالية وجز من الحج الذي يخرج كله منه،
ولو لم تف التركة إلا بجز من الهدي سقط الكل على الأظهر.
المسألة السادسة: لو لم يكن له الهدي ولا ثمنه ولكن توقع حصوله
قبل مضي وقت الهدي توقعا معتنى به عرفا، لم ينتقل إلى الصوم، لصدق
الوجدان عرفا.
المسألة السابعة: من فقد الهدي وكان له ثمنه ويريد الرجوع، يخلف
ثمنه عند من يشتريه طول ذي الحجة فيذبحه، فإن لم يتمكن من ذلك أخر ذلك
إلى قابل من ذي الحجة، وفاقا للصدوقين والشيخين والسيدين والفاضلين في

(1) منهم العلامة في المنتهى 2: 304، ونقله عن الصيمري في الرياض 1: 398.
358

غير الشرائع والحلبي وابن حمزة (1)، بل للأكثر، بل عامة من تأخر كما
قيل (2)، وعن ظاهر الغنية: الاجماع عليه (3).
لصحيحة حريز: في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم، قال: (يخلف
الثمن عند بعض أهل مكة، ويأمر من يشتري له ويذبح عنه، وهو يجزئ
عنه، فإن مضى ذو الحجة أخر ذلك إلى قابل من ذي الحجة) (4).
واحتج له برواية النضر بن قرواش (5)، وهي بمضمون الصحيحة، إلا
أنها تتضمن التصريح بالضعف عن الصيام، وعلى هذا فلا تصلح دليلا
للمطلوب مع القدرة عليه.
خلافا للحلي والشرائع (6)، وعزي إلى الفقيه أيضا، وقد ينسب إلى
العماني (7)، وتنظر فيه بعضهم (8)، ونسبه في السرائر إلى الجمل والعقود (9).
وفيه أيضا نظر.

(1) الصدوقان في الفقيه 2: 304، المفيد في المقنعة: 390، الطوسي في المبسوط
1: 370، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 582، المرتضى في جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 63، المحقق في النافع: 90، الفاضل في
المنتهى 2: 743، الحلبي في الكافي: 200، ابن حمزة في الوسيلة: 182.
(2) في الرياض 1: 396.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 582.
(4) الكافي 4: 508 / 6، التهذيب 5: 37 / 109، الإستبصار 2: 260 / 916،
الوسائل 14: 176 أبواب الذبح ب 44 ح 1.
(5) التهذيب 5: 37 / 110، الإستبصار 2: 260 / 917، الوسائل 14 / 176 أبواب
الذبح ب 44 ح 2.
(6) الحلي في السرائر 1: 592، الشرائع 1: 261.
(7) كما في المختلف: 304.
(8) كصاحب الرياض 1: 396.
(9) السرائر 1: 592.
359

واستدل له بصدق عدم وجدان الهدي الموجب لانتقال الفرض إلى
الصوم، وبرواية أبي بصير: عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان
يوم النفر وجد ثمن شاة، أيذبح أو يصوم؟ قال: (بل يصوم، فإن أيام
الذبح قد مضت) (1).
ويرد الأول: بوجوب تخصيصه بمن لم يجد الثمن أيضا، أو وجده
ولم يجد الهدي، للخبر الصحيح (2) المعمول به عند الأصحاب، الذي هو
أخص مطلقا من الآية.
والثاني: بأنه ظاهر فيمن يقدر على تحصيل الهدي وذبحه بمنى،
وهو غير ما نحن فيه.
وللمحكي عن الإسكافي، فخير بين القولين وبين التصدق بالوسطى
من قيمة الهدي (3)، جمعا بين ما مر وبين رواية عبد الله بن عمر (4).
ورد: بفقد الشاهد على ذلك الجمع (5).
وفيه: أن التعارض مع عدم المرجح كاف فيه كما ثبت في محله، إلا
أن الترجيح هنا لأحد الأولين موجود، ولو لم يكن إلا وجوب طرح
المخالف للكتاب لكفى.
المسألة الثامنة: مقتضى وجوب الهدي وتعليق الانتقال إلى بدله

(1) التهذيب 5: 37 / 111، الإستبصار 2: 260 / 918، الوسائل 14: 177 أبواب
الذبح ب 44 ح 3.
(2) أي صحيحة حريز المتقدمة في ص: 354.
(3) حكاه عنه في المختلف: 304.
(4) الكافي 4: 544 / 22، الفقيه 2: 296 / 1467، التهذيب 5: 238 / 805،
الوسائل 14: 203 أبواب الذبح ب 58 ح 1.
(5) انظر رياض المسائل 1: 396.
360

بعدم وجدانه: وجوب شرائه لو وجد ووجد ثمنه، لوجوب ما لا يتم
الواجب إلا به.
ولو لم يكن ثمنه موجودا وأمكنه الاستقراض مع تمكنه من أدائه
وجب أيضا، لما ذكر.
وكذا لو كان له متاع أو جنس تيسر له دفعه بإزاء الهدي أو بيعه
وصرف ثمنه فيه، وجب، ما لم يكن مما يدعى ببقائه الحاجة أو الضرورة،
فإن كان كذلك لا يجب، لأدلة نفي الضرر والحرج، وهذا هو الأصل في
المقام.
واستثني منه لباس التجمل، بل الفضل من الكسوة مطلقا، على ما
قطع به الأصحاب في الأول، لمرسلة ابن أسباط: رجل تمتع بالعمرة إلى
الحج وفي عيبته (1) ثياب، أله أن يبيع من ثيابه شيئا ويشتري هديا؟ قال:
(لا، هذا مما يتزين به المؤمن، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئا) (2).
وصحيحة البزنطي: عن المتمتع يكون له فضل من الكسوة بعد الذي
يحتاج إليه، فتسوى تلك الفضول مائة درهم، هل يكون ممن يجب عليه؟
فقال: (له بد من كراء ونفقة؟)، فقلت: له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا
الفضل من الكسوة، فقال: (أي شئ الكسوة بمائة درهم؟ هذا ممن قال
الله تعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) إلى آخره (3).

(1) العيبة - بالفتح -: مستودع الثياب، أو مستودع أفضل الثياب - مجمع البحرين 2:
130.
(2) الكافي 4: 508 / 5، التهذيب 5: 238 / 802، الوسائل 14: 202 أبواب الذبح
ب 57 ح 2، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(3) التهذيب 5: 486 / 1735، قرب الإسناد: 388 / 1364، الوسائل 14: 201
أبواب الذبح ب 57 ح 1 بتفاوت.
361

قيل: ولأن مع التوقف على بيع مثل ذلك لا يصدق قوله سبحانه:
(فما استيسر من الهدي)، إذ ليس ذلك استيسارا عرفا (1). وفيه نظر.
ويجب الاقتصار في الاستثناء على ما ذكر، لمخالفته الأصل.
ولو باع شيئا من المستثنى واشترى الهدي أجزاء، لصدق الاستيسار
والوجدان حينئذ ولو سلمنا عدم صدقه أولا.
وناقش فيه بعضهم (2)، لأن مثل ذلك فرضه الصوم، فهو آت بغير
الفرض.
وفيه: أنه فرضه ما دام كذلك، ولكن إذا باع متاعه واشترى الهدي فلا
نسلم أن فرضه الصوم.
فائدتان:
الأولى: ما سبق كان أحكام هدي التمتع، وقد ذكروا لهدي السياق
أيضا أحكاما تركنا ذكرها، لقلة الفائدة فيها في هذه الأزمنة. ولهدي الفداء
والكفارات أيضا أحكام تأتي في بابها.
الثانية: في بيان الأضحية وأحكامها، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ترجح الأضحية للحاج وغيره في مكة وغيرها من
الأمصار، بالاجماعين (3).
ويدل عليه قوله سبحانه: (فصل لربك وانحر) (4)، على ما ذكره

(1) انظر الذخيرة: 666.
(2) انظر المدارك 8: 23.
(3) الحدائق 17: 200.
(4) الكوثر: 2.
362

بعض المفسرين من أن المراد: نحر الأضحية بعد صلاة العيد (1).
والأخبار المتكثرة، منها: رواية الأعرج (2)، المتقدمة في مسألة وجوب
الهدي..
وصحيحة ابن سنان: عن الأضحي أواجب على من وجد لنفسه
وعياله؟ فقال: (أما لنفسه فلا يدعه، وأما لعياله فإن شاء تركه) (3).
وصحيحة محمد: (الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير،
وهي سنة) (4).
والعلاء: عن الأضحي، فقال: (هو واجب على كل مسلم إلا من لم
يجد)، فقال له السائل: فما ترى في العيال؟ فقال: (إن شئت فعلت وإن
شئت لم تفعل، فأما أنت فلا تدعه) (5).
ومرسلة الفقيه: جاءت أم سلمة - رضي الله عنها - إلى النبي صلى الله عليه وآله
فقالت: يا رسول الله، يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية
فأستقرض وأضحي؟ قال: (استقرضي، فإنه دين مقضي، ويغفر لصاحب
الأضحية عند أول قطرة من دمها) (6).
ومرسلة الحلبي: (ضح بكبش أسود أقرن فحل، فإن لم تجد أسود

(1) انظر مجمع البيان 5: 549، التبيان 10: 418.
(2) الكافي 4: 487 / 1، التهذيب 5: 36 / 180، الإستبصار 2: 259 / 913،
الوسائل 14: 82 أبواب الذبح ب 1 ح 11.
(3) الكافي 4: 487 / 2، الوسائل 14: 204 أبواب الذبح ب 60 ح 1.
(4) الفقيه 2: 292 / 1445، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 3.
(5) الفقيه 2: 292 / 1446، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 5.
(6) الفقيه 2: 138 / 591، وفي الفقيه 2: 292 / 1447، علل الشرائع: 440 / 1،
الوسائل 14: 210 أبواب الذبح ب 64 ح 1 لا يوجد: ويغفر لصاحب الأضحية عند
أول قطرة من دمها، ولعله من كلام الصدوق.
363

