الكتاب: مستند الشيعة
المؤلف: المحقق النراقي
الجزء: ١٠
الوفاة: ١٢٤٤
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: صفر ١٤١٧
المطبعة: ستارة - قم
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم
ردمك: ٩٦٤-٣١٩-٠١٤-٥
ملاحظات: ٩٦٤-٥٥٠٣-٧٥-٢ / ١٨ VOLS.

مستند الشيعة
في أحكام الشريعة
تأليف
العلامة الفقيه
المولى أحمد بن محمد مهدي النراقي
المتوفى سنة 1245 ه‍
الجزء العاشر
تحقيق
مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث
1

Bp النراقي، أحمد بن محمد مهدي، 1185 - 1245 ه‍.
2 / 183 مستند الشيعة في أحكام الشريعة / تأليف أحمد بن محمد مهدي
4 ن النراقي تحقيق مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث. - مشهد
5 م المقدسة: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث، 1415 ه‍.
1415 ه‍ ج. نموذج.
المصادر بالهامش.
1. الفقه الجعفري - القرن الثالث عشر. أ. مؤسسة آل البيت
- عليهم السلام - لإحياء التراث. ب. العنوان.
ردمك (شابك) 2 - 75 - 5503 - 964 احتمالا: 18 جزء.
. VOIS 18 - 2 - 75 - 5503 - ISBN 964
ردمك (شابك). - 76 - 5503 - 964 / ج 1
L / VO / 0 - 76 - 5503 - ISBN 964
الكتاب: مستند الشيعة في أحكام الشريعة / ج 10
المؤلف: العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي
تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث - مشهد المقدسة
الفلم والألواح الحساسة (الزنك):
الطبعة: الأولى - ربيع الأول 1415 ه‍.
المطبعة: ستارة - قم
الكمية: 3000 نسخة
السعر: 2500 ريال
2

جميع الحقوق محفوظة ومسجلة
لمؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
مؤسسة آل البيت - عليهم السلام - لإحياء التراث
قم - دور شهر (خيابان شهيد فاطمي) كوچه 9 - پلاك 5
ص. ب. 37185 / 996 - هاتف 4 - 370001
4

كتاب الخمس
وهو في الاصطلاح: حق مالي ثبت لبني هاشم بالأصل.
والأخير لاخراج المنذور لهم والموقوف عليهم.
وزيادة قيد العوض عن الزكاة - كما في بعض العبارات - أو في مال
مخصوص أو الغنائم - كما في آخرين - لبيان الواقع، وإلا فهو غير محتاج
إليه، بل قد يكون الأخير مخلا.
وهو ثابت بالكتاب، والسنة، والاجماع.
والكلام فيه يقع في مقاصد:
5

المقصد الأول
فيما يجب فيه الخمس
وفيه مسائل:
7

المسألة الأولى: اعلم أن الأصل وجوب الخمس في جميع ما
يستفيده الانسان ويكتسبه ويغنمه، للآية الشريفة، والأخبار.
أما الآية فقوله سبحانه: (واعلموا أنما غنمتم) الآية (1).
فإن الغنيمة في أصل اللغة: الفائدة المكتسبة، صرح به في مجمع
البحرين (2) وغيره (3) من أهل اللغة، وليس هناك ما يخالفه ويوجب العدول
عنه، بل المتحقق ما يثبته ويوافقه من العرف وكلام الفقهاء والأخبار.
فنص في البيان على شمول الغنيمة للأقسام السبعة المشهورة (4)، بل
في الخلاف دعوى إجماعنا على أن ما يستفيده الانسان من أرباح التجارات
والمكاسب والصنائع يدخل في الغنيمة (5).
وفي رواية حكيم: عن قول الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من
شئ) إلى أن قال: (هي والله الإفادة يوما بيوم، إلا أن أبي جعل شيعته في
حل لتزكيهم) (6).

(1) الأنفال: 41.
(2) مجمع البحرين 6: 129.
(3) كما في معجم مقاييس اللغة 4: 397.
(4) البيان: 341.
(5) الخلاف 2: 118.
(6) الكافي 1: 544 / 10، التهذيب 4: 121 / 344، الإستبصار 2: 54 / 179 الوسائل 9:
546 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 8، إلا، أن فيها: ليزكوا، بدل: لتزكيهم.
9

وفي صحيحة علي بن مهزيار الطويلة: (فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة
عليهم في كل عام، قال الله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم) الآية، فالغنائم
والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها) الحديث (1).
وفي الرضوي: (وقال جل وعلا: (واعلموا أنما غنمتم) الآية،
فتطول بذلك علينا امتنانا منه ورحمة) إلى أن قال: (وكل ما أفاده الناس فهو
غنيمة، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ومال الفئ الذي لم يختلف
فيه وما ادعي فيه الرخصة، وهو ربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد من
المكاسب والصناعات والمواريث وغيرها، لأن الجميع غنيمة وفائدة) (2).
وأما ما في بعض الأخبار - بعد بيان خمس الغنيمة - من أنه يقسم
الأربعة أخماس الباقية بعد خمس الغنيمة بين من قاتل عليه (3)، حيث إن
الظاهر منه تلازم الغنيمة والمقاتلة.
فلا ينافي ما ذكر، إذ لا دلالة فيها على أن المراد بالغنائم في الآية
ذلك، غايته الاستعمال، وهو أعم من الحقيقة، مع أنه لا يتعين التجوز فيها
أيضا، لاحتمال التخصيص، أي أربعة أخماس بعض الغنائم.
ومما ذكر يظهر لك ما في المدارك والذخيرة من النظر في دلالة الآية،
حيث إن المتبادر من الغنيمة: ما يؤخذ من دار الحرب، ويدل عليه سوق
الآية (4)، فإن التبادر حال نزول الآية - بل في الآن أيضا - ممنوع.

(1) التهذيب 4: 141 / 398، الإستبصار 2: 60 / 198، الوسائل 9:
501 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5
(2) فقه الرضا (ع): 293.
(3) التهذيب 4: 128 / 365، الإستبصار 2: 56 / 186، الوسائل 9: 483 أبواب
قسمة الخمس ب 1 ح 3.
(4) المدارك 5: 381، الذخيرة: 480.
10

نعم، لاتفاق أكثر العامة على تخصيص الخمس بغنائم دار الحرب
اشتهر ذلك بينهم، وبنى عليه مفسروهم، فتوهم التبادر.
وورود الآية في الحرب لا يدل على التخصيص.
وأما الأخبار فكثيرة، منها: الأخبار الثلاثة المتقدمة.
وموثقة سماعة: عن الخمس فقال: (في كل ما أفاد الناس من قليل أو
كثير) (1).
ورواية ابن سنان: (على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب
لفاطمة ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذلك
لهم خاصة، يضعونه حيث شأوا، وحرم عليهم الصدقة، حتى الخياط
يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق، إلا من أحللناه من شيعتنا،
لتطيب لهم به الولادة) (2).
ومرسلة حماد الطويلة، وفيها: (الخمس من خمسة أشياء: من
الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة) الحديث (3)، إلى
غير ذلك من المستفيضة (4).
ولا معارض لها يوجب الوهن فيها سوى بعض ما ظاهره حصر
الخمس في أمور خاصة، ولكن منها الغنائم الشاملة لجميع الفوائد.
وضعف بعض سندا - لو كان مضرا - يندفع بالانجبار بالشهرة
والاجماع المنقول، بل المحقق.

(1) الكافي 1: 545 / 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.
(2) التهذيب 4: 122 / 348، الإستبصار 2: 55 / 180، الوسائل 9: 503 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
(3) الكافي 1: 539 / 4، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4.
(4) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
11

وتدل على المطلوب أيضا الأدلة [و] (1) الأخبار الواردة في كل قسم
قسم من الفوائد أيضا، كما يأتي.
ثم الثابت من الآية والأخبار هو ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة،
وهي ما حصلت بنوع سعي واكتساب لا غير المكتسبة، لأن الوارد فيها:
الغنيمة، التي هي الفوائد المكتسبة - كما صرح به بعض أهل اللغة (2) - أو
الاكتساب - وظاهر أنه مختص بما ذكرنا - أو الاستفادة المختصة بالمكتسبة،
أو الإفادة المفسرة بالاستفادة أيضا.
مضافا إلى صحيحة ابن سنان: (ليس الخمس إلا في الغنائم
خاصة) (3).
نفي بمنطوقها الخمس عن كل شئ، سوى الغنائم التي هي الفوائد
المكتسبة، ولا أقل من احتمال الاختصاص بها من جهة تصريح بعض
اللغويين وجمع من الفقهاء، فلا يعلم خروج غير المكتسبة من المستثنى
منه، فتكون باقية فيه، لحجية العام المخصص بالمجمل إذا كان متصلا في
غير موضع الاجمال.
ثم هذا المنطوق وإن تعارض مع ما دل على ثبوت الخمس في كل
الفوائد، إلا أنه بالعموم من وجه، لشمول المنطوق لغير الفوائد ومعارضته
للفوائد المكتسبة، فيرجع في موضع التعارض إلى الأصل. فاللازم عليك أن
يكون ذلك أصلا لك في المسألة، وتحكم بوجوب الخمس في جميع

(1) أثبتناه لاستقامة العبارة.
(2) كما في مجمع البحرين 6: 129.
(3) الفقيه 2: 21 / 74، التهذيب 4: 124 / 359، الإستبصار 2: 56 / 184، الوسائل
9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.
12

الفوائد المكتسبة للانسان، إلا أن يخرج شئ منها بدليل.
المسألة الثانية: اعلم أنه وإن ثبت بما ذكرنا وجوب الخمس في كل
ما يستفيده الانسان ويحصل في يده بضرب من الاكتساب، إلا أن الفقهاء
قسموها إلى خمسة أقسام، لذكر كل قسم في الأخبار على حدة، ولامتياز
بعض تلك الأقسام عن بعض ببعض الشرائط، كما يأتي إن شاء الله
سبحانه.
13

القسم الأول
في غنائم دار الحرب
أي ما يؤخذ غنيمة من أهل الحرب، سواء كان في دارهم أو غيرها،
ووجوب الخمس فيها في الجملة إجماعي بين المسلمين، ونقل الاجماع
عليه مستفيض.
ويدل عليه معه ما مر من الأصل المتقدم، لكونها من الفوائد
المكتسبة.
والآية الشريفة، لكون غنائم دار الحرب مما غنم نصا وإجماعا وإن
اختلفوا في غيرها.
وخصوص السنة المستفيضة، كمرسلة أحمد: (الخمس من خمسة
أشياء: من الكنوز، والمعادن، والغوص، والمغنم الذي يقاتل عليه) ولم
يحفظ الخامس (1).
وصحيحة ربعي: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه
وكان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أقسام ويأخذ خمسه) الحديث (2).
وصحيحة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون
معهم فيصيب غنيمة، فقال: (يؤدي خمسا ويطيب له) (3).

(1) التهذيب 4: 126 / 364، الوسائل 9: 489 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2
ح 11.
(2) التهذيب 4: 128 / 365، الإستبصار 2: 56 / 186، الوسائل 9: 510 أبواب
قسمة الخمس ب 1 ح 3، بتفاوت يسير.
(3) التهذيب 4: 124 / 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2
ح 8.
14

ورواية أبي بصير: (كل شئ قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله فإن لنا خمسه) (1).
وهل يختص وجوب الخمس فيها فيما إذا أخذ مع الحرب، أو يعم
ما أخذ بدون الحرب، كالسرقة والاختلاس أيضا؟
فقيل بالأول، وحكم في الثاني بأنه لآخذه بلا خمس، لأنه لا يسمى
غنيمة (2).
وقيل بالثاني (3)، لفحوى صحيحة حفص (4) ورواية المعلى (5)
الواردتين في مال الناصب، أنه خذه حيث وجدته وابعث إلينا الخمس.
ويرد عليه منع الفحوى، لعدم قطعية العلة.
ولكن يرد على الأول أيضا: منع عدم التسمية، فإن الغنيمة تصدق
على كل ما أفاده الناس، كما يأتي، فثبت الخمس فيه بالأصل المتقدم في
المسألة الأولى.
ثم ما أخذ بالحرب هل يختص وجوب الخمس فيه بما كان الحرب
بإذن الإمام، الذي هو محل الوفاق، أو يعم الحرب بغير إذنه أيضا؟
فقيل بالأول، وحكم في الثاني بأن المأخوذ للإمام جميعا (6)، لمرسلة
الوراق: (إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، وإذا

(1) الكافي 1: 545 / 14، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 5.
(2) كما في الكافي في الفقه: 170.
(3) كما في المراسم: 139.
(4) التهذيب 4: 122 / 350، مستطرفات السرائر: 100 / 29، الوسائل 9: 487
أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 6.
(5) التهذيب 6: 387 / 1153، مستطرفات السرائر: 101 / 30، الوسائل 9: 488
أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 7.
(6) انظر الدروس 1: 259، والمسالك 1: 66.
15

غزا قوم بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس) (1).
وقيل بالثاني، لصحيحة الحلبي السالفة.
وفصل بعض المتأخرين، فقال: إذا كان الحرب للدعاء إلى الاسلام
والتكليف بالشهادتين فالغنيمة للإمام ولا خمس، وإن كان بالقهر والغلبة لا
للجهاد فيجب فيه الخمس.
والقول الفصل وطريق الجمع أن يقال: إن الغنيمة للإمام، للمرسلة،
ولكنه أحله للشيعة بعد الخمس، للصحيحة، إذ لا يثبت منها الأزيد من
ذلك حتى تعارض به المرسلة.
ويأتي زيادة كلام في ذلك في ذكر الأنفال.
فرعان:
أ: صريح جماعة: عدم الفرق في غنائم دار الحرب بين المنقول
وغيره (2)، ويظهر من بعض المتأخرين التخصيص بالأول، لكون الأراضي
مال الإمام.
أقول: إن كانت مال الإمام فهو أحلها لشيعته أيضا كما يأتي،
فيخمسها لكونها من الفوائد، ويأتي تحقيقها في موضعه.
ب: مثل مال أهل الحرب: مال الناصب والخارجي وسائر من يحل
ماله ممن انتحل الاسلام، فيجب إخراج خمسه، لصحيحة حفص ورواية
المعلى المتقدمتين.

(1) التهذيب 4: 135 / 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 16.
(2) منهم المحقق في الشرائع 1: 179، والأردبيلي في زبدة البيان: 209.
16

القسم الثاني
في المعادن
ووجوب الخمس فيها إجماعي، والأصل المتقدم يثبته، والنصوص
به مع ذلك مستفيضة:
فمنها: ما يوجبه في المعادن من غير تفصيل، كالمرسلتين
المتقدمتين (1)، وصحيحة زرارة (2).
ومنها: ما يثبته فيها وفي الرصاص والصفر والحديد والذهب
والفضة، كصحيحة الحلبي (3).
ومنها: ما يثبته في الخمسة، كصحيحة محمد (4).
ومنها: ما يثبته في المعدن والملاحة والكبريت والنفط وأشباهه،
كصحيحته الأخرى (5).
ومنها: ما يثبته في الياقوت والزبرجد ومعادن الذهب والفضة، كرواية
محمد بن علي (6).

(1) يعني مرسلتي حماد وأحمد المتقدمتين في ص 9 و 12.
(2) التهذيب 4: 122 / 347، الوسائل 9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 3.
(3) الكافي 1: 546 / 19، الفقيه 2: 21 / 73، التهذيب 4: 121 / 346، الوسائل
9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 2.
(4) الكافي 1: 544 / 8، التهذيب 4: 121 / 345، الوسائل 9: 491 أبواب ما
يجب فيه الخمس ب 3 ح 1.
(5) الفقيه 2: 21 / 76، التهذيب 4: 122 / 349، المقنع: 53، الوسائل 9: 492
أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 4.
(6) الكافي 1: 547 / 21، الفقيه 2: 21 / 72، التهذيب 4: 124 / 356، الوسائل 9:
493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5.
17

ولا ينافي ما ذكر صحيحة ابن سنان: (ليس الخمس إلا في
الغنائم) (1)، لأن المعادن أيضا غنيمة.
مع أنه لو سلم الاختصاص يكون التعارض بالعموم والخصوص
المطلقين، فيجب تخصيص الصحيحة بما مر.
ولو سلم التباين فالترجيح لما مر بوجوه كثيرة، منها: مخالفة العامة،
فلا إشكال في المسألة.
وإنما الاشكال في تحقيق المعدن، فقد اختلفت فيه كلمات أهل اللغة
والفقهاء:
فمنهم من خصصه بمنبت الجوهر من ذهب ونحوه، كالقاموس (2)
والأزهري.
ومنهم من يظهر منه الاختصاص بموضع الذهب والفضة، كالمغرب (3).
ومنهم من عممه لكل ما يخرج من الأرض ويخلق فيها من غيرها مما له
قيمة، كالنهاية الأثيرية والتذكرة والمنتهى، مدعيا فيهما إجماع علمائنا عليه (4).
ومنهم من جعله أعم من ذلك أيضا - فلم يذكر قيد: من غيرها،
وقال: إنه ما يستخرج من الأرض وكانت أصله، ثم اشتمل على خصوصية
يعظم الانتفاع بها، سواء خرج عن اسم الأرض أم لا - كالشهيد (5). وعلى
ذلك، يدخل فيه الجص، والنورة، والمغرة - وهي الطين الأحمر (6) - وطين

(1) المتقدمة في ص: 10.
(2) القاموس 4: 248.
(3) المغرب 2: 32.
(4) النهاية الأثيرية 3: 192، التذكرة 1: 251، المنتهى 1: 544.
(5) الروضة 2: 66.
(6) الصحاح 2: 818، القاموس 2: 140.
18

الغسل، وحجر الرحى، بل كل حجر.
وعلى هذا، فيحصل نوع من الاجمال في معناه.
وترجيح الأولين - بجعل الملاحة في بعض الصحاح مثل المعدن -
مردود بجعلها على نسختي الفقيه والتهذيب نفسه.
كما أن ترجيح الرابع بحكاية الاجماع مردود بعدم حجيتها، فالحق
إجماله، ولازمه الأخذ بالمقطوع به، والعمل فيما عداه بمقتضى الأصل،
للشك في إطلاق الاسم.
ويمكن دفع الأصل في جميع ما يشك فيه بعمومات الغنيمة
والفائدة (1) كما مر، فيجب في الجميع الخمس، إلا أنه يكون وجوبه فيها
من هذه الجهة غير وجوبه فيها من جهة المعدنية.
وتظهر الثمرة في اعتبار مؤنة السنة إن قلنا باعتبارها في كل فائدة،
ويأتي تحقيقه، وفي اعتبار النصاب إن قلنا به في المعدن دون كل فائدة،
ولكن كان ذلك لولا إجمال لفظ المعادن، وأما معه فتكون العمومات
مخصصة بالمجمل، فلا يكون حجة في موضع الاجمال، ويعمل فيه
بالأصل.
ومنه تظهر قوة اعتبار النصاب في جميع مواضع الشك أيضا، لأصالة
عدم وجوب الخمس فيما دونه.

(1) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.
19

القسم الثالث
في الكنوز
واللازم أولا بيان ما يملكه الواجد منها وما لا يملكه، ثم بيان وجوب
الخمس فيه، فها هنا بحثان:
البحث الأول
الكنز إما يوجد في دار الحرب أو دار الاسلام، وعلى التقديرين إما
يكون عليه أثر الاسلام أو لا، وعلى التقادير إما يوجد في أرض مباحة أو
مملوكة، وعلى الثاني إما تكون مملوكة للواجد أو لغيره، فهذه اثني عشر.
فإن وجده في دار الحرب فهو لواجده في صورة الست بلا خلاف
يعرف، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما صرح به جماعة (1).
وتدل عليه أصالة الإباحة في الأشياء، إلا ما علم سبق ملكية مسلم له،
وهو هنا غير معلوم، وأثر الاسلام غير مفيد (2) له، لجواز صدوره من كافر،
وتتم الأولوية والملكية بضميمة الاجماع المركب هنا.
وصحيحتا محمد، إحداهما: عن الورق يوجد في دار، فقال: (إن
كانت الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها، فإن كانت خربة فأنت أحق بما
وجدت) (3)، وقريبة منها الأخرى (4).

(1) منهم صاحب المدارك 5: 370، والسبزواري في الكفاية: 43.
(2) في (س): مقيد....
(3) التهذيب 6: 390 / 1365، الوسائل 25: 447 كتاب اللقطة ب 5 ح 2.
(4) الكافي 5: 138 / 5، التهذيب 6: 390 / 1169، الوسائل 25: 447 كتاب
اللقطة ب 5 ح 1.
20

ورواية أبي بصير: (من وجد شيئا فهو له، فليتمتع به حتى يأتي
طالبه، فإذا جاء طالبه رده إليه) (1).
والفرق بين المعمورة وغيرها في الأوليين لا يفيد هنا، للاجماع على
عدم تملك الحربي.
نعم، لو كان في دار الحرب بيت مسلم ووجد فيه، يجب الحكم
بكونه له بمقتضاهما، وهو كذلك، وشمول الفتاوى لمثل ذلك غير معلوم.
وقد يستدل على ملكية الواجد بإطلاقات وجوب الخمس في الكنز،
حيث إنه لا معنى لايجاب الخمس على أحد في غير ملكه.
وفيه: أنه لم يصرح فيهما بوجوب الخمس على الواجد، فإنه يدل
على ثبوت الخمس في الكنز، مع أنه يمكن أن يجب عليه، لأنه أول متصرف.
وإن وجده في دار الاسلام، فإن كان في غير ملك له أهل معلوم، فهو
أيضا - كسابقه - لواجده مطلقا على الأقوى، وفاقا للخلاف والسرائر ولقطة
الشرائع والمدارك (2)، ونقله فيه عن جماعة، للأصل المذكور في غير ما علم
بالقرائن سبق يد المسلم عليه، والروايات المذكورة.
وخلافا للمبسوط (3)، وأكثر المتأخرين (4)، فجعلوه لقطة، لأنه مال
ضائع عليه أثر ملك ووجد في دار الاسلام، فيصدق عليه حد اللقطة، ولأنه
مال مسلم، فلا يحل لغيره إلا بإذن شرعي.

(1) الكافي 5: 139 / 10، التهذيب 6: 392 / 1175، الوسائل 25: 447 كتاب
اللقطة ب 4 ح 2.
(2) الخلاف 2: 122، السرائر 1: 487، الشرائع 3: 293، المدارك 5: 370.
(3) المبسوط 1: 236.
(4) كالمحقق في الشرائع 1: 180، والعلامة في المختلف: 203، والفاضل المقداد
في التنقيح 1: 337.
21

أما الثاني، فظاهر.
وأما الأول، فلأثر الاسلام، ولرواية محمد بن قيس: (في رجل وجد
ورقا في خربة: أن يعرفها، فإن وجد من يعرفها وإلا تمتع بها) (1).
ويرد الأول: بمنع كونه ضائعا، بل هو مذخور، ولو سلم فيمنع كون
مطلق الضائع لقطة، وإنما هي ما وجد فوق الأرض.
والثاني: بمنع كونه مال مسلم، وأثر الاسلام أعم منه، وظهوره فيه
- لو سلم - لا يدفع الأصل، ولو سلم فالاطلاقات إذن شرعي.
والثالث: بعدم الدلالة على الوجوب، بل غايته الرجحان، وهو مسلم.
وإن وجده في أرض مملوكة لها أهل معروف، فإن كانت للواجد،
فإن كانت مملوكة له بالاحياء أو التوارث مع الانحصار، فهو له، والوجه
معلوم.
وإن كانت منتقلة إليه من غيره، فالمصرح به في كلماتهم: أنه يجب
تعريف الناقل، فإن عرفه دفع إليه، وإلا فهو للواجد (2).
ولعله لصحيحة عبد الله بن جعفر: عن رجل اشترى جزورا أو بقرة
للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو
جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه السلام: (عرفها البائع، فإن لم يعرفها
فالشئ لك، رزقك الله إياه) (3).
بضميمة عدم القول بالفرق بين الأرض والحيوان، فإن ثبت فهو، وإلا

(1) التهذيب 6: 398 / 1199، الوسائل 25: 448 كتاب اللقطة ب 5 ح 5.
(2) انظر الشرائع 1: 179.
(3) الكافي 5: 139 / 9، التهذيب 6: 392 / 1174، الوسائل 25: 452 كتاب
اللقطة ب 9 ح 1.
22

فمقتضى الاطلاقات كونه للواجد من غير تعريف، كما مال إليه في المدارك
والذخيرة (1)، وهو قوي.
وكيف كان، فلا يجب تعريف ما فوق الناقل لو لم يعرفه الناقل على
الأظهر، وفاقا لصريح بعضهم (2)، وظاهر الأكثر، كما صرح به بعض من
تأخر، لعدم المقتضي وإن قلنا بكون البائع في الصحيحة جنسا، لعدم ثبوت
الاجماع المركب هنا قطعا.
وإن كانت لغيره، فالأكثر أنه كالموجود في الأرض المبتاعة، فيعرف
صاحب الأرض، فإن لم يعرفها فهو للواجد، وهو كذلك، لفحوى ما دل
على التعريف في المبتاعة.
ولموثقة ابن عمار: رجل نزل في بعض بيوت مكة، فوجد فيها نحوا
من سبعين درهما مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة،
كيف يصنع؟ قال: (فاسأل عنها وهل المنزل لعلهم يعرفونها) قلت: فإن لم
يعرفوها؟ قال: (يتصدق بها) (3).
وبهذه يقيد إطلاق الصحيحين المتقدمين (4)، الدالين على أنه لأهل
المنزل مطلقا.
وكما يقيد بالمجموع إطلاق: (من وجد شيئا فهو له).
ولا ينافيه قوله في الموثقة: (وإلا فتصدق بها) (5)، لعدم دلالته على

(1) المدارك 5: 373، الذخيرة: 475.
(2) كيحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع: 149.
(3) التهذيب 6: 391 / 1171، الوسائل 25: 448 كتاب اللقطة ب 5 ح 3.
(4) في ص: 18.
(5) الكافي 5: 308 / 21، الفقيه 3: 190 / 856، التهذيب 6: 396 / 1191،
الإستبصار 3: 124 / 440، الوسائل 25: 463 كتاب اللقطة ب 18 ح 1.
23

الأزيد من الرجحان.
فروع:
أ: ما مر من حكم الموجود في الأراضي المملوكة هل يختص بالدار
المعمورة لاختصاص أخباره بها، ويكون الموجود في غيرها من الضياع
وأراضي الزرع والدور الخربة والعقار ونحوها للواجد، لاطلاق: (من وجد
شيئا فهو له)؟
أو يعم الجميع، كما هو ظاهر إطلاق الفتاوى؟
فيه إشكال، لما ذكر، والأظهر: الأول، والأحوط: الثاني.
ب: لا يختص الحكم المذكور بالذهب والفضة، بل يعم كل مال،
للاطلاق المذكور.
ج: وجوب التعريف فيما يجب يختص بما إذا لم يعلم عدم معرفة
المالك أو البائع واحتمل ملكيته، ولو علم ولو بالقرائن سقط قولا واحدا،
ولو ادعى حينئذ لم يسمع، والوجه واضح، وقوله: (فإن لم يعرفها) فيما مر
يدل عليه.
د: قال جماعة: بأنه لو اعترف به وطلبه المالك فيما وجد في
المملوك للغير أو البائع في المملوك للواجد، يسلم إليه بلا بينة ولا يمين ولا
وصف (1). وفي الدروس: إن الظاهر أنه كذلك (2).
واستدل له تارة: باعتبار اليد الحالية في الأول والسابقة في الثاني على

(1) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 68، والأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 300،
والسبزواري في الكفاية: 43.
(2) الدروس 1: 260.
24

الأرض.
وأخرى: بأنه مقتضى القاعدة الثابتة من أن من ادعى شيئا ولا منازع له
دفع إليه (1).
وفي الأول: منع صدق اليد على المال في المفروض، وعدم دليل
على كفاية اليد على الأرض.
وفي الثاني: منع ثبوت القاعدة بإطلاقها، ولو سلم فيعارض دليلها
الاطلاقات المتقدمة، مع أنه لو تم ذلك لزم دفع كل ما وجد في كل مكان إلى
كل مدع بلا بينة ولا وصف، بل لو لم يعلم الوصف، ولا أظن أن يقبلوه.
نعم، يمكن أن يستدل له بقوله في رواية أبي بصير المتقدمة (2) وفي
بعض روايات أخر أيضا (3): (فإذا جاء طالبه) فإنه أعم من العارف بالوصف
وغيره، إلا أن قوله: (فإن لم يعرفها) و: (لم يعرفوها) ونحوهما في
الروايات المتقدمة يخصص الطالب بمن لم يكن غير عارف.
والظاهر أن المراد بالعارف ليس من يدعيه فقط، بل المتبادر منه من
يعرفه ببعض أوصافه، فيجب التخصيص بذلك.
ويدل عليه قوله في صحيحة البزنطي الواردة في الطير الذي يؤخذ:
(فإن جائك طالب لا تتهمه، رده إليه) (4) فإن من لا بينة له ولا يعرف
الوصف يكون متهما غالبا.
وتؤيده رواية الجعفي (5) الواردة في الكيس الذي وجده، حيث سئل

(1) كما في الحدائق 12: 338.
(2) 61 في ص: 18.
(3) الوسائل 25: 441 كتاب اللقطة ب 2 ح 1 و 2 و 3 و 10 و 13...
(4) التهذيب 6: 394 / 1186، الوسائل 25: 461 أبواب اللقطة ب 15 ح 1.
(5) الكافي 5: 138 / 6، التهذيب 6: 390 / 1170، الوسائل 25: 449 كتاب
اللقطة ب 6 ح 1.
25

[الطالب عن العلامة] (1).
ثم لو اطلع الطالب على جميع الأوصاف من الخارج ثم ادعاه فيشكل
الأمر، لعدم إمكان معرفة أنه ممن يعرف أو لا يعرف.
والظاهر أنه لا يدفع إليه إن لم يكن متهما، يعني احتمل أن يكون
كاذبا أو ظن ذلك، ويدفع إليه إن لم يكن متهما ولو لأجل وثاقته.
ثم الظاهر اختصاص هذا الحكم - أي وجوب الرد بادعاء غير المتهم،
أو العارف الذي لا تفيد معرفته أزيد من الظن - بالموجود في المملوك.
وأما الموجود في المباح، فلا يجب الدفع إلا بعد العلم بالصدق، لأصالة
الإباحة، التي هي المرجع بعد تعارض صحيحتي محمد - المخصوصة
بالموجود في الخربة - مع رواية أبي بصير المخصوصة بما إذا كان له طالب (2).
ه‍: لو وجد في دار مستأجرة، فإن وجده المالك يستعرف المستأجر،
لموثقة ابن عمار (3)، لأنه أهل المنزل عرفا، فإن لم يعرفه فهو له.
وإن وجده المستأجر يعرف المالك، لفحوى ما دل على التعريف في
المبتاعة.
ولو وجده غيرهما يعرف المستأجر، لما مر، بل المالك أيضا، لأنه أيضا
أهل للمنزل، فيرده إلى من يعرف منهما، ولو لم يعرف أحدهما فيكون له.
هذا حكم المسألة من حيث إن المال كنز.
وأما لو ادعى كل من المالك والمستأجر الملكية السابقة، فهي دعوى

(1) بدل ما بين القوسين في (س): عن الطالب للعلامة، في (ق) و (ج): عن
الطالب لعلامة، والأنسب ما أثبتناه.
(2) راجع ص: 18.
(3) المتقدمة في ص: 23.
26

كسائر الدعاوي، ولا مدخلية للوجدان حينئذ.
فقيل: يقدم قول المالك (1)، ليده السابقة.
وقيل: قول المستأجر (2)، ليده الحالية، وموافقة الظاهر، لأن الظاهر
عدم إجارة الملك مع الدفين، ولأصالة تأخر الدفن.
وتضعف اليد: بعدم معلومية ثبوت حكم اليد للمال المدفون تحت
أرض شخص لذلك الشخص ما لم يثبت تصرف آخر له فيه، وعلى الظاهر
منعه كليا، إذ قد يكون المال مدفونا في أعماق الأرض ومدة الإجارة قليلة،
سيما إذا أجره المالك لسفر.
وأصل التأخر: بأنه قد تكون الدعوى بعد زمان الإجارة وتصرف
المالك، أو يدعي المالك الدفن في زمان الإجارة مع تردده في الدار كثيرا.
ومقام تحقيق المسألة كتاب القضاء.
البحث الثاني
يجب في الكنز الخمس بلا خلاف يعرف، بل ادعى عليه جماعة
الاجماع (3).
ويدل عليه الأصل المتقدم، وخصوص المستفيضة، كصحيحتي
الحلبي: عن الكنز كم فيه؟ قال: (الخمس) (4).
وصحيحة البزنطي: عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال:

(1) المبسوط 1: 237.
(2) الخلاف 2: 123.
(3) كالشيخ في الخلاف 2: 121، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569،
والعلامة في التذكرة 1: 252.
(4) الكافي 1: 546 / 19، الفقيه 2: 21 / 73، التهذيب 4: 121 / 346، الوسائل
9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 1.
27

(ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس) (1).
ووصية النبي المروية في الفقيه والخصال: (إن عبد المطلب سن في
الجاهلية خمس سنن أجراها الله تعالى في الاسلام) إلى أن قال: (ووجد
كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به، فأنزل الله سبحانه: (واعلموا أنما
غنمتم من شئ) الآية) (2).
فرع: ظاهر إطلاق جماعة وصريح المحكي عن الاقتصاد والوسيلة
والتحرير والمنتهى والتذكرة والبيان والدروس (3): عدم الفرق في وجوب
الخمس بين أنواع الكنز من ذهب وفضة وجوهر وصفر ونحاس وغيرها،
لعموم الأخبار (4).
وظاهر الشيخ في النهاية والمبسوط والجمل والحلي في السرائر وابن
سعيد في الجامع (5): الاختصاص بكنوز الذهب والفضة، ونسبه بعض من
تأخر إلى ظاهر الأكثر.
وهو الأظهر، لمفهوم صحيحة البزنطي المتقدمة.
وحمل: (مثله) فيها على الأعم من العين والقيمة تجوز لا دليل عليه.
وبه يخصص عموم الأخبار، مع أنه قد يتأمل في إطلاق الكنز على غير
الذهب والفضة أيضا.

(1) الفقيه 2: 21 / 75، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.
(2) الفقيه 4: 264 / 723، الخصال: 312 / 90، الوسائل 9: 496 أبواب ما يجب
فيه الخمس ب 5 ح 3.
(3) الإقتصاد: 283، الوسيلة: 136، التحرير 1: 73، المنتهى 1: 547، التذكرة
1: 252، البيان: 344، الدروس 1: 260.
(4) الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5.
(5) النهاية: 198، المبسوط 1: 236، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 207،
السرائر 1: 486، الجامع: 148.
28

القسم الرابع
ما يخرج من البحر
ووجوب الخمس فيه إجماعي، وعليه دعواه في الانتصار والغنية
والمنتهى (1)، وغيرها (2).
ويدل عليه - مع الأصل المتقدم - خصوص المستفيضة، ففي صحيحة
الحلبي: عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال: (عليه الخمس) (3)، ومرسلتي
حماد وأحمد المتقدمتين في الغنائم (4)، ورواية محمد بن علي الآتية (5) في
نصاب المعادن (6).
وصحيحة ابن أبي عمير المروية في الخصال: (فيما يخرج من
المعادن (7)، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف
صاحبه، والكنوز: الخمس) (8).
والظاهر جريان الحكم في كل ما يخرج من البحر بالغوص ولو كان
حيوانا، كما حكاه في البيان عن بعض من عاصره (9)، لاطلاق المرسلتين

(1) الإنتصار: 86، الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 547.
(2) كالمعتبر 1: 292.
(3) الكافي 1: 548 / 28، التهذيب 4: 121 / 346، الوسائل 9: 498 أبواب ما
يجب فيه الخمس ب 7 ح 1.
(4) راجع ص: 9 و 12.
(5) في ص: 53.
(6) في (ق) زيادة: في بعض الكتب.
(7) في (ح) زيادة: في بعض الكتب.
(8) الخصال: 290 / 51، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6،
وفيهما: عن عمار بن مروان.
(9) البيان: 345 و 346.
29

ورواية الخصال.
وفي المدارك وعن المعتبر: عدم تعلق الحكم بالحيوان إلا من باب
الأرباح والفوائد، لاختصاص الرواية المعتبرة (1) بغوص اللؤلؤ (2). وهو ممنوع.
وتظهر الفائدة في اعتبار مؤنة السنة، فلا يعتبر على ما ذكرناه.
نعم، الظاهر عدم اعتبار النصاب في مثل الحيوان، لاختصاص روايته
بغوص اللؤلؤ.
و (3) لو أخذ منه شئ من غير غوص فلا شك في وجوب الخمس
فيه.
وهل هو من جهة الاخراج من البحر، كما استقربه الشهيدان (4)؟
لاطلاق روايتي محمد بن علي والخصال، وتضعيفهما ضعيف، مع أن
الأولى صحت عمن أجمعوا على صحة ما صح عنه وعمن لا يروي إلا عن
ثقة، والثانية صحيحة.
أو من جهة الأرباح، كما في الشرائع (5)؟
الظاهر: الثاني، لمعارضة الاطلاق مع الحصر المستفاد من المرسلتين
بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.
كما لا يجب من هذه الجهة فيما يوجد مطروحا في الساحل، للأصل.
وتوهم دخوله فيما يخرج مدفوع باحتمال كونه بصفة المجهول، فتأمل.

(1) وهي صحيحة الحلبي المتقدمة في ص 27.
(2) المدارك 5: 376، المعتبر 2: 622.
(3) في النسخ: أو، والأنسب ما أثبتناه.
(4) الشهيد الأول في البيان: 345، والشهيد الثاني في المسالك 1: 67، حيث
ألحق ما يخرج من داخل الماء بالة مع عدم دخول المخرج بالغوص.
(5) الشرائع 1: 180.
30

القسم الخامس
أرباح التجارات، والزراعات، والغرس، والضرع، والصناعات،
وجميع أنواع الاكتسابات من الصيد، والاحتطاب، والاحتشاش،
والاستقاء، وغير ذلك.
ووجوب الخمس في هذا النوع هو المشهور بين الأصحاب، وعن
الخلاف والانتصار والتبيان ومجمع البيان والغنية والمنتهى والتذكرة
والشهيد: الاجماع عليه (1).. بل الظاهر إجماعيته في الجملة، لعدم وجود
مخالف صريح، إلا ما حكي عن القديمين أنهما قالا بالعفو عن هذا
النوع (2)، وفي استفادته من كلامهما خفاء، بل ظاهره التوقف.
وكيف كان، فلا ينبغي الريب في وجوبه فيه، للأصل المتقدم في
المسألة الأولى، وخصوص الروايات الواردة في بعض أنواع هذا القسم:
كرواية ابن الصلت: ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى في
أرض قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه
القطيعة؟ فكتب: (يجب عليك فيه الخمس) (3).
ورواية النيشابوري: عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر

(1) الخلاف 2: 116، الإنتصار: 86، التبيان 5: 123، مجمع البيان 2: 544،
الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 548، التذكرة 1: 253، والشهيد
في البيان: 348.
(2) حكاه عنهما في البيان: 348، وهما العماني والإسكافي.
(3) التهذيب 4: 139 / 394، الوسائل 9: 504 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8
ح 9. والأجمة: الشجر الملتف - مجمع البحرين 6: 6.
31

ما يزكى، وأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة
ثلاثون كرا، وبقي في يده ستون كرا، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل
يجب لأصحابه من ذلك عليه شئ؟ فوقع عليه السلام: (لي منه الخمس مما
يفضل عن مؤنته) (1).
ورواية علي بن مهزيار: أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت
مواليك ذلك، فقال بعضهم: أي شئ حقه؟ فلم أدر ما أجيبه، فقال:
(يجب عليهم الخمس)، فقلت: من أي شئ؟ فقال: (في أمتعتهم
وضياعهم)، قلت: فالتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال: (ذلك إذا أمكنهم بعد
مؤنتهم) (2).
وفي الرضوي: (إن الخمس على الخياط من إبرته، والصانع من
صناعته (3)، فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه الخمس) (4).
إلى غير ذلك من المستفيضة (5)، بل المتواترة كما عن التذكرة (6).
ودلالة بعضها على اختصاص بعض أنواع الخمس بالإمام - وهو
حكم غير معروف، فتوهن به الرواية - مدفوع بمنع الدلالة أولا، ومنع
مخالفة الاجماع ثانيا كما يأتي.
ولا يضر اقتصار بعض كلمات القوم في ذلك القسم ببعض أنواعه

(1) التهذيب 4: 16 / 39، الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.
(2) التهذيب 4: 123 / 353، الإستبصار 2: 55 / 182، الوسائل 9: 500 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3، بتفاوت يسير.
(3) في (ق): والصائغ من صياغته.
(4) فقه الرضا (ع): 294، المستدرك 7: 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6
ح 1.
(5) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
(6) التذكرة: 253.
32

- كمجرد الأرباح أو مع الغلات أو مع الصنائع - لأنه إما من باب التمثيل، أو
عدم الالتفات إلى التعميم.
تتميم: مورد الخمس في ذلك القسم: الأرباح والمنافع، وبعبارة
أخرى: الفوائد المكتسبة غير الأربعة المتقدمة، والمراد بها جميع مداخل
الشخص ومنافعه الحاصلة من الأملاك والأراضي والأشجار والبساتين
والمستقلات، ومن المواشي، ومن الشغل والعمل، ومن التجارة والزراعة
والغرس والصناعة والاستئجار والصيد.
وبالجملة: كل فائدة ومنفعة حاصلة من الاكتساب عرفا، ومنها: نماء
الشجر المغروس للنماء، ونتاج الحيوان المستفاد بالقصد، ونمو الحيوانات
والأشجار كذلك، بخلاف ما لم يستفده المالك، كحيوان غائب حصل له
ولد، أو أمة حصل لها حمل ولم يعلم به المولى.
وزيادة القيمة السوقية قبل البيع ليست فائدة مكتسبة، كما ذكره في
المنتهى والتحرير (1)، لعدم حصول زيادة له بعد، والزيادة إنما هي فرضية،
أي لو باع السلعة تحصل له الفائدة، ولاستصحاب عدم وجوب الخمس
فيه.
نعم، لو باعه بنقد أو جنس وجب الخمس في القدر الزائد ولو كان
الجنس المأخوذ بإزاء القيمة أيضا مما زادت قيمته، لصدق حصول الفائدة.
ومنهم من أوجب في زيادة القيمة أيضا، كما حكي في الذخيرة (2).
وليس بشئ.
ومنه يعلم عدم كفاية ظهور الربح في أمتعة التجارة، بل يحتاج إلى

(1) المنتهى 1: 548، التحرير 1: 74.
(2) الذخيرة: 484.
33

الانقباض والبيع.
المسألة الثالثة: اعلم أنه كما يجب الخمس في الفوائد المكتسبة
بأقسامها الخمسة، قالوا: يجب في موضعين آخرين أيضا:
الأول: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.
ووجوب الخمس فيها مذهب الشيخ (1) وأتباعه (2)، وهو المشهور بين
المتأخرين (3)، وعن الغنية والمنتهى: الاجماع عليه (4).
وهو كذلك، لصحيحة الحذاء: (أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا
فعليه الخمس) (5).
خلافا لظاهر كثير من القدماء، حيث لم يذكروا هذا النوع، ومال إليه
الشهيد الثاني في بعض فوائده.
لتضعيف الرواية. وهو ضعيف.
أو لمعارضتها مع ما مر من الأخبار الحاصرة للخمس في خمسة، أو
في الغنائم خاصة.
ويضعف بأن التعارض بالعموم والخصوص المطلق، فيقدم الخاص،
فلا إشكال في المسألة، وإن كان إشكال ففي مصرف هذا الخمس.
والأظهر - موافقا لظاهر الأصحاب - أنه كسائر الأخماس، لمرسلتي

(1) المبسوط 1: 237.
(2) كابن البراج في المهذب 1: 177، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية):
569، وابن حمزة في الوسيلة: 137.
(3) كالشهيد في الدروس 1: 259، وصاحب المدارك 5: 386، وصاحب الحدائق
12: 359.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 569، المنتهى 1: 549.
(5) الفقيه 2: 22 / 81، التهذيب 4: 123 / 355، الوسائل 9: 505 أبواب ما
يجب فيه الخمس ب 9 ح 1.
34

أحمد (1) وحماد (2) الآتيتين في بيان مصرف السائر، وللاجماع المركب.
خلافا لجماعة من متأخري المتأخرين (3)، فجوزوا أن يكون المراد
تضعيف العشر على الذمي إذا كانت الأراضي عشرية كما هو مذهب مالك.
وهو بعيد، مع أنه لم يقل به أحد من أصحابنا الإمامية، ولا يوافقه
عموم الأرض في الرواية (4)، ويأتي بيانه.
ولا فرق في الأرض بين أرض السكنى والزراعة والبستان والعقار،
وفاقا لظاهر عبارات جماعة (5)، وتصريح بعضهم منه الروضة (6)، لاطلاق
الرواية.
وعن المعتبر والمنتهى: التخصيص بأرض الزراعة (7)، واستجوده
بعض المتأخرين (8)، استنادا إلى أنها المتبادر. وفيه منع ظاهر.
ومورد الخبر - كما عرفت - الشراء، كما وقع التعبير به في كثير من
كلمات الأصحاب، وظاهر جملة من عباراتهم ترتب الحكم على مجرد
الانتقال كيف ما كان، صرح به في البيان والروضة (9)، والوقوف على مورد

(1) التهذيب 4: 139 / 393، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 9
ح 1.
(2) الكافي 1: 539 / 4، الوسائل 9: 487 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 4.
(3) منهم صاحب المدارك 5: 386، وصاحب الذخيرة 1: 484، والكاشاني في
المفاتيح 1: 226.
(4) أي في صحيحة الحذاء المتقدمة في ص: 32.
(5) كما في البيان: 346، والمسالك 1: 67، والرياض 1: 295، وغنائم الأيام:
371.
(6) الروضة 2: 72.
(7) المعتبر 2: 624، المنتهى 1: 549.
(8) كصاحب المدارك 5: 386.
(9) البيان: 346، الروضة 2: 72.
35

النص في الحكم المخالف للأصل يقوي الأول، فلا خمس فيما انتقل بهبة
أو صلح أو نحوهما.
ولو كانت الأرض مشغولة بشجر أو بناء فالخمس واجب في الأرض
لا فيهما، للأصل.
ثم المأخوذ هو خمس رقبة الأرض، لأنه حقيقة خمس الشئ.
وبعد أخذه يتخير الحاكم بين بيعه مع المصلحة وتقسيم ثمنه بين
أرباب الخمس، وبين إعطاء الرقبة لأربابه، فإن باعه من المسلم فهو، وإن
باعه من الذمي يأخذ خمس المبيع، وإن باع هذا الخمس أيضا يأخذ
خمسه وهكذا.
وإن أعطى الرقبة، فرب الخمس يتخير بين البيع - فإن باعه من الذمي
يؤخذ الخمس أيضا - وبين التصرف فيه بالإجارة ونحوها، فإن أجره وكانت
الأرض مشغولة ببناء أو شجر يأخذ أجرة الأرض المشغولة أبدا بحيث لم
يقدر ربها على الإزالة، ويحتمل أخذ أجرة الأرض بياضا وإن كانت
مشغولة.
وأما أخذ قيمة خمس الأرض من غير نفع (1) كما يتداول في هذه
الأزمان فلم يذكره أحد من العلماء، ولا دليل عليه، كما لا دليل على ما
ذكره جماعة من التخيير بين أخذ الأرض أو ارتفاعها وأجرتها في كل سنة.
ولو نقل الذمي الأرض إلى غيره قبل أخذ الخمس لم يسقط الخمس،
بل لا يصح النقل في قدره، ويكون للمشتري الخيار إن كان النقل بالبيع،
وكذا لا يسقط لو فسخ الذمي البيع، ولو كان ذلك بخيار لأحدهما يشكل
الحكم. ويحتمل انتقال الخمس أيضا متزلزلا.

(1) في (س): بيع....
36

ولو أخذ المبيع من الذمي بشفعة فالظاهر تقسيط الثمن أخماسا.
الثاني: المال المختلط.
وهو على أربعة أقسام، لأنه إما لا يعرف قدر الحرام - بالنسبة إلى
الجميع لا تفصيلا ولا إجمالا - ولا صاحبه، أو يعرفان معا، أو يعرف الأول
خاصة، أو الثاني كذلك.
فإن كان الأول فيجب إخراج خمسه ويطهر الباقي على الأشهر
كما صرح به جمع ممن تأخر (1)، بل عن الغنية الاجماع عليه (2)،
للمستفيضة، منها: صحيحة ابن أبي عمير المروية في الخصال، المتقدمة
في الغوص (3).
ورواية الحسن بن زياد: إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه،
فقال له: (أخرج الخمس من ذلك المال، فإن الله عز وجل قد رضي من
المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم) (4).
ومرسلة الفقيه: أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال: (ائتني
بخمسه) فأتاه بخمسه، فقال: (هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه) (5).
ورواية السكوني: (إني اكتسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا
وحراما، وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط علي،

(1) كالمحقق في المعتبر 2: 624، والعلامة في المنتهى 1: 548، والكاشاني في
المفاتيح 1: 226.
(2) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(3) الخصال: 291 / 53، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7.
(4) التهذيب 4: 124 / 358، الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10
ح 1.
(5) الفقيه 2: 22 / 83، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10 ح 3.
37

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: تصدق بخمس مالك، فإن الله رضي من الأشياء
بالخمس، وسائر المال لك) (1).
وموثقة الساباطي: عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال: (لا، إلا
أن لا يقدر على شئ ولا يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل
فصار في يده شئ فليبعث بخمسه إلى أهل البيت) (2).
قيل: وقصور سند بعضها - إن كان - فبما مر منجبر (3).
وقال جمهور من أوجبه: إن مصرف هذا الخمس أيضا مصرف سائر
الأخماس المتقدمة، ونسبه في البيان إلى ظاهر الأصحاب (4)، لما مر من
الاجماع المركب، وللمرسلتين الآتيتين (5).
مضافا إلى انضمام الصحيحة المروية في الخصال (6)، حيث إن خمس
سائر ما ذكر فيها يصرف إلى الذرية الطيبة قطعا.
وإلى التعليل بأن الله تعالى رضي من الأموال، إلى آخره، إذ لا خمس
رضي الله به إلا ما يكون مصرفه الذرية.

(1) الكافي 5: 125 / 5، التهذيب 6: 368 / 1065، الوسائل 9: 506 أبواب ما
يجب فيه الخمس ب 10 ح 4.
(2) التهذيب 6: 330 / 915، الوسائل 9: 506 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10
ح 2، بتفاوت يسير.
(3) كما في الرياض 1: 295.
(4) البيان: 348.
(5) الأولى في: التهذيب 4: 128 / 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس
ب 1 ح 8.
الثانية في: التهذيب 4: 126 / 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس
ب 1 ح 9.
(6) الخصال: 290 / 51، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 6.
38

وإلى الأمر بإتيان الخمس إليه عليه السلام في المرسلة، وبالبعث إلى أهل
البيت في الموثقة (1).
ولا ينافيه لفظ التصدق في الرواية (2)، لجواز استعماله في إخراج
الخمس أيضا، بل قيل بشيوعه (3)، مع أن منافاته إنما هو لو قلنا بحرمة كل
تصدق واجب على الذرية، وهي ليست كذلك، بل تختص بالزكاة.
خلافا في الأول للمحكي عن جماعة من القدماء - كالقديمين والمفيد
والديلمي - فلم يوجبوا ذلك الخمس (4)، وهو ظاهر المدارك والذخيرة (5)،
وبعض الأجلة (6)، للأصل، وضعف الروايات.
وفي الثاني لجمع من متأخري المتأخرين، فقالوا: إن مصرف ذلك
الخمس الفقراء (7).
أقول: أما الخمس بالمعنى المعهود فالظاهر عدم ثبوته، لأن الأصل
ينفيه، والروايات المذكورة غير ناهضة لاثباته..
أما رواية الخصال، فلأن الرواية على النحو المذكور إنما هو ما نقله
عنه بعض المتأخرين (8)..
وقال بعض مشايخنا المحققين: وذكر الصدوق في الخصال - في باب
ما يجب فيه الخمس - رواية كالصحيحة إلى ابن أبي عمير، عن غير واحد،

(1) وهما مرسلة الفقيه وموثقة الساباطي المتقدمتين في ص: 35.
(2) وهي رواية السكوني المتقدمة في ص: 35.
(3) كما في الرياض 1: 295.
(4) حكاه عنهم في المختلف: 203.
(5) المدارك 5: 388، والذخيرة: 484.
(6) كالكاشاني في المفاتيح 1: 227.
(7) كصاحب المدارك 5: 388، وصاحب الذخيرة: 484.
(8) كما في الحدائق 12: 364.
39

عن الصادق عليه السلام، قال: (الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز،
والمعادن، والغوص، والغنيمة) ونسي ابن أبي عمير الخامس (1).
وقال مصنف هذا الكتاب: الخامس الذي نسيه: مال يرثه الرجل،
وهو يعلم أن فيه من الحلال والحرام، ولا يعرف أصحاب الحرام فيؤديه
إليهم، ولا يعرف الحرام بجنسه، فيخرج منه الخمس (2). انتهى.
وأنا تفحصت الخصال فوجدت الرواية فيه في باب ما فيه الخمس
من بعض نسخه هكذا: (الخمس في المعادن والبحر والكنوز)، ولم أجد
الرواية بالطريقين المذكورين فيه مع التفحص عن أكثر أبوابه، وفي بعض
آخر كما نقله بعض مشايخنا، ولعل نسخ الكتاب مختلفة، ومع ذلك لا
تبقى فيه حجة، مضافا إلى عدم صراحتها في الوجوب.
وأما الموثقة (3)، فلعدم دلالتها على أن الخمس للمال المختلط
بالحرام، فإن الشئ فيه مطلق شامل للحلال محضا والحرام كذلك،
والمشتبه، والحرام والحلال المختلطين، فالحمل على الأخير لا وجه له،
بل الظاهر أنه من باب خمس المكاسب.
وأما النهي عن عمل السلطان، فهو لأجل عمله لا لحرمة ما يأخذ،
فمراده عليه السلام: أنه لا تدخل في عمل السلطان، وإن اضطررت إليه ودخلت
واكتسبت مالا فأد خمسنا.
مع أن أكثر ما يستفاد من عملهم الغنائم التي يجب أداء خمسها إلى
الإمام، أو من مكاسبهم التي لا يؤدون خمسها، فيمكن أن يكون ذلك وجه

(1) الخصال 1: 291 / 53، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 7.
(2) انظر غنائم الأيام: 373.
(3) المتقدمة في ص: 35.
40

الأمر بأداء الخمس.
ونحوها المرسلة (1) أيضا، إذ ليس فيها ما يشعر بالاختلاط إلا
الاغماض.
ويحتمل أن يكون المراد بالاغماض: الاغماض عن أداء خمسه، أو
الاغماض عن حليته وحرمته، فيكون مشتبها، وعلى التقديرين يكون
خمسه من باب المكاسب، ولا أقل من الاحتمال المخل بالاستدلال.
بل وكذا رواية السكوني (2)، حيث إن الموجود في النسخ المصححة
التي رأيت من بعض كتب الحديث: (في مطالبه حلال وحرام).
وعلى هذا، فيمكن أن يكون متعلق الاغماض محذوفا، ويكون: (في
مطالبه) متعلقا بقوله: (حلال وحرام)، أي اكتسبت مالا وأغمضت، وفي
مظان طلبه حلال وحرام، ولم أدر الحلال من الحرام في المطالب، فاشتبه
لأجله ما اكتسبته، فأمر عليه السلام بأداء خمس المكتسب.
بل يجري هذا الاحتمال على ما في أكثر نسخ كتب الفقه وبعض نسخ
الحديث المصححة أيضا من نصب الحلال والحرام، فيمكن كونهما حالين
من المطالب.
بل يمكن إرادة ذلك المعنى من رواية الحسن (3) أيضا، بأن يكون
المراد من قوله: لا أعرف حلاله من حرامه، أي حليته من حرمته.
ولكن الحق أن ذلك الاحتمال فيهما خلاف الظاهر، إلا أنه يرد
عليهما احتمال أن يكون المال الحرام المختلط بالحلال الغير المتميز عينه

(1) المتقدمة في ص: 37.
(2) المتقدمة في ص: 37.
(3) المتقدمة في ص: 37.
41

ولا المعروف صاحبه حلالا، كما نقل المحقق الأردبيلي في كتاب الصيد
والذباحة من شرحه قولا به.
وتدل عليه المستفيضة من الروايات، كموثقة سماعة: (إن كان خلط
الحلال بالحرام فاختلطا جميعا فلا يعرف الحلال من الحرام فلا بأس) (1).
وصحيحة ابن سنان: (كل شئ فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا
حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه) (2).
وفي صحيحة الحذاء: (لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه) (3).
وصحيحة أبي بصير: عن شراء السرقة والخيانة، فقال: (لا، إلا أن
يكون قد اختلط معه غيره، فأما السرقة بعينها فلا) (4).
ورواية جراح: (لا يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت) (5).
وفي صحيحة الحلبي: (لو أن رجلا ورث من أبيه مالا وقد عرف أن
في ذلك المال ربا ولكن اختلط في التجارة بغيره حلالا كان حلالا طيبا
فليأكله، وإن عرف منه شيئا معزولا أنه ربا فليأخذ رأس ماله وليرد الربا) (6).
وفي صحيحة أخرى له: إني ورثت مالا، وقد علمت أن صاحبه الذي

(1) الكافي 5: 126 / 9، الوسائل 17: 88 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 2.
(2) الكافي 5: 313 / 39، الفقيه 3: 216 / 1002، التهذيب 9: 79 / 337،
مستطرفات السرائر: 84 / 27، الوسائل 17: 87 أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1.
(3) الكافي 5: 228 / 2، التهذيب 6: 375 / 1094، الوسائل 17: 219 أبواب ما
يكتسب به ب 52 ح 5.
(4) الكافي 5: 228 / 1، التهذيب 6: 374 / 1088، الوسائل 17: 335 أبواب ما
يكتسب به ب 1 ح 4.
(5) الكافي 5: 228 / 4، التهذيب 6: 374 / 1089، الوسائل 17: 336 أبواب ما
يكتسب به ب 1 ح 7.
(6) الكافي 5: 145 / 4، الفقيه 3: 175 / 787، التهذيب 7: 16 / 69، الوسائل
18: 129 أبواب الربا ب 5 ح 2.
42

ورثت منه قد كان يربي، وقد أعرف أن فيه ربا واستيقن ذلك، وليس يطيب
لي حلاله لحال علمي فيه - إلى أن قال - فقال أبو جعفر عليه السلام: (إن كنت
تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوى
ذلك، وإن كان مختلطا فكله هنيئا، فإن المال مالك) (1)، ونحوها في رواية
أبي الربيع الشامي (2)، إلى غير ذلك.
وعلى هذا، فيمكن أن يكون الخمس المأمور به في الروايتين (3):
خمس المكاسب، ويكون المال حلالا وإن كان قدره أيضا معلوما تفصيلا
أو إجمالا ما لم تعرف عينه.
ولا استبعاد فيه، فإن من له تحليله للفقراء أو بعد التخميس، له
تحليله لصاحب المال الحلال أيضا.
إلا أن بإزاء تلك الروايات روايات أخر دالة على الاجتناب عن
الجميع، كصحيحة ضريس: (أما ما علمت أنه قد خلطه الحرام فلا
تأكل) (4)، وخصوصية المورد بالسمن والجبن لا يخصص عموم الجواب.
ورواية إسحاق بن عمار: (يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا) (5).
وفي رواية عبد الله بن سليمان: (كل شئ لك حلال حتى يجيئك
شاهدان يشهدان عندك بأن فيه الميتة) (6).

(1) الكافي 5: 145 / 5، الفقيه 3: 175 / 789، التهذيب 7: 16 / 70، الوسائل
18: 129 أبواب الربا ب 5 ح 3.
(2) الكافي 5: 146 / 9، الوسائل 18: 130 أبواب الربا ب 5 ح 4.
(3) وهما روايتا الحسن بن زياد والسكوني، المتقدمتان في ص: 35.
(4) التهذيب 9: 79 / 336، الوسائل 24: 235 أبواب الأطعمة المعرفة ب 64 ح 1.
(5) الكافي 5: 228 / 3، التهذيب 6: 375 / 1093، الوسائل 17: 221 أبواب ما
يكتسب به ب 53 ح 2.
(6) الكافي 6: 339 / 2، الوسائل 25: 118 أبواب الأطعمة المباحة ب 61 ح 2.
43

وجه دلالة الجميع واضح، ومع التعارض يرجع إلى استصحاب حرمة
مال الغير المعلوم وجوده في المختلط قطعا، وعمومات حرمة مال الغير.
نعم، يرد عليهما أن الروايتين (1) تعارضان مع ما مر من الأخبار الدالة
على أنه لا خمس إلا في خمسة (2)، وأنه ليس الخمس إلا في الغنائم
خاصة، ولولا ترجيح الأخيرة بالأكثرية والأصحية ليتساويان، فيرجع إلى
أصل البراءة.
ولكن هذا إذا كان الكلام في الخمس المعهود، وأما مطلق الخمس
فلا تعارض بين ما ذكر وبين الروايتين، لأن الخمس المنفي في ما ذكر
هو الخمس المعهود كما لا يخفى، إذ لا معنى لنفي مطلق الخمس، ومدلول
الروايتين وجوب إخراج خمس المال المختلط، ولا ينافي ذلك عدم
وجوب الخمس المعهود.
ولا يتوهم أن الخمس في الجميع لا بد أن يكون بمعنى واحد، إذ
الخمس الذي ينصرف إلى المعهود هو الخمس المطلق، كما في الروايات
الحاصرة.
وأما المنسوب إلى المال - كالخمس من ذلك، أو خمس مالك، كما
في الروايتين - فلا ينصرف إليه.
مضافا إلى أن الخمس في الروايات الحاصرة من كلام الصادق أو
الكاظم عليهما السلام، وحصول الحقيقة الشرعية للخمس في زمانهما هو الأظهر،
وفي الروايتين من كلام الأمير عليه السلام، ولم تعلم فيه الحقيقة الشرعية له،
فيجب حمله على المعنى اللغوي.

(1) وهما روايتا الحسن بن زياد والسكوني المتقدمتان في ص: 35.
(2) الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.
44

فالحق: وجوب إخراج الخمس من ذلك المال، ولعدم تعين المخرج
إليه يخرج إلى الفقراء من الشيعة، والأحوط صرفه إلى الفقراء من السادة.
هذا، ثم إن المثبتين للخمس في ذلك المال بأحد المعنيين قسموا
المال إلى أربعة أقسام: مجهول القدر والمالك، ومعلومهما، ومجهول القدر
معلوم المالك، وبالعكس. وقالوا باختصاص وجوب الخمس وكفايته
بالقسم الأول.
أقول: وهو كذلك. وبيانه: أنه لا شك أن مورد ذلك الخمس في
المال المختلط يجب أن يكون مورد الروايتين، وهو ما لا يعرف الحلال منه
والحرام، وهو المراد بمجهول القدر.
وذلك المعنى يتحقق عرفا في المثليات بالجهل بالمقدار المعتبر فيه
من الوزن أو الكيل أو العد.
وفي القيميات بالجهل بالنسبة إلى المجموع إن كان الاختلاط
بالإشاعة - كالمال المشترك بين شخص وبين من غصب منه إذا لم يعلم قدر
حصة الشريك - وبالجهل بالعين إن لم يكن بالإشاعة، لصدق عدم معرفة
الحلال من الحرام عرفا به.
والظاهر أنه لا تفيد (1) المعرفة الاجمالية - كما لو علم أنه لا يزيد عن
المقدار الفلاني مع احتمال النقص، أو لا ينقص مع احتمال الزيادة، أو
يزيد عنه أو ينقص مع عدم العلم بالقدر الزائد أو الناقص - إلا إذا كان القدر
المجهول زيادته أو نقصه قدرا لا يعبأ به بالنسبة إلى المال، لصدق عدم
معرفة الحلال من الحرام عرفا، وعدم كفاية المعرفة الاجمالية في صدق
المعرفة المطلقة.

(1) في (س): لا يقصد....
45

مع أنه لو اعتبر عدم المعرفة الاجمالية أيضا لم يتحقق مورد لذلك
الخمس أصلا، إذ يعلم في كل مورد اجتمع فيه الحلال والحرام القدر الذي
لا أقل من كل منهما، وكذا القدر الذي لا يزيد عنه.
فإن قيل: فيلزم وجوب الخمس في صورة العلم بأنه لا يزيد عن
العشر مثلا وإن احتمل النقص، أو العلم بأنه لا ينقص عن الربع مع احتمال
الزيادة، فيلزم إيجاب الزائد عن الحرام في الأول، وإبقاء الحرام في الثاني.
قلنا: لا ضير في اللازم، لجواز أن يكون إيجاب الزائد في الأول
لتحليل العين المخلوطة، فإن بإخراج العشر المعلوم لا يحصل العلم إلا
بإخراج قدر الحرام دون أعيانه الداخلة في المال، مع أنه أيضا يعطى لغير
مالكه، فيمكن أن يكون الزائد لجبر هذين الأمرين.
وكذا يمكن أن يكون إخراج الخمس موجبا لتطهير المال وحليته،
وإن كان فيه شئ حرام مجهول العين والمالك، فلا يضر بقاء الزائد.
فإن قيل: صرحوا باشتراط عدم المعرفة الاجمالية أيضا في وجوب
الخمس.
قلنا: لم يصرح به إلا بعض نادر من المتأخرين (1)، ولا حجية في مثل
ذلك التصريح.
ومن ذلك ثبتت صحة تخصيصهم الخمس بالقسم الأول.
وأما غيره، فإن كان من القسم الثاني فحكمه واضح.
وإن كان من الثالث، يجب رد ما علمت منه الحرمة - أي القدر
المتيقن انتفاؤه عنه - إلى مالكه.
لرواية علي بن أبي حمزة، وفيها: إني كنت في ديوان هؤلاء القوم

(1) كالشهيد في المسالك 1: 67.
46

- يعني بني أمية - فأصبت من دنياهم مالا كثيرا وأغمضت في مطالبه - إلى أن
قال -: قال عليه السلام له: (فأخرج من جميع ما اكتسبت من ديوانهم، فمن
عرفت منهم رددت عليه ماله، ومن لم تعرف تصدقت له) الحديث (1).
ولا يضر عدم صراحة قوله: (رددت) و: (تصدقت) في الوجوب،
بعد صريح الأمر بالخروج عما اكتسب من ديوانهم، فإن وجوبه يستلزم
وجوب الرد والتصدق أيضا.
ولا وجه لحمل الخروج على الاستحباب، بعد جواز حرمة كل ما
اكتسب من الديوان، فإن الظاهر أن المكتسب من الديوان أموال الناس.
ولاطلاق: (رددت عليه ماله) للمختلط بمال حلاله وللمجهول قدره
يدل على حكم المطلوب.
والأحوط: رد القدر الذي تحصل به البراءة.
وأما القول بوجوب الصلح هنا أو إعطاء الخمس للمالك لا دليل (2)
عليه، إلا استدعاء الشغل اليقيني للبراءة اليقينية في الأول، وأخبار (3) إخراج
الخمس في الثاني.
ويضعف الأول: بمنع تيقن الشغل إلا بالأقل.
والثاني: بأن المأمور به هو التصدق بالخمس، ومورد الأخبار: عدم
ظهور المالك.
فإن قيل: بعد اختلاط القدر المتيقن بغيره فلا يفيد إعطاء هذا القدر

(1) الكافي 5: 106 / 4، التهذيب 6: 331 / 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما
يكتسب به ب 47 ح 1.
(2) في (ح) زيادة: تاما
(3) الوسائل 9: 505 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 10..
47

في رفع الاشتغال، إذ ليس له تقسيم المال المشترك، فلا مفر إلا إرضاء
المالك بالصلح.
قلنا. اللازم أن يقول له: هذا القدر مخلوط بمالي، فإن رضي بأخذ
المثل وإلا يرجع إلى الحاكم في التقسيم.
نعم، لا يتم هذا القول في القيميات الغير المشاعة، إذ لا قدر متيقنا
فيه. والظاهر فيها الرجوع إلى القرعة، لأنها لكل أمر مشتبه.
ولو علم الصاحب إجمالا - أي في جملة قوم - فإن [لم] (1) يمكن
الإحاطة بهم عادة فهو مجهول المالك. وإن كانوا محصورين، ففي وجوب
تحصيل البراءة اليقينية بصلح أو غيره، ولو بدفع أمثال المال إلى الجميع،
أو كونه مجهول المالك، أو الرجوع إلى القرعة، أقوال، أجودها: الأوسط،
سيما مع تكثر الأشخاص، والاحتياط لا ينبغي أن يترك.
وإن كان من الرابع تصدق به.
لا لبعض الأخبار الدالة على التصدق بالمال المتميز المجهول مالكه،
كصحيحة يونس: كنا مرافقين لقوم بمكة وارتحلنا عنهم وحملنا ببعض
متاعهم بغير علم وقد ذهب القوم ولا نعرفهم ولا نعرف أوطانهم وقد بقي
المتاع عندنا، فما نصنع به؟ قال: فقال: (تحملونه حتى تلحقوهم
بالكوفة)، قال يونس: فقلت له: لست أعرفهم ولا ندري كيف نسأل
عنهم؟ قال: فقال: (بعه وأعط ثمنه أصحابك)، قال: فقلت: جعلت فداك
أهل الولاية؟ قال: (نعم) (2)، لاختصاصها بالمال المتميز.

(1) أثبتناها لاقتضاء الكلام.
(2) التهذيب 6: 395 / 1189، الوسائل 25: 450 كتاب اللقطة ب 7 ح 2، بتفاوت
يسير.
48

ولا لرواية نصر بن حبيب: وقد وقعت عندي مائتا درهم وأربعة
دراهم، وأنا صاحب فندق، ومات صاحبها ولم أعرف له ورثة، فرأيك في
إعلامي حالها وما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب: (اعمل فيها
وأخرجها صدقة قليلا قليلا حتى تخرج) (1)، لأنها واردة في حكم من لا
يعرف له ورثة، وماله مال الإمام، لأنه وارث من لا وارث له، ومن لا يعرف
وارثه فالأصل عدم وارث له.
مع أنه مصرح به في رواية محمد بن القاسم: في رجل صار في يده
مال لرجل ميت لا يعرف له وارثا، كيف يصنع بالمال؟ قال: (ما أعرفك
لمن هو؟!) يعني نفسه (2).
ولا تنافيه رواية النصر، لأن للإمام الأمر بتصدق ماله، ولذا لا تنافيه
الأخبار الواردة بأن من لم يكن له وارث يعطى ماله همشهريجه (3).
بل لرواية علي بن أبي حمزة المتقدمة (4)، الشاملة بإطلاقها لما نحن فيه.
ومنه يظهر ضعف ما في الحدائق - بعد نقل القول بتصدق ذلك
القسم -: أن الظاهر أن مستنده الأخبار (5) الدالة على الأمر بالتصدق بالمال

(1) الكافي 7: 153 / 3، وفي التهذيب 9: 389 / 1389، والاستبصار 4:
197 / 740 عن فيض بن حبيب، مع تفاوت يسير في المتن، الوسائل 26: 297
أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6 ح 13.
(2) التهذيب 9: 390 / 1393، الإستبصار 4: 198 / 741، الوسائل 26: 251
أبواب ولا ضمان الجريرة والإمامة ب 3 ح 13.
(3) الوسائل 26: 252 أبواب ولا ضمان الجريرة والإمامة ب 4. وهمشهريجه كلمة
فارسية معربة تعني: أهل بلده.
(4) الكافي 5: 106 / 4، التهذيب 6: 331 / 920، الوسائل 17: 199 أبواب ما
يكتسب به ب 47 ح 1.
(5) الوسائل 26: 296 أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب 6، و ج 17: 199 أبواب
ما يكتسب به ب 47.
49

المجهول المالك.
ولقائل أن يقول: إن موردها إنما هو المال المتميز في حد ذاته
للمالك المفقود الخبر، وإلحاق المال المشترك به - مع كونه مما لا دليل
عليه - قياس مع الفارق، لأن الاشتراك في هذا المال سار في كل درهم
درهم وجز جز منه. فعزل هذا القدر المعلوم - مع كون الشركة شائعة - لا
يوجب استحقاق المال المجهول له حتى يتصدق به، فهذا العزل لا ثمرة
له، بل الاشتراك باق.
إلى أن قال: وبما ذكرنا يظهر أن الأظهر: دخول هذه الصورة تحت
الأخبار المتقدمة، أي إخراج الخمس (1). إنتهى.
فإن رواية ابن أبي حمزة شاملة بل ظاهرة في المال المختلط، مع أن
بعد العلم بالقدر يخرج من تحت أخبار الخمس، فلا وجه لادخاله فيها.
وهل التصدق به وبالمال المتميز المجهول مالكه - كما هو مورد
صحيحة يونس والداخل في عموم رواية ابن أبي حمزة - لأنه مال الفقراء؟
أو لكونه مال الإمام، وهو أمر بالتصدق؟
الظاهر: الثاني، لرواية داود بن أبي يزيد: إني قد أصبت مالا وإني قد
خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلصت منه، قال:
فقال أبو عبد الله عليه السلام: (لو أصبته كنت تدفعه إليه؟) فقال: إي والله، فقال
عليه السلام: (والله ماله صاحب غيري) قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره،
قال: فحلف، قال: (فاذهب فاقسمه في إخوانك، ولك الأمن مما خفت
فيه) قال: فقسمه بين إخوانه (2).

(1) الحدائق 12: 364 - 365.
(2) الكافي 5: 138 / 7، الفقيه 3: 189 / 854، الوسائل 25: 450 كتاب اللقطة ب 7 ح 1.
50

وإطلاق المال وعدم الاستفصال ينافي اختصاصه بكونه من الأموال
المختصة للإمام المفقودة منه. ولا ينافي الأخبار المتضمنة للتصدق مطلقا
لذلك أيضا، لأن له صرف ماله في أي مصرف أراد.
وتدل عليه أيضا الأخبار الآتية في بحث الأنفال من ذلك المبحث،
المصرحة: بأن الأراضي التي جلى أهلها أو باد من الأنفال (1).
فإن قيل: فعلى هذا فلا يثبت من الأخبار المتقدمة وجوب التصدق
به، لأن أمر الإمام أحدا بالتصدق بما عنده من مال الإمام لا يدل على ثبوته
في حق الغير أيضا،. بل ولولا رواية داود أيضا لا يثبت، لأن الأمر بالتصدق
يحتمل أن يكون إذنا منه فلا يفيد جواز التصدق لغير المأمور.
قلنا: نعم، ولكن أمره عليه السلام بالتصدق به حال ظهوره عليه السلام ووجود
مصارف كثيرة له للمال يثبته في حال الغيبة وعدم احتياجه وفاقة مواليه
بالطريق الأولى.. بل لنا إثبات جواز التصدق - بل وجوبه - بالإذن الحاصل
من شاهد الحال أيضا، سيما مع تأيده بتلك الأخبار، وكون حفظه وإبقائه
للإمام - كما جعله أحد الوجهين في نهاية الإحكام (2)، وحكي عن الحلي (3)
- معرضا لفساد المال، وعدم وصوله إلى أهله.
وهل يتوقف التصدق على إذن النائب العام أو مباشرته في زمن
الغيبة، أم لا؟
الظاهر: نعم، إذ الأصل عدم جواز تصرف كل أحد، ولا يثبت من
فحوى أخبار التصدق وشاهد الحال أزيد من ذلك، ولا يحصل العلم

(1) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 1.
(2) الموجود في نهاية الإحكام 2: 525: ولو عرف القدر دون المالك تصدق به أو
احتفظه ودفعه إلى مالكه.
(3) السرائر 1: 488.
51

بالبراءة وجواز التصرف بدونه.
وسيجئ زيادة بيان لذلك في مسألة تقسيم حصة الإمام من الخمس.
فرعان:
أ: حيثما خمس أو تصدق به ثم ظهر المالك، فإن رضي بما فعل
وإلا ففي الضمان وعدمه وجهان، بل قولان، أحوطهما: الأول، وأوفقهما
بالأصل: الثاني، للإذن من الشارع، فلا يستعقب (1) الضمان.
ب: لو كان الحلال الخليط مما يجب فيه الخمس خمسه بعد إخراج
الخمس بحسبه.
المسألة الرابعة: لا يجب الخمس في الميراث، والصداق،
والصدقة، والهبة، ونحوها، على الحق المشهور، بل في السرائر: أنه شئ
لم يذكره أحد من أصحابنا غير أبي الصلاح (2)، لما عرفت من اختصاص
ثبوت الخمس في الفوائد المكتسبة، وصدقها على هذه الأمور غير معلوم.
وتدل عليه أيضا في الجملة رواية ابن مهزيار: رجل دفع إليه مال
يحج به، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس، أو على ما فضل
في يده بعد الحج؟ فكتب عليه السلام: (ليس عليه الخمس) (3).
وإثبات الخمس في بعض الروايات في الجائزة أو الميراث (4) غير
مفيد، لضعف البعض سندا، والكل بمخالفة الشهرة القديمة والجديدة

(1) في (س): فلا يستصحب...
(2) السرائر 1: 490.
(3) الكافي 1: 547 / 22، الوسائل 9: 507 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 11 ح 1.
(4) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
52

والشذوذ.
خلافا للمحكي عن الحلبي (1)، واستحسنه في اللمعة (2)، ويميل إليه
كلام بعض متأخري المتأخرين (3)، لعموم الفوائد. وجوابه قد ظهر.
وكذا لا يجب في الهبة الغير المعوضة، أو المعوضة بشئ يسير
بالنسبة إلى الموهوب، أو بالمصالحة كذلك، لعدم صدق الاكتساب عرفا
وإن عده الفقهاء من المكاسب.
بخلاف ما لو طلب الهبة أو المصالحة، وكان العوض أو مال
المصالحة ما يعتنى بشأنه.

(1) الكافي في الفقه: 170.
(2) اللمعة (الروضة 2): 74.
(3) كصاحب الحدائق 12: 352.
53

المقصد الثاني
في شرائط وجوب الخمس فيما يجب فيه
وهي أمور تذكر في مسائل:
55

المسألة الأولى: لا يشترط بلوغ نصاب في وجوبه في غير الغنائم
والكنز والغوص والمعادن إجماعا، للأصل السالم عن المعارض بالمرة،
والعمومات (1)، والاطلاقات.
وكذا في غنائم دار الحرب، فلا فرق في وجوب الخمس فيها بين قليلها
وكثيرها على الحق المشهور، لما مر.
وعن المفيد: اعتبار بلوغ قيمتها عشرين دينارا (2). والعمومات
تدفعه.
ويشترط في الكنز والغوص بلا خلاف فيهما يعرف، بل في الأول
عند علمائنا، كما عن التذكرة والمنتهى (3)، وبالاجماع، كما عن الخلاف
والغنية (4)، وفي الثاني بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (5).
وفي المعادن على الأقوى، وفاقا للمبسوط والنهاية والوسيلة والمعتبر
والمختلف والتحرير والقواعد والارشاد والتبصرة والبيان والروضة (6)، ومال

(1) الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5.
(2) نقله عنه في المختلف: 203.
(3) التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 549.
(4) الخلاف 2: 121، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(5) كما في المدارك 5: 375، والذخيرة: 479، وغنائم الأيام: 366.
(6) المبسوط 1: 237، النهاية: 197، الوسيلة: 138، المعتبر 2: 293،
المختلف: 203، التحرير 1: 73، القواعد 1: 62، الإرشاد 1: 292، التبصرة:
50، البيان: 342، الروضة 2: 70.
57

إليه في المنتهى والتلخيص والنافع والدروس (1)، وهو مختار عامة
المتأخرين (2)، لظاهر الاجماع في الأولين.
مضافا في الأول إلى صحيحة البزنطي: عما يجب فيه الخمس من
الكنز، فقال: (ما يجب فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس) (3).
وفي الثاني إلى رواية محمد بن علي: عما يخرج من البحر من اللؤلؤ
والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة، ما فيه؟ قال: (إذا بلغ
ثمنه دينارا ففيه الخمس) (4).
ولهذه الرواية في الثالث مضافا إلى صحيحة البزنطي: عما أخرج من
المعدن من قليل أو كثير، هل فيه شئ؟ قال: (ليس فيه شئ حتى يبلغ ما
يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا) (5).
خلافا في الثالث للخلاف والاقتصاد والجمل والسرائر (6) وظاهر الإسكافي
والعماني والمفيد والسيدين والقاضي والديلمي، فلم يعتبروا فيه نصابا (7)،

(1) المنتهى 1: 549، النافع: 63، الدروس 1: 260.
(2) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 217، والأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 295،
والسبزواري في الذخيرة: 478.
(3) الفقيه 2: 21 / 75، الوسائل 9: 495 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 5 ح 2.
(4) الكافي 1: 547، الحجة ب 20 ح 21، وفي الفقيه 2: 21 / 72، والتهذيب 4:
124 / 356، والوسائل 9: 493 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 5 بتفاوت
يسير، المقنعة: 283.
(5) التهذيب 4: 138 / 391، الوسائل 9: 494 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 4
ح 1.
(6) الخلاف 2: 119، الإقتصاد: 283، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 207،
السرائر 1: 489.
(7) حكاه عن الإسكافي والعماني في المختلف: 203، المفيد في المقنعة: 276،
حكاه عن السيد المرتضى في المختلف: 203، وابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 569، القاضي في المهذب 1: 178 - 179، الديلمي في المراسم:
139.
58

ونسبه في الروضة إلى ظاهر الأكثر (1)، وفي الخلاف والسرائر الاجماع
عليه (2)، استنادا إلى ذلك الاجماع، والعمومات (3).
والأول ممنوع، والثاني بوجود المخصص مدفوع.
ثم النصاب في الأول: عشرون دينارا عند علمائنا، كما عن التذكرة
والمنتهى (4)، بل بالاجماع، كما عن الخلاف والغنية (5)، لصحيحة البزنطي
المذكورة أولا.
وتكفي مائتا درهم على الأصح، إذ فيها تجب الزكاة أيضا.
وكذا في الثالث، وفاقا لغير الحلبي من المعتبرين للنصاب (6)،
لصحيحة البزنطي الثانية. ولا تنافيها رواية محمد بن علي، لعدم صراحتها
في الوجوب.
والصحيحة وإن كانت كذلك أيضا إلا أن نفيها للوجوب قطعي، مع
أنه على فرض التنافي يكون العمل على الصحيحة، لضعف الرواية
بالشذوذ، ومخالفة الشهرتين العظيمتين.
خلافا للحلبي، فجعله دينارا، للرواية. وجوابها قد ظهر.
وفي الثاني: دينار على الأشهر الأقوى، بل عليه الاجماع في السرائر

(1) الروضة 2: 71.
(2) الخلاف 2: 119، السرائر 1: 489.
(3) الوسائل 9: 491 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3.
(4) التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 549.
(5) الخلاف 2: 121، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(6) كما في النافع: 63، والمفاتيح 1: 223.
59

والتنقيح والمنتهى (1)، لرواية محمد بن علي المنجبر هنا ضعفها، مضافة إلى
نفي الأقل بالاجماع والأكثر بالعمومات (2).
خلافا للرسالة العزية، فجعله عشرين دينارا (3).
وهو - مع عدم وضوح مستنده - شاذ مخالف لما دل على وجوب
الخمس فيه مطلقا.
فرع: لا يعتبر في نصاب المعدن والغوص الاخراج دفعة، بل لو
أخرج في دفعات متعددة ضم بعضه إلى بعض، واعتبر النصاب من
المجموع وإن تخلل طول الزمان أو الاعراض، وفاقا لصريح جماعة،
كالروضة والمدارك والذخيرة (4)، وظاهر الأكثر (5)، لاطلاق النص.
وخلافا للمنتهى والتحرير (6) في صورة الاعراض، ولعله لعدم انفهام
ما يتخلل بين دفعاته الاعراض من النص، وتبادر ما يخرج دفعة واحدة
عرفية، وهي ما لا يتخلل يتخلل بينها الاعراض. وفيه نظر.
وفي اعتبار اتحاد النوع وجهان احتملهما في البيان (7).
واستجود في الروضة الاعتبار (8)، وكأنه للأصل والشك في دخول
الأنواع المختلفة في الأفراد المتبادرة من الاطلاق.

(1) السرائر 1: 488، التنقيح 1: 338، المنتهى 1: 550.
(2) الوسائل 9: 498 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 7.
(3) نقله عنه في المختلف: 203.
(4) الروضة 2: 71، المدارك 5: 376، الذخيرة: 478.
(5) كما في البيان: 345، ومجمع الفائدة 4: 296.
(6) المنتهى 1: 549، التحرير 1: 74.
(7 البيان: 343.
(8) الروضة 2: 72.
60

واختار في المنتهى والتذكرة والتحرير والمدارك: العدم (1)، لما مر من
إطلاق النص. وهو الأظهر، لذلك، وعدم اعتبار الشك في التبادر، بل
المعتبر العلم بعدم التبادر، وهو ممنوع.
ولو اشترك جماعة في الاستخراج، قالوا: يعتبر بلوغ نصيب كل واحد
النصاب (2).
ويظهر من بعض الأجلة وصاحب الحدائق (3) الميل إلى العدم، بل
يكفي بلوغ نصيب المجموع. وهو قوي، للاطلاق، خرج منه غير صورة
الاشتراك بالاجماع والضرورة، فيبقى الباقي.
المسألة الثانية: يشترط في وجوب الخمس في الفوائد المكتسبة
بأقسامها الخمسة: وضع مؤنة التحصيل التي يحتاج إليها في التوصل إلى
هذه الأمور، من حفظ الغنيمة ونقلها، وأجرة حفر المعدن وإخراجه
وإصلاحه وآلاته، وآلات الغوص أو أرشها، وأجرة الغوص وغير ذلك،
ومؤنة التجارة من الكراية، وأجرة الدلال والمنزل، ومؤنة السفر والعشور
ونحوها، وكذا مؤنة الزراعة والصناعة (4) مما يحتاج إليها حتى آلات
الصناعة (5)، لعدم صدق الفائدة على ما يقابلها، وللأخبار المستفيضة:
كصحيحة البزنطي: الخمس أخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة؟
فكتب: (بعد المؤنة) (6).

(1) المنتهى 1: 550، التذكرة 1: 253، التحرير 1: 73، المدارك 5: 367.
(2) كما في الكفاية: 42.
(3) الحدائق 12: 344.
(4) في (ق): الصياغة.
(5) في (ق): الصياغة.
(6) الكافي 1: 545 / 13، الوسائل 9: 508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 1.
61

وتوقيع الهمداني: (الخمس بعد المؤنة) (1).
ورواية الأشعري: عن الخمس، أعلى جميع ما يستفيد الرجل من
قليل أو كثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب
بخطه: (الخمس بعد المؤنة) (2)، إلى غير ذلك مما يأتي.
والمؤنة وإن كانت مجملة محتملة لمؤنة المعاش، إلا أن عدم حجية
العام المخصص بالمجمل المنفصل في موضع الاجمال يثبت وضع مؤنة
التحصيل والتوصل.
ولا يوجب التصريح بمؤنة الرجل في بعض الأخبار (3) ابتداء أو بعد
السؤال عما اختلف فيه - كما يأتي - تقييد تلك الأخبار أيضا، لأنه لا يدل
على أنها المراد خاصة بالمؤنة في مطلقاتها، ولا على أنه ليس بعد مؤنة
العمل، بل يدل على كونه بعد هذه المؤنة.
وأما مؤنة المعاش فهي غير موضوعة عن غير القسم الخامس إجماعا.
ولا يحتسب رأس مال التجارة ولا ثمن الضيعة من تلك المؤنة،
لصدق الفائدة على النماء من دون وضعهما، ولعدم صدق المؤنة عليهما،
بل الظاهر أن المؤنة في ذلك المقام ما يحتاج إليه العمل مما لا يبقى عينه أو
عوضه، فالمؤنة في آلات الحفر والغوص والحرث والثور وآلات الصناعة (4)
مما تبقى أعيانها ما طرأها لأجل العمل من نقص القيمة لا من الجميع، إلا
أن يكون شئ منها داخلا في مؤنة الرجل أيضا - كما هو المحتمل في

(1) الفقيه 2: 22 / 80، الوسائل 9: 508 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 12 ح 2.
(2) التهذيب 4: 123 / 352، الإستبصار 2: 55 / 181، الوسائل 9: 499 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 1.
(3) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
(4) في (س) و (ق): الصياغة.
62

آلات الصناعة (1) - فيوضع عن القسم الخامس.
ثم الحق: أن اعتبار النصاب فيما يعتبر فيه قبل هذه المؤنة، وفاقا للمدارك (2)،
فيجب فيه الخمس إذا بلغ النصاب، غايته وضع المؤنة، لاطلاق قوله: (ما يجب
فيه الزكاة في مثله ففيه الخمس) وقوله: (حتى يبلغ عشرين دينارا) أو: (إذا
بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس)، وتخصيص ما يقابل المؤنة بمخصص لا ينافيه.
خلافا لصريح البيان والدروس (3)، والمحكي عن ظاهر الأكثر (4)،
فبعدها يعتبر. وما ذكرناه يرده.
المسألة الثالثة: يشترط في وجوب الخمس في القسم الخامس
- وبعبارة أخرى: في غير الغنائم والمعادن والكنز والغوص من الفوائد
المكتسبة من حيث هي - كونه فاضلا عن مؤنة السنة، إجماعا محققا،
ومحكيا عن صريح السرائر والمعتبر وظاهر المنتهى والتذكرة والذخيرة
والمدارك (5)، وفي الحدائق نفى الخلاف عنه ظاهرا (6).
لما ذكر، وللأصل، والمستفيضة، كصحيحة البزنطي وتوقيع الهمداني
المتقدمين في الغنائم (7)، وروايات النيشابوري (8) والأشعري (9) وابن

(1) في (ق): الصياغة.
(2) المدارك 5: 392.
(3) البيان: 344، الدروس 1: 260.
(4) انظر الروضة 2: 71.
(5) السرائر 1: 489، المعتبر 2: 627، المنتهى 1: 550، التذكرة 1: 253،
الذخيرة: 483، المدارك 5: 385.
(6) الحدائق 12: 347.
(7) راجع ص: 56.
(8) التهذيب 4: 16 / 39، الإستبصار 2: 17 / 48، الوسائل 9: 500 أبواب ما
يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.
(9) المتقدمة في ص: 62.
63

مهزيار (1) السابقة.
ورواية الهمداني، وفيها: واختلفوا من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب
على الضياع الخمس بعد المؤنة، مؤنة الضيعة وخراجها، لا مؤنة الرجل
وعياله، فكتب عليه السلام: (بعد مؤنته ومؤنة عياله وخراج السلطان) (2).
والمروي في تفسير العياشي: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله
عما يجب في الضياع، فكتب: (الخمس بعد المؤنة) فقال: فناظرت
أصحابنا، فقالوا: المؤنة بعدما يأخذ السلطان وبعد مؤنة الرجل، فكتبت
إليه: إنك كتبت (3) إلي: أن الخمس بعد المؤنة، وإن أصحابنا اختلفوا في
المؤنة، فكتب: (الخمس بعد ما يأخذ السلطان وبعد مؤنة الرجل وعياله) (4).
والمؤنة في بعض تلك الأخبار وإن لم تكن معينة، إلا أن في بعض
آخر صرح ب‍: (مؤنة الرجل وعياله) أو: (مؤنته) أو: (مؤنتهم) وضعفه - إن
كان - بالعمل يجبر.
مضافا إلى ما مر من أن إجمال المؤنة كاف في إخراج جميع المؤن
مما ليس على عدم إخراجه دليل، لعدم بقاء عمومات الخمس وإطلاقاتها
على الحجية حينئذ، لتخصيصها بالمجمل المنفصل.
لا يقال: التخصيص في رواية النيشابوري [بالمتصل] (5) حيث يدل

(1) المتقدمة في ص: 283.
(2) الكافي 1: 547 / 24، التهذيب 4: 123 / 354، الإستبصار 2: 55 / 183،
الوسائل 9: 500 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 4.
(3) في المصدر: قلت.
(4) تفسير العياشي 2: 63 / 61، مستدرك الوسائل 7: 285 أبواب ما يجب فيه
الخمس ب 7 ح 1.
(5) في النسخ: بالمنفصل، والصحيح ما أثبتناه.
64

مرجع الضمير المجرور في قوله: (منه) بما يفضل عن مؤنته، والمخصص
بالمتصل المجمل عندك حجة في غير ما علم خروجه وإن خصص بمثله
من المنفصل.
لأنا نقول: هذا إنما يصح لو كان: (مما يفضل) بدلا عن الضمير،
ولكنه يمكن أن يكون متعلقا بالخمس، أي لي خمس ما يفضل عن مؤنته
من ستين كرا، فلا تخصيص في المرجع أصلا.
ومنه يظهر وجه تقييد المؤنة بمؤنة السنة، كما صرح به كثير من
الأصحاب، وعن السرائر والمنتهى والتذكرة: الاجماع عليه (1)، لعدم إخراج
مؤنة الزائد عن السنة إجماعا، فيبقى الباقي تحت الاجمال المذكور، مع أن
المؤنة مطلقة مضافة، فتفيد العموم، خرج منها الزائد عن السنة فيبقى الباقي.
وأيضا المتبادر من المؤنة - كما صرح به جماعة (2) - مؤنة السنة،
سيما من مؤنة أرباب الضياع (3) والتجار، لعدم انضباط نسبة أرباحهم إلى
مؤنة كل يوم.
فروع:
أ: المؤنة التي يشترط الفضل عنها هي مؤنة الرجل نفسه وعياله
الواجبي النفقة إجماعا، وغيرهم ممن أدخله في عياله عرفا على ما عممه
جماعة (4)، لعموم العيال في الأخبار، والاجمال المتقدم ذكره.. والضيف

(1) السرائر 1: 489، المنتهى 1: 548، التذكرة 1: 253.
(2) منهم صاحب الحدائق 12: 353، وصاحب الرياض 1: 296.
(3) في (س): الصنايع.
(4) كصاحب الذخيرة: 483.
65

أيضا مطلقا - كما عن الجامع والدروس وفي الروضة (1) - أو في الجملة، كما
عن الشاميات لابن فهد والمقداديات للفاضل. والأولى درج مؤنة الضيف
في مؤنة الرجل.
ب: المفهوم لغة وعرفا من مؤنة الشخص: ما دعته إليه من المخارج
المالية ضرورة أو حاجة بحسب اللائق بحاله عادة.
وبعبارة أخرى: ما يلزمه صرفه لزوما عقليا أو عاديا أو شرعيا من
أنواع المصارف، وبحسب الاقتصاد اللائق بحاله من كيفياتها.
وبثالثة: ما يضطر إليه عقلا أو يلزمه شرعا أو لا يليق له تركه عادة
وعرفا من الأنواع، وبحسب اللائق بحاله عادة في الكيفيات.
وبرابعة (2): المال المحتاج إليه في رفع الحوائج والضرورات.
هذا معناها الاسمي، وأما المصدري فهو: صرف المال المذكور.
وإنما قلنا: إن المؤنة ذلك، للتبادر وعدم صحة السلب فيما ذكر،
وعدم التبادر وصحة السلب في غيره، كما يظهر لك فيما نذكره.
ومن هذا يظهر وجه ما صرح جماعة (3) - بل الأكثر على ما صرح به
بعض الأجلة - من تقييد المؤنة بكونها على وجه الاقتصاد بحسب اللائق
بحاله عادة دون الاسراف، فإنه ليس من المؤنة، لصحة السلب.
ويؤيده ما في موثقة سماعة الواردة فيمن يحل له أخذ الزكاة: (فإن لم
تكن الغلة تكفيه لنفسه ولعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم في غير

(1) الجامع للشرائع: 148، الدروس 1: 258، الروضة 2: 76.
(2) في (ق) و (ح): يرادفه.
(3) منهم الشيخ في النهاية: 198، والديلمي في المراسم: 139، والحلي في
السرائر 1: 489، والسبزواري في الكفاية: 43.
66

إسراف فقد حلت له الزكاة) (1).
(يمكن الاستدلال بها) (2) بضميمة ما صرح به بعض الأصحاب (3)
- بل انعقد عليه الاجماع - من أن المعتبر في حل الزكاة قصر المؤنة، بل
يظهر منها أيضا صدق المؤنة على ما ذكرنا، لصدق الحاجة في كل ما ذكر.
ويظهر منه أيضا أن ما كان لغوا - كسفر لا حاجة إليه، أو دار زائدة أو
تزويج الزائدة على امرأة مع عدم الحاجة - وما كان معصية - كمؤنة
الملاهي، وتصوير البيت بذات روح، وسفر المعصية، ومعونة الظالم،
ونحوها - ليس من المؤنة، لما ذكر من صحة السلب.
وكذا تظهر صحة استشكال بعض الأجلة في احتساب الصلة والهدية
اللائقان بحاله، وقال: إنه لا دليل على احتسابه.
وكذا ترديده في مؤنة الحج المندوب وسائر سفر الطاعة المندوبة.
وهما في موقعهما، بل الظاهر عدم كونها من المؤنة، وهو كذلك،
فلا يحتسب إلا مع دعاء الضرورة العادية إليهما.
وصحة تقييد ابن فهد في الشاميات الضيافة بالاعتياد أو الضرورة، بل
في كفاية الاعتياد أيضا نظر، إلا أن يكون بحيث يذم بتركها عادة، فلا
يحسب مطلق الضيافة ولا الصدقة ولا الصلة ولا الهدية ولا الأسفار
المندوبة، ولا سائر الأمور المندوبة من غير ضرورة أو حاجة ولو بقدر
اقتصادها.

(1) الكافي 3: 560 / 4، الفقيه 2: 17 / 57، التهذيب 4: 48 / 127، الوسائل 9:
235 أبواب المستحقين للزكاة ب 9 ح 1.
(2) ما بين القوسين ليس في (س).
(3) كصاحب الذخيرة: 453.
67

وطرف الافراط في ذلك: ما ذكره المحقق الخوانساري في رسالته من
احتساب مؤنة المستحبات من غير اعتبار الاقتصاد فيها.
ويظهر أيضا احتساب مؤنة الأمور الواجبة شرعا - كالحج الواجب
والنذر والكفارة وما يضطر إليه من مأخوذ الظالم قهرا أو مصانعة - لصدق
المؤنة على الكل، وصرح بالأخير في رواية العياشي المتقدمة (1).
ثم المراد باللائق بحاله عادة: أنه لم يعد زائدا له عرفا ولا يلام به، لا
ما يعد خلافه ناقصا ويلام بتركه، لوضوح صدق المؤنة وعدم صحة السلب
مع عدم عده زائدا.
وهذا هو سر تقييدنا نوع المؤنة بالاضطرار أو اللزوم، وكيفيتها
باللياقة، فإن من أنواع المخارج ما لا يعد زائدا ولكن يصح سلب المؤنة
عنها، كبناء المسجد وسفر الطاعة وضيافة الإخوان والهدية والبذل.
ولكن ما يلزم نوعه لا يشترط في كيفيته اللزوم أيضا، بل يكفي عدم
عدها زائدة، فإنه لا يشترط في صدق المؤنة على الكسوة مثلا الاقتصار
على كيفية يذم على ما دونها، بل يصدق مع كونها بحيث لا تعد زائدة
عرفا.
وقد يختلف حال الكيفية في صورة الانضمام مع النوع والتجدد
بعده، كشراء الدار المجصصة أولا والتجصيص بعد الشراء، واللازم متابعة
العرف.
ج: واعلم أنه يشترط في الحاجة أو اللزوم لزومه في ذلك العام، فلا
يكفي تحقق الحاجة أو اللزوم في عام آخر، فمن كانت له دار مستأجرة في

(1) تفسير العياشي 2: 63 / 61، مستدرك الوسائل 7: 258 أبواب ما يجب فيه
الخمس ب 7 ح 1.
68

عام ربح واشترى دارا لأعوام أخر لا تحتسب له قيمة الدار من ربح ذلك
العام كما لا يحتسب له ثمن طعام العام الآتي، لأن المعتبر مؤنة هذه السنة،
ولا يحتاج إلى دار فيها.
نعم، لو احتاج إلى شئ مرة وكانت نسبته إلى جميع الأحوال
متساوية يحسب له من كل عام صرفه، كمؤنة التزويج له ولولده.
د: من مؤنة الرجل: ما يصرف في الأكل والشرب والكسوة، وما به
تجمله اللازم له عرفا، وما يحتاج إليه من أثاث البيت وقيمة المسكن أو
أجرته، وكذا الخادم ومؤنة عمارة الدار وثمن الدابة أو أجرته، والحقوق
اللازمة عليه من النذر والكفارات والدين والصداق ومؤنة الحج الواجب
والتزويج لنفسه أو ولده، ونحو ذلك.
ومنهم من قيد الدين بصورة الحاجة إليه.
ومنهم من قيد المتأخر عن الاكتساب الواقع في عامه بالحاجة، دون
المتقدم، فأطلقه ولو كان لا لغرض صحيح.
والكل لأجل اختلاف الفهم في الصدق في مصداق المؤنة، والعرف
يعاضد الأخير جدا، ومثله المنذور أيضا.
ه‍: هل يعتبر في صدق المؤنة على ما ذكرنا تحقق الانفاق والصرف
أيضا، حتى أنه لو قتر على نفسه مع الحاجة لم يحسب له، أو لا يعتبر
فيحسب؟
صرح في الدروس والبيان والروضة والمدارك بالثاني (1)، بل الظاهر
أنه مذهب الأكثر.
وهو الأظهر، إذ لو وضع القدر المتعارف أولا بقصد الانفاق لم يكن

(1) الدروس 1: 258، البيان: 348، الروضة 2: 76، المدارك 5: 385.
69

فيه خمس، فتعلقه به بعد ترك الانفاق يحتاج إلى دليل.
وأيضا الظاهر صدق المؤنة على ما ذكرنا بدون قيد الانفاق، ولا أقل
من احتماله الموجب للاجمال، الموجب لعدم وجوب الخمس فيه كما مر.
ولذا يحل للفقير أخذ قدر الاقتصاد ولو كان من قصده التقتير، ويجوز
إعطاؤه بهذا القدر ولو علم تقتيره.
وأما عدم جواز إعطاء ما قتر بعد تقتيره فلأجل انتفاء حاجته حينئذ،
وتوقف حلية الزكاة على الحاجة في الحال أو المستقبل.
بخلاف الوضع للخمس، فإنه لم يتوقف إلا على صدق المؤنة
المتوقف على الحاجة في الجملة.
ومنه يظهر وجه ما ذكره بعضهم - منهم المحقق الخوانساري (1) - من
وضع مؤنة الحج إذا وجب في عام وقصر فيه، وكذا إن وجب قبله وقصر
وتلف ماله السابق على ذلك العام ولم يكن ما يحج به غير ربح العام.
ولو كان له ربح سابق يحسب منه لا من ربح ذلك العام، وكذا الدين
اللازم أداؤه، بل وكذا كل مؤنة واجبة قصر فيها، كأداء المنذور والكفارات
ونحوها.
و: لو قلت المؤنة في أثناء حول لذهاب بعض عياله أو ضيافته في
مدة أو نحوها، لم يحسب له، لظهور الكاشف في أن مؤنة هذه السنة ما
صرفه خاصة.
ز: لو بقيت عين من أعيان مؤنته حتى تم الحول - كأن يشتري دابة
أو عبدا أو دارا أو أثاث الدار أو لباسا أو نحوها - فهل يجب الخمس فيها
بعد تمام الحول، أو لا؟

(1) احتمله في الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية: 314.
70

الظاهر: لا، كما صرح به بعض فضلا معاصرينا أيضا، إذ لم يكن
الخمس فيها واجبا، فيستصحب.
فإن قيل: صدق الفائدة المكتسبة عليها، ووجوب الخمس فيما زاد
عن مؤنة السنة منها، يزيل الاستصحاب.
قلنا أولا: إنا لا نسلم عدم كونها عن مؤنة السنة، فإنها مؤنة السنة
عرفا، ولا يشترط في صدق المؤنة تلف العين.
وثانيا: إن المصرح به في الأخبار (1) وضع المؤنة، والتقييد بالسنة
الواحدة إنما كانت للاجماع أو التبادر، وكلاهما في المقام غير معلوم.
نعم، لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب
الخمس فيها، فتأمل.
هذا فيما لا يكون التمون به بتلف عينه بل بمنفعته.
وأما ما كانت عينه تالفة بالتمون - كالحنطة والشعير والشحم ونحوها -
فلو زاد عن السنة من غير تقتير يجب خمسه، لظهور أن المؤنة كانت أقل
مما وضعه أولا.
ح: ليس من المؤنة ثمن الضياع والعقار والمواشي، للانتفاع بمنافعها
ولو لمؤنة السنة.. ولا رأس مال تجارته، لعدم التبادر، وصحة السلب،
ولعدم الاضطرار ولا اللزوم. والحاجة إلى رقباتها في ذلك العام للمؤنة فيه،
إذ ظاهر أن ثمنها يكون فاضلا عن مؤنة ذلك العام، فالاحتياج إليها لو كان
لكان لأعوام أخر.
نعم، لو فرض شراؤها من مؤنة ذلك العام - بأن يضيق على نفسه فيه
أو أنفق من مال لا خمس فيه - يحسب له على الأول، ويبنى على ما يأتي

(1) الوسائل 9: 499 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8.
71

في مسألة اجتماع مالين له يجب في أحدهما الخمس دون الآخر [على
الثاني] (1).
ط: لو كان له مال آخر لا يجب فيه خمس، فإن كان مما يتجر به من
الأموال، أو يشتغل منه من الصناع، أو نحو ذلك، مما يحتاج إليه في
الاستفادة أو الصناعة، وبالجملة ما ليس من شأنه أن يصرف في المؤن
عادة، فلا توضع منه المؤنة وتوضع من الربح إجماعا، له، ولأنه المتبادر
الظاهر من الأخبار (2).
وإن كان من غير ذلك مما من شأنه المؤنة منه عادة، ففي أخذ المؤنة
منه خاصة، أو من الكسب كذلك، أو منهما بالنسبة، أوجه.
صرح جماعة من المتأخرين بأن الأحوط: الأول، والأعدل: الثالث،
والأظهر: الثاني (3).. بل في كلام المحقق الشيخ علي والشهيد الثاني في
شرح الإرشاد: أنه الظاهر من الأخبار.
وعن بعضهم: التفرقة بالقصد واعتباره، فإن قصد إخراج المؤنة من
الربح أخذت منه، وإن قصد من الآخر فكذلك، وإن لم يقصد أو قصد ثم
نسي فمنهما بالنسبة.
وذكر بعضهم تفصيلا آخر (4).
والظاهر - كما ذكروه - هو الثاني، إما لظهور ذلك من الأخبار، أو
لاجمالها، حيث إن قولهم: بعد المؤنة أو ما يفضل عن المؤنة، يحتمل

(1) أثبتناه لاقتضاء الكلام له.
(2) المتقدمة في ص 58 و 59.
(3) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 67، والروضة 2: 77، والسبزواري في
الكفاية: 43.
(4) كما في غنائم الأيام: 370.
72

معنيين، أحدهما: بعد قدر المؤنة من ذلك المال والفاضل منها منه، أو
مطلقا (1)، فيحصل الاجمال في عمومات الخمس، فلا خمس في قدر
المؤنة من ذلك المال. وأمر الاحتياط كما ذكروه.
ي: لو حصل ربح وخسران معا وتلف بعض ماله أيضا، فإن كانا في
عامين لا يجبر الخسران أو التلف بالربح، لعدم دخوله في المؤنة وانتفاء
دليل آخر عليه.
وإن كانا في عام، فإما يكونان في تجارة واحدة، أو في تجارتين في
مال واحد، أو في مالين.
فإن كان الأول - كأن يشتري أمتعة بمائة، ثم باع نصفها بستين
ونصفها بأربعين - يجبر الخسران بالربح، سواء كان بيع الجميع دفعة واحدة
- وهذا يكون إذا اختلف جنس الأمتعة - أو دفعات، لعدم صدق حصول
الفائدة والربح عرفا.
وإن كان الثاني - كأن يشتري أمتعة بمائة وباعها بمائة وخمسين، ثم
اشترى من هذه المائة والخمسين متاعا ثم باعه بمائة - فالظاهر توزيع
الخسران على الربح ورأس المال إن تقدم الربح على الخسران، إذ لم يكن
دفع الخمس عليه واجبا، وكانت له أنحاء التصرفات في الربح، فتلف
بعضه، ولعدم تعين ما وقع عليه الخسران يوزع على الجميع.
ولو اتجر ثانيا ببعض ذلك المال دون جميعه - كأن يشتري من مائة
منه متاعا ووقع الخسران - فإن عين الباقي بالقصد أنه من الربح أو رأس
المال فله حكمه، وإن لم يعينه أو قصد الإشاعة، فيوزع الخسران أيضا بما

(1) يعني: وثانيهما بعد قدر المؤنة من المال مطلقا، سواء كان ذلك المال وغيره،
والفاضل من المؤنة منه كذلك.
73

يقتضيه العمل.
وإن تقدم الخسران لم يجبر بالربح المتأخر.
وإن كان الثالث - كأن يشتري أمتعة بمائة وأخرى بمائة أيضا، وباع
الأولى بمائة وخمسين والثانية بخمسين - فلا يجبر الخسران أصلا.
وليعلم أن وحدة التجارة إنما تتحقق باشتراء الجميع دفعة ولو تعدد
البيع، أو البيع دفعة ولو تعدد الشراء.
المسألة الرابعة: هل يشترط في وجوب الخمس في الأموال: البلوغ
والعقل والحرية، أم لا؟
صرح في الشرائع والارشاد والقواعد بعدم اشتراطها في خمس
المعادن والكنز والغوص (1).
وفي التحرير بعدمه في الأول (2).
وفي الدروس بعدمه في الأولين (3).
وفي المنتهى والتذكرة بعدمه في الثاني، مدعيا في المنتهى أنه قول
أهل العلم كافة (4).
وفي الأول بعدم اشتراط الحرية على القول بملك العبد.
وفي البيان والمسالك بعدمه في الثاني (5).
وقال بعض المعاصرين: ويظهر منهم أن تعلق الخمس بما أخرجه
الصبي إجماعي.

(1) الشرائع 1: 81، الإرشاد 1: 293، القواعد 1: 61.
(2) التحرير 1: 73.
(3) الدروس 1: 260.
(4) المنتهى 1: 547، التذكرة 1: 252
(5) البيان: 344، المسالك 1: 67.
74

قيل: يلوح من ذلك عدم اشتراطها في غير الثلاثة (1).
أقول: يمكن أن يكون التصريح في الثلاثة لأجل بيان عدم اشتراط
تملك المعدن والخارج من الغوص والكنز بالحرية والبلوغ، حيث إنه محل
الخفاء، بل بعض هؤلاء عنون التملك، وعلى هذا كاد أن يكون الأمر
بالعكس، فلاح منه عدم الاشتراط في غير الثلاثة مما يملك قطعا.. بل
ظاهر تصريح الجميع - باشتراط الكمال بالحرية والبلوغ والعقل في الزكاة،
وإطلاقهم جميعا ثبوت الخمس من غير ذكر الشرط - عدم الاشتراط. وعلى
هذا فربما كان ذلك إجماعا.
وفي المدارك: عدم اشتراط الحرية في تعلق الخمس بغير الثلاثة،
وكون اشتراط التكليف متجها.
واستدل في المدارك لعدم الاشتراط في الثلاثة بعموم الأخبار
المتضمنة لوجوب الخمس في هذه الأنواع، نحو صحيحة الحلبي: عن
المعادن كم فيها؟ قال: (الخمس) (2) (3).
ولا يخفى أنه لو تم ذلك لجرى بعينه في المكاسب أيضا، لعموم
موثقة سماعة المتقدمة: عن الخمس، فقال: (في كل ما أفاد الناس من قليل
أو كثير) (4).
والصحيح: (ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة) (5).

(1) كما في مجمع الفائدة 4: 323.
(2) الكافي 1: 546 / 19، الفقيه 2: 21 / 73، التهذيب 4: 121 / 346، الوسائل
9: 492 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 3 ح 2.
(3) المدارك 5: 389.
(4) أصول الكافي 1: 545 / 11، الوسائل 9: 503 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 6.
(5) الفقيه 2: 21 / 74، التهذيب 4: 124 / 359، الإستبصار 2: 56 / 184،
الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 1.
75

وقوله عليه السلام: (الخمس من خمسة) (1).
وأما أحاديث رفع القلم عن الصبي، فإن أوجبت نفي الخمس
لأوجبته في الجميع، ولكن لا تنافيه، إذ المأمور بالاخراج الولي.
نعم، في صحيحة زرارة ومحمد: (ليس على مال اليتيم في العين
والمال الصامت شئ، فأما الغلا ت فعليها الصدقة واجبة) (2).
وفي صحيحة ابن سنان: (ليس في مال المملوك شئ ولو كان ألف
ألف، ولو أنه احتاج لم يعط من الزكاة شئ) (3).
وذكر الأصحاب الصحيحين في باب الزكاة لا يوجب تخصيص
الشئ بها، ولعله لجزأيهما الأخيرين.
واختصاص الأولى ببعض الأول لا يضر، للاجماع المركب،
وتعارضهما مع العمومات المذكورة بالعموم من وجه، وإذ لا مرجح فيرجع
إلى الأصل، ولا يرجح الكتاب الثبوت، لكونه خطاب المشافهة، فلعل
المشافهين كانوا مكلفين أحرارا، بل هو كذلك، لقوله عز شأنه
(واعلموا) (4).
فالظاهر عدم ثبوت الخمس في مال اليتيم والعبد مطلقا، إلا أن يثبت
الاجماع كليا أو في بعض الأنواع، كما هو المظنون، سيما في الثلاثة.
ثم عدم الثبوت في المال المختلط أظهر، لثبوته بالخطاب التكليفي

(1) راجع الوسائل 9: 485 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2.
(2) الكافي 3: 541 / 5، التهذيب 4: 29 / 72، الإستبصار 2: 31 / 90، الوسائل
9: 83 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 1 ح 2.
(3) الكافي 3: 542 / 1، الوسائل 9: 91 أبواب من تجب عليه الزكاة ب 4 ح 1.
(4) الأنفال: 43.
76

المختص بالكمل، وكذلك الأرض التي اشتراها الذمي.
ثم على عدم الثبوت، فهل يثبت في أمواله الحاصلة حال الصغر
الباقية إلى حال البلوغ؟
الظاهر: لا، للاستصحاب. والأحوط له أنه يخمس أمواله الباقية.
المسألة الخامسة: لا يعتبر الحول في وجوب الخمس في غير
الأرباح، إجماعا محققا، ومحكيا (1)، بل عن المنتهى: أنه قول أهل العلم
كافة (2)، له، وللعمومات كتابا وسنة، وأصالة عدم تقييدها بما بعد السنة.
وهل وجوبه فيه بعد حصوله فوري مضيق أم لا؟
صريح السرائر والروضة: الأول (3)، بل في الأول انعقاد الاجماع
عليه.
وظاهر بعض الأجلة: العدم، للأصل، وعدم الدليل.
ويمكن الاستدلال للتضيق بأن الخمس لتعلقه بالعين يكون مال
أربابه، ولا يجوز التصرف في مال الغير ولا حبسه ولا تأخير إيصاله إليهم إلا
بعد العلم برضاهم، ولا سبيل إلى العلم بذلك أصلا، بل الغالب العلم بعدم
الرضا.
وفي اعتباره في الأرباح وعدمه قولان، فظاهر كلام الحلي: الأول، بل
ادعى الاجماع عليه وأول ما ظاهره غيره من العبارات (4). والتأمل في دلالة
عبارته عليه ليس في موقعه، كما لا يخفى على الناظر فيه.

(1) كما في المدارك 5: 390، والرياض 1: 296.
(2) المنتهى 1: 547.
(3) السرائر 1: 489، الروضة 2: 78.
(4) السرائر 1: 489.
77

والمشهور بين الأصحاب: الثاني (1)، إلا أن الوجوب موسع عندهم
إلى طول السنة.
دليل الأول: الاجماع، وأن وجوب الخمس بعد مؤنة السنة، وهي
غير معلومة بل ولا مظنونة، لأن حدوث الحوادث المحتاجة إلى المؤنة
- كخراب عمارة وحصول أمراض أو غرامة أو ورود أضياف أو موت أو
نحوها - ممكن، والأصل براءة الذمة وعدم الوجوب.
ودليل الثاني على الوجوب: العمومات (2) والاطلاقات، وعلى
التوسعة: الاجماع، واحتياط المؤنة.
أقول: التحقيق أن ثبوت حق أرباب الخمس في الفاضل عن مؤنة
السنة أمر واقعي غير محتاج إلى علم رب المال به حينئذ، ولا دليل على
تقييد العمومات به، بل تكفي معلوميته عند الله سبحانه، لأن تعلق حقهم به
أمر وضعي غير محتاج إلى علم المكلف.
نعم، وجوب إخراجه عليه يتوقف على علمه بالقدر الفاضل، وهو
أمر لا سبيل إليه إلا بعد مضي السنة. وعلى هذا، فلو أخرجه قبل الحول،
وظهر بعده أنه كان مطابقا للواقع، يكون مشروعا ومجزئا عنه، ولو أخره
إلى الحول كان جائزا له ولم يكن عاصيا.
فإن أراد الأول بعدم الوجوب قبل الحول: عدم مشروعيته وإجزائه لو
أخرجه قبله وظهر كونه فاضلا - كما صرح به بعضهم (3) - فهو غير صحيح،
لحصول الكشف بتعلق حق الغير به ووصوله إلى أهله، فلا وجه لعدم

(1) منهم العلامة في المنتهى 1: 550، والسبزواري في الكفاية: 44.
(2) المتقدمة في ص 70.
(3) انظر المدارك 5: 391.
78

الاجزاء، وقصد القربة اللازمة بعد تجويز تعلق الحق ممكن، سيما مع ظن
الفضلة.
وإن أراد عدم تعلق وجوب الاخراج على المكلف، فهو كذلك.
وإن أراد الثاني بالوجوب الموسع: أنه تعلق به التكليف وإن جاز له
التأخير - كصلاة الظهر في أول الوقت - فهو باطل قطعا، لأن شرط وجوب
الخمس (الزيادة) (1) عن المؤنة، وهي غير معلومة، وانتفاء العلم بالشرط
يوجب انتفاء العلم بالمشروط، والمفروض أن الخمس في الفاضل عن
مؤنة السنة، وهو لا يعلمها، فكيف يحكم بوجوب إخراجه؟!
وإن أرادوا: أنه وإن لم يجب عليه الاخراج حينئذ ولكن لو أخرجه
وانكشف بعده تعلق الخمس به كان مجزئا، فهو صحيح.
ومما ذكرنا يظهر أيضا ضعف ما استدل به في المختلف لتعلق
الوجوب أولا: من أنه لولاه لجاز للمكتسب إتلافه قبل الحول ولا يجب
عليه شئ، وليس كذلك قطعا (2).
ووجه الضعف: أن بعد تمام الحول وظهور الحال يعلم أن ما أتلفه
كان مال أرباب الخمس وإن لم يجب عليه إخراجه حينئذ، فتجب عليه
الغرامة، كمن أتلف مال غيره باعتقاد أنه ماله ثم ظهر حاله.
فروع:
أ: في ابتداء الحول من الشروع في التكسب، أو ظهور الربح، أو
حصوله، وجوه، بل أقوال..

(1) في (ح) و (س): العلم بالزيادة.
(2) المختلف: 204.
79

أظهرها: الأخير، لاطلاقات وضع المؤنة، ولم يعلم خروج الأكثر من
السنة التي مبدؤها حصول الربح منه.
وتظهر الفائدة في مؤنة الزمان المتخلل بين النهايات دون المبادئ، إذ
مؤنة ما تخلل بين المبادئ إن كان من مال آخر فلا يوضع من الربح قطعا،
وإن كان من الدين فيوضع كذلك.
ب: لو حصلت أرباح متعددة في أثناء الحول تدريجا، فقيل: يعتبر
لكل خارج حول بانفراده، وتوضع المؤنة في المدة المشتركة بين الربحين
عليهما، ويختص الثاني بمؤنة بقية حوله وهكذا (1).
وقال بعض الأصحاب: إن الربح المتجدد في أثناء الحول المبتدئ من
الربح الأول يضم بعضه إلى بعض وتستثنى المؤنة من المجموع، ويخمس
الباقي بعد تمام الحول الأول، فيكون حول الجميع واحدا. وإليه ذهب في
الدروس (2) والمحقق الشيخ علي في حواشي الشرائع، واستحسنه في
المدارك والذخيرة (3)، وجعله بعض الأجلة أولى.
وهو كذلك، بل هو الأقوى، لايجاب الأول العسر والحرج المنفيين،
بل هو خلاف سيرة الناس وإجماع العلماء طرا، لايجابه ضبط حول كل
ربح وعدم خلطه مع غيره، وهو مما لم يفعله أحد، سيما أرباب الصناعات
وكثير من التجارات، مع أن المتبادر المتعارف الشائع من وضع المؤنة: هو
المعنى الأول. هذا، مع أنه الموافق للاحتياط أيضا.
ج: لو مات المكتسب في أثناء الحول بعد ظهور الربح وقبل التمون
به كلا أو بعضا، يخمس ما بقي منه، لظهور أنه لا مؤنة له غير ما تمون.

