الكتاب: جواهر الكلام
المؤلف: الشيخ الجواهري
الجزء: ٢٢
الوفاة: ١٢٦٦
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: تحقيق وتعليق وإشراف : الشيخ علي الآخوندي
الطبعة: التاسعة
سنة الطبع: ١٣٦٨ ش
المطبعة: حيدري
الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران
ردمك:
ملاحظات:

جواهر الكلام
" في شرح شرائع الاسلام "
تأليف
شيخ الفقهاء وإمام المحققين الشيخ محمد حسن النجفي
المتوفى سنة 1266
الجزء الثاني والعشرون
قوبل بنسخة الأصل المخطوطة والمصححة بقلم المصنف طاب ثراه
حققه وعلق عليه وأشرف على طبعه و
نهض بمشروعه
الشيخ علي الآخوندي
نام كتاب: جواهر الكلام جلد 22
تأليف: شيخ محمد حسن النجفي
ناشر: دار الكتب الاسلامية تهران بازار سلطاني
تيراژ: 2000
نوبت چاپ: چاپ نهم
تاريخ انتشار: بهار 1368
چاپ از: چاپخانه حيدري
حقوق الطبع والتقليد محفوظة للناشر
1

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الغر الميامين
(القسم الثاني)
(من الأقسام الأربعة التي بني عليها الكتاب)
(في العقود) جمع عقد وهو لغة ضد الحل، وشرعا قول من
المتعاقدين، أو قول من أحدهما وفعل من الآخر رتب الشارع الأثر
المقصود عليه، كما ستعرف تحقيق الحال فيه فيما يأتي انشاء الله تعالى
ومنه يعرف الحال فيما في شرح الأستاذ من تعميم المعاملات للعقود
والايقاعات بعد أن اعتبر فيهما الألفاظ، وتعريف الأولى بأنها المشتملة
على الايجاب والقبول، أو بأنها المشتملة على رضى الطرفين، أو بأنها
المتضمنة لقصد من الجانبين، والثانية بأنها ايجابات، أو بأنها قصد
من جانب واحد أو بأنها رضى كذلك إذ هو كما ترى، ولذلك
اعترف بعد ذلك بأن جميع التعريفات التي منها ما سمعته مدخولة
في طردها وعكسها، ثم قال: إلا أن يراد الاطراد في دخول آحادها
3

في تعدادها، قلت: والذي سهل الخطب ما سمعته غير مرة من أن المراد
من هذه التعريفات الكشف في الجملة، حسب تعريف أهل اللغة، ولعل
اختلافهم فيها مبني على اختلاف الاصطلاح، (و) على كل حال (هي)
أي العقود (خمسة عشر كتابا) أولها.
(كتاب التجارة)
وهي مصدر ثان لتجر من التجر، وربما قيل إنها اسم مصدر
كالحياكة والصناعة، لكن الأظهر أنها في الأصل مصدر نقلت إلى معنى
الحرفة والصناعة، فالتاجر الذي حرفته التجارة، والجمع تجار وتجار
وتجر وتجر، كرجال وعمال وصحب وكتب، وعلى كل حال فهي التي
جعل الشارع (1) (تسعة أعشار البركة فيها، والعشر الباقي في الغنم (2)
وفيها العز والغنى عما في أيدي الناس)، بل تركها ينقص العقل (3)
لكن المراد بها هنا مطلق المعاوضة، نحو قوله تعالى (إلا أن تكون
تجارة عن تراض) (4) كما عن مجمع البحرين قال: التجارة بالكسر
هي انتقال شئ مملوك من شخص إلى آخر بعوض مقدر على جهة التراضي

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 4 و 5
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 10 و 11
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 2
(4) سورة النساء الآية 29
4

إلى آخره، لا أن المراد بها الصناعة المعروفة وإن قيل: إنها المتبادر
منها، بل هو المستفاد من أهل اللغة، إلا أن ذلك لا ينافي إرادة غيره
منه في خصوص المقام، لمعلومية عدم اعتبار ذلك في التجارة المبحوث
عنها هنا، وإن انتقض بالمعاملات المقصود منها الاكتساب من غير ذي
الصنعة، إلا أن يلتزم الاستطراد وهو بعيد، ولا ما سمعته في كتاب
الزكاة من المعاوضة لقصد الربح، وإن كان قد يشعر به قوله الأول
فيما يكتسب به، وإبدال غيره التجارة في العنوان بالمكاسب، بل جزم
به في المسالك مدعيا أنه هو المعروف في أخذه في مفهومها، حتى التزم
لذلك أن جميع ما في هذه الكتاب مما لا مدخلية له فيها بالمعنى المزبور
وقد ذكر استطرادا، وفيه من الغرابة ما لا يخفى، ضرورة عدم المدخلية
للمعنى المزبور في جميع مقاصد الكتاب، على أنه هو أيضا في باب
الزكاة بعد أن ذكر تعريف المصنف لمال التجارة قال: إن تعريفه بذلك
من حيث تعلق الزكاة، وإلا فالتجارة مطلقا أعم من ذلك كما سيأتي
فكلامه هنا مخالف لقواعده، والحق أن ما ذكره المصنف وغيره في كتاب
الزكاة ليس تحديدا لمال التجارة كما فهمه الشارح، بل هو تخصيص
له بالفرد الذي يصلح لتعلق الحكم الشرعي بحسب اقتضاء الأدلة، ولذا
اختلفوا في بعض القيود، ورجح الشارح هناك عدم اعتبار قصد
الاكتساب حال التملك، واكتفى بالاعداد للتكسب ولو بعد ذلك،
والمقصود أن متعلق الزكاة هو بعض أفراد مال التجارة دون جميع الأفراد
وهذا مثل ما يقال المراد بالأعيان النجسة في المكاسب المحرمة ما لا
يقبل التطهير مع بقاء عينه، والمراد بالمسكر المائع بالأصالة، ومرجعه
إلى اطلاق اللفظ وإرادة بعض أفراده، وليس ذلك من التعريف والتحديد
في شئ، ولعل من ذلك كله وغيره جزم بفساد كلامه شيخنا في شرحه
5

وإن وافقه على اعتبار ذلك في مفهومها لغة وعرفا، حتى أنه صرفها في
النذور ونحوها إلى ذلك، كالنصوص (1) الواردة في مدح التجارة
والتجار، إلا أن ذلك غير مراد منها هنا، لعدم الخصوصية، ثم اختار
كونها بمعنى البيع وتوابعه، حاكيا له عن الخلاف والمبسوط قال: فما
ذكر في المقدمات أو بعض المقامات من غير ذلك فمن الملحقات، وهو
وإن كان قد يشهد له إفراد غير البيع من أقسام المعاوضات، بكتب
مستقلة، لكن يبعده معروفية كونها أعم من ذلك، وذكر كثير من
أحكام التكسب وما يتكسب به ونحوها مما لا مدخلية له في البيع،
ولذلك قلنا: بكون المراد منها مطلق المعاوضة، وعدم افراد البيع
بكتاب بخلاف غيره من إفرادها لشدة تعلقه بها وغلبته فيها هذا كله
مع امكان منع اعتبار الاسترباح في مفهومها، وكأنه اشتباه من اعتباره
في مفهوم الاتجار، بمعنى اتخاذ التجارة حرفة ومكتسبا، والنصوص
في الزكاة وفي المقام في ذلك، لا في أن مطلق اسم تجارة مأخوذ في
مفهومه ذلك، كما هو واضح بأدنى تأمل، وبما ذكرناه يظهر لك الجواب
عما في المسالك أيضا، من أنه كان ينبغي العنوان أو لا بالمكاسب، ثم
يذكر بعد ذلك كتاب البيع الذي هو أحد أفرادها إذا قصد التكسب
به كما فعله في الدروس، لا تخصيص كتاب التجارة فيه وذكر غيره
بكتب مستقلة، مع أنها جميعا مع قصد التكسب بها من افرادها،
ضرورة أنك قد عرفت الوجه في ذلك، لا يقال: إن مقتضى ما ذكرت
كون التجارة من الألفاظ المشتركة، لأنا نقول: مع أنه يمكن عدم
الالتزام به، هو خير من ارتكاب الاستطراد في أكثر المسائل والأمر سهل.
(و) كيف كان ف‍ (هو مبني على فصول الأول فيما يكتسب

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 1 - 13
6

به، وينقسم إلى محرم ومكروه ومباح) وزاد في القواعد الواجب
والمندوب، لكنه جعل المقسم التجارة لا محلها، وعد من الواجب ما
يضطر إليه لمؤنته ومؤنة عياله ومن المندوب ما يقصد به التوسعة عليهم
وفي المسالك أن كلا من التقسيمين حسن، وإن كان ما هنا أحسن، إذ
لا خلل في الثلاثة كما لا خلل في الخمسة، فإن مورد القسمة في الثلاثة
ما يكتسب به وهو العين والمنفعة، وظاهر أن الوجوب والندب لا يرد
عليهما من حيث إنهما عين خاصة ومنفعة، بل بسبب أمر عارض وهو
فعل المكلف، ومورد الخمسة الاكتساب الذي هو فعل المكلف. ومن
شأنه أن يقبل الأقسام الخمسة فيما يمكن فيه تساوي الطرفين باعتبار
العوارض اللاحقة له، وفيه أن العين والمنفعة من حيث كونهما كذلك
كما لا يرد عليهما الوجوب والندب، لا يرد عليهما باقي الأحكام الخمسة
لعدم الفرق بين الجميع في عدم التعلق بهما إلا بحسب فعل المكلف
نعم قد يقال: إن اقتصار المصنف على الثلاثة هنا باعتبار تعلقها بالأعيان
بالذات، ولو من حيث فعل المكلف، ضرورة ثبوت الأعيان التي يحرم
التكسب بها ذاتا، وكذلك الكراهة والإباحة، بخلاف الوجوب والندب
فإنا لا نعرف من الأعيان ما يجب التكسب به كذلك أو يستحب،
وثبوت وجوب التكسب في نفسه أعم من وجوبه بالعين المخصوصة،
من حيث الذات، ولعل ذلك هو مراد الشارح وإن كانت عبارته
قاصرة عنه، ولكن فيه أولا أن المصنف لم يقتصر على ذلك، كما لا
يخفى على من لاحظ ما ذكره من الأقسام المشتملة على بيع السلاح
لأعداء الدين ونحوه، وثانيا إن ذلك أن سلم في الواجب أمكن منعه في
المندوب، لامكان ثبوت استحباب التكسب ببعض الأعيان، كالغنم التي
جعل جزء من البركة فيها ونحوها وقد يدفع بأن البركة فيها لا في
7

التكسب بها، ولذا قوبل بجعل باقي أجزاء البركة في التجارة، كما
لا يخفى على من لاحظ النص (1) الذي تضمن ذلك، وعلى كل حال
فالأمر في ذلك سهل، إنما الكلام في بيانها.
(ف‍) نقول (المحرم أنواع الأول الأعيان النجسة ذاتا كالخمر
والأنبذة) المسكرة (والفقاع) وغيرها من النجاسات التي عرفتها في
كتاب الطهارة، عدا الكلب الذي ستعرف البحث فيه، والرق الكافر
فإنه لا خلاف ولا اشكال في جواز التكسب به، ولعل عدم استثناء
المصنف له لأن محل البحث في النجاسات من حيث عدم قبولها التطهير
بغير الاستحالة، وهو يقبله بالاسلام الذي ليس باستحالة قطعا، أما
المرتد عن فطرة فالمتجه عدم جواز التكسب به بناء على عدم قبول توبته
ظاهرا وباطنا، ولعل من جوز بيعه كالمحقق الثاني على ما حكي عنه
بل قيل: إنه ربما ظهر ذلك أيضا من رهن المبسوط والتحرير بناه على
قبول توبته باطنا، وقد فرغنا من البحث في بطلانه في كتاب الطهارة
وأما العصير العنبي إذا نش وغلا من قبل نفسه حتى صار خمرا فحكمه
حكمه، وإذا غلا بالنار ولم يذهب ثلثاه وقلنا بنجاسته فيمكن القول
بجواز بيعه، لقبوله التطهير بالنقص الذي ليس استحالة، فلا يندرج
في عنوان البحث، ولو قلنا بأن ذلك منها وأنه قبله كان خمرا اتجه عدم
جواز بيعه كما نص عليه بعضهم وإن كان الأقوى الأول، وكيف كان
فلا خلاف يعتد به في حرمة التكسب في الأعيان النجسة التي لا
تقبل الطهارة بغير الاستحالة، لقول (2) الصادق عليه السلام في خبر

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 3 و 4 و 5
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
8

تحف العقول (أو شئ من وجوه النجس فهذا كله حرام ومحرم، لأن
ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه،
فجميع تقليبه في ذلك حرام) بل مقتضاه عدم جواز الانتفاع به مطلقا
فضلا عن التكسب به، كما هو ظاهر جماعة وصريح آخرين إلا ما خرج
بدليل من سيرة ونحوها كالتسميد بالعذرة ونحوها مما ينبغي الاقتصار
عليه ولا يتعدى منه إلى غيره، ففي الفرض يختص الجواز بالانتفاع
دون التكسب كما هو واضح.
بل ربما ظهر من ملاحظة كلامهم في الدهن النجس الاجماع
على عدم جواز الانتفاع به، بل في المحكي عن شرح الإرشاد للفخر
وتنقيح المقداد ذلك، حيث قالا: إنما يحرم بيعها لأنها محرمة الانتفاع
وكل محرم الانتفاع لا يصح بيعه، أما الصغرى فاجماعية، بل لعل
ذلك ظاهر الغنية أيضا وحينئذ يتجه الحكم بحرمة التكسب به، لكونه
مسلوب المنفعة، ولقول الصادق (1) عليه السلام في خبري أبي بصير
ومحمد (إن الذي حرم شربها حرم ثمنها)، وفي الخبر (2) الآخر
(لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها)، بل ربما ظهر من
خبر التحف المزبور عدم دخوله في الملك، كما صرح به بعض مشايخنا
جازما به، ويؤيده عدم عده في الأموال عرفا مع أصالة عدم دخوله
فيه، بناء على توقفه على أسباب شرعية لا أن الملك شرعا تابع للسلطنة
العرفية على الشئ، وأنه ليس الملك حقيقة إلا ذلك، نعم قد يقال،
بأن له حق الاختصاص لمن سبق إليه لتحقق الظلم عرفا بالمزاحمة له
بل لعل دفع العوض لرفع يد الاختصاص عنه لا بأس به، ضرورة عدم

(1) الوسائل الباب 55 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 6
(2) سنن البيهقي ج 6 ص 13
9

صدق التكسب به، لعدم دفع العوض عنه، مع أنه ربما أشكل ذلك
بما عن التذكرة من الاجماع على عدم صحة الوصية بما هو خارج عن
كونه مقصودا بالتملك، كفضلات الانسان، مثل شعره وظفره والعذرات
لأنه يكفي في صحة الوصية ثبوت الاختصاص، وحق المنع الملازم لجواز
الاقتناء، وقد يدفع بكون المراد الوصية المقتضية للتمليك أو غير ذلك.
وكيف كان فقد ظهر لك تعدد وجه المنع فيما نحن فيه، مضاف
إلى محكي الاجماع على ذلك، فعن التذكرة يشترط في المعقود عليه
الطهارة الأصلية، فلو باع نجس العين كالخمر والميتة والخنزير لم يصح
اجماعا، وقال: فيها الكلب إن كان عقورا حرم بيعه عند علمائنا،
وقال: لا يجوز بيع السرجين النجس اجماعا منا، وعن المنتهى اجماع
المسلمين كافة على تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير، واجماع علمائنا
على تحريم بيع الكلاب عدا الأربعة، وعن النهاية الاجماع على تحريم
بيع الخمر والعذرة والدم وعن الخلاف إجماع الفرقة على تحريم بيع
الخمر والسرجين النجس، والكلب عدا كلب الصيد، وعن المبسوط الاجماع
على تحريم بيع الخنزير وإجارته واقتنائه والانتفاع به، وعن السرائر
بيع الخمر للمسلم حرام وثمنه حرام، وجميع أنواع التصرفات فيها
حرام على المسلمين بغير خلاف بينهم، وقال أيضا: حكم الفقاع حكم
الخمر لا يجوز التجارة فيه، ولا التكسب به بغير خلاف بين فقهاء
أهل البيت، وعن الإنتصار مما انفردت به الإمامية القول بتحريم الفقاع
وتحريم ابتياعه، واستدل عليه باجماع الفرقة، قال: وإن شئت أن
تبنى المسألة على تحريمه، فنقول: قد ثبت حظر شربه، وكل ما حظر
شربه، حظر ابتياعه والتفرقة بين الأمرين خروج عن اجماع الأمة،
وإلى ثبوته في النصوص المعتبرة، في العذرة والدم، والخمر، والخنزير
10

والميتة، والكلب الذي لا يصيد (1) ويتم بعدم القول بالفصل، وإلى
النبوي (2) عن ابن عباس الذي أورده في الخلاف والسرائر والتذكرة
والمهذب والغوالي كما قيل: (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه).
وخبر جابر (3) بن عبد الله الذي أورده أيضا في الخلاف والمنتهى كما
قيل (أن الله ورسوله صلى الله عليه وآله حرما بيع الخمر والميتة
والخنزير والأصنام قيل: يا رسول الله أريت شحوم الميتة فإنه يطلى بها
السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال: لا هو حرام ثم
قال: صلى الله عليه وآله قاتل الله اليهود، إن الله تعالى لما حرم عليهم
شحومها حملوها ثم باعوها فأكلوا ثمنها)، وعن الإيضاح والغوالي أنه
عليه السلام قال: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها
وأكلوا أثمانها) (4) بل قد يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالى (حرمت
عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) (5) بناء على أن تعلق التحريم
بالأعيان يعم جهات الانتفاع لا خصوص المنافع المقصودة، كالأكل
والشرب وإن كان فيه ما فيه، نعم قد يدل قوله تعالى في الخمر
(رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) (6) على ذلك باعتبار عدم تحقق
الاجتناب عنها مع التصرف فيها بالتجارة، بل وكذا قوله (والرجز
فاهجر) (7) بناء على أنه القذر كما عن الجوهري والقاموس بل هو

(1) الوسائل الباب 5 و 14 و 40 و 55 من أبواب ما يكتسب به
(2) الخلاف ج 1 ص 225 الطبع الحديث بطهران سنة 1370
(3) صحيح البخاري ج 2 ص 26 صحيح المسلم ج 1 ص 229
(4) المسند ابن حنبل ج 1 ص 322
(5) (6) سورة المائدة الآية 3 و
(7) سورة المدثر الآية 5
11

المناسب لقوله تعالى (وثيابك فطهر) (1) وعن تفسير علي بن إبراهيم
الرجز الخبيث، المحكوم بنجاسته شرعا خبيث قذر، فيجب هجره
بمقتضى الأمر الذي هو من التكاليف المشتركة، دون الخواص، والتصرف
بالتجارة والبيع والشراء خلاف الهجر المأمور به، فيكون محرما، بل
لعل مطلق الانتفاع به كذلك، وعلى كل حال فقد ظهر لك الوجه في
فساد المعاملة وعدم ترتب الأثر لا الحرمة محضا كما لا يخفى على من
أحاط بما ذكرناه فما وقع من بعض الناس من الوسوسة في ذلك في
غير محله، بل ظهر أيضا ما في كلام الأستاذ عن الجزم بجواز الانتفاع
في الجهة التي لم يثبت تحريمها، مستندا في ذلك إلى ما هو غير مجد أو
مقطوع ببعض ما عرفت فلاحظ وتأمل.
(و) كذا الحكم في (كل مائع نجس) لا يقبل التطهير،
وإن كانت نجاسته عرضية، فلا يجوز حينئذ التكسب به ولا الانتفاع
به، لاطلاق بعض الأدلة المزبورة التي لا يقدح فيه خروج الانتفاع
ببعضها لقيام سيرة أو إجماع أو نحوهما، كما لا يقدح خروج بعض
الأعيان النجسة لذلك، كما أنه لا فرق بين تعقب الجمود له وعدمه
بعد الاشتراك في عدم قبول التطهير الذي هو مدار الحكم، نعم قد
يخرج عن ذلك ما قبل ظاهره التطهير بعد الجمود كالقير والفضة والذهب
ونحوها إذا تنجست مائعة ثم جمدت، فلا بأس بالتكسب بها مائعة
باعتبار أن لها حالة يقبل ظاهرها التطهير فيها وبه يحصل النفع المقصود
منها، ومنه يعلم خروج العجين النجس ونحوه، بنا على أن له حالة
هي التجفيف يقبل فيها التطهير أيضا، بل عن المحقق الثاني في حاشية
الإرشاد، أن الظاهر جواز بيعها مع أنها لا تقبل التطهير عند الأكثر

(1) سورة المدثر الآية 4
12

مجيبا عن ذلك بأنها تؤل إلى حالة تقبل معها التطهير، وهي الجفاف بل
ذلك هو المقصود منها.
بل ألحق به بعض مشائخنا، الصابون مدعيا أنه كالصبغ، قال:
فلا إشكال حينئذ في الغسل بما يبقى من رغوته المتنجسة، لكنه كما
ترى، والأولى الاستناد في خروج ذلك إلى السيرة إن كانت، كما أنه
يمكن القول باقتصار المنع على المتنجس سابقا قبل الاستعمال، أما ما
تنجس به كطلي الأجرب مثلا به فلا، مع أن الأحوط اجتناب مطلق
ما لا يضطر إليه من ذلك، ثم أنه ينبغي الجزم بخروج الطحين ونحوه
إذا مزج معه سحيق النجاسة، على وجه لا يتميز عنها عما نحن فيه،
ضرورة عدم كونه نجسا ولا متنجسا، نعم قد يحتمل المنع عن بيعه
باعتبار عدم التمكن من منفعته المقصودة) مع أنه لا يخلو ذلك من
مناقشة، وكيف كان فقد ظهر لك أن ما لا يقبل التطهير من المتنجس
كالنجس ذاتا، عدا ما عرفت مما علم خروجه عن ذلك بسيرة أو إجماع
ونحوهما، وإن من ذلك المائعات غير الماء فإنها لا تقبل التطهير مع بقاء
عينها، خلافا للعلامة في بعض أقواله، فجوز بيعها لقبولها التطهير عنده
كذلك، ولما عن الكركي من جواز بيعها فيما لا يتوقف الانتفاع به
على طهارته، كالمائعات المقصود منها الصبغ، بخلاف المقصود منها
الأكل والشرب ونحوهما، بل عنه أيضا الجواز إن قصد مزجه بالماء
المطلق إلى أن يصير ماء، لطهارة المضاف باستهلاكه في الكثير المطلق،
والجميع كما ترى فالأصح حينئذ عدم جواز بيعها مطلقا في غير ما عرفت
(عدا الأدهان) من حيوان أو غيره فإنه يجوز التكسب بها،
لأن (ل‍) ها (فائدة) وهي (الاستصباح) بها (تحت السماء)
فجاز بيعها لذلك بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في محكي الخلاف
13

والغنية وإيضاح النافع الاجماع عليه، بل يمكن تحصيله، فما عن
ظاهر الشيخ من عدم جواز بيع الأدهان مطلقا عدى الزيت للاستصباح
به تحت السماء واضح الضعف، ضرورة كونه محجوجا بما عرفت،
مضافا إلى النصوص كخبر أبي بصير (1) (سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت فتموت فيه، فقال: إن
كان جامدا فتطرحها وما حولها ويؤكل ما بقي وإن كان ذائبا فاسرج
به وأعلمهم إذا بعته) (2) وخبر إسماعيل بن عبد الخالق المروي
عن قرب الإسناد عن الصادق عليه السلام أيضا (قال: سأل سعيد
الأعرج السمان وأنا حاضر، عن الزيت والسمن والعسل يقع فيه الفأرة
فتموت كيف يصنع؟ قال: أما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له فيبتاع
للسراج وأما الأكل فلا، وأما السمن فإن كان ذائبا فهو كذلك، وإن
كان جامدا والفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها وما حولها ثم لا بأس به، والعسل
كذلك إن كان جامدا) إلى غير ذلك من النصوص (3) التي لم يفرق فيها بين
الزيت وغيره، كما فرق فيها بين الجامد وغيره فما عنه من التفصيل في الجامد ضعيف
أيضا قال فيما حكي عن مبسوطه النجس بالمجاورة لا يخلو من أحد
أمرين إما أن تكون النجاسة التي جاورته ثخينة أو رقيقة، فإن كانت
ثخينة تمنع من النظر إليه فلا يجوز بيعه، وإن كانت رقيقة لا تمنع
من النظر إليه جاز بيعه، وإن كان مائعا فلا يخلو من أحد أمرين،
إما أن لا يطهر بالغسل، أو لا يكون كذلك فإن كان الأول مثل السمن

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5
(3) الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
14

فلا يجوز بيعه، وإن كان مما يطهر كالماء فإنه يجوز بيعه إذا طهر، وفيه
ما لا يخفى حتى بالنسبة إلى اشتراط التطهير للماء في بيعه.
نعم النصوص المذكورة وغيرها مطلقة لا تقييد فيها بكون الاسراج
تحت السماء، ومن هنا مال الشهيد الثاني إلى الاطلاق، حاكيا له
عن المبسوط والعلامة في المختلف وموضع من الخلاف وتبعه الأردبيلي
والخراساني فيما حكي بل عن فخر المحققين أنه قواه في الإيضاح بل
لعله هو الظاهر من اطلاق المحكي عن أبي علي، إلا أن المشهور بين
الأصحاب نقلا وتحصيلا التقييد شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل
عن ابن إدريس نفي الخلاف عنه تارة، ونسبته إلى الأصحاب أخرى
كالمحكي عن غاية المراد، من النسبة إلى نصهم، بل عن كشف اللثام
نسبته إلى نصهم وفي محكي المبسوط أنه قال وروى أصحابنا أنه
يستصبح به تحت السماء دون السقف، فيمكن التقييد حينئذ بالمرسل
المزبور بعد انجباره بما سمعت، وبأصالة عدم جواز الانتفاع بالنجس
فضلا عن التكسب به، فيقتصر على المتيقن من كونه تحت السماء،
وليس ذلك لنجاسة دخانه كما عن بعضهم تعليل المنع به باعتبار
استلزامه نجاسة السقف، ضرورة عدم النجاسة بعد الاستحالة دخانا
ولو سلم عدم استحالته جميعا، بل تبقى أجزاء من الدهن معه، منعنا
عدم جواز تنجيس السقف ونحوه، وحينئذ فليس ذلك إلا تعبدا محضا
كما هو واضح، وحينئذ يتجه مراعاة صدق الاستصباح به تحتها في
الجواز، فلا بد من كونه مكشوفا لها غير محجوب عنها بحاجز مشبكا
أو لا مرتفعا أو لا كثيفا أو لا لاطلاق دليل المنع المقتصر في تقييده
على المتيقن الذي قد عرفت وهو الاستصباح به تحت السماء دون مطلق
الاستصباح، فضلا عن غيره من المنافع، خلافا لبعضهم فجوز الانتفاع
15

بها في غير ذلك، بل جوز بيعها له بل هو خيرة العلامة الطباطبائي
فإنه بعد أن حكى جواز بيعها للاستصباح مطلقا أو تحت السماء حكى
جواز بيعها للانتفاع بها، في غير مشروط بالطهارة ولو غير الاستصباح
ثم قال: وهو الأظهر وكان وجهه أصالة جواز الانتفاع بها لذلك،
فتكون عينا ينتفع بها منفعة محللة مقصودة للعقلاء، فتندرج في إطلاق
البيع وغيره من أسباب التكسب والنصوص إنما دلت على جواز الاسراج
بها الذي هو أحد المنافع، لا اختصاصه ولذا قوبل بالأكل في بعضها
فجوزت بيعها مخبرا بحاله حتى ينتفع به المنفعة المحللة التي ذلك أحد
أفرادها، بل هو الغالب لا تخصيص الجواز بها ولا البيع فيها وفيه ما
لا يخفى بعد الإحاطة بما أسلفناه من عدم جواز الانتفاع غير الاستصباح
المزبور، فلا يجوز البيع حينئذ إلا له كما هو ظاهر الأصحاب.
ثم إن الظاهر وجوب إعلام المعطي للمعطى له للانتفاع، ولولا
على وجه الاكتساب، نعم لو أخذه من غير يده أو رآه في يده لم يجب
إعلامه للأصل ويجب العمل بقول ذي اليد وإن لم يكن ثقة، هذا كله
في الدهن المتنجس، أما لو كانت نجاسته ذاتية كالألية المقطوعة من
ميت أو حي لم يجز نقله ولا انتقاله ولا استعماله حتى بالاستصباح تحت
السماء، بلا خلاف معتد به أجده فيه لاطلاق ما دل على المنع فيما
لا يقبل التطهير، وعلى الميتة وخصوص (1) ما دل عليه في إسراج
المقطوع من الحي فضلا عن الميت، فلم (2) يبق للمعارض وإن صح
سنده، أهلية المعارضة فما عن المجلسي من الجواز غريب، لما عرفت

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث 1 - 2
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
16

(و) لكونه من (الميتة) التي لا يجوز الانتفاع بشئ منها مما
تحله الحياة فضلا عن التكسب، سواء كانت ميتة نجس العين، أو طاهرها
ذي النفس السائلة، نعم لا بأس بما لا تحله الحياة من أجزائها، كما أنه
لا بأس بميتة غير ذي النفس السائلة، ولعل المصنف وغيره استغنى عن التقييد
بذكره الميتة في ضمن أمثلة للأعيان النجسة، وقد عرفت في كتاب
الطهارة والصلاة اختصاصها بذات النفس، بل قد عرفت هناك جملة من
أحكام استعمالها والانتفاع بها فلاحظ وتأمل.
(و) كذلك الكلام (في الدم وأرواث وأبوال ما لا يؤكل
لحمه) من الأعيان النجسة التي قد أخرجها الشارع عن حكم
التمول، بل قد عرفت عدم جواز الانتفاع بها على وجه يجوز التكسب
بها بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، بل
المنقول منهما مستفيض فعن الخلاف إجماع الفرقة على تحريم بيع
السرجين النجس، خلافا لأبي حنيفة، وفي محكي التذكرة لا يجوز بيع
السرجين النجس إجماعا منا، والنهاية بيع العذرة وشرائها حرام إجماعا
وعن المنتهى الاجماع على تحريم بيع العذرة، وقال الصادق (1) عليه
السلام في خبر يعقوب بن شعيب (ثمن العذرة من السحت) (2) وفي مرسل
الدعائم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام
(إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن بيع العذرة وقال: هي
ميتة) وما في سنديهما من الجهالة والارسال غير قادح بعد الانجبار
بما عرفت، مضافا إلى ما سمعته سابقا من الأدلة على تحريم التكسب
بالأعيان النجسة التي هذه منها، وإلى أن البيع مشروط بالملك، والعذرات
غير مملوكة باتفاق علمائنا كما قيل، بل هي والأبوال والدماء ليست من

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) المستدرك ج 2 ص 427
17

المتمولات عرفا، ولذا لم يضمنها من أتلفها، لكن مع ذلك كله ربما
توهم الخلاف من رواية الكليني (1) خبر محمد بن مضارب في الباب
الجامع لما يحل بيعه وما لا يحل عن الصادق عليه السلام (لا بأس ببيع
العذرة) المحمول على عذرة مأكول اللحم، جمعا بين الأدلة خصوصا
بعد صحيح صفوان المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن (2) مسمع بن
أبي مسمع الثقة على الظاهر عن سماعة قال: (سأل رجل أبا عبد الله
عليه السلام وأنا حاضر فقال: إني رجل أبيع العذرة فما تقول قال:
حرام بيعها وثمنها وقال: لا بأس ببيع العذرة) الذي هو صريح في
أن العذرة منها ما يجوز بيعها ومنها ما لا يجوز، وإلا لزم التناقض
بين جزئي الحديث، فتعين الحمل على ما ذكرناه.
وعن الشيخ في التهذيب الجمع بحمل رواية الجواز على عذرة
البهائم من الإبل والبقر والغنم، وفي الاستبصار بحملها على عذرة غير
الآدميين، والظاهر أن مرجع التأويلين إلى شئ واحد، وهو الحمل على
الأرواث الطاهرة كما قلناه، إذ لا فرق بين أنواع ما يؤكل لحمه في
جواز البيع، ولا بين أنواع ما لا يؤكل لحمه في المنع، وقد صرح
هو في المحكي عن مبسوطه وخلافه بجواز بيع السراجين الطاهرة،
وتحريم بيع النجسة من دون تفصيل، بل نقل على ذلك في الخلاف
إجماع الفرقة وإطلاق كلامه في الاستبصار محمول على إرادة البهائم
التي ينتفع بعذراتها غالبا، ولذا خصها بالذكر في التهذيب ولم يذكر
غيرها من الحيوانات المأكولة اللحم مع القطع بمساواته لها في الحكم
ومن ذلك يعلم أن الشيخ لا خلاف له في المسألة، فما عساه يتوهم

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و 2
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و 2
18

من عبارته من جواز بيع عذرة غير الآدمي وإن كانت نجسة في غير محله،
كما أن ما عساه يقال أو قيل: من إمكان الجمع بين الروايتين بحمل
حديث المنع على الكراهة أو التحريم مع فرض عدم الانتفاع، كما
في بعض البلدان أو التقية وحينئذ فيكون الحكم بنفي البأس في رواية
سماعة بيانا للحكم الواقعي في غير محله أيضا، ضرورة أن الجمع بذلك
فرع التكافؤ المفقود هنا كما عرفت، على أن لفظ السحت والحرام
كالصريح في خلاف الكراهة، وليس هو بأولى مما ذكرناه على أن
السؤال عن بيع العذرة قرينة على الانتفاع إذ ما ينتفع به لا يسئل
عن بيعه، وأما التقية فهي في الحقيقة طرح لأحد الدليلين، فالجمع أولى
ومن ذلك كله يظهر لك أن ما عن الظاهر الأردبيلي والمحقق
الخراساني من التوقف في حكم العذرة وغيرها من الأرواث النجسة،
بل الميل إلى جواز بيعها كما هو المحكي عن الفاضل القاساني تمسكا
بالأصل، واستضعافا لدليل المنع والتفاتا إلى ظهور الانتفاع بها في
الزرع والغرس في غاية الضعف، بعد ما عرفت وما أبعد ما بين القول
بذلك، والقول بعدم جواز بيع الأرواث والأبوال كلها إلا بول الإبل
من غير فرق بين الطاهر والنجس، كما هو المحكي عن المفيد وسلار
وإن كنا لم نتحقق ذلك منهما، لتعبيرهما بالعذرة التي هي حقيقة في
عذرة الانسان، نعم كلامهما ظاهر في عدم جواز بيع الأبوال الطاهرة
إلا بول الإبل كما أشار إليه المصنف بقوله (وربما قيل بتحريم
الأبوال كلها إلا بول الإبل خاصة) دون الأرواث الطاهرة التي لم يظهر
لنا خلاف في جواز بيعها، بل سيرة المسلمين في الأعصار والأمصار من
غير نكير على ذلك، مضافا إلى أنها أعيان طاهرة ينتفع بها نفعا ظاهرا
بينا في التسميد والايقاد، فيحل بيعها كغيرها من الأعيان المخلوقة
19

لمصالح العباد وعموم قوله تعالى (وأحل الله البيع) (1) (وتجارة
عن تراض) (2) ونحوهما وخصوص نفي البأس في الخبرين السابقين
وحرمة أكلها لاستخباثها، وللنصوص الدالة على تحريم الفرث (3)
من الذبيحة حتى ظاهر قوله تعالى (نسقيكم مما في بطونه من بين فرث (4)
إلى آخرها وغير ذلك لا يقتضي حرمة التكسب بها، وإن ورد عنه (5)
عليه السلام (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه) (ولعن الله اليهود
حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها) (6) لكن لا يخفى
عليك أن تحريم الأكل إنما يقتضي تحريم التكسب لو كان الشئ
مأكولا مقصودا منه الأكل كالشحوم واللحوم ونحوهما، والأرواث ليست
كذلك، إذ الفائدة المقصودة منها شئ آخر غير الأكل، وليس ذلك
بمحرم، والمحرم منها وهو الأكل غير مقصود، ومعنى قوله عليه السلام
إذا حرم إلى آخره، إذا حرم الغاية المطلوبة من شئ حرم ثمنه، فلا
يتناول الأرواث، نعم يتجه ذلك في الطحال ونحوه من محرمات الذبيحة
المقصود منها الأكل الذي قد حرم.
وأما بول غير الإبل من الأبوال الطاهرة فقد عرفت منهما عدم
جواز التكسب بها، كما هو صريح الفاضل في التذكرة والقواعد والإرشاد
بل هو ظاهر الشيخ في النهاية ولعله لأنه لو جاز بيعها لكان للانتفاع

(1) سورة البقرة الآية 275
(2) سورة النساء الآية 29
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4 و 8
(4) سورة النحل الآية 66
(5) الخلاف ج 1 ص 225 المطبوعة بطهران سنة 1370
(6) المسند ابن حنبل ج 1 ص 322
20

بها في الشرب، لكن شرب الأبوال محرمة، فيحرم البيع تبعا له، أما
الأولى فلأن الانتفاع بغير الشرب نادر لا يعتد به، ولا يصح البيع
لأجله، كما في فضلات الانسان ورطوباته، وأما الثانية فلأنها من
الخبائث المحرمة بنص الكتاب، بل روي عن رسول الله صلى الله عليه
وآله بعدة طرق (1) (إنه كان يكره الكليتين ولا يأكلهما لكونهما
مجمع البول أو لقربهما منه) بل لو سلمنا جوازه فهو نفع نادر غير
مقصود للعقلاء، ولا معدود من المنافع عرفا، لاعراض الناس عنه وعدم
التفاتهم إليه، كالانتفاع بغير الشرب فلا يصح بيعها للاجماع على
اشتراط المنفعة في البيع، والمراد بها المنفعة الظاهرة المقصودة من الشئ
في العادة ولا عبرة بالمنفعة النادرة، إذ لا يخلو عنها شئ من الأشياء
فلو كانت كافية في صحة البيع، لبطل اشتراط النفع ولزم جواز بيع
كل شئ، هو خلاف الاجماع، كل ذلك مضافا إلى عدم عدها في
العرف أموالا يتحقق فيها الغصب والسرقة والضمان ونحوها، وإلى
ما في كشف الرموز من نسبة عدم الجواز إلى عموم الروايات الواردة
بالمنع من التصرف في الأبوال. بل ابن إدريس لما نقل عبارة النهاية قال:
من ذلك خبر أورده شيخنا ايرادا لا اعتقادا، لكن يقوى في النظر
جواز التكسب بها أيضا، وفاقا للحلي والفاضل في المختلف والتحرير
والآبي والشهيدين والكركي وغيرهم، لنحو ما سمعته في الأرواث من
عموم الأدلة وغيرها، بل صرح المرتضى بجواز شربها اختيارا، مدعيا
عليه الاجماع مضافا إلى الأصل، وعموم الكتاب والسنة وقول النبي
صلى الله عليه وآله (2) (لا بأس ببول ما أكل لحمه) والموثق عن

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5 و 1
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 17
21

الصادق (1) عليه السلام (كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه)
بل والموثق الأخر عنه أيضا (2) (سئل عن بول البقر يشربه الرجل
قال: إن كان محتاجا إليه يتداوى به يشربه، وكذلك بول الإبل والغنم)
وخبر سماعة (3) (سألت أبا عبد الله عن شرب الرجل أبوال الإبل
والبقر والغنم ينتفع به من الوجع هل يجوز له أن يشرب قال: نعم
لا بأس به)، الظاهرين في تساوي أبوال الإبل وغيرها، وستعرف
جواز بيعها، على أنه لو سلم عدم جواز شربها فلا يستلزم عدم جواز
التكسب بها، كما سمعته في الروث وعدم عد الناس لها أموالا تساهلا بها
واستغناء عنها غالبا لا ينافي جواز التكسب بها عند الحاجة إليها
واتخاذها مالا، لندرة المنفعة المرادة منه، لا تقتضي عدم جواز التكسب
بها، وإلا لم يجز التكسب بأكثر العقاقير.
ومن ذلك يعلم الأولوية بجواز البيع في بول الإبل، الذي قد
أجازه بعض من منع في غيره، مدعيا الفرق بينهما بعدم كونه من
الخبائث، لأن العرب لا تستخبثه بل تتداوى به وتشربه عند إعواز الماء
وقلته، وهم المرجع في الفصل بين الطيبات والخبائث، دون سائر الناس
لأنهم المخاطبون بالقرآن والسائلون في قوله (4) (يسألونك ماذا أحل
لهم قل أحل لكم الطيبات) ولأنهم أناس لا تقلب عليهم العيافة من
التنعم الحاصل في غيرهم، وفيه أن ذلك كله جار في بول البقر والغنم
ونحوهما، ودعوى الفرق بينهما بذلك لا وجه له، وما يذكر من النفع

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 12
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 15
(3) الوسائل الباب 59 من أبواب الأطعمة والأشربة الحديث 7
(4) سورة المائدة الآية 4
22

في أبوال الإبل بعينه يجري في هذه الأبوال أيضا، فالمتجه الجواز في
الجميع كما عرفت ومن هنا قال المصنف رحمه الله (والأول) أي
اختصاص المنع ببول ما لا يؤكل لحمه وروثه (أشبه) بأصول المذهب
وقواعده، بل الظاهر اختصاص ذلك بالنجس منه وهو ذو النفس منه لا مطلقا
لما عرفت، فما عن الفاضل في النهاية ويحيى بن سعيد في النزهة من المنع عن
التكسب ببول الإبل فضلا عن غيره واضح الضعف، وربما خص جواز
بيع أبوال الإبل بالاستشفاء بها عند الضرورة لا غير، بل جعل ذلك
قولا، ونسب إلى الشيخ في النهاية بل قيل: إن قول العلامة في القواعد
والتذكرة إلا بول الإبل للاستشفاء يحتمله أيضا، بناء على كون ذلك
قيد للمستثنى لا تعليلا للاستثناء بل جعل ما في المسالك وغيرها من
جواز بيعها إن فرض لها نفع مقصود كغيرها من الأبوال قولا رابعا
والتحقيق رجوع القولين إلى الأول الذي هو الجواز مطلقا، ولكن
ذكر القيد لإرادة إخراج المعاملة عن السفه المعلوم اعتباره في صحة
المعاوضات كما هو واضح.
(و) أما التكسب ب‍ (الخنزير وجميع أجزائه وجلد الكلب
وما يكون منه) فلا خلاف أجده في عدم جوازه، بل يمكن تحصيل
الاجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته من الأدلة السابقة الدالة على ذلك.
نعم ستسمع فيما يأتي انشاء الله جوازه في بعض الكلاب، كما أنه
لا إشكال في جوازه بأخيه أي الكافر حربيا كان أم ذميا لمسلم كان أم
لكافر ذمي أو حربي وإن كان هو من الأعيان النجسة، إلا أن ذلك
لا يمنع من بيعه باجماع المسلمين والنصوص كخبر إسماعيل بن
الفضل (1) قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء مملوكي

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2
23

أهل الذمة إذا أقروا لهم، فقال إذا أقروا لهم بذلك فاشتر وانكح)
وموثق إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام (1) في
شراء الروميات (فقال: اشترهن وبعهن) وخبر عبد الله بن الحسن
الدينوري (2) قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام (ما تقول: في
النصرانية أشتريها وأبيعها من النصارى؟ قال: إشتر وبع) إلى غير
ذلك من النصوص الدالة فما عساه يتوهم من إطلاق بعض الأصحاب
تحريم التكسب بالأعيان النجسة المندرج فيها الكافر في غير محله، ضرورة
اختصاص الحكم بما لا يقبل الطهارة من الأعيان، لأن شرط صحة البيع
طهارة العوضين فعلا أو قوة، والكافر يقبل الطهارة بالاسلام، بل كلامهم
في مباحث سبي الكفار، وبيع الأناسي وفي مسألة البيع بشرط الكفر
وظهور المبيع كافرا بعد البيع، واشتراط اسلام المشتري إذا اشترى مسلما
وغيرها من المسائل، والفروع ينادي بسقوط هذا الوهم.
وعن الشيخ في المبسوط التصريح بأن موضع الحكم في مسألة تحريم
بيع النجس، هو غير الآدمي من الحيوان، وغيره، والعلامة في التحرير
بجواز التجارة في الجارية النصرانية والعبد المرتد عن غير فطرة، بل
عنه في المنتهى تجوز التجارة في الجارية النصرانية، والمغنية بالبيع
والشراء لأنهما عينان مملوكتان فيصح أخذ العوض عنهما، ولا نعلم فيه
خلافا وبالجملة فالأمر في ذلك أوضح من أن يتصدى لبيانه، نعم إنما
الكلام في سبي الذكور البالغين في زمان الغيبة، فإنه قد قيل: لا يصح
استرقاقهم، لأن حكمهم إلى الإمام وهو مخير فيهم بين المن والفداء،

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2
(2) الوسائل الباب 16 من ما يكتسب به الحديث 1
24

والاسترقاق وفي ابتياع الحربي من مثله إذا استرقه أنه بيع أو استنقاذ
في صورة البيع، والبحث فيهما يأتي في محل آخر يليق به انشاء الله.
النوع (الثاني ما يحرم) التكسب به (لتحريم ما قصد به)
من الغايات التي وضع لها الشئ (كآلات اللهو مثل العود والزمر
وهياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم وآلة القمار كالنرد والشطرنج)
ونحو ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه والنصوص
ففي خبر (1) تحف العقول عن الصادق عليه السلام (إنما حرم الله
الصناعات التي هي حرام كلها، التي يجئ منها الفساد محضا، نظير
البرابط والمزامير والشطرنج، وكل ملهو به والصلبان والأصنام وما أشبه
ذلك، إلى أن قال: فحرام تعليمه والعمل به وأخذ الأجرة عليه، وجميع
التقلب فيه من جميع وجوه الحركات) وفي خبر أبي بصير المروي (2)
عن مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن الصادق عليه السلام أيضا
(بيع الشطرنج حرام وأكل ثمنه سحت واتخاذها كفر، واللعب بها شرك
والسلام على اللاهي معصية وكبيرة، والخائض يده فيها كالخائض يده في
لحم الخنزير والمرسل المقلب لها أي الشطرنج كالمقلب لحم الخنزير)
بل في شرح الأستاذ أن ظاهر الاجماع والأخبار عدم جواز العمل،
والاستعمال والانتفاع والابقاء والاكتساب بجميع وجوهه من غير فرق
بين قصد الجهة المحللة وغيرها، ولا بين قصد المادة وقصد الصورة لكن في
المسالك إن أمكن الانتفاع بها في غير الوجه المحرم، على تلك الحالة
منفعة مقصودة، فاشتراها لتلك المنفعة، لم يبعد جواز بيعها إلا أن
هذا الفرض نادر، فالظاهر أن ذلك الموضوع المخصوص لا ينتفع به إلا

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 103 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
25

في المحرم غالبا، والنادر لا يقدح، ومن ثم أطلقوا المنع من بيعها
وتبعه عليه جماعة من متأخري المتأخرين، كما أن المحكي عن موضع
التذكرة، جواز بيعها إذا كان لمكسورها قيمة، وباعها صحيحة لتكسر
وكان المشتري ممن يوثق بديانته، وتبعه عليه أيضا جماعة من متأخري
المتأخرين، وجعله أحد الوجهين في المسالك ومحكي جامع المقاصد،
بل في الأول استحسنه بعد أن حكاه عن التذكرة مع زوال الصفة.
ثم قال: وهل الحكم في أواني الذهب والفضة كذلك؟ يحتمله،
بناء على تحريم عملها والانتفاع بها في الأكل والشرب، وعدمه لجواز
اقتنائها للادخار وتزيين المجلس والانتفاع بها في غير الأكل والشرب،
وهي منافع مقصودة، وفي تحريم عملها مطلقا نظر، وفي الأخير ما سمعته
في كتاب الطهارة من أن المشور بين الأصحاب حرمة اتخاذ الأواني
من النقدين مطلقا، من غير فرق بين الاستعمال والتزيين والقنية بل
عن التذكرة وغيرها الاجماع على حرمة استعمالها في غير الأكل والشرب
كما عن كشف الرموز نفي الخلاف فيه كما تقدم الكلام فيه مفصلا
فحينئذ لا فرق بينها وبين ما هنا، كما أن في سابقه إمكان منع مدخلية
الكسر اللاحق في الحكم بالحرمة، ضرورة صدق كون العوض ثمن
شطرنج مثلا، وإخراجه بعد ذلك عن الاسم بالكسر غير مجد، كما هو
واضح بأدنى تأمل، بل قد يناقش في الأول بما سمعته سابقا من عدم
مدخلية المنفعة النادرة، بعد فرض كون المقصد المعظم منه محرما، كما
هو المفروض في محل البحث، ولو فرض أن للشئ منفعتين مقصودتين
إحداهما محللة والأخرى محرمة، دار الحكم مدار القصد، ولعل ذلك
هو المراد له إلا أنه خروج عن المقام.
وكيف كان فلا ريب في بقاء المادة على الملك ولا تخرج عنه
26

بالصورة التي يرفع الشارع احترامها ولم يدخلها في الملك وأوجب على
المكلفين إتلافها بلا ضمان، حتى لو استلزم إتلاف المادة، ويرتفع
ضمانها معا بل قيل بجواز إتلافهما معا بلا ضمان من دون استلزام
وإن كان لا يخلو من إشكال أو منع، أما إذا أتلف الصورة وبقيت
المادة فلا إشكال في بقائها على الملك وحرمة إتلافها وضمان المتلف لها،
نعم ليس بيعهما معا من قسم بيع المتغايرين في صفقة، حتى يصح في
البعض دون البعض ضرورة كونهما شيئا واحدا، ومن ذلك يعلم أنه
لا فرق في حرمة التكسب بها بين قصد المادة والصورة، وبين قصد
المادة خاصة، وليست هي كالعبد المغني والكاهن والساحر والمقامر
ونحوهم، مما يصح بيعهم مع عدم ملاحظة الصفة وإنما يفسد البيع
إذا لوحظت، كما نص عليه شيخنا في شرحه، ضرورة الفرق بين المقامين
بل قد عرفت فيما تقدم أنه لا فرق في الحرمة بين ملاحظة الغاية
المحرمة وعدمها بل الظاهر ذلك، حتى لو قصد الجهة المحللة بعد
فرض ندرتها، كما أنه لا فرق في حرمة التكسب بها بين دفعها للمسلم
والكافر حتى لو كان حربيا، نعم قد يقال: إن له تملك العوض
المدفوع من الحربي بالاستيلاء وإن أثم بدفع أحد الأعيان المزبورة إليه
هذا، وفي شرح الأستاذ جعل مما نحن فيه في جميع الأحكام المزبورة
الدراهم الخارجية وبعض التغليطات في الجواهر والأقمشة وهو مشكل،
نعم يشترك ذلك معه في كون الجميع مما يترتب عليه الفساد العام،
فيجب على سائر الناس دفع ما يندفع به ذلك بكسر ونحوه، لا أن
المعاملة عليه بعد الاخبار بحاله بحيث لم يبق غش منه فاسدة، وأن
الثمن المدفوع عنه حرام فتأمل جيدا.
(و) على كل حال فمن هذا القسم (كلما يفضي إلى مساعدة
27

على محرم كبيع السلاح لأعداء الدين) مع قصد الإعانة أو كانت الحرب
قائمة، للنهي عن الإعانة (1) ولقول الصادق عليه السلام في خبر (2)
السراد أو مرسله في جواب (سؤاله عن بيع السلاح لا تبعه في فتنة)
وصحيح علي بن جعفر (3) المروي عن كتاب مسائله وقرب الإسناد
(سأل أخاه عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة، فقال إذا لم
يحملوا سلاحا فلا بأس) وما في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي
عليه السلام في خبر حماد بن أنس (4) (يا علي كفر بالله العظيم من
هذه الأمة، عشرة أصناف إلى أن قال: وبايع السلاح من أهل الحرب)
وخبر هند السراج (5) (قال: لأبي جعفر عليه السلام أصلحك الله تعالى
إني كنت أحمل السلاح إلى الشام، فأبيعه منهم فلما أن عرفني الله هذا الأمر
ضقت بذلك وقلت لا أحمل إلى أعداء الله فقال: إحمل إليهم وبعهم، فإن الله
يدفع بهم عدونا وعدوكم يعني الروم، فإن كان الحرب بيننا فلا تحملوا فمن
حمل إلى عدونا سلاحا يستعين به علينا فهو مشرك) وحسن أبي بكر
الحضرمي (6) قال: (دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال له
حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل لأهل الشام من السروج وأداتها
فقال: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
إنكم في هدنة وإن كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليها السروج
والسلاح).

(1) سورة المائدة الآية؟؟ 2
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6
(4) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7
(5) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و 1
(6) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و 1
28

ولاطلاق بعض هذه النصوص أطلق بعض تحريم بيع السلاح
لأعداء الدين من غير تقييد بالقصد أو قيام الحرب، وربما كان ظاهر
المتن في وجه، وما أبعد ما بينه وبين آخر حيث اعتبر في الحرمة القيدين
معا، واقتصر ثالث على اعتبار القصد كما هو الوجه الآخر في المتن.
ورابع على قيام الحرب، والتحقيق ثبوتها بأحدهما أما مع القصد فلتحقق
التعاون، وأما مع قيام الحرب فلما سمعته من النصوص التي يجب
حمل إطلاق غيرها عليها، وربما علل أيضا بالإعانة وفيه منع صدقها
مع عدم القصد، خصوصا بعد كون المنهي عنه التعاون. الظاهر في
كون الفعل مقصودا للجميع، وأن كلا منهم صار ظهيرا للآخر في وقوعه
لا أن مجرد الاشتراك في شرائط وقوع الفعل يحقق الإعانة وإلا لم يمكن
الاستقلال بالفعل من أحد، ضرورة معلومية عدم كون الشرائط جميعها
منه، وبذلك ظهر لك أن الحرمة في المقام مع عدم القصد إنما هي
من النصوص، فالواجب حينئذ الاقتصار على خصوص المستفاد منها،
مع ملاحظة صلاحية الخبر باعتبار جمعه لشرائط الحجية وعدمها، ولا
يجوز التعدي إلى غيره كما وقع من بعضهم.
نعم لا بأس بالتعدية فيما كان مدرك الحرمة فيه آية التعاون (1)
من الفرد الآخر وهو المشتمل على القصد، ضرورة اشتراك الجميع في
الصدق، بعد فرض ثبوت كما؟؟ يحققه من القصد على الوجه الذي ذكرناه
فلا فرق حينئذ بين السلاح وغيره فيما يحصل به التعاون، ولا بين
المشركين وغيرهم، ولا بين حال الهدنة وغيرها، كما لا يخفى على من
له أدنى نظر وتأمل، وعلى كل حال فقد ظهر لك أنه لا حرمة فيما
لا تعاون فيه، ولا هو مندرج في إطلاق النصوص المزبورة، كبيع السلاح

(1) سورة المائدة الآية 2
29

وغيره عليهم في حال الهدنة مع عدم القصد، وفي حال الحرب بينهم
ولو مع قصد إعانة بعضهم على بعض، كما أومى إليه في الجملة خبر
هند السراج السابق.
(و) أما حرمة التكسب في (إجارة المساكن والسفن) ونحوها
(للمحرمات وفي بيع العنب) مثلا (ليعمل خمرا) وبيع (الخشب
ليعمل صنما) مثلا على وجه يبطل العقد معها فلا خلاف أجدها فيها
مع التصريح بالشرطية أو الاتفاق عليها على وجه بنى العقد عليها، بل
عن مجمع البرهان نسبته إلى ظاهر الأصحاب، بل عن المنتهى دعوى
الاجماع عليه، كما عن الخلاف والغنية الاجماع على عدم صحة إجارة
المسكن ليحرز فيه الخمر أو الدكان ليباع فيه، بل عن الأول زيادة
نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا، بل قد يظهر من الأصحاب كون الحكم
كذلك مع فرض القصد لذلك وإن لم يكن على جهة الشرطية بل إنما كان
على جهة الغائية، بل قد يقال: بكون الحكم كذلك عندهم مع فرض ذلك
من البائع خاصة، فضلا عن اشتراطه وعن اتفاق المشتري معه عليه.
ولعل الدليل على ما لا يندرج منه آية التعاون الذي قد عرفت المراد
منه، والاجماع المحكي وإطلاق بعض النصوص كخبر جابر (1) (سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤجر بيته، فيباع فيه الخمر فقال:
حرام أجرته)، وذيل مكاتبة ابن أذينة في الحسن أو الصحيح للصادق
عليه السلام (2) (عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال:
لا) وخبر عمر بن حريث (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
30

التوت أبيعه من يصنع الصليب أو الصنم قال: لا) بل هي باطلاقها
شاملة لما أفتى به المصنف (و) غيره بل المشهور من أنه (يكره بيع
ذلك لمن) يعلم أنه (يعملهما) خمرا أو صليبا.
لكن يجب الخروج عنه بالنسبة إلى ذلك لمعارضته لما دل على الوفاء
بالعقود، وحلية البيع وغيره من العقود وخصوص صحيح ابن أذينة
(كتبت إلى أبي عبد الله (1) عليه السلام أسأله عن الرجل يؤجر
سفينته أو دابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير فقال: لا
بأس) ومكاتبته الأخرى له أيضا (2) (سأله عن رجل له خشب فباعه
ممن يتخذه برابط فقال: لا بأس) وخبر محمد بن أبي نصر (3)
(سألت أبا الحسن عن بيع العصير فيصير خمرا قبل أن يقبض الثمن
قال: فقال: لو باع ثمرته ممن يعلم أنه يجعله حراما لم يكن بذلك
بأس، وأما إذا كان عصيرا فلا يباع إلا بالنقد) وخبر محمد الحلبي (4)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله خمرا
قال: لا بأس به، يبيعه حلالا ويجعله ذلك حراما فأبعده الله عز وجل
واستخفه) وصحيح ابن أذينة (5) (كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام
أسأله عن رجل له كرم، أيبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو
مسكرا؟ فقال: إنما باعه حلالا في الابان الذي يحل شربه أو أكله

(1) الوسائل الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(2) الوسائل الباب 41 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(3) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(4) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و 5
(5) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و 5
31

فلا بأس ببيعه) وخبر أبي كهمش (1) (سأل رجل أبا عبد الله عليه
السلام إلى قال: ثم قال: عليه السلام هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن
نعلم أنه يصنعه خمرا) وخبر رفاعة (2) عن الصادق عليه السلام
(إنه سأل عن بيع العصير ممن يخمره فقال: حلال، ألسنا نبيع
تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا؟) وصحيح الحلبي (3) عن الصادق عليه
السلام (إنه سأل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا قال بعه ممن
يطبخه أو يصنعه خلا أحب إلي ولا أرى بالأول بأسا) وخبر يزيد بن
خليفة الحارثي (4) عن الصادق عليه السلام (قال سأله رجل وأنا
حاضر، قال: إن لي الكرم فأبيعه عنبا قال: فإنه يشتريه من يجعله
خمرا قال: بعه إذا كان عصيرا قال: إنه يشتريه مني عصيرا فيجعله
خمرا في قربتي قال: بعته حلالا فجعله حراما فأبعده الله تعالى).
والمناقشة بامكان حملها على توهم البائع أن المشتري يعمله خمرا
أو على إرادة رجوع الضمير إلى مطلق العصير لا التمر المبيع، وفي
خبر ابن أذينة باحتمال حمل الخمر فيه لإرادة التخليل أو الجبر عليه
أو على كونه لأهل الذمة الذين لهم أن يفعلوا ذلك أو على عدم العلم
بحمله أو نحو ذلك كما ترى، فلا إشكال في دلالتها على المطلوب كما
لا اشكال في قوتها على المعارض من وجوه، خصوصا بعد تأيدها بالسيرة
على المعاملة مع الملوك والأمراء، فيما يعلمون صرفه في تقوية الجند

(1) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6 و 8
(2) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6 و 8
(3) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9 و 10
(4) الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9 و 10
32

والعساكر المساعدين لهم على الظلم والباطل وإجارة الدور والمساكين
والمراكب لهم لذلك، وبيع المطاعم والمشارب للكفار في نهار شهر
رمضان مع علمهم بأكلهم فيه وبيعهم بساتين العنب منهم مع العلم
العادي بجعل بعضه خمرا، وبيع القرطاس منهم مع العلم بأن منه ما
يتخذ كتب ضلال، ومن ذلك يظهر أن قصد العلية من طرف المشتري
غير قادح، ضرورة حصوله فيما عرفت، فلو كان قادحا لاقتضى فساد
البيع، لأن فساده من جانب، فساد من الجانبين، بخلاف قصدها من
البائع المنافي لاطلاق المنع السالم عن المعارض فيه، ضرورة عدم شمول
الأدلة المزبورة لمثله، بل ربما كان ظاهر قوله في بعضها يبيعه حلالا،
وذلك يجعله حراما خلافه.
وعلى كل حال فما عن ظاهر التهذيب والمختلف وحواشي الشهيد
والمسالك والروضة ونهاية الشيخ في خصوص المساكن والحمولات من
الحرمة مع العلم مطلقا بل عن ثاني الشهيدين وغيره إلحاق الظن به
واضح الضعف، لعدم صدق الإعانة، وضعف إطلاق أدلة المنع بالنسبة
إلى ما عرفت، وعدم منافاته للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللذين
قد يسقط وجوبهما لفقد بعض الشرائط، وكذا ما عن ابن المتوج من
الحكم بالحرمة دون الفساد، ضرورة إمكان تحصيل الاجماع على خلافه
بل قوله عليه السلام في الخبر السابق (حرام أجرته) كالصريح في عدم
ملكه، وعدم انتقاله بالعقد، وما في الكتاب في باب الإجارة أنه ربما
قيل بالتحريم أي في نحو إجارة المسكن ليحرز فيه الخمر، وانعقاد
الإجارة لامكان الانتفاع في غير المحرم لم نتحققه قولا لأحد من أصحابنا
ممن تقدم وإنما هو محكي عن الشافعي وأبي حنيفة ولا ريب في ضعفه
والله العالم.
33

النوع (الثالث ما لا ينتفع به) نفعا مجوزا للتكسب به على
وجه يرفع السفه عن ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه
عليه، إنما الكلام فيما ذكره المصنف مثالا له بقوله (كالمسوخ برية
كانت كالقرد والدب) والكلب والخنزير والذئب والفأرة والضب والأرنب
والطاوس والوطواط وهو الخطاف أو الخفاش والعنقا والثعلب واليربوع
والقنفذ والطافي الذي هو قسم من الحيات، بل قيل والنعامة، وإن
كان الحق خلافه كما بين في محله (وفي الفيل تردد والأشبه جواز بيعه
للانتفاع بعظمه) وبحمله (أو بحرية كالجري) والدعموص، وفي
المسالك ليس من المسوخ بحرية غيرهما حتى جعل قوله (والضفادع)
عطفا على المسوخ وفسر الطافي بالسمك الميت في الماء (و) لكن في
غيرها أن منها (السلاحف) والضفادع والنمار والتمساح والسرطان
وهو عقرب الماء له ثمانية أرجل وعيناه في كتفه وصدره يمشي على
جانب واحد ويقول استغفروا الله يا مذنبون وحينئذ فهما معطوفان على
الجرى، بل لعل الطافي منها أيضا بناء على أن المراد به قسم من
الحيات لا السمك الميت في الماء إلا أن المنقول أنه من المسوخ البرية لا
البحرية ويمكن أن يكون بحرية وحينئذ ينتظم ظاهر العبارة والأمر في
ذلك سهل، بل ألحق بالمسوخ العقرب والزنبور والوزغ والدبا والمهرجد
نوعان من الجراد وسهيل وزهره دابتان والعنكبوت والوبر والورك والزمير
والمار ما هي والبعوض والقمل، ولعل إلحاقها بها لعدم اعتبار ما دل على
أنها منه بل عن النبي صلى الله عليه وآله (1) (إن الله مسخ سبع مائة
أمة فأخذ أربعمائة برا وثلثمائة بحرا) ولتحقيق ذلك مقام آخر.
إنما البحث في التكسب بها والتحقيق عدم كون المسوخية مانعا

الوسائل الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 9
34

منه، بناء على الأصح من عدم نجاستها بذلك، عدى الكلب والخنزير كما
قدمناه في كتاب الطهارة، وخصوصا إذا قلنا بقبولها للتذكية فإن الانتفاع
حينئذ بها حية وميتة متحقق، فيندرج في نحو قوله تعالى (أحل الله
البيع) (1) الذي قال الفاضل في المختلف: إن الفقهاء أجمعوا في
جميع الأعصار والأصقاع على عمومية الاستدلال بهذه الآية في كل مبيع
فالمتجه حينئذ جواز التكسب بما ينتفع به منها نفعا يخرجه عن السفه
بذلك، بل لا يبعد جواز التكسب بما لا نفع غالبا فيه إذا اتفق
حصول النفع المعتد به فيه، فيتكسب به في ذلك الحال، ودعوى كونه
منفعة نادرة لا يجوز التكسب به لتحقق السفه معها، يدفعها منع
تحققه مع فرض حصول النفع المعتد به فيه، بل أقصاه أنه يكون كبعض
عقاقير الأدوية التي يندر الاحتياج إليها، نعم لا ريب في تحقق السفه
لو تكسب بها حال عدم النفع رجاء لتلك المنفعة النادرة، والسبب في
ذلك غلبة وقوعها في كل وقت يحتاج إليها، أما لو فرض ندرته وعدم
تيسره في كل وقت، فلا ريب في حسن ادخاره لاحتمال حصول
الحاجة به.
وحينئذ فما عن أكثر المتقدمين من إطلاق المنع عن بيعها في غير محله، مع
أنه لا خلاف في جواز بيع بعض الكلاب منها كما تعرف في محله،
كما أنه لا شك في في جواز الانتفاع بعظم الفيل منها المسمى بالعاج وجلود
الثعالب والأرانب مع التذكية، بشرط الدباغ أو مطلقا، وفي خبر (2)
عبد الحميد بن سعد (سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل
أيحل بيعه وشرائه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال: لا بأس قد كان لأبي

(1) سورة البقرة الآية 275
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
35

منه مشط أو أمشاط) وفي آخر (رأيت أبا الحسن عليه السلام (1)
يتمشط بمشط عاج واشتريته له) وفي ثالث (2) (عن العاج قال: لا
بأس به، وأن لي منه لمشطا) مضافا إلى ما عن الخلاف من الاجماع على
جواز التمشط به وجواز استعماله، والسرائر ذلك أيضا على جواز بيع
الفيل، وما عن المبسوط من الاجماع على عدم جواز بيع المسوخ وإجارتها
والانتفاع بها واقتنائها بحال إلا الكلب، مبني على نجاستها عنده فيه
وهو معلوم الفساد، خصوصا فيما لا نفس له منها وخصوصا فيما قام الاجماع
عليه من استعمال جلود بعضها، والخبر الوارد (3) بالمنع (عن بيع القرد
وشرائه) مع ضعفه، منزل على حال عدم الانتفاع المعتد به، أو المحرم
كالإطافة به للعب كما هو الغالب، أو على الكراهة جمعا،
ولعله لذا ونحوه حكي عن ابن الجنيد أنه اختاره في أثمان ما لا
يؤكل لحمه من السباع والمسوخ أن لا يصرف ثمنه في مطعم أو مشرب
له ولغيره من المسلمين، بل لعله مما ذكرنا ينقدح البحث فيما ذكر
مثالا للعنوان المزبور من الحشرات من الهوام التي ضبطت بما لا يحتاج
إلى الماء وشم الهواء كالفأر والحيات والخنافس والعقارب وجميع
الدواب الصغار، وما ينفصل من الانسان من شعر أو ظفر أو بصاق
ونحوها، تمسكا بالأصل وعدم الدخول في أدلة المكاسب، والاجماع
المنقول عاما وخاصا، بل قيل أن عليه المدار في الحجة، وفيه أن المدار
الاحتجاج بعدم النفع، للأخبار والاجماع على اعتباره.
ولكن ذلك إنما يجري في بعض الأقسام في بعض الأحوال لا مطلقا

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
(2) الوسائل الباب 69 من أبواب آداب الحمام الحديث 4
(3) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
36

فلا مانع حينئذ من التكسب بالعلق ودود القز، ونحل العسل ونحو
ذلك مما قامت السيرة على التكسب به، بل لا مانع منه في غير ذلك عند
الحاجة إليه لدواء ونحوه مما يرتفع معه السفه الحاصل بشرائه عند
عدم الحاجة إليه، ولو لادخاره عند عروضها، باعتبار غلبة نوعه في كل
وقت وحين، ضرورة كونه حينئذ كبعض عقاقير الأدوية، ودعوى عدم
التمول في ذلك مطلقا يمكن منعها باعتبار صدق التملك بإرادته في كل
مباح، بل ربما تكونت هذه الأشياء من أرضه المملوكة له، والاستحالة
لا ترفع ملكه عنها، فيكون المدار حينئذ على ما ذكرنا، ومن هنا جاز
تمليكها بلا عوض، لعدم السفه فيه دونه مع العوض، ومن ذلك
التراب والماء والحجارة ونحوها مما لا تدخل في شئ من موانع الاكتساب؟؟
إلا من جهة الانتفاع وعدمه، فيجوز بيعه والاكتساب به مع الانتفاع
المعتد به، ولا يجوز مع عدمه، بل حبة الحنطة ونحوها كذلك أيضا
ودعوى أن ندور المنفعة لا يجوز الاكتساب مع حصولها أيضا واضحة
المنع، بل عموم الأدلة وإطلاقها والسيرة على خلافها.
وكذا لا بأس ببيع المنفصل من لبن الآدميات، وإن كن حرائر إذ الحر
يملك فوائده كما يملك منافعه، ولا بأس أيضا بشراء دار أو حمام أو بستان
أو غيرها من العقار وإن لم يكن له طريق يوصل إليه لاحتمال حصوله
احتمالا معتدا به، ولو بالإذن من الجار أو نحوه، نعم لو فرض اليأس
من ذلك، كان من المعاملة السفهية، أما الترياق ففي القواعد لا يجوز
بيعه، ومراده به المشتمل على نجسين الخمر ولحوم الأفاعي على قول، أو
نجس ومحرم، لكن قيل الظاهر جواز الانتفاع به في غير الجهة الحرام
وفيها مع الاضطرار واقتنائه لذلك، بل بذل شئ من المال لاستخلاصه.
وفيه ما عرفته سابقا من عدم جواز الانتفاع بما لا يقبل التطهير من
37

المتنجسات، فضلا عن النجاسات، إلا ما قامت السيرة عليه.
نعم في الضرورات تباح المحظورات، كما إذا انحصر التداوي به
نحو غيره من المحرمات، نعم لو لم يكن معه شئ من النجاسات،
أمكن جواز الانتفاع به، بل جواز التكسب، بل لو لم يجز أكله أمكن
ذلك فيه أيضا ضرورة عدم توقف جواز التكسب على جواز الأكل،
ولذا جاز التكسب في السم المتخذ بما يجوز أكله وإن لم يجز أكله نفسه
بل المدار على المنفعة المحللة الرافعة للسفه في المعاوضة بنحوه، بل الظاهر
كفاية حصول ذلك فيه، وإن لم تكن مقصودة للمتعاقدين، أو أحدهما
حال العقد، بل وقبله وبعده كما هو واضح، ومن ذلك يعلم ما في
تفسير الطافي في المتن بالسمك الميت في الماء، فإن دعوى عدم الانتفاع
به ممنوعة، خصوصا إذا كان له دهن ونحوه، كدعوى عدم جواز الانتفاع
به شرعا لكونه من الميتة، لما عرفت من أن المراد بها نصا وفتوى
ميتة ذي النفس لا مطلقا.
وكذا دعوى أن جواز الانتفاع به لا يقتضي جواز التكسب به
خصوصا بعد قوله عليه السلام (1) (إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه)
المتناول لذلك، ضرورة تحقق التحريم فيه بالموت في الماء، فيحرم
التكسب به، بل منه ينقدح حرمة التكسب بجميع الحيوانات البحرية
المحرم أكلها، لأن المراد منه ما حرم الشارع الأمر المقصود منه لو
يحلله، لكن لا يخفى عليك ما في ذلك بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا
من قضاء الأصل والعمومات جواز التكسب بكل ذي منفعة معتد بها
محللة، والمراد من الخبر المزبور تحريم ثمن ما حرمه الله إذا بيع في
الجهة المحرمة، تعريضا بما فعله اليهود الذين قد سمعت لعنهم في الخبر

(1) الخلاف ص 225 المطبوع بطهران سنة 1370
38

السابق المراد منه على الظاهر أنهم باعوها في الجهة التي حرمت عليهم
ممن لا يبالي بحرمة ذلك منهم، أو ممن لا تحريم عليهم من غيرهم،
وحينئذ فيتجه جواز التكسب بدهن الحيوانات البحرية وغيره، فضلا عن
الانتفاع به.
وأما السباع فظاهر ابن أبي عقيل وسلار أنها كلها لا يجوز بيعها
وفي النهاية إلا الفهود خاصة، لأنها تصلح للصيد، وعن المفيد بعد الحكم
بتحريمها قال: والتجارة في الفهود والبزاة وسباع الطير التي يصاد بها
حلال، وعن المبسوط والطاهر غير المأكول مثل الفهد والنمر والفيل
وجوارح الطير والصقور والبزاة والشواهين والعقبان والأرنب والثعلب
وما أشبه ذلك فهذا كله يجوز بيعه، وإن كان لا ينتفع به فلا يجوز
بيعه بلا خلاف، مثل الأسد والذئب، وفي المتن عطفا على الممنوع
(والسباع كلها إلا الهر والجوارح طائرة كانت كالبازي أو ماشية
كالفهد) ولم نجد به قائلا بالخصوص، (وقيل:) والقائل ابنا
البراج وإدريس (يجوز بيع السباع كلها تبعا للانتفاع بجلدها وريشها)
وإن حكي عن الأول منهما الصدقة بثمن الهرة، وإنه لا يتصرف فيه بغير
ذلك إلا أنه كما في الدروس متروك، (و) على كل حال (هو
الأشبه) بأصول المذهب وقواعده المقتضية للجواز مضافا إلى الصحيح (1)
(لا بأس بثمن الهرة) والآخر (2) (عن الفهود وسباع الطير هل
يلتمس بها التجارة؟ قال نعم) والخبر (3) (عن بيع جلود النمر فقال:

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(3) الوسائل الباب 38 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
39

مدبوغة هي؟ قلت: نعم قال: لا بأس به) (1) والمروي عن قرب الإسناد عن جلود السباع وبيعها وركوبها أيصلح ذلك؟ قال: لا بأس
ما لم يسجد عليها) وإلى النصوص (2) الدالة على جواز اتخاذ جلودها وركوبها
المستلزمة لقبولها التذكية القاضية بطهارتها، فينتفع بها حينئذ نفعا معتدا به
تندرج به في عموم الأدلة وإطلاقها، وما عن القاضي من التصدق بثمن
الهرة وأنه لا يتصرف فيه بغير ذلك لم نعرف له مأخذا، وبذلك يظهر
لك ما في كلام المستثنى لبعضها فضلا عمن أطلق عدم جواز بيعها بل
عن التذكرة نسبة جواز بيع الهر إلى علمائنا بل قد يظهر من المصنف
في النافع الاجماع على جواز بيع الهرة وجوارح الطير، بل هو ظاهره
هنا أيضا في مطلق الجوارح، وإن ناقشه فيه في المسالك بل لعله ظاهر
الدروس أيضا حيث اقتصر في نقل الخلاف على ما لا يصلح للصيد دونه
كالهر والفهد الباز. نعم فيها أنه لا يجوز اقتناء الحيات والعقارب
والسباع الضارية والترياق المشتمل على محرم والسمومات الخالية عن
المنفعة، وفي القواعد يحرم اقتناء الأعيان النجسة، إلا لفائدة كالكلب
والسرجين لتربية الزرع، والخمر للتخليل، وكذا يحرم اقتناء المؤذيات
كالسباع والحيات، بل في شرح الأستاذ مزجه بقوله وإن سلمت من
الايذاء بالفعل لما دل على تحريم الانتفاع بالمحرمات وما فيها من
ضروب الفساد، مع أخبار واجماعات، ولعل ذلك هو العمدة، ولولاه
لأمكن المناقشة بل لعلها متجهة فيما سمعته من الدروس من حرمة
اقتناء الترياق المشتمل على محرم والسمومات لعدم الدليل على ذلك بل

(1) الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4
40

وفي إطلاق الفاضل حرمة اقتناء الأعيان النجسة كما هو واضح.
النوع (الرابع ما هو محرم في نفسه) لا لنجاسة ولا لغاية ولا
لعبث (كعمل الصور المجسمة) لذوات الأرواح، ولعل ترك التقييد
بذلك لظهور لفظ الصور في ذلك، وعلى كل حال فلا خلاف في حرمة
عملها، بل الاجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض، كالنصوص
ففي خبر المناهي عن الحسين بن يزيد عن الصادق عليه السلام (1)
(نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن التصاوير وقال: من صور
صورة كلفه الله تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ، ونهي أن
ينقش شئ من الحيوان على الخاتم) وفي خبر محمد بن مروان (2) عنه
أيضا (ثلاثة يعذبون يوم القيامة من صور صورة الحيوان يعذب حتى
ينفخ فيها) والمرسل عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله (3)
(من صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بفاعل) وفي صحيح
محمد بن مسلم (4) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر
والشمس والقمر فقال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان) بل
في صحيح أبي العباس (5) عنه أيضا (إشعار أو ظهور في ذلك، قال:
في قوله تعالى (يعملون له ما يشاء) إلى آخرها والله ما هي تماثيل
الرجال والنساء، ولكنها الشجر وشبهه) وكذا خبره الآخر (6) وفي

(1) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6
(2) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7 و 9
(3) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7 و 9
(4) الوسائل الباب 94 من أبواب من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و 1
(5) الوسائل الباب 94 من أبواب من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و 1
(6) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث بعد
ذكر الحديث الأول
41

خبر تحف العقول (1) (وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال
الروحاني فحلال تعلمه وتعليمه) بل قد يشعر بذلك، أيضا صحيح
زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2) (لا بأس بتماثيل الشجر)
وإن لم نقل بحجية مفهوم اللقب، خصوصا بعد ملاحظة انجبار ما كان
من ضعف في سند أو دلالة بما عرفت، بل لاطلاق الصورة في النصوص
المزبورة أفتى جماعة بحرمة تصوير ذوات الأرواح مطلقا، مجسمة أو
غير مجسمة، بل قيل أنه لو حملت الصفة فيما هو نحو المتن على المثل
لا المثال كان ظاهر الجميع ذلك.
لكن قد يقال ما في بعض النصوص التي تقدمت في كتاب الصلاة (3)
من أنه لا بأس إذا غيرت رؤسها، وفي آخر قطعت (4) وفي ثالث (5)
كسرت نوع إشعار بالتجسيم، كالتعليل بالنفخ في الأخبار الأخر، ونحوها
مما هي ظاهرة في كون الصورة حيوانا لا ينقص منه شئ سوى الروح
بل قد يظهر من مقابلة النقش للصورة في خبر المناهي ذلك أيضا، ومن
ذلك كله يقوى حينئذ القول بالجواز في غير المجسمة الموافق للأصل،
وإطلاق الآيات والروايات، في الاكتساب والمشي في طلب الرزق بأي
نحو كان، كقوة القول بجواز التصوير لغير ذي الروح مجسما أو غير
مجسم لذلك أيضا، وللنصوص السابقة المنجبرة بالشهرة التي كادت
تكون إجماعا.

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام المساكن الحديث 3
(4) الوسائل الباب 32 من أبواب مكان المصلي الحديث 5 و 10 ولكن فيه تقطع وتكسر
(5) الوسائل الباب 32 من أبواب مكان المصلي الحديث 5 و 10 ولكن فيه تقطع وتكسر
42

فما عن القاضي والتقي من إطلاق (1) المنع (للنهي عن تزويق
البيوت الذي فسره عليه السلام بالتصاوير والتماثيل) وإطلاق قول
النبي صلى الله عليه وآله (لعلي عليه السلام (2) لا تدع صورة إلا محوتها
ولا كلبا إلا قتلته) والأخبار المستفيضة (3) المعربة عن عدم نزول
الملائكة بيتا يكون فيه تماثيل) واضح الضعف، ضرورة قصوره عن
المعارضة. من وجوه، بل الخبران الأولان غير صالحين للاستدلال سندا
فضلا عن المعارضة، وأما أخبار عدم نزول الملائكة فمع أنها محمولة على
الكراهة، يمكن تقييدها بذي الروح ظلية أو غير ظلية على الخلاف
السابق.
ثم إن المدار في صورة الحيوان على صدق الاسم، وتصوير البعض
مع عدم صدقه عليه وكون المقصود من أول الأمر البعض خاصة لا
مانع منه، ولو حصل الصنع من اثنين دفعة كانا مصورين، ومع التدريج
ففي شرح الأستاذ أن المدار على الأخير، قلت: لعل الأقوى التعلق
بالأول أيضا، إذا فرض كون المقصود لهما ذلك من أول الأمر، لصدق
الاستناد إليهما، ومنه يظهر ما في إطلاق قوله أيضا بعد ذلك ومع
التفريق يتعلق بالحكم الجامع، ولو اشتركت الصورة بين الحيوان أو غيره
اتبع القصد، إن لم يكن لأحدهما ظهور فيها، والظاهر إلحاق تصوير
الملك والجنى بذلك، بل قد يقوى جريان الحكم في تصوير ما يتخيله في
ذهنه من صورة حيوان مشارك للموجود في الخارج، من الحيوان في كلي
الأجزاء دون أعدادها وأوضاعها مثلا وتصوير البيضة والعلقة والمضغة

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن الحديث 8
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن الحديث 8
(3) الوسائل الباب 33 من أبواب مكان المصلي الحديث 1 - 4
43

وبزر القز ونحو ذلك مما هو نشو الحيوان لا بأس به، بل لعله لا بأس
بعدم منع الصبيان ونحوهم ممن هو غير مكلف عن العمل أيضا، للأصل
وغيره، لكن في شرح الأستاذ أن القول بوجوب المنع لا يخلو من قوة
هذا كله في عمل الصور.
أما بيعها واقتناؤها، واستعمالها والانتفاع بها والنظر إليها ونحو
ذلك، فالأصل والعمومات والاطلاقات تقتضي جوازه، وما يشعر به
بعض النصوص من حرمة الابقاء كأخبار عدم نزول الملائكة ونحوها
محمول على الكراهة أو غير ذلك خصوصا مع أنا لم نجد من أفتى بذلك
عدا ما يحكى عن الأردبيلي من حرمة الابقاء، ويمكن دعوى الاجماع
على خلافه، ومن ذلك يظهر لك جواز النظر إلى الصورة في المرآة
ونحوها مع عدم الشهوة إذ احتمال الفرق بالخصوصية وعدمها لا وجه
له كما هو واضح، والله أعلم.
(و) منه أيضا (الغناء) بالكسر والمد ككساء بلا خلاف أجده
فيه بل الاجماع بقسميه عليه، والسنة متواترة فيه، وفيها ما دل على
أنه من اللهو واللغو والزور المنهي عنها في كتاب الله (1) فيتفق حينئذ
الأدلة الثلاثة على ذلك، بل يمكن دعوى كونه ضروريا في المذهب،
فمن الغريب ما وقع لبعض متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن الغزالي
من عدم الحرمة فيما لم يقترن بمحرم خارجي، كالضرب بالعود، والكلام
بالباطل ونحو ذلك، وأغرب من ذلك إن أراد عدم كون المجرد عن
ذلك غناء ضرورة مخالفته لكلام أهل اللغة والفقهاء والعرف والنصوص
لاتفاق الجميع على أنه من مقولة الأصوات أو كيفياتها من غير مدخلية

(1) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث
9 و 11 و 19
44

لأمر آخر، ولا ينافي ذلك عده من لغو الحديث وقول الزور ونحوها،
مما يمكن كون المراد منه أنه كذلك باعتبار هذه الكيفية الخاصة، كما
أنه لا ينافيه أيضا خبر علي بن جعفر (1) عن أخيه المروي عن قرب الإسناد (سألت عن الغناء هل يصلح في الفطر والأضحى قال: لا بأس
به ما لم يعص به) إذ هو مع وضوح قصوره عن معارضة غيره من
وجوه، ورواه علي بن جعفر (2) في المحكي عن كتابه بابدال ما لم
يعص به بما لم يزمر به، فهو كالمضطرب محمول على التقية أو على إرادة
خصوص العرس في اليومين أو على إرادة التغني بالشعر على وجه لا يصل
إلى حد الغناء، فيكون ذلك هو المراد من قوله ما لم يعص به، أو غير
ذلك مما هو خير من الطرح الذي لا بأس بالتزامه إذا أبيت الحمل
وكذلك غيره من النصوص التي قد يشم منها اختصاص حرمة الغناء
بالمقترن بالعود ونحوه لا مطلقا، وذلك لقوة المعارض على وجه لا يصلح
ذلك ونحوه لمعارضته، ودعوى أن ظاهر كلام الشيخ في الاستبصار ذلك
أيضا يدفعها، ملاحظة كلامه فيه وفي غيره، ومن هنا كان الاطناب في
إفساد ذلك من تضييع العمر بما لا ينبغي.
إنما الكلام في موضعه ففي جملة من كتب الأصحاب أنه مد
الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، بل ربما قيل إنه المشهور وفي
القاموس غناء ككساء من الصوت ما طرب به، وفي شهادات القواعد
وبعض كتب اللغة ترجيع الصوت ومده، وعن الشافعي أنه تحسين
الصوت وترقيقه، وفي محكي النهاية أن كل من رفع صوتا ووالاه فصوته
عند العرب غناء، وعن السرائر والإيضاح أنه الصوت المطرب، وعن

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5 و 6
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5 و 6
45

بعض أنه مد الصوت، وعن المصباح المنير أنه الصوت إلى غير ذلك من
كلمات أهل اللغة التي يقطع الماهر بملاحظتها بكون المراد منها، بيان
أن الغنى من هذا الجنس نحو قولهم سعدانة نبت، ضرورة عدم خلو
غالب الأصوات، في قراءة القرآن والأدعية والخطب والشعر في جميع
الأعصار والأمصار من العلماء وغيرهم، من تحسين ومد وترجيع في
الجملة، كما لا يخفى على من له أدنى معرفة وإنصاف، فيعلم كون
المراد كيفية خاصة منها موكولة إلى العرف، كما هي العادة في بيان
أمثال ذلك، نعم لا عبرة بعرف عامة سواد الناس، فإنه الآن مشتبه
قطعا، لعدهم الكيفية الخاصة من الصوت في غير القرآن والدعاء وتعزية
الحسين عليه السلام غناء، ونفي ذلك عنها فيها، وما ذاك إلا لاشتباهه
للقطع بعدم مدخلية خصوص ألفاظ فيه لما عرفت أنه كيفية خاصة
للصوت بأي لفظ كان، ودعوى التزام جواز ذلك فيها وإن كان غناء
في غيرها لا طلاق ما دل على الأمر بها (1) الشامل لهذه الكيفية
الخاصة، بل جاء في خصوص القرآن الأمر بالتغني فيه، وما يقضي
بجواز الغناء فيه واضحة الفساد، لمعلومية تحكيم النهي في أمثال ذلك
وليس من تعارض العموم من وجه المحتاج إلى ترجيح، بل فهم أهل
العرف كاف فيه، نحو العام والخاص والمطلق والمقيد وإلا لتحقق
التعارض من وجه بين ما دل على قضاء حاجة المؤمن مثلا، والنهي
عن اللواط والزنا والكذب وغيرها من المحرمات، المعلوم بطلانه بضرورة
الشرع أنه لا يطاع من حيث يعصى، وما ورد في خصوص القرآن
مما لا ريب في قصوره عن معارضة ما دل على الحرمة من وجوه،

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب قراءة القرآن الحديث 5 و 6
46

مطرح أو مأول أو موضوع، خصوصا (1) بعد قوله عليه السلام
(اقرؤا القرآن بألحان العرب وإياكم ولحون أهل الفسوق) فإنه سيجئ
قوم يرجعون القرآن ترجيع الغناء.
نعم قد يحتمل إرادته اختصاص الغناء بالصوت المشتمل على
التحسين بالمد والترجيع المتخذ للهو وانشراح النفس والطرب، كما عساه
يومي إليه لهو الحديث وأخذ الطرب في تعريفه، ومعروفية مجالس الغناء
بذلك، بعد العلم بعدم زيادتها في المد والترجيع على ما يستعمل في
غيرها، مما لم يرد به اللهو كالتعزية والأذان وغيرهما.
وقد يؤيد بما ذكر في استثناء النوح منه، من أنه ليس داخلا في
موضوعه باعتبار مقابلة النوح له عرفا، وما ذاك إلا لعدم اتخاذ اللهو
به لكنه أيضا لا يخلو من إشكال، ضرورة عدم اعتبار ذلك في
حقيقته وإن تعارف استعماله في مجالس اللهو، وإلا فربما كان من
أفراد الغناء الأصوات المشجية والمثيرة للحزن والبكاء، كما يستعمله
العشاق في فقد المحبوب وعدم نيل المطلوب، وهو مع ذلك نوع من
الطرب، ولذا حكي عن القاموس التصريح بفساد وهم من خص الطرب
بالسرور، وأنه قول العوام، والتحقيق الرجوع في موضوعه إلى العرف
الصحيح الذي لا ريب في شموله للمقامات المعلومة، وشعبها المعروفة
عند أهل فنها، بل لا ريب في تناوله لغير ذلك مما يستعمله سواد الناس
من الكيفيات المخصوصة، بل الورع يقتضي اجتناب جميع الأفراد
المشكوك في اندراجها في موضوعه، وإن كان الأصل يقتضي الإباحة في
شبهة الموضوع الراجعة إلى شبهة الحكم.
ودعوى وجوب الاجتناب هنا باعتبار كون الشبهة في ذلك للشبهة

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب قراءة القرآن الحديث 1
47

في مفهوم الموضوع لا مصداقه، فيجب الاجتناب للمقدمة، ضرورة كونه
كالتكليف بالمجمل، يدفعها منع كون المقام من ذلك بعد معلومية جملة
من الأفراد المحتملة، لكون تمام ماهية الغناء ما اشتملت عليه، فيشك
حينئذ في حرمة الزائد وينفى بأصل البراءة الذي لا يعارضه حرمة
الغناء المحتمل كون تمام ماهيته ما في الافراد المعلومة، اللهم إلا أن
يقال أنه حينئذ لم يحصل اليقين بتمام امتثال نهي الحرمة المتيقن شغل
الذمة بها، وفيه منع وجوب تحصيل مثل هذا اليقين، في مثل هذا
الفرض، بعد أن لا يقين بفرد محرم في الأفراد المشتبهة، كي يتجه
اجتناب الجميع من باب المقدمة، ضرورة كون أحد المحتملات إباحة
جميع هذه الأفراد المشتبهة، وانحصار الحرمة في الأفراد المعلومة كما
هو واضح.
وكيف كان فقد ذكر غير واحد ورود الرخصة في إباحة أجرة
المغنية في الأعراس، بل نسبه بعض مشائخنا إلى الشهرة، ومقتضاه
جواز غنائها فيه، ضرورة التلازم بين إباحة الأجرة عليه وبين إباحته
نعم قيد بعضهم بما إذا لم تتكلم بالباطل، ولم تلعب بالملاهي، ولم
تدخل عليها الرجال، وآخر بالأول والأخير، لكن فيه أن ذلك كله
محرمات خارجة عنه لا مدخلية له فيها، خصوصا الأخير الذي قد يتوهم
أخذه من دليل الجواز، وهو قول الصادق عليه السلام في صحيح أبي
بصير (1) (أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتي
تدخل عليها الرجال) وقوله في خبره (2) أيضا (حين سأله عن كسب

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
48

المغنيات التي يدخل عليها الرجال حرام، والتي تدعى إلى الأعراس ليس
به بأس) لكن فيه أنهما خصوصا الأخير ظاهران في المقابلة لا
التخصيص، بمعنى أن هذه أجرها حلال لا المغنية في غير الأعراس وهي
التي يدخل عليها الرجال لاتخاذ مجالس اللهو، وحينئذ لا دلالة فيهما
على أزيد مما في قوله في الخبر الثالث (1) (المغنية التي تزف العرائس
لا بأس بكسبها) على أنه لم يعلم المراد من اللعب بالملاهي، فإن كان
هو من قبيل اللعب بالدف ونحوه مما لا مدخلية له في الغناء، ففيه مضافا
إلى ما عرفت من كونه محرما خارجيا وليس في الأدلة ما يقضي بحرمة
الغناء حاله بل ظاهرها خلافه أنه صرح جماعة كما قيل بجواز لعبها
في العرس بالدف الذي لا صنج فيه ولا جلاجل، وإن كان هو لا يخلو
من إشكال، وإن أريد به ماله مدخلية في الغناء كالصرناج والرباب
والزمار ونحو ذلك، أمكن أن يكون الوجه فيه حينئذ اتحاده في الخارج
مع الغناء، فيتجه استثناؤه
بل وكذا الكلام بالباطل، ضرورة أنك قد عرفت أن الغناء من
كيفيات الأصوات، والكلام ليس هو إلا اللفظ الذي هو عبارة عن
الصوت، فمع فرض إبرازه بكلام باطل يحرم، لكونهما فردا واحدا
في الخارج، والأمر في ذلك سهل، إذ المراد بيان الحكم في نفسه فلا ينافيه
اتفاق جهة الحرمة في بعض الأفراد.
وقد عرفت أن الأقوى الجواز للنصوص السابقة المعتضدة بالشهرة
المحكية، خلافا للمحكي عن الحلي والفخر، بل لعله ظاهر المصنف
وغيره ممن أطلق الحرمة من دون استثناء ترجيحا لاطلاق النهي وعموماته بل
قيل أن تحريم الغناء كتحريم الزنا أخباره متواترة، وأدلته متكاثرة، عبر عنه

(1) الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
49

يقول الزور (1) ولهو الحديث في القرآن، ونطقت الروايات بأنه الباعث
على الفجور والفسوق، فكان تحريمه عقليا لا يقبل تقييدا ولا تخصيصا
فيحمل حينئذ ما دل على الجواز على التقية أو يطرح، لكنه كما ترى
ضرورة عدم كونه كذلك فإن الطرب والخفة ونحوهما قد حلل كثير
من أسبابها كالجماع وتقبيل المحبوب المحلل وضمه والمسامرة معه ونحوها
مما يفيد الانسان طربا أشد من الغناء فليس تحريمه حينئذ إلا سمعيا
وقد عرفت اعتبار دليل الجواز في نفسه، فضلا عن انجباره فلا محيص
عنه حينئذ بمقتضى قواعد الاطلاق والتقييد، ودعوى عدم المقاومة خالية
عن الشاهد، كالمناقشة بعدم الدلالة باعتبار عدم التلازم بين نفي البأس
عن الأجرة، وبين إباحة الغناء، ضرورة كون ما التزمناه من التخصيص
أسهل من ذلك، لتواتر الأدلة في عدم إباحة أعواض المحرمات كما
هو واضح.
نعم ينبغي الاقتصار على خصوص المغنية، دون المغني، وعلى
العرس دون الختان ونحوه، كما أنه قد يتوقف في استثناء المصنف في
باب الشهادات، والفاضل والشهيد والخراساني الحداء، كدعاء لسير
الإبل من الغناء المحرم، بل ربما قيل أنه المشهور لعدم الدليل سوى
الأصل المقطوع، والنبوي المرسل (2) (أنه قال: لعبد الله بن رواحة
حرك بالنوق) فاندفع يرتجز وكان عبد الله جيد الحداء، وكان مع
الرجال، وكان أنجشه مع النساء فلما سمعه تبعه، فقال: صلى الله عليه
وآله: لا نجشة (رويدك، رفقا بالقوارير) الذي لا جابر له) لعدم

(1) الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9 و 10 و 11
(2) سنن البيهقي ج 10 ص 227 والمجازات النبوية طبع مصر
ص 32
50

تحقق الشهرة، بل لعل المحقق خلافها، وعدم معلومية كون ذلك منه
على صفة الغناء، بل ربما ادعي أن الحداء قسيم للغناء، بشهادة العرف
وحينئذ يكون خارجا عن الموضوع، لا عن الحكم ولا بأس به.
كما أن ما حكي عن بعضهم من استثناء مراثي الحسين عليه السلام
إن أريد به الخروج عن الموضوع باعتبار اندراجه في النوح الذي
ستعرف جوازه، فلا إشكال فيه، وإلا كان ممنوعا لعدم الدليل الصالح
وكونه معينا على البكاء المرغب فيه طاعة لله بمعصيته، ودعوى استمرار
السيرة عليه ممنوعة كما هو واضح، نعم لا بأس بالهلهولة على الظاهر
لكونها صوتا من غير لفظ، والغناء من الألفاظ وأما الترديد المسمى
بالحوراب في عرفنا فربما ظهر من بعض مشائخنا معلومية حليته في حال
الحرب، وحث الرجال على القتال المحلل).
نعم قال: الحزم اجتنابه، واجتناب الرقص والهلهولة في غير
ذلك بل لعله يحرم فعله، لأنه من اللهو والباطل، والحازم يتجنب
الشبهات خصوصا عند اشتباه الموضوعات) وفيه أنه مع فرض عدم
اندراجه في الغناء يمكن فرضه فيما لا يدخل في اللعب واللهو، أما
مع فرض اندراجه فيه فيشكل جوازه فيه، فضلا عن غيره من الأحوال
لاطلاق أدلة النهي بل قد اقترنت بمؤكدات تقتضي إرادة جميع الأفراد
على وجه أظهر دلالة من العموم اللغوي فتأمل جيدا والله العالم.
(و) منه (معونة الظالمين بما يحرم)، كما عن المقنعة
والمراسم والإرشاد، ولعل المراد به بقرينة ذكر الظالمين ما يحرم من
الظلم، فيوافق عنوان الأكثر معونة الظالمين في الظلم، بل قد يدعى
انصرافه أيضا ممن أطلق أيضا، كالمحكي عن النهاية لكن فيه أن ذلك
غير مختص بالظالمين ضرورة حرمة إعانة كل عاص على معصيته، واحتمال
51

إرادة ذلك من الظالمين، بدعوى عمومه ولو للظالم نفسه كما ترى،
نعم يمكن أن يكون الوجه في ذكر ذلك بالخصوص بيان المراد من المستفيض
أو المتواترة من النصوص الواردة في النهي عن إعانة الظالمين، على معنى
أن المحرم إعانتهم على مظالمهم ونحوها مما هو حرام في نفسه لا غيرها
مما هو مباح في نفسه، وإن كان ذلك هو المستفاد من جملة منها، قال:
ابن أبي يعفور (1) (كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه
رجل من أصحابنا فقال: له أصلحك الله إنه ربما أصاب الرجل منا
الضيق والشدة فيدعى إلى البناء يبنيه والنهر يكريه أو المسناة يصلحها
فما تقول في ذلك؟ فقال: أبو عبد الله عليه السلام ما أحب إني
عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء وأن لي ما بين لابتيها لا ولا مدة
بقلم إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله
عز وجل بين العباد) بل في خبر يونس بن يعقوب (2) (لا تعنهم
ولو على بناء مسجد) وفي خبر صفوان الجمال (3) (النهي عن كرائه
لهم جماله، لسفر مكة) ومن هنا قال العلامة الطباطبائي: أنه إن
انعقد إجماع على هذا التفصيل، وإلا فالمتجه التحريم مطلقا لاستفاضة
النصوص في المنع عن إعانتهم في المباح بطريق العموم والخصوص، مع
اعتبار سندها وموافقتها الاعتبار، فإن إعانتهم في المباحات تفضي إلى
إعانتهم في المحرمات، كما أشير إليه في الخبر (4) (لولا أن بني أمية
وجدوا من يكتب لهم ويجبي لهم الفئ ويقاتل عنهم ويشهد جماعتهم

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6 و 8
(2) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6 و 8
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 17
(4) الوسائل الباب 47 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
52

لما سلبونا حقنا ولو تركهم الناس وما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلا
ما وقع في أيديهم) ولأن ذلك لا ينفك عن الميل والركون إليهم وحب
بقائهم، كما أشير إليه في رواية صفوان وغيرها وقد قال الله تعالى (1)
(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).
قلت: إلا أن السيرة القطعية على خلاف ذلك، بل هو مناف لسهولة
الملة وسماحتها وإرادة اليسر، ضرورة عدم سوق مخصوص للشيعة،
وعدم تمكنهم من الامتناع عنهم، بل هو مناف لما دل (2) (على
مجاملتهم، وحسن العشرة معهم، والملق لهم وجلب محبتهم، وميل
قلوبهم، كي يقولوا رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما كان يؤدب
به أصحابه) فالمتجه حينئذ في الجمع بين الجميع، تخصيص الحرمة في
الإعانة على المحرم في نفسه، كما في كل عاص وإعداد نفسه لها، من
غير تقييد بمحلل ومحرم على وجه يندرج في أعوانهم (3) (فإن من علق
سوطا بين يدي سلطان جائر، جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا
من نار يسلطه الله عليه في نار جهنم) والإعانة لهم عن ميل لظلمهم وبقصد
السعي في اعلاء شأنهم، وحصول الاقتدار على رعيتهم، وتكثير سوادهم
وتقوية سلطانهم، فإنه لا ريب في حرمتها إذ هي كالإعانة، بل هي
منها في الحقيقة.
وأما ما عدا ذلك من خياطة ثوب أو بناء جدار أو نحو ذلك
مما هو مباح في نفسه ولم يكن من قصد الفاعل ما سمعت، فالظاهر

(1) سورة هود الآية 113
(2) الوسائل الباب 1 و 121 من أبواب أحكام المعاشرة الحديث
2 و 1 - 5
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10
53

جوازه، وإن كان هو لا يخلو من كراهة، ما لم تدع الضرورة من
تقية ونحوها إليه، فإن القرب إليهم مطلقا مظنة الهلاك، هذا كله في
ظلمة المخالفين وسلاطينهم.
وأما سلاطين أهل الحق فالظاهر عدم الكراهة في إعانتهم على
المباحات، لكن لا على وجه يكون من جندهم وأعوانهم، بل لا يبعد
عدم الحرمة في حب بقائهم، خصوصا إذا كان لقصد صحيح من قوة
كلمة أهل الحق وعزهم، والله العالم.
(و) منه (نوح النائحة بالباطل) للنهي عن النوح في
النصوص الكثيرة، والاستماع له (1) (وأنه يؤذي في الليل الملائكة)
والاجماع المحكي عن المنتهى لكن للجمع بين ذلك وبين ما دل على الجواز من
السيرة والنصوص المستفيضة المعتضدة بالمحكي من فعل فاطمة عليها السلام
بل والفاطميات في كربلا وغيرها، بل والمحكي في زمن النبي صلى الله
عليه وآله (2) في المدينة (من فعل نساء المسلمين بل زوجاته صلى الله
عليه وآله، خصوصا أم سلمة منهن في ندبتها للوليد) بل هو صلى
الله عليه وآله (قد أمر بندب حمزة) كما أن الباقر عليه السلام (3)
(قال: للصادق عليه السلام فيما رواه عنه يونس: يا جعفر أوقف لي
من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى) وحمل
المحرم على النوح بالباطل، والمحلل على خلافه بشهادة قوله عليه السلام
في الخبر (لا ينبغي لها أن تقول هجرا فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة
بالنوح) وغير ذلك ولعله المراد من الباطل في الفتاوي، فإن الهجر

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و 1
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و 1
54

بالضم الافحاش والخنا، فيراد به حينئذ تعداد أفعاله القبيحة وصفاته
المذمومة شرعا، نحو النياحة على بعض الناس بذكر تهتكهم في المحرمات
من الزنا واللواط وقتل النفوس والسرقة، والنهب ونحو ذلك، ما لا
يشمل المبالغة في المدح، لكن عن جماعة أن المراد به ما لا يجوز ذكره
مثل الكذب بل عن جامع المقاصد أنه قد يلحق به أو يدخل فيه ما
إذا سمع صوتها الأجانب، وفيه منع حرمة ما يدخل في المبالغة منه
وما لا يقصد به الخطاب مع أحد مما يذكر للمدح وقرينته معه، وأما
الأخير فليس مما نحن فيه قطعا على أنه مبني على حرمة سماع الأجانب
ذلك من غير ريبة، وفيه منع كما ذكرناه في محله، وخصوصا مع
عدم تمييز الألفاظ.
وعلى كل حال فمن ذلك كله يعلم ما عن محكي المبسوط وابن
حمزة من إطلاق حرمة النياحة، بل في الأول الاجماع عليه اللهم
إلا أن يريدا ما ذكرنا، خصوصا بعد الاجماع عن المنتهى على جواز
أخذ الأجرة على النوح بالحق، المستلزم لجوازه المصرح به في كلام
كثير بل المشهور، نعم لا يبعد الحكم بكراهته مطلقا، للخبر بل لا
يبعد شدتها مع الشرط، لخبر حنان أيضا، بل لا يبعد كراهة أصل النوح
خصوصا في الليل، إلا على الحسين صلوات الله وسلامه عليه والشهداء معه
بل وغيره من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، بل يمكن
إلحاق العلماء بهم، وعلى كل حال فالظاهر عدم استثناء النوح الجائز
من الغناء، ضرورة عدم اندراجه فيه عرفا، للفرق الواضح بين صوت
البلبل ونوح الحمام والبوم، فلا يقدح حينئذ ما فيه من المد والترجيع
بعد الخروج عن الموضوع، نعم ربما يكون منه نوح العشاق والمتيمين
على إشكال كما أن ما يستعملونه بعنوان النوح من مقامات الغناء وشعبه
55

لا يخرج بذلك عن حقيقة الغناء ولا عن حكمه كما هو واضح
والله العالم.
(و) منه (حفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض) كما
صرح به غير واحد، بل عن التذكرة والمنتهى نفي الخلاف عنه، بل
عن كثير تقييد النقض بما إذا كان من أهله، نعم في القواعد وغيرها
إضافة الحجة على أهلها إليه، وآخرون التقية والمراد حفظها عن التلف
أو على ظهر القلب بل يحرم مطالعتها وتدريسها، بل الظاهر أن حرمة
الحفظ لوجوب إتلافها، باعتبار دخولها تحت الوضع للحرام، وتحت
ما من شأنه ترتب الفساد عليه، بل هي أولى حينئذ بالحرمة من
هياكل العبادة المبتدعة، كما أنها داخلة في قول: الصادق عليه السلام (1)
في خبر تحف العقول (وكل منهى عنه مما يتقرب به لغير الله تعالى أو
يقوى به الكفر والشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به
الحق، فهو حرام محرم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته
وجميع التقلب فيه إلا في حال تدعوا الضرورة فيه إلى ذلك) بل وفي
قوله (فيه إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجئ منها
الفساد محضا، نظير البرابط والمزامير والشطرنج، وكل ملهو به والصلبان
والأصنام وما أشبه ذلك، من صناعات الأشربة الحرام وما يكون منه
وفيه الفساد محضا ولا يكون منه ولا فيه شئ من وجوه الصلاح فحرام)
إلى آخره بل وفي غير ذلك من كلماته بل قد يستفاد حرمته أيضا مما
دل على وجوب اجتناب قول الزور ولهو الحديث والكذب والافتراء على
الله، وأنه من كتابة الكتاب باليد، على أنه من الله ليبتغوا به ثمنا قليلا

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
56

بل ويستفاد أيضا مما دل على وجوب جهاد أهل الضلال وإضعافهم بكل
ما يمكن، ضرورة معلومية كون المراد من ذلك تدمير مذهبهم بتدمير
أهله فبالأولى تدمير ما يقتضي قوته.
ومنة يظهر الوجه في استثناء النقض لأنه اتلاف لكلها الذي هو
أولى من إتلاف آحادها الغير المقتضى لرفع فسادها بخلاف ردها بطريق
الاستدلال، وأما الحجة على أهلها فإن رجع إلى ذلك، وإلا كان
استثناؤه لا يخلو من إشكال، وأشكل منه ما ذكره بعض مشائخنا من
أنه ليس غرض من زاد أو نقص في الاستثناء الحصر، لأنه لو كان
الغرض الاطلاع على الفرق الفاسدة، أو تحصيل ملكة البحث، أو نقل
الفروع الزائدة فلا بأس، ضرورة أنه مناف لما ذكرناه مما دل على
وجوب اتلاف كل ما وضع للحرام وترتب عليه الفساد.
وكيف كان فمن الغريب بعد ذلك ما وقع للمحدث البحراني من
إنكار أصل الحكم لعدم نص بالخصوص على ذلك حتى أنه ربما أساء
الأدب مع الأصحاب الذين هم حفاظ السنة والكتاب، نسأل الله
العفو عنا وعنه.
إنما الكلام في المراد من كتب الضلال ففي شرح الأستاذ أنه
ليس الغرض من كتب الضلال ما اشتمل على الضلال في الجملة وإلا لم
يمكن الرجوع إلى كتب اللغة والعربية والتفسير وغيرها من كتب
المقدمات. ووجب إتلافها لعدم الخلو من ذلك، ولا ما كان من الكتب
مشتملا على ما يحتاجه الفقيه في طرق الاستدلال للاطلاع على مذاهب
القوم مما يتوقف عليه ترجيح الروايات بعضها على بعض، ولا ما كان
مستندا إلى أهل الضلال، لأن فيه رشادا كالكتب الأصولية المشتملة على
الضوابط الشرعية الموصلة إلى معرفة تحصيل الاستدلال، فإن ذلك من
57

الواجبات للتوصل إلى معرفة الأحكام الشرعية، بل المراد والله أعلم
التي وضعت للاستدلال على تقوية الضلال يجب إتلافها، فضلا عن غيره
من نسخ وغيره إلا مع قصد الابطال ونحوه كما ذكرنا، سواء تقوت بها
كلمة الكفر الاسلامي أو الايماني أو خلاف الشرعي الفرعي الثابت
بالدليل القطعي وأما الخالية عن الحجاج، وإنما هي أحكام تذكر،
وأخبار تسطر ككتب الفقه والحديث لغير أصحابنا فلا تجوز قنيتها ولا
استعمالها ولا نسخها للانتفاع بها إلا بقصد ما ينفع في الأمور العلمية
أو غيرها ولا يجب إتلافها، وأما ما كان من كتب أهل الضلال فما وضع
لمعرفة كيفية الاستدلال أو الاهتداء إلى معرفة معاني الكتاب والسنة،
والكتب المنسوخة مع قصد الاطلاع على المواعظ، كالزبور ونحوه من
كتب الأنبياء أو على التواريخ والسير والأمور السائغة فلا بأس به
وربما وجب، وفيه أن ما سمعته من الدليل لا يقتضي الاختصاص بذلك
بل مقتضاه الحرمة في كل ما كان فيه ضلال قل أو كثر وضع لذلك
أولا، ولذا صرح في المسالك ومحكي جامع المقاصد بوجوب اتلاف
خصوص موضع الضلال من الكتاب المشتمل عليه وعلى غيره، بل قد
أعد ووضع لغيره، فالمراد حينئذ من الكتب كل كتابة ضلال أو
غير رشاد.
ومن ذلك يظهر ما في كلام بعض مشائخنا أيضا من أن الظاهر
من الأصحاب كون المراد بكتب الضلال ما كان كلها ضلال، قال:
ولا سيما المقنعة والنهاية والمراسم وبه صرح صاحب إيضاح النافع
والمولى الأردبيلي بل ظاهر الأول الاجماع على ذلك، حيث قال: والحق
أن إفراد الحق عن الضلال غير مستحسن، وليس من عادة الأصحاب
إلى آخره وهو الذي يقتضيه حقيقة اللفظ من دون تجوز، وهو معقد
58

الاجماع، ومصب الفتاوى كالتوراة والإنجيل، فإنه قد نص الفاضل
في التذكرة والمقداد والكركي والقطيفي على أنهما محرفان ومعلوم أنهما
منسوخان، وككتب القدماء من الحكماء القائلين بقدم العالم وعدم
المعاد، وكتب عبدة الأصنام، ومنكري الصانع، وأما كتب البدع في
هذه الملة فهي أصناف منها كتب الجبر ونفي الغرض المفردة التي ليس
معها غيرها، والكتب المفردة في خصوص إمامة الثلاثة، وكتب الخوارج
أصولا وفروعا والفتاوى المفردة لأحد الأربعة، فهذه حالها حال
ما تقدمها.
وأما ما اشتمل على كتبهم، مع كونه مشحونا بما يوافق العدلية
ككتب المعتزلة وبعض كتب الأشاعرة وتفاسيرهم وأصول فقههم والصحاح
الست، فلا حرمة بها كما نص على بعض ذلك صاحب إيضاح النافع،
والبعض الآخر المولى الأردبيلي، وفيه ما عرفت من أنه ليس في النصوص
هذا اللفظ، كي يقتصر على المنساق منها من كونه معدا أو كون مجموعه
ضلالا أو نحو ذلك، وإنما العمدة ما سمعته من الدليل الذي لا فرق
فيه بين المعد وغيره والكل والبعض، والأصلي والفرعي الذي علم
كونه ضلالا ولو للتقصير في الاجتهاد ونحوه، ولعل ملاحظة الأصحاب
كتب فروع العامة وذكرها في كتبهم، لأن لها مدخلية في تمييز الحق
باعتبار ما ورد من الأمر بأخذ ما خالفهم، وطرح ما وافقهم، وهو
موقوف على ذلك وهو واضح، كما أنه قد يقال بخروج غالب كتب
المخالفين، والملل الفاسدة عن الضلال في هذه الأوقات، باعتبار ما
وقع من جملة من أصحابنا من نقضها وإفسادها فهي حينئذ كالتالفة،
فلا يجب حينئذ إتلافها بمعنى إعدامها عن الوجود، بل لا بأس ببيعها
وشرائها والاستيجار على كتابتها، ونحو ذلك ضرورة صيرورتها بذلك
59

كالكلام المنقوض في كتب أهل الحق، مثل الشافي وكشف الحق ونحوهما
إذ من المعلوم أعمية النقض للأمرين معا فتأمل جيدا، وليس من كتب
الضلال كتب الأنبياء السابقين، ما لم يكن فيها تحريف، إذ النسخ لا
يصيرها ضلالا، ولذا كان بعضها عند أئمتنا عليهم السلام، وربما
أخرجوها لبعض أصحابهم، بل ما كان منها مثل الزبور ونحوه من
أحسن كتب الرشاد، لأنها ليست إلا مواعظ ونحوها على حسب ما
رأيناها والله أعلم.
(و) منه (هجاء المؤمنين) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، وهو الحجة مضافا إلى ما دل على حرمة ايذاء (1) المؤمن
وظلمه، وهتك حرمته، وادخال النقص عليه ومحبة شياع الفاحشة فيه
واغتيابه والغمز عليه وعلى أن ماله ودمه وعرضه محرمة وغير ذلك،
نعم ذلك كله عدا الاجماع المزبور لا يختص بالهجاء، بناء على كونه
ذكر المعايب بالشعر، كما في المسالك بل قيل: إنه ظاهر القاموس والنهاية
والمصباح، لكن من غير قصر على المعايب التي فيه، نحو ما في الصحاح
وإن كان لم يخصه بالشعر، حيث قال: (إنه خلاف المدح، ومن ذلك
ينقدح الاستدلال عليه بالاجماع، ضرورة عدم معلومية اعتبار الشعر
فيه حينئذ، اللهم إلا أن يدعى العرف على ذلك، ولا ينافيه اطلاق
ما في الصحاح بعد احتمال إرادته له أيضا، اتكالا عليه، كما أنه يمكن
كون المراد الشهيد بالمعايب مطلق ما يعيبه ويشينه، سواء كان فيه أو لا
وحينئذ يبقى على اطلاق حرمته من غير فرق بين الفاسق متجاهرا
أو لا وغيره.
وما دل على جواز الغيبة للأول، وأنها من الممحصات للذنب، لا

(1) الوسائل الباب 145 من أبواب أحكام العشرة
60

يقتضي جواز الهجاء بعد فرض اختصاصه بالشعر، ودعوى كون
التعارض من وجه بناء على كون الهجاء أعم من الغيبة بعد فرض
تسليمها يمكن دفعها بترجيح دليل الحرمة باعتضاده بما عرفت.
نعم لو دخل هجاء الفاسق في النهي عن المنكر، بحيث يتوقف
ردعه عليه، ففي المسالك أمكن جوازه حينئذ إن فرض، وإليه أشار
شيخنا في شرحه بقوله، لو كان الهجاء لمصلحة عظيمة أو دفع مفسدة
عن المهجو دنيوية، كدفع الهلكة عن نفسه أو المؤاخذة بعد الحلول في
رمسه بالنهي عن الفساد ولو بالهجو على رؤس الأشهاد، ولعل ذلك كله
ترجيحا لما دل على النهي عن المنكر مثلا، على ما دل على حرمة الهجو
وهو لا يخلو من إشكال سيما بالنسبة إلى بعض الأفراد، كالاشكال فيما
لو أريد من ذلك تعميم الحكم لكل محرم عدا القتل توقف عليه دفع
المنكر، ولكن من المعلوم إرادة اعتبار الميزان، كمعلومية تفاوت حرمة
الهجو شدة وضعفا، بحسب حال المهجو ونفس الهجو ونحوهما، بل في
شرح الأستاذ أنه كلما كان الشعر أجود كان الوزر أشد كما أن مسجع
النثر وأفصحه أشد إثما من غيره، هذا كله في المؤمنين.
أما المشركون فلا إشكال كما لا خلاف في جواز هجوهم وسبهم
ولعنهم وشتمهم ما لم يكن قذفا مع عدم شرائطه أو فحشا (1) (وقد
أمر رسول الله صلى الله عليه وآله حسانا يهجوهم وقال: إنه أشد عليهم
من رشق النبال) نعم لو رجعوا عن عقيدتهم، لزم محوه إن كان قد
نقش، بناء على وجوب محو كتابة هجو المؤمن، كما صرح به الأستاذ في
شرحه، قال: ومن كتب هجو المؤمن في ديوانه وجب عليه كفاية محوه
ووجب على الناس ردعه، وإن كان لا يخلو من إشكال في الجملة

(1) سنن البيهقي ج 10 ص 238
61

وعلى كل حال فالظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين في ذلك لاتحاد الكفر
الاسلامي والايماني فيه، بل لعل هجاؤهم على رؤس الأشهاد من أفضل
عبادة العباد ما لم تمنع التقية، وأولى من ذلك غيبتهم التي جرت سيرة
الشيعة عليها في جميع الأعصار والأمصار علمائهم وأعوامهم، حتى ملأوا
القراطيس منها بل هي عندهم من أفضل الطاعات، وأكمل القربات فلا
غرابة في دعوى تحصيل الاجماع، كما عن بعضهم بل يمكن دعوى كون
ذلك من الضروريات، فضلا عن القطعيات،
فمن الغريب ما عن المقدس الأردبيلي وظاهر الخراساني في الكفاية
من أن الظاهر عموم أدلة تحريم الغيبة من الكتاب والسنة للمؤمنين
وغيرهم لأن قوله تعالى (1) (ولا يغتب) إلى آخره للمكلفين أو
للمسلمين، لجواز غيبة الكافر والسنة أكثرها بلفظ الناس والمسلم وهما
معا شاملان للجميع، ولا استبعاد في ذلك إذ كما لا يجوز أخذ مال
المخالف وقتله، لا يجوز تناول عرضه، ثم قال في ظني أن الشهيد في
قواعده جوز غيبة المخالف من جهة مذهبه ودينه، لا غير إذ هو كما
ترى مخالف لما سمعت، ولعل صدور ذلك منه لشدة تقدسه وورعه، لكن
لا يخفى على الخبير الماهر الواقف على ما تظافرت به النصوص، بل
تواترت من لعنهم وسبهم وشتمهم وكفرهم وأنهم مجوس هذه الأمة، واشر
من النصارى وأنجس من الكلاب، أن مقتضى التقدس والورع
خلاف ذلك، وصدر الآية الذين آمنوا وآخرها التشبيه بأكل لحم الأخ
بل في جامع المقاصد أن حد الغيبة على ما في الأخبار أن يقول في أخيه
ما يكرهه لو سمعه مما فيه، ومعلوم أن الله تعالى عقد الإخوة بين
المؤمنين بقوله تعالى (2) (إنما المؤمنين إخوة) دون غيرهم، وكيف

(1) سورة الحجرات الآية 12 - 10
(2) سورة الحجرات الآية 12 - 10
62

يتصور الأخوة بين المؤمن والمخالف، بعد تواتر الروايات وتظافر
الآيات، في وجوب معاداتهم، والبراءة منهم، وحينئذ فلفظ الناس
والمسلم، يجب إرادة المؤمن منهما، كما عبر به في أربعة أخبار.
وما أبعد ما بينه وبين الخاجا نصير الدين الطوسي والعلامة الحلي
وغيرهم ممن يرى قتلهم، ونحوه من أحوال الكفار، حتى وقع منهم ما
وقع في بغداد ونواحيها، وبالجملة طول الكلام في ذلك كما فعله في
الحدائق من تضييع العمر في الواضحات، إذ لا أقل من أن يكون
جواز غيبتهم لتجاهرهم بالفسق، فإن ما هم عليه أعظم أنواع الفسق
بل الكفر، وإن عوملوا معاملة المسلمين في بعض الأحكام للضرورة،
وستعرف انشاء الله أن المتجاهر بالفسق لا غيبة له فيما تجاهر فيه وفي
غيره، ومنه يعلم فساد ما حكاه عن الشهيد، وعلى كل حال فقد ظهر
اختصاص الحرمة بالمؤمنين، القائلين بإمامة الأئمة الاثني عشر دون غيرهم
من الكافرين والمخالفين ولو بانكار واحد منهم عليهم السلام.
إنما الكلام في موضوعها، وقد سمعت ما ذكره في جامع المقاصد
ويقرب منه ما في القاموس (غابة: عابه وذكره بما فيه من السوء)،
ضرورة غلبة الكراهة لو سمع ذلك، وكذا ما عن المصباح المنير اغتابه
إذا ذكره بما يكرهه من العيوب وهو حق، والصحاح ومجمع البحرين
أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه) وفي المرسل (1) عن
النبي صلى الله عليه وآله (أتدرون ما الغيبة، فقالوا: الله ورسوله أعلم
قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال:
إن كان فيه ما تقول: فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته) ونحوه

(1) صحيح مسلم ج 2 ص 385
63

خبر (1) وصايا أبا ذر وفي رسالة ثاني الشهيدين أن في الاصطلاح لها
تعريفين أحدهما مشهور، وهو ذكر الانسان حال غيبته. بما يكره نسبته
إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص والذم، والثاني التنبيه
على ما يكره نسبته إليه قال: وهو أعم من الأول لشمول مورده
اللسان، والإشارة والحكاية وغيرها، وهو أولى لما سيأتي من عدم قصر
الغيبة على اللسان، قلت: قد صرح بذلك غيره أيضا ويؤيده (2) ما
روي عن عائشة، (إنها قالت دخلت علينا امرأة، فلما ولت أومأت
بيدي أي قصيرة، فقال صلى الله عليه وآله: اغتبتيها) بل المعلوم أن
حرمتها بالقول باعتبار إفادته السامع ما ينقصه ويعيبه وتفهيمه ذلك
وحينئذ فيعم الحكم كل ما يفيد ذلك، من الكتابة التي هي إحدى
اللسانين والحكاية التي هي أبلغ في التفهيم من القول والتعريض والتلويح
وغيرها، بل لعل التعريف الأول أيضا كذلك، ضرورة إرادة الأعم من
القول بالذكر، إذ دعوى أنه بمعنى القول واضحة المنع.
وكذا لا فرق فيما ينقصه بين تعلقه بالبدن والنسب والخلق والفعل
والقول والدين والدنيا، بل والثوب والدابة والدار، كما أشار إلى
ذلك الصادق عليه السلام (3) بقوله (وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في
الخلق والفعل والمعاملة والمذهب والجهل وأشباهه) نعم ظاهر المشهور
اعتبار الغيبة فيها كما هو صريح ما سمعته من الصحاح، ولا بأس به
وإن كان ذكر ذلك في حال الحضور مساويا له في الحرمة أو أشد