فأقرن فحل، يأكل في سواد، ويبعر في سواد، وينظر في سواد) (1).
وصحيحة ابن سنان: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يضحي بكبش أقرن فحل،
ينظر في سواد، ويمشي في سواد) (2)
ولا تجب اتفاقا عن غير الإسكافي (3)، للنبوي المنجبر بالعمل: (كتب
علي النحر ولم يكتب عليكم) (4).
وأوجبه الإسكافي، للآية، والأخبار المتقدمة.
والجواب: أن الآية خطاب إلى الرسول، وقيل: إن وجوبها عليه صلى الله عليه وآله
من خواصه (5)، كما يدل عليه النبوي أيضا، مع أن في ورودها في الأضحية
كلاما.
والأخبار - لمخالفتها في الوجوب للشهرتين (6)، بل الاجماع - لا
تنهض حجة لاثباته.
مضافا في الأولى إلى ما مر من احتمال إرادة المتمتعين من أهل
الأمصار.
وفي الثانية من احتمال الخبرية.
وما في الثالثة من الايجاب على الصغير المنفي قطعا، وإضمار الولي
في حقه ليس بأولى من الحمل على الاستحباب، سيما بعد انضمام قوله:

(1) الكافي 4: 489 / 4، الوسائل 14: 110 أبواب الذبح ب 13 ح 5، وفيهما:
ويشرب، بدل: ويبعر، وفي الكافي: حدثني من سمعته.
(2) التهذيب 5: 205 / 685، الوسائل 14: 109 أبواب الذبح ب 13 ح 1.
(3) المختلف: 307.
(4) مسند أحمد 1: 317.
(5) كشف اللثام 1: 368.
(6) مسالك الأفهام 1: 119.
364

(وهي سنة).
ومنه يظهر ما في الرابعة أيضا من عموم: (كل مسلم)، فلا بد إما من
التخصيص أو التجوز، والتخصيص وإن كان مقدما إلا أنه يضعف الترجيح
هنا بوجوه خارجية.
وفي الخامسة من عدم وجوب الاستقراض بخصوصه.
وفي السادسة من عدم وجوب ما يتضمنها من الكبش الموصوف.
المسألة الثانية: يجزئ الهدي للحاج عن الأضحية بلا خلاف أجده،
لصحيحة الحلبي المتقدمة (1)، وصحيحة محمد: (يجزئه في الأضحية
هديه) (2).
قالوا: والجمع بينهما أفضل. وفي الذخيرة: أن للفظ الاجزاء ظهورا
فيه (3).
وفيه نظر، لأن الاجزاء يدل على سقوط الأمر بواسطة الاتيان بما
يجتزئ به، وإذ لا أمر فلا استحباب، فهو دليل لعدم الاستحباب.
وقيل: لأن فيه فعل المعروف ونفع الفقراء (4).
وفيه: أن الكلام في الأضحية من حيث إنها هي، ولذا قيل - بعد نقل
التعليل -: وفيه لولا النص نظر - إلى أن قال ولكن الأمر بعد وضوح المأخذ
سهل (5).
أقول: إن أراد بالنص والمأخذ ما ذكره في الذخيرة فقد عرف ما فيه،

(1) الكافي 4: 489 / 4، الوسائل 14: 110 أبواب الذبح ب 13 ح 5.
(2) التهذيب 5: 238 / 803، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 2.
(3) الذخيرة: 679.
(4) حكاه في المدارك 8: 86، والرياض 1: 401.
(5) الرياض 1: 401.
365

وإن كان غيره فلم أجده.
وعلى هذا، فلا دليل لاستحبابه على ذي الهدي، إلا أن يثبت
الاجماع، أو يتمسك بفتوى الأصحاب في مقام الاستحباب، إن لم يضرها
لفظ الاجزاء.
المسألة الثالثة: لو لم يجد الأضحية يستحب التصدق بثمنها بلا
خلاف يوجد، فإن اختلفت الأثمان فالظاهر كفاية الأدنى، ولكن الأفضل
الوسط، والمراد به: نصف القيمتين وثلث القيم الثلاث وربع الأربع وهكذا،
لرواية عبد الله بن عمر (1)، وهي وإن وردت في التثليث بعد السؤال عن
الثلاث، إلا أن منهم (2) من عمم - كما ذكرنا - ولا بأس به.
المسألة الرابعة: زمان الأضحية في منى أربعة أيام، أولها يوم النحر،
وفي سائر الأمصار ثلاثة كذلك بلا خلاف فيه يعلم، كما في الذخيرة (3)، بل
بالاجماع، كما عن ظاهر الغنية والمنتهى (4) وصريح غيرهما (5).
لصحيحة علي: عن الأضحى كم هو بمنى؟ قال: (أربعة أيام)، وعن
الأضحى في غير منى، قال: (ثلاثة أيام)، فقلت: ما تقول في رجل مسافر
قدم بعد الأضحى بيومين أله أن يضحي في اليوم الثالث؟ قال: (نعم) (6).

(1) الكافي 4: 544 / 22، الفقيه 2: 296 / 1467، التهذيب 5: 238 / 805،
الوسائل 14: 203 أبواب الذبح ب 58 ح 1.
(2) كالشهيد في الدروس 1: 449، صاحب المدارك 8: 86، صاحب الرياض 1: 401.
(3) الذخيرة: 678.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 582، المنتهى 2: 755.
(5) المدارك 8: 82.
(6) التهذيب 5: 202 / 763، الإستبصار 2: 264 / 930، قرب الإسناد: 240 / 947،
948، 949، الوسائل 14: 91 أبواب الذبح ب 6 ح 1.
366

أقول: المراد باليوم الثالث: الثالث مع الأضحى الذي هو يوم القدوم،
كما صرح به في موثقة الساباطي المروية في الفقيه: عن الأضحى بمنى،
فقال: (أربعة أيام)، وعن الأضحى في سائر البلدان، فقال: (ثلاثة أيام)،
وقال: (لو أن رجلا قدم إلى أهله بعد الأضحى بيومين ضحى اليوم الثالث
الذي قدم فيه) (1).
ورواية غياث: (الأضحى ثلاثة أيام، وأفضلها أولها) (2).
وهي وإن كانت أعم من منى وسائر الأمصار، إلا أنه يجب حملها
على الأخير، حملا للمطلق على المقيد. ومنهم من حملها على التقية (3)،
لأن مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري - كما قيل (4) - أنها ثلاثة أيام مطلقا.
وأما صحيحة محمد: (الأضحى يومان بعد يوم النحر، ويوم واحد
بالأمصار) (5).
ورواية كليب: عن النحر، فقال: (أما بمنى فثلاثة أيام، وأما في
البلدان فيوم واحد) (6).
فليستا صريحتين في التعارض مع ما مر، لجواز أن يكون المراد
بالأضحى في الأولى وبالنحر في الثانية: يوم الأضحى والنحر من جهة

(1) الفقيه 2: 291 / 1439، الوسائل 14: 92 أبواب الذبح ب 6 ح 3.
(2) الفقيه 2: 292 / 1442، التهذيب 5: 203 / 675، الإستبصار 2: 264 / 932،
الوسائل 14: 92 أبواب الذبح ب 6 ح 4.
(3) كالسبزواري في الذخيرة: 679.
(4) المنتهى 2: 755.
(5) الكافي 4: 486 / 2، التهذيب 5: 203 / 677، الإستبصار 2: 264 / 934،
الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 7.
(6) الكافي 4: 486 / 1، التهذيب 5: 203 / 676، الإستبصار 2: 264 / 933،
الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 6.
367

الصوم لا من جهة الأضحية، كما ذكره الصدوق والشيخ (1).
وصدق الصدوق ذلك برواية منصور: (النحر بمنى ثلاثة أيام، فمن
أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيام، والنحر بالأمصار يوم، فمن
أراد أن يصوم صام من الغد) (2).
ولا يتوهم أنه خلاف ما عليه الأصحاب من عدم جواز الصوم أيام
التشريق كلا، لما مر من جواز بعض أفراده، وهو صوم بدل الهدي في
اليوم الثاني عشر.
ويمكن أيضا حمل الأخيرين على الأفضلية (3)، كما ذكره جماعة (4).
ولو انقضت هذه الأيام ولم يضح لم يكن عليه قضاؤها، لأنه بأمر
جديد. وعن المنتهى: القضاء إن وجب بنذر وشبهه (5)، لتعليل غير سديد.
المسألة الخامسة: يكره التضحية بما يربيه، لرواية محمد بن
الفضيل: كان عندي كبش سمين لأضحي به - إلى أن قال في الجواب: - (ما
كنت أحب لك أن تفعل، لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه) (6).
ومرسلة الفقيه: (لا يضحى بشئ من الدواجن) (7).

(1) الصدوق في الفقيه 2: 291، الشيخ في التهذيب 5: 203.
(2) الفقيه 2: 291 / 1441، التهذيب 5: 203 / 678، الإستبصار 2: 265 / 935،
الوسائل 14: 93 أبواب الذبح ب 6 ح 5.
(3) أي تحمل صحيحة محمد وراية كليب على أن الأفضل ذبح الأضحية في منى في
يوم النحر ويومين بعده، وفي الأمصار في يوم النحر.
(4) انظر المدارك 8: 84، الذخيرة: 679.
(5) المنتهى 2: 756.
(6) الكافي 4: 544 / 20، التهذيب 5: 452 / 1578، الوسائل 14: 208 أبواب
الذبح ب 61 ح 1.
(7) الفقيه 2: 296 / 1468، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 2.
368

والدواجن: الآلفات في البيوت، المقيمات في المكان، من الحمام
والشاة وأشباهها.
ورواية أبي الصحارى: الرجل يعلف الشاة والشاتين ليضحي بها،
قال: (لا أحب ذلك) - إلى أن قال: - (ولكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل
سوق المسلمين وليشتر منها ويذبحه) (1).
والأولى أن لا يذبح إلا فيما يشتري في العشر من ذي الحجة،
لمرسلة الفقيه: (لا يضحى إلا بما يشترى في العشر) (2).
المسألة السادسة: قد سبق في مصرف الهدي مصرف الأضحية
أيضا، ولكنه على الأفضلية، لقصور مستنده عن إثبات الوجوب، وله أكل
الكل وإهداء الكل والتصدق بالكل، للأصل. وكذا يجوز ادخار لحومها بعد
ثلاثة أيام. وما فيه النهي عنه منسوخ، كما صرحت به الأخبار (3).
وهل يجوز بيع لحومها؟
قد نسب بعضهم إلى الأصحاب عدم الجواز (4)، وخصص بعضهم
المنع بالواجبة منها (5)، وقيل: لعل ذلك مراد الأصحاب (6).
أقول: الكلام إما في البيع مطلقا ولو لأجل التصدق بثمنها، أو في
البيع مع عدم التصدق بالثمن، ثم على الثاني إما يكون الكلام في جواز البيع
وعدمه حتى يأثم به أو لا يأثم، أو في وقوع الأضحية المستحبة معه وعدمه.