(1) 157 المسالك 1: 68، والروضة 2: 78.
(2) الدروس 1: 259.
(3) المدارك 5: 391، الذخيرة: 484.
80

المقصد الثالث
في قسمة الخمس ومصرفها
وفيه مسائل:
81

المسألة الأولى: الخمس يقسم أسداسا: لله، ولرسوله، ولذي
القربى، واليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل، على الحق المعروف بين
أصحابنا، بل عليه الاجماع عن صريح السيدين والخلاف (1)، وظاهر التبيان
ومجمع البيان وفقه القرآن للراوندي (2)، بل هو إجماع حقيقة، لعدم ظهور
قائل منا بخلافه، سوى شاذ غير معروف لا تقدح مخالفته في الاجماع، فهو
الدليل عليه، مضافا إلى ظاهر الآية الكريمة (3)، وصريح الأخبار المستفيضة:
كمرفوعة أحمد، وفيها: (فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم: سهم
لله، وسهم للرسول، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم
للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، فالذي لله فلرسوله، فرسول الله أحق به
فهو له، والذي للرسول هو لذوي القربى والحجة في زمانه، فالنصف له
خاصة، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد الذين لا
تحل لهم الصدقة ولا الزكاة، عوضهم الله مكان ذلك الخمس) (4).
ومرسلة حماد: (ويقسم بينهم الخمس على ستة أسهم: سهم لله،
وسهم لرسول الله، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين،

(1) المرتضى في الإنتصار: 82، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 569،
الخلاف 4: 209.
(2) التبيان 5: 23 1، مجمع البيان 2: 543، فقه القرآن 1: 243.
(3) الأنفال: 41.
(4) التهذيب 4: 126 / 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.
83

وسهم لأبناء السبيل، فسهم الله وسهم رسول الله لأولي الأمر من بعد رسول
الله وراثة، فله ثلاثة أسهم: سهمان وراثة، وسهم مقسوم له من الله، فله
نصف الخمس كملا، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم،
وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم) إلى أن قال: (وإنما جعل الله هذا
الخمس خاصة لهم دون مساكين الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم من
صدقات الناس، تنزيها من الله لهم لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله)
الحديث (1).
ومرسلة ابن بكير في قوله تعالى: (واعلموا) إلى آخره، قال:
(خمس الله للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة
الرسول الإمام، واليتامى يتامى آل الرسول، والمساكين منهم، وأبناء السبيل
منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم) (2).
والمروي في رسالة المحكم والمتشابه للسيد عن تفسير النعماني:
(ويجزأ هذا الخمس على ستة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم
الرسول وسهم ذوي القربى، ثم يقسم الثلاثة الباقية بين يتامى آل محمد
ومساكينهم وأبناء سبيلهم) (3)، وغير ذلك.
خلافا للمحكي في المعتبر والشرائع والتذكرة والمنتهى والجامع عن
بعض أصحابنا (4)، فيقسم خمسة أقسام بإسقاط سهم الله، فواحد للرسول

(1) الكافي 1: 539 / 4، التهذيب 4: 128 / 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة
الخمس ب 1 ح 8.
(2) التهذيب 4: 125 / 361، الوسائل 9: 510 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 2.
(3) رسالة المحكم والمتشابه: 46.
(4) المعتبر 2: 628، الشرائع 1: 184، التذكرة 1: 253، المنتهى 1: 550،
الجامع للشرائع: 150.
84

والأربعة للأربعة.
وفي شرحي الشرائع لابن فهد: أنه لا يعرف به قائلا (1)، وهو مذهب
الشافعي وأبي حنيفة، واستدل له بالآية بتأويلها بما يوافقه، وبصحيحة
ربعي (2).
والأول: مدفوع بتقديم الظاهر على التأويل، سيما مع تفسيرها
بالظاهر في الأخبار (3).
والثاني: بأنه حكاية فعله صلى الله عليه وآله، فلعله اقتصر من سهميه على سهم
وجز من سهم تفضلا منه على أقربائه.
ولا ينافيه قوله فيها: (وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ الرسول صلى الله عليه وآله)،
لجواز أن يكونوا يتأسون به، فإنه أيضا خبر، ولا دليل على تأويله بالانشاء،
مع أنه على التأويل أيضا لا يفيد التعين، فلعله لهم أرجح ولو للتأسي، ومع
المعارضة فالترجيح لما مر بالأكثرية والأشهرية وموافقة الكتاب ومخالفة العامة.
المسألة الثانية: سهم الله لرسوله، وسهما الرسول للإمام من بعده
إجماعا، وتدل عليه المراسيل الثلاث (4)، ورواية رسالة المحكم
والمتشابه (5)، وصحيحة البزنطي، وفيها: فما كان لله فلمن هو؟ فقال:
(لرسول الله، وما كان لرسول الله فهو للإمام) (6).

(1) المهذب البارع 1: 561، المقتصر: 107.
(2) التهذيب 4: 128 / 365، الإستبصار 2: 56 / 186، الوسائل 9: 510 أبواب
قسمة الخمس ب 1 ح 3.
(3) راجع ص: 76.
(4) المتقدمة في ص 76، و 77.
(5) المتقدمة في ص 77.
(6) الكافي 1: 544 / 7، التهذيب 4: 126 / 363، الوسائل 9: 512 أبواب قسمة
الخمس ب 1 ح 6.
85

ولا يعارضه قوله في رواية الجعفي: (فأما خمس الرسول
فلأقاربه) (1)، لأنه يجب إرادة أشرف الأقارب تجوزا بالقرينة المذكورة.
وسهم ذي القربى أيضا له على الحق المشهور، بل المجمع عليه،
كما عن السرائر وظاهر الخلاف (2)، وفي الحدائق: أنه اتفقت عليه كلمة
أصحابنا (3).
ويدل عليه - بعد الاجماع المحقق - ظاهر الآية، حيث إن الظاهر
مغايرة المعطوف للمعطوف عليه، ولو كان المراد مطلق القرابة لا يبقى
التغاير الكلي، ولأنه لو كان المراد المطلق لكان الظاهر: ولذوي القربى، مع
أنه لا دليل على أن المراد بالقربى: القرب في النسب خاصة، فيمكن أن
يكون القرب فيه وفي الرتبة معا، فيجب الأخذ بالمتيقن، وللأخبار المتقدمة
الأربعة، وضعفها سندا لو قلنا به لا نجبر بما ذكر.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (4)، ويميل إليه كلام المدارك، فقال:
هو لجميع قرابة الرسول (5).
واستشكل في المسألة بعض الأجلة، لظاهر الآية، ولقوله في
صحيحة ربعي: (ثم يقسم الأربعة الأخماس بين ذوي القربى واليتامى
والمساكين وأبناء السبيل) (6).
.

(1) الفقيه 2: 22 / 79، التهذيب 4: 125 / 360، الوسائل 9: 509 أبواب قسمة
الخمس ب 1 ح 1.
(2) السرائر 1: 493، الخلاف 4: 209.
(3) الحدائق 12: 377.
(4) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 204.
(5) المدارك 5: 399.
(6) التهذيب 4: 128 / 365، الإستبصار 2: 56 / 186، الوسائل 9: 510 أبواب
قسمة الخمس ب 1 ح 3
86

وفي رواية الجعفي: (وأما خمس الرسول فلأقاربه، وخمس ذوي
القربى فهم أقرباؤه).
ويضعف الأول: بما مر من عدم الظهور لولا ظهور خلافه، مع أنه مع
الظهور يجب الصرف عنه بالأخبار المتقدمة المعتضدة بما ذكر، المخالفة (1)
للعامة.
والثاني: بأن فعله عليه السلام يمكن أن يكون برضا الإمام، أو يكون المراد
بذوي القربى: الأمير والحسنين.
والثالث: بأنه لا يخالف ما ذكرنا، لاحتمال أن يكون المراد بالأقرباء:
الأئمة، وجمعه باعتبار التعدد ولو في الأزمان وهو وإن كان مجازا إلا أنه
على العموم لا بد من التخصيص بما ذكرنا.
المسألة الثالثة: لا فرق فيما ذكر من قسمة الخمس أسداسا بين
الأقسام الخمسة، فيقسم خمس الأرباح والمكاسب أيضا ستة أقسام،
فمصرفها مصرف سائر الأخماس، وفاقا لظاهر جمهور القدماء (2) ومعظم
المتأخرين (3).
لظاهر الآية، وقوله في مرسلة حماد الطويلة: (وهؤلاء الذين جعل
الله لهم الخمس هم قرابة النبي، الذين ذكرهم الله تعالى، فقال: (وأنذر
عشيرتك الأقربين)، وهم بنو عبد المطلب أنفسهم، الذكر منهم
والأنثى (4).

(1) في (ح): لمخالفته.
(2) كما في المقنعة: 277.
(3) كالمحقق في الشرائع 1: 181، والعلامة في المنتهى 1: 550، والقواعد 1: 62.
(4) الكافي 1: 539 / 4، التهذيب 4: 128 / 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة
الخمس ب 1 ح 8.
87

وفي مرسلة أحمد: (وأما الخمس فيقسم على ستة أسهم) إلى أن
قال: (فالنصف له خاصة، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل
محمد، الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة، عوضهم الله مكان ذلك
الخمس) (1).
واحتمل جملة منهم اختصاصه بالإمام (2)، لدعوى دلالة جملة من
الروايات عليه، لدلالة بعضها على تحليلهم هذا النوع للشيعة (3)، ولولا
اختصاصهم به لما ساغ لهم ذلك، لعدم جواز التصرف في مال الغير.
ولإضافته في بعض آخر إلى الإمام، بمثل قول الإمام: (لي الخمس)
أو: (لنا خمسه) أو: (حقنا)، وقول الراوي: حقك، أو: لك، وأمثال ذلك.
ولتصريح جملة من الأخبار بأنه لهم خاصة، كرواية ابن سنان
المتقدمة (4).
ويرد على الأول - بعد المعارضة -: (النقض) (5) بجملة من الأخبار
المحللة للخمس بقول مطلق، بحيث يشمل هذا النوع وغيره، بل غير
الخمس من أموال الفقراء، بل كثير منها صريح في غيره، كرواية عبد العزيز
ابن نافع المصرحة بتحليله ما سباه بنو أمية لرجل استأذنه (6).
ورواية إبراهيم بن هاشم: كنت عند أبي جعفر الثاني 7 إذ دخل

(1) التهذيب 4: 126 / 364، الوسائل 9: 514 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 9.
(2) كما في الكفاية: 44.
(3) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3.
(4) التهذيب 4: 122 / 348، الإستبصار 2: 55 / 180، الوسائل 9: 503 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
(5) في النسخ: والنقض، والظاهر ما أثبتناه.
(6) الكافي 1: 545 / 15، الوسائل 9: 551 أبواب الأنفال ب 4 ح 18.
88

صالح بن محمد بن سهل - وكان يتولى له الوقف بقم - فقال: يا سيدي،
اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل، فإني أنفقتها، فقال له: (أنت في
حل) فلما خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السلام: (أحدهم يثب على أموال آل
محمد وأيتامهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها، ثم يجي
فيقول: اجعلني في حل، أتراه ظن أني أقول: لا أفعل؟! والله ليسألنهم يوم
القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا) (1).
وصحيحة عمر بن يزيد: رأيت مسمعا بالمدينة وقد كان حمل إلى
أبي عبد الله عليه السلام تلك السنة مالا فرده أبو عبد الله عليه السلام عليه، فقلت له: لم رد
عليك أبو عبد الله المال الذي حملته إليه؟ قال: فقال: إني قلت له حين
حملت إليه المال: إني كنت وليت البحر من الغوص فأصبت أربعمائة ألف
درهم، وقد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك أو
أعرض لها وهي حقك الذي جعل الله لك في أموالنا - إلى أن قال - فقال:
(يا أبا سيار، قد طيبناه لك وأحللناك منه) الحديث (2).
مع أنهم لا يقولون بالاختصاص بالإمام في غير هذا النوع، فما هو
جوابهم عن ذلك فهو جوابنا فيما نحن فيه، مع عدم جواز تصرفهم في مال
الغير مطلقا، كيف لا؟! وهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فما ظنك
بأموالهم؟!
وفي رواية الكابلي: (إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي كل ما في

(1) الكافي 1: 548 / 27، التهذيب 4: 140 / 19، الإستبصار 2: 60 / 197،
الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3 ح 1.
(2) الكافي 1: 408 / 3، التهذيب 4: 144 / 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال
ب 4 ح 12.
89

بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شئ، وإنما يعمل بأمر الله) (1).
وفي صحيحة زرارة: (الإمام يجري وينفل ويعطي ما شاء قبل أن تقع
السهام، وقد قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوم لم يجعل لهم في ألفي نصيبا،
وإن شاء قسم ذلك بينهم) (2).
وفي رواية أبي بصير: (أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها
حيث يشاء، ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله) (3).
وعلى الثاني: عدم الدلالة، لأن ما كان منها بلفظ الجمع - كخمسنا،
وحقنا، ولنا، وأمثال ذلك - فلاجمال ما به الاجتماع (4) يحتمل إرادة ذرية
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منه، ألا ترى إلى صحيحة محمد في قول الله تعالى:
(واعلموا أنما غنمتم) الآية، قال: (هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
فالخمس لله وللرسول ولنا) (5).
وفي رواية الحلبي: الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم
فيصيب غنيمة، فقال: (يؤدي خمسنا ويطيب له) (6).
وفي رواية أبي بصير: (كل شئ قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله فإن لنا خمسه، ولا يحل لأحد أن يشتري من
الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا) (7).

(1) التهذيب 4: 148 / 412، الوسائل 9: 520 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 3.
(2) الكافي 1: 544 / 9، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال ب 1 ح 2.
(3) الكافي 1: 408 / 4.
(4) في (ح) و (س): إجماع.
(5) الكافي 1: 539 / 2، الوسائل 9: 511 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 5.
(6) التهذيب 4: 124 / 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.
(7) الكافي 1: 545 / 14، المقنعة: 280، الوسائل 9: 542 أبواب الأنفال ب 3
ح 10.
90

وما كان بالإضافة فلاجمال ما لأجله الإضافة - حيث إنه يكفي فيها
أدنى ملابسة - يحتمل إرادة ما يجب أن يصل إليهم، حيث إن لهم التصرف
فيه.
ولأنه - كما مر في صحيحة عمر بن يزيد - إطلاق: حقك، على
خمس الغوص، والحكم بالملكية في بعض الإضافات عرفا، إنما هو
بواسطة أصل عدم اختصاص لغيره، فلا يفيد في موضع كان دليل على
شركة الغير، ولا تعارض.
ومنه يظهر الايراد على ما يتضمن لفظة اللام مثل قوله: لي وللإمام،
فإن ظهور مثل ذلك في التمليك دون نوع من الاختصاص، مع أنه لا يثبت
من اللام سوى الاختصاص باعتبار الأصل. ولذا لا يعارض قول القائل:
أوصى بذلك لزيد، مع قوله: أوصى أن يعطي زيد ذلك عمرا، ونحو ذلك.
ولذا ورد في مرسلة الوراق: (وإذا غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام
الخمس) (1).
هذا، مع أن لفظ: حقك، في رواية علي بن مهزيار ورد في كلام
السائل، ولا حجية في التقرير على الاعتقاد، ولذا عدل الإمام إلى قوله:
(يجب عليهم الخمس) (2).
وأما في رواية النيشابوري (3) فيمكن كون اللام صلة لقوله: يجب

(1) التهذيب 4: 135 / 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 16.
(2) التهذيب 4: 123 / 353، الإستبصار 2: 5 / 182، الوسائل 9: 500 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 3.
(3) التهذيب 4: 16 / 39، الإستبصار 2: 17 / 48، الوسائل 9: 500 أبواب ما
يجب فيه الخمس ب 8 ح 2.
91

لك، لا للاختصاص والتمليك.
ومما ذكر يظهر ما يرد على الثالث أيضا، مع أن رواية ابن سنان (1)
لاشتمالها على قوله: (غنم) تخالف الآية الكريمة وسائر ما دل على
التشريك في الغنيمة - سواء حملت الغنيمة على المعنى الخاص أو العام -
فلا تكون حجة، مع أنه على الحمل على المعنى الخاص يكون مخالفا
لمختارهم أيضا.
وأما حمل الغنيمة في الرواية على المعنى العام دون الآية فلا وجه له.
مضافا إلى عدم إمكان إبقائها على ظاهرها لدلالتها على الاختصاص
بسيدة النساء والحجة من ذريتها، وهو مما لا يقول به أحد، لاشتراك
الرسول والأمير إجماعا، مع أن مفادها ليس الاختصاص بالحجة، بل
بفاطمة ومن يلي أمرها من ذريتها، فلا يثبت منها حكم بعد وفاة فاطمة
ومن يلي أمرها، فتأمل.. وأيضا لا بد إما من التخصيص، أو التجوز في
لفظة: (غنم)، أو التجوز في لفظة اللام، أو تجوز آخر، ولا ترجيح.
المسألة الرابعة: يعتبر في الطوائف الثلاث الأخر أن يكونوا من
السادات على الحق المشهور، بل عن الانتصار الاجماع عليه (2)، للروايات
الأربع (3)، ورواية ابن سنان المتقدمة في الأرباح (4)، ورايتي الجعفي (5)

(1) التهذيب 4: 122 / 348، الإستبصار 2: 55 / 180، الوسائل 9: 501 أبواب ما
يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
(2) الإنتصار: 87.
(3) المتقدمة في ص: 76 و 77.
(4) التهذيب 4: 122 / 348، الإستبصار 2: 55 / 180، الوسائل 9: 503 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8، وقد تقدمت في ص 9.
() 27 المتقدمة في ص: 79.
92

وسليم بن قيس (1)، وحسنة إبراهيم بن هاشم المتضمنة لقضية صالح بن
محمد بن سهل (2).
وتؤيده الأخبار المتضمنة لمثل قوله: خمسنا، وحقك، ولي منه
الخمس، وخمسنا أهل البيت، ولنا الخمس (3).
خلافا للمحكي عن الإسكافي، فلم يعتبره، بل جوز صرفه إلى
غيرهم من المسلمين مع استغناء القرابة عنه (4).
وهو - مع شذوذه - غير واضح المستند، عدا إطلاق بعض الظواهر،
اللازم تقييده بالنصوص المستفيضة المنجبرة بالشهرة العظيمة، بل الاجماع
في الحقيقة.
وأما الاستدلال بإطلاق صحيحة ربعي (5) فغفلة واضحة، إذ الفعل لا
عموم له.
المسألة الخامسة: السادة هم: الهاشميون المنتسبون إلى هاشم جد
النبي، أي أولاد عبد المطلب من بني عبد الله وأبي طالب والعباس والحارث
وأبي لهب، واستحقاقهم الخمس إجماعي.
ويدل عليه قوله في مرسلة حماد المتقدمة بعضها: (وهؤلاء الذين
جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذين ذكرهم الله تعالى فقال:
(وأنذر عشيرتك الأقربين) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم، الذكر منهم
والأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد، ولا فيهم

(1) التهذيب 4: 126 / 362، الوسائل 9: 511 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 4.
(2) راجع ص: 81.
(3) انظر الوسائل 9: 535 أبواب الأنفال ب 2.
(4) حكاه عنه في المختلف: 205.
(5) المتقدمة في ص: 79.
93

ولا منهم في هذا الخمس من مواليهم، وقد تحل صدقات الناس لمواليهم،
وهم والناس سواء، ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإن
الصدقات تحل له وليس له من الخمس شئ، لأن الله يقول: (ادعوهم
لآبائهم)) الحديث (1).
ويؤيده أيضا تصريح الأخبار بأن الخمس عوض الزكاة (2)،
واستفاضتها في حرمتها على بني هاشم.
وهذه الأدلة قرائن على إرادة بني هشام من آل محمد وأهل بيته
الذين وقع في بعض الأخبار التصريح بأن هذا الخمس لهم (3).
ولا يستحقه غيرهم على الحق المشهور، لمرسلة حماد (4)، وعدم
صدق آل محمد وأهل بيته على غيرهم.
خلافا للمحكي عن المفيد والإسكافي (5)، فجوزاه للمطلبي، أولاد
المطلب عم عبد المطلب.
لموثقة زرارة: (لو كان العدل لما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى
صدقة، إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم) (6).
وهي بمخالفة الشهرة العظيمة الموجبة لشذوذها مردودة، مع أن
بمعارضتها مع ما ذكر تخرج عن الحجية، فيجب الاقتصار على ما ثبت

(1) تقدمت مصادرها في ص 77، 80.
(2) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
(3) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
(4) المتقدمة مصادرها في ص: 77، 80.
(5) حكاه عنهما في المعتبر 2: 631، والمختلف 205 (6) التهذيب 4: 59 / 159، الإستبصار 2: 36 / 111، الوسائل 9: 276 أبواب
المستحقين للزكاة ب 33 ح 1.
94

الاجماع في التعدي إليه من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن إرادة المنسوب
إلى عبد المطلب ممكن، فإن المركب ينسب إلى جزئه الأخير.
المسألة السادسة: المعتبر في الانتساب إلى هاشم أن يكون بالأب،
فلا يعطى من انتسب إليه بالأم خاصة، على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة
أصحابنا سوى نادر يأتي ذكره، لمرسلة حماد المتقدمة (1) المعمول عليها
عند الأصحاب، المنجبر ضعفها - لو كان - به.
وخلافا للسيد، فيكتفي بالانتساب بالأم أيضا (2)، ونسب إلى ابن
حمزة (3)، وكلامه في الوسيلة - كما حكي - صريح في الأول (4)، ومال إليه
بعض الأجلة (5)، واختاره صاحب الحدائق وبالغ فيه (6).
احتج السيد بصدق الولد على المنتسب بالبنت والأب على الجد منها
حقيقة. وقد بالغ صاحب الحدائق في إثبات ذلك بالآيات والأخبار
والاعتبارات.
وزيد في الدليل أيضا بأن جمله من الأخبار الواردة في الخمس إنما
تضمنت التعبير بآل محمد وأهل بيته أو آل الرسول أو ذريته أو عترته أو
قرابته أو نحو ذلك من الألفاظ، ولا يمكن النزاع في شمولها لأولاد
البنات (7).

(1) في ص: 80.
(2) رسائل الشريف المرتضى 3: 257 - 265.
(3) نسبه إليه في المدارك: 307، والمفاتيح 1: 228.
(4) الوسيلة: 137.
(5) الأردبيلي في مجمع الفائدة 4: 187.
(6) الحدائق 12: 396
(7) 45 الحدائق 12: 390.
95

ورد الأول: بعدم اقتضاء صدق الولد على ولد البنت لاستحقاق
المنتسبين بالأم للخمس مطلقا، إذ ليس في باب المستحقين للخمس أنهم
أولاد هاشم أو أولاد رسول الله، سوى المرسلة (1) المتضمنة للفظ: بنو
عبد المطلب، المصرحة بإرادة المنتسبين بالأب خاصة.
قال بعض الأجلة - بعد بيان النزاع في الاطلاق الحقيقي للفظ الولد
والابن والنسبة -: والحق أنه لا طائل تحت هذا النزاع هنا، فإنا لم نظفر من
أخبار الخمس بخبر فيه لفظ بني هاشم أو الهاشمي. انتهى.
أقول: استدلال السيد ومن يحذو حذوه ليس منحصرا بإطلاق لفظ
الولد، بل محط استدلاله على لفظ الولد والابن كما تنادي به استدلالاتهم
للاطلاق الحقيقي بمثل قوله سبحانه: (وحلائل أبنائكم) (2) وقوله: (أو
أبنائهن أو أبناء بعولتهن) (3) وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ابناي هذان إمامان) (4)،
ونحوها (5).
ولفظ الابن وإن قل وروده في باب المستحقين للخمس، ولكنه ورد
- في باب من تحرم عليه الصدقة - في الأخبار المستفيضة (6) جدا حرمتها
على بني هاشم وبني عبد المطلب، واستفاضت بذلك الروايات.
بل ورد في بعض الروايات الصحيحة تعليق الحرمة على الولد أيضا،
كما في صحيحة ابن سنان: (لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من

(1) أي مرسلة حماد المتقدمة في ص: 77، 80.
(2) النساء: 23.
(3) النور: 31.
(4) كشف الغمة 1: 533، البحار 43: 278.
(5) النساء: 28، النور: 32.
(6) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
96

بني هاشم) (1).
وفي رواية المعلى: (لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس، ولا لأحد
من ولد علي عليه السلام، ولا لنظرائهم من ولد عبد المطلب) (2).
ولا شك أن حرمة الصدقة تستلزم حلية الخمس استلزاما ثابتا
بالاجماع المركب وتتبع الأخبار.
وقد يرد ذلك الدليل أيضا بأن مع تسليم الصدق الحقيقي على ولد
البنت يتعارض بمثله من الاندراج تحت إطلاق مثل: القريشي، الذي يحرم
عليه الخمس إجماعا، وترجيح الاطلاق الأول على هذا ليس بأولى من
عكسه.
وفيه: أن هذا يصح إنما لو كان هناك إطلاق لفظي في حرمة الخمس
على ولد فلان، ولم يظفر بمثله إلى الآن. وأما الاجماع فلا يفيد، لوجوب
الاقتصار فيه على المجمع عليه.
فالصواب أن يرد الدليل الأول - بعد تسليم الصدق الحقيقي - بأن
المطلق بالدليل يقيد، والعام يخصص، والمرسلة المذكورة (3) المعتضدة
بالشهرة العظيمة المنجبرة بها مقيد ومخصص، فلا بد من التقييد
والتخصيص.
وبذلك يجاب عن الثاني أيضا.
والقدح فيه - بأن المرسلة مخالفة للكتاب وموافقة للعامة، من حيث
إن الكتاب العزيز مصرح بصدق الابن على أولاد البنت، والعامة متفقون

(1) التهذيب 4: 59 / 158، الإستبصار 2: 35 / 109، الوسائل 9: 269 أبواب
المستحقين للزكاة ب 29 ح 3.
(2) التهذيب 9: 158 / 651.
(3) أي مرسلة حماد المتقدمة في ص 77، 80.
97

على خلافه، فيجب طرحها - مردود بأن ذلك إنما هو في صورة وجود
المعارض المساوي، وهو هنا مفقود، بل المعارض هنا أعم مطلقا، فيجب
تخصيصه.
والقول - بأن التخصيص بالأخص المطلق فرع التكافؤ، وهو هنا
منتف، لتواتر الأخبار على صدق الولد والابن على أولاد البنت، ودلالة
الكتاب عليه - غفلة، إذ لا كلام لنا هنا في الصدق المذكور، وإنما الكلام في
استحقاق الخمس، ومطلقاته ليست بأقوى من هذه المرسلة المعاضدة
بالشهرتين بحيث لا تصلح لتخصيصها.
ومن هذا يظهر عدم مخالفة المرسلة للكتاب ولا موافقتها للعامة
أيضا.
فإن قيل: التعليل بقوله: (لأن الله تعالى يقول: (ادعوهم
لآبائهم) (1)) ينافي صدق الابن الحقيقي، وهو مخالف للكتاب وموافق
للعامة.
قلنا: إن أريد أن العلة مخالفة وموافقة فهي كلام الله سبحانه.
وإن أريد التعليل بها كذلك، فهو إنما يتم لو كان التعليل لعدم صدق
الولد أو الابن، ولكنه لعدم استحقاق الخمس.
غاية الأمر أن جهة التعليل تكون لنا مخفية.
سلمنا، ولكن طرح جز من الخبر لا يوجب طرح باقيه، ولو كان
الأول علة للثاني لو لم يحتج في إثبات الأول إلى علية، فإن اللازم حينئذ
التقية في التعليل، وهي لا تثبت منها التقية في المعلول أيضا، فإنه لو قال
الشارع: الخمر نجس لأنه كالبول في الميعان، وطرحنا العلة - لكونها قياسا

(1) 55 الأحزاب: 5.
98

باطلا - لا يطرح أصل الحكم، بل نقول: إن في التعليل تقية، أو تقريبا
لأذهان العامة، أو احتجاجا عليهم بطريقتهم.
نعم، لو ثبت الملازمة بين عدم استحقاق الخمس وعدم صدق الولد
أو الابن لكان لبعض هذه الوجوه وجه، ولكنها غير ثابته، ألا ترى أن
الشيخين العالمين - الشيخ سليمان بن عبد الله، والشيخ عبد الله بن صالح
البحرينيين - رجحا مذهب السيد في مسألة صدق الولد والابن، ومنع الأول
المنتسب بالأم من الخمس، وتوقف الثاني فيه (1)؟!
ومنه يظهر ما في كلام شيخنا صاحب الحدائق (2)، حيث نسب موافقة
السيد في مسألة الخمس إلى جماعة من المتأخرين والقدماء بمحض
موافقتهم له في مسألة صدق الولد والابن.
المسألة السابعة: هل يجوز أن يخص بنصف الخمس الذي
للطوائف الثلاث طائفة أو طائفتان منها، أم يجب البسط على الأصناف؟
المحكي عن الفاضلين (3) ومن تأخر عنهما (4): الأول، بل هو
المشهور بين المتأخرين، كما صرح به جماعة (5).
لصحيحة البزنطي الواردة في الخمس: أفرأيت إن كان صنف أكثر من
صنف، وصنف أقل من صنف، كيف يصنع به؟ فقال: (ذلك إلى الإمام، أرأيت
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف صنع؟ إنما كان يعطي على ما يرى هو، كذلك الإمام) (6).

(1) نقله عنهما في الحدائق 12: 416.
(2) الحدائق 12: 390.
(3) المحقق في المعتبر 2: 631، العلامة في التحرير 1: 74.
(4) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 68.
(5) كصاحب المدارك 5: 405، والسبزواري في الذخيرة: 488.
(6) التهذيب 4: 126 / 363، الوسائل 9: 519 أبواب قسمة الخمس ب 2 ح 1.
99

وتضعف بعدم صراحتها في جواز التخصيص بطائفة، بل
ولا ظهورها.
نعم، تدل على عدم وجوب استيعاب أشخاص كل صنف.
وعن المبسوط والحلبي والتنقيح: الثاني (1)، ومال إليه جمع من
متأخري المتأخرين، منهم: الذخيرة والحدائق (2) وبعض شراح المفاتيح.
وهو الأقوى، لظاهر الآية الشريفة (3) - فإن اللام للملك أو الاختصاص
، والعطف يقتضي التشريك في الحكم، وحملها على بيان المصرف خلاف
الظاهر، وارتكابه في الزكاة لوجود الصارف، وهو هنا مفقود - وظاهر
المرسلتين المتقدمتين (4)، ورواية رسالة المحكم والمتشابه (5)، ويدل عليه
أيضا استصحاب شغل الذمة.
وتردد في النافع والشرائع في المسألة (6)، وجعل الأحوط: الأول.
ولا يجب بسط حصة كل صنف على جميع أفراده مطلقا بلا خلاف
فيه، ولا على الحاضر منهم على الأشهر الأظهر.
خلافا فيه للمحكي عن الحلي والدروس (7)، لاستلزام الأول العسر
والحرج المنفيين، سيما في هذه الأزمنة، مع كونه مخالفا لعمل الطائفة بل
الاجماع بالضرورة، فتحمل لأجله اللام في الآية على الجنس، ومقتضاه

(1) المبسوط 1: 262، الحلبي في الكافي في الفقه: 173، التنقيح 1: 341.
(2) الذخيرة: 488، الحدائق 12: 381.
(3) الأنفال: 41.
(4) في ص: 77.
(5) المتقدمة في ص: 77.
(6) النافع: 63 الشرائع 1: 182.
(7) الحلي في السرائر 1: 497، الدروس 1: 262.
100

كفاية واحد من كل طائفة، وعدم دليل على الثاني.
لا يقال: الآية عامة، والتخصيص يرتكب بقدر المخصص، علم
خروج غير الحاضرين بما مر، فيبقى الباقي.
قلنا: جعله من باب التخصيص يوجب خروج الأكثر، إذ ليس في كل
بلد من الهاشميين إلا أقل قليل، فلا بد من حمل اللام على الجنس.. على
أن حمل الآية على الاستغراق غير ممكن، لأن استغراق اليتامى مثلا يتامى
آل محمد إلى يوم القيامة وإرادتهم غير ممكنة، وإرادة يتامى كل عصر
تجوز، ويتامى عصر الخطاب غير مفيد، فتأمل.
فرعان:
أ: هل تجب التسوية في قسمة الأصناف، فيعطى كل صنف قسما
مساويا للآخر، أم لا؟
مقتضى استصحاب الشغل وجعل السهام الثلاثة الأولى في الآية
نصفا: الأول.
ومقتضى أصل إطلاق الآية وظاهر الصحيحة (1): الثاني. وهو الأظهر،
لذلك، كما صرح به جماعة، منهم الشهيد في البيان (2)، وإن كان الأول أحوط.
ب: على ما اخترناه من وجوب التقسيط على الأصناف، فهل يجب
التقسيط في كل فائدة بخصوصها من معدن وغوص وربح، ومن الأرباح في
كل ربح ربح من كل شخص؟
أو الواجب تقسيط خمس كل شخص مطلقا؟

(1) المتقدمة في ص: 93.
(2) البيان: 351.
101

أو خمسه من كل سنة؟
احتمالات، الأوجه: وجوب التقسيط في خمس كل معدن وغوص
وكنز وغنيمة بخصوصه، وفي كل ربح إذا أعطى خمسه قبل الحول، ولو
خمسه بعد المؤنة، فيقسط خمس أرباح جميع الحول بعد المؤنة.
المسألة الثامنة: الحق اعتبار الفقر في مستحق الخمس من يتامى
السادات، وفاقا لظاهر الانتصار والنافع والارشاد (1)، بل للمشهور على ما
صرح به جماعة (2).
لتصريح الأخبار (3) بأن الله سبحانه عوضهم الخمس من الزكاة،
والمفهوم من هذا الكلام: اتحاد أهل الخمس والزكاة في جميع الأوصاف
سوى ما صار سببا للتعويض وهو السيادة، ويتبادر منه كون أهل الخمس
بحيث لولا المنع من الزكاة لأجل السيادة والتعويض لجاز لهم أخذ
المعوض.
ولقوله عليه السلام في آخر مرسلة حماد: (وجعل للفقراء قرابة الرسول
نصف الخمس، فأغناهم به عن صدقات الناس) الحديث (4)، صرحت بأن
النصف مقرر للفقراء فيعتبر الفقر فيه.
وقد يستدل بوجوه أخر لا اعتناء للفقيه بأمثالها.
خلافا للشيخ والحلي والجامع (5)، فلم يعتبروا الفقر فيهم، لعموم الآية.

(1) الإنتصار: 87، النافع: 63، الإرشاد 1: 293.
(2) كما في الروضة 2: 82.
(3) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
(4) الكافي 1: 539 / 4، التهذيب 4: 128 / 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة
الخمس ب 1 ح 8.
(5) الشيخ في المبسوط 1: 262، الحلي في السرائر 1: 496، الجامع للشرائع: 150.
102

ويجاب بوجوب تخصيصه بما مر.
ولأنه لو اعتبر الفقر فيهم لم يكن اليتامى قسما برأسه.
ويضعف باحتمال أن يكون ذلك لمزيد التأكيد كما في آية الزكاة (1).
وظاهر المحكي عن المنتهى والتلخيص والتذكرة والتحرير
والمختلف والمعتبر والشرائع والدروس (2)، التوقف في المسألة.
وأما ابن السبيل فلا يعتبر فقره في بلده إجماعا. والحق المشهور:
اعتباره في بلد التسليم، للمرسلة، وبها يقيد إطلاق الآية.
ومن جميع ذلك يظهر اختصاص ذلك النصف بالفقراء من السادات
وعدم استحقاق غيرهم بالمرة.
المسألة التاسعة: الحق اشتراط الايمان فيه، وفاقا للأكثر، كما صرح
به بعض من تأخر (3)، وعن الغنية والمختلف: الاجماع عليه (4).
للتعويض المذكور، ولما في مرسلة حماد (5) وغيرها (6) من أن
اختصاص الخمس بقرابة الرسول لكرامتهم وتنزيههم ورفعهم عن موضع
الذل، والمخالف ليس أهلا لذلك.. إلا أن يقال بجواز اجتماع جهتي
استحقاق الاذلال والكرامة، كما روي من الترغيب إلى إكرام شريف كل
قوم (7).

(1) التوبة: 61.
(2) المنتهى 1: 552، التذكرة 1: 254، التحرير 1: 74، المختلف: 206،
المعتبر 2: 295، الشرائع 1: 182، الدروس 1: 262.
(3) كما في الحدائق 12: 389، والرياض 1: 297.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 568، المختلف: 205.
(5) المتقدمة في ص: 77.
(6) الوسائل 9: 509 أبواب قسمة الخمس ب 1.
(7) الوسائل 12: 100 أبواب أحكام العشرة ب 68.
103

ولقوله عليه السلام في رواية يعقوب بن شعيب - بعد السؤال عمن لم
يتمكن من دفع الزكاة إلى أهل الولاية -: (يدفعها إلى من لا ينصب)، قلت:
فغيرهم؟ قال: (ما لغيرهم إلا الحجر) (1).
وفي رواية الأوسي - بعد الأمر بطرح الصدقة التي لا يجد لها محلا
من أهل الولاية في البحر -: (فإن الله عز وجل حرم أموالنا وأموال شيعتنا
على عدونا) (2).
وفي رواية عمر بن يزيد: عن الصدقة على النصاب وعلى الزيدية،
فقال: (لا تصدق عليهم بشئ، ولا تسقهم من الماء إن استطعت) (3).
وفي رواية ابن أبي يعفور: ما تقول في الزكاة لمن هي؟ قال: فقال:
(هي لأصحابك)، قال: قلت: فإن فضل منهم؟ قال: (فأعد عليهم)، قال:
قلت: فإن فضل عنهم؟ قال (فأعد عليهم)، قال: قلت: فإن فضل عنهم؟
قال: (فأعد عليهم)، قلت: فيعطى السؤال منها شيئا؟ قال: فقال: (لا والله
إلا التراب، إلا أن ترحمه فإن رحمته فأعطه كسرة) ثم أومأ بيده فوضع
إبهامه على أصابعه (4).
والظاهر أن المراد السؤال من المخالفين بقرينة المقام، وكراهة رد
غيرهم من السؤال كما قال سبحانه: (وأما السائل فلا تنهر) (5).
وأما قوله عليه السلام في رواية أبي بصير - بعد سؤال رجل: أعطي قرابتي
من زكاة مالي وهم لا يعرفون -: (لا تعط الزكاة إلا مسلما، وأعطهم من غير

(1) التهذيب 4: 46 / 121، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 7.
(2) التهذيب 4: 52 / 139، الوسائل 9: 223 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 8.
(3) التهذيب 4: 53 / 141، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 5.
(4) التهذيب 4: 53 / 142، الوسائل 9: 222 أبواب المستحقين للزكاة ب 5 ح 6.
(5) الضحى: 10.
104

ذلك) (1)..
وموثقته: عن الرجل يكون له قرابة محتاجون غير عارفين، أيعطيهم
من الزكاة؟ قال: (لا، ولا كرامة، لا يجعل الزكاة وقاية لماله، يعطيهم من
غير الزكاة إن أراد) (2)..
فلا ينافي ما ذكرنا، لأن المسؤول عنه لم يكن من السادات، وإلا لم
يسألوا عن إعطاء الزكاة، فلا يشمل غير الزكاة - المجوز إعطائه لهم -
الخمس، مع أن الخمس في زمانه كان يحمل إلى الإمام عليه السلام ولا يعطيه رب
المال، وأن قرابة السائل في الأولى كانوا معينين، ولا يعلم أنهم من السادة
أو الرعية، فلا يعلم شمول الخمس.
المسألة العاشرة: لا تعتبر العدالة فيه بلا خلاف يوجد كما قيل (3)،
وقيل: وهو مما لا يعرف فيه مخالفا بعينه (4)، لاطلاق الأدلة السليمة عما
يصلح للمعارضة.
وربما يظهر من الشرائع (5) وجود مخالف، وفي المدارك: أنه مجهول (6).
وقيل: لعله السيد، فإنه وإن لم يصرح باعتبارها ها هنا، ولكنه استدل
على اعتبارها في الزكاة بما يجري هنا، وهو الظواهر الناهية عن معونة
الفساق والعصاة (7).

(1) التهذيب 4: 55 / 146، الوسائل 9: 247 أبواب المستحقين للزكاة ب 16 ح 1.
(2) التهذيب 4: 55 / 148، الوسائل 9: 248 أبواب المستحقين للزكاة ب 6 ح 2.
(3) الرياض 1: 297.
(4) المدارك 5: 411.
(5) الشرائع 1: 183.
(6) المدارك 5: 411.
(7) انظر الرياض 1: 297.
105

وقال بعض الأجلة: بعض العبارات يشعر بالخلاف، وكلام ابن فهد
في المهذب يصرح به. انتهى.
المسألة الحادية عشرة: يحل نقل الخمس من بلده مع عدم وجود
المستحق فيه، بلا ريب فيه كما في المدارك (1)، وقولا واحدا كما في
غيره (2)، للأصل، ولأنه توصل إلى إيصال الحق إلى مستحقه فيكون جائزا،
بل قد يكون واجبا.
وأما مع وجوده فيه، فذهب جماعة - منهم: النافع والشرائع والارشاد
والمنتهى والتحرير والدروس - إلى عدم جواز النقل (3)، لأن المستحق مطالبه
من حيث الحاجة، فنقله عن البلد تأخير لصاحب الحق عن حقه مع
المطالبة.
وفيه: منع كونه حقا لهؤلاء المخصوصين.
نعم، لهم نوع استحقاق أدنى من الاستحقاق بخصوصه، وإيجاب
مثله لحرمة النقل مع مطالبته ممنوع.
ولذا ذهب الحلي والشهيد الثاني إلى جواز النقل (4)، واختاره في
المدارك والذخيرة (5)، وهو الأقوى.
المسألة الثانية عشرة: قد ذكر أكثر الأصحاب بأن مع وجود الإمام
يحمل الخمس إليه جميعا، وهو يقسم سهام الطوائف الثلاث بينهم،

(1) المدارك 5: 410.
(2) الرياض 1: 297.
(3) النافع: 63، الشرائع 1: 183، الإرشاد 1: 293، المنتهى 1: 552، التحرير
1: 74، الدروس 1: 262.
(4) الحلي في السرائر 1: 496، الشهيد الثاني في المسالك 1: 68.
(5) المدارك 5: 410، الذخيرة: 489.
106

فيعطيهم على قدر كفايتهم مقتصدا، فإن فضل عن كفايتهم شئ عن
نصيبهم كان له، ولو أعوز كان عليه الاتمام من نصيبه (1).
وخالف في ذلك الحلي ومنع الحكمين - أي كون الزائد له والناقص
عليه - أشد منع (2).
وأطال الفريقان في النقض والابرام والجدال والبسط من الكلام والقيل
والقال.
وأنا لا أرى في التعرض للمسألة جدوى وفائدة، وذلك لأن
مقصودهم إن كان بيان حكم الإمام وماله وعليه حال وجوده فهو تعرض
بارد واتجار كاسد، لأنه المرجع في الأحكام والعارف بالحلال والحرام.
وإن كان غرضهم معرفة ما كان عليه، حتى يبنى تقسيم الخمس في
زمان الغيبة عليه، كما ذكره المحقق الثاني في شرح القواعد، حيث قال بعد
اختيار المشهور: ويتفرع عليه جواز صرف حصته في حال الغيبة إليهم
وعدم جواز إعطاء الزائد على مؤنة السنة (3). انتهى. فتستخرج منه أحكام
ثلاثة: كون الفاضل مال الإمام الغائب، وإتمام الناقص من حصته، والاكتفاء
في إعطاء الخمس بقدر مؤنة السنة مقتصدة.
ففيه: أنه لا يمكن وجود الفاضل والعلم به في هذه الأزمان، لعدم
محصورية فقراء السادة، مع أنهم لو عرفوا جميعا لما يفضل عنهم شئ.
فلا يتفرع الحكم الأول تفريعا مفيدا لنا.
وأما الثاني، فإنما كان يفيد لو علمنا أنه عليه السلام كان يتم الناقص من

(1) انظر الرياض 1: 299.
(2) السرائر 1: 492.
(3) جامع المقاصد 3: 54.
107

نصيبه من الخمس، وليس دليل على ذلك أصلا، إذ ليس في المرسلتين (1)
- اللتين هما مستند الأكثر - إلا أنه كان على الوالي إتمامه من عنده، ولم يكن
ما عنده منحصرا بالخمس والزكاة، بل كانت له أموال أخر، وعنده ما يصرف
في مصالح العباد، ومحاويج الناس، ومنافع موقوفات آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم،
والنذور، وغير ذلك.
مع أنه قد صرح بمثل ذلك في مرسلة حماد في تقسيم الزكاة أيضا،
قال: (بداء فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا،
ونصف العشر مما سقي بالدوالي والنواضح، فأخذه الوالي) إلى أن قال:
(ثمانية أسهم تقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم
بلا ضيق ولا تقتير، فإن فضل من ذلك شئ رد إلى الوالي، وإن نقص من
ذلك شئ ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم
حتى يستغنوا) (2).
هذا، مضافا إلى أن جمعا من الأصحاب أيضا لم يبنوا الحكم على
ذلك، حيث توقفوا في هذه المسألة، ومع ذلك ذهبوا إلى جواز صرف
حصته في زمان الغيبة إليهم على وجه الغنيمة.
وأما الثالث، فلأنه لا تدل المرسلتان - اللتان هما الأصل في المسألة -
على لزوم الاكتفاء بمؤنة السنة، بل تصرحان بأنه كان عليه السلام يعطي هذا القدر،
ولا دلالة في ذلك على التعيين أصلا، كما إذا ورد أنه أعطى فقيرا من الزكاة
كذا وكذا، وقد نص في المرسلة أيضا على أنه كان يفعل في الزكاة كذلك
مع أنه لا يتعين فيه ذلك.

(1) المتقدمتين في ص: 77.
(2) الكافي 1: 453 / 4، الوسائل 9: 266 أبواب المستحقين للزكاة ب 28 ح 3.
108

وبالجملة: لا فائدة لنا في التعرض لهذه المسألة أصلا، فصرف
الوقت فيما يهم لنا أولى وأحرى.
المسألة الثالثة عشرة: اختلفوا في حكم الخمس في زمن الغيبة،
والكلام فيه إما في نصف الأصناف الثلاثة، أو في نصف الإمام، فها هنا
مقامان:
المقام الأول: في نصف الأصناف.
وفيه خمسة أقوال:
الأول: وجوب صرفه فيهم وقسمته عليهم، وهو الحق المشهور بين
المتقدمين والمتأخرين، وصرح به السيد في المسائل الحائرية، ونسب إلى
جمهور أصحابنا، بل قيل: لا خلاف فيه أجده إلا من نادر من القدماء (1).
الثاني: سقوطه وكونه مباحا للشيعة، حكي عن الديلمي وصاحب
الذخيرة (2)، ونقله في الحدائق عن شيخه الشيخ عبد الله بن صالح البحريني
وجملة من معاصريه (3)، ويظهر من الشيخ في النهاية تجويزه مع مرجوحيته (4).
إلا أن ظاهر بعضهم نفي القول بإباحة هذا النصف، ونسب ابن فهد
في شرح النافع أن مذهب الديلمي إباحة نصف الإمام خاصة (5).
والذي نقل من كلامه إلينا غير صريح في ذلك أيضا، بل يحتمل إرادة

(1) الرياض 1: 299.
(2) الديلمي في المراسم: 140 واستفاد العلامة في المختلف: 207 تعميم الاسقاط
من كلامه، الذخيرة: 492.
(3) الحدائق 12: 439.
(4) النهاية: 201.
(5) المهذب البارع 1: 571.
109

نصيبه من الأنفال، ولذا قال في كشف الرموز: إنه لا يعرف القائل بهذا
القول إلا من حكاية المصنفين (1).
وعلى هذا، فيكون عدم إباحته محل الوفاق.
الثالث: وجوب دفنه إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام، نقله في النهاية
والمقنعة عن بعضهم (2).
الرابع: وجوب حفظه والوصية به، وهو مختار الشيخ في التهذيب (3).
الخامس: التخيير [بين] (4) قسمته بينهم وعزله وحفظه والوصية به
إلى ثقة إلى وقت ظهور الإمام عليه السلام. وهو مختار المفيد في المقنعة، حيث
اختار أولا عزل جميع السهام وحفظه، ثم قال: ولو قسم شطر الأصناف
بينهم كان صوابا (5). وكذا الشيخ في المبسوط، إلا أنه زاد الدفن أيضا (6).
لنا: إطلاق الآية الكريمة (7)، والأخبار الكثيرة (8) المتقدمة بعضها بل
أكثرها، الموجبة للخمس بقول مطلق، أو المثبتة نصفه للأصناف من غير
تقييد بوقت أو حال، أو الدالة على وجوبه على كل أحد من غير
تخصيص، وعلى وجوبه في كل عام وفي كل ما أفاده الناس.
المعتضدة بالمستفيضة (9) المصرحة بتعويض الذرية الخمس عن

(1) كشف الرموز 1: 272.
(2) النهاية: 201، المقنعة: 286.
(3) التهذيب 4: 147.
(4) أثبتناه لاستقامة العبارة.
(5) المقنعة: 286.
(6) المبسوط 1: 264.
(7) الأنفال: 41.
(8) الوسائل 9: 483 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 1.
(9) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
110

الزكاة تنزيها وصيانة لهم عن أوساخ أيدي الناس.
المؤيدة بالشهرة العظيمة، التي كادت أن تكون إجماعا، الخالية عن
المعارض جدا، إذ ليس إلا بعض أدلة المخالفين في المسألة، وهي
للمعارضة غير صالحة.
دليل المسقطين له المبيحين إياه للشيعة أمور ثلاثة:
الأول: ما أشار إليه المفيد (1) من أن تقسيم الخمس بين أربابه منصب
للإمام - وهو الذي كان يقسمه - وهو غائب، ولا دليل على جواز نيابة
المالك أو غيره عنه في ذلك.
وفيه: أن أدلة استحقاق هؤلاء لنصف الخمس مطلقة من غير تعيين
لمن يصرفه إليهم، وأمر الإمام أحدا بأخذه أو إتيانه إليه لا يدل على أنه
يجب إتيانه إليه.
سلمنا وجوب دفعه إليه ليصرفه فيهم، ولكن لا يلزم من سقوط ذلك
- لتعذر الوصول إلى من له حق الصرف - سقوط أصل الحق الثابت بالكتاب
والسنة، المقتضيين لاستمراره إلى الأبد، فإن مقتضى أدلة وجوب الايصال
إلى الإمام - لو تمت - وجوبه مع الامكان، ويخرج عن أصل عدم وجوبه
المقتضى لجواز صرف كل أحد في الأصناف في حال الامكان، وأما مع
عدمه فيبقى الأصل بلا معارض.
الثاني: الأخبار الكثيرة المتضمنة لتحليل الخمس وإباحته مطلقا
للشيعة، وهي كثيرة جدا:
كصحيحة النصري: إن لنا أموالا من غلا ت وتجارات ونحو ذلك،
وقد علمنا أن لك فيها حقا، قال: (فلم أحللنا إذن لشيعتنا إلا لتطيب

(1) المقنعة: 286.
111

ولادتهم، وكل من والى آبائي فهو في حل عما في أيديهم من حقن، فليبلغ
الشاهد الغائب) (1).
وروايته، وفيها: (إن لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو
المال) إلى أن قال: (إن الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل
البيت) إلى أن قال: (اللهم إنا أحللنا ذلك لشيعتنا) (2).
ورواية يونس بن يعقوب: تقع في أيدينا الأرباح والأموال
والتجارات، نعرف أن حقك فيها ثابت، وإنا عن ذلك مقصرون، فقال: (ما
أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم) (3).
وصحيحة الفضلاء: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: هلك الناس في
بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا وإن شيعتنا من ذلك
وآباءهم في حل) (4).
وصحيحه ابن مهزيار، وفيها: (من أعوزه شئ من حقي فهو في
حل) (5).
وصحيحة الكناسي: (أتدري من أين دخل على الناس الزنا؟)

(1) التهذيب 4: 143 / 399، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 4 ح 9.
(2) التهذيب 4: 145 / 405، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 4 ح 14.
(3) الفقيه 2: 23 / 87، التهذيب 4: 138 / 389، الإستبصار 2: 59 / 194،
الوسائل 9: 545 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 6.
(4) التهذيب 4: 137 / 386، الإستبصار 2: 58 / 191، المقنعة: 282، العلل:
377 / 2، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 1.
(5) الفقيه 2: 23 / 88، التهذيب 4: 143 / 400، الوسائل 9: 543 أبواب الأنفال
وما يختص بالإمام ب 4 ح 2.
112

فقلت: لا أدري، فقال: (من قبل خمسنا أهل البيت، إلا لشيعتنا الأطيبين،
فإنه محلل لهم ولميلادهم) (1).
وحسنة الفضيل، وفيها: (قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام: أحلي
نصيبك من ألفي لآباء شيعتنا، ليطيبوا)، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: (إنا
أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم، ليطيبوا) (2).
ورواية الرقي: (الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلا أنا أحللنا
شيعتنا من ذلك) (3).
والمروي في تفسير الإمام: (إن أمير المؤمنين عليه السلام قال لرسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: قد علمت أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر، فيستولي على
خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه، ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه،
وقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحل لهم
منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم ولا يكون أولادهم أولاد
حرام، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تصدق أحد أفضل من صدقتك، وقد
تبعك رسول الله، في فعلك، أحل للشيعة كل ما كان فيه من غنيمة أو بيع
من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا أحلها أنا ولا أنت لغيرهم) (4).
ورواية معاذ: (موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم

(1) الكافي 1: 546 / 16، التهذيب 4: 136 / 383، الإستبصار 2: 57 / 188،
المقنعة: 280، الوسائل 9: 544 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 3.
(2) التهذيب 4: 143 / 401، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 4 ح 10.
(3) الفقيه 2: 24 / 90، التهذيب 4: 138 / 388، الإستبصار 2: 59 / 193،
الوسائل 9: 546 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 7.
(4) الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 20.
113

بالمعروف) (1).
ورواية أبي حمزة: (نحن أصحاب الخمس وألفي، وقد حرمناه على
جميع الناس ما خلا شيعتنا) (2).
ورواية ابن سنان، وفيها - بعد ذكر أن على من اكتسب الخمس
لفاطمة وللحجج -: (إلا من أحللناه من شيعتنا، لتطيب لهم به الولادة) (3).
ورواية سالم: قال رجل: حلل لي الفروج، ففزع أبو عبد الله عليه السلام،
فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها
أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: (هذا
لشيعتنا حلال، الشاهد منهم والغائب، والميت منهم والحي، وما يولد منهم
إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال) (4).
وصحيحة محمد: (إن أشد ما فيه يوم القيامة أن يقوم صاحب
الخمس فيقول: يا رب خمسي، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا، لتطيب ولادتهم،
ولتزكو أولادهم) (5).

(1) الكافي 4: 61 / 4، التهذيب 4: 143 / 402، الوسائل 9: 547 أبواب الأنفال
وما يختص بالإمام ب 4 ح 11.
(2) الكافي 8: 285 / 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4
ح 19.
(3) التهذيب 4: 122 / 348، الإستبصار 2: 55 / 180، الوسائل 9: 503 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 8.
(4) التهذيب 4: 137 / 384، الإستبصار 2: 58 / 189، المقنعة: 281، الوسائل
9: 544 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 4.
(5) التهذيب 4: 136 / 382، الإستبصار 2: 57 / 187، الوسائل 9: 545 أبواب
الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 5، ورواها في الكافي 1: 546 / 20، المقنعة:
280.
114

وصحيحة زرارة المروية في العلل: (إن أمير المؤمنين عليه السلام حللهم
من الخمس - يعني الشيعة - ليطيب مولدهم) (1).
ورواية حكيم، وفيها بعد ذكر آية الخمس: (إلا أن أبي جعل شيعتنا
من حل في ذلك، ليزكوا) (2).
والتوقيع الرفيع المروي في إكمال الدين والاحتجاج، وفيه: (وأما
المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران، وأما
الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا، لتطيب
ولادتهم) (3).
إلى غير ذلك من الأخبار، التي بعضها مخصوص بحلية ألفي،
وبعضها يدل على تحليل خمس بعض أشخاص معينين، وبعضها على
تحليل شئ معين.
وجوابه أولا: بالمعارضة بالأخبار المتكثرة، كالروايات الثلاث
- المتقدمة في أوائل خمس الأرباح (4) - لابن مهزيار وابن الصلت
والنيشابوري عن أبي محمد وأبي الحسن الثالث.
وكرواية محمد بن يزيد الطبري: قال: كتب رجل من تجار فارس من
بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه:
(بسم الله الرحمن الرحيم) إلى أن قال: (لا يحل مال إلا من وجه أحله الله،

(1) العلل: 377 / 1، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 15.
(2) التهذيب 4: 121 / 344، الإستبصار 2: 54 / 179، الوسائل 9: 546 أبواب
الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 8، ورواها في الكافي 1: 544 / 10.
(3) كمال الدين 2: 483 / 4، الإحتجاج 2: 471، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال
وما يختص بالإمام 4 ح 16.
(4) في ص: 29 - 30.
115

إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا وما نبذل ونشتري
من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا، ولا تحرموا أنفسكم
دعاءنا) إلى أن قال: (وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب) (1).
والأخرى: قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام،
فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس، فقال: (ما أمحل هذا؟! تمحضونا
بالمودة بألسنتكم وتزوون عنا حقا جعله الله لنا وجعلنا له، وهو الخمس، لا
نجعل أحدا منكم في حل) (2).
ورواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيها: (ولا يحل لأحد أن
يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا) (3).
وأخرى: (من اشترى شيئا من الخمس لم يعذره الله، اشترى ما لا
يحل له) (4).
وصحيحة ابن مهزيار الطويلة، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام، وفيها:
(وأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى:
(واعملوا أنما غنمتم) الآية (5))، إلى أن قال: (فمن كان عنده شئ من

(1) الكافي 1: 547 / 25، التهذيب 4: 139 / 395، الإستبصار 2: 59 / 195،
المقنعة: 283، الوسائل 9: 538 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 3 ح 2، وفي
الكافي والوسائل: محمد بن زيد الطبري.
(2) الكافي 1: 548 / 26، التهذيب 4: 140 / 396، الإستبصار 2: 60 / 196،
الوسائل 9: 539 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 3 ح 3، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 1: 545 / 14، المقنعة: 280، الوسائل: 9: 487 أبواب ما يجب فيه
الخمس ب 2 ح 5.
(4) التهذيب 4: 136 / 381، الوسائل 9: 540 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 3 ح 6.
(5) الأنفال: 41.
116

ذلك فليوصل إلى وكيلي، من كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله ولو بعد
حين) (1).
والرضوي، وفيه: (فعلى كل من غنم من هذه الوجوه مالا فعليه
الخمس، فإن أخرجه فقد أدى حق الله عليه) إلى أن قال: (فاتقوا الله
وأخرجوا حق الله مما في أيديكم يبارك لكم في باقيه) (2).
والمروي في كتاب الخرائج والجرائح: (يا حسين، لم ترزأ على
الناحية؟ ولم تمنع أصحابي من خمس مالك؟) ثم قال (إذا مضيت إلى
الموضع الذي تريده تدخله عفوا وكسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى
مستحقه) قال: فقلت: السمع والطاعة، ثم ذكر في آخره: أن العمري أتاه
وأخذ خمس ماله بعدما أخبره بما كان (3).
إلى غير ذلك من الأخبار المتضمنة لما فيه الخمس (4)، وأنه يجب
بعد المؤنة، وكيفية تقسيم الإمام له.
وقد يذكر في المعارضة توقيعان آخران (5) لا دلالة لهما على المطلوب
أصلا، كما لا يخفى على المتأمل، فإن مدلولهما قريب من صدر التوقيع
المذكور.

(1) التهذيب 4: 141 / 398، الإستبصار 2: 60 / 198، الوسائل 9: 501 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 294، المستدرك 7: 284 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 6
ح 1.
(3) الخرائج والجرائح 3: 1118 / 33، الوسائل 9: 541 أبواب الأنفال وما يختص
بالإمام ب 3 ح 9.
(4) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 3.
(5) الظاهر أنه ناظر إلى كلام الرياض 1: 301، والتوقيعان المذكوران مرويان في
الوسائل 9: 504 أبواب الأنفال ب 3 ح 6 و 7.
117

وجه التعارض: أن من المعلوم أن استدلالهم بروايات التحليل (1)
باعتبار حملهم إياها على التحليل الاستمراري، وإلا فتحليل أيام حقه في
زمان لا يفيد لزمان الغيبة، ولا شك أن الاستمراري ينافي الأمر بالأخذ،
والمطالبة، والمنع من ترك دفعه، والتصريح بعدم جعله حلالا على أحد،
والنهي عن اشترائه، والتصريح بالوجوب في كل عام، والأمر بالايصال إلى
الوكيل، وبالاخراج.
وغير نادر من أخبار التحليل مروي عن الأمير والصادقين عليهم السلام (2)،
وغير نادر من أخبار الوجوب مروي عن مولانا الرضا وأبي جعفر الثاني
وأبي الحسن الثالث وأبي محمد العسكري عليهم السلام (3).
والتوقيع المحلل يعارض رواية الجرائح.
وحمل التوقيع المحلل على زمان الغيبة الكبرى تأويل بلا شاهد،
وحمل بلا حامل.
وليست المطالبة في التوقيع الآخر (4) من باب التخصيص اللفظي حتى
يقال: خرج ما خرج فيبقى الباقي، وإنما هو فعل ذو وجوه.
ولا شك أن الايجاب المتأخر مناف للتحليل المتقدم، فيحصل
التعارض، وتترجح أخبار الوجوب بمعاضدة الشهرة القديمة والجديدة،
وموافقة الآية الكريمة (5)، ومخالفة الطائفة العامة، وبالأحدثية، التي هي
أيضا من المرجحات المنصوصة، مع أن مع التكافؤ أيضا يجب الرجوع إلى

(1) المتقدمة في ص: 104 - 107.
(2) راجع ص: 104 - 105.
(3) راجع ص: 29 - 30.
(4) انظر الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال ب 3.
(5) الأنفال: 41.
118

الكتاب ومطلقات الخمس واستصحاب وجوبه وأصالة عدم التحليل.
وهذا مع مطابقة أخبار الوجوب للاعتبار، فإن المصرح به في
الأخبار (1): أن الله سبحانه حرم الزكاة على فقراء الذرية الطاهرة، تعظيما
وإكراما لهم، وعوضهم عن ذلك بالخمس، ولو أبيح مطلق الخمس وسقط
عن مطلق الشيعة - والمخالف لا يقول بخمس الأرباح الذي هو معظمه، ولا
يخمس المال المختلط، بل الغوص عند أكثرهم، ومع ذلك لا يعطونه
سادات الشيعة، ولو أعطوا لا يعطونه الشيعة الساكنين بلاد التشيع - فأي
عوض حصل للذرية مع كثرتهم؟! وبماذا وقع التلافي لهم؟! وبأي شئ
يدفع احتياج فقرائهم ومساكينهم؟!
وثانيا: بأن أكثر أخبار التحليل غير شامل لحق الأصناف، بل صريح
أو ظاهر في حقهم خاصة، لتضمنها لفظ: (حقنا) أو: (مظلمتنا) أو:
(خمسنا أهل البيت) ونحو ذلك، كالروايات التسع الأولى، بل بعضها
يختص بحق بعض الأئمة، وهو ما تضمن لفظ (حقي) و (حقك)
و (نصيبي) و (نصيبك) كالروايات الأربع: الثالثة والخامسة والسابعة
والثامنة، فلا يدل على سقوط حق جميع الأئمة.
وأما الثمان البواقي، فالأربعة الأولى منها لا دلالة لها على مطلوبهم.
أما أولاها - وهي رواية معاذ - فلعدم دلالتها على أمر الخمس، ولو
سلم فإنما يكون بالعموم المطلق بالنسبة إلى أخبار وجوب الخمس، فيجب
التخصيص.
مضافا إلى احتمال شمول الانفاق لاخراج الخمس أيضا، مع أنها
مقيدة بالمعروف، فلعله بعد إخراج الخمس، بل هو كذلك عند من يوجب

(1) الوسائل 9: 268 أبواب المستحقين للزكاة ب 29.
119

إخراجه.
وأما ما بعدها، فلاحتمال إرجاع الضمير إلى ألفي، بل هو الراجح،
لأقربيته وإفراد الضمير.
مضافا إلى أن مفهوم الاستثناء فيه عدم تحريم الخمس والفئ
للشيعة، وهو يصدق بحلية بعض ذلك ولو لبعض الشيعة، فتأمل.
وأما ما بعدها، فلجواز كون لفظة (من) في قوله: (من شيعتنا)
تبعيضية، بل هو الأظهر، فلا يعلم أنه من هو، فيمكن أن يكون بعض
أصحاب بعض الأئمة.
وأما ما بعدها، فلعدم دلالتها على تحليل الخمس أصلا، إذ يمكن أن
يكون المسؤول عن إباحتها ما يحتمل أن يكون فيه خمسهم أو أن يكون فيه
ألفي وغنائم دار الحرب.
فلم تبق إلا الأربعة الأخيرة، والثلاثة الأولى منها أيضا لا تدل على
أزيد من تحليل الخمس كلا أو بعضا للشيعة الموجودين في زمان التحليل
أو مع ما سبقه، لأن (أحللنا) و (طيبنا) و (حللهم) و (جعلهم في حل)
- بالإضافة إلى من يأتي - مجاز قطعا، فلا يرتكب إلا بدليل.
ومنه يظهر جواب آخر لأكثر ما يسبق الأربعة من أخبار التحليل، بل
لجميعها.
فلم يبق إلا التوقيع، وظاهر أنه بانفراده - سيما مع ما مر من وجوه
المرجوحية - لا يقاوم أخبار الوجوب البتة.
مضافا إلى أنه لو أريد منه العموم بالنسبة إلى جميع سهام الخمس
يخرج جدا عن الحجية بالمخالفة للشهرتين والدخول في حيز الشذوذ.
ومنه يظهر جواب آخر لجميع أخبار الإباحة.
120

هذا كله، مع أنه علل فيه التحليل بطيب الولادة، وهو في غير المناكح
- التي جمهور الأصحاب فيها على الحلية - لا يصلح للعلية، فتصلح العلة
قرينة لإرادة هذا النوع خاصة.
ومنه يظهر جواب آخر لجميع ما يتضمن تلك العلية، وهو أكثر أخبار
الحلية.
هذا كله، مضافا إلى قصور دلالة كل واحد واحد من الروايات التسع
الأولى بخصوصها على إباحة مطلق الخمس أو نصف الإمام في هذه الأزمان
من وجوه أخر أيضا.
أما الأول - وهو صحيحة النصري (1) - فلظهور قوله: (مما في أيديهم)
في الفعلية، بل حقيقة منحصرة فيها، وكذا جملة: (فهو في حل مما في
أيديهم) وكذا: (كل من والى آبائي)، فلا يشمل من سيأتي، بل (الشاهد
والغائب) حقيقتان في الموجود، ولا يطلق الغائب على المعدوم.
وأما الثاني، فلأن المشار إليه في قوله: (ذلك) هو الحرام الذي ظلم
فيه أهل البيت، ومدلوله أن ما ظلموا فيه من الخمس وصفو المال والأنفال
التي بيد المخالفين إذا أخذه الشيعة بشراء أو عطية فهو لهم حلال، لا أن
الخمس الذي بيد الشيعة ولم يظلموا فيه بعد فهو أيضا لهم حلال، وجعل
الإشارة للخمس مطلقا لا دليل عليه، بل لا وجه.
وأما الثالث، فلأن السؤال وقع فيه عما في أيدي السائل، والجواب
مقصور في عدم التكليف في ذلك اليوم بخصوصه، فلا دلالة له لغيره
أصلا، ولا عموم فيه ولا إطلاق أبدا.
وأما الرابع، ففيه أولا: أنه لا يشمل الحق للخمس إلا بالعموم،

(1) المتقدمة في ص: 104.
121

وأخبار وجوب الخمس خاص مطلق بالنسبة إليه، فيجب التخصيص،
وذلك يجري في الثلاثة الأولى أيضا.
وثانيا: أن عدم أداء الحق يتحقق مع حبس بعض منه أيضا، وإذا لم
تؤد جميع الحقوق يصدق عدم أداء الحق، ولا يعلم الحق المحبوس
المحلل المشار إليه بقوله: (من ذلك)، فلا يفيد.
وثالثا: أن (آباءهم) مطلق شامل للمخالف وغيره، وظاهر أن المحلل
لآبائهم المخالفين ليس إلا المناكح حتى تطيب ولادة الشيعة لا مطلقا، وليس
تخصيص الآباء بالشيعة منهم أولى من تخصيص الحق - لو كان عاما -
بالمناكح.
وأما الخامس، فلما ذكر أولا في الرابع، مضافا إلى اختصاصه بالاعواز
- وهو غير محل النزاع - وبحق الصادق عليه السلام خاصة.
وأما السادس، فلأن مرجع الضمير في قوله: (فإنه محلل) كما يمكن
أن يكون خمسا يمكن أن يكون الموضع الذي دخل منه الزنا - أي
المناكح - كما يعاضده قوله: (لميلادهم).. مع أن فيمن جعل في حل
إجمالا، لتقييد الشيعة بالأطيبين، فلا تعلم الحلية لغيرهم، وجعل الوصف
توضيحيا مساويا خلاف الظاهر.
وأما السابع، فلاختصاصه بألفي - وهو غير الخمس - وأمهات
الشيعة، وهن من المناكح.
وأما الثامن، فلعموم فضل المظلمة بالنسبة إلى الخمس أولا.
واختصاص قوله: (يعيشون) بالفعلية، وعدم صدقه على من يأتي،
فتختص الإشارة بما تحقق، ثانيا.
وكون الإشارة لفضل المظلمة، فتختص بالمأخوذ عن المخالف كما
122

مر في الثاني، ثالثا.
وأما التاسع، فلصراحته في أن المحلل هو ما يشتري من المخالف
الجابر، وهو غير محل النزاع.
ومن جميع ذلك يظهر عدم انتهاض تلك الأخبار لاثبات حلية نصف
الإمام في زمان الغيبة أيضا، بل ولا دلالة بالنسبة إلى جميع النصف ومن
جميع الأئمة في زمن الحضور أيضا.
الثالث من أدلة القول بالسقوط في زمن الغيبة: ما يستفاد من
الذخيرة (1)، وهو الأصل، فإن الأصل عدم وجوب شئ على أحد حتى يدل
عليه دليل، ولا دليل على ثبوت الخمس في زمن الغيبة، فإنه منحصر بالآية
والأخبار، ولا دلالة لشئ منها..
أما الآية، فلاختصاصها بغنائم دار الحرب المختصة بحال الحضور
دون الغيبة، مع أنها خطاب شفاهي متوجه إلى الحاضرين خاصة، والتعدية
إلى غيرهم بالاجماع إنما يتم مع التوافق في الشرائط جميعا، وهو ممنوع
في محل البحث، فلا ينهض حجة في زمان الغيبة.
ولو سلم فلا بد من صرفها إلى خلاف ظاهرها، إما بالحمل على بيان
المصرف، أو بالتخصيص، جمعا بينها وبين الأخبار الدالة على الإباحة.
وأما الأخبار، فلأنها - مع ضعف أسانيدها - غير دالة على تعلق
النصف بالأصناف على وجه الملكية أو الاختصاص مطلقا، بل دلت على أن
الإمام يقسمه كذلك، فيجوز أن يكون هذا واجبا عليه من غير أن يكون
شئ من الخمس ملكا لهم أو مختصا بهم.

(1) الذخيرة: 491 و 492.
123

سلمنا، لكنها تدل على ثبوت الحكم في زمان الحضور لا مطلقا،
فيجوز اختلاف الحكم باختلاف الأزمنة.
سلمنا، لكن لا بد من التخصيص فيها وصرفها عن ظاهرها، جمعا
بين الأدلة.
والجواب: أن تخصيص الآية بغنائم دار الحرب مخالف للعرف
واللغة والأخبار المستفيضة، بل - كما قيل (1) - لاجماع الإمامية، وبالمشافهين
حقيقة غير ضائر، لما أثبتنا في الأصول من شمول الخطابات للمعدومين
أيضا - ولو مجازا - بالأخبار، من غير افتقار إلى الاجماع حتى يناقش فيه
بانتفائه في محل النزاع مع أن الاجماع ثابت على الشركة في جميع
الأحكام، إلا ما ثبت اشتراطه بشرط أو تقييده بقيد غير متحقق للغائب.
وما نحن فيه كذلك، لعدم دليل على اشتراط الحضور، ولا حاجة لنا
إلى تحقق الاجماع في كل مسألة.
مضافا إلى أن دعوى اشتراط الحضور فاسدة، وللاجماع - بل
الضرورة - مخالفة، لأن المبيح في زمن الغيبة - مع ندرته - يقول به من جهة
التحليل لا من عدم عموم الدليل.
وأيضا استشهاد الأئمة واستدلالهم بالآية في كثير من الأخبار كاشف
عن شمولها لزمانهم المتأخر عن زمان نزولها أيضا، بل أخبار التحليل
والإباحة كاشفة عن الشمول، وإلا فلا معنى للتحليل.
وأما صرف الآية عن ظاهرها جمعا، فهو موقوف على وجود
المعارض الأقوى، وهو منتف، لما عرفت من عدم وضوح دلالة أخبار

(1) انظر الرياض 1: 300.
124

التحليل على ما يوجب صرفها عن ظاهرها.
مع أن القاعدة الشرعية الثابتة بالأحاديث الكثيرة: عرض الأخبار على
القرآن ورد ما يخالفه، لا صرف الآية عن ظاهرها مع اختلاف روايات
الواقعة، سيما مع أن الآية أرجح بوجوه عديدة مر ذكرها.
هذا كله، مع أن الجمع غير منحصر في ذلك، لامكانه بوجوه:
منها: ما عليه جمهور أصحابنا (1) من تخصيص التحليل بالمناكح
والمساكن، كما يأتي ذكره.
ومنها: تخصيص التحليل بحقوقهم لبعض شيعتهم أو جميعهم في
زمانهم، أي في زمان المحلل خاصة.
ومنها: تخصيصه بما يصل إليهم من ظالمي حقوق أهل البيت من
الغنائم والأخماس.
ومنها: تخصيصه بما يختلط مع الأخماس أو يشتبه وجودها فيه. إلى
غير ذلك.
ولا وجه لترجيح الأول لو لم نقل بكون هذه الوجوه كلا أو بعضا
أرجح.
مضافا إلى أن حمل الآية على بيان المصرف خلاف الظاهر جدا، كما
صرح هو به حيث قال - بعد نقل حملها عليه من المحقق -: وفيه نظر، لأن
حمل الآية على أن المراد بيان مصارف الاستحقاق عدول عن الظاهر، بل
الظاهر من الآية الملك أو الاختصاص، والعدول عنه محتاج إلى دليل، ولو
كان كذلك لاقتضى جواز صرف الخمس كله في أحد الأصناف الستة.
انتهى.

(1) انظر ص: 112.
125

وأما ما ذكره في الأخبار - من ضعف الاسناد - فهو غير صالح للاستناد،
لوجودها في كتب عليها المدار والاعتماد، ومع ذلك ففيها الصحيح والموثق
وموافق للشهرة العظيمة، وهي لضعف الأخبار عند الأصحاب جابرة.
مضافا إلى استناده إلى تلك الأخبار في كثير من أحكام الخمس.
وأما إنكار دلالتها على تعلق النصف بالأصناف على وجه الملكية
والاختصاص فهو مكابرة محضة، كيف؟! وفي بعضها: (والنصف له،
والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين
لا يحل لهم الصدقة ولا الزكاة، عوضهم الله تعالى مكان ذلك الخمس) (1).
ولا ريب أن اللامين هنا بمعنى واحد، فكما أنها في نصف الإمام
للتملك أو الاختصاص (2) فكذا في نصف الأصناف، سيما مع ذكر التعويض
لهم عن الصدقة.
وفي آخر: (يثب أحدهم على أموال آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتاماهم
ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذها) الحديث (3).
وفي ثالث: (وإنما جعل الله هذا الخمس لهم خاصة دون مساكين
الناس وأبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس) إلى أن قال: (وجعل
لفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات الناس) (4).
وأما احتمال اختصاص الحكم بزمان الحضور ففساده أوضح من أن
يذكر، فإنه لا جهة لهذا التوهم ولا منشاء لذلك الاحتمال في الأخبار.
وأما تخصيصها وصرفها عن ظاهرها جمعا، ففيه ما مر في تخصيص

(1) التهذيب 4: 126 / 364، الوسائل 9: 521 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 2.
(2) في (ح): للتمليك والاختصاص، والأولى: الملكية أو الاختصاص.
(3) التهذيب 4: 127 / 364، الوسائل 9: 538 أبواب قسمة الخمس ب 3 ح 1.
(4) التهذيب 4: 128 / 366، الوسائل 9: 513 أبواب قسمة الخمس ب 1 ح 8
126

الآية.
ودليل الموجبين للدفن: دليل وجوب دفن حصة الإمام - كما يأتي (1)
مع رده - بضميمة ما مر (2) من أن صرف هذا النصف منصب الإمام وموكول
إليه، وقد عرفت ضعفه.
وكذا حجة الموجبين للوصية.
وحجة القول الآخر: الجمع بين أدلة ملكية النصف للأصناف ودليل
وجوب الدفع إلى الإمام ليصرفه فيهم.
ويرد باختصاص وجوب الدفع - لو سلم - بحال الحضور.
ومما ذكر ظهر أن وجوب قسمة نصف الأصناف بينهم - كما اختاره
من أصحابنا الجمهور (3) - في غاية الظهور.
المقام الثاني: في نصف الإمام عليه السلام.
وفيه تسعة أقوال:
الأول: سقوطه وتحليله، ذهب إليه من ذهب إليه في نصف
الأصناف (4)، واختاره أيضا صاحب المدارك والمحدث الكاشاني في
المفاتيح والوافي وصاحب الحدائق (5)، ونسبه في كشف الرموز إلى قوم من
المتقدمين وقال: إنه متروك ولا فتوى عليه (6).

(1) في ص: 120.
(2) في ص: 103.
(3) راجع ص: 102.
(4) كما في المراسم: 140، والذخيرة: 492.
(5) المدارك 5: 424، المفاتيح 1: 229، الوافي 10: 344، الحدائق 12: 443.
(6) كشف الرموز 1: 272.
127

الثاني: عزله وإيداعه والوصية به من ثقة إلى وقت ظهوره، اختاره
المفيد في المقنعة والقاضي والحلبي والحلي (1)، واستحسنه في المنتهى (2)،
وهو مذهب السيد في المسائل الحائرية.
الثالث: دفنه، نقل عمن نقل عنه الدفن في النصف الأول.
الرابع: قسمته بين المحاويج من الذرية، حكاه في المختلف عن جماعة
من علمائنا (3)، وهو اختيار المفيد في الرسالة العزية والمحقق في الشرائع
والشيخ علي في حاشيته وابن فهد في المهذب (4)، ونسبه في الروضة إلى
المشهور بين المتأخرين (5)، وذهب إليه الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني،
والشيخ الحر في الوسائل إلا أنه قال: مع عدم حاجة الأصناف تباح للشيعة (6).
الخامس: التخيير بين التحليل والدفن والايداع، يظهر من الشيخ في
النهاية (7).
السادس: التخيير بين الأخيرين، اختاره في المبسوط (8).
السابع: التخيير بين الأخيرين والقسمة بين الأصناف، حكي عن
الدروس (9).

(1) المقنعة: 286، القاضي في المهذب 1: 181، الحلبي في الكافي في الفقه:
173، الحلي في السرائر 1: 499.
(2) المنتهى 1: 555.
(3) المختلف: 210.
(4) الشرائع 1: 184، المهذب البارع 1: 571.
(5) الروضة 2: 80.
(6) الوسائل 9: 543.
(7) النهاية: 201.
(8) المبسوط 1: 264.
(9) الدروس 1: 262.
128

الثامن: التخيير بين الأخير والقسمة، اختاره في المختلف (1)، وهو
الظاهر من النافع (2)، ونسب إلى البيان (3)، وإليه ذهب المحقق الخوانساري
في رسالته بزيادة رجحان القسمة.
التاسع: قسمته بين موالي الإمام وشيعته من أهل الفقر والصلاح من
غير تخصيص بالذرية، نقله في المقنعة عن بعضهم، وجعله قريبا من
الصواب (4)، وإليه ذهب ابن حمزة في الوسيلة (5).
دليل الأول: ما مر (6) من أخبار التحليل بحملها على حقه عليه السلام.
وجوابه قد ظهر.
ودليل الثاني: أنه مال الإمام - لأخبار وجوبه مطلقا أو مستمرا،
واستصحاب بقائه - فلا يجوز التصرف فيه، ولا يمكن إيصاله إلى ذي
الحق، فيجب حفظه إلى زمان إمكان الايصال.
وفيه: أنه إنما يتم لو لم يعلم عدم رضاه بذلك ورضاه بغيره، وقد
يدعى العلم بذلك كما يأتي (7).
ودليل الثالث: دليل الثاني، بضميمة أن الدفن أحفظ الوجوه، مع ما
روي من أن الأرض تخرج كنوزها للقائم (8).

(1) المختلف: 210.
(2) النافع: 64.
(3) البيان: 351.
(4) المقنعة: 286.
(5) الوسيلة: 137.
(6) راجع ص: 104 وما بعدها.
(7) في ص: 122.
(8) انظر البحار 52: 280 / 6 نقلا عن الإحتجاج، و ص: 322 / 31 نقلا عن كمال
الدين.
129

وفيه - مع ما مر -: منع كون الدفن أحفظ، بل هو أيضا في معرض
الظهور والتلف، والرواية لا دلالة لها على المورد أصلا.
وحجة الرابع: أن الإمام كان يفعل ذلك، أي يتم للسادات ما
يحتاجون إليه من نصيبه وجوبا لا تفضلا، فهو حق لهم إذا لم تف أنصبائهم
بمؤنهم، فثبت ذلك لهم في الغيبة، لأن الحق الواجب لا يسقط بغيبة من
ثبت في حقه.
وزاد في المهذب: كونه أحوط، لاشتماله على إخراج الواجب
وتفريغ الذمة، واشتماله على نفع المحاويج من الذرية، وكونه صلة لهم،
وكونه أسلم عاقبة من الوصية والدفن (1).
وضعف الجميع ظاهر:
أما الأول، فلمنع وجوب الاتمام عليه من حصته كما مر، وغاية ما
ثبت أنه كان يتم من عنده - كما في تقسيم الزكاة أيضا - فيمكن أن يكون
من الأوقاف والنذور أو غيرها.
سلمنا أنه كان عليه الاتمام من حصته، ولكن لم يعلم أن هذا
الوجوب من باب حق الذرية، فلعله كان أمرا واجبا عليه نفسه، ومثل هذا
ليس مما يجب الاتيان به من غيره أيضا.
وأما البواقي، فظاهر، لعدم وجوب الاحتياط، مع أن الاحتياط إخراج
الواجب من الحق إلى ذي الحق، وأما إلى غيره فلا احتياط فيه أصلا، بل
خلاف الاحتياط.
ولعدم استلزام رجحان نفع المحاويج وصلة الذرية رجحانه بالتصرف
في مال الغير.

(1) المهذب البارع 1: 572.
130

وأسلمية عاقبته من الدفن والوصية يفيد لو ثبت الإذن فيه، وإلا فذلك
إتلاف معلوم معجل.
نعم، يمكن أن يستدل لذلك بأن الإذن في ذلك التصرف معلوم
بشاهد الحال، فإنه لا حاجة للمالك إليه ولا ضرر فيه بوجه، وأهل
الاضطرار من أهل التقوى من الذرية في غاية الكثرة، والدفن والوصية
حبس بلا منفعة ومعرض للتلف والهلكة، بل يعلم التلف بالوصية غالبا في
مثل ذلك الزمان، فيعلم رضا المالك بصلة الذرية ورفع حاجتهم ومسكنتهم
بذلك قطعا، وليس القطع به بأدون من الظن الحاصل من الألفاظ الدالة على
الإذن الواجب اتباعه البتة.
وهذا دليل تام حسن، إلا أنه لكونه تابعا للعلم الحاصل بشهادة الحال
لا يكون مخصوصا بصلة الذرية، فإنه قد يكون هنا محتاج معيل من خيار
الشيعة من غير السادة، سيما إذا كان ممن كان لوجوده مصلحة عامة، وكان
عياله في غاية الضيق والشدة، ولم يكن فقير الذرية بهذه المثابة، بل كان
من رعاع الناس، وله قوت نصف السنة مثلا، فالحكم بالقطع برضا الإمام
دفع حصته إلى الثاني دون الأول مكابرة صرفة.
وكذا إذا كان في إعطاء صاحب المال الخمس عليه حيف وشدة.
فهذا الدليل يصلح للمطلوب في الجملة، بل التحقيق: أنه لا مدخلية
فيه للسيادة من حيث هي.
حجة الخامس: الجمع بين أدلة التحليل والحفظ، وتحقق الحفظ بكل
من الدفن والوصية.
وبعد ضعف الدليلين يظهر ضعف الجمع أيضا.
ودليل السادس: وجوب الحفظ وتحققه بكل منهما.
131

وهو حسن لو قلنا بوجوبه.
وحجة السابع والثامن: وجوب حفظ مال الغير، ودلالة شاهد الحال
على جواز التقسيم أيضا.
وهو كان حسنا لو لم يعلم بشاهد الحال عدم رضاه بالحفظ، حيث
إنه في معرض التلف، وأقرباؤه ومواليه محتاجون.
ودليل التاسع: أخبار التحليل للشيعة مطلقا، والأخبار الواردة في
حصول تركهم حقهم من الخمس لبعض مواليهم.
ومرسلة حماد الناطقة بأنه: (إذا قسم الزكاة فيهم كان على الإمام
الاتمام لهم إذا أعوزت) (1).
ورواية محمد بن يزيد: (من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء
شيعتنا) (2).
ومرسلة الفقيه: (من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا) (3).
ومرسلة يوسف، وفيها: (أنا أحب أن أتصدق بأحب الأشياء إلي) (4)،
وإذا كان كذلك فيجب البتة بتصدق حقه.
أقول: أكثر هذه الوجوه وإن كانت مدخولة، إلا أنه يدل على الحكم

(1) الكافي 1: 539 / 4، التهذيب 4: 128 / 366، الوسائل 9: 266 أبواب المستحقين
للزكاة ب 28 ح 3.
(2) الكافي 4: 59 / 7، التهذيب 4: 111 / 324، الوسائل 9: 475 أبواب الصدقة
ب 50 ح 1.
(3) الفقيه 2: 43 / 3، الوسائل 9: 476 أبواب الصدقة ب 50 ح 3.
(4) الكافي 4: 61 / 3، التهذيب 4: 331 / 1036، الوسائل 9: 471 أبواب الصدقة
ب 48 ح 2، إلا أنه في الكافي عن يونس، وفي التهذيب عن الحسين بن عاصم بن
يونس، وما في المستند هو الموافق للوافي وبعض نسخ الكافي على ما جاء في
هامشه.
132

ما مر من الإذن المعلوم بشاهد الحال، فإنا نعلم قطعا - بحيث لا يداخله
شوب شك - أن الإمام الغائب - الذي هو صاحب الحق في حال غيبته،
وعدم احتياجه، وعدم تمكن ذي الخمس من إيصاله حقه إليه، وكونه في
معرض الضياع والتلف، بل كان هو المظنون، وكان مواليه وأولياؤه المتقون
في غاية المسكنة والشدة والاحتياج والفاقة - راض بسد خلتهم ورفع
حاجتهم من ماله وحقه.
كيف؟! وهم الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، فما
الحال إذا لم تكن لهم حاجة وخصاصة؟!
وكيف لا يرضى؟! وهو خليفة الله في أرضه والمؤمنون عياله، كما
صرح به في مرسلة حماد، وفيها: (وهو وارث من لا وارث له يعول من
لا حيلة له).
وهو منبع الجود والكرم، سيما مع ما ورد منهم وتواتر من الترغيب
إلى التصدق وإطعام المؤمن وكسوته والسعي في حاجته وتفريج كربته (1)،
والأمر بالاهتمام بأمور المسلمين، حتى قالوا: (من لم يهتم بأمور المسلمين
فليس بمسلم) (2).
وقالوا في حق المسلم على المسلم: (إن له سبع حقوق واجبات، إن
ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته، ولم يكن لله فيه من نصيب) إلى
أن قال: (أيسر حق منها أن تحب له ما تحب لنفسك) إلى أن قال: (والحق
الثالث: أن تغنيه بنفسك ومالك) إلى أن قال: (والحق الخامس: أن لا تشبع
ويجوع) الحديث (3).

(1) الوسائل 9: 475 أبواب الصدقة ب 50.
(2) الكافي 2: 164 / 4، الوسائل 16: 336 أبواب فعل المعروف ب 18 ح 1.
(3) الكافي 2: 169 / 2.
133

وجعلوا من حقوق المسلم: مواساته بالمال.
ومع ذلك يدل عليه إطلاق رواية محمد بن يزيد ومرسلة الفقيه
المتقدمتين (1)، فإن إعطاء الخمس صلة.
ولا يتوهم أن بمثل ذلك يمكن إثبات التحليل لذي الخمس أيضا وإن
لم يكن فقيرا، لأن أداء الخمس فريضة من فرائض الله، واجب من جانب
الله، وإعطاؤه امتثال لأمر الله، وفيه إظهار لولايتهم وتعظيم لشأنهم وسد
لحاجة مواليهم، ومنه تطهيرهم وتمحيص ذنوبهم.
ومع ذلك، ترى ما وصل إلينا من الأخبار المؤكدة في أدائه والتشدد
عليه، وأن الله يسأل عنه يوم القيامة سؤالا حثيثا، وتراهم قد يقولون في
الخمس: (لا نجعل لأحد منكم في حل)، وأمثال ذلك (2).
ومع هذا، لا يشهد الحال برضاه عليه السلام لصاحب المال أن لا يؤدي
خمسه، فيجب عليه أداؤه، لأوامر الخمس وإطلاقاته واستصحاب وجوبه،
ومعه لم يبق إلا الحفظ بالدفن أو الوصية أو التقسيم بين الفقراء.
والأولان مما لا دليل عليهما، فإن الدفن والايداع نوعا تصرف في
مال الغير لا يجوز إلا مع إذنه، ولا إذن هناك، بل يمكن استنباط عدم رضائه
بهما من كونهما معرضين للتلف، ومن حاجة مواليه ورعيته.
فلم يبق إلا الثالث الذي علمنا رضاه به، فيتعين ويكون هو الواجب
في نصفه.
ولما كان المناط الإذن المعلوم بشاهد الحال والروايتين (3) ونسبتهما

(1) في ص: 124.
(2) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 3.
(3) المتقدمتين في ص: 124.
134

إلى السادات وغيرهم من فقراء الشيعة على السواء، فيكون الحق هو
المذهب الأخير، والأحوط اختيار السادة من بين الفقراء.
ولكن قد يعكس الاحتياط، كما إذا كان هناك شيعة ولي ورع معيل
في ضيق وشدة ولم يكن السادة بهذا المثابة.
وعلى المعطي ملاحظة الأحوال.
فرع: لا تشترط مباشرة النائب العام - وهو الفقيه العدل - ولا إذنه في
تقسيم نصف الأصناف على الحق، للأصل.
خلافا لبعضهم (1)، فاشترطه، ونسبه بعض الأجلة إلى المشهور.
ولعل وجهه: أن مع حضور الإمام يجب دفع تمام الخمس إليه، وكان
التقسيم منصبه، فيجب الدفع إلى نائبه في زمن الغيبة بحكم النيابة.
وفيه: منع ثبوت وجوب الدفع إليه مع الحضور، ولو سلم فلا نسلم
ثبوته بالنسبة إلى النائب.
وهل تشترط مباشرته في تقسيم نصف الإمام، كما هو صريح
جماعة، منهم: الفاضلان والشهيدان، بل أكثر المتأخرين (2)، وصرح جماعة
بضمان غيره من المباشرين (3)، وعن الشهيد الثاني: اتفاق القائلين بوجوب
التقسيم على ذلك (4)، والظاهر أنه كذلك؟
أم لا، فيجوز تولي غيره، كما عن ظاهر إطلاق العزية؟
والحق: هو الأول، إذ قد عرفت أن المناط في الحكم بالتقسيم هو

(1) انظر زاد المعاد: 586.
(2) المحقق في المعتبر 2: 641، العلامة في التحرير 1: 75، والقواعد 1: 63،
الشهيد الأول في الدروس 1: 262، الشهيد الثاني في الروضة 2: 79.
(3) كما في الروضة 2: 79، والذخيرة: 492.
(4) كما في المسالك 1: 69.
135

الإذن المعلوم بشاهد الحال، وثبوته عند من يجوز التقسيم إجماعي ولغيره
غير معلوم، سيما مع اشتهار عدم جواز تولي الغير، بل الاجماع على عدم
جواز تولية التصرف في المال الغائب، الذي هذا أيضا منه، خصوصا مع
وجود النائب العام، الذي هو أعرف بأحكام التقسيم وأبصر بمواقعه.
ووقع التصريح في رواية إسماعيل بن جابر: (إن العلماء أمناء) (1).
وفي مرسلة الفقيه: (أنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم ارحم خلفائي،
قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي ويروون
حديثي وسنتي) (2).
وفي روايات كثيرة: (إن العلماء ورثة الأنبياء) (3).
وفي مقبولة ابن حنظلة: (إنه الحاكم من جانبهم) (4).
وفي التوقيع الرفيع: (إنه حجة من جانبهم) (5).
ولا شك أن مع وجود أمين الشخص وخليفته وحجته والحاكم من
جانبه ووارثه الأعلم بمصالح أمواله والأبصر بمواقع صرفه الأبعد عن
الأغراض الأعدل في التقسيم ولو ظنا، لا يعلم الإذن في تصرف الغير
ومباشرته، فلا يكون جائزا.
نعم، لو تعذر الوصول إليه جاز تولي المالك، كما استظهره بعض
المتأخرين وزاد: أو تعسر (6).

(1) الكافي 1: 33 / 5.
(2) الفقيه 4: 302 / 915، الوسائل 27: 91 أبواب صفات القاضي ب 8 ح 50.
(3) كما في الكافي 1: 32 / 2.
(4) الكافي 1: 67 / 10، الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
(5) كمال الدين: 484 / 4، الوسائل 27: 140 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9.
(6) كما في مجمع الفائدة 4: 359.
136

ولا بأس به إذا تعسر الاستئذان منه أيضا ولو بالكتابة والرسالة وكان
هناك أرباب فقر وحاجة، والأحوط حينئذ مباشرة المالك باطلاع عدول
المؤمنين.
وهل تجب مباشرة الفقيه بنفسه للتقسيم، كما هو ظاهر الأكثر (1)؟
أم يجوز له الإذن لغيره وتولي الغير بإذنه، كما عن الدروس (2) وبعض
مشايخ والدي قدس سره؟
والأول أحوط، والثاني أظهر إذا كان الغير أمينا عدلا عارفا بمواقع
التقسيم وأحكامه، سيما إذا كان مجبورا بنظر النائب نفسه واطلاعه.
المسألة الرابعة عشرة: ظاهر الأكثر أنه لا يعطى فقير من الخمس
أزيد من كفاية مؤنة السنة على وجه الاقتصاد ولو دفعة واحدة، ونظرهم إلى
ما روي في المرسلة: أن الإمام كان يفعل كذلك وجوبا (3)، فكذا غيره،
سيما في نصف الإمام إذا صرف على وجه التتمة، إذ لم يثبت فيه إلا جواز
إتمام المؤنة.
والحق: أن حكم نصف الأصناف حكم الزكاة، ويجوز إعطاء الزائد
عن المؤنة دفعة واحدة - أي قبل خروجه عن الفقر - لاطلاق الأدلة.
وأما نصف الإمام، فلا يجوز إعطاء الزائد من مؤنة السنة على وجه
الاقتصاد قطعا، لأنه القدر المعلوم إذنه فيه، بل يعلم عدم رضاه بغير ذلك
مع وجود المحتاج غيره، بل يشكل إعطاء قدر مؤنة السنة كاملة لواحد مع
وجود محتاج بالفعل. واللازم فيه مراعاة المواساة في الجملة وملاحظة الحاجة.

(1) انظر الشرائع 1: 184، والمنتهى 1: 555، والروضة 2: 79.
(2) الدروس 1: 262.
(3) تقدمت مصادرها في ص: 132.
137

المسألة الخامسة عشرة: مقتضى الآية والأخبار تعلق الخمس
بالعين، فيجب أداؤه منها، ولا يجوز العدول إلى القيمة، إلا إذا أعطى العين
إلى أهلها ثم اشتراها منه.
نعم، الظاهر جواز تولي النائب العام للمبادلة، سيما في نصف الإمام،
فإنه يجوز له قطعا.
ولرب المال القسمة، بالاجماع، وظواهر الأخبار (1) المتضمنة لافراز
رب المال خمسه وعرضه على الإمام وتقريره عليه.

(1) الوسائل 9: 537 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 3.
138

تتميم
في الأنفال
جمع نفل - بسكون الفاء وفتحها - وهو: الغنيمة أو العطية والزيادة،
ومنه سميت النافلة، لزيادتها على الفريضة.
والمراد هنا: المال الزائد للنبي والإمام بعده على قبيلتهما من بني
هاشم، فالمطلوب ما يختص بالنبي عليه السلام ثم الإمام.
وها هنا مسألتان:
المسألة الأولى: الأنفال - أي الأموال المختصة بالنبي ثم بعده
بالإمام - أشياء:
الأول: كل أرض أخذت من الكفار من غير قتال - سواء جلا أهلها
وتركوها للمسلمين، أو سلموها طوعا وبقوا فيها ومكنوا المسلمين منها -
بلا خلاف فيها يوجد، للاجماع، والمستفيضة من الأخبار:
كحسنة البختري: (الأنفال: ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، أو
قوم صولحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم، وكل أرض خربة وبطون الأودية، فهو
لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وللإمام من بعده) (1) وقريبة منها حسنة محمد (2)
وموثقته (3).

(1) الكافي 1: 539 / 3، الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 1 ح 1.
(2) التهذيب 4: 133 / 370، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 10.
(3) التهذيب 4: 133 / 372، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 7.
139

ومرسلة حماد، وفيها: (وله بعد الخمس الأنفال، والأنفال: كل أرض
خربة قد باد أهلها، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، ولكن
صالحوا صلحا وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله رؤوس الجبال وبطون
الأودية والآجام وكل أرض ميتة لا رب لها، وله صوافي الملوك ما كان في
أيديهم من غير وجه الغصب، لأن الغصب كله مردود، وهو وارث من
لا وارث له يعول من لا حيلة له) الحديث (1).
وموثقة زرارة، وفيها - بعد السؤال عن الأنفال -: (وهي كل أرض
جلا أهلها من غير أن يحمل عليها بخيل ولا رجل ولا ركاب، فهي نفل لله
وللرسول) (2).
ورواية الحلبي: عن الأنفال؟ فقال: (ما كان من الأرضين باد
أهلها) (3).
وموثقة سماعة: عن الأنفال؟ فقال: (كل أرض خربة أو شئ كان
يكون للملوك فهو خالص للإمام ليس للناس فيها سهم) قال: (ومنها
البحرين لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب) (4).
وموثقة إسحاق بن عمار المروية في تفسير القمي: عن الأنفال؟
فقال: (هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول، وما كان

(1) الكافي 1: 539 / 4، التهذيب 4: 128 / 366، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال
وما يختص بالإمام ب 1 ح 4.
(2) التهذيب 4: 132 / 368، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 9، وفي المصدر:... ولا رجال.
(3) التهذيب 4: 133 / 371، الوسائل 9: 527 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 11.
(4) التهذيب 4: 133 / 373، الوسائل 9: 526 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 8.
140

للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل
ولا ركاب، وكل أرض لا رب لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى
فماله من الأنفال) (1).
والمروي في تفسير العياشي عن داود بن فرقد: وما الأنفال؟ قال:
(بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن، وكل أرض لم يوجف
عليها بخيل ولا ركاب، وكل أرض ميتة قد جلا أهلها وقطائع الملوك) (2).
وفيه أيضا عن أبي بصير: وما الأنفال؟ قال: (منها المعادن والآجام،
وكل أرض ميتة لا رب لها، وكل أرض باد أهلها فهو لنا) (3)، إلى غير ذلك
من الأخبار الكثيرة.
الثاني: ما يختص به ملوك أهل الحرب من القطائع والصوافي الغير
المعلوم كونها مغصوبة من مسلم أو مسالم غير منقرض.
وضابطه: كل ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه واختص به من الأراضي
المعبر عنها بالقطائع، أو من الأموال المنقولة المعبر عنها بالصوافي، للأخبار
المستفيضة (4)، المتقدمة كثير منها.
والمذكور في الأخبار: الملوك، فلا يشمل الحكام والولاة والأمراء.
الثالث: رؤوس الجبال وأذيالها وبطون الأودية السائلة والآجام، وهي
الأراضي المملؤة من القصب وسائر الأشجار الملتفة المجتمعة، والمراد

(1) تفسير القمي 1: 254، الوسائل 9: 531 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 1
ح 20.
(2) تفسير العياشي 2: 49 / 21، الوسائل 9: 534 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 32.
(3) تفسير العياشي 2: 48 / 11، الوسائل 9: 533 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 28.
(4) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 1.
141

منها: ما يقال بالفارسية: بيشه.
فإن كل ذلك من الأنفال مع ما فيها من الأشجار والأحجار والنبات
والسمك والكنز والماء ونحوها.
والمرجع في معرفة هذه الأمور: العرف، أي ما يقال في العرف:
جبلا وواديا وأجمة.
وتدل على الثلاثة مرسلة حماد، ورواية داود المتقدمتين، وعلى
الثاني خاصة الحسنان والموثقة الأولى، وعلى الثالث رواية أبي بصير
السابقة (1)، وعلى الأولين مرفوعة أحمد: (وبطون الأودية ورؤوس الجبال
والموات كلها هي له) إلى أن قال: (وما كان في القرى من ميراث من
لا وارث له فهو له خاصة) (2). وضعف بعض تلك الأخبار مرتفع للشهرة
بالانجبار.
ومقتضى اطلاقاتها اختصاص كل هذه الأمور بالإمام مطلقا، كما صرح
به الشيخان (3)، وهو ظاهر الأكثر (4)، لما ذكر من الاطلاقات.
وقيدها الحلي بما لم يكن في أرض مسلم (5)، أي كان في الأراضي
المختصة بالإمام من الموات والمحياة المملوكة، ومال إلى ذلك بعض من
تأخر عنه (6)، لضعف تلك المطلقات.
ورد بما مر من الانجبار، مع ما يستلزم التقييد من التداخل.

(1) تقدمت جميعا في ص: 130 - 131.
(2) التهذيب 4: 126 / 364، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 17.
(3) المفيد في المقنعة: 278، الطوسي في المبسوط 1: 263.
(4) كما في القواعد 1: 62، والبيان: 352.
(5) السرائر 1: 497.
(6) كما في الروضة 2: 85.
142

أقول: ظني أن المنازعين في المقام غفلوا عن حقيقة الحال، وتحقيق
المقال: أنه لم يثبت في الشريعة أن كل ما يتصرف فيه مسلم ويدعي ملكيته
فيحكم له به، بل لا بد فيه من احتمال كون يده عليه بأحد الوجوه الموجبة
للملكية شرعا، فلو لم يحتمله عقلا أو شرعا أو عادة لا يحكم له بذلك
أصلا.
ألا ترى أنه لو كانت هناك جبال فيها وحوش وكان يتصيد فيها أحد
من مدة طويلة، لا تسمع دعواه - لو منع غيره من الاصطياد - مدعيا أن هذه
الجبال مع ما فيها من الوحوش ملكي أتصيد فيها من القديم.
ولو كان بحر لأشخاص فيه سفن يترددون فيه ويغوصون، لا يسمع
ادعاؤهم الملكية.
لعدم ثبوت اعتبار مثل ذلك اليد، وعدم احتمال تحقق التصرف
المملك - أي الموجب للملكية شرعا - فيهما.
وعلى هذا، فنقول: إنه ما ثبت إيجابه للتملك في الأرضين ونحوها
هو إحياء ببناء أو غرس أو زرع أو حفر أو نحو ذلك، ولا تحتمل هذه
الوجوه في رؤوس الجبال من حيث هي.
نعم، يمكن تصرف مسلم في موضع منها ببناء أو غرس شجر أو
حفر، وهو غير ما نحن فيه.
فالوجوه الثابت إيجابها للتملك شرعا مما لا يمكن تحققها في الجبال
ورؤوسها من حيث هي، فدعوى أحد: أن هذه الجبال برؤوسها ملك لي
ويدي عليها لأني أنقل حجارها وأحصد نباتها ونحو ذلك، مما لا يسمع،
إذ لا يمكن تحقق الأسباب الموجبة للتملك فيها.
نعم، يمكن ذلك في بعض أجزائها، وهو غير تملك رؤوس الجبال
143

من حيث هي هي.
ولذا لو ادعى أحد ملكية أرض ميتة لم يكن فيها بناء ولا قناة ولا زرع
أبدا، ويقر المدعي بذلك، ولكن يقول: إنها في يدي، لأني أحتطب فيها
وأحتشش وأرعى فيها دوابي.. لا يسمع منه، إذ محض هذه التصرفات
لا يوجب التملك، ولذا جعل من مطاعن الثاني ما فعل من حماية الحمى.
وكذا الوادي، فإن أسباب تملك المياه السائلة إنما تتحقق بحفر
قنوات أو حيازة عين أو عيون ونحوها، وما كان منتهيا إلى مثل ذلك
لا يطلق عليه الوادي عرفا، بل حقيقة المياه العظيمة التي لا تنتهي إلى عين
أو عيون أو قناة أو نهر يحتمل أن يكون مستحدثا من شخص أو أشخاص
بقصد التملك، وما يحتمل فيه ذلك لا يسمى واديا إلا مجازا.
وكذا الآجام، والمراد بها - كما مر - ما يقال بالفارسية: بيشه. والوجوه
المملكة للأشجار من الغرس أو الابتياع أو النمو في الملك إنما هو أمر
لا يتحقق عرفا في الآجام.
فالوجوه الموجبة للملكية غير محتملة في هذه الثلاثة.
ولو فرض وجود نادر - كواد صغير منته إلى عيون محصورة في
موضع معين، أو أجمة صغيرة محتملة لأن تكون مغروسة، أو ملكها في
الأصل لواحد معين - فهو إما لا يطلق عليه الوادي والأجمة إلا مجازا، أو
فرد نادر جدا لا تنصرف إليه الاطلاقات.
إذا عرفت ذلك نقول: إن الكلام ليس في جز من الجبال يتصرف
فيه أحد بقصد التملك ببناء أو حفر أو غرس أو غيرها من الوجوه الثابتة
مملكيتها شرعا، بل في الجبال من حيث هي هي.
ولا في نهر شق من واد أو نهر عظيم متصرف فيه لأحد ينتهي إلى
144

مبادئ كونها مستحدثة من شخص أو أشخاص بقصد التملك، فإنه ليس
واديا عرفا، وإن أطلق عليه الوادي مجازا.
ولا في محل محصور فيه أشجار وقصبات ملتفة محتملة لكونها
مغروسة أو أصل ملكها مملوكة لأشخاص، فإنه ليس أجمة عرفا وإن
أطلقت عليه مجازا، لما عرفت من عدم كونهما واديا أو أجمة حقيقة.
ولو سلمناه فمثلهما من الأفراد الغير المتبادرة من الوادي والأجمة.
وأما ما عدا ذلك فلا يملكه أحد، إذ لم يثبت من الشريعة وجه
مملك لجميعه، فيكون ملكا للإمام بمقتضى الاطلاقات، ولا تعارضها يد
المسلم ولا دعواه، لعدم احتمال تحقق وجه مملك فيه عرفا، فافهم.
الرابع: المال المجهول مالكه، كما مر في مسألة الحلال المختلط بالحرام.
الخامس: الأراضي الميتة، سواء لم يعلم سبق إحياء وملك عليها
- ككثير من المفاوز والبوادي - أو علم إحياؤها في زمان وطريان الموتان
عليها. وكونها من الأنفال مما لا خلاف فيه في القسم الأول، والثاني إذا لم
يكن له مالك معروف، بل في التنقيح والمسالك والمفاتيح وشرحه وغيرها
الاجماع عليه (1).
وتدل عليه مرسلتا حماد وأحمد، وروايتا داود وأبي بصير المتقدمة
المتضمنة للفظ الميتة والموات (2)، واستدلوا له أيضا بحسنتي البختري
ومحمد وموثقات محمد وسماعة وإسحاق المتضمنة للفظ الخربة (3).
ولا يخفى أن المتبادر منها هو القسم الأخير من الميتة - وهو

(1) التنقيح 4: 98، المسالك 2: 287، المفاتيح 3: 20.
(2) المتقدمة جميعا في ص 130، 133.
(3) المتقدمة في ص: 130 - 131.
145

المسبوق بالاحياء والعمارة - فهي تصلح أدلة لبعض أفراد المطلوب، بل
يحتمل شمولها ما لم يبلغ حد الموات من هذا القسم أيضا، كما هو الظاهر
من جمعها مع الميتة في المرسلة.
ثم مقتضى إطلاق أكثر تلك الأخبار وإن كان كون القسم الثاني من
الأراضي الميتة والخربة من الأنفال مطلقا - سواء لم يكن لها مالك معروف
أو كان، وسواء ملكها المالك المعروف بالاحياء أو بغيره من وجوه
الانتقالات، كما نقله في الذخيرة عن بعض الأصحاب ونسبه إلى ظاهر
الإرشاد أيضا (1) - إلا أن أكثر الأصحاب خصوه بالأولين، وجعلوا الثالث ملكا
لمالكه المعروف (2)، ومنهم من خصه بالأول خاصة، وجعل الأخيرين لمالكه.
ومنه يعلم أن كون ما لا مالك له معروفا من الأراضي الميتة والخربة
من الأنفال مما لا خلاف فيه، واستفاضت عليه الروايات أيضا.
وأما ما له مالك معروف منها ففيه أقوال ثلاثة:
الأول: أنها من الأنفال مطلقا كما مر.
الثاني: أنها ليست منها كذلك، اختاره الشيخ والمحقق (3).
الثالث: التفصيل بين ما ملكه مالكه بالاحياء فمن الأنفال، وبغيره
كالشراء والإرث ونحوهما فلمالكه، نقل عن الفاضل في بعض فتاويه،
وعن التذكرة (4)، وقواه في المسالك (5)، واستقربه في الكفاية (6)، وإن

(1) الذخيرة: 489.
(2) منهم العلامة في المنتهى 1: 553، والشهيد الثاني في المسالك 1: 68.
(3) المبسوط 1: 235، الشرائع 1: 323.
(4) التذكرة 1: 428.
(5) المسالك 1: 156.
(6) الكفاية: 239.
146

استشكل أخيرا فيما ملكه المالك بالبيع والشراء أيضا.
دليل الأول وجوه:
الأول: المطلقات المذكورة المصرحة بأن كل أرض ميتة أو خربة
بإطلاقها للإمام.
ولا يعارضها تقييد الميتة في بعضها بقوله: (لا رب لها)، أو الخربة
بقوله: (باد أهلها) أو (جلا)، إذ لا منافاة بين منطوقه وبين الاطلاق، وأما
مفهومه فمفهوم وصف لا حجية له، على أن القائلين بذلك القول يقولون:
إذا ماتت الأرض لا يكون لها رب البتة. فالوصف به توضيحي. والتوصيف
بالجلا أعم من المعروفية بعده أيضا. ويمكن إرادة المربي والعامر من
الرب، بل هو مقتضى المعنى اللغوي، وعلى هذا فيرجع إلى ما يأتي من
كونها غير متروكة.
الثاني: الأخبار المصرحة بأن الأرض كلها للإمام.
كصحيحة الكابلي، وفيها: (والأرض كلها لنا) (1).
وصحيحة عمر بن يزيد، وفيها: (يا أبا سيار، إن الأرض كلها لنا) (2)،
خرج منها ما ثبت خروجه، فيبقى الباقي.
الثالث: المستفيضة المصرحة بأن من أحيى أرضا ميتة فهي له، ففي
صحيحة محمد: (أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض وعمروها فهم أحق بها
وهي لهم) (3).

(1) الكافي 1: 407 / 1، و ج 5: 279 / 5، التهذيب 7: 152 / 674، الإستبصار 3:
108 / 383، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء الموات ب 3 ح 2.
(2) الكافي 1: 408 / 3، التهذيب 4: 144 / 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال
وما يختص بالإمام ب 4 ح 12.
(3) الكافي 5: 279 / 1، التهذيب 7: 152 / 671، الإستبصار 3: 107 / 380،
الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 4.
147

وفي صحيحة زرارة أو حسنته: (من أحيى مواتا فهي له) (1).
وفي صحيحة الفضلاء السبعة أو حسنتهم: (من أحيى أرضا مواتا
فهي له) (2)، إلى غير ذلك، كصحيحة السراد (3)، ورواية السكوني (4)،
وصحيحة عمر بن يزيد (5).
وجه الاستدلال: أنها تدل على أن بالاحياء تملك الموات وإن كان لها
مالك معروف، ولا يكون ذلك إلا بكونها من الأنفال، للاجماع المركب.
والمعارضة بكون الأول أيضا مصداقا لذلك يأتي جوابه.
الرابع: خصوص صحيحة ابن وهب: (أيما رجل أتى خربة بائرة
فاستخرجها وكرى أنهارها وعمرها فإن عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضا
لرجل قبله فغاب عنها وتركها وأخربها ثم جاء بعد يطلبها فإن الأرض لله عز
وجل ولمن عمرها) (6)، ودلالتها - بضميمة الاجماع المركب المشار إليه -
واضحة جدا. وجعل اللام للاختصاص دون الملكية خلاف الظاهر.
وأورد عليها: بأن دلالتها متشابهة، إذ لو جعلنا أول الرواية مبنيا على
أن تلك الأرض كانت معمورة قبل الاحياء - كما هو ظاهر لفظ الخربة

(1) الكافي 5: 279 / 3، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 6.
(2) التهذيب 7: 152 / 673، الإستبصار 3: 108 / 382، الوسائل 25: 412
أبواب إحياء الموات ب 1 ح 5.
(3) الفقيه 3: 152 / 668، الوسائل 25: 412 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 8.
(4) الكافي 5: 280 / 6، الفقيه 3: 151 / 665، التهذيب 7: 151 / 670،
الوسائل 25: 413 أبواب إحياء الموات ب 2 ح 1.
(5) التهذيب 4: 145 / 404، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 4 ح 13.
(6) الكافي 5: 279 / 2، التهذيب 7: 152 / 672، الوسائل 25: 414 أبواب إحياء
الموات ب 3 ح 1.
148

والبائرة، وإضافة الأنهار إلى الأرض - فلا بد من حمل بقية الحديث على أن
الأرض كانت غير معروفة المالك وقت الاحياء الثاني، ثم ظهر مالكها بعد
الاحياء، فالرواية خارجة عن محل النزاع.
وإن جعلنا أولها مبنيا على كونها مواتا غير مسبوقة بإحياء، فلا بد أن
يحمل آخرها على بيان حكم ما سبق إليها إحياء قبل ذلك، فلا بد أن يكون
المراد منها أن الأرض لله عز وجل ولمن عمرها أولا.
وإن جعل الأول والآخر مبنيا على مسبوقية الاحياء الثاني بإحياء آخر،
فيبقى العطف والتعقيب بلا فائدة، ويصير الكلام في غاية الحزازة، بل
المناسب حينئذ أن يقال: وإن كان له صاحب قبله وجاء يطلبها، بكلمة إن
الوصلية. انتهى.
ولا يخفى ما فيه من الركاكة والسخافة، أما أولا: فلأن أولها مبني على
الاحياء المسبوق. قوله: فلا بد من حمل بقية الحديث، إلى آخره. قلنا:
ولم ذلك وأي لابدية فيه؟! بل يبقى على ظاهره.
وتوهم كونه خلاف الاجماع ممنوع، إذ بمجرد نقل الاجماع في
التذكرة (1) لا يثبت الاجماع الموجب لتأويل الرواية، ولذا قال صاحب
الكفاية بعدم ثبوت الاجماع المذكور (2)، مع أن الاجماع المنقول أيضا
مخصوص بصورة التملك بغير الاحياء، فحمل آخر الرواية عليه ممكن.
وثانيا: أن ما ذكره - بقوله: فيبقى العطف والتعقيب، إلى آخره - فاسد
جدا، لأن بالجزء الأول يثبت أن على المحيي الثاني الصدقة، ولازمة
أحقيته، ولم يثبت حكم ما إذا جاء طالب ويدعيه وأن أحقيته هل هي

(1) التذكرة 1: 427.
(2) الكفاية: 239.
149

بالملكية، فعطف عليه قوله: (فإن جاء) لبيان هذه الغاية.
وبالجملة: دلالة الصحيحة على المطلوب في غاية الوضوح. واستدل
أيضا بوجوه خطابية لا حجية فيها.
حجة الثاني أيضا وجوه:
الأول: استصحاب الملك الأول ولا مزيل له.
وفيه: أن جميع ما مر له مزيل.
الثاني: عمومات: من أحيى أرضا ميتة فهي له.
ورد بأن الاحياء الثاني أيضا إحياء، بل هي أدل عليه، لكونه عارضا
وطارئا على الاحياء الأول، والسبب المملك الطارئ أقوى.
واعترض عليه بأن المتبادر من الروايات هو الاحياء الأول، وبين ذلك
بما لا يرجع إلى محصل عند المحقق.
ويرده منع التبادر جدا، بل المتبادر أنها له ما دامت محياة. ولو قطع
النظر عنه فتكون نسبته إلى الاحياءين على السواء، ألا ترى أنه إذا ورد:
(من اشترى شيئا فهو له) لا يتبادر منه الشراء الأول الغير المسبوق بشراء
آخر من البائع.
ولا يتوهم أنه يحصل التعارض حينئذ بين الاحياءين لأجل تلك
العمومات، لأن ذلك توهم فاسد جدا، لأن الثابت من قوله: (من أحيى
مواتا فهي له) ليس إلا سببية الاحياء للتملك وحصول التملك بعده، وأما
استمراره وبقاؤه حتى بعد الموتان أيضا فلا يثبت من الخبر أصلا، بل هو
أمر ثابت بالاستصحاب فقط، وقد مر جوابه.
ولذا يحكم بكون ما اشتراه ملكا للمشتري الثاني ولو كان بائعه ملكه
بالاشتراء أيضا.
150

ولذا لا يحكم بكون الموضع الملاقي للنجاسة - مثلا - نجسا بعد
غسله مرة بما دل على تنجسه، بل بالاستصحاب، وهذا ظاهر جدا.
الثالث: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أحيى أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق
ظالم حق) (1).
وفسر: بأن المراد: أن يأتي الرجل الأرض الميتة لغيره فيغرس فيها.
وفيه: أن التفسير محكي عن هشام بن عروة والسيد في المجازات
النبوية (2)، ومجرد قولهما ليس بحجة في التفاسير، مع أن أصل الرواية غير
ثابت، والجابر لها - في صورة تملك الأول بالاحياء - مفقود.
الرابع: صحيحة سليمان بن خالد: عن الرجل يأتي الأرض الخربة
فيستخرجها ويجري أنهارها ويعمرها ويزرعها، ماذا عليه؟ قال: (عليه
الصدقة) قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: (فليرد عليه حقه) (3)،
وقريبة منها مروية عن الحلبي عنه عليه السلام في البحار (4).
وفيه أولا: أن المأمور به رد الحق، وفيه إجمال، لاحتمال كونه
الأرض والطسق (5) والأعيان التي منه فيها، وغير ذلك مما لم يعلمه، كقيمة
التفاوت بينها وبين الموات المطلق، كما إذا كان بعض أنهارها أو آبارها باقيا
- ولا يبعد أن يكون هذا هو الأظهر - وغير ذلك. ولا يلزم تخصيص
بمجمل، إذ لا تخصص تلك العمومات إلا بعد تيقن أن المراد منه نفس
الرقبة.

(1) غوالي اللآلئ 3: 480 / 2، سنن البيهقي 6: 142.
(2) المجازات النبوية: 255.
(3) التهذيب 7: 148 / 658، الوسائل 25: 411 أبواب إحياء الموات ب 1 ح 2.
(4) بحار الأنوار 101: 255 / 11.
(5) الطسق: الوظيفة من خراج الأرض، فارسي معرب - الصحاح 4: 1517.
151

والقول بأن إطلاق الأعم يقتضي إرادة جميع الأفراد..
سخيف جدا، لأنه فرع ثبوت كون الأرض حينئذ أيضا حقا للأول،
مع أن أصل الاقتضاء ممنوع.
وبأن مقتضى لفظ الصاحب أنه مالك بالفعل، لأن المشتق حقيقة في
المتلبس بالمبدأ..
أسخف، لأنه وقع في كلام الراوي، ولا حجية فيه، وليس فيه تقرير
حجة، إذ غايته تجوز من الراوي.
وبأن ذلك يستلزم حمل الرواية على غير صورة انتقال الملك إلى
المالك الأول بالبيع ونحوه، مع أنه غالب أفراد المحياة، وحملها على
المعنيين يوجب استعمال اللفظ في المعنيين المتباينين في إطلاق واحد..
أسخف بكثير، لمنع الاستلزام أولا، بل يبقى على ظاهره من
الاطلاق، ومنع لزوم استعمال اللفظ في المعنيين ثانيا، وإنما هو استعمال
للمشترك المعنوي في القدر المشترك.
وفيه ثانيا: أنه لو سلم عدم الاجمال، فهي أعم مطلقا من صحيحة ابن
وهب (1)، لاختصاصها بما تركها مالكها الأول وأخربها، وهذه أعم منه ومما
إذا لم يتركها وكان في صدد إحيائها، بل مشتغلا بتهيئة أسبابه.
سلمنا، فتكون معارضة لهذه الصحيحة، فتتساقطان، ويرجع إلى
المطلقات والعمومات المتقدمة.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن هذه الصحيحة ظاهرة في أن المحيي الثاني
كان يعرف صاحبها حال الاحياء، والصحيحة الأولى وغيرها أعم من ذلك،
فلتخص بها. وهو كان حسنا لولا الاجمال المذكور.

(1) المتقدمة في ص 139.
152

ودليل الثالث: الاجماع المنقول في التذكرة على عدم تملك الثاني إذا
ملك الأول بغير الاحياء (1)، وصرح بعدم الخلاف فيه بعض آخر أيضا (2).
والجمع بين الأخبار المتقدمة بحمل صحيحة سليمان على ما إذا
ملكها الأول بغير الاحياء، وما تقدم عليها على ما إذا ملكها بالاحياء بشهادة
صحيحة الكابلي، وفيها: (ومن أحيى من المسلمين أرضا فليعمرها، وليؤد
خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها،
فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها، فهو أحق بها من
الذي تركها، فليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي وله ما أكل، حتى يظهر
القائم من أهل بيتي عليهم السلام بالسيف) الحديث.
وردها بأن الظاهر منها حكم زمان الحضور - كما يدل عليه إعطاء
الخراج - وبأنها لا تدل إلا على الأحقية والأولوية، وهي أعم من الملكية.
مردود بأن قوله: (حتى يظهر القائم) صريح في إرادة العموم لزمان
الغيبة أيضا، وتخصيص أداء الخراج بزمان الحضور بالدليل لا يستلزم
تخصيص الباقي أيضا، والأحقية وإن كانت أعم من الملك لكن المطلوب
ثبت منه كما لا يخفى.
ولا يخفى أن تلك الصحيحة وإن اختصت بما إذا كان المالك الأول
ملكها بالاحياء، إلا أنها لا تدل على نفي الحكم الثابت بأدلة القول الأول في
غير موردها.
نعم، لو كان دليل الثاني دالا على مطلوبه لصلحت هذه الصحيحة
للجمع، لكونها أخص منها، ولكن قد عرفت عدم تماميتها.