(1) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 9
(2) الدر المنثور ج 6 ص 94 نقلا عن البيهقي
(3) المستدرك ج 2 ص 106
64

للايذاء الفعلي والتبكيت ونحوهما، كما أن الظاهر أيضا اعتبار وجود
العيب فيه فيها وإلا كان بهتانا وإليه أومى فيما سمعته من المرسل وغيره
وروى أيضا (1) (أنه ذكر عنده صلى الله عليه وآله رجل، فقالوا ما أعجزه فقال:
اغتبتم صاحبكم، قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وآله قلنا ما فيه قال: إن قلتم ما ليس
فيه فقد بهتموه) بل يعتبر فيها أيضا تعيين الشخص عند السامع فلا غيبة
مع فرض عدمه (2) (وكان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا كره من
أحد شيئا قال: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ولا يعين) ويكفي في
معرفة عدم العلم به الأصل ونحوه، وجعل شيخنا في شرحه ذلك من
مستثنيات الغيبة، قال: ومنها ذم من لا يشخصه ولا يميزه ولا يحصره
فإنه لا بأس به وإن دخل تحتها.
ومنها تعليق الذم بطائفة أو أهل بلد أو قرية مع قيام القرينة
على عدم إرادة الجميع، كذم العرب والعجم، وأهل الكوفة والبصرة
وبعض القرى، لكن لا يخفى عليك الاشكال في دليل الاستثناء بعد
فرض الدخول في موضوع الغيبة، اللهم إلا أن يدعى انسياق غير هذا
الفرد منها أو قيام السيرة القاطعة على عدم البأس في ذلك، بل وقع منهم
عليهم السلام في مقامات متعددة، والأمر سهل بعد ثبوت الحكم الذي
لا ريب في أن الأحوط الترك في بعض أفراد موضوعة، كذم أحد الرجلين
أو الرجال مع حصرهم وتعيينهم أو ذم الطائفة مع إرادة الأغلب
منها، ونحو ذلك بل لعل لازم في مثل الأول خصوصا بعد ملاحظة ما
دل على حرمتها من إجماع المسلمين، بل لعله من ضروريات الدين
فضلا عما دل عليه من كتاب رب العالمين، والمتواتر من سنة سادات

(1) مجمع الزوائد ج 8 ص 94
(2) مسند أبي داود ج 2 ص 550
65

المؤمنين، بل في بعضها كالخبر المشتمل على وصايا النبي صلى الله عليه وآله
لأبي ذر قال: فيه (إياك والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا قلت:
يا رسول الله ولم ذاك: بأبي أنت وأمي قال: لأن الرجل قد يزني ويتوب
فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لا يغفر الله له حتى يغفرها صاحبه)
وفي آخر (1) (إن المغتاب في يوم القيامة يأكل لحمه) وفي ثالث (2)
(أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما رجم الرجل في الزنا قال رجل
لصاحبه هذا أقعص كما يقعص الكلب، فمر النبي صلى الله عليه وآله
معهما بجيفة فقال: انهشا منها، فقالا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ننهش جيفة، فقال
ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه) وفي تفسير قوله تعالى (3) (ويل
لكل همزة لمزة) (4) الطعان في الناس واللمزة الذي يأكل لحوم الناس
لكن استثنى منها بعض الأصحاب أمورا.
منها تظلم المظلوم بذكر ظلم الظالم عند من يرجو رفعه الظلم عنه
كقول (5) زوجة أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه وآله إن زوجي
شحيح ولم يعطني تمام النفقة لي ولولدي) بل في الحدائق وغيرها جوازه
مطلقا لاطلاق الآية وخصوص ما ورد في تفسيرها، من الروايات التي
في بعضها إدخال سوء الضيافة في ذلك أيضا، إلا أنه يشكل التعويل
عليه في مقابلة ما سمعت من أدلة التحريم، كما أن الظاهر عدم جواز
الاستماع قبل تحقق الظلم، ودعواه لا يكفي بالنسبة إلى السامع،

(1) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 9
(2) الوسائل الباب 164 من أبواب أحكام العشرة الحديث 5
(3) المستدرك ج 2 ص 106
(4) تفسير تبيان ج 10 ص 407
(5) المستدرك ج 2 ص 108
66

ويدخل في هذا، الاستفتاء وإن ذكره بعضهم مستقلا ممثلا له بما سمعت
من حكاية هند، ومستدلا عليه باستمرار الطريقة.
ومنها تحذير المؤمن من الوقوع في الضرر لدنيا أو دين، كتحذير
الناس من الرجوع إلى غير الفقيه مع ظهور عدم قابليته، ومن التعويل
على طريقة من تعلم فساد طريقته، ولأهل التحصيل عن بعض القواعد
التي تعد من الأباطيل وأما أهل البدع فقد ورد الأمر بالوقيعة فيهم.
ومنها نصح المستشير لورود الأخبار الكثيرة في أنه يجب
أن ينصح المؤمن أخاه المؤمن (1) ولقول النبي صلى الله عليه
وآله لفاطمة بنت قيس لما شاورته في خطابها، (معاوية صعلوك لا مال
له وأبو الجهم لا يضع العصا عن عاتقه) قلت: لعل هذا وسابقه راجع
إلى نصح المؤمن الذي أمر به في النصوص، من غير فرق بين سبق
الاستشارة وعدمها، لكن التعارض بين ما دل على حرمة الغيبة وبينها
من وجه، ولعل الترجيح لها إلا أنه على إطلاقه لا يخلو من إشكال
فالمتجه مراعاة الميزان في الموضوعات مع المحافظة على مقدار ما يتوقف
عليه النصح، من غير تعد وتجاوز، بل يمكن عند التأمل عدم كون
ذلك من التعارض في الأدلة، وإلا لاقتضى ذلك التعارض بين أدلة
المستحبات والمباحات وأدلة المحرمات، ومن هنا كان المتجه الاقتصار
في هذا الباب على خصوص ما جرت السيرة به، وما دلت عليه الأدلة
المخصوصة لا مطلقا، وإن أوهمه بعض العبارات استنادا إلى ما ورد في
نصح المؤمن، المعلوم كونه من قبيل ما ورد في قضاء حاجة المؤمن
لا يراد منه الأفراد المحرمة أو المستلزمة لها فتأمل جيدا.
وكيف كان فلعل من هذا الباب أيضا باب الترجيح والتعديل في

(1) المستدرك ج 2 ص 108
67

الرواة لأجل معرفة قبول الخبر وعدمه، ومعرفة صلاحيته لمعارضة
وعدمها، وإلا لا نسد باب التعادل والتراجيح الذي هو أعظم أبواب
الاجتهاد، وجرت السيرة عليه من قديم الزمان، كجريانها على الجرح
في باب الشهادة وعلى ترجيح ما دل على وجوب إقامتها، على ما دل على
حرمة الغيبة على وجه لا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه، وإلا لضاعت
الحقوق في الدماء والأموال وغيرها، ولغلب الباطل على الحق، ومن ذلك
أيضا ذكر المبتدعة الذين أمرنا بالوقيعة فيهم حذرا من اغترار الناس
بهم، بل ربما دخل في ذلك أيضا نفي نسب من ادعى نسبا، وإن كان
معذورا أو عرف به فينفي عنه، بل ربما وجب دفعا للخلل في المواريث
والنفقات والأنكحة وغيرها، فيكون ذلك أحد المستثنيات إذا فرض كونه
غيبة، وقلنا بجوازه في غير مقام الشهادة والأمر بالمعروف، كما هو
مقتضى ذكر شيخنا له في المستثنيات منها، بل من هذا الباب أيضا ما
يقع بين العلماء في بيان الصحيح من الفاسد، ضرورة كونه من جملة
النصح في الدين إلا أن الانصاف كون هذا المقام من مزالق الشيطان
فلا بد لمرتكب ذلك من تصحيح النية، فإن الناقد لا يخفى عليه شئ
من ذلك.
ومنها ما يقصد به دفع الضرر عن المذموم في دم أو عرض أو
مال وقد وقع الطعن (1) منهم في زرارة معللين بذلك، ولعل منه ما
وقع في الهشامين لكن لا يخفى عليك أن ذلك وشبهه ليس من الغيبة
في شئ، بعد ما عرفت من اعتبار قصد الانتقاص فيها الذي به خرج
باب المزح والهزل المأمور به في بعض النصوص تأكيدا للألفة وتحقيقا
للمحبة، إلا أن ذلك كسابقة ينتقده الله فإنه ربما صدر عن بعض

(1) جامع الرواة ج 1 ص 325
68

الناس بصورة الهزل، وكذا الكلام في الغيبة للتقية على الزام في نفس
أو مال أو عرض، ضرورة عدم قصد الانتقاص بها أيضا.
ومنها ما دخل في النهي عن المنكر، لتوقفه عليه، فيجب الوقيعة في
بعض العصاة حتى يرتدعوا عن معصيتهم، لكن ينبغي في هذا أيضا
مراعاة الميزان إذ مع فرض كونه من التعارض بين الأدلة فهو من وجه
كما هو واضح.
ومنها غيبة المتجاهر بالفسق فيما تجاهر فيه، وإن أحب الخفاء
عند خصوص ذلك السامع، لأنه هو الهاتك لحرمته، وقد (1) قال:
رسول الله صلى الله عليه وآله (من ألقى جلباب الحياء عن نفسه فلا
غيبة له) والسيرة المستمرة ولأن العيب بالتجاهر به صار كالمعلوم لدى
كل أحد، بل في شرح الأستاذ جواز غيبته بغير المتجاهر به، فضلا
عنه ولعله للعموم في الخبر السابق، بل ربما قيل بجواز مطلق غيبة
الفاسق تجاهر أولا فيما فسق فيه أولا للمرسل (2) عن النبي صلى الله
عليه وآله (لا غيبة لفاسق) لكنه كما ترى مناف لما دل على حرمتها
على وجه لا يصلح المرسل المزبور لمعارضته من وجوه، خصوصا بعد احتماله
النهي والاختصاص بالمتجاهر به، بل لعله الظاهر منه، فالأحوط إن
لم يكن الأقوى، ترك غيبة غير المتجاهر، بل الأحوط تركها في المتجاهر
في غير ما تجاهر به.
نعم يلحق به شهرة الكنية أو اللقب، ببعض عيوبه، خصوصا إذا
توقف التعريف عليه، بل لعله ليس من الغيبة لعدم قصد الانتقاص به
ولعل منه وصف الإمام الامرأة بالحولاء ولا يستلزم ذلك جواز الغيبة
بالأوصاف الظاهرة كالعور والعرج والقصر ونحوها، مما لم يشتهر وصفه

(1) المستدرك ج 2 ص 108
(2) المستدرك ج 2 ص 108
69

به، ولذلك قال: النبي صلى الله عليه وآله (1) (لعائشة لما أشارت
إلى قصر الامرأة بيدها إنك اغتبتها) نعم قد يقال بجواز ذكر الأوصاف
المزبورة عند العالم بها كغيرها، من العيوب المعلومة بين المتكلم والمخاطب
فإنه قد يشك في شمول أدلة المنع لمثله، باعتبار عدم حصول أمر جديد
لكن مع ذلك الأحوط الترك خصوصا مع احتمال النسيان أما مع القطع
به فالأقوى عدم الجواز.
ومنها ذكر من لا عقل له ولا تمييز كالمجانين وبعض أطفال
المؤمنين، بل لعله ليس من الغيبة إذا كان المذكور منهم في حال لا نقص
فيه عليهم به، فضلا عن قصد الانتقاص به، نعم لو ذكر عيوب المجنون
قبل جنونه أو بعد عقله أو الصغير بعد بلوغه أمكن المنع للصدق وعدم
التكليف لا ينافي حرمة الغيبة، ولذا حرمت بالنسبة إلى الميت الذي
حرمته كحرمة الحي، بل يقوى حرمتها في المميز مع فرض كونها
بحيث تعيبه.
وفي شرح الأستاذ أن منها أيضا الرد عليه في ذكر قدح عليه أو على مؤمن
فإنه يجوز ولو كان معذورا واستلزام قدحا فيه، ومنها ما لو فعل خيرا من
عبادة أو اكرام ضيف أو نحو ذلك فدل على بخل الغير مثلا، إذ لا
يلزمه ترك العبادة لذلك مع أنه من أقسام الغيبة على بعض التفاسير
وفيه أنه ليس منها مع عدم قصد الانتقاص قطعا كما أن الرد في الأول
ينبغي أن يكون بما ليس غيبة وإلا كان غسلا للدم بالدم.
ومنها ذكر أولاده واتباعه ببعض الصفات تأديبا لهم، وخوفا
عليهم من الوقوع فيما هو أعظم منه، لقضاء الحكمة والسيرة به، ولأن
التابع والقريب له حكم آخر في التأديب، كما يظهر من التتبع قلت:

(1) الدر المنثور ج 6 ص 94
70

ولأن نقصهم في الحقيقة راجع إليه، فهو كذكر الانسان عيوب نفسه،
بل قد يقال بانسياق غير ذلك من أدلة الغيبة.
ومنها ذكر المعايب والمناقص في شخص ثم يعقبها بما يدل على
رجوعه وعود كماله كالنقل عن الحر واضرابه، لكن ذلك كما ترى
اطلاقه لا يخلو من اشكال بل منع فتأمل جيدا.
ومنها روايتها عن شخص وتكذيبه في نقله لها فلو سمينا الناقل
مغتابا والنقل غيبة لم يدخل في المنع، ومنها ذكر عيوب المملوك لاسقاط
الخيار، ومنها ذكر عيوب المرأة في النكاح، خوفا مما يترتب على
التدليس إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك وجهه، بعد الإحاطة بما ذكرناه
هذا كله في الغيبة نفسها.
أما استماعها لا للرد فلا خلاف كما لا إشكال في حرمته، بل
في المرسل عن النبي صلى الله عليه وآله (1) (المستمع أحد المغتابين)
بل عن علي عليه السلام (2) (السامع للغيبة أحد المغتابين) لكن
الظاهر إرادة معنى المستمع منه ضرورة عدم تصور الحرمة في السامع
اتفاقا، ويجب ردها مع الامكان قطعا، بل في الحديث (أن وزر غير

(1) لم نعثر على هذا الحديث بعد الفحص عند مضانه والذي
وجدناه في الوسائل في الباب 25 الحديث 13 عن الصادق عليه السلام
عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي أن رسول الله صلى الله عليه
وآله نهى عن الغيبة والاستماع إليها وفي مجمع الزوائد ج 8 ص 91
نقلا عن الطبراني عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
عن الغيبة وعن استماع الغيبة.
(2) المستدرك ج 2 ص 108 والرواية منقولة عن النبي صلى الله
عليه وآله.
71

الراد يعادل وزر المغتاب سبعين مرة وإن الله يرد عن رادها ألف باب
من الشر في الدنيا والآخرة) والظاهر أنها كحقوق الله وإن كانت متعلقة
بالناس، فيكفي فيها التوبة ولا يحتاج إلى التحليل من المغتاب، والخبر
السابق مطرح، لعدم جمعه لشرائط الحجية في السند وغيره، ولمعارضته
بالنبوي، الآخر كما ستسمع، فلا يصلح معارضا لما دل على اجزاء
التوبة عن المعاصي، وأن الله يغفر عن العبد بها جميع المعاصي، والتعلق
بالناس أعم من كونه كالمال الثابت بقاؤه في الذمة، المتوقف فراغ
الذمة منه على الابراء، ونحوه بدليل خاص، كما أن ما ورد (1)
عن النبي صلى الله عليه وآله (من أن كفارة الاغتياب الاستغفار له)
محمول على ضرب من الاستحباب دون الفرض والايجاب ولذا لم يذكروه
في الكفارات، فمن الغريب عمل بعض الناس به، مع عدم صلاحيته
لاثبات الوجوب من وجوه، إلا أنه مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه
هذا كله في الغيبة من حيث الحكم الشرعي.
وأما البحث فيها من حيث أسبابها المثيرة لها، وعلاجها وبيان
الافراد الخفية منها في الأفعال والأقوال، فموكول إلى كتب الأخلاق
المصنفة في ذلك فلاحظ عصمنا الله وإياك منها ومن غيرها.
كتعمد الكذب الذي حرمته من الضروريات، ويزداد إثما إذا
كان على المؤمنين، ثم على أئمتهم عليهم السلام ثم على الله تعالى شأنه
البحث في موضوعه مفروغ منه في غير المقام، نعم قد يقال: أنه وإن كان
من صفات الخبر لكن يجري حكمه في الانشاء المنبئ عنه مع قصد الإفادة
وأما الكذب بالأفعال فلا يخلو من إشكال والتورية والهزل، من غير

(1) الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 13
72

قرينة داخلان في اسمه أو حكمه، ولا فرق في المحرم منه بين الشعر والنثر
نعم ما يرجع إلى المبالغة ليس منه، كما أنه لا حرمة فيما كان منه لمصلحة
يرجح مراعاته، على مراعاة تجنب المفسدة الكائنة فيه، ولا تجب
التورية حينئذ ولو تمكن منها، للأصل وغيره. نعم ينبغي الاقتصار فيه
على مقدار ما تحصل به المصلحة المفروضة.
وكالنميمة بين المؤمنين بل المسلمين التي تطابقت الأدلة الثلاثة أو
الأربعة على حرمتها، فيحرم حينئذ التكسب بها، بل يحرم كل ما
يؤخذ جزاء عنها، بل في بعض الأخبار ما يدل على حرمة استماعها
أيضا، وعلى كل حال فالمراد بها السعاية بنقل حديث كل إلى الآخر
أو ما كان بمنزلته لايقاع فتنة أو وحشة ولعلها المراد بقوله تعالى (1)
(والفتنة أكبر من القتل) (2) بل عن الصادق عليه السلام (إنها
من السحر الذي يفرق بين المتحابين، ويعادي بين المتصافين ويسفك به
الدماء ويهدم به الدور ويكشف به الستور، وإن النمام أشر من وطئ
الأرض بقدم).
نعم قد تجوز وتستحب أو تجب لايقاع الفتنة بين المشركين،
ونقوية المتقين على المبطلين، والظاهر عدم اختصاصها بالأقوال، كما
أومأنا إليه سابقا، بل تكون بالكتابة والرمز والغمز، وعدم اختصاصها
بكون المنقول قولا. أو عيبا أو ما يقتضي نقصا، ضرورة كون حقيقتها
إفشاء السر وهتك الستر عما يكره كشفه.
وكيف كان فالنمام غير ذي اللسانين والوجهين، الذي يتردد بين
اثنين سيما المتعاديين، ويكلم كل واحد منهما بكلام يوافقه، وإن كان

(1) سورة البقرة الآية 217
(2) المستدرك ج 2 ص 111
73

هو أيضا (1) (من المنافقين وشر عباد الله تعالى) (2) (وفي يوم
القيامة يجعل الله له لسانين من نار، دالعا أحدهما من قفاه وآخر من
قدامه يلتهبان خده، ويعرف بذي اللسانين في ذلك اليوم) (3) (وبئس
العبد، عبد همزة لمزة يقبل بوجه ويدبر بآخر) نعم ربما يجتمعان في
فرد كما أنهما قد يجتمعان مع غيرهما من المعاصي السابقة وغيرها،
نعوذ بالله العظيم من هذه الخصال الذميمة، ومما يولدها من الأغراض
الدنية والصفات الرذيلة.
ولقد تكفل علم الأخلاق شرح دائها ودوائها وبيان كثيرها افراد الخفية
ولقد تصدى ثاني الشهيدين في رسالته في المقام لكثير من ذلك،
وكسب المؤمنين وشتمهم والنيل منهم لغير مصلحة ترجح على المفسدة
من غير فرق بين الأخيار والأشرار، عدا الظالمين منهم والمتجاهرين منهم
بالكبائر، فإن السيرة على التقرب إلى الله بسبهم، وإن (4) ورد أن
سباب المؤمن فسق، بل تطابقت الأدلة الثلاثة أو الأربعة على حرمة
(5) ايذاء المؤمن وإهانته وهتك حرمته وظلمه في نفس أو مال أو عرض
وكمدح المذموم بما استحق الذم عليه وذم الممدوح كذلك على وجه
يترتب عليه فساد واغراء بالجهل، أما مدح الأول بما فيه من الصفات
الحسنة، وذم الآخر بما فيه من صفات الذم على وجه لا يكون غيبة
ونحوها فلا بأس به، وإن استحق كل منهما الذم والمدح من جهة أخرى

(1) الوسائل الباب 143 من أبواب أحكام العشرة الحديث 6 و 5 و 3
(2) الوسائل الباب 143 من أبواب أحكام العشرة الحديث 6 و 5 و 3
(3) الوسائل الباب 143 من أبواب أحكام العشرة الحديث 6 و 5 و 3
(4) الوسائل الباب 152 و 158 من أبواب أحكام العشرة
الحديث 12 و 3
(5) الوسائل الباب 145 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1 - 2
74

فإن الذي ينبغي إعطاء كل ذي حق حقه، فمن لم يكن فيه صفة للذم
فليس له إلا المدح، وبالعكس فذو الجهتين يستحق الأمرين، ودعوى
أن مستحق الذم يحرم مدحه، ومستحق المدح يحرم ذمه كذلك، ممنوعة
بالسيرة القاطعة وغيرها فضلا عن دعوى الاجماع عليها والله أعلم.
(و) منه أي المحرمات لنفسها (تعلم) شئ من (السحر)
للعمل وتعليمه كذلك وعمله، بلا خلاف أجده فيه في الجملة بين
المسلمين، فضلا عن غيرهم، بل هو من الضروريات التي يدخل منكرها
في سبيل الكافرين، والكتاب والسنة قد تطابقا على حرمته، وأنه من
عمل المفسدين الذين لا يفلحون بل في ظاهر (1) (آية هاروت وماروت)
ما يقتضي كفر عامله ومعلمه، وأما النصوص فقد تظافرت أو تواترت
فيه، ففي خبر السكوني (2) عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام
(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ساحر المسلمين يقتل، وساحر
الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله لم لا يقتل ساحر
الكفار، قال: لأن الشرك أعظم من السحر، ولأن السحر والشرك
مقرونان) وفي خبر أبي البختري المروي (3) عن قرب الإسناد عن
جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام (إن عليا عليه السلام قال: من
تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر، وكان آخر عهده بربه وحده
أن يقتل إلا أن يتوب) إلى غير ذلك من النصوص سيما الواردة في
قصة هاروت وماروت، وفي حده.

(1) سورة البقرة الآية 102
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب؟؟ به الحديث 2
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7
75

نعم في حسن (1) إبراهيم بن هاشم عن شيخ من أصحابنا الكوفيين
(قال: دخل عيسى بن ثقفي على أبي عبد الله عليه السلام وكان ساحرا
يأتيه الناس ويأخذ على ذلك الأجر فقال: جعلت فداك أنا رجل كان
صناعتي السحر، وكنت آخذا عليه الأجر وكان معاشي، وقد حججت
منه ومن الله علي بلقائك وقد تبت إلى الله عز وجل، فهل لي شئ من
ذلك مخرج؟ فقال: له أبو عبد الله عليه السلام حل ولا تعقد) ما
يقتضي جوازه في الحل بل عن علل الصدوق (2) روى (إن توبة
الساحر أن يحل ولا يعقد) ولعله فهم الخبر المزبور كذلك فأرسله
بما سمعت وفي المروي عن العيون (3) وتفسير الإمام في قوله عز وجل
(وما أنزل على الملكين) إلى آخرها أنه كان بعد نوح قد كثرت
السحرة، والمموهون فبعث الله سبحانه ملكين إلى بني ذلك الزمان بذكر
ما يسحر به السحرة وذكر ما يبطل به سحرهم، ويرد كيدهم، فتلقاه
النبي عليه السلام عن الملكين، وأداه إلى عباد الله فأمر الله تعالى
أن يتقوا به السحر وأن يبطلوه، ونهاهم عن أن يسحروا به، إلى آخره
وفي الآخر (4) المروي عن العيون أيضا (وأما هاروت وماروت فكانا ملكين
علما الناس السحر ليحترزوا به من سحر السحرة ويبطلوا به كيدهم)
وفي خبر العلا (5) عن محمد بن مسلم (سألته عن المرأة يعمل لها
السحر يحلونه عنها قال: لا أرى بذلك بأسا).

(1) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3 و 4 و 5
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3 و 4 و 5
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3 و 4 و 5
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 3 و 4 و 5
(5) لم نعثر على هذه الرواية والتي وجدناه في المستدرك ج 2 ص 434
عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام من النشرة للمسحور
فقال: ما كان أبي عليه السلام يرى به بأسا
76

بل في شرح الأستاذ أن عليه كثير من أصحابنا وليس بذلك البعيد
لأن الظاهر من أخبار الساحر والسحرة إرادة من يخشى ضرره، وإن
كان فيه إنا لم نتحقق النسبة المزبورة، بل في جملة من كتب الفاضل
والدروس وغيرها، جواز حله بالقرآن والذكر والأقسام ونحوها لا
بشئ منه، نعم نص الشهيدان والفاضل الميسي والكاشاني على ما حكى
عن بعضهم على جواز تعلمه للتوقي به، ولدفع المتبني بالسحر بل قالوا
ربما وجب للأخير، مع أن المحكي عن الفاضل وظاهر الأكثر المنع
أيضا، ولعله لاطلاق أدلته واحتمال استلزامه للتكلم بمحرم أو فعل
محرم، والنصوص السابقة مع قصورها عما دل على الحرمة من وجوه
محتملة للحل بغيره، ولإرادة كشف حقيقة السحر على وجه لا يغتر به
الناس، ويلبس عليهم الأمر في الفرق بينه وبين المعجز الدال على النبوة
وآيات الله المستدل بها على وجوده ووحدانيته لا أن المراد منها
فعل السحر لذلك، بل لعل تعليم الملكين الناس السحر لذلك أيضا
مع أنهما كما قال (1) الصادق عليه السلام: في خبر الاحتجاج (موضع
ابتلاء وموقف فتنة تسبيحهم اليوم لو فعل الانسان كذا وكذا لكان كذا ولو يعالج
بكذا وكذا لصار كذا أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان
لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم ولا ينفعكم) وفي ذيل خبر العيون (2)
وتفسير الإمام المتقدم (وهذا كما يدل على أن السم ما هو وعلى ما
يدفع به غائلة السم ثم يقال للمتعلم ذلك هذا السم فمن رأيته يسم
فادفع غائلته بكذا وإياك أن تقتل بالسم، إلى آخره ونبوة المتنبي بالسحر

(1) الاحتجاج ج 2 ص 82 الطبع الحديث
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
77

ونحوها يدفعها اللطف السماوي، كما أومي إليه بقوله تعالى (1) (ما
جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين) وقال (2)
(ولا يفلح الساحر حيث أتى) وحينئذ فعمل السحر حرام لنفسه،
كما هو مقتضى الأدلة السابقة الدالة على ذلك، وعلى اقترانه بالشرك
المعتضدة بالاعتبار، ضرورة كونه منبع فساد مورث الشك في كثير من
آيات الله، وموهم للشركة مع الله في خلقه، وفي عجائبه كما هو واضح،
لا أن حرمته حيث يترتب الاضرار ونحوه عليه، حتى يكون محرما لغايته
فيقال: بحليته عند عدم الاضرار، أو عند حصول النفع، نعم لو فرض
توقف دفع مفسدة، ترجح على مفسدة عمله عليه، اتجه الجواز، كما
في غيره من المحرمات، مثل الكذب وشرب الخمر وغيرهما، وربما
جمع بين ما دل على الحرمة والجواز في الحل ونحوه بذلك، وهو وإن
كان أولى من الجمع بتنزيل أخبار الحل على الحل بغيره، لبعده عن
ظاهر بعضها، لكنه لا يخلو من بعد أيضا، لا لندرة الاضطرار، فإن
غلبة التوقيف عليه، في حل الربط ونحوه عليه، لا يكاد ينكر بل لعدم
الإشارة في شئ من النصوص، إلى مراعاة حال الاضطرار، بل قد
عرفت أن الصدوق أرسل كون توبة الساحر أن يحل ولا يعقد، إلا
أنه هو وغيره مما عرفت، خير من الطرح والأمر سهل، هذا كله في عمله
ولو للحل والتوقي ودفع نبوة المتنبي، ونحو ذلك.
أما تعلمه لأنه من العلوم أو لأنه قد يحتاج إلى عمله ولو عند الاضطرار
فالظاهر جوازه، وفاقا للاستاد في شرحه بل عن تفسير الرازي إنه اتفق
المحققون على ذلك، للأصل ولأن العلم في حد ذاته شريف، وأنه خير

(1) سورة يونس الآية 81
(2) سورة طه الآية 69
78

من الجهل وأنه لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم، بل ربما يجب حيث
يتوقف الفرق بين المعجز والسحر عليه، ودعوى استلزام العلم به للمحرم
من الكفر ونحوه ممنوعة أشد المنع، بل قيل: إنه لا يخلو منه الأنبياء
وأرباب المكاشفات لأن العلم حسن في الذات، والكراهة في الصناعات
من الحياكة والصياغة والحجامة ونحوها فالخطر فيها إنما هو باعتبار
العمل، إلا فعلمها خير من جهلها، والتعلم والتعليم بتلك النية، أو
لتحذير نفسه أو غيره من الوقوع بالبلية متصف بصفة الراجحية،
وأصل الإباحة قاض بإباحته ولفظ السحر والساحر والسحرة منصرف
إلى عمله، ونقل قصة الملكين المعلمين في القرآن لأهل هذه الملة شاهد
على حل التعليم، وعدم قصدهما الإعانة، يدفع إشكال حرمتها منهما
أو إنهما لم يعلما العمل ممن علماه أو أن ذلك لهما بالخصوص جائز،
لكون نزولهما فتنة وابتلاء، أو غير ذلك، وما في بعض الروايات
السابقة من تحريم التعلم، محمول على إرداة التعلم الذي يتبعه العمل
كما يومي إليه ما فيه من كون حده القتل، والله أعلم هذا كله في حكمه
أما موضوعه فعن بعض أهل اللغة أنه ما لطف مأخذه ودق، وعن
آخر صرف الشئ عن وجهه، وعن ثالث إخراج الباطل بصورة الحق
ورابع الخديعة، وفي القواعد وغيرها أنه كلام يتكلم به أو يكتبه أو
رقية أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير
مباشرة، ونحوه عن المنتهى مع زيادة عقد، وفي المسالك زيادة أقسام
وعزائم وإبدال يعمل بقوله يحدث بسببها ضرر، وفي الدروس يحرم
الكهانة والسحر بالكلام والكتابة والرقية والدخنة بعقاقير الكواكب
وتصفية النفس، والتصوير، والعقد، والنفث والأقسام والعزائم بما
لا يفهم معناه ويضر بالغير فعله، ومن السحر الاستخدام للملائكة
79

والجن والاستنزال للشياطين، في كشف الغائب وعلاج المصاب، ومنه
الاستحضار بتلبس الروح ببدن منفعل، كالصبي والمرأة وكشف الغائب
عن لسانه، ومنه النيرنجات وهي إظهار غرائب خواص الامتزاجات،
وأسرار النيرين، ويلحق به الطلسمات، وهي تمزيج القوى العالية
الفاعلية بالقوى السافلة المنفعلة، ليحدث عنها فعل الغرائب، وهو
صريح في أن الاستخدام منه.
لكن عن المنتهى أن ما يقال من العزم على المصروع، ويزعم أنه
يجمع الجن فيأمرها لتطيعه فهو عندي باطل لا حقيقة له وإنما هو من
الخرافات، وفي المسالك أن الاستخدام من الكهانة وأنها غير السحر
قريبة منه، وعن بعضهم أن السحر عمل يستفاد منه ملكة نفسانية، يقتدر
بها على أفعال غريبة، وأسباب خفية، وعن فخر المحققين في الإيضاح
أنه استحداث الخوارق، إما بمجرد التأثيرات النفسانية، وهو السحر
أو بالاستعانة بالفلكيات فقط، وهو دعوة الكواكب، أو على تمزيج
القوى السماوية بالقوى الأرضية، وهو الطلسمات، أو على سبيل الاستعانة
بالأرواح الساذجة، وهو العزائم ويدخل فيه النيرنجات، والكل حرام
في شريعة سيد المرسلين.
أما إذا كان على سبيل الاستعانة بخواص الأجسام السفلية، فهو
علم الخواص أو الاستعانة بالنسب الرياضة، وهو علم الحيل وجر الأثقال
وهذان ليسا من السحر، إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى ما فيها
من الاختلاف الشديد ولذلك قال: الأستاذ في شرحه إنه لا يرجع بعده
إلا إلى العرف العام، ومحصوله أنه عبارة عن إيجاد شئ تترتب عليه
آثار غريبة، وأحوال عجيبة، بالنسبة إلى العادة، بحيث تشبه الكرامات
80

وتوهم أنها من المعجزات المثبتة للنبوات من غير استناد إلى الشرعيات
بحروز أو دعوات أو نحوها من المأثورات.
وأما ما أخذ من الشرع كالعوذ والهياكل وبعض الطلسمات فليست
منه، بل هي بعيدة عنه وكان غرض الشارع المنع من التدليس والتلبيس
في الأسباب على نحو منعه في المسببات، وأن حدوث الأفعال من غير
سبب يبين مخصوص برب العالمين، لكنه كما ترى لا يرجع إلى محصل
وأين العرف العام وتمييز جميع أقسام السحر الذي هو علم عظيم طويل
الزيل كثير الشعب لا يعرفه إلا الماهرون فيه، وليس مطلق الأمر
الغريب سحرا، فإن كثيرا من العلوم كعلم الهيئة والجفر والترازجية
وهو أسرار الجفر وغيرها يظهر من العالم بها بعض الآثار العجيبة الغريبة
ويكفيك ما يصنعه الإفرنج في هذه الأزمنة من الغرائب، وليست هي
من السحر الحرام قطعا، هذا وقد ذكر بعضهم أنه أقسام ثمانية.
الأول سحر الكذابين، وهم قوم يعبدون الكواكب ويزعمون أنها
المدبرة لهذا العالم، إلا أنهم فرق ثلاثة الأولى زعمت أن؟؟ الأفلاك
والكواكب واجبة الوجود لذاتها وأنها هي المدبرة لهذا العالم والخالقة له.
والثانية أنها مخلوقة إلا أنها قديمة لقدم العلة التامة المؤثرة في
وجودها، فالساحر عند الفرقتين هو الذي يعرف القوى العالية الفعالة
بسائطها ومركباتها، ويعرف ما يليق بكل واحد من العوالم السفلية،
ويعرف المعدات ليعدها والعوائق لينجيها، معرفة بحسب الطاقة البشرية،
وبذلك يكون متمكنا من استجذاب ما يخرق العادة، ولعله إلى ذلك
أشار بطليموس في قوله علم النجوم منك ومنها.
الفرقة الثالثة أنها حادثة مسبوقة بالعدم إلا أن خالقها خلقها
عاقلة مختارة وفوض تدبير هذا العالم إليها، والساحر حينئذ هو من
81

عرفته بالتقريب السابق.
القسم الثاني سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية، وهو يكون
بتجريد النفس عن الشواغل البدنية، وعن مخالطة الخلق وأمورهم، وبه
يحصل تأثيرها في جميع ما تريده من الأشياء، وتوجد صورته في ذهنها
ويقتدر بذا لك على الاتيان بما هو خارق العادة، نعم النفوس في ذلك
مختلفة، فمنها القوية المستعلية على البدن الشديدة الانجذاب إلى عالم
السماوات، بل كأنها من الأرواح السماوية، وهذه لا تحتاج في التأثير
بهذا العالم إلى آلة وأداة، ومنها ما لا تكون كذلك فتحتاج إلى تصفية
وتجريد، وربما استعانت على ذلك بالرقي المعلومة ألفاظها، بل وغير
المعلومة باعتبار حصول دهشة للنفس وحيرة، وربما حصل في أثناء ذلك
انقطاع عن المحسوسات وإقبال على ذلك الفعل وجد عظيم، ويقوى
التأثير النفساني، وربما استعانت على ذلك أيضا بالدخنة على الوجه
الذي سمعته أيضا في الرقي، وربما أشار إلى ذلك في الدروس لبعض
ما سمعته، كما أنه أشار بعقاقير الكواكب إلى ما يستعمله بعض هؤلاء
الكفرة في تسخير بعض الكواكب السيارة بدخنة بعض العقاقير وقراءة
بعض الرقي ونحو ذلك، وعلى كل حال فالسبب في تأثير النفس إذا
صفت هذه الخوارق، إما أنها مخلوقة كذلك، أو لأنها إذا صفت صارت
قابلة للأنوار الفائضة من الأرواح السماوية والنفوس الفلكية، وتتقوى
بها على الأمور الغريبة، أو لانجذاب ما يشبهها إليها من النفوس المفارقة
فتتعاضد على إيقاع الفعل الغريب أو غير ذلك.
القسم الثالث الاستعانة بالأرواح الأرضية، وهي الجن فإن اتصال
النفوس الناطقة بها أسهل من اتصالها بالأرواح السماوية، ولشدة
المشابهة والمشاكلة، وإن كان التأثير مع الاتصال بتلك الأرواح أعظم
82

بل هو كالقطرة بالنسبة إلى البحر، وقد قالوا: أن الاتصال بها
يحصل بأعمال سهلة قليلة، من الرقي والدخن والتجريد، وهذا النوع
هو المسمى بالعزائم، وعمل تسخير الجن.
القسم الرابع التخيلات والأخذ بالعيون، التي لا ينكر أغلاطها
في رؤية الساكن متحركا وبالعكس، والصغير كبيرا وبالعكس، فالمشعبذ
الحاذق يظهر عمل شئ يشغل أذهان الناظرين به، ويأخذ عيونهم
إليه، حتى إذا اطمأن باستغراق نظرهم إليه، عمل شيئا آخر بسرعة
شديدة، وبذلك يحصل عند الناظر أمر عجيب، وسببه الاشتغال بما
أظهره أولا والسرعة المزبورة، وهذا هو المراد من قولهم أن المشعبذ
يأخذ بالعيون لأنه في الحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال،
وكلما كان أخذه للعيون والخواطر وجذبه لها إلى سوى مقصوده أقوى،
كان أحذق في عمله، كما أنه كلما كانت الأحوال التي تفيد حسن البصر
نوعا من أنواع الخلل أشد، كان هذا العمل أحسن، مثل أن يجلس
المشعبذ في مكان مضئ جدا، أو مظلم كذلك أو ذي ألوان مشرقة،
تفيد البصر كلالا واختلالا.
القسم الخامس الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات على
النسب الهندسية تارة، وعلى ضرورة الخلاء أخرى، مثل تصوير فارسين
يقتل أحدهما الآخر، وتصوير فارس على فرس في يده بوق، كلما مضت
ساعة من النهار، ضرب البوق من غير أن يمسه أحد، ومنها الصور
التي تصورها الروم وأهل الهند، حتى لا يفرق الناظر بينها وبين الانسان
حتى يصورونها ضاحكة وباكية، وحتى يفرق فيها بين ضحك السرور وضحك
الخجل وضحك الشامت، ومن هذا الباب تركيب صندوق الساعات،
بل قيل كان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب كما أنه قيل أن من
83

هذا الباب علم جر الأثقال بآلة خفيفة.
القسم السادس الاستعانة بخواص الأدوية المزيلة للعقل، والدخن
المسكرة، فإنه لا سبيل إلى إنكار الخواص.
القسم السابع تعليق القلب، كما لو ادعى الساحر أنه عرف
الاسم الأعظم، وأن الجن يطيعونه وينقادون له في أكثر الأمور، فإذا
كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز إعتقد أنه حق، وتعلق
قلبه بذلك، وحصل له خوف ورعب، حتى ضعفت قواه الحساسة،
وتمكن الساحر بذلك من فعل ما يشاء.
القسم الثامن السعي بالنميمة، والتضرير من وجوه خفية لطيفة
وهذا شائع في الناس، لكنه بعد الاغضاء عما في ذكر بعض الأقسام لم
يستغرقها، لترك ما يؤثر المحبة والبغضاء، وربط الرجل عن امرأته،
ونحو ذلك مما صنعه (1) سحرة النجاشي في عمارة بن وليد لما نفخوا
الزيبق في إحليله، فصار مع الوحوش ولم يأنس بالناس حتى أن قريشا
لما احتالت في قبضه إضطرب بين أيديهم حتى مات، وغير ذلك من
أصناف السحر وأنواعه وعن الصادق عليه السلام (2) أنه لما سأله
الزنديق عن السحر ما أصله، وكيف يقدر الساحر على ما يوصف من
عجائبه وما يفعل، قال: (إن السحر على وجوه شتى، منها بمنزلة
الطب، كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء، فكذلك علماء السحر
احتالوا لكل صحة آفة، ولكل عافية سقما، ولكل معنى حيلة، ونوع
منه آخر خطفة وسرعة، ومخاريق وخفة، ونوع منه ما يأخذ أولياء
الشياطين منهم، قال: فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال: من

(1) البحار ج 18 ص 416 الطبع الحديث
(2) الاحتجاج ج 2 ص 81
84

حيث عرف الأطباء الطب، بعضه تجربة وبعضه بعلاج، إلى أن قال:
أفيقدر الساحر أن يحول الانسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو
غير ذلك؟ قال: هو أعجز من ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله إن
من أبطل ما ركبه الله وصوره وغيره، فهو شريك لله في خلقه، تعالى
لله عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت، لدفع عن
نفسه الهرم والآفة والأمراض، وينفي البياض عن رأسه والفقر عن
ساحته، وإن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، ويجلب
بها العداوة بين المتصافين، ويسفك بها الدماء، ويهدم بها الدور،
ويكشف الستور والنمام أشر من وطئ على الأرض بقدم، فأقرب أقاويل
السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب، إن الساحر عالج الرجل فامتنع
من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرأه
إلى آخره).
لكن الانصاف عدم ثبوت حرمة ما رجع منه إلى الخواص، حتى
خواص الحروف التي لا سبيل إلى إنكارها، وما يحصل منه بصفاء النفس
بالطرق الشرعية الذي يعد مثله كرامة، ولعله من باب يا عبدي أطعني
أو نحوه، وما رجع منه إلى تركيب الأجسام على النسب الهندسية أو
غيرها، إلا إذا استلزم اضرارا بالغير أو تدليسا بدعوى نبوة ونحوها،
للأصل والسيرة المستمرة، وعدم ثبوت كون مثله سحرا، وبعد تسليمه
فعلل المنساق من نصوص الحرمة غيره، من أفراد التخييل والنفث،
وتسخير الأرواح الأرضية أو السماوية ونحو ذلك، بل لعل المشكوك
فيه أنه منها أو من المحرم كذلك أيضا، فما نجده في بعض الكتب
من خواص بعض الطلسمات وبعض الرقي وبعض الأجسام لا بأس
حينئذ باستعماله، وإن كان الأحوط تركه أيضا، فتأمل جيدا والله أعلم.
85

وعلى كل حال فلا خلاف في كفر الساحر بأحد الأقسام الأول
كما لا خلاف ولا إشكال في كفره مع الاستحلال للقسم المحرم منه
فيجري عليه حكم المرتد من القتل ونحوه، أما غير المستحل فقد يظهر
من جماعة عدم القتل به، خلافا لبعض فجعله حدا له مطلقا، ولعله لاطلاق
الأدلة، ولا يخلو من توقف، ويأتي تمام الكلام فيه في باب الحدود
انشاء الله، ودعوى أنه بجميع أقسامه كفر كما يقضي به بعض الأخبار
بل هو ظاهر آية (1) (هاروت وماروت) أيضا يدفعها معلومية حصر
أسباب الكفر في غيره، فالمراد حينئذ المبالغة في معصيته وأنه بسبب
اظهار الساحر ما لا ينبغي صدوره إلا من الله صار كالشريك له فأطلق
عليه اسم الكفر والشرك، لا لأنه من أسبابه ولا للمشاركة له في أن
حكمه القتل، على أن آية (هاروت وماروت) لا تخلو من إجمال وربما
تلحق بالمتشابه باعتبار ما ورد فيها (2) من النصوص، فإن منها ما
تضمنت (أنهما ملكان نزلا إلى الأرض بعد أن جعل الله فيهما ما في
بني آدم، من القوة الشهوية ونحوها، لما عابوا عليهم بكثرة المعاصي
فافتتنا بامرأة، وأرادا الزنا فيها فاقترحت عبادة الوثن، وشرب الخمر
وقتل النفس، ففعلا الجميع، ثم أراداها بعد ذلك فلم يجداها، وقد
رفعها الله ومسخها النجم المسمى بزهرة كما مسخ الرجل العشار سهيلا
فغضب الله عليهما وقال: لهما اختارا عذاب الدنيا، أو الآخرة فأشار
كل واحد منهما على الآخر بواحد، وبقيا محبوسين في أرض بابل ثم
علقا بين السماء والأرض منكوسين وأخذا في تعليم الناس السحر) وهو
وإن كان غير مناف، لعصمة الملائكة باعتبار تغير خصوص خلقة الملكين

(1) سورة البقرة الآية 102
(2) بحار الأنوار ج 59 ص 305 الطبع الحديث
86

لكنه مناف لما دل (1) على عدم بقاء الممسوخ أزيد من ثلاثة أيام وأن الله
تعالى لا يمسخ أعداءه أنوارا في السماء يهتدى بها، وإنما سهيل والزهرة
الممسوختان دابتان في البحر بل ظاهر بعض العامة فضلا عن الخاصة
البراءة من ظاهر هذا الخبر وإنه إن صح فهو رمز من رموز الأوائل أي
على إرادة النفس والهوى وافتتانهما بزهرة الحياة الدنيا ونحو ذلك مما يتم
به المعنى المزبور ومنها (2) ما تضمن أنهما نزلا لما كثر في الناس السحر
والتمويه لرفع الالتباس عنهم وتعليمهم أنه سحر وأن السحر كذا وكذا
فافتتن الناس بهما، أو أنهما نزلا مع ذلك لابتلاء الناس واختبارهم
ومعرفة المطيع منهم والعاصي بتعليم الناس علم السحر مع النهي عن
عمله، وهو أصح ما وصل إلينا من طرقنا، وعلى كل حال فالمراد من
الكفر فيها إنما هو بالنسبة إلى بعض أقسام السحر أو المشابهة التي ذكرناها
والله أعلم.
وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه من النص وغيره أن السحر بعضه
مؤثر حقيقة وبعضه مؤثر تخييلا، بل هو مقتضى قوله تعالى (3) (يخيل إليه من
سحرهم أنها تسعى) ومن قوله تعالى (4) (فيتعلمون ما يفرقون به
بين المرء وزوجه) سواء أريد به الربط أو البغضاء، ولا ينافيه (5)
قوله (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذنه) ضرورة المراد أن
الضرر بعلمه وقادر على دفع تسبيبه الضرر، كغيره من المسببات
فإنه لا يزيد على نار إبراهيم عليه السلام التي قال: لها (كوني بردا

(1) بحار الأنوار ج 59 ص 223
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و 5
(3) سورة طه الآية 66
(4) سورة البقرة الآية 102
(5) سورة البقرة الآية 102
87

وسلاما) فمحى تسبيبها الاحراق، وجعلها مسببة للبرد ولولا أن يقول
سلاما لهلك إبراهيم عليه السلام، من شدة بردها، وهذا ونحوه المراد
من (1) قوله تعالى (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب)
على أنك قد عرفت أن من جملة أقسامه التسخير المشاهد بالوجدان
ودعوى أن السحر ما أراه الساحر للجن من التخيلات التي أوجبت
طاعتهم له يدفعها أن ظاهرهم كون السحر نفس هذا الأثر الغريب
الخارق للعادة، كما أنه يدفع ما ذكره بعضهم من أن له تأثيرا من
جهة الوهم أنه قد يؤثر فيمن لا يعلم، بل في بعض النصوص أن
النبي صلى الله عليه وآله (2) قد سحر فأثر فيه في بدنه ولذلك نزل
المعوذتان بل لعله المراد من قوله تعالى (النفاثات في العقد) بل ومن
قوله (حاسد إذا حسد) بناء على أن من أقسامه تأثير النفوس الشريرة
ولا منافاة في ذلك للعصمة والنبوة، إذ ليس هو إلا كتأثير السيف به
وتسليط الحيات والعقارب عليه، نعم هما مانعان من تأثير السحر فيه
في عقله، ونحوه مما ينفر الناس عنه، ويرتفع وثوقهم بأقواله، ودعوى
أن تسليط السحر عليه ولو على بدنة يورث ذلك واضحة المنع، فإن
هذا القسم منه كغيره من الأسباب التي لم يرفع تأثيرها فيهم عليه السلام
وما عندهم من الاحراز والدعوات الدافعة غير مناف، ضرورة أنه
عندهم أيضا ما يحترزون به عن كل شئ، لكن قد يؤمرون بعدم استعماله،
وعلى كل حال فقد قيل: إنه لا ثمرة فقهية للنزاع في هذه المسألة،
إذ لا شكل في عقابه وكفره وقتله إن كان مستحلا أو مطلقا، والزامه

(1) سورة رعد الآية 39
(2) المستدرك ج 2 ص 434
88

بالدية إن قتل وبعوض ما يفوت سواء كان له حقيقة أو لا، لأنه إما من
باب العلة أو من القسم الثالث من السبب، وهو توليد المباشرة توليدا
عرفيا لا حسيا ولا شرعيا، ودعوى أن الفقهاء بنوا ثبوت القصاص على
أن للسحر حقيقة ممنوعة، كدعوى أن الثمرة فيه الاقرار بأنه قد قتل
زيدا بسحره مثلا، فإنه لا طريق لاثباته إلا بذلك، فبناء على أن له
حقيقة يقاد به، وإلا فلا، فإنه يمكن منعها، ويؤخذ باقراره على
القولين، فإذا قال: قتلته بسحر يقتل غالبا، أو نادرا ولكن قصدت
القتل به قيد به، وإن قال: إني لم أقصد قتله بالنادر، أو أخطأت
فذكرت اسمه مثلا ومرادي غيره، أخذت الدية منه، إلا أنه لا يخفى
عليك ما في الجميع، ومن هنا قال الأستاذ في شرحه: أن الثمرة
في البحث عن التحقيق والتخييل بامكان القصاص من الساحر أو أخذ
الدية منه، بناء على التحقيق والتخييل المؤثر دون غيره، وإمكان ترتب
لزوم الحلف والكفارات عليه لو تعلق الالتزام بعدم الفعل بناء على
الأولين دون الأخير.
(و) منه (الكهانة) بالكسر والفتح، وهي تعاطي الأخبار
عن الكائنات في مستقبل الزمان كما في مختصر النهاية، وفي المحكي
عنها زيادة وقد كان في العرب كهنة، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا
من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور
بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، من كلام من يسأله أو فعله
أو حاله، وهذا يختص باسم العراف، وعن المغرب أن الكهانة في
العرب قبل المبعث يروى أن الشياطين كانت تسترق السمع فتلقيه إلى
الكهنة، وفي القواعد أن الكاهن هو الذي له رائد من الجن، يأتيه
بالأخبار، وفي التنقيح أنه المشهور كما كان لعمر بن يحيى رائد من
89

من الجن وهو أول من غير البحار وسيب السوائب وغير دين إسماعيل
على نبينا وآله وعليه السلام، وعند الحكماء أن من النفوس ما تقوى
على الاطلاع على ما سيكون من الأمور، فإن كانت خيرة فاضلة، فتلك
نفوس الأنبياء والأولياء وإن كانت شريرة فهي نفوس الكهنة.
وعلى كل حال فعن إيضاح النافع أن تعليمها وتعلمها واستعمالها
حرام في شرع الاسلام، وعن ظاهر مجمع البرهان أنه لا خلاف في
تحريم الأجرة، كما عن الكفاية لا أعرف خلافا بينهم في تحريم
الكهانة، والرياض أن الدليل عليه الاجماع المصرح به في كلام جماعة
من الأصحاب، وفي خبر (1) مستطرفات السرائر (من مشى إلى ساحر
أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب)
وفي خبر (2) الخصال (من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين
محمد صلى الله عليه وآله) وفي نصوص (3) آخر (إن أجر الكاهن
سحت) وفي شرح الأستاذ، الكهانة ككتابة عمل يقتضي طاعة بعض
الجان، وبالفتح صناعة وعلى كل حال فعلمها وتعلمها وتعليمها والأجرة
عليهما، مع قصد علمها وعملها والأجرة عليه حرام بالاجماع والأخبار
إلا أن ما ذكره من كونها بالكسر العمل وبالفتح صناعة لم أجده لغيره،
نعم في محكي المصباح المنير كهن يكهن من باب قتل كهانة بالفتح ثم
قال: وقيل وكهن بالصنم والكهانة بالكسر الصناعة، وفي الصحاح كهن
يكهن كهانة مثل كتب يكتب كتابة وإذا أردت أنه صار كاهنا قلت:
كهن بالضم كهانة بالفتح.

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(3) المستدرك ج 2 ص 435
90

وعلى كل حال، فلا ريب في حرمتها، ولكن في المفاتيح من
المعاصي المنصوص عليها، الاخبار عن الغائبات على البت، لغير نبي أو
وصي نبي، سواء كان بالتنجيم أو الكهانة أو القيافة أو غير ذلك، ثم
ذكر أخبارا دالة على تحريم الكهانة والتنجيم، ثم قال وإن كان
الاخبار على سبيل التفال من دون جزم، فالظاهر جوازه لأن أصل هذه
العلوم حق، ولكن الإحاطة بها لا يتيسر لكل أحد، والحكم بها لا
يوافق المصلحة، وهو ظاهر في جواز الكهانة على طريق التفال، ولم
نعرف به قائلا بل هي على المشهور في تفسيرها بناء على ما سمعته
سابقا في السحر من أقسامه، فجميع ما دل على حرمته دال على حرمتها
وعطفها على الساحر في الخبر لعله من باب عطف الخاص على العالم، وفي
المسالك هنا أنها قريبة منه، لكن في السحر ما يقتضي دخولها فيه
كالدروس، وكونها حقا على فرض تسليمه، بل هو ممنوع كل المنع بالنسبة
إليها لا ينافي ذلك للمصالح التي يعلمها رب العباد، نعم قد يقال
بعدم الحرمة في العلم والتعلم والتعليم، لا للعمل للأصل وغيره، بعد
انصراف الكهانة والكاهن للعمل والعامل، اللهم إلا أن يقال بعدم
انفكاك العلم عن العمل هنا، وفيه منع، وما سمعته من الإيضاح يمكن
إرادة العمل منه، ولو فرض اتباع بعض الجن لبعض الناس من دون
تسبيب منهم وإخبارهم ببعض الأمور يمكن أن لا يكون كهانة،
وإن أخبر بما أخبره به، مع الاسناد عنه وعدمه معتقدا به أو لا، لظهور
الأدلة في غيره، بل قد يقال بعدم حرمة أخذ الأجرة على استعلامه في
أمر من الأمور إلا أن الاحتياط يقتضي خلافه، بل الانصاف عدم
خلوه من الاشكال، لامكان استفادة حرمة مطلق الاخبار بالغيب من
هذا الطريق، وأنه من وحي الشياطين إلى أوليائهم زخرف القول غرورا
91

نعم قد يقال: لا بأس به بالعلوم النبوية، كالجفر ونحوه مما يمنح الله
تعالى به أوليائه وأحبائه، مع أنه لا ينبغي لمن منحه الله ذلك ابداؤه
وإظهار آثاره عند سواد الناس وضعفائهم الذين قد يدخلهم الشك في
النبوة والإمامة من ذلك، ونحوه باعتبار ظهور مثل ما يحكى لهم من
المعجز على يد غيرهم، فيجد الشيطان بابا له عليهم من هذه الجهة،
ولعله لذا كان الأولياء في غاية الحرص على عدم ظهور شئ من الكرامات
لهم، والله هو العالم.
(و) منها (القيافة) وهي على ما في المسالك الاستناد إلى
علامات ومقادير يترتب عليها إلحاق بعض الناس ببعض ونحوه، وإنما
تحرم إذا جزم به، أو رتب عليه محرما، قلت: وكأنه لا خلاف في
تحريمها نحو الكهانة، بل لعلها فرد منها فتندرج تحت ما دل على
حرمتها، مضافا إلى ما عن المنتهى وغيره من الاجماع، صريحا وظاهرا
على ذلك، وإلى منافاتها لما هو كالضروري من الشرع من عدم الالتفات
إلى هذه العلامات وهذه المقادير وأن المدار في الالحاق بالنسب
الاقرار أو الولادة على الفراش أو نحوهما مما جاء من الشرع، بل
الوجدان أعدل شاهد على عدم مطابقة القيافة للنسب الشرعي، نعم ظاهر
ما سمعته في المسالك قصر حرمتها على الأمرين السابقين، وحينئذ
فتعلمها وتعليمها مع عدم الجزم بمقتضاها وعدم ترتيب محرم عليها جائز،
ولعله كذلك للأصل وغيره بل وسوس في الحدائق في أصل الحرمة.
لخبر (1) زكريا بن يحيي بن التيهان المصري أو الصيرفي (قال:
سمعت علي بن جعفر عليه السلام يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن
الحسين فقال: والله لقد نصر الله تعالى أبا الحسن الرضا عليه السلام،

(1) أصول كافي ج 1 ص 322 الطبع الحديث
92

فقال: له الحسن أي والله جعلت فداك لقد بغى عليه إخوته، فقال:
علي بن جعفر أي والله ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن:
جعلت فداك كيف صنعتم، فإني لم أحضركم قال: فقال له إخوته:
ونحن أيضا ما كان فينا إمام قط حائل اللون فقال الرضا عليه السلام:
هو ابني قالوا: فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قد قضى بالقيافة،
فبيننا وبينك القيافة فقال: إبعثوا أنتم إليهم، وأما أنا فلا، ولا
تعلموهم لما دعوتموهم إليه، وليكونوا في بيوتكم فلما جاؤوا أقعدونا
بالبستان، واصطف عمومته وإخوته، وأخذوا الرضا عليه السلام وألبسوه
جبة صوف وقلنسوة منها، ووضعوا على عنقه مسحاة، وقالوا له: ادخل
البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاؤوا بأبي جعفر عليه السلام، فقالوا:
إلحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب، ولكن هذا عم
أبيه، وهذا عمه، وهذه عمته، وإن يكن له هنا أب فهو صاحب البستان
فإن قدميه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا:
هذا أبوه، قال: علي بن جعفر: فقمت فمصصت وجه أبي جعفر عليه
السلام، ثم قلت له: أشهد أنك إمامي عند الله عز وجل) باعتبار
إجابة أبي الحسن عليه السلام إلى حكم القيافة واقرارهم على ما حكوه
من قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله بها، وفيه مع قصور الخبر عن
معارضة ما عرفت من وجوه معارض، باحتمال كون قوله عليه السلام
(ابعثوا أنتم إليهم) إلى آخره لعدم المشروعية، لا لدفع التهمة بل لعل
ذلك منه لعلمه بصدق القيافة هنا، واستظهار بما اقترحوه لاثبات الحجة
به عليهم، وإلا فلا يتخيل من له أدنى درية بشريعة رسول الله صلى
الله عليه وآله عدم جواز الأخذ بها والعمل عليها على وجه تترتب عليه
المواريث والأنكحة ونحوها وجودا وعدما، بل مشروعية اللعان أوضح
93

شئ على عدم اعتبار القيافة، بل لا يخلو الالتفات إليها، ولو مع
عدم ترتب شئ عليها من الكراهة، قال الصادق عليه السلام: (1) في
خبر أبي بصير (من تكهن أو تكهن له، فقد برئ من دين محمد صلى
الله عليه وآله، قال: قلت: فالقيافة؟ قال: ما أحب أن يأتيها
وقيل ما يقولون شيئا، إلا كان قريبا مما يقولون فقال القيافة فضلة
من النبوة ذهبت من الناس حيث بعث النبي صلى الله عليه وآله)
الحديث.
(و) منها (الشعبدة) المحرمة بالاجماع المحكي والمحصل
وبالدخول تحت الباطل والاغراء والتدليس واللهو وغيرهما، بل لعلها
من السحر على بعض الوجوه التي عرفتها فيه، لأنها هي على ما
فسرها غير واحد بل نسب ذلك إليهم الحركات السريعة التي تترتب
عليها الأفعال العجيبة، بحيث يخفى على الحس الفرق بين الشئ وشبهه
لسرعة الانتقال منه إلى شبهه، فيحكم الرائي له بخلاف الواقع، بل
قد سمعت الخبر الظاهر والصريح في أنها منه، مضافا إلى ما سمعته
من تصريح؟؟ البعض بكونه من أقسامه، بل في شرح الأستاذ بعد الحكم
بأن فيها من القبح زائدا على الملاهي وأن الاشتغال بها من أعظم اللهو
قال: لا يبعد القول بتحريم جميع الأفعال الغريبة المستندة إلى الأسباب
الخفية، ومنها عند الشهيد والمقداد السيميا وهي احداث خيالات لا
وجود لها في الحس، للتأثير في شئ آخر، ولعلها من السحر أو شبهه.
وأما علم النجوم فقد يظهر من الكتاب والسنة صحته في الجملة
نحو (2) قوله تعالى (فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم) على أحد

(1) الوسائل الباب 26 الحديث 2
(2) سورة الصافات الآية 88
94

الوجوه فيها أو أظهرها (1) وقوله (والنازعات غرقا والمدبرات أمر) (2)
(فلا أقسم بمواقع النجوم) وغير ذلك (3) وخبر أبان بن تغلب المروي
عن الاحتجاج (قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه
رجل من اليمن فسلم، فرد عليه أبو عبد الله عليه السلام فقال له:
مرحبا يا سعد، فقال الرجل: بهذا الاسم سمتني أمي وما أقل من
يعرفني به، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: صدقت يا سعد المولى
فقال الرجل: جعلت فداك بهذا كنت القب، فقال أبو عبد الله عليه
السلام: لا خير في اللقب إن الله تبارك وتعالى يقول (4) في كتابه
(ولا تنابزوا بالألقاب بئس لاسم الفسوق بعد الايمان) ما صناعتك
يا سعد؟ فقال: جعلت فداك أنا من أهل بيت ننظر في النجوم لا
يقال: إن باليمن أحدا أعلم بالنجوم منا، فقال أبو عبد الله عليه
السلام: (فكم (5) نقص ضوء المشتري على ضوء القمر درجة فقال

(1) سورة النازعات الآية 1
(2) سورة الواقعة الآية 75
(3) الاحتجاج ج 2 ص 100 الطبع الحديث
(4) سورة الحجرات الآية 111
(5) ما بين القوسين غير موجود في المصدر والموجود فيه
كم يزيد ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟
فقال اليماني: لا أدري
فقال صدقت فقال: فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري درجة؟
قال اليماني: لا أدري فقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقت
قال: فكم يزيد ضوء المشتري على ضوء العطارد درجة؟
قال اليماني: لا أدري فقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقت
قال: فكم ضوء العطارد يزيد درجة على ضوء الزهرة
قال اليماني: لا أدري، إلى آخر الحديث
95

اليماني: لا أدري) فقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقت فما اسم
النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟ فقال اليماني: لا أدري فقال
له أبو عبد الله عليه السلام: صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع
هاجت البقر؟ فقال اليماني: لا أدري فقال أبو عبد الله عليه السلام:
صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟ فقال اليماني:
لا أدري فقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقت في قولك لا أدري فما
زحل عندكم في النجوم؟ فقال اليماني: نجم نحس، فقال أبو عبد الله
عليه السلام: لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين عليه السلام، وهو
نجم الأوصياء، وهو النجم الثاقب الذي قال الله في كتابه، فقال
اليماني: فما معنى الثاقب، فقال: إن مطلعه في السماء السابعة
وثقب بضوءه حتى أضاء في السماء الدنيا، فمن ثم سماه الله النجم
الثاقب، ثم قال: يا أخا العرب عندكم عالم؟ قال اليماني: نعم
جعلت فداك إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم، فقال
أبو عبد الله عليه السلام: وما يبلغ من علم عالمهم؟ قال اليماني:
إن عالمهم ليزجر الطير ويقفوا الأثر في ساعة واحدة، مسيرة شهر
للراكب المحث، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فإن عالم المدينة أعلم
من عالم اليمن، قال اليماني: وما يبلغ من علم عالم المدينة قال عليه
السلام: إن علم عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر ولا يزجر الطير
ويعلم ما في اللحظ الواحد مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا واثني
عشر برا واثني عشر بحرا واثني عشر عالما، فقال اليماني: ما ظننت
96

أن أحدا يعلم هذا وما يدري ما كنهه قال: ثم قام اليماني.
وخبر (1) سعيد بن جبير المروي فيه أيضا (قال: استقبل
أمير المؤمنين عليه السلام دهقان من دهاقين الفرس، فقال له بعد التهنية:
يا أمير المؤمنين، تناحست النجوم الطالعات، وتناحست السعود بالنحوس
وإذا كان مثل هذا اليوم وجب على الحكيم الاختفاء، ويومك هذا يوم
صعب قد (2) (انقلب فيه كوكب) وانقدح من برجك النيران وليس
الحرب لك بمكان، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ويحك يا دهقان المنبي
عن الآثار المحذر من الأقدار، ما قصة صاحب الميزان، وقصة صاحب
السرطان، وكم المطالع من الأسد والساعات من المحركات، وكم بين
السراري والذراري؟ قال: سأنظر وأومأ بيده إلى كمه، وأخرج منه
اسطرلابا ينظر فيه، فتبسم صلوات الله عليه، وقال: أتدري ما حدث
البارحة وقع بيت بالصين، وانفرج برج ما جين، وسقط سور سرنديب
وانهزم بطريق الروم بارمينية وفقد ديان اليهود وبايله، وهاج النمل
بوادي النمل، وهلك ملك إفريقية، أكنت عالما بهذا؟ قال: لا،
يا أمير المؤمنين فقال: البارحة سعد سبعون ألف عالم وولد في كل عالم
سبعون ألفا والليلة يموت مثلهم وهذا منهم وأومأ بيده إلى سعد بن
مسعدة الحارثي لعنه الله، وكان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين
عليه السلام، فظن الملعون أنه يقول خذوه، فأخذ بنفسه فمات، فخر
الدهقان ساجدا فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ألم أروك من عين
التوفيق قال: بلى يا أمير المؤمنين فقال: (3) أنا وصاحبي لا شرقي ولا

(1) الاحتجاج ج 1 ص 355
(2) في المصدر قد اتصلت فيه كوكبان
(3) في المصدر أنا وأصحابي لا شرقيون ولا غربيون
97

غربي)، نحن ناشئة القطب، وأعلام الفلك، أما قولك انقدح من
برجك النيران فكان الواجب أن تحكم لي به لا علي، أما نوره وضياؤه
فعندي، وأما حريقه ولهبه فذهب عني، فهذه مسألة عميقة احسبها إن
كنت حاسبا.
ورواه (1) قيس بن سعد بطريق آخر قال: كنت كثيرا أسائر
أمير المؤمنين عليه السلام إذا سار إلى وجه من الوجوه، فلما قصد
أهل النهروان وصرنا بالمدائن وكنت يومئذ مسائرا له. إذ خرج إليه
قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه
فقبلها، وكان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن يدعي بسرسفيل
وكانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى، وترجع إلى قوله فيما سلف،
فلما بصر أمير المؤمنين عليه السلام قال له: يا أمير المؤمنين لترجع عما
قصدت، قال: ولم ذلك يا دهقان؟ قال: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم
الطوالع، فنحس أصحاب السعود (2) ولزم الحكيم في مثل هذا اليوم
الاستخفاء والجلوس، وإن يومك هذا يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان
قتالان، وشرف فيه بهرلم في برج الميزان، وانقدح من برجك النيران
وليس الحرب لك بمكان، فتبسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثم
قال: أيها الدهقان المنبئ عن (3) الآثار والمحذر عن الأقدار، ما
نزل البارحة في آخر الميزان، وأي نجم حل في السرطان قال: سأنظر
ذلك واستخرج من كمه أسطرلابا وتقويما، قال له أمير المؤمنين: أنت
مسير الجاريات! قال: لا، قال: أفأنت تقضي على الثابتات قال:

(1) بحار الأنوار 58 ص 229
(2) في المصدر وسعد أصحاب النحوس
(3) في المصدر المنبئ بالأخبار
98

لا، قال فأخبرني عن طول الأسد، وتباعده من المطالع والمراجع،
وما الزهرة من التوابع والجوامع، قال: لا علم لي بذلك قال: فما
بين السراري إلى الدراري، وما بين الساعات إلى المعجزات، وكم (1)
قبل شعاع المبدرات، وكم تحصل الفجر في الغدوات؟ قال: لا علم
لي بذلك، قال فهل علمت يا دهقان أن الملك اليوم قد انتقل من بيت
إلى (2) آخر بالصين، وانقلب برج ماجين، واحترقت دور بالزنج،
وطفح جب سرنديب، وتهدم حصن الأندلس، وهاج نمل الشيح،
وانهدم مراق الهندي، وفقد ديان اليهود بايله، وهزم بطريق الروم
بارمينية، وعمى راهب عموريا، وسقطت شرفات قسطنطنية، أفعالم
أنت بهذه الحوادث؟ وما الذي أحدثها شرقيها وغربيها من الفلك؟
قال: لا علم لي بذلك، قال وبأي الكواكب تقضي في أعالي القطب
وبأيها تنحس؟ قال لا علم لي بذلك قال: فهل علمت أنه سعد اليوم
اثنان وسبعون عالما في كل عالم سبعون منهم في البر، ومنهم في البحر
وبعض في الجبال، وبعض في الغياض، وبعض في العمران، وما الذي
أسعدهم؟ قال: لا علم لي بذلك قال: يا دهقان أظنك حكمت على
اقتران المشتري وزحل لما استنار لك في الغسق، وظهر في شعاع المريخ
وتشريقه في السحر، وقد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر، وذلك
دليل على استحقاق ألف ألف من البشر كلهم يولدون في اليوم والليلة
ويموت مثلهم وأشار (3) إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فقال: ويموت
هذا، فإنه منهم فلما قال: ذلك ظن الرجل أنه قال: خذوه

(1) في المصدر وكم قدر
(2) في المصدر إلى بيت بالصين
(3) في المصدر وأشار بيده
99

فأخذه شئ بقلبه وتكسرت نفسه في صدره فمات لوقته، فقال عليه
السلام: يا دهقان ألم ارك عين التقدير في غاية التصوير قال: يا دهقان
أنا مخبرك إني وصحبي هؤلاء، لا شرقيون ولا غربيون، إنما نحن ناشئة
القطب، وما زعمت أنه البارحة انقدح من برجي النيران، فقد كان
يجب أن تحكم معه لي لأن نوره وضيائه عندي فلهبه ذاهب عني،
يا دهقان هذه قضية عيص فأحسبها وولدها، إن كنت عالما بالأكوار
والأدوار، قال: لو علمت ذلك لعلمت أنك تحصى عقود القصب في
هذه الأجمة، ومضى أمير المؤمنين فهزم أهل النهروان وعاد بالغنيمة
والظفر، فقال الدهقان: ليس هذا العلم مما في أيدي أهل زماننا هذا
علم مادته من السماء، بل رواه الأصبغ بن نباتة بطريق ثالث (1)
والأمر سهل (2) (وخبر يونس بن عبد الرحمان قال: قلت لأبي
عبد الله عليه السلام: جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو:
قال: هو علم من علم الأنبياء قال: فقلت: كان علي بن أبي طالب
يعلمه، فقال: كان أعلم الناس به) وخبر (3) زرارة (عن أبي
جعفر عليه السلام عمن ذكره قال: كان قد علم نبوة نوح بالنجوم)
والخبر (4) المروي في البحار وجادة في كتاب عتيق (قيل لعلي بن أبي
طالب هل كان للنجوم أصل قال: نعم نبي من الأنبياء قال له قومه:
إنا لا نؤمن لك حتى تعلمنا بداء الخلق وآجاله، فأوحى الله عز وجل
إلى غمامة فأمطرتهم (5) حول الجبل ماء صافيا، وأوحى الله عز وجل

(1) البحار ج 58 ص 232
(2) البحار ج 58 ص 235
(3) البحار ج 58 ص 235
(4) البحار ج 58 ص 236
(5) في المصدر واستنقع حول الجبل ماء صاف
100

إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك (1) ثم أوحى الله إلى
ذلك النبي أن يرتفع (2) هو وقومه على الجبل، فارتفعوا (3) على الجبل
فقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجاله بمجاري الشمس والقمر
والنجوم، وساعات الليل والنهار، وكان أحدهم يعلم متى يموت ومتى
يمرض ومن ذا الذي يولد له، ومن ذا الذي لا يولد له، فبقوا
كذلك برهة من دهرهم، ثم إن داود قاتلهم على الكفر، فأخرجوا إلى
داود عليه السلام في القتال من لم يحضر أجله، ومن حضر أجله خلفوه
في بيوتهم، فكان يقتل من أصحاب داود عليه السلام، ولا يقتل من
هؤلاء أحد، فقال داود عليه السلام: رب أقاتل على طاعتك، ويقاتل
هؤلاء على معصيتك، فيقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد، فأوحى
الله عز وجل إني كنت علمتهم بدء الخلق وآجاله، إنما أخرجوا إليك
من لم يحضر أجله، ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم، فمن ثم يقتل
من أصحابك ولا يقتل منهم أحد، قال داود عليه السلام: يا رب على
ماذا علمتهم قال: على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل
والنهار، قال: فدعى الله عز وجل فحبس الشمس عليهم فزاد في النهار
واختلطت الزيادة بالليل والنهار فلم يعرفوا قدر الزيادة، فاختلط
حسابهم قال: علي عليه السلام فمن ثم كره النظر في علم النجوم.
ورواه (4) أيضا فيه عن الدر المنثور نعم زاد فيه أن النبي

(1) في المصدر في ذلك الماء
(2) في المصدر أن يرتقي
(3) في المصدر فارتقوا الجبل
(4) الدر المنثور ج 58 ص 35
101

المذكور كان يوشع بن نون وعن (1) صاحب كتاب التجمل (أن
آزركان منجما لنمرود، فقال له: يوما لقد رأيت في النجوم أمرا
عجيبا، قال: وما هو؟ قال: رأيت مولودا يولد في زماننا يكون
هلاكنا على يديه، ولا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به، قال: فتعجب
من ذلك، ثم قال: هل حملت (2) النساء قال: لا، فحجب الرجال
عن النساء، ولم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة (3) قال: فوقع آزر
على أهله فحملت بإبراهيم عليه السلام، فظن أنه صاحبه فأرسل إلى
قوابل ذلك الزمان، وكن أعلم الناس بالجنين (4) فنظرن فألزم ما في
الرحم الظهر، فقلن: ما نرى في بطنها شيئا قال: وكان مما أوتي من
العلم أن المولود سيحرق بالنار، ولم يؤت أن الله سينجيه منها) في
البحار رويت هذا الحديث عن إبراهيم الخراز عن أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام، من أصل قرئ على هارون بن موسى التلعكبري
وقد (5) رواه أيضا بأبسط من ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره (6)
ورواه أيضا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه
وهبة الله الراوندي في كتاب قصص الأنبياء والثعلبي في تفسيره وغيرهم
من العلماء، كما أنه تضمنت كتب التواريخ وغيرها الأخبار بنبوة موسى

(1) بحار الأنوار 58 ص 236
(2) في المصدر حملت به النساء
(3) في المصدر في المدينة ولا يخلص إليها بعلها
(4) في المصدر ولا يكون في الرحم شئ إلا عرفنه
(5) تفسير القمي ج 1 ص 206 الطبع الحديث
(6) تاريخ الطبري ج 1 ص 254 الطبع ليدن
102

ورسالته من (1) النجوم، وكذا نبينا وظهور العرب على الفرس، كما
لا يخفى على من لاحظها، وفي (2) خبر عبد الرحمان بن سيابه (قلت
لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إن الناس يقولون أن النجوم
لا يحل النظر فيها وهي تعجبني فإن كانت تضر بديني فلا حاجة لي
في شئ يضر بديني، وإن كانت لا تضر بديني، فوالله إني لأشتهيها
وأشتهي النظر فيها، فقال: ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال:
إنكم تنظرون في شئ (3) كثيره لا يدرك، وقليله لا ينتفع به، تحسبون
على طالع القمر، ثم قال: أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة؟
قلت: لا والله قال: أفتدري كم بين الزهرة وبين القمر من دقيقة؟
قلت: لا والله قال: أفتدري كم بين الشمس وبين السكينة من دقيقة؟
قلت: لا والله ما سمعته من أحد من المنجمين قط، قال: أفتدري
كم بين السكينة وبين اللوح المحفوظ من دقيقة، قلت: ما سمعته من
منجم قط، قال: ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستين أو سبعين
دقيقة (4) ثم قال: يا عبد الرحمان هذا حساب إذا حسبه الرجل
ووقع عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة، وعدد ما عن يمينها،
وعدد ما عن يسارها، وعدد ما خلفها، وعدد ما في أمامها، حتى لا
يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة.
وعن السيد بن طاوس أنه روى هذا الحديث أصحابنا في المصنفات
والأصول، ورواه محمد بن عبد الله في أماليه، ورواه محمد بن يحيى

(1) بحار الأنوار ج 58 ص 239
(2) روضة الكافي ص 195 الطبع الحديث
(3) في المصدر في شئ منها
(4) في المصدر شك عبد الرحمن
103

أخو مغلس عن حماد بن عثمان (1) ومرسل جميل بن صالح عن أبي
عبد الله عليه السلام (قال: سئل عن النجوم فقال: ما يعلمها إلا
أهل بيت من العرب، وأهل بيت من الهند، وخبر (2) محمد بن سالم
عنه أيضا أنه قال: اليوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا، وذلك
صحيح، حين لم يرد الشمس على يوشع بن نون وعلى أمير المؤمنين عليه
السلام فلما رد الله عز وجل الشمس عليهما، ضل فيها علماء النجوم، وخبر (3)
هشام الخفاف (قال: قال لي أبو عبد الله (ع): كيف بصرك بالنجوم؟
قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني، فقال: كيف دوران
الفلك عندكم؟ قال: فأخذت قلنسوتي من رأسي فادرتها، قال:
فقال لي: إن كان الأمر على ما تقول: فما بال بنات نعش والجدي
والفرقدين لا يرون يدورون يوما من الدهر في القبلة؟ قال: قلت:
هذا والله شئ لا أعرفه، ولا سمعنا أحدا من أهل الحساب يذكره،
فقال: لي كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟ قال: قلت: هذا
والله نجم ما سمعت به، ولا سمعت أحدا من الناس يذكره، قال:
سبحان الله فأسقطتم نجما برأسه، فعلى ما تحسبون، ثم فكم الزهرة
من القمر جزءا في ضوئه؟ قال: فقلت هذا شئ لا يعلمه إلا الله
عز وجل، قال: فكم جزء القمر من الشمس في ضوئها؟ قال: قلت ما
أعرف هذا، قال: صدقت ثم قال: فما بال العسكرين يلتقيان في
هذا حاسب، وفي هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، ويحسب

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب آداب السفر إلى الحج الحديث 9
وفيه عن محمد بن بسام
(3) الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
104

هذا لصاحبه بالظفر، ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر، فأين كانت
النجوم، قال: فقلت لا والله ما أعلم ذلك، قال: فقال: إن أصل
الحساب حق ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق) وفي
المحكي (1) عن نوادر الحكمة عن الرضا عليه السلام (قال: قال: أبو
الحسن للحسن بن سهل كيف حسابك للنجوم؟ فقال: ما بقي منها
شئ إلا وقد تعلمته فقال أبو الحسن عليه السلام: كم لنور الشمس
على نور القمر فضل درجة؟ وكم لنور القمر على نور المشتري فضل
درجة؟ وكم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة؟ فقال: لا
أدري، فقال: عليه السلام ليس في يدك شئ هذا أيسر)، وفي خبر
الريان (2) ابن الصلت أنه حضر عند الرضا عليه السلام الصباح بن
بصير الهندي (وسأله عن علم النجوم فقال: هو علم في أصل صحيح
ذكر أن أول من تكلم به إدريس عليه السلام، وكان ذو القرنين بها
ماهرا، وأصل هذا العلم من عند الله عز وجل، ويقال أن الله بعث
النجم الذي يقال له المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأتى بلد
العجم فعلمهم فلم يستكملوا ذلك، فأتى بلد الهند فعلم رجل منهم
فمن هناك صار علم النجوم بها، وقد قال قوم هو علم من علم الأنبياء
خصوا به لأسباب شتى، فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها فشاب
الحق بالكذب).
وخبر عثمان (3) بن أبي عبد الله المدائني عن أبي عبد الله عليه
السلام (أن الله خلق نجما في الفلك السابع، خلقه من ماء بارد،

(1) البحار ج 58 ص 245
(2) المستدرك ج 2 ص 433
(3) روضة الكافي ص 257 الطبع الحديث
105

وسائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار، وهو نجم الأنبياء والأوصياء
وهو نجم أمير المؤمنين (ع) يأمر بالخروج من الدنيا والزهد فيها، ويأمر
بافتراش التراب. وتوسد اللبن ولباس الخشن وأكل الجشب، وما
خلق الله نجما أقرب إلى الله (1) منهم وخبر (2) محمد بن يحيى الخشعي
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم حق هي؟ قال لي: نعم
فقلت له: وفي الأرض من يعلمها قال: وفي الأرض من يعلمها) إلى غير
ذلك من النصوص التي لا يمكن حصرها (3) بل منها يستفاد وجه الجمع
بينها وبين ما دل على النهي عن الركون إلى النجوم، وذم المنجم على
وجه صار به كالكاهن والساحر ونحوهما، بأن المراد مع اعتقاد كونها
ذوات إرادة وفاعلة مختارة، أو مؤثرة أو غير ذلك مما هو معلوم
فساده، كالعلم بكفر معتقده أو فسقه، لا أن المراد النهي عن اتخاذها
أمارة دالة على ما جرت العادة من فعل الله له في هذا العالم، وإن
جاز تغييرها بالصدقة والدعاء وغيرهما، على حسب ما توافقه حكمته (4)
(فإن الله يمحوا ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) لكن الإحاطة
بتمام دقائق هذا العلم مما لا يتيسر إلا لخزان علم الله، دون غيرهم
الذين قد يتخيلون دلالة القران المخصوص. على النحس وهو سعد، وبالعكس
كما اتفق للمنجم مع أمير المؤمنين عليه السلام لعدم الإحاطة بتمام
اقتراناتها وأحوالها.
لكن ذلك لا يمنع من النظر فيما دونوه من بعض أحوالها
الجارية مجرى الغالب، ولا من العمل بما يقوله أهلها على وجه الاحتياط

(1) في المصدر منه
(2) البحار ج 58 ص 249
(3) البحار ج 58 الباب 10 ص 217
(4) سورة الرعد الآية 39
106

وعلى ذلك يحمل تعلم جماعة من الشيعة وغيرهم، وفيهم العلماء والمحدثون
وغيرهم من الشيعة كالحسن بن موسى النوبختي، وموسى بن الحسن
وغيره من بني نوبخت، وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، وأحمد بن
محمد بن طلحة، والجلودي البصري، ومحمد بن أبي عمير، ومحمد بن
مسعود العياشي، والفضل بن أبي سهل الذي أخبر المأمون بخطأ المنجمين
في الساعة التي اختاروها لولاية العهد للرضا (ع)، فزجره المأمون ونهاه أن
يخبر بذلك أحدا، فعلم أنه تعمده، وعلي بن الحسن العلوي المعروف
بابن الأعلم، وأبو الحسن النقيب باقيزاط وعلي بن الحسين المسعودي
صاحب كتاب مروج الذهب، وأبو القاسم ابن نافع، وإبراهيم الفزاري
وأبو خالد السجستاني الذي دله علم النجوم على موت أبي الحسن
عليه السلام، فترك القول بالوقف، والفضل بن سهل وزير المأمون
الذي أخبره لما وقع بينه وبين أخيه الأمين ما وقع حتى ضاق الأمر عليه
وعزم على المفارقة بأن الأمر لك فاصبر قليلا، فكان كما قال، والحسن
ابن سهل، وثور بن منية، ويحيى البرمكي، وجعفر وغيرهم ممن
وقفنا لهم على أشياء يقطع الانسان بأنها ليست محض اتفاق على ما
زعمه المرتضى كما لا يخفى على من تتبع أحوالهم، ووقف على جملة
مما نقل عن اخباراتهم، ومن الغريب بعد ذلك مبالغة المرتضى في
ملحقات درر الغرر في إنكار أصل هذا العلم، وإن جميع ما اتفق من
إخبار أهله من باب الاتفاق، نحو ما يقوله القوالون، إذ لا ريب في
كونه مخالفا للانصاف، نعم هو علم غامض لا يحيط بكنهه إلا من
اختارهم الله لسره، وخزانا لعله، ولقد أطنب المجلسي في كتاب
السماء والعالم من بحاره، بنقل جميع ماله تعلق في ذلك من الأخبار
وكلمات العلماء وغير ذلك أيضا، والتحقيق ما عرفت، من أنه لا بأس
107

بالنظر في هذا العلم وتعلمه وتعليمه، والأخبار عما يقتضيه مما وصل
إليه من قواعده لا على جهة الجزم، بل على معنى جريان عادة الله تعالى
بفعل كذا عند كذا، وعدم اطراد العادة غير قادح (1) (فإن الله يمحوا ما
يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) بل قد يتوقف في الكراهة فضلا عن
الحرمة، بل يمكن حصول زيادة العرفان بمعرفته والترقي إلى بعض
درجات الايمان بممارسته، ودعوى أن فيه تعريضا للوقوع في المحظور
من اعتقاد التأثير فيحرم لذلك، أو لأن أحكامه تخمينية كما ترى،
خصوصا الثاني، ضرورة عدم حرمة مراعاة الظنون في أمثال ذلك،
بل لعل المعلوم من سيرة الناس وطريقتهم خلافه في الطب وغيره،
والتعريض المزبور مع أنه ممنوع لا يكفي في الحرمة وإلا لحرم النظر
في علم الكلام الذي خطره أعظم من ذلك، فلا ريب في رجحان ما
ذكرناه، بل لا يبعد أن يكون النظر فيه نحو النظر في علم هيئة
الأفلاك الذي يحصل بسببه الاطلاع على حكمة الله وعظم قدرته، نعم
لا ينبغي الجزم بشئ من مقتضياته، لاستيثار الله بعلم الغيب.
وكذا الكلام في الرمل والفأل ونحوهما من العلوم التي يستكشف
بها علم الغيب، فإنها تحرم مع اعتقاد المطابقة لا مع عدمه، وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وآله يحب الفال، ويكره الطيرة، (2) بل ورد
عنهم صلوات الله وسلامه عليهم أمور كثيرة كالاستخارة، وبعض الحسابات (3)
وغيرهما ما يستفاد منه كثير من المغيبات، لكن لا على وجه الجزم
واليقين، ولعل ذلك كله من فضل الله على عباده وهدايته بهم نحو
ما جاء (4) عنهم في الرقي أنها تدفع القدر فقال: إنها من القدر وإن
هذا الباب باب عظيم ليس المقام مقام ذكره، خصوصا ما يتعلق في

(1) سورة الرعد الآية 39
(2) سفينة البحار ج 2 ص 102 وسفينة البحار ج 2 ص 144
(3) سفينة البحار ج 2 ص 102 وسفينة البحار ج 2 ص 144
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب الاحتضار الحديث 12
108

الحروز، والطلسمات، وخواص الحروف، وبعض الأشياء، وغيرها وما
يتولد منها من المصالح والمفاسد، ولكن ينبغي تجنب ما فيه ضرر
على الناس، واستعمال ما فيه نفع لهم مما هو ليس بسحر والله العالم
(و) منه (القمار) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع
بقسميه عليه، والنصوص مستفيضة أو متواترة فيه (1) بل فيها ما يقتضي
كونه من الباطل الذي نهى الله عن أكل المال به، وأنه من المسير
الذي هو رجس من عمل الشيطان، فتتفق حينئذ الأدلة الشرعية الثلاثة
على حرمته، بل حرمة المال الذي يؤخذ به، سواء كان منهما أو من
ثالث بذله لأحدهما لو صار مغلوبا، بل قيل إن أصل القمار الرهن
على اللعب بشئ من الآلة، كما هو ظاهر القاموس والنهاية أو صريحهما
وصريح مجمع البحرين، نعم عن ظاهر الصحاح والمصباح المنير وكذلك
التكملة والذيل، أنه قد يطلق على اللعب بها مطلقا مع الرهن ودونه
ولا فرق في ذلك بين الشطرنج والنرد وبين غيرهما من أفراده، كلعبة
الأمير والثلاثة والأربعة عشر، والجوز والبيض والكعاب ونحوها مما
اعتيد المقامرة به سابقا أو لاحقا، أما إذا يعتد المقامرة به، فالظاهر
عدم حرمته مع عدم الرهان، للأصل وانصراف أدلة المقام إلى غيره،
والسيرة القطعية من الأعوام والعلماء، في المغالبة بالأبدان وغيرها،
وقد (2) روى مغالبة الحسن والحسين عليهما السلام بمحضر من النبي
صلى الله عليه وآله، بل ومع الرهان أيضا وإن حرم هو، لأنه أكل
مال بالباطل دونه، لما عرفت مما لا معارض له، ودعوى أنه من اللعب
واللهو المشغول عنهما المؤمن يدفعه منع كونه من اللعب المحرم، إذ
لا عموم بل ولا اطلاق على وجه يصلح لشمول ذلك ونحوه، خصوصا

(1) الوسائل الباب 35 من أبواب ما يكتسب به
(2) ذخائر العقبى ص 134 كنز العمال ج 7 ص 107
109

بعد ملاحظة ما عرفته من السيرة المستقيمة، بل لعله مندرج فيما دل على
مداعبة المؤمنين ومزاحمهم، بل لو أخذ الرهن الذي فرض لهذا القسم
بعنوان الوفاء بالوعد الذي هو نذر لا كفارة له، ومع طيب النفس
من الباذل لا بعنوان أن المقامرة المزبورة أوجبته وألزمته، وأنها كغيرها
من العقود المشروعة، أمكن القول بجوازه، نعم هو مشكل في القسم
الأول وأن فرض الحال فيه أيضا، بناء على حرمة كل ما ترتب على
المحرم. ولو جزاء أو وعدا أو نحوهما، كما أشرنا إليه السابق، وقلنا
أن في خبر (1) تحف العقول نوع ايماء إليه، وإن كان لا يخلو من
بحث، وعلى كل حال فقد ظهر لك حرمة مال المقامرة، فيجب رده
على مالكه إذا عرف بعينه، وإلا فإن كان في محصورين وجب التخلص
منهم بالصلح، واحتمال القرعة لا يخلو من وجه، وإلا كان له حكم
مجهول المالك، ولا فرق في ذلك بين مقامرة الأطفال وغيرهم، ولو أكل
من مال المقامرة ثم علم به بعد ذلك ضمنه.
وهل يجب أيضا استفراغه وجهان أقواهما العدم، لصيرورته حينئذ
من الخبائث التي لا تدخل في الملك لكن (2) روى (إن أبا الحسن عليه
السلام أكل من مال المقامرة شيئا من غير علم، فلما علم قائه) وهو
مع أنه لا يخلو من بحث بالنسبة إلى منافاة العصمة التي هي الطهارة
من الرجس لا يدل على الوجوب، وعليه يشكل حينئذ الصوم ممن في
بطنه طعام مغصوب يتمكن من قيئه مع فرض اعتبار اخراجه بتعمد
قيئه المبطل للصوم، ولعل الأولى حمل خبر المزبور، على فرض صحته

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 35 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
110

على المبالغة في حرمة مال القمار، كالخبر المروي (1) عن الصادق عليه
السلام (بيع الشطرنج حرام، وأكل ثمنه سحت، واتخاذه كفر،
واللعب به شرك، والسلام على اللاهي بها معصية، والخائض فيها يده
كالخائض يده في لحم الخنزير، ولا صلاة له حتى يغسلها كما يغسلها من
لحم الخنزير، والناظر إليها كالناظر إلى فرج أمه، والناظر والمسلم على
اللاهي بها سواء معه في الإثم، والجالس على اللعب بها يتبوء مقعده
من النار، ومجلسها من المجالس التي باء أهلها بسخط من الله، يتوقعونه
في كل ساعة فيعمك معهم) إذ لا ريب في إرادتها من الحكم بنجاسة اليد وبطلان
الصلاة بدون الغسل والكفر والشرك، بل وإطلاق المعصية في
السلام والنظر والجلوس وإن عمل به بعض الناس في الأخير إلا أنه
كما ترى ما لم ترجع إلى إعانة أو ترك بالمعروف أو نحو ذلك مما
يندرج في أحد المحرمات، نعم لا يبعد القول بحرمة الجلوس في
مجالس المنكر ما لم يكن للرد أو للضرورة، بل كان للتنزه ونحوه مما
يندرج به في اسم اللاهين واللاعبين، خصوصا في مثل حضور مجلس
الطبل والرقص ونحوهما من الأفعال التي لا يشك أهل الشرع والعرف
في تبعيته حاضريها في الإثم لأهلها، بل هم أهلها في الحقيقة، ضرورة
أن الناس لو تركوا حضور أمثال هذه المجالس لم يكن اللاهي واللاعب
يفعلها لنفسه، كما هو واضح والله أعلم.
(و) منه (الغش) للمبيع مثلا (بما يخفى كشوب اللبن
بالماء) بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، كما أن
النصوص مستفيضة، أو متواترة فيه (2) بل في (3) بعضها (أن من غش

(1) الوسائل الباب 103 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
(2) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به
(3) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
111

المسلمين فليس منهم) بل العقل حاكم بقبحه باعتبار ما فيه من الاغراء
المترتب عليه الفساد، نعم الظاهر اعتبار الخفاء في حقيقته، وإلا لم يكن
غشا، فلو كان المزج بما لا يخفى أو أخبر بمزج ما يخفى فلا غش
فيه، ولعل من ذلك وضع القطن العتيق في القلانس باعتبار تفاوته
ولذا (1) (قال الصادق عليه السلام: لفاعله أحب أن تبين لهم)، ولم
يوجبه وهل اخفاء العيب وبعض الصفات الذميمة من الغش؟ احتمال
بل صرح به بعض الأصحاب، لكنه لا يخلو من بحث، والظاهر أن
الحرمة في الفعل نفسه، فلو باع مع ذلك كان البيع صحيحا وإن
ثبت للمشتري خيار العيب أو الوصف أو التدليس، لاطلاق الأدلة
ودعوى ظهورها في صيرورة المبيع معه كالعذرة ونحوها مما لا يجوز
بيعها واضحة المنع لدى كل متأمل في نصوص المقام، وقواعد الكتاب.
وليس ذا من تعارض الاسم والإشارة قطعا، ضرورة كون المراد واحدا، من نحو
قولك بعتك هذا اللبن، نعم لو خرج بالغش عن الحقيقة وبيع على
أنه منها بطل البيع قطعا، أما مع عدمه فالمتجه الصحة، لما عرفت
ولفحوى نصوص خيار العيب (2) والوصف والتدليس (3)، وما في
ظاهر بعض الأخبار من توجيه النهي إلى نفس المبيع، فيقتضي الفساد
محمول على الكراهة، كما أومأ إليه بلفظ لا يصلح في (4) غيره من
الأخبار أو أن المراد منه النهي عن الغش للمبيع أو غير ذلك مما

(1) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9
(2) الوسائل الباب 16 من أبواب الخيار الحديث 1 و 4
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب الخيار الحديث 1 - 2
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام العيوب الحديث 3
112

لا بأس به، بعد فرض قوة المعارض، ولعل من الغش أو في حكمه
في الحرمة والبيع (و) غيرهما (تدليس الماشطة) مثلا الامرأة
على خطابها والجارية على مشتريها، باظهار حسن ليس فيها، واخفاء
قبحها، كتحمير وجهها ووصل شعرها، ونحو ذلك بلا خلاف أجده
كما عن بعضهم الاعتراف به، بل عن آخر الاجماع عليه، وهو الحجة،
مضافا إلى نصوص الغش، بل ربما استدل عليه بما عن معاني الأخبار (1)
مسندا إلى النبي صلى الله عليه وآله (إنه لعن النامصة والمنتمصة والواشرة
والموتشرة، والواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة) أي التي
تنتف الشعر، وتنشر أسنان الامرأة وتحددها، وتصل شعر المرأة بشعر
غيرها، وتغرز بالأبرة ثم تحشوه بالكحل، ونحوه، بدعوى أن المراد فعل
ذلك كله أو بعضه للتدليس، وفيه أن الظاهر كراهة ذلك في نفسه،
خصوصا وصل الشعر بالشعر الذي ورد فيه النهي في (2) مرسل ابن
أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: دخلت ماشطة على
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: لها هل تركت عملك أو أقمت
عليه؟ قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أعمله إلا أن تنهاني
عنه، فانتهى عنه، فقال: افعلي فإذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرقة
فإنه يذهب بماء الوجه، ولا تصلي الشعر بالشعر) وخبر (3) علي
(سألته عن امرأة مسلمة تمشط ليس لها معيشة غير ذلك، وقد دخلها
ضيق، قال: لا بأس ولكن لا تصل الشعر بالشعر) وخبر (4)

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7
(2) الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(3) الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
(4) الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5
113

عبد الله بن الحسن (سألته عن القرامل قال: وما القرامل؟ قلت:
صوف تجعله النساء في رؤسهن، قال: إن كان صوفا فلا بأس به، وإن
كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة والموصلة) إلى غير ذلك من
النصوص المعلوم عدم ابتناء ذلك فيه على التدليس، وإلا لم يكن فرق
بين الشعر وغيره مع أنها في الزوجة لزوجها، فليس حينئذ إلا ما
ذكرناه من الكراهة، وربما حمل النهي المزبور على المنع من جهة
الصلاة بشعر الغير، وفيه أنه لا بأس به كما حررناه في محله، أو
على أنه شعر امرأة أجنبية وهو عورة، وفيه مضافا إلى ترك الاستفصال
في النصوص المزبورة منع جريان حكم العورة عليه بعد انفصاله،
فليس حينئذ إلا الكراهة، ولا ينافيها خبر (1) سعد الإسكافي (قال:
سئل أبو جعفر عليه السلام عن القرامل التي تضعها النساء في رؤسهن
يصلن به شعورهن، فقال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها
قال: فقلت: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواصلة
والموصولة، فقال: ليس هناك، إنما لعن رسول الله صلى الله عليه وآله
الواصلة التي تزني في شبابها، فلما كبرت قادت النساء إلى الرجال،
فتلك الواصلة والموصولة) لامكان حمله على إرادة اللعن المقتضى
للحرمة، وهو ليس إلا ما ذكره، بخلاف ما سمعته من اللعن السابق
المحمول على الكراهة.
وكيف كان فقد دل الخبر المزبور على جوازه للزوج، بل جواز
جميع ما تتزين به الامرأة له، فتخص حرمة التدليس حينئذ بغيره
بل لا يشترط في مطلق التزيين إذن الزوج، وفي شرح الأستاذ إلا فيما
يخشى منه النقص على محاسن الزوجة، بانهدام أسنانها أو ضرر في

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
114

بدنها ونحو ذلك، أما المالك فيلزم استيذانه مطلقا، وحيث يحرم
التدليس يحرم العوض المترتب عليه كما في غيره من المحرمات، وما
حل يحل فيه، غير أنه لا يخلو من كراهة مع الشرط، بل قيل مطلقا
وتزداد معه وكون بعض الأعيان مما يتزين به كالشعر الموصول والحمرة
المأخوذة من بعض الحشار ونحوهما مما لا يسوغ أخذ العوض فيها بعد
تسليمه غير مناف لأن المتعلق بالأصل هو العمل وتلك من التوابع،
والله أعلم.
(و) منه (تزيين الرجل بما يحرم عليه) لبسه كالحرير
والذهب ونحوهما ضرورة كونه كغيره من المحرمات، وفي المسالك أن
المراد تزيينه بما يحرم عليه من زينة النساء، وفيه أن المتجه حينئذ
ذكر العكس أيضا، وهو تزيين الامرأة بما يحرم عليها من زينة الرجال
مع أنه قد توقف في دليله بعض متأخري المتأخرين، لكن قد يقال:
أن ما ورد (1) عن النهي عن لباس الشهرة (2) وخبر جابر (عن
أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: في حديث
لعن الله تعالى المحلل والمحلل له، ومن تولى غير مواليه، ومن ادعى
شيئا لا يعرف، والمتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء
بالرجال) وخبر (3) زيد بن علي المروي عن العلل (عن آبائه عن
علي عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لعن الله
المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال) قال:

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب أحكام الملابس الحديث 3 و 4
(2) الوسائل الباب 87 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(3) الوسائل الباب 87 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
115

وفي حديث (1) آخر (أخرجوهم من بيوتكم فإنهم أقذر شئ) وعن
العلل أيضا بالاسناد السابق (2) (عن علي عليه السلام قال: كنت
مع رسول الله صلى الله عليه وآله جالسا في المسجد، حتى أتاه رجل به
تأنيث، فسلم عليه فرد عليه السلام ثم أكب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الأرض
يسترجع، ثم قال: مثل هؤلاء في أمتي أنه لم يكن مثل هؤلاء في أمة
إلا عذبت قبل الساعة) وفي (3) خبر الحرزمي المروي في أصل أبي سعيد
العصفري (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لعنة الله ولعنة الملائكة
على رجل تأنث، وامرأة تذكرت ورجل تحصر، ولا حصور بعد يحيى
ورجل جلس على الطريق يستهزئ بابن السبيل) ولعل ما في السند
والمتن من القصور منجبر بفتوى المشهور، ولا يخفى عليك أنه باختلاف
الأحوال والمحال تختلف ملابس النساء والرجال، فقد يختلف حال
العجم والعرب، وحال الفقراء وحال أرباب الرتب هذا.
وأما الخنثى المشكل ففي شرح الأستاذ أنه يجب عليها ترك الزينتين
ولها العمل بما جاز لكل من النوعين وهو جيد، أما الثاني فواضح،
وأما الأول فللقطع بكونه مكلفا بأحد الأمرين، ولا يتم العلم بامتثاله
إلا باجتناب الزينتين والله أعلم.
(الخامس) مما يحرم التكسب به (ما يجب على الانسان فعله) عينيا
كان كالصلاة والصوم أو كفائيا (كتغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم)
بلا خلاف معتد به أجده فيه، وفي المسالك أنه المشهور وعليه الفتوى،
وفي المحكي عن مجمع البرهان كان دليله الاجماع، بل عن غيره أن

(1) الوسائل الباب 87 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
(2) الوسائل الباب 87 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
(3) المستدرك ج 2 ص 531 باختلاف يسير
116

عليه الاجماع في كلام جماعة، إلا أني لم أجده وهو إن تم الحجة،
لا منافاة ذلك لاخلاص في العمل المعتبر فيه، إذ هو مع أنه
غير تام فيما لا يعتبر فيه النية من الواجبات كالدفن ونحوه، ومنقوض
بالمستحب واضح المنع، ضرورة كون الإجارة مؤكدة له، باعتبار
تسبيبها الوجوب أيضا، ولا ما في شرح الأستاذ من أن المنافاة بين
صفة الوجوب والتملك ذاتية، لأن المملوك والمستحق لا يملك ولا يستحق
ثانيا، ولأن الإجارة لو تعلقت به، كان للمستأجر سلطان عليه في
الايجاد والعدم على نحو سلطان الملاك، وكان له الابراء والإقالة
والتأجيل، وكان للأجير قدرة على التسليم، وفي الواجب يمتنع ذلك
وهو في العيني بالأصل والعارض واضح، وأما الكفائي فلأنه بفعله يتعين
له، فلا يدخل في ملك آخر، ولعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو
يستحقه غيره، لأنه بمنزلة قوله استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة
لك أو لغيرك، لأن الظاهر عدم الدخول في عمومات المعاملات في
الكتاب والسنة، فيبقى على أصل عدم الانتقال عن الحالة الأولى إذ
فيه أنه لا مانع من تعدد أسباب الوجوب، كما يقتضي به صحة نذر
الواجب والحلف عليه وأمر الوالد والسيد به، نعم هو كذلك بالنسبة
إلى أسباب الملك، ولا تعدد فيها هنا والسلطان من حيث الإجارة
بالابراء والإقالة ونحوهما متحقق هنا، والأجير له قدرة على التسليم
في الواجبات التي تعتبر فيها النية ونفعها حاصل للغير كأحكام الأموات
ونذر خياطة الثوب لزيد مثلا ونحو ذلك، بل جواز أخذ الأم الأجرة
على إرضاع الولد اللبا مع وجوبه عليها، كاستحقاق أخذ العوض عما
يدفعه للمضطر من المال وما يأخذه الوصي عوضا عن عمله أوضح
شاهد على عدم منافاة صفة الوجوب للتكسب، بل هو مقتضى القواعد
117

والضوابط، جمعا بين ما دل على وجوب بذل المال أو العمل، وبين
ما دل على احترام القاضي بضمانهما إذا فرض عدم ظهور دليل الوجوب في
المجانية، إذ كما أن الإذن الشرعية في الأموال والأنفس لا تنافي
الضمان، كذلك الأمر الشرعي بدفع المال أو العمل لا ينافي الضمان،
فالمتجه حينئذ القول بعدم المنافاة ذاتا، نعم لو حصل مانع خارجي
كالجمع بين العوض والمعوض عنه ونحوه مما تكون المعاملة به سفهية
عبثية ولو من جانب واحد، أو فهم مما دل على الوجوب كونه بصفة
المجانية اتجه المنع.
ودعوى أن كل واجب وإن كان مورده عملا ينتفع به الغير كذلك
واضحة المنع، ضرورة تعدد الفوائد للوجوب من حيث الإجارة مثلا
دون وجوب غيرها وذلك نظير اشتراط خيار المجلس والعيب مثلا مع
فرض ثبوتهما بسبب آخر غير الشرط، وبذلك يندفع الاشكال باعطاء
الأجرة في الواجب الكفائي الصناعي، حتى في مثل الطبابة، ولا حاجة
إلى الالتزام في حله بأن الحكم مخصوص بالواجب العبادي دون غيره
كي يشكل ذلك بالدفن ونحوه مما صرحوا بعدم أخذ الأجرة عليه،
مع أنه ليس من العبادة في شئ ولا إلى التزام عدم أخذ الأجرة
عليه إلا في حال عدم وجوبه، لقيام الغير به مثلا، والصناعات في كل
قطر قد وجد من يقوم بها، فلذلك جاز أخذ الأجرة وأن الإجارة على
الجهاد تجوز إذا علم أو ظن قيام من فيه كفاية، أو أن المؤجر ممن
لا يجب عليه أصلا، ومقتضاه عدم جواز أخذ الأجرة مع عدم القيام،
بل يشكل في حال القيام بعدم تعين الفرد الواجب الذي يسقط به
التكليف في الواقع من غيره، حتى يصح أخذ الأجرة عليه، على أن ما
دل على الإجارة في الجهاد مطلق، لا إشارة فيه إلى شئ مما ذكره من
118

التقييد، فليس هو إلا لما ذكرناه من عدم المنافاة، وأنه قد علم من
الأدلة كون الجهاد من الأفعال القابلة للنيابة، فالمكلف مخير بين أن
يجاهد عن نفسه، فيكون هو أحد أفراد الكفاية، أو يؤجر نفسه فيكون
نائبا ويصير المنوب عنه أحد أفراد الكفاية، الذين يسقط بهم الوجوب عن
الغير فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع وقد سلف في الجهاد ما يؤكد ذلك
ولا إلى التزام عدم وجوبها إلا بالشرط، فهي قبله غير واجبة، من غير
فرق بين الانحصار وعدمه، وكذا بذل المال للمضطر إذ هو مع أنه
ممنوع في الأخير قطعا، ضرورة وجوب البذل مطلقا وإن استحق الباذل
العوض في الذمة مناف لصريح كلامهم في الأول، فإنهم قد صرحوا
بأن الصناعات ونحوها من الواجبات الكفائية، وإن كان لا يخلو من
اشكال، ولو سلم فالمراد منه وجوب وجود العارف بها، لا أنه يجب
عليه العمل.
وقد يدفع بأنه لا مانع من ذلك ضرورة توقف النظام عليه، كما
أومأ إليه بقوله تعالى (1) (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا
ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) ولا بأس
بالوجوب مع العوض فتأمل، ولا إلى أن الأصل التحريم إلا ما خرج
بنص أو اجماع، ولا إلى غير ذلك من التجشمات التي من الواضح
فسادها بأدنى نظر.
بل التحقيق ما عرفته من عدم المنافاة بين صفة الوجوب،
واستحقاق العوض للوقوف على التراضي في صورة قيام الغير، والتقدير
بأجرة المثل في صورة عدمه، كبذل المال للمضطر، ولا ينافي ذلك
تصريح غير واحد بعدم جواز أخذ الأجرة على ما في المتن حتى حكى

(1) سورة الزخرف الآية 32
119

الاجماع عن جماعة، بل في شرح الأستاذ أن دعوى المحصل غير بعيد
عند المحصل إذ لعله لما ذكرناه من ظهور الأدلة في وجوب هذه
الأعمال مجانا، لا للمنافاة المزبورة، إذ قد عرفت أن محل البحث فيما لم
يظهر من الدليل مجانيته، وإلا حرم التكسب به، لكن للظهور المزبور
لا للمنافاة المذكورة التي قد عرفت انتفاءها، وأنه لا فرق بين الواجب
والمندوب والمباح والمكروه في ذلك، فما كانت المعاملة فيه سفهية،
ولو لعود المنفعة للمستأجر، فيكون جامعا بين العوض والمعوض عنه،
أو ظهر من الأدلة مشروعيته على المجانية، لم يصح التكسب به، وإلا
اتجه مراعاة الضوابط والقواعد فيه من احترام عمل المسلم وماله، كدمه
وعرضه، والوجوب والاستحباب لا ينافي ذلك، نعم المستحب الذي لا
نفع له إلا الثواب، كالحج والزيارة وقراءة القرآن ونحوها يتوقف
صحة الاستيجار عليها على صحة النيابة فيها، فما يثبت فيه ذلك صح
الاستيجار عليه وإلا فلا، بل نحوه يجري في بعض الواجبات كما
سمعته في الجهاد، ولعل الأقوى كفاية ما دل على ذلك في الحج
والصلاة وغيرهما من فعل القربات عن الأموات، مضافا إلى اطلاق أدلة
الإجارة، مثلا في الحكم بجواز النيابة فيها على الاطلاق عن الأحياء
والأموات، إلا ما خرج بالدليل، الذي فيه ما قيل من الاجماع من
الكركي على عدم جواز النيابة في الصلاة والصوم إلا عن الميت إن تم،
والمباشرة المنساقة من الخطابات الواردة فيها، لا ظهور فيها على جهة
الشرطية، بل هي كغيرها مما هو مورد الخطاب الوارد في غيرها مما علم
جواز النيابة فيه هذا.
ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه، ما في كلام جملة من
120

الأفاضل في المقام الذي هو من مزال الأقدام، ولا ينافيه ما أدعوه
من الاجماع على عدم الاستيجار على الواجب في حق الأموات، من
التغسيل والتكفين والدفن والصلاة عليهم، حتى أن ما حكي عن المرتضى
من الخلاف فيه ليس خلافا في الحكم، بل هو خلاف في الوجوب على
غير الولي، ولذا جوز استيجاره عليه، وكان الذي دعاه إلى ذلك ظهور
الأدلة في توقف صحة فعل الغير على إذن الولي، فظن أن الوجوب
على الولي.
وقد أطلنا الكلام في أحكام الأموات في بيان عدم المنافاة، وأن
المراد من ذلك تقديم الولي في الفعل لو أراده وإن كان الكل مخاطبين،
وإن توقف صحة فعل الغير على الإذن لا ينافي الوجوب، كما في الوصي
والناظر والأمر في الجهاد مثلا ونحوه، وذلك لما عرفت من ظهور الأدلة
في الوجوب المجاني وأنه لا نيابة فيه، نعم هو عملي محض لا يجب فيه بذل
المال من الماء والكفن ونحوهما كما قرر في محله، بل لعله إلى ذلك لمح
القاضي في إطلاقه عدم جواز أخذ الأجرة ولو على ما زاد على الواجب
من الغسلات والتكفين في القطع الزائدة والتعميق في القبر، باعتبار
ظهور الأدلة في المشروعية مجانا، وإن كان المشهور نقلا وتحصيلا خلافه،
أو أنه لمح إلى أن كل ما جيئ به من ذلك فهو من الأفراد الواجبة
وإن كانت هي الأفضل من غيرها، فالاستيجار عليها استيجار على
الواجب أيضا.
ودعوى كون الاستيجار إنما يقع على ما زاد على الواجب بعد
الفراغ منه خلاف مفروض البحث، ضرورة كون أعم من ذلك ومن
إيجاده دفعة واحدة فيما يمكن فيه ذلك كالحفر، بل لعله على كل حال
هو أحد أفراد الواجب فلا ريب في أن الأحوط عدم الأجرة مطلقا،
121

والله أعلم هذا.
(وقد يحرم الاكتساب بأشياء أخر تأتي في أماكنها إن شاء الله
(مسألة) أخذ الأجرة على الأذان حرام ولا بأس بالرزق من بيت
المال) كما أشبعنا الكلام فيها في بحث الأذان من كتاب الصلاة
فلاحظ وتأمل، (وكذا) يحرم أخذ الأجرة على (الصلاة بالناس)
جماعة بلا خلاف أجده فيه، من غير فرق بين الواجبة كما في الجمعة
والمندوبة للنص (1) ولظاهر نصوص مشروعيتها، بل هي رتبة الإمام وعليه
أن يجتنب جميع المنفرات ليزيد الاعتماد عليه ويحصل الركون إليه
ولأنها من العبادات المطلوبة لنفس العامل كالمأمومية التي لم أجد من
تعرض لها إلا أن الظاهر حرمة الاستيجار والجعالة عليها أيضا لذلك
كما هو واضح.
(و) أما (القضاء) بين الناس فقد اضطربت فيه كلمات
الأصحاب اضطرابا شديدا، حتى أن المصنف منهم جعل حرمة الأجرة
عليه (على تفصيل يأتي) في كتاب القضاء، والتحقيق عدم جواز
أخذ العوض عنه مطلقا عينيا كان عليه أو كفائيا، أو مستحبا مع
الحاجة وعدمها من المتحاكمين أو أحدهما أو أجنبي أو أهل البلد أو
بيت المال أو غير ذلك، سواء كان ذا كفاية أو لا، لأنه من مناصب
السلطان الذي أمر الله تعالى بأن يقول (2) (قل لا أسألكم عليه أجرا)
وأوجب التأسي به، والصحيح الذي رواه المحمدون الثلاثة (3) (سئل
أبو عبد الله عليه السلام عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) سورة الأنعام الآية 90
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
122

القضاء الرزق فقال: ذلك السحت) ولبعض أخبار الرشوة (1) التي
ربما أطلقت على مطلق العوض في بعض النصوص، وصريح الاجماع
المحكي عن الخلاف وظاهره في المبسوط على تحريم الجعل الذي هو أعم
من الأجرة ولا فرق بينها وبينه، بل مطلق العوض مؤيدا ذلك كله
بالاعتبار وهو اشتماله على اللطف الذي يقرب العبد معه إلى الطاعة
ويبعد عن المعصية وعدم التهمة والنفرة ونحو ذلك مما لا يخفى.
فما عن المقنعة والنهاية والقاضي من إطلاق جواز أخذ الأجرة
من بيت المال واضح الضعف، أو منزل على الارتزاق للحاجة لا عوضا
عن القضاء، كما يرتزق غيره من الفقراء والضعفاء والغزاة والمجاهدين
وغيرهم ممن هو مشغول بسياسة الدين ومصالحه عن التكسب لقوته
وقوة عياله وباقي ضرورياته، وكذا ما عن جملة من كتب الأصحاب
من الارتزاق من بيت المال مع تعيين القضاء عليه وإن كان ذا كفاية
فإن مرجعه أيضا إلى العوضية التي قد عرفت حالها، ومن هنا كان المتجه
العدم مطلقا من هذه الحيثية مع التعيين وعدمه والحاجة وعدمها، كما
هو مقتضى كلام جماعة، وإنما يرتزق لا بعنوان العوضية إذا كان
أحد المصارف، ومقدار رزقه منوط بنظر الإمام على حسب حال غيره
من المحاويج.
ومن الغريب ما عن بعضهم من أنه لا خلاف في الترزق من بيت
المال في صورة المنع من الأجرة، مع أن جماعة قد صرحوا برزقه منه
مع كفايته وتعينه للقضاء أولا، كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم
في المقام وباب القضاء مع التأمل والتدبر فلاحظ وتأمل، وعلى كل
حال فمقدمات القضاء كسماع الشهادة والجرح والتعديل ونحوهما

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11
123

كالقضاء في تحريم العوض، بل لا يبعد استفادة حرمة الأجرة عليها
من حرمتها على القضاء.
نعم لا بأس بأخذ الأجرة على ما كان خارجا عن القضاء ومقدماته
كالكتابة والرسم ونحوهما، مع أنه لا ينبغي استعماله من قوام الشرع
وحفظته ولا استعمال بعض الأرذال الذين يحتالون لأخذ الجعل على القضاء
بذلك وبالتحاكم في مكان مخصوص ونحوه من الأمور الزائدة على
القضاء، لما فيه من النفرة وجلب التهمة وعدم رغبة الناس في الدين
وأهله، ويلحق بالقضاء الافتاء في مسائل الحلال والحرام والموضوعات
الشرعية، من غير فرق بين الواجبة والمندوبة والمكروهة والمباحة لما
عرفته من عدم سؤال الأجر وكونه من الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ونحو ذلك.
نعم (لا بأس بأخذ الأجرة) وغيرها من الأعواض (على
عقد النكاح) وغيره من العقود والايقاعات التي تجري فيها الوكالة
فيأخذ عليها الجعل والعوض، لأنها من الأعمال المحللة الداخلة تحت
ما دل على الإجارة والجعالة وغيرهما، أما تعليم نفس الصيغة أي بيان
أن الصيغة الشرعية هي كذا، فالظاهر عدم جواز أخذ الأجرة عليه
لكونه من باب بيان حكم الشرعي وإن كان وضعيا، كما أن الظاهر
عدم جوازه أيضا على أداء الشهادة عينيا كان أو كفائيا أو مستحبا،
أما التحمل فقد أطلق جماعة أيضا عدم الجواز عليه معللين ذلك
بالوجوب، لكن التعليل والمعلل لا يخلو من إشكال، وعلى كل حال فوجوب
الأداء على الشاهد بدني لا مالي، فلا يجب حينئذ إذا توقف عليه، كما
لو احتاج إلى سفر ونحوه، نعم لو بذل له الراحلة ونحوها وتعذر شاهد
الفرع ولم يكن السفر متعذرا أو متعسرا وجب عليه، كذا قيل:
124

ولتمام البحث فيه محل آخر.
ومنها بيع المصحف كما صرح به جماعة، بل استدل الفاضل
منهم في المحكي من نهايته عليه بمنع الصحابة وعدم العلم بالمخالف،
وإن كان العمدة في ذلك النصوص المستفيضة كخبر عبد الرحمان
بن سيابه (1) (عن أبي عبد الله عليه السلام أن المصاحف لن تشترى
فإذا اشتريت فقل إنما أشتري منك الورق وما فيه من الأدم وحليته
وما فيه من عمل يدك بكذا وكذا (وموثق سماعة عنه (2) أيضا) سألته
عن بيع المصاحف وشرائها؟ فقال: لا تشتر كتاب الله ولكن اشتر الحديد
والورق والدفتين، وقل أشتري منك هذا بكذا وكذا) ونحوه مضمر
عثمان بن عيسى وخبر عبد الله سليمان (3) (قال: سألته عن شراء المصاحف
فقال: إذا أردت أن تشتري فقل أشتري منك ورقه وأديمه وعمل يدك
بكذا وكذا) وخبر جراح المدائني (4) عنه أيضا في بيع المصاحف (قال:
لا تبع الكتاب ولا تشتره وبع الورق والأديم والحديد) وخبر سماعة
ابن مهران (5) (قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تبيعوا
المصاحف فإنه بيعها حرام، قلت: فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر
منه الدفتين والحديد والغلاف وإياك أن تشتري منه الورق وفيه القرآن
مكتوب، فيكون عليك حراما وعلى من باعه حراما).
ولعله من ذلك قال في الدروس: ويحرم بيع خط المصحف دون

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و 6
(4) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7
(5) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11
125

الآلة لكنه مناف ظاهرا للخبر الأخير الدال على عدم جواز بيع الورق
وفيه القرآن مكتوب كما أن الخبر مناف للأخبار السابقة الدالة على
جواز ذلك إذا كان المقصود بالبيع ما عدا الكتابة، اللهم إلا أن تحمل
على إرادة شراء الورق قبل أن يكتب بها على أن يكتب بها، فيكون
العقد في الحقيقة متضمنا لمورد البيع ومورد الإجارة، بقرينة قوله وما عملته
يدك بكذا ضرورية عدم صلاحية العمل موردا للبيع، فلا بد من تنزيله
على الإجارة اللهم إلا أن يراد منه ما عدا الكتابة مع حمل لفظ الشراء
على معنى الصلح إن أريد غيرها من الأعمال، ولكن الجميع كما ترى
والتحقيق الجواز لاطلاق الأدلة واطلاق كثير من الفتاوى في مقام
ذكر شرائط البيع وغيره حتى في مسألة بيع المصحف من الكافر فإن
كلامهم هناك باطلاقه شامل لجواز بيعه من المسلم من غير تقييد بالآلات
بل السيرة القاطعة أقوى شاهد على ذلك، ودعوى أنه على البيع لعله
للآلات دون الكتابة كما ترى، فإنه لا ريب في ملاحظة الكتابة ببذل
الثمن سواء قلنا أنها من الأوصاف كالصبغ ولا ينافيه إمكان الإزالة
بعد إمكان منعه خصوصا في بعض أفرادها أو قلنا بكونه جزء من
المبيع باعتبار أعيان أجزاء المداد المكيفة بهذه الكيفية، فتكون كهيئة
الدار مثلا الداخلة في المبيع تبعا، لأنها كالوصف للمبيع أيضا، بل
ربما قيل إن قصد البيع للورق المكتوب قرآنا مجردا عن الكتابة غير
ممكن، بل مقتضاه عدم دخولها في الملك، ولا يستحق فسخا ولا أرشا
لو بان عيب فيها، بل لا مانع من بيعه حينئذ للكافر على هذا الفرض،
اللهم إلا أن يقال بالدخول في الملك تبعا، أو بوضع يد المشتري بعد
إعراض البايع، أو نحو ذلك مما لا يليق بالفقيه التزامه.
للنصوص المزبورة التي يشتم منها رائحة الاستحباب، وأن المراد
126

منها عدم مقابلة الثمن في صورة اللفظ للكتابة بل تجعل من أوصاف
الأوراق، أو نحو ذلك مما لا مقابلة فيه بالثمن للنقوش التي هي رسم
كلام الله تعظيما وتأدبا عن أن تشتري بآيات الله ثمنا قليلا، وعن
مساواته لباقي المبيعات في الابتذال، كما أومى إليه في خبري سماعة
وعثمان بن عيسى دون أصل المعاملة، ضرورة أن المقصود الأصلي منه
شراء النقوش دون الحديد والورق والجلد، والعقود إنما تتبع القصود
وقال عبد الرحيم (1) (سألت الصادق عليه السلام عن شراء المصاحف
وبيعها؟ فقال: إنما كان يوضع الورق عند المنبر، وكان ما بين المنبر
والحائط قدر ما تمر الشاة أو رجل منحرف، قال: فكان الرجل
يأتي فيكتب من ذلك ثم إنهم اشتروا بعد، قلت فما ترى في ذلك؟
فقال لي: أشتري أحب إلي أن أبيعه قلت: فما ترى أن أعطي على
كتابته أجرا؟ قال: لا بأس، ولكن هكذا كانوا يصنعون) وقال
أبو بصير (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع المصاحف وشرائها
فقال: إنما كان يوضع عند القامة المنبر قال: كان بين الحائط والمنبر
قدر ممر شاة ورجل وهو منحرف، فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة
ويجئ آخر فيكتب السورة كذلك كانوا ثم اشتروا بعد ذلك فقلت:
فما ترى في ذلك؟ قال: اشتريه أحب إلي من أن أبيعه)) وهما مع
دلالتهما على ما قلناه من الجواز، دالان أيضا على استعماله في ذلك
الزمان وإن كان حادثا.