(1) التهذيب 9: 83 / 353، الوسائل 24: 92 أبواب الذبائح ب 40 ح 2.
(2) الفقيه 2: 295 / 1461، الوسائل 14: 208 أبواب الذبح ب 61 ح 3.
(3) الوسائل 14: 168 أبواب الذبح ب 41.
(4) المدارك 8: 80.
(5) المنتهى 2: 754.
(6) كما في المدارك 8: 81.
369

فإن كان الأول: فالظاهر الجواز، لعدم دليل على المنع، وخروجه عن
ملكه بمجرد الذبح غير معلوم.
ومنه يظهر حكم الثاني أيضا، فإن الأصل مع الإباحة، ولا دليل على
انتفائها.
وأما الثالث: فمبني على أن يعلم أن التضحي هو مجرد الذبح، أو هو
مع الصرف في مصرف خاص ولو بجز منه ولو بإطعامه أهل بيته.
لا دليل على تعيين الأول ولو مجرد إطلاق، إذ غاية الاطلاقات ذبح
الأضحية أو التضحي، والكلام بعد في تعيين المراد منه، وأصل الاشتغال
- ولو بالأمر الاستحبابي - يقتضي عدم حصول التضحية بدون إطعام الغير
مجانا، وأما معه فالظاهر كفايته، ويدل على لزوم الأزيد من الذبح تتبع
الأخبار وسيرة المسلمين في الأعصار.
المسألة السابعة: يجوز أن يجعل جلد الأضحية مصلى، وأن يشتري
بها متاع البيت، وأن ينتفع بها، للتصريح بالأول - بل برجحانه - في
صحيحة ابن عمار (1)، وبالثانيين في روايته (2).
والتصدق أفضل، كما ورد فيهما. وعموم الرواية يدل على جواز جعلها
جرابا (3) أيضا، وفي صحيحة علي: أنه لا يصلح إلا أن يتصدق بثمنها (4).

(1) التهذيب 5: 228 / 771، الإستبصار 2: 276 / 980، الوسائل 14: 174
أبواب الذبح ب 43 ح 5.
(2) الكافي 4: 501 / 2، الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43 ح 2.
(3) الجراب بالكسر: وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحب والدقيق ونحوهما،
والجمع جرب - مجمع البحرين 2: 23.
(4) التهذيب 5: 228 / 773، الإستبصار 2: 276 / 982، قرب الإسناد: 240 / 943،
الوسائل 14: 174 أبواب الذبح ب 43 ح 4، مسائل علي بن جعفر: 66 / 271.
370

وهو الأحوط.
وهل يمنع عن إعطائها الجزارين، كما في جلود الهدي؟
الأصل يقتضي عدم المنع، لكون الأخبار المانعة بين ما يختص
بالهدي وما يحتمله (1)، بل صرح في رواية سليمان بن جعفر المتقدمة في
جلد الهدي بالجواز (2).
والأولى: المنع بإزاء الأجرة، وكذا الأحوط عدم بيعها إلا مع التصدق
بثمنها أو إهدائه.
المسألة الثامنة: قال في المنتهى: تختص الأضحية بالنعم الثلاث،
ومنها بالأسنان المذكورة في الهدي (3).
والأول كذلك، لظاهر الاجماع، وقضية أصل الاشتغال.
وأما الثاني، فقد عرفت أن المستند التام في الهدي الاجماع، فإن
ثبت هنا وإلا فللكلام فيه مجال.
نعم، تدل على عدم إجزاء ما دون الثني من الإبل صحيحة
الحلبي (4)، المتقدمة في الهدي، والاحتياط في المقام لا يترك.
المسألة التاسعة: قيل: يشترط في الأضحية من الأوصاف ما يشترط
في الهدي (5).
وفي قبول ذلك كليا إشكال، لاختصاص بعض الأخبار (6) المتقدمة في

(1) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.
(2) المتقدمة في ص 338.
(3) المنتهى 2: 757.
(4) الكافي 4: 489 / 2، التهذيب 5: 204 / 681، الوسائل 14: 104 أبواب الذبح ب 11 ح 5.
(5) الحدائق 17: 208.
(6) الوسائل 14: 103 أبواب الذبح ب 11.
371

الوصف بالهدي وعدم ثبوت الاجماع المركب، ومعارضة صحيحة علي (1)
المتقدمة مع الأخبار المتضمنة للفظ الأضحية (2)، إلا أن الحكم لما كان
موافقا للاحتياط - ومع ذلك كانت أكثر الأخبار المتقدمة متضمنة للفظ
الأضاحي - لا بأس به.
المسألة العاشرة: يجزئ الواحد عن الكثير كما مر، ويجوز التضحية
عن الغير، إجماعا فتوى ونصا، وقد مر النص الدال عليه من تضحية
الرسول صلى الله عليه وآله لأهل بيته ولأمته (3)، وتضحية الأمير عليه السلام للرسول صلى الله عليه وآله (4).

(1) الفقيه 2: 295 / 1463، التهذيب 5: 213 / 719، الإستبصار 2: 268 / 952،
قرب الإسناد: 239 / 941، الوسائل 14: 125 أبواب الذبح ب 21 ح 1.
(2) الوسائل 14: 173 أبواب الذبح ب 43.
(3) الفقيه 2: 293 / 1448، الوسائل 14: 205 أبواب الذبح ب 60 ح 6.
(4) الفقيه 2: 293 / 1448، الوسائل 14: 206 أبواب الذبح ب 60 ح 7.
372

البحث الثالث
في الحلق أو التقصير
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: وهو واجب على الحاج، بالاجماعين (1)، والنصوص:
كرواية عمر بن يزيد: (إذا ذبحت أضحيتك فأحلق رأسك) (2).
ورواية أبي بصير: عن رجل جهل أن يقصر من شعره أو يحلق حتى
ارتحل من منى، قال: (فليرجع إلى منى حتى يحلق رأسه بها أو يقصر،
وعلى الصرورة أن يحلق) (3)، وبمضمونها روايته الأخرى (4)، إلى غير ذلك
من الأخبار (5).
والقول باستحبابه - كما عن الشيخ في التبيان أو النهاية (6) على
اختلاف النقلين - شاذ، وبما مر مردود.
المسألة الثانية: يتخير الرجل بين الحلق والتقصير، إلا أن يكون

(1) المنتهى 2: 762، مفاتيح الشرائع 1: 360، الرياض 1: 401.
(2) التهذيب 5: 240 / 808، الوسائل 14: 211 أبواب الحلق والتقصير ب 1 ح 1.
(3) الكافي 4: 502 / 5، الفقيه 2: 301 / 1498، التهذيب 5: 241 / 813،
الإستبصار 2: 285 / 1012، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق والتقصير ب 5 ح 4،
بتفاوت يسير.
(4) التهذيب 5: 242 / 818، الإستبصار 2: 286 / 1017، الوسائل 14: 221
أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 6.
(5) الوسائل 14: 211 أبواب الحلق والتقصير ب 1.
(6) التبيان 2: 154، النهاية: 262. نقله عن التبيان في المنتهى 2: 762، وفي
نسخة من السرائر 1: 602 عن النهاية.
373

صرورة، أو ملبدا - أي جعل في رأسه عسلا أو صمغا لئلا يتسخ أو يقمل -
أو معقوصا (1)، فإن هؤلاء الثلاثة يتعين عليهم الحلق، وفاقا لجماعة من
أعاظم القدماء (2).
وتدل على تخيير غير الثلاثة بينهما النصوص الآتية، وعلى تعين
الحلق على الصرورة روايتا أبي بصير المتقدمتان، والثالثة: (على الصرورة
أن يحلق رأسه ولا يقصر، إنما التقصير لمن حج حجة الاسلام) (3).
ورواية بكر بن خالد: (ليس للصرورة أن يقصر، وعليه أن
يحلق) (4)، ونحوها مرسلة الفقيه (5).
ورواية الساباطي: عن الرجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق، قال:
(إن كان قد حج قبلها فليجز شعره، وإن كان لم يحج فلا بد له من الحلق) (6).
ورواية سليمان بن مهران المروية في الفقيه، المتضمنة لعلل بعض
المناسك، وفيها: فقلت: وكيف صار الحلق عليه - أي على الصرورة -
واجبا دون من قد حج؟ فقال: (ليصير بذلك موسما) الحديث (7).
وعلى الملبد والمعقوص صحيحة هشام: (إذا عقص الرجل رأسه أو

(1) عقص الشعر: جمعه وجعله في وسط الرأس وشده - مجمع البحرين 4: 175.
(2) انظر الجمل والعقود (الرسائل العشر): 236، والنهاية: 263، والوسيلة: 186.
(3) الكافي 4: 503 / 7، التهذيب 5: 484 / 1725، الوسائل 14: 223 أبواب
الحلق والتقصير ب 7 ح 5.
(4) التهذيب 5: 243 / 820، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 10.
(5) الفقيه 2: 139 / 598، الوسائل 14: 225 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 12.
(6) التهذيب 6: 485 / 1730، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق والتقصير ب 7
ح 4، وفيه: فلينتجر شعره...
(7) الفقيه 2: 154 / 668، علل الشرائع: 449 / 1، الوسائل 14: 225 أبواب
الحلق والتقصير ب 7 ح 14.
374

لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق) (1).
وابن عمار: (إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبدته فقد وجب عليك
الحلق، وليس لك التقصير، وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق
في الحج، وليس في المتعة إلا التقصير) (2).
وعلى الثلاثة صحيحة أخرى لابن عمار: (ينبغي للصرورة أن يحلق
رأسه، وإن كان قد حج فإن شاء قصر وإن شاء حلق)، قال: (وإذا لبد شعره
أو عقصه فإن عليه الحلق، وليس له التقصير) (3).
ورواية أبي سعيد: (يجب الحلق على ثلاثة نفر: رجل لبد شعره،
ورجل حج بدوا لم يحج قبلها، ورجل عقص رأسه) (4).
ولفظة: (ينبغي) في صحيحة ابن عمار وإن لم تكن صريحة في
الوجوب، إلا أن بعد ضمها مع مفهوم قوله: (وإن شاء)، إلى آخره، تصير
ظاهرة في الوجوب.
خلافا لجماعة أخر (5)، بل نسب إلى الشهرة (6)، فحكموا باستحباب
الحلق للثلاثة، للأصل، وإطلاق قوله سبحانه: (محلقين رؤوسكم)، إلى
آخره (7)، وقوله عليه السلام: (وللمقصرين) (8).

