الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٣٢
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق : محمود القوچاني / تصحيح : السيد إبراهيم الميانجي
الطبعة: الثانية
سنة الطبع: ١٣٦٦ ش
المطبعة: آيدا
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
(في شرح شرايع الاسلام)
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266 من الهجرة
تصحيح وتحقيق وتعليق
محمود القوچاني
عنى بتصحيحه: العالم الفاضل السيد إبراهيم الميانجي
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه، وطبع
بنفقة
المكتبة الاسلامية الجزء الثاني والثلاثون 32
طهران شارع البوذرجهري
تليفون 521966 - 535448
جميع حقوق الطبع محفوظة للناشر
طهران المطبعة الاسلامية
1

بسم الله الرحمن الرحيم
(القسم الثالث)
من الأقسام التي بنى عليها الكتاب (في الايقاعات) جمع إيقاع، وهو
اللفظ الدال على إنشاء خاص من طرف واحد (وهي أحد عشر كتابا) أولها
(كتاب الطلاق)
الذي قيل: إنه لغة حل عقد، ويطلق على الارسال والترك، يقال: ناقة
طالق: أي مرسلة ترعى حيث تشاء، وطلقت القوم: إذا تركتهم، وشرعا إزالة قيد
النكاح بصيغة " طالق " وشبهها، وفي الصحاح بعد أن ذكر له معان متعددة قال:
" وطلق الرجل زوجته تطليقا، وطلقت هي بالفتح تطلق طلاقا فهي طالق وطالقة
- إلى أن قال -: وقال الأخفش: لا يقال: طلقت بضم اللام " وفي المسالك " عن
ديوان الأدب أنه لغة ".
2

وعلى كل حال فظاهره أنه بمعنى فراغ (ق) الامرأة من اللغة أيضا، وهو
كذلك كما حقق في محله أنه ليس في العقود والايقاعات حقيقة شرعية، ضرورة
وجودها في هذه المعاني قبل زمن النبي صلى الله عليه وآله، ولكن اعتبر في الصحيح منها أمورا،
وبهذا المعنى جعله الأصحاب معنى شرعيا مقابلا للمعنى اللغوي
هذا وقد عرفت في كتاب البيع الخلاف في أن البيع اسم للنقل أو للعقد أو
للأثر الحاصل منه، وأن الأصح الأول، ومثله يأتي في المقام، وإن لم نقل بشرعية
المعاطاة فيه بخلاف البيع، لكن ذلك لا ينافي كونه اسما لانشاء فراق الامرأة وإن
اعتبر الشارع في الصحيح منه الصيغة الخاصة (1) ومن ذلك يظهر لك ما في التعريف
المزبور من المعلوم بناؤه على التسامح، والأمر سهل بعد أن تكرر منا في العقود
خصوصا البيع ما يستفاد منه تحقيق الحال في ذلك وفي غيره من المباحث، فلاحظ
وتأمل.
(و) كيف كان فتمام (النظر) في هذا الكتاب يكون (في الأركان
والأقسام واللواحق، وأركانه أربعة:

(1) كما ستسمع انشاء الله ما في النصوص من حصر الطلاق بقوله: " أنت طالق "
(منه رحمه الله).
3

(الركن الأول)
(في المطلق)
(ويعتبر فيه شروط أربعة:)
(الأول:)
(البلوغ) بلا خلاف أجده فيه في الجملة، بل الاجماع بقسميه عليه والنصوص
به مستفيضة أو متواترة، ففي خبر السكوني (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " كل طلاق
جائز إلا طلاق المعتوه والصبي أو مبرسم أو مجنون أو مكره " وخبر أبي الصباح
(2) عنه عليه السلام أيضا " ليس طلاق الصبي بشئ " وخبر أبي بصير (3) عنه عليه السلام أيضا " لا يجوز
طلاق الصبي والسكران "
(فلا اعتبار بعبارة الصبي) قبل تمييزه قطعا، بل وبعده (قبل بلوغه عشرا)
وإن حكي عن ابن الجنيد أنه أطلق صحة طلاقه مع تمييزه، لمضمر سماعة (4)
" سألته عن طلاق الغلام ولم يحتلم وصدقته، فقال: إذا طلق للسنة ووضع الصدقة
في موضعها وحقها فلا بأس وهو جائز " وموثق ابن بكير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام
" يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل وصدقته ووصيته وإن لم يحتلم " لكن في مرسل
ابن أبي عمير (6) الذي هو بحكم الصحيح عند الأصحاب عن أبي عبد الله عليه السلام " يجوز

(1) الوسائل الباب - 32 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 1 - 4.
(2) الوسائل الباب - 32 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 32 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 1 - 4.
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 - 2.
(5) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 راجع الاستبصار ج 3 ص 303
(6) الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 - 2.
4

طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين " بل عن الشيخ روايته عن ابن بكير وتبعه في
المسالك وإن قيل: إنه وهم وعلى كل حال فيقيد به إطلاق النصوص السابقة.
ولعله إلى ذلك أشار المصنف بقوله: (وفيمن بلغ عشرا عاقلا وطلق للسنة
رواية بالجواز فيها ضعف) وإلا فليس فيما حضرنا من النصوص خبر جامع للوصفين،
وحكي عن الشيخين وجماعة من القدماء العمل بذلك، إلا أن المشهور بين المتأخرين
بل لعل عليه عامتهم اعتبار البلوغ بالعدد أو بالاحتلام أو بغير ذلك من أماراته لقوة
الاطلاق السابق المؤيد بنصوص (1) رفع القلم الشامل للوضعي والتكليفي، وبالأصول،
وبعدم الفرق بين الطلاق وغيره من العقود التي قد عرفت سلب عبارة الصبي فيها،
وبالشهرة العظيمة، وبخبر الحسين بن علوان (2) المروي عن قرب الإسناد، عن جعفر
ابن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام " لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم " بل لا يبعد
من ذلك إرادة بيان إمكان صحة طلاق الصبي إذا بلغ عشرا عاقلا ولو لبعض الأمزجة
في بعض البلدان التي ينبت فيها الشعر أو يحصل فيها الاحتلام، فلا ريب حينئذ
في أن ذلك هو الأقوى، وإن وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين بتوهم أنه مقتضي
الجمع بين النصوص بعد حمل مطلقها على مقيدها، وفيه أنه فرع المكافئة على
أنه غير تام في خبر قرب الإسناد منها، كما هو واضح
(و) كيف كان ف‍ (لو طلق وليه) عنه (لم يصح) بلا خلاف فيه منا
بل الاجماع بقسميه عليه، (ل‍) لنبوي المقبول (3) " الطلاق بيد من أخذ بالساق "
الدال بمقتضى الحصر على " اختصاص الطلاق بمالك البضع) على وجه ينافي الطلاق

(1) الوسائل الباب - 36 - من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب
القصاص والباب - 8 - من أبواب مقدمات الحدود من كتاب الحدود والباب - 4 - من أبواب
مقدمة العبادات الحديث 11 من كتاب الطهارة.
(2) الوسائل الباب - 32 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
(3) كنز العمال ج 5 ص 155 - الرقم 3151.
5

بالولاية دون الوكالة التي هي في الحقيقة طلاق من المالك عرفا، بل لو سلم تناوله
لمنع الوكالة أيضا كفى في خروجها عن ذلك النص (1) والاجماع، فيبقى الطلاق
بالولاية على المنع الذي لا ينافيه عموماتها بعد فرض ظهور الخبر المزبور
بالتخصيص، كل ذلك مع التأييد باستصحاب بقاء النكاح المبني على الشهوة
(و) التلذذ لخصوص الزوج على وجه لا يقوم الولي مقامه في ذلك بعد فرض (توقع
زوال حجره غالبا) فلا مصلحة - حتى تعطيل الزوجة - تقتضي قيام الولي مقامه
في ذلك.
وبذلك يظهر لك وجه الحكمة في الفرق بينه وبين من اعتراه الجنون المطبق
بعد بلوغه، باعتبار عدم أمد له ينتظر الذي ستعرف قيام الولي عنه في ذلك.
بل (و) به يظهر لك الوجه فيما ذكره المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا
شهرة عظيمة من أنه (لو بلغ فاسد العقل طلق وليه مع مراعاة الغبطة) بل عن
فخر المحققين الاجماع على ذلك (و) إن (منع منه قوم): منهم الشيخ في المحكي
عن خلافه، وابن إدريس بل ادعى أولهما الاجماع عليه (و) لكن (هو) كما
ترى (بعيد) عن مذاق الشرع، ضرورة منافاته لمصلحة الزوج والزوجة بلا أمد ينتظر
بل قيل: ولصحيح أبي خالد القماط (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " الرجل الأحمق
الذاهب العقل أيجوز طلاق وليه عليه؟ قال: ولم لا يطلق؟ قلت: لا يؤمن أن طلق
هوان يقول غدا: لم أطلق أولا يحسن أن يطلق، قال: ما أرى وليه إلا بمنزلة
السلطان " وخبره الآخر (3) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " رجل يعرف رأيه مرة
وينكر أخرى يجوز طلاق وليه عليه، قال: ماله هو لا يطلق؟ قلت: لا يعرف حد
الطلاق، ولا يؤمن عليه إن طلق اليوم أن يقول غدا لم أطلق، قال عليه السلام: ما أراه إلا
بمنزلة الإمام، يعني الولي " المراد منهما كونه بمنزلة الإمام في الطلاق عنه كما

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
6

صرح به في خبره الثالث (1) عنه عليه السلام أيضا " في طلاق المعتوه، قال: يطلق عنه وليه
فإني أراه بمنزلة الإمام " وخبر شهاب بن عبد ربه (2) عنه عليه السلام أيضا " المعتوه
الذي لا يحسن أن يطلق يطلق عنه وليه على السنة " الحديث.
لكن في المسالك المناقشة بعدم وضوح دلالتها، فإن السائل وصف الزوج
بكونه ذاهب العقل ثم يقول له الإمام: " ماله لا يطلق؟ " مع الاجماع على أن
المجنون ليس له مباشرة الطلاق ولا أهلية التصرف، ثم يعلل السائل عدم طلاقه
بكونه ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده، ثم يجيبه بكون الولي بمنزلة السلطان
قلت: قد يقال: إن المراد بالمعتوه ناقص العقل من دون جنون، قال في محكي
المصباح المنير: " عته عتها من باب تعب وعتاها بالفتح: نقص عقله من غير جنون
أو دهش " وعن التهذيب " المعتوه المدهوش من غير مس أو جنون " وعن القاموس
" عته فهو معتوه: نقص عقله أو فقد أو دهش " إلى غير ذلك من كلماتهم التي تقضي
بالفرق بين العته والجنون، وحينئذ لا يبعد أن يكون المراد منه من لا عقل له كامل
ومثله يصح مباشرته للطلاق لكن بإذن الولي، لأنه من السفيه فيه كالسفيه في المال.
وعلى هذا لا يكون إشكال في النصوص المزبورة، بل ربما يكون ذلك جمعا
بين ما دل على أنه " لا طلاق له " كما في جملة من النصوص (3) وبين ما دل على
جواز طلاقه من النصوص السابقة (4) وغيرها كخبر أبي بصير (5) عن أبي عبد الله
عليه السلام " أنه سئل عن المعتوه أيجوز طلاقه؟ فقال: ما هو؟ فقلت: الأحمق الذاهب
العقل، فقال: نعم " بإرادة الصحة من ذلك مع الإذن من الولي، لعدم سلب عباراته باعتبار
عدم جنونه، وإنما أقصاه النقص الموجب للسفه في ذلك، وعدمها من تلك النصوص
مع عدم الإذن، فيثبت حينئذ سفه في الطلاق، ولا عيب في ذلك، غير أني لم أجده
مصرحا به في كلام الأصحاب، نعم ربما كان ظاهر بعض متأخري المتأخرين بل

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 2 -. -.
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 2 -. -.
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 2 -. -.
(4) الوسائل الباب - 34 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث - 0 -.
(5) الوسائل الباب - 34 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث.
7

قد يقال: بإرادته من مثل المتن، للتعبير عنه بفاسد العقل، وهو غير الجنون
الذي ذكره بعد ذلك في الشرط الثاني، واحتمال أنه ذكره هنا باعتبار اتصال فساد
عقله بحال الصبا يدفعه أن البحث حينئذ من هذه الجهة في كون الولاية حينئذ للأب
والجد مثلا أو للحاكم لا في طلاق الولي عنه وعدمه الذي ذكره المصنف
وعلى كل حال لا إشكال في دلالة النصوص المزبورة على صحة طلاق الولي
عنه، فما سمعته من الشيخ وابن إدريس - من عدم جوازه لخبر (1) " الطلاق بيد
من أخذ بالساق " وظهور قوله تعالى (2) " فإن طلقها فلا تحل له " إلى آخرها في
وقوع الطلاق منه، ولمشاركته للصبي في المعنى وللاجماع المحكي عن الشيخ -
واضح الضعف، ضرورة أنه لو سلم دلالة الخبر المزبور على نفي طلاق الولي فالنصوص
المزبورة حاكمة عليه، وكذا الآية التي هي أضعف دلالة من الخبر على ذلك،
والقياس على الصبي مع أنه غير جائز يدفعه أنك قد عرفت الفرق بينهما، مضافا
إلى النصوص، والاجماع مع وهنه بمصير المشهور إلى خلافه حتى من حاكيه في
غير الكتاب معارض بما عن الفخر من الاجماع على الجواز هذا، ولا يخفى عليك
أنه بعد تنزيل النصوص المزبورة على ما ذكرناه تدل بالأولوية حينئذ على جواز
طلاق ولي المجنون عنه، كما هو واضح
(الشرط الثاني)
(العقل) بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه (فلا
يصح طلاق المجنون) مطبقا أو أدوارا حال جنونه (ولا السكران ولا من زال
عقله باغماء أو شرب مرقد) أو نوم أو نحو ذلك (لعدم القصد) الذي يترتب

(1) كنز العمال ج 5 ص 155 الرقم 3151.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 23.
8

عليه الحكم، بعد استفاضة النصوص (1) على أنه " لا طلاق لهم ".
بل (ولا يطلق الولي عن السكران) وشبهه (ل‍) لأصل وللنبوي (2)
بناء على ظهوره في ذلك، ولفحوى المنع في الصبي باعتبار (أن زوال عذره غلب)
مثله (ف‍) له أمد يرتقب، بل (هو) حينئذ (كالنائم) الذي لا إشكال ولا خلاف
في عدم جواز طلاق الولي عنه، بل (و) لا غيره من التصرفات المالية فضلا عن
مثل الطلاق.
نعم (يطلق) الولي (عن المجنون) لنصوص المعتوه (3) أو لفحواها
التي منها ما قد عرفت، ومنه يعلم ضعف المحكي عن الشيخ وابن إدريس من عدم
الجواز، للأدلة التي قد سمعت أيضا ما فيها.
(ولو لم يكن له ولي) من أب أو جد (طلق عنه السلطان أو من نصبه
للنظر في ذلك) وظاهره كغيره عدم الفرق هنا بين المتصل جنونه بالبلوغ وعدمه،
وقد عرفت الكلام فيه في غير المقام، أما فيه فقد يقال: إن ظاهر ما سمعته من نصوص
المعتوه (4) خصوصا الأخير منها ذلك، ولا ينافيه تنزيله منزلة الإمام المشعر
بأن للإمام ذلك أيضا بعد قوة احتمال إرادة أنه بمنزلته، حيث يكون له الولاية،
وإلا فمن المعلوم أن السلطان ولي من لا ولي له، فلا شركة بينهما فيها، فتأمل
جيدا فإنه يمكن أن يستدل بما هنا على غير المقام بعد الاجماع على عدم الفصل،
فيقال: إن ولاية المجنون مطلقا للأب والجد من غير فرق بين المتصل والمنفصل.
والمراد بالمجنون الذي يطلق عنه الولي المطبق.
أما الأدواري فإذا كان له حال عقل كامل يرتقب فالظاهر كونه كالسكران
حينئذ لأن له أمدا يرتقب، وللنبوي (5) وغيره وإن أطلق المصنف وغيره، نعم
لو فرض تأثير حال جنونه في حال إفاقته على وجه يكون كالمعتوه اتجه حينئذ جوازه

(1) الوسائل الباب - 34 و 36 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) كنز العمال ج 5 ص 155 الرقم 3151.
(3) الوسائل الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق.
(4) الوسائل الباب 35 من أبواب مقدمات الطلاق.
(5) كنز العمال ج 5 ص 155 الرقم 3151.
9

عنه أيضا، كما أن المتجه - بناء على عدم ظهور النبوي في نفي طلاق الولي كالوكيل
وإنما هو بالنسبة للفضولي ونحوه - صحته منه حينئذ، لاطلاق أدلة الولاية أو
عمومها، فمن الغريب ما في المسالك من الجزم بعدم جوازه عنه، مع قوله بعدم
ظهور النبوي في نفي ذلك، وأغرب منه احتمال تنزيل نصوص المعتوه على الأدواري،
فالتحقيق حينئذ ما عرفت من عدم جواز طلاق الولي عنه، لكن في قواعد الفاضل
" لو امتنع من الطلاق وقت إفاقته مع مصلحة الطلاق ففي الطلاق عنه - أي حال
الجنون - إشكال " وفيه ما لا يخفى، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الولاية عليه.
بقي شئ، وهو ثبوت الولاية في غير المقام على المغمى عليه والسكران
وشارب المرقد وعدمه، وفيه وجهان قد يستفاد من فحوى ما هنا عدمها في غيره
حتى المال، مضافا إلى الأصل وغيره، ولعله كذلك فيما لا ضرر في انتظاره، أما
غيره فثبوت الولاية فيه قوي، والله العالم.
(الشرط الثالث)
(الاختيار) بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى النصوص العامة مثل " رفع عن أمتي " (1) والخاصة كحسن زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن طلاق المكره وعتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق، ولا
عتقه بعتق " الحديث. وخبر عبد الله بن الحسن (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يجوز
الطلاق في استكراه - إلى أن قال -: إنما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه
ولا إضرار على العدة والسنة على طهر بغير جماع وشاهدين، فمن خالف هذا فليس

(1) الوسائل الباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
(2) الوسائل الباب - 37 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 18 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6 عن يحيى بن
عبد الله بن الحسن.
10

طلاقه بشئ، يرد إلى كتاب الله عز وجل " والمرسل (1) عنه عليه السلام " لو أن رجلا
مسلما مر بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتى يتخوف على نفسه أن يعتق أو يطلق
ففعل لم يكن عليه شئ " وفي آخر (2) " لا يقع الطلاق بإكراه ولا إجبار ولا مع
سكر ولا على غضب " إلى غير ذلك من النصوص.
(فلا يصح طلاق المكره) حينئذ بلا خلاف ولا إشكال، والمرجع فيه كغيره
من الألفاظ التي هي عنوان لحكم شرعي إلى العرف واللغة، إذ ليس له وضع
شرعي ولا مراد، وقد قيل: إن الاكراه لغة حمل الانسان على ارتكاب ما يكرهه
بتخويفه مما يحذره.
ولكن جرت عادة المصنفين من العامة والخاصة التعرض لموضوعه في المقام
وقد أشار المصنف وغيره إلى اعتبار أمور فيه منها يظهر المراد به، فقال: (ولا
يتحقق الاكراه ما لم تحصل أمور ثلاثة: كون المكره قادرا على فعل ما توعد به)
بولاية أو تغلب أو نحوهما، وزاد بعضهم مع عجز من هدد عن دفعه بنحو فرار أو
مقاومة أو استغاثة (وغلبة الظن أنه يفعل ذلك مع امتناع المكره، وأن يكون
ما توعد به مضرا بالمكره في خاصة نفسه أو من يجري مجرى نفسه كالأب والولد، سواء كان
ذلك الضرر قتلا أو جرحا أو شتما أو ضربا، و) لكن الاكراه بالأخيرين (يختلف
بحسب منازل المكرهين في احتمال الإهانة) وعدمه، فرب وجيه تنقص فيه

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 عن إبراهيم بن
هاشم عن ابن أبي عمير أو غيره، عن عبد الله بن سنان وفي الكافي ج 6 ص 126 عن إبراهيم بن
هاشم، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي عمير أو غيره، عن عبد الله بن سنان.
(2) وردت هذه الجملة في الفقيه ج 3 ص 321 عقيب رواية محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام، وفرق بينها وبين الرواية في طبعة النجف، كما وأنه نقل الرواية في
الوسائل في الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 9 من دون تتميمها بهذه
الجملة، إلا أن صاحب الحدائق (قده) استدل بهذه الفقرة بعنوان رواية محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام. والله العالم.
11

الشتمة الواحدة فضلا عن الضربة بخلاف المبتذل، وليس كذلك الجرح والقتل
اللذان يستوي فيهما جميع الناس من جهة الألم.
ولا يخفى عليك أن إيكال الأمر إلى ما سمعت أولى، ضرورة عدم اعتبار
غلبة الظن بالفعل، بل يكفي تحقق الخوف كما سمعته في المرسل (1) فضلا عن
العرف، بل لا يعتبر فيه أيضا عدم التمكين من الفرار عن بلاده أو التوسل بالغير
أو نحو ذلك مما فيه ضرر عليه أيضا، وبالجملة تحديد مثل ذلك على وجه جامع
متعذر أو متعسر، فايكال عنوان الحكم في النص والفتوى إلى العرف أولى.
(و) لا ريب في تحققه بالتخويف بأخذ المال المعتد به أو المضر به على اختلاف
القولين وإن تركه المصنف، بل عن بعض العامة التصريح بأنه ليس إكراها، لكنه
كما ترى.
نعم (لا يتحقق الاكراه مع الضرر اليسير) الذي لا يستحسن العقلاء فعل
المكره عليه لأجله ولا يعد مثله إكراها في العرف، كل ذلك في الاندراج تحت
لفظ الاكراه، وإلا فقد عرفت العنوان في النص به وبالاضرار، ولا ريب في تحقق
الأخير في الخوف على المال المزبور.
وكيف كان فيستثنى من الحكم بالبطلان الاكراه بحق، ولعل منه ما في خبر
محمد بن الحسن الأشعري (2) قال: " كتب بعض موالينا إلى أبي جعفر عليه السلام معي أن
امرأة عارفة أحدث زوجها فهرب، فتبع الزوج بعض أهل المرأة فقال: إما طلقت
وإما رددتك فطلقها ومضى الرجل على وجهه، فما ترى للمرأة؟ فكتب بخطه عليه السلام
تزوجي يرحمك الله تعالى " وعن بعض الناس أن منه أيضا التهديد بقتل أو قطع
مستحق عليه وقد يقال: إنه ليس إكراها أصلا، وعلى كل حال فالطلاق الواقع
بسببه صحيح.

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 راجع التعليقة (1)
من ص 11.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
12

ولا إشكال في ترتب الحكم على لفظ المكره بحق بعد أن جعله الشارع من
الأسباب، من غير فرق بين العقود والايقاعات وغيرها، كالاسلام الحاصل من التلفظ
بالشهادتين ولو إكراها، لكن في المسالك " لا يخلو ذلك من غموض من جهة
المعنى وإن كان الحكم به ثابتا من فعل النبي صلى الله عليه وآله فما بعده، لأن كلمتي الشهادة
نازلتان في الإعراب عما في الضمير منزلة الإقرار، والظاهر من حال المحمول عليه
بالسيف أنه كاذب، لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا وصحبة المسلمين
والاطلاع على دينهم يوجب له التصديق القلبي تدريجا فيكون الاقرار اللساني سببا
في التصديق القلبي " قلت: قد يقال إن ظاهر الأدلة الحكم باسلام قائلهما ما لم يعلم
كذبه، فالمنافق المعلوم حاله لا إشكال في كفره، نعم لا عبرة بالظاهر المزبور،
إذ يمكن مقارنة الاسلام واقعا للاكراه الظاهري، بل يمكن صيرورته داعيا له في
الواقع، وحينئذ فلا غموض، ودعوى تنزيلهما منزلة الاقرار بالنسبة إلى ذلك
ممنوعة، نعم هي سبب شرعي في الحكم بالاسلام وحقن المال والدم ما لم يعلم مخالفة
باطن قائلها.
ثم لا يخفى عليك أن لفظ المكره كغيره من الألفاظ يراد به المحمول على
المكروه له واقعا، ولكن اكتفي في تحققه بظاهر الحال المستفاد من تعقب الفعل
للتهديد، فلو فرض حصول ما يرفع الظهور المزبور منه حكم بصحة الطلاق،
للعمومات بناء على أن الكراهة مانع ولم يتحقق، أو حصول ما يظهر منه الاختيار
بناء على أنه الشرط، ويكفي في الحكم بتحققه ظهوره، وعلى كل حال فقد ذكروا
أن من ذلك ما إذا خالف المكره وأتى بغير ما حمله عليه، فإن مخالفته له تشعر
بالاختيار أو ترفع ظهور الكراهة، وله صور:
منها أن يكرهه على طلقة واحدة فيطلق ثلاثا، فإنه يشعر برغبته واتساع
صدره له حتى الأولى، فيقع الجميع، مع احتمال وقوع الأخيرتين دون الأولى
التي لا معارض لمقتضى الاكراه فيها، ولو أوقع الثلاث بصيغة واحدة وكان ممن
يعتقد وقوع الواحدة بها فهو كمن أوقعها واحدة، وإن كان ممن يعتقد وقوعها ثلاثا
13

وقع عليه الثلاث، بل لا يحتمل الالتزام بالاثنين هنا كما هو في السابق، لأنه لفظ
واحد مخالف للمكره عليه ابتداء بخلاف الثلاث المترتبة.
ومنها أن يكرهه على ثلاث طلقات فيوقع واحدة، فإنه بالمخالفة المزبورة
يظهر منه الاختيار، إلا أنه كما ترى، ضرورة كون الواحدة بعض المكره عليه
وقد يقصد دفع المكروه بالإجابة إلى بعضه.
ومنها لو أكره على طلاق زوجة معينة فطلقها مع غيرها بلفظ واحد، فإنه
يشعر باختياره أيضا، نعم لو طلقهما بصيغتين وقع الطلاق على غير المكره عليها
وبطل في الأخرى، وقد يحتمل عدم الفرق بينهما.
ومنها لو أكرهه على طلاق زوجتيه فطلق واحدة منهما، وفيه ما سمعته في
الطلقات، نعم لو أكرهه على طلاق واحدة معينة فطلق غيرها ففي المسالك لا شبهة
في الوقوع، لأن ذلك مغائر لما أكره عليه بكل وجه، وفيه أنه يمكن قصده التوصل
إلى رفع الاكراه بذلك.
ومنها لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلق واحدة معينة، وفيه أن ذلك
أحد أفراد الكلي المكره عليه، نعم لو كان الاكراه على الابهام وعدل إلى التعيين وقع
عليها، بل في المسالك لا شبهة في ذلك، لأنه غير المكره عليه جزما.
ومنها لو أكرهه على أن يطلق بكناية من الكنايات فطلق باللفظ الصريح،
أو بالعكس عند القائل بصحته، أو عدل من صريح مأمور به إلى صريح آخر، فإنه
يقع الطلاق خصوصا في الأول، لأنه قد حمله على طلاق فاسد فعدل إلى صحيح،
وعند مجوزه عدل إلى غير الصيغة المكره عليها، إلى غير ذلك من الفروع الكثيرة
المذكورة في كتب العامة والخاصة المبتنية على ما قلناه، وكان الأولى تحرير
الأصل المزبور وإلا فكثير من هذه الفروع محل للنظر، حتى فيما نفوا الشبهة
عن عدم الاكراه فيه، فإنه قد يكون وقوعه بالاكراه، والتحقيق في الأصل المزبور
الحكم بالصحة مع الشك في تحقق الاكراه، ولذا كانت البينة على مدعيه.
14

ولا يعتبر عندنا في الحكم ببطلان طلاق المكره عدم التمكن من التورية بأن
ينوي غير زوجته أو طلاقها من الوثاق أو يعلقه في نفسه بشرط أو نحو ذلك وإن
كان يحسنها ولم تحصل له الدهشة عنها، فضلا عن الجاهل بها أو المدهوش عنها،
لصدق الاكراه، خلافا لبعض العامة، فأوجبها للقادر.
ولو قصد المكره إيقاع الطلاق ففي المسالك وغيرها " في وقوعه وجهان:
من أن الاكراه أسقط أثر اللفظ ومجرد النية لا تعمل، ومن حصول اللفظ والقصد،
وهذا هو الأصح قلت: مرجع ذلك إلى أن الاكراه في الظاهر دون الواقع، وقد
تكرر من العامة والخاصة خصوصا الشهيد الثاني في المسالك والروضة في المقام وفي
البيع أن المكره حال إكراهه لا قصد له للمدلول، وإنما هو قاصد للفظ خاصة،
وفيه منع واضح، ضرورة تحقق الانشاء والقصد فيه، ولذا ترتب عليه الأثر مع
الاكراه بحق، ومع تعقب الإجازة بالعقد بل ظاهر قوله عليه السلام: (1) (إنما الطلاق)
إلى آخره تحقق الإرادة من المكره، بل لعل عدم القصد للمدلول في المكره من
التورية التي لم نوجبها عليه، وحينئذ فالمكره قاصد على نحو غيره إلا أنه قصد
إكراه لا قصد اختيار، وإن شئت عبرت عن ذلك بالرضا وعدمه.
ومن هنا يظهر لك ما في عنوان الوجهين السابقين المبني على كون المكره
غير قاصد، وعليه كان المتجه حينئذ إدراجه في الشرط الرابع، لا أنه يجعل شرطا
مستقلا، نعم قد يقال: إن الهازل يقصد اللفظ دون المعنى فلا إنشاء له حينئذ، وبه
يتضح الفرق فيهما، أو يقال: إنه قاصد أيضا إلا أنه قصد هزلي لا أثر له في الشرع
للأدلة الخاصة ولو تعقبه الرضا، بل قد عرفت اشتمالها على بطلان طلاق الغضبان
وإن كنت لم أعرف من أفتى به إلا مع ذهاب العقل به أو القصد، فتأمل جيدا،
ولاحظ ما ذكرناه في كتاب البيع.
ولو قال: طلق زوجتي وإلا قتلتك فطلق ففي المسالك في وقوع الطلاق

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
15

وجهان: أصحهما الوقوع، لأنه أبلغ في الإذن، قال: " ووجه المنع أن الاكراه
يسقط حكم اللفظ فصار كما لو قال لمجنون: طلقها فطلق، والفرق بينهما أن عبارة
المجنون مسلوبة أصلا بخلاف عبارة المكره، فإنها مسلوبة بعارض تخلف القصد،
فإذا كان الأمر قاصدا لم يقدح إكراه المأمور " قلت: هذا مبني أيضا على
ما سمعت من خلو المكره عن القصد، وقد عرفت الحال، نعم قد يشكل بناء على عدم
جواز الفضولية في الطلاق بأن اللفظ المزبور الواقع من المكره لم يكن لفظ المكره
لأن الفرض عدم الوكالة عنه شرعا، وكونه أبلغ في الإذن لا يقتضي صيرورة لفظه
لفظه ليترتب عليه حكمه، ودعوى الاكتفاء بقصد الأمر وإن خلا المكره عن القصد
لا دليل عليها، وكذا الكلام فيما لو أكره الوكيل على الطلاق دون الموكل
فتأمل جيدا.
ولو توعده بفعل مستقبل كقوله: إن لم تفعل لأقتلنك مثلا ففي عده
إكراها نظر، من حصول الخوف بايقاع الضرر، ومن سلامته منه الآن والتخلص
من الضرر يحصل بايقاعه عند خوف وقوعه في الحال، وفي المسالك " وهذا أقوى،
نعم لو كان محصل الاكراه في الأجل على أنه إن لم يفعل الآن أوقع به المكروه
في الأجل وإن فعله ذلك الوقت ورجح وقوع المتوعد به أتجه كونه إكراها، لشمول
الحد له قلت: الظاهر عده إكراها عرفا.
هذا وفي المسالك أيضا " ولو تلفظ بالطلاق ثم قال: كنت مكرها وأنكرت
المرأة فإن كان هناك قرينة تدل على صدقه بأن كان محبوسا قدم قوله بيمينه،
وإلا فلا، ولو طلق في المرض ثم قال: كنت مغشيا على أو مسلوب القصد لم يقبل
قوله إلا ببينة تقوم على أنه كان زائل العقل في ذلك الوقت، لأن الأصل الصحة،
وإنما عدلنا في دعوى الاكراه عن ذلك بالقرائن، لظهورها وكثرة وقوعها ووضوح
مراتبها بخلاف المرض " قلت: ستعرف قبول قوله في عدم القصد على وجه لا يعارضه
أصل الصحة، نعم قد يفرق بين نسبته مع ذلك إلى سبب كالاكراه والغشيان وعدمه،
16

وحينئذ يكون المدار على صدق كونه مكرها ومغشيا عليه عرفا ولو بالطرق
المفيدة لذلك، ولا مدخلية لمطلق القرائن إذا لم تفد علما، ضرورة اعتبار العلم في
مصاديق الألفاظ والأوصاف والواقعة أو ما يقوم مقام العلم، والله العالم.
(الشرط الرابع)
(القصد) بمعنى كونه قاصدا بلفظ الطلاق معناه في المقام وفي غيره من
التصرفات القولية بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
قول الباقر والصادق عليهما السلام في خبر عبد الواحد (1) وصحيح هشام (2) وخبر اليسع (3)
ومرسل ابن أبي عمير (4): " لا طلاق إلا لمن أراد الطلاق " وقول الباقر عليه السلام (5)
" لا طلاق على سنة وعلى طهر بغير جماع إلا بنية، ولو أن رجلا طلق ولم ينو
الطلاق لم يكن طلاقه طلاقا " ويقرب منه خبر اليسع (6) إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة
بعموم (7) " لا عمل إلا بنية " (8) " وإنما الأعمال بالنيات " بناء على إرادة
القصد منها لا خصوص القربة، وكان استفاضة النصوص في خصوص المقام في مقابل
المحكي عن العامة من عدم اعتبار القصد مع النطق بالصريح، نعم هو معتبر في الكناية.

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 - 4 - 2 - 3
والرابع مرسل ابن أبي عمير عن ابن بكير، عن زرارة.
(2) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(3) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(4) تقدم آنفا تحت رقم 1.
(5) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8
وذيله في الباب - 11 - منها الحديث 1. وفيه " من غير جماع إلا ببينة... " كما في
الكافي ج 6 ص 62 والتهذيب ج 8 ص 51.
(6) ما تقدم من قول الباقر عليه السلام إنما ورد في خبر اليسع فقط، وليس هناك خبر
آخر بهذا المضمون غير خبر اليسع حتى يقرب منه خبره.
(7) الوسائل الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 - 10 من كتاب الطهارة.
(8) الوسائل الباب - 5 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 - 10 من كتاب الطهارة.
17

ولعله لذا قال المصنف (وهو شرط في الصحة مع) قولنا ب‍ (اشتراط النطق
بالصريح) ضرورة عدم الاكتفاء بذلك عنه، فإن مطلق النطق بالصريح أعم من
قصد الطلاق به.
وحينئذ (فلو لم ينو الطلاق) وإن نطق به (لم يقع، كالساهي)
المرفوع عنه حكم سهوه (1) (والنائم) الذي هو أحد من رفع القلم عنه حتى
يفيق (2) (والغالط) الذي هو في الحقيقة لم يقصد اللفظ ولا المعنى، لأنه أراد
أن يقول مثلا: " أنت طاهرة " فسبق لسانه فقال: " طالق " فما في المسالك - من
الفرق بينه وبين الأولين بأنه قد تخلف فيه قصد المعنى دون اللفظ بخلاف الأولين
الذين تخلفا معا فيهما - لا يخلو من نظر إن أراد قصد خصوص لفظ الطلاق.
وأغرب من ذلك قوله متصلا بما سمعت: " وهل يقبل دعوى سبق اللسان
ظاهر العبارة يدل عليه، ووجهه أن ذلك أمر باطني لا يعلم إلا من قبله، فيرجع
إليه فيه، ولأن الأصل عدم القصد، ويحتمل عدم القبول، لأن الأصل في الأفعال
والأقوال الصادرة عن العاقل المختار وقوعها عن قصد، ويمكن حمل عدم الوقوع
في كلام المصنف عليه في نفس الأمر لا في الظاهر وأما في الظاهر فإن وجد قرينة
تدل عليه قوى القبول، وإلا فلا " إذا هو سهو واضح، فإن عبارة المصنف لا تعرض
فيها لذلك، وإنما فيها اعتبار القصد واقعا وتخلفه كذلك، نعم سيأتي له التعرض
لذلك بقوله: " ولو قال " إلى آخره.
وكيف كان فلا خلاف عندنا في بطلان طلاق الثلاثة بل ظني أنه كذلك
عند العامة فضلا عن الخاصة وإن لم يعتبروا القصد في النطق بالصريح، لكن ذلك
إنما هو في مقابلة اعتبار قصده بالكناية، بمعنى الاكتفاء في النطق بالصريح بقصد
معناه بخلاف الكناية التي يعتبر قصد الطلاق بها، ولا يكفي قصد معناها.

(1) الوسائل الباب - 37 - من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2 من كتاب الصلاة
والباب - 56 - من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
(2) الوسائل الباب - 4 - من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11 من كتاب الطهارة.
18

نعم قد جوزوا طلاق السكران عصيانا مؤاخذة له بسوء اختياره، نحو
ما سمعته منا في القصاص منه ونحوه مما لا يقاس عليه المقام الذي قد استفاضت النصوص
أو تواترت ببطلان طلاقه، وجوزوا طلاق الهازل لأنه قاصد اللفظ والمعنى، لكن
قصدا هزليا، وقد رووا عن النبي صلى الله عليه وآله " (1) ثلاثة جدهن جد وهزلهن جد: النكاح
والطلاق والرجعة " ولم يثبت الخبر المزبور عندنا، بل من المقطوع به خلافه،
بل الظاهر من الإرادة في النصوص المزبورة (2) وغيرها الرضا والعمد إلى ذلك على
وجه ينافيه، ومن هنا قال العبد الصالح عليه السلام لمنصور بن يونس (3) لما سأله عن
طلاق زوجته مداراة لأخته وخالته ولم يرد الطلاق حقيقة: " أما ما بينك وبين الله
تعالى فليس بشئ، ولكن إن قدموك إلى السلطان أبانها منك ".
ومن ذلك أو يقرب منه عدم جريان حكم الطلاق على من ذكر الصيغة للتعليم
أو للحكاية أو تلقينا من غير قصد لمعناها ولا فهم له أو نحو ذلك مما لا يريد منها
الطلاق بالمعنى المزبور، وبذلك ظهر لك أن بطلان طلاق الهازل لما عرفت لا لتخلف
القصد إلى المدلول وإن قصد اللفظ، نحو ما سمعته من بعضهم في المكره، ضرورة
تحقق القصد فيهما معا إلى المدلول، لكن على الوجه المزبور الذي لم يعتبره الشارع
نصا وفتوى كما هو واضح
(و) على كل حال فقد ذكر غير واحد تفريعا على الشرط المزبور أنه
(لو نسي أن له زوجة فقال: " نسائي طوالق " أو " زوجتي طالق " ثم ذكر لم
يقع به فرقة) بل لا خلاف أجده فيه، لأنه غير قاصد لطلاق زوجته من اللفظ
أصلا، وكذا لو قال لزوجته: " أنت طالق " لظنه أنها زوجة الغير هازلا أو وكالة
منه، أو قال: " زوجتي طالق " بظن خلوه من الزوجة، وظهر أن وكيله زوجه،
وغير ذلك مما هو فاقد قصد الفراق بينها وبينه والعمد إليه، بل لم أجد من أحتمل

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 341.
(2) الوسائل الباب - 11 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 38 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
19

الصحة في المقام وإن ذكروه فيمن باع مال الغير فبان أنه ماله، ولعله لظهور الأدلة
في المقام باعتبار القصد على الوجه المزبور، بحيث لا يجري فيه احتمال المذكور،
ومع فرض اتحاد المقامين يتجه الاستدلال بها على نفيه هناك فتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (لو أوقع وقال) بعد النطق بصيغته: (لم أقصد الطلاق)
بها (قبل منه ظاهرا ودين بنيته باطنا وإن تأخر تفسيره ما لم تخرج) المرأة (عن
العدة) وفاقا لما صرح به الشيخ في المحكي من مبسوطه وخلافه وغيره، بل في المسالك
نسبته إلى الأكثر، بل عن ظاهر المبسوط وصريح الخلاف الاجماع، على ذلك
(لأنه إخبار عن نيته) التي لم تعلم إلا من قبله، ومقتضى الأصل عدمها، وإنما
حكم بها قبل التفسير اعتمادا على ظاهر حال العاقل المختار المعلوم حجيته في ذلك
ما لم تصدر الدعوى منه بما ينافيه.
لكن أشكله في المسالك وأتباعها باقتضاء مثل ذلك في البيع وغيره من العقود
والايقاعات، مع الاتفاق على عدم قبول قوله فيه، مع أن الأمر في الطلاق أشد، لما
سمعته في النبوي (1) من أن هزله جد، على أن الدعوى المزبورة وإن كانت عن
نيته إلا أنها متعلقة بحق الغير الذي يمنع من قبول الدعوى فيه، وإن تعلقت بما
لا يعلم إلا من قبله، ولو فرق بين الطلاق وغيره بأن القبول فيه مقيد بالعدة المقتضية
لبقاء علقة الزوجية، بخلاف البيع والنكاح وغيرهما لانتقض ذلك بالعدة البائنة،
فإن الزوجية زائلة معها بالكلية، وإنما فائدتها استبراء الرحم من أثر الزوج،
وهو أمر خارج عن الزوجية، ولذا ثبت للوطي بالشبهة مع انتفاء الزوجية أصلا،
وربما خص بعضهم الحكم المزبور بالعدة الرجعية، وفيه أنه حينئذ لا ثمرة له،
لأن للزوج الرجوع بكل لفظ دل عليه، ومنه دعواه عدم القصد كإنكار الطلاق
بل لعله أقوى في الدلالة على ذلك منه، فقبول قوله من حيث إنه رجعة، لا من حيث
الرجوع إليه في القصد.
ثم قال: ويمكن أن يكون مستند حكمهم لذلك وتخصيص الطلاق رواية

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 341.
20

منصور بن يونس (1) في الموثق عن الكاظم عليه السلام قال: " سألت العبد الصالح عليه السلام
وهو بالعريض، فقلت له: جعلت فداك إني تزوجت امرأة وكانت تحتي فتزوجت
عليها ابنة خالي، وقد كان لي من المرأة ولد، فرجعت إلى بغداد فطلقتها واحدة،
ثم راجعتها، ثم طلقتها الثانية، ثم راجعتها، ثم خرجت من عندها أريد سفري
هذا حتى إذا كنت بالكوفة أردت النظر إلى ابنة خالي، فقالت أختي وخالتي:
لا تنظر إليها والله أبدا حتى تطلق فلانة، فقلت: ويحكم والله مالي إلى طلاقها
من سبيل، فقالوا لي: وما شأنك ليس لك إلى طلاقها من سبيل؟ فقلت: إنه كانت
لي منها ابنة وكانت ببغداد، وكانت هذه بالكوفة وخرجت من عندها قبل ذلك
بأربع، فأبوا على إلا تطلقها ثلاثا، ولا والله جعلت فداك ما أردت الله ولا
أردت إلا أن أداريهم عن نفسي وقد امتلأ قلبي من ذلك، فمكث عليه السلام طويلا
مطرقا، ثم رفع رأسه وهو متبسم، فقال: أما بينك وبين الله فليس بشئ، ولكن إن
قدموك إلى السلطان أبانها منك ".
وفيه أن الخبر المزبور على العكس أدل كما اعترف به في كشف اللثام،
ضرورة كون المراد عدم قبول دعوى عدم القصد ظاهرا لو رفع إلى السلطان، اللهم
إلا أن يراد السلطان الجائر الذي لا يقف على قوانين الشرع.
ولعل الأولى أن يقال: إن الفرق بين الطلاق وما يشبهه من الايقاع وبين
غيره من العقود بأن الطلاق ليس له إلا طرف واحد، وهو الايقاع من الموقع،
وأصل الصحة لا يجري فيه بعد اعتراف فاعله بفساده بما لا يعلم إلا من قبله،
بخلاف البيع مثلا، فإنه لو ادعى الموجب عدم القصد المقتضي لفساد إيجابه وعدم
جريان أصل الصحة عورض بأصالة صحة القبول الذي هو فعل مسلم أيضا، والأصل
فيه الصحة التي لا تتوقف على العلم بصحة الايجاب، بل يكفي فيها احتمال الصحة
الذي لا ريب في تحققه مع دعواه التي لا تمضي إلا في حقه بالنسبة إلى العقد المركب
سببه منهما، بخلاف المقام الذي حق الزوجة فيه من الأحكام التي تتبع الموضوع

(1) الوسائل الباب - 38 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
21

بعد تحققه، فليس حينئذ قبول دعوى عدم القصد من الزوج منافيا لحق الغير على
وجه يقتضي عدم سماعها من مدعيها كغيرها من الدعاوى التي هي كذلك وإن كانت
هي مقبولة في نفسها لولا هذا التعارض، لما عرفت من استقلاله بالسبب واختصاصه
بفعله، فيصدق فيه بما لا يعلم إلا من قبله، واللفظ بمجرده غير معارض، لعدم
دلالته على نفس القصد، وإنما حكم به بظاهر حال الفاعل العاقل، ولعله بذلك يفرق
بين المقام والاقرار الذي يتبع الحكم فيه صدقه، فمع فرض تحققه عرفا لا يقبل
الانكار منه، لعموم " إقرار العقلاء " (1).
كما أنه قد يقال في وجه اختصاص الحكم المزبور بالعدة إنه ما دامت فيها
يقبل منه ذلك، لبقائها في تعلقه وفي يده على وجه يقبل قوله في الفعل المتعلق بها،
نحو إخبار صاحب اليد بما يقبل منه ما دام هو كذلك، وإلا لم يقبل قوله، وبخروجها
عن العدة تكون أجنبية لا يقبل قوله في الفعل المتعلق بها، نحو إخبار صاحب اليد
بالمال بعد خروجه من يده.
ومن هنا يمكن الفرق بين الطلاق وغيره من أقسام الايقاع التي لا مدة لها
يبقى فيها التعلق، ومنها الطلاق الذي لا عدة له، كطلاق غير المدخول بها، فإنه
لا يقبل منه دعوى عدم القصد حينئذ، لصيرورتها أجنبية، وحينئذ يكون الأصل
فيما نحن فيه قبول إخباره بما لا يعلم إلا من قبله مع بقاء متعلق الخبر تحت يده
وإن كانت بائنة، فإنه لا ينافي تعلق الزوج بها بالعذر المزبور وإن لم يثبت لها
أحكام الرجعة، وثبوت العدة للموطوءة شبهة لا يقتضي سقوط التعلق المزبور على وجه
يترتب عليه الحكم المذكور.
وربما أشار إلى بعض ما ذكرنا في كشف اللثام حيث إنه بعد أن حكى الحكم
المزبور عن الشيخ وغيره وتعليله بما عرفت قال: " والفرق بين ما بعده وما قبلها
أنها في العدة في علقة الزوجية، وبعدها قد بانت وربما تزوجت بغيره، فلا يسمع
قوله في حقه وإن صدقته، ولأن الامهال إلى انقضاء العدة وتعريضها للأزواج

(1) الوسائل الباب 3 من كتاب الاقرار الحديث 2.
22

قرينة ظاهرة في كذبه، فهذا فرق ما بينه وبين البيع وسائر العقود، حيث لا يقبل
قول العاقد فيها، لأنها بمجردها ناقلة " إلى آخره. فتأمل جيدا، فإن ذلك أقصى
ما يقال في توجيه قول الأعاظم من الأصحاب
وعلى كل حال فلا خلاف أجده في قبول دعواه إذا صادقته، لأن الحق منحصر
فيهما، بل ظاهرهم ذلك حتى مع انقضاء العدة، لكن قد يظهر من بعضهم في كتاب
الشهادات العدم باعتبار تعلق حق الله تعالى شأنه، فمع فرض صدور ما يحكم به بظاهر
الشرع على الصادر منه لا تجدي المصادقة المزبورة التي تنفع مع انحصار الحق،
وكذا الكلام في الحرية أيضا.
ثم إن الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين الاقتصار على دعوى عدم القصد
وإضافة الهزل أو الغلط أو السهو أو نحو ذلك، نعم قد سمعت سابقا ما حكيناه عن الشهيد
من الفرق بين دعوى الاكراه مع القرينة وعدمها وبين دعوى المريض عدم القصد أو
الاختلال، ولا يخفى عليك ما فيه.
(و) كيف كان ف‍ (تجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا) بقسميه
(وللحاضر على الأصح) وفاقا للمشهور، لاطلاق أدلة الوكالة فيما لا غرض للشارع
في اعتبار المباشرة فيه كالعقود والايقاعات التي منها الطلاق، وإطلاق النصوص (1) في
المقام التي منها صحيح سعيد الأعرج (2)، عن الصادق عليه السلام " في رجل يجعل أمر
امرأته إلى رجل، فقال: اشهدوا أني قد جعلت أمر فلانة إلى فلان، فطلقها،
أيجوز ذلك للرجل؟ قال: نعم " الذي ترك فيه الاستفصال.
خلافا للشيخ في النهاية والمبسوط وأتباعه، فلا يجوز، بل نسبه في الثاني
منهما إلى أصحابنا جمعا بين ما سمعت وبين خبر زرارة عن الصادق عليه السلام " لا تجوز
الوكالة في الطلاق " بحمل الأول على الغائب والثاني على الحاضر.
وفيه مع عدم الشاهد له أنه فرع التكافؤ المفقود في المقام، بل لا حجة في
الثاني، للضعف في السند مع عدم الجابر، بل قد عرفت الشهرة على خلافه، بل ستسمع

(1) الوسائل الباب - 39 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث -. 1.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث -. 1.
23

فيما نحكيه عن الحسن بن سماعة (1) في وقوع الطلاق بلفظ " اعتدى " القطع
بعدمه
لكن قد يقال: إن الأولى الاستدلال على ذلك بظهور نصوص (2) حصر الطلاق
الصحيح في قول الرجل لامرأته في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها:
" أنت طالق " باعتبار أنها مساقة سوق التعريف الملحوظ قيدية كل ما يذكر
فيه، وحينئذ فمن ذلك المباشرة المزبورة المعلوم انتفاء اعتبارها في الغائب، مؤيدا
بخبر زرارة (3) بل لعل ذلك هو الوجه فيما يحكى عن الشيخ من اعتبار الغيبة عن
البلد وإن حكي عنه الاكتفاء بالغيبة عن المجلس، لكنه خلاف ما صرح به، لأنه
المتيقن من عدم اعتبار المباشرة فيه.
إلا أنه قد يدفع ذلك بمنع الظن ولو للشهرة العظيمة باستفادة اعتبار المباشرة
من ذلك، خصوصا بعد سوقها في إرادة بيان عدم الاجتزاء بالكناية من نحو " أنت
خلية " وشبهها، ولذا لم يعتبر في الصيغة الخطاب قطعا، ولكن مع ذلك فالاحتياط
لا ينبغي تركه، لأن أمر الفرج شديد.
بل لعل ما ذكرناه أيضا هو الوجه فيما حكاه المصنف بقوله: (ولو وكلها
في طلاق نفسها قال الشيخ: لا يصح) ولو في حال الغيبة، لظهور تلك النصوص (4)
في غيره، لا لأن القابل لا يكون فاعلا، ضرورة أنك قد عرفت الاكتفاء بالتغاير
الاعتباري في العقود المركبة من الايجاب والقبول فضلا عن الايقاع الذي هو ليس
إلا من طرف واحد، ولا لقوله صلى الله عليه وآله (5): " الطلاق بيد من أخذ بالساق " المعلوم
إرادة كون ولايته بيده منه على وجه لا ينافي توكيله.

(1) الكافي ج 6 ص 70.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 39 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
(4) الوسائل الباب - 39 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(5) كنز العمال ج 5 ص 155 الرقم 3151.
24

(و) لكن مع ذلك (الوجه الجواز) لاطلاق الأدلة ومنع ظهور
أدلة الحصر في إرادة التقييد بذلك، خصوصا بعد الشهرة العظيمة على العدم، بل ربما
استفيد الجواز من تخيير النبي صلى الله عليه وآله نساءه (1) وإن كان فيه - بعد تسليم إرادة
طلاقهن باختيارهن منه لا طلاقه نفسه من تختاره منهن - أن ذلك من خصائصه
كما ستعرف الكلام فيه. وعلى كل حال فالاحتياط لا ينبغي تركه لما عرفت،
والله العالم.
(تفريع:)
(على الجواز) وإن كان هو يأتي أيضا على غيره فيما لو وكل غيرها ولو حال
الغيبة (لو قال: " طلقي نفسك ثلاثا " فطلقت واحدة قيل: يبطل) لأنها غير
الموكل فيه (وقيل: يقع واحدة) لأنها بعض ما وكل فيه.
والتحقيق البطلان مع فرض إرادة المرسلة وقلنا ببطلانها، لعدم الوكالة
حينئذ فيما وقع من الطلاق الصحيح، بل وكذا لو قلنا بصحتها واحدة، لأن التوكيل
عليها بالطريق المخصوص لغرض من الأغراض، فلا يندرج فيه ما وقع من
الواحدة بغيره، اللهم إلا أن يفهم منه إرادة الإذن في إيقاع الواحدة كيفما
كان.
كما أن التحقيق الصحة لو أراد الثلاث المرتبة التي لا بد من تخلل الرجعة
فيها بتوكيله على ذلك أيضا، أو قلنا باقتضاء التوكيل على نحو ذلك، لأن الواحدة
حينئذ بعض ما وكل فيه، قد وقعت صحيحة، ولا يجب عليه إتمام ما وكل فيه،
اللهم إلا أن يراد اعتبار الهيئة الاجتماعية فيما وكل فيه على وجه تكون الواحدة
جزء ما وكل فيه، وحينئذ تكون صحتها بعد وقوعها مراعاة بتمام العمل، ولا ينافي

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق.
25

ذلك توقف صحة الثلاث على سبق صحة الواحدة، ولا استلزام الحكم بتوقف الثانية
على الرجوع صحة الأولى المستصحب بقاؤها، ضرورة اندفاع الجميع بالمراعاة
المزبورة، بل المتجه على هذا عدم صحة التوكيل في الثلاث مع فرض عدم الإذن
له في الرجوع إلا على إرادة كون الرجوع من الموكل والطلاق من الوكيل كما
هو واضح.
(وكذا) الكلام فيما (لو قال: طلقي) نفسك (واحدة فطلقت ثلاثا)
مرسلة (قيل: يبطل) وهو كذلك بناء على بطلانها، بل لعله كذلك وإن قلنا
بوقوع الواحدة، لأنها غير الموكل فيه، لأنه ربما كان له غرض بالواحدة
بالطريق المخصوص، اللهم إلا أن تكون قرينة دالة على ما يشملهما.
(و) حينئذ فما (قيل) من أنها (تقع واحدة) حتى قال المصنف:
(وهو أشبه) لا يخلو من نظر إن كان المراد الثلاث المزبورة، نعم لا إشكال في
صحة الواحدة مع طلاقها ثلاثا مترتبة، ضرورة عدم اقتضاء بطلان ما زاد على الأولى
لعدم الأذن بطلانها، والأمر في ذلك سهل بعد كون المسألة فرعا من فروع
الوكالة التي من المعلوم وجه الحال فيها، حتى في صورة الاطلاق الذي مدار الأمر
فيه على ما يفهم، فيجري عليه حينئذ ما عرفت، وإن أطنب في المسالك، ولكن محصله
ما سمعت، والله العالم.
26

(الركن الثاني)
(في المطلقة)
(وشروطها) أربعة بل (خمسة) لما ستعرفه من أن الأصح اشتراط
التعيين.
(الأول:)
(أن تكون زوجة) بلا خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه، بل لعله
من ضروريات المذهب (فلو طلق الموطوءة بالملك لم يكن له حكم) قطعا.
(وكذا لو طلق أجنبية وإن تزوجها) بعد ذلك. (وكذا لو علق
الطلا ق بالتزويج لم يصح، سواء عين الزوجة كقوله: " إن تزوجت فلانة فهي طالق "
أو أطلق) أو عمم (كقوله: كل من أتزوجها) فهي طالق بلا خلاف في شئ
من ذلك بيننا نصا وفتوى، ولا إشكال، بل من ضرورة المذهب أنه لا طلاق
إلا بعد نكاح، لأنه لإزالة قيده، وإنما ذكر المصنف ذلك تعريضا بالعامة المجوزين
لذلك، نحو غيره من خرافاتهم الباردة، مع أن في نصوصهم عن عبد الرحمان
ابن عوف (2) قال: " دعتني أمي إلى قريب لها فراودتني في المهر، فقلت: إن
نكحتها فهي طالق، ثم سألت النبي صلى الله عليه وآله، فقال: انكحها فقال: لا طلاق قبل
النكاح ".

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) لم نعثر على هذا الحديث في جوامعهم من السنن الكبرى وكنز العمال والصحاح
وغيرها إلا أن الموجود في سنن البيهقي ج 7 ص 318 - 321 ما مضمونه ذلك عن غير
عبد الرحمان بن عوف.
27

(الثاني)
(أن يكون العقد دائما فلا يقع الطلاق بالأمة المحللة) التي لا تندرج
في اسم النكاح الذي نفي الطلاق قبله، وأنه لا يكون إلا بعده في النصوص (1) بل
(ولا المستمتع بها ولو كانت حرة) بلا خلاف في شئ من ذلك ولا إشكال، بل
الاجماع بقسميه عليه وإن لم يحضرني من النصوص ما يدل على وقوع الطلاق
بالمستمتع بها (2) نعم فيها ما يدل (3) على حصوله بانقضاء المدة وبهبتها، ولكن
ذلك لا يقتضي عدم صحته عليها، لامكان تعدد الأسباب. اللهم إلا أن يقال بانسياق

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) روى في الوسائل في الباب - 4 - من أبواب المتعة الحديث 4 و 5 عن الكليني
والشيخ (قدهما) باسنادهما عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام " في المتعة ليست
من الأربع، لأنها لا تطلق ولا ترث، وإنما هي مستأجرة " ومن الغريب أنه طاب ثراه
- مع تبحره واطلاعه التام على الروايات المتفرقة في أبواب الفقه وغيرها - لم يلتفت إلى هذه الرواية هنا وقال: " ولم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع
بها " مع أنه (قده) تعرض لها في بحث المتعة، بل عقد صاحب الوسائل لهذا العنوان
بابا وهو " باب أن المتمتع بها تبين بانقضاء المدة وبهبتها ولا يقع بها طلاق " وهو الباب - 43 - من أبواب المتعة وكذلك روى في الوسائل في الباب - 9 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 عن الشيخ (قده) بإسناده عن الحسن الصيقل، عن أبي عبد الله عليه السلام
في حديث قال: " والمتعة ليس فيها طلاق ".
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبواب المتعة الحديث 3 والباب - 20 - منها
الحديث 3 والباب - 22 - منها الحديث 3 والباب - 25 - منها الحديث 1 والباب - 29 و 41 -
منها الحديث 1.
28

الدوام من النكاح الذي لا طلاق قبله في النصوص (1) أو يقال بظهور حصر طلاقها
في خبر هشام بن سالم (2) في شرطها مضيا أو إسقاطا في ذلك قال: " قلت: كيف
يتزوج المتعة؟ قال: تقول: يا أمة الله أتزوجك كذا وكذا يوما بكذا وكذا درهما
فإذا مضت تلك الأيام كان طلاقها في شرطها، ولا عدة لها عليك " والأمر في ذلك سهل
بعد ما سمعت من الاجماع المحقق والله العالم
(الثالث:)
(أن تكون طاهرا من الحيض والنفاس) بمعنى بطلان الطلاق فيهما بلا
خلاف أجده فيه نصا وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه، بل النصوص فيه (3)
مستفيضة إن لم تكن متواترة، مضافا إلى الكتاب (4) بل الظاهر ذلك في الشرعيين
منها أيضا المندرج فيهما البياض المتخلل بين الدمين والحيض بالاختبار وغير ذلك
مما عرفته في كتاب الحيض، نعم المنساق من النص والفتوى ذات الدمين فعلا أو
حكم بخلاف من نقت ولما تغتسل من الحدث، فلا بأس بطلاقها، لإطلاق
الأدلة.
إنما الكلام في كونهما مانعين، لأنه المتيقن من نصوص (5) بطلان طلاقهما،
أو أن الخلو منهما شرط، كما هو مقتضى العبارة وغيرها، فيبطل حينئذ طلاق
المجهول حالها؟ وجهان بل قولان: قد يشهد للثاني منهما أن ظاهر النصوص
الكثيرة (6) استفادة الشرط المزبور من قوله تعالى (7): " فطلقوهن لعدتهن

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 18 - من أبوب المتعة الحديث 3 من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(4) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(5) الوسائل الباب - 8 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(6) الوسائل الباب - 8 و 9 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(7) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
29

وأحصوا العدة " لأن المراد الأمر بطلاقهن في طهر يكون من عدتهن، والحائض
حال حيضها ليس كذلك، وكذا ذات الطهر المواقعة فيه. (و) لعله لذا ذكره
المصنف وغيره من الشرائط.
بل لو ذكروا أيضا أنه (يعتبر هذا) الشرط (في المدخول بها الحائل)
دون غير المدخول بها ودون الحامل، فإنه يصح طلاقهما حائضين بناء على مجامعة
الحيض للحمل بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، لأن غير المدخول
بها لا عدة لها، كما أن الحامل عدتها وضع الحمل على كل حال، بل هو السبب
في استفاضة النصوص (1) بعد غير المدخول بها والحامل من الخمس التي يطلقن
على كل حال، ومنه يعلم كونهما خارجين من إطلاق النهي (2) عن طلاق الحائض
خصوصا مع انسياق إرادة هذا الحال من عموم " على كل حال " فلا وجه لاحتمال
كون التعارض من وجه، وعلى تقديره فلا ريب في أن الترجيح لخروجهما للاجماع
وغيره.
بل وكذا يعتبر الشرط المزبور أيضا في (الحاضر زوجها لا الغائب عنها)
في طهر مواقعتها (مدة يعلم) بمقتضى عادتها (انتقالها من القرء الذي وطأها
فيه إلى) وقت قرء (آخر) وإن احتمل أنها في حال الطلاق حائض أو باقية
على الطهر الأول، للنصوص التي هي ما بين مطلق (3) في جواز طلاق الغائب ومقيد
بالشهر (4) ومقيد بالثلاثة (5) بناء على أن الوجه في اختلافها في التقييد المزبور
اختلاف عادة النساء في ذلك، وإلا فالمراد انتقالها من زمان طهر المواقعة إلى زمان
طهر آخر، ولعل السر في الاكتفاء بذلك في الغائب تعذر معرفة حالها حينه أو
تعسره غالبا.

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 3 - 7.
(4) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 3 - 7.
(5) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 3 - 7.
30

ومن هنا ألحق بالغائب نصا (1) وفتوى كما ستعرف الحاضر المتعذر عليه
معرفة حيضها وطهرها أو المتعسر، ولعل ذلك هو السر أيضا في عد الغائب عنها
زوجها في المستفيض من نصوص الخمس التي يطلقن على كل حال (2) بل عن ابن أبي عقيل تواتر الأخبار بذلك، وصحيح محمد بن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام " سألته
عن الرجل يطلق امرأته وهو غائب، قال: يجوز طلاقه على كل حال، وتعتد امرأته
من يوم طلقها " وخبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يطلق امرأته
وهو غائب فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا قال: يجوز " إلى غير ذلك من النصوص
التي ستسمعها.
وحينئذ (فلو طلقها وهما في بلد واحد) متمكنا من تعرف حالها ولو
باقرارها وإن لم يكن في طهر واقعها فيه (أو) كان (غائبا) عنها في طهر
مواقعتها (دون المدة المعتبرة) بناء على اعتبارها (و) قد بان أنها (كانت حائضا
أو نفساء) حاله (كان الطلاق باطلا علم بذلك) حينه (أو لم يعلم) لكونه
طلاقا لغير العدة بل قد عرفت أن مقتضي الشرطية المستفادة من الآية (5) والفتاوى
بطلانه مع استمرار الاشتباه أيضا.
(أما لو انقضى من غيبته) عنها في طهر مواقعتها (ما يعلم انتقالها فيه من
طهر إلى) وقت طهر (آخر) بمقتضى العادة (ثم طلق صح ولو اتفق في الحيض)
لتأخر العادة بلا خلاف فيه نصا (6) وفتوى.
(وكذا لو خرج في طهر لم يقربها فيه جاز طلاقها) ولو بان أنها حائض
(مطلقا) سواء مضت مدة يعلم انتقالها فيها من ذلك الطهر إلى آخر أم لا، كما

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
(5) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(6) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
31

صرح به الشيخ في النهاية وغيره، بل لا أجد خلافا فيه، بل حكي الاجماع عليه
بعض الأفاضل، لعدم مدخلية ذلك في الغرض، ضرورة صحة طلاقها في كل من
الطهرين، فليس حينئذ إلا مصادفة الحيض، وقد عرفت عدم اعتبار العلم بالخلو
منه للغائب، نعم لا يجوز طلاقها مع العلم به وإن مضت المدة، لاطلاق ما دل على
البطلان به المقتصر في تقييده على المتيقن المنساق إلى الذهن من الغائب غير العالم
بحالها.
ومن ذلك يعلم أن النزاع في اعتبار المدة وعدمها وفي مقدارها على الأول
في الغائب عنها في طهر المواقعة لمكان إرادة تعرف الانتقال منه وعدمه لا مطلقا،
ضرورة عدم مدخلية المدة كائنة ما كانت في تعرف حيضها وعدمه حاله، نعم
ينبغي مراعاة عادتها الوقتية إن كانت وكان عالما بها لا المدة المزبورة.
فمن الغريب إطناب المحدث البحراني تبعا لما حكاه عن سيد المدارك في
شرح النافع من عدم الفرق في اعتبار المدة المزبورة بين طهر المواقعة وغيره،
لإطلاق ما دل على اعتبارها وهو كما ترى، لما عرفت من عدم الإشكال في صحة
طلاقها على كل حال.
(وكذا لو طلق التي لم يدخل بها وهي حائض كان جائزا) لما عرفت
أيضا من عدم العدة لها، فلا تندرج في الأمر بالآية (1) بل من التأمل فيما ذكرنا
قد ينقدح وجه جمع بين ما دل من النصوص التي سمعت تواترها على طلاق الغائب على
كل حال (2) بحملها على الغائب عنها في طهر لم يواقعها فيه ولم يعلم بكونها
حائضا ولو لعادة لها وقتية مثلا معلومة لديه، وبين ما دل منها على اعتبار الثلاثة
أشهر وهي صحيح جميل بن دراج (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " الرجل إذا خرج من

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
32

منزله إلى السفر فليس له أن يطلق حتى يمضي ثلاثة أشهر " وموثق إسحاق بن
عمار (1) " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الغائب الذي يطلق كم غيبته؟ قال: خمسة
أشهر أو ستة أشهر، قلت: حد دون ذلك قال: ثلاثة أشهر " وحسن ابن بكير (2)
قال: " أشهد علي بن أبي جعفر عليه السلام أني سمعته يقول: الغائب يطلق بالأهلة والشهور "
التي عن الإسكافي العمل بها وطرح ما عداها، وتبعه في المختلف بحملها على من خرج
في طهر المواقعة، ضرورة أنه مع مضي المدة المزبورة إما أن تكون مستبينة الحمل،
وطلاقها حينئذ للعدة، أو حائضا وهو غير قادح في الغائب، بل قد يحصل ذلك في الامرأة
المستقيمة التي هي غير مسترابة بمضي شهر مضافا إلى عدتها.
وعليه ينزل موثق إسحاق (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " الغائب إذا أراد أن
يطلقها تركها شهرا " وخبر ابن سماعة (4) " سألت محمد بن أبي حمزة متى يطلق
الغائب؟ قال: حدثني إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله أو أبي الحسن عليهما السلام، قال:
إذا مضى له شهر " فتجتمع حينئذ جميع النصوص على معنى واحد.
وإليه أشار الصدوق في الفقيه بقوله: " وإذا أراد الغائب أن يطلق امرأته
فحد غيبته أنه إذا غابها كان له أن يطلق متى شاء خمسة أشهر أو ستة، وأوسطه
ثلاثة أشهر، وأدناه شهر " بل لا يبعد إرادة الانتقال من طهر إلى زمان طهر آخر
من الشهر في النصوص، ولعل هذا هو الوجه في اختلاف النصوص، وأولى من العمل
بأحدهما وطرح الآخر.
بل وأولى من الجمع بينها بحملها أجمع على الندب، وأن الغائب متى تحقق
فيه الوصف وكان في حال لم يعلم حالها، انتقلت إلى طهر آخر أم لا؟ أو هي حائض
أم لا؟ جاز له الطلاق ولو بعد يوم المفارقة الذي واقعها فيه بثلاثة أيام لاحتمال
حيضها في ذلك اليوم وطهرها منه بعد الثلاثة، كما هو المحكي عن المفيد وسلار
وعلي بن بابويه وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وغيرهم.

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8 - 2.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8 - 2.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 5.
(4) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 5.
33

بل مقتضى إطلاقهم أو بعضهم جواز الطلاق مع الغيبة وإن انحصر أمرها
بكونها في طهر المواقعة أو في حال الحيض، إذ هو كما ترى مناف لاستصحاب
بقائها على الطهر، مع أنه لا شاهد له سوى اختلافها مع اتحاد راوي الثلاثة (1)
والواحد (2) منها وهو أعم من ذلك، بل ليس أولى من الجمع بينها بحمل نصوص
الثلاثة على الحد الأوسط لخبري الواحد المنزل على الحد الأدنى، وتقييد إطلاق
نصوص الغائب به، فيجوز حينئذ بعد مضي الشهر، كما عن الشيخ في النهاية وابن حمزة
وغيرهما.
وإليه أشار المصنف بقوله: (ومن فقهائنا من قدر المدة التي يسوغ معها
طلاق الغائب بشهر عملا برواية يعضدها الغالب في الحيض) كما أنه أشار إلى
سابقه بقوله: (ومنهم من قدرها بثلاثة أشهر عملا برواية جميل عن أبي عبد الله
عليه السلام) (3) وقد يقال: إن مرجع القول بالشهر إلى ما ذكرنا من أن به
- مضافا إلى العدة - يتحقق الحمل غالبا في المستوية المستقيمة غير المسترابة أو
تكون حائضا، وهو غير قادح في الغالب، بل يمكن إرادة الكناية عن الانتقال إلى
طهر آخر.
وعلى كل حال فلا ريب في أن ما ذكرناه من وجه الجمع أولى من توجيهه بما
ذكره الشيخ - وتبعه عليه جماعة بل أكثر المتأخرين على ما قيل - من أن سببه
اختلاف عادة النساء في الحيض بالنسبة إلى الشهر والثلاثة والأربعة والأزيد من
ذلك والأنقص، فيكون المدار على العلم بالانتقال من طهر المواقعة إلى زمان
طهر آخر.
وإليه أشار المصنف بقوله: (والمحصل ما ذكرناه وإن زاد على الأمد

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 5.
(3) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
34

المذكور) الذي هو الثلاثة بأن كان أربعة مثلا، والمراد العلم حقيقة لا الظن،
ولا ينافيه احتمال الحيض لتأخر العادة، ضرورة كون متعلقة الانتقال من زمان
طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر بمقتضى عادتها، وليس المراد الانتقال المعتبر
فيه تخلل الحيض، إذ ذاك لا يمكن ظنه فضلا عن علمه، لأن الفرض مواقعتها،
ومن المحتمل احتمالا مساويا علوقها بالحمل الذي يندر مع الحيض أو يتعذر، فيتعين
كون المراد ما ذكرنا.
ولكن لا يخفى عليك ما في وجه الجمع المزبور، إذ هو مع ما فيه من التنزيل
على الأفراد النادرة لا شاهد له، بل ظاهرها خلافه، إذ لم تكن هي في موارد خاصة
كي تحمل على ذلك، بل هو بعنوان الضابط الكلي للجميع، ولكن الأمر سهل
بعد الاتحاد في اعتبار انتقالها من ذلك الطهر إلى وقت طهر آخر بمقتضى عادتها
كي تكون صالحة للطلاق، لكونها بمقتضى ذلك غالبا حاملا، أو في طهر لم يواقعها
فيه، أو في حال حيض لا يقدح في الغائب، لا ما ذكروه، نعم لا ريب في أولوية
الاستظهار في ذلك بالعلم بتكرر الانتقال، وعليه ينزل اختلاف النصوص.
إنما الكلام في أن المدار على ذلك، بحيث إذا لم يعلم الانتقال المزبور
لعدم العلم بعادتها لا يجوز طلاقها حتى لو مضى لها ثلاثة أشهر فصاعدا، أو يرجع
إلى المدة المذكورة في النصوص، وهي الشهر أو الثلاثة لأنها بحكم المسترابة؟
ظاهر هذا القول الأول، والأقوى الثاني، بل الأقوى الرجوع إلى الشهر الذي
قد عرفت الوجه فيه، مؤيدا بما تسمعه من صحيح ابن الحجاج الوارد في الحاضر غير
المتمكن من اطلاع حالها (1) بل التدبر بذكر الشهور والأهلة فيه مع التصريح
بالاكتفاء بالشهر كالصريح فيما ذكرناه من التحديد على الوجه المزبور، بل هو
شاهد للجمع بذلك وإن أشكل على بعض متأخري المتأخرين المراد به، مضافا إلى
أن الغالب في النساء كل شهر حيضة، كما تشعر به أخبار الامرأة الدمية (2) المتقدمة

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب الحيض الحديث 3 و 5 و 6 من كتاب الطهارة.
35

في كتاب الحيض.
وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك النظر في جملة من الكلمات، واحتمال إرجاع
القول بالاطلاق أو الشهر أو الثلاثة إلى ما ذكرنا بنوع من الاعتبار لا يخلو من بعد
في البعض أو منع، خصوصا الأول والأخير، كل ذلك مماشاة لهم على ما ذكروه
وإلا فمن المحتمل قويا أن محل البحث في اعتبار أصل المدة وعدمها، وأنها شهر
أو ثلاثة في مجهولة الحال التي لم يعلم أيام حيضها من أيام قرئها، إذ من المستبعد
دعوى عدم اعتبار العادة مع فرض العلم بها بناء على القول بالاطلاق، ودعوى الاعتبار
بالشهر لمن عادتها الأزيد منها، ودعوى الاعتبار بالثلاثة لمن عادتها الأزيد من
ذلك، وإنما المتجه اعتبار العادة مع العلم بها.
أما مع الجهل بها فيأتي القول بعدم اعتبارها أصلا، للاطلاق، والقول بالشهر
لأنه الغالب في غالب النساء، والثلاثة لأنها كالمسترابة، ولزيادة الاستظهار في أمر
الفروج، وخيرها أوسطها حينئذ لما عرفت، ولكن عليه يكون ما اختاره المصنف
والمتأخرون خروجا عن مفروض المسألة، كما أن عليه يتضح لك فساد كثير من
الكلمات، والله العالم.
وكيف كان فلا إشكال في صحة الطلاق بعد مضي المدة بناء على اعتبارها مع
فرض المصادفة فيها لاجتماع الشرطين: كونها في غير طهر المواقعة، والخلو من
الحيض، بل لا خلاف فيه، بل في المسالك الاجماع عليه.
وكذا يصح لو بان أنها في حيض، لخبر أبي بصير (1) السابق المؤيد باطلاق
نصوص الخمس (2) بل وكذا لو بان أنها في طهر المواقعة، لظاهر النصوص (3) بل
في المسالك " أنه أولى بالصحة من الأول الذي قد تخلف فيه الشرطان، بخلافه فإنه
لم يتخلف فيه إلا شرط واحد " وإن كان هو كما ترى والعمدة ظاهرة النصوص.

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
36

وربما قيل بالعدم لتخلف الشرط الذي لا يقاس على حال الحيض، ولأن الإذن
بالطلاق مع مضيها لا يقتضي الحكم بالصحة لو بان الخلاف، وهو كما ترى، خصوصا
مع فرض اندراج الفرض وسابقه في نصوص عد الغائب من الخمس التي تطلق على
كل حال (1) مؤيدا بخبر الحيض (2) فلا اشتراط في الحال المزبور بأزيد من
مضي المدة المزبورة، وتخلف الحكمة في انقضائها باعتبار كونها لاستبراء الرحم
لا يقتضي تخلف الصحة الظاهرة من النصوص المزبورة.
وكذا لا إشكال ولا خلاف في الصحة مع استمرار اشتباه أنها في حيض أو في
طهر المواقعة، لأنه المتيقن من النصوص المزبورة، بل الظاهر الصحة لو طلق قبل
المدة المعتبرة فصادف موافقة الشرائط، للاطلاق، واحتمال البطلان - باعتبار كون
مضي المدة شرطا، والفرض تخلفه - يدفعه كون الظاهر من نصوصها أنها لاحراز
الشرائط المعتبرة، لا أن مضيها من حيث هو شرط، بل لا يبعد الصحة في الحاضر
لو طلق قبل العلم بتحقق الشروط فصادف حصولها، نعم لا إشكال في البطلان لو طلق
قبلها فبان عدم حصول الشرائط أو استمر الاشتباه كما هو واضح.
ولو طلقها بعد أن مضت المدة المعتبرة فأخبره عدل بأنها حائض ففي المسالك
في صحة الطلاق وجهان أجودهما العدم، قال " وكذا لو أخبره ببقائها في طهر المواقعة
أو بكونها حائضا حيضا آخر بعد الطهر المعتبر في صحة الطلاق، لاشتراك الجميع
في المقتضي للبطلان، وصحة طلاقه غائبا مشروطة بعدم الظن بحصول المانع
وفيه إمكان منع الاشتراط المزبور، لاطلاق الأدلة المقتصر في تقييدها على صورة العلم
خاصة، نعم قد يقال باعتبار خصوص خبر العدل بناء على أنه من العلم شرعا في هذا
المقام لا كل ظن.
ثم قال فيها أيضا: " إن النفاس هنا كالحيض في المنع والاكتفاء بطهرها منه، فلو
غاب وهي حامل ومضي مدة يعلم بحسب حال الحمل وضعها وطهرها من النفاس جاز

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
37

طلاقها، كما لو انتقلت من الحيض، ويكفي في الحكم بالنفاس ظنه المستند إلى
عادتها وإن كان عدمه ممكنا كما قلناه في الحيض - ثم قال - ولو وطأها حاملا ثم
غاب وطلق قبل مضي مدة تلد فيها غالبا ويتيقن، وصادف الطلاق ولادتها وانقضاء
نفاسها ففي صحته الوجهان الماضيان في الحيض، والحكم فيهما واحد " وفيه أنه
يمكن القول بجواز طلاقها على كل حال ما لم يعلم نفاسها، لاجتماع جهتي الجواز
فيه، وهي الحمل وكونه غائبا، ولا مدخلية للمدة هنا فيه وحينئذ فلو وطأها
حاملا ثم غاب عنها وطلق قبل مضي مدة تلد فيها غالبا فصادف الطلاق نفاسها
صح، وكذا لو صادف ولادتها وانتفاء نفاسها، وليس هو كالطلاق قبل المدة فصادف
حيضها وطهرها، وذلك لأن احتمال البطلان بسبب احتمال كون مضي المدة شرطا
ولم يحصل، بخلاف المقام الذي لا وجه فيه لاعتبار المدة، ضرورة كونها حاملا أو
في طهر لم يقربها فيه، وكل منهما لا يعتبر فيه مدة أصلا كما عرفت، إذ المدة
إنما اعتبرت لتحصيل الظن بالانتقال إلى طهر آخر باعتبار مواقعته لها في الطهر
الذي غاب فيه، وفي الفرض لا تقدح مواقعته، لكونها حاملا أو في طهر لم
يواقعها فيه.
(و) كيف كان ف‍ (لو كان حاضرا وهو لا يصل إليها بحيث يعلم حيضها)
وطهرها (فهو بمنزلة الغائب) في الحكم، كما أن الغائب لو فرض إمكان علمه
بحالها كان كالحاضر، لصحيح عبد الرحمان (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
تزوج امرأة سرا من أهلها، وهي في منزل أهلها، وقد أراد أن يطلقها، وليس يصل
إليها ليعلم طمثها إذا طمثت، ولا يعلم بطهرها إذا طهرت، قال: فقال: هذا مثل الغائب
عن أهله، يطلقها بالأهلة والشهور، قلت: أرأيت إن كان يصل إليها الأحيان والأحيان
لا يصل إليها فيعلم حالها كيف يطلقها؟ فقال: إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه يطلقها
إذا نظر إلى غرة الشهر الآخر بشهود، ويكتب الشهر الذي يطلقها فيه، ويشهد

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 عن أبي الحسن
عليه السلام كما في الكافي ج 6 ص 86 والفقيه ج ص 333.
38

على طلاقها رجلين، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطاب
وعليه نفقتها في تلك الثلاثة الأشهر التي تقعد فيها " وخبر علي بن كيسان (1)
" كتبت إلى الرجل عليه السلام أسأله عن رجل له امرأة من نساء هؤلاء العامة، وأراد أن يطلقها
وقد كتمت حيضها وطهرها مخافة الطلاق، فكتب عليه السلام: يعتزلها ثلاثة أشهر ويطلقها ".
لكن لا يخفى عليك أن مقتضى التدبر في الصحيح الأول على وجه يرتفع
التنافي عنه يقتضي أن الحد الشهر والأفضل الثلاثة، ولعله لذا قال الشيخ في نهايته:
" ومتى كان للرجل زوجة معه في البيت غير أنه لا يصل إليها فهو بمنزلة الغائب عن
زوجته، فإذا أراد طلاقها فليصبر إلى أن يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم
يطلقها ".
وبذلك ظهر لك وجه شهادة لما قلناه سابقا من أن الحد في الغائب مع عدم
العلم بالعادة الشهر الذي هو الغالب في النساء بقرينة الحكم بالحيضة في كل شهر
مرة للدمية، وأفضل منه الثلاثة، وأفضل من ذلك الأربعة والخمسة، لزيادة الاستظهار،
كما أن منه يعلم اعتبار العادة الشخصية مع فرض العلم بها للامرأة المخصوصة،
ضرورة أنها أقوى ظنا من العادة النوعية.
وكيف كان فلا أجد خلافا في المسألة إلا من الحلي فيما حكي عنه بناء على
أصله من عدم العمل بخبر الواحد، فالحاق الحاضر حينئذ بالغائب قياس، والمتجه
بقاؤه حينئذ على حكم الحاضر من عدم جواز طلاقه حتى يعلم انتقالها من طهر
المواقعة وخلوها عن الحيض حين الطلاق، ولكنه كما ترى.
ولقد تلخص من جميع ما ذكرنا أن الغائب إن غاب عن زوجته في طهر لم
يواقعها فيه جاز طلاقها من غير اعتبار مدة، نعم لو علم أيام قرئها لو فرض أن لها
عادة وقتية أخره إلى أيام طهرها، بناء على اعتبار مثل هذه العادة هنا، خصوصا

(1) الوسائل الباب - 28 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
39

بعد اطلاق المعظم الجواز، ولا ريب في أنه أولى.
وإن غاب عنها في طهر المواقعة، فإن كان لها عادة راعاها، لأولويتها من
العادة النوعية، وإلا انتظرها شهرا، لأنه الغالب في نوع النساء والأفضل الثلاثة،
بل كلما زاد عليها فهو أولى باستظهار كونها حاملا أو منتقلة إلى طهر آخر.
نعم لو غاب عنها مسترابة اتجه وجوب الصبر إلى ثلاثة أشهر حينئذ استصحابا
لموضوعها وحكمها، بخلاف مجهولة العادة التي ليست منها موضوعا قطعا، بل
ولا حكما، لما سمعته من النصوص (1) المبنية على قاعدة إلحاق المشكوك فيه
بالأعم الأغلب بعد فرض تعذر العلم والانتقال إلى مرتبة الظن، كما يومئ إليه
اعتبار المدة في النص (2) والفتوى، وبذلك كله ظهر لك وجه الحكم في
اختلاف النصوص والراجح من الأقوال في المسألة، مضافا إلى ما تقدم في فروعها.
الشرط (الرابع)
(أن تكون مستبرأة) من المواقعة التي واقعها إياه بما جعله الشارع
طريقا إلى ذلك من الحيضة أو المدة في الغائب والمسترابة (فلو طلقها) حينئذ
(في طهر واقعها فيه لم يقع طلاق) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى القطع به من النصوص (3) إن لم تكن متواترة فيه (و) إلى عدم
كونه طلاقا للعدة المأمور به في الكتاب العزيز (4) الذي استفاضت النصوص (5)

(1) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 26 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 8.
(3) الوسائل الباب 9 من أبوا ب مقدمات الطلاق.
(4) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و 7 والباب 10
منها الحديث 4 و 5.
40

في كون المراد به الطلاق في مستقبل العدة.
نعم (يسقط اعتبار ذلك في اليائسة) التي لا عدة لها بلا خلاف أجدة في
ذلك نصا (1) وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه أيضا (وفيمن لم تبلغ) سن
(المحيض) الذي هو التسع لذلك أيضا، وهي المرادة بالتي لم تحض في نصوص
الخمس (2) بلا خلاف أجده فيه ولا إشكال عدا ما يحكي عن السيد في شرحه على
النافع من أن الأولى إرادة الأعم منها ومن التي لم تحض مثلها عادة، سواء كان
لنقص سنها عن التسع أو لم تكن، فتكون أعم من الصغيرة والمسترابة، وكأنه ليس
خلافا بعد أن جعلها من المسترابة التي ستعرف حكمها، نعم لو كان مراده جواز
طلاقها على كل حال كغير البالغة تسعا كان مخالفا ومحجوجا باطلاق ما دل (3) على
عدم جواز الطلاق في طهر المواقعة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن أو المتبادر
من التي لم تحض، وهي غير البالغة تسعا، خصوصا بعد ما في رواية الخصال من
إبدالها بالتي لم تبلغ المحيض (4) بل في بعض روايات العدد (5) تفسير التي لم تحض
بها على وجه يظهر منه كونه المراد من التعبير بذلك.
(و) كذا يسقط اعتبار الشرط المزبور (في الحامل) أيضا بلا خلاف
فيه أيضا، بل الاجماع بقسميه عليه، ولأن طلاقها معه طلاق للعدة التي هي وضع
الحمل، ولأنها إحدى الخمس التي استفاضت النصوص في طلاقها على كل حال (6).
إنما الكلام في أن طلاق الحامل يعتبر في صحته الاستبانة أم يكفي فيه مصادفة
الواقع كما هو ظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته؟ بل هي القاعدة في وضع
اللفظ للواقع، إذ الحامل لفظ مشتق بمعنى ذات الحمل، ولا مدخلية للعلم والظن

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 9 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5..
(5) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العدد الحديث 4.
(6) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5..
41

فيه، ولذا لو طلقها بظن أنها حامل فبان خلافه بعد ذلك لم يصح طلاقه،
لانكشاف فساد الظن بتبين خلافه، لكن في مصابيح العلامة الطباطبائي
" لا يصح طلاق الحامل إلا إذا كانت مستبينة الحمل وقت الطلاق، فلو طلقها ثم
تبين الحمل لم يصح - إلى أن قال -: لأن مصادفة الحمل لا تكفي في صحة الطلاق،
بل يشترط فيه الاستبانة كما اعتبره الشيخان في المقنعة والنهاية وابن البراج وبني
حمزة وإدريس وسعيد وغيرهم - ثم استدل عليه - بما في الصحيحين من نصوص
الخمس من وصف الحامل بالمستبين حملها في أحدهما (1) والمتيقن في الآخر (2)
ولا ينافيه إطلاق الحامل في غيرهما، لأن الظاهر من قولهم " يطلقهن " إباحة الطلاق
دون وقوعه، والإباحة مشروطة بظهور الحمل، وبأن الطلاق الواقع على غير السنة
باطل عندنا بلا خلاف، وطلاق المرأة في طهر المواقعة مع عدم ظهور حملها محرم
قطعا إذ لا مسوغ له، فيكون باطلا، وأطلق الفاضلان والشهيدان صحة طلاق الحامل
في طهر المواقعة، ولم يقيدوا ذلك بالاستبانة، فإن أرادوا صحة طلاقها بمجرد
مصادفة الحمل وإن لم يستبن كانت المسألة خلافية، والظاهر أن التقييد مراد في
كلامهم، لتبادره من إطلاق طلاق الحامل ووقوع التقييد به في كلام القدماء مع عدم
نقل خلاف في المسألة ".
قلت: يمكن أن يكون كلام المتأخرين لرفع توهم الشرطية من الوصف
في كلام القدماء المبني على إرادة بيان حكم الاقدام المعلوم توقفه على الاستبانة،
لأصالة عدم الحمل، فيحرم عليه إيقاع الطلاق في طهر المواقعة قبل الاستبانة،
كحرمته عليه قبل تبين حيضها وطهرها، ولكن لو فعل فبان حصول الحمل أو حصول
الحيض والطهر صح، لصدق كونه طلاقا للعدة ولو طلق في طهر لم يواقعها فيه وطلاق
أولات الأحمال وغير ذلك.

(1) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
(2) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 وفيه " الحامل
المتبين " كما في الفقيه ج 3 ص 333.
42

وربما يؤيده ما سمعته منهم في الغائب لو طلق قبل المدة فبان مصادفته الشرط
من أن الأقوى الصحة المقابل بالاحتمال الضعيف من كون مضي المدة شرطا
شرعيا وقد فات، ومثله يأتي في الفرض، بأن يقال: البطلان فيما لو طلق في طهر
المواقعة فبان أنها حامل، لفوات شرطية الاستبراء لا لكون الحمل غير بين، وإلا
فلو طلق بعد الحيضة فبان أنها حامل وأن الحيض كان في أثناء الحمل بناء على
مجامعته له صح قطعا وإن كان غير بين حال الطلاق، وكذا لو طلق بعد المدة فبان
أنها حامل وإن لم يكن الحمل مستبينا، وكذا لو طلق المسترابة بعد مضي المدة
فبان أنها حامل صح وإن لم يكن الحمل مستبينا حال الطلاق، والصحيحان اللذان
ذكرهما لا دلالة فيها على اشتراط صحة الطلاق بذلك خصوصا بناء على ما اعترف به
من أن المراد فيهما وفي غيرهما بيان الإباحة المتوقفة على الاستبانة لا اشتراط صحة
الطلاق بذلك.
وكذا عبارات الأصحاب الذين نسب إليهم الاشتراط لا دلالة فيها على الشرطية
قال في المقنعة: " والحامل المستبين حملها تطلق بواحدة في أي وقت شاء " وقال
الشيخ في النهاية: " وإذا أراد أن يطلق امرأته وهي حبلى مستبين حملها طلقها أي
وقت " وكذا عبارة ابن إدريس بل عن أبي الصلاح عدم التقييد بالاستبانة.
وما عساه ينساق من نصوص (1) النهي عن الطلاق في طهر المواقعة وأنه
ليس بطلاق وترجع الامرأة إلى زوجها مما ينافي ذلك، لأنه لو صح طلاق الحامل
واقعا وجب التربص فيه حينئذ إلى بيان كونها حاملا أولا يدفعه أن ذلك كله
للحكم في الظاهر لأصالة عدم الحمل لا لما لو اتفق بيان الحمل، ويؤيد ذلك كله
مضافا إلى إطلاق الأدلة عدم ذكر أحد من الأصحاب ذلك من شرائط المطلقة أو
من شرائط الطلاق، فمن الغريب جزم الفاضل المزبور بذلك، ولكن ظني أن المصابيح
قد جمعت بعد وفاته من أوراق وحواشي ونحو ذلك، وفيها المنسوخ وغيره، فاشتبه
على الجامع وجعلها مصباحا.

(1) الوسائل الباب - 9 - من أبواب مقدمات الطلاق.
43

(و) كذا يسقط الشرط المزبور في (المسترابة) التي هي في سن من
تحيض وهي لا تحيض لخلقة أو عارض، لكن (بشرط أن يمضي عليها ثلاثة أشهر
لم ترد دما معتزلا لها) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، لصحيح إسماعيل بن
سعد الأشعري (1) " سألت الرضا عليه السلام عن المسترابة من الحيض كيف تطلق؟ قال:
تطلق بالشهور " ومرسل العطار (2) المنجبر بالعمل عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن
المرأة يستراب بها ومثلها تحمل ومثلها لا تحمل ولا تحيض وقد واقعها زوجها
كيف يطلقها إذا أراد طلاقها؟ قال: ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها " نعم في
المسالك وبعض ما تأخر عنها أنه لا يلحق بالمسترابة من تعتاد الحيض في كل مدة
تزيد عن ثلاثة أشهر، فإن تلك لا استرابة فيها، بل هي من أقسام ذوات الحيض
يجب استبراؤها بحيضة وإن توقف على ستة أشهر أو أزيد.
هذا وفي الرياض ومن نصوص الخمس (3) يظهر السقوط في الغائب عنها زوجها
لعدها منها وإن أهمله المصنف، ولعله غفلة أو مصير إلى القول بالبطلان الذي
مضى في طلاق الغائب بعد المدة مع تبين الوقوع، في طهر المواقعة، أو من حيث اختياره
اعتبار العلم بالانتقال من طهر إلى آخر، كما عليه أكثر من تأخر، والظاهر أنه هو
الوجه في الاهمال، وفيه أنه يمكن اتكالا على ذكر حكم الغائب سابقا، وإلا
فقد عرفت أن المراد الانتقال إلى زمان طهر آخر لا طهر حقيقة كما أوضحناه
سابقا.
(و) على كل حال ف‍ (لو طلق المسترابة قبل مضي ثلاثة أشهر من
حين المواقعة لم يقع الطلاق) لما عرفت.