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 وفيه
قال روح بن عبد الرحيم
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8
127

ومنه يعلم ما فيما سمعته من النهاية من منع الصحابة، وفي
خبر عبد الرحمن (1) (عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا إن أم عبد الله
ابن الحارث أرادت أن تكتب مصحفا، فاشترت ورقا من عندها ودعت
رجلا فكتب لها على غير شرط، فأعطته حين فرغ خمسين دينارا، وإنه
لم تبع المصاحف إلا حديثا) وهو دال أيضا على كون السيرة في هذا
الزمان حاصلة في زمانهم عليهم السلام، فتكون أقوى من الاجماع،
ولعل الفقيه الماهر إذا أعطى النظر حقه في نصوص المقام وفي الأصول
والقواعد يقطع بما قلناه، خصوصا إذا لاحظ رمزهم بقولهم عليهم
السلام وما عملته يداه، وقولهم أشتريه أحب إلي من أبيعه، بل لعل
استعمال هذه الصورة في كتب الحديث ونحوها مما يرجع إلى أولياء
الله الذين كلامهم كلام الله لا يخلو من رجحان، بل وكتب الفقه أيضا
التي يرجع ما فيها إليهم بنوع من الاعتبار.
ومما يؤيد ما ذكرناه أيضا ضرورة الدين على جواز بيع الكتب
المتضمنة للآيات وإن كثرت، مع أن مدرك المنع لو صح لكان عاما إذ
لا خصوصية له في المصحف، سيما بعد قوله في خبر عثمان بن عيسى
لا تشتر كلام الله (2) وفي خبر سماعة لا تشتر كلام الله (3) المعلوم كون
المراد منه لا تشتر رسم كلام الله من غير فرق بين قليله وكثيره،
وكونه مجموعا أو مفرقا، نعم لا بأس بالحكم بكراهة بيعها وشرائها
كما أفتى به العلامة الطباطبائي في مصابيحه، للنهي المزبور في
الخبر السابق المعلوم قصوره لما سمعت من وجوه، بل الأولى ترك
الاشتراط في الأجرة على كتابته، للخبر المحمول على ذلك بقرينة ففي

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10 و 2 و 3
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10 و 2 و 3
(3) الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10 و 2 و 3
128

البأس عن الأجرة على كتابته في الخبر الآخر، المعتضد باطلاق الأدلة
وعمومها، وغيرها، وكذا يكره تعشيره بالذهب للموثق لا يصلح (1) وحرمه
بعضهم، ويدفعه الأصل، وإن النص لا يصلح للتحريم وما ورد
في القرآن (2) (المختم المعشر بالذهب المكتوب في آخره سورة بالذهب
(أنه لم يعب منه شيئا إلا كتابة القرآن بالذهب، وقال: لا يعجبني أن
يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة) والله أعلم.
(و) أما (المكروهات) فكثيرة قد ذكر المصنف منها هنا
(ثلاثة) الأول (ما يكره لأنه يفضي إلى محرم أو مكروه غالبا
كالصرف) الذي لا يسلم صاحبه من الربا، (وبيع الأكفان) الذي
يسر بايعها الوبا، (و) بيع (الطعام) الذي يؤدي إلى الاحتكار
وحب الغلا بل وسلب الرحمة من القلب، (والرقيق) فإن شر
الناس من باع الناس، (واتخاذ الذبح والنحر صنعة) الذي قد
يؤثر قساوة في القلب، واعتبار الاتخاذ صنعة وحرفة على وجه يكون
صيرفيا، وبياع أكفان وحناطا، ونخاسا، وجزارا معتبر في الجميع
وإنما خص الأخير به تنصيصا على احتمال كراهيته مطلقا قال (3) ابن
فضال: (سمعت رجلا يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال:
إني أعالج الرقيق فأبيعه، والناس يقولون لا ينبغي، فقال الرضا عليه
السلام: وما بأسه؟ كل شئ مما يباع إذا اتقى الله فيه العبد فلا بأس)
بناء على إرادة عدم كونه نخاسا بذلك، مع احتمال إرادة بيان أصل
الجواز، فلا دلالة فيه حينئذ على المطلوب، كما أنه على ما عن بعض

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 32 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5
129

النسخ من إبدال الرقيق بالدقيق كذلك والأمر سهل.
وكيف كان فلا خلاف أجده في شئ من ذلك والنصوص به
مستفيضة، منها خبر إسحاق بن عمار (1) (قال: دخلت على أبي عبد الله
عليه السلام فخبرته أنه ولد لي غلام، قال: ألا سميته محمدا؟ قلت:
قد فعلت، قال، فلا تضرب محمدا ولا تشتمه، جعله الله قرة عين لك
في حياتك، وخلف صدق بعدك، قلت: جعلت فداك في أي الأعمال
أضعه، قال: إذا عزلته عن خمسة أشياء، فضعه حيث شئت لا تسلمه
صيرفيا فإن الصيرفي لا يسلم من الربا، ولا تسلمه بياع أكفان فإن
صاحب الأكفان يسره الوباء إذا كان، ولا تسلمه بياع طعام فإنه لا
يسلم من الاحتكار، ولا تسلمه جزارا فإن الجزار تسلب منه الرحمة،
ولا تسلمه نخاسا فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: شر الناس
من باع الناس) وغيره من النصوص (2) وقد عدت معها الصائغ أيضا
معللة له بأنه يعالج زين أمتي بالزاء المعجمة ما يتزينون به مما يلههم عن
الآخرة أو بالراء المهملة أي ما يختم به على قلوبهم من الرين بمعنى
الختم، قال الله تعالى (3) (بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)
وربما روى عين أمتي أي دراهمهم أو دنانيرهم.
ثم إن ظاهر الأصحاب أن ما ورد من تعليلها بذلك جار مجر
الحكم والمقتضيات، فلا ترفع الكراهة مع فرض عدمه لكن في خبر
سدير الصيرفي (4) (قلت: لأبي جعفر عليه السلام حديث بلغني عن

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و 4
(3) سورة المطففين الآية 14
(4) الوسائل الباب 22 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
130

الحسن البصري فإن كان حقا فإنا لله وإنا إليه راجعون قال: وما هو؟
قلت بلغني أن الحسن كان يقول لو غلى دماغه من حر الشمس ما استظل
بحائط صيرفي ولو تفرثت كبده عطشا، لم يستق من دار صريفي ماء،
وهو عملي وتجارتي، وفيه نبت لحمي ودمي، ومنه حجتي وعمرتي، قال:
كذب الحسن خذ سواء، واعط سواء، فإذا حضرت الصلاة فدع ما
بيدك وانهض إلى الصلاة أما علمت؟ أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة)
ولذا خص بعض متأخري المتأخرين الكراهة فيمن لم يأمن السلامة منه
دون من أمنها، بالتزام الصرف بغير المجانس أو بالوزن أو نحو ذلك
ولا بأس به في خصوص الصرف، أما غيره من الصنايع المزبورة فلا،
لأنها مقتضيات لحصول تلك الأخلاق الرذيلة، ولا سبيل له إلى التحفظ
منها بخلافه.
بل يظهر من المتن وما شابهه ثبوت الكراهة في كل مفض غالبا
إلى أحد الأمرين وكأنه أخذ مما ذكر في النصوص من التعليل بالأمور
المزبورة هذا ولا يخفى عليك الحرمة في عاقبة الأول منها أما محبة الوباء
وتمني الغلا فقد جزم في المسالك بحرمته، ولا يخلو من نظر وأما بيع
الرقيق فالظاهر الكراهة كما في المسالك، لأن المراد بالشر قلة الخير
والبركة، لا أن المراد حصول الشر في بيعهم على وجه يترتب عليه محرم،
وإلا كان منه أيضا وأما قساوة القلب التي هي عاقبة القصابة، وتورث
البعد عن رحمة الله فهي مكروهة هذا، وفي المسالك أيضا إن في بعض
الأخبار تعليل بيع الطعام بعدم السلامة من الاحتكار وهو مكروه أو
محرم، فيلحق بأحد الوصفين قلت: تعليله بذلك لا ينافي تعليله بتمني
الغلا في آخر وقد جزم هو بحرمته كما عرفت والأمر سهل.
(و) الثاني (ما يكره لضعته كالنساجة) التي يراد منها
131

الحياكة لا خصوص نسج الرقيق، فتكون مقابلة للحياكة، بناء على أنها
نسج غيره، ولا أنها أعم منها مطلقا، بل الظاهر اتحاد المراد منهما
فتكون حينئذ مدلولة للنصوص المشتملة على ذم هذه الصنعة والنهي عنها (1)
حتى ورد في بعضها النهي عن الصلاة خلف الحائك (2) بل ورد أن ولده
لا ينجب إلى سبعة أبطن، نحو ما ورد في ولد الزنا (3) إلا أنه يمكن أن
يكون المراد من هذا الخبر بالخصوص حائك الكلام كما أومأ إليه في
مرسل (4) أحمد بن محمد عن الصادق عليه السلام (قال: ذكر
الحائك عنده أنه ملعون فقال: إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله
ورسوله) وعلى كل حال هو غير مناف لما دل على النهي عن هذه الصنعة
في غيره من النصوص التي لا تحتمل التأويل بذلك ولا فرق في أفرادها
بعد صدق مسماها، نعم الظاهر خروج نسج الخوص ونحوه منها فإنه
كان عمل بعض الأنبياء والأولياء عليهم السلام بل لعله غير مندرج في
مطلق الحياكة.
(و) أما (الحجامة) فقيدها المصنف وجماعة بما (إذا
اشترط) الأجرة على العمل المضبوط بالمدة أو العدد، ومقتضاه عدم
الكراهة إذا لم يشترط، بل قيل أنه المفهوم من كلام الأصحاب، بل
هو صريح الروضة، ومحكي المنتهى قال في الأخير: كسب الحجام إذا
لم يشترط حلال طلق، وأما إذا شرط فإنه يكون مكروها، وليس
بمحظور عملا بالأصل، ولعله لقول الصادق عليه السلام (5) (لما
سأله أبو بصير عن كسب الحجام؟ فقال: لا بأس به إذا لم يشارط)

(1) الوسائل الباب 23 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) المستدرك ج 1 ص 491
(3) ما عثرنا على هذه الرواية
(4) الوسائل الباب 23 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
132

وقوله أيضا في خبر سماعة (1) (السحت أنواع كثيرة منها كسب
الحجام إذا شارط) ولموثق زرارة (2) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن
كسب الحجام؟ فقال: مكروه له أن يشارط، ولا بأس عليك أن
تشارطه وتماسكه وإنما يكره له ولا بأس عليك) لكن قد يستفاد
إطلاق كراهة أكله من صحيح الحلبي (3) عن أبي عبد الله عليه السلام
أيضا أن رجلا سأل عن كسب الحجام فقال: لك ناضع فقال: نعم
فقال: إعلفه إياه ولا تأكله وخبر رفاعة (4) الذي هو مثله ولعله لذا
أطلق في اللمعة فيحمل التقييد حينئذ في النصوص المزبورة على شدة الكراهة
مؤيدا ذلك بالتسامح في أدلة السنن.
اللهم إلا أن يقال إن ذلك ليس بأولى من حمل الكسب في
الخبرين على ما أخذ بالشرط لا مطلق المأخوذ، ولو على جهة الكرامة
لأجل فعل الحجامة، بل ينبغي القطع بعدم كراهة ذلك مع فرض عدم
استحقاق الحجام الأجرة شرعا، لتبرعه بالعمل، أما مع استحقاقه لأمره
بالعمل مثلا إلا أنه لم يشترط مسمى مخصوصا أو مطلق الأجرة، فهو
محل إشكال، ولعل القول بعدم الكراهة فيه لا يخلو من وجه، لمفهوم
الشرط السابق المنزل عليه قول الصادق عليه السلام في خبر معاوية (5)
(لما سأل عن كسب الحجام فقال: لا بأس به).

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9
(3) الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 وفيه
أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله
(4) الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و 6
133

وإن أمكن حمله على إرادة بيان عدم الحرمة التي ربما توهمها
بعض الناس، كما يومي إليه خبر حنان بن سدير (1) (قال: دخلنا
على أبي عبد الله عليه السلام ومعنا فرقد الحجام فقال له: جعلت فداك
إني أعمل عملا، وقد سألت عنه غير واحد، فزعموا أنه عمل مكروه
وأحب أن أسألك فإن كان مكروها انتهيت عنه وعملت غيره من الأعمال
فإني منته في ذلك إلى قولك قال: وما هو؟ قلت حجام قال: كل
من كسبك يا بن أخي وتصدق منه وحج وتزوج، فإن نبي الله صلى الله
عليه وآله قد احتجم وأعطى الأجرة ولو كان حراما ما أعطاه) لكن يرجح
ذلك ما سمعته من تقييد الأصحاب والأمر سهل، بعد القطع بانتفاء
الحرمة نصا وفتوى للأصل وغيره بل يمكن القطع بعدم كراهة فعل
الحجامة مع عدم اتخاذها صنعة ومكسبا، كما لا يخفى على من لاحظ
النصوص والفتاوى اللهم إلا أن يكون ذلك لضعة العمل نفسه، المنبئ
عن دنائة طبع العامل، كما عساه يفهم أيضا من مثل المتن، هذا كله
بالنسبة إلى الحاجم.
أما المحجوم فلا يكره له مشارطته، كما سمعته في الخبر السابق
بل الظاهر كراهة تركها له، نحو غيره من العاملين بالأجرة، وربما
تصور اجتنابهما معا عن الكراهة فيما لو كان المشترط والجاعل للأجرة
المحجوم، وأما الحاجم فلم يصدر منه إلا الرضا بما شرط له المحجوم
من غير مشارطة معه، لكن قد يشكل ذلك بأن مثله يعد شرطا من
الحاجم أيضا، فإن المراد به مطلق ذكر الأجرة، معينة كانت أو غير
معينة فتأمل والله العالم.
(و) أما التكسب (بضراب الفحل) بأن يأجره لذلك مع

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5
134

ضبطه بالمرة والمرات المعينة أو بالمدة أو بغير الإجارة، فلا خلاف أجده
في كراهة كسبه بين من تعرض له، للمرسل (1) في الفقيه (نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله من عسب الفحل وهو أجرة الضراب) لكن
في الحدائق الظاهر أن هذا التفسير من كلام الصدوق الذي يدخله
غالبا في الأخبار، ثم حكي عن الأردبيلي نسبة هذا المرسل إلى رواية
الجمهور، قال: وحينئذ يضعف الاعتماد عليه في تخصيص الخبرين (2)
أي خبر بن حنان بن سدير (عن الصادق عليه السلام قال فيه قلت
له: جعلت فداك إن لي تيسا أكريه ما تقول في كسبه قال: كل كسبه
فإنه حلال لك والناس يكرهونه قال حنان قلت: لأي شئ يكرهونه
وهو حلال قال: لتعيير الناس بعضهم بعضا) وصحيح معاوية (3) بن
عمار فإن فيه قلت: (فأجر التيوس قال: إن العرب تتعاير به ولا
بأس به) وفيه أنه لا دلالة فيهما على عدم الكراهة المتسامح بها التي
يكفي فيها المرسل السابق المفتى به بين الأصحاب، بل يمكن استفادة
الكراهة منهما أيضا بقرينة تعيير الناس ونحوه، ولا ينافيه نفي
البأس المحمول على إرادة بيان عدم الحرمة المنقولة عن بعض العامة.
نعم لا كراهة فيما كان بطريق الاهداء والاكرام عوضا عن ذلك، لعدم
صدق التكسب به بعد فرض عدم الإجارة ونحوها كما هو واضح،
والله العالم.
(و) الثالث (ما يكره لتطرق الشبهة ككسب الصبيان

(1) الوسائل الباب 32 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
135

المجهول أصله لما يدخله من الشبهة الناشئة من اجترائه على ما يحل
لجهله أو علمه بارتفاع القلم عنه، أما لو علم اكتسابه من محلل فلا
كراهة وإن أطلق بعضهم بل قيل الأكثر، كما أنه لو علم تحصيله
أو بعضه من محرم، وجب اجتناب ما علم منه أو اشتبه، ومحل الكراهة
تكسب الولي به أو أخذه منه أو الصبي بعد رفع الحجر عنه، (و)
كذا الكلام في كسب (من لا يجتنب المحارم) لتطرق الشبهة فيه أيضا
ولعل من ذلك يعلم جواز تناول ما في يد الصبي، للولي ومأذونه بل
الظاهر الحكم بملكيته له مع فرض احتمال تملكه بحيازة ونحوها،
فحينئذ يده كيد البالغ في الحكم بملكية ما فيها لديها، وإن وسوس
به بعض القاصرين من المعاصرين والله العالم (وقد يكره التجارة
بأشياء تذكر في أبوابها انشاء الله تعالى وما عدا ذلك) مما لا دليل
على رجحانه أو مرجوحيته (فمباح) متساوي الطرفين كما هو واضح
والله العالم.
(مسائل الأولى لا يجوز بيع شئ من الكلاب) بلا خلاف
بل الاجماع بقسميه عليه والنصوص بالخصوص (1) فضلا عما مر في النجاسات
والمحرمات والسباع (2) دالة عليه (إلا) ما خرج بالدليل منه ك‍ (كلب
الصيد) بلا خلاف معتد به بل الاجماع بقسميه عليه، بل المحكي
منهما مستفيضة أو متواترة، كالنصوص فما عن العماني من المنع منه
واضح الضعف، كضعف تخصيص الجواز في النهاية والمقنعة بالسلوقي
منه، وهو المنسوب إلى سلوق قرية باليمن، ضرورة مخالفته لاطلاق

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به
(2) الوسائل الباب 5 و 14 و 40 من أبواب ما يكتسب به
136

نصوص الجواز (1)، ومعاقد اجماعاته، واضعف منه لذلك أيضا استثناء
الأسود البهيم منه، كما عن الإسكافي مع أنا لم نتحققه (وفي)
استثناء (كلب الماشية) غنما أو غيرها (والزرع) وإن لم يكن في
حائط (والحائط) وإن لم يكن فيه زرع خلاف و (تردد) منشأه
ما ستعرف.
(و) لكن (الأشبه) بأصول المذهب وقواعده جواز بيعها،
ككلب الصيد لا (المنع) وفاقا لأبي علي وإجارة المبسوط والخلاف
والمراسم والوسيلة والسرائر وكشف الرموز والمختلف والتذكرة والتحرير
والإرشاد والتبصرة والإيضاح وشرح الإرشاد والدروس واللمعة وحواشي
الشهيد والمقتصر والمهذب البارع والتنقيح وإيضاح النافع وجامع المقاصد
وغاية المرام والمسالك والروضة ومجمع البرهان وشرح الفقيه للمجلسي
على ما حكي عن البعض، واقتصار أبي علي والمراسم والمبسوط والخلاف
على اثنين منها غير قادح، بعد الاجماع بقسميه على عدم الفرق بين
الثلاثة، كما يشهد له نسبة القول إليهم في الأربعة من غير واحد من
الأصحاب مع أن أبا علي منهم، قال: في بعض كلماته لا خير في
الكلاب إلا كلب الصيد والحارس، فلا بأس حينئذ بدعوى الشهرة على
الجواز، بل ربما حكي عن ظاهر إجارة التذكرة الاجماع عليه، بل
لعله كذلك إذ لم يحك الخلاف في ذلك إلا عن الشيخين في المقنعة
والنهاية وتجارة المبسوط والخلاف والغنية والقاضي ويحيى بن سعيد
وبعض متأخري المتأخرين ممن لا يعتد بوفاته وخلافه، فخصوا الجواز
بكلب الصيد أو السلوقي منه، ويمكن إرادتهم منه المثال بذلك لكل
ما ينتفع به منفعة محللة، بل في ديات الأول وكذلك أي يضمن من
أتلف على مسلم شيئا من سباع الطير وغيرها مما قد جعل للمسلمين

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به
137

الانتفاع به، كالبازي والصقر والكلب السلوقي وكلب الحائط وكلب
الماشية والفهد وما أشبه ذلك، كان عليه غرم قيمته حيا يوم اتلافه،
إلا الكلب خاصة فإنه قد وظف (1) في قيمة السلوقي المعلم للصيد
أربعون درهما، وفي قيمة كلب الحائط والماشية عشرون درهما، ونحو
منه في النهاية وربما اشعر قوله جعل للمسلمين إلى آخره بجواز البيع
الذي هو أحد أفراد الانتفاع، والمبسوط والخلاف مع أنهما صرحا
بجواز البيع في كتاب الإجارة، فإن فيهما يصح إجارة كلب الزرع
والماشية كما يصح بيعهما ليس في تجارتهما ما يقتضي الخلاف في ذلك
قال: في الأول الكلاب على ضربين أحدهما لا يجوز بيعه بحال، والآخر
يجوز ذلك فيه، فما يجوز بيعه ما كان معلما للصيد وروي (1) أن
كلب الماشية والحائط مثل ذلك وما عدا ذلك فلا يجوز بيعه ولا
الانتفاع به، وما يجوز بيعه يجوز إجارته، لأن أحدا لا يفرق بينهما
ويجوز اقتناء الكلب للصيد وحفظ الماشية وحفظ الزرع بلا خلاف،
وكذلك يجوز اقتناؤها لحفظ البيوت إلى آخره، ولعله عامل بالرواية
المزبورة خصوصا مع ملاحظة كلامه في الإجارة، وقال: في المحكي
عن الثاني يجوز بيع كلاب الصيد إذا كانت معلمة، ولا يجوز بيع
غير المعلم على حال واستدل بالاجماع والأخبار، وظاهره التفصيل في
الكلاب المتعارف استعمالها في الصيد خاصة كالسلوقيات والبوجيات،
بين المعلم منها وغير المعلم، فجوز بيع الأول منها دون الثاني، وستعرف
قوة إرادة ذلك من النصوص أيضا، لا أن مراده من غير المعلم ما
يشمل الكلاب الثلاثة، خصوصا مع ملاحظة كلامه في الإجارة، بل

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب ديات النفس الحديث 1
(2) الوسائل 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9
138

يؤيده أن ابن إدريس لم يحك الخلاف عنه فيهما، بل حكاه عن النهاية
وقال: إنه رجع عنه في مسائل خلافه، وعن القاضي أنه قال: في
باب الإجارة مثل ما في المبسوط والخلاف أيضا، وأما الغنية فظاهرها
إرادة المثال من كلب الصيد قال: فيها واشترطنا أي في ضابط ما يجوز
بيعه أن يكون منتفعا به، تحرزا مما لا منفعة فيه كالحشرات وغيرها
وقيدنا بكونها مباحة، تحفظا من المنافع المحرمة، ويدخل في ذلك
كل نجس لا يمكن تطهيره إلا ما أخرجه الدليل من بيع الكلب المعلم
للصيد، والزيت النجس، ضرورة ظهورها في إرادة جواز بيع كل ما
ينتفع به منفعة محللة، ولا ريب في حصولها في الكلاب الثلاثة، إذ
لا خلاف في جواز اقتناءها والانتفاع بها لذلك، فانحصر الخلاف المحقق
حينئذ في المصنف وابن عمه مع أنه تردد فيه في المنافع، وقال: هنا
(نعم يجوز إجارتها) وقد عرفت أنه في المبسوط ومحكي الخلاف
قال: إن أحدا لم يفرق بين البيع والإجارة، ولذا استدل في التنقيح
على الجواز بأنه يجوز إجارتها باتفاق الشيخ أيضا، فيجوز البيع لعدم
الفارق، بل استدل عليه في محكي حواشي الشهيد بأن من قال: بجوازه
في كلب الصيد، قال: بالجواز فيها، لأن المسوغ وهو المنفعة المحللة
موجودة في الجميع، وهو مؤيد لما قلناه من عدم تحقق الخلاف، أو عدم
العبرة به، وفي التذكرة إن سوغنا البيع في كلب الصيد، سوغناه فيها
لذلك أيضا، وهو مؤيد أيضا بل قد يقال بأولويتها منه في ذلك، باعتبار
عظم الانتفاع بها، بل قيل أن جملة من البلدان لا يستقيم مواشيهم
وزروعهم وبساتينهم بدونها، مضافا إلى أنه مقتضى الضوابط الشرعية
139

المستفادة من آية (1) (أحل الله البيع) (2) (وأوفوا بالعقود) (3) (وتجارة
عن تراض) وتسلط الناس على أموالها، إذ لا خلاف في أنها مملوكة
ولاتلافها غرامات، ويجوز إجارتها وهبتها ووقفها والوصية بها، وأن
تكون مهر للنكاح، وعوضا للخلع، بل يجوز أن تكون ثمنا في الإجارة
وغيرها، بل إن كان المانع يقتصر في المنع، على خصوص ما تسمعه من
النصوص، اتجه جواز كونها ثمنا للبيع، إذ المنهي عنه الثمن لها،
لا عن أن تكون هي أثمانا لغيرها، إلى غير ذلك من أحكام الملك
والتمليك في العين والمنفعة، فاخراج خصوص البيع من بينها محتاج
إلى دليل قاهر صالح للحكم به على ذلك، وليس إلا دعوى ما دل
عليه في النجاسات والمحرمات، ونصوص (4) (إن ثمن الكلب سحت)
وخصوص صحيح بن مسلم (5) وعبد الرحمان (عن أبي عبد الله عليه
السلام ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت) وخبر العامري (6) (سأله أيضا
عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، فقال سحت وأما الصيود فلا بأس)
وخبر أبي بصير (سأله أيضا عن ثمن كلب الصيد قال: لا بأس بثمنه
والآخر لا يحل ثمنه) وخبره الآخر (7) (عنه أيضا في حديث أن رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب الذي لا

(1) سورة البقرة الآية 275
(2) سورة المائدة الآية 1
(3) سورة النساء الآية 29
(4) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(5) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
(6) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(7) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5
140

يصطاد من السحت) وخبر الوليد العماري (1) (سأله عن ثمن الكلب
الذي لا يصيد؟ فقال: سحت وأما الصيود فلا بأس) والجميع كما
ترى، إذ الأول منحصر في خبر تحف العقول (2)، والاجماعات المحكية
على عدم جواز الانتفاع بالنجس ونحوهما، مما لا شمول له للمقام قطعا
بعد ما عرفت من أن مفروض البحث في خصوص البيع والصلح، دون
باقي التمليكات للعين والمنفعة، فضلا عن الانتفاع، بل في خبر التحف
المزبور ما يقضي بجواز بيعه، لقوله في ضابط ذلك، وكل ما فيه
مصلحة من مصالح العباد) أي مما لم ينه عنها، كما أن قوله عليه السلام (3)
(إذا حرم شيئا حرم ثمنه)، دال على الجواز أيضا، ضرورة كون المراد
منه ما قدمناه سابق من تحريم المنافع الغالبة للشئ، لا تحريم
منفعة من منافعه الذي لا ينفك عنه غالب الأشياء، ومن المعلوم هنا
حلية المنفعة الغالبة المرادة من الكلاب الثلاثة، وأما نصوص عد
ثمنه من السحت فمع الاغضاء عن سندها ولا جابر، وذكر بعض
ما علم إرادة الكراهة من السحت بالنسبة إليه معه، كأجرة الحجامة
ونحوها لا يراد منها إلا قضية مهملة، وإن ثمن الكلب في الجملة سحت،
بقرينة عدم استثناء كلب الصيد المتفق عليه منه، وأما النصوص التي
ذكر فيها كلب الصيد فمع ما عدا الأول منها ولا جابر، بل الموهن
متحقق كما عرفت، وعدم فتوى الشيخين باطلاقها، لتخصيص الحكم
عندهما بالسلوقي محتملة لما سمعته من الخلاف من إرادة التفصيل
في كلاب الصيد بن الصيود منها وعدمه، بل لعله هو ظاهر من
لفظ الصيود ويصطاد ويصيد فيها، بل ولفظ الآخر خصوصا مع ملاحظة

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7
(3) الخلاف ج 1 ص 225 الطبع الحديث بطهران سنة 1370
141

الشهرة التي عرفتها، على أنها لا دلالة فيها إلا بالعموم أو الاطلاق
الذي يمكن تخصيصه وتقييده بمرسل المبسوط المنجبر بما عرفت،
والمعتضد بما سمعت مما يقتضي الجواز، بل وبما في الصحيح (1)
(لا خير في الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية) ومحكي الغوالي في خبر (2)
طويل (فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها) فاستثنى كلاب
الصيد والماشية والحرث، وأذن في اتخاذها باعتبار ظهورهما في اتحاد
الجميع في الأحكام، وأقل من ذلك كله، يحصل ضعف في إرادتها
من الاطلاق المزبور، فيبقى على مقتضى ما دل على الجواز، بل لا يجتري
من أدنى له خبرة بصناعة الفقه على الفتوى بالحكم المزبور، المخالف
للضوابط الشرعية أشد المخالفة، للاطلاق الذي عرفت حاله.
ومن الغريب استيناس بعض الناس للحكم المزبور بأم الولد والحر
والوقف ونحوها مما يجوز الانتفاع بها دون بيعها، مما ثبت له ذلك
بأدلة قاهرة صالحة للخروج بها عن ذلك، على أن الوقف والحر لا يجري
عليهما أكثر أحكام الملك، من الهبة ونحوها، كما أن من الغريب أيضا
ما ذكره من أنه لا تلازم بين الإجارة والبيع، ولا بين الملك والتمليك
ونحو ذلك مما يؤل إلى سابقة عقلا، ضرورة عدم كون المراد الملازمة
العقلية، كي يستظهر بتخلفها في بعض الأفراد، بل المراد اتفاق القائل
في المقامين، وأن القاعدة جريان جميع أحكام الملك على كل عين مملوكة
ينتفع بها نفعا محللا مقصودا للعقلاء.
بل لعل ذكر كلب الصيد في النصوص المزبورة إشارة إلى ما
ينتفع به منفعة محللة، وحينئذ فالمتجه إلحاق كلب الدار بها أيضا،

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب أحكام الدواب الحديث 2
(2) المستدرك ج 2 ص 430
142

كما أفتى به في المسالك تبعا للمحكي عن الفخر في شرح الإرشاد وأبي
العباس والمحقق الثاني والمولى القطيفي وغيرهم، لكثير مما قدمناه،
وربما قيل: بإرادة ما يشمله من الحائط لا خصوص البستان، بل قد
يقال: بكون المراد الكلب الذي يصيد والكلب الحارس، من غير فرق
في حراسته بين الماشية والبستان والزرع والدار والخان والدكان وغيرها
ولذا قال: الإسكافي فيما حكي عنه لا خير في الكلاب إلا كلب الصيد
والكلب الحارس، ولا يشكل حينئذ ما ذكرناه بكون الخارج حينئذ من
اطلاق النصوص المزبورة أضعاف الداخل، ضرورة أنه بعد الإحاطة
بما ذكرناه يعرف أنه لا اطلاق في النصوص على وجه يراد الخروج
منه على نحو الاستثناء وشبهه، وعلى تقدير تسليمه فالباقي أيضا أفراد
كثيرة، وهي كلب الهراش والكلب الذي لا ينتفع به في صيد أو حراسة
نحو الكلاب المستعملة في المدن الكبيرة، كبغداد وغيرها بل منها
أيضا الكلاب المزبورة إذا بطل الانتفاع بها في المنافع المخصوصة لكبر
أو نحوه، بل منها أيضا الجراوي الصغار التي لم تصل إلى حد الانتفاع
بها في ذلك وإن كانت قابلة للتعليم ومتولدة منها، لقاعدة عدم
مملوكية النجس المقتصر في الخروج منها على المتيقن، وهو ما حصلت فيه المنفعة
المزبورة فعلا، كما أومأت إليه النصوص بلفظ الصيود ويصطاد ونحوها،
وقاعدة تبعية النماء في الملك مرجوحة بالنسبة إليها من وجوه، منها
ظاهر تخصيص الأصحاب الملكية بها في هذا الحال.
نعم هي دالة بالفحوى على جواز اقتنائها واتخاذها وتعليمها تحصيلا
لتلك المنافع المتوقفة غالبا على ذلك، ولا استعباد في دخول الشئ في
الملك وخروجه عنه بتعاقب الأحوال، كما في الخل الذي يصير خمرا
ثم يصير خلا ونحوه، نعم لا يبعد في أن للمستولي عليه حق اختصاص
143

باعتبار استعداده للملوكية، بحصول المنافع المزبورة، فلا يجوز غصبه
منه، بل لا يبعد جواز المعاوضة على الحق المزبور، وليس هو في الحقيقة
ثمن كلب بل يجري عليه سائر ما يجري على الحقوق
(و) كيف كان ف‍ (لكل واحد من هذه) الكلاب (الأربعة دية لو قتله
غير المالك) هي أربعون درهما، لكلب الصيد، وعشرون لغيره، كما
دلت عليه بعض النصوص المعتبرة (1) على ما تعرفه في محله انشاء الله،
وربما أيد المختار أيضا بها ضرورة دلالتها على كونها من الأموال ذوات
القيم بالاتلاف ونحوه، ولا ينافي ذلك عدم هذا الحكم في غيرها من
الحيوانات المملوكة التي يرجع في اتلافها إلى قيمتها، ولم يجعل الشارع
له دية، ومن هنا جعل بعضهم ذلك أمارة على عدم المعاوضة عنها،
وفيه مع أنه منقوض بكلب الصيد الذي قد عرفت عدم الاشكال في
جواز المعاوضة عنه أن ذلك قيمة أيضا، إلا أنه وظفها الشارع لها،
وهل يلحق بالقتل الجناية عليها بحيث بطلت منافعها المقصودة منها، لا
يبعد ذلك لخروجها عن الملك حينئذ، فهي كالموت، كما أنه لا يبعد
الرجوع في تقويم الجناية عليها التي لم يبطل بها انتفاعها إلى الدية
المزبورة بالنصف أو الثلث أو غيرهما، لا أنه يرجع إلى قيمتها وإن
زادت على الدية أضعافا مضاعفة، مع احتماله كما لو باعها مثلا،
إلا أن الأول أقوى، ولا يعتبر في صحة المعاوضة قصد المنافع المزبورة
في البيع، بل يكفي حصولها فيها في صحة المعاوضة، للاطلاق الدال
على أنها كغيرها من الأعيان المملوكة، كما أنه لا ينافي جواز بيعها
خراب الحائط وحصاد الزرع وهلاك الماشية، وعدم استعمال المالك
للصيد بعد فرض وجود المنافع المزبورة المقتضية لجواز نقلها إلى غيره

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
144

ممن يستعملها في ذلك كما هو واضح، والله أعلم هذا ولا يخفى عليك
بعد التأمل في جميع ما ذكرناه ما في جملة من الكتب كالرياض
وشرح الأستاذ ومصابيح العلامة الطباطبائي وغيرها.
المسألة (الثانية الرشاء) بضم الراء وكسرها جمع رشوة في
الحكم من الدافع والمدفوع إليه (حرام) وسحت اجماعا بقسميه،
ونصوصا مستفيضة أو متواترة بل في بعضها (أنه الكفر بالله
العظيم) (1) وفي آخر (2) (لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الراشي
والمرتشي) (سواء حكم لباذله أو عليه بحق أو باطل) إذ لا مدخلية
لتأثيره في الحاكم وعدمه، لاطلاق النص ومعاقد الاجماعات فما عساه
يقال أو قيل بعدم البأس به إذا لم يؤثر في الحاكم واضح الفساد،
كوضوح فساد احتمال حليته لو بذله المحق على الحكم بحقه فحكم له
لذلك أيضا، نعم لو توقف تحصيل الحق على بذله لقضاة حكام الجور
جاز للراشي، وحرم على المرتشي كما صرح به غير واحد، بل لا أجد
فيه خلافا، لقصور أدلة الحرمة عن تناول الفرض الذي تدل عليه
أصول الشرع وقواعده المستفادة من الكتاب والسنة والاجماع والعقل
ضرورة أن للانسان التوصل إلى حقه بذلك ونحوه مما هو محرم عليه في
الاختيار، بل ذلك كالاكراه على الرشاء الذي لا بأس به على الراشي
معه عقلا ونقلا، ولعله إلى ذلك أومأ الأستاذ في شرحه قال: (لو
توقف الوصول إلى الحق على البذل جاز لا على وجه الرشوة كما يجوز
إلى العشار والسارق والظالم لحفظ النفس أو المال) وإلا كان كلامه
لا يخلو من تأمل، لكن قد ينافي حمله على ذلك ما تسمعه الآن

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 - 6
(2) المستدرك ج 3 ص 196
145

مما نحكيه عنه.
وكيف كان فالرشوة في مختصر النهاية الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة،
والراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل، والمرتشي الآخذ، والرايش
الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا ويستنقص لهذا، وعن مجمع البحرين
قلما تستعمل الرشوة إلا فيما يتوصل به إلى ابطال حق أو تمشية باطل،
وعن المصباح المنير: ما يعطيه الشخص للحاكم وغيره ليحكم أو يحمله على
ما يريد، وعن القاموس: إن الرشا الجعل، وفي مجمل ابن فارس: ترشيت
الرجل إذا لا ينته، قلت: لكن في مفتاح الكرامة أنها أي الرشوة عند
الأصحاب ما يعطي للحكم حقا وباطلا، وفي شرح الأستاذ أنها ليست
مطلق الجعل كما في القاموس بل بينه وبين الأجر والجعل عموم من وجه
ولا البذل على خصوص الباطل كما في النهاية والمجمع ولا مطلق
البذل ولو على خصوص الحق بل هو البذل على الباطل أو على الحكم
له حقا أو باطلا مع التسمية وبدونها، وقال أيضا في مسألة الأجرة
على القضاء والجعل عليه ويعصى الدافع في دفعه إلى القاضي في أحد
الوجهين، إلا إذا توقف تحصيل الحق عليه فيجوز، بخلاف الرشوة
فإنها لا تجوز بحال، وفي كلامه الأخير ما لا يخفى ضرورة أنه إن
أراد إخراجها عن الموضوع في صورة التوقف كان مخالفا للعرف في ذلك
وإن أراد أنها لا تجوز بهذا العنوان حتى لو توقف الحق عليها كان
مخالفا لما قدمناه سابقا، بل لم أعرف له موافقا عليه بعد تنزيل الاطلاق
في النص والفتوى على الاختيار، وعلى كل حال فالذي ينبغي في المقام
تحريره أمران.
أحدهما أن الرشوة خاصة في الأموال، وفي بذلها على جهة الرشوة
أو أنها تعمها وتعم الأعمال بل والأقوال، كمدح القاضي والثناء عليه
146

و المبادرة إلى حوائجه واظهار تبجيله وتعظيمه ونحو ذلك، وتعم البذل
وعقد المحاباة والعارية والوقف ونحو ذلك، وبالجملة كل ما قصد به
التوصل إلى حكم الحاكم، قد يقوى في النظر الثاني وإن شك في بعض
الأفراد في الدخول في الاسم أو جزم بعدمه فلا يبعد الدخول في الحكم
الثاني أن المحرم الرشا في خصوص الحكم أو يعمه وغيره، وعلى الأول
فهو خصوص الحكم الشرعي أو يعمه والعرفي من حكام العرف، بل
وغيرهم من الآمرين بالمعروف، وهل هو خاص بالحكم في الخصومة الخاصة
أو يعمه وما يبذل توطئة لاحتمال وقوعها ونحوه، لم أجد تحرير الشئ
من ذلك في كلام أحد من الأصحاب، نعم قد سمعت كلام الأستاذ
والمصباح وغيرهما في الرشوة، وقال: هو أيضا في شرحه بعد الكلام
السابق، وارسال الهدايا إلى القضاة والحكام توطئة لاحتمال وقوع
الترافع بين المهدي وغيره إن لم يدخل تحت الاسم داخل تحت الحكم
والدفع لأداء الشهادة على باطل أو على الحالين من هذا القبيل، وكذا
الدفع لبذل النصرة والإعانة ظالما ومظلوما، وفي غير واحد من كتب
الأصحاب أنه قيل يحرم على الحاكم قبول الهدية إذا كان للمهدي خصومة
في المال، لأنه يدعو إلى الميل وانكسار قلب الخصم، وكذا قيل إذا كان
ممن لم يعهد عنه الهدية له قبل تولي القضاء، لأن سببها العمل ظاهرا،
وفي الخبر (1) (هدايا العمال غلول) وفي آخر (2) (سحت) لكن
في الرياض وغيره بعد نقله أنه أحوط وإن كان في تعيينه ولا سيما
الأول نظر، للأصول وقصور سند الخبرين وضعف الوجوه الاعتبارية
مع عدم تسمية مثله رشوة، وأما النصوص فهي وإن كان كثير منها في

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10 و 11
وفيه هدية الأمراء
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 6
147

الرشاء (1) في الحكم، لكن فيها ما هو مطلق لا يحكم عليه الأول،
لعدم التنافي بينهما، اللهم إلا أن تفهم القيدية فيتنافى حينئذ مفهومه
مع المطلق، لكنه كما ترى.
نعم في الصحيح (2) (عن الرجل يرشوا الرجل على أن يتحول
من منزله فيسكنه قال: لا بأس) وقد يستفاد منه جواز الرشوة في
غير الحكم على ما هو حلال في نفسه، ويجوز دفع الجعل عنه، إذ الظاهر
كون المراد كما في الوسائل أن المنزل من الأوقاف ونحوها مما يختص
بها السابق، ورشى الساكن فيها على أن يخرج منها ليسكنه هو، مؤيدا
ذلك بجريان السيرة في الرشوة في غير الحكم من المطالب والمقاصد
لكن قد يقال أن مثله لا يعد رشوة في العرف، وأن المراد منه العطاء
فلا يستفاد منه ذلك، والمسلم من السيرة على تحصيل الحق المتوقف
عليها وعلى دفع الظلم من الظلمة وأتباعهم ونحو ذلك، لا مطلق
الرشوة بعد فرض صدق العرف عليها، اللهم إلا أن يدعى أنه مختص
في العرف بما يستعمله قضاة الجور والظلمة وأتباعهم ومن يحذو حذوهم
دون ما يبذل لبعض الأغراض الصحيحة من المحبة والصداقة وغيرهما
من الأمور الدنيوية والأخروية ونحو ذلك مما أمر لأجله بالتهادي (3)
بخلاف الرشوة التي كانت الأنفس السليمة مجبولة على التنزه عنها،
لأنها غير الهدية والإجارة والجعالة، بل هو قسم آخر مستقل ينقح العرف
أفراده، وما كان منها محل شك فالأصل يقتضي حليته، كما أنه يقتضي حلية
ما فرض من أفرادها أو يفرض كونه محل شك في اندراجه في دليل الحرمة

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به
(2) الوسائل الباب 85 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(3) الوسائل الباب 88 من أبواب ما يكتسب به
148

وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في بقاء الرشوة على ملك المالك،
كما هو مقتضى قوله أنها سحت، وغيره من النصوص الدالة على ذلك
وأن حكمها حكم غيرها مما كان من هذا القبيل، نعم قد يشكل الرجوع
بها مع تلفها وعلم الدافع بالحرمة باعتبار تسليطه، والتحقيق فيه ما
مر في نظائره، ثم إن المتجه بناء على أن من أفرادها عقود المحابات
مثلا بطلان العقد الذي قد وقع على جهة الرشوة، لما عرفت من
النصوص الدالة على بقاء المال على ملك الراشي بأي طريق كان، بعد
فرض اندراجه في الرشوة فتأمل جيدا والله أعلم.
المسألة (الثالثة إذا دفع الانسان مالا إلى غيره) على جهة
الوصاية والوكالة عنه لأن له سلطانا عليه بملك أو ولاية أو وكالة
سواء كان حقا واجبا أو لا (ليصرفه في قبيل) مثلا (وكان المدفوع
إليه بصفتهم فإن عين له) ولو بالقرائن المعتبرة (عمل) عليه (بمقتضى
تعيينه) بلا خلاف ولا اشكال بل الاجماع بقسميه عليه، فإن خالف
أثم، وضمن إذا تلف المال في يد قابضه، ولو رجع المالك على القابض
الجاهل بالحال بعد التلف، رجع هو على الدافع الذي غره (وإن
أطلق) ولم تكن قرينة تدل على دخوله أو خروجه (جاز) له (أن
يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة) وفاقا للأكثر كما في الدروس بل
المشهور كما في الحدائق للاندراج في اللفظ وظهور كون المراد المتصف
بالوصف المزبور وللموثق (1) عن سعيد بن يسار (قلت لأبي عبد الله
عليه السلام الرجل يعطي الزكاة يقسمها في أصحابه أيأخذ منها شيئا؟
قال: نعم) والحسن عن الكاظم عليه السلام (2) (في رجل أعطى

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 40 من أبواب مستحقين للزكاة الحديث 2
149

ما لا يفرقه فيمن يحل له أيأخذ منه شيئا لنفسه وإن لم يسم له؟ قال:
يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره) وصحيح (1) عبد الرحمان بن
الحجاج (سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم
يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة قال: لا بأس
أن يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، ولا يجوز أن يأخذ إذا أمره أن
يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه).
بل قد يؤيده في الجملة صحيح (2) عبد الرحمان أيضا (عن أبي
عبد الله عليه السلام في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين وله
عيال محتاجون أيعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال: نعم) ضرورة
ظهوره في كون المدار على تحقق عنوان ما وكل فيه، من غير فرق بين
من يرجع إليه في الحقيقة كعياله وغيره وخلافا لوكالة المبسوط وزكاة
السرائر ومكاسب النافع والقواعد ووصاياها وكشف الرموز والمختلف
والتذكرة وجامع المقاصد وإيضاح النافع على ما حكى عن بعضها للأصل
وصحيح (3) عبد الرحمان المسند إلى الصادق عليه السلام في التحرير
المضمر في غيره (سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج
أو مساكين وهو محتاج أيأخذ منه لنفسه ولا يعلمه؟ قال: لا يأخذ
منه شيئا حتى يأذن له صاحبه) وظهور الأمر بالاعطاء والدفع ونحوهما
في الاخراج للغير وكون المقام كالتوكيل في البيع والتزويج ونحوهما مما
لا يشمل الوكيل نفسه، والاندراج في لفظ العنوان، لا ينافي الخروج
بما يظهر من الأمر والتوكيل، ولا أقل من أن يكون المأمور مسكوتا

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب مستحقين للزكاة الحديث 3
(2) الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(3) الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
150

عنه غير متعرض لدخوله ولا خروجه، فلا إذن حينئذ من المالك،
والنصوص السابقة مقيدة بما في الأخير من اعتبار الإذن صريحا.
ودعوى كون المراد من النصوص السابقة ثبوت الإذن الشرعية
دون المالكية واضحة الفساد، بل لعل الخصم لا يرتضيه، وأولى منها
حينئذ دعوى حملها على اختلاف العرف مع عرف هذا الزمان، وإن
كان يدفعها أيضا ظهور خلافه، والصحيح الأخير الذي قد عرفت
التصريح فيه بعدم الجواز، على أن ما عدا الصحيح منها من نصوص
الجواز مطلق يمكن تقييده بما في صحيح المنع من الإذن، والصحيح
في صحته كلام باعتبار ما فيه من محمد بن عيسى عن يونس، وفيه
بحث مشهور، هذا أقصى ما يقال للمنع، لكن الجميع كما ترى،
ضرورة عدم صلاحية الأصل للمعارضة، وعدم مقاومة الصحيح المزبور
للنصوص السابقة، سيما بعد اضماره في غير التحرير، وكون الراوي
له قد روى الجواز أيضا، والعنوان فيه جمعا منكرا، واحتماله التقييد
بما في النصوص المزبورة من عدم أخذ الزائد على أحدهم، وإرادة
محاويج مخصوصين، ولا ينافيه سؤاله عن نفسه مع ذلك وقوله أنه محتاج،
إذ لعله لما فهمه من الأمران العلة في اعطاء المخصوصين حاجتهم التي
هي موجودة فيه، ومثل ذلك مما يسأل عنه، ويمكن خفاؤه على مثل
عبد الرحمان وإن كان جليل القدر، بل لعل ذلك متعين بقرينة روايته
جواز التناول مع عدم التعيين، وعدمه معه كما عرفت، فلا بأس
حينئذ بحمله على الكراهة والتورع عن الأخذ بالإذن غير الصريحة.
ودعوى التقييد بما فيه من الإذن يدفعها ظهور الجميع في كون
مفروض السؤال عدم الإذن الصريحة، بل كاد يكون ذلك صريح الأخير
منها، والاعطاء والدفع مع عدم تخصيص النزاع بهما لو سلم ظهورهما في
151

التغاير، فهو ظهور انسياق لبعض الأفراد، وأقصاه التفاوت في الظهور
وإلا فالدفع إلى نفسه اعطاء ودفع أيضا، بعد أن صار هو باعتبار
وكالته عن الغير بمنزلة شخصين، وربما يؤيده في الجملة ما ذكره
الأصوليون، من دخوله عليه السلام فيما أمر به من قول يا أيها الناس
ونحوه، فيكون حينئذ آمرا مأمورا من جهتين، على أنه لو سلم فهو
قرينة على الخروج، وهو غير محل البحث كما أن الدخول في مفروض
السؤال في موثق سعيد بن يسار (1) للقرينة أيضا ضرورة عدم دخول
المأمور في الأصحاب، وفرض البحث شمول عنوان الوكالة للوكيل،
لكن كان المراد من الأصحاب ولو بالقرينة ما في الخبرين الأخيرين من
الوضع مواضعها، وايصالها لمن تحل له، وعدم دخول وكيل البيع
والتزويج لو سلم، فإنما هو للنص (2)، والمناقشة في الصحة بمحمد بن
عيسى عن يونس مع عدم انحصار الدليل فيه وانجباره بالشهرة
واعتضاده بغيره واضحة المنع، كما حرر في محله، مع أنهما ثقتان
معتبران، وقد ظهر من ذلك أن محل البحث دخول الوكيل في عنوان
ما وكل فيه، إذا فرض صلاحيته لتناوله في نفسه، أو أن الوكالة له
تقتضي خروجه عنه باعتبار ظهورها في دفع المال عنه للغير كالموكل.
التحقيق الأول كما دل عليه النصوص السابقة بل الظاهر ذلك
حتى لو زعم الموكل عدم اتصاف الوكيل بعنوان الوكالة، لاندراجه في
الإذن بالعنوان، نعم لو نص على خروجه بالخصوص خرج وإن كان
نصه باعتبار زعمه الفاسد فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع وبذلك كله
يظهر حينئذ دلالة الموثق الأول على المطلوب أيضا، إذ هو وإن كان

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 6 من أحكام الوكالة الحديث 1
152

فيه لفظ الأصحاب الذي لا يندرج فيه الوكيل، لكن بعد قيام القرينة
على إرادة ما في الخبرين الأخيرين منه صار مثلهما في الدلالة على المطلوب
كما أنه يظهر لك ما في مصابيح العلامة الطباطبائي في تحريره محل النزاع
واختياره، بل وما في شرح الأستاذ وغيره، بل وما في القولين المحكيين
في أصل المسألة المفصلين بين قول الدافع هو للفقراء، أو اعطه لهم، مع
عدم علم المالك بفقره، فالأول بشرط أن لا يزيد على أحدهم، وبين
قوله ذلك مع علمه بفقره فالثاني، لأنه لو أراده لخصه بشئ وبين
قوله اصرفه وما في معناه فالثاني، وقوله هو للفقراء وما في معناه، فالأول
إذ هما كما ترى بعد الإحاطة والتأمل بما ذكرناه، من القول بالجواز
إذا لم تقم قرينة على الخروج.
نعم قد دل الخبران على اعتبار المساواة لأحدهم في التناول، وأفتى
به المصنف وغيره، بل في المسالك وعن غيرها نسبته إلى المجوزين،
ومقتضى ذلك اعتبار المساواة في الأفراد، ولا يخفى ما فيه من الاشكال
فيما يكون عنوان الوكالة غير محصور، ضرورة ظهور كون المراد حينئذ
المصرفية التي لا تمنع من التفاضل، نحو ما سمعته في مصارف الزكاة
والخمس (1) وغيرهما، والذي يقوى كون المراد من الخبرين أنه لا
يلحظ نفسه إلا بما يلاحظ به غيره من صدق العنوان والمزايا الخاصة
التي تقتضي التفاضل، ولا يجعل لنفسه من حيث نفسه خصوصية،
ضرورة كونه تابعا للموكل الذي من المعلوم عدم ملاحظة ذلك له، وهذا
معنى لا ينافي التفاضل بين الأفراد من غير فرق بينه وبين غيره، بل لو
جاز له التخصيص بأحدهم باعتبار فهمه من الموكل إرادة المصرفية،

(1) الوسائل الباب 41 من أبواب مستحقين للزكاة وباب 2 من
أبواب قسمة الخمس.
153

وأن المقصود له إبراء ذمته بوصول الحق إلى محله، اتحد أو تعدد كان
له الاختصاص به، كما أن له أن يخص به أحدهم، وكما أنه إذا فهم
من الموكل إرادة التوزيع والتقسيم الذي لا ينافي التفاضل جاز له الأخذ
على حسب أخذ غيره، وبالجملة هو بعد إن كان المستند في دخوله شمول
العنوان الذي لا فرق بينه وبين غيره من الأفراد في الصدق، ينبغي أن
يكون كغيره في التناول، ولا يجعل لنفسه خصوصية، سيما بعد أن كان
أمينا على المال ومستوليا عليه، فتفضيله نفسه بلا خصوصية له كالخيانة،
بل لو شك في حصول الإذن له في الزيادة على غيره امتنع، واقتصر
على تناول ما يحصل له الإذن، والمتيقن منه المساواة لأحد الأفراد،
كما أن المتجه له مع ملاحظة القرائن الحالية التي لا ترجع إلى الظن
بالمراد من اللفظ اعتبار استفادة العلم منها، ولا يكفي إفادته الظن
ولو كان بالمراد عند اللفظ لا منه، لأصالة عدم التصرف بمال الغير.
نعم لو كان ظنا تسكن به النفس وتطمئن على وجه يكون
الاحتمال عندها وهميا يقوى لحوقه بالعلم في الحكم، كما حررناه في
محله، ولعل من ذلك التناول بشاهد الحال لما ينثر أو يبذل في الأعراس
ونحوها، واحتمال الاكتفاء بشاهد الحال وإن كان الظن بخلافه، نحو
ما قيل في ظواهر الألفاظ التي قد يحصل الظن بخلافه من غير أمارة
شرعية، وعلى غير قياس المخاطبات ذوات القرائن المتصلة أو المنفصلة
حالية أو مقالية لا دليل عليه، ودعوى السيرة عليه بهذا الفرض في محل
المنع، نعم هي قائمة عليه في الحال الأول كقيامها على اجراء حكم
الأملاك على المتناول له بالاتلاف والهبة والمعاوضة عليه ونحوها، وإن
كان هو في يده باقيا على ملك المالك، بحيث لو أراد الرجوع به قبل
اتلافه أو نقله إلى الغير رجع به، إذا لم يكن شاهد الحال قاضيا
154

بالاعراض عنه على وجه متناول لتملكه، وإلا كان له ذلك فيملكه
حينئذ بالقبض الذي ينوي به ذلك بناء على اعتبارها في الملك به،
كالحيازة للمباحات وقد يلحق بذلك المأخوذ بالفحوى القطعية، للسيرة
أيضا فله حينئذ التصرف بها على وجه النقل، ولا يقتصر فيها على غير
الناقل كما ظنه بعض المعاصرين، ضرورة كونها حينئذ كالمأخوذ بشاهد
الحال، ولعل المرجع فيهما إلى الإذن الشرعية، دون المالكية فلا يقدح
حينئذ عدم حصول الرضا الفعلي من المالك، هذا كله في قرائن غير
الألفاظ، أما ما رجع منها إلى حصول المراد باللفظ على طريقة المخاطبات
أجزأت وإن أفادت الظن والله هو العالم.
المسألة (الرابعة الولاية) للقضاء أو النظام والسياسة أو على
جباية الخراج أو على القاصرين من الأطفال أو غير ذلك أو على الجميع
(من قبل السلطان العادل) أو نائبه (جائزة) قطعا بل راجحة
لما فيها من المعاونة على البر والتقوى، والخدمة للإمام وغير ذلك
خصوصا في بعض الأفراد (وربما وجبت) عينا (كما إذا عينه
إمام الأصل) الذي قرن الله طاعته بطاعته (1) (أو لم يمكن دفع المنكر
أو الأمر بالمعروف إلا بها) مع فرض الانحصار في شخص مخصوص
فإنه يجب عليه حينئذ قبولها بل تطلبها والسعي في مقدمات تحصيلها
حتى لو توقفت على إظهار ما فيه من الصفات أظهرها، كل ذلك
لاطلاق ما دل على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر (2) فتجب
مقدماته كما أنه يجب السعي فيها إلى أن يحصل العجز من غير فرق
بين ما كان من فعل الغير وعدمه، ودعوى أن الولاية من مقدمات
القدرة التي هي شرط الوجوب، فلا يجب تحصيلها ولا قبولها لعدم

(1) سورة النساء الآية 58
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
155

اطلاق التكليف بالنسبة إليها، يدفعها أن اطلاق الأمر بالمعروف يقتضي
وجوب سائر المقدمات، ولا يسقط إلا بالعجز فيندرج فيها الولاية وغيرها
بعد فرض القدرة عليها، وبذلك يفرق بين المقام والحج المشروط وجوبه
بالاستطاعة التي لا يدخل فيها غير المالك، وإن تمكن من تكسب ما
يستطيع به، ولذا قلنا هناك بعدم الوجوب عليه، ضرورة عدم صدق
الاستطاعة عليه بذلك، بخلاف المقام الذي لم يعلق وجوبه على لفظ
يرجع فيه إلى العرف، بل أطلق الوجوب ومقتضاه عقلا الامتثال حتى
يتحقق العجز، ولا ريب في انتفائه هنا بعد فرض وجود القدرة على
الولاية مثلا على وجه لا تنافيه شئ من الأدلة الشرعية التي تقتضي
سقوط التكليف بتحصيلها، من العسر والحرج (1) والضرر (2) ونحوهما كما هو
واضح بأدنى تأمل، هذا كله في الولاية من العادل، وقد يلحق به نائبه
العام في هذا الزمان إذا فرض بسط يده في بعض الأقاليم، بل في شرح
الأستاذ أنه لو نصب الفقيه المنصوب من الإمام بالإذن العام سلطانا
أو حاكما لأهل الاسلام لم يكن من حكام الجور، كما كان ذلك في
بني إسرائيل فإن حاكم الشرع والعرف كليهما منصوبان من الشرع وإن
كان فيه ما فيه.
وأما من الجائر فلا ريب في أنها تحرم مع الاختيار إذا كانت
على محرم، كالولاية على ما ابتدعه الظالمون من القمرك ونحوه، بلا
خلاف بل هو من الضروريات المستغنية عن ذكر ما يدل عليها من
الكتاب والسنة والاجماعات، (و) كذا (تحرم) أيضا (من
قبله) أي (الجائر) على ما يشتمل على محلل ومحرم، كالحكومة على
بعض البلدان المشتملة على خراج وسياسة ونظام ومحرمات من قمرك
وغيره، (إذا لم يؤمن اعتماد ما يحرم) أي لم يتخلص من مآثمها

(1) سورة المائدة الآية 6
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب احياء الموات الحديث 3
156

وتبعاتها من حقوق الناس وغيرها، ضرورة كونها حينئذ كسابقتها في
الاقدام على المحرمات وفعلها بالاختيار، نعم في حرمة ما كان منها محللا
كجباية الخراج والنظام بغير المحرم ونحوهما وعدمها وجهان، ينشئان
من أنها بمنزلة الولايتين المستقلتين إحداهما على عمل محلل، والأخرى
على محرم، فكل منهما له حكمه، إذ الحرام لا يحرم الحلال وقال
عز من قائل (1) (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) ومن أنها في
الفرض ولاية واحدة، فمع فرض امتزاج عملها بالحلال والحرام تكون
محرمة، ولو لما تعرفه انشاء الله من أن حلية الولاية على المحلل المحض
للإذن من أئمة العدل، وإلا فهي محرمة أيضا كما أشار إليه أبو جعفر
عليه السلام في خبر أبي حمزة (2) بقوله (من أحللنا له شيئا أصابه من
أعمال الظالمين فهو له حلال وما حرمنا من ذلك فهو له حرام) بل
يدل عليه غير واحد من النصوص، المعتضدة بما هو معلوم من العقل
والنقل، من كون المنصب منصبهم، والولاية ولايتهم والأمر راجع إليهم
في جميع هذه الولايات، فليس لأحد الدخول في شئ منها بدون
إذنهم، ولا ريب في عدمها في الفرض، خصوصا بعد تظافر النصوص
أو تواترها في النهي عن الدخول في أعمالهم حتى أن في بعضها (3)
(من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله خنزيرا) وفي خبر
زياد بن أبي سلمة (4) منها (قال: دخلت على أبي الحسن موسى
عليه السلام فقال لي يا زياد إنك لتعمل عمل السلطان قال: قلت:

(1) سورة التوبة الآية 102
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به الحديث 15
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9
(4) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9
157

أجل قال: لي ولم قلت: أنا رجل لي مروة وعلى عيال وليس وراء
ظهري شئ، فقال: لي يا زياد لئن أسقط من خالق (1)،
فانقطع قطعة قطعة، أحب إلي من أن أتولى لأحد منهم عملا
أو أطأ بساط رجل منهم، إلا لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك
قال: إلا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك أمره أو قضاء دينه، يا زياد
إن أهون ما يصنع الله عز وجل بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه
سرادق من نار، إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق) الحديث
وقال: داود بن زربي في الصحيح أو الحسن (2) أخبرني مولى لعلي
ابن الحسين عليه السلام (قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه
السلام الحيرة فأتيته، فقلت: له جعلت فداك، لولا كلمت داود بن
علي أو بعض هؤلاء، فادخل في بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت
لا فعل، فانصرفت إلى منزلي فتفكرت فقلت: ما أحسبه منعني إلا مخافة
أن أظلم أو أجور، والله لآتينه، ولأعطينه الطلاق والعتاق والأيمان
المغلظة، ألا أظلم أحدا ولا أجور ولا عدلن، فأتيته فقلت: جعلت
فداك إني فكرت في إبائك علي، فظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة
أن أجور أو أظلم، وإن كل امرأة لي طالق وكل مملوك لي حر وعلى
وعلى إن ظلمت أحدا أو جرت عليه وإن لم أعدل، قال: كيف؟
قلت: فأعدت عليه الأيمان فرفع رأسه إلى السماء فقال: تناول السماء
أيسر عليك من ذلك) والمراد أيسر عليك من إجابتي لك إلى ذلك،
أو لا يمكنك الوفاء بتلك الأيمان، والدخول في أعمال هؤلاء بغير ظلم
كالمحال، فتناول السماء أيسر عليك مما عزمت عليه، كما أشاروا عليهم السلام

(1) الخالق اسم جبل، منه
(2) الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4
158

عليه السلام إلى ذلك في غير هذا الخبر قال: أبو بصير في الحسن
كالصحيح (1) (سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمالهم فقال: يا أبا محمد
لا ولا مدة بقلم أن أحدا لا يصيب من دنياهم شيئا، إلا أصابوا من
دينه مثله أو قال: حتى يصيبوا من دينه مثله) إلى غير ذلك من
النصوص الناهية عن الدخول في أعمالهم التي أظهر أفرادها محل البحث
بل مال العلامة الطباطبائي في مصابيحه إلى كون الولاية في نفسها
من المحرمات الذاتية مطلقا، وإنها تتضاعف إثما باشتمالها على المحرمات
لتضمنها التشريع فيما يتعلق بالمناصب الشرعية، ولما في خبر تحف
العقول (2) عن الصادق عليه السلام (وأما وجه الحرام من الولاية فولاية
الوالي الجائر، وولاية ولاية الرئيس منهم، وأتباعهم وأتباع الوالي ممن
دونه من ولاة الوالي إلى أدناهم، باب من أبواب الولاية على من هو
وال عليه، والعمل لهم والكسب معهم بجهة الولاية منهم حرام، ومحرم
معذب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير لأن كل شئ من جهة
المعونة معصية كبيرة من الكبائر، وذلك أن في ولاية الوالي الجائر
دروس الحق كله، واحياء الباطل كله، وإظهار الظلم والجور والفساد
وإبطال الكتب وقتل الأنبياء وهدم المساجد وتبديل سنة الله وشرائعه
فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا بجهة الضرورة
نظير الضرورة إلى الدم والميتة) ولاطلاق النصوص المزبورة الذي لم
يفرق فيه بين كونها على محلل أو محرم أو ممتزج، المعتضد بما دل على
النهي عن إعانتهم ولو على المباح (3) بل ولو على بناء مسجد، وطاعتهم
والخضوع لهم وإعلاء شأنهم والركون إليهم وتقوية سلطانهم، وعليه

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5 و 1
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(3) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5 و 1
159

حينئذ لا يتصور اشتراط حليتها بالتمكن من التخلص من المحرم، كما
وقع من المصنف وغيره، بل ولا بالتمكن من المعروف، ضرورة عدم
الوجه لذلك بعد فرض الحرمة الذاتية كما اعترف هو به.
نعم احتمل ترجيح مصلحة الأمر بالمعروف على المفسدة المقتضية
لحرمتها فتحمل حينئذ مع توقفه عليها إلا أنه لم أجد له موافقا عليه،
عدا تلميذه في شرحه في الجملة بل يمكن تحصيل الاجماع على خلافه
فضلا عما سمعته في المعونة بل ادعاه غير واحد كما عن المنتهى نفي
الخلاف عنه بل في المحكي عن فقه القرآن للراوندي أن تقليد الأمر
من قبل الجائر جائز إذا تمكن من ايصال الحق لمستحقه بالاجماع
المتردد، والسنة الصحيحة (1) وقوله تعالى (2) (اجعلني على خزائن
الأرض) مضافا إلى ظهور جملة وافرة من النصوص في الجواز (3)
(كالحسن ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما
يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطيه الناس) وغيره بل هي لا تقصر في
العدد عن نصوص المنع (4) خصوصا بعد ضم النصوص المشتملة (5)
على الاعتذار عن الرضا عليه السلام عن قبول العهد بما وقع من
يوسف عليه السلام إليها، باعتبار ظهورها في كون ذلك من يوسف
باختياره، بل في جملة أخرى الحث والترغيب في ذلك، كالخبر

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به
(2) سورة يوسف الآية 55
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6
(4) الوسائل الباب 42 و 45 من أبواب ما يكتسب به
(5) الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 - 10
160

المروي عن الكشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1) عن
مولانا الرضا عليه السلام (أن لله تعالى بأبواب الظلمة من نور الله
به البرهان، ومكن له في البلاد، ليدفع عن أوليائه، ويصلح الله تعالى
به أمور المسلمين، لأنهم صلحاء المؤمنين، إلى أن قال: أولئك هم
المؤمنون حقا، أولئك أمناء الله في أرضه، أولئك نور الله في رعيتهم،
يوم القيامة يزهر نورهم لأهل السماوات كما تزهر الكواكب الزهرية
لأهل الأرض، أولئك من نورهم نور يوم القيامة، تضئ منهم القيامة
خلقوا والله للجنة وخلقت الجنة لهم، فهنيئا لهم ما على أحدكم أن لو
شاء لنال هذا كله قال: قلت: بماذا جعلني الله فداك قال: تكون
معهم، فتسرنا بادخال السرور على المؤمن من شيعتنا، فكن منهم
يا محمد) ومن هنا جمع بعض متأخري المتأخرين بينها بحمل نصوص
المنع على الدخول في أعمالهم، حبا للرياسة وجمع المال ونحوهما،
وحمل غيرها على مزج ذلك بفعل بعض الطاعات وقضاء حوائج المؤمنين
ونحو ذلك، مما فيه خلط بين العمل الصالح والسئ، وهذا الذي ورد
فيه أن هذا بهذا (2) ونحوه، وحمل نصوص الترغيب على الدخول فيه
بمجرد ما ذكر من الطاعات، وفعل الخير من تفريج الكربة عن بعض
المؤمنين، وإعانة ملهوفهم، وقضاء حوائجهم ونحو ذلك، وفي الرياض
وهو جمع حسن وإن أبى عنه بعض ما مر من الروايات.
قلت: مع أنه لا شاهد عليه أيضا، والأحسن منه الجمع بحمل
النصوص المنع على الولاية على المحرمات، أو الممزوجة بالحرام والحلال

(1) جامع الرواة ج 2 ص 69
(2) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5
161

ونصوص الجواز على الولاية على المباح، كجباية الخراج (1) ونحوه مما
جوز الشارع معاملة الجائر فيه معاملة العادل، بل ستسمع انشاء الله
فيما يأتي أن المشهور بين الأصحاب وجوب معاملته بالنسبة إلى ذلك،
فالولاية منه حينئذ على ذلك نحوه كالتناول من يده والتقبل منه ونحو
ذلك، ولا تشريع فيه بعد فرض اعتقاد الداخل كالمتناول، أثم الجائر
في ذلك وأنه غاصب ظالم، وأن الدخول والتناول ونحوهما إنما كان
بالإذن من الإمام العادل في زمن الغيبة، وقصور اليد رأفة على المؤمنين
ورفعا للضيق والحرج في هذا الزمان، ونحوه من أزمنة التقية.
وأما نصوص الترغيب فعلى الدخول للأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، (2) وحفظ أنفس المؤمنين، وأموالهم وأعراضهم، وادخال
السرور عليهم، نعم لا يخلو الثاني منها عن الكراهة باعتبار كونه
كالإعانة لهم والدخول في زمرتهم، بل هو شبه تولي المؤمن الكافر، ولما
في القرب إليهم من المخاطرة على الدنيا والآخرة كما أومى إليه خبر
ابن مهاجر (3) (قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: فلان يقرئك
السلام وفلان وفلان قال: وعليهم السلام قلت: يسألونك الدعاء قال:
وما لهم؟ قلت: حبسهم أبو جعفر فقال: وما لهم وما له؟ فقلت: استعملهم
فحبسهم، فقال: ما لهم وما له؟ ألم أنههم ألم أنههم ألم أنههم؟ هم
النار هم النار هم النار ثم قال: اللهم اخدع عنهم سلطانهم، قال:
فانصرفنا من مكة فسألنا عنهم؟ فإذا قد أخرجوا بعد الكلام بثلاثة

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب أمر بالمعروف والنهي
عن المنكر
(3) الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
162

أيام) بل في المروي عن مستطرقات السرائر (1) من كتاب مسائل
الرجال (عن أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام إن محمد
ابن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس وأخذ ما
يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة؟ فقال: ما كان المدخل فيه بالجبر
والقهر فالله قابل العذر، وما خلا ذلك فمكروه ولا محالة
قليله خير من كثيره إلى أن قال: فكتبت إليه في جواب ذلك أعلمه
أن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على
عدوه، وانبساط اليد في التشفي منهم بشئ أتقرب به إليهم فأجاب
من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا وثوبا).
وهذا أحسن ما يقال في الجمع بين النصوص في المقام، خصوصا
بعد انصراف نصوص المنع إلى ما هو الغالب من عدم تخلص الداخل
في ولاية شئ من أعمالهم عن المحرم كما عرفت إيماء النصوص إليه
ولو باكراههم له على ذلك، إذ قد يقال أنه لا يجديه هذا الاكراه
في رفع الإثم عنه بعد أن كان دخوله في الولاية التي اقتضت ذلك باختياره
الذي به يندرج في باب ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، والقدرة على
على السبب قدرة على المسبب، ولعل ذلك أولى من الجمع بما أومي إليه
المصنف من حمل نصوص المنع على عدم الأمن من اعتماد المحرم،
والجواز على الأمن، والاستحباب على الأمر بالمعروف مع ذلك، إذ
لم نجد في شئ من النصوص التصريح باعتبار الأمن في الجواز والقواعد
لا تقتضيه، ضرورة عدم حرمة الشئ باحتمال الوقوع في المحرم، اللهم
إلا أن يريد بالأمن ما قلناه من الولايات على المباحات ونحوها مما
لم يعتمد فيها فعلا محرما، ولا يكره عليه والأمر سهل بعد وضوح

(1) الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9
163

المقصود، والله أعلم.
وكيف كان فقد ظهر لك الوجه في قول المصنف وغيره (ولو أمن
ذلك) أي اعتماد ما يحرم (وقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر استحب‍) - ت الولاية من الجائر، لكن في المسالك أن مقتضى ذلك
وجوبها حينئذ للمقدمة، ثم قال: ولعل وجه عدم الوجوب كونه
بصورة النائب وعموم النهي عن الدخول معهم، وتسويد الاسم في
ديوانه (1) فإذا لم يبلغ حد المنع، فلا أقل من الحكم بعدم الوجوب
ولا يخفى ما في هذا التوجيه، قلت: لم يحك عن أحد التعبير بالوجوب
إلا عن الحلي في سرائره، ووجهه ما سمعته آنفا، وفي الولاية من
العادل، اللهم إلا أن يقال ولو بمعونة كلام الأصحاب، بناء على حرمة
الولاية في نفسها أنه تعارض ما دل على الأمر بالمعروف، وما دل
على حرمة الولاية من الجائر ولو من وجه، فيجمع بينهما بالتخيير
المقتضى للجواز، رفعا لقيد المنع من الفعل مما دل على الحرمة، وأما
الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه في خبر محمد بن
إسماعيل (2) وغيره الذي هو أيضا شاهد الجمع، خصوصا بعد الاعتضاد
بفتوى المشهور، بذلك يرتفع حينئذ إشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى
الأخص في مقدمة الواجب، ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة، إذ
عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضي الوجوب.
نعم هو متجه بناء على قلناه من حلية الولاية السالمة عن المحرم
ولذا كان المتجه بناء عليه الوجوب، لثبوت الجواز مع عدم الأمر بالمعروف
فلا معارضة حينئذ لما يقتضي وجوبه، اللهم إلا أن يقال: أيضا بعدم

(1) الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9
(2) جامع الرواة ج 2 ص 69
164

وجوبه في خصوص هذا الفرد أيضا، للنصوص المزبورة التي جعلت
شاهدا للجمع على التقدير الأول، المعتضد بفتوى المعظم، ولعل ذلك
أولى من القول بعدم وجوب المقدمة هنا، لأنها من مقدمات القدرة
المشروط بها التكليف، لما عرفت من فساده في الولاية من العادل إذا
توقف الأمر بالمعروف عليها، والأمر في ذلك سهل هذا كله في الولاية
من الجائر اختيارا.
(و) أما (لو أكره) بالزام من يخشى من التخلف عن
الزامه، (جاز له الدخول) حينئذ في الولاية التي يحرم عليه الدخول
فيها اختيارا، بلا خلاف نصا (1) وفتوى بل الاجماع بقسميه عليه
(دفعا للضرر اليسير) الصالح لاسقاط التكليف، لكن (على
كراهية) ومرجوحية، فالأولى حينئذ تحمله (و) عدم قبولها لما عرفت من
المفاسد المترتبة عليها، نعم (تزول الكراهية لدفع الضرر الكثير كالنفس
أو المال) جميعه (أو الخوف) كذلك (على بعض المؤمنين)
وتمام تحقيق ذلك في المسألة.
(الخامسة) وهي (إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له
الدخول والعمل بما يأمره) من المحرمات، كظلم الغير ونحوه مقتصرا
على مقدار ما تندفع به الضرورة، مقدما للأسهل فالأسهل، (مع
عدم القدرة) شرعا (على التفصي) والتخلص من ذلك، (إلا
في الدماء المحرمة فإنه لا تقية فيها) بخلاف ما إذا كان مختارا في
الولاية ابتداء أو استدامة، فإنه لا يجوز له العمل حينئذ بما يأمره
من المحرمات لأنه قادر حينئذ على التفصي، بل لو كان مختارا في
الابتداء عالما باشتمالها على المحرمات التي لا بد له من اعتمادها بعد

(1) الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به
165

قبولها لم يجز له أيضا، وإن أكره الجائر بل يجب عليه تحمل ضرر
التخلف عن أمره في وجه قوي، اقتصادا في أدلة المكره على المتيقن (1)
والمراد بالقدرة، القدرة الشرعية التي تناط بها الواجبات والمحرمات
المطلقة، وهي الخالية عن الضرر الذي لا يتحمل في النفس والمال والعرض
دون الأعم منها ومن المشتملة على ذلك مما هي قدرة عقلا وعرفا،
فالمراد حينئذ من عدم القدرة في المتن هو المراد من الاكراه، لا أن المراد
الفرق بين الولاية والعمل بما يأمره، فيكفي في إباحة الأولى الاكراه الذي
يجامع القدرة على التخلص، بخلاف الثاني فإنه لا يكفي فيه إلا عدم القدرة
إذ هو حينئذ كما ترى لا وجه له، ضرورة عدم الفرق في الأدلة.
وما في شرح الأستاذ مازجا به عبارة القواعد من أنه لو خاف
ضررا يسيرا بترك الولاية الخالية عن النفع والضرر كره له الولاية
حينئذ ودفع اليسير لتسلطه على ماله، وأما العمل بما يأمره في ضرر
الخلق فلا يجوز إلا مع الضرر المعتبر دون غيره لا بد من حمله على
إرادة الولاية المحللة، وإلا فلا فرق في المحرم منها والعمل بما يأمره في
الضرر المبيح لهما كما عرفته وتعرفه، وبذلك كله تعرف حينئذ سقوط
ما أطنب به في المسالك من المناقشة في عبارة المصنف، كما ظهر لك
أيضا أنه لا فرق في الاكراه المسوغ للدخول في الولاية المحرمة، والاكراه
المسوغ للعمل بما يأمره من فعل المحرمات في ولاية كان أو غيره، إن
ليس هو إلا الالزام والالجاء من المتسلط الذي يخشى منه على النفس
والمال والعرض أو أحدها على وجه لا يتحمل عادة، فمجرد الخوف على
النفس مثلا لا يجدي في جواز ظلم الغير مثلا للدفع عن النفس من

(1) الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس
166

دون إلزام وإلجاء إلى ذلك، ضرورة حرمة الضرار في الاسلام، (1)
وحرمة دفع الظلم عنك بظلم غيرك، بل هو كذلك لو ألزمه الجاير بشئ
مخصوص من المال مثلا منه أو من غيره ممن هو غير محصور فإنه لم يلجئه
إلى ظلم غيره ليكون مكرها بذلك، فيرتفع عنه التكليف كما رفع من
المخطئ والناسي، بل قد يقال بعد تحقق الاكراه لو خيره في ذلك
بينه وبين شخص مخصوص، بل إنما يتحقق الاكراه في ذلك ونحوه
بأمره بظلم الشخص المخصوص وإلجائه إلى ذلك، فإنه حينئذ بعد صدق
الاكراه عليه بسبب خوفه لو تخلف عن الأمر من الضرر الذي
لا يتحمل يجوز له العمل بما يأمر.، للأصل ورفع القلم عن المكره (2)
وأخبار التقية، (3) وأنها في كل شئ يضطر إليه الانسان، والاجماع
بقسميه، والنصوص الخاصة في المقام (4) التي كادت تكون متواترة،
مضافا إلى انصراف ما دل على الحرمة على غير الحال المفروض، ولا
يجب عليه تحمل الضرر في رفع الاكراه مقدمة لتجنب ظلم الغير ضرورة
معلومية سقوط وجوب المقدمة بالعسر والحرج والمشقة والضرر في سائر
التكاليف الشرعية المطلقة فيسقط حينئذ وجوب ذيها فلا يجب عليه حينئذ
نقل نفسه من موضوع الاكراه إلى موضوع الاختيار بما يضر بحاله ضررا
لا يتحمل، خصوصا وقد صار بالاكراه كالآلة للمكره، بل ليس
هو حينئذ إلا كالأجنبي الذي يستطيع رفع الظلم عن مؤمن، بما يضر
بحاله من مال أو نفس أو عرض.

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5
(2) الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس
(3) الوسائل الباب 25 من أبواب الأمر والنهي
(4) الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به
167

وبذلك انكشف الغبار عن المسألة التي ربما أشكل على بعض
الناس مدركها، حتى تعجب من دعوى جواز إضرار الغير في نفسه
بالجرح ونحوه وعرضه وماله، دفعا للضرر اليسير في نفسه وعرضه
وماله، وتخيل أن المسألة من باب التعادل والتراجيح فالتزم الموازنة
بين ما يظلم به وما يخشاه من الظلم عليه، وهو كما ترى، لما عرفت من
أن بناء المسألة على ما لو ألزمه الجاير بالظلم، وكان لا يستطيع رفع
اكراهه له والجائه إياه إلى ذلك والتخلف عن أمره، إلا بتحمل ضرر
لا يتحمل في نفسه أو ماله أو عرضه، وأن مدركها واضح على هذا
التقدير، من غير فرق في المال بين البعض والجميع، فما في التحرير
من اعتبار جميع المال غير واضح، نعم لو تمكن من التخلف عن
الأمر، بما لا يضر بحاله وجب عليه، بل لم يكن مكرها حينئذ، ولقدرته
على عدم الامتثال بلا ضرورة، كما أنه لا بأس بجواز تحمل الضرر
المالي في دفع الاكراه، ولعموم تسليط الناس على أموالهم (1) أما البدن
كالجرح ونحوه، والعرض كالفسق بالأهل ونحوه، فالظاهر حرمة تحمله
لذلك، وقد أومى إليه في الجملة الشهيد في الدروس.
ومنه يعلم ما في شرح الأستاذ من أن الأحوط مراعاة التعادل
بين ما يخاف على الناس، وبين ما يخافه على نفسه، وإن كان الأقوى
عدم وجوبها، ضرورة تزاحم الاحتياط حينئذ في بعض الصور ثم قال:
وينبغي إمعان النظر فيما يغتفر بالخوف على أحد الثلاثة متعلقا به أو
ببعض المؤمنين من التعدي على الغير مع المماثلة أو المخالفة في الأفعال
أو الرتب مع المعادلة وعدمها ثم فيما يغتفر به الخروج عن الشرع فيما
يتعلق بأصل أو فرع، فإن المسألة طويلة الذيل كثيرة الأقسام، والقول

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث
168

بالفرق بين الابتداء والعروض اتفاقا في الصور غير بعيد.
قلت: لا يخفى عليك تنقيح ذلك كله بعد ما عرفت موضوع
المسألة ومدركها، كما أنه لا يخفى عليك عدم جواز ظلم الغير بأمر
الجاير الذي يخشى من تخلفه ظلما علي بعض آخر دون نفس المكره
وماله وعرضه، ضرورة عدم مشروعية رفع الظلم عن مؤمن بظلم مؤمن
آخر، وكون ذلك قد يقتضي التقية في بعض الأحوال، لا يستلزم اقتضائه
في الفرض، وكذا لا يخفى عليك أن المراد بالاكراه هنا، أعم من
التقية التي هي دين في العبادات، لمعلومية عدم الفرق هنا بين وقوع
الاكراه من الموافق في المذهب والمخالف بعد فرض تسلطه على النفس
والعرض والمال، نعم استثنى المصنف وغيره من ذلك على كل حال
الدماء المحترمة بالايمان بل لا خلاف أجده فيه بالنسبة إلى القتل ظلما
بل الاجماع بقسميه عليه وللصحيح (1) (إنما جعلت التقية لتحقن
بها الدماء، فإذا بلغ الدم، فلا تقية) ونحوه الموثق (2) بل قيل:
أن ظاهر الاطلاق يشمل الجراح أيضا، كما عن الشيخ أيضا إلا أن
لزوم الاقتصار في الخروج عن العمومات المجوزة لفعل المحرمات بالاكراه
على المتيقن المتبادر من الاطلاق وهو القتل، يقتضي المصير إلى جواز
الجرح الذي لم يبلغ حده، كما هو الأشهر، بل لعله المشهور، بل ينبغي
القطع بجوازه، إذا كان الخوف بتركه على النفس.
نعم الأحوط اجتنابه حيث لا يعارضه الاحتياط من جانب آخر،
كما أنه كذلك بالنسبة إلى إلحاق المسلم بالمؤمن، وإن أطلق المصنف
وغيره بل في النافع التعبير بالمسلم لكن في الرياض وهل المسلم يشمل
المخالف أم يخص المؤمن إشكال، والاحتياط يقتضي المصير إلى الأول

(1) الوسائل الباب 31 من أبواب الأمر والنهي 1 - 2
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب الأمر والنهي 1 - 2
169

إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال، وسيما القليل منه خاصة
وأما إذا كان على النفس المؤمنة فاشكال، ولا يبعد المصير حينئذ إلى
الثاني فليس شئ يوازي دم المؤمن، كما يستفاد من النصوص المعتبرة (1)
قلت: بل فيها أن ألف مخالف لا يوازن دم مؤمن، فلا ريب في أن
المتجه المصير إليه، بل وكذلك الخوف على العرض بل والمال كما
لا يخفى على من أحاط بما دل على هوان نفوسهم عند الله، على أن ظاهر
الصحيح المزبور دم المؤمن، ضرورة أنه هو الذي شرعت التقية لحفظه
هذا، ويقوى كما في شرح الأستاد عدم لحوق الحمل قبل ولوج الروح،
وأما الفرق بين الصحيح والمريض ولو حال السياق والشيخ والشاب
والمرأة والرجل فلا معنى له، وربما احتمل الفرق بين مستحق القتل
بزنا أو لواط أو غيره، بل ومستحق القصاص إلا أنه كما ترى لا مستند
له قاطعا للعذر وإن كان ستسمع في القصاص ما يصلح أن يكون وجها
له ولا فرق في القتل بين المباشرة والتسبيب كالافتاء ونحوه لاطلاق الأدلة
والله أعلم.
المسألة (السادسة جوائز) السلطان (الجائر) وعما له (إن علمت
حراما بعينها فهي حرام) بلا خلاف ولا إشكال لا يجوز تملكها،
والتصرف بها وقبولها، وإلا فهي حلال مطلقا وإن علم أن في ماله
محرما بلا خلاف ولا إشكال أيضا، كما اعترف به في الحدائق والرياض
بل في المصابيح الاجماع عليه، للأصل والمعتبرة المستفيضة (2) كصحيح
أبي ولاد (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى في الرجل يلي
أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم وأنا أمر به وأنزل عليه

(1) الوسائل الباب 95 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
170

فيعطيني ويحسن إلي، وربما أمرني بالدراهم والكسوة وقد ضاق صدري
من ذلك، فقال لي: خذ وكل لك المهني وعليه الوزر) وصحيح أبي
المعزا (1) (سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده، فقال:
أصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم وحج
بها) ونحوه خبر محمد بن هشام أو غيره (2) عنه أيضا وصحيح محمد بن
مسلم وزرارة (3) (قالا سمعنا يقول جوائز السلطان ليس بها بأس) إلى
غير ذلك من النصوص مضافا إلى السيرة القطعية، والعمل المستمر من
العلماء وغيرهم في سائر الأعصار والأمصار، وإلى ما روى (4) من
قبول الحسن والحسين والصادق والكاظم عليهم السلام جوائز معاوية
والرشيد وإلى ما دل من النصوص المستفيضة أو المتواترة (5) على
جواز معاملتهم، وبيعهم والابتياع منهم، وأنه لا بأس به حتى تعرف
الحرام بعينه.
وخبر الحميري المروي (6) عن الاحتجاج (أنه كتب إلى صاحب الزمان
عليه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده
لا يتورع من أخذه ربما نزلت في قرية وهو فيها، أو أدخل منزله وقد
حضر طعامه فيدعوني إليه فإن لم أكل من طعامه عاداني، فهل يجوز
لي أن آكل وأتصدق بصدقة؟ وكم مقدار الصدقة وإن أهدى هذا الوكيل

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و 3
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و 3
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب ديات النفس الحديث 5
(4) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10 - 14
(5) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به
(6) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 15
171

إلى رجل آخر فيدعوني إلى أن أنال منها وأنا أعلم أن الوكيل لا يتورع
عن أخذ ما في يده، فهل على منه شئ؟ إذا أنا نلت منها فأجاب
عليه السلام إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل
طعامه، وأقبل بره وإلا فلا) محمول على معلوم الحرمة أو على الكراهة
أو غير ذلك، لما عرفته من معلومية إباحة ما في أيدي الجائرين وغيرهم
مما لم تعلم حرمته.
بل لعل ذلك ونحوه من الضروريات التي لا تحتاج إلى إثبات،
ولولاه لم يمكن لمؤمن التعيش في أمثال هذه الأزمنة، والعلم بأن في
ماله محرما غير قادح، فضلا عما لم يعلم، وإن علمت أنه يأخذ الأموال
ظلما، فالظالم حينئذ بعد ملاحظة صنفه من كل ذي مال مختلط حرامه
بحلاله، كالعشار والسارق والمربي والمرتشي، ومن لم يخرج الحقوق
ونحوهم، وملاحظة ما تحت أيديهم من الأموال يندرج في غير المحصور
من الشبهة الذي سقط التكليف باجتنابه، من باب المقدمة للعسر
والحرج المنفيين آية (1) ورواية (2) ولا يقدح في ذلك أن كل واحد منهم لو
لاحظته بخصوصه كان من الشبهة المحصورة ضرورة عدم الخصوصية عقلا
وشرعا لأحادهم، فليس هم حينئذ إلا صنفا واحدا مندرجا في غير
المحصور، لما عرفت والحصر في أفراده غير مجد إذ أقصاه تعدد الشبهة
المحصورة، حتى صارت غير محصورة فيجري عليها حكم عدم وجوب
الاجتناب، إنما الكلام في أن ذلك يقتضي خروج ما في أيديهم وتحت
تصرفهم وإن علم اشتماله على محرم عن حكم الشبهة المحصورة، فيجوز
المقاصة منه والأكل للمارة (3) والتصرف بالفحوى ونحو ذلك حتى يعلم
الحرام منه بعينه فيترك، أو يختص ذلك بما إذا حصل تصرف خاص

(1) سورة المائدة الآية 6
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 14
(3) الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار
172

منهم كاعطاء وبيع وإذن ونحو ذلك، مما يحتمل فيه المقصد إلى الحلال
فلا تجوز المقاصة وأضرابها، ويجوز الأخذ مع مقارنة أحد تلك
الأفعال المحمولة على الصحة شرعا، من غير فرق بين ما كان في صندوق
فيه غصب أو كيس كذلك أو دار أو غيرها، ما لم يعلم إقدامه على
المشتبه المحصور عنده احتمالان.
ظاهر الأستاذ في شرحه الثاني منهما، قال: ولو لم يعلم كونها
أي الجوائز غصبا جاز أخذها من الجائر مطلقا، للاجماع والأخبار
ومن غيره ما لم يعلم إقدامه على المشتبه المحصور لقضاء اليد وأصالة
الصحة، فيجوز الأخذ حينئذ وإن جابها من دار أو دكان أو صندوق
فيه غصب أو أشار إلى معين من جملة كذلك، ولا يعلم حصوله في
المدفوع والمعين إلا أن التجنب مع الانحصار من شيم الأبرار وتختلف
مراتب الرجحان باختلافه، ولو أشار إلى مبهم منها قوى المنع كالأخذ
للمقاصة، والأكل للمارة لو جاز، وللدخول تحت رفع الجناح إلا
بعلاج، عملا بالأصل في غير محل النص، والظاهر إرادته من الاطلاق
في الجائر بالنسبة إلى كونه سلطانا أو عاملا أو عشارا، لا أن المراد
وإن علم إقدامه على المشتبه المحصور، حتى كون الاشتراط في كلامه
مختصا بغير الجائر، بل الظاهر تعميمه لهما كما يقتضي به التأمل لتمام
كلامه، ويمكن أن يريد اختصاص الجائر بهذا الحكم، وهو جواز التناول
منه وإن علم إقدامه على المشتبه المحصور كما هو مقتضى حال الجائر،
للنصوص وغيرها مما ستعرفه، وعلى كل حال فوجهه ما أشار إليه،
ويحتمل الأول بل ربما أوهمه التقييد بالعين في المتن والنافع ومحكي
نهاية الإحكام والدروس والكفاية ومعقد اجماع المصابيح، وفي المسالك
التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها وأن علم أن في ماله مظالم
كما هو مقتضى حال الظالم، ولا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام
173

في وجوب اجتناب الجميع، للنص على ذلك.
وقد يستفاد من استناده إلى النص اختصاص الجائر بهذا الحكم،
وعن ابن إدريس أنه قال: إذا كان يعلم أن فيها شيئا مغصوبا إلا أنه
غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها
على جهة الخراج فلا بأس بشرائه منه، وقبول صلته لأنها صارت بمنزلة
المستهلكة، لأنه غير قادر على ردها، قيل ونحو ذلك عبارة النهاية
وأحسن ما ينزل عليه كلامهما إرادة عدم وجوب الاجتناب، لعدم جريان
حكم الشبهة المحصورة فيه، فيرجع حينئذ إلى الاحتمال الأول، الذي
قد يؤيد مضافا إلى اطلاق النص والفتوى ومعقد الاجماع والسيرة بأنه
لا مدخلية للدفع ونحوه في الإباحة، إذ ليس هو إلا لحمل فعل المسلم
على الوجه الصحيح، وهو جار في غيره من الأموال التي تحت يده
المشتركة جميعا في تصرفه بها تصرف الملاك في أملاكهم، على أنه قد
يفرض دفعه فيما يعلم كونه على وجه محرم، لدوران المدفوع بين كونه
من الخراج الذي يحل لنا تناوله منه وإن أثم هو بدفعه، وبين كونه
من مظالمه التي ظلم بها العباد، مع اندراجه في النص والفتوى وغيرهما
مما دل على حلية جوازه وما في يده، فلا مناص حينئذ عن القول بجريان
حكم الأملاك على جميع ما في يده وإن علم فيها محرم حتى يعلم الحرام منه
بعينه فيدعه، وأنه كالمشتبه غير المحصور في ذلك، من غير فرق بين
المقاصة وغيرها، كما أنه لا فرق بين الجائر وغيره من ذي المال المختلط
لما عرفته من اتحاد المدرك في الجميع.
نعم قد يفرق بين الجائر وغيره باختصاصه بجواز الآخذ منه وإن
علم اختلاط ماله اختلاطا موجبا للاجتناب في غيره، وإخراج الخمس
لو أريد تحليله، وذلك لما عرفته من الأدلة بخصوصه على جواز التناول
174

منه والمعاملة معه، مع أن الغالب في حاله خصوصا المخالف منهم عدم
الفرق عندهم بين الحلال والحرام، ومعاملة الجميع معاملة واحدة في
التصرف وفي غيره، فيمكن أن يكون المالك الحقيقي قد رخص فيما
في يده من الأموال وإن كانت مختلطة، رأفة بهم باعتبار ما علمه من
حالهم في زمن الغيبة، وشدة حاجتهم إلى مخالطة هؤلاء الذين لم
يفرقوا بين الحلال والحرام، بل لا يسعهم التجنب عنهم، وبيان التنزه
عن أموالهم، التي هي بالنسبة إلينا بحكم مجهول المالك، فلا بأس بإذن
الشارع الذي هو المالك الحقيقي في تناولها.
ولعل على ذلك يحمل كلام السرائر المتقدم وغيرها، بل لعل إليه
الإشارة بقوله لك المنهي وعليه الوزر (1) مضافا إلى بعض النصوص
الدالة على شراء ما يؤخذ من الطعام خراجا وإن علم جورهم فيه
وتعديهم على الرعية به (2) بل يمكن إرادة من قيد بالعين كالمصنف
وغيره ذلك أيضا، على معنى أن الجوائز مثلا حلال إلا إذا علم كونها
حراما بعينها، من غير فرق بين كونها من المال المختلط أو غيره، فإن
الاختلاط لا يقتضي الحرمة بعينها، بل لعله هو الوجه في ذكرهم
الجائر بالخصوص.
بل ربما يومي إليه ما تعرفه من ذكرهم إخراج الخمس منه لو
أريد حليته الصرفة، لكن في شرح الأستاذ جوائز الظالم إن علمت
علما يقينا غصبا أو مأخوذة بغير حق على أي نحو كان متميزة أو ممتزجة
أو في ضمن محصور حرمت عقلا وشرعا وكتابا وسنة واجماعا، وما
ورد مما ظاهره إباحة القسم الثاني، معارض بما هو أقوى منه، وربما

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به
175

يؤيده الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، وهو المأخوذ من يد
الجائر مع عدم العلم بحاله أنه من مخلوط أو من مشتبه محصور أو من
حلال محض أو حرام كذلك، وحينئذ يكون الجائر كغيره في الحكم
المزبور، وإنما ذكر بالخصوص لتعرض النصوص له بالخصوص، ولا ريب
في أنه أحوط كما أنه لا ريب في استحباب التنزه عن جوائزهم، لأنا
لا نصيب من دنياهم شيئا وإلا أصابوا من ديننا مثله، وفي المروي عن
العيون في حديث (1) (إن الرشيد بعث إلى موسى بن جعفر عليه
السلام بخلع وحملات ومال فقال: لا حاجة لي بذلك إذا كان فيه
حقوق الأمة فقال: له ابن الربيع ناشدتك الله أن لا تردها فيغتاظ
فقال أعمل بها ما أحببت (2) وفي خبر آخر (أن الرشيد أمر أن
تحمل بين يديه خلع وبدرتان دنانير فقال عليه السلام: لولا أني أرى
من أزوجه بها من عزاب آل أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها)
ولعله على ذلك (3) يحمل قبول الحسن والحسين عليه السلام جوائز
معاوية، أو لأن الأرض وما فيها لهم، أو لبيان أصل الجواز أو لغير ذلك
مما لا ينافي صدورهم منهم كراهته، التي قد يرفعها أيضا إخراج الخمس
لمعلومية كونها لاختلاط ماله، والخمس يطهر المختلط، وفي الموثق (4)
(سئل أبا عبد الله عليه السلام عن عمل السلطان يخرج فيه رجل
فقال: لا، إلا أن لا يقدر على شئ يأكل ولا يشرب ولا يقدر على

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11
(3) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 13 و 14
(4) الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
176

حيلة، فإن صار في يده شئ فليبعث بخمسه إلى أهل البيت (ع)) كما
أنه أيضا يرفعها أيضا اقترانها بمرجحات تقتضي قبولها على حسب غيرها
من المكروهات، بل قيل: لا كراهة في قبولها مع الاخبار بأنها من
الحلال والأمر في ذلك كله سهل.
وكيف كان (فإن) علم كونها بعينها حراما و (قبضها) بعد العلم
أو قبله (أعادها على المالك) بلا خلاف ولا إشكال حتى لو احتاج
إلى أجرة بذلها، لأنه بحكم الغاصب بالنسبة إلى ذلك وإن كان لا إثم
عليه مع العلم بعد القبض بل له الرجوع بها على الدافع له باعتبار
غروره) وإن جهله) بعينه وكان بين محصورين، تخلص منهم بصلح
ونحوه، وإن لم يكن بين محصورين، بل كان في غير محصور وحصل الياس
من معرفته، (أو تعذر الوصول إليه تصدق بها عنه) كما في غيرها
من أقسام مجهول المالك الذي حكمه ذلك نصا وفتوى، لأنه أقرب
طرق الايصال.
ودعوى أن ما نحن فيه بحكم اللقطة التي هي المال الضايع من
صاحبه واضحة الفساد، كدعوى أن حكمه تعيين حفظه والوصية به أو
التخيير بين ذلك والتصدق به، بل كأن ذلك اجتهاد في مقابلة النص
والفتوى، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد في قصة الشاب الذي كان من
عمال بني أمية، ثم جاء إلى الصادق عليه السلام نادما فأمره بالصدقة
بجميع ما كان عنده وضمن له على الله الجنة ففعل ووفى له (1): نعم
ينبغي أن يعزم على الضمان لو ظهر صاحبه، فلم يختر الصدقة لكن لا
يحتسب بذلك من ديونه ما دام صاحبه غير ظاهر، ولو أراد السلامة
من ذلك سلمه إلى الحاكم الذي هو ولي الغائب، فالايصال إليه بمنزلة

(1) الوسائل الباب 47 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
177

الوصول إلى المالك، وإنما لا يتعين ذلك وإن كان ربما تخيل لاطلاق
الأمر بالتصدق الظاهر في كون المراد حكمه ذلك، لا أنه انشاء
إذن منه، كظهوره في أن المتصدق من كان بيده المال أو وكيله، إلا
أنه للجمع بينه وبين ما دل على ولاية الحاكم، مخير بين الأمرين الذين ليس
له التراخي عن فعل أحدهما، نعم قد يقال بوجوب الرجوع للحاكم
فيما لو كان في ذمته مال مجهول المالك باعتبار توقف تشخيصه على
قبضه، لأنه بمنزلة المالك.
وعلى كل حال فالصدقة على أهل الحق، ولا فرق في المتصدق عنه
بين كونه منهم أو من غيرهم، وإن كان لم ينتفع بها إلا هم، وربما
احتمل اجراء حكم مذهبه فيه، والأقوى ما عرفت هذا.
(و) قد ظهر لك أنه (لا يجوز إعادتها) أي الجائزة (على
غير مالكها مع الامكان) فلو فعل كان ضامنا بلا خلاف ولا إشكال
بل هو كذلك لو أخذها الظالم أو غيره قهرا، بعد إن كان قبضها
باختياره عالما بغصبها، ضرورة كونه حينئذ غاصبا، لأن يده عادية
فلا يجديه القهر في رفع الضمان عنه كالغاصب، بل لعله كذلك حتى
لو قبضها جاهلا بغصبها ثم علم بعد ذلك، وفاقا للاستاد في شرحه لأن
يده فرع يد الغاصب التي هي يد ضمان، وجهله إنما ينفعه في رفع
الإثم. وفي الرجوع باعتبار غروره.
نعم لو وصل إليه من غير يد الغاصب وفروعها كما لو أطارته
الريح منه إليه اتجه عدم ضمانه، لأنه حينئذ بمنزلة الأمانة في يده
لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، بخلاف الأول الذي هو في الحقيقة
يد الغاصب باعتبار الفرعية عليها ولو جهلا، كما يشهد لذلك اتفاقهم
ظاهرا في باب الغصب على ضمان الأيدي المتعاقبة على المغصوب، من
178

غير فرق بين العلم والجهل، وإن رجع المغرور منهم على من غره، أو
رجع عليه المالك، وكذا الكلام فيما لو تلفت منه بغير تفريط، إذ
هو كالأخذ منه قهرا هذا، ولكن في المسالك في المقام أن الأجود عدم
الضمان في الأخير، لأن يده يد أمانة، لأن الفرض عدم علمه بالغصب
حتى قبضها فتستصحب، كما لو تلفت بغير تفريط فلا يضمن بالأخذ منه
قهرا، ووافقه العلامة الطباطبائي في مصابيحه، لكنه كما ترى.
نعم لو كان قد قبضه من أول الأمر بعنوان الاستنقاذ والارجاع
إلى مالكه اتجه حينئذ عدم ضمانه بالتلف بغير تفريط، لأن يده حينئذ
يد أمانة، لا من فروع يد الغاصب المعامل نفسه معاملة المالك، ولأنه حينئذ
محسن لا سبيل عليه، وفرق واضح بين هذا القبض وبين القبض بعنوان
قبول الهبة، وإثبات يد المدفوع إليه بدل يد الدافع، فليست هي حينئذ
إلا يد الدافع الذي قد فرض كونه غاصبا، وإن كان المدفوع إليه
جاهلا وعزم على إرجاعها على مالكها بمجرد علمه بالغصب، لكن قد
سبقت ذلك يد الضمان، فلا يجديه هذا العزم في رفعه، ولا في تحقيق
كونها يد أمانة كما هو واضح بأدنى تأمل هذا.
ولا يخفى عليك حكمها في يد الظالم يمن الأخذ منه قهرا مع
الامكان إن بقيت في يده وعوضها مع التلف ويقاص بها من أمواله،
من غير فرق في ذلك بين موته وحياته، وبين كونها معلومة المالك
ومجهوليته، لأنها بحكم الديون، لكن في شرح الأستاذ أن ما في يده من
المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون، في التقديم على الوصايا والمواريث
لعدم انصراف الدين إليه، وإن كان منه وبقاء عموم الوصية والمواريث
على حاله، والسيرة المأخوذة يدا بيد من مبدء الاسلام إلى يومنا هذا
فعلى ذلك لو أوصى بها بعد التلف خرجت من الثلث، وما كان منها
179

باقيا يجب رده، ولو امتنعوا منه حل الحلال وحرم الحرام، وفيه مع
أنه لم نجد له موافقا عليه منع واضح، خصوصا بعد معلومية المغصوب
منه، ودعوى عدم الانصراف كدعوى السيرة المجدية ممنوعتان أشد
المنع، وما في التحرير من أن الأفضل للمظلوم عدم أخذه ما ظلم به
وإن تمكن منه أجنبي عن ذلك، ويمكن أن يكون وجهه مراعاة التقية
والله أعلم.
المسألة (السابعة) لا خلاف أجده في أن (ما يأخذه) أو
يحول عليه أو يصالح عليه (السلطان الجائر من الغلات) في زمن
الغيبة ونحوها في قصور اليد من المؤمنين والمخالفين، (باسم المقاسمة)
التي هي قسم أيضا من الخراج الذي هو بمعنى الأجرة والطسق (أو
الأموال باسم الخراج عن حق الأرض) من المنتفعين بالأراضي التي
مرجع التصرف فيها الإمام العدل حال بسط اليد، باعتبار ولايته عن
المسلمين، من غير فرق بين الدراهم والغلات وغيرهما يكون خراجا
مبرء لذمة من كان عليه كما لو أخذه السلطان العادل، من غير فرق
بين قسمة الموجود، وبين القبض ما كان منه في الذمة، كما أنه لا
خلاف معتد به في جواز شرائه منه وقبول هبته، ونحو ذلك مما يقع
على المملوك حقيقة وعن جامع المقاصد أن عليه في شرائه منه اجماع
فقهاء الإمامية، والأخبار المتواترة (1).
وفي مصابيح العلامة الطباطبائي أن عليه اجماع علمائنا، وروايات
أصحابنا وفي قاطعة اللجاج الاجماع مكررا على ذلك، وفي المسالك
أذن أئمتنا عليهم السلام في تناوله وأطبق عليه علمائنا، ولا نعلم فيه
مخالفا، وفي محكي التنقيح وتعليق الإرشاد الاجماع عليه أي شراؤه،

(1) الوسائل الباب 51 و 52 و 53 من أبواب ما يكتسب به
180

ولذلك كله قال: في الرياض أن عليه الاجماع المستفيض، ضرورة عدم
استقامة تعيش الانسان بدون نماء الأراضي والغرس فيها، والفرض أن
جميعها بأيديهم، قلت بل لا ينكر حصول القطع به بملاحظة السيرة القطعية
من العوام والعلماء في سائر الأعصار والأمصار في الدولة الأموية
والعباسية وما تأخر عنهما، وملاحظة العسر والحرج والضرر في التكليف
باجتنابه بل هو شبه التكليف بما لا يطاق، وملاحظة النصوص التي
يمكن دعوى تواترها، المفرقة في أبواب الخمس (1) والزكاة (2) والجهاد (3)
وإحياء الموات (4) والمقام (5) بل والمسألة السابقة (6) إذ من المعلوم
كون جل جوائزهم من الخراج، خصوصا ما كان يرسله معاوية إلى
الحسن والحسين عليهما السلام وخصوصا ما كان يجبيه أبو بكر وعمر
وعثمان ويفرقه في الصحابة.
بل لعله المسألة من الضروريات التي لا يحتاج في إثباتها إلى
الاستدلال بالروايات، ولعل وقوع ذلك من المحقق الكركي وغيره ممن
تأخر عنه، لغفلة بعض من عاصره عن ذلك، منهم الشيخ إبراهيم بن
سليمان الجبلي أصلا الحلي مسكنا، فادعى تحريمه، وربما تبعه المقدس
الأردبيلي حتى احتاج إلى عمل رسالة في المسألة، أكثر فيها من الشكوى
والتظلم منهم، ومن دعواهم العلم، وأنهم ليسوا من أهله، وسماه

(1) الوسائل الباب 8 و 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام زكاة الغلات
(3) الوسائل الباب 71 و 72 من أبواب جهاد العدو
(4) الوسائل الباب 1 و 3 من أبواب احياء الموات
(5) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به
(6) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به
181

بقاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج، كما أنه يحكى عن الشيخ
إبراهيم المزبور عمل رسالة أيضا بعكسها، وأنه أساء الأدب فيها مع
المحقق المذكور، ولنعم ما يحكى عن المجلسي من القول فيهما بعد أن
أثنى عليهما في كل شجر نار، واستمجد المزح والعقار وهذا وشبهه، هو
الذي دعى إلى التطويل في المسألة وإلا فهي أوضح من ذلك، وكم
مسألة ضرورية صارت نظرية، بسبق الشبهة إلى بعض الأوهام، ومن
الغريب استنادهم في ذلك إلى كونه ظالما غاصب آثما في القبض والدفع
وغير ذلك من تصرفاته، فكيف يتصور حل التناول منه.
إذ لا يخفى عليك أنه لا ينافي الإذن ممن له الأمر في حل التناول
منه، وإن حرم هو عليه الدفع وغيره من التصرفات، فلو أجاز جائزة
مثلا من الخراج ملكها المجاز، وإن أثم المجيز بإجازته بل لو باع منه
شيئا ملكه المشترى وإن أثم البائع في دفعه لعدم سلطنة له في الاقباض
فتترتب الآثار حينئذ بالإجازة لنا من أئمتنا عليهم السلام الذين هم
ولاة الأمر، وهي لا تنافي الإثم بالنسبة إلى الجائر، كما لا ينافي
إجازة المالك عقد الغاصب، بقاء الإثم عليه في غصبه، فمن الغريب الاعراض
عما عرفت مما يفيد بعضه اليقين بذلك، فضلا عن جميعه، لهذه الشبهة التي
كادت تكون من الاجتهاد في مقابلة النص أو في مقابلة الضرورة التي
قد عرفت، وكان منشأها أن الأئمة عليهم السلام لما علموا انتفاء تسلط
سلطان العدل، إلى زمن القائم عليه السلام، وعلموا أن للمسلمين
حقوقا في الأراضي المفتوحة عنوة، وعلموا أنه لا يتيسر لهم الوصول
إلى حقوقهم، في تلك المدة المتطاولة، إلا بالتوسل والتوصل إلى السلاطين
والأمراء، حكموا بجواز الأخذ منهم، إذ في تحريم ذلك حرج وغضاضة
عليهم، وتفويت لحقوقهم بالكلية، بل قد عرفت أنه لا يمكن التعيش
182

مع إطلاق تحريم التعرض له، هذا كله مضافا إلى النصوص في المقام
كخبر الحذا (1) عن الباقر عليه السلام (سألته عن الرجل يشتري من
السلطان من إبل الصدقة وغنمها، وهو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر
من الحق الذي يجب عليهم؟ قال: فقال: ما الإبل والغنم إلا مثل
الحنطة والشعير وغير ذلك، لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه، قيل
فما ترى في مصدق يجيئنا القاسم فيأخذ صدقات أغنامنا، فنقول:
بعناها فيبيعنا إياها، فما ترى في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد
أخذها وعزلها فلا بأس فقيل: فما ترى في الحنطة والشعير يجيئنا
القاسم فيقسم لنا حظنا، ويأخذ حظه، فيعزله بكيل فما ترى في شراء
ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قبضه بكيل وأنتم حضور ذلك، فلا
بأس بشرائه منه بغير كيل).
والمناقشة في الدلالة أولا بمنعها على إباحة الخراج والمقاسمة، فإن
غايتها الدلالة على حكم الزكاة خاصة، وثانيا بانتفائها أيضا للاجمال
في الجواب، عن إباحتها بقوله: لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه
المحتمل لأن يراد منه الكناية عن عدم إباحتها، بناء على معلومية حرمتها
اجماعا، وبكون المنشأ في الاجمال هو التقية، وثالثا باحتمال كون
المصدق من قبل العدل، ورابعا باحتمال الشراء فيه، الاستنقاذ لا
المعاملة الحقيقة، بناء على كون متعلقها فيه صدقات المشترين خاصة،
مدفوعة بظهور لفظ القاسم في كون المأخوذ مال المقاسمة سيما في مقابلة
لفظ المصدق مع مضي السؤال عن حكم المسؤول، عن حكمه هنا في الصدر
المشعر بل الظاهر أنه غير الأول، ويتم الباقي بعدم القول بالفصل،
وبانتفاء الاجمال بعد تعلق السؤال، بخصوص إبل الصدقة، ووجوب

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5
183

مطابقة الجواب له، وإرجاع ضميره إليه، ولا ينافيه تعليق الإباحة
وتحديدها بعدم معلومية الحرمة، بعد تضمن السؤال إياها فيما زاد
على الصدقة المفروضة، فيكون حاصل الجواب حل شراء الصدقة إذا لم
تعلم فيها الزيادة المحرمة، التي تضمنها السؤال، لامكان كونها معزولة
وسياق الرواية يأبى عن حمل الاجمال فيها لو كان على التقية
والثالث والرابع يبعدهما غاية، سيما الأول بملاحظة حال الأئمة عليهم
السلام ويدفع الثاني مضافا إلى البعد الماضي بأن صدرها كالصريح في
كون المبيع غير المشترى، كما أن المناقشة فيها باختصاصها بالشراء،
يدفعها ما عرفته من عدم الفرق بينه وبين غيره عند الأصحاب، بل عن
جامع المقاصد لا فرق بين قبض الجائر لها وإحالته بها إجماعا، وفي
الرياض ويستفاد من النصوص صريحا في بعض واطلاقا أو عموما في
آخر ما ذكره الأصحاب من غير خلاف يظهر من عدم الفرق في الحكم
بين الشراء وغيره من سائر المعاوضات والمعاملات، وقبض الجائر أو
وكيله لها وعدمه، فلو وهبها أو أحاله بها وقبل الثلاثة أو وكله في
قبضها أو باعها وهي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول، لأن دليل
الإباحة شامل لهذه الصور المفروضة، وعلى ذلك يحمل الشراء والأخذ
في العبارة وغيرها من كلام جماعة ويؤيد العموم ما اتخذ دليلا في
أصل المسألة من استلزام عدم الإباحة العسر والحرج على الشيعة المنفيين
آية (1) ورواية (2) قلت: فما عن السيد العميد في شرح النافع من

(1) سورة المائدة الآية
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 14 والمضاف
الحديث 5
184

أنه إنما يحل بعد قبض السلطان أو نائبه ولذا قال المصنف: يأخذه
واضح الفساد، كالمحكي عنه أيضا من عدم جواز شراء غير المقاسمة،
وأنه لا يجوز الضمان من الجائر إذ قد عرفت وتعرف أيضا تطابق النصوص
والفتاوى على خلائه ومعاقد الاجماعات.
ومنها الحسن (1) (ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة
فيكفونه ما يكفيه الناس ويعطيهم ما يعطي الناس) ثم قال: للراوي لم
تركت عطاءك؟ قال: مخافة على ديني قال: ما منع ابن أبي سماك
(أن يبعث إليك بعطاك أما علم أن لك في بيت المال نصيبا)
وهو مع حسنه واحتمال صحته واضح الدلالة، من حيث تجويزها أولا
لشباب الشيعة أخذ ما يعطى الحاكم الناس المعينين له، ومن جملة ما يعطونه
وجوه الخراج والمقاسمة وثانيا للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب
فيه اجتماعهما فيه لندرة الزكوات فإن لها أربابا مخصوصة يعطون من
دون احراز لها فيه فاحتمالها فيه ضعيف، وأضعف منه احتمال الوجوه
الموصى بها أو المنذورة للشيعة، فالمناقشة في الدلالة بما مر ضعيفة،
ومنها الموثق (2) (عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم فقال: يشتري
منه ما لم يظلم فيه أحدا) وترك الاستفصال عما يشترى منه يفيد
العموم لجميع أفراد السؤال التي منها مفروض البحث ولا ينافيه القيد
لاشتراطه فيه اجماعا.
وليس المراد من الظلم مطلقه، كيف لا والعامل لا ينفك عنه
مطلقا، فالمراد منه الظلم الزائد على المتعارف عرفا، وهو المستند في
الشرط الذي قدمناه تبعا لأصحابنا، وبالوجه في دلالته يعلم الوجه في

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6
(2) الوسائل الباب 53 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
185

دلالة إطلاق النصوص المعتبرة بجواز الشراء من الظلمة من دون
استفصال وتقييد بما يخرج عن مفروض المسألة.
منها الصحيح (1) (اشترى من العامل الشئ وأنا أعلم أنه يظلم
فقال: اشتر منه) والمرسل كالصحيح (2) (اشترى الطعام فيجيئني من
يتظلم يقول: ظلمني فقال: اشتره) وينبغي تقييد الظلم فيها بعد العلم
بوقوعه على المبيع، أو بعدم زيادته عن متعارفه ولو وقع عليه، ويكون
نسبته إلى الحاكم حينئذ من حيث عدم استحقاقه لمثله، وعلى هذا فهما
ظاهران فيما ذكره الأصحاب من جواز الأخذ من المالك ولو تظلم
أو أظهر عدم الرضا، ومنها النصوص الدالة على جواز قبالة الخراج والجزية.
كصحيح إسماعيل بن فضل (3) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل يتقبل بخراج الرجال وجزية رؤسهم وخراج النخل والشجر
والآجام والمصايد والسمك والطير وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا
أو يكون أيشتريه ويتقبل به وفي أي زمان يشتريه ويتقبل منه
فقال: إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره وتقبل به)
والموثق (4) (عنه أيضا في الرجل يتقبل بجزية رؤس الرجال، وبخراج
النخل والآجام والطير وهو لا يدري ولعله لا يكون) الحديث بأدنى
تفاوت بل ظاهرهما أن غرض السائل متعلق بالسؤال من حيث أنه
لا يدري يكون من ذلك شئ أم لا، ولهذا لم يذكر خراج الأرض فكأن
أصل الجواز من حيث كون ذلك خراجا أمر مسلم عندهم.

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و 3
(2) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و 3
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه
(4) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه
الحديث 4 وذيله.
186

والصحيح (1) (عنه أيضا أنه قال: في حديث لا بأس بأن يتقبل
الرجل الأرض وأهلها من السلطان وعن مزارعة أهل الخراج بالربع
والنصف والثلث قال: نعم لا بأس به وقد قبل رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر والخبر هو
النصف) وهو كالصريح في أن حكم تصرف الجائر في هذه الأراضي حكم
تصرف الإمام العادل.
وصحيح (2) إسماعيل بن الفضل (سألته عن رجل استأجر من السلطان
أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ثم أجرها وشرط لمن
يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر فله ذلك،
قال: نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك
قال: وسئلته عن رجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدارهم مسماه
أو بطعام معلوم فيؤجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشئ معلوم
فيكون له فيما استأجره من السلطان ولا ينقص شيئا أو يؤاجر تلك
الأرض قطعا قطعا على أن يعطيهم البذر والنفقة فيكون له في ذلك
فضل على إجارته وله تربية الأرض أو ليست له فقال: إذا استأجرت
أرضا فأنفقت شيئا أو زرعت فلا بأس بما ذكرت) وخبر الفيض بن
المختار (3) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في
الأرض أتقبلها من السلطان ثم أو آجرها أكرتي على أن ما أخرجه الله
تعالى منها من كل شئ لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان
قال: لا بأس به، كذلك أعامل أكرتي.