(1) التهذيب 5: 484 / 1724، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 2.
(2) التهذيب 5: 160 / 533، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 8.
(3) الكافي 4: 502 / 6، التهذيب 5: 484 / 1726، الوسائل 14: 221 أبواب
الحلق والتقصير ب 7 ح 1.
(4) التهذيب 5: 485 / 1729، الوسائل 14: 222 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 3.
(5) كما في المختلف: 308، الدروس 1: 453.
(6) كما في المدارك 8: 89، الرياض 1: 401.
(7) الفتح: 27.
(8) التهذيب 5: 243 / 822، الوسائل 14: 223 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 6.
375

وضعف الجميع ظاهر بعد دلالة النصوص على التعيين.
ثم إن من تخير بين الأمرين فالحلق له أفضل، إجماعا كما عن
التذكرة (1)، له، وللصحاح المتضمنة لطلب رسول الله صلى الله عليه وآله المغفرة
للمحلقين مرتين أو ثلاث مرات، وللمقصرين مرة (2).
المسألة الثالثة: التخيير إنما هو في حق الرجل، وأما المرأة فيتعين
عليها التقصير ولا حلق عليها، بلا خلاف بين الأصحاب يعلم، كما في
الذخيرة (3)، بل هو موضع وفاق بين العلماء، كما في المدارك (4)، بل
بالاجماع كما عن التحرير والمنتهى وفي المفاتيح وشرحه (5)، بل يحرم
الحلق عليها، إجماعا كما عن المختلف وغيره (6)، للنبوي والمرتضوي،
المنجبرين بما مر:
الأول: (ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) (7).
والثاني: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن تحلق المرأة رأسها) (8).
وحسنة الحلبي: (ليس على النساء حلق، وعليهن التقصير) (9).
المسألة الرابعة: الظاهر كفاية المسمى في كل من الحلق والتقصير،
لاطلاق النصوص.

(1) التذكرة 1: 390.
(2) الفقيه 2: 139 / 597، الوسائل 14: 224 أبواب الحلق والتقصير ب 7 ح 11.
(3) الذخيرة: 681.
(4) المدارك 8: 91.
(5) التحرير 1: 108، المنتهى 2: 763، المفاتيح 1: 361.
(6) المختلف: 308، كشف اللثام 1: 373.
(7) سنن الدارمي 2: 64، سنن أبي داود 2: 203 / 1984.
(8) سنن النسائي 8: 130.
(9) التهذيب 5: 390 / 1364، الوسائل 13: 511 أبواب التقصير ب 5 ح 2.
376

ويستحب أن يكون تقصير المرأة قدر أنملة، لمرسلة ابن أبي عمير:
(تقصر المرأة من شعرها لعمرتها قدر أنملة) (1).
والأكثر حملوها على الندب، لقصورها عن إثبات الوجوب.
ولمرسلة الفقيه: (يكفيها في التقصير مثل طرف الأنملة) (2).
ولا يجب أن يكون بالمقراض ولا بالحديد، بل يكفي لو وقع بالسن
أو الظفر أو غيرهما، كما مر في تقصير العمرة.
ويستحب في الحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن، لرواية
الحسن بن مسلم (3)، وصحيحة ابن عمار (4)، وأن يحلق إلى العظمين،
لرواية غياث بن إبراهيم (5).
المسألة الخامسة: من ليس على رأسه شعر - إما خلقة، كالأقرع،
أو لحلقه في إحرام العمرة - يمر الموسى على رأسه إجماعا.
لرواية أبي بصير: عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه، قال:
(عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد أن
يحلق) (6).

(1) التهذيب 5: 244 / 824، الوسائل 13: 508 أبواب التقصير ب 3 ح 2.
(2) الفقيه 1: 194 / 908، الوسائل 13: 512 أبواب التقصير ب 5 ح 4.
(3) الكافي 4: 439 / 5، التهذيب 5: 244 / 825، الوسائل 13: 516 أبواب
التقصير ب 10 ح 2.
(4) التهذيب 5: 244 / 826، الوسائل 14: 228 أبواب الحلق والتقصير ب 10 ح 1.
(5) الكافي 4: 503 / 10، التهذيب 5: 244 / 827، الوسائل 14: 229 أبواب
الحلق والتقصير ب 10 ح 2.
(6) التهذيب 5: 158 / 525، الإستبصار 2: 242 / 842، الوسائل 14: 229
أبواب الحلق والتقصير ب 11 ح 1.
377

ورواية زرارة: إن رجلا من أهل خراسان قدم حاجا وكان أقرع
الرأس ولا يحسن أن يلبي، فاستفتي له أبو عبد الله عليه السلام، فأمر أن يلبى عنه
ويمر الموسى على رأسه، فإن ذلك يجزئ عنه (1).
وفي رواية الساباطي: عن رجل حلق قبل أن يذبح، قال: (يذبح
ويعيد الموسى، لأن الله تعالى يقول: (ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ
الهدي محله) (2)) (3).
وهل ذلك على سبيل الاستحباب؟ كما عن الأكثر (4)، وعن الخلاف
الاجماع عليه (5)، لضعف الروايات سندا ودلالة على الوجوب.
أو الوجوب؟ لأنه الظاهر من الأمر في الروايات، سيما رواية زرارة
المتضمنة لأمره عليه السلام، وقيل بالوجوب على من حلق رأسه في العمرة
والاستحباب للأقرع (6)، ولا دليل له.
أقول: المراد بالاستحباب: إما كونه أفضل فردي المخير من الحلق
والتقصير، كما كان أصل الحلق كذلك ومعه يسقط التقصير، أو استحبابه
بنفسه وإن وجب حينئذ التقصير أيضا لتعين الفرد الآخر إذا تعذر أحدهما.
وكذلك المراد بالوجوب: إما كونه أحد فردي الواجب المخير فيسقط
التقصير، أو وجوبه بنفسه وإن وجب التقصير.

(1) الكافي 4: 504 / 13، التهذيب 5: 244 / 828، الوسائل 14: 230 أبواب
الحلق والتقصير ب 11 ح 3.
(2) البقرة: 196.
(3) التهذيب 5: 485 / 1730، الوسائل 14: 229 أبواب الحلق والتقصير ب 11 ح 3.
(4) كما في المدارك 8: 98، الذخيرة: 682.
(5) الخلاف 2: 331.
(6) انظر المسالك 1: 119.
378

الظاهر من قوله في رواية زرارة: (فإن ذلك يجزئ عنه) أحد
الأولين، بل هو الظاهر من قوله: (حين يريد أن يحلق) في الرواية الأولى،
ومن التعليل في الأخيرة، مضافا إلى استبعاد استحباب ذلك أو وجوبه مع
التقصير، مع عدم كون نفس الحلق كذلك، فالوجه هو أحد الأولين.
وهل هو على الاستحباب كما في الحلق، أو الوجوب؟
الظاهر: الأول، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب دلالة، سوى
رواية زرارة، وهي وإن أفادت الوجوب، ولكنها لكونها قضية في واقعة
يحتمل أن لم يمكن في حقه التقصير، لعدم شعر له أو كان صرورة أو ملبدا
أو معقوصا، فإنه يتعين حينئذ إمرار الموسى مع عدم إمكان الحلق، مضافا
إلى الاستبعاد المذكور.
المسألة السادسة: يجب أن يكون الحلق أو التقصير بمنى، حتى لو
رحل قبله عمدا أو جهلا أو نسيانا وجب عليه العود إليه للحلق أو التقصير،
بلا خلاف كما قيل (1)، وفي المدارك: أنه مما قطع به الأصحاب (2)، وعن
المدارك والمنتهى: أنه موضع وفاق (3)، وفي المفاتيح وشرحه: أنه
إجماع (4)، والظاهر أنه كذلك، فهو الدليل على الحكمين، مضافا إلى رواية
أبي بصير المتقدمة في المسألة الأولى (5).
وأما حسنة مسمع: عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر

(1) في الذخيرة: 682.
(2) المدارك 8: 95.
(3) المدارك 8: 95، المنتهى 2: 762.
(4) المفاتيح 1: 361.
(5) الكافي 4: 502 / 5، التهذيب 5: 241 / 813، الإستبصار 2: 285 / 1012،
الوسائل 14: 218 أبواب الحلق والتقصير ب 5 ح 4.
379

قال: (يحلق رأسه إذا ذكر في الطريق أو أين كان) (1).
ورواية أبي بصير: في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه، قال:
(يحلقه بمكة، ويحمل شعره إلى منى، وليس عليه شئ) (2).
فمحمولتان على من لم يتمكن من العود، لاختصاص الرواية
بالمتمكن قطعا، فهي في قوة الخاص، مع أنه لولاه لزم طرح إطلاق
الحسنة، لمخالفتها لعمل الأصحاب.
ولو تعذر العود وجب الحلق أو التقصير حيث تذكر وتمكن، بلا
إشكال كما في المدارك (3)، وبلا خلاف كما في شرح المفاتيح وغيره (4)،
لاطلاقات وجوب أحدهما، ووجوب كونه بمنى مع التمكن لا يوجب
سقوطه مع عدمه، وتؤيده حسنة مسمع المذكورة.
ويترجح حينئذ بعث شعره إلى منى بلا خلاف يعلم، له، وللأخبار،
منها: رواية أبي بصير المذكورة.
والأخرى: عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل من منى،
قال: (ما يعجبني أن يلقي شعره إلا بمنى، ولم يجعل عليه شيئا) (5).
وقريبة منها رواية الكناني (6).