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب العدد الحديث 17.
(2) الوسائل الباب - 40 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
44

الشرط (الخامس)
(تعيين المطلقة وهو أن يقول: فلانة طالق أو يشير إليها بما يرفع
الاحتمال) مع فرض التعدد من قول هذه ونحو ذلك (فلو كان له) زوجة
(واحدة فقال زوجتي طالق صح، لعدم الاحتمال) حينئذ بل في المسالك وغيرها
الاكتفاء بالنية مع التعدد على وجه يظهر منه المفروغية، فإن تحقق إجماعا فلا
كلام، خصوصا مع العمومات، وإلا فقد يقال: إن ظاهر قول أبي جعفر عليه السلام في
صحيح محمد (1): " إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من محيضها
قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدى، يريد بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك
رجلين عدلين " اعتبار ذكر ما يفيد التعيين، وأظهر منه خبر محمد بن أحمد بن
المطهر (2) قال: " كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام إني تزوجت بأربع
نسوة ولم أسأل عن أساميهن، ثم إني أردت طلاق إحداهن وأتزوج امرأة أخرى،
فكتب إلي أنظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن فتقول: اشهدوا أن فلانة
التي بها علامة كذا وكذا هي طالق، ثم تزوج الأخرى إذا انقضت العدة ".
مضافا إلى استصحاب بقاء النكاح المتوقف زواله على السبب الشرعي المحتمل
مدخلية ذكر ما يقتضي التعيين ولو قرائن أحوال فيه، لا أقل من الشك في تناول
العمومات التي لم تسق لبيان مشروعية مسمى الطلاق، اللهم إلا أن يمنع الشك
بظاهر المفروغية السابقة، واحتمال أو ظهور كون المراد من الخبرين كون المطلقة
معينة في نفسها في مقابل طلاق غير المعينة الذي ستسمع البحث فيه.
(و) حينئذ ف‍ (لو كان له زوجتان) مثلا (أو زوجات فقال: زوجتي

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3 من كتاب
النكاح.
45

طالق فإن نوى معينة) وذكر ما يقتضي ذلك (صح وقبل تفسيره) لما لا يعلم
إلا من قبله من غير يمين، وفي المسالك " يؤمر بذلك على الفور، لزوال الزوجية
عنها، ويمنع من الاستمتاع بها إلى أن يبين، ولو أخر أثم، لأن الحق لهما في
ذلك، فعليه بيانه إذ لا يعلم من غيره - إلى أن قال: وتجب عليه النفقة لهما قبل
البيان، لأنهما محبوستان حبس الزوجات، ولاستصحاب وجوب النفقة لكل واحدة
منهما، ولا يسترد المصروف إلى المطلقة بعد البيان.
والجميع كما ترى، إذ لا دليل على وجوب الفور في البيان، خصوصا في العدة،
وخصوصا في الرجعية، كما لا دليل على وجوب الانفاق عليهما بعد معلومية كون
إحداهما أجنبية والاستصحاب المعلوم عدمه في إحداهما ليس حجة فيهما كما
حرر في محله، وكونهما محبوستين بتخيلهما البقاء على العقد لا يقتضي وجوب الانفاق
عليهما، إذ هو اعتبار محض لا يوافق أصول الإمامية.
(و) على كل حال ف‍ (إن لم ينو) واحدة معنية (قيل) والقائل
المفيد والمرتضى وابن إدريس والشيخ في أحد قوليه: (يبطل الطلاق لعدم التعيين)
بل هو المشهور نقلا وتحصيلا، بل في الإنتصار ومحكي الطبريات الاجماع عليه،
بل ظاهره في الأول اختصاص القول بالصحة بالعامة، فعن أبي حنيفة وأصحابه
والنوري والليث أنه يختار أيتهن شاء، ويجعلها المطلقة، وعن الشافعي ذلك أيضا
ولكنه صرح بأنه يمنع منهن حتى تبين، وعن مالك تطلق عليه جميع نسائه.
(وقيل) والقائل الشيخ فيما حكى عن مبسوطه: (يصح، ويستخرج
بالقرعة، وهو أشبه) عند المصنف، بل والفاضل والشهيد في أحد قوليهما ولكن
يرجع في التعيين إلى اختياره لا إلى القرعة، ولكن لا يخفى ما في أصل الصحة،
ضرورة عدم دليل لها سوى دعوى عموم الأدلة التي لم تسق لذلك، على أن الطلاق
لرفع قيد النكاح الذي لم يقع في الخارج إلا على شخص بعينه، والأحدية ونحوها
من الأمور الانتزاعية الوهمية لم يقع عليها عقد النكاح. بل ليس الطلاق في الحقيقة
إلا من توابع النكاح الذي قد عرفت عدم وقوعه إلا على معين، خصوصا بعد
46

اقتضاء ما يترتب عليه من العدة، ونحوها التعيين، كاقتضاء ما يترتب على النكاح
ذلك، بل الظاهر عدم صلاحية الكلي الانتزاعي لقيام معنى الطلاق فيه، كغيره من آثار
أكثر العقود والايقاع.
وبذلك كله يظهر لك عدم اندراج الفرض في مسمى الطلاق كي يندرج في
الاطلاق الذي إن لم يقطع أو يظن بعدم تناوله لمثل ذلك، خصوصا مع ملاحظة
الخبرين (1) السابقين وغيرهما من النصوص (2) التي تسمعها في بحث الصيغة المشتملة
على التعيين بعنوان التعريف للطلاق الجامع لشرائط الصحة التي منها التعيين وغيره،
بل ظاهر المتن هناك اعتباره أيضا، وأن أقصى نصوص الصيغة التعدية من لفظ
" أنت " إلى غيره من ألفاظ التعيين، بل قد يدعى أنه المنساق من أكثر النصوص
بل الآية (3) فلا أقل من الشك الذي ينبغي البقاء معه على أصالة بقاء النكاح.
وقياس معنى طلاق الواحدة من نسائه مثلا على ما تطابق عليه النص (4)
والفتوى من تخير من أسلم على أكثر من أربع غير جائز في مذهبنا، وإنما هو
مذهب مخالفينا، ولذا وغيره من الاعتبارات الفاسدة أفتوا بالصحة وملؤوا كتبهم من
الفروع التي لا تخلو بعضها من خرافة، كما لا يخفى على من لاحظها.
بل لعل استفاضة النصوص (5) فيما يقتضي التعيين فضلا عن خلوها عن ذكر
المبهم وحكمه مع اشتهاره بين العامة في ذلك الزمان مما يورث الفقيه الظن أو العلم
بأنه من المنكرات عليهم نحو غيره مما أبدعوه في الطلاق، بل لو لم يكن في هذا
القول إلا التزام جملة أمور لا دليل واضح عليها لكفى في بطلانه، إذ التعيين إن

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 والباب 3
من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل في الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) سورة الطلاق: 45 - الآية 1.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 181.
(5) الوسائل في الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
47

كان مرجعه القرعة فقد أشكله بعضهم بأنها لكشف الأمر المشتبه، وليس المقام منه،
ضرورة خلوه عن القصد في الواقع، اللهم إلا أن يدعى أنها للأعم من ذلك ومن
المشكل الذي لا ترجيح فيه بظاهر الشرع، وإن كان مرجعه اختيار المطلق كما
عن الفاضل ففيه أنه لا دليل بعد فرض صحة الطلاق على مدخلية اختياره في ذلك إلا
القياس على من أسلم على الأزيد من أربع، وهو باطل في مذهبنا أو دعوى أن له
التعيين ابتداء فله التعيين استدامة، وهي كما ترى، ضرورة أن له طلاق المعينة
ابتداء لا تعيين المطلقة، أو أن ذلك من توابع الطلاق الذي بيده، وفيه أن تعيين
المطلقة أمر زائد على الطلاق.
ثم على القول به فهل هو معتبر في الطلاق؟ على معنى عدم حصول أثره إلا
به، كما عن الفاضل استصحابا للنكاح، واحتياطا للعدة، ولأنها لو طلقت بالايقاع
فإما أن يقع الطلاق على الكل أو على واحد بعينه وفسادهما ظاهر، أو على واحدة
مبهمة، وهو أيضا باطل، لأن الطلاق معنى لا يحل إلا بمعين، ولا وجود للمبهم
في الخارج، فليس هو حينئذ إلا التزام طلاق في الذمة يتم بالتعيين، لكن ذلك كله
كما ترى، على أنه مناف لما دل على سببية السبب وللحكم بتحريمها عليه قبل
التعيين الذي قد اعترف هو به، بل قد حكى بعضهم الاتفاق عليه، بل وللحكم
بأن لوارثهما المطالبة به فيما لو ماتتا أو إحداهما قبله لبيان الإرث، لعدم بقاء
محل للطلاق.
ومن هنا كان المحكي عن الشيخ كون التعيين كاشفا، وأن الطلاق قد وقع
حين التلفظ، وتتبعه العدة لأنه أوقع صيغة الطلاق منجزة، فيقع بها الطلاق على
إبهامه، والتعيين ليس من صيغة الطلاق في شئ نحو من أسلم على الأزيد، وهو
أيضا كما ترى، خصوصا بعد ملاحظة عدم كشف التعيين في أفراد الكلي في البيع
وغيره.
ولو وطأ إحداهما بعد الطلاق بائنا ففي القواعد " إن قلنا يقع الطلاق باللفظ
48

كان تعيينا أي للأخرى، وإن قلنا بالتعيين لم يؤثر الوطء " وفي محكي المبسوط
" إن جعل الوطء تعيينا أباح وطئ من شاء منهما، وإنما حرم الجمع بينهما، وإن
لم يجعله تعيينا حرمهما، لأنهما قبل التعيين متشبثان بحرمة الطلاق " والأقرب
عند الفاضل في القواعد مع أنه لا يجعله تعيينا تحريم وطئهما معا وإباحة من شاء
منهما، وفي المسالك " أن الوطء لا يكون بيانا إذا كان قد نوى واحد بعينها،
وتبقى المطالبة به بحالها، فإن بين في الموطوءة فعليه الحد، والمهر بجهلها أنها
المطلقة وإن بين في غير الموطوءة قبل، فإن أعدت الموطوءة أنه أرادها حلف،
فإن نكل وحلفت هي حكم بطلاقها وعليه المهر، ولا حد للشبهة، لأن الثبوت
باليمين، وإن كان لم ينو واحدة بعينها ففي كونه تعيينا أولا وجهان إلى أن قال -:
وربما بنى الوجهان على أن الطلاق يقع عند اللفظ أو عند التعيين، فعلى الأول
هو تعيين بخلاف الثاني، ثم إن جعلناه تعيينا فلا مهر للموطوءة، لكونها زوجته
حينئذ، وإلا طالبت بالتعيين، فإن عين الطلاق فيها وجب المهر إن قلنا بوقوعه
عند اللفظ، وإن قلنا بوقوعه عند التعيين ففي وجب المهر وجهان: من أنها
لم تكن مطلقة وقته، ومن حصول ما له صلاحية التأثير، ومن ثم حرم الوطء قبل
التعيين ".
قلت: قد يقال بكون الوطء بيانا ما لم يصرح بخلافه، بل ودالا على التعيين
كذلك بناء على وقوع الطلاق باللفظ، أما لو قلنا بوقوعه حينه فلا، بل المتجه جواز
وطئهما معا قبله، لعدم الخروج عن الزوجية بدونه.
ولو ماتتا قبله فالمطالبة بالبيان بحالها للإرث، وكذلك المطالبة بالتعيين
بناء على الوقوع حال التلفظ، وأما على الوقوع به فالمتجه بطلانه حينئذ، لعدم
صحة وقوع الطلاق بعد الموت، فيرثهما معا حينئذ.
ولو مات هو فالمرجع في البيان إلى القرعة أو يقسم نصيب الزوجية بينهما
صلحا، واحتمال قيام وارثه مقامه في ذلك من المضحكات إن أريد به إنشاء البيان،
وأن أريد به الإخبار عن مورثه فليس قياما مقامه، بل هو مخبر به وشاهد عليه كغيره
49

من الأجانب أو مدع لو فرض مطالبته بإرث أحدهما، بل لعل قيامه مقامه في التعيين
كذلك وإن قلنا بوقوع الطلاق حين التلفظ، ضرورة عدم كونه مما يورث، وقياسه
على الشفعة والخيار كما ترى، بل المتجه الترجيح (التعيين خ ل) بالقرعة بناء
على عموم شرعيتها في مثل ذلك، أو يعزل نصيب زوجة يقسم بينهما صلحا
قهريا.
ثم لا يخفى عليك توجه النزاع مع الوارث في دعوى البيان الذي ينسبه
إلى المورث، بخلاف التعيين الذي ينشؤه هو بناء على قيامه في ذلك،
نعم لهم الدعوى عليه بسبق تعيين من المورث وحينئذ يكون كالنزاع في البيان،
وكذلك الكلام في النزاع مع المورث في البيان دون التعيين إلا على الوجه المزبور
كما هو واضح.
وكيف كان فمما ذكرناه يظهر لك الحال فيما أطنب به بعض الأصحاب في هذه
الفروع التي يقطع الناظر فيها بفساد مبناها، وأنها لائقة بأهل القياس والاستحسان
والأهواء والآراء، وقد ذكرنا جملة من أمثالها في بحث الاختيار من النكاح،
بل يكفي في فسادها خلو نصوص الطلاق على كثرتها عن الإشارة إلى شئ منها، بل
قد عرفت ظهورها في اعتبار التعيين المنافي لها، بل فيها التعريض بالعامة وما
أحدثوه في الطلاق، حتى قال الباقر عليه السلام في خبر معمر بن وشيكة (1) " لا يصلح
الناس في الطلاق إلا بالسيف ولو وليتهم لرددتهم فيه إلى كتاب الله تعالى شأنه " وقال
هو أيضا والصادق عليهما السلام في خبر أبي بصير (2): " لو وليت الناس لأعلمتهم كيف
ينبغي أن يطلقوا، ثم لم أوت برجل قد خالف إلا قد أوجعت ظهره " إلى غير
ذلك من النصوص المعرضة بذلك ونحوه مما أبدعوه في الطلاق وسودوا به مصنفاتهم،
كما لا يخفى على من لاحظها، والله العالم.
(ولو قال: " هذه طالق أو هذه " قال الشيخ رحمه الله: يعين للطلاق من

(1) الوسائل الباب - 6 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 3 والثاني عن أبي جعفر عليه السلام كما في الكافي ج 6 ص 57.
(2) الوسائل الباب - 6 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 3 والثاني عن أبي جعفر عليه السلام كما في الكافي ج 6 ص 57.
50

شاء) لأنه كما لو قال: " زوجة من زوجاتي طالق " في الاشتراك في إيقاع الطلاق
على واحدة مبهمة (وربما قيل بالبطلان لعدم التعيين) فيه، وفي المسالك
" وفيه نظر، لأن الثانية لم يقع بها طلاق بصيغة الشرعية، ومجرد عطفها على
الأولى غير كاف في تشريكها معها في الصيغة، وسيأتي استشكال المصنف في نظير
المسألة كذلك (لذلك خ ل) ويتجه على هذا أنه إن عين الأولى للطلاق طلقت، وإن
عين الثانية لم تطلق، لما ذكر
قلت: ظاهر تعليل المصنف هنا وفيما يأتي أن جهة البطلان عدم التعيين،
نعم يبقى عليه سؤال الفرق بين ما هنا وما تقدم الذي قد سمعت فيه موافقته للشيخ
في الصحة، كما أنه يبقى على الشيخ سؤال الفرق بينهما في الرجوع إلى القرعة في
الأول والاختيار في الثاني، ولعل وجه الأول الفرق بين المتواطئ والمبهم،
فيصح الطلاق في الأول، لأنه تعيين في الجملة بخلاف الثاني، وإن كان قد عرفت
البطلان فيهما عندنا، ووجه الآخر أن الأول يراد به الطبيعة المجردة عن ملاحظة
والخصوصية بخلاف الفرض الملاحظ فيه ذلك، نحو الواجب المخير، إلا أنه كما
ترى لا يرجع إلى حاصل معتد به.
هذا وقد يتوهم من عبارة المتن أنه لا يأتي في الفرض احتمال الصحة لو أراد
معينة، حيث لم يذكره كما في السابقة، بدعوى أنه نص في الترديد بخلاف المتواطئ
وإحداهما الذي يجوز فيه إرادة المعينة وإن كان ظاهرا في الترديد، ومجرد نيته
من دون صلاحية اللفظ للاستعمال فيما أراد غير كاف في الطلاق، ولذا كان المحكي
عن المبسوط الصحة فيما لو قال: " طلقت نسائي " مفسرا له بالبعض، بخلاف ما إذا
قال: " أربعتكن طوالق " ثم قال: " أردت بعضهن " لم يقبل، لكنه كما ترى مناف
لعموم أدلة الطلاق وقاعدة الإدانة له بنيته، وذكر الترديد ظاهرا لغرض من
الأغراض غير مناف لذلك، والقبول ظاهرا في المبسوط وعدمه غير الصحة في نفس الأمر
كما هو واضح.
وأما احتمال البطلان هنا وإن قلنا بعدم اعتبار التعيين لعدم تكرار الصيغة
51

الذي سمعته من المسالك ففيه أن حرف العطف يغني في العقود وغيرها، ولذا لا يحتاج
إلى تكرير الايجاب في المبيع المتعدد، وليس ذلك من الكناية في شئ، ثم إن
قوله: " ويتجه " لا يخلو من نظر، ضرورة رجوعه إلى الترديد بين الصحيح والباطل،
ولا يتصور صحة الكلي بالنسبة إليهما بحيث يحتاج إلى التعيين، فالمتجه حينئذ البطلان
فيهما أو الصحة في خصوص الفرد الصحيح فتأمل جيدا، والله العالم.
(ولو قال: " هذه طالق أو هذه وهذه " طلقت الثالثة) يقينا عند الشيخ،
لأنها معطوفة على المفهوم من الترديد، وهو إحداهما المتعلق به الطلاق كذلك
وإن لم يكن مذكورا في اللفظ، فيبقى الترديد بين فرديه.
(و) حينئذ (يعين من شاء من الأولى أو الثانية) بناء على أنه له
ذلك (ولو مات استخرجت واحدة) منهما (بالقرعة) بناء على شمول دليلها
لمثله ولم نقل بقيام الوارث مقامه في ذلك، فيكتب رقعتان ويستخرج إحداهما.
(وربما قيل) والقائل ابن إدريس (بالاحتمال في الأولى والأخيرتين
جميعا) لأن الثالثة معطوفة على سابقتها التي هي أولى من غيرها في ذلك مع
فرض الصلاحية (فيكون له أن يعين للطلاق الأولى أو الأخيرتين معا) فإن مات
استخرج بالقرعة برقعتين إحداهما للأولى والثانية للأخيرتين، لأن الفرض كون
الترديد كذلك، ولعله أولى من الأول بمقتضى قواعد العربية من حيث اللفظ نفسه،
لأن بناء البحث على ذلك، وإلا فمع العلم بقصده لا إشكال حتى لو أراد العطف
على الأولى أو غيره.
وبذلك يظهر لك المراد مما في المسالك من جعل محل النزاع صورة سرد
العبارة من غير قصد، ضرورة عدم إمكان خلوه عن القصد في الفرض، اللهم إلا أن
يفرض إرادة ما يقتضيه دلالة اللفظ، لكنه كما ترى.
(و) كيف كان ف‍ (الاشكال في الكل ينشأ من عدم تعيين المطلقة)،
وفي القواعد إن كلا من القولين، محتمل ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.
52

وحينئذ فلا بد للقرعة من رقاع ثلاثة: إحداها للأولى والثانية للأخيرتين
والثالثة للثالثة خاصة، فإن خرجت أولا رقعة الأولى خاصة حكم بطلاقها، ثم
إن خرجت رقعة الثالثة المكتوب فيها اسمها خاصة حكم بالاحتمال الأول
وطلقت، وإن خرجت الرقعة الجامعة حكم بعطف الثالثة على الثانية وبقائهما على
النكاح، وإن خرجت أولا الرقعة الجامعة حكم بعطفها عليها وطلاقهما معا، ولا يحتاج
إلى إخراج رفعة أخرى، وإن خرج أولا رقعة الثالثة حكم بطلاقها وبقي الاشتباه
بين الأولى والجامعة، فإن خرجت الأولى حكم بطلاقها أيضا، وإن خرجت الجامعة
حكم بطلاق الثانية منها، وبقاء الأولى على النكاح.
وقد يشكل ذلك بأن مرجع هذا الاقراع إلى تفسير المراد باللفظ التابع
لدلالته، إذ لا يعلم قصده العطف على الأخيرة أو على أحدهما المطلقة، وليست
القرعة طريقا لمثل ذلك، بل متى كان الاشتباه من حيث قيام الاحتمالين في الدلالة
الذي على فرض أحدهما يكون من الابهام بخلاف الآخر يتوقف ويرجع إلى
الأصول وإن كانت، وليست القرعة طريقا لبيان دلالة الألفاظ، وإنما هي للفرد
المشتبه ظاهرا أو للأعم منه ومن المشتبه واقعا، كما في صورة قصد الابهام، بخلاف
الفرض الذي لم يعلم فيه قصد الابهام بسبب احتمال إرادة العطف على إحداهما،
وإلا لرجع إلى القرعة في تعيين أحد المجازات مع العلم بعدم إرادة الحقيقة وفرض
عدم الترجيح، وفي تعيين المراد باللفظ الانشاء أو الإخبار ونحو ذلك، وكأنه " ره "
نظر إلى نفس الاشتباه في المطلقة مع قطع النظر عن أن منشأه الدلالة، والأمر
سهل.
هذا وقد صرح غير واحد بأنه ليس له تعيين إحدى الأخيرتين بناء على قول
ابن إدريس، لأن الفرض كونهما معا قسما مقابلا للأولى كما هو واضح، لكن
قد يقال: إنه مبني على صحة طلاق المجموع من حيث إنه كذلك على وجه يقتضي
بطلان الطلاق في البعض ولو بفوات شرط من شرائط الطلاق البطلان في الباقي،
53

لفوات المجموع بفواته، ولا يخلو صحة ذلك من بحث وإن قلنا بعدم اشتراط التعيين،
ضرورة عدم كون المجموع زوجة يصح طلاقه، بخلاف مفهوم الزوجة وأحدهما
ونحوه المنطبق على أشخاص الزوجات، فتأمل جيدا، فإنه قد يفرق بين الفرض
وبين ذلك.
(ولو نظر إلى زوجته وأجنبية فقال: إحداكما طالق) وقصد المفهوم
الكلي ففي صحة الطلاق وصرفه إلى الزوجة وفساده من أصله ما عرفت، لعدم قصد
ما يصح به الطلاق ولو المفهوم الدائر بين الزوجتين، ولو قصد معينة (ثم قال:
أردت الأجنبية قبل) بلا خلاف ولا إشكال، لأنه أعلم بنيته (و) لم يكن منه ظاهر
يقتضي خلاف ذلك.
نعم (لو كان له زوجة وجارة كل منهما سعدى فقال: سعدى طالق ثم
قال: أردت الجارة قيل) وإن كنا لم نظفر بقائله منا كما اعترف به في كشف
اللثام: (لم يقبل، لأن إحداكما تصلح لهما) عرفا على وجه لا يقتضي المنافاة لما
أخبر به بعد ذلك (وإيقاع الطلاق على الاسم) المشترك لفظا (بصرف (ينصرف خ ل)
عرفا (إلى الزوجة) فينافي تفسيره بعد ذلك بغيرها، فيكون من الانكار بعد
الاقرار.
(و) لكن (في الفرق) على وجه يقتضي الاختلاف في الحكم (نظر)
واضح، بل عن المبسوط ما يظهر منه الاجماع على قبول تفسيره في الثانية أيضا، لأنه
ظهور حال ظنه السامع، لا ظهور دلالة لفظ خصوصا بعد ما عرفت سابقا من تصديقه
في دعوى عدم القصد إلى الطلاق بعد إيقاع صيغته، ضرورة اتحادهما في الظهور
المزبور، بل ما هنا أضعف حتى لو ظهر منه قصد الانشاء الذي قد عرفت صحة تعلقه
بالأجنبية وإن لم يترتب عليه أثره، نعم لو ذكر لفظا يقتضي تعيين الزوجة ثم
ذكر بعد ذلك ما ينافيه ولو بإرادة التجوز لم يسمع منه لأنه كالانكار
بعد الاقرار، بخلاف المقام الذي ظن فيه إرادة الزوجة من أصل الصحة وغيره مما
يقتضي الحكم به إذا لم يظهر بعد ذلك ما ينافيه مما لا يعلم إلا من قبله، لا أنه
54

يقتضي كونه منكرا بعد أن كان مقرا، والله العالم.
(ولو ظن أجنبية زوجته فقال: أنت طالق لم تطلق) زوجته (لأنه
قصد المخاطبة) بضميرها، وهي لا يتعلق بها طلاق، وقصد طلاق الزوجة بغير لفظ
يدل عليها غير كاف، خصوصا في الفرض الذي قد تعقب القصد المزبور قصد الخطاب
الذي لا ينطبق عليها، نعم لو فرض إرادة الزوجة من الخطاب المزبور دون
المخاطبة الأجنبية صح، وبالجملة يعتبر مطابقة المراد باللفظ المقصودة على وجه
الاستعمال فيه
(ولو كان له زوجتان: زينب وعمرة فقال: يا زينب فقالت عمرة: لبيك
فقال: أنت طالق طلقت المنوية) بالخطاب سواء كانت المجيبة أو المناداة (و)
لو فرض عدم العلم بقصده بموت ونحوه استخرج بالقرعة، لعدم ظهور في اللفظ في الدلالة
لإرادة إحداهما.
نعم (لو) علم منه أنه (قصد المجيبة ظنا) منه (أنها زينب قال
الشيخ: تطلق زينب) ترجيحا للاسم على الإشارة. (وفيه إشكال، لأنه وجه
الطلاق إلى المخاطبة بظنها زينب، فلم تطلق المجيبة، لعدم القصد، ولا زينب لتوجه
الخطاب إلى غيرها) فلم تحصل المطابقة بين المراد من اللفظ بالقصد الثاني
للمقصود الأول، ولا استعمل اللفظ مرادا به منه، بل هو في الحقيقة كما لو قال
للأجنبية: أنت طالق ظنا منه أنها زوجته، ولذا أفتى الفاضل بالبطلان، ومن التأمل
فيما ذكرنا يظهر لك الحال في جميع صور المسألة المتصورة في المقام.
كما أنه يظهر انحصار الاشكال في صورتين: الأولى: إذا لم يصدر منه إلا
اللفظ المزبور ولم يعلم منه أمر زائد على ذلك، فهل يحمل على المناداة أو المجيبة
أو على قصد المجيبة بتخيل أنها المناداة.
الصورة الثانية: أن يعلم أنه قصد المجيبة لظن أنها المناداة، وقد عرفت أن
الحكم في الثانية عدم طلاق كل منهما، وحيث كان ذلك احتمالا مساويا للاحتمالين
55

في الصورة الأولى أيضا يتجه عدم الحكم بطلاق إحداهما أيضا، فيتفقان في الحكم
حينئذ، إذ ليس المقام مقام قرعة كما في الصورة التي ذكرناها، وهي لو علم أنه
قصد إحداهما، ولكن لم نعلمه لموت ونحوه، إذ ليس فيها احتمال كون الطلاق
للمجيبة بظن أنها المناداة، والله العالم
(الركن الثالث)
(في الصيغة)
(و) من المعلوم كون (الأصل) في (أن النكاح) بعد وقوعه (عصمة
مستفادة من الشرع لا تقبل التقايل) ضرورة من المذهب أو الدين (فيقف رفعها
على موضع الإذن) منه كغيره من العصم المستصحبة، ولكن لا ريب في مشروعية الطلاق
لرفعه، فكان المتجه زواله بتحقق مسماه الحاصل بانشائه بكل لفظ دل عليه لولا
ما تعرفه من الأدلة على اعتبار خصوص صيغة خاصة (ف‍) يراد منه حينئذ الجامع
للشرائط الشرعية التي منها كونه واقعا ب‍ (الصيغة) المخصوصة (المتلقاة)
من الشرع (لإزالته) أي (قيد النكاح) وهي (أنت طالق أو فلانة) طالق
(أو هذه أو ما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة) دون غيرها من الصيغ،
ففي صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل قال لامرأته: أنت
مني خلية أو برية أو بته أو بائن أو حرام، فقال:: ليس بشئ " وفي صحيح ابن
مسلم (2) " سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل قال لامرأته: أنت علي حرام أو بائنة
أو بتة أو برية أو خلية، قال: هذا كله ليس بشئ، إنما الطلاق أن يقول لها في

(1) الوسائل الباب - 15 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
56

قبل العدة ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدى، يريد
بذلك الطلاق، ويشهد على ذلك رجلين عدلين " ورواه في المختلف عن جامع البزنطي
عن محمد بن سماعة، عن محمد بن مسلم (1) عن الباقر عليه السلام من دون قوله: " أو اعتدى
يريد بذلك الطلاق، وفي صحيح الحلبي أو حسنه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " الطلاق
أن يقول لها: اعتدى أو يقول لها: أنت طالق " وفي الكافي عن الحسن بن سماعة (3)
" ليس الطلاق إلا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع
أنت طالق، ويشهد شاهدين عدلين، وكل ما سوى ذلك فهو ملغي " وفي الإنتصار
" إجماع الإمامية على ذلك ".
قلت: وبذلك افترق الطلاق عن غيره مما توسع في صيغته، لا للأصل الذي
ذكره المصنف الذي نحوه جار في غيره، كأصل عدم انتقال المال في البيع ونحوه،
ولكن مشروعية البيع الحاصل عقده بانشائه باللفظ الصريح حقيقة أو مجازا متعارفا
على اختلاف القولين قطعه، ومثله جار في المقام لولا الأدلة الخاصة.
(و) على كل حال ف (لو قال أنت الطالق أو طلاق أو من المطلقات
لم يكن شيئا ولو نوى به الطلاق) بلا خلاف أجده فيه، لعدم الهيئة الخاصة وإن
وجدت المادة بل (وكذا لو قال: مطلقة و) إن (قال الشيخ) في المبسوط
(الأقوى أنه يقع إذا نوى) به إنشاء (الطلاق، وهو) واضح الضعف لما عرفت
بل يلزمه القول به في غيره من الصيغ السابقة التي اعترف بعدم وقوع الطلاق بها،
لا لما ذكره المصنف من أنه (بعيد عن شبه الانشاء) باعتبار دلالته على المضي،
ضرورة كونه كالصيغة السابقة بالنسبة إلى ذلك بعد فرض النقل من الاخبار إليه،
بل ذكروا أن الماضي انسب بالنقل إلى إرادة الانشاء من غيره، ولذا جعلوا صيغ
العقود الصريحة بلفظه، فالتحقيق كون الفارق النص المعمول به بين الطائفة قديما

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 - 1.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 - 1.
57

وحديثا في مقابلة ما أبدعه مخالفوهم من التوسعة في ذلك. حتى أوقعوه بالكناية
المراد بها الطلاق.
ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك من المناقشة في ذلك، كما أن
منه يظهر لك أن ما يذكره الأصحاب من التعليلات التي لا توافق ما ذكروه في
العقود إنما هو لبيان المناسبة بعد الوقوع، وإلا فالعمدة النصوص المزبورة.
(و) لعله لذلك (لو قال: طلقت فلانة) بقصد الانشاء (قال) الشيخ:
(لا يقع) فما في المسالك من إشكاله بما اتفقوا على وقوعه بمثله في العقود في
غير محله (و) لكن (فيه إشكال ينشأ من) وجه آخر، وهو (وقوعه عند)
الشيخ وبعض أتباعه ب‍ (سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول: نعم) لخبر السكوني (1)
عن الصادق عن أبيه، عن علي عليهم السلام " عن الرجل يقال له: طلقت امرأتك، فيقول:
نعم، قال: قد طلقها حينئذ " ومن المعلوم أن قول: " نعم " تابع للفظ السؤال
ومقتض، لا علامة على سبيل الانشاء، فكأنه قال: " طلقتها " فإذا وقع باللفظ
الراجع إلى شئ لزم وقوعه باللفظ الأصلي إذ هو أولى، بل يمكن القول به دونه
للفرق بين الملفوظ والمقدر في الصيغ، واحتمال الفرق بالنص جمود مستقبح.
نعم التحقيق عدم الوقوع بهما معا، لما عرفت مما لا يعارضه خبر السكوني
بعد ضعفه وعدم الجابر، بل الموهن متحقق، وبعد احتمال كون المراد به الحكم
عليه بالطلاق للاقرار، لا أنه إنشاء طلاق، كما لعله المراد من مرسل عثمان (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: " رجل طلق امرأته من هؤلاء، ولي بها حاجة، قال:
فتلقاه بعد ما طلقها وانقضت عدتها عند صاحبها، فتقول له: أطلقت فلانة؟ فإن قال
نعم فقد صارت تطليقه على طهر، فدعها من حين طلقها تلك التطليقة حتى تنقضي
عدتها، ثم تزوجها، فقد صارت تطليقة بائنة " وموثق إسحاق عنه عليه السلام (3) أيضا

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 36 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 1 من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب - 36 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 1 من كتاب النكاح.
58

" في رجل طلق امرأته ثلاثا، فأراد رجل أن يتزوجها فيكف يصنع قال: يدعها
حتى تحط وتطهر ثم يأتيه ومعه رجلان شاهدان فيقول: أطلقت فلانة؟ فإذا قال:
نعم تركها ثلاثة أشهر، ثم خطبها إلى نفسه " ونحوه موثقه الآخر (1) وموثق
حفص بن البختري (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا، ضرورة ظهورها أجمع أو صراحتها
في إرادة الإخبار عن طلاق سابق من قول: " نعم " ومثله لا يصلح لوقوع الطلاق،
للاجماع من الأمة على اعتبار الانشاء فيه، ولذا لم يستدل بها أحد في المقام.
فمن الغريب ما في الحدائق من التزام الطلاق به حتى مع قصد الإخبار
رادا على الأصحاب بهذه النصوص التي يجب حملها على إرادة الاشهاد على إقراره
والاستظهار بمضي العدة من حين الاقرار لكونه من المخالفين كما هو واضح.
(و) كيف كان فقد بان لك الوجه في أنه (لا يقع الطلاق بالكناية) عندنا
التي هي اللفظ المحتمل للطلاق وغيره وإن أريد به بلا خلاف أجده، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (3) في الصيغة، بل قد عرفت عدم
وقوعه بالصريح من غير الصيغة المخصوصة فضلا عنها، نحو " طلقت " و " أنت مطلقة "
وإن اختلف فيها، فما في المسالك من أنه أطبق أصحابنا على عدم وقوعه به مطلقا
يعني بجميع ألفاظ الكناية ولكن اختلفوا في كلمات مخصوصة وهي من جملتها،
وقد تقدم بعضها، وسيأتي منها بعض آخر، والفرق بينها وبين غيرها لا يخلو من
تكلف واضح الفساد، نعم ستسمع الخلاف في خصوص " اعتدى " منها لظاهر النص (4)
الذي ستعرف الحال.
ولا خلاف أجده في اعتبار النية بالكناية عند من أوقع الطلاق بها، وأن ذلك
هو الفرق بينها وبين الصريح الذي لا يحتاج إلى زيادة عن قصد معناه بخلافها، فإنه
يحتاج إلى قصد الطلاق بها، ولا يكفي إرادة المعنى الكفائي الدال على الطلاق بنوع

(1) الوسائل الباب - 31 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب - 31 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
59

من الالتزام، والأمر سهل بعد أن عرفت عدم وقوع الطلاق بها عندنا على كل
حال.
(و) كذا (لا) يقع (بغير العربية مع القدرة على التلفظ باللفظ المخصوص)
وفاقا للمشهور، لظاهر النصوص السابقة (1) مضافا إلى ما ذكرناه في البيع الذي من
المعلوم أولوية الطلاق منه بالنسبة إلى ذلك وكونها من المرادف لها والمقصود المعنى
اجتهاد كدعوى اندراجه في إطلاق الأدلة الذي هو بعد تسلميه مقيد بما سمعت، بل
الظاهر عدم الإجتزاء بالملحون منها للقادر على الصحيح ولو بالتعلم فضلا عنها،
للأصل وظاهر النص (2) بل لعله أولى بالمنع، لخروجه عن سائر اللغات، خلافا لما
عساه يتوهم من إطلاق الشيخ في النهاية وبعض أتباعه من الاجتزاء بمرادف الصيغة
المزبورة من كل لغة، لخبر وهب بن وهب (3) المعروف بالكذب عن جعفر، عن
أبيه، عن علي عليهم السلام " كل طلاق بكل لسان فهو طلاق " الذي لا جابر له، بل
الموهن متحقق، بل لا يبعد دعوى كونه مساقا لأصل بيان الاكتفاء بذلك، فيكفي
في صحته حال العجز الذي لا خلاف ولا إشكال فيه لذلك، ولفحوى الاكتفاء بإشارة
الأخرس وغير ذلك مما سمعته في البيع، بل قد يحمل كلام الشيخ ومن تبعه عليه.
(و) كذا (لا) يقع (بالإشارة) قولا واحدا، للأصل وظاهر
النصوص (4) السابقة (إلا مع العجز عن النطق) فيقع حينئذ بالإشارة المفهمة
لإرادة الانشاء، وذلك لأنه لا خلاف (و) لا إشكال في أنه (يقع طلاق الأخرس)
وعقده وايقاعه (بالإشارة الدالة) على ذلك على نحو غيره من مقاصده، بل قد
عرفت الإجتزاء بها في عباداته فضلا عن معاملاته.
وما في روايتي السكوني (5) وأبي بصير (6) عن الصادق عليه السلام " طلاق الأخرس)
أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها " وهي التي عبر عنها المنصف بقوله:

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 17 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(5) الوسائل الباب - 19 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 5.
(6) الوسائل الباب - 19 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 5.
60

(وفي رواية يلقي عليها القناع، فيكون ذلك طلاقا) وفي خبر أبان بن عثمان (1)
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن طلاق الأخرس، قال: يلف قناعها على رأسها ويجذبه "
محمول على أن ذلك من أفراد الإشارة، لا اختصاص صحة الطلاق بذلك منها،
لضعف الخبرين وإن كان هو الأحوط تخلصا مما حكي عن جماعة منهم الصدوقان
من اعتبار ذلك وإن أمكن حمله على ما سمعته أيضا كصحيح ابن أبي نصر (2)
قال: " سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة فيصمت فلا يتكلم، قال:
أخرس؟ قلت نعم، قال: يعلم منها بغض لامرأته وكراهة لها؟ قلت: نعم، يجوز
له أن يطلق عنه وليه؟ قال: لا، ولكن يكتب ويشهد على ذلك، قلت: أصلحك
الله تعالى لا يكتب ولا يسمع كيف يطلقها؟ قال: بالذي يعرف بها من فعله مثل
ما ذكرت من كراهته لها أو بغضه لها " المحمول على أن الكتابة أيضا من جملة
أفراد الإشارة، بل لعلها أقواها، لأنها أضبط وأدل على المراد، ولعله لذا قدمها
ابن إدريس على غيرها من أفراد الإشارة، لكن لا دليل عليه سوى الصحيح المزبور
الذي لا دلالة فيه على اعتبار الترتيب، وأقصاه الدلالة على ذكر أفراد الإشارة، لخبر
يونس (3) " في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق امرأته قال: إذا فعل ذلك
في قبل الطهر بشهود وفهم عنه كما يفهم عن مثله ويريد الطلاق جاز طلاقه على
السنة ".
وبالجملة لا يخفى على من له أدنى علم بروايات أهل العصمة عليهم السلام ظهورها
فيما ذكرنا من المعنى، وقد تقدم في البيع وغيره ما يؤكده ذلك وما يستفاد منه
حكم من لا يستطيع إلا العربية الملحونة مادة أو إعرابا أو غير ذلك، فلاحظ
وتأمل.
(و) كيف كان ف‍ (لا يقع الطلاق بالكتابة من الحاضر وهو قادر على

(1) الوسائل الباب - 19 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
(2) الوسائل الباب - 19 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب - 19 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 4.
61

التلفظ قولا واحدا، للأصل والنصوص (1) السابقة الحاصرة للطلاق بالقول
المخصوص، وغيرها كقوله عليه السلام (2): " إنما يحرم الكلام ويحلل الكلام " مضافا
إلى معلومية عدم وقوع الطلاق بالأفعال، بل ربما ادعى أنه اسم للألفاظ
المخصوصة المؤثرة للطلاق، وإلى صحيح زرارة (3) " قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل
كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: ليس ذلك بطلاق ولا
عتاق حتى يتكلم به " ومضمر ابن أذينة (4) " سألت عن رجل كتب إلى امرأته
بطلاقها أو كتب بعتق مملوكه ولم ينطق به لسانه، قال: ليس بشئ حتى ينطق به "
من غير فرق في ذلك بين الغائب والحاضر، لإطلاق الأدلة، بل في الخلاف والمبسوط
الاجماع على ذلك على أن مقتضى قاعدة السببية عدم الفرق فيها بين الجميع في العقود
والايقاعات (نعم لو عجز عن النطق) ولو لعارض في لسانه (فكتب ناويا به
الطلاق صح) بلا خلاف، لما سمعته في الأخرس نصا (5) وفتوى.
(و) لكن مع ذلك كله (قيل) والقائل ابنا حمزة والبراج تبعا للشيخ
في النهاية التي هي معدة لذكر متون الأخبار، وإلا فقد سمعت دعواه الاجماع على
العدم في كتابي الفتوى (يقع بالكتابة إذا كان غائبا عن الزوجة) لصحيح
الثمالي (6) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال لرجل: اكتب يا فلان إلى امرأتي
بطلاقها أو اكتب إلى عبد بعتقه يكون ذلك طلاقا وعتقا فقال: لا يكون طلاق
ولا عتق حتى ينطق به لسانه، أو يخطه بيده وهو يريد به الطلاق أو العتق،

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 8 - من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة.
(3) الوسائل الباب - 14 -. من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 1 والثاني عن عمر بن أذينة عن زرارة، قال: " سألته... ".
(4) الوسائل الباب - 14 -. من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 - 1 والثاني عن عمر بن أذينة عن زرارة، قال: " سألته... ".
(5) الوسائل الباب - 19 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 4.
(6) الوسائل الباب - 14 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 عن أبي جعفر عليه السلام.
62

ويكون ذلك منه بالأهلة والشهور، ويكون غائبا عن أهله " المعلوم قصوره عن
مقاومة ما تقدم من وجوه:
(منها) موافقة الصحيح المزبور للعامة الذين أوقعوا الطلاق بالكتابة
كالكناية، لأنها أحد الخطابين، وأحد اللسانين المعربين عما في الضمير، ونحو ذلك
من الاعتبارات التي لا توافق أصول الإمامية.
و (منها) الشذوذ حتى من القائل به، لعدم اعتباره الكتابة بيده على وجه
لا يجوز له التوكيل، بل قد سمعت دعوى الاجماع في مقابله، مؤيدا بالتتبع
لكلمات الأصحاب قديما وحديثا، بل لا يخلو ذيله من تشويش ما أيضا.
مضافا إلى ما سمعته من النصوص، فكيف يحكم بمثله على غيره وإن كان هو
مقيدا والأول مطلقا إلا أن من المعلوم اعتبار المقاومة فيه من غير جهتي الاطلاق
والتقييد، كما تحرر في الأصول، ولا ريب في فقدها كما عرفت، وحينئذ فالمتجه
طرحه أو حمله على التقية أو على كون " أو " فيه للتفصيل الذي يكفي فيه الجواز
حال العجز، لا للتخيير، أو غير ذلك من الاحتمالات التي هي أولى من الطرح بعد
أن عرفت مرجوحيته بالنسبة إلى مقابله (و) على كل حال فالقول (ليس
بمعتمد).
فمن الغريب ما في المسالك من الاطناب في ترجيح مضمون الخبر المزبور
لمكان صحة سنده وكونه مقيدا والمعارض له مطلق، لكن لا عجب بعد أن كان
منشأ ذلك اختلال طريقة الاستنباط كما وقع له، وتسمع مثل ذلك غير مرة، ونسأل
الله العفو لنا وله من أمثال ذلك، وأغرب من ذلك تأييده القول بالصحة بالاعتبارات
المذكورة في كتب العامة، فلا حظ وتأمل.
ثم قال في المسالك: " واعلم أنه على تقدير القول بوقوعه بها يعتبر القصد
بها إلى الطلاق، وحضور شاهدين يريان الكتابة، وهل يشترط رؤيته حال الكتابة
أم يكفي رؤيتهما لها بعدها، فيقع حين يريانها؟ وجهان، والأول لا يخلو من
63

قوة، لأن ابتداءها هو القائم مقام اللفظ، وإنما تعلم النية باقراره، ولو شك فالأصل
عدمها، وحينئذ فتكون الكتابة، كالكناية، ومن ثم ردها الأصحاب مطلقا إطرادا
للقاعدة، مع أنهم نقضوها في مواضع كما ترى، ولا فرق في الغائب بين البعيد بمسافة
القصر وعدمه، مع احتمال شموله للغائب عن المجلس، لعموم النص (1) والأقوى
اعتبار الغيبة عرفا، ولتكن الكتابة للكلام المعتبر في صحة الطلاق، كقوله: " فلانة
طالق " أو يكتب إليها " أنت طالق " ولو علقه بشرط كقوله ": إذا قرأت كتابي
فأنت طالق " فكتعليق اللفظ " إلى غير ذلك مما ذكره العامة مفرعين له على أصلهم
الفاسد.
والأصحاب إنما ردوا عليهم الكنايات القولية فضلا عن الفعلية، ولولا النهي
عن اللغو في الكلام لأمكن مناقشتهم في كثير مما ذكروه من هذه الفروع على ذلك
الأصل الفاسد، والله أعلم بحقيقة الحال.
(و) على كل حال ف‍ (لو قال) " أنت (خلية) من الزوج (أو " برية) منه:
(أو " حبلك على غاربك " أو " الحقي بأهلك " أو " بائن أو " حرام " أو " بتة ") أي مقطوعة
الزوجية (أو " بتلة ") أي متروكة النكاح أو " لا أنده سربك " أو " أغربي عني " أي غيبي،
أو " اغربي " أي تباعدي أو " اذهبي " أو (أخرجي) أو " تجرعي كأس الفراق " أو
" ذوقي مرارته " أو " كلي زاده " أو " اشربي شرابة " أو غير ذلك من ألفاظ الكناية
التي ذكرها العامة في كتبهم أمثلة للظاهر منها والخفي (لم يكن شيئا (عندنا
سواء (نوى الطلاق) بها (أو لم ينوه) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (2) السابقة الحاصرة للطلاق بما سمعت والمصرحة
بعدم وقوع الطلاق بأمثال ذلك.
وخلافا لهم، فجوزوا وقوع الطلاق بها مع مقارنة النية لجميع اللفظ كما

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
(2) الوسائل الباب - 16 و 15 - من أبواب مقدمات الطلاق.
64

في قول، ولأوله سواء استمرت إلى آخره أولا في آخر، بخلاف ما إذا تقدمت عليه
أو تأخرت عنه، نعم لو اقترنت بآخره وجهان، كما أن القولين لهم في أن أولها
" أنت " أو الباء من " بائن " إلى غير ذلك من خرافاتهم التي تمجها الأسماع،
لأنها من وحي الشياطين بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، وكان اعتبارهم النية
هنا للفرق عندهم بين صريح اللفظ وكنايته، فلم يعتبروا النية في الأول، فجوزوه
من السكران والهازل بخلاف الثاني، فاعتبروا فيه النية على الوجه المزبور.
أو يقال: إن الصريح لا اشتراك فيه بين معنى الطلاق وغيره، بخلاف الكنائي
فإنه مشترك بين معنيين، فلا بد من قصد المعنى الطلاقي منه بخلاف الأول، وفيه
أنه لا صريح في الطلاق على وجه لا يحتمل غيره حتى " أنت طالق " المحتمل للإنشاء
والإخبار، ومنه حل الوثاق وغيره.
أو يقال: إن المراد عدم اعتبار العلم بحصول النية في الحكم بالطلاق إذا كان
بالصريح، بخلاف الكنائي فإنه لا بد من العلم بذلك بتصريح منه أو بغيره من قرائن
الأحوال، أو غير ذلك مما لا حاجة لنا في تحقيقه بعد أن عرفت عدم الوقوع بالكناية
عندنا، بل وبالصريح مع عدم القصد إلى الطلاق به وإن أطنب بعض الناس هنا
في ذلك.
(و) كيف كان فقد بان لك من جميع ما ذكرنا أنه (لو قال: " اعتدى "
ونوى به الطلاق) أو استبرئي رحمك لم يكن شيئا، لما سمعته من الأدلة
السابقة، مضافا إلى الاجماع في الانتصار ومحكي الخلاف عليه بالخصوص، وإلى أنه
من الكناية بل الخفي منها الذي قد عرفت الاجماع وغيره على عدم الطلاق به، نعم
قد ذكره العامة في ألفاظ كناية الطلاق، حتى صرح بعضهم بوقوعه به وإن كان غير
مدخول بها.
ولكن (قيل) والقائل محمد بن أبي حمزة والإسكافي منا (يصح) الطلاق
بقول: " اعتدى " بل عن الطاطري أنه الذي أجمع عليه (وهي رواية الحلبي (1)

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
65

ومحمد بن مسلم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام) المتقدمتان سابقا، إلا أن الجميع كما
ترى. (و) لذا (منعه كثير) بل الجميع (وهو الأشبه) بأصول المذهب
وقواعده التي منها طرح الخبر الشاذ الموافق للعامة المهجور بين الأصحاب، حتى
حكوا الاجماع عليه، بل عن ابن سماعة أنه قال: " غلط محمد بن أبي حمزة في
ذلك " وأما الإسكافي فمن المعلوم ميله إلى ما عليه العامة من القياس فضلا عن ذلك،
فلا محيص للفقيه المستضئ بأنوار أهل العصمة عليهم السلام عن رد هذين الخبرين إليهم
بالنسبة إلى ذلك، أو الحمل على التقية التي لا ينافيها ذكر عدم الوقوع بنحو " خلية "
و " برية " مما يقع الطلاق بها عندهم، لامكان الابهام عليهم بالفرق بين ألفاظ
الكنايات كما وقع لبعضهم، أو على إرادة معنى الواو من " أو " على معنى ذكر ما
يدل على إرادة الطلاق من " أنت طالق " في مقابل قول العامة بوقوع الطلاق
أو على إرادة بيان كون الطلاق يقع بحضورها أو غيبتها، فإن كان الثاني إليها
رسولا يقول لها: " اعتدى ".
كما عساه يشهد له الصحيح أو الحسن (2) عن أبي جعفر عليه السلام " الطلاق للعدة
أن يطلق الرجل امرأته عند كل طهر، يرسل إليها أن اعتدى فإن فلانا قد طلقك "
والموثق (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " يرسل إليها فيقول الرسول: اعتدى فإن فلانا
قد فارقك " قال ابن سماعة راوي الموثق " إنما معنى قول الرسول: اعتدى فإن
فلانا قد فارقك: يعني الطلاق أنه لا يكون فرقة إلا بطلاق " وفي الكافي متصلا
بذلك: حميد بن زياد عن ابن سماعة عن علي بن الحسن الطاطري (4) قال: " الذي
أجمع عليه في الطلاق أن يقول: أنت طالق أو اعتدى، وذكر أنه قال لمحمد بن

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 عن أبي جعفر
عليه السلام كما تقدم في ص 56.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 - 2.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 - 2.
(4) الكافي ج 6 ص 70.
66

أبي حمزة: كيف يشهد على قوله، اعتدى؟ قال: يقول اشهدوا اعتدى، قال ابن
سماعة: غلط محمد بن أبي حمزة أن يقول: اشهدوا اعتدى، قال الحسن بن سماعة:
ينبغي أن يجئ بالشهود إلى حجلتها، أو يذهب بها إلى الشهود في منازلهم وهذا المحل
الذي لا يكون، ولم يوجب الله عز وجل هذا على العباد، وليس الطلاق إلا كما
روى بكير بن أعين: إلى آخر ما سمعت سابقا.
ومن الغريب بعد ذلك كله ميل ثاني الشهيدين إلى القول المزبور، بل زاد
عليه بالتعدي إلى كل كناية هي أولى منه، وربما تبعه على ذلك بعض من تأخر عنه،
وأطنب في الكلام، وأظهر العجب، والانصاف أنه أحق بذلك، بل في كلامه نظر من
وجوه، زيادة على كون منشئه الخلل في طريقة الاستنباط، بل فيما نقله عن الحسن
ابن سماعة خلل على ما في الكافي من أنه روى ذلك عن بكير بن أعين، لا عن ابن بكير
الذي طعن فيه وفي روايته، وكان الاعراض عن كلامه وعما فيه أولى، فلاحظ وتعجب،
واشكر الله المؤيد المسدد، والله العالم.
(ولو خيرها وقصد) تفويض (الطلاق) إليها وجعله بيدها (فإن
اختارته) أي الزوج (أو سكتت ولو لحظة) تقدح في الاتصال عرفا (فلا حكم)
له عندنا، بل وعند المخالفين عدا مالك منهم، فإنه قال: " تكون عنده مع اختيارها
له على طلقة " وفي إيضاح الفخر " إذا تأخر اختيارها لم يقع اتفاقا وإن اختارت عقيب
قوله بلا فصل فالا كثر كالشيخ أنه لا يقع " لكن عن ابن أبي عقيل الاكتفاء باختيارها
في المجلس، ولعله لخبر زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام " قلت له: رجل خير
امرأته، فقال: إنما الخيار لهما ما داما في مجلسهما، فإذا تفرقا فلا خيار لهما ".
(وإن اختارت نفسها) بقصد الطلاق (في الحال قيل) والقائل بعض
العامة: (تقع الفرقة بائنة) نعم عن ابن الجنيد منا ذلك إذا كان بعوض.
(وقيل) والقائل بعض آخر منهم وابن أبي عقيل منا: (تقع) الفرقة
(رجعية).

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
67

(وقيل: لا حكم له) أصلا (وعليه الأكثر) بل لم يحك الخلاف
في ذلك إلا من ابني أبي عقيل والجنيد والمرتضى، بل ظاهر ما حضرني من انتصار
الأخير منهم عدم القول به، فينحصر الخلاف حينئذ في الأولين، وأما الصدوق
فأقصاه أنه روى ما يدل على ذلك (1)، وقد رجع عما ذكره في أول كتابه من أنه
لا يروى فيه إلا ما يعمل عليه، كما لا يخفى على المتصفح له، وعلى كل حال فهو
من الأقوال النادرة المهجورة، نحو ما سمعته من القول بوقوعه بقول: " اعتدى " أو
نحوه من الكنايات.
وحينئذ فحجة المشهور مضافا إلى ما تسمعه من الروايات الخاصة (2) ما تقدم
من الرويات (3) الحاصرة للطلاق بالصيغة الخاصة، ضرورة كون المحصل من كلمات
العامة والخاصة كون التخيير من الطلاق الكنائي، لا أنه قسم مستقل برأسه كالخلع
والمباراة واللعان كي لا يستدل عليه بالحصر في صيغة الطلاق وإن كان يوهمه بعض
النصوص (4)
وظاهرهم أن الكناية بقولها: " اخترت نفسي " وحينئذ فلو قالت: " أنا
طالق " في جوابه لم يكن إشكال في وقوعه حينئذ عند من يجوز مباشرتها له بالإذن
فيه، لكونه بالصريح فيكون البحث حينئذ عندنا في صحته بخصوص هذه الكناية
وعدمه.
وقد يحتمل كون الكناية تخييره لها بقصد الطلاق، ومرجعه إلى الطلاق
منه، لكنه معلق على اختيارها، وهو مبني عند العامة على صحة وقوعه بالكناية

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 14 و 15.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث -. -
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15 والباب 6
من كتاب الخلع والمباراة.
68

ومعلقا أما عند الخاصة المخالفين في الأصلين ففي جوازه حينئذ في خصوص ذلك
منهما، ولعله لذا استدل بعض أصحابنا في المقام على البطلان بما دل على فساد التعليق،
وكان السبب في ذلك تشويش كلمات العامة والخاصة في تحقيقه، وإن كان الأصح بطلانه
على الاحتمالات الثلاثة التي أظهرها كونه طلاقا بالكناية بقولها: " اخترت نفسي "
للمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالعمل قديما وحديثا.
كخبر عيسى بن القاسم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل خير امرأته فاختارت
نفسها بانت منه؟ قال: لا، إنما هذا شئ كان لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة، أمر بذلك
ففعل، ولو اخترن أنفسهن لطلقهن، وهو قول الله تعالى (2) " قل لأزواجك " إلى
آخره " وهو ظاهر في الاحتياج إلى الطلاق بعد الاختيار وعن بعض النسخ " لطلقن
وحينئذ يكون وجه اختصاصه واضحا أما على الأول الموافق لظاهر استدلاله
بالآية يكون اختصاصه، بوجوب الطلاق عليه لو اخترن أنفسهن.
وخبر محمد (3) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الخيار، فقال: ما هو؟ وما ذاك؟
إنما ذاك شئ كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وخبره الآخر (4) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني
سمعت أباك يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خير نساءه، فاخترن الله ورسوله فلم يمسكهن على
طلاق، ولو اخترن أنفسهن لبن، فقال: إن هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة، وما
للناس والخيار، إنما هذا شئ خص الله به رسوله " وهو صريح في الرد على مالك القائل
بأن المخيرة على طلقة إذا اختارت زوجها، وفي أن الحديث الذي يرويه أبي بن
كعب عن عائشة من أكاذيبها وافتراءاتها، وإنما الحق ما سمعته من تخييرهن في
ذلك، ولو أنهن اخترن أنفسهن لطلقهن رسول الله صلى الله عليه وآله بطلاق.

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 عن عيص بن
القاسم كما في الكافي ج 6 ص 137 والاستبصار ج 3 ص 312.
(2) سورة الأحزاب: 33 - الآية 28.
(3) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 3.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 3.
69

وخبره الآخر (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " ما للنساء والتخيير؟ إنما هذا شئ
خص الله به رسوله ".
وخبره الآخر (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا " في الرجل إذا خير امرأته
فقال: إنما الخيرة لنا ليس لأحد، وإنما خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكان عائشة، فاخترن
الله ورسوله، ولم يكن لهن أن يتخيرن غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ".
بل وخبر زرارة (3) " سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله عز وجل أنف لرسوله
عن مقالة قالتها بعض نسائه، فأنزل الله تبارك وتعالى آية التخيير، فاعتزل رسول الله
صلى الله عليه وآله تسعا وعشرين ليلة في مشربة أم إبراهيم، ثم دعاهن فخيرهن،
فاخترنه، فلم يك شيئا، ولو اخترن أنفسهن كانت واحدة بائنة، قال: وسألته عن
مقالة المرأة ما هي؟ فقال: إنها قالت: يرى محمد صلى الله عليه وآله أنه لو طلقنا أنه لا يأتينا
الأكفاء من قومنا يتزوجونا " بناء على أن المراد من أن الله تعالى أنف له، وخصه
بهذا التخيير، ومن قوله عليه السلام: " ولو اخترن " إلى آخرها أي كانت تطليقة بعد
اختيار أنفسهن تطليقة واحدة بائنة وكأنه لم يصرح بذلك ليكون أقرب إلى
التقية.
ومنه حينئذ يظهر وجه الدلالة في خبر (4) الكناني وخبر عبد الأعلى (5)
وخبر داود بن سرحان (6) وخبر أبي بصير (7) بل قد يستفاد مما مر من النصوص
في كتاب النكاح الدالة على عدم صحة تولية النساء هذا الأمر (8) حتى لو جعل

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13 - 2.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13 - 2.
(3) الكافي ج 6 ص 137 و 138.
(4) الكافي ج 6 ص 138.
(5) الكافي ج 6 ص 138.
(6) الكافي ج 6 ص 138 و 139.
(7) الكافي ج 6 ص 139.
(8) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 والباب
42 منها.
70

ذلك شرطا كان باطلا.
(منها): مرسل مروان عن بعض أصحابنا (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " ما تقول
في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال فقال: ولي الأمر من ليس أهله، وخالف
السنة، ولم يجز النكاح ".
و (منها) صحيح ابن قيس (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " قضى علي عليه السلام في
رجل تزوج امرأة فأصدقها واشترطت أن بيدها الجماع والطلاق، قال: خالفت
السنة ووليت الحق من ليس بأهله، قال: وقضى علي عليه السلام أن على الرجل النفقة، وبيده
الجماع والطلاق، وذلك السنة " ونحوه مرسل ابن فضال (3).
ولا يخفى ظهور الجميع في عدم جواز التولية المزبورة، ولذا لم يصح اشتراطها
فبناء على أن المراد من التخيير هذه التولية لا أنه قسم من التوكيل والتفويض يتجه
دلالة هذه النصوص حينئذ على فساده من أصله، وربما كان في قوله عليه السلام في خبر ابن
مسلم (4) " ما للنساء والتخيير " إشارة إلى ذلك،
وعلى كل حال فلا ريب في أن مذهب الإمامية قديما وحديثا عدم التخيير
المزبور في مقابلة العامة القائلين بجوازه على شدة اختلافهم فيه، وأنه يقتضي الطلاق
البائن أو الرجعي، وللتقية منهم وردت جملة من النصوص مختلفة كاختلافهم.
(منها): صحيح ابن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام " إذا خيرها وجعل
أمرها بيدها في قبل عدتها من غير أن يشهد شاهدين فليس بشئ، وإن خيرها

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح مع اختلاف
يسير، وذكره بلفظه في التهذيب ج 7 ص 369.
(3) الوسائل الباب - 42 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 عن ابن فضال عن
ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13 - 14.
(5) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13 - 14.
71

وجعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين في قبل عدتها فهي بالخيار ما لم يتفرقا، فإن
اختارت نفسها فهي واحدة، وهو أحق برجعتها، وإن اختارت زوجها فليس بطلاق "
وخبر الصيقل (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " الطلاق أن يقول الرجل لامرأته: اختاري،
فإن اختارت نفسها فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطاب وإن اختارت زوجها
فليس بشئ، أو يقول: أنت طالق، فأي ذلك فعل فقد حرمت عليه، ولا يكون
طلاق ولا خلع ولا مباراة ولا تخيير إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين ".
و (منها): صحيح ابن يسار (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال لامرأته:
قد جعلت الخيار إليك، فاختارت نفسها قبل أن تقوم، قال: يجوز ذلك عليه، قلت:
فلها متعة؟ قال: نعم، قلت: فلها ميراث إن مات الزوج قبل أن تنقضي عدتها؟
قال: نعم، وإن ماتت هي ورثها الزوج.
و (منها): خبر زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام " قلت له: رجل خير امرأته،
قال: إنما الخيار لهما ما داما في مجلسهما، فإذا افترقا فلا خيار لهما، قلت: أصلحك
الله فإن طلقت نفسها ثلاثا قبل أن يتفرقا من مجلسهما، قال لا يكون أكثر من
واحدة، وهو أحق برجعتها قبل أن تنقضي عدتها، قد خير رسول الله صلى الله عليه وآله نساءه
فاخترنه، فكان ذلك طلاقا، قال: فقلت: لو اخترن أنفسهن؟ قال ما ظنك برسول
الله صلى الله عليه وآله لو اخترن أنفسهن أكان يمسكهن؟ ".
و (منها) صحيحه ومحمد بن مسلم (4) عن أحدهما عليهما السلام " لا خيار إلا
على طهر من غير جماع بشهود ".
و (منها) خبر زرارة (5) أيضا عن أحدهما عليهما السلام " إذا اختارت نفسها
فهي تطليقة بائنة، وهو خاطب من الخطاب، فإن اختارت زوجها فلا شئ ".

(1) الوسائل - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15 - 17 - 12.
(2) الوسائل - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15 - 17 - 12.
(3) الوسائل - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15 - 17 - 12.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8 - 9.
(5) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8 - 9.
72

ومنها) خبر يزيد الكناسي (1) عن أبي جعفر عليه السلام " لا ترث المخيرة
من زوجها شيئا في عدتها، لأن العصمة قد انقطعت فيما بينها وبين زوجها من ساعتها
فلا رجعة له عليها، ولا ميراث بينهما " ونحوه حسن حمران (2).
وهي كما ترى ظاهرة فيما ذكرناه، ولا ينافي ذلك صحة سندها وكثرة
عددها، بل اختلافها في أنه رجعي أو بائن كاف في الارشاد إلى ذلك، ضرورة أنه
إن كان طلاقا ولكنه بلفظ " اخترت " فالمتجه جريان حكمه عليه، لا أنه بائن على كل
حال، وإن كان سببا آخر من أسباب الفراق فليس هو إلا بائنا كاللعان والفسخ
بالعيب ونحوهما.
واحتمال الجمع بينهما بإرادة البينونة إذا حصل سببها من عوض أو عدم
دخول أو نحو ذلك كما في المسالك حاكيا له عن ابن الجنيد يأباه ظهورها في أن
ذلك حكم التخيير من حيث نفسه، فليس حينئذ إلا الجرى على مذاق العامة. على
أنه لم يحك عن أحد الثلاثة منا القائلين بمشروعية التخيير المزبور باقتضائه البينونة
التي دل عليها ما سمعته منها وإن نسبه المصنف إلى القيل، فتكون حينئذ شاذة
لا قائل بها، كما أن ما فيها من ثبوت الخيار ما داما في المجلس أو قبل أن تقوم
قد سمعت دعوى الاتفاق من الفخر على خلافه، بل لعله ظاهر عبارة المصنف، بل
هو المحكي عن صريح ابن الجنيد من القائلين بالقول المزبور، فهو شذوذ آخر
وإن حكى عن العماني التعبير بمضمونها.
وربما حمل الجميع على إرادة التخيير والخيار بما لا يقدح في الفورية
العرفية من المجلس، إلا أنه كما ترى.
وربما بنى احتمال الاتصال بين التخيير والاختيار على أن ذلك عقد تمليك
أو توكيل، فعلى الأول يعتبر الاتصال كما في غيره من العقود بخلاف الثاني.
وفيه (أولا) أن مقتضاه عدم اعتبار المجلس على الثاني، بل يجوز مطلقا
و (ثانيا) أي احتمال كونه عقد تمليك في غاية السقوط، ضرورة أنه ليس من

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 10 - 11.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 10 - 11.
73

موضوعه كما هو واضح، ومن هنا احتمل بعض الناس كونه أمرا آخر مستقلا
غيرهما.
و (ثالثا) أنه إن كان من عقد التمليك فيكفي في قبوله ما يدل على الرضا
بذلك من قول: " قبلت " ونحوه، لا اختصاص قبوله بوقوع الاختيار. وبالجملة
فهذه الخرافات ونحوها مما تزيد ما ذكرناه قوة والمقابل ضعفا، وهي لائقة
بأهلها.
فمن الغريب بعد ذلك كله ميل الشهيد الثاني إلى القول المزبور، لهذه الأخبار
التي قد عرفت حالها وما يعارضها وقوة خروجها مخرج التقية، بل قد عرفت التصريح
في بعضها بأن ذلك حديث أبي عن عائشة.
بل يكن الجمع بينها بأن المراد من هذه الأخبار التخيير التوكيلي أو ما
يشبهه، كما عساه يومئ إليه ما سمعته في بعضها من أنها " لو طلقت نفسها ثلاثا
وقعت واحدة " لا التولية الممنوعة المنافية لكون " الطلاق بيد من أخذ بالساق
المنزل عليها الأخبار السابقة أو غير ذلك.
هذا وفي المسالك " أن موضع الخلاف ما لو جعل التخير على الوجه المدلول
عليه بلفظه، بأن يريد منها أن يتخير بلفظه أو ما أدى معناه، أما لو كان مراده
من التخيير توكيلها في الطلاق إن شاءت كان ذلك جائزا بغير خلاف عند من جوز
وكالة الامرأة فيه، ولم يشترط المقارنة بين الايجاب والقبول، كغيره من الوكالات،
وكان فرضها حينئذ في ايقاعه بلفظ الطلاق المعهود وما أداه والعامة لم يفرقوا
بين قوله: " اختاري نفسك " وبين قوله: " طلقي نفسك " في أنه تمليك للطلاق
أو توكيل فيه، وأنه يتأدى باختيارها الفراق بلفظ الطلاق وبلفظ الاختيار وبما
أدى معناهما بناء على أن جميع ذلك كناية عن الطلاق أو طلاق صريح، وأنه يقع
بالأمرين ".
قلت: قد يقال: إن العمدة في الخلاف العامة، فمع فرض كون العامة على
74

ما ذكر ينحصر وجه النزاع معهم بوقوعه بلفظ " اخترت " لصحة وقوعه بالكناية
عندهم، أو لخصوص النصوص (1) المخصوصة بذلك، نحو ما سمعته من الخلاف في
وقوعه بلفظ " اعتدى " كما هو دليل من وافقهم على ذلك من أصحابنا وعدمه، لما
عرفت من نصوص الحصر (2) وخصوص الأخبار (3) التي لا يقاومها الأخبار
الآخر (4) لما عرفت، وحينئذ فلا وجه لما ذكره أولا من أن موضع الخلاف
ما ذكر.
على أنه مبني على استفادة كون التخيير اسما للانشاء المخصوص من الآية
والنصوص (6) فالاختيار حينئذ إيقاع مخصوص مشروط صحته بسبق التخيير، أو
أنه بمنزلة العقود شبه الخلع، فيكون قبولا للايجاب الذي هو التخيير. وبالجملة
هو قسم من أقسام الطلاق سمى بالطلاق التخييري.
لكن فيه أنه لا دلالة في الآية (7) بل ولا في الرواية على شئ من ذلك،
وإن كان قد يشم من بعض النصوص (8) إلا أن الظاهر بمعونة الآية كون التخيير
على حسب غيره من أفراد التخيير الذي مرجعه التفويض والإذن لها في ذلك، وحينئذ
فإن طلقت بلفظ الطلاق لم يكن فيه إشكال عند العامة والخاصة، وإن طلقت بقول:
" اخترت نفسي " جاز عند العامة بناء على صحته بالكناية، ووافقهم عليه بعض

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل في الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 2 و 3 و 4.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 8 و 9 و 10
و 11 و 12 وغيرها.
(5) سورة الأحزاب: 33 الآية 28.
(6) الوسائل الباب - 41 -. من أبواب مقدمات الطلاق.
(7) سورة الأحزاب: 33 الآية 28.
(8) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15 والباب 6
من كتاب الخلع والمباراة الحديث 4.
75

الخاصة، لما سمعته من النصوص (1) والمعروف العدم، وهو الذي استفاض في
النصوص (2) التعرض له بخلاف الأول.
وأما التخيير بالمعنى الأول الذي مرجعه إلى تولية الطلاق وجعل أمره إليها
بعنوان كونها ولية له فهو الذي قد استفاض في النصوص (3) بطلانه، ولذلك لا يصح
اشتراطه في عقد النكاح، وهو الذي أومأ إليه بقوله عليه السلام (4): " ما للنساء
والتخيير؟ " و " وليت الحق غير أهله " ونحو ذلك، بل مقتضى ما حكاه عن
العامة عدم جوازه عندهم، ضرورة رجوعه إلى أمر شرعي ليس للناس تسلط عليه،
ولذا جعلوا التخيير بمنزلة التوكيل الذي قد سمعت حكايته له عنهم، وبذلك بان
لك أنه لا وجه لما ذكره أصلا، فتأمل جيدا.
ثم إنه رحمه الله قد حكى عن ابن الجنيد أنه لو جعل الاختيار إلى وقت بعينه
فاختارت قبله جاز اختيارها، وإن اختارت بعده لم يجز، وقال: " وهذا القول
يشكل على إطلاقه باشتراط اتصال اختيارها بقوله، فلا يناسبه توقيته بمدة تزيد على
ذلك، إلا أن يتكلف توقيته بمدة يسيرة لا تنافيه، بحيث يمكن فيه فرض وقوع
اختيارها أو بعضه خارج الوقت المحدود مع مراعاة الاتصال، ولا يخلو من
تكلف ".

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 8 و 9 و 10
وغيرها.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 2 و 3 و 4
وغيرها.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب المهور من كتاب النكاح والباب - 41 -
من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 والباب - 42 - منها.
(4) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.
76

قلت: هذا مؤيد لما قلناه من كون التخيير على نحو غيره من أفراده، وليس
هو بمنزلة العقود، بل هو من التفويض والإذن في الشئ، ولكن مع عدم التوقيت
قد يفهم منه الحالية، ومع التصريح بالمدة تعتبر هي دون ما بعدها.
وأغرب من ذلك أنه ذكر فيها أيضا " أنه يجوز له الرجوع في التخيير ما لم
يتخير مطلقا، وهو الظاهر من رواية زرارة (1) ولأنه إن كان تمليكا فالرجوع فيه
قبل القبول جائز، وإن كان توكيلا فكذلك بطريق أولى - ثم قال -: ومقتضى
قوله عليه السلام (2): " إن الخيار لهما " إلى آخره جواز فسخه لكل منها في المجلس
وإن وقع التخيير من كل منهما، وهو مشكل من جانبها مطلقا، إذ لا خيار لها في
الطلاق مطلقا، ومن جانبه لو كان بائنا، إلا أن الأمر فيه أسهل، لإمكان تخصيصه
بالرجعي " إذ فيه أن المراد من الخيار لهما في نفس التخيير، لا في الاختيار المتعقب
للتخيير، كما هو واضح بأدنى تأمل.
ثم ذكر فيها أيضا " أنه يشترط في هذا التخيير ما يشترط في الطلاق: من
استبراء المرأة، وحضور الشاهدين، وغير ذلك " وفيه أن ذلك يتم بناء على أنه
طلاق بالكناية، أما على احتمال كونه سببا من أسباب الفراق فالمتجه الاقتصار
على ما دل عليه نصوصه منها دون غيره.
ثم قال: " وهل يكفي سماع الشاهدين نطقهما معا أو نطقها خاصة؟ ظاهر
الرواية (3) والفتوى الأول، وأن الفراق يقع بمجموع الأمرين، فيعتبر سماعهما
له، وينزل حينئذ منزلة الخلع، وإن اختلفا في كون الطلاق هنا من جانبها
لا جانبه " وفيه أن ظاهر الفتوى حصول الطلاق باختيارها وإن اشتراط صحة ذلك
بتخيرها، فهو كطلاق الوكيل حينئذ، بل وكذا لو قلنا بكونه تمليكا لها، إذ هو

(1) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
(2) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 وفيه " إنما الخيار
لها " وفي الاستبصار ج 3 ص 313 " إنما الخيار لهما ".
(3) الوسائل الباب - 41 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 14 و 15.
77

على كل حال شرط ترتب الأثر على اختيارها، لا أنه جزء من الطلاق، والفرق
بينه وبين الخلع في غاية الوضوح، وأما النصوص فهي ظاهرة في كون التخيير في قبل
العدة وحضور شاهدين إلا أنه يمكن بناء ذلك على اتصال الاختيار بالتخيير،
فشهوده حينئذ شهوده، ويتفق النص والفتوى حينئذ.
وبذلك كله بان لك الحال في فروع القول المزبور، كما بان لك الحال في
فساد القول من أصله، ومن هنا اقتصرنا على المقدار المزبور من فروعه، وإلا ففي
كتب العامة، خرافات كثيرة فرعوها على ذلك، وكفى بالله حاكما وشاهدا ورفيقا
ومؤيدا ومسددا.
(و) كيف كان ف‍ (لو قيل: هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم) منشئا
له بذلك (وقع الطلاق) عند الشيخ في النهاية وبعض أتباعه والمصنف لخبر
السكوني (1) الذي لا جابر له كي يصلح معارضا لنصوص (2) الحصر وغيرها مما
يقتضي العدم، مضافا إلى الاعتراف بعدم وقوع الطلاق المقدر الذي قام مقامه " نعم "
فهو أولى حينئذ بالمنع، وإلى ضعف الدلالة، لاحتمال إرادة الحكم بطلاقها للاقرار
من قوله عليه السلام فيه: " فقد طلقها حينئذ " كما عرفت الكلام في ذلك مفصلا.
(و) أما (لو قيل: هل فارقت أو خليت أو أبنت؟ فقال: نعم لم يكن
شيئا) عندنا لعدم صلاحية المقدر لا نشاء الطلاق أصلا لو صرح به فضلا عما قام
مقامه، والفرض عدم نص بالخصوص.
(ويشترط في الصيغة تجردها عن) التعليق على (الشرط) المتحمل
وقوعه، نحو " إن جاء زيد " (و) على (الصفة) المعلوم حصولها، نحو " إذا
طلعت الشمس " (في قول مشهور)، بل (لم أقف فيه على مخالف منا) بل
في الإنتصار والإيضاح والتنقيح والروضة ومحكي السرائر وغيرها الاجماع عليه،
وهو الحجة بعد ظهور نصوص (3) الحصر، ومنافاته لقاعدة عدم تأخر المعلول

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
78

عن علته، إذ السبب الشرعي كالسبب العقلي بالنسبة إلى ذلك إلا ما خرج بالدليل،
بل هو في الحقيقة من الشرائط المخالفة للكتاب والسنة والمحللة حراما، ضرورة
أنه بعد ظهور الأدلة في ترتب الأثر على السبب الذي هو الصيغة فاشتراط تأخره
إلى حصول المعلق عليه شرع جديد، أو اشتراط لأمر لا يرجع مثله إلى المشترط
وإنما يرجع به إلى الشارع، فلا وجه حينئذ لدعوى اقتضاء الاطلاقات وعموم
" المؤمنون " (1) الصحة، مؤيدا ذلك كله باستصحاب بقاء النكاح، وبغير ذلك مما
سمعته في العقود التي لا ريب في أولوية الطلاق منها بعدم الجواز.
وبذلك كله يتضح لك فساد الطلاق بفساد الشرط، ضرورة اختلال القصد
حينئذ، فيبطلان معا، ضرورة الفرق بين القصد والمنجز المفروض اعتباره في صحة
الطلاق والقصد المعلق فمن الغريب بعد ذلك كله ميل ثاني الشهيدين في المسالك
إلى الصحة لذلك، وقياسا له على الظهار ونحوه مما ثبت في الأدلة، مؤيدا له بأن
في تعليقه حكمة لا تحصل في المنجز، فإن المرأة قد تخالف الرجل في بعض مقاصده،
فتفعل ما يكرهه، وتمتنع مما يرغب فيه، ويكره الرجل طلاقها من حيث إنه
أبغض المباحات إلى الله تعالى شأنه، ومن حيث أنه يرجو موافقتها، فيحتاج إلى
تعليق الطلاق بفعل ما يكرهه أو ترك ما يريده، فإما أن تمتنع فيحصل غرضه، أو
تخالف فتكون هي المختارة للطلاق، وبما تقدم من خبر (2) من علق طلاق امرأة
على تزويجها، وسؤاله النبي صلى الله عليه وآله فأجاب بأنه " لا طلاق قبل النكاح " ولم يجبه
بأن الطلاق المعلق على شرط باطل.
وهو كما ترى لا يرجع إلى محصل ينطبق على أصول الإمامية، وإنما هو
مناسب لخرافات العامة، ولذا أطبقوا على الجواز فيه، وملؤوا كتبهم من فروعه،
والحمد لله الذي عافانا من كثير مما ابتلى به خلقه، ولو شاء لفعل، وكان خلو

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب المهور الحديث - 4 - من كتاب النكاح.
(2) راجع التعليقة (2) من ص 27.
79

نصوصنا من هذا الخرافات والحصر بالصيغة المنجزة للتعريض بهم.
ولا فرق عندنا في عدم جواز التعليق المزبور بين المشيئة وغيرها، نعم لا بأس بها
للتبرك، لكن عن المبسوط والخلاف " الاستثناء بمشيئة الله يدخل في الطلاق والعتاق،
سواء كانا مباشرين مثل: " أنت طالق إنشاء الله " و " أنت حر إنشاء الله " أو معلقين بصفة
نحو: " إذا دخلت الدار فأنت طالق إنشاء الله " و " إذا دخلت الدار فأنت حر إنشاء
الله " وإن كان الطلاق والعتق بصفة لا يصح عندنا، وفي اليمين بهما وفي الاقرار وفي
اليمين بالله فيوقف الكلام، ومن خالفه لم يلزمه حكم ذلك، لأصالة البراءة، وثبوت
العقد، وإذا عقب كلامه بلفظ " إنشاء الله " في هذه المواضع فلا دليل على زوال العقد
في النكاح أو العتق، ولا على تعلق حكم بذمته، فمن ادعى خلافه فعليه الدلالة،
وروى ابن عمر (1) أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من حلف على يمين وقال في أثرها:
إنشاء الله لم يحنث فيما حلف عليه " وهو على العموم في كل الأيمان بالله وبغيره ".
وكأنه مناف لما ذكره في كتاب الأيمان من الخلاف، قال فيه على ما حكى
عنه: " لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله تعالى إلا في اليمين فحسب، وبه قال مالك،
وقال أبو حنيفة: ويدخل في الأيمان بالله وبالطلاق والعتاق وفي النذور وفي الاقرار،
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على دخوله فيه، وما قالوه ليس عليه دليل ".
ومن هنا قال ابن إدريس: " لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله عندنا بغير خلاف
بين أصحابنا معشر الإمامية إلا في اليمين بالله حسب، لأنه لا أجد أحدا من أصحابنا
قديما وحديثا يتجاسر ويقدم على أن رجلا أقر عند الحاكم بمال لرجل آخر
وقال بعد إقراره: إنشاء الله لا يلزمه ما أقر به، فأما شيخنا أبو جعفر فهو محجوج
بقوله، فإنه رجع عما قاله في كتاب الطلاق من الخلاف بما قاله في كتاب الأيمان،
ففي المسألة الأولى اختار مذهب أبي حنيفة، وفي الثانية مذهب مالك " ثم استدل
على صحة المسألتين.

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 46 و 47.
80

ودفعه في المختلف بأن " مقصود الشيخ في المسألة الأولى قبول الطلاق والعتق
للايقاف بالمشيئة، فيبطل الايقاع، ولو لم يقبلاه كان الاستثناء باطلا، ويكون الطلاق
والعتق ماضيين وهو باطل إجماعا منا، ومقصوده في المسألة الثانية بعدم دخوله
فيهما أنه يوقف حكم الطلاق والعتاق ويبطلان معه، فلا يبقى للدخول مع صحتهما
إمكان ".
وفي التنقيح " الأحسن في توجيه كلام الشيخ أن نقول: إن الاستثناء يدخل
في الطلاق والعتاق على وجه ولا يدخل على وجه آخر، فالأولى إبطالهما به، كما
هو رأي الأصحاب، والوجه الثاني عدم توقيفهما، كما هو رأي المخالفين " والجميع
كما ترى، والتحقيق ما عرفت.
بل الظاهر عدم قبول غير المستقبل المستفاد من قوله تعالى (1) " ولا تقولن إلى
آخره للتعليق بالمشيئة، إذ لا معنى لتعليق الواقع في الماضي، ومنه الاقرار بحق
سابق، كما أنه لا معنى لتعليق الأسباب الشرعية التي شاء الله تعالى تسبيبها على المشيئة
كما عرفت، وجعل هذا من التوصيف المقارن الذي ستعرف البحث فيه ينافي جعل
المسألة (المشيئة خ ل) عنوانا وتخصيص الأمور المزبورة بها، كما هو واضح،
والله العالم.
(ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث) لم يقع ذلك عندنا بلا خلاف، بل الاجماع
بقسميه عليه، بل كأنه من ضروري مذهب الشيعة، وكذا لو كرر الصيغة مرتين
أو ثلاثا قاصدا لتعدد الطلاق، نعم هو كذلك عند العامة على نحو غيره مما أبدعوه
في الطلاق.
نعم لا خلاف بيننا في وقوع الواحدة في الصورة الثانية، كما أنه لا إشكال فيه
أيضا بل الاجماع بقسميه عليه.
أما الأولى ف‍ (قيل) والقائل المرتضى في المحكي من انتصاره وإن كنا لم
نتحققه وابنا أبي عقيل وحمزة وسلار ويحيى بن سعيد (يبطل الطلاق) من أصله،

(1) سورة الكهف: 18 - الآية 23.
81

للشك في زوال النكاح بذلك بعد ما سمعت من نصوص (1) حصر الطلاق الصحيح
بالمجرد عن ذلك الذي يمكن إرادة التعريض به، لمعروفيته عند العامة كالتنجيز
والتعيين المعروف خلافهما عندهم، ولأنه بالتفسير المذكور يكون المقصود الطلاق
البدعي الذي هو الثلاث بقول: " ثلاثا " المنافي لقوله تعالى (2) " الطلاق مرتان "
لا قول " مرتين " وللسنة النبوية التي منها رد النبي صلى الله عليه وآله طلاق ابن عمر ثلاثا (3)
وكل من طلق على خلاف السنة رد إليها (4) ولما تسمعه من النصوص (5)
الآتية.
(وقيل) والقائل المشهور بل عن المرتضى في الناصريات ما يشعر
بالاجماع عليه، وكذا عن الخلاف، بل عن العلامة في نهج الحق ذلك صريحا
(يقع) طلقة (واحدة بقوله " طالق " ويلغو التفسير) بالثلاث، فلا ينافي
ترتب الوحدة على نفس الصيغة المقتضية لذلك.
(وهو أشهر الروايتين) عملا كما عرفت، بل قيل ورواية، ففي صحيحي
زرارة (6) عن أحدهما عليهما السلام، واللفظ للأول منهما " سألته عن رجل طلق
امرأته ثلاثا في مجلس واحد وهي طاهر، قال، هي واحدة " وخبر عمر بن
حنظلة (7) عن أبي عبد الله عليه السلام " الطلاق ثلاثا في غير عدة إن كانت على طهر
فواحدة، وإن لم يكن على طهر فليس بشئ " وخبر عمرو بن البراء (8) قال:

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(3) الوسائل الباب - 8 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
(4) الوسائل الباب - 7 - من أبواب مقدمات الطلاق والباب - 8 - منها
الحديث 3
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(6) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 و 3.
(7) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 7.
(8) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 7.
82

" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصحابنا يقولون: إن الرجل إذا طلق امرأته مرة أو
مائة مرة فإنما هي واحدة، وقد كان يبلغنا عنك وعن آبائك أنهم كانوا يقولون
إذا طلق مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة فقال: هو كما بلغكم " وفي خبر
زرارة (1) عن أحدهما عليهما السلام " في التي تطلق في حال طهر في مجلس ثلاثا، قال
هي واحدة وخبر بكير (2) عن أبي جعفر عليه السلام " إن طلقها للعدة أكثر من
واحدة فليس الفضل على الواحدة بطلاق " وخبر أبي محمد الواشي (الوابشي
خ ل) (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل ولى امرأته رجلا أن يطلقها على السنة،
فطلقها ثلاثا في مقعد واحد، قال: ترد إلى السنة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء
فقد بانت بواحدة " وخبر محمد بن سعيد الأموي (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل طلق ثلاثا في مقعد واحد، قال: فقال: أما أنا فأراه قد لزمه، وأما أبي كان
يرى ذلك واحدة " المحمول بالنسبة إلى نفسه على التقية، أو على الجمع بينها
وبين الواقع بإرادة إلزامه به إذا كان مخالفا وإرادة الواحدة لو وقع من غيره مما
حكاه عن أبيه،
وربما يشهد ذلك خبر الخزاز (5) عنه عليه السلام أيضا قال " كنت عنده فجاء
رجل فسأله، فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا، قال، بانت منه قال، فذهب الرجل
ثم جاء رجل آخر من أ صحابنا، فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا فقال: تطليقة،
وجاء رجل آخر فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا، فقال: ليس بشئ، ثم نظر إلى فقال:
هو ما ترى، قال: قلت: كيف هذا؟ فقال: هذا يرى أن من طلق امرأته ثلاثا
فقد حرمت عليه، وأنا أرى أن من طلق امرأته ثلاثا على السنة فقد بانت منه،
ورجل طلق امرأته ثلاثا وهي على طهر فإنما هي واحدة، ورجل طلق امرأته ثلاثا
على غير طهر فليس بشئ ".
وفي الخبر (6) عن الصادق عليه السلام في حديث قال فيه: " فقلت: فرجل

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 11 - 12.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 11 - 12.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13 - 14 - 16 - 5.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13 - 14 - 16 - 5.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13 - 14 - 16 - 5.
(6) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13 - 14 - 16 - 5.
83

قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا، فقال: ترد إلى كتاب الله وسنة نبيه " بناء على إرادة
الواحدة من الرد فيه إلى الكتاب والسنة، كما سمعته في خبر أبي محمد الواشي
(الوابشي خ ل) ونحوه غيره، بل في الصحيح (1) " طلق عبد الله بن عمر امرأته
ثلاثا فجعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحدة فردها إلى الكتاب والسنة " فتأمل.
وأما الرواية الأخرى التي تشهد للأول فهي: خبر أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشئ، من خالف كتاب الله رد
إلى كتاب الله تعالى، وذكر طلاق ابن عمر ".
ومكاتبة عبد الله بن محمد (3) إلى أبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك روى أصحابنا
عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل طلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة على طهر بغير جماع
بشاهدين أنه يلزمه تطليقة واحدة، فوقع عليه السلام بخطه أخطأوا على أبي عبد الله عليه السلام
لا يلزمه الطلاق، ويرد إلى الكتاب والسنة إنشاء الله ".
وخبر هارون بن خارجة (4) عن أبي عبد الله عليه السلام المروي عن كتاب الخرائج
قال: " قلت: إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثا في دفعة، فسألت أصحابنا، فقالوا: ليس
بشئ إلا أن المرأة قالت: لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله عليه السلام، فقال: ارجع إلى
أهلك، فليس عليك شئ ".
والمروي عن الصادق عليه السلام (5) " إياكم والمطلقات ثلاث في مجلس واحد،
فإنهن ذوات أزواج " وخبر الصيقل (6) " لا تشهد لمن طلق ثلاثا في مجلس.
وخبر محمد بن عبيد الله (7) " سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن تزويج المطلقات

(1) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 18 - 8 - 19 - 29.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 18 - 8 - 19 - 29.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 18 - 8 - 19 - 29.
(4) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 18 - 8 - 19 - 29.
(5) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 20 17.
(6) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 20 17.
(7) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 9 والظاهر أن
قوله عليه السلام: " ومن كان يدين قوم لزمته أحكامهم، ليس من تتمة خبر محمد
ابن عبيد الله كما في التهذيب ج 8 ص 59 والاستبصار ج 3 ص 293، وقد روى الصدوق (قده)
في الفقيه ج 3 ص 257 خبر ابن عبيد الله مرسلا، ثم قال: " وقال عليه السلام: من كان يدين...
الخ " ورواه في الوسائل أيضا كذلك، فهي رواية مستقلة.
84

ثلاثا فقال لي: إن طلاقكم لا يحل لغيركم، وطلاقهم يحل لكم، لأنكم لا ترون
الثلاث شيئا وهو يوجبونها، ومن كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم " بناء على
أن المراد التحذير عنهن إذا كن من المؤمنين.
كما صرح به في خبر عبد الله بن طاووس (1) المروي عن الكشي والعيون قال:
" قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إن لي ابن أخ زوجته ابنتي وهو يشرب الشراب
ويكثر ذكر الطلاق، فقال: إن كان من إخوانك فلا شئ عليه، وإن كان من هؤلاء
فأبنها عنه، فإنه عنى الفراق، قال: قلت: جعلت فداك أليس قد روي عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: إياكم والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد، فإنهن ذوات أزواج؟
فقال: ذلك من إخوانكم لا من هؤلاء، إنه من دان بدين قوم لزمته أحكامهم "
بل هو أيضا أحد أدلة المسألة.
ومكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني (2) قال: " كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام مع
بعض أصحابنا، فأتاني الجواب بخطه: فهمت ما ذكرت من أمر ابنتك وزوجها،
فأصلح الله لك ما تحب صلاحه، فأما ما ذكرت من حنثه بطلاقها غير مرة فانظر رحمك
الله تعالى، فإن كان ممن يتولانا ويقول بقولنا فلا طلاق عليه، لأنه لم يأت أمرا
جهله، وإن كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه، فإنه إنما نوى الفراق
بعينه ".
مؤيدا ذلك كله بما سمعت أولا من الحصر في الصيغة المجردة وغيره، بل
لا ريب في أن القول الأول هو الأقوى من حيث النصوص، ضرورة احتمال النصوص
المزبورة إرادة من طلق ثلاثا بتكرير الصيغة المصرح به في خبر الصيرفي (3)
عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام " إن عليا عليه السلام كان يقول: إذا طلق
الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثا في كلمة واحدة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما،
ولا رجعة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن قال هي طالق هي طالق

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 11 - 1.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 11 - 1.
(3) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15.
85

هي طالق فقد بانت منه بالأولى، وهو خاطب من الخطاب إن شاءت نكحته نكاحا
جديدا، وإن شاءت لم تفعل " المحمول صدره على التقية أو غيرها، إذا هو مخالف
للقولين معا.
بل قد يقال: لو كان الحكم فيه كالصورة الأخيرة لكان المتجه الجواب عنهما
بجواب واحد، وهو وقوع الطلاق واحدة، إذا الحكم في الصورتين متحد عن العامة،
فليس حينئذ إلا انحصار المخرج في الأولى بالباطل الموافق للعامة، بخلاف
الأخيرة التي تصح منها الواحدة، وبذلك يظهر كونه مؤيدا للنصوص المزبورة،
ولو سلم تناولها للصورتين ولو لكون ذلك متعارفا بين العامة وأن بسبب ذلك تعارف
السؤال عنه أو لأنه في سياق أداة العموم المقتضي لإفادته العموم كما هو محرر في
الأصول - إلا أن ذلك لا يعارض التصريح بعدمه في المكاتبة السابقة وغيرها التي
لا وجه لاحتمال صدور ذلك منه لمصلحة من المصالح، إذ ذلك يسد باب الاستدلال
في النصوص أجمع.
كل ذلك مع الاغضاء عما يقتضيه ظاهر قوله عليه السلام: (1) " من طلق زوجته ثلاثا
من وقوع كل طلقة من الطلقات عليها وهي زوجة، وهذا لا يكون إلا من تخلل
الرجوع بينها، وحينئذ تكون هذه النصوص موافقة لما تسمعه من ابن أبي عقيل من كون
الطلاق بعد الرجوع في ذلك الطهر من غير مواقعة ليس طلاقا، ولا يقع منه وإن تعدد
إلا الطلاق الأول، فتكون عنده على واحدة، كما يشهد به جملة من النصوص (2)
متحد بعضها مع هذه النصوص في المفاد، فتخرج حينئذ عما نحن فيه بالمرة.
ومعارضة هذا كله باحتمال إرادة نفي الثلاث من نفي الشيئية أو احتمال
إرادته مع فقد بعض الشرائط كما في طلاق ابن عمر ثلاثا وكانت حائضا كما ترى،
على أنه لا يأتي في المكاتبة الصريحة التي يعلم منها إرادة البطلان في الثلاث المرسلة

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 و 6.
(2) الوسائل الباب - 29 - من أبواب مقدمات الطلاق.
86

من الرد إلى الكتاب والسنة، لا صحة الواحدة كما سمعته سابقا، وحينئذ يكون
الخبر الأخير دليلا لهذا القول، وحينئذ تتفق النصوص المصرح فيها بالثلاث المرسلة
على البطلان، فتخصص أو تقيد بها تلك النصوص المدعى شمولها للمرسلة.
وبذلك بان لك أن القول الأول أرجح من حيث النصوص إلا أن شهرة
الأصحاب قديما وحديثا بل الاجماع المحكي قد رجح كون المراد من النصوص
المزبورة ذلك، خصوصا مع ضعف المعارض عدم الجابر،
لكن قد يقال باختصاص ذلك بما إذا لم يقصد الطلاق البدعي على وجه أراد
من الطلاق في الصيغة ذلك، فيتجه البطلان فيه، لأنه يرجع إلى عدم قصد الطلاق
الصحيح، ضرورة عدم تعقل التعدد بدون التكرار وإن بطل الثاني منه أيضا، لعدم
مصادفة المحل، أما إذا قصد معنى الصيغة أو لا وأضاف إليها ثلاثا بقصد آخر مستقل
فإنه يكون حينئذ صحيحا وتلغو إضافته، ضرورة رجوعه إلى بيان ما تعلق به غرضه
من عدم الصيغة، نحو قول نوح على نبينا وآله وعليه السلام (1) لما خاف الغرق: لا إله
إلا الله ألفا " فيكون مراده في الحقيقة في الثلاث تكرر النطق بها ثلاثا على معنى
إني أقول: " أنت طالق " ثلاثا وربما كان ذلك وجه جمع أيضا، بل ربما يشم في
الحملة من مكاتبة إبراهيم (2) السابقة وغيرها.
ومن التأمل فيما ذكرنا يظهر لك النظر في كلام جملة من الأصحاب، خصوصا
السيد في الرياض، فلاحظ وتأمل.
(و) كيف كان فقد بان لك مما سمعته من النصوص السابقة أنه (لو كان
المطلق مخالفا يعتقد الثلاث لزمته) لأن ذلك دينه، مضافا إلى الاجماع بقسميه
عليه، وإلى خبر عبد الأعلى (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل يطلق امرأته
ثلاثا قال: إن كان مستخفا بالطلاق ألزمته ذلك " وغيره، بل في خبر علي بن أبي
حمزة (4) سأل أبا الحسن عليه السلام " عن المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل؟

(1) مهج الدعوات للسيد ابن طاووس (قده) ص 379.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 7 - 5.
(3) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 7 - 5.
(4) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 7 - 5.
87

فقال: ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم، وتزوجوهن فلا بأس بذلك " وخبر
عبد الرحمان البصري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: امرأة طلقت على غير
السنة، فقال: تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج " وخبر عبد الله بن سنان (2)
" سألته عن رجل طلق امرأته لغير عدة ثم أمسك عنها حتى انقضت عدتها هل يصلح
لي أن أتزوجها؟ قال: نعم لا تترك المرأة من غير زوج وغير ذلك من النصوص التي
مقتضاها عدم الفرق بين الطلاق ثلاثا وغيره مما هو صحيح عندهم فاسد عندنا،
كالطلاق المعلق، والحلف به، والطلاق في طهر المواقعة والحيض، وبغير
شاهدين.
بل مقتضي خبر الإلزام أنه يجوز لنا تناول كل ما هو دين عندهم، ففي
خبر عبد الله بن محرز (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ترك أبنته وأخته لأبيه
وأمه، فقال: المال كله لا بنته، وليس للأخت من الأب والأم شئ، فقلت:
فإنا قد احتجنا إلى هذا والميت رجل من هؤلاء الناس وأخته مؤمنة عارفة، قال:
فخذ لها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم وقضائهم وقضاياهم،
خذهم بحقك في أحكامهم وسنتهم كما يأخذون منكم فيه، قال ابن أذينة: فذكرت
ذلك لزرارة، فقال: إن على ما جاء به ابن محرز لنورا ".
وخبر أيوب بن نوح (4) " كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله هل نأخذ في
أحكام المخالفين ما يأخذون منا في أحكامهم أم لا؟ فكتب عليه السلام: يجوز لكم
ذلك إن كان مذهبكم فيه التقية منهم والمداراة لهم ".
وصحيح محمد بن مسلم (5) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن الأحكام، قال:
تجوز على أهل كل ذي دين ما يستحلون ".

(1) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 - 4.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ميراث الإخوة والأجداد الحديث 2 - 3 - 4 - من كتاب المواريث.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ميراث الإخوة والأجداد الحديث 2 - 3 - 4 - من كتاب المواريث.
(5) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ميراث الإخوة والأجداد الحديث 2 - 3 - 4 - من كتاب المواريث.
88

وخبر إسماعيل بن بزيع (1) " سألت الرضا عليه السلام عن ميت ترك أمه وإخوة
وأخوات فقسم هؤلاء ميراثه، فأعطوا الأم السدس، وأعطوا الإخوة والأخوات
ما بقي، فماتت الأخوات، فأصابني من ميراثه، فأحببت أن أسألك هل يجوز لي
أن آخذ ما أصابني من ميراثها على هذه القسمة أم لا؟ فقال: بلى، فقلت: إن أم
الميت فيما بلغني قد دخلت في هذا الأمر، يعني الدين، فسكت قليلا، ثم قال:
خذه " إلى غير ذلك من النصوص الدالة على التوسعة لنا في أمرهم وأمر غيرهم من
أهل الأديان الباطلة.
ولا فرق في محل البحث بين العارفة بناء على جواز نكاح المخالف لها وغيرها،
ضرورة أن ذلك من التوسعة الشاملة، بل قد سمعت التصريح به في خبر إبراهيم (2)
فمن الغريب ما وقع من بعض الناس من الفرق بينهما، نعم استيعاب الكلام في هذا
الأصل وفروعه محتاج إلى مقام آخر، نسأل الله التوفيق له.
(ولو قال: " أنت طالق للسنة " صح) بلا خلاف ولا إشكال مع فرض
اجتماع الشرائط، كما (إذا كانت طاهرا) ولم يواقعها مثلا، ضرورة عدم قدح
الضميمة المزبورة في الصحة التي هي مقتضي ما سمعته من الأدلة السابقة، بل عن موضع
من الخلاف (وكذا لو قال للبدعة) التي من المعلوم عدم اتصاف غير موضوعها
بها كالسنة، ومجرد القول لا يصير السنة بدعة كالعكس، فتلغو الضميمة حينئذ،
فيبقى اقتضاء الصيغة الصحة على مقتضي إطلاق الأدلة، بل ينبغي الجزم به مع فرض
تجدد التقييد أو التعلق بالبدعة له لفظا فقط أو وقصدا.
أما مع فرض قصد ذلك له ابتداء على وجه يكون مراده تفسير الطلاق بذلك
أو أطلق وقلنا المراد به ذلك فقد يشكل الصحة بأن مرجع ذلك إلى عدم إرادة

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب ميراث الإخوة والأجداد الحديث 6 من كتاب
المواريث.
(2) الوسائل الباب - 30 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
89

الطلاق التي عرفت اعتبارها في الصحة نصا (1) وفتوى، فالذي وقع غير مراد تأثيره،
بل المراد عدم تأثيره فلا قصد للطلاق الذي تلفظ به ولا إرادة.
ولعله لذا قال المصنف (ولو قيل: لا يقع كان حسنا، لأن البدعي لا يقع
عندنا، والآخر غير مراد) بل جزم بذلك الفاضل ومن تأخر عنه، ولا ينافي ذلك
عدم مدخلية قصد الصحة في آثار الأسباب الشرعية التي هي بمنزلة الأسباب العقلية
في ذلك، إذ الكلام في تحقق السبب في الفرض، خصوصا بعد قصد إرادة غير المؤثر
منه الذي هو ليس بسبب.
وبذلك ظهر لك الفرق بين إيقاع العقد أو الإيقاع بزعم الفساد وبينه بقصد
الفساد الذي مرجع الأخير إلى قصد عدم الأثر له، كما أن من ذلك يعلم حال كل
ضميمة تكون مفسرة للمراد بالطلاق المقصود ايقاعه بالفاسد من قول فاسد ونحوه،
نعم قد يتم ذلك عند العامة القائلين بترتب الأثر على الطلاق البدعي وإن أثم،
وبجواز التعليق، فحينئذ يصح الطلاق المعلق على البدعة وإن لم تكن حال الطلاق
متصفة بما يقتضي البدعة، فضلا عن المتحقق فيها ما يقتضيها من الحيض ونحوه،
والله العالم.
(تفريع:)
(إذا قال: " أنت طالق في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع بك " قال الشيخ
ره: لا يصح لتعليقه على الشرط) وظاهره عدم الفرق بين العلم بحالها وعدمه،
ووافقه المصنف والفاضل وغيرهما في صورة الجهل بالحال دون العلم به، فقالوا:
(وهو حق إن كان المطلق لا يعلم) بحالها (أما لو كان يعلمها على الوصف
الذي يقع معه الطلاق فينبغي القول بالصحة، لأن ذلك ليس بشرط) مناف للتنجيز
الذي قد عرفت اعتباره (بل) هو (أشبه بالوصف) المقارن للإيقاع (وإن

(1) الوسائل الباب - 11 - من أبواب مقدمات الطلاق.
90

كان بلفظ الشرط) الذي لم يرد منه التعليق، بل قد يقال: إن مثله يساق لبيان
إرادة الوقوف البتة كما ذكروا في قول: " أما بعد فإني فاعل " أن المعنى مهما يكن
من شئ فإني فاعل أي إن يكن شئ في الدنيا فإني فاعل.
اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر أدلة الحصر في قول: " أنت طالق " يقتضي
عدم سببية الصيغة المشتملة على التعليق ولو الصوري، وفيه منع واضح، خصوصا
بعد أن عرفت كونها مساقة للتعريض ببطلان ما عند العامة من صحة الطلاق المعلق
حقيقة، على أن مقتضاه حينئذ الفساد في صورة العلم.
وبذلك ظهر لك أن المدار في فساد التعليق ما ينافي التنجيز الذي هو
مقتضي تسبب السبب وإن كان بالوصف المعلوم تحققه فيما بعد دون غيره، وحينئذ
ينقدح قوة احتمال الصحة في الجاهل أيضا، ضرورة عدم منافاة التعليق لجهله
للتنجيز المزبور، ودعوى أن قصده حينئذ معلق واضحة المنع، بل أقصاه تعليق
إذعانه باقتضاء السبب مقتضاه، وهو معنى لا ينافي التنجيز المزبور الذي هو ترتب
المسبب على السبب وعدم تخلفه عنه، كما هو واضح بأدنى تأمل.
وبذلك يظهر لك صحة الطلاق الاحتياطي والبيع كذلك مع الشك في الزوجية
مثلا أو إنكارها، ضرورة عدم كون ذلك تعليقا، من غير فرق بين ذكره لفظا
وعدمه، بل لا فرق بين الأمور التي علق الشارع الصحة عليها وغيرها من الأوصاف
المقارنة، كما لا فرق بين صورتي الجهل والعلم، لكن الانصاف عدم خلو ذلك عن
النظر حتى في العالم كما ذكرناه في غير المقام، لصدق التعليق بمعنى عدم التنجيز
فتأمل.
(ولو قال: أنت طالق أعدل طلاق أو أكمله أو أحسنه أو أقبحه) أو أخسه
وأقبحه أو أردأه أو أسمجه (صح) لإطلاق الأدلة (ولم تضر الضمائم) المزبورة
التي يصح وصف الطلاق بها بنوع من التجوز.
(وكذا لو قال ملء مكة أو ملء الدنيا) أو طويلا أو عريضا أو صغيرا
91

أو حقيرا أو كبيرا أو عظيما أو غير ذلك مما يصح وصفه به بضرب من التجوز.
بل الظاهر الصحة حتى لو قلنا بعدم صحة التجوز في ذلك، إذ أقصاه الغلطية
التي لا تنافي قصد الطلاق، نعم لو فرض إرادة ما ينافي قصد الطلاق بذلك ولم يكن قد
تجدد بعد الصيغة لم يقع حينئذ، لنحو ما عرفته في وصف الطلاق بالفاسد، كما هو
واضح.
وعن العامة تنزيل أوصاف الحسن على طلاق السنة وأوصاف القبح على طلاق
البدعة، وجعلوه كما لو قال: للسنة أو للبدعة، وفيه أن لا وجه له مع فرض عدم
القصد إلى ذلك، ودعوى أن الوصف بملء الدنيا مثلا يقتضي تقييده بما لا يمكن
حصوله فيكون منافيا لصحته كالوصف بالبدعي يدفعها وضوح الفرق بينهما بمنافاة
الثاني لقصد الطلاق الصحيح بخلاف الأول، فإن أقصاه التجوز أو الغلط بالوصف،
ولو فرض كون القصد على وجه ينافي القصد المزبور اتجه حينئذ الفساد في الجميع
كما عرفت.
(ولو قال:) أنت طالق (لرضا فلان فإن عنى الشرط) بمعنى إن
رضى وقصده (بطل) الطلاق، للتعليق الذي قد عرفت الحال فيه حتى في المقارن
منه مع الجهل المطلق وعدمه (وإن عنى الغرض) الذي هو داع من الدواعي
(لم يبطل) سواء كان صادقا في ذلك أو كاذبا، لحصول مقتضى الصحة وعدم
المانع.
(وكذا لو قال: إن دخلت الدار بكسر الهمزة لم يصح)، للتعليق (وإن
فتحها صح إن عرف الفرق) بينهما (وقصده) ضرورة عدم التنجيز في الأول
والتعليل في الثاني، نحو قوله تعالى (1): " أن كان ذا مال وبنين " من غير فرق بين
صدقه وكذبه، ولو لم يعرف فقصد التعليق مع فتح الهمزة والتعليل مع الكسر
انعكس الأمر فإن المدار، على القصد، ولو لم يعلم حاله فالظاهر الحمل على الحقيقة
كما هو واضح.