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب المزارعة ذكر صدره في
ذيل حديث 3 وذيله في باب 8 حديث 8.
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 3 و 4 و 5
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 3 و 4 و 5
187

وفي خبر (1) زرارة (اشترى ضريس بن عبد الملك وأخوه من
هبيرة أرزا بتلثمائة ألف قال: فقلت له ويلك ويلك أو ويحلك أنظر
إلى خمس هذا المال فابعث به إليه واحتبس الباقي فأبى علي، قال:
فادي المال وقدم هؤلاء فذهب أمر بني أمية قال: فقلت ذلك لأبي عبد الله
عليه السلام فقال: مبادرة للجواب هو له هو له فقلت: له أنه قد أداها فعض
على إصبعه إلى غير ذلك من النصوص التي لا يمكن استقصاؤها.
مضافا إلى نصوص الجوائز (2) التي تقدمت سابقا الشاملة باطلاقها
لما كان من الخراج وغيره، بل الغالب كونه منه، وإلى فحوى التعليل
بطيب الولادة فيما ورد من النصوص المتواترة في تحليل حقهم من
الخمس الذي في أيدي المخالفين، بل فيها ما يقتضي التحليل مطلقا من
غير فرق بينما كان عينه لهم وبين ما كان لهم ولاية التصرف فيه من
الخراج، وغيره قال: أبو جعفر عليه السلام في خبر الثمالي (3)
المروي في المقنعة (من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له
حلال، وما حرمناه من ذلك فهو حرام، والناس يعيشون في فضل
مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك).
ونحوه عن الصادق عليه السلام في خبر داود الرقي (4) وخبر المعلى ابن
خنيس (5) (قلت: لأبي عبد الله عليه السلام ما لكم من هذه الأرض
فتبسم، ثم قال: إن الله بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بابهامه ثمانية
أنهار في الأرض منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ والخشوع وهو نهر

(1) الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الأنفال الحديث 4.
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 7 و 17
(5) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 7 و 17
188

الشاش ومهران وهو نهر الهند ونيل مصر ودجلة والفرات فما سقت
أو استقت فهو لنا، وما كان لنا فهو لشيعتنا، وليس لعدونا منه شئ،
إلا ما غصب عليه وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه، يعني
ما بين السماء والأرض، ثم تلا هذه الآية قل هي للذين آمنوا في الحياة
الدنيا، المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيامة بلا غصب).
وقال أيضا في صحيح (1) الفضلاء (قال: أمير المؤمنين عليه السلام
هلك الناس في بطونهم وفروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا وإن
شيعتنا من ذلك وآباؤهم في حل) وخبر أبي خديجة (2) (قال رجل
وأنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه السلام، فقال له رجل ليس
يسألك أن يتعرض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها
أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال
الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحي، وما توالد منهم إلى يوم
القيامة فهو لهم حلال أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له ولا والله
ما أعطينا أحدا ذمة، وما لأحد عندنا عهد، ولا لأحد عندنا ميثاق)
إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب من وجوه المذكورة في باب
الخمس، وغيره من أبواب الفقه المشتمل بعضها على إباحة الفئ، والخمس
الذي يكون في أيدي المخالفين.
ومنها يعلم أن الأذن في ذلك للشيعة خاصته دون غيرهم، وليس
هو من الأحكام الشرعية التي لا فرق فيها بين المؤمن وغيره بل هو من
الإذن والرخصة التي ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن، مع قطع النظر
عن النصوص المخصوصة، ومن الغريب ما سمعته سابقا من احتمال
حله للسلطان، لأنه كالجعل له على حماية بيضة الاسلام، إذ هو كما

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 1 و 4
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 1 و 4
189

ترى يمكن كونه مخالفا للضرورة من المذهب من حرمته عليه لأنه
غاصب ظلم،
بل قد عرفت أن الأقوى ذلك أيضا بالنسبة إلى المخالفين لما في
سمعت، فما في شرح الأستاذ من الاشكال في ذلك في غير محله
فيعامل حينئذ ما وقع في أيديهم من ذلك معاملته في يد السلطان وعماله
من كونه حلالا للمتناول من الشيعة وحراما على غيره، نعم ظاهر الإذن
عدم الفرق بين الأخذ مما قبضه منه بيده بهبة أو شراء أو غيرهما وبين
أخذه ممن في ذمته بأمره، بتحويل أو غيره وأنه معامل في ذلك معاملة
سلطان العدل، بل ربما كان الظاهر معاملته فيه معاملة الملاك في أملاكهم
فكل تصرف منه فيه على حسب تصرفه في أملاكه قد أذن لنا أئمتنا
عليهم السلام في إجراء الحكم عليه كما عرفت وتعرف انشاء الله.
إنما الكلام في اختصاص الإذن المزبور إذا كان السلطان من
المخالفين، أو يعمه والموافق قال: في المسالك: الظاهر أن الحكم مختص
بالجائر المخالف للحق نظرا إلى معتقده واستحقاقه ذلك عندهم، فلو كان
مؤمنا لم يحل أخذ ما يأخذه منها، لاعترافه بكونه ظالما فيه، وإنما
المرجع إلى رأي الحاكم الشرعي، مع احتمال الجواز مطلقا نظرا إلى
إطلاق النص والفتوى، ووجه التقييد أصالة المنع إلا ما أخرجه الدليل،
وتناوله للمخالف متحقق والمسؤول عنه الأئمة إذا كان مخالفا للحق،
فيبقى الباقي وإن وجد مطلقا فالقرائن دالة على إرادة المخالف منه
التفاتا إلى الواقع والغالب.
وفيه مضافا إلى ما اعترف به من اقتضاء إطلاق النص والفتوى
العموم أن الإباحة إنما هي لرفع الحرج والضرر، وتوصل الشيعة إلى
حقوقهم الثابتة في بيت مال المسلمين كما يشعر به الحسن السابق، فلا
190

تختص حينئذ بالمخالف واعتقاده الإباحة جهلا غير مؤثر في جواز الأخذ
منه ولو أثر لمكان تأثيره في تسويغه بالنسبة إليه أولى واختصاص السؤال
لا يوجب تخصيص الجواب، مع فرض عمومه على أن أكثر النصوص خالية
عن السؤال أو السؤال المخصوص، وتحقق القرينة الصارفة عن إرادة
العموم غير معلوم، أو معلوم عدمه.
ولقد أجاد الأستاذ في شرحه في تفسيره الجائر بالمتغلب بجنوده،
واتباعه ذا طبل أو جمعة، أو عيدا أو لا، فرعا أو أصيلا، مؤمنا أو مخالفا،
مستحلا أو لا، محتجا عليه بالعموم في الروايات، وأكثر العبارات
وبعض منقول الاجماعات، نعم يتجه اتساع المملكة والامتناع
بسلطانه على غيره والاتخاذ لأحوال السلطنة وأوضاعها، على وجه يلحقه
باسم السلطان، فلا يجري الحكم على خصوص بعض الممتنعين، اعتبارا
بماء أو جدار أو نحو ذلك على سلطان مملكتهم من غير فرق بين المخالف
وغيره أيضا، كما أنه لا يجري على من ادعى سلطانا بلا شوكة، كبعض
سلاطين الهند ومن كاف من ذرية ذوي الشوكة من السلاطين، ضرورة
عدم مدخلية النسب في ذلك، وكان من خص الحكم بالمخالف نظرا إلى
أن مستند الحكم في جواز للتنازل منه ما ورد من النصوص بالزامهم
بما الزموا به أنفسهم من الإرث بالعصبة وغيره (1) وأنهم في ذلك
معاملون معاملة أهل الذمة الذين يجوز تناول ثمن الخمر والخنزير منهم
نظرا إلى كونه حلالا في مذهبهم (2) ومقتضاه اختصاص الجواز فيما
فعله الجائر موافقا لمذهبه دون غيره.

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد
الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 60 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 - 3
191

وفيه ما عرفت من كون مستند الجواز إذن من له الأمر في ذلك
كله، من غير فرق بين من كان منه على وفق مذهبه وأن لنا المهنى
وعليه الوزر كما سمعته سابقا في نصوص جوائزهم (1) وحينئذ لا فرق
في أخذ الخراج منه بين القليل والكثير، وبين ما كان منه موافقا لمصرفه
الموظف له وعدمه، وإن قال: بعض مشايخنا لعل الحكمة في ترتب
الأحكام المزبورة على ما يتناول منه لزوم فساد النظام والضيق على أهل
الاسلام والتجري على ما يخالف التقية، وإن قوة الجائر فيها دفع الفساد
عن العباد بحفظ بيضة الاسلام، ورفع قطاع الطريق والسراق، وحقن
الدماء وحفظ الأعراض إلى غير ذلك، فيكون صرفا في مصالح المسلمين
وإن كان على يد من لم يكن أهلا لإمرة المؤمنين مما عساه يتوهم منه
الاقتصار في الإذن على ما كان موافقا للمصرف الشرعي مؤيدا بأصالة
عدمها في غيره.
لكن قد عرفت إطلاق النص والفتوى، على وجه لا فرق فيه
بين الأفراد السابقة وغيرها، والتعليل في بعض النصوص السابقة بأن له
نصيبا في بيت المال لا يقتضي اشتراط جواز الأخذ بذلك وفي رسالة
الكركي هل يكون الأخذ حلالا مطلقا حتى لمن لم يكن مستحقا للزكاة، ولا
ذا نصيب في بيت المال حين وجود الإمام عليه السلام أو إنما يكون حلالا
بشرط الاستحقاق، حتى أن غير المستحق يجب عليه صرف ذلك إلى
مستحقه، إطلاق الأخبار وكلام الأصحاب يقتضي الأول، وتعليلهم
بأن للآخذ نصيبا في بيت المال وأن هذا حق الله مشعر بالثاني،
وللتوقف فيه مجال وإن كان ظاهر كلامهم الأول لأن دفع الضرر

(1) الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به.
192

لا يكون إلا بالأكل مطلقا قلت: لا مجال للتوقف بعد ما عرفت من
إطلاق النص والفتوى بالأذن الموافق لسهولة الملة ورفع الحرج عن الشيعة
الذين لهم المهنى وعليه الوزر.
نعم ليس لمن عليه الخراج أو غيره خيانته بالسرقة منه أو الامتناع
عن تسليمه إذا لم يكن هو من مصارفه وإن تمكن من الاحتراز من التقية
لأصالة عدم إباحته له، وتحقق الإذن فيما تناوله من يده لا يقتضي
تحققها في ذلك فيبقى حينئذ أصالة شغل ذمته به بحالها، ضرورة كون
الخراج كأجرة الأرض قد استحقه المسلمون منه بمجرد انتفاعه بالأرض
وما في خبر أبي بصير (1) (سألت أحدهما عليهما السلام عن شراء السرقة
والخيانة فقال: لا إلا أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك)
وخبر سماعة (2) (سألته عن شراء الخيانة والسرقة فقال: إذا عرفت أنه
كذلك فلا إلا أن يكون شيئا اشتريته من العامل) محمول على إرادة جواز
الشراء من السلطان وعامله وإن كانا خائنين سارقين لأموال المسلمين
فيكون حينئذ كباقي النصوص الدالة على جواز الشراء منهم.
إلا أن المراد جواز شراء السرقة من مال السلطان من احتماله،
كما فهمه الكاشاني معللا له بأنه ليس للسلطان، وإنما هو فئ للمسلمين
لأنه ناصب (وقد مضى خذ مال الناصب أينما وجدت وابعث إلينا
بالخمس (3) فخمسه للإمام عليه السلام والباقي لمن وجده من
المسلمين، والإمام قد أذن بشراء عينه، والبايع هو الواجد، فإنه لا
يخلو من وجه إذا كان من مال الخراج ونحوه، ولم يناف التقية

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 4
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 6
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6
193

كما ستعرف.
وخبر علي بن يقطين (1) (قلت لأبي الحسن عليه السلام: ما تقول في
أعمال هؤلاء؟ قال: إن كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة، ولذا كان علي
يجبيها منهم علانية، ويردها عليهم في السر) محمول على غير الخراج
أو يكون ذلك إذنا من الإمام عليه السلام برد الخراج إليهم، أو لأن
عليا كان من عمالهم في الظاهر فاعطاؤه كاعطائهم في الجواز أو نحو ذلك
كما أومي إليه الكركي في رسالته قال: يمكن أن يكون المراد به
ما يحصل عليهم من وجوه الظلم المحرمة، ويمكن أن يراد به وجوه
الخراج والزكوات والمقاسمات، إلا أنها وإن كانت حقا عليهم
فليست حقا للجائر، فلا يكون جمعها لأجله إلا عند الضرورة، ثم
قال: وما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الأعظم علي بن
هلال وقال: ظني أنه بغير واسطة بل بالمشافهة أنه لا يجوز لمن عليه
الخراج والمقاسمة سرقته وجحوده ولا منعه ولا شيئا منه لأن ذلك
حق عليه.
قلت: وكذا من عاصرناه من المشايخ خصوصا الأستاذ الأكبر
قال في شرحه على القواعد ويقوي حرمة سرقة الحصة وخيانتها والامتناع
عن تسليمها أو عن تسليم ثمنها إلى الجائر وإن حرمت عليه، ودخل
تسليمها في الإعانة على الإثم في البداية أو الغاية لنص الأصحاب على
ذلك، ودعوى الاجماع فيه، وجعلها من الجعل له على حماية بيضة
الاسلام فتحل له لم يقم عليه دليل إلى آخره، ولا يخفى عليك أن
ذلك كله لما عرفته من أن الخراج أجرة الأرض وقد استحقه المسلمون
على التصرف بالأرض بمجرد انتفاعه بها، فإن كانت يد الشرع مبسوطة

(1) الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8
194

دفعه إلى ولي المسلمين، وإلا دفعه إلى الجائر مع قضاء التقية به، فلو
فرض عدمها في بعض الأحوال والأمكنة والأزمنة ولو بالنسبة إلى بعض
الخراج دفعه إلى الحاكم المنصوب من قبلهم عليهم السلام في زمن الغيبة
على كل ما كان لهم توليته في حال قصور اليد وبسطها حتى الحد في وجه
قوي، فضلا عن قبض الزكوات والأخماس والولايات على الصبيان
والمجانين وغيرهم، كما لا يخفى على من لاحظ كلام الأصحاب القدماء
والمتأخرين، في باب الأمر بالمعروف والقضاء والزكاة وغيرها من أبواب
الفقه، ومن الغريب دعوى بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص جواز
الدفع في الخراج ونحوه بالجائر ملاحظة للتقية الزمانية وأن الأصل عدم
الإذن منهم عليهم السلام في الدفع إلى غيره، ولاقتصار النص في المقام
ونظائره على بيان حكمه في يد الجائر.
وفيه أولا أنه كغيره من الأحكام التي شرعت للتقية، المعلوم
كونها دائرة مدارها، فمع فرض عدمها في حال أو في زمان أو مكان لا
ينبغي التأمل في عدم جواز مراعاتها أو كون الزمان زمانها لا يقتضي
ذلك وإن فرض عدمها في بعض الأحوال كما هو واضح، بل هو من
الضروريات علما وعملا، وثانيا أن أقصاها جواز الدفع، أما وجوبه على
وجه بحيث لا يجزي لو دفعه إلى حاكم الشرع المنصوب من قبلهم فغير
معلوم، بل معلوم خلافه، ولاطلاق ما دل على ولايته من النص (1)
والفتوى، والظاهر أن اقتصار الأصحاب في المقام على بيان حكمه في يد
الجائر، لمعلومية حاله في يد الفقيه الذي يده كيد الإمام، وقد اتكلوا
في بيان ذلك على ما ذكروه في غير المقام، من أن منصبه منصب الإمام
وإنما المراد لهم بيان حكمه في يد الجائر التي هي مظنة المنع باعتبار

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1 و 9
195

كونها غاصبة وظالمة، بل قد عرفت توهم غير واحد من متأخري
المتأخرين ذلك مع هذا التصريح منهم.
ولعل هذا بعد التأمل مما يقطع به الفقيه بأدنى نظر وتأمل، قال:
الكركي في رسالته بعد ما ادعى الاجماع على جواز تناوله من يد الجائر
فإن قلت: فهل يجوز أن يتولى من له النيابة حال الغيبة ذلك عن
الفقيه الجامع؟؟ للشرائط؟ قلت: لا نعرف للأصحاب في ذلك تصريحا ولكن
من جوز للفقهاء في حال الغيبة تولي استيفاء الحدود وغير ذلك من توابع
منصب الإمامة، فينبغي تجويزه هذا بطريق أولى لأن هذا أقل منه خطرا
لا سيما والمستحقون لذلك موجودون في كل عصر، إذ ليس هو مقصورا
على الغزاة والمجاهدين كما سيأتي، ومن تأمل في كتب كبراء علمائنا
مثل السيد الشريف، وعلم المحققين نصير الملة والدين. وبحر العلوم
جمال الملة والدين، وغيرهم نظر متأمل منصف، لم يعترضه شك في أنهم
كانوا يسلكون هذا المنهج ويتجوزون هذا السبيل، وما كانوا يودعون كتبهم إلا
ما يعتقدون صحته، قلت: قد عرفت أنه لا ينبغي الشك في الحكم المزبور
فله حينئذ تسليم الخراج له إذا لم تكن تقية تنافيه، بل الظاهر تعميمه
لعدم ثبوت الإذن في التسليم للجائر في هذا الحال، ولما تسمعه في
الصحيح (لا تعطوا بني أمية ما استطعتم) (1) وعن ملا فيض المراد من
عدم حل المنع والسرقة عدمهما ممن اشتراها من الجائر وأما الجائر فيجوز
ذلك بالنسبة إليه، قلت: بل قد عرفت وجوبه إذا لم يناف التقية.
هذا ولكن في شرح الأستاذ بعد أن ذكر الحكمة التي قدمناها في
ترتب الأحكام على ما في يد الجائر قال: ومع عدم السلطان الجائر،
فالمرجع إليه الفقيه المأمون فيما يتعلق بأمور المسلمين، والقول بجواز

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب مستحقين الزكاة الحديث 3
196

أخذ الجميع للمؤمنين فيما يكتسبونه بزراعتهم عند عدم تسلط الجائر
هو الأقوى على نحو ما سيجئ تفصيله لظاهر الأخبار، وظاهره ترتب
ولاية الفقيه على عدم السلطان الجائر، كما أن ظاهره سقوط الخراج عن
المؤمنين حينئذ، وفيهما معا منع واضح، وإن كان ربما يشهد للثاني
منهما في الجملة نصوص التحليل (1) وما ورد أيضا (2) من أن الأرض
كلها لنا، وأنه قد أبحنا ذلك لشيعتنا، إلى ظهور قائمنا فيأخذ طسقها
من الشيعة ويتركها في أيديهم كما أنه يأخذ الأرض جميعا من أيدي
أعدائهم إلا أن ذلك مطرح عند الأصحاب بالنسبة إلى ذلك، وربما
كان المراد منها خصوص الموات الذي هو لهم من الأنفال أو غير ذلك،
دون الأراضي الخراجية التي للمسلمين فإن خراجها غير ساقط عمن أنتفع
بها، ولذا جاز تناوله من يد الجائر، فإن قضت التقية بتسليمه للجائر
دفعه إليه وبرئت ذمته، وإلا دفعه إلى حاكم الشرع صرفه في مصارفه،
ودعوى عدم الولاية لحاكم الشرع من السلطان الجائر وإن لم تقض
التقية بالدفع إليه واضحة المنع، كما عرفته فيما تقدم، مضافا إلى أنه
لا شك في أن للإمام حال قصور يده ذلك، كما صرح به في بعض
النصوص، وكلما كان له صار لنائبه المنصوب من قبله.
وما في ذيل خبر عبد العزيز بن نافع (3) (قال: طلبنا الإذن على
أبي عبد الله عليه السلام فأرسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين فدخلت أنا ورجل معي
فقلت: للرجل أحب أن تحل باب المسألة فقال: نعم، فقال له: جعلت فداك

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال.
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 12 و 3 من
أبواب احياء الموات الحديث 2.
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 18.
197

إن أبي كان ممن سباه بنو أمية، وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم
أن يحرموا ولا يحللوا، ولم يكن لهم مما في أيديهم قليل ولا كثير،
وإنما ذلك لكم فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما كان
يفسد علي عقلي ما أنا فيه، فقال له: أنت في حل مما كان من ذلك
وكل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك قال:
فقمنا وخرجنا فسبقنا معتب إلى النفر القعود الذين ينتظرون إذن
أبي عبد الله عليه السلام، فقال لهم: قد ظفر عبد العزيز بن نافع بشئ
ما ظفر بمثله أحد قط، قيل له: وما ذاك ففسره لهم، فقام اثنان
فدخلا على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أحدهما جعلت فداك إن
أبي كان من سبايا بني أمية، وقد علمت أن بني أمية لم يكن لهم من
ذلك قليل ولا كثير، وأنا أحب أن تجعلني من ذلك في حل، فقال:
ذلك إلينا وما ذلك إلينا مالنا أن نحل ولا نحرم، فخرج الرجلان
وغضب أبو عبد الله عليه السلام فلم يدخل عليه أحد في تلك الليلة إلا
بداه أبو عبد الله عليه السلام فقال: ألا تعجبون من فلان يجيئني
فيستحلني مما صنعت بنو أمية كأنه يرى ذلك إلينا ولم ينتفع أحد في تلك
الليلة بقليل ولا كثير إلا الأولين فإنهما عنيا بحاجتهما) محمول على التقية
بقرينة ما في صدره، وقد سمعت خبر ضريس (1) وغيره مما يدل على
ذلك، بل كان المسألة ليست محل شك، كما قد عرفت أنه لا شك في
أن ليس لأحد الامتناع من أداء الخراج بل الظاهر ذلك ولو كان من
عليه الخراج من جملة مصارفه، أما مع التقية فواضح، وأما مع عدمها
فلا بد له من الاستيذان من حاكم الشرع، لعدم ثبوت التحليل له من
الأئمة عليهم السلام على وجه لا يحتاج معه إلى مراجعة منصوبهم، وإن

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 3.
198

كان هو محتملا إلا أن الأحوط إن لم يكن الأقوى ما قلناه.
وكيف كان فالخراج والمقاسمة ليس لهما مقدار معين في الشرع،
بلا خلاف أجده فيه بل هو راجع إلى نظر الإمام عليه السلام على
حسب ما تقتضيه مصلحة جميع المسلمين بحسب الأزمنة والأمكنة
والأحوال التي تختلف معها الرغبات وغيرها من المنتفعين بالأرض أو
بخراجها كما فعله أمير المؤمنين في أيام خلافته (1) وقال: أبو الحسن
الأول عليه السلام في حديث (2) (والأرض التي أخذت عنوة بخيل
وركاب، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها على صلح
ما يصالحهم عليه الوالي على قدر طاقتهم من الخراج، النصف والثلث
والثلثان، وعلى قدر ما يكون لهم صلحا ولا يضر بهم) بل في رسالة
الكركي الاجماع على ذلك، وحينئذ فالخراج مقاسمة كان أو غيره،
أجرة الأرض على حسب مقتضى المصلحة الجامعة بين الطرفين.
وإلى ذلك يرجع ما قيل من أن الخراج ما ينص به الجائر قل
أو كثر ما لم يصل إلى حد الظلم، وحينئذ فمتى زاد الجائر على ذلك
كان حراما تناوله منه، وإن سماه باسم الخراج، ضرورة كونه ظلما
وإن كان هو حلالا في مذهبه وإن كان لا يعتبر فيها الاتفاق بين السلطان
والرعية على الأقوى، خلافا لما عن بعضهم من اعتبار ذلك، وهو بعيد
الوجه والوقوع كما اعترف به في ذلك المسالك وغيرها فما عن السيد
العميد من أنه يصح بشرط أن يأخذ الجائر بقدر ما يأخذ سلطان
الحق لا أزيد إلا مع رضا المالك، وإن زاد ولم يرض المالك حرم الجميع
إن أراد به القول المزبور كان واضح الضعف، وإلا فهو راجع إلى ما

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب زكاة الفلات.
(2) أصول الكافي ج 1 ص 539 الحديث 4.
199

قلناه غير أن قوله أخيرا حرم الجميع فيه ما لا يخفى.
نعم لو أخذه من مخالف مثله على وجه يحل في مذهبه حل لنا،
وإن حرم في مذهبنا الزاما لهم بما الزموا به أنفسهم (1)، بل
وكذا لو كان حلالا في مذهبنا حراما في مذهبهم، ولو خفف الخراج
على بعض المؤمنين نفذ تخفيفه كما لو رفع يدا عن أصل الخراج، لأنه
أحل تصرفاته التي سمعت الإذن بها لنا، مع احتمال الرجوع بها حينئذ
إلى الحاكم الشرعي، لما عرفت من كون الخراج أجرة أرض ثبتت
للمسلمين، عوض الانتفاع فإن غصبه الجائر وأخذه، أسقط الشارع إعادته
ارفاقا، أما إذا لم يكن غصب وجب تسليمه إلى ولي الأمر أو نائبه،
وليس هذا كتصرفاته في الخراج على من لم يكن في ذمته، ضرورة
كونها حينئذ من الغصب بخلاف الفرض فإنه لا غصب، ولعل ذلك
لا يخلو من قوة، وهل يجري الحكم فيما يضر به الجائر من الخراج
على ما يختص بالإمام، لأنه من الأنفال كموات الأرض يحتمل ذلك عملا
باطلاق النص والفتوى، ويقوى في النفس العدم لعدم ثبوت الإذن منهم
عليهم السلام في ذلك بعد كون المنساق من الاطلاق المزبور غيره بل
إطلاق قولهم: (من أحيى أرضا ميتة فهي له) يقتضي العدم بل يقتضي عدم
وجوب الرجوع به إلى نائب الغيبة أيضا.
وأما مصرف الخراج لو وقع في يد الحاكم فالمتجه قصره على المصالح
العامة للمسلمين، كبناء القناطر وحفظ الطرق وإعانة المجتهدين،
ونحو ذلك قال: الكركي في رسالته قد ذكر أصحابنا في مصرف الخراج أن
الإمام يجعل منه أرزاق الغزاة والولاة والحكام وسائره وجوه الولايات،

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب ميراث الإخوة والأجداد الحديث 5
200

قال الشيخ في المبسوط في فصل أقسام الغزاة: ما يحتاج إليه من الكراع
وآلات الحرب كان من بيت المال من أموال المصالح، وكذلك رزق
الحكام وولاة الأحداث، والصلاة وغير ذلك من وجوه الولايات، فإنهم
يعطون من المصالح، وهي تخرج من ارتفاع الأرضين المفتوحة عنوة،
وكذا قال العلامة حاكيا عن الشيخ: وقد سلف لنا في الجهاد
ما يقتضي عموم الإذن فيه في زمن الغيبة، ولكن الأحوط ما هنا هذا
كله في الخراج، وما شابهه من الجزية ونحوها مما هو راجع للمسلمين،
وولاية قبضه والتصرف فيه لإمامهم فغصبه الجائر.
(و) أما ما يأخذه (من الأنعام) وغيرها من الأموال
الظاهرة التي لا يمكن سترها على حكام الجور (باسم الزكاة) فظاهر
الأصحاب بل هو من معقد إجماعاتهم أن حكمه حكم الخراج ف‍ (يجوز)
حينئذ (ابتياعه وقبول هبته) وغير ذلك من التصرفات فيه التي عرفت
تفصيلها في الخراج. (ولا يجب إعادته على أربابه وإن عرف بعينه)
وقد سمعت ما يدل عليه من النصوص، لكن في المسالك أنه يشترط
هنا أن لا يأخذ الجائر زيادة عن الواجب شرعا في مذهبه، وأن يكون
صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم، بحيث لا يعد عندهم عاصيا، إذ
يمتنع الأخذ منه عندهم أيضا، وفيه ما عرفت سابقا في الخراج الذي له
أرباب مخصوصون أيضا من المخالفة، لاطلاق النص والفتوى، وأن اعتقاده
الحلية غير مؤثر وإلا لآثر في الإباحة له، ولذا قال: ويحتمل الجواز
مطلقا نظرا إلى اطلاق النص (1) والفتوى، بل الظاهر براءة الذمة
من أدائها مرة أخرى كالخراج، لصيرورتها زكاة بقبض الجائر أو
عامله، ولذا رخص في شرائها منه، كما سمعت التصريح به في النص

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة
201

السابق، إذ لو لم تكن زكاة كانت غصبا لا يجوز لأحد شرائها منه،
فغصب الجائر لها كغصبه للخراج في اجراء حكم قبض الإمام ونائبه من
تشخيص كونه خراجا وزكاة مبرأ لذمة من كان عليه.
وحكم التصرف فيها ما سمعته في الخراج من إذنهم عليهم السلام
في شرائها وغيره، كما عن جامع المقاصد الاعتراف به في الجملة، قال:
إن ظاهر الأخبار والعبارات جواز أخذها لكل أحد وإن كان غنيا إلى
آخره، وحينئذ فينوي المالك عند الدفع إليه ويجتزى به، ولا ينافيه
كونه غير نائب للمستحقين كما لا ينافي براءة الذمة من الخراج بقبضه
له وإن كان غير نائب عن المستحقين، بل هنا أولى لكون الزكاة في العين
فإذا قسمها معه الجائر كان كعزله لها ثم غصبت منه، أو كانت كغصب
الغاصب حصة شريك مخصوص، بناء على قيامه مقام المالك في القسمة
فلا يشارك حينئذ في الباقي لحديث نفي الضرر والضرار (1) وغيره
وإن كان لنا فيه بحث يأتي في محله إنشاء الله.
هذا كله مضافا إلى ظواهر الصحاح المستفيضة منها (2) (ما أخذه
منكم بنو أمية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا
لا يبقى على هذا أن يزكيه مرتين) ومنها (3) (عن صدقة المال يأخذه
السلطان فقال: لا آمرك أن تعيد) بل قد يستفاد من كثير من المعتبرة
التي قد تقدمت في كتاب الزكاة وفيها الصحيح وغيره، جواز احتساب
ما يأخذه باسم الخراج مكان الزكاة، إلا أن ظاهر الأصحاب الاطباق
على ردها، بل عن المنتهى الاجماع عليه، فتكون شاذة مع أنها محتملة
للتقية من أبي حنيفة الذي يحكى عنه القول بمضمونها.

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 5
202

فما في المسالك حينئذ من أن الأقوى عدم الاجتزاء بذلك بل
غايته سقوط الزكاة عما يأخذه إذا لم يفرط فيه، ووجوب دفعه أعم من
كونه على وجه الزكاة أو المضي معهم في أحكامهم والتحرز عن الضرر
بمباينتهم واضح الضعف، وإن كان قد يحتج له بالأصل والعمومات التي
يجب الخروج عنها بما عرفت وبالصحيح (1) (أن هؤلاء المصدقين
يأتون فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أتجزى فقال: لا إنما هؤلاء
قوم غصبوكم أو ظلموكم، وإنما الصدقة لأهلها) المحمول لقصوره عن
المعارضة من وجوه على الندب أو على ما عن الشيخ من الاعطاء
اختيارا، وإن بعد الثاني بالتعليل بالظلم، ودعوى الفرق بين الزكاة
وغيرها أن من كانت عليه يمكنه الاعتذار من الجائر بأني قد دفعتها
إلى مستحقها، لعدم وجوب تسليمها إليه عندهم واضحة الفساد، لمنع
عدم الوجوب عندهم مع الطلب من ولي الأمر الذي يزعمه أنه هو،
ولأن محل البحث فيما لا يمكن التخلص منه كما عرفته سابقا في الخراج
ضرورة كون الحكم دائرا مدار التقية التي لا فرق معها بين دفع الزكاة
من العين، أو من غيرها عوضا لما عرفت من معاملته في ذلك معاملة
سلطان العدل، والله أعلم.
(الفصل الثاني في عقد البيع وشروطه وآدابه العقد) أي
عقد البيع (هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك إلى آخر بعوض
معلوم) وظاهره كاللمعة أن البيع نقل الملك بعوض معلوم، وبه صرح
الكركي حيث عرفه بأنه نقل الملك من مالك إلى غيره بصيغة مخصوصة
لا انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه
التراضي، كما في المبسوط والسرائر والقواعد والتذكرة والتحرير ونهاية

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 6
203

الأحكام وتلخيص المرام، ولا العقد الدال على الانتقال المذكور كما
في الوسيلة والمختلف مدعيا في الأخير أنه المتبادر من لفظ البيع عند
الاطلاق، بل ربما أيد بشيوع إطلاق العقد على البيع وغيره من
المعاملات، وتقسيم العقود إليهما في مقابل الايقاعات، وقد سبقهما
الحلبي إلى تعريفه بالعقد، فقال في المحكي من كافيه: أنه عقد يقتضي
استحقاق التصرف في المبيع والثمن وتسليمهما، وفي معناه الايجاب
والقبول كما في النافع والدروس والتنقيح على اختلافها في القيود، ففي
الأخير اعتبار التراضي وكمال المتعاقدين ومعلومية العوضين ويوافقه الثاني
إلا في معلومية العوض ويخالفهما الأول إلا في معلومية العوض، وفيه
زيادة تقييد المعوض بالملك، كذا قيل: فيكون كلام الأصحاب في تفسير
البيع على اختلافه في القيود زيادة ونقصا منحصرا في ثلاثة، نقل
مخصوص أو انتقال أو عقد كذلك لا مطلقها قطعا، كما عساه يتوهم
من تفسيره بأحدها في بعض العبارات، على حسب تفسير أهل اللغة
غيره بالأعم، كسعدانة نبت، ونحوها مما يعلم منه إرادة كونه من هذا
الجنس لا كشف تمام المعنى، كما أن من المعلوم كون البيع وغيره للأعم
من الصحيح والفاسد، وأنه لا حقيقة شرعية لشئ منها كما هو مفروغ
منه في محله، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي الاتفاق عليه هنا،
وقول بعض الأصحاب في بعضها لغة كذا، وشرعا كذا، محمول على
إرادة الشرعي، ولو من حيث الشرائط هذا.
ولكن في شرح الأستاذ البيع لغة أو عرفا عاما أو خاصا عند
المتشرعة، أو عند الشارع كسائر ألفاظ المعاملات، ويضعف احتمال
الأخيرين منها، نقل أو انتقال أو هما مطلقين أو مقيدين بكونهما
مستفادين من ألفاظ مطلقة أو خاصة أو ما دل على أحدهما أو عليهما
204

من لفظ خاص أو مطلق أو ما يقوم مقامه من إشارة ونحوها أو أخذ
أو اعطاء إلى آخره، وهو كما ترى مشتمل على ما هو مجرد احتمال
عقلا وإن قطع بفساده، وعلى كل حال فلم نجد في شئ مما وصل
إلينا من كتب الأصحاب تعريفا له جامعا مانعا مقتصرا فيه على ذكر
ما ينكشف به نفس المعنى الموضوع له اللفظ، من غير ذكر ما هو من
الشرائط ونحوها مما لا مدخلية له في نفس المعنى، ضرورة كونه للأعم
وهي للصحيح منه المعلوم عدم إرادتهم إياه بالتعريف، وإلا لوجب
الاستقصاء في ذكر الشرائط، ولا ينافيه ذكرهم النقل والانتقال والعقد
ضرورة كون المراد من الأولين ما يعم الصورة ولو مجازا ومن الأول
العقد الصالح للنقل لا خصوص المستجمع للشرائط ولا خصوص المتحقق
من النقل والانتقال دون الصوري، كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومن ذلك يعلم عدم كون المراد لهم فيما يذكرونه من الحدود إلا
الكشف في الجملة، نحو تفسير أهل اللغة لا التحديد على طريقة أهل
الميزان، فلا وجه للاطناب في المناقشة فيما يذكرونه منها في الطرد
والعكس ونحوهما، وقد قيل أن أجودها تعريف الحلبي له، بأنه عقد
يقتضي استحقاق التصرف في المبيع والثمن وتسليمهما، والكركي بأنه
نقل الملك من مالك إلى غيره بصيغة مخصوصة، والأول منهما مع كونه
مبنيا على أنه عقد وستعرف ما فيه، مشتمل على الدور لذكر المبيع
فيه، بل لعل الثاني كذلك أيضا، ضرورة إرادة صيغة البيع من الصيغة
المخصوصة فيه، وإلا انتقض بغيره، مضافا إلى منافاته ما عنده من كون
المعاطاة بيعا، مدعيا الاتفاق عليه، اللهم إلا أن يدفع الدور بأن
الموقوف معرفة البيع بالرسم أو الوجه الأتم، والموقوف عليه معرفته
بالوجه الظاهر المعلوم لكل أحد، وفي مصابيح العلامة الطباطبائي أن
205

الأخصر والأسد، تعريفه بأنه إنشاء تمليك العين بعوض على وجه
التراضي، فإنه مع سلامته عن وصمة الدور والمجاز، خال عن القيود
المستدركة والخارجة عن الحقيقة.
وفيه مع كونه مبنيا على أصالة البيع في نقل الأعيان بالعوض،
من دون توقف على قصد البيع، ينتقض بالصلح والهبة المعوضة، ودفعه
باعتبار القيد به فيه دونهما، يشكل بأن ذلك ليس من القيود التي
لها مدخلية في تمييز الأفراد الخارجية، ويرد عليه أيضا بعد تسليم كون
العين والعوض معتبرين في مفهوم البيع الذي هو أعم من الصحيح
والفاسد، أن التراضي غير معتبر في مفهومه قطعا، ضرورة صدقة على
بيع المكره كما هو واضح، وكيف كان فليس زيادة القيود ونقصها في
الحدود بعد الاتفاق على كونه أحد الثلاثة السابقة اختلافا في أصل
المعنى، بل هو من اختلاف طرق الكشف في الجملة.
إنما الكلام في تعيين أحدها، والظاهر أنه النقل للتبادر الذي
لا ينافي اقتضاء الحقيقة إطلاقه على العقد المبني على المسامحة، كما نبه
عليه ثاني الشهيدين في الروضة، والعقود المقابلة للايقاعات في اصطلاحهم
ما توقفت على الايجاب والقبول، فلا تأييد فيه للقول بكون البيع
نفس العقد، ولأن البيع فعل فلا يكون انتقالا لأنه انفعال، ولا عقدا
لما تعرفه إنشاء الله تعالى، ولأنه لفظ من مقولة الكيف، والمقولات العشرة
متباينة، فلا يصدق بعضها على بعض، وحمل العقد على المعنى المصدري
ليكون فعلا بعيد جدا فإن المفهوم منه اصطلاحا هو المعنى الاسمي لا المصدري،
ولأن الانتقال أثر البيع وغايته المترتبة عليه، والعقد سببه المؤدي
إليه، والسبب غير المسبب، فيمتنع تعريف أحدهما بالآخر، بالقول
عليه وإن جاز أخذه قيدا للمقول، ولأن النقل هو الموافق لتصاريف
206

البيع، وما يشتق من الأفعال والصفات بخلاف غيره، إذ لا يراد ببعت
مثلا معنى الانتقال كما هو ظاهر ولا العقد، وإلا لكان إيجابا وقبولا
معا، وهو معلوم البطلان، وكذا البائع فإنه ليس بمعنى المنتقل، ولا
بمعنى الموجب والمقابل والمطرد في الجميع هو النقل، فيكون البيع موضوعا
له اجراء له على الأصل من لزوم التوافق مع الامكان، فلا يقدح
تخلفه في النكاح، لثبوت وضعه للعقد، وامتناع الموافقة في أنكحت
ونحوه، فوجب صرفه إلى معنى آخر، كتمليك الانتفاع، والتسليط
على الوطي وغيرهما مما يناسب العقد، بخلاف المقام الذي لم يثبت
وضعه فيه للعقد.
بل قد عرفت ثبوت الخلاف، وأنه موضوع للنقل، بل ربما
تكلف ورد تعريفه بأحدهما إليه، إما بتقدير مصحح في الكلام، أو
باطلاق اسم المسبب أو السبب على الآخر، أو بحمل الانتقال والعقد
على البيع مبالغة، كما في زيد عدل وإن كان مجازا، إلا أنه جاز
اتكالا على الظهور، ولما قدمناه من أن التعاريف في مثل المقام مراد
منها الكشف في الجملة، شبه التعاريف اللغوية، فلا يضر ارتكاب
التجوز فيها، على أنه قد يقال بكون الممنوع في التعريف، خصوص
المجاز العقلي لعدم النسبة بين الحد والحدود، لا بالاسناد ولا بالتقييد
أو يقال: بأن اختلاف الحدود لاختلاف البيع في الاطلاق، لا لاختلاف
في معناه، ولا تجوز حينئذ في شئ من الحدود، ضرورة كونه حينئذ
في البيع المحدود بالعقد والانتقال دون الحد، بل ربما قيل: إن
التعريف بالانتقالي للبيع مصدرا للفعل المبني للمجهول، فيوافق حينئذ
تعريفه بالنقل مصدرا للفعل المعلوم، ويسلم من التجوز في الحد المحدود
وإن كان فيه ما فيه، والأمر في ذلك كله سهل بعد ما عرفت.
207

نعم ينبغي أن يعلم أن البيع كما يطلق على إنشاء التمليك
المذكور فقد يطلق على فعل المشتري، وهو إنشاء التملك لما ملكه البائع
فإنه كالشراء من الأضداد ويطلق البيع إطلاقا شائعا، ويراد به المعاملة
القائمة بالبائع والمشتري معا، وهي المعنى الحاصل بالعقد الجامع لمعنى
البيع والشراء، واستعماله في المعاملة وحملها عليه وتقسيمها إليه وإلى
غيره ظاهر معروف، وعن المصباح المنير الأصل في البيع مبادلة مال
بمال، وهذا هو المناسب في نحو قوله تعالى (1) (أحل الله البيع)
وقوله سبحانه (2) (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله)
وقوله عز وجل (3) (فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) وقولهم كتاب
البيع وأقسام البيع وأحكام البيع ويوصف البيع بالصحة والفساد واللزوم
والجواز واقترانه بالمعاملات كالإجارة والصلح ونحوهما، ويعرف البيع بهذا
المعنى بأنه معاملة موضوعة لتمليك عين بعوض وتملكها به، ووجه
القيود والاكتفاء بها ظاهر مما سبق.
ولعل نظر الأستاذ فيما سمعته من كلامه إلى هذه الاطلاقات للفظ البيع
وحينئذ حمل لفظ أو في كلامه على معنى الواو ممكن في كثير مما ذكره ولو
بالنظر إلى الاطلاقات المتعددة، ثم لا خلاف ولا إشكال في اعتبار كون المبيع
عينا، ولذلك اشتهر بينهم أنه لنقل الأعيان، كاشتهار أن الإجارة لنقل
المنافع، نعم لا فرق فيها بين كونها مشخصة وكلية مستقرة في الذمة
كالدين، ومضمونة كالمسلم فيه، والموصوف المبيع حالا، والكلي المشاع

(1) سورة البقرة الآية 275
(2) سورة النور الآية 37
(3) سورة الجمعة الآية 9
208

فإن ذلك كله من الأعيان، فما عساه يتوهم من بعض الأخبار من
اعتبار العين فعلا ضعيف السند قاصر الدلالة معارض بما هو أصح
وأوضح، أما الثمن فالظاهر من اطلاق الأدلة والفتاوى ما صرح به في
المصابيح من أنه مطلق المقابل، فيدخل فيه الشخصي والكلي والعين
والمنفعة، فيكون البيع حينئذ بالنسبة إلى ذلك كالإجارة والصلح، يقع
لكل منهما ولا فرق بينهما من هذه الجهة، وإنما الفرق في المعوض،
فيختص البيع بالعين، والإجارة بالمنفعة، ويقع الصلح عليهما كما
يقع بهما.
وعن بعض المتأخرين اعتبار عينية العوضين، وهو وهم نشأ من
قولهم: (البيع لنقل الأعيان) وليس المراد به على العموم بل خصوص
المعوض، كقولهم في الإجارة لنقل المنافع نعم في شرح الأستاذ اعتبار
عدم كونه حقا مع أنه لا يخلو من منع لما عرفته من الاطلاق المزبور
المقتضي لكونه كالصلح الذي لا إشكال في وقوعه على الحقوق، فلا يبعد
صحة وقوعها ثمنا في البيع وغيره، من غير فرق بين اقتضاء ذلك سقوطها
كبيع العين بحق الخيار والشفعة على معنى سقوطهما، وبين اقتضائه نقلها
كحق التحجير ونحوه، وكأن نظره رحمه الله في المنع إلى الأول باعتبار
معلومية كون البيع من النواقل لا من المسقطات بخلاف الصلح، وفيه أن
البيع بيع الدين على من هو عليه، ولا ريب في اقتضائه حينئذ الاسقاط
ولو باعتبار أن الانسان لا يملك على نفسه ما يملكه غيره عليه الذي
بعينه يقرر في نحو حق الخيار والشفعة، والله أعلم.
وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله المراد بالبيع أما عقده فهو
ما ذكره المصنف من اللفظ الدال عليه بلا خلاف معتد به أجده فيه
بل يمكن تحصيل الاجماع على كونه كذلك في العقود اللازمة، بل لعله
209

من ضروريات المذهب، فضلا عن دعوى التواتر فيه من سيد المرسلين
صلى الله عليه وآله وعترته الأئمة الطاهرين عليهم السلام كقوله عليه السلام
(إنما يحلل ويحرم الكلام) (1) وغيره مما دل على توقف عقد البيع وغيره
على الألفاظ، بل هي المرادة من العقود بالمعنى الأسمى.
(و) حينئذ ف‍ (لا يكفي) في حصول العقد (التقابض) ولا غيره من
الأفعال التي لا فرق بين ما ورد النهي عن العقد بها (2) كالمنابذة واللمس ورمي
الحصاة وغيرها في عدم الاكتفاء بها في العقد (من غير لفظ وإن حصل
من الأمارات ما يدل على إرادة) إنشاء (البيع في الحقير أو الخطير)
للأصل المقرر بوجوه الاجماع بقسميه أو الضرورة، وصدق البيع مثلا
بعد التسليم والتجارة عن تراض لا يستلزم تحقق العقد الذي
يترتب عليه اللزوم ونحوه كما هو واضح، خلافا لأحمد بن حنبل ومالك
فاكتفيا به (3) وبغيره من الأفعال مطلقا، ولبعض الحنفية والشافعية
وابن شريح في خصوص الحقير وإن اختلفوا في تفسيره، فبين من أحاله
على العرف، وبين من قدره بما دون نصاب السرقة، وقد استقر اجماعنا
على خلاف ذلك، نعم قد اشتهر نقل قول ابن حنبل عن شيخنا المفيد
بل اختاره الكاشاني والأردبيلي بعد أن حكيا عنه، بل كأنه مال إليه
ثاني الشهيدين في المسالك، حيث قال: ما أحسنه وأمتن دليله إن
لم ينعقد الاجماع على خلافه، وفيه ما عرفت من أن الضرورة من
المذهب فضلا عن الاجماع على خلافه، وليس فيما وصل إلينا من

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 13
(3) التذكرة ج 1 ص 462
210

كلام المفيد تصريح بما نسب إليه بل ولا ظهور.
نعم قال في المقنعة في المقام: ينعقد البيع على تراض بين الاثنين
فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا، وتراضيا بالبيع وتقابضا وافترقا
بالأبدان) والظاهر إرادته من ذلك بيان الشرائط لصحة البيع ولزومه
لأن؟ المراد تحققه بذلك من دون صيغة، بل لعل قوله وتراضيا بالبيع
وتقابضا ظاهر في تحقق البيع قبل التقابض لا به، كما أن الظاهر في
سبب عدم تعرضه للصيغة معلومية اعتبارها، وأنها من الضروريات التي
استغنت بذلك عن ذكرها في النصوص وغيرها، كما يومي إليه ترك
التعرض لها في الكتاب المزبور في النكاح والطلاق ونحوهما مما لا إشكال
في اعتبار الصيغة فيه، وأن بتركها يتحقق الزنا وإن حصل التراضي،
بل هو من ضروريات الدين، بل يومي إلى اعتباره العقد ما ذكره في
كيفية كتابة السجلات إذا تأمله المتأمل، بل لعل الظاهر من المفيد اعتبار
اللفظ المخصوص في تحقق البيع فضلا عن عقده، وإن المعاطاة عنده
ليست بيعا أصلا فضلا عن كونها عقدا، ويرشد إلى ذلك ما عن الأبي
من نسبة اعتبار اللفظ المخصوص في البيع إليه وإلى الطوسي، وفي
المختلف للمفيد قول يوهم الجواز، أي جواز العقد بالمعاطاة، ثم حكى
عبارته السابقة، وقال: ليس في هذا تصريح بصحته إلا أنه موهم.
ولقد أجاد الأستاد في شرحه في قوله: بأنا نعلم يقينا أن للصيغ
الخاصة أثرا خاصا، ولو كان للزوم غير موقوف عليها لم يكن لها أثر
على أن العوام حتى النساء والأطفال إذا أراد واحد منهم أن يرد سلعته
يعلل بأني ما صفقت معك صفقة البيع، وهو السر في خلو الأخبار عن
البيان قلت: ومنه يعلم فساد ما حكاه في المسالك عن بعض مشايخه
المعاصرين من عدم اعتبار لفظ مخصوص في العقد، بعد اعتبار كونه
211

من الألفاظ محافظة على حصر التحليل والتحريم بالكلام، وغيره مما يقتضي
باعتبار الألفاظ من النصوص وغيرها، لكن لا دليل على اللفظ المخصوص
فيكفي فيه حينئذ مطلقا اللفظ، من غير فرق بين الصريح وغيره،
والحقيقة وغيرها والماضي وغيره، بل عن الأبي اختياره أيضا بعد حكايته
عن المصنف وكأنه أخذه من الاطلاق في تعريفه الذي قد عرفت عدم
إرادة كشف الحقيقة به، ولا جمع شرائط الصحة، وأنه يشبه تعريف
أهل اللغة في كون المراد به أن المعرف من هذا الجنس أو الصنف،
بل اختاره بعض المحدثين من الأخباريين، حتى أطنب في ترجيحه إلا
أنه لم يأت بشئ يصلح للخروج به عن الأصول، فضلا عن الاجماع
المحصل والمنقول.
بل الضرورة على أن للصيغ المخصوصة أثرا بينا، ولذلك تصدى
الأصحاب إلى ضبط موادها وكيفياتها وأحوالها، وإجازة الفضولي على
القول بأنها ناقلة ليست بيعا حتى يقال: إنه يلزم القائل بها جوازه بكل
لفظ وخلو النصوص عن التعرض لها بالخصوص، لضرورية حكمها أو
لتعارف المعاطاة أو لغير ذلك، على أنه لا يقتضي ذلك بعد عدم إطلاق
يقتضي تحقق العقد بكل لفظ، بل المتجه حينئذ الاقتصار في مخالفة
الأصل على المتيقن، وليس هو إلا اللفظ المخصوص.
ومن الغريب استناده إلى إطلاق بعض النصوص، وآية (التجارة
عن تراض) (1)، المعلوم عدم كون المراد منه تحقق العقد وأحكامه
بذلك، كما أن من الغريب أيضا الاستناد إلى عموم (2) (آية أوفوا

(1) سورة النساء الآية 29.
(2) سورة المائدة الآية 1.
212

بالعقود) التي من المعلوم كون المراد منها ما هو المنساق من العقود
المعهودة بالتعارف والاستعمال المأخوذة يدا بيد، المستغنية بذلك عن
التعرض لها بالخصوص، بل الظاهر الاكتفاء عن ضبطها بضبط أسماء
المعاملات على معنى أن الأصل في لفظ عقد البيع بعت، والصلح صالحت
وهكذا، فلا ينافيه حينئذ قيام دليل على الحاق بعض الألفاظ غيرها بها
لا أن المراد منها كل ما يقصد العقد به، أو كل لفظ كذلك كما هو
واضح بأدنى تأمل، فلا ريب في اشتراك القول المزبور مع القول الأول
في وضوح الفساد وإن اختلفا فيه شدة وضعفا.
إنما الكلام في أن الألفاظ المخصوصة شرط اللزوم في العقود
اللازمة، فتصح حينئذ بغيرها من الأقوال والأفعال المقصود بها انشاء
البيع والإجارة مثلا على وجه يجري عليه أحكامها عدى اللزوم، كما
أنه يشترط فيه شرائطها أيضا، فيكون البيع حينئذ مثلا قسمين بصيغته وهو الذي
يكون لازما وبدونها وهو الذي لا يكون لازما أو أنها شرط للصحة أيضا، فلا يقع
أصل البيع مثلا بدونها قيل: ثم على الثاني تكون من البيع الفاسد، فتجري
عليه أحكامه، أو أنها تفيد إباحة التصرف في وجوه الانتفاعات، خلاف
بين الأصحاب ومعركة عظيمة، خيرة الكركي في الجامع وغيره وبعض
من تأخر عنه الأول، بل ربما ظهر منه دعوى الاجماع عليه، قال:
المعروف بين الأصحاب أنها أي المعاطاة بيع، وإن لم تكن كالعقد في
اللزوم، خلافا لظاهر عبارة المفيد.
ولا يقول أحد من الأصحاب بأنها بيع فاسد سوى المصنف في النهاية
وقد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنها وقول الله تعالى (1) (وأحل الله البيع)
يتناولها لأنها بيع بالاتفاق، حتى من القائلين بفسادها، لأنهم يقولون

(1) سورة البقرة الآية 275
213

إنها بيع فاسد، وقوله تعالى (1) (إلا أن تكون تجارة عن تراض)
عام إلا ما أخرجه دليل، وما يوجد في عبارة جمع من متأخري
الأصحاب من أنها تفيد إباحة، وتلزم بذهاب أحد العينين، يريدون
به عدم اللزوم في أول الأمر، وبذهاب يتحقق اللزوم، ولامتناع إرادة
الإباحة المجردة عن أصل الملك، إذ المقصود للمتعاطيين إنما هو الملك
فإذا لم يحصل كانت فاسدة، ولم يجز التصرف في العين، وكافة الأصحاب
على خلافه، وأيضا فإن الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا ورأسا
فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده، وإنما الأفعال لما
لم تكن دلالتها على المراد في الصراحة كالقول، وإنما تدل بالقرائن،
منعوا من لزوم العقد بها، فيجوز التراد ما دام ممكنا فمع تلف أحد
العينين يمتنع التراد، فيتحقق اللزوم لأن إحداهما في مقابل الأخرى.
ويكفي تلف بعض إحدى العينين لامتناع التراد في الباقي، إذ هو
موجب للتبعض الصفقة والضرر، ولأن كون المطلوب هو إحداهما في مقابل الأخرى
ونحو ذلك كلامه في المحكي من تعليقه على الإرشاد، فنزل عبارة
الأصحاب على أنها تفيد ملكا متزلزلا وجعله مقتضاها قال: وإلا لما
لزمت بالتلف، وأيضا فلولا ذلك لم تحصل الإباحة لأن المقصود
للمتعاطيين إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع، فإن حصل مقصودهما
ثبت ما قلناه، وإلا وجب أن لا تحصل إباحة بالكلية، بل يتعين الحكم
بفساد ذلك، إذ المقصود غير واقع، فلو وقع غيره لوقع بغير قصد وهو
باطل، وعليه يتفرع النماء وجواز وطئ الجارية بالمعاطاة ومن منع
ذلك فقد أغرب، ومما يرشد إلى ما قلناه مضافا إلى ما تقدم عبارات
القوم فإن بعضها كالصريح فيما قلناه.

(1) سورة النساء الآية 29
214

ثم ساق عبارة التحرير وهي أن الأقوى أن المعاطاة غير لازمة لكل
منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية، ولعله لأن تجويز الفسخ
يقتضي ثبوت الملك في الجملة، وكذا تسميتها معاوضة، بل لعل قول
غيره من الأصحاب تلزم بالتصرف يقتضي ذلك، ضرورة ظهوره في كونه
مفيدا للزوم، فيكون الملك قبله حاصلا، لا أن المراد أنه يفيد الملك،
ويفيد لزومه، وهو وإن كان في غاية الجودة، بل يؤيده مضافا إلى ما
ما ذكر ما ستعرفه من جريان السيرة على المعاملة المأخوذ بها معاملة
الأملاك في جميع التصرفات، فالتي منها ما لا يصح وقوعه إلا من
المالك كالعتق والوطئ ونحوهما، وغير التصرفات كالإرث والفقر والغنا
واستطاعة الحج والزكاة والخمس والربا ونحوها، إلا أنه يصعب تنزيل
عبارات الأصحاب عليه، ففي المبسوط بعد أن ذكر وجوب تقديم الايجاب
على القبول وغيره مما يعتبر في البيع قال: فإذا ثبت هذا فكل ما جرى
بين الناس إنما هي استباحات وتراض، دون أن يكون ذلك بيعا منعقدا
مثل أن يعطي درهما للخباز فيعطيه الخبز أو قطعة للبقلي فيناوله البقل
وما أشبه ذلك، ولو أن كلا منهما يرجع فيما أعطاه كان له ذلك،
لأنه ليس بعقد صحيح هو بيع.
قيل: ومثله عبارة الخلاف والسرائر، وفي الغنية بعد أن صرح
باعتبار الايجاب والقبول في الصحة مقابلا لما يعتبر في اللزوم، قال:
واعتبرنا حصول الايجاب من البائع والقبول من المشتري تحرزا من
القبول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري، إلى أن قال واحترازا أيضا من
القول بانعقاده بالمعاطاة، نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة ويقول أعطني
بقلا فيعطيه، فإن ذلك ليس ببيع وإنما هو إباحة للتصرف يدل على
ما قدمناه الاجماع المشار إليه وأيضا فما اعتبرنا مجمع على صحة العقد
215

به، وليس على صحته بما عداه دليل، ولما ذكرناه، نهى عليه السلام
عن بيع الملامسة والمنابذة وعن بيع الحصاة (1) على التأويل الآخر ومعنى
ذلك أن يجعل اللمس للشئ أو النبذ له والقاء الحصاة بيعا موجبا، وفي
الدروس بعد أن صرح فيها كالنافع بأن البيع هو الايجاب والقبول
قال: ولا تكفي المعاطاة وإن كانت في المحقرات. نعم يباح التصرف
في وجوه الانتفاعات، ويظهر من المفيد الاكتفاء بها مطلقا وهو متروك
وكذا التنقيح في التصريح بأنه الايجاب والقبول، ثم قال: ولا يكفي
مجرد الرضا في حصول الملك بدونها في الجليل والحقير لحصر الشارع
أسباب الملك في العقود، فالمعاطاة تفيد إباحة لا غير.
نعم لو ذهبت إحدى العينين أو انتقلت عنه ملك الأخرى إلى غير
ذلك من عباراتهم التي لا يخفى ما في تنزيلها جميعا أو بعضا على ما ذكره من التكلف
بل في مفتاح الكرامة أن صريح الخلاف والسرائر والمختلف وحواشي
الشهيد والقواعد والتنقيح عدم كفاية المعاطاة في المقصود بالبيع، وهو
الملك، بل قال فيه أيضا: إن ظاهر قواعد الشهيد الاجماع على أنها
لا تفيد الملك، وإنما تفيد الإباحة، بل قال فيه أيضا أن صريح الخلاف
والمبسوط والسرائر والغنية والجواهر وجامع الشرائع والميسية والروضة والمسالك
عدم كونها بيعا حقيقة وإنما هي إباحة وإن كنا لم نتحقق بعض ما حكاه
أولا وآخرا الميسية أن المشهور بين الأصحاب أنها ليست بيعا محضا،
ولكنها تفيد فائدته، بل في المسالك والروضة في أثناء كلام له دعوى
إطباقهم على أنها ليست بيعا حال وقوعها وإن كان كلامه خصوصا في
الأول منهما في غاية التشويش بل لا يخلو بعضه من التدافع أو عدم

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب البيع وشروطه الحديث 13
216

الوجه، كما لا يخفى على من لاحظه من التأمل، وحينئذ فاطلاق البيع
عليها مجاز أو على إرادة المبادلة التي هي أحد اطلاقاته كما عرفته سابقا
وبالجملة فتنزيل جميع كلمات الأصحاب على إرادة الإباحة من
حيث الملك، نحو قولهم إباحة المناكح والمساكن والمتاجر، وأن المراد
عدم كونها بيعا منعقدا وموجبا أي لازما كالبيع بالصيغة لا يخلو من
تجشم، بل لعل تنزيلها أو جملة منها على ما يوافق ما سمعته من النهاية
أولى على معنى أن الصيغة شرط في صحة البيع، فلا بيع صحيح بالأفعال
مثلا، لقصورها عن ذلك، وما شابهه مما يفيد الملك والتمليك المعاوضي
باعتبار أنهما وما شابههما لما كانا من أعظم المقاصد التي بها معاش
للانسان، وإنشاء قصدهما من الأمور الباطنة أراد الشارع ضبطها بما
يرتفع معه النزاع والمخاصمة، وليس إلا البيان الذي علمه الله تعالى
للانسان، بخلاف الأفعال ونحوهما مما يدل على المقصود بالكناية فلم
يجعلها ضابطا لذلك.
وعليه يحمل قوله عليه السلام (إنما يحلل ويحرم الكلام) (1)
على معنى إرادة التحليل التابع للملك الذي من شخص إلى آخر، فيحل
لكل واحد ما كان حراما عليه، ويحرم على كل واحد منهما ما كان
حلالا له، لزوال ملك وحصول آخر وإنما تفيد الأفعال اباحاة مجانية
أو بأعواض كذلك، ولا تفيد ملكا وتمليكا، فمن أراد إباحة شئ
لآخر كان له الاكتفاء في الدلالة عليها بالأفعال مثلا، ومن ذلك المعاطاة
ويكون المراد هذا ما ذكروه من الإباحة، لا أنها هي حكم ما قصد به
المتعاطيان الملك على جهة البيع، جهلا منها بالشروع أو ابداعا، ضرورة
كون المتجه في مثله الفساد، بناء على شرطية الصيغة في الصحة، كما

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4
217

صرحوا به في تحقيق البيع الفاسد الذي حكموا بحرمة التصرف
فيه، وضمان ما يقبض به لا الإباحة التي هي كإباحة الطعام التي لم
يقصداها، بل قصدا غيرها، فما وقع لم يقصد، وما قصد لم يقع، مع
قولهم عليهم السلام (1) (لكل امرء ما نوى) (ولا عمل إلا
بنية) (2) (وإنما الأعمال بالنيات) (3) ومن ذلك يتجه تحرير
المقام بتصوير صور.
أحدها قصد الإباحة بالأفعال ونحوها مصرحا بذلك ولو بالقرائن
الدالة على إرادة الإباحة المطلقة، والتسليط على التصرف؟؟ نحو التسليط
بالبيع وغيره مما يفيد الملك، بل ربما يذكر لفظ البيع ونحوه مريدا
به الدلالة على هذا القسم من الإباحة، في مقابلة الإباحة لقسم خاص
من التصرفات، لا أن المراد منه الملك والتمليك البيعي مثلا، وهذه
الصورة تسمى بالمعاطاة، ومفادها إباحة مطلقة للمال بعوض كذلك
على نحو المعاوضة بالتمليك، والظاهر أنه لا خلاف في مشروعيته ولو
على جهة المعاوضة، كما لا خلاف في مشروعيته بدونها، لعموم تسلط
الناس على أموالهم، وبطيب أنفسهم، والتجارة عن تراض ونحوها.
ثانيها قصد البيع بذلك على إرادة النقل البيعي من غير تعرض للزوم
وعدمه أو مع قصد عدمه، والمتجه الفساد فيه بناء على اشتراط الصيغة فيه
ضرورة أن المشروط عدم عند عدمه، كما صرح به الفاضل في النهاية بل لعله
هو مقتضى كل من جعل البيع عبارة عن العقد، أو صرح باشتراط الصيغة
فيه إذ حمله على إرادة اشتراط ذلك في اللزوم يأباه جملة من عباراتهم،

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث
2 و 3 و 10.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث
2 و 3 و 10.
218

ولذا جعلوا المعاطاة حيث تصح إنما تفيد الإباحة، ولو كانت تفيد
البيع عندهم لكان ذلك أولى بالبيان، خصوصا عند تعرضهم لفساد
كلام المفيد حتى رماه بعضهم بالمتروكية ونحوها.
نعم قد يناقش في أصل الاشتراط المزبور إن لم يقم إجماع عليه
بأنه لا دليل عليه بل الدليل من السيرة القطعية، بل في شرح الأستاذ
والاجماع بقسميه على خلافه، بل من أدخله في الضروريات لم يكن
مغربا، وإن كان فيه ما فيه، مضافا إلى صحة الاطلاق، وعدم
صحة السلب، وأصالة عدم النقل وعدم الاشتراك اللفظي، بل لعل
الحمل على الاشتراك المعنوي بينها وبين ذي الصيغة، خير من الحمل على
المجاز، بل لعل ذلك قطعي ضرورة أن الصيغة على تقدير اعتبارها إنما
هي شرط شرعي، لا مدخلية له في تحقق مسمى الاسم، كما عرفته
سابقا في معنى البيع، فيكفي في نفيه أصالة عدمه وآية (أوفوا
بالعقود) (1) لا تقتضي عدم تحقق الاسم بدون العقد، بل لا تقتضي اشتراط
الصحة به أيضا فآية (أحل الله البيع) (2) وغيرها مما يدل على
مشروعية مسماه مطلقا بحالها لا معارض لها، أقصاه عدم اللزوم بناء
على انحصار دليله فيها، وأن قوله عليه السلام (البيعان بالخيار ما لم
يفترقا) (3) ونحوه لا يدل عليه بعد كون المراد منه ثبوت الخيار من
حيث المجلس الذي لا ينافي ثبوته في بعض أفراد البيع من جهة أخرى
كما أن اللزوم من جهته في حال الافتراق لا ينافي ثبوته من جهة أخرى
كالعيب أو عدم دليل اللزوم، ومعلومية اعتبار الصيغة في الجملة بالاجماع

(1) سورة المائدة الآية 1
(2) سورة البقرة الآية 275
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1
219

أو الضرورة لا تقتضي أزيد مما هو متيقن من اقتضائها اللزوم، فيبقى
غيره على أصالة العدم. بعد تناول الاطلاقات، ودعوى أن اللزوم يكفي
فيه استصحاب الملك ونحوه يدفعها معارضته باستصحاب بقاء سلطة
المالك التي ينبغي الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن، وهو الملك
المتزلزل دون غيره، على أن الاجماع على عدم اللزوم في الفرض كاف
عن تكلف ذلك، لكن الانصاف عدم خلو دعوى الاجماع المزبور في
الفرض المذكور من نظر، بل وكذا المعارضة المزبورة كما ستعرف
ذلك فيما يأتي.
نعم دعوى الاستدلال على اعتبار الصيغة في الصحة بآية (أوفوا)
بظهور كون المراد من العقود فيها الإشارة إلى البيع والإجارة ونحوهما
مما هو متعارف في ذلك الزمان، فيقتضي حينئذ بعد معلومية صدق
البيع على الفرض، إذ لا بيع صحيح إلا وهو عقد ضرورة كون المراد
من الآية ما يصح وما لا يصح منها، ولذا كانت شاملة للعقود الجائزة
واللازمة يدفعها منع كون المراد منها ذلك، إذ من المحتمل أو الظاهر
كون المراد منها إرادة بيان اللزوم في العقود، دون خصوص الصحة
ولذا كان هو الأصل في العقود إلا ما خرج بالدليل، فلا شمول فيها
حينئذ للعقود الجائزة واللازمة، كما لا اقتضاء فيها بأن لا بيع صحيح
إلا ما كان عقدا، وخبر إنما يحلل ويحرم الكلام (1) مع أنه لا دلالة
فيه على اللفظ المخصوص، بل هو شامل لغيره مما هو عندهم بحكم
المعاطاة، وأنه معلوم الانتقاض بالإباحات التي لا تتبع الملك، إذ
من الواضح كفاية الأفعال بل إذن الفحوى فيها.
يمكن حمله بعد قصوره عن معارضة ما عرفت من وجوه على

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 4
220

إرادة المحلل صريحا من غير حاجة إلى قرينة أو على
إرادة الحصر في التحليل للجميع من حيث كونه جميعا، ولا ريب في
أنه الكلام حينئذ ضرورة عدم كفاية الأفعال في النكاح والطلاق ونحوهما
لا أن المراد عدم صلاحية الفعل أصلا للتحليل الملكي أو مطلقا المعلوم
عدمه في مثل الهدايا والأمانات والوكالات ونحو ذلك، ومنه يعلم أنه لا وجه
لدعوى قصور الأفعال عن إفادة ذلك وعدم اعتبارها شرعا، خصوصا
بعد معلومية اعتبار الشارع دلالات الأفعال في كثير من المقامات، وجعل
ظواهرها معتبرا حتى في الفسق وعدمه كالألفاظ، ولا ينافي ذلك محافظة
الأصحاب على ذكر الصيغ الخاصة، وضبط ألفاظها والمداقة فيها، إذ
يمكن أن يكون لبيان إرادة شرط اللزوم أو لغيره، لا يقال: إنه
لو كان مراد الأصحاب من ذكر الصيغ وضبط ألفاظها وكيفياتها بيان
اعتبارها في اللزوم وإلا فالبيع والإجارة يتحقق عرفا وشرعا بدونها
لم يحسن التعرض لها في الهبة والقرض ونحوهما مما ثبت جواز العقد
معها، وأنها لا تفيد اللزوم، فمع فرض صحة المعاطاة فيها لم يكن فرق
بين العقد وعدمه، لأنا نقول: إن ذلك مشترك الالزام، ضرورة أنهم
تعرضوا لضبطها أيضا في العقود الجائزة، كالعادية والوديعة ونحوهما مما
علم عدم اعتبارها في صحتها، فيمكن أن يكون المراد لهم بذلك بيان
ما يفيدها صريحا، بخلاف غيرها من الأفعال مثلا، فإنها وإن أفادتها
وحكمها حكمها، إلا أنها محتاجة إلى القرائن باعتبار اشتراك الأفعال بين الجميع
ولكن الانصاف بعد ذلك كله أنه لا جزم بعدم اعتبارها في الصحة
بل ستعرف فيما يأتي ما يؤيد ويشهد له، بل يمكن دعوى تحصيل
الاجماع عليه خصوصا بملاحظة رد الأصحاب على ما توهمه عبارة المفيد
من عدم اعتبار الصيغة حتى رموه بقوس واحد، ونسبه بعضهم إلى
221

الشذوذ ونحوه، واحتمال أن ذلك منهم للرد عليه بالنسبة إلى دعوى عدم اعتبارها
في اللزوم لا بالنسبة إلى عدم اعتبارها في الصحة يدفعه حسن التأمل في كلامهم
ومشهورية شرطية الصيغة للبيع حتى جعل عبارة عنها، كما سمعته من الذين من
جملتهم من أثبت المعاطاة، وآخر جعلها من أركانه، ومن المعلوم أنه
لا يناسب هؤلاء إثباتهم المعاطاة بالصورة المفروضة، ضرورة وضوح
منافاة ذلك لما ذكروه من الشرطية والركنية، فضلا عن كونه عبارة
عنها كما هو واضح، وعلى كل حال فالغرض أن ذلك أي اشتراط الصيغة
في الصحة وعدمه، يمكن أن يكون محلا للنزاع على الوجه الذي ذكرناه
وأما دعوى أن النزاع فيما إذا قصد المتعاقدان بفعلهما البيع
مثلا، على حسب البيع بالصيغة وكان جامعا للشرائط عدا الصيغة فهل
يقع في؟؟ ذلك بيعا أو يكون إباحة أو يقع بيعا فاسدا كما وقع من
المتأخرين، فلا أعرف للثاني منها وجها على هذا التقدير، فضلا عن
نسبته إلى المشهور بل الاجماع، ضرورة أنهم إن أرادوا أنها من المالك
فالفرض عدمها، لكون المقصود له أمرا خاصا لم يحصل، فارتفع الجنس
بارتفاعه، وإن أرادوا بها إباحة شرعية، فهو مع أنه من الغرائب بعد
أن جعل الشارع أمر المال إلى مالكه (1) وأنه هو المسلط عليه (2)
وأنه لا يحل إلا بطيب نفسه (3) لا دليل عليها، إذ هو إن كان السيرة
فمعلوم اقتضائها الملكية، ولذا يجرون على المأخوذ بها جميع أحكام
الأملاك، ومن هنا قال: بعض مشايخنا في رد من قال: بالإباحة في الفرض
المزبور، بأنه يلزم إما إنكار ما جاز بديهة، أو إثبات قواعد جديدة.

(1) سورة النساء الآية 33
(2) البحار ج 2 ص 272
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1 و 3
222

منها أن العقود وما قام مقامها لا تتبع القصود، وقصد الملك
والتمليك عند المعاملة والبناء عليها؟؟ لا محض الإباحة لا ينافيها.
ومنها أن إرادة التصرفات من المملكات، فتملك العين أو المنفعة
بإرادة التصرف بهما أو معه دفعة، وإن لم يخطر ببال المالك الأول
الإذن في شئ من هذه التصرفات، لأنه قاصد للنقل من حين الدفع،
وأنه لا سلطان له بعد ذلك، بخلاف من قال: إعتق عبدك عني وتصدق
بمالي عنك، ومنها أن الأخماس والزكوات والاستطاعة والديون والنفقات
وحق المقاسمة والشفعة والمواريث والربا والوصايا مما تتعلق بما في اليد مع
العلم ببقاء مقابله وعدم التصرف به أو عدم العلم به، فينفي بالأصل
فتكون متعلقة بغير الأملاك، وأن صفة الفقر والغنا تترتب عليه كذلك
فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الأملاك.
ومنها كون التصرف من جانب مملكا للجانب الآخر، مضافا إلى
غرابة استناد الملك إلى التصرف، ومنها جعل التلف السماوي من جانب
مملكا للجانب الآخر، والتلف من الجانبين معينا للمسمى من الطرفين،
ولا رجوع إلى قيمة المثل حتى يكون له الرجوع بالتفاوت، ومع حصوله
في يد الغاصب أو تلفه فيها، فالقول بأنه المطالب لأنه تملك بالغصب
أو التلف في يد الغاصب غريب، والقول بعدم الملك بعيد جدا، مع
أن التلف القهري إن ملك التالف قبل التلف فهو عجيب، ومعه بعيد
لعدم قابليته حينئذ وبعده ملك معدوم، ومع عدم الدخول في الملك
يكون ملك الآخر بغير عوض، ونفي الملك مخالف للسيرة وبناء المتعاملين
ومنها أن التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف على
النية فهو بعيد، وإن أوقفناه عليها كان الواطي للجارية من غيرها واطئا
بالشبهة، والجاني والمتلف جانيا على مال الغير ومتلفا له، ومنها أن
223

النماء الحادث قبل التصرف إن جعلنا حدوثه مملكا دون العين فبعيدا
أو معها فكذلك وكلاهما مناف لظاهر الأكثر وشمول الإذن له خفي،
ومنها قصر التملك على التصرف مع الاستناد فيه إلى الإذن من المالك
فيرجع إلى كون المتصرف في تمليكه نفسه موجبا قابلا، وذلك جار في
القبض بل هو أولى منه، لاقترانه بقصد التمليك دونه، وإن كان
ستعرف إمكان الجواب عن جملة منها، بل عن حواشي الشهيد أنه لا
يجوز أن يخرج ما يؤخذ بالمعاطاة في زكاة أو خمس أو ثمن الهدي
قبل التلف أي تلف العين الأخرى، إلى أن قال: ولو اشترى أمة
بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن، فإن وطئ كان شبهة،
وإن كان الأقوى خلافه في الصورة الأولى من المعاطاة، فضلا عن الثانية
إلا أنه على كل حال لا ريب في أن حمل كلام قدماء الأصحاب
على ما ذكرناه، من أن مرادهم بيان قابلية الأفعال للإباحة لو قصداها
وأن ذلك مشروع دون التمليك البيعي مثلا خير من ذلك، لا لصعوبة
الجواب عنها، فإنك ستعرف لو قرر الاعتراض بها على الصورة الأولى،
بل لأن الواقع خلافه، وغرابة نفس الدعوى وهي إثبات أمر غير ما
قصده المتبايعان بلا داع ولا دليل، بل مقتضي الأدلة جميعا خلافه
فلا بد من حمل مرادهم على ما ذكرناه، لا أن مرادهم الإباحة فيما
قصد به المتعاملان انشاء البيع مثلا، بل ليس هو إلا الفساد حينئذ
كما صرح به الفاضل في النهاية، فما عساه يظهر من المتأخرين ومتأخريهم
من أن محل النزاع فيما قصد به البيع مثلا من الأفعال وغير الأقوال
المخصوصة مع جمع جميع شرائط البيع عدا الصيغة وأن المعظم يقولون
بالإباحة فيه، والكركي ومن تابعه بالبيع المتزلزل، والفاضل في النهاية
224

بالبيع الفاسد كما ترى، بل يمكن دعوى القطع بفساده بأدنى تأمل
وأنه لا ينبغي أن ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلا عن أعاظم الأصحاب
وكبرائهم، بل لا مناص من القول بالفساد فيه لمن اشتراط الصيغة في
الصحة، فضلا عمن جعله عبارة عنها.
نعم يشرع عنده التعاطي بقصد الإباحة على معنى إباحة كل منهما
التصرف للآخر على جهة المعاوضة، من غير فرق بين أنواع التصرفات
ما توقف منها على الملك وغيره، وعلى معنى إباحة إيقاعها للمباح له لا
المبيح، فتجري عليها حينئذ أحكام الإباحة المجانية من اللزوم بالتلف
وأحكام المعاوضة من تعيين العوض بالمسمى، وأحكام إعتق عبدك عني
وبع هذا المال لك ونحوه مما يفيد الملك الضمني بوقوع التصرف،
بناء على جريانه على القواعد، ضرورة انحلال الإباحة بالعوض على الوجه
المزبور إلى ذلك كله، فليس لها حكم جديد مستنكر، ولو فرض فإن
قام عليه دليل خاص من إجماع أو سيرة قطعية قبل، وإلا فلا كما أن
المتجه في البيع المتزلزل نحو ذلك أيضا، ضرورة أنه كل ما يفرض مما
هو مفيد للملك في الإباحة، يفرض مثله بالنسبة إلى اللزوم، وحاصله
أن كلما كان مفيدا لذلك ودالا عليه، ولو من مقتضى بناء المعاملة
عليه، على وجه يجري على الضوابط في غيره مما ملك متزلزلا كالمال
الموهوب ونحوه، لا مثل المبيع بالخيار الذي يرجع الجواز فيه إلى العقد
فلا يلزمه التلف ونحوه، أو كان عليه دليل من إجماع أو سيرة قطعية
قلنا به، وإلا كان محلا للمنع، فلا يرد أن كثيرا مما لزم به القائل
بالإباحة يجري أيضا على البيع المتزلزل.
ثم لا يخفى عليك عدم اعتبار المعلومية في العوضين في الصورة
الأولى وما في حكمها، للأصل السالم عن المعارض، كما أنه لا يخفى
225

عليك عدم جريان حكم البيع عليها بعد لزومها بالتلف ونحوه، وإن
احتمله ثاني الشهيدين، ولعله لأنه الأصل في مثل الأعيان، ولحصرهم
المعاوضات وليست إحداها، إلا أنه كما ترى، ضرورة عدم ثبوت
الأصل المزبور على وجه يشمل ما نحن فيه مما لم يطلق عليه اسم البيع
عرفا، بل يسلب عنه، ومنع الحصر في غيرها بعد الاتفاق على ثبوت
المعاطاة، فلا بأس باجراء حكم المعاوضة المستقلة عليها، كما صرح به
الشهيد في المحكي عن حواشيه فيلحقها حينئذ خيار العيب والغبن، لعدم
اختصاصهما بالبيع، دون خيار المجلس وتأخير الثمن والحيوان.
ومن ذلك يظهر لك ما في كلام الشهيد الثاني في المسالك فإنه
غير منقح، خصوصا إشكاله في كونها معاوضة بأن التصرف ليس معاوضة
ثم قال: إلا أن يجعل المعاطاة جزء السبب والتلف تمامه، إذ لا
يخفى عليك ما فيه ضرورة صدق المعاوضة عليها من أول الأمر وإن لم
تفد الملك، لعدم اعتباره في صدقها عرفا ولا شرعا، على أن المراد
اجراء حكم المعاوضة المستقلة عليها بعد اللزوم والملك بالتصرف ونحوه
وعدم إلحاقها بالبيع أو غيره من المعاوضات المعلومة، وإنما احتيج إلى
تنقيح ذلك حال اللزوم والملك، وإلا فقبلهما على الإباحة كما هو الفرض
فلا حاجة إلى تنقيح اجراء حكم أي معاوضة عليها، على أن المحكي عن
الشهيد الأول في الحواشي التصريح بأنها معاوضة مستقلة من أول الأمر
هذا كله في الصورة الأولى وما في حكمها مما ستعرفه، وأما الصورة
الثانية فلا ريب في اعتبار جميع ما يعتبر في البيع فيها بناء على صحتها
بيعا لاطلاق أو عموم ما دل عليها، الشامل لجميع أفراد البيع الذي
منه محل الفرض كما هو واضح.
ثالثها أن يقع الفعل من المتعاطين من غير قصد البيع، ولا تصريح
226

بالإباحة المزبورة بل يعطى البقال مثلا شيئا ليتناول عوضه فيدفعه إليه،
ولعل القائل باشتراط الصيغة في البيع، يشرعه أيضا على جهة الإباحة
التي هي كالأصل فيما يقصد به مطلق التسليط، فغيرها محتاج إلى قصد
آخر بخلافها، فإنه يكفي فيها قصد هذا التسليط المطلق، ويمكن أن
يكون هذا مراد الشيخ وغيره في المثال الذي ذكروه من اعطاء البقلي
شيئا، أو يكون مرادهم الصورة الأولى، وعلى كل حال فالقول
بمشروعيته عندهم ممكن، بل لعل القائل بعدم شرطية الصيغة يشرعه
أيضا كذلك أي على الإباحة، ضرورة عدم امكان جعله بيعا بعد فرض
عدم قصد التسليط على جهة الملك.
رابعها أن يقصد الملك المطلق، ولا ريب في فساده عند من اعتبر
الصيغة الخاصة في ملك المعاوضة، لانتفاء المشروط حينئذ بانتفاء شرطه
أما القائل بعدم اشتراطه فقد يقول بصحته وتنزيله على البيع، بناء
على أنه الأصل في نقل الأعيان، ولا يخرج عنه إلا بقصد غيره، كما
صرح به بعض مشائخنا، لكن قد يناقش في ثبوت الأصل المزبور بعدم
الدليل عليه، ومطلق النقل جنس مشترك بينه وبين الصلح والهبة بعوض
فلا يتشخص إلا بقصده، ولذا لا يكفي في صيغة البيع ملكتك ونحوها
وقد يقول بصحته على أن يكون من الهبة المعوضة، وفيه أنها محتاجة
إلى القصد أيضا، وأولى من ذلك دعوى كونها معاوضة مستقلة لا تدخل
تحت اسم شئ من المعاوضات، لكن فيه أنه لا دليل عليه، بل ظاهر
حصر الأصحاب النواقل فيما ذكروه من الأمور المخصوصة خلافه،
مضافا إلى أصالة عدمه، اللهم إلا أن يستند فيه إلى السيرة، وإن كان
دون إثباتها على وجه تكون معتبرة خرط القتاد.
ومن الغريب أن بعض مشائخنا اختار ذلك في المعاطاة مطلقا،
227

بعد أن اختار إفادتها للملك، قال: وهل هي داخلة في اسم المعاملة
التي جاءت في مقامها، فتجري فيها شرائطها وأحكامها، الظاهر من
جماعة من الأصحاب اختيار ذلك، فتجري فيها (قائمة مقام البيع) أحكام الشفعة والخيار
والصرف والسلم وبيع الحيوان والثمار وجميع شرائطه سوى الصيغة
ولم يقم على ذلك شاهد معتبر من كتاب أو سنة أو اجماع، والأقوى
أنها قسم آخر بمنزلة الصلح والعقود الجائزة، ويلزم فيها ما يلزم فيها
فتصح المعاطاة على المشاهد من مكيل أو موزون من غير اعتبار مكيال
وميزان، وبنحو ذلك جرت عادة المسلمين، نعم لو أرادوا المداقة بنوا
على إيقاع الصيغة والمحافظة على الشروط، فالظامر أنه متى جاء بالفعل
مستقلا أو مع ألفاظ لا تستجمع الشرائط مقصودا بهما المسامحة، جاء
حكم المعاطاة، وعلى الأول فإن صرح فيها بالحاق بيع أو غيره بنى عليه
وإلا فالبيع أصل في المعاوضة على الأعيان، مقدم على الصلح والهبة
المعوضة، والإجارة في نقل المنافع مقدمة على الصلح والجعالة، ثم اللزوم
ليس من المقتضيات الأصلية، وإنما هو من التوابع واللواحق الشرعية
فقصده غير مخل وإن لم يصادف محله.
وفيه نظر من وجوه لا يخفى عليك جملة منها بعد الإحاطة بما
ذكرناه، خصوصا فيما ذكر أنه الأقوى ضرورة أنه إن كان المراد ذلك
في مطلق المعاطاة حتى التي قصد المتعاطيان فيها البيعية مثلا، ففيه أنه
إن لم يلحقها بالبيع مثلا، ولم يجر عليه أحكامها، إنه يلزم كثير مما
تقدم سابقا في الايراد على القول بالإباحة، من عدم تبعية العمل للقصد
ومن ثبوت أحكام جديدة لا دليل عليها، ولئن سلم إثبات بعضها
بالسيرة المعتبرة، فلا يجزي في إثبات غيره، وإن ألحقها به في الاسم
دون الحكم، فهو أغرب من سابقه، ضرورة اقتضاءه مخالفة جميع
228

ما دل على اعتبار المعلومية فيه، والتقابض في الصرف منه والقبض في
السلم والربا وغير ذلك، ودعوى حصول السيرة القطعية على عدم اعتبار
شئ من ذلك في خصوص هذا القسم من البيع مثلا بديهية الفساد،
بل لا ينبغي صدورها من متفقه فضلا عن الفقيه الماهر.
نعم قد تسلم في بعض أفراد الجهالة فيختص الحكم به دون غيره
مع فرض كونها سيرة معتدا بها، لا أنها سيرة أعوام يتسامحون في الشروع
وأحكامه، كما هو المشاهد في كثير من أفعالهم المخالفة لما ذكره
الأصحاب وأجمعوا عليه، ولو أن مثل هذه السيرة ونحوها معتبرة،
لحصل دين جديد غير ما جاء به محمد وأهل بيته صلى الله عليه وآله كما لا يخفى، وأما
ما ذكره أخيرا من أن اللزوم إلى آخره، ففيه إن قصده إن وقع لا
بعنوان التقويم للفعل، بل كان نحو الاعتقاد المقارن فهو كذلك، وإلا
كان مخلا ضرورة كونه حينئذ كقصد الملك، وخروجه في نفسه لا ينافي
إدخال المعامل إياه في معاملته على وجه يكون كالشرط في النقل والانتقال
كما هو واضح بأدنى تأمل، وقد ظهر لك من ذلك كله حكم جميع ما
يتصور وقوعه من الناس، وأما تحرير أن الغالب منهم وقوع قسم
خاص من الأقسام المذكورة فلا فائدة فيه، بعد ظهور حكم الجميع لديك
وإن كان ظاهر المبسوط أن الذي في أيديهم الصورة الأولى، لكن لا
يخفى عليك ما فيه، بل يمكن دعوى أن الغالب الصورة الثانية خصوصا
في الأمور الجليلة، وعلى كل حال فهو خلاف في الموضوع، لا في أصل
المسألة بمعنى أنه يقول بالإباحة فيما قصد به المتعاطيان البيعية، كما
يوهمه تحرير النزاع في كلام المتأخرين، ولعله من غرايب الاشتباهات
والله أعلم.
بقي الكلام فيما ذكره غير واحد من الأصحاب بل قيل أنه لا
229

خلاف فيه ولا إشكال من لزوم المعاطاة بتلف العين من الجانبين، بل
قال الأستاذ في شرحه: لا ريب ولا خلاف في أن المعاطاة تنتهي إلى
اللزوم، وأن التلف الحقيقي أو الشرعي بالنقل بالوجه اللازم للعوضين
معا باعث على اللزوم، وكذا للواحد منهما واحتمال العدم فيه وفي
الناقل الشرعي في حكم العدم، قلت: وهو كذلك إذ لم أجد مخالفا
في لزومها، ودخول الباقي في ملك من في يده بتلف أحدهما، نعم
احتمل في المسالك العدم نظرا إلى بقاء الملك لمالكه، وعموم تسلط الناس
على أموالها (1) ثم حكم بأن اللزوم أقوى، وقال: فيها أيضا والروضة
ومحكي الميسية وتعليق الإرشاد أن في معنى التلف نقلهما عن الملك بوجه
لازم وتغيرها إلى حالة أخرى كالحنطة تطحن، مع احتمال العدم في
الأخير في الأولين اللذين فيهما أيضا أن امتزاجها بغيرها بحيث لا تتميز
في معنى التلف، لكن فصل بعد ذلك في المسالك فقال: إن كان
بالأجود فكالتلف، وإن كان بالمساوي والأردى احتمل كونه كذلك،
لامتناع التراد على الوجه الأول.
ولعله أشار بذلك إلى ما في محكي السرائر من أنه إن لم يبق
أحدهما بحاله كما كان أولا فلا خيار لأحدهما، وعليه يبنى ما في محكي
الميسية من إلحاق تغير الصفة كخياطة الثوب وصبغه وقصره، إلا أنه
استشكل فيه في الروضة والمسالك، ثم قال: في الأخير أيضا إن النقل
إن كان جائزا كالبيع في زمن الخيار فكاللازم على الظاهر، واستظهر
أيضا أن الهبة قبل القبض غير مؤثرة، مع احتماله لصدق التصرف،
وأطلق جماعة أنها تملك به، وعن جامع المقاصد وصيغ العقود وتعليق
الإرشاد الاكتفاء بتلف بعض العين في اللزوم، لامتناع التراد في الباقي

(1) البحار ج 2 ص 272
230

لأنه يوجب تبعض الصفقة وللضرر (1) وكأنه مال إليه في الروضة
وتأمل فيه في المسالك، لأن تبعض الصفقة لا يوجب بطلان أصل
المعاوضة، بل غايته جواز فسخ الآخر، فيرجع إلى المثل أو القيمة،
وأما الضرر فيستند إلى تقصيرهما في التحفظ بايجاب البيع، ثم احتمل
أن يلزم من العين الأخرى في مقابل التالف، ويبقى الباقي على أصل
الإباحة، ثم قال: فيها أيضا إنه على تقدير الرجوع يأخذها بغير أجرة
ولو كانت قد نمت، فإن كان باقيا رجع به وإن كان تالفا فلا لتسليطه
على التصرف بغير عوض، وفي الروضة أنه إن كان باقيا فوجهان إلى
غير ذلك من كلماتهم التي هي غير محررة كأصل المسألة.
وذلك لأنك قد عرفت أن التعاطي يقع على صور، أما الصورة
الأولى فالظاهر صحة ما ذكروه من اللزوم بالتلف من الجانبين، ولو
كان سماويا على نحو ما ذكروه في الإباحة من جانب كنثار العرس ونحوه
ضرورة أنه لا معنى للرجوع فيه سوى الحكم بالضمان المعلوم انتفاؤه
بالتسليط بالمعاوضة التي علم صحتها من السيرة والاجماع والعمومات،
وربما أطلق هنا وفي الإباحة المجانية على ذلك اسم الملك، فقيل تملك
بالتلف، والمراد أنه صار بحال لا يجوز الرجوع فيه من حيث الإباحة
السابقة، لا أن المراد الملك حقيقة على التالف حقيقة، إذ من المعلوم
عدم قابلية المعدوم لقيام صفة الملك به كما هو واضح.
وعلى كل حال فلا ريب في أن الحكم في الفرض كما عرفت، بل
الظاهر أنه كذلك بالتلف من جانب أيضا، لما عرفت من عدم جواز
رجوع المالك على من تلف المال في يده، ويلزمه عدم جواز رجوع
الآخر على المال الباقي، لاستلزامه الضرر المنفي ومنافاته لمقتضى المعاوضة

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5
231

بل لعل مقتضاها ضمانه عليه بالعوض المسمى فيها، لأن الفرض صحتها
وهو مقتضى لملكه له، كالمال الذي يباح التصرف فيه على جهة القرض،
فإنه باتلافه يثبت عوضه مثلا أو قيمته في الذمة، بل لعله من المعاطاة
في القرض أيضا أو في حكمها، إلا أن الفرق بينهما أنه في المقام قد سمى
عوضه بالمعاوضة التي فرض صحتها، فيتعين هو في مقابله بخلافه في
القرض، ولذا ثبت مثله أو قيمته في الذمة، ونحوه العمل المأمور به
من غير تسمية عوض خاص له، فإنه قد صرح غير واحد بأنه في حكم
المعاطاة في الإجارة أيضا ومنه يعلم عدم اعتبار المعلومية في هذه الصورة
منها، كما عرفته سابقا.
وأما اللزوم بتلف البعض ففيه الاحتمالات الثلاثة السابقة، ولعل
ما ذكره أخيرا في المسالك لا يخلو من قوة، هذا كله في التلف ويلحق
به التصرف الناقل بعوض، ضرورة اقتضائه ملك العوض للمنقول منه
لا للمالك الأول الذي لم يقع التصرف له لا بوكالة ولا إجازة بل
مقتضى المعاوضة المزبورة إباحة التصرف له، فيدخل في ملكه حينئذ
كالمال الذي يباح قرضه، فإنه بالتصرف فيه بعوض يدخل المعوض في
ملك المستقرض، وللجمع بين ما دل على صحة هذا التصرف في هذا
المال المفروض إباحته، وبين ما دل على أن لا بيع إلا ملك، قدر
الملك ضمنا، نحو ما قدروه في إعتق عبدك عني، وانعتاق العمودين
على المشتري لهما، ونحو ذلك ولا حاجة إلى شاهد لهذا الجمع، بل
هو مقتضى الدليلين، ضرورة أن غاية ما دل على اعتبار الملك
اقتضاء عدم وقوع التصرف المزبور على غير المملوك مثلا، فيكفي فيه
التقدم الذاتي الذي هو كتقدم العلة على المعلول، فبعد فرض ثبوت
232

صحة التصرف المذكور، يتعين حصول الشرط فيه بذلك، ولا حاجة
إلى تخصيص دليل الشرطية أو الالتزام ببطلان الدليل الآخر، لعدم
التنافي حينئذ كما هو واضح، ومن ذلك ينكشف لك الوجه في اندفاع
كثير مما سمعته من شيخنا وغيره على القائلين بالإباحة، بعد الاغضاء
عن لزوم مثله على القائلين بالملك المتزلزل، بل ستعرف أنه أشكل منه
كما أنه ظهر لك الوجه في جواز جميع التصرفات للمباح له، بعد ما
عرفت من صحة هذه المعاوضة التي مقتضاها ذلك، على أنه غير زايد
على الإباحة المجانية في نثار العرس وغيره كما هو واضح.
ثم لا يخفى عليك أنه لا فرق فيما ذكرنا في التصرف الناقل بين
كونه لازما وعدمه، ضرورة اشتراكهما فيما قدمناه، والتزلزل فيه
بالنسبة إليه لاقتضاء ذلك التصرف، لا يقتضي التزلزل في ملك الآخر بعد
عدم المقتضى له بل مقتضى الاستصحاب خلافه، وجواز الرجوع سابقا من
حيث كون المال مباحا وقد فرض ارتفاعه، نعم لو كان التصرف بالمزج والطحن
والخياطة والصبغ ونحوها مما لم يكن تلفا ولا انتقالا أشكل الدخول في
الملك به، لعدم الدليل على الالحاق بأحدهما، وأصالة بقاء المال على
ملك مالكه التي لا ينافيها شئ من ذلك، بعد فرض مشروعية الشركة
ولو بالأجود على النسبة، كمشروعيتها في العين أيضا مع الزيادة بالعمل
بالنسبة أيضا، كما ذكروه في نظائره مما ورد بالخيار ونحوه.
وأما النماء فالظاهر أنه من توابع العين في هذه المعاوضة، وإن
كان منفصلا فيتبعها في اللزوم وعدمه، والملك وعدمه، وإن تأخر السبب
المملك عن وجوده من غير فرق بين المتصل منه والمنفصل، للسيرة وحديث
الضرار (1) في بعض الأفراد وغيرهما، هذا كله في الصورة الأولى

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5
233

من المعاطاة.
وأما الصورة الثانية التي قد عرفت كونها بيعا متزلزلا فقد يشكل
أصل الجواز فيها بأنه لا إجماع عليه، ضرورة كون القائل به في الصورة
الأولى من حيث أنها إباحة، فلا إجماع على جوازها مع فرض كونها
بيعا، كما لا سيرة يعتد بها، ونمنع انحصار دليله (في أوفوا) (1)
الذي لم يشملها، بل يكفي فيه الاستصحاب، وكثير من النصوص
القاضية بلزوم البيع الذي قد فرض شموله لها كقوله عليه السلام
(البيعان بالخيار) (2) (ومن أقال نادما بيعته) (3) وغيره ثم بعد الاغضاء
عن ذلك وقلنا بثبوته فيها وأنها جائزة، فقد يشكل اللزوم فيها بالتلف
ونحوه، باعتبار أنها حينئذ كالبيع بالخيار من الجانبين، ومن المعلوم
عدم اللزوم فيه بشئ من ذلك، إلا بما دل على الرضا فيه باللزوم
من الجانب الذي صدر منه ذلك، وهذا من أقوى الشواهد على أن هذه
الأحكام ذكرها الأصحاب في المعاطاة على الإباحة.
ولكن التزم بها بعضهم فيها على البيعية، ظنا منه أن الأصحاب
جميعهم على أن المعاطاة المشروعة بيع متزلزل، وأن هذه الأحكام
ذكروها على هذا التقدير، وتصفح كلام الأصحاب أقوى شاهد على
خلافه، ودعوى الاجماع في التلف والناقل اللازم ممنوعة أشد المنع
على هذا التقدير، خصوصا بعد أنا لم نقف على مصرح بكونها بيعا
متزلزلا قبل الكركي والاستناد إلى ذلك من غير التفاوت إلى كونه على
تقدير الإباحة أو البيع كما ترى، كالاستناد إلى السيرة التي لا ريب

(1) سورة المائدة الآية 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 2 و 4
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة 2 و 4
234

في أن دعواها في المقام مجرد لفظ خال عن المعنى، ضرورة رجوع عامة
المتشرعة في حكمها إلى العلماء، ولم يمكن لهم عندهم حكم لها بالنسبة
إلى اللزوم وعدمه، واستغرابه في بعض الأحوال من بعض الأفراد،
كاستغراب جملة من الأحكام المتعلقة بالخيار وغيرها إنما هو للجهل
بالأحكام الشرعية، وحديث نفي الضرر والضرار (1) إنما يقتضي
الجبر بالمثل أو القيمة كما في سائر أقسام الخيار وغيرها، ودعوى اشتراط
جواز الفسخ بامكان الرد، فيدور الحال مدار صدقه وعدمه كما ترى،
ضرورة عدم تعليق الحكم عليه في نص معتبر أو معقد إجماع أو نحوهما
مما هو ضابط ذلك، ودعوى أن التزلزل هنا في ملك نفس العين، لا في
العقد المفروض عدمه، وبذلك افترق المقام عن الخيار الذي مرجعه إلى
العقد، فلذا لم يفرق في ثبوته بين تلف العين والتصرف فيها، من غير
ذي الخيار وعدمها، دون المقام الذي جواز الرجوع فيه يتبع وجود
العين، كالمال الموهوب وإن تبعه فسخ العقد فيها والمعاوضة هنا، بخلاف
الخيار فإن الفسخ فيه أولا للعقد وإن تبعه أثره في العين مع وجودها
وإلا اختص به وأغرم المثل أو القيمة، وكان كالإقالة التي هي فسخ
العقد، يدفعها أنها مجرد احتمال لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه،
ضرورة عدم اختصاص الفسخ بالعقد، بل يقع عليه وعلى المعاوضة
الشاملة للمقام قطعا بعد كونها بيعا، والعمدة في إثباته فيها عدم دليل
اللزوم، بعد فرض انحصاره في آية (أوفوا) ونحوه مما هو مختص بالعقد
المفروض عدمه، وإن كانت بيعا، إذ هو أعم منه ولا ريب أن مقتضى
كون متعلق الفسخ نفس المعاوضة أن يكون كالخيار الذي لا يسقط بفعل
غير صاحبه، فضلا عن التلف السماوي.

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5
235

ومن ذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكره الأستاذ في شرحه قال:
وتحقيق الحال أنها وإن بنيت على الجواز فكان الأصل البقاء على ذلك،
لكنه معارض بأصالة اللزوم، على أنا نعلم من تتبع كلمات القوم،
والنظر إلى السيرة القاطعة أن الجواز مشروط بامكان الرد وبالخلو عن
الضرر المنفي بحديث الضرار، فلو تلف كل أو بعض منه، أو من
فوائده بتصرف بعين أو منفعة من ركوب أو سكنى أو حرث أو دخول
في عمل ونحوها أو بيع أو إجارة أو زراعة أو مساقاة ونحوها على
وجه لا يمكن فسخها شرعا أو باتلاف أو تلف سماوي تعذر الرد
ولم يتحقق مصداقه ولو صدق في البعض امتنع أيضا، ومع حصول الضرر
بالتبعيض وتغيير الصورة بالطحن أو تفصيل أو خياطة أو صبغ ونحوها
لو دخل تحت الرد جائه ثبوت الضرر غالبا بتبديل الصفات واختلاف
الرغبات، نعم لو بقي الشئ على حاله وزاده حسنا بصقل أو إخراج
غبار أو إزالة وسخ ونحوها لم يكن فيه ذلك.
وأما المزج على وجه لا يتميز فلا يمكن رده بعينه، وقبول الجميع
فيه منة، ودخول مال الغير في ماله من غير فرق بين الأجود ومقابلاته
والظاهر أن الرد مقيد ببقاء الملك، فلو خرج عنه ولو بعقد جائز دخل
في حكم آخر، وقد يخطر بالبال أن مجرد التصرف وإن خلا عن المالية
اختيار للزوم، كما في الخيار فيجزي مطلقه، لكنه مردود بالأصل مع
ارتفاع الشك، وخروج الخيار عن الأصل بالنص لا يقتضي خروج
ما نحن فيه، ولو صدر الاتلاف من الدافع لما في يد المدفوع إليه كان
كالرد إليه على اشكال.
ولا يخفى عليك مواضع النظر في كلامه بعد الإحاطة بما ذكرناه
وحديث الضرار لو قضى بذلك لقضى به في الخيار كما أنه لا سيرة
236

معتد بها في إثبات أكثر هذه الأحكام أو جميعها، ولم يصدر من المتعاملين
سوى قصد البيع على نحو غيره من البيوع، فلا بناء للمعاملة على شئ
من ذلك وأصالة اللزوم بعد فرض انحصار دليلها في آية أوفوا المعلوم
عدم صدقها على ما نحن فيه، كما صرح به الكركي وعليه بنى ثبوت
الجواز في هذا البيع لا وجه لها، على أن المتجه بعد ثبوت الجواز
استصحابه حتى يحصل المخرج، فكل ما شك في ارتفاع الجواز معه
كان مقتضى الاستصحاب المزبور ثبوته، اللهم إلا أن يقال أنه يكفي في
اللزوم استصحاب الملك الذي قد فرض ثبوته، وإنما يخرج عنه بالمتيقن
وهو مع بقاء العين بحالها، فكل ما شك حينئذ في الجواز معه كان
مقتضى الاستصحاب المزبور اللزوم فيه، إلا أنه هو أيضا كما ترى محل
للنظر والمنع كما تقرر في نظائره.
ومن ذلك يظهر الحال حينئذ فيما لو اختلفا في حصول سبب اللزوم
وعدمه، فإن القول قول منكره استصحابا للجواز، من غير فرق بين
الاطلاق في ذلك والاستناد إلى سبب خاص من تلف أو إتلاف أو
عقد أو تصرف، وكون بعض أفراده لا يعلم إلا من قبله لا يسقط حق
الغير، لكن في شرح الأستاذ أن في تقديم قول أحدهما إشكالا وأما
النماء فالمتجه فيه كونه لمن في يده، وإن رجع بالعين كنماء المبيع
بالخيار، اللهم إلا أن يكون هناك سيرة على التبعية، كما سمعته سابقا
في الإباحة، وكان شيخنا في شرحه لم يتحققها، ولذا جزم بالأول قال:
لا رجوع لأحدهما على صاحبه. لو أجزنا الرجوع على الأصل بالمنافع
المستوفاة، لحصولها في ملكه أو تسليطه عليها بالإباحة على القول بها
وكذا الفوائد الحادثة المنفصلة على القول بالأول، كالنماء ونحوه على
الأصح بعد تلفها.
237

وأما مع بقائها فلا يرجع على الأول مطلقا ويرجع مع عدم
التصرف على الثاني ومعه اشكال، ويظهر وجهه مما تقدم. وأما المتصلة
كالسمن والصوف والشعر الباقيين على الظهر واللبن الباقي في الضرع
فيتبع العين على الأقوى، ثم لا يخفى عليك أن لفظ المعاطاة لم يكن
في نص ونحوه حتى يكون الحكم دائرا مداره، وحينئذ فلا يشترط فيها
بجميع صورها قبض العوضين، بل يكفي قبض أحدهما كما نص عليه
الشهيد والكركي، بل في دروس أولهما يشبه أن يكون من المعاطاة
اقتضاء المدين العرض عن العقد أو عن عرض آخر فإن ساعره فذاك
وإلا فله سعر يوم القبض، ولا يحتاج إلى عقد وليس لهما الرجوع بعد
التراضي، قلت: ولعله لحصول البراءة منه التي هي بمنزلة التلف، لكن
فيه أن الظاهر كون الوفاء أمرا مستقلا قد دلت عليه النصوص وأفتى به
الأصحاب فلا يدخل في اسم شئ من هذه المعاملات كما بيناه في محله
ولعله لذا قال: يشبه المعاطاة ولم يجعله منها حقيقة خصوصا ولم يقصد
إلا الوفاء والاستيفاء دون بيعيته ونحوها.
وعلى كل حال فلا يعتبر التقابض فيها قطعا للسيرة القطعية التي
هي الأصل في إثباتها، فيجري حكم البيع والإباحة على قبض أحدهما
بل المتجه بناء على عدم اعتبار الصيغة الخاصة في البيع، جوازه بالألفاظ
المقصود بها إنشاء البيع غيرها، وإن لم يقع قبض من أحدهما، فيجري
فيها حينئذ حكم المبيع غير المقبوض، ومن الغريب ما في المسالك والروضة
من التأمل فيها في صورة القبض من أحدهما، فضلا عن غيره لعدم
صدق اسم المعاطاة، لأنها مفاعلة تتوقف على الاعطاء من الطرفين، إذ
لا يخفى عليك عدم وجود اللفظ المخصوص في شئ من النصوص،
حتى يكون عدم صدقه دليل عدم الصحة، وإنما العمدة السيرة المشتركة
238

بين الصورتين، نعم قد يشك فيها بالنسبة إلى ما ذكرناه أخيرا من
البيع بالألفاظ غير اللفظ المخصوص هذا، وفي محكي تعليق الإرشاد أن
من المعاطاة الإجارة ونحوها، بخلاف النكاح والطلاق ونحوهما، فلا
تقع أصلا وهو قاض بمشروعيتها في سائر العقود، وأن لها حكم ذلك
العقد الذي قامت مقامه، وقصد بها على نحو ما سمعته في البيع.
لكن في جامع المقاصد إن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار
المعاطاة في الإجارة وكذا في الهبة وذلك أنه إذا أمره بعمل على عوض
معين عمله واستحق الأجرة، ولو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له
العمل، ولم يستحق أجرة مع علمه بالفساد، وظاهرهم الجواز بذلك
وكذا لو وهب بغير عقد فإن ظاهرهم جواز الاتلاف ولو كانت هبة
فاسدة لم يجز، بل يمنع من مطلق التصرف، وهو ملحظ وجيه وظاهره
عدم الجزم بذلك، وفي المسالك بعد نقل ذلك قال: إنه لا بأس به
إلا أن في مثال الهبة نظرا من حيث أن الهبة لا تختص بلفظ، وجواز
التصرف في المثال المذكور موقوف على وجود لفظ يدل عليها، فيكون
كافيا في الايجاب إلا أن يعتبر القبول القولي مع ذلك، ولا يحصل في
المثال فيتجه ما قاله، قلت: أو يفرض أن الهبة كانت بالفعل الذي
قصد به ذلك، كالمعاطاة فيما نحن فيه، وليس المهم ذلك.
إنما المهم بيان حكم المعاطاة بالصورة الثانية في باقي العقود كالقرض
والرهن والضمان والحوالة والكفالة والمزارعة والمساقاة والصلح والإجارة
والجعالة والوصية والوقف ونحوها، وبيان فائدة الصيغة في بعضها مع
فرض جريانها فيها، كالقرض والضمان وأنها اللزوم كما في المقام،
فيجوز الرجوع فيما كان بالمعاطاة منها قبل حصول ما يقتضي لزومها،
بناء على مساواتها لمعاطاة البيع أيضا فيما تلزم به، بخلاف ما لو كان
239

بالصيغة أو غيره، كل ذلك ونحوه غير محرر في كلامهم، كما أن
النصوص وغيرها خالية عن ذلك، وليس إلا السيرة التي يمكن دعوى
حصولها في الجميع، على وجه يلحقها اسم تلك المعاملة القائمة مقامها
وحكمها عدا ما كان مختصا بالصيغة منها، كاللزوم بناء على انحصار دليله
في آية أوفوا، فتثبت حينئذ فيها كلها، بل وفي بعض ما هو إيقاع
كالشفعة والابراء وفسخ الخيار ونحوها، فينكشف بذلك حينئذ عدم
اعتبار الصيغة في أصل الصحة كما في المقام، وإنما هي اللزوم فيما لم
يثبت جوازه، أما فيه كالقرض ففائدتها أنها دالة عليه صريحا من
غير حاجة إلى قرينة بخلاف الأفعال ونحوها، ولذا تعرضوا لها ولضبطها
في العقود الجائزة كالعارية والوديعة ونحوهما، مما علم قيام الأفعال الدالة
عليها مقامها، بل لو قيل بأن جواز المعاطاة في البيع للاجماع والسيرة
لا لانحصار دليل اللزوم في آية أوفوا، بل يكفي فيه استصحاب الأثر
الذي فرض حصوله منها، مضافا إلى خصوص ما دل عليه مثلا في الرهن
ونحوه، اتجه القول بلزومها أيضا فيها، كما لو وقع ذلك بالصيغة فلا
رجوع حينئذ في معاطاة الرهن والضمان ونحوهما، إلا أن الجميع
كما ترى.
وذلك مما يؤيد كون المعاطاة التي أثبتها أكثر الأصحاب إنما هي
الصورة الأولى وهي الإباحة، دون الثانية وما شابهها، ضرورة قبح
التزام الفقيه بمثل ذلك، وأقبح منه التزام جوازها في خصوص البيع
وما شابهه، ولا يخفى عليك طريق الاحتياط الذي هو ساحل بحر
الهلكة، والله هو العالم بحقيقة أحكامه، وعليك بالتأمل في هذا المقام
الذي قد زلت فيه أقدام الأعلام، بل لم أر من حرره من زمن المحقق
240

الثاني الذي هو أول من فتح باب عدم اشتراط الصيغة في الصحة،
وفرع عليه أن المعاطاة بيع، بل مقتضاه أنها تلحق باسم كل معاملة
قامت مقامها كما عرفته سابقا، لكن قال في المحكي عنه في كتاب صيغ
العقود في القرض: إنه لا يكفي الدفع على جهة القرض من غير لفظ
في حصول الملك، نعم يكون ذلك في القرض كالمعاطاة في البيع فيثمر
إباحة التصرف، فإذا تلف العين وجب العوض، والذي ينساق إليه
النظر أن المعاطاة في البيع تثمر ملكا متزلزلا، ويستقر بذهاب إحدى
العينين أو بعضها، ومقتضى هذا أن النماء الحاصل في المبيع قبل تلف
شئ من العينين يجب أن يكون للمشتري، بخلاف الدفع للقرض،
فإنه لا يثمر إلا محض الإذن في التصرف وإباحته، فيجب أن يكون
نماء العين للمقرض لبقائها على الملك، وهو صريح في الفرق بين
المعاطاة فيهما.
ولا يخفى عليك صعوبة إثبات ذلك عليه ضرورة اشتراك الجميع
في الأدلة كما عرفته سابقا، ولعل التحقيق بعد ذلك كله عدم تحقق
شئ من أحكام البيع على المعاطاة، فضلا عن غيره من المعاملات
اللازمة، للاتفاق ظاهرا على اعتبار الصيغ في صحتها أو في مسماها،
كالاتفاق ظاهرا على جريان حكم البيع الفاسد على البيع مثلا بالصيغة
الباطلة، لعدم عربية ونحوها، ولو أن المعاطاة بيع لاتجه صحته معاطاة
لعدم التشخيص بإرادة العقد الذي هو بناء على كون المعاطاة بيعا شرط
للزوم خارج عن حقيقته، على أنه يمكن قصد إرادة البيع خاصة،
ولامكان القطع بملاحظة النص والفتوى بكون البيع من حيث كونه
بيعا بالنسبة إلى اللزوم وعدمه شيئا واحدا، ولذا أطلق عليه السلام
241

(البيعان بالخيار حتى يفترقا) (1) (ومن أقال نادما بيعته أقال الله
عثرته) (2) (ومن اشترى حيوانا كان بالخيار إلى ثلاثة أيام) (3)
وغير ذلك مما لا يتم في بيع المعاطاة المفروض كونه جائزا بالذات
إلا بتكلف مستقبح يمكن القطع بفساده، بل قوله عليه السلام (كل
مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه) (4) كالصريح في عدم تحقق
البيع بالتقابض الذي هو في الحقيقة من أحكام البيع، أو شرط في
صحته في الصرف.
ولاطلاقهم تحقق البيع بإشارة الأخرس ونحوه على وجه يكون
كالبيع بالصيغة من غير إشارة في شئ من النص والفتوى إلى تبعيتها المشار
إليه العقد أو المعاطاة، ولفحوى ما تسمعه في النكاح بل والطلاق والظهار
وغيرهما، من الايقاعات المعلوم عدم جريان المعاطاة فيها، بل ربما
قيل بشمول العقود لها، بناء على إرادة مطلق الملزم من العقد فيها ولو
من جانب، بل قد يشهد له ما في الدعائم قال: جعفر بن محمد عليهما
السلام (أوفوا بالعقود في البيع والشراء والنكاح والحلف والصدقة) (5)
بل يستفاد منه دليل آخر على ما نحن فيه، ولغير ذلك مما يظهر بأدنى
تأمل من عدم صلاحية الفعل لانشاء شئ من المعاملات والايقاعات،
بل والعقود الجائزة كالوكالة والوديعة والعارية ونحوها، والاكتفاء بالفعل
ونحوه مما يفيد الإذن لا يقتضي تحقق الوكالة مثلا، أو الصحيح منها

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 2 و 4
(3) الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 1 و 2
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1
(5) الدعائم ج 2 ص 26
242

به على وجه يلحقه الحكم الذي عنوانه مسماها.
ومن هنا يظهر لك السر في اعتنائهم بضبط الصيغ المخصوصة حتى
في العقد الجائز واقتصارهم على الاكتفاء بالفعل في قبوله خاصة، بل
قد يقال بكون المراد من العقود المأمور بالوفاء بها البيع والصلح
والإجارة ونحوها من المعاملات اللازمة أو الجائزة على وجه ذكرناه في
غير المقام، ولعله لذا سمعت عن جماعة بل قيل الأكثر تعريفها بالعقد
نفسه، وإن كان فيه أن ذلك لا يقتضي كونها عبارة عن العقد المسبب
لحصولها فالبيع حينئذ أثره وسببه لا نفسه، كما أوضحناه سابقا، بل
اتفاق قدماء الأصحاب ومتأخريهم حتى الكركي القائل بأن المعاطاة بيع
على كون البيع النقل بالصيغة والانتقال بها أو نفس الصيغة الخاصة
الدالة عليها كالصريح في عدم دخول المعاطاة في البيع، ضرورة
خروجها عن الجميع كما أنه يمكن القطع به أيضا من خلو ما جاء في
البيع كتابا وسنة عما ذكروه من الأحكام لها، كاللزوم بالتلف للكل
والبعض والتصرف ونحو ذلك، بل لا يبعد اتحاد النكاح والطلاق
والظهار وغيرها مع العقود في اعتبار الصيغ الخاصة على وجه لا تقوم
مقامها المعاطاة، وإطلاق اسم البيع من المتسامحين بالشرع وشيوعه فيما
بينهم حتى أنه ربما تبعهم في ذلك غير المتسامح، مع احتمال إرادة
المبادلة أو رفع اليد منها كرفع يد البايع أو غير ذلك لا يصلح
معارضا لما سمعت، وكأنه هو الذي عن الكركي حتى وقع وأوقع غيره
فيما سمعت، نعم قد يقال بتحقق حكم الإباحة على ما في أيدي الناس
مما يسمونه بيعا ما لم نعلم منهم إنشاء البيعية والشرائية بالتقابض
مثلا وإلا كان من البيع الفاسد نحو انشاءه بالمنابذة ونحوها مما نهى
243

الشارع عنه (1)، وقال: إنما يحلل ويحرم الكلام (2).
وأغرب من ذلك كله دعوى جريان المعاطاة في مورد جميع العقود
جايزها ولازمها، فيتحقق مسماها بها دون عقدها للاطلاق عرفا، وفائدة
العقد حينئذ اللزوم في اللازمة منها ولا فائدة له في غيره إذ هو كما ترى لا
ينبغي صدورها ممن ذاق طعم الفقه، والله هو الموفق الهادي إلى سبيل
الرشاد.
وكيف كان فقد ظهر لك أنه لا يكفي في عقد البيع ما عرفت
من التقابض ونحوه، بل وكذا مطلق اللفظ.
نعم لا خلاف ولا إشكال في انعقاده باللفظ العربي الصحيح الصريح
الماضي المنجز، المشتمل على الايجاب من البايع والقبول المتأخر المتصل
المطابق معنى من المشتري، بل الاجماع بقسميه عليه، ونصوص الكتاب
والسنة شاملة له، أما مع فقد هذه القيود كلا أو بعضا فالقول فيه
ما عرفت، وما يأتي مفصلا، ويتحقق إيجابه ببعت قطعا، بل وبشريت
على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك لاشتراك
كل من لفظي البيع والشراء بين المعنيين، فهما حينئذ من الأضداد
كما عن كثير التصريح به بل في مصابيح الطباطبائي لا خلاف بينهم
في وضعهما للمعنيين، فيصح استعمال كل منهما حينئذ في الايجاب
والقبول على الحقيقة، ولا يقدح الاشتراك وإلا لامتنع الايجاب بالبيع،
ولا ظهورهما في أشهر معنييهما، لوضوح القرينة المعينة لغيره، وهي
وقوع البيع من المشترى، والشراء من البايع، على إن استعمال الشراء
في البيع كثير، بل قيل إنه لم يرد في الكتاب العزيز غيره (نحو

(1) الوسائل الباب 12 من عقد البيع وشروطه الحديث 3.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.
244

وشروه) (1) (والذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة) (2) ومنهم من
يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) (3) وكذا استعمال البيع في الشراء
كثير أيضا (ومنه البيعان بالخيار) (4) (ولا يبع أحدكم على بيع
أخيه) (5) على المشهور في تفسيره كما ستعرفه في محله، وغير ذلك من
الشعر والنثر، ودعوى هجر ذلك فيها في العرف المتأخر ممنوعة إذا
أريد الهجر على وجه يكون مجازا ومسلمة، ولكن لا يقدح إذا أريد
بها غير ذلك، فلا بأس باستعمال كل منهما حينئذ في الايجاب والقبول
نعم الظاهر أن بعت في القبول تتعدى إلى مفعول واحد، وشريت
في الايجاب إلى مفعولين، كبعت فيه فلو قال البايع شريتك العين،
تعين للايجاب من وجهين: أحدهما وقوع ذلك من البايع، والثاني
التعدية إلى مفعولين، ولو قال شريتها فمن وجه واحد، وكذا القبول
لو قال المشتري بعتها أو بعت، ولو وكل اثنين في بيع موصوف وابتياعه
بثمن واحد، فقال أحدهما للآخر بعت أو شريت وقال الآخر بعت
وشريت، فإن أوجبنا تقديم الايجاب أو قال الأول بعت والثاني
شريت كان بيعا حملا للعقد على الصحيح، والصيغتين على ظاهرهما
وإلا احتمل ذلك مطلقا نظرا إلى الغالب من تقديم الايجاب وإن
لم يجب، أو في غير صورة العكس فيبطل، لتعارض الأمارتين أو يصح
شراء ترجيحا لدلالة اللفظ وهو الأقرب.