(1) التهذيب 5: 241 / 814، الإستبصار 2: 285 / 1013، الوسائل 14: 218
أبواب الحلق والتقصير ب 5 ح 2. وفيها: (يحلق في الطريق أو أين كان).
(2) التهذيب 5: 242 / 817، الإستبصار 2: 286 / 1016، المقنع: 89، الوسائل
14: 221 أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 7.
(3) المدارك 8: 96.
(4) انظر الرياض 1: 402.
(5) التهذيب 5: 242 / 818، الإستبصار 2: 286 / 1017، الوسائل 14: 221
أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 6.
(6) الكافي 4: 503 / 8، الوسائل 14: 218 أبواب الحلق والتقصير ب 5 ح 3.
380

وصحيحة البختري: في الرجل يحلق رأسه بمكة، قال: (يرد الشعر
إلى منى) (1).
وابن عمار: (كان علي بن الحسين عليهما السلام يدفن شعره في فسطاطه
بمنى، ويقول: كانوا يستحبون ذلك) (2).
وصحيحة أبي بصير: في الرجل يوصي أن يذبح عنه ويلقي هو شعره
بمكة، قال: (ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى). (3)
وقد يستدل عليه أيضا ببعض الأخبار الآمرة بالرجوع وإلقاء الشعر
بمنى (4)، وهي خارجة عن المورد، لأن الكلام في تعذر الرجوع، ومعه فلا
كلام، وحينئذ يمكن أن يكون الالقاء كناية عن الحلق أو التقصير.
وهل البعث واجب مطلقا، كما هو ظاهر الشرائع (5)، وعن الشيخ في
النهاية (6)؟
أو مع العمد في الخروج عن منى، كما عن المختلف (7)؟
أو يستحب مطلقا، كصريح النافع والمنتهى (8) وغيرهما (9)، وظاهر

(1) الكافي 4: 503 / 9، التهذيب 5: 242 / 816، الإستبصار 2: 286 / 1015،
الوسائل 14: 219 أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 1.
(2) التهذيب 5: 242 / 815، الإستبصار 2: 286 / 1014، الوسائل 14: 220
أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 5.
(3) الفقيه 2: 300 / 1495، الوسائل 14: 220 أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 4.
(4) الوسائل 14: 217 و 219 أبواب الحلق والتقصير ب 5 و 6.
(5) الشرائع 1: 265.
(6) النهاية: 263.
(7) المختلف: 308.
(8) النافع: 92، المنتهى 2: 764.
(9) كالرياض 1: 402.
381

القواعد (1) وغيره (2)؟
الحق هو: الأخير، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب، حتى
صحيحة أبي بصير الأخيرة، لعدم صراحة قوله: (ليس له) في الوجوب،
مع عدم خلوها عن نوع إجمال من جهة مرجع الضمير في قوله: (هو)
وقوله: (له)، وعدم تعين الشعر أنه من الحلق أو التقصير في الحج أو
العمرة أو عن غير ذلك.
ولو تعذر البعث سقط إجماعا كما قيل (3).
ويستحب دفن الشعر بمنى، لصحيحة ابن عمار المتقدمة، ورواية
أبي شبل: (إن المؤمن إذا حلق رأسه بمنى ثم دفنه جاء يوم القيامة وكأن كل
شعرة لها لسان طلق تلبي باسم صاحبها) (4).
وظاهرهما عدم اختصاص استحباب الدفن بمن حلق في غير منى
وبعث شعره إليها، بل يستحب للجميع، وهو كذلك.
والقول بوجوب الدفن - كما حكي عن الحلي (5) - نادر ضعيف، خال
عن الدليل.
المسألة السابعة: قيل: المشهور أنه يجب أن يكون الحلق أو
التقصير للحاج يوم النحر (6)، لرواية البصري: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوم

(1) القواعد 1: 89.
(2) كالدروس 1: 453.
(3) حكاه في الرياض 1: 402، واستظهر في الذخيرة: 682 عدم الخلاف فيه.
(4) الكافي 4: 502 / 1، الفقيه 2: 139 / 596، المقنع: 89، الوسائل 14: 220
أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 3، بتفاوت يسير.
(5) حكاه عنه في الرياض 1: 402، وهو في السرائر 1: 601.
(6) المدارك 8: 89.
382

النحر يحلق رأسه) (1).
وفي دلالتها على الوجوب نظر، ووجوب أخذ المناسك عنه يفيد لو
علم كون ذلك أيضا من المناسك.
ويعاضد الوجوب أيضا بعض الأخبار المتضمنة لحلية كل شئ يوم
النحر إلا النساء، كصحيحة محمد بن حمران (2)، فإنه لولا تلازم الحلق
ويوم النحر لم يصح ذلك على الاطلاق، إلا أنه لا يصلح دليلا، لجواز أن
يكون ذلك لاستحبابه وتعارفه، وإلا فالوجوب أيضا لا يستلزم الفعلية.
وعن الحلبي والتذكرة والمنتهى (3): جواز تأخيره إلى آخر أيام
التشريق بعد أن يقدمه على الطواف، للأصل. وهو الأقوى، لذلك.
المسألة الثامنة: قال جماعة بوجوب تأخيره عن الذبح والرمي (4)،
وقد مر تحقيقه، وأن الأقوى الاستحباب.
المسألة التاسعة: قالوا: يجب أن يكون الحلق أو التقصير قبل زيارة
البيت لطواف الحج والسعي، وفي المدارك نفي الريب عنه (5)، وفي
الذخيرة: لا أعلم فيه خلافا صريحا (6)، وهو كذلك.
إلا أن جماعة - منهم الحلي في السرائر (7) - لم يصرحوا بوجوب

(1) الكافي 4: 502 / 3، الوسائل 14: 214 أبواب الحلق والتقصير ب 1 ح 12.
(2) التهذيب 5: 247 / 835، الإستبصار 2: 289 / 1024، الوسائل 14: 236
أبواب الحلق والتقصير ب 14 ح 1.
(3) الحلبي في الكافي: 201، التذكرة 1: 390، المنتهى 2: 765، نقله عنهم في
المفاتيح 1: 361.
(4) انظر الشرائع 1: 265، المنتهى 2: 764، والمدارك 8: 101.
(5) المدارك 8: 92.
(6) الذخيرة: 681.
(7) السرائر 1: 601.
383

ذلك، واكتفوا بوجوب الدم لو أخره عنها.
وظاهر الذخيرة التشكيك في وجوبه، بل جعل عدم وجوبه مقتضى
كلام الجماعة (1).
وجعله بعض مشايخنا هو الظاهر من الأخبار، وإن صرح أخيرا: بأنه
لا خروج عما عليه الأصحاب (2).
ومراده من الأخبار: صحيحتا جميل (3) وابن حمران (4)، ورواية
البزنطي المتقدمة (5) في مسألة ترتيب هذه المناسك الثلاثة، والصحيحة
الآتية المتضمنة للفظ: (لا ينبغي) الظاهر في الاستحباب، ورواية أبي بصير
التي تأتي الإشارة إليها (6)، والأخبار الكثيرة المجوزة لتقديم الطواف على
الخروج إلى منى (7)، كما يأتي في مسألة وجوب تأخير الطواف عن
الوقوفين.
ولا ينافيه إيجاب الدم على من أخره عنها في بعض الأخبار (8) كما
يأتي، إما لامكان حمله على الاستحباب كما قيل (9)، أو لعدم اقتضاء

(1) انظر الذخيرة: 681.
(2) كما في الرياض 1: 402.
(3) الكافي 4: 504 / 1، التهذيب 5: 236 / 797، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح
ب 39 ح 4.
(4) التهذيب 5: 240 / 810، الوسائل 14: 215 أبواب الحلق والتقصير ب 2 ح 2.
(5) الكافي 4: 504 / 2، التهذيب 5: 236 / 796، الإستبصار 2: 284 / 1008،
الوسائل 14: 156 أبواب الذبح ب 39 ح 6.
(6) في ص: ج 13 ص 14.
(7) الوسائل 11: 280 أبواب أقسام الحج ب 13.
(8) الوسائل 13: 413 أبواب الطواف ب 63.
(9) الرياض 1: 402.
384

وجوب الدم مع التأخير على وجوب التقديم، لجواز التخيير بين التقديم بلا
دم والتأخير مع الدم.
وقال في الذخيرة: لم أطلع على خبر تتضح دلالته على الوجوب (1).
أقول: تدل على وجوب تقديم التقصير على الطواف صحيحة
الأعرج (2)، وبعض ما تقدمها (3) من الروايات المتقدمة في الواجب الثالث
من واجبات الوقوف، المتضمنة للفظة: (ثم) الدالة على الترتيب، إلا أنه
تعارضها صحيحتا جميل وابن حمران ورواية البزنطي وسائر الأخبار المشار
إليها.
ويمكن لأجلها حمل الترتيب فيها على الاستحباب، إلا أن مخالفة
الأخبار المجوزة لتقديم الطواف مطلقا للشهرة العظيمة - التي كادت أن
تكون إجماعا، بل هي إجماع عند التحقيق - تمنع عن العمل بإطلاقها حتى
في غير المعذور أيضا، ومع ذلك يخالف العامة أيضا كما قيل (4).
وعلى هذا، فالأقرب وجوب تقديم الحلق على الطواف.
ثم لو قدم الطواف على الحلق أو التقصير، فإن كان عمدا لزمه دم
شاة فيما قطع به الأصحاب كما قيل (5)، وعزاه في الدروس إلى الشيخ
وأتباعه (6)، لصحيحة محمد: في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: (إن
كان زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي [له] فإن عليه دم