(1) سورة القلم: 68 - الآية 14.
92

(ولو قال: " أنا منك طالق " لم يصح) بلا خلاف أجده فيه بيننا ولا إشكال
(ل‍) لأصل ولمنافاته لأدلة الحصر التي سمعتها، المؤيدة بظهور الكتاب في (أنه
ليس محلا للطلاق) وأن الزوجة محله، كما هو ظاهر قوله تعالى: " وإذا
طلقتم النساء (1) " وإن طلقتموهن (2) " والمطلقات (3) " فإن طلقها " (4) وغير
ذلك فما عن بعض العامة من جعله كناية موجها له بأن النكاح يقوم بالزوجين،
فيجوز إضافة الطلاق إلى كل منهما - واضح الضعف.
(ولو قال: أنت طالق نصف طلقة أو ربع طلقة أو سدس طلقة) أو نحو
ذلك (لم يقع، لأنه لم يقصد الطلقة) التي هي أقل ما تقع إذا كان المراد
بالضميمة تفسير ما قصده بالطلاق لامع التجدد، فتكون حينئذ منافية للقصد ولأدلة
الحصر وغير ذلك، وما عن العامة - من صحة وقوعه بجميع الأجزاء إلغاء للضميمة،
أو للسراية التي لا دليل عليها هنا، بل الأدلة على خلافها - واضح الفساد.
(ولو قال: أنت طالق ثم قال: أردت أن أقول طاهر قبل منه ظاهرا)
إجماعا محكيا عن الخلاف إذا كانت في العدة كما عن المبسوط ولو بائنة لما
عرفته سابقا من قبول قوله في قصده الذي لا يعلم إلا من قبله، ومقتضى الأصل
عدمه مع اعترافه بالقصد إلى اللفظ، فضلا عن المقام الذي دعواه عدم القصد إلى
اللفظ، بل منه يعلم عدم الفرق في دعوى الغلط بين قوله: " أردت أن أقول طاهر "
أو نحوه مما هو قريب إلى " طالق " وغيره إلا مع العلم بفساد الدعوى.
وعلى كل حال فالمراد القبول في الظاهر (ودين في الباطن بنيته) فلا
تحل له واقعا إلا مع صدقه وإن قبل ظاهرا بيمينه مع عدم موافقة المرأة له في ذلك
كما عرفت الكلام في ذلك كله مفصلا.
وكأن عدم تقييد المصنف هنا وغيره بالعدة مبني على ما تقدم سابقا، ولذا كان
المحكي عن المبسوط حصر قبوله في العدة.
بل الظاهر عدم الفرق في دعوى الغلط بين متقارب الحروف كطاهر وطالق ونحوهما

(1) سورة البقرة: 2 الآية - 231 - 237 - 228 - 230.
(2) سورة البقرة: 2 الآية - 231 - 237 - 228 - 230.
(3) سورة البقرة: 2 الآية - 231 - 237 - 228 - 230.
(4) سورة البقرة: 2 الآية - 231 - 237 - 228 - 230.
93

وبين غيره من فاضلة ونائمة ونحوهما كما صرح به في كشف اللثام، لاتحاد المدرك
الذي هو قبوله في دعوى عدم القصد في الجميع وإن كان قد يتوهم من بعض الناس
اختصاص الحكم هنا بالأول، فتكون حينئذ هذه المسألة غير المسألة السابقة التي
هي دعوى عدم قصد الطلاق بصيغته، لكنه كما ترى، ضرورة عدم مدرك خاص لما
هنا إلا الحكم بقبول قوله في عدم القصد الذي ما هنا أولى منه ومقتضاه عدم الفرق
بين الجميع.
(ولو قال: " يدك طالق " أو " رجلك " لم يقع وكذا لو قال: " رأسك
أو " صدرك " أو " وجهك " وكذا لو قال " ثلثك " أو " نصفك " أو " ثلثاك ")
للأصل وظهور الأدلة في أن محل الطلاق ذات الزوجة المدلول عليها بقول:
" أنت أو " هذه أو " زوجتي " أو " فلانة " أو ما شاكل ذلك، نعم لو أريد من لفظ الجزء
ذلك مجازا بل أو غلطا صح، ومن هنا كان ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم تعلقه
بالأجزاء معينة أو مشاعة.
بل في المسالك " ظاهرهم عدم الفرق بين الجزء الذي يعبر به عن الجملة
كالوجه وغيره، وهو كذلك مع فرض عدم إرادة الجملة به - ثم قال -: ولم يذكروا
حكم ما إذا علق بجملة البدن كقوله: بدنك وجسدك وشخصك وجنبك، مع أنهم
ذكروا خلافا في وقوع العتق بذلك بناء على أنه المفهوم عرفا من الذات، وينبغي
أن يكون هنا كذلك ".
قلت: إن كان المراد منها معنى " أنت " و " فلانة " اتجه الصحة وإلا فلا،
وفرق واضح بين العتق والطلاق، ولذا غلط العامة في قياسه عليه في جواز تعليقه
بالجزء ثم يسري إلى المجموع كما يسري العتق، وكأن المصنف نبه بالأمثلة
على خلافهم.
كما أنه ظهر لك من نصوص الحصر (1) المساقة مساقة الحدود التعريض بكثير

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
94

من خرافات العامة، وحينئذ فالمتجه الجمود عليه في سائر مقامات الشك لأنه حينئذ
كالأصل الذي يرجع إليه فيه.
(و) لعل من ذلك (لو قال: أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعدها) طلقة،
أو بعد طلقة (أو قبلها) طلقة (أو معها) طلقة، أو على طلقة، أن مع طلقة مريدا
بذلك كله إنشاء التعدد خارجا بالتعدد لفظا بالطريق المزبور الذي هو غير ذكر
العدد بلفظ المرتين والثلاث (لم يقع شئ، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن)
كذلك لكونه غير المستفاد من الحصر في النصوص (1) المزبورة، ولا يقاس على
وقوع الواحدة بقول: " ثلاثا لو قلنا به، لدليله من الاجماع المحكي ونحوه،
وإلا فقد عرفت أن مقتضى ذلك عدم وقوع شئ بها، ضرورة كون المقصود بالصيغة
التي وضعت لإنشاء طبيعة الطلاق التي تحقق بالواحدة التعدد المحتاج إلى تعدد
سببه، إذ ما وقع بعده من المرتين والثلاث وقول " طلقة بعد طلقة " مثلا مفسرا
للمراد بالصيغة التي أوقعها هو غير ما وضعت له الصيغة بمقتضى نصوص الحصر
قطعا لا أنه قصد التعدد بالضميمة حتى لا يقدح بطلانها في المراد من الصيغة.
(و) لكن مع ذلك قال المصنف: (لو قيل: يقع طلقة واحدة بقوله: " طالق
مع طلقة " أو بعدها) طلقة (أو عليها) طلقة (ولا يقع لو قال: " قبلها طلقة " أو
" بعد طلقة " كان حسنا) واحتمله الفاضل في القواعد.
بل في المسالك هو الأصح، قال: " أما الأول فلأن القصد إلى الاثنين
يقتضي القصد إلى الواحدة، فإذا بطلت الثانية لفقد شرطها تبقى الأولى، لعدم
المقتضي له، إذ ليس إلا توهم كونه لم يقصد إلا الطلاق الموصوف بذلك، وهو
ممنوع، بل هو قاصد إلى كل واحد منهما، فتقع الواحدة بقول: " أنت طالق "
وتلغو الضميمة، كما لو قال: " أنت طالق ثلاثا " أو " اثنين " وأما البطلان في الثاني
فلأنه شرط في الطلقة الملفوظة كونها واقعة بعد طلقة أو أن يكون قبلها طلقة ولم
يقع ذلك، فكأنه قد علق الطلاق الملفوظ على آخر لم يقع، ولأنه قصد طلاقا

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
95

باطلا، لأن الطلاق المسبوق بآخر هو طلاق المطلقة من غير رجعة، وهو باطل
بخلاف شرطه أن يكون بعده أو معه، فإن الطلاق الواحد لا مانع منه، وإنما المانع
من المنضم إليه ".
ونحوه في كشف اللثام قال: " لأنه إنما نوى في الأخيرين إيقاع طلقة
متأخرة عن طلقة وهو ينافي التنجيز، إلا أن كون طلقها سابقا طلقة صحيحة
وأراد تأخير هذه الطلقة عنها فنقع، وأما في غيرهما فإنه نوى إيقاع طلقة بها،
وإن وصفها بعد ذلك بمقارنة طلقة أو بالتقدم على طلقة فيكون لغوا ".
قلت: لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد التأمل فيما ذكرنا من كون
المراد بهذه الصيغ إنشاء التعدد بالوجه المزبور نحو إنشائه بذكر الثلاث والثنتين،
وليس من التعليق في شئ، وإلا لاقتضى البطلان في الجميع، ولا الإخبار عن طلقة
سابقة، والأصل في ذلك كله العامة الذين ألحقوا العدد بذكر العدد لفظا أو ما يفيده
بالتعدد الحسى الخارجي، والمراد بقوله تعالى: (1) " الطلاق مرتان " لغة وعرفا
إيقاع الطلاق مرتين المتوقف كل منهما على الزوجية، ولو بأن يرجع بها بعد
طلاقها ".
وقد ظهر بذلك كله أن الأمثلة المزبورة كلها من واد واحد، ولذا كان
المحكي عن المبسوط وقوع طلقة واحدة بالجميع، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد
ما عرفت من أن المتجه بمقتضى أدلة الحصر عدم الوقوع أصلا بشئ منها، نعم لو فرض
استقلال القصد على معنى الصيغة منها مستقلا والتعدد من الضميمة مستقلا
اتجه الصحة في الجميع، والتعليق المتصور في الأخيرين يتصور في غيرهما أيضا،
لكن من المعلوم عدم إرادته وإنما المراد من الجميع إنشاء التعدد بذلك على الوجه
الذي ذكرناه سابقا.
هذا وفي المسالك " نبه المصنف بقوله: " سواء كان " إلى آخره على خلاف

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 299.
96

العامة، حيث حكموا بوقوع الواحدة مطلقا بغير المدخول بها، ووقوع الاثنتين
إن كانت مدخولا بها، لأن غير المدخول بها تبين بالواحدة، ولا تقبل الطلقة الأخرى،
بخلاف المدخول بها، فإنها تقبل المتعدد ".
وفيه أنه خلاف المحكي عنهم في المبسوط من وقع اثنتين في الأولى أيضا،
بل هو خلاف ما يقتضيه قياسهم، ضرورة كون الاثنتين قد وقعا دفعة، فلا يحتاج إلى
أمر آخر والظاهر أنه من المقطوع به عندهم أنه لو قال لغير المدخول بها: " أنت
طالق ثلاثا " لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
(ولو قال: " أنت طالق نصفي طلقة " أو " ثلاثة أثلاث طلقة " قال الشيخ ره:
لا يقع) للأصل، وظهور نصوص الحصر (1) في غيره، ومعلومية عدم تجزئ الطلاق،
فهو حينئذ كقول: " نصف طلقة ".
(و) لكن قال المصنف: (لو قيل: يقع) الطلاق (بقوله: " أنت طالق "
وتلغو الضمائم، إذ ليست رافعة للقصد كان حسنا) بل في القواعد أنه الأقرب
(و) لا (كذا لو قال: نصف طلقتين) الظاهر في إرادة نصف من كل
طلقة، ولذا أوقع به بعض الشافعية طلقتين، لأنه في قوة نصف طلقة ونصف طلقة
بناء على وقوعها تامة عندهم بذلك، وقد يحتمل كون المراد به الطلقة من الطلقتين،
بل قيل: إنه الظاهر منه عرفا، ولذا أوقع به بعض آخر من الشافعية طلقة واحدة،
لكنه كما ترى، ضرورة أنه إذا كان الوقوع بالصيغة - والضميمة لغو - فهو موجود
في الجميع، بل هو كذلك حتى في " أنت طالق نصف طلقة " وإن كان (2) اتحاد
إرادة الطلقة من نصفيها وهي مفاد الصيغة فالمتجه الصحة أيضا في الأخير مع فرض إرادة
ذلك أيضا، والتحقيق عدم الوقوع في الجميع، لكونه غير مفاد الصيغة المستفادة من

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) جاء في هامش النسخة الأصلية المبيضة برمز (خ ل) " لإرادة الطلقة من نصفيها
التي هي مفاد ".
97

نصوص الحصر (1) ودعوى إلغاء الضميمة التي من الواضح مدخليتها في قصد الصيغة
ظاهرة الفساد، نعم هو كذلك في الضمائم التي لا مدخلية لها في ذلك.
(تفريع:)
(قال الشيخ: إذا قال لأربع) زوجات: (أوقعت بينكن أربع طلقات
وقع بكل واحدة طلقة) لاطلاق أدلة الطلاق الذي لا ينافيه الحصر في النصوص (2)
بعد تنزيله على غير ذلك، إذ لا ريب في صحة طلاق الزوجتين بأنتما طالقان،
والأربعة بأنتن طوالق، بل قد عرفت صحة الطلاق عند الشيخ بقول: " أنت مطلقة "
ويقول: " نعم " في جواب سؤال " هل طلقت زوجتك " وهذا أولى.
والأصل في هذا الفرع الشافعية، فإنه في مبسوطه جري معهم في فروعهم
التي (منها) لو قال لأربع: " أوقعت بينكن طلقة " قالوا: يقع بكل واحدة طلقة،
لسراية الربع الحاصل من الصيغة التي لا يعتبرون فيها لفظا خاصا، و (منها): ما
لو قال للأربعة: " أوقعت بينكن أربع طلقات " وقع لكل واحدة واحدة أيضا،
لأنه يكون قد أوقع لكل واحدة طلاقا تاما، فوافقهم على الثاني دون الأول
المبني على تجزئ الطلاق الممنوع.
(و) لكن مع ذلك كله (فيه إشكال، لأنه إطراح للصيغة المشترطة)
في حصول الطلاق الصحيح في نصوص الحصر (3) على وجه قد عرفت عدم وقوعه بكل
ما هو مشكوك في حصوله به بمخالفته لهيئتها أو أحوالها أو أحوال المقصود بها، فضلا
عن مظنون العدم، ولا يجدي الإطلاق الذي قد علم تقييده بنصوص الحصر، نعم
لو وقع ذلك بعنوان الاقرار بالطلاق لا إنشائه حكم به، كما هو واضح.
(ولو قال: " أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا صحت واحدة إن نوى بالأول
الطلاق، وبطل الاستثناء) إن قلنا باقتضاء الصيغة ذلك مع عدم الاستثناء، ضرورة بطلانه،
لكونه مستغرقا، فوجوده حينئذ كعدمه، ويكون الحال كما إذا لم يكن استثناء،

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
98

نعم بناء على ما عند العامة من وقوع الثلاث بدون استثناء يحكم بصحة الاستثناء
مع مراعاة قواعده المشهورة، فيبطل المستغرق ويبقى الثلاث، ويصح غير المستغرق
كواحدة بقول: " إلا اثنتين " بقول: " إلا واحدة ".
هذا وفي المسالك " قول المصنف: " إن نوى بالأول الطلاق " لا خصوصية
له بهذه المسألة، لأن القصد معتبر في جميع الصيغ، وليس هذا كالكناية المفتقرة
إلى نية زائدة كما سبق، بل هي من الألفاظ الصريحة، نعم اعتبر القائلون بصحة
الاستثناء أن يكون قصده مقترنا بأول اللفظ، فلو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى
منه لم يؤثر الاستثناء، لوقوعه بعد لحوق الطلاق فيلغو ".
قلت: يمكن أن يكون الوجه في تقييد المصنف الحكم بالبطلان مع الاستثناء
- وإن قلنا بالواحدة بدونه - إذا كان قد قصد من أول الأمر بذلك عدم الطلاق
وإن أداه بالعبارة المزبورة التي يمكن دعوى ظهورها في ذلك، باعتبار كون الاستثناء
بيانا للمراد بالمستثنى منه، فمع فرض استغراقه يرجع إلى إرادة عدم قصد الطلاق
بالمستثنى منه، ولا يقدح في ذلك كون الاستثناء لاغيا، إذ لغويته لا تنافي دلالته
على المعنى المزبور، كما لا تنافي ذلك الحكم في الاقرار بلزوم المستثنى منه،
وبطلان الاستثناء في مثله للدليل أو لقاعدة عدم سماع الانكار بعد الاقرار الذي
منه المفروض، مع قاعدة صون كلام العاقل عن الهذيان، على أن معنى الإقرار
قابل لإلحاق الاستثناء به، لأنه إخبار، بخلاف الإنشاء الذي يتبع ترتب أثره
التلفظ بالصيغة المقصود معناها، ومنه يمكن القول بالبطلان بقول: " أنت طالق
طلقة إلا طلقة ".
كل ذلك مع قطع النظر عن دعوى ظهور أدلة الحصر في غير ذلك، وأن
الطلاق الصحيح هو قول: " أنت طالق " مجردة عن قصد أمر زائد على قصد طبيعة
الطلاق بها الذي يلزمه وقوع الواحدة بها، نحو باقي الطبائع، وأن الحكم بالواحدة
بقول: " أنت طالق ثلاثا " للاجماع المحكي وغيره مما عرفته سابقا، وحينئذ
يتجه البطلان من رأس في الفرض، إلا مع فرض قصد الطلاق بقوله " أنت طالق "
99

على نحو المذكور في أدلة الحصر، وأن قصد الثلاث إلا الثلاث أمر آخر قصده
مستقلا، فيقع لغوا، فتأمل جيدا كي يظهر لك مما ذكرنا ما في كشف اللثام
أيضا وغيره.
(ولو قال: " أنت طالق غير طالق " فإن نوى الرجعة) بذلك وكان الطلاق
رجعيا (صح، لأن إنكار الطلاق رجعة) كما ستعرف، فضلا عن الفرض الذي
قصد الرجوع به (وإن أراد النقض حكم بالطلقة) التي تترتب عليه قهرا بانشاء
الصيغة المراد معناها التي هي سبب شرعا فيه، فلا يثمر نقضه لها.
(ولو قال: طلقة إلا طلقة " لغا الاستثناء، وحكم بالطلقة بقوله:
طالق) ما لم يعلم منه عدم قصد الطلاق بذلك، بل قد عرفت إمكان دعوى ظهور
التركيب في ذلك.
(ولو قال: " زينب طالق " ثم قال: " أردت عمرة ") ولكن غلط لساني
(وهما زوجتان) له (قبل) لأن المرجع في تعيين المطلقة إلى قصده الذي
لا يعلم إلا من قبله، مع أن الفعل فعله لا مشترك بينه وبين غيره، والغلط اللفظي
احتمال ممكن واقع كثيرا، فهو كدعوى الغلط بقول: " طالق " وأن المراد قول:
" طاهر " ونحوه مما عرفته سابقا.
وفي المسالك " وقيد بكونهما زوجتين ليحترز عما لو ادعى قصد أجنبية
وغلط في تسمية زوجته، فإنه لا يقبل، لأن ذلك خلاف الظاهر فإن الأصل في
الطلاق أن يواجه به الزوجة أو يعلق بها، فدعواه إرادة الأجنبية غير مسموعة ".
وفيه أنه يمكن رجوع ذلك إلى دعوى القصد، أو إلى قصد إرادة
الأجنبية، كما لو قال: " سعدى طالق " وكان الاسم مشتركا بين زوجته والأجنبية
الذي قد عرفت البحث فيه سابقا، والأصل المزبور جار في أكثر أفراد المسألة
التي قد عرفت القبول فيها، ولعل وجه التقييد قبول قوله في طلاق عمرة المنوية
التي أريدت من قول: " زينب " غلطا لأن الفعل فعله، ومتعلقه أمر في يده، لأن
الفرض كون كل منهما زوجة له.
100

وأما احتمال عدم وقوع الطلاق بأحدهما، لعدم النطق بلفظ يعين المطلقة
- بل جعله في كشف اللثام هو الظاهر ففيه أنه يكفي اللفظ الغلطي مع فرض القصد
به، والله العالم.
(ولو قال: " زينب طالق بل عمرة " طلقتا جميعا، لأن كل واحدة منهما
مقصودة في وقت التلفظ باسمها) فتندرج في إطلاق الأدلة، بل في كشف اللثام " أن
" بل " ليست نصا في الانكار أو النقض، فلتحمل على الجميع " وإن كان فيه أن
الظاهر ثبوت الحكم حتى على فرض إرادة النقض الذي لا يرجع فيه إليه بعد فرض
حصول سببه الشرعي، نعم لو رجع ذلك إلى إرادة بيان الغلط اللساني في " زينب "
اتجه الفساد حينئذ فيها بناء على قبوله منه، ولكن ذلك خروج عن الفرض.
(و) على كل حال فقال المصنف: (فيه إشكال ينشأ من اعتبار النطق
بالصيغة) التي هي " أنت مثلا طالق " وتبعه الفاضل في القواعد، فلا يكفي العطف
خصوصا إذا كان بلفظ " بل " ولا أقل من الشك، والأصل عدم حصوله، بل في المسالك
" الأقوى توقف الثانية على الصيغة التامة مطلقا أي من غير فرق بين العطف بالواو
وغيره، نعم لو وقع ذلك على وجه الاقرار حكم بطلاقهما، لأنه أقر بطلاق المذكورة
أولا ثم رجع مستدركا وأقر بطلاق الثانية، فلا يقبل رجوعه عن الأولى، ويؤاخذ
بالثاني، كما لو قال: له علي درهم بل دينار ".
قلت: قد عرفت البحث سابقا في الاكتفاء بحرف العطف عن إعادتها، من
غير فرق بين الواو وغيرها وإن كان ربما فرق بينها وبين " بل " فحكم بالصحة بها
نظر إلى مقتضى الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، فيكون قوله: " طالق " في
الأولى مرادا في الثانية، بخلاف المعطوف ببل، لأنها تفيد الاضراب عن الأولى
وإثباته للمعطوفة، فإذا بطل حكم " طالق " في الأولى لم يكن مؤثرا في الثانية،
لكنه كما ترى.
هذا ولقد أكثر العامة في ذكر الفروع المتعلقة بالابهام، والتعليق، والحلف
بالطلاق، وتعقيب الصيغة بالمنافي، وغير ذلك، وقد أطنب الشيخ في المبسوط في
101

ذكر الصحيح منها على أصولنا والفاسد، وبملاحظتها يعلم ما هو المراد من نصوص
الحصر (1) وغيرها من التعريض بهم، بل من ذلك يعلم أن الحصر في النصوص
المزبورة من الباب التي ينفتح منها ألف باب، لكونه المراد به فساد كثير مما
ذكروه.
(الركن الرابع)
(الاشهاد)
كتابا (2) وسنة (3) وإجماعا بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض أو
متواتر كالسنة، قال أمير المؤمنين عليه السلام في خبر ابن مسلم (4) لمن سأله عن طلاقه:
" أشهدت رجلين عدلين كما أمر الله عز وجل؟ فقال: لا فقال: اذهب، فليس
طلاقك بطلاق " وقال الباقر والصادق عليهما السلام في حسن زرارة ومحمد بن مسلم
ومن معهما (5): " وإن طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع ولم يشهد على
ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق " وقال الباقر عليه السلام في حسنهما أيضا (6):
" الطلاق لا يكون بغير شهود " وقال الصادق عليه السلام: في خبر أبي الصباح (7) " من
طلق بغير شهود فليس بشئ " وقال أبو الحسن عليه السلام في حسن أحمد بن محمد بن أبي نصر (8): " يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين، كما
قال الله عز وجل في كتابه، فإن خالف ذلك رد إلى كتاب الله عز وجل " إلى غير

(1) الوسائل الباب - 16 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) سورة الطلاق 65 - الآية 2.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث. 7 - 3.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث. 7 - 3.
(5) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث. 7 - 3.
(6) الوسائل الباب - 13 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
(7) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6 - 4.
(8) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6 - 4.
102

ذلك من النصوص التي سيمر عليك جملة منها.
نعم الظاهر الاكتفاء بشهادة إنشاء الطلاق من الأصيل أو الوكيل أو الولي،
ولا يعتبر العلم بالمطلق والمطلقة على وجه يشهد عليهما لو احتيج إليه، لاطلاق
الأدلة.
لكن عن سيد المدارك في شرح النافع اعتبار ذلك، قال: " واعلم أن الظاهر
من اشتراط الاشهاد أنه لا بد من حضور شاهدين يشهدان بالطلاق، بحيث يتحقق
معه الشهادة بوقوعه، وإنما يحصل ذلك مع العلم بالمطلقة على وجه يشهد
العدلان بوقوع طلاقها، فما اشتهر بين أهل زماننا - من الاكتفاء بمجرد سماع
العدلين صيغة الطلاق وإن لم يعلما المطلق والمطلقة بوجه بعيد جدا، بل
الظاهر أنه لا أصل له في المذهب، فإن النص والفتوى متطابقان على اعتبار الاشهاد،
ومجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمى إشهادا قطعا. وممن صرح باعتبار علم
الشهود بالمطلقة الشيخ في النهاية، قال: " ومتى طلق ولم يشهد شاهدين ممن ظاهره
الاسلام كان طلاقه غير واقع - ثم قال -: وإذا أراد الطلاق فينبغي أن يقول: " فلانة
طالق " أو يشير إلى المرأة بعد أن يكون العلم قد سبق بها من الشهود، فيقول:
هذه طالق) ويدل على ذلك - مضافا إلى ما ذكرناه من عدم تحقق الاشهاد بدون
العلم بالمطلقة - مكاتبة محمد بن أحمد بن مطهر إلى العسكري عليه السلام (1) " إني تزوجت بأربع نسوة لم أسأل عن أسمائهن ثم أريد طلاق إحداهن وتزويج امرأة أخرى،
فكتب: انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن، فتقول: اشهدوا أن فلانة التي بها
علامة كذا وكذا هي طالق ثم تزوج الأخرى إذا انقضت العدة " (2).

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3 من كتاب
النكاح.
(2) إلى هنا ينتهي كلام سيد المدارك (قده) في شرح النافع. والموجود في النسخة
المخطوطة منه في عام 1167 المخزونة في (مكتبة السيد الحكيم قدس سره العامة) في
النجف الأشرف: " لا بد من حضور شاهدين يسمعان الطلاق بحيث يتحقق معه الشهادة بوقوعه ".
103

وأطنب في الحدائق في رده، وقال: " إن اعتبار العلم في الجملة مما لا إشكال
فيه ولا مرية تعتريه، لا من أهل زمانه ولا من غيرهم، وهو الذي جرى عليه كافة
من حضرنا مجالسهم من مشائخنا المعاصرين، وأما العلم الموجب لتميزهما وتشخيصهما
فلا أعرف له دليلا واضحا، وجميع ما استدل به لا يخلو من نظر واضح، بل صريح
الدليل خلافه، إذ ما ذكره من عدم تحقق الاشهاد بدون العلم ففيه منع واضح
إن أراد العلم بالمعنى الذي ذكره، بل هو عين المدعى، وإن أراد في الجملة فهو
مسلم، فإنه لو قال: " فاطمة زوجتي طالق " والشهود ليس لهم معرفة سابقة إلا بهذا
الاسم الذي ذكره، صح، وكذلك المطلق، إذا علموا أن اسمه زيد مثلا فإنه يكفي
في العلم به، ولا يشترط أزيد من ذلك.
وعبارة الشيخ في النهاية إنما تدل على ذلك، فإن المراد بقوله: " فينبغي "
إلى آخره تسمية المطلقة باسمها العلمي، ومع عدم معرفة الاسم العلمي فلا بد من
شئ يدل على التعيين، لوجوبه في صحة الطلاق كما تقدم، بأن يشير إلى امرأة
جالسة ويقول " هذه طالق " بعد علم الشهود بها ولو في الجملة، بأن تكون بنت
فلان، أو أخت فلان، أو البصرية، أو الكوفية، أو نحو ذلك مما يفيد العلم
في الجملة.
وأما الخبر فالمراد منه اعتبار ما يدل على التعيين من علامة ونحوها بعد
تعذر الاسم، بل هو ظاهر في الاجتزاء به مع فرض معرفته، فيكون حينئذ ظاهرا
فيما ذكرناه لا فيما ذكره.
بل يدل على ذلك صريحا خبر أبي بصير المرادي أو صحيحة (1) " سألت
أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد
ومهورهن مختلفة قال: جائز له ولهن، قلت: أرأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان
فطلق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوما من أهل تلك البلاد وهو لا يعرفون
المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعد

(1) الوسائل الباب - 23 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
104

ما دخل بها كيف يقسم ميراثه؟ قال: إن كان له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا
من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، وإن عرفت التي طلقت بعينها ونسبها فلا شئ لها
من الميراث، وليس عليها العدة، قال: وتقسم الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك،
وعليهن العدة، وإن لم تعرف التي طلقت من الأربع قسمن النسوة ثلاثة أرباع ثمن
ما ترك بينهن جميعا، وعليهن جميعا العدة " ورواه الشيخ في الصحيح عن الحسن
ابن محبوب وطريقه إليه صحيح، وهو ما صحة سنده صريح في طلاق من لم يعرفها
الشهود لشخصها، ولا ينافي ذلك اعتبار التعيين في صحة الطلاق، فإن الاشتباه المذكور
في ذيله يمكن أن يكون لعروض نسيان لهم أو غيره.
نعم ربما يدل على ما ذكره حسن حمران (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا يكون
خلع ولا تخيير ولا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع وشاهدين يعرفان
الرجل ويريان المرأة ويحضران التخيير وإقرار المرأة أنها على طهر من غير جماع
يوم خيرها، قال: فقال له محمد بن مسلم: ما إقرار المرأة هنا؟ قال: يشهد الشاهدان
عليها بذلك للرجل حذار أن يأتي بعد فتدعي أنه خيرها وهي طامث فيشهدان
عليها بما سمعا منها " إلا أن هذا الخبر لم يتضمن الطلاق، ويمكن حمله على الاستحباب
والاحتياط - ثم قال -
وبالجملة فإن ما ذكرناه من الاكتفاء بالمعرفة الإجمالية هو الذي جرى
عليه مشائخنا الذين عاصرناهم، وحضرنا مجالس طلاقهم كما حكاه هو أيضا عما
اشتهر في زمانه، وأما ما ادعاه فلم أقف له على موافق، ولا دليل يعتمد عليه. ولم
أقف لأحد من أصحابنا على بحث في هذه المسألة سوى ما نقلناه عنه، وقد عرفت
ما فيه " (2).

(1) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الخلع الحديث 4.
(2) إلى هنا ينتهي كلام صاحب الحدائق في مناقشة سيد المدارك (قدهما) مع تغيير
بعض الجملات بالنقل إلى المعنى.
105

وتبعه على ذلك في الرياض، فإنه - بعد أن ذكر إطلاق المستفيضة المكتفية
بشهادة الشاهدين للصيغة خاصة من دون مراعاة الزائد عليها بالمرة قال: " وهي
وإن اقتضت صحة الطلاق مطلقا ولو من دون علمهما بالمطلقة ولو بالاسم أو الإشارة
بالمرة إلا أن اللازم مراعاة المعرفة في الجملة بنحو من الاسم أو الإشارة تحقيقا
لفائدة الشهادة، والتفاتا إلى بعض المعتبرة - أي المكاتبة المذكورة ثم قال -: وبه
صرح شيخنا في النهاية، ولعل هذا أيضا مراد بعض متأخري الطائفة من اعتباره في صحة
الاشهاد علم الشاهدين بالمطلق والمطلقة، ولو أراد العلم بهما من جميع الوجوه لكان
بعيدا غاية البعد، بل فاسدا بالضرورة، لاستلزامه تقييد الأدلة من غير دلالة، مع استلزام
مراعاته الحرج المنفي آية (1) ورواية (2) ومخالفة الطريقة المستمرة بين الطائفة، مع
اندفاعه بخصوص الصحيحين - أي خبري أبي بصير (3) ثم قال -: ربما أشعرت بذلك
عموم أخبار (4) صحة طلاق الغائب، لكون الغالب في شهوده عدم المعرفة بالمطلقة،
وسيما إذا كانت الغيبة إلى البلاد البعيدة، وبالجملة الظاهر من الأدلة كفاية المعرفة
بنحو من الاسم أو الإشارة من دون لزوم مبالغة تامة في المعرفة.
قلت: هما وإن أجادا في الانكار عليه باعتبار العلم المزبور، لكن فيما اعتبراه
أيضا من اعتبار العلم في الجملة بحث، بل فيه من الاجمال ما لا يخفى، على أنه
لا وجه له إذا كان مبني عدم اعتبار العلم بالمعنى المزبور هو كون المراد من

(1) سورة الحج: 22 - الآية 78.
(2) الوسائل الباب - 39 - من أبواب الوضوء الحديث 5 من كتاب الطهارة.
(3) الوسائل الباب - 23 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 بسندين راجع
الباب - 9 - من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث والتهذيب ج 8 ص 93 و ج 9
ص 296 و 384.
(4) الوسائل الباب - 25 - من أبواب مقدمات الطلاق.
106

الكتاب (1) والنص (2) والفتوى هو حضور العدلين إنشاء الطلاق من منشئه من غير اعتبار
لاتصافهما بالشهادة على وجه يعتبر فيهما ما يعتبر في الشهادة، على (إلى ظ) غير
ذلك من تشخيص المشهود عليه ونحوه.
بل يمكن دعوى الاكتفاء بشهادة العدلين ذلك وإن لم يقبل شهادتهما على
المطلق أو المطلقة لأمر لا ينافي العدالة من خصومة أو أبوة أو رقية أو نحو ذلك
بناء على اعتبار ذلك في قبولها، واعتبار التعيين أو ذكر ما يفيده في صحة صيغة
الطلاق لا مدخلية له في الاشهاد بالمعنى المزبور، فلو قال " زوجتي طالق " أو " فاطمة
طالق " وكان الاسم مشتركا بين نسائه وقصد به معينا صح الطلاق وإن لم يعلم الشاهدان
المعينة عنده.
بل لو أنشأ منشئ الطلاق بحضور عدلين من غير علم لهما بكونه وكيلا
أو زوجا أو وليا صح، وكذا لو أنشأه بمحضر ممن لا يبصره ولا يعرفه لعمى أو
غيره - فضلا عن معرفة المطلقة - صح أيضا، لإطلاق الأدلة.
وبالجملة لا يعتبر في شاهدي الطلاق كونهما شاهدين على المطلق أو المطلقة
مقبولي الشهادة عليهما كي يعتبر في صحة الطلاق صحة شهادتهما عليهما.
نعم لو قلنا باستفادة اعتبار كونهما شاهدين من الأمر بالإشهاد في الكتاب (3)
والسنة (4) لاتجه ما قاله السيد المزبور لاما قالاه، بل اتجه اعتبار كونهما مقبولي
الشهادة عليهما، كما عساه يومئ إليه حسن حمران (5) السابق المحمول على ضرب
من الاحتياط، لعدم القائل بمضمونه حتى السيد المزبور، لكن قد عرفت عدمه،
بل ظاهر الأدلة بل صريح بعضها خلافه، وذكر العلامة في المكاتبة لإرادة التعيين
لا يقتضي ذلك.
(و) لعله لذا قال المصنف في تفسير اعتبار الاشهاد: إنه (لا بد من حضور

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 2.
(2) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 2.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(5) الوسائل الباب - 6 - من كتاب الخلع الحديث 4.
107

شاهدين يسمعان الانشاء) أو يريانه في إشارة الأخرس وكتابة العاجز (سواء
قال لهما: أشهدا أو لم يقل) ضرورة عدم توقف صدق شهادتهما بل ولا إشهادهما
على ذلك، مضافا إلى حسن ابن أبي نصر (1) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل
كانت له امرأة طهرت من محيضها فجاء إلى جماعة فقال: فلانة طالق يقع عليها
الطلاق ولم يقل اشهدوا؟ قال: نعم " ونحوه حسن صفوان بن يحيى (2) عنه عليه السلام.
نعم قد يقال باعتبار اقتضاء اعتبار الأمر بالاشهاد في الآية (3) وغيرها قصد
ايقاع الطلاق بحضورهما، فلو طلق من دونه لم يصح وإن سمعه منه من لم يعلم به
من وراء جدار مثلا، وإن لم أجد المصرح بذلك إلا أنه يمكن دعوى ظهور كثير
من الكلمات فيه.
(و) على كل حال فلا إشكال ولا خلاف في أن (سماعهما التلفظ)
بانشاء الطلاق أو ما يقوم مقامه (شرط في صحة الطلاق حتى لو تجرد عن الشهادة لم
يقع ولو كملت شروطه الأخر) بل قد عرفت أن ذلك مما تطابق عليه الكتاب (4)
والسنة (5) والاجماع بقسميه.
وكذا تطابقت على اعتبار التعدد فيهما والعدالة (6) (و) حينئذ ف‍ (لا
يقع) الطلاق (بشاهد واحد ولو كان عدلا) بل معصوما (ولا بشهادة
فاسقين) فصاعدا ولو بلغ الشياع، بل وما يفيد العلم وإن توهم بعض الناس
الاكتفاء بالأخير، معللا له بأنه ليس بعد العلم من شئ إلا أنه كما ترى، ضرورة
عدم مدخلية العلم بوقوعه فيما يعتبر في صحته (بل لا بد) حال وقوعه (من حضور
شاهدين) عدلين، نعم يكفي كون (ظاهرهما العدالة).
(ومن فقهائنا) كالشيخ في نهايته والقطب الراوندي فيما يحكى عنه (من

(1) الوسائل الباب - 21 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 21 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 2.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 2.
(4) سورة الطلاق: 65 - الآية 2.
(5) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق.
(6) سورة الطلاق: 65 - الآية 2 والباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق.
108

اقتصر على اعتبار الإسلام فيهما) ومقتضاه الاجتزاء بالمسلمين الفاسقين فضلا عن
المؤمنين.
(و) لا ريب في أن (الأول أظهر) بل ينبغي القطع به، إذ دعوى عدم
اعتبارها فيه بعد اتفاق الكتاب والسنة والاجماع بقسميه عليه واضحة الفساد،
كدعوى تحققها بالاسلام وإن قارن سائر المعاصي، ضرورة صدق اسم الفاسق عليه
الذي يمتنع معه صدق اسم العدل، بل لا ينبغي نسبة هذا القول لأحد من أصحابنا
المنزهين عن أمثال ذلك.
ولعل ما في النهاية من " أنه متى طلق بمحضر من رجلين مسلمين ولم يقل
لهما أشهدا وقع طلاقه، وجاز لهما أن يشهدا بذلك " غير مساق لبيان ذلك، لأنه قد
تقدم له قبل ذلك بأسطر " أن من الشرائط العامة لجميع أنواع الطلاق أن يكون طلاقه
بمحضر من شاهدين مسلمين عدلين، ويتلفظ بلفظ مخصوص " إلى آخره وهو صريح
في اشتراط العدالة، كما أنه ظاهر أو صريح في أنها أمر زائد على الاسلام، نحو قوله
تعالى (1): " وأشهدوا ذوي عدل منكم " خصوصا بعد ما تقدم له سابقا في كتاب الشهادات
من تعريف العدل بمضمون ما في صحيح ابن أبي يعفور (2) بل اعتبر نحو ذلك أيضا
في شهادة النساء.
فمن الغريب نسبة بعض إليه هنا عدم اعتباره العدالة أو أنها هي الاسلام، ولعل
النسبة إلى القطب كذلك، إذ لم يحضرنا كلامه.
وأغرب من ذلك الاحتجاج لهما بما في حسن البزنطي (3) عن أبي الحسن عليه السلام
" قلت: فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أيكون طلاقا؟ فقال: من ولد على
الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير " وصحيح بعد الله بن

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 2.
(2) الوسائل الباب - 41 - من كتاب الشهادات الحديث 1.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
109

المغيرة (1) قلت للرضا عليه السلام: " رجل طلق امرأته وأشهد شاهدين ناصبين،
قال: كل من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته " المحمولين
بشهادة العدول عن جواب السؤال على التعبير بما هو جامع بين التقية والحق الذي
لا زالوا يستعملونه، حتى قالوا لبعض أصحابهم في بعض (2) نصوص الطلاق ثلاثا
معلمين لهم: " إنكم لا تحسنون مثل هذا " أي فتجمعون بينهما بالعبارة الجامعة،
فيراد حينئذ بمعرفة الخير فيه والصلاح في نفسه المؤمن العدل الذي قد يقال: إنه
مقتضى الفطرة أيضا، لا الناصب الذي هو كافر إجماعا، بل ولا مطلق المخالف الذي
هو الشر نفسه.
فما في المسالك من الميل إلى القول المزبور واضح الفساد، ونحوه قد وقع
له في كتاب الشهادات، وقد ذكرنا هناك ما عليه، ومن العجيب موافقة سبطه له هنا
على ذلك المحكي عن شرحه على النافع، ولعله لقرب مزاجه من مزاجه باعتبار
تولده منه.
نعم لا عذر للكاشاني في مفاتيحه، سواء قالوا بعدم اعتبار العدالة في شاهدي
الطلاق أو قالوا بأنها فيه مجرد الاسلام، فإن الأمرين كما ترى.
وأغرب من ذلك قوله في المسالك بعد أن ذكر رواية البزنطي (3): " وهذه
الرواية واضحة الاسناد والدلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق، ولا يرد أن
قوله عليه السلام " بعد أن يعرف منه خبر " ينافي ذلك، لأن الخير قد يعرف من المؤمن
وغيره، وهو نكرة في سياق الاثبات لا يقتضي العموم، فلا ينافيه مع معرفة الخير

(1) الوسائل الباب - 41 - من كتاب الشهادات الحديث 5.
(2) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6 وفيه: قال: ثم
التفت إلي فقال: فلان لا يحسن أن يقول مثل هذا " كما في الاستبصار ج 3 ص 290 الرقم 1025
إلا أن الموجود في التهذيب ج 8 ص 92 " قال: ثم التفت إلي فقال: يا فلان لا تحسن
أن تقول مثل هذا ".
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
110

منه بالذي أظهره من الشهادتين والصلاة والصيام وغيرهما من أركان الاسلام أن يعلم
منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح، لصدق معرفة الخير منه معه، وفي الخبر - مع
تصديره باشتراط شهادة عدلين، ثم الاكتفاء بما ذكر تنبيه على أن العدالة هي
الاسلام، فإذا أضيف إلى ذلك أن لا يظهر الفسق كان أولى ".
ضرورة كونه من الكلام الذي لا يستأهل ردا وإن أطنب في الحدائق، بل
والرياض، بل لعل القول به مع عدم الإضافة المزبورة التي جعلها أولى مناف
للضروري بين العلماء، كما أنه مناف معها أيضا لعلماء الفرقة المحقة، كما أوضحنا
ذلك في كتاب الشهادات.
ثم إن الظاهر المنساق من الأدلة اعتبار شاهدين خارجين عن المطلق وإن
كان وكيلا أو وليا، لكن في المسالك بعد أن اعترف باعتبار ذلك قال: " ثم إن
كان هو الزوج فواضح، وإن كان وكيله ففي الاكتفاء به عن أحدهما وجهان: من
تحقق اثنين خارجين عن المطلق، ومن أن الوكيل نائب عن الزوج، فهو بحكمه،
فلا بد من اثنين خارجين عنهما، وفيه أن أحدهما أعني الزوج أو الوكيل خارج، لأن
اللفظ لا يقوم باثنين فأيهما اعتبر اعتبر شهادة الآخر " قلت: يصدق المطلق على كل
منهما باعتبار، فلا بد من شاهدين غيرهما، كما هو واضح.
ومن ذلك يعلم ما في القواعد " ولو كان أحدهما أي الشاهدان الزوج ففي
صحة طلاق الوكيل إشكال، فإن قلنا به أي الوقوع لم يثبت أي الطلاق بشهادته،
لأنه هو المدعي ".
ثم إن المراد من قول المصنف ره: " ظاهرهما " إلى آخره بيان أن العدالة وإن
كانت شرطا لكن يكفي في الحكم بحصولها على وجه يترتب عليه المشروط بها حسن
الظاهر ضرورة تعذر الاطلاع على نفس الأمر أو تعسره، ولهذا اتفق النص (1)
والفتوى على الاكتفاء بذلك في الحكم بحصولها، فلا يقدح حينئذ فسقهما في نفس

(1) الوسائل الباب - 41 - من كتاب الشهادات الحديث 3.
111

الأمر في الحكم بصحة الطلاق ظاهرا لغير العالم بحالهما، بل لا يشترط حكم الحاكم
بذلك، كما في غيره من الموضوعات التي علق عليها الحكم.
بل في المسالك: هل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى لا يصح
لأحدهما أن يتزوج بها أم لا، نظرا إلى حصول شرط الطلاق، وهو العدالة ظاهرا؟
وجهان، وكذا لو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما، ففي الحكم بالوقوع
بالنسبة إليه، حتى يسقط عنه حقوق الزوجية ويستبيح أختها والخامسة وجهان،
والحكم بصحته فيهما لا يخلو من قوة ".
وقد تبع ببعض ذلك الفاضل في القواعد " ولو أشهد من ظاهره العدالة وقع
وإن كان في الباطن فاسقين أو أحدهما، وحلت عليهما على اشكال لكن قال: أما
لو كان - أي المطلق ظاهرا أي مطلعا على فسقهما فالوجه البطلان " ولعله لما
في كشف اللثام من أن ظهور العدالة إن أفاد إنما يفيد في نظر المطلق، فهما حينئذ
ليسا بظاهري العدالة.
قلت: قد يقال إن مقتضى قاعدة وضع اللفظ للواقع بطلان الطلاق لكل من هو
مطلع على فسقهما فيه، حتى هما أيضا، والاجتزاء بالظاهر للنص (1) والفتوى
إنما هو لغير منكشف الحال.
نعم لو قلنا إن العدالة هي نفس حسن الظاهر واقعا اتجه الصحة حينئذ حتى
مع علم الزوج إذا فرض على وجه لا ينافي صدق حسن الظاهر، لكن لا يخفى ما فيه
من البعد.
ودعوى ظهور ما دل على الاجتزاء بالظاهر من النص (2) والفتوى في ترتب
الحكم المعلق عليه وإن بان بعد ذلك خلافه كما في الائتمام ونحوه إن لم نقل
إنه عدالة لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة في الشهادات وغيرها خلافها، والائتمام
مداره على الصلاة خلف من وثق به، فلا يقدح في صدق الامتثال ظهور الفسق بعد

(1) الوسائل الباب - 41 - من كتاب الشهادات 3.
(2) الوسائل الباب - 41 - من كتاب الشهادات 3.
112

ذلك، على أن الكلام هنا في علم الشاهدين بأنفسهما أو الزوج أو غيرهما المقارن
لحال الطلاق.
فالتحقيق حينئذ اتحاد حكم هذا الموضوع مع غيره من الموضوعات وإن
اجتزئ في الحكم بتحققه بظاهر الحال، لكن ما دام الأمر مستورا فمتى انكشف
الحال ولو بعد ذلك لم يحكم بصحة الطلاق، فضلا عمن كان الحال مكشوفا لديه
من الزوج أو الشاهدين أو غيرهم.
كما أن المتجه الصحة لو طلق بمحضر من مجهولي الحال فبان عدالتهما،
بل وكذا الفاسقين في الظاهر وإن جعله في كشف اللثام أحد الوجهين.
هذا ولا ريب في أن ظاهر الكتاب العزيز والسنة وصريح الفتاوى بل الظاهر
الاتفاق عليه اعتبار اجتماع العدلين في حضور إنشاء الطلاق، بل هو صريح حسن
البزنطي (1) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل طلق امرأته من غير جماع وأشهد
اليوم رجلا ثم مكث خمسة أيام ثم أشهد آخر، فقال: إنما أمر أن يشهدا جميعا "
الذي ينافيه صحيح ابن بزيع (2) عن الرضا عليه السلام " سألته عن تفريق الشاهدين في
الطلاق، فقال، نعم، وتعتد من أول الشاهدين، وقال: لا يجوز حتى يشهدا جميعا "
المحمول بقرينة ما في آخره على إرادة التفريق في الأداء لا في حضور الانشاء، وبذلك
كان الاعتداد من أول شهادة الشاهدين، لأنه يكون قد وقع بهما، فإذا شهد أولهما
بوقت كان الآخر شاهدا به كذلك وإن تأخر في الأداء.
(و) حينئذ ف‍ (لو شهد أحدهما بالانشاء ثم شهد الآخر به بانفراده لم يقع
الطلاق) بلا خلاف أجده فيه، لما عرفت من اعتبار الاجتماع في شهادة الانشاء،
والفرض عدمه في كل من الانشائين.
(أما لو شهدا بالاقرار) بالطلاق ولو المحمول على الوجه الصحيح (لم يشترط
الاجتماع) فيحكم حينئذ به وإن اختلف وقت أدائهما، سواء شهد على إقراره الواحد
شاهدان أو شهدا على إقراره في وقتين، لأن صحة الاقرار لا يشترط فيها الاشهاد،

(1) الوسائل الباب - 20 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب - 20 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 - 2.
113

وإنما المعتبر ثبوته شرعا، وهو يحصل مع تعدده وشهادة كل واحد من الاقرارين،
لأن مؤداهما واحد، كما لو أقر بغيره من الحقوق.
نعم لو سمع الانشاء واحد ثم أقر به عند آخر، أو لم يسمع الانشاء شاهد
أصلا ثم أشهدهما على الاقرار لم يقع قطعا (و) لذا قال المصنف: (لو شهد
أحدهما بالانشاء والآخر بالاقرار لم يقبل) لأن الاقرار إخبار عما وقع سابقا،
فإذا لم يصح السابق لفقد شرطه لم يصح الاقرار، ولذا قال أمير المؤمنين عليه السلام (1)
لرجل أتاه بالكوفة فقال: " إني طلقت امرأتي بعد ما طهرت من حيضها قبل أن
أجامعها، فقال: أشهدت رجلين ذوي عدل كما أمرك الله تعالى؟ فقال: لا، فقال: اذهب
فإن طلاقك ليس بشئ ".
(و) كذا ظاهر الكتاب (2) والسنة (3) والفتاوى اعتبار كونهما ذكرين ف‍ (لا
تقبل شهادة النساء في) إنشاء (الطلاق) بل ولا الخناثى (لا منفردات ولا
منضمات إلى الرجال) ولو ألفا، بل هو صريح حسن البزنطي (4) قال للرضا عليه السلام:
" فإن طلق من غير جماع بشاهد وامرأتين، فقال: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق،
وتجوز شهادتهن مع غيرهن في الدم إذا حضرته " وصحيح الحلبي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام
" سأل عن شهادة النساء في النكاح، قال: تجوز إذا كان معهن رجل، وكان علي عليه السلام
يقول: لا أجيزها في الطلاق " وخبر داود بن الحصين (6) عنه عليه السلام أيضا " كان أمير
المؤمنين عليه السلام لا يجيز شهادة امرأتين في النكاح، ولا يجيز في الطلاق إلا شاهدين

(1) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 2.
(3) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث. 4.
(4) الوسائل الباب - 10 - من أبواب مقدمات الطلاق الحديث. 4.
(5) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 2 - 35 وفي الثاني
" يجيز شهادة امرأتين في النكاح... " كما في التهذيب ج 6 ص 282 والاستبصار ج 3
ص 26.
(6) الوسائل الباب - 24 - من كتاب الشهادات الحديث 2 - 35 وفي الثاني
" يجيز شهادة امرأتين في النكاح... " كما في التهذيب ج 6 ص 282 والاستبصار ج 3
ص 26.
114

عدلين " إلى غير ذلك من النصوص، بل الظاهر الاتفاق عليه، وما عن ابني أبي عقيل
والجنيد بل والشيخ في المبسوط من قبول شهادتهن مع الرجال محمول على ثبوته بذلك
بعد إيقاعه بشهادة الذكرين، فلا خلاف حينئذ في المسألة، وقد ذكرنا بعض الكلام
في ذلك في كتاب الشهادات.
(ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا) بلا خلاف ولا إشكال
(ووقع) الطلاق (حين الاشهاد إذا أتى باللفظ المعتبر في الانشاء) قاصدا
به ذلك، بأن قال: " إشهدا بأن زوجتي فلانة طالق " وناويا بذلك إنشاء الطلاق
وإيقاعه، لا الاشهاد على وقوع الطلاق السابق الفاقد للاشهاد، فإن كلا منهما
حينئذ باطل وإن كان الأول لعدم الاشهاد، والثاني لعدم الانشاء، والفارق بينهما
قرائن الأحوال أو إخباره أو نحو ذلك.
وعليه ينزل صحيح أحمد بن محمد (1) " سألته عن الطلاق فقال: على طهر،
وكان علي عليه السلام يقول: لا طلاق إلا بالشهود، فقال له رجل: فإن طلقها ولم يشهد
ثم أشهد بعد ذلك بأيام فمتى تعتد؟ فقال: من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق "
كي يوافق ما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة بما عرفت.

(1) الوسائل الباب - 10 - من كتا ب الشهادات الحديث 10.
115

(النظر الثاني)
(في أقسام الطلاق)
(ولفظه) الذي هو الأعم من الصحيح والفاسد لغة وشرعا وعرفا (يقع
على البدعة والسنة) فيقال: طلاق سني وطلاق بدعي نسبته إليهما، بمعنى البدعة
المحرمة والسنة المشروعة، وجوبا مخيرا، كطلاق المولى والظاهر الذي يؤمر
بعد المدة بالفئ أو الطلاق، كما ستعرف إنشاء الله، وندبا، كالطلاق مع الشقاق
وعدم العفة، أو كراهته كالطلاق عند التيام الأخلاق.
وعلى كل حال (ف‍) طلاق (البدعة) اصطلاحا (ثلاث طلاق الحائض)
الحائل (بعد الدخول مع حضور الزوج معها) بل (ومع غيبته دون المدة
المشترطة) على حسب ما تقدم سابقا (وكذا النفساء) فإنها كالحائض في الأحكام
(أو في طهر قربها فيه) مع عدم اليأس والصغر والحمل ومضى المدة مع حضوره أو
مطلقا على البحث السابق. (وطلاق الثلاث من غير رجعة بينها) مرسلة أو
مترتبة. (والكل) محرم (عندنا) بعنوان الشرعية، بل عند علماء الإسلام، كغيره
من الطلاق الباطل بفقد بعض شرائط الصحة وإن اختصت الثلاثة باسم البدعة اصطلاحا.
وربما قيل: إن الوجه في اختصاصها بذلك اختصاصها بورود النهي (1) عنها
بخلاف غيرها من الطلاق الباطل لفقد الشرط، ولذا اختص الإثم بها دونه، إلا أنه
كما ترى مجرد دعوى، وخصوصا الأخير، فإنه لا ريب في حرمته مع الاتيان به
بعنوان الشرعية وعدمها مع عدمه، إذ التلفظ بالصيغة من حيث كونه كذلك لا دليل
على حرمته حتى في الثلاثة.

(1) الوسائل الباب - 8 و 29 - من أبواب مقدمات الطلاق.
116

وعلى كل حال فهو (باطل) عندنا ف‍ (لا يقع معه الطلاق) إلا الأخير،
فإنه لا خلاف في وقوع الواحدة به مع الترتيب، وعلى الخلاف في المرسلة، ولعل
إطلاق المصنف البطلان بمعنى عدم ترتب الأثر عليه كملا، خلافا للعامة، فيقع به
على بدعيته، وبالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك عدم ورود ما ذكره في المسالك،
والأمر سهل.
(و) أما (السنة) فقد ذكر المصنف أنها (تنقسم أقساما ثلاثة:
بائن ورجعي وطلاق العدة) ولكن المعروف جعل الأخير قسما من الثاني لا قسيما
له، وحينئذ فينقسم طلاق السنة إلى بائن ورجعي، والرجعي إلى عدي وغيره، وفي
القواعد قسم الطلاق الشرعي الذي هو طلاق السنة بالمعنى الأعم إلى طلاق عدة وسنة
بالمعنى الأخص، وهو أن يطلق على الشرائط، ثم يتركها حتى تخرج من العدة،
سواء كانت العدة رجعية أو بائنة، ثم يتزوجها بعقد جديد، وهذه القسمة وإن لم
تكن متداخلة إلا أنها غير حاصرة، فإن الطلاق الشرعي أعم منهما، ثم بعد ذلك
قسمه إلى البائن والرجعي، وكذلك فعل في الإرشاد، إلا أنه قدم التقسيم إلى
البائن والرجعي على السني والعدي.
وفي المسالك " التحقيق أن الطلاق العدي من أقسام الرجعي، والطلاق السني -
بالمعنى الأخص - بينه وبين كل واحد من البائن والرجعي عموم وخصوص من وجه،
يختص البائن عنه بما إذا لم يتزوجها بعد العدة مع كونه بائنا، ويختص السني عنه
بما إذا كان رجعيا فلم يرجع ويتزوجها بعد العدة، ويتصادقان فيما إذا كان الطلاق
بائنا وتزوجها بعد العدة، ويختص العدي عنه بما إذا رجع في العدة، ويختص السني
عنه بما إذا كان الطلاق بائنا وتزوج بعد العدة، ويتصادقان فيما إذا كان الطلاق
رجعيا ولم يرجع فيه إلى أن انقضت العدة ثم تزوجها بعقد جديد، فالأجود في
التقسيم أن يقسم الطلاق السني إلى البائن والرجعي، والقسمة حاصرة غير متداخلة،
ويقسم أيضا إلى طلاق العدة وطلاق السنة بالمعنى الأخص وغيرهما، لا أن يقتصر
117

عليهما، وما ذكرناه من أن الطلاق السني بالمعنى الأخص أعم من البائن والرجعي
هو مدلول فتاوى الأصحاب أجمع، وسيأتي بيانه في عبارة المصنف، ولكن الظاهر
من الأخبار اختصاصه بالطلاق الرجعي، وعلى هذا فيكون من أقسامه كطلاق
العدة ".
قلت: هذه المتعبة لا حاصل لها إذا كان المراد منها مجرد بيان اصطلاح
لا بيان عنوانات أحكام شرعية مختلفة، وليس إلا في الطلاق العدي بالنسبة إلى تحريم
الأبد في التسع، ولا خلاف نصا (1) وفتوى في أنه ما سمعته في عبارة المصنف دون
غيره، وحينئذ ليس هذا الاختلاف إلا مجرد اصطلاح ونحوه مما لا يترتب عليه
حكم شرعي، فيكون الأمر فيه سهلا.
لكن قد استفاضت النصوص في تقسيم الطلاق إلى طلاق العدة وطلاق السنة، بل
في صحيح زرارة (2) عن الباقر عليه السلام " كل طلاق لا يكون على السنة أو على العدة
فليس بشئ، قال زرارة: قلت لأبي جعفر عليه السلام: فسر لي طلاق السنة وطلاق العدة،
فقال: أما طلاق السنة فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث
وتطهر، فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع، ويشهد شاهدين على
ذلك، ثم يدعها حتى تطمث طمثتين، فتنقضي عدتها بثلاث حيض، وقد بانت منه،
ويكون خاطبا من الخطاب، إن شاءت تزوجته، وإن شاءت لم تتزوجه، وعليه نفقتها
والسكنى ما دامت في عدتها، وهما يتوارثان حتى تنقضي العدة، قال: وأما طلاق
العدة الذي قال الله تعالى: (3) فطلقوهن - إلى آخره - فإذا أراد الرجل منكم أن
يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها، ثم يطلقها
تطليقة من غير جماع، ويشهد شاهدين عدلين، ويراجعها في يومه ذلك إن أحب

(1) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أقسام الطلاق.
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 1 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1
وذيله في الباب - 2 - منها الحديث 1.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
118

أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض، ويشهد على رجعتها، ويواقعها حتى تحيض، فإذا
حاضت وخرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع، ويشهد على ذلك،
ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض، ويشهد على رجعتها، ويواقعها وتكون
معه إلى الحيض أي الحيضة الثالثة، فإذا خرجت من حيضها الثالثة طلقها التطليقة
الثالثة بغير جماع، ويشهد على ذلك، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه، ولا تحل له حتى
تنكح زوجا غيره، قيل له: فإن كانت ممن لا تحيض، فقال: مثل هذه تطلق
طلاق السنة ".
وفي صحيح ابن مسلم (1) عنه عليه السلام أيضا " طلاق السنة يطلقها تطليقة على طهر
من غير جماع بشهادة شاهدين، ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها، فإذا مضت أقراؤها
فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطاب، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها
قبل أن تمضي أقراؤها، فتكون عنده على التطليقة الماضية ".
وفي صحيح أبي بصير (2) عن الصادق عليه السلام تفسير طلاق السنة بما سمعته في
صحيح زرارة، قال: " وأما طلاق الرجعة فأن يدعها حتى تحيض وتطهر، ثم يطلقها
بشهادة شاهدين، ثم يراجعها ويواقعها، ثم ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت وطهرت
أشهد شاهدين على تطليقة أخرى، ثم يراجعها ويواقعها، ثم ينتظر بها الطهر،
فإذا حاضت وطهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة، ثم لا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره، وعليها أن تعتد ثلاثة قروء من يوم طلقها التطليقة الثالثة " الحديث.
إلى غير ذلك من النصوص.
وكيف كان (فالبائن ما لا يصح للزوج بعده (معه خ ل) الرجعة) بها،
(وهو ستة) بلا خلاف نصا (3) وفتوى:

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
(2) ذكر صدره في الوسائل في الباب - 1 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 وذيله
في الباب - 2 - منها الحديث 2.
(3) الوسائل الباب - 1 و 2 و 3 و 8 من أبواب العدد والباب - 3 - من أبواب أقسام الطلاق.
119

الأول:
(طلاق التي لم يدخل بها) وإن خلا بها خلوة، فإنه وإن حكم باعتدادها
ظاهرا لكنها بائن باعتبار عدم الدخول قبلا ودبرا، فإنه معتبر كالقبل، لصدق
المس والادخال والدخول والمواقعة والتقاء الختانين إن فسر بالتحاذي، وإمكان سبق
المني فيه إلى الرحم، وكونه أحد المأتيين (1)، نعم يعتبر كون الدخول موجبا
للغسل بغيبوبة الحشفة وإن لم ينزل، لخروج ما دونها عما ذكر.
(و) الثاني:
طلاق اليائسة) وهي من بلغت خمسين أو ستين سنة على ما تقدم في كتاب
الحيض.
(و) الثالث:
(من لم تبلغ) سن إمكان (المحيض) أي التسع وإن دخل بها، للأمن
من اختلاط المائين، ولقول الصادق عليه السلام في خبر عبد الرحمن (2): " ثلاثة يتزوجن على
كل حال: التي لا تحيض ومثلها لا تحيض، قال: وما حدها؟ قال: إذا أتى لها أقل من
تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي يئست من المحيض ومثلها لا تحيض)
الحديث.

(1) الوسائل الباب - 12 - من أبواب الجنابة الحديث 1 من كتاب الطهارة.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب العدد الحديث 4.
120

الرابع (و) الخامس:
طلاق (المختلعة والمباراة ما لم ترجعا في البذل)، فإن رجعا به كان رجعيا،
فتلحقه أحكامه في الأقوى: من وجوب الانفاق والاسكان وتحريم الأخت والخامسة
وغيرها، فهو حينئذ بائن في حال ورجعي في آخر، كما تعرف ذلك إنشاء الله
في محله.
(و) السادس:
(المطلقة ثلاثا بينها رجعتان) ولو بعقد جديد بمعنى الرجوع إلى نكاحها،
لما ستعرف من عدم اعتبار خصوص الرجعتين بالطلاق في بينونته وحرمتها عليه حتى
تنكح زوجا غيره.
(والرجعي هو الذي للمطلق مراجعتها فيه، سواء راجع أو لم يراجع)
بلا خلاف ولا إشكال، وهو ما عدا الستة المزبورة كتابا (1) وسنة (2) وإجماعا
اعتدت بالأقراء أو الشهور أو الوضع.
(وأما طلاق العدة) - الذي هو قسم مركب من البائن والرجعي بناء على
أنه مجموع الثلاث، ولذلك جعله المصنف كما عن التحرير قسيما لهما لا قسما من
أحدهما (ف‍) يقال: (هو أن يطلق على الشرائط، ثم يراجعها قبل خروجها من
عدتها ويواقعها) قبلا أو دبرا (ثم يطلقها في) طهر آخر (غير طهر المواقعة،
ثم يراجعها ويواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا)
آخر (غيره) بلا خلاف ولا إشكال، وقد سمعت تفسيره بذلك في صحيح زرارة (3)

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
(2) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث. - 1.
(3) الوسائل الباب - 2 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث. - 1.
121

السابق (فإن نكحت وخلت ثم تزوجها ف‍) إن (اعتمد ما اعتمده أولا حرمت
في الثالثة) عليه أيضا (حتى تنكح غيره، فإن نكحت ثم خلت فنكحها ثم فعل
كالأول حرمت في التاسعة تحريما مؤبدا) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه.
ولخبر أبي بصير (1) سأل الصادق عليه السلام " عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق،
ثم يراجع ثم يطلق، قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيتزوجها رجل آخر
فيطلقها على السنة ثم ترجع إلى زوجها الأول، فيطلقها ثلاث تطليقات، فتنكح
زوجا غيره، ثم ترجع إلى زوجها الأول، فيطلقها ثلاث مرات على السنة، ثم
تنكح، فتلك التي لا تحل له أبدا ".
وخبر جميل بن دراج (2) عن أبي عبد الله عليه السلام وإبراهيم بن عبد الحميد
عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام قال: " إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت، ثم طلقها
زوجها فتزوجها الأول، ثم طلقها فتزوجت رجلا، ثم طلقها فتزوجها الأول، ثم
طلقها الزوج الأول، فإذا طلقها على هذا ثلاثا لم تحل له أبدا ".
وخبر زرارة وداود بن سرحان (3) عن الصادق عليه السلام " إن الذي يطلق الطلاق
الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات لا تحل له أبدا ".
ومكاتبة محمد بن سنان (4) للرضا عليه السلام " وعلة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات
فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق ولا تستضعف المرأة، وليكون ناظرا في
أموره متيقظا معتبرا، وليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات).
إلا أن الجميع كما ترى لا صراحة فيه في اشتراط التحريم بالتسع بالطلاق

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
(2) أشار إليه في الوسائل الباب - 11 - من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 2.
من كتاب النكاح وذكره في الكافي ج 5 ص 428.
(3) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 - 8.
(4) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 - 8.
122

العدي على الوجه المزبور، بل ظاهره الاطلاق. فالعمدة حينئذ الاجماع.
مؤيدا بمفهوم القيد في المروي (1) عن الخصال في تعداد المحرمات بالسنة
قال: " وتزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات ".
وبمفهوم الشرط في المحكي عن الفقه الرضوي (2) فإنه بعد أن ذكر كيفية
طلاق العدة على ما سمعته قال: " فإن طلقها ثلاث تطليقات على ما وصفته واحدة
بعد واحدة فقد بانت منه، ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا، وأعلم أن كل من طلق
تسع تطليقات على ما وصفت لم تحل له أبدا " مضافا إلى عدم تعرضه للتحريم أبدا
فيما ذكره من طلاق السنة أيضا.
وبخبري معلى بن خنيس (3) عن الصادق عليه السلام واللفظ لأحدهما " في رجل
طلق امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها، ثم طلقها فتركها
حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها، ثم طلقها من غير أن يراجع، ثم تركها
حتى حاضت ثلاث حيض، قال: له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع ويمس " باعتبار
ظهور لفظ التأبيد أو صراحته في العموم لما لو طلقت كذلك طلقات عديدة ولو تجاوزت
التسع، وأنها لا تحرم بذلك إلا مع حصول الأمرين: من الرجوع والوقوع،
وليس نصا في مختار ابن بكير، فيطرح لقبوله التقييد بحصول التحليل بعد كل
ثلاث، ومقتضاه حينئذ أنه يتزوجها أبدا بعد حصول المحلل لا مطلقا، وإن كان هو
كما ترى.

(1) الوسائل الباب - 1 - من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 من كتاب
النكاح.
(2) المستدرك الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6.
(3) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 13 بسندين راجع
الكافي ج 6 ص 77.
123

ونحوه التأييد بما في الموثق الذي رواه ابن بكير (1) دليلا له عن أبي جعفر عليه السلام
" فإن فعل هذا بها - مشيرا إلى طلاق السنة - مأة مرة هدم ما قبله وحلت بلا
زوج " باعتبار أن خروج الذيل عن الحجية بالاجماع والمعتبرة لا يقتضي خروج
الجميع عنها، فقد يكون من إلحاق ابن بكير الذي في سنده به لاجتهاده، ويؤيده
اعترافه بعدم سماعه رواية من أحد غير هذا الخبر، إلا أن ذلك كله كما ترى،
ضرورة أن مبنى الحل فيه أبدا على عدم الاحتياج إلى المحلل، لانهدام الطلاق
بتزويجه، وقد عرفت أن عنوان المحرمة أبدا في التسع في خبر زرارة وداود بن
سرحان هي التي تطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات.
نعم قد يؤيد أيضا بتصريح النصوص (2) بالفرق في الحكم بين السني والعدي،
وليس إلا في التحريم أبدا بالتسع في الأخير، للتصريح بها بالاحتياج إلى المحلل
فيهما، لكن فيه أيضا أن في بعض النصوص تصريحا أيضا بالتحريم أبدا بالتسع في
طلاق السنة، كالصحيح (3) " إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت، ثم طلقها زوجها
فتزوجها الأول، ثم طلقها فتزوجت رجلا، ثم طلقها فتزوجها الأول، ثم طلقها
هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا " لكنه شاذ لم نجد عاملا به. و (بالجملة) قد
عرفت أن العمدة الاجماع، فلا وجه لتوقف بعض متأخري المتأخرين في الحكم
المزبور.
هذا وفي الروضة وغيرها أن إطلاق الطلاق العدي على التسع المرتبة مجاز،
لأن الثالثة من كل ثلاث ليست للعدة، فاطلاقه عليها إما إطلاق لاسم الأكثر على
الأقل، أو باعتبار المجاورة، وفيه أنه يمكن دعوى وضع الطلاق العدي للثلاث

(1) الوسائل الباب - 3 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 16 عن عبد الله بن بكير
عن زرارة.
(2) الوسائل الباب - 1 و 2 - من أبواب أقسام الطلاق.
(3) الوسائل الباب - 11 - ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 2 من كتاب
النكاح.
124

المزبورة على الوجه المزبور، فلا مجاز حينئذ.
ومن هنا قال في كشف اللثام " إن الظاهر من عبارة المصنف وكثير أن
مجموع الثلاث الطلقات صورة طلاق العدة، وربما يتوهم من الخبر (1) - ثم قال -:
والأجود ما مر في النكاح ويظهر مما سيأتي ونص عليه جماعة منهم ابني إدريس
وسعيد من أنه الطلاق الذي يراجع في عدته، والخبر بهذا المعنى، فإنه تفسير
للآية (2) وقد أمر بها (فيها خ ل) ولا يظهر وجه للأمر بالثلاث، فالمراد في الخبر
بقوله عليه السلام: " ثم يطلقها... ثم يطلقها " إن أراد وكذا الباقي ".
وفي الرياض " المستفاد من قوله في تفسيره: " ما يرجع فيه ويواقع ثم يطلق "
هو أن المعتبر فيه أن يطلق ثانيا بعد الرجوع والمواقعة خاصة، وعن بعضهم عدم
اعتبار الطلاق ثانيا والاقتصار على الرجعة ".
وعن النهاية وجماعة " أن الطلاق الواقع بعد المراجعة والمواقعة يوصف
بكونه عديا وإن لم يقع بعده رجوع ووقاع، لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه
عديا إلا إذا وقع بعد الرجوع والوقاع، قيل: وفي بعض الروايات دلالة عليه ".
قلت: لا ريب في ظهور النصوص وكثير من الفتاوى بكون الطلاق العدي
المجموع المركب من الثلاثة على الوجه المزبور، وحينئذ لا يتصور التفريق فيه،
ضرورة خروجه بالتفريق بين طلقاته عن كونه عديا حينئذ،
نعم يتصور التفريق بين طلقاته التسع بأن يطلق بعد الفرد الأول منه
وحصول المحلل للسنة مثلا، ثم يتزوجها بعد العدة لها أيضا، فيطلقها، ثم يتزوجها
بعد العدة، ثم يطلقها، ثم يصيبها المحلل، ثم يتزوجها، ثم يطلقها طلاقا عديا للعدة
ثلاثا، ثم يصيبها المحلل، ثم يتزوجها فيطلقها طلاقا عديا، وبالجملة لم تتوال
أفراد الطلاق العدي، والظاهر ترتب التحريم عليه أبدا، لصدق حصوله ثلاثا.
ولكن في الروضة بعد أن ذكر ما سمعت قال: " وحيث كانت النصوص

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
125

والفتاوى مطلقة في اعتبار التسع للعدة في التحريم المؤبد كان أعم من كونها متوالية
ومتفرقة، فلو أنفق في كل ثلاث واحدة للعدة اعتبر فيه إكمال التسع كذلك
وظاهره إمكان التفريق بين ثلاثة، فيكون الطلاق هو الذي يراجع في عدته
ويواقع فيها.
وفي الرياض " وللنظر فيهما مجال، أما في الأول فلتعليق التحريم المؤبد فيه
على وقوعها بحيث يحتاج كل ثلاث منها إلى محلل، ألا ترى إلى الموثق (1)
المصرح بأن الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات
ويتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا، ولا شئ من الطلقات الثلاث العديات المتفرق
كل منهما (2) في ثلاث يحتاج إلى محلل، وقد أعترف به في توجيهه احتمال اغتفار
الثالثة من كل ثلاث وقع فيها عدية واحدة بأنه المعتبر عند التوالي، وأن الثالثة
لم يتحقق اعتبار كونها للعدة، وإنما استفيد من النص التحريم بالست الواقعة بها،
فيستصحب الحكم مع عدم التوالي، فبعد الاعتراف بكون المستفاد من النص التحريم
بالست الواقعة لها المنحصرة هي في التوالي كيف يمكن دعوى شموله للتسع
المتفرقة؟! واعترف به أيضا في توجيه احتمال عدم الاغتفار الذي قواه بأن ثبوته
مع التوالي على خلاف الأصل، وإذا لم يحصل اعتبرت الحقيقة، خصوصا مع كون
طلقة العدة هي الأولى خاصة، فإن علاقتي المجاورة والأكثرية منتفيتان عن
الثالثة، إذ لا مجاورة للعدية ولا أكثرية لها، بخلاف ما لو كانت العدية هي الثانية، فإن
علاقة المجاورة موجودة، وأما في الثاني فلتصريح علي بن إبراهيم (3) في المحكي

(1) الوسائل الباب - 4 - من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
(2) هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة والمبيضة، إلا أن الموجود في الرياض
" كل منها " وهو الصحيح، راجع الرياض في أواخر البحث عن السبب الرابع من أسباب
التحريم من كتاب النكاح.
(3) البحار ج 104 ص 2 الطبع الحديث.
126

عنه بعين ما في الرضوي (1) مصرحا في آخره، بأن هذه هي التي لا تحل لزوجها
الأول أبدا الظاهر في الحصر الحقيقي والمجازي على خلاف الأصل، ونحوه الصدوق
في الفقيه، بل ظاهرهما كالرضوي اشتراط الترتيب في تأبد التحريم، لتصريحه بأنه
الطلقات التسع التي كل ثلاث منها لا بد أن يكون كل واحد منها واحدا بعد واحد
المتبادر منه ذلك ".
قلت: لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه سقوط كثير من هذا الكلام،
ضرورة عدم تحقق الطلاق العدي المفسر بما سمعت في التفريق على الوجه المزبور
الذي مقتضاه تحقق التحريم بعد الدخول في الخامسة والعشرين إن كان العدية هو
الأولى من كل ثلاث، أو السادسة والعشرين إن كان الثانية بغير طلاق، بل قيل:
ولو توقف على طلاق آخر بعده ولم يكن ثالثا كما في الأول لزم جعل ما ليس
بمحرم محرما والحكم بالتحريم بدون طلاق موقوف على التحليل، وكلاهما بعيد
وذلك أمارة لزوم الاقتصار على مورد النص.
نعم قد عرفت شموله للتفريق بالمعنى الذي ذكرناه وإن كان الذي ينساق في
بادئ النظر خلافه أيضا، كما أنه ينساق منه حصول التحريم بمطلق التسع التي
تخللها المحلل، خرج ما خرج منها بالاجماع، وهو الخالي عن طلاق عدي، وبقي
صور التفريق، لكن دقيق النظر يقتضي خلافهما، فلاحظ وتأمل، ولكن على كل
حال كله في الحرة.
أما الأمة فقد استفاض في النصوص (2) والفتاوى تحريمها المحتاج إلى محلل
بطلقتين بينهما رجعة ووقاع، أما تحريمها أبدا بتكرر ذلك ثلاثا فتحرم حينئذ
بالست كذلك فلم أقف فيه على دليل بالخصوص، ومن هنا احتمل بعضهم بل جزم
آخر إن لم يكن إجماع بعدم حرمتها مطلقا وإن تكرر ذلك أزيد من ذلك، اللهم
إلا أن يدعي استفادته من الحكم في الحرة بناء على أنها على النصف منها في هذه،

(1) المستدرك الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق.
127

ولم يتصور التصنيف في الطلقة، فجعل عدتها طلقتين، وبتكراره ثلاثا يحصل التحريم
به أبدا في حرة أو أمة وإن أختلف موضوعه فيهما، بل يمكن استفادة ذلك من
التأمل في النصوص (1) المزبورة، فلاحظ وتأمل مراعيا للاحتياط الذي لا يخفى حاله
في جميع أفراد المقام.
(و) كيف كان فلا إشكال بل ولا خلاف معتد به كما ستعرف في أنه (لا يقع
الطلاق للعدة ما لم يطأها بعد المراجعة، ولو طلقها) بعد المراجعة (قبل
المواقعة صح، و) لكن (لم يكن للعدة) الذي من شرطه المواقعة بعدها،
فلا يترتب على التسع به تحريم الأبد، بل ولا من السنة بالمعنى الأخص، نعم هو
منها بالمعنى الأعم، وبه وبغيره من الأفراد يعلم عدم انحصار أفراد الطلاق في السني
بالمعنى الأخص والعدي وإن أوهمته بعض النصوص (2) لكن لا بد من حملها على
ما لا ينافي ذلك.
(و) كذا لا إشكال ولا خلاف معتد به في أن (كل امرأة) حرة
(استكملت الطلاق ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غير المطلق، سواء كانت مدخولا
بها أو لم تكن، راجعها) في العدة وواقعها أم لم يواقعها ثم طلقها، ثم
راجعها كذلك ثم طلقها (أو) لم يراجعها فيها بل (تركها) إلى أن
انقضت عدتها، ثم تزوجها بعقد جديد ثم طلقها، وهكذا ثلاثا.
وبالجملة لا فرق في ذلك بين العدي السني بالمعني الأخص والأعم، وستسمع
شذوذ ابن بكير في تخصيص ذلك بالطلاق العدي دون السني، كشذوذ بعض
النصوص (3) المتضمنة لذلك، لمعارضتها بالمستفيض من النصوص (4) أو المتواتر

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11 و 12 و 13.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق.
128

الموافق لاطلاق الكتاب (1) ولإجماع الأصحاب بقسميه، فالمسألة بحمد الله من
الواضحات، وستسمع إنشاء الله فيما يأتي ما يزيدها وضوحا.
(مسائل) ست:
(الأولى:)
(إذا طلقها فخرجت من العدة ثم نكحها مستأنفا ثم طلقها وتركها حتى
قضت العدة ثم أستأنف نكاحها ثم طلقها ثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره،
فإذا فارقها واعتدت جاز له مراجعتها، ولا تحرم هذه في التاسعة، ولا يهدم استيفاء
عدتها تحريمها في الثالثة) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك بينا إلا في الأخير
من ابن بكير والصدوق، فجعلا الخروج من العدة هادما للطلاق، فله حينئذ نكاحها
بعد الثلاث بلا محلل، ولكن قد سبقهما الاجماع ولحقهما، بل يمكن دعوى تواتر
النصوص (2) بالخصوص بخلافهما، منها ما تقدم في تفسير السني والعدي، فضلا
عن إطلاق الكتاب (3) والسنة (4).
نعم روى أولهما الذي هو ليس من أصحابنا عن زرارة في الصحيح (5)
" سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الطلاق الذي يحبه الله تعالى والذي يطلقه الفقيه وهو
العدل بين المرأة والرجل أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين وإرادة في
القلب، ثم يتركها ثم تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أول قطرة من الثالثة وهو
آخر القرء لأن الأقراء هي الأطهار فقد بانت منه، وهي أملك بنفسها، فإن شاءت
تزوجته وحلت له بلا زوج، فإن فعل هذا بها مأة مرة هدم ما قبله وحلت بلا زوج،
وإن راجعها قبل أن تملك نفسها ثم طلقها ثلاث مرات يراجعها ثم يطلقها لم تحل

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق.
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 16.
129

له إلا بزوج ".
لكن قال الشيخ: " إنه يجوز أن يكون ابن بكير أسند ذلك إلى زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام نصرة لمذهبه الذي كان أفتى به، لما رأى أصحابه لا يقبلون
ما يقوله برأيه، وليس هو معصوما لا يجوز عليه هذا، بل وقع عنه من العدول عن
مذهب الحق إلى اعتقاد مذهب الفطحية ما هو معروف من مذهبه، والغلط في ذلك
أعظم من إسناده فيما يعتقد صحته بشبهة إلى بعض أصحاب الأئمة عليهم السلام ".
ولعل السبب في ذلك ما عن ابن سماعة (1) " من أن الحسين بن هاشم سأل
ابن بكير هل سمعت فيما ذكرته شيئا؟ فقال: رواية رفاعة، فقال له: إن رفاعة روى
إذا دخل بينهما زوج فقال: زوج وغير زوج عندي سواء فقال له: هل سمعت في
هذا شيئا؟ فقال: لا، هذا مما رزق الله من الرأي - ولذا - قال ابن سماعة:
وليس لأحد يأخذ بقول ابن بكير، فإن الرواية إذا كان بينهما زوج " وما عن ابن
المغيرة (2) أيضا من " أني سألت ابن بكير عن رجل طلق امرأته واحدة ثم تركها
حتى بانت منه ثم تزوجها، قال: هي معه كما كانت في التزويج، قال: قلت:
فإن رواية رفاعة إذا كان بينهما زوج، فقال لي عبد الله: هذا زوج، وهذا مما
رزق الله من الرأي، ومتى ما طلقها واحدة فبانت ثم تزوجها زوج آخر ثم طلقها
زوجها فتزوجها الأول فهي عنده مستقبلة كما كانت، قال: فقلت لعبد الله: هذه
رواية من؟ قال: هذا مما رزق الله من الرأي " إذ لو كان عنده رواية زرارة لأسند
فتواه إليها لا إلى ما ذكره من الرأي.
على أن رواية رفاعة ظاهرة بل صريحة في خلافه، قال معاوية بن حكيم: روى
أصحابنا عن رفاعة بن موسى (2) " أن الزوج يهدم الطلاق الأول، فإن تزوجها

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 12 ولكن أسقط ذيله
وذكره في الكافي ج 6 ص 78.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
130

فهي عنده مستقبلة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة
والثنتين؟ " بل عن ابن المغيرة (1)، أن رفاعة روى عن أبي عبد الله عليه السلام " طلقها
ثم تزوجها رجل ثم طلقها فتزوجها الأول إن ذلك يهدم الطلاق الأول " فلا ريب
أن ابن بكير قد توهم ذلك من رواية رفاعة التي عرفت أنها بخلافه.
بل مما ذكرنا قد ينقدح الشك في موقوفة عبد الله بن سنان (2) الموافقة لما
ذكره ابن بكير قال: " إذا طلق الرجل امرأته فليطلق على طهر بغير جماع
وشهود، فإن تزوجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث، وبطلت التطليقة الأولى، فإن
طلقها اثنتين ثم كف عنها حتى تمضي الحيضة الثالثة بانت منه بثنتين، وهو خاطب
من الخطاب، فإن تزوجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث تطليقات، وبطلت
الاثنتان، فإن طلقها ثلاث تطليقات على العدة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره "
أو أنه ذكر ذلك عن ابن بكير وأصحابه أو صدر منه تقية.
كخبر المعلي بن خنيس (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يطلق امرأته،
ثم لم يراجعها حتى حاضت بثلاث حيض، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى
حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها ثم طلقها من غير أن يراجع، ثم تركها حتى
حاضت ثلاث حيض، قال: له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع ويمس " أو غير ذلك.
وكيف كان فقد استقر المذهب على خلاف ابن بكير، وأنه لا فرق بين العدي
والسني والمركب منهما في اشتراط الحل بالمحلل بعد الثلاث كما عرفته سابقا،
والله العالم.

(1) الكافي ج 6 ص 77.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 15 - 13.
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 15 - 13.
131

المسألة (الثانية:)
(إذا طلق الحامل وراجعها جاز له أن يطأها ويطلقها ثانية) بعد شهر أو
مطلقا (للعدة إجماعا) في القواعد ومحكي الإيضاح وشرح الصيمري وإن أطلق
المنع الصدوقان اللذان لحقهما الاجماع إن لم يكن قد سبقهما، لاطلاق الأدلة أو
عمومها، وموثق إسحاق بن عمار (1) " قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الحامل يطلقها
زوجها ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها الثالثة، قال: تبين منها
ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ".
وموثقه الآخر (2) عن أبي الحسن عليه السلام " سألته عن رجل طلق امرأته وهي
حامل ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها الثالثة في يوم واحد تبين منه،
قال: نعم ".
وموثقه الآخر (3) عن أبي الحسن عليه السلام الأول " سألته عن الحبلى تطلق الطلاق
التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، قال: نعم قلت: ألست قلت لي إذا جامع
لم يكن له أن يطلق؟ قال: إن الطلاق لا يكون إلا على طهر قد بان أو حمل قد
بان، وهذه قد بان حملها ".
ومرسل ابن بكير (4) قال: " في الرجل تكون له المرأة الحامل وهو يريد
أن يطلقها، قال: يطلقها إذا أراد الطلاق بعينه، ويطلقها بشهادة الشهود، فإن بدا له
في يوم أو من بعد ذلك أن يراجعها يريد الرجعة بعينها فليراجع وليواقع، ثم يبدو
له فيطلق أيضا، ثم يبدو له فيراجع كما راجع أولا، ثم يبدو له فيطلق، فهي
التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إذا كان إذا راجع يريد المواقعة والامساك
ويواقع).

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10 - 8 - 9.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10 - 8 - 9.
(4) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10 - 8 - 9.
132

وخبر يزيد الكناسي (1) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن طلاق الحبلى، فقال:
يطلقها تطليقة واحدة للعدة بالشهود والشهور، قلت له: فله أن يراجعها قال: نعم
وهي امرأته، قلت، فإن راجعها ومسها ثم أراد أن يطلقها تطليقة أخرى، قال:
لا يطلقها حتى يمضي لها بعد ما مسها شهر، قلت: فإن طلقها ثانية وأشهد على
طلاقها، ثم راجعها وأشهد على رجعتها ومسها، ثم طلقها التطليقة الثالثة وأشهد
على طلاقها لكل عدة شهر، هل تبين منه كما تبين المطلقة على العدة التي لا تحلل
لزوجها حتى تنكح زوجا غيره؟ قال نعم، قلت: فما عدتها؟ قال: عدتها أن تضع
ما في بطنها، ثم قد حلت للأزواج.
ولا ينافي ذلك النصوص (2) الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره المتضمنة لكون
طلاق الحامل واحدة، بل في خبر منصور الصيقل (3) عن الصادق عليه السلام النهي عن
طلاقها بعد المراجعة فيها حتى تضع، إلا أنها شاذة لعدم القائل بمضمونها إلا
ما سمعته من إطلاق الصدوقين، ومحتملة لإرادة الاتحاد صنفا بمعنى أنه لا فصل بينهما
بانقضاء طهر أو خلو من عدة، واستحباب الاتحاد، بل كراهة التعدد، وغير ذلك
مما لا بأس به بعد ترجيح النصوص السابقة بالموافقة لعموم الكتاب (4) والسنة (5)
والعمل من زمنهما، بل وقبله إلى زماننا، مع اختلاف الأمصار (و) تفاوت
المشارب، فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور.
نعم (قيل) والقائل الشيخ في المحكي من نهايته وابنا البراج وحمزة:
(لا يجوز) طلاقها (للسنة) بالمعنى الذي هو خلاف العدي، أي طلاقها
بعد المراجعة بلا مواقعة، لا السني بالمعني السابق الذي لا يتصور في المقام، لكون
انقضاء عدتها وضع الحمل الذي تخرج به عن وصف الحامل التي هو موضوع
البحث.

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11 -. - 7.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11 -. - 7.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11 -. - 7.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق.
133

ودعوى بعض الناس خروجها عن العدة بالثلاثة أشهر فيتصور فيها حينئذ
طلاق السنة واضحة الفساد، كما تعرفه في محله وإن قال الصادق عليه السلام هنا في خبر
الكناني: (1) " طلاق الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين " لكن في الصحيح (1)
" طلاق الحبلى واحدة، وأجلها أن تضع حملها، وهو أقرب الأجلين ". مضافا إلى
ما في الكتاب (3) والسنة (4): من أن عدتها وضع الحمل، فلا طلاق سني لها
بالمعنى الأخص قطعا، بل لو فرض إرادة الشيخ ذلك كان المعنى أنه لا يصح طلاقها
للسنة بمعنى عدم تصوره، وإن كان حمل النصوص عليه حينئذ لا يخلو من صعوبة.
وعلى كل حال فما أطنب به في المسالك وأتباعها في تحقيق ذلك في غير محله قطعا.
وكيف كان فلا دليل له سوى أنه جمع بين النصوص، لكن لا شاهد له سوى
مرسل ابن بكير (5) الذي لا جابر له بحيث يصلح للحكم به على النصوص السابقة،
بل الموهن متحقق.
(و) من هنا كان (الجواز أشبه) بأصول المذهب وقواعده، فضلا
عن خصوص إطلاق الأدلة السابقة، ضرورة كونها زوجة بالرجوع الذي لا يعتبر في
صحته المواقعة نصا (6) وفتوى، فهي محل للطلاق بعموم الأدلة وإطلاقها.
وكذا ما عن ابن الجنيد من اعتبار الشهر وإن توهمه بعض الناس من بعض
العبارات القديمة، لكنه ليس له إلا الخبر المزبور (7) المعرض عنه بين الأصحاب

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد الحديث 2.
(3) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد.
(5) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 9.
(6) الوسائل الباب 18 من أبواب أقسام الطلاق.
(7) الوسائل الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.
134

قديما وحديثا على وجه لا يصلح معارضا لاطلاق النصوص السابقة فضلا عن صريحها،
خصوصا بعد إمكان حمله على ضرب من الندب باعتبار حصول البعد فيه عن مشابهة
العامة الذين يصححون الطلاق ثلاثا في مجلس واحد إرسالا وترتيبا من دون تخلل
رجعة، فضلا عن المواقعة، كما تسمع نظيره في حمل النصوص في المسألة الآتية.
وأوضح من ذلك احتمالها كون المراد احتساب طلاق الحامل واحدة وإن
كان في طهر المواقعة، لا أنه باطل لذلك كما يتوهم، وربما أرشد لذلك خبر إسحاق
ابن عمار (1) السابق.
وبذلك كله ظهر لك وجه استقرار كلمة الأصحاب على الجواز بالمواقعة
وبدونها بعد مضي الشهر وقبله لو ساعة واحدة.
وربما جمع بين النصوص بحمل نصوص الواحدة (2) على من لم يرد بالرجعة
الامساك، وإنما أرادها مقدمة لطلاقها، فإنه غير جائز، بخلاف ما لو رجع بها لإرادة إمساكها
ومواقعتها ثم بدا له فطلقها، وهو مع أنه غير جامع لجميع النصوص لا قائل به،
على أن هذا الجمع ونحوه إنما هو بعد فرض المتكافئة المعلوم فقدها في المقام،
فليس حينئذ إلا العمل بالنصوص المزبورة المعتضدة بما عرفت، وذكر وجه المنصوص
المقابلة غير مناف لذلك إن أمكن، وإلا أطرحت وأوكل العلم بها إلى قائلها
كما هو مقتضى أصول المذهب وقواعده.
المسألة (الثالثة:)
(إذا طلق الحائل) طلاقا رجعيا (ثم راجعها فإن واقعها وطلقها في
طهر آخر صح إجماعا) بقسميه ونصوصا (3) مستفيضة أو متواترة، بل هو

(1) الوسائل في الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8 - 0 -.
(2) الوسائل في الباب 20 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8 - 0 -.
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6 والباب 2 من أبواب
أقسام الطلاق.
135

من قطعيات أصول المذهب وقواعده، فضلا عما دل عليه بالخصوص (وإن طلقها
في طهر آخر من غير مواقعة فيه روايتان: إحداهما لا يقع الثاني أصلا).
وهي صحيحة ابن الحجاج (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " الرجل يطلق امرأته
له أن يراجع؟ قال: لا يطلق التطليقة الأخرى حتى يمسها ".
ورواية المعلي بن خنيس (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في الرجل يطلق امرأته
تطليقة ثم يطلقها الثانية قبل أن يراجع، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا يقع الطلاق
الثاني حتى يراجع ويجامع ".
وموثقة إسحاق بن عمار (3) عن أبي إبراهيم عليه السلام " سألته عن رجل يطلق
امرأته في طهر من غير جماع، ثم راجعها من يومه ذلك ثم يطلقها، أتبين
منه بثلاث طلقات في طهر واحد؟ فقال: خالف السنة، قلت: فليس ينبغي له إذا هو
راجعها أن يطلقها إلا في طهر آخر، قال: نعم، قلت: حتى يجامع،
قال: نعم ".
وصحيحة أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن طلاق السنة - إلى أن
قال -: وأما طلاق الرجعة فأن يدعها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها بشهادة
شاهدين ثم يراجعها ويواقعها، ثم ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت وطهرت أشهد
شاهدين على تطليقة أخرى، ثم يراجعها ويواقعها، ثم ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت
وطهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره،
وعليها أن تعتد بثلاثة قروء من يوم طلقها التطليقة الثالثة، فإن طلقها واحدة على
طهر بشهود ثم أنتظر بها حتى تحيض وتطهر ثم طلقها قبل أن يراجعها لم يكن
طلاقه الثاني طلاقا، لأنه طلق طالقا، لأنه إذا كانت المرأة مطلقة من زوجها كانت

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 5.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 5.
(3) الوسائل في الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
(4) ذكر صدرها في الوسائل في الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 وذيلها
في الباب 2 منها الحديث 2.
136

خارجة عن ملكه حتى يراجعها، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلق التطليقة
الثالثة، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الراجعة من يده، فإن طلقها
على طهر بشهود ثم راجعها وانتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت وطهرت ثم
طلقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا، لأنه طلقها
التطليقة الثانية في طهر الأولى، ولا ينقضي الطهر إلا بمواقعة بعد الرجعة، ولذلك
لا يكون التطليقة الثالثة إلا بمراجعة ومواقعة بعد المراجعة ثم حيض وطهر بعد
الحيض ثم طلاق بشهود، حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس المواقعة بشهود ".
ورواية أبي بصير (1) عنه عليه السلام أيضا " المراجعة في الجماع وإلا فإنما هي
واحدة " بناء على أن المراد منه بقرينة ما سبق عدم احتساب الطلقة بعد المراجعة
طلقة أخرى إلا مع الجماع وإلا فهي الطلقة الأولى، إلى غير ذلك من النصوص.
(و) الرواية (الأخرى يقع) الطلاق ويكون ثانيا (وهو الأصح خ ل)
(ثم لو راجعها وطلقها ثالثا في طهر آخر حرمت عليه) حتى تنكح زوجا
غيره.
وهي موثقة إسحاق بن عمار (2) عن أبي الحسن عليه السلام " قلت له: رجل طلق
امرأته، ثم راجعها بشهود، ثم طلقها، ثم بدا له فراجعها بشهود، ثم طلقها
فراجعها بشهود، تبين منه؟ قال، نعم قلت: كل ذلك في طهر واحد، قال:
تبين منه ".
وصحيحة عبد الحميد ومحمد بن مسلم (3) " سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
طلق امرأته وأشهد على الرجعة ولم يجامع، ثم طلق في طهر آخر على السنة، أتثبت
التطليقة الثانية من غير جماع؟ قال: نعم إذا هو أشهد على الرجعة ولم يجامع كانت
التطليقة ثانية).
وصحيحة البزنطي (4) " سألت الرضا عليه السلام عن رجل طلق امرأته بشاهدين،

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5 - 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5 - 1 - 2.
(4) الوسائل الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5 - 1 - 2.
137

ثم يراجعها ولم يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها، ثم طلقها على طهر بشاهدين،
أيقع عليها التطليقة الثانية وقد راجعها ولم يجامعها؟ قال: نعم ".
وحسنة أبي علي بن راشد (1) " سألته عليه السلام مشافهة عن رجل طلق امرأته
بشاهدين على طهر، ثم سافر وأشهد على رجعتها، فلما قدم طلقها من غير جماع
أيجوز ذلك له؟: نعم قد جاز طلاقها ".
مؤيدة بعموم ما دل على وقوع الطلاق على الزوجة كتابا (2) وسنة (3)
الشامل لموضع النزاع بعد معلومية صيرورتها زوجة بالرجعة ولو من غير جماع
نصا (4) وفتوى، فطلاقها حينئذ من أهله في محله.
(و) لا ريب في أن هذا (هو الأصح) بل هو المشهور بين الأصحاب
شهرة عظيمة لا بأس بدعوى الاجماع معها، إذ لم أجد قائلا بالأولى إلا ما يحكى
عن ابن أبي عقيل وقد لحقه الاجماع، فلا إشكال حينئذ في ترجيح هذه النصوص على
السابقة، وحملها على ضرب من الاستحباب.
(ومن فقهائنا من حمل) رواية (الجواز على طلاق السنة) الذي هو
بمعنى خلاف العدي لا الأخص الذي قد عرفته سابقا (و) رواية (المنع على طلاق
العدة) الذي قد عرفت اعتبار المواقعة بعد الرجعة فيه، مستشهدا على ذلك بخبر
المعلي بن خنيس (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق فلا
يكون فيما بين الطلاق والطلاق جماع فتلك تحل له قبل أن تتزوج زوجا غيره،
والتي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هي التي تجامع فيما بين الطلاق والطلاق ".