(1) التذكرة 1: 427.
(2) كالسرائر 1: 481.
153

والاجماع المنقول ليس بحجة، وقد صرح في الكفاية بعدم ثبوته
أيضا (1).. إلا أن معه - مضافا إلى عدم العثور على مصرح بخصوصه
بالملكية مع تملك المالك الأول بغير الاحياء - الفتوى بها خلاف الاحتياط.
ومنه يظهر أن أقوى الأقوال - بحسب الدليل - هو الأول، والاحتياط
في متابعة الثالث فيما لم يعارضه احتياط آخر.
وكيف كان، يجب تقييدهما بقيد آخر أيضا، وهو كون الملك مما
تركها المالك الأول المعروف، لمفهومي الشرط في صحيحتي ابن وهب
والكابلي المؤيدتين برواية يونس: (فمن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية
لغير سبب أو عله أخرجت من يده) (2).
ولتقييد الميتة والأرض في بعض ما تقدم من الأخبار بكونها لا رب
لها، أي كانت متروكة لا مربي لها ولا عامر، بل يدل على الترك والتعطيل
الاجماع، فإن الظاهر أن عدم جواز التصرف في أرض لها مالك معروف لم
يتركها ويريد إحياءها وعمارتها محل إجماع العلماء، بل الضرورة، بل
وكذلك لو لم يعلم أنها تركها أم هو بصدد إحيائها.
وعلى هذا، فكل أرض ميتة لم يعلم سبق إحياء عليها فهي ملك
لمحييها مطلقا، وكذا ما علم ولم يعرف مالكها الأول، أو عرف وملكها بالاحياء
خاصة على الأحوط، ومطلقا على الأظهر بشرط أن ترك إحياء الأرض وعطلها.
فروع:
أ: قالوا: المرجع في معرفة الموات إلى العرف (3)، وعرفوها فيه: بأنه

(1) الكفاية: 239.
(2) الكافي 5: 297 / 1، الوسائل 25: 433 أبواب إحياء الموات ب 17 ح 1.
(3) المسالك 2: 287، والمدارك 5: 414، والكفاية: 44 و 238.
154

ما لا ينتفع منه لعطلته، وحصول موانع الانتفاع منه بحيث يتعذر الانتفاع منه
بدون عمل فيه.
وقد يشكل في بعض الأراضي في صدق الموات عليه عرفا وعدمه،
إلا أنه لعدم انحصار العنوان في الموات - بل علق الحكم بعينه للأرض
الخربة - يسهل الأمر، لأن معنى الخربة عرفا أظهر وأجلى، وهي: كل أرض
معطلة غير ممكن الانتفاع منها بالفعل لخرابها وبوارها، وتوقفه على عمارتها
وإصلاحها.
ب: ليس المراد بترك المالك للأرض إعراضه عنها وإخراجها عن
ملكه، لأنه ليس معنى عرفيا للترك ولا لغويا، بل المراد منه تعطيل إصلاحها
وترك عمارتها وإبقاؤها على خرابها وعدم الاهتمام والالتفات إلى مرمتها
وعدم عزمه على إحيائها، سواء كان لعدم حاجته إليها أو عدم تمكنه من
إحيائها.
وأما لو كان مهتما بإحيائها عازما عليه مريدا له، فلا تكون متروكة وإن
توقف الاشتغال به على جمع آلات متوقعة الحصول، أو انتظار وقت صالح
له، أو حصول مال متوقع له.
ولو كانت لأحد أرض خربة ولم يعلمها - كأن تكون موروثة وهو غير
عالم بها - فلا يصدق الترك، بل اللازم إعلامه ثم اعتبار الترك وعدمه.
والظاهر أنه يشترط في صدق الترك عرفا أمران آخران:
أحدهما: أن لا يعزم على بيعها أو صلحها ولو ببعض رقبتها لاحياء
الجميع، إما لعدم قصده بذلك، أو عدم توقع من يشتريها أو يقبلها توقعا
مظنون الحصول.
وثانيهما: أن يمضي على ذلك زمان يعتد به، بحيث يصدق معه
155

الترك عرفا من سنين متعددة ولا أقل من ثلاث سنين، ولا يبعد أن يكون
نظره عليه السلام إلى ذلك في رواية يونس المتقدمة.
ج: القائلون - ببقاء الملك على ملكية المالك الأول في الأخيرين أو
أحدهما - بين قائل بجواز الاحياء وأحقية المحيي الثاني في التصرف،
وعليه طسقها للأول، وقائل بعدم الأحقية أيضا فلا يجوز له الاحياء.
والظاهر عدم دليل يعتد به على الأول، فإن جاز للثاني الاحياء وثبتت
أحقيته فلا طسق عليه، وإلا فلا يجوز أصل التصرف.
د: المناط في التملك بالاحياء وغيره - على الفرق بينهما - تملك من
وقع الموتان في حال تملكه، فلو تملك أحد أرضا بالاحياء وماتت حال
تملكه لا تنتقل إلى ورثته، إذ بالموتان خرجت من ملكه وصارت من
الأنفال، فليس للورثة دعوى أنها منتقلة إليهم بالإرث.
ه‍: لو لم يعلم أن تملكه هل بالاحياء أو بغيره، ولم يمكن تحقيق
الحال، فحكمه حكم المتملك بالاحياء، للعمومات والاطلاقات المتقدمة،
خرج منها ما تحقق فيه الاجماع لو ثبت - وهو ما علم تملكه بغير الاحياء -
فيبقى الباقي، مضافا إلى أصالة تأخر الحادث في كثير من الصور.
و: لو كانت الأرض موقوفة وطرأها الموتان أو الخراب تصير به من
الأنفال مطلقا، أي من غير تفرقة بين الوقف العام أو الخاص، ولا بين
معلوم الجهة ومجهولها، ولا بين ما تملكه الواقف بالاحياء أو بغيره،
للعمومات والاطلاقات الخالية عن المعارض، إذ ليس إلا صحيحة سليمان
المتضمنة للفظ صاحبها، والمتبادر منها الشخص المعين وجهة الملكية
لا غير ذلك..
أو الاجماع، وتحققه في المقام غير معلوم، بل مفقود..
156

أو استصحاب الوقفية، وهو بما مر مزال..
أو عمومات الوقف، وشمولها فرع تسليم الوقفية، وهي عين النزاع.
نعم، يشترط في دخولها في الأنفال وعدمه اعتبار الترك وعدمه،
للاجماع، فإن الظاهر أنه ما لم يتركها الموقوفة عليه أو المتولي ولم يعطلها
وكان بصدد إحيائها كان عدم جواز تصرف الغير إجماعيا، بل هي إجماعية
مقطوع بها.
ويدل عليه أيضا الاجماع المركب، فإن الظاهر عدم تفرقة أحد بين
الموقوف والمملوك فيما يدخل به في الأنفال.
بل يمكن الاستدلال عليه بمفهوم صحيحة ابن وهب (1) أيضا، فإن
اللام في قوله: (لرجل) يمكن أن يكون للاختصاص الثابت للموقوف عليه
الخاص أو المتولي العام، إلا أن مجرد احتمال ذلك مع احتمال الملكية غير
كاف في الاستدلال.
نعم، يمكن الاستدلال بإطلاق قوله: (فمن أحيى) في صحيحة
الكابلي (2)، فإنه شامل لمن أحياها ووقفها أيضا، فهو دليل على اعتبار الترك
وعدمه هنا مع الاجماعين القطعيين.
والمناط في التارك في الوقف الخاص: متوليه الخاص إن كان، أو
الموقوف عليه، وفي العام المتولي الخاص إن كان، وإلا فالحاكم مع وجوده
في تلك النواحي، أو عدول المسلمين مع عدمه.
ولا تكفي مشاهدة كون الأرض بائرة لا عامل لها وعدم اهتمام

(1) المتقدمة في ص: 139.
(2) الكافي 1: 407 / 1 و ج 5: 279 / 5، التهذيب 7: 152 / 674، الإستبصار 3:
108، الوسائل 25: 414 أبواب احياء الموات ب 3 ح 2.
157

المتولي الخاص أو العام في أحيائها، لجواز عدم علم المتولي بالكيفية،
وكذا الموقوف عليه، بل اللازم الفحص وإعلام المتولي العام أو الخاص أو
الموقوف عليه، فإن قصدوا الاحياء ونهضوا له ولو بعد حين يتوقع فيه
تهيؤه عرفا فهو، وإلا فيحييها من أراد ويصير هو أحق بها وملكا له.
ز: لو ترك المالك بالاحياء أو بغيره أيضا على الأظهر أرضا مدة
وعطلها، ولم يهتم بإحيائها أو لم يكن في نظره، ثم أراد الاحياء، فهل
يجوز لغيره السبق عليه قبل شروعه في العمل؟ ولو سبق عليه فهل له ردعه
ومنعه؟ وكذا لو عطلها وتركها مالكها ومات المالك، وأراد الوارث إحياءها
وسبق عليهم محيي آخر، فهل لهم منعه وأخذهم الأرض منه، أم لا؟
الظاهر: الثاني، لدخولها بالترك في الأنفال، فلا تعود إلى الملكية
بلا موجب، ولاستصحاب جواز إحياء كل أحد لها قبل إرادة الاحياء.
ح: لو ماتت أرض الصغير، أو أنتقل إليه ملك خراب يريد مالكه
عمارته فمات وانتقل إلى صغيره، فهل يعتبر الترك والتعطيل وعدمهما من
وليه المعين أو الحسبي، أو لا، بل ينتظر إلى كبر الصغير واعتبارهما بالنسبة
إليه؟
الأحوط: الثاني، والله العالم.
ط: قد عرفت إناطة الحكم في بعض الأقسام على الاحتياط أو
الفتوى على عدم معروفية المالك.
وظاهر أن المراد منه ليس عدم معروفيته عند أحد من الناس، إذ
حصول العلم بمثل ذلك غير ممكن.. ولا عدم معروفيته عند المحيي أو
شخص معين مطلقا، إذ ليست أرض إلا ومالكها غير معروف عند بعض
الناس.
158

بل المراد: كون مالكها غير معروف عند المحيي، ويكون بحيث
لا تحصل معرفته بعد التفحص عنه في مظانه، وهي بلد الأرض وحواليه،
فلا تدخل في الأنفال بدون ذلك التفحص، ومعه تكون من الأنفال، إذ
لا يثبت من الاجماع ولا صحيحة سليمان - اللذين هما الباعث لاعتبار
معروفية المالك - أزيد من ذلك.
ي: لو فحص وأحيى ثم بان له مالك آخر، لم يكن له حق، إذ لم
يثبت من أدلة اعتبار عدم معروفية المالك وخروج معروف المالك عن
العمومات ما يشمل ذلك أيضا.
يا: قد تلخص مما ذكرنا: أن الأراضي الخربة تملك بالاحياء إن لم
يكن لها مالك معروف بعد الفحص المذكور مطلقا، وإن كان لها مالك
معروف يملك أيضا به بعد تعطيل المالك إياها وتركها خربة كذلك، وإن
كان الأحوط في صورة العلم بتملكه بغير الاحياء تحصيل الإذن منه.
يب: لو كانت هناك أرض خربة لها مالك معروف ولم يعلم أنه
عطلها أو لا، وأراد أحد إحياءها، يستأذن المالك، فإن أذن فهو، وإلا فيأمره
بإحيائها، فإن أحياها أو نهض بصدده فلا يجوز لغيره إحياؤها وإن علقه
على أمر متوقع له منتظر، ولم يعلم من الخارج أن غرضه التعطيل.
وإن لم ينهض أو علقه على أمر غير متوقع في حقه، أو علم أنه ليس
بصدده وغرضه التعطيل، يحييها من يريد.
والأولى - كما قيل (1) - الاستئذان من الحاكم.
السادس من الأنفال: كل أرض باد أهلها أو لا رب لها - من غير تقييد
بالخربة أو الميتة - كما ورد في بعض الروايات المتقدمة، وإنما لم يذكروها

(1) انظر الرياض 1: 497.
159

على حدة لأن معمورها داخل في مجهول المالك، وخرابها في الخربة.
السابع: ما يصطفيه الإمام من غنيمة أهل الحرب، بمعنى: أن له أن
يصطفي منها قبل القسمة ما يريد من فرس أو ثوب أو جارية أو نحو ذلك،
بالاجماع، كما في المنتهى وغيره (1)، وعليه استفاضت الروايات (2).
الثامن: الغنيمة المحوزة في قتال بغير إذن الإمام، وكونها من الأنفال
على الحق الموافق للشيخين والسيد والحلي والمحقق في الشرائع والفاضل
في جملة من كتبه والشهيدين (3)، بل للشهرة العظيمة المحققة، والمحكية
في كتب الجماعة (4)، وفي الروضة: أنه لا قائل بخلافها، وعن الخلاف
والسرائر: دعوى الاجماع عليه صريحا، وفي التنقيح ظاهرا (5).
لمرسلة الوراق: (إذا غزى قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة
كلها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس) (6) وضعفها
- لو كان - منجبر بما ذكر.
واستدل له في الحدائق (7) بحسنة ابن وهب: السرية يبعثها الإمام

(1) المنتهى 1: 553، وكالرياض 1: 297.
(2) الوسائل 9: 523 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 1.
(3) المفيد في المقنعة: 275، والشيخ في المبسوط 1: 263، والخلاف 4: 190،
ونسبه إلى الثلاثة - ومنهم السيد - في المعتبر 2: 635، والحلي في السرائر 1:
497، والمحقق في الشرائع 1: 183، والعلامة في التحرير 1: 75، والشهيد
الأول في اللمعة، والثاني في الروضة 2: 85.
(4) كالرياض 1: 298.
(5) الخلاف 4: 190، نقله عنه في المعتبر 2: 635، وعبر عنه ببعض المتأخرين
كعادته، ولم نجده في السرائر، التنقيح 1: 343.
() 82 التهذيب 4: 135 / 378، الوسائل 9: 529 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 1 ح 16.
(6) الحدائق 12: 478.
160

فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: (إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام
عليهم، أخرج منها الخمس لله تعالى وللرسول، وقسم بينهم ثلاثة
أخماس، وإن لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعل
حيث أحب) (1).
ولا يخفى أنها تدل فيما إذا كانت الغنيمة بغير قتال، وهي غير محل
الكلام، ويأتي حكمه في كتاب الجهاد إن شاء الله، مع ما في الرواية من
الوهن من جهة قوله: (ثلاثة أخماس).
واستجود في المدارك كونها كالغنيمة المأخوذة بإذن الإمام (2)، وقواه
في المنتهى (3)، وتردد في النافع (4).
لاطلاق الآية الكريمة (5).
وصحيحة الحلبي: في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، فيكون
معهم، فيصيب غنيمة، قال: (يؤدي خمسها ويطيب له) (6).
وقوله في صحيحة علي بن مهزيار الطويلة في تعداد ما يجب فيه
الخمس: (ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله) (7).
والآية لاطلاقها تقيد - للمرسلة - بما إذا كان الغزو بإذن الإمام، كما هو

(1) الكافي 5: 43 / 1، الوسائل 9: 524 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 1
ح 3.
(2) المدارك 5: 418.
(3) المنتهى 1: 554.
(4) المختصر النافع: 64.
(5) الأنفال: 41.
(6) التهذيب 4: 134 / 357، الوسائل 9: 488 أبواب ما يجب فيه الخمس ب 2 ح 8.
(7) التهذيب 4: 141 / 398، الإستبصار 2: 60 / 198، الوسائل 9: 501 أبواب
ما يجب فيه الخمس ب 8 ح 5.
161

المتبادر من حال المخاطبين المشافهين بها، ولأجل ذلك يحصل الضعف
في إطلاقها أيضا.
وكذلك الصحيحان، لاطلاقهما بالنسبة إلى حصول الغنيمة بالغزو
وغيره، مع أن الأولى محتملة لكونها من باب التحليل، حيث إن الرجل من
الشيعة.
ثم إنه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الإمام حاضرا أو غائبا، كما
صرح به في الروضة (1)، لاطلاق المرسلة.. ولا فيما إذا كان الغزو للدعاء
إلى الاسلام أو الملك والسلطنة في دار الحرب أو دار الاسلام، لما ذكر.
نعم، لو كان فيما إذا كان يخاف من الكفار على بيضة الاسلام تكون
الغنيمة كما إذا كان الغزو بإذنه، للإذن العام حينئذ.
وتمام الكلام فيه يأتي في كتاب الجهاد.
التاسع: ميراث من لا وارث له، ويأتي تحقيقه في بحث الميراث.
العاشر: المعادن، وهي من الأنفال على الأظهر، وفاقا لجماعة من
أعيان القدماء، كالكليني والقمي والشيخين والقاضي والديلمي والفاضل في
خمس التحرير، واختاره صاحب الحدائق (2)، وهو مذهب ابن أبي عمير (3).
للمرويين في تفسيري القمي والعياشي المتقدمين (4).
ورواية جابر المروية في الكافي: (خلق الله تعالى آدم، وأقطعه الدنيا

(1) الروضة 2: 85.
(2) الكافي 1: 538، تفسير القمي 1: 254، المقنعة: 278، التهذيب 4: 132،
والقاضي في المهذب 1: 186، والديلمي في المراسم: 140، التحرير 1: 74،
الحدائق 12: 479.
(3) الكافي 1: 409 / 8، مستدرك الوسائل 7: 304 أبواب الأنفال ب 5 ح 2.
(4) في ص 131 - 132.
162

قطيعة، فما كان لآدم فلرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما كان لرسول الله فهو للأئمة
عليهم السلام من آل محمد) (1).
ورواية محمد بن ريان: (إن الدنيا وما عليها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
ومرسلة أحمد بن محمد بن عبد الله: (الدنيا وما فيها لله ولرسوله
ولنا) الحديث (3)، دلت على أن الدنيا وما فيها - ومنه المعادن - للإمام،
خرج منها ما خرج فيبقى الباقي.
وبعد دلالة تلك الأخبار الكثيرة - التي أكثرها مذكورة في الكافي
وعمل قدماء الطائفة عليها - لا يضر ضعف سندها، ولا ضعف دلالة الأولى
من جهة اختلاف النسخ بتبديل لفظة: (منها) في بعضها (فيها) فلا تدل إلا
على المعادن التي في أرضه - كما هو مذهب جمهور المتأخرين (4) - بل
وكذلك على نسخة: (منها)، لاحتمال رجوع الضمير إلى الأرض لا
الأنفال، سيما مع قرب المرجع، وإيجاب الرجوع إلى الأنفال استئناف الواو
مع أن الأصل فيها العطف، سيما مع كونه مغنيا عن قوله: (منها).
ولا ينافي كون المعادن من الأنفال ما دل على وجوب الخمس فيها
- حيث إنه لا معنى لوجوبه في ماله على الغير - لجواز أن يكون الحكم في
المعادن: أن من أخرجه بإذنه يكون خمسه له والباقي له، كما صرح به
الكليني والديلمي (5).

(1) الكافي 1: 409 / 7.
(2) الكافي 1: 409 / 6.
(3) 97 الكافي 1: 408 / 2.
(4) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 85، والسبزواري في الكفاية: 44، وصاحب
الرياض 1: 298.
(5) الكافي 1: 538، المراسم: 140.
163

ومعنى كونه صلى الله عليه وآله وسلم مالكا للمجموع: أن له التصرف في المجموع
بالإذن والمنع، فمعنى أخبار وجوب الخمس: أن من أخرجها على الوجه
الشرعي كان عليه الخمس، وهو إنما يكون مع إذنه عليه السلام.
الحادي عشر: البحار، وهي على الأظهر من الأنفال، وفاقا لصريح
الكليني (1)، وظاهر ابن أبي عمير، والمحكي عن المفيد بل الديلمي (2)،
للعمومات المتقدمة (3).
وحسنة البختري: (إن جبرئيل كرى برجله خمسة أنهار ولسان الماء
يتبعه: الفرات، ودجلة، ونيل مصر، ومهران، ونهر بلخ، فما سقت أو
سقي منها فللإمام، والبحر المطيف بالدنيا) (4).
وتؤيده - بل تدل عليه أيضا - صحيحة عمر بن يزيد، وفيها: إني
كنت وليت البحرين الغوص، فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئتك
بخمسها ثمانين ألف درهم - إلى أن قال: - فقال عليه السلام: (أو مالنا من الأرض
وما أخرج الله منها إلا الخمس يا أبا سيار؟! إن الأرض كلها لنا، فما أخرج
الله منها من شئ فهو لنا) فقلت له: وأنا أحمل إليك المال كله؟ فقال: (يا
أبا سيار، قد طيبناه لك، وأحللناك منه، فضم إليك مالك، وكل ما في أيدي
شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، يحل ذلك لهم حتى يقوم قائمنا)
الحديث (5).

(1) الكافي 1: 538.
(2) المقنعة: 278، المراسم: 140.
(3) راجع ص: 130 - 132.
(4) الكافي 1: 409 / 8، الفقيه 2: 24 / 91، الوسائل 9: 530 أبواب الأنفال وما
يختص بالإمام ب 1 ح 18.
(5) الكافي 1: 408 / 3، التهذيب 4: 144 / 403، الوسائل 9: 548 أبواب الأنفال
وما يختص بالإمام ب 4 ح 12.
164

وجه الدلالة: أن المال الحاصل للسائل، وسؤاله كان عن الغوص،
ومنه يفهم أن مراده عليه السلام من الأرض وما أخرج منها ما يشمل أرض البحار
أيضا.
المسألة الثانية: ليس علينا بيان حكم الأنفال في حال حضور الإمام،
فإنه المرجع في جميع الأحكام، وأما في زمان الغيبة فالمشهور بين أصحابنا
- كما في الروضة (1) - إباحتها للشيعة، ومنهم من ذكر إباحة بعضها كالمناكح
والمساكن والمتاجر (2)، وعن الحلبي والإسكافي: عدم إباحة شئ منها (3).
أقول: قد مر حكم الرابع منها، وهو المال المجهول مالكه.
وأما الثالث والخامس، فيأتي حكمهما مشروحا في بحث إحياء
الموات، وقد ذكرنا ها هنا بعض ما يتعلق بهما أيضا.
وأما السادس، فهو - كما عرفت - غير خارج من الثلاثة المذكورة.
ويأتي حكم التاسع أيضا في كتاب المواريث.
بقيت ستة أخرى، والأصل فيها: إباحتها للشيعة وتحليلها بعد أداء ما
فيه الخمس.
لقوله عليه السلام في رواية يونس بن ظبيان أو المعلى: (وما كان لنا فهو
لشيعتنا) (4).
وفي رواية النصري المتقدمة: (اللهم إنا أحللنا ذلك لشيعتنا) (5).

(1) الروضة 2: 85.
(2) كالشيخ في المبسوط 1: 263.
(3) الحلبي في الكافي في الفقه: 174، ونقله عن الإسكافي في المختلف: 207.
(4) الكافي 1: 409 / 5، الوسائل 9: 550 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 17.
(5) التهذيب 4: 145 / 405، الوسائل 9: 549 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام
ب 4 ح 14.
165

وفي صحيحة الفضلاء: (ألا وإن من شيعتنا وآبائهم في ذلك من
حل) (1).
وفي رواية ابن حمزة: (ما خلا شيعتنا) (2)، ورواية سالم (3).
الخالية جميعا عن معارضة ما يعارض هذه الأخبار في أمر الخمس،
والله العالم بحقائق أحكامه.
قد تم كتاب الخمس من مستند الشيعة في أحكام الشريعة
في محق يوم السبت، الثامن والعشرين من
جمادى الثانية سنة 1237.

(1) التهذيب 4: 137 / 386، الإستبصار 2: 58 / 191، الوسائل 9: 543 أبواب
الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 1.
(2) الكافي 8: 285 / 431، الوسائل 9: 552 أبواب الأنفال وما يختص بالإمام ب 4
ح 19.
(3) التهذيب 4: 137 / 384، الإستبصار 2: 58 / 189، الوسائل 9: 544 أبواب
الأنفال وما يختص بالإمام ب 4 ح 4.
166

كتاب الصوم
ويلحقه الاعتكاف، وفيه أربعة مقاصد:
167

المقصد الأول
في بيان ماهيته وما يتحقق به
وهو في اللغة: الامساك بقول مطلق، كما صرح به جماعة (1)، أو
إمساك الانسان (2)، أو كل حيوان عن الطعام كما قيل (3).
وشرعا: الامساك بالنية والقصد عن تناول أشياء مخصوصة، عمدا،
في وقت مخصوص، من شخص خاص، أي من يصح الصوم عنه.
فلا بد لنا في كشف ماهيته الشرعية من شرح أمور خمسة في فصول
خمسة:

(1) حكاه في المصباح المنير: 352، لسان العرب 12: 351.
(2) المغرب في ترتيب المعرب 1: 311.
(3) كما في الصحاح 5: 1970 ومجمل اللغة 3: 250.
169

الفصل الأول
في النية
ولا خلاف في اعتبارها، ولا ريب في وجوبها وبطلان الصوم بتركها
عمدا أو سهوا، إذ لا عمل إلا بنية، ولا فائدة بعد ذلك في الكلام في كونها
شرطا أو شطرا ركنا.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: يعتبر في النية القصد إلى الفعل مع القربة،
واعتبارهما فيها قطعي إجماعي، كما مر في بحث الوضوء، ولا يعتبر
غيرهما مما اعتبره بعضهم، كنية الوجه والأداء والقضاء وغير ذلك.
نعم، يعتبر قصد المعين والمميز، حيث يمكن إيقاع الفعل على
وجوه متعددة شرعا ولم تتداخل الوجوه، كالنذر المطلق، والنافلة والإجارة،
والقضاء، إذا اجتمعت كلا أو بعضا، إجماعا محققا، ومحكيا عن ظاهر
المعتبر والمنتهى والتنقيح وصريح التحرير (1)، وقد مر وجهه مستوفى.
وأما لو لم يمكن الايقاع كذلك شرعا، أو كان ولكن أمكن تداخل
الوجوه، لم يعتبر ذلك أيضا.
وتفصيل الكلام في ذلك المقام: أن المكلف إما يكون بحيث يمكن
له إيقاع الصوم على وجوه عديدة شرعا - بأن تكون عليه صيام متعددة،
وجوبا أو ندبا، أو وجوبا وندبا، ويكون الوقت صالحا لجميعها،
ولا تتداخل تلك الوجوه، أي لا يكفي الواحد للجميع - أوليس كذلك.
والأول: ما ذكرنا من اعتبار قصد المعين والمميز فيه - أي في نوعه

(1) المعتبر 2: 643، المنتهى 2: 557، التنقيح 1: 349، التحرير 1: 76.
171

لا في أصنافه أو أفراده، إذا لم تختلف آثارها - فلو نذر صوم يوم ثم نذر
صوم يوم آخر لا يلزم تعيين النذر الأول أو الثاني إذا لم يختلف النذران من
حيث الأثر، وكذا قضاء اليوم الأول أو الثاني، أو نحو ذلك.
والثاني: على قسمين، لأنه إما لا يمكن له إيقاع الصوم على وجوه
متعددة، أو يمكن ولكن يمكن تداخل تلك الوجوه.
والقسم الأول على نوعين، لأن عدم الامكان إما لأجل عدم صلاحية
الوقت لغير صوم واحد، أو لأجل عدم اشتغال الذمة وجوبا أو ندبا بغير
واحد.
والنوع الأول على ثلاثة أصناف: صوم شهر رمضان، والنذر المعين،
وغيرهما كالإجارة المعينة أو القضاء المضيق.
والجميع خمسة مواضع، لا بد من البحث عن كل منها على حدة:
الموضع الأول: صوم شهر رمضان.
المشهور عدم اشتراط تعيين السبب - وهو كونه صوم رمضان - وكفاية
قصد الصوم مع القربة، بل عن الغنية والتنقيح وظاهر المختلف والتذكرة
والمنتهى: الاجماع عليه (1)، للأصل، وعدم دليل على اشتراط التعيين في
مثل المقام، فإنه لم يثبت إلا وجوب صوم هذا الشهر وقد تحقق.
ويلوح إلى ذلك قوله عليه السلام في رواية الزهري: (لأن الفرض إنما وقع
على اليوم بعينه) (2).
وإن زدنا عليه نقول: بشرط أن لا يكون الصوم صوما آخر، وهو

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 571، التنقيح 1: 348، المختلف: 211، التذكرة
1: 255، المنتهى 2: 557.
(2) الكافي 4: 83 / 1، الفقيه 2: 46 / 208، التهذيب 4: 294 / 895، الوسائل
10: 22 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 8.
172

أيضا متحقق، لاستحالة وقوع صوم آخر فيه، ولأن اعتباره إنما كان لدفع
اشتراك الفعل حتى يطابق أحد الأمرين معينا وتتحقق الصحة، ولا اشتراك
هنا، فيكون الوقت كالمميز الخارجي الموجب لانطباق الفعل على واحد
معين.
وفي الذخيرة حكاية الخلاف عن نادر، فاعتبر تعيين السبب، لتوقف
الامتثال على الاتيان بالفعل المأمور به من جهة أنه مأمور به للسبب الذي
أمر به (1).
وفيه: منع التوقف على الجزء الأخير.
هذا، والتحقيق أن يقال: إن على ما هو التحقيق في أمر النية من أنها
هي مجرد الداعي المخطور بالبال، وكون شهر رمضان معروفا، ووجوب
صومه ضروريا، لا يمكن فرض المسألة إلا بتعمد الخلاف على الله تعالى،
وعدم قصد صوم رمضان، أو بالذهول والغفلة عن الشهر، أو عن وجوب
صومه.
والأول لا يمكن القول بصحته، لانتفاء قصد التقرب معه قطعا.
والثاني على قسمين، لأنه إما يكون مع الالتفات والشعور إلى صوم
غير رمضان وينوي ذلك الغير، أو يكون مع الذهول عنه أيضا.
والأول غير مفروض المسألة، بل هو المسألة الآتية المتضمنة لحكم
من نوى صوم غير رمضان فيه.
فبقي الثاني، ولا شك أنه فرض غير متحقق الوقوع أو نادر جدا،
ومع ذلك فهو على قسمين، لأن الغفلة والذهول إما يكون عن وجوب
مطلق الصوم أيضا، أو يكون عن مجرد الشهر أو وجوب صومه بخصوصه.

(1) الذخيرة: 495.
173

فعلى الأول أيضا لا معنى لصحة الصوم، لأن الصحة موافقة المأمور
به، ولا أمر حينئذ بصوم رمضان، لامتناع تكليف الغافل، ولا بصوم،
لذهوله عنه، بل قصد التقرب حينئذ أيضا غير متصور غالبا، ولكن
لا تترتب عليه فائدة بعد انتفاء التكليف.
نعم، تظهر الفائدة حينئذ في القضاء، وتحقيقه أيضا مشكل، من
حيث إن القضاء بأمر جديد، وشمول أوامر القضاء لمثل ذلك الشخص
الآتي بالصوم غير معلوم، ومن حيث إن صومه لعدم موافقته لأمر لا يتصف
بالصحة فيكون كغير الصائم، فتشمله أدلة القضاء.
وعلى الثاني يكون صومه صحيحا، ولا يضر عدم قصد التعيين، لما
ذكر أولا، وشعوره لأصل وجوب الصوم يكفي للتكليف والصحة ولو كان
ذاهلا عن خصوصية الشهر.
هذا كله إذا لم يكن عدم تعيين السبب للجهل برؤية الهلال، وأما معه
فهو مسألة أخرى يأتي بيانها.
والموضع الثاني: النذر المعين.
والأقوى فيه أيضا عدم اشتراط قصد السبب، وفاقا لجمل السيد
والحلي والمنتهى والقواعد والتذكرة والارشاد والتبصرة والروضة
والمدارك (1)، لما مر بعينه من عدم الاشتراك، والأصل، فإن بالنذر في يوم
لم يثبت إلا وجوب صوم هذا اليوم، وأما وجوب صومه بقصد أنه منذور
فلا.

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53، الحلي في السرائر 1:
307، المنتهى 2: 557، القواعد 1: 63، التذكرة 1: 255، الإرشاد 1: 99 2،
التبصرة: 52، الروضة 2: 108، المدارك 6: 18.
174

وخلافا لجمل الشيخ وخلافه ومبسوطه والشرائع والنافع والمختلف
والدروس واللمعة والبيان (121)، لأن الأصل وجوب تعيين المنوي وإن لم يكن
على المكلف غيره إذا احتمل الزمان لغيره ولو بالنسبة إلى غيره من
المكلفين، إذ الأفعال إنما تقع على الوجوه المقصودة، خولف في شهر
رمضان بالاجماع، فيبقى الباقي، ولصلاحية الزمان بحسب الأصل له ولغيره
فلا يجدي التعين بالعرض (2).
ورد الأول: بمنع الأصل، مع أن الوجه في ترك العمل به في شهر
رمضان ليس الاجماع فقط، بل عدم إمكان وقوع غيره فيه شرعا، حيث إنه
موجب لانطباق الفعل على الأمر به، وهو ثابت فيما نحن فيه أيضا.
فإن قيل: على التحقيق في أمر النية لا ينفك قصد السبب إلا مع
السهو أو الذهول عن النذر أو اليوم، ومع أحدهما لا بد من قصد سبب آخر
ليتحقق قصد القربة، وحينئذ فيبطل الصوم، لأنه لا يمكن انطباقه على
المنذور، لقصد غيره، ولا على الغير، لعدم صلاحية الزمان.
قلنا: - مضافا إلى أن عدم صلاحية الزمان لغيره مختص بما لا يتداخل
معه - إن الانطباق بالقصد إنما هو إذا لم يكن مرجح آخر للانطباق بغير
المقصود وإلا فينطبق عليه.
بيان ذلك: أنه إذا تعلق أمران بصومين غير متداخلين - مثلا - وأتى
المكلف بصوم من غير تعيين بالقصد ولا: بمميز خارجي، نقول: إنه

(1) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 211، الخلاف 2: 164، المبسوط 1:
277، الشرائع 1: 187، المختصر النافع 1: 65، المختلف: 211، الدروس 1:
267، اللمعة (الروضة 2): 108، البيان: 357.
(2) قال في المسالك 1: 69: إن الزمان بأصل الشرع غير معين بالنذر وإنما يتعين
بالعارض، وما بالأصل لا يزيله ما بالعارض، فلا بد من نية التعيين.
175

لا يوافق الأمرين، لعدم التداخل، ولا واحدا غير معين، لعدم معقولية البراءة
عن واحد غير معين من الأمرين المختلفين آثارا وتوابع، ولا واحدا معينا،
لبطلان الترجيح بلا مرجح فيبطل العمل.
وأما مع وجود مرجح كعدم صلاحية الوقت إلا لواحد فينطبق عليه
قطعا فيكون صحيحا، على أن المأمور به ليس إلا الصوم الواقع في يوم
النذر، وقد تحقق، فيحصل الانطباق قطعا، وقصد الزائد الغير الممكن
التحقق غير مؤثر.
نعم، لو كان المأمور به الصوم المنذور - بحيث يكون القيد جزا له
أو قيدا - لجاء الاشكال، وهو ممنوع.
فإن قيل: الانطباق عليه إنما يكون لو لم يعارضه قصد الآخر.
قلنا: القصد إنما يفيد في الانطباق مع الامكان، وأما بدونه فلا يفيد،
بل يتحقق قصد الزائد لغوا، غير مؤثر في صحة ولا بطلان.
فإن قيل: لا شك أن الامتثال موقوف على القصد، فإذا لم يقصد
المكلف إطاعة ذلك الأمر - بل قصد إطاعة أمر آخر غير ممكن التحقق في
ذلك اليوم - لم يتحقق امتثال، أما الأمر الأول فلعدم قصد امتثاله، وأما الثاني
فلاستحالة وقوعه إذا لم يتداخل مع الصوم المنذور.
قلنا: الامتثال يتوقف على قصد امتثال مطلق الأمر الحاصل بقصد
القربة، ولا يتوقف على قصد امتثال كل أمر بخصوصه، فإنه إذا أمر المولى
عبده بإعطاء درهم لزيد ودرهم لعمرو، وهو أعطى زيدا درهما بقصد
إطاعة المولى ولكن يظن أنه عمرو، يمتثل أمر الاعطاء لزيد قطعا،
ولا يكلف إعطاء الدرهم لزيد ثانيا قطعا.
ثم التفصيل والتحقيق في هذا الموضع أيضا يعلم مما سبق في
176

الموضع الأول.
الموضع الثالث: غير المذكورين، مما يتعين وقته ولا يصلح الزمان
لغيره، كالإجارة المعينة، والقضاء المضيق.
والحق فيه: اشتراط تعيين السبب، كما عن الشيخ وابن حمزة
والفاضلين وفخر المحققين (1)، بل لم أجد فيه خلافا، فيبطل الصوم لو لم
يعين السبب وقصد الصوم ذاهلا عن كونه بالنيابة أو للقضاء - مثلا - وعن
نية غير هذا الصوم أيضا، وأما معها فهي مسألة أخرى تأتي.
وإنما قلنا: إنه يبطل الصوم، لعدم كون هذا الصوم المعين مشروعا
ومقصودا، فلا وجه لانطباق الفعل بالأمر بالغير، ولأصالة عدم تحقق هذا
المعين واستصحاب الاشتغال به.
والفرق بين ذلك وبين المذكورين: أن الثابت شرعا فيهما ليس إلا
وجوب الاتيان بالصوم وكونه في اليوم المعين - أي ظرفيته له - وقد تحقق
الأمران، والأصل عدم الاشتغال بغيره.
بخلاف ذلك، فإن المستأجر لم يرد من الأجير صوم الأيام المعينة
مطلقا، ولم يستأجره للصوم مطلقا - ولو كان كذلك لقلنا بعدم اشتراط تعيين
السبب - بل استأجره للصوم عن شخص معين، فالثابت شرعا أمور ثلاثة:
الصوم، والنيابة عن الغير، وكونه في أيام معينة، ولا يحصل الثاني إلا
بالقصد، فيكون شرطا.
وكذا القضاء المضيق، فإنه لا دليل شرعا على وجوب الصوم

(1) الشيخ في المبسوط 1: 278، والخلاف 2: 164، ابن حمزة في الوسيلة:
139، المحقق في الشرائع 1: 187، العلامة في التحرير 1: 76، فخر المحققين
في الإيضاح 1: 220.
177

بالاطلاق في أيام تضيق القضاء حتى تبرأ الذمة بالاتيان به ويجري الأصل
في الزائد، بل الثابت شرعا هو وجوب الصوم قضاء فيها، ووقع أمر الشارع
بالقضاء بمثل قوله: (اقض) أو: (تقضي) أو: (صم قضاء) ولا تعلم
صيرورته قضاء إلا بقصده.
فإن قيل: كما أن اليوم المعين في شهر رمضان والنذر المعين ظرف
للصوم، كذلك القضاء والنيابة وصف له، فما الفرق في لزوم تعيين ذلك في
النية دونه؟
قلنا: الفرق أن المطلوب حصول ذلك الظرف والوصف، والأول
حاصل في الخارج من غير احتياج إلى النية، بخلاف الثاني، فإنه لا تحقق
له إلا بالقصد، وعلى هذا فلك أن تجعل مناط ما يجب تعيينه بالقصد وما
لا يجب: قيد المأمور به، الذي لا وجود له إلا بالقصد، وماله وجود بنفسه،
فما كان من الأول يجب قصده، وما كان من الثاني لا يجب.
ومما ذكرنا علم المناط والضابط فيما يعتبر فيه قصد التعيين وما
لا يعتبر فيه.
الموضع الرابع: ما لم يتعلق بذمة المكلف غير صوم واحد واجب أو
ندب.
ولا تعتبر فيه أيضا نية التعيين وقصد السبب، إلا إذا كان السبب قيدا
للمأمور به أو جزا له ولم يتعين إلا بالقصد، كما مر في الموضع السابق.
الموضع الخامس: ما تعددت وجوه الصوم ولكن أمكن تداخلها.
ولا يعتبر فيه التعيين، بل يكفي قصد الصوم مطلقا عن الجميع، لما
أثبتناه من أصالة تداخل الأسباب، بل يكفي قصد واحد معين عن الجميع
أيضا، لما أثبتناه في موضعه من التداخل القهري فيما يمكن فيه التداخل،
178

وأصالة عدم اشتراط التعيين، إلا فيما كان أحد المتداخلين أو كلاهما مما
كان قصد السبب جزا للمأمور به فيه، فيجب قصده.
وعلى هذا، فلو نذر صوم أيام البيض من كل شهر، وصوم يوم قدوم
مسافره، واتفق قدومه في أحد أيام البيض، يكفي صوم واحد للأمرين،
لأصالة التداخل.
ولا يشترط قصد التعيين، للأصل، فإن الثابت ليس إلا وجوب الصوم
في هذا اليوم وقد تحقق، غاية الأمر أنه يكون لوجوبه سببان، وذلك
لا يقتضي التعدد ولا قصد السبب.
وكذا لو نذر صوم يوم قدوم مسافره، وقدم أحد أيام البيض، فيكفي
صوم لواجبه ومستحبه، وهكذا في اجتماع المندوبين.
فرعان:
أ: عن الشهيد في البيان: إلحاق الندب المعين - كأيام البيض - بشهر
رمضان في عدم افتقاره إلى التعيين (1)، للتعيين هناك بأصل الشرع.
بل عنه في بعض تحقيقاته: إلحاق مطلق المندوب به، لتعيينه شرعا
في جميع الأيام إلا ما استثني (2)، واستحسنه جماعة كما قيل (3)، وتنظر فيه
أخرى.
أقول: التعيين بأصل الشرع إنما يفيد في التعيين لو امتنع وقوع غيره
فيه، وذلك مختص بالواجب، وأما المندوب فليس كذلك، فإن أيام البيض

(1) البيان: 357.
(2) حكاه عنه في المدارك 5: 20.
(3) انظر الرياض 1: 301.
179

لم تتعين للصوم المندوب فيها.. وكذلك مطلق الأيام لمطلق المندوب،
لجواز وقوع غيرهما فيهما، بل وقوعه كثيرا، فالانصراف إليهما موقوف
على صارف.
والتحقيق: أن التعين الندبي غير مفيد في ذلك، بل ليس تعينا ندبيا
أيضا، لأن التعين الندبي أن يكون غيره فيه مرجوحا، وليس كذلك، بل
اللازم فيه أيضا الإناطة بما مر، من عدم الاشتراك والتداخل وجزئية السبب،
فإن لم يكن على المكلف غير الصوم المندوب في كل يوم إلا ما استثني
تكفي فيه نية مطلق الصوم.
وكذا إذا اجتمعت أصوام متداخلة مندوبة أو مندوبة وواجبة، تكفي
نية المطلق إذا لم يكن تعيين السبب جز المأمور به، ويجب التعيين في
غير ذلك، فلو كان عليه قضاء وكفارة ونيابة ومستحب، ونوى مطلق الصوم
مترددا بين هذه الأمور، بطل.
نعم، لو كان ذاهلا عن الأمور المذكورة ونوى الصوم، فالظاهر صحته
للمستحب، لأن قصده القربة لا يكون إلا مع الالتفات إليه، ولو فرض إمكان
تحقق الذهول عن الجميع وقصد القربة فيبطل، ولكنه فرض غير متحقق.
وكذا لو كان على أحد صوم عن غيره مندوبا - كأن يطلب منه أحد
ليصوم عن والده مثلا وقبل ذلك رجحانا لقضاء مطلوب أخيه المؤمن، أو
أراد قضاء صيام محتمل الفوات أو مظنونه وقلنا باستحبابه - لا ينصرف إلى
أحدهما إلا بقصد السبب. وتكفي نية مطلق الصوم في أيام البيض عن
صومها ولو كان عليه الصوم المستحب في كل يوم، للتداخل، وهكذا.
ثم إنه قد تحصل من جميع ما ذكرنا: أنه إذا كان المأمور به متعددا
غير متداخلة ولا متميزة بمميز خارجي، وكانت مختلفة الآثار، أو كان له قيد
180

مطلوب لا يحصل إلا بالقصد، يعتبر التعيين بالقصد.
وما كان غير ذلك لا يعتبر فيه ذلك، سواء في ذلك الصوم وغيره من
العبادات، من الطهارات والصلوات وغيرهما.
ب: لما كان الأصل - على الأقوى - تداخل الأسباب، فالأصل في
أنواع الصيام التداخل إلا ما ثبت فيه العدم، ومما ثبت فيه عدم التداخل:
صوم شهر رمضان، والنيابة عن الغير، والقضاء، والنذر معينا، ومطلقا،
والكفارة، فإنها لا يتداخل بعضها مع البعض إجماعا.
ويتداخل النذر المطلق والمعين (1) مع صوم أيام البيض، وهو مع
صوم دعاء الاستفتاح (2)، وهو مع القضاء (3)، ونحو ذلك.
المسألة الثانية: لو نوى في شهر رمضان صوما غيره مع وجوب
الصوم عليه، فإن كان مع الجهل بالشهر فالظاهر عدم الخلاف في الصحة
والاجزاء عن رمضان، كما يأتي في صوم يوم الشك.
وإن كان مع العلم بالشهر فلا يقع الصوم عن المنوي إجماعا، لعدم
وقوع صوم غيره فيه كما يأتي.
وهل يقع عن رمضان أو يبطل؟ فيه قولان:
الأول: للخلاف والمبسوط وجمل السيد والغنية والوسيلة والمعتبر
والشرائع (4).

(1) في (ق) زيادة: إذا لم يقصد في النذر التغاير أو لم تدل عليه قرينة، وكذا
يتداخلان مع كل صوم آخر كذلك.
(2) كذا، ولعله تصحيف عن: الاستسقاء.
(3) في (ق) زيادة: إذا قصد القضاء ولا عكس.
(4) الخلاف 2: 164، المبسوط 1: 276، جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 53، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، الوسيلة: 140، المعتبر 2:
645، الشرائع 1: 187.
181

والثاني: للحلي والشهيد والمفاتيح (1)، واستجوده في المختلف
أولا (2) وفي المدارك مطلقا (3)، ونسب إلى ظاهر علي بن بابويه (4).
وظاهر الفاضل في جملة من كتبه وصاحب الكفاية التردد (5).
حجة الأول: أن النية المشروطة حاصلة، وهي نية القربة، إذ التعيين
غير لازم، وما زاد لغو لا عبرة به، فكان الصوم حاصلا بشرطه، ويجزئ
عنه.
ورد: بأن نية القربة بلا تعيين إنما تكفي لو لم ينو ما ينافي هذا
الصوم (6).
وفيه: منع تأثير نية المنافي، مع عدم إمكان وقوعه.
نعم، يرد عليه: أن حصول القربة مطلقا ممنوع، لأن نية الغير مع
العلم بالشهر إما تكون مع السهو عن وجوب صوم الشهر أو الجهل به، كأن
يريد السفر بعد الزوال، أو دخل الوطن قبله وظن عدم صحة صومه للشهر،
أو مع العلم به وتعمد الخلاف مع الله سبحانه.. وظاهر أن قصد القربة غير
متصور في الأخير.
وحجة الثاني: التنافي بين نية صوم رمضان ونية غيره.
وبأنه منهي عن نية غيره، والنهي مفسد.

(1) الحلي في السرائر 1: 371، الشهيد في البيان: 358، المفاتيح 1: 246.
(2) المختلف: 214.
(3) المدارك 5: 32.
(4) حكاه عنه في المختلف: 214.
(5) الفاضل في التحرير 1: 76، والمنتهى 2: 558، الكفاية: 49.
(6) كما في المختلف: 214، المسالك 1: 70.
182

وبوجوب مطابقة النية للمنوي.
وبأن لكل امرئ ما نوى، والأعمال بالنيات، ولم ينو رمضان، فليس
له.
ويرد على الأول: أن التنافي مسلم، ولكن لم لا يجوز أن تكفي في
صحة صيام رمضان نية الامساك مع التقرب، ولا تعتبر فيها نية خصوصية
كونه صوم رمضان؟! بل الأمر كذلك كما مر.
وعلى الثاني: أولا: بأن النهي مخصوص بصورة تعمد الخلاف
لا غيره.
وثانيا: بأن النهي متعلق ببعض أجزاء النية الخارجة عن حقيقة العبادة
ونية القربة معا، فلا يفسد شئ منهما.
وعلى الثالث: بمنع وجوب المطابقة الكلية، والجزئية حاصلة.
وعلى الرابع: بأن لازمه كون الصوم المتقرب به له، ولوقوعه في شهر
رمضان يكفي عنه، وأما الزائد فلعدم إمكانه لا يكون له.
ومما ذكرنا يظهر أن الحق في المسألة: التفصيل بالبطلان مع تعمد
الخلاف، والصحة في غيره.
أما الأول، فلانتفاء القربة المعتبرة قطعا.
وأما الثاني، فلوقوع الصوم في شهر رمضان.
أما وقوع الصوم، فلأنه إمساك مخصوص بنية التقرب، وقد حصل.
وأما كونه في شهر رمضان، فظاهر، والأصل عدم اشتراط غيره حتى
انتفاء نية الغير أيضا، وأيضا الزائد المنوي لا يتحقق، لعدم صلاحية الوقت.
وأما عدم وقوع الصوم المتقرب به، فلا وجه له، وبعد وقوعه وكونه
في شهر رمضان يكون كافيا عنه.
183

وإلى هذا التفصيل يلوح كلام ابن شهرآشوب في متشابه القرآن (1).
فإن قيل: - على ما هو التحقيق في باب النية - لا يتحقق فرض
المسألة إلا مع الخلاف مع الله سبحانه، أو الغفلة عن الشهر أو وجوب
صومه بالمرة، وعلى التقديرين لا تتصور الصحة.
أما على الأول، فظاهر.
وأما على الثاني، فلأن الصحة ليست إلا موافقة المأمور به، وهي هنا
غير ممكنة، لأن صوم غير رمضان غير ممكن الوقوع حتى يوافقه الفعل،
وأما رمضان فغير مأمور به، لامتناع تكليف الغافل.
قلنا: يمكن أن يدفع الاشكال بوجوه:
أحدها: أن ما لا يمكن وقوعه في شهر رمضان: الصوم المقيد بكونه
غير صوم رمضان لا الصوم المطلق، والذي أوجب الذهول رفع التكليف
عنه أيضا: هو الصوم المقيد بكونه صوم رمضان لا المطلق، فيقع مطلقه
الحاصل في ضمن نية الغير بعد عدم تحقق الغير صحيحا، ولوقوعه في
شهر رمضان يكون كافيا عنه.
فإن قيل: المطلق لا يتحقق إلا في ضمن أحد المقيدين.
قلنا: ليس كذلك، لأن للصوم أفراد: المقيد بهذا القيد وبذاك والصوم
المطلق، ألا ترى أنه يمكن قصد الصوم قربة إلى الله، من غير التفات إلى
أنه من رمضان أو من غيره، ويكون صحيحا، لموافقته لمطلقات الأمر
بالصوم.
نعم، مطلق الصوم - الذي هو الجنس - لا يكون إلا مع أحد الثلاثة.
فإن قيل: تحقق الصوم المطلق بحسب الوعاء الخارجي غير ممكن،

(1) متشابه القرآن 2: 179.
184

لأنه إما في رمضان أو في غيره، وبحسب القصد موقوف على قصد
الاطلاق، أو عدم قصد الغير، وهما منتفيان هنا.
قلنا: نمنع التوقف، بل يتحقق بإلغاء قصد الغير وعدم إمكان تحققه
أيضا، فيقع الصوم صحيحا وقيده ملغيا.
وثانيها: أن يقال: إن المراد براءة ذمة المكلف، وهي حاصلة، أما عن
صوم رمضان فللغفلة الموجبة لانتفاء التكليف، وأما عن قضائه فلأنه بأمر
جديد، وشمول أوامره لمثل ذلك الشخص غير معلوم.
وثالثها: أنا لا نسلم عدم وقوع صوم غير رمضان فيه مطلقا، وإنما هو
مع العلم بالشهر وبوجوب صومه، أما مع الغفلة عنهما فلا، كما يأتي،
فيكون المنوي صحيحا وكان مجزئا عن صوم رمضان، للعلة المذكورة في
رواية الزهري (1)، ولأن المطلوب من الاجزاء عدم العصيان وسقوط القضاء،
وهما متحققان، إذ لا إثم مع الغفلة، والقضاء بأمر جديد.
فرع: لو نوى غير المنذور في النذر المعين، فإن كان مع الشعور
باليوم والنذر فيه، وكان قصد الغير مخالفة لله أو لجهل بالمسألة غير موجب
للعذر، فيبطل صومه، لانتفاء القربة.
وإن كان مع الذهول أو الجهل المعذر، فالحق: صحة الصوم الذي
قصده، لعدم المانع، إذ ليس إلا النذر، وهو - مع الغفلة المذكورة المانعة
عن التكليف به - لا يصلح للمانعية، إذ يكون كيوم لا نذر فيه.
ودعوى الاجماع في الدروس - على عدم تأدي المنوي (2) - غير

(1) التهذيب 4: 164 / 463، الإستبصار 2: 80 / 243، الوسائل 10: 22 أبواب
وجوب الصوم ب 5 ح 8.
(2) الدروس 1: 268.
185

مسموعة، ولذا احتمل في المدارك التأدي، بل احتمله في رمضان أيضا (1).
وهل يجب قضاء المنذور؟
الحق: لا، أما إن كان المنوي ما يتداخل مع المنذور - كالصوم المطلق
أو الشكر أو أيام البيض - فظاهر، وأما إن كان غيره - كالقضاء والنيابة - فلأن
القضاء فرع أمر جديد، وثبوت أمر بالقضاء - مع تحقق الصوم الصحيح في
هذا اليوم - غير معلوم، ويومئ إليه خبر الزهري المتقدم.
ولو نوى غير الواجب في الواجب المعين غير النذر - كالإجارة
المعينة والقضاء المضيق - فيبطل مع الالتفات والعصيان، ويصح المنوي مع
الغفلة عن الواجب، لما مر، ولا يصح عن الواجب، لاشتراط قصده المنفي
هنا.
المسألة الثالثة: لو صام يوم الشك بنية آخر شعبان أجزأ عن رمضان
إذا انكشف أنه منه، بلا خلاف مطلقا في الرسيات (2)، ويقال: بل بين
المسلمين، كما عن ظاهر المعتبر والمختلف (3)، وبالاجماع كما في
المسالك والمدارك (4) وغيرهما (5)، بل هو إجماع محقق، وهو الدليل عليه.
مضافا - مع ما مر - إلى النصوص المستفيضة الدائرة بين ما يصرح
بالاجزاء مع الصوم من شعبان، كموثقة سماعة وفيها: (إنما يصام يوم الشك
من شعبان ولا يصومه من شهر رمضان، لأنه قد نهي أن ينفرد الانسان
بالصيام في يوم الشك، وإنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان، فإن كان

(1) المدارك 6: 36.
(2) الرسيات (رسائل السيد المرتضى 2): 352.
(3) المعتبر 2: 649، المختلف: 215.
(4) المسالك 1: 70، المدارك 6: 35.
(5) كالتنقيح الرائع 1: 354، المفاتيح 1: 354.
186

من شهر رمضان أجزأ عنه، بتفضل الله تعالى، وبما قد وسع على عباده) (1).
ورواية الزهري الطويلة الواردة في وجوه الصيام، وفيها: (وصوم يوم
الشك أمرنا به ونهينا عنه، أمرنا به أن نصومه مع صيام شعبان، ونهينا عنه
أن ينفرد (2) الرجل بصيامه في اليوم الذي يشك فيه الناس) فقلت له: جعلت
فداك، فإن لم يكن صام من شعبان شيئا كيف يصنع؟ قال: (ينوي ليلة
الشك أنه صائم من شعبان، فإن كان من شهر رمضان أجزأه عنه، وإن كان
من شعبان لم يضره) فقلت: وكيف يجزئ صوم تطوع عن فريضة؟ فقال:
(لو أن رجلا صام يوما من شهر رمضان تطوعا وهو لا يعلم أنه من شهر
رمضان ثم علم بعد ذلك لأجزأ عنه، لأن الغرض إنما وقع على اليوم بعينه).
وبين ما هو مطلق يدل على المطلوب بالاطلاق، كصحيحة
الأعرج (3)، وروايتي النبال (4)، ومحمد بن حكيم (5)، وحسنة ابن وهب:

(1) الكافي 4: 82 / 6، التهذيب 4: 182 / 508، الإستبصار 2: 79 / 240،
الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 4.
(2) معنى الانفراد بصيامه إما أن يصوم يوم الشك خاصة دون ما قبله من أيام
شعبان، والسر في النهي حينئذ أنه إن انفرد بصيامه على أنه من رمضان خالف
الشرع، وإن صامه بنية شعبان أو الترديد وميزه من بين أيام شعبان بصيامه يظهر منه
أنه إنما فعل ذلك لزعمه أن صيامه لا بد منه، فكأنه صامه من رمضان وإن أخطر
بباله أنه من شعبان، وذلك يشبه إدخال يوم من رمضان، وهكذا ذكره في الوافي
(ج 11: 107)، أو المعنى: انفرد بصيامه بنية رمضان من بين الناس وكون الناس
يعدونه من شعبان، هكذا ذكره في الحدائق (ج 13: 36) حاشية منه رحمه الله من (ق).
(3) الكافي 4: 82 / 4، التهذيب 4: 182 / 506، الإستبصار 2: 78 / 238،
الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 2.
(4) الكافي 4: 82 / 5، الفقيه 2: 79 / 350، التهذيب 4: 181 / 504، الإستبصار
2: 78 / 236، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 3.
(5) الكافي 4: 83 / 8، التهذيب 4: 181 / 502، الإستبصار 2: 77 / 234،
الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 7.
187

الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك، فقال:
(هو شئ وفق له) (1)، وقريبة منها موثقة أخرى لسماعة على نسخة
الكافي (2).
والاستدلال بالأخيرين إنما هو مبني على جعل قوله: من شهر
رمضان، متعلقا بقوله: يشك، للأخبار الدالة على عدم جواز صومه من شهر
رمضان.
وأما صحيحة محمد: في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من
رمضان، فقال عليه السلام: (عليه قضاؤه وإن كان كذلك) (3).
وصحيحة هشام بن سالم: في يوم الشك: (من صامه قضاه وإن كان
كذلك) (4)..
فلا تنافيان ما مر، لأن الأولى مخصوصة بالصوم بنية رمضان، والثانية
وإن كانت مطلقة إلا أنه يجب تخصيصها بذلك، لخصوصات الاجزاء مع
قصد أنه من شعبان.
فإن قيل: اختصاص الأولى إنما هو إذا كان قوله: من رمضان، متعلقا
ب‍: يصوم، وهو غير معلوم، لاحتمال التعلق بقوله: يشك، بل هو أولى،
لقربه.
قلنا: - مع أنه مع الاجمال والاحتمال المذكور لا تعلم المنافاة - إنه

(1) الكافي 4: 82 / 3، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 5.
(2) الكافي 4: 81 / 2، الوسائل 10: 22 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 6.
(3) التهذيب 4: 182 / 507، الإستبصار 2: 78 / 239، الوسائل 10: 25 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 6 ح 1.
(4) التهذيب 4: 162 / 457، الوسائل 10: 27 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 6
ح 5.
188

على الثاني تصير كالرواية الثانية مطلقة لازمة التخصيص، كما خصصها
بعض الرواة، حيث إنه ذكر بعد الرواية المذكورة: يعني من صامه على أنه
من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوما من شهر رمضان، لأن السنة
جاءت في صيامه على أنه من شعبان، ومن خالفها فإن عليه القضاء (1).
فإن قيل: ما معنى الفرد الخفي هنا، مع أنه لو لم يكن من رمضان
لا قضاء أبدا؟!
قلنا: لا يلزم أن يكون الفرد الآخر القضاء لو لم يكن من رمضان، بل
المراد: خفاء هذا الحكم لو كان من رمضان بالنسبة إلى الحكم بعدم
القضاء، حيث إنه يوم صوم وقع فيه الصوم بنيته، فكان الأظهر عدم
القضاء، فقال عليه السلام: (عليه قضاؤه وإن كان يوم رمضان)، وكان الأظهر مع
وقوع الصوم فيه لله بنيته عدم القضاء.
ومن هذا يظهر وجه الشرطية لو كان التشبيه للنية وكان معنى قوله:
(وإن كان كذلك): وإن كانت النية أنه من رمضان.
وعلى الصوم بنية رمضان تحمل الأخبار الناهية عن صوم يوم الشك
بقول مطلق، لما ذكر، أو على التقية، حيث إن تحريمه مذهب العامة كما
يأتي.
فروع:
أ: ألحق الشهيدان بشهر رمضان كل واجب معين فعل بنية الندب مع
عدم العلم (2)، ونفى عنه البأس جملة ممن تأخر عنهما، كالمدارك

(1) التهذيب 4: 162 بعد حديث 547.
(2) الشهيد في الدروس 1: 268، الشهيد الثاني في الروضة 2: 139.
189

والمفاتيح والذخيرة (1).
وتوقف فيه صاحب الحدائق، استنادا إلى أن إلحاقه بالمذكور نوع
قياس (2).
وهو غير جيد، إذ الالحاق ليس للقياس، بل للعلة المنصوصة في
رواية الزهري، ولأن مع الجهل لا تكليف بالمعين، والقضاء بأمر جديد غير
معلوم في مثل المورد الذي وقع فيه الصوم الصحيح.
ولكن هذا الكلام إنما يتم في النذر المعين، أما مثل الإجارة المعينة
والقضاء المضيق فلا، إذ لا حاجة فيهما إلى أمر جديد، بل الأصل بقاء
المؤجر له والقضاء في الذمة.
نعم، مقتضى التعليل المنصوص الكفاية فيهما أيضا، ولكن مع ذلك
الأحوط عدم الاكتفاء في المؤجر له والقضاء بذلك، بل هو الأظهر أيضا،
لامكان الخدش في دلالة الرواية، لأن المراد منها أن الفرض - الذي هو
الصوم - قد وقع على اليوم ولا واجب غيره، والفرض فيهما ليس هو الصوم
بغير قيد، بل الصوم عن المندوب عنه وللقضاء، ولم يقع ذلك في اليوم
بعينه.
ومثل الصوم بنية شعبان: الصوم بنية ندب آخر أو الندب مطلقا، كما
صرح به في الدروس والروضة (3) وغيرهما (4)، لعدم القول بالفصل، ولصحة
صومه، وعدم تكليفه بصوم رمضان، وعدم وجوب القضاء لما ذكرنا مرارا.
ب: لو صام يوم الشك بنية رمضان لم يجزئ عنه ولا عن شعبان

(1) المدارك 6: 36، المفاتيح 1: 246، الذخيرة: 516.
(2) الحدائق 13: 44.
(3) الدروس 1: 268، الروضة 2: 139.
(4) كمجمع الفائدة 5: 165.
190

على الأقوى، وفاقا للصدوقين والسيد (1) والشيخ في غير الخلاف (2)
والحلبي والديلمي والقاضي والحلي وابن حمزة (3)، بل للأشهر كما صرح به
جماعة (4)، وعزاه في المبسوط إلى الأصحاب (5)، مؤذنا بدعوى الاجماع
عليه.
للنهي المفسد للعبادة ولو من جهة شرطها، كما في المستفيضة
المتقدمة بعضها، ومنها رواية أخرى للزهري: (يوم الشك أمرنا بصيامه
ونهينا عنه، أمرنا أن يصومه الانسان على أنه من شعبان، ونهينا أن يصومه
على أنه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال) (6).
ورواية سهل بن سعد، وفيها: (وليس منا من صام قبل الرؤية
للرؤية) (7).
ورواية الأعشى: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم ستة أيام:
العيدين، وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان) (8).
ورواية عبد الكريم: (لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق

(1) الصدوق في الفقيه 2: 79، حكاه عن والده في المختلف: 214، السيد في
الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، والانتصار: 62.
(2) كالنهاية: 151.
(3) الحلبي في الكافي: 181، الديلمي في المراسم: 96، القاضي في جواهر
الفقه: 33، الحلي في السرائر 1: 384، ابن حمزة في الوسيلة: 140.
(4) كما في كفاية الأحكام: 49، والحدائق 13: 34، والرياض 1: 303.
(5) المبسوط 1: 277.
(6) التهذيب 4: 164 / 463، الإستبصار 2: 80 / 243، الوسائل 10: 26 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 6 ح 4، بلفظ آخر.
(7) الفقيه 2: 80 / 355، الوسائل 10: 28 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 6 ح 9.
(8) التهذيب 4: 183 / 509، الإستبصار 2: 79 / 241، الوسائل 10: 25 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 6 ح 2.
191

ولا اليوم الذي يشك فيه) (1).
وهو وإن كان في أكثرها مطلقا إلا أنه يجب تقييده بما إذا كان بنية
رمضان، أو لم يكن بنية شعبان، بشهادة موثقة سماعة (2)، ورواية الزهري
المتقدمة، المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل الاجماع على جواز ما لم يكن
بنية رمضان، والتعبير في الموثقة وإن كان بالجملة الخبرية إلا أن ما بعد
الجملة صريح في أنها للنهي.
وبما ذكر يجمع بين مطلقات النهي ومطلقات الجواز، بحمل الأولى
على ما كان بنية رمضان، والثانية على غيره.
ولا يرد: أن النهي المطلق مذهب العامة، فمع التعارض مع أخبار
الجواز المطلق يجب حمل أخباره على التقية.
لأنه إنما هو إذا لم يكن شاهد من كلام أهل العصمة وفتاوى عظماء
الفرقة على جمع آخر، مع أن الموثقة ورواية الزهري أخصان مطلقا من كل
من المطلقين، فيجب تقييدهما بهما، كما هي القاعدة المجمع عليها، وهي
على الحمل على التقية مقدمة.
ولا أن الروايتين ضعيفتان.
لأن ضعف السند - بعد اعتبار أصل الرواية - غير مضر، مع أن
إحداهما موثقة، وهي في نفسها كالصحيح حجة، وكليهما معتضدتان
مجبورتان بالشهرة العظيمة المحققة والمحكية.

(1) الكافي 4: 141 / 1 باختلاف في السند، الفقيه 2: 79 / 351، التهذيب 4:
183 / 510، الإستبصار 2: 79 / 242، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم
ونيته ب 6 ح 3.
(2) الكافي 4: 82 / 6، التهذيب 4: 182 / 508، الإستبصار 2: 79 / 240،
الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 4.
192

وتدل على المطلوب أيضا صحيحتا محمد وهشام المتقدمتان (1)،
الدالتان على وجوب القضاء مطلقا، الواجب تخصيصهما بما إذا كان بنية
رمضان أو لم يكن بنية شعبان.
لا لأجل رجوع الجار في أولاهما إلى قوله: يصوم.
ولا لتصريح ذيل الثانية بذلك.
ولا لأنهما إن أبقيتا على إطلاقهما حتى يشمل ما وقع بنية شعبان
أيضا لكانتا متروك العمل بهما إجماعا، وحمل الحديث على ما يصح
الاعتماد عليه أولى من إبطاله بالكلية.
حتى يرد الأول: باحتمال رجوعه إلى قوله: يشك.
والثاني: باحتمال كون تفسير الذيل لبعض الرواة دون الإمام عليه السلام،
ولا حجية فيه.
والثالث: بعدم دليل على أن أولوية حمل الحديث على معنى يصح
الاعتماد عليه من إبطاله تصلح لجعل ذلك المعنى حجة في المسألة، مع أن
الحمل على التقية أيضا معنى يصلح للاعتماد.
بل لما ذكرناه غير مرة، من تعارضهما مع الموثقة والروايتين، وكون
الثانية أخص مطلقا منهما فيجب تخصيصهما بها، كما أنه بها يجمع أيضا
بين الصحيحتين وبين ما ظاهره نفي القضاء بقول مطلق، كصحيحة الأعرج
وما تعقبها من الأخبار المتقدمة الإشارة إليها.
وقد حكي الخلاف في المسألة عن القديمين، فحكما بالاجزاء هنا
أيضا (2)، وهو ظاهر الشيخ في الخلاف (3)، للمطلقات المذكورة.

(1) في ص: 177.
(2) حكاه عنهما في المختلف: 214.
(3) الخلاف 2: 185.
193

بل خصوص حسنة ابن وهب، حيث إن فيها: الرجل يصوم اليوم
الذي يشك فيه من رمضان فيكون كذلك، فقال: (هو شئ وفق له) (1).
وموثقة سماعة الأخيرة، حيث إن فيها: فصامه من شهر رمضان،
قال: (هو يوم وفق له ولا قضاء عليه) (2).
وللاجماع المحكي في الخلاف.
ولأنه في نفس الأمر من رمضان، وعدم معرفته لا يخرجه عن
حقيقته، فيكون قد نوى الواقع، فوجب أن يجزئه.
وترد المطلقات: بوجوب التخصيص بما ذكر.
والحسنة: باحتمال تعلق قوله: من رمضان، بالفعل الثاني، بل في
النسخ الصحيحة هكذا: يشك فيه أنه من شهر رمضان، فيكون صريحا في
ذلك، فيكون كالمطلقات.
والموثقة - مع معارضتها بمثلها المتقدم وغيره، ومرجوحيتها بالاضمار -:
باختلاف نسخ التهذيب والكافي، فإنها في الثاني هكذا: فصامه فكان من
شهر رمضان، فتكون أيضا كالمطلقات، وأما نسخ التهذيب وإن كانت كما
ذكر، ولكن الشيخ رواها عن الكليني. وعلى هذا، فلا يبقى اعتماد عليها،
مع أنها على نسخ التهذيب أيضا ليست نصا على أنه صامه بنية رمضان،
لاحتمال كون الظرف حالا من المفعول، أي صامه حال كونه من رمضان.
ودعوى الاجماع: بعدم حجيتها، سيما مع ظهور مخالفة الأكثر (3)،
واختلاف نسخ الخلاف، حيث إن بعضها - على ما حكي - غير مشتمل

(1) تقدمت في ص: 177.
(2) تقدمت في ص: 177.
(3) راجع أرقام 3 و 4 و 5 من الصفحة: 180، والمختلف: 214.
194

لتلك الدعوى وإن كان ما عندنا مشتملا عليها، إلا أن الظاهر منه اختصاص
دعواه بصورة حصول الظن بأنه من رمضان، من قول عدل ونحوه لا مطلقا،
بل يلوح من كلامه التوقف في صورة عدم الظن كما نسبه إليه في التحرير
صريحا (1)، وفي المختلف احتمالا (2).
والأخير: بإناطة التكاليف بالعلم دون نفس الأمر، مع أنه اجتهاد في
مقابلة النص.
ثم إنه لا فرق في عدم الاجزاء بين ما إذا لم تكن هناك أمارة موجبة
للظن بالهلال، أو كانت أمارة غير ثابتة الحجية، كعدل واحد أو حساب
النجوم ونحوهما، للاطلاقات، وعدم حجية هذا الظن.
ج: لو نوى يوم الشك واجبا آخر غير رمضان - كالقضاء أو النذر أو
الكفارة أو الإجارة - فهو جائز كما صرح به جماعة، منهم: الفاضل (3)
والشهيدان في الدروس والروضة (4)، للأصل، وكونه زمانا ليس من رمضان
شرعا، فيصلح لايقاع صيام غيره فيه، والأخبار الناهية عن صوم يوم الشك
غير باقية على ظاهرها كما مر.
نعم، في رواية عبد الكريم: إني جعلت على نفسي أن أصوم حتى
يقوم القائم، فقال: (لا تصم في السفر، ولا العيدين، ولا أيام التشريق،
ولا اليوم الذي يشك فيه) (5)، ومقتضاها حرمة صوم النذر، ولا وجه لردها،

(1) التحرير 1: 76.
(2) المختلف: 214.
(3) في التحرير 1: 76.
(4) الدروس 1: 268، الروضة 2: 139.
(5) الكافي 4: 141 / 4 باختلاف يسير، الفقيه 2: 79 / 351، التهذيب 4: 183 / 510،
الإستبصار 2: 79 / 242، الوسائل 10: 26 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 6 ح 3.
195

فعليه الفتوى، والتعدي إلى غيره من الواجبات يحتاج إلى ثبوت الاجماع
المركب، وهو غير معلوم.
ثم لو ظهر أنه من رمضان أجزأ عنه، لا لما ذكره في الدروس من
كونه أولى بالاجزاء من نية الندب (1)، لمنع الأولوية.
بل للعلة المذكورة في رواية الزهري (2)، ولما مر من عدم التكليف
بصوم رمضان شرعا، وعدم ثبوت القضاء في مثل المورد.
وهل يجزئ عما نواه؟
مقتضى القاعدة: نعم. وقيل: لا، لأن في شهر رمضان لا يقع غير
صومه (3). وهو حسن إن ثبتت الكلية حتى في مقام لم يثبت الشهر حين
الصوم، والاحتياط في الاتيان بالمنوي ثانيا.
د: لو تردد في نية يوم الشك - بأن نوى أنه إن كان من شهر رمضان كان
صائما منه واجبا، وإن كان من شعبان كان صائما منه ندبا، وهو إنما يتصور من
الجاهل بالحكم أو الذاهل عنه، وأما العالم الشاعر فلا محالة ينوي كونه من
شعبان وإن علم أنه إن كان من رمضان يجزئه عنه - فالحق: صحته وإجزاؤه عن
رمضان، وفاقا للخلاف والمبسوط وابن حمزة والعماني والمختلف والروضة (4)،
وحكي عن ظاهر الدروس والبيان (5)، وإليه ذهب المحقق الأردبيلي (6)،

(1) الدروس 1: 268.
(2) المتقدمة ص: 176.
(3) الروضة 2: 109.
(4) الخلاف 2: 179، المبسوط 1: 277، ابن حمزة في الوسيلة: 140، حكاه عن
العماني واختاره في المختلف: 215، الروضة 2: 140.
(5) الدروس 1: 268، البيان: 359.
(6) مجمع الفائدة 5: 164.
196

والمحدث الكاشاني في الوافي (1)، وإن كان تردد في المفاتيح (2).
أما الصحة، فلوقوع الامساك المخصوص مع نية القربة، لعدم منافاة
الترديد لها، وعدم اشتراط نية الوجه، وأصالة عدم تأثير الترديد الزائد في
البطلان، كما لا تؤثر نية الوجه المخالف على الأقوى.
والقول: بأنه لا يلزم من الاكتفاء في صوم رمضان بنية القربة الصحة
مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به، بل على الوجه المنهي عنه..
مردود بأن البطلان - مع الايقاع على خلاف الوجه - يحتاج إلى دليل،
فإن نية خلاف الوجه كيف تؤثر في البطلان على ما هو الحق من عدم كون
قصد الوجه مأمورا به؟!
وأما كونه منهيا عنه، فممنوع جدا، إذ المسلم من المنهي عنه
والثابت من الأخبار هو كونه من رمضان على طريق الجزم، وأما على
الترديد فلا دليل على المنع منه أصلا.
والقول: بأن نية التعيين تسقط فيما علم أنه من رمضان لا فيما لم
يعلم..
مردود بأن لزوم نية التعيين فيما لم يعلم موقوف على الدليل عليه،
وليس.
وتدل على المطلوب أيضا رواية النبال: عن يوم الشك، فقال:
(صمه، فإن يك من شعبان كان تطوعا، وإن يك من شهر رمضان فيوم
وفقت له) (3).

(1) الوافي 11: 107.
(2) المفاتيح 1: 246.
(3) الكافي 4: 82 / 5، الفقيه 2: 79 / 350، التهذيب 4: 181 / 504، الإستبصار
2: 78 / 236، الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 3.
197

وجه الدلالة: أن مع ذلك القول من الإمام لا يمكن الصوم إلا بنية أنه
إن كان من شعبان كان تطوعا، وإن كان من رمضان وفق للواجب، فإن
القصد غير اختياري.
وما رواه المفيد في المقنعة، عن أبي الصلت، عن الرضا عليه السلام، عن
آبائه عليهم السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من صام يوم الشك فرارا بدينه
فكأنما صام ألف يوم من أيام الآخرة) (1)، فإن صومه فرارا بدينه مشعر
بترديده وتجويزه الوجوب.
ويدل عليه أيضا ما ورد من إطلاق الرخصة في مطلق الصيام وفي
صيام يوم الشك، خرج منه صيامه بنية رمضان بأخبار وبقي الباقي، ومنه ما
كان بنية الترديد.
والقول - بأنه لم يرد إذن صريحا في نية الترديد أيضا - مردود بكفاية
الاطلاق فيه.
وأما الاجزاء عن رمضان، فلما مر من العلة المنصوصة، وعدم
التكليف بصوم رمضان، وعدم دليل على القضاء. وقد يستدل بوجوه أخر
غير تامة لا فائدة في ذكرها.
خلافا لنهاية الشيخ (2) - بل باقي كتبه كما قيل (3) - والسرائر والمعتبر
والشرائع والنافع والقواعد والتذكرة والارشاد والتلخيص والمدارك (4)، بل

(1) المقنعة: 298، الوسائل 10: 300 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 6.
(2) النهاية: 151.
(3) في الذخيرة: 516.
(4) السرائر 1: 384، المعتبر 2: 652، الشرائع 1: 187، النافع: 65، القواعد
1: 63، التذكرة 1: 257، الإرشاد 1: 300، المدارك 6: 37.
198

نسب إلى أكثر المتأخرين (1).
لأن صوم هذا اليوم إنما يقع على وجه الندب على ما يقتضيه الحصر
الوارد في النص، فبفعله على خلاف ذلك لا يتحقق الامتثال.
ولأن صومه على غير الندب تشريع محرم، فيكون باطلا.
ولاشتراط الجزم في النية حيث يمكن، وهو هنا كذلك.. ولعل إلى
هذا الدليل أشار الصدوق في الفقيه بقوله: لأنه لا يقبل شئ من الفرائض إلا
باليقين (2).
ويرد على الأول: منع شرعية وقوعه على وجه الندب خاصة، بل يقع
على الترديد أيضا، والحصر الذي ادعاه كأنه إشارة إلى ما في موثقة سماعة
من قوله: (إنما يصام يوم الشك من شعبان، ولا يصومه من رمضان) وقوله
فيها: (وإنما ينوي من الليلة أنه يصوم من شعبان) (3).
وإلى ما في رواية الزهري من قوله: (أمرنا أن يصومه الانسان أنه من
شعبان).
ولا يخفى أن الأولين لا يدلان إلا على رجحان الصوم من شعبان دون
الحصر، وإفادة (إنما) للحصر في مثل المورد ممنوعة، كما بينا في
الأصول، مع أنه على فرض الإفادة لا يفيد إلا حصر الأفضل في ذلك، لأن
من الجملة الخبرية لا يمكن إثبات الأزيد، يعني: إنما ينحصر الراجح من
الأفراد في صوم يوم الشك في ذلك.

(1) كما في المدارك 6: 37، والرياض 1: 304.
(2) الفقيه 2: 79.
(3) الكافي 4: 82 / 6، التهذيب 4: 182 / 508، الإستبصار 2: 79 / 240،
الوسائل 10: 21 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 4.
199

والثالث لا وجه للحصر فيه أصلا، وأما لفظ الأمر فيه فهو بمعنى
المندوب إليه قطعا، ضرورة عدم وجوب الصوم من شعبان.
هذا إذا أريد من وقوعه على وجه الندب أنه ينوي فيه الندب
وينحصر الصحيح منه فيه، وإن أريد أنه ليس إلا مندوبا فهو مسلم، ولكن
وجوب تعيين ذلك في القصد وتأثير الزائد في البطلان ممنوع.
وعلى الثاني: أن التشريع لو كان فإنما هو في أمر خارج ليس شرط
الفعل ولا شطره، وهو الزائد على قصد القربة، وأما نفس الفعل فليس
تشريعا، مع أن في كون الزائد بعد استفادته من الروايتين المذكورتين (1)
تشريعا أيضا نظر.
وعلى الثالث: أن التردد ليس في النية المطلوبة، لأنها هي القصد إلى
الفعل مع القربة، والتردد فيه إنما يكون بالتردد في الفعل والترك والتقرب
وعدمه، وظاهر أنه ليس كذلك، وإنما هو في الوجه، وهو مما لا دليل على
اعتباره هنا، وعلى تقدير اعتباره غاية أو صفة أمر آخر خارج عن النية
والمنوي، فلا يقدح التردد فيه.
والحاصل: أن اشتراط الجزم في مثل ذلك لا دليل عليه.
وأما قول الصدوق وكونه إشارة إلى ذلك ممنوع، ولذا لم يسند إليه
هذا القول، وإن كان ظاهر كلامه مفهما له، فإنه قال - بعد حكمه بإجزاء
صوم يوم الشك إن صامه من شعبان -: ومن صامه وهو شاك فيه فعليه
قضاؤه وإن كان من شهر رمضان، لأنه لا يقبل شئ من الفرائض إلا
باليقين.

(1) في ص: 197 - 198.
200

قيل: المراد أنه من صامه بنية رمضان - مع أنه يشك فيه - فعليه
القضاء، لأنه فعل أمرا لا يقين له فيه، بخلاف من صامه بنية التردد، لأنه فيه
على يقين من أمره، لعلمه بكونه كذلك واقعا، وإنما هو شاك في اليوم (1).
فتأمل.
ه‍: لو صامه بنية الندب أو واجب آخر غير رمضان، ثم ظهر قبل
الغروب أنه من رمضان، يعدل إلى أنه من رمضان، بمعنى: أنه يجب عليه
إتمام الصيام ويعتقد أنه من رمضان، ولم يتصور فساد الصوم أو كونه من
شعبان بعد عدم ثبوت الهلال قبل النهار.
فما قيل - من أن هذه المسألة مما لا وجه لذكرها، إذ بعد العلم
بالشهر في أثناء النهار للمكلف تحصل هذه النية (2) - ليس بجيد.
نعم، يحصل ذلك بعد العلم المذكور والعلم بهذه المسألة.
ثم لو لم يعلم المسألة، فهل يكون آثما مع تقصيره في الأخذ،
بمعنى: أن قصد هذا الوجه واجب أم لا؟
الظاهر: لا، لعدم دليل على وجوب تعيين الوجه، ولذا قلنا بصحة
الصوم من رمضان لو نوى الغير فيه أيضا مع العلم بالشهر كما مر.
ولو صامه بنية رمضان ثم ظهر كونه منه في أثناء النهار يكون صومه
فاسدا، لأن ما بعضه فاسد يفسد كله.
و: لو أصبح في يوم الشك بنية الافطار ثم ظهر كونه من رمضان جدد
نية الوجوب ما لم تزل الشمس، وأجزأ إذا لم يكن أفسد صومه، لما يأتي
في مسألة تجديد النية إلى الزوال وبقاء وقتها إليه.

(1) الوافي 11: 108.
(2) الحدائق 13: 46.
201

ولو كان بعد الزوال لم يكن له صوم، وقضاه، وأمسك بقية اليوم من
المفطرات وجوبا، أما عدم كون الصوم له، فلفوات وقت نيته كما يأتي..
وأما القضاء، فلفوات الصوم.. وأما وجوب الامساك، فلما يأتي أيضا من
تحريم تناول المفطرات في الشهر بغير شئ من الأعذار المنصوصة.. وكذا
وجوب الامساك عليه لو ظهر كونه من الشهر بعد أن تناول المفطر.
ز: قال في الحدائق ما خلاصته: المراد بيوم الشك في هذه الأخبار
ليس هو مطلق الثلاثين من شعبان، بل إنما هو إذا حصل الشك في كونه من
شعبان أو رمضان من جهة اختلاف في هلال شعبان أو رمضان أو مانع من
الرؤية، وبالجملة ما أوجب الشك، وهذا هو الذي ورد أنه إن ظهر من
رمضان فيوم وفق له.
وأما لو كان هلال شعبان معلوما يقينا ولم يدع أحد الرؤية ليلة
الثلاثين منه ولم يكن مانع من الرؤية، فاليوم من شعبان قطعا وليس بيوم
شك (1). انتهى.
أقول: الأمر وإن كان كذلك، لتعليق الحكم في الأخبار طرا على يوم
الشك، وهو لا يكون إلا مع شبهة، وورد في روايتي هارون بن خارجة (2)
والربيع بن ولا د (3) الأمر بالصوم في يوم الثلاثين مع الغيم والنهي عنه مع
الصحو، ومع ذلك صرح به في رواية معمر، وفيها: قلت: جاء عن أبي
عبد الله عليه السلام في الذي يشك فيه أنه قال: (يوم وفق له) قال عليه السلام: (أليس

(1) الحدائق 13: 41.
(2) الكافي 4: 77 / 9، التهذيب 4: 159 / 447، الإستبصار 2: 77 / 233،
الوسائل 10: 299 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 4.
(3) التهذيب 4: 165 / 469، الوسائل 10: 298 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16
ح 2.
202

تدرون إنما ذلك إذا كان لا يعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه
الرجل فكان من شهر رمضان كان يوما وفق له؟ فأما وليس علة ولا شبهة
فلا) (1)..
ولكن لا تترتب على ذلك التحقيق فائدة، لأنها إما في مرجوحية
الصوم مع عدم المانع وعدمها معه، أو في الاجزاء عن رمضان لو صامه
وبان أنه من رمضان وعدمه، ولا يقول هو ولا أحد من الأصحاب فيما
أعرف - إلا ما حكي عن المفيد - بمرجوحية صومه (2)، ولا بعدم الاجزاء إن
أمكن مع الصحو اتفاق ثبوت الهلال في بلد آخر، ومع ذلك تدل على
الاجزاء العلة المنصوصة والدليل العقلي المتقدمان.. وإن لم يمكن ذلك
فعدم الفائدة أظهر.
المسألة الرابعة: الأصل في النية أن تكون مقارنة لأول جز من
العمل بحيث لا تتأخر عنه ولا تتقدم، إذ لو تأخرت عنه لكان يقع جز منه
بلا نية ولا قصد قربة، فلا يكون عبادة، وما لا يكون جزؤه عبادة لا يكون
كله كذلك.
ولا تقاس النية بالمميزات الخارجية المعينة للفعل المشترك، التي
اكتفينا بحصولها في أثناء الفعل، كما ذكرنا في بحث الوضوء والصلاة، لأن
المطلوب منها مجرد رفع الاشتراك الحاصل بذلك عرفا، فإن عروض
مميزات صلاة الآيات بعد قراءة الحمد يرفع اشتراك العمل.. بخلاف النية،
فإن المقصود الأعظم منها - الذي هو التقرب - لا يفيد لما تقدم عليها،

(1) التهذيب 4: 166 / 473، الوسائل 10: 24 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5
ح 12.
(2) حكاه عنه في البيان: 362.
203

ولا يجعله متقربا به إلى الله، فلا يجوز تأخيرها عنه.
وكذا التقديم الغير المستمر إلى الجزء الأول فعلا أو حكما، وأما
المستمرة حكما فهي كالمقارنة، كما بيناها في بحث الوضوء.
فالحاصل: أنه تجب مقارنة النية الفعلية أو الحكمية لأول جز من
العمل، ولا يجوز التأخير مطلقا، ولا التقديم بدون الاستمرار الحكمي، ولا
يجب التقديم مطلقا، للأصل، فهذا هو الأصل في النية.
وقد تخلف الأصل في الصيام في مواضع يأتي ذكرها في المسائل
الآتية بالدليل، فقد يوجب التقديم وقد يجوز التأخير، وليس المعنى في
صورة التأخير أن معه يكون مجموع اليوم متقربا فيه إلى الله، بل المعنى: أن
مجموع اليوم - الذي بعضه يشتمل على نية القربة - قائم مقام الذي يشتمل
جميعه عليها بالدليل الشرعي.
ثم إن مقتضى الأصل المذكور - مضافا إلى النبويين المشهورين،
أحدهما: (لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل) (1) والآخر: (من لم
يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) (2) - أن يكون وقت نية الصيام الليل
حتما، حيث إن مقتضاه وجوب العلم بمقارنتها لطلوع الفجر الذي هو أول
اليوم، وهو لما لا يحصل عادة إلا بإيقاعها قبل الطلوع، لأن الطلوع لا يعلم
إلا بعد وقوعه، فلا يحصل العلم بمقارنة النية له إلا بتقديمها عليه، فيكون
التقديم واجبا.
قيل: الأمر وإن كان كذلك لكن نفرض المسألة على تقدير وقوع

(1) سنن الدارقطني 2: 171 / 1.
(2) سنن أبي داود 2: 329 / 2454، وسنن النسائي 4: 196، ومسند أحمد 6:
287 بتفاوت يسير.
204

المقارنة الحقيقية بدون التقديم، فإن غاية ما لزم عدم تمكن المكلف من
إيقاع المقارنة بالاختيار، وهو لا ينفي الاتفاق، فنفرض المسألة على
تقديره، فلا يكون التقديم واجبا.
وأيضا نمنع اشتراط المقارنة المذكورة في النية مطلقا، بل النية للفعل
المستغرق للزمان تكون بعد تحققه لا قبله، كما صرح به بعضهم في نية
الوقوف بعرفة وجعلها مقارنة لما بعد الزوال.
وأيضا تشترط المقارنة لو لم تؤثر النية المتأخرة في الجزء المتقدم،
وهي مؤثرة في الصوم، فإن من نسي النية فجددها في النهار صح صومه (1).
ونجيب عن الأول: بأن إمكان الوقوع والاتفاق غير مفيد، لوجوب
أداء التكليف، مع أن المكلف به هو تحصيل العلم، وهو غير ممكن عادة،
وبناء التكاليف على الأحوال العادية المتعارفة، ولذا يحكمون بوجوب
غسل جز من الرأس في غسل الوجه للوضوء من باب المقدمة مع إمكان
اتفاق البدأة بأعلى الوجه الحقيقي.
وعن الثاني: بأن انتفاء المقارنة المذكورة موجب لخلو أول الجزء من
النية، فلا يكون من العبادة المطلوبة.
وأما ما كان كذلك فابتداء وقته حقيقة ما بعد الآن المشتمل على النية،
والزمان فيه هو الزمان العرفي لا الحقيقي، فوقت الوقوف من أول الزوال
عرفا لا حقيقة، وذلك لا يمكن في الصوم، للاجماع على أن وقته تمام
اليوم حقيقة.
وعن الثالث: بأن تأثير النية في الجزء المتقدم على خلاف الأصل كما
عرفت، فلا بد من الاقتصار فيه على ما ثبت فيه من الناسي وذوي الأعذار

(1) انظر الروضة 2: 106.
205

كما يأتي، ومرادنا هنا بيان الأصل في وقت النية.
وقد ظهر بذلك الجمع بين قول من ظاهره أو صريحه تحتم إيقاعها
ليلا - كالعماني والمفيد والنافع والمفاتيح (1) - وقول من قال بجواز التأخير
إلى طلوع الفجر بحيث يتقارنان - كآخرين (2) - بحمل قول الأولين على
الوجوب التبعي، وقول الآخرين على الأصلي.
وصرح بذلك في المنتهى، قال - بعد تجويز المقارنة للطلوع،
والاستدلال للمخالف بالنبويين -: والجواب: أنه لما تعذر إيقاع العزم مع
الطلوع - لعدم ضبطه - لم يكلف الرسول به، وبعده لا يجوز، فوجبت
القبلية، لذلك، لا أنها في الأصل واجبة قبل الفجر (3). ونحوه في التذكرة (4).
فائدة: قد بينا أن النية المشروطة مقارنتها للعمل أعم من الفعلية،
التي هي عبارة عن حضور العزم على الفعل متقربا في البال ملتفتا إليه..
ومن الحكمية، التي هي عبارة عن حضور العزم المذكور في وقت وعدم
قصد الترك ولا التردد ولا نسيان العزم بعده، إلى أن يشتغل بالعمل، بحيث
يكون العزم مودعا في خزينة الخيال وإن لم يكن ملتفتا إليه أصلا، وذلك
غير النسيان.. ألا ترى أنه لا يقال لكل أحد: إنه نسي اسمه واسم أبيه
وولده، مع أنه غير ملتفت إليها في أكثر الأحوال.
نعم، يكون بحيث لو التفت إلى العمل لوجد العزم عليه باقيا في

(1) حكاه عن العماني في المختلف: 211، المفيد في المقنعة: 302، النافع: 65،
المفاتيح 1: 243.
(2) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 106، السبزواري في الذخيرة: 513،
صاحب الرياض 1: 301.
(3) المنتهى 2: 558.
(4) التذكرة 1: 256.
206

نفسه.
وقد ذكرنا فيما سبق: أنه لا دليل على اشتراط مقارنة الأزيد من ذلك
أصلا، وأن اعتبار الفعلية في وقت من الأوقات لتوقف حصول الحكمية
عليها، وأنه لا يشترط في الحكمية - التي هي الفعلية المستمرة - عدم الاتيان
بما ينافي العمل حين فعله ويبطله، فإن قاصد الصلاة عند الأذان والإقامة
يكتفي بالنية الحكمية ولو تكلم في أثناء الأذان والإقامة أو انحرف عن
القبلة.
نعم، يشترط فيها عدم العزم على الترك، ولا التردد بعد العزم الفعلي
الأولي.
وإذا عرفت ذلك تعلم أن المراد بتحتم إيقاعها ليلا: أنه يجب تحقق
إحدى النيتين من الفعلية والحكمية في الجزء الأخير من الليل، ولو لم
تتحقق إحداهما فيه يبطل الصوم، وأما الفعلية بخصوصها فلا يشترط
تحققها حينئذ.
نعم، لتوقف حصول الحكمية عليها يشترط تقدمها على الطلوع،
سواء كان في الجزء الأخير من الليل، أو الجزء الأول، أو النهار السابق، أو
الأيام السابقة، أو قبل رؤية الهلال، فإن بعد تحققها في وقت من الأوقات
والبقاء على حكمها إلى وقت العمل تتحقق النية المعتبرة.
والبقاء على حكمها (1) يتحقق بعدم العزم على الترك ولا التردد،
وبقاء العزم في الخزينة الخيالية بحيث لو التفت إليها لوجد العزم وإن لم
يكن بالفعل ملتفتا.
وتعلم أيضا سقوط كثير من الفروع التي ذكرها جمع من الأصحاب،

(1) في (ح) زيادة: إلى وقت العمل.
207

وأنها مبنية على اشتراط مقارنة الفعلية أو عدم تحقيق الحكمية:
منها: ما تردد فيه بعضهم من أنه هل يشترط بعد النية الفعلية
الاستمرار على حكم الصوم بعدم الاتيان بمفطراته إلى الطلوع، أم لا (1)؟
فإنه لا وجه لهذا الاشتراط أصلا، ولا تؤثر هذه الأفعال في غير زمان
الصوم في إبطال النية الحكمية، بل ولا الفعلية لو اعتبرناها، فإن حقيقتها
حضور العزم على الامساك غدا لا على الامساك الآن.
ومنها: أنه هل تجب في كل ليلة من شهر رمضان نية يومها، أو تكفي
فيه نية واحدة من أول الشهر؟
فإن المراد إن كان الفعلية، فلا دليل على اشتراطها في كل ليلة أصلا،
فإن النية الحكمية لكل يوم تتحقق بحصول الفعلية للجميع في وقت واحد
من غير طرو المزيل لها، وكون كل يوم عبادة مستقلة لا يقتضي تعدد
الفعلية في ليلته، ولذا تكفي الفعلية الواحدة لصلاة الظهر والعصر في
الابتداء، مع أن قصد كل يوم في أول الأمر في حكم الفعلية المتعددة.
وإن كان المراد: الحكمية، فلا ريب في اشتراط تحققها لكل يوم في
ليلته، ولا يقبل الخلاف فيه.
ومنها: أنه هل يجوز تقديم نية شهر رمضان على الهلال، أم لا؟ فإن
تقديم الفعلية جائز مع بقاء الحكمية، وتقديم الحكمية بحيث تنتفي بعد
الهلال غير جائز قطعا.
إلى غير ذلك من الفروع، وكثير منها مبتن على إرادة الفعلية من النية
المعتبرة في كل عبادة قطعا والغفلة عن الحكمية، فرأوا اعتبار الأولى قطعا،
ورأوا اعتبار المقارنة أيضا، فتوهموا أنها هي التي تعتبر مقارنتها.

(1) انظر الحدائق 13: 26.
208

ثم لما استشعر بعضهم بأن كثيرا من أصحاب الأئمة وعلماء الأمة في
بعض الموارد الشرعية - كصوم الشهر - لا يلتفت إلى فعلية النية، مضافا إلى
عدم الالتفات إليها في أفعالنا الحاصلة بالقصد والاختيار، فرأى ذلك ثابتا بل
مجمعا عليه، فشرع في إبداء الوجوه الضعيفة والتعليلات العليلة للكفاية،
ومن لم يستشعر بذلك رد تلك الوجوه، ومن تحقق ما ذكرناه في أمر النية
يسهل عليه الخروج من هذه الخلافات.
المسألة الخامسة: لا يجوز تأخير النية عن الطلوع المستلزم تبعا وجوب
تقديمها عليه في صوم شهر رمضان ونحوه من الواجبات المعينة، عمدا مع
العلم بالشهر أو المعين، ولو أخر عمدا يفوت عنه الصوم، ونسبه في المدارك
- في مسألة من نوى الافطار ثم جدد في يوم من شهر رمضان - إلى المعروف من
مذهب الأصحاب (1)، وفي الحدائق: أن ظاهر كلام جملة منهم الاتفاق عليه (2).
للأصل المذكور، والنبويين المتقدمين (3).
خلافا لظاهر الإسكافي على ما قيل (4)، والسيد (5) والنافع (6)، فيجوز
التأخير عنه إلى الزوال، وصرح في الشرائع بانعقاد الصوم لو دخل النهار بنية
الافطار ثم جدد النية قبل الزوال (7).
ويمكن أن يستدل لهم بإطلاق صحيحة الحلبي أو عمومها الحاصل
من ترك الاستفصال: قلت: فإن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟

(1) المدارك 6: 39.
(2) الحدائق 13: 47.
(3) في ص: 193.
(4) في المختلف: 211.
(5) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 53.
(6) النافع: 65.
(2) الشرائع 1: 188.
209

قال: (نعم) (1)، وكون السؤال في صدرها عن غير الواجب المعين لا يوجب
تخصيص الذيل العام به أيضا.
وابن سنان: (من أصبح وهو يريد الصيام ثم بدا له أن يفطر فله أن
يفطر ما بينه وبين نصف النهار ثم يقضي ذلك اليوم، فإن بدا له أن يصوم
بعدما ارتفع النهار فليصم، فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها) (2).
وابن سالم: الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له
رأي في الصوم، فقال: (إن هو نوى الصوم قبل أن تزول الشمس حسب له
يومه، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى) (3).
إلا أن الثانية مخصوصة بغير الواجب المعين، لأن قوله: (من أصبح
وهو يريد الصيام) مخصوص به بقرينة تجويز الافطار، والضمير المجرور
في قوله: (ثم بدا له أن يصوم) راجع إلى ذلك الشخص أيضا.
بل هنا وجهان آخران موجبان لظهور الأخيرتين معا في غير الواجب
المعين، لأنه المتبادر من قوله: (فإن بدا له) وقوله: حدث له رأي، ولقوله:
(يحسب له) فإن الحساب من وقت النية يفيد أنه ليس ما قبله صوما، وإنما
هو بعض صوم، أي له ثواب ذلك وإن لم يكن صوما شرعيا.
والحمل - على مجرد نفي الثواب فيما تقدمه وإن كان صوما
صحيحا - باطل، إذ لا يخلو الصوم الصحيح من الثواب.
إلا أن يقال: إن المعنى: أن ثواب مجموع صوم اليوم كثواب بعض

(1) الكافي 4: 121 / 1، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 1.
(2) التهذيب 4: 187 / 524، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4
ح 7.
(3) التهذيب 4: 188 / 528، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 2
ح 8.
210

اليوم من الذي نوى المجموع.
فلم تبق إلا الأولى، وهي وإن كانت عامة ظاهرا إلا أن عمومها موهون
جدا باختصاص صدرها، وظهور: أراد أن يصوم، فيمن تجوز له إرادة عدم
الصوم، ومع ذلك معارض بعموم النبويين المنجبرين ضعفهما في المقام
بالشهرة العظيمة، بل قيل بالاجماع، بحمل كلام من ذكر على غير العامد
بالتباين، فيرجع إلى الأصل المذكور.
المسألة السادسة: يمتد وقتها في صوم شهر رمضان والنذر المعين
للناسي والجاهل بالشهر والتعيين بل مطلق المعذور إلى الزوال، فله النية ما
لم يدخل الزوال، وإذا دخل فات الصوم، وفاقا للأكثر، بل عليه الاجماع
عن صريح الغنية (1)، وظاهر المعتبر والمنتهى والتذكرة (2).
بل هو إجماعي، لعدم ظهور مخالف، إلا ما حكي عن العماني في
البقاء إلى الزوال، والإسكافي في الفوات بعده (3).
ومخالفتهما في الاجماع غير قادحة، مع أنها - كما قيل أيضا - غير
معلومة (4)، بل عدمها في الثاني من كلامه معلوم.
فهو الحجة المخرجة عن الأصل المتقدم في الأول (5)، المحتاج إلى
المخرج.
مضافا إلى اطلاق صحيحة الحلبي المتقدمة (6)، الخالي عن معارضة

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 570.
(2) المعتبر 2: 646، المنتهى 2: 558، التذكرة 1: 256.
(3) حكاه عنهما في المختلف: 212.
(4) الرياض 1: 302.
(5) أي امتداد الوقت إلى الزوال.
(6) في ص: 198.
211

النبويين في المورد، لضعفهما الخالي عن الجابر فيه.
وإلى الاعتضاد بمؤيدات عديدة، من فحوى ما سيأتي من أدلة ثبوت
الحكم في الصوم الغير المعين، ففيه أولى، وحديث: (رفع عن أمتي) (1)،
وما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: أن ليلة الشك أصبح الناس، فجاء أعرابي إليه فشهد
برؤية الهلال فأمر مناديا ينادي: من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليمسك (2)،
وفحوى ما دل على انعقاد الصوم من المسافر إذا زال عذره قبل الزوال (3)..
بل يمكن جعل الأخير دليلا بضم عدم القول بالفصل، بل سابقه
أيضا، لذلك، مع جبر ضعفه بالعمل.
وأما الأوليان فجعلهما دليلين - كما وقع لبعضهم (4) - غير سديد.
وأما الثاني (5)، فلا حاجة فيه إلى المخرج، لموافقته الأصل، وعدم
شئ يصلح للمعارضة، مع أنه أيضا - كما مر - إجماعي.
المسألة السابعة: يمتد وقتها في قضاء رمضان والنذر المطلق أيضا
إلى الزوال، من غير فرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار، فيجوز
تجديدها إليه وإن تعمد الاخلال بالنية ليلا فبدا له في الصوم قبل الزوال،
ولا يجوز بعده.
أما الأول، فهو مما قطع به الأصحاب، بل من عباراتهم ما هي مشعرة
بدعوى الاجماع عليه، وتدل [عليه] (6) الصحاح الثلاث المتقدمة، وصحيحة

(1) الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
(2) سنن أبي داود 2: 302، سنن النسائي 4: 131.
(3) الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6.
(4) انظر الرياض 1: 302.
(5) أي: إذا دخل الزوال فات الصوم.
(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
212

البجلي: في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم
ليقضيه من شهر رمضان، ولم يكن نوى ذلك من الليل، قال: (نعم،
ليصمه، ويعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا) (1).
والأخرى: عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما،
وكان عليه يوم من شهر رمضان، أله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة
النهار؟ فقال: (نعم، له أن يصوم، ويعتد به من شهر رمضان) (2).
وموثقة الساباطي: عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد
أن يقضيها، متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: (هو بالخيار إلى أن تزول
الشمس، فإذا زالت الشمس فإن كان نوى الصوم فليصم، وإن كان نوى
الافطار فليفطر)، سئل: وإن كان نوى الافطار يستقيم أن ينوي الصوم بعدما
زالت الشمس؟ قال: (لا) (3).
ورواية صالح: رجل جعل الله عليه صيام شهر، فيصبح وهو ينوي
الصوم ثم يبدو له فيفطر، ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم،
فقال: (هذا كله جائز) (4).
ورواية عيسى: (ومن أصبح ولم ينو الصوم من الليل فهو بالخيار إلى
أن تزول الشمس، إن شاء صام، وإن شاء أفطر) (5).

(1) الكافي 4: 122 / 4، التهذيب 4: 186 / 522، الوسائل 10: 10 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 2.
(2) التهذيب 4: 187 / 526، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 6.
(3) التهذيب 4: 280 / 847، الإستبصار 2: 121 / 394، الوسائل 10: 13 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 10.
(4) التهذيب 4: 187 / 523، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 2
ح 4.
(5) التهذيب 4: 189 / 533، الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 12.
213

وإطلاقها يدل على ما أشرنا إليه من استواء حالتي الاختيار والاضطرار
في ذلك الحكم، كما هو ظاهر عبارات الأصحاب، وصرح به في السرائر
والروضة (1) وغيرهما (2).
وكثير منها وإن اختص بالقضاء وبعضها بالنذر المطلق، ولكن جملة
منها يعمهما وغيرهما من الواجبات، كالإجارة والكفارة وغيرهما.
وكذلك بعضها وإن لم يشتمل على الامتداد إلى الزوال ولكن تصريح
جملة منها به كاف في إثباته، مضافا إلى الاجماع المركب.
لا يقال: قوله في صحيحة ابن سنان: (فإنه يحسب له من الساعة التي
نوى فيها) (3) يدل على فساد الصوم، إذ الصوم لا يتبعض في اليوم، فيكون
الحساب من بعض اليوم كناية عن الفساد.
قلنا: - مع أن أصل الدلالة ممنوع - إنه لو سلم فهي أعم مما كان قبل
الزوال أو بعده، فيجب تخصيصه بالأخير، لصحيحة ابن سالم، التي هي
أخص مطلقا منها (4).
وأما الثاني، فهو الأظهر الأشهر، بل ظاهر الانتصار إجماعنا عليه (5)،
لصحيحة ابن سالم، وموثقة الساباطي، ورواية عيسى.
خلافا للمحكي عن الإسكافي (6) والذخيرة (7)، وقواه بعض مشايخنا

(1) السرائر 1: 373، الروضة 2: 107.
(2) انظر الرياض 1: 302.
(3) تقدمت في ص: 198.
(4) راجع ص: 198.
(5) الإنتصار: 60.
(6) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 212.
(7) الذخيرة: 514.
214

المعاصرين (1)، لاطلاق بعض الأخبار المذكورة، وظاهر صحيحة البجلي
الثانية.
وصريح مرسلة البزنطي: الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان،
ويصبح فلا يأكل إلى العصر، أيجوز له أن يجعله قضاء من شهر رمضان؟
قال: (نعم) (2).
ويجاب عنها: بالضعف، لمخالفتها الشهرة القديمة والجديدة، ولذا
حكم في المنتهى للمرسلة بالشذوذ (3).
مضافا إلى وجوب تقييد المطلقات، وحمل لفظ: العامة، في
الصحيحة، على البعض - ولو مجازا - لذلك أيضا، بل يحتمل كونها مطلقة
أيضا، حيث من الفجر إلى الزوال أكثر من الزوال إلى إلى الغروب،
ومعارضة المرسلة بما ذكر، ووجوب الرجوع إلى الأصل المتقدم.
المسألة الثامنة: يمتد وقت النافلة إلى أن يبقى من النهار جز يمكن
الامساك فيه بعد النية، فيجوز تجديدها ما بقي من النهار شئ بعد أن ينوي،
وفاقا للصدوق في الفقيه والمقنع والسيد والشيخ والإسكافي والحلي وابني
زهرة وحمزة (4) والمنتهى والدروس (5)، واستحسنه في التحرير والروضة (6)،

(1) الرياض 1: 302.
(2) التهذيب 4: 188 / 529، الإستبصار 2: 118 / 385، الوسائل 10: 12 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 9.
(3) المنتهى 2: 559. قال: فإنه مع إرساله لا تعرض فيه بالنية.
(4) الفقيه 2: 97، المقنع: 63، السيد في الإنتصار: 60، الشيخ في المبسوط 1:
278، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 213، الحلي في السرائر 1: 373، ابن
زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 570، ابن حمزة في الوسيلة: 140.
(5) المنتهى 2: 559: الدروس 1: 266.
(6) التحرير 1: 76، الروضة 2: 107.
215

ومال إليه في المعتبر والمختلف والبيان (1)، وقواه غير واحد من مشايخنا (2)،
ونسب إلى أكثر القدماء (3)، بل مطلقا كما عن المنتهى (4).
بل عن الانتصار والغنية والسرائر الاجماع عليه (5)، وهو الحجة فيه،
لقاعدة التسامح في أدلة السنن..
مع موثقة أبي بصير: عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة، قال:
(هو بالخيار ما بينه وبين العصر، وإن مكث حتى العصر ثم بدا له أن يصوم
وإن لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ذلك اليوم إن شاء) (6).
وصحيحة محمد بن قيس: (إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما،
ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر فهو بالخيار،
إن شاء صامه وإن شاء أفطر) (7).
خلافا للمحكي عن العماني وظاهر الخلاف (8) ولصريح النافع (9)،
فجعلوه مثل الواجب الغير المعين، ونسبه جماعة إلى المشهور (10)، لاطلاق
صحيحة هشام ورواية عيسى المتقدمتين (11).

(1) المعتبر 2: 647، المختلف: 212، البيان: 361.
(2) منهم صاحبي الحدائق 13: 26، والرياض 1: 303.
(3) كما في الرياض 1: 302.
(4) المنتهى 2: 559.
(5) الإنتصار: 60، الغنية (الجوامع الفقهية): 570، السرائر: 373.
(6) الكافي 4: 122 / 2، التهذيب 4: 186 / 521، الوسائل 10: 14 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 3 ح 1.
(7) التهذيب 4: 187 / 525، الوسائل 10: 11 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 5.
(8) حكاه عنهما في المختلف: 212، وهو في الخلاف 2: 167.
(9) النافع: 60.
(10) كما في المسالك 1: 69، والحدائق 13: 24.
(11) في ص: 202.
216

بل قيل: وموثقة الساباطي (1). وهو غير صحيح، لأن السؤال فيها عن
مريد القضاء، وترجع الضمائر كلها إليه.
والجواب - بعد تضعيف الأولى -: بأنها لا تدل إلا على الحساب من
وقت النية، وهو غير صريح في فساد الصوم.
والثانية: بأنها غير مروية عن إمام، فلعل الحكم عن عيسى نفسه.
على أن على فرض الدلالة تكونان مطلقتين بالنسبة إلى الفرض
والتطوع، وموثقة أبي بصير خاصة يجب حمل العام عليها.
المسألة التاسعة: لا شك أن جواز تجديد النية في النهار - بعد
تأخيرها عن الليل نسيانا أو عمدا في جميع ما ذكر - إنما هو إذا لم يتناول
من المفطرات الآتية شيئا، وأما معه فلا يجوز إجماعا.
وتدل عليه صحيحتا البجلي ومحمد بن قيس، والنبوي المذكور في
المسألة السادسة (2)، وذيل رواية عيسى: (فإن زالت الشمس ولم يأكل فليتم
الصوم إلى الليل) (3).
وهل تعتبر المبادرة إلى نية الصوم - بعد التذكر أو إرادته - فورا، أو
لا تشترط، بل تجوز النية ولو تردد بعد التذكر أو الإرادة أو نوى عدم الصوم؟
ظاهر الأصحاب - بل صريح الروضة (4) وغيره - عدم الاعتبار في غير
الواجب.
وتدل عليه الاطلاقات المتقدمة مطلقا، وصحيحة هشام في الجملة،
وهي: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شئ، وإلا

(1) كما في الرياض 1: 302.
(2) راجع ص: 201 - 205.
(3) التهذيب 4: 189 / 533، الوسائل 10: 19 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 12.
(4) الروضة 2: 107.
217

صمت، فإن كان عندهم شئ أتوه به وإلا صام) (1).
بل صريح الروضة كونه كذلك في الواجب الغير المعين أيضا.
وفيه نظر، لاختصاص الصحيحة بالمستحب، وعدم حجية المطلقات
في غير الصوم النافلة كما يأتي وجهه.
وأما الواجب المعين، فصرح بعضهم بفورية المبادرة وفوات الصوم
بتأخير النية عن وقت التذكر (2)، بل لا يبعد كونه وفاقيا، وهو الموافق
للأصل المذكور، ويدل عليه ما يأتي في المسألة الآتية من بطلان الصوم
وفواته بنية الافطار أو التردد في جز من اليوم، خرجت النوافل بالاطلاقات
المذكورة وصحيحة هشام فيبقى الباقي.
فإن قيل: المطلقات تشمل الواجب الغير المعين أيضا، بل صحيحة
الحلبي (3) تشمل المعين أيضا.
قلنا: نعم، ولكن قوله في صحيحة البجلي: (إذا لم يكن أحدث
شيئا) (4) يوجب تقييدها في الواجب الغير المعين صريحا وفي المعين
فحوى وإجماعا مركبا، فإن نية الافطار أو التردد أيضا إحداث شئ.

(1) التهذيب 4: 188 / 531، الوسائل 10: 12 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 7.
(2) انظر الروضة 2: 107، والمدارك 6: 21.
(3) الكافي 4: 121 / 1، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 1.
(4) الكافي 4: 122 / 4، التهذيب 4: 186 / 522، الوسائل 10: 10 أبواب وجوب
الصوم ونيته ب 2 ح 2.
218

فإن قيل: ليس المراد بالشئ الاطلاق حتى يقتصر في تقييده على
القدر الثابت، لايجابه خروج الأكثر، بل المراد شئ خاص.
قلنا: فيكون مجملا، والعام المخصص بالمجمل ليس بحجة في
موضع الاجمال.
فإن قيل: المراد الشئ المفسد للصوم.
قلنا: سيأتي أن ذلك أيضا مفسد له في موضع لا دليل على صحته معه.
المسألة العاشرة: لو نوى الافطار في النهار، فإما يكون قبل عقد نية
الصوم، أو بعده.
والأول مضى حكمه بأقسامه (1).
والثاني مما لا شك في كونه حراما، لكونه عزما على الحرام، واتباعا
للهوى.
وإنما وقع الخلاف في إفساده للصوم وعدمه، فعن الحلبي والمختلف
والارشاد وشرحه لفخر المحققين والايضاح والمسالك وحاشية القواعد
للشهيد الثاني (2) وفي الدروس والبيان والحدائق: فساده به (3)، وهو مختار
السيد في مسائله القديمة، كما صرح به في بعض رسائله (4).
وعن المبسوط والخلاف والسيد (5) وفي الشرائع وجملة من كتب
الفاضل: عدمه (6)، ونسب إلى المشهور بين الأصحاب (7).
والحق: هو الأول، لأن كل ما دل على اشتراط قصد القربة في الصوم
وبطلانه بدونه يدل عليه في كل جز جز منه أيضا، ولا شك أن نية القطع

(1) وأقسامه: أنه إما يكون سهوا أو عمدا والثاني إما يكون في الواجب العيني أو
غيره، وأيضا إما يكون قبل التذكر في المعين أو بعده. منه،.
(2) الحلبي في الكافي: 182، المختلف: 215، الإرشاد 1: 300، الإيضاح 1:
223، المسالك 1: 70.
(3) الدروس 1: 267، البيان: 362، الحدائق 13: 51.
(4) جوابات المسائل الرسية الأولى (رسائل الشريف المرتضى 2): 356.
(5) المبسوط 1: 278، الخلاف 2: 222، حكاه عن السيد في الحدائق 13: 49.
(6) الشرائع 1: 188، ومن كتب العلامة: المنتهى 2: 561، والقواعد 1: 63، إلا
أن فيه: صح صومه على إشكال.
(7) كما في المدارك: 316 والحدائق 13: 49.
219

يكون خاليا عن قصد القربة في الامساك، فيكون باطلا، وببطلانه يبطل
الصوم، إذ اليوم لا يتبعض في الصوم.
وبعبارة أخرى: لا شك أن الصوم: الامساك في تمام اليوم بقصد القربة،
وما لا قربة في بعضه لا قربة في تمامه، ولا معنى لتحقق القربة مع قصد القطع.
احتج الآخرون بالاستصحاب.
وبأن النواقض محصورة، وليست هذه النية منها (1).
وبأن الصوم إنما يفسد بما ينافي الصوم، ولا منافاة بينه وبين عزيمة
الأكل مثلا، غايته منافاته لنية الصوم، وهي غير مضرة بعد عدم منافاتها لحكم
النية، ونية الافطار إنما تنافي نية الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد، لأنها لا
تضاد بينها وبين استمرار حكم النية، كيف؟! ولا ينافيه النوم والغروب إجماعا.
وبأن النية لا يجب تجديدها في كل أزمنة الصوم إجماعا فلا تتحقق
المنافاة.
وبأن مرجع الخلاف في المسألة إلى أن استمرار النية في زمان الصوم
هل هو شرط أم لا؟ والحق: عدم اشتراطه، للأصل الخالي عن المعارض،
وكون دليل الاستمرار مثل: (إنما الأعمال بالنيات) (2) والعمل هنا لم يقع إلا
بنية، وليس في الخبر أزيد من أنه يجب وقوعه عن قصد ونية، وهو
كذلك، وأما أنه يجب استمرار ذلك القصد فلا دلالة فيه عليه.
وبصحيحة محمد: (ما يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال:
الطعام، والشراب، والنساء، والارتماس) (3).

(1) انظر الخلاف 2: 223 والمدارك 6: 40.
(2) التهذيب 4: 186 / 519، الوسائل 10: 13 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 2 ح 12.
(3) الفقيه 2: 67 / 276، التهذيب 4: 318 / 971، الإستبصار 2: 80 / 276،
الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
220

والجواب عن الأول: أن الاستصحاب مدفوع بما مر، مع أن جريانه
هنا محل نظر.
وعن الثاني: بمنع الحصر في ما لا يدخل فيه ذلك.
وعن الثالث: بمنع عدم منافاة نية الافطار لحكم النية، فإن حكمها هو
كون المنوي مخزونا في خزينة الخيال بحيث لو التفت وتذكر كان باقيا على
قصده واعتبار ذلك كان لصدق الامتثال معه عرفا، ولا شك في منافاة نية
الافطار لذلك، وعدم كونه ممتثلا في ذلك الآن.
ومنه يظهر فساد القياس على النوم والغروب، لأنهما لا ينافيان بقاء
المنوي في خزينة الخيال، كما مر مفصلا فيما سبق.
وعن الرابع: بأن عدم وجوب تجديد النية إنما هو لاستمرار حكمها،
وذلك لا يوجب عدم منافاة نية الافطار للنية أو حكمها.
وعن الخامس: بأن المراد باستمرار النية إن كان استمرار النية الفعلية،
فعدم اشتراطه مسلم، ولكن رجوع الخلاف إليه ممنوع.
وإن كان استمرار الحكمية، فرجوع الخلاف إليه مسلم، ولكن عدم
اشتراطه ممنوع.
والأصل - بما ذكرناه دليلا على اشتراط الحكمية في موضعه - مدفوع.
والمراد من الفعل الواقع مع النية إن كان الامساك في البعض السابق،
فهو مسلم، ولكن لا يفيد.
وأما إن كان في البعض اللاحق أو تمام اليوم، فوقوعه بغير نية بديهي.
وعن السادس: بأنه عام يجب تخصيصه بما مر، كما يخصص بغيره أيضا
المسألة الحادية عشرة: قال بعض المتأخرين في شرحه على
الدروس: هل يجب على المكلف أن يعرف جميع مفطرات الصوم ويقصد
221

تركها إجمالا أو تفصيلا حتى يصح منه الصوم، أو تكفيه معرفة البعض
واتفاق عدم الاتيان بالثاني؟
إلى أن قال: والظاهر أن المعتبر هو قصد العبادة المخصوصة المتلقاة
من الشارع بجملة شرائطها الشرعية، بعد معرفة معظم التروك المعتبرة فيها،
مع عدم الاتيان بباقي المفسدات ولو على سبيل الاتفاق (1). انتهى.
أقول: ظاهره - كما هو الظاهر أيضا - أنه لا خلاف في عدم انعقاد
صوم من لم يعرف شيئا من المفطرات، وما يجب الامساك عنه أصلا، ولم
يقصد تركها وتركها اتفاقا، لعدم ورود نية القربة على شئ منها، وورودها
على معنى لفظ الصوم - الذي لا يعرفه - غير مفيد.
وإنما الخلاف في أنه هل تجب معرفة الجميع وقصد تركه تفصيلا أو
إجماعا، أو تكفي معرفة البعض؟ واستظهر هو كفاية معرفة المعظم.
والتحقيق: أن ما يجب الامساك عنه في الصوم إن كان مما لا يبطل
بالاتيان به الصوم - كالارتماس - فلا تجب معرفته ولا قصده عند النية بل
يكفي اتفاق تركه، لعدم معلومية كونه جز حقيقة الصوم.
وأما غيره - مما يبطل الصوم بالاتيان به - فلا فرق فيه بين المعظم
وغيره، بل تجب معرفة الجميع وقصد تركه عند النية إجمالا أو تفصيلا،
لأن الصوم الذي يجب قصده والتقرب به عبارة عن هذه التروك، فلو لم ينو
بواحد منها القربة لم يتحقق قصد القربة في الصوم.
ولا يفيد كون الألفاظ أسامي للأعم، لأن ذلك لا يخرج باقي الأجزاء
عن كونها مأمورا بها.

(1) مشارق الشموس: 340.
222

الفصل الثاني
في بيان الأشياء المخصوصة
التي بانتفائها يتحقق الصوم أو لا يجوز ارتكابها
وهي على أقسام خمسة:
القسم الأول
ما يحرم ارتكابه، ويوجب القضاء والكفارة معا، إذا وقع
في صوم شهر رمضان وغيره مما في إفطاره قضاء وكفارة،
وهي أمور سبعة:
الأمر الأول والثاني: الأكل والشرب للمعتاد وغيره.
أما حرمتهما فبالكتاب (1)، والسنة المتواترة (2)، والاجماع فيهما (3).
أما في الأول فظاهرة، وأما في الثاني فلعمومات الكتاب والسنة في
النهي عن الأكل والشرب.
والانصراف إلى المعتاد - لو سلم - فإنما هو في المطلق دون العام،
مع أن انصراف المطلق إليه أيضا إنما هو إذا كان الاعتياد وعدمه بحيث
يكونان قرينتين على إرادة المعتاد، وهو في المورد غير معلوم.
بل هنا كلام آخر، وهو أنه على فرض الانصراف فإنما هو يفيد لو
كان متعلق الحكم المأكول والمشروب.