(1) الذخيرة: 681.
(2) الكافي 4: 474 / 7، الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39 ح 2.
(3) الوسائل 14: 155 أبواب الذبح ب 39.
(4) انظر الرياض 1: 402.
(5) الحدائق 17: 248، الذخيرة: 681.
(6) الدروس 1: 454.
385

شاة) (1)
وهل عليه إعادة الطواف؟
ظاهر الشيخ وأتباعه كما في الدروس (2)، ومع الصدوق كما في
الذخيرة (3)، بل ظاهر الأكثر كما ذكره الفاضل الهندي (4)، وصريح الصيمري
كما حكي عنه (5): عدم الوجوب.
لظاهر الصحيحة المذكورة، وظاهر رواية أبي بصير الثانية، المتقدمة
في المسألة السادسة، المصرحة بقوله: (وليس عليه شئ) (6).
وعن جماعة من المتأخرين - منهم الشهيد الثاني في الروضة (7)،
مدعيا عليه الاجماع -: الوجوب.
لصحيحة ابن يقطين: عن المرأة رمت وذبحت ولم تقصر حتى
زارت البيت فطافت وسعت من الليل، ما حالها؟ وما حال الرجل إذا فعل
ذلك؟ قال: (لا بأس به يقصر ويطوف للحج ثم يطوف للزيارة، ثم قد
أحل من كل شئ) (8).
أقول: إثبات أحد القولين من الأخبار مشكل.

(1) الكافي 4: 505 / 3، الوسائل 14: 238 أبواب الحلق والتقصير ب 15 ح 1. وما
بين المعقوفين من المصدر.
(2) الدروس 1: 454.
(3) الذخيرة: 681.
(4) في كشف اللثام 1: 374.
(5) حكاه عنه في الرياض 1: 402.
(6) التهذيب 5: 242 / 817، الإستبصار 2: 286 / 1016، المقنع: 89، الوسائل
14: 221 أبواب الحلق والتقصير ب 6 ح 7.
(7) الروضة 2: 309.
(8) التهذيب 5: 241 / 811، الوسائل 14: 217 أبواب الحلق والتقصير ب 4 ح 1.
386

أما الأول: فلأن عدم الذكر في الصحيحة لا يدل على العدم، وكونه
مقام الحاجة ممنوع، لجواز كون ذلك معلوما للسائل بوجه آخر. وأما
الرواية فلجواز كون نفي الشئ لعدم حلقه بمنى.
وأما الثاني: فلقصور الصحيحة عن إثبات الوجوب.
والصواب: البناء في ذلك على وجوب التقديم وعدمه، فإن وجب
وجبت الإعادة، لكون ما أتى به منهيا عنه، لكونه ضد الواجب - الذي هو
تأخير الطواف - والنهي موجب للفساد، وإلا لم تجب، للأصل.
وإن كان ناسيا لم يجب عليه دم، للأصل.
والمعروف من مذهب الأصحاب - كما في المدارك والذخيرة (1) -
وجوب إعادة الطواف عليه، لصحيحة ابن يقطين المتقدمة، وقد عرفت
ضعف دلالتها على الوجوب.
وظاهر الشرائع (2) والمحكي عن المختلف والصيمري (3) وجود
الخلاف فيه، وحكي الخلاف عن الصدوق أيضا (4)، والقول بعدم وجوب
الإعادة، وهو مقتضى الأصل، والاحتياط لا ينبغي أن يترك.
والجاهل كالناسي في عدم وجوب الدم بلا خلاف يظهر، وفي
وجوب الإعادة عند طائفة (5)، وقالت طائفة أخرى بعدم الوجوب (6)، وهو
الأظهر، لما مر.

(1) المدارك 8: 93، الذخيرة: 681.
(2) الشرائع 1: 265.
(3) في الرياض 1: 403.
(4) حكاه عنه في الرياض 1: 403، وهو في الفقيه 2: 301.
(5) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 119، صاحب المدارك 8: 94.
(6) منهم الصدوق في المقنع: 89، الحدائق 17: 250.
387

وفي وجوب إعادة السعي - لو كان أتى به، حيث تجب إعادة الطواف -
قولان، الأقوى هو: الأول، لما مر في بحث السعي من وجوب إعادته لو
قدمه على الطواف.
ثم إن ما ذكر إنما هو في المتمتع، وأما القارن والمفرد فيجوز له
تقديم الطواف، كما يأتي بيانه في بيان مناسكه بعد الرجوع إلى مكة.
فرع: قال في الذخيرة: ولو قدم الطواف على الذبح أو على الرمي،
ففي إلحاقه بتقديمه على التقصير وجهان (1). ونحوه في المدارك (2)، وزاد
في آخره: وأحوطهما ذلك.
أقول: أما في الدم، فلا دليل على اللحوق، ولا وجه للاحتياط به.
وأما في الإعادة، فلو كان ثبت وجوب التقديم على الحلق أو الطواف
كان لها مطلقا - أو مع العمد - وجه، ولكن لم يثبت شئ منهما.
وأما في وجوب الترتيب وعدمه، فيمكن الاستدلال للوجوب ببعض
الأخبار المتقدمة في الواجب الثالث من واجبات منى (3).
وتعارضها صحيحتا جميل وابن حمران، ورواية البزنطي، وبعض
الأخبار الأخر المتقدمة إليها الإشارة (4)، ولكن العمل بها على الاطلاق - لما
ذكر من مخالفة الشهرة وموافقة العامة - مشكل، فالأقرب وجوب الترتيب.
والحكم في الناسي والجاهل كما مر.

(1) الذخيرة: 682.
(2) المدارك 8: 94.
(3) راجع ص: 300 و 301.
(4) في ص: 300 و 301.
388

خاتمة
فيما يحل له من محرمات الاحرام بعد الحلق أو التقصير،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذا فرغ المتمتع من مناسكه الثلاثة - الرمي والذبح
والحلق أو التقصير - يحل له كل شئ أحرم منه، إلا الطيب والنساء، وفاقا
لتصريح المبسوط والنهاية والسرائر والوسيلة والجامع (1)، وظاهر المحكي
عن التهذيب والاستبصار وعن الإسكافي والخلاف والمختلف (2).
لصحيحة محمد بن حمران: عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال:
(كل شئ إلا النساء)، وعن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: (كل شئ
إلا النساء والطيب) (3).
وقوية عمر بن يزيد: (أعلم أنك إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل
شئ إلا النساء والطيب) (4).
والصحيح المروي في السرائر عن نوادر البزنطي: المتمتع ما يحل له

(1) المبسوط 1: 376، النهاية: 263، السرائر 1: 601، الوسيلة: 187، الجامع
للشرائع: 216.
(2) التهذيب 5: 245، الإستبصار 2: 287، حكاه عنه في المختلف: 308،
الخلاف 2: 348، المختلف: 308.
(3) التهذيب 5: 247 / 835، الإستبصار 2: 289 / 1024، الوسائل 14: 236
أبواب الحلق والتقصير ب 14 ح 1، وفيهما: عن الحاج غير المتمتع يوم النحر..
(4) التهذيب 5: 245 / 831، الإستبصار 2: 287 / 1020، الوسائل 14: 233
أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 4.
389

إذا حلق رأسه؟ قال: (كل شئ إلا النساء والطيب) (1).
وتؤيد عدم حلية الطيب له صحيحة منصور: عن رجل رمى وحلق
أيأكل شيئا فيه صفرة؟ قال: (لا، حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة،
ثم قد حل له كل شئ إلا النساء حتى يطوف بالبيت طوافا آخر، ثم قد حل
له النساء) (2).
وصحيحة العلاء: تمتعت يوم ذبحت وحلقت، أفألطخ رأسي
بالحناء؟ قال: (نعم، من غير أن تمس شيئا من الطيب)، قلت: أفألبس
القميص؟ قال: (نعم، إذا شئت)، قلت: أفأغطي رأسي؟ قال: (نعم) (3).
وقريبة منها صحيحته الأخرى، وقد زاد في آخرها: قلت: قبل أن
أطوف بالبيت؟ قال: (نعم) (4).
والروايتان الأخيرتان تدلان على أنه جعل (5) له لبس المخيط وتغطية
الرأس أيضا.
وتدل على حلية التغطية أيضا موثقة يونس: المتمتع يغطي رأسه إذا
حلق؟ فقال: (يا بني، حلق رأسه أعظم من تغطيته إياه) (6).

(1) مستطرفات السرائر: 32 / 31، الوسائل 14: 238 أبواب الحلق والتقصير ب 14
ح 4.
(2) التهذيب 5: 245 / 829، الإستبصار 2: 287 / 1018، الوسائل 14: 232
أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 2.
(3) التهذيب 5: 245 / 830، الإستبصار 2: 287 / 1019، الوسائل 14: 233
أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 3.
(4) التهذيب 5: 247 / 836، الإستبصار 2: 289 / 1025، الوسائل 14: 233
أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 5.
(5) في (س): حل.
(6) الكافي 4: 505 / 2، الوسائل 14: 234 أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 9.
390

وقد دلت أخبار أخر أيضا على حلية كل شئ - غير بعض
المذكورات - له، وعلى بقاء حرمة النساء له (1).
والمعارض لأخبارنا ثلاثة أصناف من الأخبار:
أحدها: ما دل على عدم جواز لبس المخيط وتغطية الرأس من
الأخبار (2)، وهي على الكراهة محمولة، كما يأتي.
وثانيها: ما دل على حلية الطيب له أيضا، كصحيحة سعيد بن يسار:
عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل أن يزور فيطليه بالحناء؟ قال: (نعم، الحناء
والثياب والطيب وكل شئ إلا النساء)، رددها علي مرتين أو ثلاثا، وقال:
سألت أبا الحسن عليه السلام، فقال: (نعم، الحناء والثياب والطيب وكل شئ إلا
النساء) (3).
وصحيحة البجلي، وهي طويلة، وفي آخرها: فقال: يا أبه، إن
موسى أكل خبيصا (4) فيه زعفران ولم يزر بعد: فقال أبي: (هو أفقه منك،
أليس قد حلقتم رؤوسكم؟!) (5).
والخزاز: رأيت أبا الحسن عليه السلام بعدما ذبح حلق، ثم ضمد رأسه
بمسك، ثم زار البيت وعليه قميص وكان متمتعا (6).