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 230.
(3) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب أقسام الطلاق.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب أقسام الطلاق.
(5) الوسائل الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
138

مؤيدا بخبر أبي بصير (1) " سألت أبا جعفر عن الطلاق الذي لا تحل
له حتى تنكح زوجا غيره، فقال: أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي فأردت
طلاقها فتركتها حتى (إذا خ ل) طمثت وطهرت، ثم طلقتها من غير جماع،
وأشهدت على ذلك شاهدين، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدتها راجعتها
ودخلت بها، وتركتها حتى طمثت وطهرت، ثم طلقتها على طهر من غير جماع
بشاهدين، ثم تركتها حتى إذا كان قبل أن تنقضي عدتها راجعتها ودخلت بها،
حتى إذا طمثت وطهرت طلقتها على طهر بغير جماع بشهود، وإنما فعلت ذلك لأنه
لم يكن لي بها حاجة ".
ولكنه كما ترى، ضرورة عدم دلالة الخبر الأول فضلا عن الثاني إلا على
اشتراط التوقف على المحلل بالجماع بين الطلاقين، وهو غير التفصيل المزبور، على أنه مناف لما سمعته من النص والاجماع على عدم اشتراطه بذلك، وأن مطلق الطلاق
ثلاثا يقتضي توقف الحل على المحلل.
(و) لعله لذا قال مصنف: (هو تحكم) لأنه لا شاهد له، وقوله عليه السلام
في خبر ابن مسلم (2): " على السنة " إنما يراد به الجامع للشرائط الشرعية لا
السني بالمعني الأخص، بل قيل: إن بعض أخبار المنع لا تقبله، لظهورها أو
صراحتها في عدم وقوع الطلاق رأسا، خصوصا خبر أبي بصير (3) المشتمل على التعليل
السابق.
لكن لا يخفى عليك أن قول الشيخ ليس تفصيلا في المسألة، ضرورة أن المفروض -
وإن قلنا بشرعيته - ليس من العدي قطعا، لما عرفت من اعتبار المواقعة فيه بعد
الرجعة، وإنما ذكر ذلك محملا للنصوص النافية، ولا ريب في قابليتها لذلك،
خصوصا خبر أبي بصير (4) الذي قد ذكر ما في ذيله لبيان الوجه فيما اعتبره في

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
139

الطلاق العدي من الرجعة والمواقعة، فيراد حينئذ بيان نفي الفاقد لأحدهما عن
كونه من العدي.
وعلى كل حال فالأمر في ذلك سهل وإن كان الأولى منه ما قلناه من بيان
ضرب من الأولوية والكراهة، والوجه في ذلك أنه قد اشتهر بين العامة صحة الطلاق
في مجلس واحد بالارسال والترتيب من دون تخلل رجعة، ولهذا أشار عليه السلام (1) إلى
ردهم في الثاني بأنه طلق مطلقة، فلا ريب في أن المراد من هذه النصوص التعريض
بهم، وأن أولى الأفراد ما كان أبعد عما عندهم، وهو المشتمل على المراجعة
والمواقعة المستلزمة لاعتبار طهر آخر غير الأول، ودونه الطلاق بعد الرجعة في
طهر آخر غير الأول، ودونهما الطلاق في ذلك الطهر بعد المراجعة، والكل غير ما
عندهم من تعدد الطلاق من غير تخلل رجعة، ولكن الأفضل الفرد الأول، وهو
الذي أشار إليه الإمام عليه السلام بكون غيره مخالفا للسنة، أي المستحب، ولهذا ذكره
بلفظ " ينبغي " كما ذكر الباقر عليه السلام ما صنعه هو (2).
وبالجملة من تأمل في النصوص يكاد يجزم بكون المراد منها ذلك، وأنها
خرجت لبيان هذا الأمر.
وبذلك كله ظهر لك أن الاطناب في المسالك والحدائق في المقام لا حاصل له،
خصوصا بعد استقرار كلمة الأصحاب من زمن ابن أبي عقيل إلى يومنا هذا على
ذلك إلا من بعض أهل الوسوسة ممن لم يعض على الأمر بضرس قاطع، والله العالم.
وربما جمع بين النصوص بأنه إن كان غرضه من الرجعة التطليقة الأخرى
إلى أن تبين منه فلا يتم مراجعتها، ولا يصح طلاقها بعد المراجعة، ولا تحسب من
الثلاث حتى يمسها، وإن كان غرضه من الرجعة أن تكون في حباله، وله فيها
حاجة ثم بدا له أن يطلقها فلا حاجة إلى المس، ويصح طلاقها، ويحسب من الثلاث،

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
140

والوجه أن أكثر ما يكون غرض الناس من المراجعة البينونة، كما أومأ إليه الباقر
عليه السلام في خبر أبي بصير (1) السابق.
وربما أيد ذلك بالمروي (2) في تفسير قوله تعالى (3): " ولا تمسكوهن ضرارا
لتعتدوا " عن أبي عبد الله عليه السلام، " الرجل يطلق حتى إذا كادت أن يخلو (يحل
خ ل) أجلها راجعها، ثم طلقها، يفعل ذلك ثلاث مرات، فنهى الله تعالى عن ذلك ".
وخبر الحسن بن زياد (4) عنه عليه السلام (لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها
وليس له فيها حاجة ثم يطلقها، فهذا الضرار الذي نهى الله تعالى عنه، إلا أن
يطلق ويراجع وهو ينوي الامساك) بناء على أن المراد منهما حصول الاضرار بها
بعدم المواقعة في العدد الثالث (5) مع كون القصد من المراجعة البينونة، فإن العدة
قد تكون تسعة أشهر، مع أن غاية ما رخص الشارع تركه للزوجة أربعة أشهر،
ولعله لذا صدر من الإمام عليه السلام المواقعة بعد كل رجعة.
لكنه أيضا كما ترى لا تتفق عليه جميع الأخبار المزبورة، وليس قولا
لأحد، بل إن كان المراد من قوله: " فلا تتم مراجعتها " اشتراط صحة الرجعة
بالمواقعة فهو من المقطوع بفساده نصا (6) وفتوى، فلا ريب في أن الوجه ما ذكرناه
أولا.
(وكذا) الكلام فيما (لو أوقع الطلاق بعد المراجعة وقبل المواقعة في
الطهر الأول) إذ هو أيضا مثل الأول (فيه روايتان (7) أيضا، لكن هنا الأولى

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 1.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 231.
(4) الوسائل الباب 34 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 1.
(5) هكذا النسخة الأصلية المبيضة، وفي المسودة بخطه (قده) " في العدد الثلاث "
وهو الصحيح.
(6) الوسائل الباب 18 من أبواب أقسام الطلاق.
(7) الوسائل الباب 17 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 والباب 19
منها الحديث 5.
141

تفريق الطلقات على الأطهار إن لم يقع وطء) حتى لكل طلقة طهر كما
عرفت، ويكون أبعد مما عند العامة من وقوع الثلاث في مجلس واحد مع تخلل
رجوع وعدمه مرسلة ومرتبة (أما لو وطأ لم يجز الطلاق إلا في طهر ثان إذا كانت
المطلقة ممن يشترط فيها الاستبراء) بلا خلاف ولا إشكال لما عرفت من اشتراط
صحة الطلاق بكونه في غير طهر المواقعة، كما هو واضح.
المسألة (الرابعة:)
(لو شك المطلق في إيقاع) أصل (الطلاق لم يلزمه الطلاق لرفع الشك
وكان النكاح باقيا) للأصل، بل ولا يستحب بالخصوص، خلافا للشافعي، نعم
لا ريب في رجحان الاحتياط، ولو علم وشك في عدده لزمه اليقين وهو الأقل، من غير
فرق بين الثلاث والتسع، هذا للأصل، ولأن الشك في شرط التوقف على المحلل
وعدد الحرمة المؤبدة شك في المشروط، بل هو كذلك لو كان شكه في السني
والعدي وإن علم العدد لما عرفت، وليس الحل مشروطا بالسني حتى يعارض ذلك
كما هو واضح.
خلافا لمالك وأبي يونس، فأوجبا الاجتناب، لتوهم اجتماع الحظر والإباحة،
فيغلب الحظر كما إذا اختلطت الأجنبية بالأخت وموضع النجاسة بغيره، وضعفه
ظاهر ضرورة عدم قدر متيقن معلوم في المثال، نعم لو فرض العلم بنجاسة موضع معين
من الثوب بوقوع النجاسة وشك في الزائد عليه كان المتجه أيضا نفيه بالأصل، كما
في المقام.
ولو شك في المطلقة من نسائه وجب اجتناب الجميع مقدمة، نحو اجتناب
المشتبهة بالأخت، كما هو واضح في جمع أفراد المسألة.
نعم ليس منها كما في المسالك ما " لو دار الاشتباه بين زوجتي رجلين بأن
142

أرادا طلاقهما ولم يوقعا إلا واحدا ثم اشتبهت المطلقة وبدا لهما في طلاق الأخرى،
فإنا لا نحكم بطلاق واحدة منهما، بخلاف ما لو اتحد الشخص وتعددت المنكوحة،
والفرق أن الشخص الواحد يمكن حمله على مقتضى الالتباس وربط بعض أمره ببعض،
والرجلان يمتنع الجمع بينهما في توجيه الخطاب - إلى أن قال -: وهذا كما إذا
سمعنا صوت حدث بين اثنين ثم قام كل واحد منهما إلى الصلاة لم يكن للآخر
أن يعترض عليه، ولو أن الواحد صلى صلاتين وتيقن الحدث في إحداهما ثم التبست
عليه يؤمر بقضاء الصلاتين إن اختلفا عددا، وإلا فالعدد المطلق بينهما ".
قلت: قد يقال في مثل الطلاق ونحوه - بناء على توجه الخطاب بالتفريق بين
الأجنبي والأجنبية إلى الحاكم مثلا - باتيان باب المقدمة أيضا في حقه، أقصاه
المعارضة بحق الغير على وجه يحتاج إلى الترجيح، نحو الاشتباه بين الأجنبية
والزوجة التي لها حق الوطء أربعة أشهر أيضا.
وبذلك يظهر لك إمكان إجراء حكم المقدمة في جميع الخطابات الحسب
المتوجهة إلى الحاكم مثلا، وصيرورة الشخصين فصاعدا بالنسبة إلى تكليفه كالانائين
للمكلف الواحد في المقام وغيره، كما لو علم أن أحد الشخصين يزني أو يواقع أمه
أو أخته مثلا وهكذا، فتأمل جيدا.
المسألة (الخامسة:)
(إذا طلق غائبا) مثلا بائنا أو رجعيا وانقضت العدة (ثم حضر ودخل
بالزوجة ثم ادعى الطلاق لم تقبل دعواه) فيما يتعلق بحق غيره (ولا بينته تنزيلا
لتصرف المسلم على المشروع، فكأنه) بفعله (مكذب لبينته) ولقوله وإن
أخذنا بما عليه من إقراره.
(و) حينئذ ف (لو كان أولدها لحق به الولد) والأصل في ذلك خبر
143

سليمان بن خالد (1) المعتضد بالعمل على وجه لم يظهر لنا مخالف فيه " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق امرأته وهو غائب، وأشهد على طلاقها، ثم قدم فأقام
مع المرأة أشهرا لم يعلمها بطلاقها، ثم إن المرأة ادعت الحبل، فقال الرجل: قد
طلقتك وأشهدت على طلاقك، فقال: يلزمه الولد، ولا يقبل قوله ".
هذا ولكن في المسالك أشكل الأول بأن تصرفه إنما يحمل على المشروع
حيث لا يعترف بما ينافيه، ولهذا لو وجدناه يجامع امرأة واشتبه حالها لا يحكم عليه
بالزنا، فإذا أقر بأنه زان يحكم عليه بمقتضاه، والثاني بأنه يتم مع كونه هو الذي
أقامها، فلو قامت الشهادة حسبة وأرخت بما ينافي فعله قبلت، وحكم بالبيونة،
ويبقى في إلحاق الولد بهما أو بأحدهما ما قدم علم من اعتبار العلم بالحال وعدمه.
قلت: قد يقال بعدم سماع ما اعترف به مما ينافي فعله إذا كان متعلقا بحق الغير
وإن أخذ به في حقه، لعموم إقرار العقلاء (2) كما أن ظاهر الخبر المزبور عدم
سماع دعواه حتى لو قامت بينة بمقتضاها، سواء كان هو المقيم لها أو لا، مؤاخذة
له بفعله المقتضي ترتب ذلك عليه، فالمراد عدم سماع البينة فيما يتعلق بحقه الذي
ألقاه بفعله، على أن قيام البينة هنا حسبة مبني على أن المقام منها باعتبار حق الله
فيها، أما إذا قلنا إن ذلك من حقوق الآدميين فلا سماع للبينة المكذبة بالقول
أو الفعل.
نعم قد يقال بسماعها إذا أظهر تأويلا مسموعا لفعله، لعموم حجية البينة،
وكون مورد الخبر المجرد عن ذكر التأويل، بمعنى أن الجواب عنه عليه السلام مع
فرض كون الدعوى على الكيفية المخصوصة التي منها السكوت عن ذكر التأويل
الممكن الذي قد حكم غير واحد من الأصحاب بسماعه في الاقرار الذي هو أولى
من الفعل، وبذلك كله يظهر لك النظر فيما ذكره غير واحد ممن تبع المسالك فيما
عرفت، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 3 من كتاب الاقرار الحديث 2.
144

المسألة (السادسة:)
(إذا طلق الغائب) مثلا طلاقا رجعيا (وأراد العقد على رابعة أو على
أخت الزوجة صبر تسعة أشهر، لاحتمال كونها حاملا) لا تنقضي عدتها إلا
بذلك، فيستصحب حرمة نكاح الخامسة حتى يعلم الحل، وإلى ذلك أشار صحيح
حماد بن عثمان (1) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل له أربع نسوة
طلق واحدة منهن وهو غائب عنهن متى يجوز له أن يتزوج؟؟ قال: بعد تسعة أشهر،
وفيها أجلان فساد الحيض وفساد الحمل ".
(وربما قيل: سنة) كما عن الجامع، واختاره الفاضل في القواعد (احتياطا
نظرا إلى حمل المسترابة) التي رأت الدم وتأخر عنها الدم الثاني الثالث، فإنها
تصبر تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر، وذلك سنة، فمع فرص لزوم الاحتياط في
ذلك كما يومئ إليه الصحيح المزبور يتجه انتظارها.
لكنه كالاجتهاد في مقابلة النص، مضافا إلى ما ستعرفه من الكلام في ثبوت العدة
المزبورة لها، كما أنه تقدم لك الكلام في البحث عن كون السنة أقصى الحمل الذي
يحكي عن الجامع التعليل به هنا، على أن فيه إمكان منع كون مبنى المنع ذلك،
وإنما هو الصحيح المزبور الذي يمكن ملاحظة الغالب فيه الذي هو التسعة في المقام،
ولعله لذا اكتفى به المصنف والفاضل في محكي التحرير، مع أن مختارهما العشر في
أقصى الحمل، وحينئذ فالمتجه الوقوف على ما في الصحيح المزبور.
نعم ظاهر قوله عليه السلام فيه: " فيها أجلان " إلى آخره أن مبنى الحكم المزبور
الاستظهار بالمدة المزبورة، فيتجه ما ذكره المصنف والفاضل وغيرهما من عدم الفرق
في ذلك بين نكاح الخامسة والأخت، خلافا للمحكي عن ابن إدريس، فاقتصر على
الأولى جمودا على ما في الصحيح المزبور الذي قد اقتصر على مضمونه في المحكي عن

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب العدد الحديث 1.
145

الشيخ أيضا، لحرمة القياس، وأما الأخت فيكفي في جواز تزويجها ما يعلمه من
عادة المطلقة من الحيض وإلا فالثلاثة أشهر.
وفيه أن ذيله ظاهر أو صريح في التعليل المقتضي للتعدية، فلا حاجة إلى رده
بما في المختلف، كما لا حاجة إلى الانتصار له بما في المسالك، ولا ينافي ذلك
صحيح محمد بن مسلم (1) عن أبي جعفر عليه السلام " إذا طلق الرجل امرأته وهو غائب
فليشهد على ذلك، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد انقضت عدتها " للاجماع على تخصيصه
بغير نكاح الخامسة، ومع فرض ظهور ذيله في التعدية المزبورة يتجه تخصيصه أيضا
بالأخت.
بل الظاهر عدم التعارض بينه وبين الأول، فإن انقضاء العدة لا ينافي وجوب
الصبر لإرادة نكاح الخامسة أو الأخت احتياطا في أمر النكاح، ضرورة عدم كون
التسع عدة لمطلقة الغائب، بل ينبغي القطع بعدم جريان باقي أحكام العدة على ما زاد
عن الثلاثة أقراء أو الثلاثة أشهر: من الانفاق والرجوع والتوارث وغيرها، ولا إشعار في
كلام أحد من الأصحاب بكون التسعة عدة هنا، وإنما أو جبوا الصبر إليها في خصوص
نكاح الخامسة أو هي مع الأخت.
وبذلك يظهر لك ما في كلام بعض متأخري المتأخرين، كما أن من الذيل
المزبور يظهر الحال فيما ذكره المصنف (و) غيره من أنه (لو كان يعلم خلوها
من الحمل كفاه ثلاثة أقراء) إن علم عادة المرأة (أو ثلاثة أشهر) للعلم
بانتفاء الحمل الذي يلحظ خروجها عن العدة بوضعه.
بل ويعلم أيضا أن المراد بالتسعة أشهر من حين الوطء لا حين الطلاق، فإذا
فرض كونه ستة أشهر مثلا ثم طلقها صبر ثلاثة أشهر، فتكمل له تسعة أشهر التي
هي مدة التربص المزبور، وكذا الأربعة والخمسة وهكذا، و (بالجملة) يلحظ في
أمرها مضي مدة يظهر فيها وضع الحمل لو كان، وقضاء العدة بالحيض إن كانت مستقيمة

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب العدد الحديث 1.
146

أو الأشهر.
وعلى كل حال فلو تزوج قبل المدة أثم قطعا، ولكن يصح نكاحه إذا
بان وقوعه بعد تمام العدة، كما يبن فساده لو بان وقوعه في أثنائها، بل الظاهر
الفساد لو فرض اشتباه الحال، ولو تزوج بعد المدة فبان بقاء المطلقة في العدة لاسترابة
أو غيرها ففي صحة نكاحه وفساده وجهان، أقواهما البطلان، والله العالم.
(النظر الثالث)
(في اللواحق)
(وفيه مقاصد)
(الأول)
(في طلاق المريض)
(يكره للمريض أن يطلق) زيادة على كراهة أصل الطلاق على المشهور
بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل لم يتحقق الخلاف في ذلك وإن حكي التعبير بلفظ:
" لا يجوز " عن المقنعة والتهذيب، " ولا يجوز طلاق يقطع الموارثة بينهما " عن
الاستبصار، إلا أنه يمكن إرادتهما من ذلك الكراهة، كما وقع لهما غير مرة
خصوصا بعد كون ذلك منهما تبعا لقول الصادق عليه السلام في خبر عبيد بن زرارة (1)
" لا يجوز طلاق المريض، ويجوز نكاحه " وفي خبر زرارة (2) " ليس للمريض أن
يطلق، وله أن يتزوج " المعلوم حمله على الكراهة، لمعارضته بالنصوص (3) المستفيضة

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق.
147

أو المتواترة التي سيمر عليك جملة منها التي فهم الأصحاب منها الصحة بلا إثم ولو بقرينة ما في صحيح الحلبي (1) منها عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل " عن الرجل
يحضره الموت فيطلق امرأته أيجوز طلاقه؟ قال: نعم وإن مات ورثته وإن ماتت
لم يرثها " معتضدا بالأصول والعمومات. بل يمكن إرادة عدم مضي تمام حكم الطلاق
على طلاقه من عدم الجواز، لما ستعرفه من أنها ترثه وإن انقضت عدتها إلى سنة،
نعم قد يقال باختصاص الكراهة فيما إذا لم تكن هي الطالبة للطلاق لكن النهي مطلق
وإن قيد إرثها منه بذلك، كما ستعرف.
(و) على كل حال ف‍ (لو طلق صح) طلاقه بلا خلاف كما عن
المبسوط، بل لعله إجماع حتى من القائل بعدم الجواز الذي لا ينافي الصحة المستفادة
من النصوص (2) المستفيضة أو المتواترة (وهو يرث زوجته ما دامت في العدة
الرجعية) إجماعا بقسميه، مضافا إلى معلومية كونها كالزوجة في باقي الأحكام،
وإلى موثق زرارة (3) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يطلق المرأة قال: ترثه
ويرثها ما دام له عليها رجعة " وصحيحه (4) عنه عليه السلام أيضا " إذا طلق الرجل امرأته
توارثا ما كانت في العدة، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة، ولا ميراث
" بينهما والصحيح (5) أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 إلا أنه رواه
مضمرا كما في الاستبصار ج 3 ص 304 والكافي ج 6 ص 123 ولكن في الفقيه ج 3
س 354 عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق.
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 - 10 من كتاب المواريث.
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 - 10 من كتاب المواريث.
(5) الوسائل الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 8 من كتاب المواريث
مع اختلاف يسير، وفي الاستبصار ج 3 ص 344 كالجواهر
148

ولم تحرم عليه فإنها ترثه، وتعتد عدة المتوفى عنها زوجها، وإن توفت وهي في
عدتها ولم تحرم عليه فإنه يرثها " وخبر محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام " إذا
طلقت المرأة ثم توفي عنها زوجها وهي في عدة منه لم تحرم عليه فإنها ترثه وهو
يرثها ما دامت في الدم من حيضتها الثانية من التطليقتين الأولتين، فإن طلقها الثالثة
فإنها لا ترث من زوجها شيئا ولا يرث منها " إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة
أو المتواترة التي لا يقاومها ما في صحيح الحلبي (2) السابق وإن كان خاصا بالمرض
وهي مطلقة.
إلا أنه لشذوذه وعدم القائل بمضمونه قاصر عن التقييد مع احتماله عدة البائن،
ولا ينافيه إرثها منه، لما ستعرفه من اتفاق النص (3) والفتوى على إرثها منه
بالشروط إلى سنة وإن كانت بائنا، إذ المراد لا يرثها إذا انقضت العدة، كما في
خبر الحلبي وأبي بصير وأبي العباس جميعا (4) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " ترثه
ولا يرثها إذا انقضت العدة " المعلوم كون الموضوع فيه طلاق المريض، كما
لا يخفى على من لاحظ الكافي، فإنه رواه بعد أن روى عن أبي العباس (5) طلاق
المريض على وجه يعلم منه أن مرجع الضمير فيه ذلك، على أنه لا يتم بقرينة غيره
من النصوص إلا على ذلك، فهو حينئذ مقيد لصحيح الحلبي.
فمن الغريب ما وقع للخراساني وسيد المدارك من التوقف في الحكم المزبور
للصحيح المذكور بعد اعترافهما بكون الحكم كذلك عند الأصحاب الذين هم
أدرى منهما بالسنة والكتاب.
وأغرب من ذلك ما في الرياض من نقل الجمع المزبور بالتقييد المذكور عن
الشيخ، ونفي البأس عنه جميعا بين الأدلة ولو لم يكن له شاهد ولا قرينة، مع أن
الخبر المزبور بمرأى منه.

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 0 - 9.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 0 - 9.
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 0 - 9.
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 2 من كتاب المواريث.
149

ونحو ذلك ما في اللثام من أنه يمكن القول بالفرق بينهما مع قصد
الاضرار وإن كان الطلاق رجعيا، ويمكن الحمل على أن الأفضل أن لا يرثها، إذ هما
معا كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرنا (و) الأمر سهل.
نعم (لا يرثها في البائن ولا بعد العدة) الرجعية على المشهور بين الأصحاب
شهرة عظيمة، بل عن الخلاف الاجماع عليه، كما عن المبسوط نفي الخلاف، لانتفاء
الزوجية وانقطاع العصمة بينهما، فأصالة عدم الإرث بحاله، وفي مرسل يونس (1)
عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته ما العلة التي من أجلها إذا طلق الرجل امرأته وهو مريض
في حال الاضرار ورثته ولم يرثها؟ فقال: هو الاضرار، ومعنى الاضرار منعه إياها ميراثها
منه، فألزم الميراث عقوبة " والتعليل في خبر الهاشمي (2) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: لا ترث المختلعة ولا المبارأة والمستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان ذلك
منهن في مرض الزوج وإن مات في مرضه، لأن العصمة قد انقطعت منهن ومنه "
وصحيح الحلبي (3) السابق بناء على إرادة البائنة منه.
بل في المسالك زيادة الاستدلال أيضا بموثق زرارة (4) السابق، لأن قيد
الرجعة لا يصلح في ميراثها إجماعا، لثبوته مطلقا، فيبقى في ميراثه، وللقرب، وإذا
انتفى القيد انتفى الحكم تحقيقا لفائدته، ولعله لذلك استدل في الرياض بعموم المعتبرة
المستفيضة المتقدمة في الاستدلال على إرثه منها في الرجعة.
لكن قد يقال: إنه لا شئ منها في المريض الذي هو محل البحث، بل
لا إطلاق في شئ منها، باعتبار ما فيها من نفي إرثها منه الذي هو قرينة على كون
الموضوع الصحيح، نعم يكفي في إثبات ما ذكرناه، خصوصا بعد عدم

(1) الوسائل الباب - 14 - من أبواب ميراث الأزواج الحديث 7 من كتاب المواريث.
(1) الوسائل 15 أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 من كتاب المواريث.
150

المعارض المقاوم.
وبذلك يظهر لك ضعف المحكي عن الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة
من القطع بتوارثهما في العدة في البائنة: ولعله لذا نفى الريب المصنف في المحكي عن
نكته على النهاية عن اختلاله، وأنه لا بد من التنزيل على الرجعة. قلت: خصوصا
مع المحكي عنها في الميراث من أنهما يتوارثان في العدة الرجعية، ولا توارث بينهما
في حال إن كان الطلاق بائنا، وكذا عن المهذب والمبسوط.
وعلى كل حال فليس للشيخ إلا الخبر (1) " في رجل طلق امرأته ثم توفي
عنها وهي في عدتها أنها ترثه، وتعتد عدة المتوفى عنها زوجها، وإن توفت وهي في
عدتها فإنه يرثها " المحمول على الرجعية، وخبر عبد الرحمن (2) عن موسى بن
جعفر عليهما السلام " سألته عن رجل طلق امرأته آخر طلاقها، قال نعم يتوارثان " وخبر
عمر الأزرق (3) عن أبي الحسن عليه السلام " المطلقة ثلاثا ترث وتورث ما دامت في
عدتها ".
وهما مع قصورهما عن المقاومة لما سمعت من وجوه ليسا نصين في المريض،
وإطلاقهما مخالف للاجماع، وإخراجهما عن المخالفة بالتقييد بالمريض يحتاج إلى
دليل، ومع ذلك ليسا نصين في طلاق البينونة، لاحتمال " آخر الطلاق " في الأول
الآخر المتحقق فيه في الخارج، ويجامع أول الطلقات والثاني، ولا ينحصر في الثالث،
فيقبل الحمل على الأولين، " والمطلقة ثلاثا " في الثاني المطلقة كذلك مرسلة بناء
على أنها تقع واحدة، فترجع عدة الطلاقين في الروايتين إلى الرجعية.
ولعله إلى هذه الأخبار أشار في المسالك بأن للشيخ روايات تدل بظاهرها على
التوارث بينهما من غير تفصيل.

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب العدد الحديث 7.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 12 - 13 والثاني عن يحيى الأزرق كما في الاستبصار ج 3 ص 291 والتهذيب ج 8 ص 94.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 12 - 13 والثاني عن يحيى الأزرق كما في الاستبصار ج 3 ص 291 والتهذيب ج 8 ص 94.
151

وعلى كال حال فلا ريب في ضعف القول المزبور، إذ لا أقل من طرح
النصوص أجمع، لضعفها وتعارضها، والرجوع إلى الأصول التي مقتضاها نفي التوارث
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنها (ترثه هي سواء كان
طلاقها بائنا أو رجعيا ما بين الطلاق وبين سنة) لا أزيد ولو لحظة (ما لم تتزوج
أو يبرء من مرضه الذي طلقها فيه، ولو برئ ثم مرض ثم مات لم ترثه إلا في العدة
الرجعية) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا،
إلى النصوص المستفيضة.
كخبر عبيد بن زرارة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل طلق امرأته
وهو مريض حتى مضى لذلك سنة، قال: ترثه إذا كان في مرضه الذي طلقها لم
يصح بين ذلك ".
وخبر أبي العباس (2) عنه عليه السلام أيضا " قلت له: رجل طلق امرأته وهو مريض
تطليقة وقد كان طلقها قبل ذلك تطليقتين، قال: فإنها ترثه إذا كان في مرضه، قال:
قلت: وما حد المرض؟ قال: لا يزال مريضا حتى يموت وإن طال ذلك إلى السنة ".
وخبره (3) الآخر عنه عليه السلام أيضا " إذا طلق الرجل المرأة في مرضه ورثته
ما دام في مرضه ذلك وإن انقضت عدتها، إلا أن يصح منه، قال: قلت: فإن طال
به المرض، قال: ما بينه وبين سنة ".
وخبر الحذاء ومالك بن عطية عن أبي الورد كلاهما (4) عن أبي جعفر عليه السلام
" إذا طلق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ثم مكث في مرضه حتى أنقضت عدتها
فإنها ترثه ما لم تتزوج، فإن كانت قد تزوجت بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه ".
والمرسل (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل طلق امرأته وهو مريض،
قال إن مات في مرضه ولم تتزوج ورثته، وإن كانت قد تزوجت فقد رضيت بالذي
صنع، لا ميراث لها " إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على جميع ما عرفت.

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 - 8 - 1.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 - 8 - 1.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 - 8 - 1.
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5 - 6.
(5) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5 - 6.
152

(ولو قال: طلقت في الصحة ثلاثا) أو نحو ذلك مما ينفي إرثها منه (قبل)
في حقه مطلقا لعموم إقرار العقلاء (1) وفي حقها في قول (ولم ترثه) بناء على أن
إقرار المريض بما له أن يفعله مقبول وإن كان على الوارث، وينزل منزلة فعله في
الصحة.
(والوجه) عند المصنف والفاضل في القواعد (أنه لا يقبل بالنسبة إلى)
إرث‍ (ها) وإن قبل في غيره كتزويجها ونحوه، للتهمة التي هي الأصل في إرثها
منه لو طلقها في حال المرض، ولما في كشف اللثام من أنه إنما يقبل إقراره بما
يحرمه الوارث لغيره، وهنا لم يقر بما تحرمه الزوجة لأحد، فإنما هو بالنسبة إليها
مدع وإن استلزمت الدعوى ثبوت حصتها لسائر الورثة إلا أن الجميع كما ترى.
(ولو قذفها وهو مريض فلاعنها وبانت باللعان لم ترثه) بلا خلاف ولا
إشكال (لاختصاص) موضوع (الحكم) نصا (2) وفتوى (بالطلاق) وحرمة
القياس عندنا، في فلا يلحق به اللعان، ولا الفسخ بالعيب ولو من جهته، ولا تجدد
التحريم المؤبد برضاع منها أو لواط منه، ولا غير ذلك.
وأولى من ذلك ما لو استند اللعان حال المرض إلى القذف حال الصحة،
ضرورة عدم إتيان القياس عند القائل به فيه، لكن في القواعد في تجدد التحريم
المؤبد المستند إليه كاللواط نظر، وفي العيب إشكال إن كان من طرفه، ولا وجه له
سوى الالحاق بالطلاق الذي لا يخرج عن القياس بعد فرض عدم علة في النصوص يتعدى
بها، ولو أريد في الأول أنه إذا طلقها مريضا ثم لاط لواطا أوجب تحريمها عليه
أبدا كان المتجه إرثها منه، لاطلاق الأدلة واستصحاب موجب الإرث.
(و) كيف كان ف‍ (هل التوريث لمكان التهمة) بإرادة الاضرار بها،
فيكون ذلك عقوبة من الشارع. كما سمعت التصريح به في مرسل يونس (3) مضافا

(1) الوسائل الباب 3 من كتاب الاقرار الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 0 -.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 7 من كتاب المواريث.
153

إلى مضمر سماعة (1) " سألته عن رجل طلق امرأته وهو مريض، قال: ترثه ما دامت
في عدتها، وإن طلقها في حال الضرار فهي ترثه إلى سنة، فإن زاد على السنة يوما
واحدا لم ترثه " (قيل) والقائل الشيخ في المحكي من استبصاره (نعم).
(و) لكن (الوجه) وفاقا للأكثر (تعلق الحكم بالطلاق في المرض
لا باعتبار التهمة) لأنه العنوان للحكم في أكثر النصوص على وجه لا يصلح ما عرفت
لتقييدها بعد عدم الجابر (و) قوة إرادة الحكمة من العلة في المرسل (2)
السابق كما لا يخفى على من أحاط خبرا بنظائر المقام.
نعم (في ثبوت الإرث مع سؤالها الطلاق تردد) من إطلاق الأدلة، ومن
خصوص خبر الهاشمي (3) السابق (أشبهه أنه لا إرث، وكذا لو خالعته أو
بارأته) للخبر المزبور (4) المعتضد بالأصول، بل وبخبر سماعة (5) والمرسل (6)
وإن لم يحكم بهما في السابق، لكن لا بأس بتقوية الدليل بهما.
ومن ذلك يعلم عدم التنافي بين كون عنوان الإرث المرض لا التهمة وبين عدم
إرث الثلاثة للخبر (7) المخصوص المعتضد بما عرفت، فإن أقصى ذلك الرجوع
إلى الاطلاق والتقييد، لا أن مبنى عدم إرثهن عدم التهمة في طلاقهن، فما في المسالك
من الاعتراض على المصنف بذلك في غير محله.

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 9 من كتاب المواريث
والباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 7 من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 9 - 7 من كتاب المواريث.
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 9 - 7 من كتاب المواريث.
(7) الوسائل الباب 15 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
154

(فروع:)
(الأول:)
(لو طلق الأمة مريضا طلاقا رجعيا فأعتقت في العدة ومات في مرضه ورثته في
العدة) بلا خلاف ولا إشكال، لأنها زوجة ممنوعة بالرق والفرض زواله، بل
لا فرق بين الصحة والمرض في ذلك. (ولم ترثه بعدها لانتفاء التهمة) بإرادة
حرمانها من الإرث (وقت الطلاق) لكونها غير وارثة على كل حال، لكن فيه
ما عرفت من أن ذلك حكمة لا علة يدور الحكم معها نفيا وإثباتا.
ومن هنا قال المصنف: (ولو قيل ترثه كان حسنا)، لكون ما بعد العدة
نحو ما قبلها إلى تمام السنة في مطلقة المريض، فهي فيها حينئذ وارثة قد ارتفع
مانعها في وقت لها قابلية الإرث.
(و) من هنا يتجه أنه (لو طلقها بائنا فكذلك) ضرورة كونها في
الحالين وارثا قد ارتفع المانع عنها في وقت قابليتها لذلك إلى تمام السنة، فهي
حينئذ كغيرها من الورثة.
لكن (و) مع ذلك (قيل: لا ترث، لأنه طلقها في حال لم تكن لها
أهلية الإرث) فلا يندرج في نصوص (1) المقام الظاهرة في قابلية مطلقة المريض
للإرث لولا المرض (الطلاق ظ)، خصوصا مع ملاحظة قاعدة الاقتصار على المتيقن،
والفرض عدم عموم أو إطلاق في النصوص صالح لتناول المفروض، فيكون المانع
ذلك، لانتفاء التهمة الذي يردد عليه أنها حكمة على الأصح لا علة.
ومثله يجري في المطلقة رجعيا بعد العدة، ضرورة كون المراد في النصوص

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق والباب 14 من أبواب ميراث
الأزواج من كتاب المواريث.
155

بناء على ما ذكرنا أن الزوجة الصالحة فعلا للإرث لولا الطلاق إذا طلقت في المرض
ترث إلى تمام السنة لا أن المراد إذا تجدد لها الصلاحية للإرث تمام السنة، وفرق
واضح بين الأمرين، كوضوح ظهور النصوص في الأول.
(وكذا) الكلام فيما) لو طلقها كتابية ثم أسلمت) بعد العدة في أثناء
السنة لو كانت رجعية، أو مطلقا لو كانت بائنا، نعم لو أسلمت في العدة الرجعية
ورثت، لأنها زوجة، فليست في مفروض المقام الذي هو الإرث من حيث كون
الطلاق في المرض كما هو واضح.
وبذلك يظهر لك النظر في ما في المسالك كما يظهر لك مما قدمناه سابقا
أنه لا وجه لتعجبه من المصنف، والله العالم.
(الثاني:)
(إذا ادعت المطلقة أن الميت طلقها في المرض وأنكر الوارث، وزعم أن
الطلاق في الصحة، فالقول قوله، لتساوي الاحتمالين، وكون الأصل عدم الإرث
إلا مع تحقق السبب) إذ الشك في الشرط شك في المشروط، ولا شئ من الأصول
- سواء علم تاريخ الطلاق وجهل تاريخ المرض أو جهلا معا صالح لتنقيحه على
وجه يصدق عرفا لكون الطلاق في المرض الذي هو عنوان الحكم، بل قد ذكرنا
غير مرة أن الأصول بالنسبة إلى ذلك مثبتة.
فمن الغريب ما في المسالك من المناقشة في تعليل المصنف الحكم بتقديم قول
الوارث بتساوي الاحتمالين بأنه " إما أن يعلم أن له مرضا مات فيه أو لا يعلم فيه
ذلك، بأن احتمل موته فجأة وفي الأول الأصل استمرار الزوجية إلى حين المرض،
والطلاق حادث، والأصل عدم تقدمه، وذلك يقتضي ترجيح وقوعه في المرض بأصلين،
ومع الوارث أصالة عدم إرث البائنة في حال الحياة إلا مع العلم بسببه هنا،
156

فالاحتمالان غير متساويين، ضرورة معارضة قول الوارث بأصل من الأصلين، فيبقى
الأصل الآخر مرجحا للمرأة، وأما الثاني - وهو أن لا يعلم له مرض مات فيه -
فترجيح قول الوارث حينئذ واضح، إذ لا معارض لأصله، فالاحتمالان على كل حال
غير متساويين.
إذ هو كما ترى بعد ما عرفت من أن الأصلين المزبورين الأولين لا يصلحان
لاثبات الطلاق في المرض الذي هو عنوان الحكم، فلا ريب في بقاء أصل الطلاق
المفروض تحققه على اقتضاء عدم الإرث، فالمراد بتساوي الاحتمالين أنها من حيث
دعواهما من مدعيهما على حد سواء لا شاهد لأحدهما في تشخيص ما ادعاه، فيرجع
إلى أصالة عدم الإرث، لقاعدة عدم تحقق الشرط وغيره، كما هو واضح.
(الثالث:)
(لو طلق أربعا في مرضه وتزوج أربعا ودخل بهن ثم مات فيه كان الربع
بينهن بالسوية، ولو كان له ولد تساوين في الثمن) وهكذا الحكم لو فرض أزيد
من الثمانية، بأن طلق الأربع المدخول بهن وتزوج أربعا آخر ودخل بهن، فإن
الاثني عشر تشترك في الربع أو الثمن، وقيد المصنف بالدخول لاشتراط الإرث بنكاح
المريض له، كما ستسمعه في محله انشاء الله.
الرابع:
مدار الإرث على الموت في المرض مع الطلاق فيه، فلو قتل في أثناء مرضه
الذي طلق فيه لم يترتب الحكم المزبور مع احتماله، إلا أن الأول أقوى.
157

الخامس:
الظاهر أن المدار أيضا على المرض الذي لا يلحق به غيره من الأحوال
المحترمة، كما أنه لا يلحق الفسخ في المرض من المرأة بالطلاق فيه، لحرمة
القياس عندنا، بل الظاهر اعتبار المرض السابق على حال النزع، فلا يترتب الحكم
على الصحيح الذي حضره الموت وتشاغل بالنزع فيه، مع احتمال عد مثله مرضا،
بل قد سمعت تعليق الحكم في الصحيح (1) السابق على حضور الموت، ولكن قاعدة
الاقتصار على المتيقن تقتضي الأول، إلا إذا كان حضور الموت لحضور مرض اقتضاه،
والله العالم.
(المقصد الثاني)
(في ما يزول به تحريم الثلاث)
فنقول: قد عرفت سابقا أنه لا خلاف معتد به ولا إشكال في أنه (إذا
وقعت الثلاث على الوجه المشترط) من كونها مترتبة لا مرسلة، وبعد تخلل الرجعة
لا قبلها (حرمت المطلقة حتى تنكح زوجا غير المطلق) من غير فرق بين السني
والعدي وغيرهما، كطلاق غير المدخول بها، والتي رجع بها في العدة من غير المواقعة
في ذلك الطهر، أو غيره أو المراد بالوجه المشترط أي غير عدية، بناء على إرادة
بيان الحلية بنكاح غير المطلق دائما وأبدا بعد التسع وقبلها، فإنها هي التي تكون
كذلك، بخلاف العدية التي تحرم أبدا بالتسع، ولا ينفع المحلل فيها، وقد تقدم

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
158

حكمها سابقا، ويمكن تحميل الوجه المشترط ما يشمل الأمرين (و) الأمر سهل
بعد وضوح الحال.
إنما الكلام فيما (يعتبر في زوال التحريم) بالثلاث من الشرائط، والمعروف
بين الأصحاب أنها (شروط أربعة:)
أحدها
(أن يكون الزوج) المحلل (بالغا) فلا يكفي غير المراهق من الصبيان
الذي لا يلتذون بالنكاح ولا يلتذ بهم قولا واحدا بين المسلمين فضلا عن المؤمنين
(و) هو الحجة، مضافا إلى ما ستعرف. نعم (في المراهق) للبلوغ منهم (تردد)
وخلاف (أشبهه أنه لا يحلل) وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، للأصل ومكاتبة علي بن
الفضل الواسطي (1) المنجبرة بما عرفت " كتبت إلى الرضا عليه السلام رجل طلق امرأته الطلاق
الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فيتزوجها غلام لم يحتلم قال: لا، حتى
يبلغ، فكتبت إليه ما حد البلوغ؟ قال: ما أوجب على المؤمنين الحدود "
والمروي (2) في طرق العامة والخاصة من النبي صلى الله عليه وآله وذريته من اعتبار ذوق العسيلة
من الجانبين، وهو لا يتحقق إلا في البالغ، بناء على أن المراد منه الانزال، كما
عن بعضهم، الذي لا ينافيه ما عن النهاية وغيرها من تفسيره بلذة الجماع، المحمول
على إرادة الكاملة التي لا تحصل إلا بالانزال.
كل ذلك مضافا إلى إمكان دعوى ظهور الكتاب (3) والسنة (4) في كون

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 374 والوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق
الحديث 1 و 13 والباب 7 منها الحديث 1 و 3.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 230.
(4) الوسائل الباب 4 و 7 من أبواب أقسام الطلاق.
159

المحلل زوجا آخر مستقل بالعقد، خصوصا وقد وقع في الآية بعد ذلك قوله تعالى:
" فإن طلقها " ومن المعلوم أن الطلاق لا يصدر عن غير البالغ، لا أقل من الشك في تناول
الفرض، والأصل البقاء على الحرمة.
فما عن أبي علي والشيخ في أحد قوليه - من الاكتفاء به، كما عن العامة الذين
جعل الله الرشد في خلافهم - واضح الضعف وإن جنح إليه في المسالك، للاطلاق
وأهلية المراهق لذوق العسيلة التي هي اللذة في الجماع، وضعف الخبر المزبور،
إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت، خصوصا الأخير الذي من المعلوم كون
المذهب جواز العمل به بعد الانجبار بما سمعت.
(و) الثاني
(أن يطأها) اجماعا من المسلمين ممن عدا سعيد بن المسيب، فاكتفى
بالعقد، ونصوصا (1) من الطرفين، بل وكتابا (2) بناء على أن النكاح الوطء
أو المراد به هنا ذلك، بل المعتبر الوطء (في القبل) بلا خلاف، لأنه المنساق من
نصوص (3) ذوق العسيلة، بل لا بد أن يكون (وطء موجبا للغسل) بغيبوبة الحشفة
أو مقدارها من مقطوعها، لأن ذلك مناط أحكام الوطء والدخول في كل مقام
اعتبرا فيه، ولانتفاء ذوق العسيلة من الجانبين بدونه غالبا، ولأنه لم يعهد في الشرع
اعتبار ما دونه، فوقوعه بمنزلة العدم، مضافا إلى أصالة بقاء الحرمة.
نعم ظاهرهم الاتفاق على الاكتفاء بذلك وإن لم يحصل تكرار منه ولا إنزال،
فإن تم إجماعا كان هو الحجة، وإلا فهو محل للنظر، لظهور نصوص (4) ذوق

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق وسنن البيهقي ج 7 ص 374.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 230.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 والباب 7 منها الحديث 1 و 3.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 والباب 7 منها الحديث 1 و 3.
160

العسيلة في خلافه حتى على تفسيره بلذة الجماع الذي قد عرفت ما فيه، ففي خبر أبي
حاتم (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل يطلق امرأته الطلاق الذي لا تحل
له حتى تنكح زوجا غيره ثم تتزوج رجلا ولم يدخل بها، قال: لا، حتى يذوق
عسيلتها " وخبر زرارة (2) عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم
يراجعها بعد انقضاء عدتها، قال: فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره،
فإذا تزوجها غيره ولم يدخل بها وطلقها أو مات عنها لم تحل لزوجها الأول حتى يذوق
الآخر عسيلتها ".
بل روى غير واحد من العامة (3) " أنه جاءت امرأة رفاعة القرطي إلى
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: كنت عند رفاعة فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن
زبير، وأنه طلقني قبل أن يمسني وفي رواية (4) " وأنا معه مثل هدبة الثوب " -
فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته
ويذوق عسيلتك " ولا أقل من الشك في شمولها لمحل البحث إن لم يكن إجماعا،
والأصل الحرمة، والاحتياط لا ينبغي تركه، والله العالم.
(و) الثالث
(أن يكون ذلك بالعقد، لا بالملك، ولا بالإباحة) لو كانت أمه بلا
خلاف، فضلا عن الوطء حراما أو شبهة ولو بالعقد الفاسد بلا خلاف أجده، بل
الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عدم صدق الزوج في الكتاب (5) والسنة (6) عليه.

(1) أشار إليه في الوسائل الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1، وذكره
في الكافي ج 5 ص 425.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 9.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 373 و 374 و 375.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 373 و 374 و 375.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(6) الوسائل الباب 3 و 4 و 7 و 8 من أبواب أقسام الطلاق.
161

وإلى خصوص خبر الفضيل (1) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن رجل زوج عبده
أمته ثم طلقها تطليقتين أيراجعها إن أراد مولاها؟ قال: لا، قلت: أرأيت إن
وطأها مولاها أيحل للعبد أن يراجعها؟ قال: لا حتى تتزوج زوجا غيره، ويدخل
بها، فيكون نكاحا مثل نكاح الأول " الحديث. وخبر عبد الملك بن أعين (2)
" سألته عن رجل زوج جاريته رجلا فمكثت معه ما شاء الله، ثم طلقها، فرجعت
إلى مولاها فوطأها أيحل لزوجها إذا أراد أن يراجعها؟ فقال: لا حتى تنكح زوجا
غيره " ونحوه صحيح الحلبي (3) بعد تقييدهما بكون الطلاق مرتين.
وإلى ما تسمعه من استفاضة النصوص (4) المشتمل بعضها (5) على تفسير
الآية (6) بما لا يشمل العقد المنقطع فضلا عنهما، بقرينة قوله تعالى: " فإن
طلقها ".
(و) منه يعلم الوجه في (الرابع) الذي هو (أن يكون العقد دائما
لا متعة) بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى صحيح
ابن مسلم (7) عن أحدهما عليهما السلام " سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم تمتع منها
رجل آخر هل تحل للأول؟ قال: لا " وخبر الصيقل (8) " سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فتزوجها رجل متعة،
أيحل لها أن ينكحها؟ قال: لا حتى تدخل في مثل ما خرجت منه " ومثله موثق
هشام بن سالم (9) وفي خبر الصيقل الآخر (10) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل طلق
امرأته طلاقا لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فتزوجها رجل متعة أتحل

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 2 - 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 2 - 1 - 3.
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 2 - 1 - 3.
(4) الوسائل الباب 3 و 4 من أبواب أقسام الطلاق.
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(7) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 2 - 1 - 3 - 4.
(8) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 2 - 1 - 3 - 4.
(9) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 2 - 1 - 3 - 4.
(10) الوسائل الباب 9 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 2 - 1 - 3 - 4.
162

للأول؟ قال: لا، لأن الله تعالى يقول (1): فإن طلقها فلا تحل له، والمتعة ليس
فيها طلاق " وموثق عمار بن موسى (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق
امرأته تطليقتين للعدة ثم تزوجت متعة، هل تحل لزوجها الأول؟ قال: لا حتى
تتزوج ثباتا ".
نعم لا فرق في المحلل بين الحر والعبد، لاطلاق الأدلة، وخصوص خبر
إسحاق بن عمار (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل
له حتى تنكح زوجا غيره، وتزوجها عبد ثم طلقها، هل يهدم الطلاق؟ قال: نعم،
يقول الله عز وجل في كتابه (4) حتى: تنكح زوجا غيره، وهو أحد الأزواج " ومن
هنا قال الشهيد في المسالك: " أسلم طريق في الباب وأرفعه للعار والغيرة أن تزوج
من عبد مراهق إن اكتفينا به أو مكلف للزوج أو غيره، ويستدخل حشفته،
ثم يملك ببيع أو هبة، ويفسخ نكاحه، ويحصل التحليل ".
(و) كيف كان ف‍ (مع استكمال الشرائط) المزبورة (يزول تحريم
الثلاث) كما عرفت.
(وهل يهدم) نكاح غير الزوج (ما دون الثلاث) على وجه تكون المرأة
لو رجعت إلى زوجها كما إذا لم تكن مطلقة؟ (فيه روايتان (5) أشهرهما)
عملا بين الأصحاب (أنه يهدم، فلو طلق مرة وتزوجت المطلقة ثم تزوج بها
الأول بقيت معه على ثلاث مستأنفات، وبطل حكم السابقة) بل لم يعرف القائل
بالأولى وإن أرسله في محكي الخلاف عن بعض أصحابنا.
والرواية المعمول بها هي موثق رفاعة (6) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(5) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث. 1
(6) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث. 1
163

رجل طلق امرأته، حتى بانت منه وانقضت عدتها، ثم تزوج زوجا آخر فطلقها
أيضا، ثم تزوجها زوجها الأول أيهدم ذلك الطلاق الأول؟ قال: نعم ".
وخبره الآخر (1) الذي رواه عنه ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن
المطلقة تبين ثم تتزوج زوجا غيره، قال: انهدم الطلاق ".
وخبره الآخر (2) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل طلق امرأته تطليقة واحدة
فتبين منه، ثم يتزوجها آخر فيطلقها على السنة فتبين منه، ثم يتزوجها الأول
على كم هي عنده؟ قال: على غير شئ، ثم قال: يا رفاعة كيف إذا طلقها ثلاثا
ثم تزوجها ثانية استقبل الطلاق؟ فإذا طلقها واحدة كانت على اثنتين ".
وخبر عبد الله بن عقيل (3) قال: " اختلف رجلان في قضية إلى علي عليه السلام وعمر
في امرأة طلقها زوجها تطليقة أو اثنتين، فتزوجها آخر فطلقها أو مات عنها، فلما
انقضت عدتها تزوجها الأول، فقال عمر: هي على ما بقي من الطلاق، وقال أمير
المؤمنين عليه السلام: سبحان الله، أيهدم ثلاثا ولا يهدم واحدة؟ ".
وقد تقدم سابقا أن معاوية بن حكيم (4) قال: " روى أصحابنا عن رفاعة
ابن موسى أن الزوج يهدم الطلاق الأول، فإن تزوجها فهي عنده مستقبلة، قال
أبو عبد الله عليه السلام: يهدم الثلاث ولا يهدم الواحدة والثنتين!! " بل وتقدم غير ذلك
مما يظهر منه معلومية خبر رفاعة بين أصحاب الأئمة عليهم السلام، حتى توهم منه ابن
بكير بما عرفت، فلاحظ وتأمل.
كما أنه قد تقدم لك سابقا جملة من النصوص (5) والواردة في تفسير طلاق
السنة والعدة، ومنها يظهر أن المطلقة ثلاثا التي لا تحل حتى تنكح زوجا غيره

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 13 عن فضالة والقاسم
جميعا عن رفاعة.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 - 3 - 2.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 - 3 - 2.
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 - 3 - 2.
(5) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب أقسام الطلاق.
164

هي التي يقع عليها ذلك من دون تخلل زوج، حتى ما ورد (1) في تفسير قوله
تعالى (2): " الطلاق مرتان " منها، ومنه يظهر أنه لا وجه للتمسك باطلاق الكتاب
الذي شك في شموله للفرض بعد ذلك إن لم يكن ظاهره خلافه.
ولعله لذلك كله حكي عن الشيخ أن روايات الهدم أكثر من عدمه، بل قد
سمعت عبارة المصنف، بناء على إرادة الأشهر رواية وعملا، ولكن في مقابلها نصوص
آخر أنهاها في الحدائق إلى سبعة، وفيها الصحيح وغيره، وبعيدة عن التأويل والحمل
على غير التقية وإن احتمل الشيخ حملها على اختلال بعض شروط المحلل.
بل في كشف اللثام بعد أن ذكر جملة منها قال: " وعندي أنه لا تعارض،
لاحتمال أن يراد بما في بعضها (3) من كونها " عنده على تطليقتين وواحدة قد
مضت " أنها تكون زوجة، ويجوز له الرجوع إليها بعد تطليقتين، فيفيد الهدم،
وأن المراد بمضي الواحدة انهدامها ".
لكن لا يخفى على من لاحظها امتناعه في بعضها، قال الحلبي في الصحيح (4)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة ثم تركها حتى مضت عدتها، ثم
تزوجها رجل غيره، ثم إن الرجل مات أو طلقها فراجعها الأول، قال: هي عنده
على تطليقتين باقيتين ".
وصحيح ابن مهزيار (5) كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام " روى
بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يطلق امرأته على الكتاب والسنة فتبين
منه بواحدة، فتتزوج زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها، فترجع إلى زوجها الأول
أنها تكون عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت، فوقع عليه السلام بخطه: صدقوا، وروى

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 - 10 - 13.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 و 6.
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 و 6.
(5) أشار إليه في الوسائل في الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 وذكره
في الكافي ج 5 ص 426.
165

بعضهم أنها تكون عنده على ثلاث مستقبلات، وأن تلك التي طلقها ليس بشئ،
لأنها قد تزوجت زوجا غيره، فوقع عليه السلام بخطه: لا ".
وصحيح منصور (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في امرأة طلقها زوجها واحدة أو
اثنتين، ثم تركها حتى تمضي عدتها، فيتزوجها غيره، فيموت أو يطلقها، فيتزوجها
الأول، قال: هي عنده على ما بقي من الطلاق ". ونحوه خبر زرارة (2) عن أبي
جعفر عن علي عليه السلام.
وقد أخبر محمد بن قيس (3) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن رجل طلق امرأته تطليقة،
ثم نكحت بعده رجلا غيره، ثم طلقها فنكحت زوجها الأول، فقال: هي عنده
على تطليقة ".
وزاد في الحدائق الاستدلال بصحيح جميل (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " إذا
طلق الرجل المرأة، فتزوجت ثم طلقها، فيتزوجها الأول ثم طلقها، فتزوجت رجلا
ثم طلقها، فإذا طلقها على هذا ثلاثا لم تحل له أبدا " ونحوه خبر إبراهيم بن
عبد الحميد عن الكاظم عليه السلام (5) إلا أنه يمكن إرادة التسع منهما بقرينة " أبدا " أي
كررت الثلاث ثلاثا.
وعلى كل حال فلا ريب في أن مقتضى أصول المذهب وقواعده ترجيح الأولى
عليها من وجوه، بل صراحتها وصحتها وكثرة عددها، وموافقتها لاطلاق الكتاب (6)
والسنة (7) في وجه لا تجدي بعد إعراض الأصحاب - الذين خرجت منهم - عنها،

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 9 - 10 - 11.
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 9 - 10 - 11.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 9 - 10 - 11.
(4) الوسائل الباب 11 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 2.
(5) أشار إليه في الوسائل في الباب 11 من أبواب استيفاء العدد الحديث 2
وذكره في الكافي ج 5 ص 428.
(6) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(7) الوسائل الباب 3 و 4 من أبواب أقسام الطلاق.
166

بل يزيدها وهنا وأي وهن، خصوصا بعد إشارة النصوص (1) السابقة إلى أن
مضمونها قول عمر، وإن خالفه بعض أوليائه بعد ذلك، بل عن الخلاف حكايته عن
عمر وأبي هارون والشافعي ومالك والأوزاعي وابن أبي ليلى وزفر والشيباني
وغيرهم.
فمن الغريب غرور المحدث البحراني بها وإطنابه في المقام بما لا طائل تحته،
بل مرجعه إلى اختلال الطريقة، وأغرب منه تردد الفاضل في التحرير مع نزاهته عن
هذا الاختلال.
ومن العجيب أن ثاني الشهيدين الذي شرع هذا الاختلال قال في المقام: " إن
عمل الأصحاب على الأول، فلا سبيل إلى الخروج عنه ".
(ولو طلق) الذمي (الذمية ثلاثا فتزوجت بعد العدة ذميا) جامعا
لشرائط التحليل (ثم بانت منه) وترافعا إلينا حكمنا لهما بالحل.
(و) لو أسلم الذمي ثم (أسلمت) هي بعد المحلل الذمي (حل
للأول نكاحها بعقد مستأنف) بلا خلاف أجده فيه، للاطلاق كتابا (2) وسنة (3)
(وكذا) الكلام في (كل مشرك). وبناء على جواز نكاح الذمية ابتداء
فتصور طلاقها ثلاثا واضح، بل وإن لم نقل به إذا طلقها بعد إسلامه أو قبله ثم
راجعها في العدة وهكذا ثلاثا، لأن الرجعة ليس ابتداء نكاح، والفرض عدم انفساخ
نكاحه باسلامه وإن لم نجوز له ابتداء النكاح.
(والأمة إذا طلقت مرتين حرمت حتى تنكح زوجا غيره سواء كانت تحت
حر أو عبد) لأن العبرة في عدد الطلقات عندنا النساء لا الرجال، فالحرة ثلاث وإن
كانت تحت عبد، والأمة اثنتان وإن كانت تحت حر، خلافا للعامة فالعبرة عندهم
فيه الرجال، وتظهر الثمرة في الحرة تحت العبد والأمة تحت الحر، وقد استفاضت

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(3) الوسائل الباب 3 و 4 من أبواب أقسام الطلاق.
167

نصوصنا بخلافهم أو تواترت.
ففي صحيح العيص بن القاسم (1) " أن ابن شبرمة قال: الطلاق للرجل، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: الطلاق للنساء، وتبيان ذلك أن العبد تكون تحته الحرة فيكون
تطليقها ثلاثا، ويكون الحر تحته الأمة فيكون طلاقها تطليقتين ".
وفي صحيح زرارة (2) عن الباقر عليه السلام " سألته عن حر تحته أمة أو عبد تحته
حرة كم طلاقها؟ وكم عدتها؟ فقال: السنة في النساء في الطلاق، فإن كانت حرة فطلاقها
ثلاث وعدتها ثلاثة قروء، وإن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدتها قرآن "
إلى غير ذلك من النصوص، بل في النبوي العامي (3) أيضا " طلاق الأمة طلقتان.
وعدتها حيضتان ".
بل في المسالك الاستدلال عليه في مقابلة العامة بقوله تعالى (4): " الطلاق
مرتان " إلى آخره لكونه في الحرة، بقرينة قوله تعالى (5): " ولا يحل لكم أن
تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " فإن الاتيان للحرة، وأما الأمة فلمولاها، ولا ينافي
ذلك " ولا يحل لكم " من حيث كونه خطابا للأزواج، والأخذ إنما هو الحر
دون العبد، لمنع كونه خطابا للأزواج بل لمن الأداء من ماله الشامل للأزواج
وغيرهم، وإن كان هو كما ترى، ضرورة إمكان دعوى كون الاتيان ولو للمولى
أيضا، لكن الأمر سهل بعد معلومية الحال من نصوص (6) العترة صلوات الله عليهم
الذين هم مع كتاب الله تعالى الخليفة عن النبي صلى الله عليه وآله فينا لن يفترقا حتى يردا عليه
الحوض (7).

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 - 2.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 369 و 426.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 229.
(6) الوسائل الباب 24 من أبواب أقسام الطلاق.
(7) الوسائل الباب 13 من أبواب صفات القاضي الحديث 34 و 77 من كتاب
القضاء.
168

(و) كيف كان ف‍ (لا تحل للأول بوطء المولى) بلا خلاف،
للنصوص (1) السابقة المعتضدة بالأصل وظاهر الكتاب (2) وغيرهما (وكذا لا تحل
لو ملكها المطلق، لسبق التحريم على الملك) فيستصحب، ولا طلاق نفي الحل
كتابا (3) وسنة (4) حتى تنكح زوجا غيره، وخصوص صحيح بريد العجلي (5)
عن أبي عبد الله عليه السلام " في الأمة يطلقها تطليقتين ثم يشتريها، قال: لا حتى تنكح
زوجا غيره " وخبره الآخر (6) عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال " في رجل تحته أمة
فطلقها تطليقتين ثم اشتراها بعد، قال: لا يصلح له أن ينكحها حتى تتزوج زوجا
غيره، وحتى تدخل في مثل ما خرجت منه " وصحيح الحلبي (7) عنه عليه السلام أيضا
" سألته عن رجل حر كانت تحته أمة فطلقها طلاقا بائنا ثم اشتراها هل يحل له
أن يطأها؟ قال: لا " بعد إرادة المرتين من البائن فيه. وموثق سماعة (8) " سألته
عن رجل تزوج امرأة مملوكة ثم طلقها ثم اشتراها بعد، هل تحل له؟ قال: لا
حتى تنكح زوجا غيره " بعد التقييد بالمرتين.
معتضدا ذلك كله بعمل الأصحاب قديما وحديثا، عدا ما يحكى عن ابن
الجنيد من الحل، لخبر أبي بصير (9) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل كانت تحته
أمة فطلقها طلاقا بائنا ثم اشتراها بعد، قال: يحل له فرجها من أجل شرائها،
والحر والعبد في هذه المنزلة سواء " القاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه، فلا بأس
بطرحه أو حمله على التقية، أو يقرأ " بائنا " بالنون لا التاء فتحمل البينونة على
الشراء قبل الخروج من العدة أو بعدها لا التطليقتين، أو يقيد إباحة الفرج بالشراء
بما إذا تزوجت زوجا آخر أو غير ذلك مما لا بأس به بعد عدم مكافئته.

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب أقسام الطلاق.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(4) الوسائل الباب 3 و 4 و 7 من أبواب أقسام الطلاق.
(5) الوسائل الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 6 - 5.
(6) الوسائل الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 6 - 5.
(7) الوسائل الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 6 - 5.
(8) الوسائل الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 - 4.
(9) الوسائل الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 - 4.
169

فمن الغريب جمع الكاشاني بينه وبين النصوص السابقة بالجواز على كراهة
مستدلا على ذلك بصحيح ابن سنان (1) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت تحته أمة فطلقها على السنة، فبانت منه، ثم اشتراها بعد ذلك قبل أن تنكح زوجا
غيره، قال: أليس قضى علي عليه السلام في هذا؟ أحلتها آية وحرمتها آية، وأنا أنهي
عنها نفسي وولدي " الذي هو ظاهر في التحريم، خصوصا بعد خبر ابن قسام
(بسام خ ل) (2) " سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروي الناس عن أمير المؤمنين عليه السلام عن
أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها ولا ينهى عنها إلا نفسه وولده، فقلنا: كيف
ذلك؟ فقال أحلتها آية وحرمتها آية أخرى، قلنا هل تكون إحداهما نسخت
الأخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟ قال: قد بين لهم إذ نهى نفسه
وولده، فقلنا: ما منعه أن يبين؟ فقال: خشي أن لا يطاع، فلو أن أمير المؤمنين عليه السلام
ثبت قدماه أقام كتاب الله كله والحق كله " ونحوه المروي عن كتاب علي بن
جعفر عليه السلام (3).
(ولو طلقها) أي الأمة (مرة ثم أعتقت ثم تزوجها) بعد العدة
(أو راجعها) فيها (بقيت معه على واحدة استصحابا للحال الأول)، وحينئذ
(فلو طلقها أخرى حرمت عليه حتى يحللها زوج) فإن عتقها أو عتقه أو عتقهما
لا يهدم الطلاق، ولا يغيرها عن حالها السابق، للأصل وصحيح رفاعة (4) " سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن العبد والأمة يطلقها تطليقتين ثم يعتقان جميعا هل يراجعها؟
قال: لا حتى تنكح زوجا غيره فتبين منه " وصحيح محمد بن مسلم (5) عن أبي

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8 من كتاب النكاح
عن معمر بن يحيى بن سام إلا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 463 معمر بن يحيى بن
بسام.
(3) البحار ج 10 ص 266 الطبع الحديث.
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب 28 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 - 2.
170

جعفر عليه السلام " المملوك إذا كانت تحته مملوكة فطلقها ثم أعتقها صاحبها كانت عنده
على واحدة " وصحيح الحلبي (1) قال أبو عبد الله عليه السلام " في العبد تكون عنده الأمة،
فيطلقها تطليقة ثم أعتقا جميعا كانت عنده على تطليقة واحدة " وموثق هشام بن
سالم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " إن العبد إذا كان تحته الأمة فطلقها تطليقة
فأعتقا جميعا كانت عنده على تطليقة واحدة " وهي مع ما ترى من جمعها لشرائط
الحجية معتضدة بعمل الأصحاب.
فما عن ابن الجنيد - من أن الأمة إذا أعتقت قبل وقوع الطلاق الثاني بها
انتقل حكم طلاقها إلى الحرائر، فلا تحرم إلا بالثالثة مؤيدا له في المسالك بما وقع
لهم في نكاح المشركات إذا أسلم العبد وعنده أربع وأعتق، وفي القسم بين الزوجات
إذا أعتقت الأمة في أثنائه من أنه متى كان العتق قبل استيفاء حق العبودية يلحق
بالأحرار في الحكم، والمقام منه - كالاجتهاد في مقابلة النص بعد تسليم
ما ذكره.
(و) على كل حال فقد عرفت فيما تقدم أن مقتضى اتفاقهم وما فهموه
من نصوص العسيلة من إرادة الدخول كون (الخصي يحلل المطلقة ثلاثا إذا وطأ
وحصلت فيه الشرائط) السابقة. (و) لكن (في رواية) محمد بن مضارب (3)
لا يحلل، قال: " سألت الرضا عليه السلام عن الخصي يحلل، قال: (لا يحلل ") ولا
جابر لها، بل لم أجد عاملا بها إلا ما عساه يظهر من الحر في وسائله، فلا بأس
بحملها على خصي لا يحصل منه الجماع، على أن الخبر المزبور قد رواه الشيخ في
زيادات النكاح في التهذيب بهذا الاسناد عن الرضا عليه السلام (4) قال: " سألته عن
الخصي يحل قال: لا يحل " وإرادة التحليل منه خلاف المتعارف في التعبير، فلذا
احتمل إرادة حل نظره إلى المرأة أو عقده من دون الاختبار بحاله، بل ربما احتمل
إرادة سل الأنثيين الذي لا يجوز في الانسان، أو أكل الخصيتين، وإن كان رسم

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 2.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 2.
171

الكتابة بالياء في النسخ الصحيحة يأباهما. وعلى كل حال فهو شاذ ضعيف مضطرب.
(و) كذا قد عرفت فيما تقدم أنه (لو وطأ الفحل قبلا فأكسل حلت
للأول، لتحقق اللذة منهما) التي هي المراد من العسيلة، بل وإن لم تحصل
اللذة لهما، بناء علي أن المراد الدخول المفروض تحققه بغيبوبة الحشفة، كما
هو واضح.
(ولو تزوجها المحلل فارتد) بعد وطئه لها حصل التحليل قطعا، ولو
كان قبله قبلا ودبرا (فوطأها في الردة لم تحل، لانفساخ عقد) نكاحه (
بالردة)، إذ لا عدة لها، فوطؤه حينئذ وطء أجنبي، وكونها زوجته سابقا غير
مجد هنا قطعا وإن قلنا بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق، لظهور النص (1)
والفتوى في اعتبار وطئها حال كونها زوجة، ولذا لم يجد وطؤها بعد عقدها دائما
وطلاقها قبل الدخول وإن كان لشبهة فضلا عن غيرها، كما هو واضح.
ولو كان لها عدة بوطئه لها دبرا فوطأها قبلا بعد الردة فيها فقد يقوى
التحليل إذا فرض عوده إلى الاسلام فيها، لانكشاف كونه وطء زوجة، وكذا
الكلام في ارتداد الزوجة بالنسبة إلى الأقسام الثلاثة، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق.
172

(فروع:)
(الأول:)
(لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت وفارقها وقضت العدة وكان ذلك ممكنا
في تلك المدة قيل) والقائل المشهور بل لم أجد فيه خلافا محققا: (يقبل) بلا يمين
لا (ل‍) ما في المبسوط من (أن في جملة ذلك ما لا يعلم إلا منها كالوطء) وانقضاء
العدة، فإنه لا يقتضي تصديقها في غيرهما كالتزويج والطلاق، ومن هنا قال في كشف
اللثام: " لا يبعد تكليفه بالبينة فيهما " ولا لأنها ادعت أمرا ممكنا ولا معارض
لها، كمدعي الوكالة مثلا على مال شخص أو شرائه، فإنه يجوز أخذه منه، لما
ستعرفه. (و) لا لأنها مصدقة على نفسها لما تسمعه.
بل لأن (في رواية) حماد الصحيحة عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل
طلق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها، فقال لها: إني أريد مراجعتك فتزوجي
زوجا غيري، فقالت لي: قد تزوجت زوجا غيرك وحللت لك نفسي، أتصدق ويراجعها؟
وكيف يصنع؟ قال: (إذا كانت) المرأة (ثقة صدقت) في قولها " بناء على
عدم إرادة الشرطية بذلك، لعدم القائل به، ولأنه لا مدخلية لوثاقة المدعي من حيث
كونه كذلك في تصديقه، ولغير ذلك، فيحمل على الندب ونحوه، فيكون حينئذ دليل
المسألة، لا النصوص (2) المستفيضة المتضمنة لتصديق النساء في عدم الزوج، أو خلوها

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 23 و 25 من أبواب عقد النكاح والباب 10 من أبواب
المتعة من كتاب النكاح.
173

منه بموت ونحوه، سواء كان معلوما أو غير معلوم، بل في بعضها (1) " أرأيت لو
سألها البينة كان تجد من يشهد أن ليس لها زوج " وهو كالتعليل الشامل للمقام،
فإنه قد يناقش بأن ذلك غير المفروض الذي قد صرح في الكتاب (2) والسنة (3)
باشتراط الحل بالنكاح فيه الذي هو غير الخلو منه، وقبول قولها في الخلو من
الزوج لا يقتضي قبوله في حصول التزويج.
كما أنه قد يناقش في الدليل الأول بأن مقتضاه جواز التناول من المدعي
الذي لا معارض له لعدم تعلق خطاب مخصوص بالمتناول لا مطلقا ولذا لا يجوز دفع
الوديعة إليه مثلا بمجرد دعوى الوكالة أو الانتقال إليه، والمقام من الثاني، ضرورة
تعلق خطاب التحريم حتى يحصل نكاح زوج لها، فليس له نكاحها حتى يعلم ذلك
ولو بطريق شرعي، ومجرد قولها لم يثبت كونه طريقا لذلك، ودعوى أنه ربما مات
الزوج أو تعذر مصادفته بعينه ونحوها، فلو لم يقبل منها ذلك لزم الاضرار بها والحرج
المنفيان (4) واضحة الفساد، ضرورة عدم الضرر والحرج عليها باجتناب شخص
خاص عنها.
ومن ذلك يظهر أنه لا وجه للاستدلال بما هو كالتعليل في النصوص المزبورة
لقبول قولها في الخلو، وحينئذ فينحصر الدليل حينئذ بالصحيح المزبور على الشرط
المذكور، ولا ريب في أن الأحوط مراعاته، خصوصا بعد ظهور عبارة المصنف والنافع
في التوقف في الحكم المزبور، فتأمل جيدا.
ومن ذلك يعلم أولوية عدم قبول قولها لو عينته وأنكر أصل النكاح، وإن مال
في المسالك إلى قبوله في حصول التحليل وإن لم يثبت موجب الزوجية عليه، لوجود

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب المتعة الحديث 5 من كتاب النكاح.
(2) سورة البقرة: 2 - الآية 230.
(3) الوسائل الباب 3 و 4 و 7 من أبواب أقسام الطلاق.
(4) الوسائل الباب 39 من أبواب الوضوء الحديث 5 من كتاب الطهارة والباب
12 من كتاب احياء الموات.
174

المقتضي لقبول قولها مع عدم تكذيبه، وهو إمكان صدقها مع تعذر إقامة البينة على
جميع ما تدعيه، ومجرد إنكاره لا يمنع صدقها في نفس الأمر.
ولا ينافي ذلك تقديم قوله، لأنه منكر، واستصحابا للأصل، ولامكان إقامة
البينة على أصل التزويج، لأنا لا نقبل قولها إلا في حقها خاصة، والأصل لو عارض
لقدح في أصل دعواها مطلقا.
وناقشه في الحدائق بأن ظاهر النصوص قبول قولها حيث لا معارض لها في دعواها،
وإلا كانت من مسألة المدعي والمنكر. وفيه أن ذلك لا ينافي قبول قولها بالنسبة
إلى غير خصمها، على أن التكذيب أعم منه، إذ يمكن فرض ذلك حيث لا دعوى، بل
كان ذلك مجرد تكذيب لها كالأجنبي.
نعم قد عرفت أنه لا دليل على قبول قولها في ذلك بمجرد إمكان صدقه وإلا فمع
فرضه يتجه ما ذكره حتى في صورة الدعوى بالطريق الذي ذكره، فتأمل.
(الثاني:)
(إذا دخل المحلل فادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول) بلا خلاف ولا
إشكال، لكونه أمرا لا يعلم إلا من قبلهما (وإن كذبها قيل) والقائل الشيخ في
المحكي من مبسوطه: (يعمل الأول بما يغلب على ظنه من صدقهما أو صدق
المحلل) واستدل له بأن الفرض تعذر البينة، والظن مناط الأحكام الشرعية غالبا،
فيرجع إليه، وهو كما ترى، ضرورة عدم كونه مناطا لتحقق موضوعاتها.
والموجود في المبسوط بعد أن ذكر تصديقها مع عدم المعارض " فإن قال الزوج
الثاني: ما أصبتها فإن غلب على ظنه صدقها قبل قولها، وإن كذبها تجنبها، وليس
بحرام، ومتى كذبها في هذه الدعوى ثم صدقها جاز له أن يتزوج بها، لجواز أن
لا يعلم صدقها فكذبها ثم بان له صدقها فصدقها، فحل له أن يتزوج بها ".
175

وهو صريح في عدم الحرمة بعد حمل قوله " وإن كذبها " على إرادة غلبة
الظن بكذبها، والأمر بالتجنب على ضرب من الندب والاحتياط، فيكون موافقا لما
ذكره المصنف بقوله: (ولو قيل: يعمل بقولها على كل حال كان حسنا، لتعذر
إقامة البينة بما تدعيه) وفي القواعد " هو الأقرب " وفي المسالك " هو الأقوى لما
ذكره المصنف من تعذر إقامة البينة، مع أنها تصدق في شرطه، وهو انقضاء العدة،
فكذا في سببه، ولأنه لولاه لزم الحرج والضرر، كما أشرنا إليه ".
وناقشه في الحدائق بنحو ما سمعته سابقا من أنها بحصول المعارض من مسائل
المدعي والمنكر، فهي نظير ما لو ادعت المرأة أن لا زوج لها وادعى آخر أنها
زوجته، فإن الظاهر أنه لا قائل بجواز تزويجها في هذه الحال بناء على أنها مصدقة
في دعوى عدم الزوج، والحال أنه يدعي زوجيتها، وإنما قبول قولها مع عدم ذلك،
كما هو الظاهر من الأخبار (1) المتقدمة.
لكن لا يخفى عليك ما فيه من إمكان القطع بجواز تزويجها وإن ادعى مدع،
وإلا لزم تعطيل أكثر النساء بمجرد الدعوى التي لا يجبر صاحبها عليها لتقطع بظاهر
الشرع وربما يقال ذلك في مقام نشر الدعوى عند الحاكم وتشاغله بقطعها، لا أن
مطلق مجرد الدعوى يقتضي عدم جواز التزويج، وليس ذلك لتصديقها، بل للأصل،
كغيرها من الدعاوي في المال وغيره، كما هو واضح.
نعم قد يناقش بالشك في قبول قولها في الفرض باعتبار اشتراكهما في الائتمان
عليه، ولذا يصدق كل منهما فيه مع عدم معارضة الآخر، وأما مع التعارض
فيشكل ترجيح أحدهما على الآخر من دون مرجح، ولعله لذا كان المحكي عن
الشيخ الترجيح بغلبة الظن في قول أحدهما، ومقتضاه عدم الجواز مع عدم الترجيح،
ولا ينافي ذلك في قبول قولها مع عدم معارضة الزوج باعتبار كونها مؤتمنة عليه.

(1) الوسائل الباب 23 و 25 من أبواب عقد النكاح والباب 10 من أبواب
المتعة.
176

نعم قد يقال: لا دليل على الترجيح بغلبة الظن، إلا أن يراد بها الطمأنينة
التي هي علم في العرف في مقابلة العلم عند أهل الميزان، فيتجه حينئذ وجوب الاجتناب
مع عدمها، لأصالة بقاء التحريم السالمة عن المعارض حتى الصحيح (1) المزبور
الظاهر في كون المراد تصديق قولها إذا كان ثقة في مفروض السؤال الذي هو خال
عن تكذيب الزوج لها فتأمل جيدا.
ولو رجعت عن دعواها الإصابة قبل العقد عليها للزوج الأول لم تحل عليه،
لاقرارها المؤاخذة به، وإن لم ترجع إلا بعد العقد عليها لم يقبل رجوعها، لكونه
في حق الغير، ولو رجع هو أو هي عن التكذيب إلى التصديق حلت، لأصالة صحة
قول المسلم.
(الثالث:)
(لو وطأها محرما كالوطء في الاحرام أو الصوم الواجب) وفي الحيض أو
نحو ذلك (قيل) والقائل الإسكافي والشيخ فيما حكي عنهما: (لا تحل) له،
(لأنه) وطء (منهي عنه، فلا يكون مرادا للشارع) ولا مندرجا في أدلة التحليل
الظاهر في اعتبار المواقعة فيه المستفاد منها الإذن فيه.
(وقيل) والقائل المشهور: (تحل، لتحقق النكاح المستند إلى العقد
الصحيح) الذي قد جعله الشارع سببا للجواز، والمقام من أحكام الوضع التي لا مانع
من ترتيب الشارع لها على المحرم، بل قد عرفت في الأصول ترتيب المشهور
صحة العبادة في مسألة الضد على العصيان بترك المأمور به، ولا ريب أن المقام بطريق
أولى، ودعوى ظهور الأدلة هنا أن الشرط الوطء المأذون فيه من حيث كونه
كذلك وهو لا يتعلق بالمحرم وإن لم يكن عبادة واضحة الفساد، ضرورة أعمية
الإذن المستفادة من الأدلة من دعوى اعتبارها في الشرطية، فالأقوى حينئذ الحل

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
177

في الفرض، فضلا عن الحرمة في العارض، لضيق وقت صلاة مثلا.
بل الظاهر عدم الفرق الحرمة بما عرفت وبينها بعدم بلوغ البنت تسعا
وإن أفضاها، لاطلاق الأدلة، ودعوى ظهور الآية (1) في استقلال النكاح المحللة
بنفسها دون الصغيرة التي يعقدها المولى واضحة الفساد، إذ الظاهر أن أمثال هذه
الخطابات شاملة للوكالة والولاية وغيرهما، كما في غير المقام.
ومن هنا لم يكن فرق في المحلل والمحللة بين الجنون والعقل، نعم قد يتوقف
في حصول التحليل في الصغيرة لا من هذه الجهة، بل لعدم بلوغها حد ذوق العسيلة،
نحو ما سمعته في المراهق دون البلوغ، ومقتضاه عدم الاشكال في عدم حصوله فيها
إذ لم تكن مراهقة، وفي المراهقة البحث السابق.
إلا أن الذي يظهر من غير واحد من الأصحاب المفروغية من حصول التحليل
فيها وإن كانت صغيرة، بناء على عدم اعتبار الحل في الوطء، خصوصا عند تعرضهم
للشرائط واقتصارهم على اعتبار البلوغ في المحلل، ولم يتعرضوا للمحللة، فإن تم
إجماعا وإلا كان للنظر فيه مجال.

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 230 - 228.
178

(المقصد الثالث)
(في الرجعة)
التي هي لغة المرة من الرجوع، وشرعا رد المرأة المطلقة إلى النكاح السابق،
ولا خلاف بين المسلمين في أصل مشروعيتها المستفادة من الكتاب (1) والسنة (2)
والاجماع، كما لا خلاف بينهم في أنها (تصح الرجعة نطقا كقوله: " راجعتك ")
و " ارتجعتك " مطلقا أو مع إضافة قوله: " إلى نكاحي " ونحو ذلك من الألفاظ
الدالة على إنشاء المعنى المزبور بنفسها على تفاوتها بالصراحة أو بقرينة حال أو
مقال على حسب غيره من المعاني التي يراد إبرازها بالألفاظ الدالة عليها.
هذا ولكن في الروضة بعد ذكر الألفاظ الصريحة في الرجعة قال: " في معناها
" رددتك " وأمسكتك " لورودهما في القرآن (3) بقوله تعالى: " وبعولتهن أحق
بردهن " وقوله تعالى (4) " فامساك بمعروف " ولا تفتقر إلى نية الرجعة، لصراحة
الألفاظ، وقيل يفتقر إليها في الأخيرين، لاحتمالهما غيرها، كامساك باليد وفي
البيت ونحوه، وهو حسن.
وفيه أن إرادة المعنى من اللفظ المقصود به الدلالة على ذلك معتبرة في كل لفظ
صادر من غير الساهي والنائم والعابث، نعم تختلف الألفاظ الصريحة من غيرها بالحكم
على المتلفظ بالأول منها من غير حاجة إلى إخباره بذلك بخلاف الثاني فإنه لا يحكم
عليه بإرادة المعنى المقصود به إلا بإخباره أو وجود القرينة الدالة على ذلك الذي

(1) سورة البقرة: 2 الآية 230 - 228.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أقسام الطلاق.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 228 - 229.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 228 - 229.
179

يكون بها صريحا أيضا كما هو واضح بأدنى نظر.
إنما الكلام في أمرين لم أجد لهما تحريرا في كلام الأصحاب: (أحدهما):
أن الرجعة من أقسام الايقاع، فيعتبر فيها حينئذ قصد الانشاء، واللفظ الصريح
الدال عليها عند من اعتبره في نظائرها من العقود والايقاعات، أو ليست كذلك، بل
هي من حقوق المطلق، كما عساه يومي إليه هنا اتفاقهم ظاهرا على عدم اعتبار
لفظ مخصوص بها، بل ستسمع التصريح نصا (1) وفتوى بحصولها بالفعل المقتضي،
للزوجية، بل تسمعهما أيضا في أن إنكار الطلاق رجعة، ونحو ذلك مما لم يعهد منهم
نظيره في غيرها من الايقاعات، بل ستسمع تردد المصنف في قبولها للتعليق، (ثانيهما)
اعتبار قصد معنى الرجوع فيها أو يكفي حصول ما يقتضي كونها زوجة له فعلا وإن
لم يتصور معنى الرجوع، كما عساه يومئ إليه الحكم بكون كل من الوطء وإنكار
الطلاق رجعة، وربما تسمع لهما فيما يأتي تنقيح في الجملة.
(و) كذا لا خلاف بيننا في أنها تصح (فعلا كالوطء) بل الاجماع بقسميه
عليه، بل عن بعض العامة موافقتنا عليه، وقال الصادق عليه السلام في صحيح محمد بن القاسم (2):
" من غشي امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحد، وإن غشيها قبل انقضاء العدة غشيانه
إياها رجعة ".
(و) لا خلاف في عدم اختصاص ذلك بالوطء، بل (لو قبل أو لامس
بشهوة) أو بدونها أو نحو ذلك مما لا يحل إلا للزوج (كان رجعة) أيضا (ولم
يفتقر استباحته) أي الوطء أو التقبيل أو اللمس بشهوة (إلى تقدم الرجعة) في
اللفظ (لأنها زوجة) ما دامت في العدة، فله فعل ذلك وغيره بها من دون تقدم
رجوع، بل قد يظهر من المصنف والقواعد عدم اعتبار قصد الرجوع كما اعترف به
غير واحد، بل في التحرير التصريح بأنه لا حاجة إلى نية الرجعة إذا تحقق القصد
إلى الفعل بالمطلقة وإن كان ذاهلا عن الرجعة، بل في كشف اللثام احتمال ذلك حتى
مع نية خلافها، لاطلاق النص (3) والفتوى.

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
180

نعم لا عبرة بفعل الغافل والنائم ونحوهما مما لا قصد فيها للفعل، كما لا عبرة
بالفعل المقصود به غيرها، مثل ما لو ظن أنها غير المطلقة فواقعها مثلا.
لكن في الحدائق وغيرها المفروغية من اعتبار قصد الرجوع بالفعل، لأن الأحكام
صحة وبطلانا وثوابا وعقابا دائرة مدار القصود، وهو كما ترى لا يستأهل ردا،
ضرورة تحقق القصد إلى الفعل في المفروض، لكن بدون قصد الرجوع، وهو أمر زائد
على أصل القصد بالفعل الذي يخرج به عن الساهي والنائم ونحوهما.
وكذا ما قيل من أن النكاح قد انفسخ بالطلاق، فلا يجوز الاستمتاع إلا بعد
الرجوع الذي أقل ما يتحقق به قصده، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص (1) والفتوى
المصرحين ببقائها في العدة على حكم الزوجة، الذي منه جواز وطئها من غير حاجة
إلى قصد معنى رجوع.
وبذلك يظهر أن الأفعال رجوع وإن لم يقصد بها ذلك، لا دالة على الرجوع،
كما صرح به في جملة من العبارات، بل قيل إنه أقوى من اللفظ، بل لعل مقتضى
إطلاق النص (2) والفتوى ذلك حتى مع قصد العدم أيضا، فيسقط حينئذ ما ذكره في
المسالك من التفريع من أنه " لو أوقع الوطء بقصد عدم الرجوع أو مع عدم قصد
الرجوع فعل حراما، لانفساخ النكاح بالطلاق وإن كان رجعيا، لأن فائدة الرجعي
جواز الرجوع فيه لابقائه بحاله، وإلا لم يبن بانقضاء العدة، لكن لا حد عليه وإن
كان علما بالتحريم، لعدم خروجها عن حكم الزوجية رأسا، ولقيام الشبهة، بل
التعزير على فعل المحرم مع العلم لا مع الجهل بالتحريم، ثم إن لم يراجعها فعليه
مهر المثل، لظهور أنها بانت بالطلاق، إذ ليس هناك سبب غيره، وإن راجعها بعد
ذلك ففي سقوطه وجهان: من وقوع الوطء في حال ظهور خلل النكاح وحصول الحيلولة

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6 والباب 20
منها الحديث 11.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
181

منهما، ومن ارتفاع الخلل أخيرا وعودها إلى صلب النكاح الأول، ومن ثم لو طلقها
بائنا كان طلاق مدخول بها، نظرا إلى الدخول الأول، ولأن الرجعة رد النكاح
الذي زال بطلاق الزوج، ومثله ما لو ارتدت المرأة بعد الدخول فوطأها الزوج في
مدة العدة وعادت إلى الاسلام، أو أسلم أحد المجوسيين أو الوثنيين ووطأها ثم أسلم
المتخلف قبل انقضاء العدة وأولى هنا بعدم ثبوت المهر، لأن أثر الطلاق لا يرتفع
بالرجعة، بل يبقى نقصان العدة، فيكون ما بعد الرجعة وما قبل الطلاق بمثابة عقدين
مختلفين، وأثر الردة وتبديل الدين يرتفع بالاجتماع في الاسلام، ويكون الوطء
مصادفا للعقد الأول، ولو قيل بوجوب المهر هنا وبعدمه في تبديل الدين كان حسنا ".
بل لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا في المرتد من أنه بالاسلام
في العدة ينكشف البقاء على الزوجية، ولعل المقام أولى، من جهة كثرة النصوص (1)
بأن الرجعية في العدة زوجة المنزل على إرادة حكم الزوجة الذي منه جواز وطئها،
بل ما ذكره أولا من عدم ترتب الحد عليه على ما ذكرناه عند التأمل.
(ولو أنكر الطلاق) في العدة (كان ذلك رجعة) بلا خلاف أجده فيه
بيننا، بل الاجماع بقسميه عليه، (لأنه يتضمن التمسك بالزوجية) بل في المسالك
" هو أبلغ من الرجعة بألفاظها المشتقة منها وما في معناها، لدلالتها على رفعه في
غير الماضي، ودلالة الانكار على رفعه مطلقا ".
ولعل الأولى الاستدلال بصحيحة أبي ولاد (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته
عن امرأة ادعت على زوجها أنه طلقها تطليقة طلاق العدة طلاقا صحيحا، يعني على
طهر من غير جماع أشهد لها شهودا على ذلك، ثم أنكر الزوج بعد ذلك، فقال:
إن كان إنكار الطلاق قبل انقضاء العدة فإن انكاره للطلاق رجعة لها، وإن كان أنكر
الطلاق بعد انقضاء العدة فإن على الإمام أن يفرق بينهما بعد شهادة الشهود بعد ما

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق والباب 13 منها الحديث 6
والباب 20 منها الحديث 11 والباب 18 و 20 و 21 من أبواب العدة.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
182

يستحلف أن إنكاره الطلاق بعد انقضاء العدة، وهو خاطب من الخطاب ".
وعن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام (1) " وأدنى المراجعة أن يقبلها أو ينكر
الطلاق، فيكون إنكار الطلاق رجعة " ولعل من ذلك يظهر عدم اعتبار قصد معنى
الرجوع في الرجعة، ضرورة أن إنكار أصل الطلاق مناف لقصد الرجعة به.
ومن هنا أشكل بعضهم الحكم المزبور بأن الرجعة مترتبة على الطلاق وتابعة
له، وإنكاره يقتضي إنكار التابع، فلا يكون رجعة، وإلا لكان الشئ سببا في
النقيضين، ولا يحتاج إلى دفعه في المسالك " بأن الشارع إذا جعل إنكار الطلاق رجعة
فقد قطع التبعية المذكورة، أو يجعل الانكار كناية عن الرجعة، ولا يراد منه
حقيقته، فإن المقصود حينئذ من إنكار الطلاق إعادة النكاح المتحقق في الرجعة بأي
لفظ دل عليه، وهذا منه ".
بل في الأخير منه ما لا يخفى من ظهور النص (2) والفتوى بإرادة الحقيقة من
الانكار الذي يترتب عليه الرجوع، بل في الأول أيضا ما لا يخفى إن كان المراد
تحقق معنى الرجعة فيه، لا أن المراد منه أنه رجعة شرعا وإن لم يتحقق معناها ولا
قصده ولكن ذلك ليس بأولى من القول بعدم اعتبار إنشاء معنى الرجوع فيها، بل
يكفي فيها اللفظ الدال على كونها زوجة فعلا، بل والفعل وإن لم يقصد معنى الرجوع،
وبذلك يتفق خبرا (3) الانكار والفعل، بل يكفي فيه حينئذ قوله: " هي زوجتي
الآن ".
وأما احتمال الاكتفاء في الرجعة بما يقتضيه الانكار ويستلزمه من الرغبة
في الزوجية وإرادة البقاء على النكاح الأول، وإلا لم ينكر زواله بالطلاق، وهذا
معنى قول المصنف: " لأنه يتضمن " أي يستلزمه ويقتضيه فهو كما ترى، وإن

(1) المستدرك الباب 12 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 والباب 29 من
كتاب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
183

أيده بعضهم بأن إرادة الزوجية والرغبة فيها بعد إزالتها ضرب من الرجوع إليها وإن
لم يكن بقول ولا فعل، بل بمجرد الإرادة والمحبة المدلول عليها استلزاما بالانكار،
إذ فيه أن مقتضى ذلك اعتبار أن لا يظهر منه عدم إرداة الرجوع، من حيث أن
المراجعة به إنما كانت باعتبار اقتضائه التمسك بالزوجية والرغبة فيها والميل إليها،
مع أن النص (1) وكلام الأصحاب مطلق.
فلا محيص حينئذ عن القول بأن الرجعة ليست من قسم الايقاع، ولا يعتبر
فيها قصد معنى الرجوع، بل يكفي فيها كل ما دل من قول أو فعل على التمسك
بالزوجية فعلا وإن ذهل عن معنى الطلاق، وهو مراد المصنف. ومن ذلك يعلم أنه
لا وجه لكثير مما في كتب المتأخرين ومتأخريهم.
(ودعوى) أن خصوص الوطء مثلا والانكار رجعة تعبدا وإن لم يكن فيهما
إنشاء ولا قصد معنى الرجوع بخلاف غيرهما من أفراد الرجعة المعتبر فيها إنشاء
معنى الرجوع (يدفعها) أنه لا دليل معتد به على اعتبار ذلك فيها كي يلتزم إخراج
هذين القسمين من بين أفرادها، وقوله تعالى (2): " وبعولتهن أحق بردهن "
كقوله تعالى (3): " فامساك بمعروف " أو غيره أعم من اعتبار الأمرين المزبورين
فيها، فيبقى حينئذ ما يستفاد من تحققها بالانكار والفعل مجردا عنهما من كون
الرجعة مطلقا كذلك بحاله من غير معارض، خصوصا بعد ظهور النص والفتوى في
أن الرجعة شئ واحد، لا أنها أمران: أحدهما يعتبر فيه الانشاء وقصد معنى
الرجوع، وهو ما عدا الأفعال والانكار من الأقوال، وربما كان في التأمل في كلمات
الأساطين منهم في المقام وغيره قرائن كثيرة على ذلك.
(و) كيف كان ف‍ (لا يجب الاشهاد في الرجعة) بلا خلاف فيه بيننا،
بل الاجماع بقسميه عليه، وهو الحجة، مضافا إلى الأصل والنصوص (4) المستفيضة

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 228 - 229.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 228 - 229.
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 0 -.
184

أو المتواترة.
(بل يستحب) لحفظ الحق ورفع النزاع، قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح
ابن مسلم: (1) " إن الطلاق لا يكون بغير شهود، وإن الرجوع بغير شهود رجعة، ولكن
ليشهد بعد فهو أفضل " وقال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي أو حسنه (2) " في الذي
يراجع ولم يشهد قال: يشهد أحب إلي، ولا أرى بالذي صنع بأسا " إلى غير ذلك من
النصوص، ولا ينافي ذلك عدم قبول قوله في بعض الأحوال الناشئ من تقصيره في عدم
الاشهاد، وقوله تعالى (3): " وأشهدوا ذوي عدل " في الطلاق لا الرجعة، أو محمول
على الندب لما عرفت.
(ولو قال راجعتك إذا شئت أو إن شئت) أو " إذا جاء رأس الشهر " (لم
يقع ولو قالت: شئت) على المشهور، كما في المسالك، بل نسبه فيها إلى الشيخ وأتباعه
والمتأخرين، لنحو ما سمعته في غيرها من أقسام العقود والانشاءات من منافاته لظاهر
ما دل على السببية المنافية لتأخر ترتب الأثر.
ولكن مع ذلك قال المصنف: (وفيه تردد) من ذلك ومما في كشف اللثام:
من أنه " لا يشترط في الرجعة إلا التمسك بالزوجية، ولذا تحقق بالأفعال الدالة عليه،
فلا يشترط فيها الايقاع ولا الانشاء " قلت: هو مؤيد لما ذكرناه سابقا.
لكن مع ذلك قد يناقش بأن عدم اعتبار الانشاء فيها لا ينافي عدم قبول التعليق
فيما لو قصده بها، إذ لا مانع ترتب أثرها على إنشاء الرجعة المجرد عن التعليق
وإن لم نقل باعتبار ذلك فيها، بل قلنا إنه يكفي فيها التمسك بالزوجية السابقة المجرد
عن أصل الانشاء فصلا عن إنشاء معنى الرجوع، فيتجه حينئذ البحث عن صحتها
مع التعليق.
اللهم إلا أن يقال: إنها بعد أن لم تكن من أقسام الايقاع المعتبر فيها ذلك

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 2.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 - 2.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 2.
185

ولو بظاهر أدلة التسبيب تصح في المعلق على حسب غيرها من أقسام الانشاء القابل
لذلك، نحو قول السيد لعبده: " أكرم زيدا إن جاءك " أو " إذا جاءك رأس الشهر "
ونحو ذلك، فإن إنشاءها حيث يؤتى به من هذا القبيل، لا من قبيل إنشاء الايقاع.
وفيه أنه لا شك في احتياج الرجوع بعد حصول مقتضى الفسخ إلى سبب، ولم
يثبت سببية المعلق، ولا إطلاق يتمسك به، فالأصل عدم حصوله.
وقد يدفع بأنه يكفي إطلاق أدلة الرجعة التي قد عرفت أن مفادها تحققها بما
يحصل من قول أو فعل يقتضي البقاء على الزوجية السابقة وإن لم يقصد إنشاء معنى
الرجوع، ولا ريب في حصوله بقول: " أنت زوجتي إذا جاء رأس الشهر " أو " إذا
رضيت " أو " رضي زيد " وحصل المعلق عليه.
والعامة لم يجوزوا التعليق فيها مع تجويزهم له في الطلاق، وهو مبني على
أنها عندهم استباحة بضع، فكانت كالنكاح الذي لا يقبله، لا كالطلاق الذي هو
لحرمة استباحة العضو، وهو كما ترى مجرد استحسان واعتبار، ومبني على أصل
فاسد، فتأمل جيدا.
(ولو طلقها رجعيا فارتدت فراجع لم يصح) في المشهور على ما قيل،
(كما لا يصح ابتداء الزوجية) وإن لم نقل: إن الرجعة ابتداء نكاح، بل لمصادفتها
محلا غير قابل للرجوع، ضرورة اقتضاء الارتداد انفساخ النكاح الكامل فضلا عن
علقته في المطلقة رجعيا، ومن هنا تبين منه لو لم تكن مطلقة، وما دل على اقتضاء
الرجعة الرجوع إنما هو مع انحصار سبب الفسخ في الطلاق، لا مع فرض حصول سبب
آخر له، ودعوى صحة الرجعة بمعنى تأثيرها فسخ الطلاق فله أن يطلقها وحينئذ واضحة
الفساد، ضرورة عدم صحة الطلاق في البائنة منه بالارتداد.
نعم قد يقال بناء على ما ذكرناه سابقا من المراعاة في الفسخ بالارتداد بالاسلام
وعدمه إلى انقضاء العدة يتجه حينئذ صحة الرجعة والطلاق أيضا مراعى باسلامها في
العدة، لانكشاف حصولهما حينئذ في المحل القابل لهما، ولعله لهذا نظر المزني من
العامة فقال: (تصح الرجعة موقوفة) أما على القول بأن الاسلام في العدة عود جديد
186

من حينه فلا ريب في عدم صحة الرجعة فضلا عن الطلاق بعدها، وعلى هذا ينبغي أن
يكون بناء الاسلام.
كما أن منه ينبغي التردد لا مما ذكره المصنف بقوله: (وفيه تردد ينشأ
من كون الرجعية زوجة) وإن تبعه عليه الفاضل وغيره، فإنه بعد تسليم كونها
كذلك لا ينافي بينونتها بسبب آخر وهو الردة، كما إذا لم تكن مطلقة، فلا يصح
الرجوع بها حينئذ لذلك وإن قلنا: إنها زوجة أو كالزوجة في الأحكام.
بل من ذلك يظهر لك ما في المسالك وغيرها من بناء المسألة على أن الطلاق
رافع لحكم الزوجية رفعا متزلزلا يستقر بانقضاء العدة، أو أن خروج العدة تمام
السبب في زوال الزوجية، مؤيدا للأول بتحريم وطئها لغير الرجعة، ووجوب المهر
بوطئها على قول وتحريمها به إذا كمل العدد وفي كشف اللثام بأنها ابتداء نكاح،
فإن الطلاق زوال له، والزائل لا يعود، وإطلاق الزوجة عليها مجاز، لثبوت أحكامها
لها، وهو لا يفيد الزوجية والثاني (1) بعدم وجوب الحد بوطئها، ووقوع الظهار
واللعان والايلاء بها، وجواز تغسيل الزوج لها وبالعكس، بل في كشف اللثام نسبته
إلى المفهوم من الأخبار والأحكام (والاجماع خ ل) والفتاوى، وزاد بأنها لو لم
تكن زوجة كانت الرجعة تجديد نكاح، ولو كان كذلك لافتقر إلى إذنها، ضرورة
عدم مدخلية ذلك في صحة رجوعها مرتدة، كضرورة عدم كونها زوجة حقيقة، وإلا
لم يكن للرجوع بها معنى، وإنما لها أحكام الزوجة.
وكذا بناء المسألة على أن الرجعة ابتداء نكاح أو استدامته، إذ على
التقديرين يتجه عدم صحة الرجعة، لانفساخ النكاح بالردة، فلا معنى لاستدامته،
واحتمال عدم الفسخ بالردة هنا، لعدم مصادفتها النكاح الذي تفسخه، وإنما صادفت
مطلقة لها علقة يدفعه أن العلقة المزبورة هي علقة النكاح الأول الذي لا يصلح رجوعه
مع الردة.