(1) البقرة: 187.
(2) كما في الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1.
(3) كما في الشرائع 1: 189، المدارك 6: 43، الذخيرة: 496.
223

أما الأكل والشرب، فمقتضى الانصراف إلى المعتاد خروج غير
المعتاد من الأكل مثلا، وهو ما كان من غير الفم، بل من نحو الأنف أو
العين أو ثقبة في الصدر، لا من المأكول، فتأمل..
فيكون الكتاب والسنة شاملا لغير المعتاد أيضا.
وأما الاجماع، فلعدم قدح مخالفة الإسكافي والسيد في شاذ من
كتبه (1) في الاجماع، ولذا صرح بالاجماع في غير المعتاد أيضا جماعة، منهم:
الناصريات والخلاف والغنية والسرائر والمنتهى (2) وغيرها (3)، مع أن مخالفة
السيد أيضا غير معلومة، لأنه إنما حكم في بعض كتبه بعدم البطلان بابتلاع
الحصاة ونحوها، فيمكن أن تكون مخالفته في الازدراد دون غير المعتاد، ولذا
ترى الفاضل في المنتهى جعل البطلان بغير المعتاد مذهب جميع علمائنا، ولم
ينسب الخلاف فيه إلا إلى بعض العامة، ونسب الخلاف في الازدراد إلى السيد.
ومما يؤيد البطلان بتناول غير المعتاد - المستلزم هنا للحرمة، لحرمة
إبطال الصوم الموجب لحرمة سببه - بل يدل عليه: أن المراد بالمعتاد إن كان
معتاد غالب الناس لزم عدم فساد صوم طائفة اعتادوا أكل بعض الأشياء الغير
المعتادة للأكثر، كالحية، والفأرة، وبعض النباتات، بل لحم البغل والحمار،
وفساد ذلك ظاهر، بل لا أظن أن يقول به المخالف.
وإن كان معتاد كل مكلف بنفسه فيصير الفساد أظهر، فلا يبطل الصوم
بأكل الخبز لقوم، بل يلزم اختلاف المبطل باختلاف العادات والبلاد، بل

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 216، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل
الشريف المرتضى 3): 54.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 212، الغنية (الجوامع
الفقهية): 571، السرائر 1: 377، المنتهى 2: 563.
(3) كما في مشارق الشموس: 340.
224

مقتضى قاعدة الانصراف إلى المعتاد اعتبار معتاد زمان الشارع وبلده،
وحينئذ تتسع دائرة الأكل والشرب في الصوم.
بل إخراج المني أيضا لو أجريت القاعدة فيه أيضا.
استدل للمخالف (1) بما مر، من انصراف المطلق إلى المعتاد.
وبنحو صحيحة محمد: (لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع
خصال: الطعام، والشراب، والنساء، والارتماس) (2).
والأخرى: في الصائم يكتحل، فقال: (لا بأس به، إنه ليس بطعام
ولا شراب) (3).
وبعموم العلة على عدم ضرر غير الطعام والشراب، وغير المعتاد ليس
منهما.
ورواية ابن أبي يعفور: عن الكحل للصائم؟ فقال: (لا بأس به، إنه
ليس بطعام يؤكل) (4).
ورواية مسعدة: عن الذباب يدخل في حلق الصائم؟ قال: (ليس
عليه قضاء، إنه ليس بطعام) (5).
والجواب عن الأول: ما سبق.

(1) انظر الحدائق 13: 57.
(2) الفقيه 2: 67 / 276، التهذيب 4: 318 / 971، الإستبصار 2: 80 / 244
بتفاوت يسير، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
(3) الكافي 4: 111 / 1، التهذيب 4: 258 / 765، الإستبصار 2: 89 / 278،
الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.
(4) التهذيب 4: 258 / 766، الإستبصار 2: 89 / 279، الوسائل 10: 75 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.
(5) الكافي 4: 115 / 2، التهذيب 4: 323 / 994، الوسائل 10: 109 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 39 ح 2.
225

وعن البواقي: بعدم الحجية بعمومها، لمخالفتها الشهرة العظيمة، بل
الاجماع كما مر.
وعن الثاني: بأن غير المعتاد من المطعوم والمشروب أيضا طعام وشراب.
وهو الجواب عن الثالث والرابع.
وعن الخامس: بأن الضمير المنصوب يمكن أن يكون راجعا إلى
الدخول في الحلق، والطعام مصدرا، كما ذكره في القاموس (1) وغيره (2)،
فيكون المعنى: أن دخول الذباب بغير الاختيار ليس أكلا، لأنه ما كان
بالقصد والاختيار.
وأما وجوب القضاء والكفارة بهما، ففي المعتاد لاجماع العلماء
محكيا مستفيضا (3) ومحققا.
وفيه وفي غيره لحصول الفطر به عرفا، فيدخل في عموم ما دل على
إيجابه لهما، كمرسلة الفقيه: (ومن أفطر في شهر رمضان متعمدا فعليه
كفارة واحدة، وقضاء يوم مكانه، وأنى له مثله) (4).
ورواية الهروي، وفيها: (وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال
فعليه كفارة واحدة وقضاء ذلك اليوم، وإن كان ناسيا فلا شئ عليه) (5).
ورواية المشرقي: عن الرجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمدا ما
عليه من الكفارة؟ فكتب عليه السلام: (من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا

(1) القاموس المحيط 4: 145.
(2) كمجمع البحرين 6: 106.
(3) كما في المدارك 6: 75، الحدائق 13: 56، الرياض 1: 308.
(4) الفقيه 2: 73 / 316، الوسائل 10: 251 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 4،
وفيه صدر الحديث.
(5) الفقيه 3: 238 / 1128، العيون 1: 244 / 88، الوسائل 10: 53 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
226

فعليه عتق رقبة مؤمنة ويصوم يوما بدل يوم) (1)، إلى غير ذلك من الأخبار
الآتية، المتضمنة لتفاصيل الكفارات (2).
فروع:
أ: اختلفوا في حرمة إيصال الغبار إلى الحلق وبطلان الصوم به
- مطلقا، كما في كلام جماعة، منهم: الشرائع والنافع والتلخيص والتبصرة (3)،
أو الغليظ منه، كما في كلام جمع آخر (4)، بل الأكثر كما قيل (5) - وجوازه..
فعن الشيخين والحلي والحلبي وفي الشرائع والنافع (6) وطائفة من
أفاضل المتأخرين (7): الأول، ونسب إلى المشهور (8)، بل عن الانتصار
والسرائر والغنية والتذكرة والتنقيح ونهج الحق: الاجماع عليه (9).
وعن ظاهر الصدوق والسيد والديلمي والشيخ في المصباح:
الثاني (10)، حيث لم يذكروا البطلان به، وإليه ذهب جمع من متأخري

(1) التهذيب 4: 207 / 600، الإستبصار 2: 96 / 311، الوسائل 10: 49 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.
(2) الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 و 10
(3) الشرائع 1: 189، النافع 1: 65، التبصرة: 53.
(4) منهم الشيخ في المبسوط 1: 271، والعلامة في التذكرة 1: 257.
(5) انظر المدارك 6: 52، كفاية الأحكام: 46.
(6) المفيد في المقنعة: 356، الطوسي في المبسوط 1: 271، الحلي في السرائر
1: 377، الحلبي في الكافي: 179، الشرائع 1: 189، النافع: 65.
(7) كالشهيد في اللمعة (الروضة 2): 89، والشهيد الثاني في المسالك 1: 71.
(8) كما في المفاتيح 1: 248، الحدائق 13: 72.
(9) السرائر 1: 377، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، التذكرة 1: 257، التنقيح
1: 357، نهج الحق: 461.
(10) الصدوق في المقنع: 60، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 54، والديلمي في المراسم: 98، الشيخ في المصباح: 484.
227

المتأخرين، منهم: المفاتيح والحدائق (1).
وظاهر المعتبر والمدارك: التردد (2).
حجة الأولين: رواية المروزي: (إذا تمضمض الصائم في شهر
رمضان، أو استنشق متعمدا، أو شم رائحة غليظة، أو كنس بيتا فدخل في
أنفه وحلقه غبار، فعليه صوم شهرين متتابعين، فإن ذلك مفطر مثل الأكل
والشرب والنكاح) (3).
والأخبار الناهية عن الاحتقان، وجلوس المرأة في الماء، والاكتحال،
والسعوط، والاستياك بالرطب، ونظائرها (4).
حجة الآخرين: الأصل، وموثقة عمر بن سعيد: عن الصائم يدخل
الغبار في حلقه؟ قال: (لا بأس) (5).
وما دل على حصر المبطل في أمور ليس ذلك منها.
ويجيبون عن دليل الأولين:
أما عن الرواية: فبالقطع الخالي عن الجابر - وهو كون السائل موثوقا
به - أولا.
وبضعف السند ثانيا، ولا يفيد الانجبار بالشهرة ونحوها، لأنها إنما
تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة.

(1) المفاتيح 1: 248، الحدائق 13: 72.
(2) المعتبر 2: 670، المدارك 6: 52.
(3) التهذيب 4: 214 / 621، الإستبصار 2: 94 / 305، الوسائل 10: 69 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 22 ح 1.
(4) انظر الوسائل 10: أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 و 7 و 25 و 28.
(5) التهذيب 4: 324 / 1003، الوسائل 10: 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 22 ح 2.
228

وبالمعارضة مع الموثقة - الموجبة للرجوع إلى الأصل - ثالثا.
وبالاشتمال على ما لا قائل به رابعا.
وأما عن الأخبار الأخيرة: فبعدم ثبوت مدلولاتها بأنفسها، لمعارضتها
مع أقوى منها - كما يأتي - فكيف يقاس عليها غيرها؟!
أقول: أما جوابهم عن الأخبار الأخيرة فتام.
وأما عن الرواية، فيمكن رد الأول بعدم انحصار الجابر للقطع في
موثوقية السائل، بل ذكر صاحب الأصل لها في طي الروايات قرينة على أن
المسؤول عنه هو الإمام، وإنما حصل القطع لتقطيع الروايات من أصل
السائل.
ومنه يظهر حصول الجبر - لضعف السند لو كان ضائرا - بالشهرة
والاجماعات المنقولة، فرد به الثاني أيضا.
والثالث: بأن التعارض بالعموم المطلق، لاختصاص الرواية بالمتعمد
وأعمية الموثقة.
والرابع: بأن خروج بعض الرواية عن الحجية لا يوجب خروج
الباقي، أو بأن ما لا قائل به هو إطلاق بعض الرواية، فيجب تقييده، ويصير
كالعام المخصص حجه في الباقي، كذا قيل (1).
وفيه: أن المراد بالمطلق إن كان جميع أجزاء الرواية، وبالتقييد إخراج
بعضه، فهذا ليس من باب الاطلاق والتقييد، بل طرح بعض الرواية.
وإن كان إطلاق بعض الأجزاء، فمنها ما لا قائل بمقيده أيضا، كشم
الرائحة الغليظة، بل الاستنشاق والمضمضة، لأنه لا قائل بإفطار فرد منهما.
وأما دخول الماء في الحلق فهو ليس من أفرادهما، بل هو أمر خارجي.

(1) انظر الرياض 1: 305.
229

فلا يتم هذا الرد، بل وكذا سابقه، لأن خروج جز من الخبر عن
الحجية لا يضر الباقي إذا تعين خروجه وعلم المراد من الباقي، وهنا ليس
كذلك، إذ كما يجوز طرح الجزء أو تصرف فيه بتجوز أو تقييد يجوز أن
يتصرف في الحكم بقوله: فعليه صوم، وقوله: فإن ذلك مفطر، بالصرف
عن الظاهر، فلا يتعين المراد من الرواية، فتخرج عن الحجية بالمرة.
ومنه تظهر تمامية الجواب الأخير، بل وكذا سابقه، لأن التعارض
بالعموم المطلق إنما كان لو كان قوله في الرواية: (متعمدا) بعد قوله:
(غبار) وليس كذلك، فالتعارض بالمساواة والرجوع إلى الأصل.
فالحق: هو القول الأخير.
نعم، لو كان الغبار بحيث تحس منه أجزاء ترابية - مشاهدة حسا،
معلومة عيانا، موسومة بالتراب عرفا، ابتداء أو بعد الاجتماع في أصول
الأسنان، وابتلعها - يحكم بفساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة، لصدق
أكل التراب، لا لدخول الغبار.
ب: لا يفسد الصوم بدخول الدخان في الحلق، للأصل، وصدر
الموثقة المتقدمة (1): عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في
حلقه؟ قال: (جائز لا بأس به).
والأحوط: الاجتناب عن شرب التتن، لاستمرار طريقة الناس عليه،
وإطلاق الشرب عند العرب عليه.
ج: لا يفسد الصوم بمص الخاتم، ومضغ الطعام للصبي، وزق
الطائر، وذوق المرق، ونحو ذلك مما لا يتعدى إلى الحلق، للأصل،

(1) في ص: 217.
230

والاجماع، والمعتبرة المستفيضة - التي منها الصحاح (1) - والحصر المصرح
به في الصحيح المتقدم (2).
ولا تنافيه صحيحة الأعرج: عن الصائم يذوق الشئ ولا يبلعه،
فقال: (لا) (3)، فلا تفيد أزيد من الكراهة، مع أنه يحتمل أن يكون معنى
قوله: (لا) أي لا يبلعه كما قيل (4).
وعن الشيخ حملها على من لا تكون له ضرورة إلى ذلك، وحمل
أخبار الرخصة على حال الضرورة (5). ولا شاهد له. مع أنه على فرض
المعارضة يكون الترجيح للأخبار المرخصة، لوجوه عديدة.
ولو سبق في هذه الحالة شئ إلى حلقه بلا اختيار، لم يفسد به
صومه، كما صرح به جمع من الأصحاب (6)، للأصل، وعدم التعمد.
وتومئ إليه صحيحة الحناط: إني أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم،
فيدخل في جوفي من ريقها، فقال: (لا بأس، ليس عليك شئ) (7).
وفرق في المنتهى بين ما كان المضغ ونحوه لغرض صحيح وما لم
يكن كذلك، فأوجب القضاء في الثاني (8). ولا دليل عليه.

(1) كما في الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 و 38.
(2) في ص: 214.
(3) الكافي 4: 115 / 4، التهذيب 4: 312 / 943، الإستبصار 2: 95 / 309،
الوسائل 10: 106 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 37 ح 2.
(4) أنظر الرياض 1: 307.
(5) كما في المبسوط 1: 272.
(6) انظر النافع: 66، والمختلف: 219، والرياض 1: 307.
(7) التهذيب 4: 319 / 976، الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 34 ح 1.
(8) المنتهى 2: 568.
231

د: الحق جواز مضغ العلك مع الكراهة، وإن تغير الريق بطعمه، ما
لم تنفصل منه أجزاء محسوسة، وفاقا للأكثر كما عن المنتهى (1)، للأصل،
والحصر، ورواية أبي بصير: عن الصائم يمضغ العلك، قال: (نعم، إن
شاء) (2).
ورواية محمد: (إياك أن تضمغ علكا، فإني مضغت العلك يوما وأنا
صائم فوجدت في نفسي منه شيئا) (3)، فإن في مضغ الإمام تصريحا
بالجواز، وفي صدره دليل على الكراهة، إما مطلقا أو في الصوم خاصة.
وتدل عليه أيضا صحيحة الحلبي: الصائم يمضغ العلك؟ قال: (لا) (4).
خلافا للمحكي عن الإسكافي والنهاية (5)، لصحيحة الحلبي.
وفيه: منع الدلالة على الحرمة، مع أنه على فرضها يتعين الحمل على
الكراهة، لما مر.
ولأن وجود الطعم في الريق دليل على تخلل شئ من أجزاء ذي
الطعم فيه، لامتناع انتقال العرض.
وفيه: أن سبب وجود الطعم لا ينحصر بتخلل الأجزاء أو انتقال
العرض، لجواز حصول التكيف بسبب المجاورة، مع أنه لو سلم التخلل
فالمبطل إنما هو الأجزاء المحسوسة لا أمثال ذلك.

(1) المنتهى 2: 568.
(2) التهذيب 4: 324 / 1002، الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 36 ح 3.
(3) الكافي 4: 114 / 2، الوسائل 10: 104 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36
ح 1.
(4) الكافي 4: 114 / 1، الوسائل 10: 105 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 36
ح 2.
(5) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 222، النهاية: 157.
232

هذا، مع أنه ليس إلا اجتهادا في مقابلة النص.
ه‍: يفسد الصوم بابتلاع بقايا الغذاء المتخللة بين أسنانه في النهار
عمدا، سواء أخرجها من فمه أو لا، كما صرح به في الخلاف والمبسوط
والشرائع (1) وغيرها (2)، ويوجب القضاء والكفارة، لصدق الأكل وتناول
المفطر عمدا.
ومناقشة صاحب الحدائق فيه لعدم صدق الأكل (3)، وصحيحة ابن
سنان: عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشئ أيفطر ذلك؟ قال: (لا)،
قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه؟ قال: (لا يفطره ذلك) (4).
والأول مدفوع بمنع عدم الصدق.
والثاني بالفرق بين الخارج بالقلس والداخل من الخارج في صدق
الأكل وعدمه، سيما مع أن الصيرورة على اللسان لا تستلزم الدخول في
فضاء الفم، إذ لعل المراد طرف اللسان المجاور للحلق، مع أنه لو صدق
الأكل لو سلم الحكم في القلس فلا يجوز قياس غيره عليه.
هذا كله، مع أن الصحيحة ليست صريحة في عدم الافطار، إذ يحتمل
المعنى: لا يزدرده حينئذ فإنه يفطره ذلك، فيكون قوله: (لا) جوابا
للسؤال، و: (يفطره) حكما على حدة.
ولو دخل شئ منها في الحلق سهوا لم يفسد قطعا، سواء ترك

(1) الخلاف 2: 176، المبسوط 1: 272، الشرائع 1: 193.
(2) كالقواعد 1: 64.
(3) الحدائق 13: 79.
(4) التهذيب 4: 265 / 796، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29
ح 9.. والقلس: ما خرج من الحلق مل الفم أو دونه وليس بقي، فإن عاد فهو
القئ - الصحاح 3: 965.
233

الخلال عمدا أو سهوا أو لم يتركه. والتفرقة بين تركه وعدمه ضعيفة.
ولو وجد طعم الغذاء الباقي في الأسنان في الريق وابتلعه لا يفسد
صومه، كما يظهر وجهه مما ذكرناه في مضغ العلك.
و: لا يفسد الصوم بابتلاع الريق الذي في الفم، بلا إشكال ولا خلاف
فيه كما قيل (1)، للأصل، وعدم صدق الأكل والشرب عرفا، واستمرار عمل
الناس طرا عليه.
ولو أخرجه من فمه ثم أرجعه وابتلعه فيفسد الصوم، بل ظاهر
بعضهم أنه إجماعي (2).
لا لأجل حرمة ابتلاعه بعد خروجه عن الفم، لمنعه.
بل لصدق الأكل حينئذ عرفا، فيقال: أكل الريق، فإن الظاهر صدق
الأكل بابتلاع كل ما يدخل الفم من الخارج ولو خرج من الداخل، دون ما
لم يدخل من الخارج أصلا.
وظاهر صاحب الحدائق عدم البطلان به، وعدم التفرقة بين ما كان في
الفم وما خرج منه، حاكيا عن المحقق الأردبيلي الميل إليه أيضا (3). وهو
غير جيد، لما ذكرنا.
ز: في جواز ابتلاع النخامة - وهي ما يخرج من الصدر أو يسترسل
من الدماغ، كما يدل عليه بعض كلمات أهل اللغة (4)، دون الأول فقط، كما
يعطيه كلام بعض الفقهاء (5) - وبطلان الصوم به، وعدمه قبل الانفصال من
234

الفم، أقوال ثلاثة:
الأول: عدم البطلان مطلقا، ذهب إليه في المعتبر والمنتهى والتذكرة
والمدارك (1) وبعض آخر (2)، للأصل، ورواية غياث: (لا بأس بأن يزدرد
الصائم نخامته) (3)، وعدم تسميته أكلا ولا شربا، ومساواته للريق في عدم
وصوله من الخارج، وعدم انفكاك الصائم عنه إلا نادرا، وصحيحة ابن سنان
المتقدمة المتضمنة لحكم القلس.
والثاني: عدمه في الصدرية والبطلان في الدماغية، إلا أن يتعدى إلى
الحلق بعد الاسترسال وقبل الوصول إلى الفم، وهو ظاهر الشرائع
والارشاد (4)، ولعله لصدق الأكل عليه، وعدم صدق النخامة المجوز ابتلاعها
في الرواية، لزعم اختصاصها بما يخرج من الصدر.
والثالث: البطلان بابتلاعها بعد وصولها إلى الفم، حكي عن
الشهيدين (5). وهو الأحوط، وإن كان الأول أظهر، لما مر من الأصل،
وإطلاق الخبر، وعدم معلومية صدق الأكل ما لم ينفصل عن الفم.
ح: الحق جواز المضمضة للصائم مع كراهة، وفاقا للأكثر (6)، أما
الجواز فللأصل، ولرواية حماد: الصائم يتمضمض ويستنشق؟ قال: (نعم،
لكن لا يبالغ) (7).

(1) الحدائق 13: 79.
(2) انظر غنائم الأيام: 396.
(3) الحدائق 13: 80.
(4) انظر القاموس المحيط 4: 181.
(5) انظر الشرائع 1: 193.
(6) المعتبر 2: 653، المنتهى 2: 563، التذكرة 1: 256، المدارك 6: 105.
(7) كالحدائق 13: 86.
235

ورواية يونس: (والأفضل للصائم أن لا يتمضمض) (1)، وهي دليل
الكراهة أيضا.
خلافا للمحكي عن الاستبصار والمنتهى، فقالا بالتحريم في غير
الوضوء (2)، ولعله لرواية المروزي المتقدمة، المتضمنة لوجوب الكفارة
بأمور منها: المضمضة (3).
وهي مردودة بما مر من عدم وجوبها ببعض ما فيها إجماعا، فلا بد
من ارتكاب تجوز، وبعد فتح بابه تتسع دائرته فلا تفيد.
ثم لو تمضمض ودخل الماء في حلقه فيأتي حكمه (4).
الثالث: الجماع في قبل المرأة، أنزل أم لم ينزل.
وهو حرام على الصائم إجماعا، كتابا ونصا وفتوى، وموجب للقضاء
والكفارة، بالاجماع، والسنة المتواترة:
كصحيحة البجلي: عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى
يمني، قال: (عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع) (5).
ورواية المفضل: في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة، فقال: (إن
كان استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة) (6).

(1) الكافي 4: 115 / 1، التهذيب 4: 323 / 995، الوسائل 10: 108 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 39 ح 1.
(2) الشرائع 1: 193، الإرشاد 1: 298.
(3) الشهيد في الدروس 1: 278، الشهيد الثاني في المسالك 1: 73.
(4) منهم المحقق في الشرائع 1: 193، وصاحب الحدائق 13: 91.
(5) الكافي 4: 107 / 3، الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 2.
(6) الكافي 4: 107 / 4، التهذيب 4: 205 / 593، الإستبصار 2: 94 / 304،
الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.
236

وموثقة سماعة: عن رجل أتى أهله في رمضان متعمدا، فقال: (عليه
عتق رقبة، وإطعام ستين مسكينا، وصيام شهرين متتابعين، وقضاء ذلك
اليوم) (1)، ورواية الهروي المتقدمة (2)، إلى غير ذلك.
وتدل عيه عمومات القضاء والكفارة بالافطار، فإن ذلك أيضا، إفطار
كما صرح به في الأخبار، كالخصالي: (خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل،
والشرب، والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله ورسوله
والأئمة:) (3)، وقريب منه في الرضوي (4).
وكذا في دبرها على المشهور، بل على المعروف من مذهب
الأصحاب كما في المدارك (5)، وعلى الظاهر من المذهب كما في
المبسوط (6)، وعلى مقتضى المذهب كما في الخلاف (7)، وبلا خلاف فيه
كما فيه أيضا، وبالاجماع كما عنه أيضا وعن الوسيلة (8).
للشهرة، والاجماع المحكي.
وإطلاق النهي عن المباشرة في الآية الكريمة (9)، خرج منه ما عدا
الوطء في القبل والدبر فيبقى الباقي، ومتى ثبت التحريم كان مفسدا

(1) التهذيب 4: 208 / 604، الإستبصار 2 97 / 315، الوسائل 10: 49 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 8 ح 13.
(2) في ص: 215.
(3) الخصال: 286 / 39، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.
(4) فقه الرضا (ع): 207، مستدرك الوسائل 7: 321 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 1 ح 1.
(5) المدارك 6: 45.
(6) المبسوط 1: 270.
(7) الخلاف 2: 191.
(8) الوسيلة: 142.
(9) البقرة: 187.
237

بالاجماع المركب.
ولاطلاق البطلان بالجماع في طائفة من الأخبار.
ولايجابه الجنابة المفسدة للصوم.
ويرد على الأولين: عدم الحجية.
وعلى الثالث: بأن جعل الآية من باب التخصيص يوجب خروج
الأكثر، وهو غير جائز، فيجب حملها على المجاز، وهو إما الوطء في
القبل، أو مطلق الجماع، الغير المعلوم صدقه على وطء الدبر، أو غير
المنصرف إليه، لعدم كونه من الأفراد الشائعة.
ومنه يظهر رد الرابع أيضا.
وعلى الخامس: بمنع الملزوم أولا، والملازمة ثانيا.
خلافا للمحكي عن المبسوط، حيث جعل البطلان أحوط (1)، وإن
كان في كونه صريحا في الخلاف نظر، لاحتمال إرادة الوجوب من الاحتياط
في كلمات القدماء.
نعم، هو الظاهر من المختلف (2)، لأن الاحتياط في كلامه ليس
محمولا على الوجوب.
نعم، يحتمل إرادة المبسوط الاستحباب أيضا، فكلامه محتمل للخلاف
وليس صريحا في وفاق المشهور، ككلام من أطلق الجماع بل الوطء أيضا
- كالمقنعة والنهاية والناصريات والديلمي (3) - أو مقيدا بالفرج، كالجملين (4)

(1) المبسوط 1: 270.
(2) المختلف: 216.
(3) المقنعة: 344، النهاية: 153، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الديلمي
في المراسم: 98.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الجمل والعقود
(الرسائل العشر): 212.
238

والاقتصاد والمصباح ومختصره (1).
ومن ذلك يظهر تطرق القدح في الاجماع المحقق في المسألة، ومعه
فيجب الرجوع إلى سائر الأدلة، والأصل مع عدم البطلان، وتدل عليه
مرسلة علي بن الحكم: (إذا أتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم
ينقض صومها، وليس عليها غسل) (2).
ومرفوعة أحمد بن محمد: في رجل أتى المرأة في دبرها وهي
صائمة، قال: (لا ينقض صومها، وليس عليها غسل) (3).
ولا فرق بين المفعول بها والفاعل بالاجماع المركب.
وأما دبر الغلام بدون الانزال، فالمشهور فيه أيضا - كما قيل -
الافساد (4)، بل عن الخلاف: الاجماع عليه (5)، لذلك الاجماع المنقول،
وإيجابه الجنابة، وفحوى ما دل على الفساد بوط المرأة المحللة، وإطلاق
الأخبار بوجوب القضاء أو الكفارة على المجامع. وفي الكل نظر ظاهر.
خلافا لمحتمل كل من ذكره.
وتردد فيه في المعتبر والشرائع والنافع (6)، وهو في موقعه، بل الظاهر عدم
الفساد، للأصل، ولصحيحة محمد الحاصرة للمفطرات فيما ليس ذلك منها (7).

(1) الإقتصاد: 287، مصباح المتهجد: 484.
(2) التهذيب 7: 460 / 1843، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.
(3) التهذيب 4: 319 / 975، الوسائل 2: 200 أبواب الجنابة ب 12 ح 3.
(4) انظر الذخيرة: 496، والرياض 1: 304.
(5) الخلاف 2: 190.
(6) المعتبر 2: 669، الشرائع 1: 189، النافع: 66.
(7) الفقيه 2: 67 / 276، التهذيب 4: 318 / 971، الإستبصار 2: 80 / 244،
الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
239

ومنه يظهر قوة عدم الفساد بوط البهيمة مطلقا من دون إنزال، وفاقا
لمحتمل بعض من ذكر، وصريح الحلي والشرائع والتذكرة والمنتهى
والتحرير والتلخيص (1).
وأمر الاحتياط واضح، وهو مطلوب جدا خصوصا في المقام.
الرابع: الاستمناء.
وهو طلب خروج المني مع خروجه بغير الجماع، فلا يضر الطلب
بدون الخروج، ولا الخروج بدون الطلب أو التسبب إجماعا، كما أنه يبطل
الصوم بخروجه مع الطلب كذلك.
وعلى حرمته وفساد الصوم به الاجماع عن الانتصار والغنية والمعتبر
والمنتهى (2) وغيرها (3).
وكذا ادعى جماعة الاجماع على إيجابه القضاء والكفارة (4)، وهو
أيضا - كسابقه - إجماع قطعا، فهو الدليل على الأحكام الثلاثة، مضافا إلى
المعتبرة المستفيضة، كصحيحة البجلي المتقدمة (5)..
ومرسلة حفص بن سوقة: في الرجل يلاعب أهله أو جاريته في
قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل، قال: (عليه من الكفارة مثل ما على
الذي يجامع في شهر رمضان) (6).

(1) الحلي في السرائر 1: 380، الشرائع 1: 189، التذكرة 1: 259، المنتهى 2:
564، التحرير 1: 77.
(2) الإنتصار: 64، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المعتبر 2: 654، المنتهى 2: 564.
(3) كالتذكرة 1: 572.
(4) كما في الخلاف 2: 190، وانظر المدارك 6: 77.
(5) في ص: 225.
(6) الكافي 4: 103 / 7، التهذيب 4: 321 / 983، الوسائل 10: 39 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 4 ح 2.
240

وموثقة سماعة: عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: (عليه إطعام ستين
مسكينا) (1).
ورواية أبي بصير: عن رجل وضع يده على شئ من جسد امرأته
فأدفق، فقال: (كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو
يعتق رقبة) (2).
والرضوي: (ولو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأدفق كان
عليه عتق رقبة) (3).
وتؤيده - بل تدل [عليه] (4) - صحيحة محمد وزرارة: هل يباشر
الصائم أو يقبل في شهر رمضان؟ فقال: (إني أخاف عليه فليتنزه عن
ذلك، إلا أن يثق أن لا يسبقه مني) (5).
وصحيحة الحلبي: عن رجل يمس من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه
أو ينقضه؟ فقال: (إن ذلك يكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني) (6).
وموثقة سماعة: عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان، قال: (ما
لم يخف على نفسه فلا بأس) (7)، إلى غير ذلك.

(1) التهذيب 4: 320 / 980، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4
ح 4.
(2) التهذيب 4: 320 / 981، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4
ح 5.
(3) فقه الرضا (ع): 212، مستدرك الوسائل 7: 324 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 4 ح 3.
(4) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(5) التهذيب 4: 271 / 821، الإستبصار 2: 82 / 251، الوسائل 10: 100 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 13.
(6) الكافي 4: 104 / 1، الوسائل 10: 100 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 1.
(7) 85 الفقيه 2: 71 / 300، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 6.
241

وبوجوب الكفارة في تلك الأخبار ثبت الفساد والقضاء بالاجماع
المركب.
واختصاص الأكثر باستمناء خاص غير ضائر، لعدم القول بالفصل.
وفي حكم الطلب عمدا التسبب بمس المرأة بالملاعبة أو الملامسة أو
التقبيل لمن يعتاد الانزال مع أحدها، أو يكرر ذلك حتى ينزل مع اعتياده
بالتكرر، لصدق الانزال عمدا، فيكون بطلان صومه ووجوب القضاء
والكفارة مجمعا عليه (1).
ويدل على الحكم إطلاق طائفة من الأخبار المتقدمة.
وكذا إن لم يكن معتادا به، ولكن كرره قاصدا للانزال حتى يتفق، لما
ذكر، وكذا في القضاء والكفارة، بل لو لم يكن معتادا ولم يقصده أيضا
واتفق معه الانزال، وفاقا للمشهور كما عن المختلف والمهذب (2)، بل
المجمع عليه كما عن المعتبر بل الخلاف (3)، للاطلاقات المذكورة.
خلافا لبعض المتأخرين، فلم يوجب مع عدم التعمد شيئا، لضعف
غير الصحيحة الأولى سندا، وضعفها دلالة، لاحتمال كون لفظة (حتى)
تعليلية (4).
وللمرسل المروي في المقنع: (لو أن رجلا لصق بأهله في شهر
رمضان فأمنى لم يكن عليه شئ) (5).
ويجاب بانجبار الضعف - لو كان - بما مر من الشهرة المحكية

(1) في (ح) زيادة: كما عن الكتب الثلاثة وغيرها.
(2) المختلف: 224، المهذب البارع 2: 43.
(3) المعتبر 2: 654، الخلاف 2: 190.
(4) انظر المدارك 6: 62.
(5) المقنع: 60، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 5.
242

والاجماع المنقول، مع أن منها الموثق الذي هو في نفسه حجة.
وبضعف المرسل أولا، ومرجوحيته بالنسبة إلى معارضاته ثانيا، لأن
القول بمضمونه مذهب فقهاء العامة، كما عن الانتصار (1).
نعم، الثابت حينئذ هو القضاء والكفارة، وأما حرمة العمل فلا، إذ
لا وجه له مع عدم الاعتياد ولا القصد.
وفي حصول الامناء بالنظر أقوال:
عدم الافساد مطلقا، حكي عن الشيخ في الخلاف والحلي (2).
والافساد إن كان إلى من لا يحل بشهوة، وعدمه إن كان إلى من
يحل، نسب إلى المفيد والمبسوط والديلمي وابن حمزة والتحرير (3).
والافساد إن قصد به الانزال، أو كرر النظر حتى ينزل من غير قصده،
وعدمه بدونهما، استقربه في المختلف (4).
والافساد إن اعتاد الانزال عقيب النظر، وعدمه بدونه، اختاره
بعضهم (5).
والافساد إن كان من عادته ذلك وقصده، وعدمه بدونه، اختاره في
المدارك (6).
والظاهر اتحاد القولين الأخيرين.

(1) الإنتصار: 64.
(2) الخلاف 2: 198، الحلي في السرائر 1: 389.
(3) المفيد في المقنعة: 359، المبسوط 1: 272، الديلمي في المراسم: 98، ابن
حمزة في الوسيلة: 143 وفيه من غير تفصيل، التحرير 1: 77.
(4) المختلف: 220.
(5) كصاحب الحدائق 13: 133.
() 96 المدارك 6: 63.
(6) راجع ص: 229 و 230.
243

وكيف كان، فالحق: أنه يفسد بتعمد النظر مع اعتياد الانزال معه، أو
مع قصده، لصدق تعمد الانزال معه، وهو موجب للفساد، لظاهر الاجماع،
وإشعار بعض الأخبار المذكورة (1) به.. ولا يفسد بدونه، للأصل.
احتج لسائر الأقوال بأدلة بينة الوهن.
ومثل النظر: التخيل واستماع الصوت في الحرمة والقضاء والكفارة.
الخامس: البقاء على الجنابة عمدا حتى يطلع الفجر الثاني.
على الأظهر الأشهر في الحرمة والقضاء والكفارة، بل بالاجماع كما
عن الانتصار والخلاف والسرائر والغنية والوسيلة والتذكرة والمنتهى (2)، بل
بالاجماع المحقق، لعدم قدح مخالفة الشاذ الآتي ذكره فيه، وهو الدليل
عليه.
مضافا إلى صحيحة البزنطي: عن الرجل أصاب من أهله في شهر
رمضان، أو أصابته جنابة، ثم ينام حتى يصبح متعمدا، قال: (يتم ذلك
اليوم وعليه قضاؤه) (3).
ورواية المروزي: (إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل، ولم
يغتسل حتى يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين، مع صوم ذلك اليوم،
ولا يدرك فضل يومه) (4).

(1) الإنتصار: 63، الخلاف 2: 174، السرائر 1: 377، الغنية (الجوامع الفقهية):
571، الوسيلة: 142، التذكرة 1: 260، المنتهى 2: 573.
(2) التهذيب 4: 211 / 614، الإستبصار 2: 86 / 268، الوسائل 10: 62 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 4.
(3) التهذيب 4: 212 / 617، الإستبصار 2: 87 / 273، الوسائل 10: 63 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 16 ح 3.
(4) التهذيب 4: 212 / 618، الإستبصار 2: 87 / 274، الوسائل 10: 64 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4.
244

ورواية إبراهيم بن عبد الحميد، وفيها: (فمن أجنب في شهر
رمضان، فنام حتى يصبح، فعليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، وقضاء
ذلك اليوم، ويتم صيامه، ولن يدركه أبدا) (1).
وفحوى الصحاح الموجبة للقضاء في النومة الثانية أو الثالثة (2)، أو
الموجبة له مع نسيان الغسل (3).
وتؤيده المستفيضة المثبتة للقضاء أو الكفارة بالجملة الخبرية.
خلافا في الثلاثة للمحكي عن المقنع للصدوق (4) والمحقق
الأردبيلي (5) والسيد الداماد في رسالته الرضاعية..
إلا أن كلام الأول غير صريح في المخالفة، لنقله فيه رواية بذلك،
وهو ليس صريحا في الافتاء بمضمونها، وإن كان الغالب فيه - على ما قيل -
فقواه بمتون الأخبار (6).
وكذا الثاني، فإن ظاهره في شرح الإرشاد الاستشكال في المسألة،
وإن كان [في] (7) ظاهر كلامه نوع ميل إليه.
للأصل، والآيتين، والمستفيضة من الأخبار (8).
والأول: مدفوع بما مر.

(1) انظر الوسائل 10: 61 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15.
(2) الوسائل 10: 65 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17.
(3) المقنع: 60.
(4) في زبدة البيان: 174.
(5) انظر الحدائق 13: 113، والذخيرة: 497.
(6) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(7) مجمع الفائدة والبرهان 5: 35.
(8) التهذيب 4: 210 / 608، الإستبصار 2: 85 / 264، الوسائل 10: 58 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 4.
245

والثاني: بأن غاية الآيتين العموم المطلق بالنسبة إلى ما مر، فيجب
تخصيصهما، مضافا إلى ضعف دلالتهما، إذ لا كلام في جوار المجامعة ما
لم يحصل العلم بعدم وسعة الزمان للاغتسال قبل الفجر، وحصول مثل ذلك
العلم في غاية الندرة، فانصراف المطلق إلى مثله مشكل جدا، مع أن رجوع
قيد: (حتى يتبين) في إحدى الآيتين إلى غير الجملة الأخيرة غير معلوم،
بل مقتضى الأصل العدم.
والثالث: بعدم حجية الأخبار المذكورة، لمخالفتها الاجماع، ولا أقل
من الشهرة العظيمة القديمة والجديدة المخرجة للرواية عن الحجية، سيما
مع موافقتها للعامة في مقام المعارضة لروايات أخر لها مخالفة.
مضافا إلى كون كثير من هذه الأخبار أعم مطلقا من الأخبار المتقدمة،
إما من جهة شمولها للعمد والنسيان، أو النومة الأولى الشاملة للنوم بقصد
الاستيقاظ والاغتسال، كصحيحتي العيص، وصحيحة القماط، ورواية
سليمان بن أبي زينبة، ورواية إسماعيل بن عيسى:
الأولى: عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل وأخر الغسل
حتى يطلع الفجر، قال: (يتم صومه ولا قضاء عليه) (1).
والثانية: عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثم يستيقظ ثم ينام
قبل أن يغتسل، قال: (لا بأس) (2).
والثالثة: عمن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح،

(1) الفقيه 2: 75 / 325، الوسائل 10: 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13
ح 2.
(2) الفقيه 2: 74 / 322، الوسائل 10: 57 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13
ح 1.
246

قال: (لا شئ عليه) (1).
والرابعة: عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل
حتى طلع الفجر، فكتب بخطه - إلى أن قال -: (ولا شئ عليه) (2).
والخامسة: سألت الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان
فنام حتى يصبح، أي شئ عليه؟ قال: (لا يضره ولا يفطر ولا يبالي)
الحديث (3).
وإن أمكن أن تعارض الموافقة للعامة بالموافقة لاطلاق الكتاب، التي
هي أيضا من المرجحات المنصوصة.
وبمنع الأعمية المطلقة للأخبار الأخيرة، لأن الأخبار الأولة أيضا
ليست في العمد صريحة ولا ظاهرة حتى تكون أخص مطلقا، بل الظاهر في
الأكثر التعارض بالتساوي، فالمناط في الرد هو الشذوذ المخرج عن
الحجية، مع أن إحدى صحيحتي العيص لا تدل إلا على جواز النوم،
وبعضها مما يلوح منه آثار التقية من جهة نسبة الحكاية إلى عائشة.
وفي الثالث خاصة للمحكي عن العماني والسيد في أحد قوليه (4)،
وبعض متأخري المتأخرين (5)، ومال إليه في التحرير (6)، للأصل، وصحيحة

(1) التهذيب 4: 210 / 609، الإستبصار 2: 85 / 265، قرب الإسناد: 340،
الوسائل 10: 58 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 5.
(2) التهذيب 4: 210 / 610، الإستبصار 2: 85 / 266، الوسائل 10: 59 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 13 ح 6.
(3) حكاه عن العماني في المختلف: 220، السيد في الإنتصار: 63.
(4) كالكاشاني في المفاتيح 1: 247.
(5) التحرير 1: 79.
(6) الكافي 4: 105 / 1، الوسائل 10: 63 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 1.
247

الحلبي: في رجل احتلم في أول الليل أو أصاب من أهله ثم نام متعمدا في
شهر رمضان حتى يصبح، قال: (يتم صومه ذلك، ثم يقضيه إذا أفطر شهر
رمضان ويستغفر ربه) (1)، حيث إن اتباع القضاء بالاستغفار ظاهر في عدم
لزوم كفارة غيره.
والأصل مدفوع بما مر، وضعفه غير ضائر، لأن ما مر له جابر بما مر.
والصحيحة غير دالة على انتفاء الكفارة، لأن الاستغفار ثابت معها
أيضا.
وقد يستدل أيضا بالأخبار المجوزة له، وفساده ظاهر، لاستلزامها نفي
القضاء أيضا.
فروع:
أ: ما مر إنما هو حكم صيام شهر رمضان، حيث إنه مورد الأخبار
ومحل الاجماع، ومثله في الفساد: قضاؤه على الحق المشهور، لصحيحة
ابن سنان: كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه السلام - وهو يقضي شهر رمضان -: إني
أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم أغتسل حتى طلع الفجر، فأجابه: (لا
تصم اليوم وصم غدا) (2)، والنهي يدل على الفساد، وقريبة منها صحيحته
الأخرى (3).
وموثقة سماعة الواردة في النومة الأولى، وفيها: إذا كان ذلك من
الرجل وهو يقضي رمضان؟ قال: (فليأكل يومه ذلك وليقض، فإنه لا يشبه

(1) الكافي 4: 105 / 4، الوسائل 10: 67 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 2.
(2) الفقيه 2: 75 / 324، التهذيب 4: 277 / 837، الوسائل 10: 67 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 19 ح 1.
(3) التهذيب 4: 211 / 611، الإستبصار 2: 86 / 267، الوسائل 10: 67 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 19 ح 3.
248

رمضان شئ من الشهور) (1)، والمراد من آخر الحديث: أن حرمة رمضان
أوجبت ذلك الحكم في قضائه أيضا. أو المراد: أن القضاء ليس كصوم
رمضان في وجوب الصوم والقضاء معا.
وبخصوص هذه الأخبار يقيد إطلاق رواية ابن بكير: عن رجل
طلعت عليه الشمس وهو جنب، ثم أراد الصيام بعدما اغتسل ومضى من
النهار ما مضى، قال: (يصوم إن شاء، وهو بالخيار إلى نصف النهار) (2).
ولا ينافي الحكم قوله: (إذا أفطر شهر رمضان) في صحيحة الحلبي
المتقدمة، لأن المنافاة إنما هي إذا كان المعنى: أن هذا الحكم إنما هو إذا
أفطر شهر رمضان فينتفي عن غيره بمفهوم الشرط، ولكن المعنى: أنه
يقضي إذا فرغ من صيام الشهر.
بل لا منافاة على الأول أيضا، لأن الحكم هو مجموع تمام الصوم
والقضاء، ولا شك أنه مخصوص بصيام شهر رمضان.
وكذا لا ينافيه اختصاص سائر النصوص مع كثرتها بصيام شهر
رمضان، لأن الاختصاص فيها إنما هو من جهة السؤال عنه.
وأما غير الصومين من الواجبات المعينة وغير المعينة والندب فليس
كذلك، فلا يفسد بالبقاء على الجنابة ولو عمدا على الأقوى، وفاقا
للدروس (3)، وجملة من المتأخرين (4)، وعن المعتبر: الميل إليه أيضا (5)،

(1) التهذيب 4: 322 / 989، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 3.
(2) الدروس 1: 271.
(3) كما في التذكرة 1: 260، والحدائق 13: 122، والرياض 1: 305.
(4) المعتبر 2: 657.
(5) الخلاف 2: 174، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571.
249

بل هو ظاهر من قيد الحكم برمضان، كالشيخ في الخلاف وابن زهرة (1)،
وتردد في المنتهى (2).
لنا: الأصل الخالي عن المعارض مطلقا، لاختصاص أخبار الفساد
بالصومين.
مضافا في التطوع إلى رواية ابن بكير المتقدمة، وإلى رواية الخثعمي:
عن التطوع، وعن صوم هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل، فأعلم
أني قد أجنبت، فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم؟: قال:
(صم) (3).
وموثقة ابن بكير: عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح، أيصوم
ذلك اليوم تطوعا؟ قال: (أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار؟!) (4).
ب: لا يبطل الصيام بالاحتلام نهارا في شهر رمضان ولا في غيره بلا
خلاف، للأصل، والمستفيضة من الأخبار (5).
ويجوز له النوم بعده، للأصل، وصحيحة العيص.
وأما ما في بعض الروايات: عن احتلام الصائم، قال: (إذا احتلم نهارا
في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل) (6)، فمحمول على الكراهة بقرينة
الصحيحة، مع أنه لا يفيد أزيد منها.

(1) المنتهى 2: 566.
(2) الفقيه 2: 49 / 212، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 1.
(3) الكافي 4: 105 / 3، الوسائل 10: 68 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 20 ح 2.
(4) الوسائل 10: 103 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 35.
(5) التهذيب 4: 212 / 618، الإستبصار 2: 87 / 274، الوسائل 10: 64 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 16 ح 4، وفيه وفي التهذيب: فلا ينم.
250

ج: يجوز الجماع في ليلة الصيام حتى يبقى لطلوع الفجر مقداره
والغسل، ومع تبين ضيق الوقت لا يجوز، ولو فعل فسد صومه، ولو فعل
ذلك ظانا سعة الوقت قالوا: فإن كان مع المراعاة لم يكن عليه شئ، وإن
كان لا معها فعليه القضاء، ويأتي تحقيقه.
السادس: الكذب على الله سبحانه، أو على رسوله، أو على أحد من
الأئمة عليهم السلام.
وهو محرم مفسد للصوم، وموجب للقضاء على الحق الموافق
للشيخين (1) والقاضي والحلبي ووالد الصدوق والانتصار والغنية
والمنتهى (2)، وجملة من مشايخنا (3)، بل للمشهور كما صرح به في الخلاف
والدروس (4) ويظهر من المبسوط (5)، بل للاجماع كما عن الانتصار
والغنية (6).
للمستفيضة، كرواية أبي بصير: (الكذبة تنقض الوضوء وتفطر
الصائم) قال: قلت له: هلكنا، قال: (ليس حيث تذهب، إنما ذلك الكذب
على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة) (7).

(1) المفيد في المقنعة: 344، الطوسي في النهاية: 153.
(2) القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 185، الحلبي في الكافي: 179، حكاه
عن والد الصدوق في المختلف: 218، الإنتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية):
571، المنتهى 2: 573.
(3) منهم صاحب الرياض 1: 309.
(4) الخلاف 2: 221 ونسبه فيه إلى الأكثر، الدروس 1: 274.
(5) المبسوط 1: 270.
(6) الإنتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.
(7) الكافي 4: 89 / 10، التهذيب 4: 203 / 585، الوسائل 10: 33 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 2 ح 2.
251

والأخرى: (إن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة يفطر
الصائم) (1).
والثالثة: (من كذب على الله وعلى رسوله وهو صائم نقض صومه
ووضوئه إذا تعمد) (2)
وموثقة سماعة: عن رجل كذب في رمضان، قال: (قد أفطر وعليه
قضاؤه)، فقلت: وما كذبته؟ قال: (يكذب على الله وعلى
رسوله) (3).
والأخرى: عن رجل كذب في شهر رمضان، قال: (قد أفطر وعليه
قضاؤه وهو صائم يقضي صومه ووضوئه إذا تعمد) (4).
والمروي في الخصال: (خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل،
والشرب، والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله ورسوله
والأئمة) (5).
والرضوي: (واتق في صومك خمسة أشياء تفطرك: الأكل، والشرب
والجماع، والارتماس في الماء، والكذب على الله ورسوله والأئمة) (6)،
وبمفاده آخر أيضا (7).

(1) الفقيه 2: 67 / 277، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 4.
(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 24 / 14، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك
عنه الصائم ب 2 ح 7.
(3) التهذيب 4: 189 / 536، الوسائل 10: 33 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.
(4) التهذيب 4: 203 / 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 3.
(5) الخصال 1: 286 / 39، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 6.
(6) فقه الرضا (ع): 207، مستدرك الوسائل 7: 321، أبواب ما يمسك عنه
الصائم ب 1 ح 1.
(7) فقه الرضا (ع): 203، المستدرك 7: 322 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 1.
252

وضعف سند بعضها عندنا غير ضائر، ولو سلم فما مر من دعوى
الاجماع والشهرة له جابر.
وللكفارة، وفاقا لأكثر من ذكر أيضا، للأخبار المذكورة المثبتة للافطار
به، الموجب للكفارة بما مر من العمومات المتقدمة في الأمر الأول.
ودعوى تبادر الأكل والشرب من الافطار ممنوعة، والمعنى اللغوي له
صادق على كل ما يفسد الصوم.
خلافا في الجميع للمحكي عن جمل السيد والحلي والعماني
والمحقق (1) والفاضل في أكثر كتبه (2)، وأكثر المتأخرين (3)، للأصل،
والصحيحة الحاصرة للمفطرات في أشياء ليس ذلك منها (4)، وضعف تلك
الأخبار سندا، وتضمن جملة منها على ما لا يقول به أحد من نقض الوضوء
به أيضا، وبعض منها على ما هو خلاف المشهور من الافطار بالارتماس
أيضا.
والأصل مندفع بما مر، والصحيحة مخصصة به، والضعف في
الجميع ممنوع، ولو كان فمجبور، والتضمن لما لا يقول به أحد - أو
لا يفتي به جماعة - غير مخرج لتتمة الخبر عن الحجية، مع أن الحجة غير
منحصرة فيما يتضمن ذلك، بل فيما لا يتضمنه غناء عنه.

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الحلي في السرائر 1:
376، حكاه عن العماني في المختلف: 218، المحقق في المعتبر 2: 671.
(2) كما في التذكرة 1: 258، القواعد 1: 64، المختلف: 218.
(3) كالشهيد الثاني في المسالك 1: 70، والسيوري في التنقيح 1: 363، وصاحب
المدارك 6: 46.
(4) الفقيه 2: 67 / 276، التهذيب 4: 202 / 584، الإستبصار 2: 80 / 244،
الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
253

وتجويز حمل قوله: (وهو صائم) في الموثقة الثانية على صحة
صومه - فالمراد من الافطار فيها نقص كمال الصوم - حمل بعيد، بل
المعنى: يتم صومه.
نعم، لو كان الاحتجاج بقوله: (يقضي صومه ووضوئه) فقط لما تم
الدلالة، لأن حمل: (يقضي) على مجاز متعين، لمكان قوله: (ووضوئه)،
وحذف فعل آخر للوضوء ليس بأولى مما ذكر.
ومنه يظهر عدم تمامية الاستدلال بالرواية الثالثة أيضا، بل يظهر
تطرق الخدش في الخصالي والرضوي أيضا على القول بعدم كون الارتماس
مبطلا، ولكن مع ذلك كله لا يضر في المطلوب، لكفاية البواقي فيه.
وفي الثالث خاصة للنافع ومحتمل القواعد (1)، ولعله للأصل، وخلو
النصوص منها، سيما ما يتضمن منها لايجابه القضاء، لورودها في مقام
الحاجة.
والأصل يدفعه ما ذكر، وخلو النصوص عن ذكرها بالخصوص - مع
تضمنها لما يستلزمها - غير ضائر، وكون ما يتضمن القضاء في مقام الحاجة
ممنوع.
فروع:
أ: لا يختص الفساد بذلك بصيام شهر رمضان، لاطلاق أكثر
الروايات.
ب: لا اختصاص للكذب عليهم بحكاية قول عنهم عليهم السلام كما
قد يتوهم، بل يشملها وحكاية الفعل والتقرير أيضا، لصدق الكذب عليهم.

(1) 5 النافع 1: 66، القواعد 1: 64.
254

ج: لا خفاء في أن حكاية فعل أو قول يعلم عدم مطابقته للواقع كذب
على الله وإن كان مطابقا في الواقع، لأن المناط في موارد التكاليف علم
المكلف.
وكذا ما لا يظن مطابقته ولا عليه أمارة، إما لقيام عدم الصدور بالأصل
والاستصحاب مقام عدم الصدور الواقعي، أو لثبوت إرادة مثل ذلك أيضا
من الكذب على الله ولو تجوزا بالاجماع.
د: لو ورى في النسبة - كأن يقول: قال علي كذا، وأراد شخصا
مسمى بعلي، أو كتب نفسه حديثا مجعولا في صحيفة وقال: رأيت منسوبا
إلى الإمام كذا - فالظاهر كونه كذبا على الإمام، لأن المقصود إفهام الإمام
وكتاب الغير، وكذا يفهمه السامع، والقرينة قائمة، فهو المستعمل فيه
حقيقة، فيكون كذبا.
ه‍: لو ذكر حديثا كذبا ثم ظهر صدقه قبل القضاء، فهل يسقط، أم
لا؟
الظاهر: لا، لبطلان صومه أولا، واستقرار القضاء في ذمته.
و: إن ظن قوله به بأمارة يعتبر مثلها في العرف أو مطلقا، فالظاهر
عدم كونه كذبا عليه، سيما إذا كان الظن مما ثبتت حجيته في مثل ذلك القول.
والأحوط: عدم النسبة مطلقة، بل نسبته إلى تلك الأمارة أو الظن أو
نحوهما مما لا يستفاد منه القطع بالصدور.
ز: الكذب عليهم أعم من أن يكون في أمر الدين أو الدنيا، كما عن
المنتهى التصريح به (1)، لاطلاق الأخبار.
ح: قيل: الظاهر دخول الحكم والفتوى من غير من بلغ درجة

(1) المنتهى 2: 565.
255

الاجتهاد في هذا الكذب، إن لم يكن ذلك عنه بطريق النقل من مجتهد، أو
إسناده إلى الوقوع في خبر (1).
وهو كذلك، لأنه إما يكون كذبا صريحا، أو التزاما، لدلالته على أنه
حكم الله سبحانه، وليس كذلك.
وقيل: تفسير القرآن والحديث بما ليس ظاهرا ولا مدلولا عليه بقرينة
أو رواية من الكذب على الله.
وفيه تأمل، إلا أن ينسبه إلى الله بقوله: قال الله سبحانه: كذا وكذا.
ط: ما ينسب إليهم من الأقوال في أشعار المراثي ونحوها مما نقطع
بعدم صدوره عنهم، فإن كان مما يعلم أنه من مبالغات الشعر وإغراقاته
المتعارفة فيها المستحسنة فيها فالظاهر أنه لا بأس به، وإن لم يكن كذلك
فيبطل به الصوم، والأحوط الاجتناب عن الجميع.
السابع: القئ اختيارا.
فإنه حرام ومفسد على الحق المشهور كما صرح به جماعة (2)، بل
بالاجماع كما عن الخلاف والغنية والمنتهى (3)، للمستفيضة:
كصحيحة الحلبي: (إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم، فإن ذرعه
القئ من غير أن يتقيأ فليتم صومه) (4)، وقريبة منها الأخرى (5).

(1) مشارق الشموس: 413.
(2) انظر مشارق الشموس: 410، والحدائق 13: 147.
(3) الخلاف 2: 178، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المنتهى 2: 567.
(4) الكافي 4: 108 / 1، التهذيب 4: 264 / 790، الوسائل 10: 87 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 29 ح 3. وذرعه القئ، أي سبقه وغلبه - الصحاح 3:
1210.
(5) الكافي 4: 108 / 2، التهذيب 4: 264 / 791، الوسائل 10: 86 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 29 ح 1.
256

وموثقة مسعدة: (من تقيأ متعمدا وهو صائم فقد أفطر وعليه الإعادة،
فإن شاء الله عذبه، وإن شاء غفر له، ومن تقيأ وهو صائم فعليه القضاء) (1).
وبمعناها موثقة سماعة (2)، ومرسلة ابن بكير (3)، والمروي في كتاب
علي بن جعفر (4).
وموجب للكفارة على الأظهر، لكونه مفطرا كما في الأخبار (5)،
والافطار يوجب الكفارة كما مر.
خلافا في الأولين للسيد والحلي (6)، للأصل، والصحيح الحاصر.
وصحيحة ابن ميمون: (ثلاثة لا يفطرن الصائم: القئ، والاحتلام،
والحجامة) (7).
ورواية ابن سنان: عن الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشئ من
الطعام، أيفطره ذلك؟ قال: (لا) قلت: فإن ازدرده بعد أن صار على لسانه
قال: (لا يفطره ذلك) (8).

(1) التهذيب 4: 264 / 792، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.
(2) الفقيه 2: 69 / 291، التهذيب 4: 322 / 991، الوسائل 10: 87 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 29 ح 5.
(3) التهذيب 4: 264 / 793، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 7.
(4) مسائل علي بن جعفر: 117 / 55، الوسائل 10: 89 أبواب ما يمسك عنه
الصائم ب 29 ح 10.
(5) الوسائل 10: 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29.
(6) السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، والحلي في
السرائر 1: 387.
(7) التهذيب 4: 260 / 775، الإستبصار 2: 90 / 288، الوسائل 10: 80 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 26 ح 11.
(8) التهذيب 4: 265 / 796، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29
ح 9.
257

والأول: مندفع بما مر.
والثاني: مخصص به.
والثالث: مقيد به، لاطلاقه بالنسبة إلى العمد وغيره، وهو أولى من
حمل أخبارنا على الاستحباب، لتقدم التخصيص على التجوز، مضافا إلى
منافاة قوله: (فإن شاء عذبه الله).
وكذا الرابع، على أن القلس لا يتعين أن يكون بمعنى القئ، لاحتمال
الجشاء، كما نص عليه في رواية سماعة: عن القلس - وهي الجشأة - يرتفع
الطعام من جوف الرجل من غير أن يتقيأ - إلى قال -: (ولا يفطر
صيامه) (1)، بل في الخلاص والمهذب تفسيره بها خاصة.
ولو تقيأ لا عن اختيار لم يبطل إجماعا، كما صرح به غير واحد (2)،
للأصل، والنصوص المتقدمة، وغيرها، كصحيحة معاوية: في الذي يذرعه
القئ وهو صائم، قال: (يتم صومه ولا يقضي) (3).
خلافا للإسكافي، إذا كان القئ عن محرم، فيكفر أيضا (4).
وهو - مع ندرته ومخالفته للاطلاقات - غير معلوم المستند.
وفي الثالث للأكثر (5)، للأصل، وتبادر الأكل والشرب من الافطار،
وجوابه قد مر.

(1) الكافي 4: 108 / 6، التهذيب 4: 264 / 794، الوسائل 10: 90 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 30 ح 3.
(2) كما في الحدائق 13: 149، والرياض 1: 314.
(3) الكافي 4: 108 / 3، الوسائل 10: 87 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 4.
(4) حكاه عنه في المختلف: 222.
(5) كما في الخلاف 1: 382، المهذب 1: 192، الحدائق 13: 147.
258

القسم الثاني
ما يجب اجتنابه ويوجب القضاء خاصة
وهو أمور ثلاثة:
الأول: نية الافطار، فإنها حرام في الواجب من الصوم، ومفسدة له
كما مر، وموجبة للقضاء، لوجوبه على كل من فسد صومه - غير ما استثني
كالمغمى عليه - إجماعا.
ولا تجب عليه كفارة، للأصل، وعدم صدق الافطار.
الثاني: ترك غسل الحيض أو النفاس والبقاء على تلك الحالة إذا
انقطع دمها قبل الفجر إلى الفجر، وفاقا للمشهور، لموثقة أبي بصير: (إن
طهرت بليل من حيضتها وتوانت أن تغتسل في رمضان حتى أصبحت،
عليها قضاء ذلك اليوم) (1)، والرواية مختصة بصوم رمضان فلا يبعد
التخصيص به.
الثالث: ترك المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال على الحق
المشهور، بل قيل: الظاهر أنه لا خلاف فيه (2).
لصحيحة ابن مهزيار: امرأة طهرت من حيضها أو من نفاسها في أول
يوم من شهر رمضان، ثم استحاضت فصلت وصامت من غير أن تعمل ما

(1) التهذيب 1: 393 / 1213، الوسائل 10: 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 21 ح 1.
(2) كما في الحدائق 13: 125.
259

تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، هل يصح صومها وصلاتها، أم
لا؟ فكتب عليه السلام: (تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله
كان يأمر فاطمة والمؤمنات من نسائه بذلك) (1)
ولا ضر تضمنها لما لا يقول به الأصحاب، ولا كونها مكاتبة،
ولا عدم صحة الرواية، ولا الحكم بالقضاء بالجملة الخبرية، التي هي في
[الوجوب] (2) غير صريحة، لعدم خروج الرواية - باشتمالها على ما لا يقول
به أحد - عن الحجية، وحجية المكاتبة والموثقة، سيما مع كونها بالشهرة
مجبورة، وإرادة [الوجوب] (3) من الجملة بقرينة قوله في الذيل: (يأمر
فاطمة) إلى آخره، مع أن لفظة (يأمر) كافية في ذلك.
والمحرم للصائم المبطل للصوم: هو ترك واحد من الأغسال التي
عليها في يوم الصوم أو قبله ليلا أو نهارا، ولا يبطل صوم يوم بترك غسل
المغرب الذي يتأخر عن ذلك اليوم.
والحكم مختص بالاستحاضة الكثيرة - لأنها المرادة من الموثقة،
فيبقى الباقي تحت الأصل - وبصوم رمضان، للأصل.

(1) الكافي 4: 36 / 6، الفقيه 2: 94 / 419، التهذيب 4: 310 / 937، الوسائل
10: 66 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 18 ح 1.
(2) في النسخ: الحرمة، والصحيح ما أثبتناه.
(3) في النسخ: الحرمة، والصحيح ما أثبتناه.
260

القسم الثالث
ما يحرم، ويجب اجتنابه، ولا يوجب قضاء ولا كفارة
وهي أمور ثلاثة:
الأول: الارتماس في الماء.
فإنه غير جائز في الصوم على الحق الموافق للأكثر (1)، بل لغير شاذ،
وعن الانتصار والغنية وظاهر الخلاف: الاجماع عليه (2).
لا للصحاح الأربع للحلبي (3) وحريز (4) ومحمد (5)، والروايات الثلاثة
لابني عمار (6) وسدير (7) والحناط والصيقل (8)، لقصور الكل عن إفادة

(1) كما في الحدائق 13: 133، والرياض 1: 306.
(2) الإنتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، الخلاف 2: 221.
(3) الكافي 4: 106 / 1، التهذيب 4: 203 / 587، الإستبصار 2: 84 / 258،
الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 7.
(4) الكافي 4: 106 / 2، التهذيب 4: 203 / 588، الإستبصار 2: 84 / 259،
الوسائل 10: 38 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 8.
(5) الكافي 4: 106 / 3، التهذيب 4: 204 / 591، الإستبصار 2: 84 / 260،
الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2، ولم نعثر على الصحيحة
الرابعة.
(6) التهذيب 4: 324 / 1000، الإستبصار 2: 84 / 263، الوسائل 10: 43 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.
(7) الكافي 4: 106 / 5، الفقيه 2: 71 / 307، الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك
عنه الصائم ب 3 ح 6.
(8) الكافي 4: 106 / 6، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 4.
261

الحرمة، لمكان الجملة الخبرية.
ولا للخصالي المتقدم في الكذب (1)، لتضمنه الافطار به، فيعارض
قوله في رواية ابن عمار (ليس عليه قضاء).
ولا للصحيح الحاصر (2)، حيث إن نقص الثواب والكمال ليس ضررا
عرفا، لمنع عدم كونه ضررا إذا كان النقص عما تقتضيه طبيعة العمل الذي
يأتي به.
بل للرضوي المتقدم (3) من جهة الأمر بالاتقاء وإن تضمن الافطار
أيضا، ولكنه غير ضائر.
والآخر: (أدنى ما يتم به فرض الصوم العزيمة، وترك الكذب على
الله وعلى رسوله، ثم ترك الأكل، والشرب، والنكاح، والارتماس في الماء،
فإذا تمت هذه الشروط على ما وصفناه كان مؤديا لفرض الصوم، مقبولا
منه) (4)، وضعفهما - بعد الانجبار - غير ضائر.
خلافا للمحكي عن التهذيب والعماني والحلي وأحد قولي السيد،
فقالوا بكراهته (5).
للأصل، لعدم إفادة الأخبار المعتبرة زائدا عنها، وضعف ما يفيد
الزائد للسند أو المعارض.

(1) راجع ص: 240.
(2) الفقيه 2: 67 / 276، التهذيب 4: 202 / 584، الإستبصار 2: 84 / 261،
الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
(3) في ص: 241.
(4) فقه الرضا (ع): 203، مستدرك الوسائل 7: 322 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 2 ح 1.
(5) التهذيب 4: 209 / ذيل حديث 605، حكاه عن العماني في المختلف: 218،
الحلي في السرائر 1: 377، السيد في الإنتصار: 63.
262

ورواية ابن سنان: (يكره للصائم أن يرتمس في الماء) (1).
وجواب الأول ظاهر مما مر.
ويرد الثاني بأعمية الكراهية من الحرمة لغة، وفي عرف الشارع.
وليس مبطلا ولا يجب به قضاء ولا كفارة، وفاقا للاستبصار والمعتبر
والمنتهى والمختلف والتحرير والتذكرة والارشاد (2)، للأصل السالم عما
يصلح للمعارضة.
وخلافا لجماعة (3)، بل نسب إلى المشهور (4)، بل عن الانتصار
والغنية الاجماع عليه (5)، فأوجبوا عليه القضاء والكفارة، له، ولعده في
الخصال والرضوي من المفطرات الموجبة لهما بالعمومات.
ويدفع الأول بعدم الحجية.
والثاني بلزوم الحمل على نوع من التجوز، بقرينة نفي القضاء عنه في
رواية ابن عمار.
ولصريح الحلبي، واحتمال القواعد وظاهر النافع، فأوجبوا القضاء
خاصة (6)، ولعله لعدم ثبوت الزائد على القضاء من المفطرية. وجوابه
ظاهر.

(1) التهذيب 4: 209 / 606، الإستبصار 2: 84 / 262، الوسائل 10: 38 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 3 ح 9.
(2) الإستبصار 2: 85، المعتبر 2: 657، المنتهى 2: 565، المختلف: 218،
التحرير 1: 78، التذكرة 1: 258، الإرشاد 1: 297.
(3) انظر النهاية: 154، الحدائق 13: 136.
(4) كما في الدروس 1: 274.
(5) الإنتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.
(6) الحلبي في الكافي في الفقه: 183، القواعد 1: 64، النافع: 66.
263

فروع:
أ: المحرم هو غمس الرأس في الماء وإن خرج البدن، لأنه معنى
الارتماس، والرقبة خارجة عنه وإن أدخلوها فيه في باب الغسل، لعلة غير
جارية هنا، فلا يشترط حصول المحرم بإدخال الرقبة أيضا.
نعم، يشترط غمس جميع الرأس، لعدم صدق الارتماس برمس
البعض، فلا حرمة في رمس النصف الأعلى أو الأسفل أو أكثر منه، ولو
اشتمل على جميع المنافذ، وخرجت منابت الشعر، هكذا قيل (1).
وفيه: أن الرمس هو الغمس لا غمس الرأس، فالارتماس الوارد في
الأخبار هو غمس الشخص في الماء.
نعم، لا يتحقق هو عرفا إلا بغمس الرأس، لا أنه يتحقق بغمس
الرأس خاصة.
نعم، ورد - في بعض الأخبار الغير الناهضة للحرمة - النهي عن رمس
الرأس.
ب: يشترط في الحرمة رمس الجميع دفعة - أي مجتمعا في وقت -
فلو رمس بعضه في زمان وبعضه في زمان آخر بعد إخراج الأول لم يكن
محرما، لعدم كونه ارتماسا، وهذا مراد من قال: تشترط الدفعة الواحدة (2)،
دون أن يكون ما يقابل التدريج، ولو أراد ذلك لم يكن دليل على اعتباره أصلا.
ج: مقتضى الأصل اختصاص الحكم بالرمس في الماء، لاختصاص
النص به، فلا حرمة في الرمس في غيره من المائعات ولو كان من قبيل ماء الورد.

(1) انظر المدارك 6: 50.
(2) انظر الحدائق 13: 138.
264

د: هل الحكم مختص بما إذا أدخل رأسه في الماء، أو يشمل ما إذا
صب الماء على رأسه بحيث يستر جميعه في زمان؟
الظاهر: الأول، لعدم معلومية صدق الارتماس على الثاني.
وظاهر بعض الأجلة: الشمول، بل هو صريحه، حيث قال: وفي
حكمه صب ما يغمر الرأس عليه دفعة.
ه‍: أكثر الأخبار الواردة في المقام - بل جميعها - وإن كانت مطلقة
شاملة للصوم الفرض والندب، إلا أنها لعدم نهوضها لاثبات الحرمة - سوى
الرضوي المتوقفة حجيته على الانجبار الغير المعلوم في النافلة - يكون
الحكم مقصورا على الفريضة، كما في الكفاية (1).
مضافا إلى قوله: (أدنى ما يتم به فرض الصوم) وقوله: (واتق) (2)
الدال على الوجوب الواقعي المنتفي في النافلة، إلا أن يمنع عدم إمكان
الوجوب الواقعي في النافلة، لم لا يجوز أن يحرم شئ في صيام النافلة مع
كونه صائما - كقول: (آمين) في الصلاة النافلة - ولا يلزم من جواز قطع
النافلة جواز كل أمر فيه أيضا.
ومنه يظهر إمكان تمامية دلالة قوله في الصحيح الحاصر: (لا يضر) (3)
أيضا.
إلا أن الأول ضعيف غير مجبور.
والثاني مجرد إمكان غير مفيد، لجواز كون الضرر نقصان الثواب عما
تقتضيه طبيعة كلفة الصائم، فإنه ضرر عرفا، وأي ضرر بعد تحمل مشقة

(1) كفاية الأحكام: 47.
(2) المتقدم في ص: 252.
(3) المتقدم في ص: 225.
265

الصوم؟!
و: لو ارتمس في غسل مشروع واجب أو مندوب مع الصوم
الواجب، عمدا، يكون غسله فاسدا، للنهي عن جزئه ولو لأجل أمر آخر
وراء الغسل، كما بينا في محله.
ومنع كونه جزا له - وإنما جزؤه إيصال الماء إلى الرأس، ولا شك أن
كل جز فرض فرمسه في الماء مباح، وإنما الحرام جمع الكل فيه، وهو
ليس جز الغسل في شئ، كما قاله بعض الأجلة (1) - فغير جيد، لأنه إنما
يتم في الغسل الترتيبي دون الارتماسي.
ولو نسي الصوم أو حرمة الرمس له صح الغسل، لعدم تعلق النهي
بالناسي، وكذا الجاهل الساذج دون المقصر.
الثاني: الاحتقان بالمائع.
فإنه محرم، وفاقا للسيد - حتى في الجمل - والشيخين ووالد الصدوق
والحلي والقاضي والحلبي والفاضلين والشهيدين (2)، بل الأكثر كما صرح به
جماعة (3)، بل بالاجماع كما عن الناصريات والخلاف والغنية (4).
لصحيحة البزنطي: عن الرجل يحتقن تكون به العلة في شهر

(1) نقله عن بعض الأفاضل في غنائم الأيام: 401.
(2) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، المفيد في المقنعة:
344، الطوسي في المبسوط 1: 272، حكاه عن والد الصدوق في المختلف:
221، الحلي في السرائر 1: 378، القاضي في شرح الجمل: 185، الحلبي في
الكافي: 183، المحقق في الشرائع 1: 192، العلامة في المنتهى 2: 567،
الشهيد في الدروس 1: 275، الشهيد الثاني في المسالك 1: 71.
(3) كما في الحدائق 13: 145، والرياض 1: 306.
(4) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 213، الغنية (الجوامع
الفقهية): 571.
266

رمضان، فقال: (الصائم لا يجوز له أن يحتقن) (1).
والرضوي: (لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا ولا أن يسعط
ولا أن يحتقن) (2).
وفي دلالة الأخير نظر، لجمعه بين ما لا يحرم والاحتقان بلفظ واحد،
ولكن الأول كاف في المطلوب.
ولا بأس بالجامد، وفاقا للأكثر (3)، بل ظاهر الغنية الاجماع عليه (4)،
وفي الكشف نفي الخلاف عنه (5).
لموثقة ابن فضال: ما تقول في اللطف يستدخله الانسان وهو صائم؟
فكتب: (لا بأس بالجامد) (6)، وبها تخصص الصحيحة، مع أن المتبادر منها
- أو القدر المتيقن - هو المائع.
ولا يوجب شئ منهما قضاء ولا كفارة، وفاقا لجمل السيد - حاكيا
عن قوم - والمعتبر والنهاية والاستبصار والسرائر والمنتهى والنافع
والمسالك والمدارك والروضة (7)، وجمع ممن تأخر (8)، للأصل.

(1) الكافي 4: 110 / 3، التهذيب 4: 204 / 589، الإستبصار 2: 83 / 256،
الوسائل 10: 42 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 4.
(2) فقه الرضا (ع): 212، مستدرك الوسائل 7: 320 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 6 ح 1.
(3) كما في الشرائع 1: 192، والحدائق 13: 145.
(4) الغنية (الجوامع الفقهية): 571.
(5) كشف الرموز 1: 281.
(6) التهذيب 4: 204 / 590، الإستبصار 2: 83 / 257، الوسائل 10: 41 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 5 ح 2. والتلطف: هو إدخال الشئ في الفرج مطلقا - مجمع
البحرين 5: 121.
(7) المعتبر 2: 679، النهاية: 156، الإستبصار 2: 84، السرائر 1: 378، المنتهى
2: 567، النافع: 67، المسالك 1: 71، المدارك 6: 64، الروضة 2: 92.
(8) كما في الذخيرة: 500، والرياض 1: 307.
267

خلافا في الأول للمحكي عن الإسكافي، فقال باستحباب الامتناع عن
الحقنة (1)، ونسب إلى جمل السيد أيضا (2)، ولكن نسب بعض آخر إليه
الحرمة (3)، وكلامه فيه يحتمل الأمرين، للأصل، وصحيحة علي: عن الرجل
والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ قال: (لا بأس) (4).
والأصل مزال بما مر. والصحيح ليس بحجة، لمخالفته لعمل القدماء،
بل الاجماع، مع أن المتبادر من استدخال الدواء - كما قيل - الجامد (5).
وفي الثاني للمحكي عن الصدوقين في الرسالة والمقنع (6) والمفيد
والناصريات (7) - نافيا عنه الخلاف - والحلبي والمعتبر، حيث أطلقوا عدم
جواز الحقنة ولم يفصلوا (8) مع احتمال تخصيصهم الحقنة بما يكون بالمائع
- كما هو المتبادر - فينتفي الخلاف.
وكيف كان، فلا دليل لهم سوى إطلاق الاحتقان، اللازم تقييده
بالموثقة المتقدمة.
وفي الثالث للناصريات، نافيا فيه الخلاف عنه (9)، وجمل
الشيخ والاقتصاد والمبسوط (10) والخلاف مدعيا فيه الاجماع عليه

(1) حكاه عنه في المختلف: 221.
(2) كما في الحدائق 13: 144.
(3) كما في المختلف: 221.
(4) الكافي 4: 110 / 5، التهذيب 4: 325 / 1005، قرب الإسناد: 230 / 898،
الوسائل 10: 41 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 5 ح 1.
(5) الرياض 1: 306.
(6) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 221، المقنع: 60.
(7) المفيد في المقنعة: 344، الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.
(8) الحلبي في الكافي: 183، المعتبر 2: 659.
(9) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.
(10) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 213، الإقتصاد: 288، المبسوط 1: 272.
268

كالغنية (1)، والقاضي والحلبي (2)، وموضع من القواعد والشرائع والتحرير
والارشاد والمختلف والدروس، فأوجبوا فيه القضاء خاصة (3)، بل في
الناصريات عن قوم إيجاب القضاء والكفارة أيضا.
للاجماع المنقول.
وشباهته الاغتذاء.
ونفي جوازه للصائم في الصحيح، فيكون لأجل الصوم، لأن تعليق
الشئ بالوصف يشعر بالعلية، فتكون بين الصوم والاحتقان - الذي هو
نقيض المعلول - منافاة، وثبوت أحد المتنافيين يستلزم نفي الآخر، وذلك
يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان، فيوجب القضاء.
ويضعف الأول: بعدم الحجية.
والثاني: بأنه قياس مع الفارق.
والثالث: بأن نقيض المعلول إنما هو جواز الاحتقان لا نفسه، واللازم
منه انتفاء الصوم عند جوازه، وهو ممنوع.
الثالث: مس النساء وقبلتهن وملاعبتهن مع خوف سبق المني وعدم
الوثوق بعدمه، كما يأتي بيانه في بحث المكروهات.
فروع:
أ: الحرمة إنما هي إذا لم يكن الاحتقان ضروريا وإلا فيباح، لأن

(1) الخلاف 2: 213، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.
(2) القاضي في شرح الجمل: 185، الحلبي في الكافي: 183.
(3) القواعد 1: 64، الشرائع 1: 192، التحرير 1: 80، الإرشاد 1: 296،
المختلف: 221، الدروس 1: 272.
269

الضرورات تبيح المحظورات، والعلة المذكورة في الصحيحة الأولى
محمولة على ما لا يبلغ حد الضرورة.
ب: يجوز تقطير الدواء في الأذن على الحق المشهور، للأصل،
والمستفيضة من الأخبار بلا معارض. نعم، يكره، للرضوي.
ج: يجوز صبه في الإحليل، وكذا السعوط به، للأصل.
ويكره السعوط، للرضوي المتقدم، ويأتي تفصيله.
270

القسم الرابع
ما لا يحرم ويوجب القضاء والكفارة معا
وهو أمر واحد، وهو:
تسبيب الانزال بلمس المرأة أو تقبيلها بدون قصد الانزال معه
ولا اعتياده.
أما الجواز حينئذ فبالاجماع، ولأنه لو لم يقصد الانزال ولم يعتده
لا وجه للحرمة أصلا، ومجرد احتمال الانزال غير كاف، بل قد ينزل مع
عدم احتماله أيضا، ولو حرم ذلك حرم لمس المرأة للصائم مطلقا، وهو
خلاف الضرورة.
وأما إيجابه القضاء والكفارة فقد مر بيانه في الأمر الرابع من القسم
الأول مفصلا (1).

(1) راجع ص: 240.
271

القسم الخامس
ما لا يحرم ويوجب القضاء خاصة
وهي أمور:
الأول: دخول الماء في الحلق لا عن عمد في غير مضمضة وضوء
الفريضة.
وبيان المقام: أنه لو أدخل الماء في فمه فدخل حلقه، فإن أدخل
الحلق عمدا فلا خلاف ولا إشكال في حرمته وإفساده.
وإن سبقه لا عن تعمد، فإن كان الادخال في الفم للمضمضة لصلاة
الفريضة لم يبطل به الصوم إجماعا محققا ومحكيا في كثير من العبارات
بخصوصه، أو في ضمن مطلق الصلاة، أو الطهارة، كما تأتي إليه الإشارة،
ونفى عنه الخلاف والاشكال في الحدائق (1).
له، وللأصل السالم عن المعارض، والمعتبرة من الأخبار، المصرحة
بعدم القضاء في سبق الماء إلى الحلق في المضمضة مطلقا، كموثقة
الساباطي: عن الرجل يتمضمض فيدخل في حلقه الماء وهو صائم، قال:
(ليس عليه شئ إذا لم يتعمد ذلك) (2).
أو في مضمضة الوضوء، كموثقة سماعة: عن رجل عبث بالماء
يتمضمض به من عطش فدخل حلقه، قال: (عليه القضاء، وإن كان في

(1) الحدائق 13: 87.
(2) التهذيب 4: 323 / 996، الوسائل 10: 72 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 5.
272

وضوء فلا بأس) (1).
أو في المضمضة في وقت الفريضة، كرواية يونس: في الصائم:
(وإن تمضمض في وقت فريضة فدخل الماء حلقه فلا شئ عليه، وإن
تمضمض في غير وقت فريضة فدخل الماء حلقه فعليه الإعادة) (2).
أو في المضمضة لوضوء الفريضة خاصة، كصحيحة الحلبي: في
الصائم يتوضأ للصلاة فيدخل الماء حلقه، قال: (إن كان وضوئه لصلاة
فريضة فليس عليه قضاء، وإن كان وضوئه لصلاة النافلة فعليه القضاء) (3).
ولا تعارضها رواية المروزي المتقدمة، المتضمنة للافطار بمطلق
المضمضة (4)، لأن إطلاقها خلاف الاجماع، فيجب الرجوع إلى تخصيص
أو تجوز، وبابهما واسع لا ينحصر فيما ينافي المسألة.
وإن كان في غير مضمضة وضوء الفريضة، فالحق: بطلان الصوم به
مطلقا وإن كان لوضوء نافلة أو تداو أو تطهير الفم أو غسله من الطعام،
وفاقا للحدائق (5)، وظاهر الدروس (6)، بل طائفة من الأصحاب كما حكاه في
التهذيب (7)، لاطلاق رواية يونس بالقضاء في غير وقت الفريضة، ولا ينافيه

(1) الفقيه 2: 69 / 290، التهذيب 4: 322 / 991، الوسائل 10: 71 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.
(2) الكافي 4: 107 / 4، التهذيب 4: 205 / 593، الإستبصار 2: 94 / 304،
الوسائل 10: 71 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 3.
(3) الكافي 4: 107 / 1 مع اختلاف في السند، التهذيب 4: 324 / 999، الوسائل
10: 70 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 1.
(4) راجع ص: 217.
(5) الحدائق 13: 90.
(6) الدروس 1: 274.
(7) التهذيب 4: 205 بعد حديث 593.
273

إطلاقها في نفيه في وقت الفريضة، لأن التعليق على الوصف دال على
عليته.
ويؤيد الاطلاق فحوى إثبات القضاء لوضوء النافلة في صحيحة
الحلبي، وتدل عليه - في بعض أفراد المطلوب - موثقة سماعة وصحيحة
الحلبي. وبما ذكر يقيد إطلاق موثقة الساباطي، لكونه أعم مطلقا مما ذكر.
ولا يوجب كفارة أصلا، للأصل السالم عن المعارض، سوى رواية
المروزي المثبتة لها في التمضمض مطلقا، ولا قائل به، سيما مع معارضتها
لما هو أكثر منها وأقوى وأخص، فيجب تقييدها بما إذا بلع الماء عمدا.
خلافا لمن نفى القضاء في تمضمض الوضوء للصلاة مطلقا،
كالتهذيب والخلاف والمنتهى (1)، بل في الأخيرين الاجماع عليه.
أو في التوضؤ كذلك، كصريح جمع (2).
أو في الطهارة كذلك، كما عن الانتصار والسرائر والغنية (3)، بل عن
الثلاثة الاجماع عليه.
للأصل، والمنقول من الاجماع، وموثقة سماعة منطوقا في مطلق
الوضوء، وفحوى في الطهارة.
ويرد أولها بما مر من الدافع. وثانيها: بعدم الحجية. وثالثها: بكونه
أعم مطلقا من صحيحة الحلبي، بل رواية يونس، فيجب تخصيصها بهما.
ولمن نفاه فيما إذا كانت المضمضة للتداوي أو إزالة النجاسة أو غسل
الفم من الطعام، كبعضهم.

(1) التهذيب 4: 214 / ذ. ح 620، الخلاف 2: 215، المنتهى 2: 579.
(2) انظر الرياض 1: 314.
(3) الإنتصار: 64، السرائر 1: 375، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.
274

لكونه مأذونا في الفعل من الله عز وجل، غير متعمد بالابتلاع.
وضعفه ظاهر، لأن الجواز لا يستلزم عدم كونه مفطرا بعد دلالة
النصوص عليه.
ولعدم انصراف الاطلاقات إليه.
وفيه منع واضح، بل في انصرافها إلى العبث ونحوه خفاء ظاهر.
ولمن أثبت الكفارة فيما إذا كانت المضمضة لغير الصلاة، كما في
التهذيب (1)، ولا دليل تاما له.
ولا يلحق الاستنشاق بالمضمضة على الأقوى، فلو سبق فيه الماء إلى
الحلق لم يفطر أصلا، للأصل، واختصاص الموجب بالمضمضة.
خلافا لطائفة (2)، لاتحادهما في المعنى.
وفيه: أنه راجع جدا إلى القياس الفاسد عندنا، لعدم معلومية المعنى
الموجب قطعا، وإن كان الأحوط الإعادة معه في غير استنشاق وضوء
الفريضة.
الثاني: معاودة النوم جنبا ليلا مستمرا نومه إلى الفجر، فإنها موجبة
للقضاء وإن لم تكن محرمة، ولا كفارة فيها وإن تصاعدت أيضا، وهي المراد
من النومة الثانية فصاعدا، وأما الأولى فلا بأس بها، ولا إبطال للصوم فيها.
كل ذلك مع احتمال الانتباه قبله وعدم العزم على ترك الاغتسال، وأما
مع عدم الاحتمال أو العزم على تركه فهو بقاء على الجنابة عمدا، فهو حرام
يجب به القضاء والكفارة سواء فيه الأولى أو غيرها، فهذه أحكام خمسة:

(1) التهذيب 4: 214.
(2) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 571، مجمع الفائدة والبرهان 5: 119، الرياض
1: 315.
275

الأول: عدم حرمة النومة الثانية، للأصل، وعدم دليل على حرمتها،
وعدم العلم بكونها سببا لبطلان الصوم، إذ لعله ينتبه ويغتسل.
ومال بعضهم إلى الحرمة (1)، للفظ العقوبة في الصحيحة (2).
وفيه نظر، لأن بمثل تلك العقوبة لا تثبت الحرمة.
الثاني: إيجابها للقضاء، وهو المشهور بين الأصحاب، واستفاض
عليه نقل الاجماع (3)، وتدل عليه صحيحتا معاوية بن عمار، وابن أبي
يعفور، والرضوي، المؤيدة بفتوى الأصحاب وحكايات الاجماع..
الأولى: الرجل يجنب أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر
رمضان، قال: (ليس عليه شئ)، قلت: فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح،
قال: (فليقض ذلك اليوم عقوبة) (4).
والثانية: الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى
يصبح، قال: (يتم صومه ويقضي يوما، وإن لم يستيقظ حتى يصبح أتم
يومه وجاز له) (5).
والثالثة: (إذا أصابتك جنابة في أول الليل فلا بأس بأن تنام متعمدا
وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر، فإن غلبك النوم حتى تصبح فليس
عليك شئ، إلا أن تكون انتبهت في بعض الليل ثم نمت وتوانيت وكسلت

(1) كما في المسالك 1: 71.
(2) كما في التهذيب 4: 212 / 615، الإستبصار 2: 87 / 271، الوسائل 10: 61
أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1.
(3) كما في المنتهى 2: 566.
(4) التهذيب 4: 212 / 615، الإستبصار 2: 87 / 271، الوسائل 10: 61 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 15 ح 1.
(5) التهذيب 4: 211 / 612، الإستبصار 2: 86 / 269، الوسائل 10: 61 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 15 ح 2.
276

فعليك صوم ذلك اليوم وإعادة يوم آخر مكانه، وإن تعمدت النوم إلى أن
تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم والكفارة) (1).
وبتقييد تلك الأخبار تقيد إطلاقات القضاء بالنوم مطلقا، كصحيحة
البزنطي وروايتي المروزي وابن عبد الحميد المتقدمة (2)، وصحيحة محمد:
عن الرجل تصيبه الجنابة في شهر رمضان ثم ينام قبل أن يغتسل، قال:
(يتم صومه ويقضي ذلك اليوم) (3)، مع أن الأخيرة غير دالة على الوجوب.
والثالث: عدم إيجابها الكفارة، وهو في النومة الثانية مذهب
الأصحاب كما قيل (4)، وفيما فوقها محكي عن المعتبر والمنتهى (5)، وجمع
من متأخري المتأخرين (6).
ودليله: الأصل الخالي عما يصلح للمعارضة، إذ ليس إلا روايتي
المروزي وابن عبد الحميد المتقدمتين، وهما وإن كانتا شاملتين للمورد أيضا
- ولم يضر خروج النومة الأولى عنهما لدليل، ولم يوجب ذلك تخصيصهما
بالمتعمد خاصة، بل مقتضى القاعدة إبقاؤهما فيما عدا الأولى على حالهما -
إلا أنهما معارضتان مع الأخبار النافية للشئ، والمصرحة بعدم الافطار
بذلك بقول مطلق، كالروايات المذكورة في حكم البقاء على الجنابة (7)،

(1) فقه الرضا (ع): 207، مستدرك الوسائل 7: 330 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 9 و 10 ح 1 و 1.
(2) جميعا في ص: 233.
(3) الكافي 4: 105 / 2، التهذيب 4: 211 / 613، الإستبصار 2: 86 / 270،
الوسائل 10: 62 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 15 ح 3.
(4) انظر المدارك 6: 60.
(5) المعتبر 2: 675، المنتهى 2: 577.
(6) منهم صاحب الذخيرة: 499، وصاحب الحدائق 13: 127.
(7) راجع ص: 276.
277

خرجت عنها صورة التعمد كما مر هناك، فتبقى حجة في الباقي وتعارض
الروايتين، وهما وإن ترجحتا بالمخالفة للعامة، إلا أنها مترجحة بالأكثرية،
والأصحية، والموافقة للأصل، وبعضها بالأحدثية التي هي من المرجحات
المنصوصة.
والرابع: عدم إيجاب النومة الأولى لقضاء ولا كفارة، وهو موافق
فتوى الأصحاب (1)، وتدل عليه الصحيحتان، والرضوي، وبها تتقيد
الاطلاقات.
والخامس: اختصاص ما ذكر باحتمال الانتباه والعزم على الاغتسال،
وإن عزم على الترك فيجب القضاء والكفارة معا، وكان كتعمد البقاء على
الجنابة اتفاقا كما قيل (2)، لاطلاق ما دل على بطلان الصوم بالنوم إلى الفجر
مطلقا، أو متعمدا كصحيحة البزنطي، وذيل الرضوي.
ولا تضر المعارضة مع إطلاق ما دل على صحته في النومة الأولى أو
مطلق النوم، لترجيح الأول بمخالفة العامة، مع التأيد بمفهوم الحال في
صدر الرضوي المنجبر، الذي هو أخص مطلقا منهما.
وإن لم يعزم على شئ من الطرفين فهو كالعزم على الترك عند
المحكي عن جماعة (3)، للاطلاقات المذكورة.
وذهب بعض مشايخنا إلى أنه كالعزم على الاغتسال، لمعارضتها مع
ما نفى القضاء في النومة الأولى بقول مطلق، ورجحانه بالأكثرية، والرجوع
إلى الأصول مع التكافؤ (4)، وهو كذلك.

(1) انظر الرياض 1: 306.
(2) انظر الرياض 1: 306.
(3) انظر المعتبر 2: 672.
(4) الرياض 1: 306.
278

ولا يضر مفهوم صدر الرضوي، إذ لعل المراد من المفهوم تعمد
الترك، كما ربما يفصح عنه قوله في الذيل: (وإن تعمدت النوم)، والمتبادر
منه العزم على البقاء على الجنابة، مع أن ضعفه يمنع من العمل به في غير
ما انجبر منه، والمقام منه.
وأما ما في المنتهى - من أن من نام غير ناو للغسل فسد صومه،
وعليه قضاؤه، ذهب إليه علماؤنا أجمع (1) - فظاهر استدلاله إرادة العزم على
الترك، حيث استدل بأن مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم،
وعدم إمكان الانتباه أو عدم اعتباره في حكم العزم على الترك، والوجه
ظاهر.
ثم إنه نسب الخلاف في الحكم الثاني إلى موضع من المعتبر (2)،
ولكنه قال في موضع آخر منه بمقالة الأصحاب (3)، كما في الشرائع
والنافع (4)، وهو صريح في رجوعه عنه، ولعله لذلك لم ينقل الأكثر منه
الخلاف، ولعل دليله مطلقات الفساد بالنوم، وجوابه ظاهر مما مر.
فرعان:
أ: لا خفاء في انسحاب الحكم الأخير في صوم غير رمضان مطلقا

(1) قال في موضع من المنتهى (2: 566): إذا أجنب ليلا ثم نام ناويا للغسل فسد
صومه وعليه قضاؤه. وقال في موضع آخر منه (ص 573): ولو أجنب ثم نام غير
ناو للغسل حتى طلع الفجر وجب عليه القضاء والكفارة، لأن مع النوم على ترك
الاغتسال يسقط اعتبار النوم ويصير كالمتعمد للبقاء على الجنابة.
(2) المعتبر 2: 655.
(3) المعتبر 2: 674.
(4) الشرائع 1: 190، النافع: 66.
279

حتى في قضائه، وإن كان مقتضى إطلاق صحيحتي ابن سنان المتقدمتين في
الفرع الأول من الأمر الخامس (1) بطلان القضاء، إلا أن الظاهر من صحته في
الأصل صحته في القضاء بالاجماع المركب، وأمر الاحتياط واضح.
وأما الحكم الأول فهو مخصوص بشهر رمضان - لاختصاص الأخبار
به - وقضائه، لاطلاق الصحيحتين.
وأما غيرهما - من الصيام الواجبة والمستحبة - فليس كذلك، بل يصح
الصوم مع النومة الثانية جنبا إلى الصبح، للأصل.
ب: ظاهر الروايات المتقدمة احتساب نومة الاحتلام من النومتين،
لأنها نوم، فيصدق على ما بعدها ما في الأخبار (2) من قوله: ثم نام، أو: ينام
حتى أصبح، أو: يصبح.. وأما قوله في الصحيحة الأولى: يجنب أول الليل
ثم ينام (3)، فلا يفيد أن ذلك النوم بعد التيقظ من نومة الاحتلام، بل يدل
على أنه بعد الجنابة، ولا شك أنه يصدق على تتمة النومة الأولى الواقعة بعد
الاحتلام.
نعم، لو صادف الاحتلام التيقظ - حتى لم يتأخر شئ من هذه النومة
عن الجنابة - لم يحسب ذلك من النومة الأولى، ولا تدل صحيحة العيص
الثانية المتقدمة في الأمر الخامس من القسم الأول (4) إلا على نفي البأس عن
النومة المتعقبة لنوم الاحتلام، لا على نفي القضاء.
الثالث: فعل المفطر والفجر طالع باستصحاب بقاء الليل، فإن من

(1) راجع ص: 248.
(2) راجع ص: 276.
(3) راجع ص: 276.
(4) راجع ص: 245.
280

فعل ذلك لم يرتكب محرما، ولا كفارة عليه، ويجب عليه القضاء وإتمام
اليوم إذا كان فعله من غير مراعاة الفجر، وإن كان معها فلا قضاء عليه،
بلا خلاف في أكثر تلك الأحكام، بل على بعضها الاجماع في طائفة من
عبارات الأصحاب (1).
ويدل على الأول: قوله سبحانه: (حتى يتبين) (2).
ورواية إسحاق: آكل في شهر رمضان بالليل حتى أشك، قال: (كل
حتى لا تشك) (3).
وموثقة سماعة: عن رجلين قاما تنظر إلى الفجر، فقال أحدهما: هو
ذا، وقال الآخر: ما أرى شيئا، قال: (فليأكل الذي لم يستبن له الفجر)
الحديث (4). مضافا إلى الأصل.
خلافا فيه للخلاف، فلم يجوز فعل المفطر مع الشك في دخول
الفجر (5)، قيل: لأدلة وجوب القضاء، والأمر بالامساك في النهار، الذي هو
اسم للنهار الواقعي، فيجب ولو من باب المقدمة (6).
ويرد بمنع دلالة لزوم القضاء على منع الفعل، لعدم التلازم بينهما،
ومنع الأمر بالامساك في النهار الواقعي، بل فيما تبين عند المكلف أنه النهار
كما مر.

(1) كما في الإنتصار: 65، الخلاف 2: 175.
(2) البقرة: 187.
(3) التهذيب 4: 318 / 969، الوسائل 10: 120 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 49 ح 1.
(4) الكافي 4: 97 / 7، الفقيه 2: 82 / 366، الوسائل 10: 119 أبواب ما يمسك
عنه الصائم ب 48 ح 1.
(5) الخلاف 2: 175.
(6) انظر الرياض 1: 312.
281

ومنه يظهر الجواز مع ظن دخول الفجر أيضا ما لم يكن ظنا معتبرا
شرعا، كأذان الثقة.
نعم، يجب القضاء في جميع الصور ما لم يراع، كما يأتي.
ويدل على الثاني: الأصل السالم عن المعارض.
وعلى الثالث: المستفيضة، كحسنة معاوية، بل صحيحته: آمر
الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا، فتقول: لم يطلع، فأكل، ثم أنظره فأجده
قد طلع حين نظرت، قال: (تتم يومك ثم تقضيه، أما إنك لو كنت أنت
الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه) (1). ولا يضر عدم دلالة قوله (يقضيه)
على الوجوب مع دلالة مفهوم آخر الحديث عليه.
وصحيحة الحلبي: عن رجل تسحر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر
وتبين، قال: (يتم صومه ذلك ثم ليقضه، فإن تسحر في غير شهر رمضان
بعد الفجر أفطر) (2) الحديث.
وموثقة سماعة: عن رجل أكل وشرب بعدما طلع الفجر في شهر
رمضان، فقال: (إن كان قام فنظر ولم ير الفجر فأكل ثم عاد فنظر فرأى
الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه، وإن كان قد قام فأكل وشرب ثم نظر إلى
الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه، وإن كان قد قام فأكل وشرب ثم نظر إلى
الفجر فرأى أنه قد طلع فليتم صومه وليقض يوما آخر) (3).

(1) الكافي 4: 97 / 3، الفقيه 2: 83 / 368 بتفاوت، التهذيب 4: 269 / 813،
الوسائل 10: 118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 46 ح 1.
(2) الكافي 4: 96 / 1، التهذيب 4: 269 / 812، الإستبصار 2: 116 / 379،
الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 1.
(3) الكافي 4: 96 / 2، الفقيه 2: 82 / 366، التهذيب 4: 269 / 811، الإستبصار
2: 116 / 378، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 44 ح 3.
282

ورواية علي بن أبي حمزة: عن رجل شرب بعدما طلع الفجر وهو
لا يعلم - في شهر رمضان - قال: (يصوم يومه ذلك ويقضي يوما آخر، وإن
كان قضاء لرمضان في شوال أو غيره فشرب بعد الفجر فليفطر يومه ذلك
ويقضي) (1)..
إلى غير ذلك، كصحيحة إبراهيم بن مهزيار (2)، ورواية العيص
والرضوي الآتيين (3).
والمذكور في تلك الروايات وإن كان الأكل والشرب والجماع، إلا أنه
يتعدى إلى غيرها من المفطرات بالاجماع المركب، وإطلاقها يشمل ما لو
كان الاستصحاب مع ظن بقاء الليل أو الشك.
وعلى الرابع - أي عدم وجوب القضاء مع مراعاة الفجر -: صريح
الحسنة والموثقة المتقدمتين، وبهما يقيد إطلاق بعض آخر، مع أن الظاهر
منه أيضا عدم المراعاة.
فروع:
أ: المراد بالمراعاة المسقطة للقضاء: هو تفحصه ونظره بنفسه، فلو
أخلد إلى إخبار الغير أو القرائن - كآلات الساعة ونحوها - لم يسقط القضاء،
سواء كان المخبر واحدا أو كثيرا، لاطلاق النصوص.
واستوجه الثانيان وصاحبا المدارك والذخيرة سقوط القضاء إن كان

(1) الكافي 4: 97 / 6، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 3.
(2) التهذيب 4: 318 / 970، الوسائل 10: 115 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 44 ح 2.
(3) في ص: 285، 286.
283

المخبر عدلين، لكونهما حجة شرعية (1).
وزاد بعض متأخري المتأخرين فقال بالاكتفاء بالعدل الواحد (2)،
للأصل، لاختصاص بعض الأخبار بإخبار الجارية، وبعض آخر بصورة عدم
إخبار الغير، ودلالة الاستقراء على الاعتماد على القول الواحد.
ويرد بمنع كون العدلين حجة شرعية بالاطلاق، لعدم ما دل عليها
كذلك، بل عدم فائدته لو كان أيضا، لأن كونهما حجة شرعية لا ينافي
وجوب القضاء معهما.
وأما القول بأنه يخصص بإخبار القضاء لو كان، فغير جيد، لأن
التعارض يكون حينئذ بالعموم من وجه، فيرجع إلى الأصل.
ومما ذكر يظهر فساد إطلاق الاعتماد على العدل أيضا، والاعتماد
عليه أو عليهما في بعض الموارد لا يوجب التعدي ولا يثبت استقراء.
وأما دعوى اختصاص الأخبار بصورة عدم إخبار الغير فممنوعة جدا،
بل يشمله وغيره مفهوما ومنطوقا.
ب: المشهور في كلام الأصحاب (3) - بل قيل: بلا خلاف أجده (4) -
تقييد وجوب القضاء مع عدم المراعاة بصورة إمكانها، فلو لم يتمكن منها
- لحبس أو عمى - لم يجب عليه القضاء مع تركها ومصادفة المفطر للفجر.
وقيل: إن الأحوط القضاء حينئذ (5).

(1) الشهيد الثاني في المسالك 1: 72، والمحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 65،
المدارك 6: 93، الذخيرة: 501.
(2) انظر الحدائق 13: 96.
(3) كما في الحدائق 13: 92.
(4) كما في الرياض 1: 311.
(5) كما في الحدائق 13: 94.
284

وهو كذلك، بل هو الأقوى، إلا أن يكون إجماع على خلافه،
لاطلاق الأخبار الدافع للأصل.
ودعوى اختصاص النصوص بصورة القدرة عليها - كما قيل (1) -
ممنوعة، واستنادها إلى التبادر وغيره لا وجه له، إذ التبادر غير مفهوم،
والمراد من غيره غير معلوم.
ج: لو علم عدم ترتب أثر على المراعاة - لغيم ونحوه - ومع ذلك
قام ونظر وأفطر، يسقط القضاء قطعا، للاطلاقات.
وهل يسقط حينئذ مع ترك النظر أيضا، أم لا؟
نعم، لأن من المعلوم أن المقصود من النظر ظهور عدم تبين الفجر،
والمفروض أنه حاصل، وأيضا علق عدم الإعادة في الموثقة على عدم رؤية
الفجر بعد النظر (2)، وهو يعلم أنه كذلك، فلا أثر للنظر.
والفرق بين تلك الصورة وصورة عدم القدرة على النظر: أن ثمرة
النظر حاصلة هنا، وهي عدم ظهور الفجر، دون صورة عدم القدرة، إذ لو
كان أمكن له النظر فلعل الفجر قد تبين.
د: لو أخبر بالطلوع، فظن كذبه وأكل من غير مراعاة، ثم ظهر
صدقه، فالحكم كما ذكر بعينه، لما مر كذلك.
وتدل على خصوص المسألة صحيحة العيص: عن رجل خرج في
رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت، فنظر إلى الفجر فناداهم، فكف
بعضهم، وظن بعضهم أنه يسخر فأكل، قال: (يتم صومه ويقضي) (3).

(1) في الرياض 1: 311.
(2) راجع ص: 270.
(3) الكافي 4: 97 / 4، الفقيه 2: 83 / 367 بتفاوت يسير، التهذيب 4:
270 / 814، الوسائل 10: 118 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 47 ح 1.
285

والرضوي: (ولو أن قوما مجتمعين سألوا أحدهم أن يخرج، ثم قال:
قد طلع الفجر، وظن أحدهم أنه يمزح، فأكل وشرب، كان عليه قضاء ذلك
اليوم) (1).
واستقرب الفاضل في المنتهى والتحرير والشهيدان (2) وغيرهم (3)
وجوب الكفارة بإخبار العدلين، ونفى بعض مشايخنا البعد عنه بإخبار
العدل أيضا (4).
وهو كذلك، بناء على ما ذكرنا في كتاب الصلاة من جواز التعويل
- بل وجوبه - على إخبار العدل في دخول الوقت.
ولا تنافيه الروايتان، لأن عدم ذكر الكفارة فيهما لا يدل على العدم،
مع أن المذكور فيهما ظن السخر والمزاح دون الخبر الواقعي، وإثبات
الكفارة في مثله مشكل، لأنه ليس خبرا بدخول الوقت عنده، بل يزعم عدم
إرادة المعنى الحقيقي من اللفظ.
ه‍: صرح جماعة - منهم الفاضل (5) وغيره (6) - باختصاص الحكم
المذكور بصوم شهر رمضان، فلو تناول المفطر في غيره فسد صومه وأفطر
يومه، واجبا كان معينا أو غير معين أو غير واجب، كان التناول قبل المراعاة
أم بعده.

(1) فقه الرضا (ع): 208، مستدرك الوسائل 7: 347 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 32 ح 1.
(2) المنتهى 2: 578، التحرير 1: 80، الشهيد في الدروس 1: 273، الشهيد
الثاني في المسالك 1: 72.
(3) الرياض 1: 311.
(4) انظر الحدائق 13: 97.
(5) في المنتهى 2: 577.
(6) كما في الرياض 1: 311.
286

وهذا الحكم في غير الواجب المعين واضح، والظاهر عدم خلاف فيه
أيضا، لاختصاص جميع روايات الحكم المذكور بصوم شهر رمضان، أو ما
يجب قضاؤه، وليس شئ من الواجب المطلق والمندوب كذلك، وعدم
معلومية صدق الصوم عليه، بل هو ليس بصوم لغوي ولا عرفي البتة. وأما
الشرعي فصدقه غير معلوم، وصحة الصوم شرعا في بعض ما ليس
بالصومين - كالناسي ونحوه - لا توجب الاطراد.
هذا، مضافا إلى التصريح به في صحيحة الحلبي (1)، ورواية ابن أبي
حمزة (2)، وموثقة إسحاق: يكون علي اليوم واليومان من شهر رمضان
فأتسحر مصبحا، أفطر ذلك اليوم وأقضي مكان ذلك اليوم يوما آخر أو أتم
على صوم ذلك اليوم وأقضي يوما آخر؟ فقال: (لا، بل تفطر ذلك اليوم،
لأنك أكلت مصبحا، وتقضي يوما آخر) (3).
وجميع ذلك يشمل المراعي وغيره ولا مقيد له، وما يفرق بين
المراعي وغيره مخصوص بغير ما ذكر.
وأما الواجب المعين - غير شهر رمضان - ففيه وجهان:
أحدهما: أنه كالواجب المطلق، لاختصاص أكثر روايات المسألة
- كموثقة سماعة، وصحيحة ابن مهزيار، وصحيحة الحلبي، ورواية ابن أبي
حمزة (4)، وصحيحة العيص (5) - بشهر رمضان، وإطلاق الصحيحة بلزوم
الافطار في التناول عند الفجر في غير رمضان.

(1) المتقدمة في ص: 269.
(2) المتقدمة في ص: 270.
(3) الكافي 4: 97 / 5، الوسائل 10: 117 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 45 ح 2.
(4) المتقدمة جميعا في ص: 269 و 270.
(5) المتقدمة في ص: 285.
287

والثاني: أنه كرمضان، لاطلاق الحسنة (1)، بل عمومها الناشي من
ترك الاستفصال، ورواية ابن أبي حمزة، على عطف قوله: (أو غيره) على
قضاء رمضان، ولعدم معلومية الفساد شرعا وإن فسد عرفا ولغة، فيجب
عليه الامساك مع المراعاة، تحصيلا لامتثال الأمر القطعي الغير المعلوم
فساده.
ولا يجب القضاء، لكونه بفرض جديد، وهو في المقام مفقود.
ولا يرد مثله في الواجب المطلق، بل الأمر فيه بالعكس، لأن أمره لعدم
توقيته بوقت باق، فلا بد من الخروج عن العهدة، ولا يحصل بمثل هذا
الصوم المشكوك في صحته وفساده.
والحق: هو الثاني.
لا لما مر من الاطلاق، لتعارض إطلاق الصحيحة مع إطلاق الحسنة
بالعموم من وجه.
والقول بظهور صدر الصحيحة في عدم المراعاة، لأن وجوب القضاء
في رمضان إنما يترتب على عدم المراعاة، فالكلام في عجزها جار على
هذا الوجه أيضا، ومثله الكلام في رواية ابن أبي حمزة وظهور الموثقة أيضا
في عدم المراعاة كما قاله في الحدائق (2).
فاسد جدا، لأن تخصيص جز من الحديث بمخصص خارجي
لا يوجب تخصيص حكمه الآخر أصلا، وظهور الموثقة لا وجه له،
فيحصل التعارض ويتحقق التساقط.
بل لما أشير إليه أخيرا من عدم معلومية فساد صوم اليوم،

(1) وهي حسنة معاوية المتقدمة في ص: 269.
(2) الحدائق 13: 94.
288

واستصحاب وجوب امتثال الأمر، الدال على وجوب هذا اليوم المعين،
وعدم دليل على القضاء مع عدم معلومية الفساد.
ولا يتوهم دلالة إطلاقات فساد الصوم بتناول المفطرات بعد الفجر
لمثل ذلك أيضا، فيفسد ويجب معه القضاء بأدلته، إذ لم نعثر على مثل
ذلك الاطلاق.. نعم، ورد ذلك في صيام شهر رمضان.
وأما أمثال قوله: (لا يضر الصائم إذا اجتنب أربع خصال) (1) وقوله:
(الكذبة تفطر الصائم) (2) فلا دلالة لها، لاجمال وقت عدم الاجتناب
والنقض، فلعله بعد تبين الفجر على الصائم، أو وقت كونه صائما، أو
وجوب الصوم عليه فيه، وكل ذلك قبل ظهور الفجر عليه ممنوع.
نعم، لو قال: الكذبة بعد الفجر تنقض، أو: إذا لم يجتنب بعد الفجر
أربع خصال يضر، لكان مفيدا، وأين مثل ذلك؟!
الرابع: الافطار بظن دخول الليل عند جماعة (3)، ولكن الأقوى عدم
وجوب القضاء فيه.
وتفصيل الكلام: أن الصائم المفطر من جهة دخول الليل إما يكون
عالما بدخول الليل، أو شاكا فيه، أو ظانا إياه.
فعلى الأول: لا إثم عليه، لتعبده بعلمه. ولا قضاء ولا كفارة وإن تبين
خطأه، للأصل الخالي عن المعارض، حتى إطلاقات فساد الصوم بتناول
المفطرات، لعدم ظهورها في مثل ذلك الشخص.
مضافا إلى فحوى ما يأتي من أدلة انتفاء القضاء بالافطار مع ظن

(1) راجع ص: 214.
(2) راجع ص: 240.
(3) انظر المنتهى 2: 578، والرياض 1: 313.
289

الليل، بل ظاهر صحيحة زرارة: (وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته
بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة، ومضى صومك وتكف عن الطعام إن
كنت قد أصبت منه شيئا) (1)، فإن المراد [إذا] (2) غاب بحسب علمك، وإلا
لم يكن معنى للرؤية بعده.
وعلى الثاني: يكون آثما، لعدم جواز نقض اليقين بالشك، وعليه
القضاء مع ظهور الخطأ، أو استمرار الشك، كما عن الخلاف والغنية
والنهاية والوسيلة والمنتهى والتذكرة (3)، بل عن الأولين الاجماع عليه،
لاطلاقات وجوب القضاء بتناول المفطرات في نهار رمضان متعمدا،
والمفروض منه، لأنه نهار شرعا.
بل الظاهر وجوب الكفارة أيضا، لما ذكر بعينه.
خلافا للمنتهى، حيث قوى انتفاءها بعدما تردد أولا (4)، للأصل،
ولعدم الهتك والإثم.
والأول مدفوع بما مر. والثاني بمنع عدمهما أولا، ومنع الملازمة ثانيا.
وأما ما في كلام كثير من الأصحاب - من نفي القضاء والكفارة بإفطار
للظلمة الموهمة - فالمراد منها: الموجبة للظن، كما فسره في الروضة (5)
وغيره (6). والسر في تخصيصها بالذكر - مع ذكر الافطار بظن الغروب

(1) الفقيه 2: 75 / 327، التهذيب 4: 271 / 818، الإستبصار 2: 115 / 376،
الوسائل 10: 122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 1.
(2) في النسخ: وقد، والصحيح ما أثبتناه.
(3) الخلاف 2: 175، الغنية (الجوامع الفقهية): 571، النهاية: 155، الوسيلة:
143، المنتهى 2: 579، التذكرة 1: 263.
(4) المنتهى 2: 579.
(5) الروضة 2: 93.
(6) كالحدائق 13: 104.
290

مطلقا - ورودها في الأخبار، حيث ورد فيها: (الافطار لغيم ونحوه) (1).
ولو ظهر الصواب مع الافطار في الشك يصح صومه ولا شئ عليه،
كما نص عليه في التذكرة (2)، للأصل، وظهور عدم صدق الافطار في النهار
الواقعي، فيكون نقضا لليقين باليقين الطارئ، وعدم ظهور إطلاقات القضاء
والكفارة في مثل ذلك.
والفرق - بين ذلك وبين ما لو صلى في الوقت مع الشك في دخوله،
وإلى القبلة من غير اجتهاد ممكن مع الشك فيها - ظاهر، لأن ابتداء العبادة
فيهما وقع في حال الشك فمنع الانعقاد، وانعقدت هنا على الصحة،
والشك في أنه هل طراء المفسد ثم تبين عدمه.
وعلى الثالث: فمع تبين الصواب لا شئ عليه، لما مر، ولفحوى ما
يأتي من أدلة نفي القضاء مع تبين الخطأ.
ومع تبين الخطأ ففيه وجوه، بل أقوال:
وجوب القضاء مطلقا، نسبه في الدروس إلى الأشهر (3)، وكذا عن
التذكرة (4)، ويظهر من الحدائق أنه مختار السيد والمفيد والحلبي والمنتهى
والمعتبر، حيث نسب إليهم القول بالوجوب مع خطأ الظن إذا لم يكن
طريق له إلى العلم (5).
لأصالة بقاء النهار مع مطلقات وجوب القضاء، وموثقة سماعة: في
قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فرأوا

(1) انظر الوسائل 10: 122 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51.
(2) التذكرة 1: 263.
(3) الدروس 1: 273.
(4) التذكرة 1: 263.
(5) الحدائق 13: 100.
291

أنه الليل فأفطر بعضهم، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس طلعت، فقال:
(على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إن الله عز وجل يقول: (ثم أتموا
الصيام إلى الليل)، فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنه أكل
متعمدا) (1).
وعدمه كذلك، وهو في المحكي عن الدروس والتذكرة القول
الآخر (2)، للأصل، والمستفيضة، كصحيحتي زرارة، إحداهما مرت (3)،
والأخرى: رجل ظن أن الشمس قد غابت فأفطر ثم أبصر الشمس بعد
ذلك، قال: (ليس عليه قضاء) (4).
وروايتي الكناني والشحام، الأولى: عن رجل صام ثم ظن أن الشمس
قد غابت وفي السماء غيم، فأفطر، ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم
تغب، فقال: (قد تم صومه ولا يقضيه) (5)، والثانية قريبة منها أيضا (6).
والتفصيل بالقضاء مع عدم المراعاة الممكنة، وعدمه مع المراعاة أو
عدم الامكان، اختاره في اللمعة (7)، وحكي عن المبسوط والاقتصاد
والجمل والفقيه والسرائر والوسيلة والمعتبر والمنتهى والتحرير والقواعد

(1) الكافي 4: 100 / 1، التهذيب 4: 270 / 815، الإستبصار 2: 115 / 377،
الوسائل 10: 121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1، والآية: البقرة: 187.
(2) الدروس 1: 273، التذكرة 263.
(3) في ص: 277.
(4) التهذيب 4: 318 / 968، الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 51 ح 2.
(5) الفقيه 2: 75 / 326، التهذيب 4: 270 / 816، الإستبصار 2: 115 / 374،
الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 3.
(6) الفقيه 2: 75 / 328، التهذيب 4: 271 / 817، الإستبصار 2: 115 / 375،
الوسائل 10: 123 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 51 ح 4.
(7) اللمعة (الروضة 2): 92.
292

والتبصرة والارشاد والجامع (1).
أما وجوب القضاء مع عدم المراعاة الممكنة، فللتفريط في ترك
الاستصحاب، وفحوى ما دل على وجوبه حينئذ، وإطلاق الموثقة، وعموم
ما دل في طرف الفجر على وجوبه بفعل أحد أسبابه في النهار ولو شرعا.
وأما الثاني، فلأن المرء متعبد بظنه حيث لا سبيل له إلى العلم،
والأصل، لعدم دليل على وجوب القضاء حينئذ، لاختصاص كثير مما دل
عليه من التفريط والفحوى ونحوهما بصورة القدرة على المراعاة، ولاطلاق
الصحيحين والخبرين، بل خصوص الأخيرين، لعدم إمكان المراعاة مع
تراكم السحاب، وعدم ترتب أثر عليها.
وبالقضاء مع الظن الحاصل من غير جهة الظلمة الموجبة لظن الليل
- مطلقا، كجماعة.. أو مع عدم المراعاة، كآخرين (2).. أو إلا إذا كان
حاصلا من إخبار العدلين، كالمحقق الثاني (3) - وعدمه مع الظن الحاصل من
جهتها.
ولا يبعد اتحاد ذلك مع التفصيل، حيث إن مع الظلمة الكذائية
لا سبيل إلى المراعاة وتحصيل العلم غالبا، وسبب تخصيصها بالذكر عليه
وقوعها وورودها في بعض الأخبار وإن لم يكن كذلك، فيكون التفصيل
بذلك لما ذكر من تعرض الأخبار له، فذكروا الظلمة وجعلوها قسمين:

(1) المبسوط 1: 271، الإقتصاد: 288، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 213،
الفقيه 2: 75 / 327، السرائر 1: 374، الوسيلة: 143، المعتبر 2: 677،
المنتهى 2: 578، التحرير 1: 80، القواعد 1: 64، التبصرة: 53، الإرشاد 1:
296، الجامع للشرائع: 157.
(2) كما في الروضة 2: 93.
(3) في جامع المقاصد 3: 65.
293

الموهمة لليل - أي الموجبة للوهم بمعنى الشك - والموجبة للظن، وجعلوا
القضاء في الأول واجبا دون الثاني، ومن نفى القضاء في الموهمة مطلقا
فمراده الموجبة للظن، فإن مثل الاستعمالين شائع في التراكيب جدا.
وبالجملة: دليل القضاء في الأول ما مر دليلا للقول الأول، مع ادعاء
نفي الخلاف فيه مع عدم المراعاة الممكنة.
ودليل عدمه في الثاني: بعض الأخبار المتقدمة (1).
أقول: أما القول الأول، فيرد على دليله الأول: أنه إنما يتم لولا
النصوص المذكورة المقيدة للمطلقات.
وعلى الثاني: عدم وضوح دلالته، إذ ليس فيه إلا الأمر بصيام ذلك
اليوم، ويمكن المراد إتمامه دفعا لتوهم أن ذلك الافطار مبيح له بعد ظهور
الخطأ أيضا.
ولا ينافيه الاستدلال بالآية الكريمة، بل يؤكده، لدلالتها على وجوب
الامساك إلى الليل مطلقا، أكل في الأثناء أم لا.
وكذا قوله عليه السلام: (فمن أكل) إلى آخره، فإنه يمكن أن يكون ابتداء
لحكم آخر، بل قوله في تعليله: (لأنه أكل متعمدا) يؤكد إرادة ما ذكرناه،
وإلا فالأكل بظن الغروب ليس أكلا متعمدا كما لا يخفى.
ولو سلمنا الدلالة فيعارض النصوص المتعقبة لها، فمع أنها أخص من
الموثق (2) - لاختصاصها بالظن وشمول قوله: رأوا، في الموثق كما قيل (3)
للشك أيضا - مرجوح بالنسبة إليها، باعتبار الموافقة للعامة كما في المنتهى (4).