(1) الوسائل 14: 232 أبواب الحلق والتقصير ب 13.
(2) انظر الوسائل 14: 240 أبواب الحلق والتقصير ب 18.
(3) الكافي 4: 505 / 1، التهذيب 5: 245 / 832، الإستبصار 2: 287 / 1021،
الوسائل 14: 234 أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 7، بتفاوت يسير.
(4) الخبيص: هو طعام معمول من التمر والزبيب والسمن - مجمع البحرين 4:
167.
(5) الكافي 4: 506 / 4، التهذيب 5: 246 / 833، الإستبصار 2: 288 / 1022،
الوسائل 14: 237 أبواب الحلق والتقصير ب 14 ح 3.
(6) الكافي 4: 505 / 3، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 10.
391

وابن عمار: (سئل ابن عباس: هل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتطيب قبل
أن يزور البيت؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يضمد رأسه بالمسك قبل أن
يزور) (1).
وموثقة إسحاق: عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحل له؟ قال: (كل
شئ إلا النساء) (2).
ولكن لا يعلم من الأصحاب من عمل بهذه الأخبار وأحل الطيب له،
صرح بذلك في الذخيرة أيضا (3)، وعلى هذا فتكون شاذة يجب طرحها،
ومع ذلك مرجوحة بالنسبة إلى معارضاتها، لموافقتها لأكثر العامة،
كالشافعي وأحمد وأبي حنيفة وغيرهم (4).
وتومئ إليه صحيحة ابن عمار المتقدمة، مضافا إلى كون صحيحتي
البجلي وابن عمار قضية في واقعة، فلعله كان في غير التمتع.
ودلالة الموثقة بالعموم المطلق بالنسبة إلى ما مر، فيجب التخصيص
بغير الطيب.
ونسخ الصحيحة الأولى مختلفة، ففي بعضها لا يوجد قوله: قبل أن
يزور، فيحصل لها العموم أيضا.
وثالثها: ما يدل على حرمة الصيد له أيضا، وهي صحيحة ابن عمار:
(إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء والطيب،
فإذا زار البيت وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا

(1) التهذيب 5: 246 / 834، الوسائل 14: 237 أبواب الحلق والتقصير ب 14 ح 2.
(2) الكافي 4: 506 / 5، الوسائل 14: 234 أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 8.
(3) الذخيرة: 683.
(4) المغني والشرح الكبير 3: 470، بدائع الصنائع 2: 142.
392

النساء، فإذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا
الصيد) (1).
فإنها تدل على بقاء حرمة الصيد بعد المناسك الثلاثة أيضا، وعمل
بها جماعة من الأصحاب، منهم: الشرائع والنافع والارشاد (2) وغيرها (3)،
ونسبه في المدارك إلى أكثر الأصحاب (4).
وقيل: فيه نظر، لاطلاق أكثر الأصحاب أنه يحل له كل شئ إلا
الطيب والنساء (5). انتهى.
واستدلوا له بالصحيحة المذكورة مضافة إلى الاستصحاب، وظاهر
قوله سبحانه: (ولا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) (6)، حيث إن الاحرام
يتحقق بحرمة الطيب والنساء أيضا، ولكونه في الحرم.
أقول: يمكن الجواب أما عن الصحيحة: فبأنه لا كلام في حرمة
الصيد بعد طواف النساء والحلق أيضا من جهة الحرم، وإنما الكلام في
حرمته من جهة الاحرام، وتظهر الفائدة في أكل لحم الصيد، والصحيحة لا
تدل إلا على حرمته، لا على أنه من جهة الاحرام.
ولا يصير الاستثناء منقطعا كما قد يتوهم، لأن الصيد أيضا مما أحرم
منه، غاية الأمر أن جهة حرمته أيضا ليست نفس الاحرام، ولكن ذلك لا
يخرجه عن كونه مما أحرم منه، ولا عن أصل الحرمة.

(1) الفقيه 2: 302 / 1501، الوسائل 14: 232 أبواب الحلق والتقصير ب 13 ح 1.
(2) الشرائع 1: 265، النافع 1: 92، الإرشاد 1: 335.
(3) كالحدائق 17: 259.
(4) المدارك 8: 102.
(5) انظر الرياض 1: 403.
(6) المائدة: 95.
393

وبالجملة: لا دلالة للصحيحة على حرمته الاحرامية حتى تعارض ما
مر، ولا أقل من الاحتمال المسقط للمعارضة.
هذا، مع ما فيها من الشذوذ المخرج عن الحجية لعدم قول يعرف
بين الأصحاب بحرمة الصيد الاحرامي بعد طواف النساء.
وأما عن الاستصحاب: فباندفاعه بما مر.
وأما عن الآية: فبمنع كونه محرما، فإن المراد بالمحرم ليس من حرم
عليه شئ، بل من تحرم عليه الأمور المخصوصة التي ارتفعت حرمة
أكثرها، فلا يمكن استصحاب المحرمية أيضا، لتغير الموضوع.
فرع: قد ذكرنا حصول التحلل عن غير الأمرين بالفراغ عن المناسك
الثلاثة.
وهل يتوقف التحلل عليها، كما هو ظاهر من علق التحلل بالفراغ عن
مناسك منى، كما في النافع (1)، وعن جماعة أخرى (2)؟
أو يترتب التحلل بالحلق أو التقصير خاصة، كما في الكتب السبعة
الأولى المذكورة في صدر المسألة، وفي الشرائع والارشاد (3)؟
وعن العماني والمقنع والتحرير والمنتهى والتذكرة: الترتب على
الرمي والحلق (4).

(1) النافع 1: 92.
(2) كما في التنقيح 1: 498، الرياض 1: 403.
(3) راجع ص: 384، الشرائع 1: 265، الإرشاد 1: 335.
(4) حكاه عن العماني في المختلف: 308، وعن البقية في كشف اللثام 1: 374.
المقنع: 90 وفيه: إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء
والطيب. التحرير 1: 109، المنتهى 2: 765، التذكرة 1: 391 وفيهما: إذا حلق
أو قصر حل له كل شئ أحرم منه إلا النساء...
394

وعن ابني بابويه: على الرمي (1).
وقيل: برجوع القول الثاني والثالث إلى الأول، حيث إن المتعارف في
الحلق وقوعه بعد الرمي والذبح (2).
وكيف كان، دليل الأول: أنه المراد من الأخبار، حملا للحلق على
الغالب المتعارف من كونه بعد النسكين الآخرين، بل على أصله عند من
أوجب الترتيب، بل يمكن كون التعارف قرينة على إرادة ذلك.
دليل الثاني: أكثر الأخبار المتقدمة المعلقة للحلية على الحلق
خاصة (3).
ودليل الثالث: صحيحة منصور المتقدمة (4).
وحجة الرابع: المروي عن قرب الإسناد: (إذا رميت جمرة العقبة فقد
حل لك كل شئ حرم عليك إلا النساء) (5).
أقول: يرد دليل الأخير بالضعف، والشذوذ، ومعارضته الأخبار الغير
العديدة.
ودليل ما قبله: بأن الرمي والحلق في الصحيحة إنما ورد في السؤال،
وهو غير كاف لاثبات التعليق.
ودليل ما قبله: بأن الحكم وإن علق في أكثر الأخبار بما بعد الحلق،
إلا أنا قد أثبتنا في الأصول: أن حمل اللفظ على مقتضى أصل الحقيقة إنما

(1) الفقيه 2: 328، حكاه عنه وعن أبيه في المختلف: 308.
(2) الذخيرة: 684.
(3) راجع ص: 385.
(4) في ص: 385.
(5) قرب الإسناد: 108 / 370، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق والتقصير ب 13
ح 11.
395

هو إذا لم يكن هناك ما يصلح لأن يكون قرينة للتجوز، وأما معه فلا يجري
على أصل الحقيقة، بل إن علم كون ذلك الأمر قرينة يحمل على التجوز، وإن
صلح لها يتوقف ويعمل بالأصل، والأصل هنا مع عدم التحلل إلا بعد الثلاثة.
ومع ذلك تعارض تلك الأخبار بمفهوم صحيحة ابن عمار
الأخيرة (1)، الدالة على عدم التحلل بدون الذبح، ويلزمه بدون الرمي أيضا
بالاجماع المركب، وبما يأتي من المروي في بصائر الدرجات (2).
فإذن الأقرب هو: القول الأول، وإليه المعول.
المسألة الثانية: إذا طاف المتمتع طواف الحج وسعى بين الصفا
والمروة أحل من الطيب أيضا، بلا خلاف يعلم، لصحيحتي منصور وابن
عمار المتقدمتين..
ورواية المروزي: (إذا حج الرجل فدخل مكة [متمتعا] فطاف بالبيت
وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصر،
فقد حل له كل شئ ما خلا النساء، لأن عليه لتحلة النساء طوافا وصلاة) (3).
وصحيحة أخرى لابن عمار الطويلة في زيارة البيت يوم النحر، وفي
آخرها: (ثم أخرج إلى الصفا، فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت
مكة) إلى أن قال: (فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شئ أحرمت منه
إلا النساء) الحديث (4).