(1) عطف على " للأول " في قوله: " مؤيدا للأول بتحريم وطئها.
187

ومن هنا كان ظاهرهم المفروغية من عدم جواز الاستمتاع بها حال الردة لو
رجع بها، ولو أنها مستثناة من التمسك بعصم الكوافر (1) ونكاح الكفار باعتبار
عدم كون الرجعة نكاحا جديدا لاتجه حينئذ جواز الاستمتاع بها، بل لا تبين منه
حتى إذا انقضت العدة مرتدة، ولا أظن قائلا به.
وكذا الكلام أنه لو فرض ارتداد الزوج في زمن العدة الرجعية لم يكن له
الرجوع على حسب ما سمعته. (و) بذلك ظهر لك أن ما في القواعد - من أن
الأقرب جواز الرجوع - لا يخلو من نظر أو منع.
ف‍ (لو أسلمت بعد ذلك استأنف الرجعة إن شاء) لفساد الرجعة السابقة إلا
بناء على الكشف الذي ذكرناه.
(ولو كان عنده ذمية) فأسلم (فطلقها رجعيا ثم راجعها قيل: لا يجوز،
لأن الرجعة كالعقد المستأنف) المفروض عدم جوازه عليها ابتداء لأن الأول قد
انفسخ بالطلاق. (و) لكن (الوجه الجواز، لأنها لم تخرج عن زوجيته)
كما هو مقتضى إطلاق النص (2) والفتوى، وما سمعته من جواز وطئها من دون قصد
الرجوع (فهي) برجوعه لها في العدة (كالمستدامة) التي لم يطلقها، على أن
النكاح الأول لو كان زائلا بالطلاق الرجعي لكان العائد بالرجعة إما الأول أو غيره
والأول مستلزم إعادة المعدوم، والثاني منتف إجماعا، وإلا لتوقف على رضاها،
فالنكاح الأول باق، غايته أنه متزلزل، واستدامته غير ممتنعة في الذمية إذا منعنا
ابتداء نكاحها، وإلا سقط التفريع.
هذا وظاهر عبارة المصنف وغيره أن موضوع المسألة الأولى الارتداد، بل كاد
يكون صريح بعضهم، لكن في كشف اللثام تقييده بالارتداد كتابية، وكأنه لعدم
احتمال صحة الرجعة في غيرها، وفيه أنه لا فرق في الارتداد بين الكتابية وغيرها،

(1) سورة الممتحنة: 60 الآية 10.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6 والباب 20
منها الحديث 11.
188

لأن الارتداد من حيث كونه ارتدادا فاسخ للنكاح، إلا مع العود للاسلام في العدة، وليس الارتداد بالكتابية يجعل لها حكم الذمية التي يجوز استدامة نكاحها، وإلا
لاتجه حينئذ جواز الرجوع بها، لأن الرجعة ليس ابتداء نكاح، فيكون حكم
المسألة الأولى كالثانية، مع أنك قد عرفت أن المشهور عدم جواز الرجوع فيها
بخلاف الثانية، فإن الأمر بالعكس، فالمتجه حينئذ جعل موضوع المسألة الأولى
الارتداد مطلقا كي يتجه القول بعدم جواز الرجعة، فتأمل.
وكيف كان فقد يلحق بذلك جواز الرجوع بالزوجة في الاحرام، لعدم
كونه ابتداء نكاح، بل يجوز مراجعة الأمة لمن نكحها قبل نكاح الحرة لعدم الطول
ثم استطاع فنكح الحرة إذا قلنا بعدم انفساخ نكاح الأمة، فلو طلقها حينئذ كان
له الرجوع بها، وإن لم نجوز له ابتداء النكاح إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك
وجهه.
(ولو طلق وراجع فأنكرت الدخول بها أولا وزعمت أنه لا عدة عليها ولا
رجعة وادعى هو الدخول كان القول قولها مع يمينها، لأنها تدعي الظاهر) الموافق
للأصل مع فرض عدم الخلوة بها، وإلا كان فيه البحث السابق في النكاح، وكذا
لو كانت دعواه إني طلقتها بعد الدخول فلي الرجعة، فأنكرت الدخول، ضرورة
اتحاد المدرك في المسألة من غير فرق بين وقوع المراجعة منه وعدمها، نعم يختلفان
في إلزامه بالأحكام على مقتضى إقراره من عدم جواز نكاح أختها والخامسة إلا
بعد طلاقها في الأول، بخلاف الثاني، فإنه يكفي في الجواز انقضاء العدة، وأما حكم
المهر بالنظر إلى تنصيفه والمطالبة به وغير ذلك فقد تقدم في كتاب النكاح تفصيل
القول فيه في هذا الفرض، وفيما لو كانت الدعوى منها الدخول وأنكره هو، على أنه
واضح بأدنى التفات إلى القواعد العامة المتعلقة بالاقرار ونحوه.
(ورجعة الأخرس) بالفعل كغيره بالقول و (بالإشارة الدالة على المراجعة)
وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، لما عرفته سابقا من الاجتزاء بذلك
189

منه في عقوده وإيقاعاته، والرجعة منها أو أولى بذلك منها
(و) حينئذ فما (قيل) - كما عن الصدوقين من اختصاص ذلك (بأخذ
القناع من رأسها) - واضح الفساد، لعدم دليل صالح لتقييد ما دل (1) على قيام
مطلق إشاراته مقام اللفظ الذي يقع من غيره.
ومن هنا قال المصنف: (وهو شاذ) وإن أسنده في النافع إلى رواية، بل
عن الشيخ وابن البراج ذلك أيضا، إلا أنه لم نقف عليها، نعم روى السكوني (2) عن
الصادق عليه السلام " طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها ويضعها على رأسها ويعتزلها "
ولا إشارة فيه إلى الرجعة، اللهم إلا أن يكون قد فهموا ذلك منه بالضدية، وربما
نسب ذلك إلى كتاب الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام (3) لكن قد عرفت غير مرة عدم
تحقق هذه النسبة عندنا، والأمر سهل بعد وضوع الحال، بل يمكن حمل الرواية
على تقديرها بل وعبارة الصدوقين على إرادة كون ذلك أحد الأفراد.
(وإذا ادعت انقضاء العدة بالحيض في زمان محتمل) وأقله في الحرة ستة
وعشرون يوما ولحظتان، إحداهما بعد وقوع الطلاق، والأخرى لتحقق الطهر
الثالث أو للخروج من العدة، لا أنه جزء منها، لأنها ثلاثة قروء، وقد انقضت قبلها،
فلا يصح الرجعة فيها، ويصح العقد، وربما قيل: هي منها، لأن الحكم بانقضائها
موقوف على تحققها، وهو كما ترى لا يدل على المدعى، وقد يتفق الأقل نادرا في
الحرة بثلاثة وعشرون يوما، بأن يطلقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس المعدود

(1) الوسائل الباب 59 من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 من كتاب الصلاة.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 " عن السكوني
قال: طلاق الأخرس.... " إلا أن الموجود في الاستبصار ج 3 ص 301 والكافي ج 6
ص 128 " عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: طلاق الأخرس.... "
(3) الموجود في فقه الرضا عليه السلام ص 33 " والمعتوه إذا أراد الطلاق ألقى
على امرأته قناعا وروي أنها قد حرمت عليه فإذا أراد مراجعتها رفع القناع عنها يرى أنها
قد حلت له ".
190

بحيضة، ولا حد لأقله، ثم تطهر عشرة ثم تحيض ثلاثة ثم تطهر عشرة ثم ترى
الحيض لحظة، وأما الأمة فأقل عدتها بالحيض ثلاثة عشر يوما ولحظتان، بل يتفق
الأقل من ذلك فيما سمعته من الفرض النادر.
وعلى كل حال فإن ادعت الانقضاء في الزمان المحتمل (فأنكر) الزوج
مع اتفاقهما على تاريخ الطلاق أو سكوتهما (فالقول قولها مع يمينها) لقول أبي
جعفر عليه السلام في صحيح زرارة أو حسنه (1): " الحيض والعدة إلى النساء، إذا ادعت
صدقت " والصادق عليه السلام (2) في قوله تعالى (3): " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق
الله في أرحامهن ": " قد فوض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض والطهر والحمل "
وغيرهما من النصوص الدالة على تصديقها في مثل ذلك، بل قد يشعر النهي عن
الكتمان في الآية بائتمانهن على ذلك، نحو قوله تعالى (4): " ولا تكتموا الشهادة "
على أنه شئ لا يعلم إلا من قبلها فتصدق فيه.
بل مقتضى إطلاق ما سمعت عدم الفرق بين دعوى المعتاد وغيره، لكن قرب
في اللمعة عدم قبول دعوى غير المعتاد من المرأة إلا بشهادة أربع نساء مطلعات على
باطن أمرها، ناسبا له إلى ظاهر الروايات، ولم نعثر إلا على المرسل (5) عن أمير

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
(4) سورة البقرة: 2 الآية - 283.
(5) أشار إليه في الوسائل في الباب 47 من أبواب الحيض الحديث 3 من
كتاب الطهارة وذكره في الفقيه ج 1 ص 55 الرقم 207. وقد ورد هذا اللفظ أيضا في
رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام بسندين ذكرهما الشيخ (قده): الأول في
التهذيب ج 1 ص 398 والاستبصار ج 1 ص 148. راجع الوسائل الباب 47 من أبواب
الحيض الحديث 3، والثاني في التهذيب ج 6 ص 271 راجع الوسائل الباب 24 من
كتاب الشهادات الحديث 37 ولعل الشهيد (قد ه) أشار إلى هذه الروايات.
191

المؤمنين عليه السلام " إنه قال في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض: إنه
يسأل نسوة من بطانتها هل كان حيضها فيما مضى على ما ادعت؟ فإن شهدت صدقت،
وإلا فهي كاذبة " وعن الشيخ حمله على التهمة جمعا بين الأخبار.
وفي المسالك بعد أن ذكر ما ذكرناه مع زيادة عدم الفرق بين مستقيمة الحيض
والطهر وغيرها، لعموم النص وإمكان تغير العادة قال: " وينبغي استفصالها مع
التهمة، وسؤالها كيف الطهر والحيض؟ وفي بعض الأخبار (1) أنه لا يقبل منها غير
المعتاد إلا بشهادة أربع من النساء المطلعات على باطن أمرها، وقربه الشهيد في
اللمعة، ولا بأس به مع التهمة وإن ضعف مأخذه ".
وفي الحدائق بعد أن ذكر جمع الشيخ قال: " وهو جيد، لما تقدم من النصوص (2)
الدالة على قبول قولها في أمثال هذه الأمور - ثم حكى عن الشهيد ما سمعت ثم قال -:
لا أعرف له وجها، إذ ليس إلا الخبر المزبور المعارض بالأصح سندا وأكثر عددا
وأصرح دلالة، فيتعين حمله على التهمة ".
قلت: إن كان مراد الجميع أنه في حال التهمة يكون الأمر كما ذكره الشهيد
وجوبا يدفعه قصور الخبر المزبور عن معارضة النصوص المزبورة المؤيدة بغيرها،
بل وباطلاق فتوى الأصحاب، حتى قيل: إنه من المقطوع به في كلامهم، وإن كان
المراد استحباب السؤال حال التهمة فلا ثمرة له مع فرض عدم من يشهد لها من النسوة
حال التداعي المحتاج فيه إلى حكم من الحاكم لقطع الخصومة، فالمتجه حينئذ قبول
قولها مطلقا، نعم يشرع للحاكم الاستظهار بطلب نسوة تشهد لها بذلك، وإن كان
ميزانه الحكم لها مع فرض عدم من يشهد لها، بل ومع من يشهد بأن عادتها خلاف

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب الحيض من كتاب الطهارة والباب 24
من كتاب الشهادات الحديث 37.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد والباب 47 من أبواب الحيض
من كتاب الطهارة.
192

ما ذكرت، لما عرفت من إمكان اختلاف العادة.
ثم إنه حيث لا تقبل دعواها لكونها قبل وقت الامكان فجاء وقت الامكان ففي
المسالك " نظر إن كذبت نفسها أو قالت غلطت وابتدأت دعوى الانقضاء صدقت بيمينها
وإن أصرت على الدعوى الأولى ففي تصديقها الآن وجهان، من فساد الدعوى الأولى
فلا يترتب عليها أثر ولم تدع غيرها، ومن أن إصرارها عليها يتضمن دعوى الانقضاء الآن
والزمان زمان الامكان ".
(ولو ادعت انقضاءها بالأشهر) وكان تاريخ الطلاق معلوما رجع إلى
الحساب، وإن لم يعلم أو اختلفا فيه فأنكر الزوج انقضاءها (كان القول قول الزوج
لأن) مرجعه () أي هذا الاختلاف في الحقيقة إلى ال‍ (اختلاف في زمان
إيقاع الطلاق) ولا ريب أن القول قول فيه، لأصالة بقائها في العدة، مؤيدا بأصالة
تأخر الحادث.
لكن قد يقال بأنه لا يعارض إطلاق الصحيح (1) المزبور الذي مقتضاه رجوع
أمر العدة إلى النساء وإلا لاقتضى تقديم قوله أيضا في عدم الانقضاء بالحيض والوضع،
ضرورة كون مقتضى الأصل فيهما البقاء على الزوجية أيضا. وربما دفع بأن
النزاع هنا في الحقيقة ليس في العدة، فيقبل قولها وإن توجه إليها في الظاهر، بل
هو في زمان وقوع الطلاق، وليس مثله داخلا في الاطلاق، وبذلك يظهر حينئذ أن
المراد بالأصل ليس أصل البقاء بل هو أصل عدم تقدم الطلاق، فتأمل جيدا، إذ
الجميع كما ترى - مع قطع النظر عن شهرة الأصحاب أو اتفاقهم - بعد ظهور
النصوص (2) في جعل أمر العدة إليها، وأنها إذا ادعت صدقت المقتضي للحكم
بصدقها متى كان محتملا.
بل قد يقال: إن مقتضى ذلك تقديم قولها في الانقضاء بالأقراء وإن كذبها

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد والباب 47 من أبواب الحيض من
كتاب الطهارة.
193

الزوج بدعوى تأخر زمان وقوع الطلاق على وجه يقصر عن وقوع الأقراء، لأن
احتمال صدقها كاف في تصديقها، ومن ذلك يظهر أنه لا وجه لاشتراط قبول قول
الزوج بالاتفاق على مضي زمان صالح، كما عساه يتوهم من عبارة المتن ونحوها.
(وكذا لو ادعى الزوج الانقضاء) للتخلص من النفقة مثلا فأنكرت هي
(ف‍) إن (القول قولها) وإن كان الطلاق فعله، (لأن الأصل بقاء) علقة
(الزوجية) التي كانت (أولا) مؤيدا بأن الأصل تأخر زمان وقوع الطلاق،
بل لا فرق في ذلك بين كون العدة بالحيض والأشهر.
(ولو كانت حاملا فادعت) انقضاء عدتها مثلا (بالوضع) فأنكر الزوج
وضعها بعد اعترافه بحملها (قبل قولها) بيمينها بلا خلاف أجده فيه أيضا (ولم
تكلف) بالبينة ولا ب‍ (احضار الولد) الذي قد تعجز عن إحضاره، لاطلاق
ما دل (1) على تصديقهن في العدة، ولجواز وضعه بحيث لم يطلع عليه غيرها ثم موته
أو سرقته، لاطلاق قول الصادق عليه السلام (2): " تفويض الله لها الحمل " الذي منه هذا،
ولأنه يتعذر أو يتعسر عليها الاشهاد على ذلك في كل حال.
بل في القواعد " تصدق حتى لو ادعت الانقضاء بوضعه ميتا أو حيا ناقصا أو
كاملا " معرضا بذلك بما عن بعض العامة من تكليفها بالبينة إن ادعت وضع الكامل،
لأنها مدعية، والغالب حضور القوابل، ومنهم من كلفها في الميت والسقط أيضا، لأن
ما نالها من العسر يمكنها من الاشهاد.
هذا ولكن في المسالك وغيرها تقييد تصديقها في ذلك بالامكان أيضا، قال:
" ويختلف الامكان بحسب دعواها، فإن ادعت ولادة ولد تام فأقل مدة تصدق فيه
ستة أشهر ولحظتان من يوم النكاح، لحظة لامكان الوطء، ولحظة للولادة، فإن
ادعت أقل من ذلك لم تصدق، وإن ادعت سقطا مصورا أو مضغة أو علقة اعتبر إمكانه

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد الحديث 2.
194

عادة، وربما قيل: إنه مأة وعشرون يوما ولحظتان في الأول، وثمانون يوما ولحظتان
في الثاني، وأربعون ولحظتان في الثالث، لقوله صلى الله عليه وآله (1): " يجمع أحدكم في بطن
أمه أربعون يوما نطفة، وأربعون يوما علقة، وأربعون يوما مضغة ثم تنفخ فيه
الروح ".
قلت: لم نعثر على الخبر المزبور في طرقنا، لكن مضمونة موجود، ففي موثق
ابن الجهم (2) " سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: قال أبو جعفر عليه السلام: إن
النطفة تكون في الرحم أربعين يوما، ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين
يوما، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين ".
وفي صحيح زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل إلى أن قال فيه:
" فتصل النطفة إلى الرحم، فتردد فيه أربعين يوما، ثم تصير علقة أربعين يوما،
ثم تصير مضغة أربعين يوما ".
وفي خبر محمد بن إسماعيل أو غيره (4) عن أبي جعفر عليه السلام " أربعين ليلة نطفة،
وأربعين ليلة علقة، وأربعين ليلة مضغة، فذلك تمام أربعة أشهر، ثم بعث الله ملكين
خلاقين " بل مال المحدث البحراني إلى القول المزبور لهذه النصوص معرضا بالشهيد
الثاني أنه لم يعثر عليها، وإلا لم يكن له مناص عن قول المزبور.
وفي الرياض " أنه قيل في الثلاثة بالرجوع إلى الامكان عادة، ولا ثمرة إلا
مع ظهور المخالفة، وهي غير معلومة، وعلى تقدير تحققها فالأظهر العمل بالمعتبرة "
لكن فيه أنه لم نعثر على عامل معتد به في هذه النصوص على وجه يترتب عليه عدم
قبولا دعواها لو ادعت خلافها، خصوصا في المولود سقطا، وكأنه لأن تصديقها في
أصل الوضع لا ينافي عدم قبول قولها في وضعه.
ومن ذلك ينقدح الاشكال فيما جزم به في المسالك أولا في دعوى ولادته ولدا

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 266 مع الاختلاف في اللفظ.
(2) الكافي ج 6 ص 13.
(3) الكافي ج 6 ص 13.
(4) الكافي ج 6 ص 16.
195

تاما قبل الستة أشهر، ولعله لذا أطلق الأصحاب هنا قبول دعواها في الوضع من غير
تعرض لامكانه على الوجه المزبور، بل كاد يكون صريح ما سمعته من القواعد، ولعله
لعدم مدخلية صدقها وكذبها في ذلك في قبول قولها في أصل الوضع فتأمل جيدا فإنه
نافع.
(ولو ادعت الحمل فأنكر الزوج) كان القول قوله (و) إن (أحضرت
ولدا فأنكر ولادتها له) لاحتمال التقاطها له وحينئذ (فالقول قوله) على كل حال
بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، للأصل وغيره و (لامكان إقامة البينة بالولادة)
فلا يقبل مجرد قولها فيه " والولد للفراش " (1) إنما هو بعد ثبوت ولادتها له على
فراشه، وأخبار الائمتان على انقضاء العدة (2) إنما هي إذا كانت حقيقة العدة معلومة
أنها بالوضع أو بالأشهر أو الأقراء، دون ما إذا تداعيا في حقيقتها.
نعم قد يشكل باطلاق قول الصادق عليه السلام (3) " تفويض الله الحمل لها " بل
والباقر عليه السلام (4): " العدة إليها " بل هو مندرج في النهي (5) عن الكتمان الذي
استشعر منه الائتمان، كما أنه قد يشكل ما هنا من عدم تصديقها بالولادة، لامكان
إقامتها البينة بما تقدم سابقا في المعلوم أنها حامل وأنكر الزوج ولادتها، اللهم إلا
أن يفرق بينهما بالاجماع على قبولها هناك، دونه هنا، فتأمل جيدا.
(
وإذا ادعت انقضاء العدة) التي يرجع أمرها إليه أو الأشهر (ف‍) صدقها
الزوج في هذه الدعوى ثم (ادعى) هو (الرجعة قبل ذلك) بالقول أو الفعل
(فالقول قول المرأة) بيمينها على البت في الفعلي، وعلى عدم العلم في القولي، لأصالة

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد والباب 47 من أبواب الحيض
من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد الحديث 2 - 1.
(5) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
196

عدم مقتض لانفساخ الطلاق الذي هو سبب البينونة، بل قد عرفت فيما تقدم أنه
محكوم بترتب أثره بمجرد وقوعه حتى يتحقق ما ينافيه، فهو باق على مقتضاه في
صور الشك التي منها المقام الذي لم يجعل فيه قول الزوج حجة شرعية في ذلك، بل
الظاهر عدم الفرق بين سبق دعواها الانقضاء على دعواه الرجعة قبله (و) بين
العكس، ضرورة اتحادهما في الدليل المزبور.
نعم (لو راجعها فادعت) هي (بعد) اعترافها بتحقق (الرجعة) منه
(انقضاء العدة قبل الرجعة) لتقع الرجعة في غير محلها (فالقول قول الزوج،
إذ الأصل صحة الرجعة) فمدعيها حينئذ يقدم على مدعي الفساد، وقبول قولها إنما
يقبل مع عدم معارضته لمثل الأصل المزبور الذي لا طريق لافساده ولو بإخبارها
بالانقضاء قبل تحقق الرجعة منه.
والأصل في المسألة عبارة المبسوط، وهي " أنها إن سبقت بالدعوى فادعت
انقضاء العدة ثم ادعى الرجعة قبل الانقضاء فالقول قولها مع يمينها، لأنها مؤتمنة
على فرجها وانقضاء عدتها، وحكم بوقوع البينونة بقولها، فلا يقبل قول الزوج،
ووجب عليها اليمين، لجواز كذبها، فتحلف على أنها لا تعلم بالرجعة قبل الانقضاء،
وإن انعكس الأمر كان القول قوله مع يمينه، لأنها ما لم يظهر انقضاء العدة فالظاهر
أنها في العدة، ويحكم بصحة الرجعة، فإذا ادعت الانقضاء قبل الرجعة لم يقبل منها،
لأنه أمر خفي تريد به دفع الرجعة التي حكم بصحتها ظاهرا، ووجب عليه الحلف،
لجواز كذبه وصدقها، فيحلف أنه لا يعلم أن عدتها انقضت قبل الرجعة، وإن اتفقت
الدعويان أو جهل السابقة فمنهم من أقرع بينهما، فمن خرجت عليه فالقول قوله مع
اليمين، وهو الأقوى عندنا، ومنهم من قال: القول قولها مع يمينها، لامكان
صدق كل منهما، والأصل أن لا رجعة ".
وفي كشف اللثام أنه " يمكن تنزيل عبارة القواعد في المسألتين على موافقته،
بأن تكون الفاء فيهما للتعقيب، وهي نحو عبارة الكتاب، قال: " ولو ادعت الانقضاء
فادعى الرجعة قبله قدم قولها مع اليمين، ولو راجع فادعت بعد الرجعة الانقضاء
197

قبلها قدم قوله مع اليمين، لأصالة صحة الرجعة " وحينئذ يكون الفاضلان ساكتين
عن صورتي اتفاق الدعويين وجهل السابقة، وفيه " أن الأقوى عدم الفرق بين الاقتران
وترتب أيتهما فرضت على الأخرى، ثم كيف يكفي الزوج اليمين على عدم العلم
بانقضاء العدة قبل الرجعة؟ وهو اعتراف بعدم العلم بصحة الرجعة ".
بل لا فرق أيضا بين اعترافها بالرجعة وعدمه بعد أن كانت دعواهما المفروض قبول
قولها فيها بتقدم زمان انقضاء العدة على زمان الرجعة، واعترافها بحصول ما تتحقق
به الرجعة من القول مثلا لا ينافي الحكم بفساده بسبب تأخره عن انقضاء العدة التي
قد جعل الشارع أمرها إليها، وأنها متى ادعت صدقت.
ودعوى أن تقدم انقضاء العدة على الرجوع من أحوال العدة التي لم تجعل
إليها - وإنما الذي جعل إليها نفس العدة انقضاء أو بقاء لا تقدمه على الرجوع
ونحوه - يدفعها إطلاق النصوص (1) المتضمنة لكون العدة إليها الذي منه قولها: " قد
انقضت العدة قبل زمان رجوعك " من غير فرق بين الاتفاق على تعيين يوم انقضاء العدة
واختلافهما في يوم الرجوع، بأن قالت: " قد انقضت عدتي يوم الجمعة " وصدقها
على ذلك ولكن قال هو: " رجوعي يوم الخميس " وقالت هي مثلا: " يوم السبت " فإن
القول قولها، وكذا لو اتفقا على وقت الرجعة يوم الجمعة، وقالت هي: " انقضت
عدتي يوم الخميس " وقال الزوج " قد انقضت يوم السبت " فإن القول قولها في العدة
المجعول أمرها إليها، وبين عدم الاتفاق على يوم الرجوع أو الانقضاء، بل هي تقول:
" قد انقضت عدتي قبل رجوعك " وهو يقول: " قد وقع رجوعي قبل انقضاء عدتك ".
ولو أن اعترافها بالرجعة يقتضي الحكم بها عليها لأصالة الصحة لاقتضى فيما
لو قال: " رجعت " منشئا فقالت هي: " قد انقضت عدتي " ضرورة كون الأصل
الصحة أيضا، والاعتراف هنا لا مدخلية له لكون الفعل من جانب واحد، بل نظيره
قول المطلق: " هي طالق " والامرأة تقول: " أنا حائض " وليس هو كقول المشتري:

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد والباب 47 من أبواب الحيض من
كتاب النكاح.
198

" بعتني وأنت غير بالغ " لكون البيع مشترك الوقوع من الجانبين، فقوله مناف
لفعله، نحو قول البائع: " بعتك وأنا صبي " وحينئذ فأصالة الصحة بعد فرض كون
الفعل من جانب واحد لا يقتضي الحكم به على آخر، مضافا إلى ثبوت الفساد،
لقبول قولها في تقدم الانقضاء المقتضي له.
بل الظاهر كون الحكم كذلك حتى لو كانت العدة بالأشهر والفرض أن
النزاع قد وقع بعد انقضائها في حصول الرجعة في أثنائها أو خارج عنها، فإنه لا يحكم
بكونها فيها بمجرد قول الزوج، وعدم الحكم بذلك كاف في عدم استحقاقه الزوجية
على الامرأة الثابتة بينونتها منه بالطلاق المتوقف فسخه على الرجوع في العدة، ولم
يثبت.
وبذلك يظهر لك النظر في كثير من الكلمات المسطورة في المقام، ضرورة أنك
قد عرفت عدم قبول الزوج (1) في حال من الأحوال، من غير فرق بين اعترافها
بأصل الرجعة وعدمها، واتفاقهما على تعيين زمانها واختلافهما في زمن الانقضاء أو
بالعكس، وبين إطلاقهما الدعوى من كل منهما، بل إن لم نقل بقبول قولها في الأخير
كان كل منهما مدعيا منكرا فيتحالفان، فلا تحقق رجعة أيضا إلا مع فرض
النكول، وأصل الصحة لا يحكم به على الآخر بعد فرض كون الفعل من جانب واحد،
مع أنه معارض بإطلاق ما دل على قبول قولها فتأمل جيدا.
هذا كله إذا لم تتزوج، وإلا فإذا تزوجت كانت الدعوى عليها وعلى زوجها،
فيأتي فيها البحث المتقدم في النكاح " لو ادعى زوجية امرأة رجل " والتفصيل الذي
تقدم سابقا يأتي هنا، وهو واضح بأدنى التفات.
كوضوح ثبوت زوجيتها لمدعي الرجعة لو أقام بينة وإن لم تعلم هي بذلك،
فإنه حينئذ أحق بها من الأخير بلا خلاف أجده نصا (2) وفتوى إلا ما يحكى عن بعض

(1) هكذا في النسختين المسودة بقلم المصنف (قده) والمبيضة والصحيح " عدم قبول
قول الزوج ".
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب أقسام الطلاق الحديث - 0 -.
199

البحرانيين من اشتراط صحة الرجعة يعلمها بها، لبعض النصوص (1) الشاذة القاصرة
عن معارضة غيرها من وجوه، بل في بعض النصوص (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام نسبة
ذلك إلى عمر، وأنه لا يفتي به مجنون.
فالمسألة حينئذ من الواضحات وإن أطنب بها المحدث البحراني، وقال: " لمكان
الخبر المزبور المعارض بغيره الموافق للمحكي عن عمر المخالف لفتوى الأصحاب أجمع
إن المسألة قد بقيت في قالب الاشكال " والله الموفق لنا وله في كشف الحال وتسديد
المقال.
(ولو ادعى أنه راجع زوجته الأمة في العدة فصدقته، فأنكر المولى وادعى
خروجها قبل الرجعة فالقول قول الزوج) فلا يقبل من المولى ذلك إلا بينة،
لأن الأمر في العدة إليهن، ولكون الحق بينهما، وقد ارتفعت سلطنة المولى عنهما
بالنكاح ما داما عليه. (و) من المعلوم أن الطلاق رجعي، والرجعة فيه من
توابعه، فالأمر فيه إليهما.
بل (قيل) والقائل الشيخ فيما حكي عنه: إنه (لا يكلف) الزوج
(اليمين) على ما ادعاه (ل‍) ما عرفت من انحصار (تعلق حق النكاح بالزوجين
(بالزوجية خ ل) و) لكن (فيه تردد) ينشأ من ذلك ومن كون المولى في
الحقيقة مدعيا، لارتفاعه علقة النكاح، فيتوجه له اليمين عليه، لعموم " اليمين على
من أنكر " (3) كما لو ادعى عليه الطلاق البائن مثلا، ولعله الأقوى.

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
(2) المستدرك الباب 26 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 إلا أنه لم يذكر
ذيله: " أنه لا يفتي به مجنون " وذكره في البحار ج 8 ص 234 طبعة الكمباني.
(3) الوسائل في الباب 3 من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء وفيه " اليمين
على من ادعى عليه ".
200

(المقصد الرابع)
(في جواز استعمال الحيل)
وهو باب واسع في الفقه، يختلف باختلاف أذهان الفقهاء حدة وقصورا، وقد
أشار الأئمة عليهم السلام إليه في الجملة في التخلص من الربا والزكاة وغيرهما، بل في صحيح
ابن الحجاج (1) نوع مدح لذلك، قال: " سألته عن الصرف إلى أن قال: فقلت له:
أشتري ألف درهم ودينارا بألفي درهم، قال: لا بأس، إن أبي كان أجرأ على أهل
المدينة مني، وكان يقول هذا، فيقولون: إنما هذا الفرار، لو جاء رجل بدينار لم
يعط ألف درهم، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، وكان يقول لهم، نعم الشئ
الفرار من الحرام إلى الحلال. " بل قد ورد في الصلاة (2) " يبطلها فقيه، يحتال
لها فيدبرها ".
وما دل في تفسير العسكري (3) - في تفسير قوله تعالى (4): " ولقد علمتم الذين
اعتدوا منكم في السبت، فقلنا لهم: كونوا قردة خاسئين " عن علي بن الحسين
عليهما السلام " كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ بحر فنهاهم الله وأنبياؤه عن
اصطياد السمك في يوم السبت، فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا منها لأنفسهم ما حرم الله
تعالى، فخدوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض، فيتهيأ للحيتان الدخول من
تلك الطرق ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع، فجاءت الحيتان يوم السبت

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الصرف الحديث 1 من كتاب التجارة.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1 من كتاب
الصلاة مع الاختلاف في اللفظ.
(3) البحار ج 14 ص 56 الطبع الحديث.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 65.
201

جارية على أمان لها، فدخلت الأخاديد، وحصلت في الحياض والغدران، فلما كانت
عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن من صائدها، فرامت الرجوع فلم
تقدر، وبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد، لاسترسالها فيه وعجزها
عن الامتناع، لمنع المكان لها، وكانوا يأخذون يوم الأحد، يقولون: ما اصطدنا
في السبت، إنما اصطدنا في الأحد، وكذب أعداء الله تعالى، بل كانوا آخذين لها
بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت، حتى كثر من ذلك مالهم " - إنما هو لعدم
موافقة الحيلة للتخلص من النهي عن الاصطياد في يوم السبت، أو لمعلومية منافاة ذلك
للغرض المراد من النهي عن الاصطياد، وهو الطاعة والامتثال في مقام الاختبار لهم.
ولعل من ذلك ما يتعاطاه بعض الناس في هذه الأزمنة من التخلص مما في ذمته
من الخمس والزكاة ببيع شئ ذي قيمة ردية بألف دينار مثلا من فقير برضاه ليحتسب
عليه ما في ذمته عن نفسه، ولو بأن يدفع له شيئا فشيئا، مما هو مناف للمعلوم من
الشارع من كون المراد بمشروعية ذلك نظم العباد وسياسة الناس في العاجل والأجل
بكف حاجة الفقراء من مال الأغنياء، بل فيه نقض للغرض الذي شرع له الحقوق،
وكل شئ تضمن نقض غرض أصل مشروعية الحكم يحكم ببطلانه، كما أومأ إلى ذلك
غير واحد من الأساطين، ولا ينافي ذلك عدم اعتبار إطراد الحكمة، ضرورة كون
المراد هنا ما عاد على نقض أصل المشروعية، كما هو واضح.
ولعل ذلك هو الوجه في بطلان الاحتيال المزبور، لا ما قيل من عدم قصد
حقيقة للبيع والشراء بالثمن المزبور، حتى أنه لذا جزم المحدث البحراني بعدم
جوازه لذلك، إذ هو كما ترى، ضرورة امكان تحقق القصد ولو لإرادة ترتب الحكم
وتحصيل الغرض، إذ لا يجب مراعاة تحقق جميع فوائد العقد، كما اعترف هو به
في العقد على الصغيرة آنا ما لتحليل النظر، بل أشارت إليه النصوص (1) في بيع
ما يساوي القليل بالكثير تحصيلا للربح الذي به يتخلص من الربا، الذي منه علم

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب الربا من كتاب التجارة.
202

عدم منافاة ذلك لغرض الشارع مما حرمه من الربا، فليس هو عائدا على نقض غرض
أصل المشروعية، فالتحقيق حينئذ ما عرفت.
نعم قد يقال: إن فتح الباب المزبور يعود على الغرض بالنقض، فلا ينافيه
ما يصنعه بعض حكام الشرع في بعض الأحوال مع بعض الناس لبعض المصالح المسوغة
لذلك، ضرورة أنه قد يتفق شخص غلب الشيطان عليه في أول أمره، ثم أدركته التوبة
والندامة بعد ذلك، ثم صار صفر الكف أو مات كذلك، ولكن ذمته مشغولة بحق
الخمس مثلا، فإن الظاهر جواز السعي في خلاصه، بل رجحانه بالطرق الشرعية التي
يندرج بها في الاحسان وتفريج الكربة عن المؤمن، ونحو ذلك من الموازين الشرعية
المأمور بها.
وكيف كان فلا إشكال ولا خلاف في أنه (يجوز التوصل بالحيل المباحة)
شرعا (دون المحرمة في إسقاط ما لولا الحيلة لثبت) لاطلاق الأدلة وعمومها مع
عدم العلم بمنافاة ذلك لغرض الشارع (و) مطلوبه، بل (لو توصل بالمحرمة
أثم وتمت الحيلة) وترتب الحكم الشرعي عليها باعتبار تحقق موضوعه وعنوانه.
(فلو أن امرأة) مثلا (حملت ولدها على الزنا بامرأة لتمنع أباه من
العقد عليها أو بأمة يريد أن يتسرى بها فقد فعلت) هي وولدها (حراما، و)
لكن (حرمت الموطوءة على قول من ينشر الحرمة بالزنا) لتحقق موضوعه
وإن كان المقصود منه ذلك، وهكذا غيره، إلا أن يثبت من الشارع ما يقتضي معاملته
بضد غرضه، كما في طلاق المريض وحرمان القاتل من الإرث ونحوهما. (أما
لو توصل بالمحلل كما لو سبق الولد إلى العقد عليها في صورة الفرض لم يأثم)
وترتب حكم حرمة نكاح حليلة الولد، وكذا لو كرهت المرأة زوجها وأرادت
انفساخ العقد بينهما فارتدت بقول يترتب عليه ذلك وإن لم يزل اعتقادها انفسخ النكاح
وبانت منه فعلا مع عدم الدخول، وإلى انقضاء العدة معه إذا لم تتب، والمناقشة
فيها - في الحدائق بأن مرجعها إلى إظهار الكفر من غير زوال اعتقاد الاسلام، وهو
غير موجب للارتداد شرعا - يدفعها ما عرفت من إمكان فرضها بالارتداد القولي.
203

نعم قد يناقش فيما عدوه من هذا الباب من الحيل لنكاح امرأة واحدة ذات
عدة جماعة في يوم واحد، بأن يتزوجها أحدهم ويدخل بها ثم يطلقها، ثم يتزوجها
ثانية ويطلقها من غير دخول، فتحل للآخر باعتبار كونها غير مدخول بها. وتسقط
العدة الأولى عنها بنكاح ذي العدة لها، فإنها لا عدة عليها لنكاحه، وهكذا الثاني
والثالث، لعدم تمامية الفرض أولا عندنا، لاشتراط صحة الطلاق بكونه من غير طهر
المواقعة، نعم يتم ذلك عند العامة القائلين بعدم اشتراط ذلك.
ومن هنا حكي عن الفضل بن شاذان إلزامهم بمثل هذا مشنعا عليهم في
طلاق الخلع والطلاق البائن، بل عن المفيد حكاية ذلك عن الفضل، ثم قال: " والموضع
الذي لزمت هذه الشناعة فقهاء العامة دون الإمامية أنه يجيزون الخلع والظهار
والطلاق في الحيض وفي طهر المواقعة من غير استبانة طهر، والإمامية تمنع ذلك،
ولذا سلمت مما وقع فيه المخالفون ".
لكن فيه أنه لازم لهم في المتمتع بها إذا وهبها المدة ثم عقد عليها ثم طلقها
قبل الدخول، وهكذا الآخر إلى العشرة، ولا مخلص من ذلك إلا بدعوى عدم سقوط
العدة الأولى لغير الزوج الأول، كما صرح به الكاشاني والمحدث البحراني
والبهائي فيما حكي عنه، لكن الانصاف عدم خلوه من الاشكال، لانقطاع حكم العدة
الأولى بالعقد الثاني عليها، فلا وجه للعدة منها بعد الطلاق الذي لا دخول معه ضرورة
عدم صدق ذات عدة من النكاح الأول عليها، مع أنها ذات بعل فعلا.
ولعله لذا يحكى عن الفاضل الداماد التصريح بعدم العدة عليها معه، بل ربما
قيل: إنه ظاهر المشهور، بل ستسمع تصريح المصنف وغيره في المسألة السادسة من
اللواحق لنحو ذلك، خلافا للقاضي، والله العالم.
(ولو ادعي عليه دين قد برئ منه باسقاط أو تسليم) أو غيرهما (فخشي
من) جواب دعواه ب‍ (دعوى الاسقاط أن ينقلب اليمين إلى المدعي لعدم البينة)
فيحلف ويأخذ منه الدين (فأنكر الاستدانة وحلف جاز،) لكن (بشرط أن
204

يوري ما يخرجه عن الكذب) في أصل الكلام وعن الحنث في اليمين، بل هو في الثاني
آكد، بأن يضمر في نفسه ظرفا أو مكانا أو زمانا أو حالا من الأحوال التي يخرج
بها عن ذلك، بل ظاهر ثاني الشهيدين في المسالك المفروغية من اشتراط الجواز
بالتورية المزبورة.
(وكذا) الكلام (لو خشي الحبس) ظلما لاعسار ونحوه (بدين
يدعى عليه فأنكر) موريا وحلف كذلك، ولا يشكل ذلك بأن مقتضاه الخروج
عن الكذب وعن الحلف كاذبا لو كان المدعي محقا، لمعلومية اختصاص الجواز المزبور
بمكان الضرورة (و) إلا ف‍ (النية أبدا نية المدعي إذا كان محقا) على وجه
لا تجديه التورية المزبورة في رفع إثم الكذب. (و) الحلف بالله كاذبا للمدعى
عليه إذا كان ظالما، كما أنها (نية الحالف إذا كان مظلوما في الدعوى) ففي خبر
مسعدة بن صدقة (1) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وقد سئل عما يجوز وما لا يجوز
في النية على الاضمار في اليمين، فقال: قد يجوز في موضع ولا يجوز في آخر،
فأما ما يجوز فإذا كان مظلوما فما حلف عليه ونوى اليمين فعلى نيته وأما إذا كان
ظالما فاليمين على نية المظلوم وبه يقيد إطلاق صحيح صفوان (2) " سألت أبا
الحسن عليه السلام عن الرجل يحلف وضميره على غير ما حلف عليه، قال: اليمين على الضمير ".
لكن قد يناقش بعدم ظهور الخبر المزبور باشتراط الجواز بالتورية المزبورة، بل
أقصاه الجواز.
واحتمال الاكتفاء في الاستدلال على اعتبار ذلك بما دل على حرمة الكذب
فضلا عن الحلف بالله كاذبا فمع فرض مشروعيته قسم خاص لا يتوقف خلاصه عن
الظلم بالمحرم يدفعه ظهور جملة من النصوص بعدم حرمة الكذب في نحو الفرض.
قال زرارة (3): " قلت لأبي جعفر عليه السلام: نمر بالمال على العشار فيطلبون

(1) الوسائل الباب 20 من كتاب الأيمان الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 21 من كتاب الأيمان الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 12 من كتاب الأيمان الحديث 6.
205

منا أن نحلف لهم ويخلون سبيلنا، ولا يرضون منا إلا بذاك، قال: فاحلف، فهو
أحلى من التمر والزبد ".
وقال الوليد بن هشام المرادي (1): " قدمت من مصر ومعي رقيق لي ومررت
بالعشار فسألني، فقلت: هم أحرار كلهم، فقدمت المدينة فدخلت على أبي الحسن عليه السلام فأخبرته بقولي للعشار، فقال: ليس عليك شئ.
وفي صحيح الحلبي (2) " سألته عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز بذلك
ماله، قال: نعم ".
وخبر محمد بن مسعود الطائي (3) " قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن أمي تصدقت
على بدار لها أو قال بنصيب لها في دار، فقالت لي: استوثق لنفسك، فكتبت إني اشتريت
وأنها قد باعتني وأقبضت الثمن، فلما ماتت قال الورثة: احلف أنك اشتريت ونقدت
الثمن، فإن حلفت لهم أخذته، وإن لم أحلف لهم لم يعطوني شيئا، فقال عليه السلام:
فأحلف وخذ ما جعلت لك ".
وخبر أبي محمد بن الصباح (4) " قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن أمي تصدقت
علي بنصيب لها في دار، فقلت: إن القضاة لا يجيزون مثل هذا، ولكن أكتبه شراء،
فقال: اصنع من ذلك ما بدا لك في كل ما ترى أنه يسوق لك، فتوثقت، فأراد بعض

(1) الوسائل الباب 60 من كتاب العتق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 12 من كتاب الأيمان الحديث 8.
(3) أشار إليه في الوسائل في الباب 9 من كتاب الوقوف والصدقات الحديث 5.
وذكره في الكافي ج 7 ص 33.
(4) الوسائل الباب 9 من كتاب الوقوف والصدقات الحديث 5 عن محمد بن أبي الصباح وكذلك رواه عنه في الباب 23 من كتاب الأيمان الحديث 1 كما في التهذيب
ج 8 ص 287 و ج 9 ص 138 إلا أن الموجود في الفقيه ج 3 ص 228 محمد بن الصباح،
وفي ج 4 ص 183 عن أبي الصباح
206

الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن، وأنا لم أنقدها شيئا، فما ترى؟ فقال
احلف له " إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بما ورد أيضا في الكذب مصلحة (1)
من " أن المصلح ليس بكاذب " بناء على أن دفع الضرر عن نفسه أو غيره من المصلحة
أيضا، وبما اشتهر على ألسنة أهل العلم من حسن الكذب النافع وقبح الصدق الضار،
مدعين وصول العقل إلى ذلك، فتأمل جيدا.
ومن الغريب أن ظاهر قول المصنف (ولو أكرهه على اليمين أنه لا يفعل
شيئا محللا فحلف ونوى ما يخرج به عن الحنث جاز، مثل أن يوري أنه لا يفعله بالشام
أو بخراسان أو في السماء أو تحت الأرض) عدم الفرق في اعتبار التورية المزبورة
في الجواز بين الاكراه وعدمه، وقد عرفت سابقا وتعرف في كتاب الأيمان أنه
لا ينعقد يمين المكره، ولا إثم عليه به وإن لم يور كما اعترف به في المسالك،
ومن هنا قال: " المطابق من المثال أن يحمله على الحلف على ذلك لا على وجه الاكراه،
فيوري بما ذكر ونحوه من المخصصات الزمانية والمكانية والحالية، فيخرج به عن
الحنث، وهو الإثم في مخالفة مقتضى اليمين ".
وكذا الكلام في قوله: (ولو أجبره على الطلاق كرها فقال: " زوجتي
طالق " ونوى طلاقا سابقا أو قال: " نسائي طوالق " وعنى نساء الأقارب جاز
بل وقوله: (ولو أكره على اليمين أنه لم يفعل) كذا في الزمن الماضي (فقال:
" ما فعلت كذا " وجعل ما موصولة لا نافية صح) اللهم إلا أن يريد بذلك بيان
أصل الجواز أو رجحانه في الجملة، لا أن ذلك شرط في صورة الاكراه، بل قد
عرفت قوة جواز الكذب في السابق للنصوص (2) السابقة، ولدفع الضرر من غير تورية.
بل الظاهر عدم الاشكال في الجواز بلا تورية في المثالين الأولين، ضرورة
أن اليمين والايقاع يتبع القصد، لأن المقام ليس مقام محاورة وتداع كي بلحظ

(1) الوسائل الباب 2 من كتاب الصلح. راجع الباب 141 من أحكام العشرة
من كتاب الحج أيضا.
(2) الوسائل الباب 12 و 20 و 21 من كتاب الأيمان.
207

فيه مقام المخاطبة، نعم في المثال الثالث لا إشكال في جوازه كذبا بلا تورية في
صورة الاكراه، بل وفي المصلحة التي يسوغ معها الكذب وإن كان الأولى مع
ذلك قصد التورية.
أما بدونها ففي جواز التورية والخروج بها عن إثم الكذب والحلف كاذبا
وعدمه قولان، قد يظهر الثاني منهما مما تقدم للمصنف ومن قوله أيضا: (ولو
اضطر إلى الإجابة بنعم فقال: " نعم " وعنى الإبل أو قال: " نعام " وعنى نعام البر
قصدا للتخلص لم يأثم) من حيث تقييد ذلك بالاضطرار، ولعله لصدق الكذب عرفا
معها في المحاورات، إذ اللفظ محمول على حقيقته المتبادرة، وكذا مجازه المقترن
بقرائن الأحوال والمقال.
وقيل بالأول أي جواز التورية مطلقا ما لم يكن ظالما، لأن العدول عن
الحقيقة سائغ والقصد مخصص، بل في المسالك " وهذا هو الأظهر لكن ينبغي
قصره على وجه المصلحة، كما يروى عن بعض السلف الصالح أنه كان إذا ناداه أحد
ولا يريد الاجتماع به يقول لجاريته: قولي له: اطلبه في المسجد، وكان آخر
يخط دائرة في الأرض، ويضع فيها إصبع الجارية، ويقول لها: قولي له: ليس
هنا واقصدي داخل الدائرة ".
قلت: وربما يؤيده ما في بعض النصوص من التعجب ممن يكذب مع أن
الكلام له وجوه، وفي آخر (1) إن الصادق عليه السلام في حديث طويل قال لأبي حنيفة
عند تفسير رؤيا قصت عليه بمحضر منه: " أصبت يا أبا حنيفة، ثم لما قام فسره
الإمام بخلاف ما ذكره أبو حنيفة، فسئل عن قول أصبت، فقال: إنما أردت أصبت
عين الخطأ ".
ولكن الأولى بل الأقوى الاقتصار في الجائز منها مطلقا على ما لا يقتضي صدق
الكذب معه عرفا مما ينشأ من فهم السامع وتخيله القرائن الدالة على ذلك، نحو

(1) روضة الكافي ص 292 ط طهران 1389.
208

ما سمعته من السلف الصالح، لا مطلقا اعتمادا على التخصيص بالضمير الذي لا يكفي
في صرف الكلام عن الكذب عرفا، فما سمعته من المسالك لا يخلو من منع.
ونحو ما ذكره في شرح قول المصنف (وكذا لو حلف " ما أخذ جملا
ولا ثورا ولا عنزا " وعنى بالجمل السحاب وبالثور القطعة الكبيرة من الأقط وبالعنز
الأكمه لم يحنث) فإنه قال: " هذا من أقسام التورية بصرف اللفظ المشترك
إلى بعض معانيه التي على خلاف الظاهر في تلك المحاورة، وهو قصد صحيح بطريق
الحقيقة وإن كانت مرجوحة بحسب الاستعمال حتى يلزم فرض بلوغها حد المجاز
من حيث تبادر الذهن إلى غيرها كان قصدها صارفا عن الكذب، لأن استعمال المجاز
أمر شائع وإن كان إطلاق اللفظ لا يحمل عليه عند التجرد عن القرينة، فإن المخصص
هنا هو النية فيما بينه وبين الله تعالى للسلامة من الكذب حيث لا يكون ظالما
بالدعوى عليه بذلك، وإلا لم تنفعه التورية كما مر ".
إذ قد عرفت سابقا أن اليمين المجردة عن تعلق للغير تتبع ضمير الحالف
حتى لو أراد من اللفظ ما لا يدل عليه حقيقة ولا مجازا، وأما مالها تعلق بالغير
ولو على وجه المخاطبة والمحاورة والأخبار ونحوه فلا يجوز التورية بما تنافي
ظاهر اللفظ اعتمادا على ما في ضميره، لما عرفت من صدق الكذب عليه عرفا، مع
احتمال القول بعدم الحنث في اليمين مع التورية في الضمير وإن أثم لصدق الكذب
عرفا، لعدم مدخلية نية المحلوف له هنا في يمين الحالف إلا مع فرض كونه مدعيا
بحق، وظاهر آخر كلامه حمل ما في المتن على الثاني، وحينئذ يتوجه عليه
ما سمعت.
(ولو أتهم غيره في فعل فحلف) المتهم بالفتح للمتهم بالكسر (ليصدقنه)
في هذا الأمر (فطريق التخلص) من ذلك مع إبقاء الأمر على إبهامه باخباره
بالنفي وبالاثبات، نحو (أن يقول: فعلت) و (ما فعلت و) ذلك لأن
(أحدهما صدق) فيبر يمينه وإن كذب في الآخر، فإن الاصداق في أحد
الخبرين لا ينافي الكذب في الآخر، نعم إنما يتم ذلك إذا لم يقصد التعيين
209

والتعريف، كما هو الظاهر من إطلاق اللفظ، وإلا لم يبر إلا بالصدق في ذكر
أحدهما خاصة، كما هو واضح.
(ولو حلف ليخبرنه) صدقا (بما في الرمانة) مثلا (من حبة)
قبل كسرها مع فرض عدم إرادة التعيين (فالمخرج) من ذلك (أن يعد العدد
الممكن فيها) بأن يبتدئ بأقل عدد يعلم اشتمالها عليه ثم يضيف إليه إلى أن
يعلم خروجها عن ذلك، فيقول فيها مثلا " مأة حبة " ومأة وواحدة " وهكذا
إلى أن يعلم حصول ذلك في ضمن ما ذكره من الأخبار، نعم لو أراد التعيين لم يبر
بذلك بل لا بد من كسرها والإحاطة بما فيها من الحب، كما أنه يبر بأول الأخبار
إن أراد المطلق من الخبر في كلامه الذي هو أعم من الصدق والكذب
والمحتمل لهما.
وكيف كان (فذلك وأمثاله سائغ) وقد أكثر العامة في الأمثلة لهم في
الطلاق بناء منهم على جواز التعليق فيه والحلف به، بل نحوه يجري عند الخاصة
في الظهار مثلا، لقبوله للتعليق عندهم، فلو قال مثلا لامرأته: " إن أكلت هذه
الرمانة مثلا فأنت علي كظهر أمي " تخلصت مع فرض لزوم الأكل منها في
الجملة بأكل البعض دون البعض على وجه يصدق عليها أنها ما أكلتها، ولو قال لها
وهي صاعدة على السلم مثلا: " إن نزلت عن هذا السلم فأنت على كظهر أمي
وإن صعدت عليه فأنت علي كظهر أمي " تخلصت بالطفرة أو بحملها مقهورة،
فيصعد بها أو ينزل، وباضجاع السلم على الأرض وهي عليه، وبانتقالها إلى سلم
آخر يكون في جنبه، ونحو ذلك مما يكون به تخلصا عن مصداق ما ذكره، ولو
قال لها: " كل كلمة كلمتني بها إن لم أقل لك مثلها فأنت على كظهر أمي "
فقالت له: " أنت على كظهر أمي " تخلص بقول ذلك مصرحا بعدم قصد الانشاء،
ولو كان في يدها كوز من ماء فقال: " إن قلبت هذا الماء أو تركته أو شربته أو
شربه غيرك فأنت على كظهر أمي " تخلصت بوضع خرقة مثلا فيه حتى ينفذ،
210

ولو كانت في ماء فقال لها: " إن مكثت فيه أو خرجت فأنت على كظهر أمي "
حملها إنسان منه في الحال (1) إلى غير ذلك من الأمثلة التي مرجع الجميع فيها
إلى نحو ما عرفت من الاتيان بما لا يصدق عليه المعلق عليه.
(المقصد الخامس)
(في العدد)
جمع عدة من العدد لغة لاشتماله عليه غالبا، وهي بحسب ما تضاف إليه فيقال:
عدة رجال وعدة كتب ونحو ذلك، ومعناها شرعا أيام تربص المرأة الحرة بمفارقة
الزوج أو ذي الوطء المحترم بفسخ أو طلاق أو موت أو زوال اشتباه، بل والأمة إذا
كانت الفرقة عن نكاح أو وطء شبهة، نعم لو كان عن وطئ ملك سميت بالاستبراء ولعل
منه التحليل، والأمر سهل.
وكيف كان فقد تطابق الكتاب (2) والسنة (3) والاجماع على مشروعية
العدة في الجملة (و) لكن تمام (النظر في) تفصيل (ذلك يستدعي فصولا).
(الأول:)
(لا عدة على من لم يدخل بها) قبلا ولا دبرا (سواء بانت بطلاق أو
فسخ) أو هبة مدة (عدا المتوفى عنها زوجها، فإن العدة تجب مع الوفاة ولو

(1) هكذا في النسختين الأصليتين المسودة والمبيضة، والأولى بحسب سياق العبارة
أن تكون هكذا " تخلصت بحملها انسان منه في الحال ".
(2) سورة البقرة: 2 الآية 228.
(3) الوسائل الباب 12 وغيره من أبواب العدد.
211

لم يدخل) بها كما ستعرف، بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى قوله تعالى (1): " ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " والنصوص المستفيضة أو المتواترة، قال الصادق
عليه السلام في صحيح الحلبي (2): " إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها
فليس عليها عدة، تزوج من ساعتها إن شاءت، وتبنيها تطليقة واحدة " وفي موثق
أبي بصير (3): " إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة فهي
بائن منه، وتزوج من ساعتها إن شاءت ".
وقال هو والباقر عليهما السلام في صحيح زرارة (4) " في رجل تزوج امرأة بكرا ثم
طلقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات في كل شهر تطليقة، قال: بانت منه في
التطليقة الأولى، واثنتان فضل، وهو خاطب يتزوجها متى شاءت وشاء بمهر جديد،
قيل له: فله أن يراجعها إذا طلقها تطليقة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر؟ قال: لا،
إنما كان له أن يراجعها لو كان دخل بها أولا، وأما قبل أن يدخل بها فلا رجعة
له عليها، قد بانت منه ساعة طلقها ".
(و) لا خلاف في أن كلا من (الدخول) والمس (يتحقق بايلاج
الحشفة وإن لم ينزل) بل (وإن كان مقطوع الأنثيين) فضلا عن معيبهما الذي
من المعلوم عادة عدم الانزال وعدم الحمل (ل‍) ما عرفت من (تحقق الدخول
بالوطء) منه لغة وعرفا، وهو عنوان الحكم نصا (5) وفتوى بل الاجماع بقسميه
عليه، ضرورة كونه المراد من التقاء الختانين الذي رتب عليه الغسل والعدة في
المستفيض من النصوص (6) أو المتواتر، وحكمة كون العدة لبراءة الرحم لا تنافي
ترتيب الشارع الحكم على معلومية البراءة كما في غيرها من الحكم.

(1) سورة الأحزاب: 33 - الآية 49.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب العدد الحديث 4 - 3.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب العدد الحديث 4 - 3.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب العدد الحديث 2 عن أحدهما عليهما السلام.
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب العدد الحديث 2 عن أحدهما عليهما السلام.
(6) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور الحديث - 0 -.
212

وبذلك يعلم المراد من إدخاله في صحيح ابن سنان (1) عن الصادق عليه السلام " سأله
أبي وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت إليه فلم يمسها ولم يصل إليها حتى
طلقها هل عليها عدة منه؟ قال: إنما العدة من الماء، قيل له: فإن كان يواقعها في
الفرج ولم ينزل، فقال: إذا أدخله وجب المهر والغسل والعدة " وفي صحيحه الآخر (2)
عنه عليه السلام أيضا " ملامسة النساء هو الايقاع " وموثق يونس بن يعقوب (3) عنه عليه السلام
أيضا " لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج ".
بل لا فرق بين القبل والدبر في ذلك بلا خلاف أجده فيه، عدا ما عساه يشعر
به اقتصار الفاضل في التحرير على الأول، بل ظاهرهم الاجماع عليه، وإن توقف
فيه في الحدائق بدعوى انصراف المطلق إلى الفرد الشائع الذي هو المواقعة في القبل،
بل به يتحقق التقاء الختانين، خصوصا بعد ما تقدم من الخلاف في الغسل بدخولها
فيه، وتبعه في الرياض لولا الوفاق.
لكن قد يقال بعد كون الدبر أحد المأتيين وأحد الفرجين وما تقدم سابقا
من النصوص (4) في تفسير قوله تعالى (5): " فأتوا حرثكم أني شئتم " يمكن منع
أن المنساق من الايقاع والادخال ونحوهما غيره، بل ستسمع ترتب العدة على الالتذاذ
في صحيح أبي عبيدة (6) المنزل على ما يشمل ذلك، كما أنك سمعت ترتبها على
الماء الصادق بانزاله في الدبر، ويتم بعدم القول بالفصل، على أن كونه شائعا فيما
يقع من الوطء لا يقتضي ندرة إطلاق الدخول والاتيان والوقاع والمس، بل والوطء
ونحوها عليه، ولا أقل من كونه بالشهرة أو بالاجماع يقوى الظن باردة ما يشمل
الفرد المزبور من الألفاظ المزبورة لو سلم انسياق خصوص القبل منها، (وبالجملة)

(1) الوسائل في الباب 54 من أبواب المهور الحديث 1 - 2 - 6.
(2) الوسائل في الباب 54 من أبواب المهور الحديث 1 - 2 - 6.
(3) الوسائل في الباب 54 من أبواب المهور الحديث 1 - 2 - 6.
(4) الوسائل الباب 73 من أبواب مقدمات النكاح من كتاب النكاح.
(5) سورة البقرة: 2 الآية 223.
(6) الوسائل الباب 39 من أبواب العدد الحديث 1.
213

فالمناقشة المزبورة في غاية السقوط.
كالمناقشة منهما بنحو ذلك فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من عدم الفرق
بين وطئ الصغير والكبير، بل هو ظاهر الجميع، ضرورة ظهور النصوص المزبورة
وغيرها وضعية الحكم المزبور على وجه لا يختلف الحال بين الصغير والكبير كالغسل،
وقوله عليه السلام في الصحيح (1) المزبور: " إنما العدة من الماء " لا ينافي تصريحه بعد ذلك
بوجود سبب آخر وهو الادخال.
بل قد يقال: لا فرق بين قصده الفعل وعدمه بعد تحقق اسم الدخول
والالتقاء ونحوهما التي هي عنوان الحكم في النص (2) والفتوى، وحينئذ فلو أدخلته
وهو نائم ترتب الحكم.
وبذلك كله ظهر لك أنه لا فرق بين القبل والدبر والصغير والكبير والفحل
والخصي الذي يتحقق منه الايلاج وإن لم ينزل، بل يدل على الأخير مضافا إلى
ما سمعت صحيح أبي عبيدة (3) " سئل أبو جعفر عليه السلام عن خصي تزوج امرأة وفرض
لها صداقا وهي تعلم أنه خصي فقال: جائز، فقيل: إنه مكث معها ما شاء الله ثم
طلقها هل عليها عدة؟ قال، نعم، أليس قد لذ منها ولذت منه؟ ".
ولا يعارضه صحيح ابن أبي نصر (4) قال: " سئل الرضا عليه السلام عن خصي تزوج
امرأة على ألف درهم ثم طلقها بعد ما دخل بها، قال: لها الألف الذي أخذت منه،
ولا عدة عليها " بعد قصوره عن المقاومة من وجوه، فلا بأس بطرحه أو حمله على
خصي لا يتحقق منه دخول، فيكون المراد من دخوله بها الخلوة، والندب من
أخذها الألف، وعلى كل حال فهو أولى من الجمع بينهما بحمل الاعتداد في الأول

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور من كتاب النكاح والباب 1 من أبواب العدد
(3) الوسائل الباب 39 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.
214

على الندب المنافي لما عليه الأصحاب والنصوص (1) السابقة.
(أما لو كان مقطوع الذكر سليم الأنثيين قيل) في المبسوط: (تجب
العدة) إن ساحقها، فإن كانت حاملا فبالوضع وإلا فبالأشهر دون الأقراء
(لامكان الحمل) عادة (بالمساحقة) مع بقاء الأنثيين حينئذ ومن المعلوم
أن الأصل في الاعتداد الحمل والتحرز عن اختلاط المائين، ولذا انتفى عمن
لا يحتمل ذلك فيها، ولشمول المس ولدخول لذلك وغيره، خرج غيره من الملامسة
بسائر الأعضاء بالاجماع، ومس مجبوب الذكر والأنثيين جميعا بالعلم عادة
ببراءة الرحم، ويبقى هذا المس داخلا من غير مخرج له، ولفظ المبسوط " وإن
كان قطع جميع ذكره فالنسب يلحقه، لأن الخصيتين إذا كانتا باقيتين فالانزال
ممكن، ويمكن أن يساحق فينزل، فإن حملت منه اعتدت بوضع الحمل، وإن
لم تكن حاملا اعتدت بالشهور، ولا يتصور أن تعتد بالأقراء، لأن عدة الأقراء
إنما تكون عن طلاق بعد دخول، والدخول يتعذر من جهته ".
(و) لكن مع ذلك كله (فيه تردد) لما عرفت، و (لأن العدة تترتب
على الوطء) والدخول نحوهما مما لا يصدق على المساحقة، والمس حقيقة في عرف
الشرع أو مجاز مشهور في الوطء، وكذا الدخول بها، فلا أقل من تبادره إلى الفهم،
على أن مطلق يقيد بما دل على اعتبار التقاء الختانين والادخال ونحوهما، وإمكان
الحمل بمساحقته لا يكفي في العدة بعد أن كان موضوعها في النص (2) والفتوى
الدخول ونحوه مما لا يشملها.
(نعم لو ظهر) بالمساحقة (حمل اعتدت منه بوضعه، لامكان الانزال)
الذي يتكون منه الولد فيلحق به، لأنه للفراش، ويندرج بذلك تحت قوله
تعالى (3): " وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن " بل في القواعد " وكذا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب العدد.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب العدد.
(3) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
215

لو كان مقطوع الذكر والأنثيين " أي تعتد بالوضع لو ساحقها فحملت، ولكن قال:
" على إشكال " ولعله من الفراش، وكون معدن المني الصلب بنص الآية (1) ومن
قضاء العادة بالعدم مع انتفاء الأنثيين.
وفيه أن المتجه إلحاقه به مع الاحتمال المخالف للعادة، لاطلاق قوله
صلى الله عليه وآله (2): " الولد للفراش " بل قد يتجه القول بالاعتداد من
مساحقته فضلا عن الأول وإن لم نجد قائلا به، كما أنا لم نجد موافقا للشيخ في
الأول، لقوله عليه السلام في صحيح ابن سنان (3) المزبور: " إنما العدة من الماء "
وقوله عليه السلام في صحيح أبي عبيدة (4): " لذت منه والتذ منها " وإن صرح بعد ذلك
بوجوب العدة للادخال، إلا أن الجمع بينهما وجوبها بأحدهما، بل مقتضى أولهما
وجوبها باستدخال مائه من غير جماع أو مساحقة موطوءة حين قامت من تحته إن
لم يكن إجماع، كما هو الظاهر من إرساله إرسال المسلمات في كشف اللثام وغيره
وفي المسالك بعد أن ذكر أن المعتبر من الوطء غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا
قال: " وفي حكمه دخول منيه المحترم فرجا فيلحق به الولد إن فرض، وتعتد بوضعه،
وظاهر الأصحاب عدم وجوبها بدون الحمل هنا " وفيه أن المتجه مع فرضه كونه
بحكم الاعتداد قبل ظهور الحمل مخافة اختلاط المائين، بل لعل وجوب العدة لها
حاملا يقتضي ذلك أيضا، ضرورة معلومية اشتراط العدة بطلاقها الدخولي، فإن لم
يكن ذلك بحكمه لم يكن لها عدة حتى معه أيضا، لظهور النصوص (5) المزبورة
في اعتبار الالتقاء والادخال والمس ونحوها مما لا يندرج فيها المساحقة، من غير

(1) سورة الطارق: 86 - الآية 7.
(2) الوسائل الباب 58 أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.
(4) الوسائل الباب 39 من أبواب العدد والحديث 1.
(5) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور من كتاب النكاح والباب 1 من
أبواب العدد.
216

فرق بين الحامل وغيرها، والآية (1) إنما يراد منها بيان مدة العدة للحامل، لا أن
المراد منها بيان وجوب العدة على الحامل وإن لم تكن مدخولا بها، كما هو واضح
بأدنى تأمل.
فمن الغريب إثباتهم للعدة بالحمل من دون دخول مائه المحترم فيها، مع
أن نصوص العدة (2) التي سمعتها لا فرق فيها بين الحامل وغيرها، وقد عرفت أن
الآية (3) ليست في أسباب العدة، بل هي في بيان أجل العدة، نحو الثلاثة قروء
والثلاثة الأشهر المذكورين لغيرها كما لا يخفى.
وأغرب من ذلك فرق الشيخ بين العدة بالأقراء والعدة بالأشهر باشتراط الأولى
بالدخول بخلاف الثانية، إذ هو كما ترى خارج عن النصوص المزبورة.
ونحو ذلك في الغرابة حكمهم بعدم العدة في المجبوب الذي لا فرق بينه وبين
مقطوع الذكر خاصة، بعد فرض حصول ماء من مساحقته يمكن تكون الولد منه
ولو على خلاف العادة، لاطلاق قوله صلى الله عليه وآله: " الولد للفراش " المفروض شموله
لمساحقة سليم الأنثيين، ولو كان الذي ألجأهم إلى ذلك حمل قوله عليه السلام: (5) " إنما
العدة من الماء " على إرادة بيان الحكمة لا السبب، ولذا أعقبه باعتبار الادخال في
العدة، ولم يجعلوا ذلك سببين للعدة، وحمل قوله عليه السلام: (6) " لذت منه ولذ منها "
على خصوص الالتذاذ بالادخال لا مطلقا بحيث يشمل المساحقة لكن كان المتجه
عدم التزام العدة حتى مع الحمل منه، وكون منيه محترما لا ينافي سقوط العدة

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
(2) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور من كتاب النكاح والباب 1 من
أبواب العدد.
(3) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
(4) الوسائل الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(5) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.
(6) الوسائل الباب 39 من أبواب العدد الحديث 1.
217

المشترطة بالدخول، والفرض عدمه، فيكون حملها نحو حملها باستدخال قطنة من
منيه أو بمساحقة زوجة كانت تحته، وصعوبة التزام ذلك باعتبار كونها حاملا منه
كصعوبة التزام عدم العدة لمائه المحترم فيها المحتمل تكون ولد منه، مع أن مشروعية
العدة للحفظ من اختلاط الماء، والحكمة وإن لم تطرد لكن ينتفي الحكم الذي شرع
لها معها، فليس إلا القول بأن للعدة سببين: أحدهما دخول مائه المحترم فيها
بالمساحقة أو بايلاج دون تمام الحشفة، الثاني إيلاج الحشفة وإن لم ينزل بل وإن
كان صغيرا غير قابل لنزول ماء منه، فتأمل جيدا فإن المقام غير منقح، والله
أعلم بالصواب.
(و) كيف كان ف‍ (لا تجب العدة) فيما بينها وبين الله (بالخلوة
منفردة عن الوطء) وعن وضع مائه فيها (على الأشهر) بل المشهور، بل
المجمع عليه وإن كانت كاملة بالبلوغ وعدم اليأس، وكانت الخلوة تامة بكونها في منزله
ووطأها فيما دون القبل والدبر، لما سمعته من النصوص (1) السابقة المؤيدة بالاعتبار،
وقد عرفت في كتاب النكاح معنى ما ورد من الأخبار (2) الحاكمة بكون الخلوة
كالدخول، وما وافقها من كلام الأصحاب، فلاحظ كي تعرف ذلك. (و) تعرف
الحكم أيضا فيما (لو خلا ثم اختلفا في الإصابة ف‍) إن (القول قوله) في العدم
(مع يمينه) للأصل أو قولها في الثبوت ترجيحا للظاهر على الأصل، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب العدد.
(2) الوسائل الباب 55 من أبواب المهور الحديث 2 و 3 و 6 من كتاب النكاح.
218

(الفصل الثاني)
(في) عدة (ذات الأقراء)
(وهي المستقيمة الحيض) أي التي يأتيها حيضها في كل شهر مرة على عادة
النساء، وفي معناها معتادة الحيض فيما دون الثلاثة أشهر، وربما قيل: إنها التي
تكون لها فيه عادة مضبوطة وقتا سواء انضبط العدد أو لا، وفيه أن معتادة الحيض
فيما زاد على ثلاثة أشهر لا تعتد بالأقراء وإن كانت لها فيه عادة وقتا وعددا كما
ستعرف.
(و) كيف كان ف‍ (هي (هذه خ ل) تعتد بثلاثة أقراء) بلا خلاف أجده
فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب (1) والسنة (2) (وهي الأطهار)
هنا عندنا (على أشهر الروايتين) (3) عملا ورواية، بل لم أقف فيه على مخالف
وإن أرسله بعضهم، بل عن صريح الإنتصار والخلاف وظاهر الاستبصار وغيرها الاجماع
عليه، بل يمكن تحصيله أو القطع بذلك ولو بملاحظة النصوص (4) والفتاوى، كما
أنه يمكن دعوى تواتر الأدلة فيه أو القطع به، منها وما تسمعه من المفيد - من التفصيل
بين الطلاق في مستقبل الطهر فثلاثة أطهار، وفي آخره فثلاث حيضات - مسبوق بالاجماع
وملحوق به وإن استقر به بعض جمعا بين النصوص التي ستسمعها، لكنه مع أنه
فرع المكافئة المفقودة من وجوه لا شاهد له.
ولا فرق فيما ذكرنا بين القول باشتراك لفظ القرء بين الحيض والطهر لفظا
أو معنى أو بكونه حقيقة في أحدهما مجازا في الآخر، كما أنه لا فرق بين القول

(1) سورة البقرة " 2 الآية 228.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد.
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد.
219

باختلاف معنى القرء بالفتح والضم، وأن الأول للحيض، ويجمع على أقراء، والثاني
للطهر، ويجمع على قروء، والقول باتحادهما، وذلك لتصريح النص والفتوى بكون
المراد هنا الأطهار على كل حال.
قال زرارة (1) في الصحيح أو الحسن: " سمعت ربيعة الرأي يقول: إن من
رأيي أن الأقراء التي سمى الله في القرآن إنما هو الطهر بين الحيضتين، فقال:
كذب لم يقله برأيه، ولكن إنما بلغه عن علي عليه السلام، فقلت: أصلحك الله تعالى
أكان علي عليه السلام يقول ذلك؟ فقال: نعم إنما القرء الطهر، يقرأ فيه الدم فنجمعه،
فإذا جاء الحيض دفعته ".
وعنه أيضا (2) عن أبي جعفر عليه السلام " القرء بين الحيضتين " ونحوه صحيح ابن
مسلم (3) عنه عليه السلام أيضا، وفي حسن زرارة (4) عنه عليه السلام أيضا " الأقراء الأطهار ".
وفي المروي عن مجمع البيان وتفسير العياشي عن زرارة (5) عن أبي جعفر عليه السلام
" إن عليا عليه السلام كان يقول: إنما القرء الطهر يقرأ فيه الدم فتجمعه " فإذا جاء الحيض
قذفته، قلت: رجل طلق امرأته من غير جماع بشهادة عدلين، قال: إذا دخلت في
الحيضة الثالثة انقضت عدتها وحلت للأزواج، قلت: إن أهل العراق يروون أن
عليا عليه السلام يقول: إنه أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فقال: كذبوا "
وفي صحيح زرارة (6) عن أبي جعفر عليه السلام " المطلقة تبين عند أول قطرة من
الحيضة الثالثة، قال: قلت: بلغني أن ربيعة الرأي قال: من رأيي أنها تبين عند

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد الحديث 4. راجع الكافي ج 6
ص 89.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 3.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 3.
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 3.
(5) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 19.
(6) الوسائل الباب 15 من أبواب الحديث 8 عن أبي عبد الله عليه السلام
كما في الكافي ج 6 ص 87.
220

أول قطرة، فقال: كذب ما هو من رأيه، إنما هو شئ بلغه عن علي عليه السلام ".
وفي خبر محمد بن مسلم (1) عنه عليه السلام أيضا " سألته عن الرجل يطلق امرأته
متى تبين منه؟ قال: حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة تملك نفسها، قلت: فلها
أن تتزوج في تلك الحال؟ قال: نعم ولكن لا تمكن من نفسها حتى تطهر من
الدم ".
وخبر زرارة (2) " قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني سمعت ربيعة الرأي يقول:
إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه، وإنما القرء ما بين الحيضتين، وزعم أنه
إنما أخذ ذلك برأيه، فقال أبو جعفر عليه السلام: كذب، لعمري ما أخذ ذلك برأيه،
ولكن أخذه عن علي عليه السلام، قلت: وما قال علي عليه السلام فيها؟ قال: كان يقول: إذا
رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها، ولا سبيل له عليها، وإنما القرء ما بين
الحيضتين، وليس لها أن تتزوج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ".
وفي موثقه أيضا (3) عنه عليه السلام أيضا سمعته يقول: المطلقة تبين عند أول
قطرة من الدم في القرء الأخير ".
وموثق الجعفي (4) عنه عليه السلام أيضا " في الرجل يطلق امرأته، قال: هو أحق
برجعته ما لم تقع في الدم الثالث " إلى غير ذلك من النصوص (حتى ما مر منها في عدم
جواز طلاق الحائض (5) وأنه مخالف للسنة لقوله تعالى (6): " فطلقوهن لعدتهن "
المعتبرة سندا الصريحة دلالة المعتضدة بعمل الأصحاب بل وبقوله تعالى (7)

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 4. وذكر ذيله في الباب 16
منها الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد 10 - 11.
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد 10 - 11.
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق.
(6) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(7) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
221

" فطلقوهن لعدتهن " بناء على ما سمعته سابقا من تواتر النص (1) بعدم صحة في الحيض عدا ما استثني، فيراد حينئذ من العدة الطهر، أي طلقوهن وقت اعتدادهن
وهو كونهن في طهر لم يواقعن فيه، بل عن النبي صلى الله عليه وآله (2) قراءة " قبل عدتهن "
بل في جملة من نصوصنا (3) تفسيره بذلك، ومع ذلك كله فهي مخالفة للمروي (4)
كذبا عن علي عليه السلام، كما أومأت هي إليه.
بل منه يعلم حينئذ وجه حمل النصوص المقابلة لها على التقية في ذلك الوقت -
ولا ينافيه موافقة بعض العامة في الأزمنة المتأخرة للخاصة في كون العدة بالأطهار -
نحو صحيح الحلبي (5) عن الصادق عليه السلام " عدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة
أقراء، وهي ثلاث حيض " ومثله مضمر أبي بصير (6) مع احتمالهما عدم استيفاء
الحيضة الثالثة، وموثق القداح (7) عنه أيضا عن أبيه عليهما السلام: " قال: قال علي عليه السلام:
إذا طلق الرجل المرأة فهو أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة " وقد سمعت تصريحه بأن
ذلك مكذوب على علي عليه السلام، فلا ريب في أن المراد أنهم يروون ذلك عن علي عليه السلام
أو قاله تقية، خصوصا بعد ما سمعت من النصوص الكثيرة المتضمنة للرواية عن علي عليه السلام
خلاف ذلك.
وكذا مرسل إسحاق بن عمار (8) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " جاءت امرأة

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب مقدمات الطلاق.
(2) سنن البيهقي ج 7 ص 323.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و 7.
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 1 و 19.
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد الحديث 7.
(6) أشار إليه في الوسائل الباب 14 من أبواب العدد الحديث 7 وذكره في
الاستبصار ج 3 ص 330.
(7) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 12 - 13.
(8) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 12 - 13.
222

إلى عمر تسأله عن طلاقها، قال: اذهبي إلى هذا فسأليه - يعني عليا عليه السلام - فقالت
لعلي عليه السلام: إن زوجي طلقني، قال: غسلت فرجك؟ فرجعت إلى عمر فقال أرسلتني
إلى رجل يلعب، قال: فردها إليه مرتين كل ذلك ترجع فتقول: يلعب، قال:
فقال لها: انطلقي إليها فإنه أعلمنا قال: فقال لها علي عليه السلام: غسلت فرجك؟ قالت:
لا، قال: فزوجك أحق ببضعك ما لم تغسلي فرجك " بناء على أن المراد غسل
الفرج من الحيض، وحينئذ يكون كالخبر السابق محمولا على التقية بذكر الرواية
عن علي عليه السلام وإن كانت كذبا، كما تضمنته النصوص (*) السابقة.
وصحيح ابن مسلم (2) عن أبي جعفر عليه السلام " في الرجل يطلق امرأته تطليقة
على طهر من غير جماع، يدعها حتى تدخل في قرئها الثالث ويحضر غسلها ثم يراجعها
ويشهد على رجعتها، قال: هو أملك بها ما لم تحل لها الصلاة. " وخبر الحسن بن
زياد (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " هي ترث وتورث ما كان له الرجعة من التطليقتين
الأولتين حتى تغتسل " محمولان على التقية أيضا في ذلك الزمان، باعتبار شهرة
الرواية المكذوبة على علي عليه السلام في ذلك كما سمعت التصريح به من أبي جعفر عليه السلام
في عدة نصوص (4) معتبرة، فلا إشكال حينئذ بحمد الله في المسألة.
وما عن المفيد - من الجمع بينها بأنه إذا طلقها في آخر طهرها اعتدت بالحيض،
وإن طلقها في أوله اعتدت بالأطهار، مع أنه فرع التكافؤ المفقود من وجوه - لا شاهد
له وإن استقر به الشيخ فيما حكي عنه، وتبعه بعض متأخري المتأخرين.
ثم لا يخفى عليك عدم الفرق في العدة بالاقرار بين مطلقة ومفسوخة النكاح
من قبله أو قبلها، بل والموطوءة شبهة بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر ثبوت عدة
الطلاق بها أو بالأشهر على حسب ما تسمعه من أقرائها، لأنها المتيقن في الخروج
عن حكم العدة الثابت بسببها الذي قد عرفته سابقا، وهو إدخال الحشفة أو الماء،

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 1 و 19.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 15 - 16.
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 15 - 16.
(4) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد الحديث 1 و 19 بأسانيد متعددة.
223

وكان الاقتصار على ذكر المطلقة في المتن ونحوه لكونها الأصل في هذه العدة، باعتبار
ذكرها في الخصوص كتابا (1) وسنة (2) إلا أن الظاهر ثبوتها لمن عرفت ولو
لكونها الأصل في العدة، أو لتوقف اليقين على الخروج منها عليه بعد فرض حصول
السبب.
كما أنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما تقدم في كتاب الحيض من الطهارة
معرفة عدد أيام القرء في ذات العادة، وفي غيرها حتى في الدمية التي لا عادة لها، وترجع
في تعيين حيضها إلى التمييز، ومع عدمه فإلى عادة نسائها، وإلا فثلاثة من شهر
وعشرة من آخر، أو سبعة من كل شهر، ضرورة بناء ما هنا على ما هنا ك، كما
هو واضح بأدنى التفات.
ولا فرق في ذلك بين الحيض الطبيعي وبين ما جاء بعلاج، وكذا الطهر، لتحقق
الصدق عرفا مع احتمال جعل المدار على المعتاد، لكن لم أجد لأحد من أصحابنا.
وكذا لا فرق بين الحيض والنفاس الذي هو كالحيض، وما في النصوص (3)
السابقة من أن القرء ما كان بين الحيضتين محمول على الغالب، أو على إلحاق ما هو
كالحيض به، وحينئذ فالمراد به المدة التي بين حيضتين أو حيض ونفاس، فلو طلقها
بعد الوضع قبل أن تر دما ثم رأته لحظة ثم رأت الطهر عشرا ثم رأت الحيض ثلاثا
كان ما بينهما طهر (4) بل في المسالك " أو نفاسين " ويمكن فرضه في نفاس حمل
لا يعتبر وضعه في العدة كأحد التوأمين إذ طلقها بينهما قبل النفاس من الأول،
وعلى كل حال فذلك كله (إذا كانت) المعتدة (حرة سواء كانت تحت حر

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
(2) الوسائل الباب 12 وغيره من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد.
(4) هكذا في النسختين المسودة بقلمه الشريف (قده) والمبيضة ومراده " ثم رأت
الحيض ثلاثا ثلاثا كان ما بينهما طهر ".
224

أو عبد) بلا خلاف أجده، لما عرفت سابقا من أن المدار في العدة النساء لا الرجال
نصا (1) وفتوى، ولو كانت أمة فقرءان كما ستعرف وإن كانت تحت حر.
وفي المبعضة وجهان، من تغليب الحرية، وأصالة بقاء العدة إلى أن يعلم الانتقال،
وبقاء التحريم إلى أن يعلم الحل، ومن أصالة البراءة من الزائد، واستصحاب عدمه
إلى أن يثبت الناقل بحريتها أجمع، والأول أقوى، خلافا للمحكي عن الشافعية
فالثاني.
ثم إن ظاهر الكتاب العزيز (2) اعتبار جميع مدة ما بين الحيضتين في الطهر،
لتوقف صدق الأقراء الثلاثة على ذلك، بل ربما كان ذلك ظاهر ما ورد (3) في تفسير
قوله تعالى: " (3) فطلقوهن لعدتهن " من أنه الطلاق قبل العدة، لكن صريح
الأصحاب على وجه لا يعرف فيه خلافهم بينهم - بل يمكن دعوى الاجماع عليه -
الاكتفاء في القرء الأول بلحظة منه بعد الطلاق، بل لعله ظاهر النصوص (5) السابقة
أو صريحها أيضا، ضرورة اكتفائها في خروج الطلقة في الطهر من العدة برؤية الدم
الثالث، سواء كان طلاقها في ابتدائه أو وسطه أو آخره.
(و) حينئذ ف‍ (لو طلقها وحاضت بعد الطلاق بلحظة احتسبت تلك اللحظة
قرءا ثم أكملت قرءين آخرين، فإذا رأت الدم الثالث فقد قضت العدة) لما
عرفت، لا لأن بعض القرء مع قرءين تامين يسمى الجميع ثلاثة قروء، نحو قول
القائل: " خرجت لثلاث مضين " مع أن خروجه في بعض الثالث، ونحو قوله
تعالى (6): " الحج أشهر معلومات " والمراد شوال وذي القعدة وبعض ذي الحجة،

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب العدد.
(2) سورة البقرة 2 الآية - 228.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6 و 7.
(4) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد.
(6) سورة البقرة: 2 الآية 197.
225

ضرورة كون ذلك مجازا محتاجا إلى القرينة.
على أنه منقوض بما لو تم الأولان وأضيف إليهما بعض الثالث، بأن طلقها
قبل الحيض بلا فصل واتصل بآخره، فإن القرء الأول إنما يحسب بعد الحيض مع
اعتبار كمال الثالث إجماعا، ولا يكفي دخولها فيه، وآية الحج قد عرفت في
محله أن المراد منها تمام ذي الحجة، ولو لصحة استدراك بعض الأفعال فيه، كما
عرفته في محله.
فبان حينئذ بذلك أن احتساب بعض القرء الأول وإن قل قرء في العدة،
للأدلة الخاصة، وهي ظاهر النصوص (1) السابقة وغيره، خصوصا بعد معلومية عدم
اشتراط صحة الطلاق بوقوعه في آخر الجزء الأول على وجه يكون ابتداء العدة
الطهر الذي هو بعد الحيض، ولا بوقوعه في ابتداء الطهر الأول على وجه لا يمضي
منه إلا مقدار زمان وقوع الطلاق كما هو واضح.
نعم قد أطلق غير واحد من الأصحاب خروجها من العدة برؤية الدم الثالث
كالنصوص (2) لكن قيده المصنف بقوله: (هذا إذا كانت عادتها مستقرة بالزمان)
أي مضبوطة الوقت، سواء كانت مع ذلك مضبوطة العدد أو لا (وإن) لم تكن
كذلك بأن (اختلفت صبرت إلى انقضاء أقل الحيض، أخذا بالاحتياط) وفيه
إن الظاهر بناء المسألة على ما تقدم في كتاب الطهارة من التحيض برؤية الدم مطلقها
لذات العادة وغيرها، لقاعدة الامكان، وأصالة الحيض في دم النساء، أو اختصاص ذلك
بذات العادة الوقتية دون غيرها، فلا تتحيض إلا بعد مضي ثلاثة.
وأما احتمال وجوب الصبر هنا وإن قلنا بالتحيض بالرؤية في ترك الصلاة
والصوم فلا دليل عليه، والاحتياط المزبور أقصى مراتبه الندب، بل مقتضاه الصبر
حتى في ذات العادة لامكان تخلفها، بل وبعد الثلاثة في غيرها لامكان استمرار الدم

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد.
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد.
226

ورجوعها إلى التمييز المقتضي كون الحيض آخر الدم أو وسطه وغير ذلك.
وأما أبعد ما بين القول بوجوب الصبر المزبور في خصوص المقام للاحتياط في الأنساب
وبين القول بعدمه فيه وإن قلنا به في خصوص الصلاة، باعتبار إطلاق النصوص (1) هنا
خروجها بالدم الثالث الذي هو طبيعة الدم المتحقق بمجرد رؤيتها، وإن كان فيه أيضا
أنها مساقة لبيان خروجها بالدم الذي هو حيض، فاللام فيه للعهد الذهني حقيقة
لا الجنس، فالتحقيق بناء المسألة على ما سمعته في كتاب الطهارة، والاحتياط العام
طريقه غير خفي، كما هو واضح.
(و) كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أن (أقل زمان تنقضي به
العدة) لذات الحيض (ستة وعشرون يوما ولحظتان): إحداهما بعد الطلاق من
الطهر الذي وقع فيه، (و) الثانية من الحيض الثالث، (لكن الأخيرة ليست من
العدة، وإنما هي) لل‍ (دلالة على الخروج منها)، فاعتبارها حينئذ مقدمة
لحصول العلم بذلك، ضرورة أن العدة الأقراء بمعنى الأطهار وليست اللحظة المتأخرة
من الطهر قطعا كالقطع بعدم اعتبار شئ زائد على الطهر.
(و) لكن (قال الشيخ ره: هي من العدة لأن الحكم بانقضاء العدة
موقوف على تحققها) وتظهر الثمرة على القولين في التوارث لو فرض موتها أو موته
في هذه اللحظة، وفي الرجوع بها فيها، وفي العقد عليها فيها.
(و) لا ريب أن (الأول أحق) لما عرفت، بل مقتضى ما سمعته من التعليل
خروجها أيضا، ضرورة عدم مدخلية ما توقف عليه الحكم بالانقضاء فيما اعتبر انقضاؤه،
بل قد ينتقل من التعليل المزبور كون النزاع لفظيا، وذلك لعدم التحقق الخارجي
في الزمان الحكمي الكائن بين الطهر والحيض على وجه تترتب عليه الثمرات المزبورة،
لعدم إمكان تعرف آخر زمان الطهر المتصل بأول زمان الحيض، نحو ما قلناه في آخر
جزء النهار المتصل بأول جزء من الليل، فمراد الشيخ بكونها من العدة هذا المعنى أو
ما يقرب منه، ضرورة كون المراد من اللحظة الجزء الزماني من حصول الدم المتصل

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب العدد.
227

بالجزء الزماني قبله، ولا يكاد يتحقق في الخارج على وجه تترتب عليه الثمرات،
فتأمل جيدا.
هذا كله في ذات الحيض وإلا فقد يتصور انقضاء العدة بالأقل من ذلك في
ذات النفاس، بأن يطلقها بعد الوضع قبل رؤية الدم بلحظة، ثم ترى النفاس لحظة،
لأنه لا حد لأقله عندنا، ثم ترى الطهر عشرة، ثم ترى الدم ثلاثا، ثم ترى الطهر
عشرا، ثم ترى الدم، فيكون مجموع ذلك ثلاثة وعشرين يوما وثلاث لحظات،
لحظة بعد الطلاق، ولحظة النفاس، ولحظة الدم الثالث التي فيها ما عرفت، والله العالم.
(ولو طلقها في الحيض) على الوجه الذي قد مضى في الشرائط (لم يقع)
الطلاق عندنا.
(ولو وقع في الطهر ثم حاضت مع انتهاء التلفظ بحيث لم يحصل زمان يتخلل
الطلاق والحيض صح الطلاق، لوقوعه في الطهر المعتبر، ولم تعتد بذلك الطهر،
لأنه لم يتعقب الطلاق) حتى يكون عده له، إذ لا وجه لاعتدادها بما وقع فيه
الطلاق لعدم صدق كونها مطلقة إلا بعده (و) حينئذ ف‍ (تفتقر) في انقضاء عدتها
(إلى ثلاثة أقراء مستأنفة بعد الحيض) وذلك لا يكون إلا برؤية الدم الرابع، بلا
خلاف أجده في شئ من ذلك بعد تحقق الغرض، ولولاه لأمكن الاشكال في صحة الطلاق
المزبور بعدم صدق كونه للعدة المراد به طلاقها في طهر يكون عدة لها، خصوصا
مع ملاحظة النصوص (1) الواردة في تفسيرها (2) بل قد عرفت سابقا اقتضاءها وقوع
الطلاق أول الطهر لتحقق الأقراء الثلاثة، بعد العلم باغتفار مقدار زمان الطلاق من
الأول منها، ولو لاشتراط صحة الطلاق بوقوعه في الطهر، والتزام وقوعه في آخر
الأول أو في أثنائه مع عدم الاعتداد به مناف لصريح الأدلة المقصر فيها ولو بسبب

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و 7 والباب 2
من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
228

إطلاقها على احتسابه من العدة مع الوقوع في أثنائه وإن قل، أما مع الوقوع في آخره
الحقيقي فهو وإن صدق كون الطلاق في الطهر لكن لا يصدق أنه في الطهر الذي
يكون عدة، كما هو واضح، والله العالم.
(فرع:)
(لو اختلفا فقالت: كان قد بقي من الطهر جزء بعد الطلاق) لتحتسب به
قرءا فتقصر العدة بذلك (وأنكر) هو ذلك، لتحصيل طول مدة العدة التي يكون
له الرجوع والتوارث وغيرهما فيها (ف‍) لا ريب في أن (القول قولها ل‍) ما
عرفته سابقا نصا (1) وفتوى من (أنها أبصر بذلك) منه، (و) من أن
(المرجع في الطهر والحيض إليها) وبهما يخرج عن أصالة بقاء العدة واستصحاب
الزوجية، لكن ليس له مطالبتها بما دفع إليها من النفقة أخذا له باعترافه، كما
أنه ليس لها مطالبته بها إن لم يكن قد دفعها لها أخذا باعترافها، بل قد يقال في
الأول مع فرض بقاء عينها بكونها من مجهول المالك ينتظر بها اتفاقهما أو الصدقة
به عنهما.
هذا وفي المسالك " احتمال جواز أخذها منها في الأول بمعلومية اشتراط
استحقاق المطلقة رجعيا النفقة ببقائها على الطاعة كالزوجة، وبدعواها البينونة لا يتحقق
التمكين من طرفها، فلا تستحقها على كل حال، ولا يكون كالمال الذي لا يدعيه
أحد، لأن مالكه معروف " وفيه منع كون ذلك نشوزا مسقطا للنفقة المستحقة عليه
باعترافه، فتأمل جيدا، والله العالم.

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب العدد والباب 47 من أبواب الحيض من
كتاب الطهارة.
229

(الفصل الثالث)
(في ذات الشهور)
فنقول: لا إشكال ولا خلاف في أن (التي لا تحيض) خلقة أو لعارض
(وهي في سن من تحيض تعتد من الطلاق والفسخ مع الدخول بثلاثة أشهر إذا كانت
حرة) بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، لقوله تعالى (1): " واللائي يئسن من المحيض
من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن " المتناول آخره
للفرض، بل وأوله بناء على ما ستعرف، وللنصوص (2) المستفيضة أو المتواترة،
كصحيح الحلبي أو حسنه (3) عن الصادق عليه السلام " عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة
التي لا تطهر ثلاثة أشهر " وغيره.
بل يندرج في ذلك من بلغت التسع ما دامت لم تصل إلى وقت الحيض عادة،
بل وإن بلغته، فإن عدتها ما دامت لا تحيض ذلك، نعم لو فرض عروض الحيض لها
قبل مضي ثلاثة أشهر على وجه يحصل لها ثلاثة أقراء ليس بينهن ثلاثة أشهر بيض
تكون حينئذ من ذوات الأقراء، كما أن ذوات الأقراء لو فرض عروض مانع لهن
من ذلك على وجه لم يحصل لها الأقراء الثلاثة على الوجه المزبور تكون من ذوات
الشهور، لما ستعرف من أن العدة أحد أمرين: الأقراء الثلاثة أو الشهور، وأيهما
سبق كان الاعتداد به وإن لم تكن الشهور متصلة بالطلاق على الأصح الذي ستسمع
تحقيقه.
وإنما المراد هنا بيان عدة التي لا تحيض وهي في سن من تحيض ما دامت على

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 0 - 7 -.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 0 - 7 -.
230

وصف عدم الحيض وهي ما عرفت كتابا وسنة وإجماعا، من غير فرق بين الطلاق
والفسخ وغيرهما من أنواع الفراق، بل ووطء الشبهة عدا الوفاة على نحو ذات الأقراء،
كما هو واضح.
وما في خبر الغنوي (1) مما ينافي ما ذكرنا " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
جارية طلقت ولم تحض بعد فمضى لها شهران ثم حاضت أتعتد بالشهرين؟ قال:
نعم: وتكمل عدتها شهرا، فقلت: أتكمل عدتها بحيضة؟ قال: لا بل بشهر، يمضي
آخر عدتها على ما مضى عليه أولها " وخبر ابن سنان (2) عنه عليه السلام " في الجارية
التي لم تدرك الحيض، قال: يطلقها زوجها بالشهور، قيل: فإن طلقها تطليقة ثم
مضى شهر ثم حاضت في الشهر الثاني، فقال إذا حاضت بعد ما طلقها بشهر ألغت ذلك
الشهر واستأنفت العدة بالحيض، فإن مضى بعد ما طلقها شهران ثم حاضت في الثالثة
تمت عدتها بالشهور، فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه، وهو خاطب من
الخطاب، وهي ترثه ويرثها ما كانت في العدة " مطرح إذا لم أجد عاملا به.
وبذلك ظهر لك أن لا عدة لمثل الفرض إلا بالثلاثة، بل وغيره ممن يأتيها
الدم عادة أو اتفاقا في الأزيد من الثلاثة أشهر، إذا احتمال اعتدادها بالأقراء - لو
فرض حصول طهر لها قبل الثلاثة وإن طالت مدتها إلى السنة أو السنتين فصاعدا،
لانحصار اعتدادها حينئذ بها بعد انتفاء التلفيق المختص ببالغة سن اليأس، كما
ستعرف، وبعد انتفاء الثلاثة، باعتبار اشتراط اتصالها بالطلاق، وإلا لزم كون
الاعتداد بالأزيد من الثلاثة، وهو ما تقدمها معها بل لعل المنساق من قوله عليه السلام (3):
" أي الأمرين سبق " الاتصال - واضح الفساد، ضرورة ظهور ما تسمعه من الأدلة في
الاعتداد بها وإن كانت منفصلة، خصوصا مع ملاحظة المفهوم فيما هو العمدة من صحيح
جميل (4) الآتي، ولا يضر إضافة ما تقدمها إليها في الاعتداد، من حيث معلومية

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب العدد الحديث 9 - 7.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب العدد الحديث 9 - 7.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 3 - 5.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 3 - 5.
231

احتساب ما قارن الطلاق من الزمان منها، ولو لقوله تعالى (1): " فطلقوهن لعدتهن "
ولا ينافي ذلك كونها معتدة بالثلاثة أشهر أيضا، كما هو واضح بأدنى تدبر.
بل من تأمل ما يأتي من النصوص (2) المتضمنة لاعتدادها بها في ذات العادة
التي هي خمسة أشهر أو ستة أشهر أو أزيد أو أنقص يكاد يقطع بما ذكرنا، ضرورة
أن من أفرادها ما لو طلقها في قريب عادتها بحيث يأتيها الدم قبل الثلاثة ثم يتأخر
إلى السنة مثلا، والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (في اليائسة) التي بلغت سن اليأس خمسين أو ستين
أو الأول إن لم تكن قرشية أو نبطية وإلا فالثاني (والتي لم تبلغ) التسع الذي
هو أول سن إمكان الحيض (روايتان إحداهما أنهما تعتدان بثلاثة أشهر) وهي
مضمرة أبي بصير (3) " عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر، والتي قعدت عن
المحيض ثلاثة أشهر " وخبر ابن سنان (4) عن الصادق عليه السلام " في الجارية التي لم
تدرك الحيض يطلقها زوجها بالشهور " وخبر هارون بن حمزة الغنوي (5) سأله " عن
جارية حدثة طلقت ولم تحض بعد، فمضى لها شهران ثم حاضت، أتعتد بالشهرين؟
قال: نعم، وتكمل عدتها شهرا، قال: فقلت: أتكمل عدتها بحيضة؟ فقال: لا بل
بشهر، يمضي آخر عدتها على ما يمضي عليه أولها " وخبر أبي بصير (6) عنه عليه السلام
" عدة التي لم تحض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر " مضافا إلى صحيح
الحلبي (7) السابق وغيره، بل والآية (8) كما ستعرف، وهو خيرة ابن سماعة
والمرتضى وابن شهرآشوب فيما حكي عنه، واحتاط فيه ابن زهرة.

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب العدد الحديث 6 - 7 - 9.
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب العدد الحديث 6 - 7 - 9.
(5) الوسائل الباب 2 من أبواب العدد الحديث 6 - 7 - 9.
(6) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 9 و 7.
(7) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 9 و 7.
(8) سورة البقرة: 2 الآية 228.
232

(و) الرواية (الأخرى لا عدة عليهما و) هي حسنة زرارة (1) عن
الصادق عليه السلام " في الصبية التي لا تحيض مثلها والتي قد يئست من المحيض ليس
عليهما عدة وإن دخل بهما " وموثقة عبد الرحمن بن الحجاج (2) عنه عليه السلام
أيضا " ثلاث يتزوجن على كل حال: التي لم تحض ومثلها لا تحيض قلت:
وما حدها؟ قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين، والتي لم يدخل بها، والتي قد
يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، قلت، وما حدها؟ قال: إذا كان لها خمسون
سنة " وصحيح حماد بن عثمان (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التي يئست من المحيض
والتي لا تحيض مثلها، قال: ليس عليهما عدة، وحسنة محمد بن مسلم (4) " سمعت أبا
جعفر عليه السلام يقول في التي يئست من المحيض يطلقها زوجها، قال: بانت منه، ولا
عدة عليها " وحسنة محمد بن مسلم (5) عنه عليه السلام أيضا " التي لا يحبل مثلها لا عدة
عليها " إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى تواترها.
فلا ريب في أن هذه (هي الأشهر) رواية بل وعملا، بل لم نعرف القائل
بالأولى عدا من سمعت، بل ربما ظهر من غير واحد دعوى الاجماع في مقابله،
حتى أن الشيخ ره حكاه عن معاوية بن حكيم من متقدمي فقهائنا، وعن جميع
المتأخرين منهم.
والأصل في الخلاف الآية السابقة المحكي عن المرتضى الاستدلال بها، بل هي
العمدة له، لأن المعلوم من مذهبه عدم عمله بمثل الأخبار السابقة، بعد أن أورد
على نفسه بأن فيها شرطا وهو قوله تعالى (6) " إن ارتبتم " وهو منتف عنهما، ثم
أجاب عنه بأن الشرط لا ينفع أصحابنا، لأنه غير مطابق لما يشترطونه، وإنما يكون
نافعا لهم لو قال تعالى: " إن كان مثلهن يحيض في الآيسات وفي اللواتي لم يبلغن

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب العدد الحديث 4 - 1.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب العدد الحديث 4 - 1.
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(5) الوسائل الباب 3 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(6) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
233

المحيض إذا كان مثلهن يحيض " وذا لم يقل تعالى ذلك، بل قال: " إن ارتبتم "
وهو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به، على أن الذي قاله جمهور
المفسرين وأهل العلم بالتأويل كون المراد به " إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء
وغير عالمين بمبلغها فهي هذه ".
ويؤيده ما روي (1) في سبب نزول الآية " أن أبي بن كعب قال: يا رسول الله
إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب: الصغار والكبار وأولات الأحمال، فأنزل
الله تعالى الآية " فكان هذا دالا على أن المراد بالارتياب ما ذكرناه، لا الارتياب
بأنها آيسة أو غير آيسة، لأنه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض
فالمشكوك في حالها والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة، على أنه لو كان
المراد ذلك لكان حقه أن يقول " إن ارتبتن " لأن المرجع في ذلك إليهن، ولما قال: " إن
ارتبتم " علم إرادة الارتياب بالمعني الذي ذكرناه.
وفيه أنه لا خلاف الظاهر من التعبير بالارتياب إذ لو كان ذلك المراد لكان المناسب
التعبير بالجهل، على أن جميع الأحكام واردة على حال الجهل بها، فتكون حينئذ
لا فائدة فيه، وخبر أبي - مع أنه مقدوح فيه بأنه إن صح لزم تقدم عدة ذوات الأقراء
مع أنها إنما ذكرت في البقرة (2) وهي مدنية، وتلك الآية في الطلاق (3) وهي
مكية في المشهور - لا يتعين في غير البالغة واليائسة، وأما ما حكاه عن جمهور المفسرين
وأهل العلم بالتأويل فهو معارض بما في المحكي عن مجمع البيان في تفسيرها، قال:
" فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهن أم لعارض فعدتهن ثلاثة أشهر، وهن اللواتي أمثالهن
يحضن، لأنهن لو كن في سن من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى، وهذا هو المروي
عن أئمتنا عليهم السلام (4) ". وفي صحيح الحلبي أو حسنه (5) عن الصادق عليه السلام " سألته عن

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 414 و 420.
(2) الآية 228.
(3) الآية 4.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 20 - 7.
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 20 - 7.
234

قول الله عز وجل: إن ارتبتم ما الريبة؟ فقال: ما زاد على شهر فهو ريبة، فلتعتد
بثلاثة أشهر، ولتترك الحيض، وما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض
فعدتها ثلاث حيض ".
ومن ذلك كله يعلم أن المراد بالارتياب غير ما ذكره، ولا يبعد ذلك التعبير
باليأس، لجواز أن لا يراد به ما هو المعروف عند الفقهاء، ولا الرجوع إليهن في الحيض
وعدمه، لأن ارتيابها يوجب ارتيابنا إذا رجعنا إليها، بل قيل: إن الرجوع إليها
في اليأس المعتبر شرعا ممنوع، فإنه في الحقيقة خبر عن السن.
بل لعل التأمل الجيد في الآية الشريفة يقتضي استفادة حكم عدة أربع نساء
منها مفهوما ومنطوقا، ضرورة أن اليائسة المرتاب فيها تعتد بثلاثة أشهر، وأما التي
لا ريبة فيها وهي البالغة سن اليأس فلا عدة لها، لا الثلاثة ولا الأقراء المعلوم حصر
العدة بهما، وأما التي لا تحيض المقدر فيها الشرط أيضا فالمرتاب فيها وهي البالغة
سن الحيض فثلاثة أيضا، وأما التي لا ارتياب فيها وهي غير البالغة ذلك فلا عدة لها
على الوجه المزبور، ولعله المراد من المحكي عن أبي، فإن الصغار والكبار شامل
للجميع، وبذلك يتم الفائدة من الآية الشريفة، وعلى كل حال فلا ريب في أن الظاهر
منها خلاف ما ادعاه.
وأما الأخبار فمع رجحان غيرها عليها من وجوه - منها مخالفة العامة -
لا بأس بحملها على إرادة من بلغت سن الحيض ولكن لم تحض، أو انقطع حيضها
ولكن لم تبلغ سن اليأس.
وبذلك كله ظهر لك الوجه فيما تسمعه من النصوص من كون العدة أحد
الأمرين: الأقراء أو الأشهر، أيهما سبق كان الاعتداد بها، ضرورة كون المستفاد
من آية الأقراء (1) وآية الأشهر (2) ذلك، فتأمل جيدا.
(وحد اليأس أن تبلغ) المرأة (خمسين سنة) وقيل: ستين سنة (وقيل:

(1) سورة البقرة " 2 الآية 228.
(2) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
235

في القرشية والنبطية: ستين) وفي غيرهما خمسين، وقد مضى تحقيق القول في ذلك
في كتاب الطهارة، فلاحظ وتأمل.
(ولو كان) التي لا تحيض (مثلها يحيض) بمعنى أن انقطاع الدم عنها
لأمر لم يعلم حاله (اعتدت بثلاثة أشهر إجماعا) إن لم تسبقها أقراء ثلاثة لم يكن
بين الحيضتين منها ثلاثة أشهر بيض (و) ذلك لأن (هذه تراعي الشهور والحيض،
فإن سبقت الأطهار فقد خرجت العدة، وكذا إن سبقت الشهور،) لقول أبي جعفر عليه السلام
في صحيح جميل عن زرارة (1) " أمران أيهما سبق بانت به المطلقة المسترابة
تستريب الحيض، إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس لها دم بانت به، إن مرت ثلاث
حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض، قال ابن أبي عمير: قال جميل:
وتفسير ذلك إن مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا
يوما فحاضت ثم مررت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت فهذه تعتد بالحيض على هذا
الوجه، ولا تعتد بالشهور، وإن مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت "
وقول أحدهما عليهما السلام في موثق زرارة (2): " أي الأمرين سبق إليها فقد انقضت
عدتها، إن مرت ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها، وإن مرت ثلاثة
أقراء فقد انقضت عدتها ".
هذا ولكن قد يتوهم من عبارة المصنف وما شابهها كقواعد الفاضل وغيرها
اختصاص هذه - وهي التي يرتفع طمثها ولم يعلم ما الذي رفعه المعبر عنها بمثلها من
تحيض - بالحكم المزبور، ومن هنا توهم بعض الناس كالصيمري أن التي يعلم الوجه
في رفع طمثها كالرضاع ونحوه تعتد بالأقراء وإن طالت مدتها، وإن كان نحوه
المحكي عن القاضي إلا أنه مخالف للنص والفتوى، خصوصا المرضعة التي ورد فيها
بالخصوص خبر أبي العباس (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق امرأته بعد ما
ولدت وطهرت، وهي امرأة لا ترى دما ما دامت ترضع، ما عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر "

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 5 - 3 - 6.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 5 - 3 - 6.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 5 - 3 - 6.
236

مضافا إلى معلومية صدق المسترابة التي تستريب الحيض وعلى غيرها ممن بلغت
سن الحيض ولم تحض.
بل قد عرفت تحقق الريبة في الصحيح (1) المزبور بتأخر الحيض عن شهر،
كما أنك قد عرفت النصوص (2) المتضمنة للاعتداد بالثلاثة أشهر لمستقيمة الحيض
إذا كان في أزيد من ثلاثة أشهر. ومن هنا يعلم الوجه في تفسير مستقيمة الحيض
المتقدمة سابقا - التي ذكرنا اعتدادها بالأقراء - بمن لم يتأخر حيضها عادة عن
الثلاثة أشهر كما سمعته في تفسير جميل.
وبذلك يتضح لك عموم الضابط المزبور لكل معتدة من الطلاق وما يلحق به،
وهو أي الأمرين سبق إليها اعتدت به، من غير فرق بين أفرداها جميعها، وإنما
خص المصنف والفاضل المذكورة في الحكم المزبور، لأن فرض الأولى أنها لا تحيض،
فليس لها حينئذ إلا ثلاثة أشهر، أما مع فرض سبق الحيض إليها فلا ريب في أنها من
ذوات الأقراء إذا كانت تأتيها قبل الثلاثة أشهر، ولإرادة ترتيب الحكم الآتي، وهو
تربص تسعة أشهر الذي يمكن دعوى اختصاصه فيها دون غيرها ممن سبق إليها.
وهو الذي أشار إليه بقوله: (أما لو رأت في الثالث حيضا وتأخرت الثانية
أو الثالثة صبرت تسعة أشهر، لاحتمال الحمل) بسبب التأخر المزبور.
(ثم) إن تم أقراؤها أو وضعت فذاك وإلا (اعتدت بعد ذلك بثلاثة
أشهر، وهو أطول عدة) والأصل فيه خبر سورة بن كليب (3) " سئل أبو
عبد الله عليه السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع بشهود طلاق السنة،
وهي ممن تحيض، فمضى ثلاثة أشهر، فلم تحض إلا حيضة واحدة، ثم ارتفعت
حيضتها حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى، ولم تدر ما رفع حيضتها، قال: إن كانت
شابة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة واحدة ثم ارتفع طمثها فما

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 7.
(2) الوسائل الباب 12 و 14 من أبواب العدد.
(3) الوسائل في الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
237

تدري ما رفعها فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلقها، ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة
أشهر، ثم تتزوج إن شاءت " المنجبر سنده بعمل الأصحاب.
لكنه كما ترى خاص بمستقيمة الحيض التي عرض لها ارتفاع الحيض ولم
تعلم بسببه، ومن المحتمل كونه الحمل، إذ لا يرفع الحيض إلا فساد فيه أو حمل.
وكان المتجه انتظارها إلى تمام التسع التي تتم بها الأقراء أو ثلاثة أشهر بيض أو
وضع الحمل، ومن هنا اقتصر عليها ابن إدريس فيما حكى عنه، إلا أنه طرح للخبر
المزبور الذي قد سمعت انجباره بالعمل، فالمتجه الجمود على موضوعه من غير تعد
لما ينافي الضابط الذي ذكرناه، وهو الاعتداد بأسبق الأمرين إليها.
(و) أما ما (في رواية عمار) (1) عن الصادق عليه السلام - من أنها (تصبر
سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر) قال: " سئل عن رجل عنده امرأة شابة وهي تحيض كل
شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة كيف يطلقها زوجها؟ فقال: أمرها شديد، تطلق
طلاق السنة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود، ثم تترك حتى تحيض
ثلاث حيض، متى حاضت ثلاثا فقد انقضت عدتها، قيل له: وإن مضت سنة ولم تحض
فيها ثلاث حيض، قال: إذا مضت سنة ولم تحض فيها ثلاث حيض يتربص بها بعد
السنة ثلاثة أشهر، ثم قد انقضت عدتها، قيل: فإن مات أو ماتت، فقال: أيهما
مات فقد ورثه صاحبه ما بينه وبين خمسة عشر شهرا " فلم أجد عاملا به وإن أرسل
القول به في بعض العبارات، لكن لم أتحققه.
نعم في الاستبصار حمله على ضرب من الندب والاحتياط، واستوجهه غير واحد
ممن تأخر عنه، (و) عنه (في النهاية) أنه (نزلها على احتباس الدم الثالث)
(و) قال المصنف: (هو تحكم) لعدم ما يشعر بذلك فيه، لكن في كشف
اللثام تعليله " بنصوصية الأولى في احتباس الثاني بخلاف الثانية، فإنه قال: " لم
تحض في السنة ثلاثا " - وهو أعم - مع أنه مناسب للاعتبار، فإنها عند احتباس الثاني

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 1.
238

تتربص تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة، كما هو قضية الخبر الأول، وذلك إن لم
تر دما في الثلاثة بعد التسعة، فإن رأت دما في آخر الثلاثة أي آخر السنة لم يكن
بد من التربص ثلاثة أخرى، لتمر عليها بيضا، أو مع الدم الثالث، فليحمل الخبر
الثاني عليه، لأن السائل إنما ذكر أنها لم تحض في السنة ثلاثا - قال -: فاندفع
ما في الشرائع من أنه تحكم من غير ابتناء على أن السنة أقصى مدة الحمل كما في النكت "
إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم ذكره ما يقتضي رفع التحكم الذي
منشأه عدم إشعار الخبر المزبور بل ولا غيره باحتباس الدم الثالث الذي لا يناسبه
إطلاق اعتبار الثلاثة أشهر، لامكان إثباته قبل مضيها، على أن الأشهر البيض قد
مرت في ضمن التسعة، واحتمال الحمل لا ينافي الاعتداد بكونها عدة معلومية
العدم بانقضاء التسع أو السنة، على أن احتباس الثاني أو الثالث لا مدخل له في هذه الأحكام، لأن احتمال الحمل يوجب فساد اعتبار الاثنين، كما يوجب فساد الواحدة
وأقصى الحمل مشترك بين جميع أفراد النساء بالتسعة أو السنة أو غيرهما، فالفرق
بين جعل مدة التربص للعلم بالبراءة من الحمل سنة تارة وتسعة أخرى يرجع إلى
التحكم إلا على احتمال تذكره في نصوص محمد بن حكيم (1) الآتية في دعوى الحبل
إلى غير ذلك مما لا يخفى.
ومن هنا قال بعد ذلك: " وعلى كل من هذه الأقوال يخالف الحكم في هذه
الصورة ما تبين سابقا من الاعتداد بأي الأمرين سبق من الأشهر الثلاثة البيض أو
الأقراء الثلاثة، فالملخص أنها إن رأت الدم مرة أو مرتين ثم ارتفع لليأس لفقت
بين العدتين، وإلا فإن استرابت بالحمل صبرت تسعة أشهر أو سنة أو خمسة عشر
شهرا، وإلا اعتدت بأسبق الأمرين، وقريب منه قول القاضي إذا كانت المرأة ممن
تحيض وتطهر وتعتد بالأقراء إذا انقطع عنها الدم لعارض من مرض أو رضاع لم
تعتد بالشهور، بل تتربص حتى تأتي بثلاثة قروء وإن طالت مدتها، وإن انقطع
لغير عارض ومضى لها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما فقد انقضت عدتها، وإن رأت

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 5
239

الدم قبل ذلك ثم ارتفع حيضها لغير عذر أضافت إليها شهرين، وإن كان لعذر صبرت
تمام تسعة أشهر ثم اعتدت بعدها بثلاثة أشهر، فإذا ارتفع الدم الثالث صبرت تمام
سنة ثم اعتدت بثلاثة أشهر بعد ذلك ".
والجميع كما ترى ضرورة أن ما ذكره في الملخص لا يوافق شيئا من الضوابط،
بل ولا الفتاوى، لما ستعرف من أن مسترابة الحمل لا يجب عليها الصبر تسعة فضلا
عن السنة والخمسة عشرا شهرا، وكذا قول القاضي الذي جعله قريبا من ذلك، فإن
التفصيل المزبور فيه مناف لما عرفت، وكذا إضافة الشهرين، بل وغير ذلك.
وإنما المتجه الجمود على مضمون خبر سورة (1) المزبور، لا أنه يجعل قاعدة
كلية في كل مسترابة، ضرورة مخالفته للضوابط من وجوه:
(منها) اعتبار التسعة أشهر من حين الطلاق، بناء على أن ذلك فيه لاحتمال
الحمل، كما يشعر به تعليل المصنف وغيره، فإنه لا يطابق شيئا من الأقوال فيه،
لأن مدته في جميعها معتبرة من آخر وطء يقع بها، لا من حين الطلاق، فلو فرض
أنه كان معتزلا لها أزيد من ثلاثة أشهر تجاوزت مدة أقصى الحمل على جميع
الأقوال، وقد يكون أزيد من شهر، فيخالف القولين بالتسعة والعشرة.
اللهم إلا أن يقال المراد من آخر وطء تعقبه الطلاق بعد الاستبراء منه،
نحو ما وقع لهم من التعبير فيما تسمعه من الفرع الثالث الذي اعترف في المسالك بكون
ذلك المراد لهم وإن وقع التعبير بما يوهم خلافه مساهلة، فلاحظ وتأمل.
أو يقال: إن المراد بالنسبة إلى الحكم الظاهري إذا لم يعلم تقدم وطئه، فإن
حكم الفراش لا ينقطع عنه إلا بالطلاق، فيلحظ المدة حينئذ فيه.
لكن فيه أن الطلاق الصحيح يقتضي سبق الوطء على الحيض، لعدم صحته في
طهر المواقعة، فلا بد من تقدير زمان قبل الطلاق أقل ما يمكن فيه الوطء والحيض بعده،
كما صرح به في المسالك فيما يأتي.