(1) في ص: 277.
(2) وهو موثقة سماعة، المتقدمة في ص: 278.
(3) انظر المختلف: 224.
(4) المنتهى 2: 578.
294

وأما القول الثاني، فمع عدم صراحة صحيحته الأولى - لاحتمال إرادة
بطلان الصوم من مضيه، وكونها بعمومها الشامل لصور الوهم والشك والظن
شاذة، لعدم قائل بسقوط القضاء في الأوليين، واختصاص الروايتين بصورة
وجود الغيم، فلم تبق إلا الصحيحة الثانية، المعارضة للموثق المتقدم،
المرجوحة عنه بأحدثية الموثق وإن رجحت بالمخالفة المحكية للعامة - يرد
عليها: أنها بإطلاقها - الشامل لجميع أسباب الظن مع إمكان تحصيل العلم
أو المراعاة وعدمها - مخالفة للشهرة العظيمة، بل للاجماع، فلا تكون
حجة.
وأما القول الثالث، فيرد على دليله الأول على جزئه الأول: أن
مقتضى التفريط الإثم دون القضاء.
وعلى دليله الثاني عليه: منع الأولوية، لوجود الفارق، حيث إن ترك
الاستصحاب والعمل بظن الفجر في الأصل بدون المراعاة كان يوجب طرو
المفسد في كثير من الصيام، بخلافه في طرف الغروب، لأنه أندر وقوعا
بالنسبة إلى الأول كثيرا، والمنع عن حصول اليقين في الأول مطلوب،
وطرفه عديدة، فيسهل تناول المفطرات في مبادئ الفجر لأكثر الناس،
بخلاف الثاني.
وعلى دليله الثالث عليه: ما مر من قصور دلالة الموثقة.
وعلى دليله الرابع عليه: أن العموم لا يفيد مع وجود المخصص
كالصحيحين والخبرين، حيث إن مقتضاها انتفاء القضاء مع الظن الحاصل
بسبب الغيم ولو فرض إمكان المراعاة معه.
نعم - بناء على ما قلنا من اتحاد القولين وعدم إمكان المراعاة مع الغيم
أيضا - تتم دلالة العمومات على ذلك الجزء، لعدم مخصص له مع إمكان
295

المراعاة، سوى إحدى الصحيحتين المردود إطلاقها بالشذوذ ومخالفة
الشهرة.
وعلى دليله الأول على جزئه الثاني: منع تعبد المرء بظنه مع سد باب
العلم أولا، ومنع سده ثانيا، لحصوله بالصبر، وعدم دليل على وجوب
الصبر كما قيل، واستلزامه الحرج مردود بأن وجوب تحصيل العلم هو
الدليل.
وعلى دليله الثاني: أن بعض أدلة وجوب القضاء وإن لم يجر في
المورد إلا أن دليله التام - وهو العمومات - جارية فيه.
وعلى دليله الثالث: أن غير إحدى الصحيحتين أخص من
المطلوب.. نعم، تتم دلالة الصحيحة ولا شذوذ فيها مع هذا القيد.
وأما القول الرابع، فيظهر ما في دليله على الجزء الأول مما مر..
نعم، لا اعتراض على جزئه الأخير.
ثم ظهر من جميع ما ذكر حق المحاكمة بين هذه الأقوال، وأن القول
الفصل هو وجوب القضاء مع ترك المراعاة الممكنة وعدم السحاب
الموجب لظن الليل، وعدمه مع المراعاة أو عدم إمكانها أو وجود السحاب
المذكور.
أما الأول، فللعمومات الخالية عن المعارض، سوى الصحيحة
المردودة في المورد بالشذوذ، ومخالفة الشهرة، والمعارضة للموثقة - بل
الصحيحة - بسند آخر (1) في خصوص الظن الحاصل بالسحاب، المتعدي
إلى غيره بالاجماع المركب، المساوية لها في وجوه المرجحات، الموجب
للرجوع إلى العمومات، وإن أمكن رد ذلك بأن معارضة الموثقة مع

(1) المتقدمين في ص 290 و 291.
296

الخبرين المساويين لها في الأحدثية الراجحين عليها بمخالفة العامة أوجبت
طرحها، ومعه لا يفيد الاجماع المركب.
وأما الثاني، فللصحيحة المذكورة (1)، الخالية عن الشذوذ في المورد،
الموجبة لتخصيص العمومات، وللصحيحة الأخرى (2)، مع الخبرين (3) في
الظن الحاصل بالسحاب.. هذا كله، مع الموافقة للأصل، والاعتضاد
بالشهرة العظيمة.
ومنها تفصيل آخر لا دليل عليه أصلا، وهو إيجاب القضاء مع الظن
الضعيف ونفيه مع القوي، حكي عن الشيخ الحر في وسائله (4).
وهو أحد احتمالات كلام الحلي، حيث قال ما ملخصه: ومن ظن أن
الشمس قد غابت ولم يغلب على ظنه ذلك، ثم تبين الشمس، فالواجب
عليه القضاء، وإن كان مع ظنه غلبة قوية فلا شئ عليه، فإن أفطر لا عن
أمارة ولا ظن فيجب عليه القضاء والكفارة (5). انتهى.
وعلى هذا الاحتمال حمل كلامه في المسالك.
والاحتمال الآخر: أن يكون مراده من الظن: الشك، واستعماله بمعناه
في اللغة والعرف معروف، ويكون مراده بغلبة ظنه: الرجحان، الذي هو
الظن بالمعنى المعروف.
والاحتمال الثالث: أن يكون الظن بمعنى: الخاطر، وهو أيضا
معروف لغة، وهو المراد حين يقال: غلب على ظنه.

(1) وهي صحيحة زرارة، المتقدمة في ص: 277.
(2) وهي صحيحة زرارة الأخرى، المتقدمة في ص: 279.
(3) وهما روايتا الكناني والشحام، المتقدمتان في ص: 279.
(4) حكاه عنه في الحدائق 13: 104، وهو في الوسائل 10: 122.
(5) السرائر 1: 377.
297

ومن ذلك يظهر ضعف ما في المختلف من تشنيعه على الحلي في
كلامه ذلك، وجعله مضطربا غايته (1).
تتميم: يستحب للصائم الامساك عن أمور:
منها: مضغ العلك كما مر.
ومنها: إيصال الغبار إلى الحلق، للخروج عن شبهة الخلاف، ولما مر
من بعض ما استدلوا به على تحريمه المحمول على الكراهة.
ومنها: السعوط مطلقا، تعدى إلى الحلق أم لا، وفاقا للجمل
والخلاف والنهاية والسيد والنافع وظاهر المدارك (2) وغيرها (3)، بل محتمل
المقنع والإسكافي - لنفيهما البأس عنه، الذي هو العذاب (4) - بل للمشهور
كما في المدارك والذخيرة (5)، لروايتي ليث وغياث:
الأولى: عن الصائم يحتجم ويصب في أذنه الدهن؟ قال: (لا بأس،
إلا السعوط، فإنه يكره) (6).
والثانية: (إنه كره السعوط للصائم) (7).
والرضوي: (لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا ولا يسعط) (8).

(1) المختلف: 224.
(2) المدارك 6: 128.
(3) كالشرائع 1: 195.
(4) المقنع: 60، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 221.
(5) المدارك 6: 128، الذخيرة: 505.
(6) الكافي 4: 110 / 4، التهذيب 4: 204 / 592، الوسائل 10: 43 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 7 ح 1.
(7) التهذيب 4: 214 / 623، الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 7 ح 2.
(8) فقه الرضا (ع): 212، مستدرك الوسائل 10: 333 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 15 ح 2.
298

خلافا لمحتمل المقنع والإسكافي، فجوزاه بلا كراهة (1)، للأصل
المندفع بما مر.
وللفقيه والحلي والمفيد والديلمي والقاضي وابن زهرة والحلبي،
فحرموه بلا قضاء وكفارة كالأولين (2)، أو معهما كالثالث والرابع (3)، بل قوم
من أصحابنا كما حكاه السيد (4)، أو مع الأول خاصة كالباقين (5).
لأنه إيصال شئ مفطر إلى الدماغ، الذي هو من الجوف.
ولاستثناء السعوط في رواية ليث عن عدم البأس، الذي هو العذاب.
وإثبات الكراهة في الروايتين، وهي في عرف القدماء تصدق على
الحرمة.
ونفي الجواز في الرضوي.
والأول مردود: بمنع كون مطلق إيصال الشئ إلى مطلق الجوف
مفطرا، وإنما الايصال بالأكل والشرب إلى الحلق أو المعدة.
والثاني: بأن الكراهة وإن كانت صادقة على الحرمة لغة وعرفا قديما،
إلا أن استعمالها في خصوصها مجاز، وهو ليس بأولى من إرادة المجاز من
البأس.
ومنه يظهر رد الثالث أيضا.
والرابع: بالضعف الخالي عن الجابر، مضافا إلى احتمال عطف قوله:

(1) المقنع: 60، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 221.
(2) الفقيه 2: 69، وانظر السرائر 1: 378.
(3) المفيد في المقنعة: 344، والديلمي في المراسم: 98.
(4) جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى 3): 54.
(5) القاضي في المهذب 1: 192، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571،
والحلبي في الكافي في الفقه: 183.
299

(ولا يسعط) على قوله: (لا يجوز).
وللمبسوط والشرائع (1)، بل جملة من الأصحاب كما قيل، ففرقوا بين
غير المتعدي إلى الحلق فالأول، للأصل، والتعدي فالثاني، للايصال إلى
الحلق.
وجوابه ظاهر، إذ لا دليل على البطلان بمطلق الايصال إلى الحلق، بل
ينفي الحرمة مطلقا حصر: (ما يضر الصائم) (2) في خصال ليس منه، وفحوى
ما دل على كراهة الاكتحال بما له طعم يصل إلى الحلق، وعموم التعليل في
جملة من النصوص على جواز الاكتحال بأنه ليس بطعام ولا شراب.
ومنها: النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة، إجماعا في الجملة.
وهل هي مكروهة مطلقا، أو للشاب دون الشيخ، أو لذوي الشهوة
ومن يحرك ذلك شهوته دون غيره؟
فيه أقوال، أشهرها: الأخير، بل عليه الاجماع في المنتهى
والتذكرة (3).
دليل الأول: رواية الأصبغ: أقبل وأنا صائم، فقال له: (عف صومك،
فإن بدو القتال اللطام) (4).
وأبي بصير: (والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه، ولا ينبغي له
أن يتعرض لرمضان) (5) أي لا تحرم المباشرة ولكنها مكروهة، لحرمة رمضان.

(1) المبسوط 1: 272، الشرائع 1: 195.
(2) الفقيه 2: 67 / 276، الوسائل 10: 31 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 1 ح 1.
(3) المنتهى 2: 581، التذكرة 1: 265.
(4) التهذيب 4: 272 / 822، الإستبصار 2: 82 / 252، الوسائل 10: 100 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 23 ح 15.
(5) التهذيب 4: 272 / 824، الإستبصار 2: 83 / 254، الوسائل 10: 128 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 55 ح 2.
300

والمروي في قرب الإسناد: عن الرجل هل يصلح له أن يقبل أو
يلمس وهو يقضي شهر رمضان؟ قال: (لا) (1)، ومثله المروي في كتاب
علي بن جعفر (2).
ودليل الثاني: صحيحة الحلبي: عن الرجل يمس من المرأة شيئا
أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال: (إن ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة
أن يسبقه المني) (3).
ومرسلة الفقيه: روى عبد الله بن سنان عنه رخصة للشيخ في المباشرة (4).
وصحيحة منصور: ما تقول في الصائم يقبل الجارية والمرأة؟ فقال:
(أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس، وأما الشاب الشبق فلا، فإنه
لا يؤمن) الحديث (5).
حجة الثالث: قوله: (وأما الشاب الشبق) في الأخيرة، والعلتان المنصوصتان
في الصحيحين من جهة تحقق المخافة وعدم الأمن في ذي الشهوة.
وصحيحة زرارة ومحمد: هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر
رمضان؟ فقال: (إني أخاف عليه، فليتنزه عن ذلك، إلا أن يثق أن لا يسبقه
منيه) (6)، حيث إن ذي الشهوة لا يكون واثقا، وغيره واثق البتة.
والمروي في كتاب علي: عن المرأة هل يحل لها أن تعتنق الرجل في

(1) قرب الإسناد: 232 / 909، الوسائل 10: 99 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 11.
(2) مسائل علي بن جعفر: 150 / 195، الوسائل 10: 101 أبواب ما يمسك عنه
الصائم ب 33 ح 20.
(3) الكافي 4: 104 / 1، الوسائل 10: 97 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 1.
(4) الفقيه 2: 71 / 306، الوسائل 10: 99 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 8.
(5) الكافي 4: 104 / 3، الوسائل 10: 97 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 3.
(6) التهذيب 4: 271 / 821، الإستبصار 2: 82 / 251، الوسائل 10: 100 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 13.
301

شهر رمضان وهي صائمة، فتقبل بعض جسده من غير شهوة؟ قال: (لا بأس) (1).
وعن الرجل هل يصلح له وهو صائم في رمضان أن يقلب الجارية
فيضرب على بطنها وفخذها وعجزها؟ قال: (إن لم يفعله ذلك بشهوة فلا
بأس، وأما الشهوة فلا يصلح) (2).
ورواية رفاعة: عن رجل لامس جاريته في شهر رمضان فأمذى؟
قال: (إن كان حراما فليستغفر الله استغفار من لا يعود أبدا ويصوم يوما
مكان يوم، وإن كان من حلال فليستغفر الله، ولا يعود، ويصوم يوما مكان
يوم) (3)، فإن ترتب الامذاء عليه ليس إلا لحركة الشهوة.
أقول: لا يخفى أن شيئا من روايات القولين الأخيرين لا يصلح
لاثبات الكراهة في فرد، ولا لنفيها عنه.
أما الأولى، فلأعمية لفظ الكراهة عن الحرمة، وإنما ثبتت الكراهة
المصطلحة بها فيما ثبتت بضميمة الأصل، وهو هنا غير جار، لما يأتي من
حرمة المباشرة لمن يخاف على نفسه.
وأما الثانية، فظاهرة، لأعمية الرخصة من الكراهة والإباحة.
وأما الثالثة، فلمثل ما مر في الأولى، فإن قوله: (فلا) يحتمل الحرمة أيضا،
ونفي البأس عن مثلهما يستلزم نفي الحرمة، لأن البأس هو العذاب والشدة.
وأما الرابعة، فلأن مقتضى الأمر فيها إثبات الحرمة في غير الواثق،

(1) مسائل علي بن جعفر: 110 / 21، الوسائل 10: 101 أبواب ما يمسك عنه
الصائم ب 33 ح 18.
(2) مسائل علي بن جعفر: 116 / 48، الوسائل 10: 102 أبواب ما يمسك عنه
الصائم ب 33 ح 19.
(3) الفقيه 2: 71 / 299، التهذيب 4: 272 / 825، الإستبصار 2: 83 / 255،
الوسائل 10: 129 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 55 ح 3.
302

ومقتضى الاستثناء انتفاؤها في الواثق.
وأما الخامسة، فلأن نفي البأس عمن لم يفعل بشهوة ينفي الحرمة،
وإثبات عدم الصلاح لمن فعل بشهوة يثبتها، لأن ضد الصلاح الفساد.
وأما السادسة، فظاهرة.
وعلى هذا، فيظهر عدم دليل للقولين الأخيرين، ووجوب رفع اليد
عنهما، فيبقى الأول، ولكن يجب تقييده بما لم تثبت فيه الحرمة، ولكنها ثابتة
فيما خاف من الانزال ولم يكن واثقا بنفسه، فإنه يحرم حينئذ على الأظهر،
كما هو أحد القولين على ما ذكره في المنتهى (1)، للأمر بالتنزه في صحيحة
محمد وزرارة، ومرسلة الفقيه: عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟
قال: (ما لم يخف على نفسه فلا بأس) (2)، دلت بالمفهوم على البأس
- الذي هو العذاب - مع الخوف ولا ينافيه قوله: (يكره) في صحيحة
الحلبي، لأنه أعم من الحرمة، وعلى ذلك يحمل الأمر بالاستغفار في رواية
رفاعة، حيث إن الامذاء لا ينفك عن عدم الوثوق.
ومنها: جلوس المرأة في الماء على الأظهر الأشهر، للشهرة، وموثقة
حنان: عن الصائم يستنقع في الماء؟ قال: (لا بأس، ولكن لا يغمس فيه،
والمرأة لا تستنقع في الماء، لأنها تحمل الماء بفرجها) (3).
خلافا للمحكي عن الديلمي والحلي وابن زهرة والقاضي (4)، وظاهر

(1) المنتهى 2: 581.
(2) الفقيه 2: 71 / 300، الوسائل 10: 98 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 33 ح 6.
(3) الكافي 4: 106 / 5، الفقيه 2: 71 / 307 بتفاوت يسير، التهذيب 4:
263 / 789، الوسائل 10: 37 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 6.
(4) الديلمي في المراسم: 98، لم نعثر عليه في السرائر وهو موجود في الكافي للحلبي: ص:
183، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571، القاضي في المهذب 1: 192.
303

الفقيه (1)، ومحتمل المقنعة (2)، فحرموه، إما مع القضاء كالأولين، أو مع الكفارة
كالمتعقبين لهما، أو بدونهما كالباقين، للموثقة في الحرمة، ولعدم اتجاه التعليل
المذكور فيها لولا الافساد الموجب للقضاء أو له وللكفارة فيهما، بل تصريحه بأنه
يوصل الجوف وهو مفسد، مضافا في الثلاثة إلى الاجماع المدعى في الغنية.
ويضعف الكل بضعف دلالة الموثقة - لمكان الجملة الخبرية - على
الحرمة، وكفاية الكراهة في توجيه التعليل، حيث إنه موجب لرفع العطش
المطلوب في الصوم، ومنع كل إيصال إلى الجوف ولو مع عدم صدق الأكل
والشرب مفسدا، وعدم حجية الاجماع المنقول.
ولا يكره ذلك من الرجل ولا من الخنثى والمجبوب، للأصل الخالي
عن المعارض، بل المقارن للمؤيد كما مر.
ومنها: السواك بالرطب، وفاقا للمحكي عن الشيخ والعماني وابن
زهرة والمدارك (3)، بل جماعة من متأخري المتأخرين كما قيل (4)، للمعتبرة:
كصحيحة الحلبي: عن الصائم يستاك بالماء؟ قال: (لا بأس به)
وقال: (لا يستاك بسواك رطب) (5).
وابن سنان: (كره للصائم أن يستاك بسواك رطب) (6).

(1) الفقيه 2: 71 / 307.
(2) المقنعة: 356.
(3) الشيخ في النهاية: 156، حكاه عن العماني في المختلف: 223، ابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 571، المدارك 6: 74.
(4) الرياض 1: 308.
(5) الكافي 4: 112 / 2، التهذيب 4: 323 / 992، الوسائل 10: 84 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 28 ح 10.
(6) الكافي 4: 112 / 3، التهذيب 4: 263 / 787، الإستبصار 2: 92 / 294،
الوسائل 10: 85 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 11.
304

وموثقة الساباطي: في الصائم ينزع ضرسه؟ قال: (لا، ولا يدمي فاه،
ولا يستاك بعود رطب) (1).
ومحمد: (يستاك الصائم أي النهار شاء، ولا يستاك بعود رطب) (2).
ورواية أبي بصير: (لا يستاك الصائم بعود رطب) (3).
خلافا للمشهور، فلا يكره، بل يستحب، وعن المنتهى: أنه مذهب
علمائنا أجمع إلا العماني (4)، للأصل، والحصر، وعمومات السواك (5)،
وخصوص المستفيضة المجوزة للسواك بقول مطلق للصائم بقوله: (يستاك)
كصحيحة ابن سنان (6)، وموثقة محمد (7)، وروايتي أبي بصير (8) وأبي
الجارود (9).. أو النافية للبأس عن السواك بالعود الرطب، كصحيحة الحلبي (10)،

(1) الكافي 4: 112 / 4، الفقيه 2: 70 / 294 وفيه بنقص، الوسائل 10: 85
أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 12.
(2) التهذيب 4: 262 / 785، الإستبصار 2: 92 / 293، الوسائل 10: 84 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 8.
(3) التهذيب 4: 262 / 786، الإستبصار 2: 91 / 292، الوسائل 10: 84 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 7.
(4) المنتهى 2: 568.
(5) الوسائل 2: أبواب السواك ب 1 و 2 و 3.
(6) التهذيب 4: 261 / 780، الوسائل 10: 82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28
ح 1.
(7) التهذيب 4: 262 / 784، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28
ح 6.
(8) التهذيب 4: 262 / 781، الوسائل 10: 82 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28
ح 2.
(9) التهذيب 4: 262 / 783، الوسائل 10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28
ح 5.
(10) التهذيب 4: 262 / 782، الإستبصار 2: 91 / 291، الوسائل 10: 83 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 3.
305

وخصوص رواية الرازي: عن السواك في شهر رمضان؟ قال: (جائز) - إلى
أن قال -: فقال: ما تقول في السواك الرطب يدخل رطوبته في الحلق؟
فقال: (الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب) (1).
ونحوها المروي في قرب الإسناد عن علي عليه السلام، وفي آخره: (فقال
علي عليه السلام: فإن قال قائل: لا بد من المضمضة لسنة الوضوء، قيل له: فإنه
لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل) (2).
وبما مر يدفع الأصل، ويقيد الحصر، ويخصص العموم، كما أن به
تخصص أيضا بغير الرطب مطلقات مجوزات السواك للصائم، مع أنها غير
دالة إلا على الجواز الغير المنافي للكراهة، كما أن نفي البأس - الذي هو
العذاب - في صحيحة الحلبي الأخيرة لا ينافيها أيضا.
ومما ذكر يعلم عدم منافاة إثبات الجواز في الروايتين الأخيرتين لها
أيضا، بل وكذا قوله فيهما: (الماء للمضمضة أرطب)، لأن القائل استدرك
دخول الرطوبة في الحلق، فتوهم منه نفي الجواز الثابت أولا، فرد عليه السلام
عليه بما رد، وقال: إن دخول الرطوبة لا ينفي الجواز، لوجوده في
المضمضة.
نعم، في قوله في الذيل: (فإن قال قائل) إلى آخره، دلالة على انتفاء
الكراهة، بل ثبوت الاستحباب، إلا أنه لا يثبته إلا في مطلق السواك، فإنه
الذي سنه جبرئيل، ولذا أطلق الإمام عليه السلام أيضا، فيجب التخصيص،

(1) التهذيب 4: 263 / 788 بتفاوت يسير، الإستبصار 2: 92 / 295، الوسائل
10: 83 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28 ح 4.
(2) قرب الإسناد: 89 / 297، الوسائل 10: 86 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 28
ح 15.
306

فتأمل، مع أنه على الدلالة أيضا لا يقاوم ما مر، لأكثريته وأصرحيته. ونقل
الكراهة عن أحمد (1) لا يجعله موافقا للعامة فتدبر.
ومنها: الاكتحال، فيكره مطلقا وإن اشتدت فيما فيه مسك أو طعم
يجده في الحلق، ولا يحرم.
أما عدم الحرمة، فبالاجماع، والأصل، والحصر، والأخبار النافية للبأس
عن مطلق الاكتحال، كصحيحتي محمد (2) وعبد الحميد (3)، ومرسلة سليم (4)،
وروايات عبد الله بن ميمون (5) وابن أبي يعفور (6) وغياث بن إبراهيم (7).
وأما الكراهة مطلقا، فللأخبار الناهية عن مطلقه، كصحيحتي
الأشعري (8) والحلبي (9)، ورواية الحسن بن علي (10)، وهي واردة بالجملة

(1) انظر المغني لابن قدامة 3: 45.
(2) الكافي 4: 111 / 1، التهذيب 4: 258 / 765، الإستبصار 2: 89 / 278،
الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.
(3) التهذيب 4: 259 / 767، الإستبصار 2: 89 / 280، الوسائل 10: 76 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 7.
(4) الكافي 4: 111 / ذ. ح 1، الوسائل 10: 74 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 1.
(5) التهذيب 4: 260 / 775، الإستبصار 2: 90 / 288، الوسائل 10: 75 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 4.
(6) التهذيب 4: 258 / 766، الإستبصار 2: 89 / 279، الوسائل 10: 75 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 6.
(7) التهذيب 4: 214 / 622، الوسائل 10: 76 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25
ح 10.
(8) الكافي 4: 111 / 2، الوسائل 10: 75 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 3.
(9) التهذيب 4: 259 / 769، الإستبصار 2: 89 / 282، الوسائل 10: 76 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 9.
(10) التهذيب 4: 259 / 768، الإستبصار 2: 89 / 281، الوسائل 10: 76 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 8.
307

الخبرية فلا تفيد أزيد من الكراهة.
وأما شدتها مع أحد الوصفين، فلصحيحة محمد: عن المرأة تكتحل
وهي صائمة؟ فقال: (إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس) (1).
وموثقته: عن الكحل للصائم؟ فقال: (إذا كان كحلا ليس فيه مسك
وليس له طعم في الحلق فلا بأس) (2).
والمروي في قرب الإسناد (إن عليا عليه السلام كان لا يرى بأسا بالكحل
للصائم إذا لم يجد طعمه) (3).
والرضوي: (لا بأس بالكحل إذا لم يكن [ممسكا]) (4).
ومفهوم تلك الأخبار وإن اقتضى الحرمة مع أحد الوصفين، إلا أن
الاجماع على عدم الحرمة أوجب الحمل على نوع من الكراهة، ولثبوت
أصلها لمطلقه يفهم العرف من التخصيص بالذكر شدة فيه.
مضافا إلى رواية ابن أبي غندر: أكتحل بكحل فيه مسك وأنا صائم؟
فقال: (لا بأس به) (5).
والمشهور اختصاص الكراهة بما فيه أحد الوصفين، كجماعة (6)، أو

(1) التهذيب 4: 259 / 771، الإستبصار 2: 90 / 284، الوسائل 10: 75 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 5.
(2) الكافي 4: 111 / 3، التهذيب 4: 259 / 770، الوسائل 10: 74 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 25 ح 2.
(3) قرب الإسناد: 89 / 295، الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 12.
(4) فقه الرضا (ع): 212، مستدرك الوسائل 7: 334 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 16 ح 2. بدل ما بين المعقوفين في النسخ: مسكا، وما أثبتناه من المصدر.
(5) التهذيب 4: 260 / 772، الإستبصار 2: 90 / 285، الوسائل 10: 77 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 25 ح 11.
(6) انظر الكفاية: 47، والرياض 1: 308.
308

الأول خاصة، كالمحقق والشهيد (1)، أو مع ما فيه صبر، كما في الروضة (2)،
أو مع ما فيه رائحة حادة، كبعضهم (3)، للجمع بين الصنفين المطلقين من
الأخبار بالصنف المفصل، وهو كان حسنا لو تنافيا الصنفان، وكان نفي
البأس نفيا للكراهة أيضا، وليس كذلك.
ومنها: إخراج الدم مع خوف الضعف، للصحاح المستفيضة، كصحاح
الأعرج (4)، والحلبي (5)، وابن سنان (6)، والحسين بن أبي العلاء (7)، وغيرها (8)،
وهي وإن كانت مختصة بالاحتجام ظاهرة في الحرمة مع خوف الضعف، إلا أنه
يستفاد العموم من السياق - وقيل: من تنقيح المناط (9)، وفيه تأمل - ويصرف عن
الظاهر، للاجماع على عدم الحرمة، ورواية عبد الله بن ميمون: (ثلاثة لا يفطرن
الصائم: القئ والاحتلام والحجامة، وقد احتجم النبي صلى الله عليه وآله وهو صائم) (10).

(1) المحقق في المعتبر 2: 664، الشهيد في الدروس 1: 279.
(2) الروضة 2: 132.
(3) كما في التهذيب 4: 259.
(4) التهذيب 4: 260 / 774، الإستبصار 2: 90 / 287، الوسائل 10: 80 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 10.
(5) الكافي 4: 109 / 1، الفقيه 2: 68 / 287، التهذيب 4: 261 / 777،
الإستبصار 2: 91 / 290، الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26
ح 1.
(6) التهذيب 4: 260 / 776، الإستبصار 2: 91 / 289، الوسائل 10: 80 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 12.
(7) الكافي 4: 109 / 3، التهذيب 4: 260 / 773، الإستبصار 2: 90 / 286،
الوسائل 10: 78 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 2.
(8) كما في الوسائل 10: 77 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 26.
(9) انظر الحدائق 13: 158.
(10) التهذيب 4: 260 / 775، الإستبصار 2: 90 / 288، الوسائل 10: 80 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 26 ح 11.
309

وأما النبوي: (أفطر الحاجم والمحجوم) (1) فمع أنه عامي، روي أنه
كان لمكان اغتيابهما مسلما وتسابا وكذبا في سبهما على نبي الله (2).
واحتمل الصدوق في معاني الأخبار أن يكون المعنى: المحتجم
عرض نفسه للاحتياج إلى الافطار، والحاجم عرض المحتجم إليه، وقال
أيضا: سمعت بعض المشايخ بنيشابور يذكر في معناه: أنهما دخلا بذلك
في فطرتي وسنتي (3).
ومنها: دخول الحمام إذا خيف منه الضعف، لصحيحة محمد (4).
ومنها: شم الريحان عموما - وهو كل نبت طيب الريح، كما ذكره
أهل اللغة (5) - للاجماع المنقول في المنتهى والتذكرة (6)، والأخبار
المستفيضة، كروايتي الحسن بن راشد (7)، ورواية الصيقل (8)، ومراسيل
الكافي (9) والفقيه (10)، معللا في بعضها: بأنه لذة ويكره للصائم أن يتلذذ،

(1) كما في سنن أبي داود 2: 14، ومسند أحمد: 364.
(2) انظر معاني الأخبار: 319 / 1، الوسائل 10: 79 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 26 ح 9.
(3) معاني الأخبار: 319.
(4) الكافي 4: 109 / 3، الفقيه 2: 70 / 296، التهذيب 4: 261 / 779، الوسائل
10: 81 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 27 ح 1.
(5) كما في القاموس 1: 232، والمصباح المنير: 243، ولسان العرب 2: 458.
(6) المنتهى 2: 583، التذكرة 1: 266.
(7) التهذيب 4: 267 / 805 و 807، الإستبصار 2: 93 / 299 و 301، الوسائل
10: 93 و 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 7 و 12.
(8) التهذيب 4: 267 / 806، الإستبصار 2: 93 / 300، الوسائل 10: 94 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 13.
(9) الكافي 4: 113 / ذ ح 4، الوسائل 10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 2.
(10) الفقيه 2: 71 / 302، الوسائل 10: 95 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32
ح 14.
310

وفي بعضها: أن الريحان بدعة للصائم، وهو وإن كان مشعرا بالحرمة، إلا أن
الاجماع والأخبار النافية للبأس عنه - كصحيحتي محمد (1)، والبجلي (2)،
وروايتي سعد (3)، وأبي بصير (4) - أوجبت الحمل على الكراهة.
وقيل: تتأكد الكراهة في النرجس (5)، لرواية ابن رئاب: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام ينهى عن النرجس، فقلت: جعلت فداك لم ذلك؟ قال: (لأنه
ريحان الأعاجم) (6).
ولا يخفى أنها لا تدل على الأشدية، بل ولا على الاختصاص
بالصائم، بل غايتها كراهة شم النرجس مطلقا، فهي الأظهر.
والتعليل - للشدة بفتوى الأكثر مع التسامح في أدلة الكراهة - غير
جيد، لأن الشدة غير نفس الكراهة، ولم تثبت فيها المسامحة، إلا أن تثبت
الشدة بثبوت الكراهة من جهتين: إحداهما: من جهة كراهة شم مطلق
الريحان للصائم. وثانيتهما: من جهة كراهة شم النرجس مطلقا، فتجتمع
الجهتان في شم الصائم للنرجس، فتشتد الكراهة.

(1) الكافي 4: 113 / 4، التهذيب 4: 266 / 800، الإستبصار 2: 92 / 296،
الوسائل 10: 91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 1.
(2) التهذيب 4: 266 / 802، الإستبصار 2: 93 / 297، الوسائل 10: 93 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 8.
(3) التهذيب 4: 266 / 803، الإستبصار 2: 93 / 298، الوسائل 10: 94 أبواب
ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 10.
(4) التهذيب 4: 265 / 798، الوسائل 10: 94 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32
ح 9.
(5) كما في الشرائع 1: 195، والمختصر النافع: 66، والذخيرة: 505، والحدائق
13: 159، والرياض 1: 308 وغنائم الأيام: 427.
(6) الفقيه 2: 71 / 301 وفيه: النرجس للصائم...، العلل: 383 / 1، الوسائل
10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 4.
311

وهل يشمل الريحان مثل: التفاح والسفرجل والأترج، لصدق النبت؟
فيه نظر، بل الظاهر العدم، لأن المتبادر من النبت مثل الحشائش
والأوراق، فلا يشمل الفواكه وأصول النباتات وأغصانها الطيبة.
وكذا يكره التطيب بالمسك، لرواية غياث (1). ولا يكره غيره من
أصناف الطيب والغالية، للأصل، والمستفيضة، كمرسلة الفقيه (2)، ورواية
الحسن بن راشد (3)، وغيرها (4)، وفي بعضها: (إن الطيب تحفة الصائم).
ومنهم من ألحق بالمسك ما يجري مجراه مما يوجد طعمه في
الحلق (5)، ومنهم من ألحق به الزعفران (6)، ولا وجه له إلا فتوى الفقيه،
وتعارضها عمومات الطيب، فعدم الكراهة فيهما أشبه.
ومنها: الاحتقان بالجامد، لنقل الاجماع عن الغنية والكشف (7)، وقد
مر.
ومنها: لبس الثوب المبلول، لروايات الصيقل (8)، وابن سنان (9)،

(1) الكافي 4: 112 / 1، التهذيب 4: 266 / 801، الوسائل 10: 93 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 32 ح 6.
(2) الفقيه 2: 71 / 302، الوسائل 10: 95 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32
ح 14.
(3) الكافي 4: 113 / 3، الفقيه 2: 70 / 295، التهذيب 4: 265 / 799، الوسائل
10: 92 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32 ح 3.
(4) كما في الوسائل 10: 91 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 32.
(5) كالشيخ في النهاية: 156، وابن حمزة في الوسيلة: 144، 683، وابن إدريس
في السرائر 1: 388.
(6) كالمفيد في المقنعة: 356، وابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 571، كشف الرموز 1: 281.
(8) المتقدمة في ص: 297.
(9) الكافي 4: 106 / 4، الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 3.
312

وابن راشد (1)، ولخلوها عن الدال على الحرمة استدل بها للكراهة.
لا لصحيحة محمد: (الصائم يستنقع في الماء، ويصب على رأسه،
ويتبرد بالثوب، وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته) (2)، لجواز أن يراد
بالتبرد بالثوب: جعله مروحة لا بله على الجسد، أو يراد به: التبرد به بعد
عصره، كما صرح به في رواية ابن سنان المشار إليها، حيث قال: (لا تلزق
ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره).
ومنها: إنشاد الشعر على ما ذكره بعض الأصحاب (3)، ولكن لم يذكره
الأكثر كما صرح به في الحدائق (4).
ووجه الكراهة: صحيحة حماد: (تكره رواية الشعر للصائم والمحرم
وفي الحرم وفي يوم الجمعة وأن يروى بالليل، ولا ينشد في شهر رمضان
بليل ونهار) فقال له إسماعيل: يا أبتاه، وإن كان فينا؟ قال: (وإن كان
فينا) (5).
والأخرى: (تكره رواية الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم وفي يوم
الجمعة وأن يروى بالليل) قال: قلت: وإن كان شعر حق؟ قال: (وإن كان
شعر حق) (6).

(1) تقدمت في ص: 297.
(2) الكافي 4: 106 / 3، التهذيب 4: 204 / 591، الإستبصار 2: 84 / 260،
الوسائل 10: 36 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 3 ح 2.
(3) كما في المفاتيح 1: 250.
(4) الحدائق 13: 162.
(5) الكافي 4: 88 / 6، الفقيه 2: 68 / 282، التهذيب 4: 195 / 556، الوسائل
10: 169 أبواب آداب الصائم ب 13 ح 2.
(6) التهذيب 4: 195 / 558، الوسائل 10: 169 أبواب آداب الصائم ب 13 ح 1.
313

وخص في الحدائق كل ما ورد من كراهة إنشاد الشعر في مكان أو
زمان شريف بالأشعار الدنيوية وغير الحقة مما كان متضمنا لحكمة أو
موعظة أو مدح أهل البيت أو رثائهم، بل نسبه إلى أصحابنا وقال:
إن أصحابنا قد خصوا الكراهة بالنسبة إلى إنشاد الشعر في المسجد أو
يوم الجمعة أو نحو ذلك من الأزمنة الشريفة والبقاع المنيفة بما كان من
الأشعار الدنيوية الخارجة عما ذكرناه.
قال: وممن صرح بذلك الشهيد في الذكرى والشهيد الثاني في جملة
من شروحه والمحقق الشيخ علي والسيد السند في المدارك (1). انتهى.
واستدل لذلك بصحيحه علي بن يقطين النافية للبأس عن الشعر الذي
لا بأس به في الطواف، المستلزم لكونه في الحرم (2).
وبالأخبار الغير العديدة، الواردة في مدح الشعر في أهل البيت وفي
مراثيهم (3).
وبالمروي في إكمال الدين: عن أمر النبي صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة وفد
بكر بن وائل حين أقبلوا إليه وهو بفناء الكعبة بإنشاد شعر قيس بن ساعدة
وترحمه عليه (4).
وبالمروي في كتاب الآداب الدينية لأمين الاسلام الشيخ أبي علي
الطبرسي بإسناده عن خلف بن حماد: قال: قلت للرضا عليه السلام: إن أصحابنا
يروون عن آبائك أن الشعر ليلة الجمعة ويوم الجمعة وفي شهر رمضان وفي

(1) الحدائق 13: 162.
(2) التهذيب 5: 127 / 418، الإستبصار 2: 227 / 784، الوسائل 13: 402
أبواب الطواف ب 54 ح 1.
(3) كما في الوسائل 14: 597 أبواب المزار وما يناسبه ب 105.
(4) إكمال الدين: 166 / 22، وفيه: قس بن ساعدة، بدل: قيس بن ساعدة.
314

الليل مكروه، وقد هممت أن أرثي أبا الحسن عليه السلام وهذا شهر رمضان،
فقال: (ارث أبا الحسن عليه السلام في ليالي الجمع وفي شهر رمضان وفي الليل
وفي سائر الأيام، فإن الله عز وجل يكافيك على ذلك) (1).
وفي دلالة غير الأخيرة على مطلوبه نظر، إذ نفي البأس أعم من نفي
الكراهة، والعمومات لا تجدي في مقابل الأخبار الخاصة، وأمر النبي لعله
كان قبل ورود الحكم بالكراهة.
نعم، تتم دلالة الأخيرة، ولا يضر اختصاصها بالرثى، لعدم القول
بالتفرقة.
ثم يعارض بذلك ما مر، فإما يرجح ذلك، لاحتمال حمل ما مر على
التقية كما في الحدائق (2)، أو يرجع إلى العمومات المذكورة (3)، ولا يضر
ضعف الأخيرة، لأن المقام مقام المسامحة.
فالحق: عدم الكراهة في الأشعار الحقة - والمتضمنة للحكمة
والموعظة، ونحوها - في الأوقات المذكورة.
بل ها هنا كلام آخر متقن ذكره في الوافي، قال: والشعر غلب على
المنظوم من القول، وأصله: الكلام التخييلي، الذي هو أحد الصناعات
الخمس نظما كان أو نثرا، ولعل المنظوم المشتمل على الحكمة والموعظة،
أو المناجاة مع الله سبحانه، مما لم يكن فيه تخييل شعري، مستثنى من هذا
الحكم، أو غير داخل فيه.
وقال في بيان قوله: (وإن كان شعر حق): وذلك لأن كون موضوعه

(1) الوسائل 14: 499 أبواب المزار وما يناسبه ب 105 ح 8.
(2) الحدائق 13: 164.
(3) في ص: 300 - 301.
315

حقا - كحكمة أو موعظة - لا يخرجه عن التخييل الشعري، فأما إذا لم يكن
كلاما شعريا بل كان موزونا فقط فلا بأس (1). انتهى.
وما ذكره جيد، فإن الحقيقة الشرعية للشعر في المنظوم من الكلام
غير ثابت، بل لم يكن كذلك أولا البتة، ولذا سموا الكفار القرآن شعرا
ورسول الله شاعرا، فالمنظوم الخالي عن الخيالات الشعرية ليس شعرا
مكروها، والشعر منها أيضا إذا كان حقا يكون بما مر مستثنى أيضا.
ومنها: التنازع والتحاسد، والسب والمراء، وأذى الخادم، والجدال،
والمسارعة إلى الحلف والأيمان، والقول الفاحش، كل ذلك للأخبار (2).
والمقصود كراهية هذه الأمور من حيث الصيام، وإلا فأكثرها حرام في
نفسه.

(1) الوافي 11: 220.
(2) الوسائل 10: 161، 167 أبواب آداب الصائم ب 11 و 12.
316

الفصل الثالث
في بيان أن وجوب الامساك عما ذكر من الأمور - وإيجابها لارتكاب
المحرم أو الفساد أو مع القضاء أو مع الكفارة أيضا - إنما هو إذا كان عمدا.
فنقول: إن كلما ذكرنا أنه محرم في الصوم ومبطل له وموجب للقضاء
والكفارة، فهو كذلك إذا كان ذاكرا للصوم، عامدا في الافطار، مختارا فيه،
عالما بالحكم، وأما إذا لم يكن كذلك فليس كذلك إجماعا في بعض
الصور، ومع الخلاف في بعض آخر.
وتفصيل المقال: أن من لم يكن كذلك فإما ناس للصوم، أو غير
عامد في فعل المفطر، أو مكره، أو جاهل، فهذه أربع أصناف يذكر حكمها
في أربع مقامات.
المقام الأول: في الناسي للصوم، ولا يفسد صومه بفعل شئ من
المفطرات، بلا خلاف بين علمائنا كما في المنتهى (1) وغيره (2)، بل بالاجماع
كما صرح به بعضهم (3)، بل بالاجماع المحقق، فهو الحجة، مضافا إلى الأخبار
المستفيضة، كصحيحتي الحلبي (4) ومحمد بن قيس (5)، وموثقتي سماعة (6)

(1) المنتهى 2: 577.
(2) كالذخيرة: 507، والحدائق 13: 66، والرياض 1: 307.
(3) كما في المفاتيح 1: 252، ومشارق الشموس: 396، وغنائم الأيام: 410.
(4) الكافي 4: 101 / 1، الفقيه 2: 74 / 318، التهذيب 4: 277 / 838، الوسائل
10: 50 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 1.
(5) التهذيب 4: 268 / 809، الوسائل 10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9
ح 9.
(6) الكافي 4: 101 / 2، الوسائل 10: 51 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 5.
317

وعمار (1)، وروايتي الزهري (2) وداود بن سرحان (3).
وأخصيتها من المدعى - باختصاصها بالأكل والشرب والجماع - غير
قادح، لعدم قائل بالفرق بينها وبين سائر المفطرات، مع ظهور التعميم من
رواية الهروي: (متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر
رمضان فعليه ثلاث كفارات) إلى أن قال: (وإن كان نكح حلالا أو أفطر
على حلال فعليه كفارة واحدة وقضاء ذلك اليوم، وإن كان ناسيا فلا شئ
عليه) (4).
وإطلاق بعض تلك الروايات يثبت الحكم في جميع أنواع الصيام
الواجب المعين، وغير المعين، والمندوب، وتزيد في المندوب رواية أبي
بصير: عن رجل صام يوما نافلة فأكل وشرب ناسيا؟ قال: (يتم صومه ذلك
وليس عليه شئ) (5).
وعن التذكرة: تقييد عدم البطلان بتعين الزمان (6)، وعن المدنيات
الأولى: عدم صحة الصيام إذا كان ندبا أو واجبا غير معين، استنادا إلى
الرواية عن الصادق عليه السلام.. وكذا في قضاء رمضان بعد الزوال، لأن الصوم

(1) الفقيه 2: 74 / 319، التهذيب 4: 208 / 602، الإستبصار 2: 81 / 248،
الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 11.
(2) الكافي 4: 83 / 1، الفقيه 2: 46 / 208، التهذيب 4: 294 / 895، الوسائل
10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9 ح 7.
(3) الكافي 4: 101 / 3، التهذيب 4: 268 / 810، الوسائل 10: 51 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 9 ح 6.
(4) الفقيه 3: 238 / 1128، التهذيب 4: 209 / 605، الإستبصار 2: 97 / 316،
الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
(5) التهذيب 4: 277 / 840، الوسائل 10: 52 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9
ح 10.
(6) التذكرة 1: 261.
318

عبارة عن الامساك، ولم يتحقق.
قال الشهيد في حواشي القواعد في بيان الرواية: ولعلها ما رواه العلاء
في كتابه عن محمد: قال سألته فيمن شرب بعد طلوع الفجر وهو لا يعلم،
قال: (يتم صومه في شهر رمضان وقضائه، وإن كان متطوعا فليفطر) انتهى.
والرواية غير ثابتة، ومع ذلك عما ادعاه أخص، ومع ذلك غير دالة
على الناسي، والتعليل المذكور اجتهاد في مقابلة النص، مع [عدم] (1) كون
الصوم الشرعي إمساكا مطلقا، وإنما هو الامساك مع العمد.
المقام الثاني: في غير القاصد للفعل، كالذباب يطير إلى الحلق،
والغبار يدخل فيه بلا قصد واختيار، ولا ريب في عدم إفساده للصوم
ولا خلاف، والأصل يدل عليه، لأنه ليس أكلا ولا شربا ولا إفطارا، لأن كل
ذلك لا بد أن يكون من فعل المكلف، وفي بعض الأخبار تصريح به (2).
المقام الثالث: في المكره، والاكراه إما بنحو الإيجار (3) في الحلق
والوضع فيه بغير مباشرة بنفسه، فلا إشكال ولا خلاف - كما قيل (4) - في
عدم حصول الافطار به، وما مر سابقا يدل عليه أيضا.
أو يكون بالتوعد بما يوجب الضرر من القادر المظنون فعله مع ترك
الافطار، فباشر بنفسه مع القصد، فلا خلاف أيضا في جواز الافطار حينئذ
وعدم ترتب إثم عليه، بل بطلانه لو صام، للنهي عن التهلكة (5)، ونفي
الضرر، ورفع ما استكرهوا عليه، والأمر بالتقية، وإفطار الإمام تقية عن

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
(2) كما في الوسائل 10: 108 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 39.
(3) الرجل إذا شرب الماء كارها فهو التوجر والتكاره - لسان العرب 5: 279.
(4) انظر الحدائق 13: 68.
(5) البقرة: 195.
319

السفاح كما في مرسلتي رفاعة (1) وداود بن الحصين (2) وروايتي خلا د (3)
وعيسى (4)، وفي الأولى: (إن إفطاري يوما وقضاءه أيسر علي من أن
يضرب عنقي ولا يعبد الله).
وهل يكون معه الصوم صحيحا أيضا، أم يبطل ويوجب القضاء أو
مع الكفارة أيضا؟
فاختار الشيخ في الخلاف والشرائع والمعتبر والنافع والمنتهى
والتحرير والمختلف والارشاد والدروس والروضة (5) بل الأكثر - كما قيل (6)
-: الأول، لجميع ما ذكر، مضافا إلى الأصل والاستصحاب - الخاليين عن
معارضة عموم ما دل على وجوب القضاء، لاختصاصه بحكم التبادر بغير
المكره - وما دل من الأخبار على وجوب الكفارة على المكره زوجته
دونها (7).
وذهب في المبسوط والتذكرة والمسالك والحدائق إلى الثاني (8)، لأنه
فعل المفطر اختيارا فيدخل تحت إطلاقات فساد الصوم به، ووجوب

(1) الكافي 4: 82 / 7، الوسائل 10: 132 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 5.
(2) الكافي 4: 83 / 9، الوسائل 10: 131 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 4.
(3) التهذيب 4: 317 / 965، الوسائل 10: 132 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 57 ح 6.
(4) الفقيه 9: 79 / 352، الوسائل 10: 131 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 1.
(5) الخلاف 2: 195، الشرائع 1: 190، المعتبر 2: 662، النافع: 66، المنتهى
2: 577، التحرير 1: 80، المختلف: 223، الإرشاد 1: 298، الدروس 1:
273، الروضة 2: 90.
(6) انظر المدارك 6: 69، والذخيرة 508.
(7) انظر الوسائل 10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12.
(8) المبسوط 1: 273، التذكرة 1: 262، المسالك 1: 71، الحدائق 13: 69.
320

القضاء، وعموماته، بتصريح الإمام عليه السلام بأنه أفطر في المرسلتين، وقوله في
أولاهما: (وقضاءه أيسر علي)، ولأن الصوم ليس إلا عبارة عن الامساك عن
المفطرات، وهو هنا غير متحقق لا لغة ولا عرفا ولا شرعا.
أما الأولان، فظاهران. وأما الثالث، فلأن الحقيقة الشرعية ليست إلا
المعنى المتبادر عند المتشرعة، وليس هو إلا الامساك وعدم إيقاع المفطر
باختيار المكلف، وهو هنا منتف، ولذا يصح سلب اسم الصوم والامساك
عنه، فيقال: ما صام، وما أمسك ولو اضطرارا.
أقول: ويرد على أول أدلة القول الأول: بأن غاية ما يدل عليه نفي
الإثم، وهو لا يلازم انتفاء الافطار ووجوب القضاء، كما في المريض
والحائض والمسافر.
وعلى الثاني: منع خلو الأصل والاستصحاب عن المعارض، لاطلاق
كثير من أخبار الافطار والقضاء، كقوله: (الكذب على الله وعلى رسوله
والأئمة يفطر الصائم) (1).
وفي موثقة سماعة: عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال: (قد
أفطر وعليه قضاؤه) (2).
وقوله: (من تقيأ وهو صائم فعليه القضاء) (3).
وقوله: (من أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنه أكل
متعمدا) (4)، إلى غير ذلك.

(1) الفقيه 2: 67 / 277، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 4.
(2) التهذيب 4: 203 / 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2 ح 3.
(3) التهذيب 4: 264 / 792، الوسائل 10: 88 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 29 ح 6.
(4) الكافي 4: 100 / 2، التهذيب 4: 270 / 815، الإستبصار 2: 115 / 377،
الوسائل 10: 121 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 50 ح 1.
321

وتبادر غير المكره منها ممنوع، كيف؟! ولو كان لكان لأجل عدم
عصيانه، وبعد ملاحظة حال المريض والمسافر والحائض وتناول المفطر
مع عدم مراعاة الفجر كيف يتبادر ذلك؟!
وعلى الثالث: أن عدم لزوم الكفارة على الزوجة المكرهة لا يدل على
عدم إفطارها وعدم وجوب القضاء عليها، بل لا يبعد دلالة ما في بعض
الأخبار من أن على الزوج كفارتين على بطلان صوم الزوجة (1)، إلا إذا كانت
مكرهة بالمعنى الأول لا بالتوعد والتخويف مجردا.
ومن ذلك يظهر ضعف القول الأول.
وأما الثاني وإن أمكن الخدش في بعض أدلته - كقضاء الإمام، لجواز
أفضليته - ولكن البواقي لا خدشة فيها، سيما بضميمة ما قيل من عدم
الفصل بين الافطار ووجوب القضاء (2)، فإذن هو الأقوى، بل لم يبعد القول
بثبوت الكفارة لولا الاجماع المؤيد بعدم ذكر الإمام الكفارة مع ذكر القضاء،
وعدم تبادر المكره من أخبار الكفارة جدا.
فرعان:
أ: الاكراه المسوغ للافطار النافي للكفارة: ما ظن معه الضرر الغير
المتحمل عرفا بنفسه أو ما يجري مجراه، لنفي العسر والحرج والضرر،
وحسنة زرارة: (التقية في كل ضرورة) (3)، وحسنة الفضلاء: (التقية في كل

(1) الكافي 4: 103 / 9، الفقيه 2: 73 / 313، التهذيب 4: 215 / 625، الوسائل
10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.
(2) انظر الرياض 1: 307.
(3) الكافي 2: 219 / 13، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر والنهي ب 25 ح 1.
322

شئ يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله) (1).
وربما يظهر من الدروس اعتبار خوف التلف على النفس (2)، ولعله
لاعتماده على أخبار إفطار الإمام عليه السلام، وتصريحه في بعضها بأن في تركه
ضرب عنقي. ولا يخفى أنه لا دلالة فيها على التخصيص.
ب: قال في المسالك: وحيث ساغ الافطار للاكراه يجب الاقتصار
على ما تندفع به الحاجة، فلو زاد عليه كفر (3).
واعترضه في المدارك بأنه لا يتم على ما اختاره من كون التناول
مكرها مفسدا للصوم، لاختصاص الكفارة بما يحصل به الفطر، وما زاد
عليه لم يستند إليه فطر وإن كان محرما (4).
ورده في الحدائق بأن إيجاب الكفارة لتكفير الذنب، فهي تتحقق في
موضع الإثم، وهو هنا متحقق. وقوله: إن الكفارة تختص بما يحصل به
الفطر، ليس في محله، لفساد الصوم ووجوب القضاء بكثير مما لا كفارة
معه (5).
أقول: تحقق الكفارة في كل ما فيه الإثم - مطلقا، أو مع وقوعه في
الصوم وإيجابه لافطاره - ممنوع، ولا يقول هو به أيضا، بل إنما هي في
مواضع خاصة موجبة للافطار، ولم يعلم أن المورد منها، والأصل ينفيها،
وغرض المدارك ليس أن كل ما يحصل به الفطر فيه الكفارة، بل أن الكفارة
المعهودة ليست إلا في موضع الفطر.

(1) الكافي 2: 220 / 18، الوسائل 16: 214 أبواب الأمر والنهي ب 25 ح 2.
(2) انظر الدروس 1: 273.
(3) المسالك 1: 71.
(4) المدارك 6: 71.
(5) الحدائق 13: 66.
323

المقام الرابع: في الجاهل بالحكم، وذهب الحلي إلى أنه لا شئ
عليه من القضاء والكفارة (1)، واختاره في الحدائق (2)، وهو ظاهر الجامع (3)،
ومحتمل موضع من المنتهى والاستبصار والتهذيب (4)، بل حكي جزما عن
موضع من الأخير.
والمشهور - كما قاله جماعة -: فساد صومه ووجوب القضاء عليه، إما
مع الكفارة - كما جزم به في موضع من المنتهى والتذكرة (5)، ويحتمله كلام
المختلف (6)، ونسبه في الكفاية إلى الأكثر (7) - أو بدونها، كالمعتبر
والدروس وحواشي القواعد للشهيد والروضة والمدارك ومحتمل
المختلف (8)، واحتمله في موضع من المنتهى والتذكرة (9)، ونسبه في
المدارك إلى أكثر المتأخرين (10).
حجة الأولين: الأصل الخالي عن المعارض، لانحصاره بعمومات
القضاء والكفارة المخصوصين بغير الجاهل، إما بحكم التبادر، أو لأجل
تقييد الأكثر بمتعمد الافطار الغير الصادق هنا وإن كان متعمدا للفعل، لأن
تعمد الافطار لا يكون إلا مع العلم بكونه مفطرا، وبه تقيد المطلقات أيضا،

(1) السرائر 1: 386.
(2) الحدائق 13: 66.
(3) الجامع للشرائع: 157.
(4) المنتهى 2: 569، الإستبصار 2: 81، التهذيب 4: 208 / ذ. ح 602.
(5) المنتهى 2: 577، التذكرة 1: 259.
(6) المختلف: 223.
(7) كفاية الأحكام: 48.
(8) المعتبر 2: 662، الدروس 1: 272، الروضة 2: 90، المدارك 6: 66،
المختلف: 223.
(9) المنتهى 2: 569، التذكرة 1: 262.
(10) المدارك 6: 66.
324

ولوجوب حملها على المقيد.
مع أنه على فرض التعارض يجب التخصيص بغير الجاهل، لموثقة
زرارة وأبي بصير: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان، أو أتى أهله
وهو محرم، وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له، قال: (ليس عليه
شئ) (1).
المعتضدة بروايات معذورية الجاهل، كصحيحة عبد الصمد الواردة
فيمن لبس قميصا حال الاحرام، وفيها: (وأي رجل ركب أمرا بجهالة
فلا شئ عليه) (2).
وفي صحيحة ابن الحجاج المتضمنة لحكم تزويج المرأة في عدتها،
وفيها: قلت: فبأي الجهالتين أعذر، بجهالته أن ذلك محرم عليه، أم جهالته
أنها في العدة؟ فقال: (إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأن الله
حرم عليه، وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها)، فقلت: فهو في الأخرى
معذور؟ فقال: (نعم) (3).
احتج الثاني: أما على الفساد فبإطلاق المفسدات، وأما على القضاء
والكفارة فبعموماتهما (4) وإطلاقاتهما.
وأجابوا عن أدلة الأولين باندفاع الأصل بما ذكر، مع منع التبادر
المذكور، لعدم تصور ما يوجبه سوى شيوع غير الجاهل، وهو بالنسبة

(1) التهذيب 4: 208 / 603، الإستبصار 2: 82 / 249، الوسائل 13: 109 أبواب
كفارات الاستمتاع ب 2 ح 4.
(2) التهذيب 5: 72 / 239، الوسائل 12: 488 أبواب تروك الاحرام ب 45 ح 3.
(3) الكافي 5: 427 / 3، التهذيب 7: 306 / 1274 بتفاوت يسير، الإستبصار 3:
186 / 676، الوسائل 20: 450 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ب 17 ح 4.
(4) الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10.
325

إلى جميع المفطرات ممنوع، ولو سلم فلم يبلغ حدا يوجب الانصراف
إليه.
ومنع التقييد بمتعمد الافطار في القضاء، بل صرح بمتعمد الفعل
أيضا، كما مر بعضه في المقام السابق (1). وأما في الكفارة فإن تقيد به في
كثير من الأخبار (2)، إلا أن التقييد فيها مخصوص إما بالسؤال - كالأكثر - أو
بالجواب أيضا، مع تقييد السؤال - الذي هو سبب تقييد الجواب، الموجب
لعدم حجية مفهوم الشرط أو الوصف - بنفسه، ومثل ذلك لا يوجب تقييد
المطلقات، كرواية محمد بن نعمان: عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان،
فقال: (كفارته جريبان) (3).
وموثقة سماعة: عن رجل لزق بأهله فأنزل، قال: (عليه إطعام ستين
مسكينا) الحديث (4).
ورواية الهروي: (وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة
واحدة، وقضاء ذلك اليوم) (5).
وأما معارضة الموثقة معها فهي وإن كانت أخص - من حيث
اختصاصها بالجاهل - إلا أنها لا تصلح للتخصيص، لأنه فرع التكافؤ

(1) راجع ص: 308.
(2) انظر الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8.
(3) الفقيه 2: 73 / 312، التهذيب 4: 322 / 987، الوسائل 10: 47 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 8 ح 6.
والجريب: مكيال قدر أربعة أقفزة - القاموس المحيط 1: 47.
(4) التهذيب 4: 320 / 980، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8
ح 12.
(5) الفقيه 3: 238 / 1128، التهذيب 4: 209 / 605، الإستبصار 2: 97 / 316،
الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
326

المفقود في المقام، لأكثرية العمومات عددا، وأصحيتها سندا، وأشهريتها
عملا.
ودليل الثالث: أما على إثبات الفساد والقضاء فما مر، وأما على نفي
الكفارة فبما ذكر من تقييد أخبارها بتعمد الافطار المنتفي في المقام، حيث
إن قصد الافطار لا يكون إلا مع اعتقاد الافساد.
وحمل الافطار على تناول المفطر خلاف الأصل. سلمنا، ولكنه غير
متعين، واحتمال إرادة الافساد كاف.
أقول: حق المحاكمة بين هذه الفرق الثلاث أنه لا يصح الاستناد إلى
قيد تعمد الافطار، لوجود المطلقات بالنسبة إليه في كل من القضاء الكفارة،
وعدم صلاحية المقيدات لتقييدها، لورود القيد كما في السؤال أو في
الجواب أيضا، لذكره في السؤال الموجب لعدم اعتبار مفهوم له، سيما في
أخبار القضاء، وبعد رفع اليد عن ذلك يحصل التعارض بين تلك المطلقات
والموثقة.
وما سبق - من أن التعارض فرع التكافؤ، وهو هنا غير حاصل - غير
مسموع، لأن كثرة العدد وصحة السند والشهرة العملية - ما لم تخرج
بتعارضها عن الحجية بالشذوذ - وإن كانت مقوية، إلا أنها لا تصلح على
التحقيق للترجيح، بعد كون أصل الخبر الآخر حجة، بل معاضدة بعمومات
أخر وبالأصل (1)، فضلا عن أن يكون المعارض خاصا مطلقا، فإنه حينئذ
يكون قرينة للتخصيص ويكفي فيها مجرد الحجية، ولا اعتناء في القرائن
إلى وجوه التراجيح.

(1) في (س) زيادة: وإن لم نعتبرها فيه أيضا.
327

وعلى هذا، فنقول: إن تعارض الموثقة مع مطلقات الكفارة بالعموم
المطلق، لأن أخبار الكفارة وإن كانت مخصوصة على الظاهر بالكفارة
- فيتوهم وجه خصوصية لها، حيث إن الموثقة تنفي الشئ مطلقا - إلا
أن ثبوت الكفارة يستلزم ثبوت القضاء أيضا بالاجماع المركب، بل الإثم
للتقصير، فتساوي الموثقة من تلك الجهة، حيث إن الشئ المنفي لا
يخرج عن هذه الثلاثة بالاجماع وشاهد الحال، وتبقى الموثقة أخص
من جهة الجاهل، فيلزم تقديم الموثقة ونفي الكفارة، وبه يطرح القول
الثاني.
وأما مع مطلقات القضاء وإن كان تعارضها بالعموم من وجه - لأن
المطلقات تثبت القضاء والموثقة تنفي الشئ مطلقا - إلا أن الأصل مع
الموثقة، وهو المرجح عند فقد الترجيح والتخيير كما في المقام، وهو مع
عدم القضاء أيضا، وبه يبطل القول الثالث أيضا، فيبقى الأول، وعليه
الفتوى، وهو المعول.
ولكن الظاهر اختصاص ذلك بالجاهل الساذج، والمراد منه: من
لا يشك في عدم الافساد به، ولا يخطر بباله احتمال الضرر، لأنه الظاهر من
قوله: وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال له (1). ولا أقل من احتمال ذلك
المعنى، وهذا المعنى هو الذي لا يقدر معه على الاحتياط كما في صحيحة
ابن الحجاج (2)، فتبقى المطلقات في غيره خالية عن المعارض.
فالحق في المسألة: انتفاء الإثم والقضاء والكفارة مع الجهل الساذج،

(1) تقدم في ص: 311.
(2) المتقدمة في ص: 312.
328

ووجود الثلاثة مع غيره من أنواع الجهل.
فروع:
أ: من أفراد المفطر جهلا: من تناول شيئا من المفطرات نسيانا، ثم
ظن فساد الصوم به، فتعمد فعل المفطر، وحكمه ما مر بعينه.
وعن الخلاف والمبسوط والمعتبر والتذكرة: أن حكمه حكم
العمد (1).
وعن بعض القدماء (2) والدروس وحاشية القواعد للشهيد: أن عليه
القضاء خاصة (3).
ب: من تناول شيئا منها سهوا مع تذكر الصوم - أي من غير إرادة
التناول والالتفات، كأن يشتغل بأمر وصدر منه لمس امرأته من غير إرادة
ولا التفات إليه فأمنى - فالظاهر أن حكمه حكم النسيان.
ج: الجاهل بحرمة الارتماس لا يبطل غسله إن كان من أول قسمي
الجاهل، لعدم النهي. ويبطل إن كان من ثانيهما، لوجوده.
د: لو كان جاهلا بإفساد شئ للصوم عالما بتحريمه فيه يبطل معه
الصوم، وعليه القضاء والكفارة، لعموماتهما الفارغة عن مكافئة الموثقة، إذ
فيها: أنه لا يرى إلا أنه حلال (4).
ومنه تظهر قوة الفساد والقضاء والكفارة مع العلم بالتحريم مطلقا

(1) الخلاف 2: 190، المبسوط 1: 273، المعتبر 2: 663، التذكرة 1: 259.
(2) نقله في المبسوط 1: 273 عن بعض أصحابنا.
(3) الدروس 1: 272.
(4) تقدمت في ص: 311.
329

وإن لم يعلم تحريمه من حيث الصيام، كما في الكذب على الله
سبحانه.
330

الفصل الرابع
في وقت الامساك عن الأمور المذكورة
ومبدؤه: طلوع الفجر الثاني، بالكتاب والسنة والاجماع، بل
الضرورة.. إلا في الجماع، فمن زمان يبقى إلى طلوع الفجر زمان لم يعلم
عدم اتساعه للوقاع والاغتسال، بل ولم يظن أيضا، على القول الأصح من
بطلان الصوم بتعمد البقاء على الجنابة، ويأتي على القول الآخر جوازه إلى
الفجر.
ومنتهاه: دخول الليل، بالثلاثة أيضا، وإن اختلفوا فيما به يتحقق
دخوله من استتار القرص أو ذهاب الحمرة المشرقية، وقد تقدم تحقيقه في
بحث مواقيت الصلاة مفصلا، وأنه الاستتار على الحق المختار (1).
وقد مر الكلام في الافطار بظن الليل والأكل باستصحابه في الفصل
الثاني (2).
مسألة: يستحب تقديم الصلاة على الافطار، إلا أن يكون هناك من
ينتظر إفطاره أو لا يقوى على الصلاة قبله، للمعتبرة:
كصحيحة الحلبي: عن الافطار قبل الصلاة أو بعدها؟ قال: (إن كان
معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم، وإن كان غير ذلك
فليصل وليفطر) (3).
وموثقة زرارة والفضيل: (في رمضان تصلي ثم تفطر إلا أن تكون مع

(1) راجع ج 1 ص: 236 حجري.
(2) راجع ص: 268 - 276.
(3) الكافي 4: 101 / 3، الفقيه 2: 81 / 360، التهذيب 4: 185 / 517، الوسائل
10: 149 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 1.
331

قوم ينتظرون الافطار، فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم وأفطر ثم صل،
وإلا فابدأ بالصلاة) (1).
ومرسلة ابن بكير: (يستحب للصائم - إن قوي على ذلك - أن يصلي
قبل أن يفطر) (2).
وقد يشترط في استحباب تقديم الصلاة عدم منازعة نفسه، لأن معها
ينتفي الحضور المطلوب في الصلاة، وتدل عليه مرسلة المقنعة أيضا (3).
والمراد بالصلاة المأمور بتقديمها: صلاة المغرب وحدها لا مع العشاء
أيضا، لأن وقتها هو الذي يصادم وقت الافطار دون العشاء، سيما مع ما
كانوا عليه من التفريق بين الصلاتين.

(1) التهذيب 4: 198 / 570، الوسائل 10: 150 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 2.
(2) التهذيب 4: 199 / 575، الوسائل 10: 150 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 3.
(3) المقنعة: 318، الوسائل 8: 151 أبواب آداب الصائم ب 7 ح 5.
332

الفصل الخامس
فيمن يصح منه الصوم
أي بيان شرائط التكليف به وجوبا أو ندبا، فإنه مع انتفاء التكليف
لا أمر فلا صحة، لأنها موافقة المأمور به، وهي أمور:
الأول: البلوغ.
فلا يصح الصوم شرعا من الصبي الغير المميز، ولا يقع منه إجماعا،
وكذا من المميز عند جماعة، كالمختلف والايضاح والبيان والروضة (1)،
وهو ظاهر الفقيه والمحقق الثاني (2)، وقواه في المنتهى (3).
للأصل، فإن الصحة الشرعية هي موافقة أمر الشارع، والأصل عدم
تعلق أمر بالصبي.
وعموم رفع القلم الشامل للندب أيضا (4)، وتخصيصه بالوجوب
والمحرم - كما قيل (5) - غير واضح الوجه.
ولأن الأمر تكليف، وهو بالبلوغ مشروط.
ولظاهر الأخبار، كرواية الزهري الطويلة، وفيها: (الصوم على أربعين
وجها، فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وعشرة أوجه منها

(1) المختلف: 216، الإيضاح 1: 243، وفي البيان: 362 ما هو موافق لما عليه
في الدروس واللمعة من المخالفة، الروضة 2: 102.
(2) الفقيه 2: 48 / 208، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3: 82.
(3) المنتهى 2: 562.
(4) الوسائل 1: 42 أبواب مقدمة العبادات ب 4.
(5) انظر المدارك 6: 42.
333

صيامهن حرام، وأربعة عشر وجها منها صاحبها فيها بالخيار إن شاء صام
وإن شاء أفطر، وصوم الإذن، وصوم التأديب) ثم ذكر عليه السلام الأقسام وعد من
أقسام ما فيها بالخيار كثيرا من أقسام المندوب، إلى أن قال: (وأما صوم
التأديب فأن يؤخذ الصبي إذا راهق بالصوم تأديبا، وليس ذلك بفرض،
وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالامساك عن
الطعام يومه تأديبا، وليس بفرض، وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار
ثم قدم أهله، وكذلك الحائض إذا طهرت) (1)، وقريب منها الخصالي (2)
والرضوي (3)، فإن الظاهر من جعل صومه قسيم المندوب ومثل صوم
الحائض والمسافر عدم كونه شرعيا، ويؤكده ما في المستفيضة من أخذه
بالصوم بعض اليوم (4).
خلافا للشيخ والمحقق (5) والفاضل في جملة من كتبه (6) واللمعة
والدروس (7).
لأن الولي مأمور شرعا بأمره، والأمر بالأمر أمر، وإذا تحقق الأمر
تحققت الصحة.
ولاطلاق الأوامر وشمولها له.

(1) الكافي 4: 83 / 1، الفقيه 2: 46 / 208، التهذيب 4: 294 / 895، الوسائل
10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.
(2) الخصال 2: 534 / 2، الوسائل 10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.
(3) فقه الرضا (ع): 200، مستدرك الوسائل 7: 487 أبواب بقية الصوم الواجب
ب 1 ح 1.
(4) الوسائل 10: 233 أبواب من يصح منه الصوم ب 29.
(5) الشيخ في المبسوط 1: 266، المحقق في الشرائع 1: 197.
(6) كالتذكرة 1: 266، والتحرير: 81.
(7) اللمعة (الروضة 2): 102، الدروس 1: 268.
334

وتدل عليه أيضا الأخبار المجوزة لعتقه ووصيته وإمامته (1).
ولأن شرعية صومه مما لا شك فيها، فإن النبي صلى الله عليه وآله أمر ولي الصبي
به، وعن أئمتنا عليهم السلام (إنا نأمر صبياننا بالصيام ما أطاقوا) (2)، ومع ذلك فيه
تمرين على الطاعة، فشرعيته ثابتة من الشارع، فيكون صحيحا، وإذ
لا وجوب عليه فينوي الندب.
أقول: أما الأولون، فإن كان مرادهم عدم صحة الصوم منه مطلقا
- سواء كان من شهر رمضان أو غيره من الواجبة والمستحبة وكون كل صوم
منه محض التمرين والتأديب - فكلامهم غير صحيح، إذ المقتضي لصحة
صومه في الجملة وشرعيته موجود، والمانع مفقود.
أما الأول، فلعموم بعض الأخبار في الصوم المستحب، كما في
مرسلة سهل في سبعة وعشرين من رجب: (فمن صام ذلك اليوم كتب الله
له صيام ستين شهرا) (3)، ومثلها من الأخبار كثيرة جدا (4).
والقول: بأن الأوامر الاستحبابية منساقة لبيان أصل الاستحباب، فأما
من يستحب له فالمتضمن للمستحبات بالنسبة إليه مجمل، وبأن المتبادر
منها من عدا الصبيان.
ففاسد جدا، لأن شيئا منهما لا يجري في مثل ما ذكرنا، وإن أمكن

(1) انظر الوسائل 8: 321 أبواب صلاة الجماعة ب 14، والوسائل 19: 360 في
كتاب الوصايا ب 44.
(2) الكافي 4: 124 / 1، التهذيب 4: 282 / 853، الإستبصار 2: 123 / 400،
الوسائل 10: 334 أبواب من يصح منه الصوم ب 29 ح 3.
(3) الكافي 4: 149 / 2، التهذيب 4: 304 / 919، الوسائل 10: 448 أبواب
الصوم المندوب ب 15 ح 5.
(4) الوسائل 10: 447 أبواب الصوم المندوب ب 15.
335

في بعض آخر.
وأما الثاني، فللأصل، وعدم تصور مانع غير الأدلة التي ذكروها.
والكل مردود:
أما الأصل، فبالعموم المذكور.
وأما حديث رفع القلم، فبمنع العموم فيه، إذ ليس المراد بالقلم
ولا برفعه حقيقته، ومجازه متعدد، فلعله قلم التكليف، أو قلم المؤاخذة،
أو قلم كتابة السيئات، كما ورد في حديث يوم الغدير: (إنه يوم يأمر الله
سبحانه الكتبة أن يرفعوا القلم عن محبي أهل البيت إلى ثلاثة أيام،
ولا يكتبوا خطأ ولا معصية) (1).
وأما كون الأمر تكليفا، فهو ممنوع بإطلاقه، وإنما هو في الايجابي،
ولو سلم فاشتراط مطلق التكليف بالبلوغ ممنوع.
وأما الأخبار، فلأن الظاهر منها هو صيام شهر رمضان، وهو الذي
يحتاج إلى التأديب.
وأما الآخرون، فإن كان مرادهم عليهم السلام أن كل صوم منه شرعي مندوب في
حقه، فهو مما لا دليل عليه.
وكون الأمر بالأمر أمرا ممنوع.
وإطلاق الأوامر مخصوص ببعض المستحبات وإن تعدى إلى الباقي
بالاجماع المركب، وأما الايجابيات فمخصوصة بالمكلفين، إذ لا وجوب
على الصبي.
وتعميم الأوامر الوجوبية، ورفع المنع في الصبي فيبقى الندب،
استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز، وهو غير جائز.

(1) إقبال الأعمال: 464.
336

والمراد بشرعية صومه إن كان: رضاء الشارع به، فهو غير الأمر، بل
هو كرضائه بذهاب الحمار من الطريق الفلاني إذا قال لصاحبه: اذهب به من
هذا الطريق. وإن كان: أمره به، فهو غير متحقق في جميع أفراد الصيام.
وبما ذكر ظهر أن الحق: شرعية صومه المستحب مطلقا، وتمرينية
الواجب - لا شرعيته - وصحته.
وإن أريد بالشرعية: مطلق رضاء الشارع أو أنه أمر الولي بتمرينه
عليه، فلا مشاحة، كما أنه لا مضايقة في أن يوصف بالصحة بمعنى الموافقة
للأمر الصادر عن أمر الشارع، أو لأمر من له الالزام.
فرعان:
أ: قالوا: يتفرع على الخلاف ما لو بلغ في أثناء النهار قبل الزوال بغير
المبطل، فعلى الصحة يجب الاتمام، وعلى عدمها فلا.
أقول: فيه نظر، إذ على فرض الندبية والصحة فما الدليل على
الوجوب في البالغ في الأثناء؟! ولم يثبت علينا الوجوب إلا في المستجمع
للشرائط في تمام النهار.
والحمل - على من قدم أهله قبل الزوال، ونحوه - قياس باطل،
والأصل يقتضي عدم وجوب الاتمام ولا القضاء على القولين، مع أن من
القائلين بالصحة أيضا من يقول بوجوب الاتمام تأديبا لا صوما.
ثم إن للشيخ في كتاب الصوم من الخلاف والمحقق في المعتبر قولا
بوجوب الصوم على الصبي إذا بيت النية وبلغ قبل الزوال (1)، لامكان الصوم
في حقه. وهو ممنوع.

(1) الخلاف 2: 203، والمعتبر 2: 711.
337

ب: المصرح به في كلام كثير من الأصحاب (1) والمنصوص عليه في
صحيحة الحلبي (2) ومرسلة الفقيه (3) والرضوي: أن مبدأ تمرين الصبي إذا
بلغ تسع سنين (4)، فيؤمر بما يطيقه من اليوم أو بعض اليوم، فلا استحباب
للولي قبله ولا بعده بما يعسر عليه ويغلب معه الجوع أو العطش.
وأما موثقة سماعة (5) وصحيحة محمد (6) -: عن الصبي متى يصوم؟
قال: (إذا قوي على الصيام) كما في الأولى، أو: (إذا أطاقه) كما في الثانية -
فمحمولتان على ما ذكر، حملا للمطلق على المقيد، أو على جواز صومه
بإرادته، بمعنى: عدم منع الولي له، لا على أمر الولي - كما ورد في بعض
الأخبار فيما قبل أربع عشرة سنة: (فإن هو صام قبل ذلك فدعه) (7) - أو
على الصوم المستحب، أو على صيام تمام اليوم.
وعن المبسوط والشرائع والنافع والقواعد والمختلف والدروس
واللمعة والروضة (8) وغيرها (9): أن المبدأ سبع سنين، لصدر صحيحة

(1) منهم الصدوق في الفقيه 2: 76، والمقنع: 61، وحكاه عن والده في
المختلف: 234، والشيخ في النهاية: 149، وصاحب المدارك 6: 160.
(2) الكافي 4: 124 / 1، التهذيب 4: 282 / 853، الإستبصار 2: 123 / 400،
الوسائل 10: 234 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
(3) الفقيه 2: 76 / 329، الوسائل 10: 236 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 11.
(4) فقه الرضا (ع): 211، مستدرك الوسائل 7: 393 أبواب من يصح منه الصوم
ب 19 ح 1.
(5) الكافي 4: 125 / 3، الوسائل 10: 234 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.
(6) التهذيب 4: 326 / 1014، الوسائل 10: 236 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 9.
(7) الوسائل 10: 233 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29.
(8) قال في المبسوط 1: 266... وحد ذلك بتسع سنين فصاعدا، وقال في المختلف:
233 نقلا عن المبسوط القول بسبع سنين، الشرائع 1: 198، النافع: 68،
القواعد 1: 68، المختلف: 234، الدروس 1: 268، اللمعة والروضة 2: 105.
(9) كالرياض 1: 318.
338

الحلبي: (إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا)،
وظاهره اختصاص ذلك بأولادهم، كما يستفاد من قوله في ذيلها: (فمروا
صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين).
بل أطلق جماعة تمرينه قبل السبع (1)، وجعلوه بعده مشددا، جمعا
بين صدر الصحيحة وبين ما تحدده بالطاقة. ويظهر ما فيه مما ذكرنا.
ثم إن الأخبار مخصوصة بالصبي، ولا تعرض فيها للصبية، بل في
الرضوي صرح بالغلام، ولذا توقف فيها بعض مشايخنا الأخباريين، بل
قال: ومن الجائز اختصاص هذا الحكم بالصبي خاصة (2). إنتهى.
إلا أن كثيرا من الأصحاب قد عمموا الحكم فيهما (3)، وحيث إن
المقام مقام الاستحباب على الولي فلا بأس بإثباته، للتسامح، إلا أنه لا مبدأ
معينا فيها، بل يقال: يستحب تمرينها، فتأمل.
ثم الممرن للصيام ينوي القربة أيضا تمرينا لا شرعا، ولو نوى
الوجوب أيضا لذلك جاز.
الثاني: العقل.
فلا يصح الصوم من المجنون بلا خلاف ظاهر، قالوا: لقبح تكليف
غير العاقل (4).
قالوا: ولا يمرن المجنون ولا يؤمر بالصوم كما يؤمر الصبي،
بلا خلاف، لأنه غير مميز، بخلاف الصبي، فإنه مميز، فكانت للتكليف في

(1) كما في المسالك 1: 76، والرياض 1: 318.
(2) الحدائق 13: 180.
(3) كما في المسالك 1: 76، والمدارك 6: 162، والرياض 1: 318.
(4) كما في المنتهى 2: 585.
339

حقه فائدة، بخلاف المجنون (1).
قيل: ويشكل ذلك في بعض المجانين، لوجود التمييز فيهم (2)، بل
ربما كان أكثر من تمييز الصبي المميز، فإن كان جنونهم دوريا أو كانت
الإفاقة منهم مرجوحة كان ينبغي تمرينهم على ما تمرن عليه الصبيان.
إلا أن يقال: إن وجوب التمرين أو استحبابه حكم شرعي لا يثبت إلا
بدليل، ولا دليل هنا كما يوجد في الصبي، فالمناط عدم الدليل لا عدم التمييز.
ويظهر منه القدح في الاستناد في نفي تكليف المجنون بقبح تكليف
غير العاقل، فإن من المجانين من يعقل تكليفه، فإنا رأينا منهم من يضرب
الناس ويشتمهم ويضحك ويبكي بلا سبب ويتلف ماله، وكانت له دقة في
صلاته وصيامه، وكان يتعقل التكليف والثواب والعقاب، ويحفظ آداب
عبادته وأحكامها ومسائلها.
بل في دلالة حديث: (وعن المجنون حتى يفيق) (3) على رفع
تكليف مثل ذلك أيضا تأمل، إذ ظاهره رفع القلم فيما جن فيه، كما في
المكره والناسي لا مطلقا، فلو ثبت فيه الاجماع وإلا فنفي التكليف عن مثله
مشكل، فإن الجنون فنون، ومن فنونه ما لا يعقل بعض الأمور ويعقل بعضها.
فروع:
أ: حكي عن الفاضل (4) وغيره (5): أن الجنون إذا عرض في أثناء

(1) انظر المنتهى 2: 585.
(2) انظر الروضة 2: 102.
(3) الخصال: 93 / 40، الوسائل 10: 45 أبواب مقدمة العبادات ب 4 ح 11.
(4) في المختلف: 228، والمنتهى 2: 585.
(5) كصاحب الحدائق 13: 165.
340

النهار لحظة أبطل صومه. وعن الشيخ: أنه حكم بالصحة مع سبق النية (1).
قال في المدارك: ولا يخلو من قرب (2). ويأتي تحقيقه في المغمى عليه.
ب: لا يصح صوم المغمى عليه على الحق المشهور، كما صرح به
جماعة (3)، لرواية ابن سنان: (كلما غلب الله عليه فليس على صاحبه
شئ) (4)، فلا صوم عليه، ولأن الصحة فرع الأمر، الذي هو فرع العقل
ضرورة وإجماعا ونصا.
والنقض بالنائم مردود بالفرق، فإن له العقل دون المغمى عليه، ولو
سلم فكون حكم شئ خلاف الأصل بالدليل لا يوجب التعدي إلى غيره،
لا بمعنى أن النائم مكلف حال النوم على خلاف الأصل، بل بمعنى صحة
صوم من بعض يومه في النوم وكفاية سائر الأجزاء مع سبق النية، بل كفاية
مطلق سبق النية ولو نام في تمام الأجزاء.
ثم إنه لا فرق فيما ذكرنا بين ما إذا سبقت منه النية أو لا، طرأه الاغماء
في جميع النهار أو بعضه، في أوله أو أثنائه أو آخره، لما ذكر بعينه.
خلافا للمحكي عن المقنعة والمبسوط والخلاف والسيد والديلمي
والقاضي، فحكموا بصحة صومه مع سبق النية (5)، ولا دليل يعتد به لهم
سوى القياس على النائم، وفساده ظاهر، أو جعل سبق النية موجبا لبقاء

(1) المبسوط 1: 285.
(2) المدارك 6: 138.
(3) انظر الذخيرة: 525، والحدائق 13: 167.
(4) التهذيب 4: 245 / 726، الوسائل 10: 226 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24
ح 3.
(5) المقنعة: 352، المبسوط 1: 285، الخلاف 2: 198، السيد في جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 57، والديلمي في المراسم: 98، القاضي
في المهذب 1: 196.
341

النية الحكمية مع الاغماء، ويضعف بأن النية الحكمية إنما تفيد مع وجود
التكليف.
وقيل: الحق أن الصوم إن كان عبارة عن مجرد الامساك عن الأمور
المخصوصة مع النية وجب حكمنا بصحة صوم المغمى عليه إذا سبقت منه
النية.
وإن اعتبر مع ذلك وقوع جميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب
- بحيث يكون كل جز من أجزائه موصوفا بذلك - تعين القول بفساد ذلك
الجزء الواقع في حال الاغماء، ويلزم منه فساد الكل، إذ الصوم لا يتبعض،
إلا أن ذلك منفي بالأصل، ومنقوض بالنائم (1).
وفيه: إنا نختار الأول، ولا تلزم منه صحة صوم المغمى عليه..
أما أولا: فلعدم تحقق الامساك منه حال الاغماء، لأنه فرع الشعور،
ومطلق عدم تحقق الأمور المخصوصة ليس إمساكا ولا صوما.
وأما ثانيا: فلعدم تحقق النية حال الامساك، لا الفعلية منها ولا الحكمية.
وأما ثالثا: فلأن الصوم هو إمساك المكلف عما ذكر، والمغمى عليه
ليس مكلفا.
ج: السكران كالمغمى عليه حتى في عدم الوجوب وإن كان السكر
بفعله، لما مر من قبح تكليف غير العاقل.
د: لا خلاف في صحة صوم النائم إذا سبقت منه النية وإن استمر نومه
جميع النهار، وعليه الاجماع مستفيضا، وتدل عليه - بعد الاجماع، وتحقق
الامساك مع النية - المتواترة من الأخبار، المتضمنة لنحو: (إن الله يطعم

(1) المدارك 6: 140.
342

الصائم ويسقيه في منامه) (1) و: (إن نوم الصائم عبادة) (2): و: (إن الصائم
في عبادة وإن كان نائما في فراشه) (3).
والمراد بصومه: كونه بحيث ينعقد قلبه وجوارحه عليه قبل النوم
وبعده، بحيث لو سئل عنه في الحالين يجيب بأني صائم، وهذه نيته
الحكمية كالساهي.
والمراد بصحته: كونه مأمورا بذلك العقد المتقدم والمتأخر، لا أنه
مكلف به حال النوم، ولم يثبت اشتراط النية أزيد من ذلك، فإن هذه نيته
الحكمية.
ولا ينتقض بالمغمى عليه، لا لأنه لا عقل له حال الاغماء،
فلا تكليف حينئذ، فلا أمر فلا صوم، لعدم تبعضه، بخلاف النوم، فإن
عقله باق وإن كانت حواسه الظاهرية مغطاة، إذ لم يثبت لنا فرق بين عقل
النائم والمغمى عليه، بحيث يصلح أحدهما للتكليف معه دون الآخر..
بل للنصوص والاجماع، فإن مقتضى الأصل وقاعدة عدم تكليف غير
الشاعر حين عدم الشعور وعدم تبعض الصوم: بطلان صومهما معا.
إلا أن الدليل أخرج النائم، بمعنى: أن الدليل جعل صومه عقد القلب
والجوارح في طرفي النوم من النهار، فهو صوم النائم، وجعل صوما من
جانب الشارع، فمن كان كذلك فهو صائم ولا قضاء عليه إجماعا.

(1) الكافي 4: 65 / 14، ثواب الأعمال: 51، الوسائل 10: 136 أبواب آداب
الصائم ب 2 ح 1.
(2) الكافي 4: 64 / 12، ثواب الأعمال: 51، المقنعة: 304، الوسائل 10: 136
أبواب آداب الصائم ب 2 ح 2.
(3) الكافي 4: 64 / 9، التهذيب 4: 190 / 538، المقنعة: 304، ثواب الأعمال:
51، الوسائل 10: 137 أبواب آداب الصائم ب 2 ح 3.
343

بخلاف المغمى عليه ونحوه، لفقد الدليل المخرج عن الأصل.
الثالث: الاسلام.
بالاجماع، فلا يصح من الكافر بأنواعه، لعدم تأتي قصد القربة
وامتثال الأمر به منه، لانكاره له، مع أنه شرط في الصحة إجماعا.
نعم، يجب عليه عندنا، بناء على أنه مكلف بالفروع، كما حققناه في
محله.
ومما يدل على عدم الصحة منه المروي في العلل: (إنما يتقبل الله من
العبادات العمل بالفرائض التي افترضها الله على حدودها مع معرفة من دعا
إليه) قال: (وإن صلى وزكى وحج واعتمر وفعل ذلك كله بغير معرفة من
افترض الله عليه طاعته، فلم يفعل شيئا من ذلك، لم يصل ولم يصم ولم
يزك ولم يحج ولم يعتمر ولم يغتسل من الجنابة ولم يتطهر ولم يحرم لله
حراما ولم يحل له حلالا، وليس له صلاة وإن ركع وإن سجد، ولا له زكاة
ولا حج، وإنما ذلك كله بمعرفة رجل أمر الله تعالى على خلقه بطاعته وأمر
بالأخذ عنه، فمن عرفه وأخذ عنه أطاع الله) (1).
ولا فرق في ذلك بين الكفر في تمام اليوم أو بعضه، فلا يصح ممن
أسلم في أثناء النهار في ذلك النهار، كما صرح به في صحيحة العيص: عن
قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام، هل عليهم أن يقضوا ما
مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه؟ فقال: (ليس عليهم قضاء ولا يومهم
الذي أسلموا فيه، إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر) (2).

(1) 199 العلل: 250 / 7 بتفاوت يسير، الوسائل 1: 124 أبواب مقدمة العبادات ب 29 ح 18.
(2) الكافي 4: 125 / 3، الفقيه 2: 80 / 357، التهذيب 4: 245 / 728، الإستبصار
2: 107 / 349، الوسائل 10: 327 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 1.
344

خلافا للمحكي عن المبسوط والمعتبر، فأوجبا صوم يوم أسلم قبل
زواله (1)، لاطلاق الأمر بالصوم وبقاء وقت النية. والصحيحة المذكورة ترده.
ولا يجب على الكافر قضاء ما فاته حال الكفر أيضا، للمعتبرة من
الأخبار، كالصحيحة المتقدمة، وصحيحة الحلبي (2)، ورواية مسعدة (3)، ومرسلة
الفقيه (4). وأما موثقة الحلبي الآمرة بالقضاء (5) فمحمولة على الاستحباب.
الرابع: الخلو عن الحيض والنفاس.
بالاجماع المحقق، والمحكي مستفيضا (6)، واستفاضت عليه
الروايات، بل تواترت أيضا (7)، فلا يصح الصوم منهما ولو رأت الدم في
أول جز من النهار أو آخره، كما نطقت به الأخبار واتفقت عليه كلمات
الأصحاب. ورواية أبي بصير (8) - الظاهرة في الاعتداد بالصوم لو رأت الدم
بعد الزوال - متروكة، وإلى الوهم منسوبة.

(1) المبسوط 1: 286، المعتبر 2: 711.
(2) الكافي 4: 125 / 1، التهذيب 4: 245 / 727، الإستبصار 2: 107 / 348،
الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 2.
(3) الكافي 4: 125 / 2، التهذيب 4: 246 / 729، الإستبصار 2: 107 / 350،
الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 4.
(4) الفقيه 2: 80 / 356، الوسائل 10: 328 أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 3.
(5) التهذيب 4: 246 / 730، الإستبصار 2: 107 / 351، الوسائل 10: 329
أبواب أحكام شهر رمضان ب 22 ح 5.
(6) انظر المعتبر 2: 683، والمنتهى 2: 585، والرياض 1: 321.
(7) الوسائل 2: 346 أبواب الحيض ب 41 و 394 أبواب النفاس ب 6.
(8) التهذيب 1: 393 / 1216، الإستبصار 1: 146 / 500، الوسائل 10: 232
أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 4.
345

الخامس: الخلو عن السفر.
فلا يصح صوم واجب مطلقا - منذورا كان أو غيره - ولا مندوب في
السفر، إلا ما استثني منهما، فها هنا ثلاثة مقامات:
المقام الأول: عدم صحة صوم واجب غير ما استثني.
ولا ريب فيه، بل هو إجماعي مدلول عليه بالأخبار المتواترة..
وهي بين ما يدل على الحكم في مطلق الصوم، كصحيحتي صفوان
والحلبي:
الأولى: عن الرجل يسافر في شهر رمضان فيصوم، فقال: (ليس من
البر الصيام في السفر) (1)، فإن الجواب عام وإن كان المورد خاصا.
والثانية: رجل صام في السفر، فقال: (إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله
نهى عن ذلك فعليه القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه) (2).
وموثقة زرارة: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم في السفر في شهر
رمضان ولا غيره) (3).
ورواية محمد بن حكيم: (لو أن رجلا مات صائما في السفر ما
صليت عليه) (4).

(1) التهذيب 4: 217 / 632، الوسائل 10: 177 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 10.
(2) الكافي 4: 128 / 1، الفقيه 2: 93 / 417، التهذيب 4: 220 / 643، الوسائل
10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 3.
(3) التهذيب 4: 235 / 691، الإستبصار 2: 102 / 333، الوسائل 10: 201
أبواب من يصح منه الصوم ب 11 ح 4.
(4) الكافي 4: 128 / 7، الفقيه 2: 91 / 405، التهذيب 4: 217 / 629، الوسائل
10: 177 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 ح 9.
346

ومرسلة الفقيه: (ليس من البر الصيام في السفر) (1).
وموثقة سماعة: عن الصيام في السفر، فقال: (لا صيام في السفر، قد
صام أناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فسماهم العصاة، فلا صيام في السفر
إلا الثلاثة الأيام التي قال الله تعالى في الحج) (2).
وموثقة عمار: عن الرجل يقول: لله علي أن أصوم شهرا أو أكثر من
ذلك أو أقل، فعرض له أمر لا بد له من أن يسافر، أيصوم وهو مسافر؟
قال: (إذا سافر فليفطر، فإنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو
غيره، والصوم في السفر معصية) (3) إلى غير ذلك.
وبين ما يدل عليه في صيام شهر رمضان، وهي كثيرة جدا.
وما يدل عليه في قضائه، كصحيحة علي: عن رجل يكون عليه أيام
من شهر رمضان وهو مسافر يقضي إذا أقام في المكان؟ قال: (لا، حتى
يجمع على مقام عشرة أيام) (4).
وما يدل عليه في النذر، كخبر كرام: إني جعلت على نفسي [أن
أصوم] حتى يقوم القائم، فقال: (صم، ولا تصم في السفر) الحديث (5).

(1) الفقيه 2: 92 / 411 بتفاوت يسير، الوسائل 10: 177 أبواب من يصح منه
الصوم ب 1 ح 11.
(2) التهذيب 4: 230 / 677، الوسائل 10: 200 أبواب من يصح منه الصوم ب 11 ح 1.
(3) التهذيب 4: 328 / 1022، الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم
ب 10 ح 8.
(4) الكافي 4: 133 / 2، مسائل علي بن جعفر: 262 / 633، قرب الإسناد:
231 / 903، الوسائل 10: 193 أبواب من يصح منه الصوم ب 8 ح 1.
(5) الكافي 4: 141 / 1، التهذيب 4: 233 / 683، الإستبصار 2: 100 / 325،
الوسائل 10: 199 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 9، وما بين المعقوفين
أضفناه من المصادر.
347

ورواية مسعدة: في الرجل يجعل على نفسه أياما معدودة مسماة في
كل شهر، ثم يسافر فتمر به الشهور، أنه (لا يصوم في السفر ولا يقضيها إذا
شهد) (1).
وموثقة زرارة: إن أمي جعلت على نفسها لله عليها نذرا - إلى أن
قال -: (لا تصوم في السفر، وقد وضع الله عنها حقه في السفر) (2).
ورواية ابن جندب: عن رجل جعل على نفسه صوم يوم يصومه
فحضرته نية في زيارة أبي عبد الله عليه السلام، قال: (يخرج ولا يصوم في
الطريق، فإذا رجع قضى ذلك) (3).
ورواية الصيقل: رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي،
فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض، هل
عليه صوم ذلك اليوم، أو قضاؤه، أو كيف يصنع؟ فكتب عليه السلام: (قد وضع
الله الصيام في هذه الأيام كلها) (4).
وما يدل عليه في صوم الظهار، كموثقتي محمد (5) وزرارة (6)، إلى غير
ذلك من الأخبار.

(1) الكافي 4: 142 / 7، التهذيب 4: 329 / 1028، الوسائل 10: 199 أبواب من
يصح منه الصوم ب 10 ح 10.
(2) الكافي 4: 143 / 10، وفي التهذيب 4: 234 / 687، والاستبصار 2: 101 / 329،
بتفاوت يسير، الوسائل 10: 196 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 3.
(3) الكافي 7: 457 / 16، التهذيب 4: 333 / 1048، الوسائل 10: 197 أبواب
من يصح منه الصوم ب 10 ح 5.
(4) التهذيب 4: 234 / 686، الإستبصار 2: 101 / 328، الوسائل 10: 196
أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.
(5) التهذيب 4: 232 / 681، الوسائل 10: 195 أبواب من يصح منه الصوم ب 9 ح 1.
(6) راجع الحدائق 13: 186، الهامش: 5.
348

خلافا للمحكي عن المفيد فيما عدا صوم شهر رمضان (1)، لوجه ضعيف
غايته. وقيل: لم يجوز غير الثلاثة الأيام لدم المتعة، فمذهبه مطابق للمشهور.
المقام الثاني: في عدم صحة الصوم المندوب.
وهو مذهب الصدوقين (2) والحلي والقاضي (3)، وجماعة من
المتأخرين (4)، بل هو المشهور عند القدماء كما صرح به المفيد، بل يظهر
منه أن عليه عمل فقهاء العصابة (5)، وقال الحلي: إنه مذهب جملة المشيخة
الفقهاء من أصحابنا المحصلين (6).
ونسبه في المدارك إلى المفيد (7)، وهو الذي صرح به في أول كلامه،
حيث قال: لا يجوز ذلك إلا ثلاثة أيام للحاجة عند قبر النبي صلى الله عليه وآله أو مشهد
من مشاهد الأئمة (8). ولكن المستفاد من آخره الجواز، كما أن كلام الديلمي
بالعكس (9).
للاطلاقات المتقدمة، وصريح موثقة عمار السابقة (10)، وصحيحة
البزنطي: عن الصيام بمكة والمدينة ونحن بسفر، قال: (فريضة؟) فقلت:
لا، ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة، فقال: (تقول اليوم وغدا؟) قلت:

(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 685، والمختلف: 229.
(2) الصدوق في المقنع: 63، حكاه عن والده في المختلف: 230.
(3) الحلي في السرائر 1: 393، القاضي في المهذب 1: 194.
(4) كصاحبي الذخيرة: 524، والحدائق 13: 200.
(5) انظر المقنعة: 350.
(6) السرائر 1: 393.
(7) المدارك 6: 150.
(8) المقنعة: 350.
(9) المراسم: 98.
(10) في ص: 347.
349

نعم، فقال (لا تصم) (1).
والمروي في تفسير العياشي: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله يصوم في
السفر تطوعا ولا فريضة) (2).
خلافا لجماعة - كالتهذيبين (3) والنهاية والوسيلة والشرائع والشهيد (4)،
وجمع آخر (5)، بل نسب إلى الأكثر (6) - فجوزوه مع الكراهة كبعضهم (7)، أو
بدونها كآخر (8)، لمرسلتي إسماعيل بن سهل والحسن بن بسام:
الأولى: خرج أبو عبد الله عليه السلام من المدينة في أيام بقين من شعبان
وكان يصوم، ثم دخل شهر رمضان وهو في السفر فأفطر، فقيل له: تصوم
شعبان وتفطر شهر رمضان؟! فقال: (نعم، شعبان إلي إن شئت صمت وإن
شئت لا، وشهر رمضان عزم من الله على الافطار) (9).
وقريبة منها الثانية، وفيها: فقال: (إن ذلك تطوع ولنا أن نفعل ما
شئنا، وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا) (10).

(1) التهذيب 4: 235 / 690، الإستبصار 2: 102 / 332، الوسائل 10: 202
أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 2.
(2) تفسير العياشي 1: 81 / 190.
(3) التهذيب 4: 235، الإستبصار 2: 103.
(4) النهاية: 162، الوسيلة: 149، الشرائع 1: 197، الشهيد في الدروس 1: 270.
(5) كما في جامع المقاصد 3: 83، والرياض 1: 317.
(6) انظر الرياض 1: 317.
(7) منهم العلامة في المختلف: 230.
(8) كما في الوسيلة: 149.
(9) الكافي 4: 130 / 1، التهذيب 4: 236 / 692، الإستبصار 2: 102 / 334،
الوسائل 10: 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 4.
(10) الكافي 4: 131 / 5، التهذيب 4: 236 / 693، الإستبصار 2: 103 / 335،
الوسائل 10: 203 أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 5.
350

وصحيحة الجعفري: (كان أبي عليه السلام يصوم عرفة في اليوم الحار في
الموقف) الحديث (1).
ولصحيحة البزنطي المتقدمة، من جهة سؤاله في مقام الجواب عن
كون صومه أيهما، ولولا الفرق لاتجه الجواب ب‍ (لا تصم) (2) مطلقا من غير
استفسار مفهم منه الفرق بين الفريضة والتطوع، وليس إلا كون النهي في
التطوع للكراهة، إذ لا فارق بينهما غيره إجماعا.
والجواب، أما عن المرسلتين: فبأنهما معارضتان مع خصوص
صحيحة البزنطي وموثقة الساباطي (3)، والأخيرتان راجحتان بوجوه عديدة
من المرجحات المنصوصة وغيرها..
من المخالفة لمذهب العامة، فإن ترك الصوم في السفر والمنع منه من
شعار الخاصة.
والموافقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله، كما عرفت في الروايات المتقدمة (4)،
حتى ورد في رواية أبان أنه (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خيار أمتي الذين إذا
سافروا أفطروا) (5).
والأحدثية، حيث إن الصحيحة مروية عن أبي الحسن عليه السلام.
والأصحية سندا.

(1) التهذيب 4: 298 / 901، الإستبصار 2: 133 / 433، الوسائل 10: 203
أبواب من يصح منه الصوم ب 12 ح 3.
(2) راجع ص: 335.
(3) المتقدمة في ص: 335.
(4) في ص: 335.
(5) الكافي 4: 127 / 4، الفقيه 2: 91 / 408، الوسائل 10: 175 أبواب من يصح
منه الصوم ب 1 ح 6.
351

والاعتضاد بشهرة القدماء المحكية، بل المحققة.
والموافقة للأصل.
ولو قطع النظر عن الترجيح يجب الرجوع إلى عمومات المنع
وإطلاقاته، مع أنه لولا ما ذكرنا لزم طرح الصحيحة والموثقة، وهو مما
لا وجه له.
وأما حملهما على الكراهة فبعيد غايته، إذ المراد منها إن كان أقلية
الثواب والمرجوحية الإضافية فهي مما لا تصلح تجوزا لقوله: (لا يحل)
و: (معصية) كما في الموثقة، بل لا وجه للأمر بالافطار كما فيها، والنهي
عن الصوم كما في الصحيحة.
وإن كان الكراهة المصطلحة المطلوب تركه فلا يلائم إطلاق التطوع
عليه، كما في إحدى المرسلتين، ويبعد ارتكاب الإمام له سيما مع ترك
رسول الله صلى الله عليه وآله له.
وأما عن صحيحة الجعفري: فباحتمال كون الصيام لأجل عدم بلوغ
المسافة المعتبرة في تحتم الافطار كما هو كذلك، أو استثناء صوم يوم عرفة.
وأما عن الأخير: فبأنه يمكن أن يكون الاستفسار لأمر آخر غير ما
ذكر، مثل أن يكون غرضه أنه لو كان فريضة يأمره بالمقام والصيام إن
أمكن، سيما إن كانت الفريضة مما يتضيق وقتها كواجب معين، أو كان
غرضه أنه إن أجاب بالفرض يستفسر عن أنه هل هو النذر المقيد أم غيره.
المقام الثالث: فيما استثني من الصيام الواجب والمندوب في السفر.
أما المستثنى من الواجب: فبعض الصيام المتعلقة بمناسك الحج،
ويأتي في كتابه..
وصوم النذر مع التقييد بالسفر إما فقط أو مع الحضر، واستثناؤه
352

وصحة صومه هو الحق المشهور بين الأصحاب، بل في المنتهى نفى
الخلاف عنه (1)، وفي الحدائق: أن الحكم اتفاقي عندهم (2).
لصحيحة ابن مهزيار: نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فإن أنا لم
أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه السلام وقرأته: (لا تتركه إلا من علة،
وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك) (3).
وردها في المعتبر بالضعف، ولذلك لم يفت بمضمونها، واكتفى
بجعله قولا مشهورا (4).
وكأنه أراد الاضمار..
أو اشتمالها على ما لم يقل به أحد من وجوب الصوم في المرض إذا
نوى ذلك، وإلا فهي صحيحة السند، غاية الأمر جهالة الكاتب، وهي غير
مضرة بعد إخبار الثقة بقراءة المكتوب.
والأول: مردود بعدم ضرر الاضمار بعد ظهور أنه من الإمام، سيما
في هذه الرواية المشتملة على قوله: يا سيدي.
والثاني: بمنع الاشتمال عليه، إذ ليس معناه إلا أن مع النية ينتفي
الحكم المذكور بقوله: (وليس عليك صومه في سفر ولا مرض) ويكفي في
صدق ذلك انتفاؤه في السفر خاصة.
وأما احتمال أن يكون المراد بقوله: (إلا أن تكون نويت ذلك): أن
يكون نوى الصوم ثم سافر، ففي غاية البعد، مع أنه على فرض الاحتمال

(1) المنتهى 2: 586.
(2) الحدائق 13: 191.
(3) الكافي 7: 456 / 10، التهذيب 4: 235 / 689، الإستبصار 2: 102 / 331،
الوسائل 10: 195 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 1.
(4) المعتبر 2: 684.
353

يحصل في المخصص الاجمال، والعام المخصص بالمجمل ليس حجة
في موضعه، فعمومات المنع من الصوم أو المنذور منه في السفر لا
تكون حجة في المورد، وتبقى عمومات الوفاء بالنذر فارغة عن المعارض
فيه.
واختصاص عدم حجية المخصص بالمجمل - عند التحقيق بما إذا
كان مخصصا بالمنفصل - غير ضائر، إذ ليس متصل سوى هذه المكاتبة
المعارضة - بعد طرح جزئها المجمل - مع رواية إبراهيم بن عبد الحميد:
عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى، قال: (يصومه أبدا في السفر
والحضر) (1) بالتساوي، فلا تبقى إلا العمومات المخصصة بالمجمل.
وعن السيد: استثناء النذر المعين مطلقا وإن لم يقيده بالسفر (2)،
وحكي عن المفيد والديلمي أيضا (3)، لرواية إبراهيم المتقدمة.
ويرد بالمعارضة مع أخبار أخر أكثر وأصح، ومنها الأخص مطلقا،
وهي صحيحة ابن مهزيار، فيجب تخصيصها، ولولاه أيضا لسقطت
بالمعارضة، فيرجع إلى عمومات المنع عن الصوم في السفر مطلقا.
وأما المستثنى من الصيام المندوب: فصوم ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة
المشرفة، على التفصيل الذي تتضمنه صحيحة معاوية بن عمار، ولعلها
تأتي في كتاب الحج إن شاء الله.

(1) الكافي 4: 143 / 9، التهذيب 4: 235 / 688، الإستبصار 2: 101 / 330،
الوسائل 10: 198 أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 7.
(2) حكاه عنه في المختلف: 229.
(3) حكاه عن المفيد في المختلف: 229، الديلمي في المراسم: 97، قال:
ولا يصوم المسافر تطوعا ولا فرضا، إلا صيام ثلاثة أيام لدم المتعة، وصوم النذر
إذا علقه بوقت حضر في السفر.
354

وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: السفر الذي يجب فيه الافطار هو الذي يجب فيه
التقصير، كما مر مفصلا في بحث الصلاة، فمن ليس كذلك فحكمه حكم
الحاضر، مثل: كثير السفر، والعاصي به، وناوي العشرة، وغير ذلك،
فيجب عليه الصيام إجماعا فتوى ونصا.
ففي صحيحة ابن وهب: (هما - يعني التقصير والافطار - واحد، إذا
قصرت أفطرت، وإذا أفطرت قصرت) (1).
ورواية سماعة: (من سافر وقصر الصلاة أفطر) (2).
والأخرى: (ليس يفترق التقصير والافطار، فمن قصر فليفطر) (3).
وتدل عليه أيضا رواية أبان: (خيار أمتي الذين إذا سافروا قصروا
وأفطروا) (4).
ورواية عمار بن مروان: (من سافر قصر وأفطر) الحديث (5).
بل تدل عليه جميع مطلقات إفطار المسافر (6).

(1) الفقيه 1: 280 / 1270، التهذيب 3: 220 / 551، الوسائل 8: 503 أبواب
صلاة المسافر ب 15 ح 17.
(2) التهذيب 3: 207 / 492، الإستبصار 1: 222 / 786، الوسائل 8: 477 أبواب
صلاة المسافر ب 8 ح 4.
(3) التهذيب 4: 328 / 1021، الوسائل 10: 184، 187 أبواب من يصح منه
الصوم ب 4 و 5 ح 2 و 9.
(4) الكافي 4 ب 127 / 4، الفقيه 2: 91 / 408، الوسائل 10: 175 أبواب من
يصح منه الصوم ب 1 ح 6.
(5) الكافي 4: 129 / 3، الفقيه 2: 92 / 409، التهذيب 4: 219 / 640، الوسائل
8: 476 أبواب صلاة المسافر ب 8 ح 3.
(6) الوسائل 10: 173 أبواب من يصح منه الصوم ب 1.
355

ويستثنى منه: سفر الصيد للتجارة على الأظهر، فيتم الصلاة ويفطر
الصوم، كما مر بيانه في كتاب الصلاة، والله العالم.
المسألة الثانية: من صام مع فرض الافطار في السفر عالما عامدا بطل
صومه ووجب عليه قضاؤه، إجماعا محققا، ومحكيا مستفيضا (1)، له،
وللنهي المفسد للعبادة، والأخبار:
كصحيحة ابن عمار: (إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه،
وعليه الإعادة) (2).
والحلبي: رجل صام في السفر، فقال: (إن كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله
نهى عن ذلك فعليه القضاء، وإن لم يكن بلغه فلا شئ عليه) (3).
ومرسلتي أبي بصير والمقنع الآتيتين، ومفاهيم الشرط في صحاح
العيص والمرادي والبصري الآتية جميعا، وغير ذلك من الأخبار الواردة في
موارد الحرمة (4).
ولو كان جاهلا بالحكم أجزأه ولا قضاء عليه، بالاجماعين أيضا (5)،
والأخبار:
منها: صحيحة الحلبي السابقة، وصحيحة العيص: (من صام في

(1) كما في الخلاف 2: 201، والتذكرة 1: 273، والمنتهى 2: 597، والرياض
1: 329.
(2) التهذيب 4: 221 / 645، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2
ح 1.
(3) الكافي 4: 128 / 1، الفقيه 2: 93 / 417، التهذيب 4: 220 / 643، الوسائل
10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 و 3.
(4) الوسائل 10: 173 و 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 1 و 2.
(5) كما في المدارك 6: 285، والحدائق 13: 397 وقال فيه: اتفاقا، والرياض 1:
329.
356

السفر بجهالة لم يقضيه) (1).
والمرادي، وفيها: (وإن صامه بجهالة لم يقضيه) (2).
والبصري: عن رجل صام شهر رمضان في السفر، فقال: (إن كان لم
يبلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك فليس عليه القضاء، وقد أجزأ عنه
لصوم) (3).
وهل الحكم مختص بما إذا جهل أصل الحكم، كما اخترناه في الصلاة؟
أو يشمل الجهل ببعض خصوصياته أيضا، كما إذا ظن أن سفرا
يعصى فيه يوجب الاتمام ولو لم يكن أصل السفر معصية؟
اختار بعض الأجلة: الثاني، ونسبه إلى إطلاق الأصحاب. وهو
الأظهر، لاطلاق الجهالة في صحيحتي العيص والمرادي.
لا يقال: مقتضى صحيحتي الحلبي والبصري: القضاء وعدم الاجزاء،
إذ العالم بأصل الحكم يصدق عليه أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن
ذلك، أي الصوم في السفر.
لأنا نقول: هذا يتم إذا جعل المشار إليه الصوم في السفر، ويحتمل
أن يكون فعله، أي نهى عن صومه الذي صامه.
وهل يلحق الناسي بالجاهل؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم، لاشتراكهما في العذر، وفوات الوقت، وعدم التقصير،
ورفع الحكم عنه.

(1) الكافي 4: 128 / 2، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 5.
(2) الكافي 4: 128 / 3، الوسائل 10: 180 أبواب من يصح منه الصوم ب 2 ح 6.
(3) التهذيب 4: 221 / 646، الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2
ح 2.
357

وثانيهما: لا، وهو الأصح، لاطلاق النصوص، سيما صحيحة ابن عمار
المتقدمة (1). ودعوى تبادر العامد ممنوعة.
ولو علم الجاهل والناسي في أثناء النهار أفطرا وقضيا، لزوال العذر
الموجب - لكون الجزء المتأخر إن فعله معصية، والمعصية لا تجزئ عن
الصوم الواجب - ولخروجه عن النصوص المثبتة، لأنها فيمن صام، والصوم
هو الامساك تمام اليوم.
المسألة الثالثة: اختلف الأصحاب في الوقت الذي إذا خرج فيه
المسافر يجب عليه الافطار على أقوال:
الأول: اعتبار الزوال، فإن خرج قبله أفطر وأن خرج بعده صام،
اختاره الإسكافي والمفيد والكليني والفقيه والمقنع والمختلف والمنتهى (2)،
بل أكثر كتب الفاضل (3)، وفخر المحققين واللمعة والروضة (4)، وغيرهم من
المتأخرين (5)، وهو المحكي عن الحلبي، إلا أنه أوجب القضاء مطلقا (6).
واستدلوا لذلك بالأخبار المستفيضة، كصحيحة الحلبي: عن الرجل
يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم، فقال: (إن خرج قبل الزوال فليفطر
وليقض ذلك اليوم، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه) (7).

(1) في ص: 341.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 230، المفيد في المقنعة: 354، الكليني في
الكافي 4: 131، الفقيه 2: 90، المقنع: 62، المختلف: 231، المنتهى 2: 599.
(3) كما في التحرير 1: 83، والتذكرة 1: 273، والقواعد: 68.
(4) فخر المحققين في الإيضاح 1: 244، اللمعة والروضة 2: 127.
(5) كصاحبي المدارك 6: 287، والذخيرة: 537.
(6) الكافي في الفقه: 182.
() 59 الكافي 4: 131 / 1، الفقيه 2: 92 / 412، التهذيب 4: 228 / 671، الإستبصار
2: 99 / 321، الوسائل 10: 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 2.
358

ومحمد: (إذا سافر الرجل في شهر رمضان، فخرج بعد نصف
النهار، فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان) (1).
وعبيد: في الرجل يسافر من شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال: (إن
خرج قبل الزوال فليفطر، وإن خرج بعد الزوال فليصم) الحديث (2).
وموثقته: (إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام،
وإذا خرج قبل الزوال أفطر) (3).
وهذه الأخبار - مع ما هي عليه من الاستفاضة واعتبار أسانيدها -
مؤيدة في الحكم الأول بعموم الكتاب (4) والسنة بوجوب الفطر على كل
مسافر، وخصوص المعتبرة والاجماعات المحكية القائلة (5) على الكلية: بأنه
إذا قصرت أفطرت، وفي الثاني بالاجماع المحكي عليه في الخلاف مطلقا (6).
والثاني: اعتبار تبييت النية وقصد السفر في الليل، فإن بيتها يجب
الافطار متى ما خرج، وإلا فالصوم كذلك، ذهب إليه الشيخ في النهاية
والمبسوط والاقتصاد والجمل والقاضي وابن حمزة والمعتبر والشرائع
والنافع والتلخيص (7).

(1) الكافي 4: 131 / 4، الفقيه 2: 92 / 413، التهذيب 4: 229 / 672،
الإستبصار 2: 99 / 322، الوسائل 10: 185 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 1.
(2) الكافي 4: 131 / 3، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 3.
(3) الكافي 4: 131 / 2، الوسائل 10: 186 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 4.
(4) البقرة: 183.
(5) في النسخ: القابلة.
(6) الخلاف 2: 204.
(7) النهاية: 161، المبسوط 1: 284، الإقتصاد: 295، الجمل والعقود (الرسائل
العشر): 221، القاضي في المهذب 1: 194، ابن حمزة في الوسيلة: 149،
المعتبر 2: 715، الشرائع 1: 210، النافع: 71.
359

واحتجوا له بموثقة ابن يقطين: في الرجل يسافر في شهر رمضان
أيفطر في منزله؟ قال: (إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من
منزله، وإن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له السفر من يومه أتم صومه) (1).
ومرسلة صفوان - المجمع على تصحيح ما يصح عنه - عن أبي بصير:
(إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل، فأتم الصوم واعتد به
من شهر رمضان) (2).
والأخرى: (إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من
الليل، فإن خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم) (3).
وصحيحة صفوان عن الرضا عليه السلام: (ولو أنه خرج من منزله يريد
النهروان ذاهبا أو جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والافطار، فإن هو
أصبح ولم ينو السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك) (4).
وموثقة رفاعة: عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين
يصبح، قال: (يتم صومه يومه ذلك) الحديث (5).
والثالث: عدم اعتبار شئ منهما، بل وجوب الافطار في أي جز

(1) التهذيب 4: 228 / 669، الإستبصار 2: 98 / 319، الوسائل 10: 187 أبواب
من يصح منه الصوم ب 5 ح 10.
(2) التهذيب 4: 228 / 670، الإستبصار 2: 98 / 320، الوسائل 10: 188 أبواب
من يصح منه الصوم ب 5 ح 12.
(3) التهذيب 4: 229 / 673، الإستبصار 2: 99 / 323، الوسائل 10: 188 أبواب
من يصح منه الصوم ب 5 ح 13.
(4) التهذيب 4: 225 / 662، الإستبصار 1: 227 / 806، الوسائل 10: 187
أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 11.
(5) التهذيب 4: 228 / 668، الإستبصار 2: 98 / 317، الوسائل 10: 186 أبواب
من يصح منه الصوم ب 5 ح 5.
360

خرج من النهار، اختاره والد الصدوق في الرسالة والعماني والسيد والحلي
وابن زهرة وظاهر الإرشاد (1).
للعمومات، وخصوص رواية عبد الأعلى: في الرجل يريد السفر في
شهر رمضان، قال: (يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل) (2).
ومرسلة المقنع: (من خرج بعد الزوال فليفطر وليقض ذلك اليوم) (3).
والرضوي: (فإن خرجت في سفر وعليك بقية يوم فأفطر) (4).
والرابع: اعتبار التبييت والخروج قبل الزوال معا، وهو محتمل
المبسوط بل ظاهره، فإنه قال فيه: ومن سافر عن بلده في شهر رمضان
وكان خروجه قبل الزوال، فإن كان بيت نية السفر أفطر، وعليه القضاء، وإن
كان بعد الزوال لم يفطر، ومتى لم يبيت النية للسفر وإنما تجددت أتم ذلك
اليوم ولا قضاء عليه (5).
فإن قوله: لم يفطر، ظاهر في صحة الصوم، ولكنه يحتمل إرادة
وجوب الامساك وإن كان عليه القضاء، كما صرح به في النهاية، وقال فيه:
ومتى بيت نية السفر من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه
أن يمسك بقية النهار، وعليه القضاء (6).

(1) حكاه عن والد الصدوق والعماني في المختلف: 230، السيد في جمل العلم
والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 55، الحلي في السرائر 1: 392، ابن
زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 557، الإرشاد 1: 304.
(2) التهذيب 4: 229 / 674، الإستبصار 2: 99 / 324، الوسائل 10: 188 أبواب
من يصح منه الصوم ب 5 ح 14.
(3) المقنع: 62، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 15.
(4) فقه الرضا (ع): 208.
(5) المبسوط 1: 284.
(6) النهاية: 162.
361

وحجته - بعد رفع اليد عن أخبار القول الثالث، للقطع والضعف، أو
تخصيصها بالأخبار المقيدة بما قبل الزوال أو التبييت، للأخصية المطلقة -:
الجمع بين أخبار القولين الأولين، حيث إن التعارض بينهما بالعموم
والخصوص من وجه، فيقيد عموم كل منهما بخصوص الآخر، فإن الظاهر
يحمل على النص.
ومثل هذا الجمع لا يحتاج إلى شاهد، بخلاف الجمع بينهما بالاكتفاء
بأحد الأمرين - كما اتفق لبعض المتأخرين (1) - فإنه يحتاج إلى الشاهد.
والخامس: التخيير بين الصوم والافطار إن خرج بعد الزوال، وتحتم
الافطار إن خرج قبله، وهو المحكي عن التهذيبين (2) والمختلف (3).
لصحيحة رفاعة: عن الرجل يريد السفر في رمضان، قال: (إذا أصبح
في بلده ثم خرج فإن شاء صام وإن شاء أفطر) (4)، بتقييدها بما بعد الزوال
للمقيدات.
والسادس: التخيير في تمام اليوم، نفى عنه البعد في المداك (5)،
لاطلاق هذه الصحيحة.
أقول - وبالله التوفيق -: إنه مما لا شك فيه أن الصحيحة الأخيرة
تخالف الشهرة العظيمة القديمة والجديدة، بل لم يعمل بإطلاقها أحد من
القدماء والمتأخرين، وليس إلا نفي بعد من شاذ عن العمل به، ومثل ذلك

(1) الوسائل 10: 185.
(2) التهذيب 4: 229، الإستبصار 2: 99.
(3) المختلف: 232.
(4) التهذيب 4: 327 / 1019، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5
ح 7.
(5) المدارك 6: 290.
362

لا يصلح للحجية، فكيف إذا عارضة الروايات الكثيرة؟! ومع ذلك هو
موافق لمذهب العامة (1)، فرفع اليد عن إطلاقه لازم.
وكذلك الأخبار الآمرة بالصوم مطلقا ما لم يسافر قبل الفجر، كرواية
الجعفري، وفيها: (إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا
أن يدلج دلجة) (2).
وسماعة: (إذا طلع الفجر ولم يشخص فعليه صيام ذلك اليوم، وإن
خرج من أهله قبل طلوع الفجر فليفطر ولا صيام عليه) (3).
وموثقته: (من أراد السفر في رمضان فطلع الفجر وهو في أهله فعليه
صيام ذلك اليوم) (4)
فإن إطلاق هذه الأخبار خلاف الاجماع، معارض مع الأخبار
الخاصة.
فإذن القول الأخير ساقط عن الاعتبار، وكذلك ما قبله، لعدم دليل
عليه، والصحيحة لا تختص بما بعد الزوال، والحكم بخروج ما قبله
بالدليل، فيبقى الباقي ليس بأولى من العكس، لأن أدلة وجوب الافطار لو
خرج قبل الزوال مطلقا ليس بأقوى من دليل وجوب الصوم لو خرج بعده
كذلك، فلا يظهر وجه لهذا الجمع.
بل وكذلك ما قبلهما أيضا، لأنه - بعد رفع اليد عن أخبار القول

(1) انظر المغني 3: 90، وبداية المجتهد 1: 296.
(2) التهذيب 4: 227 / 667، الإستبصار 2: 98 / 317، الوسائل 10: 186 أبواب
من يصح منه الصوم ب 5 ح 6. وأدلج القوم: إذا ساروا من أول الليل. فإن ساروا
من آخر الليل فقد ادلجوا، بتشديد الدال - الصحاح 1: 315.
(3) التهذيب 4: 327 / 1020، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 8.
(4) التهذيب 4: 328 / 1021، الوسائل 10: 187 أبواب من يصح منه الصوم ب 5 ح 9.
363

الثالث - مبني على تقييد كل من أخبار الأول والثاني بالآخر، فيقال: إن
المراد بأخبار الافطار قبل الزوال: أنه مع التبييت، وبأخبار الافطار مع
التبييت: أنه إن كان قبل الزوال، ويبقى الجزء الآخر من الأخبار الأولى
- وهي الصوم بعد الزوال مطلقا - بلا معارض، فيعمل به.
وعلى هذا، فيبقى حكم السفر قبل الزوال بدون التبييت خارجا عن
الفريقين، مسكوتا عنه فيهما، وحينئذ فالحكم بوجوب الصوم فيه
- لعمومات الصوم، دون الافطار، لعمومات وجوب الافطار في السفر -
لا وجه له.
والحاصل: أن إيجاب الصوم على غير المبيت إذا خرج قبل الزوال إن
كان من جهة خروجه عنهما فيطالب بدليله على هذا الحكم فيه، وإن كان
من جهة ترجيح أخبار التبييت بالنسبة إليه فيطالب بوجه الترجيح، وكلاهما
مفقودان.
بل وكذلك ما قبل الثلاثة أيضا، لضعف أدلته جدا..
أما الرضوي (1)، فلضعفه بنفسه، وخلوه عن الجابر، ومعارضته بمثله
المذكور في كتاب الصلاة منه، وهو قوله: (وإن خرجت بعد طلوع الفجر
أتممت صوم ذلك اليوم وليس عليك القضاء، لأنه دخل عليك وقت
الفرض على غير مسافر) (2).
وأما مرسلة المقنع (3)، فللضعف الخالي عن الجابر أيضا، سيما مع
عدم عمل صاحب المقنع بها أيضا، وهو من مخرجات الخبر عن الحجية.