(1) سورة يوسف الآية 20.
(2) سورة النساء الآية 74.
(3) سورة البقرة الآية 207.
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1.
(5) المستدرك ج 2 ص 470.
245

وأما ملكت فالأكثر بل المشهور على تحقق الايجاب بها، بل عن
جامع المقاصد في تعريف البيع. ما يشعر بالاجماع على صحة الايجاب
به في البيع، ولعله لكونها حقيقة فيما يشمل البيع، فاستعمالها فيه
حينئذ حقيقة، إذا لم يكن على جهة الخصوصية التي يكون استعمالها
الكلي فيها مجازا، ودعوى كونها حقيقة في التمليك مجانا واضحة المنع،
نعم قد يشكل ذلك باحتماله غير البيع. وإن كان نصا في الايجاب
ولا يجدي ذكر العين والعوض، لأن تمليكها به قد يكون بالهبة والصلح
فلا يتعين بيعا، لكن قد يدفعه التزام تقييده بالبيع فلا إشكال حينئذ
ولعله بذلك يرتفع النزاع، حملا لكلام المانع على الخالي من القيد،
والمجوز على خلافه، أو يحمل المنع على ما إذا استعمل فيه مجازا،
بملاحظة الخصوصية، والمجاز لا ينعقد به العقد، والجواز على استعماله
على جهة الحقيقة، وإن استفيدت الخصوصية من قيد آخر كما أنه يمكن
دفع الاشكال المزبور أيضا، بأن الأصل البيع في تمليك الأعيان بالعوض،
والإجارة في ملك المنافع به، فيكفي حينئذ في صيرورته بيعا مجرد
قصد التمليك من غير حاجة إلى قصد آخر فضلا عن القيد، بخلاف
ملك الصلح والهبة فإنه لا بد من قصدها.
ولعله على هذا يحمل ما عن المحقق الثاني، من أن المفهوم من
بعت وملكت معنى واحد، إلا أن للنظر في هذا الأصل مجالا، وعلى
كل حال فالأقوى صحة الايجاب بالتمليك مقيدا بالبيع، بل في المصابيح
تحققه بكل ما كان مثله من الألفاظ الموضوعة للقدر المشترك بين البيع
وغيره، نحو النقل والامضاء بل الظاهر تحققه عند أدخلته في ملك،
بل وبجعلته لك، بناء على كون اللام حقيقة في الملك، وأريد ذلك منها
بالقرينة، بناء على أنها للقدر المشترك بينه وبين الاختصاص، ضرورة
246

اشتراك الجميع في المعنى مع ملكت، بل قيل إن ذلك هو مقتضي إطلاق
الأكثر بل الكل، فإن الشيخ والديلمي والقاضي والطوسي والحلبيين
وغيرهم اقتصروا على الايجاب والقبول ولم يذكروا لفظا، وذكره
آخرون على سبيل التمثيل من غير حصر، ففي التحرير الايجاب اللفظ
الدال على النقل مثل بعتك أو ملكتك أو ما يقوم مقامهما، والقبول
اللفظ الدال على الرضا مثل قبلت واشتريت ونحوهما، ونحوه الإرشاد
واللمعة والروضة فيهما، والجامعان وصيغ العقود في القبول، والتبصرة
والقواعد في الايجاب، وفي الأخير أنه كبعت واشتريت وملكت، وهو
كالصريح في عدم انحصاره الثلاث وما يوهم الحصر من العبارات لا
يثبت به الخلاف، لظهور قصد التمثيل به كما مر، والمدار على الصراحة
المتحققة في الكل، ولم تثبت من الأدلة اختصاص البيع بلفظ معين،
ولا من الأصحاب اشتراط أمر زائد على الصراحة.
فما في المسالك من اختلاف كلامهم في تحقيق ألفاظ البيع، واحتمال
القول باختصاصه بما يثبت شرعا من الألفاظ ليس بجيد، وكذا ما في
تعليق الإرشاد من التردد في رضيت بدل قبلت وإن كان بمعناه،
لاحتمال توقف النقل على الصيغة المعينة، إذ لا اعتداد بهذا الاحتمال
ولو توقف النقل على خصوص اللفظ المعين، لزم الاقتصار على بعت
واشتريت وقبلت، ولم يجز غيره لعدم ثبوته بعينه من نص ولا اجماع،
ورضيت في القبول أظهر من ملكت وشريت وأقرب إلى مفهوم قبلت،
فكان أولى بالجواز منهما، وحينئذ فالمتجه الصحة في الكل.
ولكن قد يقال أن اعتبار الأصحاب الصراحة كاف في اشتراط
الدلالة على خصوص البيع وضعا في الايجاب، فلا يكفي ما دل عليه
بالقرينة ولو قرينة الاشتراك المعنوي، وإلا لكفى المجاز، والاكتفاء
247

بملكت للاجماع إن ثبت لا يقتضي بالتعدية إلى غيرها، اللهم إلا أن
يكون منشأه الأصل المزبور. فيتعدى منها حينئذ إلى جميع ما كان
بمعناها، إلا أنه مع أن هذا الأصل محل للنظر والتأمل يقتضي اختصاصهما
حينئذ وما ساواها في عقد البيع والإجارة، بناء على أنها الأصل في
تمليك المنافع في مقابلة البيع للأعيان، لا التعدية إلى عقد كل عقد
بالألفاظ المشتركة معنى التي لا دليل عليها، خصوصا بعد انصراف
الآية إلى أشخاص العقود المتعارفة لا أنواعها، ومعلومية أن المعاملات
شرعت لنظام أمر المعاش المطلوب لذاته، ولتوقف أمر المعاد عليه،
وهي مثار الاختلاف ومنشأ التنازع والترافع، فوجب ضبطها بالأمر
الظاهر الكاشف صريحا عن المعاني المقصودة بها، من العقد والحل والربط
والفك، وإلا لكان نقضا للغرض الداعي إلى وضع المعاملة وإثباتها
في الشريعة، والقيم بذلك البيان المعبر عما في ضمير الانسان من
الألفاظ الموضوعة لذلك، دون غيرها مما لا يفهم إلا بالقرائن من الألفاظ
المجازية ونحوها، وللأفعال والإشارات والكنايات والكتابات ونحو ذلك
كما هو واضح.
ومن ذلك كله يظهر لك أن الاقتصار على الألفاظ الدالة وضعا
هو الأولى وعلى كل حال فينعقد البيع بما ينعقد به في جميع أنواع
البيع حتى التولية والسلم على خلاف يظهر من المسالك في الثاني، ويقع
كل منهما بلفظه المخصوص الآتي في محله إنشاء الله، وفي انعقاد البيع بلفظ
السلم قولان، أشبههما العدم لأنه مجاز في مطلق البيع، والعقود اللازمة
لا تنعقد بالمجازات كما صرحوا به، وللشك في الانعقاد بمثله، فينتفي
بالأصل، وأجازه الفاضلان والشهيدان والمحقق الكركي ونسبه في المسالك
248

إلى الأكثر، لأنه لفظ معتبر في نوع من البيع، فجاز استعماله في
الجنس مجازا تبعا لقصد المتبايعين ووجود القرينة الصارفة عن الخصوصية
ولانعقاده بالتمليك المستعمل شرعا استعمالا شايعا في الهبة المباينة له،
فانعقاده بالسلم الذي هو نوع منه أولى، ولأنه إذا جاز في الموصوف
المؤجل المحتمل للغرر وعدم إمكان التسليم فالحال المشاهد المقطوع
بتسليمه أولى بالجواز وضعف الكل ظاهر، وتخصيص هذا المجاز بالجواز
تكلف بعيد، خصوصا بعد إطلاقهم عدم انعقاد اللازم بالمجاز، بل في
مفتاح الكرامة الذي طفحت به عباراتهم في أبواب متفرقة كالسلم والنكاح
أن العقود اللازمة لا تنعقد بالمجازات، بل في المصابيح هنا ولا ينعقد
بساير المجازات كالهبة والصلح والإجارة والكتابة والخلع قولا واحدا،
ولا بالنكاح ولو كان المبيع أمة، ولا بشئ من الكنايات كالتسليم
والتصريف والدفع والأخذ والاعطاء ونحو ذلك، بل عن التذكرة ونهاية
الأحكام أن من الكنايات جعلته لك وأدخلته في ملكك، مع أن
اللام محتملة للملك والاختصاص والادخال في الملك بمعنى ملكتك، وقد
عرفت جواز العقد به.
نعم الظاهر عدم الفرق في عدم انعقاده بالمجاز بين القريب والبعيد
فما عن المحقق الثاني من الجمع بين ما وقع لهم من اطلاق عدم العقد
به، ومن جواز عقده بلفظ السلم الذي هو مجاز في البيع كما عن
الأكثر على ما عرفته بذلك في غير محله، وليس هذا بأولى من كون
القائل بذلك محجوجا بالاطلاق المزبور، خصوصا بملاحظة ما عن الأكثر
في باب النكاح، من عدم جواز عقد الدائم بلفظ المتعة لكونه مجازا
فيه، وحقيقة في المنقطع، مع أنه من المجاز القريب، واشتراطهم
الصراحة والدلالة بالوضع ونحو ذلك مما يعلم معه عدم الفرق بين
249

المجاز القريب والبعيد، مضافا إلى أن ذلك مقتضى الأصل، ولم يثبت
من اجماع أو غيره أن العقد بالمجاز من العقود المتعارفة كي يجب
الوفاء به، بل قد يشكل العقد بالألفاظ المتجدد وضعها للدلالة على البيع
مثلا صريحا، وإن كان القول به لا يخرج من قوة إذا فرض كونه من
الألفاظ العربية، لا نحو ما كان من المحرفات العامية.
ثم لا يخفى عليك جريان ما سمعته من الكلام في ألفاظ القبول
ضرورة عدم الفرق بين ألفاظه وألفاظ الايجاب في اعتبار الصراحة
ونحوها كما عرفت، وأما اعتبار العربية للقادر عليها ولو بالتعلم بلا
مشقة ولا فوت غرض فهو مقتضى الأصل، ضرورة عدم الدليل على
الاكتفاء بغيرها، بعد انصراف الآية وغيرها إلى العقد بالألفاظ العربية
كغير المقام مما علق الشارع الحكم فيه على الألفاظ المنصرفة إلى العربية،
خصوصا بعد إن كان المخاطب والمخاطب عربيا، وقد أرسل لسان
قومه، ولذا كان القرآن وغيره من الأدعية والأذكار الموظفة عربية، ولم
يرد منهم عليهم السلام شئ منها بالفارسية في جميع الموظفات، نعم
لا بأس بالدعاء بالفارسية مثلا من حيث كونه دعاء، وإن كان لا
يجزي في شئ مما وظفه الشارع كما هو واضح، وعن المبسوط والتذكرة
الاجماع على عدم الصحة بغير العربية مع القدرة في صيغ النكاح، فما
عن ابن حمزة من استحباب العربية فيجوز بغيرها لأنه من الألفاظ
الصريحة المرادفة للعربية واضح الضعف بعد ما عرفت، نعم الظاهر
الاجتزاء بها للعاجز عنها حتى بالتعلم بلا مشقة، لفحوى الاكتفاء بإشارة
الأخرس مؤيدا ذلك. بعدم العثور فيه على خلاف بين الأصحاب، بل
في كشف اللثام الذي قطع به الأصحاب أنه يجوز بغير العربية للعاجز
عنها ولو بالتعلم بلا مشقة ولا فوت غرض مقصود، بل الظاهر الاجتزاء
250

بذلك وإن تمكن من التوكيل، كما صرح به بعضهم للفحوى المزبورة
فما عن بعضهم من اعتبار ذلك في الاجتزاء بها لا يخلو من نظر،
خصوصا بعد قول المصنف وغيره.
(ويقوم مقام اللفظ الإشارة مع العذر) من غير تقييد بالعجز
عن التوكيل المتيسر غالبا، ودعوى اختصاص ذلك في خصوص الأخرس
كما ترى، ضرورة عدم الفرق بين الجميع كما لا يخفى على من
أحاط خبرا بمدرك المسألة، ولذا لم يجعل المصنف موضوع الحكم الأخرس
كالقواعد والإرشاد، بل في اللمعة والروضة تكفي الإشارة مع العجز
عن النطق لخرس وغيره، ولا تكفي مع القدرة وفي محكي التحرير لا
تكفي الكتابة ولا الإشارة مع القدرة، وتجزي الأخرس وشبهه الإشارة
بل في المحكي عن كشف اللثام في كتاب النكاح لو عجز أشار بما يدل
على القصد، وهو مما قطع به الأصحاب ولم نجد من الأصحاب نصا فيمن
عجز لاكراه، بل في مفتاح الكرامة قد طفحت عبارتهم بأن العاجز عن النطق
لمرض وشبهه كالأخرس، بل لا يبعد أن المراد بالإشارة كل ما دل على المقصود
غير اللفظ حتى الكتابة التي قد صرح في الاجتزاء بها حينئذ في محكي التحرير
ونهاية الإحكام والدروس وغيرها، نعم يعتبر وجود القرينة الدالة على إرادة
العقد بها أو المعاطاة وبها يحصل الفرق بين المعاطاة والعقد في العاجز
من غير فرق في القرينة المفهمة بين الإشارة بالأصبع وغيره، وإن نص
عليه في تلبية الأخرس، وتشهده لكن الظاهر إرادة المثال منه من كل
ما يؤدي به الأخرس مقصوده، كما أن الظاهر القطع بعدم وجوب
تحريك اللسان هنا، وإن قيل به في القراءة ضرورة وضوح الفرق بين
المقامين بالتعبد باللفظ ثم دون المقام فما في شرح الأستاذ من أن
الكتابة قاصرة عن الإشارة لا يخلو من نظر هذا.
251

ولكن قد سمعت سابقا إطلاق الأصحاب قيام الإشارة مقام العقد
من غير إشارة إلى بيع المعاطاة، وفيه إشارة إلى عدم كونها بيعا وعلى
كل حال فالاجتزاء بغير العربية للعاجز عنها مساو لذلك أو أولى منه،
بل الظاهر الاجتزاء بالملحون مادة أو اعرابا للعاجز عن الصحيح ولو
بالتعلم من غير مشقة، كما اعترف به فخر المحققين فيما حكي عنه،
قال: إذا ألحن الموجب أو القابل في العقود فإن قال: بعتك بفتح الباء
أو زوجتك أو غير ذلك فإنه يصح إذا لم يكن عارفا، أو كان عارفا
وقصد الايجاب، ولو قال: جوزتك في النكاح لم يصح، فإن لم يتمكن
من التعلم ولا أن يؤكل وعين هذا اللفظ صح، وكذا في القبول وفي
الطلاق لو عقد القاف كافا، فإنه لسان ورد في اللغة فيصح، وإن
أمكنه النطق بغيره، وإن كان في كلامه مواضع للنظر أيضا.
(و) أما الماضوية فقد قال: المصنف أنه (لا ينعقد إلا بلفظ الماضي
فلو قال: اشتر أو ابتع أو أبيعك لم يصح العقد وإن حصل القبول
وكذا في طرف القبول مثل أن يقول بعني أو تبيعني لأن ذلك أشبه
بالاستدعاء أو الاستعلام)، بل قيل أنه المشهور ولعله كذلك، إذ هو
المحكي عن الوسيلة والسرائر ونهاية الإحكام والإرشاد والمختلف والتذكرة
والتحرير وشرح الإرشاد للفخر والدروس واللمعة والتنقيح وصيغ العقود وتعليق
الإرشاد والروضة والمسالك، بل عن التذكرة لو تقدم بلفظ الاستفهام
فيقول أتبيعني حينئذ لم يصح اجماعا لأنه ليس بقبول ولا استدعاء، وعنها
أيضا لو قال أبيعك أو قال اشتر لم يقع اجماعا، وهو الحجة بعد
الأصل السالم عن معارضة الآية التي قد عرفت إرادة للمتعارف من العقود
منها، وقد علم عدم العقد بذلك أو لم يعلم، خصوصا بعد الشهرة
والاجماع المزبورين، وعدم معروفية النقل للانشاء هنا لغير الماضي،
252

ولعله إلى ذلك أشار بقوله أشبه بالاستدعاء، وإلا فمن المعلوم أن
محل البحث ما لو أريد الانشاء بها، وما في بعض نصوص الآبق واللبن (1)
من وقوع القبول بلفظ المضارع مقدما على الايجاب لم يعلم منه وقوع
العقد به، ولا هو مساق لذلك، بل المراد منه تعليم كيفية الشراء
بالضم معه كما لا يخفى على من لاحظه، فما عن الكامل من صحة
قول المشتري بعني هذا بكذا فقال: البايع بعتك من غير أن يراد المشتري
والمهذب من صحة قول المشتري بتبيعني بكذا، فقال البايع بعتك واضح
الضعف، مضافا إلى ما فيه من تقديم القبول على الايجاب الذي
ستعرف الحال فيه، وأما التنجيز فالظاهر أنه لا إشكال كما لا خلاف
في عدم صحة غير المنجز، بل عن تمهيد القواعد الاجماع على ذلك،
بل قيل إنه يلوح من كشف اللثام سواء كان تعليقا على متوقع الحصول
أو متيقنة، لا لأن الانشاء لا يقبله، ضرورة قبول الأوامر ونحوها له
بل الوصية والظهار ونحوهما، بل لمنافاته ما دل على سببية العقد الظاهر
في ترتب مسببه عليه حال وقوعه، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين
دون الشارع معارض لذلك، بل هو شبه إثبات حكم شرعي من غير
أهله، وللشك في شمول الآية ونحوها له، بل ربما قيل: بفساد المعلق
صورة لا واقعا، كقوله في النهار بعتك إن كان النهار موجودا، ونحوه
مما لا تأخير فيه لأثر العقد، ولعله للشك الزبور، وكأنه هو مبنى ما عن
التذكرة ونهاية الإحكام من أنه لو علقه على مشية المشتري بأن قال:
بعتك هذا بألف إن شئت فقال اشتريت لم ينعقد، إلا أن الانصاف
عدم خلوه عن النظر خصوصا بعد تصريح بعضهم بصحة قول المنكر إن كان
مالي فقد بعتك وإن كانت زوجتي فهي طالق، وأولى من ذلك إذا لم يكن شاكا
بل كان جازما بأنه له، وكون الزوجة زوجته، وإنما ذكر التعليق

(1) الوسائل الباب 8 و 11 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1 و 2
253

صورة، فلا ينافي قصد ترتب أثر العقد بحصوله، كما إذا لم يعلق
وإن كان شاكا في حصول الأثر الشرعي للشك في الشرط، إلا أنه
يكفيه قصد الأثر العرفي ويتبعه الشرعي إذا جمع الشرائط، ومن
هنا صح العقد مع من لا يرى صحة العقد كمتعة الذمية ونحوها والله
هو العالم.
(وهل يشترط تقديم الايجاب على القبول فيه تردد) وخلاف
والأشهر كما قيل اشتراطه بل عن الخلاف الاجماع عليه، وإن كنا لم
نتحققه، بل في مفتاح الكرامة أنه وهم قطعا، لأني تتبعت كتاب
البيع فيه مسألة مسألة وغيره حتى النكاح فلم أجده ادعى ذلك، للأصل وكون
القبول إضافة: فلا يصح تقدمها على أحد المضافين، (و) أن القبول
فرع الايجاب.
لكن مع ذلك (الأشبه عدم الاشتراط) إذا لم يكن بلفظ قبلت
ونحوه، مما لا معنى له مع التقديم، ولذا كان ممنوعا بخلاف غيره فإنه
يصح، وفاقا للشهيدين في اللمعة والروضة والمسالك والحواشي والدروس
والفاضل في النهاية والتحرير والكفاية، ومجمع البرهان على ما حكي عن
البعض، بل قيل أنه ظاهر الغنية وغيرها، ممن لم يتعرض فيه لهذا
الشرط، بل حكي عن القاضي أيضا، لصدق اسم العقد، بدليل صحته
في النكاح الذي هو أشد احتياطا من المقام، ولذا قيل: إنه أولى منه
بجواز ذلك، وليس هو قياسا فتشمله الآية حينئذ، على أن العوضية
من الأمور الإضافية المتعاكسة فلا مزية لأحدهما بالاختصاص، والإضافة
والفرعية غير ظاهرتين في غير قبلت التي لا نزاع فيها، وإلا لما صح في
النكاح بل يمكن أن يقال: إنه يصير المشتري موجبا والبايع قابلا، أو
يقال: أن تبعية القبول للايجاب إنما هي على سبيل الفرض والتنزيل
254

لا تبعية اللفظ اللفظ حتى يمتنع التقديم عقلا ولا القصد القصد، فإنه
ربما انعكس الأمر، وإنما هي بأن يجعل القابل نفسه متناولا ما يلقى
إليه من الموجب والموجب مناولا، كما يقول السائل منشأ أنا راض
بما تعطيني، وقابل لما تمنحني فهو متناول قابل، قدم انشاءه أو أخره
كما هو واضح.
وأما الاتصال فعن جماعة منهم الفاضل في النهاية والشهيد والمقداد
والمحقق أنه يشترط أن لا يتأخر القبول بحيث لا يعد جوابا، ولا يضر
تخلل آن، أو تنفس، أو سعال، قلت: المدار في هذه الموالاة؟؟ على العرف
فإنه الحافظ للهيئة المتعارفة سابقا في العقد الذي نزلنا الآية عليه،
فإن الظاهر عدم تغيرها، ومن ذلك يعلم الحال في التطابق بين الايجاب
والقبول الذي قد صرح به غير واحد من الأصحاب، لكن على معنى
المطابقة بينهما بالنسبة إلى المبيع والثمن، لا مطلق التطابق للاتقان على
صحة الايجاب ببعت والقبول باشتريت، بل الظاهر صحة قبلت النكاح
مثلا لايجاب زوجتك، كما عن جماعة التصريح به، بل المراد المطابقة
التي مع انتفائها ينتفي صدقة القبول لذلك الايجاب وبالعكس، والظاهر
أن من ذلك ما لو قال: بعتك هذين بألف فقال: قبلت أحدهما
بخمسمائة، ضرورة تعلق الرضا بالمجموع، وأولى من ذلك ما لو قال
بعتكما العبدين بألف فقبل أحدهما بخمسمائة، بل عن المبسوط أنه لم
يجز إجماعا، بل عنه أيضا أنه لو قال قبلت نصف أحد العبدين بحصة
من الثمن لم يصح اجماعا، لأن حصته مجهولة، بل الظاهر عدم الصحة
لو قال قبلت نصفهما بنصف الثمن، كما عن المبسوط التصريح به أيضا
لما عرفت، وعنه أيضا أنه لو قال: بعتكما هذين العبدين بألف هذا
العبد منك وهذا العبد من الآخر فقبل أحدهما بخمسمائة لم يصح،
255

لأنه قبله بثمن لم يوجب له، لأن الألف مقسومة على قدر القيمتين لا
عددها وهو اجماع، قلت: وجهه واضح كما ذكره.
نعم لو قال: بعتكما هذين العبدين هذا العبد منك بخمسمائة وهذا
الآخر منك صح لمعلومية ثمن كل منهما مع ظهور عدم إرادة اشتراط تمليك كل
منهما بتمليك الآخر أما لو قال بعتكما هذا بألف فقال أحدهما: قبلت
نصفه بنصف الثمن، فالظاهر عدم الصحة، كما في القواعد ومحكي
المبسوط والخلاف والقاضي ونهاية الإحكام والتلخيص لظهور إرادة الاجتماع،
خلافا للفاضل في محكي المختلف والتذكرة فالصحة مع الخيار، ولو قال
بعتك هذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة ونصفه بخمسمائة
فالأقوى الصحة، لأنه تصريح بمقتضى الاطلاق من غير مخالفة، مع
احتمال البطلان، ولو قال: بعتك بألف فقال: اشتريت بألف وخمسمائة
فالأقوى الفساد لعدم المطابقة، وربما احتمل الصحة إلى غير ذلك من
الفروع التي مدارها ما عرفت.
(و) كيف كان ف‍ (لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد) لعدم
تحقق بعض ما عرفته وتعرفه من شرائط الصحة (لم يملكه) بلا
خلاف، بل الاجماع بقسميه عليه، للأصل بعد فرض بطلان للسبب
الذي أريد الانتقال به، وفرض عدم إرادة غيره من أسباب الملك، حتى
المعاطاة بناء على أنها منه، ضرورة ظهور حال تعرضهما للعقد في إرادة
الملك المترتب عليه، وإن كان قدر منهما التقابض، إلا أنه على كونه
من مقتضيات ما أوقعاه من العقد وآثاره، لا أنه انشاء مستقل قصدا
ترتب الأثر عليه، نعم لو علم منهما ولو بالقرائن بعد ذكرهما العقد
256

عدم إرادتهما ذلك، بل قصد الانشاء بتقابضهما، وأراد حصول الملك
أو الإباحة جرى عليه حكم المعاطاة، وكان خارجا عما نحن فيه.
وبذلك ظهر الفرق بين البيع الفاسد والمعاطاة، لكن قد عرفت
سابقا أن قصد التملك العقدي غير مشخص، مع فرض تحقق البيع
بالمعاطاة التي منها الصيغة الملحونة مثلا، على أن الأصحاب قد أطلقوا
عدم الملك به وإن لم يكن قصد إلا إلى البيعية، فهذا شاهد على عدم
صحة بيع المعاطاة عندهم، ومن هنا يتجه إطلاقهم عدم الملك مضافا
إلى ما عرفته سابقا، بل ظهر أيضا الوجه فيما ذكره المصنف وغيره
من عدم الملك، ضرورة عدم السبب المقتضي له، فالأصل حينئذ بحاله
بل (وكان) كل مما قبضه البايع والمشتري (مضمونا عليه) بلا
خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، لعموم على اليد (1)
وتسلط الناس على أموالهم (2) التي في أيدي غيرهم، سواء كانت موجودة
أو تالفة وغيره مما يقتضي الضمان باستيلاء اليد على مال الغير بغير إذن
منه ولا من المالك الحقيقي، إذ؟؟ الثاني معلوم الانتفاء بما دل على
الفساد كالنهي عن بيع الحصاة والمنابذة والملامسة (3) والغرور (4)
ونحوها، مما لا اشكال في ظهوره في عدم جريان آثار العقد الصحيح عليه
من القبض والتصرف ونحوهما.
وأما الأول فلم يصدر منه إلا الإذن في ضمن إرادة التمليك بالعقد
الصحيح. والفرض عدم حصوله فيرتفع المطلق بارتفاع المقيد، لما تبين

(1) سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.
(2) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 13
(4) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
257

في محله من عدم تحقق الجنس بدون فصله، وعدم بقاء المطلق بعد
ارتفاع القيد، فأصالة الضمان المستفادة من عموم على اليد وغيره حينئذ
بحالها، على أن القبض من كل منهما قد كان على وجه الضمان بما
دفعه إلى الآخر، إلا أنه لما لم يتم ما ذكراه من العقد المخصوص
المقتضي للضمان بما تراضيا عليه، اتجه حينئذ ضمانه بالمثل أو القيمة،
وإقدامهما على المخصوص إنما كان على تقدير صحة ما ذكراه من
السبب المقتضي له، والفرض فساده، ولذا أطلق المصنف وغيره الضمان
على وجه يراد منه الضمان بالمثل أو القيمة، بل لعله هو الظاهر من
معاقد إجماعاتهم في المقام، فضلا عن التصريح به من بعضهم، بل في
محكي السرائر أن البيع الفاسد عند المحصلين يجري مجري الغصب في الضمان
أو المعاطاة، بناء على أنها للإباحة إنما كان ضمانها فيه تراضيا عليه
للاجماع وإلا كان محلا للمنع، على أن الفرق بينها وبين ما نحن فيه
واضح بما عرفت.
بل منه يعلم عدم شموله قوله عليه السلام (المؤمنون عند
شروطهم) (1) لو سلم تناوله للمعاطاة ونحوها، ولم نقل باختصاصه
في العقد اللازم ونحوه، وإلا كان وعدا، ومن ذلك كله ظهر لك الوجه
فيما ذكروه هنا في الاستدلال على الحكم المزبور من قاعدة كل ما يضمن
بصحيحه يضمن بفساده التي قد يظهر من بعضهم الاجماع عليها،
والمراد بها أنه كما يضمن المشتري مثلا بصحيحه لو فات في يده، يعني
يذهب من ماله ويلزم عليه ايصال الثمن إلى البايع، كذلك يضمن
بفاسده ويلزم عليه رد المبيع وايصاله إلى البايع مع نمائه، لأنه
باق على ملكه فإذا تلف كان مضمونا عليه.

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب المهود الحديث 4.
258

كما أنه يظهر من إطلاقهم ومعقد إجماعهم ما صرح به شيخنا
في شرحه والفاضل في الرياض من عدم الفرق فيما سمعته بين علمهما
بالفساد وجهلهما وعلم أحدهما، ضرورة اشتراك الجميع فيما ذكرناه،
لأن العلم بالفساد لا ينافي اختصاص ما صدر منهم من الإذن، كما أنه
لا ينافيه إيقاعهم التقابض ونحوه، على أنه من مقتضيات العقد الفاسد
المعامل معاملة الصحيح، ولو للابداع والتشريع، وكذا لا ينافيه الجهل
بالفساد إذ أقصاه في بعض الأحوال عدم الإثم، وهو يجامع الضمان
كما في إتلاف الساهي والنائم وغيرهما، لا الإذن من المالك بذل،
فالتوقف حينئذ في ضمان الجاهل مطلقا أو للعالم من بعض متأخري المتأخرين
لشبهة كونه المسلط له على المال التي يأتي مثلها في العالمين، وشبهة
رجوع المغرور على من غره التي ينفيها فرض عدم وقوع غير نفس المعاملة
منه، والجهل بالحكم الشرعي لتقصير منه لا لغرور العالم له به كما هو
واضح في غير محله، ضرورة فرض عدم التسليط على كل حال، وإنما
هو على وجه مخصوص لم يحصل، من غير فرق بين علمه وعدمه، إذ
لا منافاة في تعليق الإذن على ما يعلم المعلق انتفاءه، فظهر حينئذ أن
القاعدة المزبورة لا ريب فيها على اطلاقها، كما اعترف بذلك في
الرياض وغيره.
نعم قد يتوقف فيما صرحوا به من مفهومها على وجه القاعدة
أيضا، وهو ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، كالمال في الهبة
والعارية ونحوهما، إذ لا وجه له سوى أنهما قد أقدما على المجانية
فلا ضمان، لكنه كما ترى، خصوصا بعد علم القابض بالفساد، وجهل
الدافع والاقدام المزبور إنما هو على فرض صحة العقد فلا إذن حينئذ
إلا المقيدة به، التي فرض ارتفاعها بارتفاعه، نحو ما سمعته في القاعدة
259

الأولى، فيكون تصرف القابض في المال بلا إذن من المالك، فيكون
مضمونا عليه، بقاعدة على اليد وغيرها ولا غرور من الدافع في أكثر
أفرادها أو جميعها، كي يتجه سقوط الضمان بقاعدة رجوع الغرور على
من غره، فالمتجه حينئذ بناء على ما سمعته سابقا الضمان مطلقا،
أو في أكثر أفرادها، إلا أن يقوم إجماع على ذلك، وتعرف إنشاء الله
في العين المستأجرة وغيرها من محالها تمام الكلام في ذلك، كما أنك
تعرف حكم الضمان فيما تقدم أنه بالقيمة يوم القبض، أو يوم التلف
أو غيرهما، وحكم ما لو زادت قيمة العين بفعل المشتري المتضمن عينا أيضا
كالصبغ ونحوه أو لا كالصنعة، وحكم النماء، وغير ذلك من الأحكام عند تعرض
المصنف له، فيما يأتي من أحكام البيع الفاسد، ضرورة عدم اختصاص
الحكم المزبور بما إذا كان الفساد من جهة العقد، بل يعمه وغيره مما
ستعرف هذا كله في نفس العقد.
(وأما الشروط فمنها ما يتعلق بالمتعاقدين) لهما أو لغيرهما
(وهو البلوغ والعقل والاختيار فلا يصح بيع الصبي) إذا لم يكن عاقلا
بالغ العشر سنين (ولا شراؤه) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل
الاجماع بقسميه عليه (ولو أذن له الولي) قبل البيع أو بعده
(وكذا لو بلغ عشرا عاقلا على الأظهر) الأشهر بل المشهور بل لا
أجد فيه خلافا، عدا ما يحكى عن الشيخ ولم نتحققه، بل صرح في
المحكي عن المبسوط والخلاف بعد صحة بيع الصبي وشرائه أذن له الولي
أو لم يأذن.
نعم قال في أولهما وروي أنه إذا بلغ عشر سنين وكان رشيدا كان
جايز التصرف (1) وظاهره عدم العمل بها فصح حينئذ للفقيه نفي الخلاف

(1) المبسوط ج 2 ص 163 الطبع الحديث.
260

في المسألة على الاطلاق بل صح له دعوى تحصيل الاجماع على ذلك كما وقع
من بعضهم بل ربما كان كالضروري وخصوصا بعد ملاحظة كلام الأصحاب
وارسالهم لذلك ارسال المسلمات حتى ترك جماعة منهم الاستدلال عليه
اتكالا على معلوميته.
فمن الغريب ما وقع للمقدس الأردبيلي وبعض من تأخر عنه من
الاطناب في تصحيح عقده، بل ربما كان ظاهر ما استدل به على ذلك
عدم الفرق بين بلوغه العشر وعدمه، وهو مع سبقه بالاجماع بل ولحوقه
محجوج بالأصل المزبور بوجوه، وخبر حمران أو حمزة بن حمران
المروي في المستطرفات وغيرها (1) (أن أبا جعفر عليه السلام قال:
الغلام لا يجوز أمره في البيع والشراء ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ
خمس عشر سنة) الحديث وخبر عبد الله بن سنان المروي عن الخصال (2)
(عن الصادق عليه السلام أنه سئل أبي وأنا حاضر عن اليتيم متى
يجوز أمره، قال: حتى يبلغ أشده قال: وما أشده قال: احتلامه)
الخبر وغيرهما من النصوص المذكورة في باب الحجر (3) وغيره والمناقشة
في السند واضحة الفساد، ولو بملاحظة الانجبار بما عرفت، كالمناقشة
في الدلالة بكونها فيهما أخص من المدعى، باعتبار ظهورهما في التصرف
بماله، وبما إذا كان من دون إذن الولي، ونحو ذلك مما لا ينبغي
صدوره من متفقه فضلا عن الفقيه، خصوصا بعد ملاحظة عدم القول
بالفصل، وأن المراد من أمره تصرفه القولي والفعلي، وهذا معنى سلب

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام الحجر الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 14 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 3
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب الحجر وباب 45 و 46 من
أبواب أحكام الوصايا.
261

عبارته في المعاملة، وفعله الذي اشتهر التعبير به في كتب الأصحاب
على وجه لا تنفعه إجازة الولي المتأخرة، ولا إذنه السابق بل ولا إجازته
نفسه بعد البلوغ، ضرورة الخروج عن قابلية التأثير، فمن الغريب
المناقشة فيهما بأنه لا منافاة بين صحة عقده وبين عدم دفع المال إليه،
وأغرب منه الاستدلال باطلاق ما دل على صحة البيع من الخطابات
الوضعية التي لا تخص المكلفين، بل ما كان منها ظاهر فيهم، فليس
المراد منه اشتراط السببية التي هي من أحكام الوضع به، نحو ما تقدم
في الحدث الأكبر والأصغر والاتلاف للمال المحترم وغيرها، فيتأخر الحكم
التكليفي لو كان التصرف بماله إلى ما بعد البلوغ، أو يكلف به الولي
وأما الوضعي كالملك ونحوه فيقارن السبب، كما أنه يقارنه لو كان
العقد على غير ماله بإذن من المالك سابقة أو لاحقة، بناء على جواز
الفضولي.
لكن ذلك جميعه كما ترى، ضرورة القطع بعدم سببية ما وقع
منه للبيع، بملاحظة ما سمعته من النص والفتوى، وبذلك افترق
المقام عن نحو الحدث الذي لا يفرق في سببيته بين الصبي والمجنون
والنائم وغيرهم، وكذا الاستدلال بما ورد في الكتاب (1) والسنة من
ابتلاء اليتامى واختبارهم في حفظ؟؟ المال، وفي التصرف فيه كي يدفع
إليهم مالهم (2) وبالسيرة القطعية في ساير الأعصار والأمصار على مباشرة
الأطفال لبيع الخبز والماء ونحوهما وشرائهما، وبالقياس على جواز

(1) سورة النساء الآية 6.
(2) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب أحكام الحجر الحديث 1 و 3 و 4
و 44 من أبواب أحكام الوصايا.
262

وصيته (1) وعتقه (2) وطلاقه (3) ونحوها ومرسل المبسوط (4) لا يخفى
عليك ما فيهما ضرورة كون عدم انحصار الأول مع فرض وقوعه
قبل البلوغ، بمباشرة نفس عقد البيع والشراء ونحوهما من الأمور التي
عرفت الدليل على اعتبار البلوغ في صحتها، بل يكفي مباشرة السوم
ونحوه من الأمور التي لا يعتبر فيها ذلك، هذا إن كان الابتلاء
قبل البلوغ.
أما لو كان بعده كما يقتضي به بعض النصوص تحصيلا لصفة
الرشد فلا دلالة على ما نحن فيه حينئذ بوجه، وعدم اقتضاء الثاني للجواز
مطلقا، ضرورة وجوب الاقتصار فيه على خصوص ما جرت به السيرة
التي تصلح حينئذ مقيدة أو مخصصة، لما عرفت بعد فرض تسليمها على
وجه ينافي ما سمعت مع احتمال منعها، خصوصا بعد إطلاق النص
والفتوى واشتراط البلوغ، المشعر بكونها حادثة وصادرة ممن يتأهل
بأحكام الشرع، أو بكونها في خصوص ما علم فيه إذن الولي بإباحة
المبادلة التي يطلق اسم البيع عليها، ومثلها لا ينافي ما عرفت لكون
الطفل فيها كالآلة وأنها ليست من المعاطاة، على القول بأنها بيع أو
أنها معاوضة مستقلة برأسها مفيدة للملك، بل ولا منها بناء على أنها
تفيد الإباحة ضرورة كونها على هذا التقدير لا بد فيها من انشاء وقصد
للمعاوضة، ويترتب عليها الملك بالتلف والتصرف ونحوهما مما عرفت،

(1) الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 4 و 5
(2) الوسائل الباب 56 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 22 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه
الحديث 2
(4) المبسوط ج 2 ص 163 الطبع الحديث
263

وقول الطفل وفعله مسلوب القابلية عن ذلك لما عرفته، وإن قلنا بجواز
إباحته بالمعنى الأعم إذا فرض إذن الولي له بذلك، لكون المرجع فيه
حينئذ إلى إباحة الولي، وإن كان إذن الطفل مشخصة لموضوع من أبيح
له، فإذنه حينئذ كغيره مما يعتبر في التشخيص لو علق عليه إباحة المال
من دخول في دار أو إشارة من مجنون بل وحيوان لو فرض أو غيرهما،
ومثل ذلك لا يكفي في المعاطاة المعلوم اعتبار قصد المعاوضة فيها
وإنشائها على كل حال، ولا يكفي فيها القطع برضا صاحب المال بالمعاطاة
من دون تحقق ذلك فعلا ممن له أهلية ذلك، والفرض سلب الطفل عنها
ومن ذلك يظهر لك ما في الرياض حيث أنه بعد أن جزم بعدم
جواز تصرفات الطفل، قال: نعم الأظهر جوازه فيما كان فيه بمنزلة
الآلة لمن له الأهلية، لتداوله في الأعصار والأمصار السابقة واللاحقة
من غير نكير، بحيث يعد مثله إجماعا من المسلمين كافة، لكن ينبغي
تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة، فإنه الذي يمكن فيه
دعوى اتفاق الأمة، ضرورة ظهوره في إرادة التصرف الانشائي الذي
يترتب عليه الملك والتمليك، لا الإباحة بالمعنى الأعم، وفيه ما عرفت،
ويمكن أن يريد ما ذكرناه، لكن في شرح الأستاذ أنه ربما يقال بترتب
الملك على الإباحة المستفادة من مباشرة الأطفال إلحاقا لها بالمعاطاة مع
تولي الطرفين، بل أطنب بعض مشائخنا في عدم اعتبار البلوغ في المعاطاة
بناء على أنها تفيد الإباحة فتصح حينئذ من الأطفال بإذن الولي، وفيه
منع لما عرفت من سلب أفعالهم وأقوالهم عن ترتب الملك وعن إرادة
الانشاء بها، كما هو مقتضى قوله عليه السلام (لا يجوز أمره حتى يبلغ
أشده) (1) المعلوم إرادة التصرف من أمره فيه، كما عرفت، وما سوغناه

(1) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب أحكام الحجر الحديث 4 و 5
264

من الإباحة بالمعنى الأعم هو تصرف الولي دونه، فلا ريب في أن
الأحوط الاجتناب مطلقا.
وأما ما سمعته من الاستدلال بالقياس، ففيه أولا منع حجيته، وثانيا
منع الحكم في المقيس عليه إلا ما قام الدليل المعتبر عليه، ومرسل المبسوط
مع عدم حجيته خصوصا بعد الاعراض عنه محتمل لإرادة التصرف في
الجملة ولو الإباحة بالمعنى المذكور ولمن قارنه البلوغ بأحد أسبابه أو
غير ذلك، وقد ظهر من ذلك كله معلومية الحال، وأن المسألة خالية
من الاشكال، (وكذا) الكلام في (المجنون) مطبقا أو أدوارا
حال جنونه، بل لا أجد فيه خلافا بل الاجماع بقسميه عليه بل
الضرورة من المذهب بل الدين، لا لعدم القصد فإنه قد يفرض في بعض
أفراد الجنون، بل لعدم اعتبار قصده وكون لفظه كلفظ النايم، بل
أصوات البهائم، وهو المراد من رفع القلم عنه وعن الصبي في الخبر (1)
مع أن العمومات التي قد اغتر بها من عرفت في الصبي شاملة لبعض
أفراده إن لم يكن جميعها.
(و) كذا الكلام في (المغمى عليه والسكران غير المميز) وغيرهم
ممن هو فاقد العقل المعتد به في التكاليف الشرعية وموضوعاتها الخاصة
(والمكره) بغير حق الذي هو مما رفع الشارع الحكم عما أكره عليه
من قول أو فعل (2) بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الاجماع بقسميه
عليه، بل الضرورة من المذهب، مضافا إلى الأصل المقرر بوجوه، وإلى
ما دل على اعتبار الرضا وطيب النفس في صحة المعاملة وآثارها من

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11
(2) الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1 و 2.
265

من الكتاب (1) والسنة (2) وإلى معلومية اعتبار إرادة معنى العقد من
ذكر لفظه، ضرورة عدم كونه التلفظ به سببا للعقد على كل حال حتى
لو وقع ممن لم يرد العقد به، إذ لا عمل إلا بنيته (3) وإنما الأعمال
بالنيات (4) ولكل امرء ما نوى (5) ولذلك اشتهر اعتبار القصود في
العقود وتبعيتها لها، بل لعله راجع إلى الرضا وطيب النفس اللذين قد
عرفت اعتبارهما، ومن المعلوم انتفاء إرادة معنى العقد من المكره
لعدم تصور الاكراه عليه لذلك قال في التذكرة: إنه في معنى الاكراه
بيع التلجئة وهو أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه فيواطي رجلا على
إظهار شرائه منه ولا يريد بيعا حقيقيا، بل ربما استظهر منه الاجماع
عليه إذ لا وجه له إلا ما عرفته من عدم إرادة العقد بما ذكره
من ألفاظه.
نعم قد يشكل تحقق موضوع الاكراه فيما لو أكره على بيع عبد
فباع اثنين أو نصفه كما في التذكرة ثم قال وكذا بثمن، فباع بأزيد
أو أنقص أو بوصف حلول أو غيره فباع بخلافه لكن في شرح الأستاذ ولو
بعض الرضا أو غير الأجل أو بعض الشروط فالظاهر البطلان، أي لصدق
الاكراه، ولو جبره على البيع نقدا فأجر أو صالح أو أسلم فلا جبر
قلت: المدار على صدق الاكراه، ومع الشك فالأصل عدمه، وفي التذكرة
لو ادعى الاكراه قبل مع اليمين مع القرينة ولا بدونها، ولا يخلو من
إشكال إذا لم يكن ظهور يعتد به فيه، وكيف كان فلا عبرة بما يصدر من

(1) سورة النساء الآية 29.
(2) الوسائل الباب 3 من مكان المصلي 1 و 3.
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث (؟) و 5 و 10.
(4) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث (؟) و 5 و 10.
(5) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث (؟) و 5 و 10.
266

ألفاظ العقود ممن عرفت ونحوهم من الساهي والناسي والنائم وغيرهم،
(ولو رضي كل منهم بما فعل بعد زوال عذره) بلا خلاف بل الاجماع
بقسميه عليه لما عرفت مما يقتضي سلب عبارتهم على وجه لا ينفع
تعقب الرضا (عدا المكره للوثوق بعبارته) فتصح حينئذ ويترتب عليها
الآثار إذا عقبها بالرضا بعد ذلك على المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا بل
في الرياض والحدائق أن ظاهرهم الاتفاق عليه. لكن لا يخفى عليك
بعد التأمل فيما قدمناه أنه إن لم تكن المسألة إجماعية فللنظر فيها مجال
كما اعترف به في جامع المقاصد، ضرورة عدم اندراجه في العقود
بعد فرض فقدان قصد العقدية، وأن صدور اللفظ فيه كصدوره من
الهازل والمجنون ونحوهما، وقصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت غير مجد،
كما أنه لا يجدي في الصحة تعقب إرادة العقد بذلك، خصوصا بعد
ما عرفت من اعتبار مقارنة النية بمعني القصد للعمل، وإلا لأجزأ تعقبها
للهازل ونحوه مما هو معلوم العدم، وبذلك افترق عن الفضولي الذي قصد
العقد بما ذكره. حتى جعل الرضا فيه كاشفا قبله، لا ناقلا كما
ستعرف، فاستنباط حكم ما نحن فيه من فحوى الصحة فيه كما ترى.
وأغرب من ذلك التزام الصحة أيضا في الهازل ونحوه ممن كان
قاصد اللفظ دون المدلول إن لم يقم عليه اجماع، كما هو ظاهر بعضهم،
لعدم الفرق بينه وبين المكره، ودعواه بأنه غير قاصد للفظ بخلاف
المكره فإنه قاصد للفظ دون مدلوله كما ترى واضحة الفساد، فهو حينئذ
كالمكره المتدرج في عمومات العقود، والاكراه إنما كان مانعا شرعيا
من تأثيرها أثرها فإذا زال عمل المقتضي مقتضاه، بل لو قلنا
بأن الرضا شرط فأقصى ما يستفاد مما دل على اعتبار شرطية وجوده،
أما سبقه أو مقارنته فلا دليل عليه فينفي بأصالة عدم الشرطية كغيره
267

من الشرائط الشرعية التي يشك في اشتراطها التي ترجع في الحقيقة إلى
الشك في اطلاق وجوب الوفاء وعدمه، ولا ريب أن مقتضى الاطلاق
الأول، وهو معنى أصالة الاطلاق في الواجب، وأن الوجوب المشروط
محتاج إلى الدليل بعد فرض إطلاق الأمر، إذ لا يخفى عليك ما في
جميع ذلك، بعد ما عرفت من فقد القصد في المكره والهازل الذي
يمكن دعوى انتفاء اسم العقد بانتفائه حينئذ إذ ليس هو أسماء للفظ
على كل حال.
نعم هو لفظ العقد بمعنى أنه يعقد به عند إرادة العقد، لا أنه
عقد كيف ما وقع، ولو سلم فلا ريب في اعتبار مقارنة القصد له،
بدليل قوله (ع): (لا عمل إلا بنية) (1) وإنما الأعمال بالنيات (2) ونحوها
ولذلك اعتبر في صحة العبادة، بل هو أيضا مقتضى رفع حكم
ما أكره عليه (3) وكونه كالعدم كما وهو واضح وستسمع إنشاء الله في الفضولي
تمام البحث في ذلك، فظهر حينئذ أن العمدة في المسألة الاجماع إن
تم، لكن قد يناقش في تمامه باطلاق اشتراط الاختيار من بعضهم على
وجه يظهر منه أن اشتراطه كاشتراط البلوغ والعقل، بل ربما ظهر من
إطلاق معقد اجماع الخلاف ذلك، قال: فيما حكي عنه طلاق المكره
وعتقه وساير العقود التي يكره عليها لا تقع اجماعا منا، ثم حكى بعد
ذلك القول بالصحة عن بعض العامة في الطلاق والعتق من دون تعقب
إجازة، وفي نحو البيع والصلح إذا تعقبت وإلا بطلت فتأمل جيدا،
حتى يظهر لك ما أطنب به غير واحد من متأخري الأصحاب في المقام

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 و 5.
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 و 5.
(3) الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1 و 2
268

خصوصا فاضل الرياض.
نعم لو فرض تصور قصد المكره على اللفظ معنى اللفظ مع عدم
الرضا منه وقلنا أن الاكراه على اللفظ لا يخرجه عن صلاحية التأثير،
جرى عليه حكم الفضولي، بل وكذا لو لم يكن مكرها بل كان مختارا ولكن
صرح بالقصد المزبور دون الرضا بناء على تصور انفكاكهما، ولعل منه ما
سمعته من التذكرة من بيع التلجئة، ولا ريب في كونه حينئذ كالفضولي
فتأمل جيدا، وربما تسمع له فيما يأتي تتمة انشاء الله، وحينئذ فالمتجه
بناء البحث على ذلك، فالمكره القاصد للفظ ومدلوله على نحو ساير
أفعال العقلاء كالمكره على الأكل والشرب ونحوهما حكمه حكم
الفضولي، والمكره الذي قد جرد نفسه من قد العقد بما يتلفظه به
على وجه لم يصدر منه إلا اللفظ الصرف باطل وإن تعقبه الرضا بعد
ذلك لفوات القصد، ولعل إطلاق الأصحاب الصحة في المكره مبني على
غلبة كونه بالمعنى الأول، ضرورة عدم منافاة الاكراه لذلك فتأمل جيدا
وعلى كل حال فحيث يكون كالفضولي يجب انتظار غير المجبور،
وليس له الفسخ قبل فسخ المجبور، وإن كان ربما يتوهم كون ذلك
مخالفا لظاهر الشريعة، ولو حصل الرضا بعد العقد بلا فصل فلا
إشكال على القول بالصحة ولو فسخ فسد العقد، أما لو استمر الجبر بلا
فسخ ثم تعقب الرضا ففي شرح الأستاذ قوي وجه الصحة، قلت: لعل
وجه العدم أنه قد يقال بكفاية استمرار عدم الرضا في فساد العقد بحيث
لا تنفع معه الإجازة إذ دعوى احتياج فسخه إلى لفظ يدل عليه مريدا
للانشاء به لا دليل عليه، وستسمع إنشاء الله له تتمة.
ولو كان الاكراه من المالك للأجنبي على نفس الصيغة احتمل
الصحة من غير حاجة إلى تعقب رضاه بل أقصاه الالتزام بالأجرة،
269

والوجه البطلان لرفع حكم ما أكره، ومنه رفع قابليتها للتأثير، وإلا
لبقي حكمها، بل الظاهر عدم العبرة، برضائه بعد ذلك، وإن قلنا بالاكتفاء
به في المكره على بيع ماله، ضرورة وقوع الصيغة فاسدة، فلا يجدي
الرضا المتعقب، وكذا لو كان المكره غير المالك، وبذلك يفرق بينه وبين
الفضولي الذي لم يكره أحد على ايقاع الصيغة فتأمل جيدا، فإنه
ربما ظهر من بعض مشايخنا اتحاد حكم المكره من غير فرق بين الفضولي وغيره.
هذا كله في الاكراه بغير حق، أما فيه فقد صرح غير واحد بالصحة
معه، لكن قد يقال: أن الاكراه بالحق للحاكم ومن قام مقامه إنما
يقتضي تصرف الجابر ولا حاجة إلى وقوع اللفظ من المجبور، لأنه هو الولي له
في هذا الحال، واحتمال الالزام له بمباشرة اللفظ الخالي عن القصد والرضا لا
دليل عليه، وقيام الحاكم مقامه فيما يقتضي قيامه في اللفظ الذي هو أسهل من
ذلك، على أنه لو اعتبر مباشرته للفظ أشكل بامكان عدم تيسره منه، لشدة
عناده أو غير ذلك، بل قد يشك في صحة العقد الذي يكره عليه والفرض كونه
فاقد القصد والرضا ولو حصلا من الحاكم، ضرورة كونه تبعيضا في العقد لم
يعلم شرعيته والله أعلم.
(ولو باع المملوك أو اشترى) أو آجر أو استأجر أو فعل غير
ذلك من العقود بعنوان أنه لنفسه أو لسيده (بغير إذن سيده لم يصح)
قطعا، لما تعرفه إنشاء الله في محله من عدم قابلية العبد للملك والتمليك
وكونه محجورا عليه في ساير التصرفات (1) ولو كانت متعلقة ببدنة الذي
هو ملك غيره فضلا عن غيرها وأنه كل على سيده لا يقدر على شئ،
نعم (فإن أذن له) مولاه فيما يصح وقوعه منه (جاز)
لارتفاع المانع حينئذ ولو لحقت الإذن تصرفه لمولاه جرى عليه حكم
الفضولي ولو كانت إذن مولاه له سابقة أو لاحقة له نفسه في التصرفات

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب الحجر الحديث 1 و 2.
270

التي تستلزم التمليك، ففي البطلان لعدم أهلية العبد لها، والصحة مع
الوقوع للمولى وجهان، قد أشبعنا الكلام فيه في باب الدين، كما أنه
أشبعنا البحث فيما يوقعه العبد من العقود للغير بغير إذن مولاه، وقد
ذكرنا هناك أن القول بالصحة وإن لم يأذن المولى بل مع نهيه لا يخلو
من قوة، وإن أثم العبد بايقاعها. لأنه من منافعه المملوكة للسيد، إلا أن
الحرمة لا تنافي الصحة هنا، بعد إن لم تكن للمعاملة من حيث كونها
كذلك، كما صرح به شيخنا في شرحة في المقام، بل يومي إليه ما ورد
في تزويج العبد نفسه فضولا عن مولاه فأجازه (1) إذ لا ريب في
إثمه بايقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد
بالنسبة إلى ذلك، فظهر حينئذ أن معصية العبد في الفرض لا تنافي
الصحة، وإلا لم تنفع إجازة المولى بعد ذلك في الصحة، ضرورة تحقق
الإثم الذي لا يرفعه إلا الاستغفار والتوبة.
(و) من ذلك يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف وغيره من
أنه (لو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه) بل ومن غير مولاه
كوكيله، بل لو باع نفسه من الغير فضولا عن مولاه فأجاز صح، بل
لو فعل ذلك فضولا عن الجانبين كما لو باع نفسه فضولا عن مولاه لفضولي
آخر عن غيره فأجازا معا، كل ذلك لما عرفت من عدم توقف الصحة على
إباحة وقوع العقد من العبد، ولكن (قيل) والقائل ابن
البراج (لا يجوز) له ابتياع نفسه من مولاه لاتحاد عبارته مع عبارة
السيد فيتحد الموجب والقابل، ومقتضاه حينئذ ذلك حتى لو سبقت له
الإذن بذلك، وفيه منع واضح، ضرورة عدم الاتحاد أولا وكفايته
اعتبارا ثانيا كما ستعرفه إنشاء الله، وأما تعليل عدم الجواز بعدم

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب نكاح العبد والإماء الحديث 1
271

سبق إذن مولاه له فيما أمره به الأمر، ففيه أولا يكفي في الإذن له
بيعه له مع علمه بشرائه لغيره، وثانيا ما عرفت من عدم توقف الصحة
على ذلك، وإن عصى العبد بل لا يكون وكيلا عن الآمر الذي قد
يستلزم معصيته أيضا من حيث استيفائه منفعة عبد الغير من غير إذنه
إلا أن أقصاه ضمان الأجرة للسيد إن كان مما له أجرة، فقبول العبد
مقارنا لرضا الآمر أو سابقا له كاف في الصحة لما عرفت.
(و) من هنا ظهر لك أن (الجواز أشبه) بأصول المذهب وقواعده،
كما أنه ظهر لك ما في جامع المقاصد والمسالك وغيرهما من أن التقييد
بمولاه في المتن وغيره لتحصيل الإذن منه، بخلاف ما لو أمر الآمر
بالشراء من وكيل المولى فإنه لا إذن فيه من المولى، فلا يصح إذ قد
عرفت عدم توقفها في الفرض ونحوه على ذلك، بل يصح حتى مع النهي
فضلا عن عدم الإذن فيه والله أعلم ومن الشروط المتعلقة بالمتعاقدين في
صحة العقد (و) في تمامية تأثيره على الخلاف (أن يكون البايع) مثلا
(مالكا) للمبيع (أو ممن له أن يبيع عن المالك كالأب والجد للأب والوكيل)
للمالك، أو القائم مقامه أو المأذون عنهم (والوصي) له أو لأحد
الأبوين المذكورين (والحاكم وأمينه) بلا خلاف أجده في شئ منها
بل الاجماع بقسميه على ذلك بل غيره من الأدلة كتابا (1) وسنة (2)
واضحة الدلالة عليه، بل تدل أيضا على زيادة عدول المؤمنين من باب

(1) سورة المائدة الآية 2 وسورة النساء الآية 29
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب العقد وشروطه و 78 من أبواب
ما يكتسب به و 6 من أبواب عقد النكاح
272

الحسبة المستفادة (من آية المعاونة (1) وعدم السبيل على المحسن (2))
وأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض (3) وخيرية الاصلاح لليتامى (4)
وجملة من النصوص المعتبرة كصحيح ابن بزيع (5) وغيره بل مقتضى
كثير مما سمعت قيام الفساق مقامهم أيضا مع عدمهم وكون التصرف على
وفق المصلحة (6) ولعل من ذلك تصرف الأمناء في الأمانة ببيع ونحوه
مخافة التلف (7) كما أن مقتضى قوله تعالى (والحرمات قصاص) (8)
وغيره من أدلة المقاصة إضافة المقاص إليها (9) كما صرح به في الدروس
ولتفصيل البحث في ذلك وفي محال تصرفهم وكيفيته مقام آخر والمراد
هنا بيان جواز بيعهم على الاجمال وعلى كل حال (فلو باع)
غير من عرفت ممن له الولاية، لا بعنوان الوكالة عن المالك، (ملك
غيره) صح ولكن (وقف) تمام تأثيره من الملك ونحوه (على
إجازة المالك أو وليه على الأظهر) الأشهر بل المشهور بل قيل إنه كاد
يكون إجماعا، بل ربما اشعر قوله عندنا في التذكرة بالاجماع عليه،
كالمحكي عن الكركي في باب الوكالة بل عن موضع آخر من التذكرة

(1) سورة المائدة الآية 2.
(2) سورة التوبة الآية 91.
(3) سورة التوبة الآية 71.
(4) سورة النساء الآية 128.
(5) الوسائل الباب 16 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2
(6) الوسائل الباب 88 من أبواب أحكام الوصايا.
(7) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث 6
(8) سورة البقرة الآية 194.
(9) الوسائل الباب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2
273

نسبته إلى علمائنا لاندراجه بعد الرضا في البيع مثلا، والعقد والتجارة
عن تراض، فيشمله ما دل على صحتها ولزومها من الكتاب والسنة
والاجماع، ضرورة عدم توقف صدق أسمائها على صدور لفظ العقد من
غير الفضولي، إذ أقصى ما يدعيه الخصم أنه شرط شرعي، فلا يتوقف
عليه الصدق، وليس في شئ من الكتاب والسنة ما يدل على اعتبار
صدور اللفظ المزبور من غير الفضولي، كما أنه ليس في الأدلة ما يدل
على اعتبار سبق الرضا أو مقارنته، بل أقصى آية التراضي ورواية (1)
عدم حل مال المسلم إلا بطيب نفسه (2) اعتباره نفسه في الحلية،
وخروج أكل المال عن الباطل، لا أنه يعتبر سبقه على لفظ العقد
في ذلك.
نعم سبقه أو مقارنته معتبرة في حصولهما على معنى أنه لا حلية
ولا خروج للمال عن كونه أكلا بالباطل قبله، وهو مسلم، إذ القائل
بصحة الفضولي لا يجوز الاقدام على التصرف بالمال قبل حصول الرضا،
وكيف والحاصل سابقا لفظ العقد وهو بعض العلة التامة لحصول النقل
والانتقال لا تمامها؟؟، كل ذلك بعد تسليم لزوم الفضولي لتأخر الرضا من
المالك كي يتجه الاستدلال بما دل على تقدمه أو مقارنته، وقد يمنع،
فإنه لا مانع من مقارنة رضا المالك أو سبقه لوقوع العقد من الفضولي
الذي لا يكون بالمقارنة المزبورة وكيلا عن المالك، إذ قد يوقع العقد
وهو لا يعلم بالمالك فضلا عن رضاه، وعن وقوع العقد على أنه عنه
كما هو واضح، وعلى كل حال فقد ظهر لك أن الشك إن كان فهو في
شرط شرعي، وهو مباشرة المالك أو من يقوم مقامه للفظ العقد، فيصح

(1) سورة النساء الآية 29.
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1 و 3.
274

الاستدلال حينئذ على نفيه باطلاق أوفوا أو نحوه، وبه يفترق المقام
عن المكره الذي هو فاقد للقصد الذي يمكن دعوى عدم كون المراد
بالعقد ما يشمله وإن تعقبه القصد بعد ذلك، ولو لقوله عليه السلام
لا عمل إلا بنية (1) وإنما الأعمال بالنيات (2) ونحوه، ودعوى ثبوتها
أي الشرطية المزبورة من معلومية كون العقد بلفظ الايجاب والقبول،
إنما هو لدلالته على الرضا من المالك بنقل المال عنه إلى المشتري، بل
هو المراد من لفظ بعت مثلا ومعناه، ولا دلالة فيه مع وقوعه من
الفضولي الذي لو دل على رضاه لم يكن مجديا، ضرورة عدم العبرة
برضا غير المالك يدفعها منع اعتبار ذلك في صلاحيتها للعقد.
نعم هي لو وقعت من المالك كانت دالة على ذلك، فلذا لم تبق
موقوفة عليه، بخلاف ما لو وقعت من الفضولي فإنها غير دالة، ولذا
بقيت موقوفة على حصوله، وليس معنى بعت رضيت قطعا، بل معناها
نقلت المال من مالكه، إلا أن ذلك إن وقع من المالك المختار استلزم
الرضا الذي هو من الكيفيات النفسانية، وإلا احتيج إلى دال آخر،
على أنها إنما تدل على رضا الناقل بها وهي كذلك من الفضولي،
فإن كان المالك راضيا جعل رضا الفضولي رضاه، وإلا فلا فتأمل.
وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا حاجة في
الاستدلال بأية أوفوا ونحوها على المطلوب إلى دعوى كونه من العقود
المتعارفة المتداولة في ذلك الزمان، فتشمله الآية المزبورة، بناء على كون
المراد بها ذلك، إذ قد تمنع على مدعيها ولا أقل من الشك، فتبقى
أصالة عدم نقل المال حينئذ بحالها، كما سمعته في نظاير الفرض مما
شك في كونه من العقود المتعارفة، والاستدلال على ثبوتها بالسيرة

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 و 5
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 و 5
275

المأنوسة والطريقة المألوفة من تصرف الوكلاء والمأذونين، لا سيما مع
كثرة المال واتساع الحال في غير الوجه الذي تعلق به الإذن، ثم إخبار
الموكلين وطلب الإجازة منهم، وكذا الأحباء والأصدقاء ولا سيما مع
بعد البلاد وهي عادة معروفة لا تنكر كما ترى، إذ على فرضها في زمن
الشرع وأتباعه تكون كاشفة عن رضاه بذلك، وكفى بها دليلا على
المطلوب من غير حاجة إلى تكلف الاندراج في الآية، وإن كانت سيرة
منشأها التسامح في الشرع والجهل، ولذلك يسلمون المبيع ويقبضون
الثمن ويجرون غير ذلك من أحكام الملاك عليها فلا عبرة بها، وإلا
لاقتضت صحة الفضولي من غير تعقب الإجازة، وهو معلوم الفساد.
والأمر في ذلك سهل بعد ما عرفت من أن وجه الاستدلال هو
عدم الدليل على اعتبار مباشرة المالك للفظ العقد في صحته التي يراد
بها هنا الصلاحية للتأثير بعد اجتماع غيره مما علم اعتباره من الرضا
وغيره كصحة الايجاب بمعنى قابليته للتأثير لو انظم إليه القبول،
وكصحة الركعة الأولى من فريضة الظهر مثلا وصحة العقد في الصرف
الموقوف حصول الملك فيه على التقابض، وصحة عقد الهبة ونحوها،
خصوصا بعد معلومية عدم إرادة الشارع المباشرة، في غير ما ثبت فيها
ذلك من بعض العبادات ونحوها مما لم يشرع فيها التوكيل وغيره مما
يقتضي الاستنابة، فوقوع العقد من غير المالك حينئذ بدون إذن منه
كوقوع وفاء الدين وما في حكمه من الأعمال عبادات أو غيرها من
المتبرع عمن عليه من دونه إذنه ويترتب عليه الوفاء ونحوه من الأحكام
إذ هو شبه الفضولي في المقام، وإن افترقا باعتبار الرضا هنا للأدلة
الدالة عليه دونه.
كل ذلك مضافا إلى ما دل على صحة الفضولي في النكاح من إجماع
276

ونصوص (1) على وجه يظهر منهما عدم الخصوصية له، وأنه جاز لاندراجه
فيما دل على صحة عقد النكاح ولزومه، ونحو ذلك مما هو مشترك بين
المقام وبينه بل هو أولى منه، ضرورة كونه في الفروج والأنساب التي
يطلب فيها الاحتياط، على أنه قد يتضمن الصداق بيعا ونحوه، فيشمله
حينئذ فضولي النكاح، وإلى خبر عروة البارقي الذي اغنت شهرته عند
الفريقين عن النظر في سنده (2) (عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
أمره بشراء شاة بدينار فاشترى به شاتين ثم باع أحدهما بدينار فأتى به
وبالشاة فقال له النبي صلى الله عليه وآله: بارك الله لك في صفقة يمينك)
خصوصا ما في ذيله من بيع الشاة التي اشتراها، والمناقشة في سنده
مدفوعة بما عرفت من الانجبار، كالمناقشة في دلالته باستبعاد تصرفه
من غير إذنه وبعدم العموم في حكايات الأفعال، فربما كانت عبارة
التوكيل تفيد الوكالة العامة، ولم تنقل إلينا، وبأن الفحوى مجزية في
الوكالة، أو في إخراج العقد عن كونه فضوليا، وبأن المعاملة ربما
كانت بطريق الإباحة من الجانبين لا تمليك فيها، ولا ينافيها لفظ الصفقة
وبأن العبارة دلت على إرادة الشاة الواحدة، والمأتى به مما يتوقف عليه
الواجب فيكون مستفادا من اللفظ، وباحتمال طلبه الإذن في البيع
بعد الشراء ولم ينقل إلينا، ضرورة اقتضاء جملة منها بطلان الاستدلال
بظاهر الكتاب والسنة التي لا يمكن استقصاء الاحتمالات فيها، وظاهر
الخبر كون المحكي تمام ما وقع من النبي صلى الله عليه وآله وعروة،
على أن الأصل عدم غيره، والفحوى لا تجزي في الوكالة قطعا، لعدم
الانشاء وعدم الرضا فعلا، بل ولا في إخراج العقد عن الفضولية،

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب عقد النكاح.
(2) المستدرك ج 2 ص 462.
277

بل أقصاها جواز الدفع والقبض وبها أقدم عروة عليهما، فلا إشكال
حينئذ في دلالة الخبر على المطلوب كما لا إشكال في دلالة الصحيح أو
الموثق (1) (عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قضى في وليده باعها ابن
سيدها وأبوه غايب فاستولدها الذي اشتريها فولدت منه غلاما ثم قدم
سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني
فقال: الحكم أن يأخذ وليدته وابنها فناشده الذي اشتراها فقال له.
خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ لك البيع فلما أخذه قال أبوه
أرسل ابني فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني فلما رأى ذلك سيد
الوليدة الأول أجاز بيع ابنه) والمناقشة فيه باشتماله على رد ولد
المشتري إلى مالكها الأول مع حريته للشبهة، وعلى قبض ولد المالك
وليس مملوكا وإنما على الغرامة، وعلى تأثير الإجازة بعد الرد والفسخ،
وهو خلاف الاجماع يدفعها احتمال كون أخذ ولد المشتري للتقويم
أو حتى يثبت كونه مشتبها كما إن أخذ ولد المالك للغرامة، وأنه لم
يصرح بالفسخ، ولذا نفذت إجازته، على أن ذلك كله لا يقدح في
دلالته عليه المطلوب كما قرر في محله، مؤيدا ذلك كله بالنصوص (2)
الواردة في اقتراض مال الصبي مع عدم الإذن الشرعي ليتجر به، التي
دلت على أن الربح للصبي، فإن تطبيقها على القواعد بلحوق الإجازة
ممن له أهليتها أو باغناء المصلحة الشرعية عنها أولى من طرحها
أو الجمود عليها في مخالفة القواعد، وكذا ما ورد في ودعي (3) جحد الوديعة

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 75 من أبواب ما يكتسب به.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام الوديعة الحديث 1.
278

واتجر بها من أن الربح للمالك وفيمن باع ثم أقال بوضيعة ثم باع
بأكثر من الثمن أن الربح للمالك الذي اشترى أولا (1) وبالنصوص
الواردة في باب الخمس (2) المشتمل بعضها على التصرف فيه من بعضهم
وطلب الإجازة من الإمام عليه السلام فأجاز. بل وغيرها من النصوص
التي هي كذلك فيما لهم الولاية فيه من غير الخمس (3) بل في نصوص
المناكح والمساكن سيما ما صرح فيه منها بالشراء من مال الخمس من
الجواري المشتملة على إجازة الإمام عليه السلام ذلك لأهل الحق (4)
ما يؤيد ذلك أيضا وقد عرفت أنه لا ينافي الفضولية تقدم الإذن
لخصوص المشتري وإن كان البايع باقيا على غصبيته، نحو ما سمعته في
الخراج (5) بل يؤيده أيضا ما ورد في إجازة السيد عقد العبد (6) والوارث
الوصية بما زاد على الثلث (7) وفي التصدق بمجهول المالك (8) ما يظهر
منهم الاجماع عليه في باب الفلس من جواز بيع المفلس مع إجازة
الغرماء (9) وغير ذلك في الأبواب المتفرقة كالرهن (10) وغيره مما يظهر

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام العقود الحديث 1
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال
(3) الباب 2 و 3 من أبواب احياء الموات
(4) الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 4
(5) الوسائل الباب 71 من أبواب جهاد العدو
(6) الوسائل الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء
(7) الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام الوصايا
(8) الوسائل الباب 7 من أبواب اللقطة
(9) الوسائل الباب 6 من أحكام الحجر الحديث 1
(10) الوسائل الباب 4 من أحكام الرهن الحديث 2
279

الاتفاق منهم عليه، وهو فضولي أو شبه الفضولي، ومنه يظهر عدم
اختصاصه في النكاح والبيع، بل في الروضة أنه لا قائل باختصاصه
بهما بل قد عرفت مما قدمناه سابقا جريانه في العقود وغيرها من الأفعال
كالقبض ونحوه والأقوال التي رتب الشارع عليها الأحكام إلا ما خرج
بالدليل، كما أومي إليه في شرح الأستاذ قال وفي جري الفضولي فيما
جرت فيه الوكالة من العبادات كالأخماس والزكوات وأداء النذور
والصدقات ونحوها من مال من وجبت عليه أو من ماله وفيما قام من
الأفعال مقام العقود ونحوه وكذا الايقاعات مما لم يقم الاجماع على
المنع فيها وجهان، أقواهما الجواز، ويقوي جريانه في الإجازة وإجازة
الإجازة وهكذا، ويتفرع عليها أحكام لا تخفى على ذوي الأفهام، وإن
كان قد يناقش في فحوى أداء الخمس والزكاة من مال من وجبت عليه
إذا كان بوجه لا يصح له نية التقرب فيه، ولو لعدم العلم بالإذن
فيه، بل وفي جريانه في إجازة الإجازة لأنها من الايقاع الذي علم
عدم قيام الغير مقامه فيه ولو أجاز بعد ذلك.
ولكن الأمر سهل بعد ما عرفت من الاتحاد في مدرك المسألة
فلاحظ ما قدمناه وتأمل ذلك، فإن فيه ما اشتمل على غير العقد من
القبض والاقباض ونحوهما، وكيف كان فقد ظهر لك أن القول بالبطلان
بمعنى سلب قابلية لفظ غير المالك ومن قام مقامه عن صلاحية التأثير
وإن جمع باقي الشرائط، ومرجعه إلى اعتبار مباشرة غير الفضولي في
الصحة واضح الفساد، وإن حكي عن الشيخ وابني زهرة وإدريس
والفخر ومال إليه جماعة من متأخري المتأخرين، بل أطنب فيه المحدث
البحراني إلا أنه لم يأت بشئ، بل مقتضى جملة من كلماته التي
280

أساء الأدب فيها مع مشائخه أنه لم يفهم محل النزاع، وتخيل أن
القائل بالصحة يريد حصول أثرها من الملك والتمليك وجواز التصرف
وغير ذلك، عدا اللزوم فأبرق وأرعد ثم ترنم وغرد وساق جملة من
النصوص الدالة على خلافه ذلك متبجحا بالعثور عليها، والاهداء إلى
الاستدلال بها وستعرف الحال فيها.
ومن الغريب دعوى الشيخ وابن زهرة الاجماع على ذلك، ولم
نعرف القائل به غير من عرفت، بل المحكي عن أعاظم الأصحاب كالمفيد
وابن الجنيد وغيرهم الصحة أيضا، على أن المحكي عن نهاية الشيخ ذلك
أيضا، بل عبارته في محكي المبسوط غير صريحه في البطلان أيضا، فمثل
هذا الاجماع الذي يقوى الظن بخلافه لم تثبت حجيته، مضافا إلى
قصوره عن معارضة بعض ما عرفت، فضلا عن جميعه كالاستدلال
بالأصل المقطوع بذلك أيضا، وبقاعدة قبح التصرف في ملك الغير،
وبما دل على اعتبار القدرة على التسليم في صحة البيع المعلوم انتفاؤها
هنا، وما دل على النهي عن بيع ما ليس عنده، وعما لا يملك (1) من
طرق الفريقين وخصوص صحيح الصفار (2) (كتبت إلى أبي الحسن
عليه السلام في رجل باع قرية وإنما له فيها قطاع أرضين
فهل يصلح للمشتري ذلك وقد أقر له بكلها فوقع عليه السلام لا يجوز
بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء على ما يملك) وصحيح محمد بن
القاسم بن فضيل (3) (سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل
اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطايعهم وكتب عليها كتابا بأنها

(1) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب عقد البيع وشروطه
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2
281

قد قبضت المال ولم تقبض فيعطيها المال أم يمنعها قال: قل له يمنعها
أشد المنع فإنها باعث ما لا تملك) وصحيح ابن مسلم (1) عن
أبي جعفر عليه السلام (أنه سأله رجل من أهل النيل عن أرض شراها
بفم النيل وأهل الأرض يقولون هي أرضهم، وأهل الأسنان يقولون هي
أرضنا، فقال: لا تشترها إلا برضا أهلها) وتوقيع الحميري المروي عن
الاحتجاج (2) (في السؤال عن ضيعة للسلطان فيها حصة مغصوبة فهل
يجوز شراؤها من السلطان أم لا؟ فأجاب عليه السلام لا يجوز ابتياعها
إلا من مالكها أو بأمره أو رضا منه) وخبر جراح المدايني (3) (لا
يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت) وخبر قرب الإسناد (4) (عن علي
ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام (سألته عن رجل سرق جارية ثم
باعها يحل فرجها لمن شراها؟ فقال: لا يحل إذا أنبأهم أنها سرقة
وإن لم يعلم به فلا بأس) وفيه منع كون ايقاع لفظ العقد الذي لم
يتحقق تأثيره إلا برضا المالك، تصرفا في مال الغير حتى من الغاصب
ضرورة أصالة براءة ذمته من حرمة القول المزبور، نعم يحرم عليه
تصرفاته فيه بالقبض والاقباض ونحوهما، على أن حرمة ذلك عليه لا
تقتضي الفساد عقلا بل ولا شرعا لعدم تعلق النهي به على وجه يفهم
منه عرفا ذلك، ومن هنا كان بيع الغاصب من الفضولي عند المعظم أو
الجميع.
ومن الغريب ما أطنب به بعض الناس في المقام في تحقق كون

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 3
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 8 و 7
(3) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 8 و 7
(4) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 12
282

العقد من الفضولي تصرفا في مال الغير، وما دل على اعتبار القدرة على
تسليمه إنما هو في البايع ذي السلطنة التي يراد منه الاقباض حتى يقبض
الثمن، لا البايع بمعنى العاقد، ضرورة تخلفه في الوكيل على الصيغة
ونحوه كما هو واضح، وعليه ينزل النهي عن بيع ما ليس عنده كما
استدل به عليه بل وما لا يملك، لا ما يشمل الفضولي الذي لم يصدر
منه إلا اللفظ الموقوف تأثيره على رضا المالك، أوان المراد به النهي عن
بيع ما ليس عنده ولا يملكه من الأعيان المشخصة التي هي عند غيره
على وجه بيع المالك لها لا على جهة ايقاع العقد الموقوف على رضا المالك
ثم يسعى بعد ذلك في تحصيلها بشراء ونحوه فإن ذلك غير جايز، بل
ربما ظهر من التذكرة ومحكي غيرها الاجماع عليه لما فيه من الغرر
المنهي عنه. وقال في الدروس أنه يصح لو باع ملك غيره ثم انتقل
إليه فأجاز، ولو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده وقد
نهى عنه، نعم لو باعه موصوفا في الذمة يطابق ما عند الغير ثم ملكه
ودفعه صح، وأطلق الحلبي صح بيع ما ليس عنده، ويحمل على ذلك.
هذا كله مضافا إلى ما قيل من أنه يظهر من بعض أخبارنا المعتبرة أن الخبر
المزبور عامي قال ابن الحجاج في الصحيح (1) (قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: الرجل يجيئني يطلب المتاع فأقاوله على الربح ثم أشتريه
فأبيعه منه فقال: أليس إن شاء فعل وإن شاء ترك؟ قلت: بلى قال:
فلا بأس به قلت: فإن من عندنا يفسده قال: ولم؟ قلت يقول باع ما ليس
عنده قال: فما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده فقلت:
بلى قال: فإنما صلح من قبل أنهم يسمونه سلما إن أبي عليه السلام
كان يقول لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه)

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 3
283

وقال أيضا في صحيحه الآخر (1) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا قال:
ليس به بأس قلت: إنهم يفسدونه عندنا قال: وأي شئ يقولون في
السلم قلت: لا يرون فيه بأسا يقولون هذا إلى أجل فإذا كان إلى غير
أجل وليس هو عند صاحبه فلا يصلح فقال: إذا لم يكن أجل كان
أحق به ثم قال: لا بأس أن يشتري الرجل الطعام وليس هو عند صاحبه
إلى أجل وحالا لا يسمى له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل
العنب والبطيخ وشبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا) وإن
كان قد يقال أن مقتضى الروايتين تكذيب العامة في الحكم المذكور وهو
بيع الكلي حالا مع التمكن منه لا تكذيبهم في الحديث المزبور.
نعم لا دلالة فيه على ما يشتمل الفضولي كما أن الظاهر من الثاني
المشتمل مع ذلك أيضا على نفي الطلاق والعتق عمن لا يملكهما (2)
بطلان ما عند أبي حنيفة من تجويزه الطلاق قبل التزويج فيقع حينئذ
بعده ولعله يقول بنحوه في العتق والبيع، ولا ريب في بطلانه عندنا،
كما أنه لا ريب في عدم كون ما نحن فيه من الفضولي كما هو واضح،
بل منه يعلم المراد مما في صحيح الصفار الظاهرة في إرادة نفي اللزوم
من نفي الجواز فيه، بقرينة الوجوب بعده فيما يملك، بل الظاهر من
البيع والشراء عند الاطلاق غير الفضولي الذي هو العقد نفسه قبل
حصول الإجازة، ولذلك أمر عليه السلام بمنع إعطاء الثمن للامرأة
المزبورة التي باعت ما لا تملكه، ضرورة عدم كونها من المالكين
الذين ينقلون مالهم من السلطنة على المبيع إلى المشتري، وإنما هي

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق وشروطه
284

أوجدت لفظا قابلا للتأثير فإن أراده المالك أجازه وتسلم الثمن وإلا
فلا، وليس في صحيح ابن مسلم إلا النهي عن الشراء الذي قد عرفت
المراد به عند الاطلاق إلا برضاء الأهل، ولا دلالة فيه على عدم جواز
جريان ألفاظ العقد، وتوقيع الحميري أولى بالدلالة على المطلوب من
خلافه، ضرورة انطباق ما فيه من الأقسام الثلاثة على المالك ووكيله
والفضولي الذي يتعقبه الرضا، وخبر جراح وما بعده أجنبيان عما نحن
فيه، ضرورة أن القائل بجواز الفضولي لا يجوز التصرف والاستيلاء
قبل تحقق الرضا من المالك كما هو واضح، فمن الغريب الاستدلال بهذه
النصوص على ذلك فضلا عن التبهج والتعجب من الاهتداء إليها دون
الأصحاب، إذ لا يخفى عليك أن العجب من ذلك أعظم،
ثم إن الأقوى كون الإجازة المتعقبة للعقد وغيره مما يعتبر في الصحة
كاشفة، وفاقا لصريح الشهيدين وغيرهما بل في الرياض أنه الأشهر كما
عن مجمع البرهان أنه فذهب الأكثر لأنها رضي بمقتضى العقد الذي هو
النقل حينه، بل هي في الحقيقة رضي برضاء الفضولي الذي كان مقارنا
للعقد، فينكشف حينئذ بذلك كون العقد تام الشرايط غير متوقف
حينئذ تأثيره على شئ آخر، إذ المالك لم يصدر منه إلا الرضا بما وقع
من العقد الدال على رضا العاقد بنقل المال بما صدر منه من العقد
حينه، وبدليل مشروعية الفضولي الذي قد عرفته سابقا صار لفظ الفضولي
الدال على رضاه بذلك كلفظه نفسه الدال على ذلك، فهو حينئذ كالوكيل
وإن افترقا في خصوص هذا الفرد من الفضولي بالسبق واللحوق، كافتراقهما
فيما كان رضاء المالك مقارنا للفظ الفضولي أو سابقا عليه مستمرا إلى
حصوله باختصاص ذلك باسم الوكيل شرعا دونه، وإن اتحدا بالآثار
مضافا إلى ظهور ما دل في تسبيب العقد مسببه وأنه لا يتأخر عنه،
285

السالم عن معارضة ما دل على اشتراط رضا المالك، بعد احتمال كون
المراد من شرطيته في المقام المعنى الذي لا ينافي السببية المزبورة، وهو
الشرط الكشفي الذي لا مانع من تصوره في العلل الشرعية التي هي
بحكم العلل العقلية، إن لم يكن هناك من الشرع ما يقتضي خلاف ذلك،
كما جاء في تقديم غسل الجمعة يوم الخميس (1) الذي هو شبه تقديم
المسبب على السبب، فلا مانع حينئذ هنا من التزام توقف تأثير العقد
على حصوله المستقبل وإن ترتب الأثر الآن قبل وقوعه، فبحصوله
فعلا ولو في المستقبل يكون العقد مؤثرا من حينه، لأن ذلك هو
المشروط به فمتى تحقق بأن تحقق مشروطه ضرورة رجوع الحال إلى
اشتراط أثر العقد، ومقتضاه الذي هو الملك حاله بحصول الرضا من
المالك ولو في المستقبل، نحو ما سمعته في اشتراط صحة صوم المستحاضة
بأغسالها الليلية (2) بل هو كذلك في جميع ما كان من قبيل ما نحن
فيه، ولعل منه عدم قبول العبادة ممن يرتد بعد ذلك عن الدين وغيره،
مما كان السبب في الأثر فعلا لحال المتأخر، ضرورة التزام الكشف
فيه بالمعني المزبور هو الموافق لظاهر الأدلة، بخلاف النقل المقتضى رفع
اليد عما اقتضى مقارنة أثر العقد لحصوله، وأنه لا يتخلف عنه على
وجه يكون العقد في زمان والأثر الذي هو الملك هنا في زمان آخر،
ومضافا إلى إشعار قوله صلى الله عليه وآله لعروة: بارك الله لك في صفقة
يمينك (3) بذلك أيضا بل وخبر الوليدة (4) حيث لم يرجع السيد عليه

(1) الوسائل الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة
(2) تقدم في ج 16 ص 247 من هذا الكتاب
(3) المستدرك ج 2 ص 462
(4) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
286

بعد الامضاء بشئ من أجرة خدمة ونحوها، بل هو الموافق لخبر إجازة
الصبي بعد بلوغه وموت الآخر الذي أجاز كذلك وارثه منه بذلك (1)
ضرورة استحالته على النقل لفوات المحل.
وكأنه لمح إلى بعض ما ذكرناه من استدل عليه بأن السبب الناقل
للملك هو العقد المشروط بشرايط، وكلها كانت حاصلة إلا رضاء المالك
بذلك فإذا حصل الشرط الذي به ظهر جامعية العقد لها عمل السبب
التام عمله، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود (2) فلو توقف العقد على أمر
آخر لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد، بل هو مع الأمر الآخر، ضرورة
كون المراد منه ما ذكرناه في وجه الكشف ووجه كونه شرطا مع ذلك،
لا أن المراد به شرط يتوقف تأثير العقد عليه، على حسب شرائط العلة
التامة التي هي في توقف التأثير عليها كالجزء، بل ليست العلة التامة
إلا حصول المقتضي والشرائط وارتفاع الموانع، فمتى حصلت حصل
المعلول ولا يتأخر عنها كما هي لا تتأخر عنه، بل لا يتصور الكشف في
شرائطها بالمعنى المزبور، وقد عرفت الفرق بينها وبين ما نحن فيه من
العلل الشرعية التي لا غرابة في تأخر الشرائط فيها في عبادة ولا معاملة
لكن على الوجه المزبور، بل يمكن كونه مثلها بناء على أن الشرط أن
يحصل الرضا لا حصوله فعلا، كما لا غرابة في شبه تقدم المسبب على سببه
نحو غسل يوم الجمعة في الخميس، فضلا عن ذلك، ومن هنا ظهر لك بطلان
الاعتراض في الاستدلال المزبور بأن الشرط ما يتوقف عليه تأثير المؤثر وإن لم
يكن جزء سبب، والفرق بينهما غير واضح، وما ذكروه من أن العقد
سبب تام فمع الإجازة مسلم، ويتوقف تأثيره عليها من حينها كما هو

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب ميراث الازدواج الحديث 1
(2) سورة المائدة الآية 1
287

قاعدة الشرط، ومع عدمها ظاهر بطلانه، ضرورة عدم منافاة شرطية
المستفادة من الكتاب والسنة لمعنى الكشف الذي قررناه، وأوضح فسادا
منه الاعتراض عليه بأن المفهوم من الكتاب والسنة والاجماع جزئية
الرضا في سبب نقل المال، إذ لا يخفى عليك أنه إن أراد بالجزئية
أنه يتوقف عليه نقل المال كالجزء فمسلم، ولكن لا ينافي الكشف كما
عرفته، وإن أراد كونه كالايجاب والقبول فهو ممنوع، بل الثلاثة
بخلافه لعدم توقف صدق اسم العقد عليه، نعم هو شرط لوجوب الوفاء.
ومن الغريب الاطناب في بيان توقف نقل المال عليه، وهو شئ
لا ينكره القائل بالكشف بعد توافق الثلاثة بل والعقل عليه، نعم
ربما صدر من بعضهم ما عساه يوهم ذلك، حيث جعله شرطا للعلم
بانتقال المال لا له نفسه، ولعله يريد ما ذكرناه، وإلا كان واضح
الفساد. ضرورة صراحة الأدلة في مدخليته في نقل المال واقعا، فلا
يجزي حينئذ في حصول الملك إخبار المعصوم فضلا عن غيره بأن
المالك إذا بلغه العقد يحصل منه الرضا، لعدم الحصول فعلا الذي هو
الشرط في عدم أكل المال بالباطل، وحلية مال المسلم على وجه
تتبع الملكية.
نعم لو أخبر المعصوم بأنه يحصل الرضا فعلا من المالك الذي
يؤثر رضاه، كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه، لتحقق الشرط حينئذ
كتحققه بنفس وقوعه، إذ الشرط الحصول فعلا ولو في المستقبل، ولا
ريب في تحقق الحصول في المستقبل بالأخبار، أو لأن مثل هذا الشرط
لا بأس بحصول مشروطه قبله، بعد إن كان من الأوضاع الشرعية التي
منها ما يشبه تقدم المعلول على العلة، كما أنه يمكن إن لم يصرح بما
288

ينافيه من ثمرة أو نحوها إرجاع القولين بذلك إلى شئ واحد، على
معنى أن القائل بعدم الكشف يريد نفيه على وجه يرفع شرطية الرضا
كما أن القائل بعدم النقل يريد نفيه على وجه يقتضي رفع مقتضى
العقد بل والإجازة، لا رفع شرطيته في حصول التأثير على الوجه الذي
ذكرناه.
وحاصل الكلام أن الوجه في الكشف أحد أمور ثلاثة، الأول
أنه من قبيل الأوضاع الشرعية على معنى أن الشارع قد جعل نقل المال
في الزمان السابق عند حصول الرضا في المستقبل، الثاني أن يكون
الرضا المتأخر مؤثر في نقل المال في السابق، كما سمعنا من بعض
مشايخنا، الثالث وهو التحقيق أن يكون الشرط حصول الرضا، ولو في
المستقبل الذي يعلم بوقوعه من المالك مثلا، أو بأخبار المعصوم أو نحو
ذلك، والمراد شرطية الرضا على هذا الوجه، وكان هذا هو المتعين،
بخلاف الأول الذي لا نظير له في الشرع في المعاملات، بل هو مستلزم
لمخالفة كثير من القواعد الشرعية. كالثاني المقتضى ذلك أيضا، بل
مقتضاه اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد، بل لا يعقل
الثانية في الملك في الزمان الماضي، فتعين الثالث ولكن لا بد فيه من
حصول الرضا ولو في المستقبل، ولا يكفي فيه الرضا التعليقي بمعنى
أنه لو علم لرضى، كما أوضحناه سابقا والله العالم.
وعلى كل حال فالظاهر أن بناء القولين على اعتبار ذلك شرعا
لا أنه على حمل الاطلاق عليه، وإلا فيجوز إرادة الكشف أو النقل
بعد وجود الصارف من قبل العاقد الخارج بتعذر أحدهما، فيتجه حينئذ
البطلان مع ذلك، وبه صرح شيخنا في شرحه، كظهور ترتب الثمرة
على القولين في النماء الحاصل بين العقد والإجازة للثمن والمثمن، قيل
289

وفي أنه ليس للمشتري الأصيل مثلا الفسخ بل ولا التصرف في المال
قبل إجازة المالك للبايع الفضولي على الكشف دون النقل، ونوقش بأنه
قد يقال بذلك أيضا على النقل ولكن لا يخفى عليك ما فيه، أما الأول
فلما فيه تمامية العقد من جهته، فاستصحاب قابليته على وجه لا ترتفع بفسخه
بحاله كتناوله خطاب أوفوا له، وعدم اللزوم من طرف الآخر لا ينافيه
كما أن أصل عدم الإجازة قد انقطع بوقوع العقد المخاطب بالوفاء به،
الذي لا معنى له إلا التربص به، والمراعاة لحاله الذي هو عند التأمل
كل من صحته وبطلانه مشروط بأمر وجودي وهو الرد والإجازة، وقد
تحقق أحدهما قطعا بمجرد وقوع العقد في علم الله تعالى شأنه بناء
على ما عرفته من الكشف، وكما أن الأصل عدم الإجازة، الأصل عدم
الرد أيضا، فهو حينئذ مال لا يعلم أنه لأيهما وبذلك كان قسما ثالثا
على معنى أنه مع الإجازة من المعلوم أنه للمشتري، ومع الرد من المعلوم
أنه للبايع، ومع عدم العلم بهما من غير المعلوم، فلا وجه للتمسك
بالعمومات السابقة، ولا الاستصحاب ولا اليد، ولا غير ذلك وستسمع
انشاء الله في كتاب النكاح في عقد الفضولي للصغيرين فبلغ أحدهما فأجاز
ماله نفع في المقام.
نعم قد يقال بثبوت خيار العيب له ونحوه مما هو ثابت له على
فرض الإجازة، فقبلها بطريق أولى فتأمل، وقيل: تظهر أيضا فيما
لو انسلخت قابلية الملك عن أحدهما بموته قبل إجازة الآخر، أو بعروض
كفر بارتداد فطري أو غيره مع كون المبيع مسلما أو مصحفا، فتصح
حينئذ على الكشف دون النقل، وكذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلفه
أو انقلابه إلى النجاسة أو عروض النجاسة له مع ميعانه إلى غير ذلك
وفي مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد
290

كما لو تجددت الثمرة أو بدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة، وفيما
لو قارن العقد فقد الشرط بقول مطلق ثم حصلت وبالعكس، وفيه أن
الأول وإن كان قد يشهد له خبر الصغيرين الذين مات أحدهما لكن
يمكن الجمود عليه، ودعوى عدم الجواز في غيره بناء على الكشف أيضا
ضرورة أنه عليه يمكن دعوى ظهور الأدلة في اعتبار القابلية حاله
كالنقل أيضا وأنه لولا الرضا لكان مالكا، بل لا بد من اتصالها من
حين العقد إلى حين الإجازة، حتى لا ينافي زمان التملك الذي هو
مستمر أيضا من حين العقد إلى حين الإجازة، ومنه تنقدح المناقشة في
الثاني، بل هي أوضح فيه من الأول، ضرورة كون المعتبر على الكشف
والنقل رضى المالك، والفرض انتفاء ملكيته بانتفاء قابلية العين لها.
وأوضح من ذلك فساد فاقد القابلية للملك حين العقد ثم وجدت
قبل الإجازة، فإنه لا وجه للصحة على الكشف كما هو واضح، وعلى النقل
أيضا لعدم قابلية العقد حال وقوعه للنقل، فلا تنفعه الإجازة بعد أن
كان في غير محله، قيل: وكذا تظهر الثمرة في تعلق الخيارات والشفعة
وعدم صحة التصرف من حين العقد، واحتساب مبدأ أوقات الخيار،
ومعرفة مجلس الصرف والسلم، واشتراط بقاء القابلية بعقل ورشد إلى
حين الإجازة حيث تلحقها بالعقد الجديد إلى غير ذلك. وترتب
ما يتعلق بالعهود والنذور والأيمان غير محتاج إلى الايضاح والبيان، وفيه
أيضا أن من المقطوع به عدم الإجازة من العقود، إذ ليست هي إلا الرضا
بالعقد السابق، كما أنه لا يخفى عليك الحال بناء على كون المراد من
الكشف ما سمعته سابقا في أحد الاحتمالين من كون الرضا المتأخر
مؤثر في اقتضاء العقد النقل سابقا، فيكون شبه تقديم المسبب على السبب ويبقى
العقد حينئذ مراعى، مضافا إلى ما تعرفه انشاء الله في مطاوي البحث.
291

وربما تظهر الثمرة أيضا فيما لو ترتبت العقود على المبيع أو الثمن
أو عليهما فضولا، ولا ريب في أن للمالك تتبع العقود، ورعاية المصلحة
له فيجيز ما شاء، لكن في الدروس ومحكي الايضاح أنه إذا جاز
عقدا على المبيع صح وما بعده خاصة، وفي الثمن ينعكس أي يصح هو
وما قبله خاصة، وكان وجهه أن الفضولي لو باع العبد مثلا بسيف،
ثم باعه المشتري من الفضولي بدار، ثم باعه الثاني بفرس، ثم باعه
الثالث بثوب، فأجاز المالك منها بيعه بالدار صح هو، وبطل السابق
قطعا لعدم الإجازة، وذلك لأن إجازته الثاني تقتضي كون المبيع باقيا
على ملكه، وبقائه على ملكه ينافي صحة شئ من العقود السابقة على ذلك
العقد، إذ لو صح شئ منها لخرج المبيع عن ملكه، فلم تؤثر إجازته
فيه، وأما ما بعده من العقود فلا ريب في صحتها بناء على الكشف،
لوقوع التصرف حينئذ في الملك، وأما على النقل فيحتمل البطلان لتعذر
الإجازة حينئذ من المالك، والصحة بلا إجازة لحصول الملك للبايع
الذي قد يتحقق رضاه ببيعه فضولا، ولم يبق إلا الملك وقد حصل، والصحة
مع الإجازة منه لكون الرضا الأول إنما كان، والمال، لغيره، ولعل
الأول أقوى.
وأما لو ترتبت على الثمن كما لو بيع السيف بقوس، ثم القوس
بدابة ثم الدابة ببعير، ثم البعير بدراهم، فإن الحكم ينعكس لو أجاز
واحدا منها، فإن ما قبله يصح ويقف ما بعده على الإجازة لأنه
فضولي؟؟، فلو جاز في المثال بيع الدابة بالبعير مثلا استلزم إجازة ما قبله
لأن إجازته إنما يعتد بها شرعا لو كان مالكا للدابة، وإنما يكون مالكا
لها حينئذ لو ملك ما بذل في مقابله وهو القوس وإنما يملك على هذا
التقدير إذا ملك السيف، وإنما يملكه لو صح بيع السيف فيجب الحكم
292

بصحته حملا لكلام المسلم على الوجه الذي يكون معتدا به شرعا، وهذا
كله واضح، نعم ينبغي أن يكون ذلك في الثمن لو كانت السلسلة على
ما ذكرناه، أما لو جرت العقود على الثمن خاصة كما لو بيع السيف
مرارا على حسب ما سمعته في المثمن لا عليه ثم على ثمنه وهكذا فإن
المتجه حينئذ في الفرض المزبور جريان حكم المبيع فيه من صحة العقد
المجاز وما بعده، بناء على الكشف وعلى النقل الوجوه الثلاثة دون
ما قبله، إلا العقد الأول الذي قوبل فيه المبيع فضولا، فإن دخول
الثمن في الملك متوقف على إجازته، وربما ورد المثال المزبور على إطلاق
الفخر والشهيد، لكن يدفعه معلومية إرادتهما بالترتب الذي أثبتنا
فيه لعكس ما ذكرناه أولا، واكتفائهما بذكر ذلك في المبيع عن ذكره
في الثمن.
والأمر سهل بعد وضوح الحال كوضوحه في غير الفرض مما تتعدد
فيه العقود مترتبة وغير مترتبة، وفي حكم إجازة ما يجاز منها دفعة لعدم
التنافي كالبيع والإجارة وغيرهما، بل وغير ذلك مما لا يخفى حكمه بعد
ضبط الأصل من غير فرق بين النقل والكشف الله أعلم.
(و) أما الإجازة ممن هي له ف‍ (لا يكفي) فيها (سكوته
مع العلم) فضلا عن الجهل بل (ولا مع حضور العقد) عند علمائنا
وأكثر أهل العلم كما في محكي التذكرة لأعمية ذلك من الرضا، فلا
يدل، والاكتفاء به من البكر في النكاح (1) للقرينة وفي الخبر المروي بعدة
طرق وفيها الصحيح في حديث سكوت المولى عن عبده بعد علمه بتزويجه

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
الحديث 1 و 2 و 3.
293

إقرار منه عليه (1) ومنه ومن غيره واطلاق الأدلة يعلم عدم اعتبار
لفظ مخصوص فيها، بل ولا مطلق اللفظ فيكفي حينئذ ما دل على الرضا
من الأفعال التي هي أولى من السكوت المزبور في ذلك، وحديث إنما
يحلل الكلام (2) ظاهر في غير الشروط على أن المحلل والمحرم فيما
نحن فيه العقد الذي تعقبه الرضا، ودعوى اختصاص النصوص المزبورة
في النكاح يدفعها بعد عدم انحصار الدليل فيها أولوية غيره منه في
ذلك، مضافا إلى ظهور قوله عليه السلام في الصحيح المزبور في عدم
الخصوصية، فالرضا في المقام كالرضا باللزوم على وجه يقضي بسقوط
الخيار، فإنه لا يعتبر فيه اللفظ المخصوص، بل يكفي فيه مطلق اللفظ
بل الفعل أيضا، بل إن لم يقم إجماع أمكن الاكتفاء هنا بتحقق
الرضا بينه وبين الله وإن لم يصدر منه ما يدل عليه، للصدق ولفحوى
بعض نصوص النكاح الفضولي أنه يحلف على عدم الرضا في نفسه فيما
بينه وبين الله (3) نعم لا بد من الرضا بالعقد السابق على وجه الجزم
بحيث لا يفقد غير التلفظ به، فلا يجزي التردد ونحوه مما لم يكن
رضا بالمعنى المزبور، كما أنه لا يجزي في الفسخ أيضا لا لاشتراط لفظ
مخصوص فيه، كما عن الشهيد في حواشيه حيث قال: والرد أن يقول
فسخت، ولو قال: لم أجز كان له الإجازة، بل قيل: أنه تشهد له
جملة من الأخبار، وكلام الأصحاب بل قيل: أنه يدل عليه في الجملة
خبر الوليدة السابق (4) ضرورة عدم الدليل على شئ من ذلك،

(1) الوسائل الباب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
(3) الوسائل الباب 58 من أبواب المهور.
(4) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
294

واستصحاب الصحة يقطعه ظهور النص والفتوى في الاكتفاء برد العقد
بمطلق ما على ذلك أو يستلزمه من قول أو فعل كالفسخ في عقد
الخيار بل قيل: أنهم قالوا في باب الوكالة لو قال الوكيل: وكلتني
على شراء الجارية بألفين فقال الموكل: بل بألف وكان الشراء بعين ماله
أنه يحلف على نفي ما ادعاه الوكيل وينفسخ العقد، ولا يكون فضوليا
لأن حلفه يدل على عدم رضاه، بل إن لم يقم اجماع أمكن الاكتفاء
فيما بينه وبين الله بقصد معنى الفسخ في نفسه على نحو ما سمعته في
الرضا، وإن كان التداعي الذي هو مبني على الأمور الظاهرة له
حكم آخر.
نعم قد يقال: إنه لا بد مع إرادة الفسخ من قيامه في النفس على
وجه لا ينقص عن (التلفظ؟) به إلا باللفظ، فلا يكفي فيه حينئذ الكراهة
ونحوها، ولذا صححوا عقد المكره بالإجازة المتعقبة، بل قالوا أنه لا
يعتبر في صحة الفضولي وعدم تقدم نهي المالك، اللهم إلا أن يكون على
وجه يتحقق معنى إرادة الفسخ، بعدم الرضا فعلا بترتب أثار العقد
عليه، بقي شئ وهو أنك قد عرفت فيما تقدم عدم اعتبار تعقب الرضا
في الفضولي، بل يمكن سبقه ومقارنته له، كما لو عقد فضولا بحضور
المالك مع رضاه به، أو مع سبق رضاه مستمرا إلى حصول العقد، ولم
يعلم العاقد، بل قد يقال: بتصور حكم الفضولي من الانسان نفسه كما
لو عقد بقصد إرادة نفس العقد مصرحا بتأخير الرضا إلى ما بعد ذلك
إذ دلالة العقد على الرضا إنما هي ظاهرية يجوز تخلفها كما في المكره
وبيع التلجئة الذي قد عرفته سابقا ونحوهما، والفرض عدم شرطية
المقارنة، ودعوى اللزوم عقلا بين قصد العقد وبين الرضا، يدفعها
ما عرفت، وبالجملة لو قصد بذكر العقد نحو ما قصده المكره، إذ لا
295

مدخلية للاكراه في ايجاد نفس القصد، وقد عرفت فيما تقدم جريان حكم
الفضولي على المكره، فإذا أجاز بعد ذلك صح العقد، فلا مانع في
جريان حكمه أيضا في الفرض بعد التصريح بالحال.
ولعل من ذلك بيع التلجئة ونحوه مما قصد به التواطي على ايقاع
الصورة دون الحقيقة، فإذا أجيز بعد ذلك حكم بصحته، نعم لو قيل:
أن الوجه في صحة الفضولي قيام رضاء المقارن للعقد مقام رضا المالك
بعد الإجازة، اتجه عدم الصحة حينئذ فيما نحن فيه لعدم المقارنة
للعقد، لكن ينافيه حكمهم بجريان حكم الفضولي على المكره المعلوم عدم
الرضا المقارن فيه، ودعوى الاكتفاء بمقارنة رضا الذي أكرهه كما ترى،
لا يقال: أنه قد تقدم منا سابقا المناقشة في جريان حكم الفضولي على
عقد المكره، باعتبار فقده القصد الذي يظهر من الأدلة اعتبار مقارنته
للعقد وهو غير الرضا، لأنا نقول: أولا أن الكلام هنا مبني على ما هو
المشهور عندهم من جريان حكم الفضولي عليه، وثانيا أن المكره لا يعتبر
فيه عدم قصد العقد، بل يقع على وجهين، أحدهما لا يقصد إلا اللفظ
وثانيهما يقصد معه العقد به، لكنه غير راض به، وهما معا مشتركان
في عدم ترتب آثار العقد عليه وإن افترقا بالصحة وعدمهما مع تعقب
الإجازة، فيصح الثاني دون الأول.
ولعل ذلك هو المراد من المحكي عن الشهيد من الحاق المكره على
وجه يرتفع قصد أصلا بالغافل والهازل والنائم ونحوهم في عدم تأثير
الرضا اللاحق في صحته، بخلاف المكره الذي لم يكن كذلك، وإن
ناقشه بعضهم بعد تحقق الاكراه بالمعنى المزبور، ضرورة كونه حمل
المكره للمكره على الفعل خوفا على نفسه أو ما في حكمها مع حضور
296

عقله وتمييزه، والاكراه الذي يرتفع القصد معه لا يتحقق في اللسان
فإنه غير مقدور للمكره، لكن قد يدفعها ما أشرنا إليه من تصور
وقوع الفعل على الوجهين من المكره على أصل الفعل، فتارة يرفع
الخوف عنه بقصد مجرد اللفظ دون مدلوله، فيقع منه حينئذ نحو ما يقع
من النائم، وأخرى بقصد المعنى إلا أنه غير راض به، وليس ذلك من
تأثير الاكراه، كي يشكل بما عرفت، بل من عمل المكره الذي يمكن
تصور وقوع ذلك منه من دون اكراه، ولعل بيع التلجئة ونحوه من
الثاني، فتؤثر فيه الإجازة حينئذ، بل هو أولى مما سمعته من بعضهم
من التزام تأثيرها في عبارة الهازل ونحوها، بل أولى من التزام تأثيرها
في عبارة المكره الفاقد للقصد، بدعوى جواز تأخيره عن العقد كالرضا
وإن كان فيه ما فيه، والتحقيق ما عرفت فتأمل جيدا.
وكيف كان ففي القواعد الأقرب اشتراط كون العقد له مجيزا في
الحال أي في صحة الفضولي، فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ
على اشكال، وكذا لو باع مال غيره ثم ملكه وأجاز، قيل: ومراده
بقرينة التفريع اعتبار كون المجيز له قابلية الإجازة حين العقد، فلو
تجدد له القابلية كما في المثالين لم تؤثر الإجازة، ومقتضاه حينئذ عدم
الصحة لو باع الفضولي حين كمال المالك ثم نقص لجنون ونحوه،
أو مات وانتقل المال إلى الوارث أو غير ذلك، بل لو اعتبر مع ذلك
استمرار القابلية إلى حين الإجازة لم تجد إجازته لو عاد إلى الكمال،
فضلا عن غيره إلا أنه كما ترى لا دليل عليه، بل مقتضى إطلاق ما
سمعته من أدلة الفضولي خلافه، مضافا إلى خبر الصغيرين (1) ودعوى
أن الإجازة فيه بناء على الكشف تقتضي نفوذ التصرف في زمان لم يكن

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب ميراث الازدواج الحديث 1
297

للمجيز التصرف فيه يدفعها إمكان منع ذلك أولا، ومنع امتناعه في
مثل الفرض ثانيا، نعم قد يمتنع في نحو المثال الثاني، لأن الكشف
حال العقد يقتضي عدم ملك للثاني، الذي قد فرض انتقال الملك إليه
وكل ما يستلزم وجوده عدمه غير متحقق، ولا يناقش بامكان جريان
ذلك في المالك المتحد، بأن يقال لا تأثير لاجازته أيضا مع انكشاف
زوال ملكه عنه سابقا، فهي أيضا مما يستلزم وجودها عدمها، ضرورة
وضوح الفرق بينهما بأدنى تأمل.
بل لا يبعد أن يكون ذلك ونحوه في المثال الثاني من الأسباب
المقتضية انفساخ الفضولي، فيكون حينئذ خروجا عن موضوع البحث
كما جزم به في الدروس، نعم لا بأس بانتقال نفس سلطنة التصرف
دون الملك لعارض الجنون ونحوه، بل أولى منهما عودها لارتفاع المانع
من الصغر ونحوه، فإن ذلك كله غير قادح في تأثير الإجازة، ومن
هنا ربما فسر كلامه بأن المراد اعتبار وجود المجيز فعلا للعقد في الصحة
فلو فرض عقد فضولي لا مجيز له حال وقوعه كان باطلا، وإن وجد له
مجيز بعد ذلك، ووجه اشتراطه حينئذ أنه لا وجه صحة له حال وقوعه
بعد فرض عدم المجيز، فليس هو إلا لغوا غير قابل للتأثير، فلا يجدي
تجدده بعد ذلك، نعم قد يشكل بأن هذا الفرض غير متحقق على مذهب
الإمامية القائلين بعدم خلو زمان عن المعصوم الذي هو ولي من لا ولي
له، فلا يتصور حينئذ عقد فضولي لا مجيز له، وقد يدفع بأن المراد
مجيز يمكن الاطلاع على إجازته، ومنصوبه المجتهد المطلق يمكن فرض
عدمه، وخلو الزمان منه، كامكان فرض عدم عدول المؤمنين أو عدم
الولاية لهم في غير حفظ المال كالفساق منهم، لكنه كما ترى يصعب
إقامة الدليل على اشتراطه حينئذ، والأولى في الدفع بتصوره في العقد
298

على مال المولى عليه بدون المصلحة أو مع المفسدة، فإنه لا مجيز له فلا
ضرورة عدم جواز الإجازة للولي حينئذ إلا أن الانصاف بعد الاغضاء
عن عدم مناسبة الاشتراط بالمعنى المزبور لما ذكره من الفرعين عدم
الدليل عليه، بل ظاهر الأدلة يقتضي خلافه، وعدم فرض الصحة له
في ذلك الحال لا يصلح مانعا بعد تناول عموم أدلة العقود له، بعد
حصول المجيز وإجازته، ولذا حكي عن الشهيد وابن المتوج والمقداد
والكركي الجزم بعدم الاشتراط بالمعنى المزبور أيضا، كما صرح به
شيخنا في شرحه ولعله الأقوى.
وكذا لا يعتبر في الفضولي قصد الفضولية قطعا فمن باع شيئا
بعنوان أنه ماله فبان أنه لغيره كان فضوليا، بل في القواعد ومحكي
النهاية وموضع من التذكرة ما يقتضي عدم اعتبار قصد الصحة، بمعنى
اللزوم في حصولها، بل تحصل مع قصد غيرها فضلا عن عدم قصدها
كما لو باع مال أبيه مثلا لظن الحياة وأنه فضولي فبان ميتا حينئذ،
وأن المبيع ملكه، ولعله لأن القصد إلى أصل البيع كاف، والنية غير
مقومة، لكن قد يشكل بعدم تحقق الرضا من المالك بنقل ملكه،
ضرورة كون المتحقق الرضا بنقل ملك غيره، وهو مغاير للرضا بنقل
ماله، ولعله لذا أوقفه على الإجازة في محكي جامع المقاصد، بل عن
الإيضاح احتمال البطلان بحيث لا تجدي الإجازة، لأنه إنما قصد
نقل الملك عن الأب لا عنه، ولأنه وإن كان منجزا في الصورة فهو في
المعنى معلق، والتقدير إن مات مورثي فقد بعتك، ولأنه كالعابث
عند مباشرة العقد لاعتقاده أن المبيع لغيره، وإن كان هو كما ترى،
بل ربما يستفاد من التعليل الأخير وسابقه أن محل الفرض في المثال
ما لو باع عن نفسه مع ظن حياة الأب لاحتمال موته، والمتجه حينئذ
299

الصحة ولا تعليق فيه على وجه ينافي صحة العقد، بل هو كنقل المال
المحتمل أنه له، وطلاق الزوجة التي أنكر زوجيتها (1) بل ربما ظهر
من بعضهم الصحة فيه، حتى لو صرح بالتعليق فيه، لعدم كونه تعليقا
في الواقع، وإن كان هو في الصورة كذلك، إلا أنه لا يخلو من
إشكال، للاجماع المحكي على عدم جواز التعليق في العقد الشامل للفرض.
نعم لا إشكال في الصحة إذا لم يعلق في الصورة وقصد النقل بما
ذكره من العقد على كل حال، لاطلاق الأدلة على وجه يقتضي عدم
اعتبار مثل هذه النية في الصحة، وعلى كل حال هو غير ما نحن فيه
مما قصد فيه الفضولية فبان أنه أصيل، والمتجه فيه الوقوف على الإجازة
كما سمعته من الكركي، أو إثبات الخيار إلا أني لم أجد من احتمله
ثم لا يخفى عليك أن إجازة العقد ليس إجازة للقبض، من غير فرق
في الثمن بين كونه عينا أو دينا، خلافا للمحكي عن الشيخ فجعل
إجازته إجازة للقبض، ولا ريب في ضعفه، فلا يتشخص الدين مثلا
بقبض الفضولي، ولا يجري عليه حكم القبض الصحيح في العين إلا
بإجازة مستقلة لذلك، بناء على ما عرفت من جريان حكم الفضولي في
الأقوال والأفعال هذا كله إذا أجاز البيع.
(فإن لم يجز) وكان الفضولي قد دفع المبيع (كان له) أي
المالك (انتزاعه من المشتري) قطعا بلا خلاف ولا إشكال، (قال:
زرارة (2) قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل اشترى من سوق
المسلمين جارية فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من
يزعم أنها له، وأقام على ذلك البينة قال: يقبض ولده ويدفع إليه الجارية

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام الوكالة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2
300

ويعوضه قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها) وقال: أيضا في خبر جميل (1)
(في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثم يجئ مستحق الجارية
فقال: يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ويرجع
على من باعه بثمن الجارية (و) قيمة الولد الذي أخذت منه) وكذا في خبر
زريق (2) الذي ستسمعه نعم (يرجع) المشتري (على البايع بما
دفع إليه) من الثمن، بل (وبما اغترمه) للمالك (من نفقة أو
عوض عن أجرة أو) عن (نماء) أو أرش جناية أو قيمة شجر أفسده
القلع أو أجرة حفر أو طمة أو بناء جدار أو شق أنهار أو حفر آبار
أو غير ذلك، ولكن إنما يكون له الرجوع (إذا لم يكن عالما أنه
لغير البايع) واغتر بظاهر فعله، وإن لم يكن من قصد البايع غروره
لعدم توقف صدقة على ذلك (أو) كان عالما أنه لغيره ولكن (ادعى
البايع أن المالك أذن له) ولم يكن له معارض لقاعدة الغرور، وخبر
جميل السابق والاجماع بقسميه، عدا ما حصل له نفع في مقابل ما
غرمه من عوض نماء أو منفعة ونحوها.
أما فيه فالمشهور أنه كذلك أيضا للقاعدة المزبورة إذ النفع الذي
قد حصل له إنما قدم عليه مجانا، باعتبار الغرور من فعل البايع،
أو دعواه فيكون حينئذ كما لو قدم إليه طعام الغير فأكله جاهلا، وفي
شرح الأستاذ أن في خبر جميل دلالة عليه خلافا للمحكي عن الخلاف
وموضع من المبسوط وظاهر السرائر وصريح كشف الرموز فلا يرجع
به لعدم تضرره بعد فرض انتفاعه في مقابلة غرامته، وقاعدة الغرر
مبناها الضرر، وفيه أن الضرر متحقق بعد الاقدام منه، على استيفاء

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
301

ذلك مجانا، وإمكان كون بناء قاعدة الغرر على قوة السبب من المباشر
وعلى كل حال فما في الحدائق من أنه لا يرجع إلا بالثمن، مخالف للنص
والقاعدة والاجماع بقسميه لما عرفت.
مضافا إلى عدم ما يصلح له سندا لذلك سوى ما ذكره من
خبر زريق (1) الذي باع قاضي الكوفة معيشته في دين ادعاه عليه ورثة
ميت، ثم ظهر بعد ذلك بطلان الدعوى فجاء المشتري لها إلى أبي
عبد الله عليه السلام يسأله عن ذلك فقال له بعد شرح حاله: (جعلت
فداك كيف أصنع؟ فقال: تصنع أن ترجع بمالك على الورثة وترد المعيشة
إلى صاحبها، وتخرج يدك عنها قال: فإذا أنا فعلت ذلك له أن
يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من
ثمن الثمار وكل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد
ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت فإن للزارع إما قيمة الزرع
وإما أن يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع فإن لم يفعل كان له ذلك
ورد عليك القيمة وكان الزرع له قلت: جعلت فداك فإن كان هذا قد
أحدث فيها بناء وغرس؟ قال: له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه
يقلعه ويأخذه قلت: أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء، فقلع الغرس
وهدم البناء؟ فقال: يرد ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض
فإذا رد جميع ما أخذ من غلاتها إلى صاحبها ورد البناء والغرس وكل
محدث إلى ما كان أورد القيمة كذلك يجب على صاحب الأرض أن
يرد عليه كل ما أخرج منه في اصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء
أو نفقة في مصلحة المعيشة ودفع النوائب عنها).
كل ذلك فهو مردود إليه باعتبار اقتصاره في جواب قوله كيف

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
302

أصنع؟ على الرجوع بماله الذي هو الثمن على الورثة ورد المعيشة على
صاحبها، ولو كان له الرجوع بغيره عليه لذكره لأنه في مقام الحاجة
إلى البيان خصوصا مع تعرضه (ع) لرجوع المالك عليه بعوض المنافع،
مضافا إلى ما في ذيله من الرجوع بما أنفقه على مصلحة المعيشة
ودفع النوائب عنها على المالك، لا على غيره، وفيه مع قصوره عن
معارضة غيره وأعمية مثل هذا الاقتصار فيه من عدم الرجوع فيه خصوصا
بعد قضاء قاعدة الغرور، وخبر جميل (1) والاجماع به، أنه يمكن أن يكون
خارجا عما نحن فيه ضرورة عدم الغرور به لأن الفرض فيه أن زريقا
كان عند أبي عبد الله عليه السلام يوما إذ دخل عليه رجلان إلى أن
قال: فقال: أحدهما أنه كان على مال لرجال من بني عمار وله بذلك
ذكر حق وشهود فأخذ المال ولم أسترجع منه الذكر بالحق، ولا كتبت
عليه كتابا ولا أخذت منه براءة، وذلك لأني وثقت به وقلت له مزق
الذكر بالحق الذي عندك فمات وتهاون بذلك، ولم يمزقها وعقب هذا
طالبني بالمال وراثه وحاكموني واخرجوا بذلك الذكر بالحق، وأقاموا
العدول فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال وكان المال كثيرا فتواريت عن
الحاكم فباع على قاض الكوفة معيشة لي وقبض القوم المال، وهذا رجل
من إخواننا ابتلى بشراء معيشتي من القاضي، ثم إن ورثة الميت أقروا
أن المال كان أبوهم قد قبضه، وقد سألوه أن يرد على معيشتي ويعطونه
في أنجم معلومة، فقال: إني أحب أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام
عن هذا، فقال: الرجل يعني المشتري جعلني الله فداك كيف أصنع إلى
آخر ما سمعته سابقا.
وهو كما ترى لا غرور فيه، من أحد، ضرورة معذورية القاضي
والشهود والورثة، وأقصاه ظهور الخطأ في حكم القاضي الذي قد باشر

(1) الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 5
303

البيع، وهو لا يقتضي بتغريمه، ومن هنا اتجه ما ذكره فيه من الأحكام
التي سمعتها كما هو واضح فحينئذ لا إشكال في الرجوع بما عرفت،
نعم قد يقوى عدمه في الزايد على المعتاد من النفقة والأجرة على بعض
الأعمال ونحو ذلك، مما هو مستند إلى تقصيره وكذا بذل ما يستحب
في تلك المعاملة، واللوازم البعيدة، بل وكذا لا يرجع لو أبرأه المالك
ضرورة أن المراد رجوع المغرور على من غره فيما غرمه، ولذا عبر به
الأصحاب بل لعل المتجه ذلك أيضا لو تبرع متبرع بالدفع عنه، لكن
في شرح الأستاذ الاشكال في الأولين، ووجهان في الأخيرين، ثم قال:
ويرجع بعوض عمله الجاري على عادة الملاك، وفي الأعمال المسنونة من
عبادات وغيرها، وعمل المتبرع والزايد على المعتاد والتوابع البعيدة يقوى
الاشكال، قلت: بل قد يتوقف في الرجوع بعمله أو عمل المتبرع له
وإن جرى على المعتاد لعدم الغرامة المنساقة من لفظ الرجوع أما لو
احتسب المالك ما في ذمته عليه خمسا أو زكاتا كان له الرجوع أيضا
لصدق الغرامة، وإن رجعت إليه بوجه آخر كما هو واضح.
هذا كله مع غرور المشتري (و) عدم علمه ف‍ (إن لم يكن
كذلك) بل أخبره البايع فإنه فضولي أو غاصب أو نحو ذلك مما يرتفع
به غروره (لم يرجع) على البايع بما اغترمه على المبيع من نفقة
ونحوها وللمالك لو رجع عليه من عوض منفعة فأتت في يده أو استوفاها
أو نماء كذلك أو غيرها مما عرفت، بلا خلاف ولا اشكال لأنه بحكم
الغاصب في إثبات يده على مال الغير قبل تحقق رضاه، ضرورة عدم
اقتضاء مجرد العقد قبل تحقق شرطه الذي مقتضى الأصل عدم حصوله
ذلك، وإن حكمنا بصحته التي يراد منها قابليته للتأثير بعد جمع
304

الشرائط على حسب ما أوضحناه سابقا.
ومن الغريب ما في الحدائق من أنه لا يجتمع القول بصحة الفضولي
وحرمة تصرف المشتري لاقتضاء الصحة ذلك، ونحوه من المقتضيات
بل فيها أني لا أعرف وجها لذلك، إذ هو كما ترى مما لا ينبغي أن
يصغى إليه، وأغرب من هذا نسبته إلى صريح كلامهم صحة الفضولي
بالمعنى الذي يترتب عليها جواز التصرفات على حسب وقوع البيع من
المالك، وهو شئ لا ينبغي نسبته إلى أصاغر الطلبة، فضلا عن فحول
الطائفة وحفاظ الشريعة المؤيدين المسددين، (و) على كل حال
فعدم رجوعه واضح، بل (قيل) أنه (لا يرجع بالثمن) الذي دفعه
إلى البايع أيضا بسوء اختياره، (مع العلم بالغصب) بل في التذكرة
قال: علمائنا ليس للمشتري الرجوع على الغاصب وأطلقوا القول في
ذلك، وفي محكي تخليص التلخيص أطلق الأصحاب كافة ذلك، بل عن
الإيضاح أنه نسب عدم الرجوع مع بقاء العين فضلا عن تلفها تارة
إلى قول الأصحاب، وأخرى إلى نصهم، وفي جامع المقاصد يمتنع
استرداده العين عند الأصحاب وإن بقيت العين، ولعله يريد ظاهرهم
كما حكي عنه ذلك أيضا في موضع آخر، إلا أنه لا يخفى عليك ما
فيه من الاشكال، وعدم الانطباق عل الضوابط المقتضية خلافه في نظائره
كثمن الخمر والميتة وغيرها، ومن هنا حكي عن المصنف في بعض
تحقيقاته القول بالرجوع به مطلقا، وهو وإن كان موافقا لما عرفت،
لكنه مخالف للجمع عليه بين الأصحاب نقلا وتحصيلا، كما اعترف به
الفخر والكركي وثاني الشهيدين والاستاد من عدم الرجوع في صورة
التلف الذي هو المتيقن من إطلاقهم، الموافق لما قرروه من أن دفعه
بعد العلم بالغصب إباحة منه للمال بلا عوض، فليس له الرجوع
305

حينئذ بعد التلف كغيره من المال المباح من مالكه، ولذا كان خيرة
التذكرة والمختلف والقواعد في موضع منها، ونهاية الإحكام والإيضاح
وشرح الإرشاد للفخر والدروس واللمعة وجامع المقاصد والروضة والمسالك،
والكفاية التفصيل بينه وبين البقاء، فلا يرجع مع الأول، ويرجع مع
الثاني، لبقائه على ملكه، والناس مسلطون على أموالهم (1) لكن فيه
أن ذلك لو كان للإباحة لجرى في غيره من نظائره، ولاقتضى حلية
التصرف فيه وفيها، مع أنه ورد في كثير منها أن أثمانها سحت (2)
مضافا إلى ما عرفته سابقا من ضمان الثمن والمثمن في القبض بالعقد
الفاسد، من غير فرق بين التلف وعدمه، والعلم بالفساد وعدمه،
فالعمدة حينئذ ظهور إطباق الأصحاب الذي قد عرفت الاعتراف منهم
بأن معقده مطلق، شامل لصورتي البقاء والتلف، مع إمكان تقريبه إلى
الذهن بنحو ما سمعته من الإباحة بالنسبة إلى التلف، بأنه يمكن
أن يكون عقوبة له، ولا استبعاد في عدم جواز الرجوع به وإن بقي
على ملكه، بل ويجب رده على من في يده كالمال الذي حلف عليه
المنكر (3) أو يكون نحو المال المعرض عنه أو الموهوب أو نحو ذلك
فيملكه حينئذ البايع مع حرمة التصرف عليه أو عدمها.
وعلى كل حال فبناء على ذلك لا وجه للتفصيل المزبور اللهم إلا
أن يقال إن المنشأ في التلف الإباحة من المالك، وهي لا تنافي حرمة
تصرف الغاصب، للنهي الشرعي عن الإباحة في مقابلة المحرمات،
ولا تلازم بين الحرمة المالكية والشرعية، فيمكن أن يكون الشارع حرم

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به
(3) الوسائل الباب 3 و 4 من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى
306

التصرف فيما دفع عوضا عن المغصوب مثلا وإن رضي المالك، فيكون
عدم الرجوع عليه باعتبار الإباحة المزبورة التي هي المدار فيه وفي
أمثاله، بل لا بأس بالتزام مثل ذلك في جميع نظائره، مما دفع فيه
الثمن بلا مقابل معتد به، كما صرح به الأستاذ في شرحه، حيث أنه
بعد اختياره التفصيل قال: ويقوى تسرية الحكم في المقامين إلى كل ما
دفع من غير مقابل أو بمقابل غير قابل.
نعم لا يجري مثله في البيع الفاسد بغير ذلك وما شابهه بأن
كلا من المتعاملين فيه قد قدم على أخذ العوض من صاحبه، ويرجع مع
التلف إلى ثمن المثل وإن زاد على المسمى، لتحقق مسمى الاقدام على
الضمان في الجملة، بخلاف المقام الذي هو عند الانحلال تسليط على
المال بلا عوض شرعا، وهتك لحرمة الملك بالإذن منه في الاتلاف ونحوه
بل ربما ظهر من الكركي وغيره جواز التصرف للبايع فيه بملاحظة
الإذن المزبورة، بل نسب ذلك إلى الأصحاب، وإن كان فيه ما لا يخفى
من المنافاة لما هو كالمعلوم ضرورة من الشرع.
وكيف كان فمن ذلك ينقدح أنه لو فرض في المقام اشتراط المشتري
على البايع الرجوع عليه بالثمن لو رجع المالك عليه بالعين، اتجه له
الرجوع عليه مع التلف أيضا، ضرورة كونه حينئذ كالمقبوض بالعقد
الفاسد، فلا يكون مندرجا في معقد الاجماع كما جزم به في شرح
الأستاذ، بل جزم أيضا بالرجوع مع اشتراط الخيار أو ابقاء الثمن مدة
فيقع التلف فيها أو نحو ذلك مما يقتضي عدم إطلاق الإباحة له، وهو
لا يخلو من وجه، مع احتمال القول بأن الحكم تعبدي محض في خصوص
المقام، وفي خصوص المتيقن، ولعله الأوفق بالقواعد وكلام الأصحاب
وعلى كل حال فظاهر المتن وغيره ممن عبر كعبارته أن بيع الغاصب من
307