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
240

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك لا ينفي حكم الفراشية التي تكون سببا للحوق
الولد الذي يكفي فيه مجرد الاحتمال ولو في زمن الحيض ولو في حال لم يعلم الزوج به
من نوم ونحوه فتأمل جيدا، فإن ذلك لا يخلو من بحث أيضا.
و (منها) الاعتداد بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل بتجاوز الأقصى
لأنه مع طرو الحيض قبل تمام الثلاثة إن اعتبرت العدة بالأقراء وإن طالت لم يتم
الاكتفاء بجميع ذلك، وإن اعتبر خلو ثلاثة أشهر بيض فالمتجه بعد انتهاء أقصى
الحمل الاجتزاء بما مر من الأشهر البيض في أثناء التسعة، لأن عدة الطلاق لا يعتبر
فيها القصد إليها بخصوصها، ودعوى أن التسعة إنما هي للعلم ببراءة الرحم وليست عدة -
كما عساه يشعر به الأمر بالتربص فيها في الخبر (1) المزبور ثم الاعتداد بالثلاثة
يدفعها ظهور غيرها من ما تسمعه من أخبار محمد بن حكيم (2) في مستريبة الحمل أو
مدعيته في أنها عدة، على أن تخلل هذه المدة بين الطلاق والعدة مناف للأمر بالطلاق
للعدة (3) بل مقتضاه عدم إجراء حكم العدة عليها من التوارث والتزويج فيها جهلا
وعلما بالنسبة إلى الحرمة أبدا، وغير ذلك مما هو من أحكام العدة.
و (منها) أن ذلك مناف لما تسمعه منهم في مسترابة الحمل من جواز التزويج
لها وإن استرابت به في أثناء العدة على أن الخبر (4) المزبور لا دلالة فيه على أن
التسعة لمكان الحمل وإن كان ربما أشعر به التقييد به، لكن قوله: " من حين الطلاق "
ينافيه، على أن مقتضاه الاجتزاء بالثلاثة مثلا لو علمت في أثنائها انتفاء الحمل، إلى غير
ذلك مما لا يخفى عدم انطباقه على الضوابط.
فالمتجه الجمود على مضمون الخبر (5) المزبور في خصوص المفروض من دون
أن يجعل قاعدة كلية، بل الظاهر أن ذلك فيه عدة للموضوع الخاص من حيث

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 4 و 5.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
241

كونه بالوصف المزبور في النص، لا أن التسعة زمان تربص للاستبراء والثلاثة بعدها
زمان العدة.
وبذلك يظهر لك الاشكال في خبر عمار (1) بل هو أشد إشكالا مما فيه،
على أن موضوعه غير الموضوع في خبر سورة (2) فمن الغريب ذكر مضمونهما على
موضوع واحد، ولم نجد في شئ مما وصل إلينا من النصوص ما هو بمضمونهما.
وأما أخبار محمد بن حكيم (3) التي هي في مدعية الحبل ومستريبته فهي غير
ما نحن فيه، ولقد وقع هنا خبط عظيم في بعض الكلمات، وخصوصا في الحدائق،
فإنه على إطنابه في المقام وزعمه أنه قد جاء بشئ لم يسبق إليه قد خبط في موضوعات
الأحكام وعنوانها، كما لا يخفى على من لاحظ تمام كلامه، ولولا كثرة الكلمات
في المقام ودعوى الشهرة من غير واحد في العمل بخبر سورة (4) لأمكن تنزيل
الخبرين المزبورين على ضرب الندب في الاحتياط والاستظهار نحو ما تسمعه في
أخبار محمد بن حكيم (5) وغيره الواردة في دعوى الحبل والمستريبة فيه، فإن التأمل الجيد
فيها يقتضي اتفاقها في المذاق والمساق، فلاحظ وتأمل.
وعلى كل حال فقد ظهر لك أن المتجه بناء على العمل بالخبر (6) المزبور
الجمود على مضمونه الذي هو في الحرة قطعا، وكان اقتصار المصنف على رؤية الدم
في الثالث يومئ إلى بعض ما ذكرناه من الجمود، مع أن الخبر المزبور لا صراحة فيه
في ذلك بل ولا ظهور، لكن عليه لو رأت في الشهر الأول أو الثاني واحتبس ففي إلحاقه
بما ذكروه نظر، من مساواته له في المعنى بل أولى بالاسترابة بالحمل، ومن قصر
الحكم المخالف على مورده، فرده إلى القاعدة - وهي الاعتداد بأسبق الأمرين -
أولى.

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 4 و 5.
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 4 و 5.
(6) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
242

نعم لو قيل في مثل ذلك بوجوب مراعاة الأقراء وإن طالت المدة اتجه حينئذ
الاقتصار على ما في الخبر المزبور نظرا إلى الأولوية التي ليست من القياس الباطل.
ومن الغريب ما في المسالك، فإنه بعد أن أطنب في المقام وأشكل العمل بالخبرين (1)
المزبورين من وجوه قال: " ولو قيل بالاكتفاء بالتربص مدة يظهر فيها انتفاء الحمل
كالتسعة من غير اعتبار مدة أخرى كان وجها " ضرورة منافاة ذلك للقاعدة المزبورة،
ولما يأتي من عدم وجوب التربص تسعة في مستريبة الحمل، نعم لا بأس بذلك على
ضرب من الندب للاحتياط والاستظهار، وإن كان لا محيص عن العمل بخبر سورة (2)
لاعتضاده بفتوى المشهور، فالمتجه الاقتصار عليه في تقييد القاعدة المزبورة من غير
تعد لغيره على وجه يجعل عنوانا لمطلق المسترابة إذا رأت الدم في دون الثلاثة
أشهر ثم ارتفع حيضها ولو لعارض معلوم من عادة ونحوها، كما وقع من غير واحد،
ضرورة زيادة ذلك على مقتضى الدليل المزبور، فيكون تقييدا للقاعدة بغير مقيد،
كما أن المتجه جعل الجميع فيه عدة للموضوع المفروض من حيث كونها كذلك
وإن بان بعد ذلك كونها غير حامل، لا أنها خصوص الثلاثة بعد التسعة.
(ولو رأت الدم مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين) بلا خلاف
أجده فيه، لخبر هارون بن حمزة (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في امرأة طلقت وقد
طعنت في السن فحاضت حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها، فقال: تعتد بالحيض وشهرين
مستقبلين، فإنها قد يئست من المحيض " ولما سمعته سابقا من النص (4) الدال على
أن لكل شهر حيضة، بل ذلك هو الحكمة في قيام الأشهر مقام الأقراء عند تعذرها
على المعتاد، وحينئذ فهي بدل عنها، من غير فرق بين تعذر الجميع أو البعض،

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 7 و 3 وقد ورد في لفظ الحديث 2 من هذا الباب " لكل شهر حيضة " إلا أنه لم يتقدم سابقا.
243

ولا يشكل ذلك بمحتبسة الحيض لعارض، لوضوح الفرق بينهما بامكان عوده فيها
دون الفرض.
بل مقتضى ذلك وفحوى النص المزبور بل والتعليل في آخره التلفيق بشهر لو
فرض مجئ الحيض مرتين، ولا تلفيق في عدة غيرها.
بل قد يقال: إن مقتضاهما أيضا إتمام عدتها بعد سن اليأس لو فرض طلاقها
قبله مثلا بشهر أو شهرين بل أو لحظة، وكانت ممن تعتد بالشهور، بل لعله أولى
من التلفيق المزبور وإن كان إجراء ذلك على مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن اقتضاء
فحوى الخبر المزبور لا يخلو من إشكال، بناء على خروج مثل الفرض عن المنساق
من إطلاق الأدلة، والأصل براءة الذمة من الاعتداد.
ودعوى الحكم بأن السابق على زمن اليأس من العدة، فيستصحب يدفعها إمكان
منع أنها منها بعد فرض معلومية حالها، لما عرفت من كونها موضوعا جديدا غير
داخل في المنساق من الأدلة، اللهم إلا أن يمنع ذلك كله بسبب معلومية صدق
كونها غير آيس عند الطلاق، فيشملها أخبار العدة (1) وأخبار المطلقة (2) والأمر
في ذلك كله سهل بعد ما سمعت من كون حكمها الاعتداد، ولو لفحوى النص المزبور
حتى لو تكن ذات أقراء وقد صادف طلاقها لحظة قبل زمن سن اليأس، نعم لو
فرض اتحاد زمان آخر صيغة الطلاق مع أول زمن اليأس اتجه عدم اعتدادها حينئذ.
(ولو استمر بالمعتدة الدم مشتبها) بأن تجاوز العشرة (رجعت إلى عادتها
في زمان الاستقامة) وقتا وعددا أو أحدهما إن كانت وأمكن اعتبارها، بأن لم تتقدم
ما اعتادته من الوقت ولا تأخرت عنه، وتجعل الباقي استحاضة، فتلحق بالأول حكم
الحيض والباقي حكم الطهر إلى وقت العادة من الشهر الآخر، وتنقضي بذلك العدة كغير
المستمر بها الدم من المستقيمة، والتقييد بالاشتباه باعتبار احتماله بالحيض فيما زاد
على العادة قبل التجاوز وإن كان بعد التجاوز لا اشتباه لما عرفت (ولو لم تكن لها عادة)

(1) الوسائل الباب 12 وغيره من أبواب العدد.
(2) الوسائل الباب 12 وغيره من أبواب العدد.
244

لابتدائها أو اضطرابها أو كانت ونسيتها (اعتبرت صفة الدم) بشرائطه المتقدمة
في باب الحيض (فاعتدت بثلاثة أقراء) بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل
ولا إشكال، لما تقدم في محله من كون ذلك طريقا شرعيا في تشخيص الحيض المقتضي
لتشخيص الطهر، فيتبعه حكم العدة، مضافا إلى مرسل جميل (1) عن أحدهما عليهما السلام
في خصوص المقام، قال: " تعتد المستحاضة بالدم إذا كان في أيام حيضها أو بالشهور
إن سبقت إليها، وإن اشتبه فلم تعرف أيام حيضها فإن ذلك لا يخفى، لأن دم الحيض
دم عبيط حار ودم الاستحاضة أصفر بارد "
(ولو اشتبه) على وجه لا يتحقق به التمييز المعتبر شرعا (رجعت إلى
عادة نسائها) من أقربائها أو أقرانها على ما تقدم في محله، مضافا إلى خبر محمد بن
مسلم (2) هنا سأل أبا عبد الله عليه السلام " عن عدة المستحاضة، فقال: تنتظر قدر
أقرائها فتزيد يوما أو تنقص يوما، فإن لم تحض فلتنظر إلى بعض نسائها فلتعتد
بأقرائها ".
ولكنه كما ترى صريح في خصوص المبتدأة التي قد عرفت اختصاص الحكم
بها أيضا في محله، لأنها هي التي نطقت الأخبار (3) برجوعها إلى نسائها، ويمكن
أن يكون إطلاق المصنف وغيره اتكالا على ما تقدم في كتاب الطهارة، نعم ما في
الإرشاد من التصريح بالمضطربة دون المبتدأة كأنه سهو من القلم، وربما يستظهر
من ابن إدريس تقدم عادة النساء على التمييز، لكن المحكي من كلامه مضطرب،
بل قيل: إنه لا يكاد يفهم.
(ولو اختلفن) أن فقدن (اعتدت بالأشهر) كفاقدة التمييز من المضطربة،
لقول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (4): " عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب العدد الحديث 1 - 2 وفي الثاني أنه سأل
أبا جعفر عليه السلام... " إلا أن في الفقيه ج 3 ص 333 عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب العدد الحديث 1 - 2 وفي الثاني أنه سأل
أبا جعفر عليه السلام... " إلا أن في الفقيه ج 3 ص 333 عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب العدد الحديث 8.
245

لا تطهر والجارية التي قد يئست ولم تدرك المحيض ثلاثة أشهر " وقوله عليه السلام أيضا
في خبر أبي بصير (1): " عدة التي لم تحض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر "
وقد عدها أيضا في صحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام ممن عدتها ثلاثة أشهر،
بل في خبر موسى بن بكير عن زرارة (3) كون ذلك كالمفروغ منه. مؤيدا ذلك كله
بالنصوص (4) الدالة على إبدال الأشهر عن الأقراء مع تعذرها، على أن يكون
لكل شهر حيضة.
ومنه هنا لم يكن خلاف بين الأصحاب فيما أجده في اعتدادها بذلك وإن قالوا
في كتاب الطهارة بتحيضها بالروايات (5) فيكون حكم العدة هنا مخالفا لما هناك،
ولعله لمنافاة تخييرها بالروايات بين الثلاثة من شهر وعشر من آخر أو سبعة من
كل شهر في أي مكان من الشهر شاءت، لانضباط العدة الظاهر من النص والفتوى
اعتباره.
لكن عن ابن إدريس أنه قال: " هنا (6) على قول من يقول بكون حيض هذه
في كل شهر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو سبعة أيام، ففي الثلاثة أشهر تحصل لها ثلاثة
أطهار، فأما على قول من يقول بجعل عشرة أيام طهرا وعشره حيضا فتكون عدتها
أربعين يوما ولحظتين " وظاهره وجود المخالف، ولكني لم أتحققه، بل فيه أنه
لا يتعين على القول الأول الثلاثة أشهر، بل يكفي شهران ولحظتان.
(ولو كانت لا تحيض إلا في ستة أشهر) أو أربعة (أو خمسة) أو أزيد
من ذلك أو أنقص ولو بعد كل ثلاثة (أشهر اعتدت بالأشهر) دون الأقراء بلا
خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام اتفاقا كما في الخلاف والسرائر، لخبر زرارة (7)

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 9 - 1 - 4 - 0 - والثالث عن موسى بن بكر، عن زرارة
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 9 - 1 - 4 - 0 - والثالث عن موسى بن بكر، عن زرارة
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 9 - 1 - 4 - 0 - والثالث عن موسى بن بكر، عن زرارة
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 9 - 1 - 4 - 0 - والثالث عن موسى بن بكر، عن زرارة
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب الحيض من كتاب الطهارة،
(6) وفي السرائر " هذا " راجع ص 341 ط إيران،
(7) الوسائل الباب 3 من أبواب العدد الحديث 11،
246

" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو في أربع سنين،
قال: تعتد ثلاثة أشهر ثم تتزوج إن شاءت " وخبر أبي بصير (1) عنه عليه السلام أيضا
أنه قال: " في المرأة التي يطلقها زوجها وهي تحيض كل ثلاثة أشهر حيضة، فقال:
إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدتها، يحسب لها لكل شهر حيضة " وخبر أبي
مريم (2) عنه عليه السلام أيضا " عن الرجل كيف يطلق امرأته وهي تحيض في كل ثلاثة
أشهر حيضة واحدة؟ قال: يطلقها تطليقة واحدة في غرة الشهر، فإذا انقضت ثلاثة
أشهر من يوم طلاقها فقد بانت منه، وهو خاطب من الخطاب " ومنه يعلم كون المراد
من حيضها في كل ثلاثة أشهر بعدها.
وفي صحيح ابن مسلم (3) عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: " في التي تحيض في
كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة أشهر، والمستحاضة، والتي لم تبلغ
المحيض، والتي تحيض مرة ويرتفع مرة، والتي لا تطمع في الولد، والتي قد ارتفع
حيضها وزعمت أنها لم تيأس، والتي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم، فذكر أن
عدة هؤلاء كلهن ثلاثة أشهر ".
مضافا إلى ما دل (4) من الاعتداد بأسبق الأمرين: الأقراء أو الثلاثة أشهر،
بناء على عدم اشتراط الاعتداد بالأشهر بوقوع الطلاق بعد ثلاثة أشهر بيض،
لاطلاق النص (5) والفتوى، فلو كانت لا تحيض إلا بعد ثلاثة وطلقت حيث بقي
إلى حيضها شهر اعتدت بالأشهر أيضا وإن رأت الدم بعد شهر، لصدق ثلاثة أشهر
بيض على ثلاث حيض، فإنه أعم من أن يكون بعد الطلاق من غير فصل أو مع
الفصل، فتكون عدتها ثلاثة أشهر مع الحيض السابق والطهر السابق عليه، ولا بعد

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 2 - 1.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 3 و 5.
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 1.
247

في اختلاف العدة باختلاف وقت الطلاق طولا وقصرا، بل هو الواقع في المعتدة
بالأقراء.
وإن أبيت إلا عن اعتبار اتصال أشهر البيض بالطلاق أمكن القول باختصاص
ذلك في المسترابة، ومحل الفرض ليس منها، بل هي تعتد بثلاثة أشهر وإن تخلل
بينها دم، لاطلاق النصوص (1) المزبورة المعتضدة بالفتاوى، بل كأنه صريح المحكي
في المسالك عن التحرير أو ظاهره وإن كنا لم نتحققه.
وعلى كل حال ما في خبر الكناني (2) - " سألت الصادق عليه السلام عن التي تحيض
كل ثلاثة أشهر مرة كيف تعتد؟ قال: تنتظر مثل قرئها التي كانت تحيض فيه على
الاستقامة، فلتعتد ثلاثة قروء، ثم لتتزوج إن شاءت " وعن التهذيب والفقيه " سنين "
بدل " أشهر " مثل خبري أبي بصير (3) والغنوي عنه عليه السلام أيضا - لم أجد عاملا
به، فلا بأس بطرحه أو حمله على إرادة الكناية بذلك عن الأشهر، على معنى
احتساب كل شهر بحيضة، كما أومى إليه في خبر أبي بصير (5) السابق، بل لعل
حكمة الاكتفاء بالاعتداد بثلاثة أشهر عن الأقراء ذلك.
(ومتى طلقت في أول الهلال) بأن انطبق آخر لفظ الطلاق مع الغروب
ليلة الهلال (اعتدت بثلاثة أشهر أهلة) بلا خلاف بل ولا إشكال، لانصراف
الشهر إلى الهلالي في عرف الشرع، بل وفي العرف العام، بل قد سمعت التصريح
بذلك في خبر أبي مريم (6) السابق، نعم قد يقال: يصدق الطلاق في غرة الشهر بأوسع
من التقدير المزبور الذي لا يكاد يمكن تحققه في الخارج، وحينئذ فيتسامح مقدار
زمان وقوع صيغة الطلاق ونحوه في صدق الثلاثة.

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 10 راجع التهذيب ج 8 ص 122
والفقيه ج 3 ص 332.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 14 - 19 - 2.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 14 - 19 - 2.
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث - 14 - 19 - 2.
(6) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 4.
248

(و) كيف كان ف‍ (لو طلقت في أثنائه اعتدت بهلالين) لتمكنها
منهما، وقد عرفت كون الشهر حقيقة فيهما (وأخذت من الثالث بقدر الفائت
من الشهر الأول) ليتحقق صدق الثلاثة الأهلة عرفا ولو لكون ذلك أقرب المجازات
إلى الحقيقة (وقيل تكمله ثلاثين) لامكان الهلالية في الشهرين وتعذره في
الباقي، فينصرف إلى العددي (وهو الأشبه) عند المصنف.
ولكن فيه ما لا يخفى كالقول باعتبار العددي في الجميع، لأنه يكمل الأول
من الثاني فينكسر، ويكمل من الثالث فينكسر، فيكمل من الرابع.
وكذا احتمال تلفيق ما نقص من الأول بمقداره من الآخر، بمعنى
أنه لو فرض وقوعه في النصف من الأول لوحظ النصف من الآخر، ومقتضاه
حينئذ تلفيق شهر تكون أيامه ثلاثين يوما إلا نصف يوم، وهو خارج عن الهلالي
والعددي، فالأقوى ما ذكرناه أولا، وذلك لأن الشهر حقيقة فيما بين الهلالين
مجاز في غيره، ولا يقدح اختلاف مصداقه بالتسعة وعشرين تارة والثلاثين أخرى
عرفا في جميع الآجال من غير فرق بين البيع وغيره، ومع تعذر الحقيقة فأقرب
المجازات إليها التلفيق بما ذكرناه.
وبذلك يعرف الحال في جميع أفراد المسألة، إذ هي غير خاصة في المقام،
بل لعل السنة كذلك أيضا، فإنها حقيقة في الاثني عشر شهرا هلاليا، وتلفيقها بما
ذكرنا إلا أن تقوم القرينة على إرادة غير ذلك.
(تفريع:)
(لو ارتابت بالحمل) لحركة أو ثقل أو نحوهما (بعد انقضاء العدة
والنكاح لم يبطل) النكاح، للأصل بل الأصول، بل ظاهر حسن محمد بن حكيم (1)
عن العبد الصالح عليه السلام عدم اعتبار الريبة بعد الثلاثة أشهر، قال: " قلت له: المرأة

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 4.
249

الشابة التي يحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها ما عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر،
قلت: جعلت فداك فإنها تزوجت بعد ثلاثة أشهر فتبين لها بعد ما دخلت على
زوجها أنها حامل، قال: هيهات من ذلك يا ابن حكيم، رفع الطمث ضربان، إما
فساد من حيضة فقد حل لها الأزواج وليس بحامل، وإما حامل فهو يستبين بثلاثة
أشهر، لأن الله تعالى قد جعله وقتا يستبين فيه الحمل، قال: قلت: فإنها ارتابت
بعد ثلاثة أشهر، قال: عدتها تسعة أشهر، قلت: فإنها ارتابت بعد تسعة أشهر،
قال: إنما الحمل تسعة أشهر، قلت: تتزوج؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت:
فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر، قال: ليس عليها ريبة تتزوج " الخبر.
(وكذا) يجوز لها التزويج، للأصل وغيره (لو حدثت الريبة بعد
العدة وقبل النكاح) ولا ينافي ذلك ما في ذيل الحسن السابق (1) وموثقه الآخر (2)
" قلت له: المرأة الشابة التي يحيض مثلها يطلقها زوجها ويرتفع حيضها كم عدتها؟
قال: ثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر، قال: عدتها
تسعة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد التسعة أشهر، قال: إنما
الحبل تسعة أشهر، قلت: تتزوج؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت
بعد الثلاثة أشهر، قال: لا ريبة عليها تتزوج إن شاءت " بعد التنزيل على الأولوية
والاحتياط، أو على استبانة الحمل لها بعد الثلاثة، على أن الأخير منهما مشتمل
على دعواها الحمل نحو خبره الثالث (3) عن أبي عبد الله عليه السلام أو أبي الحسن عليهما السلام
" قلت له: رجل طلق امرأته فلما مضت عليها ثلاثة أشهر ادعت حبلا، قال:
ينتظر بها تسعة أشهر، قال: قلت: فإنها ادعت بعد ذلك حبلا فقال: هيهات هيهات
هيهات، إنما يرتفع الطمث من ضربين: إما حمل بين وإما فساد من الطمث،
ولكنها تحتاط بثلاثة أشهر بعد " وهو غير ما نحن فيه من الاسترابة، ضرورة

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 2 - 5.
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 2 - 5.
250

أنه لا إشكال في تربصها تسعة مع دعواها الحمل، فإنها مكلفة بالاعتداد، والفرض
أنها بزعمها من ذوات الأحمال، كما ستسمع الكلام فيه.
(أما لو ارتابت فيه قبل انقضاء العدة لم) يجز لها أن (تنكح) عند
الشيخ، ومال إليه المحدث البحراني، بل هو خيرة الفاضل في التحرير
والمختلف (ولو انقضت العدة) لحصول الشك في الحقيقة في انقضائها وفي براءة
الرحم، ولابتناء النكاح على الاحتياط، وحسن ابن عبد الرحمان بن الحجاج أو
صحيحه (2)، عن الكاظم عليه السلام " سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول: إذا طلق الرجل
امرأته فادعت حبلا انتظرت تسعة أشهر، فإن ولدت وإلا اعتدت ثلاثة أشهر،
ثم قد بانت منه "
(و) لكن مع ذلك (لو قيل بالجواز ما لم يتيقن الحمل كان حسنا)
بل في القواعد " هو الأقرب " لانقضاء العدة شرعا وأصل انتفاء الحمل المؤيد
بما عرفت، فيحمل ما سمعته في النصوص السابقة على الندب، نحو الأمر بالاحتياط
بالثلاثة بعد التسعة.
على أن الصحيح المزبور وخبري ابن حكيم الأخيرين في دعوى الحبل،
وقد عرفت خروجه عن مفروض المسألة، وأما الأول فظاهر سؤاله أنها تبينت
الحمل بعد الثلاثة وبعد الدخول على زوجها، مع أن الإمام عليه السلام أجابه بعدم
العبرة بهذا التبين وإن كان بعد ذلك متصلا به ذكر التربص تسعة أشهر بالريبة
بعد الثلاث. ومنه يعلم اضطراب الرواية ولا بد من حمل الأخير فيها على ضرب
من الندب، كالأمر بالاحتياط فيها ثلاث أشهر.
وعلى كل حال هي غير ما ذكره الشيخ الذي مبناه على الظاهر عروض الارتياب
لها في أثناء العدة، فيستصحب حالها إلى انقضاء عدة الحامل، ولو لأنها من شبهة

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث 1 عن عبد الرحمان بن
الحجاج.
251

الموضوع، بخلاف الذي تزوجت وجرى أصل الصحة على العقد المتعلق بغيرها،
بل وكذا من انقضت عدتها من دون استرابة التي حكم بظاهر الأدلة بخروجها منها.
وفيه (أولا) مع كون المشكوك في أنه من أفراد الخاص أو العام من شبهة
الموضوع، كما حققنا في محله. و (ثانيا) أن عدم الحمل المستصحب في خصوص
الامرأة المشكوك في حالها كاف في الحكم شرعا بعدم كونها من أفراد الخاص، وفي
بقاء الحكم العام عليها، والاحتياط إنما هو من الأمور المستحبة حتى في الصورتين
اللتين وافقنا الشيخ على الحكم فيهما، كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (على) سائر (التقديرات إذا ظهر حمل بطل النكاح
الثاني، لتحقق وقوعه في العدة) التي هي وضع الحمل دون الأقراء والثلاثة، فإنها
أمارة في الظاهر لا تعارض الواقع بعد فرض حصوله، كما هو واضح، والله العالم.
(الفصل الرابع)
(في) عدة (الحامل)
(و) لا ريب في أنها (هي) ولو كانت أمة (تعتد بالطلاق بوضعه ولو بعد
الطلاق بلا فصل) كتابا (1) وسنة (2) مستفيضة أو متواترة، قد سبق جملة منها
في طلاق الحامل ويأتي في أثناء البحث أيضا، وإجماعا بقسميه، بل ظاهر الأولين
كون ذلك عدتها دون الأقراء والأشهر، كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت
تكون إجماعا وإن كان الصدوق وابن حمزة على اعتدادها بأقرب الأجلين منهما

(1) سورة الطلاق " 65 الآية 4.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد الحديث - 0 -.
252

ومن الوضع، بل ظاهر المرتضى وابن إدريس وجود مخالف غيرهما وإن كنا لم
نتحققه.
وكيف كان فقد ذكروا له خبر أبي الصباح (1) عن الصادق عليه السلام " طلاق
الحامل واحدة وعدتها أقرب الأجلين " وصحيحا الحلبي (2) وأبي بصير (3) عنه عليه السلام
أيضا " طلاق الحبلى واحدة وأجلها أن تضع حملها، وهو أقرب الأجلين " وقالوا:
إنه قاصر عن معارضة غيره من الكتاب (4) والسنة (5) من وجوه، سيما بعد احتماله
إرادة أن وضع الحمل أقرب العدتين باعتبار إمكان حصوله بعد الطلاق بلحظة، بل
لعله ظاهر الأخيرين الذي ينبغي حمل الأول عليه، ضرورة أنه لا وجه للحكم
بكونه كذلك إلا ما ذكرنا، وهو غير الاعتداد بأقرب الأجلين، وعدم قابلية عبارة
الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام (6) للتأويل المزبور غير قادح، لقصوره أيضا، مع
عدم تحقق النسبة المزبورة، بل من القوي كونه من تصانيف الصدوق رحمه الله وإن
أرسل فيه عن الرضا عليه السلام ما يوهم كونه له.
هذا ولكن الانصاف عدم خلو قوله من قوة، ضرورة كونه مقتضى الجمع بين
الأدلة كتابا (7) وسنة، إذا منها ما دل (8) على اعتداد المطلقة بالثلاثة، ومنها
ما دل (9) على اعتداد الحامل مطلقة كانت أو غيرها بالوضع، فيكون أيهما سبق
يحصل به الاعتداد، نحو ما سمعته في الثلاثة أشهر والأقراء، بعد القطع بعدم احتمال
كون كل منهما عدة في الطلاق كي يتوجه الاعتداد حينئذ بأبعدهما.

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد الحديث 3 - 6 - 2.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد الحديث 3 - 6 - 2.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد الحديث 3 - 6 - 2.
(4) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد.
(6) المستدرك الباب 9 من أبوب العدد الحديث 1.
(7) سورة البقرة: 2 الآية 228 وسورة الطلاق: 65 الآية 4.
(8) الوسائل الباب 12 من أبواب العدد.
(9) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد.
253

وأما الصحيحان فالمراد منهما الاعتداد بالوضع حال كونه أقرب الأجلين،
فالجملة حالية، فيوافقان الخبر الأول بل جعلها مستأنفة لا حاصل له، ضرورة
كون الموجود في الخارج منه كلا من الأقرب والأبعد، إذ كما يمكن الوضع بعد
لحظة يمكن تأخره تسعة، بل يمكن القطع بفساد إرادة ذلك منهما، وكأن هذا هو
الذي دعى المتأخرين إلى الاطناب بفساد قول الصدوق " ره "، وأنه في غاية الضعف، وإلا
أن الانصاف خلافه، بل إن كان منشأ الشهرة هذا التوهم الفاسد من الصحيحين كان
قولهم بمكانة من الضعف، ضرورة عدم المعارض إلا إطلاقات لا تصلح مقابلة للتصريح
المصرح به في المعتبر من النصوص المتعددة، فتأمل جيدا.
وكيف كان فلا فرق في اعتدادها بذلك (سواء كان تاما أو غير تام ولو كان
علقة بعد أن يتحقق أنه حمل) يندرج في إطلاق الكتاب (1) والسنة قال ابن الحجاج
في الموثق (2): " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الحبلى إذا طلقها زوجها فوضعت سقطا
تم أو لم يتم أو وضعته مضغة، قال: كل شئ يستبين أنه حمل تم أو يتم فقد
انقضت عدتها وإن كان مضغة ".
وربما ظهر منه أن أقل ما يتحقق به الحمل المضغة، كما عن ابن الجنيد التصريح
به، فلا عبرة بالنطفة مع عدم استقرارها إجماعا بقسميه، بل ومعه، وإن قال في
المسالك: " فيه وجهان، من الشك في كونه قد صار حملا " لكن من المعلوم عدم
العبرة به مع الشك في كونه حملا، ضرورة عدم تحقق الاندراج في أولات الأحمال "
ومن الغريب ما حكاه فيها من إطلاق الشيخ انقضاء العدة بالنطفة، بل في كشف
اللثام أنه خيرة التحرير والجامع، لعموم النصوص (3) ثم قال فيها أيضا، " والوجهان
آتيان في العلقة، من الدم التي لا تخطيط فيها - بل قال -: إنه وافق

(1) سورة الطلاق " 65 الآية 4.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب العدد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد.
254

المصنف وجماعة الشيخ عليها، وهو قريب مع العلم بأنها مبدأ نشوء آدمي وإلا فلا "
وفيه أنه لا ريب في كونها مبدأ آدمي، إذ هي كما عن بعض كتب أهل اللغة
الدم الجامد المتكون من النطفة، إنما الكلام في صدق الحمل عرفا وإلا فلا ريب
في أن النطفة مبدأ نشوء آدمي، ولذلك اكتفى بها من عرفت، ولا ينافي ذلك احتساب
أقصى الحمل من حين الوطء، فإنه لا يقتضي صدقه عرفا بذلك.
ومن ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك أيضا من أنه " إذا لم تظهر الصورة
والتخطيط لكل واحدة من المضغة والعلقة ولكن قالت القوابل وأهل الخبرة من النساء
أن فيه صورة خفية، وهي بينة لنا وإن خفيت على غيرنا حكم بانقضاء العدة
وإثبات النسب وسائر الأحكام بذلك، ولو لم تكن فيه صورة ظاهرة ولا خفية تعرفها
القوابل ولكن قلن: إنه أصل لآدمي، لو بقي لتصور وتخلق ففي الاكتفاء به قولان،
ويظهر من المصنف الاكتفاء به، كما قطع به الشيخ لعموم الآية (1) وخصوص خبر
ابن الحجاج (2) ".
وفيه - بعد الاغضاء عن الدليل على قبول شهادة القوابل هنا في ذلك، خصوصا
بعد أن لم يذكروه في كتاب الشهادات مما تقبل فيه شهادة النساء منفردات - ما قد
عرفت من احتمال كون المدار على صدق الحمل عرفا، لا أنه نشوء آدمي، بل من
المحتمل إرادة المصنف ومن عبر كعبارته ذلك أيضا.
نعم هو ظاهر التحرير قال: (لا فرق بين أن يكون الحمل تاما أو غير تام
بعد أن يعلم أنه حمل وإن كان علقة، سواء ظهر فيه خلق آدمي من عينين أو ظفر
أو يد أو رجل أو لم يظهر لكن تقول القوابل: إن فيه تخطيطا باطنا لا يعرفه إلا
أهل الصنعة، أو تلقي دما متجسدا (مستجسدا خ ل) ليس فيه تخطيط ظاهر ولا
باطن، لكن تشهد القوابل أنه مبدأ خلق آدمي، لو بقي لتخلق وتصور، أما لو
ألقت نطفة أو علقة انقضت بها العدة ".

(1) سورة الطلاق: 65 الآية - 4.
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب العدد الحديث 1.
255

وظاهره عدم اشتراطه في النطفة والعلقة العلم أو الظن بكونها مبدأ نشوء آدمي،
وهو ظاهر المبسوط، ولعل الوجه فيه أن النطفة مبدأ مطلقا شرعا، وأن العلقة إنما
أريد بها الدم الجامد المتكون من النطفة كما فسرت به في بعض كتب اللغة، وظاهر
أنه مبدأ له البتة، وعبر عن الدم الجامد الذي لا يعلم تكونه من النطفة بالدم المتجسد
الخالي عن التخطيط.
قلت: قد عرفت أن المدار على صدق الحمل عرفا، لا كونه نشوء آدمي،
فإنه أعم من ذلك، وهذا هو الوجه في تقييد المصنف وغيره بذلك، بل لعل الخبر (1)
المزبور كذلك، لا أقل من الشك في صدق الحمل بالمفروض، وقد صرح المصنف
وغيره بعدم العبرة به وقد عرفت وجهه، بل الظاهر عدم العبرة بظن أنه حمل فضلا
عن الشك، لاعتبار العلم في مصاديق الألفاظ.
لكن في القواعد " الشرط الثاني: وضع ما يحكم بأنه حمل أو ظنا، فلا
عبرة بما يشك فيه " وشرحها في كشف اللثام " أي مستقر في الرحم آدمي أو مبدأ
له، علما وهو ظاهر أو ظنا لقيامه مقام العلم في الشرع إذا تعذر العلم، ولأنها إذا
علقت دخلت في أولات الأحمال، وربما أسقطت، فإن لم يعتبر الظن لم يكن أجلها
الوضع، فلا عبرة بما يشك فيه اتفاقا، إذ لا عبرة بمجرد الاحتمال مع مخالفة الأصل ".
ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل دعوى قيام الظن بأنه
حمل مقام العلم واضحة المنع، ويمكن أن يريد الفاضل الظن المخصوص الناشئ من
شهادة القوابل كما سمعته منه في التحرير، وإن كان فيه ما عرفت أيضا من عدم الدليل
على قبول شهادتهن بذلك.
وأما الوضع فالمرجع فيه الصدق عرفا، فلا يصدق على خروج البعض متصلا
أو منفصلا ولو المعظم إلا ما لا ينافي صدق وضعه عرفا من تخلف بعض الأجزاء،
وهو واضح.

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب العدد الحديث 1.
256

كوضوح اعتبار وضعه ملحقا شرعا بذي العدة، من المطلق أو الفاسخ أو غيرهما،
أو محتملا أنه منه لكونها فراشا وإن انتفى باللعان، بناء على عدم انتفاء نسبه منه
به وإن انتفت أحكام الولد شرعا منه، فلا عبرة بوضع الحمل غير ملحق به شرعا،
كما لو كان الزوج بعيدا عنها بحيث لا يحتمل تولده منه.
ولا تنقضي به عدة بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في كشف اللثام، إذ
الاعتداد به إنما هو لبراءة الرحم، ولا مدخل لبراءته من ولد غير المطلق في انقضاء
عدتها منه، والكتاب (1) والسنة (2) وإن عما إلا أن المنساق كون الحمل ممن
له العدة، فيبقى نصوص (3) الاعتداد بالأقراء والأشهر على حالها، بل لعل
ما تسمعه من ما دل على عدم الاجتزاء بوضعه لو كان من زنا في عدة الطلاق ظاهر فيما
ذكرناه.
وحينئذ فلو أتت زوجة البالغ الحاضر بولد لدون ستة أشهر من الدخول لم
يلحقه، فلا يعتبر وضعه في العدة، فإن ادعت أنه وطأها قبل العقد للشبهة ولم يصدقها
لم تعتد به على الأقوى وإن احتمل كونه منه، لكنه منفي عنه شرعا، لانتفاء
الفراش، ولا عبرة بالاحتمال ما لم يستند إلى سبب شرعي بخلاف المنفي باللعان، فإن
النسب له ثابت بأصل الشرع بالفراش، نعم لو صدقها انقضت العدة به بلا إشكال.
(ولو طلقت فادعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل، وهو تسعة أشهر) من حين
الوطء، لأنها بزعمها حينئذ من أولات الأحمال الواجب عليهن الاعتداد بذلك (ثم
لا تقبل دعواها) للعلم ببطلانها حينئذ. (وفي رواية) أن أقصى الحمل (سنة
وليست مشهورة) كما عرفته في محله.
إلا أنك قد سمعت هناك اختيار المصنف كونه عشرة لا تسعة، كما أنك قد

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 4.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 4 و 12 من أبواب العدد.
257

سمعت النصوص (1) السابقة الآمرة بصبرها تسعة، وفي بعضها (2) أنها الأقصى،
لكن تضمنت الأمر باحتياطها ثلاثة أشهر مع ذلك، وحينئذ تكون سنة ويمكن إرادة
المصنف الإشارة إليها، بل في القواعد هنا " صبر عليها أقصى الحمل، وهو سنة " مع
أن مختاره فيها خلاف ذلك، مضافا إلى عدم إشارة في النصوص المزبور أن أقصى
الحمل سنة، بل فيها ما ينافي ذلك. ومن هنا قد اختار جماعة العمل بها تعبدا وإن
لم يكن الأقصى، بعد تنزيل الأمر حتى ما كان بلفظ الاحتياط على الوجوب الذي
هو حقيقته.
ولكن فيه ما لا يخفى من البعد عن القواعد الشرعية، إذا الفرض انحصار الارتياب
فيها بالحمل المفروض كون أقصاه التسعة التي بمرورها قد علم انتفائه، فتكتفي
بالثلاثة الأشهر التي في ضمنها عدة لها، بل المتجه حينئذ ظهور عدم كون ما زاد
عليها عدة، إذا احتمال كونها عدة لها من حيث الارتياب ودعواها الحمل وإن بان
خلافه كما ترى.
وأحسن شئ تحمل عليه هذه النصوص تفاوت مراتب الأقصى، ففي الغالب عدم
تأخره عن التسعة، وبذلك حده الشارع في جملة من الأحكام، وربما بلغ السنة،
لكنه من الأفراد النادرة التي لا تنافي إجراء الأحكام على التسعة، ولكن لا بأس
بالاحتياط له في نحو المقام، لشدة الأمر في الفروج.
بل لعل رواية عمار (3) السابقة تقتضي خمسة عشر شهرا، وهذا وإن كان
منافيا لما ذكرناه سابقا في كتاب النكاح لكن لا بأس بالقول به هنا، للنصوص (4)
المزبورة المعمول بها، خصوصا بعد حمل الأمر بالاحتياط فيها بالثلاثة على الندب
الذي يتسامح فيه، بل ربما كان في لفظ الاحتياط إشعار به، بل أحوط منه الانتظار
بها خمسة عشر شهرا لخبر عمار (5) السابق.

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث - 0 - 2.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد الحديث - 0 - 2.
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد.
(5) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 1.
258

وبالجملة لا ملحوظ في المقام إلا احتمال الحمل الذي ينبغي الاحتياط فيه
بالصبر إلى زمان الطمأنينة بعدمه، لأن أمر الأنساب شديد.
(
ولو كان حملها اثنين) مثلا (بانت ب‍) وضع (الأول و) إن كان
(لم تنكح إلا بعد وضع الأخير). كما عن النهاية وابني حمزة والبراج، لخبر
عبد الرحمان (1) عن الصادق عليه السلام " سألته عن رجل طلق امرأته وهي حبلى وكان
ما في بطنها اثنان فوضعت واحدا وبقي واحد، قال: تبين بالأول، ولا تحل للأزواج
حتى تضع ما في بطنها " ولأن الحمل صادق على الواحد، فيصدق الوضع بوضعه،
ولأنه لا ريب في أنه كذلك حالة الانفراد فكذا عند الاجتماع، للاستصحاب.
وعن أبي على اطلاق انقضاء العدة بوضع أحدهما، ويمكن تنزيله على ما سمعته
من الشيخ للخبر المزبور المؤيد بالاحتياط بالنسبة إلى ذلك، للشك في صدق الوضع
بوضع أحدهما.
(و) لكن مع ذلك (الأشبه) وفاقا للفاضل ومحكي الخلاف والمبسوط
ومتشابه القرآن لابن شهرآشوب وغيرهم (أنها لا تبين إلا بوضع الجميع) الذي هو
مصداق حملهن، فلا يصدق بوضع بعضه، وكون الواحد حملا لا يقتضي صدق وضع
حملهن، نعم لو لم يكن غيره صدق ذلك.
وبه ظهر الفرق بين حالي التعدد والاتحاد، وأنه لا وجه للاستصحاب، بل أصالة
البقاء على العدة تقتضي خلافه، مضافا إلى معلومية كون العدة لاستبراء الرحم من
ولد مشكوك فضلا عن المعلوم، والخبر المزبور لا جابر لضعفه، ويمكن تنزيله على
عدم معلومية وجود الثاني حال الطلاق، لامكان انعقاده على وجه يكون حملا بعد
الطلاق وإن سبق الوطء عليه، كما لو وطأها حاملا ثم طلقها بعد الوطء بلا فصل،
لأن المعتبر في انقضاء العدة بوضع التوأمين ولادتهما لأقل من ستة أشهر ولو بلحظة،
ليعلم وجودهما حين الطلاق، لكونها أدنى الحمل.

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب العدد الحديث 1.
259

وحينئذ فلو ولدت الثاني لستة أشهر فصاعدا فهو حمل آخر لا يرتبط بحكم
الأول الذي قد تحقق وجوده حال الطلاق بوضعه تاما لدون الستة أشهر بخلافه،
فتنقضي عدتها حينئذ بوضع الأول، نعم في المسالك " في جواز تزويجها قبل وضع
الثاني مع كونه لاحقا بالأول نظر، من الحكم البينونة المجوزة للتزويج، ومن
إمكان اختلاط النسب حيث تلده لوقت يحتمل كونه لهما " وفيه أنه لا اختلاط بعد
فرض العلم بكونه للأول وكونه متأخر الانعقاد، وإلا فللثاني. لكن بناء على
تنزيل الخبر على ما عرفت يكون هو الدليل مع فرض صلاحيته لذلك، وإن كان
المتجه الجواز.
وقد تسامح الفاضل في القواعد بقوله: " وأقصى مدة بين التوأمين ستة أشهر "
وذلك لما عرفت من كون المعتبر في كونهما توأمين ولادتهما لأقل من ستة أشهر،
كما عن التحرير التعبير بذلك، اللهم إلا أن يكون مبنى كلامه على التسامح في
التعبير بمثل ذلك، كما اعترف به في كشف اللثام، وقال: " إن مثله غير عزيز في
كلامهم " فتأمل جيدا.
(ولو طلق الحائل طلاقا رجعيا ثم مات في العدة استأنفت عدة الوفاة) بلا
خلاف كما عن المبسوط، بل هو كذلك فيما أجد في الجملة، بل الاجماع بقسميه
عليه، مضافا إلى المستفيضة أو المتواترة.
ففي مرسل جميل بن دراج (1) عن أحدهما عليهما السلام " في رجل طلق امرأته طلاقا
يملك فيه الرجعة ثم مات عنها، قال: تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر وعشرا ".
وخبر هشام بن سالم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في رجل كانت تحته امرأة
فطلقها ثم مات قبل أن تنقضي عدتها، قال: تعتد بأبعد الأجلين: عدة المتوفى
عنها زوجها ".
وخبر محمد بن قيس (3) عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سمعته يقول: أيما امرأة
طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها ولم تحرم عليه فإنها ترثه، ثم

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب العدد الحديث 5 - 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب العدد الحديث 5 - 1 - 3.
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب العدد الحديث 5 - 1 - 3.
260

تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، وإن توفت وهي في عدتها ولم تحرم عليه فإنه يرثها "
الحديث.
وخبر سماعة (1) " سألته عن رجل طلق امرأته، ثم إنه مات قبل أن تنقضي
عدتها، قال: تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، ولها الميراث ".
وخبر محمد (2) " سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر،
ثم توفي عنها وهي في عدتها قال: ترثه ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، وإن ماتت
قبل انقضاء العدة منه ورثها ورثته " إلى غير ذلك.
مضافا إلى ما دل (3) على أنها بحكم الزوجة الشامل للمقام، فيشملها حينئذ
عموم الآية (4) وغيره. وإلى أصالة بقائها في العدة وغيرها، بل لا إشكال في شئ من
ذلك على تقدير زيادة عدة الوفاة على عدة الطلاق.
أما لو انعكس كعدة المسترابة ففي الاجتزاء فيها بعدة الوفاة أي الأربعة
أشهر وعشرا أو مع المدة التي يظهر فيها عدم الحمل أو وجوب إكمال عدة المطلقة
بثلاثة أشهر بعد التسعة أو السنة أو وجوب أربعة أشهر وعشر بعدها أوجه، أقواها
الأول لاطلاق الأدلة المزبورة التي مقتضاها اندراجها في المتوفى عنها زوجها، وبطلان
حكم الطلاق بالنسبة إلى ذلك، ولا ينافيه وصفها بأبعد الأجلين المنزل على الغالب
فلا يعارض إطلاق غيره من النصوص المتروك فيه الوصف المزبور فيكتفى بها حينئذ
ما لم يظهر الحمل لأصل العدم، وإلا اعتدت بأبعد الأجلين من وضعه ومن الأربعة
أشهر وعشر، كالحامل غير المطلقة.

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب العدد الحديث 9.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب ميراث الأزواج الحديث 5 من كتاب المواريث.
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق والباب 13 منها الحديث 6
والباب 20 منها الحديث 11 والباب 18 و 20 و 21 من أبواب العدد.
(4) سورة البقرة: 2 الآية 234.
261

ودعوى أن انتقالها إلى عدة الوفاة انتقال إلى الأقوى والأشد، فلا يكون
سببا في الأضعف كما ترى مجرد استحسان لا يصلح دليلا للحكم، كدعوى أن
التربص بها مدة يظهر فيها عدم الحمل لا تحسب من العدة، وإنما تعتبر بعدها ومن
ثم وجب للطلاق ثلاثة أشهر بعدها، فتجب للوفاة أربعة أشهر وعشرا التي هي أبعد
الأجلين، إذ هي كما ترى أيضا مناف لما تقدم سابقا من كون الجميع عدة، على
أن احتمال ذلك مخصوص في الطلاق بخلاف المقام الذي انقلبت فيه العدة إلى عدة الوفاة.
وأغرب من ذلك معارضة النصوص المزبورة بما دل على عدة المسترابة التي
لا ينافيها ما هنا، إذ أقصاه تربص الأربعة أشهر وعشرا من غير منع الزائد، وقد
عرفت أنها منحصرة في خبري سورة (1) وعمار (2) وهما مع الاعراض عن الثاني
منهما غير شاملين للفرض قطعا.
وأغرب منه ما في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر الأوجه المزبورة قال: " والحق
الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورده، والرجوع في غيره إلى ما تقتضيه الأدلة،
وغايتها هنا التربص بها إلى أبعد الأجلين من الأربعة أشهر وعشر، والمدة التي
يظهر فيها عدم الحمل، ولا يحتاج بعدها إلى أمر آخر، ودعوى الانتقال منا إلى
الأقوى مطلقا ممنوع، وإنما الثابت الانتقال إلى عدة الوفاة كيف اتفق " ضرورة أن
المتجه مع فرض كون الثابت ذلك عدم زيادة المدة المزبورة عليها، لما عرفت من أن
الأصل عدم الحمل، ومجرد احتماله لا يجدي في وجوب التربص عليها، كما هو
واضح، بل ستعرف عدم وجوب ذلك في المطلقة مع فرض حصول عدتها الأقراء أو
الأشهر فضلا عنها، هذا كله في الطلاق الرجعي.
(و) أما (لو كان بائنا اقتصرت على إتمام عدة الطلاق) بلا خلاف أجده
فيه، لأنها أجنبية، فهي على استصحاب عدتها غير مندرجة في الآية (3) والرواية (4)

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2 - 1.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2 - 1.
(3) سورة البقرة: 2 - الآية 234.
(4) الوسائل الباب 30 من أبواب العدد.
262

وإن ورثت، كما لو طلقها في مرض الموت، وخبر علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا (1) " في المطلقة البائنة إذا توفي عنها زوجها وهي في عدتها، قال: تعتد
بأبعد الأجلين " متروك، للقطع والارسال، فلا يصلح معارضا للأصل فضلا عن المفهوم
في النصوص السابقة، أو محمول على الندب: بل في كشف اللثام " الظاهر إنه رأي رآه
بعض الأصحاب حكاه عنه علي بن إبراهيم ".
(فروع:)
(الأول:)
(لو حملت من زنا ثم طلقها الزوج اعتدت ب‍) السابق من (الأشهر)
والأقراء، كما لو لم يكن زنا، (لا بالوضع) الذي قد عرفت سابقا اعتبار كون
الموضوع لذي العدة في الاعتداد به، بلا خلاف أجده في شئ من ذلك، بل ولا في أن
لها التزويج حينئذ بعد انقضاء العدة، لعدم العدة لها بوضعه، وكذا لو لم تكن
ذات بعل وكانت حاملة من زنا.
نعم لو لم تحمل فعن الفاضل في التحرير أن عليها العدة حينئذ، وفي المسالك
" لا بأس به حذرا من اختلاط المياه وتشويش الأنساب " بل في الحدائق اختياره لخبر
إسحاق بن جرير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها
هل يحل له ذلك؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من
ماء الفجور " وخبر علي بن شعبة المروي عن تحف العقول (3) عن أبي جعفر الثاني عليه السلام
" إنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أيحل له أن يتزوجها؟ فقال: يدعها حتى

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب العدد الحديث 6.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
263

يستبرئها من نطفته ونطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت مع غيره حدثا
كما أحدثت معه، ثم يتزوج بها إذا أراد " الحديث. مؤيدين باطلاق ما دل (1)
على العدة بالدخول والماء، وإن الحكمة فيها اختلاط الأنساب.
لكن فيه (أولا) أن بعض الأدلة المزبورة تقتضي وجوب العدة في غير محل
الفرض الذي لا عدة فيه إجماعا، والخصم لا يخالف فيه. و (ثانيا) أن الخبر الثاني ظاهر في
عدم العدة عليه لو علم عدم زنا غيره بها بخلاف الأول، مضافا إلى عدم اختلاط الأنساب
بذلك، ضرورة أنه مع الدخول بها واحتمال كون الولد منه الحق به لكون " الولد للفراش
وللعاهر الحجر " (2) وإلا فهو لغيره، فلا يبعد حمل الخبرين على ضرب من الندب،
خصوصا بعد إطلاق ما دل (3) على جواز التزويج بالزانية على كراهة، وغيره.
(ولو وطئت) المرأة (شبهة والحق الولد بالوطء لبعد الزوج عنها) ونحوه
مما يعلم به عدم كونه له (ثم طلقها الزوج اعتدت بالوضع من الواطء ثم استأنفت
عدة الطلاق بعد الوضع) فلو فرض تأخر دم النفاس عنه لحظة حسب قرءا من
العدة الثانية، وإلا كان ابتداء العدة بعده، بلا خلاف أجده في شئ من ذلك ولا إشكال.
بل لو فرض تأخر الوطء المزبور عن الطلاق كان الحكم كذلك أيضا، لعدم
إمكان تأخير عدته التي هي وضع الحمل، فليس حينئذ إلا تأخير إكمال عدة الطلاق
بعد فرض عدم التداخل بين العدتين - كما هو المشهور - إذا كانتا لشخصين، بل عن
الخلاف الاجماع عليه.
بل عن طبريات المرتضى " أن امرأة نكحت في العدة ففرق بينهما أمير المؤمنين
عليه السلام (4) وقال: " أيما امرأة نكحت في عدتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب 12 و 13 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.
(4) لم نعثر عليه في الجوامع من الوسائل والمستدرك والبحار وغيرها والمسائل
الطبرية للسيد المرتضى (قده) مخطوط، نسخة منها في مكتبة " مشهد " على ما نقل عن
بروكلمان والكنتوري في كتف الحجب.
264

تزوجها فإنها تعتد من الأول، ولا عدة عليها للثاني، وكان خاطبا من الخطاب،
وإن كان دخل بها فرق بينهما، وتأتي ببقية العدة عن الأول ثم تأتي عن الثاني بثلاثة
أقراء مستقبلة " وروي مثل ذلك بعينه عن عمر (1) " أن طليحة كانت تحت رشيد
الثقفي فطلقها، فنكحت في العدة، فضربها عمر، وضرب زوجها بمخفقة، وفرق
بينهما، ثم قال: أيما امرأة نكحت في عدتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها
فإنها تعتد عن الأول، ولا عدة عليها للثاني، وكان خاطبا من الخطاب، وإن كان دخل
بها فرق بينهما، وأتت ببقية عدة الأول، ثم تعتد عن الثاني، ولا تحل له أبدا "
ولم يظهر خلاف لما فعل فصار إجماعا " انتهى.
مضافا إلى الأصل وحسن الحلبي (2) سأل الصادق عليه السلام " عن المرأة الحبلي
يموت زوجها فتضع وتتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرا، فقال إن كان
دخل بها فرق بينهما، ثم لم تحل له أبدا، واعتدت بما بقي عليها من الأول،
وهو خاطب من الخطاب " ونحو عن عبد الكريم، عن محمد بن مسلم (3).
فما عن أبي علي والصدوق وفي المحكي عن موضع من مقنعه من التداخل
- لأصالة البراءة المقطوعة بما عرفت، وحصول العلم بالبراءة بالاعتداد بأطولهما
الذي لا ينافي مشروعيتها للتعبد، كما في كثير من أفرادها، وصحيح زرارة (4)
عن الباقر عليه السلام " في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها؟ قال: يفرق بينهما،
وتعتد عدة واحدة منهما جميعا " ونحوه صحيح أبي العباس (5) عن الصادق عليه السلام،

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 441.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 من كتاب
النكاح وفي الجواهر سقط والحديث هكذا " واعتدت بما بقي من الأول، واستقبلت عدة أخرى
من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرق بينهما واعتدت بما بقي عليها من الأول
وهو خاطب من الخطاب ".
(3) الوسائل الباب 17 من أبوب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 11 - 12 من كتاب النكاح.
(4) الوسائل الباب 17 من أبوب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 11 - 12 من كتاب النكاح.
(5) الوسائل الباب 17 من أبوب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 - 11 - 12 من كتاب النكاح.
265

وخبر زرارة (1) عن الباقر عليه السلام أيضا " في امرأة فقدت زوجها أو نعى إليها فتزوجت،
ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: تعتد منهما جميعا بثلاثة أشهر عدة واحدة "
التي حملها الشيخ على عدم دخول الثاني بها، الذي يمكن إرادته من قوله عليه السلام فيها
" تعتد منهما " على معنى أنه لا عدة للثاني منهما - وإن كان بعيدا لكن لا بأس به
بعد رجحان الأول عليه من وجوه.
نعم لو كان الاشتباه من المطلق نفسه مثلا اتجه التداخل، وفاقا للفاضلين
بأن تستأنف عدة كاملة للأخير واجتزأت بها، لأنهما إنما تعلقتا بواحد، والموجب
لهما حقيقة إنما هو الوطء، وإذا استأنفت عدة كاملة ظهرت براءة الرحم، ولا ينافي
ذلك إطلاق الأكثر إطلاق عدم تداخل العدتين بعد انسياق التعدد منه.
وحينئذ فلو وقع الوطء شبهة مثلا في القرء الأول أو الثاني أو الثالث فالباقي
من العدة الأولى يحسب للعدتين ثم تكمل الثانية.
وكذا لو وطاء امرأة شبهة ثم وطأها شبهة أيضا في أثناء عدتها، بل هي أولى
بالتداخل المزبور من الأول، ولا فرق في ذلك بين كون العدتين من جنس واحد أو من
جنسين، بأن تكون إحداهما مثلا بالأقراء والأخرى بالحمل، خلافا للمحكي عن
العامة من عدم التداخل في وجه مع اختلاف الجنس.
وكيف كان فوقت الاعتداد من الشبهة آخر وطئه لا وقت الانجلاء، لأن
المراد حصول العلم ببراءة رحمها من ذلك الوطء الذي هو في الحقيقة موجب للعدة
لا غيره وإن كان عقدا فاسدا، ودعوى أن الشبهة لما كانت بمنزلة النكاح الصحيح كان
الانجلاء بمنزلة الفراق فتكون العدة منه كما ترى مجرد استحسان لا يصلح مدركا
عندنا، كما هو واضح.
نعم قد يقال: إن ظاهر النصوص (2) المزبورة الدالة على عدم التداخل

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.
266

الاعتداد للشبهة إذا كانت مع عقد تزويج بعد التفريق بينهما، وهو لازم ارتفاع
الشبهة، نعم لو كانت الشبهة مجرد الوطء من دون عقد اتجه حينئذ الاعتداد من أخر
وطء، ومن هنا كان الاحتياط لا ينبغي تركه.
ولو تأخر الوطء شبهة عن الطلاق ولا حمل أتمت عدتها من الطلاق، للأصل
المؤيد بتقدمها وقوتها باستنادها إلى عقد جائز وسبب مسوغ، فإذا فرغت منها
استأنفت عدة الثاني، وللزوج مراجعتها في عدته إن كان الطلاق رجعيا، فإن
راجعها انقطعت عدته، وشرعت في عدة الوطء بالشبهة، وليس للزوج وطؤها قطعا،
لكونها في عدة، بل في القواعد والمسالك المنع من الاستمتاع بها إلى أن تنقضي
عدتها، لكن لا دليل عليه يصلح لمعارضة ما دل (1) على الاستمتاع بالزوجة.
وبذلك يظهر لك جواز عقده عليها في أثناء عدته لو كان الطلاق بائنا وإن
انفسخ بذلك عدته ودخلت في عدة المشتبه، إلا أنه لا مانع منه للعمومات وحرمة
الوطء عليه لا تنافي ذلك.
ومن الغريب ما في المسالك من ميله إلى الجواز مع قوله بحرمة الاستمتاع
معللا له بكونه كالعقد على الحائض والصغيرة اللتين لا يباح وطؤهما، إذ لا يخفى
عليك وضوح الفرق بينهما بحلية غير الوطء من أنواع الاستمتاع فيها دونها، وهو
كاف في صحة عقد النكاح، إذ المنافي له عدم ترتب حل أثر من آثاره عليه، نحو
النكاح في حال الاحرام، ولذلك كان الأقرب عند الفاضل عدم الجواز، لأن
كل نكاح لم يتعقبه حل الاستمتاع كان باطلا، نعم يتجه عليه منع عدم حل غير
الوطء من الاستمتاع.
ولو كان المتقدم الاعتداد للشبهة فالمتجه بقاؤها عليها، للأصل ثم استئناف
عدة الطلاق، وربما احتمل تقديم عدة الطلاق ثم إكمال عدة الشبهة بعدها، لقوتها
لكنه كما ترى.

(1) سورة البقرة: 2 الآية 223.
267

نعم مع الاقتران - بل في المسالك وغيرها أو قبل الشروع في عدة الشبهة -
قد يقال بتقديم عدة الطلاق لما عرفت، مع أنه لا يخلو من نظر ومنع، ضرورة
توجه الخطابين إليها بهما، فتخير في تقديم أيهما شاءت.
وهل له الرجعة في أثناء عدة الشبهة حيث تكون مقدمة؟ وجهان، بل في
المسالك أجودهما المنع، قلت: قد يقال: إن المستفاد من أدلة الرجعة أن له
الرجوع بها ما لم تنقض عدته، لا أن شرط رجوعه كونها في عدته، كما عساه
يشهد له أنه لا إشكال في جواز الرجوع بالمطلقة رجعيا في زمن الحيض الذي
هو ليس من العدة، حتى لو فرض اتصال زمان صيغة الطلاق بالحيض، كما أومأ
إليه الشيخ فيما تسمع منه، وإن كان فيه ما فيه.
وبذلك يفرق بينه وبين العقد لو كان الطلاق بائنا بناء على ظهور أدلة ذلك
في عدم جواز تزويجها، وهي في عدة الغير، وإلا لاتجه الجواز فيهما.
ولعله لذا قال في محكي المبسوط في الحامل من الشبهة لو طلقت رجعيا:
إن مذهبنا أن له الرجعة في زمن الحمل، قال: " لأن الرجعة تثبت بالطلاق،
فلم تنقطع حتى تنقضي العدة، وهذه ما لم تضع الحمل وتكمل عدة الأول فعدتها
لم تنقض، فتثبت الرجعة عليها وله الرجعة ما دامت حاملا، وبعد أن تضع مدة
النفاس وإلى أن تنقضي عدتها بالأقراء - إلى أن قال -: وإذا قلنا: لا رجعة
له عليها في حال الحمل - فإذا وضعت ثبت له عليها الرجعة وإن كانت في مدة
النفاس - لم تشرع في عدتها منه، لأن عدة الأول قد انقضت، فتثبت له الرجعة
وإن لم تكن معتدة منه في تلك الحال، كحالة الحيض في العدة ".
قلت، لكن يتفرع على ذلك جواز عقد الغير عليها زمن الحيض المتخلل
في أثناء العدة فضلا عن المتصل بالطلاق، وهو معلوم الفساد، ضرورة احتساب
ذلك كله من العدة، ولذا يترتب التوارث مع موتها أو موته فيه، مع معلومية
اشتراط ذلك بكونه في العدة اللهم إلا أن يدعى أن مدار ذلك أيضا على عدم
268

انقضائها على كونه فيها، وفيه منع، كمنع دعوى خروج زمن الحيض عن العدة
فتأمل جيدا.
(الثاني:)
(إذا اتفق الزوجان في زمن الطلاق واختلفا في زمن الوضع) فعن
الشيخ وجماعة (كان القول قولها) سواء ادعت تقدمه أو تأخره (لأنه اختلاف
في الولادة، وهي) من (فعلها) المؤتمنة عليه، لأنها ذات يد، فكما تصدق في
أصله تصدق في وقته أيضا.
(و) من هنا (لو) فرض أنهما (اتفقا في زمن الوضع واختلفا في
زمن الطلاق، ف‍) إن (القول) حينئذ قوله سواء ادعى تقدمه أو تأخره (لأنه
اختلاف في فعله) الذي هو الطلاق الذي كما يصدق في أصلة يصدق أيضا في
وقته.
(و) لكن (في المسألتين إشكال، لأن الأصل عدم الطلاق وعدم الوضع
فالقول قول من ينكرهما) وهي القاعدة المعلومة عندهم، وهي تأخر مجهول
التاريخ عن معلومه، وليس في الأدلة ما يقتضي تقديم ذي الفعل على وجه يعارض
القاعدة المزبورة في مقام الدعاوي، من غير فرق بين التشخيص بالزمان والمكان وغيرهما
من المشخصات التي يتصور فرض التداعي فيها.
والرجوع إليهن في العدة لا يشمل مثل الفرض، بل في كشف اللثام أن ذلك
إنما هو إذا تيقنت العدة، بل وإذا لم يدع الزوج العلم بكذبها، ولذا حكم في
المبسوط وغيره بأنهما " إذا تداعيا وحلفا، فيقول الزوج: " لم تنقض عدتك
بالوضع، فعليك الاعتداد بالأقراء " وتقول: " انقضت عدتي بالوضع " فالقول قوله،
لأن الأصل بقاء العدة ".
نعم قد عرفت غير مرة الاشكال منا في اقتضاء القاعدة المزبورة التأخر عن
269

ذلك، فإن مرجعه إلى كون الأصل مثبتا فيعارض حينئذ بأصل آخر مثله، وحينئذ
فالمتجه عدم الفرق بين العلم بتاريخ أحدهما وعدمه في اقتضاء الأصل عدم تقدم
أحدهما على الآخر، ويبقى معه - على تقدير كون (1) المدعى لتأخر الطلاق -
أصالة بقاء سلطنة النكاح، فيقدم قوله بيمينه، ومعها - على تقدير دعواها تأخره -
أصالة بقاء حقوق الزوجة من النفقة وشبهها.
ولو كان الجواب من أحدهما في جواب الدعوى من الآخر لا أدري ففي
القواعد والمسالك وكشف اللثام يلزم باليمين على الجزم أو النكول، فيحلف المدعي
حينئذ، ويثبت حقه، فإن نكل عمل على مقتضى الأصل، كما إذا كان كل
منهما لا يدري، وظاهرهم المفروغية من ذلك، بل في كشف اللثام أن الوجه فيه
ظاهر، فإن الشك لا يعارض الجزم، وفي المسالك " أنه لو لم يكن كذلك لم يعجز
المدعي عليه في الدعاوي كلها عن الدفع بهذا الطريق ".
قلت: قد أطنبنا في كتاب القضاء في تحرير هذه المسألة، وقلنا: إن الظاهر
انحصار طريق ثبوت حق المدعي بالبينة إن لم يرض المدعى عليه بيمينه، خصوصا
في صورة علم المدعي بكون المدعى عليه لا يدري أو تصديقه في ذلك أو حلفه على
ذلك، فإن تكليفه اليمين الجازمة حينئذ لا وجه له، كما لا وجه لجعلها ناكلا، فلم
يكن للمدعي إلا البينة، كما لو ادعى على غائب أو قاصر أو ميت ونحوه ممن
لم يكن منهم إنكار، فلاحظ وتأمل.

(1) هكذا في النسختين المسودة والمبيضة، والصحيح " على تقدير كونه... "
270

(الثالث:)
(لو أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا منذ
طلقها قيل) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطه: (لا يلحق به) الولد إذا
أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت انقضاء العدة، لقبول قولها في العدة، وهو
يستلزم الخروج عن الفراش المستلزم لانتفاء الولد، مع أصالة التأخر، فلا يبطل قولها
الصحيح ظاهرا بالأمر المحتمل.
(والأشبه التحاقه) به (ما لم يتجاوز أقصى الحمل) من آخر وطء أو
من الطلاق أو من انقضاء العدة الرجعية ولم تكن ذات بعل، لأنها حينئذ على حكم
الفراش السابق في لحوق كل ما يحتمل كونه منه، ولذا لو لم تخبر بانقضاء العدة
لم يكن إشكال في لحوق الولد به، بل في المسالك الاجماع عليه، وإقرارها بانقضاء
العدة لا يرفع الحق الثابت للفراش المشترك بين الأبوين والولد، بل هو في الحقيقة
إقرار في حق الغير، مع أنه حصل له المعارض الذي هو في الحقيقة كما لو جاءت به
لأقل من ستة أشهر مع إخبارها بانقضاء العدة فتأمل.
ثم إن مقتضي إطلاقه مجئ الولد للمدة المزبورة منذ طلقها عدم الفرق بين
عدة البائن والرجعية، كما هو أحد القولين في المسألة، لأنها بالطلاق قد حرمت
عليه بغير الرجعة التي هي كالعقد في البائنة، والآخر الفرق بينهما، فيحسب من
انقضاء العدة في الرجعية بخلاف البائنة، لما عرفت من جواز وطئها من دون نية
رجوع، وإنما يكون هو رجوعا، وبقاء لوازم النكاح من التوارث ووقوع الظهار
والايلاء، وبقاء المعلول دليل على بقاء العلة، فالنكاح باق، وكذا الفراش ولو ببقاء
حكمها، ولعله الأقوى.
وأما إطلاق المصنف وغيره احتساب المدة من حين الطلاق - المقتضي لكون
أقصى الحمل أكثر مما فرض أنه أقصاه كما اعترف به في المسالك قال: " لتقدم
271

العلوق على الطلاق لأن المعتبر كونه في الفراش، وهو متقدم على الطلاق الذي
لا يصح إلا في وقت متأخر عن الوطء بمقدار ما تنتقل من الطهر الذي أتاها فيه إلى
غيره أو ما يقوم مقامه من المدة، وذلك يوجب زيادة الأقصى بكثير " - فقد عرفت
الحال فيه في بحث الاسترابة، وأنه إما مبني على التسامح، أو لأن حكم الفراش
باق إلى حين الطلاق، ويكفي فيه الاحتمال الذي لا يعلم به المطلق على وجه لا ينافي
صدق كونها في طهر لم يواقعها فيه بزعمه، مع أنه يمكن وطؤها في زمن الحيض،
فإنه وإن أثم لا ينافي لحوق الولد بناء على عدم منافاة ذلك لصحة الطلاق لو وقع بعد
طهرها، لصدق كونه حينئذ في طهر لم يواقعها فيه، فلاحظ وتأمل.
ثم لا يخفى عليك أنه بناء على لحوق الولد بالمطلق تكون المطلقة باقية في
العدة، فله الرجعة بها حينئذ لو كان رجعيا، ضرورة لزوم ذلك للحوق الولد به.
وأما احتمال الجمع بين تصديقها بانقضاء العدة ولحوق الولد به لحكم
الفراشية فلم أجد من احتمله، ولعله لمنافاته مقتضي الأدلة الظاهرية، ولذلك
التزم الشيخ بنفيه عنه مع القول بمقتضى التصديق، فيتجه حينئذ بقاؤها في العدة على
القول بلحوقه به، هذا.
وقد بقي شئ وهو أنه بناء على قول الشيخ بعدم لحوق الولد به لا يحكم
بكونه من زنا، لعدم حصول مقتضيه، فليس إلا الشبهة المقتضية للعدة المقدمة على عدة
الطلاق إذا كانت بالحمل، كما سمعته سابقا، فلا بد من فرض المسألة في صورة إمكان
انقضاء عدتها التي أقرت بها قبل حصول الشبهة، فتأمل جيدا.
وكيف كان فلا إشكال في عدم لحوق الولد به مع فرض مجيئها به لأزيد من
أقصى الحمل إلا مع دعوى فراش جديد ولو وطء شبهة، فإن تصادقا عليه فلا إشكال
وإن ادعت هي ذلك وأنكر هو فالقول قوله بيمينه، فإذا نكل حلفت هي وثبت النسب
إلا أن ينفيه باللعان، فإن نكلت فهل يحلف الولد إذا بلغ؟ ففي المسالك " فيه
وجهان أجودهما ذلك إن فرض علمه وإن بعد " وفيه ما لا يخفى من الاشكال في
272

إجراء حكم نكوله إلى زمن بلوغ الولد مع كون الدعوى بين الرجل والمرأة،
نعم لا بأس بإجراء حكم الدعوى الجديدة بين الرجل والولد، فتأمل.
ولو سلم الفراش وأنكر أصل ولادتها له كان القول قوله بيمينه، فإن نكل
حلفت وثبتت الولادة والنسب بالفراش، إلا أن ينفيه باللعان.
وعلى كل حال ففي المسالك " وتنقضي العدة بوضعه وإن حلف الرجل على
النفي، لأنها تزعم أن الولد منه، فكان كما لو نفي الرجل حملها باللعان، فإنه
- وإن انتفى الولد - تنقضي العدة بوضعه، لزعمها أنه منه " ولا يخلو من غبار
فتأمل.
ولو ادعت على الوارث بعد موت الزوج أنه كان راجعها أو جدد نكاحها
فإن كان واحدا، فالحكم كما ادعت على الزوج، إلا أن الوارث يحلف على نفي العلم،
ولا لعان معه، وإن كان اثنين فإن صدقاها أو كذباها وحلفا أو نكلا فحلفت فكما مر،
وإن صدقها أحدهما وكذب الآخر وحلف ففي المسالك " يثبت المهر والنفقة بنسبة
حصة المصدق، ولا يثبت النسب إلا أن يكون المصدق عدلين " وفيه أنه يثبت
النسب أيضا في حق المصدق، والله العالم.
273

(الفصل الخامس)
(في عدة الوفاة)
لا خلاف في أنه (تعتد الحرة المنكوحة بالعقد الصحيح) الدائم (أربعة
أشهر وعشرا إن كانت حائلا) بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب
والسنة (1) التي تقدم جملة منها، قال الله تعالى (2): " والذين يتوفون منكم
ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا " ولا ينافيه قوله تعالى (3):
" والذين يتوفون منكم ويذرون أزوجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول " بناء
على أن المراد منها الاعتداد بالسنة، لأنها حينئذ منسوخة بالأولى.
ولا فرق في الزوجة (صغيرة كانت أو كبيرة) مسلمة أو ذمية من
ذوات الأقراء أولا (بالغا كان زوجها أو لم يكن) حرا كان أو عبدا (دخل بها
أو لم يدخل) لاطلاق الأدلة والاجماع، وخبر عمار (4) المتضمن لعدمها على غير
المدخول بها كالمطلقة من الشواذ المطرحة، لمنافاته إطلاق الكتاب والسنة وإجماع
المسلمين، مضافا إلى ظهور الفرق بين عدة الطلاق وعدة الوفاة التي هي في الحقيقة
لاظهار التحزن والتفجع على الزوج والاحترام لفراشه، ولذلك اعتبرت بالأشهر،
وأمر فيها بالحداد بخلاف عدة الطلاق المعتبر فيها الأقراء أولا وبالذات.
(وتبين بغروب الشمس من اليوم العاشر) الذي يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية،
كما حقق في محله. (لأنه نهاية اليوم) للاتفاق كما في كشف اللثام، والاجماع
كما في المسالك، على أن المراد بالعشر عشر ليال مع عشرة أيام، خلافا للأوزاعي

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب العدد.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 234 - 240.
(3) سورة البقرة: 2 الآية 234 - 240.
(4) الوسائل الباب 35 من أبواب العدد الحديث 4 عن محمد بن عمر الساباطي
274

فأبانها بطلوع فجر العاشر، لتذكير العدد في الآية (1) المقتضي التأنيث في تمييزه،
فيكون ليالي، لكن لا يعارض ما سمعت، على أن المحكي عن بعض أهل العربية
أن ذلك مع ذكر التميز، أما مع عدمه كما في الآية فلا يدل على ذلك، ويجوز
تناوله للمذكر والمؤنث، بل قد يقال: كونه مؤنثا، لا ينافي إرادة عشر ليال بأيامها
والأمر سهل بعد ما عرفت.
وعلى كل حال فلا يشترط عندنا أن تحيض حيضة في المدة، لاطلاق الأدلة،
وعن العامة قول به وآخر باشتراط أن ترى فيها الحيض كما اعتادته.
والمراد بالشهر ما سمعته في أشهر المطلقة الذي قد تقدم البحث في المنكسر منه
أيضا نعم ينبغي أن يعلم أنه لو مات وكان الباقي العشر فلا كسر، بل تعتد بها وتضم
إليها أربعة أشهر هلالية، وإن كان الباقي أقل لم تعده، وتحسب أربعا هلالية أيضا،
وتكمل باقي العشر من الشهر السادس، وإن كان الباقي أكثر جاء البحث السابق في
المنكسر فيه، وإن انطبق الموت على أول الهلال حسبت أربعة أشهر بالأهلة، وضمت
إليها عشرة أيام من الشهر الخامس، ولو كانت في حال لا تعرف الهلال لحبس أو
غيره ولو باخبار من الغير اعتدت بالأيام، وهي مائة وثلاثون يوما استظهارا للعدة
المستصحبة.
(ولو كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين) من وضع الحمل ومضي الأربعة
أشهر وعشر، وحينئذ (فإن وضعت قبل استكمال الأربعة الأشهر والعشرة أيام صبرت
إلى انقضائها) وكذا العكس بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل الاجماع بقسميه عليه،
مضافا إلى النصوص (2) المستفيضة أو المتواترة
بل قيل: إنه مقتضى الجمع بين آيتي الأحمال (3) والوفاة (4) لدخول الحامل

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 234.
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب العدد.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 4.
(4) سورة البقرة: 2 - الآية 234.
275

حينئذ تحت عامين، فامتثالها الأمر فيهما يحصل باعتدادها بأبعد الأجلين. وإن
كان فيه (أولا) أن آية أولات الأحمال ظاهرة في المطلقة و (ثانيا) أن مقتضاه
الترجيح لإحداهما على الأخرى، ومع عدمه فالجمع بينهما.
نعم قد يقال: إنه لو عمل بإطلاق الوفاة لاقتضى خروجها عن العدة بمضيها
وإن لم تضع، فيلزم أن يكون عدة الوفاة أضعف من عدة الطلاق، والأمر بالعكس،
كما يظهر من زيادة عدتها ومن شدة أمرها وكثرة لوازمها، فيكون مراعاة الوضع
على تقدير تأخره عن الأربعة أشهر وعشر أولى منه في الطلاق الثابت بالاجماع،
ولعل هذا هو السر في اعتدادها بأبعد الأجلين الذي استفاضت به نصوصنا (1)
وانعقد عليه إجماعنا، خلافا للعامة، فأبانوها بالوضع ولو لحظة بعد وفاته، وهو
كما ترى.
(و) كيف كان فلا خلاف نصا (2) وفتوى في أنه (يلزم المتوفى عنها
زوجها) إذا كانت حرة (الحداد) بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
المعتبرة (3) المستفيضة بل المتواترة التي مر عليك بعض منها، ويمر عليك آخر
إنشاء الله.
(وهو) لغة وشرعا (ترك ما فيه زينة من الثياب، والأدهان المقصود بها
الزينة، والتطيب) فيها أو في البدن، والتكحيل بالأسود أو بغيره مما فيه زينة
بلونه أو بغيره، بل عن المبسوط أنهن يكتحلن بالصبر، لأنه يحسن العين ويطري
الأجفان، فالمعتدة ينبغي أن تتجنبه، لما روت أم سلمة (4) أن النبي صلى الله عليه وآله قال لها:
" استعمليه ليلا وامحيه نهارا " الحديث. إلى غير ذلك مما تتزين به النساء، كالخطاط
والحمرة وماء الذهب والديرم والسفداج ونحوها.
والحداد من الحد بمعنى المنع، من حدت المرأة تحد حدا: أي منعت نفسها

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب العدد.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 440.
276

من التزيين، فهي حادة، وكذا الاحداد من أحدت تحد إحدادا فهي محدة، بل
عن الأصمعي إنكار الأول، لكن الأصح خلافه.
والأصل فيه - مضافا إلى النصوص (1) الدالة على الأمر بلفظه - صحيح ابن
يعفور (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن المتوفى عنها زوجها، فقال: لا تكتحل
للزينة، ولا تطيب، ولا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا تبيت عن بيتها، وتقضي الحقوق،
وتمشط بغسله، وتحج وإن كانت في عدتها ".
وفي خبر زرارة (3) عن أبي جعفر عليه السلام في حديث " فتمسك عن الكحل
والطيب والأصباغ ".
وفي خبر أبي العباس (4) عن الصادق عليه السلام " لا تكتحل للزينة، لا تطيب،
ولا تلبس ثوبا مصبوغا، ولا تخرج نهارا، ولا تبيت عن بيتها، قلت: أرأيت إن
أرادت أن تخرج إلى حق كيف تصنع؟ قال: تخرج بعد نصف الليل، وترجع
عشاء ".
وفي خبر أبي بصير (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن المرأة يتوفى عنها زوجها
وتكون في عدتها أتخرج في حق؟ فقال: إن بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله سألته، فقالت:
إن فلانة توفي عنها زوجها، فتخرج في حق ينوبها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: أف
لكن، قد كنتن قبل أن أبعث فيكن، وأن المرأة منكن إذا توفي عنها زوجها
أخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها، ثم قالت: لا أمتشط ولا أكتحل ولا أختضب
حولا كاملا، وإنما أمرتكن بأربعة أشهر وعشرا، ثم لا تصبرن، لا تمتشط، ولا
تكتحل، ولا تختضب، ولا تخرج من بيتها نهارا، ولا تبيت عن بيتها، فقالت:

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 0 - 2 - 1 - 3 والثاني صحيح ابن أبي يعفور.
(2) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 0 - 2 - 1 - 3 والثاني صحيح ابن أبي يعفور.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 0 - 2 - 1 - 3 والثاني صحيح ابن أبي يعفور.
(4) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 0 - 2 - 1 - 3 والثاني صحيح ابن أبي يعفور.
(5) الوسائل الباب 33 من أبواب العدد الحديث 7 في الطبع الحديث " تخرج
بعد زوال الشمس " إلا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 117 " تخرج بعد زوال الليل ".
277

يا رسول الله: فيكف تصنع إن عرض لها حق؟ فقال صلى الله عليه وآله: تخرج بعد زوال
الليل، وترجع عند المساء، فتكون لم تبت عن بيتها، قلت له: فتحج، قال: نعم "
إلى غير ذلك من النصوص.
نعم في موثق الساباطي (1) عن الصادق عليه السلام " إنه سأل عن المرأة يموت عنها
زوجها هل يحل لها أن تخرج من بيتها في عدتها؟ قال: نعم، وتختضب، وتدهن،
وتمشط، وتصبغ وتصنع ما شاءت لغير ريبة من زوج " وهو - مع ما قيل من كونه
من الشواذ بل في الوافي قد مضى حديث آخر (2) بهذا الاسناد فيما تفعل المطلقة في
عدتها، وكان مضمونه قريبا من مضمون هذا الحديث إلا ما تضمن صدره، ويشبه أن
يكون الحديثان واحدا، إنما ورد في المتوفى عنها زوجها والمطلقة جميعا، وقد سقط
منه شئ - يمكن حمله على إرادة جواز فعل ذلك للضرورة، بل ربما كان في قوله
عليه السلام: " لغير ريبة من زوج " إشعار بذلك، على أن التدهن والامتشاط ليس
مطلقهما من الزينة.
نعم ما فيه من جواز الخروج من بيتها موافق للأصول وظاهر الاقتصار في
الفتاوى على وجوب الحداد عليها الذي لا يدخل فيه ذلك قطعا ولموثق ابن بكير (3)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التي توفي عنها زوجها تحج؟ قال: نعم، وتخرج، وتنتقل
من منزل إلى منزل " ونحوه خبر عبيد بن زرارة (4) عنه عليه السلام أيضا، بل ولمكاتبة
الصفار (5) في الصحيح للعسكري عليه السلام " في امرأة مات عنها زوجها وهي في عدة منه،
وهي محتاجة لا تجد من ينفق عليها، وهي تعمل للناس هل يحوز لها أن تخرج

(1) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 7 مع الاختلاف وفيه " بغير
زينة لزوج " إلا أن الموجود في الوافي ج 12 ص 185 كالجواهر.
(2) راجع الوافي ج 12 ص 183 وهو الذي أشار إليه في الوسائل في ذيل الحديث 7
من الباب 29 من العدد وذكره الشيخ في التهذيب ج 8 ص 83.
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب العدد الحديث 3 - 5.
(4) الوسائل الباب 33 من أبواب العدد الحديث 3 - 5.
(5) الوسائل الباب 34 من أبواب العدد الحديث 1.
278

وتعمل وتبيت عن منزلها في عدتها؟ فوقع عليه السلام: لا بأس بذلك إنشاء الله ".
ولعله لذا كان المحكي عن الشيخ الجمع بين النصوص بحمل النهي عن البيتوتة
على الكراهة، بل لم أجد أحدا من معتبري الأصحاب منعها من ذلك، نعم في
الحدائق استظهر الجمع بينها بمضمون مكاتبة الصفار على معنى جواز ذلك للضرورة
دون غيرها، مؤيدا لذلك أيضا بمكاتبة الحميري (1) لصاحب الزمان روحي له الفداء
المروية في الاحتجاج وغيره " سألته عن المرأة يموت زوجها هل يجوز لها أن تخرج
في جنازته أم لا؟ فوقع: تخرج في جنازته، وهل يجوز لها وهي في عدتها أن تزور
قبر زوجها أم لا؟ فوقع: تزور قبر زوجها، ولا تبيت عن بيتها، وهل يجوز لها أن
تخرج في قضاء حق يلزمها أم لا تخرج من بيتها في عدتها؟ فوقع: إذا كان حق
خرجت فيه وقضته، وإن كان لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتى
تقضيها، ولا تبيت إلا في منزلها ".
لكنه كما ترى منشأه اختلال الطريقة، بل عدم معرفة اللسان، فإن النصوص
المزبورة ظاهرة لمن رزقه الله معرفة رمزهم واللحن في قولهم فيما هو ظاهر الأصحاب
من عدم منعها من ذلك، وأنه يجوز لها من دون ضرورة، لكن على كراهة، خصوصا
بعد ملاحظة النصوص المستفيضة الدالة على جواز قضاء عدتها فيما شاءت من المنازل
ولو كل شهر في منزل
كما في مرسل يونس (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن المتوفى عنها زوجها
أتعتد في بيت تمكث فيه شهرا أو أقل من شهر أو أكثر ثم تتحول منه إلى غيره
فتمكث في المنزل الذي تحولت إليه مثل ما مكثت في المنزل الذي تحولت منه، كذا
صنعتها حتى تنقضي عدتها؟ قال: يجوز لها ذلك، ولا بأس ".
وفي صحيح سليمان بن خالد (3) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة توفي عنها

(1) الوسائل الباب 33 من أبواب العدد الحديث 8.
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب العدد الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 32 من أبواب العدد الحديث 1.
279

زوجها أين تعتد، في بيت زوجها أو حيث شاءت؟ قال: حيث شاءت، ثم قال:
إن عليا عليه السلام لما مات عمر أتى إلى أم كلثوم، فأخذ بيدها وانطلق بها إلى بيته "
(و) غير من ذلك من النصوص، فالمتجه حينئذ ما اقتصر عليه من المنع من الزينة في الثوب
والبدن والطيب.
نعم (لا بأس بالثوب الأسود والأزرق) ونحوهما (لبعده عن شبهة الزينة)
في العادة التي قد عرفت أنها المدار، وربما تحصل ببعض الثياب الفاخرة التي لم
تكن مصبوغة.
لكن في المبسوط " وأما الأثواب ففيها زينتان: إحداهما تحصل بنفس الثوب،
وهو ستر العورة وسائر البدن، قال الله تعالى (1): " خذوا زينتكم عند كل مسجد "
والزينة الأخرى تحصل بصبغ الثوب، فإذا أطلق فالمراد به الثاني، والأول غير ممنوع
منه للمعتدة وإن كان فاخرا مرتفعا مثل المروي المرتفع والسابوري والدبيقي
والقصب والصيقلي وغير ذلك مما يتخذ من قطن وكتان وصوف ووبر، وأما ما يتخذ
من الإبريسم قال قوم: ما يتخذ منه من غير صبغ جاز لبسه وما صبغ لم يجز، والأولى
تجنبه على كل حال، وأما الزينة التي تحصل بصبغ الثوب فثلاثة أضرب: ضرب
يدخل على الثوب لنفي الوسخ عنه، كالكحلي والسواد، فلا تمنع المعتدة منه، لأنه
لا زينة فيه، وفي معناه الديباج الأسود، والثاني ما يدخل على الثوب لتزيينه، كالحمرة
والصفرة وغير ذلك، فتمنع المعتدة منه، لأنه زينة، وأما الضرب الثالث فهو ما يدخل
على الثوب ويكون مترددا بين الزينة وغيرها، مثل أن يصبغ أخضر أو أزرق،
فإن كانت مشبعة تضرب إلى السواد لم تمنع منه، وإن كانت صافية تضرب إلى
الحمرة منعت منها "
ولا يخفى عليك أنه تطويل بلا طائل، ضرورة كون المدار على ما عرفت، وهو
مختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال، ولا ضابطة للزينة والتزين وما

(1) سورة الأعراف: الآية 31.
280

يتزين به إلا العرف والعادة التي يندرج فيها الهيئات وغيرها.
نعم لا بأس بالسواك، وتقليم الأظفار، وتسريح الشعر، ودخول الحمام،
والاكتحال بما لا زينة فيه، وافتراش الفرش النفيسة، والمساكن المزينة، وتزيين
أولادها وخدمها، ونحو ذلك مما لا يرجع إلى زينتها، بل لا بأس بما يرجع إليها
أيضا للضرورة، كالاكتحال بالأسود، ولكن تقتصر على مقدارها، ولذا قال غير
واحد: إنها تكتحل به ليلا وتمسحه نهارا.
(و) كيف كان ف‍ (يستوي ذلك في الصغيرة والكبيرة والمسلمة والذمية)
كما صرح به غير واحد، بل ظاهر المسالك المفروغية منه، بل عن الشيخ في الخلاف
نفي الخلاف فيه، لاطلاق الأدلة، لكن عن ابن إدريس والفاضل في المختلف التردد
فيه، من ذلك ومن أنه تكليف لا يتوجه إلى الصغير، وتكليف الولي غير معلوم، ولا
إشارة في الأدلة إليه، ولا مفهوم من أمرها بالاحداد، بل في كشف اللثام هو الأقوى
وفاقا للجامع، مؤيدا له بظهور أن السر فيه أن لا يرغب فيها ولا يرغب في الصغيرة،
ومال إليه في الرياض إن لم يتم الاجماع.
قلت: قد يقال: لا يخفى على من رزقه الله فهم اللسان مساواة الأمر بالحداد
للأمر بالاعتداد الذي لا خلاف بين المسلمين فضلا عن المؤمنين في جريانه على الصغيرة،
على معنى تكليف الولي بالتربص بها، فيجري مثله في الحداد، ولا حاجة إلى الإشارة
في النصوص إلى خصوص ذلك، ضرورة معلومية توجه التكليف إلى الأولياء في كل
ما يراد عدم وجوده في الخارج، نحو ما سمعته في مس الطفل والمجنون كتابة القرآن.
وبالجملة فالمراد التربص بها هذه المدة مجردة عن الزينة، وهو معنى يشمل
الصغير والكبير والعاقل والمجنون، على معنى تكليف الولي بذلك أو سائر الناس،
كما هو واضح بأدنى تأمل في أدلة الاعتداد والحداد المستفاد منهما أنهما من خطاب
الوضع بالمعنى المزبور، ولذا لم يتوقف صحة الاعتداد على ملاحظة الامتثال.
(و) أما الحداد (في الأمة) إذا كانت زوجة ففيه (تردد) وخلاف
(أظهره) أن (لا حداد عليها) وفاقا لجماعة، بل قيل: إنه الأشهر، لصحيح
281

زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام " إن الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما
سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد " وبه يقيد إطلاق الأدلة إن لم
يقل بانسياقه إلى الزوجة الحرة، وإلا يحتج إلى التقييد، وكان الصحيح مؤكدا
لأصل البراءة وغيره مما يقتضي نفي ذلك عنها.
وخلافا لصريح المحكي عن المبسوط والسرائر وظاهر أبي الصلاح وسلار وابن
حمزة فأوجبوا الحداد عليها كالحرة، للنبوي (2) " لا يحل لامرأة تؤمن بالله
واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا "
ولم يفرق.
وأجاب عنه في المختلف " أن هذه الرواية لم تصل إلينا مسندة عن النبي صلى الله عليه وآله
وإنما رواها الشيخ مرسلة، ولا حجة فيها، والعجب أن ابن إدريس ترك مقتضى العقل،
وهو أصالة البراءة من التكليف بالحداد وما تضمنته الرواية الصحيحة وعول على
هذا الخبر المقطوع السند، مع إدعائه أن الخبر الواحد المتصل لا يعمل به فكيف
المرسل!! وهذا يدل على قصور قريحته وعدم تفطنه لوجوه الاستدلال ".
قلت: الانصاف إن هذا الكلام لا يليق بابن إدريس الذي هو أول من فتح النظر
والتحقيق، ولم يعتمد في المقام على الخبر المرسل، بل غرضه الاستدلال باطلاق المتواتر
من النصوص الدالة على الحداد في الزوجة الشاملة للحرة والأمة، والخبر الصحيح المزبور
غير حجة عنده، فلا يحكم على الاطلاق المزبور.
والعجب منه في توجيه الجواب عن النبوي المزبور بكونه مرسلا غير حجة
وأنه لم يصل إلينا مسندا مع أن مضمونه مقطوع به في نصوصنا، ولم ينتبه للجواب
عنه بعدم تناوله للأمة بناء على عدم اعتدادها بالأربعة والعشر، وبانسياق الحرة من

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 2.
(2) المستدرك الباب 25 من أبواب العدد الحديث 9 وسنن البيهقي ج 7
ص 437.
282

الامرأة فيه، وبأنه مقيد بالصحيح المزبور، والأمر سهل بعد وضوح الحال. نعم
لا فرق فيه بين الدائمة والمتمتع بها، لاطلاق المزبور.
وعلى كل حال فالمشهور على ما حكاه غير واحد أنه واجب تعبدي لا شرطي،
فلو أخلت به عمدا فضلا عن النسيان لم يبطل الاعتداد الذي لا يجب عليها تلافيه في
غيره، للأصل وغيره، ولا منافاة بين المعصية وانقضاء العدة، فيندرج الفرض حينئذ
في جميع ما دل على جواز نكاح المرأة بعد انقضاء العدة من قوله تعالى (1) " فإذا
بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف " خلافا للمحكي عن أبي الصلاح والسيد الفاخر شارح الرسالة فأبطلا العدة بالاخلال بها مطلقا أو حال العمد
خاصة على اختلاف النقلين، لعدم حصول الامتثال، فيجب الاستئناف، ورد بأنه
على شرطيته لا دليل، بل ظاهر الأدلة خلافه، ومن هنا وصف غير واحد هذا الخلاف
بالندرة.
ولكن الانصاف عدم خلوه عن الوجه، خصوصا مع ملاحظة الاحتياط وقاعدة
وجوب الشئ في الشئ، والنصوص (2) المتكثرة التي ستسمع جملة منها في تعليل
وجوب الاعتداد عليها عند بلوغ الخبر بخلاف المطلقة بوجوب الحداد عليها أي في
عدتها بخلافها، بل قال أبو جعفر عليه السلام في خبر زرارة (3) منها: " إن مات عنها
زوجها وهو غائب فقامت البينة على موته فعدتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر
وعشرا، لأن عليها أن تحد عليه في الموت أربعة أشهر وعشرا فتمسك عن الكحل
والطيب والأصباغ " لا أقل من الشك في انقضاء العدة بدونه، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان فلا خلاف في أنه (لا يلزم الحداد المطلقة بائنة كانت أو
رجعية) بل استفاضت النصوص (4) بتزيين الثانية وتشوقها لزوجها لعل الله يحدث

(1) سورة البقرة: 2 الآية 234.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 21 من أبواب العدد.
283

بعد ذلك أمرا، أي يرجع بطلاقها، كما أنه استفاضت (1) أيضا في نفي الحداد عن
مطلق المطلقة.
نعم في خبر مسمع بن عبد الملك (2) عن أبي عبد الله عن علي عليهما السلام " المطلقة
تحد كما تحد المتوفى عنها زوجها، لا تكتحل، ولا تطيب، ولا تختضب، ولا تمتشط "
وهو من الشواذ، وحمله الشيخ على استحباب ذلك للبائنة، ولا ريب في بعده، لقصور
الخبر عن إثباته وإن كان مستحبا من وجوه.
ويمكن حمله على إرادة الانكار أو على إرادة تجنب السوء لها، كما أومأ
إليه خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد (3) عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام
" سألته عن المطلقة لها أن تكتحل وتختضب أو تلبس ثوبا مصبوغا؟ قال: لا بأس إذا
فعلته من غير سوء " والأمر سهل.
(ولو وطئت المرأة بعقد الشبهة ثم مات) وقد انحلت الشبهة (اعتدت عدة
الطلاق حائلا كانت أو حاملا) بلا خلاف ولا إشكال (و) ذلك لأنه بعد أن
ظهر الحال (كان الحكم للوطء لا للعقد، إذ ليست زوجة) كي تندرج في المتوفى
عنها زوجها، فلم يبق إلا أنها موطوءة وطءا محترما تعتد منه عدة الطلاق، كما في
حال حياته، ولعل نص المصنف وغيره على ذلك لخلاف بعض العامة الناشئ من
استحسان أو قياس أو اجتهاد فاسد.
ولا حداد على غير الزوجة من أقارب الميت حتى أمهات الأولاد من الإماء،
للأصل وغيره، وفي مضمر ابن مسلم (4) " ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة
أيام إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها " وفي مرسل أبي يحيى الواسطي (5)

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب العدد الحديث 3 والباب 26 منها الحديث 7
والباب 28 منها الحديث 14.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب العدد الحديث 5 - 6.
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب العدد الحديث 5 - 6.
(4) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 5 - 6.
(5) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 5 - 6.
284

عن أبي عبد الله عليه السلام " يحد الحميم على حميمه ثلاثا والمرأة على زوجها أربعة أشهر
وعشرا " وفي النبوي (1) المزبور ما سمعت.
وظهور مرسل الواسطي في وجوب الثلاثة لا عامل به، مع أنه قاصر عن ذلك،
ولذا حمله بعض على الندب، كظهور تحريم ما زاد من المضمر والمرسل لم أجد
قائلا به أيضا، فلا يبعد حمله على الكراهة، والله العالم.
(تفريع:)
(لو كان له أكثر من زوجة) مثلا (فطلق) بائنا أو رجعيا (واحدة
لا بعينها فإن قلنا إن التعيين شرط فلا طلاق، وإن لم نشترطه ومات قبل التعيين فعلى
كل واحدة الاعتداد بعدة الوفاة، تغليبا لجانب الاحتياط) اللازم مراعاته هنا،
كما ستعرف (دخل بهن أو لم يدخل) إلا إذا كن من ذوات الأقراء، فأبعد
الأجلين من عدة الوفاة ومن انقضاء الأقراء لكون الاحتياط حينئذ فيه، لأنها إن
كانت مطلقة فعليها الأقراء، وإن كانت مفارقة بالموت فعليها عدة الوفاة، فيقين البراءة
موقوف على ذلك.
(و) من هنا (لو كن حوامل) أو إحداهن (اعتددن بأبعد الأجلين)
لكون الاحتياط حينئذ فيه على حسب ما عرفت، لكن قيل: إن ذلك بالنسبة إليهما
ليس من باب المقدمة، ضرورة عدم توجه خطاب إليها كي يجب عليها تحصيل اليقين
بذلك، بل استصحاب الزوجية في كل منهما، واحتمال الطلاق لا يهدمه، كما في الثوب
المشترك، وإنما يكون من باب المقدمة بالنسبة إلى من يريد نكاحهما أو إحداهما،
فإنه لا يسوغ له ذلك حتى يستوفيا معا أبعد العدتين، وإنما لزمهما الاحتياط لأنها
إذا حرمت عليه حرم عليها، كما أنه إذا وجب عليه اجتناب من إحداهما رضيعته، - وهي
مسألة الإناءين - وجب على كل منهما اجتنابه، لأنها إذا حرمت عليه حرم

(1) سنن البيهقي ج 7 ص 437.
285

عليها، ولذلك يسقط حكم الحداد الذي لا مدخلية له في ذلك، ولا مقتضى لوجوبه
إحداهما.
وفيه أن استصحاب الزوجية لا يعين عدة الوفاة، وإلا لم يكن مقتضى الاحتياط
في ذات الأقراء انتظارها الأبعد بلا خلاف نجده بين من تعرض لذلك، واقتصار
المصنف على عدة الوفاة مبني على الغالب، بل كان المتجه وجوب الحداد عليها، ولم
نعرف أحدا صرح بذلك، بل هو قد اعترف بعدمه، وحينئذ فلا وجه لذلك إلا
استصحاب بقائها على حكم العدة إلى حصول اليقين بالخروج الذي به يكون الخروج
من يقين الشغل، وهو باب المقدمة والاحتياط اللازم.
نعم ربما يشكل ذلك في صورة عدم الدخول الذي لا عدة للمطلقة معه باعتبار
عدم اليقين بنفيها بعده كي يستصحب، والأصل البراءة.
وفيه - بعد معلومية كون الأصل في الفروج الحرمة، لأصالة عدم ترتب أسباب
العقد، وليس في عمومات النكاح ما يقتضي الحل في الموضع المشتبه بين العنوان
المحلل والمحرم كما أفرغنا الكلام فيه في كتاب النكاح في اشتباه الأجنبية مع
الأخت ونحوها - أن المعلوم أن ذات البعل لا تخرج من التحريم إلا بالدخول في
عنوان المحللة بالطلاق أو وفاة الزوج عنها أو نحو ذلك، فمع فرض اشتباه اندراجها
في أحد العنوانين بالخصوص - بعد العلم بكونها في أحدهما - يجب الاحتياط عليها
إلى حصول اليقين باندراجها فيهما على التقديرين، وهذا معنى الاحتياط اللازم وباب
المقدمة المذكور في صريح كشف اللثام وظاهر غيره.
وعلى كل حال فالأقراء حيث تلحظ تحسب من حين الطلاق بناء على وقوعه،
لا بالتعيين، وعدة الوفاة من حينها، حتى لو مضى قرء واحد من حين الطلاق ثم
مات الزوج عنها فعليها الأقصى من القرءين ومن الوفاة.
ولو مضى قرءان ثم مات الزوج ففي المسالك " فعليها الأقصى من عدة الوفاة
ومن قرء ".
286

وفيه أن الأقصى هنا منحصر في عدة الوفاة، إذ لا عبرة بما إذا تجاوز الثلاثة
الأشهر الأبيض كما عرفت، نعم لو قلنا بوقوعه بالتعيين وقلنا بصحته مع ذلك اتجه
اعتبار الأقراء حينئذ من حين الوفاة، لعدم التعيين قبلها، أما إذا قلنا بفساد الطلاق
حينئذ لعدم التعيين إلى حين الموت فليس عليهن إلا عدة الوفاة، كما هو واضح.
(وكذا) الحال (لو طلق إحداهن بائنا) معينا لها في نفسه مثلا
(ومات قبل) ذكر (التعيين فعلى كل واحدة) منهن (الاعتداد بعدة الوفاة
إلا في ذات الأقراء على الوجه الذي قد عرفت.
(ولو عين قبل الموت انصرف) الطلاق الواقع فيهما أولا (إلى المعينة)
التي ذكرها أخيرا (و) لكن (تعتد من حين الطلاق) لما تقدم من وقوع الطلاق
بالأول وإن تأخر التعيين و (لا) تعتد (من حين الوفاة و) ذلك لأن الفرض
كون طلاقها بائنا مبهما ثم عين.
نعم (لو كان رجعيا اعتدت عدة الوفاة من حين الوفاة) لما عرفت من انقلاب
عدة الرجعية إلى عدة الوفاة لو مات المطلق في أثنائها.
وبذلك ظهر لك ما في مناقشة المسالك فلاحظ وتأمل، فإن فيها غير ذلك
من التشويش في بعض ما ذكره من حكم المسألة، كما لا يخفى على من لاحظه.
بل ربما كان فيها أيضا ما ينافي ما قدمه سابقا في بحث التعيين فراجع وتدبر، هذا.
وقد بقي شئ وهو أن ظاهر من تعرض للمسألة كالمصنف والفاضل وشارحه
وثاني الشهيدين وغيرهم عدم الفرق فيما ذكروه من الحكم المزبور بين المبهم ظاهرا
وواقعا، وبين المبهم ظاهرا وهو معين واقعا.
وقد يتوهم أن المتجه في الأخير القرعة، لأن ذلك المتيقن من موردها،
بل قد يقال بجريانها في الأول بناء على عدم اختصاصها بذلك، بل هي في كل مشكل
ليس في الأدلة ما يقتضي تعيينه، لكن لم أجد أحدا احتمله هنا مع ذكرهم ذلك في
الطلاق المبهم.
ولعله لعدم الاشكال هنا، لم عرفته من إمكان التخلص الذي هو مقتضى باب
287

المقدمة وقاعدة اليمين والاحتياط اللازم، وإنما يحتاج إلى القرعة حيث لا يكون
طريق إلى ذلك، كما إذا بقي الزوج مثلا وأريد معرفة المطلقة من غيرها، وقلنا
بعدم اعتبار تعيينه، أو خرج عن قابلية ذلك، أو كانت المطلقة معينة واشتبهت،
وفي أمثال ذلك، لا مثل المقام الذي قد عرفت عدم الاشكال فيه على كل واحد منهن
في التخلص من العدة، أو في معلومية الاندراج في عنوان التحليل.
إلا أن الانصاف مع ذلك كله الاعتراف بظهور كلامهم في ذلك المقام بجريان
القرعة التي هي كاشف واقعا في مثل المقام، فلاحظ وتأمل، والله العالم.
(والمفقود) زوجها (إن عرف خبره أو أنفق على زوجته وليه) من
نفسه أو متبرع أو كان له مال يمكن الانفاق منه عليها (فلا خيار لها) وإن
أرادت ما تريد النساء وطالت المدة عليها، فهي حينئذ مبتلاة فلتصبر، بلا خلاف أجده
في شئ من ذلك، وللأصل والنصوص (1)، بل في خبر السكوني (2) منها عن جعفر
عن أبيه عليهما السلام " إن عليا عليه السلام قال في المفقود: لا تتزوج امرأته حتى يبلغها موته،
أو طلاق: أو لحوق بأهل الشرك " وإن وجب تقييده بغيره من النصوص.
كصحيح الحلبي (3) " سئل أبو عبد الله عليه السلام عن المفقود، قال: المفقود إذا مضى له أربع
سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها، فإن لم يجد له أثرا أمر
الوالي وليه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته، قال، قلت: فإنها تقول:
إني أريد ما تريده النساء، قال: ليس لها ذلك ولا كرامة، فإن لم ينفق عليها وليه
أو وكيله أمره بأن يطلقها، وكان ذلك عليها طلاقا ".
وصحيح بريد (4) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المفقود كيف يصنع بامرأته؟
قال، ما سكتت عنه وصبرت يخلى عنها، فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها
أربع سنين، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه، فيسأله عنه، فإن خبر عنه بحياة

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 0 - 3 - 4.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 0 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 0 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
288

صبرت، وإن لم يخبر عنه بشئ حتى تمضي الأربع سنين دعى ولي الزوج المفقود،
فقيل له: هل للمفقود مال؟ فإن كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته،
وإن لم يكن له مال قيل للولي: أنفق عليها، فإن فعل فلا سبيل لها أن تتزوج
ما أنفق عليها، وإن أبى أن ينفق عليها جبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال
العدة وهي طاهر، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فإن جاء زوجها من قبل أن تنقضي
عدتها من يوم طلقها الوالي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته، وهي عنده على
تطليقتين، وإن انقضت العدة قبل أن يجيئ أو يرجع فقد حلت للأزواج، ولا سبيل
للأول عليها ".
وفي الفقيه وفي رواية أخرى (1) " إن لم يكن للزوج ولي طلقها الوالي،
ويشهد شاهدين عدلين، فيكون طلاق الوالي الزوج، وتعتد أربعة أشهر وعشرا،
ثم تتزوج إن شاءت ".
وخبر أبي الصباح (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في امرأة غاب عنها زوجها أربع
سنين، ولم ينفق عليها، ولم تدر أحي هو أم ميت؟ أيجبر وليه على أن يطلقها؟
قال: نعم وإن لم يكن ولي طلقها السلطان، قلت: فإن قال الولي أنا أنفق عليها،
قال: فلا يجبر على طلاقها، قال: قلت: أرأيت إن قالت أنا قال: أنا أريد ما تريد النساء،
ولا أصبر ولا أقعد كما أنا؟ قال: ليس لها ولا كرامة إذا أنفق عليها ".
وموثق سماعة (3) " سألته عن المفقود، فقال، إن علمت أنه في أرض فهي
تنتظر له أبدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه، وإن لم تعلم أين هو من الأرض
كلها؟ ولم يأتها منه كتاب ولا خبر فإنها تأتي الإمام، فيأمرها أن تنتظر أربع
سنين، فيطلب في الأرض، فإن لم يجد له أثرا حتى تمضي أربع سنين أمرها أن
تعتد أربعة أشهر أو عشرا، ثم تحل للأزواج، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 5.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 5.
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب
النكاح.
289

عدتها فليس له عليها رجعة، وإن قدم وهي في عدتها أربعة أشهر وعشرا فهو أملك
برجعتها ".
وهي كما ترى بعد الجمع بينها بحمل المطلق على المقيد ظاهرة في عدم
الخيار لها مع أحد الأمرين.
بل قد يقال: إن ظاهر هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط
يد الإمام عليه السلام، لا حال قصورها، ولعله لذا قال في المحكي عن السرائر: " إنها في
زمن الغيبة مبتلاة، وعليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه " وحينئذ فتسقط ثمرة
المسألة في هذا الزمان.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك نصا وفتوى مبني على الغالب من القصور في زمن
الغيبة، ولا فمع فرض تمكن نائب الغيبة من الاتيان بما ذكرته النصوص يتجه قيامه
مقام الوالي في ذلك، لعموم ولايته الشاملة لذلك.
بل ظاهر المحدث البحراني تبعا للكاشاني عدم توقف مباشرة هذه الأمور
على الحاكم، فإنه - بعد أن حكى عن المسالك قوله فيها: " لو تعذر البحث عنه من
الحاكم إما لعدمه أو لقصور يده تعين عليها الصبر إلى أن يحكم بموته شرعا أو يظهر
حاله بوجه من الوجوه، لأصالة بقاء الزوجية، وعليه يحمل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
" تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه " وعن علي عليه السلام (1) " هذه
امرأة ابتليت فلتصبر " ومن العامة من أوجب ذلك مطلقا عملا بهاتين الروايتين " -
قال: " ولا يخفى ما فيه من الاشكال والداء العضال والضرر المنفي بالآية (2)
والرواية (3) - إلى أن قال -: وهذا مبني على ظاهر ما اتفقت عليه كلمتهم من توقف

(1) المستدرك الباب 18 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 وسنن البيهقي
ج 7 ص 446.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 232 وسورة النساء: 4 الآية 19.
(3) الوسائل الباب 12 من كتاب احياء الموات.
290

الطلاق أو الاعتداد على رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، كما سمعت ما في القواعد
من أنه لو مضت مائة سنة ولم ترفع أمرها إلى الحاكم فلا طلاق ولا عدة، بل تبقى
على حكم الزوجة، وأن الفحص في ضمن الأربع لا بد وأن يكون من الحاكم وفي
الحكم بتعينه من الأخبار المزبورة نظر، لما عرفت من أن بعضها (1) وإن دل
على الرفع إلى الحاكم إلا أن البعض الآخر (2) خال، وأن الفحص المأمور به
لا يتعين كونه من الحاكم، بل يكفي كونه من الولي أو غيره - مؤيدا بما ذكره
الكاشاني في الجمع بين النصوص من أنه - إذا فقد الرجل بحيث لم يوجد له خبر أصلا
فإن مضى عليه من حين فقد خبره أربع سنين ولم يوجد من أنفق على امرأته بعد ذلك
ولم تصبر على ذلك أجبر وليه على طلاقها بعد تحقق الفحص عنه، سواء وقع الفحص
قبل مضي الأربع أو بعده، وسواء وقع من الولي أو الوالي أو غيرهما، وعدتها
عدة الوفاة - إلى أن قال -: وبالجملة لا ظهور في النصوص في توقف الطلاق على رفع
الأمر إلى الحاكم، وأن مبدء الأربع التي يجب عليها التربص فيها من مبد الرفع،
وأن الفحص إنما هو من الحاكم - ثم أطنب في بيان ذلك وقال -: ومتى ثبت أن
الحكم لا اختصاص له بالحاكم فلا إشكال في أنه مع فقده أو قصور يده لا ينتفي الحكم
المذكور، بل يجب على عدول المؤمنين القيام بذلك حسبة، كما قاموا مقامه في
غيره، وأما الخبران المذكوران في المسالك فهما عاميان ".
ومن لاحظ تمام كلامه ينبغي أن يقضي منه العجب، وذلك لأن جميع النصوص
المزبورة ما بين صريح وظاهر في مدخلية الوالي في ذلك، بل ما في بعضها (3) من
إرسال رسول أو الكتابة إلى ذلك الصقع، كالصريح في بسط اليد، ومع فرض عدم
مدخلية الحاكم في ذلك لا مدخلية لعدول المؤمنين الذين ولايتهم فرع ولايته.