(1) المتقدم في ص: 346.
(2) فقه الرضا (ع): 208.
(3) المتقدمة في ص: 346.
364

وأما رواية عبد الأعلى (1)، فلعدم استنادها إلى إمام، وعدم دلالتها
على الوجوب - الذي هو المطلوب - ومعارضة إطلاقها مع ما هو أكثر منها
عددا وأصح سندا وأوضح دلالة وأشهر عملا وأخص مدلولا.
فبقي الكلام في ترجيح أحد القولين الأولين، ولا خفاء في حكم
محل اجتماعهما، وهو الخروج قبل الزوال مع التبييت، أو بعده مع عدمه،
فيفطر في الأول، ويصوم في الثاني قطعا، ويبقى حكم القبل مع عدم
التبييت والبعد مع التبييت محلا للتعارض..
وهو في الأول مع أخبار القول الأول، لمخالفته لمعظم العامة، فإنه
نقل في المنتهى: إن الشافعي وأبا حنيفة والأوزاعي وأبا ثور والزهري
والنخعي ومكحول - ونسب إلى مالك أيضا - قالوا: بأنه إذا نوى المقيم
الصوم قبل الفجر ثم خرج بعده مسافرا لم يفطر يومه (2). ومع ذلك هو
موافق لعمومات وجوب الافطار في السفر كتابا وسنة، فلا مناص على القول
به في الأول، والحكم بوجوب الافطار مع الخروج قبل الزوال مطلقا.
وأما في الثاني، فيشكل الحكم جدا، إذ لا يعلم مذهب العامة هنا مع
التبييت حتى يرجح مخالفه، وعمومات السفر وإن كانت مع الافطار، إلا أنه
مما لم يعلم قول أحد به مع القول بالصوم مع عدم التبييت والافطار ما قبل
الزوال مطلقا، فالظاهر أن القول به خلاف الاجماع المركب، وبذلك
الاجماع يمكن ترجيح إتمام الصوم مع الخروج ما بعد الزوال مطلقا بعد
ترجيح أخبار ما قبل الزوال بمخالفة العامة.
إلا أن الاحتياط هنا مما لا ينبغي أن يترك البتة، بأن مع التبييت يخرج

(1) المتقدمة في ص: 346.
(2) المنتهى 2: 599.
365

قبل الزوال ولو إلى حد الترخص خاصة، أو أخر الخروج إلى الغروب، ولو
اضطر إلى الخروج بعد الزوال أتم الصوم وقضاه.
المسألة الرابعة: إذا جاء المسافر إلى بلده أو بلد الإقامة، فما لم
يدخل فيه فله الافطار ما دام خارجا وإن علم الدخول قبل الزوال، وإن لم
يفطر في الخارج: فإن دخل قبل الزوال يجب عليه الصوم ويجزئه، وإن
دخل بعده يجب عليه القضاء ولا صوم له وإن استحب الامساك له، كما إذا
أفطر قبل الدخول أيضا.
فهذه أحكام أربعة، لا خلاف على الظاهر في شئ منها بين الأصحاب.
وتدل على الأول: صحيحة محمد: عن الرجل يقدم من سفره في
شهر رمضان، فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار، قال: (إذا طلع
الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء
أفطر) (1).
والأخرى: (إذا وصل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها
فعليه صوم ذلك اليوم، وإن دخل بعد الفجر فلا صيام عليه وإن شاء صام) (2).
وصحيحة رفاعة: عن الرجل يقدم في شهر رمضان من سفر فيرى أنه
سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار، فقال: (إذا طلع الفجر وهو خارج
ولم يدخل أهله فهو بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر) (3).

(1) الكافي 4: 132 / 6، التهذيب 4: 256 / 757، الوسائل 10: 190 أبواب من
يصح منه الصوم ب 6 ح 3.
(2) الكافي 4: 131 / 4، الفقيه 2: 92 / 413، التهذيب 4: 229 / 672، الإستبصار
2: 99 / 322، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 1.
(3) الكافي 4: 132 / 5، الفقيه 2: 93 / 414، التهذيب 4: 255 / 756، الإستبصار
2: 98 / 318، الوسائل 10: 189 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 2.
366

ومعنى تلك الأخبار: أن الذي يدخل بعد الفجر لا صيام عليه واجبا
وله الخيار، وهو كذلك، فإن له الافطار بأن يفطر قبل الدخول، وله الصيام
بأن يدخل بدون الافطار.
ولا ينافي ذلك سقوط خياره بعد الدخول، كما يقال: إنه لا يجب
عليك القضاء في هذا اليوم المعين وأنت فيه بالخيار.
ولا ينافيه الوجوب إذا نوى القضاء ولم يفطر إلى ما بعد الزوال.
ولو قلنا بدلالتها على العموم أيضا يجب تخصيص الخيار بما قبل
الدخول قبل الزوال - بأن يفطر ويدخل، أو يؤخر التأخير إلى ما بعد زوال
الشمس - بالأخبار الآتية.
وعلى الثاني: موثقة أبي بصير: عن الرجل يقدم من سفره في شهر
رمضان، فقال: (إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم، ويعتد
به) (1).
وخبر أحمد بن محمد: عن رجل قدم من سفره في شهر رمضان،
ولم يطعم شيئا قبل الزوال، قال: (يصومه) (2).
ورواية يونس: في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم
يكن أكل (فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه)، يعني: إذا كانت جنابته عن
احتلام (3).

(1) التهذيب 4: 255 / 754، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6
ح 6.
(2) الكافي 4: 132 / 7، التهذيب 4: 255 / 755، الوسائل 10: 190 أبواب من
يصح منه الصوم ب 6 ح 4.
(3) الكافي 4: 132 / 9، الفقيه 2: 93 / 415، التهذيب 4: 254 / 752، الإستبصار
2: 113 / 369، الوسائل 10: 190 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 5.
367

وتدل عليه وعلى الثالث وبعض أفراد الرابع: موثقة سماعة: (إن قدم
بعد زوال الشمس أفطر ولا يأكل ظاهرا، وإن قدم من سفره قبل زوال
الشمس فعليه صيام ذلك اليوم إن شاء) (1).
وتدل على الثالث أيضا موثقة محمد: عن الرجل يقدم من سفره بعد
العصر في شهر رمضان، فيصيب امرأته [حين] طهرت من الحيض،
أيواقعها؟ قال: (لا بأس به) (2).
وعلى البعض الآخر من الرابع: موثقة سماعة: عن مسافر دخل أهله
قبل زوال الشمس وقد أكل، قال: (لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئا) (3).
ورواية يونس: المسافر يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل
دخوله، قال: (يكف عن الأكل بقية يومه، وعليه القضاء) (4).
وروايتا الزهري والرضوي: (وأما صوم التأديب) إلى أن قالا:
(وكذلك المسافر إن أكل أول النهار ثم قدم أهله أمر بالامساك بقية يومه
تأديبا، وليس بفرض) (5).
المسألة الخامسة: المراد بقدوم المسافر وخروجه المبني عليهما

(1) التهذيب 4: 327 / 1020، الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 6 ح 7.
(2) التهذيب 4: 242 / 710، الإستبصار 2: 106 / 347، الوسائل 10: 193
أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 4. وما بين المعقوفين من المصادر.
(3) الكافي 4: 132 / 8، التهذيب 4: 253 / 751، الإستبصار 2: 113 / 368،
الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 1.
(4) الكافي 4: 132 / 9، التهذيب 4: 254 / 752، الإستبصار 2: 113 / 369،
الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.
(5) الكافي 4: 83 / 1، الفقيه 2: 46 / 208، التهذيب 4: 294 / 895، فقه الرضا
(ع): 202، الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 3، مستدرك
الوسائل 7: 487 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1.
368

الحكمان المذكوران: ما مر في بحث الصلاة، من التجاوز عن حد الترخص
خارجا وداخلا، لما مر من التلازم بين القصر والافطار (1).
المسألة السادسة: الحق المشهور: جواز المسافرة في شهر رمضان
والافطار مطلقا، ما لم يكن عاصيا بسفره، ففي صحيحة محمد: عن الرجل
يعرض له السفر في شهر رمضان وهو مقيم، وقد مضى منه أيام، قال:
(لا بأس بأن يسافر ويفطر ولا يصوم) (2)، وتدل عليه الأخبار الآتية أيضا.
خلافا للمحكي عن الحلبي، فقال: إذا دخل الشهر على حاضر لم
يحل له السفر مختارا (3)، لبعض الأخبار الآتية القاصر عن إفادة الحرمة،
سيما مع معارضته مع النافي لها.
والمحكي عن الإسكافي والعماني، حيث قالا بعدم جواز الافطار في
سفره للتلذذ والتنزه وإن أوجبا القضاء أيضا (4)، ولعله لبعض الأخبار الآتية
النافية للسفر في شهر رمضان. وهو - مع عدم دلالته على الحرمة - غير
ناهض لتمام مطلوبهما.
ثم إنه بعد جواز السفر والافطار قد اختلفت الأخبار في أن الأفضل
هل هو الإقامة وترك السفر، أم لا؟
فإن منها ما يدل على أفضلية بعض الأسفار، كصحيحة محمد: في
الرجل يشيع أخاه مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة، قال: (إذا كان في شهر
رمضان فليفطر)، قلت: أيهما أفضل أن يصوم أو يشيعه؟ قال: (يشيعه) (5)،

(1) راجع ص: 343.
(2) الفقيه 2: 90 / 400، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 2.
(3) الكافي في الفقه: 182.
(4) حكاه عنهما في المختلف: 232.
(5) الكافي 4: 129 / 5، الوسائل 8: 482 أبواب صلاة المسافر ب 10 ح 3.
369

وبمضمونها موثقة زرارة (1)، ومرسلة المقنع (2).
وحسنة حماد: رجل من أصحابي جاء خبره من [الأعوص] وذلك
في شهر رمضان أتلقاه وأفطر؟ قال: (نعم) قلت: أتلقاه وأفطر أو أقيم
وأصوم؟ قال: (تلقاه وأفطر) (3).
ومنها ما يدل على أفضلية الإقامة - إلا في بعض الأسفار - كصحيحة
الحلبي: عن رجل يدخل في شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحا، ثم
يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر، فسكت، فسألته غير مرة،
فقال: (يقيم أفضل، إلا أن تكون له حاجة لا بد له من الخروج فيها أو
يتخوف على ماله) (4).
ورواية أبي بصير: يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه، فتحضرني
نية في زيارة قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فأزوره وأفطر ذاهبا وجائيا، أو
أقيم حتى أفطر فأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟ فقال: (أقم حتى
تفطر)، قلت: جعلت فداك، هو أفضل؟ قال: (نعم) (5)، وقريبة منها
مكاتبة محمد بن الفضل البغدادي (6).

(1) الكافي 4: 129 / 7، التهذيب 3: 218 / 540، الوسائل 8: 483 أبواب صلاة
المسافر ب 10 ح 4.
(2) المقنع: 62، الوسائل 8: 182 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 5.
(3) الكافي 4: 129 / 6، الفقيه 2: 90 / 402، الوسائل 8: 482 أبواب من يصح
منه الصوم ب 10 ح 2، بدل ما بين المعقوفين في النسخ: الأعوض، وما أثبتناه من
المصادر.. وهو واد في ديار باهلة لبني حصن منهم. والأعوض: شعب لهذيل
بتهامة - معجم البلدان 1: 223.
(4) الكافي 4: 126 / 2، الفقيه 2: 89 / 399، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح
منه الصوم ب 3 ح 1.
(5) التهذيب 4: 316 / 961، الوسائل 10: 183 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 7.
(6) التهذيب 6: 110 / 198، الوسائل 14: 573 أبواب المزار وما يناسبه ب 91 ح 1.
370

ورواية الحسين بن المختار: (لا تخرج في رمضان إلا للحج، أو
للعمرة، أو مال تخاف عليه الفوت، أو لزرع يحين حصاده) (1).
ورواية أبي بصير: عن الخروج في شهر رمضان، قال: (لا، إلا فيما
أخبرك به: خروج إلى مكة، أو غزوة في سبيل الله، أو مال تخاف هلاكه،
أو أخ تريد وداعه) (2).
وقريبة منهما مرسلة ابن أسباط، وزاد في آخرها: (فإذا مضت ليلة
ثلاثة وعشرين فليخرج حيث شاء) (3).
والذي يظهر لي من ضم بعض هذه الأخبار مع بعض - بعد انتفاء
الحرمة في سفر غير العاصي بسفره مطلقا -: أن السفر في شهر رمضان
إما يكون لحاجة تفوت بتأخيرها إلى خروج الشهر، أو لا يكون
كذلك.
والأول: إما تكون الحاجة من الأمور الراجحة شرعا - كحج، أو
عمرة، أو غزوة، حيث إن الغالب فوات هذه الأمور بالتخلف عن الرفقة، أو
مشايعة أخ، أو وداعه، أو ملاقاته لوروده من سفر، أو نحو ذلك - أو تكون
من الأمور المباحة.
فإن كان من الأول، فالأفضل السفر، لأخبار المشايعة والتلقي
المتقدمة، بضميمة عدم الفصل.

(1) التهذيب 4: 327 / 1017، الوسائل 10: 183 أبواب من يصح منه الصوم
ب 3 ح 8.
(2) الكافي 4: 126 / 1، وفي الفقيه 2: 89 / 398، التهذيب 4: 327 / 1018
بتفاوت، الوسائل 10: 181 أبواب من يصح منه الصوم ب 3 ح 3.
(3) التهذيب 4: 216 / 626، الوسائل 10: 182 أبواب من يصح منه الصوم
ب 3 ح 6.
371

وإن كان من الثالث، فالأفضل الإقامة وإن كان السفر للأمور الراجحة
شرعا - كزيارة الحسين عليه السلام ونحوها - للمستثنى منه في الأخبار السابقة،
وترجيح الإقامة على الزيارة.
وإن كان من الثاني، فيتساوى الطرفان، للتصريح في الأخبار السالفة
بأفضلية الإقامة إلا للحاجة أو حصاد الزرع، فليست الإقامة حينئذ أفضل،
ولا دليل على أفضلية السفر حينئذ، فيتساوى الأمران.
وأفضلية الإقامة في مواردها إنما هي قبل يوم الثلاثة والعشرين
خاصة، لمرسلة ابن أسباط.
المسألة السابعة: يجوز الجماع في نهار شهر رمضان للمسافر الذي
يفطر، بل لكل من يسوغ له الافطار على الأظهر الأشهر، للمستفيضة من
الأخبار، كصحيحتي عمر بن يزيد (1) وعلي بن الحكم (2)، وموثقة داود بن
الحصين (3)، وروايات الهاشمي (4)، وسهل (5)، ومحمد (6)، وأبي العباس (7).

(1) الكافي 4: 133 / 1، التهذيب 4: 241 / 708، الإستبصار 2: 106 / 345،
الوسائل 10: 205 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 1.
(2) الإستبصار 2: 106 / 346، الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم
ب 13 ح 9.
(3) التهذيب 4: 328 / 1024، الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم
ب 13 ح 7.
(4) الكافي 4: 134 / 3، التهذيب 4: 242 / 709، الوسائل 10: 205 أبواب من
يصح منه الصوم ب 13 ح 3.
(5) الكافي 4: 133 / 2، التهذيب 4: 241 / 707، الإستبصار 2: 105 / 344،
الوسائل 10: 205 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 2.
(6) التهذيب 4: 242 / 710، الإستبصار 2: 106 / 347، الوسائل 10: 208
أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 10.
(7) الكافي 4: 134 / 4، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 4.
372

خلافا للشيخ، فذهب إلى التحريم (1)، لصحيحة ابن سنان (2)،
وروايته (3)، ورواية محمد (4)، المصرحة بالتحريم، الواجب حملها على
الكراهة بقرينة ما مر، على أنه لو قطع النظر عن ذلك لوجب طرحها،
للشذوذ المخرج لها عن الحجية، وعلى فرض التعارض يجب الرجوع إلى
أصالة عدم التحريم.
السادس: الخلو من المرض.
بالكتاب (5)، والاجماع، والنصوص المتواترة (6).
وليس الشرط الخلو عن المرض مطلقا، بل مرض يضر معه الصوم،
بالاجماع، ومفهوم صحيحة حريز: (كلما أضر به الصوم فالافطار له
واجب) (7).
وربما يستدل له أيضا بصحيحة محمد: ما حد المريض إذا نقه في
الصيام؟ قال: (ذاك إليه، هو أعلم بنفسه، إذا قوي فليصم) (8).
وقريبة منها موثقة سماعة، وزاد فيها: (فهو مؤتمن عليه، مفوض

(1) النهاية: 162.
(2) الكافي 4: 134 / 5، الفقيه 2: 93 / 416، التهذيب 4: 240 / 705،
الإستبصار 2: 105 / 342، الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13
ح 5.
(3) الكافي 4: 134 / 6، التهذيب 4: 241 / 706، الإستبصار 2: 105 / 343،
الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 6.
(4) التهذيب 4: 240 / 704، الإستبصار 2: 105 / 341، العلل: 386 / 1،
الوسائل 10: 207 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 8.
(5) البقرة: 184.
(6) الوسائل 10: 217 أبواب من يصح منه الصوم ب 18.
(7) الفقيه 2: 84 / 374، الوسائل 10: 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 2.
(8) الكافي 4: 119 / 8، الوسائل 10: 219 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 3.
373

إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر، وإن وجد قوة فليصمه كان المرض ما
كان) (1).
وصحيحة ابن أذينة: ما حد المرض الذي يفطر صاحبه - إلى أن قال -:
((بل الانسان على نفسه بصيرة)) وقال: (ذاك إليه، هو أعلم
بنفسه) (2)، ومثلها موثقة زرارة، بتبديل: (بنفسه) بقوله: (بما يطيقه) (3).
وفيه نظر، لأن المستفاد من الأولين الإناطة بالقوة والضعف دون
الضرر، وهو محتمل الآخرين.
وحكي عن قوم لا اعتداد بهم عليهم السلام إباحة الفطر بكل مرض، لاطلاق
الآية (4). وما ذكرنا يقيده.
ثم الضرر المبيح لافطار المريض يشمل زيادة المرض بسبب الصوم،
أو بط برئه، أو حدوث مرض آخر، أو حصول مشقة لا يتحمل عادة
مثلها، بل يشق تحملها، كل ذلك لصدق الضرر، وإيجابه العسر والحرج
المنفيين.
فروع:
أ: مقتضى صحيحة حريز المتقدمة وجوب الافطار بإيجاب الصوم

(1) الكافي 4: 118 / 3، التهذيب 4: 256 / 759، الإستبصار 2: 114 / 372،
الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 4.
(2) الكافي 4: 118 / 2، التهذيب 4: 256 / 758، الإستبصار 2: 114 / 371،
الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5.
(3) الفقيه 2: 83 / 369، الوسائل 10: 220 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 5.
(4) نقله القرطبي عن ابن سيرين في أحكام القرآن 2: 276، وحكاه عن بعض السلف
في المغني 3: 88، والشرح الكبير 3: 18.
374

لخوف حدوث مرض أيضا وإن لم يكن مريضا، وتدل عليه أيضا أدلة نفي
الضرر والضرار (1)، والعسر والحرج (2)، وصحيحة حريز: (الصائم إذا خاف
على عينيه من الرمد أفطر) (3)، فإنها تشمل خوف حدوث الرمد أيضا،
ولا قول بالفرق.
وظاهر المنتهى التردد، لعدم دخوله تحت الآية (4). وجوابه ظاهر.
ويظهر مما ذكر أيضا وجوب الافطار إذا خاف مطلق الضرر وإن لم
يسمى مرضا عرفا، كالرمد ونحوه.
ب: لا شك في وجوب الافطار مع العلم بالضرر بأحد الوجوه، بل
وكذا مع الظن، بالاجماع، سواء استند إلى أمارة أو تجربة أو قول عارف
ولو غير عدل ولا مسلم، لصدق الخوف معه، بل يصدق مع احتماله أيضا
لغة وعرفا، فتتجه كفايته أيضا، كما رجحه بعض المتأخرين (5)، بل يحتمله
إطلاق كلام الأكثر بذكر الخوف.
واقتصر في القواعد واللمعة والدروس على ذكر الظن (6). ونص في
الروضة على عدم كفاية الاحتمال (7). ولو أخر الافطار حتى قوي الاحتمال
كان أحوط.
ج: لا فرق بين أن يكون المؤدي إلى الضرر هو الامساك أو تأخير

(1) الوسائل 25: 428 و 429 كتاب إحياء الموات ب 12 ح 3 و 4 و 5.
(2) الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.
(3) الكافي 4: 118 / 4، الفقيه 2: 84 / 373، الوسائل 10: 218 أبواب من يصح
منه الصوم ب 19 ح 1.
(4) المنتهى 2: 596.
(5) انظر المدارك 6: 158، والحدائق 13: 171، والرياض 1: 329.
(6) القواعد 1: 68، واللمعة (الروضة 2): 105، الدروس 1: 271.
(7) الروضة 2: 105.
375

العشاء أو التسحر، عملا بالعموم، ولرواية الحضرمي: ما حد المرض الذي
يترك منه الصوم؟ قال: (إذا لم يستطع أن يتسحر) (1).
ورواية سليمان بن عمر: (واشتكت أم سلمة عينها في شهر رمضان،
فأمرها رسول الله أن تفطر، وقال: عشاء الليل لعينك ردي) (2).
د: وحيث يخاف الضرر لا يصح الصوم، فلو تكلفه قضى وجوبا
إجماعا محققا ومحكيا (3)، لوجوب الافطار، كما صرح به في صحيحة
حريز، الموجب للنهي عن ضده المفسد للعبادة، ولانتفاء شرعية ما معه
الضرر والعسر، فلا يكون مأمورا به، فلا يكون صحيحا.
وأما رواية عقبة: عن رجل صام رمضان وهو مريض، قال: (يتم
صومه ولا يعيد) (4)، فمحمولة على غير المتضرر، لوجوب التقييد.. أو
مطروحة، لمخالفة الكتاب والسنة.
ه‍: لو صح من مرضه قبل الزوال ولم يتناول شيئا، قالوا: يجب عليه
الصوم، بلا خلاف ظاهر فيه كما في المفاتيح (5)، وبالاجماع كما في
المدارك (6)، وحكاه في الذخيرة عن بعض الأصحاب (7).
لتمكنه من أداء الواجب على وجه تؤثر النية في ابتدائه فوجب.

(1) الكافي 4: 118 / 6، 10: 221 أبواب من يصح منه الصوم ب 20 ح 8.
(2) الكافي 4: 119 / 7، الفقيه 2: 84 / 372، الوسائل 10: 218 أبواب من يصح
منه الصوم ب 19 ح 2.
(3) الرياض 1: 329.
(4) التهذيب 4: 257 / 762، الوسائل 10: 224 أبواب من يصح منه الصوم ب 22
ح 2.
(5) المفاتيح 1: 240.
(6) المدارك 6: 195.
(7) الذخيرة: 526.
376

ولفحوى ما دل على ثبوت ذلك في المسافر، فإن المريض أعذر
منه.
وللاجماع المنقول.
ويضعف الأول: بمنع كونه واجبا أولا، ومنع تأثير النية في الابتداء
ثانيا، فإنه أمر مخالف للأصل، لا يتعدى منه إلى غير موضع الثبوت.
والثاني: بمنع الأولوية بل المساواة، لعدم معلومية العلة، وعدم تأثير
أعذرية المريض في هذه الجهة، مع أنه يمكن للمسافر العلم في بدو اليوم
بالدخول في البلد قبل الزوال وعدمه، فتتأتى منه النية ابتداء الصوم، بخلاف
المريض، فإنه لا يعلم غالبا.
والثالث: بعدم الحجية، فلو ثبت الاجماع في المسألة، وإلا كما هو
الظاهر - حيث إن ابني زهرة وحمزة أطلقا القول باستحباب إمساك المريض
بقية اليوم إذا برئ، من غير تفصيل بين قبل الزوال وبعده (1) - فالحكم
بالوجوب مشكل، وأمر الاحتياط واضح.
وإن صح بعد الزوال فالمشهور استحباب الامساك لو لم يتناول
شيئا (2).
وعن المفيد: الوجوب وإن وجب القضاء أيضا (3)، لأنه وقت يجب
فيه الامساك.
وفيه: منع وجوبه على المريض إلى هذا الزمان، وإنما هو مع وجوب
الصوم.

(1) ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، ابن حمزة في الوسيلة: 147.
(2) انظر الحدائق 13: 172.
(3) المقنعة: 354.
377

نعم، لا بأس بالقول باستحبابه، للشهرة، بل ظاهر الاجماع، ورواية
الزهري: (وكذلك من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي [بعد ذلك] أمر
بالامساك عن الطعام بقية يومه تأديبا، وليس بفرض) (1).
و: لو صام المريض - الذي لا يشرع له الصيام - جاهلا، قالوا
بوجوب القضاء عليه، لأنه آت بخلاف ما هو فرضه.
وقال في الحدائق: إن الأظهر صحة صومه (2)، لأخبار معذورية
الجاهل مطلقا (3).
والحق: التفصيل بين الجاهل الساذج الغير المقصر وغيره، والصحة
في الأول، والفساد والقضاء في الثاني.
ويلحق بهذا المقام مسائل ثلاث:
المسألة الأولى: الشيخ والشيخة إذا عجزا عن الصيام أصلا، أو إلا
مع مشقة شديدة، جاز لهما الافطار، إجماعا محققا، ومحكيا (4)، له،
وللكتاب، والسنة المستفيضة.
فمن الأول: آيات نفي العسر (5)، والحرج (6)، ونفي التكليف فوق الوسع (7)،

(1) الكافي 4: 83 / 1، الفقيه 2: 46 / 208، التهذيب 4: 294 / 895، الوسائل
10: 367 أبواب بقية الصوم الواجب ب 1 ح 1، وما بين المعقوفين أضفناه من
المصادر.
(2) الحدائق 13: 398.
(3) انظر الوسائل 10: 179 أبواب من يصح منه الصوم ب 2.
(4) كما في المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 280، الرياض 1: 330، غنائم الأيام:
510.
(5) البقرة: 184.
(6) الحج: 78.
(7) البقرة: 286.
378

وقوله سبحانه: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) (1).
ففي صحيحة محمد: في قول الله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه
فدية طعام مسكين)، قال: (الشيخ الكبير، والذي يأخذه العطاش) (2).
وفي موثقة ابن بكير: في قول الله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه)،
قال: (الذين كانوا يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك،
فعليهم لكل يوم مد) (3).
وفي المروي في تفسير العياشي: عن قول الله عز وجل: (وعلى
الذين يطيقونه)، قال: (هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع، والمريض) (4).
وفيه أيضا في قوله سبحانه: (وعلى الذين يطيقونه)، قال: (المرأة
تخاف على ولدها، والشيخ الكبير) (5).
ومن الثاني: روايات نفي الضرر والعسر فوق الوسع، وصحيحة
محمد: (والشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر
رمضان، ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام، ولا قضاء
عليهما، فإن لم يقدرا فلا شئ عليهما) (6).

(1) البقرة: 184.
(2) الكافي 4: 116 / 1، التهذيب 4: 237 / 695، المقنع: 61، الوسائل 10:
210 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 3.
(3) الكافي 4: 116 / 5، الفقيه 2: 84 / 377، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح
منه الصوم ب 15 ح 6.
(4) تفسير العياشي 1: 78 / 177، الوسائل 10: 212 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 7.
(5) تفسير العياشي 1: 79 / 180، الوسائل 10: 212 أبواب من يصح منه الصوم
ب 15 ح 8.
(6) الكافي 4: 116 / 4، الفقيه 2: 84 / 375، التهذيب 4: 238 / 697، الإستبصار
2: 104 / 338، الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.
379

ومثلها الأخرى، إلا أنه قال: (بمدين من طعام) (1).
وصحيحة ابن سنان: عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان،
قال: (يتصدق عن كل يوم بما يجزئ من طعام مسكين) (2).
ورواية الهاشمي: عن الشيخ الكبير والعجوزة الكبيرة التي تضعف عن
الصوم في شهر رمضان، قال: (تصدق كل يوم بمد من حنطة) (3).
والرضوي: (فإذا لم يتهيأ للشيخ أو الشاب المعلول أو المرأة الحامل
أن تصوم من العطش أو الجوع، أو تخاف المرأة أن تضر بولدها، فعليهم
جميعا الافطار، وتصدق كل واحد من كل يوم بمد من طعام، وليس عليه
القضاء) (4).
ورواية الكرخي: رجل شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلا - إلى أن
قال -: قلت: فالصيام؟ قال: (إذا كان في ذلك الحد فقد وضع الله عنه، فإن
كانت له مقدرة فصدقة مد من طعام بدل كل يوم أحب إلي، وإن لم يكن له
يسار ذلك فلا شئ عليه) (5).
ورواية مفضل: إن لنا فتياتا وشبانا لا يقدرون على صيام من شدة ما
يصيبهم من العطش، قال: (فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم وما

(1) التهذيب 4: 238 / 698، الإستبصار 2: 104 / 339، الوسائل 10: 210
أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 2.
(2) الكافي 4: 116 / 3، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 5.
(3) الكافي 4: 116 / 2، الفقيه 2: 85 / 379، التهذيب 4: 238 / 696، الإستبصار
2: 103 / 337، الوسائل 10: 211 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 4.
(4) فقه الرضا (ع): 211، مستدرك الوسائل 7: 387 أبواب من يصح منه الصوم
ب 12 ح 3.
(5) الفقيه 1: 238 / 1052، التهذيب 3: 307 / 951، الوسائل 10: 212 أبواب
من يصح منه الصوم ب 15 ح 10.
380

يحذرون) (1).
هذا، ثم إنه لا خلاف في تعلق الفدية وجوبا على الثاني - أي من
يقدر على الصيام مع المشقة - بل عليه الاجماع في كلمات جماعة (2)،
للآية، بضميمة الأخبار المفسرة لها.
ولا يعارضها ما في تفسير علي - من الرواية المفسرة للآية بالمريض
الذي أخر القضاء إلى مضي رمضان آخر (3) - لضعفه الخالي عن الجابر. وأما
سائر الأخبار المتضمنة للفدية (4) فهي على الوجوب غير دالة.
وأما غير القادر، ففي وجوب الفدية عليه وعدمه خلاف، فعن
الصدوقين والقديمين (5) والشيخ في النهاية والمبسوط والاقتصاد والقاضي (6)
والجامع والشرائع والنافع والارشاد والقواعد والمنتهى والتلخيص والتبصرة
والدروس واللمعة والمهذب لابن فهد (7) وغيرها (8): الأول، لاطلاق أكثر
الأخبار المتقدمة.
وعن المفيد والسيد والديلمي والحلي والحلبي وابن زهرة والمختلف

(1) الكافي 4: 117 / 7، التهذيب 4: 240 / 703، الوسائل 10: 214 أبواب من
يصح منه الصوم ب 16 ح 2.
(2) كما في المختلف: 245، والذخيرة: 535، والرياض 1: 330.
(3) تفسير القمي 1: 66.
(4) الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15.
(5) حكاه عن العماني والإسكافي ووالد الصدوق في المختلف: 244، الصدوق في
المقنع: 61.
(6) النهاية: 159، المبسوط 1: 285، الإقتصاد: 294، القاضي في المهذب 1: 196.
(7) الجامع: 164، الشرائع 1: 211، النافع: 72، الإرشاد 1: 304، القواعد 1:
67، المنتهى 2: 618، التبصرة: 57، الدروس 1: 291، اللمعة (الروضة 2):
127، المهذب البارع 2: 86.
(8) كالمدارك 6: 293.
381

والروضة والمسالك والمحقق الثاني: الثاني (1)، وعن المنتهى والتذكرة: أنه
مذهب الأكثر (2)، وعن الانتصار: الاجماع عليه، وعن الغنية: نفي الخلاف
فيه.
للأصل.
وتبادر صورة المشقة خاصة من الروايات المتقدمة، سيما من رواية
الهاشمي والمتقدمتين عليها، لأنه الظاهر من الضعف ونفي الحرج.
ولرواية الكرخي السابقة، المنجبر ضعفها - لو كان - بما مر.
مع أن الآية أيضا مخصوصة - بضميمة [المفسرات] (3) - بذي
المشقة، لايجابها الفدية على الذين يطيقونه، وفسرتهم الأخبار بالشيخ
الكبير وذي العطاش، فيصير المعنى: وعلى الشيخ الكبير الذي يطيقه.
وقوله في صحيحة محمد: (فإن لم يقدرا فلا شئ عليهما) (4).
ويمكن دفع الأصل بالاطلاقات.
والتبادر: بالمنع، فإن الضعف والحرج يشملان عدم القدرة أيضا، مع
أن إحدى روايتي العياشي مخصوصة بغير المستطيع.
والرواية: بعدم اختصاصها بغير القادر، بل نسبتها إليه وإلى القادر
على السواء.

(1) المفيد في المقنعة: 351، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 56، الديلمي في المراسم: 97، الحلي في السرائر 1: 400،
الحلبي في الكافي: 182، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 571،
المختلف: 244، الروضة 2: 128، المسالك 1: 81، المحقق الثاني في جامع
المقاصد 3: 80.
(2) المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 218.
(3) في النسخ: المعتبرات، والظاهر ما أثبتناه.
(4) المتقدمة في ص: 379.
382

واختصاص الآية بأن معناها: الشيخ الكبير الذي كان يطيقه أولا
لا حال الكبر، كما صرح به في الموثقة، بل يظهر منها أن المراد: الذي
أصابه الكبر أو العطاش ولا يطيقه.
وصحيحة محمد: بأن دلالتها إنما تتم إذا كان المعنى: فإن لم يقدرا
على الصوم، والظاهر أن المراد: فإن لم يقدرا على الفدية.
ثم أقول: إن التحقيق: أنه لا دلالة لغير الأخبار المفسرة للآية على
وجوب الفدية، لورودها بالجمل الخبرية. وضعف روايتي العياشي من
المفسرات أيضا مانع عن إثبات الوجوب بهما. وصحيحة محمد أيضا منها
مجملة، لاحتمال أن يكون المراد: الشيخ الذي يطيقه والذي كان يطيقه.
فلم تبق إلا الموثقة، وهي إن لم تكن ظاهرة في غير القادر فتعمه
والقادر - وتعارضها رواية الكرخي الظاهرة في عدم الوجوب، الشاملة لهما
أيضا، فلا يكون دليل تام على الوجوب من الأخبار، بل من الآية أيضا،
لعروض الاجمال لها من جهة الأخبار المفسرة - إلا أنها تشمل القادر،
و [تدل] (1) على وجوب الفدية عليه على التقديرين، وبها ثبت الوجوب عليه
قطعا، مضافة إلى الاجماع، ويبقى غير القادر تحت الأصل الخالي عن المعارض.
فالحق: هو القول الثاني.
فروع:
أ: تستحب الفدية لغير القادر أيضا، حذرا عن شبهة الخلاف، واتباعا
لبعض الاطلاقات المتقدمة.
بل يستحب أن يصوم عنه بعض ذوي قرابته بالتفصيل المأثور، فإن

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
383

لم تكن له قرابة يتصدق، كما في رواية أبي بصير: الشيخ الكبير لا يقدر أن
يصوم، فقال: (يصوم عنه بعض ولده)، قلت: فإن لم يكن له ولد؟ قال:
(فأدنى قرابته)، قلت: فإن لم تكن له قرابة؟ قال: (يتصدق بمد في كل
يوم، فإن لم يكن عنده شئ فليس عليه) (1).
ب: الفدية الواجبة والمستحبة: مد، بلا خلاف يعرف، لأكثر الأخبار
المتقدمة.
وما ورد في بعضها من المدين فحملوه على الاستحباب (2)، وهو
كذلك، بل لا يثبت مما تضمنه أكثر من الاستحباب.
وحمل في التهذيب ما تضمن المدين على تفاوت مراتب القدرة (3).
ولا شاهد له.
ج: هل يجب عليهما القضاء بعد الاقتدار لو حصل؟
المشهور: نعم (4)، للاطلاقات.
وعن والد الصدوق: لا (5)، ويظهر من بعض آخر القول به من غيره
أيضا، حيث قال: وقيل: لا، وحكي عن والد الصدوق أيضا (6). انتهى.
واختاره غير واحد من مشايخنا (7)، وهو ظاهر النافع والمدارك (8).

(1) التهذيب 4: 239 / 699، الإستبصار 2: 104 / 340، الوسائل 10: 213 أبواب
من يصح منه الصوم ب 15 ح 11.
(2) كما في الإستبصار 2: 104، والمعتبر 2: 717، والمنتهى 2: 618.
(3) التهذيب 4: 239.
(4) كما في الرياض 1: 330.
(5) نقله عنه في المختلف: 245.
(6) الرياض 1: 330.
(7) كصاحب الحدائق 13: 424، والرياض 1: 330.
(8) النافع: 72، المدارك 6: 296.
384

وهو الأقوى، لصحيحة محمد والرضوي المتقدمين (1)، ورواية داود بن
فرقد: فيمن ترك الصيام، فقال: (إن كان من مرض فإذا برئ فليقضه، وإن
كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد) (2).
ولو قيل: بأنها مبنية على الغالب من عدم الاقتدار، لأنهما لا يزالان
في نقصان.
قلنا: فكذلك إطلاقات القضاء بالنسبة إلى المورد.
المسألة الثانية: ذو العطاش - وهو من به داء لا يروى ولا يتمكن به من
ترك شرب الماء طول النهار أصلا، أو إلا مع مشقة شديدة - يفطر إجماعا محققا،
ومحكيا في المنتهى والتذكرة والتحرير (3)، وغيرها (4)، وللكتاب (5)، والسنة
المستفيضة عموما (6) - لكونه مرضا - وخصوصا، ككثير من الأخبار المتقدمة.
ويجب عليه القضاء إن برئ من مرضه قبل رمضان الآتي، بلا خلاف
كما عن ظاهر المختلف (7)، وصريح الحلي (8)، لأنه مريض يشمله عموم ما
دل على وجوبه عليه.
ومال بعض متأخري المتأخرين إلى السقوط (9)، لاطلاق بعض
الأخبار المتقدمة النافية للقضاء، الذي هو أخص مطلقا من العمومات.

(1) في ص: 364.
(2) التهذيب 4: 239 / 700، الوسائل 10: 432 أبواب الصوم المندوب ب 10 ح 1.
(3) المنتهى 2: 618، التذكرة 1: 281، التحرير 1: 85.
(4) كالمعتبر 2: 718.
(5) البقرة: 183.
(6) كما في الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15.
(7) المختلف: 245.
(8) السرائر 1: 400.
(9) كصاحب الحدائق 13: 425.
385

ويجاب عنه: بمنع كون التعارض بالعموم والخصوص مطلقا، لأن
خصوصيته إنما هي بالنسبة إلى حصول المرض، وأما بالنسبة إلى الانقطاع
والاستمرار عام، كما أن العمومات بالنسبة إلى الانقطاع خاص،
وبالإضافة إلى المرض عام، فيمكن تخصيص كل منهما بالآخر، ولكن
ترجح العمومات بموافقة الكتاب، والقطعية، والاشتهار، بل عدم ظهور
الخلاف.
وهل يجب عليه تصدق المد، أم لا؟
الظاهر: الوجوب مطلقا، وفاقا للشيخ (1)، وجماعة (2)، لموثقة ابن
بكير (3)، ورواية داود بن فرقد، مضافا في صورة الاستمرار إلى ما دل على
وجوبه على كل مريض استمر به المرض من رمضان إلى رمضان آخر.
ومنهم من فصل بين الاستمرار فأوجبه، وعدمه فنفاه، للأصل،
وتنزيل بعض أخباره على صورة الاستمرار بالنسبة إلى القضاء.
وضعفه ظاهر جدا، لأن تنزيل البعض لا يوجب تنزيل غيره أيضا.
وهنا تفصيل آخر لا فائدة مهمة في ذكره.
فرع: لو غلبه العطش لا لمرض، فإن كان بحيث ينفي القدرة
على الصيام - أو يوجب خوف الهلاك - يفطر ويقضي، لرواية يونس
المتقدمة (4)، وموثقة الساباطي: في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف
على نفسه، قال: (يشرب بقدر ما يمسك رمقه، ولا يشرب حتى

(1) في المبسوط 1: 285، والنهاية: 159.
(2) كما في المعتبر 2: 718.
(3) المتقدمة في ص: 363.
(4) في ص: 365، إلا أنها عن يونس عن المفضل بن عمر.
386

يروى) (1).
ولو انتفى الوصفان لا يجوز الافطار ولو تضمن المشقة الشديدة، لأن
بناء الصوم على تحمل الجوع والعطش، وصرحت بفضلهما الأخبار (2)،
فهي خاصة بالنسبة إلى عمومات العسر والحرج.
المسألة الثالثة: الحامل المقرب - وهي التي قرب زمان وضعها -
والمرضعة القليلة اللبن، يجوز لهما الافطار إذا خافتا على أنفسهما أو
ولدهما بالاجماع، للضرورة المبيحة لكل محظور إجماعا بل ضرورة،
ولخصوص الرضوي المتقدم.
وصحيحة محمد: (الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج
عليهما أن تفطرا في شهر رمضان، لأنهما لا تطيقان الصوم، وعليهما أن
تتصدق كل واحدة منهما في كل يوم تفطر فيه بمد من طعام، وعليهما قضاء
كل يوم أفطرتا فيه، تقضيانه بعد) (3).
والمروي في مستطرفات السرائر: امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في
شهر رمضان، فيشتد عليها الصوم وهي ترضع حتى غشي عليها، ولا تقدر
على الصيام، أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها، أو تدع الرضاع
وتصوم، فإن كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من ترضع ولدها فكيف تصنع؟
فكتب: (إن كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت

(1) الكافي 4: 117 / 6، الفقيه 2: 84 / 376، التهذيب 4: 240 / 702، الوسائل
10: 214 أبواب من يصح منه الصوم ب 16 ح 1.
(2) انظر البحار 93: 246.
(3) الكافي 4: 117 / 1، الفقيه 2: 84 / 378، التهذيب 4: 239 / 701، الوسائل
10: 215 أبواب من يصح منه الصوم ب 17 ح 1.
387

صيامها، وإن كان ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وقضت صيامها
متى ما أمكنها) (1).
ويجب عليهما التصدق لكل يوم بمد، وفاقا لجماعة (2)، بل الأكثر،
للرضوي، والصحيحة.
خلافا لجمع، ففصلوا بين الخوف على الولد والنفس، فأوجبوه على
الأول دون الثاني (3). ولا وجه له، وعدم ذكره في رواية السرائر لا يدل على
العدم.
ويجب عليهما القضاء أيضا على الأقوى الأشهر، بل عليه الاجماع
عن الخلاف (4)، ونفى جماعة الخلاف عمن عدا الديلمي أو والد
الصدوق (5)، للصحيح، والمروي في السرائر.
ودليل المخالف: الرضوي، وعدم ذكره في الصحيح: إن امرأتي
جعلت على نفسها صوم شهرين فوضعت ولدها وأدركها الحبل ولم تقو
على الصوم، قال: (فلتتصدق مكان كل يوم بمد على مسكين) (6).
والأول: ضعيف غير منجبر. والثاني: غير دال.

(1) مستطرفات السرائر: 67 / 11، الوسائل 10: 216 أبواب من يصح منه الصوم
ب 17 ح 3. والظئر: قيل للمرأة الأجنبية تحضن ولد غيرها - المصباح المنير:
388.
(2) كما في الخلاف 2: 196، والمعتبر 2: 719، وتبصرة المتعلمين: 57.
(3) انظر المنتهى 2: 619، وإيضاح الفوائد 1: 535، والمسالك 1: 82.
(4) الخلاف: 2: 196.
(5) انظر المنتهى 2: 619، والتنقيح الرائع 1: 396.
(6) الكافي 4: 137 / 11، الفقيه 2: 95 / 424، الوسائل 10: 216 أبواب من
يصح منه الصوم ب 17 ح 2.
388

فرع: مقتضى إطلاق الأخبار وفتوى الأكثر بل صريح جماعة (1): عدم
الفرق في المرضع بين الأم وغيرها، ولا بين المتبرعة والمستأجرة إذا لم يقم
غيرها مقامها، أما لو قام - بحيث لا يتضمن الضرر على الظئر - فالأظهر عدم
جواز الافطار، لانتفاء الضرورة، ولرواية السرائر المتقدمة، فإن فيها: (إن
كانت ممن يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها وأتمت صيامها، وإن كان
ذلك لا يمكنها أفطرت وأرضعت ولدها وأتمت صيامها متى ما أمكنها).
المسألة الرابعة: من يسوغ له الافطار يكره له التملي من الطعام
والشراب، سواء كان مريضا أو مسافرا أو حائضا أو شيخا، لفتوى الأكثر
بذلك (2)، وهي كافية في مقام التسامح.
وتدل عليه في المسافر صحيحة ابن سنان: (إني إذا سافرت في شهر
رمضان ما آكل إلا القوت، وما أشرب كل الري) (3).
وكذا يكره الجماع أيضا كما مر في طي أحكام المسافر (4).

(1) كما في المسالك 1: 82، والمدارك 6: 300، والحدائق 13: 431، والكفاية: 54.
(2) الإرشاد 1: 304، والمفاتيح 1: 259، والذخيرة: 536، والكفاية: 54.
(3) الفقيه 2: 93 / 416، التهذيب 4: 240 / 705، الإستبصار 2: 105 / 342،
الوسائل 10: 206 أبواب من يصح منه الصوم ب 13 ح 5، وهي في الكافي 4:
134 / 5.
(4) راجع ص: 372.
389

المقصد الثاني
في أقسام الصوم
وهو واجب، ومندوب، ومكروه، وحرام.
فها هنا مطالب.
391

المطلب الأول
في الواجب
وهو بحكم الاستقراء سبعة: صوم شهر رمضان، وقضاء الصوم
الواجب المعين، وصوم الإجارة، وصوم النذر وما في معناه، وصوم دم
المتعة، وصوم الكفارة، وصوم الاعتكاف.
وتظهر أحكام صوم الإجارة مما ذكر من أحكام استئجار الصلاة،
فلا حكم له هنا مخصوص يذكر، وتأتي الأربعة الباقية في كتب النذر والحج
والكفارات والاعتكاف، فيبقى ها هنا فصلان:
الفصل الأول
في صوم شهر رمضان
وهو واجب، بالكتاب (1)، والسنة (2)، وإجماع المسلمين، بل الضرورة
من الدين على جامع الشرائط المتقدمة إذا دخل شهر رمضان.
ويعلم بأمور أربعة:
الأول: رؤية الهلال، فمن رآه وجب عليه صومه ما لم يشك، سواء
انفرد برؤيته أو شاركه غيره، عدلا كان أو غير عدل، شهد عند الحاكم أو لم
يشهد، قبلت شهادته أو ردت، بإجماعنا المحقق، والمصرح به في كلام

(1) البقرة: 183 و 184.
(2) الوسائل 10: 239 أبواب أحكام شهر رمضان ب 1.
393

جماعة (1)، وبالكتاب (2)، وأخبارنا المستفيضة (3).
الثاني: مضي ثلاثين يوما من شعبان، بإجماع المسلمين، بل قيل:
إنه من ضروريات الدين (4)، وفي بعض الأخبار تصريح به (5).
الثالث: الشياع المفيد للعلم، ولا خلاف في اعتباره في رؤية
الهلال، كما عن المعتبر والتذكرة والمنتهى (6) وغيرها (7)، بل هو إجماع
محقق، فهو الدليل عليه.
بل ربما يظهر الحكم فيه من جملة من الأخبار، كرواية سماعة: (إذا
اجتمع أهل المصر على صيامه فاقضه إذا كان أهل المصر خمسمائة إنسان) (8).
ورواية الأزدي: أكون في الجبل في القرية فيها خمسمائة من الناس،
فقال: (إذا كان كذلك فصم بصيامهم وأفطر بفطرهم) (9).
ورواية أبي الجارود: (صم حين يصوم الناس، وأفطر حين يفطر
الناس) (10).
والأخرى: (الفطر يوم فطر الناس، والأضحى يوم أضحى الناس) (11).

(1) كما في التذكرة 1: 268، والذخيرة: 530.
(2) البقرة: 185.
(3) الوسائل 10: 253 و 260 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 و 4.
(4) قال به صاحب المدارك 6: 165.
(5) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
(6) المعتبر 2: 686، التذكرة 1: 271، المنتهى 2: 590.
(7) كالذخيرة: 530.
(8) الفقيه 2: 77 / 339، الوسائل 10: 294 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 6.
(9) التهذيب 4: 163 / 461، الوسائل 10: 293 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 3.
(10) التهذيب 4: 164 / 462، الوسائل 10: 293 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12 ح 4.
(11) التهذيب 4: 317 / 966، الوسائل 10: 133 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 57 ح 7.
394

وظاهرهما: أنه يصام متى شاعت الرؤية بين الناس واشتهرت بحيث
صاموا وأفطروا، من غير نظر إلى أن يكون فيهم عدل أم لا، وإن احتمل أن
يكون المراد: الأمر بمراعاة التقية في الصوم والافطار.
وهل يثبت الهلال بالشياع المفيد للظن أيضا، أم لا؟
حكي عن الفاضل: الأول، معللا بأن الظن الحاصل بشهادة الشاهدين
حاصل مع الشياع (1)، وحكي عن الشهيد الثاني أيضا (2).
وحكي عنه أيضا في موضع من المسالك: اعتبار زيادة الظن الحاصل
منه على ما يحصل منه بقول العدلين، لتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم
الموافقة (3).
ورد: بأن ذلك يتوقف على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معللا
بإفادتهما الظن ليتعدى إلى ما يحصل به ذلك وتتحقق به الأولوية المذكورة،
وليس في النص ما يدل على هذا التعليل، وإنما هو مستنبط فلا عبرة به،
مع أن اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظن الحاصل بالقرائن إذا ساوى الظن
الحاصل بشهادة العدلين أو كان أقوى، وهو باطل إجماعا.
والحق: الثاني، وعدم كفاية الظن، كما عن المحقق في كتاب
شهادات الشرائع والفاضل في المنتهى وصاحب المدارك (4)، وجماعة من
متأخري المتأخرين (5)، للأصل، وعدم دليل على حجية هذا الظن،
واستفاضة الأخبار بأنه ليس الهلال بالرأي ولا الظن، وإن اليقين لا يدخل

(1) التذكرة 1: 271.
(2) حكاه عنه في المدارك: 335 وهو في المسالك 1: 76.
(3) المسالك 2: 410.
(4) الشرائع 4: 133، المنتهى 2: 590، المدارك 6: 166.
(5) كصاحبي الحدائق 13: 245، والرياض 1: 318.
395

فيه الشك، صم للرؤية وأفطر للرؤية (1).
وحيث كان المعتبر ما أفاد العلم فلا ينحصر المخبرون في عدد.
ولا فرق بين خبر المسلم والكافر والصغير والكبير والأنثى والذكر،
كما هو الحكم في الخبر المتواتر.
الرابع: شهادة العدلين، يثبت بها الهلال مطلقا، صحوا كان أو غيما،
كانا من خارج البلد أو داخله، عند المفيد والإسكافي والسيد والحلي
والفاضلين والشهيدين (2)، وغيرهما من المتأخرين (3)، بل عليه الأكثر كما
صرح به جماعة (4).
للأخبار المستفيضة، كصحيحة الحلبي: (لا أجيز في رؤية الهلال إلا
شهادة رجلين عدلين) (5).
ومرسلة الفقيه: (لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، ولا تجوز إلا
شهادة رجلين عدلين) (6)، ونحوها صحيحة حماد (7).

(1) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
(2) المفيد في المقنعة: 297، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 234، السيد في
جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 54، الحلي في السرائر 1:
380، المحقق في المعتبر 2: 686، العلامة في التذكرة 1: 270، الشهيد في
اللمعة والشهيد الثاني في الروضة 2: 109.
(3) كفخر المحققين في الإيضاح 1: 249، وصاحب المدارك 6: 167.
(4) انظر المعتبر 2: 686، والمدارك 6: 167، والذخيرة: 531، ومشارق
الشموس: 464، وغنائم الأيام: 447.
(5) 27 الفقيه 2: 77 / 338، التهذيب 4: 180 / 499، الوسائل 10: 288 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 11 ح 8.
(6) الفقيه 2: 77 / 340 الوسائل 10: 288 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 7.
(7) الكافي 4: 77 / 4، الوسائل 10: 287 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 3.
396

وصحيحة شعيب: (لا أجيز في الطلاق ولا في الهلال إلا رجلين) (1).
وصحيحة منصور: (صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته، فإن شهد عندك
شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه) (2).
وصحيحة الشحام، وفيها: (إلا أن تشهد لك بينة عدول، فإن شهدوا
أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم) (3).
ورواية صبار (4): عن الرجل يصوم تسعة وعشرين يوما يفطر للرؤية
ويصوم للرؤية أيقضي يوما؟ فقال: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا، إلا
أن يجي شاهدان عدلان فيشهدان أنهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي
يوما) (5)، إلى غير ذلك.
وعن الصدوق والشيخ والحلبي والقاضي وابن حمزة وابن زهرة:
الاقتصار في الثبوت بالعدلين إذا كانت في السماء علة (6) كبعض ما ذكر،
وكانا من خارج البلد كبعض آخر، إذا كانا منه كبعضهم أيضا.
وقيل بالثبوت بهما مع سد باب إمكان العلم (7). وقيل: مع انتفاء ما

(1) التهذيب 4: 316 / 962، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 9.
(2) التهذيب 4: 157 / 436، الإستبصار 2: 63 / 205، الوسائل 10: 287 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 11 ح 4، وهو في المقنعة: 297.
(3) التهذيب 4: 155 / 430، الإستبصار 2: 62 / 200، الوسائل 10: 262 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 5 ح 4.
(4) في النسخ: صياد، وهو تصحيف.
(5) التهذيب 4: 165 / 468، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 21. وفيه عن صابر، بدل صبار، وفي هامش المخطوط منه: في نسخة: صبار.
(6) الصدوق في المقنع: 58، الشيخ في المبسوط 1: 267، الحلبي في الكافي:
181، القاضي في المهذب 1: 189، ابن حمزة في الوسيلة: 141، ابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية): 570.
(7) كما في الحدائق 13: 255.
397

يوجب التهمة (1). ويمكن إرجاعهما إلى القول السابق عليهما.
ودليل هذه الأقوال: صحيحة الخزاز، وفيها: (لا يجزئ في رؤية
الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، وإذا كانت في
السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان ويخرجان من مصر) (2).
ورواية حبيب الخزاعي: (لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون
خمسين رجلا عدد القسامة، وإنما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج
المصر وكان بالمصر علة، فأخبرا أنهما رأياه، وأخبرا عن قوم صاموا
للرؤية) (3).
أقول: لا يخفى أنه لا منافاة بين غير الأخيرتين من روايات القول
الأول وبين روايتي القول الثاني، إذ غاية ما تفيده الأخبار المذكورة: قبول
العدلين في الجملة، ولا تصريح فيها بالقبول في حال الصحو.
بخلاف الروايتين، فإن فيهما تصريحا بالعدم فيه، ومقتضى قاعدة
الجمع المتفق عليها تقييدها بهما، بل هو القاعدة لو كانت الروايات دالة
على القبول مطلقا أيضا، حملا للمطلق على المقيد والعام على الخاص.
ومنه يظهر لزوم تقييد الأخيرتين من روايات القول الأول أيضا.
والقول: بأنه لا تصريح في الروايتين بعدم القبول مع الصحو مطلقا،
بل مع تعارض الشهادات وإنكار من عدا العدلين لما شهدا به، وهو عين
التهمة، وعدم القبول حينئذ مجمع عليه بالضرورة، إذ من شرائط العمل

(1) كما في الرياض 1: 319.
(2) التهذيب 4: 160 / 451، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11
ح 10، وبدل: لا يجزئ، في النسخ: لا يجوز، وما أثبتناه من المصدر.
(3) التهذيب 4: 159 / 448، الإستبصار 2: 74 / 227، الوسائل 10: 290 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 11 ح 13.
398

بالبينة ارتفاع التهمة (1).
مردود بأنه لا تعرض في رواية الحبيب لاستهلال الغير وتعارض
الشهادات أصلا، وكذا في مورد الاستدلال من صحيحة الخزاز.
نعم، يتضمن صدرها: أنه ليس رؤية الهلال أن يقوم عدة فيقول
واحد: رأيته، ويقول الآخرون: لم نره، وذلك ليس من باب تعارض
الشهادات وإنكار ما شهد به العدلان أصلا.
نعم، مجرد اختصاص الرؤية بالعدلين من بين أهل مصر وعدم وجود
مانع موجب للتهمة أبدا.
وعلى هذا، فمقتضى ما ذكره من الاجماع على عدم قبول العدلين مع
التهمة: عدم قبولهما في موضع النزاع - الذي هو الصحو مطلقا - وهو عين
القول الثاني.
ولا يظهر محل اختلاف بينهما، إلا إذا كان ثلاثة أو أربعة في بر وشهد
عدلان منهم بالرؤية، أو لم يتفحص في المصر أحد، كما إذا كانت ليلة
الثلاثين ولم يجوز أهل المصر رؤية الهلال، فلم يستهلوا، ورآه اثنان، أو لم
يعلم حال غير العدلين أنه هل يشهد أم لا، كما إذا شهد العدلان عند من في
بيته ولم يخرج منه بعد، فإنه ليس العدلان حينئذ محل التهمة، ومقتضى
القول الأول ودليله: قبولها، دون الثاني.
إلا أن يقال: إن ظاهر الروايتين أن موردهما المصر، وفيما إذا علم أنه
استهل أهل المصر ولم يشهد غير العدلين، كما يستفاد من صدر
الصحيحة، بل من اشتراط وجود العلة في السماء.
وظهر من ذلك أن القول الفصل أن يقال: إن مقتضى العمومات قبول

(1) انظر الرياض 1: 319.
399

العدلين مطلقا، خرج منه ما إذا كان صحوا وتفحص أهل مصر - أي مجتمع
الناس الكثيرين - ولم يره غير العدلين منهم، إما لأجل التهمة، أو لامكان
تحصيل العلم، أو لعلة أخرى، أو كان في السماء علة عامة وشهد شاهدان
من البلد مع تفحص الباقين، بالروايتين، وبقي الباقي.
وترشد إلى عدم القبول في محل النزاع - وهو الصحو أو العلة وكون
الشاهدين من البلد وكونهما محل التهمة - المستفيضة من الروايات،
المصرحة بأن الرؤية الموجبة للصوم والفطر ليست أن تقوم جماعة فتنظر
ويراه واحد ولم يره الباقي، كصحيحة محمد (1)، وروايتي حماد (2) وأبي
العباس (3)، وغيرها (4).
وأما ما أجيب به عن الروايتين من أن اشتراط الخمسين لم يوجد في
حكم سوى قسامة الدم، فهو مخالف لما عليه عمل المسلمين كافة، فيكون
ساقطا، مع أنه لا يفيد اليقين، بل قوة الظن، وهي تحصل بشهادة
العدلين (5).
فمردود بأن من المحتمل أن يكون وروده فيهما مورد التمثيل لما
يحصل به اليقين، وأن اعتباره من جهته لا لخصوصية فيه، وكذا في كلام
من ذكره، فلا مخالفة، ولو لم يقبل ذلك فيكون في كلام من ذكر محمولا

(1) الكافي 4: 77 / 6، الفقيه 2: 76 / 334، التهذيب 4: 156 / 433، الإستبصار
2: 63 / 203، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.
(2) التهذيب 4: 156 / 433، الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11
ح 11.
(3) الفقيه 2: 77 / 336، التهذيب 4: 156 / 431، الإستبصار 2: 63 / 201،
الوسائل 10: 290 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 12.
(4) انظر الوسائل 10: 286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11.
(5) انظر المعتبر 2: 688.
400

على الحقيقة، وهم أساطين أهل الاسلام، فكيف يقال: إنه مخالف لعمل
المسلمين؟!
وأما تسويته في الظن مع العدلين وإيجابها تسويتهما في القبول فهو
من باب القياس المردود عندنا. فتأمل.
ونقل في الشرائع قولا بعدم قبول العدلين في الهلال مطلقا (1).
وهو ضعيف مردود بجميع الروايات المتقدمة.
فروع:
أ: قد صرح جملة من الأصحاب - منهم: الفاضل (2) وغيره (3) - بأنه
لا يعتبر في ثبوت الهلال بالشاهدين حكم الحاكم، بل لو رآه عدلان ولم
يشهدا عند الحاكم وجب على من سمع شهادتهما وعرف عدالتهما الصوم
أو الفطر.
وهو كذلك، لقوله في صحيحة منصور المتقدمة: (فإن شهد عندك
شاهدان) (4)، وفي صحيحة الحلبي السالفة: (إلا أن يشهد لك بينة عدول) (5).
ب: يثبت الهلال بالشهادة على الشهادة، وفاقا لشيخنا الشهيد الثاني
والمدارك والحدائق (6)، لعمومات قبول الشهادة على الشهادة، كمرسلة

(1) الشرائع 1: 199.
(2) في التذكرة 1: 271.
(3) كصاحب الحدائق 13: 258.
(4) راجع ص: 379.
(5) لم تتقدم كذا صحيحة للحلبي، نعم هذا النص موجود في صحيحة الشحام
المتقدمة في ص 379.
(6) الشهيد الثاني في المسالك 1: 76، المدارك 6: 170 الحدائق 3: 262.
401

الفقيه: (إذا شهد رجل على شهادة رجل فإن شهادته تقبل، وهي نصف
شهادة، وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجل فقد ثبتت شهادة رجل
واحد) (1)، وغيرها (2).
وهذه العمومات هي مراد الشهيد الثاني، دون عمومات قبول شهادة
العدلين، كما توهمه في الذخيرة ورده: بأن المتبادر من النصوص شهادة
الأصل (3).
خلافا للتذكرة، مسندا إياه إلى علمائنا (4)، للأصل، واختصاص ورود
القبول بالأموال.
والأول مدفوع بما مر. والثاني ممنوع.
ج: تقبل شهادة العدلين على الاستفاضة المفيدة للعلم، كما صرح به
جملة من الأصحاب (5)، لصحيحة هشام فيمن صام تسعة وعشرين: (إن
كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا للثلاثين على رؤية قضى يوما) (6).
د: لو اختلف الشاهدان فيما تسمع شهادتهما في صفة الهلال
بالاستقامة والانحراف، ففي المدارك: أنه تبطل شهادتهما (7)، ولا بأس به.
وكذلك لو اختلفا في جهة الحدبة أو موضع الهلال، لاختلاف المشهود به.
وقال: ولا كذلك لو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة. وهو كذلك.

(1) الفقيه 3: 41 / 135، الوسائل 27: 404 أبواب الشهادات ب 44 ح 5.
(2) الوسائل 27: 402 أبواب الشهادات ب 44.
(3) الذخيرة: 531.
(4) التذكرة 1: 270.
(5) كما في المدارك 6: 170، والحدائق 13: 262.
(6) التهذيب 4: 158 / 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 13.
(7) المدارك 6: 170.
402

ه‍: لو شهد أحدهما برؤية شعبان الاثنين مثلا والآخر برؤية رمضان
الأربعاء، لم يقبل على الأظهر، لتغاير ما شهد به كل واحد مع الآخر، فلا
يثبت شئ منهما، ولوجوب الاقتصار في إثبات أمر مخالف للأصل على
موضع اليقين، ولا يعلم من الأخبار قبول مثل ذلك.
وفي المدارك احتمل القبول، لاتفاقهما في المعنى (1). وهو غير مفيد.
و: لا يكفي قول الشاهد: اليوم الصوم أو الفطر، بل يجب على
السامع الاستفصال، لاختلاف الأقوال، وإمكان الاستناد إلى أمر غير مقبول،
وللأصل المذكور.
وفي المدارك: نعم، لو علمت الموافقة أجزأ الاطلاق (2).
وفيه: أن الموافقة في القول لا تنفي الاشتباه في المستند. وبالجملة
مقتضى الأصل: عدم القبول.
ولا يثبت الهلال بغير ما ذكر.
وها هنا أمور أخر اعتمد إلى كل منها بعضهم:
منها: العدل الواحد، فإنه لا يقبل في ثبوت الهلال مطلقا على الحق
المشهور، بل عن الخلاف والغنية: الاجماع عليه (3)، للأصل،
والاستصحاب، والمستفيضة المصرحة بأنه لا يقبل في الهلال غير العدلين (4).
خلافا للديلمي، فقبله في هلال شهر رمضان بالنسبة إلى الصوم
خاصة دون غيره من أجل ومدة (5)، للاحتياط.

(1) المدارك 6: 170.
(2) المدارك 6: 170.
(3) الخلاف 2: 172، الغنية (الجوامع الفقهية): 570.
(4) انظر الوسائل 10: 286 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11.
(5) المراسم: 96.
403

وصحيحة محمد بن قيس: (إذا رأيتم الهلال فأفطروا، أو شهد عليه
عدل من المسلمين) الحديث (1).
وفحوى رواية داود بن الحصين: (ولا بأس بالصوم بشهادة النساء
ولو امرأة واحدة) (2).
ورواية يونس بن يعقوب: قال له غلام: إني رأيت الهلال، قال:
(اذهب فأعلمهم) (3)، وبعض الروايات العامية (4)، والوجوه الاستحسانية.
ويرد الأول: بأنه على تقدير تسليمه ليس دليلا شرعيا، مع أنه إنما
يتم على القول بجواز صوم يوم الشك بنية رمضان، وأما على القول الأقرب
فلا يمكن الاحتياط بصومه بنيته، ونية شعبان ليس فيها عمل بشهادة
الواحد، بل عدول عنها.
والثاني أولا: بأنه مخالف للمطلوب، لوروده بالقبول في أول شوال.
وثانيا: بأن لفظ العدل كما يطلق على الواحد يطلق على الزائد، لأنه
مصدر يصدق على القليل والكثير، تقول: رجل عدل، ورجلان عدل،
ورجال عدل.
وثالثا: باختلاف النسخ، فبعضها كما ذكر، وآخر مكان (أو شهد
عدل): (واشهدوا عليه عدولا)، وفي ثالث مكانه: (أو يشهد عليه بينة
عدل من المسلمين)، وعلى هذا فلا تكون حجة.

(1) الفقيه 2: 77 / 337، التهذيب 4: 158 / 440، الإستبصار 2: 64 / 207،
الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11.
(2) التهذيب 6: 269 / 726، الإستبصار 3: 30 / 98، الوسائل 10: 291 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 11 ح 15.
(3) التهذيب 4: 161 / 453، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 15.
(4) انظر سنن النسائي 4: 131، وسنن أبي داود 2: 302، وسنن الترمذي 2: 99.
404

ورابعا: بعدم الحجية، لمخالفة الشهرة العظيمة، الموجبة لدخوله في
حيز الشذوذ.
وخامسا: بعدم معارضته للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة.
والثالث: بالأخيرين، مضافا إلى معارضته مع ما نص على عدم قبول
شهادة النساء، وهو كثير، وعليه الاجماع عن الانتصار والغنية (1).. وإلى أن
الديلمي لا يقبل الامرأة الواحدة، فالأصل عنده مردود، فكيف يبقى الفرع؟!
والرابع: بأنه لا دلالة فيه على الاجزاء بشهادته، بل أمره بالشهادة،
لجواز أن يكون رآه غيره أيضا.
ومنها: الجدول، والمراد منه: التقويم المتعارف، الموضوع لضبط
بعض الأحوال المتعلقة ببعض الكواكب في السنة، كما هو الظاهر.
أو جدول أهل الحساب المتضمن لثبت شهر تاما وشهر ناقصا سوى
الكبيسة، كما صرح به في الروضة (2).
أو جدول كان وضعه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، ونسبه
إلى الصادق عليه السلام، كما صرح به في الغنية (3):.
والعدد، سواء كان بمعنى عد شعبان ناقصا ورمضان تاما أبدا، أو عد
شهر تاما وآخر ناقصا مطلقا في جميع السنة مبتدأ من المحرم، أو عد
خمسة أيام من هلال رمضان الماضي وجعل الخامس أول الحاضر، أو عد
تسعة وخمسين من هلال رجب، أو عد كل شهر ثلاثين.
والتطوق بظهور النور في جرمه مستديرا.

(1) الإنتصار: 62، الغنية (الجوامع الفقهية): 570.
(2) الروضة 2: 110.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
405

وغيبوبة الهلال بعد الشفق.
ورؤية ظل الرأس في ظل القمر.
فإنه لا عبرة بشئ منها في ثبوت أول الشهر على الحق المشهور بين
قدماء أصحابنا (1)، ومتأخريهم (2)، بل على نفي بعضها الاجماع، أو عدم
الخلاف في بعض عبارات الأصحاب (3)، بل على عدم اعتبار كثير منها
الاجماع المعلوم، فهو فيه الحجة.
مضافا في الجميع إلى الأصل، والاستصحاب، ومفهوم الشرط في
المستفيضة، المصرحة باشتراط الصوم والفطر بالرؤية، كما في صحيحتي
الحلبي (4) ومحمد (5)، ورواية عبد السلام (6)، وقوله في صحيحة البصري:
(لا تصم إلا أن تراه) (7)، والتحذير في المستفيضة عن متابعة الشك والظن
في أمر الهلال، وشئ من المذكورات لا يتجاوز عن الظن.
وفي خصوص الأول إلى صحيحة محمد بن عيسى: ربما أشكل علينا
هلال شهر رمضان، فلا نراه ونرى السماء ليست فيها علة، فيفطر الناس
ونفطر معهم، ويقول قوم من الحساب قبلنا: إنه يرى في تلك الليلة بعينها
بمصر وأفريقية والأندلس، فهل يجوز - يا مولاي - ما قال الحساب في هذا

(1) انظر المبسوط 1: 267.
(2) انظر القواعد 1: 69، واللمعة (الروضة 2): 110، والمدارك 6: 175.
(3) كما في التنقيح الرائع 1: 376، والذخيرة: 534، والحدائق 13: 291.
(4) الكافي 4: 76 / 1، الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 1.
(5) الفقيه 6: 76 / 334، التهذيب 4: 156 / 433، الإستبصار 2: 63 / 203،
الوسائل 10: 289 أبواب أحكام شهر رمضان ب 11 ح 11.
(6) التهذيب 4: 164 / 465، الوسائل 10: 257 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 20.
(7) التهذيب 4: 157 / 439، الإستبصار 2: 64 / 206، الوسائل 10: 254 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 3 ح 9.
406

الباب، حتى يختلف الفرض على أهل الأمصار، فيكون صومهم خلاف
صومنا وفطرهم خلاف فطرنا؟ فوقع عليه السلام: (لا تصومن بالشك، أفطر
لرؤيته وصم لرؤيته) (1)، بناء على أن يكون المراد: لا يحصل من قول
الحساب سوى الشك، فلا تصومن به.
ويمكن أن يكون المعنى: أنه لا يحصل من الرؤية في مصر وأخويه
سوى الشك بالنسبة إلى بلدكم، فلا تصومن لأجله، ولا يدل على المطلوب
حينئذ.
وقد يرد ذلك أيضا بقوله صلى الله عليه وآله: (من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر
بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله) (2).
وفيه: أن علم النجوم هو العلم بآثار حلول الكواكب في البروج
والدرجات وآثار مقارناتها وسائر أنظارها ونحوه. والتنجيم هو الحكم
بمقتضى تلك الآثار. وبناء الجدول على حساب سير القمر والشمس، وهو
غير التنجيم، ويقال لأهله: الحساب، كما مر في الصحيحة المتقدمة، وليس
هو إلا مثل حساب حركة الشمس والأخبار عن أوائل الشهور الرومية
والفرسية، وذلك ليس من التنجيم أصلا.
وفي الثاني - بمعانيه الثلاثة الأولى - إلى المستفيضة من الصحاح
وغيرها - بل المتواترة معنى - الدالة على أن شهر رمضان كسائر الشهور يزيد
وينقص، وقد يكون تسعة وعشرين يوما، كأخبار الحلبي (3)، والشحام (4)،

(1) التهذيب 4: 159 / 446، الوسائل 10: 297 أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 1.
(2) المعتبر 2: 688، الوسائل 10: 297 أبواب أحكام شهر رمضان ب 15 ح 2.
(3) التهذيب 4: 161 / 455، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 17.
(4) التهذيب 4: 155 / 430، الإستبصار 2: 62 / 200، الوسائل 10: 262 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 5 ح 4.
407

وابن سنان (1)، وأبي أحمد (2)، والغنوي (3)، وعبد الأعلى (4)، وصبار (5)،
وهشام بن الحكم (6)، والواسطي (7)، وجابر (8)، وإسحاق بن حريز (9)،
ومحمد (10)، وقطر بن عبد الملك (11)، والرضوي (12)، والأحمر (13)،

(1) التهذيب 4: 163 / 459، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 19.
(2) التهذيب 4: 163 / 460، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 20.
(3) التهذيب 4: 160 / 449، الوسائل 10: 256 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3
ح 15.
(4) التهذيب 4: 164 / 466، الوسائل 10: 258 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3
ح 24.
(5) التهذيب 4: 165 / 468، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 21.
(6) التهذيب 4: 158 / 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 13.
(7) التهذيب 4: 161 / 454، الوسائل 10: 266 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 16.
(8) التهذيب 4: 162 / 456، الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 18.
(9) التهذيب 4: 162 / 458، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 2، وفيه: عن إسحاق بن جرير.
(10) التهذيب 4: 155 / 429، الإستبصار 2: 62 / 199، الوسائل 10: 261 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 5 ح 1.
(11) التهذيب 4: 166 / 471، الوسائل 10: 268 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 23.
(12) فقه الرضا (ع): 203، مستدرك الوسائل 7: 406 أبواب أحكام شهر رمضان
ب 4 ح 2.
(13) التهذيب 4: 165 / 470، الوسائل 10: 268 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 22.
408

ورفاعة (1)، وعبيد بن زرارة (2)، وحماد (3)، ويونس بن يعقوب (4)، وأبي
بصير (5)، ومحمد بن الفضيل (6).
وبجميع معانيه إلى المخالفة للرؤية كثيرا، فإنه قد تحققت الرؤية
منافية لجميعها في كثير من الأوقات، إلا أن يكون بناء المخالف على عدم
الاعتبار بالرؤية أصلا، كما هو المصرح به في عبارات بعض القدماء، الراد
له، كالناصرية والخلاف والتهذيب والغنية (7).
ولكن صرح في الحدائق: بأن الصدوق - مع تصلبه ومبالغته في
العدد - صرح بوجوب الصيام للرؤية، والافطار للرؤية وعقد لذلك بابا (8).
وهو كذلك.
وفي الثالث: إلى رواية أبي علي بن راشد: كتب إلي أبو الحسن
العسكري عليه السلام كتابا، وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان، وذلك في

(1) الإستبصار 2: 63 / 202، الوسائل 10: 263 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 6.
(2) التهذيب 4: 157 / 435، الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 10.
(3) التهذيب 4: 160 / 452، الوسائل 10: 262 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 3.
(4) التهذيب 4: 160 / 450، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 14.
(5) المقنعة: 269، الوسائل 10: 259 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3 ح 27.
(6) التهذيب 4: 166 / 474، الوسائل 10: 263 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5
ح 7.
(7) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، الخلاف 2: 169، التهذيب 4: 154،
الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(8) الحدائق 13: 279.
409

سنة اثنين وثلاثين ومائتين، وكان يوم الأربعاء يوم شك وصام أهل بغداد
يوم الخميس، وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ولم يغب إلا بعد
الشفق بزمان طويل، قال: فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس وأن الشهر كان
عندنا ببغداد يوم الأربعاء، قال: فكتب إلي: (زادك الله توفيقا فقد صمت
بصيامنا)، قال: ثم لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبته به إليه، فقال لي: (أو لم
أكتب إليك إنما صمت الخميس، ولا تصم إلا للرؤية؟!) (1).
والتقريب: أنه وإن كان ما كتبه إلى الإمام عليه السلام غير مصرح به، إلا أن
ظاهر السياق يدل على أنه كتب إليه بما ذكره من قوع الشك في بغداد يوم
الأربعاء، إلى آخر ما في الخبر.
ثم مع قطع النظر عن معلومية ما كتب إليه وأن المنقول عنه ما هو،
فإن إخباره في صدر الخبر بكونه عليه السلام كتب إليه كتابا أرخه بالتاريخ المشعر
بكون أربعاء من شهر شعبان - وكذا جوابه بقوله (صمت بصيامنا) وكان
صيامه يوم الخميس، كما يدل عليه قوله: (أولم أكتب إليك إنما صمت
الخميس) مع إخبار الراوي بأن الهلال ليلة الخميس لم يغب إلا بعد الشفق
بزمان طويل - ظاهر الدلالة على أن مغيب الهلال بعد الشفق لا يستلزم أن
يكون لليلتين.
خلافا في الأول للمحكي في الخلاف عن شاذ منا (2)، وفي المنتهى
عن بعض الجمهور، لايجابه الظن (3)، وقوله عز شأنه: (وبالنجم هم
يهتدون) (4)، والرجوع إلى النجوم في القبلة.

(1) التهذيب 4: 167 / 475، الوسائل 10: 281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 1.
(2) الخلاف 2: 169.
(3) المنتهى 2: 588.
(4) النحل: 16.
410

وضعف الكل ظاهر.
وقيل: مع أن أهل الجدول لا يثبتون فيه أول الشهر بمعنى جواز
الرؤية، بل بمعنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس، مع اعترافهم بأنه قد
لا يمكن الرؤية (1).
وهو خطأ ناشي عن عدم الاطلاع عن طريقة الجداول، فإن فيها
لا يثبت تأخر القمر عن المحاذاة المذكورة، بل خروجه عن تحت الشعاع
وكيفية بعده عنها وعرضه، ثم بواسطتها يثبتون إمكان الرؤية، بل وقوعها.
وفي الثاني للمحكي عن المفيد في بعض كتبه (2) والصدوق في
الفقيه (3)، وحكاه في المعتبر عن قوم من الحشوية (4).
لقوله سبحانه: (أياما معدودات) (5)، وقوله: (ولتكملوا العدة) (6).
والروايات الكثيرة الدالة على تمامية شهر رمضان أبدا خاصة، أو
عليها وعلى تمامية شهر ونقصان شهر، كروايتي حذيفة بن منصور (7)،
والروايات الثلاث لمعاذ بن كثير (8)، وروايتي شعيب (9)، ورواية ابن

(1) انظر الرياض 1: 319.
(2) حكاه عن لمح البرهان للمفيد في إقبال الأعمال: 5.
(3) الفقيه 2: 111.
(4) المعتبر 2: 688.
(5) البقرة: 184.
(6) البقرة: 185.
(7) التهذيب 4: 168 / 479 و 481، الإستبصار 2: 65 / 213 و 215، الوسائل
10: 269 و 270 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 26 و 29.
(8) التهذيب 4: 167 / 477 و 478 و 480، الإستبصار 2: 65 / 211 و 212، 214،
الوسائل 10: 268 و 269 و 270 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 24 و 25 و 28.
(9) التهذيب 4: 171 / 483 و 484، الإستبصار 2: 67 / 216، 217، الوسائل
10: 271 و 272 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 32 و 33.
411

عمار (1)، ومراسيل محمد بن إسماعيل (2) وأبي بصير (3) وياسر الخادم (4).
وضعف دلالة الأولين ظاهر.
وأما الروايات، وهي وإن كانت مخالفة للعامة - كما صرح به في
الفقيه (5)، وهي من المرجحات - إلا أنها مخالفة للظواهر والعمومات القرآنية
- كما في الوافي (6) - وهي من الموهنات، ومع ذلك فهي شاذة - كما صرح
به في الخلاف والغنية (7)، ويستفاد من الناصريات والمعتبر (8) - ومخالفة
للشهرة القديمة والجديدة، بل الاجماع المحقق، فهي خارجة عن حيز
الحجية مطروحة بالكلية.
هذا، مع أنه على ما صرح به في الحدائق لا يظهر لهذا الخلاف كثير
ثمرة، لأنه نقل عن الصدوق - الذي هو أهل ذلك القول، إذ لم يثبت من
غيره - أنه أوجب الصوم للرؤية والفطر لها، ومع تغيم ليلة الثلاثين من
شعبان قال باستحباب صومه من شعبان وإجزائه عن رمضان لو ظهر أنه منه (9).

(1) التهذيب 4: 176 / 487، الإستبصار 2: 72 / 220، الوسائل 10: 271 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 5 ح 31.
(2) الكافي 4: 78 / 2، التهذيب 4: 172 / 485، الإستبصار 2: 62 / 218،
الوسائل 10: 272 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 34.
(3) الفقيه 2: 111 / 473، الخصال: 531 / 7، الوسائل 5: 273 أبواب أحكام شهر
رمضان ب 5 ح 35.
(4) الفقيه 2: 111 / 474، الخصال: 530 / 5، الوسائل 10: 273 أبواب أحكام
شهر رمضان ب 5 ح 36.
(5) الفقيه 2: 111.
(6) الوافي 11: 146.
(7) الخلاف 2: 169، الغنية (الجوامع الفقهية): 569.
(8) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206، المعتبر 2: 688.
(9) الحدائق 13: 279.
412

ثم إن كان خلافهما مختصا بشهري شعبان ورمضان - أي يقولان
بالنقصان والتمام الأبديين فيهما خاصتين - يكونان مخالفين في العدد
بالمعنى الأول خاصة، وإن كانا يقولان بالعدد بالمعنى الثاني - كما هو
الظاهر، ويدل عليه كثير من أخبارهما المتقدمة - فيكونان مخالفين في العدد
بجميع معانيه، إذ المعنى الثاني منه يستلزم جميع معانيه وإن لم يكن
بالعكس كما لا يخفى، ويكون لهما موافق من الأصحاب في الجملة أيضا..
فإنه ذهب في المراسم والارشاد والقواعد بالبناء على العدد إذا غمت
الشهور أجمع من غير تفسير (1). ولكن الظاهر أن مرادهما عد الخمسة
الآتية.
وفي تمهيد القواعد بالبناء على عد شهر تاما وشهر ناقصا، أو عد
خمسة من هلال رمضان السنة الماضية حينئذ (2).
وفي المبسوط والمختلف والتحرير والمنتهى والتذكرة بالبناء على عد
الخمسة حينئذ (3).
والإسكافي بنى على عد الخمسة في غير السنة الكبيسة والستة فيها
حينئذ كما قيل (4). أو مطلقا، كما عن التنقيح (5) وغيره (6).
والعماني بنى على عد تسعة وخمسين من رجب (7).

(1) المراسم: 96، الإرشاد 1: 303، القواعد 1: 69.
(2) تمهيد القواعد (الذكرى): 44.
(3) المبسوط 1: 268، المختلف: 236، التحرير 1: 82، المنتهى 2: 592،
التذكرة 1: 271.
(4) في المختلف: 236.
(5) التنقيح 1: 377.
(6) كالمعتبر 2: 688، والجامع للشرائع: 154.
(7) حكاه عنه في المختلف: 236.
413

ويستدل لعد الخمسة مطلقا بالمستفيضة، كرواية الزعفراني: إن
السماء تطبق علينا بالعراق اليومين والثلاثة فأي يوم نصوم؟ قال: (أفطر
اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم يوم الخامس) (1)، وقريبة منها
روايته الأخرى (2).
ورواية الخدري: (صم في العام المستقبل يوم الخامس من يوم
صمت فيه عام أول) (3)، وقريبة منها مرسلة الفقيه (4)، والمروي في الإقبال
عن عاصم بن حميد (5)، وكذا الرضوي (6).
ولعدها في غير السنة الكبيسة برواية السياري: عما روي من الحساب
في الصوم عن آبائك في عد خمسة أيام بين أول السنة الماضية والسنة
الثانية التي تأتي؟ فكتب: (صحيح، ولكن عد في كل أربع سنين خمسا،
وفي السنة الخامسة ستا فيما بين الأولى والحادث، وفيما سوى ذلك فإنما
هو خمسة خمسة)، قال السياري: وهذه من جهة الكبيسة، الحديث (7).
مضافا إلى موافقته للعادة، كما صرح به جماعة (8)، قال القزويني في

(1) الكافي 4: 80 / 1، التهذيب 4: 179 / 496، الإستبصار 2: 76 / 230،
المقنع: 59، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 3، بتفاوت.
(2) الكافي 4: 81 / 4، التهذيب 4: 179 / 497، الإستبصار 2: 76 / 231،
الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 3.
(3) الكافي 4: 81 / 2، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 1.
(4) الفقيه 2: 78 / 345، الوسائل 10: 284 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 4.
(5) الإقبال: 15، الوسائل 10: 285 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 8.
(6) فقه الرضا (ع): 209، مستدرك الوسائل 7: 416 أبواب أحكام شهر رمضان
ب 7 ح 2.
(7) الكافي 4: 81 / 3، الوسائل 10: 283 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 2.
(8) انظر التذكرة 1: 271، والايضاح 1: 250.
414

عجائب المخلوقات: وقد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا.
ولعد تسعة وخمسين بمرفوعة إلى أبي خالد: (إذا صح هلال رجب
فعد تسعة وخمسين يوما وصم يوم الستين) (1).
وتضعف الروايات بأجمعها بمعارضتها مع ما مر من الأخبار
المشترطة للصوم والفطر بالرؤية (2)، والدالة على أنه مع الغيم يعد الشهر
السابق ثلاثين، كموثقتي البصري (3) وابن عمار: سألته عن هلال رمضان
يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال: (لا تصم إلا أن تراه) الحديث (4).
ورواية محمد بن قيس، وفيها: (وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم
أفطروا) (5).
وموثقة إسحاق، وفيها: (فإن خفي عليكم فأتموا الشهر الأول ثلاثين) (6).
مضافا إلى أن في شئ منها ليس التقييد بتغيم الشهور كله، والتقييد
للجمع فرع الشاهد.
وأما موافقة العادة، ففيها: أنها إن كانت مفيدة للمظنة فما وجه
حجيتها؟! وإن كانت مفيدة للقطع فما وجه التخصيص بصورة التغيم؟! بل
يجب العمل بها مع الصحو أيضا وهم لا يقولون به.

(1) انظر الوسائل 10: 285 أبواب أحكام شهر رمضان ب 10 ح 7.
(2) الوسائل 10: 252 أبواب أحكام شهر رمضان ب 3.
(3) المتقدمة في ص: 389.
(4) التهذيب 4: 178 / 493، الإستبصار 2: 73 / 224، الوسائل 10: 278 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 8 ح 3.
(5) الفقيه 2: 77 / 337، التهذيب 4: 158 / 440، الإستبصار 2: 64 / 207،
الوسائل 10: 264 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 11.
(6) التهذيب 4: 158 / 441، الإستبصار 2: 64 / 208، الوسائل 10: 255 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 3 ح 11.
415

مضافا إلى أن المسلم من العادة لو كانت إنما هي عدم تمامية جميع
شهور السنة، وأما كون شهر تاما وشهر ناقصا - حتى يقع أول المستقبل
مضي الخمس من الماضي - فلم تثبت فيه عادة أصلا، بل يمكن أن يكون
الرابع أو الثالث.
فإن قيل: العادة المقطوعة بها وإن لم تكن حاصلة بالنسبة إلى عدد
الخمسة، إلا أنا نعلم قطعا عاديا أن جميع شهور السنة لا تكون تامة، فمع
تغيم الشهور كلها يعلم قطعا أن عد الكل ثلاثين مخالف للواقع، فكيف يعد
كذلك؟!
قلنا: هذا إنما يرد لو كان العمل بالثلاثين للأصل والاستصحاب،
فإنهما لا يجريان مع القطع المذكور، وأما لو كان لأجل الروايات فلا يرد
ذلك، لأن مدلولها أن الشهر حينئذ ثلاثين، سواء كان الهلال قبله في الواقع
أو لا، فيكون اعتبار الهلال مع إمكان رؤيته، وبدونه يكون الاعتبار
بالثلاثين، وإن أمر بالقضاء لو ظهر الخطأ قبله فإنه إنما هو للأمر الجديد.
وخلافا في الثالث للمحكي عن ظاهر الفقيه (1).
وفي الرابع له (2) وللمحكي عن المقنع (3)، ومال إليه في الذخيرة
ونسبه إلى ظاهر بعض المتأخرين، فجعلوه فيهما لليلتين (4).
وفي الخامس للمقنع ورسالة والد الصدوق، فجعلاه لثلاث ليال (5).
كل ذلك لدليل الاعتبار والأخبار، كصحيحة مرازم: (إذا تطوق الهلال

(1) الفقيه 2: 80.
(2) الفقيه 2: 78.
(3) المقنع: 58.
(4) الذخيرة: 533.
(5) المقنع: 58، نقله عن والد الصدوق في المختلف: 235.
416

فهو الليلتين، وإذا رأيت ظل نفسك فيه فهو لثلاث ليال) (1)
ورواية الصلت: (إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، وإذا غاب بعد
الشفق فهو لليلتين) (2)، ونحوها رواية إسماعيل بن الحر (3).
والرضوي: (وقد روي: إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، وإذا
غاب بعد الشفق فهو لليلتين، وإذا رأيت ظل رأسك فهو لثلاث ليال) (4).
وأجيب عنها - مضافا إلى مخالفتها للشهرة العظيمة الموجبة للشذوذ
المخرج عن الحجية -: بأنها لا تعارض ما مر من تعلق الفطر والصوم على
الرؤية وبدونها على عد الثلاثين فيهما، إذ لا [منافاة] (5) بين كون الهلال في
الواقع وترتب الصوم والفطر على غيره.
وغاية ما يدل عليه الاعتبار وهذه الأخبار: أن هذه الأحوال تدل على
أن الليلة السابقة كانت ذات هلال وأول الشهر، وذلك لا ينافي ما دل على
عدم وجوب الصوم أو الفطر، إذ يمكن أن يكونان مترتبين على رؤية
الهلال الصائم والمفطر بنفسه أو شهوده، لا تحقق الهلال.
مع أنه على فرض المعارضة لا يقاوم ما مر، فيرجع إلى الأصل.
ويضعف الأول: بأن الأخبار وإن كانت كذلك، ولكن الاعتبار مما

(1) الكافي 4: 78 / 11، الفقيه 2: 78 / 342، التهذيب 4: 178 / 495،
الإستبصار 2: 75 / 229، الوسائل 10: 281 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 2،
وفي الجميع: ظل رأسك.
(2) الكافي 4: 77 / 7، الوسائل 10: 282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.
(3) الفقيه 2: 78 / 343، التهذيب 4: 178 / 494، الإستبصار 2: 75 / 228،
الوسائل 10: 282 أبواب أحكام شهر رمضان ب 9 ح 3.
(4) فقه الرضا (ع): 209، مستدرك الوسائل 7: 415 أبواب أحكام شهر رمضان
ب 6 ح 1.
(5) في النسخ: لا ملازمة، ولعل الصحيح ما أثبتناه.
417

لا يقبل الانكار، وترانا يحصل لنا القطع بتقدم أول الشهر مع واحد من تلك
الحالات، سيما التطوق ورؤية الظل.
والثاني: بأنه لو سلم ما ذكر لم يفد في عد الثلاثين، لأنه إذا كان
حينئذ الليلة الثانية أو الثالثة يجب البناء عليه في عد الثلاثين من أول الشهر،
ويتم الكلام بعدم القول بالفصل.
والثالث: بمنع عدم التقاوم، سيما مع التعارض بالعموم المطلق،
الموجب لتقديم الخاص.
والانصاف: أنا لو رفعنا اليد عن الأخبار - للشذوذ - فلا يمكن ترك
المعلوم بالاعتبار، سيما بالنسبة إلى الأمرين.
إلا أن يقال: إنه إذا قطع النظر عن الأخبار لا يحصل من الاعتبار إلا
وجود الهلال في الليلة السابقة، أما كونها أول الشهر شرعا وكون تلك الليلة
ثانيتها أو ثالثتها فلا دليل عليه، بل ترده الأخبار المعارضة لتلك الأخبار،
ولا يشهد الاعتبار بالأمور الشرعية.
فإذن الأظهر عدم اعتبار تلك الأمور في تعيين مبدأ الشهر الشرعي.
وها هنا مسائل:
المسألة الأولى: هل يجب قبول حكم الحاكم في ثبوت الهلال، أم لا؟
وهو إما يكون بحكمه بعد ثبوته عنده بشاهدين أو الشياع، أو بعد
رؤيته بنفسه.
فعلى الأول، ففي الحدائق: أن ظاهر الأصحاب وجوب القبول، ونقل
عن بعض أفاضل متأخري المتأخرين: العدم، ومال هو إليه أيضا (1).
دليل الأول: الأخبار الدالة بعمومها أو إطلاقها على وجوب الرجوع

(1) الحدائق 13: 259.
418

إلى حكم الفقيه (1).
وقوله عليه السلام في مقبولة ابن حنظلة: (فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه
فإنما استخف بحكم الله وعلينا رده) (2).
والتوقيع الرفيع: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة
أحاديثنا) (3).
وخصوص صحيحة محمد بن قيس: (إذا شهد عند الإمام شاهدان
أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوما أمر الإمام بالافطار) (4).
ويرد على الأول: أن كلها واردة فيما يتعلق بالدعاوي والقضاء بين
الخصوم والفتوى في الأحكام الشرعية، ووجوب القبول فيها مما لا نزاع فيه.
وكذا المقبولة، مع أن صدق قوله: (حكمنا) على مثل ثبوت الهلال
ورؤيته محل الكلام.
وأما التوقيع، فالمتبادر منه الرجوع إلى رواة الأحاديث لأجل رواية
الحديث، مع أن الثابت منه وجوب الرجوع إليهم وهو مسلم، والكلام فيما
يحكم به الفقيه حينئذ، فإنه لا شك في أنه إذا ثبت عند الفقيه الهلال وأفتى
بوجوب قبول قوله فيه أيضا - لكون فتواه كذلك - يجب القبول، وإنما
الكلام في ما يفتي به. ولا يدل الرجوع إليهم أنهم إذا قالوا: ثبت عندنا
الهلال، يجب الصوم أو الفطر، بل هذا أيضا واقعة حادثة، فيجب الرجوع

(1) الوسائل 27: 136 أبواب صفات القاضي ب 11.
(2) الكافي 7: 412 / 5، التهذيب 6: 218 / 514، الوسائل 27: 136 أبواب
صفات القاضي ب 11 ح 1.
(3) الإحتجاج 2: 470، كمال الدين: 484 / 4، الوسائل 27: 140 أبواب صفات
القاضي ب 11 ح 9.
(4) الكافي 4: 169 / 1، الفقيه 2: 109 / 267، الوسائل 10: 275 أبواب أحكام
شهر رمضان ب 6 ح 1.
419

فيها بأن يسأل عنه: إذا ثبت عندك فما حكمنا؟
وأما الصحيحة، فهي واردة في حق الإمام، وهو الظاهر في إمام
الأصل، وأصالة ثبوت كل حكم ثبت له لنائبه العام أيضا غير معلومة
بدليل (1).
ودليل الثاني - وهو الأقوى -: الأصل، والأخبار المعلقة للصوم والفطر
على الرؤية أو مضي الثلاثين، والناهية عن اتباع الشك والظن في أمر
الهلال، وقول الحاكم لا يفيد أزيد من الظن.
وعلى الثاني، فعن الدروس والذخيرة (2) وغيرهما (3) أيضا الأول،
لبعض ما مر. والأقوى فيه أيضا الثاني، لما ذكر.
المسألة الثانية: إذا رؤي الهلال في أحد البلدين المتقاربين ثبت
حكمه لأهل البلد الآخر أيضا إجماعا، ولقوله عليه السلام في موثقة البصري: (فإن
شهد أهل بلد آخر فاقضه) (4).
وفي صحيحة هشام: (إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم
صاموا ثلاثين على رؤية قضى يوما) (5).
وإن كان البلدان متباعدين، فقال جماعة: لم يثبت حكم بلد الآخر (6).

(1) ليست في (س).
(2) الدروس 1: 286، الذخيرة: 531.
(3) كما في الكفاية: 52.
(4) التهذيب 4: 157 / 439، الإستبصار 2: 64 / 206، الوسائل 10: 254 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 3 ح 9، وقد عبر الماتن عن هذه الموثقة بالصحيحة في ص 479
فلاحظ.
(5) التهذيب 4: 158 / 443، الوسائل 10: 265 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5 ح 13.
(6) كما في المعتبر 2: 689، والارشاد 1: 303، والمسالك 1: 76، والمفاتيح
1: 257.
420

وحكى في التذكرة عن بعض علمائنا قولا بأن حكم البلاد كلها
واحد (1)، وإلى هذا القول ذهب في المنتهى في أول كلامه (2).
أقول: تحقيق المقام في ذلك المرام: أنه مما لا ريب فيه أنه يمكن
أن يرى الهلال في بعض البلاد ولا يرى في بعض آخر مع الفحص،
واختلاف البلدين في الرؤية إما يكون للاختلاف في الأوضاع الهوائية أو
الأرضية - كالغيم والصحو وصفاء الهواء وكدرته وغلظة الأبخرة ورقتها
وتسطيح الأرض وتضريسها ونحو ذلك - أو للاختلاف في الأوضاع
السماوية، وذلك إما يكون لأجل الاختلاف في عرض البلد أو طوله.
أما اختلاف الرؤية لأجل الاختلاف في العرض فيمكن من وجهين:
أحدهما: أن كل بلد يكون عرضه أكثر فتكون دائرة مدار حركة
النيرين فيه في الأغلب أبعد من الاستواء، ويكون اضطجاعها إلى الأفق
أكثر، ولأجله يكون الهلال عند الغروب إلى الأفق أقرب، ولذلك يكون
قربه إلى الأغبرة المجتمعة في حوالي الأفق أكثر، فتكون رؤيته أصعب،
ولكن ذلك لا يختلف إلا باختلاف كثير في العرض.
وثانيهما: من الوجه الذي سيظهر مما يذكر.
وأما الاختلاف لأجل الاختلاف في الطول فهو لأجل أن كل بلد طوله
أكثر وعن جزائر الخالدات - التي هي مبدأ الطول على الأشهر - أبعد يغرب
النيران فيه قبل غروبهما في البلد الذي طوله أقل.
وعلى هذا، فلو كان زمان التفاوت بين المغربين معتدا به يتحرك فيه
القمر بحركته الخاصة قدرا معتدا به ويبعد عن الشمس، فيمكن أن يكون

(1) التذكرة 1: 269.
(2) المنتهى 2: 592.
421

القمر وقت غروب الشمس في البلد الأكثر طولا بحيث لا يمكن رؤيته،
لعدم خروجه عن الشعاع، ويبعد عن الشمس فيما بين المغربين بحيث
يمكن رؤيته في البلد الأقل طولا..
مثلا: إذا كان طول البلد مائة وعشرين درجة وطول بلد آخر خمس
وأربعين درجة، فيكون التفاوت بين الطولين خمس وسبعين درجة، وإذا
غربت الشمس في الأول لا بد أن يسير الخمس والسبعين درجة بالحركة
المعدلية حتى تغرب في البلد الثاني، ويقطع الخمس والسبعين درجة في
خمس ساعات، وفي هذه الخمس يقطع القمر بحركته درجتين، وقد يقطع
درجتين ونصف، بل قد يقطع ثلاث درجات تقريبا.
وعلى هذا، فربما يكون القمر وقت المغرب في البلد الأول تحت
الشعاع، ويخرج عنه في البلد الثاني، أو يكون في الأول قريبا من الشمس
فلا يرى لأجله، وفي الثاني يرى لبعده عنها، ولمثل ذلك يمكن أن يصير
الاختلاف في العرض أيضا سببا لاختلاف الرؤية في البلدين، لأنه أيضا قد
يوجب الاختلاف في وقت الغروب وإن لم يختلفا في الطول، فإنه لو كان
العرض الشمالي لبلد أربعين درجة يكون نهاره الأطول خمس عشرة ساعة
تقريبا، ويكون في ذلك اليوم - الذي يكون الشمس في أول السرطان -
النهار الأقصر للبلد الذي عرضه الجنوبي كذلك، ويكون يومه تسع ساعات
تقريبا، ويكون التفاوت بين اليومين ست ساعات، ثلاث منها لتفاوت
المغرب، ويقطع القمر في هذه الثلاث درجة ونصفا تقريبا، وقد يقطع
درجتين، وتختلف رؤيته بهذا القدر من البعد عن الشمس.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد دلت الأخبار على أنه إذا ثبتت الرؤية في
422

بلد يثبت حكمها للبلد الآخر أيضا بقول مطلق (1)، ومقتضاها اتحاد حكم
البلدين في الرؤية، وذلك - فيما إذا كان السبب في عدم الرؤية في البلد
الآخر الموانع الخارجية الهوائية أو الأرضية بحيث علم أنه لولا المانع لرؤي
في ذلك البلد أيضا - إجماعي، وذلك يكون في البلدين المتقاربين، إذ
نقطع بعدم حصول الاختلاف الموجب لاختلاف الرؤية بسبب الأوضاع
السماوية في البلاد المتقاربة.. وكذا إذا كان الاختلاف في الرؤية لأجل
الاختلاف في العرض بالوجه الأول، لأنه أيضا راجع إلى وجود المانع
الخارجي.
وإن كان السبب في عدم الرؤية الاختلاف في الطول أو العرض
بالوجه الثاني ففيه الخلاف، إذ لا يعلم من الرؤية في أحد البلدين وجود
الهلال في الآخر أيضا - أي خروجه عن الشعاع وقت المغرب - فلا تكفي
الرؤية في أحدهما عن الرؤية في الآخر.
وقد يتعارض الاختلاف العرضي مع الطولي، كما إذا كان نهار بلد
أقصر من الآخر، ولكن كان طول الأول أقل بحيث يتحد وقتا مغربهما أو
يتقاربان (2)، ويكون ظهور تفاوت النهارين في الشرق، بل قد يتأخر
المغرب في الأقصر نهارا.
ومما ذكر يعلم أن محل الخلاف إنما هو في البلدين اللذين يختلفان
في الطول تفاوتا فاحشا، أي بقدر يسير القمر في زمن التفاوت بحركته
الخاصة درجة أو نصف درجة، ونصف الدرجة يحصل في خمس عشرة
درجة تقريبا من الاختلاف الطولي..

(1) الوسائل 10: 292 أبواب أحكام شهر رمضان ب 12.
(2) في (س): يتقارنان، وفي (ح): يتفاوتان.
423

أو يختلفان في العرض تفاوتا فاحشا، بحيث يكون تفاوت مغربيهما
بقدر يسير القمر فيه بحركته الخاصة الدرجة أو نصفها، وهو أيضا يكون إذا
اختلف نهار البلدين بقدر ثلاث ساعات أو ساعتين لا أقل، ليكون تفاوتهما
المغربي نصف ذلك، حتى يسير القمر سيرا معتدا به فيه.
وقد يتعارض الاختلافان الطولي والعرضي، والخبير بعلم هيئة
الأفلاك يقدر على استنباط جميع الشقوق، واستنباط أن الرؤية في أي من
البلدين - المختلفين طولا أو عرضا بالقدر المذكور - توجب ثبوتها في
الآخر، ولا عكس.
فالخلاف يكون في الرؤية في بغداد لبلدة قشمير، لتقارب عرضهما،
وأقلية طول بغداد بخمس وعشرين درجة تقريبا.
وفي الرؤية بمصر لبغداد، إذ مع التفاوت العرضي قليلا يكون طول
مصر أقل بسبع عشرة درجة. وكذا الطوس، لزيادة طوله بثلاثين درجة
تقريبا.
وفي الرؤية في صنعاء يمن لبغداد ومدائن، إذ مع تقارب الطول
يختلفان عرضا بتسع عشرة درجة تقريبا.
وفي إصفهان لبلدة لهاور، لاختلافهما في الطول باثنين وثلاثين درجة
تقريبا. بل في بغداد لطوس، لتفاوت طوليهما اثنتي عشرة درجة تقريبا.
ثم الحق - الذي لا محيص عنه عند الخبير -: كفاية الرؤية في أحد
البلدين للبلد الآخر مطلقا، سواء كان البلدان متقاربين أو متباعدين كثيرا،
لأن اختلاف حكمهما موقوف على العلم بأمرين لا يحصل العلم بهما البتة:
أحدهما: أن يعلم أن مبنى الصوم والفطر على وجود الهلال في البلد
بخصوصه، ولا يكفي وجوده في بلد آخر وإن حكم الشارع بالقضاء بعد
424

ثبوت الرؤية في بلد آخر لدلالته على وجوده في هذا البلد أيضا، وهذا مما
لا سبيل إليه، لم لا يجوز أن يكفي وجوده في بلد لسائر البلدان أيضا
مطلقا؟!
وثانيهما: أن يعلم أن البلدين مختلفان في الرؤية البتة، أي يكون
الهلال في أحدهما دون الآخر، وذلك أيضا غير معلوم، إذ لا يحصل من
الاختلاف الطولي أو العرضي إلا جواز الرؤية ووجود الهلال في أحدهما
دون الآخر، وأما كونه كذلك البتة فلا، إذ لعله خرج القمر عن تحت الشعاع
قبل مغربيهما وإن كان في أحدهما أبعد من الشعاع من الآخر.
والعلم بحال القمر - وأنه في ذلك الشهر بحيث لا يخرج عن تحت
الشعاع في هذا البلد عند مغربه ويخرج في البلد الآخر - غير ممكن
الحصول وإن أمكن الظن به، لابتنائه على العلم بقدر طول البلدين
وعرضهما، وقدر بعد القمر عن الشمس في كل من المغربين، ووقت
خروجه عن تحت الشعاع فيهما، والقدر الموجب (1) من البعد عن الشعاع.
ولا سبيل إلى معرفة شئ من ذلك إلا بقول هيئوي واحد أو متعدد
راجع إلى قول راصد أو راصدين يمكن خطأ الجميع غالبا.
وبدون حصول العلم بهذين الأمرين لا وجه لرفع اليد عن إطلاق
الأخبار أو عمومها.
فإن قيل: المطلقات إنما تنصرف إلى الأفراد الشائعة، وثبوت هلال
أحد البلدين المتباعدين كثيرا في الآخر نادر جدا.
قلنا: لا أعرف وجها لندرته، وإنما هي تكون لو انحصر الأمر في
الثبوت في الشهر الواحد، ولكنه يفيد بعد الشهرين وأكثر أيضا. وثبوت

(1) في (ح) زيادة: للرؤية...
425

الرؤية بمصر في ببغداد أو بغداد لطوس أو للشام في إصفهان ونحو ذلك
بعد شهرين أو أكثر ليس بنادر، لتردد القوافل العظيمة فيها كثيرا.
المسألة الثالثة: إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية على
الأقرب، وفاقا للناصريات، مدعيا عليه إجماع الفرقة المحقة ونفي الخلاف
فيه بين الصحابة، بل ظاهره إجماعهم عليه (1)، وهو المحكي عن المقنع
والفقيه (2)، وإليه ذهب جملة من متأخري المتأخرين، كصاحب الذخيرة
والمحدث الكاشاني (3)، وغيرهما (4)، وهو مختار المختلف (5)، ولكن في
الصوم خاصة.
للنصوص المستفيضة، كحسنة حماد بإبراهيم: (إذا رأوا الهلال قبل
الزوال فهو لليلة الماضية، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة) (6).
وموثقة عبيد وابن بكير: (إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من
شوال، وإذا رؤي بعد الزوال فهو من شهر رمضان) (7).
ورواية العبيدي - على نسخ التهذيب -: ربما غم علينا هلال شهر
رمضان فنرى من الغد الهلال قبل الزوال وربما رأيناه بعد الزوال، فترى أن

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206
(2) المقنع: 59، الفقيه 2: 79.
(3) الذخيرة: 533، الكاشاني في المفاتيح 1: 257، وانظر الوافي 11: 148.
(4) نسبه في الحدائق 13: 284 إلى ظاهر الشيخ حسن في المنتقى 2: 482، ونقله
عن خاله في مشارق الشموس: 466.
(5) المختلف: 235.
(6) الكافي 4: 78 / 10، التهذيب 4: 176 / 488، الإستبصار 2: 73 / 225،
الوسائل 10: 280 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 6.
(7) التهذيب 4: 176 / 489، الإستبصار 2: 74 / 226، الوسائل 10: 279 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 8 ح 5.
426

نفطر قبل الزوال إذا رأيناه، وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه السلام: (تتم إلى
الليل، فإنه إن كان تاما رؤي قبل الزوال) (1).
والمروي في الناصريات عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال: (إذا رؤي
الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية) (2).
وموثقة إسحاق في هلال رمضان: (وإذا رأيته وسط النهار فأتم صومه
إلى الليل) (3).
ومفهوم الشرط في صحيحة محمد بن قيس في هلال شوال: (وإن لم
تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل) (4)
خلافا للمحكي مستفيضا عن الأكثر، بل عن الغنية: الاجماع عليه (5)،
وعن الخلاف: إجماع الصحابة عليه (6)، للأصل، والاستصحاب..
ولاطلاق ما دل على أن الصوم للرؤية والفطر للرؤية، حيث إن المتبادر
من الرؤية: الرؤية الليلية دون النهارية، مع أنه على فرض الاطلاق وتسليمه
لا يصدق ذلك أول النهار قبل الرؤية، فالصوم فيه أو الافطار يكون لا للرؤية.
ورواية المدائني: (من رأى هلال شوال بنهار في رمضان فليتم صومه) (7).

(1) التهذيب 4: 177 / 490، الإستبصار 2: 73 / 221، الوسائل 10: 279 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 8 ح 4.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 206.
(3) التهذيب 4: 178 / 493، الإستبصار 2: 73 / 224، الوسائل 10: 278 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 8 ح 3.
(4) الفقيه 2: 77 / 337، التهذيب 4: 158 / 440، الإستبصار 2: 64 / 207،
الوسائل 10: 278 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 1.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 570.
(6) الخلاف 2: 172.
(7) التهذيب 4: 178 / 492، الإستبصار 2: 73 / 223، الوسائل 10: 278 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 8 ح 2.
427

ومنطوق صحيحة محمد بن قيس المتقدمة.
ورواية العبيدي - على نسخة الاستبصار - فإنها فيها كذلك: وربما غم
علينا الهلال في شهر رمضان (1).
وأجابوا (2) عن الأخبار المتقدمة تارة بالشذوذ.
وأخرى بالمخالفة لظواهر القرآن والأخبار المتواترة، ومعارضة
المروي في الناصريات للمروي في الخلاف (3)، فإن فيه روى خلافه بعينه
عن أمير المؤمنين عليه السلام، ومعارضة الاجماع المنقول للأول لمثله للثاني، مع
مرجوحية الأول بظهور المخالف جدا.
أقول: أما الشذوذ فغير مسلم بعد ذهاب مثل الصدوق والسيد ودعواه
الاجماع الكاشف عن فتوى جماعة - لا أقل - به، وتفصيل المختلف،
وتردد جماعة كثيرة، كالمحقق في المعتبر والنافع والأردبيلي والمدارك (4)،
وذهاب جمع من المتأخرين إلى خلافه (5)، غاية الأمر مخالفة الشهرة في
الجملة، وهي غير الشذوذ المخرج عن الحجية.
وبالجملة: دعوى الشذوذ - مع ادعاء الاجماع من مثل السيد، ولو
كان له معارض - من الغرائب.
وأما المخالفة لظواهر القرآن - إلى آخره - فلا وجه لها، قال في
الوافي: وليت شعري ما موضع دلالة خلاف مقتضى الخبرين في القرآن

(1) الإستبصار 2: 73 / 221، الوسائل 10: 279 أبواب أحكام شهر رمضان ب 8 ح 4.
(2) كالشيخ في التهذيب 4: 177، والاستبصار 2: 74، والقمي في غنائم الأيام:
451، والخوانساري في مشارق الشموس: 468.
(3) الخلاف 2: 172.
(4) المعتبر 2: 689، النافع: 69، الأردبيلي في مجمع الفائدة 5: 302، المدارك
6: 181.
(5) راجع ص: 408 رقم: 4.
428

والأخبار المتواترة؟! وليس في القرآن والأخبار إلا أن الاعتبار في تحقق
دخول الشهر إنما هو بالرؤية أو مضي ثلاثين، وأما أن الرؤية المعتبرة فيه
متى تتحقق وكيف تتحقق فإنما يتبين بمثل هذه الأخبار ليس إلا (1). انتهى.
هذا، مع ما في أدلة ذلك القول من الوهن..
أما الأصل والاستصحاب، فلاندفاعهما بما مر.
وأما الاطلاقات، فلمنع تبادر الرؤية الليلية بحيث يوجب الحمل
عليها، بل يعم الرؤيتين، ولذلك استدل به جماعة للقول الأول، والقائلون
به لا يقولون أن أول النهار ينوي الصوم أو الفطر.
وأما رواية المدائني، فلكونها أعم مطلقا مما مر، فيجب التخصيص
بما بعد الزوال.
وهو الجواب عن المنطوق، مع أنه صرح بعضهم: بأن إيراد لفظة (من)
في قوله: (من وسط النهار) وذكر الآخر قرينتان على ذلك الاختصاص (2).
وأما رواية العبيدي، فلا حجية فيها بعد اختلاف النسخ ولو سلم
رجحان ما لهذه النسخة، لأنه ليس بحيث يعينها البتة.
هذا كله، مع أنه على فرض تساوي أدلة الطرفين يجب ترجيح الأول،
لمخالفته العامة، كما صرح به جماعة (3)، وهي من المرجحات المنصوصة.
ودعوى مخالفة الثاني أيضا لنادر منهم - حيث إن في الناصريات
حكى الأول عن عمر وابن عمر وأنس - مردودة بأن في الخلاف حكى
الثاني عنهما بعينه، فلا تعلم مخالفة ولا موافقة، ويبقى الأول مخالفا لما

(1) الوافي 11: 150.
(2) انظر الوافي 11: 122.
(3) منهم العلامة في المنتهى 2: 592، وصاحب الحدائق 13: 290، والخوانساري
في مشارق الشموس: 468.
429

عليه جمهور العامة، فيجب الأخذ به كما ورد عن الأئمة (1).
وأما التفصيل المختار في المختلف فلم أعثر على دليل له، سوى
الاحتياط في الصوم، الذي هو ليس بحجة.
المسألة الرابعة: من كان بحيث لا يعلم الأهلة، تحرى لصيام شهر
يغلب على ظنه أنه هو شهر رمضان، فيجب عليه صومه، فإن استمر
الاشتباه ولم تظهر له الشهور قط أجزأه، وكذا إن صادفه أو كان بعده، ولو
كان قبله استأنف الصوم من رمضان أداء وقضاء، بلا خلاف أجده في شئ
من ذلك، بل عليه الاجماع عن المنتهى والتذكرة (2).
وتدل على تلك الأحكام صحيحة عبد الرحمن ورواية المقنعة،
الأولى: رجل أسرته الروم، ولم يصم شهر رمضان، ولم يدر أي شهر هو،
قال: (يصوم شهرا يتوخاه ويحسب، فإن كان الشهر الذي صام قبل شهر
رمضان لم يجزه، وإن كان بعد رمضان أجزأه) (3)، وقريبة منها الثانية (4).
ولو لم يظن شهرا، قيل: يتخير في كل سنة شهرا مراعيا للمطابقة بين
الشهرين (5). ولا دليل عليه، ويحتمل السقوط أيضا وإن كان الأول أحوط.
وقيل: يلحق بما ظنه أو اختاره حكم الشهر في وجوب الكفارة
بإفساد يوم منه، ووجوب إكمال ثلاثين لو لم ير الهلال، والعيد بعده (6).
وفي بعضها نظر، والأصل ينفيه.

(1) الوسائل 27: 106 أبواب صفات القاضي ب 9.
(2) المنتهى 2: 593، التذكرة 1: 272.
(3) الكافي 4: 180 / 1، الفقيه 2: 78 / 346، التهذيب 4: 310 / 935، الوسائل
10: 276 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 1.
(4) المقنعة: 379، الوسائل 10: 277 أبواب أحكام شهر رمضان ب 7 ح 2.
(5) كما في المسالك 1: 77، والروضة البهية 2: 114، والرياض 1: 321.
(6) كما في الروضة البهية 2: 114.
430

الفصل الثاني
في صوم القضاء
وفيه مقدمة ومسائل:
المقدمة: لا قضاء إلا في الصوم المؤقت، وهو صوم شهر رمضان
والنذر المعين.
أما عدم القضاء في غير المؤقت فظاهر، إذ لا قضاء إلا فيما فات وقته.
وأما وجوبه في النذر فسيأتي في كتاب النذر، وتجئ الإشارة إليه في
آخر الفصل أيضا.
وأما في شهر رمضان فتفصيله: من ترك صوم شهر رمضان فإما يتركه
مع عدم قابليته للأمر والنهي، أو مع القابلية، والثاني إما يتركه مع وجوبه
عليه - أي بلا عذر - أو مع العذر الموجب للافطار.
أما الأول: فهو الصغير، والمجنون، والغافل عن الوقت لنسيان أو
اشتباه في الهلال، والمغمى عليه.
ولا قضاء على الأولين إجماعا، بل ضرورة، وهو الدليل عليه.
دون نحو حديث رفع القلم، لأنه يفيد لحال الصغارة والجنون، فلا
ينافي ثبوت القضاء بعد ارتفاعهما.
ولا ما قيل من تبعية القضاء للأداء في جانب النفي وإن لم يتبعه في
جانب الاثبات، فلا يشمله عموم ما دل على وجوب القضاء أو إطلاقه، فإنه
431

لا قضاء حيث لا أداء (1).
لمنع التبعية، لوجوب قضاء الصلاة والصوم على النائم، وفاقد الطهور
على قول، وقضاء الصوم على الناسي [للصوم] (2)، أو الغافل، أو من لم
يثبت عليه الهلال ثم ثبت، ونحو ذلك.. والاستدراك الذي يفهم من القضاء
عرفا لا ينحصر في الوجوب، لامكان استدراك الثواب أيضا.
ويجب القضاء في الثالث إجماعا أيضا، له، وللاطلاقات،
ولخصوص مثل رواية صبار، وفيها - بعد السؤال عمن يصوم تسعة وعشرين
يوما هل يقضي يوما؟ فقال: - (لا، إلا أن يجي شاهدان عدلان فيشهدا
أنهما رأياه قبل ذلك بليلة فيقضي يوما) (3)، والأحاديث بما يفيد ذلك
متعددة جدا (4).
وأما الرابع، فقد وقع فيه الخلاف، والحق المشهور: عدم وجوب
القضاء عليه، للأصل، وصحيحة ابن مهزيار (5)، ومكاتبة أيوب الصحيحة:
عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته أم لا؟ فكتب: (لا يقضي
الصلاة ولا يقضي الصوم) (6)، وغير ذلك من الأخبار المتقدمة بعضها في
بحث الصلاة (7).

(1) انظر الرياض 1: 321.
(2) في النسخ: للنوم، والصحيح ما أثبتناه.
(3) التهذيب 4: 165 / 468، وفي الوسائل 10: 267 أبواب أحكام شهر رمضان
ب 5 ح 21: عن صابر، بدل: صبار.
(4) انظر الوسائل 10: 261 أبواب أحكام شهر رمضان ب 5.
(5) التهذيب 4: 243 / 714، الوسائل 10: 226 أبواب من يصح منه الصوم ب 24
ح 2.
(6) الفقيه 1: 237 / 1041، التهذيب 4: 243 / 711، الإستبصار 1: 458 / 1775،
الوسائل 10: 226 أبواب من يصح منه الصوم ب 24 ح 1.
(7) انظر الوسائل 8: 258 و 264 أبواب قضاء الصلوات ب 3 و 4.
432

خلافا للمحكي عن الشيخين والسيد والقاضي، فقالوا بالقضاء مع
عدم تبييت النية (1).
لأخبار قضاء الصلاة مع عدم القول بالفرق.
ولكونه مريضا، والقضاء واجب عليه كتابا وسنة.
وما دل بعمومه على أن المغمى عليه يقضي ما فاته، كصحاح محمد
وحفص ومنصور، المتقدمة في البحث المذكور.
ويرد الأول: بالمعارضة بالمثل، بل الراجح بوجوه شتى كما مرت.
والثاني: بمنع الصغرى أولا، وكلية الكبرى على فرض التسليم.
والثالث: بعدم الدلالة على الوجوب أولا، ولزوم التخصيص بصلاة
أدرك وقتها أو صوم لم ينوه في النهار أيضا بأن يغمى في جز من يوم لم
يقصد صومه على فرض الدلالة، لأخصية ما قدمناه.
وأما الثاني: فالأصل فيه وجوب القضاء، للاطلاقات الغير العديدة،
نحو قوله: عن رجل كذب في شهر رمضان، فقال: (قد أفطر وعليه
قضاؤه) (2).
وقوله: عن رجل عبث بالماء يتمضمض من عطش فدخل حلقه،
قال: (عليه قضاؤه) (3).

(1) المفيد في المقنعة: 352، والطوسي في المبسوط 1: 285، والنهاية: 165،
والسيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 57، والقاضي في
المهذب 1: 196.
(2) التهذيب 4: 203 / 586، الوسائل 10: 34 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 2
ح 3.
(3) الفقيه 2: 69 / 290، التهذيب 4: 322 / 991، الوسائل 10: 71 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 23 ح 4.
433

وقوله: (من أتى أهله في رمضان متعمدا فعليه عتق رقبة) إلى أن
قال: (وقضاء ذلك اليوم) (1)، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة من الموارد
الجزئية.
ويستثنى من الأصل: الكافر الأصلي، بالاجماع القطعي، والمستفيضة
من الأخبار، المتقدم بعضها في بحث من يصح منه الصوم.
والمرتد مطلقا - مليا كان أو فطريا - يقضي ما فاته، بلا خلاف فيه كما
في الذخيرة (2) وغيره (3)، للعمومات، والاطلاقات السليمة عما يصلح
للمعارضة، سوى إطلاق ما يظن بأن الكافر لا يقضي ما فاته، وهو ظاهر في
الأصلي، بل هو المتبادر منه، بل في شمول الكافر لغة - أو في العرف
المتقدم - له نظر.
وأما المخالفون من المسلمين هم لا يستثنون، بل يجب عليهم قضاء
ما تركوه من الصيام، أو أخلوا بشرائطه على مذهبهم، وفي الحدائق: الظاهر
أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا (4)، للاطلاقات المشار إليها، واختصاص ما
دل على سقوط القضاء عنهم بما أتوا به.
وأما ما أتوا به فلا يجب عليهم قضاؤه بلا خلاف أيضا، وتدل عليه
الأخبار المتقدمة إليها الإشارة في كتاب الصلاة، منها: صحيحة الفضلاء: في
الرجل يكون في بعض هذه الأهواء الحرورية والعثمانية والقدرية، ثم يتوب
ويعرف هذا الأمر ويحسن رأيه، أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو

(1) التهذيب 4: 208 / 604، الإستبصار 2: 97 / 315، الوسائل 10: 54 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 10 ح 2.
(2) الذخيرة: 526.
(3) كالرياض 1: 322.
(4) الحدائق 13: 295.
434

حج؟ أوليس عليه إعادة شئ من ذلك؟ قال: (ليس عليه إعادة شئ من
ذلك غير الزكاة) الحديث (1).
وأما الثالث - وأفراده: الحائض، والنفساء، والمريض، والمسافر -
فوجوب القضاء على الجميع إجماعي، بل ضروري، مدلول عليه - بل
منصوص به - في الأخبار الغير العديدة الواردة في جزئيات موارد أحكام
كل منها بحيث لا يحتاج إلى الذكر، وسيأتي بعضها إن شاء الله سبحانه.
المسألة الأولى: من نسي غسل الجنابة في شهر رمضان حتى مر
عليه الشهر كله أو أيام منه، ففي قضاء صوم أيام أصبح فيها جنبا أقوال:
الأول: وجوبه مطلقا، إليه ذهب الإسكافي والشيخ في النهاية
والمبسوط والصدوق على الظاهر والجامع والمعتبر (2)، وأكثر المتأخرين (3)،
بل - كما قيل - عامتهم (4)، ونسبه الشهيد وغيره إلى الأكثر (5).
للمعتبرة من النصوص، كصحيحة الحلبي: عن رجل أجنب في شهر
رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان، قال: (عليه أن يقضي الصلاة
والصيام) (6).