(1) المتقدمة في ص: 387.
(2) انظر ص: 393.
(3) التهذيب 5: 162 / 544، الإستبصار 2: 244 / 853، الوسائل 13: 444
أبواب الطواف ب 82 ح 7. وما بين المعقوفين من المصادر.
(4) الكافي 4: 511 / 4، التهذيب 5: 251 / 853، الإستبصار 2: 292 / 1037،
الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.
396

وأما صحيحة محمد بن إسماعيل: هل يجوز للمحرم المتمتع أن
يمس الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ فقال: (لا) (1).
فمحمولة على الجواز بالمعنى الأخص، كما ذكره في التهذيبين (2)
بقرينة ما مر، ولولاه لطرحت بالشذوذ.
ومقتضى الصحاح المذكورة: عدم التحلل بالطواف خاصة، وهو
المشهور كما قيل (3).
وظاهر بعض العبارات - ومنها: الشرائع والنافع والمنتهى (4) - عدم
توقف التحلل على السعي، للخبرين.
في أحدهما: (إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف
بالبيت) (5).
والآخر المروي في بصائر الدرجات، الآتي ذكره.
وجوابه: أن التعارض بين مفهوم غاية الخبرين ومفهوم شرط
الصحاح بالعموم من وجه، فإن رجحنا الصحاح بالصحة والأكثرية
والأشهرية، وإلا فيرجع إلى استصحاب الحرمة.
وهل يتوقف هذا التحليل على صلاة الطواف؟
قيل: لا، لاطلاق النص والفتوى (6).

(1) التهذيب 5: 248 / 839، الإستبصار 2: 290 / 1029، الوسائل 14: 242
أبواب الحلق والتقصير ب 19 ح 1.
(2) التهذيب 5: 248، الإستبصار 2: 290.
(3) في الرياض: 1: 403.
(4) الشرائع 1: 265، النافع: 92، المنتهى 2: 766.
(5) التهذيب 5: 298 / 1009، الوسائل 12: 445 أبواب تروك الاحرام ب 18 ح 12.
(6) انظر الرياض 1: 403.
397

وفيه: أن الاطلاق إنما يحكم به لولا شيوع تقدمها على السعي
المتأخر عنه التحليل، مضافا إلى دلالة رواية المروزي المتقدمة (1) على
التوقف.
وكذا صحيحة ابن عمار الأخيرة (2) على التوقف، فإن فيها قبل ما نقلنا
منها: (ثم صل عند مقام إبراهيم ركعتين) إلى أن ساق الكلام إلى قوله عليه السلام:
(فإذا فعلت ذلك فقد أحللت) إلى آخره. فالأصح: التوقف.
ولو قدم الطواف والسعي على الوقوف أو مناسك منى - كما في
القارن والمفرد مطلقا والمتمتع للضرورة أو بدونها إن جوزناه في بعضها -
فهل يحصل ذلك التحلل، أم لا؟
نقل في المدارك عن بعض الأصحاب: الأول (3)، واستوجهه شيخنا
الشهيد الثاني -، - واختار هو عدمه (4).
للاستصحاب، والمروي في بصائر الدرجات، فإن فيه: (إذا أردت
المتعة في الحج) إلى أن قال: (ثم أحرمت بين الركن والمقام بالحج، فلا
تزال محرما حتى تقف بالمواقف، ثم ترمي وتذبح وتغتسل، ثم تزور
البيت، فإذا فعلت فقد أحللت) (5).
ولا تفيد الاطلاقات، لما ذكرنا من الشيوع المانع عن التمسك به.
المسألة الثالثة: إذا طاف المتمتع طواف النساء حلت له النساء

(1) في ص: 391.
(2) المتقدمة في ص: 391.
(3) المدارك 8: 106.
(4) المسالك 1: 119.
(5) بصائر الدرجات: 533، الوسائل 11: 234 أبواب أقسام الحج ب 2 ح 30،
بتفاوت يسير.
398

وجميع ما أحرم منه، ولم يبق بعد ذلك شئ، إجماعا كما في المدارك (1)،
بل على التحقيق، له، وللأخبار، كصحيحتي منصور (2) وابن عمار (3)
المتقدمتين..
وصحيحة ابن عمار الأخيرة المنقول بعضها، وفيها - بعد ذكر: (ثم
أرجع إلى البيت) -: (فطف به أسبوعا آخر، ثم صل ركعتين عند مقام
إبراهيم، ثم قد أحللت من كل شئ، وفرغت من حجك كله وكل شئ
أحرمت منه) (4)، بل وكذا رواية المروزي السابقة (5) وغيرها (6).
ومقتضى الصحيحتين الأخيرتين: توقف حلية النساء على ركعتي هذا
الطواف أيضا، وهو كذلك، لذلك، وفاقا للمحكي عن الهداية والاقتصاد (7).
وخلافا لاطلاق أكثر الفتاوى، لاطلاق أكثر النصوص، وحمل
صحيحة ابن عمار على توقف مجموع التحلل والفراغ من الحج عليها.
وفيه: أن رواية المروزي لا تقبل حملا، فبها تقيد الاطلاقات.
وحكي عن العماني: حلية النساء بالفراغ من السعي (8)، وهو خلاف
الاجماع والنصوص المذكورة وغيرها.
وكما تحرم النساء على الرجال قبل طوافهم طواف النساء، فكذلك

(1) المدارك 8: 106.
(2) المتقدمة في ص: 385.
(3) المتقدمة في ص: 387.
(4) الكافي 4: 511 / 4، التهذيب 5: 251 / 853، الإستبصار 2: 292 / 1037،
الوسائل 14: 249 أبواب زيارة البيت ب 4 ح 1.
(5) في ص: 391.
(6) الوسائل 14: 236 أبواب الحلق والتقصير ب 14.
(7) الهداية: 65، الإقتصاد: 309.
(8) حكاه عنه في المختلف: 309.
399

الرجال تحرم عليهن قبل طوافهن، كما صرح به جماعة (1).
لا لعموم قوله تعالى: (فلا رفث) الآية (2)، بضميمة كون الرفث هو
الجماع وعد الخروج عن الحج إلا بطواف النساء، لدلالة الأخبار الصحيحة
- كما يأتي - من خروج طواف النساء عن الحج.
ولا للاجماع المنقول، لعدم حجيته.
بل للاستصحاب، والأخبار، كصحيحة العلاء والبجلي وابن رئاب
وعبد الله بن صالح: (المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت) وساق
الحديث إلى أن قال: (ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا
فعلت ذلك فقد أحلت من كل شئ يحل منه المحرم إلا فراش زوجها،
فإذا طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها) (3).
ورواية درست: متمتعة قدمت مكة فرأت الدم - إلى أن قال: (فإذا
قدمت مكة طافت بالبيت طوافين، وسعت بين الصفا والمروة، فإذا فعلت
ذلك فقد حل لها كل شئ ما عدا فراش زوجها) (4).
ورواية عجلان: (إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن تطوف قدمت
السعي وشهدت المناسك، فإذا طهرت وانصرفت من الحج قضت طواف
العمرة وطواف الحج وطواف النساء، ثم أحلت من كل شئ) (5).

(1) انظر المدارك 8: 107، الذخيرة: 684، الحدائق 17: 267.
(2) البقرة: 197.
(3) الكافي 4: 445 / 1، الوسائل 13: 448 أبواب الطواف ب 84 ح 1، بتفاوت يسير.
(4) الكافي 4: 446 / 2، التهذيب 5: 391 / 1368، الإستبصار 2: 312 / 1109،
الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 2. وفي الجميع: عن درست الواسطي،
عن عجلان أبي صالح...
(5) الكافي 4: 447 / 6، التهذيب 5: 394 / 1374، الإستبصار 2: 314 / 1115،
الوسائل 13: 449 أبواب الطواف ب 84 ح 3.
400

المسألة الرابعة: ما ذكر إنما هو في حق المتمتع، وأما القارن والمفرد
فيتحللان بالحلق أو التقصير عن غير النساء مطلقا حتى الطيب، صرح بذلك
الشيخ في النهاية والمبسوط والحلي وابن حمزة في الوسيلة (1)، وجمع
آخر (2)، بل الأكثر، وفي الذخيرة: أنه المعروف بين الأصحاب (3).
وظاهر إطلاق الأكثر عدم الفرق في ذلك بين أن يقدما الطواف
والسعي على باقي المناسك أم لا.
وقيده في الدروس بصورة التقديم (4).
وعن الجعفي: التسوية بينهما وبين المتمتع (5).
وسيأتي تحقيق المقام فيه إن شاء الله.
المسألة الخامسة: يكره للمتمتع لبس المخيط والتقنع حتى يطوف
للحج ويسعى، والطيب حتى يطوف طواف النساء.
وتدل على الأول صحاح: محمد (6)، وسعيد الأعرج (7)، ومنصور (8)،
وابن عمار عن إدريس القمي (9).

(1) النهاية: 263، المبسوط 1: 377، الحلي في السرائر 1: 601، الوسيلة: 187.
(2) انظر الدروس 1: 455، الحدائق 17: 258.
(3) الذخيرة: 684.
(4) الدروس 1: 455.
(5) حكاه عنه في الدروس 1: 455.
(6) التهذيب 5: 247 / 837، الإستبصار 2: 289 / 1026، الوسائل 14: 241
أبواب الحلق والتقصير ب 18 ح 2.
(7) الفقيه 2: 302 / 1502، الوسائل 14: 241 أبواب الحلق والتقصير ب 18 ح 4.
(8) التهذيب 5: 248 / 839، الإستبصار 2: 290 / 1028، الوسائل 14: 240
أبواب الحلق والتقصير ب 18 ح 1.
(9) التهذيب 5: 247 / 838، الإستبصار 2: 289 / 1027، المقنع: 90، الوسائل
14: 241 أبواب الحلق والتقصير ب 18 ح 3.
401

وعلى الثاني: صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة في المسألة
الثانية (1).
وإنما حملت هذه الروايات على الكراهة لقرينة ما مر من الأخبار
المخالفة لها، مضافة إلى قصور الأربعة الأولى عن إفادة الحرمة، بل
صحيحة منصور ظاهرة في عدمها.
ومورد الجميع المتمتع خاصة، بل في صحيحة الأعرج التصريح بعدم
المنع في غيره، وكذا في الخبر المروي عن قرب الإسناد (2).
وظاهر بعضهم الاطلاق، ولا وجه له معلوما كما قيل (3).

(1) راجع ص: 392.
(2) قرب الإسناد: 108 / 370، الوسائل 14: 235 أبواب الحلق والتقصير ب 13
ح 11.
(3) في الرياض 1: 400.
402