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب 2 من كتاب
النكاح.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5 - 4.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5 - 4.
291

بل لو لم نقل بالطلاق توقف اعتدادها بالمدة المزبورة على أمر الحاكم وإن
احتمل في المسالك " الاكتفاء بمضيها، لظاهر خبر سماعة (1) أنها تعتد بعد تطلبه
أربع سنين، ولاشعار الحال بالوفاة ودلالته عليها " لكن كما ترى (2) ضرورة ظهوره
وغيره أن ذلك كله من أعمال الحاكم ومناصبه، فليس لها ولا لغيرها شئ من ذلك
بدونه، لا في ضرب الأجل، ولا في الفعل بعده، كما هو واضح، خصوصا بعد ملاحظة
الاحتياط، وكون المسألة على خلاف مقتضي الضوابط.
كما أنه ينبغي أن يقضي العجب بما فيها أيضا من الاقتصار في الحكم المذكور
على خصوص المفقود بسبب سفر وغيبة، دون المفقود بانكسار سفينة أو معركة أو
نحو ذلك مما لا أثر له في النصوص المزبورة، فتتزوج هذه من دون رفع أمرها إلى
الحاكم، ومن دون تأجيل، بل بالقرائن الدالة على موته.
ثم أطنب في بيان ذلك، وحكى عن بعض مشائخه المحققين موافقته على ذلك،
وكذا حكي عن الآخوند ملا محمد جعفر الإصبهاني الشهير بالكرباسي، قال: " وقد
زوج جملة من النساء اللاتي فقدت أزواجهن في معركة قتال الأفغان مع عسكر شاه
سلطان حسين في مفازة قرب كرمان ".
إذ لا يخفى عليك ما فيه (أولا) من أن مقتضى ما ذكره حرمة التزويج إلى
حصول العلم بالموت للمرأة ولمن يريد نكاحها ممن هو عالم بحالها، لا التزويج
بالقرائن التي لا توجيه، ومع فرض حصوله بها لا بحث فيه، بل وفي مسألة
المفقود بالسفر أيضا وإن لم يكن ثم مخبر بذلك وإن توهمه في المسالك، ضرورة
أنه ما بعد العلم من شئ.
و (ثانيا) أن العنوان في النصوص المزبورة " المفقود " الشامل لهذه الأفراد،

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
(2) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة إلا أن الموجود في المخطوطة بقلم المصنف
طاب ثراه " لكنه كما ترى " وهو الصحيح.
292

ولا ينافي ذلك ما في بعضها (1) من الارسال إلى النواحي، فإن المدار على التجسس
عنه في الوجه الذي نفذ فيه، ليعلم حاله، وليس هذا من القياس في شئ، بل هو
مقتضى إطلاق اللفظ الذي لا داعي إلى تخصيصه بذكر حال بعض أفراده، كما هو
واضح.
ومن هنا لم أجد أحدا من أساطين الأصحاب تردد في شئ من ذلك، وقد
جعلوا العنوان ما في النصوص من المفقود الشامل لجميع الأفراد المزبورة، كما هو
واضح بأدنى تأمل.
(و) كيف كان ف‍ (لو جهل خبره ولم يكن من ينفق عليها) ولو متبرع
(فإن صبرت فلا بحث،) ضرورة كون ذلك كله للارفاق بها (وإن رفعت
أمرها إلى الحاكم أجلها أربع سنين، وفحص عنه، فإن عرف خبره صبرت، وعلى
الإمام أن ينفق عليها) في الأجل المزبور (من بيت المال) المعد للمصالح التي
هذه منها.
(وإن لم يعرف خبره أمرها بالاعتداد عدة الوفاة ثم تحل للأزواج) بلا
خلاف أجده فيه نصا (2) وفتوى، بل الاجماع بقسميه عليه، لكن بعد الطلاق من
وليه أو الوالي، كما سمعت التصريح به في النصوص (3) المزبورة المعتضدة بالأصل
وغيره، عدا موثق سماعة (4) المحمول عليها، خصوصا بعد قوله عليه السلام فيه، " هو
أملك برجعتها " بل في كشف اللثام " لا خلاف في المسألة، فإن غاية الأمر السكوت
في مضمر سماعة (5) وعبارات أكثر الأصحاب ".
قلت: لا ينافي ذلك كون العدة عدة وفاة، لاحتمال اختصاص هذه العدة للطلاق

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 - 0 -.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب
النكاح.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 - 0 -.
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
(5) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
293

بالمدة المزبورة، ولعل السر ملاحظة موته فيها، باعتبار قضاء العادة بالوقوف عليه
مع الفحص أربع سنين في النواحي التي يظن وجوده فيها، فتكون عدة الطلاق هنا
بمقدار عدة الوفاة، ومن هنا صرح القائلون بالطلاق بكون العدة عدة وفاة.
وإن أبيت إلا وجود الخلاف في ذلك - كما ذكر في المسالك وغيرها، ناسبين له
إلى الشيخ وجماعة، وإلى المصنف وغيره ممن عبر نحو عبارته بل جعلوا ثمرة
المسألة النفقة والحداد وغيرهما، بل في المسالك الاشكال في العدة أيضا مستظهرا من
النصوص أنها عدة الطلاق، قال: إلا أن القائلين بالطلاق صرحوا بكونها عدة وفاة،
ولا يخلو من إشكال، ورواية سماعة (1) الدالة عليها موقوفة ضعيفة السند " وفيه أن
رواية سماعة ليس دالة على أنها عدة طلاق، نعم مرسل الفقيه (2) دال على ذلك،
وهو حجة بعد الانجبار، كما أن موثق سماعة بعد حمل اطلاقه على مقيد غيره
يكون كذلك. وأما الحداد فلا ريب في عدم وجوبه وإن توقف فيه الفاضل، - لكنه
في غير محله بعد صراحة النصوص (3) المزبورة بالطلاق المقتضي لكون ذلك عدته
لا عدة وفاة.
على أنه لا إشعار في شئ من النصوص بأن للحاكم حينئذ أن يحكم بموته
وإلا لوجب عليها الاعتداد حينئذ، مع أنه لا خلاف ولا إشكال في أن لها الصبر
والبقاء على الزوجية ولو بعد تأجيل الحاكم وفحصه، بل لا يبعد وجوب ذلك عليها
لو فرض وجود المنفق بعد المدة المزبورة كما أنه لا يبعد أن للحاكم بعد طلاقها
لو أرادته بعد اختيارها الصبر بعد الأجل، ولا تحتاج إلى تأجيل آخر.
بل لا يبعد عدم احتياج غيرها من الزوجات - اللاتي لم يرفعن أمرهن إلى
الحاكم - إلى التأجيل لهن بالخصوص، بل لا يبعد الاكتفاء بالفحص والبحث من
الحاكم أربع سنين وإن لم يكن بعنوان التأجيل للمرأة المزبورة، وإن كان هو

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 0 -.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 - 0 -.
294

خلاف ظاهر صحيح بريد (1) وموثق سماعة (2).
بل في قواعد الفاضل " ضرب أربع سنين إلى الحاكم، فلو لم ترفع خبرها إليه
فلا عدة حتى يضرب لها المدة ثم تعتد ولم صبرت مائة سنة، وابتداء المدة من
رفع القضية إلى الحاكم وثبوت الحال عنده، لا من وقت انقطاع الخبر " لكن يمكن
حمله على ما لا ينافي ما ذكرنا.
نعم ظاهر أكثر الفتاوى والصحيح المزبور (3) أن مبدأ المدة الرفع المذكور
إذا لم يكن ثمة فحص سابق من الحاكم إلا أن في المحكي عن الخلاف " تصبر
أربع سنين، ثم ترفع أمرها لتنتظر من يتعرف خبر زوجها في الآفاق، فإن عرف
له خبر لم يكن لها طريق إلى التزويج " إلى آخره. وفي صحيح الحلبي (4) " إذا مضى
له أربع سنين يبعث الوالي " ومن المعلوم أنه لا مدة عليها لابتداء رفع أمرها، بل
متى انقطع خبره وصدق عليه اسم المفقود ولم يكن لها منفق ولو متبرع رفعت
أمرها إلى الحاكم، فلا بد من حمل ذلك على إرادة خصوص من يتوقف صدق اسم
الفقد عليه على مضي المدة المزبورة لبعد جهة سفره أو غيره وأما إطلاقه إرسال الوالي
فيحمل على ما في غيره من المدة المزبورة كما أنه يحمل خبر أبي الصباح (5) على
ما إذا كان ذلك بأمر الحاكم، والله العالم.
ولو فقد في بلد مخصوص أو جهة مخصوصة بحيث دلت القرائن على عدم انتقاله
منها إلى غيرها ففي المسالك " كفى البحث عنه في تلك البلد أو تلك الجهة، فإن
لم يظهر خبره تربص أربع سنين من غير بحث، فإذا مضت فعل بها ما تقرر من
الطلاق أو الأمر بالاعتداد، ثم تزوجت إن شاءت، وكذا إن كان فقده في جهتين
أو ثلاث أو بلدان كذلك اقتصر على البحث عنه فيما يحصل فيه الاشتباه ".
قلت: كأنه فهم التعبد من الأجل المزبور، ويؤيده في محل الفرض استصحاب

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 - 4 - 5.
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 - 4 - 5.
(5) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 - 4 - 5.
295

المنع، ولكن ينافيه فيما لو فرض عدم وفاء الأجل المزبور باستقصاء البحث عنه
في محتملاته، والتزام الفعل بها مع انتهاء الأجل المزبور وإن لم يستقص فيه الاحتمال
كما ترى مناف للاستصحاب المزبور والاحتياط وغيرهما، والقول بأن ذلك مثال
لإرادة استقصاء البحث في محتملاته يقدح في القول بالتعبد المزبور، والأحرى مراعاة
الاحتياط في كل منهما.
هذا وقد عرفت أن مقتضى النصوص المزبورة تخير الحاكم بين المكاتبة وإرسال
الرسل، بل وبين غيرهما من طرق الفحص عن أمثال ذلك، لكن في المسالك " يعتبر
في الرسول العدالة، ليركن إلى خبره حيث لا يظهر ولا يشترط التعدد، لأن ذلك
من باب الخبر لا الشهادة، وإلا لم تسمع، لأنها شهادة على النفي، ومثل هذا البحث
لا يكون حصرا للنفي حتى يقال: إنه مجوز للشهادة، إنما هو استعلام وتفحص
عنه ممن يمكن معرفته له عادة، لا استقصاء كلي ".
وفيه أن ذلك إذا كان استعلاما وتفحصا فلا مدخلية للعدالة فيه أيضا، ضرورة
كونه كغيره ما يبحث عنه ويفحص، وقد سمعت ما في موثق سماعة (1) من اعتبار
عدم علمها من الأرض، وعدم إتيان كتاب منه ولا خبر في رفع أمرها إلى الحاكم،
كما أنك سمعت اعتبار عدم وجدان الحاكم أثرا له في الفعل المزبور، بل قد عرفت
تضمنها الاعتماد على الكتابة التي هي ليس طريقا شرعيا، وبالجملة لا مدخلية
للعدالة في المقام، والله العالم.
ثم إنه لا يخفى عليك اختصاص الحكم المزبور بالزوجة، دون الميراث وعتق
أم الولد ونحو ذلك مما يترتب على موته، فينتظر في قسمة ماله حينئذ انتهاء
عمره الطبيعي، كما استوفينا الكلام في ذلك في المواريث، لحرمة القياس عندنا،
فالأصول والقواعد حينئذ بحالها.
بل الظاهر اختصاص الحكم بالدائمة دون المتمتع بها، لاشعار الأمر بالطلاق

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب
النكاح.
296

والانفاق في ذلك، نعم لا فرق بين الحرة والأمة في ذلك، كما لا فرق بين الحر والعبد فيه، كما هو واضح.
ولو أنفق عليها الولي أو الحاكم من ماله ثم تبين تقدم موته على زمن
الانفاق أو بعضه ففي المسالك " لا ضمان عليها ولا على المنفق، للأمر به شرعا،
ولأنها محبوسة لأجله، وقد كانت زوجته ظاهرا، والحكم مبني على الظاهر "
وفيه أن ذلك كله لا ينافي قواعد الضمان بالاتلاف واليد ونحوهما، والظاهر بعد
ظهور الحال لا يدفع الضمان، كما في الوكيل الذي قد بان انعزاله بموت الموكل
مثلا، إذ المسألة ليس من خواص المقام، والدفع بعنوان النفقة يوجب الضمان بعد
ظهور عدم استحقاقها، كما هو واضح.
وكيف كان فقد بان لك من النصوص وما ذكرناه فيه أن الشارع راعى بعد
الفحص المدة المزبورة احتمالي الحياة والموت، ولذا أمر بالطلاق والاعتداد عدة
الوفاة، ليكون ذلك خلاصا للمرأة على كل حال، فتكون المدة المزبورة حينئذ
عدة وفاة لو صادفت وإن لم يكن قد بلغها الموت، كما أنها تكون عدة طلاق وإن
كانت الامرأة من ذوات الأقراء.
وحينئذ (فلو جاء زوجها) أي ظهرت حياته (وقد خرجت من العدة ونكحت)
زوجا أخر (فلا سبيل له عليها) إجماعا بقسميه، لما عرفت ولظاهر النصوص (1)
المزبورة، بل وإن اعتدت بأمر الحاكم من دون طلاق على القول به.
(وإن جاء في) أثناء (العدة فهو أملك بها) للنصوص (2) المزبورة
الدالة على أنها بحكم العدة الرجعية وإن كانت بقدر عدة الوفاة، حتى على القول

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب
النكاح والباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و 2.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح
والباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
297

بالاعتداد بأمر الحاكم من دون طلاق، لتصريح موثق سماعة (1) الذي هو دليل
القول المزبور بذلك، بل ظاهر قوله فيه، " هو أملك برجعتها " أن له الرجوع
بها، لا أنها تكون زوجته قهرا وإن احتمله بعض الناس أو استظهره فيه وفي نحو
عبارة المصنف، لكنه في غير محله، خصوصا بعد ملاحظة موافقته لغيره من النصوص
التصريح في ذلك، لقوله عليه السلام فيه (2) " فبدا له أن يرجع فيها " كما هو واضح.
(وإن خرجت من العدة ولم تتزوج) فعن الشيخ (فيه روايتان) وتبعه
المصنف ثم قال: (أشهرهما) (3) رواية وعملا (أنه لا سبيل له عليها) بل
لم نقف على رواية الرجوع فيما وصل إلينا كما اعترف به غير واحد ممن سبقنا،
بل في المسالك " لم نقف عليها بعد التتبع التام، وكذا قال جماعة ممن سبقنا " نعم
صريح النصوص (4) السابقة أنه لا سبيل له عليها، حتى موثق سماعة (5) الذي لم
يذكر فيه الطلاق.
ومنه يعلم ما في تفصيل الفاضل في المختلف بأن العدة إن كانت بعد طلاق الولي
فلا سبيل للزوج عليها، وإن كانت بأمر الحاكم من غير طلاق كان أملك بها، وذلك
لأن الأول طلاق شرعي قد انقضت عدته، بخلاف الثاني، فإن أمرها بالاعتداد
كان مبنيا على الظن بوفاته، وقد ظهر بطلانه، فلا أثر لتلك العدة، والزوجية باقية،
لبطلان الحكم بالوفاة، مضافا إلى اقتضاء ذلك أولويته بها، حتى لو تزوجت، وقد

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب.
النكاح.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1، وفيه " فبدا له.
أن يراجعها ".
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب. النكاح، والباب 23 من أبواب أقسام الطلاق.
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب. النكاح، والباب 23 من أبواب أقسام الطلاق.
(5) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب.
النكاح.
298

عرفت الاجماع على خلافه، والفرق بينهما - بأن الشارع قد حكم به ظاهرا، فلا
يلتفت إلى العقد الأول، بخلاف ما لو كان قبل التزويج - كما ترى، ضرورة اتحاد
حكم الشارع بالتزويج وحكمه بالعدة بالنفوذ وعدمه، وعلى كل حال فما عن الشيخ
في النهاية والخلاف وفخر المحققين واضح الضعف، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص،
والله العالم.
(فروع)
(الأول:)
(لو نكحت بعد العدة ثم بان موت الزوج كان العقد الثاني صحيحا)
بلا خلاف ولا إشكال، بل قد عرفت الاجماع عليه لو جاء حيا فضلا عن مجيئ
خبر موته. (ولا عدة) عليها من موته كما هو ظاهر النصوص (1) السابقة أو
صريحها (سواء كان موته قبل العدة أو معها أو بعدها) وذلك (لأن عقد
الأول سقط اعتباره في نظر الشرع) بالطلاق أو بالأمر بالاعتداد (فلا حكم) له
ب‍ (موته كما لا حكم) له في حال (حياته) المصرح به في النصوص (2) بل
لا أجد فيه خلافا معتدا به بيننا.
وفي المسالك " وربما قيل ببطلان العدة لو ظهر موته فيها أو بعدها قبل
التزويج بناء على أنه لو ظهر حينئذ كان أحق، لأن الحكم بالعدة والبينونة كان
مبنيا على الظاهر، ومستند حكم الحاكم الاجتهاد، وقد تبين خطأه، فعليها

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح
والباب 23 من أبواب أقسام الطلاق.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب
النكاح. والباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
299

تجديد عدة الوفاة بعد بلوغها الخبر كغيرها، بل يحتمل وجوب العدة عليها ثانيا
وإن نكحت، لما ذكر، وسقوط حق الأول عنها لو حضر وقد تزوجت لا ينفي
الاعتداد منه لو مات، وهذا قول لبعض الشافعية، والمذهب هو الأول، والمصنف
نبه بما ذكره من الحكم على خلافه ".
قلت: ولعل ذلك هو الداعي إلى فرض المسألة في صورة النكاح، وإلا فقد
عرفت فيما مضى أنه لا فرق بين نكاحها وعدمه، نعم لو فرض مجيئ خبر موته
وهي في أثناء العدة أمكن القول باستئنافها عدة الوفاة، كما إذا جاءها قبل
الشروع بها.
أما إذا جاء بعد الاعتداد فلا إشكال في عدم التفاتها، لخلوصها منه حينئذ
بالطريق الشرعي، ودعوى اختصاص ذلك بما إذا كان الأمر مشتبها لا شاهد لها،
بل صريح ما فرض في النصوص من مجيئه بعد العدة خلافه، ولا يرد أنها عدة طلاق رجعي
بناء على المختار، ومن حكم عدة الطلاق أنه إذا تجدد الموت في أثنائها انتقلت
إلى عدة الوفاة، وإن لم تعلم بالموت إلا بعدها استأنفت عدة الوفاة، وذلك لظهور
النص (1) والفتوى في كفاية العدة المزبورة لها هنا على كل حال، كما هو
واضح.
(الثاني)
(لا نفقة على الغائب في زمان العدة ولو حضر قبل انقضائها نظرا إلى)
أنها عدة نشأت من (حكم الحاكم بالفرقة) فهي إما عدة وفاة وإن جاز له الرجوع
في أثنائها أو عدة طلاق، ولكن لا دليل على النفقة فيه، وإن جاز له الرجوع،
بدعوى ظهور الأدلة (2) في أن نفقة المطلقة الرجعية فيما لو طلقها هو، لا الطلاق

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب النفقات من كتاب النكاح.
300

في مثل الفرض الناشئ من حكم الحاكم الذي هو باق على مقتضي أصالة البراءة بعد
خروج الامرأة عن الزوجية.
(و) لكن مع ذلك (فيه تردد) مما عرفت، ومن ظهور النصوص (1) في
كونه طلاقا رجعيا وإن كان المباشر له الولي الشرعي الذي هو أولى من الوكيل،
بل يظهر من بعضها (2) أن حكم العدة فيه حكم العدة الرجعية وإن لم يكن ثم
طلاق، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك في خصوص الرجوع لا مطلقا حتى النفقة،
ولكنه لا يأتي على المختار من اعتبار الطلاق في فراقها، ولا ريب في ظهور النصوص
في كونه طلاقا رجعيا وإن طالت عدته.
ومما ذكرنا يظهر لك النظر فيما ذكر في بعض الكتب في المسألة، حتى
الفاضل في القواعد الذي خص الاشكال في النفقة لو حضر، وظاهره عدم الاشكال في
عدم وجوبها مع عدم الحضور، إذ قد عرفت أن المتجه وجوبها باعتبار كون الطلاق
رجعيا وإن لم يحضر، ولو قلنا بالاعتداد بدونه وأنه بالحضور ولو بعد العدة
ينكشف البطلان يتجه وجوب النفقة لو جاء ولو بعد العدة، حتى لما مضى من العدة
وما بعدها، لبقائها على الزوجية حينئذ، كما هو واضح.
(الثالث)
(لو طلقها الزوج أو ظاهر) أو آلى (واتفق) كون ذلك (في زمن
العدة) التي هي من طلاق الحاكم أو أمره (صح) بلا خلاف ولا إشكال،
بناء على صحة ذلك في لعدة الرجعية، ضرورة كونها منها إن وقع الطلاق من
الولي أو الوالي، لما عرفت من كونه طلاقا رجعيا وإن كانت عدته مقدار عدة

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح
والباب 23 من أبواب أقسام الطلاق.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
301

الوفاة، وبحكم الرجعية إن اعتدت بأمره من دون طلاق، واحتمال كونها بحكمها
في خصوص الرجعية دون غيرها جمود (و) لعله لذا جزم المصنف به مع ظهور
عبارته السابقة أن العدة بأمر الحاكم من دون طلاق، إلا أن الانصاف عدم خلوه
من الاشكال.
نعم (لو اتفق) كون ذلك (بعد العدة لم يقع) ولو قبل التزويج
(لانقطاع العصمة) بينهما بانقضائها على كل حال مع فرض عدم معرفة خبره، لكن
في المسالك وكشف اللثام إشكال صحة وقوع الطلاق على المطلقة الرجعية من دون
تخلل رجعة بأن لا تصح عندنا تطليقتان من دون تخلل رجوع بينهما، اللهم إلا أن
يقال: إن المطلقة الرجعية باقية على الزوجية حقيقة إلى انقضاء العدة، أو يجعل
ذلك بمنزلة الرجوع والطلاق على نحو " أعتق عبدك عني ".
هذا وقد تقدم لثاني الشهيدين في بحث النكاح الكلام في أن الطلاق الرجعي
مزيل للنكاح زوالا متزلزلا لا يستقر إلا بانقضاء العدة أو أنه جزء السبب في الزوال،
وتمامه انقضاء العدة، وفرع على الأخير جواز وقوع الظهار واللعان والايلاء وجواز
تغسيلها الزوج وبالعكس، بل جعله هو المراد للمصنف بقوله هناك: " إن الرجعية
زوجة " فما أدري ما الذي دعاه إلى الاشكال في خصوص الطلاق الذي هو في الحقيقة
كالظهار في اعتبار وقوعه على الزوجة. (الرابع)
(لو أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به) لأن الولد
للفراش (ولو ادعاه الأول وذكر أنه وطأها سرا لم يلتفت إلى دعواه) لزوال
فراشه.
(وقال الشيخ ره: يقرع بينهما) نحو ما قاله فيما لو طلقها فتزوجت وأتت
بولد يمكن إلحاقه بهما (و) لكن (هو) كما ترى (بعيد) لأنها فراش
302

للثاني فعلا بخلاف الأول، فإنها كانت فراشا له، فلا ريب في رجحانه عليه، فلا
إشكال كي يكون محلا للقرعة، وقد تقدم الكلام في ذلك في كتاب النكاح، بل هو في
المقام أولى منه من وجوه.
(الخامس:)
(لا يرثها الزوج لو ماتت بعد العدة وكذا لا ترثه) بلا إشكال، بناء على
ما عرفت من انقطاع العصمة بينهما بانقضائها وإن لم تتزوج، بل وإن لم نقل
بالطلاق، لما سمعته من تصريح الموثق (1) بأنه لا سبيل له عليها بعدها لو جاء حيا
فضلا عن الموت.
لكن في المسالك على القول بأنه لو حضر حينئذ كان أحق بها يحتمل ثبوت
التوارث، لظهور كونه موجودا إلى تلك الحال المقتضي ببقاء الزوجية في نفس الأمر،
وكونه أحق بها على تقدير ظهوره دليل على أن الحكم بالبينونة مبني على الظاهر،
ومستمر مع الاشتباه لا مع ظهور الحال.
وفيه - مضافا إلى ما عرفته من ضعف القول المزبور - أن المتجه عدمه عليه
أيضا، لحكم الشارع بانقطاع العصمة بينهما بانقضائه وإن كان هو أولى بها لو جاء،
فإن ذلك لا يقتضي التوارث بينهما مع عدم مجيئه، كما هو واضح.
(و) لذا كان ظاهر المصنف عدم الاشكال في ذلك على كل حال، بل قال:
(التردد لو مات أحدهما في العدة) من كونها عدة رجعية أو بائنة (والأشبه
الإرث) حتى لو قلنا بالاعتداد من دون طلاق، لما عرفت من كونها بمنزلة الرجعة
أيضا وإن كان لا يخلو من إشكال.

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 وفيه " فليس
له عليها رجعة " وقوله عليه السلام: " لا سبيل للأول عليها " مذكور في صحيح بريد المروي
في الوسائل في الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
303

السادس:
لو غلط الحاكم بالحساب فأمرها بالاعتداد فاعتدت وتزوجت قبل مضي مدة
التربص بطل النكاح الثاني لوقوعه على غير الوجه الشرعي، بل هو نكاح لذات بعل
شرعا، بل الأقرب تحريمها عليه أبدا مع الدخول، لكونه تزويجا لذات بعل،
وهو محرم أبدا نصا (1) وإجماعا كما عرفته في محله، نعم لو بان كون نكاحه لها
بعد موته أمكن القول بعدم حرمتها عليه، بل في القواعد " الأقرب صحة الثاني لو
تبين موت الزوج الأول قبل العدة ".
قلت: لعله لعدم كونها حينئذ ذات بعل في نفس الأمر، بل ولا في عدة،
لما عرفت من أنها عندنا موقوفة على الطلاق الصحيح الذي يتعقب تربص الأربع
سنين، لكن في كشف اللثام: " ويحتمل البطلان، لابتنائه ظاهرا وفي زعم المتعاقدين
على الاعتداد المبني على الخطأ ".
ولو عاد الزوج من سفره وقد ظهر الغلط في الحساب فإن لم يكن قد تزوجت
وجب لها نفقة جميع المدة، وإن كانت قد تزوجت ففي القواعد " سقطت نفقتها
من حين التزويج، لأنها ناشز، فإذا فرق بينهما فإن لم يكن دخل بها الثاني
عادت نفقتها في الحال، وإن دخل فلا نفقة لها على الثاني، لأنه مشتبه، ولا على الأول
لأنها محبوسة عليه لحق غيره " ولا يخلو من نظر كما أن ما فيها أيضا من أنه
" لو رجع بعد موتها ورثها إن لم تخرج مدة التربص والعدة ويطالب الورثة الثاني
بمهر مثلها " كذلك أيضا.
ولو بلغها موت الأول اعتدت له بعد التفريق، وإن مات الثاني فعليها عدة
وطء الشبهة، ولو ماتا معا فإن علمت السابق وكان هو الأول اعتدت عنه بأربعة

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
304

أشهر وعشرة أيام، أولها يوم مات الثاني، لأن العدة لا تجتمع مع الفراش الفاسد،
وفراشه قائم إلى وقت موته، وإن سبق الثاني فإن كان بين المدتين ثلاثة أقراء
مضت عدة الثاني، فتعتد عن الأول، وإن كان أقل أكملت العدة ثم اعتدت من
الأول، ولو لم يعلم السابق أو علم التقارن اعتدت من الزوج ثم من وطء الشبهة ".
(الفصل السادس)
(في عدد الإماء)
(والاستبراء) لهن وإن كان قد تقدم الكلام في أكثر أحكامه في كتاب
البيع مستوفى، لكن من المعلوم أنه طلب البراءة لغة، والتربص عن وطء الأمة مدة
بسبب إزالة ملك أو حدوثه شرعا.
وأما العدة فهي التربص فيها للنكاح وشبهه على نحو ما سمعته في الحرة، ولعل
اختصاصه بالاسم المزبور باعتبار تقدير تربصه بما يدل على البراءة من غير تكرر
وتعدد فيه، بخلاف التربص الواجب بسبب النكاح الذي هو مأخوذ من العدة باعتبار
تعدد الأقراء والشهور فيه. هذا ولكن قد تطلق العدة على الاستبراء وبالعكس.
وكيف كان ف‍ (عدة الإماء في الطلاق مع الدخول) والبلوغ وعدم اليأس
(قرآن) بلا خلاف أجده، بل الاجماع بقسميه عليه، بل لعله كذلك عنده العامة -
فضلا عن الخاصة - إلا ما يحكى عن داود منهم، فجعلها ثلاثة أقراء، وقد سبقه
الاجماع، بل ولحقه، (و) المشهور كما في الحرة أنهما (طهران) شهرة
عظيمة.
(وقيل) والقائل الإسكافي والعماني على ما حكي عنهما: (حيضتان)
وتبعهما بعض متأخري المتأخرين كسيد المدارك وصاحبي الكفاية والحدائق، بل
305

كأنه مال إليه في الرياض.
(و) لكن لا ريب في أن (الأول) - مع كونه (أشهر) بل هو المشهور،
بل يمكن دعوى الاتفاق عليه من زمانهما إلى زمان المزبورين - أظهر لصحيح
زرارة (1) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن حر تحته أمة أو عبد تحته حرة كم طلاقها؟
وكم عدتها؟ فقال: السنة في النساء في الطلاق فإن كانت حرة فطلاقها ثلاثا، وعدتها
ثلاثة أقراء، وإن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان، وعدتها قرءان " الذي هو
كالصريح في اتحاد المراد بالقرء في الحرة والأمة.
وقد عرفت النصوص (2) والفتاوى بكونه فيها الطهر، بل قد سمعت من
النصوص (3) ما يقتضي تفسيره بذلك، من غير فرق بين عدة الحرة والأمة بل في
بعضها (4) تعليله بكونه يقرء فيه الدم، أي يجتمع ثم يقذف بالحيض دفعة،
ولا ينافي ذلك نصوص الحيضتين (5) التي هي كنصوص الثلاث حيض (6) في الحرة التي
قد عرفت حملها على التقية، أو إرادة الدخول في الأخيرة لاتمامه، إرادة الامساك
عن خصوص التزويج إلى انقضائها كما عرفته سابقا.
ولقد أجاد في الوسائل بحمل ما هنا على ما عرفته في نظائرها هناك مع اختلال
طريقته، ضرورة انسياق الاتحاد فيهما.
فمن الغريب ما وقع لبعض الناس من مستقيمي الطريقة هنا من الاشكال في
المقام باعتبار امكان الفرق بين القرءين فيهما، للنص (7) الدال على كونه الطهر

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد.
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد الحديث 4.
(5) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 4 و 5.
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد الحديث 7 و 8.
(7) الوسائل الباب 14 من أبواب العدد.
306

هناك بخلافه هنا، فتبقى نصوص الحيضتين بلا معارض، فتكون مفسرة للقرء هنا
أو مقيدة، إذ هو كما ترى، خصوصا بعد ملاحظة الشهرة العظيمة، وملاحظة معلومية
كون الرق على النصف من الحر في الحد والقسم وغيرهما، ومقتضاه كون العدة قرء
ونصف، إلا أنه لما يعلم نصف القرء إلا بعد انتهائه كانت العدة قرءين، كما أنه جعل
المدار في الأمة بالنسبة إلى المحلل على التطليقتين باعتبار عدم تعقل التصنيف في
الطلاق، وبالجملة فلا ينبغي الشك في الحكم المزبور.
ويلحق بالطلاق فسخ النكاح ولو بسبب بيعها أو بيع زوجها ففسخ المشتري
نكاحها، كما صرح بالأخير الفاضل في القواعد لأنه كذلك في الحرة، ولاستصحاب
المنع المتحقق فيها ولو مدة الاستبراء، إذ احتمال عدم وجوب شئ عليها مقطوع
بعدمه، ومن هنا كان الاحتمال المقابل للاعتداد الاستبراء، لخروجه عن مدلول لفظ
الطلاق، ومن منع انحصار الاعتداد في مسماه، كما سمعته في وطء الشبهة للحرة
ولأصل البراءة المقطوع باستصحاب المنع فيها، ودعوى الفرق بينها وبين الحرة -
بأنه ليس للحرة مدة مضروبة لاستبراء رحمها أقل من عدة الطلاق، فلا يمكن
الحكم بالبراءة في أقل منها، بخلاف الأمة - لا تصلح معارضة للاستصحاب المزبور.
نعم لو ثبت أن الأصل في وطء الأمة الاستبراء إلا ما خرج من الطلاق ونحوه لكان
ذلك متجها، ولكن دونه خرط القتاد.
ومن ذلك يعلم الحال في كل فرد حصل الشك فيه بالنسبة إلى اعتبار حكم
العدة فيه أو الاستبراء، ولعل من ذلك وطء الشبهة ولو من المالك في المزوجة،
وغيره مما يمر عليك في أثناء المباحث.
ولعل من ذلك عدة المبعضة وإن ذكر فيها وجهان، إلا أن المتجه للأصل
المزبور اعتدادها بعدة الحرة، وأما احتمال ملاحظة المركب مما يقتضيه التقسيط
على كل من عدتي الحرة والأمة بالنسبة إلى ما فيها من الحرية والأمية (1) فلم
أجد قائلا به بل ولا من احتمله.

(1) في النسختين الأصليتين " والأمة ".
307

(و) كيف كان ف‍ (أقل زمان تنقضي به عدتها ثلاثة عشر يوما
ولحظتان): لحظة بعد وقوع الطلاق، ولحظة أخرى من الحيض نحو ما سمعته
في الحرة.
(و) منه يعلم وجه (البحث في اللحظة الأخيرة) في أنها من العدة أو
بها يحصل العلم بانقضائها، ضرورة كون الكلام (كما في الحرة).
بل مما تقدم يعلم أيضا إمكان فرضه بأقل من ذلك، وهو عشرة أيام وثلاث
لحظات في صورة الطلاق بعد الوضع قبل النفاس بلحظة، ثم يأتي الدم لحظة، ثم
تطهر عشرة أيام، ثم تحيض فتخرج حينئذ بأول لحظة من الحيض. هذا كله في
ذات الأقراء.
(و) أما (إن كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض اعتدت بشهر ونصف،
سواء كانت تحت حر أو عبد) كما في خبر محمد بن الفضيل (1) عن أبي الحسن
الماضي عليه السلام، وفي مضمر سماعة (2) " عدة الأمة التي لا تحيض خمسة وأربعون
يوما " وفي الفقيه عنه (3) أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام " عدة الأمة التي لا تحيض
خمس وأربعون ليلة - يعني إذا طلقت - " وفي خبر أبي بصير (4) عن أبي عبد الله عليه السلام
" عدة الأمة المطلقة شهر ونصف " وفي خبر زرارة (5) عن أبي جعفر عليه السلام الآتي
في النصرانية " عدتها في الطلاق عدة الأمة: حيضتان أو خمسة وأربعون يوما " إلى
غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.
وما في آخر (6) من الشهرين فشاذ لا عامل به، بل لا أجد خلافا في الأول
في الجملة، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية كون الأمة في العدة على

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد الحديث 5 - 7.
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 7 - 6.
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد الحديث 5 - 7.
(4) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 7 - 6.
(5) الوسائل الباب 45 من أبواب العدد الحديث 1.
(6) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد الحديث 4.
308

النصف من الحرة، والقرآن فيها لما عرفت.
بل لعل الظاهر من التأمل في النصوص (1) الواردة في الحرة والأمة اتحادهما
في كيفية الاعتداد وإن اختلفا في الكمية، وحينئذ يتجه كون العدة في الأمة أحد
الأمرين: القرءين أو الشهر ونصفا، نحو ما سمعته في الحرة من ثلاثة أقراء أو ثلاثة
أشهر بيض، أيهما سبق كان الاعتداد به.
من غير فرق في ذلك بين ذات الأقراء وبين من كانت في سن من تحيض ومثلها
لا تحيض، كالمرضعة وذات التسع سنين ونحوهما، وبين التي لا تحيض ومثلها يحيض
ولكن لم تحض هي لمرض مثلا، بل وبين من كانت عادتها الحيض في الأزيد من الشهر
ونصف، نحو ما سمعته في الحرة ممن كانت عادتها أزيد من ثلاثة أشهر، ضرورة أن
الأمة أضعف من الحرة في العدة.
بل الظاهر عموم الضابط المزبور في الأمة حتى للمسترابة، بأن جاءها الحيض
في الأقل من شهر ونصف ولو بيوم ثم غابت حيضتها، فإنها تعتد حينئذ بالشهر
والنصف ما لم تأتها حيضة أخرى قبلها.
ولا يجري عليها حكم المسترابة في الحرة اقتصار في خير سورة (2) عليها
خاصة، لظهوره أو صراحته فيها، ولا تعليل فيه يقتضي التعدية عنها في الحكم المخالف
لاطلاق الأدلة المزبورة، وكذا خبر عمار (3) الذي قد عرفت الحال فيه سابقا.
ولعله للاتكال على ما سمعته في الحرة اقتصروا هنا على ذكر الاعتداد بالقرءين والخمسة
وأربعين يوما.
هذا ولكن في الرياض بعد أن ذكر الاعتداد بالخمسة والأربعين يوما للتي
لا تحيض وهي في سن من تحيض قال: " ولو كانت مسترابة بالحمل كان عليها الصبر
بأشهر تسعة، وفاقا لشيخنا العلامة وبعض الأجلة، التفاتا إلى ظواهر النصوص الآمرة
به في الحرة التي هي كالصريحة في أن الصبر تلك المدة لاستعلام البراءة، ولا يتفاوت

(1) الوسائل الباب 12 و 40 من أبواب العدد.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2 - 1.
(3) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2 - 1.
309

فيه الحرة والأمة، لكن ظاهرها أن الصبر تلك المدة ليس للعدة، بل إنما هو لمعرفة
البراءة، وأما العدة فهي الأشهر الثلاثة التي بعدها، وبمقتضى ذلك يجب عليها الصبر
هنا بعد التسعة بشهر ونصف البتة إلا أني لم أقف على مفت بذلك، بل هم ما بين
مفت بتسعة ومصرح بعدم وجوبها والاكتفاء بأشهر ثلاثة، التفاتا إلى ظهور الحمل
في هذه المدة واختصاص الأمر بالزيادة بالحرة، والمناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة ".
قلت: لا يخفى عليك ما فيه من وجوه النظر بعد الإحاطة بما ذكرناه هناك،
وما أدري ما النصوص التي أشار إليها، فإن كان خبر سورة (1) فهو ليس إلا خبر
واحد، وقد عرفت الحال فيه، وإن كان المراد نصوص (2) مدعية الحمل فهي غير
الاسترابة فيه التي قد عرفت عدم اقتضائها وجوب التربص تسعة وإن استرابت وظهرت
أماراته من حركة ونحوها اللهم إلا أن يعلم أنها حامل، ومدعية الحمل غير المسترابة
فيه، بل هي بزعمها أنها من ذوات الأحمال، وقد عرفت أنها لا تعتد بعد
التسعة، كما أوضحنا الحال فيه هناك، فلاحظ وتأمل حتى تعرف وجوه النظر
في كلامه.
وقد سبقه إلى هذا الوهم المقداد في التنقيح، بل إنما اغتر به، لأنه قال في
شرح قول المصنف في النافع: " ولو كانت - أي الأمة - مسترابة فخمسة وأربعون
يوما ": " هذا هو المشهور، وقال ابن الجنيد: لو اعتدت بشهرين كان عندي أحوط،
قال: فإن استرابت بالحمل انتظرت ثلاثة أشهر، قال العلامة: الوجه أنها مع الريبة
تنتظر تسعة أشهر كالحرة، لتساويهما في زمان الحمل - ثم اعترضه بأنه لا حاجة
إلى التسع، لأن العلم بالحمل لا يتوقف على مضي أقصى غايته - ولو قلنا بذلك في
الحرة فلا تحمل الأمة عليها، بل يكتفى بثلاثة أشهر، لأنه بمضي ذلك يعلم الحمل،
فعدتها بوضعه أو عدمه، فعدتها بالأشهر " وما حكاه عن العلامة هو ما وقع له
في المختلف.

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب العدد.
310

ولكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما تقدم لنا سابقا وفي المقام
الذي لم يظهر لنا فيه مخالف غيرهم من كون عدة الأمة قرءين أو شهرا ونصف،
وأما القول بالثلاثة فلم نجد له شاهدا ولا موافقا لمن قال به. وقد عرفت الكلام في
مسترابة الحمل، وأنه لا يجب فيه الانتظار إلا مع دعواها، أو تكون من مضمون خبر
سورة (1) الذي قد عرفت اختصاصه بالحرة، فلاحظ وتأمل.
ثم إنه لا يخفى عليك جريان ما ذكرناه هناك في الأشهر الثلاثة من كونها
هلالية مطلقا أم لا هنا، إذ المسألة من واد واحد، نعم قد يقال: إن المراد منهما
هنا العدديان بقرينة ما سمعته من خبر (2) الخمسة وأربعين يوما أو ليلة، لكن
ظاهرهم الاتفاق على الاجتزاء بالهلالي مع فرض وقوع الطلاق مقارنا لغرته،
فتكمله خمسة عشر يوما من الآخر، وتعتد به وإن كان في أربعة وأربعين يوما لو
فرض نقصانه.
نعم لو وقع الطلاق في أثناء الشهر اعتبر الخمسة وأربعون يوما، كما في الخبر (3)
الذي حملوه على الغالب من وقوع الطلاق في الأثناء أو تمامية الشهر، بل احتمل
بعض الناس في الفتاوى المطلقة أيضا.
وفيه أنه إن كان المراد الهلالي فينبغي التزام ذلك في النصف، إذا لا وجه للتفكيك
بين قوله: " شهر ونصف " فيكون ثلاثة وأربعون يوما ونصف يوم، وعدم العلم بذلك
لا ينافي جريان الحكم عليه لو وقع عليها عقد مثلا بعد ذلك، نعم مضي الخمسة
عشر يوما موجب العلم بخروجها عن العدة، لأن الشهر إذا كان تاما لا يزيد على
ثلاثين يوما.
ومن هنا يمكن إرادة الهلالي من الشهر ونصف، لما عرفته من كونه المنساق

(1) الوسائل الباب 13 من أبواب العدد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد الحديث 7 والباب 42 منها
الحديث 7.
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد 7.
311

منه بعد حمل نصوص (1) الخسمة والأربعين على الغالب الذي عرفت، بل لعل ذلك
كذلك حتى لو وقع الطلاق في أثناء الشهر بأن يكمل من الآخر مقدار ما فات منه،
بل مقتضى ما عرفت من كون عدة الأمة النصف من الحرة ذلك بعد ما عرفت من
كون المراد من الثلاثة فيها الهلالية، كما تقدم الكلام فيه مستوفى، فلاحظ كي
تعرف المطابقة بين ما هناك وهنا، والله العالم.
(ولو أعتقت) الأمة (ثم طلقت فعدتها عدة الحرة) بلا خلاف ولا
إشكال، ضرورة كونها حرة مطلقة، فتندرج في أدلتها، بل (وكذا) لا إشكال ولا
خلاف في عدم عود عدتها لو فرض وقوع العتق بعد انقضائها، ضرورة كونها طلقت
أمة واعتدت كذلك فتشملها جميع الأدلة.
نعم (لو طلقت طلاقا رجعيا ثم أعتقت في العدة أكملت عدة الحرة، ولو
كانت بائنا أتمت عدة الأمة) بلا خلاف أجده فيهما، بل لعله إجماع، لا لكون
الأولى بمنزلة الزوجة، ضرورة عدم خروجها بذلك عن صدق كونها أمة قد طلقت،
فيجب لها عدتها ولو للاستصحاب.
ودعوى ظهور نصوص (2) اعتداد الأمة في التي هي كذلك إلى آخر العدة
بخلاف الفرض الذي لا يدخل في أدلة الحرة ولا الأمة، فهو موضوع جديد، فيستصحب
حكم المنع فيه إلى انتهاء عدة الحرة، ولا يستصحب حكمها السابق المعلوم كونه
من حيث إنها أمة - لو سلمت تقتضي عدم الفرق حينئذ بين البائنة والرجعية فيحتاج
خروج الأولى حينئذ إلى نص خاص، وليست بأولى من القول بأن المتجه فيهما
الاكتفاء بعدة الأمة فيهما، لصدق كونها أمة طلقت، ولكن خرجت الرجعية لدليل
خاص وبقي البائنة.
والأمر سهل بعد اتحاد الأمرين في النتيجة المزبورة المستفادة من الجمع بين

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد الحديث 7 والباب 42 منها
الحديث 7.
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد.
312

ما دل على كل منهما باطلاقه، كصحيح جميل (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " في أمة
كانت تحت رجل فطلقها ثم أعتقت، قال: تعتد عدة الحرة " وخبر محمد بن مسلم (2)
عن أبي جعفر عليه السلام " إذا طلق الرجل المملوكة فاعتدت بعض عدتها منه ثم أعتقت
فإنها تعتد عدة المملوكة " بحمل الأول على الرجعي والثاني على البائن بشهادة خبر
مهزم (3) المخبر بالعمل عن أبي عبد الله عليه السلام " في أمة تحت حر طلقها على طهر
بغير جماع تطليقة، ثم أعتقت بعد ما طلقها بثلاثين يوما، ولم تنقض عدتها، فقال:
إذا أعتقت قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الحرة من اليوم الذي طلقها، وله عليها
الرجعة قبل انقضاء العدة، فإن طلقها تطليقتين واحدة بعد واحدة ثم أعتقت قبل
انقضاء عدتها فلا رجعة له عليه، وعدتها عدة الإماء " وعدم عمومه لجميع أفراد
البائنة غير قادح بعد عدم القول بالفصل، خصوصا على ما ذكرناه أخيرا من بقاء البائنة
على الاطلاقات السابقة.
(وعدة الذمية كالحرة في الطلاق) وما يلحق به (والوفاة) بلا خلاف
محقق أجدة وإن نسبه الفاضل إلى بعض الأصحاب، ولكن قد اعترف غير واحد بعدم
معرفته، بل عن بعضهم الاجماع عليه، لاطلاق الأدلة وخصوص صحيح السراج (4)
عن الصادق عليه السلام في الأخيرة " قلت له: النصرانية مات عنها زوجها وهو نصراني
ما عدتها؟ قال: عدة الحرة المسلمة أربعة أشهر وعشرا ".
بل وصحيح زرارة (5) عن أبي جعفر عليه السلام فيها أيضا، لكنه مخالف في الطلاق،
قال: " سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها هل عليها عدة منه مثل عدة
المسلمة؟ فقال: لا، لأن أهل الكتاب مماليك الإمام، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية
كما يؤدي العبد الضريبة إلى مواليه؟ قال: ومن أسلم منهم فهو حر يطرح عنه

(1) الوسائل الباب 50 من أبواب العدد الحديث 3 - 4 - 2.
(2) الوسائل الباب 50 من أبواب العدد الحديث 3 - 4 - 2.
(3) الوسائل الباب 50 من أبواب العدد الحديث 3 - 4 - 2.
(4) الوسائل الباب 45 من أبواب العدد الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 45 من أبواب العدد الحديث 1 ورواه في التهذيب ج 7
ص 478 الرقم 1918 باختلاف كثير.
313

الجزية، قلت: فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال: عدتها عدة الأمة
حيضتان أو خمسة وأربعون يوما قبل أن تسلم، قال: قلت له: فإن أسلمت بعد ما
طلقها، فقال: إذا أسلمت بعد ما طلقها فإن عدتها عدة المسلمة، قلت: فإن مات
عنها وهي نصرانية وهو نصراني فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها، قال: لا يتزوجها
المسلم حتى تعتد من النصراني أربعة أشهر وعشرا، عدة المسلمة المتوفى عنها
زوجها، قلت: كيف جعلت عدتها إذا طلقها عدة الأمة، وجعلت عدتها إذا مات
عنها عدة الحرة المسلمة وأنت تذكر أنهم مماليك الإمام؟ فقال: ليس عدتها في
الطلاق مثل عدتها إذا توفي عنها زوجها ".
وعن الكافي (1) زيادة " إن الحرة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء
في العدة، إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد ".
وإليها أشار المصنف بقوله: (وفي رواية تعتد عدة الأمة و) لكن (هي
شاذة) لم نتحقق بها عاملا، بل ظاهر الجميع أو صريحهم خلافها، فلا تصلح مقيدة
لاطلاق الأدلة من الكتاب (2) والسنة (3) المؤيد بالاحتياط والاستصحاب، فما في
الحدائق - تبعا لما حكاه عن سيد المدارك من الاشكال في ذلك - في غير محله، بل
هو ناش عن اختلال الطريقة.
وفي المسالك " وحملت على أنها مملوكة، إذا لم ينص على أنها حرة " وفيه
أنه مناف لما سمعته من التعليل فيها، فليس حينئذ إلا طرحها في مقابلة ما عرفت،
مضافا إلى ما في ذيلها على رواية الكافي من المنافاة لما تسمعه من نصوص (4) اعتداد
الأمة في الوفاة أيضا.
(وعدة الأمة من الوفاة) لزوجها (شهران وخمسة أيام، ولو كانت حاملا

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) سورة البقرة: 2 الآية 228 و 234.
(3) الوسائل الباب 12 و 30 من أبواب العدد.
(4) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث - 0 -.
314

اعتدت بأبعد الأجلين) من الوضع أو المدة بلا خلاف أجده في الأخير، بل
الاجماع بقسميه عليه، بل دليله واضح.
إنما الكلام في المدة هل هي المذكورة أو أربعة أشهر وعشرا؟ خيرة المصنف
في غير ذات الولد الأول، بل هو المشهور بين الأصحاب، بل في الرياض لعل عليه
عامتهم إلا من ندر من متأخريهم، لقاعدة التنصيف، وقول الصادق عليه السلام في خبر أبي
بصير (1) " عدة الأمة التي يتوفى عنها زوجها شهران وخمسة أيام " الحديث.
والباقر عليه السلام في الصحيح عن محمد بن قيس (2) " وإن مات عنها زوجها فأجلها نصف
أجل الحرة شهران وخمسة أيام " ومضمر سماعة (3) في الموثق " سألته عن الأمة
يتوفى عنها زوجها، فقال عدتها شهران وخمسة أيام " وصحيح الحلبي (4) عن
الصادق عليه السلام " عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة أيام " وخبر
محمد بن مسلم (5) عنه عليه السلام أيضا " في الأمة إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران
وخمسة أيام " إلى غير ذلك.
خلافا للمحكي عن الصدوق وابن إدريس وظاهر الكليني، بل في كشف اللثام
نسبته أيضا إلى التبيان ومجمع البيان وروض الجنان للشيخ أبي الفتوح، لاطلاق
الأدلة المقيد بما عرفت، وصحيح زرارة (6) السابق.
وصحيحه الآخر (7) عنه عليه السلام أيضا " يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج
فعلى المرأة حرة كانت أو أمة أو على أي وجه كان النكاح من متعة أو تزويج أو ملك
يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا ".
وموثق سليمان بن خالد (8) عن أبي عبد الله عليه السلام " عدة المملوكة المتوفى

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 6 - 10.
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 6 - 10.
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 7 - 8 - 9.
(4) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 7 - 8 - 9.
(5) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 7 - 8 - 9.
(6) الوسائل الباب 45 من أبواب العدد الحديث 1.
(7) الوسائل الباب 52 من أبواب العدد الحديث 2.
(8) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 5.
315

عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا ".
وخبر وهب بن عبد ربه (1) عنه عليه السلام أيضا على ما عن الفقيه " سألته عن رجل
كانت له أم ولد فمات ولدها منه، فزوجها من رجل فأولدها غلاما، ثم إن الرجل
مات فرجعت إلى سيدها، أله أن أن يطأها قبل أن يتزوج بها؟ قال: لا يطأها حتى
تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام، ثم يطأها بالملك من غير نكاح "
الحديث. القاصرة عن معارضة ما عرفت من وجوه.
بل يمكن حمل ما عدا الأخير منها على أم الولد إذا زوجها مولاها التي
تعتد بالأربعة أشهر وعشرا، لتشبثها بالحرية، ولخصوص صحيح سليمان بن خالد (2)
" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟ فقال: حيضتان أو شهران
حتى تحيض، قلت: فإن توفي عنها زوجها، فقال: إن عليا عليه السلام قال في أمهات
الأولاد: لا يتزوجن حتى يعتددن بأربعة أشهر وعشرا وهن إماء ".
وخبر ابن وهب (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل كانت له أم ولد
فزوجها من رجل فأولدها غلاما، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها، أله أن
يطأها قبل أن يتزوج بها؟ قال: لا يطأها حتى تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر
وعشرا ثم يطأها بالملك بغير نكاح ".
وإلى ذلك أشار المصنف بقوله: (ولو كانت أم ولد لمولاها كانت عدتها
أربعة أشهر وعشرا) بل في المسالك نسبته إلى الشيخ وأتباعه والمصنف وباقي
المتأخرين، وفي الرياض هو الأشهر، بل لعل عليه عامة من تأخر، بل في كشف

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب موانع الإرث الحديث 12 من كتاب المواريث.
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب العدد الحديث 3 وهو خبر وهب بن عبد ربه
أيضا كما في الاستبصار ج 3 ص 348 والتهذيب ج 8 ص 153 والكافي ج 6 ص 172
وفي الجميع " أله أن يطأها؟ قال: تعتد من الزوج... ".
316

اللثام عن الخلاف وظاهر المبسوط الاجماع عليه، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار
وابن عقيل وابن الجنيد، فشهران وخمسة أيام مطلقا.
وحينئذ تكون المسألة ثلاثية الأقوال، وقد عرفت ما يستدل به لكل منهما،
وأن أقواها التفصيل، لرجحان النصوص (1) السابقة بالشهرة العظيمة، وقبول تلك
النصوص (2) عدا الأخيرة منها للتنزيل على أم الولد، وأما الأخير منها فهو مع اتحاده
مضطرب المتن، لما سمعت من رواية الكليني له بترك قوله فيها " فمات ولدها منه "
ومن المعلوم أنه أضبط من غيره.
ويؤيده أنه المعروف في كتب الفروع مستدلين به على حكم أم الولد، بل
جعله غير واحد منهم مع الصحيح الآخر (3) شاهد جمع على التفصيل المزبور وإن
لم يكن مشتملا على نفي الاعتداد بذلك عن غيرها، لكن المراد من شهادته أنه من
المحتمل إرادة مضمونة من النصوص (4) السابقة التي قد عرفت رجحان نصوص (5)
المشهور عليها بالعمل وغيره.
على أن الصحيح الآخر دال على ذلك، ضرورة ظهور الاقتصار في جواب السؤال
عن مطلق الأمة على ذكر خصوص أمهات الأولاد في ذلك.
والمناقشة فيه - بأن ذلك كذلك حيث لا يمكن استفادة مطلق الأمة منه،
وليس إلا مع فقد قوله عليه السلام في الذيل: " وهن إماء " المشعر بالعموم وورود للحكم
على مطلق الأمة، وكأنه أراد بيان حكم مطلق الأمة بقضية علي عليه السلام في أمهات
الأولاد، ولكن لما كان ربما يتوهم منه الاختصاص بهن ذكر عليه السلام أن حكمه عليهن
كان في حال كونهن إماء ولسن بحرائر، وهذه الحالة بعينها موجودة في فاقدة الولد -
يدفعها ظهور كون المراد من ذلك بيان كون الاعتداد عليهن بذلك وإن كن إماء،

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 0 - 1.
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 5 والباب 45 منهاالحديث 1 والباب 52 منها الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 0 - 1.
(4) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 5 والباب 45 منهاالحديث 1 والباب 52 منها الحديث 2.
(5) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد.
317

بأن كن مزوجات ومات الزوج والسيد باق.
وحاصله أن أم الولد من السيد تعتد من زوجها بذلك وإن كانت هي أمة،
باعتبار بقاء سيدها وعدم انعتاقها من نصيب ولدها، وحينئذ يكون ظاهرا في إرادة
الاختصاص بأم الولد كما فهمه المعظم.
وعلى كل حال فلا إشكال في اعتداد أم الولد بالأربعة أشهر وعشرا، إذ
لا معارض لما دل (1) عليها بالخصوص المؤيد بالعمومات سوى إطلاق نصوص الشهرين
وخمسة أيام (2) وهي بعد تسليم شمولها لذلك مقيدة بما سمعت.
إنما الكلام في اعتدادها بذلك من موت سيدها، ولا خلاف بل الاجماع بقسميه
على عدم العدة لها إذا كانت متزوجة، أما إذا لم تكن متزوجة فقد يظهر من المصنف
وغيره ممن اقتصر على اعتدادها به من الزوج عدم اعتدادها منه بذلك، بل عن الحلي
التصريح به وأن عليها الاستبراء خاصة، ونفى عنه البأس في المختلف، بل عن موضع
من التحرير الجزم به، للأصل ولاطلاق ما دل (3) على الاستبراء من وطء المالك،
لا العدة التي هي من وطء غيره.
وعن الطوسي والحلبي وابن حمزة وموضع عن التحرير والشهيد وغيرهم
اعتدادها بذلك، بل نسبه غير واحد إلى المشهور، لاستصحاب المنع عنها إلى
المدة المزبورة.
وللصحيح (4) السابق في أمهات الأولاد، بناء على عمومه لموت المولى
والزوج، بل في الرياض أنه في الأول أظهر، وإن كان في أصل عمومه لذلك نظر

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 1 و 3.
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة والباب 18
من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(4) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 1 - 4.
318

فضلا عن كونه أظهر، لما عرفت من معناه وصحيح زرارة (1) السابق الشام لأم
الولد غيره، وموثق إسحاق بن عمار (2) عن الكاظم عليه السلام " سألته عن الأمة يموت
سيدها، قال: تعتد عدة المتوفى عنها زوجها ".
ولأنها حيث تعتق من نصيب ولدها حرة، وليس لها حينئذ إلا العدة، لأن
الاستبراء للإماء، متمما ذلك بعدم القول بالفصل.
ولفحوى اعتدادها بذلك من الزوج، لكونها متشبثة بالحرية، وفحوى ما تسمعه
من النص (3) والفتوى في عدة المدبرة من موت مولاها الذي كان يطأها.
بل قيل أو لخبر زرارة (4) عن أبي جعفر عليه السلام " في الأمة إذا غشيها سيدها
ثم أعتقها فإن عدتها ثلاث حيض، فإن مات عنها فأربعة أشهر وعشر " وحسن
الحلبي (5) عن أبي عبد الله عليه السلام " قلت له: الرجل تكون تحته السرية فيعتقها:
فقال: لا يصلح أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر، وإن توفي عنها فعدتها أربعة
أشهر وعشرا " وإن كان قد يناقش في ذلك بأنهما في المعتقة قبل الموت، وهي مسألة
أخرى غير ما نحن فيه.
نعم يمكن الاستئناس لهما بما ذكرناه من انقلاب حكم الاستبراء من وطء
المالك إلى العدة بصيرورتها حرة، لعدم الاستبراء فيها حينئذ فليس إلا العدة،
بل عدة الحرة، والأمر سهل بعد ما عرفت من الأدلة السالمة عن المعارض المكافئ لها.
والمناقشة في ذلك - بدعوى ظهور خبر زرارة (6) السابق في اشتراط الغشيان
ثم الاعتاق في الاعتداد بالمدة المزبورة، ولازمه عدمه بعدم الاعتاق، وحيث لا قائل
بعد ثبوت العدم بالاعتداد بعدة أخرى سوى الاستبراء استقر دلالتها على عدم الاعتداد

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب العدد الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 1 - 4.
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5 - 1.
(5) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5 - 1.
(6) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5.
319

مطلقا مع عدم الاعتاق، كما هو مفروض البحث، وسند الرواية ليس بذلك الضعف،
بل ربما تعد من الحسن، ومع ذلك فهي معتضدة بالأصل المتيقن، وبعموم ما دل (1)
على أن الأمة الاستبراء خاصة من دون تفصيل بين موت مواليهن وعدمه، وبموافقة
من لا يرى العمل بأخبار الآحاد - كما ترى، بل لا تستأهل جوابا، ضرورة عدم إرادة
الشرطية منها بالنسبة إلى الوفاة التي ذكر حكمها للمفروض حالها بالغشيان والعتق،
لأن الاعتداد بالوفاة بالمدة مشروطة بذلك أيضا، كما هو واضح بأدنى تأمل.
نعم قد يقال: إن مقتضى جملة من الأدلة المزبورة عدم الفرق بين ذات
الولد وغيره، ومن هنا قال في المسالك: " والعجب مع كثرة هذه الأخبار وجودة
أسانيدها لم يوافق الشيخ على مضمونها أحد!! وخصوا أم الولد بالحكم، مع أنه
لا دليل عليها بخصوصها، وأعجب منه تخصيصه في المختلف الاستدلال على حكم
أم الولد بموثق إسحاق (2) مع أنه يدل على أن حكم الأمة الموطوءة مطلقا كذلك.
ومع ذلك فغيرها من الأخبار التي ذكرناها يوافقها في الدلالة، مع أنه فيها ما هو
أجود سندا، وسيأتي أن المصنف وغيره أوجبوا عدة الحرة على الأمة المدبرة بما هو
أقل مستندا مما ذكرناه هنا ".
لكن ناقشه بعض الأفاضل بأن " العمدة في المسألة الشهرة، وهي هنا على
الاستبراء خاصة، فلا تكافئ المعتبرة (3) المزبورة حينئذ بعد الاعراض عنها أصل
البراءة وعموم الاستبراء على المملوكة، ومفهوم صحيح سليمان بن خالد (4) السابق
فوجب حملها حينئذ على خصوص أمهات الأولاد ومفهوم خبر زرارة (5) السابق
وإن عم أمهات الأولاد إلا أنه مخصص بمفهوم الصحيح المتقدم في أمهات الأولاد
الشامل للزوج والمولى ".

(1) الوسائل الباب 17 و 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 4 - 0 - 1.
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 4 - 0 - 1.
(4) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 4 - 0 - 1.
(5) الوسائل الباب 52 من أبواب العدد الحديث 2.
320

قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الحشو، خصوصا بعد الإحاطة بما
قدمناه في المفهومين، بل لم يتحقق عندنا ما يقتضي سقوط هذه المعتبرة عن الحجية
من إعراض الأصحاب أو غيره، بل يظهر من كشف اللثام موافقته للشيخ على ذلك،
بل حكاه أيضا عن الجامع والنزهة، وعدم التعرض لذلك من كثير من الأصحاب
أعم من الاعراض عن هذه النصوص، نعم عن ابن إدريس والفاضل في التحرير
والمختلف التصريح بعدم العدة عليها، وأن عليها الاستبراء خاصة، ومثله لا يوهن
به النصوص المعتبرة، ولا أقل من حصول الشك من ذلك، والأصل بقاؤها على المنع
إلى المدة.
وكيف كان فقد بان لك أن الاعتداد للأمة ذات الولد من موت السيد إذا
لم تكن مزوجة، بل أوفى عدة من زوج، بل وبعد انقضاء العدة إذا لم يكن قد وطأها
السيد، وإن تردد فيه ثاني الشهيدين في الروضة، من إطلاق اعتدادها بموت السيد،
ومن عدم الوطء الموجب لذلك، إذ السابق على التزويج مع فرض حصوله قد سقط
حكمه بالتزويج، لكنه في غير محله، لمعلومية اعتبار الوطء في الاعتداد، وستسمع
التصريح في صحيح المدبرة (1) بل قد سمعت الإشارة في حسن الحلبي (2) وخبر
زرارة (3) السابقين.
نعم قد يقال باقتضاء إطلاق الأدلة وجوب اعتدادها من موت السيد وإن تعقب
وطء لها ما يصلح للاستبراء من الحيضة وغيرها، لبقائها على حكم وطئه من دون
أن يتخلل تزويج يرفعه، فتأمل جيدا.
(و) كيف كان فلا يخفى عليك أنه يتفرع على ما ذكرناه من اعتداد
الأمة ذات الولد من السيد من وفاة الزوج أنه (لو طلقها الزوج رجعية ثم مات
وهي في العدة استأنفت عدة الحرة) من الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرا بلا خلاف
ولا إشكال لما سمعته في المطلقة الحرة الرجعية (و) أنها (لو لم تكن أم ولد

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 1 - 5.
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 1 - 5.
321

استأنفت للوفاة عدة الأمة) شهرين وخمسة أيام، بناء على ما سمعته من الأصح
من كون عدتها ذلك، أم على ما سمعته من الصدوق (و) ابن إدريس فتستأنف
عدة الحرة أيضا، نعم (لو كان الطلاق بائنا بقيت على عدتها منه) كما سمعته
في الحرة، للأصل وغيره.
(ولو مات زوج الأمة) غير ذات الولد (ثم أعتقت أتمت عدة الحرة،
تغليبا لجانب الحرية) واستصحابا للمنع، واقتصارا في تخصيص العموم كتابا (1)
وسنة (2) على غير الفرض الذي قد يدعى انسياقه من تلك النصوص، ولصحيح جميل
وهشام بن سالم (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " في أمة طلقت ثم أعتقت قبل أن تنقضي
عدتها، قال: تعتد بثلاث حيض، فإن مات عنها زوجها ثم أعتقت قبل أن تنقضي
عدتها فإن عدتها أربعة أشهر وعشرا " ولما قدمناه سابقا من أنه يستفاد من جملة
من النصوص (4) في موارد متعددة غلبة حكم الحرية مع فرض عروضها على مقتضي
حكم المملوكة.
ولعله إلى هذا أشار المصنف ره بقوله: " تغليبا " إلى آخره بمعنى أنه متى
اجتمع مقتضى كل منهما غلب جانب الحرية، ومن ذلك حكم المدبرة التي،
وأم الولد من موت سيدها السابق، وما تسمعه فيما لو أعتقها سيدها في زمن حياته
بعد أن كانت موطوءة له ثم مات عنها، وغير ذلك.
بل قد يرجع إلى هذا ما في المسالك من توجيه الغلبة المزبورة من أنها
بعد العتق مأمورة بإكمال عدة الوفاة، وقد صارت حرة، فلا تكون مخاطبة بحكم

(1) سورة البقرة: 2 الآية 234.
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب العدد.
(3) الوسائل الباب 50 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 50 من أبواب العدد والباب 20 من أبواب موانع
الإرث من كتاب المواريث والباب 12 من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.
322

الأمة، فيجب عليها إكمال العدة الحرة (1) نظرا إلى حالها حين الخطاب،
ولا ينظر إلى ابتداء الخطاب بالعدة، فإنها كل يوم مخاطبة بحكمها، وإلا كان
محلا للنظر.
(ولو كان المولى يطأها ثم دبرها اعتدت بعد وفاته) مع بقائها على
حكم وطئه (بأربعة أشهر وعشر، ولو أعتقها) منجزا (في حياته اعتدت)
من وطئه المزبور (بثلاثة أقراء) إن كانت من ذواته، وإلا فبالأشهر الثلاثة كالحرة
المطلقة بلا خلاف أجده من غير الحلي، للعلة التي أشرنا إليها المؤيدة بالاستصحاب
والاحتياط.
ولصحيح داود (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في المدبرة إذا مات عنها مولاها إن
عدتها أربعة أشهر وعشرا من يوم موت سيدها إذا كان سيدها يطأها، قيل له:
فالرجل يعتق مملوكته قبل موته بساعة أو يوم، فقال: تعتد بثلاثة أشهر أو ثلاثة
قروء من يوم أعتقها سيدها ".
مضافا إلى ما سمعته سابقا في اعتداد أم الولد من موت سيدها من صحيح
زرارة (3) وموثق إسحاق (4) وغيرهما مما يدل على حكم المدبرة، بل قد عرفت
سابقا قوة القول باعتدادها بذلك وإن لم تكن مدبرة، وإلى ما سمعته سابقا من
خبر زرارة (5) وحسن الحلبي (6) الدالين على الحكم الأخير، المؤيد بما تقدم
أيضا.
وفي صحيح الحلبي أو حسنه (7) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يعتق سريته
أيصلح له أن يتزوجها بغير عدة؟ قال: نعم، قلت: فغيره، قال: لا حتى تعتد

هكذا في النسختين المبيضة والمسودة والصحيح " اكمال عدة الحرة ".
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 7.
(3) الوسائل الباب 54 من أبواب العدد الحديث 2.
(4) الوسائل الباب 42 من أبواب العدد الحديث 4.
(5) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5 - 1 - 4.
(6) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5 - 1 - 4.
(7) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5 - 1 - 4.
323

ثلاثة أشهر " ونحوه صحيح زرارة (1) عنه عليه السلام أيضا.
وفي موثق أبي بصير (1) عنه عليه السلام أيضا " إن أعتق رجل جاريته ثم أراد أن
يتزوجها مكانه فلا بأس، ولا تعتد من مائه، وإن أرادت أن تتزوج من غيره فلها
مثل عدة الحرة ".
وفي خبره الآخر (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل تكون عنده السرية
له، وقد ولدت منه ومات ولدها، ثم يعتقها، قال: لا يحل لها أن تتزوج حتى
تنقضي عدتها ثلاثة قروء ".
بل وصحيح الحلبي أو حسنه (4) عنه عليه السلام أيضا أنه قال: " في رجل كانت
له أمة فوطأها ثم أعتقها وقد حاضت عنده حيضة بعد ما وطأها، قال: تعتد بحيضتين "
وإن كان ظاهره احتساب حيضته الواقعة بعد الوطء وقبل العتق من العدة، ولم يعرف
القائل به على ما عن شرح النافع لسيد المدارك، لكن على كل حال دال على المطلوب
الذي هو الانتقال عن حكم الأمة بالعتق.
فما عن ابن إدريس - من إنكار الحكمين لكون المدبرة غير زوجة
والمعتقة غير مطلقة والأصل براءة الذمة من العدة - واضح الفساد حتى مع قطع
النظر عن النصوص المزبورة، للاستصحاب بعد القطع أو الظن بعدم اندراج كل
منهما في حكم الأمة، كما هو ظاهر.
إنما الكلام فيما تضمنه خبر زرارة (5) وحسن الحلبي (6) السابقان من

(1) أشار إليه في الوسائل في الباب 13 من نكاح العبيد والإماء الحديث 1 من
كتاب النكاح وذكره في التهذيب ج 8 ص 175.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 من كتاب
النكاح.
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 8 - 2.
(4) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 8 - 2.
(5) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5 - 1.
(6) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 5 - 1.
324

الاعتداد عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشرا ولو مات سيدها بعد ما أعتقها المعتضد بخبر
أبي بصير (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن رجل أعتق وليدته عند الموت، فقال:
عدتها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، قال: وسألته عن رجل
أعتق وليدته وهو حي وقد كان يطأها، فقال: عدتها عدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء "
المراد مما في صدره الموت بعد العتق وما في ذيله من البقاء بعده، فما عن الشيخ من
حمله على الندب لا داعي له، بل وبمرسل جميل (2) عن بعض أصحابه إنه قال،
" في رجل أعتق أم ولده، ثم توفي عنها قبل أن تنقضي عدتها، قال: تعتد بأربعة
أشهر عشرا، وإن كانت حبلى اعتدت بأبعد الأجلين ".
وقد نسب ذلك في الحدائق إلى المشهور بين الأصحاب تارة، وإلى الشيخ
وغيره أخرى، قال: " المشهور بين الأصحاب أن الأمة إذا أعتقها سيدها في
حياته وكان يطأها فإنه لا يجوز لها التزويج بغيره إلا بعد العدة بثلاثة أقراء، وإذا
توفي عنها اعتدت عدة الوفاة كالحرة، وكذا لو دبرها - إلى أن قال أيضا -:
قد ذكر ذلك الشيخ وغيره " وإن كان المظنون أن ذلك اشتباه منه، بل يمكن
حمل كلامه على إرادة ذلك بالنسبة إلى الحكم الأول والأخير، كما لا يخفى على
من لاحظ كلامه بتمامه، خصوصا بعد أن كان المحكي عن الشيخ تقييد النصوص
الدالة على ذلك في صورة التدبير، بل عن أكثر الأصحاب كما ستعرف بقاؤها
على اعتداد العتق، ولا تنتقل إلى عدة الوفاة، بل لعله ظاهر المصنف وغيره ممن
أطلق الحكم المزبور.
على أنه لا ريب في منافاته لما سمعته في ذيل صحيح داود (3) الظاهر أو الصريح
في اعتدادها بالأشهر أو الأقراء بعد موته المعتضد باطلاق تلك الأدلة أيضا، ويكون
العتق كالطلاق البائن الذي لا تنتقل عدته بالموت، وبإمكان حمل المعارض على
صورة التدبير، بل في الرياض نسبة ذلك إلى أكثر الأصحاب، بل فيه " أن النصوص

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 6 - 9.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 6 - 9.
(3) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 7.
325

المزبورة غير مكافئة للصحيح المذكور، لا في السند ولا في العمل ولا في غيرهما ".
قلت: ولكن الانصاف عدم خلو المسألة من إشكال، لكثرة الروايات (1)
المقابلة للصحيحة (2) وبلوغها حد الاستفاضة مع اعتبار سند بعضها، وهي مع ذلك
ما بين صريحة ظاهرة، ومعتضدة أجمع بأصالة بقاء الحرمة، وفتوى جماعة،
كإطلاق عبارة الحلي وظاهر عبارة ابن حمزة، ويظهر من المختلف الميل إليها
أو التردد، فالاحتياط فيها لازم.
ثم إنه قد بان لك مما ذكرنا الحال في جميع أحوال الأمة، نعم لم يذكر
المصنف هنا حكمها في العقد المنقطع، بل ولا الحرة اتكالا على ما سبق في
النكاح.
كما إنه لم أقف على من تعرض لحكم الأمة المحللة، نعم في الوافي " أنه
لا يبعد حمل خبر ليث المرادي (3) " قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم تعتد الأمة من
ماء العبد؟ قال: حيضة " على ما إذا كانت محللة للعبد " وظاهره المفروغية من
أن حكمها الاستبراء لا الاعتداد، بل لعله ظاهر اقتصار الأصحاب على غيره من
الدائم والمنقطع ووطء الشبهة، بل ربما يؤيده ما ذكروه من أن التحليل ملك يمين
أو في حكمه، وهو مع كونه إجماعا لا إشكال، وإلا جرى فيه الأصل السابق
الذي ذكرناه في أول المبحث، وهو استصحاب المنع بعد عدم ثبوت أصالة الاستبراء
في الأمة.
ولكن على كل حال ينبغي الاعتداد منه بالموت عدة الحرة إذا كانت ذات
ولد للسيد، لما عرفت من أنها تعتد كذلك للزوج ولموت السيد إذا لم تكن
مزوجة فمع فرض كون التحليل من ملك اليمين يأتي الحكم المزبور أيضا،
والله العالم.

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 0 - 7.
(2) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد الحديث 0 - 7.
(3) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد الحديث 6.
326

(و) كيف كان فقد تقدم البحث في كتاب البيع في أن (كل من يجب
استبراؤها إذا ملكت بالبيع يجب استبراؤها لو ملكت بغيره من استغنام أو صلح أو
ميراث أو غير ذلك، ومن يسقط استبراؤها هناك) أي البيع (يسقط في
الأقسام الأخر) لاتحاد المدرك في الجميع، فلا حاجة إلى إعادته.
(و) كذا تقدم في كتاب النكاح أنه (لو كان للانسان زوجة فابتاعها
بطل نكاحه) إجماعا، لأن البضع لا يستباح بسببين، كما هو مقتضي التفصيل في
الآية (1) القاطع للاشتراك، بل هو صريح الموثق (2) المتمم بعدم القول بالفصل
" عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل، ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين،
فقال: حرمت عليه " بل قد يستأنس لذلك بالمعتبرة المستفيضة (3) الدالة على
بطلان نكاح الحرة إذا اشترت زوجها، إلى غير ذلك مما تقدم في محله.
نعم هو (و) إن بطل نكاحه لكن (حل) له (وطؤها) بملك
اليمين (من غير استبراء) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه،
لاطلاق الأدلة في إباحة وطء ملك اليمين، بل الأصل البراءة من أصل الاستبراء
إلا ما دل عليه الدليل المعلوم قصوره عن تناول الفرض، خصوصا بعد انتفاء أصل
حكمة شرعيته، وهي اختلاط الماءين، ضرورة كون الماء الواحد في الفرض وإن
اختلفت جهة إباحته، بل قد تقدم في النصوص (4) السابقة ما يدل على عدم وجوب
الاستبراء عليه للأمة الموطوءة له إذا أعتقها وأراد أن يتزوجها بخلاف غيره، وهو
مؤيد لما هنا، فما عن بعض العامة - من وجوب الاستبراء لبعض وجوه اعتبارية
لا تنطبق على أصولنا - واضح الفساد.

(1) سورة النساء: 4 - الآية 25 وسورة المؤمنون: 23 - الآية: 6.
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 من كتاب
النكاح.
(3) الوسائل الباب 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(4) الوسائل الباب 43 من أبواب العدد.
327

(ولو ابتاع المملوك) المأذون (أمة واستبرأها كفى ذلك في حق المولى
لو أراد وطأها) مع فرض العلم أو إخبار العبد به وكان ثقة، إذ المعتبر من الاستبراء
ترك وطئها في المدة كيفما اتفق، ولا فرق في ذلك بين أن يكون على المملوك
دين وقضاء أولا، خلافا لما عن الشافعي من وجوب الاستبراء مع قضاء الدين، وهو
كما ترى.
(وإذا كاتب الانسان أمته حرم عليه وطؤها) لما تسمعه في باب الكتابة.
(فإن انفسخت الكتابة) للعجز مثلا (حلت) له (ولا يجب) عليه
(الاستبراء) ما لم يكن وطء محترم بلا خلاف أجده بيننا، بل عن الخلاف
الاجماع عليه، وإن كان يحرم عليه وطؤها بالكتابة، إلا أن ذلك لا يقتضي وجوبه
الدائر على تملك شخص آخر لها محتمل الوطء، فأصل البراءة من الاستبراء سالم
عن المعارض، خلافا للمحكي عن بعض العامة تنزيلا لحرمة الاستمتاع بها بالكتابة
منزلة الانتقال، وفسخ الكتابة منزلة العود إلى الملك، وهو قياس في قياس.
(وكذا لو ارتد المولى أو المملوكة) عن ملة (ثم عاد المرتد) منهما
إلى الاسلام (لم يجب الاستبراء) وإن حرم عليه الوطء حال الارتداد، لمثل
ما عرفت في الكتابة، نعم لو بيعت عليه ممن يجب الاستبراء منه ثم عادت إليه بشراء
مثلا، أو وطأها غيره وطءا محترما ولو لشبهة، أو كان الارتداد عن فطرة وقلنا بقبول توبته
على وجه يملك المال بها جديدا، وفرض عودها إليه من الوارث الذي يستبرأ منه
بشراء ونحوه وجب الاستبراء، كما هو واضح.
(ولو طلقت الأمة بعد الدخول) بها (لم يجز للمولى الوطء إلا بعد
الاعتداد) وإن لم تنتقل عن ملكه بلا خلاف ولا إشكال. (و) لكن (تكفي العدة
عن الاستبراء) للمولى الأول، للأصل وظهور النصوص (1) في جواز وطئها له
بعد الفراغ من العدة، بل وللثاني المشتري لها في العدة، لذلك أيضا، خلافا للمحكي
عن المبسوط والسرائر في الأخير، بناء على أنهما حكمان لمكلفين لا يتداخلان،

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب العدد.
328

وهو جار في الأول الذي قد حكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف الموافقة على سقوط
الاستبراء فيه، أو بناء على كون الانتقال سببا للاستبراء، والأصل عدم تداخل
الأسباب.
وعلى كل حال هو لا يعارض ما استظهرناه من النصوص ولعله المراد مما
في كشف اللثام من أنه " إنما يتحصل العلم بالبراءة بالتربص إحدى المدد
المعهودة، وهو معنى الاستبراء، وأبيح لنا الوقوع عليها بعد ذلك، وقد حصل
بانقضاء العدة.
وكيف كان فلو طلقت قبل الدخول فلا استبراء قطعا، للأصل، خلافا للمحكي
عن بعض العامة، فأوجبه قياسا لزوال ملك الاستمتاع ثم عوده على زوال الملك
وعوده، وهو باطل في مذهبنا، بل لعل الأصل عدم وجوب الاستبراء مع عدم العلم
بالدخول وعدمه وإن وجب مع انتقال الملك، لحرمة القياس، والله العالم.
(ولو ابتاع حربية فاستبرأها فأسلمت) بعده أو فيه (لم يجب استبراء
ثان) وإن كان يحرم عليه وطؤها حال الكفر، للأصل بعد إطلاق الأدلة السالم عن
احتمال اشتراط صحة الاستبراء بكون الأمة محللة للمولى لولي الاستبراء بعد عدم
الدليل عليه، فيكفي حينئذ وإن كانت محرمة عليه بسبب آخر، لحصول الغرض
المقصود، فما عن بعض العامة - من الوجوب، لتجدد ملكه الاستمتاع بالاسلام -
واضح الضعف.
(وكذا لو ابتاعها واستبرأها محرما بالحج) مثلا (كفى ذلك في استحلال
وطئها إذا أحل) لما عرفت، بل هو أوضح.
329

(الفصل السابع)
(في اللواحق)
(وفيه مسائل:)
(الأولى)
(لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة)
حاملا كانت أو حائلا، كما أنها لا يجوز لها أن تخرج هي بنفسها أيضا بلا خلاف،
بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب والسنة قال الله تعالى شأنه: (1)
" لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ".
وفي صحيح أبي خلف (2) " سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن شئ
من الطلاق، فقال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت
منه ساعة طلقها، وملكت نفسها، ولا سبيل له عليها، وتعتد حيث شاءت، ولا نفقة
لها، قال: قلت: أليس الله تعالى يقول: لا تخرجوهن - إلى آخره - فقال: إنما
عنى بذلك الذي يطلق تطليقة بعد تطليقة، فتلك التي لا تخرج حتى تطلق الثالثة
فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه، ولا نفقة لها، والمرأة التي يطلقها الرجل تطليقة
ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تعتد في منزل زوجها، ولها النفقة والسكنى
حتى تنقضي عدتها ".

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب العدد الحديث 1 عن سعد بن أبي خلف.
330

وفي موثق إسحاق بن عمار (1) " سألت أبا الحسن عليه السلام عن المطلقة أين تعتد؟
قال: في بيت زوجها ".
وفي خبر أبي بصير (2) عن أحدهما عليهما السلام " عن الطلقة أين تعتد؟ قال: في
بيتها إذا كان طلاقا له عليها رجعة، ليس له أن يخرجها، ولا لها أن تخرج حتى
تنقضي عدتها ".
وموثقة سماعة (3) " سألته عن المطلقة أين تعتد؟ قال: في بيتها لا تخرج،
وإن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل، ولا تخرج نهارا، وليس لها أن تحج
حتى تنقضي عدتها ".
وفي صحيح الحلبي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام " لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا
بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض " إلى غير
ذلك من النصوص.
إلا أن ظاهر غير واحد من الأصحاب بل صريح بعضهم أن وجب الاسكان
المزبور من حيث وجوب نفقتها عليه في العدة، ومن هنا كان استحقاقها عليه حيث
تستحقها عليه، فلو كانت صغيرة وطئت ولو محرما أو ناشزا من الزوجية أو في أثناء
العدة فلا سكنى لها، كما لا نفقة.
نعم يفترق عن سكنى النفقة - بناء على ما في القواعد والمسالك وغيرهما بل
قيل: إنه ظاهر الأكثر - بعدم جواز خروجها منه ولو اتفقا عليه، بل يمنعهما الحاكم
من ذلك، لأن فيه حقا لله تعالى شأنه، كما أن في العدة حقا له بخلاف سكنى الانفاق
التي حقها مختص بالزوجة، كل ذلك لظهور الكتاب (5) والسنة (6) والفتاوى
في ذلك، بل عن الكشاف إنما جمع بين النهيين ليشعر بأن لا يأذنوا وأن ليس

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد الحديث 4 - 6 - 1.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد الحديث 4 - 6 - 1.
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب العدد الحديث 1.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد الحديث 4 - 6 - 1.
(5) سورة الطلاق 65 الآية 1.
(6) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد الحديث - 0 -.
331

لإذنهم أثر.
لكن قد يشكل بما في الصحيح الأخير (1) وما في خبر معاوية بن عمار (2)
من أن " المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها " من الدلالة على الجواز بالإذن
الذي به يقيد إطلاق الآية وغيرها، ودعوى قصوره عن ذلك بإعراض الأكثر ممنوع،
خصوصا، بعد تصريح جماعة من الأصحاب - كما في المسالك منهم أبو الصلاح والفاضل
في التحرير - بالجواز.
بل عن الفضل بن شاذان " أن معنى الخروج والاخراج ليس هو أن تخرج المرأة
إلى أبيها أو تخرج في حاجة لها أو في حق بإذن زوجها، مثل مأتم وما أشبه ذلك،
وإنما الخروج والاخراج أن تخرج مراغمة ويخرجها مراغمة، فهذا الذي نهى الله
عنه، فلو أن امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حق لم يقل:
إنها خرجت من بيت زوجها، ولا يقال: فلان أخرج زوجته من بيتها، إنما يقال
ذلك، إذا كان ذلك على الرغم والسخطة، وعلى أنها لا تريد العود إلى بيتها وإمساكها
على ذلك، لأن المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه - إلى أن قال -: إن أصحاب
الأثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيع قد رخصوا لها في الخروج الذي ليس على السخط
والرغم، وأجمعوا على ذلك ".
وحينئذ فالقول به لا يخلو من قوة، بل يمكن تنزيل من أطلق على إرادة غير
الفرض، خصوصا بعد التصريح من بعضهم فيما يأتي من جواز الخروج إلى حج التطوع
بالإذن، ودعوى الفرق بين الخروج إلى حج مثلا وبين الانتقال من منزل إلى منزل
آخر خالية عن الدليل، بل إطلاق صحيح الحلبي (3) السابق شامل للأمرين، على
أن الممنوع كتابا (4) وسنة (5) الاخراج والخروج، فمع فرض جوازه بالإذن

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب العدد الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد الحديث - 1 - 0 -.
(4) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(5) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد الحديث - 1 - 0 -.
332

لا فرق بين أفراده.
وكيف كان فقد عرفت استثناء الاتيان بالفاحشة من ذلك في الكتاب (1) وغيره
(و) قد اختلف في المراد منها، ففي الكتاب والقواعد (هو أن تفعل ما يجب به
الحد، فتخرج لإقامته، وأدنى ما تخرج له أن تؤذي أهله) وظاهرهما بل صريحهما
عدم انحصارها في الأول، كما عن بعضهم، بل عن النهاية قد روي (2) " أن أدنى
ما يجوز له معه إخراجها أن تؤذي أهل الرجل " بل هو المروي (3) عن أبي جعفر
وأبي عبد الله عليهما السلام، وكذا في الخلاف والمبسوط والتبيان ومجمع البيان والجامع وغيرها
الاقتصار عليه، مستدلا عليه في الأول بالاجماع وعموم الآية (4) وبإخراجه صلى الله عليه وآله
فاطمة بنت قيس لما بذت على أحمائها (5) وعن مجمع البيان هو المروي (6) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.
قلت: وفي خبر محمد بن علي بن جعفر (7) " سأل المأمون الرضا عليه السلام عن ذلك،
فقال: يعني بالفاحشة المبينة أن تؤذي أهل زوجها، فإذا فعلت ذلك فإن شاء أن
يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل ". وفي مرسل إبراهيم بن هاشم (8) عنه عليه السلام

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(2) الظاهر أن الشيخ (قده) أراد بذلك ما ورد في خبر محمد بن علي بن جعفر
ومرسل إبراهيم بن هاشم وخبر ابن أسباط الآتية.
(3) الظاهر أنه أريد به ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان الذي رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب العدد الحديث 5 قال: " قيل: هي البذاء على أهلها، فيحل لهم
اخراجها وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام ".
(4) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(5) سنن البيهقي ج 7 ص 433.
(6) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد الحديث 5 - 2 - 1.
(7) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد الحديث 5 - 2 - 1.
(8) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد الحديث 5 - 2 - 1.
333

أيضا في قوله عز وجل " (1): لا تخرجوهن - إلى آخره - " قال: " أذاها لأهل
الرجل وسوء خلقها " وفي خبر ابن أسباط (2) عنه عليه السلام أيضا " الفاحشة أن تؤذي
أهل زوجها وتسبهم ".
لكن عن الفقيه (3) " سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: " لا تخرجوهن "
فقال: إلا أن تزني فتخرج، ويقام عليها الحد " وفي خبر سعد بن عبد الله (4) المروي
عن إكمال الدين وإتمام النعمة قال: " قلت لصاحب الزمان عليه السلام: أخبرني عن الفاحشة
المبينة إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته؟ فقال:
الفاحشة المبينة السحق دون الزنا، فإن المرأة إذ أزنت وأقيم عليها الحد، ليس لمن
أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد، فإذا سحقت وجب عليها
الرجم، والرجم خزي، ومن قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، ومن أخزاه فقد أبعده،
ومن أبعده فليس لأحد أن يقربه ".
وكأن ذلك هو الذي دعى المصنف وغيره إلى الجمع بما عرفت، على معنى
كل فاحشة تقتضي إخراجها وأدناها ذلك، ونفى الزنا في خبر سعد على معنى نفي
اختصاص الفاحشة به، فإن السحق أعظم منه، ولو كان أذيتها لأهله مئلا مع تباعد
المسكن أدبها الحاكم، ولا تخرج منه، وما عن بعضهم - من إخراجها أيضا لاطلاق
الأدلة - ضعيف.
(و) كيف كان فلا إشكال في أنه (يحرم الخروج عليها ما لم تضطر)
إليه لاطلاق الكتاب (5) والسنة (6) والفتاوى، أما مع الاضطرار الذي يصلح معارضا
لذلك فيجوز بلا خلاف أجده فيه، لمكاتبة الصفار (7) إلى أبي محمد الحسن بن

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(2) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد الحديث 5 - 3 - 4.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد الحديث 5 - 3 - 4.
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد الحديث 5 - 3 - 4.
(5) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(6) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد
(7) الوسائل الباب 55 من أبواب العدد الحديث 1.
334

علي عليهما السلام " في امرأة طلقها زوجها ولم تجر عليها النفقة للعدة، وهي محتاجة،
هل يجوز لها أن تخرج وتبيت عن منزلها للعمل والحاجة؟ فوقع عليه السلام: لا بأس بذلك
إذا علم الله الصحة منها ".
ومنه يعلم أن المدار على مقدار ما تتأدى به الضرورة، كما صرح به بعضهم وإن
ذكر المصنف (و) غيره أنه (لو اضطرت إلى الخروج خرجت بعد انتصاف الليل
وعادت قبل الفجر) إلا أنه يجب حمل ذلك على خصوص ما يمكن دفع الضرورة به،
كما أن ما سمعته في موثق سماعة (1) - من أنه إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف
الليل، ولا تخرج نهارا - محمول على ضرب من رجحان الستر لها إذ المفروض
فيه الزيارة لا الضرورة.
لكن في المسالك التصريح بوجوب خروجها بعد انتصاف الليل والعود قبل
الفجر ناسبا إلى المصنف وجماعة، وإلى موقوفة سماعة (2) وهو كما ترى، نعم
ورد (3) نحو ذلك في عدة الوفاة.
ومن الغريب ما في الرياض، فإنه بعد أن نسب وجوب العود قبل الفجر إلى
الأشهر قال: " بل لم أقف على مخالف إلا من بعض من ندر ممن تأخر، والأصل
فيه الموثق الذي مر، ولا قدح فيه من حيث الموثقية والاضمار كما هو المقرر،
مع أنه على تقديره فهو بالشهرة العظيمة منجبر، فهو أظهر إن ارتفع به وبغيره
الضرر، وإلا بأن كان الدفع بالغير منحصرا جاز قولا واحدا " إذ هو كما ترى،
إذ لا دلالة في الموثق المزبور على ذلك، خصوصا بالنسبة إلى وجوب العود قبل الفجر،
لخلوه عن التعرض له أصلا وما فيه من النهي عن الخروج نهارا لا يقتضي ذلك، كما
هو واضح.