الفضولي، كما صرح به في التذكرة والمختلف ونهاية الإحكام والدروس
وحواشي الشهيد والتنقيح وجامع المقاصد وغيرها، على ما حكي عن
بعضها بل عن الإيضاح نسبته إلى الأكثر، وإن كان قد باع قاصدا للنقل
عن نفسه وقبله المشتري على ذلك، إلا أنه لا ينافي الفضولية التي قد
عرفت أنها عبارة عن وقوع العقد من غير المالك كيف ما قصد، بل
عرفت مدركها فيما تقدم مما لا فرق فيه بين ذلك كله، بل ولا بين
علم المشتري بالغصبية وجهله بها، كما صرح به بعضهم لتناول معظم
ما عرفته من الأدلة السابقة لذلك كله.
فما جزم به بعض الناس من عدم كون بيع الغاصب مطلقا أو
مع علم المشتري بالغصب أو تردد فيه كذلك من الفضولي في غير محله
وقصد النفس أو الغير لا مدخلية له حينئذ، بعد فرض دلالة الأدلة
على قابلية تأثير لفظ العقد مع وقوعه على ما كان قابلا للتأثير فيه من
غير فرق بين المالك وغيره، ونصوص النهي عن بيع ما لا يملك والسرقة
ونحوها (1) قد عرفت الحال فيها، وما تسمعه انشاء الله من عدم
رجوع المشتري على الغاصب إذا لم يجيز المالك بالثمن مطلقا أو مع
التلف لو دفعه إليه عالما بالغصب، غير مناف لصحة الفضولي قطعا،
مع عدم انحصار الثمن فيما لو دفعت كما كان كليا، ضرورة رجوع
المالك حينئذ على المشتري مع إجازته البيع دون القبض بمصداق الثمن
بل وكذا لو أجاز القبض وكانت العين باقية، بناء على اختصاص عدم
الرجوع في صورة التلف، فإن له الرجوع بها حينئذ عليه، بل ومع
التلف أيضا بناء على الكشف، فإن له ذلك أيضا، وعدم رجوع المشتري
عليه في صورة عدم الإجازة تعبدا، أو للإباحة لا ينافي رجوع المالك

(1) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب ما يكتسب به
308

الذي انكشف سبق ملكه بإجازته على اتلافه، ولو فرض اعتبار بقاء
المال على صفة الملكية عند الإجازة اتجه البطلان، لا لخصوص بيع
الغاصب، بل هو كذلك ولو كان البايع فضوليا وفرض تلفه في يد
المشتري قبل الإجازة، وكذا الكلام على فرض كون الإجازة ناقلة.
ومن ذلك يظهر لك الحال لو كان الثمن عينا وقد دفعها المشتري
للغاصب، فإنه يتجه للمالك الرجوع بها مع الإجازة وفرض بقائها في
يده، بل ومع تلفها لما عرفت من اختصاص عدم الرجوع بها بالمشتري
مع عدم إجازة المالك، بل قد يقال: إن له الرجوع بها على المشتري
أيضا بناء على الكشف وعدم إجازة القبض لكونها مضمونة في يده
حينئذ، وعلى كل حال فلا إشكال في جريان حكم الفضولية عليه من
هذه الجهة وإن وقع من بعض الأفاضل، إلا أنه في غير محله كما هو واضح
بأدنى تأمل، خصوصا بملاحظة ما ذكرناه، وكيف كان فقد ظهر لك الحال
في أصل المسألة وأطرافها على وجه ارتفع عنه الاشكال في جميع ما كثر
فيه القيل والقال، ولعله من خواص هذه الكتاب ككثير من المباحث
التي وقع فيها البحث والاضطراب، ونسأل الله السداد والهداية إلى ما
عنده من الرشاد.
(وكذا) ظهر لك الحال فيما (لو باع ما يملك وما لا يملك)
بعقد واحد وثمن كذلك ضرورة كون حكمه أنه (مضى بيعه فيما
يملك وكان فيما لا يملك موقوفا على الإجازة) بناء على ما سمعته من
صحة الفضولي، وباطلا على القول الآخر، وعلى كل حال فلا خلاف في
صحته بيعه ونفوذه فيما يملك إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي
كلزوم رباء وبيع آبق من دون ضميمة ونحو ذلك، بل ظاهرهم
الاجماع عليه كما اعترف به في الرياض، بل عن الغنية دعواه عليه
309

صريحا كالاستاد في شرحه، لاطلاق الأدلة وعمومها السالمين عن المعارض
خصوصا بعد ملاحظة ما يظهر من النص والفتوى من كون الأسباب
الشرعية كالعقلية تؤثر في القابل دون غيره، وما سمعته من خبر
الصفار من وجوب الشراء على البايع فيما يملك (1) فهو حينئذ بمنزلة
عقود متعددة ولذا لو ظهر بعض المبيع مستحقا لم يبطل إلا فيه، فما
عن الأردبيلي من احتمال بطلان العقد رأسا على تقدير صحة الفضولي
وعدم إجازة المالك لأنه إنما حصل التراضي والعقد على المجموع
وحصوله لا يستلزم حصوله في الجزء واضح الفساد، بل كأنه اجتهاد في
مقابلة النص، ولم نعرفه لأحد من أصحابنا، نعم هو للشافعي محتجا
عليه بأن اللفظة الواحدة لا يتأتى تبعيضها، فإما أن يغلب الصحيح
على الفاسد أو بالعكس، والثاني أولى لأن تصحيح العقد في الفاسد
ممتنع، وإبطاله في الصحيح غير ممتنع، ولأنه لو باع درهما بدرهمين
أو تزوج بأختين حكم بالفساد، ولأن الثمن المسمى يتوزع عليهما، ولا
يدرى حصة كل واحد مهما عند العقد، فيكون الثمن مجهولا، وصار
كما يقال بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزعت عليه وعلى
عبد فلان، فإنه لا يصح، وفيه مع أنه مناف لما عرفت منع عدم
تبعيض متعلق اللفظة الواحدة في الخبر والانشاء، ووضوح الفرق بين
المقام وبين بيع الدرهم بالدرهمين والتزوج بالأختين، ولو بعدم ترجيح
تعلق العقد بأحدهما على الآخر، ودليل الجهالة إنما يسلم منه ما إذا
كانت في الثمن الذي قد وقع مقابلا في العقد، وأما بعد فرض معلوميته
فلا يقدح الجهل بالتقسيط لاطلاق الأدلة الذي لا ريب في شموله لما
كان مجهولا من هذه الجهة معلوما من الحيثية الأخرى، وبعبارة أخرى

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
310

إن الاطلاق شامل لنحو هذه المعلومية، بخلاف ما ضربه مثلا، وما
ذكره المقدس الأردبيلي إنما يقتضي الخيار مع الجهل لا البطلان، ضرورة
عدم كونه أعظم من تخلف الوصف، وتبعية العقود للقصود منطبقة على
البعض المقصود ولو في ضمن الكل، ومن هنا ترك الاستفصال في خبر
الصفار، وحكم فيه بالصحة فيما يملك، بل لعله مع ظهور مدخلية الاجتماع
في موضوعه الذي هو قطاع أرضين المختلفة غالبا لأنها قطع متجاورات
ولو فرض دخول الوصف في موضوع البيع على وجه يكون تخلفه كتخلف
جنس المبيع كان خروجا عن محل البحث، فلا ريب في الصحة من غير
فرق بين كون المالين لواحد أو متعدد، وبين تساويهما في القيمة واختلافهما
ولا بين كون المشترى متحدا أو متعددا، على الإشاعة في المبيع أو على
تخصيص كل واحد من العبدين بأحدهما ولكن على الإشاعة في الثمن
فيتقسط حينئذ على قيمتهما على حسب ما تعرف انشاء الله.
فما عن الخلاف من البطلان في بيع المالكين عبديهما المختص كل
واحد منهما بواحد مع التساوي في القيمة أو اختلافهما، والمبسوط من
البطلان أيضا لكن مع الاختلاف في القيمة، والبطلان أيضا لو باع
العبدين من اثنين بثمن واحد لم يعلم ما يخص كلا منهما لتعدد الصفقة
واضح الضعف، ضرورة اتحادها في الجميع والاكتفاء بمعلومية الثمن فيها
وإن جهل التقسيط، لعدم ما يدل على اشتراط أزيد من هذه المعلومية
التي يرتفع معها الغرر والجهالة عرفا، (و) حينئذ ففي مفروض المتن
أجاز الغير أو لم يجز (يقسط الثمن) على المبيع حتى يأخذ كل من
المالكين نصيبه على فرض الإجازة، أو ليأخذ البايع ما يخصه منه
ويرجع الباقي إلى المشتري على فرض عدمها.
وكيفية ذلك فيما إذا لم يكن المبيع مثليا أو ما في حكمه مما يعلم
311

منه تبعية نسبة الثمن إليه لتساوي أجزائه وأوصافه مثلا على وجه
لا تختلف القيمة معها (بأن يقوما جميعا ثم يقوم أحدهما) منفردا
كما في القواعد واللمعة ومحكي النهاية بل نسب إلى الأصحاب، ثم ينسب
إلى قيمة المجموع (و) حينئذ (يرجع) المشتري (على البايع)
القابض للثمن (بحصته من الثمن إذا لم يجز المالك) على حسب تلك
النسبة التي بها انكشف مقدار ما يخصه من الثمن، ضرورة أنه لو
قوم منفردا من دون ملاحظة النسبة المزبورة وأخذت قيمته من الثمن
أمكن حينئذ في بعض الأحوال استيعابها له، بل زيادتها عليه، فيبقى
الآخر حينئذ بلا مقابلة شئ من الثمن كما هو واضح، وإليه يرجع
ما في المبسوط وكذا الوسيلة يأخذه المملوك بما يتقسط عليه من الثمن
أي يأخذه بقسطه من الثمن، كما عبر به في التذكرة والتحرير وكذا
ما في الدروس يقسط الثمن عليهما، وما في السرائر أيضا يمسك ما
يصح فيه البيع بما يخصه من الثمن الذي يتقسط عليه، كما إذا كان
ثمنهما ثلاثة دنانير وقيل أن قيمة المملوك قيراط وقيمة غيره قيراطان،
فيرجع المشتري بثلثي الثمن وهو عين ما ذكرناه، ضرورة كون النسبة
بما فرضه ذلك، فمراد الجميع حينئذ واحد، وهو أنه إذا كان المبيع
من ذوات القيم التي هي غالبا مختلفة زيادة ونقصا، لا بد في معرفة
تقسيط الثمن عليها من ملاحظة قيمتها التي هي متساوية الأجزاء وبدل
العين وقائمة مقامها، ومعرفة النسبة منها فيوزع الثمن عليها، وهو معنى
ما في الإرشاد من أنه يقسط المسمى على القيمتين، وذلك لتعذر معرفته
بملاحظة العينين، لكن عن الفاضل القطيفي أن فيه نظرا، ولعله
أشار إلى ما في جامع المقاصد والروضة والمسالك والرياض وغيرها من
312

أن ذلك يتم إذا لم يكن للهيئة الاجتماعية مدخلية في زيادة القيمة.
أما إذا كان كذلك فلا يقومان مجتمعين إذ لا يستحق مالك كل
واحد ماله إلا منفردا فلا يختص باستحقاق ما يزيد باجتماعهما بل يقوم
كل واحد منهما منفردا وينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، ويقسط
الثمن حتى ما قابل الهيئة الاجتماعية منه على تلك النسبة، فإذا كان
قيمتهما مثلا مجتمعين اثني عشر، ومنفردين تسعة، والثمن ستة وقيمة
أحدهما ثلاثة، أخذنا له من الثمن بقدر نسبته إلى التسعة، وهو ثلث
الستة اثنان، ولا يؤخذ بقدر نسبته إلى الاثني عشر وهو ربع الستة
واحد ونصف، ولو قوم كل واحد منهما بعشرة يؤخذ نصف الثمن، لأنه
نسبة أحدهما إلى المجموع، ودعوى تحقق الظلم بذلك على المشتري
الذي قد بذل الثمن في مقابلة المجموع من حيث أنه مجموع يدفعها
أولا معارضتها بالظلم على البايع لو أخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما
مجتمعين، مع عدم تقصيره وإتلافه شيئا على المشتري، وإنما أراد له شيئا
لم يسلم له، وإلحاقه بالغاصب حينئذ في ضمان الصفة ليس في محله
وثانيا إن الثمن وإن لوحظ فيه الهيئة الاجتماعية حتى أن زيادته
بسببها، إلا أن من المعلوم كونها بمنزلة الصفة لكل واحد منهما، فلا
يقابلها شئ من الثمن عند التقسيط، وإن زادت قيمة ذيها بسببها، فعند
التوزيع يوزع الثمن على المتصفين، ومع فرض فقد الصفة التي قد
لوحظت في مقابلة الثمن للمتصف، يتسلط المشتري على الخيار كتسلطه
عند تخلف الصفة في المبيع الموصوف.
وعلى كل حال فقد ظهر لك وجه تقييد الجماعة إطلاق الأصحاب
بما عرفت، لكن قد يدفع أولا بأن المراد من إطلاق الأصحاب، أصل
بيان كيفية تقسيط الثمن في مثل المبيع القيمي المختلف قيمة، وليس
313

من متساوي الأجزاء حتى تكون نسبة الثمن فيه على نسبته، من غير نظر
إلى ما كان للاجتماع فيه مدخلية وعدمه، وثانيا أن المراد بتقويم
أحدهما بعد تقويمهما مجتمعين فيما كان للاجتماع فيه مدخلية، الذي
هو محل المؤاخذة أنه يلاحظ فيه صفة الانضمام أيضا، لأن الثمن قابله
وهو كذلك، فلا بد من ملاحظتها في التقويم، ويراد بالانفراد في
كلامهم في مقابلة تقويمهما معا مجتمعين، لا أن المراد تقويمه بدون
ملاحظة وصف الانضمام، وحينئذ إذا لوحظ نسبته إلى قيمتهما مجتمعين
وأخذ من الثمن على حسبها، لم يظهر فرق بين التقويمين كما أنه حينئذ
لم يختص أحد منهما بالهيئة الاجتماعية، بل لعل تقويم الأصحاب أولى
باعتبار ملاحظة وصف الانضمام، الذي له مدخلية في مقابلة الثمن في
التقويم بخلاف التقويم الآخر، وحينئذ لا فرق بين كون المال لمالكين نفذ البيع
في أحدهما خاصة أو نفذ فيهما، وأريد توزيع الثمن على المالكين، وبين
كونهما لمالك واحد وقد أجاز في بعض دون الآخر، وبين أحدهما
الذي قوم بعد تقويمهما معا أن يكون المملوك الذي قد نفذ البيع فيه،
أو يكون الآخر الذي لم يجز البيع مالكه فيه، وكذا لا فرق أيضا بين
مدخلية الاجتماع في كل منهما على حد سواء، أو مع التفاوت، وبين
مدخليته في أحدهما دون الآخر، بل وإن أفاده نقصانا، ضرورة أنك
قد عرفت دخول ذلك كله في قيمة أحدهما الذي قد فرض ملاحظة
الوصف فيه، فلا تفاوت حينئذ بين الجميع.
نعم قد يفرق بين تعدد المالك واتحاده في صورة الغصب، ضرورة
عدم ضمان الغاصب هيئة الاجتماع مع تعدد المالك، لعدم كونها
مستحقة لأحدهما، بخلاف ما لو اتحد المالك فإنها حينئذ من توابع
ملكه، أما في المقام فالفرض أنها قد لوحظت في مقابلة الثمن فازداد
314

ذو الوصف بها، وإن لم تكن من توابع ملكه، كما هو واضح، ومن
ذلك كله ظهر لك سقوط تقييد من عرفت لكلام الأصحاب بما سمعت
بل وحتى ما في المسالك والروضة منهم من النظر والتأمل فيما لو كان
المال لمالك واحد، حيث قال في الأول: ففي تقويمهما مجتمعين كالغاصب
أو منفردين كما لو كانا لمالكين نظر، وفي الروضة أنه يمكن فيه ما
أطلقوه مع احتمال ما قيدناه، وسقوط ما أطنب فيه في الكفاية من
اختصاص تقويم المملوك مع عدم إجازة الآخر، وملاحظة نسبته إلى
تقويمهما معا، إذا كان للهيئة الاجتماعية مدخل، أو يقومان مجتمعين
ومنفردين، ويعزل ما قابل الاجتماع ويعطى البايع نسبة قيمة ماله إلى
قيمة الآخر منفردا، ويعطى الباقي للمشتري، وكذا في صورة الإجازة
أيضا، ولكن بعد ذلك يقسم ما قابل الاجتماع على المالكين، بل وما
أطنب فيه بعض مشائخنا من تحقيق صحة إطلاق الأصحاب في صورة
عدم الإجازة من المالك الآخر، وصحة ما ادعاه ثاني الشهيدين والمحققين
وأتباعهما في صورة الإجازة، بل وما ذكره شيخنا في شرحه من موافقة
المتأخرين في تقييد كلام الأصحاب بما عرفت، وذكر إفراد مدخلية
الاجتماع لهما أو أحدهما، فلاحظ وتأمل جيدا كي تعرف محال النظر
ووجهه، ونسأل الله السداد والرشاد.
(و) على كل حال فقد عرفت أنه مع عدم الإجازة (لو أراد
المشتري رد الجميع كان له ذلك) لتبعض الصفقة بلا خلاف أجده فيه
بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، ووجوب البيع في خبر الصفار (1) إنما
هو بالنسبة إلى البايع، بل ظاهرهم عدم الفرق فيه بين ما يكون للاجتماع
فيه مدخل وعدمه، نعم صرح بعضهم باعتبار الجهل فيه فلو كان عالما
أن بعضه للغير الذي يحتمل وقوع الإجازة فيه وعدمه، لم يكن له

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب العقد وشروطه الحديث 1
315

خيار لاقدامه على ذلك، وستعرف إنشاء الله في فصل الخيارات دليل
ثبوت هذا الخيار، ومحله وشرطه، ومنه يعرف ما عن مجمع البرهان
من احتمال ثبوته للبايع في المقام من دعواه الجهل، أو الإذن من
المالك أو ظن أن المالك يقبل ذلك، وعن المبسوط احتماله قويا أيضا
من دون ذكر شئ من هذه القيود، بعد أن جعل الأولى عدم الخيار له
ولكن جزم ابن زهرة بعدمه له، ويؤيده وجوب البيع على البايع في
خبر الصفار، ويمكن تنزيله كعبارة الغنية على ما إذا كان عالما هذا
كله فيما لو علم إرادة البايع بيع ماله ومال غيره.
أما إذا كان بلفظ ظاهر في إرادة ماله نزل عليه، وإن احتمل
إرادته ماله ومال غير، كما لو باع مالك النصف مثلا النصف انصرف
إلى نصيبه، كما صرح به جميع من تعرض لذلك، بل عن غصب جامع
المقاصد والمسالك ارساله ارسال المسلمات، بل عن الثاني منهما نسبته
إلى الأصحاب، ولا ينافي ذلك احتمال الإشاعة في النصيبين، في جملة
من الكتب، ضرورة عدم منافاة ذلك للظاهر، كما أن صلاحية البيع
لملكه وملك غيره وكون النصف من أفراده المشاع، بل لم يجعل الشارع
صحة التصرف قرينة في المجازات والمشتركات، كما لو قال: إعطوه
حمارا ولا حمار له، وإنما له عبد بليد كذلك أيضا، على أن الظاهر
كون محل البحث في المقام تعلق العقد بنصفه إذا لم يكن قد قصد بالبيع
إلا مطلق نقل النصف من غير تعرض في قصده للمشاع أو للمختص،
لا أن محله ما علم قصده فيه، ولكن لا قرينة لتشخيص المقصود، إذ
يمكن القول فيه بأن المرجع قوله، لأنه أعلم بقصده الذي لا يعلم
إلا من قبله، ومع فرض عدمه لموت ونحوه يمكن التوقف فيما زاد على
316

الربع الذي هو محل اليقين، ويمكن دعوى التنزيل على ملكه بدعوى
أن الأصل في البايع قصد ذلك، ولو للمتعارف في الاستعمال والتبادر إلى
الفهم، حتى لو كان وكيلا أو وليا فضلا عما لم يكن له وجه إلا
الفضولية، ولأصالة اللزوم وظهور التمليك في الحقيقي المطابق للشرعي
دون الصوري، ولظاهر العرف والعادة فيه كتعليق العقد بمشترك الاسم
أو الوصف بين ماله ومال غيره، الذي لم ينصرف إلا إلى ماله في
العقود والايقاعات كالنذر واليمين والوصية ونحوها إلى غير ذلك مما
يصلح لأن يكون قرينة لتعيين المراد، بحيث لم يسمع منه لو ادعى
خلاف ذلك بعد الفراغ.
هذا كله في تعيين المقصود أما إذا لم يقصد إلا بيع النصف، فلعل
المتجه أيضا تنزيله على ملكه، لأنه القابل لتأثير العقد فيه فعلا، الذي
هو الأصل في اقتضائه وتأثيره، ولذا يحمل عليه مع الامكان كما في المقام
ونظائره، واحتمال البطلان فيه لاعتبار التشخيص في القصد ضعيف،
وعلى كل حال لا ينزل على الإشاعة بين النصيبين في أقوى الوجهين،
بخلاف الاقرار فإنه ينزل عليه قطعا في القواعد ومحكي النهاية والإيضاح،
لأن الاقرار إخبار عن ملك الغير بشئ، فلا يجب أن يكون منصرفا
إلى نصيبه لعدم المقتضى، فيقتصر فيه على المتيقن، نعم قد يقال: إنه
إذا كان بلفظ الاقرار ونحوه مما هو ظاهر التعلق بما في اليد ينزل عليه
دون غيره، مما يمكن أن يكون اقرارا وشهادة، وحينئذ فلو قال:
نصف الدار لك، أو قال: مع ذلك والصنف الآخر لي ولشريكي
وكذبه الشريك فللمقر له ثلثا ما في يده، ضرورة كون الشركة بينهما
على حسب اقراره ثلثين وثلثا، فما يحصل لهما على هذه النسبة وما
يتلف عليهما كذلك.
317

هذا لكن قد ينافيه ما ذكروه في باب الاقرار حق حكى بعضهم
نسبته إلى الأصحاب، مشعرا بالاجماع عليه من أنه لو أقر بعض الورثة
بوارث وكذبه شركاؤه أعطاه مما في يده ما زاد على نصيبه ولا يشاركه
فيه، كما لو أقر أحد الأخوين بثالث لهما وكذبه أخوه الآخر وكان
المال اثني عشر مثلا، أعطاه الاثنين مما في يده ويختص ما أخذه الآخر
به، دون المقر مع أن قضية ما سمعته هنا أن يقتسما ما في يده النصف
لأن مقتضى إقراره كونه معه على حد سواء، فيكون ما يحصل لهما
وما يتلف عليهما، كما هو قاعدة الشركة، اللهم إلا أن يكون الفارق
بين المقامين الدليل، ويقال: إن الموافق للضابطة ما في باب الاقرار
بدعوى تنزيل المنكر تنزيل الغاصب القاصد غصب خصوص حصة الشريك
المخصوص، بناء على قيامه حينئذ مقام المالك في القسمة مع الشريك
لحديث الضرار (1) والسيرة وغيرها على معنى أن المالك في هذا الحال
له إفراز ملكه عن ملك شريكه، كما كان له ذلك في المال الزكوي
ونحوه، وحينئذ فيكون ما هنا بناء على معلومية كون الحكم فيه ما
سمعت خارجا عن الضابطة، للدليل من اجماع أو غيره، أو يقال
أن المأخوذ في الأول قد كان بسبب شرعي يعم الشريكين وهو اليد،
بخلاف الثاني فإنه قد أخذ بسبب يختص الأخ المنكر وهو إقراره بأخوة
من أنكره، وذلك أمر يخص الأخ المنكر دون الآخر المقر الذي قد
اعترف الثلاثة بأخوته، ولم ينقص المال بسبب شرعي يعمه، بل كان
ذلك بأمر يخص خصوص المتخاصمين، وهو الاقرار من أحدهما بالآخر
وإنكار الآخر إياه فتأمل جيدا، فإنه دقيق وتمام الكلام يأتي في محله
إنشاء الله.

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5
318

كما أنه تقدم لك في باب الزكاة حكم من باع جملة الثمرة وفيها
عشر الصدقة وأنه بناء على تعلقها بالعين الصحة في نصيبه دون حصة
الفقراء، إلا مع الضمان بمعنى العزم على الأداء من غيرها، لأنه مخير
بين الدفع منها ومن غيرها، فيصح فيها أيضا، لكنه يبقى مراعى بالأداء
فإن أدى نفذ وإلا فسخ الساعي العقد وتبع عين المال لما سمعته فيما
تقدم، وكذا لو باع أربعين شاة مثلا وفيها الزكاة لما تقدم سابقا من
أن الشاة الواجبة فيها موزعة على مجموع النصاب، على معنى استحقاق
الفقراء في كل واحدة ربع عشرها، لا أن المراد شاة لا بعينها فيبطل
البيع في حصته أيضا مع عدم الضمان، لجهالة ثمنها بسبب جهالة شاة
الزكاة التي لم تتعين إلا بالتعيين، فتختلف قيمتها حينئذ بذلك فيجهل
حينئذ ثمن حصته، لما قدمناه سابقا من وضوح فساد ذلك، ولذا وجب
التقسيط على المراض والصحاح، وكذا لو تلف شئ من النصاب بغير
تفريط، فإنه يسقط بالحساب كما قدمنا الكلام في ذلك كله، بل وفي
بيع المال الذي فيه الخمس بناء على أنه مطلقا في العين مما لم يندرج في
إباحة المتاجر معه لنا، فلاحظ وتأمل والله أعلم.
وعلى كل حال فقد ظهر لك الحال فيما لو باع ما يملك وما لا
يملك وكان مملوكا لغيره (وكذا) لك الكلام فيما (لو باع) المسلم (ما
يملك وما لا يملكه المسلم أو لا يملكه مالك كالعبد مع الحر والشاة
مع الخنزير والخل مع الخمر) بثمن قصدا به مقابلة الجملة، فإنه يصح
فيما يملكه للعمومات (1) وفحوى ما سمعته سابقا (2) ويبطل في
الآخر لأنه كالعقود المتعددة، ولا غرر بعد علم المقابل الصوري الذي

(1) سورة المائدة؟؟ الآية 1 وسورة النساء الآية 29
(2) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب العقد وشروطه
319

هو الثمن لعدم ما يدل على اشتراط أزيد من هذه المعلومية، مضافا
إلى عدم الخلاف المعتد به بين من تعرض له، نعم قيده جماعة بما إذا
كان المشتري جاهلا بالموضوع أو الحكم، وإلا اتجه البطلان مع الجهل
بالتقسيط، ضرورة كونه المقصود حينئذ المملوك والفرض جهالة ثمنه،
ويتوجه النهي حينئذ إلى البيع باعتبار الضميمة، والنهي باعث على
الفساد، وفيه أن الغرر مدفوع بالعلم بالجملة كما عرفته في ضم المملوك
إلى مملوك غيره الذي لا فرق فيه نصا وفتوى بين رجاء الإجازة وعدمها
والنهي إنما يفيد الفساد في الجهة التي تعلق بها، لا مطلقا وفساد العقد بالنسبة
إلى بعض متعلقاته بمعنى عد ترتب الأثر عليها، لا ينافي صحته بالنسبة
إلى البعض الآخر، فيترتب عليه الأثر، ومن هنا نص في محكي التذكرة
على الصحة في صورة العلم، وإن احتمل البطلان أيضا بعد أن حكاه
عن الشافعي، بل لعله مقتضى إطلاق الأكثر خصوصا بالنسبة إلى البايع
الذي لا فرق بينه وبين المشتري في الفساد بالجهالة، وما في الروضة
من أنه يمكن جريان الاشكال في البايع مع علمه بذلك، ولا بعد في
بطلانه من طرف أحدهما دون الآخر كما ترى، ضرورة ظهور الأدلة في
اشتراط صحة العقد بعلمهما معا، على وجه يرتفع الغرر عنهما، وعلى
كل حال فظاهر الأصحاب عدم الفرق في الصحة بين حالي العلم والجهل
كما أنه لا فرق بين ما يصلح للمقابلة عند العصاة والكفار كالخمر
والخنزير ونحوهما، وبين ما لا يكون كذلك، ولكن له نظير يقابل بالثمن
كالحر، نعم في شرح الأستاذ أنه إن كانت الضميمة لا تصلح لمقابلة
الثمن شرعا ولا عرفا، بأن تكون في حكم العدم كضميمة الأوساخ وبعض
القذارات، فاشتراط الجهل فيها حيث لا تكون كضميمة الأجزاء لدفع
320

الجهل هو الوجه، قلت: قد يتجه البطلان فيها مع الجهل أيضا إذا
فرض قصد مقابلتها بالثمن أيضا، لعدم حصول العلم ولو بالتقسيط،
ضرورة عدم السبيل إلى معرفة ما يخصها منه، فبان من ذلك كله أن
الحكم هنا كالحكم في المسألة السابقة حتى في التقسيط أيضا، لاتحادهما في
المدرك، ويرجع في قيمة الخمر ونحوه عند مستحليه، ومن كان بحكمهم
من عصاة المسلمين، لا بمعنى قبول قولهم فيه، لمعلومية اشتراط العدالة
في المقوم، بل المراد ملاحظة قيمته عندهم ولو بشهادة عدلين مطلعين على
ذلك، نعم يمكن الاكتفاء باخبار جماعة منهم على وجه يحصل العلم
بكون قيمته كذلك عندهم، أو الظن الغالب الذي هو في العادة كالعلم
في ترتب نحو ذلك، أما تقويم الحر فهو يفرضه مملوكا بصفاته التي هي
فيه، ولها مدخلية بالقيمة ويلحظ التقسيط بعد ذلك على النحو الذي
عرفته، ومن ذلك يظهر لك ما في المحكي عن عميد الدين من أنه يقوم
الخمر عند مستحليه بانفراده، وتقوم الشاة عند عدول المسلمين، اللهم
إلا أن يحمل على ما قلناه، وكذا يظهر ما في المحكي عن حواشي
الشهيد قال: إن التقويم في الحر والعبد بين، وفي الباقي تفصيل، وهو
أنه إن تساوت قيمة الخل المنضم إلى الخمر والشاة المنضمة إلى الخنزير
عند الملتين قوما معا عند أهل الذمة، وإن كان الخل أرفع قيمة عند
المسلمين، فالظاهر التقويم منفردين لاشتمال الاجتماع على غبن البايع
أو امتناع التقويم لأنه إن كان عند أهل الذمة لزم الأول، وإن كان
عند المسلمين فالثاني، ولقد أجاد في جامع المقاصد حيث قال بعد
نقله، ليس لهذا الكلام الكثير محصل، لأن الأصل في التقويم اعتباره عند
المسلمين، لأن الحكم إنما هو لأهل الاسلام، فما دام يمكن ذلك وجب
المصير إليه ولا يعدل عنه إلا عند التعذر، وهو فيما يملك ممكن فتعين اعتباره
321

ولا اعتبار بالتساوي وعدمه أما ما لا يملك فلا بد من الرجوع في تقويمه
إلى من يرى له قيمة من غير المسلمين، للضرورة فيقتصر على محلها ولا
يقبل قول الكافر في التقويم لاشتراط العدالة فيه، بل يرجع في ذلك
إلى قول العدل كالذي أسلم عن كفر أو المسلم المجاور للكفار، وقول
المصنف عند مستحليه لا ينافي ذلك، لأنه ضرب القيمة فيه لا التقويم
وهو راجع إلى ما ذكر والأمر سهل.
ولكن ينبغي أن يعلم أنه قد ذكر ثاني المحققين أيضا والشهيدين
أن الرجوع بالثمن على حسب التقسيط بعد إقباضه للبايع إنما هو مع
جهل المشتري، وإلا لم يرجع به مطلقا أو مع تلف العين، على حسب
ما سمعته في المغصوب، وجعلا ذلك إشكالا على إطلاق الأصحاب، وفيه
أولا أن المراد هنا بيان كون الحكم على التقسيط بالنحو المزبور على
الاجمال، وثانيا أنه يمكن منع جريان الحكم المزبور هنا لما عرفته من
مخالفته للقواعد، فيقتصر فيه على محمل الاجماع كما أومأنا إليه سابقا،
والله أعلم هذا كله في تصرف المالك والفضولي.
(و) أما (الأب والجد للأب) وإن علا لا للأم ولو أم
الأب على الأصح الذين قد عرفت أن لهما أن يبيعا عن المالك فلا خلاف
في أنه (يمضي تصرفهما) المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة على
اختلاف القولين في مال الطفل، بل وفي غير المال (ما دام الولد)
ذكرا أو أنثى (غير رشيد) لصغر من شأنه ذلك أو سفه أو جنون
ولو متصلا بالبلوغ، لكونها وليين له في هذا الحال (و) إنما
(تنقطع ولايتهما) عنه (بثبوت البلوغ والرشد) بل الاجماع
بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة (1) وإن كان

(1) الوسائل الباب 78 و 79 من أبواب ما يكتسب به وباب 15
من أبواب عقد البيع وشروطه وباب 88 من أبواب أحكام الوصايا وغيرها
322

أكثرها أو جميعها في الأب لكن يمكن إرادة ما يشمل الجد منه هنا،
ولو للقرينة على أن في الاجماع المزبور كفاية، نعم لو حصل نقص
بعد ذلك بجنون أو سفه لم تعد ولايتهما، بل كانت للحاكم، للأصل
المعتضد باطلاق ما دل عليها بخلاف المتصلين، فإن الأصل يقضي ببقائها
وهو مع اعتضاده بما يظهر من قوله (فإن آنستم) إلى آخره (1) من
استمرار الولاية لمن كان إذا لم يستأنس، وباطلاق ما دل على ولاية
الأب مخصص أو مقيد لما دل على ولاية الحاكم الذي هو بعد الاغضاء
عما ذكرناه معارض، لما دل على ولاية الأب من وجه، ولا ريب في
أن الترجيح له، ولو للأصل والشهرة أو الاجماع، كما أن الترجيح
لما دل على ولاية الحاكم في صورة التجدد بذل أيضا، ومن ذلك يظهر
لك ما في شرح الأستاذ من أنه لو عاد النقص بالجنون عادت ولايتهما
على الأقوى، ثم قال: وفي عودها بعود نقص السفه وجهان، أقواهما
العدم، لكن ستسمع في كتاب الطلاق إنشاء الله تعالى اطلاق بعض
النص والفتوى ثبوت ولايتهما في الطلاق، ولو مع التجدد (2) نعم لو
نقص الوليان بجنون ونحوه ثم كملا عادت الولاية لتناول الاطلاقات
حينئذ، ولو كان أحدهما كافرا والولد بحكم المسلم بتبعيته لأحدهما،
فالظاهر عدم ولايته لأنها سبيل للكافر على المسلم، ولن يجعل الله له (3)
نعم لو أسلم ثبتت له الولاية ولا يعتبر فيهما العدالة، للاطلاق نعم
قد يقال باعتبار عدم العلم بخيانتهما، وإلا انعزلا والله أعلم، وربما
يأتي لذلك تتمة في محله كما أنه يأتي تمام الكلام في غيره من مباحث

(1) سورة النساء الآية 6
(2) الوسائل الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1
(3) سورة النساء الآية 141
323

المقام، وإنما المراد بيان كيفية الولاية في الجملة.
(و) كيف كان ف‍ (يجوز لهما أن يتوليا طرفي العقد) كما
يجوز لهما تولي أحد طرفيه (فيجوز أن يبيع) كل منهما (عن
ولده من غيره وعن نفسه من ولده وعن ولده من نفسه) بلا خلاف
محقق أو معتد به أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
السيرة ونصوص تقويم جاريته عليه (1) واقتراض ماله (2) وغيرهما
وإلى عمومات العقود جنسا ونوعا، وإطلاق ما دل على ولايته الشامل
لذلك، والحيثية مع المغايرة الاعتبارية كافية في تحقق الفعل والانفعال
والفاعلية والقابلية والتضايف، فلا اشكال في المقام حينئذ من هذه الجهة
حتى يحتاج في مراعاتها إلى الوكالة عنه، أو المولى عليه التي ترجع في
الحقيقة إليه أيضا، كما لا إشكال في شمول الولاية لذلك، وعدم
اختصاصها بالعقد مع الغير كما هو واضح.
(و) أما (الوكيل) ف‍ (يمضي تصرفه على الموكل ما دام الموكل
حيا جايز التصرف) بلا خلاف ولا اشكال لاطلاق ما دل على بخلاف ما لو
مات فإنه تنقطع إذنه بذلك وإن لم يبلغه الخبر إلا بعد التصرف ضرورة بطلانها
في الواقع والصحة مع العزل إذا لم يبلغه إنما هو للدليل القاضي بعدم بطلانها
بذلك حتى يبلغه الخبر (3)، فموته حينئذ كموت الوكيل مبطل لها،
ولا ينتقل حكمها إلى وارث كل منهما كما هو واضح، مضافا إلى ما
عن الغنية من الاجماع عليه، وفي المرسل (4) في الوكيل على العقد

(1) الوسائل الباب 79 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
(2) الوسائل الباب 78 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5 و 6
(3) الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب الوكالة الحديث 1 و 2
(4) الوسائل الباب 58 من أبواب المهور الحديث 16
324

ثم مات الموكل فقال: إن كان أي الوكيل أملك بعد ما توفي فليس
لها صداق ولا ميراث، وإن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق
وهي وارثة وعليها العدة) إلى آخره وكذا لو خرج الموكل عن جواز
التصرف بجنون أو إغماء في بطلان الوكالة بها، بل في المسالك أن
بطلانها بذل من كل واحد منهما موضع وفاق، بل فيها أيضا أنه لا
فرق عندنا بين طول زمان الاغماء وقصره، ولا بين الجنون المطبق
والأدوار، وكذا لا فرق بين أن يعلم الموكل بعروض المبطل وعدمه،
بل عن التذكرة الاجماع على ذلك، مضافا إلى وضوح الوجه فيه بالنسبة
إلى الوكالة وما شابهها من العقود الجايزة التي من المعلوم أن المقتضي
لصحة ما يترتب عليها من الآثار حصول الإذن الذي يصدق كون التصرف
مصاحبا لها، مع فرض عدم مثل هذه الموانع أما معه فلا ريب في عدم
الإذن المعتبرة، لكون المفروض خروجه عن القابلية، وكذا في الوكيل
الذي صحح تصرفه رضاه بايقاع متعلق الإذن، فمع فرض خروجه عن
قابلية الرضا بل والإذن له بأحدهما لم تبق وكالته.
ومن ذلك يظهر لك أن السكر ونحوه مما يزيل العقل مثلهما في
الحكم المزبور، بخلاف النوم الذي هو بسبب اعتياده صار كالسهو والنسيان
لا يبطل به شئ من العقود الجايزة، بل ولا الإباحات بشئ منها،
أما الجنون والاغماء ونحوهما مما لم يكن معتادا لنوع الانسان، فلا ريب
في البطلان بها، من غير فرق بين عروضها للأصل أو لفرعه، نعم في
المسالك ويجئ على احتمال جواز تصرفه مع رده، ومع بطلان الوكالة
بتعليقها على شرط جواز تصرفه هنا بعد زوال المانع بالإذن العالم، وفيه
بعد الإحاطة بما ذكرناه أنه يمكن الفرق بينهما بل هو واضح مع فرض
المانع في الأصيل، الذي لا ريب بارتفاع الإذن العامة تبعا لارتفاع
325

القابلية، بل والوكيل أيضا لخروجه بذلك عن قابلية الإذن له، فلم
يبق إذن عام كي يعود بخلاف ما ذكره مثالا.
ومن ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاذ أيضا قال: إن في عود
الوكالة والوصاية أي بعود الكمال وجهين مبنيين على أن العقود هل فيها
عموم للأزمان فيستثنى منها ما علم إخراجه ويبقى الباقي، أو هي متعلقة
بزمان الوقوع وينجر الحكم بالاستصحاب، فإذا انقطع استصحب انقطاعه
حتى يقوم الدليل على عوده، ظاهرهم اختيار الأخير، ونقل الاجماع
فيه، ولولاه أشكل الحكم، حيث أنهم حكموا بعود الوكالة بعد انقضاء
الاحرام المانع من مضيها في النكاح، ويجري مثله في الاعتكاف المانع
من البيع، وفيما إذا خص العزل بوقت معين، وفي الخيانة والتفريط
من غير الولي القهري، يقوى عدم العود بالتوبة ومثله ما لو وكل على
بيع مسلم أو مصحف فارتد عن ملة وتاب، أو أذن لزوجته أو عبده
أو شريكه فزالت الصفة ثم عادت، كذا لو انتقل عن المالك بعقد
لازم أو جايز في عين أو منفعة ثم عاد إليه، أو زوجت نفسها ثم عادت
خلية، أو كان وصيا لأحد الأبوين، يمضي تصرفه لنقص الآخر ثم
كمل ثم نقص، وفي الجميع بحث، والاحتياط في أموال الناس
يقضي بالعدم.
إذ لا يخفى عليك أيضا إمكان الفرق بين مفروض البحث، وبين
جميع ما ذكره مما لم ترتفع معه قابلية الإذن وإن منع العمل بمقتضاها
مانع شرعي كالاحرام والاعتكاف، وربما يأتي لذلك في محله تتمة
إنشاء الله كما أنه يأتي الكلام في باقي موانع جواز التصرف كالسفه
والفلس الذين لا ريب في عدم بطلان الوكالة بعروضهما للوكيل،
خصوصا الأخير بل والأول أيضا مع فرض عدم ظهور التوكيل من حيث
326

صفة الرشد، وعدم وقوع تصرف منه فيما وكل فيه على مقتضى السفه
في ماله، بل وكذا لا يبطلانها لو عرضا للموكل إذا لم تكن في المال
الذي قد حصل الحجز فيه عليه، فتأمل، وحينئذ فمراد المتن بجواز
التصرف خصوص الجنون والاغماء كما هو ظاهر القواعد وغيرها
والله أعلم.
(و) كيف كان ف‍ (هل يجوز له) أي للوكيل من حيث كونه
وكيلا مع قطع النظر عن عبارات التوكيل المقتضية، ولو بالقرائن
الحالية أو المقالية ذلك أو عدمه (أن يتولى طرفي العقد قيل) والقائل
أبو الصلاح والفاضل في جملة من كتبه وولده في الإيضاح والشهيد في
حواشيه واللمعة على ما حكي عن بعضهم (نعم) له ذلك، سواء أعلم
الموكل بذلك أو لا (وقيل) والقائل أبو علي والشيخ في النهاية والخلاف
وموضع من المبسوط وابن إدريس في السرائر على ما حكي عن بعضها
(لا) يجوز له ذلك وإن أعلمه، بل عن غاية المراد نسبته إلى كثير
من أصحابنا وإن كنا لم نتحققه (وقيل) والقائل جماعة (إن أعلم
الموكل جاز) وإلا لم يجز، بل ربما نسب إلى ظاهر أكثر المتأخرين
بل عن التذكرة أنه المشهور (وهو الأشبه) عند المصنف بأصول المذهب
وقواعده المقتضية عدم نقل المال مثلا عن مالكه وحينئذ (فإن
أوقع قبل إعلامه وقف على الإجازة) لعدم تناول التوكيل له، بل
لعله ظاهر في البيع من غيره، ولقول الصادق عليه السلام في الصحيح
أو الحسن (1) (إذا قال: لك الرجل اشتر لي فلا تعطه من عندك
وإن كان الذي عندك خيرا منه) وموثق إسحاق بن عمار (2) (سألت

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب آداب التجارة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب آداب التجارة الحديث 2
327

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له ابتع لي
ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده ما يجد له في السوق فيعطيه من
عنده، فقال: لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه، إن الله عز وجل يقول (1)
(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها
وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا) وإن كان ما عنده خيرا مما يجد
له في السوق فلا يعطيه من عنده) والرضوي (2) وإذا سألك رجل
شراء ثوب فلا تعطه من عندك ولو كان الذي عندك أجود مما عند غيرك
مضافا إلى ما سمعته من النص وغيره في مسألة دفع المال لشخص
ليصرفه في محاويج وكان منهم (3) إلا أن الجميع كما ترى، خصوصا بعد
الإحاطة بما قدمناه في مسألة الأمر بتفريق المال فإن منه يظهر عدم
اقتضاء نفس الوكالة إخراج هذا الفرد من مسمى متعلقها بعد تناوله له
لكونه بيعا وشراء مثلا قطعا، بل هو المفروض، والوكالة التي هي ليست
إلا استنابة في التصرف لا تقتضي إرادة غير هذا الفرد، ولا تصلح
للتقييد ولا للتخصيص.
نعم ربما ينساق إلى الذهن غيره لكنه ليس انسياقا على وجه لا يراد
الفرد الآخر، بل هو من انسياق أفراد المشكك أو شبهه مما لا يقتضي
الاختصاص، كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه في انتقاد أفراد
الظهور، والصحيح المزبور بعد تسليم صحته مع أنه في خصوص عبارة
اشتر لي، فهو أخص من المدعى، بل ربما التزم ما فيه في خصوص ذلك

(1) سورة الأحزاب الآية 72
(2) المستدرك ج 2 ص 464
(3) الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3
328

لظهوره في إرادة الشراء من غيره، أو لعدم ظهوره في الأعم منه والنفس
فيبقى على الأصل محتمل لإرادة الإرشاد من النهي فيه باعتبار تطرق
التهمة إلى ذلك، كما أومي إليه في موثق إسحاق بقوله لا يدنس نفسه
خصوصا بعد عدم الطمأنينة من النفس الأمارة بالسوء التي قد تدلس
على الحس فتراه الشئ حسنا ومصلحة وليس كذلك، وخصوصا بعد
شدة التأكيد في الكتاب والسنة في أمر الأمانة، وأنه ينبغي كمال الاحتياط
في التجنب عما يشبه خيانتها، كما أومي إليه أيضا في موثق إسحاق
المزبور، والرضوي محتمل أيضا لما عرفت، مع أنا لم نتحقق نسبته،
والخبر في الأمر بتفريق المال معارض بالخبر الآخر فيه (1) الدال على
الجواز، المعتضد بما سمعته سابقا وتسمعه أيضا مما ورد في أن
للموصي أن يحج عمن أوصاه (2) مع أن الوصي وكيل في المعنى، بل
لا يتصور فرق بينهما بالنسبة إلى العبارة، بل قد يؤيده أيضا في الجملة.
ما سمعته في الولي الاجباري.
ومن ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاذ من الاستدلال بالانصراف
إلى المغايرة الحقيقة لأنها الفرد الشايع، وبأن غرض الموكل مماكسته
الوكيل، مع أن الشرع حاكم بها عليه، وهي ممتنعة من الوكلاء بعيدة
مع النفس الأمارة عادة، والحاصل أن المتكلم والمخاطب لا يدخلان في
متعلق الخطاب إلا مع القرينة، ولا يرد الولي لخروجه بالاجماع، وفي
الشك في الدخول تحت الاطلاق كفاية، فلا يسوغ ذلك إذ قد عرفت
عدم الشيوع على وجه يقتضي الاقتصار عليه، والمماكسة المحكوم بها
من الشرع إنما تراد لمصلحة الزيادة والنقصان التي قد تفرض في هذا

(1) الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب النيابة في الحج الحديث 4
329

الفرد، خصوصا بعد استعمالها في غيره مما هو أدنى منه، والفرض
القطع بالمساواة للغير أو كونه أصلح، ولو بأعراضه على الغير تخلصا
من السوء الذي تأمر به النفس، وقد عرفت أن محل البحث في اقتضاء
الوكالة المغايرة وعدمه، فلا مدخلية لمسألة اندراج المتكلم والمخاطب
في متعلق الخطاب لو سلمت له، ودعوى الشكل ممنوعة، والاجماع على
الجواز في الولي لا ينافي الاستدلال بفحواه.
وقد ظهر بذلك أن القول الأول هو الأقوى، ضرورة أنه مما ذكرنا
ظهر لك ضعف القول الثاني، الذي لا مستند له يختص به فضلا عن
الثالث في صورة الاعلام إلا اشتراط تعدد الموجب والقابل، وأنه لا تكفي
الحيثية والمغايرة الاعتبارية، للشك في إرادة ما يشمل ذلك من العقد
أو لظهوره باعتبار ما سمعت في المتعدد، خصوصا بعد موثق عمار (1)
(سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة تكون في أهل بيت وتكره
أن يعلم بها أهل بيتها أيحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها تقول
له وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال: لا قلت جعلت فداك وإن كانت
آيسا؟ قال: وإن كانت آيسا، قلت: له فإن وكلت غيره يزوجها؟
قال: نعم) بناء على أن المنع فيه ليس إلا لتولي الطرفين، ولأن شرط
اللزوم التفرق وهو لا يحصل بين الشئ ونفسه، وفي الجميع ما عرفت
من منع عدم تناول العقود له جنسا ونوعا، بل هو من أفرادها الشايعة التي
جرت عادة الناس عليها، كما يومي إليه ما سمعته في الأب والجد (2)
مضافا إلى شهرة القول به نقلا وتحصيلا، بل الاجماع المنقول ظاهرا

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث
(2) الوسائل الباب 78 و 79 من أبواب ما يكتسب به وباب 6 من
أبواب عقد النكاح وأولياء العقد
330

عليه، والموثق المزبور مع أنه في التزويج وقاصر عن معارضة غيره من
وجوه يمكن منع كون الداعي فيه ذلك إذ لعل الداعي فيه وصمة
التواطي والمواعدة سرا ونحوهما، مما هو منبع الفتن ومثارها، باعتبار
تعلقه في الأعراض التي لا ترضى النفوس بأمثال ذلك فيها، وعدم
حصول اللزوم لعدم حصول شرطه لا يقتضي عدم الصحة، مع أنه
يمكن أن يقال به لأصالة اللزوم بعد تخصيص ما دل على الجواز مع
عدم التفرق بالمتعدد، مضافا إلى ما عن الخلاف من الجواب عنه باللزوم
من دون تفرق، بل بأن يقول بعد العقد أجزت هذا البيع وأمضيته
أو بأن يقوم من مقامه فيكون بمنزلة افتراق المتبايعين، وعلى كل حال
فلا ريب في ضعف القول المزبور أيضا وإن كان هو أحوط، إلا أن
الأول أقوى منه ومن القول الآخر، دونه في القوة الثالث، والله أعلم
(و) أما (الوصي) الذي هو أحد الأوليا ف‍ (لا يمضي
تصرفه إلا بعد الوفاة) ضرورة اشتراط ولايته بذلك كاشتراط ولايته
على الصغير والمجنون والسفيه المتصل جنونهما وسفههما به بعدم الأب
والجد وإن كان هو وصيا لأحدهما (و) في المتن وغيره أن (التردد
في تولية طرفي العقد كالوكيل) الذي قد عرفت البحث فيه، بل هو
أولى منه باعتبار كونه وليا، وما ورد من أن له أن يحج عن الموصى
في صورة (1) ومن هنا ربما قيل بجوازه للوصي دون الوكيل وهو الذي
أشار إليه المصنف بلفظ القيل وكذلك الحكم في غيره من الأولياء حتى
المحتسبين لوجود المقتضي وعدم المانع، مضافا إلى ما ورد من أن
علي بن الحسين عليه السلام كان يقترض من مال أطفال كانت تحت يده (2)

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب النيابة في الحج الحديث 41
(2) الوسائل الباب 76 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10
331

بل لعلهم أولى من الوصي بذلك لبعدهم عن الوكالة، بخلاف الوصاية
وإن كان الأقوى فيه أيضا ذلك من غير فرق بين الاعلام وغيره.
(و) حينئذ ففي محله ما (قيل) من أنه (يجوز) للوصي
(أن يقوم على نفسه) بأن يدخله في ملكه بالقيمة ببيع أو صلح أو
نحوهما متوليا هو للايجاب والقبول (وأن يقترض إذا كان مليا)
ووضع مع ذلك رهنا، وأشهد أو اقتصر عليهما لعدم الفائدة في الملائه
بعد فرض الرهانة، أو الضامن الوفي الملي على اختلاف كلماتهم فيما
يأتي، وعلى كل حال إنما للوصي ذلك، مع فرض حصول المصلحة
للموصى عليه بذلك، لأنها شرط جواز تصرف من له الولاية كما
صرح به الفاضل في القواعد، بل في مفتاح الكرامة وشرح الأستاذ أن
ظاهرهم الاجماع، وإن كان فيه ما فيه، خصوصا بالنسبة إلى الأبوين
فإن النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما، والمعاملة وتقويم
الجارية ونحو ذلك من غير اعتبارها (1)، ولذلك اكتفى الأستاذ في شرحه
فيهما بعدم المفسدة، بل قال: وكذا مطلق الأولياء في الاقتراض مع
الملأة، ولعله لما دل على الاقتراض في الوصي وغيره، الظاهر في عدم
المصلحة بذلك، اللهم إلا أن تكون أخروية أو يخشى عليه من التلف
مع بقاء العين أو نحو ذلك مما يوافق قوله تعالى (2) (ولا تقربوا مال
اليتيم إلا بالتي هي أحسن) وغيره مما يدل على ذلك، نعم قد يفهم
في خصوص الأبوين التوسعة لهما مع أن الأحوط فيهما وفي غيرهما
مراعاة المصلحة، كما اعترف به الأستاذ في شرحه حيث أنه بعد أن

(1) سورة الأنعام الآية 152
(2) الوسائل الباب 78 وباب 79 من أبواب ما يكتسب به
332

ذكر الاكتفاء بعدم المفسدة، قال: والاقتصار على ما ذكره الفقهاء
وتنزيل الروايات أوفق في النظر، وأسلم من الخطر، وتمام التحقيق
في هذه المسائل مضى شطر منه، ويأتي الباقي في محله.
(وأما الحاكم وأمينه) منصوبا خاصا أو عاما بأن يكون مجتهدا
مطلقا مع فقدهما، بل في شرح الأستاذ أو عدلا محتسبا مع فقدهم أو
وكيلا لأحدهم أو فاسقا مع تعذر العدل، (فلا يليان إلا على
المحجور عليه لصغر) ولا ولي له من أب أو جد أو وصي (أو
سفه) أو جنون كذلك كما لو كان متجددا بعد البلوغ (أو فلس)
كذلك أيضا بمعنى أنه فلس غير مولى عليه وإلا كانت الولاية في ماله
لوليه أيضا، كما عن حواشي الشهيد التصريح به قال: إن الصغير
المفلس أمره إلى الأب، لأن قيد الفلس يلغى وكان مراده بلغوه كونه
محجورا عليه بدونه، وفيه أنه يمكن أن تكون ثمرته منع وليه التصرف
في غير قضاء ديونه، واحتمال منع وليه التصرف مطلقا فتنتقل الولاية
حينئذ للحاكم يبعده إطلاق الولاية نصا وفتوى، اللهم إلا أن يدعي
انسياق غير ذلك منه، ولكن قد يعارض بانسياق غيره أيضا من المفلس
الذي وليه الحاكم، فينقدح الشك حينئذ في اندراجه في كل منهما
ولعل الرجوع حينئذ إلى استصحاب الولاية أولى من دعوى اندراجه في
عموم ولاية الحاكم الذي مرجعه إلى أصالة ولايته.
وعلى كل حال فهما لا يليان إلا على ما عرفت، (أو) على
(حكم على غائب) غيبة يحصل بانتظارها بعض المضار، فيبيعان ماله
في نفقة مثلا، أو لحفظه أو لنحو ذلك، وكذا لا يليان السكران
والمغمى عليه والأمور العامة المتعلقة بالزكوات والأخماس ونحوها،
وفي شرح الأستاذ أنهما يليان أيضا كل ممتنع أو عاجز عن عقد أو إيقاع
333

أو تسليم حق مخلوقي، وفي الحقوق الإلهية كالنذر والعهد واليمين وجه
ثم قال: ومع التعذر يقوم عدول المسلمين مقامها، ومع تعذرهم يجب
على المسلمين المكلفين مطلقا القيام به كفاية لدفع الضرر، ولأنه من
المصالح العامة، قلت: بل لا يمكن استقصاء أفراد ولاية الحاكم وأمينه
لأن التحقيق عمومها في كل ما احتيج فيه إلى ولاية في مال أو غيره،
إذ هو ولي من لا ولي له، ولهما تولية طرفي العقد في الاقتراض وغيره
من التصرفات التي فيها المصلحة أو لا مفسدة فيها، ولتفصيل الحال
فيها بل وفي غيرها من الولايات مقام آخر.
(و) كيف كان فمن الشروط المتعلقة بالمتعاقدين أيضا (أن
يكون المشتري مسلما إذا ابتاع عبدا مسلما) على المشهور بين الأصحاب
نقلا وتحصيلا، بل عن الغنية الاجماع عليه، بل لم أتحقق الخلاف
فيه صريحا، وإن أرسله المصنف تبعا للمحكي عن المبسوط بقوله (وقيل
يجوز ولو كان كافرا و) لكن (يجبر على بيعه من مسلم) وعلى
كل حال (فالأول أشبه) للأصل السالم عن معارضة العمومات بعد
اختصاصها في غيره، بالاجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة وفحوى
خبر حماد (1) المنجبر بهما (إن أمير المؤمنين عليه السلام أتي بعبد
أسلم فقال: اذهبوا فبيعوه على المسلمين وادفعوا ثمنه إلى صاحبه ولا
تقروه عنده) وما دل على اعزاز المسلم وتعظيمه وعدم إهانته (وأن
الاسلام يعلو ولا يعلى عليه) (2) ونحو ذلك مما أشير إليه بقوله تعالى

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب موانع الإرث الحديث 11
334

(ولن يجعل الله للكافرين على المسلمين سبيلا) (1) الذي هو معظم
عمدة دليل الأصحاب على ذلك، باعتبار اقتضاء البيع تمليكا للكافر وهو
سبيل، وقد نفى الله تعالى شأنه السبيل له عليه، وهو وإن كان بينه
وبين ما دل على مشروعيته البيع مثلا العموم من وجه، إلا أنه لا ريب
في رجحانه عليه بما عرفت، فيتجه حينئذ تخصيصه به.
واحتمال الجمع بينهما بصحة البيع ولكن يجبر على بيعه، بل
لعل مثل هذا التمليك الذي يجبر مالكه على رفعه عنه ولا يقر عنده
ويفرق بينه وبينه ليس سبيلا، ولذا اكتفى به في رفع السبيل في
استدامة الملك كما لو أسلم العبد في يده أو حصوله بالإرث يدفعه
أولا منع عدم صدق السبيل عليه بذلك بعد ثبوت الملك الذي هو بمعنى
السلطنة على المملوك، على أنه قد لا يتمكن من الجبر على البيع، وربما
لم يحصل راغب في شرائه أو يمنع مانع. وثانيا منع صحة مثل هذا
البيع الذي لم يترتب عليه سوى اسم الملك من دون ترتب أكثر لوازمه
مع أن معناه نقل سلطنة البايع للمشتري فشراؤه حينئذ أشبه بشراء
ما لا منفعة له فيه، ونحوه مما يكون كالسفه أو مناف لمعظم المقصود بالبيع
وبذلك افترق عن الملك المستدام الذي كان مقتضى الاستصحاب بقاؤه
والموروث الذي أدلته في غاية القوة، ولم يعتبر فيهما ما يعتبر في
المعاملات الاختيارية، من كونها جارية مجرى أفعال العقلاء ومقاصدهم
على وجه لا تعد سفها، ولذا لم يجز بيع ما لا منفعة فيه وما حرمت
منافعه الغالبة ونحو ذلك، إلا أنه باعتبار عموم نفي السبيل عنه الشامل
لذلك، مضافا إلى خبر حماد لم يكن مناص حينئذ في رفع السبيل عنه
فيه، إلا بالجبر على بيعه مع وجود الراغب، والحيلولة بينه وبينه مع

(1) سورة النساء الآية 141
335

عدمه، كما صرح به بعضهم بل عن جامع المقاصد الاجماع، وقد سمعت
النهي عن الاقرار في يده في الخبر المزبور، كل ذلك مراعاة للجميع
بين الحقين والدليلين.
وبذلك ونحوه اتضح الفرق بينهما كما يومي إليه في الجملة ثبوت
الملك بهما للمحرم في الصيد دون الابتداء كما أنه اتضح وجه الاستدلال
بالآية المزبورة في المقام، والمناقشة فيها بأن المراد من السبيل فيها الحجة
كما ورد في تفسيرها (1) لما قيل له عليه السلام عن بعض الناس أنهم
يقولون أن الحسين عليه من الله السلام لم يقتل وإنما شبه لهم، محتجا
بهذه الآية كذبوا وقد كذبوا رسول الله صلى الله عليه وآله حيث أخبر
بقتله، إلى أن قال: وأن معنى الآية لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة
ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيين بغير حق، ومع قتلهم إياهم
لم يجعل لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة) فلا يتم حينئذ
الاستدلال بها على أنه لو أريد منه ما يدعونه من الملك والدخول تحت
الأمر، لانتقض؟؟ في ذلك بما أوجبه الله تعالى على أئمة العدل من
الانقياد إلى أئمة الجور وربما أوقعوه بالأنبياء والأئمة صلوات الله
وسلامه عليهم من القتل، فضلا عن غيره يدفعها، صحة الاستدلال بها
على هذا التقدير، ضرورة كون الدخول في الملك أعظم حجة له عليه و
وجوب الانقياد المزبور دفعا لظلمهم ليس سبيلا من الله لهم عليهم،
كالتسلط على قتلهم وعلى ما فعلوه بهم كما هو واضح.
نعم لو قيل بكون المراد من الآية لن يجعل الله لليهود على المؤمنين
نصرا ولا ظهورا كما عن بعضهم أو أن المراد منها أنه لا حجة في

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 203 الطبع الحديث
336

الآخرة للكافر على المسلم، كما يومي إليه قوله تعالى (1) (الله يحكم بينهم
يوم القيامة) أمكن بطلان الاستدلال بها حينئذ، على أنه قد يقال
بامكان الاستدلال بها على التقدير الثاني أيضا، اللهم إلا أن يراد نفي
الحجة من حيث الاسلام والكفر، وعلى كل حال فهذه الاحتمالات لا
تمنع الاستدلال بالظاهر، مضافا إلى ما عرفت من عدم انحصار الاستدلال
بها على عدم جواز ادخاله في ملكه اختيارا، نعم قد صرح الشهيدان
وغيرهما باختصاص ذلك فيه، أما دخوله بالإرث من كافر أو بقاؤه
على الملك، كما لو أسلم وهو في يده فلا، للأصل في الثاني وقوة دليل
الإرث في الأول، مضافا إلى ما عن جامع المقاصد من الاجماع عليه
في الأول، وظاهر نفي الخلاف فيه في الثاني عن التذكرة، ولكن يجبر
على بيعه من الراغب، ومع عدمه يحال بينه وبينه إلى أن يوجد،
لعموم نفي السبيل الذي لا منافاة بين تخصيصه بالابتداء، ووجوب
إزالته عنه، لعدم التمليك بسبب من الأسباب الاختيارية، ولفحوى
خبر حماد المزبور (2) ولغير ذلك مما يقتضي الحكم المذكور، وإن كان كسبه
له في هذه المدة أي إلى أن يباع، لكونه مملوكا له فيها ونفقته عليه،
وربما احتمل عدم الملك له أيضا فيها، وإنما له تعلق بأخذ ثمنه خاصة
لكنه كما ترى هذا.
والمراد بالمسلم من وصف بالسلام وهو الاقرار بالشهادتين ولم يصدر
منه ما يقتضي الكفر، ويلحق به من هو في حكمه ممن ستعرف، لكن
في المسالك يمكن أن يراد به من حكم باسلامه ظاهرا، لأن ذلك هو
المتبادر فيدخل فرق المسلمين المحكوم بكفرهم كالخوارج والنواصب لعنهم
الله، وفيه أن المحكوم بكفره داخل في الكفار، فتجري عليه أحكامهم

(1) سورة البقرة الآية 113
(2) الوسائل الباب 28 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
337

من النجاسة وغيرها، ودعوى كون ذلك من الأحكام الخفية واضحة المنع
ثم إن ظاهر النص كتابا وسنة عدم اعتبار الايمان بالمعنى الأخص
في تملك المؤمن كذلك، لكن في شرح الأستاذ بعد الاعتراف بذلك أنه
لا يبعد اشتراطه في الإماء، لظاهر بعض النصوص، ولعله أشار بذلك إلى
ما في النكاح من عدم جواز تزويج المخالف المؤمنة مخافة على دينها فلا
يكون كفوا لها (1) ولكنه كما ترى، لا يصلح بمجرد ذلك للخروج
عن مقتضى العمومات جنسا ونوعا، وإن كان الاحتياط مع امكانه لا
ينبغي تركه، هذا.
وقد ألحق الفاضل ومن تأخر عنه بالعبد المسلم المصحف وهو
ظاهر المصنف في كتاب الجهاد بل في المسالك والروضة التصريح بذلك
في أبعاضه أيضا، بل في شرح الأستاذ أنه يقوى لحقوق الاضطرار
والاستدامة هنا، كما أن فيه الجزم أيضا بعدم الفرق بين الجملة والأبعاض
المنفصلة والمتصلة مما لا يغلب عليه اسمه وفي الغالب إشكال، وبين
منسوخ الحكم وعدمه، نعم في منسوخ التلاوة بحث، وفيه أيضا أن في
الحاق المكتوب بخط العربي أو بالحفر أو الرقم أو البصم أو بالعكس
أو الحروف المقطعة أو فرج البياض ونحوها قوة، بل ربما حكي عن
ثاني المحققين أن كتب الحديث والفقه في حكم المصحف، لكن عن
الفاضل أن في كتب الحديث النبوية وجهين، بل عن فخر الاسلام جواز
بيع الأحاديث النبوية على الكافر، وفي المتن في كتاب الجهاد بعد أن
حكى القول بالجواز على كراهة، قال: وهو أشبه، وفيه أنه مناف
للدليل المشترك بين الجميع، وهو وجوب التعظيم وحرمة الإهانة وأن

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه
الحدث 3 و 4 و 5
338

ملك الكافر للمحترم مناف لذلك كما يومي إليه ما تقدم من عدم تملكه
للعبد المسلم الذي ما نحن فيه أولى منه من وجوه، بل الإهانة للمصحف
مثلا إهانة لنفس الاسلام.
ومن هنا قال في شرح الأستاذ: أنه يقوى إلحاق كتب الحديث
والتفسير والمزارات والخطب والمواعظ والدعوات والتربة الحسينية وتراب
الضرايح المقدسة ورضاض الصناديق الشريفة وثوب الكعبة، بل قال:
وأما بيع الأرض الشريفة وما يصنع منها من آجر أو خزف وبيع
الآلات والقرطاس من الكتب المحترمة بعد ذهاب الصورة ففيه وجهان
بل قال: وفي نفوذ العقد في الآلات أي لو بيع المصحف وثبوت خيار
التبعيض كما لو بيع القرآن مع غيره وجهان، أقواهما العدم، نعم قد
استثنى من حرمة البيع ونحوه ما لو اشترط الوقف على مسلم أو التملك
له بمجرد الشرط أو بصيغة متصلة على نحو ما مر أو أقر بالوقف على
المسلمين أو الملك لهم أو كان مرتدا فطريا وجوزنا معاملته، وكان
الوارث مسلما، ولعله لفحوى ما سمعته في شراه الكافر من ينعتق
عليه، ومن يشترط عتقه عليه من عدم منافاة مثل ذلك للتعظيم، وعدم
اقتضائه الإهانة.
بل قد يتخرج مما سمعته في بيع العبد المؤمن على المخالف نحوه
بالنسبة إلى بيع ما يختص بالمؤمنين مما هو محترم من حيث الايمان
كالتربة الحسينية، وكتب فقه الإمامية وحديثهم ونحو ذلك على المخالفين
كما أنه قد يتخرج على ما سمعته من تبعية قرطاس المصحف وجلده
وغيرهما من الآلات في الاحترام خروج قرطاس الكافر عن ملكه لو
كتب عليه قرآن، وكذا مداده لو كتب به ولو على وجه الغصب، لحصول
وصف الاحترام له فيمنع عن استدامة ملك الكافر له إلا أنه كما ترى
339

لا يخلو من بحث بل لا يخلو أصل المسألة من ذلك أيضا، لإمكان
منع منافاة ملكية الكافر للاحترام، خصوصا إذا اتخذه هو على جهة
التبجيل والتبرك والاحترام، كما يصنعه بعض النصارى في تراب
الحسين عليه السلام عند الطوفان، وخصوصا في استدامة الملك والسبب
القهري كالإرث ونحوه، هذا كله في المتخذ للاحترام وما علم من شريعة
الاسلام وجوب التبجيل له والاعظام، أما ما كان له شرف ولكن لم
يكن متخذا لذلك عند المسلمين، كأراضي النجف وكربلا وغيرها من
الأماكن التي شرفت بمجاورة قبورهم عليهم السلام، فيقوى جواز دخولها
في ملك الكافر، لاطلاق الأدلة، وعدم كون الشرف فيها على وجه يمنع
من ذلك، من غير فرق بين الآجر والخزف وغيرهما، فتأمل جيدا،
والله أعلم.
(و) على كل حال ف‍ (لو ابتاع) الكافر (أباه المسلم هل
يصح فيه تردد) بل وخلاف فعن المبسوط وابن البراج لا يصح، بل
هو مقتضى المحكي عن الخلاف فيما لو قال الكافر للمسلم أعتق عبدك
المسلم عن كفارتي كما أنه أحد وجهي الشافعية، (والأشبه) عند
المصنف ومحكي المقنعة والنهاية والسرائر وكافة المتأخرين (الجواز لانتفاء
السبيل بالعتق) بل عن السرائر أنه مجمع عليه، وهو الحجة بعد
العموم جنسا ونوعا (1)، السالم عن معارضة الآية (2) بعد أن كان الحكم
الانعتاق قهرا وإن قلنا باستلزامه الملك الضمني الذي هو مقارن للعتق
زمانا متقدما عليه ذاتا كتقدم العلة على المعلول، لعدم اندراجه في
السبيل المنفي، ومن ذلك يعرف حينئذ عموم الحكم لكل من ينعتق
عليه قهرا من غير فرق بين الأب وغيره، ولو كانوا من رضاع بناء على

(1) سورة المائدة الآية 1 سورة النساء الآية 29
(2) سورة النساء الآية 141
340

كونهم كالنسب في ذلك، بل في التذكرة وغيرها تسرية الحكم إلى كل
شراء يستعقب العتق، كما لو قال: لمسلم أعتق عبدك المسلم عني،
أو اشتر من أقر بحريته وهو كذلك، بناء على أن المدرك للحكم المزبور
ما عرفت، بل الظاهر كون الحكم كذلك في مشروط العتق على وجه
يحصل بمجرد القبول بناء على صحة اشتراط نحو ذلك.
بل ربما ظهر من الشهيدين إلحاق مشروطه على معنى أن يعتقه
بعد العقد، فإن وفى، وإلا أجبر على قول، أو فسخ البايع العقد على
القول الآخر، لكن في محكي نهاية الإحكام أنه كما اشتراه مطلقا، لأن
العتق لم يحصل عقيب الشراء، وفيه أن ذلك لا ينافي نفي السبيل الظاهر
في السلطنة عليه، كغيره من الأملاك كما لا ينافي استدامة الملك، بل
والملك بالإرث بعد أن كان الحكم فيه الجبر على بيعه أو عتقه، والتفريق
وبينه وبينه، والظاهر أن بحكم المسلم ولده وإن بلغ مجنونا، كما أن
بحكم الكافر ولده كذلك للتبعية، فلا يباع حينئذ ولد العبد المسلم
للكافر ولا لولده ويجبر على بيعه منهما باسلام أبيه أو جده أو غيرهما
ممن يتبعه في الاسلام كالأم، من غير فرق بين كونهما حرين أو عبدين
للمالك أو غيره، لكن في القواعد وهل يباع الطفل باسلام أبيه الحر
أو العبد لغير مالكه إشكال، وإسلام الجد أقوى إشكالا، وكأنه للاشكال
في التبعية، خصوصا في الجد وخصوصا مع بقاء الأب على الكفر، فيبقى
حينئذ ما دل على بقاء الملك بحاله، ويضعف بأن دليلها شامل لذلك
بل لعله من أظهر أفرادها، بل لعل قوله: (كل مولود يولد
على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) (1) كاف في
ذلك بناء على إرادة التبعية في اليهودية من قوله يهودانه، ضرورة ظهوره

(1) البحار ج 3 ص 281 الطبع الحديث
341

حينئذ في أن الولد على الاسلام لولا التبعية المقتضية للكفر، فمع
انتفائها باسلام الأب مثلا يبقى عليه حينئذ فضلا عما دل على التبعية
فيه أيضا من قوله تعالى (وألحقنا بهم ذرياتهم) (1) وغيره كمرسل
الصدوق (2) (قال: علي عليه السلام إذا أسلم الأب جر الولد إلى
الاسلام فمن أدرك من ولده دعي إلى الاسلام فإن أبي قتل) وقوة
الاشكال في الجد بدفعها معلومية التبعية للأشرف المتحقق فيه في الفرض
وإن كان هو أبعد من الأب رتبة كما هو واضح، بل قد يقال بالحاق
اسلام السابي باسلام أحدهما، فيقهر على بيعه حينئذ لو ارتد، لما دل على
التبعية في الاسلام به، فظهر حينئذ من ذلك التبعية في الاسلام والكفر فيمن
عرفت، فيجري عليه حكمها، نعم لا يجري حكم الاسلام في المعذور.
لفسحة النظر أو لبعده عن محل المعرفة والله أعلم.
ولو أسلمت أم ولده بيعت عليه أيضا وفاقا للمحكي عن المبسوط
وابن إدريس والشهيدين بل في الأول لا تعتق عليه وتباع عليه عندنا
ترجيحا لما دل على ذلك من إطلاق النص المعتضد بنفي السبيل، وبظاهر
الاجماع في محكي المبسوط وما دل على احترام المسلم وتعظيمه، بل قد
يشعر نفي السبيل عليه، بأن ذلك كالعقلي لا يقبل التخصيص، وعلى
ما دل على منع بيع أمهات الأولاد. الذي يمكن دعوى ظهوره في غير
المقام، مضافا إلى عروض التخصيص له في أفراده الظاهرة، بخلاف دليل
المقام، خلافا لما يحكى عن بعض العامة من أنها لا تقر في يده ولا
يمكن من وطئها واستخدامها، وتكون عند امرأة مسلمة، ويؤمر بالانفاق
عليها ما دام ولدها باقيا، فإذا مات ولدها قومت عليه وأعطي ثمنها

(1) سورة الطور الآية 21
(2) الوسائل الباب 70 من أبواب كتاب العتق الحديث 1
342

وإن مات هو قومت على ولدها وأعطي ثمنها.
وإن اختاره الشيخ منا في محكي خلافه مستدلا عليه باجماع
الفرقة على أن المملوك إذا أسلم في يد كافر قوم عليه، وهذه قد ولدت
فلا يمكن تقويمها ما دام ولدها باقيا، فأخرنا تقويمها إلى موت أحدهما
لكنه كما ترى، ترجيح لما دل على النهي عن بيع أمهات الأولاد على
ما هنا، وقد عرفت أن الأمر بالعكس والايضاح من وجوب دفع
القيمة من الزكاة أو من بيت المال ومع عدمهما يجب عتقها والمختلف
من أنها تستسعى، جمعا بين عموم النهي عن بيع أمهات الأولاد وبقاء
السبيل وفي القواعد ولو أسلمت أم ولده لم يجبر على العتق، لأنه
تخسير وفي البيع نظر فإن منعناه استكسبت في يد الغير ولا يخفى
عليك ما في الجميع، عدا احتمال فكها على وجه تكون به حرة، مع
وصول ثمنها لمولاها جمعا بين الحقوق؟؟ أجمع، وستسمع انشاء الله بعض الكلام
في ذلك في بحث أم الولد والله أعلم، هذا كله في شرايط البيع
المتعلقة بالمتعاقدين.
(ومنها ما يتعلق بالمبيع وقد ذكرنا بعضها في الباب الأول)
كالطهارة في غير ما استثنى وغيرها مما سمعته في شرايط التكسب الشامل
للبيع وغيره (ونزيدها هنا شروطا) أخر (الأول أن يكون مملوكا)
بلا خلاف بل الاجماع بقسميه عليه والنصوص واضحة الدلالة عليه
بل في المرسل لا بيع إلا في ملك (1) (فلا يصح) حينئذ (بيع
الحر) الذي هو مقابل للمملوك (وما لا منفعة) معتدا بها غالبا
(فيه كالخنافس والعقارب والديدان) وغيرها من الحشرات (والفضلات
المنفصلة عن الانسان كشعره وظفره ورطوباته عدا اللبن) لعدم

(1) المستدرك ج 2 ص 465
343

صلاحيتها للتملك، باعتبار عدم المنفعة المعتد بها غالبا فيها، حتى تندرج
بذلك في الأموال وتشملها أدلة الحيازة وغيرها، فلا تدخل حينئذ في
ملك أحد بحال، بخلاف اللبن الذي يعظم الانتفاع به، نعم قد يلحق
به شعر النساء والرجال ليوضع موضع القرامل، والخصي للدواء كما
احتمله بعض مشائخنا، وأما ما لا نفع فيه فلا إشكال في عدم ملكيته
وعدم ماليته لما عرفت، مضافا إلى ما في شرح الأستاذ من الاستدلال
على ذلك بما يفهم من الأخبار وكلام الأصحاب، بل ظاهر الكتاب (1)
من أن جميع المعاملات وغيرها إنما شرعت لمصالح الناس وفوائدهم
الدنيوية والأخروية مما تسمى مصلحة وفائدة عرفا، على أن الشك في
دليل الصحة قاض بالفساد، مضافا إلى الاجماع والأخبار عامة وخاصة
لكن قال: في مقام آخر أيضا أن المراتب تختلف، فمنه ما لا
يعقل فيه ملك، ومنه ما لا يعقل فيه سوى التمليك المجاني، فإن
المدار على رفع السفه، وتختلف أحواله باختلاف محاله، وفي المصابيح
الظاهر في هذه الأشياء انتفاء الملكية فيمتنع بيعها، ولو ثبت إمكان
الملكية فلا ريب في انتفاء المالية، وعلى كل حال فالحكم فيها ظاهر
والظاهر اتفاق الفقهاء على عدم صحة بيع نحوها، قلت: إن تم الاجماع
على ذلك وعلى عدم قابليتها للتملك فذلك، وإلا أمكن المناقشة فيها في
حال وجود المنفعة المعتد بها لها، فإن دليل الحيازة وعمومات العقود
عموما وخصوصا شاملة لها، وأنه لا سفه في ذلك، وعدم عدها مالا
في العرف حال عدم الاحتياج لها كعدم اتخاذها لتوقع حاجتها
بخلاف عقاقير الأدوية التي يحتاج إليها نادرا لا ينافي ذلك، ضرورة

(1) سورة النساء الآية 29
344

كونها حينئذ كالعلق ودود القز والدرنوح والجند التي صرح بعضهم
بجواز بيعها للانتفاع بها، ويمكن حمل كلام المصرح بالمنع من البيع
على كون ذلك حال عدم المنفعة، كما يومي إليه تفريع بعضهم له عليه
على أنه لو سلم ففي خصوص البيع.
أما الصلح بناء على حصول حق اختصاص له بها إذا حازها فالظاهر
جوازه، إذ لا ريب في تحقق الظلم بانتزاعها منه قهرا، هذا وفي
القواعد في تعداد شرائط المعقود عليه وصلاحيته للتملك، فلا يقع العقد
على حبة حنطة لقلته، وربما ظهر منها عدم الملكية لمثل ذلك، بل
عدم الصلاحية، وليس كذلك لأن ملك الكثير منها يستلزم ملك القليل
إذ المجموع ليس إلا عبارة عن الأجزاء المجتمعة، ومن المحال أن
يملك الكل ولا يملك الجزء، على أنه لو سلم عدم ملكية الحبة بالفعل
فلا ريب أنها صالحة للملك ولو بانضمامها مع الغير، فلا يصح تفريع
بطلان بيعها على اشتراط الصلاحية وعدم صلاحيتها للملك منفردة أي
بشرط الانفراد لا يستلزم نفي صلاحيتها له مع الاطلاق، كما هو
الظاهر من العقد عليها لو وقع، وبمثل هذا يعلم أن اعتبار الصلاحية
لا يصلح احترازا عن المباحث قبل الحيازة، لأنها صالحة، لأن تملك
وعدم صلاحيتها للملك بشرط عدم الحيازة، لا ينافي صلاحيتها له معها
ومن هنا فرعه المصنف على الملك فعلا فقال: عاطفا له على ما تقدم.
(ولا ما يشترك المسلمون) بل وغيرهم (فيه، قبل حيازته
كالكلاء والماء والسموك والوحوش قبل اصطيادها) لعدم حصول الملك
قبلها، فهو أجود من تعبير القواعد بالنسبة إلى ذلك، بل قد يقال
اشتراط الصلاحية للملك ظاهرا، يقتضي اشتراط عدم الملكية بالفعل
إذ لا يصدق على المملوك أنه صالح للملك، فيلزم بطلان بيع جميع
345

المملوكات وفساده ظاهر، ولكن يمكن الجواب بأن المراد من صلاحية
التلمك صلاحيته له على وجه المعاوضة، وعلى طريق نقل الملك بالقوة
القريبة من الفعل، وحبة الحنطة وإن كانت مملوكة بالفعل، لكنها لا
تصلح لأن تملك بالمعاوضة، فإنها لقلتها لا تعد مالا، ولا تصلح لأن
تقابل بالأعواض، وصلاحية الملك بالعارض لا تنافي تحقق الملكية
الأصلية الثابتة لمالكها بالفعل، فلا نقض بالمملوك.
وأما المباح قبل الحيازة فهو وإن كان قابلا لأن يملك بالحيازة
فيملك بعقد المعاوضة، غير أن المراد بالصلاحية كما عرفت القوة القريبة
من الفعل، وهي منتفية فيه، وبمثله يجاب عن النقض بملك الغير
فإنه وإن كان صالحا لأن يملك فينقل بعقد المعاوضة، لكن المتبادر
الصلاحية الحاصلة بعد الملك، فلا نقض إلا أن الجميع كما ترى، بل
قد عرفت فيما تقدم، ما يعرف منه الاشكال في إطلاق منع بيع الحبة
والحبتين، ضرورة كون المسلم منه في حال مخصوص، أما لو فرض أن
لها نفعا معتدا به وكان الأمر منحصرا، في الحبة المخصوصة للوضع في
الفخ ونحوه فلا دليل على عدم صحة البيع حينئذ، بل ظاهر الأدلة
يقتضي خلافه، ولذا قال: في شرح الأستاذ حيث أن المنع كدليله
مبني على لزوم العبث والسفه، وعدم الحكمة الباعثة على شرع العقود المرشد
إليها خبر التحف وغيره (1) وعلى حصول الشك في الدخول تحت أدلة
العقود عموما وخصوصا دار المنع عليها، فمتى ارتفعت لعارض فزال
المانع عادة لا بالنسبة إلى خصوص المتعاقدين ارتفع المنع، ولو خصهما
المانع قوى الجواز، ولو حصل الاختلاف بحسب البلدان أو الأقاليم
أعطى كل حكمه، ولو كان المتعاقدان كل من جانب قوى المنع وهو

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1
346

جيد، بل يمكن تنزيل إطلاق المنع على ما ذكرنا وإلا كان مشكلا
وأشكل من هذا ما في التذكرة من أنه لا يجب لها شئ إذا
أتلفها متلف لعدم المالية لها إذ فيه من ذوات الأمثال فالمتجه ضمانها
بمثلها، وإلا لاستلزم عدم ضمان متلف حبات كثيرة على الانفراد، بل
يستلزم عدم ضمان المد من الحنطة مثلا إذا كان لعدة ملاك لكل واحد
حبة مثلا، اللهم إلا أن يتجشم الفرق، نعم قد يقال بعدم ضمان من
أتلف شيئا من القيمي بحيث لا يمكن تقويمه مع أنه يمكن القول
بضمانه أيضا، وإن ضعف ما يقابله من القيمة، اللهم إلا أن يقال
بعدم عد مثل ذلك ما لا متقوما في العادة، بحيث يندرج في أدلة الضمان
وفيه منع، ضرورة شمول الأدلة له كشمول أدلة الملك والغصب له،
فإنه قد حكي عن ثاني المحققين الاجماع على بقاء ملكية القليل، وعلى
حرمة غصبه، بل قد يمنع بلوغ الخسة إلى حد الخروج بها عن الملكية
ومن هنا قال الأستاذ في شرحه: الخسة الناشئة عن القلة قد تمنع من
مطلق التمليك، وقد يخص التعويض وأما مانعيتها للملك فلا وجه له
إلا إذا زالت عن ربقة الانتفاع منفردة ومنضمة في جميع الأحوال،
وحصوله في غاية الاشكال والأمر في ذلك كله سهل.
(و) أما (الأرض المأخوذة عنوة) وقهرا من يد الكفار
بإذن إمام الأصل المعمورة وقت الفتح فهي للمسلمين كافة، إجماعا
محكيا عن الخلاف والتذكرة وهي إن لم يكن محصلا، من غير فرق بين
الغانمين وغيرهم، ولا بين الموجودين وقت الفح وغيرهم، ونصوصا
مستفيضة كصحيح الحلبي (1) (سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد
ما منزلته فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الاسلام

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 4
347

بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين؟ فقال: لا يصلح
إلا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين فإذا شاء ولي الأمر أن
يأخذها أخذها قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يرد عليه رأس ماله
وله أن يأكل من غلتها بما عمل) وخبر أبي الربيع الشامي (1) (عنه
أيضا لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هو فئ
للمسلمين) وخبر ابن شريح (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
شراء الأرض من أرض الخراج فكرهه وقال: إنما أرض الخراج للمسلمين
فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل وعليه خراجها، فقال: لا بأس إلا أن
يستحيى من عيب ذلك) بناء على إرادة ما يشمل المفتوحة عنوة منه،
وخبر أبي بردة ابن رجا (3) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف
ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: ومن يبيع ذلك؟ هي أرض المسلمين
قلت: يبيعها الذي هي في يده قال: ويصنع بخراج المسلمين
ماذا؟ ثم، قال: لا بأس اشتر حقه منها ويحول حق المسلمين عليه، ولعله
يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم) إلى غير ذلك من النصوص الدالة
على ذلك.
ومن هنا صرح في محكي المبسوط أنه لا يصح التصرف فيها ببيع
وشراء ولا هبة ولا معاوضة ولا تمليك ولا إجارة ولا إرث ولا يصح
أن تبنى دورا ومنازل ومساجد وسقايات ولا غير ذلك من أنواع
التصرف، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا، أي بلا إذن
من الولي بل قيل أن مثل ذلك ما في النهاية، والغنية والنافع والتذكرة

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 5
(2) الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 9 (3) الوسائل الباب 71 من أبواب جهاد العدو الحديث 1
348

في موضع منها والقواعد في الجهاد والإرشاد وموضع من التحرير والمنتهى
بل هو ظاهر المراسم والوسيلة لما عرفته من الشركة التي تمنع استقلال
أحد منهم بالتصرف المزبور، سيما مع عدم تميز حصة أحد منهم،
بل لا يمكن تمييزها فلا طريق حينئذ إلى قسمتها بينهم، إلا بتصرف
الولي العام بها، وأخذ الخراج منها وصرفه فيما يعود مصلحته إليهم من
الجهاد ونحوه، نعم يمكن أن يكون لولي المسلمين بيع شئ منها مثلا
لمصلحتهم على إشكال فيه، لاحتمال كون حكمها شرعا بقاؤها وصرف
خراجها كالوقف، (و) نحوه لكن مع ذلك (قيل) كما عن
السرائر والمختلف وحواشي الشهيد واللمعة والروضة وموضع آخر من
التذكرة والتحرير (يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرف) فيها ونسبه
بعض إلى جمع من المتأخرين، بل آخر إلى المشهور بينهم، بل عن حواشي
الشهيد التصريح بكونها جزء مبيع، قال: إذا بيعت تبعا للآثار،
يجوز أن تكون مجهولة والأولى أنها جزء المبيع، فلا بد من العلم بها أيضا
وفيه أنه مناف لما عرفته من الأدلة السابقة القاضية بملكيتها للمسلمين
على كل حال، ولمعلومية بناء الملك على الدوام والتأبيد دون الدوران
مدار الآثار بل قيل إن الملك مناف لترتب الخراج عليها، كل ذلك
مع عدم الدليل الصالح إذ هو إن كان اجماعا فمن الواضح فساده،
بل لعل خلافه أقرب مظنة منه، خصوصا بعد ظهور كلام بعض من
ذكر ذكر كابن إدريس وغيره في إرادة بيع آثار خاصة دون الأرض
بل يمكن دعوى صراحته فيه، وإن كان هو السيرة على معاملتها معاملة
الأملاك بالوقف والبيع والهبة ونحوها ففيه منع تحقق السيرة على وجه
تفيد ملكية رقبة الأرض مطلقا بالآثار المزبورة، سيما بعد ملاحظة
فتوى العلماء الذين هم حفاظ الشريعة وإن كان هو قوله لا بأس
349

اشتر حقه منها، ففيه أولا أن الظاهر إرادة حق الأولوية منه، بتجوز
إرادة مطلق النقل ولو بالصلح ونحوه من الشراء فيه، وثانيا أنه بعد
التسليم دال على شراء نفس الآثار دون الأرض وإن كان هو بعض
النصوص الدالة على شراء أرض الخراج في الجملة كصحيح ابن مسلم (1)
الآتي وغيره ففيه منع إرادة المفتوحة عنوة، لعدم انحصار الخراج بها،
ضرورة كون أرض الجزية منه، فإنها تسمى أيضا بأرض الخراج، وإن
كانت ملكا لأربابها، ولعل منها الأرض المسؤول عنها في خبر ابن شريح
السابق بقرينة قوله (إلا أن يستحى من عيب ذلك ولا ينافيه قوله) فيه إنما أرض الخراج للمسلمين، لاحتمال كونه
باعتبار رجوع الخراج للمسلمين، وعلى كل حال فمن ذلك وغيره مما
يظهر بالتأمل يظهر لك فساد القول المزبور، وكذا القول بالتفصيل بين
زماني الغيبة والحضور، فينفذ بيعها وغيره في الأول دون الثاني، كما
هو خيرة الدروس قال: لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن
الإمام، سواء كان بالوقف أو بالبيع أو غيرهما، نعم في حال الغيبة ينفذ
ذلك، وأطلق في المبسوط أن التصرف فيها لا ينفذ وقال: ابن إدريس
إنما يباع تحجيرنا وبنائنا وتصرفنا في نفس الأرض، وفيه أنه لا دليل
على التفصيل المزبور، بل ظاهر النصوص المزبورة الواردة في زمن قصور
اليد الذي هو بحكم الغيبة خلافه، ومن هنا قال: في مقام آخر لا يجوز
بيع المفتوحة عنوة ولا بيع ما فيها من بناء أو شجر وقت الفتح، نعم
لو جدد فيها شيئا من ذلك جاز بيعه، وربما قيل ببيعها تبعا لآثاره
وروى أبو بريدة جواز بيع أرض الخراج من صاحب اليد والخراج على
المشتري، وفي رواية إسماعيل بن الفضل ايماء إليه لكن فيه أيضا أنك

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
350

قد عرفت عدم دلالة خبر أبي بريدة على ذلك، وأما خبر إسماعيل (1)
(فهو سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اكترى أرضا من أرض
أهل الذمة من الخراج وأهلها كارهون وإنما تقبلها من السلطان لعجز
أهلها عنها أو غير عجز فقال: إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها
إلا أن يضاروا وإن أعطيتهم شيئا فسخت أنفس أهلها لكم فخذوها قال:
وسألته عن رجل اشترى أرضا من أرض الخراج فبني بها أو لم يبن بها
غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها له أن يأخذ منهم أجرة البيوت
إذا أدوا جزية رؤسهم قال: شارطهم؟ فما أخذ بعد الشرط فهو
حلال) وفيه أنه يمكن إرادة أرض الجزية من الخراج أو غير ذلك
من مطلق النقل ولو بالصلح من الشراء فيه، بناء على أن له حق
اختصاص باحياء ونحوه، على أنه قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه
كغيره مما دل على شراء أرض الخراج في الجملة، نحو صحيح محمد بن
مسلم (2) (سأله رجل من أهل النيل عن أرض اشتراها بفم النيل
وأهل الأرض يقولون هي لنا، وأهل البستان يقولون هي أرضنا فقال؟؟:
لا تشترها إلا برضاء أهلها) وخبر حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (3)
(رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل مسلم اشترى أرضا من أرض
الخراج فقال أمير المؤمنين عليه السلام: له ما لنا، وعليه ما علينا مسلما
كان أو كافرا، له ما لأهل الله وعليه ما عليهم) على أنه لا دلالة في
أولهما على كونها من أرض الخراج، وقد ظهر من ذلك كله فساده أيضا
كسابقه نعم يقوى في النظر أن الأرض المفتوحة عنوة يختص بها من

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 10
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 3
(3) الوسائل الباب 17 من أبواب جهاد العدو الحديث 6
351

أحياها من المسلمين، ويكون أحق بها من غيره، وعليه خراج المسلمين
بل قد يقوي في النظر عدم اعتبار الإذن في إحيائها زمن الغيبة من
حاكم الشرع أو حاكم الجور، قال: أبو الحسن عليه السلام (1)
(والأرضون التي أخذت عنوة بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي
من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم
من النصف والثلث والثلثين وعلى قدر ما يكون لهم خلاصا ولا يضرهم)
ولعل ذلك وغيره من النصوص المذكورة هنا وفي باب الخمس وإحياء
الموات وغيرها دالة على الإذن منهم عليهم السلام في ذلك، فلا حاجة
إلى تحصيلها الآن من الحاكم وإن كان هو الأحوط.
(و) كيف كان في التذكرة وظاهر الدروس ومحكي الحواشي
والإيضاح (في بيع بيوت مكة تردد) من أنها مسجد لقوله تعالى (2)
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)
إلى آخره والمفروض إنه صلى الله عليه وآله أسري به من بيت خديجة
أو من شعب أبي طالب ومن قوله تعالى أيضا (3) (سواء العاكف فيه
والباد) وخبر عبد الله بن عمر بن العاص عن النبي صلى الله عليه وآله (4)
(مكة حرام وحرام بيع رباعها وحرام أجر بيوتها) والاجماع المحكي
عن الخلاف وهو خيرته في المحكي عن مبسوطه واللمعة بل عن فخر

(1) أصول الكافي ج 1 ص 536
(2) سورة الإسراء الآية 1
(3) سورة الحج الآية 25
(4) سنن البيهقي ج 5 ص 34
352

المحققين نسبته إلى كثير، ومن قاعدة تسلط الناس على أموالهم (1)
وغيرها مما يقتضي ذلك، مؤيدا ببيع عقيل رباع أبي طالب وجملة
من الصحابة منازلهم (2) كإضافتها إليهم في قوله تعالى (3) (للفقراء
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم) مضافا إلى قصور ما سمعته عن
معارضتها، ضرورة انتفاء حقيقة المسجدية عنها، ومجاز الشرف والمجاورة
ونحوهما ممكن، كضرورة عدم إرادة ذلك من التسوية المزبورة، وقصور
الخبر المذكور عن إفادة ذلك خصوصا مع عدم كونه من طرقنا، وموافق
لما عن أبي حنيفة ومالك والثوري وأبي عبيد (و) حينئذ فقول
الفاضلين (المروي المنع) إن أرادا الإشارة إلى ذلك كان كما ترى
وإن أرادا غيره ففيه أنا لم نقف على ذلك في شئ من طرقنا، والاجماع
المزبور مظنون الخطأ.
ومن هنا كان المتجه الجواز كما هو خيرة جماعة بل في المسالك أنه
المشهور، بل ينبغي القطع به، إذا كانت الحجارة من غير الحرم، نعم
بناء على أنها جميعها من المفتوحة عنوة، كما صرح به بعضهم ويشهد له
تسمية أهلها الطلقاء، بل في شرح الأستاذ دعوى شهادة السير والتواريخ
بذلك، بل عن المبسوط أن ظاهر المذهب ذلك، بل قيل عن الخلاف
الاجماع عليه، أو خصوص أعاليها، كما عن آخر جرى البحث السابق في
أرضها، كما أنه بناء على أنها من المفتوحة صلحا، كما عن بعضهم جرى
عليها حينئذ حكم ذلك، وبالجملة لا خصوصية لمكة من هذه الحيثية،
وأما إجارة بيوتها فمقتضى ما سمعته من أدلة منع البيع منعها أيضا

(1) البحار ج 2 ص 273 الطبع الحديث
(2) إمتاع الأسماع للمقريزي ج 1 ص 381
(3) سورة الحشر الآية 8
353

كما جزم به الشيخ أيضا فما في التذكرة من التردد في الأول دون
الإجارة في غير محله، لاشتراكهما في الأدلة المزبورة التي قد عرفت ضعفها
ومن هنا كانت الإجارة عندنا كالبيع في الجواز.
نعم قد يقال لا ينبغي لأهل مكة منع خصوص الحاج عن سكناها
لما عن السرائر من الاجماع على ذلك، وأن الأخبار به متواترة (1)
أو متلقات بالقبول، وإن كان في سقوط الأجرة حينئذ نظر بل منع،
جمعا بين الحقين، حتى لو قيل بحرمة منعهم كما عن بعضهم الجزم به
بل يمكن إرادته من لفظ لا ينبغي في معقد اجماع السرائر وغيره،
بل جزم بإرادة ذلك منه الأستاذ في شرحه، بشهادة فحوى الكلام
واقتضاء المقام وعلى كل حال، فلا دلالة في ذلك على عد الملك،
ضرورة عدم المانع من وجوب الاسكان للحاج من المالك الحقيقي،
للمالك الصوري، بل ربما كان فيه دلالة على الملك وإلا لم يخص الحاج
بذلك، ثم إن الظاهر كون الخلاف المزبور في غير مواضع النسك أما
بقاعه فحكمها حكم المساجد بالنسبة إلى عدم جواز البيع والإجارة (و) نحوهما
كما اعترف به في التذكرة، بل ربما استظهر منه نفي الخلاف فيه
بين المسلمين.
(أما ماء البئر) في الأرض المباحة (فهو ملك لمن استنبطه)
(و) كذا (ماء النهر لمن حفره) كنفس البئر والنهر مع النية، بناء
على اعتبارها في نحو ذلك، ضرورة كون المقام منه بلا خلاف معتد به
أجده فيه، بل ظاهر غير واحد الاجماع عليه، مضافا إلى عموم الحيازة
والاحياء (2) فله حينئذ البيع وغيره كما في سائر الأملاك، ولا يجب

(1) الوسائل الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف وما يتبعها
(2) الوسائل الباب 1 من احياء الموات
354

عليه بذله لأحد، وإن كان فاضلا عنه ومحتاجه الغير لشربه وشرب
ماشيته احتياجا لم يخش معه التلف، وإلا لم يمكن حينئذ فرق بين
للبئر وغيرها والنبوي العامي (الناس شركاء في ثلاث، النار والماء
والكلاء) (1) يراد منه ما كان مباحا منها لا المملوك ولو بالحيازة،
كما أن المراد من الآخر (2) (نهي عن بيع فضل الماء) نوع من
الكراهة.
و (مثله) أي الماء المستنبط كل (ما يظهر في الأرض)
المملوكة (من المعادن فهي لمالكها تبعا لها) كالنبات الكائن فيها،
ونحوه مما كان من أجزائها، ضرورة عدم بطلان الملكية باستحالة العين
من حقيقة إلى أخرى، لعدم دورانها على الحقيقة الأولى، من حيث
كونها كذلك كي تنعدم بانعدامها، بل لا يبعد التبعية في الملك لما
يخلق فيها مما يلحق بأجزائها، وإن لم يكن هو منها، وربما كان في قول
المصنف تبعا لها ايماء إلى ذلك، بناء على أن بعض المعادن المتكونة في
الأرض من ذلك، نعم ما كان فيها ولم يكن من أجزائها كالمطر ونحوه
باق على الإباحة، لكل من يحوزه، بل لا اختصاص على الظاهر
للمالك به، كما هو واضح، بل قد يشم من التبعية المذكورة في المتن
رائحة الحكم، بعموم تبعية ذلك ونحوه للأرض في الملكية والإباحة
وحينئذ فالموجود في الأراضي المملوكة للمسلمين هو ملك لهم ليس
لغيرهم حيازته، كما أن الموجود فيما هو ملك للإمام عليه السلام منها
ملك له لا يملكه أحد إلا من أذنوا عليهم السلام له، والظاهر اختصاصها
بشيعتهم، وحينئذ فحيازة غيرهم لذلك لا تفيد ملكا له، اللهم إلا أن

(1) المستدرك ج 3 ص 150
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب احياء الموات الحديث 1 - 3
355

يقال أن السيرة المستمرة في سائر الأعصار والأمصار على معاملة ذلك
معاملة المباحات الأصلية، وكذا ما في الأراضي المفتوحة عنوة من
حشيش وغيره من غير توقف على إذن حاكم جور أو شرع، وما ذلك
إلا لبقاء نحو ذلك في أمثال هذه الأراضي على الإباحة الأصلية، فلا
تتبع حينئذ الأراضي، أو أنها وإن تبعتها إلا أن الإذن ممن له الإذن
متحققة في تملك من يحوزها على حسب المباحات الأصلية، بل قد
يدعى نحو ذلك فيما كان من الأنفال منها من قصب الآجام ونحوه،
وإن لم أجد لذلك كله تحقيقا في كلماتهم، وربما يرزقنا الله تعالى شأنه
فيما يأتي زيادة توضيح لذلك والله العالم.
(الثاني أن يكون) الملك (طلقا) أي تاما كما أبدله به في
القواعد إلا أنه لم نجد شيئا منهما في شئ مما وصل إلينا من النصوص
واستفادته مما ورد في الأماكن المخصوصة كالوقف (1) وأم الولد (2)
ونحوهما على وجه يتعدى منه إلى غيره لا يخلو عن إشكال، ضرورة
كونه إن كان المراد به عدم تعلق حق للغير به، فهو منقوض بما ثبت
جواز بيعه مما هو كذلك من بيع العبد الجاني، والمبيع في زمن الخيار
على أحد الوجوه، وتركة المديون كذلك أيضا وغيرها، وإن أريد به
ما جاز لمالكه جميع أنواع التصرفات به فهو أوضح من الأول فسادا
فإن منذور عدم تصرف الخاص لا ينافي جواز البيع قطعا، وإن جعل
مرجعه إلى كل ما ثبت عدم جواز بيعه مما تعلق به حق الغير، لم
يوافق ذكره بعنوان الشرطية العامة، وكذا إن أريد به عدم تزلزل
الملك، فإن من المعلوم جواز بيع الموهوب ونحوه، ومثل ذلك قد وقع

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب بيع الحيوان
356

لهم في شرائط الزكاة، وذكرنا فيه هناك نحوا من ذلك فلاحظ وتأمل،
فإن المقام متقارب، خصوصا بعد ذكرهم بعد ذلك اشتراط القدرة على
التسليم، نحو ذكرهم هناك اشتراط التمكن من التصرف، مع اشتراط
التمام، وإن كان هما غير متلازمين فإن المغصوب والمفقود والآبق ونحوها
مملوكة ملكا تاما إلا أنه غير متمكن من التصرف فيها ولا مقدرة على
تسليمها، والأمر في هذا سهل بعد معلومية كون مقتضى العمومات جواز
البيع لكل عين مملوكة، إلا ما خرج بالدليل مما تعلق به حق للغير على
وجه ينافيه البيع مثلا، وعلى الفقيه انتقاد الحقوق المتعلقة بالنسبة إلى
المنافاة المزبورة وعدمها، ولا دليل على أن مطلق تعلق حق الغير مناف
بل لعل الدليل على خلافه وعلى كل حال فمما فرعه المصنف وغيره على
ذلك عدم جواز بيع الوقف فإنه بعد أن ذكر الشرط المزبور.
قال: (فلا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه إلى خرابه
لاختلاف بين أربابه ويكون البيع) عليهم (أعود على الأظهر) ونحوه
الفاضل في القواعد، والدليل على الحكم في المستثنى منه واضح، فإن
النصوص يمكن دعوى تواترها في عدم جواز بيع الوقف وهبته ونحوهما
منها خصوص بعض المعتبرة (1) (فيمن اشترى أرضا وقفا بجهالة لا
يجوز شراء الوقف، ولا تدخل الغلة في ملكك إدفعها إلى من أوقفت عليه
قلت: لا أعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها) ومنها النصوص الواردة
فيما وقع منهم عليهم السلام من الوقوف المشتملة على صريح النهي عن
البيع (2) ونحوه بل يكفي فيه قولهم (الوقوف على حسب ما يقفها أهلها) (3)

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
(2) الوسائل الباب 6 و 10 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات 1 و 2
357

إذ من الواضح إرادة الواقف من الوقف تأبيد حبس العين وإطلاق
المنفعة، وبذلك كان من الصدقة الجارية، التي ورد الحث عليها (1)
وأنها من التي لا ينقطع عمل ابن آدم منها بعد موته، بل الظاهر أن
التأبيد المزبور من مقتضيات الوقف ومقوماته، كما أن نفي المعاوضات
على الأعيان مأخوذ فيه ابتداء، خصوصا بعد ملاحظة تعلق حق الأعقاب
به، بل يمكن دعوى ضرورية ذلك من أعوام المتشرعة، فضلا عن
علمائهم، ومن هنا اتفق الأصحاب على أن الأصل فيه المنع، وإن
اختلفوا فيما خرج عنه بالدليل أو بزعمه بل في السرائر نفي الخلاف
عن عدم جواز بيعه إذا كان مؤبدا، ونزل خلاف الأصحاب في المنقطع
منه، ولعله لما عرفت، بل منه يعلم عدم جواز الانقطاع في الوقف،
وأنه إن وقع منقطعا يبطل أو يقع حبسا كما تعرفه في محله إنشاء الله
خلافا لبعضهم فجوزه وقفا، كما يأتي تحقيقه إنشاء الله في محله والذي
يقوى في النظر بعد امعانه، أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه، بل
لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من المتضاد، نعم إذا بطل الوقف اتجه
حينئذ جواز البيع، والظاهر تحقق البطلان فيما لو خرب الوقف على
وجه تنحصر منفعته المعتد بها منه في إتلافه، كالحصير والجذع ونحوهما
مما لا منفعة معتد بها فيه إلا باحراقه مثلا، وكالحيوان بعد ذبحه مثلا
وغير ذلك، ووجه البطلان حينئذ فقدان شرط الصحة في الابتداء المراعى
في الاستدامة بحسب الظاهر، وهو كون العين ينتفع بها مع بقائها،
كما أنه قد يقال بالبطلان أيضا في انعدام عنوان الوقف فيما لو وقف
بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية، فخربت حتى خرجت عن
قابلية ذلك، فإنه وإن لم تبطل منفعتها أصلا لامكان الانتفاع بها دارا

(1) الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
358

مثلا لكن ليس من عنوان الوقف واحتمال بقاء نفس العرصة على الوقف
باعتبار أنها جزء الموقوف وهي باقية، وخراب غيرها وإن اقتضى
(بطلانه فيه لا يقتضي) بطلانه
فيها، يدفعه أن العرصة كانت جزء من الموقوف من حيث كونه بستانا
لا مطلقا، فهي حينئذ جزء عنوان الموقوف الذي قد فرض فواته، ولو
فرض إرادة وقفها لتكون بستانا أو غيرها لم يكن إشكال في بقاء وقفها
لعدم ذهاب عنوان الوقف، لكنه خلاف الفرض، وكذا لو وقف نخلة
للانتفاع بثمرتها فانكسرت، فإنه وإن أمكن الانتفاع بالجذع بتسقيف
ونحوه، لكنه ليس من عنوان الوقف، وربما يؤيد ذلك في الجملة ما
ذكروه في باب الوصية، من أنه لو أوصى بدار فانهدمت قبل موت
الموصي بطلت الوصية، لانتفاء موضوعها، نعم لو لم تكن الدارية
والبستانية مثلا عنوانا للوقف، وإن قارنت وقفه، بل كان المراد الانتفاع
به في كل وقت على حسب ما يقبله، لم يبطل الوقف بتغير أحواله،
ثم على فرض بطلان الوقف بذلك، فهل يعود للواقف وورثته كالوقف
المنقطع، أو للموقوف عليه وورثته، وجهان، ينشأن من الخروج عن
ملك الواقف ودخوله في ملك الموقوف عليه بالوقف، وإنما منعه من
التصرف بغير الانتفاع المنافي لبقاء العين في الملك ما دام قابلا لتلك
المنفعة، فمع فرض ذهابها وبطلان الوقف بذلك، يبقى مملوكا له من
غير منع يتصرف به كيف يشاء، ومن أن خروجه عن ملكه كان على
الوجه المذكور لا مطلقا، فمع فرض بطلان ذلك الوجه يعود إلى ملك
المالك، ولعل الأول لا يخلو من قوة، بل يشهد له ما تسمعه من
النص (1) والفتوى المجوزة لبيعه للموقوف عليهم، وهل يبطل الوقف
أيضا بتأدية بقائه وقفا إلى خرابه للاختلاف بين الأرباب أو لغير ذلك

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
359

على وجه يعلم فساده وخرابه عما هو عليه، وجهان، ينشأن من اعتبار
الطمأنينة بالانتفاع مع بقاء العين، فمع فرض ذلك لا تكون العين مما
يطمئن بالانتفاع بها مع بقائها، ومن أن العين قابلة للانتفاع فعلا،
والبطلان إنما يحصل بالخراب التحقيقي لا التقديري قبل زمانه، ولعل
الأول لا يخلو من قوة، لما تسمعه من النص والفتوى، وهل يبطل
باستلزامه مفسدة أعظم من مصلحة وقفه كقتل الأنفس ونهب الأموال
وهتك الأعراض ونحو ذلك، وجهان من ظاهر الصحيح الآتي (1) ومن
أن نحو ذلك لا يقتضي تغيير الأسباب الشرعية عن مقتضياتها، ولا ريب
في أن الثاني أقوى بحسب القواعد، اللهم إلا أن يدعي ظهور الصحيح
في ذلك فيكون خارجا عنها به، خصوصا بعد العمل به، وأما بيع
الوقف لشدة حاجة أهله، أو لكون البيع أعود لهم أو نحو ذلك،
فلا ريب في مخالفته للقواعد الشرعية، بل لما هو كالمعلوم من الشرع
من أن الوقف مبني على عدم ذلك كله، ومما ذكرنا تعرف الوجه في
كلام جملة من الأصحاب، فإنه قد وقع الاختلاف بينهم في هذه المسألة
على وجه لم نعثر على نظيره في مسألة من مسائل الوقف، كما لا يخفى
على من لاحظ ما حكاه الشهيد وغيره عنهم في غاية المراد وغيرها، فعن
ابني الجنيد والبراج في جواهر الفقه إطلاق المنع من بيعه، وعن ابن
إدريس التصريح بعموم المنع في المؤبد والمنقطع ولو مع خرابه، أو
وقوع خلف بين أربابه ونزل خلاف الأصحاب على الثاني، وقال: في
الأول لا يجوز بيعه بغير خلاف، وعن فخر المحققين أنه لا يصح بيع
الوقف بحال، والشهيد في الدروس قوى المنع مطلقا بعد اختيار الجواز

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث 6
360

كما ستقف على كلامه، وعن الصدوق وأبي الصلاح وابن البراج في
المهذب التفصيل بين المؤبد والمنقطع، فمنعوه في الأول مطلقا وأجازوه
في الثاني على بعض الوجوه، ولكن اختلفوا في شرط الجواز فجعله
الصدوق اختلاف الأرباب كما تضمنه حديث علي بن مهزيار الوارد في
الباب (1) أو أحد الأمرين من اختلاف الأرباب وكون البيع خيرا
لأصحابه كما يقتضيه ايراده لما تضمن الثاني أيضا مع ضمانه العمل بما
يورده في صدر كتابه، وظاهر أبي الصلاح أن الجواز يتبع شرط الواقف
فيجوز للموقوف عليهم بيع الوقف إذا جعل الواقف ذلك إليهم، ونص
على الجواز إذا جعل إليهم البيع عند الحاجة أو خراب الوقف، واشترط
ابن البراج في جواز بيعه أن يكون بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه
معها أصلح لهم، أو حصول الخوف من هلاكه أو فساده أو وقوع
خلاف يؤدي إلى الفساد على تقدير بقائه، قال: فإن لم يحصل شئ
من ذلك لم يجز بيعه أيضا على وجه من الوجوه، وقال المفيد: ليس
لأرباب الوقف بأن يتصرفوا ببيع أو هبة ولا يغيروا شيئا من شروطه
إلا أن يخرب الوقف، ولا يوجد من يراعيه بعمارة عن سلطان وغيره
أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه، وكذلك
إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله، ولا يجوز ذلك مع
عدم ما ذكرناه من الأسباب والضرورات، وقال الشيخ في النهاية:
ولا يجوز بيع الوقف ولا هبته ولا الصدقة به إلا أن يخاف على الوقف
هلاكه أو فساده، أو كان بأرباب الوقف حاجة ضرورية كان معها بيع
الوقف أصلح لهم وأعود عليهم، أو يخاف وقوع خلاف بينهم فيؤدي
ذلك إلى وقوع فساد بينهم فحينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه بينهم على
361

ما يستحقونه من الوقف، وفي المبسوط وإنما يملك أي الموقوف عليه
بيعه على وجه عندنا، وهو أنه إذا خيف على الوقف الخراب أو كان
بأربابه حاجة شديدة ولا يقدرون على القيام به، فحينئذ يجوز لهم بيعه
ومع عدم ذلك لا يجوز بيعه وعند المخالف لا يجوز بيعه
على وجه، وفي الخلاف إذا خرب ولا يرجى عوده في أصحابنا من قال:
بجواز بيعه، وإذا لم يختل لم يجز بيعه، واحتج على ذلك بالأخبار،
وقال المرتضى في الإنتصار: مما انفردت به الإمامية القول بأن الوقف
متى حصل الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع
بثمنه، وأن أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم
بيعه ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة، واحتج على ذلك باتفاق
الإمامية، ثم أورد خلاف ابن الجنيد، وأجاب بأنه لا اعتبار به، وقد
تقدمه اجماع الطائفة وتأخر عنه، وإنما عول ابن الجنيد في ذلك على
ظنون له وحسبان وأخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها، قال: فأما إذا صار
الوقف بحيث لا يجدي نفعا أودعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدة
فقرهم فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه، لأنه إنما جعل لمنافعهم فإذا
بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض فيه ولم يبق منفعة فيه إلا من
الوجه الذي ذكرناه، وقال سلار: ولا يخلو الحال في الوقف والموقوف
عليهم من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف فيها أو تغير الحال فإن
لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف ولا هبته ولا تغيير
شئ من أحواله، وإن تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على أي وجه
كان أو يلحق الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه وصرف ثمنه فيما
هو أنفع لهم، وقال ابن حمزة: ولا يجوز بيعه إلا بأحد الشرطين الخوف
من خرابه أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكن معه القيام،
362

وقال ابن زهرة: يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار لا يجدي
نفعا وخيف خرابه، أو كانت بأربابه حاجة شديدة ودعتهم الضرورة
إلى بيعه، بدليل اجماع الطائفة، ولأن غرض الواقف انتفاع الموقوف
عليه فإذا لم تبق له منفعة إلا من الوجه الذي ذكرناه جاز، وقال
ابن سعيد: في جامع المقاصد فإن خيف خرابه وكان بهم حاجة شديدة
أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح فيه الأنفس جاز بيعه، وفي النزهة
لا يجوز بيع الوقف إلا أن يخاف هلاكه أو تؤدي المنازعة فيه بين
أربابه إلى ضرر عظيم، ويكون فيهم حاجة عظيمة شديدة، وبيع
الوقف أصلح لهم.
وقد سمعت عبارة المصنف هنا وقال في كتاب الوقف: ولو وقع
بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشي خرابه جاز بيعه، ولو لم يقع خلف
ولا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم قيل يجوز، والوجه المنع وفي
النافع لا يجوز اخراج الوقف عن شرطه ولا بيعه إلا أن يقع خلف
يؤدي إلى فساده على تردد، وقال العلامة في المختلف: الوجه أنه يجوز
بيعه مع خرابه وعدم التمكن من عمارته أو مع خوف فتنة بين أربابه
يحصل باعتبارها فساد لا يمكن استدراكه مع بقائه، وفي التذكرة في
كتاب البيع لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه التأبيد
نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه وخشي تلفه أو
ظهور فتنة بسببه جوزه أكثر علمائنا، وفي كتاب الوقف والوجه أن
أن يقال يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته أو
خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها افساد لا يمكن استدراكه مع
بقائه، وفي التحرير في كتاب البيع لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا
ولو أدى بقاؤه إلى خرابه جاز بيعه، وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين
363

أربابه مع بقائه على خلاف، وفي الوقف لا يجوز بيع الوقف بحال
ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ولم يجز بيعها، ولو وقع
خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه
أصحابنا (1) قال: ولو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية
كدار انهدمت وعادت مواتا ولم يتمكن من عمارتها ويشتري بثمنه ما
يكون وقفا كان وجها.
وفي القواعد لا يصح بيع الوقف إلا أن يؤدي بقاؤه إلى خرابه
لخلف أربابه ويكون البيع أعود، في الوقف ولو وقع بين الموقوف عليهم
خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه
بل كان البيع أنفع لهم لم يجز بيعه على رأي، وفي الإرشاد في البيع
لا يصح بيع الوقف إلا أن يخرب أو يؤدي إلى الخلف بين أربابه على
رأى وفي الوقف ولا يجوز بيع الوقف إلا أن يقع بين الموقوف عليهم
خلف يخشى به الخراب، وعن التلخيص يجوز عند وقوع الخلف المؤدي
إلى الخراب وبدونه لا يجوز، وقال الشهيد في غاية المراد: يجوز بيعه
في موضعين خوف الفساد بالاختلاف، وإذا كان البيع أعود مع الحاجة
وفي الدروس في كتاب الوقف ولا يجوز بيع الوقف إلا إذا خيف من
خرابه أو خلف أربابه المؤدي إلى فساده، وجوز المفيد بيعه إذا كان
أنفع من بقائه، والمرتضى إذا دعتهم حاجة شديدة، والصدوق وابن
البراج جواز بيع غير المؤبد، وسد ابن إدريس الباب، وهو نادر مع
قوته، وفي اللمعة في كتاب البيع لا يصح بيع الوقف ولو أدى بقاؤه
إلى خرابه لخلف بين أربابه، فالمشهور الجواز.
وقال السيوري في التنقيح والحق أنه في صورة لا يجوز البيع

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث 6
364

للمحبوس عليهم، اللهم إلا إذا اتفقوا مع الحابس، وأما المؤبد فلا
يجوز بيعه قطعا في صورة كونه أنفع، أما إذا آل الأمر إلى الخراب
لأجل الاختلاف بحيث يعطل ولا ينتفع به أصلا فيجوز بيعه، وقال
الصيمري في غاية المرام في كتاب البيع: أجاز المفيد والسيد بيعه إذا
كان أنفع لأرباب الوقف، والمصنف اشترط في الجواز حصول الخراب
مع ابقائه، واختاره العلامة وأبو العباس وهو المعتمد، واختار في
كتاب الوقف ما اختاره المصنف فيه، وفي تلخيص الخلاف واعلم أن لأصحابنا
في بيع الوقف أقوالا متعددة أشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف
وفتنة وخشي خرابه، ولا يمكن سد الفتنة بدون بيعه وهو قول الشيخين
واختاره نجم الدين والعلامة وقال الحلي: ولو وقع بين الموقوف عليهم
خلف فخشي خرابه جاز بيعه، وقال الكركي في كنز الفوائد: وحواشي
التحرير والمعتمد جواز البيع في ثلاثة مواضع أحدها ما إذا خرب
واضمحل بحيث لا ينتفع به كحصير المسجد إذا رث وجذعه إذا انكسر
فيجوز البيع، ثانيها ما إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه
الافضاء إلى تلف الأموال والنفوس، ثالثها ما إذا لحق الموقوف عليهم
حاجة شديدة، ولم يكن لهم ما يكفيهم من غلة وغيرها.
وقال الشهيد الثاني في الروضة: والأقوى في المسألة ما دلت عليه
صحيحة علي بن مهزيار (1) عن أبي جعفر الجواد عليه السلام من
بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد، وعلله عليه السلام بأنه ربما
جاء فيه تلف الأموال والنفوس) وظاهر أن خوف أدائه إليهما وإلى
أحدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك، قال: ولا يجوز بيعه في غير
ما ذكرناه، وإن احتاج إلى بيعه أرباب الوقف ولم يكفهم غلته، أو كان

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات الحديث 6
365

أعود أو غير ذلك مما قيل، لعدم دليل صالح عليه، وفي المسالك في
كتابي الوقف والبيع نحو من ذلك، هذا مجموع ما وقفنا عليه من
عبارات الأصحاب أو حكيت لنا، وقد تبين منها أنهم ما بين مانع من
بيع الوقف مطلقا، ومجوز له في الجملة، ومتوقف عن الحكم كالفاضلين
والشهيد في النافع وظاهر التحرير واللمعة، وأن الأكثر على جواز البيع
في الجملة، لكن كلامهم في تعيين محل الجواز والسبب المجوز على ما ترى
من الاختلاف الشديد الذي قلما اتفق مثله في شئ من المسائل، حتى
انفرد كل منهم بقول، بل صارت كل عبارة لهم قولا مستقلا، وخالف
الواحد منهم نفسه في الكتاب الواحد، فذهب في كتاب البيع إلى شئ
وخالفه في الوقف إلى آخر، وربما اتفق لبعضهم الاختلاف في المقام
الواحد ما بين أول كلامه وآخره، وليس المراد عدم اشتراك الأقوال
في شئ من الأسباب أو الأفراد، لحصوله في أكثرها كما يأتي التنبيه
عليه، بل عدم التوافق بين القولين منها أو أكثر في تمام القول نفيا
واثباتا، وإن كان ذلك قد يتوهم في بعضها كالمراسم مع الانتصار والوسيلة
مع المبسوط، إذ بعد النظر تتبين المخالفة فيها أيضا من بعض الوجوه
والذي يدور عليه أقوال المجوزين من مشترك ومختص اثني عشر أمرا.
الأول كون الوقف منقطعا غير مؤبد كما في الفقيه والكافي والمهذب
على اختلاف بينها فيما يجوز منه على ما سبق بيانه، الثاني عكس
الأول وهو أن يكون مؤبدا غير منقطع وهو قول السيوري حيث أجاز
بيع المؤبد خاصة، إذا آل أمره إلى الخراب لاختلاف الأرباب بحيث
يعطل ولا ينتفع به، الثالث الضرورة الداعية إلى ثمن الوقف على ما
في المقنعة والانتصار والنهاية والمراسم والغنية وكنز الفوائد وحواشي
التحرير، الرابع صيرورة الوقف بحيث لا يجدي نفعا كما في المقنعة
366