(1) الكافي 3: 545 / 1، التهذيب 4: 54 / 143، العلل: 373 / 1، الوسائل 9:
216 أبواب المستحقين للزكاة ب 3 ح 2.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 233، النهاية: 165، المبسوط 1: 288،
الصدوق في الفقيه 2: 75، الجامع للشرائع: 156، المعتبر 2: 705.
(3) كما في المنتهى 2: 606، والمختلف: 233، واللمعة (الروضة 2): 116،
ومجمع الفائدة 5: 127.
(4) كما في الرياض 1: 325.
(5) الشهيد في غاية المراد 1: 312 - 313، وصاحب المدارك 6: 235،
والخوانساري في مشارق الشموس: 388.
(6) التهذيب 4: 311 / 938، الوسائل 2: 257 أبواب الجنابة ب 39 ح 1.
435

ورواية إبراهيم بن ميمون القريبة منها (1)، ورواية أخرى له: عن
الرجل يجنب بالليل في شهر رمضان ثم ينسى أن يغتسل حتى يمضي بذلك
جمعة أو يخرج شهر رمضان، قال: (عليه قضاء الصلاة والصوم) (2).
وقد يستدل بوجوه أخر ضعيفة أيضا، لابتنائها على اشتراط الطهارة
في الصوم مطلقا (3)، والخصم لا يسلمه.
والثاني - وهو الأصح -: وجوبه إن لم يغتسل أصلا فيقضي جميع
أيام الجنابة، وعدم وجوبه بعد غسل ولو كان غسل الجمعة.
للخبر المروي في الفقيه: (من أجنب في أول رمضان ثم نسي الغسل
حتى خرج شهر رمضان إن عليه أن يغتسل ويقضي صلاته وصومه، إلا أن
يكون قد اغتسل للجمعة، فإنه يقضي صلاته وصومه إلى ذلك اليوم
ولا يقضي ما بعد ذلك) (4).
وعدم معلومية مستنده عندنا غير ضائر، وبه يقيد إطلاق الأخبار المتقدمة
إن حمل الغسل فيها على غسل الجنابة، وإلا - كما هو الأولى - فلا تعارض له
أصلا، بل على المختار - من التداخل القهري في الأغسال مطلقا - لا حاجة إلى
هذا الخبر أيضا، لتحقق غسل الجنابة، بل لا يكون هذا قولا مغايرا للأول.
والثالث: عدم وجوبه، اختاره الحلي - قائلا بأنه لم يقل أحد من
محققي أصحابنا بوجوب القضاء (5) - والمحقق في الشرائع والنافع (6).

(1) التهذيب 4: 332 / 1043، الوسائل 10: 65 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 17
ح 1.
(2) الكافي 4: 106 / 5، الفقيه 2: 74 / 320، الوسائل 10: 65 أبواب ما يمسك
عنه الصائم ب 17 ح 1.
(3) انظر المختلف: 233.
(4) الفقيه 2: 74 / 321، الوسائل 10: 238 أبواب أحكام شهر رمضان ب 30 ح 2.
(5) السرائر 1: 407.
(6) 225 الشرائع 1: 204، النافع: 70.
436

للأصل. وعموم: (رفع عن أمتي) (1)، حيث إن القضاء أيضا
مؤاخذة.
والأخبار المتقدمة من الصحاح وغيرها المتضمنة ل‍: أن الجنب إذا
أصبح في النومة الأولى فلا قضاء عليه، فإنها أعم من أن يكون ناسيا قبل
النوم أو عامدا، مع أن نفي القضاء مع العمد يوجب نفيه مع النسيان بالطريق
الأولى، وظاهر أن النوم لا يوجب انتفاء القضاء، بل بانتفائه عن الناسي
النائم ينتفي عن سائر أفراد المطلوب بالاجماع المركب.
والجواب عن الأول: باندفاعه بما مر.
وعن الثاني: بتخصيصه به، مع منع كون القضاء مؤاخذة.
وعن الثالث: باختصاص الأخبار المتقدمة بغير الناسي، وإجراء
حكمه في الناسي قياس باطل مع الفارق، لوجود العزم على الغسل في غير
الناسي دونه، بل صرح به في بعض الأخبار المتقدمة، فنقول بوجوب
القضاء على الناسي وإن نام بالنومة الأولى إلى الفجر.
وتقييد أخبار القضاء - بما إذا عرض النسيان في الليلة الأولى وانتبه
قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا، أو بما إذا أصبح
في النومة الثانية - لا شاهد عليه.
ويمكن الجمع أيضا بحمل أخبار القضاء على مضي أيام وأخبار
النفي عن النائم في اليوم الواحد والتفرقة بين اليوم الواحد والأيام، بل هذا
ليس جمعا حقيقة بل منطوق الروايات ذلك، إلا أن الظاهر عدم قائل بذلك
التفصيل.

(1) كما في الوسائل 8: 249 أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 30 ح 2.
437

فرع: في تعدي الحكم إلى غسل الحيض والنفاس بعد انقطاع الدم،
وإلى سائر أفراد الصيام الواجبة التي لها قضاء - كالنذر المعين - أو بدل،
كمطلق القضاء والكفارة، وجهان.
والأصل يقتضي العدم في الموضعين، لأصالة عدم اشتراط صحة مطلق
الصوم بهذه الأغسال مطلقا وإن سلمنا الاشتراط مع التعمد، وأمر الاحتياط واضح.
المسألة الثانية: من فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض أو حيض أو
نفاس ومات قبل البر أو الطهر، لم يجب القضاء عنه إجماعا نصا وفتوى، وفي
المنتهى: إنه قول العلماء كافة (1)، للأصل، والمستفيضة من الصحاح وغيرها.
كصحيحة محمد: عن رجل أدركه شهر رمضان وهو مريض فتوفي
قبل أن يبرأ، قال: (ليس عليه شئ، ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت
قبل أن يقضي) (2).
والأخرى: عن الحائض تفطر في شهر رمضان أيام حيضها فإذا
أفطرت ماتت، قال: (ليس عليها شئ) (3).
ومنصور: عن المريض في شهر رمضان فلا يصح حتى يموت، قال:
(لا يقضى عنه)، والحائض تموت في شهر رمضان، قال: (لا يقضى عنها) (4).
وأبي مريم: (إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا
حتى مات فليس عليه قضاء، وإن صح ثم مات وكان له مال تصدق عنه

(1) المنتهى 2: 603.
(2) الكافي 4: 123 / 2، التهذيب 4: 248 / 738، الإستبصار 2: 110 / 359،
الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 2.
(3) التهذيب 4: 393 / 1214، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 14.
(4) التهذيب 4: 247 / 734، الإستبصار 2: 108 / 353، الوسائل 10: 332
أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 9.
438

مكان كل يوم بمد، فإن لم يكن له مال صام عنه وليه) (1).
وأبي حمزة: عن امرأة مرضت أو طمثت أو سافرت، فماتت قبل
خروج شهر رمضان، هل يقضى عنها؟ قال: (أما الطمث والمرض فلا،
وأما السفر فنعم) (2).
وموثقة سماعة: عن رجل دخل عليه شهر رمضان وهو مريض لا يقدر
على الصيام، فمات في شهر رمضان أو في شوال، قال: (لا صيام عليه ولا قضاء
عنه)، قلت: فامرأة نفساء دخل عليها شهر رمضان ولم تقدر على الصوم،
فماتت في شهر رمضان أو في شوال؟ فقال: (لا يقضى عنها) (3)، إلى غير ذلك.
فروع:
أ: هل يستحب القضاء عنهما؟
نص الشيخ والحلي وابن حمزة والفاضلان على استحبابه (4)، وأسنده
في المنتهى إلى أصحابنا (5).
وظاهر جماعة من متأخري المتأخرين العدم (6)، استنادا إلى نفي

(1) الكافي 4: 123 / 3، الفقيه 2: 98 / 439، التهذيب 4: 248 / 735، الإستبصار
2: 109 / 356، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7،
بتفاوت يسير.
(2) الكافي 4: 137 / 9، الفقيه 2: 94 / 423، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام
شهر رمضان ب 23 ح 4.
(3) التهذيب 4: 247 / 733، الإستبصار 2: 108 / 352، الوسائل 10: 332
أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 10.
(4) الشيخ في المبسوط 1: 286، الحلي في السرائر 1: 395، ابن حمزة في
الوسيلة: 150 المحقق في المعتبر 2: 700، العلامة في التذكرة 1: 276.
(5) المنتهى 2: 603.
(6) كما في الذخيرة: 526، والحدائق 13: 301، والرياض 1: 323.
439

القضاء عنه في الأخبار المتقدمة.
وفيه: أن المنفي يمكن أن يكون وجوب القضاء لا مشروعيته.
نعم، ظاهر قوله في الموثقة: (ولا قضاء عنه) نفي حقيقته الموجب
في الأكثر لنفي المشروعية. وحمله على نفي الواجب تجوز لا دليل عليه.
وأظهر منها دلالة صحيحة أبي بصير: عن امرأة مرضت في شهر
رمضان وماتت في شهر شوال، وأوصتني أن أقضي عنها، قال: (هل برئت
من مرضها؟) قلت: لا، ماتت فيه، قال: (لا تقض عنها، فإن الله لم يجعله
عليها)، قلت: فأنا أشتهي أن أقضي عنها وقد أوصتني بذلك، قال: (كيف
تقضي عنها شيئا لم يجعله الله عليها؟! فإن شئت تصوم لنفسك فصم) (1).
فإذن الأظهر: عدم استحبابه أيضا، والمسامحة في أدلة السنن إنما
تكون إذا لم يكن دليل على النفي.
ب: انتفاء القضاء هل يختص بالمريض وذات الدم وأما المسافر
فيجب القضاء عنه ولو مات في هذا السفر؟ كما صرح به في صحيحة أبي
حمزة، ورواية منصور: في الرجل يسافر برمضان فيموت، قال: (يقضى
عنه) (2)، وقريبة منها رواية أخرى (3)، وحكي عن التهذيب والفقيه والمقنع
والجامع (4)، واختاره في المدارك (5).
أو يعم؟ كما هو مقتضى عموم التعليل المذكور في صحيحة أبي بصير،

(1) الكافي 4: 137 / 8، التهذيب 4: 248 / 737، الإستبصار 2: 109 / 358،
العلل: 382 / 4، الوسائل 10: 333 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.
(2) التهذيب 4: 249 / 740، الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 15.
(3) التهذيب 4: 249 / 741، الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 16.
(4) التهذيب 4: 249، الفقيه 2: 98، المقنع: 63، الجامع للشرائع: 163.
(5) المدارك 6: 223.
440

ومرسلة ابن بكير، وفيها: (فإن مرض فلم يصم شهر رمضان، ثم
صح بعد ذلك فلم يقضه، ثم مرض فمات، فعلى وليه أن يقضي عنه، لأنه
قد صح فلم يقض ووجب عليه) (1)، وحكي عن الخلاف والنهاية والنافع
والتحرير والمنتهى والمختلف وظاهر السرائر والتبصرة (2)، وادعيت عليه
الشهرة بل الاجماع (3)، ونسب ما يدل على خلافه من الروايات إلى
الشذوذ (4).
ويدل عليه أيضا الأصل السالم عن المعارض بالمرة، لاختصاص
عمومات (5) القضاء عن الميت بما إذا وجب عليه، وقصور ما استدل به
للقول الأول عن إفادة الوجوب رأسا، وعموم غير صحيحة أبي حمزة
بالنسبة إلى المتمكن من القضاء وغيره، فيخص بالأول للخبر المعلل، غاية
الأمر تعارضهما والرجوع إلى الأصل.
أقول: هذا كان حسنا لو قلنا باستحباب القضاء، وبعد نفيه فلا يفيد
الجواب بنفي الدلالة على الوجوب، وتبقى الصحيحة دالة عليه، وهي
أخص مطلقا من عموم العلة، فيجب التخصيص بها لولا شذوذها المدعى،
ولكنه غير ثابت عندي، فالأظهر هو القول الأول.
ج: هل انتفاء القضاء مخصوص بما إذا مات في المرض الذي أفطر

(1) التهذيب 4: 249 / 739، الإستبصار 2: 110 / 360، الوسائل 10: 333 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 23 ح 13.
(2) الخلاف 2: 207، النهاية: 157، النافع: 70، التحرير 1: 84، المنتهى 2:
605، المختلف: 243، السرائر 1: 395، التبصرة: 57.
(3) كما في الخلاف 2: 208، والحدائق 13: 331.
(4) انظر الرياض 1: 323.
(5) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
441

فيه والدم كذلك؟
أو يعم كل صورة لم يتمكن من القضاء؟ كما صرح به في
الروضة (1)، فلو طمثت أول رمضان وطهرت، ثم طمثت أول شوال وماتت
في هذا الطمث، لم يقض عنها أيضا، وكذا لو مرض أول رمضان وبرئ ثم
مات في أول شوال.
مقتضى العموم الحاصل من ترك الاستفصال في صحيحة محمد
الثانية وصحيحة أبي حمزة والعلة المنصوصة في صحيحة أبي بصير:
الثاني.
ومقتضى عموم قوله: (ولكن يقضى عن الذي يبرأ ثم يموت) في
الصحيحة الأولى وقوله: (وإن صح ثم مات) في صحيحة أبي مريم: الأول.
والظاهر ترجيح التعميم، لأخصية العلة المنصوصة عن العموم
المذكور في الصحيحين الثانيين، فيخصصان بها، مضافا إلى أنه على فرض
التساوي أيضا يرجع إلى الأصل، وهو مع التعميم.
المسألة الثالثة: لو استمر المرض الذي أفطر معه في رمضان إلى
رمضان آخر، سقط قضاء ما في الأول، وتجب الصدقة لكل يوم على
الأظهر الأشهر، كما صرح به جمع ممن تأخر (2)، للمستفيضة من الصحاح
وغيرها، كصحاح زرارة ومحمد وابن سنان:
الأولى: في الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان، يخرج عنه وهو
مريض، ولا يصح حتى يدركه شهر رمضان آخر، قال: (يتصدق عن الأول
ويصوم الثاني، فإن كان صح فيما بينهما ولم يصم حتى أدركه شهر رمضان

(1) الروضة 2: 123.
(2) انظر الشرائع 1: 203 والكفاية: 51، والرياض 1: 322.
442

آخر صامهما جميعا وتصدق عن الأول) (1)، دلت بالتفصيلين النافيين
للاشتراك على نفي الصوم للأول.
والثانية: عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه رمضان آخر، فقال:
(إن كان قد برئ ثم توانى قبل أن يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه،
وتصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين، وعليه قضاؤه، وإن كان لم
يزل مريضا حتى أدركه رمضان آخر صام الذي أدركه، وتصدق عن الأول
عن كل يوم مدا على مسكين، وليس عليه قضاء) (2).
والثالثة: (من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر ثم أدرك رمضان
آخر وهو مريض فليتصدق بمد لكل يوم، فأما أنا فإني صمت وتصدقت) (3).
ورواية أبي بصير: (إذا مرض الرجل في رمضان إلى رمضان، ثم
صح، فإنما عليه لكل يوم أفطر فيه طعام، وهو مد لكل مسكين) إلى أن
قال: (وإن صح فيما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي الصيام، فإن تهاون
به وقد صح فعليه الصدقة والصيام جميعا، لكل يوم مد إذا فرغ من ذلك
الرمضان) (4).
والمرويين في قرب الإسناد، أحدهما: عن رجل مرض في شهر

(1) الكافي 4: 119 / 2، الفقيه 2: 95 / 429، التهذيب 4: 250 / 744،
الإستبصار 2: 111 / 362، الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان
ب 25 ح 2.
(2) الكافي 4: 119 / 1، التهذيب 4: 250 / 743، الإستبصار 2: 110 / 361،
الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 1.
(3) التهذيب 4: 252 / 848، الإستبصار 2: 112 / 367، الوسائل 10: 336
أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 4.
(4) التهذيب 4: 251 / 746، الإستبصار 2: 111 / 364، الوسائل 10: 337
أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 6.
443

رمضان فلم يزل مريضا حتى أدركه شهر رمضان آخر فبرئ فيه، كيف
يصنع؟ قال: (يصوم الذي يبرأ فيه، ويتصدق عن الأول كل يوم بمد من
طعام)، وبمضمونه الآخر أيضا (1).
وفي تفسير العياشي: عن رجل مرض من رمضان إلى رمضان ولم
يصح بينهما ولم يطق الصوم، قال: (تصدق مكان كل يوم أفطر على
مسكين بمد من طعام) إلى أن قال: (فإن استطاع أن يصوم الرمضان الذي
استقبل، وإلا فليتربص إلى رمضان قابل فليقضه، فإن لم يصح حتى رمضان
من قابل فليتصدق كما تصدق مكان كل يوم أفطر مدا، فإن صح فيما بين
الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى جاء رمضان الآخر فإن عليه الصوم
والصدقة جميعا) (2).
والرضوي: (وإذا مرض الرجل وفات صوم شهر رمضان كله، ولم
يصمه إلى أن يدخل عليه شهر رمضان من قابل، فعليه أن يصوم هذا الذي
قد دخل عليه، ويتصدق عن الأول عن كل يوم بمد من طعام، إلا أن يكون
قد صح فيما بين الرمضانين، فإذا كان كذلك ولم يصم فعليه أن يتصدق عن
الأول لكل يوم بمد من طعام، ويصوم الثاني، فإذا صام الثاني قضى الأول
بعده، فإن فاته شهران رمضانان حتى دخل عليه الشهر الثالث وهو مريض
فعليه أن يصوم الذي دخله، ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام،
ويقضى الثاني) (3).

(1) قرب الإسناد: 232 / 910 و 911، الوسائل 10: 338 و 339 أبواب أحكام شهر
رمضان ب 25 ح 9 و 10.
(2) تفسير العياشي 1: 79 / 178، الوسائل 10: 339 أبواب أحكام شهر رمضان
ب 25 ح 11.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 211، مستدرك الوسائل 7: 450 أبواب أحكام شهر رمضان ب 17 ح 1.
444

والمروي في العلل (1) والعيون (2): (إذا مرض الرجل أو سافر في شهر
رمضان فلم يخرج من سفره أو لم يفق عن مرضه حتى يدخل عليه شهر
رمضان آخر، وجب عليه الفداء للأول وسقط القضاء، فإذا أفاق بينهما أو
أقام ولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء) الحديث.
وبالتصريح بوجوب الصدقة في الأخيرة يجبر ضعف دلالة بعض
الأخبار المتقدمة على الوجوب لمكان الجملة الخبرية، مضافا إلى ورود
الأمر في الصحيحة الثالثة، وقوله: (عليه) في رواية أبي بصير.
خلافا للمحكي عن العماني والصدوق والخلاف والحلي وابن زهرة
والحلبي والمنتهى والتحرير (3)، فأوجبوا القضاء دون الكفارة.
أما الثاني فللأصل.
وأما الأول فلاطلاق قوله: (فعدة من أيام أخر) (4).
والأخبار الموجبة للقضاء على المريض بقول مطلق (5).
ورواية الكناني: عن رجل كان عليه من شهر رمضان طائفة، ثم أدركه
شهر رمضان قابل، فقال: (إن كان صح فيما بين ذلك، ثم لم يقضه حتى
أدركه شهر رمضان قابل، فإن عليه أن يصوم وأن يطعم لكل يوم مسكينا،
فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا
الصيام إن صح، فإن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم

(1) العلل: 271، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.
(2) العيون 2: 116، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 8.
(3) حكاه عن العماني في المختلف: 239، الصدوق في المقنع: 64، الخلاف 1:
395، الحلي في السرائر 1: 395 و 396، وابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 571، الحلبي في الكافي: 184، المنتهى 2: 603، التحرير 1: 83.
(4) البقرة: 184.
(5) الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.
445

مدا) (1).
وموثقة سماعة: عن رجل أدركه رمضان وعليه رمضان قبل ذلك ولم
يصمه، فقال: (يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي كان عليه بمد من
طعام، وليصم هذا الذي أدرك، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه،
فإني كنت مريضا فمر علي ثلاث رمضانات لم أصح فيهن، ثم أدركت
رمضانا فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمد من طعام، ثم عافاني الله
وصمتهن) (2).
ويجاب عن الأصل: باندفاعه بما مر، كتقييد المطلقات وتخصيص
العمومات (3) به.
وعن الرواية: بعدم الدلالة، لأن ظاهر قوله: (فإن كان مريضا) إلى
آخره، وإن كان ذلك، إلا أن ظاهر قوله: (فإن تتابع المرض عليه) إلى
آخره، خلافه، ولذا حمل الأول على ما إذا صح فيما بين ذلك وأراد القضاء
ثم مرض، والثاني على استمرار المرض، وعلى هذا يكون مثبتا لخلاف
مطلوبهم. ولو لم يقبل ذلك فلا أقل من الاجمال المسقط للاستدلال.
وعن الموثقة: بعدم الدلالة أيضا، لأن صدرها لا يفيد استمرار
المرض، وذيلها وإن أفاده ولكنه لا يدل على وجوب القضاء، بل على أن
الإمام فعل كذا، فلعله لاستحبابه كما يأتي.
وأما الجواب عنهما بعد تسليم الدلالة: برجحان معارضهما بالأكثرية،

(1) الكافي 4: 120 / 3، التهذيب 4: 251 / 745، الإستبصار 2: 111 / 363،
الوسائل 10: 336 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 3، بتفاوت يسير.
(2) التهذيب 4: 252 / 847، الإستبصار 2: 112 / 366، الوسائل 10: 336
أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 5.
(3) الوسائل 10: 335 أبواب أحكام شهر رمضان ب 25.
446

والاشتمال على العلة، ومخالفة العامة، أو بشذوذهما المخرج لهما عن
الحجية، أو بضعف سنديهما مع إضمار الموثقة، كالجواب عن الاطلاقين
بمنع شمولهما لزمان مؤخر عن السنة، لكونها المتبادر منه، مع أن الاطلاق
الثاني وارد لبيان حكم آخر غير الوقت، فيمكن المناقشة في شموله من هذا
الوجوه أيضا.
فغير سديد، لأن المرجحين الأولين للترجيح غير صالحين عند أهل
التحقيق. والثالث معارض بموافقة المخالف لاطلاق الكتاب، الذي هو
كالمخالفة للعامة في المنصوصية. والشذوذ ممنوع جدا، وكيف يتحقق
الشذوذ مع الموافقة لمن ذكر من القدماء الفحول؟! وضعف السند
والاضمار غير ضائر عندنا كما ذكرنا مرارا. ومنع التبادر الذي ذكر. وعدم
ورود الاطلاق الثاني إلا لبيان وجوب القضاء على من أفطر، ولا شك أنه
مطلق بالنسبة إلى من صح أو مرضه استمر.
ثم بما ذكرنا - من عدم ثبوت الوجوب من فعل الإمام - يظهر ضعف
التمسك بالموثقة ونحوها للقول بالاحتياط - بالجمع بين القضاء والكفارة -
كما عن الإسكافي (1).
ومنه يظهر ضعف أصل القول أيضا إن كان مراد القائل وجوب
الاحتياط، وإن كان استحبابه فهو صحيح، للخروج عن شبهة الخلاف،
ومتابعة للإمام، كما هو مدلول الموثقة، وصحيحة ابن سنان: (من أفطر
شيئا من شهر رمضان في عذر، ثم أدركه رمضان آخر وهو مريض
فليتصدق بمد لكل يوم، فأما أنا فإني صمت وتصدقت) (2).

(1) حكاه عنه في المختلف: 240.
(2) راجع ص: 443.
447

فروع:
أ: ما مر إنما هو إذا فات الصوم بالمرض، وكان المانع بين الرمضانين
أيضا المرض بأن استمر المرض.
وهل الحكم كذلك لو فات بالمرض ولم يتمكن من القضاء لعذر
آخر - أي استمر العذر الآخر - أو عكس، أو فات بعذر آخر واستمر هذا
العذر، أم لا؟
حكى في الدروس عن العماني والخلاف: الأول (1)، واختاره صاحب
الحدائق من مشايخنا (2).
وعن المعتبر والمنتهى التوقف (3).
ومن المتأخرين من حكم بالأول في الصورة الثانية خاصة، ولم
يتعرض للباقيتين (4).
ومنهم من استشكل فيها، أو تردد، مع عدم التعرض للأخيرتين أو
الأخيرة (5).
والأظهر هو الأول في جميع الصور، لرواية العيون والعلل وصحيحة
ابن سنان، وهما وإن لم يشملا الصورة الأولى ولكن الظاهر لحوقها
بالاجماع المركب.
وهل السفر المسقط استمراره للقضاء ما كان واجبا أو ضروريا، أو

(1) الدروس 1: 288.
(2) الحدائق 13: 308.
(3) المعتبر 2: 700، المنتهى 2: 603.
(4) انظر المسالك 1: 78.
(5) انظر الذخيرة: 527، والمفاتيح 1: 289.
448

أعم منهما ومن غيرهما؟
ظاهر الروايتين: الثاني، وهو الأظهر.
وصرح بعض متأخري المتأخرين في شرحه على الدروس بالأول (1)،
وهو الأحوط.
ب: لو ارتفع العذر بين الرمضانين بقدر يتمكن من قضاء بعض ما
فاته دون البعض، وقضى ما يمكن منه أو لم يقض، فهل يسقط قضاء ما لم
يتمكن من قضائه أم لا؟
مقتضى الأصل: لا، لاختصاص الأخبار بالاستمرار. ويحتمل
السقوط، لكونه مسببا عن عدم التمكن وهو هنا حاصل.
والأول أوجه.
ج: الأظهر الأشهر أن الصدقة الواجبة لكل يوم مد من طعام، للأخبار
المتقدمة.
وعن نهاية الشيخ واقتصاده والقاضي وابن حمزة: أنها مدان (2).
وفي الجمل والمبسوط: أنها مدان وأقله مد (3)، وهو محتمل لقول
النهاية، وللترتيب في الفضل. وكيف كان ليس له مستند واضح.
وقال في الحدائق (4): ولعل مستنده قوله عليه السلام في موثقة سماعة:
(فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمدين من طعام) الحديث. انتهى.
ولا يخفى ما فيه، أما أولا: فلأن فعله عليه السلام لا يدل على الوجوب

(1) مشارق الشموس: 476.
(2) النهاية: 158، الإقتصاد: 294، القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 191،
ابن حمزة في الوسيلة 1: 150.
(3) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 220، المبسوط 1: 286.
(4) الحدائق 13: 307، والموثقة قد تقدمت في ص: 427.
449

كقضائه.
وأما ثانيا: فإنه يمكن أن يكون المدان للتأخير في رمضانين، حيث
إنه تتابع المرض ثلاث رمضانات، واحد منها شهر الافطار والباقيان أيام
التأخير، فلا يجب المدان لمضي رمضان واحد.
وأما ثالثا: فلأن الموجود في النسخ الصحيحة من الموثقة إنما هو (بمد).
وقيل: لعل دليله صحيحة محمد: (الشيخ الكبير والذي به العطاش
لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان، ويتصدق كل واحد منهما في كل
يوم بمدين من طعام) (1)، حيث إنه لا فرق بين العطاش وغيره من
الأمراض (2).
وفيه: منع عدم التفرقة أولا. ومنع حكم الأصل ثانيا، لتعارض
الأخبار فيه كما يأتي.
د: صرح في الدروس والروضة بأن محل هذه الفدية مستحق الزكاة (3).
أقول: إن أريد بذلك عدم الصرف في غير المستحق من مصارف
الزكاة - كالرباط والقنطرة ونحوها - فهو كذلك، للتصريح في الأخبار
المتقدمة بأنها للمسكين.
وإن أريد صرفها إلى مستحقها مطلقا - حتى يشمل العاملين والمؤلفة
وفي الرقاب - فهو غير سديد، لما عرفت من تخصيص الأخبار بالمسكين.
مضافا إلى أنه إن أراد من مستحق الزكاة غير الهاشميين - إذا كانت
الصدقة من غيرهم - فلا دليل عليه أيضا، إلا على القول بحرمة مطلق

(1) الكافي 4: 116 / 4، الوسائل 10: 209 أبواب من يصح منه الصوم ب 15 ح 1.
(2) قاله في المختلف: 246.
(3) الدروس 1: 287، الروضة 2: 121.
450

الصدقة الواجبة على بني هاشم، وقد ذكرنا اختصاص الحرمة بالزكاة
الواجبة.
ه‍: لو استمر المرض إلى الرمضان الثالث فلا خلاف في عدم قضاء
الأول، لما مر. ولا إشكال في عدم تعدد الصدقة كل يوم منه، للأصل،
وعن الخلاف: الاجماع عليه (1).
وهل يقضي الثاني، أو يتصدق عنه؟
المحكي عن الإسكافي والشيخ وغيرهما: الثاني (2)، لعموم ما مر من
الأخبار، وخصوص المروي في تفسير العياشي المتقدم (3).
وعن ظاهر الصدوق في المقنع والفقيه ووالده في الرسالة: أن الثاني
يقضى بعد الثالث وإن استمر المرض (4).
ولا يخفى أن عبارة الكتب الثلاثة غير صريحة في ذلك، فإن فيها:
فإن فاته شهر رمضان حتى يدخل الثالث من مرضه فعليه أن يصوم الذي
دخل، ويتصدق عن الأول لكل يوم بمد من طعام ويقضي الثاني. وهذا
الكلام كما يحتمل استمرار المرض فيه من الأول إلى الثالث يحتمل بره
بين الثاني والثالث.
المسألة الرابعة: لو ارتفع العذر بين الرمضانين، وتمكن من القضاء
ولم يقض حتى دخل الثاني، وجب قضاء الأول، إجماعا مطلقا، فتوى
ونصا، كما مر كثير من نصوصه.

(1) الخلاف 2: 209.
(2) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 240، الشيخ في المبسوط 1: 286،
والشهيد في الدروس 1: 288.
(3) في ص: 426.
(4) المقنع: 64: الفقيه 2: 96، حكاه عن والده في المختلف: 240.
451

ووجوب الكفارة وعدمه مبني على التهاون في القضاء وعدمه، فإن
كان في عزمه القضاء قبل الثاني وأخره اعتمادا على سعة الوقت، فلما ضاق
عرض له مانع منه، فلا كفارة عليه، ولو ترك القضاء تهاونا مطلقا أو عند
ضيق الوقت وجبت الكفارة على الحق المشهور فيهما كما قيل (1)، لرواية
أبي بصير المتقدمة (2)، بل صحيحة محمد (3) ورواية العياشي، حيث إن
التواني بمعنى التكاسل المستلزم للتهاون، ورواية الكناني السالفة على
الحمل الذي مر (4).
والمروي في العلل والعيون، وفيه: (فإذا أفاق فيما بينهما ولم يصمه
وجب عليه الفداء للتضييع، والصوم لاستطاعته) (5).
ورواية الوشاء، وفيها: (وإن كان قد برئ فيما بينهما ولم يقض ما
فاته وفي نيته القضاء يصوم الحاضر ويقضي الأول، وإن تركه متهاونا به
لزمه القضاء والكفارة عن الأول) (6).
خلافا للمحكي عن الحلي، فلم يوجب الكفارة مطلقا، بل قال: لم
يذكرها سوى الشيخين ومن قلد كتبهما، أو تعلق بأخبار الآحاد (7).

(1) في الحدائق 13: 310.
(2) في ص: 425.
(3) المتقدمة في ص: 425.
(4) راجع ص: 427.
(5) علل الشرائع: 272 / 9، العيون 2: 116 / 2، الوسائل 10: 337 أبواب أحكام
شهر رمضان ب 25 ح 8.
(6) الظاهر أنها ليست من رواية الوشاء، وإنما هي من كلام شيخ الطائفة، فراجع
التهذيب 4: 249 / 742، ولذا لم يروها في الكافي 4: 124 / 6، وهو مصدر
رواية التهذيب، وكذا في الوسائل 10: 334 أبواب أحكام شهر رمضان ب 24 ح 1.
(7) السرائر 1: 397.
452

للأصل، ومرسلة سعد: عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم
يصح بعد ذلك، فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر، ما عليه في
ذلك؟ قال: (أحب له تعجيل الصيام، فإن كان أخره فليس عليه شئ) (1).
والأصل مدفوع، والمرسلة مخصوصة بما ذكر، مضافا إلى صحيحة
زرارة والرضوي المتقدمتين وغيرهما (1).
وللمحكي عن الصدوقين والعماني والمعتبر والشهيدين والمدارك
والذخيرة والحدائق (2)، وقيل: هو محتمل كلام المفيد وابن زهرة والجامع،
فأوجبوا الكفارة مطلقا.
لاطلاق صحيحة زرارة المتقدمة ومحمد، بحمل التواني على الترك،
سيما مع مقابلته مع استمرار المرض، وظهورها في الحصر بين القسمين،
ولا يكون ذلك إلا مع تعميم التواني مطلقا.
ورواية أبي بصير (3) بحمل قوله: (عليه أن يقضي الصيام) أي ما بين
الرمضانين، وحمل التهاون على ترك ذلك وتأخيره.
ورواية العياشي (4) بالتقريب المذكور، والرضوي (5)، وإطلاق صدر

(1) التهذيب 4: 252 / 749، الإستبصار 2: 111 / 365، الوسائل 10: 337
أبواب أحكام شهر رمضان ب 25 ح 7.
(2) انظر ص: 424 و 426.
(3) حكاه عن والد الصدوق في الدروس 1: 287، الصدوق في الفقيه 2: 96،
حكاه عن العماني في المختلف: 239، المعتبر 2: 698، الشهيد الأول في اللمعة
(الروضة 2): 121، الشهيد الثاني في المسالك 1: 78، المدارك 6: 218،
الذخيرة: 527، الحدائق 13: 310.
(4) المتقدمة في ص: 425.
(5) المتقدمة في ص: 426.
(6) المتقدم في ص: 426.
453

رواية الكناني (1).
والجواب عن الصحيحة الأولى بوجوب حمل المطلق على المقيد،
مضافا إلى قصور دلالتها على الوجوب.
وهو الجواب عن الثانية، مضافا إلى أن معنى التواني: التكاسل، الغير
الحاصل عرفا مع العزم على القضاء في السعة وطرو المانع، ومنع دلالتها
على الحصر، ولعل ترك القسم الآخر لندرته، ولو سلم عدم دلالة التواني
على التكاسل فلا أقل من احتماله المسقط للاستدلال لهذا القول.
وهو الجواب عن الثالثة، مضافا إلى ضعف الرواية الخالي عن الجابر
في المقام.
وهو الجواب عن الرابعة، مضافا إلى ما مر من وجوب حمل المطلق
على المقيد.
الذي هو الجواب عن الخامسة، مضافا إلى عدم الريب في كونه
مجملا، وللمعنى الذي ذكرنا محتملا.
وبالجملة: لا شك في فهم العرف من التهاون والتواني - بل اللغة -
معنى زائدا على مطلق الترك، فلا وجه للاطلاق، سيما مع البيان في
رواية الوشاء، وضعفها بسهل - مع وجودها في الكتاب المعتبر، وانجباره لو
كان بدعوى الشهرة المستفيضة - سهل، مع أن سهلا كثير الرواية عنهم،
وقالوا: اعرفوا منازل الرجال على قدر روايتهم عنا (2). فالمسألة واضحة
بحمد الله.

(1) المتقدمة في ص: 427.
(2) الكافي 1: 50 / 13، الوسائل 27: 137 أبواب صفات القاضي ب 11 ح 3،
وفي المصادر: الناس، بدل: الرجال.
454

فروع:
أ: الكفارة هنا كما مر في المستمر قدرا ومحلا وحكما.
ب: المراد بالتهاون: عدم العزم على الفعل، سواء عزم على العدم أم
لا، كما هو المفهوم عرفا، والمدلول عليه في رواية الوشاء، ومقتضى
الأصل: الاقتصار في تخصيص مطلقات الكفارة بالمتيقن، الذي هو العزم
على الفعل.
ج: قال في الحدائق - بعد بيان أن المستفاد من الأخبار أن وقت
القضاء ما بين الرمضانيين -: وعلى هذا فلو تمكن من القضاء وأخل به، ثم
عرض له سفر لا يتمكن معه من القضاء في ذلك الوقت المعين، فإن كان
سفرا مباحا أو مستحبا، فلا إشكال في وجوب تقديم القضاء عليه وعدم
مشروعية السفر، وإن كان واجبا - كالحج الواجب ونحوه - فإشكال ينشأ من
تعارض الواجبين ولا سيما حجة الاسلام، وترجيح أحدهما على الآخر
يحتاج إلى دليل، وإن كان مقتضى قواعد الأصحاب تقديم ما سبق سبب
وجوبه، كما صرحوا به في جملة من المواضع (1). انتهى.
أقول: ما ذكره من التوقيت يظهر من المعتبر أيضا، حيث استدل على
نفي القضاء مع استمرار العذر باستيعابه وقتي الأداء والقضاء (2).
ومنعه بعض الأجلة، قال - بعد ذكره -: وفيه منع كون ما بين
الرمضانين وقتا وإن وجبت المبادرة. انتهى.
أقول: ما ذكره من منع التوقيت في محله، إذ لا دليل عليه أصلا،

(1) الحدائق 13: 306
(2) المعتبر 2: 699.
455

ووجوب الكفارة بترك القضاء في هذا الوقت لا يدل على أنه وقته كما
يأتي.
وأما ما ذكره من وجوب المبادرة فظاهره - في موضع آخر - شهرته
أيضا، بل إجماعيته، حيث صرح بكون عدم وجوب تعجيل القضاء في
البين متروكا، ولكن إثباته في غاية الاشكال، إذ لا موجب له سوى الكفارة،
وإيجابها له ممنوع، لم لا يجوز أن يكون جبرا لما فاته من الصوم في أيام
رمضان، التي هي من الشرف بمكان، وعدم جبره بالتعجيل؟!
وأما قوله في رواية أبي بصير السابقة: (فإنما عليه أن يقضي الصيام) (1)
إنما كان يفيد لو قلنا أن المعنى: عليه أن يقضيه بين الرمضانين كما قيل (2)،
وهو غير معلوم، فتبقى أصالة عدم الوجوب فارغة من الدافع، بل مرسلة
سعد المتقدمة (3) ظاهرة في نفيه، فهو الأظهر إلا أن يثبت الاجماع عليه.
المسألة الخامسة: لو مات شخص وعليه قضاء صيام يجب على
وليه قضاؤه على الأصح، وفاقا للصدوقين والشيخين والسيد والإسكافي
والقاضي والحلي وابن حمزة (4)، بل هو المشهور كما صرح به جماعة (5)،
بل على المعروف في مذهب الأصحاب كما في الكفاية (6)، بل بلا خلاف

(1) راجع ص: 425.
(2) في الحدائق 13: 314.
(3) في ص: 435.
(4) حكاه عن والد الصدوق في المختلف: 241، الصدوق في المقنع: 63، المفيد
في المقنعة: 353، الطوسي في المبسوط 1: 286، وحكاه عن السيد والإسكافي
في المختلف: 241، القاضي في المهذب 1: 196، الحلي في السرائر 1: 409،
ابن حمزة في الوسيلة: 150.
(5) انظر الحدائق 13: 319.
(6) الكفاية: 51.
456

ظاهر إلا من العماني كما قيل (1)، بل بالاجماع كما عن الخلاف والسرائر
والمنتهى والتذكرة (2).
لمرسلة ابن بكير، وفيها: (فإن مرض فلم يصم شهر رمضان، ثم
صح بعد ذلك فلم يقضه، ثم مرض فمات فعلى وليه أن يقضي عنه، لأنه
قد صح فلم يقض ووجب عليه) (3).
والرضوي: (وإذا مات الرجل وعليه من صوم شهر رمضان فعلى وليه
أن يقضي عنه، وكذا إذا فاته في السفر) (4)، وضعفهما - لو كان - بما ذكر ينجبر.
وتدل عليه أيضا صحيحة البختري ومرسلة حماد:
الأولى: في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام، قال: (يقضي عنه
أولى الناس بميراثه)، قلت: إن كان أولى الناس به امرأة؟ قال: (لا، إلا الرجال) (5).
والثانية: عن الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان، من يقضي
عنه؟ قال: (أولى الناس به) قلت: فإن كان أولى الناس به امرأة؟ قال:
(لا، إلا الرجال) (6).
وهما وغيرهما من بعض الأخبار (7) - التي وردت في المقام - وإن
كانت غير صريحة في الوجوب، إلا أنها تصير صريحة بقرينة الخبرين

(1) في الرياض 1: 322.
(2) الخلاف 2: 209، السرائر 1: 409، المنتهى 2: 604، التذكرة 1: 276.
(3) التهذيب 4: 249 / 739، الإستبصار 2: 110 / 360، الوسائل 10: 333
أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 13.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 211، المستدرك 7: 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.
(5) الكافي 4: 123 / 1، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 5.
(6) الكافي 4: 124 / 4، التهذيب 4: 246 / 731، الإستبصار 2: 108 / 353،
الوسائل 10: 331 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 6.
(7) انظر الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
457

المتقدمين، حيث صرحا بما يفيد الوجوب.
وتدل عليه أخبار أخر مطلقة بالنسبة إلى الولي (1)، ولكن يجب حملها
عليه حملا للمطلق على المقيد.
خلافا للمحكي عن العماني، فأوجب عليه الصدقة عنه (2)، مدعيا
تواتر الأخبار وشذوذ القول بالقضاء، لرواية أبي مريم المروية في
التهذيبين: (وإن صح ثم مرض ثم مات، وكان له مال تصدق عنه مكان كل
يوم بمد، وإن لم يكن له مال تصدق عنه وليه) (3).
وتضعف باختلاف النسخ، فإنها مروية في الفقيه والكافي - اللذين
هما أتقن من الأولين - بطريق موثق هكذا: (وإن لم يكن له مال صام عنه
وليه) (4)، ومثل ذلك [لا تعارض] (5) به الأخبار المتكثرة المشتهرة.
سلمنا، ولكن إثبات رجحان الصدقة لا ينافي وجوب غيرها أيضا.
سلمنا التعارض، والترجيح للأول بمخالفته لما عليه جمهور العامة
كما صرح به جماعة (6)، ومعاضدته بالشهرة القوية والاجماعات
المحكية. (7)
وللمحكي عن الانتصار، فأوجب الصدقة إن خلف مالا وإلا فعلى

(1) انظر الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3 و 7 و 8 و 13.
(2) حكاه عنه في المختلف: 241.
(3) التهذيب 4: 248 / 735، الإستبصار 1: 109 / 356، الوسائل 10: 331
أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 7.
(4) الفقيه 2: 98 / 439، الكافي 4: 123 / 3، الوسائل 10: 331 أبواب أحكام
شهر رمضان ب 23 ح 7.
(5) في النسخ: لا يعرض، والظاهر ما أثبتناه.
(6) منهم السبزواري في الذخيرة: 528، وصاحبي الحدائق 13: 321، والرياض 1: 323.
(7) راجع رقم 5 من ص 438.
458

وليه القضاء (1)، للموثقة المذكورة على النسختين الأخيرتين.
وهو كان حسنا من جهة أخصية الموثقة عما مر لولا اختلاف النسخ،
مع أنها لا تنافي ما مر إلا مع الدلالة على نفي الصوم مع وجود المال،
ولا دلالة لها على ذلك إلا أن يكون التفصيل قاطعا للشركة، وهو يتحقق
بانتفاء الصدقة في صورة فقدان المال وإن وجب الصوم في الصورتين.
وقد يرد أيضا بعدم حجية الرواية، لشذوذ هذا القول، كما صرح به
الحلي، قال: ولم يذهب إلى ما قاله السيد غيره (2).
وفيه: أنه معارض بما قاله في المعتبر ردا عليه، قال: وليس ما قاله
صوابا مع وجود الرواية الصريحة وفتوى الفضلاء من الأصحاب، ودعوى
علم الهدى إجماع الإمامية على ما ذكره، فلا أقل من أن يكون قولا ظاهرا
بينهم (3).
وللمحكي عن المبسوط والاقتصاد والجمل، فخير بين الصدقة
والقضاء (4).
للجمع بين رواية أبي مريم وما مر.
ولصحيحة ابن بزيع: رجل مات وعليه صوم، يصام عنه أو يتصدق؟
قال: (يتصدق عنه فإنه أفضل) (5).
ويضعف الأول: بأن الجمع فرع التعارض ثم التكافؤ، وقد عرفت
انتفاءهما.

(1) الإنتصار: 71.
(2) السرائر 1: 409.
(3) المعتبر 2: 702، الإنتصار: 71.
(4) المبسوط 1: 286، الإقتصاد: 294، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 220.
(5) الفقيه 3: 236 / 1119.
459

والثاني - بعد الاغماض عن شذوذه، بل مخالفته الاجماع، لعدم
القول بأفضلية التصدق -: أنه أعم مطلقا مما مر من جهة الصوم، فيخصص
بغير صوم شهر رمضان أو الواجب، فيحمل على صيام السنة، كما ورد في
صيام ثلاثة أيام من كل شهر.
فروع:
أ: هل الصوم الواجب على ولي الميت هو صوم شهر رمضان، أم
يعم كل واجب؟
صرح المفيد والشيخ في المبسوط بالثاني (1)، ونقله في المنتهى عن
الشيخ، ونسبه إلى ظاهر النصوص مشعرا بالميل إليه (2)، وفي التذكرة اقتصر
على النسبة مؤذنا بالتوقف (3).
وظاهر العماني وابني بابويه: الأول (4)، حيث خصوه بالذكر.
والأجود التخصيص، للأصل، واختصاص جميع أخبار المسألة - سوى
صحيحة البختري المتقدمة ورواية الوشاء الآتية - بصوم رمضان.
والقول - بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما في
الحدائق (5) - من غرائب الأقوال، إذ لا عموم في لفظ الجواب في شئ منها.
وأما الصحيحة وإن كانت مطلقة، إلا أنه لا دلالة فيها على الوجوب،
وإرادة مطلق الرجحان عنها ممكنة، ولا قرينة موجبة لحملها على الوجوب.

(1) المفيد في المقنعة: 353، المبسوط 1: 286.
(2) المنتهى 2: 604.
(3) التذكرة 1: 276.
(4) حكاه عن العماني وابن بابويه في المختلف: 241 و 242، الصدوق في المقنع: 63.
(5) الحدائق 13: 333.
460

وأما الرواية، فمع إجمالها - لعدم تعيين من يجب عليه، فلعله
الميت، يعني: تعلق بذمته الأمران - تنفي وجوب القضاء كلية، والايجاب
الجزئي غير المقصود.
وحجة التعميم: الصحيحة.
والعلة المنصوصة في رواية أبي بصير المتقدمة بقوله عليه السلام: (لا يقضى
عنها، فإن الله لم يجعله عليها) (1).
وفي مرسلة ابن بكير السابقة في صدر المسألة.
وجواب الأول قد ظهر.
ويرد الثاني: بأن مقتضى التعليل أن عدم الجعل علة عدم القضاء،
لا أن مطلق الجعل علة القضاء.
والثالث: بأن العلة هي عدم القضاء ووجوبه عليه، دون الوجوب
خاصة، وتحقق تمام العلة في جميع الموارد غير معلوم، لأن في العلة
تركين - الأداء والقضاء - فيمكن أن يكون ذلك دخيلا في الوجوب.
ب: هل الواجب عليه الصوم المتروك لعذر، أو يعمه والمتروك عمدا
عصيانا أيضا؟
حكي عن المحقق في مسائله البغدادية وعن السيد عميد الدين:
الأول (2)، ونفى عنه البأس في الذكرى (3)، ومال إليه في المدارك
والذخيرة (4).

(1) الكافي 4: 137 / 8، التهذيب 4: 248 / 737، الإستبصار 2: 109 / 358،
العلل: 382 / 4، الوسائل 10: 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 12.
(2) حكاه عنهما في الذكرى: 138.
(3) الذكرى: 138.
(4) المدارك 6: 222، الذخيرة: 528.
461

وظاهر فتوى الأكثر: الثاني (1)، وهو الأقوى، لاطلاق جملة من
الأخبار، ومنها: الرضوي المتقدم، ومرسلة الفقيه: (إذا مات الرجل وعليه
صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله) (2)، وهو مقتضى عموم
العلة الثانية المتقدمة.
دليل الأول: حمل الروايات على الغالب من الترك.
وفيه: منع الغلبة بحيث يوجب الانصراف.
وأيده في الحدائق باختصاص بعض الأخبار ببعض الأسباب، فيجب
حمل المطلق عليه، لأن مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيد (3).
وفساده ظاهر، لأن مثل المورد ليس محل جريان القاعدة.
ج: الولي هنا هو أولى الناس بالميراث من الذكور، وفاقا للمدارك
حاكيا له عن الإسكافي والصدوقين وجماعة (4)، لصحيحة البختري ومرسلة
حماد المتقدمتين.
ولازمه كون الولاية على ترتيب الطبقات في الإرث، فمع الأب والابن
لا ولي غيرهما، ومع فقدهما تنتقل الولاية إلى الطبقة الثانية وهكذا، إلا
النساء، فلا تنتقل إليهن أبدا.
وفي المسألة أقوال أخر، ذهب إلى كل جماعة:
فمنهم من أدخل النساء أيضا (5)، ولا وجه له - بعد ما عرفت - سوى

(1) كما في الشرائع 1: 203، والمنتهى 2: 604.
(2) الفقيه 2: 98 / 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.
(3) الحدائق 13: 328.
(4) المدارك 6: 225.
(5) كما في المقنعة: 353، والفقيه 2: 98، وحكاه عن القاضي في الحدائق 13:
323.
462

الرضوي: (وإذا كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال أن يقضي عنه،
وإن لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء) (1).
وهو - لضعفه وعدم الجابر له - لا يصلح لاثبات حكم، سيما مع
المعارضة مع ما مر وعدا إطلاقات إثبات القضاء على الولي، اللازم تقييدها
بما مر.
مضافا إلى عدم معلومية حجية مثله، بعد احتمال وروده لاثبات
القضاء في الجملة على الولي من غير نظر إلى الشخصية.
وربما يستأنس له ملاحظة سياق بعض الأخبار من حيث إطلاق
الحكم في صدره بالقضاء، ثم التفصيل في الذيل بعد السؤال بمن عدا
النساء.
ومنهم من خص بأولاده (2).
لكونهم أولى الناس بالأب وبميراثه، ولذا يحجبون من عداهم، فهم
المراد من أولى الناس بالميراث، حتى من الأب أيضا.
ولكونه أوفر حظا وأكثر نصيبا فيكون أولى.
وللأصل.
وعدم قائل به بعد نفي الوجوب عن النساء، كما يظهر من تتبع
الفتاوى، وتشير إليه بعض العبارات.
وإجمال إطلاقات الولي، فينبغي الاقتصار على المجمع عليه.
ويرد على الأول: أن الأولاد أولى حين الاجتماع، فيكون هو الولي

(1) فقه الرضا (ع) 211، المستدرك 7: 449 أبواب أحكام شهر رمضان ب 16 ح 1.
(2) كما في بالمبسوط 1: 286، والشرائع 1: 203، والمختلف: 242، وحكاه
عن القاضي في الحدائق 13: 323.
463

حينئذ، أما مع عدمه فأولى الناس غيره. والحاصل: أنه إنما يفيد لو كان
الأولاد أولى الناس بالميراث مطلقا، ولكنه ليس كذلك، بل هو أولى مع
وجوده، وأما مع فقده فالأولى غيره.
وعلى الثاني: أن المراد بالأولى بالميراث المقدم في الإرث، لا الأكثر
فيه، فإنه ليس أولى بالإرث.
وعلى الثالث: أن الأصل مندفع بما مر.
وعلى الرابع: أن دعوى الاجماع المركب في مثل تلك المسألة من
المجازفات جدا، كيف؟! والأقوال مشتتة، والعبارات مختلفة، والحكايات
متفاوتة.
وعلى الخامس: أن إطلاق الولي وإن كان مجملا، إلا أن تفسيره بأولى
الناس بالميراث ينفي الاجمال، والله أعلم بحقيقة الحال.
د: لو كان الوارث من الذكور متعددا يجب على أكبرهم سنا.
للرضوي المتقدم، المنجبر بالشهرة المحكية والمحققة المؤيدة.
ومكاتبة الصفار: رجل مات وعليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام
وله وليان، هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا خمسة أيام أحد الوليين
وخمسة أيام الأخر؟ فوقع عليه السلام: (يقضي عنه أكبر ولييه عشرة أيام ولا إن
شاء الله) (1).
مضافا إلى ما قيل في أكبر الأبناء من أولويته بالإرث، لاختصاصه
بالحبوة (2).

(1) الكافي 4: 124 / 5، الفقيه 2: 98 / 441، التهذيب 4: 247 / 732، الإستبصار
2: 108 / 355، الوسائل 10: 330 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 3.
(2) كما في المختلف: 242.
464

وفيه نظر من وجهين.
والمعارضة بمرسلة الفقيه - الآمرة بقضاء من شاء من أهله (1)، وموثقة
أبي بصير القائلة بأنه يقضيه أفضل أهل بيته (2) - مردودة بأنها بالعموم
والخصوص المطلقين، فيقدم الرضوي الأخص.
ه‍: تعلق الوجوب بالأكبر مع وحدته، وأما مع اجتماع المتساويين
في السن فلا، لتبادر المتحد من الرضوي، مع صراحة المكاتبة، سيما مع
ندرة المتعدد جدا.
ولو حمل على التساوي العرفي في السن، فحينئذ يرجع إلى الوجوب
الكفائي، فيجب الكل، أو كل بعض على المتعدد كفاية، كما هو مقتضى
العمل بقوله: (يقضي عنه أولى الناس بميراثه) (3).
و: يجوز لغير الولي قضاء الصوم عن الميت تبرعا، وقد مر ما يدل
عليه في بحث الصلاة. ولا ينافيه وجوبه على الولي، كما لا ينافي جواز
التبرع بأداء دين زيد عن وجوب أدائه عليه.
ز: الحق عدم السقوط عن الولي بتبرع الغير ولا باستئجاره أو وصية
الميت بالاستئجار، للأصل.
فإن قيل: بفعل الغير تبرأ ذمة الميت ولا صوم عليه، فلا معنى لقضاء
الولي عنه.
قلت: ما أرى مانعا من قضاء متعدد عن واحد، ولا ضير في أن يشتغل ذمة

(1) الفقيه 2: 98 / 440، الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23 ح 1.
(2) التهذيب 4: 325 / 1007، الوسائل 10: 332 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23
ح 11.
(3) تقدم في ص: 457.
465

أحد بشئ ويجوز لمائة أداؤه عنه ولو بالتعاقب، فإن أمثال هذه الأمور ليست
مما يقاس على المحسوسات، وقد مر بيان ذلك مستوفى في كتاب الصلاة.
ح: الواجب قضاؤه على الولي ما تمكن الميت في حياته عن
القضاء، وإلا فلا قضاء على الولي، وبيان ذلك قد مر (1).
ط: لا خلاف - على ما قيل (2) - في جواز القضاء عن المرأة
ومشروعيته، وإطلاق كثير من الأخبار وخصوص بعضه يدل عليه.
وهل هو واجب على وليها كالرجل أيضا، أم لا؟
فيه قولان، ذهب إلى كل جماعة (3)، والحق هو: الثاني، لأن ما يشمل
المرأة من أخبار القضاء (4) خصوصا أو عموما لا ذكر فيه للولي، ولا دلالة
فيه على الوجوب، وما يشتمل عليهما مخصوص بالرجل، فيبقى الأصل
- الذي هو المعول - بلا معارض.
استدل الأولون باشتراكها مع الرجل في الأحكام غالبا، ودلالة الأخبار
على القضاء عنها.
وضعف الأول ظاهر، والثاني ممنوع إن أريد الوجوب، وغير مفيد إن
أريد غيره.
ي: يقضي عن العبد أولى الناس به وجوبا، وهو مولاه، لصدق
الولي، وأولى الناس به بل بميراثه لو كان له ميراث.
يا: حكم جماعة بأنه مع فقدان الولي أو وجوده وعدم وجوب

(1) راجع ص: 423.
(2) في الرياض 1: 324.
(3) فإلى الأول: الشيخ في النهاية: 158، والشهيد في الدروس 1: 289، وإلى
الثاني: الحلي في السرائر 1: 399، والشهيد الثاني في المسالك 1: 78.
(4) الوسائل 10: 329 أبواب أحكام شهر رمضان ب 23.
466

القضاء عليه كالإناث يجب التصدق عن كل يوم بمد كجماعة (1)، أو مدين
كبعضهم (2)، من أصل التركة.
وأنكره بعضهم (3)، وهو الأقوى، للأصل، وفقد المستند للقول
الأول، سوى ما قيل من رواية أبي مريم (4)، وهي غير دالة، مع أن مدلولها
وجود الولي، فهي غير مورد المسألة.
يب: لو كان الولي حين الموت صغيرا يجب عليه القضاء بعد
البلوغ، لصدق الولي واجتماع الشرائط. ولا يضر عدم الاجتماع حين
الموت، لأنا لا نقول إنه زمان تكليف الولي، بل هو زمان بلوغه.
فإن قيل: ما يوجب تكليفه حينئذ مع عدم كونه مكلفا سابقا؟
قلنا: ما أوجب تكليف سائر الأولياء المكلفين حين الموت، فإن غاية
ما يرتكب في الأخبار أن يقيد الولي فيها بالبالغ، ويكون المعنى: فعلى وليه
البالغ القضاء، وهذا أيضا ولي بالغ.
نعم، لو كان المعنى: فعلى وليه البالغ حين الموت، لما تم
الاستدلال، ولكنه ليس كذلك.
المسألة السادسة: قاضي شهر رمضان مخير في الافطار إلى الزوال،
ولا يجوز له الافطار بعده، وعليه الكفارة لو أفطر.
وأما الأول: فهو الأظهر الأشهر - كما صرح به جماعة ممن تأخر (5) -

(1) منهم المحقق في المعتبر 2: 702، والشهيد في الدروس 1: 289، والشهيد
الثاني في الروضة 2: 125.
(2) انظر المبسوط 1: 286.
(3) كما في السرائر 1: 408، والايضاح 1: 238، والحدائق 13: 328.
(4) المتقدمة في ص: 439.
(5) كصاحب الرياض 1: 324.
467

بل عن الفاضل في المدنيات الأولى: الاجماع عليه.
وتدل عليه - بعد الأصل - المستفيضة من الأخبار، كرواية العجلي:
في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: (إن كان أتى أهله
قبل الزوال فلا شئ عليه إلا يوما مكان يوم، وإن كان أتى أهله بعد زوال
الشمس فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين، لكل مسكين مد، فإن لم
يقدر صام يوما مكان يوم، وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع) (1).
ومرسلة الفقيه: (إن أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، وإن أفطر بعد
الزوال فعليه الكفارة مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان) (2).
وصحيحة جميل: في الذي يقضي في شهر رمضان: (أنه بالخيار إلى
زوال الشمس، وإن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار) (3).
وموثقة أبي بصير: المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على
الافطار، فقال: (لا ينبغي أن يكرهها بعد الزوال) (4).
ورواية سماعة: في قوله عليه السلام: (الصائم بالخيار إلى زوال الشمس)،
قال: (إن ذلك الفريضة، وأما النافلة فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب
الشمس) (5).

(1) الكافي 4: 122 / 5، الفقيه 2: 96 / 430، المقنع: 63، الوسائل 10: 15
أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 1.
(2) الفقيه 2: 96 / 431، الوسائل 10: 349 أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 5.
(3) التهذيب 4: 280 / 849، الإستبصار 2: 122 / 396، الوسائل 10: 16 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 4.
(4) الكافي 4: 122 / 6، الفقيه 2: 96 / 432، التهذيب 4: 278 / 842،
الإستبصار 2: 120 / 390، الوسائل 10: 16 أبواب وجوب الصوم ب 4 ح 2.
(5) الكافي 4: 122 / 3، الفقيه 2: 96 / 433، التهذيب 4: 187 / 527، الوسائل
10: 17 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 8.
468

وصحيحة ابن سنان: (صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل
متى ما شئت، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا
زالت الشمس فليس لك أن تفطر) (1).
ورواية إسحاق: (الذي يقضي شهر رمضان بالخيار في الافطار ما بينه
وبين ما تزول الشمس، وفي التطوع ما بينه وبين أن تغيب الشمس) (2).
خلافا للمحكي عن ظاهر العماني والحلبي وابن زهرة، فحرموه (3)،
وعن الأخير: الاجماع عليه.
للنهي عن إبطال العمل.
وإطلاق موثقة زرارة - بل عمومها -: عن رجل صام قضاء من شهر
رمضان فأتى النساء، قال: (عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في رمضان،
لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان) (4)، وقريبة منها مرسلة حفص (5).
وخصوص صحيحة البجلي: عن رجل يقضي رمضان، أله أن يفطر
بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ فقال: (إذا كان نوى ذلك من الليل
وكان ذلك من قضاء شهر رمضان فلا يفطر ويتم صومه) (6).

(1) التهذيب 4: 278 / 841، الإستبصار 2: 120 / 389، الوسائل 10: 18 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 9.
(2) التهذيب 4: 280 / 848، الإستبصار 2: 122 / 395، الوسائل 10: 18 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 10.
(3) حكاه عن العماني في المختلف: 247، الحلبي في الكافي في الفقه: 184، ابن
زهرة في الغيبة (الجوامع الفقهية): 572.
(4) التهذيب 4: 279 / 846، الإستبصار 2: 121 / 393، الوسائل 10: 348
أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
(5) التهذيب 4: 321 / 983 الوسائل 10: 130 أبواب أحكام شهر رمضان ب 56 ح 1.
(6) التهذيب 4: 186 / 522، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4
ح 6.
469

ويضعف الأول بمنع النهي، كما بينا في عوائد الأيام (1). سلمنا،
ولكنه عام يلزم تخصيصه بما مر.
وهو الجواب عن الثاني والثالث.
وعن الرابع: بقصور دلالته على الحرمة.
وأما الثاني: فعلى الأصح الأشهر أيضا، بل عن الانتصار والخلاف
والغنية: الاجماع عليه (2)، لصريح صحيحة ابن سنان المتقدمة، ومفهوم
الغاية في أكثر الأخبار السابقة.
خلافا للمحكي عن ظاهر التهذيبين، فلم يحرماه وإن أوجبا
الكفارة (3)، لعدم ثبوت الحرمة من الأخبار، وضعفه ظاهر مما مر.
وأما الثالث: فعلى الأقوى أيضا، وعليه دعوى الاجماع في الكتب
الثلاثة المتقدمة، ويدل عليه عموم مرسلة حفص وموثقة زرارة، وخصوص
رواية العجلي ومرسلة الفقيه، المتقدمة جميعا.
خلافا فيه للمحكي عن العماني، فلا كفارة (4)، وإليه يميل شيخنا الشهيد
الثاني في المسالك، حيث استجود حمل أخبار الكفارات على الاستحباب (5).
لموثقة عمار: عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان - إلى أن
قال: - فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس؟ قال: (قد أساء،
وليس عليه شئ إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه) (6).

(1) عوائد الأيام: 151.
(2) الإنتصار: 69، الخلاف 2: 221، الغنية (الجوامع الفقهية): 572.
(3) التهذيب 4: 278، الإستبصار 2: 122.
(4) حكاه عن العماني في المختلف: 247.
(5) 128 المسالك 2: 86.
(6) التهذيب 4: 280 / 847، الإستبصار 2: 121 / 394، الوسائل 10: 348
أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 4.
470

ويجاب عنها بالمعارضة مع ما سبق، ومرجوحيتها، لموافقة غير قتادة
من العامة، كما في المنتهى وغيره (1).
فروع:
أ: الكفارة هنا إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد، ولو عجز صام
ثلاثة أيام على الأظهر الأشهر كما صرح به جماعة (2)، وإليه ذهب الشيخان
والسيد والإسكافي والفاضلان (3).
لرواية العجلي المتقدمة، وصحيحة هشام، وفيها: (وإن فعل بعد
العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام
كفارة لذلك) (4).
والرضوي: (وقد روي: أن على من أفطر بعد الزوال إطعام عشرة
مساكين، لكل مسكين مد من طعام، فإن لم يقدر عليه صام يوما، وصام
ثلاثة أيام كفارة) (5).
ولا يضر اختصاصها بما بعد صلاة العصر، لأن المراد منه: بعد
الزوال، أو لاتحاد حكم ما بينه وبين الزوال بالاجماع. كما لا يضر تجويز

(1) المنتهى 2: 605، وانظر التذكرة 1: 261، والرياض 1: 325.
(2) انظر المفاتيح 1: 263، والرياض 1: 325.
(3) المفيد في المقنعة: 360، الطوسي في المبسوط 1: 287، السيد في الإنتصار:
69، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 247، المحقق في المعتبر 2: 704،
العلامة في المنتهى 2: 605.
(4) التهذيب 4: 279 / 845، الإستبصار 2: 120 / 392، الوسائل 10: 347
أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 2.
(5) فقه الرضا عليه السلام: 213، مستدرك الوسائل 7: 454 أبواب أحكام شهر رمضان
ب 21 ح 1.
471

الافطار فيها بما قبل صلاة العصر، لأن المراد منه: قبل الزوال، أو لكونه
أعم منه، فيخصص به، لما مر.
وعن الصدوق في الرسالة والمقنع: أن عليه كفارة الافطار في
رمضان (1)، وحكاه في موضع من المختلف عن القاضي (2)، وهو مختار ابن
حمزة مع الاستخفاف (3)، واحتمله في التهذيبين أيضا مع ذلك (4)،
للمرسلتين، والموثقة السابقة (5)، والرضوي: (فإن أفطرت بعد الزوال
فعليك كفارة مثل من أفطر يوما من شهر رمضان).
وعن الحلبيين: التخيير بين الخصالين، مدعيا أحدهما الاجماع
عليه (6)، وهو مذهب ابن حمزة في صورة عدم الاستخفاف.
وعن الديلمي والكراجكي: أنها كفارة يمين (7)، ونقله في موضع آخر
من المختلف عن القاضي (8)، وهو أحد قولي الحلي (9).
ويمكن إرادتهم المشهور، كما أن المفيد قال في باب الكفارات:
كان عليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام
متتابعات (10).

(1) حكاه عن الرسالة في المختلف: 246، المقنع: 63.
(2) المختلف: 247.
(3) الوسيلة: 147.
(4) التهذيب 4: 279، الإستبصار 2: 121.
(5) راجع ص: 449 و 450.
(6) الحلبي في الكافي: 184، ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572.
(7) الديلمي في المراسم: 187.
(8) المختلف: 247.
(9) السرائر 3: 76.
(10) المقنعة: 570.
472

وفي كفارات المختلف: المشهور عند علمائنا أن كفارة من أفطر
يوما ليقضيه من شهر رمضان بعد الزوال مختارا: كفارة يمين، ذهب
إليه الشيخان وسلار وأبو الصلاح وابن إدريس، واستدل له بأدلة
المشهور (1).
وعن كفارات النهاية: كان عليه كفارة يمين، فإن لم يجد صام ثلاثة
أيام (2).
أقول: ولم أعثر على غير الأولين على دليل، وأما الأولان فيدل على
كل منهما ما ذكر له، ولم أر ترجيحا لأحدهما. والشذوذ - الذي ادعاه الشيخ
للثاني (3) - عندي غير معلوم. وحمله على الاستحباب (4) حمل بلا دليل،
وعلى التشبيه في وجوب الكفارة دون قدرها في الرضوي قريب، وفي
الوجوب في المرسلة الأولى ممكن، ولكن شئ منهما لا يجري في
الباقيين. ونسبة الأصل إلى القولين على السواء وإن تمسك به في المختلف
للمشهور (5). ولذا تصير المسألة محل إشكال، ولأجله توقف فيها في
الحدائق (6)، وهو في موقعه جدا.
ب: الأيام الثلاثة - على القول بها - متتابعات عند الشيخين والفاضلين
وابني حمزة وإدريس وغيرهم، قاطعين به (7)، فإن ثبت عليه إجماع، وإلا

(1) المختلف: 664.
(2) النهاية: 572.
(3) التهذيب 4: 279.
(4) كما في المعتبر 2: 705.
(5) المختلف: 247.
(6) الحدائق 13: 216.
() 151 المفيد في المقنعة: 570، الطوسي في الإقتصاد: 291، ابن حمزة في الوسيلة:
145، ابن إدريس في السرائر 1: 406 و 3: 76، وانظر الدروس 1: 296.
473

فالأصل ينفيه، وحسنة ابن سنان (1) ورواية الجعفري (2) تشعران بعدمه، بل
تدلان، حيث حصر التتابع في صيام ليس ذلك منها.
ج: صرح في الدروس والروضة بوجوب الامساك بقية اليوم لو أفطر
بعد الزوال (3).
لقوله في صحيحة هشام المتقدمة: (صام ذلك اليوم).
وفي خبر زرارة: (لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان) (4).
ولاستصحاب وجوب الامساك.
ويرد الأول - بعد الاغماض عن عدم دلالته على الوجوب -: بأن
الظاهر صوم بدل ذلك اليوم، كما يومئ إليه صدر الخبر. ولأن هذا الامساك
ليس صوما حقيقة.
والثاني: بعدم دلالته على المساواة في جميع الأحكام.
والثالث: بتعارضه مع استصحاب عدم الوجوب الأولي كما بيناه في
موضعه، مضافا إلى أن الواجب أولا هو الصوم، وحقيقة هذا الامساك مباينة
لحقيقة الصوم شرعا، فلا يتحقق للاستصحاب معنى، ولذا ذهب ابن فهد
إلى عدم الوجوب (5)، وتبعه بعض أجلة المتأخرين (6)، وهو الأظهر.

(1) الكافي 4: 120 / 3، التهذيب 4: 274 / 829، الإستبصار 2: 117 / 381،
الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 4.
(2) الكافي 4: 120 / 1، الفقيه 2: 95 / 428، التهذيب 4: 274 / 830، الإستبصار
2: 117 / 382، الوسائل 10: 342 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 8.
(3) الدروس 1: 290، الروضة 2: 119.
(4) التهذيب 4: 279 / 846، الإستبصار 2: 121 / 393، الوسائل 10: 348
أبواب أحكام شهر رمضان ب 29 ح 3.
(5) نقله عنه في غنائم الأيام: 480.
(6) كما في غنائم الأيام: 480.
474

د: قالوا: اختيار الافطار قبل الزوال إنما هو مع سعة وقت القضاء،
وأما لو تضيق بدخول شهر رمضان المقبل أو علم الوفاة أو ظنه فلا اختيار (1).
وهو حسن مع القول بحرمة التأخير إلى المقبل.
ه‍: الظاهر اختصاص الحكم بالقضاء الواجب، فلو قضى أحد
احتياطا ندبا لم يحرم عليه الافطار بعد الزوال، لعدم كونه قضاء حقيقة
- وإنما هو صوم مندوب - ولعدم انصراف إطلاق القضاء إليه.
و: هل يختص الحكم بالقاضي لنفسه، أو يعم القاضي لغيره ولاية أو
تبرعا أو إجارة أيضا؟
مقتضى إطلاق كثير من الأخبار: الثاني، وتبادر الأول عنها ممنوع،
ولو سلم ففي الجميع ليس كذلك، وشيوعه المقتضي للانصراف إليه غير
متحقق.
المسألة السابعة: لا تجب الموالاة في القضاء من حيث هي،
بالاجماع كما في الناصريات والخلاف والمختلف (2)، ويدل عليه الأصل،
وكثير من الأخبار.
كرواية الجعفري: عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان،
أيقضيها متفرقة؟ قال: (لا بأس بتفريق قضاء شهر رمضان) الحديث (3).
وموثقة سماعة: عمن يقضي شهر رمضان منقطعا؟ قال: (إذا حفظ
أيامه فلا بأس) (4).

(1) انظر الروضة 2: 118، والرياض 1: 324.
(2) الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، الخلاف 2: 210، المختلف: 246.
(3) الكافي 4: 120 / 1، الفقيه 2: 95 / 428، التهذيب 4: 274 / 830، الإستبصار
2: 117 / 382، الوسائل 10: 342 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 8.
(4) 161 الكافي 4: 120 / 2، الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 2.
() 162 الكافي 4: 121 / 5، الفقيه 2: 95 / 426، التهذيب 4: 275 / 832، الإستبصار
2: 119 / 836، الوسائل 10: 344 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 2.
475

ورواية البصري: عن قضاء شهر رمضان في ذي الحجة وقطعه، قال:
(اقضه في ذي الحجة واقطعه إن شئت) (1)، وغير ذلك من الأخبار الآتية.
وقيد الحيثية لوجود القول بوجوبها من حيث كونها ملزومة للفورية.
والأظهر الأشهر: استحبابها، للشهرة، وكونها مسارعة إلى الخير،
والأخبار المعتبرة:
كصحيحة الحلبي: (إذا كان على الرجل شئ من صوم شهر رمضان
فليقضه في أي شهر شاء أياما متتابعة، فإن لم يستطع فليقضه كيف شاء،
وليحص الأيام، فإن فرق فحسن، وإن تابع فحسن) (2).
وصحيحة ابن سنان: (من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فإن
قضاه متتابعا فهو أفضل، وإن قضاه متفرقا فحسن) (3).
ورواية غياث: (في قضاء شهر رمضان إن كان لا يقدر على سرده
فرقه) (4).
والمروي في الخصال: (والفائت من شهر رمضان إن قضاه متفرقا
جاز، وإن قضاه متتابعا كان أفضل) (5).

(1) الكافي 4: 121 / 5، الفقيه 2: 95 / 426، التهذيب 4: 275 / 832، الإستبصار
2: 119 / 836، الوسائل 10: 344 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 2.
(2) الكافي 4: 120 / 4، الفقيه 2: 95 / 427، التهذيب 4: 274 / 828،
الإستبصار 2: 117 / 380، الوسائل 10: 341 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26
ح 5، بتفاوت يسير.
(3) الكافي 4: 120 / 3، التهذيب 4: 274 / 829، الإستبصار 2: 117 / 381،
الوسائل 10: 340 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 4.
(4) التهذيب 4: 275 / 833، الإستبصار 2: 119 / 387، الوسائل 10: 344
أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 3.
(5) الخصال: 606 / 9، الوسائل 10: 343 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 11.
476

وحكى في السرائر عن بعض الأصحاب استحباب التفريق (1)، وإليه
يميل كلام المفيد، ولكن بهذا الوجه: إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم،
وكذلك إذا كان عليه خمسة أيام وما زاد، فإن كان عليه عشرة أيام أو أكثر
من ذلك تابع بين ثمانية الأيام إن شاء ثم فرق الباقي (2).
وفي الوسيلة: فإن صام ثمانية أيام أو ستة متواليات وفرق الآخر كان
أفضل (3).
وتدل على التفريق في الجملة موثقة عمار: عن الرجل يكون عليه
أيام من شهر رمضان، كيف يقضيها؟ فقال: (إن كان عليه يومان فليفطر
بينهما يوما، وإن كان عليه خمسة فليفطر بينها يومين، وإن كان عليه شهر
فليفطر بينها أياما، وليس له أن يصوم أكثر من ثمانية أيام، يعني متوالية،
وإن كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما) (4).
والمروي في قرب الإسناد: عمن كان عليه يومان من شهر رمضان،
كيف يقضيهما؟ قال: (يفصل بينهما بيوم، فإن كان أكثر من ذلك فليقضها
متوالية) (5).
ولا يخفى أن هاتين الروايتين لا تصلحان لمعارضة ما مر، لأكثريته
وأصحيته، وموافقته للشهرتين، ولظاهر الكتاب، واضطراب الأول منهما،

(1) السرائر 1: 405.
(2) انظر المقنعة: 359.
(3) الوسيلة: 146.
(4) التهذيب 4: 275 / 831، الإستبصار 2: 118 / 383، الوسائل 10: 341
أبواب أحكام شهر رمضان ب 26 ح 6.
(5) قرب الإسناد: 231 / 906، الوسائل 10: 343 أبواب أحكام شهر رمضان ب 26
ح 12.
477

واختلاف النسخ فيها، فإن في بعضها: (ستة أيام) بدل: (ثمانية).
المسألة الثامنة: المعروف من مذهب الأصحاب: عدم فورية قضاء
رمضان، وتدل عليه جميع الأخبار المتقدمة، وصحيحة البختري: (كن نساء
النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان عليهن صيام أخرن ذلك إلى شعبان، كراهة أن يمنع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا كان شعبان صمن وصام) (1) إلى غير ذلك.
المسألة التاسعة: صرح جملة من الأصحاب: بأنه لا يجب الترتيب
في قضاء الصوم، بأن ينوي الأول فالأول (2)، وهو كذلك، للأصل.
قيل: نعم، يستحب ذلك (3).
ولا أرى له وجها، إلا أن يثبت بفتوى الفقيه.
المسألة العاشرة: لو نذر صوما يوما معينا، فاتفق ذلك اليوم في
رمضان، صام عن رمضان، ولم يجب عليه قضاء إجماعا.
ولو اتفق أحد العيدين أو أيام التشريق بمنى لم يصح صومه إجماعا
نصا وفتوى.
وهل يجب عليه القضاء، أم لا؟
الحق: الثاني مع استحبابه، وفاقا لموضع من المبسوط والقاضي
والحلبي والشرائع والمختلف وفخر المحققين والكفاية (4)، بل هو المشهور
كما في الكفاية.
أما عدم الوجوب: فللأصل السالم عن المعارض، المؤيد بعدم انعقاد

(1) الكافي 4: 90 / 4، الوسائل 10: 345 أبواب أحكام شهر رمضان ب 27 ح 4.
(2) كما في الذخيرة: 530، ومشارق الشموس: 428.
(3) كما في المسالك 1: 77، والحدائق 13: 318.
(4) 175 المبسوط 1: 282، القاضي في جواهر الفقه: 35، الحلبي في الكافي: 185، الشرائع
1: 196، المختلف: 658، فخر المحققين في الإيضاح 1: 242، كفاية الأحكام: 229.
478

النذر لو نوى شمول هذه الأيام أيضا، وعدم وجوب الأداء لو نوى
خروجها، فكيف بالقضاء؟!
وأما الاستحباب: فلقوله عليه السلام في رواية الصيقل (1) وصحيحة ابن
مهزيار بعد السؤال عن ذلك: (ويصوم يوما بدل يوم) (2).
خلافا للنهاية وموضع من المبسوط وابن حمزة، فأوجبوه (3)، ولظاهر
الدروس والمدارك، فترددا فيه (4)، للرواية والصحيحة، وهما بمعزل عن
إفادة الوجوب، لمكان الجملة الخبرية.
وكذا الحكم في عدم صحة الصوم ووجوب الافطار لو اتفق في ذلك
اليوم سفر أو مرض أو حيض.
وأما القضاء، فصرح في المسالك بوجوبه قطعا (5)، وظاهر المختلف
أيضا أنه لا نزاع في وجوب القضاء حينئذ (6)، وفي شرح النافع لصاحب
المدارك: أنه مقطوع به في كلام الأصحاب (7)، وفي الكفاية: وقد قطع
الأصحاب بأنه يجب القضاء (8).
واحتجوا لذلك بصحيحة ابن مهزيار المتقدمة، ورواية ابن جندب،
وفيها - بعد السؤال عن رجل جعل على نفسه صوم يوم فحضرته نية

(1) التهذيب 4: 234 / 686، الإستبصار 2: 101 / 328، الوسائل 10: 378
أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 3.
(2) الكافي 7: 456 / 12، الوسائل 10: 378 أبواب بقية الصوم الواجب ب 7 ح 1.
(3) النهاية: 163، المبسوط 1: 281، ابن حمزة في الوسيلة: 144.
(4) الدروس 1: 272، المدارك 6: 137.
(5) المسالك 2: 209.
(6) المختلف: 249.
(7) نهاية المرام 2: 358.
(8) الكفاية: 229.
479

الزيارة، إلى أن أجاب -: (فإذا رجع قضى ذلك) (1).
والروايتان قاصرتان عن إفادة الوجوب، مع أن الثانية ليست صريحة
في اليوم المعين، فلعله كان غير معين، والمراد بالقضاء: الفعل، كما هو
مقتضى الحقيقة اللغوية، ومعارضة مع رواية مسعدة: في رجل يجعل على
نفسه أياما معدودة مسماة في كل شهر، ثم يسافر فتمر به الشهور: (أنه
لا يصوم في السفر ولا يقضيها إذا شهد) (2).
ولأجل ذلك يظهر من الكفاية التردد، بل هو الظاهر من شرح النافع
لصاحب المدارك أيضا، وهو في محله جدا، بل الأظهر عدم الوجوب إلا
أن يثبت الاجماع عليه، والاحتياط عدم ترك القضاء هنا.

(1) الكافي 7: 457 / 16، التهذيب 4: 333 / 1048، الوسائل 10: 197 أبواب
من يصح منه الصوم ب 10 ح 5.
(2) الكافي 4: 142 / 7، التهذيب 4: 329 / 1028، الوسائل 10: 199 أبواب من
يصح منه الصوم ب 10 ح 10.
480

المطلب الثاني
في الصوم المندوب
وهو أيضا أقسام كثيرة:
منها: ما لا يختص بسبب مخصوص ولا بوقت معين، كصيام أيام
السنة عدا ما استثني، فإن استحبابه مما لا خلاف فيه، كما صرح به غير
واحد (1)، وصوم كل يوم شاء عدا المستثنيات.
ففي مرسلة الفقيه: (من صام لله يوما في شدة الحر، فأصابه ظمأ وكل
الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه، حتى إذا أفطر قال الله تعالى:
ما أطيب ريحك وروحك، ملائكتي اشهدوا أني قد غفرت له) (2).
وفي رواية الكناني: (نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله
متقبل، ودعاؤه مستجاب) (3).
وفي الحديث القدسي: (الصوم لي، وأنا أجازي به) (4).
وفي رواية عمرو بن جميع: (الصوم جنة من النار) (5)، إلى غير
ذلك.

(1) كما في الحدائق 13: 347.
(2) الفقيه 2: 45 / 205، الوسائل 10: 409 أبواب الصوم المندوب ب 3 ح 1.
(3) ثواب الأعمال: 51 / 3، الوسائل 10: 403 أبواب الصوم المندوب ب 1 ح 24،
بإسناده عن الحسين بن أحمد عن أبيه.
(4) الفقيه 2: 44 / 198، التهذيب 4: 152 / 420، الوسائل 10: 400 أبواب
الصوم المندوب ب 7 ح 15 و 16.
(5) التهذيب 4: 191 / 544، الوسائل 10: 400 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 13.
481

ولو لم يكن في الصوم إلا الارتقاء عن حضيض حظوظ النفس
البهيمية إلى ذروة التشبه بالملائكة الروحانية لكفى به فضلا ومنقبة وشرفا.
ومنها: ما يختص بسبب مخصوص، وأفراده غير محصورة، مذكورة
في كتب الأدعية والآداب.
ومنها: ما يختص بوقت معين، وذلك في مواضع:
منها - وهو أوكدها -: صوم ثلاثة أيام من كل شهر: أول خميس منه،
وأول أربعاء من العشر الثاني، وآخر خميس من العشر الأخير، فإنه قد كثر
الحث عليه في السنة المقدسة، وورد أنه يعادل صوم الدهر.
ففي صحيحة حماد: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض على صوم ثلاثة
أيام في الشهر، وقال: يعدلن صوم الدهر، ويذهبن بوحر الصدر)، قال
حماد: فقلت: أي الأيام هي؟ قال: (أول خميس في الشهر، وأول أربعاء
بعد العشر منه، وآخر خميس فيه) الحديث (1).
وفي صحيحة معاوية بن عمار: (كان في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لعلي عليه السلام: يا علي أوصيك في نفسك بخصال احفظها عني، ثم قال: اللهم
أعنه) - إلى أن قال: (والسادسة: الأخذ بسنتي في صلاتي وصومي) إلى أن
قال: (وأما الصيام فثلاثة أيام في الشهر: الخميس في أوله، والأربعاء في
وسطه، والخميس في آخره) (2).

(1) الكافي 4: 89 / 1، الفقيه 2: 49 / 210، التهذيب 4: 302 / 913، الإستبصار
2: 136 / 444، المقنعة: 369، المحاسن: 301 / 8، الوسائل 10: 415 أبواب
الصوم المندوب ب 7 ح 1، والوحر: الوسوسة، وقيل: وحر الصدر - بالتحريك -:
غشه، وقيل: الحقد والغيظ، وقيل: العداوة، وقيل: أشد الغضب - مجمع
البحرين 3: 510.
(2) الكافي 8: 79 / 33، الوسائل 15، 181 أبواب جهاد النفس ب 4 ح 2، ورواها
في الفقيه 4: 139 / 483.
482

وفي موثقة زرارة: أنه جميع ما جرت به السنة (1)، إلى غير ذلك من
الأخبار المتكثرة (2).
وما ذكر في تعيين الأيام الثلاثة هو المشهور رواية وفتوى.
وعن الشيخ: التخيير بين أربعاء بين خميسين، وخميس بين
أربعاءين (3).
وعن الإسكافي: شهر بالأول وشهر بالثاني (4).
وعن العماني: تخصيص الأربعاء بالأخير من العشر الأوسط (5).
وعن الحلبي: فأطلق في خميس العشر الأول، وأربعاء الثاني
وخميس الثالث (6).
والعمل على المشهور، لموافقته لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة من
بعده، كما نطقت به الروايات.
فروع:
أ: من ترك هذا الصوم يستحب له قضاؤه، كما صرح به غير
واحد (7)، ودلت عليه الأخبار، ففي رواية عبد الله بن سنان: (لا يقضي شئ

(1) الكافي 4: 93 / 9، الفقيه 2: 51 / 220، ثواب الأعمال: 81 / 8، الوسائل
10: 418 أبواب الصوم المندوب ب 7 ح 6.
(2) أنظر الوسائل 10: 415 أبواب الصوم المندوب ب 7.
(3) التهذيب 4: 303.
(4) حكاه عنه في المختلف: 238.
(5) حكاه عنه في المختلف: 238.
(6) الكافي في الفقه: 189.
(7) انظر الشرائع 1: 207، والمسالك 1: 80، والكفاية: 49، والحدائق 13:
351.
483

من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر) (1)، وغير
ذلك.
وفي ثبوت القضاء فيما ترك للسفر أو المرض وسقوطه روايتان (2)،
مقتضى تعارضهما الرجوع إلى عمومات قضائه (3)، فيستحب القضاء وعليه
الفتوى.
ب: صرح جملة من الأصحاب بجواز تأخير هذا الصوم من الصيف
إلى الشتاء، إما مطلقا أو مع المشقة (4)، ودلت عليه النصوص المستفيضة
المقيدة بالمشقة والمطلقة (5)، والظاهر أن المراد تأخيره بقضاء ما فات من
الصيف في الشتاء، فإنه الظاهر من التأخير، لا ترك الصيف والاقتصار على
الشتاء.
ج: إن عجز عن هذا الصوم أو اشتد عليه تصدق عن كل يوم بمد من
طعام أو بدرهم، للنصوص المستفيضة (6).
ومنها: صوم أيام البيض من كل شهر بالاجماع، كما عن الغنية
والمختلف والمنتهى والتذكرة (7)، له، وللأخبار العديدة (8).

(1) الكافي: 4: 142 / 8، التهذيب 4: 233 / 685، الإستبصار 2: 100 / 327،
الوسائل 10: 222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 2.
(2) الكافي 4: 130 / 3 و 4، الوسائل 10: 223 أبواب من يصح منه الصوم ب 21 ح 3 و 4.
(3) كما في الوسائل 10: 222 أبواب من يصح منه الصوم ب 21.
(4) كما في الشرائع 1: 207، والمنتهى 2: 609، والمدارك 6: 261 والكفاية: 49،
والذخيرة: 518، والحدائق 13: 353، والرياض 1: 325، وغنائم الأيام: 492.
(5) انظر الوسائل 10: 430 أبواب الصوم المندوب ب 9.
(6) الوسائل 10: 433 أبواب الصوم المندوب ب 11.
(7) 206 الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المختلف: 238، المنتهى 2: 609، التذكرة
1: 278.
(8) الوسائل 10: 436 أبواب الصوم المندوب ب 12.
484

وتلك الأيام: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، كما في رواية
الصدوق (1)، وهو المشهور.
وعن العماني: أنها الثلاثة المتقدمة (2). ولا وجه له.
ومنها: صوم يوم الغدير، وهو عيد الله الأكبر، وهو الثامن عشر من
ذي الحجة.
ومنها: صوم يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو السابع عشر من ربيع
الأول، على الأشهر رواية وفتوى.
خلافا للكليني، فجعله الثاني عشر (3)، وحكي الميل إليه عن الشهيد
الثاني في فوائد القواعد (4).
ومنها: صوم يوم مبعثه، وهو اليوم السابع والعشرون من شهر
رجب.
ومنها: صوم يوم دحو الأرض، وهو اليوم الخامس والعشرون من
ذي القعدة، وهو يوم دحيت الأرض، أي بسطت من تحت الكعبة.
ومنها: صوم يوم الخامس عشر من رجب.
ومنها: صوم أول ذي الحجة.
ومنها: صوم يوم التروية.
ومنها: صوم يوم المباهلة، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة.
وفي المسالك: قيل: إنه الخامس والعشرون (5). وقائله غير معروف.

(1) علل الشرائع: 379 / 1، الوسائل 10: 436 أبواب الصوم المندوب ب 12 ح 1.
(2) حكاه عن العماني في المختلف: 238.
(3) الكافي 1: 439.
(4) نسبه إليه سبطه صاحب المدارك 6: 264.
(5) المسالك 1: 80.
485

كل ذلك لفتوى الأصحاب وروايات الأطياب.
ومنها: صوم يوم عرفة، فقال جماعة باستحبابه بخصوصه (1)،
للمستفيضة، كموثقة محمد: عن صوم يوم عرفة، قال: (من قوي عليه
فحسن إن لم يمنعك من الدعاء، فإنه يوم دعاء ومسألة فصمه، وإن خشيت
أن تضعف عن ذلك فلا تصمه) (2).
ورواية الجعفري: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: (كان أبي يصوم
يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف) (3).
ورواية البصري: (صوم يوم عرفة يعدل السنة) وقال: (لم يصمه
الحسن وصامه الحسين عليهما السلام) (4).
ومرسلة الفقيه: (صوم يوم التروية كفارة سنة، ويوم عرفة كفارة
سنتين) (5).
ورواية يعقوب بن شعيب: عن صوم يوم عرفة، قال: (إن شئت
صمت وإن شئت لم تصم، وذكر أن رجلا أتى الحسن والحسين عليهما السلام،
فوجد أحدهما صائما والآخر مفطرا، فسألهما فقالا: إن صمت فحسن، وإن
لم تصم فجائز) (6).

(1) انظر المبسوط 1: 238، والنافع: 71، والتذكرة 1: 278، والمسالك 1: 80،
والرياض 1: 326.
(2) التهذيب 4: 299 / 904، الإستبصار 2: 134 / 436، الوسائل 10: 465
أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 4.
(3) التهذيب 4: 298 / 901، الإستبصار 2: 133 / 433، الوسائل 10: 465
أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 3.
(4) التهذيب 4: 298 / 900، الإستبصار 2: 133 / 432، الوسائل 10: 465
أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 5.
(5) الفقيه 2: 52 / 231، الوسائل 10: 467 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 11.
(6) الفقيه 2: 52 / 233، الوسائل 10: 466 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 8.
486

والمروي في ثواب الأعمال: (إن صوم تاسع ذي الحجة كفارة تسعين
سنة) (1).
وبإزاء تلك الأخبار أخبار أخر مانعة أو دالة على عدم الرجحان،
كصحيحة محمد: عن صوم يوم عرفة، فقال: (ما أصومه اليوم، وهو يوم
دعاء ومسألة) (2).
وموثقة محمد بن قيس: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يصم يوم عرفة منذ
نزل صيام شهر رمضان) (3).
ورواية سدير: عن صوم يوم عرفة، فقلت: جعلت فداك، إنهم
يزعمون أنه يعدل صوم سنة، قال: (كان أبي عليه السلام لا يصومه)، قلت: ولم
ذلك؟ قال: (إن يوم عرفة يوم دعاء ومسألة، وأتخوف أن يضعفني من
الدعاء، وأكره أن أصومه، وأتخوف أن يكون يوم عرفة يوم أضحى، فليس
بيوم صوم) (4).
ورواية زرارة: (لا تصم يوم عاشوراء، ولا يوم عرفة بمكة ولا في
المدينة ولا في وطنك ولا في بعض الأمصار) (5).

(1) الفقيه 2: 52 / 232، الوسائل 10: 466 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 10،
ولم نجده في ثواب الأعمال.
(2) الكافي 4: 145 / 1، الوسائل 10: 464 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 1.
(3) التهذيب 4: 298 / 902، الإستبصار 2: 133 / 434، الوسائل 10: 466
أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 7.
(4) الفقيه 2: 53 / 235، التهذيب 4: 299 / 903، الإستبصار 2: 133 / 435،
علل الشرائع: 385 / 1، الوسائل 10: 465 أبواب الصوم المندوب ب 23 ح 6،
بتفاوت يسير.
(5) الكافي 4: 146 / 3، التهذيب 4: 300 / 909، الإستبصار 2: 134 / 440،
الوسائل 10: 462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 6.
487

ولأجل تلك الأخبار ذهب غير واحد من متأخري المتأخرين إلى عدم
استحبابه بخصوصه ومساواته لسائر الأيام (1). وهو كذلك، إذ ليس في
الأخبار المرغبة ما يدل على خصوصية له أصلا زائدة عن استحباب أصل
الصوم، سوى ما دل على أنه يعدل صوم سنة، وأنه كفارة سنتين أو تسعين.
وهو معارض بالنهي في رواية زرارة، وترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له،
وكذا الإمام، كما في صحيحة محمد ورواية سدير، وقوله: (ليس بيوم
صوم)، والتخيير في رواية يعقوب بن شعيب، وظهور رواية سدير في أنه
ليس يعدل سنة، وأن ذلك قول العامة.
وبذلك تترجح الروايات الدالة على عدم الاستحباب، فيرجع إلى ما
كان من الاستحباب الأصلي الثابت في سائر الأيام، وبه يجمع بين الطائفتين
من الأخبار، فالمرغبة تحمل على الاستحباب الأصلي لأصل الصوم،
ومقابلتها على نفي الخصوصية ورجحان الترك لو أوجب توهمها، كما
صرح، به في رواية سالم: (دخل رجل يوم عرفة إلى الحسن عليه السلام وهو
يتغدى، والحسين عليه السلام صائم، ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليه السلام، فدخل
على الحسين عليه السلام يوم عرفة وهو يتغدى، وعلي بن الحسين عليه السلام صائم،
فقال له الرجل: إني دخلت على الحسن عليه السلام وهو يتغدى وأنت صائم، ثم
دخلت عليك وأنت مفطر وعلي بن الحسين عليه السلام صائم؟! فقال: إن
الحسن عليه السلام كان إماما فأفطر لئلا يتخذ صومه سنة ويتأسى به الناس، فلما أن
قبض كنت أنا الإمام، فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس به) (2).

(1) كما في مشارق الشموس: 452، والحدائق 13: 366.
(2) الفقيه 2: 53 / 234، علل الشرائع: 386 / 1، الوسائل 10: 467 أبواب الصوم
المندوب ب 23 ح 13.
488

فإن هذه الرواية صريحة في نفي الخصوصية، وأصدق شاهد على
الجمع المذكور.
ومنه يظهر أن الحق: عدم ثبوت خصوصية لصوم يوم عرفة، بل هو
كسائر الأيام، ويستحب صومه نحو استحبابها، إلا مع خوف الضعف عن
الدعاء أو التباس أول الشهر فينزل عن سائر الأيام أيضا ويكره صومه،
للتصريح بذلك في بعض الروايات المتقدمة.
ومنها: صوم يوم عاشوراء، فإنه قال باستحبابه جمع من الأصحاب
على وجه الحزن والمصيبة (1)، بل قيل: لا خلاف فيه أجده (2). وعن ظاهر
الغنية: الاجماع عليه (3).
أما أصل الاستحباب فللمستفيضة من الأخبار، كرواية أبي همام:
(صام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عاشوراء) (4).
ورواية مسعدة: (صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب
سنة) (5).
ورواية القداح: (صيام يوم عاشوراء كفارة سنة) (6).
ورواية النوا: (لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي، فأمر نوح من

(1) كما في المبسوط 1: 282، والنافع: 71، والقواعد 1: 68.
(2) كما في الرياض 1: 326.
(3) الغنية (الجوامع الفقهية): 573.
(4) التهذيب 4: 299 / 906، الإستبصار 2: 134 / 438، الوسائل 10: 457
أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 1.
(5) التهذيب 4: 299 / 905، الإستبصار 2: 134 / 437، الوسائل 10: 457
أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 2.
(6) التهذيب 4: 300 / 907، الإستبصار 2: 134 / 439، الوسائل 10: 457
أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 3.
489

معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم) وقال أبو جعفر عليه السلام:
(أتدرون ما هذا اليوم؟ هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء عليهما السلام)
الحديث (1).
وأما التقييد بكونه حزنا فللجمع بين ما مر وبين الأخبار النافية له
جدا، كرواية زرارة السابقة (2)، ورواية نجية: عن صوم يوم عاشوراء؟
فقال: (صوم متروك بنزول شهر رمضان، والمتروك بدعة) قال: فسألت أبا
عبد الله عليه السلام من بعد أبيه عن ذلك، فأجابني بمثل جواب أبيه، ثم قال: (أما
أنه صوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة، إلا سنة آل زياد لعنهم الله بقتل
الحسين بن علي عليهما السلام) (3).
ورواية جعفر بن عيسى: عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس
فيه؟ فقال: (عن صوم ابن مرجانة لعنه الله تسألني؟! ذلك يوم صامه
الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام، هو يوم يتشاءم به آل محمد
صلوات الله عليهم ويتشاءم به أهل الاسلام، واليوم الذي يتشاءم به أهل
الاسلام لا يصام، ولا يتبرك به، ويوم الاثنين يوم نحس) إلى أن قال: (فمن
صامهما أو تبرك بهما لقى الله تعالى ممسوخ القلب، وكان يحشره مع الذين
سنوا صومهما وتبركوا بهما) (4).
ورواية النرسي: عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: (من صامه كان حظه

(1) التهذيب 4: 300 / 908، الوسائل 10: 458 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 5.
(2) في ص: 527.
(3) الكافي 4: 146 / 4، التهذيب 4: 301 / 910، الإستبصار 2: 134 / 441،
الوسائل 10: 461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 5.
(4) الكافي 4: 146 / 5، التهذيب 4: 301 / 911، الإستبصار 2: 135 / 442،
الوسائل 10: 460 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 3.
490

من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد) قلت: وما كان حظهم من
ذلك اليوم؟ فقال: (النار، أعاذنا الله من النار، ومن عمل يقرب من
النار) (1).
ورواية عبد الملك: عن صوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم؟
فقال: (تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام) إلى أن قال: (وأما يوم
عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام) إلى أن قال: (فصوم يكون في ذلك
اليوم؟! كلا ورب البيت الحرام، ما هو يوم صوم، وما هو إلا يوم حزن
ومصيبة) إلى أن قال: (فمن صامه أو تبرك به حشره الله تعالى مع آل زياد
ممسوخ القلب مسخوطا عليه) الحديث (2).
وصحيحة زرارة ومحمد: عن صوم يوم عاشوراء، فقال: (كان صومه
قبل شهر رمضان، فلما أنزل الله شهر رمضان ترك) (3).
والمروي في المصباح: سألته عنه، فقال: (صمه من غير تبييت
وأفطره من غير تسميت، ولا تجعله يوم صوم كملا، وليكن إفطارك بعد
العصر بساعة على شربة من ماء) الحديث (4).
وفي مجالس الصدوق: قلت: فصوم عاشوراء، قال: (ذلك يوم قتل
فيه الحسين عليه السلام، فإن كنت شامتا فصم) ثم قال: (آل أبي زياد نذروا نذرا

(1) الكافي 4: 147 / 6، التهذيب 4: 301 / 912، الإستبصار 2: 135 / 443،
الوسائل 10: 461 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 4.
(2) الكافي 4: 147 / 7، الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 2.
(3) الفقيه 2: 51 / 224، الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 1.
(4) مصباح المتهجد: 724، الوسائل 10: 458 أبواب الصوم المندوب ب 20 ح 7،
وفيهما: بعد صلاة العصر.
وتسميت العاطس: أن تقول له: يرحمك الله - الصحاح 1: 254.
491

إن قتل الحسين عليه السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا لهم، فيصومون شكرا
ويفرحون، فصارت في آل أبي سفيان سنة إلى اليوم، فلذلك يصومونه) إلى
أن قال: (إن الصوم لا يكون للمصيبة، ولا يكون إلا شكرا للسلامة، وإن
الحسين عليه السلام أصيب يوم عاشوراء، فإن كنت فيمن أصيب به فلا تصم، وإن
كنت ممن سره سلامة بني أمية فصم شكرا لله) (1).
ولا يخفى أنه لا دلالة في شئ من أخبار الطرفين على التقييد
المذكور، ولا شاهد على ذلك الجمع من وجه، بل في الرواية الأخيرة: إن
الصوم لا يكون للحزن والمصيبة.. فجعله وجها للجمع خروج عن
الطريقة، بل لا وجه له، بل مقتضى الطريقة طرح الأخبار الأولى بالكلية،
لمرجوحيتها بموافقة أخبث طوائف العامة موافقة قطعية، والأخبار بها
مصرحة (2)، ولذلك جعل في الوافي الأولى تركه (3).
وقال بعض مشايخنا فيه بالحرمة (4)، وهو في غاية الجودة، بمعنى
حرمته لأجل الخصوصية وإن لم يحرم من جهة مطلق الصوم.
ولا يضر ضعف إسناد بعض تلك الأخبار بعد وجودها في الكتب
المعتبرة، مع أن فيها الصحيحة.
ولا يرد ما قيل من أنها مخالفة للشهرة، بل لم يقل به أحد من
الطائفة، ومع ذلك مع أخبار استحباب مطلق الصوم معارضة (5)، لأن جميع

(1) لم نجدها في أمالي الصدوق، وهي موجودة في أمالي الشيخ: 677، الوسائل
10: 462 أبواب الصوم المندوب ب 21 ح 7.
(2) كما في الوسائل 10: 459 أبواب الصوم المندوب ب 21.
(3) الوافي 11: 76.
(4) كما في الحدائق 13: 375 و 376.
(5) انظر الرياض 1: 326.
492

ذلك إنما يرد لو قلنا بالتحريم بالمرة لا بقصد الخصوصية ولأجل أنه السنة،
وأما معه فلا نسلم المخالفة للشهرة، ولا تعارضها أخبار مطلق الصوم.
فالحق: حرمة صومه من هذه الجهة، فإنه بدعة عند آل محمد
متروكة، ولو صامه من حيث رجحان مطلق الصوم لم يكن بدعة وإن ثبتت
له المرجوحية الإضافية.
والأولى العمل برواية المصباح المتقدمة.
وأما ما في رواية النوا - من ذكر بعض فضائل يوم عاشوراء - فيعارضه
ما في رواية أخرى في مجالس الصدوق في تكذيب تلك الرواية (1).
ومنها: صوم يوم الجمعة من كل شهر، للمروي في العيون، قال:
(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطي ثواب
صيام عشرة أيام غيرها لا تشاكل أيام الدنيا) (2).
وقد يستدل ببعض أخبار أخر، كما دل على رؤيته عليه السلام صائما قائلا:
(إنه يوم خفض ودعة) (3) أو على الترغيب على عمل الخير فيه، معللا
بتضاعف الحسنات فيه (4)، وغير ذلك (5).
وشئ منها لا يدل على المطلوب - الذي هو صوم يوم الجمعة - من
حيث إنه صومه وإن دل على حسنه من حيث العبادة أو تضاعف الخيرات،

(1) راجع ص: 470 و 472.
(2) عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 35 / 92، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب
ب 5 ح 2.
(3) التهذيب 4: 316 / 959، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 5.
(4) انظر الخصال 2: 392 / 93، الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5
ح 4.
(5) كما في الوسائل 10: 411 أبواب الصوم المندوب ب 5.
493

فالمستند ما ذكرناه مضافا إلى فتوى الأصحاب.
وأما مكاتبة الصيقل: رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما
بقي، فوافق ذلك اليوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو
سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه؟ أو كيف يصنع
يا سيدي؟ فكتب عليه السلام: (قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها، ويصوم
يوما بدل يوم إن شاء الله تعالى) (1).
فلا تعارض ما مر، لاختلاف النسخ، وعدم ذكر يوم الجمعة في
البعض، مع أنه على فرض ذكره أيضا متروك غير معمول به، إذ يجب
الوفاء بنذره يوم الجمعة أو يشار إلى غير الجمعة من تلك الأيام.
ويظهر من بعض الروايات كراهة إفراده بالصوم، كالمروي في
صحيفة الرضا عليه السلام: (لا تفردوا الجمعة بصوم) (2)، ورواية أخرى في
التهذيب (3).
ولا يضر كون الرواية ضعيفة، للتسامح في أدلة الكراهة.
أقول: الكراهة هنا بمعنى: أقلية الثواب، ولم يثبت التسامح في ذلك
المعنى، فإن الروايتين تتعارضان مع الاطلاق المتقدم - المثبت للثواب ولو
مع الافراد - وهما تنفيانه، ولا دليل على قبول الروايات الضعيفة في ذلك
التقييد.
ومنها: صوم شهر رجب وشهر شعبان بعضا أو كلا، وهو مما

(1) التهذيب 4: 234 / 686، الإستبصار 2: 101 / 328، الوسائل 10: 196
أبواب من يصح منه الصوم ب 10 ح 2.
(2) لم نجده في صحيفة الرضا عليه السلام ووجدناه في عيون الأخبار 2: 73 / 346،
الوسائل 10: 412 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 3.
(3) التهذيب 4: 315 / 958، الوسائل 10: 413 أبواب الصوم المندوب ب 5 ح 6.
494

لا خلاف فيه بين الأصحاب كما صرح به غير واحد أيضا (1)، واستفاضت به
الروايات بل تواترت (2). وما ورد في شعبان على خلافه (3) مطروح أو
مؤول.
ومنها: صيام ستة أيام متوالية بعد عيد الفطر بغير فصل، ذكره جمع
من الأصحاب (4)، لرواية عامية فيها: (إن صومها يعدل صوم الدهر) (5).
ولم يستحبها الشيخ في المصباح، ونقل عن بعض الأصحاب
كراهتها (6)، وهو الظاهر من بعض آخر (7)، وهو الأظهر.
لصحيحة البجلي: عن اليومين اللذين بعد الفطر، أيصامان أم لا؟
فقال: (أكره لك أن تصومهما) (8).
ورواية زياد: (لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام، ولا بعد الفطر ثلاثة
أيام) (9).
وموثقة حريز: (إذا أفطرت رمضان فلا تصومن عبد الفطر تطوعا إلا
بعد ثلاثة يمضين) (10).

(1) كما في الغنية (الجوامع الفقهية): 573، والمنتهى 2: 612، والرياض 1: 327.
(2) الوسائل 10: 471 و 485 أبواب الصوم المندوب ب 26 و 28.
(3) الوسائل 10: 487 و 491 أبواب الصوم المندوب ب 28 ح 6 و 17.
(4) كما في المنتهى 2: 614، والتذكرة 1: 279، والروضة 2: 135.
(5) صحيح مسلم 2: 822، وسنن الترمذي 2: 129 / 756، بتفاوت يسير.
(6) انظر النهاية: 169، ومصباح المتهجد: 610.
(7) انظر الحدائق 13: 387.
(8) الكافي 4: 148 / 3، الوسائل 10: 519 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 3 ح 2.
(9) الكافي 4: 148 / 2، التهذيب 4: 330 / 1031، الوسائل 10: 519 أبواب
الصوم المحرم والمكروه ب 3 ح 1.
(10) التهذيب 4: 298 / 899، الإستبصار 2: 132 / 431، الوسائل 10: 519 أبواب
الصوم المحرم والمكروه ب 3 ح 1.
495

ولا شك أن هذه الروايات تترجح على الرواية العامية، والمسامحة
في أدلة السنن إنما تكون إذا لم يعارضها ما هو راجح عليها.
ومنها: صوم يوم النيروز، للمروي في مصباح المتهجد (1).
ومنها: صوم يوم الخميس، للشهرة بين الأصحاب (2).
ومنها: صوم أول يوم من المحرم، للمستفيضة من الروايات (3).
ومنها: صوم تسعة أيام من أول ذي الحجة.
للمروي مرسلا في المصباح (4)، وأنه يكتب له صوم الدهر (5).
ويعارضه ما مر في صوم يوم عرفة (6)، فلا بد إما من حمل ما دل
على عدم استحباب صوم عرفة على ما إذا لم يكن من تتمة التسع، أو
يخصص يوم عرفة من بين التسع، وهذا هو الأظهر.
وكذلك الكلام فيما ورد في استحباب صوم شهر المحرم كله بالنسبة
إلى صوم يوم عاشوراء.
وقد ذكر بعض الأصحاب جملة أخرى من الأيام أيضا مما يستحب
صومها (7)، ولم نتعرض لها، لعدم وجود نص بخصوصه فيها.
وتلحق بهذا المقام مسائل:
المسألة الأولى: لا يجب الصوم النافلة بالشروع، بل يجوز الافطار

(1) مصباح المتهجد: 790، الوسائل 10: 468 أبواب الصوم المندوب ب 24 ح 1.
(2) كما في المنتهى 2: 614، والتذكرة 1: 279، والذخيرة: 520.
(3) الوسائل 10: 468 أبواب الصوم المندوب ب 25.
(4) مصباح المتهجد: 613، الوسائل 10: 453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 2.
(5) الفقيه 2: 52 / 230، الوسائل 10: 453 أبواب الصوم المندوب ب 18 ح 3.
(6) راجع ص: 468.
(7) انظر المقنعة: 368، والمنتهى 2: 614.
496

فيه إلى الغروب، بلا خلاف يوجد - إلا في صوم الاعتكاف على قول كما
سيأتي - بل بالاجماع كما في كلام جماعة، منهم المدارك (1)، للأصل، والأخبار:
كصحيحة جميل، وفيها: (وإن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار) (2).
ورواية إسحاق بن عمار: (الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في
الافطار ما بينه وبين أن تزول الشمس، وفي التطوع ما بينه وبين أن تغيب
الشمس) (3).
ورواية سماعة: (فأما النافلة، فله أن يفطر أي ساعة شاء إلى غروب
الشمس) (4).
ورواية ابن سنان: (صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى
شئت) (5).
نعم، يكره نقضه بعد الزوال عندنا، كما عن الخلاف (6)، لرواية
مسعدة: (الصائم تطوعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار، فإذا انتصف
النهار فقد وجب الصوم) (7).

(1) المدارك 6: 274.
(2) التهذيب 4: 280 / 849، الإستبصار 2: 122 / 396، الوسائل 10: 16 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 4.
(3) التهذيب 4: 280 / 848، الإستبصار 2: 122 / 395، الوسائل 10: 18 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 10.
(4) الكافي 4: 122 / 3، الفقيه 2: 96 / 433، التهذيب 4: 187 / 527، الوسائل
10: 17 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 8.
(5) التهذيب 4: 278 / 841، الإستبصار 2: 120 / 389، الوسائل 10: 18 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 9.
(6) الخلاف 2: 220.
(7) التهذيب 4: 281 / 850، الإستبصار 2: 122 / 397، الوسائل 10: 19 أبواب
وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 11.
497

ورواية معمر: النوافل ليس لي أن أفطر فيها بعد الظهر؟ قال: (نعم) (1).
وإنما حملنا على الكراهة مع ظهورها في الوجوب بقرينة ما سبق، مع
أن بقاءهما على ظاهريهما يوجب طرحهما بالشذوذ، مضافا إلى أنه مع
التعارض - وقطع النظر عن ترجيح أحاديث الجواز بالأصحية والأشهرية
والأصرحية - يرجع إلى الأصل.
هذا مع ما في الأخيرة من خفاء الدلالة، لجواز أن يكون (نعم)
بمعنى: لك أن تفطر، وأيضا: ليس لك أن تفطر، ليس صريحا في الحرمة،
لاحتمال نفي الإباحة بالمعنى الخاص.
ويستثنى من الكراهة من يدعى إلى طعام، فلا يكره له قطعه مطلقا،
بل يكره المضي عليه، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
المسألة الثانية: لا يجوز لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع بشئ من
الصيام، بلا خلاف - إلا من السيد في المسائل الرسية (2) - لصحيحة الحلبي:
عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة، أيتطوع؟ قال: (لا، حتى يقضي ما
عليه من شهر رمضان) (3)، وقريبة منها رواية الكناني (4).
وصحيحة زرارة، وفيها: (أتريد أن تقايس؟ لو كان عليك من شهر
رمضان أكنت تتطوع؟! إذا دخل عليك وقت الفريضة فابدأ بالفريضة) (5).

(1) التهذيب 4: 166 / 473، الوسائل 10: 17 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 4 ح 5.
(2) المسائل الرسية (رسائل السيد المرتضى 2): 366.
(3) الكافي 4: 123 / 2، التهذيب 4: 276 / 836، الوسائل 10: 346 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 28 ح 5.
(4) الكافي 4: 123 / 1، التهذيب 4: 276 / 836، الوسائل 10: 346 أبواب
أحكام شهر رمضان ب 28 ح 6.
(5) التهذيب 2: 133 / 513، الإستبصار 1: 283 / 1031، الوسائل 10: 345
أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 1.
498

وقال في المقنع: وأعلم أنه لا يجوز أن يتطوع الرجل وعليه شئ من
الفرض، كذا وجدته في الأحاديث (1).
وفي الفقيه: وردت الأخبار والآثار عن الأئمة عليهم السلام أنه لا يجوز أن يتطوع
الرجل بالصيام وعليه شئ من الفرض (2).
وقصور دلالة بعض ما ذكر على الوجوب ينجبر بصراحة البعض
الآخر، كما أن ضعف البعض الآخر بالشهرة بنجبر.
وهل يجوز لمن في ذمته واجب آخر غير القضاء التطوع، أم لا؟
الأول للسيد (3) وظاهر الكليني والصدوق والمدارك (4)، واختاره بعض
مشايخنا (5)، للأصل الخالي عن المعارض.
وحكي عن ظاهر الأكثر: الثاني (6)، ويدل عليه ما في المقنع
والفقيه (7)، وهما بمنزلة خبران مرسلان مجبوران بحكاية الشهرة، بل
بالشهرة المعلومة، فهو الأظهر.
ونسبة الأول إلى الصدوق غير معلومة، بل ظاهره: الثاني.
المسألة الثالثة: إذا دعي الصائم تطوعا إلى الافطار يستحب له
الافطار، بلا خلاف كما قيل (8)، بل بالاتفاق كما في المعتبر (9)، للمستفيضة:

(1) المقنع: 64.
(2) الفقيه 2: 87 / 392 و 393، الوسائل 10: 346 أبواب أحكام شهر رمضان ب 28 ح 3.
(3) حكاه عن السيد في المختلف: 238.
(4) الكليني في الكافي 4: 123، الصدوق في المقنع: 64، المدارك 6: 210.
(5) انظر كشف الغطاء: 324.
(6) كما في الذخيرة: 530، والحدائق 13: 319.
(7) المقنع: 64، الفقيه 2: 87.
(8) في الحدائق 13: 206.
(9) المعتبر 2: 712.
499

كرواية إسحاق: (إفطارك لأخيك المؤمن أفضل من صيامك
تطوعا) (1)، والدلالة إنما هي إذا فسر قوله: (لأخيك) أي لأجل أخيك.
والرقي: (لافطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من صيامك سبعين
ضعفا، أو تسعين ضعفا) (2).
ونجم بن حطيم: (من نوى الصوم ثم دخل على أخيه، فسأله أن
يفطر عنده فليفطر، وليدخل عليه السرور، فإنه يحسب له بذلك اليوم عشرة
أيام) (3).
والخثعمي: عن الرجل ينوي الصوم، فيلقاه أخوه الذي هو على أمره
فيسأله أن يفطر، أيفطر؟ قال: (إن كان الصوم تطوعا أجزأه وحسب له) (4).
والأفضل له عدم الاعلام بالصوم بلا خلاف، لصحيحة جميل: (من
دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده، فلم يعلمه بصومه فيمن عليه،
كتب الله له صوم سنة) (5).
وروايته: (أيما رجل مؤمن دخل على أخيه وهو صائم، فسأله الأكل
فلم يخبره بصيامه فيمن عليه بإفطاره، كتب الله تعالى له بذلك اليوم صيام

(1) الكافي 4: 150 / 1، الوسائل 10: 152 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 3.
(2) الكافي 4: 151 / 6، الفقيه 2: 51 / 221، العلل 2: 387 / 2، المحاسن:
411 / 145، ثواب الأعمال: 82 / 1، الوسائل 10: 153 أبواب آداب الصائم ب 8
ح 6.
(3) الكافي 4: 150 / 2، الوسائل 10: 151 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 1.
(4) الكافي 4: 122 / 7، الفقيه 2: 96 / 434، الوسائل 10: 152 أبواب آداب
الصائم ب 8 ح 2.
(5) الكافي 4: 150 / 3، الفقيه 2: 51 / 222، العلل: 387 / 3، المحاسن:
412 / 153، ثواب الأعمال: 82 / 2، الوسائل 10: 152 أبواب آداب الصائم
ب 8 ح 4.
500

سنة) (1).
ولا فرق في ذلك بين قبل الزوال وبعده، للاطلاقات، وخصوص
رواية ابن جندب: أدخل على القوم وهم يأكلون، وقد صليت العصر وأنا
صائم، فيقولون: أفطر، فقال: (أفطر، فإنه أفضل) (2).
ولا بين من هيأ له طعاما وغيره، للاطلاق.
نعم، قال في الحدائق: المستفاد من هذه الأخبار تعليق الاستحباب
على الدعوة إلى طعام. وما اشتهر في هذه الأوقات سيما في بلاد العجم
- من تعمد تفطر الصائم بشئ يدفع إليه، من تمرة أو يسير من الحلو أو
نحو ذلك لأجل تحصيل الثواب بذلك - فليس بداخل تحت الأخبار،
ولا هو مما يترتب عليه الثواب المذكور (3). انتهى.
أقول: المستفاد من الأكثر وإن كان ذلك، إلا أن إطلاق رواية الخثعمي
يكفي في إثبات التعميم، وكفاية ما اشتهر في هذه الأوقات في درك الفضيلة
والثواب.
المسألة الرابعة: يكره الصوم المندوب للضيف بدون إذن مضيفه
مطلقا، وفاقا للديلمي وابني زهرة وحمزة والمنتهى والتذكرة والقواعد (4)،
ونسب إلى المشهور (5).
أما عدم التحريم فللأصل.

(1) الكافي 4: 150 / 4، الوسائل 10: 153 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 5.
(2) الكافي 4: 151 / 5، الوسائل 10: 154 أبواب آداب الصائم ب 8 ح 7.
(3) الحدائق 13: 207.
(4) الديلمي في المراسم: 96، لم نعثر عليه في الغنية وحكاه عنه في الرياض 1: 327،
ابن حمزة في الوسيلة: 147، المنتهى 2: 615، التذكرة 1: 279، القواعد 1: 68.
(5) كما في الحدائق 13: 201.
501

وأما الكراهة فلرواية الزهري، وفيها: (والضيف لا يصوم تطوعا إلا
بإذن صاحب البيت) (1)، ونحوها الرضوي (2)، والمروي في الفقيه في وصية
النبي للولي عليهما السلام (3).
ورواية هشام: (من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه) (4).
ورواية الفضيل: (لا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم، لئلا يعملوا
له الشئ فيفسد عليهم، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف، لئلا
يحتشمهم) (5).
خلافا للمحكي عن الشيخين والحلي والمعتبر والنافع والارشاد
والتلخيص والتبصرة (6)، بل في المعتبر الاجماع عليه (7)، فحرموه،
للروايات المذكورة.
وتضعف بعدم دلالة شئ منها على الحرمة، بل ظهور بعضها في
الكراهة، حتى رواية الزهري والرضوي، لجعل صوم الضيف فيهما في
أقسام صوم الإذن في مقابل الصيام المحرم.