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب العدد الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب العدد الحديث 3 وفيه " قال: تخرج بعد
نصف الليل وترجع عشاءا ".
335

إنما الكلام في تحديد الاضطرار المذكور في المتن وغيره، وقد عرفت أن
الموجود في مكاتبة الصفار (1) الاحتياج الذي قد يتوهم إرادة العرفي منه.
لكن قد يشكل بظهور المكاتبة المزبورة في جوازه من دون إذن من الزوج،
وهو في الزوجة - فضلا عن المعتدة - محل منع، نعم مع فرض الاضطرار الذي مرجعه
إلى تكليف شرعي صالح لمعارضة حرمة الخروج يتجه حينئذ عدم اعتبار الإذن،
بل يكون أصل تحريم الخروج مقيدا بغير الفرض، وليس هو من أقسام التعارض
الذي ينظر فيه الأهم وغيره، فتأمل جيدا، فإنه لا كلام لهم منقح في ذلك كما في
كثير من مسائل المقام.
ثم إنه قد يظهر من قول المصنف: " فتخرج لإقامته " كون المستثنى الخروج
لإقامة الحد عليها، فتعود حينئذ إلى المسكن، كما هو المحكي عن بعضهم، تقديرا
للضرورة بقدرها، لكن فيه أن المنساق من الآية (2) سقوط احترامها بهتكها لسترها
بفعل الفاحشة، فحينئذ لا يجب ردها إليه، للأصل بعد أن كان خروجها في الحال
المزبور من المستثنى، ولأنه لو كان ذلك للحد لوجب مراعاة ما ذكروه فيه: من
أنها إن كانت مخدرة أقيم الحد عليها في منزلها، وإلا جاز إقامة الحد عليها في
خارجة.
هذا وفي المسالك " حيث تخرج لأذى أحمائها أو لم نوجب في الأول إعادتها
ينقلها الزوج إلى منزل آخر مراعيا للأقرب فالأقرب إلى مسكن العدة ".
وفيه (أولا) أن وجوب الأقرب وإن صدر من الشيخ وغيره في صورة
تعذر سكنى منزل الطلاق كما ستسمع لكن لا دليل عليه بحيث يوافق أصولنا. و (ثانيا)
أنه يمكن أن يقال بعدم وجوب ملاحظة حكم الاعتداد في غير منزل الطلاق، لأن
النهي في الآية (3) عن الاخراج والخروج عن بيوتهن التي كن فيها قبل الطلاق

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب العدد الحديث 1.
(2) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(3) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
336

وبعده، فمع فرض الخروج عنها (1) لا دليل على إعطاء حكم الاعتداد لغيره من
المنازل التي تجب على الزوج من حيث الانفاق، فتأمل جيدا.
ثم لا يخفى عليك أن موضع النقل في صورة الايذاء لو كانت الدار تسع الجميع،
أما لو كانت ضيقة لا تسع لهم ولها ففي المسالك وغيرها " نقل الزوج الأحماء وترك
الدار لها " وفيه أنه مع فرض كونها من المسكن اللائق بها معهم وإن كانت ضيقة
لا يتعين عليه، للاستثناء في الآية (2) المفسرة في النصوص (3) المزبورة فتأمل.
ولو كان الأحماء في دار أخرى لم تنقل المعتدة، بل تؤدب وهي في منزلها،
وربما قيل بكونه بعض أفراد المستثنى وإن كان إيذاؤها لهم بالجوار، لكنه كما
ترى.
ولو كانت في دار أبويها لكون الزوج ساكنا معهم فطلقها فيها فبذأت على الأبوين
ففي المسالك " في جواز نقلها عنهم وجهان، من عموم الآية المتناولة لذلك، حيث
نقول بتفسيرها بالأعم، ومن أن الوحشة لا تطول بينهم كما هي بينها وبين الأحماء،
نعم لو كان أحماؤها في دار أبويها أيضا وبذأت عليهم أخرجوا من دونها، لأنها أحق
بدار الأبوين، مع احتمال جواز إخراجها، للعموم ".
وهو كما ترى ضرورة انطباق ما ذكره من التعليلات على مذاق العامة، والمتجه
على أصولنا - مع فرض شمول المنزل المخصوص لبيوتهن ولو لاستحقاق الزوج السكنى
مع أبويها - جواز خروجها بالفاحشة المزبورة، لا أحقية لها بدار أبويها من حيث
الأبوة، كما أنه لا مدخلية لعدم طول ذلك بينها وبين أهلها بخلاف أحمائها بعد فرض
تفسير الفاحشة بما يشمل مثل ذلك، كما هو واضح.
(و) كيف كان ف‍ (لا تخرج في حجة مندوبة) مثلا (إلا بإذنه) بلا

(1) وفي النسختين الأصليتين " فمع فرض الخروج عنهن ".
(2) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(3) الوسائل الباب 23 من أبواب العدد.
337

خلاف أجده فيه، لخبر معاوية بن عمار (1) السابق المؤيد بإطلاق مضمر محمد بن
مسلم (2) " المطلقة تحج وتشهد الحقوق " ولا ينافي ذلك إطلاق قوله عليه السلام في
خبر سماعة (3) السابق " ليس لها أن تحج حتى تنقضي عدتها " بعد تقييده
بالخبر الأول.
وعلى كل حال فذلك يؤيده ما ذكرناه من أنه لا حكم للاعتداد من حيث
الإذن، (واحتمال) اختصاص ذلك في السفر لحج ونحوه وإن استلزم قضاء العدة
أجمع في خارجه دون الانتقال إلى منزل آخر، فإنه لا يجوز وإن اتفقا عليه، بل
يمنعهما الحاكم من ذلك (وإن كان ممكنا) لكنه مخالف لمذاق الفقه.
(وتخرج في الواجب) المضيق (وإن لم يأذن) لأنه من الضرورة حينئذ،
كما في كل واجب كذلك، نعم لو كان موسعا اتجه المنع، خصوصا في المقام الذي
اجمتع فيه حق الاعتداد والنكاح.
(وكذلك) الكلام (في) جميع (ما تضطر إليه ولا وصلة لها) إليه
(إلا بالخروج) من حفظ مال أو نفس أو عرض، بل صرح غير واحد بأن من
ذلك ما إذا كانت الدار غير حصينة، وكانت تخاف من اللصوص، أو كانت بين قوم
فسقة تخاف على نفسها منهم ولو على العرض، أو كانت تتأذى من الجيران أو من
الأحماء تأذيا شديدا، ولم يمكن إخراجهم عنها، بأن كانوا في مسكن يملكونه
ونحو ذلك.
لكن قد ذكرنا سابقا أنه ليس في شئ من النصوص عنوان الضرورة، وإنما
الموجود في مكاتبة الصفار (4) خصوص الحاجة للتعيش، فلا بد من تقدير الضرورة بما
إذا عارض حرمة الخروج المزبورة واجب آخر مضيق مثلا، فيرجح مطلقا وإن كان
ذلك أهم منه، بناء على ظاهر كلامهم الذي لم يوكل الأمر فيه إلى الترجيح.

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب العدد الحديث 2 - 1 - 3.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب العدد الحديث 2 - 1 - 3.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب العدد الحديث 2 - 1 - 3.
(4) الوسائل الباب 55 من أبواب العدد الحديث 1.
338

كما أنه لم يذكروا هنا وجوب بذل المال غير المضر بها عليها في دفع ما يقتضي
خروجها من المنزل للمقدمة وإن لم يبذل ذلك الزوج، لأنها منهية عن الخروج،
كما أن الزوج منهي عن الاخراج، وستسمع فيما يأتي ذكرهم المقدمة بالنسبة
إلى الزوج، إلى غير ذلك مما يدل على عدم تنقيح كلماتهم في المقام، والله العالم.
(و) لا إشكال كما لا خلاف في أنه (تخرج في العدة البائنة أين شاءت)
لانقطاع العصمة بينهما، وإن كانت حاملا تجب نفقتها على الزوج للنصوص (1)
السابقة المعتضدة بعدم الخلاف، بل الاجماع بقسميه عليه.
المسألة (الثانية:)
قد عرفت أنه لا خلاف ولا إشكال في أن (نفقة الرجعية لازمة في زمن العدة،
وكسوتها ومسكنها) بل الظاهر أنها (يوما فيوما) ضرورة كونها كنفقة الزوجة،
بل هي هي، لأن الطلاق لم يسقطها، ولا فرق عندنا فيها (مسلمة كانت أو ذمية)
لاطلاق الأدلة.
(أما الأمة ف‍) قد عرفت الحال في نفقتها في كتاب النكاح وإن ذكر المصنف
هنا أنه (إن أرسلها مولاها ليلا ونهارا فلها النفقة والسكنى، لوجود التمكين
التام، ولو منعها ليلا أو نهار فلا نفقة، لعدم التمكين) لكن تمام الكلام في كتاب
النكاح، ويتبعها الحكم بالنسبة إلى طلاقها رجعية، فلاحظ وتأمل.
(و) كذا تقدم الكلام فيه أيضا في أنه (لا نفقة للبائن ولا سكنى إلا أن
تكون حاملا، فلها النفقة والسكنى حتى تضع) إلا أنها سكنى نفقة لا سكنى
اعتداد على وجه يحرم عليه إخراجها إلى منزل آخر لائق بها ويحرم عليها الخروج،
وتقدم الكلام أيضا في أن هذه النفقة للحمل أو للحامل والفروع المتفرعة على
ذلك، فراجع وتدبر.

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب النفقات من كتاب النكاح.
339

(و) كذا قد عرفت فيما تقدم أنه (تثبت العدة للوطء بالشبهة) بلا خلاف
ولا إشكال (و) لكن (هل تثبت النفقة) أيضا (لو كانت حاملا؟ قال الشيخ:
نعم) وربما فرعه على كون النفقة للحمل دون الحامل. (وفيه إشكال ينشأ من
توهم اختصاص النفقة) سواء قلنا: إنها للحمل أو للحامل (بالمطلقة الحامل دون غيرها
من البائنات) للأصل وغيره، بل هو ليس من التوهم، بل هو المتحقق، فالأصح أن
لا نفقة لها مطلقا، والله العالم.
(فروع)
(في سكنى المطلقة)
(الأول:)
(لو انهدم المسكن) على وجه لا يمكن إصلاحه أو يعسر بحيث يكون فيه
الاعتداد (أو كان مستعارا) قد رجع به المعير، (أو مستأجرا فانقضت المدة
جاز له إخراجها) فليس لها إلزامه بذلك. (و) جاز (لها الخروج)
فليس له إلزامها بذلك (لأنه إسكان غير سائغ) في الأخيرين قطعا، لكونه
مالا للغير.
نعم في المسالك وغيرها " يجب على الزوج أن يطلبه من المالك ولو بأجرة
توصلا إلى تحصيل الواجب بحسب الامكان، فإن امتنع أو طلب أزيد من أجرة المثل
نقلها إلى مسكن آخر وأوجب جماعة تحرى الأقرب فالأقرب إلى الأول اقتصارا
في الخروج المشترط بالضرورة على موردها، وهو حسن ".
قلت: لأحسن فيه على أصولنا، ضرورة عدم الفرق بين أفراد الخروج المفروض
340

جوازه، إذ كل من القريب والبعيد عنه يتحقق به الخروج عنه، لأنه معنى متحد،
ولعله لذا قال في كشف اللثام بعد أن حكاه عن المبسوط وغيره، " وفيه نظر ".
بل قد يناقش في أصل وجوب تطلب الزوج ذلك من المالك ولو بأجرة المثل،
ضرورة عدم صدق الاخراج منه فيهما، كعدم صدق الخروج منها، فلا يندرج في
النهي عن الاخراج ولا النهي عن الخروج، وإلا لوجب بذل غير المضر. بالحال وإن زاد
عن أجرة المثل، كما هو مقتضى باب المقدمة في تحصيل ماء الوضوء والغسل ونحوهما.
بل قد يقال إن مقتضى التكليف بذيها عدم تسلط المعير على الرجوع بالعين إذا
كان قد أعارها لأن تطلق فيه، ضرورة كونه حينئذ - كالعارية للدفن والرهن وللصلاة
ونحوها مما يتعلق به خطاب شرعي - بعد التلبس. يمنع من رد العين إلى مالكها،
وأقصى ما يقتضيه فسخ العقد الجائز استحقاق الأجرة عليه، بل ربما يقال بذلك فيما
لو أعاره للسكنى فاتفق الطلاق فيه، بناء على اللزوم فيما لو أعاره الثوب مثلا للبس
فصلى فيه أو منزلا للسكنى فصلى فيه، فلا محيص حينئذ رفع اليد عن باب المقدمة
أو الالتزام بمثل ذلك، ولم أجد أحدا احتمل ذلك، نعم قد يقال: إن اطلاق المصنف
وغيره الجواز يقتضي عدم ملاحظة المقدمة، فتأمل.
ولو انتفت الضرورة بأن بذله مالكه بعد الخروج ففي وجوب العود إليه وجهان،
من زوال الضرورة، ومن سقوط اعتباره بعد الإذن شرعا بالخروج والاخراج منه،
والأصل براءة الذمة من العود والإعادة، خصوصا بعد أن كان الغرض الذاتي
ملازمة المرأة للمسكن من غير أن تخرج، وقد فات، ولعله الأقوى كما في كشف
اللثام وغيره.
بل في المسالك في عودها إلى الأول منافاة لمقصود، كانتقالها عنه، وظاهره
جريان حكم الاخراج والخروج منه على الثاني، ولا يخلو من نظر، ضرورة ظهور
النص (1) والفتوى بل والكتاب (2) في اختصاص الحكم المزبور بمنزل الطلاق

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
341

لا غيره، والأصل براءة الذمة من جريان حكم الاعتداد الزائد على حكم النفقات
على الثاني، والله العالم.
(ولو طلقت في مسكن دون مستحقها) من المنازل فإن رضيت بالمقام فيه
وإلا (جاز لها) المطالبة ب‍ (الخروج عند الطلاق إلى مسكن يناسبها) وإن
كانت رضيت به حال النكاح، لاستصحاب الجواز السابق لها قبل الطلاق، باعتبار
كون ذلك حقا لها، بل عن المبسوط بعد حكمه بالجواز أن عليه حينئذ نقلها إلى
أقرب المواضع إلى ذلك فالأقرب (و) إن كان قد عرفت ما (فيه) بل في
أصل حكمه بجواز المطالبة (تردد) مما عرفت ومن ظهور الكتاب (1)
والسنة (2) في حرمة الخروج عليها من حيث الاعتداد، ولا ينافي ذلك كونه أنقص
من مسكنها المستحق لها من حيث الانفاق، إذ يمكن الجمع بينهما بغرم التفاوت.
وأولى من ذلك بعدم الجواز ما لو كان قد أسكنها قبل الطلاق في مسكن زائد
ثم طلقها فيه، لاطلاق النهي المزبور وإن صرح بعضهم بجواز ذلك له، بل ظاهر
المسالك المفروغية منه، لكنه في غير محله، كما هو واضح. نعم يجوز بناء حاجز
بحيث لا يضر في مستحقها.
ولو لم تمكن الزوج من ضم بقعة أخرى - ولو بابتياعها واستيجارها - إلى
المنزل على وجه يصير باعتبارها مسكنا لائقا بها ففي القواعد لزمه ذلك، ووافقه في
كشف اللثام إن لم يلزمه غرامة أو ضرر فوق ما يلحقه من نقلها إلى آخر، لكنه
وعلى كل حال لا يخلو من بحث.
ولو أراد الزوج أن يساكنها في دار واحدة بأن تكون في بيت وهو في بيت آخر
فإن كانت المطلقة رجعية ففي القواعد لم تمنع، بل في كشف اللثام " عندنا، لأن
له وطء ها ومقدماته، ويكون لها رجعة وإن لم ينوها كما عرفت، فالخلوة بها أولى

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد.
342

خلافا للعامة ".
لكن في المسالك أشكله بعد اعترافه بأنه ظاهر الأصحاب بأن " التمتع بها بالنظر
وغيره إنما يجوز بنية الرجعة لا مطلقا، فهي بمنزلة الأجنبية وإن كان حكمه أضعف،
فتكون الخلوة بها محرمة كغيرها ".
وفيه (أولا) أنه مناف لما تقدم في الرجعة من عدم الحاجة إلى النية على
الأصح، و (ثانيا) بما يظهر من النصوص المتكثرة (1) من أن لها التزين والتشوق
له ونحوهما استجلابا له، بل والاجتماع معه، بل هو المراد من قوله تعالى (2):
" لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " بل في النصوص المزبورة تعليل ذلك بذلك، بل هو
المقصود من عدم إخراجهن من بيوتهن، بل لعل سكناها معه هو المنساق من قوله
تعالى (3): " أسكنوهن من حيث سكنتم " لا أقل من الشك في شمول ما دل على تحريم
الخلوة بالأجنبية لها، والأصل البراءة، خصوصا بعد أن لم نعثر على دليله سوى النبوي (4)
الذي لم أجده في طرقنا " لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان " وخبر
مسمع بن أبي سياب (5) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " فيما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله البيعة
على النساء أن لا يحتبين ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء " وخبر موسى بن إبراهيم (6)
المروي عن المجالس عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من
كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امرأة ليست بمحرم "
ومرسل مكارم الأخلاق للطبرسي (7) عن الصادق عليه السلام قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب العدد.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 1 - 6.
(3) سورة الطلاق: 65 - الآية 1 - 6.
(4) سنن البيهقي ج 7 ص 91 والمستدرك الباب 77 من مقدمات النكاح
الحديث 8 من كتاب النكاح.
(5) الوسائل الباب 99 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 3 من كتاب النكاح والأول عن مسمع بن أبي سيار.
(6) الوسائل الباب 99 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 3 من كتاب النكاح والأول عن مسمع بن أبي سيار.
(7) الوسائل الباب 99 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 - 2 - 3 من كتاب النكاح والأول عن مسمع بن أبي سيار.
343

عن النساء أن لا ينحن ولا يخمشن ولا يقعدن مع الرجال في الخلاء " وغير ذلك مما
يمكن حمله على الكراهة، بل لعل المنساق منها ذلك، فإن اللسان لسانها، ولا شهرة
محققة للأصحاب.
نعم في القواعد " إن كانت المطلقة بائنة منع من السكنى معها إلا أن يكون
معها من الثقات من يحتشمه الزوج " وفي الوسائل عقد لحرمة ذلك بابا ذكر فيه
النصوص المذكورة، وفي المسالك " هذه المسألة من المهمات ولم يذكرها الأصحاب
في باب النكاح، وأشاروا إليها في هذا الباب ".
قلت: يمكن أن يكون ذلك لعدم الحرمة عندهم، ولعل ذلك للعامة كما
يومئ إليه ما ذكره فيها من فروع المسألة، قال: " والمعتبر من الخلوة المحرمة
أن لا يكون معهما ثالث من ذكر أو أنثى بحيث يحتشم جانبه ولو زوجة أخرى أو
جارية أو محرم له، وألحق بعضهم بخلوة الرجل بالمرأة خلوة الاثنين فصاعدا بها،
دون خلوة الواحد بنسوة، وفرقوا بين الأمرين بأن استحياء المرأة من المرأة أكثر
من استحياء الرجل من الرجل، ولا يخلو ذلك من نظر - ثم قال -: وحيث يحرم
عليه مسكنها والخلوة بها يزول التحريم بسكنى كل واحد منهما في بيت في الدار
الواحدة بشرط تعدد المرافق، فلو كانت مرافق حجرتها كالمطبخ والمستراح والبئر
والمرقى إلى السطح متحدة في الدار لم يجز بدون الثالث، لأن التوارد على المرافق
يفضي إلى الخلوة، وحكم السفل والعلو حكم الدار والحجرة، ولو كان البيت متحدا
لكنه واسع فبني حائلا جاز إن كان ما يبقى لها سكنى مثلها، ثم إن جعل باب
ما يسكنه خارجا عن مسكنها لم يفتقر إلى ثالث، وإن جعله في مسكنها لم يجز إلا
به، لافضائه إلى الخلوة بها وقت المرور ".
ولا يخفى عليك ما في ذلك من عدم الانطباق على أصولنا بعد فرض عدم دليل
صالح لتفريع ذلك ونحوه عليه، كما هو واضح. ومن الغريب اعتماد بعض الناس هنا
على الحرمة بدعوى ظهور عبارة المسالك فيه بقوله: " أشاروا " إلى آخره.
وأغرب منه ما يحكي عن بعض من قارب عصرنا من دعوى الاجماع على ذلك
344

فضلا عن دعوى آخر الشهرة، ضرورة أن أمثال هذه الدعاوي لا تورث الفقيه الماهر
ظنا بمثل هذا الحكم العام البلوى الذي تنافيه السيرة القطعية، بل وجملة من
النصوص (1) الدالة على صحبة غير المحرم في طريق الحج وغيره، لأن المؤمن ولي
المؤمنة وغير ذلك، والله العالم.
(الثاني)
(لو طلقها ثم باع المنزل) من غير ذكر للمشتري استحقاقها الاعتداد
فيه تخير المشتري بين الصبر وبين الفسخ، سواء كان اعتدادها بالأقراء أو بالأشهر.
وإن ذكر ذلك بعنوان الاشتراط عليه (فإن كانت معتدة بالأقراء) أو
الحمل (لم يصح البيع، لأنها) حينئذ (تستحق سكنى غير معلومة) باعتبار
تقدم العادة وتأخرها ونقصانها وزيادتها فيمن استقام حيضها وكذا الحمل (فتتحقق
الجهالة) بالشرط، فيبطل ويبطل العقد، والعادة المستقيمة في الأقراء والحمل لا تجدي
لامكان تغير العادة (ولو كانت معتدة بالأشهر صح لارتفاع الجهالة).
وأشكل كلا منهما في المسالك " أما الأول فبأن الاختلاف الحاصل أو
الممكن مع اعتيادها استقامة الحيض قدر يسير، فلا تضر جهالته حيث تكون المنفعة
في زمانه تابعة للمعلوم، كما جوزوا تبعية المجهول للمعلوم في البيع حيث يكون
المجهول تابعا، نعم هذا يجري على قول من لا يصح بيع المجهول مطلقا، والمصنف
منهم كما نبه عليه في بابه، فلذلك أطلق هنا ".
وفيه أنه لا وجه للتبعية هنا بخلافها في أس الجدار وبواطن الحيطان التي
مبني البيع فيها عرفا على جهالتها، نعم لو قالنا يفتقر مثل ذلك في الشرائط اتجه
الصحة وإلا فلا.
ثم قال: " وأما الثاني فيمكن مساواته للأول في احتمال الجهالة، لأن

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب وجوب الحج من كتاب الحج.
345

المعتدة بالأشهر تتوقع الحيض في أثنائها، فتنتقل إليها كما سبق - إلى أن قال -:
ومع ذلك يمكن طرو الموت في أثناء العدة، فتبطل وترجع المنفعة إلى ملكه أو ملك
ورثته، فلا وثوق بخروج المنفعة عن ملكه مدة العدة، وبهذا يفرق بين بيع العين
المؤجرة مدة معينة وبين بيع هذه الدار، لأن منافع العين المستأجرة ملك
للمستأجر، ألا ترى أنه لو مات كانت لورثته، بخلاف المعتدة، فإنها لا تملك منفعة
الدار، ولذا لو ماتت كانت منافعها بقية المدة للزوج ".
ولا يخفى عليك أن الأخير من غرائب الكلام، ضرورة عدم مدخليته في
صحة البيع وفساده، إذ ليس من الشرائط وثوق البائع بعدم عود المنفعة إليه، فإن
من باع دارا مستأجرة مدة معينة مشروطا فيها الخيار مثلا لا إشكال في صحة بيعه
وإن لم يثق البائع بعود المنفعة إليه بالفسخ، نعم إشكاله الأول لا يخلو من وجه،
إلا أنه قد يدفع بأن مبنى البطلان في الأول جهالة الأقراء عادة، فإن الاستقامة
فيها مبنية على الاختلاف بتقدم العادة وتأخرها وزيادة أيامها ونقصانها، فمتى أخذت
شرطا كان من الشرائط المجهولة المحكوم بطلانها، ويتبعها بطلان البيع، لا أن مبناه
احتمال تغير العادة والانتقال إلى الأشهر، كي يأتي مثله في ذات الأشهر التي هي ذات
مدة مضبوطة صح من جهتها البيع بناء على الغالب أو أصالة عدم التغير، فمع فرض
التغير ينجبر بالخيار، ومثله لا يوجب جهالة قادحة، فبان الفرق بينهما، وأما دعوى
التسامح في اليسير من اختلاف الأقراء حتى في صورة الشرطية فممنوعة.
وعلى كل حال فلو حاضت ذات الأشهر في الأثناء فإن انقضت عدتها بها في
مقدار الأشهر أو أقل ففي المسالك " لا اعتراض للمشتري وكان البحث في بقية الأشهر
هل ينتقل منفعتها إلى المشتري أو إلى البائع كما لو ماتت في أثنائها؟ والأظهر
انتقالها إلى البائع، لأنها كالمستثناة له مدة معلومة ".
وفيه أن مفروض المسألة استثناء اعتدادها تلك المدة، فمع فرض موتها
لا اعتداد، فتتمحض الدار للمشتري، وأولى من ذلك اتفاق اعتدادها بالأقل، وليست
المنفعة مملوكة للبائع، وإنما يستحق سكنى زوجته فيها تلك المدة بالشرط، كما
346

أنها هي أيضا غير مملوكة لها، وإنما لها حق الاستيفاء، فتأمل جيدا، فإن بذلك
يظهر لك النظر في غير ذلك من كلامه، بل وكلام غيره ممن تأخر عنه.
ولو اتفقت العدة بالأقراء لذات الأشهر أكثر من الأشهر قدمت الزوجة
بالباقي، لسبق حقها، وفي تخير المشتري في الفسخ والامضاء وجهان، من فوات
بعض حقه، فكان كتبعيض الصفقة، ومن قدومه على ذلك، فإنه كما يمكن بقاء
استحقاقها طول المدة باستمرارها على عدم الحيض يحتمل نقصانه عنها، وزيادته
بالتغيير الطاري وتصحيح البيع للبناء على الغالب أو على أصالة عدم التغير لا يوجب
تعيينه.
وفي المسالك " الأقوى الفرق بين من يعلم بالحكم وغيره، فيتخير الثاني دون
الأول، لأن خيار تبعض الصفقة مشروط بجهل ذي الخيار بما يقتضي التبعيض ".
وفيه (أولا) أن المقام ليس من خيار تبعض الصفقة قطعا، لأن المنفعة
ليس من المبيع، بل من صفاته، ولذا لا يتقسط الثمن عليها مع الرضا بفواتها.
و (ثانيا) أن خيار التبعيض ليس مشروطا بالجهل بالحكم الشرعي، وإنما
هو مشروط بالجهل بالموضوع، كما لو باع ماله ومال غيره غير عالم بذلك،
والفرض في المقام علم المشتري بكونه سكنى ذات عدة محتملة للزيادة والنقصان
فالمتجه حينئذ عدم الخيار له لأصالة اللزوم بعد إقدامه على الحال المزبور،
هذا.
وفيها أيضا " وربما أستثني من عدم صحة بيع المسكن - حيث لا نصححه -
ما لو بيع على المطلقة، لاستحقاقها حينئذ جميع المنفعة وإن كان بعضها به وبعضها
بالزوجية، فإن ذلك لا يقدح، كما لو باع ما يملك وما لا يملك مع الجهل بقسط
ما صح فيه البيع حالته، وقد تقدم البحث في نظير المسألة في كتاب السكنى إذا
بيع المسكن مدة معلومة أو مجهولة كالمقترن بالعمر، وحققنا القول فيه،
فليراجع ثمة ".
347

ولا يخفى عليك ما في تنظيره المقام ببيع المملوك وغيره وحضور التقسيط في
ذهنه، على أنه قد يشكل ذلك بناء على ما ذكره من عدم الوثوق بالمنفعة، لاحتمال
رجوعها إليه بالموت أو بعضها بانقضاء الأقراء في الأقل من الثلاثة، و (بالجملة)
لا يخفى عليك حال جميع كلامه في هذا المبحث، ومن الغريب اتباع بعض الناس
كالفاضل الإصبهاني له في بعض ذلك، والله العالم.
(الثالث)
(لو طلقها) في منزل من منازله التي تباع في الدين (ثم حجر عليه
الحاكم قيل) والقائل المشهور، بل في المسالك " بين الأصحاب وغيرهم، لم ينقل
أحد فيه خلافا " عدا المصنف: (هي أحق بالسكنى، لتقدم حقها على الغرماء)
كالمرتهن والمستأجر وغيرهما (وقيل) وإن كان لم نعرفه: (تضرب مع الغرماء)
بحقها من أجرة المثل) ووجه بأن حقها في السكنى تابع للزوجية السابقة،
ولهذا كان مشروطا بشروطها من بقائها على الطاعة والتمكين وغيره من الشرائط،
فلا يكون حقها أزيد من حق الزوجة، والزوجة إنما تستحق السكنى يوما فيوما،
وعلى تقدير الحجر عليه لا تستحق السكنى إلا يوم القسمة خاصة، فإذا بقي من
استحقاقها في السكنى شئ ضربت به مع الغرماء كالدين، لأنه متعلق بذمة الزوج
وإن اختص برقبة المسكن الخاص.
وأجيب بأن حق الزوجة في الاسكان والنفقة في مقابلة الاستمتاع، فكان
متجددا بتجدده، بخلاف حق المطلقة، فإنه ثابت بالطلاق لمجموع العدة لا في
مقابلة شئ، وإن كان مشروطا بشرائط نفقة الزوجة، ومن ثم وجب لها في البائن
والحامل.
والأصوب في الجواب أن يقال بزيادة المطلقة على الزوجية بتعلق حقها في
348

خصوص المسكن، للنهي عن إخراجها وخروجها (1) فتعلق حق الغرماء حينئذ قد
كان على الوجه المزبور، لفرض سبقه.
وأما ما في توجيه الاستدلال من تعلق حق الزوجة إلى يوم القسمة ففيه
(أولا) أن المتجه ضرب الزوجة مع الغرماء بيوم الحجر خاصة، لمقارنة حقها
فيه للحجر وتأخر ما بعده كغيره، كما صرح به هنا الفاضل في القواعد، و (ثانيا)
أنه قد تقدم في كتاب الفلس أنه يجري عليه النفقة من ماله له ولمن وجبت نفقته
عليه من زوجة وغيرها إلى يوم القسمة تقديما لخطاب النفقة على خطاب الوفاء، والله
العالم.
(و) على كال حال فلا ريب في أن (الأول أشبه) بأصول المذهب
وقواعده، لما عرفت من سبق تعلق حقها بالعين على حق الغرماء، هذا كله إذا
تقدم الطلاق على الحجر.
(أما لو حجر عليه ثم طلق كان) حقها من أجرة المثل (أسوة مع
الغرماء) بلا خلاف أجده هنا بين من تعرض له (إذ لا مزية لها) عليهم، قالوا:
وليس ذلك كدين يحدث بعد الحجر لا يزاحم صاحبه الغرماء، لأن حقها وإن
كان حادثا فهو مستند إلى سبب متقدم، وهو النكاح، وأيضا فإنه حق يثبت لها
بالطلاق من غير اختيارها، فأشبه ما إذا أتلف المفلس مالا، فإنه يزاحم الغرماء،
ومقتضاه الضرب بغير المسكن من النفقة.
بل هو صريح المسالك في الفرع الرابع، قال: " واعلم أنه لا فرق في هذه
المسائل بين أجرة المسكن والنفقة، فتضارب الغرماء عند إفلاس الزوج بالنفقة
والسكنى جميعا، بل المضاربة بالنفقة ثابتة على كل حال بخلاف المسكن، فإنها
قد تختص به، فلذلك أفردوه بالذكر ".
وفيه - إن لم يكن إجماعا - أنه لا وجه لضربها معهم في المسكن فضلا عن
النفقة، لكونه من الدين المتجدد، فهو كنفقة الزوجة المتجددة بعد الحجر،

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
349

ضرورة أن الطلاق لم يوجب نفقة، وإنما هي نفقة الزوجة: أقصى ما هناك لم يسقطها
الطلاق، ومن المعلوم عدم ضرب الزوجة بنفقتها المتجددة بعد الحجر، نعم قد
صرحوا في كتاب الفلس أنه تجري نفقة المفلس له ولمن وجبت نفقته عليه من المال
إلى يوم القسمة بلا خلاف يعرف فيه بينهم تقديما لخطاب النفقة على خطاب الوفاء،
فلاحظ وتأمل.
ودعوى اختصاص المطلقة بالحكم المزبور لا دليل عليها، كما أن احتمال
إرادتهم الضرب بما زاد من النفقة على يوم القسمة - أما قبله فهي مما تجري على
المفلس من ماله، لأنها من واجبي النفقة عليه - مناف لظاهر كلامهم بل صريح
بعضهم.
ودعوى أن ذلك كالاتلاف - لكون الطلاق من غير اختيارها - يدفعها -
مضافا إلى ما ذكرناه من الاشكال في كتاب الفلس في المشبه به - أن النفقة مستحقة
بالنكاح لا بالطلاق، وقد كان باختيارها، والذي يثبت بالطلاق حرمة إخراجها
وخروجها من المسكن حاله، لا أصل استحقاقها للسكنى، وحينئذ فيشكل أصل
ضربها مع الغرماء بالسكنى المتجددة فضلا عن غيرها وإن كان هو مفروغا منه
عندهم، نعم هي كباقي النفقة مما تجري بها على المفلس إلى يوم القسمة، وبعدها
تكون في ذمته، اللهم إلا أن يكون إجماعا في المقام، والله العالم.
350

(الرابع)
(لو طلقها في مسكن لغيره) قد تبرع به لها مثلا لا له (استحقت
السكنى في ذمته) لأنها من جملة النفقة اللازمة له، إذ لم تكن في بيت له يحرم عليه
إخراجها منه، فليس حينئذ إلا استحقاق النفقة، وفي ضربها بها مع الغرماء
الاشكال السابق، اللهم إلا أن يكون إجماعا، وعليه (فإن كان له غرماء)
وقد فلسه الحاكم (ضربت مع الغرماء بأجرة مثل سكناها) اللائقة بها (فإن
كانت معتدة بالأشهر فالقدر معلوم) عادة، واحتمال التخلف زيادة ونقصانا منفي
بالأصل.
(وإن كانت معتدة بالأقراء أو بالحمل ضربت مع الغرماء بأجرة سكنى
أقل الحمل أو أقل الأقراء) لأنه المتيقن (فإن اتفق) كذلك فلا إشكال (وإلا
أخذت نصيب الزائد) لتبين استحقاقها حينئذ كدين ظهر بعد القسمة، وربما
احتمل رجوعها على المفلس، لتقدير حقها بما أعطيت، فلا يتغير الحكم، وهو
واضح الفساد ضرورة كون التقدير المزبور للاستظهار لحق الغرماء، لا أنه حكم
من الحاكم بذلك، فلا إشكال في استحقاقها الزائد كما، لا إشكال في ردها التفاوت
لو فرض انقضاء عدتها بالأقل من المدة.
(وكذا لو فسد الحمل) باسقاط ونحوه (قبل أقل المدة رجع عليها
بالتفاوت) لظهور الزيادة عندها على ما تستحقه، ولعل المتجه مع العمل بالأصول
دفع مقدار مدة الأقصى لها، لأصالة العدم، والأعدل الجامع وضع ما يخصها على
أضعف احتمال بيد الحاكم حتى يعلم الحال.
351

(الخامس:)
(لو مات فورث المسكن جماعة) جاز لهم قسمته عندنا لانقلاب عدتها
حينئذ عدة وفاة، ولا سكنى فيها حتى لو كانت حاملا، لكن عن الشيخ إطلاق
أنه (لم يكن لهم قسمته إذا كان بقدر مسكنها إلا بإذنها أو مع انقضاء عدتها لأنها
استحقت السكنى فيه على صفته) وفي قسمتها ضرر عليها، فلا يجوز، كمن استأجر
دارا من جماعة ثم أرادوا قسمتها، وهو - بعد تقييده بالقسمة المضرة - منطبق
على مذهب بعض الشافعية القائلين استحقاقها ذلك في عدة الوفاة كما تجب في
غيرها.
(و) لعله لذا قال المصنف: (الوجه أنها لا سكنى لها بعد الوفاة ما لم تكن
حاملا) وتبعه عليه الفاضل، ولكن فيه أنها كذلك وإن كانت حاملا كما ستسمع،
نعم عن الشيخ أن لها النفقة من نصيب ولدها، وهو مع ضعفه لا يقتضي المنع من
القسمة، ضرورة كونها حينئذ كأحد الشركاء، ولا حق لها في خصوص العين، والله
العالم.
(السادس:)
قد عرفت أن مقتضى الآية (1) والرواية (2) عدم الاخراج والخروج من
بيوتهن التي كن فيها حال الطلاق، بمعنى المسكن الذي أسكنهن فيه الأزواج
إلا مع المانع، فلو انتقلت مع غير إذن الزوج ففي المسالك (عليها أن تعود إلى
الأول مطلقا، ولو أذن لها بعد الانتقال في أن تقيم في المنتقلة إليه كان كما انتقلت

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد.
352

إليه بعد الطلاق بإذنه، فإن جوزناه جاز هنا وإلا فلا " قلت: قد يقال: إنه لا إخراج
في الفرض ولا خروج، فتأمل.
و (لو أمرها بالانتقال) من منزل كانت تسكن فيه سواء كان ملكا لزوجها
أو مستأجرا أو مستعارا (فنقلت رحلها وعيالها ثم طلقت وهي في الأول اعتدت
فيه) دون الثاني الذي يصير بيتها إذا انتقلت ببدنها إليه، إذ المعتبر عندنا
الانتقال بالبدن الذي به يتحقق الصدق عرفا دون المال (و) العيال، خلافا
للمحكي عن أبي حنيفة، فعكس.
نعم (لو انتقلت) ببدنها بنية السكنى (وبقي عيالها ورحلها ثم
طلقت اعتدت في الثاني) الذي قد صار بيتها حينئذ بذلك، فيشمله النهي عن
الاخراج والخروج.
(ولو انتقلت إلى الثاني ثم رجعت إلى الأول لنقل متاعها) مثلا (ثم
طلقت اعتدت في الثاني، لأنه صار منزلها) الآن فمضيها إلى الأول كمضيها
إلى زيارة أو سوق، بل ربما استظهر من العبارة ما هو صريح كشف اللثام من
أنه لا فرق في الانتقال بين أن يكون انتقال قرار أو تردد وأن كانت تنقل أمتعتها
لكنها غير مستقرة في أحدهما، لأنها كالمأمورة بالانتقال - وطلقت في الطريق -
التي ستعرف حكمها، وعن بعض من كانت مترددة كذلك فإن طلقت في الثاني اعتدت
فيه وإن طلقت في الأول فاحتمالان، فتأمل.
(ولو خرجت من الأول فطلقت قبل الوصول إلى الثاني اعتدت في الثاني)
كما في القواعد ومحكي المبسوط (لأنها مأمورة بالانتقال إليه) عن الأول الذي
خرج عن كونه بيتها بخروجها منه بعد الأمر، وللشافعية أوجه ثلاثة أخر:
اعتدادها في الأول، لأنها لم تحصل في مسكن آخر قبل الطلاق، وتخييرها بينهما،
لأنها غير حاصلة في شئ منهما مع تعلقها بهما، واعتبار القرب، فإن كانت أقرب
إلى الثاني اعتدت فيه، وإن كانت أقرب إلى الأول اعتدت فيه.
قلت: لا يخفى عليك إن كثيرا من فروع المقام للعامة، وهي مبنية على الرأي
353

والقياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحو ذلك من أصولهم الفاسدة، وليس في
أدلتنا سوى الآية الشريفة (1) المشتملة على النهي عن الاخراج والخروج، والآية
الأخرى (2) المشتملة على الأمر باسكانهن من حيث سكنتم بناء على أنها في
المطلقات، وسوى ما في النصوص (3) من الأمر بالاعتداد في بيوت أزواجهن المعبر
عنه ببيوتهن.
ولعل المنساق خصوصا بقرينة النصوص الأخر (4) الواردة في غير الرجعية
المشتملة على الإذن لهن في الاعتداد أين شئن إرادة بقائهن على حالهن قبل
الطلاق، لكونهن كالأزواج، و " لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " (5) أي رجوعا
من الأزواج بهن، ولهذا ورد (6) أمرهن بالتزين والخضاب وغيره من الزينة
والتشوق للزوج استجلابا لهواه ورجوعه بالطلاق، فتعتد عنده لهذه الحكمة.
وقد عرفت سابقا أن الخروج والاخراج جائز مع اتفاقهما، وأنه يجوز
لها الحج مندوبا بالإذن، بل وغير الحج أيضا من الزيارات المندوبة، بل ومطلق
السفر ولو للنزهة.
ثم إن المعلوم عدم كون ذلك شرطا في صحة العدة، فلو أخرجها آثما
أو خرجت هي عاصية حتى مضت عدتها صحت، ولا تحتاج إلى إعادة، لاطلاق ما دل
على انقضاء عدتهن بالأقراء أو الأشهر كتابا (7) وسنة (8) وإجماعا، فالأمر حينئذ

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 1 - 6.
(2) سورة الطلاق: 65 - الآية 1 - 6.
(3) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد.
(4) الوسائل الباب 20 و 32 من أبواب العدد.
(5) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(6) الوسائل الباب 21 من أبواب والعدد.
(7) سورة البقرة: 2 الآية - 228.
(8) الوسائل الباب 12 و 15 من أبواب العدد.
354

بذلك للتعبد المحض، لا أنه شرط.
فإذا تقرر لك ذلك كله علمت أنه لم يثبت بالطلاق سوى أنه ليس للزوج
إخراجهن عن المنزل ولو إلى منزل آخر بدون رضاهن، وأما خروجهن بدون الإذن
فقبل الطلاق غير جائز لهن أيضا.
وبذلك كله يظهر لك النظر في كثير من فروع المقام المبنية على تعبدية كون
العدة في المنزل الذي يقارن الطلاق وإن انتقل الرجل بعياله ورحله إلى منزل
آخر، مع أن في النصوص ما هو صريح في اعتدادها عنده (1) ومن ذلك مسألة
الكتاب أيضا.
وأزيد من ذلك ما ذكروه من أنه لو أذن لها في السفر ثم طلقها قبل الخروج
اعتدت في منزلها، سواء نقلت رحلها وعيالها إلى البلد الثاني، وسواء كان السفر
سفر حاجة أو سفر نقلة، لأنها طلقت وهي مقيمة فيه، ولو خرجت من المنزل - أي
موضع اجتماع القافلة في البلد أو ارتحلت معها - فطلقت قبل مفارقة بيوت البلد فضلا
عما بعدها - فالأقرب الاعتداد في الثاني وإن كانت في البلد، إذ لا فرق بين المنزلين
في بلد أو بلدين، وقد عرفت أنها إذا طلقت وهي في الطريق بين المنزلين اعتدت
في الثاني.
وعن الشيخ أنها ما لم تفارق البلد فهي في حكم المقيمة، يعني أن البلد كالمنزل،
فكما أنها إذا طلقت وهي في المنزل الأول اعتدت فيه فكذا إذا طلقت وهي في البلد
الأول اعتدت فيه، ولا يكون إلا في ذلك البيت ما لم يكن مانع، لأنها ما لم تخرج
عن البنيان فهي في البلد إلى آخره.
ولو كان سفرها للتجارة أو الزيارة ونحوهما مما لغير النقلة ثم طلقت وقد
شرعت في السفر فارقت البنيان أولا فالأقرب أنها تتخير بين الرجوع والمضي في

(1) لم أعثر في الروايات على التصريح بالاعتداد عنده، وإنما يستفاد ذلك من
مجموع الروايات المروية في الوسائل في الباب 18 و 20 و 21 من أبواب العدد،
فهي كالصريحة في ذلك.
355

سفرها، لأن المنزل الأول خرج عن بيتها بالإذن في الخروج، ولم يعين لها منزلا
آخر يتعين عليها الخروج إليه، لأن في إلزام العود إليها إبطال أهبة السفر إن لم
تتجاوز البنيان والمشقة من غير الوصول إلى المقصد، والانقطاع عن الرفقة إن تجاوزت،
وكل ذلك ضرر. وفيه أن خروج المنزل عن كونه بيتا لها بالإذن واضح المنع.
وعن الشيخ الحكم والاعتداد في البلد إن لم تفارق البنيان مطلقا، قال: وإن
فارقت البنيان ففيه مسألتان: أحدهما أن يكون أذن لها في الحج أو الزيارة أو
النزهة، ولم يأذن في إقامة مدة مقدرة، والثانية أذن لها في ذلك، ففي الأول لا يلزمها
العود، فإنه ربما كان الطريق مخوفا وتنقطع عن الرفقة، فإذا أرادت العود كان لها
ذلك، وإن تعدت في وجهها فإن كان أذن لها في الحج فإذا قضت حجها لم يجز لها
أن تقيم بعد قضائها، وإن كان أذن لها في النزهة أو الزيارة فلها أن تقيم ثلاثة أيام،
فإذا مضت الثلاث أو قضت حجها فإن لم تجد رفقة تعود معهم وخافت في الطريق فلها
أن تقيم، لأنه عذر، وإلا فإن علمت من حالها أنها إذا عادت في البلد أمكنها أن
تقضي ما بقي من عدتها لزمها ذلك، وإلا فقال بعضهم: لا يلزمها العود، بل لها الإقامة
في موضعها، وقال آخرون: يلزمها العود، لأنها مأمورة بالعود غير مأمورة بالإقامة،
وهو الأقوى، وفي الثانية إن طلقت وهي بين البلدين فكما لو طلقت بين المنزلين،
وإن طلقت وهي في البلد الثاني لزمها الإقامة ثلاثة أيام، وهل لها الإقامة المدة المضروبة؟
قولان، فإن لم يكن فالحكم كما في المسألة الأولى ".
وعند الشافعية إن لم تفارق البنيان فوجهان: تخييرها بين العود والمضي والعود،
لأنها لم تشرع في السفر، فهي كما لو لم تخرج من المنزل، ووجه آخر إن كان
سفرا لحج تخيرت وإلا وجب العود، وإن فارقت تخيرت، ووجه آخر أيضا، إن لم
تقطع مسافة يوم وليلة لزمها الانصراف.
وعن أبي حنيفة إن لم يكن بينها وبين المسكن مصيرة ثلاثة أيام لزمها
الانصراف، وإلا فإن كان الموضع موضع إقامة أقامت واعتدت فيه، وإلا مضت
356

في سفرها.
ومما ذكروا أيضا أنه لو نجزت حاجتها في السفر ثم طلقت رجعت إلى منزلها
إن بقي من العدة إن رجعت إليه ما يفضل عن مدة الطريق، إذا لا بيت لها سواه، فيجب
الاعتداد فيه ولو يوما، وإلا يفضل شئ فلا.
ولو أذن لها الاعتكاف فاعتكفت ثم طلقها فيه خرجت إلى بيتها للاعتداد
فيه، بل عن التذكرة إجماع علمائنا عليه، لأنه واجب مضيق لا قضاء له كالجمعة،
خلافا لبعض العامة، وقضت الاعتكاف بعد ذلك مستأنفة له إن كان واجبا كما عن
المبسوط، وعن المعتبر والتذكرة والمنتهى إن لم تشترط وإلا بنت، وعن الخلاف
إطلاق البناء.
ولو كان الاعتكاف في زمان معين بالنذر مثلا ففي الخروج للاعتداد إشكال،
بل عن الشهيد القطع بالاعتداد في المسجد، وعن الإيضاح على تقدير الخروج ففي
القضاء إشكال من أن العذر ليس باختيارها، والزمان لم يقبل الاعتكاف، فظهر عدم
انعقاد النذر، وعدم صحة اليومين، ومن الوجوب بالنذر أو باعتكاف اليومين ولم
يفعل فيجب القضاء.
إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى عليك ما في كثير منها بعد الإحاطة بما
ذكرنا، وخصوصا إذا قلنا بكون المراد من الآية (1) والرواية (2) بقاءها على
الزوجية السابقة من الكون في دارها مع زوجها، كما هو مقتضى قوله تعالى (3):
" أسكنوهن من حيث سكنتم " وإن هذا معنى قوله عليه السلام (4): " تعتد في بيتها
عنده " بل هو معنى النهي عن الاخراج والخروج، أي لا تخرجوهن من حيث كونهن

(1) سورة الطلاق: 65 الآية 1 - 6.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد.
(3) سورة الطلاق: 65 الآية 1 - 6.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد الحديث 5 وفيه " تعتد المطلقة
في بيتها " وليس فيه كلمة " عنده " راجع التعليقة في ص 355.
357

مطلقات وصرن كالأجنبيات، كما أنهن لا يخرجن من حيث إنهن كذلك.
وبالجملة ذلك كله لدفع توهم صيرورتهن أجانب بالطلاق كالبائنة، والمراد
بقاء سلطنة الزوج عليهن، واستحقاقهن السكنى معه كالزوجة غير المطلقة، وحينئذ
لا بأس باعتدادهن في سفر أو حضر أو اعتكاف أو غير ذلك إذا كن معه معاملات معاملة
الأزواج، كما أنه لا يتم أيضا لو قلنا بكون الحكم الاعتدادي قد رفع اختيار الزوج
في أفراد السكنى، وأوجب المنزل الخاص على وجه لو اقترح غيره لم يكن له، بل
لا يتم أيضا لو قلنا بوجوب الاعتداد في منزل الطلاق تعبدا على وجه يكون كالحداد
في المتوفى عنها زوجها، بحيث يجب بقاؤها فيه للاعتداد وإن سكن الزوج وعياله
غيره وتركها فيه، وهو - مع أنه مناف لقوله تعالى (1): " أسكنوهن من حيث
سكنتم " و " تعتد عنده " (2) وغيرهما - لا يتم جملة من كلامهم عليه أيضا، لشدة
الاختلاف فيه، وبناؤه على اعتبارات ومناسبات لا توافق أصولنا، خصوصا بعد ملاحظة
أن السفر للحج أو مطلقا جائز لها بإذنه في العدة، فضلا عما لو طلقها في أثنائه وإذنه
مستمرة بالسفر كعزمها عليه، وملاحظة إمكان انتفاء موضوع الاخراج والخروج
وبيتها وبيت زوجها في كثير من أفراد المطلقات وكثير من أحوال مصادفة الطلاق لهن،
والله العالم بحقائق أحكامه.

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
(2) الوسائل الباب 18 من أ بواب العدد الحديث 5 راجع التعليقة الرابعة في
الصفحة السابقة.
358

(السابع)
قد ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد خلافا فيه بينهم في أن (البدوية
تعتد في المنزل الذي طلقت فيه) وإن كان بيتها من صوف أو شعر أو غيرهما،
إذ لا فرق بينه وبين الآجر والطين في صدق البيت الذي هو العنوان في الكتاب (1)
والسنة (2) بل في كشف اللثام " فلا يجوز لها الخروج، ولا له الاخراج عن
القطعة من الأرض التي عليها القبة أو الخيمة، ويجوز تبديلهما، فإن البيت في
المأوى ".
كما أن في المتن والقواعد وغيرهما (فلو ارتحل النازلون به ارتحلت معهم
دفعا لضرر الانفراد) من الوحشة والخوف وغيرهما (وإن بقي أهلها فيه أقامت
معهم ما لم يغلب الخوف بالإقامة، ولو رحل أهلها) التي كانت تستأنس بهم في بيتها
(وبقي) من النازلين فيه (من فيه منعة) وتأمن معهم (فالأشبه) كما عن المبسوط
جواز النقل دفعا لضرر الوحشة بالانفراد،) بل في كشف اللثام " وإن بقي معها
الزوج " وفي القواعد " أما لو هرب - أي النازلون - عن الموضع لعدو فإن خافت
هربت معهم وإن لم يهرب أو ينتقل أهلها للضرورة، وإلا أقامت إن بقي أهلها، لأن
أهلها لم ينتقلوا، ولا هي خائفة، فلا بها ضرورة الخوف ولا ضرورة الوحشة ".
ولا يخفي عليك ما في جميع ذلك بعد الإحاطة بما ذكرنا، خصوصا ما عساه
يظهر منهم من عدم جواز تنقل بيتها من مكان إلى مكان للنزهة أو لطلب الماء أو
المرعى أو لغير ذلك مما يفعله البدو، إذ هو كما ترى، ضرورة عدم المفهوم من
الكتاب (3) والسنة (4) أزيد من بقائها حال الاعتداد في بيتها لا تخرج منه ولا تخرج

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 1.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد.
(3) سورة الطلاق: 65 الآية 1.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب العدد.
359

هي على حسب حاله، فلا ينافيه تنقل البدو من مكان إلى مكان وغيره مما هم عليه،
كما هو واضح.
(الثامن)
(لو طلقها في السفينة فإن لم تكن مسكنا) لها بأن كانت مسافرة مثلا ففي
القواعد تبعا للمصنف (أسكنها حيث شاء) لأنها حينئذ كغيرها من المسافرات
(وإن كانت مسكنا) لها بأن كان زوجها ملاحا مثلا (اعتدت فيها) لأنها
حينئذ بيتها بمنزلة الدار للحضرية.
وفي المسالك " فإن اشتملت على بيوت مميزة المرافق أعتدت في بيت منها
معتزلة من الزوج، وسكن الزوج بيتا آخر، وكانت كدار فيها حجرة منفردة المرافق،
وإن كانت صغيرة نظر، إن كان معها محرم يدفع الخلوة المحرمة اعتدت فيها،
ولو أمكن خروجه منها مع انتفاء الضرر بخروجه بحيث يبقى فيها من يمكنه معالجتها
وجب، كما تقدم في البيت الواحد، وحيث تعتد خارجها يجب تحري أقرب المنازل
الصالحة لها إلى الشط، كما تقدم في ضرورة الخروج من منزل الطلاق ".
وفي القواعد " هل له إسكانها في سفينة تناسب حالها؟ الأقرب ذلك " وفي
كشف اللثام " خصوصا إذا اعتادت السكنى في السفن وإن لم تكن تلك السفينة مسكنا
لها، لعموم " أسكنوهن من حيث سكنتم " (1) ومناسبة حدوث الرجعة مع الأصل،
فإن النهي إنما وقع عن الخروج والاخراج عن البيوت، فإن دخلت السفينة في البيوت
فلا إخراج، وإلا فلا بيت حتى يحصل الاخراج عنه، ويحتمل العدم حملا للاسكان
على الغالب ".
ولا يخفى عليك ما في الجميع أيضا، ضرورة أن المتجه بناء على كلامهم السابق
عودها إلى منزلها مع فرض كونها مسافرة وقد قضت وطرها وكان قد بقي من العدة

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 6.
360

ما يمكن قضاؤه في بيتها، كما أن المتجه بناء على مذاقهم وجوب قضائها العدة في
تلك السفينة، بل في بيت الطلاق منها إذا كانت مسكنا لها، فلا يجزي غير بيت
فيها فضلا عن سفينة أخرى، عن منزل آخر وقد عرفت أيضا جواز الخلوة
بالرجعية.
(التاسع)
(إذا) طلقت وهي في مسكنه فخرجت بغير إذنه و (سكنت في منزلها)
فلا أجرة لها قطعا وإن كانت قبل الطلاق ساكنة في منزلها وطلقها وبقيت فيه.
(ولم تطالب بمسكن) مع حضوره وملائته (فليس لها المطالبة بالأجرة) كما
في القواعد (لأن الظاهر منها التطوع بالأجرة) فهي حينئذ كمن قضى دين غيره
بغير إذنه.
(وكذا لو استأجرت مسكنا فسكنت فيه لأنها) إنما (تستحق السكنى)
عليه (حيث يسكنها لا حيث تتخير،) وقد يشكل بأن سكناها من جملة النفقات
الواجبة التي تستقر في الذمة بفواتها ويجب قضاؤها، ولا يلزم من سكوتها أن تكون
قاضية لدينه بغير إذنه، وإلا لم تستحق نفقة إذا امتنع من الانفاق عليه وهي
زوجته فأنفقت على نفسها، فإنها حينئذ تكون قاضية لدينه بغير إذنه مع وجوب
قضائها إجماعا، ودعوى كون الظاهر من حالها التبرع تتخلف فيما إذا صرحت
بقصد الرجوع.
واحتمال كونه هنا من قبيل نفقة الأقارب - لا نفقة الزوجة، لخروجها عن
الزوجية وأن الغرض من سكناها تحصين مائه على موجب نظره واحتياطه، ولم
يتحقق، فكانت بذلك شبيهة بنفقة الأقارب التي لا قضاء لها بعد فواتها، لأنها من
البر والصلة، لا المعاوضة - واضح الفساد.
361

وأوضح منه فسادا احتمال الفرق بين السكنى والنفقة، بأن السكنى لكفاية
الوقت وقد مضى، والمرأة لا تملك المسكن، ولها تملك الانتفاع به، والنفقة عين
تملك، تثبت في الذمة، ضرورة اقتضاء ذلك عدم ضمانه للزوجة، بل والكسوة بناء
على أنها إمتاع.
ومثلهما تعليل المصنف الأخير فإنه إنما يتم مع بذل الزوج السكنى لها،
لا مع سكونه الذي هو المفروض، فالتحقيق ثبوت ذلك لها في ذمته ما لم تكن ناشزا أو
تصرح بالتبرع أو يعلم ذلك من حالها.
نعم إنما تستحق عليه أجرة مسكن قابل لها، لا خصوص أجرة مسكنها وإن
علت، ولا خصوص الأجرة التي استأجرت بها، اللهم إلا أن تكون قد رفعت أمرها
إلى الحاكم بعد امتناعه أو تعذره، فأمرها بالاستئجار عليه، فاستأجرت اللائق بها،
فإن عليه الأجرة المسماة، بل في القواعد لو استأجرت في نحو الفرض فالوجه رجوعها
إليه، قال: لو طلقها غائبا أو غاب بعد الطلاق ولم يكن لها مسكن مملوك ولا
مستأجر استدان الحاكم عليه قدر أجرة المسكن، وله أن يأذن لها في الاستدانة عليه،
ولو استأجرت من دون إذنه فالوجه رجوعها إليه " وإن كان هو كما ترى مع فرض
إرادة الأجرة المسماة.
(المسألة الثالثة:)
(لا نفقة للمتوفى عنها زوجها) ولا سكنى من مال الزوج إذ لا مال له
(ولو كانت حاملا) للأصل (و) غيره، كما تقدم الكلام فيه في كتاب النكاح.
نعم (روى أنه ينفق عليها من نصيب الحمل) الذي يعزل له، قال الصادق عليه السلام في خبر أبي الصباح الكناني (1): " المرأة المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب النفقات الحديث 1 من كتاب النكاح.
362

الذي في بطنها " وقال أحدهما عليهما السلام في صحيح ابن مسلم: والمتوفى عنها زوجها
ينفق عليها من ماله " بناء على رجوع الضمير إلى الولد وإن لم يجر له ذكر، بل عن
النهاية والكافي والمقنع والفقيه الفتوى بذلك.
(و) لكن (في الرواية) المزبورة (بعد) باعتبار مخالفتها قواعد
المذهب التي (منها) عدم تملك الحمل قبل سقوطه حيا، و (منها) عدم وجوب
نفقة الأقارب إلا في حال مخصوص، وهو الاعسار، وكلام الخصم ودليله مطلق،
نعم عن الجامع التقييد بذلك و (منها) أن به تعريضا بمال الوارث للتلف حيث يسقط
الحمل ميتا.
على أنها معارضة بالنصوص الكثيرة، كصحيح محمد بن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام
سأله " عن المتوفى عنها زوجها ألها نفقة؟ قال: لا ينفق عليها من مالها
وحسن الحلبي (3) سئل الصادق عليه السلام " عن الحبلى المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟
قال: لا ".
ومن هنا كان الأقرب عدم النفقة لها كما صرح به جماعة، بل المشهور، بل
لم أجد فيه خلافا إلا ممن عرفت، سواء قلنا: إن النفقة للحمل أو للحامل، لأن ذلك
إنما هو في المطلقة البائن، فما عن المختلف من أنه " إن كانت النفقة للحمل أنفق عليها
وإلا فلا " كما ترى.
وما في خبر السكوني (4) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام " نفقة الحامل المتوفى
عنها زوجها من جميع المال حتى تضع " - مع الضعف والمعارضة بما سمعت وعدم
القائل بمضمونه بل في كشف اللثام الاجماع على خلافه - يحتمل الاستحباب، وأن

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب النفقات الحديث 4 - 6 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب النفقات الحديث 4 - 6 من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب النفقات الحديث 1 من كتاب النكاح مع الاختلاف
في اللفظ.
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب النفقات الحديث 2 من كتاب النكاح.
363

المراد الانفاق من الجميع حتى إذا وضعت الولد حيا أخذت النفقة من نصيبه.
(و) على كل حال ف‍ (لها أن تبيت حيث شاءت) كما سمعت الكلام
فيه سابقا.
(المسألة الرابعة)
(لو تزوجت في العدة لم يصح) بلا خلاف ولا إشكال نصا (1) وفتوى،
كما تقدم الكلام في كتاب النكاح، من غير فرق بين حال الجهل والعلم (و) حينئذ
(لم تنقطع عدة الأول) قطعا، لأن مجرد العقد الفاسد لا يقطعها.
(ف‍) حينئذ (إن) عقدها و (لم يدخل الثاني بها فهي في عدة الأولى)
بلا خلاف (و) لا إشكال، بل (إن وطأها الثاني عالما بالتحريم فالحكم كذلك)
أيضا، لما عرفت من أنه لا حرمة لماء زان سواء (حملت) منه (أو لم تحمل)
فهي حينئذ في عدة الأول ولا عدة عليها للثاني، كما تقدم الكلام فيه سابقا أيضا،
(ولو كان جاهلا ولم تحمل أتمت عدة الأول، لأنها أسبق واستأنفت أخرى
للثاني على أشهر الروايتين) عملا، بل المشهور، بل عن الخلاف الاجماع عليه،
لأصالة عدم التداخل، ولصحيح الحلبي أو حسنه (2) عن أبي عبد الله عليه السلام
" سألته عن الحبلى يموت زوجها فتضع وتتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرا،
فقال: إن كان دخل بها فرق بينهما، ثم لم تحل له أبدا، واعتدت بما بقي عليها
للأول، واستقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء، وإن لم يكن دخل بها فرق
بينهما، واعتدت بما بقي عليه من الأول، وهو خاطب من الخطاب ".
وموثق ابن مسلم (3) عن أبي جعفر عليه السلام " سألته عن الرجل يتزوج المرأة

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث - 0 - 6 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث - 0 - 6 من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9 من
كتاب النكاح.
364

في عدتها، قال: إن كان دخل بها فرق بينهما، ولم تحل له أبدا، واعتدت بما بقي
عليها من الأول، واستقبلت عدة أخرى من الآخر، وإن لم يكن دخل بها فرق
بينهما، وأتمت عدتها من الأول، وكان خاطبا من الخطاب " (1).
وخبر علي بن بشير النبال عن أبي عبد الله عليه السلام وفيه " وإن فعلت ذلك بجهالة
منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد، فرق بينهما، وتعتد بما بقي من عدتها
الأولى: وتعتد بعد ذلك عدة كاملة ".
ولما عن طبرسيات المرتضى من " أنه روي (2) أن امرأة نكحت في العدة ففرق
بينهما أمير المؤمنين عليه السلام، وقال: " أيما امرأة نكحت في عدتها فإن لم يدخل بها
زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد من الأول، ولا عدة عليه للثاني، وكان خاطبا من
الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما، وتأتي ببقية العدة عن الأول، ثم تأتي عن
الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة " وروي مثل ذلك بعينه عن عمر (3) و " أن طلحة كانت
تحت رشيد الثقفي، فطلقها فنكحت وهي في العدة، فضربها عمر، وضرب زوجها،
وفرق بينهما، ثم قال أيما امرأة نكحت في عدتها فإن لم يدخل بها زوجها الذي
تزوجها فإنها تعتد عن الأول، ولا عدة عليها للثاني، وكان خاطبا من الخطاب،
وإن كان دخل بها فرق بينهما وأتت ببقية عدة الأول، ثم تعتد عن الثاني، ولا تحل
له أبدا " ولم يظهر خلاف لما فعل، فصار إجماعا " انتهى. بل لم أجد خلافا في ذلك
ممن تقدم إلا من الإسكافي.
وأما الصدوق فإنه وإن قال في المحكي عن موضع من مقنعه: " إذا نعي إلى
امرأة زوجها فاعتدت وتزوجت ثم قدم زوجها فطلقها وطلقها الآخر فإنها تعتد
عدة واحدة ثلاثة قروء " لكن قال في المحكي عن موضع آخر منه: " إذا تزوج

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 18 من
كتاب النكاح.
(2) راجع التعليقة (4) من ص 264.
(3) سنن البيهقي ج 7 ص 441 وفيه " إن طليحة " كما تقدم في ص 265.
365

الرجل امرأة في عدتها ولم يعلم وكانت هي قد علمت أنه قد بقي من عدتها ثم قذفها
بعد علمه بذلك فإن كانت علمت أن الذي عملته محرم عليها وقدمت على ذلك فإن
عليها حد الزاني، ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئا، وإن فعلت بجهالة منها
ثم قذفها ضرب قاذفها الحد، وفرق بينهما، وتعتد عدتها الأولى، وتعتد بعد ذلك
عدة كاملة ".
كما أني لم أعرف له دليلا سوى دعوى أصالة البراءة المقطوعة بظاهر اقتضاء
تعدد السبب تعدد المسبب، وصحيح زرارة (1) عن الباقر عليه السلام " في امرأة
تزوجت قبل أن تنقضي عدتها، قال: يفرق بينهما، وتعتد عدة واحدة عنهما
جميعا " وخبر أبي العباس (2) عن أبي عبد الله عليه السلام " في المرأة تتزوج في
عدتها، قال: يفرق بينهما، وتعتد عدة واحدة عنهما جميعا " ومرسل جميل (3)
عن أحدهما عليهما السلام " في المرأة تتزوج في عدتها، قال يفرق بينهما، وتعتد عدة واحدة
منهما جميعا " وخبر زرارة (4) عن الباقر عليه السلام " في امرأة فقدت زوجها أو نعي
إليها فتزوجت، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر
عدة واحدة، وليس للآخر أن يتزوجها أبدا.
مؤيدا ذلك بأن قاعدة اقتضاء تعدد السبب تعدد المسبب مختصة بما إذا كان
السبب مطلقا، وأما إذا كان مقيدا بوقت خاص لا يسع إلا فردا واحدا فلا اقتضاء، لاستحالة
التعدد حينئذ بل يكون ذلك دليلا على أن المراد التعريف من اجتماع الأسباب حينئذ،
وما نحن فيه من الثاني، ضرورة ظهور جميع أدلة العدد في اتصال العدة بالسبب أو ما يقوم
مقامه، كبلوغ الخبر في الوفاة، وهو زمان غير قابل للتعدد، فلا محيص عن التداخل
حينئذ، خصوصا بعد أن كان الغرض الاستبراء، وقد حصل بالعدة الأولى، بل ليس

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 - 12 - 14 من كتاب النكاح.
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 - 12 - 14 من كتاب النكاح.
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 - 12 - 14 من كتاب النكاح.
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
366

المقام عند التأمل إلا كشئ متحد تعددت الأوامر به.
نعم قد يقال: إن ظاهر النصوص المزبورة كون التداخل مع فرض عروض
السبب في أثناء مقتضي الأول، بمعنى استئناف عدة للمتجدد تكون هي متممة
لما بقي من العدة الأولى، وعدة تامة للآخر، لا أن المراد عدم تأثير الثاني أصلا
مع فرض عروضه في أثناء عدة الأول، حتى أنه يجتزأ بما بقي من اللحظة مثلا من
عدة الشبهة لو فرض وقوع الطلاق في أثنائها، وكأنه واضح الفساد.
وعلى كل حال فدليل التداخل ما سمعت، ومن هنا مال جماعة من متأخري
المتأخرين إلى قول ابن الجنيد، حاملين أخبار التعدد على الندب، أو على التقية
التي يشهد لها - مضافا إلى ما سمعت من كونه فتوى عمر - خبر زرارة (1) " سألت
أبا جعفر عليه السلام عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت وتزوجت، فجاء زوجها
الأول ففارقها وفارقها الآخر، كم تعتد للناس؟ قال: ثلاثة قروء إنما تستبرئ
رحمها بثلاثة قروء وتحل للناس كلهم، قال زرارة: وذلك أن الناس قالوا:
تعتد عدتين، من كل واحدة عدة، فأبى ذلك أبو جعفر عليه السلام، وقال: تعتد بثلاثة قروء،
وتحل للرجال ".
ومرسل يونس (2) في امرأة نعي إليها زوجها، فتزوجت، ثم قدم الزوج
الأول فطلقها وطلقها الآخر، فقال إبراهيم النخعي عليها أن تعتد عدتين، فحملها
زرارة إلى أبي جعفر عليه السلام، فقال: عليها عدة واحدة "
إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من الشهرة العظيمة، فضلا عن
الاجماع المحكي، بل يمكن دعوى تحصيله، فلا مكافئة حتى يجمع بينهما
بذلك.
ودعوى عدم معقولية التعدد هنا واضحة المنع، ضرورة أن العدة إنما هي
تربص مدة من الزمان عن التزويج، والاتصال بالسبب غير معتبر في مفهومها شرعا
ولا لغة، نعم ظاهر الأدلة فوريتها، فمع فرض التعدد يكون الفورية حينئذ على

(1) الوسائل الباب 38 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(2) الوسائل الباب 38 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
367

حسب الامكان بالتعاقب.
على أنه اجتهاد في مقابلة النصوص المعمول بها بين الأصحاب، بل قد سمعت
دعوى الاجماع على مضمونها، فلا تصلح النصوص المزبورة بعد الاعراض عنها مكافئة
لها، بل المتجه طرحها أو حملها على ما عن الشيخ من كونها مع عدم دخول الثاني،
وحينئذ فيكون ما فيها من الاعتداد منهما على معنى أنه لا عدة عليها للثاني، وقد
تقدم جملة من هذا الكلام في هذه المسألة في كتاب النكاح، بل وفي فروع الفصل الرابع
من هذا الكتاب، فلاحظ وتأمل.
(ولكن) هنا نقول أيضا: (لو حملت) هنا (وكان ما يدل على أنه
للأول) ولو بفرض أنه طلقها حاملا ثم وطأها المشتبه (اعتدت بوضعه للأول)
قطعا، لأن الكلام هنا في المطلقة وإن كان حكم التزويج في العدة شاملا لها ولغيرها
(وللثاني بثلاثة أقراء بعد وضعه) إن كانت معتدة بها، وإلا فبالأشهر.
(وإن كان هناك ما يدل على أنه للثاني) ولو بولادته لأكثر من أقصى
الحمل من وطء الأول ولما بينه وبين الأقل من وطء الثاني (اعتدت بوضعه له،
وأكملت عدة الأول بعد الوضع) بلا خلاف ولا إشكال، كما تقدم الكلام في ذلك
كله سابقا.
نعم في المسالك هنا " أنه إن كانت الأولى بالأشهر فواضح، وإن كانت
بالأقراء وعرض وطء الثاني في أثناء القرء لم يحتسب قرء، بل تكمله بعد الوضع إلى
أن يبتدئ النفاس إن تأخر عن الولادة، ولو اتصل بها سقط اعتبار ما سبق من الطهر،
واحتسب بما بعد النفاس وإن طال زمانه، لأنها قد ابتدأت العدة بالأقراء، فلا
ترجع إلى الأشهر لو فرض مضي ثلاثة بعد النفاس طهرا بسبب الرضاعة، نعم لو فرض
بلوغها بعد الولادة سن اليأس أتمت العدة الأولى بالأشهر، كما سبق نظيره ".
وفيه أن المتجه في الأول أيضا الاجتزاء بالأشهر الثلاثة، لما سمعت من
النص (1) والفتوى أن العدة أسبق الأمرين، الأقراء أو الأشهر، كما أوضحنا

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب العدد الحديث 3 - 5.
368

الكلام في ذلك، من غير فرق بين سبق القرء وعدمه إلا في المسترابة التي قد مر
الكلام فيها أيضا.
بل قد يشكل أيضا ما ذكره من التلفيق المزبور - بناء على أنه مخالف للقواعد -
بأن الفرض غير المنصوص منه.
وأشكل من ذلك ما ذكره فيها أيضا من أنه قد يكون إحدى العدتين بالأقراء
والأخرى بالأشهر، كما لو طلقها الأول ومضى عليها قرءان مثلا، ثم وطئت بالشبهة
ولم تحمل، فإنها تكمل الأولى بالأقراء فلو فرض انقطاع دمها في زمن الثانية
ثلاثة أشهر اعتبرت بالأشهر، ولو فرض بلوغها سن اليأس بعد الحكم عليها بالاعتداد
من الثاني وقبل الفراغ من عدة الأول بأن بقي لها منها قرء أكملت عدة الأول شهرا
واعتدت للثاني بثلاثة أشهر وإن كانت يائسة في جميع وقتها، لسبق وجوبها قبل
اليأس، كما سبق وجوب إكمال الأولى قبله، ولا يأتي عندنا اعتداد اليائسة بجميع العدة
في زمن اليأس إلا هنا، ولو اعتبرنا زمن استفراش الثاني لها قاطعا لعدة الأول فاستدام
فراشه إلى أن بلغت سن اليأس ثم فرق بينهما أكملت عدة الأول بالأشهر أيضا
ثم اعتدت للثاني بها، ضرورة منافاة ذلك لأصل البراءة، ولما دل (1) على عدم
العدة على اليائسة الشامل للفرض ولغير ذلك مما يظهر لك مما قدمناه في مسألة التلفيق،
فلاحظ وتأمل.
وأما ما أومأ إليه أخيرا بقوله، " ولو اعتبرنا " إلى آخره فقد ذكر سابقا " أنه
يفهم من قول المصنف: " ولم ينقطع " إلى آخره أن زمن زوجية الثاني ظاهرا ووطئه
محسوب من عدة الأول وإن كانت فراشا للثاني، ولا يخلو من إشكال، لأن الفراش
ينافي الاعتداد المعتبر لبراءة الرحم، خصوصا زمن الوطء بالفعل، ولو قيل بأن مدة
كونها فرشا للثاني وهو من حين العقد إلى حين العلم بالحال لا يعتبر من عدة الأول
كان وجها، ولو فرض كون وطء الشبهة بغير عقد فالمستثنى من العدة على هذا الوجه
زمن الوطء فيبنى على العدة السابقة، لما عرفت من ذلك الأمر، ويظهر كونه فراشا

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب العدد.
369

للثاني مع جهله وإن كان العقد فاسدا من تعليل إلحاق الولد به بل من ترجيحه على
الأول بكونها فراشا بالفعل، نعم لو قيل بأنها لا تصير فراشا إلا بالوطء خاصة وإن
وقع عقد لفساده شرعا اتجه أيضا، أما نفي فراشها مطلقا كما ذكره في التحرير معللا
به عدم قطع العدة فغير واضح ".
قلت: قد اشتهر على الألسنة أن الفراش لا يجامع العدة، لكن لا دليل على
إطلاقه، بل هو مناف للمعتدة عن وطء الشبهة إذا كانت زوجا لآخر، نعم قد يقال:
إنه لما كانت العدة، تربص المرأة عن الوطء المحترم نافاها نفس الوطء، فيستثنى حينئذ
زمانه خاصة من العدة، من غير فرق في ذلك بين كون الشبهة عن عقد وعدمه، وربما
كان فيما قدمناه سابقا من كون الأصح احتساب العدة للشبهة من وطئها
لا من ارتفاع الشبهة نوع إيماء إلى ذلك، بل لولا الاستظهار السابق من الاعتداد
ما ذكرناه أمكن احتساب زمن الوطء من العدة فضلا عن غيره، لاطلاق الأدلة
واستصحاب العدة وغيرهما.
وبذلك ظهر لك أنه لا مدخلية لصدق اسم الفراش في المنافاة المزبورة مع فرض
عدم الدليل حتى يحتاج إلى الكلام، فتأمل جيدا.
ومما قدمناه في المباحث السابقة يعلم الوجه فيما ذكره من الشبهات هنا في
المسالك، وخصوصا ما قدمناه في فروع الفصل الرابع، فضلا عن مسألة نفقة الحامل
عن شبهة التي قد ذكر فيها هنا وجوها خمسة، وإن كان ثلاثة منها في غاية الضعف،
والله العالم.
(و) كذا الكلام فيما ذكره المصنف من تتمة المسألة من أنه (لو كان
ما يدل علي انتفائه) أي الحمل (عنهما) بأن ولدته لأكثر من مدة الحمل من
وطء الأول ولأقل من ستة أشهر من وطء الثاني لم يعتبر زمن الحمل من العدتين،
لفرض خروجه عنهما، وليس محكوما بكونه من زنا، فالمتجه حينئذ إذا كان الأمر
كذلك (أتمت بعد وضعه عدة الأول، واستأنفت عدة الأخير) كما هو واضح
370

بعد الإحاطة بما ذكرناه (ولو احتمل أن يكون منهما قيل) والقائل الشيخ:
(يقرع بينهما) للاشكال (ويكون الوضع) حينئذ (عدة ممن يلحق)
الولد (به و) لكن (فيه إشكال ينشأ من كونها فراشا للثاني بوطء الشبهة، فيكون
أحق به) تقديما للفراش الفعلي على غيره، وقد عرفت تمام الكلام في ذلك في كتاب
النكاح، بل وفيما مضى من كتاب الطلاق.
المسألة (الخامسة:)
(تعتد زوجة الحاضر من حين الطلاق أو الوفاة) بلا خلاف أجده فيه،
بل الاجماع بقسميه عليه، لقاعدة اتصال العدة بسببها، ولصدق تربصها المدة المزبورة،
بناء على أن المراد منه جلوسها عن النكاح المدة المزبورة، كصدق مضي ذلك،
فيندرجان حينئذ في إطلاق ما دل على ذلك، وللمفهوم في النصوص (1) الآتية في
الثانية، ولغير ذلك.
(و) كذا (تعتد من الغائب في الطلاق من وقت الوقوع) عند المشهور
بين الأصحاب، بل عن الناصريات الاجماع عليه، للنصوص المستفيضة أو
المتواترة، كصحيح ابن مسلم (2) قال لي أبو جعفر عليه السلام: " إذا طلق الرجل
وهو غائب فليشهد على ذلك، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدتها ".
وصحيح الحلبي أو حسنه (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " سألته عن الرجل يطلق
امرأته وهو غائب عنها من أي يوم تعتد؟ فقال: إن قامت لها بينة عدل أنها طلقت
في يوم معلوم وتيقنت فلتعتد من يوم طلقت، وإن لم تحفظ في أي يوم أو في أي شهر
فلتعتد من يوم يبلغها ".

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد.
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب العدد الحديث 1 - 2.
371

إلى غير ذلك من النصوص التي لم أجد لها مخالفا عدا ما يحكى عن التقي من
اعتبار البلوغ لظاهر الأمر (1) بالتربص الذي يجب الخروج عنه بعد تسليمه بما
عرفت، ولأن الاعتداد عبادة يحتاج إلى النية، وفيه منع واضح، بل الظاهر إلحاق
غير الطلاق من الفسخ (و) غيره به في ذلك.
نعم تعتد زوجة الغائب منه (في الوفاة من حيث البلوغ) لا من حين الوفاة على
المشهور أيضا، بل عن الناصريات الاتفاق عليه، بل عن السرائر والتحرير نفي الخلاف
فيه، للنصوص المستفيضة أو المتواترة.
كصحيح ابن مسلم (2) عن أحدهما عليهما السلام " في رجل يموت وتحته امرأة وهو
غائب، قال، تعتد من يوم يبلغها وفاته ".
وخبر أبي الصباح الكناني (3) عن أبي عبد الله عليه السلام " التي يموت عنها زوجها
وهو غائب فعدتها من يوم يبلغها إن قامت لها البينة أو لم تقم ".
وصحيح يزيد بن معاوية (4) عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: " في الغائب
عنها زوجها إذا توفي، قال: المتوفى عنها زوجها تعتد من يوم يبلغها الخبر، لأنها
تحد عليه ".
وصحيح (5) البزنطي عن الرضا عليه السلام المروي عن قرب الإسناد " سأله صفوان
ابن يحيى وأنا حاضر عن رجل طلق امرأته وهو غائب فمضت أشهر، فقال: إذا قامت
البينة أنه طلقها منذ كذا وكذا وكانت عدتها قد انقضت فقد حلت للأزواج،
قال: المتوفى عنها زوجها، قال: هذه ليست مثل تلك، هذه تعتد من يوم يبلغها
الخبر، لأن عليها أن تحد ".

(1) سورة البقرة: 2 - الآية 228.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 3 والرابع عن بريد بن معاوية.
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 3 والرابع عن بريد بن معاوية.
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث 1 - 2 - 3 والرابع عن بريد بن معاوية.
(5) الوسائل الباب 26 من أبواب العدد الحديث 7.
372

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقاومها صحيح الحلبي (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام " قلت له: امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك، فقال: إن كانت
حبلى فأجلها أن تضع حملها، وإن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدتها إذا
قامت لها البينة أنه مات في يوم كذا وكذا، وإن لم يكن لها بينة فلتعتد من يوم
سمعت ".
وخبر الحسن بن زياد (2) " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المطلقة يطلقها زوجها
ولا تعلم إلا بعد سنة، والمتوفى عنها زوجها ولا تعلم بموته إلا بعد سنة، قال: إن
جاء شاهدا عدل فلا تعتدان، وإلا يعتدان ".
وخبر وهب بن وهب (3) عن جعفر عن أبيه عليهما السلام " إن عليا عليه السلام سئل عن
المتوفى عنها زوجها إذا بلغها ذلك وقد انقضت عدتها فالحداد يجب عليها؟ فقال
علي عليه السلام: إذا لم يبلغها حتى تنقضي عدتها فقد ذهب ذلك كله، وقد انقضت
عدتها " بعد الشذوذ، واحتمال وهم الراوي في المطلقة - كما عن الشيخ - وموافقتها
للمحكي عن جميع العامة، واحتمال الأخير الحاضر، كما ستعرف.
فما عن ابن الجنيد - من القول بمضمونها - واضح الضعف وإن مال إليه في
المسالك جامعا بينها وبين الأولى بالحمل على الندب، لكنه كما ترى، ضرورة كونه
فرع المكافئة، على أن الحمل على التقية أولى من الندب.
وأضعف من ذلك ما عن الشيخ في التهذيب من التفصيل بين المسافة القريبة
كيوم أو يومين أو ثلاثة والبعيدة، فالأولى تعتد من حين الوفاة، والثانية من حين
البلوغ، لصحيح منصور (4) " سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في المرأة يموت زوجها
أو يطلقها وهو غائب، قال: إن كانت مسيرة أيام فمن يوم يموت زوجها تعتد،
وإن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر، لأنها لا بد أن تحد له " الواضح قصوره
عن مقاومة ما عرفت من وجوه، فلا يصلح للجمع بين النصوص حينئذ فلا بد من

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث - 10 - 9 - 7 - 12.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث - 10 - 9 - 7 - 12.
(3) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث - 10 - 9 - 7 - 12.
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث - 10 - 9 - 7 - 12.
373

طرحه أو حمله - كما في الحدائق - على من كان في حكم الحاضر ممن كان في بلاد متسعة
جدا، بحيث يمكن تأخر وصول الخبر اليوم واليومين، أو رستاق فيه قرى عديدة، وإن
كان بعيدا لفرض الغائب فيه.
نعم ما ذكره من حكم المحمول عليه متجه، فإن ظاهر الأصحاب اعتداد زوجة
الحاضر من حين الوفاة وإن لم يبلغها الخبر لمانع من الموانع - كالحبس والمرض ونحوهما -
حتى مضى جملة من العدة بل أكثرها بل جميعها.
ولعله لظهور أدلة العدة في الاتصال بسببها خرج منها الغائب للنصوص المزبورة
المحمول ما فيها من الاطلاق الشامل له ولغيره على التقييد بالغائب في غيرها، أو
المنساق من مواردها وفحواها وغيرهما، بل يمكن حمل خبر وهب بن وهب (1)
المتقدم على ذلك.
واحتمال إلحاق مثل الفرض بالغائب نحو ما سمعته في طلاق الغائب وإن كان
ممكنا خصوصا بعد احتمال الجري على الغالب في التقييد بالغائب بل والحاضر في
عبارات الأصحاب إلا أني لم أجد أحدا ذكره، بل ظاهرهم خلافه، مع أنه موافق
لما عرفت من قاعدة اتصال المسبب بسببه فلا حاجة للخروج منها.
كما أني لم أجد من صرح بمقتضى التعليل المزبور في النصوص من كون ابتداء
اعتداد الأمة من حين الوفاة، لما عرفت من أنه لا حداد عليها إلا ثاني الشهيدين في
الروضة خاصة وأما المسالك فقد جزم فيها بكونها كالحرة في اعتدادها ببلوغ الخبر،
بحمل التعليل المزبور على الحكمة دون العلة، ولكن لم يذكر دليلا على ذلك، مع
ظهور كثير من النصوص (2) في كونه علة.
نعم قد يقال: إن مقتضاه حينئذ كون الحداد واجبا شرطيا لا تعبديا، كي
يصح الاستدلال من الإمام عليه السلام بذلك على كون الاعتداد من بلوغ الخبر بخلاف
المطلقة التي لا حداد عليها، وقد عرفت ضعف القول بذلك خصوصا بعد ملاحظة ما دل

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث 7.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث 3 و 4 و 5.
374

من الاطلاق بانقضاء العدة بتربص أربعة أشهر وعشر من الآية والرواية، فتأمل.
ولو كانت الامرأة مجنونة أو صغيرة ولم يبلغ الولي موت زوجها حتى كبرت
أو أفاقت فهل تعتد حينئذ، لأن ذلك الوقت بالنسبة إليها بلوغ، أو تحسب عدتها
من حين الوفاة، لقاعدة الاتصال السابقة وظهور النصوص في غير الفرض؟ وجهان،
لم أجد لهما تنقيحا في كلام الأصحاب، ولكن ثانيهما لا يخلو من قوة، بل لعل
العمل عليه.
كما أن الظاهر اعتداد أم الولد من حين وفاة سيدها لقاعدة الاتصال المزبورة
التي لا يعارضها النصوص (1) المذكورة بعد أن كان مضمونها الزوجة إلا بدعوى
الالحاق التي لا دليل عليها، بل الظاهر كون المحللة كذلك، بناء على أنها تعتد
من وفاة المحللة له، نعم لا فرق في الزوجة التي تعتد بالبلوغ بين الحرة والأمة والدائمة
والمتمتع بها، لاطلاق الأدلة، والله العالم.
ثم لا يخفى عليك أن ظاهر الأصحاب اعتدادها ببلوغ الخبر (ولو) كان الذي
(أخبر غير العدل، لكن لا تنكح إلا بعد الثبوت) شرعا (وفائدته الاجتزاء بتلك
العدة) لو بان صدق الخبر، بل لو تزوجت فبان كونه بعد عدتها صح، ولا تحرم
عليه وإن فرق الحاكم بينهما ظاهرا قبل ذلك، وأثما بالاقدام، بل صرح بذلك
غير واحد، بل لم أجد فيه خلافا، ولعله لاطلاق الأدلة وقوله عليه السلام في خبر أبي
الصباح (2) السابق " إن قامت لها البينة أو لم تقم " وإن كان - إن لم يكن
إجماعا - أمكن المناقشة بإرادة البلوغ الشرعي ولو خبر العدل الذي يصدق معه عدم
قيام البينة، فلا ينافيه خبر أبي الصباح.
وعلى كل حال فهل يقوم اعتدادها لأمارة ظنية غير الخبر مقامه حتى يجتزأ
بها لو صادف ذلك؟ وجهان، لم أجد لهما تنقيحا في كلام الأصحاب.

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث 2.
375

كما أني لم أجد تنقيحا أيضا لكون الاعتداد عليها بخبر الفاسق مثلا على جهة
الوجوب - كما هو المنساق في بادئ الرأي من الأوامر في النصوص (1) أو أن ذلك
لها رخصة، لفائدة الاجتزاء بها بعد ذلك لو صادفت، والأمر في النصوص إنما
يراد به ذلك لأنه في مقابلة اعتداد المطلقة من حين الطلاق، ولا ريب في أن
الأحوط لها تجديد الاعتداد إذا لم تكن قد عزمت عليه ببلوغ الخبر المزبور، خصوصا
مع تركها الحداد.
والظاهر قيام الكتابة مقام الخبر، بل كل أمارة تفعل لإرادة الاخبار من
إرسال ثيابه ونحوها كذلك، لصدق اسم البلوغ بها عرفا، والله العالم. هذا كله في
المتوفى عنها زوجها.
(و) أما المطلقة فقد عرفت اعتدادها من حين الطلاق في الحاضر والغائب،
نعم (لو علمت الطلاق ولم تعلم الوقت اعتدت عند البلوغ) بلا خلاف أجده فيه،
لصحيح الحلبي (2) السابق، ولأصالة تأخر الحادث، إذ المراد وإن كان النص والفتوى
مطلقين عدم علمها بالوقت على وجه يحتمل الطلاق قد وقع في زمان علمها،
أما إذا فرض علمها بسبق ذلك وإن لم تعلم بالخصوص اعتدت بمقدار ما علمته من
المدة ثم أكملته بعد ذلك بما يتمها، لتطابق النص والفتوى على اعتداد المطلقة
من حين الطلاق وإن لم تعلم به، ففي الفرض تعلم انقضاء جملة من عدتها، فلتعتد
باحتسابه، ولكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب العدد الحديث - 0 -.
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب العدد الحديث 2.
376

المسألة (السادسة:)
(إذا طلقها بعد الدخول، ثم راجع في العدة، ثم طلق قبل المسيس لزمها
استئناف العدة، لبطلان الأولى بالرجعة) المقتضية فسخ الطلاق وعود النكاح
السابق، بل هو معنى الرجوع في الحقيقة، وليست هي سببا لانشاء نكاح جديد،
وإلا لتوقف على رضاها، فيصدق حينئذ على الطلاق الثاني أنه طلاق امرأة مدخول
بها بالنكاح الذي يريد فسخه بالطلاق، خلافا للعامة، فأوجبوا عليها إكمال العدة
الأولى التي بطلت بالفراش الحاصل بالرجعة.
(و) كذا الحال فيما (لو خالعها بعد الرجعة إذ هو كالطلاق بالنسبة
إلى ذلك وإن (قال الشيخ هنا: الأقوى أن لا عدة، و) لكن (هو) كما ترى
(بعيد) خصوصا إذا أراد اختصاص الخلع بذلك عن الطلاق، كما هو ظاهر
المتن، ضرورة عدم الفرق بينهما (لأنه) كما يصدق على الطلاق أنه طلاق أمرة
مدخول بها فتجب العدة لها، كذلك يصدق أنه (خلع عن عقد تعقبه الدخول) لما
عرفت من أن الرجعة أفادت عوده إلى النكاح الأول، هذا كله في المطلقة رجعيا
ثم راجعها في العدة.
(أما لو خالعها) من أول الأمر (بعد الدخول) بها وصيرورتها في
طهر جديد (ثم تزوجها في العدة، وطلقها قبل الدخول لم تلزمها العدة) كما
سمعت الكلام فيه في بحث الحيل، (لأن العدة الأولى بطلت بالفراش الجديد)
المنافي للاعتداد، ضرورة كونها زوجة حينئذ، وقد انقطع حكم الخلع (و)
الفرض أنه أي (العقد الثاني لم يحصل معه دخول) فيندرج فيما دل من الآية (1)
والرواية (2) على عدم العدة على المطلقة غير المدخول بها.

(1) سورة الأحزاب: 33 الآية 49.
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب العدد.
377

(وقيل) والقائل القاضي: يلزمها العدة، لأنها لم تكمل العدة الأولى)
وظاهره عدم العدة للطلاق الثاني، ولكن يجب عليها إكمال العدة الأولى التي لم
تتمها، وانقطاعها إنما هو بمقدار زمان الفراشية، فمع فرض زواله بالطلاق الثاني وجب
عليها إكمال الأولى المستصحب بقاؤها.
وفيه أن مقتضاه وجوب ذلك عليها أيضا لو فرض طلاقها بعد الدخول الموجب
عدة، اللهم إلا أن يدعي دخول الأولى في الثانية حينئذ، وعلى كل حال فهو
واضح الضعف، ضرورة انقطاع حكم الطلاق من أصله بالعقد الثاني الذي صيرها زوجة
بعد أن كانت مطلقة (و) من هنا قال المصنف: (الأول أشبه) بأصول المذهب
وقواعده.
نعم ربما قال بعض متأخري المتأخرين بوجوب عدة للطلاق المتجدد باعتبار
الدخول السابق، لصدق طلاق مدخول بها ولو بالعقد السابق الذي لم يتم عدته.
وفيه أن المراد الدخول بالعقد الذي فسخه الطلاق، لا ما يشمل العقد الأول،
لا أقل من الشك والأصل عدم العدة، وقد تقدم تمام الكلام في ذلك في بحث الحيل،
فلاحظ وتأمل.
المسألة (السابعة)
لا خلاف ولا إشكال في أن (وطء الشبهة يسقط معه الحد) الذي عنوانه
الزنا (وتجب) له (العدة) لاطلاق ما دل (1) على وجوبها بالادخال
والماء الشامل للفرض، كما تقدم الكلام في ذلك غير مرة، وفي أن عدته عدة الطلاق.
نعم في المسالك والحدائق والمحكي من عبارة الشيخ وجوب العدة للشبهة ولو
من الامرأة خاصة، بل أرسلوه إرسال المسلمات، ولكن فيه أنه مناف للأصل ولما

(1) الوسائل الباب 54 من أبواب المهور في النكاح.
378

دل (1) على عدم حرمة ماء الزاني، فلا حق لها عليها في الاعتداد الذي ظاهر قوله
تعالى (2): " فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " كونه من حقوقه، ولعله لذا قال
في كشف اللثام: " لا عدة عليها وإن لم يكن الولد ولد زنا، كما نص عليه الأصحاب،
فإن العدة إنما هي حق الواطء، فإذا لم يحرم وطءه لم يكن له عدة ".
(و) كيف كان ف‍ (لو كانت المرأة عالمة بالتحريم وجهل الواطئ لحق
به النسب، ووجبت له العدة، وتحد المرأة) حد الزانية (ولا مهر) لها لأنها
بغي بلا خلاف ولا إشكال في شئ من ذلك، كما أنه لو انعكس الأمر لحق الولد
بالامرأة، ويحد الرجل حد الزاني، ولها عليه مهر المثل، ولا عدة عليها على الأصح،
وإن كان هو الأحوط.
(ولو كانت الموطوءة) العالمة بالتحريم مع جهل الواطئ (أمة لحق به
الولد) قطعا، لأنه أشرف الأبوين (و) إن كان (عليه) أي (الواطئ قيمته
لمولاه حين سقط، ومهر) مثل (الأمة) وإن كانت هي بغيا (وقيل: العشر إن
كانت بكرا، ونصف العشر إن كانت ثيبا، وهو المروي) (3) كما قدمنا الكلام
في ذلك مفصلا في كتاب النكاح، فلاحظ وتأمل.

(1) يستفاد ذلك من قوله صلى الله عليه وآله: " الولد للفراش وللعاهر الحجر
المروي في الوسائل في الباب 58 من أبواب نكاح العبيد والإماء من كتاب النكاح.
(2) سورة الأحزاب: 33 - الآية 49.
(3) الوسائل الباب 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1 من كتاب
النكاح.
379

المسألة (الثامنة:)
(إذا طلقها بائنا ثم وطأها لشبهة قيل) وإن لم نعرف القائل به قبل المصنف:
(تتداخل العدتان) بأن تستأنف عدة كاملة للأخير منهما، وتدخل فيها بقية
الأولى (لأنهما لواحد) والموجب لها حقيقة إنما هو الوطء، وإذا استأنفت
عدة كاملة ظهرت براءة الرحم، لانقضائها، ولأولويته من التداخل لشخصين الذي قد
سمعت التصريح به في النصوص (1) (وهو حسن) عند المصنف، بل جزم به الفاضل
في القواعد (حاملا كانت) المطلقة (أو حائلا) خلافا للمحكي عن الشيخ
وابن إدريس، فلا تتداخل، بل في كشف اللثام نسبته إلى إطلاق الأكثر، وفي غيره
إلى المشهور، للأصل الذي لا يقطعه ما ذكره من الحكمة ولا الأولوية المزبورة
بعد عدم القول بمضمون النصوص المذكورة كما سمعت، وليس الموجب لها في الفرض
حقيقة الوطء، بل هو والطلاق، وكل منهما سبب.
نعم لو تعدد الوطء من المشتبه اجتزئ بعدة كاملة للأخير، لكون الموجب
لها حقيقة هو الوطء.
فالأقوى حينئذ عدم التداخل، سواء كانت من جنس واحد - وهو الأقراء أو
الأشهر - أو جنسين، بأن كانت إحداهما بالحمل والأخرى بالأقراء، كما لو
طلقها حائلا ثم وطأها في الأقراء وأحبلها، أو بأن طلقها حاملا ثم وطأها قبل أن
تضع، بل عدم التداخل في الأخير أوضح، بل قد يمنع تحقق التداخل المصطلح فيه،
لعدم اتحاد المكلف به، فيرجع حينئذ إلى سقوط سببية أحد السببين، لأنه مع
فرض انقضائهما أجمع بالوضع الذي كان عدة الأول يكون الثاني لا مقتضى له، أو
الأول الذي كان مقتضاه الأقراء مثلا.

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 و 12 و 13
من كتاب النكاح.
380

وعلى كل حال فله الرجعة في الطلاق الرجعي إلى أن تضع إن كانت عدة
الطلاق بالحمل وطرأ الوطء، بناء على عدم كون الوطء شبهة موجبا للرجوع تعبدا.
وإن كانت عدة الطلاق بالأقراء وحدث الحمل من الوطء ففي المسالك " في
الاكتفاء بالوضع عنهما نظر، من أنها في عدة الطلاق وإن وجبت عدة أخرى،
فالوضع يوجب براءة الرحم من ماء الوطء والزوج مطلقا، ومن أن مقتضى القواعد
الماضية حيث ابتدأت عدة الطلاق بالأقراء أن لا تكمل بغيرها، فتكون العدة حينئذ
بالأقراء هي الأكثر، فتدخل عدة الحمل فيها لا بالعكس، هذا إذا قلنا: إن الحامل
لا تحيض أو اتفق لها ذلك، فيتوقف الانقضاء على إكمال الأقراء بعد الوضع، كما
لو لم نحكم بالتداخل، ومثله ما لو كان وطء الشبهة عارضا على عدة الحمل وقد بقي
للوضع أقل من ثلاثة أشهر، لأن الأكثر حينئذ هو عدة الشبهة، ولو فرض رؤيتها
الدم زمن الحمل أمكن الجمع بين العدتين والاكتفاء بالوضع عنهما على تقدير مضي
الأقراء حالة الحمل، وبالجملة لا بد من مراعاة أكثر العدتين عند اجتماعهما حيث
نحكم بالتداخل " قلت: لا يخفى عليك ما فيه من التشويش.
نعم قد يقال: إن المتجه عدم جواز الرجوع زمن الحمل على القول بعد التداخل،
إذ هو كالمسألة الآتية التي ستعرف فيها القول بعدم جواز الرجوع فيه لو كانت عدة
لشخص آخر، فضلا عما لو كان عدة له.
إنما الاشكال هنا في مقدار مدة الرجوع له على القول بالتداخل، وظاهرهم
مع عدم الحيض جواز الرجوع له في جميع مدة الحمل، لأنها أجمع محسوبة من
بقية الأولى، ولا يخلو من نظر، وذلك لقيام الأشهر مقامها حينئذ، لما عرفت من
أن العدة أسبق الأمرين.
ودعوى وجوب إكمالها بالأقراء حيث افتتحت وإن طالت واضحة المنع،
كما نبهنا عليه سابقا، كدعوى أن الانقلاب إلى الأشهر إنما يكون مع عدم
الحمل، وحينئذ بعدها لا يجوز الرجوع، لتمحض العدة حينئذ للوطء وانقضاء
381

عدة الطلاق.
ودعوى انقلاب عدة الأولى وإن كانت بالأقراء، فنقلت إلى الوضع لآية أولي
الأحمال (1) كما ترى، إذ الفرض أن الحمل صار من الوطء الثاني لا الأول الذي
قد سبق إيجابه، والعدة بالأقراء أو الأشهر، وآية أولي الأحمال إنما تدل على
الحامل وقت الطلاق كما هو واضح.
بل من ذلك يعلم النظر فيما في القواعد وشرحها من أنه " لو طلقها رجعيا
ووطأها بظن أنها غيرها بعد مضي قرء مثلا فحملت وانقطع الدم كان له الرجعة قبل
الوضع، لأن الحمل لا يتبعض ليحسب بعضه من الأولى والباقي من الثانية، فيكون
جميع أيامه محسوبا من بقية الأولى، وجميع الثانية " إذا هو كما ترى مناف
باطلاقه لما ذكرناه: من انقضاء عدتها بالأشهر حينئذ لو فرض سبقها للوضع،
فيتمحض الزائد للوطئ فلا يجوز الرجوع فيه، إذ لا خلاف عندهم في أنه لو وطأ المطلقة
رجعية بظن أنها غير الزوجة وقلنا: إن مثله ليس رجوعا وجب استئناف العدة، فإن
وقع الوطء بالقرء الأول أو الثاني أو الثالث فالباقي من العدة الأولى يحسب للعدتين
وتكمل الثانية، وله أن يراجع في بقية الأولى دون ما يخص الثانية.
وكيف كان فقد عرفت أن الأصح عندنا عدم التداخل، بل لكل وطء عدة
مستقلة كالشخصين، لتعدد السببين، بل الأقوى ذلك أيضا لو فسخت المطلقة رجعية
في أثناء العدة، بناء على أن لها ذلك، لأنها كالزوجة، فتأتي بعدة مستأنفة للفسخ
بعد انقضاء عدة الطلاق، ولا يكتفى عن الأولى باستئناف عدة للفسخ، فضلا عن
الاكتفاء عن الثاني باكمال الأولى، وإن قال في القواعد: " ولو فسخت النكاح في عدة
الرجعي ففي الاكتفاء بالاكمال إشكال " وفي كشف اللثام في شرحها " ففي الاكتفاء
بالاكمال أو الاستئناف إشكال، من أن الفسخ إنما أفاد البينونة وزيادة قوة في
الطلاق من غير رجوع إلى الزوجية أو حصول وطء محترم، وهو خيرة المبسوط،

(1) سورة الطلاق: 65 - الآية 4
382

ومن أن الطلاق والفسخ سببان للعدة، والأصل عدم التداخل ولما كانت عدتاهما
حقين لمكلف واحد - وأبطل الفسخ حكم الطلاق، ولذا لا يثبت له معه الرجعة -
استأنفت عدة الفسخ " والجميع كما ترى، والفسخ غير مبطل للطلاق، وإنما هو مانع
من جواز الرجوع بها، لفسخ النكاح حينئذ بسبب آخر غيره، فتأمل جيدا.
المسألة (التاسعة:)
(إذا نكحت في العدة الرجعية) لمشتبه (وحملت من الثاني اعتدت بالوضع
من الثاني) قطعا دون الأول، لأن الحمل له دونه (وأكملت عدة الأول بعد الوضع)
بأشهر أو أقراء، لما عرفت من عدم التداخل (وكان للأول الرجوع في تلك العدة)
التي هي له (دون زمان الحمل) الذي هو عدة المشتبه، خلافا للمحكي عن المبسوط
من جواز الرجوع له في زمن الحمل، قال: " مذهبنا أن له الرجعة في زمن الحمل،
لأن الرجعة تثبت بالطلاق، فلم تنقطع حتى تنقضي العدة، وهذه ما لم تضع وتكمل
عدة الأول فعدتها لم تنقض، فتثبت الرجعة عليها ما دامت حاملا وبعد أن تضع
مدة النفاس وإلى أن تنقضي عدتها بالأقراء - بل قال -: لو قلنا: لا رجعة عليها في
زمن الحمل تثبت له الرجعة عليها أيام النفاس وإن كانت هي لم تشرع في عدتها،
لأن عدة الأول قد انقضت، وهي المانع له من الرجوع وإن لم تكن معتدة منه
في تلك الحال، كحالة الحيض في العدة، وقد تقدم الكلام في هذه المسائل وغيرها،
فلاحظ وتأمل.
إلا أن ظاهرهم في المقام وغيره عدم اجتزائه عن عدة الطلاق بالأقراء لو
اتفق حصولهما في زمن الحمل - بناء على مجامعته للحيض - فضلا عن الأشهر لو
فرض اعتدادها بها، ولعله لظهور نصوص عدم التداخل (1) المتقدمة سابقا في ذلك،

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.
383

مؤيدا بأن مرجع الجميع إلى انقضاء مدة فلا يكون إلا تداخلا، وليس هو من قبيل
الشيئين المتغايرين الخارجين عن موضوع التداخل.
والحمد لله الذي وفق لاتمام كتاب الطلاق، وأسأله أن يشفع أوائل مننه
بأواخرها فيوفق لما بقي من إتمام الكتب التي منها كتاب الخلع والمباراة.
وبهذا والحمد لله انتهت تعاليقنا على الجزء 32 من كتاب جواهر الكلام بجوار
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه أفضل الصلاة والسلام، ولا يفوتني التنويه بجهود
العلامة الأخ الشيخ محمد القوچاني سلمه الله حيث شارك في انجاز عملي هذا، وأرجو
من العلي القدير وحده أن يوفقنا لاتمام هذا المشروع الجبار واكمال تحقيق هذه الموسوعة
الفقهية الكبيرة إنه سميع مجيب.
محمود القوچاني
النجف الأشرف
15 / صفر الخير / 1396
وتم تصحيحه وتهذيبه وترتيبه في اليوم
الرابع عشر من شهر شوال سنة 1397
والحمد لله أولا وآخرا، وذلك بيد العبد:
السيد إبراهيم الميانجي
عفى عنه وعن والديه
384