والمراسم ومحتمل الانتصار، الخامس خراب الوقف مع عدم وجود عامر
له كما في المقنعة والخلاف والمختلف ووقف التذكرة وظاهر الانتصار
السادس تأدية بقائه إلى خرابه مطلقا كما في ظاهر التحرير في كتاب
البيع، أو لوقوع الخلف بين أربابه كما عن تلخيص المرام، السابع خشية
الخراب للوقف إما مطلقا كما في النهاية وغاية المرام أو لوجود الحاجة
الشديدة المانعة عن عمارته كما في ظاهر المبسوط والوسيلة والجامع أو
لوقوع الخلف بين أربابه كما في المعالم ووقف الشرايع والقواعد
والإرشاد، الثامن وقوع الخلف الشديد بين أرباب الوقف مطلقا على
ما في الروضة والمسالك أو بشرط التأدية إلى الفساد مطلقا كما، في
الدروس وغاية المراد وكنز الفوائد وحواشي التحرير، التاسع الخراب
مع الخلف بين الأرباب كما في بيع الإرشاد، العاشر التأدية إلى
الخراب لخلف الأرباب مع كون البيع أعود كما في بيع الشرايع
والقواعد، الحادي عشر الخوف من الخراب معللا بالخلف مع الأعودية
كما في بيع التذكرة.
الثاني عشر صيرورته بحيث لا يجدي نفعا مع خشية خرابه كما
في الغنية، وحكى الشهيد في الدروس وغاية المراد عن المفيد جواز
بيع الوقف إذا كان البيع أعود على الموقوف عليهم وأنفع لهم وتبعه عليه
جملة المتأخرين، ولكن لم نتحقق ذلك من كلامه وعبارته المنقولة
خالية عنه بل قاضية بخلافه، حيث اشترط فيها الضرورة، ومقتضاه
عدم جواز البيع بمجرد كونه أعود، والعلامة على ما قيل لم ينقل عنه
في المختلف ولا في التذكرة إلا ما سبق من كلامه المتضمن لجواز
البيع في ثلاثة مواضع، أحدها الضرورة، نعم ذكر المفيد رحمه الله
قبل كلامه المنقول، جواز رجوع الواقف في الوقف إذا أحدث الموقوف
367

عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم، والتقرب إلى الله بصلتهم أو كان
تغيير الشرط في الوقف إلى غيره أرد عليهم وأنفع لهم من تركه على
حاله، والعلامة في المختلف حكى ذلك عنه في مسألة سابقة على هذه
المسألة، وليس في ذلك حديث البيع ولا تغيير الموقوف عليهم للوقف
والشهيد رحمه الله في غاية المراد ضم هذين الأمرين إلى الأسباب
الثلاثة التي جوز المفيد معها بيع الوقف، ونسب جواز بيع الوقف في
ذلك كله إليه، على وجه يؤذن بكون ذلك كلاما واحدا مسوقا لبيان
جواز البيع، والرجوع إلى المقنعة قاض بخلافه، وكذا النظر في الأمر
الأول من هذين الأمرين وهو احداث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع
من معونتهم، فإنه لا يصلح أن يكون سببا لبيع الموقوف عليه بل
لرجوع الواقف، وأما الثاني فهو وإن صلح لها إلا أن ضمه إلى ما لا
يصلح لها قرينة على عدم إرادتها، وجواز رجوع الواقف فيه بنقض
الوقف لا يقتضي جواز البيع من الموقوف عليه لا لفظا ولا معنى،
فينبغي أن يلحظ ذلك اللهم إلا أن يكون المراد جواز البيع، ولو من
الواقف بعد نقض الوقف وابطاله.
وكيف كان فالذي وقفت عليه من الأخبار المتضمنة لجواز بيع
الوقف في الجملة عدة روايات منها ما رواه المشايخ الثلاثة في كتبهم
الأربعة بطرق متعددة أكثرها صحيح عن علي بن مهزيار (1) (قال:
كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها
وجعل لك في الوقف الخمس، وسأل عن رأيك في بيع حصتك من

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
الحديث 5 و 6
368

الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقوفة، فكتب إلي
إعلم فلانا أني آمره أن يبيع حصتي من الضيعة وإيصال ثمن ذلك إلي
وإن ذلك رأيي انشاء الله تعالى، ويقومها على نفسه إن كان ذلك أرفق
له، قال: وكتبت إليه أن رجلا ذكر أن بين من وقف عليهم هذه
الضيعة اختلافا شديدا وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده،
فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل انسان منهم ما وقف
له من ذلك أمرته، فكتب إلي بخطه واعلمه أن رأيي له إن كان قد
علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف فإنه ربما جاء
الاختلاف تلف الأنفس والأموال، ومنها ما رواه المشايخ أيضا في
الحسن والصحيح (1) عن الحسن بن محبوب عن علي بن ريأب عن جعفر
ابن حيان قال: (سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقف غلة
له على قرابته من أبيه وقرابته من أمه وأوصى لرجل ولعقبه ليس بينه
وبينه قرابة ثلاثمأة درهم في كل سنة ويقسم الباقي على قرابته من أبيه
وقرابته من أمه فقال: جائز للذي أوصى له بذلك، قلت: أرأيت إن
لم يخرج من غلة تلك الأرض التي أوقفها إلا خمسمائة درهم، فقال:
أليس في وصيته أن يعطي الذي أوصى له من الغلة ثلاثمأة درهم ويقسم
الباقي على قرابته من أبيه وأمه؟ قلت: نعم قال: ليس لقرابته أن
يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفى الموصى له ثلاثمأة درهم، ثم لهم ما
يبقي بعد ذلك، قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له؟ قال: إن
مات كانت الثلاثمأة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإن
انقطع ورثته ولم يبق منهم أحد كان الثلاثمأة درهم لقرابة الميت يرد

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
الحديث 8 وفيه اختلاف يسير
369

إلى ما يخرج من الوقف، ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا وبقت
الغلة، قلت: وللورثة قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم
يكفهم ما يخرج من الغلة حينئذ، قال: نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع
خيرا لهم باعوا).
ومنها ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري (1) (عن صاحب
الزمان (ع) أنه كتب إليه روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور، إذا
كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان
ذلك أصلح لهم أن يبيعوه، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم
يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز، إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟
وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب عليه السلام إذا كان الوقف
على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإذا كان على قوم من المسلمين فليبع
كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين انشاء الله) ومنها ما
رواه الشيخ والصدوق (2) باسنادهما عن محمد بن علي بن محبوب عن
محمد بن الفرج عن علي بن معبد (قال: كتب إليه محمد بن أحمد
بن إبراهيم بن محمد في سنة ثلاث وثلاثين ومأتين يسأل عن رجل مات
وخلف امرأة وبنين وبنات وخلف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين
ثم هو حر بعد العشر سنين فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام
وهم مضطرون إذا كان على ما وصفته لك جعلني الله فداك، فكتب لا

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
الحديث 9
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
الحديث 7
370

يبيعوه إلى ميقات شرطه إلا أن يكونوا مضطرين إلى ذلك فهو جائز لهم)
ومنها ما رواه الشيخ باسناده (1) عن محمد بن علي بن محبوب
عن أبي طاهر ابن حمزة (قال: كتب إليه وعن محمد بن عيسى
العبيدي قال: كتب أحمد بن حمزة إلى أبي الحسن عليه السلام مدين
وقف ثم مات صاحبه وعليه دين لا يفئ بماله، فكتب عليه السلام يباع
وقفه في الدين) ورواه الصدوق باسناده الثاني (2) هذه جملة أخبار
الجواز وإن قل من تعرض لها جميعها، ولكن الأول هو العمدة ومنه
اختلفت أفهامهم واضطربت أقوالهم، فحمله الصدوق ومن وافقه على
المنقطع، وأجروا المؤبد على أصله، والشيخ في كتابي الأخبار على
الرخصة في البيع مع تأدية البقاء إلى الضرر والاختلاف وخراب
الوقف، ووافقه جماعة في أصل الحمل، وإن خالفوه في بعض القيود
وآخرون على خلاف التأدية إلى ذلك أو بعضه واكتفى بعضهم بوقوع
الخلف الشديد ولم يشترط التأدية إلى الفساد ولا الخوف منها.
والحق أن الرواية مع أنها مكاتبة لا دلالة فيها على جواز بيع
الوقف مطلقا خصوصا المؤبد، أما صدرها المتضمن بيع حصة الإمام
فالأمر فيه ظاهر، لأن القبض شرط في الوقف، وهو غير متحقق في
حصته عليه السلام بالفرض، وحمله على توكيل الواقف على قبضه عنه
قبل بيعه لا دليل عليه، كما لا دلالة في الحديث على القبول، وأمره
ببيع حقه من الضيعة ليس نصا فيه، لاحتمال قبوله على غير جهة
الوقف، ومن الجايز علمه بتفويض أمر تلك الحصة إليه، بل كونها

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف والصدقات
الحديث 7
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب الاستيلاد الحديث 1
371

من الخمس الثابت له بأصل الشرع، كما احتمله العلامة المجلسي رحمه الله
فيما حكي من حواشيه على التهذيب، فيكون تصرف الواقف فيها
بالوقف فضولا باطلا لعدم الإجازة أو لعدم جوازه، أو لعدم جواز وقف
مال الشخص على نفسه، ثم على تقدير تحقق الشرط فمقتضى ذلك
جواز بيع المنقطع دون المؤبد، وحمله على كونه وقفا على إمام
المسلمين مع كونه خلاف الظاهر، يقتضي جواز بيع المؤبد من دون
شرط، ولا قائل به إلا أن اختلاف أرباب الحصص الباقية على ما هو
المفروض في آخر الرواية، هو المجوز لبيع هذه الحصة وإمعان النظر في
هذا الحديث يأبى ذلك، وظاهر الحديث الثاني يدفعه، وأما عجز
الرواية المتضمن لجواز بيع حصة غير الإمام من الضيعة، وهو محل النظر
فيها فظاهره الانقطاع كما فهمه الصدوق ومن تبعه، إذ لا تعرض فيها
لذكر الأعقاب فلا يصح التمسك بها في جواز بيع المؤبد كما فعله الأكثر،
ومع ذلك فليس فيها ما يدل على تحقق الاقباض ولا حصول القبض
بالفعل، فيحتمل أن يكون تجويز بيعه لعدم تمامية الوقف كما نبه
عليه فخر المحققين، أو لكون الوقف فيه بمعنى الوصية كما ذكره بعض
المتأخرين، أو أن المراد منه الايقاف لا الوقف بمعنى أنه أوقفه لأن
يوقفه الوقف الشرعي، وربما يومي إليه أو إلى عدم تمامية الوقف
تضمنه لجواز بيع الواقف، كما يقتضيه ظاهر الجواب وصريح السؤال
إذ لو كان وقفا تاما لانقطع تصرف الواقف فيه ببيع وغيره، وإن
للموقوف عليه بيعه في بعض الوجوه على المشهور، ومن هذا يعلم عدم
تعلق الحديث بالمدعى، فإن المقصود بيع الموقوف عليه، ومدلول الحديث
بيع الواقف وهو خلاف المقصود.
وأما الخبر الثاني فهو مع أنه مكاتبة أيضا لا دلالة فيه على المؤبد
372

ضرورة عدم ذكر ما يقتضي التأبيد فيه، ولو سلم فاشتراط رضاء الكل
يقضي عدم جواز البيع، ضرورة عدم امكان حصوله بعد فرض كونه
مؤبدا لتجدد الموقوف عليهم آنا فآنا، على أن المذكور شرطا في السؤال
لم يتعرض له في الجواب، الظاهر في الاكتفاء في جواز البيع بعد رضى
الكل بكون البيع خيرا لهم، فلا بعد أن يكون المراد من هذا الخبر
ما تسمعه من خبر الاحتجاج، بل ربما يومي إليه ذكره في سؤاله الدال
على ما ذكرناه من كفاية ذلك في جواز البيع، دون المذكور في السؤال
الذي قد سمعت التعبير به ممن عرفت.
والظاهر أن المراد بما أجاب به روحي له الفداء من عدم جواز
بيع ما كان من الوقف على إمام المسلمين الكناية عن المؤبد منه، كما
أن المراد بالثاني المنقطع، على معنى أن لكل من الموقوف عليه منهم
بيع ما يقدر على بيعه وهو ماله من استحقاق المنفعة، فله حينئذ نقله
بصلح أو غيره، وللجميع نقل ذلك أيضا، لا أن المراد بيع نفس العين
الموقوفة، ولذا عدل عليه السلام عن التعبير عن ذلك بما سمعته من
العبارة خصوصا بعد أن لم يكن لهم ملكا تاما، ولذا يعود إلى الواقف
بعد انقراضهم، وليس مطلق الملك كاف في البيع، فإن المرهون مملوك
ولا يباع، فلعل المراد من ملكهم إياه استحقاق النماء والمنفعة لا ملك
البيع، بل قد يناقش في أصل انتقاله إليهم، وإن استحقوا المنفعة،
وحينئذ لم يكن وجه لبيعهم إياه، نعم قد يقال بجواز بيع الواقف له
كالعين المستأجرة، وأما خبر الغلام فمن المعلوم إرادة نقل ذلك الحق
لهم منه، وليس هو من الوقف قطعا، كما أن المراد من الخبر الآخر
الموصي بوقفه أو المنجز له في مرض موته، والفرض استغراق دينه فهو
خارج عما نحن فيه، فليس في الحقيقة مدرك للمسألة، إلا ما ذكرناه
373

أولا ومنه يعلم عدم توجه القول بشراء وقف آخر بثمن الوقف، كما
في بعض العبارات، بل منه يعلم النظر في كثير من الكلمات والله العالم
(ولا) يصح أيضا (بيع أم الولد) فعلا أو تقديرا بأن
كانت حبلى ذكرا كان الولد أو أنثى أو خنثى، والمراد بها من حملت
من مولاها وهي في ملكه، فلا يثبت في علوق الزوجة والموطوءة بشبهة
وإن ملكها بعد، وعن الخلاف وموضع من المبسوط يثبت إذا ملكها سواء
كان الولد حرا أو رقا، وعن موضع آخر منه شرط، كون الولد حرا،
والأقوى عدم الثبوت بذلك، كما عن ابن مارد روايته، وكذا لا يثبت
بعلوقها من المكاتب المشروط إذا عجز، ولو أدى ثبت، نعم لا يمنع
تحريم الوطئ بالعارض كالصوم والحيض والرهن من نفوذ الاستيلاد،
وأما التحريم بتزويج أو رضاع بناء على عدم الانعتاق به فعن المبسوط
نفوذه، ولكنه مشكل مع علمه بالتحويم ليتوجه الحد عليه، فلا يلحقه
النسب ولا بد مع الاشتباه من شهادة أربع نساء من ذوات خبرة بأن
ذلك مبدأ آدمي ولو مضغة.
أما النطفة فلا خلافا لما عن بعض، والفائدة في ابطال التصرفات
السابقة على الوضع بالبيع وشبهه، لا في استتباع الحرية لزوالها بموت
الولد فضلا عن عدم تمامه، وعلى كل حال فلا يجوز بيعها ولا الصلح
ولا غيره من وجوه النقل اجماعا بقسميه، ونصوصا (1) فما في صحيح
زرارة (2) (عن أبي جعفر عليه السلام سألته عن أم الولد، قال:

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب الاستيلاد و 24 من أبواب
بيع الحيوان
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3
374

أنها تباع وتوهب وتورث وحدها حد الأمة) والصحيح عن وهب بن
عبد ربه (1) (عن الصادق عليه السلام في رجل زوج أم ولد له عبدا
له ثم مات السيد قال: لا خيار لها على العبد هي مملوكة للورثة)
من الشواذ التي يجب طرحها، وإن حكي عن الصدوق العمل به، أو
تأويلها بإرادة من كان لها ولد مجازا، كما عساه يومي إليه صحيح
زرارة (2) عنه عليه السلام أيضا (أم الولد حدها حد الأمة إذا لم
يكن لها ولد) على أن الخبر الثاني رواه الشيخ في رجل زوج عبدا له
من أم ولد له ولا ولد لها من السيد ثم مات السيد إلى آخره ولا إشكال
فيه حينئذ ضرورة مساواة حكمها لغيره إذا مات ولدها في حياة سيدها
ولذا قال: المصنف لا يصح بيعها (ما لم يمت ولدها)، بلا
خلاف أجده فيه، بل لعل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص
التي منها ما سمعت، وإلى عموم تسليط الناس على أموالهم (3) المقتصر
في الخروج عنه على أم الولد التي لا تشمل الفرض حقيقة كما هو واضح
نعم لو كان له ولد ففي قيامه مقامه مطلقا وعدمه كذلك، والتفصيل
بين كونه وارثا وعدمه وجوه، بل الأخيران منها قولان، (أو) يكن
البيع (في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها) بأن لم يكن عنده ما يزيد
على مستثنيات الدين كما في الحدائق، فيجوز حينئذ بيعها خلافا للمرتضى
فمنع على ما حكي عنه من بيعها مطلقا، ولا ريب في ضعفه بل الظاهر أنه مسبوق بالاجماع وملحوق به (و) لكن (في اشتراط موت
المالك) مع ذلك كما عن ابن حمزة (تردد) من إطلاق جواز بيعها

(1) الوسائل الباب 72 من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستيلاد الحديث 1
(3) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث
375

فيه من غير اشتراط للموت، في صحيح عمر بن يزيد (1) (عن أبي الحسن عليه السلام سألته عن أم الولد تباع في الدين، قالك نعم
في ثمن رقبتها) ومن الاقتصار على موضع الوفاق وهو موت المولى، وإن
كان لا يخفى عليك ما في الثاني بعد اطلاق الصحيح السابق، المعتضد
بعموم تسلط الناس الشامل للفرض، فيكفي حينئذ في الجواز عدم الدليل
على المنع، من إجماع وغيره حتى إطلاق النهي عن البيع ولو سلم فهو
مقيد بما عرفت.
فما عن المقدس الأردبيلي وتلميذه في شرح النافع من المناقشة في
ذلك بعد أن حكيا عن ثاني الشهيدين الاستدلال على عدم الاشتراط
باطلاق النص بأنه لا إطلاق في النص يقتضي جواز بيعها في حال
الحياة كما ترى، وكأنهما لم يعثرا على الصحيح المزبور كما اعترف بذلك
أولهما، نعم قد يقال: أن الاطلاق المزبور يمكن تقييده بصحيح عمر بن
يزيد الآخر (2) (قال: قلت للصادق عليه السلام: أو قال: قلت:
لأبي إبراهيم عليه السلام أسألك فقال: سل فقلت: بم باع
أمير المؤمنين عليه السلام أمهات الأولاد قال: في فكاك رقابهن، قلت:
وكيف ذاك فقال: أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها
ولم يدع من المال ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها، وبيعت فأدي ثمنها
قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من أبواب الدين ووجوهه؟ قال: لا)
ضرورة ظهور قوله ولم يدع في حال الموت كظهوره في اعتبار ذلك في
الجواز، خصوصا بعد أن كان ذلك منها في بيان الكيفية المسؤول عنها،

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 و 1
(2) الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 و 1
376

الظاهر في إرادة القيدية، بل هو صريح ذيله الشامل للدين حال الحياة
فإنه من أبواب الدين ووجوهه التي هي غير المذكورة فيه.
وبذلك يظهر لك قوة اعتبار الموت في الجواز، وحينئذ لا وجه
لاعتبار الاعسار المفسر بما سمعت، ضرورة عدم الفرق بين المستثنيات
وغيرها في الدين، فيكون المعتبر حينئذ عدم شئ غيرها يؤدي عنه كما
في الصحيح، بل منه يستفاد عدم جواز بيعها في غير ثمنها من الدين
فما عن بعضهم من جوازه فيما إذا مات مولاها ولم يخلف سواها وعليه
دين مستغرق وإن لم يكن ثمنا لها، معللا ذلك بأنه إنما تعتق بموت
مولاها من نصيب ولدها ولا نصيب له مع استغراق الدين، فلا تعتق
فتصرف فيه لا يخلو من نظر، خصوصا على القول بأن التركة تنتقل
إلى الوارث وإن كان الدين مستغرقا، إلا أنه مخير في جهات القضاء،
فإن المتجه بناء على ذلك انعتاقها بانعتاق الشقص الذي ملكه ولدها
وليس للدين تعلق بها بعد أن منع الشارع عن بيعها في جميع وجوه الدين
وأبوابه، ولا ينافي ذلك ما عن يونس (1) (في أم ولد ليس لها ولد، مات
ولدها ومات عنها صاحبها ولم يعتقها هل يحل لأحد تزويجها قال: لا،
هي أمة لا يحل لأحد تزويجها إلا بعتق من الورثة فإن كان لها ولد
وليس على الميت دين فهي للولد، وإذا ملكها فقد عتقت بملك ولدها لها
وإن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها وتستسعى في بقية
ثمنها) وإن كان مفهومه يقتضي نفيها عن الولد بمطلق وجود الدين،
لكنه مقطوع قاصر عن مقاومة الصحيح السابق، فيجب تنزيله على إرادة
ما كان في ثمن رقبتها من الدين.
ومن ذلك يعلم النظر أيضا في جواز بيعها في كفن سيدها إذا لم

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب الاستيلاد الحديث 3
377

يخلف سواها، ولم يمكن بيع بعضها فيه وإلا اقتصر عليه، باعتبار
أولويته من الدين الذي فرض جواز بيعها فيه، إذ قد عرفت عدم
جوازه في غير ثمن رقبتها، ودعوى الأولوية منه ممنوعة، لاحتمال
ابتنائه على حكمة خاصة كما هو واضح، وهل يعتبر في جواز بيعها في
ثمنها توقف وفائه على بيعها أجمع حينئذ، فإن أمكن ذلك ببعضها اقتصر
عليه أو يكفي فيه توقف الوفاء في الجملة وجهان، هذا وقد الحق في
الصورة المستثناة ما إذا جنت على غير مولاها، قال: في الروضة فيدفع
ثمنها في الجناية أو رقبتها إن رضي المجني عليه، ولو كانت الجناية على
مولاها لم يجز لأنه لم يثبت له على ماله مال، وفيه أن التعارض من
وجه، ولا دليل على الترجيح، بل لعله للثاني باعتبار اقتصار النص
والفتوى على الجواز فيما عرفت، فيتجه حينئذ القول في الجناية الموجبة
للمال التزام المولى به من غير ثمنها، كما في الدروس وعن المبسوط أرش
جنايتها على سيدها بلا خلاف إلا من أبي ثور، فإنه جعلها (في ذمتها) تتبع به
بعد العتق.
نعم فيها عن الشيخ أيضا أنها كالقن إن لم يفدها السيد، وعن
كتاب الاستيلاد من المبسوط أنه يتعلق الأرش برقبتها بلا خلاف،
ويتخير بين البيع والفداء، وكذا حكي فيها عن خلافه، وعن المختلف
أن الشيخ غفل عما في الديات من المبسوط من عدم التعلق برقبتها،
وجنح إليه لأنه منع من بيعها باحباله، ولم تبلغ حالة يتعلق الأرش
بذمتها، فصار كالمتلف لمحل الأرش فلزمه الضمان، كما لو قتل عبده
الجاني، قلت: في الصحيح عن مسمع (1) (عن الصادق عليه السلام

(1) الوسائل الباب 14 من أبواب بقية الحدود والتعزيرات
الحديث 2
378

جنايتها في حقوق الناس على سيدها، وحق الله في بدنها) واحتمال
حمله على أن له الفداء مخالف للظاهر، ولو جنت على جماعة ولما
يضمن السيد، فعليه بناء على اعتبار الضمان في التزامه، فعليه أقل
الأمرين من قيمتها والأرش، وإن ضمن للأول فعن ظاهر المبسوط أنه
لا ضمان عليه، بعد إذا كان قد أدى قيمتها، بل يشاركه من بعده فيما أخذ
ولتحقيق ذلك محل آخر، والمراد هنا بيان عدم بيعها في جنايتها، بل
المتجه التزام المولى بها أو الاستتباع به بعد العتق، بل لو قيل أنه
للمجني عليه استرقاقها، أمكن أن يقال أنها لا تزيد على رقية المالك
الأول لها، لأنها تنتقل إليه على حسب ما كانت عند الأول.
لا يقال إن أم الولد لا يبيعها مولاها أبو الولد، أما إذا فرض
انتقالها إلى غيره لم يكن لعدم جواز بيعه لها وجه، لعموم تسلط الناس
على أموالهم (1) مع عدم المانع بالنسبة إليه، لأنا نقول: يمكن دعوى
ظهور الأدلة خصوصا صحيح ابن يزيد المتقدم في عدم بيع أم الولد
مطلقا، ومن ذلك يعلم أنه لا وجه للالحاق بالصورة المنصوصة ما إذا
كان ولدها غير وارث لكونه قاتلا أو كافرا معللا ذلك بأنها لا تنعتق
بموت مولاها حينئذ، إذ لا نصيب لولدها إذ المراد إن كان أن لمولاها
حينئذ البيع، ففيه بعد تسليم صورة صحيحة لذلك أنه يمكن منع كون
العلة فيها ذلك، ضرورة كون المانع أنها ذات ولد، وإن كان المراد
جواز بيع الوارث لها، ففيه ما عرفت من انتقالها إليهم على حسب ما
كانت عند الأول، إذ لا يزيد الفرع على أصله، وكذلك قد يناقش
أيضا فيما ذكر أيضا من الصورة الملحقة، ما إذا عجز مولاها عن
نفقتها ولم يمكن بيع بعضها، وإلا وجب الاقتصار فيما خالف الأصل

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث
379

على موضع الضرورة، ضرورة أن ذلك لا يقتضي تقييد دليل المنع،
إذ النفقة حينئذ تجب على المسلمين كفاية أو في بيت المال كالحر العاجز
عنها، وكالمملوك الموقوف كما هو واضح، وما إذا مات قريبها ولا وارث
له سواها لتعتق وترثه، وهو تعجيل عتق أولى بالحكم من إبقائها لتعتق
بعد وفات مولاها، إذ لا يخفى عليك أنه مجرد اعتبار، وليس بالأولى
من القول بالزام مولاها بالعتق، ثم دفع قيمتها إليه بسبب فوات ماله
عليه، وما إذا كان علوقه بعد الارتهان، أو بعد التفليس تقديما لهما
لسبقهما على حق الاستيلاد، وفيه أن التعارض من وجه، مع بناء العتق
على التغليب، والنهي عن بيعها في غير ثمنها من جميع وجوه الدين
وضروبه، مضافا إلى دعوى انصراف تخصيص النهي غيره في باب التعارض
من وجه، وإلى ظهور بعض النصوص الواردة في نحو ذلك، فيما تقدم
من المباحث السابقة الظاهرة في تقديم دليل التحريم على دليل التحليل
كما أومئ إليه عليه السلام في نكاح الامرأة في الدبر (1) لقوله (أنه
أحلته آية وحرمته أخرى فنحن لا نفعله) وبذلك يظهر لك النظر أيضا
في كثير من الصور الملحقة كبيعها على من تنعتق عليه، فإنه في قوة
العتق، فيكون تعجيل خير يستفاد من مفهوم الموافقة، حيث أن المنع
من البيع لأجل العتق، إذ قد عرفت أنه ليس في شئ من النصوص
التعليل بذلك، ولعله المستنبطة غير حجة كالاستحسان، وكذا الكلام
في جواز بيعها بشرط العتق لما تقدم، فإن لم يف المشتري بالشرط فسخ
البيع وجوبا، فإن لم يفسخ المولى احتمل انفساخه بنفسه، وفسخ الحاكم

(1) الوسائل الباب 73 من أبواب مقدمات النكاح ولكن ليس
فيها أنه أحلته آية وحرمته أخرى وهذه العبارة موجودة في باب 8 من
أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث 2 في نكاح الجارية الحبلى
380

إن اتفق، إذ لا يخفى عليك ما فيه أيضا بعد الإحاطة بما ذكرنا.
ولعله لذلك قال في الروضة، وما عدا الموضع الأول من هذه
المواضع غير منصوص بخصوصه، وللنظر فيه مجال، وقد حكاها في
الدروس بلفظ قيل، وبعضها جعله احتمالا من غير ترجيح لشئ منها
قلت: وكذا النظر أيضا فيما زيد على هذه الصور كما لو أسلمت قبل
مولاها الكافر، وإذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها، وإذا قتلته
خطأ، وإذا حملت في زمن خيار البايع أو المشترك، ثم يفسخ البايع بخياره
وإذا خرج مولاها عن الذمة وملكت أمواله التي هي منها، وإذا لحقت
بدار الحرب ثم استرقت، وإذا كانت لمكاتب مشروط ثم فسخ كتابته
وإذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد، وإذا أسلم أبوها أو جدها
وهي مجنونة أو صغيرة ثم استولدها الكافر بعد البلوغ قبل أن تخرج
من ملكه، بل ينبغي القطع بفساد الثانية والثالثة، ضرورة عدم
اقتضاء كل من الأمرين جواز البيع، وخصوصا الأخير منهما الذي
لا ريب في تحريرها به من نصيب ولدها نصا (1) وفتوى ولا يثبت
للمولى في كل منهما على ماله مال ولا استرقاق كما هو واضح.
ولعل مبني هذه الصور الزائدة على محل النص هو الترجيح في
الأدلة بعد التعارض من وجه، وفيه بحث أو منع، أو أن أم الولد
حكمها حكم غيرها من أموال السيد إلا في تلك الصورة الخاصة، ولا
يخفى ما فيه، فإنه قياس مع الفارق، لأن هذه قد تشبثت بالحرية بسبب
الولد، ومن الجايز أن الاستيلاد قد صار مانعا من التصرف فيها بهذه
الوجوه التي ذكروها ومقدما عليه، فتكون موروثة بعد موت السيد،

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب المكاتبة وباب 24 من أبواب
بيع الحيوان الحديث 3 و 1
381

وإن كان عليه دين مستغرق أو نحو ذلك من الأمور التي ادعوا
أنها مقدمة على الاستيلاد، وابنها من جملة الورثة فتنعتق عليه حصته (ثم يسرى العتق)
فتستسعى، أو يفكها الولد كما تضمنه بعض الأخبار فيما إذا لم يخلف
سواها، ويخرج الصحيح (1) شاهدا على ذلك، وكذا مفهوم صحيح
زرارة (2) أم الولد حدها حد الأمة إن لم يكن لها ولد) بناء على
إرادة عدم مساواتها للأمة في أمثال تلك التصرفات، لا أن المراد الحد
في الجناية، على أن جملة من الصور المزبورة يمكن دعوى خروجها
عن محل البحث الذي هو عدم جواز بيعها، ونحوه من الأسباب التي
يخرجها بها المالك عن ملكه إلى مالك آخر فالفسخ والاسترقاق ونحوهما
خارجة عن ذلك، وبذلك ونحوه ظهر لك أن المهم حينئذ تحقيق كون
مقتضى الأدلة عدم جواز نقلها إلا ما خرج بالدليل، أو جوازه إلا
ما خرج والظاهر الأول.
نعم لا يدخل فيه الانتقال بالفسخ ونحوه فتأمل جيدا كي تعرف
وجه الكلام في الصور المزبورة التي منها إسلامها قبل مولاها، فإنه
وإن حكي عن الشيخ بيعها حينئذ عليه، لكن عنه في الخلاف وموضع
من المبسوط أنه يحال بينه وبينها عند مسلمة، ويمنع من وطيها واستخدامها
وفي الدروس أنه تفرد في المختلف باستسعائها فتنعتق بأداء القيمة،
تفاديا من الضرار به أو بها، وقد تقدم منا في مسألة إسلام عبد الكافر
ترجيح بيعها لو أسلمت، لكن الانصاف عدم خلوه من النظر، ولعل
احتمال فكها من الزكاة أو من بيت المال أو بالسعي في قيمتها أو نحو
ذلك تكون به حرة مع وصول عوضها إلى مالكها جمعا بين الحقوق

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1
(2) الوسائل الباب 1 من أبواب الاستيلاد الحديث 1
382

كلها لا يخلو من قوة، والله العالم هذا وليعلم أن تمام الكلام في جملة
من مسائل المقام لا يكون إلا بالنظر فيما ذكرناه في بحث الاستيلاد
وفي الجنايات فلاحظ وتأمل والله الهادي.
(و) كذا (لا) يجوز (بيع الرهن) من مالكه (إلا
مع الإذن) من المرتهن أو فك الرهن قبل رد المرتهن بناء على الاكتفاء
به، لعدم كونه طلقا له باعتبار تعلق حق الارتهان فيه المانع عن نفوذ
ذلك، بلا خلاف أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى
النص (1) وقد، أشبعنا الكلام فيه وفي تصرف المرتهن في باب الرهن على
وجه لا مزيد عليه فلاحظ وتأمل) (ولا تمنع جناية العبد عن بيعه
ولا من عتقه، عمدا كانت الجناية أو خطأ) للأصل وإطلاق الأدلة
وعمومها (2) بعد عدم خروجه بذلك عن الملك، ولكن مع ذلك (على
تردد) فيه ينشأ مما عرفت، ومن تعلق الحق بعينه، فلا يكون ملكا
طلقا، بل عن الشيخ الجزم بعدم بيع الجاني عمدا الذي يكون التخيير
فيه للمجني عليه بين القتل والاسترقاق (3) إلا أن ذلك كله كما ترى
ضرورة أعمية تعلق الحق من اقتضاء عدم جواز البيع، خصوصا فيما
كان التخيير فيه للمولى بين الفداء بأقل الأمرين من الأرش والقيمة،
وبين الدفع للمجني عليه، فإنه يمكن أن يكون بيعه له التزاما له
بالفداء، بل لو لم نقل بكونه التزاما بذلك لم يمنع تعلق الحق من
البيع، أقصاه أنه إن لم يفده يتسلط على فسخ البيع وأخذ العبد، فلا
منافاة حينئذ في البيع لحقه، وكذا في الجناية عمدا.

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام الرهن الحديث 1 و 2
(2) سورة البقرة الآية 27 سورة النساء الآية 29
(3) الوسائل الباب 41 من أبواب قصاص النفس الحديث 1 - 3
383

نعم لو لم يعلم المشتري بذلك تخير ما لم يفده المولى، وتفصيل
ذلك أن الجناية إن كانت خطأ استوعبت القيمة أو لم تستوعب فالخيار
للمولى بين فكه بأقل الأمرين القيمة وأرش الجناية، لأن الجاني لا
يجنى على أكثر من نفسه، وبين دفعه للمجني عليه ليسترقه بقدر جنايته
فإن باعه والحال هذه، وقلنا بأن ذلك اختيار منه للفداء كما هو أحد
القولين صح، والتزم المولى بالفداء، فلو فرض امتناعه أو كان معسرا
كان للمجني عليه أو وليه انتزاع العبد، فيبطل البيع حينئذ فيه أو في
بعضه، وللمشتري الخيار مع الجهل بحال العبد ما لم يفده المولى، بل
وإن فداه في وجه، ولو كانت الجناية عمدا كان الخيار بين القتل لو
كانت الجناية موجبة له، والاسترقاق للمجني عليه أو وليه، فلو باعه والحال
هذه صح أيضا على الأقوى، فإن فداه المولى أو المشتري لزم البيع،
وإلا بأن قتل أو استرق بطل ورجع بالثمن، ولو استرق بعضه، فالباقي
مبيع ورجع بقدر ما فات من مقابل الثمن، وللمشتري خيار التبعض
مع الجهل، وإلا فلا، بل له الخيار معه، وإن لم يتبعض إذا علم بعد
العقد قبل فداء المولى له برضى المجني عليه، لكونه كالعيب ولتمام
الكلام في هذه الأحكام وأدلتها وفي مضى عتقه مع عدم الفداء وفي الجناية
عمدا محل آخر.
(الثالث) من الشروط (أن يكون) المبيع (مقدورا على تسليمه)
اجماعا في محكي التذكرة وكنز الفوائد وحواشي التحرير، فلا يصح
بيع ما يتعذر تسليمه كالطير في الهواء والسمك في الماء كما عن المبسوط
الاجماع عليهما، والتذكرة في الأول منهما، وفي الثاني نسبته إلى
أكثر العلماء كالإمامية والفقهاء الأربعة من الجمهور وغيرهم، ثم قال
384

ولا نعلم لهم مخالفا، وعن الغنية واعتبرنا أن يكون أي المعقود عليه
مقدورا على تسليمه تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء
والطير في الهواء، فإن ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف، نعم
قد يظهر من هذه العبارة بل وغيرها عند التأمل أن المراد من هذا
الشرط عدم جواز بيع ما يعجز عن تسليمه كالأمثلة السابقة، وقد يطلق
اشتراط القدرة على إرادة كون العجز مانعا، نحو ما ذكروه في كون
القدرة شرطا في التكاليف، وتظهر الثمرة في المشكوك فيه، فإنه بناء
على شرطية القدرة يمتنع بيعه، بخلافه بناء على مانعية العجز ومما يرشد
إلى ذلك أنهم قد ذكروا الاجماع كما عرفت على اشتراط القدرة مع
أنهم قد حكوا الخلاف في أمور.
منها بيع الضال فإنه قد قيل فيه وجوه الأول صحة بيعه مع
الضميمة لا مطلقا، غير مراعى بالتسليم وإن لم أجد به مصرحا على
التعيين، كما اعترف به بعض الأساطين الثاني صحته مطلقا مراعاة
بالتسليم، فلو تعذر تخير المشتري، وهو اختيار اللمعة والمعالم، الثالث
صحة بيعه مترددا بين الحاقه بالآبق فيفتقر إلى الضميمة ووقوعه مراعى
مطلقا، فلا يحتاج إليها قاله في التذكرة والقواعد، الرابع بطلان بيعه
منفردا مع التردد فيه منضما، وفي التقسيط والاختصاص على تقدير
الصحة وتعذر التسليم وهو للعلامة في النهاية، الخامس البطلان مطلقا
كما في ظاهر الروضة والمسالك وحواشي التحرير، ومنها بيع الضالة
وفيها احتمالات أولها الصحة بشرط الضميمة، الحاقا لها بالآبق لأنها
في معناه بل هي أولى منه بها، فإن الآبق ممتنع على صاحبه بخلاف
الضالة وإن كان فيه منع، لأن الآبق لتمدنه يظهر أمره ولا كذلك
385

الضالة، ثانيها الصحة مراعاة بالتسليم كالضال، قاله في المجمع، ثالثها
البطلان لتعذر التسليم وهو خيرة الدروس، ومنها ما في معنى الآبق
من الحيوان الممتنع كالجمل الشارد والفرس الغائر ونحوهما، وفيه أيضا
وجوده البطلان كما هو خيرة الشهيدين، والصحة مع الضميمة كالآبق،
وفي النهاية بطلانه منفردا مع التردد فيه منضما، والصحة مطلقا،
كما هو مقتضى إطلاق المجمع صحة بيع الضالة، والغرض من ذلك
كله بيان أن المراد بالاجماع المزبور على اشتراط القدرة ما عرفت من
عدم جواز بيع ما تحقق العجز عن تسليمه، كبيع طير صيد ثم فر
ومضى في الهواء، وسمك صيد ثم مضى في الماء ورجعا على حالهما
السابق قبل أن يصطادا، لا أن المراد اشتراط القدرة فعلا على تسليمه
كي يتجه عدم جواز مطلق ما لا يعلم حاله من الضال والضالة وغيرهما،
وإلا لم يكن لما عرفت من الخلاف في الأمور المزبورة وجه، ضرورة
عدم تحقق القدرة فعلا في شئ منها، ومن هنا كان المتجه فيها جميعها
الصحة مطلقا، لاطلاق الأدلة، نعم لو بان بعد ذلك التعذر، تخير
المشتري كما سمعته من اللمعة والمعالم، كما أن وجه الفساد في الذي
قد عجز عن تسليمه على وجه يكون كالمثالين السفه وغيره مما تعرفه، هذا
ولكن قد يستدل على اشتراط القدرة مضافا إلى الاجماع الذي قد
عرفت حاله بحديث النهي عن بيع الغرر (1) المشهور المعتبرة المتلقى
بالقبول بل قيل إنه قد أجمع عليه الموالف والمخالف القائل بحجية الخبر
الواحد وغيره، كالسيد المرتضى وابني زهرة وإدريس، بل رد به كثير
من الأخبار المسندة المروية من طرق الأصحاب، والغرر ما فيه الخطر قاله:
في الصحاح والمصباح والأساس والمغرب والمجمل يقال: هو على غرر،

(1) السائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3
386

أي على خطر، من قولهم غرر بنفسه إذا خاطر بها، ومنها الدعاء وتعاطى
ما نهيت عنه تغريرا) (1) أي مخاطرة وغفلة، والمخاطرة في غير المقدور
ظاهرة، فيكون غررا، وعن الأصمعي والأزهري أن بيع الغرر ما كان
على غيره عهدة ولا ثقة، وهو راجع إلى الأول، وكذا ما في القاموس:
وغرر بنفسه تغريرا أعرضها للهلكة، والاسم الغرر، وقيل: هو ما كان
له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول، قاله ابن الأثير في نهايته، وحكاه
الهروي في الغريبين عن ابن عرفه، والظاهر أن المراد بالمجهول ما يعم
مجهول الأصل ومجهول الحصول فيوافق ما تقدم في الصحاح والمجمل والمغرب
ومجمع البحرين من تمثيل بيع الغرر ببيع السمك في الماء والطير في
الهواء، وهو نص في المدعى، وفي التذكرة أنه قد فسره به، وهو محمول
على التمثيل، وفي جامع ابن سعيد: الغرر ما انطوى أمره، وهو تعريف
جامع، وروى ابن أبي المكارم الفقهي عن أمير المؤمنين عليه السلام
أن الغرر عمل ما لا يؤمن معه الغرر (2) وهذا ناظم لجميع ما قالوه،
وتحريم بيع الغرر يقتضي فساده، لتوجه النهي فيه إلى ركن المعاملة
بناء على أن الإضافة فيه من المصدر إلى المفعول وللملابسة والمراد
الغرر الحاصل من أحد العوضين.
وقيل: بل الفساد في مثله لفقد دليل الصحة، فإن قوله تعالى
(أحل الله البيع) (3) لا يدل على صحة بيع المحرم، وأما النهي فلا
دلالة فيه، لأنه في المعاملة لا يقتضي الفساد، وفيه منع حصر المقتضي
في الآية، وثبوت الاقتضاء في النهي مطلقا بحسب الشرع، وتحقيقه في

(1) صحيفة السجادية الدعاء 33 في التوبة
(2) ما عثرنا على هذه الرواية بعد الفحص عنه في مضانه
(3) سورة البقرة الآية 275
387

الأصول، ولا أثر للخلاف هنا للاجماع على فساد المنهي عنه بهذا المعنى
وهو كاف في المطلوب، قلت: المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من
حيث الجهل بصفات المبيع ومقداره، لا مطلق الخطر الشامل لتسلمه
وعدمه، ضرورة حصوله في كل مبيع غايب، خصوصا إذا كان في بحر
ونحوه، بل هو أوضح شئ في بيع الثمار والزرع ونحوهما، مضافا
إلى ما في الدعائم روينا (1) (عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه
عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الغرر، وهو
كل بيع يعقد على شئ مجهول عند المتبايعين أو أحدهما) والحاصل أن
من الواضح عدم المخاطرة في بيع مجهول الحال بالنسبة إلى التسلم وعدمه
خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر كما لا يخفى، وبذلك سقط الاستدلال
بالحديث المزبور على اشتراط القدرة بالمعنى المذكور، كما أنه يسقط
الاستدلال على ذلك بصحيح سليمان بن صالح (2) (عن أبي عبد الله
عليه السلام نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سلف وبيع،
وعن بيعين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن)
فإنه قد وجه الاستدلال به بأن ليس المنع عن بيع ما ليس عند البايع
إلا لاشتراط القدرة، لا لعدم حضور المبيع، للاجماع على صحة بيع
الغايب، ولا لعدم وجوده بالفعل لانتقاضه بالسلف، بل ولا لاشتراط ملكية
البايع كي يكون بيع الفضولي باطلا، لأن المنهي عنه بيع ما ليس عنده
دون ما ليس له، وقد يكون الشئ عنده وليس له وقد يكون (له وليس عنده مع أن اشتراط الملكية باطل لصحة بيع الوكيل والولي والحمل على
ما يشملهما والمالك دون الفضولي تعسف بعيد على أن القصد إلى ذلك لا يمنع من) إرادة
غيره، بعموم اللفظ فإن قوله ما ليس عنده، يشمل المملوك والمتعذر
تسليمه، وإن دخل فيه ملك الغير أيضا على القول ببطلان بيع الفضولي

(1) الدعائم ج 2 ص 19
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 4
388

لعدم تنافي الإرادتين، فيصح التمسك به في المطلوب وإن لم يختص
النهي به.
ولكن قد يقال المراد به الإشارة إلى ما هو مستعمل الآن وفي
السابق من بيع الشئ المخصوص مظهرا له أنه ما له وعنده، ثم يمضي بعد
ذلك إلى صاحبه ويشتريه منه بالنقص مما باعه ثم يدفعه إلى الذي باعه إياه أولا،
على أنه قد ورد من طريق الأصحاب ما ينافي ذلك كصحيح عبد الرحمن
ابن الحجاج أو حسنه (1) (قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل
يجئ يطلب المتاع فأقاوله على الربح ثم اشتريه فأبيعه منه، فقال:
أليس انشاء أخذ وانشاء ترك؟ قلت: بلى، قال: لا بأس به فقلت:
إن من عندنا يفسده قال ولم؟ قال: باع ما ليس عنده، قال:
فما يقول في السلف باع صاحبه ما ليس عنده؟ فقلت بلى، قال: فإنما
صلح من قبل أنهم يسمونه سلما، إن أبي كان يقول لا بأس بكل متاع
كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه) وفي صحيحه الآخر (2) أيضا
(سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل
ليس عنده، فيشتري منه حالا؟ قال: ليس به بأس قلت: إنه يفسده
من عندنا قال: وأي شئ يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به
بأسا يقولون هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل وليس عند صاحبه فلا
يصلح، فقال: إذا لم يكن أجل كان أجود، ثم قال لا بأس أن
يشتري الطعام وليس هو عند صاحبه إلى أجل أو حالا لا يسمى له
أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل البطيخ والعنب وشبهه في غير زمانه
فلا ينبغي شراء ذلك حالا) بل قد ينقدح من الأخير وجه آخر لقوله
ما ليس عنده وهو بيع الشئ حالا في غير وقته.

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 3 و 1
(2) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 3 و 1
389

وعلى كل حال فحمله على متعذر التسليم أو ما يشمله كما ترى،
لا إشعار في شئ من النصوص به، على أنه يمكن أن يكون ما قلنا
بفساد بيعه، وهو بيع ما تحقق فيه ذلك كالطير في الهواء والسمك في
الماء ونحوهما، لا أنه يدل على اشتراط القدرة على التسليم، بحيث
لا يصح بيع مجهول الحال فتأمل، والاستناد في ذلك إلى خصوص ما دل
على منع بيع الآبق باعتبار أنه لا مانع منه إلا عدم القدرة على تسليمه
يدفعه أن نصوصه (1) كما اشتملت على ذلك قد اشتملت أيضا على
جواز بيعه منضما إلى غيره ولو كانت القدرة على التسليم شرطا
لوجب اعتباره في جميع أجزاء المبيع، وإلا لكان القدرة على التسليم
شرطا في الجملة، ولو في جزء المبيع، كما حكي عن ظاهر جماعة من
الأصحاب، ولذا اجتزوا بالضميمة إلى كل ما تعذر تسليمه في صحة
البيع، من غير فرق بين الآبق وغيره، إلا أن ذلك خلاف ظاهر
العبارات السابقة ومعاقد الاجماعات، وعليه يتجه حينئذ عدم إرادة
ظاهرها، وليس ذلك بأولى مما ذكرنا.
وربما استدل أيضا على اشتراطها بوجوب تسليم كل من المتبايعين
ما انتقل عنه بالبيع إلى صاحبه، فيجب أن يكون مقدورا لاستحالة
التكليف بالممتنع، وأن الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير
إليه من العوض، ولا يتم إلا بالتسليم فيكون القدرة عليه شرطا،
وإن بذل الثمن على غير المقدور سفه، وتضييع للمال فيكون ممنوعا منه،
ويتوجه على الأول أنه إن أريد اثبات اشتراط القدرة على التسليم،
بوجوب التسليم منجزا فذلك باطل، لأنه مشروط بالبيع، وإن أريد
اثبات اشتراطها بوجوب الاقدام على ما يتمكن معه من فعل الواجب

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه
390

إذا وجب، منعنا الوجوب على الاطلاق، فإن التكليف مشروط بالقدرة
والعجز السابق على البيع كالمتجدد، فكما لا يجب التسليم في الثاني
فكذا في الأول، لا يقال الأصل في الوجوب عدم التقييد. وقد ثبت
بالقياس إلى العجز المتجدد، بخلاف السابق لأن القدرة على التسليم
إذا كانت شرطا كان الوجوب بالقياس إليها مطلقا، لكونها مفروضة
الحصول على هذا التقدير، لأن هذا الأصل معارض بمثله في جانب البيع،
فإن الأصل عدم اشتراطه بالقدرة على التسليم فيجب تقييد وجوب
التسليم بحصول القدرة السابقة كاللاحقة، وعلى الثاني منع كون الغرض
من البيع الانتفاع مطلقا بل بعد تسليمه، والانتفاع بالمتعذر حال البيع
كالانتفاع بالمتعذر بعده، وعلى الثالث المنع من لزوم السفه والتضيع على
الاطلاق، فإن بذل القليل من المال في مقابلة الخطير المتوقع الحصول مما
يقدم عليه العقلاء، ولا يعد مثله سفها ولا تضييعا، وإذا قلنا بعدم
الاجتزاء بالضميمة في بيع غير المقدور كما هو المشهور، كان توجه المنع
عليه أبين وأظهر.
كل ذلك مع أن هذا وشبهه إنما يقتضي المنع من بيع ما تحقق
العجز عن تسليمه على وجه تعد المعاوضة عليه سفها عرفا ونحن نقول
به، إنما الكلام في اعتبار القدرة على التسليم وهو أمر غير هذا، ومن
ذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكره القائل باعتبارها أي القدرة شرطا،
قال: التي هي شرط في البيع القدرة المعلومة للمتبايعين حال العقد،
دون القدرة الواقعية لأن الغرر لا يندفع بمصادفة الواقع، وإنما يرتفع
بالعلم، فلو باع ما لا يعلم حصولها فيه بطل البيع، وإن قدر عليه
بعده، ولو باع ما يعتقد تمكنه منه صح، وإن تجدد العجز، والمعتبر
في العلم الوثوق بالتمكن فلا يشترط اليقين، ولا يكفي فيه مطلق الظن
391

ضرورة أن هذا ثمرة الخلاف، فإنه بناء على كون العجز مانعا لا كون
القدرة شرطا صحة بيع ما زعمه غير مقدور ثم بان العدم، كما أنه
لا يجدي في الصحة زعم القدرة ثم بان الخلاف، وهو غير تجدد العجز
فتأمل، وكذا يظهر لك الحال فيما ذكره أيضا من أن القدرة المعتبرة
هي قدرة العاقد إذا كان مالكا ووليا أو وكيلا في البيع ولوازمه، أما
إذا كان وكيلا على خصوص العقد وإجراء الصيغة فالشرط قدرة الموكل،
لأنه المطالب بالتسليم دون الوكيل، وتظهر الفائدة فيما إذا قدر أحدهما
على التسليم دون الآخر، فإنه إن كان الموكل صح البيع، وإلا بطل،
ولو كان أحد المتعاقدين وكيلا على البيع وما يتبعه من اللوازم وعلم
الآخر بذلك ورضى بتسليم الموكل كفى في صحة البيع قدرة أحدهما
إن رضى الموكل برجوعه عليه، فلو عجزا معا بطل البيع.
وأما الفضولي فهذا الشرط غير متحقق فيه، ومن ثم ترجح بطلانه،
وذلك لأن إجازة المالك غير معلومة الحصول، إذ قد لا تحصل (فلا تحصل) القدرة
على التسليم مطلقا وقد تحصل، لكن بالقياس إلى نفس العقد دون
لوازمه فلا تحصل (القدرة عليه) من العاقد، وقدرة المالك إنما تؤثر لو بنى العقد
عليها وحصل التراضي بها حال البيع، لما عرفت أن بيع المأذون لا يكفي
فيه قدرة الإذن مطلقا، بل مع الشرط المذكور وهو غير متحقق في
الفضولي، والبناء على القدرة الواقعية باطل، إذ القدرة المشروطة هي
القدرة المعلومة دون الواقعية كما سبق بيانه، والقدرة الواقعية إنما تتحقق حال
الإجازة لا قبلها ضرورة أن الإجازة اللاحقة لا تؤثر القدرة السابقة، والمعتبر
من القدرة على ما ستعرفه ما كان حال البيع أو قريبا منه في الحال،
وعند حلول الأجل، وما يقرب منه في المؤجل، ولا ريب أن ذلك غير
392

حاصل في بيع الفضولي، والتأجيل بالإجازة غير مأخوذ في العقد، ولو
اشترط لم يضع لجهالة الأجل، والحاصل أن القدرة قبل الإجازة لم توجد
وبعدها إن وجدت فلا تنفع، لا يقال إنه قد يحصل الوثوق للفضولي
بارضاء المالك، وأنه لا يخرج عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة على
التسليم حال العقد، لأن هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا
لمصاحبة الإذن للبيع، غايته حصوله بالفحوى وشاهد الحال، وهما من
أنواع الإذن ومع الإذن لا يكون فضوليا، ولا يتوقف صحته على الإجازة
ولو سلمنا بقائه على الصفة، فمعلوم أن القائلين بصحة بيع الفضولي
لا يقصرون الحكم على هذا الفرض، كما يعلم من الرجوع إلى كلامهم
وتفريعاتهم التي فرعوها على هذا الأصل، بل فيه نظر من وجوه، منها
حكمهم ببطلان الفضولي تفريعا على هذا الشرط، مع أنه لا ريب في
كفاية قدرة المجيز على ذلك، وفي كفاية احتمال الإجازة كما لا يخفى،
بل لا يخفى ما فيه من غير ذلك أيضا.
وكيف كان فلا يتوهم من عبارة المتن اختصاص هذا الشرط في
المبيع، وإن اقتصر عليه فيها كغيره من كتب الجماعة، لكن المراد
التنصيص على المبيع ليعرف حكم الثمن بالمقايسة، ومن هنا أطلق الأكثر
بحيث يتناول العوضين معا، بل قد سمعت ما عن الغنية من جعل العنوان
المعقود عليه، بل عن كنز الفوائد وغيره التصريح بالثمن والمثن،
ووجهه واضح بعد الاشتراك في المقتضي كما هو ظاهر، وعلى كل حال
فقد فرع المصنف الآبق على هذا الشرط حيث قال: (فلا يصح بيع
الآبق منفردا) بلا خلاف محقق معتد به أجده، بل الاجماع بقسميه
عليه، وهو الحجة مضافا إلى الصحيح (1) (سألت أبا الحسن موسى

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
393

عليه السلام فقلت أيصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة وأعطيهم
الثمن وأطلبها أنا؟ فقال: لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها
ثوبا أو متاعا فتقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة وهذا المتاع بكذا
وكذا درهما فإن ذلك جائز) والموثق (1) (عن أبي عبد الله عليه السلام
في الرجل يشتري العبد وهو آبق عن أهله، قال: لا يصلح إلا أن
يشتري معه شيئا آخر ويقول أشتري منك هذا الشئ وعبدك بكذا وكذا فإن
لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه) والظاهر أن المراد
من الصلاح المنفي فيهما هنا الصحة، ولو لفهم الأصحاب نعم ظاهرهما
عدم صلاحية بيعه منفردا ممن لم يعلم حصوله له.
أما لمن كان في يده، فيبقى على إطلاق الأدلة، وفاقا للمحكي عن
ظاهر العلامة في النهاية والقواعد والشهيد في الدروس وصريح غيرهما،
بل المحكي عنهم عدم جواز بيعه إلا على من هو في يده، وإن كان فيه
إن الأقوى جواز بيعه أيضا على من يقدر على تحصيله وإن لم يكن في يده
وفاقا لصريح جماعة، بل عن المرتضى الاجماع عليه لاطلاق الأدلة
السالم عن المعارض، فإن الغاية المقصودة من التسليم حصول المبيع بيد
المشتري وهو ممكن بالفرض، غاية الأمر استناده إليه وهذا إن لم يكن
أولى من تمكن البايع فلا ريب أنه لا يقصر عنه، والغرر في مثله منتف،
وكذا السفه والاجماع على منعه ممنوع والمنقول منه معارض بما هو أقوى منه،
وإطلاق النص منزل على الغالب من تعذر الوصول أو المشكوك فيه أو
مقيد به، فإن الحكم معلل قطعا، وليس تعبدا محضا حتى يناط بصدق
اسم الإباق، وحينئذ فالشرط تمكن المشتري من المبيع بنفسه، أو بواسطة
البايع، أو قدرة البايع على التسليم ولو بواسطة المشتري كالأجنبي،

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2
394

مضافا إلى ما قد عرفت من أن المراد باشتراط القدرة عدم جواز بيع
المأيوس من تحصيله عادة كالطير في الهواء والسمك في الماء، ولو فرض كون
الآبق كذلك في بعض الأحوال لم يجز بيعه فيها منفردا ولا منضما كما
في كل ميؤوس منه، بخلاف غير المأيوس منه.
نعم مقتضى ذلك جواز بيع الآبق منفردا إذا لم يكن كذلك، إلا
أن النص والفتوى قد اتفقا على عدمه ما لم يكن في يد المشتري أو يتمكن
منه، ويمكن أن ينزل المنع فيهما على إرادة الشراء اللازم الذي ليس
للمشتري بعد ذلك فسخه اختيارا، ولا ريب في احتياج ذلك إلى الضميمة
فإنه بذلك يكون كذلك إذا أقدم كل من البائع والمشتري على ذلك،
فإنه لو فرض تعذر تحصيل الآبق يكون الثمن في مقابل الضميمة، ولا
يكون ثمن بلا مبيع كي يترتب عليه الفساد باعتبار عدم تحقق المعاوضة
فيه عرفا، وكذلك الضميمة في بيع الثمار، وحينئذ (1) فيكون ذلك
من الإمام تعليما للسائل وإرشادا له إلى الطريق الذي يحصل به ذلك،
لا أنه لإفادة حكم جديد، بل هو نحو ما صدر منهم عليهم السلام في
تعليم التخلص من الربا بضم غير الجنس ونحوه (2) وحينئذ فمقتضى
ذلك جواز بيعه منفردا إذا كان على ضمان البائع بمعنى كونه مراعى
بحصوله، وإلا كان من مال البايع، ويرجع المشتري على ثمنه.
ولعله إلى هذا نظر ابن الجنيد فإنه قال: في المحكي عنه ولا يشتري
أي الآبق وحده، إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه
البائع، وعن التحرير أنه حكي ذلك عن ابن الجنيد فقال: فيه عنه
أنه يجوز بيعه منفردا ويضمنه البايع، لكن قال بعض الأساطين: أن

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب الربا
395

مراد ابن الجنيد بالضمان المزبور كون البايع قادرا عليه، إذ كون الآبق
بحيث يضمنه البايع يستلزم قدرته عليه لأن ما يتعذر تسليمه يمتنع
ضمانه، وليس المراد به اشتراط ضمانه في البيع ولا الحكم على البايع
بالضمان كما يوهمه ظاهر التحرير وإلا لزم أن يكون مذهب ابن الجنيد
جواز بيع الآبق منفردا وإن لم يكن مقدورا، وهذا خلاف الاجماع،
ثم حكي عن التذكرة أن المشهور بين علمائنا أنه لا يصح بيع الآبق وإن
عرف مكانه، وقال بعض علمائنا: بالجواز وقال: هذا محمول على الجواز
حيث يتحقق الشرط، ويدل عليه تصريحه بالاجماع على اشتراط القدرة
على التسليم في صحة البيع قبل ذكره الخلاف، والظاهر أن هذا البعض الذي
نسب إليه القول بالجواز هو ابن الجنيد، فيجب تنزيل ما حكاه عنه على
ما عرفته من المحكي عنه سابقا ليتوافق النقلان، ولا يخفى عليك ما فيه.
وعلى كل حال فالظاهر أن الإباق من حيث كونه إباقا لا يمنع
البيع لما عرفت من جوازه إذا كان في يد المشتري أو قادرا عليه أو كان
البايع قادرا عليه، فإن الظاهر الصحة وإن تحقق الإباق لاطلاق
الأدلة السالم عن معارضة ما عدا إطلاق المنع من بيع الآبق المحمول على
غير ذلك، قال في محكي نهاية الإحكام: ولو عرف مكان الآبق وعلم
أنه يصل إليه إذا رام الوصول إليه، فليس له حكم الآبق، وفي المسالك
وإنما يمتنع بيع الآبق مع تعذر تسليمه، فلو أمكن صح، وإن سمي آبقا
إلى غير ذلك من عباراتهم، بل قيل في مصابيح العلامة الطباطبائي
ظاهرهم أنه لا خلاف في ذلك، وهو كذلك لاتفاق أصحابنا على أن
القدرة على التسليم شرط في صحة البيع، وأن المنع من بيع الآبق لتعذر
تسليمه، كما ينبه عليه استدلالهم به على المنع وتفريع المنع عليه
وجعله من توابع هذا الشرط، ومعلوم أن مجرد الإباق لا يقتضي تعذر
396

التسليم، فإن منه ما يتعذر تسليمه ومنه ما لا يتعذر، والمانع يجوز
الثاني لوجود الشرط، والمجيز يمنع الأول لفقده، فارتفع النزاع وعاد
الخلاف إلى الوفاق، ولم يبق إلا إطلاق المنع الموهم لإرادة المنع على
الاطلاق، والخطب فيه هين بعد وضوح المراد، قلت: قد يقال إن ظاهر
النص والفتوى المنع من بيع الآبق المجهول الحصول لا خصوص المتعذر
تسليمه، ومن ذلك يتجه أنه لا وجه لتعليل المنع من بيعه بتعذر تسليمه،
بل ولا تفريعه على اشتراط القدرة على التسليم، بناء على ما سمعته منا
في بيان المراد من ذلك، وإلا لم تجد الضميمة في رفع هذا المانع كما
هو ظاهر النص، فالمتجه حينئذ الاستناد في المنع منفردا، والجواز
منضما إلى النص (1) والاجماع، مع أنك قد سمعت سابقا وتسمع
لاحقا احتمال المراد منهما، وليس القول بأن الأصل يقتضي عدم جواز
بيع الأبق منفردا ومنضما لعدم القدرة على التسليم بأولى من القول
بالعكس، الذي قد سمعته بل قد يشهد له ما سمعته سابقا من تجويز
بعضهم بيع ما هو كالآبق من الضال، ونحوه من دون ضم كما تقدم
الكلام فيه، وكيف كان فهذا كله في بيع الآبق منفردا.
(و) أما إنه (يصح منضما إلى ما يصح بيعه) فلا خلاف فيه نصا
وفتوى، بل في محكي الإنتصار والغنية والخلاف وكشف الرموز والتنقيح
الاجماع عليه، بل عن كثير منهم كالمفيد والفاضلين والشهيدين وغيرهم
التصريح بأن المشتري حينئذ إن ظفر به قسط الثمن عليه، (و) أنه
(لو لم يظفر به لم يكن له الرجوع على البايع وكان الثمن مقابلا للضميمة)
نحو ما سمعته في موثق سماعة (2) بل لعله ظاهر الصحيح أيضا (3)

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1 و 2
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه
397

باعتبار كون المستفاد منه، عدم توقف مضي البيع على الظفر بالآبق،
ولو بالنظر إلى ترك البيان في محل البيان الراجع إلى الجواز على الاطلاق
وليس المراد به مجرد انتفاء التحريم بدلالة المقام وقرينة السؤال، بل
من ذلك يعلم عدم إرادة التقسيط في كلام من اقتصر على إطلاق جواز
بيعه مع الضميمة، فإنه ظاهر في لزوم العقد مطلقا، ولو كان المراد
لزومه بعد الظفر به لنبهوا على ذلك كما هو شأنهم في مثله، خصوصا
مع وقوع التصريح بخلافه في النص المعتبر (1) وحينئذ فلا تكون المسألة
خلافية بالنسبة إلى ذلك.
ومن هنا قال في محكي التنقيح، أن رواية سماعة (2) مؤيدة بعمل
الأصحاب، حتى أنه اجماع منهم، كل ذلك مضافا إلى أصالة لزوم
العقد المحكوم بصحته، وإلى أن بقاء العقد متزلزلا لا إلى غاية معلومة
في قوة بطلانه، نعم ما يحكى عن الآبي منهم من توقف انتقال الآبق
إلى المشتري على الظفر به محل نظر، قال: الآبق ما دام آبقا ليس مبيعا
في الحقيقة ولا جزء مبيع، إما أنه ليس مبيعا بانفراده فظاهر، وإما
أنه ليس جزء مبيع فلأنه ليس له شئ من الثمن، إلى أن قال: ولو
وجد وتمكن منه المشتري فإنه يصير جزء من المبيع ويكون له قسط من
الثمن لزوال العلة التي هي العجز عن قبضه، ضرورة مخالفته للأصل
وظاهر النص والفتوى، وقدرة التسليم ليست شرطا في الآبق المنضم
إجماعا واختصاصها بالثمن مع التعذر لا ينافي التوزيع عليه قبله،
بل الأقوى أنه لا يخرج عن ملك المشتري بالتعذر وإن اختصت
الضميمة حينئذ بالثمن، لأنه قد صار ملكا له بالعقد، فلا يخرج عنه

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه
(2) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه
398

من غير سبب فيكون المراد بالاختصاص على تقدير العجز عدم الرجوع
بحصة الآبق من الثمن وخروجه عن ضمان البايع، لا عدم مقابلته بشئ
منه في الواقع، كما عن ثاني المحققين والشهيدين التصريح به، فيصح
له حينئذ عتقه قبل العجز وبعده، وبيعه كذلك مع الضميمة وغير ذلك
مما يترتب على الملك، ثم أنه ينبغي أن تكون الضميمة من مالك الآبق
ومما يقع عليه البيع منفردة.
هذا، وقد بان لك من جميع ما ذكرنا قوة القول بأن للآبق
أحوالا ثلاثة، أحدها أن يكون مأيوسا منه نحو الطير في الهواء والسمك
في الماء، وهذا لا يصح بيعه ولو مع الضميمة، ثانيهما أن يكون مقدورا
عليه للبايع أو للمشتري، وهذا يصح بيعه من غير حاجة إلى الضميمة،
ثالثها أن يكون مرجو الحصول، وهذا يحتاج إلى الضميمة إن أريد بيعه
على وجه اللزوم، وأنه لا رجوع للمشتري على البايع حتى لو تعذر،
أما لو أريد بيعه لا على الوجه المزبور بل بيعا مراعى بالتسليم صح
بلا ضميمة، وإن كان لا يوافق إطلاق من عرفت من الأصحاب جواز
بيعه مع الضميمة، وعدمه مع عدمها، بل قد يقال: إن الأصل
يقتضي جوازه في الأول من الثالث من دون ضميمة إذا اشترط البايع
على المشتري سقوط الخيار الذي يحصل بتعذر التسليم، ولو سلم مخالفة
ذلك في خصوص الآبق باعتبار ظهور النصف والفتوى في انحصار صحة
بيعه على الوجه المزبور في الضميمة، أمكن منعها في غيره من الضال
والمجحود ونحوهما، لعدم ما يدل على الالحاق.
ومنه ينقدح عدم سقوط الخيار معها في غيره لو تعذر تسليمه أيضا
فيكون الحكم المختص بالآبق عدم الخيار لو تعذر تسليمه مع الضميمة،
وانحصار صحة بيعه على وجه اللزوم في الضميمة، ويحتمل قويا منع
399

الثاني فيه أيضا، بدعوى حصول اللزوم فيه باشتراط الاسقاط حال عدم
الضميمة، فيختص حينئذ بالحكم الأول فقط، ويمكن إلحاق غيره به
في ذلك أيضا، باعتبار ظهور التعليل في النص في عدم اختصاص الآبق
بذلك، فلا يختص حينئذ في حكم أصلا بل لعله الظاهر، ولكن لتصادم
الأمارات وقع الاشكال والتردد والخلاف في كلمات الأصحاب بالنسبة
إلى ذلك، قال في مصابيح العلامة الطباطبائي: قال ابن حمزة: إنه
لا يصح بيع ما فيه غرر إلا إذا ضم معه شئ مما لم يكن فيه غرر،
وظاهره أن الضميمة مصححة لبيع ما يشتمل على الغرر مطلقا، بل
قيل أنه قضية كلام السيدين حيث ذكرا في الإنتصار والغنية إن بيع
الآبق منضما ليس من بيع الغرر، لأن ما ينضم إليه مما لا غرر فيه
يخرجه عن الغرر، وفي التحرير القدرة على تسليم المبيع شرط في صحته،
فلو باع العبد الآبق منفردا لم يصح سواء علم مكانه أو لا، إلى أن
قال: وكذا الجمل الشارد والفرس الغاير وشبههما كالأبق في البيع ولو
ضم إلى هذه غيرها صح بيعه، وفي النهاية والضال والجمل الشارد والفرس
الغاير وشبههما كالأبق (في بطلان البيع وهل يصح مع الضميمة كالأبق اشكال) فإن قلنا به فلو تعذر تسليمه احتمل كون
الثمن في مقابلة الضميمة والتقسيط، وفي التذكرة الضال يمكن حمله
على الآبق لثبوت المقتضي وهو تعذر التسليم أو العدم لوجود المقتضي
لصحة البيع وهو العقد، فعلى الأول يفتقر إلى الضميمة، وعلى الثاني
لا يفتقر، ويكون في ضمان البايع إلى أن يسلمه أو يسقط عنه ونحوه
قال: في القواعد.
وقال الشهيد في الدروس: ولو باع بعيرا شاردا أو ضالا بطل،
ولو باع الآبق منفردا لم يصح، وفي اللمعة أما الضلل والمجحود فيصح
400

البيع ويراعى بامكان التسليم، فإن تعذر فسخ المشتري إنشاء، وقال:
المحقق الكركي في حواشي التحرير: وهل يلحق بالآبق الضال فيصح
بيعه بالضميمة حملا على الآبق؟ أم يجوز مطلقا نظرا إلى صورة البيع
وأصالة عدم الاشتراط وجهان، ذكرهما في التذكرة والقواعد، ويمكن ثالث
وهو عدم الجواز مطلقا، لأن القدرة على التسلم شرط اجماعا وهي
منتفية، وفي بعض الشروح بعد نقل الاحتمالين المذكورين في المتن ويمكن
احتمال آخر، وهو عدم الصحة مطلقا لانتفاء شرط الحصة، وهو إمكان
التسليم، والحمل على الآبق قياس، ولم أجد بالاحتمال الثالث
تصريحا، فيمكن أن يقال باشتراط القدرة على التسليم في الجملة لا مطلقا
وإلا لأمتنع مجئ احتمال الصحة هنا مطلقا أو مع الضميمة، للاجماع
على اشتراط هذا الشرط، فإن قلت: فيلزم جواز بيع ما يتعذر تسليم
بعضه، قلنا: لا، لأن المراد بقولنا في الجملة ما لا ينافي مسألة الآبق
والضال حذرا من مخالفة الاجماع لا مطلقا.
وقال الحلي: ولا يلحق به الضال فيصح بيعه بغير ضميمة، ويضمنه
البايع حتى يسلمه ما لم يسقط المشتري، وقال الشهيد الثاني في المسالك: ولا
يلحق به غيره مما في معناه كالبعير الشارد والفرس الغاير على الأقوى،
اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص، فعلى هذا يبطل البيع ويحتمل
الصحة مراعاة بالتسليم، وفي الروضة ولا يلحق بالآبق غيره مما في معناه
كالبعير الشارد والفرس الغاير على الأقوى، بل المملوك المتعذر تسلميه
بغير الإباق اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص، وقال في الضال
والمجحود: ويحتمل قويا بطلان البيع لفقد شرط الصحة وهو إمكان
التسليم، وقال المولى الأردبيلي: والظاهر أنه لا يقاس على الآبق الضالة
من البعير والغنم وغيرهما، فإن الظاهر جواز بيعها من غير انضمام شئ
401

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى ما فيها بعد الإحاطة بجميع
ما ذكرنا، ولا كون التحقيق ما عرفت، بل لعل الظاهر إلحاق إجارة
الآبق وما شابهه بالبيع فيما سمعته من الحكم بالنسبة إلى الضميمة
وغيرها، نعم في الدعائم (1) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (نهى
عن بيع العبد الآبق والبعير الشارد) وفيها أيضا قال علي عليه السلام (2)
(لا يجوز بيع العبد الآبق ولا الدابة الضالة) يعني قبل أن يقدر
عليهما وفيها أيضا متصلا بذلك قال جعفر بن محمد عليهما السلام (3)
(إذا كان مع ذلك شئ حاضر جاز بيعه، يقع البيع على الحاضر) لكن
لا جابر له على وجه ينافي بعض ما ذكرناه سابقا، والله العالم.
(و) كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أنه (يصح بيع
ما جرت العادة بعوده كالحمام الطائر والسموك المملوكة المشاهدة في المياه
المحصورة) ونحو ذلك، لاطلاق الأدلة السالم عن المعارض، لكن في
محكي التذكرة ولو باع الحمام المملوك وهو طائر فإن كان يألف الرجوع
فالأقوى الجواز، وهو أضعف وجهي الشافعي للقدرة على التسليم كالعبد
المنفذ في شغل، والأقوى عنده المنع، وقال أحمد: إذ لا قدرة في
الحال وليس له رادع يوثق به، وينتقض بالغائب فإنه غير مقدور عليه
في الحال، وفي محكي التحرير ولو باع ما يمكن تسليمه في ثاني الحال
لا فيه، فالوجه جوازه، ويتخير المشتري، (و) في الجميع ما لا يخفى،
نعم (لو باع ما يتعذر تسليمه إلا بعد مدة فيه تردد) لا زمان يسير
لا يسقط معه شئ من شئ من المنافع المعتد بها، فإنه ينبغي القطع

(1) الدعائم / ج 2 ص 20.
(2) الدعائم ج 2 / ص 21
(3) الدعائم ج 2 / ص 21
402

بصحته، وإلا لزم بطلان بيع الشئ الحاضر في البلد إذا كان غائبا
عن محل المعاملة ونحو ذلك مما هو معلوم البطلان، بل الأقوى في الأول
الجواز، وفاقا لصريح جماعة بل لا أعرف مصرحا بالمنع، بل ظاهر
المصنف وغيره ممن تردد في ذلك الميل إلى الجواز بعد التردد، لوجود
المقتضي وهو العقد الصادر من أهله في محله، مع انتفاء المانع فيه وهو
تعذر التسليم لامكانه كما هو المفروض، غاية الأمر تعذره في الحال
وليس شرطا، وإلا لزم بطلان السلف فيما لا يوجد حال العقد،
وبطلانه معلوم بالاجماع.
وأيضا ظاهر الفقهاء الاتفاق على جواز بيع الوديعة والعارية والعين
المستأجرة وبيع الشئ الغائب، ولذا أورده العلامة فيما سمعت نقضا
على الشافعي، بل جعله الثاني حجة على من منع من جواز بيع الدين قبل
حلوله، وكذا المغصوب الذي حكي عن الفاضل الاجماع على جواز
بيعه إذا كان البايع قادرا على انتزاعه، ولا ريب أن التسليم فيما ذكر
يستدعي زمانا طويلا غالبا، وحمل ذلك كله على ما يمكن تسليمه قبل
مضي زمان يفوت معه المنفعة المعتد بها ظاهر الفساد، بعد كون
الأصحاب بين مطلق لاشتراط القدرة على التسليم المتحقق في المسألة
ومصرح بالجواز فيها، أو فيما يستلزمها من المسائل المذكورة، بل
سمعت عن المرتضى وابن الجنيد ومن وافقهما جواز بيع الآبق المقدور للبايع
أو المشتري، بل عن ظاهر الشيخ وجماعة جواز بيع السمك في البرك
العظيمة التي لا يمكن اصطيادها منها إلا بعد مشقة ومضي زمان، نعم
عن الشيخ في الخلاف ما يوهم خلاف ذلك، حيث قال فيما لا يمكن
اصطياده من السمك المشاهد في الماء الكثير إلا بمؤنة وتعب: إنه لا يصح
بيعه عندنا، إلا إذا ضم إليه شئ من القصب أو غيره، لكنه ليس
403

نصا في اشتراط القدرة على التسليم في الحال، لاحتمال أن يكون
الوجه فيه تنزيل المشقة والتعسر منزلة التعذر، فلا يكون مقدورا على
تسليمه، كما أن ما سمعته من التحرير لا صراحة فيه في المنع في غير
ما ذكره، لاحتمال إرادة التمثيل به أو قصد ما بعد العقد مطلقا،
فلا خلاف محقق في المسألة، ومنه يعلم ضعف أحد وجهي التردد في المتن،
وهو مانعية العجز الفعلي، نعم لا بأس بثبوت الخيار في ذلك مع الجهل
لكون المشتري قادما على الانتفاع بالمبيع بعد البيع فلما تعذر ذلك
جبر بالخيار دفعا للضرر، بخلاف العالم فإنه لا خيار له للأصل السالم
عن المعارض.
وإلى ذلك كله أومئ المصنف بقول: (ولو قيل بالجواز مع ثبوت
الخيار للمشتري) أي مع الجهل ل‍ (كان قويا)، بل اللائق الجزم به
لما عرفت، لكن يبغي أن يعلم أن ما لا يمكن تسليمه في الحال إما أن
يشترط في بيعه تأخير تسليمه إلى أجل معلوم يمكن تسليمه فيه أولا، وعلى
التقديرين، فإما أن يكون المبيع موصوفا مضمونا في الذمة، أو عينا
موجودة معينة، ففي المسألة حينئذ صور أربع، الأولى بيع المضمون
المؤجل بأجل معلوم وهو السلف، ولا ريب في صحته ولا في عدم اشتراط
القدرة على تسليمه في الحال كما تعرفه في محله، الثانية بيع العين
الموجودة المشروط تسليمها بعد انقضاء مدة التعذر ولا ينبغي الشك في
صحة هذا البيع أيضا فإنه كالسلم، بل لعله أولى لاشتراكهما في التأجيل
وضبط الأجل مع زيادة وجود المبيع والعلم به فلا يدخله ما يدخل
السلم من الغرر المغتفر، الثالثة بيع العين المقدور تسليمها بعد مدة
غير مضبوطة في العقد، فإن كانت مقدرة في العادة، فالبيع صحيح لأن
العادة بمنزلة الشرط المذكور في العقد، بل الظاهر الجواز في غير المقدرة
404

عادة أيضا، للعموم المؤيد باطلاق الفتوى، فإنهم لم يشترطوا في بيع
ما يتعذر تسليمه في الحال انضباط المدة التي يمكن التسليم بعدها بحسب
العادة، كما لم يشترطوا تعينها في أصل البيع، وكلامهم في جواز بيع
الغائب والوديعة والعارية والمغصوب والآبق والسمك، (كالنص في ذلك) ضرورة عدم
انضباط المدة في ذلك واختلافها زيادة ونقصا اختلافا فاحشا، ولا غرر
في ذلك بعد إمكان التسليم، وفوات المنفعة مدة التعذر ليس من الغرر في
المبيع، وإنما هو غرر في غيره، إلا أنه أقدم عليه مع العلم، وجبر
بالخيار مع الجهل، فلا غرر حينئذ ولا ضرر، واشتراط ضبط الأجل
في المؤجل إنما هو لكون الأجل فيه مقصودا فوجب ضبطه، بخلاف غيره
مما لم يقصد فيه الأجل، فلم يعتبر فيه الضبط، وما يقال من أنه إذا
لم يعين الأجل في العقد ولم يكن مقصودا امتنع ثبوت الخيار في وقت تسليما
لاحتمال التمكن فيما بعده، يدفعه ما قيل: من أن الخيار ثابت عند
اليأس من حصوله، وهو معلوم بالعادة، الرابعة بيع الموصوف المضمون
المتعذر تسليمه في الحال من دون أجل، وفيه وجهان يلتفتان إلى أن
ذكر الأجل هل هو شرط في صحة السلم، فيصح بيعا لا سلما؟ أو في
صحة البيع فلا يصح مطلقا، أو يفصل بين ما ينضبط فيه المدة بحسب
العادة المنزلة منزلة الشرط وبين غيره؟ فيصح في الأول دون الثاني،
وربما كان ظاهر صحيح عبد الرحمن وحسنه (1) بطلان البيع في هذه
الصورة وصحته فيما عداها، وتعرف إنشاء الله في باب السلم تحقيق
الحال في ذلك والله العالم.
الشرط (الرابع أن يكون الثمن معلوم القدر والجنس والوصف
فلو باع بحكم أحدهما) أو ثالث أو عرف أو عادة في قدر الثمن،

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 1 و 3
405

أو جنسه أو وصفه (لم ينعقد) البيع بلا خلاف أجده فيه بيننا،
في أصل اعتبار العلم به عند المتبايعين، إلا من الإسكافي فإنه قال:
لو وقع البيع على مقدار معلوم بينهما، والثمن مجهول لأحدهما جاز إذا
لم يكن يواجبه كان للمشتري الخيار، إذا علم ذلك كقول الرجل بعني
كر طعام بسعر ما بعت فأما إن جهلا جميعا قدر الثمن وقت البيع
لم يجز وكان البيع منفسخا، وهو متروك بل مسبوق بالاجماع ملحوق
به، ومخالف لحديث نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الغرر (1)
نعم في الناصريات الاكتفاء بالمشاهدة في العلم به عن وزنه وكيله
وعده، من غير فرق بين ثمن السلم والأجرة وغيرهما، وكذا عن
الشيخ رحمه الله كما أني لا أعرف خلافا في عدم الاكتفاء بها كذلك
في المبيع إلا من الإسكافي، فجوز بيع الصبرة المشاهدة جزافا بجزاف
مغاير للجنس، كما حكاه عنه الشهيدان في الدروس والروضة والسيوري
في التنقيح على ما قيل، لا مطلق جواز بيع الجزاف الذي هو مذهب
العامة، وليس قولا لأحد من أصحابنا، وإن حكي عن ظاهر المجمع
والكفاية وجود القائل به منا إلا أنا لم نتحققه، ولعلهما أخذاه من
عبارة الإسكافي المحكية عنه في المختلف، إلا أن التدبر فيها وفي
المحكي عنه يقتضي ما عرفت، أو مما في الدروس عن المبسوط أنه مال
إلى صحة بيع الجزاف، وهو غير محقق أو المحقق عدمه، كما أن ما فيها
أيضا من أنه لا تكفي المشاهدة في الموزون، خلافا للمبسوط وإن كان
مال السلم خلافا للمرتضى لا يخلو من خلل لا يخفى على المتتبع.
وعلى كل حال فلا ريب في ضعف الجميع لأمور، أحدها الاجماع
المحكي إن لم يكن المحصل على اعتبار الوزن والكيل في الثمن والمثمن، ويتم

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3
406

في المعدود بعدم القول بالفصل، وقول المرتضى رحمه الله ما أعرف
لأصحابنا إلى الآن نصا في هذه المسألة أي اشتراط معرفة رأس مال
السلم غير مناف. لذلك خصوصا بعد إمكان تأخر الاجماع عن عصر
السيد، واللاحق كالسابق في الحجية، ثانيها معلومية شرطية العلم
بالعوضين في صحة البيع، وهو في كل شئ بحسبه، وما جرت العادة
فيه بتقدير مخصوص فالعلم يتبع حصول ذلك التقدير، وبيعه بدونه
خرص وتخمين، وليس من العلم في شئ، ومن ثم اتفقت الكلمة على
تسميته جزافا، وهو بنص أهل اللغة الأخذ بالحدس والمساهلة في الأمر
من غير تحقيق، فالمشاهدة إن أريد أنها تقوم مقام التقدير في حصول
العلم، فالحس يكذبه، والعرف يقضي بخلافه، وإن أراد حصول
المعرفة الاجمالية بها فهو مسلم، لكن لا يجدي نفعا في الصحة لبقاء
الجهالة، وانتفاء شرط المعلومية.
لا يقال المنفي في هذا الفرض المعلومية من كل وجه، وليست
شرطا، وإلا لما صح شئ من البيوع لخلوها عن الإحاطة التامة، وإنما
الشرط معلومية الشئ في الجملة، وهي حاصلة بالمشاهدة، لأنا نقول:
كما امتنع أن يراد بالعلم المشترط المعلومية من كل وجه، فكذا يمتنع
أن يراد به المعلومية في الجملة، وأنها لو كانت كافية في صحة البيع،
لزم أن لا يفسد شئ من البيوع بفقد شرط العلم، لامتناع المجهول
المطلق، وحيث بطل هذان المعنيان، ثبتت الواسطة بينهما، وهي
معلومية الشئ بحسب العادة، بمعنى ارتفاع الجهالة عنه كذلك، وعده
معلوما فيها على الاطلاق، وإن انتفت الإحاطة به من كل وجه، فإنها
اللازم من بطلان الطرفين المتقابلين، ومن تحكيم العرف والعادة فيما
407

لم يرد فيه تحديد من الشرع، ولا ريب أن معلوميته بحسب العادة
إنما يحصل بتقديره، بما هو المعتاد فيه، فلو انتفى كما في بيع المكيل
والموزون من غير كيل ووزن انتفت المعلومية بالمعنى المراد.
ثالثها حديث الغرر (1) فإنه كما يدل على أصل اشتراط العلم
بالعوضين، فكذا على وجوب تقديرهما بالأمر المعتاد فيهما، وذلك لأن
ما يقدر في العادة بالكيل والوزن مثلا يختلف فيه الثمن بحسب اختلاف
مقداره كيلا ووزنا، وما يختلف الثمن باختلاف التقدير فيه لا يرتفع
عنه الغرر والمخاطرة إلا بذلك التقدير، إذ المشاهدة إنما يرتفع بها
الغرر الحاصل من اختلاف الجنس والوصف، بخلاف المقدار فإنه
لا يدرك بالحس والخرص فيما يقدر عادة خلاف المعتاد، فالاختلاف
الحاصل من قبله غرر منفي، بخلاف ما يحصل من اختلاف الموازين
والمكاييل، فإنه عادي مغتفر في العادة، وقد علمت أن الغرر المنفي
هو الاختلاف الذي لا يتسامح به عرفا وعادة وإن قل، وأن المتسامح
به ليس بغرر أو غرر مغتفر، والاختلاف الحاصل بالكيل والوزن من
هذا القبيل، وكذا الحاصل بالمشاهدة فيما جرت العادة بالاكتفاء بها
سواء كان التقدير فيه غير ملحوظ أصلا كما في بيع الأناسي من العبيد،
أو مقصودا كما في بيع الثمار والأشجار، وبيع الحيوان المقصود منه
اللحم، فإن المقدار وإن كان مراعى فيه في الجملة إلا أنه لما جرت العادة
بالاكتفاء فيه بالمشاهدة، جاز بيعه كذلك وإن أمكن الوزن وسهل الاختبار.
رابعها ما رواه المشايخ الثلاثة رحمهم الله تعالى بطرق متعددة منها

(1) الدعائم ج 2 ص 19
408

الصحيح الواضح والراجح والحسن كالصحيح عن الحلبي (1) (عن
أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى من رجل طعاما عد لا بكيل
معلوم ثم إن صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الآخر بغير
كيل فإن فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته قال: لا يصلح إلا أن
يكيل، وقال: ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح
مجازفة، هذا ما يكره من بيع الطعام) فإن المفهوم من نفي الصلاح
عرفا ولغة ثبوت الفساد كما يشهد له غلبة استعماله في ذلك في النصوص
بل لعل ذلك هو الظاهر هنا من حال السائل فإن المهم السؤال عنه
باعتبار الصحة خصوصا بعد تجويز أهل الخلاف بيع الجزاف، فإن ذلك
مما يبعث على السؤال في حق الفقيه العارف، كالحلبي الذي هو من فقهاء
أصحاب الأئمة عليهم السلام، وأول من صنف في الفقه على ما قيل،
ولا ينافي ذلك الحكم بالكراهة في آخر الحديث فإنها تستعمل في الكتاب
والسنة بمعنى التحريم والأعم منه ومن الكراهة بالمعنى الأخص،
استعمالا كثيرا شائعا، فيحمل اللفظ عليه تحكيما للصدر على العجز،
بل لا إشكال أصلا بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها، كما
صرح به جماعة، وفي حديث أبي بصير (2) في بيع المثلين من التمر
بمثل هذا مكروه، فقال: أبو بصير: ولم يكره؟ قال: كان علي
عليه السلام يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر
خيبر، ولم يكن علي عليه السلام يكره الحلال، وقد قال الله سبحانه (3):
(كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) وأكثر المذكورات قبلها من
أكبر المحرمات، وثبوت الحكم في الطعام يقتضي ثبوته في غيره مما يكال

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2
(2) الوسائل الباب 15 من أبواب الربا
(3) سورة الإسراء الآية 38
409

أو يقدر بغير الكيل، لعدم القول بالفصل، وللأولوية في الموزون،
وظهور أن العلة المنع من المجازفة، فيطرد الحكم في الجميع، والتقييد
بالطعام في الجواب مع كونه بالمفهوم الضعيف، تنصيص على محل الحاجة،
وهو مورد السؤال فلا يقتضي تقييد الحكم، وليس في السؤال تصريح
بكيل البايع العدل الثاني، حتى ينافي ما ثبت من جواز الاعتماد على
إخباره، وقوله: فإن فيه مثل العدل الآخر ليس نصا في وقوع التقدير
بالكيل، فيحمل على إرادة التخمين والمقايسة بين العدلين لتشابههما
وتقاربهما في السعة، ولذا لم يتعرض لذلك في العدل الأول ولا للآخر
من أول الأمر، بل بعد ما عرف الكيل الأول، والمراد من قوله ما كان
من طعام سميت فيه كيلا ما كان مكيلا سمي فيه الكيل ويطلق عليه
اسم المكيل فالوصف غير مخصص، أو المقصود منه الاحتراز عما لا يكال
من المطعوم، وليس المراد ما بنى عقده على الكيل وسمي فيه الكيل عند
البيع، وإن أوهمه ظاهرا، لأن المنع عن المجازفة فيه معلوم بالضرورة،
لأخذ التقدير في بيعه، فلا يعقل جوازه بدونه، ومقام هذا السائل
الجليل يجل عن السؤال عن مثله، نعم يحسن السؤال حينئذ عن جواز
التعويل على إخبار البايع، وحيث امتنع ذلك كما عرفت تعين أن يكون
المراد ما قلنا.
ومنه يعلم ما في مناقشة المحقق الأردبيلي في الخبر المزبور، حتى
أنه بعد أن حصر الدليل فيه، وناقش بما عرفت ضعفه، ربما ظهر منه
الميل إلى الجواز، بل لعله صار سببا لجرأة غيره على ذلك أيضا، لكن
قد سمعت دلالته وغيره على المطلوب الذي قد يؤيد مضافا إلى ما ذكرناه
من الأدلة بظواهر الآيات المتضمنة للأمر بالوزن (1) وإقامته ونزول

(1) سورة الإسراء الآية 35
410

الميزان ووضعها (1) والأخبار الدالة على وجوب تقدير المسلم فيه بالكيل
والوزن (2) فإن السلف نوع من البيع، وكذا ما دل على المنع من بيع
الطعام المبتاع فبل أن يكال أو يوزن (3) بحمله على انتفائهما في البيع
الأول، لوجود المعارض وعدم ظهور وجه التحريم في غيره، وما تضمن
المنع من البيع بصاع غير صاع المصر كما رواه الحلبيان (4) فإن اطلاق
المنع منه يتناول صورة العلم بالمغايرة، ولا وجه له سوى تحريم
المجازفة، وكذا ما ورد من اعتبار المعدود والموزون بالكيل إذا تعذر
عده ووزنه (5) إذ لو صح الجزاف لكفى عن مؤنته.
وليس في شئ من ذلك دلالة يعتد بها، وإن كان لا يخلو التأييد
ببعضها من نظر، باعتبار كون المقصود منه أمر آخر لا تعلق لها بهذا
الفرض، كل ذلك مع عدم حجة معتد بها في الاكتفاء بالمشاهدة،
سوى دعوى وجود المقتضي للصحة وهو عموم الكتاب والسنة وانتفاء المانع
إذ ليس إلا الجهالة المنتفية بالمشاهدة التي قد عرفت جوابها نقضا بالبيع،
وحلا بما سمعت، وكذا حجة الإسكافي بأن المانع إن كان الربا، فهو
منتف بفرض الاختلاف في الجنس، أو الجهالة وهي مندفعة بمثلها،
وفيه أن المانع نفس الجهالة وهي تزداد بانضياف مثلها فكيف تندفع بها.
ومن الغريب بعد ذلك كله ما في الحدائق من المناقشة في خصوص
البطلان فيما لو باع بحكم أحدهما، المحكي عليه الاجماع عن التذكرة

(1) سورة الرحمن الآية 9
(2) الوسائل الباب 6 من أبواب السلف
(3) الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2
(5) الوسائل الباب 7 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
411

وغيرها، مضافا إلى ما سمعت في الصحيح أو الحسن كالصحيح عن رفاعة (1)
(سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت ساومت رجلا: بجارية له
فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم
فقلت له: هذه الألف درهم حكمي عليك فأبى أن يقبضها مني وقد
كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بالألف درهم، قال: فقال:
أرى أن تقوم الجارية بقيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت إليه،
كان عليك أن ترد ما نقص من القيمة، وإن كان قيمتها أقل مما بعث إليه
فهو له، قال: فقلت له: أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد ما مسستها،
قال: ليس عليك (أن تردها عليه ولك) أن تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب) بل ظاهره
بعد ذلك جواز بيع المكيل والموزون بغير كيل ولا وزن أيضا، لخبر
عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (2) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يشتري بيعا فيه كيل أو وزن بغيره ثم يأخذه على نحو
ما فيه فقال: لا بأس) وللأخبار الدالة على جواز تصديق البايع والأخذ
بما يقوله (3).
ضرورة أن الخبر الأول الذي لم يحكم بصحة البيع فيه على نحو
ما وقع فيه، بل بثمن المثل الذي لم يكن مقصودا لهما، مع اتحاده
وهجره بين الطائفة، واحتماله قضية في واقعة. والموافقة للعامة،
والتوكيل في البيع الذي ينبغي فيه مراعاة ثمن المثل وتلف الجارية
والشراء جديدا بثمن المثل، وغير ذلك مما لا يليق بالفقيه الجرأة به
على مخالفة قواعد المذهب التي صارت من ضرورياته، ويعرفه المخالف

(1) الوسائل الباب 18 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
(2) الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 4
(3) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه
412

لنا فضلا عن الموافق، وكذا الخبر الثاني الذي في سنده ما فيه، بل
من المحتمل قويا كون بغيره فيه (يعيره)، بالمثنات التحتانية والعين المهملة
من التعيير فصحف، ويكون حينئذ على نحو خبر عبد الملك بن عمر (1)
(قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشترى مائة راوية من زيت فاعترض
راوية أو اثنتين فازنهما، ثم أخذ سائره على قدر ذلك قال: لا بأس)
وغيره من الأخبار المراد منها اعتبار بعض المبيع على وجه يشهد بصدق
البايع في الأخبار بالتساوي أو تحصيل الطمأنينة بذلك بحيث يرتفع
صدق الغرر في البيع، بل لعل تصديق البايع من دون اعتبار كذلك
أيضا، فإن الشراء منه بناء على صدقه فيما أخبر به، لا يعد من شراء
المجهول والغرر والمجازفة قطعا، فإنا لا نعتبر في المعلومية أزيد من ذلك،
يعد تظافر النصوص بها (2) كما هو واضح لدى كل مجرد عن حب مخالفة
الأصحاب الذين هم حفاظ المذهب وحماته وقوامه وهداته، جزاهم الله
عن أيتام آل محمد خير الجزاء وشكر سعيهم، وقد فعل والحمد لله
أولا وآخرا.
(و) على كل حال ف‍ (لو تسلمه المشتري) مع اختلال هذا
الشرط بل وغيره من الشرائط (فتلف) في يده (كان مضمونا
عليه) مع العلم والجهل بلا خلاف ولا إشكال، لعموم على اليد (3)
ومن أتلف (4) وأصالة احترام مال المسلم، وقاعدة ما يضمن بصحيحه

(1) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه
(3) سنن البيهقي ج 6 ص 90 وكنز العمال ج 5 ص 257
(4) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار ومن أراد الاطلاع على
مداركها فليراجع القواعد الفقهية ج 2 للسيد البجنوردي.
413

يضمن بفاسده، والاجماع بقسميه، وغير ذلك مما يقضي بكونه مغصوبا
في يده، أو كالمغصوب في جميع أحكامه، فما عن الأردبيلي وتابعه
المحدث البحراني من الوسوسة في ذلك لأصالة البراءة وإمكان العلم
فضلا عن الظن بالرضا من البايع بالتصرف في المبيع، عوض التصرف
في الثمن، وإن كان البيع فاسدا، ونحو ذلك من الخرافات الخارجة
عن مفروض المسألة الذي هو قبض المبيع بالبيع الفاسد من حيث
كونه كذلك، الأجنبي عن المعاطاة المتوقفة على إنشاء جديد غير الأول،
وعن التصرف بعلم الرضا الذي هو جائز من دون توسط البيع في غير
محله، إنما الكلام في كيفية ضمانه، فخيرة المصنف بل ربما قيل الأكثر
أنه كان قيميا يضمنه، (بقيمته يوم قبضه) لأنه وقت تعلق الخطاب،
وإن كان ترتيبيا، ولخبر البغل (1) المتمم بعدم القول بالفصل بين مورده
أي الغصب وبين المقام، وقيل يوم تلفه، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر
لأنه زمان الانتقال إليها.
(وقيل بأعلى القيم من يوم قبضه إلى يوم تلفه) مطلقا كما هو
ظاهر بعضهم، بل ربما نسب إلى الأشهر لأن القيمة على اختلاف أحوالها
للمالك فيملك أعلاها، ولدعوى دلالة خبر البغل وإن كانت التفاوت
بسبب نقص في العين أو زيادة، لأن زيادة العين مضمونة مع بقائها،
فكذا مع تلفها دون ما لو كان باختلاف السوق، فإنه يضمن حينئذ
بقيمته يوم تلفه، كما هو صريح المسالك وفي محكي المقنعة والنهاية
في خصوص الفساد بما في المتن الضمان يوم البيع، إلا أن يحكم على
نفسه بالأكثر فيجب، أو يكون البايع حاكما فيحكم بالأقل فيتبع، وعن
أبي الصلاح والقاضي اختياره، ولعل الأقوى الثاني، لما عرفت من أنه

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1
414

زمان الانتقال إليها، بل ربما يرجع إليه الأخير، ضرورة كون البحث
في القيمة من حيث اختلاف السوق، وإلا فلا ريب في أنه للمالك
أرش النقص لو فرض حصوله في يد المشتري، مضافا إلى ضمان القيمة
يوم التلف ناقصة، ولا يضمنها كاملة تقديرا حال التلف، وكذا الزيادة
التي حصلت عند المشتري، إن قلنا بضمانها، لأنها كما لو كانت عند
البايع فتلفت عند المشتري في التبعية لملك العين، واستدامة الغصب
كابتدائه بالنسبة إلى ذلك.
نعم قد يتوقف في ضمانه لها لو رد العين إلى المالك، كما كان قد
أخذها منه، لصدق أداء ما أخذت، مع احتمال أن يقال: إنه وإن
صدق أداء ما أخذ بالأخذ الأول، لكنه غير صادق بالنسبة إلى استدامة
يده، فإنه أخذ أيضا ولم يؤد كما أخذ به، لأن الفرض تلف الزيادة،
فلا فرق حينئذ في ضمان النقص عما كانت في يد المالك، والنقص عما
كانت في يده زمانا من الأزمنة، وربما يأتي لذلك مزيد تحقيق
انشاء الله في باب الغصب، وعلى كل حال فهو خارج عما نحن فيه من
ضمان قيمة العين، من حيث السوق، ضرورة أنه في الفرض المزبور
يضمن النقص عند تلفه، ويضمن العين عند تلفها، لا أنه يضمن أعلى
القيم، فلعل مراد ثاني الشهيدين ذلك، كما هو خيرته في الروضة.
بل يمكن إرجاع القول بضمان أعلى القيم من القبض إلى يوم
التلف إلى ذلك بالتقريب الذي ذكرناه، إذ احتمال إرادة الأعلى
من السوق، يدفعه أن ذلك أمر اعتباري وليس مالا محققا كي يضمنه
الغاصب، فيكون في المسألة قولان، ولا ريب في أن ثانيهما أقواهما،
لأن الخطاب الترتيبي قبل حصول المرتب عليه غير محقق، فلا يترتب عليه
حكم، وخبر البغل غير دال على ذلك، لاحتمال كون المراد فيه يلزمك
415

يوم خالفته قيمة البغل لو عطب بل لعله الظاهر، لا أن المراد قمية يوم
المخالفة، فإن ذلك غير ملحوظ بل مقطوع بعدمه، خصوصا ومن المستبعد
اختلاف قيمة البغل في ذلك الزمان، ولذا حكم في آخره بأنه إذا أقام
صاحب البغل البينة على قيمة بغله يوم أجره أداها له وما ذلك إلا للبناء
على اتحاد القيمة في سائر الأحوال، كما هو الغالب وربما يؤيده أيضا
ما فيه جواب قوله، فإذا أصاب البغل كسرا ودبرا وغمر، عليك قيمة ما بين
الصحة والعيب يوم ترده عليه، ضرورة كون المراد أن عليك يوم ترد
البغل إلى مالكه قيمة ما بين الصحة والعيب يوم تعيبه، لأنه في ذلك
الوقت تعلق به الضمان دون يوم الأداء، ومن هنا يعلم ضعف احتمال
ضمان القيمة يوم الأداء في المسألة، مع أني لم أجده قولا لأحد،
كاحتمال يوم المطالبة والأعلى من يوم القبض أو التلف إلى المطالبة أو
الأداء فإنها مبنية على اعتبارات ضعيفة، والموافق لأصول المذهب
ما عرفته، كما أن الموافق لها في المثلي ضمانه بمثله، وبقيمته يوم إعوازه،
لأنه وقت الخطاب لا قيمته حين تسليم البدل، وإن قيل أنه الأشهر،
ولا أعلى القيم من يوم قبضه إلى اعوازه ولا إلى المطالبة، ولا إلى
الأداء ولا من إعوازه إلى المطالبة، ولا إلى الدفع، والله العالم.
(و) كيف كان فقد عرفت أنه (إن نقص) المبيع مثلا
(فله أرشه) مع رد العين أو عوضها، (و) كذا (لو زاد) لا بفعل
المشتري) بل من الله بل ومن فعله مع العلم بالفساد، فإنه ليس له
حينئذ إلا الزيادة العينية التي يمكن فضلها كما في المسالك وإن كان لا يخلو
من نظر نعم لو زاد بفعله جاهلا (كان له قيمة الزيادة وإن لم تكن
عينا)، وبالجملة حكمه في ذلك حكم الغاصب الذي تعرف تحقيق الحال
416

في محله انشاء الله هذا وقد ظهر لك مما ذكرناه في أول البحث الحال
في الشرط.
(الخامس) إذ كما يشترط العلم بالثمن على الوجه المزبور كذلك
يشترط (أن يكون المبيع معلوما) على الوجه الذي سبق وحينئذ
(فلا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جزافا ولو كان مشاهدا
كالصبرة ولا بمكيال مجهول) كقصعة حاضرة وإن تراضيا بها، ولا الوزن
المجهول كصخرة معينة ولا العدد المجهول كملأ اليد ونحوها بلا خلاف
أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النهي عن الغرر (1)
وعدم صدق العلم وغير ذلك مما سمعت وخصوص قول الصادق عليه السلام
في حسن الحلبي (2) (لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر)
وقال في الآخر: (3) لا يحل للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر
قلت: فإن الرجل يستأجر للكيل الكيال فيكيل له بمد بيته لعله يكون
أصغر من مد السوق ولو قال هذا أصغر من مد السوق لم يأخذ به ولكنه
يحمله ذلك ويجعله في أمانته فقال: لا يصلح إلا مد واحد والأمناء
بهذه المنزلة) وفي صحيح سعد (4) (عن أبي الحسن عليه السلام
سئل عن قوم يصغرون القفزان يبيعون بها قال: أولئك الذين
يبخسون الناس أشيائهم) فما في الحدائق عن الأردبيلي رحمه الله من
المناقشة في ذلك في غير محلها، نعم لو تعاقدا على صاع بلد ولو غير

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3
(2) الوسائل الباب 26 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب عقد البيع وشروطه 2 مع
اختلاف يسير
(4) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
417

بلدهما معلوم معروف عندهما أو وزن كذلك، أمكن القول بالجواز، ولا ينافيه
الحسن المزبور والمراد؟؟ منه عدم الجواز بصاع غير صاع المصر على أنه صاع المصر
لا مع الفرض المزبور الذي وجه الصحة فيه واضح، للعمومات، وعدم
الغرر وصدق العلم، ولعل هذا هو الذي يريده الأردبيلي، لا جواز
اتفاقهما على صخرة مجهولة، أو قصعة كذلك ونحوهما، مما وجه الفساد معه
واضح، كوضوح عدم الفرق بين الاعتبارات الثلاثة، فالمناقشة عنه أيضا
في اعتبار العدد في خصوص المعدود بمعنى أنه يجوز من غير اعتبار مع
التراضي في غير محلها، ضرورة تحقق الغرر، كعدم الكيل والوزن، في
المكيل والموزون، كما عساه يشهد له صحيح الحلبي وابن مسكان في
الجواز (1) كما ستعرف والتراضي بغير المشروع غير مجد، وليس من
المجهول ما يضعه حاكم الوقت معيارا للكيل والوزن، فيجوز البيع به
والشراء قبل شيوعه، وقد عرفت أن المدار صدق المعلومية على الاطلاق،
ولا ريب في اختلافها باختلاف الأحوال، فرب شئ في حال من الأحوال
لا مدخلية لاعتباره في صدقها، وإن توقفت عليه في حال آخر، بل قد
يقل المكيل مثلا على وجه لا يدخله الكيل لقلته، فإن الظاهر جواز بيعه
جزافا، كما هو واضح، والله العالم.
(و) كيف كان فلا خلاف ولا إشكال في أنه (يجوز ابتياع جزء
من معلوم) لا مجهول وإلا تجهل المبيع بجهله بخلاف ما إذا كان معلوما
بنفسه والجزء المبيع معلوما أيضا (بالنسبة) لكونه (مشاعا)
كالثلث والربع، فإنه لا جهاله ولا غرر حينئذ (سواء كانت أجزاؤه
متساوية أو متفاوتة) بل الاجماع بقسميه عليه للعمومات السالمة عن
معارضة الغرر (و) الجهل نعم (لا يجوز ابتياع شئ مقدر منه) لا بقصد

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2
418

الإشاعة، (إذا لم يكن متساوي الأجزاء كالذراع من الثوب والجريب
من الأرض أو عبد من عبدين أو من عبيد أو شاة من قطيع)
بلا خلاف ولا إشكال مع قصد الابهام الذي لا يصلح، لتعلق الخطاب
فضلا عن تحقيق الملك بالسبب المعتبر في متعلقه المعلومية، بل ظاهرهم
ذلك أيضا مع قصد الكلية، من دون خلاف فيه فضلا عن كل واحد
بخصوصه على البدل، نحو الوجوب التخييري، ولعل الوجه في الأخير
أنه ليس في الشرع ملك واحد على البدل، فلا يصلح لأن يكون موردا
لكل ناقل فضلا عن البيع، مضافا إلى صدق الغرر والجهالة التي هي
وجه الأول أيضا، لكن لو سلم ذلك في الأول حتى بالنسبة إلى الوصية،
وشاة الزكاة، يمكن إشكاله في الأخير بمنع الغرر والجهالة في بيع
الكلي، من غير فرق بين حصر أفراده المعلومة للمتبايعين بالصفات
المشتركة بينها على وجه يكتفي في بيع كلي منتزع منها وإن لم يحصر فيها
وعدمه، ولذا صح عندهم السلم في الكلي وإن كان قيميا، وصح بيع
الصاع من الصبرة وإن لم يكن على الإشاعة، كما ستسمعه انشاء الله.
بل صحيح الأطنان كالصريح في ذلك، روى بريد بن معاوية في
الصحيح (1) (عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى من رجل
عشرة آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، والأنبار
فيه ثلاثون ألف طن فقال: البايع قد بعتك من هذا القصب عشرة
آلاف طن، فقال: المشتري قد قبلت واشتريت ورضيت فأعطاه من ثمنه
ألف درهم، ووكل المشتري من يقبضه، فأصبحوا وقد وقع النار في
القصب فاحترق منه عشرون ألف طن، وبقي عشرة آلاف فقال العشرة آلاف
طن التي بقيت هي للمشتري، والعشرون التي احترقت من مال البايع) وهو

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
419

صريح فيما ذكرناه وكونه في أطنان القصب وهي مثلية متساوية الأجزاء
يدفعه أولا منع كونه من المثليات، وعلى فرض تسليمه لم يفرقوا فيما
ذكروه بين المثلي والقيمي، ولذا صرح في القواعد بالبطلان فيه، قال:
ولو قال بعتك صاعا من هذه الصيعان مما يتماثل أجزائه صح، ولو فرق
الصيعان فقال بعتك أحدها لم يصح، وظاهره التفرقة بين الصيعان
المجتمعة والمتفرقة، بل لم أر أحدا ممن تأخر عنه خالفه في ذلك.
إلا ما عساه يظهر من المحكي عن الأردبيلي، فإنه بعد أن حكى
عن الأصحاب المنع من بيع الذراع من الثوب أو الأرض، مع عدم
تعيين الموضع والجواز مع تعيينه بطرف مخصوص، قال: وفي تأمل إذ
لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم، فإنهما إذا تراضيا على
ذراع من هذا الكرباس من أي رأس أراد المشتري أو من أي جانب
كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك، مع أن الغالب هو التساوي
في طول ثوب الكرباس مثلا، والأرض المتصلة الأجزاء بمعنى عدم
التفاوت بين أجزائها، المستلزم للتفاوت في القيمة، وكأنه لحظ ما ذكرناه
وإن زاد بالمعية أخيرا في المناقشة، في خصوص الأرض والثوب، بأنه
ربما كانت متساوية الأجزاء، فما فهمه منه في الحدائق من اختصاص
خلافه في خصوص ذلك من مختلف الأجزاء، حتى أنه هو قد اختار
التفصيل في مختلف الأجزاء بذلك في غير محله، ضرورة اتحاد المدرك
في الجميع، بناء على ما ذكرناه.
(وكذا) صرحوا في البطلان فيما (لو باع قطيعا) من الغنم
مثلا (واستثنى منه شاة أو شياتا غير مشار إلى عينها) لأن الجهالة في
عين المخرج جهالة في المخرج منه الذي هو المبيع من غير خلاف
(و) لا اشكال فيه عندهم، نعم (يجوز ذلك في متساوي الأجزاء كالقفيز
420

من كر) حنطة مثلا، كما يجوز بيع القفيز منه بلا خلاف ولا اشكال
فيه للعمومات، بل (وكذا يجوز) عندهم (لو كان) المبيع من
متساوي الأجزاء (من أصل مجهول كبيع مكول من صبرة مجهولة
القدر) إلا أنه معلومة الاشتمال عليه، بل ربما جوز بعضهم بيع
ذلك منها مع عدم العلم باشتمالها وإن تسلط على الخيار حينئذ للتبعيض،
وستسمع الكلام فيه انشاء الله، ولعل الوجه فيما ذكره الأصحاب
صدق الجهالة متى كان المبيع الكلي على البدل، دون ما لم يكن كذلك
من الكلي وإن وجب على البايع دفع واحد على البدل، فإنه لا جهالة
فيه، بل لعل الكلي من صبرة مثلا أولى في صدق المعلومية من الكلي
غير المعين، إذ هو كلما ازداد توصيفا ازداد تعريفا، ومن ذلك ظهر الفرق
بين بيع الصاع من الصبرة وبين صاع من الصيعان المتشخصة كما أومأ إليه
الفاضل في القواعد فيما سمعته من قوله: ولو فرق الصيعان الخ.
نعم لو قصد بيع صاع منها على نحو الصاع من الصبرة صح وإن
كانت متفرقة كما أنه لو فرض قصد بيع أحد الأصواع من الصبرة
مشخصا لها بأحد المشخصات على نحو الصيعان المتفرقة بطل وإن كانت
مجتمعة، فالاجتماع والافتراق في كلامه إنما ذكر لغلبة إرادة الواحد
على البدل منها في الثاني، وإرادة الكلي منها في الأول، ولعل ذلك
كله ينافيه خبر الأطنان (1)، ضرورة عدم كون مورد عقد البيع فيه
الكلي البدلي، وإنما مورده العشرة آلاف ظن من الثلاثين ألفا، نحو
الصاع من الصبرة، ولذا قال في الدروس ولو باعه صاعا من صبرة
متماثل الأجزاء صح، وكذا عشرة أطنان من القصب المتماثل إلى آخره،
فجعلهما من باب واحد، نعم لو أن الثلاثين مقسومة ثلاثة أجزاء كل

(1) الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
421

جزء منها عشرة معينة فاشترى واحدة منها على البدل، كان المتجه فيه
حينئذ البطلان نحو ما سمعته في الصاع من الصيعان المشخصة، فضلا
عن الشاة من الشياه الموجودة، والعبد من عبيد مخصوصين، وبالجملة
المدار في الصحة والبطلان على متعلق نفس عقد البيع، فإن كان الكلي
البدلي بطل لصدق الجهالة عرفا، وإن كان المطلق صح لصدق المعلومية،
بل قد عرفت أنه أولى بذلك من الكلي غير المعين في صبرة، ضرورة
زيادته عليه بوصف كونه من هذه الصبرة فتأمل، هذا.
ولكن الانصاف عدم دليل صالح للفرق بين الصاع عن الصبرة وبين
الصاع في الصيعان المتمايزة، بل ولا بين العبد من العبيد المفروض
تساويهم في الصفات التي تلاحظ في البيع على وجه ترفع الجهالة، ويصح
انتزاع كلي منها موصوف بهذه الصفات، يكون موردا للبيع في الذمة،
ودعوى أنه يغتفر في بيع الكلي في الذمة ما لا يغتفر في بيع الكلي في
الخارج خالية عن الدليل، بل مقتضى العمومات الصحة بعد صدق
المعلومية عرفا بنحو ذلك، اللهم إلا أن يكون إجماعا والله العالم.
بقي الكلام في الذراع من الأرض والثوب ويمكن أن يكون الوجه
فيما ذكروه، أنه لمكان اختلاف الأفراد فيهما اختلافا فاحشا لا يصح
بيع الكلي فيهما، لعدم إمكان ضبطه على وجه ترتفع به الجهالة، ولذا
لو عينهما من طرف خاص صح، لكون المبيع فيهما مشخصا لا كليا،
والرضا بالذراع من هذا الثوب أو هذه الأرض المعلومين لدى المشتري
لا يصير المبيع نفسه معلوما، بل أقصاه الرضا بأي ذراع كان من هذا
الثوب أو من هذه الأرض، وهو غير كاف في صحة البيع المعتبر فيه
شرعا معلومية المبيع نفسه، وإلا لجاز بيع المجهول بالتراضي كما هو
واضح، نعم يتجه الصحة لو فرض إمكان الضبط بالوصف الرافع للجهالة
422

عرفا، ضرورة كونه حينئذ كالصاع من الصبرة، وكيف كان فقد بان
لك الحال في أطراف المسألة، حتى حكم الصاع من الصبرة، وأنه من
الكلي المضمون فيها لا المشاع، للصحيح المزبور، وإن كان لولاه لأمكن
ذلك مؤيدا بما تسمعه منهم في بيع الثمار، من تنزيل الثنيا إذا كانت
أرطالا معلومة على ذلك، وما تقدم من تنزيل شاة الزكاة على ذلك،
وغيرهما مما يفهم منه أن الأصل في ملك الكلي في الخارج الإشاعة، اللهم إلا
أن يفرق بين البيع وغيره، باعتبار القبض في لزومه وايجابه على البايع،
فمع فرض وجود فرد يتحقق فيه المبيع يجب عليه دفعه للمشتري، إذ
هو حينئذ شبه الكلي في الذمة بالنسبة إلى ذلك، ومن هنا لو فرض
حصول القبض من المشتري، ولو بأن قبض الصبرة أجمع بإذن البايع
كان مشاعا معه قطعا، كالقطع بها مع فرض تواطيهما على إرداة الإشاعة
وإن ذكر الصاع لتقديرها وإن لم يقبض فالتالف حينئذ عليهما، بل بان
لك أيضا الوجه في جميع أقسام الصبرة، وذلك لأنها إما أن تكون
معلومة أو مجهولة فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع، وبيع جزء منها
معلوم مشاع كثلث وربع، وبيع مقدار معين كقفيز تشتمل عليه، وبيعها
أجمع كل قفيز بكذا لا بيع كل قفيز منها بكذا، فإنه غير جائز لجهالة
قدر المبيع الذي هو القفزان، كما أن البيع باطل في المجهولة في الأقسام
كلها، إلا الثالث الذي قد عرفت الحال فيه، خلافا للمحكي عن ظاهر
الشيخ فجوز بعتكها كل قفيز بدرهم، ولا ريب في ضعفه للجهالة.
نعم وجه الصحة في الثالث ظاهر، بل قد عرفت القول بالصلح
مع عدم العلم باشتمالها عليه، وإن كان فيه أن الجهل بوجود مقدار
المبيع من أعظم أفراد الغرر، بل هو من بيع المجهول، وإلا لجاز
شراء كل صبرة بتخمينها بمقدار معين، خصوصا إذا كان على وجه يعلم
423

عدم زيادتها عليه، بل هي مساوية أو ناقصة مع الجبر بالخيار على التقدير
الثاني للتبعض، وكأنه معلوم الفساد عدهم، نعم لو فرض طمأنيته
باشتمالها عليه أمكن الصحة، ومن هنا قال في الروضة: لو قيل:
بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه كان متجها بل ظاهره ذلك،
حتى لو بان العدم وإن تسلط على الخيار للتبعيض وتسمع تمام التحقيق
فيه عند تعرض المصنف للنقص في صورة القطع إذ لا فرق بينهما
بالنسبة إلى ذلك، بل تسمع غير ذلك مما له دخل في المقام فلاحظ وتأمل
جيدا والله العالم.
(و) كيف كان ف‍ (إذا تعذر عد ما يجب عده جاز أن يعتبر
بمكيال ويؤخذ بحسابه) بلا خلاف، للصحيح عن ابن مسكان
والحلبي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الجوز لا يستطيع
أن يعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك
من العدد قال: لا بأس، بل الظاهر الاكتفاء بالتعسر كما عبر به غير
واحد من الأصحاب، بل قد يقال بعدم اعتبار شئ منهما في ذلك،
لصدق المعلومية، واندفاع الغرر الذي لا ينافيه الاختلاف اليسير بذلك،
نحو اختلاف المكاييل والموازين والاندار للظروف، بل قد سمعت خبر
عبد الملك المشتمل على شراء مأة راوية من الزيت بوزن واحد منها (2)
ثم قياس الباقي من غير ذكر للتعذر والتعسر لا ينافيه ذكر عدم الاستطاعة
في سؤال هذا الخبر دون جوابه، فيكون ذلك أحد الطرق التي يرتفع
بها الغرر والجهالة، نحو أخبار المخبر، لأن ذلك مستثنى من قاعدة

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2
(2) الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
424

الجهالة والغرر للتعذر أو التعسر.
نعم قد يستفاد من الخبر الأول عدم جواز بيع المعدود كيلا،
ولعله كذلك لعلم ارتفاع الغرر به حينئذ، بل ووزنا أيضا كالموزن
كيلا أو عدا والمكيل وزنا أو عدا، وفي محكي السرائر نفى الخلاف في
منع بيع الموزون كيلا، فضلا عن بيعه أو المكيل عدا، لكن عن بعضهم
جواز بيع كل من المكيل والموزون بكل منهما، لحصول الانضباط بهما
ولخبر وهب (1) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهما السلام قال: (لا بأس
بالسلف ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن) وبه أفتى الشهيد في
سلم الدروس قال: ولو أسلم في الكيل وزنا وبالعكس فالوجه الصحة،
لرواية وهب عن الصادق عليه السلام، وعن آخر جواز كل من المكيل والمعدود
بالوزن دون العكس، لأنه الأصل والأقوى في دفع الغرر، وإنما عدل
إلى الكيل تسهيلا، والكل كما ترى، وخبر وهب مع ضعفه واحتماله
إرادة نفي البأس عن سلف كل منهما في كل منهما على جهة الثمنية
والمثمنية، بل عن بعضهم الجزم بذلك مؤيدا بايراد الشيخ لها في باب
اسلاف السمن بالزيت، قاصر عن معارضة قاعدة الغرر والجهالة المؤيدة
بالعقل والنقل، ودعوى أصالة الوزن في دفع الغرر واضحة المنع،
ضرورة عدم اندفاع شئ منه في مقام لا يعرف فيه إلا الكيل كالعكس
كما هو واضح.
نعم في شرح الأستاذ تقييد ذلك بما إذا لم يعلم حاله زمن النبي
صلى الله عليه وآله، وإلا جاز بيعه على الحال السايق ولو علم تغييره
عادة، للاجماع المنقول فما كان جزافا يبقى على جوازه، وما كان
اختباره بنحو يبقى على اختباره، وإن استلزم الغرر على إشكال، وفي

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب السلف الحديث 1
425

خصوص الحنطة والشعير بجواز اعتبار الوزن فيهما وإن كانا مكيلين في
عهده صلى الله عليه وآله للاجماع المنقول، وحينئذ فالمرجع إلى العادة
مشروط بجهل الحال في زمانه بالمرة، أو العلم بالتقدير والجهل بالخصوصية
ومع فقدهما فلا يلحظ في الأول سوى حصول الغرر وعدمه، وأما في الثاني
فقيل: يقدم الوزن، لأصالته، وقيل: الكيل لغلبته وقيل: يتخير، والظاهر أن
حاله كحال ما قبله، وكأنه تبع بذلك ما في الحدائق فإنه بعد أن حكى عن
تصريح الأصحاب بأن المراد بالمكيل والموزون ما ثبت في زمنه صلى الله
عليه وآله وسلم، وحكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيها، فكل
ما كان مكيلا في بلد أو موزونا فيه يباع كذلك، وإلا فلا، وحكي عن
الأردبيلي المناقشة في ذلك باحتمال إرادة المتعارف عرفا عاما، أو في
أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة إلى كل بلد بلد نحو المأكول
والملبوس، فيما يسجد عليه، والظاهر هو الأخير قال: في الرد عليه
أن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الأخبار الحمل على عرفهم
عليهم السلام، فكل ما علم كونه مكيلا أو موزونا في زمنهم عليهم السلام
وجب اجراء الحكم عليه بذلك في الأزمنة المتأخرة وما لم يعلم فهو بناء
على قواعدهم يرجع إلى العرف العام إلى آخر ما ذكروه من التفصيل
إلى أن قال وأما ما يفهم من كلامه من الرجوع إلى العرف العام مطلقا،
وإن علم كون مكيلا أو موزونا أو علم عدمه في زمنهم عليهم السلام
فالظاهر أنه بعيد، مخالف لما صرح به الأصحاب في غير موضع من تقديم
العرف الخاص أعني عرفهم عليهم السلام على العرف العام أو عرف كل
بلد، وبالجملة فمحل الاشكال فيما يجهل حاله في زمنهم من كون العرف
العام لا انضباط له، فإن لكل قطر عرفا وعادة والأحكام متحدة
لا اختلاف فيها ولا تناط بالأمور الغير المنضبطة.
426

ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغرايب ضرورة خروج
ما نحن فيه عن مسألة معاني الألفاظ، فإن المكيل والموزون لا اختلاف
في معناه في عرفنا وعرفهم، وإن اختلفت أفراده فيهما فرب مكيل
وموزون في ذلك الزمان ليس كذلك في هذا الزمان وبالعكس، وهو
ليس اختلافا في المعنى وهو واضح، كوضوح كون المراد أن ما يباع كيلا أو
وزنا مثلا على وجه يكون معتبرا في إرادة كميته الملحوظة في البيع
واختلاف الثمن باختلافها، بل مع عدم اعتبار عدمها عد من شراء
الجزاف، لا يجوز بيعه إلا كذلك للغرر والجهالة، كما أومئ إليه في
صحيح الحلبي السابق (1) بقوله ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه
لا يصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام، بناء على ما ذكرناه في
تفسيره من عدم جواز بيع المسمى باسم المكيل مجازفة، بل منه ومن
النهي عن البيع بصاع غير صاع المصر وغير ذلك، مضافا إلى القواعد
يظهر كون المدار في المكيل والموزون والمعدود على المسمى بذلك، من
حيث تعارف بيعه بأحد الاعتبارات أو بها على وجه يعد بيعه بدونها
بيع مجهول وغرر، فيدور الحكم حينئذ مدار ذلك، وإن اختلف باختلاف
الأقطار والأمصار والأزمنة، وليس ذلك من اختلاف الأحكام الشرعية
نفسها، بل هو من اختلاف موضوعاتها وعنوانها التي تدور مداره، كما
هو الضابط في كل عنوان حكم وموضوعة إذا كان من هذا القبيل،
ودعوى الاجماع هنا على كون المدار على زمان النبي صلى الله عليه وآله
على الوجه الذي عرفته غريبة، فإني لم أجد ذلك في كلام أحد من
الأساطين فضلا عن أن يكون إجماعا.
نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا كما تسمعه في محله لا أنه كذلك

(1) الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
427

أيضا بالنظر إلى الجهالة والعلم والغرر، وعدمه الذي من المعلوم عدم
المدخلية لزمانه صلى الله عليه وآله وسلم في رفع شئ من ذلك
وإثباته، واحتمال جوازه مع الغرر والجهالة مما لا يعرفه أحد من الفقهاء،
بل ظاهر كلام من وقفنا عليه منهم عدمه، بل لا يبعد القول بعدم
اعتبار الكيل والوزن في زمانه عليه السلام، مع فرض تعارف عدمه
فيما تعقبه من الأزمنة، وإن أثموا بذلك من أول الأمر حيث أقدموا
على البيع فاسدا، لكنه تعارف ذلك بحيث ساوى ما يباع
جزافا، ضرورة عدم صدق الجهالة والغرر، لتوقف تحققهما على اعتبار
العلم بالكمية وملاحظتها حتى يقال إن ذلك بدونها مجهول وفيه غرر،
بخلاف ما لو كان جزافا في زمانه عليه السلام، ولكن تعارف اعتبار
الوزن مثلا فيه فإن بيعه بدون ذلك من الغرر والجهالة قطعا، نعم
لا عبرة بالعادة الناشئة عن التسامح في الدين والاقدام على المغابنة
فإن مثله لا يكون عادة ضرورة كون الكمية ملاحظة لهم لكن يفعلون
ذلك تسامحا.
وربما اشتبه الحال على بعض الناس من الفرق، بين العادتين،
ولا إشكال مع اتفاق العادة أما مع اختلافها فالمتجه جريان حكم كل
قطر على عادته، بل لا يبعد صحة المعاملة بين شخصين من أهل قطر
تعارف الجزاف فيما بينهم وإن وقع ذلك منهما في البلد التي تعارف
فيها الكيل وبالعكس، إنما الاشكال مع اختلاف المتعاقدين، ولا ريب
في الصحة مع ملاحظة الاعتبار الجامع لهما. والأقوى الفساد مع عدمه
لأن الجهالة بالنسبة إلى أحدهما كافية في فساد العقد، من غير فرق في
ذلك بين وقوع المعاملة في بلد الاعتبار أو بلد الجزاف أو في مكان
خارج عنهما، ضرورة عدم اندفاع الجهالة بالبلد، فينبغي حينئذ لهما
428

التخلص بمعاملة لا تقدح فيها الجهالة كالهبة المعوضة ونحوها، ومن ذلك
كله يعرف ما في شرح الأستاذ حيث قال: ثم الرجوع إلى العادة مع
اتفاقها اتفاقي، ولو اختلفت فلكل بلد حكمه، كما هو المشهور وهل يراد
بلد العقد أو المتعاقدين الأقوى الأول، ولو تعاقدا في الصحراء رجعا
إلى حكم بلدهما، ولو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم، أو ذو الاختبار
على ذي الجزاف، أو البايع في مبيعه، والمشتري في ثمنه، أو يبني على
الاقراع مع الاختلاف، وما اتفق عليه مع الاتفاق أو التخيير، ولعله
الأقوى، ويجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف
البلدان، والأولى التخلص بايقاع المعاملة بنوع لا تفسده الجهالة، من
صلح أو هبة معوضة أو معاطاة ونحوها، ولو حصل الاختلاف في البلد
الواحد على وجه التساوي، فالأقوى التخيير، ومع الاختصاص بجمع
قليل إشكال إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل والإحاطة بما ذكرناه.
(و) كيف كان فلا خلاف معتد به في أنه (يجوز بيع الثوب
والأرض مع المشاهدة وإن لم يمسحا) بل في التذكرة الاجماع عليه،
وظاهره من أهل العلم، وهو الحجة بعد العمومات السالمة عن معارضة
دليل الغرر والجهالة، بعد فرض تعارف بيعها كذلك وإن بيعت أيضا
بالذرع لكن ذلك لا يقتضي الغرر والجهالة بدونه لكن مع ذلك، قال
المصنف (وإن مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك وتعذر ادراكه
بالمشاهدة)، ولعله لما في الدروس من أنه يظهر من الخلاف المنع وفي
غيرها عن الحلبي ذلك أيضا أو أنه لم يرد بذلك الإشارة إلى خلاف،
بل لتأكد الوضوح، كما في المسالك وإلا فتفاوت الأغراض لا يقتضي
الغرر والجهالة بعد فرض التعارف، نعم الظاهر اعتبار المشاهدة الرافعة
للغرر، فلا يكفي مشاهدته مطويا إلا مع تقليبه على وجه يوجب معرفته،
429

كما لو كان غير متفاوت ولا منقوش نقشا يختلف، ويخفى في مطاويه
وكذا البسط والزوالي ونحوها، لكن مع ذلك في شرح الأستاذ بعد
أن ذكر ما عليه الأصحاب قال: والحق أن قاعدة الغرر مثبتة لا يسوغ
هدمها إلا بأقوى منها وأنى لنا بذلك، فيدور الحكم مدارها، فما كان
من الثياب مخيطا يطلب وصفه لا ذرعه، ومن الأرض يطلب فسحته،
ومن البهائم يطلب هيئة اجتماعها لا عددها، لا يتوقف بيعها على ذرع
أو عدد، وما بنى على المداقة فلا بد من ذلك فيه، ولا يخفى عليك
ما فيه، ضرورة أن البناء وعدمه لا مدخلية له في ذلك، كما أن تفاوت
الأغراض كذلك أيضا، وإنما المدار على صدق المعلومية وعدم الغرر،
والظاهر تحققهما كما عرفت، وإن اتفق بيعهما بالأذرع، لكن ذلك
لا يقتضي اعتباره كما هو واضح والله العالم.
(و) على كل حال فإذا شاهد ما (يكفي) فيه المشاهدة من أرض أو
ثوب أو حيوان أو غيرها على وجه يرتفع الغرر والجهالة عنه لها وأراد
شراؤه بعد ذلك، كفته تلك (المشاهدة) أي (المبيع عن) ذكر
(وصفه ولو غاب وقت الابتياع) بلا خلاف أجده بيننا،
بل الاجماع بقسميه عليه، للعمومات السالمة عن المعارض، خلافا لما
عن بعض العامة فاعتبر الرؤية وقت البيع، ولا ريب في فساده (إلا
أن تمضي مدة جرت العادة بتغير) مثل هذا (المبيع فيها)، فيبطل
حينئذ لتحقق الجهالة والغرر، وإن لم يكن كذلك فلا بطلان لما عرفت
(وإن احتمل التغير) بل لو ظنه (كفى البناء على الأول) على الأقوى
للأصل الكافي في دفع الجهالة والغرر عند البيع، (و) لكن (يثبت له الخيار
إن ثبت التغير) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الاجماع بقسميه عليه،
430

لقاعدة الضرر (1) وغيرها، فما عن بعضهم من عدم الخيار لقاعدة
اللزوم، وآخر من احتمال الفساد الحاقا لتبدل الوصف بتبدل الحقيقة
واضح الفساد، نعم لو فرض أنه تغير بعض ما لم يشاهده من الأوصاف
التي لا تعتبر في صحة البيع مشاهدتها فلا خيار، لقاعدة اللزوم، فإن
الرؤية لا تزيد على الأوصاف المشترطة المقتصر في الخيار على تخلف واحد
منها لا غيرها، كما لا خيار على الظاهر بالتغير المتسامح فيه، ولا ينقص
الثمن نقصانا معتدا به، لعدم الضرر حينئذ، بل ولا بالتغير إلى الكمال
في تلك الصفات أو إلى ما هو أجود منها لذلك أيضا، مع احتماله وإن
لم يكن ضرر من حيث المالية إلا أنه قد يكون يتخلف الغرض.
نعم يتجه الخيار مع ذلك للبايع أيضا لقاعدة الضرر (وإذا
اختلفا فيه) فقال المشتري ليس هو على ما رأيته، وقال البايع هو
هو، (فالقول قول المبتاع مع يمينه على) المشهور، لأصالة بقاء يده
على الثمن، كما في الدروس وأصالة عدم وصول الحق إليه كما في غيرها،
نحو دعوى عدم وصول الأجزاء المتصلة من المبيع إليه، من غير فرق
بين طول المدة وقصرها، والاستعداد للتغير وعدمه، ونحو ذلك من
الأسباب الموجبة للظن بصدق البايع، ضرورة عدم معارضة ذلك للأصل
الشرعي السابق، لكن مع هذا فيه (تردد) من ذلك من مخالفته
لأصالة اللزوم وعدم التغير، وصدق المنكر على البايع الذي يترك لو
ترك، ولعله لذا قيل إن القول قول البايع بيمينه، وهو لا يخلو من
قوة لانقطاع الأصلين السابقين بما عرفت، مما هو كالوارد عليه على أن
اليد على الثمن كانت يد أمانة للعقد المقتضي كون المبيع ملكا للمشتري،
فعليه اثبات زيادة حقه على ذلك، ومع قطع النظر عن ذلك كله

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 4 و 5.
431

فالمدعي عرفا هو المشتري، بل لا يبعد ذلك أيضا لو اتفقا على تغيره،
واختلفا في تقدمه على البيع المعلوم تاريخه، وتأخره ما لم تشهد القرائن
الموجبة للعلم بأحدهما لأصالة تأخر الحادث، بناء على المشهور من
جريانها في نحو ذلك، بل ينبغي الجزم به لو فرض الاختلاف بعد القبض
المحمول على الصحة، مؤيدا بأن الغالب عدم قبض صاحب الحق غير
حقه، كما أن الظاهر ذلك أيضا لو فرض اتفاقهما على التغير بعد العقد
قبل القبض بما لا يرجع إلى تعيب ونحوه، بناء على عدم كون ذلك
من ضمان البايع، وإلا لكان موجبا للخيار حتى بعد القبض في زمان
الضمان كالعيب الحادث في الثلاثة، اللهم إلا أن يجعل أوصاف المبيع
مثل أجزائه، وإن لم يتعيب بالمتخلف منها، فتكون حينئذ أوصافه
المعتبرة فيه من حيث كونه مبيعا مضمونة على البايع قبل القبض،
وينزل التالف منها منزلة تلف بعض أجزاء المبيع المعلوم ضمانها على
البايع قبل القبض، وأنها من قاعدة تلف كل مبيع تلف قبل قبضه،
إلا أن المتجه على هذا التقدير عدم الفرق في ضمانها بين سبقها على
القبض ولحوقها له، ما دام في ضمان البايع كأجزاء المبيع وما يحدث
فيه من عيب، لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من المنافاة لقاعدة
اللزوم، وعدم وضوح الاندراج في عموم كل مبيع تلف قبل قبضه (1)
ولا فيما دل على كونه من ضمان البايع في الثلاثة (2) ونحوها فإن لم
يكن إجماعا، كان للنظر فيه مجال، وقد يأتي لذلك تتمة انشاء الله فيما
بعد؟، كما أنه يأتي البحث في خيار تخلف الوصف انشاء الله، هذا

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار.
432

ولكن قد يقال أن مراد المشهور فيما ذكروه من تقديم قول المبتاع
فيما لو اتفقا لو سبق التغير في المبيع على وجه يوجب الخيار لو كان
المشتري جاهلا فادعى هو أني لا أعلم بذلك، وادعى البايع عليه أنك
قد رأيته ورضيت به، ولا ريب في أن القول قول المشتري حينئذ،
لأصالة عدم العلم به، ولاطلاق ما دل على ثبوت الخيار بنحو ذلك (1) حتى
يعلم المسقط من العلم به أو اشتراط الاسقاط أو نحو ذلك، ولعل التردد من
المصنف فيه للتردد في أصالة ثبوت الخيار بذلك حتى يعلم عدمها على معنى
أنه لا يحكم بايجابه الخيار حتى يعلم جهل المشتري به لأصالة اللزوم،
ولا ريب في أن الأقوى الأول، والله العالم.
وعلى كل حال (فإن كان المراد) مما يراد شراؤه (الطعم
أو الريح) مثلا وكان أنواعا متعددة يختلف الثمن باختلافها، وقد
شاهد مثلا ما له مدخلية في ذلك، ولم يبق غيرهما، (فلا بد من اختباره
بالذوق أو الشم) لرفع الجهالة (و) الغرر إذا فرض توقف ارتفاعهما
عليه، وفي خبر محمد بن العيص (2) سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل اشترى ما يذاق، يذوقه قبل أن يشتري؟ قال: نعم فليذقه ولا
يذوقن ما لا يشتري) كما أن ما يراد لونه مثلا لا بد من رؤيته في رفعهما،
ضرورة معلومية كل شئ بحسبه، نعم (يجوز شراؤه من دون ذلك
بالوصف) القائم مقام الاختبار (كما) يقوم مقام الرؤية من غير
فرق بين حضور العين وغيبتها، وعدالة الواصف وفسقه، ولذا صح
أن (يشتري الأعمى الأعيان المرئية) به بلا خلاف ولا إشكال في
شئ من ذلك، عدا ما في محكي السرائر من قوة احتمال عدم جواز

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الخيار.
(2) الوسائل الباب 25 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
433

بيع العين الحاضرة بالوصف، وفيه عدم الفرق بعد فرض الجواز به،
لكونه صالحا لرفع الجهالة والغرر، زائد بل لعل الحاضر بالوصف، وفيه
عدم الفرق بعد فرض الجواز به، لكونه صالحا لرفع الجهالة والغرر إلى
بل لعل الحاضر أولى من الغائب لزيادة العلم بالحضور على الغيبة،
ومن هنا قال في المختلف: أنه في غاية الضعف، بل هو رحمه الله قد
جعل المعتمد بعد ذلك خلافه.
(و) إنما الكلام في أنه (هل يصح شراؤه من غير اختبار
ولا وصف) بعد مشاهدته وارتفاع الجهالة عنه من جهة القوام واللون
ونحوهما ولم يبق إلا الطعم والشم فيجوز بيعه وشراؤه، بناء (على أن
الأصل) فيه (الصحة) والسلامة (فيه تردد) وخلاف، فعن الشيخين
كل شئ من المطعوم والمشروب يمكن للانسان اختباره بغير الافساد
له، كالأدهان الطيبة المستخبرة بالشم وصنوف الطيب والحلاوات
والحموضات، فإنه لا يجوز بيعه بغير اختبار له، فإن بيع من غير اختبار
له كان البيع غير صحيح، والمتبايعان فيه بالخيار، فإن تراضيا بذلك
لم يكن به بأس، وعن سلار ما يختبر بالذوق أو الشم إذا لم يفسده
الاختبار إذا بيع من غير اختبار لم ينعقد البيع، وعن أبي الصلاح
من شرط صحة بيع الحاضر اختبار ما يصح اختباره وذوقه أو مشاهدته،
وعن ابن البراج لا يجوز بيعه إلا بعد أن يختبر، فإن بيع شئ منه من غير
الاختبار له كان المشتري مخيرا في رده على البايع، وعن ابن حمزة كل
ما أمكن اختباره من غير افساده لم يصح بيعه من غير اختبار.
(و) لكن (الأولى) والأقوى عند ابن إدريس والمصنف ومن
تأخر عنهما (الجواز) للعمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر
المرتفع بأصل السلامة، وبالسيرة القاطعة فإن كثيرا من الصفات لا تظهر
434

إلا بعد ضرب من التصرفات، فيلزم الفساد في أكثر المعاملات، فإنه
إذا لم يكف أصل الصحة في المذوق والمشموم لم يكف في غيرها من
الحيوانات ونحوها، مع أن الاطلاع على العيوب كثيرا ما يتوقف على
التصرف الكثير في الزمان الطويل وخبر ابن العيص بعد الاغماض عن
سنده إنما يراد منه المنع من ذوق مال الغير بغير إذنه إلا مع الفحوى
بإرادة الشراء، كما أنه يمكن إرادة نفي اللزوم من نفي الصحة في كلام
من عرفت، بقرينة اثباتهم الخيار فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف
(و) تكون اتفاقيه، إذ لا إشكال في أن (له الخيار بين الرد والأرش
إن خرج معيبا)، كما في غيره من أفراد المبيع المعيب الذي حكمه
ذلك، (و) أنه (يتعين) عليه (الأرش مع إحداث حدث فيه)
كما تعرفه انشاء الله في محله مفصلا.
(ويتساوى في ذلك الأعمى والبصير) بلا إشكال للعموم، بل
ولا خلاف إلا من سلار فخير الأعمى بين الأمرين حتى مع الأحداث،
ولا ريب في فساده، للاطلاق المقتضي لسقوط الرد به، هذا ولكن
الانصاف عدم خلو أصل المسألة عن الاشكال، ضرورة عدم صلاحية
أصل السلامة لرفع الغرر والجهالة الحاصلة بتعدد أفراد السالم، والرضا
بأي فرد كان منا لا يكفي في صحة البيع المعتبر فيه شرعا معلومية
متعلقة، لا الرضاء به كائنا ما كان، وليس كل وصف له مدخلية في
رفع الجهالة والغرر عن المبيع عدمه عيب، حتى يكفي فيه أصل الصحة
والسلامة، كما أن إثبات الخيار لا يصلح الفساد الحاصل بالغرر والجهالة
وإلا لجاز شراء كل مجهول بشرط الخيار، وكلمات الأصحاب السابقة
التي لم تشتمل على إثبات الخيار، كعبارة سلار وأبي الصلاح وابن
حمزة لا قرينة على إرادة نفي (اللزوم من نفي) الصحة فيها، بل ما ذكر فيها الخيار لم
435

يعلم إرادة خيار العيب منها، بل يمكن إرادة خيار تخلف الوصف،
بمعنى أنه يجوز بيعه بالوصف مع عدم الاعتبار، ويثبت حينئذ الخيار
بتخلفه، قال ابن إدريس: فيما حكي عنه قد (روى أنه لا يجوز بيعه
بغير اختبار، فإن بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح)،
والمتبايعان فيه بالخيار، فإن تراضيا بذلك لم يكن به بأس، وهذه
الرواية يمكن العمل بها على بعض الوجوه، وهو أن البايع لم يصفه
فإذا لم يصفه يكون البيع غير صحيح، لأنه ما يعرف بمشاهدته طعمه
فلا بد من وصفه، فأما إذا وصفه فالبيع صحيح، ويعتبر فيه ما اعتبرناه
في بيع خيار الرؤية، لأنه لا يمكن معرفته إلا بالطعم، فإن وجد طعمه
أو ريحه كما وصف البايع له فلا خيار له، وإن وجده بخلاف وصف
بايعه كأن بالخيار، ولا دليل على بطلان هذا العقد إلى آخره، وهو
صريح فيما ذكرناه من إرادة خيار الوصف.
ودعوى أن المذوق والمشموم له حد مضبوط عرفا متى تخلف عنه
كان عيبا، ولذا اكتفى بأصل السلامة فيه فيجوز الاعتماد على مقتضى
طبعه، إذ ليس المراد بأصل شرط العلم بالمبيع أن ترتفع الجهالة عنه
بكل وجه، فإن رؤية ظاهر الصبرة ونحوها كاف مع احتمال المخالفة،
وكذا البيع بالوصف واضحة المنع بشهادة الوجدان، كدعوى أن المراد
بخبر العيص جواز الذوق لا وجوبه في صحة البيع الذي هو ظاهر الأمر
به، ولا ينافيه النهي عن ذوق ما لم يشتره، وإن أفاد حكما آخر غير
ذلك، والاعتماد على أصل السلامة إنما هو فيما زاد على رفع الغرر
والجهالة، وتحقق المعلومية المعتبرة في صحة البيع كالعيوب الباطنة
ونحوها، ولو سلم ففي كل ما يكون فقده عيبا وإن كان له دخل في
المعلومية، أما الأوصاف التي تختلف بها الأفراد الصحيحة فلا مدخلية
436

لأصل السلامة فيها قطعا، ومن ذلك ينقدح لك أن التحقيق في المسألة
هو جواز البيع في كل ما كان أصل السلامة كافيا في تحقق وصف كونه
معلوما، وفي رفع الغرر والجهالة عنه وعدمه فيما لم يكن كذلك من
مختلف الأوصاف التي تختلف الأثمان باختلافها، فإن أصل السلامة
خصوصا التعبدي منه لا مدخلية له في رفع الجهالة الناشئة من ذلك،
(وكذا) الكلام في غير المطعوم والمشموم من المشاهد والملموس ونحوهما
من أفراد المبيع الذي قد عرفت غير مرة اعتبار المعلومية، ولو شرعا
باستصحاب وأصل سلامة وإخبار بايع وغير ذلك مما ثبت شرعا الاكتفاء
به في صحة بيعه.
وأما (ما يؤدي اختباره إلى افساده كالجوز والبطيخ والبيض فإن
شراءه جائز مع جهالة ما في بطونه) للسيرة من غير فرق بين شرط
الصحة أو البراءة من العيوب وعدمها (و) لكن (يثبت للمشتري
الأرش بالاختبار مع العيب دون الرد) لأنه قد أحدث فيه حدثا وقد
عرفت (و) تعرف سقوط الرد بالعيب به، نعم (إن لم يكن لمكسوره
قيمة) أصلا (رجع بالثمن كله) وإن اختلف فيه أيضا عبارات الأصحاب
فعن المفيد ما لا يمكن اختباره إلا بافساده كالبيض الذي لا يعرف جيده
من رديه إلا بعد كسره، فابتياعه جائز بشرط الصحة، فإن وجد فيه
فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وكذا عن سلار وقال
الشيخ: فيما حكى عنه ابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من
العيوب، وكذا عن أبي الصلاح وابن حمزة وقال ابن البراج: في
المحكي عنه وأما ما لم يمكن اختباره إلا بافساده فلا يجوز بيعه إلا
بشرط الصحة أو البراءة من العيوب، فإن باع بخلاف ذلك لم يكن
البيع صحيحا، وفي المختلف هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين
437

في العقد، إما الصحة أو البراءة من العيوب وليس بجيد، بل الأولى
انعقاد البيع سواء شرط أحدهما أو خلا عنهما أو شرط العيب، والظاهر
أنه إنما صار إلى هذا الايهام من عبارة الشيخين حيث قالا: أنه جائز
على شرط الصحة أو بشرط الصحة، ومقصودهما أن البيع بشرط الصحة
أو على شرط الصحة جائز، لا أن جوازه مشروط بالصحة أو البراءة،
قلت: لا إشكال في تحقق الجهالة والغرر في هذا البيع، وعدم كفاية
أصل السلامة في رفعهما لاختلاف أفراد السالم من العيب اختلافا فاحشا
لكن للسيرة المستمرة في الأعصار والأمصار على بيعه، قلنا: بجوازه
واستثنائه من دليل الجهالة والغرر، وإلا فاشتراط الصحة والبراءة من
العيوب لا ترفع الجهالة والغرر قطعا له، وإنما يفيدان سقوط خيار
العيب وتأكد تحققه، وهذا أعم من ذلك قطعا على أن البراءة من
العيب تفيد سقوط الخيار إذا كان لمكسوره قيمة، وإلا فالظاهر الرجوع
بالثمن وإن تبرأ من العيب، لبطلان البيع حينئذ المقتضي لرجوع
الثمن إلى مالكه، وإلا كان أكل مال بالباطل لكون الثمن حينئذ بلا
مثمن مقابل له.
ومن هنا قال في الدروس: وما يقصد طعمه وريحه الأولى اعتباره
أو وصفه، ولو خلا عنهما صح وتخير مع العيب، وكذا ما يفسد
بالاختبار كالجوز والبيض والبطيخ، ويثبت الأرش مع التصرف فيما له
بقية، ولو لم يكن له بقية بطل البيع من حينه، ويحتمل من أصله فمؤنة
نقله على المشتري على الأول، وعلى البايع على الثاني، ويسترد الثمن على
التقديرين، وظاهر الجماعة بطلان البيع من أصله، إلى أن قال: ولو
تبرأ البايع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره المعيب صح عند الشيخ وأتباعه،
ويشكل بأنه أكل مال بالباطل إذ لا عوض هنا لكن ربما تسمع وجهه
438

فيما يأتي انشاء الله تعالى، كما أن وجه البطلان من حينه يمكن أن
يكون صحة البيع السابقة باعتبار أن هذا المال مبنى ماليته على الاحتمال
فتبطل ماليته حينئذ عند بطلان الاحتمال، لا أنه محتمل المالية فيبين
بطلان الاحتمال فينكشف بطلان البيع، ولأن ذلك من المبيع المعيب
إلا أن أرشه مستوعب للثمن كله، فكما أن البطلان من الحين حيث
يكون له قيمة، فكذلك إذا لم يكن له قيمة لكونهما معا من المبيع
المعيب وإن اختلفا باستيعاب الأرش الثمن أجمع هنا دون الأول،
ولأنه لما كان مضمونا على البايع من حيث العيب ففي الفرض حينئذ
كتلف المبيع قبل قبضه في الانفساخ من حينه، بل قد يقال: بناء على
أن الأرش شئ أوجبه الشارع بسبب العيب لا أنه جزء من الثمن استحق
بسبب فوات ما قابله من الثمن، ولذا يسقط بالاسقاط ولا يتعين على البائع
الاعطاء من نفس الثمن، ومعلومية عدم تقسيط أجزاء الثمن على أجزاء
المثمن من يد أو رأس أو نحوهما أن المتجه حينئذ عدم انفساخ البيع،
وإن استحق المشتري على البائع المستوعب بل يتجه أيضا سقوطه
بالتبري من العيوب، كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب ذلك، وليس هذا
كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع، حتى يكون شرطا باطلا، إذ الثمن
متحقق جار على حسب معاملة العقلاء ولم يعلم اعتبار زيادة على
ذلك في البيع، فمع فرض رضاه بذلك يكون قادما على بذل ماله على
هذا النحو.
نعم لو لم يشترط البراءة وانكشف عدم القيمة لمكسورة استحق
الرجوع بالأرش المستوعب، ولعله لذا لم يعبروا ببطلان البيع وإن
ذكر المصنف وغيره الرجوع بالثمن كله، وفهم منه في المسالك بل وغيرها
بطلان البيع، لكن قد يمنع لعدم خروجه عن المالية، وإن لم يكن له
439

قيمة وهو أعم من بطلان البيع وأما ما ذكره من المؤنة ففي المسالك
الذي يظهر أنها على المشتري مطلقا، لعدم المقتضي لرجوعه بها، وإن
كان الفعل في ملك غيره، وفي شرح الأستاذ لو قيل: بتغريم البايع
مطلقا لم يكن بعيدا لصدور الضرر من قبله، والمضرور يرجع على من
ضره إلا إذا اشترط عدمه، وعذره الدافع للعصيان لا يندفع به الضمان
قلت: لا وجه للرجوع بها بناء على الفسخ من حينه، ضرورة كونه
ناقلا لملكه فلا يرجع بما غرمه له عليه كما في كل أفراد الخيار، نعم
قد يتجه ذلك لو كان البطلان من أصله، لقاعدة الغرور، وهو الذي
نظره أول الشهيدين، والله العالم.
(و) كيف كان فقد ظهر لك بقاعدة الغرور والجهالة أنه
(لا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا) مقدورا على تسليمه
(لجهالته وإن ضم إليه القصب أو غيره على الأصح) لأن ضم المعلوم
إلى المجهول لا يصيره معلوما، (وكذا اللبن في الضرع ولو ضم إليه
ما يحتلب منه) فضلا عن غيره، (وكذا الجلود والأصواف والأوبار
والشعر على الأنعام ولو ضم إليه غيره، وكذا ما في بطونها وكذا إذا
ضمهما) أي ما على ظهورها وما في بطونها (وكذا ما يلقح الفحل)
وكذا غير ذلك مما فيه الغرر والجهالة، عدا الصوف والوبر والشعر على
الظهور فإنه قد يمنع الغرر والجهالة فيها مع المشاهدة، والوزن فيها لو
كان فهو بعد الجز لا قبله كالثمرة، ولذا أفتى به المفيد وغيره
من المتأخرين، بل لعله مشهور، وأما غير ذلك فقد خالف فيه الشيخ
في النهاية وابنا حمزة والبراج فيما حكي عنهما، قال: فيها لا يجوز
بيع ما في الآجام من السمك لأن ذلك مجهول، فإن كان فيها شئ من
440

القصب فاشتراه واشترى معه ما فيها من السموك لم يكن به بأس،
وكذلك إن أخذ شيئا من السمك وباعه إياه مع ما في الأجمة كان البيع
ماضيا، لكن عنه في المبسوط السمك في الماء الطير في الهواء لا يجوز بيعه
اجماعا، وروى أصحابنا أنه يجوز بيع قصب الآجام مع ما فيها من
السمك (1) ولعل مراده بمعقد اجماعه من حيث القدرة على التسليم،
وعن ابن إدريس أنها من شواذ الأخبار فلا يترك الأصول ويرجع إليها
بل لا يعرج عليها وخالفوا أيضا في اللبن في الضرع، قال: فيها لا يجوز
أن يباع اللبن في الضرع، فمن أراد بيع ذلك حلب منه شيئا واشتراه
مع ما بقي في الضرع في الحال أو مدة من الزمان وإن جعل معه غرضا
آخر كان أحوط، وعن ابن البراج لا يجوز بيع اللبن في الضروع إلا
أن يكون معه لبن حاضر، فإن لم يكن معه ذلك لم يجز بيعه، وعن
ابن حمزة يجوز بيع اللبن في الضرع إذا حلب بعضها وبيع المحلوب
مع ما في الضرع، وفي المختلف هو قول ابن الجنيد وخالفوا أيضا في
بيع ما في بطون الأنعام وغيرها من الحيوان، قال: فإن أراد بيع ذلك
جعل معه شيئا آخر فإن لم يكن في البطون حملا كان الثمن في الآخر
وأما ما يلقح الفحل بمعنى بيع الملاقيح وهو ما في بطون الأمهات قبل
حصوله، فلا أجد فيه خلافا بين العلماء كبيع المضامين، وهو
ما في أصلاب الفحول، لكونه معدوما، قال في التذكرة: لا نعرف
خلافا بين العلماء في فساد هذين البيعين للجهالة وعدم القدرة على
التسليم، ولأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الملاقيح
والمضامين (2) وفي الحسن أو الصحيح (3) عن محمد بن قيس (عن

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2 و 5
(2) الوسائل الباب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2 و 3
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2 و 3
441

أبي جعفر عليه السلام لا تبع راحلة عاجلة بعشر ملاقيح من أولاد حمل
في قابل) وعن الصدوق في معاني الأخبار أنه روي بسند متصل (1)
(عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن المجن وهو أن يباع البعير
أو غيره بما في بطن الناقة ونهي صلى الله عليه وآله وسلم عن الملاقيح
والمضامين فالملاقيح ما في البطون وهي الأجنة والمضامين ما في أصلاب
الفحول وكانوا يبيعون الجنين الذي في بطن الناقة وما يضرب الفحل في
عام أو أعوام ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع حبل الحبلة
ومعناه ولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة أو نتاج النتاج، وذلك
غرر) انتهى قلت: لا إشكال في فساد ذلك ونحوه، وإنما الكلام في
غيرها مما عرفت، ولعل وجه منشأ ما سمعته من الخلاف والنصوص،
ففي مرسل البزنطي (2) (عن أبي عبد الله عليه السلام إذا كان أجمة
ليس فيها قصب فأخرج شيئا من السمك فيباع، وما في الأجمة)
وظاهره المفروغية من الجواز مع القصب وفي الموثق (3) عنه أيضا (لا بأس
أن يشتري الآجام إذا كان فيه قصب) قيل وهو أصرح من الأول في
الدلالة على ذلك، وفي خبر أبي بصير (4) (عن أبي عبد الله عليه السلام
في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنما هي ماء قال: يصيد كفا من
سمك، فيقول: أشتري منك هذا السمك وما في الأجمة بكذا وكذا)

(1) الوسائل الباب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 3
(2) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2 و 5.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2 و 5.
(4) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 6
442

وموثق سماعة (1) (سألته عن اللبن يشتري وهو في الضرع قال: لا
إلا أن يحلب لك في سكرجة فتقول أشتري منك هذا اللبن الذي في السكرجة
وما بقي في ضرعها بثمن مسمى، فإن لم يكن في الضرع شئ كان ما في
السكرجة) وصحيح العيص بن القاسم (2) (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل له غنم يبيع ألبانها بغير كيل، قال: نعم حتى
ينقطع أو شئ منها) وفي خبر إبراهيم الكرخي (3) قلت لأبي عبد الله
عليه السلام ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة وما
في بطونها متى حمل كذا بكذا وكذا درهما؟ فقال: لا بأس إن لم تكن
في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف) وفي خبر الهاشمي (4)
(عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال
وخراج النخل والآجام والطير وهو لا يدري لعله لا يكون من هذا شئ
أبدا أو يكون، قال: إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك
اشتراه وتقبل به) وفي خبره الآخر (5) (عنه أيضا سألته عن الرجل
يتقبل خراج الرجال وجزية رؤسهم وخراج النخل والشجر والآجام
والمصايد والسمك والطير وهو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون
أيشتريه وفي أي زمان يشتريه ويتقبل به منه فقال: إذا علمت من ذلك
شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره وتقبل به) إلى غير ذلك من النصوص
التي لأجلها وخصوصا ما في بعضها من التعليل وما ورد في ضميمة

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2 و 1.
(2) الوسائل الباب 8 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 2 و 1.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 1
(4) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 4 وفي ذيله.
(5) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 4 وفي ذيله.
443

الآبق (1) وبيع الثمار (2) عمم بعضهم الحكم فجوز بيع كل ما فيه
غرر إذا ضم إليه ما لا غرر فيه، من غير فرق بين كونهما مقصودين
بالأصالة أو أحدهما، وفصل آخر بل في المسالك نسبته إلى المتأخرين
بين قصد المجهول أصالة ولو مع غيره وتبعا، فجوزه في الثاني مع الضميمة
ومنعه في الأول، مضافا إلى أن جهالة التابع لا تنافي عقد البيع،
كأساس الجدار وحشو الثوب واللحاف وغيرها، وربما فصل بعض
مشايخنا بين الشرط وغيره، فجوز الجهالة بنحو ذلك في الأول، دون
غيره وإن كان تابعا مبالغا في الاعراض عن هذه النصوص كلها، لكن
الانصاف عدم جواز الجرأة على طرح هذه النصوص التي فيها الصحيح
والحسن والموثق وغيرها، المشتملة على التعليل المناسب المعمول بها بين
الطائفة أجمع، وإن اختلفوا في كيفيته التي يمكن دعوى حصول القطع
بمضمونها في الجملة، خصوصا بعد ملاحظة ورودها في مقامات متعددة،
والقطع بعدم تقية تقضي بها، إن لم يكن الأمر بالعكس، وفتوى
الأصحاب بها في الجملة وتعاضدها وكثرتها، بل ظاهرها أن ذلك طريق
احتيال شرعي في التخلص عن المفسد، نحو ضميمة غير الجنس إلى
الربوي وبيعه بالأزيد منه من جنسه، وربما يتخيل هنا أيضا في وجه
ذلك أن المنهي عنه بيع الغرر، الظاهر في كون البيع أجمع غرر لا
بعضه، فمتى ضم إليه شئ معلوم خرج عن الدخول تحت مسمى بيع
الغرر، إلا أن ذلك مقتضى للجواز في أكثر المجهولات لعدم خلو شئ
عن العلم بجزء منها، فيجوز حينئذ بيع الدار ببروز لبنة منها، والمملوك
ببروز شئ من بدنه، والأرض والأشجار المتكثرة لبروز جزء منها،

(1) الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع وشروطه
(2) الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار
444

وهكذا مما ينفتح منه سد باب الغرر الذي من المعلوم بطلان البيع به،
وأن منه عدم جواز بيع الشئ للاطلاع على بعض أجزائه.
نعم قد يقال أن المحصل منها جواز كل ما كان فيه الغرر من
حيث الحصول وعدمه، كالآبق واللبن في الضرع والسمك في الآجام
والثمار والحمل ونحو ذلك بالضميمة إلى معلوم، على وجه يكون المقصود
بالبيع ذلك المعلوم، بمعنى الاقدام منهما ولو لتصحيح البيع، على أن
المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي هو وإن سمي ضميمة، لكنه المقصود
في تصحيح البيع، ولا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلى الغرض
ما فيه الغرر، نحو ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة
بعد ذلك، في الذي يراد بيعه لعارض من العوارض بايقاع العقد على
شئ معين معلوم لا نزاع فيه، وجعل ذلك من التوابع واللواحق لما عقد
عليه البيع، فلا يقدح حصوله وعدم حصوله كما أومأ إليه غير مرة
في ضميمة الأبق، وقوله تأخذ كفا من السمك واحتلاب شئ، وإدراك
بعض الثمار ونحو ذلك ولعل مراد الأصحاب بالتبعية التي ذكروها
وجوزوا البيع معها هذا المعنى، لا أن المراد التبعية في الغرض ولا تبعية
ما في باطن الدار لظاهرها والحمل لأمه ونحو ذلك، مما يصدق معه
معلومية المبيع وإن جهل بعض أجزائه أو ما هو كالجزء، ضرورة عدم
كون الفرض من ذلك، لكن ينبغي تقييده بما سمعت من الغرر
لا جميع أفراده حتى بيع الصبرة المجهولة مثلا، فإنه ليس في تلك
النصوص ما يفيد ذلك، وإنما المحصل منها ما قلناه، فلا يتعدى إلى
أزيد من ذلك مما يقتضي قاعدة الغرر والجهالة، وخصوص جملة من
النصوص (1) عدم جوازه من غير فرق بين كونه مقصودا بالأصالة وعدمه،

(1) الوسائل الباب 12 من عقد البيع وشروطه.
445

ضرورة عدم مدخلية ذلك في صحة ما يقع عليه عقد البيع، إذ التبعية
في القصد ليست بتبعية في العقد التي هي المدار على ما يفهم من تلك
الأخبار، ودعوى الأولوية في الجواز ممنوعة على مدعيها، ولعل الوجه
فيها حينئذ عدم الاندراج مع الفرض المزبور في النهي عن بيع الغرر،
بعد فرض جعل المتعلق له المعلوم على وجه يكون هو المقابل للثمن مع
فرض عدم غيره، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع قد رمزوه عليهم السلام
إلى من يرزقه الله تعالى فهم رموزهم.
وهذا الوجه وإن اقتضى العموم حتى في الصبرة، إلا أنه معارض
بما عرفت مع خلو النصوص المزبورة عنه، ثم إن ظاهر النص والفتوى
مملوكية السمك في الماء في الأرض المملوكة، وإن لم يعلم كونه مخلوقا
منها، ومن هنا صح الكلام في بيع سمك الآجام المراد بها هنا، على
ما يظهر من النصوص مجمع الماء المنقطع أو الأعم من ذلك، ومن الشجر
الملتف المحكي عن أهل اللغة تفسيرها بها، إذ فرض سمك مملوك
بالاصطياد ثم جعله فيها مقطوع بعدمه، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه،
وحينئذ ينبغي أن يتبع ملكه الأرض فإن كانت لمالك مخصوص ملكه،
وإن كانت للمسلمين ملكه المسلمون، إلا أن الظاهر جريان حكم الإباحة
فيما كان منه للإمام أو للمسلمين، للسيرة ومن ذلك يظهر لك الحال
في جميع ما ذكره المصنف حتى الجلود فإن الظاهر عدم اندراجها فيما
ذكرناه من القاعدة المقتضية لجوازه مع الضميمة، ضرورة كون الغرر
فيه بجهل وصفه، لا أصل حصوله، كما أنه ظهر لك الحال في بيع ما في
بطن الحامل مع الضميمة غير الأم على النحو الذي ذكرناه، فضلا عن
بيعه مع الأم الذي ستعرف فيما يأتي انشاء الله تمام الكلام فيه، هذا
وربما تقدم منا في بيع الآبق ما ينافي ما هنا في الجملة، إلا أن الذي
446

يظهر لنا الآن هذا والله العالم.
(مسألتان الأولى المسك طاهر) عندنا للأصل والاجماع بقسميه
عليه، واستعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له (1) وكونه دما
بالأصالة لا يقضي بنجاسته بعد الاستحالة، كما أنه لو قلنا بنجاسة الفأرة
التي هي ظرفه لكونها قطعة مبانة من حي لا يقتضي ذلك بنجاسته،
وحينئذ ف‍ (يجوز بيعه في فاره) على المشهور بين الأصحاب،
بل ربما نفي الخلاف عنه بعضهم، وحكى الاجماع عليه آخر، (وإن
لم يفتق) ولو بادخال خيط فيه وشمه، للعمومات السالمة عن معارضة
دليل الغرر المرتفع بأصل السلامة مع عدم الغرر فيه من غير هذه الجهة،
نحو ما سمعته سابقا في المطعوم والمشموم (و) لكن قد عرفت هناك
ما يقتضي كون (فتقه أحوط) لامكان منع عدم الغرر فيه، إلا بما
يقتضي عيبه المدفوع بأصل السلامة، التي ربما نوقش في اندفاع الغرر
بالتعبدي منها، ومن هنا وسوس فيه الأردبيلي بل جزم بعدم جواز بيعه
بعض اتباعه، ولعله لما ورد في النصوص من النهي عن بيع ما لم يرد
أو يوصف (2) وكراهة شراء ما لم ير، المراد منها الحرمة، ونحو ذلك
وهو جيد مع فرض حصول غرر به، غير ما يندفع بأصل السلامة وإلا
كان محلا للنظر، ضرورة اقتضاء دليلها جواز الاعتماد عليها في الاقدام
على البيع مجبورا بالخيار أو بالأرش لو بان العيب بعد ذلك،
وبالجملة فالمسألة فرد من أفراد تلك المسألة التي قد سمعت الكلام
فيها، والله العالم.
المسألة (الثانية يجوز) في المشهور بل ربما نسب إلى الأصحاب

(1) الوسائل الباب 95 من أبواب آداب الحمام الحديث 4.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب الخيار.
447

مشعرا بدعوى الاجماع عليه للمشتري أو للمتولي ذلك عنهما (أن يندر
للظروف) ويسقط (ما يحتمل الزيادة) على الظروف (والنقيصة) قال:
حنان في الموثق (1) (كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال
له معمر الزيات: إنا نشتري الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان فيه
لمكان الزقاق فقال له: إن كان يزيد وينقص فلا بأس وإن كان يزيد
ولا ينقص فلا تقربه) وظاهره عدم اعتبار التراضي منهما، لكن في
خبر علي بن أبي حمزة (2) (سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله عليه السلام
فقال: جعلت فداك نطرح من ظروف السمن والزيت لكل ظرف كذا
وكذا رطلا فربما زاد وربما نقص، قال: إذا كان ذلك عن تراضي
منكم منكم فلا بأس) وفي خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الإسناد (3)
(عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يشتري المتاع وزنا
في الناسية والجوالق فيقول: ادفع الناسية رطلا أو أكثر من ذلك أيحل
ذلك البيع قال: إذا لم يعلم وزن الناسئة والجوالق فلا بأس إذا
تراضيا) وظاهرهما اعتبار التراضي الذي هو مقتضى القواعد، إلا كانت عادة
تقتضيه تقوم مقام التصريح بذلك، وربما كان ذلك مبني الخبر الأول.
(و) من هنا (لا يجوز وضع ما يزيد) قطعا (إلا
بالمراضاة) لعدم عادة تقتضي ذلك، فقاعدة احترام مال المسلم بحالها،
وكذا لا يجوز وضع ما نقص قطعا للسمسار مثلا إلا برضاء المشتري،
لاحترام ثمنه، وعلى كل حال فلا اشكال في دلالة النصوص الثلاثة

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 4 و 1.
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 4 و 1.
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 3.
448

كالفتاوى على عدم فساد البيع بمثل هذا الوضع الذي لا يعلم بعده كمية
المبيع بل ولا قبله، فإنه وإن كان غررا وجهالة إلا أنه قد هونه
بعد جريان العادة به قلة التضرر به، لكونه يسيرا كتفاوت المكاييل
والموازين ونحوها مما وقعت المسامحة به في العادة على وجه ينتفي الغرر
معه عرفا، فيكتفي حينئذ بوزن ما في الظرف مع الظرف ثم يندر
للظرف ما عرفت، ويحسب على الباقي ويعد بذلك معلوم الوزن، إنما
الكلام في قصر هذا الحكم على ما في أكثر العبارات من الظروف التي
جرت العادة بظرف المايع أو الجامد منها على وجه يكون معه كالشئ
الواحد، أو يتعدى منها إلى غيرها كالجوالق والحبوب ونحوها، بل يتعدى
إلى مظروفات تعلق القصد بظروفها، بل وإلى الاندار لوسخ أو تراب
أو أحجار أو شمع أو غير ذلك، مما كان هو في شئ مثبت وما في حلي
الذهب والفضة وغيرهما، الظاهر الثاني، ولكن بشرط جريان العادة به
وإلا لم يجز ذلك للغرر (و) الجهالة.
نعم (يجوز بيعه مع الظرف من غير وضع) موزونين أو لا، أو
مختلفين، اتفقا بالسعر أو لا، مع قابلية المنضم إلى التقويم وعدمه، فيكون
كقشر الجوز ونوى التمر وتراب الطعام ونحوها، للعمومات السالمة عن
معارضة دليل الغرر عرفا، والعلم بالجملة كاف عن معرفة الأبعاض وإن
لم يكن المنضم من الموزونات، ولو فرض تحققه في بعض الموضوعات لم
يجز، ضرورة كونه المدار وجودا وعدما في الصحة والفساد كما هو واضح.
(وأما الآداب ف‍ (كثيرة منها أنه (يستحب) لكل مكتسب
أن ينوي بكسبه؟؟ الاستعفاف عن الناس، والتوسعة على العيال وإعانة
المحتاجين وصرفه في أعمال الخير، ففي الحسن (1) (عمن قصد بكسبه

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 3.
449

ذلك ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة) وفي الحديث (1) (من
طلب الدنيا استعفافا عن الناس وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي الله
عز وجل يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر) ومنها أن يقتصد
في طلبه ويجمل فيه وذلك بالاقتصار على أدنى المعيشة وترك الاجتهاد
البليغ، ففي الخبر (2) (ليكن طلبك المعيشة فوق (كسب المضيع ودون) كسب الحريص
الراضي بدنياه المطمئن إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك بمنزلة
المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف وتكسب ما لا بد
للمؤمن منه) ومنها أن لا يعتمد على سعيه وكده وفطنته وفي الخبر (3)
(كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى عليه السلام ذهب
يقتبس نارا فانصرف وهو نبي مرسل) وفي الحديث (4) (لن يزداد
امرؤ بحذقه فقيرا ولن ينقص أمرؤ فقيرا بحمقه والعالم بهذا العامل به
أعظم الناس راحة في منفعته، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا
في مضرته، وفيه أن الله وسع أرزاق الحمقاء لتعتبر العقلاء ويعلموا أن
الدنيا لا ينال ما فيها بعمل ولا حيلة).
ومنها (أن يتفقه فيما يتولاه) من أفراد الاكتساب أولا، ففي
الخبر (5) (الفقه ثم المتجر والله للربا في هذه الأمة دبيب أخفى من
دبيب النملة على الصفاء التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 5.
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 3.
(3) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 4.
(4) الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة في ضمن
الحديث 3.
(5) الوسائل الباب 1 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
450

الحق وأعطى الحق إلى أن قال: من أتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم
ارتطم) نعم يكفيه التفقه ولو بالتقليد، ومنه يعلم عدم المعارضة بين
ما دل على وجوب طلب العلم وبين ما دل على طلب الرزق والأمر بالسعي
في أسباب، ضرورة إمكان الجمع بينهما على أن التوكل الخالص والانقطاع
التام إلى الله عزو جل من أعظم أسباب الرزق (1) (فإن من يتق الله
يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) كما لا يخفى على من
جرب ذلك وتنبه لنسمات روح الرأفة والرحمة والكرم والاحسان،
ولو فرض تعارض طلب العلم الواجب عينا، وطلب الرزق كذلك لم
يبعد تقديم الثاني مع فرض توقف الحياة عليه، وعلى كل حال فالمراد
بالتفقه المستحب احراز المعرفة قبل الشروع، مخافة عدم التنبه لكثير
مما يعتبر فيه على وجه يقتضي فساده، فتندرج في أكل المال بالباطل
لا مطلقا، ضرورة وجوبها بحكم الشرع في كل فعل وترك فإن طلب العلم
فريضة على كل مسلم (2) نعم لا يعتبر في الشروع في أسباب المعاملة
سبق العلم بالصحة والفساد، بخلافه في العبادة المعتبر فيه نية القربة،
فله حينئذ إيقاع المعاملة مثلا ثم السؤال عن صحتها وفسادها ثم ترتيب
الآثار على ذلك، فلو رتبها قبل ذلك بأن أكل المال أو وطئ الجارية
مثلا كان آثما، وإن أصاب الواقع كما هو واضح.
(و) منها (أن يسوي البايع بين المبتاعين في الانصاف) بالنسبة
إلى الثمن وحسن المبيع وغيرهما، للخبر (3) الموافق للاعتبار خصوصا
مع التفويض إليه الذي هو نوع ائتمان له، نعم قد يقال: أنه لا بأس

(1) سورة الطلاق الآية 2.
(2) البحار ج 2 ص 32 الطبع الحديث.
(3) الوسائل الباب 11 من أبواب آداب التجارة الحديث.
451

بزيادة المراعاة في نقص الثمن وغيره، بسبب زيادة الايمان والفقر
والتقوى والعلم ونحو ذلك، مما يحسنه العقل والشرع مع أنه قيل فيه
أنه يكره للمبذول له قبول ذلك، بل يحكى عن السلف أنهم كانوا يوكلون
في الشراء من لا يعرف، هربا من ذلك هذا، وظاهر المتن وغيره عدم
الفرق في فوات استحباب التسوية بين إعلامه وعدمه، لكن عن السرائر
إذا كانوا أي المبتاعون عالمين بالأسعار وبما يباع، فلا بأس بأن يبيع
كل واحد بغير سعر الذي باعه الآخر مع علمه، وإن كان هو كما ترى
كما أن ما عن المنتهى من إلحاق البايعين بالمتبايعين بمعنى استحباب التسوية
لهم في السعر كذلك، اللهم إلا أن يكون مراده في خصوص أيام الغلا،
كما قيل، نعم لا بأس بالحاق غير البيع فيه كالاجارات للحمامات
والخانات ونحو ذلك.
(و) منها (أن يقيل من استقاله) لفظا أو معنى باظهار
الندامة على ذلك للأخبار (1) التي لا فرق فيها بين البايع والمشتري،
وبين المؤمن والمسلم وغيرهما (و) منها (أن) يدعو بالمأثور عند
دخول السوق فإذا جلس مجلسه (يشهد الشهادتين) والأولى أن يقول
ما في خبر سدير (2) (عن أبي جعفر عليه السلام أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم إني أسئلك
من فضلك حلالا طيبا وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم وأعوذ بك من
صفقة خاسرة، ويمين كاذبة) أو ما في غيره من النصوص (و) منها
(أن يكبر الله سبحانه إذا اشترى) ففي حسن حريز (3) (عن

(1) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 21.
(2) الوسائل الباب 18 من أبواب آداب التجارة في ذيل الحديث 10
(3) الوسائل الباب 20 من آداب التجارة الحديث 1.
452

الصادق عليه السلام إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبر ثم قل
اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك فصل على محمد وآل محمد واجعل
لي فيه فضلا اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقا ثم أعد كل
واحد ثلاث مرات) وفي خبر ابن مسلم (1) (عن أحدهما عليهما السلام إذا
اشتريت متاعا فكبر الله ثلاثا، ثم قل اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من خيرك
فاجعل لي فيه خيرا) إلى آخر الحديث وفي خبر معاوية (2) (عن الصادق
عليه السلام إذا اشتريت دابة أو رأسا فقل اللهم أقدر لي أطولها حياة
وأكثرها منفعة وخيرها عاقبة) وفي خبره الآخر (3) (عنه أيضا إذا
اشتريت دابة فقل اللهم إن كانت عظيمة البركة فاضلة المنفعة ميمونة
الناصية يسر لي شرائها، وإن كانت غير ذلك فاصرفني عنها، إلى الذي
هو خير لي منها فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر وأنت علام
الغيوب تقول ذلك ثلاث مرات) إلى غير ذلك مما ورد من الأدعية
قبل الشراء وبعده.
(و) منها (أن يقبض لنفسه ناقصا ويعطي راجحا) للاحتياط
في التجنب عن البخس قال: الصادق عليه السلام في خبر صفوان (4)
(إن فيكم خصلتين هلك بهما من قبلكم من الأمم قال: وما هما يا ابن
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: المكيال والميزان) ولما عساه يفهم
من قوله تعالى (5) (ويل للمطففين الذين) الخ من حسن خلافه

(1) الوسائل الباب 20 من أبواب آداب التجارة الحديث 2
(2) الوسائل الباب 20 من أبواب آداب التجارة الحديث 5 و 3
(3) الوسائل الباب 20 من أبواب آداب التجارة الحديث 5 و 3
(4) الوسائل الباب 7 من أبواب آداب التجارة الحديث 7.
(5) سورة المطففين الآية 1.
453

وللبركة والتوفية في الثاني وغير ذلك من النصوص (1) ومع التنازع قدم من
بيده الميزان والمكيال ويحتمل الآخذ قبل الصفقة والمعطي بعدها أو بالعكس
أو القرعة هذا كله في المندوبات.
(و) أما المكروهات فمنها أنه (يكره مدح البايع لما يبيعه
وذم المشتري لما يشتريه واليمين على البيع) والشراء ففي خبر
السكوني (2) (عن أبي عبد الله عليه السلام من باع واشترى فليحفظ
خمس خصال وإلا فلا يشترين ولا يبيعن، الربا، والحلف وكتمان العيب
والحمد إذا باع، والذم إذا اشترى) وفي النبوي (3) (أربع من كن فيه
طاب مكسبه إذا اشترى لم يعب، وإذا باع لم يحمد، ولا يدلس، وفيما
بين ذلك لا يحلف) وفي المرتضوي (4) (يا معشر التجار قدموا الاستخارة
وتبركوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزينوا بالحلم، وتناهوا عن
اليمين، وجانبوا الكذب، وتجافوا عن الظلم، وانصفوا المظلومين،
ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشيائهم
ولا تعثوا في الأرض مفسدين) وفي آخر عنه (5) أيضا (إياكم والحلف
فإنه ينفق السلعة ويمحق البركة) بل في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (6)
عن أبي الحسن موسى عليه السلام (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة
أحدهم رجل اتخذ الله بضاعة لا يبيع إلا بيمين ولا يشتري إلا بيمين).
(و) منها (البيع في موضع يستتر فيه العيب) لظلمة مثلا
حذرا من الغش والتدليس، قال هشام بن الحكم: كنت أبيع السابري

(1) الوسائل الباب 7 من أبواب آداب التجارة الحديث 1 - 6.
(2) الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة الحديث 2 و 3 و 1.
(3) الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة الحديث 2 و 3 و 1.
(4) الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة الحديث 2 و 3 و 1.
(5) الوسائل الباب 25 من أبواب التجارة الحديث 3 و 2
(6) الوسائل الباب 25 من أبواب التجارة الحديث 3 و 2
454

في الظلال فمر بي الكاظم عليه السلام (1) (فقال: يا هشام إن البيع
في الظلال غش والغش لا يحل) بل لعل نحو ذلك إظهار جيد المتاع
وكتم رديه الذي قال النبي صلى الله عليه وآله لفاعله: (2)
(ما أراك إلا قد جمعت خيانة وغشا للمسلمين).
(و) منها (الربح على المؤمن إلا مع الضرورة) فيربح قوت يومه
موزعا على سائر المعاملين له المؤمنين في ذلك اليوم وإلا مع الشراء بأكثر
من ماءة درهم أو الشراء للتجارة قال الصادق (ع): (3) (ربح المؤمن على المؤمن
ربا إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك أو يشتريه
للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم) وفي خبر ميسرة (4) (قلت لأبي جعفر
عليه السلام إن فيمن يأتيني اخواني فحد لي من معاملتهم ما لا أجوزه
إلى غيره فقال: إن وليت أخاك فحسن، وإلا فبع بيع البصير المداق)
بناء على أن المراد منه إن بعت أخاك المؤمن فلا تربح عليه، بل وله
أي بعه برأس المال، وإن لم يكن أخاك فبع بيع البصير المداق له أو
أن المراد أن وليت أخاك فحسن، وإن تركت الحسن فبعه بيع البصير
المداق، بأن تلحظ ما يخصه من قوت يومك الذي تريد أن توزع على
إخوانك المعاملين لك، لكن في خبر سالم (5) (سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الخبر الذي يروى أن ربح المؤمن على المؤمن ربا ما هو
قال: ذاك إذا ظهر الحق وقام قائمنا أهل البيت فأما اليوم فلا بأس

(1) الوسائل الباب 58 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8.
(3) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب التجارة الحديث 1 و 2
(4) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب التجارة الحديث 1 و 2
(5) الوسائل الباب 10 من أبواب آداب التجارة الحديث 4.
455

أن تبيع من الأخ المؤمن وتربح عليه) وفي خبر عمر بن يزيد بياع السابري (1)
(قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إن الناس يزعمون أن الربح
على المضطر حرام، وهو من الربا فقال: وهل رأيت أحدا يشتري
غنيا أو فقيرا إلا من ضرورة، يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا،
فاربح ولا ترب) إلا أنه يمكن خروج الثاني عما نحن فيه ضرورة
تضمنه الإذن في الربح على المضطر، وأنه لا بأس به من حيث الاضطرار
كما أنه يمكن حمل الأول على بيان الجواز.
(و) منها الربح أيضا (على من يعده بالاحسان)
لقول (2) الصادق عليه السلام (إذا قال الرجل لرجل: هلم أحسن
بيعك يحرم عليه الربح، (و) منها (السوم ما بين طلوع الفجر إلى
طلوع الشمس) لمرفوع ابن أسباط (3) (نهى النبي صلى الله عليه
وآله وسلم عن ذلك) مؤيدا بأنه وقت التعقيب الذي هو أبلغ في طلب
الرزق من الضرب في الأرض (4) (و) منها (الدخول إلى السوق
أولا) قيل: والخروج منه أخيرا، المنافي للاجمال في الطلب وغيره مما
ورد الأمر به (5) وإنما الذي ينبغي له أن يكون آخر داخل وأول
خارج، عكس المسجد (6) (و) منها (مبايعة الأدنين) الذين لا يبالون

(1) الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 9 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 12 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
(4) الوسائل الباب 18 من أبواب التعقيب الحديث 10.
(5) الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة.
(6) الوسائل الباب 60 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
456

بما قالوا وما قيل لهم ولا يسرهم الاحسان ولا تسؤهم الإسائة، والذين
يحاسبون على الشئ الدني، (وذوي العاهات) والنقص في أبدانهم
(والأكراد) والمحارف ومن لم ينشأ في الخير كمستجدي النعمة
فعن الصادق عليه السلام (1) (إياك ومخالطة السفلة فإن السفلة لا تؤل
إلى خير) وعنه عليه السلام (2) (لا تعامل ذا عاهة فإنهم أظلم شئ)
وفي خبر الوليد (3) عنه عليه السلام أيضا (يا وليد لا تشتر من محارف فإن صفقته
لا بركة فيها) وعن الفقيه خلطته، والتهذيب حرفته، وعنه (ع) أيضا (4)
(لا تخالطوا ولا تعاملوا إلا من نشاء في الخير) وعنه عليه السلام أيضا (5) (إنه
قال: لقهرمان له استقرض من رجل طعاما فألح بالتقاضي له فقال:
ألم أنهك أن تستقرض ممن لم يكن فكان) وعنه في خبر داود (6):
(يا داود تدخل يدك في فم التنين إلى المرفق خير لك من طلب الحوائج
إلى من لم يكن فكان) وعن أبي جعفر عليه السلام (7) (مثل الحاجة إلى
من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه محوج وأنت
منها على خطر وفي خبر أبي الربيع الشامي (8) (سألت أبا عبد الله عليه السلام
فقلت له: إن عندنا قوما من الأكراد وإنهم لا يزالون يجيئون بالبيع
فنخالطهم ونبايعهم فقال: يا أبا الربيع لا تخالطوهم فإن الأكراد حي
من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم).

(1) الوسائل الباب 24 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 21 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
(4) الوسائل الباب 21 من أبواب التجارة الحديث 6 و 2.
(5) الوسائل الباب 21 من أبواب التجارة الحديث 6 و 2.
(6) الوسائل الباب 26 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 2 و 1
(7) الوسائل الباب 26 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 2 و 1
(8) الوسائل الباب 23 من أبواب آداب التجارة الحديث 1
457

(و) منها (التعرض للكيل أو الوزن) بل والعد (إذا لم
يحسنه) حذرا من الزيادة والنقصان المؤديين إلى المحرم، بل في المسالك
عن بعض تحريمه، وهو كذلك مع تحقق التأدية المزبورة لا مع عدمها،
والخوف من ذلك يقتضي الحرمة، وفي مرسل المثنى الحناط (1) (عن
أبي عبد الله عليه السلام قلت: له رجل من نيته الوفاء وهو إذا كال
لم يحسن أن يكيل قال: فما يقول الذين حوله قلت: يقولون لا يوفي
قال: هذا لا ينبغي له أن يكيل) (و) منها (الاستحطاط من الثمن
بعد العقد) ففي خبر إبراهيم بن زياد (2) (عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: اشتريت له جارية فلما ذهبت أزن الدراهم قلت:
أستحطهم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الاستحطاط
بعد الصفقة) وفي خبر الشحام (3) (أتيت أبا عبد الله عليه السلام بجارية
أعرضها فجعل يساومني وأساومه، حتى بعته إياها وقبض على يدي فقلت:
جعلت فداك إنما ساومتك لأنظر المساومة تبتغي أولا تبتغي، وقد حططت
عنك عشرة دنانير، فقال: هيهات إلا ما كان قبل الصفقة أما بلغك قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم الوضعية بعد الصفقة حرام) وظاهره
كراهة الحط فضلا عن الاستحطاط، لكن الظاهر إرادته منه وإلا كان
إحسانا محضا، والمراد من الحرمة فيه شدة الكراهة قطعا للعمومات
وخصوص النصوص النافية للبأس عن ذلك (4) فوسوسة بعض المحدثين
فيه في غير محلها.
(و) منها (الزيادة في السلعة وقت النداء) كما عن النهاية

(1) الوسائل الباب 8 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
(2) الوسائل الباب 44 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
(3) الوسائل الباب 44 من أبواب آداب التجارة الحديث 6 و 1 و 7
(4) الوسائل الباب 44 من أبواب آداب التجارة الحديث 6 و 1 و 7
458

لخبر أمية بن عمر الشعيري (1) عن أبي عبد الله عليه السلام كان أمير المؤمنين
عليه السلام يقول: إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد وإنما يحرم
الزيادة الندا ويحلها السكوت) المحمول على شدة الكراهة قطعا لكن
ستسمع ما عن ابن إدريس.
(و) منها (دخول المؤمن في سوم أخيه) بايعا كان أو مشتريا (على
الأظهر) الأشهر بل المشهور لخبر الحسين بن زيد (2) (عن الصادق عليه السلام
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم) المحمول
على ذلك لقصوره عن تخصيص الأصل والعمومات من وجوه، خلافا
لمن ستسمع، قيل: والمراد به هنا الزيادة مثلا في الثمن أو بذل مبيع
غير ما بذله البايع الأول ليكون البيع له بعد تراضي الأولين به وحينئذ
فمع عدم التراضي لا سوم و، وفي محكي المبسوط وأما السوم على سوم أخيه
فهو حرام، لقوله عليه السلام (3) (لا يسوم الرجل على سوم أخيه)
هذا إذا لم يكن المبيع في المزايدة، فإن كان كذلك فلا تحرم المزايدة
ومقتضاه الحرمة مطلقا في غير حال المزايدة، وأما فيها فظاهره عدمها
قبل التراضي، اللهم إلا أن يريد ذلك حتى بعد التراضي منهما، وإرادة
إيقاع العقد، ولعل الوجه حينئذ في استثنائه وضع الشئ على المزايدة
فلا غضاضه على المدخول عليه، لكن في محكي السرائر بعد أن حكى
عن النهاية، وإذا نادى المنادي على المتاع فلا يزيد في المتاع فإذا سكت زاد
حينئذ إنشاء، وعن المبسوط ما سمعت هذا هو الصحيح دون ما ذكره في
نهايته، لأن ذلك على ظاهره غير مستقيم، لأن الزيادة في حال النداء
غير محرمة ولا مكروهة، فإن الزيادة المنهي عنها هي عند الانتهاء وسكون

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث 1 و 3
(2) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث 1 و 3
(3) المستدرك ج 2 ص 470.
459

نفس كل واحد من البيعين على المبيع بعد استقرار الثمن، والأخذ
والشروع في الايجاب والقبول وقطع المزايدة، فعند هذا الحال لا يجوز
السوم على سوم أخيه، وفي محكي المنتهى أنه اعتذر عن الشيخ بأنه عول
على خبر الشعيري ولا بأس به، لأن مثله صالح لاثبات مثلها ثم قال:
والتحقيق أن نقول أن الحال لا يخلو من أربعة أقسام أحدها أن يوجد
من البايع التصريح بالرضاء بالبيع، فهنا يحرم السوم، الثاني أن يظهر
منه ما يدل على عدم الرضا، فهذا لا يحرم فيه الزيادة، الثالث أن
لا يوجد ما يدل على الرضا ولا على عدمه، فهنا أيضا يجوز السوم، الرابع
أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح، والوجه هنا التحريم
أيضا، وشدد النكير عليهما في الحدائق بما حاصله من الفرق الواضح
بين مسئلتي النداء والسوم، قلت: لا ريب في صدق السوم على مجرد إرادة الشراء
والتشاغل في قطع الثمن، ومنه المقبوض بالسوم وكان مقتضى الخبر
المزبور وحرمته مطلقا أو كراهته كذلك في غير المزايدة، بل هو
مقتضى ما سمعته من المبسوط أيضا فيحرم أو يكره الدخول فيه، وإن لم
يحصل التراضي.
نعم في المسالك إنما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه فلو ظهر منه
ما يدل على عدم الرضا وطلب الزيادة أو جهل حاله لم يحرم ولم يكره اتفاقا،
فإن ثبت ذلك صح تخصيصه أيضا به، وإلا كان المتجه الحرمة أو الكراهة
بمطلق تحقق المساومة إلا أن يعرض أو يكون الشئ مبنيا على المزايدة
والأمر سهل عندنا بعد أن كان المختار الكراهة مطلقا، وإن كان الأحوط
الاجتناب، وأشد منه البيع على البيع المروي في المرسل (1) (عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عنه) بمعنى أمره بالفسخ في زمن

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث 12
460

الخيار ليشتري منه بأزيد وأمر المشتري به فيبيعه بأنقص أو خيرا منه،
وعلى كل حال فلو طلب الداخل من الطالب الترك له لم يحرم، وفي
كراهيته وجه، ولا كراهة في ترك الملتمس قطعا، بل ربما استحب
إجابته إذا كان مؤمنا، وعلى كل حال فلا فساد للعقد وإن أثم بالدخول
في السوم والعالم.
(و) منها (أن يتوكل حاضر لباد) غريب قروي أو بدوي
لخبر عروة بن عبد الله (1) (عن أبي جعفر عليه السلام قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر
ولا يبيع حاضر لباد والمسلمون يرزق بعضهم من بعض) وخبر لجابر (2)
(عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس
يرزق الله بعضهم من بعض) وغير ذلك من قوله عليه السلام (3) (دعوا
الناس على غفلاتها) (و) نحوه بل (قيل): والقائل الشيخ
وابنا إدريس والبراج والفاضل في المنتهى على ما حكي عنهم، (يحرم)
لظاهر النهي (و) لكن (الأول) مع كونه أشهر بل المشهور (أشبه)
بأصول المذهب وقواعده، لقصور الخبرين عن تخصيص الأصول
والعمومات، بعد قصور سنديهما، وإشعار ما هو كالتعليل فيهما بذلك
ولا طلاق النهي عمم بعض الناس الحكم، لمطلق الارشاد في بيع أو
شراء أو غيرهما، لا خصوص التوكيل، ولمطلق من كان عالما بالسعر أو
ذكيا حيث كان من أي محل كان لا خصوص الحاضر، ولمطلق من

(1) ذكر صدره في الوسائل في الباب 36 من أبواب آداب التجارة
وذيله في الباب 37 الحديث 1
(2) الوسائل الباب 37 من أبواب التجارة الحديث 3
(3) المستدرك ج 2 ص 470
461

كان جاهلا أو غبيا بلديين أو قرويين، أو بدويين، أو مختلفين، مع
العلم بالحكم وجهله، وظهور السعر وخفائه، وعموم الحاجة إلى المتاع
وعدمه، ورابطة الرحم أو الجوار أو غيرهما بين الوكيل وموكله وعدمها
واسلام المبتاعين وعدمه، وكون المبيع من الفواكه أو غيرها، وإن كان
لا يخلو بعضه من نظر، لولا التسامح في الكراهة، ومنه يعلم ما في
اشتراط بعض الأصحاب لهذا الحكم حرمة أو كراهة بعلم الحاضر
بورود النهي، وبظهور سعر في البلد من ذلك، فلو لم يظهر إما لكبر
البلاد أو لعموم وجوده، ورخص السعر فلا تحريم ولا كراهة
لأن المقتضي للنهي تفويت الربح وفقد الرفق بالناس، ولم يوجدا هنا
وبأن يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه، فما لا يحتاج إليه إلا
نادرا لا يدخل تحت النهي، وبأن يعرض الحضري على البدوي ذلك
ويدعوه إليه، فلو التمسه الغريب لم يكن بذلك بأس، ويكون الغريب
جاهلا بسعر البلد فلو كان عالما لم يكن به بأس، بل مساعدته محض
خير، ضرورة منافاة جملة إطلاق النهي، بل قيل أن الأول شرط يعم
جميع المناهي، قلت: مع أنه لا ينافي صدق فعله المرجوح، وإن لم
يكن إثما على تقدير الحرمة، وعلى كل حال فذلك كله بالنسبة إلى
كراهة الفعل أو حرمته لا الصحة والفساد للعقد كما هو واضح.
إلى غير ذلك من الآداب التي اقتصر المصنف على بعضها مما له
دخل في المقام، وقد ذكر بعض مشائخنا تبعا للدروس كثيرا من ذلك
إلا أن بعضها خارج عما نحن فيه، وبعضها منه كالاجمال في الطلب،
بمعنى كون طلبه فوق طلب المضيع ودون طلب الحريص (1) ومباشرة

(1) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة
462

الأعمال باليد التي هي طريقة الأنبياء والمرسلين والصالحين (1) وإصلاح
المال (2) وإحراز القوت والبيع عند حصول الربح (3) والمماكسة إلا
في أربعة، الأضحية، والكفن، والنسمة والكري إلى مكة (4) والبكور
في طلب الحوائج، وطلب الرزق (5) وزيادة التوكل على الله (6) ونصح
المستشير، وقبول نصحه (7) ومشاركة أرباب الحظوظ (8) وتبديل
الصنايع، حتى يوافق ماله فيها طالع سعد (9) والتعرض للرزق ولو
ببسط بساطه (10) وكتمان المال (11) ومهارة العامل في عمله، والوكيل
في وكالته (12) وابتداء صاحب السلعة بالسوم (13) والرجوع في طريق
لم يذهب فيه (14) والرفق بالمعيشة (15) وخلط الحنطة بالشعير ليتساوى
الفقراء (16) وشراء القوت يوما فيوما لذلك أيضا (17) وأخذ العقار
والكتب العلمية وجميع آلات العبادة للقنية (18) وتقديم الاستخارة

(1) الوسائل الباب 9 و 21 من أبواب مقدمات التجارة
(2) الوسائل الباب 9 و 21 من أبواب مقدمات التجارة
(3) الوسائل الباب 13 و 46 من أبواب آداب التجارة
(4) الوسائل الباب 13 و 46 من أبواب آداب التجارة
(5) الوسائل الباب 29 و 14 و 24 من أبواب مقدمات التجارة
(6) الوسائل الباب 29 و 14 و 24 من أبواب مقدمات التجارة
(7) الوسائل الباب 29 و 14 و 24 من أبواب مقدمات التجارة
(8) الوسائل الباب 21 و 35 من أبواب آداب التجارة
(9) الوسائل الباب 21 و 35 من أبواب آداب التجارة
(10) الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات التجارة
(11) الوسائل الباب 47 و 12 و 54 من أبواب آداب التجارة
(12) الوسائل الباب 47 و 12 و 54 من أبواب آداب التجارة
(13) الوسائل الباب 47 و 12 و 54 من أبواب آداب التجارة
(14) الوسائل الباب 22 من أبواب مقدمات التجارة
(15) الوسائل الباب 32 من أبواب آداب التجارة
(16) الوسائل الباب 32 من أبواب آداب التجارة
(17) الوسائل الباب 24 من أبواب مقدمات التجارة
(18) الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة
463

والسهولة والحلم والاقتراب من المبتاعين والتسامح في البيع والشراء (1)
والقضاء والاقتضاء (2) وسؤال البركة في الشراء، والخير في البيع (3)
وملازمة ما بورك له فيه (4) ووضع كل شئ في سوقه، وعمل كل
عامل في السوق المعد له، فإنه أرزق (5) والمعاملة مع من نشاء في
الخير (6) والمكافأة على الهدية، ومشاركة الجلساء فيها (7) واتخاذ
الحرف الرفيعة، كالتجارة، والزراعة، والغرس، والزرع (8) والخروج
عن البلد عند الاعسار (9) واعلام الاخوان بالاعسار، ليعينوه ولو
بالدعاء، والكتمان مع الخلو عن هذا القصد أولى (10) والاحسان إلى
الاخوان من المبتلى بخدمة السلطان ليكون كفارة عما كان (11) والكسب
فيما يحصل به تقوية البدن، كالسبق والرماية، والاتيان بحميد السلعة
وترك أرداها (12) وصرف الحجام كسبه مع الشرط على الناضح وشبهه (13)

(1) الوسائل الباب 4 من أبواب التجارة
(2) الوسائل الباب 42 و 20 و 35 من أبواب آداب التجارة
(3) الوسائل الباب 42 و 20 و 35 من أبواب آداب التجارة
(4) الوسائل الباب 42 و 20 و 35 من أبواب آداب التجارة
(5) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة
(6) الوسائل الباب 27 من أبواب مقدمات التجارة
(7) الوسائل الباب 91 و 92 من أبواب ما يكتسب به
(8) الوسائل الباب 25 و 4 و 14 من أبواب مقدمات التجارة
(9) الوسائل الباب 25 و 4 و 14 من أبواب مقدمات التجارة
(10) الوسائل الباب 25 و 4 و 14 من أبواب مقدمات التجارة
(11) الوسائل الباب 46 و 105 و 9 من أبواب ما يكتسب به
(12) الوسائل الباب 46 و 105 و 9 من أبواب ما يكتسب به
(13) الوسائل الباب 46 و 105 و 9 من أبواب ما يكتسب به
464

وإطالة الجلوس، وملازمة الغريم في التقاضي بإطالة الجلوس مع
السكوت (1) واتخاذ مكسبه في بلده (2) وطرح الدينار المغشوش بعد
قسمته نصفين في البالوعة (3) وتفريق المال إذا أرسله في تجارة حتى
لا يذهب بجملته، ومباشرة الأمور الكبار بنفسه، كشراء العقارات
ونحوها (4) وعمل الرجل في بيته، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله
كان يحلب عنز أهله (5) وأمير المؤمنين عليه السلام كان يحتطب ويستقي
ويكنس وفاطمة تطحن وتعجن وتخبز (6) ومشاركة الناس فيما يأكلون
ويلبسون (7) والاستعانة بدعاء الاخوان إذا جار الزمان (8) وكيل
الطعام إذا أحرز أو أخرج للأكل (9) والمحافظة على التعقيب إلى ما
بعد طلوع الشمس (10) وقراءة إنا أنزلناه وإنا أرسلنا وغيرهما من
القرآن مما له ربط في الرزق، وينبغي أن يجعل آخر دعائه إذا فرغ
من صلاة الفجر سبحان الله العظيم أستغفر الله وأتوب إليه وأسأله من
فضله عشر مرات (11) وطلاقه الوجه مع المعاملين، وحسن السلوك

(1) الوسائل الباب 16 من أبواب الدين
(2) الوسائل الباب 69 و 68 من أبواب ما يكتسب به
(3) الوسائل الباب 69 و 68 من أبواب ما يكتسب به
(4) الوسائل الباب 25 من أبواب مقدمات التجارة
(5) الوسائل الباب 20 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 2 و 1
(6) الوسائل الباب 20 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 2 و 1
(7) الوسائل الباب 32 من أبواب آداب التجارة
(8) الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات التجارة
(9) الوسائل الباب 7 من أبواب آداب التجارة
(10) الوسائل الباب 29 من أبواب مقدمات التجارة
(11) الوسائل الباب 55 من أبواب آداب التجارة
465

معهم، واستعمال الحلم، ومكارم الأخلاق فإنه أدعى للرزق (1) واتخاذ
مكان كسبه مجاورا لأهل الدين (2) ووضع فراش حوله يجلس عليه
المعاملون (3) وأحكام المعاملة بالصيغ اللازمة، وانظار المديون (4)
وتعليم الأولاد الحلال والحرام، وهم أبناء سبع، وتعليمهم السباحة
والرماية، وتعليم شعر أبي طالب وتدوينه (5) وصنعة الغزل للامرأة
والذهاب في الحاجة متحنكا متطهرا ماشيا في الظل (7) وقبول الهدية
ولو كانت معوضة، خصوصا الطيب (8) وتعجيل رد ظروف الهدايا
قبل طلب أربابها، وإرجاع العارية قبل وقت الاهمال (9).
وكذا ذكر جملة من المكروهات أيضا كأخذ الوكيل لنفسه مطلقا
لموضع التهمة (10) وتعاطي المعاملات والصناعات الدنية ما لم تؤد إلى
الشهرة المنافية للمروة فتحرم (11) والمداقة في المعاملة على الحج والكفن

(1) الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة
(2) الوسائل الباب 59 من أبواب آداب التجارة
(3) الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات التجارة
(4) الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة
(5) الوسائل الباب 105 و 64 من أبواب ما يكتسب به
(6) الوسائل الباب 105 و 64 من أبواب ما يكتسب به
(7) الوسائل الباب 3 من أبواب مقدمات التجارة
(8) الوسائل الباب 91 و 89 من أبواب ما يكتسب به
(9) الوسائل الباب 91 و 89 من أبواب ما يكتسب به
(10) الوسائل الباب 5 من أبواب آداب التجارة
(11) الوسائل الباب 25 من أبواب مقدمات التجارة
466

والأضحية والنسمة، وقد يلحق بها أمثالها (1) وسلوك طريق لا يتمكن
فيه أوفى غايته من بعض شروط العبادات أو شطورها قبل وجوبها،
والاتجار بمكة لغير أهلها، أما في الطريق فلا بأس (2) والشكاية
واستقلال قليل الرزق (3) ووضع المال في الكف، لأنه مضياع، بل
لعل الحكم جار في كل مضياع (4) وكثرة النوم والضجر والكسل والبطالة
والدوران في الأسواق (5) وشراء الطحين، وأدنى منه شراء الخبز (6)
وبيع آلات العبادات أو العقارات، ونقلها بجميع أنواع الانتقالات
من المعاوضات، إلا لشراء خير منه (7) واستيصال خفض الجواري (8)
وغسل الماشطة وجه العروس بالخرقة (9) وجعل أجير مشروط عليه
المباشرة (10) وترك الدنيا للآخرة، وبالعكس من غير خروج عن
الشرع (11) واستعمال الأجير بلا شرط (12) واستخدام من يستحق
الاكرام لحسب أو نسب أو كبر سن، ونحو ذلك، ونزو حمار على
عتيق، وضراب الناقة وولدها طفل إلا أن يتصدق بولدها، أو يذبح (13)

(1) الوسائل الباب 46 و 57 من أبواب آداب التجارة
(2) الوسائل الباب 46 و 57 من أبواب آداب التجارة
(3) الوسائل الباب 53 و 52 من أبواب آداب التجارة
(4) الوسائل الباب 53 و 52 من أبواب آداب التجارة
(5) الوسائل الباب 17 من أبواب مقدمات التجارة
(6) الوسائل الباب 33 من أبواب آداب التجارة
(7) الوسائل الباب 24 من أبواب مقدمات التجارة
(8) الوسائل الباب 18 و 19 و 66 من أبواب ما يكتسب به
(9) الوسائل الباب 18 و 19 و 66 من أبواب ما يكتسب به
(10) الوسائل الباب 18 و 19 و 66 من أبواب ما يكتسب به
(11) الوسائل الباب 28 من أبواب مقدمات التجارة
(12) الوسائل الباب 3 من أحكام الإجارة
(13) الوسائل الباب 63 من أبواب ما يكتسب به
467

واخراج ردي السلعة وترك جيدها (1) وتمليك الأم دون ولدها أو
الولد دون أمه، إن كان رضيعا (2) وأخذ الوصي شيئا في مقابلة
عمله (3) وبيع المكيل والموزون قبل قبضه، ولا سيما الطعام أو نقله
بوجه آخر (4) والتعرض للحقوق، فإذا ابتلي فليصبر (5) وأن يستأجر
الأجير الأول مع عدم شرط المباشرة عليه أجيرا آخر بأقل مما استأجره
ولم يكن عمل شيئا (6) وأن يجعل المؤمن نفسه أو غلامه المؤمن،
أجيرا لمخالف في الدين من غير شرط المباشرة أما معها فإما حرام
مطلقا أو لخصوص الكافر (7) واستكثار الرزق على غيره مع عدم بلوغ
حد الحسد (8) والاكتساب بالسؤال، وخصوصا بالكف، ويحرم لبعض
الأشخاص ومن بعض الأشخاص (9) والاكتساب بالمدح، واعطاء
المادح الذي قد أمرنا بحثوا التراب في وجهه (10) وإجارة المستأجر
الأرض بأكثر مما استأجرها به، مع عدم العمل فيها (11) وإجارة

(1) الوسائل الباب 43 من أبواب آداب التجارة
(2) الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الحيوان
(3) الوسائل الباب 72 من أبواب ما يكتسب به
(4) الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود
(5) الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به
(6) الوسائل الباب 23 من أحكام الإجارة
(7) الوسائل الباب 38 من أبواب عقد البيع وشروطه
(8) الوسائل الباب 13 من أبواب آداب التجارة
(9) الوسائل الباب 4 من أبواب المقدمات
(10) الوسائل الباب 43 من أبواب ما يكتسب به
(11) الوسائل الباب 21 من أحكام الإجارة
468

الأرض بحنطة أو شعير ولا سيما إذا شرط من حاصلها، ولا يبعد
جريانه في سائر ما ينبت في الأرض (1) والمقاصة في الوديعة فإن أراد
ذلك استحب له أن يقول اللهم لم أخذه ظلما ولا خيانة، وإنما أخذته
مكان مالي الذي أخذ مني لم أزد عليه شيئا (2) ومعاملة الشريك لنفسه
مع البناء على تقسيم جميع المنافع، ولو بأن يشتري بعين ماله لنفسه
أو ذمته شيئا، وتفضيل المعلم بعض الصبيان على بعض (3)، وتفضيل
الأجير بعض المستأجرين على بعض، من غير داع إلهي، وزخرفة
المساجد وتزويقها وأخذ الأجرة عليها، ويلحق بها المشاهد المشرفة
وحرمها بعض، والحق الكراهة (4) والانهماك في علم النحو، فإنه
الذي يسلب الخشوع، ولا بأس بالاطلاع على الأنساب والأشعار والوقايع
وإن لم يكن فيه فضل لأنه علم لا يضر من جهله ولا ينفع من علمه إنما
العلم ثلاثة آية محكمة، أو فريضة عادلة أو سنة قائمة، وما سواهن
فهو فضل (5) ومدح الظالم صدقا بغير ما يبعث على قوته، والتواضع
له من غير علة (6) ورد الهدايا خصوصا الطيب والحلو (7) ومحبة الظالمين
من دون دخول في معاصيهم وإلا فيحرم، ولا سبب يدعو إليهم ولحبهم
وقيل بالتحريم (8) وطلب الحوائج من مستحدثي النعمة، وهو من لم

(1) الوسائل الباب 21 و 26 من أحكام الإجارة
(2) الوسائل الباب 83 من أبواب ما يكتسب به
(3) الوسائل الباب 29 من أبواب ما يكتسب به
(4) الوسائل الباب 15 من أحكام المساجد
(5) الوسائل الباب 105 و 43 و 89 من أبواب ما يكتسب به
(6) الوسائل الباب 105 و 43 و 89 من أبواب ما يكتسب به
(7) الوسائل الباب 105 و 43 و 89 من أبواب ما يكتسب به
(8) الوسائل الباب 44 من أبواب ما يكتسب به
469

يكن فكان (1) وطلبها أيضا بالليل من الناس (2) وحفظ الشعر مكثرا
منه من غير حق (3) ومعاملة الرجال الأجانب النساء وبالعكس مع
الاحتياج إلى المكالمة والمحادثة، حيث نقول بعدم دخول الصوت في
العورة (4) وأكل الحجام أجرته المأخوذة بالشرط (5) والاسراف الذي
لم يصل إلى حد المضار فيحرم (6) وما عارض شيئا من الطاعات، وقيل
بتحريم ما عارض الواجبات (7) وفعل المعاملات التي لا تخلو من
الشبهات (8) والسهر زائدا على المعتاد في الاكتساب (9) والرجوع بالهبة
الذي هو كالرجوع بالقئ (10) وشدة السعي في الطلب، فيكون طلب
الحريص والخضوع والكسل (11) إلى غير ذلك مما أكثر منه في الدروس
وغيرها، وإن كان لا مدخلية لبعضه في خصوص المقام، وآخر محل
للنظر، وثالث يأتي في محله انشاء الله وهو العالم، (ويلحق بذلك مسألتان
الأولى تلقى الركبان) مثلا القاصدين إلى بلد للشراء منهم مثلا

(1) الوسائل الباب 21 من أبواب آداب التجارة
(2) الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات التجارة
(3) الوسائل الباب 105 من أبواب ما يكتسب به
(4) الوسائل الباب 131 من أبواب مقدمات النكاح
(5) الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به
(6) الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات التجارة (7) الوسائل الباب 14 من أبواب الآداب و 68 من أبواب ما
يكتسب به
(8) الوسائل الباب 33 و 34 من أبواب ما يكتسب به
(9) الوسائل الباب 33 و 34 من أبواب ما يكتسب به
(10) الوسائل الباب 10 من أحكام الهبات
(11) الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة
470

(مكروه) في المشهور بين الأصحاب بل عن بعضهم ما يظهر منه
الاجماع عليه، وهو الحجة بعد حمل النهي عليه في خبر عروة السابق (1)
(عن أبي جعفر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله لا تتلق أحدكم
تجارة خارجا عن المصر) وخبر منهال القصاب (2) (عن أبي عبد الله
عليه السلام لا تلق ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل منه) وخبره الآخر
عنه أيضا (3) (سألته عن تلقي الغنم فقال: لا تتلق ولا تشتر
ما يتلقى ولا تأكل) وخبره الثالث (4) قال: أبو عبد الله عليه السلام
(لا تلق فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن التلقي قلت: وما حد
التلقي؟ قال: ما دون غدوة أو روحه قلت: وكم الغدوة والروحة؟
قال: أربعة فراسخ) قال: ابن أبي عمير وما فوق ذلك فليس بتلقي
لقصورها سندا عن إفادة التحريم خصوصا بعد مخالفتها للمشهور، وموافقتها
للعامة، بل ودلالة بناء على فهم ذلك من هذا النهي في هذا المقام، ولو
لقوله ولا تأكل، المعلوم إرادة الكراهة منه، بعد فرض إرادة الإثم
من النهي عن التلقي، لا فساد العقد كمعلومية كون المنشأ في ذلك
ما أومأ إليه عليه السلام في النهي عن وكالة الحاضر للباد، من إرادة
ارتزاق المسلمين بعضهم من بعض، فما عن ابني البراج وإدريس من
الحرمة ضعيف، وإن حكي أيضا عن الخلاف والمبسوط للتعبير بلفظ
لا يجوز، لكن من المحتمل قويا إرادته الكراهة هنا كما وقع له نحو
ذلك في معلوم الكراهة غير مرة، (و) كيف كان ف‍ (حده أربعة

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 5
(2) الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 2
(3) الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 3 و 1
(4) الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 3 و 1
471

فراسخ) بخروج الحد عن حكم المحدود فحينئذ لا تلقي من الأربعة
فصاعدا على تقديري الحرمة والكراهة، بل يكون سفر تجارة وإلى ذلك أومأ
في الخبر السابق بقوله دون غدوة أو روحة، وفي مرسل الفقيه (1)
(روى أن حد التلقي روحة، فإذا صار إلى أربعة فراسخ فهو جلب)
وينافيه ما سمعته من كلام ابن أبي عمير بعد احتمال إرادة ما زاد
على الدون من الفوق فيه، ومنه يعلم حينئذ قوة المختار من أن المسافة
أربعة فصاعدا إذا أريد الرجوع، ولو لغير يومه، للاطلاق ضرورة
كون الحاصل منها حينئذ أن ما دون الأربعة تلقي، والأربعة فصاعدا
سفر تجارة، باعتبار كونها مسافة بإرادة الرجوع، والغدوة من أول
النهار إلى الزوال، والروحة من الزوال إلى الغروب، وبياض اليوم
عبارة عن ثمانية فراسخ، فيكون كل نصف أربعة فراسخ، كما هو
واضح، وحينئذ ف‍ (- إذا قصد) بفعله ذلك ترتب الحكم وإلا فلا،
(ولا يكره إن اتفق) بلا قصد، ولو كان طريقان فسلك أقصرهما
ترتب الحكم، كما أنه لو سلك بالغ الحد لم يترتب، ولو قصد الحد
فصادف الركب دونه لم يكن متلقيا، قيل أو قصد دونه فبلغه ارتفعت
كراهة المعاملة، وإن فعل مكروها في قطع الطريق قبل العزم على
التجاوز، وفيه تأمل كالتأمل فيما قيل أيضا ولو قصد ركبا مخصوصا
فصادف غيره أو تركه وعامل غيره فالكراهة في تلقيه دون معاملته،
ولو قصد ما فوق المسافة عازما على المعاملة فيما دونها فلا يبعد الحاقها
بالتلقي ولو أجرى الصيغة هناك ولم يقبض إلا دونها فلا تلقي ولا سيما
إذا لم يكن القبض شرطا في حصول الملك، بخلاف العكس، ولو أمهلهم

(1) الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 6
472

في المعاملة إلى دخول البلد وإنما قصد باستقبالهم إظهار المحبة لهم
ليتوقع شفقتهم لم يكن به بأس، وكيف كان فقد تحصل أن الحكم
المزبور مشروط بشروط، منها كون الخروج بقصد ذلك، فلو خرج
لا له فاتفق الركب لم يثبت الحكم، ومنها تحقق مسمى الخروج من البلد
فلو تلقى الركب في أول وصوله إلى البلد لم يثبت الحكم، وإن لم يكن
قد عرف السعر، نعم لو دخل بعض الركب فتلقى البعض الآخر لم يبعد
ثبوت الحكم، لصدق التلقي حينئذ، ومنها اعتبار ما دون الأربعة فراسخ
على الوجه الذي سمعته، قيل: ومنها جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعه
ويشتريه، فلو علم بهما أو بأحدهما لم يثبت الحكم فيه، كما يشعر به
التعليل في قوله صلى الله عليه وآله لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من
المصر والمسلمون يرتزق بعضهم من بعض، والظاهر أن الاعتبار بعلم
من يعامل خاصة، وفيه مع عدم التصريح بالعلة في الخبر المزبور،
يمكن أن يكون الوجه في الكراهة هو اختصاص المتلقى بشراء ما معهم
والربح فيه بخلاف ما لو قدم الركب. فالأولى تعميم الكراهة لحالي
العلم بالسعر وعدمه، قيل: ومنهما أن يكون التلقي للبيع عليه أو الشراء
منه، فلو خرج لغيرهما من المقاصد ولو في بعض المعاملات كالإجارة لم
يثبت الحكم، وفي إلحاق الصلح ونحوه من عقود المعاملات احتمال، للعلة
وعدمه، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، قلت: لا يخفى عليك
ما في الاحتمال الثاني من الضعف، بل قد يناقش فيما ذكره أولا من
خروج الإجارة ونحوها لعموم ما هو كالتعليل، ومنه يعلم ما في قوله
بعد ذلك أيضا أنه يحتمل قصر الحكم على الشراء منهم خاصة، نظرا
إلى ظاهر قوله لا يتلقى أحدكم تجارة الخارج مخرج الغالب، فلا يقيد
به إطلاق النهي عن التلقي في غيره، خصوصا بعد التعليل المزبور، ثم
473

قال: ولو قلنا بالتعميم ينبغي قصر البيع على ما فيه خطر وغبن، فلو
خرج ليبيع عليهم المأكول ونحوه فلا بأس، وفيه أن الحكمة في النهي
عن التلقي ليست لمراعات حال الركب خاصة، بل الأعم من ذلك ومن
حال أهل البلد، باعتبار اختصاص الربح ونحوه بالمتلقى خاصة، كما
أومأنا إليه سابقا فيعم حينئذ جميع ذلك، ضرورة منع الرزق على
أهل هذا الصنف.
وعلى كل حال فلو خالف وتلقى وباع واشترى انعقد البيع، وإن
قلنا بالتحريم كما عن ابن إدريس التصريح به، بل عن ظاهر المنتهى
اتفاق العلماء على ذلك لكون النهي عن أمر خارج عن حقيقة البيع،
خلافا للإسكافي فأبطله وهو واضح الضعف، (و) منه يعلم المراد
في النهي عن أكل ما يتلقى كما أشرنا إليه، فما في شرح الأستاذ من
الحكم بالفساد على تقدير الحرمة، لأن النواهي في أخبار المسألة تعلقت
بنفس المعاملة لا بخارج عنها كما قيل، مع أن فيها ولا تشتر ما يتلقى
ولا تأكل منه إلى آخره كما ترى، إذ النهي في أخبار المسألة إنما
تعلق بالتلقي معللا بأن المسلمين يرزق الله بعضهم من بعض، لا بنفس
المعاملة، على نحو بيع الحصى أو بيع الخمر أو الميتة، بل (لا يثبت)
في ذلك (للبايع الخيار إلا أن يثبت الغبن الفاحش) خلافا لظاهر
المحكي عن ابن إدريس من ثبوت الخيار مطلقا، ولعله لاطلاق النبوي
المرسل (1) في الدروس عن النبي صلى الله عليه وآله (لمن تلقى فصاحب
السلعة بالخيار) أو النبوي العامي (2) (لا تلقوا الجلب فمن تلقاه
واشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار) القاصر سندا عن تخصيص

(1) المستدرك ج 2 ص 469
(2) كنز العمال ج 2 ص 306 الحديث 4306
474

قاعدة اللزوم، بل ودلالة، ضرورة كون المفهوم من اشتراط الخيار في الثاني
باتيان السوق معرفة الغبن، وإلا لكان له الخيار من حين البيع فليس
هو حينئذ إلا خيار الغبن الذي ستعرف كثيرا من أحكامه فيما يأتي
إنشاء الله.
نعم ربما تخيل بعض الأفاضل من الاشتراط المزبور، أن المدار
في الغبن ملاحظة القيمة عند دخوله السوق مثلا، لا حال ايقاعه
الصيغة، فيخالف خيار الغبن من هذه الجهة، مع أن فيه ما لا يخفى
ضرورة بناء ذلك على الغالب من اتحاد القيمة، كما أن الاقتصار على
البايع في النص والفتوى مبني على ذلك، وإلا فلا فرق بينه وبين المشتري
مع فرض حصول شرط خيار الغبن من الجهل بالقيمة، وعدم اسقاطه
بالشرط أو غيره، ونحو ذلك مما ستعرفه في محله انشاء الله، كما أنك
تعرف فيه أيضا ما يدل على الخيار بالغبن من الاجماع، وقاعدة
الضرار (1) (و) غير ذلك.
إنما الكلام في أن (الخيار فيه على الفور مع القدرة) وعدم
العذر لجهل في الموضوع أو الحكم أو لغفلة أو نسيان أو غير ذلك، مما
ينافي سقوط الخيار معه، حكمة مشروعيته من الضرر وغيره، أو على
التراخي قولان، فعن جماعة من المتقدمين والمتأخرين الأول، بما ربما
كان مشهورا لأنه إنما يثبت من قاعدة الضرار، والاجماع ونحوهما
مما يقتضي تخصيص عموم الأزمان المستفاد من دليل اللزوم الذي هو
أوفوا ونحوه، فلا استصحاب حينئذ كي يخصص به، لو قلنا بتقديم
الخاص وإن كان استصحابا على العام، وإن كان كتابا فهو حينئذ لعارض
الضرورة، كإباحة بعض الأشياء لها، للمحرم أو الصائم أو المصلي ونحو

(1) الوسائل الباب 17 من أبواب التجارة الحديث 3 و 4
475

ذلك مما تقدر فيه الضرورة بقدرها، (وقيل) كما عن جماعة أيضا هو بعد
ثبوته على التراخي ف‍ (لا يسقط) حينئذ (إلا بالاسقاط وهو الأشبه)
لمنع دلالة أوفو أو نحوه مما استفيد منه اللزوم، على عموم الأزمنة على
وجه يكون الخيار كتخصيص بعض الأزمنة من بين تلك الأزمنة، بحيث
لا يستصحب، وقاعدة الضرار وإن كان دليلا لا تقضي بكون موضوع
الحكم المضطر كي يزول بزوال عنوان الحكم، على أن التمسك باطلاق دليل
الخيار من الخبر المنجبر ومعقد الاجماع المحكي كاف، وربما يأتي
لذلك انشاء الله تتمة والله العالم.
(وكذا حكم النجش) بمعنى أن البيع فيه صحيح، بل ولازم
إلا مع الغبن الفاحش على الوجه الذي سمعته، وإن كان هو حراما
للنهي عنه، واللعن لفاعله في النبوي (1) المؤيد بالشهرة، بل والاجماع
المحكي، بل لعل العقل شاهد على قبحه باعتبار كونه غشا وخدعة وتدليسا
واغراء بالجهل واضرارا، إذ هو كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة
غير مريد شرائها، بل ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطات مع
البايع، كما عساه يقتضيه لعن النبي صلى الله عليه وآله الناجش والمنجوش
أو الأعم على اختلاف التفسيرين، وعن آخر تفسيره بأن يمدح السلعة في
البيع لينفقها ويروجها المواطاة بينه وبين البايع أو بدونها، على اختلاف
في تعريفهم، ولعل اعتبار المواطاة فيه غير بعيد، وإن كان حرمة الثاني
لا تخلو من قوة، لكونه خدعا وإغراء وإضرارا وخيانة للمسلم، ومن
ذلك يعرف أن المراد بالتشبيه ما ذكرناه، لا الأعم منه ومن الكراهة
كما عن قوم، ضرورة أن وجه الحرمة هنا واضح، لما عرفت وإن كان
لا يبطل العقد، لما سمعته من تعلق النهي بأمر خارج، خلافا لابن

(1) الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث 2 و 3
476

الجنيد فأبطله مع المواطاة كما أن منه يعرف ما في تعريف المتن
(و) القواعد إياه بأنه.
(هو أن يزيد لزيادة من واطاه البايع) ضرورة عدم تعلق
التحريم والكراهة بذلك، اللهم إلا أن يريد التعريف بالغاية فيكون
عبارة عن الزيادة الأولى المسببة للثانية، قيل أو يراد قدر المال الزائد
ثمن المثل المسبب عن الخدع، فإنه يحرم على البايع أو يراد الزيادة
على البذل الحاصلة بسبب زيادة المواطاة، أو تمام المثل المشتمل عليها
فتكون عبارة عنه، وفيه أنه لا وجه لحرمة الثمن بعد صحة البيع،
وأما القول بثبوت الخيار مطلقا كما عن القاضي لكونه تدليسا أو مع
مواطاة البايع، وإن لم يكن غبنا فلا دليل عليه يخرج به عن قاعدة
اللزوم، والإثم في المقدمات أعم من ذلك، وما أبعد ما بينه وبين
القول بعدمه مطلقا، كما عن المبسوط قطعا مع عدم المواطاة، وعلى الأقوى
معها، والحق التفصيل بالغبن وعدمه، فيتخير في الأول لدليله، ولا يتخير
في الثاني لقاعدة اللزوم، ولعل في حكم النجش قول البايع كذبا أعطيته
في هذه السلعة كذا وصدقه المشتري في الحرمة والخيار مع الغبن،
ولو كان صادقا فله الخيار خاصة معه، ولا إثم ولا يلحق بالنجش ترك
الزيادة في السلعة ليشتريها بالثمن القليل، وإن كان هو محرما في بعض
الأحوال المشتملة على المواطاة مع المشتري، لإرادة خدعة البايع واضراره
واغراءه بالجهل ونحو ذلك.
المسألة (الثانية الاحتكار مكروه) عند المفيد والشيخ في المبسوط
وأبي الصلاح في المكاسب والفاضل في المختلف وغيرهم على ما حكي عن
بعضهم (وقيل) والقائل الصدوق وابنا البراج وإدريس وأبو الصلاح
في فصل البيع والشهيدان في الدروس والمسالك وغيرهم، على ما حكي
477

أيضا عن بعضهم (حرام والأول أشبه) بأصول المذهب وقواعده التي
منها الأصول وقاعدة تسلط الناس على أموالها (1) المعتضدة بنصوص
الاتجار وحسن التعيش والحزم والتدبير وغير ذلك السالمة عن معارضة
دليل معتبر على التحريم، لقصور نصوص المقام سندا ودلالة عن ذلك
إذ هي خبر السكوني (2) (عن النبي صلى الله عليه وآله لا يحتكر الطعام
إلا خاطئ) وخبره (3) (عن أبي عبد الله عليه السلام الحكرة في الخصب
أربعون يوما، وفي البلاء والشدة ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين
يوما في الخصب فصاحبه ملعون، وما زاد في العسرة على الثلاثة أيام
فصاحبه ملعون) وخبر حذيفة بن منصور (4) (عن أبي عبد الله عليه
السلام نفد الطعام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فأتاه المسلمون
فقالوا: يا رسول الله قد نفد الطعام ولم يبق منه إلا شئ عند فلان فمره
ببيعه الناس، قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا فلان إن المسلمين
ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شيئا عندك فأخرجه وبعه كيف شئت
ولا تحبسه) وخبر القداح عنه أيضا (5) (عن النبي صلى الله عليه وآله
الجالب مرزوق؟؟، والمحتكر ملعون) والمرسل (6) (نهى أمير المؤمنين

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 8 و 1
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 8 و 1
(4) الوسائل الباب 29 من أبواب آداب التجارة الحديث 1
(5) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 3 وفيه
عن ابن قداح
(6) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 9
478

عليه السلام عن الحكرة في الأمصار) وخبر حمزة (1) (عن علي عليه السلام
أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن
تخرج إلى بطون الأسواق وحيث ينظر الناس إليها فقيل: لرسول الله
صلى الله عليه وآله لو قومت عليهم، فغضب حتى عرفت الغضب في وجهه
وقال: أنا أقوم عليهم إنما السعر إلى الله عز وجل يرفعه إذا شاء ويضعه
إذا شاء) وخبر أبي مريم (2) (عن أبي جعفر عليه السلام قال:
رسول الله صلى الله عليه وآله، أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين
صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما
صنع) وخبر أبي البختري المروي عن قرب الإسناد (3) (عن جعفر بن
محمد عن أبيه عليهما السلام أن عليا (ع) كان ينهى عن الحكرة في الأمصار
وقال: ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن)
وفي كتاب علي عليه السلام إلى الأشتر المروي في نهج البلاغة (4) (فامنع
من الاحتكار، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع منه، وليكن
البيع بيعا سمحا بموازين عدل واسعا لا يجحف بالفريقين من البايع
والمبتاع، فمن لم يفارق حكره بعد نهيك إياه فنكل وعاقب في غير
اسراف) وفي المرسل المروي عن كتاب ورام (5) (عن النبي صلى الله
عليه وآله عن جبرئيل عليه السلام اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم
يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا فقال: لثلاثة المحتكرين والمدمنين الخمر

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب آداب التجارة الحديث 1
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 6
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 7
(4) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 13
(5) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 11
479

والقوادين) وهي أجمع كما ترى، مع قصور أسانيدها كادت تكون
صريحة في الكراهة، ضرورة كون اللسان لسانها، والتأدية تأديتها كما
لا يخفى على من لاحظ ما ورد عنهم عليهم السلام في المكروهات، وترك بعض
المندوبات، كغسل الجمعة والجماعة والأكل وحده، وتفريق الشعر،
ونحو ذلك، ولذا صرح فيها في صحيح الحلبي (1) (عن أبي عبد الله
عليه السلام سألته عن الرجل يحتكر الطعام يتربص به هل يجوز ذلك
فقال: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس، وإن كان الطعام
قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام ويترك الناس ليس
لهم طعام) بل ربما أشعر بذلك أيضا التقييد بالأمصار إذ لا مدخلية
مع القول بالحرمة بين المصر وغيره، وإنما يختلف بذلك شدة وضعفا
على الكراهة، بل قوله لا يحتكر الطعام إلا خاطئ كذلك أيضا، فإنه
بناء على الحرمة يكون من بيان البديهيات، لكن على الكراهة يكون
المراد منه الشدة التي هي بمنزلته، وكذا خبر الكفارة، والتفصيل
بالأربعين والثلاثة إلى غير ذلك من الأمارات في النصوص المزبورة.
بحيث يمكن دعوى حصول القطع للفقيه الممارس بذلك، كما لا يخفى
على من رزقه الله تعالى فهم كلامهم ورمزهم، ومن ذلك يعرف ما في
الاستدلال للقول بالحرمة بالنصوص المزبورة، مؤيدا بالقبح العقلي
المستفاد من ترتب الضرر على المسلمين، وكون منشأه الحرص المذموم
عقلا، ومنافاته للمروة ورقة القلب المأمور بهما كذلك، إذ قدر عرفت
مفاد النصوص كما أن من الواضح عدم استقلال العقل بادراك قبح ذلك
خصوصا وموضوع البحث حبس الطعام انتظارا لعلو السعر على حسب

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 2
480

غيره من أجناس التجارة من حيث كونه كذلك، لامع قصد الاضرار
بالمسلمين، ولو شراء جميع الطعام فيسعره عليهم بما يشاء، أو لأجل
صيرورة الغلا بالناس بسبب ما يفعله، أو لاطباق المعظم على الاحتكار
على وجه يحصل الغلا، والاضرار على وجه ينافي سياسة الناس، ولذا
أمر أمير المؤمنين عليه السلام الأشتر بما سمعت، أو لغير ذلك من
المقاصد التي لا مدخلية لها فيما نحن فيه، مما هو معلوم الحرمة لأمر
آخر خارجي، بل هو كذلك في كل حبس لكلما تحتاجه النفوس
المحترمة، ويضطرون إليه ولا مندوحة لهم عنه من مأكول أو مشروب
أو ملبوس أو غيرها من غير تقييد بزمان دون زمان، ولا أعيان دون
أعيان، ولا انتقال بعقد ولا تحديد بحد، بعد فرض حصول الاضطرار
بل الظاهر تسعيره حينئذ بما يكون مقدورا للطالبين، إذا تجاوز الحد
في الثمن، بل لا يبعد حرمة قصد الاضطرار بحصول الغلا، ولو مع
عدم حاجة الناس ووفور الأشياء، بل قد يقال بالتحريم بمجرد قصد
الغلا وحبه، وإن لم يقصد الاضرار، ويمكن تنزيل القول بالتحريم
على بعض ذلك، كما عساه يومئ إليه بعض كلماتهم، فيرتفع الخلاف
حينئذ في المسألة، (و) إنما الكلام في حبس الطعام انتظارا به
غلو السعر على حسب غيره من أجناس التجارة مع حاجة الناس،
وعدم وصولهم إلى حد الاضطرار، فدعوى وصول العقل إلى القبح
التحريمي في مثل ذلك واضحة المنع.
ومن هنا صرح غير واحد من الأصحاب بأن الاحتكار الذي هو
محل البحث (إنما يكون في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن)
دون غيرها، بل هو المشهور فيما بينهم بل عن جماعة الاجماع عليه،
481

لخبر أبي البختري السابق (1) وخبر غياث بن إبراهيم (2) عن أبي
عبد الله عليه السلام ليس الحكرة إلا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب
وفي الفقيه زيادة والزيت، بل عن المفيد أن الحكرة احتباس الأطعمة،
وأبي الصلاح الغلات، نعم عن الصدوق في المقنع زيادة الزيت لخبر
غياث السابق وخبر الخصال بسنده (3) عن السكوني (عن جعفر بن
محمد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله
الحكرة في ستة أشياء في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت
وفي صحيح الحلبي (4) (عن أبي عبد الله عليه السلام الحكرة أن يشتري
طعاما ليس في المصر غيره، فيحتكره فإن كان في المصر طعام أو متاع
غيره، فلا بأس بأن يلتمس بسلعته الفضل قال: وسألته عن الزيت
فقال: إن كان عند غيرك فلا بأس بامساكه) (وقيل:) كما عن
الشيخ في المبسوط وابن حمزة (وفي الملح) زائدا على الخمسة المشهورة
واختاره في الدروس وقواه في المسالك، ولعله لشدة الحاجة، إلا أنه
لم نجد في شئ مما وصل إلينا من النصوص دلالة عليه، ويمكن أن
يكون لندرة الاحتكار فيه، بسبب كثرة وجوده ورخصه قريبا من الماء
والأمر في اختلاف النصوص المذكورة في ذلك سهل بناء على الكراهة
التي قد يومي إليها أيضا زيادة على ما عرفت ذلك ونحوه المبنية على
الاختلاف شدة وضعفا، بل قيل: وعلى المثال في جميع ما يحتاجه
الناس، فتعم الكراهة غير المذكورات، ويخص بعض أفرادها، فلا

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة 7
(2) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 4 و 10
(3) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 4 و 10
(4) الوسائل الباب 28 من أبواب آداب التجارة
482

احتكار في الزيت إلا في الشامات، ولا في الملح إلا في مواضع يعتاد
استعماله فيها، وهكذا ولو فهمنا إرادة الحاجة لما كان معتادا في طعام
نوع الانسان لم يكن احتكار في الشعير في أكثر بلدان إيران، ولو اعتاد
الناس طعاما في أيام القحط مبتدعا جرى فيه الحكم لو بني فيه على العلة
وفي الأخبار ما ينادي بأن المدار على الاحتياج، وهو مؤيد للتنزيل على
المثال، وإن كان فيه ما لا يخفى، وكيف كان فلا إشكال نصا وفتوى
بل ولا خلاف كذلك في أن الاحتكار يكره أو يحرم (بشرط أن
يستبقيها للزيادة في الثمن) فلو استبقاها لحاجة إليها للبذر أو نحوه
لم يكن به بأس، بل الظاهر عدم كونه احتكارا، كما دل عليه النص
(و) والفتوى، بل الظاهر اشتراط أن (لا يوجد بايع ولا باذل)
لصحيحي الحلبي السابقين، وصحيح سالم الحناط (1) (قال: لي أبو عبد الله
عليه السلام ما عملك قلت حناط، وربما قدمت على نفاق وربما قدمت
على كساد فحبست قال: فما يقول من قبلك فيه، قلت: يقولون محتكر
قال: يبيعه أحد غيرك قلت: ما أبيع أنا من ألف ألف جزء جزء قال:
لا بأس، إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن خزام، وكان
إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله، فمر عليه النبي صلى الله عليه وآله
فقال يا حكيم بن خزام إياك أن تحتكر) مع احتمال الجمع بين النصوص
بالشدة والضعف، بل لعله أولى من الجمع بالاطلاق والتقييد، بناء
على المختار لولا الشهرة بين الأصحاب أو الاجماع، خصوصا مع
احتمال كون المراد بعدم وجدان البايع الباذل للجنس المحتكر فيه وغيره
من الأجناس، (و) منه يعلم الوجه فيما (شرطه آخرون) وهو
(أن يستبقيها في الغلا ثلاثة أيام وفي الرخص أربعين) يوما بل عن

(1) الوسائل الباب 28 من أبواب آداب التجارة
483

الشيخ منهم أنه حد الحكرة بذلك، لخبر السكوني وخبر أبي مريم (1)
في خصوص الغلا السابقين، ولكن الأولى كما عرفت الجمع بالشدة
والضعف، بل وكذا ما عن العلامة رحمه الله من اشتراط الشراء في الحكرة
فلو لم يشترها، بل كانت بزرع ونحوه لم يكن به بأس، لصحيح الحلبي
وخبر أبي مريم السابقين، مع أن الثاني منهما لا تقييد فيه، والظاهر
إرادة المثال لمطلق المملوك بالمعاوضة من الأول، أو أنه أشد من غيره
لقوة اطلاق غيره من النصوص، على وجه لا يترجح ذلك عليه خصوصا
بعد أن كان الحكم مكروها، قابلا للشدة والضعف، بل في المسالك
بعد أن حكى عنه ذلك، واعترف بدلالة الحسن عليه قال: والأقوى
عموم التحريم مع استغنائه عنها، وحاجة الناس إليها، فمع حاجته إليها
ولو لمؤنته، ووفاء دينه ونحوهما أو وجود باذل غيره لم يحرم.
نعم يستحب مساواة الناس حالة الغلا، ولو ببيع ما يزيد عن
حاجته، وما عنده من الجيد، إذا لم يكن عند الناس إلا الردي،
واستعماله ما يأكلون، كما روي ذلك من فعل الصادق عليه السلام (2)
هذا وعن بعض اعتبار أن لا يكون قوتا مختصا بالدواب كالشعير الحامض
وأن لا يكون السمن مثلا من غير المطعوم، بل هو متخذ للاسراج ونحوه
فإن حبس مثل ذلك لا يكون احتكارا، كما أن شراء ما يضيق الناس
بشرائه دون حبسه ليس منه، وكذا لو كان حبسه انتظارا للغلا لأجل
الانفاق، وقت الاضطرار تحصيلا للأجر، أو لأن أهل المصر قد تركوا
شرائه عمدا ليباع بأقل القيمة، أو بحصول مانع من البيع وقت الرخا
أو لغير ذلك مما يخرج به عن محل البحث، على أن الحاجة التي كره

(1) الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 6
(2) الوسائل الباب 22 من أبواب آداب التجارة الحديث 1
484

الاحتكار لها أعم من حاجة الناس أنفسهم أو دوابهم أو غير ذلك،
من ضياء ونحوه (و) كيف كان فقد قيل لا خلاف بين الأصحاب في
أن الإمام ومن يقوم مقامه ولو عدول المسلمين (يجبر المحتكر على
البيع) بل عن جماعة الاجماع عليه على القولين، ولعله لما سمعته من
الأخبار السابقة، فلا يشكل ذلك بناء على الكراهة، لمنافاته قاعدة
عدم جبر المسلم على ما لا يجب عليه لاحتمال اختصاص ذلك بالخروج
عن القاعدة بالأدلة المزبورة المؤيدة، باقتضاء المصلحة العامة، والسياسة
ذلك في كثير من الأزمنة والأمكنة، ولو تعذر الاجبار قام الحاكم
مقامه، بل ظاهر بعض قيامه مقامه مع عدم تعذر الاجبار خصوصا الإمام
وإن كان قد يناقش بأنه خلاف المأثور خصوصا مع فرض وجوب ما
امتنع عنه بناء على الكراهة، ولو امتنع عن المعاوضة وطلب الصدقة
أجيب إليها، ولو في حق من يدخله النقص بها، قيل وليس له خيار
المجلس، ولا خيار الحيوان، وله ذلك فيما عداهما، من ذوات
الأسباب فيفسخ ويجدد العقد، وليس له اشتراط الخيار أيضا، ولو
بذل الطعام بعد اجراء الصيغة، وبعد التفرق فلا رد، وقبل أحدهما
يكون الأمر إليه (و) فيه ما لا يخفى من المخالفة لاطلاق الأدلة،
إلا مع فرض قصد الاحتيال بذلك إلى عدم البيع نعم (لا يسعر عليه)
في المشهور للأصل، وخبر ابن حمزة السابق (1) ومرسل الفقيه (2)
(إنه قيل للنبي صلى الله عليه وآله لو أسعرت لنا سعرا فإن الأسعار تزيد
وتنقص فقال: ما كنت لا لقي الله تعالى ببدعة لم يحدث إلى فيها شئ
فدعوا عباد الله تعالى، يأكل بعضهم من بعض، فإذا استنصحتم فانصحوا)

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب آداب التجارة الحديث 1 و 2
(2) الوسائل الباب 30 من أبواب آداب التجارة الحديث 1 و 2
485

مؤيدا بما ورد في جملة من النصوص (1) من أن الله عز وجل وكل
بالأسعار ملكا يدبرها) وفي بعضها فلن تغلو من قلة ولم ترخص من
كثرة، وفي آخر علامة رضى الله عز وجل في خلقه عدل سلطانهم
ورخص أسعارهم، وعلامة غضب الله تبارك وتعالى على خلقه جور
سلطانهم وغلاء أسعارهم).
نعم لا يبعد رده مع الاجحاف كما عن ابن حمزة والفاضل في
المختلف، وثاني الشهيدين وغيرهم لنفي الضرر والضرار (2) ولأنه لولا
ذلك لا نتفت فائدة الاجبار، إذا يجوز أن يطلب في ماله ما لا يقدر
على بذله، ويضر بحال الناس والغرض رفع الضرر، وليس ذلك من
التسعير، ولذا تركه الأكثر فما عن بعضهم من عدم جواز ذلك، أيضا
للاطلاق وصحيح ابن سنان (3) (عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
في تجار قدموا أرضا اشتركوا على أن لا يبيعوا بيعهم إلا بما أحبوا قال:
لا بأس) وقوله في خبر حذيفة (4) (فبعه كيف شئت) واضح الضعف
ضرورة تقييد الاطلاق بما عرفت، مما هو أقوى منه وخروج الصحيح
عما نحن فيه، والإذن بالبيع كيف يشاء محمول على ما هو الغالب من
عدم اقتراح المجحف، كما أن ما عن المفيد من أن للسلطان أن يسعرها
على ما يراه من المصلحة ولا يسعرها بما يخسر أربابها فيها، وهو الذي
أشار إليه المصنف بقوله (وقيل يسعر) واضح الضعف أيضا، بعد الإحاطة
بما ذكرنا (و) منه يعلم أن (الأول أظهر) مع التقييد الذي قدمناه
اللهم إلا أن يريد مع الامتناع عن التسعير، فإن المتجه حينئذ قيام

(1) الوسائل الباب 30 من أبواب آداب التجارة
(2) الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4
(3) الوسائل الباب 26 من أبواب آداب التجارة الحديث 2
(4) الوسائل الباب 29 من أبواب آداب التجارة الحديث 1
486

الحاكم مثلا مقامه في ذلك، إن لم يمكن جبره عليه أو مطلقا وكذا
لو طلب حبسا من الثمن لا وجود له امتحانا، وكذا لو قال لا
أبيعه إلا لموسر يشتريه مني جملة، ويدفع الثمن إلي قبل أن يبيع
ولم يوجد شخص هكذا إلى غير ذلك مما ينافي حكمة الجبر وفائدته،
وينبغي تقديم شديد الحاجة على غيره في البيع، بل قد يجب مع
الاضطرار، وإن صح البيع مع المخالفة، ولو كان المحتكر مجتهد
أجبره المجتهد الأخر، وإن كان مفضولا فإن لم يكن فعدول
مقلديه فضلا عن مقلدي غيره، والله هو العالم
بحقيقة أحكامه، تم المجلد الأول من
العقود بعون الله الرؤف الودود ويتلوه
المجلد الثاني في الخيارات
انشاء الله الموفق
للخيرات
487

تم الجزء الثاني والعشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله ومنه
المشتمل على أحكام المتعلقة بمكاسب المحرمة والبيع والشراء وآداب
التجارة وقد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه ومقابلته للنسخة
الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف نور الله
ضريحه وقد خرج بعون الله ولطفه خاليا من
الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر
ويتلوه الجزء الثالث والعشرون
في الخيارات إن
شاء الله
تعالى
علي الآخوندي
488