(1) الكافي 4: 83 / 1، الفقيه 2: 46 / 208، التهذيب 4: 294 / 895، الخصال:
534 / 2، الوسائل 10: 529 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 10 ح 1.
(2) فقه الرضا عليه السلام: 202، مستدرك الوسائل 7: 555 أبواب الصوم المحرم
والمكروه ب 8 ح 1.
(3) الفقيه 4: 258 / 824، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 10 ح 4.
(4) الكافي 4: 151 / 2، الفقيه 2: 99 / 445، علل الشرائع: 385 / 4، الوسائل
10: 530 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 10 ح 2.
(5) الفقيه 2: 99 / 444، العلل: 384 / 2، الوسائل 10: 528 أبواب الصوم
المحرم والمكروه ب 9 ح 1.
(6) المفيد في المقنعة: 367، الطوسي في المبسوط 1: 283، الحلي في السرائر
1: 420، المعتبر 2: 712، النافع: 71، الإرشاد 1: 301، التبصرة: 56.
(7) المعتبر 2: 712.
502

وفيه: أن المراد بصوم الإذن يمكن أن يكون الصوم المتوقف على
الإذن، ويكفي ذلك في صحة المقابلة، مع أنه جعله متقابلا للصوم الذي
صاحبه بالخيار أيضا، فيعلم أنه لا خيار هنا.
وللشرائع وفخر المحققين في شرح الإرشاد وظاهر الدروس (1)،
فالأول مع السكوت، والثاني مع النهي، ولا دليل عليه تاما.
ويكره أيضا صوم المضيف بدون إذن الضيف، للرواية الأخيرة.
المسألة الخامسة: الحق حرمة صوم الولد ندبا بدون إذن أبويه وعدم
انعقاده، وفاقا للمحكي عن النافع والارشاد والتلخيص والتبصرة وفخر
المحققين في شرح الإرشاد والدروس والحدائق (2).
لرواية هشام بن الحكم، وفيها: (ومن بر الولد بأبويه أن لا يصوم
تطوعا إلا بإذن أبويه وأمرهما) إلى أن قال: (وإلا كان الولد عاقا).
ومثلها المروي في العلل، إلا أن فيها: (عاقا قاطعا للرحم) (3).
والتقريب: أن بر الوالدين واجب، وعقوقهما وقطع الرحم حرام،
وسبب الحرام حرام.
خلافا للمحكي عن الشرائع والقواعد والمنتهى والتذكرة، فكرهوه (4)،
للأصل، وضعف الرواية سندا ودلالة، لأن العقوق لا يتحقق إلا مع النهي،
ولا شك في الحرمة حينئذ - كما قيل (5) - وحكي عن الأكثر (6).

(1) الشرائع 1: 209، الدروس 1: 283.
(2) النافع: 71، الإرشاد 1: 301، التبصرة: 56، الدروس 1: 283، الحدائق 13: 203.
(3) العلل: 385 / 4، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 10 ح 3.
(4) الشرائع 1: 209، القواعد 1: 68، المنتهى 2: 615، التذكرة 1: 279.
(5) انظر الرياض 1: 327.
(6) كما في الرياض 1: 327.
503

والأصل بما مر مدفوع. والضعف - بعد وجود الخبر في الكتاب
المعتبر - ممنوع. وترتب العقوق على أصل الصوم - بعد قول الإمام - لا مانع
منه.
المسألة السادسة: الحق عدم انعقاد صوم المرأة ندبا بدون إذن
زوجها وحرمته، وعن المعتبر: الاتفاق عليه (1).
لمرسلة القاسم بن عروة: (لا يصلح للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن
زوجها) (2).
وصحيحة محمد: (ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها) (3)،
وقريبة منها رواية العرزمي (4).
ورواية هشام، وفيها: (ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا
إلا بإذن زوجها) إلى أن قال: (وإلا كانت المرأة عاصية) (5)، وغير ذلك.
والثانية والثالثة من الروايات وإن لم تكن صريحة في الحرمة وعدم
الانعقاد، إلا أن الأولى والرابعة تثبتانهما، لأن نفي الصلاح إثبات الفساد ودال
على التحريم، كما ذكرنا في موضعه، وإطاعة الزوجة لزوجها واجبة، فتأمل.
ولا يعارضها المروي في كتاب علي: عن المرأة، ألها أن تصوم بغير
إذن زوجها؟ قال: (لا بأس) (6)، لعدم ثبوت الرواية أولا، وعمومها المطلق

(1) المعتبر 2: 712.
(2) الكافي 4: 151 / 1، الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 8 ح 2.
(3) الكافي 4: 152 / 4، الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 8 ح 1.
(4) الكافي 4: 152 / 5، الوسائل 10: 527 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 8
ح 4.
(6) المتقدمة في ص: 482 الهامش 6.
() 84 مسائل علي بن جعفر: 179 / 334، الوسائل 10: 528 أبواب الصوم المحرم
والمكروه ب 8 ح 5.
504

لشمولها الواجب والمندوب ثانيا، فيجب التخصيص.
وذهب بعضهم - منهم: السيد في الجمل (1) وابن زهرة - إلى الكراهة،
لتلك الرواية. وجوابها قد ظهر.
وإطلاق الروايات والفتاوى يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائمة
والمتمتع بها، ولا في الزوج بين الحاضر والغائب.
المسألة السابعة: لا يصح صوم المملوك تطوعا بدون إذن المالك
على الأشهر، وعن المنتهى: عدم الخلاف فيه (2).
لقوله سبحانه (عبدا مملوكا لا يقدر على شئ) (3).
ولرواية هشام، وفيها: (ومن صلاح العبد وطاعته ونصحه لمولاه أن
لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره) إلى أن قال: (وإلا كان العبد فاسقا
عاصيا) (4)، وغير ذلك.
ولا يعارضه جعله في رواية الزهري من صوم الإذن (5) كما مر وجهه.
ولا شك أن الفسق حرام، وسبب الحرام حرام.
وذهب بعضهم هنا أيضا إلى الكراهة (6).
المسألة الثامنة: قد صرح الأصحاب: بأنه يستحب الامساك تأديبا
- وإن لم يكن ذلك صياما - في مواضع:

(1) جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 59.
(2) المنتهى 2: 614.
(3) النحل: 75.
(4) الفقيه 2: 99 / 445 وفيه: فاسدا عاصيا، الوسائل 10: 530 أبواب الصوم
المحرم والمكروه ب 10 ح 2.
(5) راجع ص: 482.
(6) كالسيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 59، والحر
العاملي في الوسائل 10: 529.
505

المسافر إذا قدم أهله أو بلد الإقامة بعد الزوال، أو قبله وقد أفطر.
والمريض إذا برئ بعد الزوال.
والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار.
والكافر إذا أسلم.
والصبي إذا بلغ.
والمجنون إذا أفاق.
وتدل على أكثرها روايات الزهري والرضوي (1) ويونس (2) وموثقة
سماعة (3)، ولو لم تكن إلا فتوى الأصحاب لكفت.

(1) فقه الرضا عليه السلام: 202، مستدرك الوسائل 7: 391 أبواب من يصح منه الصوم
ب 16 ح 1.
(2) الكافي 4: 132 / 9، التهذيب 4: 254 / 752، الإستبصار 2: 113 / 369،
الوسائل 10: 192 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 2.
(3) الكافي 4: 132 / 8، التهذيب 4: 253 / 751، الإستبصار 2: 113 / 368،
الوسائل 10: 191 أبواب من يصح منه الصوم ب 7 ح 1.
506

المطلب الثالث
في الصوم المحظور
وله أقسام:
الأول: صوم العيدين بإجماع علماء الإسلام كافة، بل الضرورة
الدينية كما قيل (1)، وهو الدليل مع النصوص المستفيضة (2).
الثاني: صوم أيام التشريق، وهي الثلاثة بعد العيد، بالاجماع في
الجملة، والأخبار الغير العديدة:
كرواية الزهري: (وأما الصوم المحرم: فصوم يوم الفطر، ويوم
الأضحى، وثلاثة أيام من التشريق، وصوم يوم الشك) الحديث (3).
ورواية الأعشى: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صوم ستة أيام:
العيدين، وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان) (4).
ورواية عبد الكريم بن عمرو، وفيها: (لا تصم في السفر ولا
العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه) (5)، إلى غير
ذلك.
ولكنه مخصوص بمن كان بمنى، فلا يحرم في سائر الأمصار إجماعا

(1) في الرياض 1: 328.
(2) الوسائل 10: 513 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 1.
(3) الكافي 4: 83 / 1، الفقيه 2: 46 / 208، الوسائل 10: 513 أبواب الصوم
المحرم والمكروه ب 1 ح 1.
(4) التهذيب 4: 183 / 509، الإستبصار 2: 79 / 241، الوسائل 10: 515 أبواب
الصوم المحرم والمكروه ب 1 ح 7.
(5) المقنع: 59، الوسائل 10: 515 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 1 ح 8.
507

كما في الروضة (1)، مرجعا إطلاق من أطلق إلى المقيد أيضا تبعا
للمختلف (2)، بل قال: إنه المستفاد من جمعهم: أيام، فإن أقلها ثلاثة،
وليس أيام التشريق ثلاثة إلا لمن كان بمنى.
وبالجملة: تدل على الاختصاص صحيحة معاوية بن عمار: عن صيام
أيام التشريق، قال: (إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيامها بمنى، وأما
بغيرها فلا بأس) (3)، وقريبة منها صحيحته الأخرى (4)، وبهما تقيد الأخبار
المطلقة، حملا للمطلق على المقيد.
ولا فرق في ذلك بين الناسك وغيره على الأقوى، للاطلاق.
وربما خص بالأول للغلبة (5)، وإيجابها - لانصراف المطلق إليه في المقام -
ممنوع.
وقد يستثنى من ذلك ومن الأضحى أيضا: القاتل في أشهر الحرم،
فإنه يجب عليه صيام شهرين متتابعين منها وإن دخل فيهما العيد وأيام
التشريق، حكي استثناؤه عن المقنع والمبسوط والنهاية والتهذيب
والاستبصار وابن حمزة (6)، ويميل إليه صاحب المنتقى (7)، واختاره في

(1) الروضة 2: 138.
(2) المختلف: 238.
(3) الفقيه 2: 111 / 475، الوسائل 10: 517 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 2
ح 2.
(4) التهذيب 4: 297 / 897، الإستبصار 2: 132 / 429، الوسائل 10: 316
أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 2 ح 1.
(5) كما في القواعد 1: 68، والارشاد 1: 301.
(6) المقنع: 183، المبسوط 1: 281، النهاية: 166، التهذيب 4: 297،
الإستبصار 2: 131، ابن حمزة في الوسيلة: 149.
(7) منتقى الجمان 2: 567.
508

الحدائق (1).
لرواية زرارة: رجل قتل رجلا خطأ في أشهر الحرم، قال: (تغلظ
عليه الدية، وعليه عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم)،
فقلت: فإنه يدخل في هذا شئ، فقال: (وما هو؟) قلت: يوم العيد وأيام
التشريق، قال: (يصومه، فإنه حق لزمه) (2).
ورد ذلك تارة بضعف الرواية.
وأخرى بالشذوذ والندرة، صرح به في المعتبر والمختلف والتذكرة
والمنتهى (3)، بل فيها: أنها خلاف الاجماع.
وثالثة بقصور الدلالة، إذ ليس فيه: أن يصوم العيد، وإنما أمر بصوم
أشهر الحرم، وليس في ذلك دلالة على صوم العيد وأيام التشريق، ويجوز
صومها في غير منى.
وفي الكل نظر:
أما الأول، فلأنها ضعيفة ببعض طرقها، ولها طريق آخر صحيح ذكره
الشيخ في كتاب الديات (4)، مع أن ضعف السند عندنا (5) غير ضائر.
وأما الثاني، فلمنع الشذوذ بعد فتوى الصدوق والشيخ وابن حمزة.
وأما الثالث، فلبعده بالغاية، بل خلاف ظاهر الرواية.
نعم، يمكن ردها بمخالفة الشهرتين القديمة والجديدة، ومثلها ليس

(1) الحدائق 13: 390.
(2) الكافي 4: 139 / 8، التهذيب 4: 297 / 896، الوسائل 10: 380 أبواب بقية
الصوم الواجب ب 8 ح 1.
(3) المعتبر 2: 714، المختلف: 239، التذكرة 1: 280، المنتهى 2: 616.
(4) التهذيب 10: 215 / 850 و 851.
(5) في (س): عموما.
509

بحجة، فالفتوى على ما عليه جل الطائفة.
الثالث: صوم يوم الشك بنية أنه من رمضان أو النذر كما مر، وأما
بنية آخر شعبان فهو مستحب بلا خلاف يوجد، بل عليه الاجماع في كلام
جماعة (1)، وتدل عليه النصوص الواردة فيمن صامه ثم ظهر كونه من
رمضان أنه وفق له (2)، والمتضمنة لقوله عليه السلام: (لأن أصوم يوما من شعبان
أحب إلي من أن أفطر يوما من شهر رمضان) (3).
الرابع: صوم الصمت، ولا خلاف في حرمته، بل عليها الاجماع في
المنتهى والتذكرة والحدائق (4)، وغيرها (5).
لقوله عليه السلام في رواية الزهري: (وصوم الصمت حرام) (6).
وفي صحيحة زرارة: (ولا صمت يوما إلى الليل) (7). وفي وصية النبي
المروية في الفقيه: (لا صمت يوما إلى الليل) إلى أن قال: (وصوم الصمت
حرام) (8).

(1) انظر الغنية (الجوامع الفقهية): 570، والرياض 1: 328.
(2) انظر الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5.
(3) الكافي 4: 81 / 1، التهذيب 4: 181 / 505، الإستبصار 2: 78 / 237،
الوسائل 10: 20 أبواب وجوب الصوم ونيته ب 5 ح 1.
(4) المنتهى 2: 617، التذكرة 1: 280، الحدائق 13: 390.
(5) كالغنية (الجوامع الفقهية): 573، والمفاتيح 1: 287 والذخيرة: 522.
(6) الكافي 4: 83 / 1، الفقيه 2: 46 / 208، التهذيب 4: 294 / 895، الوسائل
10: 523 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 5 ح 2.
(7) الفقيه 4: 112 / 478، الوسائل 10: 523 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 5
ح 1.
(8) الفقيه 4: 265 / 724، الوسائل 10: 523 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 5
ح 3.
510

والمراد بصوم الصمت - كما صرحوا به (1) -: أن ينوي الصوم
ساكتا، بأن يجمع في النية بين قصد الصوم عن المفطرات وبين قصد
الصمت، فإنه كان في بني إسرائيل، فإذا أراد أحد أن يجتهد صام عن
الكلام أيضا كما يصوم عن الطعام، وفسر به قوله تعالى: (فإما ترين
من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم
إنسيا) (2).
ويمكن أن يراد بصوم الصمت: هو الامساك عن الكلام خاصة.
ولكن فهم الأصحاب والأصل يعين الأول، فلا حرمة في الثاني إلا مع
التشريع به.
الخامس: صوم نذر المعصية، وهو أن ينذر الصوم إن تمكن من
المعصية، ويقصد بذلك الشكر على تيسرها لا الزجر عنها، ولا خلاف في
حرمته.
ويدل [عليها] (3) قوله عليه السلام في روايتي الزهري والرضوي: (وصوم
نذر المعصية حرام) (4).
وفي حديث وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام المروي في آخر الفقيه:
(وصوم نذر المعصية حرام).
السادس: صوم الوصال، وهو حرام بلا خلاف، للمستفيضة من
الأخبار، كروايتي الزهري والرضوي، ووصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وصحيحة

(1) في المسالك 1: 81، والحدائق 13: 390، والرياض 1: 328.
(2) مريم: 26.
(3) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 201، مستدرك الوسائل 7: 553 أبواب الصوم المحرم
والمكروه ب 5 ح 1.
511

منصور (1).
وإنما الخلاف في تفسيره، فعن الشيخين والصدوق والشرائع والنافع
والارشاد والمختلف (2)، بل الأكثر - كما صرح به جماعة (3) -: أن يؤخر
عشائه إلى سحوره.
وتدل على ذلك المعنى صحيحتا الحلبي والبختري:
الأولى: (الوصال في الصيام أن يجعل عشائه سحوره) (4).
والثانية: (المواصل يصوم يوما وليلة، ويفطر السحر) (5).
وعن الاقتصاد والسرائر والمعتبر وظاهر نكاح المبسوط: أنه صوم
يومين بليلة (6).
وتدل عليه رواية محمد بن سليمان: (وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
لا وصال في صيام، يعني: لا يصوم الرجل يومين متوالين من غير
إفطار) (7).

(1) الكافي 5: 443 / 5، الفقيه 3: 227 / 1070، الأمالي: 309 / 4، الوسائل
10: 520 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 4 ح 2.
(2) المفيد في المقنعة: 366، الطوسي في المبسوط 1: 283، الصدوق في الفقيه
2: 112، الشرائع 1: 209، النافع: 71، الإرشاد 1: 301، المختلف: 237.
(3) انظر المسالك 1: 81، والمدارك 6: 283، والحدائق 13: 392، والرياض 1:
328.
(4) الكافي 4: 95 / 2، التهذيب 4: 298 / 898، الوسائل 10: 521 أبواب الصوم
المحرم والمكروه ب 4 ح 7.
(5) الكافي 4: 96 / 3، الوسائل 10: 521 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 4
ح 9.
(6) الإقتصاد: 293، السرائر 1: 420، المعتبر 2: 714، المبسوط 4: 153.
(7) الكافي 4: 92 / 5، التهذيب 4: 307 / 927، الإستبصار 2: 138 / 452،
الوسائل 10: 522 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 4 ح 10.
512

وفي المسالك والروضة والحدائق: حصوله بكل منهما (1)، للجمع
بين الروايات، وهو حسن.
السابع: صوم السفر، إلا ما استثني.
الثامن: صوم المريض، كما تقدما.
التاسع: صوم الزوجة والولد والعبد تطوعا بدون إذن الزوج والأبوين
والمولى، كما مر.
العاشر: صوم الدهر، كما صرح به في رواية الزهري والرضوي ووصية
النبي، وظاهر الأكثر أن حرمته لاشتماله على العيدين، فلا يحرم بدون صومهما (2).
وقيل: إن الظاهر أن التحريم إنما نشاء من حيث كونه صوم الدهر (3)،
وأيده بموثقة سماعة (4). وهو قريب جدا.

(1) المسالك 1: 81، الروضة 2: 141، الحدائق 13: 393.
(2) كما في المبسوط 1: 283، والوسيلة: 148، والتذكرة 1: 208،
والتحرير 1: 84.
(3) الحدائق 13: 395.
(4) الكافي 4: 96 / 5، الوسائل 10: 526 أبواب الصوم المحرم والمكروه ب 7 ح 5.
513

المطلب الرابع
في الصوم المكروه
وله أقسام قد مر ذكرها في مواضعها، كصيام الضيف والمضيف،
والمدعو إلى الطعام، ويوم عرفة عند خوف الضعف عن الدعاء أو الشك
في الهلال، وصوم يوم عاشوراء، وثلاثة أيام بعد الفطر.
514

المقصد الثالث
فيما يتعلق بكفارة الصوم
515

وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تجب الكفارة بالافطار في صوم رمضان، وقضائه
بعد الزوال، والنذر المعين، وصوم الاعتكاف إذا وجب، ولا تجب فيما عدا
ذلك.
أما الثاني، فالظاهر أنه اتفاقي كما حكي عن المنتهى (1)، وبه صرح
في المدارك والذخيرة (2). ويجوز الافطار في هذا النوع قبل الزوال وبعده
على ما نص عليه الفاضل وغيره (3)، للأصل.
وأما الأول، فهو كذلك في صوم رمضان، ونقل الاجماع عليه
مستفيض (4)، والأخبار فيه متواترة كما يأتي. وهو الأظهر الأشهر في الثلاثة.
خلافا فيها للمحكي عن العماني (5)، فألحقها في انتفاء الكفارة في
إفطارها بسائر أفراد الصيام الواجبة.
وقد مر تحقيق الكلام في الثاني في بحث القضاء، وسيأتي الكلام في
الثالث والرابع في كتابي النذر والاعتكاف.
المسألة الثانية: كفارة الافطار في شهر رمضان إحدى الخصال

(1) المنتهى 2: 576.
(2) المدارك 6: 80، الذخيرة: 510.
(3) المنتهى 2: 620 والتذكرة 1: 280 والتحرير: 85، وانظر المدارك 6: 80.
(4) كما في الحدائق 13: 210.
(5) حكاه عنه في المختلف: 228.
517

الثلاثة: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا،
مخيرا بينها، وفاقا للشيخين والسيد والإسكافي والقاضي والحلي،
وغيرهم (1)، بل الأكثر، بل إلا من شذ وندر (2)، وعليه الاجماع عن الانتصار
والغنية (3)، للأخبار المستفيضة:
كصحيحة ابن سنان: في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما
واحدا من غير عذر، قال: (يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو
يطعم ستين مسكينا، فإن لم يقدر تصدق بما يطيق) (4).
وصحيحة جميل، وفيها: (أعتق، أو صم، أو تصدق) (5).
ورواية أبي بصير: في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل، ثم ترك
الغسل متعمدا حتى أصبح، قال: (يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو
يطعم ستين مسكينا) (6).
والأخرى: عن رجل وضع يده على شئ من جسد امرأته فأدفق،
فقال: (كفارته أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، أو يعتق

(1) المفيد في المقنعة: 345، الطوسي في النهاية: 154، السيد في الإنتصار: 69،
القاضي في شرح جمل العلم والعمل: 187، الحلي في السرائر 1: 376، وانظر
الشرائع 1: 191.
(2) سيأتي بيانه في ص 497.
(3) الإنتصار: 70، الغنية (الجوامع الفقهية): 571.
(4) الكافي 4: 101 / 1، الفقيه 2: 72 / 308، التهذيب 4: 321 / 984،
الإستبصار 2: 95 / 310، الوسائل 10: 44 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8
ح 1.
(5) الكافي 4: 102 / 2، التهذيب 4: 206 / 595، الإستبصار 2: 80 / 245،
الوسائل 10: 45 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 2.
(6) التهذيب 4: 212 / 616، الإستبصار 2: 87 / 272، الوسائل 10: 63 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 16 ح 2.
518

رقبة) (1).
والمروي في نوادر أحمد بن محمد بن عيسى، عن سماعة في
الموثق: عن رجل أتى أهله شهر رمضان متعمدا، قال: (عليه عتق رقبة، أو
إطعام ستين مسكينا، أو صوم شهرين متتابعين، وعليه قضاء ذلك اليوم) (2).
والرضوي: (من جامع في شهر رمضان أو أفطر فعليه عتق رقبة، أو
صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد من
الطعام) (3).
وتدل عليه أيضا الأخبار المتضمنة كل منها لواحدة منها أو اثنتين
مخيرا بينهما، كمرسلة إبراهيم بن عبد الحميد المتضمنة للعتق والاطعام
مخيرا (4)، وروايتي المروزي المتضمنتين للصوم (5)، ورواية المشرقي
المتضمنة للعتق (6)، وموثقتي سماعة (7) والبصري (8)، وروايات محمد بن

(1) التهذيب 4: 320 / 981، الوسائل 10: 40 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 4 ح 5.
(2) نوادر أحمد بن محمد بن عيسى: 68 / 140، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك
عنه الصائم ب 8 ح 13.
(3) فقه الرضا عليه السلام: 212، مستدرك الوسائل 7: 326 أبواب ما يمسك عنه الصائم
ب 7 ح 3.
(4) التهذيب 4: 212 / 618، الوسائل 10: 64 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16
ح 4.
(5) التهذيب 4: 212 / 617 و 214 / 621، الإستبصار 2: 87 / 273 و 94 / 305،
الوسائل 10: 63 و 69 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 16 و 22 ح 3 و 1.
(6) التهذيب 4: 207 / 600، الإستبصار 2: 96 / 311، الوسائل 10: 49 أبوا ب ما
يمسك عنه الصائم ب 8 ح 11.
(7) التهذيب 4: 320 / 980، الوسائل 10: 49 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8
ح 12.
(8) التهذيب 4: 207 / 599، الإستبصار 2: 96 / 312، الوسائل 10: 48 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 8 ح 10.
519

النعمان (1) وإدريس بن هلال (2) وجميل المتضمنة للاطعام (3). فإن مقتضى
الجمع بينها التخيير بين الخصال الثلاث.
خلافا للمحكي عن العماني وأحد قولي السيد ومحتمل الخلاف (4)،
فقالوا بالترتيب المذكور فيجب الأول، ومع العجز الثاني، ومع العجز عنه
الثالث.
لرواية الأنصاري، وفيها بعد قول الرجل: (أتيت امرأتي في شهر
رمضان وأنا صائم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعتق رقبة، قال: لا أجد، قال:
فصم شهرين متتابعين، فقال: لا أطيق، فقال: تصدق على ستين مسكينا)
الحديث (5).
والمروي في كتاب علي بسند صحيح: عن رجل نكح امرأته وهو
صائم في رمضان، ما عليه؟ قال: (عليه القضاء وعتق رقبة، فإن لم يجد
فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن لم يجد
فليستغفر الله) (6).
ويرد الأول: بعدم الدلالة، إذ أمر النبي بالشئ بعد الشئ لا يدل
على الترتيب صريحا، إذ كما يمكن أن يكون الأول واجبا معينا يمكن أن

(1) الفقيه 2: 73 / 312، التهذيب 4: 322 / 987، الوسائل 10: 47 أبواب ما
يمسك عنه الصائم ب 8 ح 6.
(2) الفقيه 2: 72 / 311، الوسائل 10: 48 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 8.
(3) الفقيه 2: 72 / 310، الوسائل 10: 47 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 7.
(4) حكاه عن العماني في المختلف: 225، وعن السيد في المعتبر 2: 671،
الخلاف 2: 186.
(5) الفقيه 3: 72 / 309، الوسائل 10: 46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 5.
(6) مسائل علي بن جعفر: 116 / 47، الوسائل 10: 48 أبواب ما يمسك عنه
الصائم ب 8 ح 9.
520

يكون أحد أفراد المخير، وتقدم المعين إنما هو من باب الأصل الذي يجب
تركه مع الدليل، فلا يعارض دليلا أصلا.
والثاني: بعدم ثبوت كون الرواية من كتاب علي، وإنما نقلها صاحب
الوسائل (1)، وتواتر الكتاب عنده أو ثبوته بالقطع غير معلوم، بل غايته الظن.
مضافا إلى أنه لو سلمت الرواية تكون شاذة أو مخالفة للشهرة
القديمة، المخرجة لها عن الحجية.
ولو سلم، فغايتها التعارض مع ما مر، ولا شك أن أدلة التخيير أرجح
بالأكثرية والأشهرية والأصحية ومخالفة العامة، فإن الترتيب مذهب الثوري
والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة (2)، ورواه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أبو
هريرة (3)، فالعمل بالتخيير متعين.
وقيل: لو قطع النظر عن الترجيح، فالعمل على التخيير، لأصالة عدم
التعيين.
وفيه نظر، لأن الأصل وإن كان عدم التعيين، إلا أن التخيير أيضا
خلاف الأصل، بمعنى: أن الأصل حال القدرة على السابق عدم ثبوت
وجوب لغيره لا تعيينا ولا تخييرا. واستصحاب الاشتغال مع الترتيب،
فالوجه ما قدمناه.
هذا، ثم إن موثقة سماعة: عن رجل أتى أهله في رمضان متعمدا،
فقال: (عليه عتق رقبة، وإطعام ستين مسكينا، وصيام شهرين متتابعين) (4)،

(1) تقدمت في ص: 497.
(2) انظر المغني 3: 66، وبداية المجتهد 1: 305.
(3) كما في صحيح مسلم 2: 781 / 1111، وسنن الترمذي 2: 113 / 720.
(4) الإستبصار 2: 97 / 315.
521

فمع شذوذها - لعدم قائل بها أصلا - وقصورها عن مقاومة ما مر بوجوه
شتى، يجب حمل الوجوب المستفاد منها على التخييري، أو جعل لفظة
الواو بمعنى: أو، كما في قوله سبحانه: (مثنى وثلاث ورباع) (1)، أو
على ما إذا أفطر على محرم، كما يأتي.
المسألة الثالثة: لو أفطر في شهر رمضان على محرم تجب عليه
كفارة الجمع، أي الخصال الثلاث، وفاقا للصدوق في الفقيه والشيخ في
كتابي الأخبار والوسيلة والجامع والقواعد والارشاد وظاهر التحرير والايضاح
والدروس والمسالك واللمعة والروضة والحدائق (2)، وجمع آخر من
متأخري المتأخرين (3).
لمعتبرة الهروي: قد روي عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان أو
أفطر فيه: ثلاث كفارات، وروي عنهم أيضا: كفارة واحدة، فبأي الحديثين
نأخذ؟ قال: (بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في
شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة، وصيام شهرين متتابعين،
وإطعام ستين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على
حلال فعليه كفارة واحدة وقضاء ذلك اليوم، وإن كان ناسيا فلا شئ
عليه) (4).

(1) النساء: 3.
(2) الفقيه 2: 74، التهذيب 4: 209، الإستبصار 2: 97، الوسيلة: 156، الجامع: 166،
القواعد 1: 66، الإرشاد 1: 298، التحرير 2: 110، الإيضاح 1: 233، الدروس
1: 273، المسالك 1: 71، اللمعة والروضة 2: 120، الحدائق 13: 222.
(3) كما في التنقيح الرائع 1: 365، والرياض 1: 310.
(4) التهذيب 4: 209 / 605، الإستبصار 2: 97 / 316، عيون الأخبار 1:
244 / 88، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 10 ح 1.
522

ويدل عليه أيضا قول الصدوق في الفقيه، حيث قال: وأما الخبر
الذي ورد فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا: (أن عليه ثلاث
كفارات) فأنا أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه،
لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي فيما ورد عليه من الشيخ أبي
جعفر محمد بن عثمان العمري (1). انتهى.
والظاهر اتصاله بصاحب الزمان، فإن الأسدي كان من الوكلاء الذين
ترد عليهم التوقيعات.
ويدل عليه إطلاق موثقة سماعة المتقدمة، وبهذه الأخبار يخصص
إطلاق أخبار التخيير.
والقول: بأن ما يصح الاستناد [إليه] (2) هو الرواية الأولى، وهي
ضعيفة لتخصيص ما مر غير لائقة.
عندنا ضعيف، إذ لا ضعف في الخبر بعد وجوده في الأصل المعتبر،
مع أن الرواية قد حكم بصحتها جماعة، كالفاضل في بحث كفارات التحرير
والشهيد الثاني في الروضة (3).
وجهالة بعض رواتها لا تنافيها، إذ يمكن أن يكون مرادهما بالصحة:
الصحة عند القدماء، فتكون هذه الشهادة منهما جابرة لضعف السند أيضا.
مع أنه لا ضعف في السند أيضا، لأن راويها عبد الواحد وعلي بن
محمد بن قتيبة من مشايخ الإجازة، الذين صرحوا في حقهم بعدم الاحتياج
إلى التوثيق.

(1) الفقيه 2: 74.
(2) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.
(3) التحرير 2: 110، الروضة 2: 120.
523

وحمدان بن سليمان موثق في كتب الرجال بلا خلاف فيه، كما
قيل (1).
وعبد السلام الهروي وثقه النجاشي - وقال: إنه صحيح المذهب (2) -
وكذلك جمع آخر (3)، وهو راجح على قول الشيخ: إنه عامي (4).
مع أن غايته كون الرواية موثقة، وهي كالصحيح حجة، بل وكذلك لو
كانت حسنة كما قيل (5).
هذا كله، مع أن أكثر أخبار التخيير صريحة في الافطار بالحلال،
وبعضها وإن كانت مطلقة، إلا أن انصراف إطلاقها إلى مفروض المسألة غير
معلوم، لقوة احتمال وروده على ما يقتضيه الأصل في أفعال المسلمين.
ولا ينافيه المروي في العيون والخصال بإسناده عن مولانا الرضا عليه السلام:
عن رجل واقع امرأة في رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات،
قال: (عليه عشر كفارات لكل مرة كفارة، فإن أكل أو شرب فكفارة يوم
واحد) (6)، حيث إنه في عشر مرات الحرام حكم لكل مرة بكفارة واحدة.
ووجه عدم التنافي: أن الكفارة عبارة عما يجب بإزاء الفعل، سواء
كان أمرا واحدا أو متعددا، فالخصال الثلاث للفعل المحرم كفارة واحدة.
وبالجملة: فالمسألة بحمد الله واضحة.

(1) انظر الحدائق 13: 221.
(2) قال النجاشي في رجاله: 245: ثقة، صحيح الحديث.
(3) منهم العلامة في الخلاصة: 117 وفيه أيضا: ثقة صحيح الحديث، ونقل في
تنقيح المقال 2: 151 عن عدة من العامة: إنه شيعي.
(4) رجال الطوسي: 380.
(5) انظر الرياض 1: 310.
(6) العيون 1: 198 / 3، الخصال: 450 / 54، الوسائل 10: 55 أبواب ما يمسك
عنه الصائم ب 11 ح 1.
524

فرع: لا فرق في المحرم الموجب لكفارة الجمع بين ما كان تحريمه
أصليا - كالزنا والاستمناء وتناول مال الغير - أو عارضيا، كوطء الزوجة في
الحيض أو تناول ما يضر به.
ومن الافطار بالمحرم: الكذب على الله وعلى رسوله والأئمة، ومنه:
ابتلاع النخامة على القول بحرمته، ولكن الأصل ينفيها، كل ذلك للاطلاق.
المسألة الرابعة: لو عجز عن بعض الخصال تعين عليه الباقي،
ويمكن أن يحتج له بالروايات المتضمنة لواحد واحد منها، كل في من
يعجز عن غيره، وعدم معارضته مع ما يتضمن غيره، لعدم شموله له لمكان
العجز عنه.
ولو عجز عن الجميع، ففي وجوب صوم ثمانية عشر يوما - كالمفيد
والسيد والحلي (1) - لرواية أبي بصير وسماعة: عن الرجل يكون عليه صيام
شهرين متتابعين، فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على
الصدقة: (فليصم ثمانية عشر يوما، من كل عشرة مساكين ثلاثة أيام) (2).
أو وجوب التصدق بما يطيق - كالإسكافي والمقنع والمدارك
والذخيرة (3) - لصحيحة ابن سنان المتقدمة (4)، وبمضمونها صحيحته الأخرى (5).

(1) المفيد في المقنعة: 345، السيد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف
المرتضى 3): 55، الحلي في السرائر 1: 376.
(2) الإستبصار 2: 97 / 314، وفي التهذيب 4: 312 / 944، والمقنعة: 380،
والوسائل 10: 381 أبواب بقية الصوم الواجب ب 9 ح 1: عن أبي بصير فقط.
(3) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 226، المقنع: 61، المدارك 6: 120،
الذخيرة: 535.
(4) في ص: 495.
(5) الكافي 4: 102 / 3، التهذيب 4: 206 / 596، الإستبصار 2: 81 / 246،
الوسائل 10: 46 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 3.
525

أو الأول، ومع العجز عنه الثاني - كما عن المنتهى (1) - جمعا بين
الأخبار.
أو التخيير بينهما - كما عن المختلف والدروس والشهيد الثاني (2) -
للجمع أيضا.
أقوال، أظهرها: الأخير، لتعارض الأخبار، فيرجع إلى التخيير.
ولو قلنا بثبوت الأمرين لم يكن بعيدا أيضا، ولكن الأول وجوبا
والثاني استحبابا، لعدم ثبوت الزائد منه عن الصحيحين.
ولو عجز عن الأمرين أيضا تجزئه التوبة والاستغفار، بلا خلاف على
الظاهر فيه، كما في الحدائق، وفيه: أنه مقطوع به في كلام الأصحاب (3).
وتدل عليه رواية أبي بصير: (كل من عجز عن الكفارة التي تجب
عليه - من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما
تجب على صاحبه فيه الكفارة - فالاستغفار كفارة ما خلا يمين الظهار) (4).
وفي صحيحة جميل - الواردة في المجامع الذي أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم،
وأظهر عدم القدرة على قليل ولا كثير -: (فخذه وأطعمه على عيالك،
واستغفر الله) (5)، والمروي عن كتاب علي المتقدم ذكره (6).
ولو قدر بعد الاستغفار على الكفارة، فصرح بعضهم بعدم الوجوب (7)،

(1) المنتهى 2: 575.
(2) المختلف: 226، الدروس 1: 277، الشهيد الثاني في المسالك 1: 74.
(3) الحدائق 13: 226.
(4) الكافي 7: 461 / 5، التهذيب 8: 16 / 50، الإستبصار 4: 56 / 195، الوسائل
22: 367 أبواب الكفارات ب 6 ح 1.
(5) تقدمت في ص: 495 الهامش 5.
(6) في ص: 543.
(7) كما في الحدائق 13: 227.
526

لقوله: (إن الاستغفار كفارة).
وعن الدروس: الاستشكال فيه (1)، حيث إن الكفارة لا تجب على
الفور.
والتحقيق: أنه إن كان العجز حاصلا حال تعلق الوجوب - وهو
الافطار - فلا يجب إلا الاستغفار، ولا يتجدد وجوب بعد الاقتدار، للأصل.
وإن كان حال الوجوب مقتدرا، فأخر التكفير حتى انتفى الاقتدار،
فيبقى في ذمته باقيا إلى زمان الاقتدار، للاستصحاب، وإن لم يجب عليه
حال العجز سوى الاستغفار.
المسألة الخامسة: تتكرر الكفارة بفعل موجبها مع تغاير الأيام ولو
من رمضان واحد مطلقا، بالاجماع المحقق، والمحكي في المبسوط
والمنتهى والتذكرة ونهج الحق والتنقيح والمدارك والحدائق وغيرها (2)، وهو
الدليل المخرج عن أصالة تداخل الأسباب على القول بها.
وإنما اختلفوا في تكررها بتكرر الموجب في اليوم الواحد على
أقوال:
عدمه مطلقا، وهو مختار المبسوط والخلاف والوسيلة والمعتبر
والشرائع والنافع والمنتهى (3)، للأصل، واختصاص أكثر ما دل على وجوبها
من النصوص بتعمد الافطار، وهو إنما يتحقق بفعل ما يحصل به الافطار

(1) الدروس 1: 277.
(2) المبسوط 1: 274، المنتهى 2: 580، التذكرة 1: 265، نهج الحق: 462،
التنقيح 1: 369، المدارك 6: 110، الحدائق 13: 229، وانظر الرياض 1:
315.
(3) المبسوط 1: 274، الخلاف 2: 189، الوسيلة: 146، المعتبر 2: 680،
الشرائع 1: 194، النافع: 67، المنتهى 2: 580.
527

ويفسد به الصوم، وتحققه موقوف على عدم سبق فساد الصوم، وهو
الظاهر المتبادر من إطلاق البواقي أيضا، فيرجع فيما عداه إلى مقتضى
الأصل.
والتكرر كذلك، حكي عن السيد و [ثاني] (1) المحققين وثاني
الشهيدين (2)، للاطلاق المذكور، وأصالة عدم التداخل.
والتفصيل بالأول في غير الوطء من المفطرات، والثاني فيه. وبالأول
مع تخلل التكفير، والثاني مع عدمه. وبالأول مع اتحاد جنس المفطر،
والثاني مع تغايره. وبالأول مع الاتحاد والتخلل في غير الوطء، والثاني في
غيره. بل ربما وجد بعض التفاصيل الأخر أيضا.
والأقوى عندي هو القول الثالث، لرواية العيون والخصال المتقدمة،
الدالة على طرفي التفصيل.
وردها بالشذوذ والندرة ضعيف، إذ لم يعلم في المسألة قول أكثر
القدماء حتى يحكم بالشذوذ، مضافا إلى أصالة التداخل عند التحقيق في
بعض صور المسألة.
ويؤيد أحد طرفيه أيضا ما نقله في المختلف عن العماني، قال: ذكر
أبو الحسن زكريا بن يحيى - صاحب كتاب شمس الذهب - عنهم عليهم السلام:
(أن الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة، فإن
عاود إلى المجامعة في يومه ذلك مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة) (3).

(1) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة المعنى.
(2) حكاه عن السيد في الخلاف 2: 189، المحقق الثاني في جامع المقاصد 3:
70، الشهيد الثاني في المسالك 1: 73، والروضة 2: 99، وعنهم جميعا في
الرياض 1: 315.
(3) المختلف: 227، الوسائل 10: 55 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 11 ح 2.
528

المسألة السادسة: من أفطر عامدا في شهر رمضان، فإن كان مستحلا
فهو مرتد إن كان ممن عرف قواعد الاسلام وكان إفطاره بما علم تحريمه
من الدين ضرورة، ولا يكفر المستحل بغيره إلا مع اعتقاده كونه مفطرا في
الشريعة.
خلافا للحلي فيكفر (1)، ولا دليل له.
هذا إذا لم تدع الشبهة المحتملة في حقه، وإلا درئ عنه الحد،
وعليه تحمل رواية زرارة وأبي بصير: عن رجل أتى أهله في شهر رمضان،
أو أتى أهله وهو محرم، وهو لا يرى إلا أن ذلك حلال، قال: (ليس عليه
شئ) (2).
ثم يأتي حكم المرتد في كتاب الديات إن شاء الله.
وإن لم يكن مستحلا يعزر بما يراه الحاكم، فإن عاد ثانيا عزر أيضا،
فإن عاد إليه ثالثا قتل فيها على المشهور بين الأصحاب، كما صرح به
جماعة (3).
لموثقة سماعة: عن رجل أخذ في شهر رمضان وقد أفطر ثلاث
مرات، وقد رفع إلى الإمام ثلاث مرات، قال: (فليقتل في الثالثة) (4).
ورواية أبي بصير: (من أخذ في شهر رمضان وقد أفطر، فرفع إلى

(1) لم نعثر عليه في السرائر ولا على محكيه، نعم نقله عن الحلبي في المدارك 6:
117 والرياض 1: 315 وهو في الكافي: 183.
(2) التهذيب 4: 208 / 603، الوسائل 10: 53 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 9
ح 12.
(3) منهم صاحبا الحدائق 13: 239، والرياض 1: 316.
(4) الكافي 4: 103 / 6، الفقيه 2: 73 / 315، التهذيب 4: 207 / 598، الوسائل
10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.
529

الإمام، يقتل في الثالثة) (1).
ومرسلة المقنعة: عن رجل أخذ زانيا في شهر رمضان، فقال: (قد
أفطر)، فقيل له: فإن دفع إلى الوالي ثلاث مرات، قال: (يقتل في الثالثة) (2).
وصحيحة يونس: (أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا
في الثالثة) (3).
وقيل: يقتل في الرابعة (4)، للمرسلة: (إن أصحاب الكبائر يقتلون في
الرابعة (5)).
وهي لا تقاوم ما مر، لأخصيته وأكثريته وأصحيته وأشهريته.
ولا يخفى أن القتل في الثالثة أو الرابعة إنما هو لو رفع إلى الحاكم
وعزر في كل مرة، وإلا فإنه يجب عليه التعزير خاصة، اقتصارا فيما خالف
الأصل على موضع اليقين.
المسألة السابعة: من وطأ زوجته مكرها لها لزمته كفارتان، ويعزر
هو بخمسين سوطا، ولا كفارة عليها بلا خلاف يعرف - كما قيل (6) - بل
بالاجماع - كما عن الخلاف والمنتهى والتنقيح والمعتبر (7) - بل فيه حكاية
الاجماع عن جمع من علمائنا.

(1) التهذيب 10: 141 / 557، الوسائل 10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.
(2) المقنعة: 348، الوسائل 10: 249 أبواب أحكام شهر رمضان ب 2 ح 2.
(3) الكافي 7: 191 / 2، الفقيه 4: 51 / 182، التهذيب 10: 95 / 369،
الإستبصار 4: 212 / 791، الوسائل 28: 19 أبواب مقدمات الحدود ب 5 ح 1.
(4) كما في الحدائق 13: 239.
(5) لم نعثر عليها في الكتب الأربعة، وقد نقلها صاحب الحدائق في ج 13: 240، مع
ملاحظة الهامش رقم 1 منه، فإنها لا تخلو من فائدة.
(6) في الرياض 1: 316.
(7) الخلاف 2: 182، المنتهى 2: 581، المعتبر 2: 681.
530

لرواية المفضل: في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة، فقال:
(إن استكرهها فعليه كفارتان، وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة،
وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد، وإن كانت طاوعته
ضربت خمسة وعشرين سوطا وضرب خمسة وعشرين سوطا) (1).
وضعف السند غير ضائر، ولو كان فما مر من الاجماعات المحكية
والشهرة القوية له جابر.
خلافا للمحكي عن العماني، فأوجب على الزوج كفارة واحدة، للأصل،
وضعف الرواية، وصحة صوم المرأة، فلا وجه لثبوت كفارة لها أيضا.
ويرد الأولان بما مر، والثالث بأنه لا منافاة بين تعدد الكفارة عليه
وبين صحه صومها، لجواز ترتبها على إكراه الصائمة، كما قالوا بنظيره
في إكراه المحرم للمحرمة على الجماع، مع أن صحة صومها إذا كان الاكراه
بمجرد التوعد والتخويف مما لا دليل عليه، بل لنا أن نقول بفساده ووجوب
القضاء عليها إن لم يكن إجماع في خصوص المورد.
ثم مقتضى إطلاق الرواية - بل عمومها الناشي عن ترك الاستفصال -
عدم الفرق في المرأة بين الدائمة والمنقطعة، وحكي ذلك عن تصريح
الأصحاب أيضا (2).
وفي تعدي الحكم إلى الأمة والأجنبية والنائمة والغلام، وإلى المرأة لو
أكرهت زوجها أو الأجنبي، وإلى الاكراه بغير الجماع من المفطرات،
وعدمه، احتمالان.

(1) الكافي 4: 103 / 9، الفقيه 2: 73 / 313، التهذيب 4: 215 / 625، الوسائل
10: 56 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 12 ح 1.
(2) كما في الحدائق 13: 237.
531

الأظهر: الثاني في الجميع، اقتصارا فيما يخالف الأصل على موضع
النص.
ودعوى عموم الامرأة للأوليين إنما تفيد لو كانت خالية عن الضمير،
كما نقله فخر المحققين (1) وعميد الدين، وأما مع الضمير - كما في الكتب
الحديث - فلا.
وصدق امرأته على الأولى ممنوع، حتى في اللغة، وإن صدق عليها
الامرأة، فإن صدق معنى التركيب لغة عليها غير ثابت.
وأولوية ثبوت الكفارة في الثانية - لعظم الذنب - ممنوعة، لعدم ثبوت
العلة في ثبوتها، بل قد يناسب شدة الذنب عدم التكفير الموجب للتخفيف،
كما في قتل الخطأ والعمد.
المسألة الثامنة: يشترط كون الرقبة المعتقة في كفارة الصوم مؤمنة،
على الحق المشهور بين الأصحاب.
لعموم رواية سيف بن عميرة: أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا
مشركا؟ قال: (لا) (2).
وخصوص رواية المشرقي الصحيح عن البزنطي - الذي هو ممن
اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه -: (من أفطر يوما من شهر
رمضان فعليه عتق رقبة مؤمنة) (3).
المسألة التاسعة: يجب إكمال العدد في الاطعام، ليتحقق ما نص
عليه الإمام من عدد الستين، فلا يكفي إطعام ما يكفي الستين لأقل منهم.

(1) الإيضاح 1: 229.
(2) الفقيه 3: 85 / 310، التهذيب 8: 218 / 872، الإستبصار 4: 2 / 1، الوسائل
23: 35 أبواب العتق ب 17 ح 5.
(3) المتقدمة في ص: 519.
532

ولا تجزئ القيمة في شئ من خصال الكفارة، على الظاهر (من) (1)
المتفق عليه بين الأصحاب، لثبوت اشتغال الذمة بها، فالانتقال إلى القيمة
يحتاج إلى دليل، ولا دليل.
والحق المشهور: أن الذي يعطى لكل فقير مد، للرضوي المتقدم (2)،
وصحيحة عبد الرحمن (3)، وموثقة سماعة (4).
وعن الخلاف والمبسوط: أنه يعطى مدان (5)، ولا دليل له تاما.
وتأتي بقية أحكام الكفارة في كتاب الكفارات إن شاء الله تعالى.
المسألة العاشرة: كلما يشترط فيه التتابع من صيام الشهرين إذا أفطر
في الأثناء لحيض أو مرض بنى عليه بعد زواله مطلقا - كان العذر قبل
تجاوز النصف أو بعده - بلا خلاف يعرف، بل هو مما ادعي عليه الاجماع
واتفاق كلمة الأصحاب مستفيضا (6)، وعن الغنية: الاجماع فيهما (7)، وعن
الخلاف والانتصار في المرض (8).
لصحيحة رفاعة: عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين، فصام شهرا
ومرض، قال: (يبني عليه، الله حبسه)، قلت: امرأة كان عليها صيام
شهرين متتابعين، فصامت وأفطرت أيام حيضها، قال: (تقضيها)،
قلت: فإنها قضتها ثم يئست من المحيض، قال: (لا تعيدها، أجزأها

(1) ما بين القوسين ليس في (س).
(2) في ص: 496.
(3) المتقدمة في ص: 496.
(4) 213 المتقدمة في ص: 496.
(5) الخلاف 2: 188، المبسوط 1: 271.
(6) كما في المنتهى 2: 620.
(7) الغنية (الجوامع الفقهية): 572.
(8) الخلاف 4: 554، الإنتصار: 167.
533

ذلك) (1)، ومثلها صحيحة محمد (2).
ورواية سليمان: عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين، فصام
خمسة وعشرين يوما ثم مرض، فإذا برئ أيبني على صومه أم يعيد صومه
كله؟ فقال: (بل يبني على ما كان صام) ثم قال: (هذا مما غلب الله
عز وجل عليه، وليس على ما غلب الله عز وجل شئ) (3).
ولا تضر معارضتها مع الأخبار الفارقة بين صيام شهر وشئ من
الثاني وصيام الأقل - فيبنى على الأول دون الثاني - كصحيحة جميل وابن
حمران في المرض (4)، ورواية أبي بصير فيه وفي مطلق الافطار (5)،
وصحيحة الحلبي في من عرض له شئ وأفطر (6)، والأخبار الفارقة بين
صيام خمسة عشر يوما والأقل مع نذر صوم شهر وعروض أمر - فيبنى على
الأول دون الثاني - كرواية موسى بن بكر (7).

(1) التهذيب 4: 284 / 859، الإستبصار 2: 124 / 402، الوسائل 10: 374
أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 10.
(2) التهذيب 4: 284 / 860، الإستبصار 2: 124 / 403، الوسائل 10: 374
أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 11.
(3) التهذيب 4: 284 / 858، الإستبصار 2: 124 / 401، الوسائل 10: 374
أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 12.
(4) الكافي 4: 138 / 1، التهذيب 4: 284 / 861، الإستبصار 2: 124 / 404،
الوسائل 10: 371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 3.
(5) الكافي 4: 139 / 7، التهذيب 4: 285 / 862، الإستبصار 2: 125 / 405،
الوسائل 10: 372 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 6.
(6) الكافي 4: 138 / 2، التهذيب 4: 283 / 856، الوسائل 10: 373 أبواب بقية
الصوم الواجب ب 3 ح 9.
(7) التهذيب 4: 285 / 863، الوسائل 10: 376 أبواب بقية الصوم الواجب ب 5
ح 1.
534

لضعفها عن مقاومة ما مر بالشذوذ، مضافا إلى عدم دلالة الأولى على
الوجوب، لورودها بالجملة الخبرية، وكون صحيحة الحلبي وما بعدها أعم
مطلقا مما مر من جهة العذر، فيجب التخصيص، وكون الأخيرتين في غير
الشهرين.
فلم تبق إلا رواية أبي بصير، ولا شك أنها لا تقاوم ما مر من وجوه
شتى، مع أن حملها على مطلق الرجحان متعين، لكون ما مر قرينة عليه.
وضم بعضهم مع الحيض والمرض: السفر الضروري أيضا، كما في
نهاية الشيخ واقتصاده والمعتبر (1)، وظاهر النافع وأكثر كتب الفاضل
والدروس والروضة (2)، للعلة المتقدمة في الأخبار المذكورة بقوله عليه السلام: (الله
حبسه)، ونحوه.
وصرح الحلي بعدم البناء فيه (3)، بل لزوم الاستئناف وإن كان
ضروريا، وهو صريح الخلاف والوسيلة (4)، وظاهر المبسوط والجمل
والاقتصاد (5)، وظاهر الأول الاجماع عليه.
وهو الأقوى، لأن الظاهر مما حبسه وغلب الله عليه ما لم يكن بفعل
العبد، والسفر وإن كان ضروريا فهو بفعله.
سلمنا، فغايته تعارض عموم التعليل مع عموم صحيحة الحلبي
ونحوها، فيرجع إلى الأصل، وهو هنا مع عدم سقوط التتابع، لأنه مأمور
به، فلا يسقط إلا مع الاتيان به.

(1) النهاية: 166، الإقتصاد: 291، المعتبر 2: 723.
(2) النافع: 72، الدروس 1: 296، الروضة 2: 131، وانظر المنتهى 2: 621.
(3) السرائر 1: 411.
(4) الخلاف 4: 664، الوسيلة: 184.
(5) المبسوط 1: 280، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 217، الإقتصاد: 291.
535

والقول بأن الصوم واجب والتتابع واجب آخر، فما لم يدل دليل على
الاستئناف عند الاخلال لم يجب.
ففيه أولا: منع كونه واجبا آخر، بل المأمور به الصوم المتتابع.
وثانيا: أنه إذا كان واجبا آخر فلا بد من الاتيان به وامتثاله، وهو
يتوقف على الاستئناف، فيكون واجبا.
وهل الحكم مخصوص بالشهرين، أو يعم الأقل أيضا، كصيام ثمانية
عشر يوما أو ثلاثة أيام؟
عن الانتصار والغنية والاقتصاد وصريح السرائر وظاهر النافع والارشاد
واللمعة (1) - وهو صريح التحرير (2) -: الثاني، بل عن الأولين: الاجماع عليه.
وظاهر المبسوط والجمل وعن الجامع والقواعد والدروس والمسالك
والروضة والمدارك: وجوب الاستئناف في الثلاثة مطلقا (3)، بل زاد الأخير
فخص البناء بالشهرين، للأصل المذكور، أي وجوب التتابع. وأما عموم
التعليل فيعارض ما دل على وجوب التتابع في هذه الصيام بالعموم من
وجه، وإذ لا ترجيح فيرجع إلى القاعدة.
هذا كله إنما كان مع العذر.
وأما لو أفطر في الأثناء لا لعذر فيجب عليه الاستئناف - في غير ما
يأتي استثناؤه - إجماعا في الشهرين، كما في السرائر والمعتبر والمنتهى

(1) الإنتصار: 167، الغنية (الجوامع الفقهية): 572، الإقتصاد: 291، السرائر 1:
411، النافع: 72، الإرشاد 1: 304 اللمعة (الروضة 2): 132.
(2) التحرير: 85.
(3) المبسوط 1: 280، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 217، الجامع: 159،
القواعد 1: 69، الدروس 1: 296، المسالك 1: 79، الروضة 2: 132،
المدارك 6: 247.
536

والتذكرة والتحرير (1)، بل في غير الشهرين أيضا كما قيل (2)، للقاعدة
المذكورة، وصحيحتي جميل وابن حمران والحلبي، ورواية أبي بصير
- المشار إليها - في الشهرين (3)، ورايتي موسى بن بكر في الشهر (4)،
والقاعدة المذكورة في الجميع.
وأما المستثنى فثلاثة مواضع:
الأول: الشهران المتتابعان، إذا صام الشهر الأول ويوما من الثاني،
بالاجماع المحقق، والمحكي في الخلاف والانتصار والسرائر والغنية
والتذكرة والمنتهى والمختلف وشرح فخر المحققين (5)، للنصوص
المستفيضة، كصحيحتي جميل وابن حمران والحلبي ورواية أبي بصير
المتقدمة وموثقة سماعة (6) وصحيحتي منصور (7) وأبي أيوب (8) وغيرها (9).

(1) السرائر 1: 411، المعتبر 2: 721، المنتهى 2: 621، التذكرة 1: 282،
التحرير 1: 85.
(2) انظر الحدائق 13: 346.
(3) المتقدمة مصادرها في ص 511.
(4) الأولى: تقدمت في ص 511.
الثانية: في الكافي 4: 139 / 6، الفقيه 2: 97 / 436، الوسائل 10: 376 أبواب
بقية الصوم الواجب ب 5 ح 1.
(5) الخلاف 1: 402، الإنتصار: 167، السرائر 1: 411، الغنية (الجوامع الفقهية):
572، التذكرة 1: 282، المنتهى 2: 621، المختلف: 248، الإيضاح 4: 100.
(6) الكافي 4: 138 / 3، التهذيب 4: 282 / 855، الوسائل 10: 372 أبواب بقية
الصوم الواجب ب 3 ح 5.
(7) الكافي 4: 139 / 5، الفقيه 2: 97 / 437، التهذيب 4: 283 / 857، الوسائل
10: 375 أبواب بقية الصوم الواجب ب 4 ح 1.
(8) الكافي 4: 138 / 4، الفقيه 2: 97 / 438، التهذيب 4: 329 / 1027،
الوسائل 10: 373 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 8.
(9) انظر الوسائل 10: 371 أبواب بقية الصوم الواجب ب 3.
537

والمشهور: أن بعد حصول التتابع بين الشهرين - بضم شئ من الشهر
الثاني - يجوز التفريق في البقية، وهو المستفاد من قوله في صحيحة الحلبي.
والتتابع: أن يصوم شهرا ومن الآخر أياما أو شيئا منه.
الثاني: من وجب عليه صوم شهر بالنذر وشبهه، فصام خمسة عشر
يوما ثم أفطر، فإنه يبني على ما تقدم على المشهور، بل عن الحلي:
الاجماع عليه (1)، لروايتي موسى بن بكر المشار إليهما، المنجبر ضعفهما
- لو كان - بالعمل..
إحداهما: في رجل جعل عليه صوم شهر، فصام منه خمسة عشر
يوما ثم عرض له أمر، قال: (إن كان صام خمسة عشر يوما فله أن يقضي
ما بقي عليه، وإن كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجزه حتى يصوم شهرا
تاما)، ونحوها الأخرى أيضا (2).
وقد يستشكل في الاستناد إليهما في كلية الحكم باعتبار تضمنهما
الافطار لعروض أمر لا مطلقا، ولا يمكن الاستناد إلى ثبوت الكلية في
الشهرين، لظهور الفرق بينهما، بأن تتابع الشهر لا يحتمل إلا تتابع أيامه،
فالفرق بين النصفين لا بد له من دليل، بخلاف الشهرين، لكونه أعم من
تتابع الأيام والشهرين الحاصل بضم جز من الثاني، مع أن ثبوت الحكم
في الشهرين إنما هو بعد التجاوز عن النصف، وليس هنا كذلك.
ويمكن الدفع: بأن الظاهر من عروض الأمر مطلق حصول الافطار،
كما يظهر من سياق السؤال والجواب، ومع إرادة عروض السبب فهو أيضا
مطلق بالنسبة إلى ما يضطر لأجله إلى الافطار وما دونه، مضافا إلى أن

(1) السرائر 1: 412 و 413.
(2) المتقدمة مصادرهما في ص 513.
538

المتبادر من تتابع الشهرين أيضا: تتابع جميع أيامهما.
نعم، يرد الاشكال من جهة أن الشهر في الروايتين غير مقيد بالتتابع،
فلعل الحكم مقصور بالمطلق، وأما المقيد بالتتابع فلا بد فيه من الاستئناف
مطلقا، كما هو مختار الغنية والإشارة (1)، وهو قريب جدا، بل هو الأظهر.
وهل الحكم على المشهور مقصور بالنذر، أو يتعدى إلى غيره أيضا؟
والأكثر لم يتعرضوا للتعدي وقصروا بذكر النذر خاصة، لاختصاص
الرواية.
وألحق في المبسوط والجمل بشهر النذر شهر كفارة قتل الخطأ
والظهار للعبد (2)، استنادا إلى أنه مندرج تحت الجعل أيضا. وهو خلاف
الظاهر.
نعم، يتعدى إلى العهد واليمين، لصدق الجعل قطعا.
الثالث: من صام ثلاثة أيام بدل الهدي يوم التروية وعرفة، ثم أفطر
يوم النحر، فيجوز له البناء بعد أيام التشريق، وسيجئ تحقيق القول فيه
في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
المسألة الحادية عشرة: لو تبرع أحد بالكفارة من الغير، فإن كان
ميتا فالحق المشهور: جوازه ووصوله إلى الميت، بل برأته منه، للأخبار
المتكثرة، المتقدمة في بحث قضاء الصلاة عنه، فلا يجب أخذ المالية من
ماله، لحصول البراءة له.
وإن كان حيا، فذهب جماعة من الأصحاب - كما في الحدائق (3) - إلى

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 572، الإشارة: 118.
(2) المبسوط 1: 280، الجمل والعقود (الرسائل العشر): 217.
(3) الحدائق 13: 228.
539

عدم الاجزاء مطلقا، لأن الظاهر أن التكفير من العبادات التي أمر بها المأمور،
والاجتزاء بعمل الغير موقوف على الدليل، ولا دليل في الحي.
والحاصل: أن مقتضى الأصل عدم البراءة إلا بصدور الصوم أو العتق
أو الاطعام من نفسه، لأن مقتضى توجه الخطاب إليه مطلوبية هذا العمل
منه، لا مجرد حصول الفعل في الخارج.
وعن المبسوط والمختلف: الاجزاء كذلك (1).
وعن الشرائع: الاجزاء فيما عدا الصوم (2).
استنادا إلى أنه دين يقضى عن المديون، فوجب أن تبرأ ذمته، كما لو
كان لأجنبي.
وإلى خبر المجامع الذي أتى النبي، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكتل
فيه خمسة عشر صاعا أو عشرين، فأعطاه الرجل وقال: (تصدق به) (3).
والأول: مردود بأنه قياس.
والثاني: بأنه غير المفروض، لأن النبي ملكه إياه وهو تصدق به،
ولا كلام في ذلك.
نعم، يمكن أن يستدل للاجزاء مطلقا بقضية الخثعمية المشهورة،
المتقدمة في بحث الصلاة (4)، وكان عليها مبنى الدليل الأول أيضا.
فإذن الأظهر هو الاجزاء المطلق.

(1) المبسوط 1: 281، المختلف: 250.
(2) الشرائع 1: 195.
(3) الكافي 4: 102 / 2، التهذيب 4: 206 / 595، الإستبصار 2: 80 / 245،
الوسائل 10: 45 أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 8 ح 2 و 5.
(4) الوسائل 12: 64 أبواب وجوب الحج ب 24 ح 4، ورواها في سنن البيهقي 4:
328.
540

ولا يضر ضعف طريق القضية، فإنها مشهورة، وبالشهرة المتنية
مجبورة. ولا يضر كون المورد الحج وزمانه المسؤول عنه، لأن العبرة بعموم
العلة.
المسألة الثانية عشرة: من فعل ما تجب به الكفارة، ثم سقط فرض
الصوم عنه - بسفر أو حيض أو شبهه - لا تسقط الكفارة عنه على الأظهر
الموافق للأكثر، كما في المدارك والحدائق (1)، وادعى في الخلاف عليه
إجماع الفرقة (2)، لأنه أفسد صوما واجبا عليه ظاهرا من رمضان، فاستقرت
عليه الكفارة، ولدخوله تحت إطلاق أخبار وجوب الكفارة.
وتقييده - بغير من يسقط عنه الفرض - غير معلوم.
وتوهم عدم صدق الافطار عليه، لأنه موقوف على الصوم، الموقوف
على الأمر المنتفي هنا واقعا، لأن التكليف موقوف بعدم علم الأمر بانتفاء
الشرط.
مدفوع بأن الافطار يتحقق - حال فعله - بوجوب الصوم ظاهرا، مع
أن من الأخبار ما لا يتضمن لفظ الافطار، بل مثل قوله: نكح، أو مس
امرأته، أو بقي جنبا، أو كذب على الله، أو نحوها، خرج من لا يجب عليه
ظاهرا حال الفعل بالدليل، فيبقى الباقي.
خلافا لبعضهم، فقال بالسقوط (3)، وحكي عن الفاضل في جملة من
كتبه (4)، لأن هذا اليوم غير واجب صومه عليه عند الله، لأن المكلف

(1) المدارك 6: 114، الحدائق 13: 231.
(2) الخلاف 2: 219.
(3) حكاه المحقق في الشرائع: 1: 194.
(4) المنتهى 2: 584.
541

- بالكسر - إذا علم فوات شرط الفعل يمتنع التكليف عليه وانكشف لنا
أيضا، فلا تجب به الكفارة، كما لو انكشف أنه من شوال بالبينة.
ويضعف بأن عدم وجوب الصوم في الواقع - لانتفاء الشرط - لا ينافي
وجوب الكفارة مع الوجوب ظاهرا - بل مع عدم الوجوب أيضا - حتى
يوجب تقييد الاطلاقات به.
والقياس على ظهور أنه من شوال باطل، إذ لا يصدق عليه أنه أفطر
نهارا في شهر رمضان.
542

المقصد الرابع
في الاعتكاف
وهو في الأصل: الإقامة، أو الاحتباس، أو اللبث الطويل.
وفي الشرع أو عرفه: الإقامة في مسجد مخصوص مدة مخصوصة
بشرائط مخصوصة.
وشرعيته ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع، بل بإجماع فقهاء الاسلام،
كما في المنتهى (1).
قال الله سبحانه: (وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع
السجود) (2).
وقال عز شأنه: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) (3).

(1) المنتهى 2: 628.
(2) البقرة: 125.
(3) البقرة: 187.
543

وفي صحيحة الحلبي: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان العشر الأواخر
اعتكف في المسجد، وضربت له قبة من شعر، وشمر المئزر وطوى فراشه)،
فقال بعضهم: واعتزل النساء، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (أما اعتزال النساء فلا) (1).
وأراد عليه السلام بنفي الاعتزال إثبات مخالطتهن ومجاذبتهن دون الجماع،
لتحريمه على المعتكف، وفي طي الفراش إشارة إلى ذلك.
ويتأكد استحبابه في شهر رمضان، ففي رواية السكوني: (اعتكاف
عشر في شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين) (2).
خصوصا في العشر الأواخر منه، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..
ففي رواية أبي العباس: (اعتكف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر رمضان
في العشر الأولى، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم اعتكف في
الثالثة في العشر الأواخر، ثم لم يزل يعتكف في العشر الأواخر) (3).
وفي صحيحة الحلبي: (كانت بدر في شهر رمضان فلم يعتكف
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أن كان من قابل اعتكف عشرين، عشرا لعامه،
وعشرا قضاء لما فاته) (4).
ثم الكلام إما في شروطه أو أحكامه، فها هنا فصلان:

(1) الكافي 4: 175 / 1، التهذيب 4: 287 / 869، الإستبصار 2: 130 / 426،
الفقيه 2: 120 / 517، الوسائل 10: 533 كتاب الاعتكاف ب 1 ح 1.
(2) الفقيه 2: 122 / 531، المقنع: 66، الوسائل 10: 534 كتاب الاعتكاف ب 1
ح 3.
(3) الكافي 4: 175 / 3، الفقيه 2: 123 / 535، الوسائل 10: 534 كتاب
الاعتكاف ب 1 ح 4.
(4) الكافي 4: 175 / 2، الفقيه 2: 120 / 518، الوسائل 10: 533 كتاب
الاعتكاف ب 1 ح 2.
544

الفصل الأول
في شروطه
وهي خمسة:
الأول: النية، بالاجماع كما في سائر العبادات، وقد مر بسط الكلام
فيها سابقا.
الثاني: الصوم، بالاجماع المحقق، والمحكي في الناصريات
والخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة وغيرها (1).
وفي صحيحة محمد (2) وموثقته (3) وموثقة عبيد (4) ورواية أبي العباس:
(لا اعتكاف إلا بصوم) (5).
وفي صحيحة الحلبي: (لا اعتكاف إلا بصوم في المسجد الجامع) (6).
وإطلاق هذه الأخبار وغيرها يقتضي الاكتفاء بالصيام كيف اتفق
- بمعنى: أنه لا يشترط في صومه أن يكون لأجل الاعتكاف - وهو إجماعي
أيضا، وفي المعتبر: أن عليه فتوى الأصحاب (7).

(1) الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، الخلاف 2: 228، المعتبر 2: 726،
المنتهى 2: 629، التذكرة 1: 285، وانظر رياض المسائل 1: 332.
(2) الكافي 4: 176 / 2، الوسائل 10: 536 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 6.
(3) التهذيب 4: 288 / 874، الوسائل 10: 537 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 8.
(4) التهذيب 4: 288 / 875، الوسائل 10: 537 كتاب الاعتكاف ب 2 ح 10.
(5) الكافي 4: 176 / 1، التهذيب 4: 288 / 873، الوسائل 10: 536 كتاب
الاعتكاف ب 2 ح 5.
(6) الفقيه 2: 119 / 516، الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 1.
(7) المعتبر 2: 726.
545

وتدل عليه أيضا النصوص المرغبة لايقاعه في شهر رمضان، على ما
مر في الصوم من أنه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره.
ثم لازم ذلك الشرط عدم صحة الاعتكاف في زمان لا يصح الصوم
فيه، كالعيدين، ولا ممن لا يصح صومه، كالحائض والنفساء والمريض
المتضرر به والمسافر.
وفي صحته من الصبي المميز وجهان، الظاهر: الصحة، وكيف كان
لا ينبغي الريب في صحته منه تمرينا، أي صحته من حيث التمرين.
الثالث: الزمان، وهو ثلاثة أيام فصاعدا، لا أقل منها، بالاجماع
المحقق، والمصرح به في المعتبر والتذكرة وغيرهما (1)، وهو الدليل عليه
مع الأخبار..
ففي صحيحة أبي بصير: (لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام) (2)،
ومثله في رواية عمر بن يزيد (3).
وفي رواية داود بن سرحان: (الاعتكاف ثلاثة أيام - يعني: السنة - إن
شاء الله تعالى) (4)، إلى غير ذلك.
ولا خلاف في دخول ليلتي اليوم الثاني والثالث في الاعتكاف،
للاجماع المحقق، وحكاه في المعتبر والمنتهى أيضا (5)، ونفى عنه الخلاف

(1) المعتبر 2: 728، التذكرة 1: 284، وانظر رياض المسائل 1: 332.
(2) الكافي 4: 177 / 2، الفقيه 2: 121 / 525، التهذيب 4: 289 / 876،
الإستبصار 2: 128 / 418، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 2.
(3) التهذيب 4: 289 / 878، الإستبصار 2: 129 / 419، الوسائل 10: 544 كتاب
الاعتكاف ب 4 ح 5.
(4) الكافي 4: 178 / 5، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 4.
(5) المعتبر 2: 728، المنتهى 2: 630.
546

في المسالك (1).
وتدل عليه الأخبار المتضمنة لوجوب الكفارة لو جامع في الليل، ولو
خرجت المرأة قبل مضي ثلاثة أيام أو تمامها (2)، كما يأتي. ولا شك أن
عدم الخروج قبل إتمام الثلاثة أيام لا يكون إلا مع إدخال الليل أيضا، بل
نقول: إن المتبادر من قوله: (لا يكون الاعتكاف إلا ثلاثة أيام) الثلاثة
المتتابعة، ولا يحصل التتابع إلا بإدخال الليل أيضا.
وظاهر الخلاف والمبسوط عدم دخول الليلتين (3)، وإن أمكن
إرجاعهما إلى ما عليه الأصحاب بتكلف - كما فعله بعضهم (4) - فإن تم، وإلا
فهو بالشذوذ ومخالفة ما ذكرنا من الأدلة متروك.
وفي دخول ليلتي اليوم الأول والرابع خلاف، والحق: العدم، وفاقا
للمشهور، للأصل الخالي عن المعارض بالمرة.
خلافا في الليلة الأولى للمحكي في المسالك عن الفاضل
وجماعة (5)، وأنكره بعض الأجلة (6)، وقال: ولم أر في كلام الفاضل صريحا
في ذلك، بل قال: ولم أر - من غير صاحب المسالك - إشارة إلى هذا
الخلاف، إلا من المحقق الثاني في حاشية الشرائع، حيث جعل القول

(1) المسالك 1: 82.
(2) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.
(3) الخلاف 2: 239، المبسوط 1: 289.
(4) كالمحقق القمي في غنائم الأيام: 520 حيث قال بعد نقل كلام الشيخ: وربما
يوجه بأن مراده أن الليالي لا تدخل في الاعتكاف بسبب النذر إلا مع شرط التتابع
وإن وجب إدخالهما فيه من حيث إن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام بينهما
ليلتان، وهو توجيه حسن.
(5) المسالك 1: 82.
(6) كالمحقق القمي في غنائم الأيام: 521.
547

المشهور الأصح.
وللمنقول قولا في الليلة الرابعة (1).
ولا دليل على شئ من القولين.
وعلى ما ذكرنا ابتداء القدر الأقل من الاعتكاف: طلوع الفجر من اليوم
الأول، وانتهاؤه: غرب الشمس من اليوم الثالث. ولو أدخل شيئا من
الطرفين كان أولى، بل قد يجب من باب المقدمة فينوي الاعتكاف قبل
الفجر ويقطعه بعد الغروب.
ويجب كون الأيام الثلاثة تامة، فلا يجزئ يومان ونصف من
سابقتهما ونصف من الرابع - أي الملفق - لعدم صدق اليوم على الملفق.
ثم إنه يتفرع عليه: أنه لو شرع في الاعتكاف ما لا يمكنه إتمام الثلاثة
- كيومين قبل العيد - بطل الاعتكاف.
الرابع: المكان، ولا بد أن يكون في المسجد إجماعا قطعيا فتوى
ونصا، وتدل عليه الأخبار المتواترة:
كالمروي في المعتبر عن جامع البزنطي بإسناده إلى الصادق عليه السلام:
(لا اعتكاف إلا بصوم، وفي مسجد المصر الذي أنت فيه) (2).
وصحيحة أبي ولا د الواردة في المرأة المعتكفة بإذن زوجها التي ذهبت
إلى زوجها فواقعها، قال: (إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تمضي
ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما على المظاهر) (3).

(1) نقله في المدارك 6: 317.
(2) المعتبر 2: 733، المنتهى 2: 633، الوسائل 10: 541 كتاب الاعتكاف ب 3
ح 11.
(3) الكافي 4: 177 / 1، الفقيه 2: 121 / 524، التهذيب 4: 289 / 877،
الإستبصار 2: 130 / 422، الوسائل 10: 548 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 6.
548

والحذاء: (المعتكف لا يشم الطيب، ولا يتلذذ بالريحان، ولا يماري،
ولا يشتري، ولا يبيع) قال: (ومن اعتكف ثلاثة أيام فهو في اليوم الرابع
بالخيار، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام
يومين بعد الثلاث فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر) (1).
وابن سنان: (ليس على المعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى
الجمعة أو جنازة أو غائط) (2).
وموثقته، وفيها: (ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة) (3).
وصحيحة داود: إني أريد أن أعتكف فماذا أقول؟ وماذا أفرض على
نفسي؟ فقال: (لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، ولا تقعد تحت
ظلال حتى تعود إلى مجلسك) (4)، إلى غير ذلك.
مقتضى الأصل وإطلاق هذه الأخبار وإن كان جوازه في مطلق
المسجد - كما هو محتمل كلام العماني (5) - ولكن انعقد الاجماع وصرحت
الأخبار بالتقييد والتعيين.
نعم، وقع الخلاف في المعين:
فعن المقنع والفقيه والشيخ والسيدين والديلمي والقاضي والحلي

(1) الكافي 4: 177 / 4، الفقيه 2: 121 / 527، التهذيب 4: 288 / 872،
الإستبصار 2: 129 / 420، الوسائل 10: 544 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 3.
(2) الكافي 4: 178 / 1، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 6 وفيه: ليس
للمعتكف...
(3) التهذيب 4: 293 / 891، الإستبصار 2: 128 / 416، الوسائل 10: 550 كتاب
الاعتكاف ب 7 ح 5.
(4) الكافي 4: 178 / 2، الفقيه 2: 122 / 528، التهذيب 4: 287 / 870،
الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 3.
(5) حكاه عنه في المختلف: 251.
549

والحلبي وابن حمزة والقواعد والارشاد والتحرير والمنتهى والتنقيح وغيرهم (1)
بل الأكثر - كما صرح به جماعة (2) - بل بالاجماع - كما عن الانتصار والخلاف
والغنية والسرائر والتبيان ومجمع البيان (3) -: أنه أحد المساجد الخمسة: مسجد
الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الكوفة، والبصرة، والمدائن - كالأول -
أو أحد الأربعة التي هي غير الرابع - كالثاني (4) - أو غير الخامس، كالبواقي.
وضابطهم: الاختصاص بما صلى فيه النبي أو أحد الأئمة: الجمعة.
وعن المفيد والمعتبر والشرائع والنافع والشهيدين (5) وجماعة من
محققي متأخري المتأخرين (6) ومحتمل العماني (7) وظاهر الكافي (8): أنه
المسجد الأعظم، أو المسجد الجامع، أو مسجد الجماعة، باختلافهم في

(1) المقنع: 66، الفقيه 2: 120 / 519، الشيخ في المبسوط 1: 289، السيد
المرتضى في الإنتصار: 72، والسيد ابن زهرة في الغنية (الجوامع الفقهية): 572،
الديلمي في المراسم: 99، القاضي في المهذب 1: 204، الحلي في السرائر 1:
421، الحلبي في الكافي في الفقه: 186، ابن حمزة في الوسيلة: 153، القواعد
1: 70، الإرشاد 1: 305، التحرير 1: 87، المنتهى 2: 632، التنقيح 1:
402، وانظر الحدائق 13: 463.
(2) كما في المنتهى 2: 632، والتنقيح 1: 401، والدروس 1: 298.
(3) الإنتصار: 72، الخلاف 2: 227، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، السرائر 1:
421، التبيان 2: 135، مجمع البيان 1: 281.
(4) الموجود في الفقيه 2: 120 / 4 و 5: الاعتكاف في المساجد الخمسة المذكورة،
إلا أنه حكى في المختلف: 251 عن علي بن بابويه أنه قال: لا يجوز الاعتكاف إلا
في مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومسجد الكوفة ومسجد المدائن.
(5) المفيد في المقنعة: 363، المعتبر 2: 732، الشرائع 1: 216، النافع: 73،
الشهيد الأول في اللمعة والشهيد الثاني في الروضة 2: 150.
(6) كالسبزواري في الذخيرة: 539، وصاحب كشف الغطاء: 335.
(7) حكاه عنه في المختلف: 251.
(8) الكافي 4: 176.
550

التعبير، ونسبه في المعتبر إلى أعيان فضلا الأصحاب (1).
حجة الأولين: الاجماعات المنقولة.
وقاعدة توقيفية العبادة، فيقتصر فيها على القدر المتيقن.
وصحيحة عمر بن يزيد: (لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة صلى فيه
إمام عدل صلاة جماعة، ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة
ومسجد المدينة ومسجد مكة) (2).
وفي الفقيه بعدها: وقد روي في مسجد المدائن (3)، بحمل إمام العدل
على إمام الأصل.
والرضوي: (وصوم الاعتكاف في المسجد الحرام ومسجد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ومسجد الكوفة ومسجد المدائن، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه
المساجد الأربعة، والعلة في ذلك أنه لا يعتكف إلا بمسجد جمع فيه إمام)
الخبر (4).
ودليل النافين: الروايات المستفيضة، كالصحيحة المتقدمة بتعميم
الإمام.
وصحيحة داود: (لا أرى الاعتكاف إلا في مسجد الحرام أو مسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو مسجد جامع) الحديث (5)، ونحوها موثقة الكناني (6).

(1) المعتبر 2: 732.
(2) الكافي 4: 176 / 1، الفقيه 2: 120 / 519، التهذيب 4: 290 / 882،
الإستبصار 2: 126 / 409، الوسائل 10: 540 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 8.
(3) الفقيه 2: 120 / 520، الوسائل 10: 540 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 9.
(4) فقه الرضا عليه السلام: 213، مستدرك الوسائل 7: 562 أبواب الاعتكاف ب 3 ح 1.
(5) الكافي 4: 176 / 2، التهذيب 4: 290 / 884، الإستبصار 2: 126 / 411،
الفقيه 2: 120 / 521، الوسائل 10: 541 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 10.
(6) التهذيب 4: 291 / 885، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 5.
551

ورواية علي بن عمران الرازي: (المعتكف يعتكف في المسجد
الجامع) (1).
وصحيحة الحلبي: (لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو
مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو مسجد الكوفة أو مسجد الجماعة) (2).
ورواية يحيى بن العلاء الرازي: (لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد
جماعة) (3).
وموثقة ابن سنان: (لا يصلح العكوف في غيرها) أي غير مكة (إلا أن
يكون مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو في مسجد من مساجد الجماعة) (4).
ولا يخفى أنه يرد على دليل الأولين:
منع حجية الاجماع المنقول.
وعدم اقتضاء توقيفية العبادة للاقتصار على المتيقن، بل يعمل فيها
بالأصل، مع حصول المتيقن هنا بالأخبار المذكورة.
وعدم دلالة الصحيحة، لأنها في أكثر النسخ: (لا يعتكف) موضع:
(لا اعتكاف) ولا يكون صريحا في نفي الجواز، لإرادة نفي الاستحباب.
مضافا إلى أن الإمام مع ذكر الصلاة جماعة إما ظاهرة في مطلق إمام
الجماعة أو مجملة.
ولا يتوهم أن مع الاجمال تخرج المطلقات عن الحجية في موضع

(1) التهذيب 4: 290 / 880، الوسائل 10: 539 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 4.
(2) الكافي 4: 176 / 3، الوسائل 10: 540 كتاب الاعتكاف ب 3 ح 7.
(3) التهذيب 4: 290 / 881، الإستبصار 2: 127 / 414، الوسائل 10: 539 كتاب
الاعتكاف ب 3 ح 6.
(4) التهذيب 4: 293 / 891، الإستبصار 2: 128 / 416، الوسائل 10: 539 كتاب
الاعتكاف ب 3 ح 3.
552

الاجمال، إذ هو إنما هو في التخصيص بالمنفصل، وأما بالمتصل - كما في
هذه الصحيحة - فلا، فيبقى قوله: (مسجد جماعة) حجة فيما لم يعلم
خروجه عنه.
وضعف الرضوي.
سلمنا الدلالة والحجية، ولكنهما معارضتان مع الروايات الكثيرة (1)،
وهي أرجح من جهة الموافقة لاطلاق الكتاب العزيز (2)، وهي من
المرجحات المنصوصة.
لا يقال: هما أخصان مطلقا، فيجب التخصيص بهما.
لأنه يوجب خروج الأكثر، وهو غير جائز، مع أن في بعض الأخبار
ذكر مسجد الجماعة بعد ذكر مسجد الرسول والكوفة والمسجد الحرام (3)،
فيكون المراد من مسجد الجماعة غيرها البتة.
وأما ترجيحهما بمخالفة العامة فإنما يفيد لو كانتا مخالفتين لقول
جميعهم أو أكثرهم، وهو غير ثابت.
وأما تضعيف الروايات بالشذوذ فمع فتوى مثل: المفيد والمحقق
واحتمال فتوى الكليني والعماني وشهادة مثل المحقق: بأنه مذهب أعيان
فضلا الأصحاب، الكاشف عن ذهاب جمع من الأعاظم إليه، فدعوى
الشذوذ فاسدة.
ثم لو قطع النظر عن الترجيح فالمرجع أيضا إلى أصالة عدم اشتراط
الزائد عما ثبت اشتراطه، فإذن الترجيح للقول الثاني وعليه الفتوى.

(1) الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3.
(2) البقرة: 187.
(3) الوسائل 10: 538 كتاب الاعتكاف ب 3.
553

بقي الكلام في بيان المسجد الذي يعتكف فيه على هذا القول، فهل
هو المسجد الجامع، كما في ثلاثة أخبار من الأخبار المتقدمة، وعبارة
جمع من الأصحاب (1)؟
أو الجماعة، كما في أربعة من الأخبار، وكلام جمع آخر (2)؟
أو المسجد الأعظم، كما في كلام المفيد؟
لا وجه للأخير، لعدم وروده في رواية، إلا أن يفسر به المسجد
الجامع - كما فسره الشهيد الثاني به في حاشية النافع، وصاحب ديوان
الأدب - وهو الغالب في الأمصار أيضا، أي يتحد الجامع والأعظم، وحينئذ
فيرجع إلى الأول.
فبقي الكلام في تعيين أحد الأولين وبيان المراد منهما، فنقول: يمكن
أن يكون المراد بهما واحدا، وهو إما ما تصلى فيه الجماعة مطلقا، سواء
كانت جمعة أو جماعة عامة البلد - من غير تخصيص بقبيلة أو محلة - أو
جماعة مطلقا. واحتمال إرادته من مسجد جماعة بل ظهوره منه ظاهر.
وفسر المسجد الجامع به أيضا الشهيد الثاني في المسالك (3).
أو ما تصلى فيه صلاة الجمعة. واحتمال إرادته من مسجد الجامع
ظاهر، بل فسره به السنجري في المهذب والفيومي في المصباح المنير
والنووي في التحرير والشهيد الثاني في الروضة (4)، وفسر مسجد الجماعة
به نادر أيضا.

(1) كالمحقق في الشرائع 1: 216، والشهيد الأول في اللمعة (الروضة 2): 150،
والسبزواري في الذخيرة: 539.
(2) نقله عن العماني في المختلف: 251.
(3) المسالك 1: 83.
(4) المصباح المنير 1: 110، الروضة 2: 150.
554

أو ما يجمع أهل البلد، ولا يختص بمحلة أو قبيلة، بل صلى فيه
عامة أهل البلد الجماعة فيه بمقتضى البناء لا بمحض اتفاق مرة أو أكثر.
أو يكون المراد بالجامع أحد الأخيرين، وبالجماعة الأول.
ولا يخفى أن إرادة ما تصلى فيه صلاة الجمعة منهما أو أحدهما
ليست مستندة إلى قاعدة لفظية، فالمتعين إما الأول أو الأخير، ومقتضى
قواعدنا الأصولية: الأول، وطريق الاحتياط والأخذ بالمتيقن: الثاني.
الخامس: استدامة اللبث في المسجد ما دام معتكفا، فلو خرج منه
ولو قليلا بغير الأسباب المبيحة له بطل اعتكافه بالاجماع كما في المعتبر
والتذكرة والمنتهى (1).
للأخبار المستفيضة، كصحيحة أبي ولا د المتقدمة، والأربعة المتعقبة لها.
وفي صحيحة داود: (ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا
لحاجة لا بد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، والمرأة مثل ذلك) (2).
ومثلها صحيحة الحلبي إلى قوله: (حتى يرجع) ثم قال: (ولا يخرج
في شئ إلا لجنازة أو يعود مريضا، ولا يجلس حتى يرجع، واعتكاف
المرأة مثل ذلك) (3) إلى غير ذلك.
وأكثر تلك الأخبار وإن كانت قاصرة عن إفادة الحرمة، إلا أن الاجماع
على الحرمة - أي الشرطية - مضافا إلى ظهور بعضها فيها - كما في قوله:
فماذا أفرض على نفسي (4) - يعين إرادتها من الجميع.

(1) المعتبر 2: 733، التذكرة 1: 284، المنتهى 2: 633.
(2) المتقدمة في ص: 525.
(3) الكافي 4: 178 / 3، الفقيه 3: 122 / 529، التهذيب 4: 288 / 871،
الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 2.
(4) المتقدم في ص 525.
555

وقد يستند إليها في الابطال أيضا، إذ الحرمة الشرعية منتفية، فلا بد
من الشرطية الراجعة إلى الابطال بالارتكاب.
وفيه نظر، لمنع انتفاء الشرعية، ولا بعد في حرمة شئ في فعل
مستحب ما دام فيه.
والأولى في الابطال أيضا الاستناد إلى الاجماع، وإلى المعنى الحقيقي
للاعتكاف، فإنه الحبس واللبث المضادان للخروج.
فروع:
أ: مما ذكر - من منافاة الخروج لمعنى الاعتكاف - تظهر قوة القول
بعدم جواز إخراج البعض أيضا إذا كان منافيا للبث الشخص، كأن يخرج
ومد رجليه إلى المسجد أو أدخل يديه فيه.. وأما لو أخرج رأسه فقط أو
رجليه كذلك فالظاهر عدم صدق الخروج.
ولو أنيط إلى الاجماع أو الأخبار اتجه القول بجواز إخراج البعض
مطلقا، بل لا يبعد جواز إخراج البعض مع الإناطة إلى معنى العكوف أيضا،
إذ هذا القدر من الاخراج لا ينافي العكوف العرفي، بل اللغوي أيضا، حيث
إن العكوف في موضع في ثلاثة أيام مثلا يصدق لغة بخروج هذا القدر من
البدن قطعا.
ب: هل يتحقق الخروج بالصعود إلى سطح المسجد من داخله، أم
لا؟
فيه وجهان، الأول للدروس (1)، والثاني للمنتهى (2). والأحوط:

(1) الدروس 1: 299.
(2) المنتهى 2: 635.
556

الأول، لعدم معلومية صدق المسجد عليه. ويمكن القول بالجواز، لعدم
صدق الخروج عن المسجد.
ج: هل يبطل بالخروج مكرها، أم لا؟
ظاهر الشرائع والقواعد والارشاد: نعم مطلقا (1).
وظاهر المبسوط والمعتبر: لا، كذلك (2).
وعن المختلف والتحرير والتذكرة والشهيد الثاني: التفصيل بطول
الزمان وعدمه (3)، لعدم صدق الخروج المنهي عنه، وعدم الاجماع، وعدم
منافاة الكون في الخارج يسيرا لماهية الاعتكاف.
والأخير محل نظر، لجواز صحة السلب مع مطلق الكون في الخارج.
إلا أنه يمكن أن يقال: إن ذلك وإن كان منافيا لغة، إلا أنه لا ينافيها
شرعا، لتصريح الأخبار بعدم المنافاة لحاجة لا بد منها (4)، وأي حاجة أشد
من دفع ضرر المكره؟! وهو وإن اختص بما إذا كان الاكراه بالتخويف
ونحوه، إلا أنه يتعدى إلى المكره بالاضطرار ورفع الاختيار بالأولوية أو
الاجماع المركب.
د: هل الخروج سهوا ونسيانا مبطل، أم لا؟
أطلق (5) الشيخ والفاضلان والشهيد الأول (6).

(1) الشرائع 1: 217، القواعد 1: 70، الإرشاد 1: 306.
(2) المبسوط 1: 294، المعتبر 2: 736.
(3) المختلف: 254، التحرير 1: 87، التذكرة 1: 290، والشهيد الثاني في
المسالك 1: 84.
(4) الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7.
(5) يعني: جوزوا.
(6) الشيخ في المبسوط 1: 294، والمحقق في المعتبر 2: 736، والعلامة في
التذكرة 1: 292، والشهيد في اللمعة (الروضة 2): 151.
557

وقيل بالفرق بين طول الزمان وعدمه (1).
دليل الأول: نفي الإثم، ولزوم العسر لولاه.
ودليل الثاني: الخروج عن المسمى مع الطول لا بدونه.
والكل منظور فيه، لعدم الملازمة بين انتفاء الإثم والصحة. وعدم
لزوم العسر، إذ لا وجوب في الاعتكاف، غايته البطلان، ولو صح للزم مثله
في بطلان الصلاة بالسهو في الأركان.
ومنع بقاء المسمى بدون طول الزمان، فالبطلان مطلقا أقوى.
ه‍: يجوز الخروج لضرورة وحاجة من نفسه لا بد منها ولا يمكن
فعلها في المسجد، إجماعا فتوى ونصا كما مر، ولطاعة من الله ولو كان
قضاء حاجة الأخ المؤمن، للتصريح ببعض الطاعات في الأخبار
المتقدمة (2)، ودلالته على البواقي بالفحوى أو الاجماع المركب.
والتعليل المذكور في رواية ميمون بن مهران: كنت جالسا عند
الحسن بن علي عليهما السلام فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول الله، إن فلانا له علي
مال ويريد أن يحبسني، فقال: (والله ما عندي مال فأقضي عنك)، قال:
فكلمه، قال: فلبس عليه السلام نعله، فقلت له: يا بن رسول الله، أنسيت
اعتكافك؟ فقال: (لم أنس، ولكن سمعت أبي عليه السلام يحدث عن جدي
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله
تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله) (3).
ومنها يظهر الدليل على استثناء حاجة الغير أيضا. ومنها أو من

(1) انظر المسالك 1: 84.
(2) المتقدمة في ص 524 - 525.
(3) الفقيه 2: 123 / 528، الوسائل 10: 550 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 4.
558

الطاعة: تشييع الأخ ونحوه.
و: لو كان لمكان الحاجة طريق أقرب من الآخر، قالوا: يجب سلوك
الأقرب، وكذا يسلك مسلك الاقتصار على قدر الضرورة، لأن الضرورة
تقدر بقدرها، ولعدم كون الزائد حاجة وضرورة (1).
وهو حسن، إلا أنه لا يلزم ذلك إلا مع إيجابه الخروج عن الاشتغال
بالحاجة عرفا، فلا يجب سلوك الطريق الذي أقرب بذراع وذراعين
ونحوهما مما لا يخرج به عما ذكر عرفا.
ز: الخارج - حيث يجوز - لا يجوز له الجلوس تحت الظل
بلا ضرورة فيه إجماعا، له، ولصحيحة داود المستفسر فيها عما أفرض على
نفسي (2).
وأما الجلوس المطلق فلا دليل على حرمته، والروايتان (3) المتضمنتان
له قاصرتان عن إفادة الحرمة، ولذا خص جماعة المحرم بالمقيد، منهم:
الشيخ في المبسوط والمفيد والديلمي والمعتبر (4)، ونقل عن أكثر
المتأخرين (5).
وتختص الحرمة بالجلوس، فلا يحرم المشي تحت الظلال، وفاقا

(1) المنتهى 2: 634، المسالك 1: 84.
(2) تقدمت في ص 525.
(3) الكافي 4: 176 / 2 و 178 / 3، الفقيه 2: 120 / 521 و 122 / 529، التهذيب
4: 288 / 871 و 290 / 884، الوسائل 10: 549 كتاب الاعتكاف ب 7 ح 1، 2.
(4) المبسوط 1: 293، والمفيد في المقنعة: 363، والديلمي في المراسم: 99،
المعتبر 2: 735.
(5) منهم الشهيد الثاني في الروضة 2: 152، والسبزواري في الذخيرة: 541،
وصاحب الحدائق 13: 472.
559

للشيخين في المقنعة والمبسوط والديلمي وابن زهرة والمختلف والروضة
والحدائق وغيرها (1)، للأصل.
خلافا لجماعة، منهم: الشيخ في أكثر كتبه والسيد والحلبي والحلي
والشرائع والنافع والفاضل في بعض كتبه (2)، ولا مستند لهم إلا حكاية
الاجماع عن الانتصار، وهي غير صالحة للاستناد.
ح: لا يجوز للخارج - حيث يجوز - في غير مكة الصلاة في غير
مسجد اعتكافه، بلا خلاف فيه كما قيل (3)، لصحيحتي منصور (4)
وابن سنان (5)، إلا مع الضرورة، كضيق الوقت، فمعه يصليها حيث أمكن،
وإلا صلاة الجمعة مع وجوبها إذا صليت في غير مسجده، كما صرح به في
بعض الأخبار المتقدمة (6).
وأما في مكة فيصلي إذا خرج لضرروة حيث شاء بلا خلاف، كما
نص به في الصحيحين.

(1) المقنعة: 363، المبسوط 1: 293، الديلمي في المراسم: 99، ابن زهرة في
الغنية (الجوامع الفقهية) 573، المختلف: 255، الروضة 2: 152، الحدائق
13: 472، وانظر الذخيرة: 541 والرياض 1: 334.
(2) الشيخ في النهاية: 172 والجمل والعقود (الرسائل العشر): 222 والاقتصاد:
296، والسيد في الإنتصار: 74، والحلبي في الكافي في الفقه: 187 قال: ولا
يجلس تحت السقف مختارا، والحلي في السرائر 1: 425، الشرائع 1: 217،
المختصر النافع: 73، والفاضل في القواعد 1: 71 والارشاد 1: 306.
(3) كما في الرياض 1: 334.
(4) الكافي 4: 177 / 5، الفقيه 2: 121 / 523، التهذيب 4: 293 / 892،
الإستبصار 2: 128 / 417، الوسائل 10: 551 كتاب الاعتكاف ب 8 ح 3.
(5) الكافي 4: 177 / 4، الفقيه 2: 121 / 522، التهذيب 4: 292 / 890،
الإستبصار 2: 127 / 415، الوسائل 10: 551 كتاب الاعتكاف ب 8 ح 1.
(6) في ص 548 و 549.
560

الفصل الثاني
في جملة من أحكامه
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لا يجب الاعتكاف بالأصل إجماعا وأصلا، وهو قد
يجب بالنذر وشبهه وبالنيابة حيث تجب.
ويشترط في النذر وأخويه إما كونه مطلقا فيحمل على الثلاثة لكونها
أقل المسمى، أو تقييده بثلاثة فصاعدا، أو بما لا ينافي الثلاثة، كنذر يوم أو
يومين من غير تعرض للزيادة، ولو قيد الأقل من الثلاثة بلا أزيد بطل
الاعتكاف من حيث هو اعتكاف.
والواجب منه إن كان وقته معينا فيجب الاتيان به فيه، ويجب بالشروع،
بل يجب الشروع فيه في الوقت، وإلا فكان كالمندوب على الأقوى، للأصل.
وقد اختلفوا في المندوب على أقوال:
أحدها: عدم وجوبه أصلا، بل يجوز له الابطال متى شاء، نقل عن
السيد والحلي والمعتبر والمختلف والمنتهى والتذكرة والتحرير (1).
وثانيها: الوجوب بالشروع، نقل عن المبسوط والكافي للحلبي
والإشارة والغنية (2)، إلا أن الأول صرح بأن له الرجوع متى شاء قبل اليومين

(1) السيد في الناصريات (الجوامع الفقهية): 207، والحلي في السرائر 1: 422،
المعتبر 2: 737، المختلف: 252، المنتهى 2: 637، التذكرة 1: 290،
التحرير 1: 86.
(2) المبسوط 1: 289، الكافي في الفقه: 186، الإشارة: 119 الغنية (الجوامع
الفقهية): 573.
561

إذا شرط، وعن الأخير: الاجماع عليه.
وثالثها: الوجوب بمضي يومين، فلا يجب قبله، ويجب الثالث بعد
اليومين، حكي عن الإسكافي ونهاية الشيخ والقاضي والشرائع (1)، ونسب
إلى أكثر القدماء والمتأخرين (2)، واستفاضت حكاية الشهرة عليه (3).
دليل الأول: الأصل، وبعض الأمور الاعتبارية.
وحجة الثاني: النهي عن إبطال العمل، وإطلاق صحيحة أبي ولا د
المتقدمة (4)، وسائر ما أوجب الكفارة على المجامع في الاعتكاف
بإطلاقه (5)، وإطلاق روايات البجلي وأبي بصير (6) الموجبة لقضاء ما بقي
على الحائض والمريض.
ودليل الثالث: صحيحة الحذاء المتقدمة (7)، وصحيحة محمد: (إذا
اعتكف يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف، وإن أقام
يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ الاعتكاف، وإن أقام
يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يخرج ويفسخ الاعتكاف حتى تمضي

(1) حكاه عن الإسكافي في المختلف: 251، النهاية: 171، القاضي في شرح جمل
العلم: 202، الشرائع 1: 218.
(2) كما في الرياض 1: 334.
(3) كما في التنقيح 1: 404، الروضة 2: 154.
(4) 344 في ص: 524.
(5) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.
(6) يعني روايتي البجلي ورواية أبي بصير، والأوليان في الكافي 4: 179 / 1،
والفقيه 2: 122 / 530، والتهذيب 4: 294 / 893، 894، والثالثة في الكافي
4: 179 / 2، الفقيه 2: 123 / 536، والجميع في الوسائل 10: 554 كتاب
الاعتكاف ب 11 ح 1 - 3.
(7) في ص: 549.
562

ثلاثة أيام) (1).
أقول: دليل الأول مردود بوجوب الخروج عن الأصل مع المخرج،
كما في المقام، فإن الصحيحة مخرجة عنه، وضعف سندها على بعض
الطرق لا يضر مع الصحة على بعض آخر، مع أنه على الآخر أيضا موثقة،
ومع قطع النظر عنه أيضا بالشهرة المحكية منجبرة. وتضعيف دلالتها - لعدم
ظهور: (ليس له) في الحرمة، كما في الذخيرة (2) - مردود بظهورها في نفي
الحلية، سيما في مقابلة قوله: (فله أن يخرج) المثبت لمجرد الحلية
بملاحظة التفصيل القاطع للشركة.
ودليل الثاني مدفوع بمنع حرمة إبطال العمل، كما بينا في موضعه.
ومنع دلالة لزوم الكفارة بالجماع في الاعتكاف على وجوب
الاتمام، إذ لا امتناع في وجوب الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب.
واستبعاد ذلك وتخصيصه بترك الواجب - كما في الحدائق - لا وجه
له.
ومنع دلالة أخبار القضاء على الوجوب، وإنما ورد فيها بالجملة
الخبرية، مع أنه على فرض تسليم دلالة الجميع تكون غايته الاطلاق اللازم
تقييده بالصحيحة المقيدة.
ومنه تظهر قوة القول الثالث، فهو الأقرب.
ثم إن هذا الحكم هل يتعدى إلى كل ثالث - فله الفسخ في اليوم
الرابع دون ما إذا تم الخامس - أو يختص بالثلاثة الأولى؟

(1) الكافي 4: 177 / 3، الفقيه 2: 121 / 526، التهذيب 4: 289 / 879،
الإستبصار 2: 129 / 421، الوسائل 10: 543 كتاب الاعتكاف ب 4 ح 1.
(2) الذخيرة: 539.
563

حكي عن الشيخ والإسكافي والحلبي (1): الأول، لصحيحة أبي ولا د
المتقدمة (2).
وعن السيد عميد الدين: الثاني (3)، وهو الأظهر، للأصل، وعدم
صراحة الصحيحة في الوجوب.
ودعوى عدم القول بالفرق - كما يشعر به كلام صاحب التنقيح (4) -
ممنوعة، بل الفرق موجود من الطرفين، لوجود القول بالوجوب في الأولى
دون غيرها - كما مر - ووجود القول باختصاص الوجوب باليومين في غير
الأولى، وفيها يجب الشروع، كما حكي عن الشيخ والحلبي والغنية (5).
ثم على القول بالتعدي، فهل يتعدى إلى كل ثلاثة، أو يختص
بالثانية؟
صرح الشهيد بالأول (6)، واحتج له في المسالك بعدم القول
بالفرق (7).
ورد بالمنع، وقال بعض شراح الروضة: ولم أر ممن قبل المصنف
تعميم الوجوب لكل ثالث، بل إنما تعرضوا له في السادس.
وظاهر هذا القائل: الثاني، وهو الأظهر، لاختصاص الرواية. بل قيل

(1) الشيخ في المبسوط 1: 290، حكاه عن الإسكافي في المختلف: 251، الحلبي
في الكافي: 186.
(2) في ص: 524.
(3) نقله عنه الشهيد الثاني في المسالك 1: 83.
(4) التنقيح 1: 404.
(5) الشيخ في المبسوط 1: 289، الحلبي في الكافي: 186، الغنية (الجوامع
الفقهية): 573.
(6) الشهيد في الدروس 1: 301.
(7) المسالك 1: 83.
564

بالاختصاص بالمندوب، وأما المنذور فليس كذلك، فلو نذر خمسة
لا يجب السادس، لأن ظاهر الصحيحة المندوب. وفيه نظر.
المسألة الثانية: يستحب للمعتكف أن يشترط في ابتدائه الرجوع
فيه، بالاجماع والمستفيضة، كصحيحتي أبي ولا د ومحمد المتقدمتين (1)،
وصحيحة أبي بصير، وفيها: (وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما
يشترط الذي يحرم) (2).
ورواية عمر بن يزيد: (واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط
عند إحرامك، إن ذلك في اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة
تنزل بك من أمر الله) (3).
وفي اختصاص الشرط بعارض يعد عذرا مسوغا للخروج، أو
بعارض مطلقا، أو الخروج متى شاء، أقوال..
دليل الأول: التشبيه باشتراط المحرم في الصحيحة والرواية، وآخر
رواية عمر بن يزيد (4).
وحجة الثاني: صحيحة أبي ولا د (5)، لظهور أن حضور الزوج ليس
من الأعذار المسوغة للخروج، نعم هو من جملة العوارض.
وحجة الثالث: هذه الصحيحة، لعدم ظهور كون مثل ذلك عارضا،

(1) المتقدمة في ص: 524 و 538.
(2) الكافي 4: 177 / 2، الفقيه 2: 121 / 525، التهذيب 4: 289 / 876،
الإستبصار 2: 128 / 418، الوسائل 10: 552 كتاب الاعتكاف ب 9 ح 1.
(3) التهذيب 4: 289 / 878، وفي الإستبصار 2: 129 / 419، الوسائل 10: 553
كتاب الاعتكاف ب 9 ح 2: أن يحلك من اعتكافك، بدل: إن ذلك في اعتكافك.
(4) كذا، لكن المتضمنة لشتبيه المعتكف بالمحرم هي صحيحة أبي بصير ورواية عمر
ابن يزيد لا غير، راجع الوسائل 10: 552 كتاب الاعتكاف ب 9.
(5) المتقدمة في ص: 524.
565

وإطلاق صحيحة محمد (1) بل ظهورها في عدم العارض، لأن [الثمرة (2)]
- في جواز الرجوع بعد اليومين وعدمه بالاشتراط وعدمه - إنما تظهر مع
عدم الضرورة. ولا ينافيهما التشبيه بالمحرم، لجواز كون التشبيه في أصل
الاشتراط لا كيفيته، بل يثبت ذلك تجويز الخروج مع الشرط بحضور
الزوج.
أقول: أما التفرقة فيظهر وجهها مع تعميم العارض أيضا، فلا يظهر
من الصحيحة الثانية الاطلاق، بل وكذا الأولى، لأن الحكم فيها في واقعة
خاصة متضمنة لنوع عارض، غاية الأمر إجمال الثانية بحسب مطلق العارض
والاقتراح، ولازمه الاقتصار على موضع اليقين - وهو الشرط العارض - لأن
تقييد اليومين فيها يكون بالمجمل المتصل، وحكمه ذلك.
ومن ذلك يظهر ضعف التمسك بالأصل في التعميم بالنسبة إلى مطلق
العارض والاقتراح، فإذن الأقوى هو الثاني.
ولا يرد التشبيه بشرط المحرم، لما مر. ولا ذيل رواية عمر بن يزيد،
لعدم دلالته على الحصر، بل غايته جواز اشتراط ذلك.
ثم الظاهر عدم الفرق في جواز الاشتراط بين الواجب وغيره،
للاطلاق والأصل، لكن محله في الأول: وقت النذر وأخويه لا وقت
الشروع، بخلاف المندوب، فإنه عنده كما هو ظاهر الأخبار، وإنما خص
المنذور بوقت النذر لأن خلو النذر عن هذا الشرط يقتضي لزومه وعدم
سقوطه، فلا يؤثر الشرط الطارئ، سيما مع تعين زمانه.
وأما جواز هذا الشرط عند النذر - مع كونه إجماعيا على الظاهر كما

(1) المتقدمة في ص: 538.
(2) أضفناه لاستقامة المعنى.
566

يفهم من التنقيح (1) أيضا - فللأصل، مع ثبوت مشروعيته في الاعتكاف قبل
النذر.
هذا، وفائدة هذا الشرط جواز الرجوع عند العارض وإن مضى اليومان
بل دخل الثالث.
ولا يجب القضاء في المندوب ولا في الواجب المعين، للأصل. وأما
الواجب المطلق فمختار المعتبر والدروس والمسالك والمدارك (2): وجوب
فعله ثانيا، وله وجه.
المسألة الثالثة: يحرم على المعتكف أمور:
منها: الجماع إجماعا، له، وللآية (3)، والأخبار (4).
والظاهر الاجماع على فساد الاعتكاف به أيضا، وفي الغنية والمنتهى
وعن التنقيح والمفاتيح الاجماع عليه (5)، ويدل عليه أيضا - لو كان في
النهار - أنه يفسد الصوم المشروط في الاعتكاف.
وتؤيده أيضا الأخبار الموجبة للكفارة به، وأن المجامع فيه بمنزلة من
أفطر يوما من شهر رمضان (6). وأما الاستدلال بذلك على الفساد فمحل
تأمل، لجواز ترتب الكفارة على مجرد الحرمة، وكونه بمنزلة المفطر في
وجوب الكفارة.

(1) التنقيح 1: 406.
(2) المعتبر 2: 740، الدروس 1: 301، المسالك 1: 85، المدارك 6: 343.
(3) البقرة: 187.
(4) الوسائل 10: 545 كتاب الاعتكاف ب 5.
(5) الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 638، التنقيح 1: 406، المفاتيح
1: 279.
(6) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 5.
567

والحق بالجماع: الاستمناء بأي نحو كان، وفي الخلاف الاجماع
عليه (1). ولا بأس به إن أريد من حيث التحريم، سيما مع تحريمه بنفسه إن لم
يكن مع حلاله.. وإن أريد من حيث الافساد والكفارة فمشكل، بل الأجود
العدم.
ومنها: الاستمتاع بالنساء لمسا وتقبيلا وغيرهما، بلا خلاف يعرف،
بل عن ظاهر التبيان ومجمع البيان وفقه القرآن والمدارك الاتفاق عليه (2)،
وتدل عليه الآية، للنهي فيها عن المباشرة الشاملة لجميع ذلك.
وظاهر الأصحاب اتفاقهم على اختصاص حرمة الأمرين بما إذا كانا
بشهوة ولا حرمة في الخاليين عنها (3).
وألحق بعضهم بهما النظر بالشهوة (4). ولا وجه له.
وفي فساد الاعتكاف بهما وعدمه قولان:
الأول: عن الخلاف والمعتبر والمنتهى والتذكرة والتحرير والدروس (5)
وابن شهرآشوب في متشابه القرآن، للنهي الموجب للفساد، وأنت خبير
بما فيه.
والثاني: للوسيلة والمختلف وظاهر الشرائع والنافع والقواعد والارشاد
والتلخيص والتبصرة (6)، للأصل السالم عن المعارض، وهو الأقوى.

(1) الخلاف 2: 238.
(2) التبيان 2: 135، مجمع البيان 1: 281، فقه القرآن: 196، المدارك 6: 343.
(3) كالعلامة في التحرير 1: 88، وصاحب المدارك 6: 343، وصاحب الحدائق 13: 491.
(4) نقله العلامة عن ابن الجنيد في المختلف: 253.
(5) الخلاف 2: 229، المعتبر 2: 740، المنتهى 2: 639، التذكرة 1: 294، التحرير 1:
88، الدروس 1: 300.
(6) الوسيلة: 154، المختلف: 253، الشرائع 1: 219، المختصر: 74، القواعد
1: 71، الإرشاد 1: 306، تبصرة المتعلمين: 58.
568

ومنها: البيع والشراء، فالمشهور تحريمه، بل في الحدائق: أنه
لا خلاف فيه (1)، وفي المدارك وعن الانتصار والخلاف والذخيرة الاجماع
عليه (2)، لصحيحة الحذاء المتقدمة (3)، وفي دلالتها على الحرمة نظر.
وحكي عن المبسوط والسرائر واللمعة والروضة: العدم (4)، وفي
النسبة نظر، بل صريح الأول عدم الجواز.
نعم، عبر الثاني بالأولى، ولكن ظاهره الفساد به، وهو ينبئ عن
التحريم أيضا، والأخيران لم يذكراه. فإن ثبت الاجماع فهو وإلا فالكراهة
أظهر، وأظهر منها عدم الفساد به ولا الكفارة.
ومنها: الطيب وشم الرياحين، والكلام فيه كما في سابقه، إلا أن عدم
ثبوت الاجماع فيه أظهر، لعدم نقل إجماع عليه - إلا عن الخلاف (5) -
ومخالفة المبسوط (6).
ومنها: المماراة - وهي المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لاظهار
الغلبة - وهي في نفسها محرمة، وأما من حيث الاعتكاف فالكلام فيها
كسابقها.
ومنها: الاشتغال بالأمور الدنيوية الغير الضرورية والصنائع.
ظاهر المنتهى المنع منها (7)، لفحوى ما يمنع عن البيع والشراء،

(1) الحدائق: 13: 493.
(2) المدارك 6: 344، الإنتصار: 74، الذخيرة: 542.
(3) في ص: 524.
(4) المبسوط 1: 293، السرائر: 98، اللمعة والروضة 2: 157.
(5) الخلاف 2: 240.
(6) المبسوط 1: 293.
(7) المنتهى 2: 639.
569

ولمنافاتها لماهية الاعتكاف، لأنه اللبث للعبادة.
ويضعف الأول: بعدم معلومية العلة. والثاني: بمنع جزئية العبادة،
ولو سلمت لم يسلم الزائد عن الأغلبية اقتضاء، ولذا يجوز له الأكل والنوم
والسكوت إجماعا.
ثم الأولى تركها وترك النظر في معايشه والخوض في المباح زيادة
على قدر الضرورة، ويجوز مع الضرورة البيع والشراء الممنوع عنهما،
ولكن يجب الاقتصار فيهما على ما تندفع به، حتى لو تمكن من التوكيل
فعل، لاندفاع الحاجة معه.
ومنها: فعل القبائح والاشتغال بالمعاصي والسيئات، ولا شك في
حرمته بنفسه، وأما من جهة الاعتكاف فلا دليل عليه.
وأفسد الحلي به الاعتكاف (1)، لما ذكر بجوابه.
ومنها: كل ما يحرم على المحرم، حرمه الشيخ في الجمل (2)، وربما
يحكى عن القاضي وابن حمزة (3)، ولا دليل عليه أصلا، والأصل ينفيه.
وما في التنقيح - من جعله في المبسوط رواية (4) - لا يفيد، لعدم عمله
بها، فلا يكون حجة، وعدم معلومية متنها حتى ينظر في دلالتها.
المسألة الرابعة: يفسده كل ما يفسد الصوم إذا وقع على وجه يفسد
الصوم، من حيث فوات الصوم، الذي هو شرط فيه إجماعا.
المسألة الخامسة: كلما يحرم على المعتكف من حيث إنه معتكف

(1) الحلي في السرائر 1: 426.
(2) الجمل والعقود (الرسائل العشر): 222.
(3) ابن حمزة في الوسيلة: 154، القاضي في المهذب 1: 204 وحكاه عنهما في
المختلف: 253.
(4) التنقيح 1: 406.
570

فإنه يحرم ليلا ونهارا، لدخول الليالي في الاعتكاف. وأما ما وجب الامساك
عنه باعتبار الصوم فإنما يمسك عنه في النهار، لأنه زمان الصوم.
المسألة السادسة: هل يختص ما يحرم بالاعتكاف الواجب، أم
يتناول المندوب أيضا؟
قيل: إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي الثاني (1).
أقول: إن كان المحرم مفسدا للاعتكاف فيتعين الحكم بعدم حرمته
في المندوب، لعدم حرمة إفساده.
وما كان غير مفسد، فما كان فيه إطلاق على التحريم - كالنساء والبيع
والشراء والطيب بناء على دلالة الصحيحة (2) - فيحرم مع قصد بقاء
الاعتكاف، للاطلاق.
وما لم يكن فيه إطلاق بل كان للاجماع - كالبيع والشراء على عدم
تمامية دلالة الصحيحة - فيختص بالواجب، لعدم ثبوت الاجماع في غيره.
المسألة السابعة: لا يصح اعتكاف العبد بدون إذن مولاه، ولا الزوجة
بدون إذن زوجها، لمنافاته للحق الواجب عليهما. وأما الولد بدون إذن
والديه فإنما يصح حيث يكون مع الصوم الواجب، أما مع المندوب
فلا يصح من حيث اشتراط الصوم بالإذن كما مر (3).
المسألة الثامنة: تجب الكفارة بالجماع للاعتكاف من حيث هو - ليلا
كان أو نهارا - بلا خلاف كما صرح به جماعة (4)، بل بالاجماع كما عن

(1) كما في الحدائق 13: 495.
(2) المتقدمة في ص: 549.
(3) راجع ص 548.
(4) منهم السيوري في التنقيح 1: 407، والشهيد الثاني في المسالك 1: 85،
والسبزواري في الذخيرة: 542.
571

الانتصار والغنية وفي التذكرة والمنتهى وغيرها (1)، للاجماع، والمستفيضة،
كصحيحتي أبي ولا د السابقة (2)..
وزرارة: عن المعتكف يجامع أهله؟ قال: (إذا فعل فعليه ما على
المظاهر) (3).
وموثقة سماعة: عن معتكف واقع أهله، قال: (هو بمنزلة من أفطر
يوما من شهر رمضان) (4).
والأخرى مثل الأولى، إلا أنه زاد فيها: (متعمدا، عتق رقبة أو صوم
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) (5).
وهل الواجب عليه كفارة الظهار، كما في الصحيحين؟ أو الافطار،
كما في الموثقين؟
الأول: محكي عن المقنع (6) واختاره جماعة من المتأخرين (7).
والثاني: هو المشهور كما صرح به جماعة (8)، وعن الغنية والمنتهى

(1) الإنتصار: 73، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، التذكرة 1: 294، المنتهى 2:
640، وانظر شرح الجمل: 202.
(2) راجع ص 524.
(3) الكافي 4: 179 / 1، الفقيه 2: 122 / 532، التهذيب 4: 291 / 887،
الإستبصار 2: 130 / 424، الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 1.
(4) الكافي 4: 179 / 2، الفقيه 2: 123 / 534، التهذيب 4: 291 / 886،
الإستبصار 2: 130 / 423، الوسائل 10: 547 كتاب الاعتكاف ب 6 ح 2.
(5) التهذيب 4: 292 / 888، الإستبصار 2: 130 / 425، الوسائل 10: 547 كتاب
الاعتكاف ب 6 ح 5.
(6) حكاه عنه العلامة في المختلف: 254.
(7) منهم الشهيد الثاني في المسالك 1: 86، وصاحب المدارك 6: 350،
والكاشاني في المفاتيح 1: 279.
(8) منهم صاحب الحدائق 13: 496، وصاحب الرياض 1: 336.
572

والتذكرة: الاجماع عليه (1).
والحق هو: الأول، للصحيحين الصريحين. واحتمال إرادة التشريك
مع المظاهر في أصل الكفارة أو المقدار بعيد غايته.
ويجاب عن الموثقتين بعدم الدلالة:
أما الأولى، فواضح، لاحتمال كونه بمنزلته في التأثيم أو مطلق التكفير
أو القدر، وعموم المنزلة لم يثبت عندي، ولو ثبت فالتخصيص لازم
بالصحيحين.
وأما الثانية، فلعدم صراحة دلالتها على الوجوب أولا. واحتمال
إرادة بيان أقسام الأشخاص من لفظة (أو) ثانيا، فيكون للتقسيم دون
التخيير.
وأما التمسك بأصالة عدم الترتيب فمردود بأصالة عدم التخيير أيضا،
لأنه أيضا أمر حادث، فنسبة الأصل إليهما على السواء.
ولو كان الجماع في نهار رمضان لزمته كفارتان - إحداهما للصوم
والأخرى للاعتكاف - بالاجماع كما عن الانتصار والخلاف والغنية
والمنتهى (2).
لرواية عبد الأعلى: عن رجل وطئ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر
رمضان، قال: (عليه الكفارة)، قلت: فإن وطئها نهارا؟ قال: (عليه
كفارتان) (3).

(1) الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى 2: 640، التذكرة 1: 294.
(2) الإنتصار: 73، الخلاف 2: 238، الغنية (الجوامع الفقهية): 573، المنتهى
2: 640.
(3) الفقيه 2: 122 / 533، التهذيب 4: 292 / 889، الوسائل 10: 547 كتاب
الاعتكاف ب 6 ح 4.
573

ولعمومات وجوبها بالجماع في كل من نهار رمضان والاعتكاف (1)،
وعدم فائدة أصالة التداخل لاختلاف الكفارتين، مع أن الأصل بالرواية
المذكورة زائل.
وكذا تجب كفارتان لو وقع في أيام صوم النذر المعين، أو قضاء
رمضان بعد الزوال، أو كان الاعتكاف واجبا بمثل النذر، إحداهما:
للاعتكاف، والأخرى: للسبب الآخر.
والدليل: عمومات كفارة كل من الأمرين، لا الرواية، لظهورها في
نهار رمضان.. وعلى هذا فيمكن التداخل فيما أمكن، على القول بأصالته،
كما هو المختار.
والظاهر اختصاص التعدد بما ذكر.
وعن الحلي والسيد والشيخ في غير النهاية والصدوق والإسكافي
والقاضي وابني زهرة وحمزة: إطلاق التعدد في النهار (2)، بل عن الخلاف
والغنية الاجماع عليه، لاطلاق الرواية.
وضعفه ظاهر، لظهورها في نهار رمضان.
وقيل: لأن في النهار صوما واعتكافا (3).
وفيه: أن مطلق الصوم لا تترتب على إفساده كفارة.

(1) الوسائل 10: 546 كتاب الاعتكاف ب 6.
(2) الحلي في السرائر 1: 425، والسيد في الإنتصار: 73، والشيخ في المبسوط
1: 294، والخلاف 2: 238، والاقتصاد: 296، والجمل والعقود (الرسائل
العشرة): 222، والصدوق في الفقيه 1: 122، ونقله عن الإسكافي في
المختلف: 254، والقاضي في المهذب 1: 204، وابن زهرة في الغنية (الجوامع
الفقهية): 573، وابن حمزة في الوسيلة: 153.
(3) كما في الدروس 1: 303.
574

ويظهر من المقنع والإسكافي أن بذلك رواية (1).
وهي أيضا غير مفيدة بعد عدم معلومية متن الرواية، واحتمال
إرادتهما الرواية السابقة.
وهل يختص وجوب كفارة الاعتكاف مع الجماع بما إذا وجب معينا
بنذر أو مضي اليومين أو مطلق؟
ظاهر الروايات إطلاقا بل عموما: الثاني، ولا استبعاد فيه.
وتختص كفارة الاعتكاف بالجماع، فلا كفارة واجبة في ارتكاب غيره
من مفطرات الصوم أو مفسدات الاعتكاف أو محرماته، للأصل السالم عن
المعارض جدا.
المسألة التاسعة: إذا حاضت المرأة في أثناء الاعتكاف خرجت من
المسجد إلى بيتها، وهكذا المريض، حتى إذا طهرت وبرئ، قالوا: وجب
الرجوع لقضائه، إما مطلقا، كجماعة (2)، أو مع وجوب الاعتكاف،
كآخرين (3).
والأحوط: الأول، وإن كان أصل القضاء احتياطا أيضا، لقصور
الأخبار (4) المتضمنة له لإفادة الوجوب، ولكنه مما ذكره الأصحاب.
والمقضي جميع زمان الاعتكاف إن لم تمض ثلاثة أيام، وإلا

(1) نقله عنهما في المختلف: 254، ولم نجده في المقنع، ولكن وجدناه في الفقيه
2: 254.
(2) منهم الشيخ في النهاية: 172، والمحقق في النافع: 74، وصاحب الرياض 1:
335.
(3) منهم العلامة في المنتهى 2: 636، والسبزواري في الذخيرة: 542، وصاحب
الحدائق 13: 477.
(4) الوسائل 10: 554 كتاب الاعتكاف ب 11.
575

فالمتروك خاصة.
خصنا الله سبحانه بأنظار رحمته، وتجاوز عن سيئاتنا بعميم مغفرته.
تم كتاب الصوم والاعتكاف من مستند الشيعة في أحكام الشريعة في
ضحوة يوم الثلاثاء رابع عشر شهر رجب المرجب سنة 1239
على هاجرها ألف سلام وتحية.
576